You are on page 1of 199

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫‪ -‬صحيح سنن الترمذي ج ‪ ،2985-2/2260‬وقال اللباني حسن صحيح‪.‬‬


‫وحسنه الترمذي في ج ‪) 5/2819‬أحمد محمد شاكر(‪.‬‬
‫‪ -‬المسند ‪ 4‬برقم ‪ 19877‬د‪.‬سمير طه المجذوب‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح أبي داؤود ج ‪ ،4063-2/3428‬وفي صحيح النسائي ‪.5223/4819‬‬
‫‪ -‬ضعفه اللباني في ضعيف أبي داود )‪ ،(1935-319‬وضعيف بن ماجه ‪-706‬‬
‫‪.3274‬‬
‫‪ -‬البخاري ج ‪ 1‬الوضوء برقم ‪ 152‬ومسلم ج ‪ 1‬كتاب الطهارة )‪267-63‬‬
‫وكلهما عن أبي قتادة عن أبيه‪.‬‬
‫‪ -‬أبو داود ‪ ،2/363‬صحيح أبي داود ‪ .2/3165‬باب الشرب من ثلمة القدح –‬
‫الصحيحة ‪.287‬‬
‫‪ -‬متفق عليه البخاري‪ ،‬ج ‪ 1‬الوضوء برقم ‪ 213‬ومسلم ج ‪ 1‬كتاب الطهارة‬
‫‪.292 – 111‬‬
‫‪ -‬ابن ماجه ‪ ،1/127‬قال اللباني صحيح‪ ،‬أنظر صحيح بن ماجه ج ‪ 1‬برقم‬
‫‪ ، 355-285‬صحيح أبي داود ‪ 34‬المشكاة ‪ ،369‬الروض ‪.756‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫النظام القتصادي في الحضارة السلمية‬


‫مفكرة السلم ‪ :‬جاء السلم بدعوة خاتمة لكل الرسالت والدعوات‪ ,‬ونزل‬
‫القرآن مصدًقا لما بين يديه من الكتب السابقة ومهيمًنا عليها‪ ,‬وجاء الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم كخاتم المرسلين بالرسالة العالمية الجديدة للبشر‬
‫كافة والعالمين أجمعين‪ ،‬لذلك فقد اقتضت عالمية الرسالة الخاتمة أن تكون‬
‫جامعة مانعة جامعة لها خير يحتاج إليه النسان في دنياه وأخراه‪ ,‬ومانعة لها‬
‫ما يؤذيه ويكدر صفو حياته ويعطل سيره لخراه‪ ,‬فجاء السلم بدعوة دين‬
‫ودولة ودعوة حياة اجتماعية وسياسية واقتصادية وفكرية ووضع أسس‬
‫العقيدة النقية ونظم العلقات على كل المستويات لتنتج لنا في النهاية‬
‫ما متميًزا في كل شئ عقدًيا وسلوكًيا وأخلقًيا واجتماعًيا‬‫مجتمًعا مسل ً‬
‫واقتصادًيا وفكرًيا وحضارًيا‪.‬‬
‫ومن أبرز ما تميزت به الحضارة السلمية والتي تمثل تفاعل كافة القيم‬
‫والتعاليم السلمية مع المجتمع البشري هي تلك النظم التي قامت عليها تلك‬
‫الحضارة السلمية والتي شملت أمور الحكم والدارة والسلم والحب‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والجتماع والقتصاد وكل ما يتصل بتنظيم أمور الدولة المسلمة التي هي‬
‫المحتوي العلمي لقيم الحضارة السلمية‪ ,‬وحديثنا في هذا المقام عن النظام‬
‫القتصادي في الحضارة السلمية‪.‬‬
‫* بيت المال 'وزارة المالية'‪:‬‬
‫تعتبر الحضارة السلمية الرائدة في مجال تنظيم الموال القتصادية‬
‫والموارد المالية للمة السلمية وعرفت البشرية أول وزارة للمالية على‬
‫نفس النمط الذي يسود الن في أرقى الدول المتحضرة وهذه الوزارة‬
‫الرائدة كانت 'بيت المال'‪ ,‬ويعتبر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه أول من أنشأ بيت المال بسبب الفتوحات العظيمة التي تمت في عهده‬
‫والخيرات التي تدفقت على الدولة المسلمة‪ ,‬فقد روى ابن سعد في طبقاته‬
‫أن أبا هريرة قدم على عمر من البحرين فلقيه في صلة العشاء الخرة‬
‫فسلم عليه ثم سأله عن الناس ثم قال لبي هريرة‪ :‬ماذا جئت به؟ قلت‪:‬‬
‫جئت بخمسمائة ألف درهم‪ ,‬قال‪ :‬ماذا تقول؟ قلت‪ :‬مائة ألف‪ ،‬مائة ألف‪،‬‬
‫سا‪ ،‬فقال عمر‪ ،‬إنك ناعس فارجع إلى أهلك فنم‪,‬‬ ‫مائة ألف حتى عددت خم ً‬
‫فإذا أصبحت فأتني‪ ،‬قال أبو هريرة‪ :‬فغدوت إليه فقال‪ :‬ماذا جئت به؟ قلت‪:‬‬
‫جئت بخمسمائة ألف درهم‪ ,‬قال عمر‪' :‬أطيب' قلت‪ :‬نعم ل أعلم إل ذلك‪،‬‬
‫دا‬
‫فقال عمر للناس‪ :‬إنه قد قدم علينا مال كثير‪ ,‬فإن شئتم أن نعده لكم ع ً‬
‫ل‪ ،‬ونشأت من يومها فكرة بيت المال‪.‬‬ ‫وإن شئتم أن نكيله لكم كي ً‬
‫صا بموارد‬
‫ولقد أنشأ عمر بيت المال الفرعي في كل ولية يكون خا ً‬
‫ومصارف تلك الولية وما يزيد يرد على بيت المال العام أو المركز الرئيس‬
‫بالمدينة‪ ,‬وجعل له أميًنا مستقل ً في عمله عن الوالي وعن القاضي وهو ما‬
‫عرفه العالم بعد ذلك باسم 'مبدأ فصل السلطات'‪.‬‬
‫وتعالوا سوًيا نقترب من بيت مال المسلمين لنتعرف على موارد ومصارف‬
‫هذا البيت والذي يمثل للنظام القتصادي للدولة السلمية‪ ،‬وما يوضح عظمة‬
‫الحضارة السلمية وريادتها في هذا المجال وغيره‪.‬‬
‫موارد بيت المال‪:‬‬
‫تنقسم موارد بيت المال في الدولة المسلمة إلى عدة موارد ومصادر تحت‬
‫القاعدة الصولية العامة ]إن الصل في الموال الحرمة وما أبيح أخذه يكون‬
‫بنص[‪.‬‬
‫وهي القاعدة المستفادة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫خطبة الوداع ]]إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ‪ [[...‬وهذه‬
‫الموارد كما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬الزكاة‪ :‬وهي ركن من أركان السلم وفريضة محكمة وثابتة إلى‬ ‫]‪ [1‬أو ً‬
‫قيام الساعة وهي مقدار معلوم من مال الغنياء يرد إلى إخوانهم الفقراء‬
‫وهي أرقى صور التكافل والتراحم الجتماعي والذي ل يعرف نظيره في أي‬
‫مجتمع من المجتمعات السابقة أو اللحقة‪ ،‬والمال الواجب فيه الزكاة‪ ،‬أربعة‬
‫أقسام‪ [1] ،‬زكاة النقد ]‪ [2‬زكاة السوائم والنعام والماشية ]‪ [3‬زكاة الزروع‬
‫والثمار ]‪ [4‬زكاة الركاز والمعادن‪.‬‬
‫وهذا المورد من موارد بيت مال الدولة المسلمة يتميز عن باقي الموارد‬
‫بتحديد مصارفه وأوجه إنفاقه وهي المذكورة في الية رقم ‪ 60‬من سورة‬
‫التوبة‪.‬‬
‫]‪ [2‬ثانًيا‪ :‬الخراج‪ :‬لما فتح المسلمون بلد العراق وأزالوا دولة الفرس‬
‫المجوس منها وأيضا فتحوا الشام والجزيرة وطردوا الروم منها طلب كثير‬
‫من كبار الصحابة من الخليفة عمر بن الخطاب أن يقسم الرض المفتوحة‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الفاتحين والمجاهدين كما قسم عليها الغنائم المنقولة من سلح ومتاع‬
‫ولكن عمر رأى أن تكون الرض المفتوحة فيًئا لعموم المسلمين على مر‬
‫العصور‪ ,‬واستند في رأيه على آيات الفيء الموجودة في سورة الحشر‪ ,‬وأية‬
‫الفيء هذه لعموم المسلمين حتى في العصور القادمة‪ ،‬وألح عليه الصحابة‬
‫في تقسيم الرض ولكنه أبى وأيده في رأيه عبد الرحمن بن عوف وشرح‬
‫الله عز وجل صدر الفاروق لهذا الرأي الذي كان فيه الفلح والصلح للمة‬
‫المسلمة‪ ،‬وجعل عمر هذا الرض عليها مقدار معين من المال تدفعه كل عام‬
‫وهو ما عرف بالخراج‪ ،‬والرض الخراجية تنقسم إلى نوعين هما‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪1‬ـ الراضي التي فتحت عنوة وبقى عليها أهلها دون أن يدخلوا في السلم‪،‬‬
‫يفلحونها لحاجة الدولة لخبراتهم على أن يدفعوا خراجها وينتفعوا بالباقي‬
‫مقابل عملهم في الرض‪.‬‬
‫حا واتفق المسلمون مع أهلها على أداء خراجها‬ ‫‪2‬ـ الراضي التي فتحت صل ً‬
‫مقابل أن تبقي في أيديهم يتوارثونها طالما يدفعون خراجها ول يستطيع أحد‬
‫أن يأخذها‪.‬‬
‫وكان الخراج أحياًنا في صورة مال أو حاصلت زراعية وكان يجبى بعد‬
‫الحصاد‪ ,‬وحوُله شمسي ل قمري لرتباط الزراعة بالنظام الشمسي‬
‫والفصول الربعة‪.‬‬
‫مع ملحظة حقيقة هامة تضمن استمرارية الخراج كمصدر هام من مصادر‬
‫دا حتى‬ ‫الموال في الدولة المسلمة وهي أن الخراج ل يسقط عن الرض أب ً‬
‫ولو أسلم أصحابها‪ ،‬ويعتبر كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف صاحب أبي‬
‫حنيفة من أفضل وأول ما كتب في مصادر بيت مال الدولة ومصارفه كتبه‬
‫بناًء على طلب الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي أراد ضبط المور‬
‫المالية في خلفته‪.‬‬
‫كيف تعامل عمر مع أرض الخراج؟‬
‫ً‬
‫لما اتضح لعمر رأيه في الرض المغنومة أرسل من قبله رجال لمسح أرض‬
‫السواد 'بالصراق' فبلغت مساحتها ‪ 26‬مليون جريب‪ ،‬والجريب مساحته تقدر‬
‫بألف ومائتان متر‪ ،‬أي أن كل ‪ 3,5‬جريب يوازي فدان زراعي الن‪ ،‬وجعل‬
‫عمر على كل جريب مقداًرا معيًنا من الدراهم يختلف من جريب لخر حسب‬
‫طبيعة الزراعة أو الثمار والزروع‪ ,‬فالكرم والنخل تختلف عن القمح‪ ,‬والشعير‬
‫عن القطن عن القصب وهكذا‪ ,‬وبلغت قيمة خراج أرض السواد قبل وفاة‬
‫عمر بعام واحد مائة مليون درهم‪.‬‬
‫وقد بقي لنا من عهد المأمون العباسي أثر تاريخ هام يدل على مقدار الجباية‬
‫الخراجية من جميع القاليم‪ ,‬وقد ذكره ابن خلدون في مقدمته نقل ً عن كتاب‬
‫جراب الدولة ولما في ذلك الثر من الفائدة والتوضيح نذكره كما هو‪:‬‬
‫القليم الخراج النقدي الخراج العيني‬
‫‪1‬ـ أرض السواد ‪ 27800000‬درهم ‪ 200‬ثوب‬
‫‪2‬ـ كسكر ‪ 11600000‬درهم ‪ 240‬رطل ً من التين‬
‫‪3‬ـ كور دجلة ‪ 20800000‬درهم‬
‫‪4‬ـ حلوان ‪ 4800000‬درهم‬
‫‪5‬ـ الهواز ‪ 30 25000000‬ألف زجاجة ماء ورد‪ 30000 /‬رطل سكر‬
‫‪6‬ـ فارس ‪ 30200 27000000‬رطل زيت‪ 20000 /‬رطل تمر‪ 500 /‬ثوب‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪7‬ـ كرمان ‪4200000‬‬


‫‪8‬ـ مكران ‪ 150 400000‬رطل عود هندي‬
‫‪9‬ـ السندوماييه ‪ 200 12500000‬ثوب‬
‫‪10‬ـ سجستان ‪ 4000000‬ألفان نقرة فضة‪ 40000 /‬برذون‪ 1000 /‬رأس‬
‫رقيق‬
‫‪11‬ـ خراسان ‪ 20000 28000000‬ثوب‬
‫‪12‬ـ جرجان ‪ 30000 12000000‬رطل أهليلج ونوع من الفاكهة‬
‫‪13‬ـ قومي ‪ 1000 1000000‬ثوب حريري‬
‫‪14‬ـ الرويان ودنباوند ‪ 250 6300000‬كساء‪ 500 /‬ثوب‪ 300 /‬منديل‪/‬‬
‫‪ 3000‬إناء فضة‬
‫‪15‬ـ الري ‪ 20000 12000000‬رطل عسل‬
‫‪16‬ـ همذان ‪ 1000 11300000‬رطل رمان ‪ 12000 /‬رطل عسل‬
‫‪17‬ـ البصرة ‪ /‬الكوفة ‪10700000‬‬
‫‪18‬ـ ماسبذان والريان ‪4000000‬‬
‫‪19‬ـ شهررؤر ‪6700000‬‬
‫‪20‬ـ الموصل ‪ 20000 24000000‬رطل عسل‬
‫‪21‬ـ الجزيرة ‪ 1000 34000000‬رأس رقيق‪ 12000 /‬زق عسل‪ 10 /‬صقور‬
‫‪22‬ـ أرمينية ‪13000000‬‬
‫‪23‬ـ برقة ‪1000000‬‬
‫‪24‬ـ أفريقية 'تونس' ‪13000000‬‬
‫‪25‬ـ قنرين ‪ 4000000‬دينار‬
‫‪26‬ـ دمشق ‪ 420000‬دينار‬
‫‪27‬ـ الردن ‪ 97000‬دينار‬
‫‪28‬ـ فلسطين ‪ 310000‬دينار‬
‫‪29‬ـ مصر ‪ 1920000‬دينار‬
‫‪ 30‬اليمن ‪ 370000‬دينار‬
‫‪31‬ـ الحجاز ‪ 3000000‬دينار‬
‫فيكون بهذا الثر دخل الدولة السلمية من الخراج فقط كمورد من موارد‬
‫الدولة يبلغ ‪ 31960000‬درهم ‪ 3817000‬دينار هذا غير العروض الخرى‬
‫المذكورة والتي لو قومت لبلغت مبلًغا كبيًرا كل ذلك يرد إلى بيت مال‬
‫المسلمين ببغداد‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العشور‪:‬‬
‫ضا خراجية بل هناك‬‫ليست كل أراضي الدولة السلمية المفتوحة تعتبر أر ً‬
‫نوع آخر من الراضي ل يفرض عليها الخراج وهي التي يفرض عليها عشر‬
‫غلتها واسمها الرض العشرية وهي ثلثة أنواع‪:‬‬
‫أـ الرض التي أسلم أهلها وهم عليها من غير قتال ول حرب‪.‬‬
‫ب ـ الرض التي لم يعرف لها صاحب ووزعت على الفاتحين بإذن المام‪.‬‬
‫ج ـ الرض البور أو الموات التي فتحها المسلمون وقاموا باستصلحها‪.‬‬
‫ويلحظ أنه ل يجوز تحويل الرض العشرية إلى أرض خراج كما ل يجوز‬
‫تحويل أرض الخراج إلى أرض عشرية‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬الجزية‪:‬‬
‫تأمر شريعة السلم السمحة النقية أنه إذا أراد المسلمون غزو بلد وجب‬
‫عليهم أول ً دعوة أهله إلى الدخول في السلم فإذا لم يسلموا يبقون على‬
‫دينهم ويدفعون الجزية مقابل دفاع المسلمين عنهم ورد العدوان عن بلدهم‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتمتعهم بجميع حرياتهم‪ ,‬وهي تقابل الزكاة المفروضة على المسلمين وتتبين‬
‫لنا عظمة هذا الدين القويم في أن الجزية ل تؤخذ إل من الرجال دون النساء‬
‫والصبيان ول تؤخذ من مسكين ول من أعمى ول من مقعد ل مال له ول من‬
‫راهب ول من شيخ كبير ل يستطيع العمل ول من المرضى الزمنى‪ ,‬وليس‬
‫ضا عظمة هذا الدين في أن‬
‫في أموال أهل ذمة المسلمين زكاة‪ ،‬وتتضح أي ً‬
‫مقدارها يختلف من حالة لخرى حسب يسر الدافع‪ ,‬وقد ذكر أبو يوسف في‬
‫ما على الموسرين‪ ،‬و ‪ 24‬على المتورطين‪ ،‬و‬ ‫كتابه الخراج ثلثة فئات ‪ 58‬دره ً‬
‫‪ 12‬على العمال‪ ،‬والجزية ل تسقط عن الذمي إل في حالة واحدة وهي‬
‫إسلمه 'بخلف الخراج'‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وليست الجزية من مستحدثات السلم فلقد عرفتها المم السابقة‪ ,‬فلقد‬


‫فرض اليونان القدامى على سكان سواحل آسيا الصغرى في القرن الخامس‬
‫قبل الميلد ضريبة أشبه بالجزية مقابل حمايتهم من هجمات الفينيقيين كما‬
‫فرضها الروم على الشعوب التي أخضعوها لحكمهم وتبعهم الفرس‪ ،‬وكانت‬
‫الجزية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق على أهل‬
‫الكتابين اليهود والنصارى‪ ,‬فلما كان عهد عمر بن الخطاب ألحق بهما‬
‫المجوس عمل ً بشدة عبد الرحمن بن عوف‪ ,‬فلما كان عهد المأمون العباسي‬
‫ألحق بهم 'الصابئة'‪.‬‬
‫سا‪ :‬الغنائم‪:‬‬‫خام ً‬
‫وهي بحل ما غنمه المسلمون في حربهم ضد الكفار والمشركين من غير‬
‫الملة‪ ,‬وقد أباحها الله عز وجل لهذه المة لما رأى ضعفها وقصر أعمارها‬
‫وكثرة أعدائها وهي من خصوصيات هذه المة الخاتمة ولم تكن لمة ول نبي‬
‫من قبل‪ ,‬وهذه الغنائم عبارة عن المتاع والسلح والخيل والموال المنقولة‬
‫من ذهب وفضة وغير ذلك ول يستثنى إل الرض عمل ً بمذهب عمر بن‬
‫فا لعموم المسلمين‪.‬‬‫الخطاب رضي الله عنه في جعلها وق ً‬
‫والغنائم ل يدخل منها في بيت المال إل الخمس أما باقي الخماس الربعة‬
‫فتوزع على المجاهدين سواء كانوا من الجند النظاميين أو من المتطوعين‪،‬‬
‫أما مصرف الخمس فهو مذكور في قوله عز وجل في الية رقم ‪ 41‬من‬
‫سورة النفال كما يلي‪:‬‬
‫]‪ [1‬سهم للرسول صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وأزواجه وفي‬
‫صالح المسلمين‪ ,‬وقد أسقط أبو بكر هذا السهم بعد وفاة النبي ]‪ [2‬سهم ذي‬
‫القربى وهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بنى هاشم وبني عبد‬
‫ضا هذا السهم ]‪ [3‬سهم لليتامى ]‪ [4‬سهم‬ ‫المطلب وقد أسقط أبو بكر أي ً‬
‫للمساكين ]‪ [5‬سهم لبناء السبيل‪ ،‬وعندما جاء عمر اتفق مع الصحابة على‬
‫جعل سهم الرسول وسهم قرابته في الكراع والسلح ومصالح المسلمين‬
‫وهذا ما عليه الراجح من أقوال أهل العلم‪.‬‬
‫سا‪ :‬عشور التجارة‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫ولم تكن عشور التجارة من الموارد التي ذكرها القرآن الكريم ولكنها أحدثت‬
‫ضا وسبب ذلك أن أبا موسى‬ ‫في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أي ً‬
‫الشعري كتب إليه أن تجارا ً من قبلنا من المسلمين يأتون أرض الحرب‬
‫فيأخذون منهم العشر ـ ويعني أرض الحرب كل أرض أهلها غير مسلمين ـ‬
‫فكتب إليهم عمر‪ :‬وخذ أنت منهم كما يأخذون من تجار المسلمين‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وروي أن أهل مدينة 'مبنج' وكانوا نصارى في شمال الجزيرة كتبوا إلى عمر‬
‫بن الخطاب يقولون‪ :‬دعنا ندخل أرضك تجارا ً وتعشرنا‪ ,‬فشاور عمر الصحابة‬
‫في ذلك فوافقوا فأصبحت سنة ماضية‪ ,‬وإذا كان القادم بالتجارة من‬
‫المسلمين فُيسأل هل أدى زكاة هذه التجارة أم ل؟ ويقبل يمينه على ذلك‪,‬‬
‫ما عن صورة الجمارك المفروضة اليوم‬ ‫وهكذا نرى أن العشور تختلف تما ً‬
‫ما أو غير مسلم‪.‬‬‫على كل ما يأتي من الخارج سواء كان التاجر مسل ً‬
‫هذا بالنسبة بموارد بيت مال المسلمين أو ما يطلق عليه في الصورة الحديثة‬
‫بند 'اليرادات'‪ ،‬أما بالنسبة للمصروفات أو مصارف بيت المال فهي كالتي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أرزاق الولة والقضاة وموظفو الدولة والعمال في المصلحة العامة ومن‬ ‫أو ً‬
‫هؤلء أمير المؤمنين أو الخليفة نفسه‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬رواتب الجند والعسكر‪ ,‬ولم يكن هناك في حياة النبي صلى الله عليه‬
‫دا ولم يكن هناك جيش‬ ‫وسلم مرتبات معينة للجند لن الجميع كانوا جنو ً‬
‫نظامي بالمعنى المعروف وكان الجميع يأخذ من أربعة أخماس الغنائم‬
‫والخراج ولما ولي أبو بكر ساوى بين الناس في العطيات فلما جاء عمر بن‬
‫الخطاب قسم العطاء مفضل ً السبق فالسبق وعلى هذه القاعدة كانت‬
‫المرتبات كالتي‪:‬‬
‫‪ 12000‬درهم لزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولعمه العباس‪5000 /‬‬
‫درهم لهل بدر وألحق بهم الحسن والحسين‪ 4000 ،‬درهم لمن كان إسلمه‬
‫كأهل بدر ولكن لم يشهدها وألحق بهم أسامة بن زيد‪ 3000 /‬لعبد الله بن‬
‫عمر وبعض أبناء المهاجرين والنصار كعمر بن أبي سلمة‪ 2000 /‬درهم لبناء‬
‫المهاجرين والنصار‪ 800 /‬درهم لهل مكة ‪ 400/300‬لسائر الناس‪600 /‬‬
‫إلى ‪ 200‬لنساء المهاجرين والنصار‪ 9000 /‬لمراء الجيوش والقراء‪ ،‬وهكذا‬
‫كان الحال‪ ,‬فلما كثر الناس عن حاجة الغزو والجهاد ولدواعي قيام الحضارة‬
‫العمرانية اشتغل كثير من المة بغير الجهاد من الصنائع فلجأت الدولة‬
‫للجيش النظامي وأصبح هناك دواوين خاصة بالجند ينالون منها الرواتب‬
‫الخاصة بهم على رأس كل سنة‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬تجهيز الجيوش وآلت القتال من سلح وذخائر وخيل وما يقوم مقامهما‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬إقامة المشروعات العامة من جسور وسدود وتمهيد الطرق والمباني‬
‫العامة ودور الستراحة والمساجد‪.‬‬
‫سا‪ :‬مصروفات المؤسسات الجتماعية مثل المستشفيات والسجون وغير‬ ‫خام ً‬
‫ذلك من مرافق الدولة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫سا‪ :‬توزيع الرزاق على الفقراء واليتامى والرامل وكل من ل عائلة له‪,‬‬ ‫ساد ً‬
‫فالدولة تعوله وتكفله‪ ,‬ومن العرض السابق يتضح لنا النظام القتصادي‬
‫دا قبل‬
‫الدقيق الذي ابتكرته الحضارة السلمية في خطواتها الولى ومبكًرا ج ً‬
‫أي حضارة أخرى سابقة أو حتى لحقة‪ ,‬فهي صاحبة السبق في تنظيم‬
‫الموارد والمصارف المالية الخاصة بالدولة‪ ،‬ويبقى بعد هذه الموارد‬
‫والمصارف كلها أنه قد تفاجئ الدولة بكارثة أو مجاعة أو قحط شديد أو وباء‬
‫قاتل‪ ،‬وهنا يكون ندب الغنياء من المسلمين من غير إكراه للصدقة والعطاء‬
‫لنقاذ جمهور المسلمين كما فعل عثمان بن عفان مع المجاعة في عهد أبي‬
‫بكر الصديق عندما تصدق بأموال طائلة لنجدة المسلمين وكما فعل عبد‬
‫الرحمن بن عوف أيام عمر بن الخطاب وأمثال ذلك كثير عبر التاريخ‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمي مما يضمن استمرارية تدفق الموال على خزينة الدولة دون إكراه‬
‫أو مصادرة أو إجبار‪.‬‬
‫ما‬
‫وهكذا نرى أن المنظومة القتصادية في الحضارة السلمية كانت تمثل معل ً‬
‫بارًزا من معالم تلك الحضارة ضمنت لتلك الحضارة وتلك الدولة المسلمة‬
‫ضا الشفافية في التعامل‬
‫الستقللية والستمرارية والتوسع والنتشار وأي ً‬
‫والحرية في اتخاذ قراراتها فإن الدولة متى اعتمدت على غيرها في‬
‫المساعدات والقروض فقد تخلف طواعية عن سيادتها واستقلليتها لصالح‬
‫من تأخذ منه الموال وهذا وقع بالفعل لكثير من بلد المسلمين الن وهذا‬
‫رغم تراثهم العظيم والحافل من رصيد التجربة في الحضارة السلمي‬

‫)‪(4 /‬‬

‫النظام العالمي والعدالة الجتماعّية "المساواة" )‪(1/2‬‬


‫د‪.‬عبدالله بن هادي القحطاني * ‪4/6/1426‬‬
‫‪10/07/2005‬‬
‫إن من المسّلمات التي ل يمكن التنازل عنها لي نظام يصبو إلى العالمّية هو‬
‫تحقيق المساواة بين كافة الشعوب‪ ،‬وكفالة العدالة الجتماعّية لهم‪ .‬ومن‬
‫المؤسف فإن مبدأ المساواة في التعامل مع البشر من خلفيات عرقّية‪،‬‬
‫واجتماعّية‪ ،‬واقتصادّية‪ ،‬وثقافّية مختلفة مفقود في اليديولوجيات المسيطرة‬
‫على العالم‪ ،‬فالهند "أكبر ديموقراطية في العالم" ‪-‬كما يزعمون‪ -‬تعاني‬
‫ي مقيت ‪ُ( (cast system‬يعامل بعض‬ ‫ي اجتماع ّ‬ ‫ولقرون عديدة من نظام طبق ّ‬
‫أفراده كآلهة ) ‪ ( Avatars‬بينما ي ُعَد ّ الخرون‪ ،‬وهم الغالبية الساحقة أقل قدرا ً‬
‫ون بطبقة المنبوذين )‪ (Untouchables‬ليس لهم أية حقوق‪،‬‬ ‫م ْ‬
‫من العبيد‪ ،‬ويس ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعلى الرغم من أن المسلمين ل ُيصنفون دينيا وفقا للهندوسية ضمن هذا‬
‫السلم الجتماعي الظالم‪ ،‬إل أنهم يعاملون في كثير من أرجاء الهند معاملة‬
‫جائرة ظالمة‪ ،‬ناهيك عن البقرة التي يقدسها ويعبدها كثير من الهندوس‪.‬‬
‫وأما النصرانّية التي لم ُيكتب لها أن ُتطّبق كنظام حياة متكامل كما في‬
‫السلم إل أنها تحوي في تعاليمها كثيرا ً من المبادئ العنصرّية‪ ،‬والتي اتخذها‬
‫كثير من أتباعها ذريعة لستعباد الشعوب الخرى واستعمارها‪ .‬وفي الجانب‬
‫الخر‪ ،‬فإن التعاليم التلمودّية التي تقوم عليها اليهودّية الحديثة تعلي من شأن‬
‫اليهودـ وتصفهم بأنهم شعب الله المختار‪ ،‬وأما المم الخرى بما فيهم‬
‫أعوانهم من النصارى‪ ،‬فتصفهم بأنهم أممّيون‪ ،‬ويمكن أن تمتد القائمة لتشمل‬
‫الشيوعّية‪ ،‬ونداءاتها الجوفاء "بأن الناس سواسية"‪ ،‬والتي واقعها أن هناك"‬
‫أناسا ً أكثر سواسية من غيرهم"‪ .‬وأما الرأسمالّية الطاغية بظلمها على العالم‬
‫اليوم فإنها ل تهدف ول حتى على المستوى التنظيري إلى تطبيق المساواة؛‬
‫جع البتزازّية المطلقة‪ ،‬وتقوم على الحتكار الذي يؤدي إلى اتساع‬ ‫لنها تش ّ‬
‫الفجوة بين الغنياء والفقراء‪ ،‬وينعكس ذلك في كافة مناحي الحياة‪ .‬بينما‬
‫الشتراكّية والتي –نظريًا‪ -‬تدعو إلى رْأب الصدع بين الشيوعّية والرأسمالّية‬
‫وبلورة نظمهما في بوتقة جديدة‪ ،‬ما فتئت إل أن تخبطت في حمأة أخطاء‬
‫ذينك النظامين‪ .‬وبهذا لم تنجح في أن تقدم خيارا ً مقبول ً لنظام عالمي جديد‪،‬‬
‫وبهذا فإن السلم يبقى الخيار الوحد لنظام يسير حياة البشرّية‪ .‬فهو يحترم‬
‫حقوق البشر بغض النظر عن اختلفهم‪ ،‬ويعتبرهم أعضاء في أمة عالمّية‬
‫واحدة تحيا في كنف الله في سلم ووئام‪ ،‬وبعد هذه المقدمة العامة فإنني‬
‫سوف أتطرق لتعاليم بعض تلك النظمة بشيء من التفصيل‪ ،‬ومقارنتها‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بتعاليم السلم‪ ،‬فيما يتعلق بالمساواة بين البشر‪ ،‬بغض النظر عن الفوارق‬
‫الجتماعّية والعرقّية وغيرها‪.‬‬
‫‪ -1‬النصرانّية ومبدأ المساواة‪:‬‬
‫فمن خلل استعراضنا لبعض تعاليم النصرانية في كتبها الصلية نقرر في‬
‫كونها نظاما ً يمكن أن تتطلع إليه النسانية ليحقق العدل والمساواة‪ ،‬وخاصة‬
‫أن دستور أكبر دولة نصرانية في العالم قد تأثر كثيرا ً بتعاليم الكتاب المقدس‬
‫عند النصارى‪ ،‬ولتعاليمها تأثير كبير على قادة الوليات المتحدة‪ ،‬ومثال ذلك‬
‫مقولة الرئيس ريجان في خطاب ألقاه خلل فترة الحرب الباردة‪ ،‬قال فيه‪:‬‬
‫" لقد بدأت المور تتضح‪ ،‬ولن تكون بعيدة الن‪ ،‬فإن إزاكل )‪ (1‬يقول بأن‬
‫النار والحمم ستمطر على أعداء شعب الله‪ ،‬وهذا يجب أن يعني أنهم سوف‬
‫ُيدمرون بالسلحة النووية ‪ ..‬جوج المة التي تقود كل قوى الظلم الخرى ضد‬
‫إسرائيل‪ ،‬والتي سوف تأتي من الشمال فإن روسيا هي جوج ‪ ...‬وبما أن‬
‫روسيا قد حاربت الله ‪ ..‬فإنها تنطبق عليها أوصاف جوج وماجوج بدقة‬
‫متناهية ")‪.(2‬‬
‫وفي الحقيقة فإن رسالة عيسى الحقيقية كانت موجهة لشعب بني إسرائيل‬
‫في عهده عليه السلم‪ ،‬ومازالت بقايا ذلك في كتب العهد الجديد عند‬
‫النصارى‪.‬‬
‫) متى ‪5 :10‬ـ ‪(6‬‬
‫فهي إذن ليست رسالة عالمية لكل البشر ولكل الزمنة ‪ ،‬بل محدودة بزمن‬
‫معين ولشعب بعينه ‪ .‬وفي مقطع آخر من العهد الجديد يشير متى إلى حادثة‬
‫مرت بعيسى )عليه السلم ( حسب زعمهم وفيها إجحاف كبير على نبي الله‬
‫أعزه الله وشرفه عما يقولون ‪ ،‬واتهام له بأنه عنصري متحيز ‪ ،‬فهو ل يرى‬
‫أن أحدا ً أهل لدين الله من بني إسرائيل ‪ ،‬ولشك في أن ذلك تجن على نبي‬
‫من أولي العزم كرمه الله بالرسالة ‪ ،‬وجعل ميلده معجزة وآية ‪ ،‬ولكنه دليل‬
‫على أن تعاليم النصرانية الحالية تعاليم متحيزة ول تسمو لتطبيع المساواة‬
‫بين البشرّية‪.‬‬
‫)متى ‪ 21 :15‬ـ ‪. (26‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولشك أن هذه المقاطع من كتاب النصارى المقدس قد ُوضعت لتأكيد‬


‫اصطفاء بني إسرائيل على كافة المم‪ ،‬وبأن ما ينطبق عليهم ل يمكن أن‬
‫ينطبق على غيرهم مع إيماني بأن نبي الله ـ شّرفه الله عما يقولون ـ ليمكن‬
‫أن يتلفظ بمثل هذه الكلمات التي تدل على احتقار الشعوب الخرى‬
‫والنتقاص منهم‪ ،‬وكأنهم ليسوا عبادا ً لله مثلهم‪ .‬ولكنه أيضا ً دليل على أصول‬
‫العنصرّية الحديثة المعتمدة على التعاليم النصرانّية المحرفة‪ .‬والتي مّهدت‬
‫للستعمار والحروب الصليبّية واستعباد الحرار من عباد الله‪.‬‬
‫فهذا السيناتور جون كالهون ) ‪( John Calhoun‬من كارولينا الجنوبّية يقول‬
‫حول أحقّية السود بالعبودّية دون غيرهم‪:‬‬
‫" إن الحرّية عندما ُتعطى لناس ل يستحقونها فبدل أن تكون بركة فإنها‬
‫تكون لعنة ‪ ...‬فإن الله خلقهم عبيدا ً ‪ ..‬وهذا هو وضعهم الطبيعي )‪.(3‬‬
‫ونحن ل يساورنا أدنى شك بأن التعاليم الصلية للنصرانّية كما أتى بها نبي‬
‫الله عيسى بن مريم ـ عليه السلم ـ كانت تعاليم خير وعدل وبركة‪ ،‬ولقد‬
‫بقيت آثار لتلك الشريعة السمحة في بعض كتب النصارى الموجودة‪ ،‬ولكنه‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع السف إندرس كثير منها في ظل التغييرات المتكررة في المجامع‬


‫ددة من "الكتاب المقدس" بينها‬ ‫الكنسية المختلفة‪ ،‬حتى أصبح هناك نسخ متع ّ‬
‫مساحات واسعة من الختلف‪ ،‬حتى غدا الكثير من فرق النصارى وكأنها‬
‫أديان مختلفة تمامًا‪.‬‬
‫‪ -2‬اليهود ومبدأ المساواة بين المم الخرى ‪:‬‬
‫لقد أعطى )‪ (4‬التلمود اليهود مرتبة ل يرقى إليها أحد من شعوب الرض ول‬
‫حتى الملئكة‪ ،‬فاعتبر أن اليهود شعب الله المختار‪ ،‬فاليهود حسب التلمود‬
‫أقرب إلى أن يكونوا آلهة‪ ،‬أما غيرهم من المم فهم " قيوم" غير مؤهلين‬
‫لمرتبة اليهود‪ ،‬بل أقرب من أن يكونوا أقل من البشر‪ ،‬وخطورة هذه الرؤية‬
‫العنصرّية هو أن التلمود يعتبر المرجعّية الولى عند اليهود‪.‬‬
‫وهذا إسرائيل شاحاك )المفكر اليهودي البارز( يقول‪:‬‬
‫" بأن المفهوم التلمودي الرثوذكسي والذي ُيرجع إليه بكثرة في كل الوقات‪،‬‬
‫هو أن الكون مقسم إلى خمسة أقسام‪ :‬الجمادات ‪ ،‬النباتات والخضروات ‪،‬‬
‫الحيوانات ‪ ،‬سائر البشر ‪ ،‬واليهود ‪ .‬وأن الفرق الشاسع بين اليهود وسائر‬
‫البشر مثل البون الشاسع بين البشر والحيوانات " )‪.(5‬‬
‫ولقد بين الكاتب اليهودي المعاصر هرمن ووك) ‪ (Herman Wouk‬في كتابه‬
‫هذا هو إلهي )‪ (This is my God‬بأن‪:‬‬
‫" التلمود يبقى حتى يومنا هذا القلب النابض للدين اليهودي ‪ ،‬فبغض النظر‬
‫عن كوننا أورثوذكس‪ ،‬محافظين‪ ،‬إصلحيين‪ ،‬أو مجرد متعاطفين فنحن نتبع‬
‫تعاليم التلمود‪ ،‬إنه قانوننا"‪.‬‬
‫ومن وجهة نظر اليهود فإن سبب اختيارهم واصطفائهم على سائر المم؛ هو‬
‫أن غير اليهود لم يكونوا حضورا ً عند جبل الطور كما يقول التلمود حيث تم‬
‫تطهير اليهود من الخطيئة الصلية التي يلصقونها بحواء؛‬
‫عندما اقتربت الحية من حواء نفثت فيها الفحش الخبيث ‪ ..‬وعندما وقف بنو‬
‫إسرائيل على سيناء تم تطهير ذلك الفحش‪ ،‬ولكن فحش أولئك الوثنيين‬
‫الذين لم يقفوا على سيناء لم يتوقف‪.‬‬
‫وعلى أية حال فاليهود وفقا ً للتعاليم التلمودّية ل يمكن أن يكون لهم ندا أي‬
‫ً‬
‫من البشر‪ ،‬بل التلمود يتعامل مع غير اليهود وكأنهم ليسوا بشرًا‪ ،‬وهذا قد‬
‫يساهم في تفهم الحقد المقيت الذي يكّنه اليهود للمم الخرى؛ فهذا مقطع‬
‫من التلمود يبين كيف يجب أن تكون العلقة بين اليهود وغيرهم من المم ـ‬
‫الممي )القيوم( ل يمكن أن يكون جارا ً بمعنى تبادل الحقوق والواجبات ‪ ..‬بل‬
‫إن قوانين الممّيين ل ترقى إلى ذلك أبدا ً فل يمكن أن تكون هناك علقة‬
‫مبنية على حقوق مشتركة ‪(Belc 13 b).‬‬
‫وبهذا فالتلمود ل يتورع في أن يبّين حق اليهود في الحكم لصالحهم‪ ،‬وإن‬
‫كانوا جائرين ظالمين لغير اليهود‪ .‬فقانون الكيل بمكيالين أمر مشروع جدا ً‬
‫عندما يكون ذلك في صالحهم وضد أعدائهم من غير اليهود‪ ،‬وقد يساهم هذا‬
‫في تفهم الصلف الصهيوني في التعامل مع الفلسطينيين اليوم‪ ،‬وتجاهلهم‬
‫لقرارات المم المتحدة‪ ،‬فهي بالنسبة لهم منظمة "قيومّية" أممّية يذعنون‬
‫لحكامها عندما تكون لصالحهم فقط ‪ .‬فمنظمة العلقات المريكّية‬
‫السرائيلّية ‪ ((IPAAC‬المعروفة باللوبي الصهيوني الذي يستخدم نفوذه‬
‫المذهل في الضغط من أجل أل ّ تطبق على إسرائيل من خلل مجلس المن‬
‫أو غيره أية عقوبات أو إدانات قوية‪ ،‬وبما أن غالبية الناشطين اليهود في‬
‫أمريكا من الصهاينة‪ ،‬فإن التلمود هو مرجعهم الول في تقنين الظلم والكيل‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمكيالين إن لم يكن بمكاييل كثيرة‪ .‬وهذا المقطع التالي من التلمود يظهر‬


‫غاية الجور وانعدام العدل والمساواة بين اليهود وغيرهم من المم‪،‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عندما تقع مقاضاة بين إسرائيلي ووثني ‪ heathen‬ـ مع العلم أن هذا المصطلح‬
‫ُيطلق على النصارى أيضا ً ـ فإن أمكن الحكم لصالح اليهودي وفق قانون‬
‫إسرائيل فل بأس فأحكم له وقل هذا "شرعنا"‪ ،‬وإن كان بالمكان الحكم‬
‫لصالح اليهودي بقانون الوثنيين فاحكم لليهودي‪ ،‬وقل للوثني"هذا شرعكم" ‪،‬‬
‫وإن لم يكن ممكنا ً الحكم لليهودي بناًء على أي الشرعين فلتجد ذريعة‬
‫للتحايل عليهم ‪(Babakama 113a))(6.‬‬
‫ومن أمثلة احتقار اليهود لغيرهم واعتبار أنفسهم أمة مختارة على سائر‬
‫البشر‪ ،‬أن تلمودهم يتحدث عن سائر المم بأنهم في منزلة منحطة ‪ ،‬ول‬
‫يمكن قبولهم كيهود حتى لو رغبوا ذلك ‪ ،‬فالتلمود يحرم تدريس التوراة لغير‬
‫اليهود ‪.‬‬
‫ووفقا ً للموسوعة اليهودية ‪:‬‬
‫فإن التلمود يحرم تدريس المميين التوراة ) ميراث أبناء يعقوب ( بل إن ر‪.‬‬
‫جوهان يفتي بأن من يفعل ذلك "يستحق القتل " )‪. (7‬‬
‫فبل أدنى شك فإن نظاما ً عنصريا ً بهذه الدرجة ل يمكن أن يتقبله أحد كنظام‬
‫حياة عالمي ينظم حياة كافة البشر ‪ .‬ولهذا فل عجب بعد ذكر هذه‬
‫المقتطفات البسيطة والمحددة من التلمود حينما تستمع لتصريحات القادة‬
‫الصهاينة المتعجرفة والجائرة في عدم احترام حياة وحقوق غير اليهود ‪،‬‬
‫وكأنهم ممنوحون دماًء خاصة ‪ .‬وتعامل ً خاصا ً يميزهم لنهم يهود على سائر‬
‫المم ‪ ،‬فهذا مناحيم بيغن )الرئيس السابق للكيان الصهيوني( يرد بصلف‬
‫وتعجرف على انتقادات واستنكارات الصحفيين والمنصفين بل كافة دول‬
‫العالم حول مذبحة صبرا وشاتيل التي ُقتل فيها المئات من البرياء أطفال ً‬
‫وشيوخا ً ونساًء ‪ ،‬قائل ً ‪:‬‬
‫قيوم "غير اليهود" يقتلون قيوم وتريدون أن تحاسبوا اليهود على ذلك ؟! )‪(8‬‬
‫وما المداهمات الجرامية التي تقوم بها القوات الصهيونية في قتل‬
‫الفلسطينيين وتهجيرهم وهدم بيوتهم وتشريدهم وجرف مزارعهم وأشجارهم‬
‫التي قد تأصلت جذورها في أراضيهم لعشرات السنين قبل احتلل اليهود‬
‫لبلدهم‪ ،‬إل مثال ً حيا ً أمام العالم الذي انعدمت فيه أي مصداقية لحقوق‬
‫المسلمين لتعاليم التلمود العنصرّية‪.‬‬
‫بل إن شارون وتعامل حكومته مع الفلسطينيين بأقصى درجات الرهاب على‬
‫مسمع ومرأى من العالم‪ ،‬ومقتل داعية حقوق النسان المريكية دهسا ً‬
‫بالجرافة أمام أعين الصحفيين والمصورين والعالم كله‪ -‬إل مثال ً لتلك الرؤية‬
‫ذرت في العقلّية الصهيونّية المستشرية للحقد‬ ‫العنصرية الحاقدة التي تج ّ‬
‫والكراهية والظلم ‪ .‬وما اغتيال الشيخ أحمد ياسين ـ الطاعن في السن‬
‫المصاب بشتى العلل والمشلول تماما ً ـ بأمر شارون نفسه رئيس وزراء‬
‫الدولة الديموقراطّية الوحيدة والمحافظة على حقوق النسان في الشرق‬
‫الوسط كما يزعم ـ بدماء باردة بل بكل فخر واعتزاز ودون أي مبالة برد‬
‫فعل واستنكار العالم كله إل دليل آخر على فساد الفطرة‪ ،‬وتأصل نظرة‬
‫الحقد والحتقار لكل ما هو غير يهودي‪ ،‬ومحاولة استغلله وابتزازه بأشرس‬
‫الطرق وأخس الوسائل‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومع هذا قد يقول قائل من محبي السلم واللهثين وراء سراب اليهود‪ :‬إن‬
‫تلك التعاليم آثار قديمة قد ل يكون لها تأثير كبير في واقع الممارسات‬
‫السرائيلّية في واقعنا اليوم‪ .‬فإسرائيل دولة ديموقراطّية‪ ،‬وتلك تعاليم‬
‫عنصرّية راديكالّية‪ ،‬فلنستمع سويا ً لتصريحات رئيس وزراء إسرائيل لما‬
‫سببوه من دمار وقتل يفوق الخيال بغزو لبنان بلد ذا سيادة وحرمة ‪ ..‬فلقد‬
‫رد بيغن بصلف على تساؤلت المريكيين حول المذابح التي ارتكبت قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫ل نشعر نحن بالمسؤولية لتبرير ما نقوم به للخرين ‪ ..‬نحن فقط نبرر ذلك‬
‫لنفسنا )‪. (9‬‬
‫وبمفهوم تلمودي فإن كلماته تعني " أن اليهود أكبر وأعلى من أن ينتقدهم‬
‫القيوم )غير اليهودي( وإن كان سيد نعمتهم وحامي ديارهم وحليفهم الول"‬
‫ومثال آخر على ذلك التفكير العنصري الصهيوني هو ما نشرته صحيفة صن‬
‫داي ‪ ( (Sunday‬حول الحاخام والكيميائي اليهودي )موشيه أنتل مان( ‪Moshe‬‬
‫‪ ((Antelman‬والذي يفخر بأنه استطاع تطوير رصاصة تحتوي على شحم‬
‫الخنزير ولكن لم فعل ذلك؟ تقول الصن داي‪:‬‬
‫ور رصاصة مشبعة بشحم الخنزير‬ ‫إن )أنتل مان( حاخام وكيميائي يهودي ط ّ‬
‫لستخدامها ضد الملتزمين من المسلمين‪ ،‬والذين يؤمنون بأن أي اتصال مع‬
‫الخنزير يفقدهم الفرصة في دخول الجنة‪ ،‬حسب زعمه ‪ ..‬ولقد قدم هذا‬
‫الحاخام "الطيب" اختراعه هدية لمستوطني الضفة الغربية‪ ،‬وبأمل أن يحصل‬
‫على اهتمام البنتاغون في الستفادة من هذا الختراع الخنزيري العسكري )‬
‫‪.(10‬‬
‫وهذا مثال آخر سقناه عن كيف ينظر النخبة من اليهود ورجال الدين من‬
‫الحاخامات للمم الخرى من غير اليهود‪.‬‬
‫كما يبين حقيقة اليهودية المعاصرة شاهد من أهلها‪ ،‬أل وهو المفكر السياسي‬
‫العالمي اليهودي المريكي الجنسّية وأستاذ علم اللغة الشهير في معهد‬
‫ماستشوستش للتكنولوجيا‪ ،‬البروفسور نعوم لتسوسكي ‪( Noam) Chomsky‬‬
‫في مقابلة أجراها معه ديفيد بارسا ميان )‪(David Barsamian‬حيث أجاب‬
‫تشوسكي على سؤال وجه له حول نظرة اليهود للناس الخرين فقال‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫"لو نظرت إلى الثقافة اليهودية التقليدية سواء كانت في أوروبا الشرقية‬
‫أوفي شمال أفريقيا ‪ ،‬لوجدت أنها تعد ّ النصارى و غير اليهود وكأنهم‬
‫مخلوقات مختلفة أقل مستوى من اليهود ‪ ...‬ولهذا فعلى سبيل المثال فإنه ل‬
‫ينبغي للطباء اليهود أن يعالجوا غير اليهود إل إذا كان ذلك يعود بالفائدة على‬
‫اليهود‪ ،‬ولهذا فإن موسى بن ميمون " الطبيب اليهودي الشهير" كان يعمل‬
‫لدى السلطان صلح الدين اليوبي لن اليهود سوف يستفيدون من هذا‬
‫العمل وليس العكس )‪.(11‬‬
‫وعندما سئل تشوسكي هل تلك النظرة الدونّية من قبل اليهود جزء من‬
‫تعاليم اليهودّية الصلّية أم جزء من الثقافة اليهودّية الشائعة؟ ‪.‬فقال‪:‬‬
‫إنها في الحلقة ‪ )Halakah‬التعاليم الحاخامية ( ‪ ...‬هناك الكثير من هذا‪ ،‬لقد‬
‫كانوا أقلية مضطهدة ‪ ،‬ولكنهم كانوا عنصريين في نفس الوقت ‪ ،‬فهم‬
‫يصبحون عنصريين عندما يصبحون أغلبية غير مضطهدة )‪. (12‬‬
‫دق‬‫ومما يبرز أهمية إظهار التعاليم والتشريعات العنصرّية اليهودّية هو تش ّ‬
‫كثير من الساسة والعلميين والمثقفين المريكان بأن حضارتنا هي "حضارة‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يهودية ـ نصرانية " )‪ (Judo-Christian‬فإن كانت الحضارة الغربية حسب ما‬


‫ح التعبير(‬
‫يقولون‪ ،‬فإنها بلشك هجين غير متناسق من حضارتين )إن ص ّ‬
‫متناقضتين في ركائزها العقدّية والخلقّية‪ ،‬وإن جمعتهما أساطير ونبوؤات‬
‫توراتّية تفوح منها رائحة العنصرّية والحتقار للمم الخرى‪ ،‬و بدأت طوائف‬
‫نصرانّية متطرفة أكثر من أي وقت مضى تربط مستقبلها السياسي وهيمنتها‬
‫على العالم بإسرائيل وأساطيرها؛ إذ أدخل اليهود كجزء أساسي في‬
‫منظومتها للهيمنة العولمية‪ .‬ومن أولئك من يسمون "بالنصارى الصهاينة أو‬
‫اليمينيين الجدد" ‪ .‬وهم من يحكم أمريكا في الوقت الحاضر‪ ،‬لقد استطاعوا‬
‫السيطرة على حزب الجمهوريين في الوليات المتحدة لما يزيد عن ثلثة‬
‫عقود من الزمن‪ ،‬ولهم امتداد يتزايد في مناطق أخرى من العالم وخاصة‬
‫أوروبا‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫* أ ستاذ مشارك جامعة الملك خالد ‪ -‬أبها‬
‫‪ -1‬أحد الحواريين عند النصارى ‪.‬‬
‫‪Jim Hill and Raud Cheadle's (1996) The Bible Tells Me So. Anchor -2‬‬
‫‪.(Book : New York (P.129‬‬
‫‪.Jim Hill and R. Cheadle, P -3‬‬
‫‪ -4‬عالمية السلم ص ‪ 13‬ترجمة الحاشية رقم‬
‫‪Israel Shahak. “Israeli Apartheid and The Intifada” Race & Class,30 (1) -5‬‬
‫‪. (1988 : 1-12 (P.3‬‬
‫‪The Jewish Encyclopedia .ed.Cyrus Adler, Isidore Singer, New York, -6‬‬
‫‪London: Funk – Wagnalls, 1901-1906, P.620‬‬
‫‪T. Pike, (61) from The Jewish Encyclopedia (p. 623), Sanh. S -7‬‬
‫‪. 9a,Hagigah 13a‬‬
‫‪T. Pike, p. 53 -8‬‬
‫‪T. Pike. P.72. from New York Times, 5 August 1985, p. 1 and National -9‬‬
‫‪Geographic, April 1983, p. 514‬‬
‫‪.Sunday. August 28,1994, p.18 -10‬‬
‫‪David Barsamian and Noam Chomsky. Propaganda and The Public -11‬‬
‫‪Mind. South Press : Cambridge, 2001,p85‬‬
‫‪Barsamian and Chomsky,p.85 -12‬‬
‫النظام العالمي والعدالة الجتماعّية "المساواة" )‪(2/2‬‬
‫د‪.‬عبدالله بن هادي القحطاني * ‪14/6/1426‬‬
‫‪20/07/2005‬‬
‫‪.3‬الهندوسّية ومبدأ المساواة ‪:‬‬
‫ً‬
‫تحوي تعاليم الهندوسّية نظاما ً اجتماعيا ً طبقيا ً دينيا ً صارما ً وجامدا ً يفتقر معه‬
‫إلى أدنى مستويات المساواة والعدالة الجتماعية‪ ،‬وقد أشار إلى ذلك‬
‫المستشرق الفرنسي جوستاف لبون )‪ (Gustave lebone‬في كتابه حضارة‬
‫الهند أن هذا النظام الطبقي العنصري يصنف الناس إلى أربعة طوائف‪:‬‬
‫‪ .1‬البراهما‪ :‬وهم طبقة سدنه المعابد والرهبان‪.‬‬
‫‪ .2‬الكشتريا‪ :‬وهم طبقة الحكام والقادة العسكريين‪.‬‬
‫‪ .3‬الفايزا ياس‪ :‬وهم طبقة التجار والصناع والزراع‪.‬‬
‫‪ .4‬السودراس‪ :‬المنبوذون وهم الطبقة الدنيئة ودورهم حسب التعاليم‬
‫الهندوسية خدمة الطبقات العليا‪ ،‬فهم لم يخلقوا إل لخدمتهم )‪.(1‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكل طبقة من هذه الطبقات عالم خاص بذاته‪ ،‬مختلف تماما ً عن باقي‬
‫الطبقات‪ ،‬فهذا النظام يعكس أسوأ صور التمييز العنصري وعدم المساواة‪،‬‬
‫ولقد جلب هذا النظام الجتماعي الطبقي الجائر أحد مؤسسي الهندوسية‬
‫مانو ‪ ((Manu‬خلل حقبة ازدهار الحضارة البراهمة‪ ،‬ثم أصبح جزءا ً من الديانة‬
‫الهندوكية‪ .‬و يشير جوستاف لوبون إلى بعض تعاليم مانو فيقول‪:‬‬
‫" لقد أعطى هذا القانون للبراهما تمّيزا ً وحصانة ومكانة عالية مما رفع‬
‫درجتهم لتصبح موازية لللهة ‪ ..‬فكل من يولد برهميا ً فهو أفضل المخلوقات‬
‫على الطلق‪ ،‬فهو مالك كل شيء‪.‬ومهمته الساسية هو حماية الشاستراز‬
‫)التعاليم الهندوسية التي تعطي الشرعية لسلطة البراهما(‪ .‬فبينما التعاليم‬
‫الهندوسية تؤكد أن‪" :‬كل ما على الرض ملك للبراهما؛ لنهم العلون بين كل‬
‫المخلوقات‪ ،‬وكل الشياء لهم"‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫أما حال المنبوذين )سودراتر( في الديانة الهندوسية فل يمكن أن يتصوره‬


‫خيال أو يقبل به عقل‪ ،‬فهم حسب تعاليم الشاستراز أقل درجة من البهائم‪.‬‬
‫فل يجوز للسودراتر أن يمتلكوا شيئًا‪ ،‬وحتى لو سنحت لهم الفرصة‪ ،‬ل ينبغي‬
‫لهم فعل ذلك؛ لن ذلك يؤذي البراهما‪ ،‬فل شرف أعظم للسودراز من أن‬
‫يسهروا على خدمة البراهما ‪ ...‬بل إن التعالم الهندوسية توكد بأن "فدية قتل‬
‫كلب أو قط أو ضفدع أو سحلية أو غراب أو بومة وقتل السودراز سواء" ‪.‬‬
‫فليمكن أن يتصور عاقل أن هذا الدين صالح للبشرية؛ فهو يفتقر لدنى‬
‫مسلمات المساواة والعدالة الجتماعية‪ ،‬وقد احتوت الهندوسية نوعا ً جديدا ً‬
‫من التمييز العنصري ضد القلية المسلمة "أكبر أقلية في العالم" )‬
‫‪(120‬مليون نسمة‪" ،‬فلقد تبنت الحزاب الهندوسية المناهضة للمسلمين في‬
‫الهند سياسة تفرقة عنصرية دينية نحو المسلمين‪ .‬إذا استمرت فسوف تهدد‬
‫كيان الهند كدولة تجمع أديانا ً مختلفة ")‪.(2‬‬
‫‪.5‬الرأسمالية ‪:‬‬
‫يقول جورج تشرش )‪ (George Church‬في مقاله سباق التسلح الخر ‪...‬‬
‫أن الرأسمالية قد أصبحت نظام حياة المليين من البشر وهم يسعون‬
‫جاهدين لتشجيع انتشارها والدفاع عنها بحماس شديد‪ .‬وهذا ما حدا بمليين‬
‫البشر للنبهار بالرأسمالية ‪ ،‬ويبدو أن غالبية أولئك قد نسوا عشرات السنين‬
‫من العبودية والمستعمرات المبنية على الجور والتميز العنصري ضد السود‬
‫وغيرهم من القليات‪ ،‬ويبدو أن قليل ً فقط من بين الرأسماليين قد‬
‫استوقفتهم معدلت الجريمة والغتصاب والعتداء على الطفال المتصاعدة‬
‫بالضافة إلى التفرقة العنصرية الظاهرة والمستترة وسوء المعاملة لكبار‬
‫السن والمشردين ‪(3)..‬‬
‫ول يخفى على أحد ما ينتج عن الرأسمالية من جور اقتصادي وخاصة فيما‬
‫يتعلق بالقليات والفئات غير المشاركة في النتاج مثل كبار السن والطفال‪.‬‬
‫ولقد نشأت مشكلت اجتماعية جديدة بسبب التغّيرات الكبيرة التي شهدها‬
‫المجتمع المريكي خلل المئة سنة الماضية؛ فلقد نتج عن هجوم الشركات‬
‫الكبيرة على اقتصاد السر المعتمدة على الزراعة والمجتمعات الزراعية‬
‫الصغيرة مشكلت اجتماعية واقتصادية كان لها تأثير واضح على كبار السن‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن النظام الرأسمالي ‪-‬كمنهج حياة‪ -‬قد حقق مكاسب مادية‬
‫كبيرة لعدد قليل من أفراد المجتمع‪ ،‬إل أن الغالبية قد عانت من أعراضه‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجانبية‪ ،‬ومن بينها كثرة تعداد كبار السن وقلة العناية بهم‪ ،‬وارتفاع عدد‬
‫السر بعائل واحد وغالبا ً ما تكون المرأة‪ ،‬ومشاكل الطفال‪ ،‬والقليات‪ .‬فلقد‬
‫أصبح من المظاهر المعتادة أن كثيرا ً من كبار السن بين المشردين الذين ل‬
‫مأوى لهم في أواسط كبريات المدن المريكية‪ ،‬وقد تنبأ عدد من علماء‬
‫الجتماع المريكيين بأن مشكلة كبار السن سوف تصبح أكثر تفاقما ً في‬
‫المستقبل )‪.(4‬‬
‫وفي الجانب الخر فإن معدلت المواليد في تناقص متزايد‪ ،‬وارتفاع أعداد‬
‫كبار السن دليل على أن مشكلة كبار السن سوف تتفاقم في السنوات‬
‫القليلة‪ .‬لقد كانت نسبة المسنين في الوليات المتحدة خلل عام ‪1900‬م‬
‫‪ %4‬فقط من تعداد المجتمع آنذاك‪ ،‬ومن المتوقع أن يبلغ عدد المسنين عام‬
‫‪2030‬م )‪ 50‬مليون( أي ما يقارب ‪ %17‬من تعداد المجتمع المريكي‪.‬‬
‫فلنتصور حجم المأساة التي يواجهها ما يقارب خمس المجتمع في وقت‬
‫يواجهون فيه أفظع صور اللمبالة والممارسات اللأخلقية من اعتداءات‬
‫ل من قبل الولد‪ ،‬فأي عدالة يحققها هذا النظام‬ ‫وسطو وقتل وتمييز وتخ ّ‬
‫الذي يظلم الطفل والشيخ والمرأة‪ .‬ويحافظ على حقوق القادرين على‬
‫العمل والنتاج فقط‪ .‬وكنتيجة متوقعة للمعاملة الجائرة والتمييز العنصري فإن‬
‫المريكيين من أصول أفريقية "السود"‪ ،‬يواجهون مشاكل مضطردة في‬
‫مجتمع انعدام المساواة‪ .‬وعلى الرغم من أن المريكان البيض في بعض‬
‫طبقاتهم الدنيا يواجهون نفس المشاكل ولكن بنسب متفاوتة‪ .‬فإن ‪ %69‬من‬
‫المواليد السود هم أبناء زنا ‪ .‬وثلثي الطفال السود يعيشون في بيوت ذات‬
‫عائل واحد ) ‪(Single Parent homes‬أي برعاية الم غالبا ً فقط دون وجود أب‪،‬‬
‫أو الب فقط‪ ،‬وهذه الحالة تشكل نسبة ضئيلة جدًا‪ .‬كما أن من المتوقع أن‬
‫ُيودع ‪ %33‬من الولد السود تحت سن السادسة عشر السجن لجرائم‬
‫مختلفة‪ .‬ويوجد أربع من كل عشرة رجال سود إما في السجن أو في مرحلة‬
‫الستئناف أو تحت مراقبة الشرطة الدائمة‪ ،‬وبأسباب تلك الممارسات‬
‫العنصرية بالضافة لعوامل أخرى فإن أعلى معدلت تعاطي المخدرات وترك‬
‫الدراسة والغتصاب تنتشر بين المريكان السود )‪.(5‬‬
‫وبدل ً من بحث السباب لهذه الحصاءات المخيفة‪ ،‬وإيجاد الحلول العادلة فإن‬
‫مرشح الرئاسة السابق والمستشار لثلثة رؤساء في الوليات المتحدة‬
‫المريكية السابقين باتريك بوكانن )‪ (Patrick Buchanan‬يتحدث عن تلك‬
‫الحصاءات بأسلوب اتهامي لطبقة السود المسحوقة ويلومها على ما هي فيه‬
‫من ظلم وفساد )‪.(6‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فلقد واجهت تلك القليات العبودّية والرق وأسوأ أصناف العنف والتمييز‬
‫العنصري‪ ،‬وهي الن تواجه التميز العنصري والتجاهل المؤسساتي غير‬
‫المعلن‪ .‬إن ما يحتاجون إليه هو جهود صادقة ولكن عادلة تزرع المساواة‬
‫وضهم عن قرون من الظلم والقهر والعنصرية‪ ،‬وليس كيل التهم‬ ‫والعدل وتع ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولوم الضحية على ما جنته يد الظالم‪ ،‬وبهذا فإن نظاما جائرا على أهله وفي‬
‫موطنه ليمكن أن يقيم العدل والمساواة بين شعوب الرض‪ ،‬فالدعاوى‬
‫العلمية للحرية والصلح والعدالة الجتماعية إنما هي أساليب ملتوية لفرض‬
‫الهيمنة المريكية الرأسمالية المبريالية على شعوب الرض لسلبها مقدراتها‬
‫وخيراتها بل إنه استعمار جديد والعراق وأفغانستان أكبر شاهد على ذلك‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.6‬السلم والمساواة ‪:‬‬


‫إن من البدهي على كل نظام يدعي العالمية أن يحترم قدرات أتباعه‪ ،‬وأن‬
‫در إنجازاتهم بغض النظر عن أعراقهم وخلفياتهم الجغرافية‪ ،‬أو الجتماعية‬ ‫يق ّ‬
‫أو اللغوية أو غيرها‪ .‬فهو يقّيم الناس حسب ما يستطيعون فعله‪ ،‬ل وفق ما‬
‫جبلوا عليه من صفات خلقية لونا ً كانت أم عرقًا‪ .‬فالناس في نظر السلم‬
‫سواسية أما الختلفات الطبيعية بين الناس فإنها لمقاصد وحكم تتطلب منا‬
‫التدبر والتقدير ل الزدراء والحتقار وسلب الحقوق‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫وان ِك ُ ْ‬
‫م وَأل َ‬ ‫سن َت ِك ُ ْ‬
‫ف أل ِ‬ ‫خِتل ُ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل ْقُ ال ّ‬ ‫ن آَيات ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قال الله ‪) :‬وَ ِ‬
‫ن( ]الروم‪ [22:‬وقال سيد الخلق صلى الله عليه‬ ‫مي َ‬ ‫ْ‬
‫ت ل ِلَعال ِ ِ‬ ‫ك َليا ٍ‬ ‫ِفي ذ َل ِ َ‬
‫وسلم‪" :‬الناس سواسية كأسنان المشط" "ل فرق بين عربي ول عجمي ول‬
‫أحمر ول أسود إل بالتقوى"‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الله ل ينظر إلى صوركم ول إلى أجسامكم‬
‫ولكن ينظر إلى قلوبكم"‪.‬‬
‫فالسلم يرفض كل أشكال الستعلء على الخلق والتكبر والتمييز العنصري‬
‫البغيض الذي ينقص من آدمية النسان وتكريمه الرباني‪.‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫حرِ وََرَزقَناهُ ْ‬ ‫م ِفي ال ْب َّر َوالب َ ْ‬
‫ْ‬ ‫مل َْناهُ ْ‬‫ح َ‬
‫م وَ َ‬ ‫مَنا ب َِني آد َ َ‬ ‫قد ْ ك َّر ْ‬‫قال الله تعالى‪ ):‬وَل َ َ‬
‫ل( ]السراء‪ [70:‬وقال‬ ‫ضي ً‬ ‫ف ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَنا ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م عََلى ك َِثيرٍ ِ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬ ‫ت وَفَ ّ‬ ‫الط ّي َّبا ِ‬
‫شُعوبا ً وَقََبائ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫س إ ِّنا َ‬ ‫سبحانه‪َ):‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫َ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ أت ْ َ‬ ‫ل ِتعارُفوا إ َ‬
‫م‪](...‬الحجرات‪ :‬من الية ‪.[13‬‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ن أك َْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ََ َ‬
‫ولقد أذهلت المساواة كما يدعو إليها وآلياتها العملية والتطبيقية واحدة من‬
‫أكبر شعراء الهند ساروحيني نايدو )‪ (Sarojni Naidu‬حتى عبرت عن هذه‬
‫المساواة بقولها‪:‬‬
‫إن السلم هو الدين الوحيد الذي أرسى وطبق الديموقراطية الحقيقية؛‬
‫فالمساواة السلمية تتجلى كل يوم خمس مرات‪ ،‬عندما ينادى المؤذن‬
‫للصلة فيجتمع المسلمون زرافات ووحدانًا‪ ،‬حينها يقف الحاكم والمحكوم‬
‫جنبا ً إلى جنب ساجدين لله ومرّددين "الله أكبر" لقد أذهلني هذا التضامن‬
‫الحقيقي الذي يجعل النسان أخا ً فطريا ً لخيه النسان‪ ،‬فعندما نقابل مصريا ً‬
‫ل‪ ،‬فمصر مجرد بلد ذاك الشخص وكذلك الهند‬ ‫أو جزائريا ً أو تركيا ً في لندن مث ً‬
‫أو تركيا"‪.‬‬
‫لقد كان المجتمع المسلم منذ ذلك العهد الول يجمع في كنفه كافة أصناف‬
‫الناس يعيشون في وئام ومساواة حقيقية‪ ،‬يعبد بها المسلم نفسه لخالقه‪،‬‬
‫فسلمان منا أهل البيت‪ ،‬و بلل سيدنا‪ ،‬مجتمع تسامت فيه النفوس المؤمنة‬
‫على كل تصنيفات الجاهلية قديمها وحديثها‪ .‬بل إن بعض الرقاء المسلمين‬
‫يفضل الرق على الحرية لما يحصل له من الجر‪ ،‬ولما كفل له هذا الدين من‬
‫حقوق غاية في الرقي والنسانية‪ ،‬إنها قوانين ربانية ثابتة ل تسير وفق هوى‬
‫النسان ومصالحه المتغيرة‪ ،‬بل تشريعات ربانية مطلقة ل تحدها أي حواجز‬
‫نسبية مقيدة‪.‬‬
‫ولقد أذهلت تلك السس العالمية للمساواة بين الخلق في شريعة السلم‬
‫مفكرين وعلماء كثر‪ ،‬فهذا ر‪.‬ل‪.‬ميليما رئيس القسم السلمي في المتحف‬
‫الهولندي بامستردام‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫إن مبدأ الخوة السلمية الذي يضم تحت جناحه كافة البشر بصرف النظر‬
‫عن اللون والجنس ‪..‬هذا المبدأ الذي جعل السلم الدين الوحيد القادر على‬
‫تطبيق الخوة في حيز الواقع ل في المجال النظري فحسب؛ فالمسلمون‬
‫في جميع أنحاء العالم يعرفون أنهم جميعا ً إخوة في الله ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما يقول ليتز‪:‬‬


‫في المساجد ترى المساواة التامة بين المصلين فل يوجد فيها مقاعد خاصة‬
‫بأحد‪ ،‬وأي إمام يمكنه أن يؤم المصلين ول يوجد أبهج من منظر جماعة‬
‫المسلمين يصلون وهم خاشعون صامتون"‬
‫وهذه دييرا بوتر)‪ (Deborah Potter‬تقول‪:‬‬
‫السلم نظام عالمي وديني كوني جاء لجميع الناس في كل العصور‪ ،‬ولم‬
‫يحدث أن أقّر السلم آية تفرقة بسبب الوقت أو الوطن أو الثقافة أو‬
‫الطبقة‪ ،‬فكل مؤمن بالحقيقة مسلم يتمتع بالخوة السلمية مع كافة الناس‬
‫في كل عصر ومصر‪ ,‬هذا هو سر قوة السلم"‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وما تخاُذل المسلمين وظهور بعض الممارسات التي ل يقرها السلم إل‬
‫بسبب انحطاطهم‪ .‬فالسلم ل يحوي في تشريعاته ما يقر أي سوء معاملة أو‬
‫جبلّية جبله الله عليها‪.‬على‬ ‫تمييز ضد أحد للونه أو عرقه أو لغته أو لي صفة ِ‬
‫عكس ما كان المر عليه في أديان ونظم تقر بصفة أو أخرى في قوانينها‬
‫ضل طبقة على طبقة لسباب عنصرية تتنافى مع مبدأ‬ ‫تفرقة عنصرية‪ ،‬أو تف ّ‬
‫المساواة بين البشر على منهج من العدل‪.‬‬
‫فالسلم يبقى شامخا ً دين العدالة الجتماعية والمساواة بين الناس‪ ،‬وهذا‬
‫أحد أهم الخصائص المميزة لهذا الدين العظيم‪ ،‬وقد انجذب إليه بسبب هذا‬
‫المبدأ الساس آلف المهتدين من شتى أصقاع الرض‪ ،‬ومن خلفيات دينية‬
‫وعرقية واجتماعية مختلفة‪ ،‬ليجدوا مكانهم ضمن المنظومة السلمية‬
‫العالمية السمحة من بلل وعمار إلى مالكوم إكس وسراج وهاج ‪.‬‬
‫كل تلك المبادئ السلمية العظيمة للمساواة التي لم تستطع أن تسمو إليها‬
‫أي حضارة إنسانية على مدار التاريخ‪ ،‬نشأت في بيئة مريضة بأدواء العصبيات‬
‫وضروب الضلل في اختلف من العبادات والخرافات‪ .‬فلو جرت السباب‬
‫التي ندركها في مجراها المعهود فالدعوة التي تأتي من قبل هذه البيئة لن‬
‫تدعو إلى إله واحد يتساوى لديه جميع الناس‪ ،‬ولن تمنح النسان حقا ً يتساوى‬
‫فيه جميع الناس‪ ,‬و لكن هذه الدعوة جاءت بهذا وذاك‪ :‬جاءت بالدعوة إلى‬
‫رب العالمين‪ ،‬والى الحق الذي يتساوى فيه أبناء أدم وحواء‪ ،‬وجاءت بذلك‬
‫لن إنسانا ً واحدا ً خلق الله فيه من قوة ما يكافىء تلك العصبيات جميعًا‪،‬‬
‫وتلك الضللت جميعا ويتغلب عليها ويجريها في غير مجراها بعون الله‬
‫وتوفيقه‪ .‬ذلك هو رسول الله ‪.‬‬
‫|‪|2|1‬‬
‫________________________________________‬
‫* أستاذ مشارك جامعة الملك خالد ‪ -‬أبها‬
‫‪Gustave Le Bone. Les Civilization de I’nde, p. 211 -1‬‬
‫‪Khalid Al-Maeena. “Victims of India’s Religious Apartheid.” Arab -2‬‬
‫‪News, Nov. 29, 1994, p. 10‬‬
‫‪.George Church. “The Other Arms Race.” Time, Feb. 6, 1989 -3‬‬
‫‪Sullivan, etal. Social Problems: Divergent Perspectives. (John Wiley & -4‬‬
‫‪.Sons, New York. 1980, p. 340‬‬
‫‪William J. Bennett. Index of Leading Cultural Indicators. New York: -5‬‬
‫‪.Broadway Books, 2000, pp. 50-57‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪Patrick J. Buchanan. The Death of the West. Thomas Dunne Books: New -6‬‬
‫‪.York, 2002, pp. 218-225‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫النظرة العلمّية الجديدة وتأكيد اليمان‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين خليل ‪4/4/1427‬‬
‫‪02/05/2006‬‬
‫دامة للقيم والخلق‬ ‫مّررت أفكار فرويد اله ّ‬ ‫وغ الدراسة العلمية ُ‬‫تحت مس ّ‬
‫غرست مكانها مفاهيم كالصراع‬ ‫والفضيلة والحب والوفاء وطاعة الوالدين‪ ،‬و ُ‬
‫)الوديبي( وعقدة )الكترا(‪ ،‬وجنسية الرضاعة‪ ،‬والمرحلة الشرجية‪ ،‬والقضيبية‬
‫‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫هل الواقعية ومطالب البحث العلمي تعني ضرورة التحلل القيمي والخلقي؟‬
‫أين مفهوم التكريم للنسان‪ ،‬وأفضليته؟ ولو سلمنا جدل ً بصحة افتراضات‬
‫دارون من الناحية العلمية‪ ،‬فإن نظرية فرويد تجعل النسان ـ على العكس ـ‬
‫في حالة نكوص أبدي ‪ ..‬فكيف يكون النتخاب الطبيعي في ظل مفاهيم‬
‫أحادية التفسير للسلوك النساني؟ وهل أن تفسيرات فرويد خالية من البعد‬
‫اليديولوجي والسياسي؟‬
‫حة تفرض نفسها على الذهن ولنبدأ بآخرها ‪ ..‬إن فرويد هو ‪-‬كمعظم‬ ‫أسئلة مل ّ‬
‫المتفوقين في تاريخ الشعب اليهودي‪ -‬رجل ملتزم‪ ،‬شئنا أم أبينا‪ .‬ونتائجه في‬
‫ميدان علم النفس ل تخلو من بعد أيديولوجي أو سياسي‪ ،‬على القل في‬
‫جانبها السلبي الذي يتمحور عند "ضرورة التحلل القيمي والخلقي" وتغييب‬
‫البعد النساني في الممارسات البشرية‪.‬‬
‫إن تحويل النسان إلى " كائن جنسي" لهي مسألة في غاية الخطورة؛ لن‬
‫إمكانات توظيفها واسعة جدا ً ول حدود لها‪ .‬وإذا لم يكن فرويد قد فعل عبر‬
‫معرفته النفسية ومعطياته في مجال التحليل النفسي سوى أن منح هذه‬
‫دة ومضاًء لذبح‬ ‫المقولة شرعيتها العلمية‪ ،‬فإنه قد صاغ أحد أشد ّ السلحة ح ّ‬
‫الخصوم وتدمير بنيتهم‪.‬‬
‫مهما يكن من أمر فإن استنتاجات فرويد هي ‪-‬كمثيلتها في دوائر العلوم‬
‫النسانية‪ -‬مجرد احتمالت ‪ ..‬محاولت للمقاربة ‪ ..‬وليست بحال من الحوال‬
‫حقائق ومسّلمات نهائية ‪ ..‬ومن ثم فإنه ما إن مضى على العلن عنها سوى‬
‫قت من علماء النفس الغربيين‪ ،‬بل من‬ ‫فترة محدودة من الزمن حتى تل ّ‬
‫تلمذة وزملء فرويد أنفسهم‪ ،‬من الطعون ما جعلها تنسحب قليل ً إلى الوراء‬
‫دد على الكلمة‪ -‬أكثر حداثة وإقناعًا‪.‬‬ ‫لكي تخّلي الساحة لنظريات ‪-‬وأش ّ‬
‫إن إحدى مفارقات العلم الغربي في خلفياته النسانية ‪ ..‬ذلك التناقض الحاد ّ‬
‫بين نظريتين مارستا دورا ً خطيرا ً في تكييف الحياة الغربية عبر القرن الخير‬
‫بوجه الخصوص‪ :‬النتخاب الطبيعي لدارون‪ ،‬و)اللبيدو( الفرويدي أو )النا‬
‫السفلى( التي تسحب النسان إلى دهاليز الشبق والملذة وتجعله "خائفا"ً‬
‫أبدا ً و "ناكصًا" إزاء كوابت )النا العليا(‪.‬‬
‫إننا قبالة تضاد على زاوية منفتحة مداها مائة وثمانون درجة ينفي أحد طرفيه‬
‫الخر ‪ ..‬فنحن إما أن نخضع لمنطق النتخاب الطبيعي واصطفاء القوى‪ ،‬أو‬
‫نسّلم بمنطق الهروب والنكوص قبالة تحديات الخبرة الدينية والجتماعية‪.‬‬
‫فبأيهما نأخذ؟ وأيهما يمكن أن يكون"علمًا" يقينيا ً ل يأتيه الباطل من بين يديه‬
‫ول من خلفه؟‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن مطالب البحث العلمي ‪-‬وحتى الواقعية في التعامل مع الظواهر والشياء‪-‬‬


‫ل تتطلب بالضرورة انفصال ً عن القيم‪ ،‬وانفكاكا ً عن اللتزامات الخلقية‪ ،‬كما‬
‫أنها ل تشترط إلغاء الثوابت المتفق عليها لنسانية النسان‪.‬‬
‫إن هذا ل يناقض ذاك أو يتعارض معه‪ ،‬وإنما يمنحه أطرا ً واسعة مرنة قد‬
‫تمنعه ـ من بعيد ـ من النزلق ـ باسم العلم ـ صوب الخرافات والضللت‪.‬‬
‫والذي حدث عبر القرنين الخيرين‪ ،‬واحد من أكثر النزلقات في تاريخ‬
‫النسان حدة وبشاعة ‪ ..‬حينا ً تحت مظلة الداروينية‪ ،‬وحينا ً تحت مظلة‬
‫الفرويدية‪ ،‬وحينا ً ثالثا ً تحت مظلة الوجودية السارترية‪ ،‬وحينا ً رابعا ً تحت مظلة‬
‫الماركسية‪.‬‬
‫وبمرور الوقت أخذت تتضح جملة من الخطاء الحادة التي عادت بعد أن‬
‫ذبحت أجيال ً بكاملها من الوربيين وغير الوربيين‪ ،‬لكي تذبح المنتمين إلى‬
‫هذه النظرية أو تلك‪ ،‬وتدين صنّاعها وأربابها‪ .‬ومن عجب أن الرباب أنفسهم‬
‫ل منها التباع فيما يذكرنا بحواريات‬ ‫تخلوا عن نظرياتهم ـ أحيانا ً ـ قبل أن ينس ّ‬
‫الشيطان وأتباعه في العديد من المقاطع القرآنية‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫حقّ وَوَعَد ْت ُك ْ‬
‫م وَعْد َ ال َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وَعَد َك ُ ْ‬ ‫ي اْل ْ‬
‫مُر إ ِ ّ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬‫ن لَ ّ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫)وََقا َ‬
‫سل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن(‪].‬ابراهيم‪ :‬من الية ‪[22‬‬ ‫طا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ي عَل َي ْك ُ ْ‬‫ن لِ َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫فت ُك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫فَأ ْ‬
‫الحديث يطول ولكني سأقف قليل ً عند بعض الحلقات‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يقول المفكر والديب المجري المعروف )آرثر كوستلر( متحدثا ً عن إحدى‬


‫خبراته أيام كان منتميا ً للحزب الشيوعي اللماني في الثلثينيات‪ :‬كان الدافع‬
‫الجنسي مقررا ً ومعترفا ً به‪ ،‬إل ّ أننا كنا في حيرة بشأنه‪ .‬كان القتصار على‬
‫زوجة واحدة‪ ،‬بل كان نظام السرة كله عندنا أثرا ً من آثار النظام البورجوازي‬
‫مي إل ّ الفردية والنفاق والتجاه إلى اعتزال الصراع‬ ‫ينبغي نبذه؛ لنه ل ين ّ‬
‫ً‬
‫الطبقي‪ ،‬بينما الزواج البورجوازي لم يكن في نظرنا إل شكل من أشكال‬
‫البغاء يحظى برضاء المجتمع وموافقته‪ .‬إل ّ أن السفاح والتصال الجنسي‬
‫العابر كان يعتبر أيضا ً شيئا ً غير مقبول‪ ،‬وكان هذا النوع الخير قد شاع وانتشر‬
‫داخل الحزب سواء في روسيا أو خارجها‪ ،‬إلى أن أعلن لينين تصريحه الشهير‬
‫الذي يهاجم فيه نظرية )كاس الماء( تلك التي تزعم أن العملية الجنسية‬
‫ليست أكثر خطرا ً وأثرا ً من عملية إطفاء العطش بكاس من الماء‪ .‬وكان‬
‫الدكتور )ولهلم رايخ(‪ ،‬وهو رجل ماركسي من أتباع فرويد ‪ ،‬ومؤسس معهد‬
‫)السياسة الجنسية( قد أصدر تحت تأثير )مالينوفسكي( كتابا ً سماه )وظيفة‬
‫الشهوة الجنسية( شرح فيه النظرية التي تزعم أن الخفاق الجنسي يسبب‬
‫تعطيل الوعي السياسي لدى الطبقة العاملة‪ ،‬وأن هذه الطبقة لن تتمكن من‬
‫تحقيق إمكانياتها الثورية ورسالتها التاريخية إل ّ بإطلق الحافز الجنسي دون‬
‫حدود أو قيود‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهو كلم يبدو الن ـ كما يقول كوستلر نفسه ـ أكثر اعوجاجا وسخفا مما كان‬
‫يبدو لنا في ذلك الحين‪.‬‬
‫وهذه النظرية التي يصوغها الدكتور الماركسي ـ الفرويدي‪) :‬رايخ( والتي‬
‫تمثل امتدادا ً ميكانيكيا ً لمقولة ماركس وانغلز في )المنشور الشيوعي(‬
‫المعروف‪ ،‬يجيء لينين الزعيم الماركسي لكي يقلبها رأسا ً على عقب‪ ،‬وهو‬
‫بصدد مهاجمة نظرية )كاس الماء( ‪ ..‬فتأمل!‬
‫من ثم فإننا ل ندهش إذا قرأنا في )حدود العلم( لسوليفان ـ على سبيل‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المثال ـ أن علم النفس ما زال في الوقت الحاضر في مرحلة بدائية جدًا! بل‬
‫إن البعض ينكر وجود أي علم من هذا القبيل!! وأنه ليس هناك بالتأكيد نظام‬
‫من المعارف النفسية الثابتة التي جرى إقرارها بصورة عامة‪ ،‬بل هناك عدد‬
‫من النظريات‪ ،‬لكل منها مجال محدود للتطبيق‪ ،‬وهي تختلف عن بعضها‬
‫اختلفات عميقة حينما تتناول الظاهرة نفسها‪.‬‬
‫فإذا كان لنظريتين في علم النفس رأيان مختلفان تماما ً إزاء ظاهرة من‬
‫الظواهر‪ ،‬فكيف ُيتاح لنا أن نحكم على صدق المنهج النفسي‪ ،‬وعلمّيته ‪،‬‬
‫ويقينّيته؟ فإذا ما تأكد أن إحدى النظريتين مصيبة‪ ،‬بشكل أو آخر‪ ،‬كانت‬
‫الخرى بالتأكيد خاطئة‪ ،‬وليس لنا من ثم أن نعتقد بأن علم النفس يتكئ على‬
‫دعائم ثابتة‪ ،‬كما يحدث في الفيزياء والكيمياء‪ ،‬على الرغم من أن هاتين‬
‫تتعرضان ـ أيضا ً ـ ولكن بنسبة أقل لتغيرات أساسية في صميم مقولتهما‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬إن كل ً من النظريتين النفسيتين تتضمن قدرا ً من الخطأ‬
‫وقدرا ً من الصواب‪ ،‬وفي هذه الحالة أيضا ً ل يمكن الطمئنان إلى سلمة‬
‫المنهج الذي يعتمده علماء النفس في صياغة نظرياتهم؛ لنه ـ في أغلب‬
‫الحيان ـ يعتمد التعميم‪ ،‬ومن ثم تختلف النظريات النفسية ـ أحيانا ً ـ اختلف‬
‫النقيض مع النقيض‪ ،‬دون أن يكون هناك قاسم مشترك‪ .‬ذلك أن‬
‫" التعميم " هو الضربة القاتلة لمناهج البحث العلمي الرصين‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن )سوليفان( يتناول بالتحليل والنقد اثنتين من أبرز‬
‫النظريات النفسية وأكثرها انتشارًا‪ :‬النظرية السلوكية ونظرية التحليل‬
‫النفسي‪ ،‬لكي ما يلبث أن يصدر حكمه على ضعف‪ ،‬واهتزاز النتائج التي‬
‫توصلنا إليها بصدد تركيب العقل البشري‪ ،‬وطريقة عمله‪.‬‬
‫وهو يرى أن السلوكيين‪ ،‬إلى جانب قيامهم بوضع نظريات على أسس واهية‬
‫دمون نظريات تناقض خبراتنا المباشرة‪ .‬إنهم‬ ‫جدا ً من الحقيقة‪ ،‬فإنهم يق ّ‬
‫ينكرون الحقائق الواضحة‪ ،‬ينكرون أننا نستطيع تشكيل صورة بصرية أو‬
‫سمعية وما إليها في عقولنا‪ .‬إن أولئك الذين يمتلكون من بيننا قدرة عظيمة‬
‫على تكوين الصور البصرية العقلية‪ ،‬أو الذين يستمتعون بالصغاء العقلي‬
‫للعمال الموسيقية المحببة لديهم‪ ،‬يعلمون أن هذه المقالة ل تنطوي على أي‬
‫جانب من الصحة‪ .‬حقا ً إن النظرية السلوكية عندما يجري تطبيقها على‬
‫العمليات العقلية البسيطة جدًا‪ ،‬تبدو قاصرة إلى درجة تصبح معها غير ذات‬
‫قيمة!‬
‫وبخصوص نظرية التحليل النفسي يعرض سوليفان للعديد من المحاولت‬
‫التي انشقت‬
‫عن فرويد‪ ،‬ويشير بسخرية إلى أن عدد هذه المحاولت من الكثرة بحيث‬
‫ينافس المسيحية في طوائفها‪ ،‬وكل طائفة من طوائف التحليل النفسي‬
‫تدعي لنفسها‪ ،‬مثل طوائف المسيحية‪ ،‬نظرة شاملة وواقعية‪ ،‬وتشير إلى‬
‫قائمة مؤتمرة من العلقات الروحية والجسمانية لثبات كفاية تعاليمها‬
‫وصلحيتها‪ ..‬إن أي شكل من أشكال التحليل النفسي ل يمكن اعتباره في‬
‫وضع مرض كعلم‪ .‬ول يمكنه اللجوء إلى النتائج من أجل إثبات النظرية؛ لن‬
‫هذه النتائج‪ ،‬أي العلجات التي يقدمها‬

‫)‪(2 /‬‬

‫)التحليل النفسي(‪ ،‬يمكن بنفس الدرجة تقريبا ً الحصول عليها من خلل‬


‫نظريات مختلفة كلية‪ .‬لذلك ل يمكن الحكم على هذه النظريات من خلل‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النتائج‪ .‬ويتبع ذلك أن هذه النظريات يمكن فقط الحكم عليها بالستناد إلى‬
‫احتمالتها الولية‪ .‬وهنا نواجه صعوبة تتمثل في أن كل أشكال التحليل‬
‫النفسي تظهر محتملة بدرجات متساوية تقريبًا‪ .‬وربما وجب التفريق لمصلحة‬
‫تلك النظريات التي تأخذ بفكرة الل شعور‪ ،‬وذلك في مقابل تلك التي تنبذ‬
‫هذه الفكرة‪ .‬إن مفهوم الل شعور مفهوم مهم بالتأكيد‪ ،‬لكنه ُوجد قبل‬
‫التحليل بوقت طويل‪ .‬وهكذا فإن كون التحليل النفسي قد أدخل شيئا ً جديدا ً‬
‫هو موضع جدل ونقاش‪.‬‬
‫والنتيجة التي ينتهي إليها )سوليفان( أنه ليس في نظريات علم النفس كافة‬
‫شيء من شأنه أن يغّير جديا ً في قناعتنا بأن هذا العلم ل يمكن اعتباره علما ً‬
‫حتى الن‪ .‬وللمعارف الخرى أيضا ً مثل علم الجتماع والقتصاد وما إلى ذلك‪،‬‬
‫بعض النواحي التي ل تعتبر مرضية من وجهة النظر العلمية‪ .‬والعلم هو أقوى‬
‫ما يكون عليه عندما يتناول العالم المادي‪ .‬أما مقولته في المواضيع الخرى‬
‫فتعتبر نسبيا ً ضعيفة ومتلجلجة!‬
‫وهي نفس النتيجة التي ينتهي إليها الكسيس كاريل في )النسان ذلك‬
‫المجهول( ‪ ..‬إن السيطرة على عينة من العالم المادي لغرض فهمها ممكنة‬
‫إلى حد ما‪ ،‬أما السيطرة على عينة يدخل فيها النسان‪ ،‬والعقل‪ ،‬والحياة‪،‬‬
‫سئل الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫طرفًا‪ ،‬فتكاد تكون مستحيلة‪ .‬ومن قبل ُ‬
‫عن الروح‪ :‬معجزة النسان‪ ،‬وسّر العقل‪ ،‬ومفتاح الحياة‪ ،‬فأجاب القرآن‬
‫ن‬‫م َ‬
‫م ِ‬
‫ُ‬
‫ما أوِتيت ُ ْ‬
‫مرِ َرّبي وَ َ‬
‫ك عَن الروح قُل الروح م َ‬
‫نأ ْ‬‫ِ ّ ُ ِ ْ‬ ‫ِ ّ ِ‬ ‫سَألون َ َ‬
‫الكريم عنه‪) :‬وَي َ ْ‬
‫ل(‪] .‬السراء‪ .[85:‬وهكذا نرى كيف تتساقط رموز العلمانية‬ ‫ال ْعِل ْم ِ إ ِّل قَِلي ً‬
‫الملحدة التي تتنكر لله ‪ ..‬واليمان ‪ ..‬وها هو ذا جان بول سارتر ‪ ،‬زعيم‬
‫الوجودية اللحادية‪ ،‬ينتهي إلى المصير نفسه ‪ ..‬على يده هو وباختياره هذه‬
‫المرة‪ .‬إنه يقول فيما ترجمه الدكتور محمد جابر النصاري بعنوان‪" :‬‬
‫المحاورة الخيرة بين سارتر ودي بوفوار" ونشرته مجلة الدوحة القطرية في‬
‫مايو ‪ 1982‬م‪" :‬أنا ل أشعر بأني مجرد ذّرة غبار ظهرت في هذا الكون‪ ،‬وإنما‬
‫أنا كائن حساس تم التحضير لظهوره‪ ،‬وُأحسن تكوينه‪ ،‬أي بإيجاز ككائن لم‬
‫يستطع المجيء إل ّ من خالق" !‬
‫ثم ها هو ذا الدكتور أحمد أبو زيد يذكر في مقال له بعنوان‪" :‬هل مات دارون‬
‫حقًا؟"‬
‫) نشرته مجلة العربي في تموز ‪ 1982‬م ( كيف أنه صدر في إنكلترا من‬
‫شهور قليلة وفي أواخر عام ‪ 1981‬م كتاب يحمل عنوانا ً طريفا ً هو " التطور‬
‫من الفضاء ‪ (Evolution From Space) :‬قام بتأليفه عالم الفلك الشهير )سير‬
‫فريد هويل( وعاونه في ذلك أستاذ هندي يدّرس في جامعة كارديف‪ .‬ويعترف‬
‫الستاذان بصراحة في ذلك الكتاب بأنهما ملحدان‪ ،‬ول ينتميان لي دين أو‬
‫عقيدة‪ ،‬وأنهما يعالجان أمور الفضاء وحركات الكواكب بأسلوب علمي بحت‪،‬‬
‫ومن زاوية عقلنية خالصة ل تحفل ول تتأثر بأي موقف ديني‪ .‬ويدور الكتاب‬
‫حول مسألة احتمال وجود حياة على الكواكب الخرى‪ ،‬ويتناول بالبحث‬
‫الدقيق الفكرة التي سادت في بعض الكتابات التطورية عن ظهور الحياة‬
‫تلقائيا ً من الوحال الولى نتيجة لبعض الظروف والتغيرات البيئية‪ .‬ومع أن‬
‫هنالك نظريات معارضة لهذا التجاه‪ ،‬وهي نظريات ترى أن احتمال ظهور‬
‫الحياة من هذه الوحال أو الطين الولى ل تزيد عن)‪ (40.000 : 10 : 1‬أي‬
‫واحد إلى عشرة أمامها أربعون ألف صفر‪ .‬مما يعني أنه ل تكاد توجد فرصة‬
‫لظهور الحياة عن طريق التوالد التلقائي من هذا الطين‪ ،‬وبالتالي فإن الحياة‬
‫ل يمكن أن تكون نشأت عن طريق الصدفة البحتة‪ ،‬وأنه لبد من وجود عقل‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دل لهدف معين‪ .‬وعلى الرغم من اعتراف المؤلفين الصريح ـ‬ ‫مدّبر يفكر ويب ّ‬
‫ً‬
‫كما قلنا ـ بإلحادهما‪ ،‬فإنهما ل يجدان أمامهما مفرا من أن يكتبا الفصل الخير‬
‫من الكتاب تحت عنوان " الله ـ ‪." God‬‬
‫ولبد ّ من الشارة ها هنا إلى أن المعرفة النسانية سواء في ميدان علم‬
‫النفس أو‬
‫الجتماع ‪ ،‬أو حتى العلوم الصرفة وبخاصة علوم الطبيعة والحياة‪ ،‬عادت عبر‬
‫العقدين الخيرين لكي تتصالح مع اليمان‪ ،‬وهذا يعني بالضرورة تصالحها مع‬
‫الثوابت والمرتكزات التي تحترم إنسانية النسان‪ ،‬وتمّيزه‪ ،‬وتفّرده على‬
‫العالمين‪.‬‬
‫إن هذا التصالح أو الوفاق لم يؤثر البتة على حرية العالم في الكشف‪ ،‬بل‬
‫على العكس إنه يجيء بمثابة دفع وتحفيز للمزيد من الكشف عن الحقائق‬
‫والنواميس التي لن تكون في نهاية المر إل ّ تأكيدا ً لقصدّية الخلق‪ ،‬وإحكام‬
‫البناء الكوني‪ ،‬وإبداعية الله سبحانه‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لنقف بعض الوقت عند كتاب "العلم في منظوره الجديد" لـ)روبرت أغروس(‬
‫و)جورج ستانسيو( والذي ُنشر في العدد )‪ (134‬من سلسلة عالم المعرفة‬
‫في شباط ‪ 1989‬م‪ .‬مترجم الكتاب الدكتور كمال خليلي يلخص فصوله‬
‫الخصبة بالحديث عن الظروف التي نشأت في ظلها النظرة العلمية القديمة‬
‫التي تطورت في العصور اللحقة إلى مذهب مادي صارم يؤمن بأزلية المادة‪،‬‬
‫ويرفض من ثم كل ما هو غيبي‪ ،‬ول يعترف في تفسيره لمختلف الظواهر إل ّ‬
‫بنوعين هما العلل‪ ،‬وهما الضرورة والصدفة‪.‬‬
‫إزاء هذه النظرة المادية برزت إلى الوجود في مطلع القرن العشرين نظرة‬
‫علمية‬
‫منافسة‪ ،‬كان من ألمع رّوادها آباء الفيزياء الحديثة كـ)آينشتاين( و)هاينزنبرغ(‬
‫و)بور( وكثيرين غيرهم ممن استحدثوا مفاهيم جديدة كل الجدة أطاحت‬
‫بالمفاهيم والنظريات الفيزيائية السابقة التي كانت رائجة منذ عصر أرسطو‬
‫وحتى أواخر القرن التاسع عشر‪ .‬فقد أثبت آينشتاين مثل ً نسبية الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬بل الحركة‪ .‬وبّين الفيزيائي الدانماركي )نيلز بور( أن الذرة ليست‬
‫وره‪ ،‬كما كان نيوتن يظن‪ ،‬بل إنها هي الخرى مكونة‬ ‫أصغر جسيم يمكن تص ّ‬
‫من نواة يحيط بها عدد ل حصر له من اللكترونيات‪ .‬وأجمعت آراء كبار علماء‬
‫الفيزياء النووية والكوزمولوجيا على أن الكون بما يحويه من مليين المجرات‬
‫ومليارات النجوم والكواكب قد بدأ في لحظة محددة من الزمن يرجع تاريخها‬
‫إلى ما بين )‪ 10‬و ‪ (20‬مليار سنة‪ ،‬فثبت بما ل يدع مجال ً للشك أن المادة‬
‫ليست أزلية وأن للنجوم آجال ً محددة تولد وتموت كالدميين‪ ،‬وأن الكون‬
‫دد مستمرين‪ ،‬بل إن من بين الفيزيائيين الفلكيين‬ ‫المادي نفسه في تطور وتم ّ‬
‫ً‬
‫المعاصرين من قادته نتائج أبحاثه إلى القول‪ :‬إن الكون كان مهيأ منذ النفجار‬
‫العظيم لتطور مخلوقات عاقلة فيه‪ ،‬وأن النسان في مركز الغاية من إبداعه‪،‬‬
‫فرأوا في ذلك كله‪ ،‬وفي الجمال المنتشر في الطبيعة على جميع‬
‫المستويات‪ ،‬هدفا ً وخطة مرسومة‪ ،‬فآمنوا بعقل أزلي الوجود‪ ،‬منتصب وراء‬
‫هذا الكون‪ ،‬واسع الرجاء‪ ،‬يديره ويرعى شؤونه‪.‬‬
‫ثم أعقب هذا الجيل من الفيزيائيين والفلكيين جيل آخر من العلماء‬
‫المتخصصين في مبحث العصاب وجراحة الدماغ‪ ،‬من أمثال )شرنغتون(‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و)أكلس( و)سبري( و)بنفيلد( وقفوا حياتهم كلها على دراسة جسم النسان‪،‬‬
‫فانتهت بهم أبحاثهم إلى القرار بأن النسان مكون من عنصرين جوهريين‪:‬‬
‫سي ‪-‬وإن كان يتوقف على‬ ‫ن وروح ل يعتريها الفناء‪ ،‬وبأن الدراك الح ّ‬ ‫جسد فا ٍ‬
‫عمليات فيزيائية وكيميائية‪ -‬ليس شيئا ً ماديا ً بحد ّ ذاته‪ ،‬وخلصوا كذلك إلى ما‬
‫يفيد بأن العقل والدماغ شيئان مختلفان تمام الختلف‪ ،‬وأن الرادة والفكار‬
‫ليستا من صنع المادة‪ ،‬ول من إفرازاتها‪ ،‬بل هي على العكس من ذلك تؤثر‬
‫تأثيرا ً مباشرا ً في العمليات الفسيولوجية ذاتها‪.‬‬
‫وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية شعر كثيرون من علماء النفس أن إخضاع‬
‫العقل للغريزة في طريقة التحليل النفسي وإلغاءه في المذهب السلوكي قد‬
‫أفضيا إلى تجريد النسان من إنسانيته‪ ،‬فظهرت في الخمسينيات من القرن‬
‫عرفت فيما بعد باسم "علم النفس النساني"‪ .‬ومن أبرز‬ ‫الماضي قوة ثالثة ُ‬
‫رواد هذه المدرسة )فرانكل( و)ماسلو( و)ماي( الذين يعترفون بأولية العقل‬
‫وبعدم قابلية حصره في الخواص الكيميائية والفيزيائية للمادة‪ ،‬وبكون‬
‫النسان قوة واعية تملك حرية التصّرف والختيار‪ ،‬ويرفضون من ثم تفسير‬
‫السلوك البشري كله بلغة الدوافع والغرائز والضرورات البيولوجّية وردود‬
‫الفعل اللية‪ ،‬ويؤمنون عوضا ً عن ذلك بما يسمى القيم الخلقية والجمالية‬
‫والجوانب الروحية والنفسية والفكرية‪.‬‬
‫ل بأس ـ أخيرا ً ـ أن نقرأ معا ً بعض مقاطع الفصل الرابع من الكتاب المذكور‪،‬‬
‫والذي يحمل عنوان "الله"‪" :‬يبدو أن المادة ليست أزلية بالرغم من كل‬
‫شيء‪ .‬وكما يعلن عالم الفيزياء الفلكية )جوزف سلك( "فإن بداية الزمن أمر‬
‫ل مناص منه"‪ .‬كما يخلص الفلكي )روبرت جاسترو( إلى أن "سلسلة‬
‫الحوادث التي أدت إلى ظهور النسان بدأت فجأة وبعنف في لحظة محددة‬
‫من الزمن‪ ،‬وفي ومضة ضوء وطاقة"‪.‬‬
‫" فهل من إله في كون كهذا ؟ الفيزيائي )إدموند ويتكر( يعتقد ذلك فهو‬
‫يقول‪" :‬ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا‬
‫موجودتين قبل النفجار العظيم‪ ،‬وأنه حدث بينهما تفاعل فجائي‪ .‬فما الذي‬
‫يمّيز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الزلية؟ والبسط أن نفترض‬
‫خلقا ً من العدم‪ ،‬أي إبداع الرادة اللهية للكون من العدم"‪ .‬وينتهي الفيزيائي‬
‫)إدوارد ميلن( بعد تفكره في الكون المتمدد‪ ،‬إلى هذه النتيجة "أما العّلة‬
‫دد فأمر إضافتها متروك للقارئ‪ .‬ولكن الصورة‬ ‫الولى للكون في سياق التم ّ‬
‫التي لدينا ل تكتمل من غير الله"‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫"أما النظرة العلمية الجديدة فترى أن الكون بمجموعه ـ بما في ذلك المادة‬
‫والطاقة والمكان والزمان ـ حدث وقع في وقت واحد‪ ،‬وكانت له بداية‬
‫محددة‪ .‬ولكن لبد من أن شيئا ً ما كان موجودا ً على الدوام؛ لنه إذا لم يوجد‬
‫أي شيء من قبل على الطلق فل شيء يمكن أن يوجد الن‪ .‬فالعدم ل ينتج‬
‫عنه إل ّ العدم‪ .‬والكون المادي ل يمكن أن يكون ذلك الشيء الذي كان‬
‫موجودا ً على الدوام؛ لنه كان للمادة بداية‪ .‬وتاريخ هذه البداية يرجع إلى ما‬
‫قبل )‪ 12‬إلى ‪ (20‬مليار سنة‪ .‬ومعنى ذلك أن أي شيء وجد دائما ً هو شيء‬
‫غير مادي‪ .‬ويبدو أن الحقيقة غير المادية الوحيدة هي العقل‪ ،‬فإذا كان العقل‬
‫هو الشيء الذي ُوجد دائما ً فلبد أن تكون المادة من خلق عقل أزلي الوجود‪.‬‬
‫وهذا يشير إلى وجود كائن عاقل وأزلي خلق كل الشياء‪ ،‬وهذا الكائن هو‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي نعنيه بعبارة )الله(‪." ..‬‬


‫إن هذا الخط الجديد من العلماء‪ ،‬وبموازاته حشد من فلسفة العلم من مثل‬
‫)الفرد نورث( و)ايتهيد وسوليفان( وغيرهم ‪ ،‬أبحروا باتجاه معاكس لمعطيات‬
‫القرن التاسع عشر‪ ،‬قرن الفصام النكد الذي أقامته الكنيسة واللحاد بين‬
‫العلم والدين‪ ،‬ودعوا إلى احترام القيم النسانية ليس في ذاتها فحسب‪ ،‬بل‬
‫لكونها تمثل عوامل تسريع في الكشف العلمي والتحام أكثر حميمية بالعالم‬
‫والطبيعة والكون‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫النفخ في الصور ‪...‬‬


‫ل من أهوالها ‪ ،‬تفزع منه القلوب‬ ‫إننا أمام حدث من أحداث يوم القيامة ‪ ،‬وهو ٍ‬
‫‪ ،‬وتوجل منه النفوس ‪ ،‬إنه حدث يقرع أسماع أصحاب القبور ‪ ،‬فينتفضون من‬
‫قبورهم ‪ ،‬مبهوتين ‪ ،‬شعث الرؤوس ‪ ،‬غُْبر البدان ‪ ،‬قد أفزعتهم الصيحة ‪،‬‬
‫ور القرآن هذا المشهد تصويرا بليغا ً ‪ ،‬فقال سبحانه‬ ‫وأزعجتهم النفخة ‪ ،‬وقد ص ّ‬
‫ن { )ّيس‪، (51:‬‬ ‫سلو َ‬‫ُ‬ ‫م ي َن ْ ِ‬ ‫ث إ ِلى َرب ّهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫صورِ فَإ َِذا هُ ْ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫ف َ‬ ‫‪ } :‬وَن ُ ِ‬
‫سيٌر { )المدثر‪- 8:‬‬ ‫م عَ ِ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َوْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قَر ِفي الّناقورِ )( فذ َل ِك ي َوْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وقال تعالى ‪ } :‬فإ َِذا ن ُ ِ‬
‫‪ . (9‬فهو حدث عظيم ‪ ،‬وأمر جليل ‪ ،‬كيف ل وهو مقدمة وبداية ليوم القيامة ‪،‬‬
‫ضع ُ ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫الذي تشيب فيه الولدان ‪ ،‬و } ت َذ ْهَ ُ‬
‫ت‬‫ل َذا ِ‬ ‫ت وَت َ َ‬ ‫ضعَ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ضعَةٍ عَ ّ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ل ُ‬
‫ديد { )‬ ‫ش ِ‬‫ب الل ّهِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كاَرى وَل َك ِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫كاَرى وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫س ُ‬ ‫مل ََها وَت ََرى الّنا َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح ْ‬‫َ‬
‫الحج‪. (2:‬‬
‫لقد اهتم القرآن الكريم والسنة النبوية ببيان أمر النفخ في الصور وما يتبع‬
‫ذلك من أحداث ‪ ،‬فمما جاء في السنة أن الصور عبارة عن آلة على شكل‬
‫قرن ينفخ فيها ‪ ،‬وقد ثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما‬
‫أنه قال ‪ :‬جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬ما الصور ؟ ‪،‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬الصور قرن ينفخ فيه ( رواه الترمذي وقال‬
‫حسن صحيح ‪ ،‬وقد أوكل الله عز وجل أمر النفخ في الصور لسرافيل عليه‬
‫السلم ‪ ،‬وهو من الملئكة العظام ‪ ،‬ومنذ أن أوكل بذلك وهو متهيئ للنفخ فيه‬
‫‪ ،‬وكلما اقترب الزمان ازداد تهيؤه ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬كيف‬
‫أنعم ‪ ،‬وقد التقم صاحب القرن القرن ‪ ،‬وحنى جبهته ‪ ،‬وأصغى سمعه ينتظر‬
‫أن يؤمر أن ينفخ فينفخ ‪ ،‬قال المسلمون ‪ :‬فكيف نقول يا رسول الله ‪ :‬قال ‪:‬‬
‫قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ‪ ،‬توكلنا على الله ربنا ( رواه الترمذي وحسنه ‪.‬‬
‫وينفخ في الصور نفختان ‪ :‬النفخة الولى ‪ ،‬وتسمى ‪ :‬نفخة الصعق ‪ -‬الموت ‪-‬‬
‫ن ِفي‬ ‫م ْ‬‫صعِقَ َ‬ ‫صورِ فَ َ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫ف َ‬‫وهي المذكورة في قوله تعالى ‪ } :‬وَن ُ ِ‬
‫ُ‬
‫م‬‫م قَِيا ٌ‬ ‫خَرى فَإ َِذا هُ ْ‬ ‫خ ِفيهِ أ ْ‬ ‫ف َ‬
‫م نُ ِ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض إل َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن { )الزمر‪ (68:‬وبسماع هذه النفخة يموت كل من في السموات‬ ‫ُ‬
‫ي َن ْظُرو َ‬
‫والرض إل من شاء الله أن يبقيه ‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬إن الناس‬
‫يصعقون ‪ ،‬فأكون أول من يفيق ‪ ،‬فإذا موسى باطش بجانب العرش ‪ ،‬فل‬
‫أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي ‪ ،‬أو كان ممن استثنى الله ( رواه‬
‫البخاري و مسلم ‪.‬‬
‫وتأتي هذه الصيحة على حين غفلة من الناس وانشغال بالدنيا ‪ ،‬كما قال‬
‫ْ‬
‫ن )( َفل‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫خذ ُهُ ْ‬ ‫حد َة ً ت َأ ُ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫ح ً‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ن إل َ‬ ‫ما ي َن ْظ ُُرو َ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬‬
‫ن { )ّيس‪ ، (50-49:‬روى المام‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫ة َول إ ِلى أهْل ِهِ ْ‬ ‫صي َ ً‬
‫ن ت َوْ ِ‬
‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫الطبري في تفسيره عن عبد الله بن عمرو ‪ ،‬قال‪ " :‬لينفخن في الصور‪،‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والناس في طرقهم وأسواقهم ومجالسهم‪ ،‬حتى إن الثوب ليكون بين‬


‫الرجلين يتساومان‪ ،‬فما يرسله أحدهما من يده حتى ينفخ في الصور‪ ،‬وحتى‬
‫إن الرجل ليغدو من بيته فل يرجع حتى ينفخ في الصور " ‪.‬‬
‫أما النفخة الثانية فهي نفخة البعث ‪،‬وهي المذكورة في قوله تعالى ‪ } :‬ث ُّ‬
‫م‬
‫ن { )الزمر‪( 68 :‬‬ ‫م ي َن ْظ ُُرو َ‬
‫م قَِيا ٌ‬‫خَرى فَإ َِذا هُ ْ‬ ‫خ ِفيهِ أ ُ ْ‬‫ف َ‬‫نُ ِ‬
‫وهي صيحة توقظ الموات مما هم فيه ‪ ،‬ثم يحشرون بعدها إلى أرض‬
‫صورِ فَإ َِذا‬ ‫ف َ‬
‫خ ِفي ال ّ‬ ‫المحشر ‪ ،‬وهذه النفخة هي المقصودة بقوله تعالى ‪ } :‬وَن ُ ِ‬
‫ن { ) يس‪. (51:‬‬ ‫سُلو َ‬ ‫ث إ َِلى َرب ّهِ ْ‬
‫م ي َن ْ ِ‬ ‫دا ِ‬
‫ج َ‬
‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬‫هُ ْ‬
‫أما عن الفترة الزمنية الفاصلة بين النفختين ‪ ،‬فقد ثبت عن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬بين النفختين أربعون ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬يا أبا هريرة أربعون يوما ‪ ،‬قال ‪ :‬أبيت ‪ ،‬قال ‪ :‬أربعون سنة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أبيت ‪ ،‬قال ‪ :‬أربعون شهرا ‪ ،‬قال ‪ :‬أبيت ‪ ( ..،‬رواه البخاري و مسلم ‪ .‬ومعنى‬
‫قول أبي هريرة رضي الله عنه ‪ :‬أبيت ‪ .‬أي ‪:‬أمتنع عن تحديد أي أربعين أراد‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لكونه صلى الله عليه وسلم أطلق لفظ أربعين‬
‫ولم يحدد ‪ .‬والله أعلم ‪.‬‬
‫هذا طرف من أخبار ذلك الحدث ‪ ،‬ذكرناه لك ‪ -‬أخي الكريم ‪ ، -‬كي تتأمل في‬
‫هذا اليوم العظيم ‪ ،‬وما فيه من المخاوف والهوال ‪ ،‬فتشمر عن ساعد الجد‬
‫نحو لقاء الله تعالى ‪ ،‬فإنه ل نجاة في ذلك اليوم إل باليمان والعمل الصالح ‪.‬‬
‫نسأل الله سبحانه أن يتوفانا على اليمان به والعمل له ‪ ،‬وأن يحشرنا مع‬
‫عباده الصالحين ‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪ ،‬والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫النفس النسانية‪ ..‬محاولت الكتشاف‬


‫أمين حسن أحمد يس*‬
‫لقد حيرت النفس النسانية العلماء على امتداد التاريخ البشري على ظهر‬
‫الرض‪ ،‬وتعددت تعريفاتها بتعدد التجاهات الفكرية حولها‪ ،‬غير أن علماء‬
‫الغرب الذين تموضعوا في المادة؛ وابتعدوا عن الروح كانوا أقل الناس حظا ً‬
‫في معرفة النفس؛ فهذا )ألكسيس كاريل( يقول في كتابه )النسان ذلك‬
‫المجهول(‪) :‬إن ما حققه العلماء فيما يختص بدراسات النسان ما زال غير‬
‫كاف‪ ،‬وما زالت معرفتنا بأنفسنا بدائية في الغالب(‪..‬‬
‫هذه البدائية نجدها في تصور )سكمندي فرويد( للنسان في قوله‪) :‬غريزتان‬
‫تتحكمان في سلوك النسان البطن والفرج(‪.‬‬
‫ثم جاء )كارل ماركس( ليؤسس ذلك كيانا ً فكريا ً واقتصايا ً وسياسيًا‪ ..‬ويتبعه‬
‫في ذلك )فرويد( الذي أسس نظاما ً )للمجتمع الغريزي(‪..‬‬
‫وخارج إطار المادة كان في الغرب من يدعو بخيال مجنح إلى كائن أسطوري‬
‫ومخلوق خرافي يدعي أنه )النسان السوبر(!!‪ ..‬ذلك هو )فريدريك نيتشه(‬
‫الذي قال‪) :‬إن عهد اللهة قد وّلى؛ وجاء عهد النسان الخارق(‪..‬‬
‫وما ذاك إل لن الغرب ل يملك رصيدا ًَ حضاريا ً يسمح له بأن يتعرف على‬
‫حقيقة النسان؛ فتاريخه يشهد بإفلسه الفكري والحضاري!!‪ ..‬ويؤكد ذلك‬
‫مقالت علمائه‪ ،‬وحياة شعوبه التي تكاد تخلو تماما ً من المعاني النسانية؛‬
‫فهم يعيشون حياة يأنف الحيوان البهيم من عيشها‪.‬‬
‫أما هناك ‪ -‬في الشرق المتمثل في المنطقة العربية السلمية فيما يسمى‬
‫بالشرق الوسط ‪ -‬فنجد أن النفس تعرف بذاتها من خلل حياة تعبر عنها؛‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لنها تستمد وجودها وحياتها من خالق الوجود والحياة‪..‬‬


‫لكل هذا كانت نظرة علماء الشرق السلمي للنفس مشبعة بهذه المعاني‪..‬‬
‫يقول ابن تيمية‪) :‬النسان عبارة عن الروح والبدن معًا‪ ،‬وهو بالروح أخص منه‬
‫بالبدن‪ ،‬وإنما البدن مطية الروح(!!‪..‬‬
‫بهذا التكامل والتوازن تبرز قيمة المجتمع المتحضر‪..‬‬
‫النسان في التصور السلمي ل يكتسب وجوده صفة النفس إل باتصال‬
‫الروح بالبدن‪ ..‬يقول السهيلي‪) :‬الروح هي النفس بشرط اتصالها بالبدن‪،‬‬
‫واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم(‪.‬‬
‫الحديث عن النفس يطول‪ ،‬وإنما أردنا بهذا المقال أن نطل على عالم النفس‬
‫إطللة تأخذ بأيدينا لمحاولة اكتشاف ذواتنا؛ إذ أنه ل قيمة لمن يحمل علما ً‬
‫وهو يجهل نفسه‪ ،‬وهل يستقر العلم في نفس تجهل نفسها؟!‪ ،‬أم هل ينتفع‬
‫به صاحبه؟!‪.‬‬
‫فالنفس هي معجزة الله الخالدة ‪ -‬بعد القرءان والله أعلم ‪-‬؛ لذلك يقرن الله‬
‫بينها وبين خلق الكون بقوله سبحانه‪) :‬خلق السموات والرض في ستة أيام‬
‫تعالى عما يشركون * خلق النسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين(‪) ،‬ما‬
‫أشهدتهم خلق السموات والرض ول خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين‬
‫عضدًا(‪.‬‬
‫ما النفس إل نفخة من روح الله‪ ،‬ول أعلم بها منه‪) :‬الله أعلم بما في‬
‫أنفسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للوابين غفورًا(؛ فل يطيب لها العيش‪،‬‬
‫ول تعذب لها الحياة إل به سبحانه!!‪..‬‬
‫وإن نسيان النفس لربها ما هو إل نسيان لها )ول تكونوا كالذين نسوا الله‬
‫فأنساهم أنفسهم(!!‪..‬‬
‫والنسان قد يغيب عن نفسه عندما يغيب عنه ذكر ربه‪ ،‬ويعود إليها عودة‬
‫برجعة أو بغير رجعة؛ قال سبحانه‪) :‬قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم *‬
‫قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلى أنفسهم‬
‫فقالوا إنكم أنتم الظالمون * ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلء‬
‫ينطقون(‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المجتمع هو الدولة والحضارة‪ ،‬ولقد اختار الله للنفس مجتمعا راقيا يضمن لها‬
‫وجودا ً يليق بها في حياة كريمة )واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة‬
‫والعشي يريدون وجهه ول تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ول تطع من‬
‫أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطًا(‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫النفس بين تلبية الغريزة ونداء العقل‬


‫وأثرها في تكوين الشخصية‬
‫حسن الحسن‬
‫‪alhasan@al-nahda.com‬‬
‫تتشكل شخصية النسان من عقلية ونفسية‪ ،‬وهذا أمر مدرك بالحس المتصل‬
‫مباشرة بواقع النسان‪ ،‬ويحدد انسجامهما أو تباينهما نمط الشخصية وطبيعة‬
‫الحكم عليها‪.‬‬
‫والعقل هو أداة التمييز والدراك والفهم‪ ،‬وهو ميزة النسان‪ ،‬إن انتفى‪ُ ،‬رفع‬
‫التكليف عنه‪ ،‬وتعطلت لديه القدرة على التفكر والتأمل والتدبر‪ ،‬ويفقد آنذاك‬
‫معنى تميزه عن بقية الخلئق المشاهدة‪ .‬ومن هنا كان العقل مفتاح ارتقاء‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النسان وإعماله سبب نهوضه‪.‬‬


‫وأما النفس فإنها تقابل العقل‪ ،‬وهي التي تصوغ طبائع النسان‪ ،‬وتضفي‬
‫ن زيدا‬‫لشخصيته نمطا ً معينًا‪ ،‬فتمنحها نكهة وبصمة خاصتين‪ ،‬لذلك يقال‪ :‬إ ّ‬
‫مرا ً‬‫شرير‪ ،‬بسبب نفسه الحسودة الحقودة‪ ،‬أو لنه جشع طماع‪ .‬ويقال إن عَ ْ‬
‫خّير طّيب كون نفسيته أبية سخية سمحة‪ ،‬يحب الخير للخرين ويعفو عن‬
‫أخطائهم ويلتمس لهم العذار‪.‬‬
‫وتنسب للنفس صفات تختص بها‪ ،‬كالطيبة والشجاعة والسخاء والمروءة‪ ،‬أو‬
‫صغار‪ ،‬وهي على غرار الصفات التي تنسب للعقل‬ ‫كالبخل والخسة وال ّ‬
‫وتختص به‪ ،‬كذكي أو غبي‪ ،‬نبيه سريع البديهة أو بليد‪.‬‬
‫مام المان للطاقة الحيوية‪،‬‬ ‫والنفس لها تأثيرها البالغ على النسان‪ ،‬فهي ص ّ‬
‫فّعل النسان وتدفعه‬ ‫التي بدورها تشتمل على الغرائز والحاجات العضوية وت ُ َ‬
‫للقيام بما من شأنه إشباعها‪.‬‬
‫وإذا تخّلى النسان عن عقله وأتبع نفسه هواها‪ ،‬أصبح أسير شهواته الغرائزية‬
‫وحاجاته العضوية‪ ،‬لتتحكما بنفسيته‪ ،‬فتهيمنا على تصرفاته وسلوكياته بشكل‬
‫مطلق‪ ،‬وتصبح الشهوة والغريزة والجوعة آنذاك هي من يسيطر على‬
‫النفسية ويرعاها‪ ،‬وبالتالي ترتخي النفس وتضعف الرادة‪ ،‬ويبدأ صاحبها‬
‫باللهاث وراء إشباع شهواته بأكبر قدر من حيث الكم‪ ،‬وبشكل مطلق من‬
‫حيث الكيف‪ ،‬ويحصل ذلك بشكل تلقائي‪ ،‬تماما كما هو الحال عند الحيوان‪،‬‬
‫وربما أسوأ‪.‬‬
‫وبما أن نفس النسان هي حجر الساس في استقامة سلوكه وصفائه ونقائه‬
‫وبناء شخصيته السوية السليمة‪ ،‬كان ل بد من سبر أغوارها وبلورتها‪ ،‬بشكل‬
‫ينتج وعيا على حسن رعايتها‪ ،‬والعتناء بها وتهذيبها من الفات التي ألمت بها‪.‬‬
‫إل أنه ينبغي إدراك أننا عندما نتحدث عن النفس‪ ،‬فإننا نتناول تحديدا‪ :‬الميول‬
‫التي تحرر وتضبط علقة الغرائز الدافعة لنشاط النسان بعقله المرشد له‪.‬‬
‫ومن جراء استقراء واقع حياة البشر‪ ،‬نرى أن النفس هي ناتج طبيعي‬
‫لمجموعة من العوامل‪ .‬فالصفات الوراثية‪ ،‬والبيئة الجتماعية‪ ،‬والوضاع‬
‫العامة السائدة في المجتمع‪ ،‬والظروف التي يخضع لها النسان ويحياها‪،‬‬
‫والعادات والتقاليد التي يتربى وينشأ عليها‪ ،‬تمثل بل أدنى شك الجزء‬
‫الجوهري في تكوين نفسيته‪ ،‬وتعكسها بوضوح في شخصيته‪.‬‬
‫خذ أهل الشيشان مثل‪ ،‬الذين ورثوا الباء والشجاعة والتحدي كابرا ً عن كابر‪،‬‬
‫تأبى نفوسهم الضيم وترفض الخضوع للعداء مهما طال الزمن‪ .‬على خلف‬
‫كثير من الشعوب‪ ،‬التي يعيش أهلها كسالى راضين بواقعهم السيئ‪ ،‬متميزين‬
‫بالنانية الفردية الصارخة‪ ،‬نفوسهم خانعة ذليلة‪ ،‬تدور مع المنفعة حيث دارت‬
‫كثور الساقية‪ ،‬الشح شعارهم والستسلم للواقع دينهم‪ ،‬وتبرير كل فعل‬
‫خسيس ديدنهم؛ كل ذلك وغيره‪ ،‬جراء سيطرة الثقافة الغربية في مجتمعاتهم‬
‫وإطباقها عليهم‪.‬‬
‫وكذلك يغلب الصدق والوفاء والتزان على من يعيش حياة مستقرة هنيئة‬
‫ويتمتع بالطمأنينة الجتماعية والقتصادية والسياسية‪ ،‬ولو كان كافرًا‪ ،‬على‬
‫النقيض ممن يعيش حالة اضطراب وقلق وفوضى وظلم وفقر واضطهاد‬
‫وسوء رعاية من حاكمه‪ ،‬مما يبرر له الكذب والغش وقلة الوفاء بل ونهش‬
‫أقرب الناس إليه‪ ،‬ولو كان مسلما‪.‬‬
‫كما أن انتشار المفاهيم الفاسدة التي ترسخ لدى الناس الرتباط الكلي‬
‫بالدنيا‪ ،‬مع إشاعة الجواء التي تطلق للشهوات عنانها‪ ،‬وتبرز المثاليات‬
‫بالسيقان العارية وبالجمال الخاذ‪ ،‬وبامتلك مفاتن الحياة ومفاتيح المتعة‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كيفما اتفق تحت عنوان‪" ،‬كفانا بؤسا نريد أن نعيش" يدفع النسان إلى‬
‫الستهتار بالقيم الرفيعة‪ ،‬ويحفزه إلى التماس أيسر أشكال الحياة ولو كانت‬
‫في منتهى النحطاط‪ ،‬والرضى بالعيش ولو بالحد الدنى‪ ،‬أي العيش الذي‬
‫ن الرتقاء يشترط تغيير الواقع‪ ،‬الذي‬
‫يمنحه الشهيق والزفير فقط‪ ،‬طالما أ ّ‬
‫يتطلب تضحية وبذل ً وجهدا ً مما يتنافى مع مطلب السلمة‪ ،‬ومصداق ذلك ما‬
‫شاع على ألسن الكثيرين‪ " :‬نحن نركض وراء الرغيف طوال اليوم‪ ،‬وبالكاد‬
‫نجد الخبز لنأكله‪ ،‬وتطلب منا إنهاض المة والعمل على تغيير واقعها‬
‫المزري!؟"‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أضف إلى تأثر النفس بالمفاهيم والقيم الشائعة أو وراثة صفات الباء‬
‫والجداد‪ ،‬عامل العيش في ظل نظام يفرض وجهة نظر معينة‪ ،‬وطريقة‬
‫عيش محددة‪ .‬فقد كان سكان التحاد السوفياتي المنهار‪ ،‬يمقتون التجارة‬
‫وينفرون منها‪ ،‬ويعتبرون القيام بها معيبا وأقرب إلى العار جراء ارتباطهم‬
‫بالمبدأ الشتراكي‪ ،‬الذي يمقت الرأسمالية والرأسماليين‪ ،‬وهي وجهة النظر‬
‫التي كانت تسود في أميركا وأوروبا الغربية قبل انهياره‪ ،‬حيث تعتبر التجارة‬
‫ومتعلقاتها من بورصة ومضاربات وعملت وشركات أهم ما يشغل بال‬
‫الناس‪ ،‬بل إن جوهر الحياة وأهم قيمه هي ما يتعلق "بالبيزنس" الذي حول‬
‫كل شيء إلى مجرد سلعة للبيع والشراء والمقايضة بما فيها البشر‪ ،‬ومن هنا‬
‫نرى مدى تأثير النظام المطبق على صياغة نفوس الناس قديما ً وحديثا ً‬
‫وأهميته‪.‬‬
‫وأما التأثر بالعادات والتقاليد فأمر غني عن التدليل‪ ،‬وقد قيل "العادة‬
‫كالعبادة!"‪ ،‬ناهيك عن أن كثيرا ً من العراف المشؤومة‪ ،‬لها سلطان أقوى‬
‫من سلطان الدولة والقانون والدين مع عظم شأنه‪ ،‬كما هو مشاهد في‬
‫العديد من الحالت‪.‬‬
‫ومن هنا يرد سؤال جوهري‪ ،‬ويتعلق في صميم بحث تزكية النفس وتهذيبها‪:‬‬
‫طالما أن النفس تتشكل نتيجة البيئة التي يعيش النسان فيها‪ ،‬بل وترث‬
‫الخصال الحسنة أو القبيحة بفعل أثر الباء والجداد‪ ،‬أو بحكم العادات‬
‫والتقاليد أو النظام المطبق على الناس والذي تحكمه وجهة نظر محددة في‬
‫الحياة‪ ،‬فلم نعاتب الناس فيما هم عليه من سوء حال‪ ،‬وهل من سبيل إلى‬
‫إعادة صياغة نفسية النسان من غير تغيير الوضاع السائدة في المجتمع‬
‫وقلب المفاهيم الشائعة فيه فضل عن استبدال العراف السائدة؟‬
‫والجواب هو‪ :‬إن تغيير ما تطبعت عليه النفوس أو ورثته واعتادت عليه أمر‬
‫يصعب نواله‪ ،‬ودونه صعوبات شتى‪ ،‬وخصوصا في ظل سيادة أوضاع مختلفة‬
‫تتباين بل وتتناقض مع ما يراد التغيير له‪ .‬ولذلك فمن المبالغة‪ ،‬توقع إحداث‬
‫إصلح أو تغيير جماعي في أنفس الناس عموما نحو المثل أو الفضل‪ ،‬في‬
‫م‪ ،‬وأطبق على نفوس البشر من الرض‬ ‫م وط ّ‬
‫ظل نظام رأسمالي مقرف ع ّ‬
‫والسماء‪ ،‬بقوانين وأنظمة وقيم وفلسفات وسياسات‪ ،‬وإعلم فضائي وأرضي‬
‫مرئي ومسموع ومكتوب‪ ،‬وقوة قاهرة وسلطان مرعب‪ ،‬لتصوغ النفوس‬
‫بعيدا ً عن القيم الرفيعة‪ ،‬حتى تلك التي كان العرب يتمتعون بكثير منها في‬
‫جهم وانكلبهم على بعضهم‪ ،‬كالنفة‬ ‫جاهليتهم‪ ،‬مع خمرهم وعرّيهم في ح ّ‬
‫والفخر والعزة والباء‪ ،‬وكإيواء عابر السبيل وقرى الضيف والثرة والشهامة‬
‫ن‬
‫وما إلى ذلك‪ ،‬مما نفتقده اليوم بشدة؛ حتى بين الخوة‪ ،‬بسبب كل ذلك‪ ،‬فإ ّ‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعول عليه لتغيير عامة الناس وإصلح أنفسهم والرتقاء بهم‪ ،‬وإحداث‬
‫نهضة حقيقية لهم‪ ،‬إنما يكون بتغيير الوضاع العامة السائدة في المجتمع‪،‬‬
‫وباستعمال كل الوسائل والمقدرات الممكنة من مؤسسات تعليمية وإعلمية‬
‫واجتماعية وقانونية لنشر القيم الرفيعة والمفاهيم الصحيحة عن الحياة‪ ،‬وهذا‬
‫ل يتأتى بحال دون سياسات يضعها عقلء ومفكرون ونبيهون حريصون على‬
‫المجتمع‪ ،‬يسهر على تنفيذها سلطان الدولة الرحيمة‪ ،‬وبمساندة مختلف‬
‫الطاقات الفردية والجماعية المتوفرة لتحقيق المطلوب‪.‬‬
‫وعدم توفر ذلك النظام السياسي المبدئي المالك لزمام المور‪ ،‬المسخر‬
‫لطاقات المة ومقدراتها فيما يحقق لها الخير والطمأنينة‪ ،‬هو ما يفسر فشل‬
‫محاولت كل الحركات السياسية والخيرية والخلقية والروحية والجتماعية‬
‫في تهذيب أنفس الناس وتنقيتها فضل ً عن عدم إحداث نهضة أو رقي في أي‬
‫من مجتمعات العالم السلمي‪ ،‬حيث سرعان ما تذهب تلك الجهود أدراج‬
‫الرياح في ظل قانون واحد يوصد أمام الناس باب الفضيلة ويعاقبهم على‬
‫التحّلي بها‪ ،‬ويشرع أمامهم باب الرذيلة مفتوحا ً على مصراعيه ويكافئهم على‬
‫اقترافها‪.‬‬
‫ومما ينبغي إدراكه‪ ،‬هو أن ما سبق شرح للواقع على ما هو عليه‪ ،‬وليس‬
‫تبريرا ً لمتهان البعض في سلوكهم‪ ،‬أو لضرب الصفح عن الظلم والثام بحجة‬
‫الظروف والواقع‪ ،‬أو عذرا ً للعتداء على حقوق الخرين وإهدار كرامتهم‪.‬‬
‫فالسرقة والزنا والغش والمكر والخديعة وأكل المال بالباطل واحتراف‬
‫الحتيال والرشوة والظلم بأنواعه وغيرها من الفات هي من الفواحش التي‬
‫يحظر اقترافها وينبغي الحذر منها‪.‬‬
‫كما أنه ل يصح ول يليق البتة‪ ،‬النجرار مع ما هو سائد أو التطبع بالواقع‬
‫الفاسد‪ ،‬بحق من ادعى أنه صاحب رسالة في الحياة‪ ،‬ونذر نفسه لحمل‬
‫دعوة سامية‪ ،‬وتبنى قضية مصيرية فيها‪ ،‬فالركون للواقع والتلون بما شاع‬
‫فيه؛ ينفيان قدرته على إصلح نفسه فكيف يصلح غيره‪ ،‬لن رائد الطليعة‬
‫وقائد المة ينبغي أن يكون مثال ً يحتذى‪ .‬فصاحب الدعوة إن لم يتميز بالثبات‬
‫والتفاني والتضحية والتفاعل الصادق مع أبناء المجتمع‪ ،‬فلن يفلح في قيادتهم‬
‫وسيفشل في تحقيق نصرتهم لقضيته‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لذلك كان على حامل الدعوة بذل جهده في تنقية نفسه من شوائب الواقع‬
‫الفاسد‪ ،‬والتخلص من أدران الصفات المتوارثة‪ ،‬كما عليه تصفية رواسب‬
‫المفاهيم القبيحة والعادات البالية التي يرفل بها مجتمعه‪ .‬ولمعرفة كيف يتم‬
‫ذلك ل بد من توضيح بعض المور‪.‬‬
‫فاكتساب نفسية راقية سامية‪ ،‬ل يتأتى بالعجز وكثرة التبرير والكسل‬
‫المخزي‪ ،‬إنما يتحقق بالرادة الصلبة والتصميم الجاد والهمة العالية‪ ،‬ومن‬
‫غيره فل أمل ُيرجى في تحقيق أي تغيير جدير ذكره في أوضاع النسان مهما‬
‫نمت عقليته‪ ،‬واتسعت ثقافته‪ ،‬وكثرت معلوماته وثرثر بها لسانه؛ لن العادة‬
‫ليس من السهل تركها أو التخلي عنها‪ ،‬ول يمكن تغييرها إل بكسرها و تغليب‬
‫عادة أخرى عليها‪ ،‬ويتم ذلك بتطويع النفس على غير ما تشتهيه‪ ،‬ولو كان من‬
‫المباحات والحلل الزلل‪ ،‬بل وحملها على ما ل تحب ول ترغب فيه‪ ،‬طبعا‬
‫فيما ل هلك أو أذى فيه‪ ،‬حتى تصبح طيعة لينة بيد صاحبها يقودها أّنى شاء‪.‬‬
‫ولعل رأس المر في تغيير ما عليه النفس بالضافة للعزم والهمة والرادة‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصادقة‪ ،‬هو جعل العقل قائدا ً لها والصرار على ذلك‪ ،‬فإن انقادت النفس‬
‫لمفاهيم صاحبها وقناعاته وتصوراته عن الشياء‪ ،‬كان في غاية النسجام مع‬
‫نفسه‪ ،‬وتمّيز بالتزان وشعر بالستقرار‪.‬‬
‫وبما أن حديثنا يتناول نهضة المة السلمية ورسالتها في الحياة وتجسيدها‬
‫في أرض الواقع‪ ،‬كان ل بد من جعل المنهج الشرعي هو القائد الذي يضبط‬
‫العقل آلته على أساسه‪ ،‬فيلزم نفسه بما ألزمه به ربه‪ ،‬ويتقرب إلى الله‬
‫ما حظره الله تعالى‪ ،‬متجنبا ً ما كرهه‬ ‫زلفى بما ندبه واستحبه‪ ،‬صادا ً نفسه ع ّ‬
‫ما استطاع‪ ،‬فإذا ما حصل هذا‪ ،‬تحقق التناسق بين مفاهيم اليمان وصفاء‬
‫النفس وانشدادها إلى اللتزام بمنهج الله سبحانه‪ ،‬وبذلك تسمو إلى حيث‬
‫سمى عقل صاحبها‪ ،‬لتتصف بما روي في الحديث الصحيح عن النبي الكريم‬
‫"ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "‪.‬‬
‫ولتوضيح أهمية ذلك أقتصر على مثلين‪:‬‬
‫‪ .1‬فالمسلم يؤمن بأن الرزاق هو الله تعالى‪ ،‬وهو أمر من ثوابت العقيدة‬
‫ن السير في درب الحرام للكسب غير المشروع‪ ،‬لن‬ ‫ومسلماتها‪ ،‬وعليه؛ فإ ّ‬
‫ً‬
‫يغير من واقع رزقه شيئا‪ ،‬ولن يزيده ذلك إل إثما وحسرة وندامة‪ ،‬وهذا أمر‬ ‫ً‬
‫اعتنقه العقل‪ ،‬حيث ثبت لدى كل مسلم يقينًا‪ ،‬أن القرآن حق ينطق بالصدق‬
‫الذي ل ريب في‪ ،‬وأن كل ما ورد فيه هو حق خالص ل يأتيه الباطل‪ ،‬وقد ورد‬
‫ه لَ َ‬ ‫َْ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن ‪ ،‬فَوََر ّ‬ ‫دو َ‬‫ما ُتوعَ ُ‬ ‫م وَ َ‬‫ماِء رِْزقُك ُ ْ‬ ‫س َ‬
‫فيه‪? :‬وَِفي ال ّ‬
‫َ‬
‫ن? ]الذاريات[‪.‬‬ ‫قو َ‬‫م َتنط ِ ُ‬ ‫ما أن ّك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ِ‬
‫بينما نجد أن هوى النفس يداعب المشاعر بإثارة القلق على الرزق‪ ،‬ويدفع‬
‫النسان إلى أن ينهل منه قدر المستطاع‪ ،‬بأي وسيلة طالما أن ذلك متاح ولو‬
‫ب‬
‫ح ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫لم يكن مباحًا‪ ،‬وذلك بدافع الرغبة كما جاء في القرآن‪ُ? :‬زي ّ َ‬
‫ل‬ ‫ضةِ َوال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ن الذ ّهَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قن ْط ََرةِ ِ‬ ‫م َ‬‫طيرِ ال ْ ُ‬‫قَنا ِ‬‫ن َوال ْ َ‬ ‫ساِء َوال ْب َِني َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ث? ]آل عمران ‪ [14‬أو بدافع وسوسة الشيطان‬ ‫حْر ِ‬ ‫مةِ َوالن َْعام ِ َوال َ‬ ‫سو ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ِبال ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫شاِء?‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫مُرك ُ ْ‬
‫قَر وَي َأ ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن ي َعِد ُك ُ ْ‬
‫طا ُ‬ ‫خشية إملق‪ ،‬يقول تعالى‪? :‬ال ّ‬
‫]البقرة ‪.[268‬‬
‫واستنادا ً لما سبق‪ ،‬فإن نفرت النفس إلى ما تشتهيه وتهواه‪ ،‬أو اتبعت‬
‫وسوسة الشيطان‪ ،‬وانصرفت عن صدق وعد الله المتعهد بكفالة الرزق‪ ،‬كان‬
‫ما اعتنقه العقل وآمن به وسلم بصحته‪ ،‬حيث هوى إلى ما ذهبت‬ ‫النحطاط ع ّ‬
‫إليه النفس باتباعها الشهوة وانقيادها للغريزة‪ ،‬تماما كالبهيمة تنساق وراء كل‬
‫غنيمة‪.‬‬
‫وتتشكل مع تكرار العصيان نفسية رديئة‪ ،‬اعتادت الخصومة مع الشريعة‬
‫والبعد عن منهج الله‪ ،‬فتنفصم شخصية المسلم بين إيمانه الذي صدق به‬
‫ونفسه التي أصابتها الحسرة لنجرارها وراء مجرد الرغبة‪ ،‬ويفقد بذلك‬
‫انسجامه بين النفس والعقل‪ ،‬مما يؤدي إلى الضطراب والقلق‪ ،‬وإذا ما‬
‫تكررت هذه الحالة في النفصام بين النفس والعقل أدت على الغلب إلى‬
‫اهتزاز الشخصية وعدم جدواها لقيادة نفسها فما بالك بقيادة البشرية‪.‬‬
‫أما إن جعل المرء ما يؤمن به ويعتنقه عقله هو العامل الحاسم في تسيير‬
‫سلوكه‪ ،‬كان الثبات والرقي‪ ،‬ولسمت النفس لتتواصل مع العقل‪ ،‬فيحصل‬
‫النسجام وتتحقق الطمأنينة ويظهر الثبات‪ ،‬فتتشكل بذلك الشخصية‬
‫السلمية السوية الصادقة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .2‬مما تدفع إليه الغريزة بشكل فطري‪ ،‬الميل إلى الجنس الخر‪ ،‬فإن أرخى‬
‫المرء لنفسه عنانها‪ ،‬وأطلق نظراته وراء كل محرم؛ بغية التلذذ وإشباع‬
‫الشهوة‪ ،‬لدى ذلك بالنفس إلى التخلي عما يحصنها‪ ،‬من وجوب انقيادها‬
‫للعقل الذي سلم بوجوب اتباع وحي الله تبارك وتعالى‪ ،‬الذي أمر بغض النظر‬
‫عن العورات المحرمة‪ ،‬فإن انقادت النفس لشهوة صاحبها وأطلق نظراته‬
‫مر بغض النظر‪ ،‬يخسر التزامه وبذلك تنقاد نفسه إلى‬ ‫ُ‬
‫كسهام القناص حيث أ ِ‬
‫طريق الفجور والعصيان حيث تهبط إلى مستوى الغريزة المدفوعة من غير‬
‫عقل ضابط‪ .‬بينما لو حصل العكس‪ ،‬واتخذت النفس الشرع الذي آمن به‬
‫النسان سيدا ً لها‪ ،‬ومنحته السلطان عليها‪ ،‬وغضت البصر‪ ،‬لتعززت ثقته‬
‫بقدراته‪ ،‬ولقويت إرادته‪ ،‬ولوجد لذة وعصمة من جراء تكرار ذلك حيث بات‬
‫هناك انسجام بين نفسه وبين مفاهيمه‪ ،‬أنظر إلى قول النبي الكريم" النظرة‬
‫سهم من سهام إبليس‪ ،‬من تركها من مخافة الله أعطاه الله إيمانا يجد‬
‫حلوته في قلبه ‪" .‬‬
‫وهكذا ينبغي أن تسير المور عند من يريد أن يسلك درب الرشاد‪ ،‬وينال‬
‫رضى الرحمن‪ ،‬ليتلطف به ويكفله وينصره‪ ،‬فيصبح بصره الذي يبصر به وعينه‬
‫التي يرى بها؛ ولذلك لزم عند من أدرك في نفسه صفة تخرم مروءته‪ ،‬أو‬
‫ط من آدميته‪ ،‬كان عليه أن يباشر في تهذيب نفسه‪ ،‬بتعويدها عما يجلها‬ ‫تح ّ‬
‫ويرفعها عن الموبقات والثام‪.‬‬
‫فمثل من شعر بنفسه يتملكها الحسد من الخرين لزمه تدبر حديث النبي‬
‫كته في‬ ‫طه على هَل َ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫سد َ إل في اثنتين‪ :‬رجل آتاه الله ماًل‪ ،‬ف َ‬ ‫ح َ‬‫الكريم "ل َ‬
‫ّ‬
‫قضي بها وي ُعَلمها" وهكذا ‪...‬‬ ‫الحق‪ ،‬ورجل آتاه الله الحكمة فهو ي َ ْ‬
‫وعليه أن يجبر نفسه على النكسار أمام شرع الله لكي يتقبله الله ويوفقه‪،‬‬
‫فل يغلب شهوة أو طبعا ً سيئا ً على أمر يخالف الشرع‪ ،‬وعليه أن يحذر من‬
‫التبرير لما يقدم عليه‪ ،‬فإن ذلك هو درب إبليس الذي تجرأ بذلك على الله‬
‫تعالى‪ ،‬حيث أخذ يجادله في أمر طاعته‪ ،‬وأن سجوده لدم سينقص من قدر‬
‫خلقه‪ ،‬إذ أن النار أفضل من الطين بزعمه‪ ،‬وتجاهل أن الله هو خالق الشياء‪،‬‬
‫ويعلم كنهها‪ ،‬وهو بكل شيء محيط‪.‬‬
‫وانطلقا ً من هذه القاعدة الفكرية‪ ،‬ينبغي على المرء النطلق في عالم‬
‫يجعل فيه شرع الله جل وعل نصب عينيه‪ ،‬مدركا ً أنه متبع بذلك عقله الذي‬
‫ميزه الله به ليسلم بآلء الله وتوجيهه ووحيه‪ ،‬فيسير في دربه ويعتصم بحبل‬
‫الله منقطعا ً إليه عمن سواه‪ ،‬لينطبق عليه في رحلته إلى محطته البرزخية‬
‫ة‪،‬‬ ‫ضي ّ ً‬‫مْر ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ضي َ ً‬
‫ك َرا ِ‬ ‫جِعي إ َِلى َرب ّ ِ‬ ‫ة ‪ ،‬اْر ِ‬ ‫مئ ِن ّ ُ‬‫مط ْ َ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ ? :‬ياأ َي ّت َُها الن ّ ْ‬
‫جن ِّتي? ]الفجر[‪.‬‬ ‫خِلي َ‬ ‫عَباِدي ‪َ ،‬واد ْ ُ‬ ‫خِلي ِفي ِ‬ ‫َفاد ْ ُ‬
‫نعم هذا هو الحال إذا ما ألزم النسان نفسه بما أنتجه عقله من قناعات‬
‫عقائدية تفسر سبب وجوده في الحياة‪ ،‬وتضع له نظاما ً منبثقا ً عنها؛ ليضبط‬
‫حركات أفعاله على إيقاعات متناسقة مع منهج الله وهديه الذي رسمه له‪،‬‬
‫فوًرا? ]النسان[‪.‬‬ ‫ما ك َ ُ‬
‫شاك ًِرا وَإ ِ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫سِبي َ‬ ‫حيث يقول‪? :‬إ ِّنا هَد َي َْناهُ ال ّ‬
‫خر العقل في خدمتها‪ ،‬فإنه سينطلق‬ ‫وأما إذا ما أتبع النسان نفسه هواها‪ ،‬وس ّ‬
‫ً‬
‫في عالم الغواية‪ ،‬وسينزلق في عالم البهيمة؛ فيصبح شرا منها‪ ،‬ولنطبق‬
‫ل? ]الفرقان[ هذا هو‬ ‫سِبي ً‬ ‫ض ّ‬ ‫ل هُ َ‬ ‫كاْل َن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬
‫ل َ‬ ‫مأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫عليه قوله تعالى?إ ِ ْ‬
‫ها ‪،‬‬ ‫وا َ‬‫س ّ‬‫ما َ‬ ‫س وَ َ‬‫ف ٍ‬ ‫واقع بحث النفس‪ ،‬وخلصته تتمثل في قوله تعالى‪? :‬وَن َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ها?‬ ‫سا َ‬‫ن دَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫ها ‪ ،‬وَقَد ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َز ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ها ‪ ،‬قَد ْ أفْل َ َ‬ ‫وا َ‬
‫ق َ‬‫ها وَت َ ْ‬ ‫جوَر َ‬ ‫فَأل ْهَ َ‬
‫مَها فُ ُ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النفاق‬
‫ل‪ :‬تعريف وبيان‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬أنواع النفاق‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬أركان النفاق وبواعثه‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ذم النفاق في الكتاب والسنة‪.‬‬
‫سا‪ :‬خوف السلف من النفاق‪.‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬صفات المنافقين في الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫ساد ً‬
‫سابًعا‪ :‬موقف المسلم من المنافقين‪.‬‬
‫ثامًنا‪ :‬سبل الوقاية من النفاق‪.‬‬
‫ل‪ :‬تعريف وبيان‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫أ‪ -‬النفاق لغة‪:‬‬
‫اختلف أهل اللغة في أصل النفاق‪:‬‬
‫مي‬ ‫سرب في الرض الذي ُيست ََتر فيه‪ ،‬س ّ‬ ‫فقيل‪ :‬مأخوذ من النفق‪ ،‬وهو ال ّ‬
‫ن المنافق يستر كفَره‪ .‬وبهذا قال أبو عبيد‪.‬‬ ‫النفاق بذلك ل ّ‬
‫ّ‬
‫وقيل‪ :‬إنه مأخوذ من نافقاء‪ ،‬والنافقاء موضع يرققه اليربوع من جحره‪ ،‬فإذا‬
‫أتى من ِقبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فانتفق‪ ،‬أي‪ :‬خرج‪ ،‬ومنه اشتقاق‬
‫ن اليمان يخرج منه‪ ،‬أو يخرج هو‬ ‫ف ما ُيظهر‪ ،‬فكأ ّ‬‫ن صاحبه يكتم خل َ‬ ‫النفاق؛ ل ّ‬
‫من اليمان في خفاء‪.‬‬
‫ن الصل في الباب واحد‪ ،‬وهو الخروج‪ ،‬والنفق المسلك النافذ الذي‬ ‫ويمكن أ ّ‬
‫يمكن الخروج منه‪.‬‬
‫ن النفاق في اللغة‬ ‫سره به أهل العلم المعتبرون أ ّ‬ ‫قال ابن رجب‪" :‬والذي ف ّ‬
‫هو من جنس الخداع والمكر‪ ،‬وإظهار الخير وإبطان خلفه"‪.‬‬
‫ب‪ -‬النفاق شرعا‪:‬‬
‫هو إظهار السلم وإبطان الكفر‪.‬‬
‫ص‪ ،‬وإن كان أصله الذي‬ ‫ي لم تعرفه العرب بهذا المعنى الخا ّ‬ ‫وهو اسم إسلم ّ‬
‫ُأخذ منه في اللغة معروًفا‪.‬‬
‫ج‪ -‬ألفاظ ذات صلة‪:‬‬
‫الزندقة‪:‬‬
‫أطلق بعض العلماء لفظ "الزنديق" على المنافق‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬ولما كثرت العاجم في المسلمين تكلموا بلفظ الزنديق‪،‬‬
‫وشاعت في لسان الفقهاء‪ ،‬وتكلم الناس في الزنديق هل تقبل توبته؟‪...‬‬
‫والمقصود هنا أن الزنديق في عرف هؤلء الفقهاء هو المنافق الذي كان على‬
‫م ويبطن غيَره‪ ،‬سواء‬ ‫عهد النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهو أن يظهر السل َ‬
‫ّ‬
‫أبطن دينا من الديان كدين اليهود والنصارى أو غيرهم‪ ،‬أو كان معطل ً جاح ً‬
‫دا‬
‫للصانع والمعاد والعمال الصالحة"‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬لسان العرب )‪ ،(14/243‬مادة‪) :‬نفق(‪.‬‬
‫مقاييس اللغة لبن فارس )‪ ،(5/455‬مادة‪) :‬نفق(‪.‬‬
‫جامع العلوم والحكم )‪.(2/481‬‬
‫ينظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث )‪ ،(5/97‬التعريفات للجرجاني )ص ‪.(245‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(7/471‬‬
‫ثانًيا‪ :‬أنواع النفاق‪:‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬النفاق نوعان‪ :‬أكبر وأصغر‪.‬‬
‫فالكبر يوجب الخلود في النار في دركها السفل‪ ،‬وهو أن يظهر للمسلمين‬
‫إيمانه بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‪ ،‬وهو في الباطن منسلخ من‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذب به"‪.‬‬ ‫ذلك كله‪ ،‬مك ّ‬


‫وقال ابن كثير‪" :‬النفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر‪ ،‬وهو أنواع‪ :‬اعتقادي‬
‫وهو الذي يخلد صاحبه في النار‪ ،‬وعملي وهو من أكبر الذنوب"‪.‬‬
‫وقال ابن رجب‪" :‬والنفاق في الشرع ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬النفاق الكبر‪ ،‬وهو أن يظهر النسان اليمان بالله وملئكته وكتبه‬
‫ورسله واليوم الخر‪ ،‬ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه‪ ،‬وهذا هو النفاق‬
‫م أهله‬‫الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ونزل القرآن بذ ّ‬
‫وتكفيرهم‪ ،‬وأخبر أن أهله في الدرك السفل من النار‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬النفاق الصغر‪ ،‬وهو نفاق العمل‪ ،‬وهو أن يظهر النسان علنية‬
‫صالحة‪ ،‬ويبطن ما يخالف ذلك‪.‬‬
‫وأصول هذا النفاق ترجع إلى الخصال المذكورة في هذه الحاديث‪ ،‬وهي‬
‫خمس‪:‬‬
‫دقه به وهو كاذب له‪.‬‬‫دث بحديث لمن يص ّ‬ ‫أحدها‪ :‬أن يح ّ‬
‫والثاني‪ :‬إذا وعد أخلف‪ ،‬وهو على نوعين‪ ،‬أحدهما‪ :‬أن ي َعِد َ ومن نيته أن ل يفي‬
‫خلف‪ ،‬ولو قال‪ :‬أفعل كذا إن شاء الله تعالى ومن نّيته أن‬ ‫بوعده‪ ،‬وهذا أشر ال ُ‬
‫ي‪ ،‬ثم‬
‫خلفا‪ ،‬قاله الوزاعي‪ ،‬الثاني‪ :‬أن يِعد ومن نيته أن يف َ‬ ‫ل يفعل كان كذبا و ُ‬
‫يبدو له فيخِلف من غير عذر له في الخلف‪.‬‬
‫دا حتى يصير‬ ‫والثالث‪ :‬إذا خاصم فجر‪ ،‬ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عم ً‬
‫قا‪ ،‬وهذا مما يدعو إليه الكذب‪ .‬فإذا كان الرجل ذا‬ ‫الحق باطل ً والباطل ح ّ‬
‫قدرة عند الخصومة ـ سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا ـ على أن‬
‫ق‪ ،‬ويخرجه في صورة‬ ‫ق‪ ،‬ويوهن الح ّ‬
‫ينتصر للباطل‪ ،‬ويخّيل للسامع أنه ح ّ‬
‫الباطل‪ ،‬كان ذلك من أقبح المحرمات وأخبث خصال النفاق‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل عهد بين المسلم‬ ‫ف بالعهد‪ ،‬والغدر حرام في ك ّ‬ ‫الرابع‪ :‬إذا عاهد غدر ولم ي ِ‬
‫وغيره‪ ،‬ولو كان المعاهد كافًرا‪ ،‬ولهذا في حديث عبد الله بن عمرو عن النبي‬
‫دا بغير حقها لم يرح رائحة‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪)) :‬من قتل نفسا معاه ً‬
‫ما((‪ ،‬وقد أمر الله تعالى في‬ ‫الجنة‪ ،‬وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عا ً‬
‫كتابه بالوفاء بعهود المشركين إذا أقاموا على عهودهم ولم ينقضوا منها شيئا‪.‬‬
‫ما عهود المسلمين فيما بينهم فالوفاء بها أشد‪ ،‬ونقضها أعظم إثما‪ .‬ومن‬ ‫وأ ّ‬
‫أعظمها نقض عهد المام على من بايعه ورضي به‪ ،‬وفي الصحيحين عن أبي‬
‫هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬ثلثة ل يكّلمهم الله يوم‬
‫ما ل‬
‫القيامة ول يزكيهم ولهم عذاب أليم((‪ ،‬فذكر منهم‪)) :‬ورجل بايع إما ً‬
‫ف له((‪ .‬ويدخل في‬ ‫يبايعه إل لدنيا‪ ،‬فإن أعطاه ما يريد وّفى له‪ ،‬وإل لم ي ِ‬
‫العهود التي يجب الوفاء بها ويحرم الغدر فيها جميع عقود المسلمين فيما‬
‫بينهم إذا تراضوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللزمة‬
‫التي يجب الوفاء بها‪ ،‬وكذلك ما يجب الوفاء به لله عز وجل مما يعاهد العبد‬
‫رّبه عليه من نذر الّتبّرر ونحوه‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬الخيانة في المانة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وحاصل المر أن الّنفاق الصغر كله يرجع إلى اختلف السريرة والعلنية‪،‬‬
‫قاله الحسن‪ .‬وقال الحسن أيضا‪ :‬من النفاق اختلف القلب واللسان‪،‬‬
‫واختلف السر والعلنية‪ ،‬واختلف الدخول والخروج"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬ومن أعظم ِ خصال الّنفاق العملي أن يعمل النسان عمل ويظهر أنه‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م له ذلك‪،‬‬ ‫صل به إلى غرض له سيئ‪ ،‬فيت ّ‬ ‫قصد به الخير وإنما عمله ليتو ّ‬
‫صل بهذه الخديعة إلى غرضه‪ ،‬ويفرح بمكره وخداعه وحمد الناس له‬ ‫ويتو ّ‬
‫صل به إلى غرضه السيئ الذي أبطنه‪ ،‬وهذا قد حكاه‬ ‫على ما أظهره‪ ،‬ويتو ّ‬
‫ذوا ْ‬ ‫خ ُ‬
‫ّ َ‬ ‫ت‬‫}ا‬ ‫أنهم‬ ‫المنافقين‬ ‫عن‬ ‫فحكى‬ ‫واليهود‪،‬‬ ‫المنافقين‬ ‫الله في القرآن عن‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ب الل ّ َ‬ ‫حاَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫صاًدا ل ّ َ‬ ‫ن وَإ ِْر َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫قا ب َي ْ َ‬ ‫ري ً‬ ‫ف ِ‬ ‫فًرا وَت َ ْ‬ ‫ضَراًرا وَك ُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج ً‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]التوبة‪:‬‬ ‫بو‬ ‫ذ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫نى‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬
‫ُِ َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ ِّ ُ ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ّ ِ ْ َ َْ ِ‬ ‫ْ َ َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن َأن‬ ‫بو‬
‫ْ ُّ ّ َ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ن بما أ َ‬
‫َ َ َ ُ َ ِ َ‬ ‫حو‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫ْ َ َ ّ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫اليهود‪:‬‬ ‫في‬ ‫وأنزل‬ ‫[‪،‬‬ ‫‪107‬‬
‫ذاب أ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م{ ]آل‬ ‫ٌ‬ ‫لي‬‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬‫ِ َ ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ّ َ‬ ‫م‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫فا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫م بِ َ‬ ‫سب َن ّهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فعَُلوا ْ فَل َ ت َ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫دوا ْ ب ِ َ‬ ‫م ُ‬‫ح َ‬‫يُ ْ‬
‫عمران‪ ،[188:‬وهذه الية نزلت في اليهود‪ ،‬سألهم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره‪ ،‬فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما‬
‫سألهم عنه‪ ،‬واستحمدوا بذلك‪ ،‬وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سئلوا عنه‪،‬‬
‫ضا عن أبي‬ ‫قال ذلك ابن عباس‪ ،‬وحديثه مخّرج في الصحيحين‪ .‬وفيهما أي ً‬
‫سعيد أنها نزلت في رجال من المنافقين كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه‪ ،‬وفرحوا بمقعدهم خلفه‪ ،‬فإذا قدم رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا‪ ،‬وأحبوا أن يحمدوا بما‬
‫لم يفعلوا"‪.‬‬
‫وقال في معرض بيان خطورة هذا النفاق‪" :‬والنفاق الصغر وسيلة وذريعة‬
‫إلى النفاق الكبر‪ ،‬كما أن المعاصي بريد الكفر‪ ،‬فكما ُيخشى على من أصّر‬
‫ن عند الموت كذلك يخشى على من أصّر على‬ ‫ب اليما َ‬ ‫على المعصية أن يسل َ َ‬
‫خصال النفاق أن يسَلب اليمان‪ ،‬فيصير منافقا خالصا"‪.‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/376‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/48‬‬
‫أخرجه البخاري في الديات‪ ،‬باب‪ :‬إثم من قتل ذمًيا بغير جرم )‪.(6914‬‬
‫أخرجه البخاري في الشهادات‪ ،‬باب‪ :‬اليمين بعد العصر )‪ ،(2672‬ومسلم في‬
‫اليمان )‪.(108‬‬
‫جامع العلوم والحكم )‪ (2/481‬وما بعدها‪ ،‬بتصرف‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما أت َوْا{‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪ :‬قوله‪} :‬ل َ ت َ ْ‬
‫)‪ ،(4568‬ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم )‪.(2778‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما أت َوْا{‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪ :‬قوله‪} :‬ل َ ت َ ْ‬
‫)‪ ،(4567‬ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم )‪.(2777‬‬
‫جامع العلوم والحكم )‪.(494-2/493‬‬
‫جامع العلوم والحكم )‪.(493-2/492‬‬
‫م النفاق في الكتاب والسنة‪:‬‬ ‫رابًعا‪ :‬ذ ّ‬
‫ن كله في شأنهم؛ لكثرتهم على ظهر‬ ‫ّ‬ ‫قال ابن القيم‪" :‬كاد القرآن أن يكو َ‬
‫الرض وفي أجواف القبور"‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫ُ‬
‫ه أّنى ي ُؤْفَكو َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫م َقات َلهُ ُ‬ ‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫م ال ْعَد ُوّ َفا ْ‬ ‫‪ -1‬قال الله تعالى‪} :‬هُ ُ‬
‫]المنافقون‪.[4:‬‬
‫م العَد ُّو{‬ ‫ْ‬ ‫قال الطبري‪" :‬يقول الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم‪} :‬هُ ُ‬
‫م{؛ فإن ألسنتهم إذا لقوكم معكم‪ ،‬وقلوبهم عليكم مع‬ ‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫يا محمد }َفا ْ‬
‫أعدائكم‪ ،‬فهم عين لعدائكم عليكم"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ابن القيم‪" :‬ومثل هذا اللفظ يقتضي الحصر‪ ،‬أي‪ :‬ل عدوّ إل هم‪ ،‬ولكن لم‬
‫يرد ها هنا حصر العداوة منهم‪ ،‬وأنه ل عدوّ للمسلمين سواهم‪ ،‬بل هذا من‬
‫هم بانتسابهم إلى‬ ‫باب إثبات الولوية والحقية لهم في هذا الوصف‪ ،‬وأنه ل يتو ّ‬
‫المسلمين ظاهًرا وموالتهم لهم ومخالطتهم إياهم أنهم ليسوا بأعدائهم‪ ،‬بل‬
‫هم أحقّ بالعداوة ممن باينهم في الدار‪ ،‬ونصب لهم العداوة وجاهرهم بها؛‬
‫فإن ضرر هؤلء المخالطين لهم المعاشرين لهم ـ وهم في الباطن على‬
‫ن‬
‫خلف دينهم ـ أشد ّ عليهم من ضرر من جاهرهم بالعداوة وألزم وأدوم؛ ل ّ‬
‫الحرب مع أولئك ساعة أو أّيام ثم تنقضي ويعقبه النصر والظفر‪ ،‬وهؤلء‬
‫حا ومساًء‪ ،‬يدّلون العدوّ على عوراتهم‪،‬‬ ‫معهم في الديار والمنازل صبا ً‬
‫ويترّبصون بهم الدوائر‪ ،‬ول يمكنهم مناجزتهم‪ ،‬فهم أحقّ بالعداوة من المباين‬
‫م{‪ ،‬ل على معنى أنه ل عدوّ لكم‬ ‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫م ال ْعَد ُوّ َفا ْ‬ ‫المجاهر‪ ،‬فلهذا قيل‪} :‬هُ ُ‬
‫سواهم‪ ،‬بل على معنى أنهم أحقّ بأن يكونوا لكم عدّوا من الكفار‬
‫المجاهرين"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬قد هتك الله سبحانه أستار المنافقين‪ ،‬وكشف أسرارهم في القرآن‪،‬‬
‫ف العالم‬ ‫وجّلى لعباده أمورهم؛ ليكونوا منها ومن أهلها على حذر‪ ،‬وذكر طوائ َ‬
‫الثلثة في أّول سورة البقرة‪ :‬المؤمنين والكفار والمنافقين‪ ،‬فذكر في‬
‫المؤمنين أربع آيات‪ ،‬وفي الكفار آيتين‪ ،‬وفي المنافقين ثلث عشرة آية؛‬
‫ن بلية‬ ‫دة فتنتهم على السلم وأهله‪ ،‬فإ ّ‬ ‫لكثرتهم وعموم البتلء بهم‪ ،‬وش ّ‬
‫دا؛ لنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالته وهم‬ ‫السلم بهم شديدة ج ً‬
‫عْلم‬ ‫ن الجاهل أنه ِ‬ ‫ل قالب يظ ّ‬ ‫أعداؤه في الحقيقة‪ ،‬يخرجون عداوته في ك ّ‬
‫قل للسلم قد هدموه‪،‬‬ ‫وإصلح‪ ،‬وهو غاية الجهل والفساد‪ .‬فل ِّله كم من مع َ‬
‫حصن له قد قلعوا أساسه وخّربوه‪ ،‬وكم من عََلم له قد طمسوه‪،‬‬ ‫وكم من ِ‬
‫شبه في أصول‬ ‫وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه‪ ،‬وكم ضربوا بمعاول ال ّ‬
‫موا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها‪ ،‬فل‬ ‫غراسه ليقلعوها‪ ،‬وكم عَ ّ‬
‫ة‬
‫سرِي ّ ُ‬ ‫يزال السلم وأهله منهم في محنة وبلّية‪ ،‬ول يزال يطرقه من شبههم َ‬
‫َ‬
‫كن ل ّ‬ ‫ن وََل ِ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫بعد سرّية‪ ،‬ويزعمون أنهم بذلك مصلحون }أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م ُنورِ ِ‬ ‫مت ِ ّ‬
‫ه ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫فُئوا ْ ُنوَر الل ّهِ ب ِأْفواهِهِ ْ‬ ‫ن ل ِي ُط ْ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن{ ]البقرة‪} ،[12:‬ي ُ ِ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن{ ]الصف‪."[8:‬‬ ‫وَل َوْ كرِهَ الكافُِرو َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حوْل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ما َ‬ ‫ت َ‬ ‫ضاَء ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ست َوْقَد َ َناًرا فَل َ ّ‬‫ذي ا ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ِ‬‫م كَ َ‬ ‫مث َل ُهُ ْ‬ ‫‪ -2‬قال الله تعالى‪َ } :‬‬
‫مل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬
‫ُ ّ ُ ٌ ُ ْ ٌ ُ ْ‬‫م‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ص‬ ‫(‬ ‫‪17‬‬ ‫)‬ ‫رون‬ ‫ص‬‫ب‬
‫ُْ ِ ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ت‬‫َ ٍ‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫في‬ ‫َ‬
‫م وَت ََرك ُ ْ ِ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ه ب ُِنورِهِ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬‫ذ َهَ َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[18 ،17:‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي َْر ِ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شّبههم في اشترائهم‬
‫الضللة بالهدى وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى بمن استوقد ناًرا‪ ،‬فلما‬
‫أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله وتأّنس بها فبينا هو‬
‫كذلك إذ طفئت ناره‪ ،‬وصار في ظلم شديد‪ ،‬ل يبصر ول يهتدي‪ ،‬وهو مع هذا‬
‫م ل يسمع‪ ،‬أبكم ل ينطق‪ ،‬أعمى لو كان ضياء لما أبصر‪ ،‬فلهذا ل يرجع إلى‬ ‫أص ّ‬
‫ضا‬ ‫ما كان عليه قبل ذلك‪ ،‬فكذلك هؤلء المنافقون في استبدالهم الضللة عو ً‬
‫ي على الرشد‪ .‬وفي هذا المثل دللة على أنهم‬ ‫عن الهدى‪ ،‬واستحبابهم الغ ّ‬
‫آمنوا ثم كفروا‪ ،‬كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع‪ .‬والله أعلم"‪.‬‬
‫م{ ولم يقل‪ :‬بنارهم؛ لن النار فيها‬ ‫ه ب ُِنورِهِ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫وقال ابن القيم‪" :‬قال‪} :‬ذ َهَ َ‬
‫الحراق‪ ،‬وكذلك حال المنافقين ذهب نور إيمانهم بالنفاق‪ ،‬وبقي في قلوبهم‬
‫حرارة الكفر والشكوك والشبهات‪ ،‬تغلي في قلوبهم قد صليت بحرها وأذاها‬
‫وسمومها ووهجها في الدنيا‪ ،‬فأصلهم الله تعالى إياها يوم القيامة نارا‬
‫طلع على الفئدة‪ .‬فهذا مثل من لم يصحبه نور اليمان في الدنيا‪ ،‬بل‬ ‫موقدة‪ ،‬ت ّ‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خرج منه وفارقه بعد أن استضاء به‪ ،‬وهو حال المنافق عرف ثم أنكر‪ ،‬وأقّر‬
‫م أبكم أعمى‪ ،‬كما قال تعالى في حقّ إخوانهم‬ ‫ثم جحد‪ ،‬فهو في ظلمات أص ّ‬
‫ت{ ]النعام‪."[39:‬‬ ‫ما ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م ِفى الظل َ‬ ‫ْ‬
‫م وَب ُك ٌ‬ ‫ص ّ‬‫ن ك َذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنا ُ‬ ‫ذي َ‬‫من الكفار‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫جعَُلو َ‬ ‫ت وََرعْد ٌ وَب َْرقٌ ي َ ْ‬ ‫ما ٌ‬ ‫ماِء ِفيهِ ظ ُل ُ َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫صي ّ ٍ‬ ‫‪ -3‬قال الله تعالى‪} :‬أوْ ك َ َ‬
‫ط ِبال ْ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫م ِ‬‫ه ُ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫حذ ََر ال ْ َ‬‫ق َ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫وا ِ‬ ‫ص َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫صاب ِعَهُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫خط َ ُ َ‬
‫موا‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َقا ُ‬ ‫وا ِفيهِ وَإ َِذا أظ ْل َ َ‬ ‫ش ْ‬‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫ضاَء ل َهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫م ك ُل ّ َ‬ ‫صاَرهُ ْ‬ ‫ف أب ْ َ‬ ‫كاد ُ ال ْب َْرقُ ي َ ْ‬
‫يَ َ‬
‫ه عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫ديٌر{‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫م وَأب ْ َ‬ ‫معِهِ ْ‬ ‫س ْ‬‫ب بِ َ‬ ‫ه لذ َهَ َ‬ ‫شاَء الل ُ‬
‫]البقرة‪.[20 ،19:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ب آخر من المنافقين‪،‬‬ ‫قال ابن كثير‪" :‬هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضر ٍ‬
‫كون تارة أخرى‪ ،‬فقلوبهم في حال‬ ‫وهم قوم يظهر لهم الحق تارة‪ ،‬ويش ّ‬
‫كهم وكفرهم وترّددهم كصّيب‪ ،‬والصّيب المطر نزل من السماء في حال‬ ‫ش ّ‬
‫ظلمات‪ ،‬وهي الشكوك والكفر والنفاق‪ ،‬ورعد وهو ما يزعج القلوب من‬
‫الخوف‪ ،‬فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ن ِبالل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫حةٍ عَل َي ِْهم{ ]المنافقون‪ ،[4:‬وقال‪} :‬وَي َ ْ‬ ‫صي ْ َ‬‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫}ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫مَغاَرا ٍ‬ ‫جئا أوْ َ‬ ‫ً‬ ‫مل َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن )‪ (56‬لوْ ي َ ِ‬ ‫فَرقو َ‬ ‫ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م قوْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫م وَلك ِن ّهُ ْ‬ ‫منك ْ‬‫ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫لَ ِ‬
‫َ‬
‫ن{ ]التوبة‪ ،[57 ،56:‬والبرق هو ما يلمع في‬ ‫حو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫خل ً ل ّوَل ّوْا ْ إ ِل َي ْهِ وَهُ ْ‬ ‫مد ّ َ‬ ‫أوْ ُ‬
‫قلوب هؤلء الضرب من المنافقين في بعض الحيان من نور اليمان‪ ،‬ولهذا‬
‫حي ٌ‬ ‫قال‪} :‬يجعُلو َ‬
‫ط‬ ‫م ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫حذ ََر ال ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ع ِ‬ ‫صوا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِفى ءاَذان ِِهم ّ‬ ‫صاب ِعَهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ن{ ]البقرة‪ ،[19:‬أي‪ :‬ول يجدي عنهم حذرهم شيئا لن الله محيط‬
‫َ‬
‫ري َ‬ ‫ِباْلكافِ ِ‬
‫جُنود ِ )‪(17‬‬ ‫ْ‬
‫ث ال ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل أَتا َ‬ ‫بقدرته‪ ،‬وهم تحت مشيئته وإرادته‪ ،‬كما قال‪} :‬هَ ُ‬
‫م‬
‫من وََرائ ِهِ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫ب )‪َ (19‬والل ُ‬ ‫ذي ٍ‬ ‫فُروا ْ ِفى ت َك ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مود َ )‪ (18‬ب َ ِ‬ ‫ن وَث َ ُ‬ ‫فِْرعَوْ َ‬
‫م{ أي‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫حي ٌ‬
‫صاَرهُ ْ‬ ‫ف أب ْ َ‬ ‫خط ُ‬ ‫ط{ ]البروج‪ [20-17:‬بهم‪ .‬ثم قال‪} :‬ي َكاد ُ الب َْرقُ ي َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫ضاَء‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ما أ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫}‬ ‫لليمان‪،‬‬ ‫ثباتها‬ ‫وعدم‬ ‫بصائرهم‬ ‫وضعف‬ ‫نفسه‬ ‫في‬ ‫وقوته‬ ‫لشدته‬
‫َ‬
‫موا{ أي‪ :‬كلما ظهر لهم من اليمان شيء‬ ‫م َقا ُ‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬ ‫وا ِفيهِ وَإ َِذا أظ ْل َ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫استأنسوا به واتبعوه‪ ،‬وتارة تعرض لهم الشكوك فأظلمت قلوبهم فوقفوا‬
‫حائرين"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬صاب عليهم صّيب الوحي‪ ،‬وفيه حياة القلوب والرواح‪ ،‬فلم‬
‫ظفت عليهم في‬ ‫يسمعوا منه إل رعد التهديد والوعيد والتكاليف التي وُ ّ‬
‫دوا في‬ ‫المساء والصباح‪ ،‬فجعلوا أصابعهم في آذانهم‪ ،‬واستغشوا ثيابهم‪ ،‬وج ّ‬
‫الهرب والطلب في آثارهم والصياح‪ ،‬فنودي عليهم على رؤوس الشهاد‪،‬‬
‫وكشفت حالهم للمستبصرين‪ ،‬وضرب لهم مثلن بحسب حال الطائفتين‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ما ٌ‬ ‫ماِء ِفيهِ ظ ُل ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫صي ّ ٍ‬ ‫منهم‪ :‬المناظرين والمقلدين‪ ،‬فقيل‪} :‬أوْ ك َ َ‬
‫ورعْد وبرقٌ يجعُلو َ‬
‫ت َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫حذ ََر ال ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ع ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫صاب ِعَهُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ََ ٌ ََْ‬
‫ن{‪ .‬ضعفت أبصار بصائرهم عن احتمال ما في الصّيب من‬ ‫ِ َ‬ ‫ري‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ط ِبا‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫بروق أنواره وضياء معانيه‪ ،‬وعجزت أسماعهم عن تلقي وعوده ووعيده‬
‫وأوامره ونواهيه‪ ،‬فقاموا عند ذلك حيارى في أودية التيه‪ ،‬ل ينتفع بسمعه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وا ِفيهِ وَإ َِذا أظ ْل َ َ‬
‫م‬ ‫ش ْ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫ضاَء ل َهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫السامع‪ ،‬ول يهتدي ببصره البصير‪} ،‬ك ُل ّ َ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫م وَأب ْ َ‬ ‫معِهِ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ه ل َذ َهَ َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫موا وَل َوْ َ‬ ‫م َقا ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ديٌر{"‪.‬‬ ‫قَ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جاَرت ُهُ ْ‬ ‫ت تِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ما َرب ِ َ‬ ‫دى ف َ‬ ‫ة ِبالهُ َ‬ ‫ضلل َ‬ ‫شت ََرُوا ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ -4‬قال الله تعالى‪} :‬أولئ ِك ال ِ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[16:‬‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ابن القيم‪" :‬خرجوا في طلب التجارة البائرة في بحار الظلمات‪ ،‬فركبوا‬
‫مراكب الشبه والشكوك‪ ،‬تجري بهم في موج الخيالت‪ ،‬فلعبت بسفنهم الريح‬
‫دى‬ ‫ة ِبال ْهُ َ‬ ‫ضلل َ َ‬ ‫شت ََرُوا ال ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫العاصف‪ ،‬فألقتها بين سفن الهالكين‪ُ} ،‬أول َئ ِ َ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬‫جاَرت ُهُ ْ‬
‫ت تِ َ‬
‫ح ْ‬‫ما َرب ِ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ؤلء{ ]النساء‪:‬‬ ‫ؤلِء َول إ َِلى هَ ُ‬ ‫ك ل إ َِلى هَ ُ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن ب َي ْ َ‬‫مذ َب ْذ َِبي َ‬‫‪ -5‬قال الله تعالى‪ُ } :‬‬
‫‪.[143‬‬
‫قال الطبري‪" :‬عنى بذلك أن المنافقين متحّيرون في دينهم‪ ،‬ل يرجعون إلى‬
‫اعتقاد شيء على صحة‪ ،‬فهم ل مع المؤمنين على بصيرة‪ ،‬ول مع المشركين‬
‫على جهالة‪ ،‬ولكنهم حيارى بين ذلك"‪.‬‬
‫‪ -6‬عن ابن عمر رضي الله عنهما‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين‪ ،‬تعير إلى هذه مرة وإلى‬
‫هذه مرة((‪.‬‬
‫ما تتبع‪ ،‬ومعنى تعير أي‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال النووي‪" :‬العائرة‪ :‬المتردّدة الحائرة‪ ،‬ل تدري لي ّهِ َ‬
‫ترّدد وتذهب"‪.‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جد َ لهُ ْ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ن الّنارِ وَل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫ن ِفي الد ّْر ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫‪ -7‬قال الله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫صيرا{ ]النساء‪.[145:‬‬ ‫نَ ِ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫س‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫ر‬‫د‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫بقوله‪:‬‬ ‫ثناؤه‬ ‫جل‬ ‫"يعني‬ ‫الطبري‪:‬‬ ‫قال‬
‫ْ ِ ِ َ‬ ‫ّْ ِ‬ ‫ُ َ ِ ِ َ ِ‬ ‫ِ ّ‬
‫ل طبق من‬ ‫الّناِر{ أن المنافقين في الطبق السفل من أطباق جهنم‪ ،‬وك ّ‬
‫أطباق جهنم درك"‪.‬‬
‫م‬‫جهَن ّ َ‬ ‫فاَر َناَر َ‬ ‫ت َوال ْك ُ ّ‬ ‫قا ِ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫‪ -8‬قال الله تعالى‪} :‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م{ ]التوبة‪.[68:‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬
‫ه وَلهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫م وَل َعَن َهُ ُ‬ ‫سب ُهُ ْ‬
‫ح ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ن ِفيَها هِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫َ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -9‬عن أبي موسى رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫جة طعمها طّيب وريحها طّيب‪،‬‬ ‫))المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالتُر ّ‬
‫والمؤمن الذي ل يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طّيب ول ريح لها‪،‬‬
‫ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طّيب وطعمها مّر‪ ،‬ومثل‬
‫مها مّر أو خبيث وريحها مّر((‪.‬‬ ‫المنافق الذي ل يقرأ القرآن كالحنظلة طع ُ‬
‫‪ -10‬عن عبد الله بن كعب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))مثل المؤمن كالخامة من الزرع‪ ،‬تفيؤها الريح مرة وتعدلها مرة‪ ،‬ومثل‬
‫المنافق كالرزة‪ ،‬ل تزال حتى يكون انجعافها مّرة واحدة((‪.‬‬
‫ن المؤمن حيث جاءه أمر الله انطاع له‪ ،‬فإن‬ ‫قال المهّلب‪" :‬معنى الحديث‪ :‬أ ّ‬
‫وقع له خير فرح به وشكر‪ ،‬وإن وقع له مكروه صبر ورجا فيه الخير والجر‪،‬‬
‫فإذا اندفع عنه اعتدل شاكرا‪.‬‬
‫سر عليه‬ ‫قده الله باختياره‪ ،‬بل يحصل له التيسير في الدنيا؛ ليتع ّ‬ ‫والكافر ل يتف ّ‬
‫الحال في المعاد‪ ،‬حتى إذا أراد الله إهلكه قصمه‪ ،‬فيكون موته أشد ّ عذابا‬
‫عليه‪ ،‬وأكثر ألما في خروج نفسه"‪.‬‬
‫قى العراض الواقعة عليه لضعف حظهّ‬ ‫وقال غيره‪" :‬المعنى‪ :‬أن المؤمن يتل ّ‬
‫من الدنيا‪ ،‬فهو كأوائل الزرع شديد الميلن لضعف ساقه‪ ،‬والكافر بخلف‬
‫ذلك‪ ،‬وهذا في الغالب من حال الثنين"‪.‬‬
‫‪ -11‬عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫ل منافق عليم اللسان((‪.‬‬ ‫وسلم قال‪)) :‬إن أخوف ما أخاف على أمتي ك ّ‬
‫قال المناوي‪" :‬قوله‪)) :‬عليم اللسان(( أي‪ :‬كثير علم اللسان‪ ،‬جاهل القلب‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كل بها‪ ،‬ذا هيبة وأ ُّبهة‪ ،‬يتعّزز ويتعاظم بها‪ ،‬يدعو‬ ‫والعمل‪ ،‬اتخذ العلم حرفة يتأ ّ‬
‫ب غيره‪ ،‬ويفعل ما هو أقبح منه‪،‬‬ ‫الناس إلى الله‪ ،‬ويفّر هو منه‪ ،‬ويستقبح عي َ‬
‫ك والتعّبد‪ ،‬ويسارر رّبه بالعظائم‪ ،‬إذا خل به ذئب من‬ ‫س َ‬ ‫ويظهر للناس التن ّ‬
‫ذر منه الشارع صلى الله عليه وسلم‬ ‫الذئاب لكن عليه ثياب‪ ،‬فهذا هو الذي ح ّ‬
‫هنا حذرا من أن يخطفك بحلوة لسانه‪ ،‬ويحرقك بنار عصيانه‪ ،‬ويقتلك بنتن‬
‫باطنه وجنانه"‪.‬‬
‫‪ -12‬عن جابر رضي الله عنه‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من‬
‫سفر‪ ،‬فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب‪ ،‬فزعم‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬بعثت هذه الريح لموت منافق((‪،‬‬
‫ة فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات‪.‬‬ ‫فلما قدم المدين َ‬
‫ة للبلد والعباد به"‪.‬‬‫ة له‪ ،‬وعلمة لموته‪ ،‬وراح ً‬ ‫قال النووي‪" :‬أي‪ :‬عقوب ً‬
‫‪ -13‬عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬قال الله تبارك وتعالى‪ :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عمل‬
‫كه((‪.‬‬ ‫ي غيري تركته وشر َ‬ ‫أشرك فيه مع َ‬
‫ً‬
‫ي عن المشاركة وغيرها‪ ،‬فمن عمل شيئا لي‬ ‫قال النووي‪" :‬ومعناه أنا غن ّ‬
‫ولغيري لم أقبله‪ ،‬بل أتركه لذلك الغير‪ .‬والمراد‪ :‬أن عمل المرائي باطل ل‬
‫ثواب فيه‪ ،‬ويأثم به"‪.‬‬
‫‪ -14‬عن جندب رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬سمعت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫معَ الله به‪ ،‬ومن ي َُراِئي ي َُراِئي الله به((‪.‬‬ ‫س ّ‬ ‫مع َ َ‬‫س ّ‬‫يقول‪)) :‬من َ‬
‫قال الخطابي‪" :‬من عمل عمل على غير إخلص وإنما يريد أن يراه الناس‬
‫ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه‪ ،‬فيشيدوا عليه ما كان‬
‫يبطنه ويسّره من ذلك"‪.‬‬
‫معه الناس ليكرموه‬ ‫وقال النووي‪" :‬قال العلماء‪ :‬معناه من رايا بعمله وس ّ‬
‫مع الله به يوم القيامة الناس وفضحه‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫ظموه ويعتقدوا خيره س ّ‬ ‫ويع ّ‬
‫مع بعيوبه وأذاعها أظهر الله عيوبه‪ .‬وقيل‪ :‬أسمعه المكروه‪.‬‬ ‫معناه من س ّ‬
‫ب ذلك أن يعطَيه إياه ليكون حسرة عليه‪ .‬وقيل‪ :‬معناه‬ ‫وقيل‪ :‬أراه الله ثوا َ‬
‫ّ‬
‫س‪ ،‬وكان حظه منه"‪.‬‬ ‫من أراد بعمله الناس أسمعه الله النا َ‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/388‬‬
‫جامع البيان )‪.(28/108‬‬
‫طريق الهجرتين )ص ‪.(711-710‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/377‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/54‬‬
‫الوابل الصيب )‪.(78‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪ (58-1/57‬بتصرف‪.‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(381-1/380‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/350‬‬
‫جامع البيان )‪.(336-5/335‬‬
‫أخرجه مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم )‪.(2784‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(17/128‬‬
‫جامع البيان )‪.(5/338‬‬
‫ّ‬
‫أخرجه البخاري في فضائل القرآن‪ ،‬باب‪ :‬إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل‬
‫به )‪ (5059‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم في صلة المسافرين )‪.(797‬‬
‫أخرجه البخاري في المرضى‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في كفارة المرض )‪(5643‬‬
‫واللفظ له‪ ،‬ومسلم في صفة القيامة )‪.(2810‬‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ينظر‪ :‬فتح الباري )‪.(10/107‬‬


‫ينظر‪ :‬فتح الباري )‪.(10/107‬‬
‫أخرجه أحمد )‪ ،(1/22‬وعبد بن حميد )‪ ،(11‬والبزار )‪ ،(305‬والبيهقي في‬
‫الشعب )‪ ،(1777‬قال الهيثمي في المجمع )‪" :(1/187‬رجاله موثقون"‪،‬‬
‫وصححه الضياء المقدسي في المختارة )‪ ،(1/343‬واللباني في صحيح‬
‫الجامع )‪.(237‬‬
‫فيض القدير )‪.(2/419‬‬
‫أخرجه مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم )‪.(2782‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(17/127‬‬
‫أخرجه مسلم في الزهد والرقائق )‪.(2985‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(18/116‬‬
‫أخرجه البخاري في الرقاق‪ ،‬باب‪ :‬الرياء والسمعة )‪ ،(6499‬ومسلم في‬
‫الزهد والرقائق )‪.(2987‬‬
‫أعلم الحديث في شرح صحيح البخاري )‪.(3/2257‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(18/116‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫سلف من النفاق‪:‬‬ ‫سا‪ :‬خوف ال ّ‬ ‫خام ً‬


‫‪ -1‬عن حنظلة رضي الله عنه قال‪ :‬لقَيني أبو بكر فقال‪ :‬كيف أنت يا حنظلة؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬نافق حنظلة‪ ،‬قال‪ :‬سبحان الله! ما تقول؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نكون عند‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يذ ّ‬
‫كرنا بالنار والجنة حتى كأّنا رأي عين‪،‬‬
‫فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الزواج والولد َ‬
‫ت‬
‫ل هذا‪ .‬فانطلق ُ‬ ‫والضيعات‪ ،‬فنسينا كثيرا‪ .‬قال أبو بكر‪ :‬فوالله‪ ،‬إنا لنلقى مث َ‬
‫أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قلت‪ :‬نافق‬
‫حنظلة يا رسول الله‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬وما ذاك؟((‬
‫كرنا بالنار والجنة حتى كأّنا رأي عين‪ ،‬فإذا‬ ‫قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬نكون عندك تذ ّ‬
‫خرجنا من عندك عافسنا الزواج والولد والضيعات نسينا كثيرا‪ ،‬فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬إن لو تدومون على ما‬
‫تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملئكة على فرشكم وفي طرقكم‪،‬‬
‫ولكن ـ يا حنظلة ـ ساعة وساعة((‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬قوله‪) :‬نافق حنظلة( معناه‪ :‬أّنه خاف أنه منافق حيث كان‬
‫يحصل له الخوف في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويظهر عليه ذلك‬
‫مع المراقبة والفكر والقبال على الخرة‪ ،‬فإذا خرج اشتغل بالزوجة والولد‬
‫ومعاش الدنيا‪ ،‬وأصل النفاق إظهار ما يكتم خلَفه من الشّر‪ ،‬فخاف أن يكون‬
‫ذلك نفاقا‪ ،‬فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بنفاق‪ ،‬وأنهم ل‬
‫يكلفون الدوام على ذلك‪)) .‬ساعة وساعة(( أي‪ :‬ساعة كذا وساعة كذا"‪.‬‬
‫‪ -2‬وعن حذيفة رضي الله عنه قال‪ُ :‬دعي عمر لجنازة فخرج فيها أو يريدها‪،‬‬
‫ت‪ :‬اجلس يا أمير المؤمنين‪ ،‬فإّنه من أولئك ـ أي‪ :‬من‬ ‫فتعّلق ُ‬
‫ت به فقل ُ‬
‫المنافقين ـ‪ ،‬فقال‪ :‬نشدتك الله‪ ،‬أنا منهم؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ول أبرئ أحدا بعدك‪.‬‬
‫ت ثلثين من أصحاب النبي صلى الله عليه‬ ‫‪ -3‬وقال ابن أبي مليكة‪ :‬أدرك ُ‬
‫وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه‪ ،‬ما منهم أحد يقول‪ :‬إنه على إيمان‬
‫جبريل وميكائيل‪.‬‬
‫‪ -4‬وعن الحسن‪" :‬ما خافه ـ أي‪ :‬النفاق ـ إل مؤمن ول أمنه إل منافق"‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -5‬وعن المعلى بن زياد قال‪ :‬سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد‪" :‬بالله‬
‫فق‪ ،‬ول‬ ‫ط ول بقي إل هو من النفاق مش ِ‬ ‫الذي ل إله إل هو‪ ،‬ما مضى مؤمن ق ّ‬
‫ط ول بقي إل هو من النفاق آمن"‪ ،‬قال‪ :‬وكان يقول‪" :‬من لم‬ ‫مضى منافق ق ّ‬
‫يخف النفاق فهو منافق"‪.‬‬
‫ت‬‫‪ -6‬وعن أبي عثمان قال‪ :‬قلت لبي رجاء العطاردي‪ :‬هل أدركت ممن أدرك َ‬
‫من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشون النفاق؟ وكان قد‬
‫أدرك عمر رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬إني أدركت منهم بحمد الله صدرا‬
‫حسنا‪ ،‬نعم شديدا‪ ،‬نعم شديدا‪.‬‬
‫ملئت قلوب القوم إيماًنا ويقيًنا‪ ،‬وخوفهم من‬ ‫قال ابن القيم‪" :‬تالله‪ ،‬لقد ُ‬
‫مهم لذلك ثقيل‪ ،‬وسواهم كثير منهم ل يجاوز إيمانهم‬ ‫النفاق شديد‪ ،‬وهَ ّ‬
‫دعون أن إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل"‪.‬‬ ‫حناجرهم‪ ،‬وهم ي ّ‬
‫أخرجه مسلم في التوبة )‪.(2750‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(67-17/66‬‬
‫أخرجه البزار في مسنده )‪ ،(2885‬وأبطله ابن حزم في المحلى )‪،(11/225‬‬
‫وقال الهيثمي في المجمع )‪" :(3/42‬رجاله ثقات"‪.‬‬
‫قا في اليمان‪ ،‬باب‪ :‬خوف المؤمن من أن يحبط عمله‬ ‫أخرجه البخاري تعلي ً‬
‫وهو ل يشعر‪ ،‬ووصله الحافظ في تغليق التعليق )‪.(1/52‬‬
‫قا في اليمان‪ ،‬باب‪ :‬خوف المؤمن من أن يحبط عمله‬ ‫أخرجه البخاري تعلي ً‬
‫وهو ل يشعر‪ ،‬ووصله الفريابي في صفة المنافق من طرق متعددة وألفاظ‬
‫مختلفة‪.‬‬
‫أخرجه الفريابي في صفة المنافق )‪.(87‬‬
‫أخرجه الفريابي في صفة المنافق )‪ ،(81‬وأبو نعيم في الحلية )‪.(2/307‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/388‬‬
‫سا‪ :‬صفات المنافقين في الكتاب والسنة‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫‪ -1‬مرض القلب‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ما‬
‫م بِ َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ضا وَلهُ ْ‬ ‫مَر ً‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ض فََزاد َهُ ُ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫قال الله تعالى‪ِ} :‬في قُلوب ِهِ ْ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[10:‬‬ ‫كاُنوا ي َك ْذُِبو َ‬
‫َ‬
‫ض{ إنما يعني‪ :‬في‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫قال الطبري‪" :‬معنى قول الله جل ثناؤه‪ِ} :‬في قُُلوب ِهِ ْ‬
‫اعتقاد قلوبهم الذي يعتقدونه في الدين والتصديق بمحمد صلى الله عليه‬
‫وسلم وبما جاء به من عند الله مرض وسقم‪ ،‬فاجتزأ بدللة الخبر عن قلوبهم‬
‫على معناه عن تصريح الخبر عن اعتقادهم‪ .‬والمرض الذي ذكر الله جل ثناؤه‬
‫كهم في أمر محمد وما جاء به من‬ ‫أنه في اعتقاد قلوبهم الذي وصفناه هو ش ّ‬
‫ن إيمان‪ ،‬ول هم له منكرون‬ ‫عند الله وتحّيرهم فيه‪ ،‬فل هم به موقنون إيقا َ‬
‫إنكار إشراك‪ ،‬ولكنهم كما وصفهم الله عز وجل مذبذبون بين ذلك‪ ،‬ل إلى‬
‫م‬
‫ضّعف العز َ‬ ‫ض في هذا المر‪ ،‬أي‪ :‬ي ُ َ‬ ‫مّر ُ‬ ‫هؤلء ول إلى هؤلء‪ ،‬كما يقال‪ :‬فلن ي ُ َ‬
‫حح الروِّية فيه"‪.‬‬ ‫ول يص ّ‬
‫شبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها‪،‬‬ ‫ض ال ّ‬ ‫قال ابن القيم‪" :‬قد نهكت أمرا ُ‬
‫وغلبت القصود َ السيئة على إراداتهم ونياتهم فأفسدتها‪ ،‬ففسادهم قد ترامى‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض فََزاد َهُ ُ‬‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫إلى الهلك‪ ،‬فعجز عنه الطّباء العارفون‪ِ} ،‬في قُُلوب ِهِ ْ‬
‫َ‬
‫ن{")(‪.‬‬ ‫كاُنوا ي َك ْذُِبو َ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ضا وَل َهُ ْ‬‫مَر ً‬ ‫َ‬
‫‪ -2‬الطمع الشهواني‪:‬‬
‫مَرض{‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذي ِفي قلب ِهِ َ‬ ‫ّ‬
‫معَ ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل في َط َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ِبال َ‬‫ضعْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ} :‬فل ت َ ْ‬
‫]الحزاب‪.[32:‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫قال الطبري‪" :‬فيطمع الذي في قلبه ضعف‪ ،‬فهو لضعف إيمانه في قلبه‪ ،‬إما‬
‫ف بحدود الله‪ ،‬وإما‬ ‫ك في السلم منافق‪ ،‬فهو لذلك من أمره يستخ ّ‬ ‫شا ّ‬
‫متهاون بإتيان الفواحش"‪.‬‬
‫‪ -3‬الزيغ بالشبه‪:‬‬
‫ض‬
‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ة ل ِل ِ‬ ‫ن فِت ْن َ ً‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫َ‬ ‫قي ال ّ‬ ‫ْ‬
‫ما ي ُل ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ل ِي َ ْ‬
‫د{ ]الحج‪.[53:‬‬ ‫ق ب َِعي ٍ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫في ِ‬ ‫نل ِ‬ ‫َ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫سي َةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫قال الطبري‪" :‬يقول‪ :‬اختبارا يختبر به الذين في قلوبهم مرض من النفاق‪،‬‬
‫ك في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقيقة ما يخبرهم‬ ‫وذلك الش ّ‬
‫به"‪.‬‬
‫‪ -4‬التكّبر والستكبار‪:‬‬
‫م‬
‫سهُ ْ‬ ‫ؤو َ‬ ‫ل الل ّهِ ل َوّْوا ُر ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫وا ي َ ْ‬ ‫م ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫َ‬
‫ن{ ]المنافقون‪.[5:‬‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫وََرأي ْت َهُ ْ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى مخِبرا عن المنافقين عليهم لعائن الله أنهم إذا‬
‫م{ أي‪:‬‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ؤو َ‬ ‫ل الل ّهِ ل َوّْوا ُر ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫وا ي َ ْ‬ ‫م ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫قيل لهم‪} :‬إ َِذا ِقي َ‬
‫ما قيل لهم استكبارا عن ذلك‪ ،‬واحتقارا لما قيل‪ ،‬ولهذا قال‬ ‫دوا واعرضوا ع ّ‬ ‫ص ّ‬
‫ن{‪ .‬ثم جازاهم على ذلك فقال‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ست َكب ُِرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫تعالى‪} :‬وََرأي ْت َهُ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ه لهُ ْ‬ ‫فَر الل ُ‬ ‫م لن ي ّغْ ِ‬ ‫فْر لهُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ت لهُ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫واٌء عَلي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ْ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫الل َ‬
‫‪ -5‬الستهزاء بآيات الله والجلوس إلى المستهزئين بآيات الله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫قو َ‬
‫م‬
‫ما ِفي قلوب ِهِ ْ‬‫ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫سوَرة ٌ ت ُن َب ّئ ُهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ت ُن َّز َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مَنافِ ُ َ‬ ‫حذ َُر ال ْ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪}:‬ي َ ْ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[64 :‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ست َهْزُِئوا إ ِ ّ‬ ‫لا ْ‬ ‫قُ ِ‬
‫قال الطبري‪" :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬يخشى المنافقون أن تنزل فيهم سورة‬
‫تنبئهم بما في قلوبهم‪ ،‬يقول‪ :‬تظهر المؤمنين على ما في قلوبهم‪ .‬وقيل‪ :‬إن‬
‫الله أنزل هذه الية على رسول الله صلى الله عليه وسلم لن المنافقين‬
‫كانوا إذا عابوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا شيئا من أمره وأمر‬
‫ل الله ل يفشي سّرنا‪ ،‬فقال الله لنبيه صلى الله عليه‬ ‫المسلمين قالوا‪ :‬لع ّ‬
‫ما‬ ‫ج َ‬ ‫خرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫عدا‪} ،‬إ ِ ّ‬ ‫ددا لهم متو ّ‬ ‫ست َهْزُِئوا{‪ ،‬مته ّ‬ ‫وسلم‪ :‬قل لهم‪} :‬ا ْ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬وَقَد ْ ن َّز َ‬
‫فُر‬ ‫ت اللهِ ي ُك َ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫معْت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ن إ َِذا َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫م ِفي الك َِتا ِ‬ ‫ل عَلي ْك ْ‬
‫م إ ًِذا‬ ‫ُ‬
‫ث غَي ْرِهِ إ ِن ّك ْ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ضوا ِفي َ‬ ‫خو ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫قعُ ُ‬ ‫ست َهَْزأ ُ ب َِها َفل ت َ ْ‬ ‫ب َِها وَي ُ ْ‬
‫ميًعا{ ]النساء‪.[140:‬‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫ن َوالكافِ ِ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫معُ ال ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مث ْل ُهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫‪ -6‬الستهزاء بالمؤمنين‪:‬‬
‫م‬
‫طين ِهِ ْ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫وا إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫خل ْ‬ ‫َ‬ ‫مّنا وَإ َِذا َ‬ ‫مُنوا قالوا آ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫قوا ال ِ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا ل َ ُ‬
‫م ِفي‬ ‫مد ّهُ ْ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫ست َهْزِئُ ب ِهِ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن ‪ %‬الل ّ ُ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫َقاُلوا إ ِّنا َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[15-14:‬‬ ‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫ط ُغَْيان ِهِ ْ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬لكل منهم وجهان‪ :‬وجه يلقى به المؤمنين‪ ،‬ووجه ينقلب به‬
‫إلى إخوانه من الملحدين‪ ،‬وله لسانان‪ :‬أحدهما يقبله بظاهره المسلمون‪،‬‬
‫مّنا وَإ َِذا‬ ‫مُنوا َقاُلوا آ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوا ال ّ ِ‬ ‫والخر يترجم به عن سّره المكنون‪} ،‬وَإ َِذا ل َ ُ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫م َقاُلوا إ ِّنا َ‬ ‫طين ِهِ ْ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫وا إ َِلى َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫قد أعرضوا عن الكتاب والسّنة استهزاًء بأهلهما واستحقاًرا‪ ،‬وأبوا أن ينقادوا‬
‫حا بما عندهم من العلم الذي ل ينفع الستكثار منه إل أشًرا‬ ‫لحكم الوحيين فر ً‬
‫ست َهْزِ ُ‬
‫ئ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫دا بالمتمسكين بصريح الوحي يستهزئون }الل ُ‬ ‫واستكباًرا‪ ،‬فتراهم أب ً‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن{"‪.‬‬ ‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬‫م ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬ ‫مد ّهُ ْ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫ب ِهِ ْ‬
‫‪ -7‬الظن السيئ بالله تعالى‪:‬‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫مشرِكا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫كي َ‬‫مشرِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت َوال ُ‬ ‫قا ِ‬‫مَنافِ َ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَي ُعَذ ّ َ‬
‫َ‬
‫م وَأعَد ّ‬‫م وَل َعَن َهُ ْ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫سوِْء وَغَ ِ‬ ‫م َدائ َِرةُ ال ّ‬ ‫سوِْء عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ظ َ ّ‬ ‫ظاّني َ‬ ‫ال ّ‬
‫صيًرا{ ]الفتح‪.[6:‬‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫‪ -8‬عدم الثقة بوعد الله تعالى ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫هّ‬
‫ما وَعَد ََنا الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫ه إ ِّل غُُروًرا{ ]الحزاب‪.[12:‬‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫‪ -9‬صد ّ الناس عن النفاق في سبيل الله‪:‬‬
‫حّتى‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫قوا عَلى َ‬ ‫ن ل ت ُن ْفِ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬هُ ُ‬
‫ن{‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ضوا وَل ِل ّهِ َ‬
‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬‫ن ال ُ‬ ‫ض وَلك ِ ّ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫خَزائ ِ ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫]المنافقون‪.[7:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال‪ :‬كنت في غزاة‪ ،‬فسمعت عبد الله بن‬
‫ضوا من حوِله‪ ،‬ولئن‬ ‫ي يقول‪ :‬ل تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينف ّ‬ ‫أب ّ‬
‫مي أو لعمر‪ ،‬فذكره‬ ‫ن العّز منها الذل‪ ،‬فذكرت ذلك لع ّ‬ ‫ّ‬ ‫رجعنا من عنده ليخرج ّ‬
‫دثته‪ ،‬فأرسل رسول الله صلى الله‬ ‫ّ‬ ‫فح‬ ‫فدعاني‬ ‫وسلم‪،‬‬ ‫للنبي صلى الله عليه‬
‫ذبني رسول‬ ‫ي وأصحابه فحلفوا ما قالوا‪ ،‬فك ّ‬ ‫عليه وسلم إلى عبد الله بن أب ّ‬
‫ط‪،‬‬ ‫م لم يصبني مثُله ق ّ‬ ‫دقه‪ ،‬فأصابني ه ّ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم وص ّ‬
‫مي‪ :‬ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى‬ ‫فجلست في البيت فقال لي ع ّ‬
‫ن{‪ .‬فبعث‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ْ‬
‫ك ال ُ‬ ‫جاَء َ‬ ‫الله عليه وسلم ومقتك‪ ،‬فأنزل الله تعالى‪} :‬إ َِذا َ‬
‫ي النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقرأ‪ ،‬فقال‪)) :‬إن الله قد صدقك يا زيد((‪.‬‬ ‫إل ّ‬
‫‪ -10‬التسّتر ببعض العمال المشروعة للضرار بالمؤمنين‪:‬‬
‫ن‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫قا ب َي ْ َ‬ ‫ري ً‬ ‫ف ِ‬‫فًرا وَت َ ْ‬ ‫ضَراًرا وَك ُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج ً‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا َ‬ ‫خ ُ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫سَنى َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ْ‬ ‫ن أَرد َْنا إ ِل ّ ال ْ ُ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫ل وَل َي َ ْ‬
‫حل ِ ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ب الل ّ َ‬ ‫حاَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫صاًدا ل ِ َ‬ ‫وَإ ِْر َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[107:‬‬ ‫َ‬
‫م لكاذُِبو َ‬ ‫َ‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫س والوقيعة وإشعال نار الفتنة واستغلل‬ ‫‪ -11‬التفريق بين المؤمنين والد ّ ّ‬
‫قتها والفساد في الرض وادعاء الصلح‪:‬‬ ‫الخلفات وتوسيع ش ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ض قالوا إ ِن ّ َ‬ ‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل تُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا ِقيل لهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[11:‬‬ ‫َ ُ ُ َ‬‫رو‬ ‫ع‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ن وَل َك ِ ْ‬
‫ن‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫ل ثناؤه تكذيب للمنافقين في دعواهم؛‬ ‫قال الطبري‪" :‬وهذا القول من الله ج ّ‬
‫إذا أمروا بطاعة الله فيما أمرهم الله به ونهوا عن معصية الله فيما نهاهم‬
‫الله عنه قالوا‪ :‬إنما نحن مصلحون ل مفسدون‪ ،‬ونحن على رشد وهدى فيما‬
‫ذبهم الله عز وجل في ذلك من قيلهم‪،‬‬ ‫أنكرتموه علينا دونكم ل ضاّلون‪ ،‬فك ّ‬
‫َ‬
‫دون‬ ‫ن{ المخالفون أمَر الله عز وجل‪ ،‬المتع ّ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬
‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫فقال‪} :‬أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫ضه‪ ،‬وهم ل يشعرون‪ ،‬ول يدرون‪،‬‬ ‫حدوَده‪ ،‬الراكبون معصيَته‪ ،‬التاركون فرو َ‬
‫أنهم كذلك‪ ،‬ل الذين يأمرونهم بالقسط من المؤمنين‪ ،‬وينهونهم عن معاصي‬
‫الله في أرضه من المسلمين"‪.‬‬
‫‪ -12‬السفه ورمي المؤمنين بالسفه‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫م ُ‬ ‫س َقالوا أن ُؤْ ِ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ك َ‬ ‫مآ ِ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[13:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل ُ‬ ‫فَهاُء وَلك ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫فَهاُء أل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫دم نعته لهم‬ ‫قال الطبري‪" :‬هذا خبر من الله تعالى عن المنافقين الذين تق ّ‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ووصفه إياهم بما وصفهم به من الشك والتكذيب أنهم هم الجّهال في‬


‫أديانهم‪ ،‬الضعفاء الراء في اعتقاداتهم واختياراتهم التي اختاروها لنفسهم‪،‬‬
‫وته‪ ،‬وفيما جاء به من عند‬ ‫ك والريب في أمر الله وأمر رسوله وأمر نب ّ‬ ‫من الش ّ‬
‫الله وأمر البعث؛ لساءتهم إلى أنفسهم بما أتوا من ذلك‪ ،‬وهم يحسبون أنهم‬
‫سد من حيث يرى أنه‬ ‫سنون‪ ،‬وذلك هو عين السفه؛ لن السفيه إنما يف ِ‬ ‫إليها يح ِ‬
‫يصلح‪ ،‬ويضيع من حيث يرى أنه يحفظ‪ ،‬فكذلك المنافق يعصي رّبه من حيث‬
‫يرى أنه يطيعه‪ ،‬ويكفر به من حيث يرى أنه يؤمن به‪ ،‬ويسيء إلى نفسه من‬
‫م‬ ‫َ‬
‫حيث يحسب أنه يحسن إليها‪ ،‬كما وصفهم به رّبنا جل ذكره‪ ،‬فقال‪} :‬أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫فَهاُء{ دون‬ ‫س َ‬‫م ال ّ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫ن{‪ ،‬وقال‪} :‬أل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫ن وَل َك ِ ْ‬‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫نل‬ ‫َ‬
‫دقين بالله وبكتابه وبرسوله وثوابه وعقابه }وَلك ِ ْ‬ ‫المؤمنين المص ّ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫سك عندهم بالكتاب والسّنة صاحب ظواهر‪ ،‬مبخوس‬ ‫وقال ابن القّيم‪" :‬المتم ّ‬
‫مل أسفارا‪ ،‬فهمه‬ ‫ظه من المعقول‪ ،‬والدائر مع النصوص عندهم كحمار يح ِ‬ ‫ح ّ‬
‫في حمل المنقول‪ ،‬وبضاعة تاجر الوحي لديهم كاسدة‪ ،‬وما هو عندهم‬
‫بمقبول‪ ،‬وأهل التباع عندهم سفهاء‪ ،‬فهم في خلواتهم ومجالسهم بهم‬
‫َ‬
‫فَهاُء‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ُ‬‫س َقاُلوا أن ُؤْ ِ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫مُنوا ك َ َ‬ ‫مآ ِ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫يتطيرون‪} ،‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫َ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫فَهاُء وَل َك ِ ْ‬ ‫س َ‬‫م ال ّ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫‪ -13‬موالة الكافرين‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ‪ %‬ال ّ ِ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫ن ب ِأ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ب َ ّ‬
‫َ‬ ‫كافري َ‬
‫ن ال ْعِّزة َ ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ال ْعِّزة َ فَإ ِ ّ‬ ‫عن ْد َهُ ُ‬ ‫ن ِ‬
‫ن أي َب ْت َُغو َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن أوْل َِياَء ِ‬ ‫ال ْ َ ِ ِ َ‬
‫ميًعا{ ]النساء‪.[139-138:‬‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ن{ الذين يتخذون‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫قال الطبري‪" :‬يقول الله لنبيه‪ :‬يا محمد‪} ،‬ب َ ّ‬
‫ّ‬
‫أهل الكفر بي واللحاد في ديني أولياء يعني أنصارا وأخلء من دون المؤمنين‪،‬‬
‫ة{ يقول‪ :‬أيطلبون عندهم‬ ‫م ال ْعِّز َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َهُ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫يعني‪ :‬من غير المؤمنين‪} .‬أي َب ْت َُغو َ‬
‫ن ال ْعِّزةَ ل ِل ّهِ‬ ‫المنعة والقوة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل اليمان بي‪} ،‬فَإ ِ ّ‬
‫ميًعا{ يقول‪ :‬فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫مسوا العّزة والمنعة‬ ‫هم الذلء القلء‪ ،‬فهل اتخذوا الولياء من المؤمنين‪ ،‬فيلت ِ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة‪ ،‬الذي يعّز من يشاء ويذل من‬
‫يشاء‪ ،‬فيعّزهم ويمنعهم"‪.‬‬
‫‪ -14‬التربص بالمؤمنين‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫ن الل ّهِ َقاُلوا أل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م فَت ْ ٌ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ن ي َت ََرب ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫من َعْك ُ ْ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫حوِذ ْ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ب َقاُلوا أل َ ْ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬‫معَك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن عَلى‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫ه ل ِل َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫مةِ وَل ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫حك ُ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن َفالل ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل{ ]النساء‪.[141:‬‬ ‫سِبي ً‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م{ الذين ينتظرون‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ن ي َت ََرب ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الطبري‪" :‬يعني جل ثناؤه بقوله‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ه{ يعني‪ :‬فإن فتح الله‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م فَت ْ ٌ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ـ أيها المؤمنون ـ بكم‪} ،‬فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫عليكم فتحا من عدوكم‪ ،‬فأفاء عليكم فيئا من المغانم‪َ} ،‬قالوا{ لكم }أل ْ‬
‫م{ نجاهد عدّوكم‪ ،‬ونغزوهم معكم‪ ،‬فأعطونا نصيبا من الغنيمة‪ ،‬فإنا‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َك ُ ْ‬
‫ب{ يعني‪ :‬وإن كان‬ ‫صي ٌ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫قد شهدنا القتال معكم‪} ،‬وَإ ِ ْ‬
‫م{‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫معَك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ن َك ْ‬ ‫لعدائكم من الكافرين حظ منكم بإصابتهم منكم }قالوا أل ْ‬
‫َ‬
‫م{ ألم نغلب عليكم‬ ‫حوِذ ْ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬‫م نَ ْ‬ ‫يعني‪ :‬قال هؤلء المنافقون للكافرين }أل َ ْ‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى قهرتم المؤمنين‪ ،‬ونمنعكم منهم بتخذيلنا إياهم‪ ،‬حتى امتنعوا منكم‬
‫ة{ يعني‪ :‬فالله يحكم بين المؤمنين‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫فانصرفوا‪َ} ،‬فالل ّ ُ‬
‫والمنافقين يوم القيامة‪ ،‬فيفصل بينكم بالقضاء الفاصل بإدخال أهل اليمان‬
‫جنته‪ ،‬وأهل النفاق مع أوليائهم من الكفار ناَره"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬يترّبصون الدوائر بأهل السنة والقرآن‪ ،‬فإن كان لهم فتح‬
‫من الله قالوا‪ :‬ألم تكن معكم؟! وأقسموا على ذلك بالله جهد أيمانهم‪ ،‬وإن‬
‫ن عقد الخاء‬ ‫كان لعداء الكتاب والسنة من النصرة نصيب قالوا‪ :‬ألم تعلموا أ ّ‬
‫خذ صفتهم من‬ ‫بيننا محكم‪ ،‬وأن النسب بيننا قريب؟! فيا من يريد معرفتهم‪ُ ،‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ن لك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ن ي َت ََرب ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل‪} :‬ال ّ ِ‬ ‫ب العالمين‪ ،‬فل تحتاج بعده دلي ً‬ ‫كلم ر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حوِذ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ب َقالوا أل ْ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ن ل ِلكافِ ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫معَك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ن َك ْ‬ ‫ن اللهِ َقالوا أل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فَت ْ ٌ‬
‫هّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫مةِ وَل ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ُ‬
‫م ب َي ْن َك ْ‬ ‫حك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن َفالل ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫من َعْك ْ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫عَل َي ْك ْ‬
‫ُ‬
‫ل{"‪.‬‬ ‫سِبي ً‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن عََلى ال ْ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫‪ -15‬التفاق مع أهل الكتاب ضد ّ المؤمنين والتولي في القتال‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫وان ِهِ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ن لِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫قوا ي َ ُ‬ ‫ن َنافَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫خرجن معك ُم ول نطيع فيك ُ َ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ُقوت ِل ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫دا وَإ ِ ْ‬ ‫دا أب َ ً‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫م ل َن َ ْ ُ َ ّ َ َ ْ َ ُ ِ ُ ِ ْ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ب ل َئ ِ ْ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫أهْ ِ‬
‫ن‬‫م وَل َئ ِ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫جوا ل ي َ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫ن ‪ %‬ل َئ ِ ْ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫صَرن ّك ُ ْ‬ ‫ل َن َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن{ ]الحشر‪-11:‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ي ُن ْ َ‬ ‫ن الد َْباَر ث ُ ّ‬ ‫م ل َي ُوَل ّ ّ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬ ‫صُرون َهُ ْ‬ ‫ُقوت ُِلوا ل ي َن ْ ُ‬
‫‪.[12‬‬
‫‪ -16‬الطبع على القلوب فل يفقهون‪:‬‬
‫ك َقاُلوا‬ ‫عن ْدِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ك َ‬ ‫معُ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل ِل ّذي ُ‬
‫م َوات ّب َُعوا‬ ‫ه عَلى قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ن طب َعَ الل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫فا أولئ ِ َ‬ ‫ل آن ِ ً‬ ‫ماَذا َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ِ َ‬
‫م{ ]محمد‪.[16:‬‬ ‫َ‬
‫واَءهُ ْ‬ ‫أهْ َ‬
‫‪ -17‬فتنة النفس والترّبص والغترار بالماني‪:‬‬
‫َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ينادونه َ‬
‫م‬
‫سك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫م فَت َن ْت ُ ْ‬ ‫م َقاُلوا ب َلى وَلك ِن ّك ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ن َك ُ ْ‬ ‫م أل َ ْ‬ ‫َُ ُ َُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِباللهِ الغَُروُر{‬ ‫مُر اللهِ وَغَّرك ْ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ي َ‬ ‫مان ِ ّ‬ ‫م ال َ‬ ‫م وَغَّرت ْك ُ ُ‬ ‫م َواْرت َب ْت ُ ْ‬ ‫صت ُ ْ‬‫وَت ََرب ّ ْ‬
‫]الحديد‪.[14:‬‬
‫‪ -18‬مخادعة الله تعالى والكسل في العبادات والرياء في الطاعات وقلة ذكر‬
‫الله‪:‬‬
‫َ‬
‫موا إ ِلى‬ ‫َ‬
‫م وَإ َِذا قا ُ‬ ‫خادِعُهُ ْ‬ ‫ه وَهُوَ َ‬ ‫ن الل َ‬‫ّ‬ ‫عو َ‬ ‫خادِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ل{ ]النساء‪.[142:‬‬ ‫ه إ ِل ّ قَِلي ً‬ ‫ن الل َّ‬ ‫رو‬
‫َ ّ َ َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ؤو‬ ‫ُ‬ ‫را‬ ‫سا َ ُ َ‬
‫ي‬ ‫لى‬ ‫موا ك ُ َ‬ ‫صلةِ َقا ُ‬ ‫ال ّ‬

‫)‪(9 /‬‬

‫قال الطبري‪" :‬فتأويل ذلك‪ :‬إن المنافقين يخادعون الله بإحرازهم بنفاقهم‬
‫دماَءهم وأموالهم‪ ،‬والله خادعهم بما حكم فيهم من منع دمائهم بما أظهروا‬
‫بألسنتهم من اليمان‪ ،‬مع علمه بباطن ضمائرهم واعتقادهم الكفر‪ ،‬استدراجا‬
‫منه لهم في الدنيا‪ ،‬حتى يلقوه في الخرة فيوردهم بما استبطنوا من الكفر‬
‫نار جهنم‪.‬‬
‫س{ فإنه يعني‬‫ن الّنا َ‬ ‫َ‬
‫سالى ي َُرا ُ‬
‫ؤو َ‬ ‫ُ‬ ‫صلةِ َقا ُ‬
‫موا ك َ‬ ‫َ‬ ‫وأما قوله‪} :‬وَإ َِذا َقا ُ‬
‫موا إ ِلى ال ّ‬
‫أن المنافقين ل يعملون شيئا من العمال التي فرضها الله على المؤمنين‬
‫على وجه التقّرب بها إلى الله‪ ،‬لنهم غير موقنين بمعاد ول ثواب ول عقاب‪،‬‬
‫وإنما يعملون ما عملوا من العمال الظاهرة بقاء على أنفسهم‪ ،‬وحذارا من‬
‫المؤمنين عليها أن يقتلوا أو يسلبوا أموالهم‪ ،‬فهم إذا قاموا إلى الصلة التي‬
‫هي من الفرائض الظاهرة قاموا كسالى إليها رياء للمؤمنين؛ ليحسبوهم‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منهم‪ ،‬وليسوا منهم؛ لنهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم‪ ،‬فهم في‬
‫قيامهم إليها كسالى‪.‬‬
‫ه إ ِل قِليل{ فلعل قائل أن يقول‪ :‬وهل من ذكر الله‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫وأما قوله‪َ} :‬ول ي َذ ْك ُُرو َ‬
‫شيء قليل؟! قيل له‪ :‬إن معنى ذلك بخلف ما إليه ذهبت‪ ،‬إنما معناه‪ :‬ول‬
‫يذكرون الله إل ذكرا رياء؛ ليدفعوا به عن أنفسهم القتل والسباء وسلب‬
‫دق بتوحيد الله‪ ،‬مخلص له الربوبية؛ فلذلك سماه‬ ‫الموال‪ ،‬ل ذكر موقن مص ّ‬
‫الله قليل؛ لنه غير مقصود به الله‪ ،‬ول مبتغى به التقرب إلى الله‪ ،‬ول مرادا‬
‫به ثواب الله وما عنده‪ ،‬فهو وإن كثر من وجه نصب عامله وذاكره في معنى‬
‫السراب الذي له ظاهر بغير حقيقة ماء"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬لهم علمات يعرفون بها مبّينة في السنة والقرآن‪ ،‬بادية‬
‫لمن تدّبرها من أهل بصائر اليمان‪ ،‬قام بهم ـ والله ـ الرياء‪ ،‬وهو أقبح مقام‬
‫قامه النسان‪ ،‬وقعد بهم الكسل عما أمروا به من أوامر الرحمن‪ ،‬فأصبح‬
‫ن‬
‫ؤو َ‬ ‫ساَلى ي َُرا ُ‬ ‫موا ك ُ َ‬ ‫صلةِ َقا ُ‬ ‫موا إ َِلى ال ّ‬ ‫الخلص عليهم لذلك ثقيل }وَإ َِذا َقا ُ‬
‫ل{"‪.‬‬ ‫ه إ ِل ّ قَِلي ً‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫س َول ي َذ ْك ُُرو َ‬ ‫الّنا َ‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))ليس صلة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء‪ ،‬ولو يعلمون ما فيهما‬
‫لتوهما ولو حبوا‪ .‬لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم‪ ،‬ثم آمر رجل يؤم الناس‪،‬‬
‫ثم آخذ شعل ً من نار فأحرق على من ل يخرج إلى الصلة بعد((‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما؛ لقوة‬
‫الداعي إلى تركهما؛ لن العشاء وقت السكون والراحة‪ ،‬والصبح وقت لذة‬
‫النوم"‪.‬‬
‫‪ -19‬الّتذبذب والترّدد بين المؤمنين والكافرين‪:‬‬
‫ؤلء{ ]النساء‪:‬‬ ‫َ‬
‫ؤلِء َول إ ِلى هَ ُ‬ ‫ك ل إ َِلى هَ ُ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن ب َي ْ َ‬ ‫مذ َب ْذ َِبي َ‬ ‫قال الله تعالى‪ُ } :‬‬
‫‪.[143‬‬
‫قال الطبري‪" :‬عنى بذلك أن المنافقين متحّيرون في دينهم‪ ،‬ل يرجعون إلى‬
‫حة‪ ،‬فهم ل مع المؤمنين على بصيرة‪ ،‬ول مع المشركين‬ ‫اعتقاد شيء على ص ّ‬
‫على جهالة‪ ،‬ولكّنهم حيارى بين ذلك"‪.‬‬
‫وعن ابن عمر رضي الله عنهما‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬مثل‬
‫المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين‪ ،‬تعير إلى هذه مرة وإلى هذه‬
‫مرة((‪.‬‬
‫ما تتبع‪ ،‬ومعنى تعير أي‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال النووي‪" :‬العائرة‪ :‬المترّددة الحائرة‪ ،‬ل تدري لي ّهِ َ‬
‫ترّدد وتذهب"‪.‬‬
‫‪ -20‬مخادعة المؤمنين‪:‬‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ّ أن ْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫م وَ َ‬‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫عو َ‬
‫خد َ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫مُنوا وَ َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫عو َ‬ ‫خادِ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ي ُ َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[9:‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫قال الطبري‪" :‬وخداع المنافق رّبه والمؤمنين إظهاره بلسانه من القول‬
‫ك والتكذيب؛ ليد َْرأ عن نفسه بما‬ ‫والتصديق خلف الذي في قلبه من الش ّ‬
‫م الله عز وجل اللزم من كان بمثل حاله من التكذيب‪ ،‬لو‬ ‫أظهر بلسانه حك َ‬
‫لم يظهر بلسانه ما أظهر من التصديق والقرار من القتل والسباء‪ ،‬فذلك‬
‫ل اليمان بالله"‪.‬‬ ‫عه رّبه وأه َ‬ ‫خدا ُ‬ ‫ِ‬
‫وقال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬بإظهارهم ما أظهروه من اليمان مع إسرارهم الكفر‪،‬‬
‫يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك‪ ،‬وأن ذاك نافعهم عنده‪ ،‬وأنه يروج‬
‫م الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ي َب ْعَث ُهُ ُ‬ ‫عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬ي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫فون ل َك ُم ويحسبو َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ِّ ُ ْ ُ ُ‬‫ه‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫ىء‬ ‫ش ْ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ْ ََ ْ َ ُ َ‬ ‫حل ِ ُ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ه كَ َ‬ ‫ن لَ ُ‬‫فو َ‬ ‫ميعا ً فَي َ ْ‬
‫حل ِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما‬
‫ن{ ]المجادلة‪ ،[18:‬ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله‪} :‬وَ َ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن{ يقول‪ :‬وما يغّرون بصنيعهم هذا ول‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ّ أن ْ ُ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫م وَ َ‬‫سهُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫عو َ‬ ‫خد َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‬‫يخدعون إل أنفسهم وما يشعرون بذلك من أنفسهم كما قال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫م{"‪.‬‬
‫خادِعُهُ ْ‬
‫ه وَهُوَ َ‬‫ن الل ّ َ‬‫عو َ‬‫خادِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫‪ -21‬التحاكم إلى الطاغوت والصدود عما أنزل الله و عدم الرضا بالتحاكم‬
‫إليه‪:‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ما‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬


‫قال الله تعالى‪} :‬أ َل َم تر إَلى ال ّذين يزعُمو َ‬
‫ِ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ َ ََ ِ‬
‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أ ُن ْزِ َ‬
‫فُروا ب ِهِ‬ ‫مُروا أ ْ‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫موا إ ِلى الطا ُ‬ ‫حاك َ ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ِ‬ ‫ك يُ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬
‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل‬ ‫وا إ َِلى َ‬ ‫م ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫دا ‪ %‬وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫ضلل ً ب َِعي ً‬ ‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬
‫طا َ‬
‫شي ْ َ ُ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دوًدا{ ]النساء‪.[61-60:‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ن عَن ْك ُ‬ ‫َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَإ ِلى الّر ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬إن حاكمت المنافقين إلى صريح الوحي وجدتهم عنه نافرين‪،‬‬
‫وإن دعوتهم إلى حكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رأيتهم‬
‫عنه معرضين‪ ،‬فلو شهدت حقائقهم لرأيت بينها وبين الهدى أمدا بعيدا‪،‬‬
‫ما أ َن َْزلَ‬ ‫وا إ َِلى َ‬ ‫م ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ورأيتها معرضة عن الوحي إعراضا شديدا‪} ،‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫َ‬
‫دوًدا{"‪.‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن عَن ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَإ َِلى الّر ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫‪ -22‬الفساد بين المؤمنين‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫خلل َك ُ ْ‬ ‫ضُعوا ِ‬ ‫خَبال ً وَلوْ َ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ما َزاُدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ِفيك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ل َوْ َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[47:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَِفيك ُ ْ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫فت ْن َ َ‬ ‫ي َب ُْغون َك ُ ُ‬
‫ل{ أي‪ :‬لنهم جبناء‬ ‫خَبا ً‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ما َزاُدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ِفيك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫قال ابن كثير‪}" :‬ل َوْ َ‬
‫ة{ أي‪ :‬ولسرعوا السير والمشي‬ ‫فت ْن َ َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫م ي َب ُْغون َك ُ ُ‬ ‫خللك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ضُعوا ِ‬ ‫مخذولون‪} ،‬وَل َوْ َ‬
‫م{ أي‪ :‬مطيعون لهم‪،‬‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫بينكم بالنميمة والبغضاء والفتنة‪} ،‬وَِفيك ُ ْ‬
‫ومستحسنون لحديثهم وكلمهم‪ ،‬يستنصحونهم وإن كانوا ل يعلمون حالهم‪،‬‬
‫فيؤّدي إلى وقوع شّر بين المؤمنين وفساد كبير"‪.‬‬
‫‪ -23‬الحلف الكاذب والخوف والجبن والهلع‪:‬‬
‫م قَوْ ٌ‬
‫م‬ ‫م وَلك ِن ّهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ن{‬ ‫حو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫خل لوَلوْا إ ِلي ْهِ وَهُ ْ‬ ‫ً‬ ‫مد ّ َ‬ ‫ت أوْ ُ‬ ‫مَغاَرا ٍ‬ ‫جئا أوْ َ‬ ‫مل َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ‪ %‬ل َوْ ي َ ِ‬ ‫فَرُقو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫]التوبة‪.[57 ،56:‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن جزعهم‬
‫كدة‪،‬‬ ‫م { يمينا مؤ ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫وفزعهم وفرقهم وهلعهم أنهم }ي َ ْ‬
‫ن{ أي‪ :‬فهو الذي‬ ‫فَرُقو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫م{ أي‪ :‬في نفس المر‪} ،‬وَل َك ِن ّهُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫جئًا{ أي‪ :‬حصنا يتحصنون به‪ ،‬وحرزا‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫حملهم على الحلف‪} .‬ل َوْ ي َ ِ‬
‫ل{ وهو السرب‬ ‫خ ً‬ ‫مد ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت{ وهي التي في الجبال‪} ،‬أوْ ُ‬ ‫مَغاَرا ٍ‬ ‫يتحرزون به‪} ،‬أوْ َ‬
‫ن{ أي‪ :‬يسرعون في‬ ‫حو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫خل ً ل ّوَل ّوْا ْ إ ِل َي ْهِ وَهُ ْ‬ ‫مد ّ َ‬ ‫في الرض والنفق‪ُ } ...‬‬
‫ذهابهم عنكم؛ لنهم إنما يخالطونكم كرها ل محبة‪ ،‬ووّدوا أنهم ل يخالطونكم‪،‬‬
‫ولكن للضرورة أحكام‪ ،‬ولهذا ل يزالون في هم وحزن وغم؛ لن السلم وأهله‬
‫ل يزال في عّز ونصر ورفعة‪ ،‬فلهذا كّلما سّر المسلمون ساءهم ذلك فهم‬
‫ت أ َْو‬ ‫مَغاَرا ٍ‬ ‫جئا ً أوْ َ‬
‫َ‬
‫مل ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫يوّدون أن ل يخالطوا المؤمنين ولهذا قال‪} :‬ل َوْ ي َ ِ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫خل ً ل ّوَل ّوْا ْ إ ِل َي ْهِ وَهُ ْ‬ ‫مد ّ َ‬ ‫ُ‬
‫هّ‬
‫ل اللهِ َوالل ُ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫شهَد ُ إ ِن ّك لَر ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َقالوا ن َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ْ‬
‫جاَءك ال ُ‬ ‫َ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬إ َِذا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫جن ّ ً‬ ‫م ُ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫ذوا أي ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ‪ %‬ات ّ َ‬ ‫ن لكاذُِبو َ‬ ‫َ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫شهَد ُ إ ِ ّ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ك ل ََر ُ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬‫ي َعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫فُروا‬‫م كَ َ‬ ‫مُنوا ث ُ ّ‬ ‫مآ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ن ‪ %‬ذ َل ِ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫فَ َ‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن{ ]المنافقون‪.[3-1:‬‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬


‫م ل يَ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫فَط ُب ِعَ عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬
‫قال الشافعي‪" :‬فبّين في كتاب الله عز وجل أن الله أخبر عن المنافقين أنهم‬
‫جّنة يعني ـ والله أعلم ـ من القتل‪ ،‬ثم أخبر بالوجه الذي‬ ‫اتخذوا أيمانهم ُ‬
‫فُروا{ بعد اليمان كفًرا‬ ‫م كَ َ‬ ‫مُنوا ث ُّ‬ ‫آ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ك بأ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫}‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫نة‬ ‫ج‬ ‫أيمانهم‬ ‫اتخذوا به‬
‫ِ ِ ُّ ْ َ‬ ‫ُ ّ‬
‫إذا سئلوا عنه أنكروه‪ ،‬وأظهروا اليمان وأقروا به‪ ،‬وأظهروا التوبة منه‪ ،‬وهم‬
‫مقيمون فيما بينهم وبين الله تعالى على الكفر"‪.‬‬
‫مه من غير أن يعترض عليه؛ لعلمه‬ ‫وقال ابن القيم‪" :‬تسبق يمين أحدهم كل َ‬
‫أن قلوب أهل اليمان ل تطمئن إليه‪ ،‬فيتبرأ بيمينه من سوء الظن به‪ ،‬وكشف‬
‫ما لديه‪ ،‬وكذلك أهل الريبة يكذبون ويحلفون؛ ليحسب السامع أنهم صادقون‬
‫خ ُ َ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫جن ّ ً‬‫م ُ‬ ‫مان َهُ ْ‬
‫ذوا أي ْ َ‬ ‫}ات ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫قوْل ِهِ ْ‬‫مع ْ ل ِ َ‬‫س َ‬ ‫قولوا ت َ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫جب ُك أ ْ‬ ‫م ت ُعْ ِ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا َرأي ْت َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫م َقات َلهُ ُ‬ ‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫م العَد ُوّ َفا ْ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫حةٍ عَلي ْهِ ْ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫نك ّ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬‫سن ّد َة ٌ ي َ ْ‬‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ش ٌ‬ ‫خ ُ‬‫م ُ‬‫ك َأن ّهُ ْ‬
‫ن{ ]المنافقون‪.[4:‬‬ ‫كو َ‬ ‫ه أ َّنى ي ُؤْفَ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬

‫)‪(11 /‬‬

‫قال الطبري‪" :‬يقول جل ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪ :‬وإذا رأيت‬
‫هؤلء المنافقين ـ يا محمد ـ تعجبك أجسامهم؛ لستواء خلقها وحسن صورها‪،‬‬
‫م{ يقول جل ثناؤه‪ :‬وإن يتكلموا تسمع كلمهم‪،‬‬ ‫قوْل ِهِ ْ‬ ‫مع ْ ل ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫قوُلوا ت َ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫}وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ة{ يقول‪ :‬كأن هؤلء‬ ‫سن ّد َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ش ٌ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫يشبه منطقهم منطق الناس‪} ،‬ك َأن ّهُ ْ‬
‫المنافقين خشب مسندة‪ ،‬ل خير عندهم‪ ،‬ول فقه لهم‪ ،‬ول علم‪ ،‬وإنما هم‬
‫م{ يقول‬ ‫حةٍ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫صور بل أحلم‪ ،‬وأشباح بل عقول‪ ،‬وقوله‪} :‬ي َ ْ‬
‫ل‬‫جل ثناؤه‪ :‬يحسب هؤلء المنافقون من خبثهم وسوء ظنهم وقلة يقينهم ك ّ‬
‫صيحة عليهم؛ لنهم على وجل أن ينزل الله فيهم أمرا يهتك به أستارهم‬
‫ويفضحهم‪ ،‬ويبيح للمؤمنين قتلهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم‪ ،‬فهم من‬
‫خوفهم من ذلك كلما نزل بهم من الله وحي على رسوله ظنوا أنه نزل‬
‫بهلكهم بالسن"‪.‬‬
‫ما وأخلبهم لساًنا وألطفهم بياًنا وأخبثهم‬ ‫وقال ابن القيم‪" :‬أحسن الناس أجسا ً‬
‫قلوًبا وأضعفهم جناًنا‪ ،‬فهم كالخشب المسندة التي ل ثمر لها‪ ،‬قد قلعت من‬
‫َ‬
‫مغارسها فتساندت إلى حائط يقيمها؛ لئل يطأها السالكون‪} ،‬وَإ َِذا َرأي ْت َهُ ْ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫تعجب َ َ‬
‫ن كُ ّ‬
‫ل‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫سن ّد َة ٌ ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ش ٌ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫م ك َأن ّهُ ْ‬ ‫قوْل ِهِ ْ‬ ‫مع ْ ل ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫قوُلوا ت َ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ُْ ِ ُ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫نى‬ ‫صيحة عَل َيهم هُم ال ْعدو َفاحذ َرهُم َقاتل َهم الل ّه أ َ‬
‫َ‬ ‫ُ ّ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ُ َ ُ ّ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫َ ْ َ ٍ‬
‫مدوا بما لم يفعلوا‪:‬‬ ‫َ‬ ‫يح‬ ‫أن‬ ‫يحبون‬ ‫‪-24‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ما ل َ ْ‬ ‫دوا ب ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫وا وَي ُ ِ‬ ‫ما أت َ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ل ت َ ْ‬
‫َ‬
‫م{ ]آل عمران‪.[188:‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ب وَل َهُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫فاَزةٍ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫سب َن ّهُ ْ‬‫ح َ‬ ‫فعَُلوا َفل ت َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬إن رجال من المنافقين على عهد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى الغزو تخّلفوا عنه‪ ،‬وفرحوا بمقعدهم خلف رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه‪ ،‬وحلفوا‬
‫َ‬
‫وا‬‫ما أت َ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫وأحّبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا‪ ،‬فنزلت‪} :‬ل ي َ ْ‬
‫فعَُلوا{‪.‬‬ ‫حبو َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫دوا ب ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وَي ُ ِ ّ َ‬
‫‪ -25‬ظهور الرعب عليهم عند ذكر القتال في آيات الله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سوَرةٌ‬ ‫ت ُ‬ ‫سوَرة ٌ فَإ َِذا أن ْزِل ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ول ن ُّزل َ ْ‬ ‫مُنوا ل َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَي َ ُ‬
‫ك ن َظَرَ‬ ‫ن إ ِل َي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ض ي َن ْظُرو َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫قَتال َرأي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ة وَذ ُك َِر ِفيَها ال ْ ِ‬ ‫م ٌ‬‫حك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫م{ ]محمد‪.[20:‬‬ ‫ت فَأوَْلى ل َهُ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ي عَل َي ْهِ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪ -26‬يعيبون العمل الصالح ويرضون ويسخطون لحظوظ أنفسهم‪:‬‬
‫ن‬
‫ضوا وَإ ِ ْ‬ ‫من َْها َر ُ‬ ‫طوا ِ‬ ‫ن أ ُعْ ُ‬ ‫ت فَإ ِ ْ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫مُز َ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[58:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫طو‬ ‫من َْها إ َِذا هُ ْ َ ْ َ‬
‫خ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫وا ِ‬ ‫م ي ُعْط َ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫ك{ أي‪:‬‬ ‫مُز َ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫م{ أي‪ :‬ومن المنافقين } َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ت{ إذا فرقتها‪ ،‬ويتهمك في ذلك‪ ،‬وهم‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫يعيب عليك }ِفي{ قسم }ال ّ‬
‫المّتهمون المأبونون‪ ،‬وهم مع هذا ل ينكرون للدين‪ ،‬وإنما ينكرون لحظ‬
‫م‬‫من َْها إ َِذا هُ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫م ي ُعْط َ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ضوا وَإ ِ ْ‬ ‫أنفسهم؛ ولهذا إن أعطوا من الزكاة }َر ُ‬
‫ن{ أي‪ :‬يغضبون لنفسهم"‪.‬‬ ‫طو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪ -27‬يكرهون الجهاد والستشهاد في سبيل الله تعالى‪:‬‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫وا َقات ِلوا ِفي َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫قوا وَِقي َ‬ ‫ن َنافَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَل ِي َعْل َ َ‬
‫َ‬ ‫م ل ِل ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫م لِ ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ب ِ‬ ‫مئ ِذ ٍ أقَْر ُ‬ ‫فرِ ي َوْ َ‬ ‫م هُ ْ‬ ‫م قَِتال ً لت ّب َعَْناك ُ ْ‬ ‫أوِ اد ْفَُعوا َقاُلوا ل َوْ ن َعْل َ ُ‬
‫قوُلون بأ َفْواههم ما ل َيس في قُُلوبهم والل ّ َ‬
‫ن{ ]آل عمران‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ي َك ْت ُ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬ ‫ِِ ْ َ ُ‬ ‫َ ِ َ ِ ِ ْ َ ْ َ ِ‬ ‫يَ ُ‬
‫‪.[167‬‬
‫ي بن سلول المنافق‬ ‫قال الطبري‪" :‬يعني تعالى ذكره بذلك عبد الله بن أب ّ‬
‫وأصحاَبه الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه‪،‬‬
‫حين سار نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين بأحد لقتالهم‪ ،‬فقال‬
‫لهم المسلمون‪ :‬تعالوا قاتلوا المشركين معنا‪ ،‬أو ادفعوا بتكثيركم سوادنا‪،‬‬
‫سرنا معكم إليهم‪ ،‬ولك ُّنا معكم عليهم‪ ،‬ولكن ل‬ ‫فقالوا‪ :‬لو نعلم أنكم تقاتلون ل ِ‬
‫دوا من نفاق أنفسهم ما كانوا‬ ‫نرى أنه يكون بينكم وبين القوم قتال‪ ،‬فأب َ‬
‫م{ غير ما كانوا‬ ‫م قَِتال ً لت ّب َعَْناك ُ ْ‬ ‫يكتمونه‪ ،‬وأبدوا بألسنتهم بقولهم‪} :‬ل َوْ ن َعْل َ ُ‬
‫يكتمونه ويخفونه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل اليمان‬
‫به"‪.‬‬
‫‪ -28‬يسخرون من العمل القليل من المؤمنين‪:‬‬
‫ت‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عي َ‬ ‫مط ّوّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مُزو َ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ب‬
‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خَر الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫م فَي َ ْ‬ ‫جهْد َهُ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ ُ‬ ‫دو َ‬‫ج ُ‬ ‫ن ل يَ ِ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫م{ ]التوبة‪.[79:‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬

‫)‪(12 /‬‬

‫عن أبي مسعود رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬لما أمرنا بالصدقة كّنا نتحامل‪ ،‬فجاء أبو‬
‫عقيل بنصف صاع‪ ،‬وجاء إنسان بأكثر منه‪ ،‬فقال المنافقون‪ :‬إن الله لغني عن‬
‫ن‬
‫عي َ‬‫مط ّوّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬
‫مُزو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صدقة هذا‪ ،‬وما فعل هذا الخر إل رئاء‪ ،‬فنزلت‪} :‬ال ّ ِ‬
‫م‪.{...‬‬ ‫جهْد َهُ ْ‬ ‫ن إ ِّل ُ‬‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ل يَ ِ‬ ‫ت َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ِ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وهذا أيضا من صفات المنافقين‪ ،‬ل يسلم أحد من عيبهم‬
‫ولمزهم في جميع الحوال‪ ،‬حتى ول المتصدقون يسلمون منهم‪ ،‬إن جاء أحد‬
‫مراٍء‪ ،‬وإن جاء بشيء يسير قالوا‪ :‬إن الله لغني‬ ‫منهم بمال جزيل قالوا‪ :‬هذا ُ‬
‫عن صدقته"‪.‬‬
‫‪ -29‬الرضا بأسافل المواضع‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬‫معَ َر ُ‬‫دوا َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫مُنوا ِباللهِ وَ َ‬ ‫نآ ِ‬ ‫سوَرة ٌ أ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا أن ْزِل َ ْ‬
‫معَ ال ْ َ‬ ‫استأ ْذ َن َ ُ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[86:‬‬ ‫دي َ‬‫ع ِ‬‫قا ِ‬ ‫ن َ‬‫م وََقاُلوا ذ َْرَنا ن َك ُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬‫ك أوُلوا الط ّوْ ِ‬ ‫ْ َ َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى منكرا وذاما للمتخلفين عن الجهاد الناكلين عنه‬
‫مع القدرة عليه ووجود السعة والطول‪ ،‬واستأذنوا الرسول في القعود‪،‬‬
‫ن{‪ ،‬ورضوا لنفسهم بالعار والقعود في البلد‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬‫قا ِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وقالوا‪} :‬ذ َْرَنا ن َك ُ ْ‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع النساء وهن الخوالف‪ ،‬بعد خروج الجيش‪ ،‬فإذا وقع الحرب كانوا أجبن‬
‫الناس‪ ،‬وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلما‪ ،‬كما قال تعالى عنهم في الية‬
‫َ‬ ‫خو ُ َ‬
‫شى‬ ‫ذى ي ُغْ َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك َتدوُر أعْي ُن ُهُ ْ‬ ‫ن إ ِل َي ْ َ‬ ‫م َينظ ُُرو َ‬ ‫ف َرأي ْت َهُ ْ‬ ‫جاء ال ْ َ ْ‬ ‫الخرى‪} :‬فَإ َِذا َ‬
‫َ‬
‫داٍد{ ]الحزاب‪ [19:‬أي‪:‬‬ ‫ح َ‬ ‫سن َةٍ ِ‬ ‫كم ب ِأل ْ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫خو ْ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ت فَإ َِذا ذ َهَ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْهِ ِ‬
‫علت ألسنتهم بالكلم الحاد ّ القوي في المن‪ ،‬وفي الحرب أجبن شيء"‪.‬‬
‫‪ -30‬المر بالمنكر والنهي عن المعروف والبخل ونسيان الله تعالى‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫من ْك َ ِ‬
‫ر‬ ‫ن ِبال ُ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫ن ب َعْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ال ْ ُ‬
‫قبضو َ‬
‫م‬
‫ن هُ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سي َهُ ْ‬ ‫ه فَن َ ِ‬ ‫سوا الل ّ َ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫ف وَي َ ْ ِ ُ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫وَي َن ْهَوْ َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[67:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى منكرا على المنافقين الذين هم على خلف‬
‫صفات المؤمنين‪ ،‬ولما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‬
‫قبضو َ‬ ‫ْ‬
‫م{ أي‪ :‬عن‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫ف وَي َ ْ ِ ُ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫ن ِبال ْ ُ‬ ‫مُرو َ‬ ‫كان هؤلء }ي َأ ُ‬
‫م{ أي‪:‬‬ ‫سي َهُ ْ‬ ‫ه{ أي‪ :‬نسوا ذكر الله }فَن َ ِ‬ ‫سوا الل ّ َ‬ ‫النفاق في سبيل الله}ن َ ُ‬
‫م‬‫سيت ُ ْ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫مك َ‬‫َ‬ ‫ساك ْ‬‫ُ‬ ‫م َنن َ‬ ‫ل الي َوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫عاملهم معاملة من نسيهم‪ ،‬كقوله تعالى‪} :‬وَِقي َ‬
‫ن{ أي‪ :‬الخارجون عن طريق‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن هُ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫هاَذا{‪} .‬إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫قاء ي َوْ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫الحق الداخلون في طريق الضللة"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬هم جنس بعضه يشبه بعضا‪ ،‬يأمرون بالمنكر بعد أن‬
‫يفعلوه‪ ،‬وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه‪ ،‬ويبخلون بالمال في سبيل الله‬
‫ومرضاته أن ينفقوه‪ ،‬كم ذكرهم الله بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه‪ ،‬وكم‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫كشف حالهم لعباده المؤمنين ليتجنبوه‪ ،‬فاسمعوا أيها المؤمنون‪} :‬ال ْ ُ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ضو َ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫ف وَي َ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫ن ِبال ْ ُ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫ن ب َعْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن هُ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سي َهُ ْ‬ ‫ه فَن َ ِ‬ ‫سوا الل ّ َ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫أي ْدِي َهُ ْ‬
‫‪ -31‬الفرح بالتخلف وكره الجهاد والتواصي بالتخلف عنه‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫خل ّ ُ‬
‫ن‬
‫هوا أ ْ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ وَكرِ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫خل َ‬ ‫م ِ‬ ‫قعَدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫م َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬فَرِ َ‬
‫حّر قُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ل َناُر‬ ‫فُروا ِفي ال َ‬ ‫ل اللهِ وََقالوا ل ت َن ْ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[81:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مأ َ‬ ‫َ‬
‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫حّرا لوْ كاُنوا ي َ ْ‬ ‫شد ّ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك‪ ،‬وفرحوا بقعودهم بعد خروجه‪،‬‬
‫ل الل ّهِ وََقاُلوا{ أي‪:‬‬ ‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا{ معه }ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫هوا أ ْ‬ ‫}وَك َرِ ُ‬
‫حّر{؛ وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان‬ ‫فُروا ِفي ال ْ َ‬ ‫بعضهم لبعض }ل ت َن ْ ِ‬
‫في شدة الحر عند طيب الظلل والثمار؛ فلهذا قالوا‪ :‬ل تنفروا في الحّر‪ ،‬قال‬
‫م{ التي‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ل{ لهم }َناُر َ‬ ‫الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم }قُ ْ‬
‫حّرا{ مما فررتم منه من الحر‪ ،‬بل أشد ّ حّرا‬ ‫شد ّ َ‬ ‫تصيرون إليها بمخالفتكم }أ َ َ‬
‫من النار"‪.‬‬
‫‪ -32‬التخذيل والتثبيط والرجاف‪:‬‬
‫هّ‬
‫ما وَعَد ََنا الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُلوب ِهِ ْ‬‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ِ‬‫ّ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫م لك ْ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫بل ُ‬ ‫ل ي َث ْرِ َ‬ ‫م َيا أهْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ت طائ ِ َ‬ ‫ه إ ِل ّ غُُروًرا ‪ %‬وَإ ِذ ْ َقال ْ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ي ب ِعَوَْرةٍ إ ِ ْ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ن ب ُُيوت ََنا عَوَْرة ٌ وَ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫قولو َ‬ ‫ي يَ ُ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫ست َأذِ ُ‬ ‫جُعوا وَي َ ْ‬ ‫َفاْر ِ‬
‫ن ِإل فَِراًرا{ ]الحزاب‪.[13-12:‬‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫‪ -33‬البطء عن المؤمنين‪:‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وإن منك ُم ل َمن ل َيبط ّئ َن فَإ َ‬
‫م‬ ‫ل قَد ْ أن ْعَ َ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫ّ ِ ْ‬ ‫َِ ّ ِ ْ ْ َ ْ َُ‬
‫الل ّه عَل َي إذ ْ ل َ َ‬
‫دا{ ]النساء‪.[72:‬‬ ‫شِهي ً‬ ‫م َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م أك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫قال الطبري‪" :‬وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين‪ ،‬نعتهم لنبيه صلى‬
‫م{ أيها‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال‪} :‬وَإ ِ ّ‬
‫المؤمنون‪ ،‬يعني‪ :‬من عدادكم وقومكم‪ ،‬ومن يتشبه بكم‪ ،‬ويظهر أنه من أهل‬
‫طئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم‪،‬‬ ‫دعوتكم وملتكم‪ ،‬وهو منافق يب ّ‬
‫َ‬
‫ة{ يقول‪ :‬فإن أصابتكم‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم‪} ،‬فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م أك ُ ْ‬ ‫ي إ ِذ ْ ل ْ‬ ‫ه عَل ّ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ل قَد ْ أن ْعَ َ‬ ‫هزيمة أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم }َقا َ‬
‫ة بكم؛‬ ‫دا{ فيصيبني جراح أو ألم أو قتل‪ ،‬وسّره تخلفه عنكم شمات ً‬ ‫ّ‬ ‫شِهي ً‬ ‫م َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ك في وعد الله الذي وعد المؤمنين على ما نالهم في سبيله‬ ‫لنه من أهل الش ّ‬
‫من الجر والثواب وفي وعيده‪ ،‬فهو غير راج ثوابا‪ ،‬ول خائف عقابا"‪.‬‬
‫سا إلى رجسهم‪:‬‬ ‫‪ -34‬ل ينفعهم القرآن بل يزيدهم رج ً‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ماًنا‬ ‫ه هَذِهِ ِإي َ‬ ‫م َزاد َت ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ل أي ّك ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سوَرة ٌ فَ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن ْزِل َ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫ن ‪ %‬وَأ ّ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ماًنا وَهُ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫مُنوا فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫فَأ ّ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[125-124:‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا إ َِلى رِ ْ‬ ‫ج ً‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ض فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫َ‬
‫‪ - 35‬العودة إلى ما نهوا عنه والتناجي بالثم والعدوان ومعصية الرسول‪:‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ما ن ُُهوا َ ْ ُ‬
‫ن‬ ‫ع‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ي َُعوُدو َ‬ ‫وى ث ُ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫ن ن ُُهوا عَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬أل َ ْ‬
‫حي ّ َ‬
‫ك‬ ‫م يُ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫حي ّوْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫ل وَإ َِذا َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ت الّر ُ‬ ‫صي َ ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن ِبالث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬ ‫جو ْ َ‬ ‫وَي َت ََنا َ‬
‫صل َوْن ََها‬ ‫َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ّ ُ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ِفي أن ْ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ه وَي َ ُ‬ ‫ب ِهِ الل ّ ُ‬
‫صيُر{ ]المجادلة‪.[8:‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫فَب ِئ ْ َ‬
‫‪ -36‬الستئذان عن الجهاد بحجة الفتنة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قطوا‬ ‫س َ‬ ‫فت ْن َةِ َ‬ ‫فت ِّني أل ِفي ال ِ‬ ‫ن ِلي َول ت َ ْ‬ ‫ل ائ ْذ َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[49:‬‬ ‫ري َ‬ ‫ة ِبالكافِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫حيط َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫ن‬‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى‪ :‬ومن المنافقين من يقول لك يا محمد‪} :‬ائ ْذ َ ْ‬
‫فت ِّني{ بالخروج معك بسبب الجواري من نساء الروم‪،‬‬ ‫ِلي{ في القعود }َول ت َ ْ‬
‫قطوا{ أي‪ :‬قد سقطوا في الفتنة بقولهم‬ ‫ُ‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فت ْن َةِ َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬أل ِفي ال ِ‬
‫هذا"‪.‬‬
‫‪ -37‬اتخاذ العذار عند التخلف‪:‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن لك ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫َ‬
‫م قل ل ت َعْت َذُِروا ل ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫م إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫جعْت ُ ْ‬ ‫م إ َِذا َر َ‬ ‫ن إ ِل َي ْك ْ‬
‫ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ي َعْت َذُِرو َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫دو‬
‫ْ ََ ُ ُ ّ َُ ّ َ ِ‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫ُ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫رى‬ ‫م َ َ ََ‬
‫ي‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫خَبارِك ُ ْ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[94:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫ال ْغَي ْ ِ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم‬
‫َ‬
‫م{ أي‪ :‬لن نصدقكم‪} ،‬قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫ل ل ت َعْت َذُِروا ل َ ْ‬ ‫يعتذرون إليهم }قُ ْ‬
‫ه{‬ ‫سول ُ‬ ‫ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ملك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ّ‬
‫سي ََرى الل ُ‬ ‫م{ أي‪ :‬قد أعلمنا الله أحوالكم‪} ،‬وَ َ‬ ‫خَبارِك ُ ْ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ة‬
‫شَهاد َ ِ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫ْ‬
‫عال ِم ِ الغَي ْ ِ‬ ‫ن إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫م ت َُرّدو َ‬ ‫أي‪ :‬سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا‪} ،‬ث ُ ّ‬
‫ن{ أي‪ :‬فيخبركم بأعمالكم‪ ،‬خيرها وشرها‪ ،‬ويجزيكم‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫عليها"‪.‬‬
‫‪ -38‬الستخفاء من الناس‪:‬‬
‫م إ ِذ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ن اللهِ وَهُوَ َ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫س َول ي َ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ي َ ْ‬
‫حيطا{ ]النساء‪.[108:‬‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل وَكا َ‬ ‫َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ضى ِ‬ ‫ما ل ي َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫ي ُب َي ُّتو َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من‬
‫طلع على سرائرهم‪،‬‬ ‫الناس؛ لئل ينكروا عليهم‪ ،‬ويجاهرون الله بها؛ لنه م ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ضى ِ‬ ‫ما ل ي َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إ ِذ ْ ي ُب َي ُّتو َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫وعالم بما في ضمائرهم‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬وَهُوَ َ‬
‫طا{ تهديد لهم ووعيد"‪.‬‬ ‫حي ً‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -39‬يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا‪:‬‬


‫َ‬ ‫ّ‬ ‫شيعَ ال ْ َ‬ ‫حبو َ‬
‫م‬
‫مُنوا لهُ ْ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬
‫ة ِفي ال ِ‬‫ش ُ‬‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن يُ ِ ّ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن{ ]النور‪.[19:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫مو َ‬‫م ل ت َعْل ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬‫ه ي َعْل ُ‬
‫خَرةِ َوالل ُ‬‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫ب أِلي ٌ‬
‫ذا ٌ‬
‫كن الله لهم‪:‬‬ ‫‪ -40‬الفرح بما يصيب المؤمنين من ضراء والستياء بما يم ّ‬

‫)‪(14 /‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ل ي َأُلون َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ُدون ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫طان َ ً‬ ‫ذوا ب ِ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خفي صدورهُ َ‬ ‫خبال ً ودوا ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ‬
‫م أك ْب َُر قَد ْ‬ ‫ُ ُ ُ ْ‬ ‫ما ت ُ ْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ْ ْ َ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫م وَت ُؤْ ِ‬ ‫حّبون َك ُ ْ‬ ‫م َول ي ُ ِ‬ ‫حّبون َهُ ْ‬ ‫م أولِء ت ُ ِ‬ ‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫ن‪َ %‬‬ ‫قلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫م اليا ِ‬ ‫ب َي ّّنا لك ُ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ظ‬‫ن الغَي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م َ‬ ‫م الَنا ِ‬ ‫ضوا عَلي ْك ُ ُ‬ ‫وا عَ ّ‬ ‫خل ْ‬ ‫مّنا وَإ َِذا َ‬ ‫م َقالوا آ َ‬ ‫قوك ُ ْ‬ ‫ب ك ُلهِ وَإ َِذا ل ُ‬ ‫ِبال ْك َِتا ِ‬
‫سؤْهُ ْ‬
‫م‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫دورِ ‪ %‬إ ِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫موُتوا ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫شي ًْئا إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫م كي ْد ُهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ضّرك ْ‬ ‫قوا ل ي َ ُ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حوا ب َِها وَإ ِ ْ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬
‫م َ‬ ‫صب ْك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫حيط{ ]آل عمران‪.[120-118:‬‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين‬
‫بطانة‪ ،‬أي‪ :‬يطلعونهم على سرائرهم‪ ،‬وما يضمرونه لعدائهم‪ ،‬والمنافقون‬
‫بجهدهم وطاقتهم ل يألون المؤمنين خبال أي‪ :‬يسعون في مخالفتهم‪ ،‬وما‬
‫يضّرهم بكل ممكن‪ ،‬وبما يستطيعون من المكر والخديعة‪ ،‬ويوّدون ما يعنت‬
‫المؤمنين ويحرجهم ويشقّ عليهم"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬إن أصاب أهل الكتاب والسنة عافية ونصر وظهور ساءهم‬
‫مهم‪ ،‬وإن أصابهم ابتلء من الله وامتحان يمحص به ذنوبهم ويكفر به‬ ‫ذلك وغ ّ‬
‫عنهم سيئاتهم أفرحهم ذلك وسرهم‪ ،‬وهذا يحقق إرثهم وإرث من عداهم‪ ،‬ول‬
‫ة‬
‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ك َ‬ ‫صب ْ َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫يستوي من موروثه الرسول ومن موروثهم المنافقون‪} ،‬إ ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫قوُلوا قَد ْ أ َ َ‬ ‫صب ْ َ‬
‫ن‬
‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫ل وَي َت َوَل ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرَنا ِ‬ ‫خذ َْنا أ ْ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫سؤْهُ ْ‬ ‫تَ ُ‬
‫ن{‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫موْلَنا وَعَلى اللهِ فَلي َت َوَك ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه لَنا هُوَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫ما كت َ َ‬ ‫َ‬ ‫صيب ََنا إ ِل ّ َ‬ ‫‪ُ %‬قل لن ي ُ ِ‬ ‫ّ‬
‫]التوبة‪."[51 ،50:‬‬
‫خذ َْنا‬ ‫َ‬
‫قولوا قَد ْ أ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة يَ ُ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫صب ْك ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫سؤْهُ ْ‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫صب ْك َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[50:‬‬ ‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫ل وَي َت َوَل ّ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرَنا ِ‬ ‫أ ْ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يعلم تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بعداوة هؤلء‬
‫له؛ لنه مهما أصابه من حسنة أي‪ :‬فتح ونصر وظفر على العداء مما يسّره‬
‫َ‬ ‫قوُلوا قَد ْ أ َ َ‬ ‫صب ْ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫مَرَنا ِ‬ ‫خذ َْنا أ ْ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫ويسّر أصحابه ساءهم ذلك‪} ،‬وَإ ِ ْ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫حو‬
‫َََ َ ْ َ ُ ْ ِ ُ َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫وا‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫هذا‬ ‫قبل‬ ‫من‬ ‫ل{ أي‪ :‬قد احترزنا من متابعته‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫دث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر‪:‬‬ ‫‪ -41‬إذا اؤتمن خان وإذا ح ّ‬
‫ن‬‫كون َ ّ‬ ‫ن وَل َن َ ُ‬ ‫صد ّقَ ّ‬ ‫ضل ِهِ ل َن َ ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن آَتاَنا ِ‬ ‫ه ل َئ ِ ْ‬ ‫عاهَد َ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ن‪%‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫خُلوا ب ِهِ وَت َوَل ّ ْ‬ ‫ضل ِهِ ب َ ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫ن ‪ %‬فَل َ ّ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مََ‬ ‫ِ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫دو‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫فوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫قا‬ ‫ً‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫فَ‬
‫َ َ َ ُ ُ َِ َ‬ ‫َ ْ ِ َ ْ ُ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ِِ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َُ ْ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[77-75:‬‬ ‫ي َك َذُِبو َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى‪ :‬ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه‬
‫ن من الصالحين‪ ،‬فما وّفى بما‬ ‫لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله‪ ،‬وليكون ّ‬
‫قال‪ ،‬ول صدق فيما ادعى‪ ،‬فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى‬
‫يوم يلقوا الله عز وجل يوم القيامة‪ ،‬عياذا الله من ذلك"‪.‬‬
‫م‬‫ما هُ ْ‬ ‫خرِ وَ َ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫لآ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[8:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫بِ ُ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬لبسوا ثياب أهل اليمان‪ ،‬على قلوب أهل الزيغ والخسران‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والغل والكفران‪ ،‬فالظواهر ظواهر النصار‪ ،‬والبواطن قد تحيزت إلى الكفار‪،‬‬


‫مّنا ِبالل ّهِ‬‫فألسنتهم ألسنة المسالمين‪ ،‬وقلوبهم قلوب المحاربين‪ ،‬ويقولون‪} :‬آ َ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م بِ ُ‬‫ما هُ ْ‬ ‫خرِ وَ َ‬ ‫وَِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫م وَ َ‬ ‫سهُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ن ِإل أن ْ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫خد َ ُ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ه َوال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫عو َ‬ ‫خادِ ُ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬ي ُ َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[9:‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬رأس مالهم الخديعة والمكر‪ ،‬وبضاعتهم الكذب والخثر‪،‬‬
‫وعندهم العقل المعيشي أن الفريقين عنهم راضون‪ ،‬وهم بينهم آمنون‪،‬‬
‫ن{"‪.‬‬‫شعُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف َ‬‫ن ِإل أ َن ْ ُ‬‫عو َ‬‫خد َ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫عو َ‬‫خادِ ُ‬ ‫}ي ُ َ‬
‫وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪)) :‬أربع من كن فيه كان منافقا خالصا‪ ،‬ومن كانت فيه خصلة منهن كانت‬
‫دث كذب‪ ،‬وإذا عاهد‬ ‫فيه خصلة من النفاق حتى يدعها‪ :‬إذا اؤتمن خان‪ ،‬وإذا ح ّ‬
‫غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر((‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫كل من حيث إن‬ ‫ده جماعة من العلماء مش ِ‬ ‫قال النووي‪" :‬هذا الحديث مما ع ّ‬
‫دق الذي ليس فيه شك‪ ...‬فإن إخوة‬ ‫هذه الخصال توجد في المسلم المص ّ‬
‫يوسف صلى الله عليه وسلم جمعوا هذه الخصال‪ ،‬وكذا وجد لبعض السلف‬
‫والعلماء بعض هذا أو كّله‪ ،‬وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال‪،‬‬
‫ولكن اختلف العلماء في معناه‪ ،‬فالذي قاله المحققون والكثرون وهو‬
‫الصحيح المختار‪ :‬إن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق‪ ،‬وصاحبها شبيه‬
‫بالمنافقين في هذه الخصال ومتخّلق بأخلقهم‪ ،‬فإن النفاق هو إظهار ما‬
‫يبطن خلفه‪ ،‬وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال‪ ،‬ويكون نفاقه في‬
‫حقّ من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس‪ ،‬ل أنه منافق في‬
‫السلم فيظهره وهو يبطن الكفر‪ ،‬ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا‬
‫أنه منافق نفاق الكفار المخّلدين في الدرك السفل من النار‪.‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬كان منافقا خالصا(( معناه‪ :‬شديد الشبه‬
‫بالمنافقين بسبب هذه الخصال‪ .‬قال بعض العلماء‪ :‬وهذا فيمن كانت هذه‬
‫الخصال غالبة عليه‪ ،‬فأما من يندر ذلك منه فليس داخل فيه‪ ،‬وهذا هو المختار‬
‫في معنى الحديث"‪.‬‬
‫‪ -42‬تأخير الصلة عن وقتها‪:‬‬
‫عن العلء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة‬
‫حين انصرف من الظهر‪ ،‬وداره بجنب المسجد‪ ،‬فلما دخلنا عليه قال‪ :‬أصليتم‬
‫العصر؟ فقلنا له‪ :‬إنما انصرفنا الساعة من الظهر‪ ،‬قال‪ :‬فصلوا العصر‪ ،‬فقمنا‬
‫ما انصرفنا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬ ‫فصلينا‪ ،‬فل ّ‬
‫))تلك صلة المنافق‪ ،‬يجلس يرقب الشمس‪ ،‬حتى إذا كانت بين قرني‬
‫الشيطان قام فنقرها أربعا‪ ،‬ل يذكر الله فيها إل قليل((‪.‬‬
‫خرون الصلة عن وقتها الّول إلى شرق الموتى‪ ،‬فالصبح‬ ‫قال ابن القيم‪" :‬يؤ ّ‬
‫عند طلوع الشمس‪ ،‬والعصر عند الغروب‪ ،‬وينقرونها نقَر الغراب إذ هي صلة‬
‫قن أّنه مطرود‬ ‫البدان ل صلة القلوب‪ ،‬ويلتفتون فيها التفات الثعلب إذ يتي ّ‬
‫مطلوب"‪.‬‬
‫‪ -43‬التخلف عن الصلة في جماعة المسلمين‪:‬‬
‫دا‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪) :‬من سّره أن يلقى الله غ ً‬
‫ما فليحافظ على هؤلء الصلوات حيث ينادى بهن‪ ،‬فإن الله شرع لنبيكم‬ ‫مسل ً‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الهدى‪ ،‬وإنهن من سنن الهدى‪ ،‬ولو أنكم صليتم‬ ‫صلى الله عليه وسلم سن َ‬
‫في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم‪ ،‬ولو تركتم‬
‫سنة نبيكم لضللتم‪ ،‬وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد‬
‫من هذه المساجد إل كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة‪ ،‬ويرفعه بها‬
‫ط عنه بها سيئة‪ ،‬ولقد رأيُتنا وما يتخّلف عنها إل منافق معلوم‬ ‫درجة‪ ،‬ويح ّ‬
‫النفاق‪ ،‬ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف(‪.‬‬
‫مّني‪" :‬ليس المراد بالمنافق ها هنا من يبطن الكفر ويظهر السلم‪،‬‬ ‫ش ُ‬‫قال ال ّ‬
‫وإل لكانت الجماعة فريضة؛ لن من يبطن الكفر كافر‪ ،‬ولكان آخر الكلم‬
‫ضا لوله"‪.‬‬ ‫مناق ً‬
‫‪ -44‬البذاء والبيان‪:‬‬
‫عن أبي أمامة رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬الحياء‬
‫ي شعبتان من اليمان‪ ،‬والبذاء والبيان شعبتان من النفاق((‪.‬‬ ‫والعِ ّ‬
‫ي قلة الكلم‪ ،‬والبذاء هو الفحش في الكلم‪ ،‬والبيان هو‬ ‫ّ‬ ‫قال الترمذي‪" :‬والعِ ّ‬
‫سعون في الكلم‪،‬‬ ‫كثرة الكلم‪ ،‬مثل هؤلء الخطباء الذين يخطبون فيو ّ‬
‫صحون فيه‪ ،‬من مدح الناس فيما ل ُيرضي الله"‪.‬‬ ‫ويتف ّ‬
‫ي‬
‫قال المناوي‪" :‬والِعي أي‪ :‬سكون اللسان تحّرزا عن الوقوع في البهتان ل ع ّ‬
‫ي اللسان لخلل‪)) .‬شعبتان من شعب اليمان((‬ ‫ي العمل ول ع ّ‬ ‫القلب ول ع ّ‬
‫أي‪ :‬أثران من آثاره‪ ،‬بمعنى أن المؤمن يحمله اليمان على الحياء‪ ،‬فيترك‬
‫القبائح حياء من الله‪ ،‬ويمنعه من الجتراء على الكلم شفقا من عثر اللسان‬
‫والوقيعة في البهتان‪ .‬والبذاء هو ضد ّ الحياء وقيل‪ :‬فحش الكلم والبيان‪ ،‬أي‪:‬‬
‫فصاحة اللسان‪ ،‬والمراد به هنا ما يكون فيه إثم من الفصاحة كهجو أو مدح‬
‫ق‪ .‬شعبتان من النفاق بمعنى أنهما خصلتان منشؤهما النفاق‪ ،‬والبيان‬ ‫بغير ح ّ‬
‫دم فيه على الغير تيها‬‫مق في النطق والتفاصح وإظهار التق ّ‬ ‫المذكور هو التع ّ‬
‫وعجبا كما تقرر‪ .‬قال القاضي‪ :‬لما كان اليمان باعثا على الحياء والتحفظ في‬
‫الكلم والحتياط فيه عد ّ من اليمان‪ ،‬وما يخالفهما من النفاق‪ ،‬وعليه فالمراد‬
‫ي ما يكون بسبب التأمل في المقال والتحرز عن الوبال ل لخلل في‬ ‫بالع ّ‬
‫اللسان‪ ،‬والبيان ما يكون بسببه الجتراء وعدم المبالة بالطغيان والتحرز عن‬
‫الزور والبهتان‪ .‬وقال الطيبي‪ :‬إنما قوبل العي في الكلم مطلقا بالبيان الذي‬
‫هو التعمق في النطق والتفاصح وإظهار التقدم فيه على الناس مبالغة لذم‬
‫البيان وأن هذه مضرة باليمان مضّرةَ ذلك البيان"‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫وقال ابن القيم‪" :‬وجملة أمرهم أنهم في المسلمين كالزغل في النقود‪ ،‬يروج‬
‫على أكثر الناس لعدم بصيرتهم بالنقد‪ ،‬ويعرف حاله الناقد البصير من الناس‪،‬‬
‫وقليل ما هم‪ .‬وليس على الديان أضّر من هذا الضرب من الناس‪ ،‬وإنما‬
‫جّلى الله أمرهم في القرآن‪ ،‬وأوضح‬
‫تفسد الديان من ِقبلهم‪ ،‬ولهذا َ‬
‫عظم‬ ‫مة بهم و ِ‬
‫أوصافهم‪ ،‬وبّين أحوالهم‪ ،‬وكّرر ذكرهم؛ لشدة المؤنة على ال ّ‬
‫البلية عليهم بوجودهم بين أظهرهم‪ ،‬وفرط حاجتهم إلى معرفتهم والتحّرز من‬
‫مشابهتهم والصغاء إليهم‪ ،‬فكم قطعوا على السالكين إلى الله طريق الهدى‪،‬‬
‫دوهم ومّنوهم‪ ،‬ولكن وعدوهم الغرور‪ ،‬ومّنوهم‬ ‫وسلكوا بهم سبل الردى‪ ،‬وعَ ُ‬
‫الويل والثبور"‪.‬‬
‫جامع البيان )‪.(1/122‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/379‬‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جامع البيان )‪.(22/3‬‬


‫جامع البيان )‪.(17/191‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(4/370‬‬
‫جامع البيان )‪.(10/171‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(380-1/379‬‬
‫ن{ )‪،(4900‬‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬‫ك ال ْ ُ‬‫جاَء َ‬ ‫أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪ :‬قوله‪} :‬إ َِذا َ‬
‫ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم )‪.(2772‬‬
‫جامع البيان )‪.(1/127‬‬
‫جامع البيان )‪.(129-1/128‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/379‬‬
‫جامع البيان )‪.(5/329‬‬
‫جامع البيان )‪.(5/331‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(382-1/381‬‬
‫جامع البيان )‪.(335-5/334‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/381‬‬
‫أخرجه البخاري في الذان‪ ،‬باب‪ :‬فضل العشاء في الجماعة )‪ (657‬واللفظ‬
‫له‪ ،‬ومسلم في المساجد ومواضع الصلة )‪.(651‬‬
‫فتح الباري )‪.(2/141‬‬
‫جامع البيان )‪.(336-5/335‬‬
‫أخرجه مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم )‪.(2784‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(17/128‬‬
‫جامع البيان )‪.(1/118‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(49-1/48‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(383-1/382‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/375‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/377‬‬
‫أحكام القرآن )‪.(1/294‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/383‬‬
‫جامع البيان )‪.(108-28/107‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/384‬‬
‫َ‬
‫وا{‬
‫ما أت َ ْ‬
‫ن بِ َ‬‫حو َ‬‫فرِ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪ :‬قوله‪} :‬ل َ ي َ ْ‬
‫)‪ ،(4567‬ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم )‪.(2777‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/377‬‬
‫جامع البيان )‪.(4/167‬‬
‫ن‪) {...‬‬ ‫عي َ‬ ‫ّ‬
‫مطوّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫مُزو َ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪ :‬قوله‪} :‬ال ِ‬
‫‪ ،(14668‬ومسلم في الزكاة )‪.(1018‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/389‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/394‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/382‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/382‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/391‬‬
‫جامع البيان )‪.(5/165‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/376‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/397‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/565‬‬


‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/406‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/385‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/376‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/388‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/378‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/379‬‬
‫أخرجه البخاري في اليمان‪ ،‬باب‪:‬علمة المنافق )‪ ،(34‬ومسلم في اليمان )‬
‫‪.(58‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(47-2/46‬‬
‫أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلة )‪.(622‬‬
‫قال في القاموس )‪" :(1158‬شرقت الشمس‪ :‬ضعف ضوؤها أو دنت‬
‫للغروب‪ .‬وأضافه ‪ $‬إلى الموتى فقال‪)) :‬يؤخرون الصلة إلى شرق الموتى((‬
‫لن ضوءها عند ذلك الوقت ساقط على المقابر‪ ،‬أو أراد أنهم يصّلونها ولم‬
‫يبق من النهار إل بقدر ما يبقى من نفس المحتضر إذا شرق بريقه"‪.‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/384‬‬
‫أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلة )‪.(654‬‬
‫ينظر‪ :‬عون المعبود )‪.(2/179‬‬
‫أخرجه أحمد )‪ ،(5/269‬والترمذي في البر والصلة‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في العي )‬
‫‪ ،(2027‬والبيهقي في الشعب )‪ ،(7706‬قال الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن‬
‫غريب‪ ،‬إنما نعرفه من حديث أبي غسان محمد بن مطرف "‪ ،‬وصححه الحاكم‬
‫)‪ ،(1/51‬واللباني في صحيح الترمذي )‪.(1650‬‬
‫فيض القدير )‪.(3/428‬‬
‫طريق الهجرتين )‪.(719‬‬
‫سا‪ :‬صفات المنافقين في الكتاب والسنة‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫‪ -1‬مرض القلب‪:‬‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م بِ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ضا وَلهُ ْ‬‫مَر ً‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ُ‬‫ض فَزاد َهُ ُ‬ ‫مَر ٌ‬
‫م َ‬‫قال الله تعالى‪ِ} :‬في قلوب ِهِ ْ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[10:‬‬ ‫كاُنوا ي َك ْذُِبو َ‬
‫َ‬
‫ض{ إنما يعني‪ :‬في‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬‫قال الطبري‪" :‬معنى قول الله جل ثناؤه‪ِ} :‬في قُُلوب ِهِ ْ‬
‫اعتقاد قلوبهم الذي يعتقدونه في الدين والتصديق بمحمد صلى الله عليه‬
‫وسلم وبما جاء به من عند الله مرض وسقم‪ ،‬فاجتزأ بدللة الخبر عن قلوبهم‬
‫على معناه عن تصريح الخبر عن اعتقادهم‪ .‬والمرض الذي ذكر الله جل ثناؤه‬
‫كهم في أمر محمد وما جاء به من‬ ‫أنه في اعتقاد قلوبهم الذي وصفناه هو ش ّ‬
‫ن إيمان‪ ،‬ول هم له منكرون‬ ‫عند الله وتحّيرهم فيه‪ ،‬فل هم به موقنون إيقا َ‬
‫إنكار إشراك‪ ،‬ولكنهم كما وصفهم الله عز وجل مذبذبون بين ذلك‪ ،‬ل إلى‬
‫م‬
‫ضّعف العز َ‬ ‫ض في هذا المر‪ ،‬أي‪ :‬ي ُ َ‬ ‫مّر ُ‬ ‫هؤلء ول إلى هؤلء‪ ،‬كما يقال‪ :‬فلن ي ُ َ‬
‫حح الروِّية فيه"‪.‬‬ ‫ول يص ّ‬

‫)‪(17 /‬‬

‫شبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها‪،‬‬ ‫ض ال ّ‬ ‫قال ابن القيم‪" :‬قد نهكت أمرا ُ‬
‫وغلبت القصود َ السيئة على إراداتهم ونياتهم فأفسدتها‪ ،‬ففسادهم قد ترامى‬
‫ه‬‫م الل ّ ُ‬
‫ض فََزاد َهُ ُ‬
‫مَر ٌ‬ ‫إلى الهلك‪ ،‬فعجز عنه الطّباء العارفون‪ِ} ،‬في قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫ن{")(‪.‬‬‫كاُنوا ي َك ْذُِبو َ‬
‫ما َ‬
‫م بِ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ضا وَل َهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫مَر ً‬
‫َ‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬الطمع الشهواني‪:‬‬
‫مَرض{‬ ‫ذي ِفي قلب ِهِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫معَ ال ِ‬ ‫ْ‬
‫ل في َط َ‬ ‫َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ِبال َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ} :‬فل ت َ ْ‬
‫]الحزاب‪.[32:‬‬
‫قال الطبري‪" :‬فيطمع الذي في قلبه ضعف‪ ،‬فهو لضعف إيمانه في قلبه‪ ،‬إما‬
‫ف بحدود الله‪ ،‬وإما‬ ‫ك في السلم منافق‪ ،‬فهو لذلك من أمره يستخ ّ‬ ‫شا ّ‬
‫متهاون بإتيان الفواحش"‪.‬‬
‫‪ -3‬الزيغ بالشبه‪:‬‬
‫ض‬
‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ة ل ِل ِ‬ ‫ن فِت ْن َ ً‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫َ‬ ‫قي ال ّ‬ ‫ْ‬
‫ما ي ُل ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ل ِي َ ْ‬
‫د{ ]الحج‪.[53:‬‬ ‫ق ب َِعي ٍ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫في ِ‬ ‫نل ِ‬ ‫َ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫سي َةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫قال الطبري‪" :‬يقول‪ :‬اختبارا يختبر به الذين في قلوبهم مرض من النفاق‪،‬‬
‫ك في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقيقة ما يخبرهم‬ ‫وذلك الش ّ‬
‫به"‪.‬‬
‫‪ -4‬التكّبر والستكبار‪:‬‬
‫م‬
‫سهُ ْ‬ ‫ؤو َ‬ ‫ل اللهِ لوّْوا ُر ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ُ‬
‫فْر لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫وا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫م ت ََعال ْ‬ ‫ل لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫ن{ ]المنافقون‪.[5:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ست َكب ُِرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫وََرأي ْت َهُ ْ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى مخِبرا عن المنافقين عليهم لعائن الله أنهم إذا‬
‫م{ أي‪:‬‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ؤو َ‬ ‫ل الل ّهِ ل َوّْوا ُر ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫وا ي َ ْ‬ ‫م ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫قيل لهم‪} :‬إ َِذا ِقي َ‬
‫ما قيل لهم استكبارا عن ذلك‪ ،‬واحتقارا لما قيل‪ ،‬ولهذا قال‬ ‫دوا واعرضوا ع ّ‬ ‫ص ّ‬
‫َ‬
‫ن{‪ .‬ثم جازاهم على ذلك فقال‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫تعالى‪} :‬وََرأي ْت َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫فَر الل ُ‬ ‫م َلن ي ّغْ ِ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫واٌء عَل َي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ْ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫الل َ‬
‫‪ -5‬الستهزاء بآيات الله والجلوس إلى المستهزئين بآيات الله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫قو َ‬
‫ما ِفي قُلوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م بِ َ‬ ‫سوَرة ٌ ت ُن َب ّئ ُهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ت ُن َّز َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مَنافِ ُ َ‬ ‫حذ َُر ال ْ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪}:‬ي َ ْ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[64 :‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ست َهْزُِئوا إ ِ ّ‬ ‫لا ْ‬ ‫قُ ِ‬
‫قال الطبري‪" :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬يخشى المنافقون أن تنزل فيهم سورة‬
‫تنبئهم بما في قلوبهم‪ ،‬يقول‪ :‬تظهر المؤمنين على ما في قلوبهم‪ .‬وقيل‪ :‬إن‬
‫الله أنزل هذه الية على رسول الله صلى الله عليه وسلم لن المنافقين‬
‫كانوا إذا عابوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا شيئا من أمره وأمر‬
‫ل الله ل يفشي سّرنا‪ ،‬فقال الله لنبيه صلى الله عليه‬ ‫المسلمين قالوا‪ :‬لع ّ‬
‫ما‬ ‫ج َ‬ ‫خرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عدا‪} ،‬إ ِ ّ‬ ‫ددا لهم متو ّ‬ ‫ست َهْزُِئوا{‪ ،‬مته ّ‬ ‫وسلم‪ :‬قل لهم‪} :‬ا ْ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ت الل ّهِ ي ُك ْ َ‬ ‫َ‬
‫فُر‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫معْت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ن إ َِذا َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫م ِفي ال ْك َِتا ِ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬وَقَد ْ ن َّز َ‬
‫م إ ًِذا‬ ‫ث غَي ْرِهِ إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ضوا ِفي َ‬ ‫خو ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫قعُ ُ‬ ‫ست َهَْزأ ُ ب َِها َفل ت َ ْ‬ ‫ب َِها وَي ُ ْ‬
‫ميًعا{ ]النساء‪.[140:‬‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ن َوال َ‬‫ْ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫معُ ال ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مث ْل ُهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫‪ -6‬الستهزاء بالمؤمنين‪:‬‬
‫م‬
‫طين ِهِ ْ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫وا إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫خل ْ‬ ‫َ‬ ‫مّنا وَإ َِذا َ‬ ‫مُنوا َقالوا آ َ‬ ‫ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫قوا ال ِ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا ل َ ُ‬
‫م ِفي‬ ‫مد ّهُ ْ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫ست َهْزِئُ ب ِهِ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن ‪ %‬الل ّ ُ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫َقاُلوا إ ِّنا َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[15-14:‬‬ ‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫ط ُغَْيان ِهِ ْ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬لكل منهم وجهان‪ :‬وجه يلقى به المؤمنين‪ ،‬ووجه ينقلب به‬
‫إلى إخوانه من الملحدين‪ ،‬وله لسانان‪ :‬أحدهما يقبله بظاهره المسلمون‪،‬‬
‫مّنا وَإ َِذا‬ ‫مُنوا َقاُلوا آ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوا ال ّ ِ‬ ‫والخر يترجم به عن سّره المكنون‪} ،‬وَإ َِذا ل َ ُ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫م َقاُلوا إ ِّنا َ‬ ‫طين ِهِ ْ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫وا إ َِلى َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫قد أعرضوا عن الكتاب والسّنة استهزاًء بأهلهما واستحقاًرا‪ ،‬وأبوا أن ينقادوا‬
‫حا بما عندهم من العلم الذي ل ينفع الستكثار منه إل أشًرا‬ ‫لحكم الوحيين فر ً‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ست َهْزِئُ‬‫ه يَ ْ‬ ‫دا بالمتمسكين بصريح الوحي يستهزئون }الل ّ ُ‬ ‫واستكباًرا‪ ،‬فتراهم أب ً‬
‫ن{"‪.‬‬‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫م ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬ ‫مد ّهُ ْ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫ب ِهِ ْ‬
‫‪ -7‬الظن السيئ بالله تعالى‪:‬‬
‫ت‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬
‫ِ َ ُ ِ ِ َ َ ُ ِ‬ ‫ن‬ ‫كي‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ت‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م َ ِ ِ َ َ ُ َ ِ‬
‫ف‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَي ُعَذ ّ َ‬
‫َ‬
‫م وَأعَد ّ‬ ‫م وَل َعَن َهُ ْ‬‫ه عَل َي ْهِ ْ‬‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫سوِْء وَغَ ِ‬ ‫م َدائ َِرةُ ال ّ‬ ‫سوِْء عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ظ َ ّ‬ ‫ظاّني َ‬‫ال ّ‬
‫صيًرا{ ]الفتح‪.[6:‬‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساَء ْ‬‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫‪ -8‬عدم الثقة بوعد الله تعالى ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫هّ‬
‫ما وَعَد ََنا الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬
‫مَنافِ ُ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫ه إ ِّل غُُروًرا{ ]الحزاب‪.[12:‬‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫‪ -9‬صد ّ الناس عن النفاق في سبيل الله‪:‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫حّتى‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قوا عََلى َ‬ ‫ن ل ت ُن ْفِ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬هُ ُ‬
‫ن{‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬‫ن ل يَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ضوا وَل ِل ّهِ َ‬
‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ض وَلك ِ ّ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫خَزائ ِ ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫]المنافقون‪.[7:‬‬
‫عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال‪ :‬كنت في غزاة‪ ،‬فسمعت عبد الله بن‬
‫ضوا من حوِله‪ ،‬ولئن‬ ‫ي يقول‪ :‬ل تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينف ّ‬ ‫أب ّ‬
‫مي أو لعمر‪ ،‬فذكره‬ ‫ّ‬ ‫لع‬ ‫ذلك‬ ‫فذكرت‬ ‫ل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الذ‬ ‫منها‬ ‫ز‬ ‫ّ‬ ‫الع‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ليخرج‬ ‫عنده‬ ‫من‬ ‫رجعنا‬
‫دثته‪ ،‬فأرسل رسول الله صلى الله‬ ‫ّ‬ ‫فح‬ ‫فدعاني‬ ‫وسلم‪،‬‬ ‫للنبي صلى الله عليه‬
‫ذبني رسول‬ ‫ي وأصحابه فحلفوا ما قالوا‪ ،‬فك ّ‬ ‫عليه وسلم إلى عبد الله بن أب ّ‬
‫ط‪،‬‬ ‫م لم يصبني مثُله ق ّ‬ ‫دقه‪ ،‬فأصابني ه ّ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم وص ّ‬
‫مي‪ :‬ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى‬ ‫فجلست في البيت فقال لي ع ّ‬
‫ن{‪ .‬فبعث‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ْ‬
‫ك ال ُ‬ ‫جاَء َ‬ ‫الله عليه وسلم ومقتك‪ ،‬فأنزل الله تعالى‪} :‬إ َِذا َ‬
‫ي النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقرأ‪ ،‬فقال‪)) :‬إن الله قد صدقك يا زيد((‪.‬‬ ‫إل ّ‬
‫‪ -10‬التسّتر ببعض العمال المشروعة للضرار بالمؤمنين‪:‬‬
‫ن‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫قا ب َي ْ َ‬ ‫ري ً‬ ‫ف ِ‬‫فًرا وَت َ ْ‬ ‫ضَراًرا وَك ُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج ً‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫سَنى َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ْ‬ ‫ن أَرد َْنا إ ِل ّ ال ْ ُ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ف ّ‬‫حل ِ ُ‬ ‫ل وَل َي َ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ب الل ّ َ‬ ‫حاَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫صاًدا ل ِ َ‬ ‫وَإ ِْر َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[107:‬‬ ‫م لكاذُِبو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫س والوقيعة وإشعال نار الفتنة واستغلل‬ ‫‪ -11‬التفريق بين المؤمنين والد ّ ّ‬
‫قتها والفساد في الرض وادعاء الصلح‪:‬‬ ‫الخلفات وتوسيع ش ّ‬
‫ن‬ ‫حو‬ ‫ل‬ ‫ص‬
‫ِّ َ َ ْ ُ ُ ْ ِ ُ َ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫دوا‬ ‫ُ ِ ُ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قي‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ ِ َ ِ‬
‫ذا‬
‫ْ ِ‬ ‫ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[11:‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫ن وَل َك ِ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫ل ثناؤه تكذيب للمنافقين في دعواهم؛‬ ‫قال الطبري‪" :‬وهذا القول من الله ج ّ‬
‫إذا أمروا بطاعة الله فيما أمرهم الله به ونهوا عن معصية الله فيما نهاهم‬
‫الله عنه قالوا‪ :‬إنما نحن مصلحون ل مفسدون‪ ،‬ونحن على رشد وهدى فيما‬
‫ذبهم الله عز وجل في ذلك من قيلهم‪،‬‬ ‫أنكرتموه علينا دونكم ل ضاّلون‪ ،‬فك ّ‬
‫َ‬
‫دون‬ ‫ن{ المخالفون أمَر الله عز وجل‪ ،‬المتع ّ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫فقال‪} :‬أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫ضه‪ ،‬وهم ل يشعرون‪ ،‬ول يدرون‪،‬‬ ‫حدوَده‪ ،‬الراكبون معصيَته‪ ،‬التاركون فرو َ‬
‫أنهم كذلك‪ ،‬ل الذين يأمرونهم بالقسط من المؤمنين‪ ،‬وينهونهم عن معاصي‬
‫الله في أرضه من المسلمين"‪.‬‬
‫‪ -12‬السفه ورمي المؤمنين بالسفه‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫م ُ‬ ‫س قالوا أن ُؤْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ك َ‬ ‫مآ ِ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[13:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل ُ‬ ‫فَهاُء وَلك ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫فَهاُء أل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دم نعته لهم‬ ‫قال الطبري‪" :‬هذا خبر من الله تعالى عن المنافقين الذين تق ّ‬
‫ووصفه إياهم بما وصفهم به من الشك والتكذيب أنهم هم الجّهال في‬
‫أديانهم‪ ،‬الضعفاء الراء في اعتقاداتهم واختياراتهم التي اختاروها لنفسهم‪،‬‬
‫وته‪ ،‬وفيما جاء به من عند‬ ‫ك والريب في أمر الله وأمر رسوله وأمر نب ّ‬ ‫من الش ّ‬
‫الله وأمر البعث؛ لساءتهم إلى أنفسهم بما أتوا من ذلك‪ ،‬وهم يحسبون أنهم‬
‫سد من حيث يرى أنه‬ ‫سنون‪ ،‬وذلك هو عين السفه؛ لن السفيه إنما يف ِ‬ ‫إليها يح ِ‬
‫يصلح‪ ،‬ويضيع من حيث يرى أنه يحفظ‪ ،‬فكذلك المنافق يعصي رّبه من حيث‬
‫يرى أنه يطيعه‪ ،‬ويكفر به من حيث يرى أنه يؤمن به‪ ،‬ويسيء إلى نفسه من‬
‫م‬ ‫َ‬
‫حيث يحسب أنه يحسن إليها‪ ،‬كما وصفهم به رّبنا جل ذكره‪ ،‬فقال‪} :‬أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫فَهاُء{ دون‬ ‫س َ‬‫م ال ّ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫ن{‪ ،‬وقال‪} :‬أل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫ن وَل َك ِ ْ‬‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫نل‬ ‫َ‬
‫دقين بالله وبكتابه وبرسوله وثوابه وعقابه }وَلك ِ ْ‬ ‫المؤمنين المص ّ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫سك عندهم بالكتاب والسّنة صاحب ظواهر‪ ،‬مبخوس‬ ‫وقال ابن القّيم‪" :‬المتم ّ‬
‫مل أسفارا‪ ،‬فهمه‬ ‫ظه من المعقول‪ ،‬والدائر مع النصوص عندهم كحمار يح ِ‬ ‫ح ّ‬
‫في حمل المنقول‪ ،‬وبضاعة تاجر الوحي لديهم كاسدة‪ ،‬وما هو عندهم‬
‫بمقبول‪ ،‬وأهل التباع عندهم سفهاء‪ ،‬فهم في خلواتهم ومجالسهم بهم‬
‫َ‬
‫فَهاُء‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ُ‬‫س َقاُلوا أن ُؤْ ِ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫مُنوا ك َ َ‬ ‫مآ ِ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫يتطيرون‪} ،‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫َ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫فَهاُء وَل َك ِ ْ‬ ‫س َ‬‫م ال ّ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫‪ -13‬موالة الكافرين‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذو َ‬‫خ ُ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ‪ %‬ال ّ ِ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫ن ب ِأ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ب َ ّ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫كافري َ‬
‫ن العِّزة َ ل ِل ِ‬ ‫م العِّزة َ فَإ ِ ّ‬ ‫عن ْد َهُ ُ‬ ‫ن ِ‬
‫ن أي َب ْت َُغو َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن أوْل َِياَء ِ‬ ‫ال ْ َ ِ ِ َ‬
‫ميًعا{ ]النساء‪.[139-138:‬‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬

‫)‪(19 /‬‬

‫ن{ الذين يتخذون‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫قال الطبري‪" :‬يقول الله لنبيه‪ :‬يا محمد‪} ،‬ب َ ّ‬
‫ّ‬
‫أهل الكفر بي واللحاد في ديني أولياء يعني أنصارا وأخلء من دون المؤمنين‪،‬‬
‫ة{ يقول‪ :‬أيطلبون عندهم‬ ‫م ال ْعِّز َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َهُ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫يعني‪ :‬من غير المؤمنين‪} .‬أي َب ْت َُغو َ‬
‫ن ال ْعِّزةَ ل ِل ّهِ‬ ‫المنعة والقوة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل اليمان بي‪} ،‬فَإ ِ ّ‬
‫ميًعا{ يقول‪ :‬فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫مسوا العّزة والمنعة‬ ‫هم الذلء القلء‪ ،‬فهل اتخذوا الولياء من المؤمنين‪ ،‬فيلت ِ‬ ‫ّ‬
‫ل من‬ ‫والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة‪ ،‬الذي يعّز من يشاء ويذ ّ‬
‫يشاء‪ ،‬فيعّزهم ويمنعهم"‪.‬‬
‫‪ -14‬التربص بالمؤمنين‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫ن الل ّهِ َقاُلوا أل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م فَت ْ ٌ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ن ي َت ََرب ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫من َعْك ُ ْ‬‫م وَن َ ْ‬ ‫حوِذ ْ عَلي ْك ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ب َقالوا أل ْ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫ن ل ِل َ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬‫معَك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن عَلى‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫ه ل ِل َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫مةِ وَل ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن َفالل ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل{ ]النساء‪.[141:‬‬ ‫سِبي ً‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م{ الذين ينتظرون‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ن ي َت ََرب ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الطبري‪" :‬يعني جل ثناؤه بقوله‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ه{ يعني‪ :‬فإن فتح الله‬ ‫ن الل ّ ِ‬‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م فَت ْ ٌ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ـ أيها المؤمنون ـ بكم‪} ،‬فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫عليكم فتحا من عدوكم‪ ،‬فأفاء عليكم فيئا من المغانم‪َ} ،‬قالوا{ لكم }أل ْ‬
‫م{ نجاهد عدّوكم‪ ،‬ونغزوهم معكم‪ ،‬فأعطونا نصيبا من الغنيمة‪ ،‬فإنا‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َك ُ ْ‬
‫ب{ يعني‪ :‬وإن كان‬ ‫صي ٌ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫قد شهدنا القتال معكم‪} ،‬وَإ ِ ْ‬
‫م{‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫معَك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ن َك ْ‬ ‫لعدائكم من الكافرين حظ منكم بإصابتهم منكم }قالوا أل ْ‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫م{ ألم نغلب عليكم‬ ‫حوِذ ْ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫يعني‪ :‬قال هؤلء المنافقون للكافرين }أل َ ْ‬
‫حتى قهرتم المؤمنين‪ ،‬ونمنعكم منهم بتخذيلنا إياهم‪ ،‬حتى امتنعوا منكم‬
‫ة{ يعني‪ :‬فالله يحكم بين المؤمنين‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫فانصرفوا‪َ} ،‬فالل ّ ُ‬
‫والمنافقين يوم القيامة‪ ،‬فيفصل بينكم بالقضاء الفاصل بإدخال أهل اليمان‬
‫جنته‪ ،‬وأهل النفاق مع أوليائهم من الكفار ناَره"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬يترّبصون الدوائر بأهل السنة والقرآن‪ ،‬فإن كان لهم فتح‬
‫من الله قالوا‪ :‬ألم تكن معكم؟! وأقسموا على ذلك بالله جهد أيمانهم‪ ،‬وإن‬
‫ن عقد الخاء‬ ‫كان لعداء الكتاب والسنة من النصرة نصيب قالوا‪ :‬ألم تعلموا أ ّ‬
‫خذ صفتهم من‬ ‫بيننا محكم‪ ،‬وأن النسب بيننا قريب؟! فيا من يريد معرفتهم‪ُ ،‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ن كا َ‬‫َ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ن ي َت ََرب ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل‪} :‬ال ّ ِ‬ ‫ب العالمين‪ ،‬فل تحتاج بعده دلي ً‬ ‫كلم ر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حوِذ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ب َقالوا أل ْ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ن ل ِلكافِ ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫معَك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ن َك ْ‬ ‫ن اللهِ َقالوا أل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فَت ْ ٌ‬
‫هّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫مةِ وَل ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ُ‬
‫م ب َي ْن َك ْ‬ ‫حك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن َفالل ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫من َعْك ْ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫عَل َي ْك ْ‬
‫ُ‬
‫ل{"‪.‬‬ ‫سِبي ً‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن عََلى ال ْ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫‪ -15‬التفاق مع أهل الكتاب ضد ّ المؤمنين والتولي في القتال‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫وان ِهِ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ن لِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫قوا ي َ ُ‬ ‫ن َنافَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫خرجن معك ُم ول نطيع فيك ُ َ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ُقوت ِل ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫دا وَإ ِ ْ‬ ‫دا أب َ ً‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫م ل َن َ ْ ُ َ ّ َ َ ْ َ ُ ِ ُ ِ ْ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ب ل َئ ِ ْ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫أهْ ِ‬
‫ن‬‫م وَل َئ ِ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫جوا ل ي َ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫ن ‪ %‬ل َئ ِ ْ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫صَرن ّك ُ ْ‬ ‫ل َن َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن{ ]الحشر‪-11:‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ي ُن ْ َ‬ ‫ن الد َْباَر ث ُ ّ‬ ‫م ل َي ُوَل ّ ّ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬ ‫صُرون َهُ ْ‬ ‫ُقوت ُِلوا ل ي َن ْ ُ‬
‫‪.[12‬‬
‫‪ -16‬الطبع على القلوب فل يفقهون‪:‬‬
‫ُ‬
‫ك َقالوا‬ ‫عن ْدِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ك َ‬ ‫معُ إ ِلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل ِل ّذي ُ‬
‫م َوات ّب َُعوا‬ ‫ه عَلى قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ن طب َعَ الل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫فا أولئ ِ َ‬ ‫ل آن ِ ً‬ ‫ماَذا َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ِ َ‬
‫م{ ]محمد‪.[16:‬‬ ‫َ‬
‫واَءهُ ْ‬ ‫أهْ َ‬
‫‪ -17‬فتنة النفس والترّبص والغترار بالماني‪:‬‬
‫َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ينادونه َ‬
‫م‬
‫سك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫م فَت َن ْت ُ ْ‬ ‫م َقاُلوا ب َلى وَلك ِن ّك ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ن َك ُ ْ‬ ‫م أل َ ْ‬ ‫َُ ُ َُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِباللهِ الغَُروُر{‬ ‫مُر اللهِ وَغّرك ْ‬ ‫َ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ي َ‬ ‫مان ِ ّ‬ ‫م ال َ‬ ‫م وَغَّرت ْك ُ ُ‬ ‫م َواْرت َب ْت ُ ْ‬ ‫صت ُ ْ‬‫وَت ََرب ّ ْ‬
‫]الحديد‪.[14:‬‬
‫‪ -18‬مخادعة الله تعالى والكسل في العبادات والرياء في الطاعات وقلة ذكر‬
‫الله‪:‬‬
‫موا إ َِلى‬ ‫ُ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫م‬
‫َ َ ُ َ َ ِ ُ ُ ْ َِ‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫خا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫عو‬
‫ُ َ ِ ِ َ ُ َ ِ ُ َ‬ ‫د‬ ‫خا‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫الله‬ ‫قال‬
‫ل{ ]النساء‪.[142:‬‬ ‫ه إ ِل ّ قَِلي ً‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫س َول ي َذ ْك ُُرو َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫ؤو َ‬ ‫ساَلى ي َُرا ُ‬ ‫موا ك ُ َ‬ ‫صلةِ َقا ُ‬ ‫ال ّ‬

‫)‪(20 /‬‬

‫قال الطبري‪" :‬فتأويل ذلك‪ :‬إن المنافقين يخادعون الله بإحرازهم بنفاقهم‬
‫دماَءهم وأموالهم‪ ،‬والله خادعهم بما حكم فيهم من منع دمائهم بما أظهروا‬
‫بألسنتهم من اليمان‪ ،‬مع علمه بباطن ضمائرهم واعتقادهم الكفر‪ ،‬استدراجا‬
‫منه لهم في الدنيا‪ ،‬حتى يلقوه في الخرة فيوردهم بما استبطنوا من الكفر‬
‫نار جهنم‪.‬‬
‫س{ فإنه يعني‬‫ن الّنا َ‬ ‫َ‬
‫سالى ي َُرا ُ‬
‫ؤو َ‬ ‫ُ‬ ‫صلةِ َقا ُ‬
‫موا ك َ‬ ‫َ‬ ‫وأما قوله‪} :‬وَإ َِذا َقا ُ‬
‫موا إ ِلى ال ّ‬
‫أن المنافقين ل يعملون شيئا من العمال التي فرضها الله على المؤمنين‬
‫على وجه التقّرب بها إلى الله‪ ،‬لنهم غير موقنين بمعاد ول ثواب ول عقاب‪،‬‬
‫وإنما يعملون ما عملوا من العمال الظاهرة بقاء على أنفسهم‪ ،‬وحذارا من‬
‫المؤمنين عليها أن يقتلوا أو يسلبوا أموالهم‪ ،‬فهم إذا قاموا إلى الصلة التي‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هي من الفرائض الظاهرة قاموا كسالى إليها رياء للمؤمنين؛ ليحسبوهم‬


‫منهم‪ ،‬وليسوا منهم؛ لنهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم‪ ،‬فهم في‬
‫قيامهم إليها كسالى‪.‬‬
‫ل{ فلعل قائل أن يقول‪ :‬وهل من ذكر الله‬ ‫ه إ ِل ّ قَِلي ً‬ ‫ن الل َّ‬
‫وأما قوله‪َ} :‬ول ي َذ ْك ُ ُ َ‬
‫رو‬
‫شيء قليل؟! قيل له‪ :‬إن معنى ذلك بخلف ما إليه ذهبت‪ ،‬إنما معناه‪ :‬ول‬
‫يذكرون الله إل ذكرا رياء؛ ليدفعوا به عن أنفسهم القتل والسباء وسلب‬
‫دق بتوحيد الله‪ ،‬مخلص له الربوبية؛ فلذلك سماه‬ ‫الموال‪ ،‬ل ذكر موقن مص ّ‬
‫الله قليل؛ لنه غير مقصود به الله‪ ،‬ول مبتغى به التقرب إلى الله‪ ،‬ول مرادا‬
‫به ثواب الله وما عنده‪ ،‬فهو وإن كثر من وجه نصب عامله وذاكره في معنى‬
‫السراب الذي له ظاهر بغير حقيقة ماء"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬لهم علمات يعرفون بها مبّينة في السنة والقرآن‪ ،‬بادية‬
‫لمن تدّبرها من أهل بصائر اليمان‪ ،‬قام بهم ـ والله ـ الرياء‪ ،‬وهو أقبح مقام‬
‫قامه النسان‪ ،‬وقعد بهم الكسل عما أمروا به من أوامر الرحمن‪ ،‬فأصبح‬
‫ن‬
‫ؤو َ‬ ‫ساَلى ي َُرا ُ‬ ‫موا ك ُ َ‬ ‫صلةِ َقا ُ‬ ‫موا إ َِلى ال ّ‬ ‫الخلص عليهم لذلك ثقيل }وَإ َِذا َقا ُ‬
‫ل{"‪.‬‬ ‫ه إ ِل ّ قَِلي ً‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫س َول ي َذ ْك ُُرو َ‬ ‫الّنا َ‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))ليس صلة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء‪ ،‬ولو يعلمون ما فيهما‬
‫لتوهما ولو حبوا‪ .‬لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم‪ ،‬ثم آمر رجل يؤم الناس‪،‬‬
‫ثم آخذ شعل ً من نار فأحرق على من ل يخرج إلى الصلة بعد((‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما؛ لقوة‬
‫الداعي إلى تركهما؛ لن العشاء وقت السكون والراحة‪ ،‬والصبح وقت لذة‬
‫النوم"‪.‬‬
‫‪ -19‬الّتذبذب والترّدد بين المؤمنين والكافرين‪:‬‬
‫ؤلء{ ]النساء‪:‬‬ ‫َ‬
‫ؤلِء َول إ ِلى هَ ُ‬ ‫ك ل إ َِلى هَ ُ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫مذ َب ْذ َِبي َ‬
‫ن ب َي ْ َ‬ ‫قال الله تعالى‪ُ } :‬‬
‫‪.[143‬‬
‫قال الطبري‪" :‬عنى بذلك أن المنافقين متحّيرون في دينهم‪ ،‬ل يرجعون إلى‬
‫حة‪ ،‬فهم ل مع المؤمنين على بصيرة‪ ،‬ول مع المشركين‬ ‫اعتقاد شيء على ص ّ‬
‫على جهالة‪ ،‬ولكّنهم حيارى بين ذلك"‪.‬‬
‫وعن ابن عمر رضي الله عنهما‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬مثل‬
‫المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين‪ ،‬تعير إلى هذه مرة وإلى هذه‬
‫مرة((‪.‬‬
‫ما تتبع‪ ،‬ومعنى تعير أي‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال النووي‪" :‬العائرة‪ :‬المترّددة الحائرة‪ ،‬ل تدري لي ّهِ َ‬
‫ترّدد وتذهب"‪.‬‬
‫‪ -20‬مخادعة المؤمنين‪:‬‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ّ أن ْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫م وَ َ‬‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫عو َ‬
‫خد َ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫مُنوا وَ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ه َوال ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫عو َ‬‫خادِ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ي ُ َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[9:‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫قال الطبري‪" :‬وخداع المنافق رّبه والمؤمنين إظهاره بلسانه من القول‬
‫ك والتكذيب؛ ليد َْرأ عن نفسه بما‬ ‫والتصديق خلف الذي في قلبه من الش ّ‬
‫م الله عز وجل اللزم من كان بمثل حاله من التكذيب‪ ،‬لو‬ ‫أظهر بلسانه حك َ‬
‫لم يظهر بلسانه ما أظهر من التصديق والقرار من القتل والسباء‪ ،‬فذلك‬
‫ل اليمان بالله"‪.‬‬ ‫عه رّبه وأه َ‬ ‫خدا ُ‬‫ِ‬
‫وقال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬بإظهارهم ما أظهروه من اليمان مع إسرارهم الكفر‪،‬‬
‫يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك‪ ،‬وأن ذاك نافعهم عنده‪ ،‬وأنه يروج‬
‫م الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ي َب ْعَث ُهُ ُ‬‫عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬ي َوْ َ‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫فون ل َك ُم ويحسبو َ‬
‫م‬
‫م هُ ُ‬ ‫ىء أل َ إ ِن ّهُ ْ‬
‫ش ْ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬
‫ْ ََ ْ َ ُ َ‬ ‫حل ِ ُ َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫ه كَ َ‬ ‫ن لَ ُ‬‫فو َ‬ ‫ميعا ً فَي َ ْ‬
‫حل ِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ن{ ]المجادلة‪ ،[18:‬ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله‪} :‬وَ َ‬ ‫الكاذُِبو َ‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن{ يقول‪ :‬وما يغّرون بصنيعهم هذا ول‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما ي َشعُُرو َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن إ ِل أن ْ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫خد َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‬‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫أنفسهم‬ ‫من‬ ‫بذلك‬ ‫يشعرون‬ ‫وما‬ ‫أنفسهم‬ ‫إل‬ ‫يخدعون‬
‫م{"‪.‬‬‫خادِعُهُ ْ‬‫ه وَهُوَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عو َ‬ ‫خادِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫‪ -21‬التحاكم إلى الطاغوت والصدود عما أنزل الله و عدم الرضا بالتحاكم‬
‫إليه‪:‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫ما‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬


‫قال الله تعالى‪} :‬أ َل َم تر إَلى ال ّذين يزعُمو َ‬
‫ِ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ َ ََ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫موا إ ِلى الطا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫أ ُن ْزِ َ‬
‫فُروا ب ِهِ‬ ‫ن ي َك ُ‬ ‫مُروا أ ْ‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫حاك ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ك يُ َِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬
‫َ‬
‫ما أن َْز َ‬
‫ل‬ ‫وا إ َِلى َ‬ ‫م ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫دا ‪ %‬وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫ضلل ً ب َِعي ً‬ ‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دوًدا{ ]النساء‪.[61-60:‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ن عَن ْك ُ‬ ‫َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَإ ِلى الّر ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬إن حاكمت المنافقين إلى صريح الوحي وجدتهم عنه نافرين‪،‬‬
‫وإن دعوتهم إلى حكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رأيتهم‬
‫عنه معرضين‪ ،‬فلو شهدت حقائقهم لرأيت بينها وبين الهدى أمدا بعيدا‪،‬‬
‫ما أ َن َْزلَ‬ ‫وا إ َِلى َ‬ ‫م ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ورأيتها معرضة عن الوحي إعراضا شديدا‪} ،‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫َ‬
‫دوًدا{"‪.‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن عَن ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَإ َِلى الّر ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫‪ -22‬الفساد بين المؤمنين‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫خلل َك ُ ْ‬ ‫ضُعوا ِ‬ ‫خَبال ً وَلوْ َ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ما َزاُدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ِفيك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ل َوْ َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[47:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَِفيك ُ ْ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫فت ْن َ َ‬ ‫ي َب ُْغون َك ُ ُ‬
‫ل{ أي‪ :‬لنهم جبناء‬ ‫خَبا ً‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ما َزاُدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ِفيك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫َ‬
‫قال ابن كثير‪}" :‬لوْ َ‬
‫ة{ أي‪ :‬ولسرعوا السير والمشي‬ ‫فت ْن َ َ‬ ‫م ال ِ‬‫ْ‬ ‫م ي َب ُْغون َك ُ ُ‬ ‫خللك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ضُعوا ِ‬ ‫مخذولون‪} ،‬وَل َوْ َ‬
‫م{ أي‪ :‬مطيعون لهم‪،‬‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫بينكم بالنميمة والبغضاء والفتنة‪} ،‬وَِفيك ُ ْ‬
‫ومستحسنون لحديثهم وكلمهم‪ ،‬يستنصحونهم وإن كانوا ل يعلمون حالهم‪،‬‬
‫فيؤّدي إلى وقوع شّر بين المؤمنين وفساد كبير"‪.‬‬
‫‪ -23‬الحلف الكاذب والخوف والجبن والهلع‪:‬‬
‫م‬
‫م قوْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫م وَلك ِن ّهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ن{‬ ‫حو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫خل لوَلوْا إ ِلي ْهِ وَهُ ْ‬ ‫ً‬ ‫مد ّ َ‬ ‫ت أوْ ُ‬ ‫مَغاَرا ٍ‬ ‫جئا أوْ َ‬ ‫مل َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ‪ %‬ل َوْ ي َ ِ‬ ‫فَرُقو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫]التوبة‪.[57 ،56:‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن جزعهم‬
‫كدة‪،‬‬ ‫م { يمينا مؤ ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫وفزعهم وفرقهم وهلعهم أنهم }ي َ ْ‬
‫ن{ أي‪ :‬فهو الذي‬ ‫فَرُقو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫م{ أي‪ :‬في نفس المر‪} ،‬وَل َك ِن ّهُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫جئًا{ أي‪ :‬حصنا يتحصنون به‪ ،‬وحرزا‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫حملهم على الحلف‪} .‬ل َوْ ي َ ِ‬
‫ل{ وهو السرب‬ ‫خ ً‬ ‫مد ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت{ وهي التي في الجبال‪} ،‬أوْ ُ‬ ‫مَغاَرا ٍ‬ ‫يتحرزون به‪} ،‬أوْ َ‬
‫ن{ أي‪ :‬يسرعون في‬ ‫حو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫خل ً ل ّوَل ّوْا ْ إ ِل َي ْهِ وَهُ ْ‬ ‫مد ّ َ‬ ‫في الرض والنفق‪ُ } ...‬‬
‫ذهابهم عنكم؛ لنهم إنما يخالطونكم كرها ل محبة‪ ،‬ووّدوا أنهم ل يخالطونكم‪،‬‬
‫ولكن للضرورة أحكام‪ ،‬ولهذا ل يزالون في هم وحزن وغم؛ لن السلم وأهله‬
‫ل يزال في عّز ونصر ورفعة‪ ،‬فلهذا كّلما سّر المسلمون ساءهم ذلك فهم‬
‫ت أ َْو‬ ‫مَغاَرا ٍ‬ ‫جئا ً أوْ َ‬
‫َ‬
‫مل ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫يوّدون أن ل يخالطوا المؤمنين ولهذا قال‪} :‬ل َوْ ي َ ِ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫خل ً ل ّوَل ّوْا ْ إ ِل َي ْهِ وَهُ ْ‬ ‫مد ّ َ‬ ‫ُ‬
‫هّ‬
‫ل اللهِ َوالل ُ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫شهَد ُ إ ِن ّك لَر ُ‬ ‫َ‬ ‫ن قالوا ن َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ْ‬
‫جاَءك ال ُ‬ ‫َ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬إ َِذا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫جن ّ ً‬ ‫م ُ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫ذوا أي ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ‪ %‬ات ّ َ‬ ‫ن لكاذُِبو َ‬ ‫َ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫شهَد ُ إ ِ ّ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ك ل ََر ُ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬‫ي َعْل َ ُ‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫كانوا يعمُلون ‪ %‬ذ َل َ َ‬
‫م كَ َ‬
‫فُروا‬ ‫مُنوا ث ُ ّ‬ ‫مآ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ما َ ُ َ ْ َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫فَ َ‬
‫ن{ ]المنافقون‪.[3-1:‬‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬
‫م ل يَ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫فَط ُب ِعَ عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬
‫قال الشافعي‪" :‬فبّين في كتاب الله عز وجل أن الله أخبر عن المنافقين أنهم‬
‫جّنة يعني ـ والله أعلم ـ من القتل‪ ،‬ثم أخبر بالوجه الذي‬ ‫اتخذوا أيمانهم ُ‬
‫م كَ َ‬ ‫َ‬ ‫جّنة فقال‪} :‬ذ َل ِ َ‬
‫فُروا{ بعد اليمان كفًرا‬ ‫مُنوا ث ُ ّ‬ ‫مآ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫اتخذوا به أيمانهم ُ‬
‫إذا سئلوا عنه أنكروه‪ ،‬وأظهروا اليمان وأقروا به‪ ،‬وأظهروا التوبة منه‪ ،‬وهم‬
‫مقيمون فيما بينهم وبين الله تعالى على الكفر"‪.‬‬
‫مه من غير أن يعترض عليه؛ لعلمه‬ ‫وقال ابن القيم‪" :‬تسبق يمين أحدهم كل َ‬
‫أن قلوب أهل اليمان ل تطمئن إليه‪ ،‬فيتبرأ بيمينه من سوء الظن به‪ ،‬وكشف‬
‫ما لديه‪ ،‬وكذلك أهل الريبة يكذبون ويحلفون؛ ليحسب السامع أنهم صادقون‬
‫خ ُ َ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫جن ّ ً‬‫م ُ‬ ‫مان َهُ ْ‬
‫ذوا أي ْ َ‬ ‫}ات ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫قوْل ِهِ ْ‬ ‫مع ْ ل ِ َ‬ ‫س َ‬‫قولوا ت َ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫جب ُك أ ْ‬ ‫م ت ُعْ ِ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا َرأي ْت َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م َقات َلهُ ُ‬
‫م‬ ‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫م العَد ُوّ َفا ْ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫حةٍ عَلي ْهِ ْ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫نك ّ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫سن ّد َة ٌ ي َ ْ‬‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ش ٌ‬ ‫خ ُ‬ ‫ك َأن ّهُ ْ‬
‫م ُ‬
‫ن{ ]المنافقون‪.[4:‬‬ ‫كو َ‬ ‫ه أ َّنى ي ُؤْفَ ُ‬‫الل ّ ُ‬

‫)‪(22 /‬‬

‫قال الطبري‪" :‬يقول جل ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪ :‬وإذا رأيت‬
‫هؤلء المنافقين ـ يا محمد ـ تعجبك أجسامهم؛ لستواء خلقها وحسن صورها‪،‬‬
‫م{ يقول جل ثناؤه‪ :‬وإن يتكلموا تسمع كلمهم‪،‬‬ ‫قوْل ِهِ ْ‬ ‫مع ْ ل ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫قوُلوا ت َ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫}وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ة{ يقول‪ :‬كأن هؤلء‬ ‫سن ّد َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ش ٌ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫يشبه منطقهم منطق الناس‪} ،‬ك َأن ّهُ ْ‬
‫المنافقين خشب مسندة‪ ،‬ل خير عندهم‪ ،‬ول فقه لهم‪ ،‬ول علم‪ ،‬وإنما هم‬
‫م{ يقول‬ ‫حةٍ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫صور بل أحلم‪ ،‬وأشباح بل عقول‪ ،‬وقوله‪} :‬ي َ ْ‬
‫ل‬‫جل ثناؤه‪ :‬يحسب هؤلء المنافقون من خبثهم وسوء ظنهم وقلة يقينهم ك ّ‬
‫صيحة عليهم؛ لنهم على وجل أن ينزل الله فيهم أمرا يهتك به أستارهم‬
‫ويفضحهم‪ ،‬ويبيح للمؤمنين قتلهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم‪ ،‬فهم من‬
‫خوفهم من ذلك كلما نزل بهم من الله وحي على رسوله ظنوا أنه نزل‬
‫بهلكهم بالسن"‪.‬‬
‫ما وأخلبهم لساًنا وألطفهم بياًنا وأخبثهم‬ ‫وقال ابن القيم‪" :‬أحسن الناس أجسا ً‬
‫قلوًبا وأضعفهم جناًنا‪ ،‬فهم كالخشب المسندة التي ل ثمر لها‪ ،‬قد قلعت من‬
‫َ‬
‫مغارسها فتساندت إلى حائط يقيمها؛ لئل يطأها السالكون‪} ،‬وَإ َِذا َرأي ْت َهُ ْ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫تعجب َ َ‬
‫ن كُ ّ‬
‫ل‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫سن ّد َة ٌ ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ش ٌ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫م ك َأن ّهُ ْ‬ ‫قوْل ِهِ ْ‬ ‫مع ْ ل ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫قوُلوا ت َ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ُْ ِ ُ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫كو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫نى‬ ‫صيحة عَل َيهم هُم ال ْعدو َفاحذ َرهُم َقاتل َهم الل ّه أ َ‬
‫َ‬ ‫ُ ّ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ُ َ ُ ّ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫َ ْ َ ٍ‬
‫مدوا بما لم يفعلوا‪:‬‬ ‫َ‬ ‫يح‬ ‫أن‬ ‫يحبون‬ ‫‪-24‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ما ل َ ْ‬ ‫دوا ب ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫وا وَي ُ ِ‬ ‫ما أت َ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ل ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م{ ]آل عمران‪.[188:‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ب وَلهُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن العَ َ‬ ‫م َ‬ ‫فاَزةٍ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫سب َن ّهُ ْ‬‫ح َ‬ ‫فعَُلوا َفل ت َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬إن رجال من المنافقين على عهد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى الغزو تخّلفوا عنه‪ ،‬وفرحوا بمقعدهم خلف رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه‪ ،‬وحلفوا‬
‫َ‬
‫وا‬‫ما أت َ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫وأحّبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا‪ ،‬فنزلت‪} :‬ل ي َ ْ‬
‫فعَُلوا{‪.‬‬ ‫حبو َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫دوا ب ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وَي ُ ِ ّ َ‬
‫‪ -25‬ظهور الرعب عليهم عند ذكر القتال في آيات الله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سوَرةٌ‬ ‫ت ُ‬ ‫سوَرة ٌ فَإ َِذا أن ْزِل ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ول ن ُّزل َ ْ‬ ‫مُنوا ل َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَي َ ُ‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك ن َظ ََر‬ ‫ن إ ِل َي ْ َ‬ ‫ة وذ ُكر فيها ال ْقتا ُ َ‬


‫ض ي َن ْظ ُُرو َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫م ٌ َ َِ ِ َ‬ ‫حك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م{ ]محمد‪.[20:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت فأوْلى لهُ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬‫ي عَلي ْهِ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ال َ‬
‫‪ -26‬يعيبون العمل الصالح ويرضون ويسخطون لحظوظ أنفسهم‪:‬‬
‫ن‬ ‫إ‬
‫َِ ْ‬ ‫و‬ ‫ضوا‬ ‫من ْ َ َ ُ‬
‫ر‬ ‫ها‬ ‫طوا ِ‬ ‫ن أ ُعْ ُ‬ ‫ت فَإ ِ ْ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫مُز َ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[58:‬‬ ‫طو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من َْها إ َِذا هُ ْ‬ ‫وا ِ‬‫م ي ُعْط َ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫ك{ أي‪:‬‬ ‫مُز َ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫م{ أي‪ :‬ومن المنافقين } َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ت{ إذا فرقتها‪ ،‬ويتهمك في ذلك‪ ،‬وهم‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫يعيب عليك }ِفي{ قسم }ال ّ‬
‫المّتهمون المأبونون‪ ،‬وهم مع هذا ل ينكرون للدين‪ ،‬وإنما ينكرون لحظ‬
‫م‬‫من َْها إ َِذا هُ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫م ي ُعْط َ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ضوا وَإ ِ ْ‬ ‫أنفسهم؛ ولهذا إن أعطوا من الزكاة }َر ُ‬
‫ن{ أي‪ :‬يغضبون لنفسهم"‪.‬‬ ‫طو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪ -27‬يكرهون الجهاد والستشهاد في سبيل الله تعالى‪:‬‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫وا َقات ِلوا ِفي َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫قوا وَِقي َ‬ ‫ن َنافَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَل ِي َعْل َ َ‬
‫َ‬ ‫م ل ِل ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫م لِ ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ب ِ‬ ‫مئ ِذ ٍ أقَْر ُ‬ ‫فرِ ي َوْ َ‬ ‫م هُ ْ‬ ‫م قَِتال ً لت ّب َعَْناك ُ ْ‬ ‫أوِ اد ْفَُعوا َقاُلوا ل َوْ ن َعْل َ ُ‬
‫قوُلون بأ َفْواههم ما ل َيس في قُُلوبهم والل ّ َ‬
‫ن{ ]آل عمران‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ي َك ْت ُ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬ ‫ِِ ْ َ ُ‬ ‫َ ِ َ ِ ِ ْ َ ْ َ ِ‬ ‫يَ ُ‬
‫‪.[167‬‬
‫ي بن سلول المنافق‬ ‫قال الطبري‪" :‬يعني تعالى ذكره بذلك عبد الله بن أب ّ‬
‫وأصحاَبه الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه‪،‬‬
‫حين سار نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين بأحد لقتالهم‪ ،‬فقال‬
‫لهم المسلمون‪ :‬تعالوا قاتلوا المشركين معنا‪ ،‬أو ادفعوا بتكثيركم سوادنا‪،‬‬
‫سرنا معكم إليهم‪ ،‬ولك ُّنا معكم عليهم‪ ،‬ولكن ل‬ ‫فقالوا‪ :‬لو نعلم أنكم تقاتلون ل ِ‬
‫دوا من نفاق أنفسهم ما كانوا‬ ‫نرى أنه يكون بينكم وبين القوم قتال‪ ،‬فأب َ‬
‫م{ غير ما كانوا‬ ‫م قَِتال ً لت ّب َعَْناك ُ ْ‬ ‫يكتمونه‪ ،‬وأبدوا بألسنتهم بقولهم‪} :‬ل َوْ ن َعْل َ ُ‬
‫يكتمونه ويخفونه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل اليمان‬
‫به"‪.‬‬
‫‪ -28‬يسخرون من العمل القليل من المؤمنين‪:‬‬
‫ت‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عي َ‬ ‫مط ّوّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مُزو َ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ب‬
‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خَر الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫م فَي َ ْ‬ ‫جهْد َهُ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ ُ‬ ‫دو َ‬‫ج ُ‬ ‫ن ل يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫م{ ]التوبة‪.[79:‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬

‫)‪(23 /‬‬

‫عن أبي مسعود رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬لما أمرنا بالصدقة كّنا نتحامل‪ ،‬فجاء أبو‬
‫عقيل بنصف صاع‪ ،‬وجاء إنسان بأكثر منه‪ ،‬فقال المنافقون‪ :‬إن الله لغني عن‬
‫ن‬ ‫مط ّوّ ِ‬
‫عي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬
‫مُزو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صدقة هذا‪ ،‬وما فعل هذا الخر إل رئاء‪ ،‬فنزلت‪} :‬ال ّ ِ‬
‫م‪.{...‬‬ ‫جهْد َهُ ْ‬ ‫ن إ ِّل ُ‬‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ل يَ ِ‬ ‫ت َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ِ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وهذا أيضا من صفات المنافقين‪ ،‬ل يسلم أحد من عيبهم‬
‫ولمزهم في جميع الحوال‪ ،‬حتى ول المتصدقون يسلمون منهم‪ ،‬إن جاء أحد‬
‫مراٍء‪ ،‬وإن جاء بشيء يسير قالوا‪ :‬إن الله لغني‬ ‫منهم بمال جزيل قالوا‪ :‬هذا ُ‬
‫عن صدقته"‪.‬‬
‫‪ -29‬الرضا بأسافل المواضع‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬‫معَ َر ُ‬‫دوا َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫مُنوا ِباللهِ وَ َ‬ ‫نآ ِ‬ ‫سوَرة ٌ أ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا أن ْزِل َ ْ‬
‫معَ ال ْ َ‬ ‫استأ ْذ َن َ ُ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[86:‬‬ ‫دي َ‬‫ع ِ‬‫قا ِ‬ ‫ن َ‬‫م وََقاُلوا ذ َْرَنا ن َك ُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬‫ك أوُلوا الط ّوْ ِ‬ ‫ْ َ َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى منكرا وذاما للمتخلفين عن الجهاد الناكلين عنه‬
‫مع القدرة عليه ووجود السعة والطول‪ ،‬واستأذنوا الرسول في القعود‪،‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن{‪ ،‬ورضوا لنفسهم بالعار والقعود في البلد‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وقالوا‪} :‬ذ َْرَنا ن َك ُ ْ‬
‫مع النساء وهن الخوالف‪ ،‬بعد خروج الجيش‪ ،‬فإذا وقع الحرب كانوا أجبن‬
‫الناس‪ ،‬وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلما‪ ،‬كما قال تعالى عنهم في الية‬
‫َ‬ ‫خو ُ َ‬
‫شى‬ ‫ذى ي ُغْ َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك َتدوُر أعْي ُن ُهُ ْ‬ ‫ن إ ِل َي ْ َ‬ ‫م َينظ ُُرو َ‬ ‫ف َرأي ْت َهُ ْ‬ ‫جاء ال ْ َ ْ‬ ‫الخرى‪} :‬فَإ َِذا َ‬
‫َ‬
‫داٍد{ ]الحزاب‪ [19:‬أي‪:‬‬ ‫ح َ‬ ‫سن َةٍ ِ‬ ‫كم ب ِأل ْ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫خو ْ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ت فَإ َِذا ذ َهَ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْهِ ِ‬
‫علت ألسنتهم بالكلم الحاد ّ القوي في المن‪ ،‬وفي الحرب أجبن شيء"‪.‬‬
‫‪ -30‬المر بالمنكر والنهي عن المعروف والبخل ونسيان الله تعالى‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫من ْك َ ِ‬
‫ر‬ ‫ن ِبال ُ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫ن ب َعْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ال ْ ُ‬
‫قبضو َ‬
‫م‬
‫ن هُ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سي َهُ ْ‬ ‫ه فَن َ ِ‬ ‫سوا الل ّ َ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫ف وَي َ ْ ِ ُ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫وَي َن ْهَوْ َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[67:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى منكرا على المنافقين الذين هم على خلف‬
‫صفات المؤمنين‪ ،‬ولما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‬
‫قبضو َ‬ ‫ْ‬
‫م{ أي‪ :‬عن‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫ف وَي َ ْ ِ ُ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫ن ِبال ْ ُ‬ ‫مُرو َ‬ ‫كان هؤلء }ي َأ ُ‬
‫م{ أي‪:‬‬ ‫سي َهُ ْ‬ ‫ه{ أي‪ :‬نسوا ذكر الله }فَن َ ِ‬ ‫سوا الل ّ َ‬ ‫النفاق في سبيل الله}ن َ ُ‬
‫م‬‫سيت ُ ْ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫مك َ‬‫َ‬ ‫ساك ْ‬‫ُ‬ ‫م َنن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عاملهم معاملة من نسيهم‪ ،‬كقوله تعالى‪} :‬وَِقيل الي َوْ َ‬
‫ن{ أي‪ :‬الخارجون عن طريق‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن هُ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫هاَذا{‪} .‬إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫قاء ي َوْ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫الحق الداخلون في طريق الضللة"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬هم جنس بعضه يشبه بعضا‪ ،‬يأمرون بالمنكر بعد أن‬
‫يفعلوه‪ ،‬وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه‪ ،‬ويبخلون بالمال في سبيل الله‬
‫ومرضاته أن ينفقوه‪ ،‬كم ذكرهم الله بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه‪ ،‬وكم‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫كشف حالهم لعباده المؤمنين ليتجنبوه‪ ،‬فاسمعوا أيها المؤمنون‪} :‬ال ْ ُ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ضو َ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫ف وَي َ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫ن ِبال ْ ُ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫ن ب َعْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن هُ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سي َهُ ْ‬ ‫ه فَن َ ِ‬ ‫سوا الل ّ َ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫أي ْدِي َهُ ْ‬
‫‪ -31‬الفرح بالتخلف وكره الجهاد والتواصي بالتخلف عنه‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫خل ّ ُ‬
‫ن‬
‫هوا أ ْ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ وَكرِ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫خل َ‬ ‫م ِ‬ ‫قعَدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫م َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬فَرِ َ‬
‫حّر قُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ل َناُر‬ ‫فُروا ِفي ال َ‬ ‫ل اللهِ وََقالوا ل ت َن ْ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[81:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مأ َ‬ ‫َ‬
‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫حّرا لوْ كاُنوا ي َ ْ‬ ‫شد ّ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك‪ ،‬وفرحوا بقعودهم بعد خروجه‪،‬‬
‫ل الل ّهِ وََقاُلوا{ أي‪:‬‬ ‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا{ معه }ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫هوا أ ْ‬ ‫}وَك َرِ ُ‬
‫حّر{؛ وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان‬ ‫فُروا ِفي ال ْ َ‬ ‫بعضهم لبعض }ل ت َن ْ ِ‬
‫في شدة الحر عند طيب الظلل والثمار؛ فلهذا قالوا‪ :‬ل تنفروا في الحّر‪ ،‬قال‬
‫م{ التي‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ل{ لهم }َناُر َ‬ ‫الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم }قُ ْ‬
‫حّرا{ مما فررتم منه من الحر‪ ،‬بل أشد ّ حّرا‬ ‫شد ّ َ‬ ‫تصيرون إليها بمخالفتكم }أ َ َ‬
‫من النار"‪.‬‬
‫‪ -32‬التخذيل والتثبيط والرجاف‪:‬‬
‫هّ‬
‫ما وَعَد ََنا الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُلوب ِهِ ْ‬‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ِ‬‫ّ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫م لك ْ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫بل ُ‬ ‫ل ي َث ْرِ َ‬ ‫م َيا أهْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ت طائ ِ َ‬ ‫ه إ ِل ّ غُُروًرا ‪ %‬وَإ ِذ ْ َقال ْ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ي ب ِعَوَْرةٍ إ ِ ْ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ن ب ُُيوت ََنا عَوَْرة ٌ وَ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫قولو َ‬ ‫ي يَ ُ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫ست َأذِ ُ‬ ‫جُعوا وَي َ ْ‬ ‫َفاْر ِ‬
‫ن ِإل فَِراًرا{ ]الحزاب‪.[13-12:‬‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫‪ -33‬البطء عن المؤمنين‪:‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وإن منك ُم ل َمن ل َيبط ّئ َن فَإ َ‬
‫م‬ ‫ل قَد ْ أن ْعَ َ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫ّ ِ ْ‬ ‫َِ ّ ِ ْ ْ َ ْ َُ‬
‫الل ّه عَل َي إذ ْ ل َ َ‬
‫دا{ ]النساء‪.[72:‬‬ ‫شِهي ً‬ ‫م َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م أك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫قال الطبري‪" :‬وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين‪ ،‬نعتهم لنبيه صلى‬
‫م{ أيها‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال‪} :‬وَإ ِ ّ‬
‫المؤمنون‪ ،‬يعني‪ :‬من عدادكم وقومكم‪ ،‬ومن يتشبه بكم‪ ،‬ويظهر أنه من أهل‬
‫طئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم‪،‬‬ ‫دعوتكم وملتكم‪ ،‬وهو منافق يب ّ‬
‫َ‬
‫ة{ يقول‪ :‬فإن أصابتكم‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم‪} ،‬فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م أك ُ ْ‬ ‫ي إ ِذ ْ ل ْ‬ ‫ه عَل ّ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ل قَد ْ أن ْعَ َ‬ ‫هزيمة أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم }َقا َ‬
‫ة بكم؛‬ ‫دا{ فيصيبني جراح أو ألم أو قتل‪ ،‬وسّره تخلفه عنكم شمات ً‬ ‫ّ‬ ‫شِهي ً‬ ‫م َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ك في وعد الله الذي وعد المؤمنين على ما نالهم في سبيله‬ ‫لنه من أهل الش ّ‬
‫من الجر والثواب وفي وعيده‪ ،‬فهو غير راج ثوابا‪ ،‬ول خائف عقابا"‪.‬‬
‫سا إلى رجسهم‪:‬‬ ‫‪ -34‬ل ينفعهم القرآن بل يزيدهم رج ً‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ماًنا‬ ‫ه هَذِهِ ِإي َ‬ ‫م َزاد َت ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ل أي ّك ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سوَرة ٌ فَ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن ْزِل َ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ َِذا َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫ن ‪ %‬وَأ ّ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ماًنا وَهُ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫مُنوا فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫فَأ ّ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[125-124:‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا إ َِلى رِ ْ‬ ‫ج ً‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ض فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫َ‬
‫‪ - 35‬العودة إلى ما نهوا عنه والتناجي بالثم والعدوان ومعصية الرسول‪:‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ما ن ُُهوا َ ْ ُ‬
‫ن‬ ‫ع‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ي َُعوُدو َ‬ ‫وى ث ُ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫ن ن ُُهوا عَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬أل َ ْ‬
‫حي ّ َ‬
‫ك‬ ‫م يُ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫حي ّوْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫ل وَإ َِذا َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ت الّر ُ‬ ‫صي َ ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن ِبالث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬ ‫جو ْ َ‬ ‫وَي َت ََنا َ‬
‫صل َوْن ََها‬ ‫َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ّ ُ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ِفي أن ْ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ه وَي َ ُ‬ ‫ب ِهِ الل ّ ُ‬
‫صيُر{ ]المجادلة‪.[8:‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫فَب ِئ ْ َ‬
‫‪ -36‬الستئذان عن الجهاد بحجة الفتنة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قطوا‬ ‫س َ‬ ‫فت ْن َةِ َ‬ ‫فت ِّني أل ِفي ال ِ‬ ‫ن ِلي َول ت َ ْ‬ ‫ل ائ ْذ َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[49:‬‬ ‫ري َ‬ ‫ة ِبالكافِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫حيط َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫ن‬‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى‪ :‬ومن المنافقين من يقول لك يا محمد‪} :‬ائ ْذ َ ْ‬
‫فت ِّني{ بالخروج معك بسبب الجواري من نساء الروم‪،‬‬ ‫ِلي{ في القعود }َول ت َ ْ‬
‫قطوا{ أي‪ :‬قد سقطوا في الفتنة بقولهم‬ ‫ُ‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فت ْن َةِ َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬أل ِفي ال ِ‬
‫هذا"‪.‬‬
‫‪ -37‬اتخاذ العذار عند التخلف‪:‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن لك ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫َ‬
‫م قل ل ت َعْت َذُِروا ل ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫م إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫جعْت ُ ْ‬ ‫م إ َِذا َر َ‬ ‫ن إ ِل َي ْك ْ‬
‫ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ي َعْت َذُِرو َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫دو‬
‫ْ ََ ُ ُ ّ َُ ّ َ ِ‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫ُ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫رى‬ ‫م َ َ ََ‬
‫ي‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫خَبارِك ُ ْ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[94:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫ال ْغَي ْ ِ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم‬
‫َ‬
‫م{ أي‪ :‬لن نصدقكم‪} ،‬قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫ل ل ت َعْت َذُِروا ل َ ْ‬ ‫يعتذرون إليهم }قُ ْ‬
‫ه{‬ ‫سول ُ‬ ‫ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ملك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ّ‬
‫سي ََرى الل ُ‬ ‫م{ أي‪ :‬قد أعلمنا الله أحوالكم‪} ،‬وَ َ‬ ‫خَبارِك ُ ْ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ة‬
‫شَهاد َ ِ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫ْ‬
‫عال ِم ِ الغَي ْ ِ‬ ‫ن إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫م ت َُرّدو َ‬ ‫أي‪ :‬سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا‪} ،‬ث ُ ّ‬
‫ن{ أي‪ :‬فيخبركم بأعمالكم‪ ،‬خيرها وشرها‪ ،‬ويجزيكم‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫عليها"‪.‬‬
‫‪ -38‬الستخفاء من الناس‪:‬‬
‫م إ ِذ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ن اللهِ وَهُوَ َ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫س َول ي َ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ي َ ْ‬
‫حيطا{ ]النساء‪.[108:‬‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل وَكا َ‬ ‫َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ضى ِ‬ ‫ما ل ي َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫ي ُب َي ُّتو َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من‬
‫طلع على سرائرهم‪،‬‬ ‫الناس؛ لئل ينكروا عليهم‪ ،‬ويجاهرون الله بها؛ لنه م ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ضى ِ‬ ‫ما ل ي َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إ ِذ ْ ي ُب َي ُّتو َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫وعالم بما في ضمائرهم‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬وَهُوَ َ‬
‫طا{ تهديد لهم ووعيد"‪.‬‬ ‫حي ً‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -39‬يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا‪:‬‬


‫َ‬ ‫ّ‬ ‫شيعَ ال ْ َ‬ ‫حبو َ‬
‫م‬
‫مُنوا لهُ ْ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬
‫ة ِفي ال ِ‬‫ش ُ‬‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن يُ ِ ّ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن{ ]النور‪.[19:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫مو َ‬‫م ل ت َعْل ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬‫ه ي َعْل ُ‬
‫خَرةِ َوالل ُ‬‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫ب أِلي ٌ‬
‫ذا ٌ‬
‫كن الله لهم‪:‬‬ ‫‪ -40‬الفرح بما يصيب المؤمنين من ضراء والستياء بما يم ّ‬

‫)‪(25 /‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ل ي َأُلون َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ُدون ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫طان َ ً‬ ‫ذوا ب ِ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خفي صدورهُ َ‬ ‫خبال ً ودوا ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ‬
‫م أك ْب َُر قَد ْ‬ ‫ُ ُ ُ ْ‬ ‫ما ت ُ ْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ْ ْ َ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫م وَت ُؤْ ِ‬ ‫حّبون َك ُ ْ‬ ‫م َول ي ُ ِ‬ ‫حّبون َهُ ْ‬ ‫م أولِء ت ُ ِ‬ ‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫ن‪َ %‬‬ ‫قلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫م اليا ِ‬ ‫ب َي ّّنا لك ُ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ظ‬‫ن الغَي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م َ‬ ‫م الَنا ِ‬ ‫ضوا عَلي ْك ُ ُ‬ ‫وا عَ ّ‬ ‫خل ْ‬ ‫مّنا وَإ َِذا َ‬ ‫م َقالوا آ َ‬ ‫قوك ُ ْ‬ ‫ب ك ُلهِ وَإ َِذا ل ُ‬ ‫ِبال ْك َِتا ِ‬
‫سؤْهُ ْ‬
‫م‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫دورِ ‪ %‬إ ِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫موُتوا ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫شي ًْئا إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫م كي ْد ُهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ضّرك ْ‬ ‫قوا ل ي َ ُ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حوا ب َِها وَإ ِ ْ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬
‫م َ‬ ‫صب ْك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫حيط{ ]آل عمران‪.[120-118:‬‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين‬
‫بطانة‪ ،‬أي‪ :‬يطلعونهم على سرائرهم‪ ،‬وما يضمرونه لعدائهم‪ ،‬والمنافقون‬
‫بجهدهم وطاقتهم ل يألون المؤمنين خبال أي‪ :‬يسعون في مخالفتهم‪ ،‬وما‬
‫يضّرهم بكل ممكن‪ ،‬وبما يستطيعون من المكر والخديعة‪ ،‬ويوّدون ما يعنت‬
‫المؤمنين ويحرجهم ويشقّ عليهم"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬إن أصاب أهل الكتاب والسنة عافية ونصر وظهور ساءهم‬
‫مهم‪ ،‬وإن أصابهم ابتلء من الله وامتحان يمحص به ذنوبهم ويكفر به‬ ‫ذلك وغ ّ‬
‫عنهم سيئاتهم أفرحهم ذلك وسرهم‪ ،‬وهذا يحقق إرثهم وإرث من عداهم‪ ،‬ول‬
‫ة‬
‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ك َ‬ ‫صب ْ َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫يستوي من موروثه الرسول ومن موروثهم المنافقون‪} ،‬إ ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫قوُلوا قَد ْ أ َ َ‬ ‫صب ْ َ‬
‫ن‬
‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫ل وَي َت َوَل ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرَنا ِ‬ ‫خذ َْنا أ ْ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫سؤْهُ ْ‬ ‫تَ ُ‬
‫ن{‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫موْلَنا وَعَلى اللهِ فَلي َت َوَك ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه لَنا هُوَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫ما كت َ َ‬ ‫َ‬ ‫صيب ََنا إ ِل ّ َ‬ ‫‪ُ %‬قل لن ي ُ ِ‬ ‫ّ‬
‫]التوبة‪."[51 ،50:‬‬
‫خذ َْنا‬ ‫َ‬
‫قولوا قَد ْ أ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة يَ ُ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫صب ْك ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫سؤْهُ ْ‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫صب ْك َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[50:‬‬ ‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫ل وَي َت َوَل ّ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرَنا ِ‬ ‫أ ْ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يعلم تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بعداوة هؤلء‬
‫له؛ لنه مهما أصابه من حسنة أي‪ :‬فتح ونصر وظفر على العداء مما يسّره‬
‫َ‬ ‫قوُلوا قَد ْ أ َ َ‬ ‫صب ْ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫مَرَنا ِ‬ ‫خذ َْنا أ ْ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫ويسّر أصحابه ساءهم ذلك‪} ،‬وَإ ِ ْ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫حو‬
‫َََ َ ْ َ ُ ْ ِ ُ َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫وا‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫هذا‬ ‫قبل‬ ‫من‬ ‫ل{ أي‪ :‬قد احترزنا من متابعته‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫دث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر‪:‬‬ ‫‪ -41‬إذا اؤتمن خان وإذا ح ّ‬
‫ن‬‫كون َ ّ‬ ‫ن وَل َن َ ُ‬ ‫صد ّقَ ّ‬ ‫ضل ِهِ ل َن َ ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن آَتاَنا ِ‬ ‫ه ل َئ ِ ْ‬ ‫عاهَد َ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ن‪%‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫خُلوا ب ِهِ وَت َوَل ّ ْ‬ ‫ضل ِهِ ب َ ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫ن ‪ %‬فَل َ ّ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مََ‬ ‫ِ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫دو‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫فوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫قا‬ ‫ً‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫فَ‬
‫َ َ َ ُ ُ َِ َ‬ ‫َ ْ ِ َ ْ ُ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ِِ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َُ ْ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[77-75:‬‬ ‫ي َك َذُِبو َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى‪ :‬ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه‬
‫ن من الصالحين‪ ،‬فما وّفى بما‬ ‫لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله‪ ،‬وليكون ّ‬
‫قال‪ ،‬ول صدق فيما ادعى‪ ،‬فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى‬
‫يوم يلقوا الله عز وجل يوم القيامة‪ ،‬عياذا الله من ذلك"‪.‬‬
‫م‬‫ما هُ ْ‬ ‫خرِ وَ َ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫لآ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[8:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫بِ ُ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬لبسوا ثياب أهل اليمان‪ ،‬على قلوب أهل الزيغ والخسران‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والغل والكفران‪ ،‬فالظواهر ظواهر النصار‪ ،‬والبواطن قد تحيزت إلى الكفار‪،‬‬


‫مّنا ِبالل ّهِ‬‫فألسنتهم ألسنة المسالمين‪ ،‬وقلوبهم قلوب المحاربين‪ ،‬ويقولون‪} :‬آ َ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م بِ ُ‬‫ما هُ ْ‬ ‫خرِ وَ َ‬ ‫وَِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫م وَ َ‬ ‫سهُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ن ِإل أن ْ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫خد َ ُ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ه َوال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫عو َ‬ ‫خادِ ُ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬ي ُ َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[9:‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬رأس مالهم الخديعة والمكر‪ ،‬وبضاعتهم الكذب والخثر‪،‬‬
‫وعندهم العقل المعيشي أن الفريقين عنهم راضون‪ ،‬وهم بينهم آمنون‪،‬‬
‫ن{"‪.‬‬‫شعُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف َ‬‫ن ِإل أ َن ْ ُ‬‫عو َ‬‫خد َ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫عو َ‬‫خادِ ُ‬ ‫}ي ُ َ‬
‫وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪)) :‬أربع من كن فيه كان منافقا خالصا‪ ،‬ومن كانت فيه خصلة منهن كانت‬
‫دث كذب‪ ،‬وإذا عاهد‬ ‫فيه خصلة من النفاق حتى يدعها‪ :‬إذا اؤتمن خان‪ ،‬وإذا ح ّ‬
‫غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر((‪.‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫كل من حيث إن‬ ‫ده جماعة من العلماء مش ِ‬ ‫قال النووي‪" :‬هذا الحديث مما ع ّ‬
‫دق الذي ليس فيه شك‪ ...‬فإن إخوة‬ ‫هذه الخصال توجد في المسلم المص ّ‬
‫يوسف صلى الله عليه وسلم جمعوا هذه الخصال‪ ،‬وكذا وجد لبعض السلف‬
‫والعلماء بعض هذا أو كّله‪ ،‬وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال‪،‬‬
‫ولكن اختلف العلماء في معناه‪ ،‬فالذي قاله المحققون والكثرون وهو‬
‫الصحيح المختار‪ :‬إن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق‪ ،‬وصاحبها شبيه‬
‫بالمنافقين في هذه الخصال ومتخّلق بأخلقهم‪ ،‬فإن النفاق هو إظهار ما‬
‫يبطن خلفه‪ ،‬وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال‪ ،‬ويكون نفاقه في‬
‫حقّ من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس‪ ،‬ل أنه منافق في‬
‫السلم فيظهره وهو يبطن الكفر‪ ،‬ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا‬
‫أنه منافق نفاق الكفار المخّلدين في الدرك السفل من النار‪.‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬كان منافقا خالصا(( معناه‪ :‬شديد الشبه‬
‫بالمنافقين بسبب هذه الخصال‪ .‬قال بعض العلماء‪ :‬وهذا فيمن كانت هذه‬
‫الخصال غالبة عليه‪ ،‬فأما من يندر ذلك منه فليس داخل فيه‪ ،‬وهذا هو المختار‬
‫في معنى الحديث"‪.‬‬
‫‪ -42‬تأخير الصلة عن وقتها‪:‬‬
‫عن العلء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة‬
‫حين انصرف من الظهر‪ ،‬وداره بجنب المسجد‪ ،‬فلما دخلنا عليه قال‪ :‬أصليتم‬
‫العصر؟ فقلنا له‪ :‬إنما انصرفنا الساعة من الظهر‪ ،‬قال‪ :‬فصلوا العصر‪ ،‬فقمنا‬
‫ما انصرفنا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬ ‫فصلينا‪ ،‬فل ّ‬
‫))تلك صلة المنافق‪ ،‬يجلس يرقب الشمس‪ ،‬حتى إذا كانت بين قرني‬
‫الشيطان قام فنقرها أربعا‪ ،‬ل يذكر الله فيها إل قليل((‪.‬‬
‫خرون الصلة عن وقتها الّول إلى شرق الموتى‪ ،‬فالصبح‬ ‫قال ابن القيم‪" :‬يؤ ّ‬
‫عند طلوع الشمس‪ ،‬والعصر عند الغروب‪ ،‬وينقرونها نقَر الغراب إذ هي صلة‬
‫قن أّنه مطرود‬ ‫البدان ل صلة القلوب‪ ،‬ويلتفتون فيها التفات الثعلب إذ يتي ّ‬
‫مطلوب"‪.‬‬
‫‪ -43‬التخلف عن الصلة في جماعة المسلمين‪:‬‬
‫دا‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪) :‬من سّره أن يلقى الله غ ً‬
‫ما فليحافظ على هؤلء الصلوات حيث ينادى بهن‪ ،‬فإن الله شرع لنبيكم‬ ‫مسل ً‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الهدى‪ ،‬وإنهن من سنن الهدى‪ ،‬ولو أنكم صليتم‬ ‫صلى الله عليه وسلم سن َ‬
‫في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم‪ ،‬ولو تركتم‬
‫سنة نبيكم لضللتم‪ ،‬وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد‬
‫من هذه المساجد إل كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة‪ ،‬ويرفعه بها‬
‫ط عنه بها سيئة‪ ،‬ولقد رأيُتنا وما يتخّلف عنها إل منافق معلوم‬ ‫درجة‪ ،‬ويح ّ‬
‫النفاق‪ ،‬ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف(‪.‬‬
‫مّني‪" :‬ليس المراد بالمنافق ها هنا من يبطن الكفر ويظهر السلم‪،‬‬ ‫ش ُ‬‫قال ال ّ‬
‫وإل لكانت الجماعة فريضة؛ لن من يبطن الكفر كافر‪ ،‬ولكان آخر الكلم‬
‫ضا لوله"‪.‬‬ ‫مناق ً‬
‫‪ -44‬البذاء والبيان‪:‬‬
‫عن أبي أمامة رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬الحياء‬
‫ي شعبتان من اليمان‪ ،‬والبذاء والبيان شعبتان من النفاق((‪.‬‬ ‫والعِ ّ‬
‫ي قلة الكلم‪ ،‬والبذاء هو الفحش في الكلم‪ ،‬والبيان هو‬ ‫ّ‬ ‫قال الترمذي‪" :‬والعِ ّ‬
‫سعون في الكلم‪،‬‬ ‫كثرة الكلم‪ ،‬مثل هؤلء الخطباء الذين يخطبون فيو ّ‬
‫صحون فيه‪ ،‬من مدح الناس فيما ل ُيرضي الله"‪.‬‬ ‫ويتف ّ‬
‫ي‬
‫قال المناوي‪" :‬والِعي أي‪ :‬سكون اللسان تحّرزا عن الوقوع في البهتان ل ع ّ‬
‫ي اللسان لخلل‪)) .‬شعبتان من شعب اليمان((‬ ‫ي العمل ول ع ّ‬ ‫القلب ول ع ّ‬
‫أي‪ :‬أثران من آثاره‪ ،‬بمعنى أن المؤمن يحمله اليمان على الحياء‪ ،‬فيترك‬
‫القبائح حياء من الله‪ ،‬ويمنعه من الجتراء على الكلم شفقا من عثر اللسان‬
‫والوقيعة في البهتان‪ .‬والبذاء هو ضد ّ الحياء وقيل‪ :‬فحش الكلم والبيان‪ ،‬أي‪:‬‬
‫فصاحة اللسان‪ ،‬والمراد به هنا ما يكون فيه إثم من الفصاحة كهجو أو مدح‬
‫ق‪ .‬شعبتان من النفاق بمعنى أنهما خصلتان منشؤهما النفاق‪ ،‬والبيان‬ ‫بغير ح ّ‬
‫دم فيه على الغير تيها‬‫مق في النطق والتفاصح وإظهار التق ّ‬ ‫المذكور هو التع ّ‬
‫وعجبا كما تقرر‪ .‬قال القاضي‪ :‬لما كان اليمان باعثا على الحياء والتحفظ في‬
‫الكلم والحتياط فيه عد ّ من اليمان‪ ،‬وما يخالفهما من النفاق‪ ،‬وعليه فالمراد‬
‫ي ما يكون بسبب التأمل في المقال والتحرز عن الوبال ل لخلل في‬ ‫بالع ّ‬
‫اللسان‪ ،‬والبيان ما يكون بسببه الجتراء وعدم المبالة بالطغيان والتحرز عن‬
‫الزور والبهتان‪ .‬وقال الطيبي‪ :‬إنما قوبل العي في الكلم مطلقا بالبيان الذي‬
‫هو التعمق في النطق والتفاصح وإظهار التقدم فيه على الناس مبالغة لذم‬
‫البيان وأن هذه مضرة باليمان مضّرةَ ذلك البيان"‪.‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫وقال ابن القيم‪" :‬وجملة أمرهم أنهم في المسلمين كالزغل في النقود‪ ،‬يروج‬
‫على أكثر الناس لعدم بصيرتهم بالنقد‪ ،‬ويعرف حاله الناقد البصير من الناس‪،‬‬
‫وقليل ما هم‪ .‬وليس على الديان أضّر من هذا الضرب من الناس‪ ،‬وإنما‬
‫جّلى الله أمرهم في القرآن‪ ،‬وأوضح‬
‫تفسد الديان من ِقبلهم‪ ،‬ولهذا َ‬
‫عظم‬ ‫مة بهم و ِ‬
‫أوصافهم‪ ،‬وبّين أحوالهم‪ ،‬وكّرر ذكرهم؛ لشدة المؤنة على ال ّ‬
‫البلية عليهم بوجودهم بين أظهرهم‪ ،‬وفرط حاجتهم إلى معرفتهم والتحّرز من‬
‫مشابهتهم والصغاء إليهم‪ ،‬فكم قطعوا على السالكين إلى الله طريق الهدى‪،‬‬
‫دوهم ومّنوهم‪ ،‬ولكن وعدوهم الغرور‪ ،‬ومّنوهم‬ ‫وسلكوا بهم سبل الردى‪ ،‬وعَ ُ‬
‫الويل والثبور"‪.‬‬
‫جامع البيان )‪.(1/122‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/379‬‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جامع البيان )‪.(22/3‬‬


‫جامع البيان )‪.(17/191‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(4/370‬‬
‫جامع البيان )‪.(10/171‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(380-1/379‬‬
‫ن{ )‪،(4900‬‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬‫ك ال ْ ُ‬‫جاَء َ‬ ‫أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪ :‬قوله‪} :‬إ َِذا َ‬
‫ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم )‪.(2772‬‬
‫جامع البيان )‪.(1/127‬‬
‫جامع البيان )‪.(129-1/128‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/379‬‬
‫جامع البيان )‪.(5/329‬‬
‫جامع البيان )‪.(5/331‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(382-1/381‬‬
‫جامع البيان )‪.(335-5/334‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/381‬‬
‫أخرجه البخاري في الذان‪ ،‬باب‪ :‬فضل العشاء في الجماعة )‪ (657‬واللفظ‬
‫له‪ ،‬ومسلم في المساجد ومواضع الصلة )‪.(651‬‬
‫فتح الباري )‪.(2/141‬‬
‫جامع البيان )‪.(336-5/335‬‬
‫أخرجه مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم )‪.(2784‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(17/128‬‬
‫جامع البيان )‪.(1/118‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(49-1/48‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(383-1/382‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/375‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/377‬‬
‫أحكام القرآن )‪.(1/294‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/383‬‬
‫جامع البيان )‪.(108-28/107‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/384‬‬
‫َ‬
‫وا{‬
‫ما أت َ ْ‬
‫ن بِ َ‬‫حو َ‬‫فرِ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪ :‬قوله‪} :‬ل َ ي َ ْ‬
‫)‪ ،(4567‬ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم )‪.(2777‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/377‬‬
‫جامع البيان )‪.(4/167‬‬
‫ن‪) {...‬‬ ‫عي َ‬ ‫ّ‬
‫مطوّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫مُزو َ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪ :‬قوله‪} :‬ال ِ‬
‫‪ ،(14668‬ومسلم في الزكاة )‪.(1018‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/389‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/394‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/382‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/382‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/391‬‬
‫جامع البيان )‪.(5/165‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/376‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/397‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/565‬‬


‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/406‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/385‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/376‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/388‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/378‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/379‬‬
‫أخرجه البخاري في اليمان‪ ،‬باب‪:‬علمة المنافق )‪ ،(34‬ومسلم في اليمان )‬
‫‪.(58‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(47-2/46‬‬
‫أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلة )‪.(622‬‬
‫قال في القاموس )‪" :(1158‬شرقت الشمس‪ :‬ضعف ضوؤها أو دنت‬
‫للغروب‪ .‬وأضافه ‪ $‬إلى الموتى فقال‪)) :‬يؤخرون الصلة إلى شرق الموتى((‬
‫لن ضوءها عند ذلك الوقت ساقط على المقابر‪ ،‬أو أراد أنهم يصّلونها ولم‬
‫يبق من النهار إل بقدر ما يبقى من نفس المحتضر إذا شرق بريقه"‪.‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/384‬‬
‫أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلة )‪.(654‬‬
‫ينظر‪ :‬عون المعبود )‪.(2/179‬‬
‫أخرجه أحمد )‪ ،(5/269‬والترمذي في البر والصلة‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في العي )‬
‫‪ ،(2027‬والبيهقي في الشعب )‪ ،(7706‬قال الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن‬
‫غريب‪ ،‬إنما نعرفه من حديث أبي غسان محمد بن مطرف "‪ ،‬وصححه الحاكم‬
‫)‪ ،(1/51‬واللباني في صحيح الترمذي )‪.(1650‬‬
‫فيض القدير )‪.(3/428‬‬
‫طريق الهجرتين )‪.(719‬‬
‫سابًعا‪ :‬موقف المسلم من المنافقين‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم طاعتهم‪:‬‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫ن إِ ّ‬‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ه َول ت ُط ِِع الكافِ ِ‬ ‫ق الل َ‬ ‫ي ات ّ ِ‬‫قال الله تعالى‪َ} :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ما{ ]الحزاب‪.[1:‬‬ ‫كي ً‬
‫ح ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن عَِلي ً‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫قال الطبري‪" :‬يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪َ} :‬يا أي َّها‬
‫ه{ بطاعته‪ ،‬وأداء فرائضه وواجب حقوقه عليك‪ ،‬والنتهاء عن‬ ‫ق الل ّ َ‬
‫ي ات ّ ِ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ن{ الذين يقولون لك‪ :‬اطرد عنك‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫محارمه وانتهاك حدوده‪َ} ،‬ول ت ُط ِِع ال ْ َ‬
‫ن{ الذين يظهرون‬ ‫قي َ‬
‫مَنافِ ِ‬‫أتباعك من ضعفاء المؤمنين بك حتى نجالسك‪َ} ،‬وال ْ ُ‬
‫لك اليمان بالله والنصيحة لك‪ ،‬وهم ل يألونك وأصحابك ودينك خبال‪ ،‬فل تقبل‬
‫ما‬
‫ن عَِلي ً‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫منهم رأيا‪ ،‬ول تستشرهم مستنصحا بهم‪ ،‬فإنهم لك أعداء‪} ،‬إ ِ ّ‬
‫ما{ يقول‪ :‬إن الله ذو علم بما تضمره نفوسهم‪ ،‬وما الذي يقصدون في‬ ‫كي ً‬‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫إظهارهم لك النصيحة‪ ،‬مع الذي ينطوون لك عليه‪ ،‬حكيم في تدبير أمرك‬
‫وأمر أصحابك ودينك‪ ،‬وغير ذلك من تدبير جميع خلقه"‪.‬‬
‫‪ -2‬العراض عنهم وزجرهم ووعظهم‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما{ ]النساء‪.[138:‬‬ ‫م عَ َ‬
‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ن ب ِأ ّ‬‫قي َ‬‫مَنافِ ِ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ب َ ّ‬

‫)‪(28 /‬‬
‫َ‬ ‫وقال الله تعالى‪ُ} :‬أول َئ ِ َ‬
‫م‬ ‫ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م فَأعْرِ ْ‬
‫ض عَن ْهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن ي َعْل َ ُ‬
‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬
‫م قَوْل ً ب َِليًغا{ ]النساء‪.[63:‬‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫م ِفي أ َن ْ ُ‬‫ل ل َهُ ْ‬ ‫عظ ْهُ ْ‬
‫م وَقُ ْ‬ ‫وَ ِ‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك{ هؤلء المنافقون الذين وصفت‬ ‫قال الطبري‪" :‬يعني جل ثناؤه بقوله‪ُ} :‬أول َئ ِ َ‬
‫م{ في احتكامهم إلى‬ ‫ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ه َ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫لك ـ يا محمد ـ صفتهم‪} ،‬ي َعْل َ ُ‬
‫الطاغوت‪ ،‬وتركهم الحتكام إليك‪ ،‬وصدودهم عنك‪ ،‬من النفاق والزيغ‪ ،‬وإن‬
‫َ‬
‫م{ يقول‪:‬‬ ‫عظ ْهُ ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ض عَن ْهُ ْ‬ ‫حلفوا بالله ما أردنا إل إحسانا وتوفيقا‪} ،‬فَأعْرِ ْ‬
‫فدعهم فل تعاقبهم في أبدانهم وأجسامهم‪ ،‬ولكن عظهم بتخويفك إياهم بأس‬
‫الله أن يحل بهم‪ ،‬وعقوبته أن تنزل بدارهم‪ ،‬وحذرهم من مكروه ما هم عليه‬
‫م قَوْل ً ب َِليًغا{‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫من الشك في أمر الله وأمر رسوله‪} ،‬وَقُ ْ‬
‫يقول‪ :‬مرهم باتقاء الله والتصديق به وبرسوله ووعده ووعيده"‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم المجادلة أو الدفاع عنهم‪:‬‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫جادِ ْ‬
‫م ْ‬‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫خَتاُنو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪َ} :‬ول ت ُ َ‬
‫ما{ ]النساء‪.[107 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واًنا أِثي ً‬ ‫خ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬
‫ن‬
‫ل{ يا محمد فتخاصم }عَ ِ‬ ‫جادِ ْ‬ ‫قال الطبري‪" :‬يعنى بذلك جل ثناؤه‪َ} :‬ول ت ُ َ‬
‫م{ يعني‪ :‬يخونون أنفسهم‪ ،‬يجعلونها خونة بخيانتهم ما‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫خَتاُنو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫من خانوه ماله وهم بنو أبيرق‪ ،‬يقول‪ :‬ل تخاصم عنهم من‬ ‫من أموال َ‬ ‫خانوا ِ‬
‫ن‬
‫ن كا َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫يطالبهم بحقوقهم‪ ،‬وما خانوه فيه من أموالهم‪} ،‬إ ِ ّ‬
‫ما{ يقول‪ :‬إن الله ل يحب من كان من صفته خيانة الناس في‬ ‫َ‬
‫واًنا أِثي ً‬ ‫خ ّ‬ ‫َ‬
‫أموالهم‪ ،‬وركوب الثم في ذلك وغيره‪ ،‬مما حرمه الله عليه"‪.‬‬
‫‪ -4‬النهي عن موالتهم والركون إليهم‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫م ل ي َأُلون َك ُ ْ‬ ‫ن ُدون ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫طان َ ً‬ ‫ذوا ب ِ َ‬ ‫خ ُ‬
‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خفي صدورهُ َ‬ ‫خبال ً ودوا ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ‬
‫م أك ْب َُر قَد ْ‬ ‫ُ ُ ُ ْ‬ ‫ما ت ُ ْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ْ ْ َ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫ن{ ]آل عمران‪.[118:‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت َعْ ِ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫م اليا ِ‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب َي ّّنا لك ُ ُ‬
‫قال الطبري‪" :‬يعني بذلك تعالى ذكره‪ :‬يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله‪،‬‬
‫م{‬ ‫ن ُدون ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫طان َ ً‬ ‫ذوا ب ِ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫وأقروا بما جاءهم به نبيهم من عند ربهم‪} ،‬ل ت َت ّ ِ‬
‫يقول‪ :‬ل تتخذوا أولياء وأصدقاء لنفسكم من دونكم‪ ،‬يقول‪ :‬من دون أهل‬
‫دينكم وملتكم‪ ،‬يعني من غير المؤمنين‪.‬‬
‫وذكر أن هذه الية نزلت في قوم من المسلمين كانوا يخالطون حلفاءهم من‬
‫اليهود وأهل النفاق منهم‪ ،‬ويصافونهم المودة بالسباب التي كانت بينهم في‬
‫جاهليتهم قبل السلم‪ ،‬فنهاهم الله عن ذلك‪ ،‬وأن يستنصحوهم في شيء من‬
‫أمورهم"‪.‬‬
‫وقال ابن كثير‪" :‬يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين‬
‫بطانة أي‪ :‬يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لعدائهم‪ ،‬والمنافقون‬
‫بجهدهم وطاقتهم ل يألون المؤمنين خبال أي‪ :‬يسعون في مخالفتهم وما‬
‫يضرهم بكل ممكن‪ ،‬وبما يستطيعون من المكر والخديعة‪ ،‬ويودون ما يعنت‬
‫المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم"‪.‬‬
‫‪ -5‬جهادهم والغلظة عليهم‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫مأَواهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن َواغْلظ عَلي ْهِ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫فاَر َوال ُ‬ ‫جاهِدِ الك ّ‬ ‫ي َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ} :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫صيُر{ ]التوبة‪.[73:‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫م وَب ِئ ْ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫فاَر{ بالسيف‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫جاهِدِ الك ّ‬ ‫َ‬
‫ي َ‬ ‫قال الطبري‪" :‬يقول تعالى ذكره‪َ} :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ن{ واختلف أهل التأويل في صفة الجهاد الذي أمر الله‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫والسلح‪َ} ،‬وال ْ ُ‬
‫نبيه به في المنافقين‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬أمره بجهادهم باليد واللسان وبكل ما‬
‫أطاق جهادهم به‪ ،‬وبه قال ابن مسعود رضي الله عنه‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل أمره‬
‫بجهادهم باللسان‪ ،‬وبه قال ابن عباس رضي الله عنهما‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل‬
‫أمره بإقامة الحدود عليهم‪ ،‬وبه قال الحسن وقتادة رحمهما الله‪.‬‬
‫وأولى القوال في تأويل ذلك عندي بالصواب ما قال ابن مسعود من أن الله‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أمر نبيه صلى الله عليه وسلم من جهاد المنافقين بنحو الذي أمره به من‬
‫جهاد المشركين‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فكيف تركهم صلى الله عليه وسلم مقيمين بين أظهر أصحابه‬
‫مع علمه بهم؟!‬

‫)‪(29 /‬‬

‫ة الكفر‪ ،‬ثم أقام‬ ‫قيل‪ :‬إن الله تعالى ذكره إنما أمر بقتال من أظهر منهم كلم َ‬
‫طلع عليه منهم أنه تكلم بكلمة‬ ‫على إظهاره ما أظهر من ذلك)(‪ ،‬وأما من إذا ا ّ‬
‫الكفر وُأخذ بها أنكرها ورجع عنها وقال‪ :‬إني مسلم فإن حكم الله في كل من‬
‫أظهر السلم بلسانه أن يحقن بذلك له دمه وماله وإن كان معتقدا غير ذلك‪،‬‬
‫كل هو جل ثناؤه بسرائرهم‪ ،‬ولم يجعل للخلق البحث عن السرائر‪ ،‬فلذلك‬ ‫وتو ّ‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بهم وإطلع الله إياه على‬
‫ضمائرهم واعتقاد صدورهم كان يقّرهم بين أظهر الصحابة‪ ،‬ول يسلك‬
‫بجهادهم مسلك جهاد من قد ناصبه الحرب على الشرك بالله؛ لن أحدهم‬
‫فر فيه بالله‪ ،‬ثم ُأخذ به أنكره وأظهر‬ ‫طلع عليه أنه قد قال قول ك َ‬ ‫كان إذا ا ّ‬
‫السلم بلسانه‪ ،‬فلم يكن صلى الله عليه وسلم يأخذه إل بما أظهر له من‬
‫قوله عند حضوره إياه‪ ،‬وعزمه على إمضاء الحكم فيه‪ ،‬دون ما سلف من‬
‫قول كان نطق به قبل ذلك‪ ،‬ودون اعتقاد ضميره الذي لم يبح الله لحد الخذ‬
‫به في الحكم‪ ،‬وتولى الخذ به هو دون خلقه‪.‬‬
‫م{ يقول تعالى ذكره‪ :‬واشدد عليهم بالجهاد والقتال‬ ‫ظ عَل َي ْهِ ْ‬
‫وقوله‪َ} :‬واغْل ُ ْ‬
‫والرعاب")(‪.‬‬
‫‪ -6‬تحقيرهم وعدم تسويدهم‪:‬‬
‫عن بريدة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬ل‬
‫دا فقد أسخطتم ربكم عز وجل(()(‪.‬‬ ‫تقولوا للمنافق سيد؛ فإنه إن يك سي ً‬
‫‪ -7‬عدم الصلة عليهم‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَلى قَب ْرِهِ إ ِن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ق ْ‬‫دا َول ت َ ُ‬‫ت أب َ ً‬
‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫حد ٍ ِ‬ ‫ل عَلى أ َ‬ ‫ص ّ‬‫قال الله تعالى‪َ} :‬ول ت ُ َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[84:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬‫سول ِهِ وَ َ‬ ‫فُروا ِبالل ّهِ وََر ُ‬‫كَ َ‬
‫ي جاء ابنه إلى رسول الله صلى‬ ‫ُ‬
‫عن عبد الله قال‪ :‬لما توفي عبد الله بن أب ّ‬
‫ّ‬
‫صك أكفنه فيه وصل عليه‬ ‫الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أعطني قمي َ‬
‫ما فرغ آذنه‬ ‫فر له‪ ،‬فأعطاه قميصه وقال‪)) :‬إذا فرغت منه فآذّنا((‪ ،‬فل ّ‬ ‫واستغ ِ‬
‫به‪ ،‬فجاء ليصّلي عليه‪ ،‬فجذبه عمر‪ ،‬فقال‪ :‬أليس قد نهاك الله أن تصّلي على‬
‫المنافقين؟! فقال‪} :‬استغْفر ل َه َ‬
‫ن‬
‫سب ِْعي َ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬‫ست َغْ ِ‬
‫م ِإن ت َ ْ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬‫ست َغْ ِ‬ ‫م أوْ ل َ ت َ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫ل عََلى أ َحد منهم مات أ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫دا‬ ‫ب‬
‫َ ٍ ِ ُْ ْ َ َ َ ً َ َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫َ ُ َ‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫}‬ ‫فنزلت‪:‬‬ ‫م{‪،‬‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫مّرةً فََلن ي ّغْ ِ‬
‫فَر الل ُ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫جامع البيان )‪.(21/117‬‬
‫جامع البيان )‪.(5/156‬‬
‫جامع البيان )‪.(5/271‬‬
‫ذكره عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة‪.‬‬
‫جامع البيان )‪.(61-4/60‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/399‬‬
‫أي‪ :‬لم يرجع عن كلمة الكفر‪ ،‬بل أصر عليها‪.‬‬
‫جامع البيان )‪.(184-10/183‬‬
‫أخرجه أحمد )‪ ،(5/346‬والبخاري في الدب المفرد )‪ ،(760‬وأبو داود في‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدب‪ ،‬باب‪ :‬ل يقال المملوك ربي وربتي )‪ (4977‬واللفظ له‪ ،‬والنسائي في‬
‫عمل اليوم والليلة )‪ ،(244‬والبيهقي في الكبرى )‪ ،(6/70‬وصحح المنذري‬
‫إسناده في الترغيب )‪ ،(3/359‬وهو مخرج في السلسلة الصحيحة )‪.(371‬‬
‫ثامًنا‪ :‬سبل الوقاية من النفاق‪:‬‬
‫‪ -1‬التصاف بصفات أهل اليمان وترك صفات أهل النفاق‪.‬‬
‫‪ -2‬الجهاد في سبيل الله‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫دث به نفسه مات على شعبة من نفاق((‪.‬‬ ‫))من مات ولم يغز ولم يح ّ‬
‫ّ‬
‫قال النووي‪" :‬المراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن‬
‫الجهاد في هذا الوصف؛ فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق‪ .‬وفي هذا الحديث‬
‫جه‬ ‫جه عليه من الذم ما يتو ّ‬ ‫أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها ل يتو ّ‬
‫على من مات ولم ينوها"‪.‬‬
‫‪ -3‬كثرة ذكر الله تعالى‪:‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬إن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق؛ فإن المنافقين‬
‫ه‬ ‫قليلو الذكر لله عز وجل‪ ،‬قال الله عز وجل في المنافقين‪} :‬وَل َ ي َذ ْك ُُرو َ‬
‫ن الل َ‬
‫ل{ ]النساء‪ ،[142:‬وقال كعب‪ :‬من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من‬ ‫إ ِل ّ قَِلي ً‬
‫النفاق‪ .‬ولهذا ـ والله أعلم ـ ختم الله تعالى سورة المنافقين بقوله تعالى‪َ} :‬يا‬
‫َ‬ ‫أ َيها ال ّذين آمنوا ل تل ْهك ُ َ‬
‫ل ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫فعَ ْ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫وال ُك ُ ْ‬
‫م َول أْولد ُك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫مأ ْ‬‫ُ ِ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ّ َُ‬
‫ن{ ]المنافقون‪ ،[9:‬فإن في ذلك تحذيرا من فتنة‬ ‫رو‬
‫ِ ُ َ‬ ‫س‬ ‫خا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬‫فَأ ْ‬
‫و‬
‫المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله عز وجل فوقعوا في النفاق‪ .‬وسئل بعض‬
‫الصحابة رضي الله عنهم عن الخوارج‪ :‬منافقون هم؟ قال‪) :‬ل‪ ،‬المنافقون ل‬
‫يذكرون الله إل قليل(‪ .‬فهذا من علمة النفاق‪ :‬قلة ذكر الله عز وجل‪ ،‬وكثرة‬
‫المان من النفاق‪ ،‬والله عز وجل أكرم من أن يبتلي قلبا ذاكرا بالنفاق‪ ،‬وإنما‬
‫ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله عز وجل"‪.‬‬
‫‪ -4‬الدعاء‪:‬‬
‫عن جبير بن نفير قال‪ :‬دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص‪ ،‬فإذا هو قائم‬
‫يصلي في مسجده‪ ،‬فلما جلس يتشهد جعل يتعوذ بالله من النفاق‪ ،‬فلما‬
‫انصرف قلت‪ :‬غفر الله لك يا أبا الدرداء‪ ،‬ما أنت والنفاق؟ قال‪) :‬اللهم غفًرا ـ‬
‫ثلثا ـ‪ ،‬من يأمن البلء؟! من يأمن البلء؟! والله إن الرجل ليفتتن في ساعة‬
‫فينقلب عن دينه(‪.‬‬
‫ب النصار‪:‬‬ ‫‪ -5‬ح ّ‬
‫عن أنس رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬آية اليمان‬
‫حب النصار‪ ،‬وآية النفاق بغض النصار((‪.‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫ب علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪:‬‬ ‫‪ -6‬ح ّ‬


‫عن زر قال‪ :‬قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪) :‬والذي فلق الحّبة وبرأ‬
‫ي أن ل يحّبني إل‬
‫ي صلى الله عليه وسلم إل ّ‬ ‫النسمة‪ ،‬إنه لعهد النبي الم ّ‬
‫مؤمن‪ ،‬ول يبغضني إل منافق(‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬ومعنى هذه الحاديث‪ :‬أن من عرف مرتبة النصار وما كان‬
‫منهم في نصرة دين السلم والسعي في إظهاره وإيواء المسلمين وقيامهم‬
‫في مهمات دين السلم حق القيام وحبهم النبي صلى الله عليه وسلم وحبه‬
‫إياهم وبذلهم أموالهم وأنفسهم بين يديه وقتالهم ومعاداتهم سائر الناس إيثارا‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للسلم‪ ،‬وعرف من على بن أبي طالب رضى الله عنه قربه من رسول الله‬
‫ب النبي صلى الله عليه وسلم له وما كان منه من‬ ‫صلى الله عليه وسلم وح ّ‬
‫ي لهذا كان ذلك من دلئل‬ ‫ب النصاَر وعل ّ‬ ‫نصرة السلم وسوابقه فيه ثم أح ّ‬
‫صحة إيمانه وصدقه في إسلمه؛ لسروره بظهور السلم والقيام بما يرضى‬
‫الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن أبغضهم كان بضد ّ‬
‫ل به على نفاقه وفساد سريرته‪ .‬والله اعلم"‪.‬‬ ‫ذلك واسُتد ّ‬
‫ب بني هاشم‪:‬‬ ‫‪ -7‬حب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وح ّ‬
‫ب أبي بكر وعمر إيمان‪ ،‬وبغضهما‬ ‫قال ابن تيمية‪" :‬قال بعض السلف‪ :‬ح ّ‬
‫ب بنى هاشم إيمان‪ ،‬وبغضهم نفاق"‪.‬‬ ‫نفاق‪ ،‬وح ّ‬
‫‪ -8‬التصاف التام بالصدق في المر كله‪:‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬الصفة الفارقة بين المؤمن والمنافق هو الصدق‪ ،‬فإن أساس‬
‫النفاق الذي بني عليه الكذب"‪.‬‬
‫‪ -9‬ترك البدع والحدث في الدين‪:‬‬
‫ن السنن شعائر اليمان"‪.‬‬ ‫ن النفاق‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫قال ابن تيمية‪" :‬البدع مظا ّ‬
‫‪ -10‬البعد عن سماع الغناء‪:‬‬
‫ّ‬
‫وسماع الغناء في الصل محرم‪ ،‬ومع ذلك فإنه يؤثر النفاق في القلب‪.‬‬
‫قال ابن مسعود رضي الله عنه‪) :‬الغناء ينبت النفاق في القلب‪ ،‬كما ينبت‬
‫الماء البقل(‪.‬‬
‫ف بأثر الغناء وثمرته‪ ،‬فإنه ما اعتاده أحد إل‬ ‫قال ابن القيم‪" :‬وهذا كلم عار ٍ‬
‫نافق قلبه وهو ل يشعر‪ ،‬ولو عرف حقيقة النفاق وغايته لبصره في قلبه‪،‬‬
‫فإنه ما اجتمع في قلب عبد قط محبة الغناء ومحبة القرآن إل طردت‬
‫إحداهما الخرى‪ ،‬وقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء‬
‫ول عليهم‪ ،‬وعدم انتفاع‬ ‫وسماعه‪ ،‬وتبرمهم به‪ ،‬وصياحهم بالقارئ إذا ط ّ‬
‫قلوبهم بما يقرؤه‪ ،‬فل تتحرك ول تطرب ول تهيج منها بواعث الطلب‪ ،‬فإذا‬
‫جاء قرآن الشيطان فل إله إل الله كيف تخشع منهم الصوات‪ ،‬وتهدأ‬
‫ن‪ ،‬ويقع البكاء والوجد‪ ،‬والحركة الظاهرة‬ ‫الحركات‪ ،‬وتسكن القلوب وتطمئ ّ‬
‫والباطنة‪ ،‬والسماحة بالثمان والثياب‪ ،‬وطيب السهر‪ ،‬وتمني طول الليل‪ ،‬فإن‬
‫لم يكن هذا نفاقا فهو آخية النفاق وأساسه"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬فإن أساس النفاق أن يخالف الظاهر الباطن‪ ،‬وصاحب الغناء بين‬
‫أمرين؛ إما أن يتهتك فيكون فاجرا‪ ،‬أو يظهر النسك فيكون منافقا‪ ،‬فإنه يظهر‬
‫الرغبة في الله والدار الخرة‪ ،‬وقلبه يغلي بالشهوات‪ ،‬ومحبة ما يكرهه الله‬
‫ورسوله من أصوات المعازف وآلت اللهو‪ ،‬وما يدعو إليه الغناء ويهّيجه‪ ،‬فقلبه‬
‫بذلك معمور‪ ،‬وهو من محبة ما يحبه الله ورسوله وكراهة ما يكرهه قفر‪،‬‬
‫وهذا محض النفاق"‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه‪،،،‬‬
‫أخرجه مسلم في المارة )‪.(1910‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(13/56‬‬
‫الوابل الصيب )ص ‪.(110‬‬
‫أخرجه الفريابي في صفة المنافق )‪ ،(73‬والبيهقي في الشعب )‪(1/506‬‬
‫واللفظ له‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في اليمان‪ ،‬باب‪ :‬علمة اليمان حب النصار )‪ ،(17‬ومسلم‬
‫في اليمان )‪.(74‬‬
‫أخرجه مسلم في اليمان )‪.(78‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(2/64‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجموع الفتاوى )‪.(4/435‬‬


‫مجموع الفتاوى )‪.(20/75‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(2/269‬‬
‫أخرجه أبو داود في الدب‪ ،‬باب‪ :‬كراهية الغناء والزمر )‪ .(4927‬وروي‬
‫عا‪ ،‬ول يصح‪ .‬ينظر‪ :‬السلسلة الضعيفة )‪.(2430‬‬ ‫مرفو ً‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/523‬‬
‫إغاثة اللهفان )‪.(1/250‬‬

‫)‪(31 /‬‬

‫النقد البّناء‬
‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪22/6/1426‬‬
‫‪28/07/2005‬‬
‫في حياتنا العامة والخاصة عدد كبير من الجدليات‪ ،‬حيث يكون الشيء في‬
‫فا على وجود شيء آخر‪ .‬ويتناوب الشيئان‬ ‫وجوده أو استقامته أو بواره متوق ً‬
‫على الوظيفة نفسها‪ ،‬كتلك العلقة التي نلمسها بين المرض والفقر‪ ،‬إذ يهيء‬
‫الفقر صاحبه للتعرض للمرض‪ ،‬كما أن المرض من جهته يسّبب للفقير المزيد‬
‫من الفقر وهكذا‪.‬‬
‫هذا يعني أن خصائص كثير من الشياء ل تستمد من ذاتها‪ ،‬وإنما من العلقات‬
‫التي تربطها بغيرها‪ .‬ومن المؤسف أن اكتشاف العلقات الجدلية على الرغم‬
‫من تأثيرها الكبير‪ ،‬ل يلقى من معظم الناس الهتمام‪ ،‬وبالتالي فإن معرفتنا‬
‫بها تتسم بالقصور والسطحية!‬
‫بين البناء والنقد علقة جدلية‪ ،‬عظيمة الهمية إلى درجة أن كل ً منهما يتغذى‬
‫على الخر بصورة جوهرية‪ .‬ول نستطيع أن نعرف مدى حاجة كل منهما إلى‬
‫الخر إل إذا قطعنا الحبل السريري الذي يربط بينهما‪ .‬ولعلي أبسط القول‬
‫في هذه المسألة المهمة عبر المفردات التية‪:‬‬
‫ما في مدة طويلة نسبًيا‪ ،‬هي مدة حياة النبي –‬ ‫‪ -1‬إن القرآن الكريم نزل منج ً‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬بين البعثة والوفاة‪ .‬ويلحظ الناظر دون عناء أن‬
‫معظم ما ينزل من الذكر كان يرتبط بوجه من الوجوه بحركة المجتمع‬
‫كر السائرين‬ ‫السلمي‪ .‬إنه يوجه المسيرة‪ ،‬ويوضح ملمح الطريق‪ ،‬كما أنه يذ ّ‬
‫بالمقاصد النهائية لسيرهم‪ .‬وحين يقع خطأ بسبب اجتهاد أو ضعف بشري‪،‬‬
‫فإن القرآن الكريم ينبه المسلمين إلى ذلك الخطأ بقطع النظر عن مقام‬
‫المنتقد ‪ ،‬وعن نوع موضوع النقد ‪ ،‬هل هو عام أو هو خاص بشخص من‬
‫الشخاص‪ ،‬على نحو ما نجده في قول سبحانه‪" :‬ما كان لنبي أن يكون له‬
‫أسرى حتى يثخن في الرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة والله‬
‫عزيز حكيم" ]سورة النفال‪ ،[68-67 :‬وقوله‪" :‬عفا الله عنك لم أذنت لهم‬
‫حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين" ]سورة التوبة‪ .[43 :‬وقوله‪" :‬وإذ‬
‫تقول للذي أنعم الله عليه‪ ،‬وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله‬
‫وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه"‬
‫]سورة الحزاب‪ ،[37 :‬وفي السنة النبوية الكثير الكثير من النصوص التي‬
‫تنتقد بعض تصرفات الصحابة‪ ،‬وتدلهم على ما هو أفضل وأصوب‪ .‬وقد وعى‬
‫المسلمون المغزى العميق لذلك‪ ،‬ومارسوا النقد بصيغ عديدة ‪ ،‬ولطالما كان‬
‫النقد البّناء عامل تحرير للمة من كثير من الزيغ والخطأ على ما هو معروف‬
‫ومشهور‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬لو تساءلنا‪ :‬مالذي يعطي المشروعية للنقد‪ ،‬ويجعل منه شيًئا ل غنى عنه‬
‫لستقامة الحياة‪ ،‬لوجدنا أن ما يمكن التحدث عنه في هذا الشأن كثير‪ ،‬لعل‬
‫منه‪:‬‬
‫أ – حين نخطط لمر من المور‪ ،‬أو نحاول اكتشاف ميزة عمل من العمال‪،‬‬
‫فإن من الواضح أننا ل نستطيع الحاطة بالعتبارات التي تجعل قراراتنا صائبة‬
‫ما حقائق غائبة وأجزاء مطموسة‪ ،‬ومعلومات غير‬ ‫على نحو قاطع‪ .‬هناك دائ ً‬
‫متوفرة‪ ،‬ولهذا فإن علينا أن نبني خططنا ونظمنا ومناهجنا على أنها أشياء‬
‫قابلة للمراجعة‪ ،‬ومحتاجة للتصحيح والتطوير ‪ ،‬ولن نكون موضوعيين إذا فعلنا‬
‫غير ذلك‪ .‬إن الطبيب حين ل يتأكد من تشخيص مرض من المراض‪ ،‬يصف‬
‫جا مؤقًتا إلى أن تخرج نتائج الصور والتحاليل‪ ،‬فيصف العلج‬ ‫لمريضه عل ً‬
‫النهائي؛ لن خبرته الطبية دلته على السلوك العلجي الملئم‪ ،‬إن ما هو‬
‫ما أكثر من المتوفر‪ ،‬ولهذا‬ ‫مطلوب من المعرفة لتخاذ القرار الصحيح هو دائ ً‬
‫ظر نتحرك في منطقة هشة‪ ،‬ونستند إلى معطيات غير‬ ‫فإننا ونحن نخطط‪ ،‬ونن ّ‬
‫كافية‪ .‬إن علينا أن نعتقد أننا نقوم بعمل اجتهادي‪ ،‬قد يتبين أنه صواب‪ ،‬وقد‬
‫يتبين أنه خطأ ‪ .‬وإن كثيًرا من الذين ينفرون من النقد‪ ،‬ل ينظرون إلى هذا‬
‫المعنى‪ ،‬ول يهتمون به‪ ،‬ولو أنهم أدركوه بعمق لرحبوا بالنقد بوصفه كرة‬
‫أخرى على صعيد الستدراك على قصور سابق ‪.‬‬
‫ما مفارقة بين النظرية والتطبيق‪ ،‬فنحن حين ننظر‪ ،‬ونخطط‪،‬‬ ‫ب– هناك دائ ً‬
‫نقوم بذلك في حالة من الطلقة التامة ‪ ،‬وكما يقولون‪ :‬إن الحلم ل تكّلف‬
‫شيًئا ‪ ،‬لكن حين نأتي للتنفيذ‪ ،‬يتجلى لدينا القصور البشري بأوضح صوره‪،‬‬
‫فنحن نتحرك داخل الكثير من القيود الزمانية والمكانية‪ .‬وكما أن أعمارنا‬
‫ضا محدودة‪ ،‬مما يجعل وجود‬ ‫محدودة‪ ،‬كذلك إمكاناتنا وقدراتنا وعلقاتنا أي ً‬
‫فجوة بين ما نريده وبين ما نفعله أو نحصل عليه أمًرا متوقًعا‪ .‬في بعض‬
‫الحيان ل ننفذ ما خططنا له ليس بسبب العجز‪ ،‬ولكن بسبب تغير الرأي‪ ،‬أو‬
‫بسبب الختلف بين أعضاء فريق العمل‪ ،‬أو لي سبب آخر‪ ...‬وهذا كله يجعل‬
‫النقد أمًرا سائًغا‪ ،‬بل مطلوًبا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جـ ‪ -‬في بعض الحيان تأتي مشروعية النقد من الخطاء التي تقع أثناء‬
‫التطبيق أو بسبب مغايرة ظروف الستمرار لظروف النشأة‪ .‬وإذا تأملت في‬
‫أوضاع المة وجدت أن كثيًرا مما يحتاج إلى إصلح وتصحيح يعود إلى هذين‬
‫السببين‪ ،‬فالتقصير في الواجبات والوقوع في المنكرات من أكثر العوامل‬
‫تأثيًرا في تخلف المة وتأزم أوضاعها‪ .‬وهما يعودان إلى انحراف وقصور في‬
‫الممارسة‪ .‬كما أن تجدد معطيات الحياة المعاصرة لتكون شديدة البعد عن‬
‫حياة أسلفنا ‪ ،‬أوقعنا في أزمات فكرية كثيرة ‪ ،‬بسبب عدم توفر ما يكفي من‬
‫الجتهاد للتعامل معها‪ .‬وهذا من جهته يثير الكثير من الحيرة والكثير من‬
‫النقد‪.‬‬
‫دا‬
‫ماذا يحدث حين يتوقف التفاعل بين النقد والبناء ؟ ومتى يكون النقد مفي ً‬
‫وبّناًء ؟‬
‫هذا ما سنتحدث عنه في المقال القادم بحول الله وطوله‪.‬‬
‫النقد البناء )‪(2/2‬‬
‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪6/7/1426‬‬
‫‪11/08/2005‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذكرت في المقال السابق أن بين العمل والنقد وبين النجاز والتطوير علقة‬
‫جدلّية‪ ،‬وشرحت ما أعنيه بالعلقة الجدلّية‪ ،‬ووعدت باستكمال الموضوع في‬
‫هذا المقال‪.‬‬
‫إن النظر إلى ما أقمناه وأنجزناه من مناهج ومؤسسات على أنه شيء غير‬
‫مكتمل يشكل المحّرض لنا على نقده وتطويره‪ ،‬لكن يبدو أن النسان ل يملك‬
‫من اليقظة النقدية ما يجعله يتعامل مع إنجازاته ومنتجاته دائما ً على هذا‬
‫النحو‪ .‬إننا كثيرا ً ما ننظر إلى نقد شيء يتصل بنا على أنه نقد لذواتنا‪ ،‬بل‬
‫ننظر إليه –أحيانًا‪ -‬على أنه يمس الكرامة الشخصية للواحد منا‪ .‬أحيانا ً ل نقبل‬
‫بالنقد؛ لنه سيجعلنا نخسر بعض المكاسب التي حصلنا عليها من وراء أوضاع‬
‫مغشوشة‪ ،‬وأحيانا ً نرفض النقد؛ لننا ل نثق بالذي ينقد‪ ،‬أو ل نرتاح إليه‪.‬‬
‫وأحيانا ً نرفض النقد؛ لن قبوله سيعني التغيير والتطوير‪ ،‬وهذا ل يتم من غير‬
‫بذل جهد‪ ،‬ونحن غير مستعدين للقيام بأي شيء إضافي‪.‬‬
‫بعض الناس يرفض النقد؛ لن لديه نوعا ً من العجاب بالذات والستبداد‬
‫ف بما يسمعه من الخرين‪...‬‬ ‫بالرأي‪ ،‬وهذا يجعله يستخ ّ‬
‫مهما يكن السبب الدافع إلى مقاومة النقد فإن النتائج ستكون وخيمة‪.‬‬
‫إن أي عمل حتى ُيؤّدى بطريقة صحيحة يحتاج إلى معرفة تامة بالبيئة‬
‫المحيطة والعوامل الجغرافية والجتماعية المؤثرة‪ .‬وإن هذه المعرفة نحصل‬
‫عليها في العادة على سبيل التدرج‪ .‬ومن ثم فإن الثقة المبالغ فيها في‬
‫منجزاتنا تقوم على عدم الكتراث بخطورة ما نجهل‪ .‬وعلى مدار التاريخ كان‬
‫الناس يدركون قيمة ما يعرفون أكثر من إدراكهم للضرار البالغة التي تترتب‬
‫على ما ل يعرفون‪ .‬ورفض النقد هو رفض للمعرفة الجديدة‪.‬‬
‫إن قبولنا لمقترحات الخرين والسماح لهم ببيان وجوه القصور لدينا‪ ،‬يجعلنا‬
‫نظهر بمظهر الضعيف أو غير الناضج‪ .‬أما الستبداد بالرأي والتمسك بالسائد‬
‫إلى آخر لحظة فإنه يجعلنا نبدو أقوياء صامدين كأشجار السنديان التي‬
‫قاومت العواصف مئات السنين‪ .‬والحقيقة أن قبول النقد يمنحنا القوة؛ لنه‬
‫يساعدنا على عمل شيء قبل حدوث النهيار‪ .‬إنه يفتح سبيل ً للكف عن السير‬
‫في نفق مظلم‪ ،‬في آخره مهلكة‪.‬‬
‫إن سقوط التحاد السوفيتي بتلك الصورة المريعة والمهينة ومن غير سابق‬
‫إنذار‪ ،‬يقدم حكمة بليغة للمستبدين بآرائهم الرافضين للصلح والتجديد‪،‬‬
‫والمستخفين بنصائح أهل البصيرة الثاقبة‪ .‬تقول تلك الحكمة‪ :‬إن كل الشجار‬
‫تموت واقفة شامخة؛ لن موتها ل يكون في سقوطها على الرض‪ ،‬ولكن في‬
‫انقطاع مادة الحياة عنها‪ ،‬وفي عجزها عن التكّيف مع الظروف المحيطة بها‪،‬‬
‫وإن رفض النقد هو رفض للتكّيف‪ ،‬ورفض للستدراك على الخطأ والتقصير‪،‬‬
‫وهذا ما يجعل السير في طريق الضمحلل أمرا ً ل بد منه!‬
‫الوجه الثاني للمشكلة يكمن في ممارسة النقد بعيدا ً عن العمل‪ ،‬وهذا ما‬
‫يحسنه كثيرون منا‪ ،‬إن حاجة النقد إلى البناء‪ ،‬ل تقل عن حاجة البناء إلى‬
‫م ل والعلقة بينهما جدلّية‪ .‬الذي يعمل يقدم الفرصة للناقد كي يقول‬ ‫النقد‪ ،‬ول ِ َ‬
‫سن عمله‪ ،‬ويرتقي بإنتاجه‪.‬‬ ‫شيئًا‪ ،‬والناقد يقدم فرصة للعامل كي يح ّ‬
‫في حالة التخلف يرفض كثير من الذين يعملون النقد‪ ،‬ويتكلم كثير من‬
‫القاعدين بما ل يحسنون‪ ،‬في كل مجلس اعتراضات وانتقادات ل تكاد‬
‫ُتحصى‪ ،‬ومرور واسع على العالم من شرقه إلى غربه‪ ،‬ومن غربه إلى شرقه‪،‬‬
‫ض السامر ويذهب كل إلى‬ ‫وتشريح لوضاعه وذكر لمساوئه وأزماته‪ ..‬وينف ّ‬
‫بيته‪ ،‬وقد شعر كل واحد منا أنه استطاع أن يثبت سعة اطلعه ومعرفته‬
‫بالحلول للمشكلت التي تعاني منها البشرية! وتمضي السنوات وتنصرم‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العمار‪ ،‬وتأتي أجيال جديدة والنقد ما زال مستمرا ً والوضاع على حالها بل‬
‫تزداد في بعض الحيان سوءا ً أو فسادًا‪ ،‬وليس هناك من هو مستعد للتوقف‬
‫من أجل رؤية ما حصلنا عليه من وراء تصويب البنادق إلى أعلى في‬
‫امتدادات الفضاء!‬
‫إذا أردنا للنقد أن يثمر‪ ،‬وأل ّ يكون شكل ً من التنفيس عن مكروب فحسب‬
‫فعلينا أن نراعي العتبارات التالية‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -1‬النقد المفيد والمنتج هو الذي يتم في ظل البناء‪ .‬إنه نقد يقوم به البناؤون‬
‫أنفسهم‪ ،‬وأولئك القريبون القريبون منهم‪ .‬إنهم أدرى بنقاط القوة ونقاط‬
‫الضعف‪ .‬وهم أدرى أيضا ً باللية التي يجب اتباعها من أجل التصحيح‪ ،‬لكن‬
‫مون آذانهم عن‬ ‫المشكلة تقع حين يرفض العاملون القيام بأي مراجعة‪ ،‬ويص ّ‬
‫سماع أي نصيحة‪ ،‬إنهم في هذه الحالة يحّرضون غيرهم على أن يهرف بما ل‬
‫يعرف‪ ،‬ونحن على مستوى المة نعاني من بطء حركة اليد وضعف النجاز‪،‬‬
‫وهذا يؤدي بطريقة ما إلى تباطؤ عمل العقل وطيش النقد‪ ،‬فبين العقل واليد‬
‫فزات إضافّية على العمل سوف يساعد على‬ ‫أيضا ً علقة جدلّية‪ ،‬وإن إيجاد مح ّ‬
‫تنشيط حركة النقد البّناء‪.‬‬
‫صص شرط أساسي لجعل النقد بناء؛ إذ إن من الملحظ أن‬ ‫‪ -2‬الخبرة والتخ ّ‬
‫هناك شهوة قوّية لممارسة النقد‪ ،‬وربما كان ذلك لن النقد يمنح الناقد تفوقا ً‬
‫جهون النقد إلى‬ ‫فوريا ً على القران والجلساء‪ ،‬ومن ثم فإن كثيرا ً ممن يو ّ‬
‫غيرهم ل يملكون أي معرفة بحقيقة الوضاع التي ينتقدونها‪ ،‬وكثير منهم‬
‫يعتمد على أخبار صحفية أو تحليلت يسمعونها في القنوات الفضائية‪ ،‬ومن‬
‫هنا فإن انتقاداتهم كثيرا ً ما تكون سطحية‪ ،‬أو أنها تعبر عن وجهة نظر ضعيفة‬
‫أو منحازة‪ .‬فقر مجتمعاتنا بالمتخصصين هو المسؤول عن هذه الحالة‪ .‬نحن ل‬
‫نستطيع منع الناس من الكلم‪ ،‬ولكن من المهم أن ندرك جميعا ً الفرق بين‬
‫لغو المجالس وبين النقد المجدي والمفيد‪.‬‬
‫‪ -3‬ل بد لنا إذا أردنا لنقدنا أن يكون مفيدا ً من أن نجعله واضحا ومحددا حين‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ل تعجبنا وضعية من الوضعيات فإن من المهم أن نذكر ما ل يعجبنا بالضبط؛‬
‫فالصلح والفساد شيئان نسبيان‪ ،‬ورب شيء ننتقده‪ ،‬يكون أفضل ما تم‬
‫الوصول إليه بعد جهد وعناء طويل‪ .‬ونحن ننتقد لنصلح‪ ،‬والصلح يتطلب أن‬
‫نكون قادرين على شرح رأينا بوضوح فيما هو موضع مؤاخذة‪ ،‬وينبغي أن‬
‫نكون في كثير من الحالت قادرين على تقديم بدائل‪ ،‬نعتقد أنها أفضل مما‬
‫هو سائد‪ ،‬إن اعتمادنا لهذا المبدأ في النقد سوف يحمينا من أن نتخذ من‬
‫النقد وسيلة لتفريج همومنا ليس أكثر‪.‬‬
‫‪ -4‬إن الناقد مجتهد‪ ،‬وعليه أن ينظر إلى نقده على أنه يقبل المراجعة والرد‪.‬‬
‫وليس من ننتقده ملزما ً بالموافقة على كل ما نقوله له‪ .‬وإذا كان المر كذلك‬
‫فعلينا أن ننصح وننتقد على نحو يجعل المنتقد يتقبل نقدنا‪ ،‬ويهتم به‪ .‬وهذا‬
‫يتطلب أن نتحدث معه سرا ً وبلطف‪ ،‬ومن غير تكّبر واستعلء‪.‬‬
‫فف من مرارته‪ ،‬ويبرهن على أن ما‬ ‫إن النقد طعمه مّر‪ ،‬والسلوب الجميل يخ ّ‬
‫نسعى إليه فعل ً هو الصلح‪ ،‬وليس الحصول على منافع شخصية‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طم‬‫معِّز وطيران المق ّ‬


‫صر ال ُ‬
‫مب َْرم لخرافة تن ّ‬
‫كم ال ُ‬ ‫ح َ‬
‫م ْ‬‫النقض ال ُ‬
‫)مهداة إلى كرم محمد(‬
‫أ‪.‬د‪/‬إبراهيم عوض‬
‫‪ibrahim_awad9@yahoo.com‬‬
‫‪http://ibrawa.coconia.net‬‬
‫منك لله يا كرم! أقولها رغم إهدائى إياه هذه الدراسة كما يرى القراء‪ ،‬وليس‬
‫فى المر تناقض‪ ،‬إذ إن كلمة "منك لله يا كرم!" ليست تعبيرا عن ضيقى‬
‫منه‪ ،‬بل بالعكس هى تعبير عن إعجابى به وشكرى له‪ ،‬فقد أدى لى وما زال‬
‫يؤدى بعض الخدمات "السنادية" المهمة بمصطلح العسكريين‪ .‬وهذا كما‬
‫يقول الواحد منا لصديقه مثل‪" :‬الله يخرب بيتك يا فلن! من أين جئت بهذه‬
‫ن هكذا كانت اللغة‪ ،‬وهكذا‬ ‫الفكرة الجهنمية؟"‪ ،‬يقصد "الفكرة العبقرية"‪ .‬لك ْ‬
‫ستظل‪ ،‬إذ كثيرا ما نلجأ إلى التعبير عما نريد بنقيضه‪ ،‬وهذه الكلمة إحداها‪.‬‬
‫ن لماذا قلت هنا‪" :‬منك لله يا كرم!"؟ السبب هو أنه الذى دفعنى‪ ،‬بقصد‬ ‫لك ْ‬
‫منه أو بدون قصد‪ ،‬إلى كتابة هذه الدراسة‪ ،‬إذ اتصل بى يسألنى عن أشياء‬
‫تتعلق ببعض المور فى حدوتة نقل جبل المقطم من موضعه السابق إلى‬
‫ى‬
‫ّ‬ ‫قبط‬ ‫ف‬‫موضعه الحالى بمعجزةٍ أجرتها السيدة مريم العذراء على يد إسكا ٍ‬
‫أيام المعز لدين الله الفاطمى حسبما يزعم النصارى فى مصر‪ ،‬وهو‬
‫بالمناسبة دائم التصال كلما قرأ فى هذا الموقع القبطى أو ذاك شيئا مما‬
‫يشنعون به على السلم والمسلمين ويتطاولون على سيد النبياء‬
‫ى أن أتولى الرد بنفسى على ما‬ ‫والمرسلين‪ ،‬طالبا المشورة أو مقترحا عل ّ‬
‫يأفكون‪ .‬ويكون جوابى فى بعض الحيان هو نصحه بالهتمام أول وقبل كل‬
‫شىء بإتقان تخصصه هو وزملئه كى يكونوا مسلمين متفوقين فى ميدان‬
‫العلم والعمل‪ ،‬أما إعطاء مثل تلك المواقع وما تنشره ضدنا وضد ديننا‬
‫ورسولنا وتاريخنا حجما أكبر من حجمها الذى تستحقه فلن يؤدى إل إلى‬
‫إهمالنا أعمالنا والنقياد لما يريدون‪ ،‬وبالطريقة التى ي ََروَْنها هم‪ ،‬فضل عن أننا‬
‫لن ننتهى إلى طائل‪ ،‬فل هم على استعداد للصغاء إلى صوت العقل‬
‫فون عن اختراع المزيد من الكاذيب العامية المتخلفة‬ ‫والمنطق‪ ،‬ول هم سيك ّ‬
‫والمزاعم الباطلة المجنونة دون خجل‪ ،‬إذ المسألة )كما لحظت فى تلك‬
‫المواقع( ل تعدو أن تكون مكايدة للمسلمين وتشنيعا كاذبا عليهم وعلى كل‬
‫ما يتعلق بدينهم‪ .‬لكنه فى العادة ل يقتنع تماما بما أقول‪ ،‬بل يخبرنى أننى إذا‬
‫ل بنفسى الرد على تلك الفتراءات والباطيل فسوف يمضى هو فى‬ ‫لم أتو ّ‬
‫الكتابة مفّندا أكاذيب الكذابين‪ .‬والواقع أننى أحيانا ما أجد نفسى منساقا مع‬
‫عاطفته النبيلة فأبدأ أدندن فى الموضوع بينى وبين نفسى دون أن يكون فى‬
‫داح تصاحبه‬ ‫ص َ‬‫نيتى عمل شىء‪ ،‬إل أن الدندنة الخافتة سرعان ما تتحول إلى ُ‬
‫كل اللت الموسيقية‪ ،‬وتكون النتيجة دراسة مستفيضة‪ ،‬وهو ما حدث هذه‬
‫المرة أيضا‪.‬‬
‫ن علينا أوّل أن ننقل الخرافة المذكورة كما جاءت ضمن سيرة سمعان‬ ‫ً‬ ‫لك ْ‬
‫الخّراز المنشورة بموقع الكنيسة المسماة باسمه فى المقطم‪ ،‬وهذه هى‬
‫بأخطائها الملئية واللغوية‪ ،‬وإن كنت تدخلت لتنسيق علمات الترقيم‪:‬‬
‫"الحداث التى مهدت للمعجزة‬
‫)‪ (1‬المجادلة الدينية الحادة ‪:‬‬
‫كان المعز لدين الله الفاطمى‪ ...‬محبا لمجالس الدب ومولعا بالمباحثات‬
‫الدينية‪ ،‬وكان يجمع رجال الدين من المسلمين والمسيحيين واليهود للمناقشة‬
‫فى مجلسه‪ ،‬وأشترط أن يكون ذلك بل غضب أو خصام‪ .‬وكان فى ديوان‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعز رجل يهودى أعتنق السلم لكى يعيين وزيرا فى الدولة‪ ،‬وكان أسم هذا‬
‫الرجل يعقوب بن كلس‪ .‬ورغم أنه أعتنق السلم إل أنه مازال متعصبا لدينه‬
‫اليهودى‪ ،‬لنه لم يعتنق السلم عن عقيدة بل لجل المنصب‪ .‬وكان هذا‬
‫اليهودى يبغض المسيحيين إلى أقصى درجة‪ ،‬خاصة وأنه كان له خصم‬
‫مسيحى يعزه الخليفة‪ ،‬وكان اليهودى يخشى أن يعينه وزيرا عوضا عنه‪ ،‬وكان‬
‫اسمه قزمان بن مينا الشهير بأبو اليمن‪ .‬فأستدعى يعقوب بن كلس اليهودى‬
‫عى موسى ليجادل البابا البطريرك النبا ابرآم فى‬ ‫واحدا من بنى قومه ي ُد ْ َ‬
‫ً‬
‫ل‪ :‬إن شئت يوما أن‬ ‫مجلس الخليفة المعز‪ .‬أرسل الخليفة للب البطريرك قائ ً‬
‫تحاجج اليهود بنفسك أو بواسطة من تختار من الساقفة‪ ،‬فتعال إلى دارى‬
‫وناقشهم أمامى‪.‬‬
‫حدد البابا النبا ابرآم موعدا لذلك‪ ،‬وأصطحب معه النبا ساويرس بن المقفع‬
‫أسقف الشمونين )بالصعيد( وكان من علماء الكنيسة فى جيله‪ ،‬فهو الذى‬
‫كتب تاريخ "سير البطاركة"‪ ،‬وكان أيضا لهوتيا ضليعا‪ ،‬وخاصة فى اللهوت‬
‫المقارن بين الديان‪ ،‬وله كتب كثيرة فى هذا المجال منها‪ :‬كتاب التوحيد‪،‬‬
‫وكتاب التحاد الباهر فى الرد على اليهود‪ ،‬وكتب كثيرة أخرى‪ .‬وعندما أستقر‬
‫مجلس الخليفة‪ ،‬وكان حاضرا أيضا الوزير بن كلس اليهودى ورفيقه موسى‪،‬‬
‫فقال المعز للبابا‪ :‬تكلم أيها البابا الوقور‪ ،‬أو أمنح رفيقك الذن بالكلم‪.‬‬
‫فقال البابا لسقف الشمونين النبا ساويرس‪ :‬تكلم يأ بنى‪ .‬ولتمنحك الحكمة‬
‫اللهية حكمة من لدنها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فقال النبا ساويرس بفطنة روحية‪ :‬ليس من اللئق أن أتحدث إلى يهودى‬
‫فى حضرة الخليفة‪ .‬فأحتد موسى اليهودى رفيق الوزير وقال‪ :‬إنك تهيننى فى‬
‫مسمع من أمير المؤمنين إذ تصفنى بالجهل‪ .‬فسأله النبا ساويرس بهدوء‪:‬‬
‫ك الدليل على جهلك‪ ،‬أفل تغضب؟‬ ‫وإن قدمت ل َ‬
‫ل‪ :‬ل داعى للغضب فى‬ ‫وهنا تدخل الخليفة المعز بسماحته وبلغته قائ ً‬
‫المناقشة‪ ،‬لن الحرية مكفولة لكل منكم حتى يعبر كل واحد عن عقيدته‬
‫بصراحة وبل حرج‪ .‬فقال النبا ساويرس بثقة‪ :‬لست أنا الذى أصفكم بالجهل‪،‬‬
‫بل أن نبيا عظيما نال كرامة خاصة من الله هو الشاهد عليكم‪.‬‬
‫ل‪ :‬ومن يكون هذا النبى؟‬ ‫فسأله موسى اليهودى قائ ً‬
‫أجابه النبا ساويرس على الفور‪ :‬أنه أشعياء النبى الذى قال عنكم‪" :‬الثور‬
‫يعرف قانيه‪ ،‬والحمار معلف صاحبه‪ ،‬أما أسرائيل فل يعرف‪ .‬شعبى ليفهم"‬
‫)أش ‪. (3 :1‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فأنفجر الخليفة المعز ضاحكا‪ ،‬إذ أعجب بفطنة النبا ساويرس‪ ،‬وأعجب‬
‫بمهارته فى الحوار‪ .‬ثم سأل الخليفة موسى اليهودى قائل ً ‪ :‬أهذه كلمات‬
‫أشعياء النبى حقا؟‬
‫فكتم موسى اليهودى غيظه‪ ،‬فأجاب بصوت خفيف‪ :‬نعم يامولى‪.‬‬
‫فأستطرد النبا ساويرس فى الكلم قائل ً ‪ :‬ها أن نبيا عظيما من أنبيائكم قد‬
‫أعلن بأن الحيوانات أكثر فهما منكم ‪.‬‬
‫وكان الخليفة ليزال ثمل ً من براعة هذه الدعابة‪ ،‬ورأى أن يكتفى بذلك فى‬
‫تلك الجلسة‪.‬‬
‫)‪ (2‬المؤامرة الخبيثة‪:‬‬
‫كان من أثر تلك المجادلة الحادة أن تضايق الوزير بن كلس للغاية هو ورفيقه‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موسى اليهودى‪ ،‬فقررا النتقام من النبا ابرآم والنبا ساويرس بتدبير مؤامرة‬
‫تقضى على القباط جميعا‪ .‬فأخذ موسى اليهودى يفتش فى النجيل المقدس‬
‫عن شئ يساعده فى تحقيق غرضه الخبيث‪ ،‬فوجد الية المقدسة التى قالها‬
‫رب المجد يسوع المسيح‪" :‬لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون‬
‫لهذا الجبل‪ :‬أنتقل من هنا إلى هناك فينتقل‪ ،‬وليكون شئ غير ممكن لديكم"‬
‫)مت ‪. (20 :17‬‬
‫أسرع موسى اليهودى مع الوزير بن كلس إلى الخليفة المعز وقال له ‪ :‬وجدنا‬
‫فى أنجيل النصارى أنه مكتوب "أن من له إيمان مثل حبة خردل ينقل‬
‫الجبل"‪ .‬فمن حقنا أن نطالبهم بإثبات صحة دينهم بإتمام هذا الكلم‪ ،‬فإن لم‬
‫يستطيعوا وجب عقابهم لبطلن دينهم‪ .‬صمت الخليفة المعز لدين الله‬
‫الفاطمى مفكرا فى هذه الية‪ ،‬ورأى أنه إذا كان كلم النجيل صحيحا فتكون‬
‫فرصة ذهبية لزاحة الجبل الجاثم شرق المدينة الجديدة )القاهرة( حتى يزيد‬
‫عمرانها شرقا‪ ،‬ويكون موقعها أروع إذ كان الجبل قبل نقله على حدود بركة‬
‫الفيل‪ .‬أما إذا عجزوا عن تنفيذ هذا الكلم كان ذلك دليل ً قاطعا على بطلن‬
‫م تحتم إزالة هذا الدين من الوجود‪ .‬أرسل الخليفة المعز‬ ‫دين النصارى‪ ،‬ومن ث َ‬
‫إلى البابا النبا ابرآم السريانى‪ ،‬فحضر اليه وتكلم معه عن أمر هذه الية‪ ،‬وأن‬
‫عليه أن يختار أمرا ً مما يأتى‪:‬‬
‫‪ (1‬إما تنفيذ هذه الوصية ونقل الجبل الشرقى المقطم ‪.‬‬
‫‪ (2‬وإما أعتناق السلم وترك الدين المسيحى لبطلنه ‪.‬‬
‫‪ (3‬وإما ترك البلد المصرية والهجرة إلى أى بلد آخر‪.‬‬
‫‪ (4‬أو البادة بحد السيف‪.‬‬
‫أطرق القديس البطريرك مصليا فى قلبه ليرشده الرب فى هذه المحنة‪ .‬ثم‬
‫طلب من الخليفة أن يمهله ثلثة أيام‪ ،‬ثم يرد عليه جوابا‪.‬‬
‫)‪ (3‬المنادة بصوم واعتكاف‪:‬‬
‫رجع البابا إلى مقره حزينا وأصدر منشورا عاما يأمر فيه جميع المسيحيين‬
‫فى مصر بالصوم ثلثة أيام إلى الغروب‪ ،‬مع أقامة الصلوات الحارة من أجل‬
‫سلمة الكنيسة وأنقاذها من هذه المحنة‪ .‬يا لها بصيرة روحية وحكمة سماوية‬
‫تلك التى تلجأ إلى الله فى الظروف والمحن‪ .‬فما اروع ما تصليه الكنيسة فى‬
‫القداس اللهى قائلة‪" :‬لننا لنعرف آخر سواك‪ .‬أسمك القدوس هو الذى‬
‫نقوله فتحيا نفوسنا بروحك القدوس"‪ .‬بعد ذلك ذهب البابا إلى كنيسة السيدة‬
‫العذراء المعروفة بالمعّلقة وطلب الساقفة الذين كانوا موجودين بمصر‬
‫القديمة والكهنة والراخنة والرهبان‪ ،‬وذكر لهم ما حدث بينه وبين الخليفة‬
‫المعز‪ ،‬وقال لهم‪ :‬علينا بالصوم والصلة هذه اليام الثلثة التى أستمهلته أياها‬
‫ليترأف الله علينا بنعمته ويهئ لنا طريق النجاة‪ .‬أستجاب الجميع لنداء البابا‪،‬‬
‫وصام الشعب القبطى فى طول البلد وعرضها ‪ ،‬وأقيمت القداسات‪ ،‬وُرفَِعت‬
‫الصلوات والطلبات من أجل هذه المحنة التى تجتازها الكنيسة‪ .‬وأعتكف البابا‬
‫النبا ابرآم مع بعض الساقفة والكهنة والرهبان والراخنة بكنيسة السيدة‬
‫العذراء بالمعلقة لمدة هذه اليام الثلثة‪.‬‬
‫‪ (2‬إنقشاع الغمة‬
‫‪ (1‬ظهور السيدة العذراء للبابا‪:‬‬
‫فى فجر اليوم الثالث غفا البابا غفوة قصيرة فرأى خللها السيدة العذراء‪،‬‬
‫ك؟‬‫وسمعها تقول له‪ :‬ماذا ب َ‬
‫ت تعلمين ياسيدة السمائيين والرضيين‪.‬‬ ‫فأجابها البابا‪ :‬أن ِ‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فقالت له‪ :‬لتخف أيها الراعى المين‪ ،‬فإن دموعك التى سكبتها فى هذه‬
‫ت وشعبك لن ُتنسى‪ .‬أخرج‬ ‫الكنيسة مع الصوام والصلوات التى قدمتها أن َ‬
‫الن من الباب الحديدى المؤدى إلى السوق‪ ،‬وعند خروجك منه ستجد أمامك‬
‫رجل ً بعين واحدة‪ ،‬حامل جرة ماء‪ .‬أمسك به لنه الرجل الذى ستتم المعجزة‬
‫على يديه‪.‬‬
‫وما ان قالت السيدة العذراء ذلك حتى توارت عن عيني البابا الذى أستيقظ‬
‫من نومه مندهشا‪.‬‬
‫‪ (2‬مبعوث السماء القديس سمعان‪:‬‬
‫عندما أستيقظ البابا من النوم وخرج فى الحال إلى الباب الحديدى المؤدى‬
‫إلى السوق رأى خارجه الرجل الذى أشارت إليه السيدة العذراء‪ ،‬فأمسك به‬
‫وأدخله داخل الباب الحديدى‪ ،‬ثم أغلق الباب‪ .‬ثم ذكر البابا له ما حدث بينه‬
‫وبين الخليفة‪ ،‬وما أمرته به السيدة العذراء بأنه هو الرجل الذى ستتم على‬
‫يديه المعجزة‪ .‬فقال له القديس سمعان‪ :‬أغفر لى يا أبتى‪ ،‬فأنى رجل‬
‫خاطئ ‪.‬‬
‫فقال له البابا فى أصرار‪ :‬أنه أمر أم النور‪.‬‬
‫فأجاب القديس سمعان فى خضوع وأتضاع‪ :‬مادامت أم النور هى التى‬
‫ى بأن أّودى هذا الواجب العظيم‪ ،‬فأنى أضع نفسى فى خدمتك‬ ‫حكمت عل ّ‬
‫ياسيدى‪ .‬فسأله البابا عن أسمه وعن سبب وجوده فى السوق فى مثل هذه‬
‫الساعة المبكرة‪ ،‬بينما الناس نيام‪ .‬فأجابه القديس سمعان‪ :‬أسمى سمعان‬
‫الخراز‪ .‬وأنا أشتغل بدباغة الجلود‪ ،‬ولكنى أقوم فى مثل هذه الساعة من كل‬
‫صباح لمل قربتى بالماء وأوزعه على الكهول والمرضى الذين أقعدتهم‬
‫الشيخوخة أو المرض عن المقدرة على أحضار الماء لنفسهم‪ .‬وعندما أنتهى‬
‫من خدمتى هذه ُأعيد قربتى إلى البيت وأذهب إلى عملى عند صاحب مصنع‬
‫لجراء‬ ‫الدباغة حيث أعمل حتى المساء‪ ،‬وعند غروب الشمس أخرج مع بقية ا ُ‬
‫فأكل القليل لسد به رمقى ثم أنصرف إلى الصلة‪ .‬ثم رجا القديس سمعان‬
‫من البابا أن يكتم حقيقة أمره طالما هو حى على هذه الرض ‪.‬‬
‫‪ (3‬التجهيزات للمعجزة‪:‬‬
‫بعد أن أنتهى القديس سمعان من حديثه السابق قال للب البطريرك‪ :‬أصعد‬
‫يا أبى المكرم إلى الجبل‪ ،‬وخذ معك رجال الدين والشمامسة والراخنة‪،‬‬
‫وأجعلهم يحملون عاليا الناجيل والصلبان والشموع الطويلة موقدة والمجامر‬
‫مملوءة بخورا‪ ،‬وأطلب إلى الملك وحاشيته أن يصعدوا معكم‪ .‬فتقفوا أنتم‬
‫على ناحية من الجبل‪ ،‬بينما يقفوا هم على الناحية المقابلة لكم‪ ،‬وسأقف أنا‬
‫وسط الشعب خلف غبطتكم بحيث ليعرفنى أحد‪ .‬ثم إنك بعد تقديم السرار‬
‫المقدسة ترفع صوتك مع الجميع مرددين "كيرياليسون" أربعمائة مرة‪ .‬ثم‬
‫أصمت بعد ذلك بعض اللحظات‪ ،‬ثم أسجد أنت والكهنة أمام العلى‪ ،‬وكرر هذا‬
‫العمل ثلث مرات‪ ،‬وفى كل مرة تقف فيها بعد السجود أرسم الجبل بعلمة‬
‫الصليب‪ ،‬وسترى مجد الله‪ .‬فرفع الب البطريرك صلة شكر لله الذى سمح‬
‫بالتجربة‪ ،‬وأعطى معها أيضا المنفذ )‪1‬كو ‪.(13 :10‬‬
‫‪ (3‬المعجزة الخارقة‬
‫‪ (1‬حشد رهيب‪:‬‬
‫أخبر الب البطريرك الخليفة المعز لدين الله الفاطمى أنه مستعد لتنفيذ‬
‫مطلبه بنعمة الله‪ .‬فخرج الخليفة ممتطيا صهوة جواده‪ ،‬ومعه حشد رهيب من‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رجال حاشيته وعظمائه وجنوده‪ .‬وتقابل مع الب البطريرك وعدد كبير من‬
‫الساقفة والكهنة والشمامسة والراخنة والشعب وبينهم القديس سمعان‬
‫الخراز‪ .‬ووقف الفريقان‪ ،‬كما قال القديس سمعان‪ ،‬مقابل بعضهما فوق جبل‬
‫المقطم‪.‬‬
‫‪ (2‬زلزلة عظيمة وأنتقال الجبل‪:‬‬
‫بعد تقديم السرار المقدسة التى رفعها البابا والساقفة ردد المصلون بروح‬
‫منكسرة وقلوب منسحقة صلة "كيرياليسون‪ :‬يارب أرحم" أربعمائة مرة‬
‫شرقا وغربا وشمال وجنوبا‪ ،‬ثم صمتوا برهة بين يدى العلى‪ .‬وأبتدأوا فى‬
‫السجود والقيام ثلث مرات‪ ،‬والب البطريرك يرشم الجبل بالصليب‪ ،‬وإذ‬
‫بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل‪ ،‬وفى كل سجدة يندك الجبل‪ ،‬ومع كل قيام يرتفع‬
‫الجبل إلى أعلى وتظهر الشمس من تحته‪ ،‬ثم يعود إلى مكانه فى كل مرة‪.‬‬
‫إنها قوة اليمان الذى أعلنه معلمنا الرسول بولس إذ قال‪" :‬أستطيع كل شئ‬
‫فى المسيح يسوع الذى يقوينى" )فى ‪(13 :4‬‬
‫‪ (3‬أرتعاب الخليفة والجماهير‪:‬‬
‫عندما حدثت المعجزة فزع الخليفة المعز وأرتعب وكل الجموع المحتشدة‬
‫ل‪ :‬عظيم هو الله‪ ،‬تبارك أسمه‪ .‬وألتمس‬ ‫معه‪ ،‬وهتف المعز بأعلى صوته قائ ً‬
‫من البابا أن يكف عن عمله لئل تنقلب المدينة‪ .‬وعندما هدأت المور قال‬
‫للبابا ‪ :‬لقد أثبتم أن إيمانكم هو إيمان حقيقى‪.‬‬
‫‪ (4‬أختفاء القديس سمعان الخراز‪:‬‬
‫بعد أن هدأت نفوس الجموع المحتشدة بدأوا ينزلون من الجبل ليعودوا إلى‬
‫بيوتهم‪ .‬أما البابا البطريرك فقد تلفت حوله باحثا عن القديس سمعان الخراز‬
‫الذى كان يقف خلفه فلم يجده‪ ،‬ولم يعثر أحد عليه بعد ذلك حتى أظهرته‬
‫نعمة الله فيما بعد كما سنرى‪.‬‬
‫‪ (5‬تسمية الجبل بالمقطم‪:‬‬
‫ى كذلك أى‬‫م َ‬‫س ّ‬
‫تحكى مخطوطة بدير النبا أنطونيوس أن الجبل المقطم ُ‬
‫ً‬
‫المقطم أو المقطع أو المقطب لن سطحه كان متساويا‪ ،‬أى متصل ‪ ،‬فصار‬
‫ثلث قطع‪ ،‬واحدة خلف الخرى‪ ،‬ويفصل بينهم مسافة‪ .‬وتقول قواميس اللغة‬
‫العربية أن كلمة "مقطم" معناها "مقطع"‪.‬‬
‫‪ (4‬نتائج المعجزة‬
‫كان لهذه المعجزة الجبارة عدة نتائج هامة منها ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ (1‬تجديد الكنائس وترميمها ‪:‬‬


‫بعد أن تمت المعجزة أنفرد الخليفة المعز لدين الله الفاطمى بالبابا وقال له‪:‬‬
‫الن أطلب ما تشاء فأفعله لك‪.‬‬
‫فأجاب البابا بحكمة‪ :‬ل أطلب إل أن يطيل الله حياتك ويمنحك النصر على‬
‫أعدائك‪ .‬ولكن الخليفة أصر أن يطلب البابا شيئا‪ .‬فقال البطريرك‪ :‬مادمت‬
‫ك رغبتى فأسمح لى بأن أقول أننى أتوق إلى أعادة‬ ‫ى فى أن أعلن ل َ‬
‫تلح عل ّ‬
‫بناء كنيسة القديس مرقوريوس أبى سيفين ببابيلون )مصر القديمة(‪ ،‬إذ قد‬
‫هدمها بعض السوقة والرعاع وأستعملوا ما بقى منها كمخزن للقصب‪ ،‬وكذلك‬
‫أود ترميم جدران كنيسة المعلقة‪ ،‬إذ أصابها بعض التصدع‪.‬‬
‫وما إن سمع الخليفة هذه الطلبات حتى أمر أحد كتبة الديوان بأن يحرر‬
‫مرسوما فورا يعطى البطريرك الحق فى العمل كما طلب‪ .‬ثم أمر أن‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تصرف النفقات اللزمة من خزانة الدولة‪ .‬أخذ البابا المرسوم الذى يصرح له‬
‫بالبناء والترميم وأعتذر عن أخذ المال‪ ،‬وقال للخليفة‪:‬‬
‫إن الذى نبنى له كنيسة قادر على أن يساعدنا حتى نتممها‪ ،‬وهو غير محتاج‬
‫إلى مال العالم‪ ،‬وأعادوا بناءه‪ .‬إنها حياة القناعة والكتفاء‪.‬‬
‫فالقديس البابا النبا ابرآم لم يطلب من الخليفة أية أمور أو مقتنيات‬
‫شخصية‪ .‬وقد كان تجديد بناء كنيسة مرقوريوس أبى سيفين فاتحة عهد من‬
‫البناء والتجديد‪ ،‬فتجدد عدد كبير من الكنائس وخاصة فى السكندرية‪.‬‬
‫‪ (2‬سلم الكنيسة‪:‬‬
‫كان لمعجزة نقل جبل المقطم أثر عميق فى نفوس الجميع وصارت رهبة‬
‫الله على الكبير والصغير فى الدولة‪ ،‬إذ يسجل التاريخ ذلك بقوله‪" :‬حل‬
‫السلم محل الثورة و الحرب‪ ،‬فأمتل قلب النبا ابرآم طمأنينة على شعبه‬
‫المين"‪ .‬ومن أسباب السلم الذى عم الكنيسة هو ما قيل عن الخليفة نفسه‪.‬‬
‫وهذا يذكرنا بما حدث مع أمبراطور الدولة الرومانية‪ ،‬المبراطور قسطنطين‬
‫الكبير‪ ،‬الذى بعد أن رأى راية الصليب فى منامه وتم له النصر فى معاركه‬
‫آمن بالمسيح‪ .‬ليس شئ عسير على الرب‪ ،‬إذ تستطيع نعمة الله أن تدخل‬
‫إلى بلط الملوك والباطرة وتسبى سبيا وتعطى الناس عطايا‪ ،‬فمعلمنا‬
‫القديس بولس يكتب قائل ً ‪" :‬يسلم عليكم جميع القديسين‪ ،‬ولسيما الذين‬
‫من بيت قيصر" )فى ‪."(22 :4‬‬
‫ونبدأ بقول كاتب السيرة عن يعقوب بن كلس اليهودى الذى كان قد أسلم‬
‫فى عهد كافور الخشيدى وانتهى به الحال إلى الدخول فى خدمة الفاطميين‬
‫بعد فتحهم لمصر‪" :‬ورغم أنه أعتنق السلم إل أنه مازال متعصبا لدينه‬
‫اليهودى‪ ،‬لنه لم يعتنق السلم عن عقيدة بل لجل المنصب‪ .‬وكان هذا‬
‫اليهودى يبغض المسيحيين إلى أقصى درجة‪ ،‬خاصة وأنه كان له خصم‬
‫مسيحى يعزه الخليفة‪ ،‬وكان اليهودى يخشى أن يعينه وزيرا عوضا عنه‪ ،‬وكان‬
‫اسمه "قزمان بن مينا الشهير بأبو اليمن"‪ ،‬فها هنا يقول كاتب سيرة سمعان‬
‫السكافى إن ابن كلس كان وزيرا للمعز لدين الله‪ ،‬وخشى أن يستبدل‬
‫الخليفة الفاطمى به رجل نصرانيا يحل محله فى الوزارة‪ .‬وهذا كله كذب‪،‬‬
‫ببساطة لن ابن كلس لم يكن يوما وزيرا للمعز‪ ،‬بل لبنه العزيز‪ .‬فهذا أول‬
‫ول فى جدران الخرافة المضحكة‪ ،‬وفى أول فقرة منها‪ ،‬وهو ليس بالمعول‬ ‫معْ َ‬
‫ِ‬
‫الضعيف‪ ،‬بل معول مزلزل‪.‬‬
‫الثانية أن راوى الخرافة قد وصف المعز الفاطمى أكثر من مرة بالسماحة‬
‫وسعة الصدر واحترام البطرك وتوقيره‪ ،‬بالضافة إلى أنه‪ ،‬عند الكلم عن‬
‫مجالسه الدينية‪ ،‬قد ركز على اشتراطه عدم الغضب أثناء الجدال بين‬
‫أصحاب الديان المختلفة‪ .‬لكنه ينسى هذا كله فجأة ليقدم للمعز نفسه صورة‬
‫أخرى مخالفة‪ ،‬إذ انتهز ما قاله له ابن كلس عن آية استطاعة المؤمن‬
‫ول على عقد اللقاء الثانى بين‬ ‫النصرانى نقل الجبل من مكانه إذا أراد‪ ،‬وع ّ‬
‫اليهودى والبطرك لستغلله من أجل القضاء على النصارى فى البلد وقَطعْ‬
‫دابرهم‪ .‬كيف يمكن أن يحدث ذلك فى غمضة عين للمعز المتسامح الواسع‬
‫الصدر المحب للعلم والعلماء الموقر لبطرك القباط والذى يفسح فى‬
‫مجالسه للمجادلت الدينية دون غضب أوتعصب‪ ،‬وهو أمر لم يفكر فيه من‬
‫ل ول من بعد ُ حاكم مسلم ل فى مصر ول فى أى بلد إسلمى آخر؟ الواقع‬ ‫قب ُ‬
‫ْ‬
‫دكه عَكل" كما كانت شويكار تنطقها‬ ‫س ّ‬
‫أن هذا أمر ل يصدقه عقل‪ ،‬أو "ل ي ُ َ‬
‫فى بعض أعمالها السخيفة‪ ،‬فطبائع الشخصيات البشرية ل تنقلب بهذه‬
‫السرعة ول بهذه السهولة ول لهذه السباب التافهة‪ ،‬اللهم إل إذا كان صاحب‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معات‪ ،‬وحاشا أن يكون المعز بهذه الضآلة! ل أقول هذا من‬‫الشخصية من ال ّ‬


‫ل َد ُّنى‪ ،‬بل يقوله التاريخ‪ ،‬ويقوله كاتب السيرة نفسه‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫كذلك تقول الحدوتة إن البطرك‪ ،‬حين رجع من عند المعز‪ ،‬أصدر منشورا‬
‫للنصارى جميعا فى عموم البلد أن يصوموا تلك اليام الثلثة التى ضربها‬
‫للخليفة ميعادا لتحقيق المعجزة‪ ،‬بما يعنى أنه ل بد من إعلم النصارى فى‬
‫كل أرجاء مصر بما جاء فى المنشور فى نفس اليوم رغم سعة البلد طول‬
‫وعرضا كما هو معروف‪ .‬والسؤال هو‪ :‬كيف استطاع البطرك فى ذلك الزمن‬
‫الذى كانت المواصلت فيه بدائية وبطيئة أن يوصل منشوره إلى رعيته فى‬
‫ذات اليوم بحيث استطاعوا أن يصوموا اليام الثلثة المطلوبة قبل أن تبدأ‬
‫المواجهة بينه وبين المعز؟ وإلى القارئ ما قاله كاتب الحدوتة بنفسه فى‬
‫هذه النقطة‪" :‬ذهب البابا إلى كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالمعلقة‪،‬‬
‫وطلب الساقفة الذين كانوا موجودين بمصر القديمة والكهنة والراخنة‬
‫والرهبان‪ ،‬وذكر لهم ما حدث بينه وبين الخليفة المعز‪ ،‬وقال لهم‪ :‬علينا‬
‫بالصوم والصلة هذه اليام الثلثة التى أستمهلته أياها‪ ،‬ليترأف الله علينا‬
‫بنعمته ويهئ لنا طريق النجاة‪ .‬أستجاب الجميع لنداء البابا‪ ،‬وصام الشعب‬
‫القبطى فى طول البلد وعرضها‪ ،‬وأقيمت القداسات‪ ،‬وُرفَِعت الصلوات‬
‫والطلبات من أجل هذه المحنة التى تجتازها الكنيسة‪ .‬وأعتكف البابا النبا‬
‫ابرآم مع بعض الساقفة والكهنة والرهبان والراخنة بكنيسة السيدة العذراء‬
‫بالمعّلقة لمدة هذه اليام الثلثة"‪ .‬أما فى الرواية التى أوردها عزت أندراوس‬
‫فى "موسوعة تاريخ أقباط مصر" فإن المر يوغل فى الستحالة إن كان‬
‫للستحالة درجات متفاوتة‪" :‬وعاد البابا إلى منزلة بمصر وأحضر الكهنة‬
‫والراخنة بمصر وجميع الشعب القبطى وعرفهم ما حدث وهو يبكى"‪ .‬أى أن‬
‫البطرك لم يكتف بإرسال المنشور إلى جميع أرجاء البلد‪ ،‬بل أحضر الشعب‬
‫القبطى كله إليه‪ .‬كيف ذلك؟ علمه عند عالم السر وأخفى! أو ربما‬
‫استدعاهم بنقرة من فارة الكمبيوتر فحضروا إليه فى الحال من جميع أنحاء‬
‫الشبكة العنكبوتية وخرجوا من الحاسوب )أو "الكاتوب" كما أفضل أن أقول(‬
‫ددة فى الهواء وهم يستنزلون اللعنات على رأس‬ ‫ملوحين بقبضاتهم المه ّ‬
‫المعز ومن نفضوا بذرة المعز‪ ،‬ويهتفون‪ :‬بالروح‪ ،‬بالدم‪ ،‬نفديك يا إبرام!‬
‫وتمضى الحدوتة فتذكر أن السيدة مريم عليها السلم قد ظهرت للبطرك فى‬
‫المنام‪" :‬فى فجر اليوم الثالث غفا البابا غفوة قصيرة فرأى خللها السيدة‬
‫العذراء‪ ،‬وسمعها تقول له‪ :‬ماذا ب َ‬
‫ك؟‬
‫ت تعلمين ياسيدة السمائيين والرضيين‪.‬‬ ‫فأجابها البابا‪ :‬أن ِ‬
‫فقالت له‪ :‬لتخف أيها الراعى المين‪ ،‬فإن دموعك التى سكبتها فى هذه‬
‫سى‪ .‬أخرج‬ ‫ت وشعبك لن ت ُن ْ َ‬
‫الكنيسة مع الصوام والصلوات التى قدمتها أن َ‬
‫الن من الباب الحديدى المؤدى إلى السوق‪ ،‬وعند خروجك منه ستجد أمامك‬
‫رجل ً بعين واحدة حامل جرة ماء‪ .‬أمسك به لنه الرجل الذى ستتم المعجزة‬
‫على يديه‪.‬‬
‫وما ان قالت السيدة العذراء ذلك حتى توارت عن عيني البابا الذى أستيقظ‬
‫من نومه مندهشا"‪.‬‬
‫ثم إننا نقرأ أيضا فى الحدوتة أن سمعان قد طلب من البطرك أن يذهب‬
‫النصارى إلى الجبل يوم المتحان ويصعدوا هم والمسلمون فيه بحيث يقف‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كل من الفريقين فى جانب‪ .‬المهم أنهم جميعا سيكونون فوق الجبل‪ ،‬وهو ما‬
‫حدث فعل كما ورد فى الحدوتة فى أكثر من موضع‪" :‬أصعد يا أبى المكرم‬
‫إلى الجبل‪ ،‬وخذ معك رجال الدين والشمامسة والراخنة‪ ،‬وأجعلهم يحملون‬
‫عاليا الناجيل والصلبان والشموع الطويلة موقدة والمجامر مملوءة بخورا‪،‬‬
‫وأطلب إلى الملك وحاشيته أن يصعدوا معكم فتقفوا أنتم على ناحية من‬
‫الجبل‪ ،‬بينما يقفوا هم على الناحية المقابلة لكم‪ ،‬وسأقف أنا وسط الشعب‬
‫خلف غبطتكم بحيث ليعرفنى أحد‪ ...‬أخبر الب البطريرك الخليفة المعز‬
‫لدين الله الفاطمى‪ ،‬أنه مستعد لتنفيذ مطلبه بنعمة الله‪ ،‬فخرج الخليفة‬
‫ممتطيا صهوة جواده‪ ،‬ومعه حشد رهيب من رجال حاشيته وعظمائه وجنوده‪،‬‬
‫وتقابل مع الب البطريرك وعدد كبير من الساقفة والكهنة والشمامسة‬
‫والراخنة والشعب وبينهم القديس سمعان الخراز‪ ،‬ووقف الفريقان‪ ،‬كما قال‬
‫القديس سمعان‪ ،‬مقابل بعضهما فوق جبل المقطم"‪ .‬إذن فالفريقان كلهما‬
‫كانا واقفين فوق الجبل‪ ،‬ومع هذا تقول الحدوتة المتخلفة إن الجبل اندك أكثر‬
‫من مرة )وهم بطبيعة الحال فوقه( وأخذ يتراقص تراقصا مرعبا فيصعد كلما‬
‫رفع النصارى رؤوسهم من السجود‪ ،‬ويرجع إلى موضعه من الرض مند ّ‬
‫كا‬
‫حين يعودون فيسجدون‪ ،‬كل ذلك دون أن يتحطموا ويتفتتوا‪ ،‬بل دون أن‬
‫يصيبهم أى أذى على الطلق‪ ،‬أو على القل دون أن يسقط أحد منهم من‬
‫فوق الجبل أثناء هذه اللعيب الكروباتية التى كان يأتيها هذا الجبل العفريت!‬
‫تصوروا!‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وأنكى من ذلك أنهم كانوا يشاهدون الشمس من تحت الجبل كلما ارتفع فى‬
‫الهواء عند قيامهم من السجود‪ .‬أى أنهم كانوا واقفين فوق الجبل‪ ،‬ومع ذلك‬
‫استطاعوا أن ي ََرُوا الشمس من تحت هذا الجبل! أين أنت يا خواجه بيجو كى‬
‫تشق هدومك وتلطم خدودك وتطق عروقك كما كنت تصنع حين يفشر عليك‬
‫أبو لمعة المسكين رغم أن فشره ل يعد شيئا مذكورا جنب هذا التخلف‬
‫العقلى الرهيب الذى ل يصلح معه إل إرسال صاحبه إلى العباسية؟ وهذا نص‬
‫ما جاء فى الحدوتة عن ذلك الموضوع‪" :‬بعد تقديم السرار المقدسة التى‬
‫رفعها البابا والساقفة ردد المصلون بروح منكسرة وقلوب منسحقة صلة‬
‫"كيرياليسون‪ :‬يارب أرحم" أربعمائة مرة شرقا وغربا وشمال وجنوبا‬
‫ى‪ ،‬وأبتدأوا‬‫مدى!(‪ .‬ثم صمتوا برهة بين يدى العل ّ‬ ‫)أربعمائة مرة بحالها؟ يا مح ّ‬
‫فى السجود والقيام ثلث مرات‪ ،‬والب البطريرك يرشم الجبل بالصليب‪ ،‬وإذ‬
‫ك الجبل‪ ،‬ومع كل قيام يرتفع‬ ‫بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل‪ ،‬وفى كل سجدة يند ّ‬
‫الجبل إلى أعلى وتظهر الشمس من تحته‪ ،‬ثم يعود إلى مكانه فى كل مرة"‪.‬‬
‫"ياااا صلاااة النبى" على رأى إسماعيل يس! ولكم‪ ،‬أيها القراء‪ ،‬أن تتصوروا‬
‫ما حدث للخليفة ورجاله وسائر المسلمين بعد هذه المداعبة المتهورة‪ ،‬فقد‬
‫دبر الهّرار(‪" :‬عندما‬‫مص الحمار‪ ،‬ذو ال ّ‬ ‫هَّروا على أنفسهم طبعا )كما يفعل الق ّ‬
‫حدثت المعجزة فزع الخليفة المعز وأرتعب وكل الجموع المحتشدة معه‪،‬‬
‫ل‪ :‬عظيم هو الله‪ ،‬تبارك أسمه‪ .‬وألتمس من‬ ‫وهتف المعز بأعلى صوته قائ ً‬
‫البابا أن يكف عن عمله لئل تنقلب المدينة"‪ .‬عجيبة! أوبعد كل تلك الزلزل‬
‫والندكاكات لم تكن المدينة قد انقلبت؟ ثم إنى كنت أتوقع أن يكون تعليق‬
‫المعز للبطرك هنا هو‪" :‬ماذا تفعل يا رجل يا مجنون؟"‪ ،‬فهذا هو ما يقال فى‬
‫مثل تلك الحالة‪ ،‬لكن مؤلف الحدوتة يفتقر للسف إلى خفة الظل المصرية‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتنتهى هذه الحلقة من المسلسل بقول الراوى يا سادة يا كرام‪" :‬وعندما‬


‫هدأت المور قال للبابا‪ :‬لقد أثبّتم أن إيمانكم هو إيمان حقيقى"‪ .‬هكذا إذن!‬
‫لكن ماذا يكون هذا بالقياس إلى ما أنطقوا به المعز فى رواية أخرى‬
‫للحدوتة‪ ،‬إذ قال‪" :‬محمد ما فيش!"‪ ،‬أى أن دين محمد ل معنى له جنب هذه‬
‫اللعيب الكروباتية! نعم جعلوه يقول‪" :‬محمد ما فيش"‪ ،‬وكأنه خواجا‬
‫إجريجى! ولم ل؟ أليس اسمه بالكامل‪ :‬المعز بن قسطنطين بن كرامانليس؟‬
‫مد ما فيش! إدونى بكشيش‪ ،‬أو‬ ‫ول أدرى لم لم يوردوا كلمه كامل‪ ،‬وهو‪" :‬مه ّ‬
‫شيش‪ ،‬ل نروه ما نجيش!"‪.‬‬ ‫ك ِْرش هَ ِ‬
‫وفى الحدوتة الخرافية أيضا أن المعز كان يهدف‪ ،‬ضمن ما يهدف إليه‪ ،‬من‬
‫امتحان النصارى إلى أنهم إن استطاعوا التيان بالمعجزة فبإمكانه التوسع‬
‫بعمران القاهرة شرقا‪ ،‬إذ كان المقطم يقع شرقى عاصمته عند بركة الفيل‬
‫كما يخّرفون‪ .‬وهذا نص ما قيل‪ُ ،‬أوِرده بحرفه‪" :‬صمت الخليفة المعز لدين‬
‫الله الفاطمى مفكرا فى هذه الية‪ ،‬ورأى أنه إذا كان كلم النجيل صحيحا‬
‫فتكون فرصة ذهبية لزاحة الجبل الجاثم شرق المدينة الجديدة )القاهرة(‬
‫حتى يزيد عمرانها شرقا ويكون موقعها أروع‪ ،‬إذ كان الجبل قبل نقله على‬
‫حدود بركة الفيل"‪ .‬ومعروف أن القاهرة قد بناها المعز فى منطقة الزهر‬
‫والحسين وما جاورها‪ ،‬فبركة الفيل إذن ل تقع شرقها بل إلى ناحية الجنوب‬
‫منها‪ .‬ثم إنه إذا أراد المعز توسيع القاهرة لقد كان عنده الشمال مفتوحا‬
‫تماما‪ ،‬ويستطيع أن يمتد بعمرانه فيه كما يحلو له‪ .‬فهذه غلطة أخرى قاتلة‬
‫تدل على أن المر كله ل يعدو أن يكون خرافة سخيفة ل تليق إل بالعوام‬
‫ومن هم أدنى من العوام‪ .‬ثم لو كان المعز يريد التخلص من النصارى‪ ،‬فهل‬
‫كان هناك ما يمنعه من تنفيذ مخططه مباشرة دون الدخول فى مثل هذه‬
‫المآزق؟ لقد كانت الدولة المصرية آنذاك قوية ل تبالى القوى الجنبية ول‬
‫تعمل لها حسابا‪ ،‬وليس كما هو الحال الن‪ .‬وكان المعز قادرا على أن يصنع‬
‫ما يريد فى هذا السبيل دون أن يعقب عليه معقب أو يقول له‪ :‬ثلث الثلثة‬
‫كم؟ ولدينا ما صنعه حفيده الحاكم بأمر الله حين كان يطلع فى رأسه أن‬
‫ينكل بهذه الطائفة أو تلك‪ ،‬بل أن ينكل بالشعب المصرى كله‪ ،‬فهل كان يلجأ‬
‫إلى مثل تلك المناورات؟ أبدا‪ ،‬بل كان يمضى إلى تنفيذ ما فى ذهنه دون‬
‫رقيب أو حسيب‪ ،‬بغض النظر عن النتائج بطبيعة الحال‪ .‬وهنا نحب أن ننبه‬
‫إلى ما وقع بالنصارى فى عهد الحاكم لقبح سلوكهم وتجبرهم وسوء استغلل‬
‫وأتهم إياها الدولة آنذاك فانقلب الحاكم بأمر‬‫كبارهم للمناصب المهمة التى ب ّ‬
‫الله عليهم ونكل بهم‪ ،‬وإن لم ينفردوا دون سائر الشعب بهذا العسف مع‬
‫ذب ما قالته الخرافة المتخلفة تخلف عقل‬ ‫توفر بواعثه فى حالتهم‪ ،‬وهو ما يك ّ‬
‫من اخترعها من أن وقوع المعجزة كان بدءا لعصر سلم تمتعت فيه الكنيسة‬
‫بالزدهار‪ .‬ذلك أنه لم يمض على المعجزة الكاذبة إل قليل حتى جاء الحاكم‬
‫وأّدب النصارى‪ ،‬وإن لم يكن نصيب المسلمين من عسفه أقل ما وقع‬
‫بالنصارى من تأديب‪ ،‬بل قد يزيد‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ومما روته هذه الخرافة أيضا أن بطلها المسمى‪" :‬سمعان"‪ ،‬والذى يلقب‬
‫مرة بـ"سمعان الخراز"‪ ،‬ومرة بـ"سمعان الدباغ" )وهو اضطراب آخر من‬
‫الضطرابات الكثيرة التى تعج بها الحدوتة السخيفة( كان أعور‪ ،‬إذ كان قد‬
‫فقأ إحدى عينيه‪ .‬لماذا‪ ،‬اسم الله عليه؟ قال‪" :‬قلعتها من أجل وصية الرب‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فعندما نظرت لما ليس لى‪ ،‬فى شهوة‪ ،‬ورأيت أنى ماضى إلى الجحيم‬
‫بسببها‪ ،‬فكرت وقلت‪ :‬الصلح لى أن أمضى من هذه الحياة بعين واحدة إلى‬
‫ة أخرى من‬ ‫المسيح خير من أمضى إلى الجحيم بعينين"‪ .‬وقد فسرت رواي ٌ‬
‫روايات تلك الخرافة ما فعله ذلك المسكين بشىء من التفصيل على النحو‬
‫التالى طبقا لما جاء عند عزت أندراوس فى الهامش رقم ‪ 11‬لتلك الحدوتة‬
‫فى "موسوعة تاريخ أقباط مصر"‪ ،‬إذ كتب قائل‪" :‬عندما كان سمعان يقوم‬
‫بعمله كإسكافى أتت إليه امرأه لتصلح نعل رجلها )خذوا بالكم والنبى من‬
‫"نعل رجلها" هذه‪ ،‬وكأن هناك نعل لليد‪ ،‬وآخر للرأس‪ ،‬وثالثا للنف‪ ،‬ورابعا‬
‫للذن‪ ...‬وهلم جرا(‪ ،‬وكانت جميلة الصورة ‪ ،‬وعندما خلعت نعلها نظر إلى‬
‫ساقها فنظرت عيناه إليها بشهوة‪ ،‬فأّنبته نفسه فضرب المخراز فى إحدى‬
‫عينيه فأفرغها تنفيذا لوصية الرب‪" :‬إن كانت عينك اليمنى ت ُعِْثرك فاقلعها‬
‫قى جسدك كله فى نار جهنم"‬ ‫عنك‪ ،‬لنه خير لك أن ي َهِْلك أحد أعضائك ول ي ُل ْ َ‬
‫) مت ‪ ...(29 -28 :5‬قد يقال أن سمعان الخراز تصرف بطريقة حرفيه‪ ،‬إل‬
‫أن هذا ل تنقص من قداسته لبساطته وإخلصه وامانته فى تنفيذ هذه الوصية‪.‬‬
‫كما أنه برهن على طهارته ونقاوة قلبه ورفضه للخطية التى تمكنت منه فى‬
‫لحظه ضعف‪ .‬كما أنه لم ينظر إلى المرأه بعين واحده وإنما الثنين‪ .‬فإنه أرد‬
‫أن يعاقب نفسه على هذه النظرة الشريره التى إقتربت من الشهوة إلى حد‬
‫أنها أصبحت فى حد ذاتها شهوة"‪.‬‬
‫لكن فات سمعان والذين يقدسون سمعان‪ ،‬وهم بطبيعة الحال أحرار فى‬
‫ذلك‪ ،‬أنه هو أو أى إنسان فى العالم عندما ينظر إلى شىء أو شخص فإنه‬
‫ينظر إليه بعينيه الثنتين ل بعين واحدة‪ ،‬فكيف اكتفى بقلع واحدة ولم يشفعها‬
‫ذب ولو نصف تعذيب؟ كذلك‬ ‫بالخرى حتى يتأكد أنه لن يذهب إلى الجحيم ويع ّ‬
‫من غير الممكن أن تكون هذه هى المرة الوحيدة التى رأى فيها امرأة جميلة‬
‫وتحركت نفسه إليها‪ ،‬وإل ما كان بشرا سويا‪ ،‬وهو ما يكذبه تطلعه إلى قدم‬
‫المرأة كما جاء فى تلك الخرافة‪ .‬فلماذا لم يمض على سنته فيقلع العين‬
‫الثانية بعد ذلك ما دام لم يقلعها أول مرة فيريح ويستريح؟ ثم لماذا لم يذهب‬
‫فى ذات التجاه فيصلم أذنيه ويصب فيهما الُنك كيل يسمع صوتا أنثويا رقيقا‬
‫أو مغناجا فيتطاول قلبه وتكون كارثة أخرى؟ ثم لماذا لم يستمر على نفس‬
‫المنوال فيجدع أنفه ويسد فتحتيه بما يمتنع معه أن يشم عطر امرأة فواح‬
‫يحرك أوتار خياله ونجد أنفسنا أمام كائنة أخرى من تلك الكوائن التى تؤدى‬
‫بصاحبها إلى جهنم‪ ،‬والعياذ بالله؟ ثم إن الخرافة المضحكة قد نسيت أن‬
‫جل" التى تسببت فى هذه الكارثة‪.‬‬ ‫تقول لنا ماذا فعلت المرأة صاحبة "الّر ْ‬
‫ذلك أننى أتصورها‪ ،‬حين رأت ما صنعه هذا المجنون‪ ،‬قد لطمت ورَقعت‬
‫حّيانى على عادة نساء مصر فى مثل تلك المواقف حتى تكأكا‬ ‫بالصوت ال َ‬
‫دب وصوب‪ ،‬وهى ل تكف عن الصياح واللطم‬ ‫ح َ‬
‫حولها خلق الله من كل َ‬
‫سْلو المصريات!(‪ ،‬وكانت حكاية شغلت الصحافة وبقية‬ ‫والعويل )فهكذا ِ‬
‫وسائل العلم العام بطوله! وبالمناسبة فل يمكن أن تكون قدمها إل قدما‬
‫قشفة‪ ،‬وإل فما الذى ينتظره النسان من امرأة تذهب إلى السكافى ليصلح‬
‫لها نعلها الذى ل تملك غيره؟ ترى ما الذى كان قمينا أن يحدث لو كانت‬
‫المرأة سيدة مترفة ذات قدم بضة مضيئة؟ ل أظن إل أن سمعان الورع‬
‫خ بها رأسه ضمانا للنجاة‪،‬‬ ‫التقى كان سيسرع حينئذ إلى أقرب طبنجة ويط ّ‬
‫دق مع ذلك بأنه نجا!‬ ‫وهو ل يكاد يص ّ‬
‫ثم إنى أتساءل‪ :‬كيف يا ترى يقال رغم هذا إن النصرانية هى ديانة الرحمة‬
‫صْلبه البشرية من خطاياها؟ فإذا كان‬ ‫دى بدمه و َ‬ ‫والخلص‪ ،‬وإن المسيح قد فَ َ‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا هو السلوك المنتظر من المؤمنين بالمسيح إذا أرادوا نجاةً من نيران‬


‫الجحيم طبقا لما وصاهم به هو نفسه‪ ،‬فما فائدة نزوله إذن من علياء ألوهيته‬
‫أو ألوهية أبيه السماوى إلى دنيانا هذه بنت الجزمة القديمة؟ وفيم كانت كل‬
‫تلك الدراما الرهيبة من قبض عليه وصلب له وقتل إياه؟ أَوطلع هذا كله على‬
‫م مكايدة النصارى إذن لغير النصارى وتحنيسهم إياهم بأنهم ليس‬ ‫الفاضى؟ فل ِ َ‬
‫لهم مسيح يفديهم كما لهم هم مسيح يفديهم ويخلصهم من خطيئتهم الولى‬
‫ويدخلهم ملكوت السماوات ما دامت المسألة فى نهاية المطاف سترسو‬
‫على قلع العين وصلم الذان وجدع الناف تجنيا لهوال جهنم‪ ،‬وهو ما ل‬
‫وجود له ول لفيمتو واحد منه فى دين محمد؟ والعجيب أن شريعة التوراة‬
‫حْرفية والمظهرية والنفاق‬‫الموسومة بالقسوة والوحشية والمت َّهم أصحابها بال َ‬
‫تخلو من مثل هذه الوصية الكارثية‪ ،‬فهل هذه هى الرحمة التى جاءت بها‬
‫شريعة النجيل؟‬

‫)‪(7 /‬‬

‫أما شريعة محمد‪ ،‬الذى يتخذه الوغاد غرضا لشتائمهم وبذاءاتهم ويريد بعض‬
‫الناس أن نسكت على شتمه ول نرد عنه قلة الدب والصياعة الجرامية‪ ،‬فإن‬
‫لها رأيا آخر هو الحكمة كلها‪ ،‬والفقه كله‪ ،‬والعطف كله‪ .‬جاء فى صحيح مسلم‬
‫ب على ابن آدم نصيبه من الزنا‪ ،‬مدرك ذلك ل محالة‪ :‬فالعينان‬ ‫مثل‪" :‬ك ُت ِ َ‬
‫زناهما النظر‪ ،‬والذنان زناهما الستماع‪ ،‬واللسان زناه الكلم‪ ،‬واليد زناها‬
‫دق ذلك الفرج‬ ‫خ َ‬
‫طا‪ ،‬والقلب يهوى ويتمنى‪ .‬ويص ّ‬ ‫البطش‪ ،‬والرجل زناها ال ُ‬
‫ذبه"‪ ،‬وفى رواية ثانية‪" :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬إن الله كتب‬ ‫ويك ّ‬
‫على ابن آدم حظه من الزنا‪ ،‬أدرك ذلك ل محالة‪ :‬فزنا العينين النظر‪ ،‬وزنا‬
‫دق ذلك أو يك ّ‬
‫ذبه"‪.‬‬ ‫اللسان النطق‪ ،‬والنفس تمّنى وتشتهي‪ .‬والفرج يص ّ‬
‫و بطبيعة الحال فإن الرسول عليه السلم ل يشجع هنا على التساهل‪ ،‬بل‬
‫يعصم النفوس من اليأس إن حسبت أنها يمكن أن تعلو تماما عن مطالب‬
‫الجسد وشهواته وكأنها ملئكة نورانية ل غرائز عندها ول تطلعات إلى متاع‬
‫الحياة‪ ،‬ثم تفاجأ بأن ذلك مستحيل تماما مما يدفعها إلى الوقوع فى حمأة‬
‫الثم والتخبط فى شباكه ما دام ليس ثمة أمل من وراء الجهود المتلحقة‬
‫والحرمانات المتصلة‪ .‬وهل هناك شخص يستطيع أن يزعم صادقا أنه قد نجح‬
‫تمام النجاح فى أل ينظر إلى امرأة فاتنة أو يسمع صوتا جميل أو يشم عطرا‬
‫فواحا طوال حياته‪ ،‬أو أنه نظر وسمع وشم ولم يكن لهذا أى تأثير فى نفسه‬
‫على الطلق؟ إنه إذن لكذب الكذابين وأشد المنافقين نفاقا والتواء! والعبرة‬
‫على أى حال فى أل يستجيب لصوت الشهوة أو ينساق معه‪ ،‬بل يوقفه بكل‬
‫ما عنده من جهد‪ .‬والبشر متفاوتون فى هذا الجهد‪ :‬فمنهم من يتوقف سريعا‬
‫فل يمضى بعيدا فى خيالته‪ ،‬ومنهم من يضعف فيترك لخواطره العنان‪،‬‬
‫ومنهم من قد يمضى إلى ما هو أبعد من ذلك‪ .‬وهذا ما نشاهده حولنا دون‬
‫حذلقات ماسخة‪ .‬وباب التوبة مفتوح دائما أبدا‪ ،‬والله يغفر الذنوب جميعا‬
‫مهما غلظت وضخمت ما دام مجترحها يشعر بخطئه ويندم عليه ويعمل بكل‬
‫وسعه على عدم المعاودة حتى لو تكرر وقوعه بعد ذلك فى الذنب‪ .‬فالمهم‬
‫أن يظل الضمير يقظا وأل يستسلم صاحبه للثام فيجترحها على أنها أمٌر‬
‫عادىّ ل يستوجب الشعور بالذنب والخجل‪ .‬فهذا أفضل من سد بيبان العفو‬
‫والغفران وتيئيس الناس ودفعهم دفعا إلى الثام والخطايا بإيهامهم أن‬
‫ل عن المغفرة‪ ،‬مع أنه سبحانه قد تكفل بغفران الذنوب جميعا‪.‬‬ ‫سيئاتهم تج ّ‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعجيب أن نرى السيد المسيح عليه السلم يتشدد كل هذا التشدد فى‬
‫الوقت الذى لم تكن ذنوب أنبياء العهد القديم أنفسهم هى اجتراح الذنوب‬
‫البسيطة من عّينة النظر إلى ساق امرأة قشفة مثل ل تثير شهوة صرصور‪،‬‬
‫بل منهم من زنى‪ ،‬ومنهم من دّلس‪ ،‬ومنهم من حقد‪ ،‬ومنهم من قتل بضمير‬
‫بارد وإجرام متوحش ل يعرف الندم‪ ،‬ومنهم من أعان زوجاته على عبادة‬
‫الصنام‪ ،‬مما تعد معه نظرة سمعان المسكين إلى ساق المرأة الجلفة حسنة‬
‫من الحسنات تكفل لصاحبها مقعدا فى البريمو بملكوت السماء!‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ه‬ ‫فى ضوء هذا نقرأ النصوص التالية من العهد الجديد‪27»" :‬قَد سمعت َ‬
‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫ل من ينظ ُر إَلى امرأةَ‬
‫ْ َ ٍ‬ ‫ن كُ ّ َ ْ َ ْ ُ ِ‬ ‫م‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ما أ ََنا فَأ َُقو ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪28 .‬وَأ ّ‬ ‫ماِء‪ :‬ل َ ت َْز ِ‬ ‫قد َ َ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫ِقي َ‬
‫َ‬
‫مَنى ت ُعْث ُِرك َفاقْلعَْها‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت عَي ْن ُك الي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن كان َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‪29 .‬فَإ ِ ْ‬ ‫ْ‬
‫قد ْ َزَنى ب َِها ِفي قَلب ِ ِ‬ ‫شت َهِي ََها‪ ،‬فَ َ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ِفي‬ ‫سد ُك كل ُ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫قى َ‬ ‫ضائ ِك وَل ي ُل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حد ُ أعْ َ‬ ‫ن ي َهْل ِك أ َ‬ ‫َ‬ ‫خي ٌْر لك أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫قَها عَن ْك‪ ،‬لن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫وَأل ْ ِ‬
‫خير ل َ َ َ‬ ‫قها عَن ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كأ ْ‬ ‫ه َ ٌْ‬ ‫ك‪ ،‬لن ّ ُ‬ ‫ك َفاقْط َعَْها وَأل ْ ِ َ‬ ‫مَنى ت ُعْث ُِر َ‬ ‫ك ال ْي ُ ْ‬ ‫ت ي َد ُ َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م‪30 .‬وَإ ِ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن أعْث ََرت ْكَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م" )متى‪8" .(5 /‬فإ ِ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫سد ُك كل ُ‬ ‫ج َ‬ ‫قى َ‬ ‫ضائ ِك وَل ي ُل َ‬ ‫حد ُ أعْ َ‬ ‫ي َهْل ِك أ َ‬
‫عَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يد َ َ‬
‫ج أوْ أقط َ‬ ‫حَياة َ أعَْر َ‬ ‫خل ال َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫خي ٌْر لك أ ْ‬ ‫قَها عَن ْك‪َ .‬‬ ‫جلك فاقطعَْها وَأل ِ‬ ‫ك أوْ رِ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن أعْثَرت ْك عَي ْن ُك فاقلعَْها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪9 .‬وَإ ِ ْ‬ ‫جل ِ‬ ‫ن أوْ ر ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫قى ِفي الّنارِ الب َدِي ّةِ وَلك ي َ َ‬ ‫ن ت ُل َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫جهَن ّم ِ الّنارِ وَل َ َ‬ ‫في‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ل ال ْحياة َ أ َعْور ِمن أ َ‬ ‫َ‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ََ ِ ْ ْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ ْ ُ‬ ‫َ ٌْ‬ ‫وَ ِ َ َ ْ‬
‫ن‬‫ع‬ ‫ها‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫أ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حَياةَ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َ َ‬ ‫ك َفاقْط َعَْها‪َ .‬‬ ‫ك ي َد ُ َ‬ ‫ن أعْث ََرت ْ َ‬ ‫ن" )متى‪43" .(18 /‬وَإ ِ ْ‬ ‫عَي َْنا ِ‬
‫فأ‪ُ.‬‬ ‫م‪ ،‬إ َِلى الّنارِ ال ِّتي ل َ ت ُط ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫ي إ َِلى َ‬ ‫َ‬ ‫ض‬ ‫م ِ‬ ‫ن وَت َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫دا‬ ‫ك يَ َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫أقْط َعَ ِ‬
‫م‬
‫ن أ َعْث ََرت ْ َ‬ ‫‪44‬حيث دودهم ل َ يموت والنار ل َ تط ْ َ ُ‬
‫خي ٌْر‬ ‫ك َفاقْط َعَْها‪َ .‬‬ ‫جل ُ َ‬ ‫ك رِ ْ‬ ‫فأ‪45 .‬وَإ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُ َ ّ ُ‬ ‫َ ْ ُ ُ ُ ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ َ‬
‫م ِفي الّناِر‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫ن وَت ُطَر َ‬ ‫جل َ ِ‬ ‫ك رِ ْ‬ ‫نل َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫حَياة َ أعَْر َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫كأ ْ‬
‫ك عَي ْن ُ َ‬ ‫ن أ َعْث ََرت ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ت َوالّناُر ل َ ت ُط ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ال ِّتي ل َ ت ُط ْ َ‬
‫ك‬ ‫فأ‪47 .‬وَإ ِ ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫م ل َ يَ ُ‬ ‫ث ُدود ُهُ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫فأ‪َ 46 .‬‬
‫كوت الله أ َعْور م َ‬ ‫خير ل َ َ َ‬
‫ح‬‫ن وَت ُط َْر َ‬ ‫ك عَي َْنا ِ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ََ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫مل َ ُ َ‬ ‫ل َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َفاقْل َعَْها‪ٌ ْ َ .‬‬
‫ُ‬ ‫ت َوالّناُر ل َ ت ُط ْ َ‬
‫فأ" )مرقس‪ .(9 /‬وأترك‬ ‫مو ُ‬ ‫م ل َ يَ ُ‬ ‫ث ُدود ُهُ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫م الّناِر‪َ 48 .‬‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ِفي َ‬
‫القارئ الن ليقارن بين كلم وكلم ويرى بنفسه ولنفسه الفرق بين مثاليات‬
‫ط لنا فيها الغبية مارى‬ ‫ها"‪ ،‬حتى ل تن ّ‬ ‫متشنجة ل تؤكل عيشا )ول "جاتو ً‬
‫أنطوانيت زوجة لويس السادس عشر!( ول تؤدى بمّتبعها إلى شىء‪ ،‬اللهم إل‬
‫الكوارث أو الكذب والتشدق بما ل يستطيعه هو أو سواه‪ ،‬وبين تشريع‬
‫إنسانى يلئم بين سمو المثالية وضغط الواقع الذى ل يمكن الفلت تمام‬
‫الفلت منه‪ ،‬ويعرف من ثم أن شريعة محمد هى الشريعة الجدر بالقبول‬
‫لدى كل من عنده نظر فى عينيه‪ ،‬وعقل فى رأسه يفكر به ويعرف خلصه‪،‬‬
‫وإل فلم تكن الجعجعة بقادرة يوما على أن تبّلغ صاحبها أى شىء!‬
‫كر النفوس ويدغدغ المشاعر‪،‬‬ ‫س ِ‬ ‫أل ما أسهل الكلم الجميل المنمق الذى ي ُ ْ‬
‫لكنه عند التطبيق ل ينجلى عن أى طائل‪ .‬وما هكذا تساس أمور البشر‪ ،‬بل‬
‫السياسة السليمة هى التى تدفعنا فى طريق النجاة ولو خطوات بدل من أن‬
‫نظل نراوح أماكننا ونحن نهتف بالشعارات المثالية الباعثة مع ذلك على‬
‫الضحك والمنتهية سريعا إلى اليأس والحباط! ترى هل من المستطاع مثل‬
‫الحفاظ على أثوابنا من التساخ والعرق مهما اجتهدنا وبذلنا كل ما لدينا من‬
‫وسع لتقاء البقع والغبار والطين ورائحة إفرازات الجسد؟ إن هذا‪ ،‬بطبيعة‬
‫الحال‪ ،‬أمر غير ممكن‪ ،‬وكل ما نستطيعه هو أن نغير دائما ملبسنا كلما‬
‫اتسخت ول نبقيها على أجسامنا بما تؤذى به العين من قذارة‪ ،‬والنف من‬
‫نتانة‪ ،‬عارفين أن ذلك لن يضع حدا لتلك القذارة ول لتلك النتانة‪ ،‬وأنهما‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫متكررتان ل محالة مما يستلزم تغيير الملبس من جديد والتخلص من‬


‫القذارة والرائحة المزعجة‪ ...‬وهكذا دواليك‪ .‬وبالمثل ل يمكن أن يتقى‬
‫النسان الخطاء الخلقية تماما وفى كل الوقات والظروف‪ .‬إن كثيرا من‬
‫المنتمين إلى السلم مثل ل يزنون ول يسرقون ول يتعاطون الخمور‪،‬‬
‫جون ويؤدون واجبهم فى الحياة ويتقنون أعمالهم‬ ‫ويصلون ويزكون ويح ّ‬
‫ويسعون فى طلب العلم ‪ ،...‬لكن هذا شىء‪ ،‬والزعم بأن هؤلء وأمثالهم ل‬
‫يقعون فى أية صغائر على الطلق شىء آخر تكذبه طبيعة الحياة ومنطق‬
‫الواقع وما نعرفه من محدودية الطاقة الخلقية عند بنى النسان رغم قدرتها‬
‫مع ذلك على التحليق فى عُل َْيا السماوات فى كثير من الحالت!‬

‫)‪(9 /‬‬

‫طما" لنه‬ ‫ومن التدليس النئ المفضوح قولهم إن المقطم إنما سمى‪" :‬مق ّ‬
‫فى هذه المعجزة قد تقطم‪ ،‬أى تقطع قِط ًَعا‪" :‬تحكى مخطوطة بدير النبا‬
‫طع أو‬‫طم أو المق ّ‬ ‫مى كذلك‪ ،‬أى المق ّ‬
‫س ّ َ‬
‫أنطونيوس أن الجبل المقطم ُ‬
‫ً‬
‫طب‪ ،‬لن سطحه كان متساويا أى متصل‪ ،‬فصار ثلث قطع‪ ،‬واحدة خلف‬ ‫المق ّ‬
‫لخرى‪ ،‬ويفصل بينهم مسافة‪ .‬وتقول قواميس اللغة العربية أن كلمة‬ ‫ا ُ‬
‫"مقطم" معناها "مقطع"‪ ."...‬وها هنا عدة أمور‪ :‬أولها هل تقطع الجبل؟ أم‬
‫هل انتقل من مكانه؟ أم هل بقى على حاله الولى؟ لن ُعِد ْ قراءة ما قالته‬
‫الحدوتة فى هذا الصدد‪" :‬بعد تقديم السرار المقدسة التى رفعها البابا‬
‫والساقفة ردد المصلون بروح منكسرة وقلوب منسحقة صلة "كيرياليسون‪:‬‬
‫يارب أرحم" أربعمائة مرة شرقا وغربا وشمال وجنوبا‪ ،‬ثم صمتوا برهة بين‬
‫يدى العلى‪ .‬وأبتدأوا فى السجود والقيام ثلث مرات‪ ،‬والب البطريرك يرشم‬
‫الجبل بالصليب‪ ،‬وإذ بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل‪ ،‬وفى كل سجدة يندك‬
‫الجبل‪ ،‬ومع كل قيام يرتفع الجبل إلى أعلى وتظهرالشمس من تحته‪ ،‬ثم‬
‫يعود إلى مكانه فى كل مرة‪ .‬إنها قوة اليمان الذى أعلنه معلمنا الرسول‬
‫بولس إذ قال‪" :‬أستطيع كل شئ فى المسيح يسوع الذى يقوينى" )فى ‪: 4‬‬
‫‪ .(13‬عندما حدثت المعجزة فزع الخليفة المعز وأرتعب وكل الجموع‬
‫ل‪ :‬عظيم هو الله‪ ،‬تبارك أسمه‪.‬‬ ‫المحتشدة معه‪ ،‬وهتف المعز بأعلى صوته قائ ً‬
‫وألتمس من البابا أن يكف عن عمله لئل تنقلب المدينة‪ .‬وعندما هدأت المور‬
‫قال للبابا‪ :‬لقد أثبتم أن إيمانكم هو إيمان حقيقى‪ .‬بعد أن هدأت نفوس‬
‫الجموع المحتشدة بدأوا ينزلون من الجبل ليعودوا إلى بيوتهم‪ .‬أما البابا‬
‫البطريرك فقد تلفت حوله باحثا عن القديس سمعان الخراز الذى كان يقف‬
‫خلفه فلم يجده ولم يعثر أحد عليه بعد ذلك حتى أظهرته نعمة الله فيما بعد‬
‫ى‬
‫م َ‬‫س ّ‬‫كما سنرى‪ .‬تحكى مخطوطة بدير النبا أنطونيوس أن الجبل المقطم ُ‬
‫كذلك‪ ،‬أى المقطم أو المقطع أو المقطب لن سطحه كان متساويا‪ ،‬أى‬
‫لخرى‪ ،‬ويفصل بينهم مسافة‪ .‬وتقول‬ ‫ل‪ ،‬فصار ثلث قطع‪ ،‬واحدة خلف ا ُ‬ ‫متص ً‬
‫قواميس اللغة العربية أن كلمة "مقطم" معناها "مقطع"‪."...‬‬
‫ومعنى السطور الثلثة الخيرة أن الجبل لم يكن اسمه سابقا‪" :‬المقطم" لنه‬
‫ن من الواضح أن كل ما حدث‪ ،‬حسبما‬ ‫لم يكن قد انقطم قبل تلك الواقعة‪ .‬لك ْ‬
‫تقول الخرافة المضحكة‪ ،‬هو أن الجبل قد ارتفع وهبط عدة مرات‪ ،‬والناس‬
‫فوقه إلى آخر لحظة كما قلنا‪ ،‬ثم ل شىء آخر‪ ،‬إذ ل تذكر الحدوتة من قريب‬
‫أو من بعيد أنه قد تقطع البتة أو انتقل من موضعه‪ ،‬وهو ما يعنى أن التفسير‬
‫المقدم هنا لكلمة "المقطم"‪ ،‬وهو حصول المعجزة‪ ،‬ليس سوى كلم فارغ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم إذا عرفنا أن هذا الجبل كان معروفا عند العرب بهذا السم قبل ذلك‬
‫بوقت طويل كان هذا دليل آخر على كذب الحدوتة‪ .‬وهذه بعض الشواهد على‬
‫خَرْيم‬
‫ذلك من شعر العرب ونثرهم قبل عصر الفاطميين‪ :‬يقول أيمن بن ُ‬
‫السدى )ت ‪ 80‬هـ(‪:‬‬
‫دا‬
‫ري َ‬
‫ن الب َ ِ‬‫مْرَوا َ‬‫ن َ‬ ‫شرِ ب ْ ِ‬ ‫ماَدى إ َِلى ب ِ ْ‬ ‫ج َ‬‫قط ّم ِ ِفي ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫َرك ِب ْ ُ‬
‫يقصد أنه سافر من مصر حيث كان عبد العزيز بن مروان واليا‪ ،‬إلى العراق‬
‫الذى كان يتوله أخوه بشر‪ .‬ويقول ك ُث َّير عزة )‪105 -40‬هـ(‪:‬‬
‫ب ال ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫كب َ‬
‫مقطم ِ‬ ‫هضا َ‬ ‫سَرى ِ‬ ‫م عاب ِد ٍ ب ِأركاِنها الي ُ ْ‬ ‫ن أعل َ‬ ‫ت َُعاِلي وََقد ن ُ ّ َ‬
‫ويقول منصور بن إسماعيل الفقيه )ت ‪306‬هـ( فى الثناء على الشافعى‬
‫وعلمه‪:‬‬
‫دفون في ت ُْرِبه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫قطم َوال َ‬ ‫م َ‬‫م ال ُ‬ ‫مها ن ِعْ َ‬
‫أضحى بمصر دفيًنا في مقط ِ‬
‫معَّلى الطائى )وهو من أهل القرنين الثانى والثالث الهجريين( فى‬ ‫ويقول ُ‬
‫صف‪ ،‬وكان يحبها حبا شديدا فماتت ودفنت فى المقطم‪:‬‬ ‫رثاء جاريته وَ ْ‬
‫ت بها‬ ‫خّليِتني فَْرًدا وب ِن ْ ِ‬ ‫َ‬
‫دث‬ ‫ج َ‬ ‫ْ‬
‫فَت ََركُتها بالّرغم في ‪َ ii‬‬ ‫ْ‬
‫دون المقطم ل ‪ii‬ألّبسها‬
‫مظ ِْلم ِ‬
‫ة‬ ‫سك َْنتها في قَْعر ‪ُ ii‬‬ ‫أ ْ‬
‫حد ٌ ‪...‬‬ ‫بيتا إذا ما زاره ‪ii‬أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ك حافل ‪ii‬وكفا‬ ‫ُ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫كن‬ ‫ما‬ ‫‪...‬‬
‫سفا‬ ‫سف ت ُْرَبه ‪ii‬ن َ ْ‬ ‫للّريح ي َن ْ ِ‬
‫شْنفا‬ ‫طا ول ‪َ ii‬‬ ‫من زينةٍ قُْر ً‬
‫قفا‬ ‫بيًتا ُيصاِفح ت ُْرُبه ‪ii‬الس ْ‬
‫صفا‬ ‫دي الب َِلى ‪ii‬عَ ْ‬ ‫ت به أي ْ ِ‬ ‫ف ْ‬‫ص َ‬‫عَ َ‬

‫)‪(10 /‬‬

‫وجاء فى "فتوح الشام" للواقدى )‪ 207 -130‬هـ(‪" :‬كان عمرو )بن‬


‫العاص(‪ ...‬يقول‪ :‬ل والذي نجاني من القبط‪ .‬قال‪ :‬وعاد الرسول وأخبر الملك‬
‫بما قاله عمرو‪ ،‬فعند ذلك قال‪ :‬أريد أن أدبر حيلة أدهمهم بها‪ ،‬فقال الوزير‪:‬‬
‫اعلم أيها الملك أن القوم متيقظون لنفسهم ل يكاد أحد أن يصل إليهم‬
‫بحيلة‪ ،‬ولكن بلغني أن القوم لهم يوم في الجمعة يعظمونه كتعظيمنا يوم‬
‫من لهم كمينا مما‬‫الحد‪ ،‬وهو عندهم يوم عظيم‪ ،‬وأرى لهم من الرأي أن ت ُك ْ ِ‬
‫يلي الجبل المقطم‪ .‬فإذا دخلوا في صلتهم يأتي إليهم الكمين ويضع فيهم‬
‫خَلع التي وجهها إليهم ابن المقوقس ففرقها خالد‬ ‫السيف"‪" ،‬ووجدنا معهما ال ِ‬
‫دم القوم‪ ،‬فأعطاها رفاعة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لمق‬ ‫وكانت‬ ‫ية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫سن‬ ‫خل ْعَ ٌ‬
‫ة‬ ‫على المسلمين وفيها ِ‬
‫وساروا حتى قربوا من الجبل المقطم فرأوا جيش القبط‪ ،‬فأرسل خالد رجل ً‬
‫من قَِبله‪ ،‬وهو نصر بن ثابت‪ ،‬وقال له‪ :‬امض إلى هذا الملك وقل له‪ :‬إن‬
‫العرب أصحاب مدين قد أتوا لنصرتك"‪" ،‬فلما رفعت رأسي قال لي الوزير‪:‬‬
‫صل أصحابك إلى نصرة الملك؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬وهاهم في دير‬ ‫َ‬
‫يا أخا العرب‪ ،‬أوَ َ‬
‫دين َوَرِىّ )‪ 286 -213‬هـ( عن‬ ‫الجبل المقطم"‪ .‬وفى "المعارف" لبن قُت َي َْبة ال ّ‬
‫عمرو بن العاص‪" :‬وقُِبض وهو ابن ثلث وسبعين سنة فدفن يوم الفطر بحبل‬
‫المقطم في ناحية الفخ"‪ .‬وبالمثل ورد هذا السم عند مؤرخنا الكندى )ت‬
‫‪ 350‬هـ‪ ،‬أى قبل وقوع المعجزة المزعومة بسبعة عشر عاما( فى المحاورة‬
‫التى أوردها بين عمرو بن العاص والمقوقس قائل إن عمرو بن العاص‪ ،‬رضي‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عنه‪ ،‬سار في سفح المقطم ومعه المقوقس‪ ،‬فقال له عمرو‪ :‬ما بال‬
‫جبلكم هذا أقرع ليس عليه نبات كجبال الشام؟‪ ...‬إلى آخر الحوار‪.‬‬
‫وبالمناسبة فهناك "مقطم" آخر فى فلسطين يقع قرب قرية بيت عنان وبيت‬
‫ى آخر وراء انشقاقه هو أيضا ثلث قطع؟‬ ‫ن إسكاف ّ‬
‫لقيا‪ ،‬فهل كان هناك سمعا ٌ‬
‫عفوك اللهم!‬
‫هذا من ناحية النص وحده دون الرجوع إلى شىء خارج النص‪ ،‬فإذا ما وسعنا‬
‫الدائرة ورجعنا إلى كتب التاريخ وغيرها من الكتب هالنا المر واكتشفنا أن‬
‫ملفق هذه الحدوتة هو رجل مخرف العقل ل فهم لديه ول معرفة له بفن‬
‫التأليف‪ ،‬وإل لقد كان ينبغى أن يفكر قليل قبل أن يكتب ما كتب‪ ،‬أو على‬
‫القل كان عليه أن يراجعه قبل أن يذيعه فى الناس حتى ل تكون فضيحة‬
‫بجلجل! كيف ذلك؟ نبدأ بقوله عن ابن كلس إنه كان وزيرا للمعز‪ .‬وذلك‬
‫كذب بواح كما قلنا‪ ،‬إذ تخبرنا كتب التاريخ والتراجم أن الرجل لم يتول‬
‫الوزارة إل فى عهد العزير بالله ابن المعز لدين الله‪ .‬فهذه واحدة‪ ،‬كما أنه لم‬
‫يقع ترميم للكنائس على هذا النحو فى عهد المعز بأى شكل من الشكال‪،‬‬
‫وهذه هى الثانية‪ .‬ثم إننا نبحث فى كل الكتب عند المسلمين فل نجد شيئا‬
‫عن تلك التخريفة التى يسمونها‪" :‬معجزة" على الطلق! ترى هل يمكن أن‬
‫يسكت كل المؤرخين والجغرافيين والدباء والشعراء والفلسفة والوعاظ‬
‫وكتاب الدواوين عن الشارة إلى حدث كهذا زلزل القاهرة وكاد أن يأتى‬
‫عليها من القواعد‪ ،‬بل المفروض أنه قد أتى عليها فعل من القواعد‪ ،‬فل‬
‫ل يوم يرى الناس جبال تطير وتهبط‬ ‫يفتحوا فمهم بكلمة توحد الله؟ وهل ك ّ‬
‫وتندك وقد تزاحمت الحشود عليها باللف؟ أمن المعقول أن الذين أسعدهم‬
‫)أو قل‪ :‬أتعسهم وأرعبهم( الحظ بركوب ذلك البساط المدهش لم يفكر أحد‬
‫منهم فى تسجيل تجربته وتصوير مشاعره فى تلك اللحظات الرهيبة؟ ل ل‬
‫ليست هذه طبيعة الشخصية المصرية التى ل تترك شيئا جليل أو تافها دون‬
‫واتها‬
‫ص َ‬
‫أن تجعله محورا لثرثرتها‪ ،‬إن لم يكن لهزلها وتنكيتها أو للطمها و ُ‬
‫حسبما تقتضى الظروف!‬

‫)‪(11 /‬‬

‫مرة أخرى هل يعقل أن يخرس الكّتاب المصريون على بكرة أبيهم فل يخطوا‬
‫حرفا واحدا عن الزلزال على القل‪ ،‬ذلك الزلزال الذى ل بد أن يكون قد‬
‫تجاوز مقدار ثمانى درجات بمقياس ريختر‪ ،‬لكن الله سلم‪ ،‬لن النبا‬
‫والسكافى كانا رغم كل شىء رفيقين بالمسلمين فلم يشاءا أن يدمرا البلد‬
‫على دماغ الذين جاؤوا بها واكتفوا بقرصة الذن هذه؟ ودعنا من تثنى الجبل‬
‫ورقصه على واحدة ونصف وقد ربط شال على مؤخرته كما تفعل الراقصات‪،‬‬
‫ف أن‬‫عم سخي ٌ‬ ‫فهكذا تقتضى أصول الرقص الشرقى‪ ،‬وإل فل! وحتى لو َز َ‬
‫المسلمين لم يشاؤوا أن يتكلموا عن المعجزة‪ ،‬ول أدرى لماذا‪ ،‬لقد كان‬
‫دعوا مثل أن النصارى كانوا يريدون‬ ‫بإمكانهم يا أخى أن يقلبوا الحقائق قلًبا في ّ‬
‫بالبلد شرا وكان فى نيتهم التمرد على السلطات‪ ،‬إل أنها قد ألزمتهم‬
‫حدودهم‪ .‬أما أن يسكت الشعب كله خاصته وعامته وحكومته دون أن ينبس‬
‫ببنت شفة أو بابنها فهذا ما ل يدخل دماغ أى إنسان‪ .‬لقد شغلت الناس أيما‬
‫شغل حكاية الضواء التى تلعب بها بعض الكنائس فى عصرنا هذا وتطلقها‬
‫فى الليل فوق أبراجها ثم يدعون أنها ظهورات لمريم عليها السلم‪ ،‬وأفاضت‬
‫الصحف والكتب فى أمرها طوال سنوات ومازالت تتناولها حتى الن‪ ،‬ول‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ريب أن تلك الضواء المصنوعة ليست شيئا بالمرة أمام الرقص المرعب‬
‫الذى يجمد الدم فى العروق والذى رقصه الجبل )منه لله!( ول َرْقص القرد‬
‫ميمون‪ ،‬فما بال المصريين على بكرة أبيهم وأمهم معا قد انكتموا كتمة‬
‫الفول المدمس فلم يفتح الله عليهم بكلمة واحدة فى هذه المناسبة المذهلة‬
‫التى لو كانت وقعت لقامت فتنة ل يعلم مداها إل الله‪ ،‬ولرأينا كذلك بعض‬
‫ضعفاء اليمان من المسلمين يتنصرون‪ ،‬وهو ما لم يحدث‪ ،‬وإل لسجله‬
‫المؤرخون على عادتهم فى تناول كل شىء دون تعمية أو تجاهل أو تزييف‪.‬‬
‫أما استشهاد عزت أندراوس بكلم ماركو بولو عن تلك الحدوتة فى رحلته‬
‫فهى مسألة تبعث على القهقهة‪ ،‬فماركو بولو لم يكن حاضرا الواقعة‪ ،‬بل لم‬
‫يكن معاصرا لها‪ ،‬وكل ما فعله هو تسجيله لما سمعه أثناء تطوافه فى بلد‬
‫المسلمين‪ .‬ليس ذلك فحسب‪ ،‬بل من شأن ما قاله أن يقدح فى المسألة ل‬
‫أن يؤكدها‪ ،‬إذ إن مسرح المعجزة عنده بين بغداد والموصل وليس القاهرة‪،‬‬
‫كما أن الخليفة العباسى فى قصته هو الذى كان ينوى اضطهاد النصارى ل‬
‫المعز‪ ،‬بالضافة إلى أن تاريخ الضطهاد والمعجزة المزعومة فى كتابه متأخر‬
‫عن تاريخهما المكذوب فى مصر بقرنين ونصف حسبما يوضح الهامش الول‬
‫من هوامش الفصل السابع من الكتاب الخاص برحلته‪ .‬ثم إن الخليفة‬
‫العباسى فى حدوتة الرحالة اليطالى كان يكره النصارى "لله فى لله" دون‬
‫حاجة إلى وجود وزير يهودى يوغر صدره عليهم‪ ،‬على عكس الحدوتة الخرى‬
‫التى تصور المعز واسع الصدر‪ ،‬يفسح لهم دائما فى مجلسه ويحب أن يستمع‬
‫إليهم وهم يجادلون المسلمين واليهود فى حرية تامة‪ ،‬إلى أن قفز فيها ابن‬
‫كلس وخطط لليقاع بالنصارى‪ .‬وفضل عن ذلك نرى الخليفة فى رواية بولو‬
‫يعطيهم مهلة عشرة أيام‪ :‬فإن نجحوا فبها ونعمت‪ ،‬وإل فالعقوبة الصارمة فى‬
‫انتظارهم‪ .‬أما فى الرواية المصرية فهم الذين التمسوا منه المهلة‪ ،‬وكانت‬
‫ثلثة أيام ل عشرة قضوها كلها صائمين‪ ،‬بخلف الحدوتة الخرى التى تقول‬
‫إن النصارى قد قضوا اليام العشرة فى صلة وتضرع‪ ،‬لكن دون صيام‪.‬‬
‫وبالمثل ففيما نجد أن مريم عليها السلم فى روايتنا السابقة هى التى‬
‫ظهرت للبطرك فى المنام نفاجأ فى رواية بولو بأن زائر المنام هو الروح‬
‫مُزور هو أسقف من الساقفة ل البابا ذاته‪ ،‬وأن‬ ‫القدس ل العذراء‪ ،‬وأن ال َ‬
‫الزيارة المنامية قد تكررت عدة مرات‪ ،‬على حين أنها فى الرواية السابقة لم‬
‫تقع إل مرة واحدة ليس إل‪ .‬وفوق ذلك ففى الوقت الذى تقول فيه الرواية‬
‫الولى إن الفريقين من مسلمين ونصارى صعدوا جميعا على الجبل‪ ،‬كل‬
‫فريق فى جانب منه‪ ،‬وإن الجبل كان يعلو ويهبط وهم واقفون فوقه‪ ،‬نجد فى‬
‫رواية رحالتنا البندقى أن الفريقين كانا واقفين فى السهل أمام الجبل ل فوق‬
‫جى من الخطر‪...‬‬ ‫م يشاهدان ما يحدث وهم بمن ً‬ ‫الجبل نفسه‪ ،‬وكانا من ث َ ّ‬
‫فكيف بعد ذلك جميعا يجرؤ أى إنسان على الستشهاد بما كتبه ذلك الفاق؟‬
‫وما أشبه هذا بما كنا نسمعه فى طفولتنا من حواديت العفاريت التى كان‬
‫ت وأصبح لى‬ ‫أبطالها دائما رجال ونساء من أهل قريتنا‪ ،‬حتى إذا ما كبر ُ‬
‫ت‬‫أصدقاء من قرى أخرى بعيدة عن قريتنا وليست لها بها أية صلة‪ ،‬أخذ ُ‬
‫أسمع منهم نفس الحواديت مع بعض التلوينات المختلفة‪ ،‬إل أن أبطالها رجال‬
‫ونساء من تلك القرى الخرى‪ ،‬فكان هذا سببا إضافيا من السباب التى‬
‫نبهتنى إلى أنها مجرد خرافات ل علقة لها بالواقع وأنها لم تقع بقريتنا أو بأية‬
‫قرية أخرى‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النقل قبل العقل‬


‫‪9/7/1426‬‬
‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله الذي أنعم علينا بالعقل‪ ،‬وكرمنا بالسلم‪ ،‬وخصنا بالقرآن‪ ،‬وبعث‬
‫فينا خير خلقه هاديا ً ومبشرا ً ونذيرًا‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن‬
‫سار على دربه إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد مر معنا أن يوسف _عليه السلم_ جعل الصواع في رحل بنيامين‪ ،‬وبدا‬
‫لخوته أنه هو الذي سرقه‪ ،‬ثم أصر يوسف _عليه السلم_ على أل ّ يأخذ أحدا ً‬
‫مكانه‪ .‬قد يسأل سائل‪ :‬كيف ساغ ليوسف _عليه السلم_ أن يأخذ أخاه مع‬
‫أنه يعلم أن والده في محنة بسبب غيابه هو‪ ،‬فلم يزيد عليه المحن؟ والجواب‬
‫أن يوسف _عليه السلم_ لم يتصرف إل بوحي‪ ،‬والله يعلم وأنتم ل تعلمون‪،‬‬
‫وفي ذلك حكمة‪ ،‬و ل مجال للعقل أمام النص‪ .‬إذا جاء نهر الله بطل نهر‬
‫العقل مادام أمامنا وحي ونص‪ ،‬والله _جل وعل_ هو الذي أذن له‪ ،‬فل دخل‬
‫للعقل في هذه المسائل؛ لن العقل قاصر وفوق كل ذي علم عليم‪.‬‬
‫هل تتساوى أبصار الناس ؟ فكما أن البصار تختلف فالعقول تختلف‪ .‬هناك‬
‫من يرى أشياء على بعد كيلومترات‪ ،‬وهناك من يرى أبعد‪ ،‬مثل الزرقاء التي‬
‫اشتهرت ببعد نظرها‪ ،‬ما معنى هذا؟ معناه أنني قد أنفي شيئا ً وهو موجود‪،‬‬
‫فما بالك إذا كانت المقارنة بين علم الله _عز وجل_ وعلم البشر‪ .‬هل بينهما‬
‫مقارنة؟ فقد تخفى علينا الحكمة‪ ،‬قد يكون في ظاهر المر إيذاء وشدة على‬
‫يعقوب‪ ،‬لكن الله يعلم أن في ذلك حكما ً ومصالح عظيمة جدا ً وفوق كل ذي‬
‫علم عليم‪.‬‬
‫فيا أخي الكريم إياك أن تحمل عقلك أكبر مما خلق له‪ ،‬وهذا ما وقع فيه‬
‫أصحاب المدرسة العقلية _وهم ليسوا من العقل في شيء_ أخذوا يخطئون‬
‫الحاديث الصحيحة‪ ،‬وينزلون اليات في غير مواضعها‪ .‬ولو أنهم أدركوا قيمة‬
‫عقولهم لما فعلوا هذا‪ ،‬ولكن أتعلمون ما السر في ذلك؟ هو نقص في‬
‫عقولهم‪ ،‬رغم فعلهم هذه الفعال ليظهروا أن عقولهم كبيرة‪ ،‬وإل فالعاقل هو‬
‫الذي يضع المور في مواضعها‪ .‬في عالم البشر قد يأتي بعض الناس ويقول‬
‫لشخص إن والدك فعل كذا وكذا‪ ،‬فيقول‪ :‬والدي أعلم مني وأحكم‪ ،‬مع أن‬
‫البن قد يكون أحكم وأعقل من أبيه‪ ،‬وأحيانا ً يقال‪ :‬إن الملك أو الزعيم فعل‬
‫كذا‪ ،‬يأتي من يقول هو أعلم منا‪ ،‬ربما اطلع على أمور لم نطلع عليها‪ ،‬فلماذا‬
‫طئه‪ ،‬هكذا يقال‪ .‬كيف إذا كان الذي أمر هو ملك الملوك‪ ،‬خالقنا وخالق‬ ‫نخ ّ‬
‫كم عقولنا القاصرة في النصوص‪ .‬هكذا ضل المعتزلة‪.‬‬ ‫عقولنا‪ ،‬كيف نأتي ونح ّ‬
‫لما أمضى النبي – صلى الله عليه وسلم – العهد في صلح الحديبية‪ ،‬اشتد‬
‫المر على بعض الصحابة _رضي الله عنهم_‪ ،‬لكن أبو بكر _رضي الله عنه_‬
‫كان يقول‪ :‬هو رسول الله‪ .‬يعني مادام رسول الله فالمر وحي‪ ،‬ومادام وحيا ً‬
‫كل‬ ‫فيجب أن ل نرجعه إلى عقولنا‪ ،‬وهذا معنى قوله _تعالى_‪َ" :‬فل وََرب ّ َ‬
‫م" )النساء‪ .(65:‬أي يحكموا شريعة‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ش َ‬‫ما َ‬
‫ك ِفي َ‬ ‫حك ّ ُ‬
‫مو َ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬
‫ن َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬
‫الله‪ ،‬أمر الله ليس التحكيم في الحدود فقط ‪ ،‬بل في كل شيء‪.‬‬
‫نسأل الله _تعالى_ أن يأخذ بأيدينا‪ ،‬وأل يكلنا إلى أنفسنا وعقولنا‪ ،‬وأن يجعلنا‬
‫ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪ .‬وصلى الله على الهادي المين‪ ،‬وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النقلة التربوية للجيل الول‬


‫المحتويات‬
‫مدخل‬
‫الجانب الديني‬
‫الجانب السياسي‬
‫الجانب الحضاري‬
‫الجانب الجتماعي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪ ..‬وبعد‪.‬‬
‫مدخل‬
‫فقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم شهادة عدل وصدق أن خير الناس هم‬
‫القرن الذي بعث فيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم الذين يلونهم ثم الذين‬
‫يلونهم؛ فخير القرون بإجماع سلف المة هم أصحاب النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ثم من تلهم بعد ذلك من القرون‪ ،‬وما يأتي زمان إل والذي بعده شر‬
‫منه‪.‬‬
‫كان هذا القرن يعيش في جاهلية وضلل وفي بعد عن دين الله تبارك‬
‫وتعالى‪ ،‬فجاء الله عز وجل بهذه الرسالة وأرسل هذا النبي الذي اصطفاه‬
‫واختاره تبارك وتعالى؛ فأخرج هذا الجيل من الظلمات والجاهلية إلى أن‬
‫يحمل هذه الصفة ويستحق هذه الشهادة وهذا الثناء؛ فيأتي الثناء على هذا‬
‫الجيل في كتاب الله تبارك وتعالى كثيرا ً وفي سنة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬و تجمع المة على أن من سلط لسانه بالنقد والتجريح لهذا الجيل‬
‫المبارك‪ ،‬فقد أتى بدعة وفرية وانحرف عن منهج الناجين المنصورين إلى‬
‫قيام الساعة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واليوم والمة تعيش واقعا بعيدا ـ عن شرع الله تبارك وتعالىـ يعاني من صور‬
‫وألوان التخلف والنحطاط في كل جوانب الحياة‪ ،‬ويشعر الغيورون‬
‫والمصلحون وهم يتلفتون ذات اليمين وذات الشمال يتأملون في واقع المة‪،‬‬
‫يشعرون أن مسافة الصلح بعيدة‪ ،‬وأن الجهد المطلوب للتغيير جهد ضخم‪،‬‬
‫وربما أدت هذه النظرة السريعة إلى الحباط واليأس‪ ،‬والشعور بأن حجم‬
‫الفساد يستعصي على الصلح‪ ،‬وأن حجم التخلف ل يمكن أن تقوم به هذه‬
‫التربية‪ ،‬ومن هنا تتنوع ردود الفعل لمثال هؤلء اليائسين‪ ،‬منهم من يبحث‬
‫عن منهج بديل يتمثل في منهج متسرع يبحث عن التغيير خلف المنهج الذي‬
‫سنه وشرعه الله‪ ،‬لنه يرى أن هذا الفساد الضخم في واقع المسلمين سواء‬
‫في الجهل بالعتقاد أو الفساد الجتماعي أو الفساد الخلقي أو ما يتعلق‬
‫بالتخلف المادي الذي تعاني منه المة اليوم حتى أصبحت في ذيل القائمة‪،‬‬
‫يشعر أن هذا الواقع يستعصي على التربية‪ ،‬وأنه ل يمكن بحال أن يغير هذا‬
‫الواقع بهذا الجهد التربوي‪ ،‬فيرى أنه لبد من وسائل وأساليب أخرى‪.‬‬
‫بل قد يشعر المرء من هؤلء أن جانبا واحدا فقط من هذه الجوانب‬
‫والمراض التي تعاني منها المة اليوم لو وظفت الجهود من أجله لما‬
‫استطاعت القيام بأعبائه‪ ،‬فضل عن الصلح والتغيير الشمولي الذي تتطلع‬
‫إليه المة‪ ،‬و قد يصيب هؤلء يأس قاتل فيتقاعسون عن العمل والصلح‪،‬‬
‫ويرون أن السيل قد جرف الجميع وأنه ل سبيل للمرء إل أن ينجو بنفسه‪،‬‬
‫وهي اليوم فكرة تسيطر على كثير من المسلمين بل على كثير من الخيار‬
‫والغيورين‪ ،‬وإن كانوا ل يجرؤون أن يقولوا هذه المقولة؛ لنهم يعلمون أنها‬
‫تخالف سنن الله عز وجل وتخالف المقطوع به مما جاءت به النصوص‬
‫مل الناس مسؤولية التغيير والصلح‪ ،‬إن كان هؤلء ل‬ ‫الشرعية التي ُتح ّ‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يجرؤن على التفكير بهذه الصورة والتصريح بهذه الفكرة‪ ،‬إل أنهم يستبطنونها‬
‫ويحملونها؛ فلسان حالهم يعبر عن اليأس القاتل‪.‬‬
‫وحين تتحدث أمام أمثال هؤلء عن بشائر المل وعن هذه اليقظة والصحوة‬
‫المباركة يفاجئونك بفتح الصفحة الخرى من واقع المة‪ ،‬وفي الحديث عن‬
‫الجهود المستميتة لعداء المة‪ ،‬والتي أصبحت اليوم عينا ً ترصد كل محاولة‬
‫تقوم بها هذه المة ويسعى بها المصلحون ليقظتها لجل أن يئدوا كل جهد‬
‫للتغيير ‪.‬‬
‫إن هذا المنطق حين يسيطر على تفكير فئام من المصلحين فإنه سيعوق‬
‫ويؤخر الجهود‪ ،‬ومن ثم كان لبد من حديث يبعث على المل ويعيده للنفوس‪،‬‬
‫واليائسون مهما عملوا لن يحققوا أهدافهم لنهم يعملون وهم ينتظرون‬
‫الفشل ‪.‬‬
‫إنه ل ينجح في العمل إل أولئك المتفائلون الذين يدفعهم التفاؤل والشعور‬
‫بأنهم سيحققون أهدافهم ‪ .‬وهذا الحديث له جوانب شتى منها الحديث عن‬
‫النصوص القطعية بالكتاب والسنة والتي تدل على أن المستقبل والنصر‬
‫والعزة لهذا الدين ‪ .‬وهو حديث مهم لكن ليس هذا مكانه ‪ .‬ومنه الحديث عن‬
‫هذا النموذج وإبراز هذا النموذج الحديث عن النقلة التربوية للجيل الول جيل‬
‫خير الناس ‪.‬حين جاء النبي في ظل واقع يعاني من أبشع صور النحطاط‬
‫والفساد والتخلف‪ ،‬فانتقل هذا الجيل تلك النقلة البعيدة العظيمة ‪ .‬إن قراءة‬
‫سيرة هذا الجيل والتأمل فيها وإدراك هذه النقلة العظيمة مما يبعث على‬
‫المل‪ ،‬ويزيل اليأس عن القلوب‪ ،‬ويشعر الناس أنه كما غيرت المة وكما‬
‫انتقلت من ذاك الواقع البئيس فإنها بإذن الله ستنتقل‪ ،‬وقد وعد الله عز وجل‬
‫‪-‬وهو عزوجل ل يخلف الميعاد ‪ -‬فقال)‪ :‬إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما‬
‫بأنفسهم( ‪.‬فالله تبارك وتعالى ل يغير ما بقوم من صلح وخير إلى فساد إل‬
‫حين يغيرون ما بأنفسهم‪ ،‬وكذلك ل يغير ما بقوم من فساد وسوء إلى صلح‬
‫وخير حتى يغيروا ما بأنفسهم ‪ .‬إن هذه السنة الربانية تعني بمفهومها أن‬
‫الناس حين يغيرون ما بأنفسهم ثم يسعون للتغيير‪ ،‬فإنه سيتحقق التغيير بإذن‬
‫الله ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد جعل الله عز وجل مسؤولية التغيير على أيدي الناس )ذلك ولو يشاء الله‬
‫لنتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل فلن يضل‬
‫أعمالهم ( )يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم‬
‫يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل‬
‫الله ول يخافون لومة لئم ( ‪.‬‬
‫إننا حين نريد أن نتحدث عن تربية خير الناس أصحاب النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فإن الحديث يطول‪ ،‬ولن نستطيع أن نلم بأطرافه وزواياه في مثل‬
‫هذه الساعة‪ ،‬لكننا نريد أن نركز في حديثنا على هذه النقلة‪ ،‬كيف تحققت‬
‫وكيف تغير المجتمع من ذاك الواقع المظلم المنحط إلى أن أصبح القتداء به‬
‫والتأسي به والتشبه به دليل على الهداية بإذن الله عز وجل‪ ،‬والنحراف عنه‬
‫دليل ً على الضلل والغواية؟‬
‫لقد أرسل الله النبي صلى الله عليه وسلم في مجتمع يعاني من الجاهلية‬
‫والضلل‪ ،‬وقد صار الناس كما وصفهم صلى الله عليه وسلم )إن الله نظر‬
‫إلى الناس فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب(‪ ،‬إنه ُأرسل في‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أمة قد مقتت‪ ،‬وأمة قد حق عليها الضلل والغواية‪ ،‬ولم يعد لتلك المة من‬
‫أهل الهداية والخير إل أفراد معدودون كانوا يسمون الحنفاء ‪ .‬وحين تقرأ في‬
‫السيرة وتقرأ الحديث عن الحنفاء ‪ .‬فإنك تجد أهل السير يسمون الحنفاء‬
‫بأسمائهم مما يدل على أنهم فئة محصورة وعدد قليل في خضم ذلك‬
‫المجتمع الضال المنحرف‪.‬‬
‫وحين نتحدث عن جانب واحد فقط من جوانب التخلف والنحطاط التي كان‬
‫يعاني منها العرب في جاهليتهم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فإن‬
‫ذلك وحده يكفي شاهدا ً لموضوعنا‪ ،‬لكننا سنطوف هنا وهناك ونأخذ شواهد‬
‫من جوانب شتى في ذلك المجتمع‪ ،‬كلها تنطق بهذا النجاز التربوي الذي‬
‫تحقق على يد ذلك الجيل وذاك الرعيل الذي اختاره الله تبارك وتعالى‪،‬‬
‫ليكون قدوة ً للناس‪ :‬قدوة في العمل‪ ،‬والسلوك‪ ،‬والعتقاد‪ ،‬والتعبد لله تبارك‬
‫و تعالى‪ ،‬وقدوةً في منهج الصلح والتربية والتغيير ‪.‬‬
‫الجانب الديني‬
‫كان الناس قد انسلخوا من دين الله تبارك وتعالى وجاهروا بالشرك الصريح‪،‬‬
‫وصاروا ل يعرفون الله عز وجل إل في وقت الشدة‪ ،‬فإذا ألمت بهم شدة‬
‫وأدركتهم الخطوب وضاقت بهم البواب لجؤوا إلى ربهم تبارك وتعالى فدعوا‬
‫الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون! وهذا عنوان‬
‫الستهزاء والسخرية برب العالمين تبارك وتعالى‪ ،‬إنه دليل على أن قضية‬
‫الشرك في عبادة الله تبارك وتعالى كانت ترتكب عند هؤلء عن عمد وسبق‬
‫إصرار‪ ،‬فهاهم حين تدلهم بهم الخطوب وتضيق بهم السبل يعلنون التوحيد‬
‫لله تبارك وتعالى ‪ .‬وحين سأل النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم قال‪ ":‬كم‬
‫إله تعبد اليوم؟" قال سبعة‪ :‬ستة في الرض وواحد في السماء‪ ،‬قال‪":‬فمن‬
‫الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟" قال الذي في السماء‪ ،‬كان أولئك كما حكى أبو‬
‫رجاء العطاردي رضي الله عنه ‪ :‬كنا في الجاهلية إذا لم نجد حجرا ً جمعنا‬
‫جثوة من التراب وجئنا بالشاة فحلبناها عليه ثم طفنا بها‪ .‬إن هذه قيمة الله‬
‫عند أولئك‪ ،‬الله هم الذين يصنعونه‪ ،‬حينما يأتي أحدهم إلى الصحراء يبحث‬
‫عن حجر ليعبده‪ ،‬فيأتي فيختار أربعة أحجار‪ ،‬فيبحث عن أحسنها وخيرها‪،‬‬
‫فيجعله إلها ً له فيعبده ويسجد له ويركع له ويعلق مصيره وحياته به‪ ،‬ثم يأخذ‬
‫دره عليها ويشعل تحته النار! إن‬ ‫دره؛ فيضع قِ ْ‬‫ق ْ‬‫الثلثة الخر فيجعلها أثافي ل ِ‬
‫درا ً ويشعل عليها النار لله ل قيمة له‪ ،‬ومع‬ ‫إلها ً يستوي مع حجارة تحمل ِ ْ‬
‫ق‬
‫ذلك أصبح ُيسّيرحال هؤلء ويعلقون مصيرهم وحياتهم في دنياهم وآخرتهم‬
‫بهذه الحجارة التي هم يختارونها‪.‬‬
‫وربما كان إلها ً مصنوعا ً مما يؤكل ويطعم‪ ،‬فتلم بهؤلء مجاعة فيشعرون أن‬
‫المحافظة على بقائهم خير من بقاء إلههم فيأكلونه‪ ،‬كما يحكي الشاعر‬
‫مصورا ً حال قبيلة من تلك القبائل ‪:‬‬
‫أكلت حليفة ربها زمن التقحم والمجاعة * لم يحذروا من ربهم سوء العواقب‬
‫والتباعة‬
‫نعم إن إلها يأكله هؤلء إذا جاعوا لله ل قيمة له ول وزن له‪ ،‬ومع ذلك كانت‬ ‫ً‬
‫هناك الطواغيت الكبرى‪ ،‬كانت هناك اللت والعزى ومناة الثالثة الخرى (‬
‫أفرأيتم اللت والعزى ومنات الثالثة الخرى ) كان هناك ود وسواع وإساف‬
‫ونائلة‪ ،‬كانت تلك الصنام التي تصنع لها البيوت ويحج إليها الناس ويسعون‬
‫إليها وتنذر لها النذور وتقدم لها القرابين‪ ،‬و يستقسم بها أولئك ويحلفون بها‬
‫ويعظمونها ولهذا كانت يمينهم واللت والعزى‪.‬‬
‫ة ربما يأكلونها‬‫ً‬ ‫وآله‬ ‫يصنعونها‬ ‫للهة‬ ‫إن هذه الصورة العجيبة من خضوع هؤلء‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إذا جاعوا‪ ،‬لتدل على فطرة العبودية أصل ً لدى البشر‪ ،‬وأن البشر مفطورون‬
‫على العبودية والذل والخضوع‪ ،‬فإن لم يعرف البشر إلههم الحق ويتعبدوا إليه‬
‫فسيتعبدون لله باطل‪ ،‬بل إله يصنعونه وهكذا خلق الله عز وجل النسان‬
‫عبدا لتستقيم حياته إل بالعبودية والذل والخضوع‪ ،‬فإما أن يذل ويخضع ويعبد‬
‫ربه تبارك وتعالى أو حتما ً سيذل ويخضع ويتعبد لغير الله عز وجل ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكان أولئك يشركون بالله عز وجل شركا ً من نوع آخر في التشريع والتحليل‬
‫والتحريم‪ ،‬فكانوا يتخذون أحكام الله هزوا‪ ،‬فيبيحون ويحرمون‪ ،‬فجاء القرآن‬
‫مصرحا ً في الحديث عن أن هذه من صور الشرك بالله تبارك وتعالى )وجعلوا‬
‫لله مما ذرأ من الحرث والنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا‬
‫فما كان لشركائهم فل يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى‬
‫شركائهم((وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ل يطعمها إل من نشاء بزعمهم‬
‫وأنعام حرمت ظهورها وأنعام ل يذكرون اسم الله عليها افتراًء عليه) كان هذا‬
‫شأنهم يعتدون على حق الله عز وجل في التشريع فإن الله عز وجل كما‬
‫قال عن نفسه‪ ( :‬فاعبده وتوكل عليه) وقال عز وجل ‪ (:‬إن الحكم إل لله أمر‬
‫أل تعبدوا إل إياه ) لهذا ل فرق بين من احتكم إلى غير شرع الله وبين من‬
‫عبد غير الله عز وجل فقد جمعهما تبارك وتعالى في آية واحدة ( إن الحكم‬
‫إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه)‪،‬وتوعد القرآن المسلمين حين يستجيبون لطريق‬
‫أولئك في التشريع والتحليل والتحريم والحكم بغير شرع الله عز وجل‪،‬‬
‫توعدهم أنهم إن فعلوا شيئا ً من ذلك ولو في قضية واحدة أنهم سيقعون في‬
‫الشرك ( ول تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين‬
‫ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) فلئن أطاع‬
‫المسلمون المشركين في هذه المسألة وهذه القضية المعينة؛ فاستباحوا‬
‫هذه الميتة التي حرمها الله عز وجل فهم مشركون بنص القرآن‪ .‬ويأتي‬
‫التأكيد لهذا الحكم بحرف التوكيد )إنكم( ثم يأتي أيضا باللم التي تدل على‬
‫التأكيد )ولئن أطعتموهم إنكم لمشركون( لئن أطاعوهم ليس في أكل الميتة‪،‬‬
‫إنما في استباحة الميتة واعتقاد أن الميتة وقد حرمها الله عز وجل حلل‪.‬‬
‫ومن اعتدائهم على حرمات الله عز وجل أن يعتدوا عليها في الشهر الحرم‬
‫فيقول تبارك وتعالى ) إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا‬
‫يحلونه عاما ً ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ( ‪.‬‬
‫ومن صور الشرك والتشريع لديهم‪ :‬البحيرة والسائبة والوصيلة والحام‪ ،‬وهي‬
‫كلها خرافات ل تعدوا أن تكون من نسيج عقلية أولئك المشركين الضالين‬
‫الزائغين عن منهج الله تبارك وتعالى‪ ،‬هكذا كان أولئك في ذاك الوقت وفي‬
‫ذاك الزمان‪ ،‬هذه نظرتهم للله وهذا منهجهم في التشريع والحتكام‪.‬‬
‫ثم بعث الله عز وجل محمدا ً صلى الله عليه وسلم فيأتي أحدهم أمام‬
‫النجاشي ليقول‪ :‬إنا كنا قوما نأكل الخنافس ونأتي الفواحش ويقتل بعضنا‬
‫بعضا ً حتى بعث الله نبيه محمدا ً صلى الله عليه وسلم ‪ .‬ويأتي أحدهم رستم‬
‫ليقول له‪ :‬إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب‬
‫ة الجزيرةَ كلها‬
‫العباد‪ ،‬ما هي إل أيام وقد حمل هؤلء الرسالة‪ ،‬وعمت الهداي ُ‬
‫ة لله تبارك وتعالى معلنة‬
‫بعد ذلك وأشرق فيها النور‪ ،‬وصارت كلها خاضع ً‬
‫التوحيد‪ ،‬وانطلقت سيوف الموحدين لتطفئ نار المجوسية وتكسر صليب‬
‫النصارى‪ ،‬وتنطلق هنا وهناك حتى كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذين صحبوه‪ ،‬تحكى أخبارهم هنا وهناك؛ فابن عمر –رضي الله عنهما‪ -‬يصل‬
‫إلى أذربيجان وأبو أيوب النصاري –رضي الله عنه‪ -‬يدفن تحت أسوار‬
‫القسطنطينية‪ ،‬ويصل سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في المشرق‬
‫إلى بلد ماوراء النهر‪ ،‬وفي المغرب إلى المحيط‪ ،‬حتى مامضى ذلك الجيل إل‬
‫وقد أطفئت نار المجوسية‪ ،‬وكسر صليب النصارى وأعلن الكون الخضوع لله‬
‫تبارك وتعالى‪ ،‬وصارت الكلمة في ذاك الوقت كلها لكلمة التوحيد ل إله إل‬
‫الله‪.‬‬
‫إنها نقلة عظيمة بعد تلك الحال التي لم تكن حال أسوأ منها‪ ،‬ول يمكن أن‬
‫يتردى البشر إلى منزلة من الحضيض في الشرك و الطغيان أكثر من تلك‬
‫المنزلة‪ ،‬ثم ما لبث أولئك أن تجاوزوها وتركت الدعوة والتربية النبوية أثرها‬
‫الفعال في ذلك الجيل الذي نشر دين الله عز وجل وقضى على كل مظاهر‬
‫الشرك والطغيان التي كانت سائدة في العالم آنذاك‪.‬‬
‫الجانب السياسي‬

‫)‪(3 /‬‬

‫كان الواقع السياسي في تلك الجزيرة في غاية التخلف والنحطاط؛ فالنبي‬


‫صلى الله عليه وسلم لم يبعث في أمة مجتمعة تحت كلمة واحدة وتحت راية‬
‫واحدة‪ ،‬لم يبعث في مجتمع موحد تجمعه رابطة واحدة‪ ،‬لقد كان العرب ل‬
‫يدينون بالخضوع لحد أبدًا‪ ،‬وكان في مكة وفي جزيرة العرب وقت مبعث‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم من الحكام والمراء والولة بعدد ما فيها من‬
‫السكان؛ لنه لم يكن بشر يخضع لبشر‪ ،‬كانت حالهم في التفرق والخصام‬
‫أمر ل يخفى على من يقرأ سيرهم‪ ،‬ولهذا امتن الله تبارك وتعالى على‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بنعمته عز وجل فقال‪) :‬واذكروا نعمة‬
‫الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم‬
‫على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ( ‪،‬ويقول صلى الله عليه وسلم وهو‬
‫يخاطب النصار‪":‬ألم أجدكم عالة فأغناكم الله بي وضلل ً فهداكم الله بي‬
‫ومتفرقين فجمعكم الله بي"‪ ،‬لقد كانت الحرب تفعل فعلها بين الوس‬
‫والخزرج‪ ،‬وكانوا أمة ل تقوم لهم قائمة‪ ،‬وحين جاء النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بهذه الرسالة وربى ذاك الجيل‪ ،‬ما هي إل سنوات معدودة حتى كان‬
‫ده أخا ً‬
‫الوسي يقف إلى جوار أخيه الخزرجي‪ ،‬وكان يؤاخيه ويصاهره‪ ،‬كان يع ّ‬
‫له ربما أقرب إليه من أخ له في قبيلته لنه يرى أنه أكثر طاعة لله عز جل ‪.‬‬
‫كانت أمة قد أكلتها الحروب و أهلكت فيها الخضر واليابس‪ ،‬كانت الحروب‬
‫كما يصورها شاعرهم ‪:‬‬
‫وما الحرب إل ما علمتم وذقتموا * وما هو عنها بالحديث المرجم‬
‫كانت الحروب يتحدث بها الغادي والرائح‪ ،‬البسوس وداحس والغبراء ويوم‬
‫بعاث‪ ،‬أيام يعرفها الصغير والكبير ويعرفها القاصي والداني وكلها ناطقة‬
‫وشاهدة على التخلف والتفرق والتشرذم والفوضى التي كانت سائدة في‬
‫جزيرة العرب آنذاك‪ ،‬كان الولء الذي يعرفه أولئك هو الولء للقبيلة‪ ،‬كان‬
‫حكيمهم وشيخهم وسيدهم يقول‪:‬‬
‫وهل أنا إل من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشدِ‬
‫كانت القبيلة تعاب وتذم حين تكون ل تقع في الظلم ‪:‬‬
‫قبيلة ل يغدرون بذمة * ول يظلمون الناس حبة خردل‬
‫وكان المنطق السائد ‪:‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن ل يذد عن حوضه بسلحه يهدم * ومن ل يظلم الناس يظلم‬


‫كان هذا هو المنطق السائد عند الناس‪ ،‬ل يعرفون إل قيمة القبيلة والولء‬
‫للقبيلة فجاء هذا الدين وجاءت هذه الرسالة لتصهر الناس في بوتقة واحدة‪،‬‬
‫لنرى نماذج عجيبة من موازين الناس ومن القيمة للناس ‪ .‬جاء القرشي‬
‫الشريف من بني مخزوم ليقف في صف واحد مع الوسي من بني‬
‫عبدالشهل ويقف مع مولى من الموالي‪ ،‬يقف الجميع ل يجمعهم إل كلمة‬
‫واحدة‪ ،‬ول يلتقون إل على راية واحدة ‪.‬‬
‫من كان يتخيل أن تلك العروش من الكيانات والفتخار بالقبيلة والنتماء لها‬
‫ستنهار‪ ،‬ليحل محلها رابطة واحدة ويرفع مكانها لواء واحد‪ :‬لواء الخوة في‬
‫الله والمحبة في الله‪ ،‬ليكون المعيار والميزان الذي يقاس به الناس هو الدين‬
‫والخضوع لله تبارك وتعالى؟‬
‫إن أولئك الشرفاء من بني مخزوم وبني أسلم ومن غفار وغيرهم‪ ،‬كانوا‬
‫ى من الموالي‪،‬‬ ‫يرضون جميعا أن يسيروا في جيش تحت إمرة وطاعة مول ً‬
‫مر‬‫كانوا يرضون أن يسيروا في جيش زيد بن حارثة رضي الله عنه‪ ،‬ثم ُيؤ ّ‬
‫ى وشاب لم يتجاوز‬ ‫عليهم بعد ذلك ابنه أسامة رضي الله عنه وهو مول ً‬
‫العشرين من عمره‪ ،‬فيسير الجميع كلهم في صف واحد ويسمعون له‬
‫ويطيعون ! إن كل ذلك يعود إلي أثر التربية النبوية التي تركت أثرها في ذلك‬
‫الجيل العظيم‪.‬‬
‫الجانب الحضاري‬
‫وعلى المستوى الحضاري كان العرب أمة متخلفة منحطة‪ ،‬بل لم يكن للعرب‬
‫آنذاك أي وزن واعتبار‪ ،‬حتى إن الفرس يرون أن أولئك ل يستحقون أن‬
‫يغزون‪ ،‬فإن صدر منهم ما يسيء الدب أوكلوا بهم إحدى القبائل المجاورة !!‬
‫وحين جاءتهم كتائب التوحيد‪ ،‬تدعو إلي الله عز وجل ظن الفرس أن هؤلء‬
‫قد بلغت بهم الفاقة والجوع كل مبلغ‪ ،‬فعرضوا عليهم العروض المادية ليحلوا‬
‫أزمتهم ويسدوا فاقتهم‪ ،‬فما كان من منطق الرجل المؤمن بالله عز وجل‪ ،‬إل‬
‫أن أعلن رسالته واضحة إن الله ابتعثنا لنخرج من يشاء من عبادة العباد إلى‬
‫عبادة رب العباد‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعتها‪ ،‬ومن جور الديان إلى عدل‬
‫السلم‪ ،‬ونطلق بذلك الواقع السيء‪ ،‬كنا في جاهلية وشرك نأتي الفواحش‬
‫ونأكل الخنافس‪ ،‬ويأكل بعضنا بعضا فأرسل الله إلينا نبيه صل الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فتغير الحال وأقاموا بعد ذلك خير حضارة ورفعوا لواء خير أمة‪ ،‬حتى‬
‫إن المنصفين اليوم من علماء الغرب الكافر يشيدون بالجهود التي بذلها‬
‫علماء المسلمين‪.‬‬
‫الجانب الجتماعي‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وفي الجانب الجتماعي كان مجتمعهم مجتمعا ً تسيطر عليه الطبقية‪ ،‬ولهذا‬
‫جاء نقد هذه المظاهر في أول السلم‪ ،‬فحينما أراد النبي صل الله عليه‬
‫وسلم أن يدعو شرفاء قريش‪ ،‬رغبة منه أن يكسب أحدا ً منهم‪ ،‬لتكون له‬
‫قيمته في الدعوة وأثره‪ ،‬فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى إلى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فعبس النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وأعرض عنه‪ ،‬فنزل‬
‫العتاب من الله عز وجل )) عبس وتولى ‪،‬أن جاء العمى ‪،‬وما يدريك لعله‬
‫يزكى ‪ ،‬أو يذكر فتنفعه الذكرى …‪ ((.‬اليات‪.‬‬
‫وحينما جاء عّتاب رضي الله عنه ليقابل عمر رضي الله عنه‪ ،‬فسأله ‪ :‬من‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استخلفت على أهل الوادي يعني أهل مكة قال‪ :‬ابن أبزى قال ‪ :‬ومن يكون ؟‬
‫ى؟ قال !! حافظ لكتاب‬ ‫ى من موالينا‪ ،‬قال ‪:‬استخلفت عليهم مول ً‬ ‫قال ‪:‬مول ً‬
‫الله‪ ،‬عالم بالفرائض‪ ،‬قال ‪:‬إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين‪.‬‬
‫كان أولئك ل يعرفون إل الفخر بالحساب والمجاد الشخصية‪ ،‬وتمجيد القبيلة‬
‫معّلقة عمرو بن كلثوم شاهدة بذلك والتي يبالغ فيها وصف قبيلته يقول فيها‬ ‫و ُ‬
‫‪:‬‬
‫ً‬
‫ونشرب إن وردنا الماء صفوا ** ويشرب غيرنا كدرا وطينا‬
‫ملنا البر حتى ضاق عنا ** ونحن البحر نمله سفينا‬
‫إذا بلغ الرضيع لنا فطاما ** تخر له الجبابر ساجدينا‬
‫إن اللغة التي كانت تسيطر على منطق الجميع هي لغة الفتخار بالقبيلة‬
‫والطعن في أحساب الخرين‪ ،‬فجاء هذا الدين وقضي على تلك المجاد‪ ،‬فلم‬
‫يعد العربي يفضل على العجمي إل بالتقوى‪.‬‬
‫كان مجتمعا ل يقيم وزنا للمرأة فكان أحدهم إذا بشر بالنثى ظل وجهه‬
‫مسودا وهو كظيم‪ ،‬ويبلغ الحال به أن يختفي عن أعين الناس من سوء ما‬
‫بشر به‪.‬‬
‫كانوا يمارسون التسلط والحجر على المرأة فحين تكون اليتيمة في حجر‬
‫أحدهم وهي ذات مال‪ ،‬فإن كانت جميلة تزوجها‪ ،‬وإن كانت غير ذلك لم‬
‫يزوجها حتى تموت‪ ،‬فيرثها ويأخذ مالها‪ ،‬وبعد أن جاء هذا الدين‪ ،‬غير هذه‬
‫العادات الجتماعية في أقل من عقدين من الزمن‪ ،‬حتى أصبحت المرأة‬
‫تبشر بالجنة‪ ،‬فلقد بشر النبي صل الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها‬
‫ببيت في الجنة ل صخب فيه ول نصب‪ ،‬ويؤكد صلى الله عليه وسلم على‬
‫القيام بحقوق النساء فيقول‪ ":‬فاتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم "‬
‫وكان هذا المجتمع يعاني من الفساد الخلقي‪ ،‬فكان النكاح كما تذكر عائشة‬
‫رضي الله عنها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء‪ :‬فنكاح منها نكاح‬
‫الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها‪،‬‬
‫ونكاح آخر كان الرجل يقول لمرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلن‬
‫فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ول يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك‬
‫الرجل الذي تستبضع منه‪ ،‬فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب‪ ،‬وإنما يفعل‬
‫ذلك رغبة في نجابة الولد‪ ،‬فكان هذا النكاح نكاح الستبضاع‪ ،‬ونكاح آخر‬
‫يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت‬
‫ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل‬
‫منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم‪ :‬قد عرفتم الذي كان من‬
‫أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلن تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها‪،‬‬
‫ل يستطيع أن يمتنع به الرجل‪ .‬والنكاح الرابع‪ :‬يجتمع الناس الكثيرون‬
‫فيدخلون على المرأة ل تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن‬
‫رايات تكون علما‪ ،‬فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت‬
‫حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة‪ ،‬ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به‬
‫ودعي ابنه ل يمتنع من ذلك‪ .‬فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق‬
‫هدم نكاح الجاهلية كله إل نكاح الناس اليوم‪) .‬رواه البخاري(‪.‬‬
‫وكانت الخمرة قد سيطرت عليهم وفعلت بهم الفاعيل‪ ،‬فحين يتحدث‬
‫الشاعر منهم عن معركة أو غزوة يتغنى بالخمر‪ ،‬بل تبلغ الخمر منزلة عند‬
‫بعضهم‪ ،‬أن تكون مما يستحق أن يبقى في الحياة من أجلها ‍كما قال أحدهم‪:‬‬
‫فلول ثلث هن من عيشة الفتى ** وربك لم أحفل متى قام عودي‬
‫فمنهن سبق العاذلت بشربة ** كميت متى ما تعل الماء تزبد‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويقول أحدهم موصيا إذا مات أن يدفن قريبا من تلك الشجرة التي كان يصنع‬
‫منها الخمر ‍ ‍ ‪:‬‬
‫إذا ما مت فادفني إلى جنب كرمة ** تروي عظامي بعد موت عروقها‬
‫أخاف إذا ما مت أل أذوقها ** ول تدفني بالفلة فإنني‬
‫هكذا كانت قيمتها عندهم‪ ،‬وحين جاء السلم كان أصحاب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪-‬شأنهم شأن سائر الناس‪ -‬يشربون الخمر ويتغنون بها كما قال‬
‫حسان رضي الله عنه ‪:‬‬
‫ونشربها فتتركنا ملوكا ** وأسدا ما ينهنهنا اللقاء‬
‫حين جاء السلم بتحريم الخمر أراق أوتلك النية آلتي كانت معهم حتى‬
‫امتلت أزقة المدينة وشوارعها من الخمر‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫إن الفاضة في الحديث عن تلك النقلة حديث يطول‪ ،‬لكن نكتفي بهذه المثلة‬
‫التي أشرنا إليها والتي كلها شاهدة على أن المجتمعات مهما بلغت من‬
‫السوء والفساد والتأخر والتخلف‪ ،‬فهي قادرة على أن تسترد عافيتها وقادرة‬
‫دعى إلى المنهج الحق‪ ،‬وحين تتربى عليه‪.‬‬ ‫على أن تنهض من كبوتها‪ ،‬حين ت ُ ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن التغيير الذي حصل للجيل الول يعتبر نموذجا‪ ،‬وشاهدا لكل من يحمل‬
‫عزيمة وإرادة في ال صلح والتغيير‪.‬‬
‫والتغيير الذي حصل لذلك الجيل ليس على مستوى المجتمعات فقط‪ ،‬بل هو‬
‫على مستوى الفراد كذلك‪ ،‬فحين نتأمل شخصية عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه الذي كان جبارا في الجاهلية‪ ،‬ويرى الناس أنه أبعد الناس عن الحق‪ ،‬بل‬
‫كانوا يرون أن يسلم حمار الخطاب ول يسلم عمر‪ ،‬ولما آمن هذا الرجل‪،‬‬
‫واتبع النبي صل الله عليه وسلم ‪ ،‬تغيرت حاله‪ ،‬فتراه حينما تولى الخلفة‬
‫رحيما شفوقا رفيقا ولما جاء رسول كسرى ليقابل خليفة المسلمين وجد‬
‫الخليفة ـ عمر رضي الله عنه‪ -‬نائما تحت الشجرة قال قولته المشهورة‪:‬‬
‫فقال قولة حق أصبحت مثل ** فنمت نوما قريرالعين هانيها‬
‫أمنت لما أقمت العدل بينهم ** وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها‬
‫إن عمر رضي الله عنه ـ وهو خليفة المسلمين ـ كان يحمل على كتفه الدقيق‬
‫والماء يوصله إلى أرملة ليمسح به دمعة عجوز‪ ،‬ودمعة يتيم‪ ،‬إن عمر لما‬
‫دخل اليمان في قلبه تغير حاله وكان خليفة خليفة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وهاك نموذج آخر‪ :‬إنه مصعب بن عمير رضي الله عنه‪ ،‬الذي كان شابا مترفا‪،‬‬
‫كان من أعطر فتيان مكة‪ ،‬عاش في بيئة ثرية‪ ،‬وليس في مكة شاب أكثر‬
‫منه نضارة ووضاءة‪ ،‬وبعد أن تبع النبي صلى الله عليه وسلم واستشهد في‬
‫غزوة أحد مقبل ً غير مدبر‪ ،‬بحثوا عنه بين الموتى فلما رأوه لم يجدوا ما‬
‫يكفنوه به إل ثوب واحد‪ ،‬إن غطوا به رأسه بدت رجله‪ ،‬وإن غطوا به رجليه‬
‫بدت رأسه‪ ،‬رضي الله عنه وأرضاه‪ ،‬وأنزل الله عز وجل فيه وغيره )) من‬
‫المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من‬
‫ينتظر وما بدلوا تبديل (( أي تغيير حصل في شخصية ذلك الرجل الذي كان‬
‫يعيش حياة الترف والرخاء؟‬
‫إن ذلك يعطينا دللة واضحة على أن المجتمعات يمكن أن تتغير‪ ،‬وأن الفراد‬
‫يمكن أن يتغيروا‪ ،‬وذلك حينما تكون هناك تربية جادة منتجة‪.‬‬
‫يروي حذيفة رضي الله عنه حديثا يقول فيه‪ " :‬كان الناس يسألون النبي صل‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عليه وسلم عن الخير‪ ،‬وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬إن كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير‪ ،‬فسأل حذيفة ‪ :‬هل بعد هذا‬
‫الخير من شر؟ قال ‪:‬نعم ‪،‬قال‪ :‬وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال‪ :‬نعم وفيه‬
‫دخن‪ ،‬قال ‪:‬وما دخنه ؟ قال‪ :‬قوم يستنون بغير سنتي‪ ،‬ويهتدون بغير هديي‬
‫تعرف وتنكر‪.‬‬
‫لقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيحصل خير لهذه المة بعد ذلك‬
‫الشر الذي سيصيبها‪ ،‬مما يعني أن المجتمعات يمكن أن تتغير‪ ،‬حين تحمل‬
‫إدارة التغيير وتتربى التربية الحقة‪.‬‬
‫كيف انتقل ذاك الجيل هذه النقلة ؟‬
‫هذا سؤال عريض تطول الجابة عنه‪ ،‬لكني أشير هنا إشارة سريعة‪ ،‬كانت من‬
‫أهم العوامل وراء هذه النقلة العظيمة‪ :‬العناية باليمان والتركيز على التغيير‬
‫الداخلي ابتداء‪ ،‬إن التربية التي تتوجه إلى مظاهر السلوك البارزة أمام‬
‫الناس‪ ،‬تربية قاصرة وتربية ل تستطيع أن تقف أمام السيل الجارف من‬
‫المؤثرات‪ ،‬إنها تربية تعالج القشور وتغفل عن اللباب‪ ،‬إنها تعالج مظاهر‬
‫المرض وتغفل عن أصله وجوهره‪ ،‬والبيت الذي يعاني من خلل في أساسه ل‬
‫يمكن أبدا أن يخضع إلى الترميم والتحسين‪ .‬لقد حاولت أقوى أمة في عالم‬
‫القوة المادية أن تمنع الخمر وقامت بسن تشريعات وقوانين كثيرة‪،‬‬
‫استنفرت طاقتها‪ ،‬ثم بعد سنوات أعلنت عجزها وفشلها‪ ،‬لماذا فشل أولئك‬
‫في حين أن هذه المة لم تحتج إل إلى آيتين تنزل فيخضع الناس ويريقون‬
‫الخمر من بيوتهم؟ وقل مثل ذلك في المخدرات والتحلل الجنسي والشذوذ‬
‫الخلقي‪.‬‬
‫لقد فشلت لن التربية المعاصرة اتجهت إلى المظهر دون الحقيقة‪،‬ولو‬
‫اتجهت التربية إلى بناء اليمان في النفوس لحققت هذه الهداف التي تتطلع‬
‫إليها‪.‬‬
‫ومن عوامل النجاح‪ :‬أن التربية كانت تتم من خلل الميدان‪ ،‬ومن خلل العمل‬
‫والتطبيق؛ فالجيل الذي تربى على هذه الرسالة لم يكن يستمع إلى‬
‫التوجيهات أو تلقى إليه المواعظ والكلمات فقط‪ ،‬إنما كان يربى من خلل‬
‫العمل والميدان والقدوة والممارسة‪ ،‬كان النبي صلى الله علية وسلم‬
‫يصاحبهم ويصلي معهم ويذهب معهم‪ ،‬ويعايشهم السراء والضراء‪.‬‬
‫وحين نتأمل سؤال جديرا بالتفكير‪ ،‬كيف نجح النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫رسالته ودعوته في حين لم ينجح الحنفاء الذين كانوا على التوحيد ؟‬
‫إن هذا الحديث إنما هو لبعث المل في نفوس سيطر عليها اليأس من التغيير‬
‫والصلح‪ ،‬أسأل الله أن يجعلنا من حملة الرسالة والدعاة إلى الصلح؛ إنه‬
‫سميع مجيب‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫النقود أثمان أم سلع؟‬


‫د‪ .‬يوسف بن أحمد القاسم ‪26/3/1427‬‬
‫‪24/04/2006‬‬
‫قبل أكثر من ستة قرون‪ ،‬صرخ أحد علماء القرن الثامن الهجري صرخة اهتز‬
‫لها جبل قاسيون بالشام‪ ،‬ووجد لها صدى في أنحائه‪ ،‬إل أنها لم تجد لها صدى‬
‫في بني قومه‪ ،‬فوقع ما لم يكن بالحسبان‪ ،‬وحل ما حذر منه عالم ذلك‬
‫الزمان‪ ،‬ثم هاهو التاريخ يعيد نفسه‪ ،‬فحل بنا ما حل بهم !! فمن هو يا ترى‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك المام ؟‬
‫وما هي تلك الصرخة التي اهتز لها قلمه‪ ،‬وعبر عنها بنانه ؟‬
‫وما هي نتيجة تجاهل تلك الصرخة ؟‬
‫وكيف أعاد التاريخ نفسه ؟‬
‫أما المام‪ ،‬فهو‪ :‬العلمة ابن قيم الجوزية )ت ‪751‬هـ( وأما الصرخة‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫إنكاره على بني قومه اتخاذهم النقود سلعًا‪ ،‬يتاجرون بها‪ ،‬ويعدونها للربح‪،‬‬
‫فكانت النتيجة المؤسفة ؛ حيث عم الضرر‪ ،‬ووقع الظلم ‪.‬هذا ملخص ما‬
‫جرى‪ ،‬وأدع الحديث للمام ابن القيم‪ ،‬فهو حي بيننا بكتبه‪ ,‬شاهد عدل بعلمه‬
‫وفقهه‪,‬إذ يقول في كتابه إعلم الموقعين)‪ " : (3/401‬الدراهم والدنانير أثمان‬
‫المبيعات‪ ،‬والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقويم الموال‪ ،‬فيجب أن يكون‬
‫محدودا ً مضبوطا ً ل يرتفع ول ينخفض‪ ،‬إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض‬
‫كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات‪ ،‬بل الجميع سلع‪ ،‬وحاجة الناس إلى‬
‫ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة‪ ،‬وذلك ل يمكن إل بسعر تعرف‬
‫به القيمة‪ ،‬وذلك ل يكون إل بثمن تقوم به الشياء‪ ،‬ويستمر على حالة واحدة‪،‬‬
‫ول يقوم هو بغيره‪ ،‬إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض‪ ,‬فتفسد معاملت الناس‪,‬‬
‫ويقع الخلف‪ ,‬ويشتد الضرر‪ ,‬كما رأيت من فساد معاملتهم‪ ,‬والضرر اللحق‬
‫بهم‪ ،‬حين اتخذوا الفلوس سلعة تعد للربح‪ ,‬فعم الضرر‪ ,‬وحصل الظلم‪...‬‬
‫فالثمان ل تقصد لعيانها‪ ،‬بل يقصد التوسل بها إلى السلع"أهـ‬
‫وقال في الطرق الحكمية)صـ ‪ " : (350‬ويمنع من جعل النقود متجرا ً ؛ فإنه‬
‫بذلك يدخل على الناس من الفساد ما ل يعلمه إل الله‪ ،‬بل الواجب أن تكون‬
‫النقود رؤوس أموال يتجر بها‪ ،‬ول يتجر فيها "أهـ‬
‫وهاهو التاريخ يعيد نفسه‪ ،‬وكأن ابن القيم يعيش واقعنا الحاضر‪ ،‬أو كأنه ينظر‬
‫إليه من ستر رقيق ! ولذا‪ ،‬فإنه يستحق شهادة دكتوراه فخرية في المال‬
‫والقتصاد‪ ،‬وإن كنت أشك في حفاوته بها لو كان حيا ً ‪.‬‬
‫نعم‪,‬أعاد التاريخ نفسه؛لننا اليوم نرى ونسمع كثيرًاعن تذبذب أسعار‬
‫العملت‪,‬وما نتج عنه من تضخم في النقود وضعف قوتها الشرائية‪ ,‬كما هو‬
‫مشاهد في بعض بلد الشرق والغرب‪ ،‬وهذا له أسبابه السياسية‪ ,‬والمنية‪،‬‬
‫والقتصادية ومن أبرزها العبث بهذا النقد الذي استخدم في غير ما صنع له‪,‬‬
‫وهذا ماحذر منه العلمة ابن القيم آنفًا‪ ,‬وألمح إليه الفقيه الشافعي أبو حامد‬
‫الغزالي)ت ‪505‬هـ( في إحياء علوم الدين)‪ (4/91‬والفقيه الحنفي ابن‬
‫عابدين)ت ‪1252‬هـ( في مجموعة رسائله)صـ ‪ (57‬حيث قال‪ ":‬رأينا الدراهم‬
‫والدنانير ثمنا ً للشياء‪ ،‬ول تكون الشياء ثمنا ً لها‪ ..‬فليست النقود مقصودة‬
‫لذاتها‪ ,‬بل وسيلة إلى المقصود"أهـ‬
‫وأصرح من هذا ما قاله الشيخ محمد رشيد رضا‪ ,‬حيث قال في تفسير المنار)‬
‫‪":(3/108‬وثم وجد أمر آخر لتحريم الربا من دون البيع‪ ،‬وهو أن النقدين إنما‬
‫وضعا ليكونا ميزانا ً لتقدير قيم الشياء التي ينتفع بها الناس في معايشهم‪،‬‬
‫فإذا تحول هذا وصار النقد مقصودا ً بالستغلل‪ ,‬فإن هذا يؤدي إلى انتزاع‬
‫الثروة من أيدي أكثر الناس‪ ,‬وحصرها في أيدي الذين يجعلون أعمالهم‬
‫قاصرة على استغلل المال بالمال "أهـ‬
‫وبهذا نقف على إحدى الحكم التي حرم لجلها الشارع الربا‪ ،‬وهي أن المرابي‬
‫يشتغل بالنقد عن المشاريع النتاجية‪ ،‬فيقل المعروض من السلع والخدمات‪,‬‬
‫وبالتالي يزيد الطلب عليها‪ ,‬ومع كثرة النقد يقع التضخم‪ ،‬وهو ما عبر عنه‬
‫بعض القتصاديين ‪ ):‬نقود كثيرة‪ ،‬تطارد سلعا ً قليلة ( ‪.‬‬
‫ومن هذا الوجه‪ -‬وغيره‪ -‬ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى المنع من‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتاجرة بالعملت ‪-‬ل بيعها وشراؤها للحاجة‪ -‬ومن المضاربة بفروق السعار‬
‫في سوق المال؛ ومن هؤلء الفقهاء الدكتور محمد الشباني‪,‬كما في‬
‫بحثيه) الربا والدوات النقدية المعاصرة‪,‬والمضاربة بالسهم والمشتبهات من‬
‫المكاسب( وعلل ما ذهب إليه بأدلة‪ ,‬ومقاصد شرعية‪ ,‬جديرة بالنظر والتأمل‪،‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنه عد من المفاسد التي يؤدي إليها هذا النوع من التعامل‪ ،‬الضرر‬
‫على القتصاد ككل؛ حيث يتوجه المال المدخر إلى المضاربة فيه‪ ،‬بحيث‬
‫يصبح دولة بين المضاربين في السهم‪ ،‬يتحرك في دائرة واحدة ل يتعداها إلى‬
‫غيرها ‪ ...‬الخ ‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا المحذور وما يؤدي إليه من كساد‪,‬الشيخ أبوحامد الغزالي‬
‫في إحياء علوم الدين)‪ (4/45‬حيث قال‪ ":‬إنما حرم الربا من حيث إنه يمنع‬
‫الناس من الشتغال بالمكاسب ؛ وذلك لن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة‬
‫الربا من تحصيل درهم زائد نقدا ً أو آجل ً خف عليه اكتساب المعيشة‪,‬فل يكد‬
‫ويتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة‪ ،‬وذلك يفضي إلى انقطاع منافع‬
‫الخلق‪ ،‬ومن المعلوم أن مصالح العالم ل تنتظم إل بالتجارات‪,‬والحرف‪,‬‬
‫والصناعة‪ ,‬والعمار"أهـ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وبنظرة خاطفة إلى واقعنا منذ أربعة أشهر أو أكثر‪ ،‬نجد أن أموالنا أصبحت‬
‫تصب في فوهة السوق حين غلت القيمة السوقية لبعض الشركات غلء غير‬
‫مسبوق‪ ,‬واقتصرت المضاربة على فروق السعار بعيدا ً عن الواقع القتصادي‬
‫للشركات المساهمة‪ ،‬فأصبحت السلع هي النقود في الحقيقة‪,‬حتى ظهرت‬
‫مقدمات الكساد في سوق العقارات‪ ,‬والسيارات ‪...,‬الخ‪ ،‬ولمس كثير من‬
‫الناس ارتفاع قيمة إيجار الدور والمنازل ؛ لقلة المعروض‪ ,‬وأصبح هذا حديث‬
‫الناس‪ ،‬كل هذا في فترة زمنية محدودة ! فما الظن لو استمر الحال سنة أو‬
‫أكثر !!‬
‫ثم أل يكفي هذا حافزًا‪ -‬على القل‪-‬لعادة النظر في حكم اتخاذ النقود سلعا‪ً,‬‬
‫وما تفضي إليه هذه المعاملت من مفاسد وأخطار على الفرد والمجتمع ؟ أم‬
‫نحتاج إلى جنائز ومرضى ومفلسين أكثر عددًا‪ ،‬حتى تتحقق لدينا القناعة‬
‫بذلك ؟!!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫النكتة عند العلماء محمد خليفة صديق*‬


‫الدعابة والنكتة بالحق‪ ،‬والسخرية التي تحمل ملمح الحكمة ليست مقصورة‬
‫على فئة دون أخرى في المجتمع‪ ..‬وقد تميز عدد من العلماء بالدعابة‬
‫والحكمة في الرد على التساؤلت‪ ،‬والتعامل مع بعض المواقف‪.‬‬
‫ومن أجمل ما يذكر في هذا الصدد سؤال أحدهم للمام الشعبي‪ :‬ماذا كانت‬
‫تسمى زوجة إبليس؟!؛ فقال الشعبي‪ :‬ذلك عرس لم نشهده‪.‬‬
‫والجاحظ كان كثير الدفاع عن الضحك؛ مبينا ً أثره في حياة النسان‪ ،‬وأنه جزء‬
‫من طبيعته؛ فيقول‪ :‬ولو كان الضحك قبيحا ً من الضاحك‪ ،‬وقبيحا ً من المضحك‬
‫لما قيل للزهرة‪ ،‬والحبرة‪ ،‬والحلي‪ ،‬والقصر المبني‪ :‬كأنه يضحك ضحكًا!!‪..‬‬
‫وقد قال الله جل ذكره‪) :‬وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا(؛ فوضع‬
‫الضحك بحذاء الحياة‪ ،‬ووضع البكاء بحذاء الموت(‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم يمضي الجاحظ في حديث طويل يحتج فيه للضحك‪ ،‬ويدافع‪ ،‬ويبين أثره‪،‬‬
‫وقيمته؛ ولكنه مع ذلك يضع للضحك حدودًا‪ ،‬وأنه ل ينبغي لحد أن يجاوز هذه‬
‫الحدود؛ يقول الجاحظ‪ :‬وللضحك موضع‪ ،‬وله مقدار‪ ،‬وللمزح موضع‪ ،‬وله‬
‫ل‪ ،‬والتقصير‬ ‫مقدار؛ متى ما جاوزهما أحد‪ ،‬وقصر عنهما أحد صار الفاضل خط ً‬
‫نقصًا؛ فالناس لم يعيبوا الضحك إل بقدر‪ ،‬ولم يعيبوا المزح إل بقدر‪ ،‬ومتى‬
‫أريد بالمزح النفع‪ ،‬وبالضحك الشيء الذي جعل له الضحك صار المزح جدًا‪،‬‬
‫والضحك وقارًا‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن فلسفة الجاحظ في ضحكه‪ ،‬وإضحاكه فسلفة عميقة‪ ،‬واعية‪،‬‬
‫تعتمد على أس فكرية ونفسية سبق بها كثيرا ً من المفكرين؛ فلقد قرر‬
‫الجاحظ أن النسان ل يضحك منفردا ً بمقدار ما يضحك إذا تجاوب معه‬
‫آخرون؛ وشاركوه في الحساس بالشيء المضحك؛ حيث يقول علماء‬
‫النفس‪ :‬إن الضحك سلوك اجتماعي؛ يقوم به النسان‪ ،‬ويؤدي في حياة‬
‫الفراد والجماعات وظيفة نفسية هامة من وظائف التزان العاطفي‪ ،‬وهو‬
‫السبيل إلى تحقيق ضرب من التكامل النفسي والجتماعي‪.‬‬
‫ومن ثم فالجاحظ يقرر أن الضحك يحتاج إلى وجدانية من الخرين‪ ،‬ويفهم‬
‫ذلك من خلل ما قاله في حكاية قصته مع محفوظ النقاش البخيل الذي‬
‫يدعي الكرم خشية تهكم الجاحظ وسخريته منه؛ قال الجاحظ‪ :‬صحبني‬
‫ل؛ فلما صرت قرب منزله سألني أن‬ ‫محفوظ النقاش من مسجد الجامع لي ً‬
‫أبيت عنده؛ وقال‪ :‬أين تذهب في هذا المطر والبرد؟!‪ ،‬ومنزلي منزلك!!‪،‬‬
‫وأنت في ظلمة وليس معك نار!!‪ ،‬وعندي لبأ ‪ -‬اللبأ هو اللبن الذي ينزل بعد‬
‫ولدة الغنم‪ ،‬وغيرها مباشرة ‪ -‬لم ير الناس مثله‪ ،‬وتمر ناهيك به جودة؛ ل‬
‫تصلح إل له‪ ..‬فملت معه؛ فأبطأ ساعة‪ ،‬ثم جاءني بجام لبأ‪ ،‬وطبق تمر؛ فلما‬
‫مددت يدي قال‪ :‬يا أبا عثمان! إنه لبأ وغلظة‪ ،‬وهو الليل وركوده‪ ،‬ثم ليلة‬
‫مطر ورطوبة‪ ،‬وأنت رجل قد طعنت في السن‪ ،‬ولم تزل تشكو من الفالج‬
‫طرفا‪ ،‬وما زال المرض يسرع إليك‪ ،‬وأنت في الصل لست بصاحب عشاء؛‬
‫فإن أكلت اللبأ ولم تبالغ كنت ل آكل ً ول تاركًا‪ ،‬وحرشت طباعك‪ ،‬ثم قطعت‬
‫الكل أشهى ما كان إليك‪ ،‬وإن بالغت بتنا في ليلة سوء من الهتمام بأمرك‪،‬‬
‫ل؛ وإنما قلت هذا الكلم لئل تقول غدًا‪ :‬كان وكان‪..‬‬ ‫ولم نعد ّ لك نبيذا ً ول عس ً‬
‫والله قد وقعت بين نابي أسد؛ لني لو لم أجئك به وقد ذكرته لك قلت‪ :‬بخل‬
‫به‪ ،‬وبدا له فيه‪ ..‬وإن جئت به ولم أحذرك منه‪ ،‬ولم أذكر لك كل ما عليك فيه‬
‫ي‪ ،‬ولم ينصح‪ ..‬فقد برئت من المرين جميعًا؛ فإن شئت‬ ‫قلت‪ :‬لم يشفق عل ّ‬
‫فأكلة وموتة‪ ،‬وإن شئت فبعض الحتمال ونوم على سلمة!!‪..‬‬
‫فما ضحكت قط كضحكي تلك الليلة‪ ،‬ولقد أكلته فما هضمه إل الضحك‪،‬‬
‫والنشاط‪ ،‬والسرور؛ فيما أظن‪ ..‬ولو كان معي من يفهم طيب ما تكلم به‬
‫ي‪ ،‬ولكن ضحك من كان وحده ل يكون على قدر مشاركة‬ ‫لقضى الضحك عل ّ‬
‫الصحاب اهـ‪) ..‬من كتاب البخلء(‪.‬‬
‫فهذه العبارة الخيرة التي ختم بها الجاحظ حديثه عن محفوظ النقاش تدل‬
‫على أن الجاحظ يقرر أن الضحك مشاركة جماعية؛ فالنسان ل يضحك إل‬
‫في وجود جماعة‪ ،‬ومن ثم فالجاحظ يسبق برجسون في هذا الرأي الذي يرى‬
‫أن النسان ما كان يمكن أن يقدر المواقف المضحكة‪ ،‬أو يتذوق النكتة الطيبة‬
‫لو أنه كان يشعر بأنه يحيى في عزلة من الناس؛ وذلك لن الضحك بطبيعته‬
‫في حاجة إلى أن يردد أصداءه‪ ،‬وينشر إشعاعاته؛ فهو في صميمه ظاهرة‬
‫اجتماعية‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫النمط العزيز‬
‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪29/1/1426‬‬
‫‪10/03/2005‬‬
‫ملي‪ ،‬هما التوازن والتكامل‪.‬‬ ‫شيئان جوهرّيان يسيطران على تفكيري وتأ ّ‬
‫التكامل يعني‪ :‬القبض على رؤية عميقة وشاملة لكل الشياء التي يجب أن‬
‫نراها‪ ،‬وبالطريقة التي يجب أن ُترى بها تلك الشياء‪ .‬أما التوازن فيعني‬
‫إعطاء جوانب الحياة وجوانب الشخصية على ‪-‬وجه الخصوص‪ -‬حقها من‬
‫الرعاية والتنمية والهتمام من غير إفراط في جانب على حساب جانب آخر‪.‬‬
‫وربما أمكننا القول‪ :‬إن امتلكنا لرؤية حسنة لنوعية التكامل المطلوب هي‬
‫التي تتحكم في نهاية المر بشكل التوازن الذي نسعى إليه‪ .‬كما أن من‬
‫الممكن القول‪ :‬إن عناصر الصورة الذهنية عن )التكامل( قد تختلف من‬
‫شخص إلى آخر‪ .‬وقد ينحو بعضها نحو التغّير‪ ،‬كما ينحو بعضها الخر نحو‬
‫الثبات‪ ،‬في الدائرة السلمية نمط من الناس ي ُّتهم بصفاء روحه ونقاء نفسه‪،‬‬
‫ومستوى تعبده –على مقدار خبرته‪ -‬جيد‪ ،‬ولديه طيبة‪ ،‬تتصل في بعض‬
‫الحيان بطرف من الغفلة التي تصل إلى حد السذاجة‪ ،‬وكثير من هؤلء – إن‬
‫لم نقل أكثرهم‪ -‬يأخذون عن عابد أو جماعة تقاليد وطرًقا في التعبد‪،‬‬
‫ويحفظون عن ظهر قلب مقولت‪ ،‬يسيرون في ظلل دللتها وكأنها مفردات‬
‫دستور‪ ،‬ل يمكن إدخال أي تعديل على أية مادة من مواده‪.‬‬
‫ومشكلتهم أنهم كثيًرا ما يفقدون التوازن‪ ،‬ونصاب الحد الدنى من التوزيع‬
‫لهتماماتهم وأنشطتهم‪ .‬وينظرون إلى القوال المأثورة عن شيوخهم‬
‫وأسلفهم على أنها أدوات لفهم كل الوضاع والتعامل مع تحديات كل‬
‫القصور‪.‬‬
‫ويميل هذا النمط من عباد الله إلى العزلة الشعورية‪ ،‬ويجدون حالت عظيمة‬
‫من انشراح الصدر وبْرد اليقين‪ ،‬ويملكون طاقة هائلة على البذل والصرار‬
‫على الدعوة إلى ما يشعرون أنهم ظفروا به‪ ,‬وتتسم معاملتهم بالنعومة‬
‫واللطف‪ ،‬ويميلون إلى حسن الظن‪ ،‬رؤيتهم للواقع عتيقة‪ ،‬ونظرتهم‬
‫للمستقبل قاصرة ومشوشة‪ ،‬وبينهم وبين التحليل والتفلسف ما يشبه‬
‫العداوة‪ ،‬لكن لديهم روح متفائلة‪ ،‬وكثيًرا ما تكون تطّلعاتهم محدودة‪،‬‬
‫سا‪،‬‬
‫كل لديهم هاج ً‬ ‫حة التصورات‪ ،‬ل يش ّ‬ ‫والتدقيق في صفاء العقيدة وص ّ‬
‫ومعظم هؤلء عاديون في أعمالهم وإنجازاتهم؛ والناجحون فيهم قليلون كما‬
‫ققين منهم ليسوا كثيرين‪.‬‬‫أن المح ّ‬
‫ن من الناس يقف في الجهة المقابلة للنمط‬ ‫في الدائرة السلمية نمط ثا ٍ‬
‫صا‬
‫الول مع وجود الكثير من الشياء المشتركة بينهما‪ .‬هذا النمط يحرص حر ً‬
‫دا على استقامة تفكيره‪ ،‬ويكثر من النقاش حول ما يعتقد أنه يشكل‬ ‫شدي ً‬
‫دا‪،‬‬ ‫ً‬
‫انحرافا عن المنهج القويم‪ ،‬يتحدثون باستمرار عن المهم والمهم ج ً‬
‫دا‪ ،‬ويفرقون في تناول التفاصيل المتعلقة بالمة‬ ‫والخطير والخطير ج ً‬
‫ضا من ممارسة‬ ‫وبالشأن العام‪ .‬كثيرون من هؤلء فتحوا على أنفسهم باًبا عري ً‬
‫النقد‪ ،‬إنهم يتحدثون باستمرار عن المصائب والويلت التي حّلت بالمة‪،‬‬
‫ويكثرون من المقارنة بين ما لدينا‪ ،‬وما لدى الخرين‪ ،‬وتكون النتيجة في‬
‫الغالب لصالح المم الخرى‪ ،‬ولسيما الغربية منها وكثير من أفراد هذا النمط‬
‫ناجحون في أعمالهم على نحو مقبول‪ ،‬وهذا يشجعهم على أن يقترحوا على‬
‫غيرهم المشروعات‪ ،‬ويدّلوهم على طرق للرتقاء وآليات للتقدم‪ ،‬يشغلهم‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المستقبل عن كل شيء وطموحاتهم كبيرة وأحلمهم عريضة‪ .‬من أكبر‬


‫م المور التي تجعل الناس يعيشون حياتهم وفق تعليمات دينهم‪،‬‬ ‫همومهم فهْ ُ‬
‫لكن هذا النمط كثيًرا ما يشكو من برودة الروح وخمود النفعالت‪ ،‬وهو مع‬
‫حرصه على استبانة الوجهة وتحديد المسار إل أنه ل يهتم كثيًرا بتوليد‬
‫ي بهمة وعزيمة إلى آخر الطريق‪ ،‬عباداتهم كثيًرا ما‬ ‫)الطاقة( المطلوبة للمض ّ‬
‫شبه ليس بالكبير‪ .‬وكثيًرا ما يعانون من‬ ‫تكون عند الحد الدنى‪ ،‬وبعدهم عن ال ُ‬
‫ّ‬
‫تمّزقات داخلية بسبب المسافة الكبيرة التي تفصل بين وعيهم ودرجة تألق‬
‫إيمانهم‪ ،‬هذان النمطان رئيسيان في الجماهير الملتزمة وهناك أنماط فرعية‬
‫تتشعب من كل واحد منهما‪.‬‬
‫في الدائرة السلمية نمط ثالث يمكن أن نسميه )النمط العزيز( إنه عزيز –‬
‫ضا على قلوبنا‪ .‬هذا النمط جمع ثلث صفات‬ ‫نسبًيا‪ -‬في وجوده‪ ،‬وعزيز أي ً‬
‫أساسية‪ ،‬هي الوعي العميق‪ ،‬واليمان الراسخ‪ ،‬والنجاح الباهر‪ .‬وهذا شرح‬
‫موجز لهذه الصفات‪.‬‬
‫يمتاز هذا النمط بالصالة الخلقية‪ ،‬حيث السجايا الحميدة عميقة الجذور في‬
‫سدها في السلوك يتم بطريقة عفوية ومستمرة‪ ،‬وهو مكين‬ ‫النفس‪ ،‬وتج ّ‬
‫ّ‬
‫التدين‪ ،‬واليمان لديه يتجاوز صفاء المعتقد إلى الحيوية والتألق‪ ،‬إن أفراد هذا‬
‫النمط يعملون وفق )ربي وعبدك( إن الواحد منهم في نهاره يراقب الله في‬
‫عمله وجميع أنشطته‪ ،‬هذا العمل يرضي ربي‪ ،‬وهذا العمل يقربني من ربي‪،‬‬
‫جه حركته‪ ،‬وتصوغ‬ ‫هذا العمل ل يرضى عنه ربي إن صلته بالله –تعالى‪ -‬تو ّ‬
‫مواقفه وعلقاته‪ ،‬ومن تلك الصلة القدسّية يستمد الطاقة على العمل وعلى‬
‫الصمود في وجه المغريات‪ ،‬أما في ليله فكثيًرا ما يرّدد‪ :‬عبدك بحاجة إليك‪.‬‬
‫ج لفضلك‪ .‬عبدك خائف منك‪ .‬عبدك عبدك‪....‬‬ ‫عبدك را ٍ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫‪ – 2‬رسالة هذا النمط في الحياة واضحة إنها العيش للسلم وبالسلم‪ .‬من‬
‫ُينسب إلى هذا النمط يعتقد أن لكل امرئ دينين‪ :‬دينا ً معلنا ً ظاهر يمنحه نو ً‬
‫عا‬
‫من التمّيز والنتماء الشكلي‪ ،‬ودينا ً حقيقيًا‪ ،‬ودين المرء الحقيقي هو الدين‬
‫الذي يكّرس حياته من أجله‪.‬‬
‫يقرأ هذا النمط الماضي لصلح الحاضر‪ ،‬ويتخذ من معطيات الحاضر وقوًدا‬
‫لبلوغ الهداف العظمى‪ ،‬التفكير لديه إستراتيجي‪ ،‬والرؤية واضحة‪ ،‬وهو مع‬
‫ميله لليجابية‪ ،‬وتشّبعه بروح الرجاء يدرك أعباء المرحلة‪ ،‬ويعرف العلمات‬
‫الدالة على الطرق المسدودة‪ ،‬يجد معرفته ومفاهيمه‪ ،‬ويتهم نفسه‪ ،‬ويمتلك‬
‫القدرة على السماع والقتباس‪.‬‬
‫‪ – 3‬هذا النمط ناجح في عمله‪ ،‬متفوق في أدائه‪ ،‬يقدم القدوة والنموذج في‬
‫قا‪ ،‬بالحاجة إلى‬
‫كا عمي ً‬‫الكثير من جوانب شخصياته وسلوكاته‪ .‬إن لديه إدرا ً‬
‫تحقيق النجاح الباهر؛ حيث مضى زمان الشياء العادية‪ ،‬وحيث تتطلب الديون‬
‫المتأخرة على المة مضاعفة النتاج وبذل المزيد من الجهد‪.‬‬
‫هذا النمط جمع –باختصار‪ -‬بين القوة والمانة‪ ،‬كما قالت ابنة شعيب‪) :‬يا أبت‬
‫استأجره إن خير من استأجرت القوي المين(‪.‬‬
‫ينتسب هذا الطراز من الرجال إلى المام الكبير عمر بن الخطاب –رضي‬
‫طه وبعث مسيرته‪.‬‬ ‫الله عنه‪ -‬ويحاول باستمرار إحياء خ ّ‬
‫وإني لرجو أن نعمق دراستنا المستقبلية حول هذا النمط‪ ،‬كما أرجو أن نجعل‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدخول إلى عالمه شيًئا موضع تطّلع وتش ّ‬


‫وق‪ ،‬إنه نمط آسر‪ ،‬ويثير العجاب‪،‬‬
‫م ل‪ ،‬وقد اجتمع فيه أفضل ما تفرق في غيره؟!‬ ‫ول َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫النمط الوسط‬
‫أ‪.‬د‪.‬ناصر بن سليمان العمر‪ -‬المشرف العام على موقع المسلم‬
‫قال مطرف بن عبدالله بن الشخير لبنه‪ :‬يا بني! إن الحسنة بين السيئتين‪،‬‬
‫وخير المور أوسطها‪ ،‬وشر السير الحقحقة‪.‬‬
‫وقوله الحسنة بين السيئتين أي أن الحق بين فعل المقصر والغالي‪ ،‬قال‬
‫بعض السلف‪ :‬ما أمر الله بأمر إل ّ وللشيطان فيه نزعتان‪ ،‬فإما إلى غلو‪ ،‬وإما‬
‫إلى تقصير‪ ،‬فبأيهما ظفر قنع‪.‬‬
‫وقد قيل‪:‬‬
‫قك كله‬ ‫ح َ‬‫ف َ‬‫سامح ول َتستو ِ‬ ‫تَ َ‬
‫ُ‬
‫ق فلم يستوف قَط كري ُ‬
‫م‬ ‫وأب ِ‬
‫ولتغل في شيٍءمن المرِ واقتصد‬
‫م‬
‫كل طرفي قصدِ المور ذمي ُ‬
‫ً‬
‫وفي الثر‪" :‬إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق‪ ،‬فإن المنبت ل أرضا قطع‬
‫ول ظهرا ً أبقى")‪.(1‬‬
‫والغراق في كل شيء مذموم‪ ،‬وخير المور أوسطها‪ ،‬وقد عاب رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬الغراق حتى في العبادة‪ ،‬وحمل النفس منها على ما‬
‫يؤودها ويكلها‪ ،‬فما كان دونها من باب التخلق والتكلف فهو أشد مقتًا‪ ،‬فإن‬
‫هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إل ّ غلبه‪ ،‬فسددوا وقاربوا‪ ،‬وأبشروا‪،‬‬
‫واستعينوا بالغدوة والروحة‪ ،‬وشيء من الدلجة‪ ،‬والقصد القصد تبلغوا‪.‬‬
‫إن المفازة صعبة‪ ،‬ودوام السير يحسر البل‬
‫تقطع بالنزول الرض عنا وُبعد الرض يقطعه النزول‬
‫ومن كلم العرب‪ :‬شر السير الحقحقة‪ ،‬وهي شدة السير بأن يستفرغ‬
‫المسافر جهد ظهره‪ ،‬فيقطعه وينبت‪ ،‬فيهلك ظهره ول يبلغ حاجته‪.‬‬
‫قال القطامي‪:‬‬
‫قد يدرك المتأني بعض حاجته‬
‫وقد يكون مع المستعجل الزلل‬
‫ولغيره‪:‬‬
‫ه‬
‫ث أدنى لرشد ِ‬ ‫مستعج ٌ‬
‫ل والمك ُ‬
‫ولم يدر ما يلقاه حين يبادر‬
‫وعلى وجه الجمال القتصاد والتوسط‪ ،‬مغاير للتفريط والجحاف‪ ،‬أبعد عن‬
‫السآمة والتكلف‪ ،‬حاض على القبال على العمال بانشراح‪ ،‬داع لحضور‬
‫الذهن والقلب فيها‪ ،‬معين على المداومة عليها‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------------‬‬
‫* نشر ببعض الدوريات في صيفية ‪1423‬‬
‫)‪ (1‬الثر جزء من حديث "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ول تبغضوا‬
‫إلى أنفسكم عبادة الله فإن المنبت ل أرضا ً قطع ول ظهرا ً أبقى" قال ابن‬
‫حجر في الفتح‪" :‬أخرجه البزار‪ ...‬وصوب إرساله‪ ،‬وله شاهد في الزهد لبن‬
‫المبارك من حديث عبدالله بن عمرو موقوف‪ ،‬والصواب أنه ل يصح رفعه"‪،‬‬
‫قال الدارقطني‪" :‬رواه يحيى بن المتوكل عن ابن سوقة عن ابن المنكدر عن‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جابر ورواه شهاب بن خراش عن شيبان النحوي عن محمد بن سوقة بن‬


‫الحارث عن علي وروي عن ابن سوقة عن الحسن البصري مرسل وعن ابن‬
‫المنكدر قال وليس فيها حديث ثابت"‪ ،‬قال العجلوني في كشف الخفاء‪:‬‬
‫"واختلف في إرساله ووصله ورجح البخاري في تاريخه الرسال"‪ .‬قال‬
‫السخاوي‪ " :‬وهو مما اختلف فيه على ابن سوقة في إرساله ووصله وفي‬
‫رفعه ووقفه‪ ،‬ثم في الصحابي أهو جابر أو عائشة أو عمر" قال اللباني في‬
‫الضعيفة ‪ 63 /1‬بعد أن ذكر الحديث‪) :‬وهذا سند ضعيف ( _ وبه علتان ‪ .‬لكن‬
‫يغني عنه قوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إن هذا الدين يسر ‪ ،‬ولن يشاد هذا‬
‫الدين أحد إل غلبه ‪ ،‬فسددوا وقاربوا وأبشروا ‪ ...‬؛ أخرجه البخاري في‬
‫صحيحه من حديث أبي هريرة مرفوعا"‪ .‬وانظر كذلك الضعيفة ‪ 5/501‬حديث‬
‫رقم ‪.2480‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫النهر الشاعر‬
‫شعر‪ :‬أنور العطار‬
‫ب عطرا‬ ‫ً‬
‫بردى المشتهى يفكُر شعرا وهو يحيا لحنا وينسا ُ‬
‫ب حّرى‬ ‫ب من حرقة الح ّ‬ ‫في حناياهُ أضلعٌ تتناجى وقلو ٌ‬
‫ن جيل ً فجيل ً ووعى الكائنات دهرا ً فدهرا‬ ‫خبر العالمي َ‬
‫ل تيها ً وكبرا‬‫خط في مصحف الوجود سطورا ً باقيات تختا ُ‬
‫ت أنقى من الفن لل ًء وأبهى من سطعةِ العلم فكرا‬ ‫معجبا ٍ‬
‫ن تنّزى وجدا ً وتقطُر خمرا‬ ‫وى زهوا ً كراقصةِ الحا ِ‬ ‫يتل ّ‬
‫ً‬
‫مّر في الرض كالربيع ائتلقا وكأيامهِ صفاًء وبشرا‬
‫وكسا جّلق النيقة ثوبا ً عبقريا ً من نعمةِ الفجر أطرى‬
‫***‬
‫ت شعرا‬ ‫ب إلى نفـ سي ويا ملهمي إذا قل ُ‬ ‫أّيهذا النهُر الحبي ُ‬
‫ش بقلبي لحنا ً على الدهر حلوا واسرِ في خاطري فتونا وسحرا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ع ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫النهي عن البدع ومحدثات المور‪.....‬علي حسين الفيلكاوي ‪...‬‬


‫‪...‬‬
‫‪28-02-2004‬‬
‫الحمد لله الذي أرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم للعالمين بشيًرا‬
‫جا منيرا‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل‬‫ونذيرا‪ ،‬وداعًيا إلى الله بإذنه وسرا ً‬
‫دا عبده ورسوله‪.‬‬‫شريك له‪ .‬وأشهد أن محم ً‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن الله –جل وعل‪ -‬أمرنا في كتابه الكريم باتباع النبي الصادق المين‪ ،‬نبينا‬
‫محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلة والتسليم‪ ،‬وذلك بقوله سبحانه‪:‬‬
‫"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" )الحشر‪.(7/‬‬
‫وقال تعالى‪" :‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم‬
‫ذنوبكم" )آل عمران‪.(31/‬‬
‫واليات التي تحثنا على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة‪ ،‬فلذلك كان‬
‫واجًبا على المسلمين أن يتبعوا هدي محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأن ل‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يبتدعوا في دين الله ما ليس منه‪.‬‬


‫والبدع في اللغة‪ :‬هي الشياء التي يبتدعها النسان‪.‬‬
‫وأما في الشرع‪ :‬فهي كل من تعّبد لله سبحانه وتعالى بغير ما شرع عقيدة أو‬
‫قول ً أو فع ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وعرف بعض أهل العلم البدعة على أنها كل شئ كان سببه موجود في زمن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم فهو‬
‫بدعة‪.‬‬
‫وخطر البدعة عظيم حتى قال فيها ابن القيم –رحمه الله‪" :-‬تزوجت بدعة‬
‫القوال ببدعة العمال‪ ،‬فاشتغل الزوجان بالعرس‪ ،‬فلم يفجأهم إل وأولد‬
‫الزنا يعثون في بلد السلم‪ ،‬تضج منهم العباد والبلد إلى الله تعالى"‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية –رحمه الله‪" :-‬تزوجت الحقيقة الكافرة بالبدعة‬
‫الفاجرة فتوّلد بينهما خسران الدنيا والخرة"‬
‫ول شك أن النسان المسلم إن اتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وأصحابه وسار على نهجهم كان من الفائزين‪ ،‬وإن خالفهم وابتعد عن‬
‫طريقهم كان من الخاسرين‪.‬‬
‫فعن عائشة رضي الله عنها‪ ،‬قالت‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" )متفق عليه(‪.‬‬
‫وهذا الحديث يعني أنه من أحدث في شرع الله وفي دين الله ما ليس منه‬
‫فهو مردود على صاحبه غير مقبول منه‪.‬‬
‫والعمال إما ظاهرة أو باطنة‪ ،‬فالعمال الظاهرة ميزانها حديث عائشة هذا‬
‫"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"‪ ،‬والعمال الباطنة ميزانها‬
‫حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى")متفق عليه(‪.‬‬
‫فلو علم المسلمون معنى هذين الحديثين والتزموا بهما لستقام حال المة‬
‫السلمية‪ ،‬ولما ظهر فيها البدع‬
‫وعند مسلم عن جابر رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إذا خطب احمّرت عيناه‪ ،‬وعل صوته‪ ،‬واشتد غضبه‪ ،‬حتى كأنه منذر‬
‫ساكم" ويقول‪ُ" :‬بعثت أنا والساعة كهاتين" ويقرن‬ ‫كم وم ّ‬ ‫ح ُ‬
‫صب ّ َ‬
‫جيش يقول‪َ " :‬‬
‫بين أصبعيه‪ ،‬السبابة والوسطى‪ ،‬ويقول‪" :‬أما بعد‪ ،‬فإن خير الحديث كتاب‬
‫الله‪ ،‬وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وشر المور محدثاتها‪،‬‬
‫وكل بدعة ضللة"‪.‬‬
‫ويعني بقوله عليه الصلة والسلم "بعثت أنا والساعة كهاتين"‪ :‬أي أن أجل‬
‫الدنيا قريب وأنه ليس ببعيد‪ ،‬فلذلك ينبغي على المسلم أن ينتبه ويحذر‪،‬‬
‫فيجتنب البدع ويجتنب الذنوب كبيرها وصغيرها‪ ،‬وأن يجاهد نفسه على ترك‬
‫المعاصي واللتزام بشرع الله‪.‬‬
‫والبدعة من أخطر الوسائل التي يستخدمها الشيطان في استدراج النسان‪،‬‬
‫ولذلك احتجز الله التوبة عن صاحبها‪ ،‬فعن أنس ابن مالك رضي الله عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الله احتجز التوبة عن‬
‫صاحب كل بدعة" )رواه ابن أبى عاصم في السنة والطبراني وذكره اللباني‬
‫في الصحيحة رقم )‪ (1620‬وقال‪ :‬حسن(‪.‬‬
‫ول شك أن النسان المبتدع يقع في محاذير كثيرة‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن ما ابتدعه فهو ضللة بنص القرآن والسنة‪ ،‬وذلك أن ما جاء به النبي‬ ‫أو ً‬
‫صلى الله عليه وسلم فهو الحق‪ ،‬وقد قال الله تعالى‪" :‬فماذا بعد الحق إل‬
‫الضلل" )يونس‪ ،(32/‬هذا دليل القرآن‪ ،‬ودليل السنة قوله صلى الله عليه‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم‪" :‬كل بدعة ضللة" )رواه مسلم(‪ ،‬ومن هذا الحديث يتبين أن البدع‬
‫كلها ضللة‪ ،‬وأن ليس هناك بدعة حسنة‪.‬‬
‫جا عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد قال‬ ‫ثانًيا‪ :‬أن في البدعة خرو ً‬
‫الله تعالى‪" :‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم‬
‫ذنوبكم" )آل عمران‪ ،(31/‬فمن ابتدع بدعة يتعّبد لله بها فقد خرج عن اتباع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعها‪،‬‬
‫جا عن شرعة الله فيما ابتدعه‪.‬‬ ‫فيكون خار ً‬
‫وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أتى ببيان جميع ما‬
‫ُيحتاج إليه في أمر الدين والدنيا‪ ،‬وهذا كما قال الشاطبي –رحمه الله‪ -‬في‬
‫كتابه )العتصام( ل مخالف عليه من أهل السنه‪ ،‬بل وجاء في الحديث الذي‬
‫رواه الترمذي وأبوا داود وأحمد وابن ماجة بإسناد صحيح عن العرباض بن‬
‫سارية‪ :‬وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العين‬
‫ووجلت منها القلوب‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول الله‪ :‬إن هذه موعظة موّدع‪ ،‬فما تعهد‬
‫إلينا؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال‪ ":‬تركتكم على البيضاء‪ ،‬ليلها كنهارها ل يزيغ عنها بعدي إل هالك‪ ،‬من‬
‫يعش منكم فسيرى اختلًفا كثيًرا‪ ،‬فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء‬
‫ضوا عليها بالنواجذ"‪.‬‬‫الراشدين المهدّيين‪ ،‬ع ّ‬
‫دا رسول‬ ‫ثالثأ‪ ::‬أن هذه البدعة التي ابتدعها تنافي تحقيق شهادة أن محم ً‬
‫الله‪ ،‬لنه من أراد تحقيق هذه الشهادة ل بد له أن يلتزم بما جاء به النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأن ل يتعّبد بما لم يصح عنه‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬أن مضمون البدعة الطعن في السلم‪ ،‬وذلك لن المبتدع تتضمن‬
‫بدعته أن السلم لم يكتمل‪ ،‬وأنه كمل السلم بهذه البدعة‪ ،‬وقد قال الله‬
‫تعالى‪" :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم‬
‫ديًنا" )المائدة‪.(3/‬‬
‫سا‪ :‬أنه يتضمن الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وذلك لن‬ ‫خام ً‬
‫هذه البدعة التي زعمت أنها عبادة إما أن يكون الرسول صلى الله عليه‬
‫ل‪ ،‬وإما أن يكون قد علم بها ولكنه‬ ‫وسلم لم يعلم بها‪ ،‬وحينئذ ٍ يكون جاه ً‬
‫دا‪ ،‬إذ كيف نأخذ‬
‫ما للرسالة أو لبعضها‪ ،‬وهذا خطير ج ً‬ ‫كتمها‪ ،‬وحينئذٍ يكون كات ً‬
‫قا إلى هذا الظن في النبي صلى الله‬ ‫من الفعال أو القوال ما يكون طري ً‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫سا‪ :‬أن البدعة تتضمن تفريق المة السلمية‪ ،‬لن المة السلمية إذا فتح‬ ‫ساد ً‬
‫الباب لها في البدع صار هذا يبتدع شيًئا‪ ،‬وهذا يبتدع شيًئا‪ ،‬كما هو الواقع الن‪،‬‬
‫وكل منهم يظن أنه على صواب‪ ،‬وكل منهم فرح ببدعته‪ ،‬فمث ً‬
‫ل‪ :‬الذين ابتدعوا‬
‫عيد ميلد الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬وصاروا يحتفلون به يطعنون في‬
‫الذين ل يحتفلون بهذا اليوم‪ ،‬ويقولون هؤلء يبغضون النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ويكرهونه‪ ،‬ولهذا لم يفرحوا بمولده‪ ،‬والحقيقة خلف ذلك‪ ،‬إذ أن‬
‫المبتدع هو الذي تتضمن بدعته أنه يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإن‬
‫دعي أنه يحبه‪ ،‬لنه إذا ابتدع هذه البدعة والرسول صلى الله عليه‬ ‫كان ي ّ‬
‫وسلم لم يشرعها للمة‪ ،‬فذلك كأنما يتهمه بالجهل أو الكتمان‪ ،‬وحاشاه أن‬
‫يكون كذلك عليه الصلة والسلم‪ ،‬بل الخير في اتباع سنة النبي صلى الله‬
‫ديها‪ ،‬ول ينبغي للمسلم أن يشّرع كيف شاء ومتى‬ ‫شر في تع ّ‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬وال ّ‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كا مع الله في التشريع‪ ،‬بل في هذه البدع تعد ّ صريح‬ ‫شاء‪ ،‬فيجعل نفسه شري ً‬
‫على الشريعة وعلى الشارع‪.‬‬
‫سابًعا‪ :‬أن البدعة إذا انتشرت في المة اضمحلت السنة‪ ،‬ولهذا قال بعض‬
‫السلف‪" :‬ما ابتدع قوم بدعة إل أضاعوا من السنة مثلها أو أشد" وذلك لن‬
‫البدع تؤدي إلى نسيان السنن واضمحللها بين المة السلمية‪.‬‬
‫ولذلك كان المسلمون يخشون البدع‪ ،‬ويخشون الوقوع فيها‪ ،‬وَيحذ َُروَنها‬
‫ذرون المسلمين منها‪ ،‬فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول‪:‬‬ ‫ويح ّ‬
‫"إياكم وأصحاب الرأي‪ ،‬فإنهم أعداء السنن‪ ،‬أعيتهم الحاديث أن يحفظوها‪،‬‬
‫ضّلوا وََأضّلوا"‬
‫فقالوا بالرأي‪ ،‬فَ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه‪" :‬قد أصبحتم على الفطرة‪ ،‬وإنكم‬
‫دث لكم‪ ،‬فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدى الّول"‪ ،‬وقال رضي‬ ‫حدُِثون وي ُ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ست ُ ْ‬‫َ‬
‫الله عنه‪" :‬القتصاد في السنة خير من الجتهاد في البدعة"‪ ،‬وقال رضي الله‬
‫عنه‪" :‬إنا نقتدي ول نبتدي‪ ،‬ونتبع ول نبتدع‪ ،‬ولن نضل ما تمسكنا بالثر" وقال‪:‬‬
‫دا"‪،‬‬‫ن ضلل ً بعي ً‬ ‫ضل ّ ّ‬
‫موه‪ ،‬ولئن أخذتم يميًنا وشمال ً ل َت َ ِ‬ ‫"عليكم بالطريق فالَز ُ‬
‫وقال ابن عمر رضي الله عنهما‪" :‬كل بدعة ضللة‪ ،‬وإن رآها الناس حسنة"‪،‬‬
‫وقال ابن عباس رضي الله عنهما يوصي عثمان الزدي‪" :‬عليك بتقوى الله‬
‫تعالى والستقامة‪ ،‬اتبع ول تبتدع" ‪ ،‬وقال‪" :‬إن أبغض المور إلى الله تعالى‬
‫البدع"‪ ،‬وقال‪" :‬عليكم بالستقامة والثر وإياكم والبدع"‪ ،‬وقال عبدالله بن‬
‫سنة‪ ،‬يذهب الدين‬ ‫الديلمي رضي الله عنه‪" :‬ب َل ََغني أن أول ذهاب الدين ترك ال ّ‬
‫وة"‪ ،‬وقال الحسن البصري رحمه الله‪:‬‬ ‫سّنة كما يذهب الحبل قُوّة ً قُ ّ‬ ‫ة ُ‬ ‫سن ّ ً‬ ‫ُ‬
‫سّنة ‪-‬والذي ل إله إل هو‪ -‬بين الغالي والجافي‪ ،‬فاصبروا عليها رحمكم الله‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫"ال‬
‫سّنة كانوا أقل الناس فيما مضى‪ ،‬وهم أقل الناس فيما بقي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫أهل‬ ‫فإن‬
‫الذين لم يذهبوا مع أهل التراف في إترافهم‪ ،‬ول مع أهل البدع في بدعهم‪،‬‬
‫وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم‪ ،‬فكذلك إن شاء الله فكونوا" ‪ ،‬وقال‬
‫جا ول عمرة حتى‬ ‫ما ول صلةً ول ح ً‬ ‫رحمه الله‪" :‬ل يقبل الله لصاحب بدعة صو ً‬
‫ة‪ ،‬إل ازداد من‬ ‫ما وصل ً‬ ‫يدعها"‪ ،‬وقال‪" :‬صاحب البدعة ل يزداد اجتهاًدا‪ ،‬صيا ً‬
‫دا"‪ ،‬وقال‪" :‬ل تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك"‪ ،‬وقال حسان‬ ‫الله بع ً‬
‫بن عطية‪" :‬ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إل نزع الله من سّنتهم مثلها‪ ،‬ثم ل‬
‫يعيدها إليهم إلى يوم القيامة"‪ ،‬وقال يحيى بن أبي كثير‪" :‬إذا لقيت صاحب‬
‫بدعة في طريق فخذ في طريق آخر"‪ ،‬وقال سفيان الثوري‪" :‬البدعة أحب‬
‫إلى إبليس من المعصية‪ ،‬المعصية ُيتاب منها‪ ،‬والبدعة ل ُيتاب منها"‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫سّنة‪ ،‬ودع البدعه"‪ ،‬وقال ابن‬ ‫"دع الباطل‪ ،‬أين أنت عن الحق؟ اتبع ال ّ‬
‫كا–رحمه الله‪ -‬يقول‪" :‬من ابتدع في‬ ‫الماجشون –رحمه الله‪" :-‬سمعت مال ً‬
‫دا صلى الله عليه وسلم خان‬ ‫ة يراها حسنة فقد زعم أن محم ً‬ ‫السلم بدع ً‬
‫الرسالة‪ ،‬لن الله يقول‪" :‬اليوم أكملت لكم دينكم" )المائدة‪ (3/‬فما لم يكن‬
‫يومئذ ديًنا فل يكون اليوم ديًنا"‪ ،‬وقال الفضيل بن عياض‪" :‬من جلس إلى‬
‫ة فاحذروه‪ ،‬وقال‪ :‬من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج‬ ‫صاحب بدع ً‬
‫عا في طريق فخذ‬ ‫نور السلممن قلبه"‪ ،‬وقال –رحمه الله‪" :-‬إذا رأيت مبتد ً‬
‫في طريق آخر‪ ،‬ول ُيرفع لصاحب البدعةإلى الله –عز وجل‪ -‬عمل‪ ،‬ومن أعان‬
‫صاحب بدعة فقد أعان على هدم السلم"‪ ،‬وقال‪" :‬من زّوج كريمته من‬
‫مبتدع فقد قطع رحمها"‪ ،‬وقال‪" :‬اتبع طرق الهدى ول يضرك قلة السالكين‪،‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإياك وطرق الضللة ول تغتر بكثرة الهالكين"‪ ،‬وقال الشافعي–رحمه الله‪:-‬‬


‫"لن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خل الشرك خيٌر له من أن يلقاه بشئ من‬
‫الهواء" وأقوال أهل العلم أكثر من أن تحصى في ذلك‪.‬‬
‫عباد الله‪ ،‬إن هذه الثار الواردة عن السلف الصالح رحمهم الله تعالى كلها‬
‫ذر من البدع والمحدثات صغيرها‬ ‫تدعوا إلى التمسك بالكتاب والسنة‪ ،‬وُتح ّ‬
‫وكبيرها‪.‬‬
‫يقول المام أبو محمد البربهاري‪-‬رحمه الله‪ -‬في كتاب "شرح السنة‬
‫للبربهاري"‪" :‬واحذر صغار المحدثات‪ ،‬فإن صغار البدع تعود حتى تصير كباًرا‪،‬‬
‫وكذلك كل بدعة أحدثت في المة كان أولها صغيًرا يشبه الحق‪ ،‬فاغتر بذلك‬
‫من دخل فيها‪ ،‬ثم لم يستطع المخرج منها فعظمت‪ ،‬وصارت ديًنا يدان به‬
‫فخالف الصراط المستقيم‪.‬‬
‫فانظر رحمك الله كل من سمعت كلمه من أهل زمانك خاصة‪ ،‬فل تعجلن‪،‬‬
‫ول تدخلن في شئ منه حتى تسأل وتنظر هل تكلم فيه أحد من أصحاب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من العلماء‪ ،‬فإن أصبت فيه أثًرا عنهم‬
‫سك به ول تجاوزه لشئ‪ ،‬ول تختر عليه شيًئا فتسقط في النار"‪.‬‬ ‫فتم ّ‬
‫من مضار البتداع‪-:‬‬
‫حبوط العمال وإن كانت كثيرة‪.‬‬
‫من لوازمه دعوى عدم كمال الدين‪.‬‬
‫صاحبه من أعوان الشيطان ومن أعداء الرحمن‪.‬‬
‫أبغض إلى الله –عز وجل‪ -‬من كثير من المعاصي‪.‬‬
‫صاحبه ل يرجى له التوبة بخلف أهل المعاصي‪.‬‬
‫كل البدع ليس فيها شئ حسن‪.‬‬
‫أنواعها في العقيدة والعبادة وشرها بدع العقيدة‪.‬‬
‫البدع تركيه وفعلية‪ ،‬وكلها مذمومة‪.‬‬
‫إثمها متجدد ل ينقطع ما دام يعمل بها في الرض‪.‬‬
‫من أقرب مداخل الشيطان للنسان‪.‬‬
‫تؤدي إلى خلط الحق بالباطل وحيرة الغرار في التمييز بينهما‪.‬‬
‫تؤدي إلى نفرة من ليس له قدم في فهم السلم منه لكثرة ما يظن من‬
‫تكاليفه‪.‬‬
‫هذا ويجب عليك يا عبد الله أن تعلم علم اليقين أن أعظم زاجر عن الذنوب‬
‫وعن المعاصي وعن البدع والمحدثات هو خوف الله تعالى وخشية انتقامه‬
‫وسطوته‪ ،‬وحذر عقابه وغضبه وبطشه‪ ،‬كما قال‪-‬جل وعل‪" -‬فليحذر الذين‬
‫ب أليم" )النور‪.(63/‬‬ ‫يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذا ٌ‬
‫ما‬‫فاتقوا الله عباد الله‪ .‬اتقوا الله حق التقوى‪ ،‬واتبعوا ول تبتدعوا‪ ،‬واتقوا يو ً‬
‫ُترجعون فيه إلى الله‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على نبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النهي عن كتابة الحديث حفظا ً للقرآن‬


‫طريق القرآن‬
‫لم يكتب الحديث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما كتب القرآن‬
‫الكريم ولم يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه كتبة يكتبون الحديث ‪-‬‬
‫ويرى بعضهم أن ذلك يرجع إلى ندرة الوسائل الكتابية وإلى ضعف البواعث‬
‫النفسية عند أكثرهم على كتابة السنة ‪ -‬ولسنا مع هذا الرأي لن ندرة‬
‫الوسائل ل تقف أمام عمل كبير مهم ككتابة الحديث وأما البواعث النفسية‬
‫فما ل ريب فيه أنها قوية لسيما وأن الصحابة يعلمون مكانة السنة من‬
‫الدين‪.‬‬
‫وقد ثبت أن امتناع الصحابة رضي الله عنهم عن الكتابة إنما جاء عن نهي‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ‪ ":‬ل تكتبوا عني‪،‬ومن كتب عني غير‬
‫القرآن فليمحه وحدثوا عني ول حرج"‪.‬‬
‫ثم جاء الذن من الني صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص‬
‫رضي الله عنهما بالكتابة فقد جاء عن قوله ‪ ":‬كنت اكتب كل شيء أسمعه‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه‪ ،‬فنهتني قريش‪ ،‬وقالوا‬
‫أتكتب كل شيء تسمعه ؟! ورسول الله صلى الله عليه وسلم وبشر يتكلم‬
‫في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتابة‪ ،‬فذكرت ذلك لرسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال ‪ ":‬أكتب فو الذي نفسي بيده ما‬
‫يخرج منه إل الحق"‪.‬‬
‫ويمكن التوفيق بين النصين سيرا ً على طريقة أهل العلم في اعتبار الذن‬
‫بالكتابة هو آخر المرين منه صلى الله عليه وسلم ويقال‪-:‬‬
‫‪ .1‬لقد شاء الله تعالى أن يحفظ كتابه الكريم من التحريف والختلف فصانه‬
‫من كل شيء يكتب إلى جانبه حتى ولو كانت السنة التي هي وحي أيضًا‪.‬‬
‫وهذا من الشواهد على صدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ أنه صلى الله‬
‫عليه وسلم ميز كتاب الله تعالى عن سنته كي يبقى الكتاب معجزة السلم‬
‫الكبرى‪ ،‬ولول ذلك لكثرت الشروح والتعليقات على آيات القرآن الكريم ثم‬
‫اختلط المر على الكاتبين فل يستطيعون حينئذ ً تمييز النص المتعبد بتلوته‬
‫عن سائر النصوص‪ ،‬وهذا ما حدث لرسالت النبياء قبل محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم فقد اختلطت الحقيقة بالخيال والخطأ بالصواب والوحي بالرؤى‬
‫والحلم حتى ذهب الصل واختفى تحت وطأة الزيادات والضافات فلم يعد‬
‫للوحي تميزه وهيمنته وأصبح الوحي عند اليهود والنصارى بمثابة حركة الله‬
‫في التاريخ بمعنى أن كل شيء يحدث في التاريخ يضاف إلى الوحي باعتباره‬
‫إرادة الله وحركته في الحداث‪ ،‬وما القراءات الشاذة عندنا إل إضافات‬
‫تفسيرية كتبت إلى جانب اليات ثم ظن الكاتب أنها من القرآن الكريم ولكن‬
‫الكثرة من الصحابة الذين أفردوا النص ولم يكتبوا شيا ً إلى جانبه بالضافة‬
‫إلى الذين حفظوه كل هؤلء تواترت الرواية القرآنية عنهم وحكموا على‬
‫الزيادة بالشذوذ وعدم القبول‪ .‬ونستطيع القول بأن تواتر القرآن كان بتوفيق‬
‫الله وحفظه ثم بالمنهج الذي صابة ولول هذا النهي عن كتابة الحديث لتعددت‬
‫الروايات واللفاظ ولما حصل هذا التواتر‪.‬وصدق الله العظيم إذ يقول ‪) :‬إ ِّنا‬
‫ن( )الحجر‪ (9:‬وقد عقب المام الخطابي على‬ ‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬
‫ه لَ َ‬
‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ح ُ‬
‫نَ ْ‬
‫حديث النهي بقوله ‪ "-:‬وقد قيل إنه إنما نهي أن يكتب الحديث مع القرآن في‬
‫صحيفة واحدة‪ ،‬لئل يختلط به‪ ،‬ويشتبه على القارئ‪ ،‬فأما أن يكون نفس‬
‫الكتابة محظورة وتقييد العلم بالخط منهما عنه‪ ،‬فل‪ .‬وقد جار هذا القول بعد‬
‫أن قال‪" -:‬يشبهن يكون النهى متقدما ً آخر المرين الباحة "‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .2‬كان الذن منه صلى الله عليه وسلم بالكتابة بعد السنة السابعة لن‬
‫عبدالله بن عمرو هاجر مع أبيه بعد الحديبية ويظهر من النص أن عبد الله‬
‫أفرد كتابة الحديث في كتاب ولم يجعله مع القرآن‪.‬‬
‫‪ .3‬لما كانت السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نامية باعتبار توالى‬
‫صدورها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاف إليه أن هذه السنة قد‬
‫تتناول أحكاما ً مرحلية يعتريها النسخ‪ ،‬فقد كان النهي عن كتابتها له فوائده‬
‫المنهجية حتى ل يأخذ المكتوب طابع النهائية ولو أطلق العنان للصحابة من‬
‫أدل المر في الكتابة لوصلتنا نسخ عديدة فيها الختلف وكل يجزم بصحة‬
‫نسخته لذ لك كانت السياسة العامة هي النهي عن كتابة السنة فيما عدا‬
‫الذن الخاص أو في مسائل محددة ذات أنصبة وفروض وأرقام يصعب‬
‫ضبطها من عير كتاب‪ .‬وهذا المحظور يزول بوفاة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لن السنة قد توقف صدور المزيد منها إلى جانب ثبات أحكامها‬
‫ووصولها إلى المرحلة النهائية‪ .‬وكتابة الكتب بعد وفاة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ل تأخذ طابع القبول الذي تأخذه لو كتبت في عهده صلى الله عليه‬
‫وسلم بل يبقى المر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم موضع اجتهاد وحوار‬
‫وقد يحظر بعض الصحابة بعضهم لبعض ويدعى أحدهم نسخ حديث يعتبره‬
‫غيره محكما ً غير منسوخ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ .4‬لو ُقدٌر للسنة أن تجمع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لما ظهرت‬
‫هذه النزعة النقدية المنهجية التي مدت آثارها إلى مختلف جوانب المعرفة‬
‫السلمية والتي كانت ميدان تنافس بين العلماء وسبقتهم كذلك إلى يوم‬
‫القيامة بإذن الله‪.‬‬
‫‪ .5‬إن كتابة السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أمر يشغل المسلمين‬
‫بنصية السنة أكثر مما يشغلهم بالصحبة والممارسة والقتداء والمباشرة‬
‫الفعلية للسلم وهو ما يميز جيل الصحابة عن كل جيل بعدهم إذ أنهم تعاملوا‬
‫مع شخص النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬ونخلص من هذا إلى أن النهي عن‬
‫كتابة السنة كان منهيا ً نصيا ً ومنهجيا ً والذن بكتابتها كان محدودا ً في‬
‫الشخاص المعينين وفي الموضوعات التي تحتاج إلى تذكر وللوافدين الذين‬
‫يرجعون إلى أقوامهم ويريدون شيئا ً مكتوبا ً إما لتقانه وتذكره وإما زيادة في‬
‫التوثيق والتصديق‪ .‬فقد أخرج البخاري في صحيحه من رواية أبي هريرة أن‬
‫خزاعة قتلوا رجل ً من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه‪ ،‬فأخبر بذلك‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فركب راحلته فحطب فقال‪" :‬إن الله حبس عن‬
‫أهل مكة القتل أو الغيل‪ - ،‬شك أبو عبد الله ‪ ، -‬وسلط عليهم رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أل إنها لم تحل لحد قبلي ولم تحل لحد‬
‫بعدي‪ ،‬أل وإنها حلت لي ساعة من نهار‪ ،‬أل وإنها ساعتي هذه حرام‪ ،‬ل يختلي‬
‫شوكها ول يعضد شجرها ول تلتقط ساقطتها إل لمنشد‪ ،‬فمن قتل فهو بخير‬
‫النظرين‪ ،‬إما أن يعقل أو يقاد أهل القتيل"‬
‫فجاء رجل من أهل اليمن فقال‪ :‬أكتب لي يا رسول الله فقال‪ " :‬أكتبوا لبي‬
‫فلن"‪.‬‬
‫فقال رجل من قريش‪ :‬إل الذخر يا رسول الله فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا‪،‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ ":‬إل الذخر"‪.‬‬
‫قال أبو عبدالله‪ :‬يقال يقاد بالقاف‪ ،‬فقيل لبي عبدالله‪ :‬أي شيء كتب له؟‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال‪ :‬كتب له هذه الخطبة‪.‬‬


‫فل يفهم من هذا الحديث الذن العام وإنما الذن الخاص لمن إحتاج إلى‬
‫الكتابة وأما حديث عبدالله بن عمرو بن العاص ففيه أمران‪ :‬الذن بالكتابة‬
‫والرد على قولهم‪ :‬ورسول الله بشر يتكلم في الرضا والغضب‪،‬فرد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم على قولهم هذا بقوله‪ ":‬أكتب فو الذي نفسي بيده ما‬
‫يخرج منه إل الحق " وهذا الموضوع من الحديث أبلغ في العتبار وأهم من‬
‫الذن بالكتابة‪ .‬فيكون إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على قول من ظن أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كسائر البشر قد يخرجه الغضب عن الحق‬
‫والصواب فيكون سياق الحديث في معرض النكار على من زعم أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يتكلم في الرضا والغضب وقد يحمله هذا على الغضب‬
‫فيخطئ‪.‬‬
‫كتابة الحديث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بقى أمر كتابة الحديث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم موضع خلف بين‬
‫الصحابة بين النهي عن الكتابة نظرا ً لبقاء علة النهي وهي الخوف من‬
‫انشغال المسلمين بالحديث وكتابته عن القرآن وحفظه وكان هذا التجاه قويا ً‬
‫في صدر خلفة الراشدين ومن أصحاب هذا الرأي عمر وأبو سعيد الجذري‬
‫وأبو موسى الشعري رضي الله عنهم‪ .‬وذهب جمهور الصحابة إلى إباحة‬
‫كتب لهم فقد كتب عبدالله‬ ‫الكتابة وزوال المانع منها وكتب الكثيرون منهم أو ُ‬
‫بن عمرو بن العاص في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وروى البخاري‬
‫بسنده عن أبي هريرة قوله‪ " :‬ما أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم أكثر حديثا ً مني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إل عبدالله بن‬
‫عمرو بن العاص فإنه كان يكتب وأنا ل أكتب"‪.‬‬
‫وكان أنس بن مالك رضي الله عنه يكتب أو يأمر بالكتابة فقد أخرج مسلم‬
‫بسنده إلى محمود بن الربيع حديثا ً جاء فيه‪ :‬لما حدث عتبان بن مالك‪ ،‬قال‬
‫أنس‪ :‬فأعجبني الحديث فقلت لبني‪ :‬أكتبه فكتبه‪ ،‬وكتب جابر بن عبدالله‬
‫رضي الله عنهما كتابا ً صغيرا ً فيه مناسك الحج‪ ،‬وكتب سمرة بن جتدب وصية‬
‫لبنائه ضمنها أحاديث سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلها‬
‫وصية لبنائه‪.‬‬
‫ً‬
‫وذكر البخاري طرفا منها‪ .‬وكتب أبو سبرة رضي الله عنه ما أمله عليه‬
‫عبدالله بن عمرو‪.‬وهكذا فإن كتابة الحديث قد شاعت بين الصحابة حتى كان‬
‫الكاتبون منهم أكثر من الناهين عن ذلك‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أما التابعون فقد ظهر من ينادي بترك كتابة الحديث كعامر بن شراحيل‬
‫الشعبي )توفي سنة ‪103‬هـ( ويونس بن عبيد )توفي سنة ‪140‬هـ( وخالد‬
‫الحداد )توفي سنة ‪141‬هـ(‪ .‬ولكن جمهور التابعين ‪ 000‬على إباحة الكتابة‬
‫وفعلها ومنهم عبد العزيز بن مروان )توفي بعد ‪80‬هـ( الذي كتب إلى كثير بن‬
‫مرة الحضرمي وكان قد أدرك سبعين بدريًا‪ ،‬أن يكتب إلية مما سمع من‬
‫أحاديث الصحابة إل حديث أبي هريرة فإنه عندنا‪ .‬وكتب مجاهد بن جبر تلميذ‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما وخالد بن معدان الكلعي )توفي سنة ‪103‬هـ(‬
‫عرى‪ ،‬ومقسم بن بكرة )توفي سنة‬ ‫وكان علمه في مصحف له أزرار و ُ‬
‫‪101‬هـ( وكان حديثه مدونا ً في كتاب‪ ،‬وكتب عبد الرحمن بن هرمز العرج‬
‫)توفي سنة ‪117‬هـ( عن أبي هريرة كتابًا‪ ،‬وخلصة القول أن عدد الذين كتبوا‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحديث من الصحابة والتابعين يكفي للقول بأن السنة نقلت بالكتابة كما‬
‫سنة‪ :‬الرأي بكتابتها والرأي‬
‫نقلت بالمشافهة‪ ،‬واجتمع الرأيان على نقل ال ُ‬
‫بنقلها مشافهة‪.‬‬
‫تدوين الحديث‬
‫نقصد بالتدوين جمع الحاديث في ديوان واحد وهو غير الكتابة لن الكتابة‬
‫مجهود فردي حيث يقوم الراوي بكتابة مسموعاته في كتاب لنفسه‪ ،‬وأول‬
‫من عزم على تدوين الحديث عبدالعزيز بن مروان وكان أميرا ً على مصر إل‬
‫أنه مات قبل أن ينفذ عزمه فشرع في هذا العمل ولده الخليفة عمر بن‬
‫عبدالعزيز )توفي سنة ‪101‬هـ( وكان الدافع لهذا التدوين أمران‪:‬‬
‫صيانة الحديث بعد أن اتسعت رواياته من أن يختلط الصحيح منه بالموضوع‪،‬‬
‫ويروى عن ابن شهاب الزهري أنه قال‪" :‬لول أحاديث تأتينا من قبل المشرق‬
‫ننكرها ول نعرفها ما كتبت حديثا ً ول أذنت في الكتابة"‬
‫الخوف على الحديث من الضياع بموت علمائه ورواته‪ ،‬وعندما أمر عمر بن‬
‫عبدالعزيز بالتدوين كتب إلى أهل المدينة يقول " انظروا حديث رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فكتبوه‪ ،‬فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله"‪.‬‬
‫وكان على رأس المحدثين الذين ندبهم عمر بن عبدالعزيز لهذه المهمة أبو‬
‫بكر بن محمد بن حزم ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري وكان في كتاب‬
‫عمر إلى أبي بكر بن محمد بن حزم‪ " :‬انظروا ما كان من حديث النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فأكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ول تقبل إل‬
‫حديث النبي صلى الله عليه وسلم وَل ُْتفشوا العلم ولتجلسوا حتى ي َُعلم من ل‬
‫يعلم فإن العلم ل يهلك حتى يكون سرا ً "‪ ،‬وقد أمر عمر أبا بكر بن محمد بن‬
‫حزم أن يكتب له العلم من عند عمرة بنت عبدالرحمن والقاسم بن محمد‬
‫فكتب له ‪ -‬وقد نشأت عمرة في حجر عائشة رضي الله عنه وكانت من أثبت‬
‫الناس في حديث عائشة وأما القاسم بن محمد فهو ابن أخي عائشة وكان‬
‫عالم زمانه زمن فقهاء المدينة السبعة )توفي سنة ‪103‬هـ(‬

‫)‪(3 /‬‬

‫النوم‬
‫د‪ .‬محمد بن عبد الله القناص ‪24/7/1426‬‬
‫‪29/08/2005‬‬
‫النوم آية من آيات الله ونعمة من نعمه التي أمتن بها على عباده‪ ،‬وضرورة‬
‫ل َوالن َّهار َواب ْت َِغاؤُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ِبالل ّي ْ ِ‬
‫مَنامك ُ ْ‬ ‫ن آَياته َ‬ ‫م ْ‬ ‫من ضروريات الحياة‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وَ ِ‬
‫قوم يسمعون(‪ ،‬وقال تعالى‪ ) :‬أ َل َم يروا ْ أناَ‬
‫ْ ََ ْ ّ‬ ‫ك َلَيات ل ِ َ ْ ٍ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ضله إ ِ ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫ن(‪،‬‬ ‫نو‬ ‫م‬
‫ْ ٍ ُ ِ ُ َ‬‫ْ‬ ‫ؤ‬‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ت‬‫َ ٍ‬‫يا‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫في‬ ‫ِ ّ ِ‬‫ن‬ ‫إ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫صر‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫ه‬
‫َ ْ ُ ِ ِ َ َّ َ ُ ْ ِ‬ ‫في‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫نو‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫نا‬‫ْ‬ ‫ل‬
‫َ َ َ‬‫ع‬‫ج‬
‫ويحصل بالنوم الراحة والسكون وزوال التعب والمشقة وتجديد النشاط‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫سَباتا ً وَ َ‬
‫م ُ‬ ‫ل ل َِباسا ً َوالن ّوْ َ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬‫ذي َ‬ ‫والقوة‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ل ل َِباسا ً (‪،‬‬ ‫جعَل َْنا الل ّي ْ َ‬ ‫سَباتا ً وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫مك ُ ْ‬‫جعَل َْنا ن َوْ َ‬
‫شورًا(‪ ،‬وقال تعالى‪) :‬وَ َ‬ ‫الن َّهاَر ن ُ ُ‬
‫والسلم الذي اتصفت تعاليمه وتشريعاته بالشمول والكمال بحيث اعتنى‬
‫بالنسان في جميع مراحله وكافة جوانب حياته لم يغفل حالة النوم والتي‬
‫يقضي النسان فيها حوالي ثلث حياته بل أحاطها السلم بالداب والسنن‬
‫فمن أخذ بها تحقق له في نومه الطمأنينة والراحة‪ ،‬والهدوء والسكينة‪ ،‬وابتعد‬
‫عن القلق والرق‪ ،‬وسوف اذكر بعض هذه السنن والداب بإيجاز بحسب ما‬
‫يتسع له المقام‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذه الداب والسنن تنقسم إلى قسمين‪:‬‬


‫‪ -1‬السنن والداب القولية والفعلية عند إرادة النوم والضطجاع على‬
‫الفراش‪:‬‬
‫‪ -‬استحباب النوم مبكرا ً والحذر من السهر لغير حاجة‪:‬‬
‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫ففي حديث أِبي ب َْرَزة َ –رضي الله عنه‪ -‬أ ّ‬
‫ها‪] .‬أخرجه البخاري ح )‬ ‫ث ب َعْد َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫شاِء َوال ْ َ‬ ‫ل ال ْعِ َ‬ ‫م قَب ْ َ‬ ‫ن ي َك َْرهُ الن ّوْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫وسلم‪َ -‬‬
‫‪ ،(568‬ومسلم ح )‪ ،(647‬واللفظ للبخاري[‬
‫قال الحافظ‪ " :‬وذلك لن النوم قبلها قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقا‪،‬‬
‫أو عن الوقت المختار‪ ،‬والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح أو عن‬
‫وقتها المختار أو عن قيام الليل‪ .‬وكان عمر بن الخطاب يضرب الناس على‬
‫ما في آخره "‪] .‬فتح الباري )‪[(2/73‬‬ ‫ذلك ويقول‪ " :‬أسمًرا أول الليل ونو ً‬
‫ن‬‫ل‪ :‬كا َ‬ ‫َ‬ ‫ب –رضي الله عنه‪َ -‬قا َ‬ ‫خطا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن ال َ‬‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مَر ب ْ ِ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ويجوز السمر للحاجة فعَ ْ‬
‫ر‬
‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ْ‬
‫معَ أِبي ب َكرٍ ِفي ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫مُر َ‬ ‫س ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ي َ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬
‫ما‪] .‬أخرجه الترمذي ح )‪[(154‬‬ ‫معَهُ َ‬ ‫ن وَأَنا َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قال الترمذي‪ " :‬وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلة العشاء الخرة فكره قوم‬
‫منهم السمر بعد صلة العشاء ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما ل‬
‫بد منه من الحوائج وأكثر أهل الحديث على الرخصة"‬
‫‪ -‬الوضوء عند النوم‪:‬‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ب –رضي الله عنه‪َ ،-‬قا َ‬ ‫عازِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫ن الب ََراِء ب ْ َ ِ‬ ‫فعَ ِ‬
‫ك‬‫ق َ‬ ‫ش ّ‬ ‫جعْ عَلى ِ‬ ‫َ‬ ‫ضط ِ‬ ‫َ‬ ‫ما ْ‬ ‫صل َةِ ث ُ ّ‬ ‫ك ِلل ّ‬ ‫ضوَء َ‬ ‫ضأ وُ ُ‬ ‫ك‪ ،‬فَت َوَ ّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫وسلم‪ :-‬إ َِذا أت َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‪] .....‬أخرجه البخاري ح )‪ ،(247‬ومسلم ح )‪[(2710‬‬ ‫م ِ‬ ‫اْلي ْ َ‬
‫وإذا كان النسان عليه جنابة فيستحب له يغتسل قبل أن ينام‪ ،‬وإذا لم يتيسر‬
‫ب –رضي الله‬ ‫طا ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مَر ب ْ َ‬ ‫له الغسل فيخفف الجنابة بالوضوء ففي حديث عُ َ‬
‫ب؟‬ ‫جن ُ ٌ‬ ‫حد َُنا وَهُوَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أي َْرقُد ُ أ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫سأ َ َ‬ ‫عنهما‪ -‬أنه َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‪] .‬أخرجه البخاري ح )‪،(286‬‬ ‫جن ُ ٌ‬ ‫م فَلي َْرقُد ْ وَهُوَ ُ‬ ‫حد ُك ْ‬ ‫ضأ أ َ‬ ‫م إ َِذا ت َوَ ّ‬ ‫ل‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ومسلم ح )‪[(305‬‬
‫‪ -‬الوتر قبل النوم‪:‬‬
‫الوتر آخر الليل أفضل لمن عرف من نفسه أنه يقوم آخر الليل‪ ،‬وأما من‬
‫ل‬‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫جاب ِرٍ َقا َ‬ ‫خشي أل يقوم آخر الليل فيوتر قبل أن ينام ففي حديث َ‬
‫ل فَل ُْيوت ِْر‬ ‫خا َ َ‬
‫خرِ الل ّي ْ ِ‬ ‫نآ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ن َل ي َ ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ -‬‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شُهود َةٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خرِ الل ّي ْ ِ‬ ‫صَلةَ آ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل فَإ ِ ّ‬ ‫خَر الل ّي ْ ِ‬ ‫خَره ُ فَل ُْيوت ِْر آ ِ‬ ‫مآ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مع َ أ ْ‬ ‫ن طَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫أوّل َ ُ‬
‫وذ َل ِ َ َ‬
‫ل‪] .‬أخرجه مسلم ح )‪[(755‬‬ ‫ض ُ‬ ‫ك أفْ َ‬ ‫َ‬
‫خِليِلي ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫صاِني َ‬ ‫و‬ ‫ل‪ :‬أ َ‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫عنه‪-‬‬ ‫الله‬ ‫–رضي‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫بي‬ ‫وعَن أ َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ ِ‬
‫ن‬ ‫شهر ورك ْعتي الضحى وأ َن ُأوت ِر قَب َ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫وسلم‪ -‬بث ََلث‪ :‬صيام ث ََلث َة أ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ٍ ََ‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ٍ ْ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫يا‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫م " ]أخرجه البخاري ح )‪ ،(731‬ومسلم ح )‪[(1178‬‬ ‫َ‬
‫أَنا َ‬
‫‪ -‬نفض الفراش قبل النوم‪:‬‬
‫ل‪:‬‬ ‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ -‬قا َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫فع َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ة إ َِزارِهِ فَلي َن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫س ّ‬ ‫ه وَلي ُ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ض ب َِها فَِرا َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خل َ‬ ‫خذ ْ َدا ِ‬ ‫شهِ فَلي َأ ُ‬ ‫م إ ِلى فَِرا ِ‬ ‫حد ُك ْ‬ ‫إ َِذا أَوى أ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫ج ْ‬‫ضط ِ‬ ‫جعَ فَلي َ ْ‬ ‫ضط ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫شهِ فَإ َِذا أَراد َ أ ْ‬ ‫ه ب َعْد َه ُ عَلى فَِرا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫خل َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ل ي َعْل ُ‬ ‫ه فَإ ِن ّ ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬
‫ن‪] ....‬أخرجه البخاري ح )‪ ،(6320‬ومسلم ح )‪[(2714‬‬ ‫م ِ‬ ‫قهِ اْلي ْ َ‬ ‫ش ّ‬ ‫عََلى ِ‬
‫‪ -‬الضطجاع على الشق اليمن‪:‬‬
‫وقد دل عليه حديث أبي هريرة‪ ،‬وحديث البراء بن عازب رضي الله عنهما كما‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تقدم‪.‬‬
‫‪ -‬وضع اليد اليمنى تحت الخد‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬ ‫ة رضي الله عنها‪َ ،‬زوِْج الن ّب ِ ّ‬ ‫ص َ‬ ‫ف َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن أم المؤمنين َ‬ ‫فعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَنى‬ ‫ضعَ ي َد َهُ ال ْي ُ ْ‬ ‫ن ي َْرقُد َ وَ َ‬ ‫ن إ َِذا أَراد َ أ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ -‬‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫أ ّ‬
‫مَراٍر‪ [.‬أخرجه‬ ‫ث ِ‬ ‫ك‪ ،‬ث َل َ َ‬ ‫عَباد َ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫م ت َب ْعَ ُ‬ ‫ك ي َوْ َ‬ ‫ذاب َ َ‬ ‫م قِِني عَ َ‬ ‫ل‪ :‬الل ّهُ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫خد ّ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ح َ‬ ‫تَ ْ‬
‫أبو داود ح )‪[(5045‬‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إ َِذا‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ل‪َ " :‬‬ ‫ة –رضي الله عنه‪َ -‬قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫وع َ ْ‬
‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ّ‬ ‫أَ َ‬
‫ت‬‫مو ُ‬ ‫كأ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م ِبا ْ‬ ‫ل‪ :‬اللهُ ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫خد ّهِ ث ُ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫ح َ‬ ‫ضعَ ي َد َه ُ ت َ ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ن اللي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ َ‬
‫مات ََنا وَإ ِل َي ْهِ الن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شوُر‪.‬‬ ‫ما أ َ‬ ‫حَياَنا ب َعْد َ َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ظ َقا َ‬ ‫ق َ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫حَيا وَإ َِذا ا ْ‬ ‫وَأ ْ‬
‫]أخرجه البخاري ح )‪[(6314‬‬
‫‪ -‬كراهة النوم على البطن‪:‬‬
‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ –رضي الله عنه‪َ -‬قا َ‬
‫ل َرأى َر ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫ه‪] .‬أخرجه الترمذي‬ ‫ّ‬
‫حب َّها الل ُ‬ ‫ة ل يُ ِ‬ ‫َ‬ ‫جعَ ٌ‬ ‫ض ْ‬ ‫ن هَذِهِ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫جًعا عَلى ب َطن ِهِ ف َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ضط ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫جل ُ‬ ‫ً‬ ‫َر ُ‬
‫ح )‪[(2692‬‬
‫‪ -‬الذكار عند النوم‪:‬‬
‫ورد أذكار عديدة تشرع عند النوم يستحب للمسلم أن يحافظ على ما تيسر‬
‫منها ومن ذلك ما جاء في الحاديث التالية‪:‬‬
‫َ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ب َقا َ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إ َِذا أت َي ْ َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫عازِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫* حديث الب ََراِء ْب ْ ِ‬
‫َ‬
‫ل‪ :‬الل ّهُ ّ‬
‫م‬ ‫م قُ ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ك اْلي ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ش ّ‬ ‫جعْ عََلى ِ‬ ‫ضط َ ِ‬ ‫ما ْ‬ ‫صَلةِ ث ُ ّ‬ ‫ك ِلل ّ‬ ‫ضوَء َ‬ ‫ضأ وُ ُ‬ ‫ك فَت َوَ ّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ري إ ِلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ة وََرهْب َ ً‬ ‫ك َرغْب َ ً‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ظ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ري‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ُ ْ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫و‬
‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫هي‬ ‫ِ‬ ‫ج‬‫ْ‬ ‫أ ْ ْ ُ َ‬
‫و‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت وَب ِن َب ِي ّ َ‬
‫ك‬ ‫ذي أن َْزل ْ َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ت ب ِك َِتاب ِ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫مآ َ‬ ‫ك الل ّهُ ّ‬ ‫ك إ ِّل إ ِل َي ْ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫من ْ َ‬ ‫جأ وََل َ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ك َل َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ت َت َك َل ّ ُ‬
‫م‬ ‫خَر َ‬ ‫نآ ِ‬ ‫جعَل ْهُ ّ‬ ‫فط َْرةِ َوا ْ‬ ‫ت عََلى ال ْ ِ‬ ‫ك فَأن ْ َ‬ ‫ن ل َي ْل َت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ت فَإ ِ ْ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ت‬‫من ْ ُ‬ ‫مآ َ‬ ‫ت الل ّهُ ّ‬ ‫ما ب َل َغْ ُ‬ ‫م فَل َ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل فََرد ّد ْت َُها عََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫ب ِهِ َقا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سول ِك َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ب ِك َِتاب ِ َ‬
‫ت‬ ‫سل َ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫ل ل وَن َب ِي ّك ال ِ‬ ‫ت وََر ُ‬ ‫ت قُل ُ‬ ‫ذي أن َْزل َ‬ ‫ك ال ِ‬
‫َ‬
‫جًل‪ ،‬إ َِذا أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه‪،‬‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ َ‬ ‫مَر َر ُ‬ ‫هأ َ‬ ‫مَر‪ ،‬رضي الله عنهما‪ ،‬أن ّ ُ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫* حديث عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ها‪ ،‬ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫حي َي ْت ََها‬ ‫نأ ْ‬ ‫ها‪ ،‬إ ِ ْ‬ ‫حَيا َ‬ ‫م ْ‬ ‫مات َُها وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫ت ت َوَّفا َ‬ ‫سي وَأن ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ :‬الل ّهُ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ج ٌ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ة‪ .‬فَ َ‬ ‫ك ال َْعافِي َ َ‬ ‫سأل ُ َ‬ ‫م إ ِّني أ ْ‬ ‫فْر ل ََها‪ .‬الل ّهُ ّ‬ ‫مت َّها َفاغْ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫فظ َْها‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫َفا ْ‬
‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله‬ ‫قا َ‬ ‫مَر؟ فَ َ‬ ‫ت هَ َ‬ ‫َ‬
‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مَر‪ِ ،‬‬ ‫ن عُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ْرٍ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ِ :‬‬ ‫ن عُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫أ َ‬
‫عليه وسلم‪] .-‬أخرجه مسلم ح )‪[(2712‬‬
‫* حديث عَل ِ َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫ما ت َط ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫حى ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫قى ِ‬ ‫ما ت َل ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫شت َك َ ْ‬ ‫سَلم ا ْ‬ ‫ة عَل َي َْها ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن َفاط ِ َ‬ ‫يأ ّ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ل الل ّه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أ ُتي بسبي فَأ َتته تسأ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ِ ً‬ ‫د‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫َْ ُ َ ْ ُ‬‫ل‬ ‫ِ َ ِ َ ْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫سو‬ ‫ن َر ُ‬ ‫فَب َل َغََها أ ّ‬
‫ك‬‫ت ذ َل ِ َ‬ ‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فَذ َك ََر ْ‬ ‫جاَء الن ّب ِ ّ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ل َِعائ ِ َ‬ ‫ه فَذ َك ََر ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫وافِ ْ‬ ‫م تُ َ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫ما َ‬ ‫كان ِك ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل عَلى َ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫جعََنا فَذ َهَب َْنا ل ِن َ ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خلَنا َ‬ ‫ه فَأَتاَنا وَقَد ْ د َ َ‬ ‫ةل ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماه ُ إ َِذا‬ ‫سألت ُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫خي ْرٍ ِ‬ ‫ما عَلى َ‬ ‫ل أل أد ُلك ُ َ‬ ‫قا َ‬ ‫صد ِْري فَ َ‬ ‫مي ْهِ عَلى َ‬ ‫ت ب َْرد َ قَد َ َ‬ ‫جد ْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أَ َ‬
‫حا ث َلًثا‬ ‫سب ّ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫دا ث َلًثا وَث َلِثي َ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫ه أْرب ًَعا َ وَث َلِثي َ‬ ‫ما فَكب َّرا الل َ‬ ‫جعَك َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما َ‬ ‫خذ ْت ُ َ‬
‫ه‪] .‬أخرجه البخاري ح )‪ ،(3113‬ومسلم‬ ‫ما ُ‬ ‫سأل ْت ُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن فَإ ِ ّ‬ ‫وَث ََلِثي َ‬
‫ح )‪[(2727‬‬
‫‪ -‬استحضار نية قيام الليل عند النوم‪:‬‬
‫ن‬ ‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ -‬قا َ‬ ‫فع َ‬
‫م ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ن أِبي الد ّْرَداِء ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أن الن ّب ِ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أ ََتى فَِرا َ‬
‫ح كت ِ َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫حّتى أ ْ‬ ‫ه عَي َْناه ُ َ‬ ‫ل فغَلب َت ْ ُ‬ ‫ن اللي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صلي ِ‬ ‫م يُ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫وي أ ْ‬ ‫ه وَهُوَ ي َن ْ ِ‬ ‫ش ُ‬
‫ل‪] .‬أخرجه النسائي ح )‬ ‫ج ّ‬ ‫ن َرب ّهِ عَّز وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة عَل َي ْهِ ِ‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ن َوْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫وى وَ َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫لَ ُ‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪[(1765‬‬
‫‪ -‬قراءة بعض اليات والسور مثل‪:‬‬
‫* قراءة آية الكرسي‪:‬‬
‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫ر‬
‫َ ِ َ ُ‬‫ني‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ل‪:‬‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫عنه‪-‬‬ ‫الله‬ ‫‪-‬رضي‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ‬ ‫فعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قل ْ ُ‬
‫ت‬ ‫ه فَ ُ‬ ‫خذ ْت ُ ُ‬ ‫ن الط َّعام ِ فَأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حُثو ِ‬‫ل يَ ْ‬‫جعَ َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫ن فَأَتاِني آ ٍ‬ ‫ضا َ‬‫م َ‬‫كاةِ َر َ‬ ‫ظ َز َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح ْ‬‫وسلم‪ -‬ب ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َل َْرفَعَن ّ َ‬
‫ل إ َِذا أوَي ْ َ‬
‫ت‬ ‫قا َ‬ ‫ث فَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فَذ َك ََر ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ك إ َِلى َر ُ‬
‫قَرب ُ َ‬
‫ك‬ ‫ظ وََل ي َ ْ‬ ‫حافِ ٌ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ل عَل َي ْ َ‬ ‫ن ي ََزا َ‬ ‫ي لَ ْ‬
‫س ّ‬ ‫ة ال ْك ُْر ِ‬ ‫ك َفاقَْرأ ْ آي َ َ‬ ‫ش َ‬ ‫إ َِلى فَِرا ِ‬
‫ب َذا َ‬
‫ك‬ ‫ذو ٌ‬ ‫ك وَهُوَ ك َ ُ‬ ‫صد َقَ َ‬‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫قا َ‬
‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫ح فَ َ‬ ‫صب ِ َ‬‫حّتى ت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ٌ‬‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪] .‬أخرجه البخاري ح )‪ ،(3275‬ومسلم ح )‪[(505‬‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ٌ‬ ‫َ‬
‫‪ -‬قراءة اليتين الخيرتين من سورة البقرة‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى‬ ‫سو ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫سُعودٍ ال ْب َد ْرِيّ ‪-‬رضي الله عنه‪َ -‬قا َ‬ ‫َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ففي حديث أِبي َ‬
‫ما ِفي ل َي ْل َةٍ ك َ َ‬ ‫َ‬ ‫سوَرةِ ال ْب َ َ‬
‫ه‪.‬‬‫فَتا ُ‬ ‫ن قََرأهُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرةِ َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫نآ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫الله عليه وسلم‪ :-‬اْلي ََتا ِ‬
‫]أخرجه البخاري ح )‪ ،(4008‬ومسلم ح )‪[(807‬‬
‫‪ -‬قراءة قل هو الله أحد والمعوذتين‪:‬‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ش َ َ‬ ‫عائ ِ َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن إ ِذا أَوى إ ِلى فَِرا ِ‬ ‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كا َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ففي حديث َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫َِ ّ‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫و‬
‫ُ َ ٌ َ‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫و‬
‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ما‬ ‫َ ِ ِ َ‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫في‬
‫ْ ِ ّ َ َ ِ ِ َ‬ ‫ث‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫مع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ل ل َي ْل َةٍ َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫َ‬ ‫ق وَ قُ ْ‬ ‫ال ْ َ َ‬
‫ما‬ ‫سدِهِ ي َب ْد َأ ب ِهِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫طاع َ ِ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ح ب ِهِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫س ثُ ّ‬ ‫ب َالّنا ِ‬ ‫عوذ ُ ب َِر ّ‬ ‫لأ ُ‬ ‫فل ِ‬
‫ك ث ََل َ‬ ‫ْ‬
‫ت‪.‬‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫سدِهِ ي َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما أقْب َ َ‬ ‫جهِهِ وَ َ‬ ‫سهِ وَوَ ْ‬ ‫عََلى َرأ ِ‬
‫‪ -‬كراهية النوم على سطح غير محجور‪:‬‬
‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ن ‪-‬رضي الله عنه‪َ ،-‬قا َ‬ ‫شي َْبا َ‬ ‫ي بن َ‬ ‫ن عَل ِ ّ‬ ‫فعَ ْ‬
‫ة‪.‬‬ ‫م ُ‬ ‫ه الذ ّ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫قد ْ ب َرِئ َ ْ‬ ‫جاٌر‪ ،‬فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ِ‬ ‫سل ُ‬ ‫َ‬ ‫ت لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ت عَلى ظهْرِ ب َي ْ ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َبا َ‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم‪َ : -‬‬
‫]أخرجه أبو داود ح )‪) (4384‬حجار(‪ :‬ساتر وحاجز كحائط وغيره يمنعه من‬
‫السقوط‪[.‬‬
‫‪ -2‬السنن والداب القولية والفعلية عند الستيقاظ‪:‬‬
‫‪ -‬ما يقول إذا كان يفزع في منامه‪:‬‬
‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫شعيب‪ ،‬عَ َ‬
‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ه‪ ،‬أ ّ‬ ‫جد ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ه‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ن أِبي ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن ُ َ ْ ٍ‬ ‫رو ب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ت اللهِ الّتا ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫عوذ ُ ب ِكل ِ َ‬ ‫قل‪ :‬أ ُ‬ ‫م‪ ،‬فلي َ ُ‬ ‫م ِفي الن ّوْ ِ‬ ‫حد ُك ْ‬ ‫وسلم‪ -‬قال‪ :‬إ َِذا فزِع َ أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن‪ .‬فإ ِن َّها ل ْ‬ ‫َ‬ ‫ضُرو ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫طي ِ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫مَزا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ ِ‬ ‫عَبادِ ِ‬ ‫شّر ِ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫قاب ِ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ضب ِهِ وَ ِ‬ ‫غَ َ‬
‫ه‪] .‬أخرجه الترمذي ح )‪ ،(3451‬وقال‪ :‬حديث حسن غريب[‬ ‫ضّر ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫‪ -‬ما يقول إذا تعاّر من الليل أو استيقظ‪:‬‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ت ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬عَ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عن عَُباد َة ُ ب ْ ُ‬
‫ه‬ ‫ك وَل َ ُ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ه‪ ،‬ل َ ُ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫حد َه ُ َل َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫ل َل إ ِل َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ت ََعاّر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫َقا َ‬
‫هّ‬ ‫ه َوالل ُ‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ وَل إ ِل َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫مد ُ ل ِلهِ وَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ديٌر ال َ‬ ‫ْ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مد ُ وَهُوَ عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه فَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جي َ‬ ‫ست ُ ِ‬ ‫عا ا ْ‬ ‫فْر ِلي أ َوْ د َ َ‬ ‫م اغ ْ ِ‬ ‫ل الل ّهُ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ل وََل قُوّة َ إ ِّل ِبالل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫حو ْ َ‬ ‫أك ْب َُر وََل َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ه‪] .‬أخرجه البخاري ح )‪[(1154‬‬ ‫صَلت ُ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫صّلى قُب ِل َ ْ‬ ‫ضأ وَ َ‬ ‫ت َوَ ّ‬
‫ن إ َِذا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عائ ِ َ‬
‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كا َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ه عَن َْها أ ّ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫سأ َل ُكَ‬ ‫َ ْ‬
‫ك ل ِذ َنبي وأ َ‬
‫ِْ‬ ‫َ‬ ‫فُر‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫مأ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫حان َك اللهُ ّ‬ ‫َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ه إ ِل أن ْ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‪ :‬ل إ ِل َ‬ ‫َ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ن اللي ْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫م ْ‬ ‫قظ ِ‬ ‫َ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ن ل َد ُن ْكَ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِلي ِ‬ ‫ما وَل ت ُزِغ ْ قَلِبي ب َعْد َ إ ِذ ْ هَد َي ْت َِني وَهَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫عل ً‬‫ْ‬ ‫م زِد ِْني ِ‬ ‫مت َك اللهُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫ب‪].‬أخرجه أبو داود ح )‪[(4402‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها ُ‬ ‫ت الوَ ّ‬ ‫ة إ ِن ّك أن ْ َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫‪ -‬ما يقول إذا قام من الليل يتهجد‪:‬‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إ َِذا‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ما قال كا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه عَن ْهُ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س َر ِ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫فعن اب ْ َ‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر َ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ت قَي ّ ُ‬ ‫مد ُ أن ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ل‪ :‬الل ّهُ ّ‬ ‫جد ُ َقا َ‬ ‫ل ي َت َهَ ّ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ت ُنوُر‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن وَل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫مد ُ ل َ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن وَل َ َ‬
‫مد ُ أن ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ِفيهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر َ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ك ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ِفيهِ ّ‬
‫ض وَل َكَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫مل ِك ال ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مد ُ أن ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن وَلك ال َ‬ ‫ن ِفيهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬
‫َ‬
‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫حقّ َوالّناُر‬ ‫َ ّ َ َ ّ ُ َ‬‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫َ ّ َ ْ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ؤ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ ّ َِ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫د‬
‫َ ّ َ َ ْ ُ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬‫ح ْ ُ ْ َ‬
‫ن‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ال ْ َ‬
‫م لَ َ‬
‫ك‬ ‫حقّ الل ّهُ ّ‬ ‫ة َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫حقّ َوال ّ‬ ‫مد ٌ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ -‬‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫حق ّ و َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫حقّ َوالن ّب ِّيو َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫حا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ص‬ ‫خا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫َ ْ ُ َِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َِ‬ ‫ُ َِ ْ‬ ‫َ ْ ُ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫أ ْ ْ ُ َِ‬
‫ب‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما أ َ ّ‬
‫ت‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫م َ‬‫ت ال ْ ُ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫ما أعْل َن ْ ُ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫سَرْر ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫خْر ُ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما قَد ّ ْ‬ ‫فْر ِلي َ‬ ‫َفاغْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‪] .‬أخرجه البخاري ح )‪ ،(1120‬ومسلم ح‬ ‫ه غَي ُْر َ‬ ‫ت أوْ ل إ ِل َ‬ ‫ه إ ِل أن ْ َ‬ ‫خُر ل إ ِل َ‬ ‫مؤ َ ّ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫)‪[(769‬‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ث َر ُ‬ ‫حد ّ َ‬ ‫ة فَت َ َ‬ ‫مون َ َ‬ ‫مي ْ ُ‬ ‫خالِتي َ‬ ‫َ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل‪ :‬ب ِ ّ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ه عَن ْهُ َ‬ ‫ّ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س َر ِ‬
‫َ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫وع َ ْ‬
‫خُر‬ ‫ْ‬
‫ل ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ث اللي ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ث ُل ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َرقَد َ فَل ّ‬ ‫ة ثُ ّ‬ ‫ساعَ ً‬ ‫معَ أهْل ِهِ َ‬ ‫الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ -‬‬
‫َْ‬
‫ف الل ّي ْ ِ‬
‫ل‬ ‫خت َِل ِ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل َ ِ‬
‫ن ِفي َ ْ‬ ‫ل‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ماِء فَ َ‬ ‫س َ‬ ‫قَعَد َ فَن َظ ََر إ َِلى ال ّ‬
‫صّلى إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫والن ّهار َلَيا ٍ ُ‬
‫شَرةَ َرك ْعَ ً‬
‫ة‬ ‫دى عَ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ست َ ّ‬ ‫ضأ َوا ْ‬ ‫م فَت َوَ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫ت ِلوِلي اْلل َْبا ِ‬ ‫َ ََ ِ‬
‫ح‪] .‬أخرجه البخاري ح )‬ ‫صب ْ َ‬ ‫صلى ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫جف َ‬ ‫َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ب ِل ٌ‬ ‫م أذ ّ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫صلى َركعَت َي ْ ِ‬ ‫لف َ‬
‫‪ ،(4569‬ومسلم ح )‪[(763‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫ش َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫سأل ْ ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ف َقا َ‬ ‫ن عَوْ ٍ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن عَب ْدِ الّر ْ‬ ‫ة بْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫وعن أبي َ‬
‫ل‬‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه إ َِذا َقا َ‬ ‫صَلت َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فت َت ِ ُ‬ ‫ي الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ي َ ْ‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ب ِأ َيّ َ‬
‫ل‬ ‫كاِئي َ‬ ‫مي َ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫جب َْراِئي َ‬ ‫ب َ‬ ‫م َر ّ‬ ‫ه الل ّهُ ّ‬ ‫صَلت َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ل افْت َت َ َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ن إ َِذا َقا َ‬ ‫كا َ‬ ‫ت َ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫شَهاد َةِ أن ْ َ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬ ‫عال ِ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل َفاط َِر ال ّ‬ ‫سَراِفي َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ك‬‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫حقّ ب ِإ ِذ ْن ِ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِفيهِ ِ‬ ‫خت ُل ِ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ن اهْدِِني ل ِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫عَبادِ َ‬ ‫ِ‬
‫م‪] .‬أخرجه أحمد ح )‪[(25266‬‬ ‫َ‬ ‫ن تَ َ‬
‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫شاُء إ ِلى ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ت َهْ ِ‬
‫‪ -‬ما يقول إذا رأي رويا في منامه‪:‬‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ن أ َِبيهِ َقا َ‬ ‫ن أِبي قََتاد َة َ عَ ْ‬
‫فعن عَبد الل ّه ب َ‬
‫ِ ْ ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫خافُ ُ‬
‫ه‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫حل ً‬ ‫م ُ‬ ‫حد ُك ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫حل َ‬ ‫ن فَإ َِذا َ‬ ‫شي ْطا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫حل ُ‬ ‫ن اللهِ َوال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫الّرؤَْيا ال ّ‬
‫ه‪] .‬أخرجه البخاري ح‬ ‫ضّر ُ‬ ‫ها فَإ ِن َّها ل ت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫شّر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫سارِهِ وَلي َت َعَوّذ ْ ِباللهِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫صق ْ ع َ ْ‬ ‫فَل ْي َب ْ ُ‬
‫)‪ ،(3292‬ومسلم ح )‪[(2261‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫ضِني َ‬ ‫مرِ ُ‬ ‫َ‬
‫ت أَرى الّرؤَْيا فت ُ ْ‬ ‫قد ْ ك ن ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬ل َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫وعن أبي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت أ ََبا قَتاد َة َ ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ضِني َ‬ ‫مرِ ُ‬ ‫ت لَرى الّرؤَْيا ت ُ ْ‬ ‫قول وَأَنا كن ْ ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫أى‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫يا‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫وسلم‪-‬‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫‪-‬صلى‬
‫َ ُ ْ َ ُ ِ ّ‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫َ َ َ ُ ِ ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شّر‬ ‫ن َ‬ ‫ّ َ َ ِ ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َََ ّ ِ ِ ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫أى‬ ‫ر‬ ‫ب َِ َ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ح ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ب ِهِ إ ِّل َ‬ ‫حد ّ ْ‬ ‫فََل ي ُ َ‬
‫َ‬
‫ه‪] .‬أخرجه البخاري ح )‬ ‫ضّر ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫دا فَإ ِن َّها ل َ ْ‬ ‫ح ً‬ ‫ث ب َِها أ َ‬ ‫حد ّ ْ‬ ‫ل ث ََلًثا وََل ي ُ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن وَل ْي َت ْ ِ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ ،(7044‬ومسلم ح )‪[(2261‬‬
‫ل‪:‬‬‫ه َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن ّ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫جاب ِرٍ ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬عَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ست َعِذ ْ ِباللهِ ِ‬ ‫سارِهِ ث َلًثا وَلي َ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫صق ْ ع َ ْ‬ ‫م الّرؤَْيا ي َك َْرهَُها فَلي َب ْ ُ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫إ َِذا َرأى أ َ‬
‫ه‪] .‬أخرجه مسلم ح )‪[(2262‬‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْ ِ‬ ‫ذي كا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫جن ْب ِهِ ال ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫حو ّ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ث َلًثا وَلي َت َ َ‬ ‫َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ -‬ما يقول عند القلق في النوم‪:‬‬
‫ي‬
‫ي إ ِلى الن ّب ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫م ّ‬ ‫خُزو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن الوَِليدِ ال َ‬ ‫ْ‬ ‫خال ِد ُ ب ْ ُ‬ ‫شكا َ‬ ‫َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ن أ َِبيهِ َقا َ‬ ‫ن ب َُري ْد َة َ عَ ْ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫ق فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م اللي ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫قا َ‬ ‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فَ َ‬
‫ن الَر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما أَنا ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫م َر ّ‬ ‫ل اللهُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫شك ف َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ت إ ِلى فَِرا ِ‬ ‫َ‬ ‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إ َِذا أوَي ْ َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ن ِلي‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تك ْ‬ ‫ضل ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫طي ِ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ت وََر ّ‬ ‫ما أقل ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ضي َ‬ ‫ب الَر ِ‬ ‫ت وََر ّ‬ ‫ما أظل ْ‬ ‫سب ِْع وَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ي عَّز‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬
‫ن ي َب ْغِ َ‬ ‫م أوْ أ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫حد ٌ ِ‬ ‫يأ َ‬ ‫فُرط عَل ّ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ميًعا أ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫قك كلهِ ْ‬ ‫خل ِ‬ ‫شّر َ‬ ‫م ْ‬ ‫جاًرا ِ‬ ‫َ‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ت‪] .‬أخرجه الترمذي ح )‪،(3445‬‬ ‫ه إ ِّل أن ْ َ‬ ‫ك َل إ ِل َ َ‬ ‫ه غَي ُْر َ‬ ‫ك وََل إ ِل َ َ‬ ‫ل ث ََناؤُ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫جاُر َ‬ ‫َ‬
‫وقال‪ :‬حديث ليس إسناده بالقوي[‬
‫‪ -‬التسوك إذا قام من الليل‪:‬‬
‫ن إ َِذا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫وسلم‪-‬‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫‪-‬صلى‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫ة –رضي الله عنه‪ ،-‬أ َ‬ ‫ف َ‬ ‫حذ َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ َ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫فعَ ْ‬
‫ك‪] .‬أخرجه البخاري ح )‪ ،(246‬ومسلم ح )‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ص َفاه ُ ِبال ّ‬ ‫شو ُ‬ ‫ل يَ ُ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫َقا َ‬
‫‪) (255‬يشوص(‪ :‬يدلك أو يغسل أو يحك‪[.‬‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫َ‬ ‫عائ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ة رضي الله عنها‪ ،‬أ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫ن أم المؤمنين َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫َ‬ ‫سو ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضأ‪] .‬أخرجه أبو‬ ‫ن ي َت َوَ ّ‬
‫لأ ْ‬ ‫ك قَب ْ َ‬ ‫قظ‪ ،‬إ ِل َ ت َ َ‬ ‫ست َي ْ ِ‬ ‫ل وَل َ ن ََهاٍر‪ ،‬فَي َ ْ‬ ‫ن لي ْ ٍ‬ ‫م ْ‬‫ن ل َ ي َْرقُد ُ ِ‬ ‫كا َ‬
‫داود ح )‪[(52‬‬
‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل‪ :‬كا َ‬ ‫َ‬ ‫س‪ ،‬رضي الله عنهما‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫وع َ ِ‬
‫سَتاك‪] .‬أخرجه مسلم ح )‬ ‫ُ‬ ‫ف فَي َ ْ‬ ‫صرِ ُ‬ ‫م ي َن ْ َ‬ ‫ن‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن َركعَت َي ْ ِ‬ ‫ل َركعَت َي ْ ِ‬ ‫صلي ِباللي ْ ِ‬ ‫وسلم‪ -‬ي ُ َ‬
‫‪ ،(256‬وابن ماجه ح )‪ ،(284‬واللفظ له[‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كا َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مَر – رضي الله عنهما ‪ -‬أ ّ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ك‪] .‬أخرجه أحمد ح )‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫قظ ب َد َأ ِبال ّ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َه ُ فإ َِذا ا ْ‬ ‫واك ِ‬ ‫ُ‬ ‫س َ‬ ‫م إ ِل َوال ّ‬ ‫َل ي ََنا ُ‬
‫‪.[(5979‬‬
‫‪ -‬ذكر الله عند الستيقاظ‪:‬‬
‫يشرع عند الستيقاظ من النوم أن يأتي بالذكار الواردة ومنها ما ورد في‬
‫الحاديث التية‪:‬‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ن –رضي الله عنه‪َ -‬قا َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ال ْي َ َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫* عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مد ُ ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫حَيا وَإ َِذا َقا َ‬ ‫ت وَأ ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫كأ ُ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ِبا ْ‬ ‫شهِ َقا َ‬ ‫وسلم‪ -‬إ َِذا أَوى إ َِلى فَِرا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شوُر‪] .‬أخرجه البخاري ح )‪ ،(6312‬ومسلم‬ ‫مات ََنا وَإ ِلي ْهِ الن ّ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫حَياَنا ب َعْد َ َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ح )‪[(3339‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ل الّله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫* وعَ َ‬


‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ –رضي الله عنه‪ ،-‬أ ّ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫طان عََلى َقافية رأ ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫د‪ ،‬ي َ ْ‬ ‫ق ٍ‬‫ث عُ َ‬ ‫م ث َل َ َ‬ ‫م إ َِذا هُوَ َنا َ‬ ‫حدِك ُ ْ‬ ‫سأ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ل‪ :‬ي َ‬ ‫َقا َ‬
‫ت‬ ‫حل ْ‬‫ّ‬ ‫ه ان ْ َ‬ ‫ّ‬
‫قظ فَذ َكَر الل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫د‪ ،‬فَإ ِ ِ‬ ‫ل َفاْرقُ ْ‬ ‫وي ٌ‬ ‫لط ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‪ ،‬عَلي ْك لي ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قد َ ٍ‬ ‫ل عُ ْ‬ ‫ُ‬
‫على ك ّ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شيطا طي ّ َ‬ ‫ح نَ ِ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ة‪ ،‬فأ ْ‬ ‫قد َ ٌ‬ ‫ت عُ ْ‬ ‫حل ْ‬ ‫صلى ان ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ة‪ ،‬فإ ِ ْ‬ ‫قد َ ٌ‬ ‫ت عُ ْ‬ ‫حل ْ‬ ‫ضأ ان ْ َ‬ ‫ن ت َوَ ّ‬ ‫ة‪ ،‬فإ ِ ْ‬ ‫قد َ ٌ‬ ‫عُ ْ‬
‫ن‪] .‬أخرجه البخاري ح )‪ ،(1142‬ومسلم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل َ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ث الن ّ ْ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ح َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫س‪ ،‬وَإ ِل أ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫ح )‪[(776‬‬
‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫سو َ‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫* وعَن أ َبي هُريرةَ –رضي الله عنه‪ -‬أ َ‬
‫ّ َ ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫د‬
‫ََ ّ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫دي‬ ‫َ َ ِ‬‫س‬ ‫ج‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫فا‬ ‫عا‬
‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫َ ْ ُ ِ ِ ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫م‬‫َ ُ ْ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫ظ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‪ :‬إ َِذا ْ َ ْ‬
‫ي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬
‫َ‬
‫ه‪] .‬أخرجه الترمذي ح )‪[(3323‬‬ ‫ن ِلي ب ِذِك ْرِ ِ‬ ‫حي وَأذِ َ‬ ‫ُرو ِ‬
‫‪ -‬غسل اليدين عند الستيقاظ من النوم وقبل غمسهما في إناء الوضوء‪:‬‬
‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ -‬قا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫فع َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرة َ –رضي الله عنه‪ -‬أ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫ظ‬‫ق َ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫ا‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫يو‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ل في أ َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫إَذا توضأ أ َ‬
‫ْ‬ ‫َْ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َِ‬
‫م َل ي َد ِْري‬ ‫ل يده قَب َ َ‬
‫حد َك ُْ‬ ‫نأ َ‬ ‫ضوئ ِهِ فَإ ِ ّ‬ ‫خل ََها ِفي وَ ُ‬ ‫ن ي ُد ْ ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫س ْ َ َ ُ ْ‬ ‫مهِ فَل ْي َغْ ِ‬ ‫ن ن َوْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫أ‬
‫ه‪] .‬أخرجه البخاري ح )‪ ،(162‬ومسلم ح )‪[(237‬‬ ‫َ‬
‫ت ي َد ُ ُ‬ ‫ن َبات َ ْ‬ ‫أي ْ َ‬
‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫جاب ِرٍ –رضي الله عنه‪َ ،-‬قا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫ضوئ ِهِ َ‬ ‫ل ي َد َه ُ ِفي وَ ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ضأ‪ ،‬فَل ي ُد ْ ِ‬ ‫ن ي َت َوَ ّ‬ ‫ن الن ّوْم ِ فَأَراد َ أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حد ُك ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫إ َِذا َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضعََها؟ ]أخرجه ابن ماجه ح )‬ ‫ما وَ َ‬ ‫ت ي َد ُه ُ وَل عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ن َبات َ ْ‬ ‫ه ل ي َد ِْري أي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫سل ََها‪ ،‬فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ي َغْ ِ‬
‫‪[(389‬‬
‫‪ -‬الستنثار ثلثا‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ :‬إ َِذا‬ ‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ -‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫فع َ‬
‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرة َ –رضي الله عنه‪ ،-‬أ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬
‫ت عَلى‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ي َِبي ُ‬ ‫شي ْطا َ‬ ‫ت‪ ،‬فإ ِ ّ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫ست َن ْث ِْر ثل َ‬ ‫مهِ فلي َ ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫حد ُك ْ‬ ‫قظ أ َ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ه‪] .‬أخرجه البخاري ح )‪ ،(3295‬ومسلم ح )‪[(2389‬‬ ‫م ِ‬ ‫شي ِ‬ ‫خَيا ِ‬ ‫َ‬
‫‪ -‬الوضوء والصلة‪:‬‬
‫ل الّله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫* فع َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ –رضي الله عنه‪ ،-‬أ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫د‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ث‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫د‬ ‫ح‬ ‫طان عََلى َقافية رأ ْس أ َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫َقا َ‬
‫ٍ َ ْ ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ ِ ْ ِ‬ ‫َِ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‪ :‬ي َ ْ ِ ُ‬
‫د‬ ‫ق‬ ‫ع‬
‫ت‬ ‫ّ‬
‫حل ْ‬ ‫ه ان ْ َ‬ ‫ّ‬
‫قظ فَذ َك ََر الل َ‬ ‫َ‬ ‫ست َي ْ َ‬‫نا ْ‬ ‫د‪ ،‬فَإ ِ ِ‬ ‫ل َفاْرقُ ْ‬ ‫وي ٌ‬ ‫لط ِ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ك لي ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫ة‪ ،‬عَلي ْ َ‬ ‫قد َ ٍ‬ ‫ل عُ ْ‬ ‫على ك ُ ّ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫شيطا طي ّ َ‬ ‫ح نَ ِ‬ ‫ة‪ ،‬فَأ ْ‬
‫صب َ َ‬ ‫قد َ ٌ‬ ‫ت عُ ْ‬ ‫حل ْ‬ ‫صلى ان ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ة‪ ،‬فَإ ِ ْ‬‫قد َ ٌ‬ ‫ت عُ ْ‬ ‫حل ْ‬ ‫ضأ ان ْ َ‬ ‫ن ت َوَ ّ‬ ‫ة‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫قد َ ٌ‬ ‫عُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‪] .‬أخرجه البخاري ح )‪ ،(1142‬ومسلم‬ ‫سل َ َ‬ ‫س كَ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ث الن ّ ْ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ح َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫س‪ ،‬وَإ ِل َ أ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫ح )‪[(776‬‬
‫هذه جملة من الداب والسنن على المسلم أن يحافظ على ما تيسر منها‬
‫حتى يتحقق له في نومه الهدوء والطمأنينة والحفظ من الشيطان ومن كل‬
‫ذي شر‪ ،‬والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫النية وأثرها في العبادات والمعاملت‬


‫بقلم ‪ /‬مطرب الحربي‬
‫أخي المسلم أعلم رحمك الله ‪ :‬أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لن‬
‫البدعة ل يتاب منها والمعصية يتاب منها ‪.‬‬
‫ومعنى أن البدعة ل يتاب منها ‪ :‬أي أن المبتدع الذي يتخذ دينا ً لم يشرعه الله‬
‫ن له سوء عمله فرآه حسنا فهو ل يتوب ما دام يراه حسنا ً‬ ‫ول رسوله قد ُزي ِ َ‬
‫لن التوبة ل تكون إل عن علم بأن فعله سيئ ليتوب منه ‪ ،‬أو بأنه ترك حسنا ً‬
‫مأمورا ً به أمر إيجاب أو استحباب ليتوب ويفعله فمادام يرى فعله حسنا وهي‬
‫سيئ في نفس المر فإنه ل يتوب نسأل الله أن يوفقنا للتوبة النصوح ‪.‬‬
‫واعلم ‪ :‬أن مدار فساد القلوب واستقامتها على أصلين ‪ :‬هما فساد العلم‬
‫وفساد القصد فإذا فسد العلم والقصد فسد القلب وإذا صلح العلم والقصد‬
‫صلح القلب فيجب علينا أن نحسن العلم والقصد ونخلص النية لله وحده حتى‬
‫نحصل على ثمرة علمنا ونصل إلى الهدف المنشود الذي نريده وهو الفوز‬
‫بالجنة والنجاة من النار ‪ ،‬وحتى ل نقع في مهاوي الطريق ونحن ل نشعر بما‬
‫وقعنا فيه ‪.‬‬
‫ى ربه ويرجو ثوابه فل يقصد غرضا‬ ‫ض‬
‫ِ َ َ‬ ‫ر‬ ‫بعمله‬ ‫العبد‬ ‫يقصد‬ ‫أن‬ ‫هو‬ ‫‪:‬‬ ‫فالخلص‬
‫آخر من رئاسة أو جاه أو مال أو غيرها ‪.‬‬
‫* والقصد هو ما عقد عليه القلب وعزم على فعله بدون تردد فالقلب إذا كان‬
‫عالما ً بالحق مريدا ً للحق مقدما ً له على غيره ‪ ،‬فهو القلب الحي الصحيح ‪،‬‬
‫وإذا كان بضد ذلك كله فهو القلب الميت ‪ .‬أما إذا كان شاكا ً في الحق مرتابا ً‬
‫فيه فهو القلب المريض ‪ ،‬مرض الشبهات والشكوك ‪ ،‬وإذا كان مريدا ً للشر‬
‫ميال ً إلى المعاصي ‪ ،‬فهو المريض مرض الشهوات ‪ ،‬وأما إذا كان القلب فيه‬
‫ِغل ً أو حقدا ً على الخلق فهو المريض بالغش وعدم النصح ]‪ [2‬ولقد كانت‬
‫القلوب موضع العناية التامة عند السلف الصالح لنهم يعلمون أنها كما قال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح‬
‫الجسد كله " ‪.‬‬
‫وذلك لنها مبدأ الحركات البدنية ‪ ،‬والرادات النفسانية ‪ ،‬فإن صدرت من‬
‫القلوب إرادة صالحة تحرك البدن حركة طاعة وإن صدرت عنها إرادة فاسدة‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحرك البدن حركة فاسدة فهو كالملك والعضاء كالرعية ‪ ،‬ول شك أن الرعية‬
‫تصلح بصلح الملك وتفسد بفساده ‪ ،‬وكان واجبا ً علينا أن نكون كما كان‬
‫سلفنا في العناية بالقلوب لن بها سعادتنا بإذن الله وبها شقاءنا ‪.‬‬
‫* وينبغي للعبد في العبادات أن يكون له فيها نية مطلقة عامة ‪ ،‬ونية خاصة‬
‫مقيدة فأما النية العامة ‪ ،‬فإنه يعقد بقلبه عزما ً جازما ً ل تردد فيه ‪ ،‬إن جميع‬
‫ما عمله من العمال العتقادية والبدينة والمالية والقولية والمركبة من ذلك‬
‫مقصوده بها وجه الله والتقرب إليه وطلب رضاه واحتساب ثوابه ‪ ،‬والقيام‬
‫بما فرضه وأحبه الله لعبده وأنه عبد مطلق يتصرف العبد المملوك فهذه‬
‫النية العامة التي تأتي على عقائد الدين وأخلقه وأعماله الظاهرة والباطنة ‪،‬‬
‫ينبغي أن يجددها في قلبه كل وقت وحين ‪ ،‬لتقوى وتتم ويكمل الله للعبد ما‬
‫نقص من عمله ‪ ،‬وما أخل به وأغفله من حقوق العبادات ‪ ،‬لعل الله تعالى أن‬
‫يجزيه على تلك النية الشاملة للدقيق والجليل من عمله أجرا ً وثوابا ً عظيما ً ‪.‬‬
‫* ثم بعد تحقيق هذا الصل الكبير الذي هو أساس العمال ‪ ،‬ينبغي للعبد أن‬
‫يتعبد الله بإخلص في كل جزء من أعماله ‪ ،‬فيستحضر بقلبه أن يعلمه لله‬
‫متقربا ً به إليه ‪ ،‬راجيا ً ثوابه من الله وحده ‪ ،‬لم يحمله على ذلك العمل غرض‬
‫من الغراض سوى قصد وجه الله وثوابه ‪ ،‬ويسأل ربه تعالى أن يحقق له‬
‫خّلصه من الشوائب‬ ‫الخلص في كل ما يأتي وما يذر ‪ ،‬وأن يقوي إيمانه وي ُ َ‬
‫المنقصة ‪ ،‬وبهذه النية الصادقة يجعل الله البركة في أعمال العبد ويكون‬
‫اليسير منها بنية صالحة أفضل من الكثير الذي بدون نية ثم إذا عرضت له‬
‫العوارض المنقصات ‪ ،‬كالرياء وإرادة تعظيم الخلق ‪ ،‬فليبادر بالتوبة إلى الله‬
‫ويصرف قلبه عن هذه العوارض المنقصة لحال العبد التي ل تغني عنه شيئا ً‬
‫ول تنفعه نفعا ً عاجل ً ول آجل ً ‪.‬‬
‫ثم إذا حقق النية في العبادات ‪ ،‬فليغتنم النية في المباحات والعادات ‪ ،‬وذلك‬
‫بأمرين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن ينوي أن كل مباح يشتغل به من أكل وشرب وكسوة ونوم‬
‫وراحة وتوابعها يقصد به الستعانة على طاعة الله والقيام بواجب النفس‬
‫والهل والعائلة والمماليك ‪ ،‬ويقول ‪ :‬اللهم ما رزقتني مما أحب من عافية‬
‫وطعام وشراب ولباس ومسكن وراحة بدن وقلب وسعة رزق ‪ ،‬فإجعل ذلك‬
‫خيرا ً لي ومعونة لي على ما تحبه وترضاه ‪ ،‬وإجعل سعيي في تحصيل القوت‬
‫ي ‪ ،‬فإني أعلم‬ ‫وتوابعه أداء للمر وقياما ً بالواجب واعترافا ً بفضلك ومنتك عل ّ‬
‫أن الفضل فضلك والخير خيرك وليس لي حول ول قوة ول اقتدار على شيء‬
‫من منافعي ودفع مضاري إل بك فيتقرب إلى ربه بالستعانة بالله في ذلك‬
‫مهِ ‪ ،‬ويقصد القيام بالواجب وباحتساب الجر والثواب ‪ ،‬حتى‬ ‫وبالعتراف بن ِعَ ِ‬
‫يتحقق فيه قوله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه‬
‫ي امرأتك " ‪.‬‬
‫الله إل أجرت عليها حتى ما تجعله في ف ّ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫ثم مع هذه النية العامة التي تحيط بجميع مباحاته وعاداته فليستحضر عند كل‬
‫جزء من أجزاء عاداته تلك المقاصد الجليلة ليكون قلبه على الدوام ملتفتا ً‬
‫إلى ربه منيبا ً إليه خاشعا ً له ومعظما ً وذاكرا ً له فى كل الوقات ‪ ،‬ويكون‬
‫اشتغاله بذلك الجزء من عاداته مصحوبا ً بحسن القصد ليتم له الجر وتحصل‬
‫له المعونة من الله وينزل الله له البركة ويكون مباركا ً أينما كان ‪.‬‬
‫وكذلك إذا باشر حرثه أو صناعته أو مهنته التي يتعاطاها فليتصحب النية‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصادقة ‪ ،‬وليستعن بربه في حركاته كلها ويرجو رزقه وبركته ‪ ،‬فإن الرجاء‬
‫انتظار الفضل من الله من أجل عبادات القلب ‪ ،‬وأكبر السباب للبركة هذه‬
‫النية الصادقة ‪ ،‬مع التوكل على الله‪.‬‬
‫وليعلم العبد أن الله مسبب السباب وميسرها ‪ ،‬فإياك أن تعجب بنفسك‬
‫وحذقك وذكائك ‪ ،‬فإن هذا هو الهلك وإنما الكمال أن تخضع لربك وتكون‬
‫مفتقرا ً إليه مضطرا ً إليه على الدوام ‪.‬‬
‫ثم إنه لبد أن تكون المور على ما تحب تارة وعلى ما تكره أخرى فإذا‬
‫جاءتك على ما تحب فأكثر من حمد الله والثناء عليه وشكره لتبقى لك الن َِعم‬
‫وتنمو وتزداد ‪ ،‬وإذا أتتك على ما تكره فوظيفتك الصبر والتسليم والرضا‬
‫بقضاء الله وتدبيره لتكون غانما ً في الحالتين في يسرك وعسرك ‪.‬‬
‫يقول الشاعر ‪:‬‬
‫نفوس البرايا كالمطايا يقودها إذا عودت في كل شيء تطاوع‬
‫عودها خصال ً من التقي و علم وآداب لها الزهد رابع‬ ‫فنفسك َ‬
‫وصبر وشكر والتوكل والسخا و مع ورع فقر به العبد قانع‬
‫ومع عزلة ذكر وسابق توبة وخوف وعيد وهو في العفو طامع‬
‫وصدق وإخلص وحسن استقامة و كن راضيا ً فيما بك الحق صانع‬
‫اللهم أرنا الحق حقا ً وارزقنا اجتنابه واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين‬
‫برحمتك يا أرحم الراحمين ‪ ،‬وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين ‪.‬‬
‫______________‬
‫)‪ (1‬الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة‬
‫الفاخرة ص ‪. 210،211،245‬‬
‫)‪ (2‬موارد الظمآن لدروس الزمان ص ‪. 28‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الّنعت العظم‬
‫د‪ .‬لطف الله بن عبد العظيم خوجه)*( ‪17/7/1425‬‬
‫‪02/09/2004‬‬
‫تقوم فلسفة الوسطّية على فكرة عامة‪ ،‬ذات ثلثة اتجاهات‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬اتجاهان طرفان‪ ،‬فقدا جميع الخصائص اليجابّية للفكرة‪ ،‬أو جلها‪ ،‬وجمعا‬
‫الخصائص السلبّية منها‪.‬‬
‫‪ -‬واتجاه وسط بينهما‪ ،‬أخذ جميع الخصائص اليجابّية للفكرة‪ ،‬وترك السلبّية‬
‫منها)‪.(1‬‬
‫لن تحت فكرة واحدة‪ ،‬والفرق‬ ‫ن الوسط والطرفين جميعا ً يستظ ّ‬ ‫ومنه يتضح أ ّ‬
‫بينهما في المواقع‪:‬‬
‫ل الخطوط‪ .‬واستظ ّ‬
‫ل‬ ‫‪ -‬فالوسط اتخذ المكان الملئم‪ ،‬هو‪ :‬المنتصف من ك ّ‬
‫كنه ذلك من ُرؤية جميع الجهات والطراف بوضوح‬ ‫بالفكرة من العمق‪ ،‬وقد م ّ‬
‫كم الفضل‪ ،‬والختيار الحسن‪.‬‬ ‫تام واعتدال‪ ،‬وأتاح له التح ّ‬
‫لن الفكرة من‬ ‫طرفان فاتخذا أمكنة بعيدة‪ ،‬عن الحرف‪ ،‬فهما يستظ ّ‬ ‫ما ال ّ‬
‫‪ -‬وأ ّ‬
‫أطرافها‪ ،‬وبذلك هما في خطر الخروج‪ ،‬والدخول في غيرها‪ ،‬كالذي بين الظل‬
‫والشمس‪ ،‬وهو مقعد الشيطان)‪.(2‬‬
‫وما أشبه الوسطّية بالواقف على لوح من الخشب المستطيل المنصوب فوق‬
‫جه نحو الوسط‪ ،‬وأيّ خطأ في الحساب‪،‬‬ ‫ن أراد التوازن فعليه التو ّ‬ ‫عجلة‪ ،‬فإ ْ‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سقوط‪.‬‬ ‫في أيّ من التجاهين‪ ،‬ينتج فقدان الّتوازن ومن ثم ال ّ‬


‫والسائرون على الحبال‪ ،‬يحملون في أيديهم عصا طويلة‪ ،‬من وسطها‪ ،‬تعينهم‬
‫على التوازن وعدم السقوط‪.‬‬
‫مها العمود الوسط‪ ،‬المتمّيز في‪ :‬حجمه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأه‬ ‫والخيام ُتنصب على العمدة‪،‬‬
‫وشكله‪ ،‬وطوله‪ ،‬ومكانه‪.‬‬
‫فالوسط في كل شيء هو نقطة التوازن والعتدال‪ ،‬وبه يكون الثبوت‪ ،‬وبه‬
‫ُيجتنب السقوط‪.‬‬
‫ّ‬
‫ن نملة وقعت في حلقة ملتهبة‪ ،‬فكانت كلما اّتجهت ناحية أخذها‬ ‫وُيحكى أ ّ‬
‫دم‪،‬‬‫لهيب النار‪ ،‬فجعلت تختبر كل اتجاه‪ ،‬فحيثما شعرت بالحرارة وهي تتق ّ‬
‫دمت‪ ،‬وما زالت‬ ‫خر تق ّ‬ ‫تراجعت إلى الوراء‪ ،‬وإذا ما شعرت بالحرارة وهي تتأ ّ‬
‫ل اّتجاه‪ ،‬حتى استقّر بها المقام في أبرد نقطة‪ ،‬هي أبعدها عن‬ ‫كذلك من ك ّ‬
‫ل اتجاه‪..‬كانت تلك هي نقطة الوسط‪.‬‬ ‫حرارة الّلهب من ك ّ‬
‫طرف‬ ‫ل شيء‪ ،‬وال ّ‬ ‫تلك هي سّنة الله تعالى الكونّية‪ ،‬فالوسط هو العدل‪ ،‬في ك ّ‬
‫هو الجور‪ ،‬في كل شيء‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫روى الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النب ّ‬
‫سطًا‪] ( ...‬البقرة‪ :‬من الية ‪ ،(143‬قال‪) :‬عدل(‪.‬‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫ة وَ َ‬‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫)وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر‪(...‬‬ ‫خل ْقُ َواْل ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ولله تعالى سّنة أخرى هي‪ :‬السّنة الشرعّية‪...).‬أل ل َ ُ‬
‫]العراف‪ :‬من الية ‪ ،[54‬وهي شريعته وأمره‪ .‬أحكامها تجري وفق قانون‬
‫الوسط‪ ،‬كما في السنة الكونّية تمامًا‪ ،‬ففيها تحريض على تحّري الوسط في‬
‫ل شيء‪:‬‬ ‫ك ّ‬
‫ن()‬ ‫ّ‬
‫موا ل ِلهِ َقان ِِتي َ‬ ‫سطى وَُقو ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صلةِ الوُ ْ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫صل َ‬ ‫َ‬
‫حافِظوا عَلى ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬قال تعالى‪َ ) :‬‬
‫‪] (3‬البقرة‪[238:‬‬
‫‪ -‬وفي أثر منقطع مرسل‪" :‬خير المور أوساطها"‪.‬‬
‫مة‪ .‬في قوله تعالى‪:‬‬ ‫وأبلغ من ذلك‪ :‬جعل الوسط صفة ال ّ‬
‫ً‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫سطا‪](...‬البقرة‪ :‬من الية ‪.[143‬‬ ‫ة وَ َ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫‪ -‬قال تعالى‪) :‬وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫مة العظم‪ ،‬وشعارها الكبر‪ ،‬ولم يأت في الّنصوص وسط‬ ‫فالوسط نعت ال ّ‬
‫دين وسط‪ ،‬وأهله وسط‪ ،‬فصار هو‬ ‫ُ‬
‫ن هذا ال ّ‬ ‫بين من و من‪ ،‬بل أطلق أ ّ‬
‫ّ‬
‫المقياس للّتزان والتوازن‪ ،‬والرتكاز ونقطة الجمع‪ ،‬فكل ما خرج عنه فهو‬
‫طرف‪ ،‬وبتعبير القرآن‪) :‬على حرف(‪ ،‬وهذه قاعدة كلّية عامة‪.‬‬
‫سس في شكل فرقة‬ ‫مة تطّرف مؤ ّ‬ ‫فحين نزول الوحي إلى انقطاعه لم يكن ث ّ‬
‫و‪ ،‬كالمتبّتلين‪ ،‬فتابوا واستقاموا‪،‬‬ ‫أو مذهب‪ ،‬إل أفرادا ً لم يجدوا معينا ً على الغل ّ‬
‫ملل والمذاهب المتطّرفة‪ ،‬أي التي بعدت عن الوسط‪ ،‬صار‬ ‫ثم لما ظهرت ال ِ‬
‫سنة والجماعة وسط بين فرقة كذا وكذا‪،‬‬ ‫أهل العلم واليمان يقولون‪ :‬أهل ال ّ‬
‫في القضّية الفلنّية‪.‬‬
‫وا‬
‫م ْ‬‫سنة فهو طرف"‪ .‬فح َ‬ ‫فأعملوا قاعدة‪" :‬كل ما خرج عن نصوص الكتاب وال ّ‬
‫دين وشريعته‪.‬‬ ‫روح ال ّ‬
‫مة وسطا‪ ،‬لما بقيت‬ ‫ً‬ ‫سس للوسط‪ ،‬وتبني أ ّ‬ ‫ن النصوص الشرعّية تؤ ّ‬ ‫فلول أ ّ‬
‫مة‪ ،‬بعدما ظهرت وانتشرت الفرق والمذاهب الجانحة‪ ،‬فكان‬ ‫وسطّية في ال ّ‬
‫ن جعل شريعتها وسطا‪ ،‬وحفظ لها هذه‬‫ً‬ ‫مة أ ْ‬ ‫من نعمة الله تعالى على هذه ال ّ‬
‫ن( ]الحجر‪ ،[9:‬ليحفظ لها‬ ‫ُ‬
‫حافِظو َ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل ُ‬
‫َ‬ ‫ح ُ‬ ‫الشريعة‪) :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫وسطّيتها‪ ،‬فل تضيع بين المحدثات‪.‬‬
‫وفي كل زمان ل بد من جماعة وطائفة ملتزمة محافظة على هذا الصل‬
‫الكبير‪ ،‬ولن تزول أبدا ّ إل عند قرب الساعة‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل‬
‫مة على الحق ظاهرين"‪ .‬وتلك بشرى لجميع أهل السلم‪،‬‬ ‫تزال طائفة من ال ّ‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بحفظ دينهم الوسط‪ ،‬كما هو دون تحريف‪ ،‬وبوجود طائفة تعمل به‪ ،‬وتعلو به‬
‫ظاهرة على غيرها‪.‬‬
‫***‬
‫أسئلة حول الوسطّية‪:‬‬
‫)‪ (1‬قال الله تعالى‪} :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس‬
‫ي‬
‫مة على الناس‪ ،‬والنب ّ‬
‫ويكون الرسول عليكم شهيدا{‪ ،‬كيف هي شهادة ال ّ‬
‫مة‪ ،‬وما علقة الشهادة بالوسطّية؟‪.‬‬ ‫على ال ّ‬
‫ي‪ ،‬حيث المسلمون‬ ‫)‪ (2‬أين الوسطّية؟‪ ،‬ومن يمثلها‪ ،‬في هذا الواقع السلم ّ‬
‫ل يدعي أّنه الوسط والمقياس؟‪ ،‬وما علمة الوسطّية؟‪ ،‬وهل في‬ ‫متفرقون‪ ،‬ك ّ‬
‫النصوص تحديد للعلمة‪ ،‬وتحديد لمن يمثل الوسطّية؟‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫سلمي‬ ‫سلم العالمي‪ ،‬والتعايش ال ّ‬ ‫دعوة إلى ال ّ‬ ‫)‪ (3‬هل الوسطّية تتفق مع ال ّ‬
‫بين الديان؟‪ ..‬وكيف يمكن تحقيق الوسطّية في التعامل مع المخالفين في‬
‫سنة؟‪.‬‬ ‫المّلة‪ ،‬والمخالفين في ال ّ‬
‫)‪ (4‬هل من الوسطّية إلغاء مصطلحات‪ :‬اليمان‪ ،‬والكفر‪ ..‬والولء والبراء‪..‬‬
‫سنة والبدعة‪..‬وحجاب المرأة‪ ..‬والمر بالمعروف والّنهي عن‬ ‫وال ّ‬
‫المنكر‪..‬والجهاد‪ .‬بأحكامها ومعانيها؟‪.‬‬
‫ن الحقّ واحد غير متعدد؟‪ ..‬وأين موقع‬ ‫)‪ (5‬هل من الوسطّية اعتقاد أ ّ‬
‫ددة‪ ،‬ول حقيقة‬ ‫الوسطّية في المذهب الذي يقّرر أن الحقيقة نسبّية متع ّ‬
‫مطلقة؟‪.‬‬
‫)‪ (6‬هل التطّرف إلى ناحية يبّرر التطّرف إلى الناحية المضاّدة؟‪ ..‬وهل يمكن‬
‫القضاء على التطّرف بالوسطّية وحدها‪ ،‬من دون الحاجة إلى تطّرف مضاّد؟‪..‬‬
‫مة فرق في هذا بين حكم الشريعة وقوانين النفس؟‪:‬‬ ‫وهل ث ّ‬
‫)*( عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى‬
‫)‪ (1‬الوسط يمثل من كل شيء‪ :‬نقطة المنتصف‪ .‬فهو إذن من الشيء‪،‬‬
‫وموقعه الوسط‪ ،‬وبمثل هذا قال أهل اللغة‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن فارس‪" :‬الواو والسين والطاء‪ :‬بناء صحيح يدل على العدل‬
‫والنصف‪ .‬وأعدل الشيء‪ :‬أوسطه ووسطه‪ .‬قال تعالى‪) :‬أمة وسطا(" ]في‬
‫معجم مقاييس اللغة )‪.[(6/108‬‬
‫‪ -‬وفي لسان العرب )‪) " :(15/294‬ومن الناس من يعبد الله على حرف(‪،‬‬
‫كن‪ ،‬فلما‬‫ك‪ ،‬فهو على طرف من دينه‪ ،‬غير متوسط فيه ول متم ّ‬ ‫أي على ش ّ‬
‫ن يقع صفة‪ .‬ومثل ذلك قوله تعالى‬ ‫كان وسط الشيء أفضله وأعدله‪ :‬جاز أ ْ‬
‫ل‪ .‬فهذا تفسير الوسط وحقيقة‬ ‫وتقدس‪) :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا(‪ ،‬أي عد ً‬
‫معناه‪ ،‬وأنه اسم لما بين طرفي الشيء‪ ،‬وهو منه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬قال ابن الثير ]النهاية ‪)" :[5/184‬خير المور أوساطها(‪ :‬في هذا الحديث‬
‫كل خصلة محمودة لها طرفان مذمومان‪ ،‬فإن السخاء وسط بين البخل‬
‫والتبذير‪ ،‬والشجاعة وسط بين الجبن والتهور‪ ،‬والنسان مأمور أن يتجنب كل‬
‫وصف مذموم‪ ،‬وتجنبه بالتعري منه‪ ،‬والبعد منه‪ ،‬فكلما ازداد منه بعدا‪ ،‬ازداد‬
‫منه تعريا‪ ،‬وأبعد الجهات والمقادير والمعاني من كل طرفين وسطهما‪ ،‬هو‬
‫غاية البعد منهما‪ ،‬فإذا كان في الوسط فقد بعد عن الطراف بقدر المكان"‪.‬‬
‫ملحوظة‪ :‬عند قوله‪" :‬تعريا" حصل تصحيف في لسان العرب ‪ 15/296‬حيث‬
‫كتب "تقربا"‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (3‬قال تعالى‪) :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس‬
‫ويكون الرسول عليكم شهيدا(‪ ،‬أي أمة عدل‪ ،‬لتشهدوا للنبياء على أممهم‪ ،‬إذا‬
‫ادعوا أن أنبياءهم ما بلغوهم‪ ،‬كما في الثر‪ ،‬وليشهد بعضكم على بعض بعد‬
‫الموت بالخير والشر‪) :‬من أثنيتم عليه خيرا‪ ،‬وجبت له الجنة‪ ،‬ومن أثنيتم عليه‬
‫شرا‪ ،‬وجبت له النار‪ ،‬أنتم شهداء الله في الرض( رواه مسلم ‪ ،‬في هذه الية‬
‫دليل صحة الجماع‪ ،‬ووجوب الحكم به؛ لنهم إذا كانوا عدول شهدوا على‬
‫الناس‪ ،‬فكل عصر شهيد على من بعده‪ .‬ذكره القرطبي ‪. 2/156‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الهجرة ‪ ..‬طريق المل ‪... ... ...‬‬


‫ها هو العام الهجري الجديد يهل علينا فيجدد ذكرى أعظم هجرة في التاريخ ‪..‬‬
‫هجرة ل لكسب دنيوي‪ ،‬ول رغبة في متاع زائل‪ ،‬بل لنصرة دين الله تعالى‪،‬‬
‫وإعلء كلمته‪ ،‬وإفساح المجال لهذه الدعوة الوليدة كي تشرق شمسها على‬
‫العالم فتبدد الظلمة نورًا‪ ،‬والجهالة حلمًا‪ ،‬والتخلف علما ً وحضارة‪.‬‬
‫إن ذكرى الهجرة تعني الصفحة البيضاء والتاريخ المشرق الذي يجب أن‬
‫تعمل المة من خلله وعلى ضوئه لتصل حاضرها بماضيها وتخط صفحات‬
‫مستقبلها‪.‬‬
‫كانت الهجرة نواة تأسيس دولة السلم في المدينة المنورة‪ ،‬بعد أن غرس‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم اليمان في النفوس‪ ،‬وربى رجال ً في أحضان مكة‬
‫المكرمة طوال ثلثة عشر عامًا‪ .‬وكان أول ما قام به الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم فور وصوله إلى دار هجرته بناء المسجد‪ ،‬ذلك المحضن الطاهر الذي‬
‫يكفل له النطلق بالدعوة إلى آفاق أوسع‪.‬‬
‫وكانت الهجرة كذلك رمزا ً للرفض التام لهذا المجتمع الوثني في مكة مجتمع‬
‫قريش الغارق في بحار الجهل والظلم‪ ،‬المتعنت في غروره وكبريائه‪ ،‬السادر‬
‫في غيه وطغيانه‪.‬‬
‫وقد صورت الهجرة أنقى وأجمل صورة عرفها التاريخ في سبيل نصر العقيدة‬
‫والحق والفضيلة‪ ،‬وما كان ليتيسر لها ما تيسر من نجاح لول رعاية الله لها‬
‫وتوفيقه للمؤمنين المهاجرين‪ ،‬ثم أخذ النبي القائد بالسباب المادية المتاحة‬
‫من الستعداد والتجهيز وحسن التخطيط والتنظيم والدارة‪.‬‬
‫من هنا تبقى الهجرة نموذجا ً رائعا ً وحدثا ً جليل ً يحمل دروسا عدة متجددة في‬
‫ً‬
‫الصبر والفداء والتضحية واليثار والخاء والشجاعة والعدل والحكمة لكل‬
‫المسلمين في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫إيذان بأن السيادة للسلم‬
‫كانت الهجرة إيذانا ً إسلميا ً ربانيا ً صريحًا‪ ،‬بأن السيادة الكونية للسلم‬
‫وأحكامه‪ ،‬لقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذهنه مشروع الدولة‬
‫السلمية التي تعّبد الناس لربهم‪ ،‬وترفع الظلم عن المظلومين‪ ،‬وتقيم العدل‬
‫في ربوع الرض‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد حققت الهجرة بفضل الله أول وآخرا ما كان يسعى إليه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم والمهاجرون‪ ،‬فأمن الناس على أنفسهم وأموالهم‪ ،‬وعبدوا ربهم‬
‫في وضح النهار‪ ،‬وشاع العدل‪ ،‬وعم المن أرجاء الدولة‪ ،‬وكسرت شوكة‬
‫اليهود الذين عاثوا في الرض الفساد‪ ،‬وطغوا في البلد‪ ،‬وعاين المسلمون‬
‫على أرض الواقع نعمة الخوة بعد العداء‪ ،‬والوحدة بعد التفرق‪ ،‬والقوة بعد‬
‫الضعف‪ ،‬والمودة بعد الكراهية‪) :‬واعتصموا بحبل الله جميعا ول تفرقوا‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته‬
‫إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته‬
‫لعلكم تهتدون( )آل عمران ‪.(103 -‬‬
‫هجرة‪ ..‬وهجر‬
‫ولئن كان المصطفى صلى الله عليه وسلم قد قال‪" :‬ل هجرة بعد الفتح‬
‫ولكن جهاد ونية‪ ،‬وإذا اسُتنفرتم فانفروا"‪ ،‬فإن معنى الحديث أنه ل هجرة من‬
‫مكة‪ ،‬لنها صارت دار إسلم‪ ،‬أما الهجرة بمعناها الشامل‪ ،‬فإنها باقية مادامت‬
‫السموات والرض‪ ،‬وهي تنقسم إلى نوعين‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬الهجرة المعنوية‪ :‬وهي الهجرة من الكفر إلى السلم‪ ،‬ومن‬
‫المعصية إلى الطاعة‪ ،‬ومن البدعة إلى السنة‪ ،‬ولعل هذا هو المقصود العظم‬
‫من حديث النية في قوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬إنما العمال بالنيات وإنما‬
‫لكل امرئ ما نوى‪ ،‬فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله‬
‫ورسوله‪ ،‬ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر‬
‫إليه" )متفق عليه(‪.‬‬
‫والهجرة إلى الله إذن تكون باليمان به وتوحيده‪ ،‬وإفراده بالعبادة‪ ،‬واجتناب‬
‫الشرك صغيره وكبيره‪ ،‬خفيه وجليه‪ ،‬واجتناب المعاصي والثام‪ ،‬والكثار من‬
‫التوبة والستغفار والعمل الصالح ‪ ..‬كل ذلك وغيره هجرة إلى الله‪.‬‬
‫أما الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكون باتباع سنته‬
‫وتحكيمها في الحياة والتحاكم إليها وتقديمها على جميع الراء والهواء ونبذ‬
‫البدع والمحدثات التي ليست من الدين في شيء‪.‬‬
‫أما النوع الثاني فهو الهجرة الحسية المادية‪ :‬كالهجرة من دار الكفر إلى دار‬
‫السلم وهجرة )أو هجر( أهل الذنوب والمعاصي‪ ،‬كما فعل النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم والصحابة مع الثلثة الذين خلفوا‪ ،‬أو كما قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬ليحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلث" قال العلماء‪ :‬إل لبدعة أو‬
‫معصية يجاهر بها‪.‬‬
‫ومنها كذلك الهجرة من دار المعاصي إلى دار الطاعات‪ ،‬كما فعل الرجل‬
‫الذي قتل مائة نفس‪ ،‬ثم توجه مهاجرا ًَ إلى الرض التي فيها أناس يعبدون‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫وكذلك الهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن‪ ،‬فعن عبدالله بن‬
‫عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪ " :‬ستكون هجرة بعد هجرة ‪ ..‬فخيار أهل الرض ألزمهم مهاجر‬
‫إبراهيم"‪) .‬الحديث أخرجه أبوداود بسند حسن(‪.‬‬
‫من رحم المعاناة‪ ..‬خرج جيل النصر‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كانت الهجرة نقلة نوعية عظيمة وفتحا ً كبيرا ً للسلم بل تغييرا ً لوجه الرض‬
‫بأكمله‪ ،‬تلك الرض التي كانت تئن من ظلم الظالمين وجهل الجاهلين‪ ،‬وعبث‬
‫العابثين وشرك المشركين‪ .‬كما كانت فرجا ً ومخرجا ً وعزا ً ومنعة للمسلمين‪،‬‬
‫فأصبحوا بعدها أصحاب دار وقرار‪ ،‬وعز وقوة وأمان‪ ،‬وفي ذلك يقول الحق‬
‫جل وعل مثنيا ً على نفسه‪ ،‬ومذكرا ً الصحابة بهذه النعمة عليهم‪) :‬واذكروا إذ‬
‫أنتم قليل مستضعفون في الرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم‬
‫وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون( )النفال ‪.(26 -‬‬
‫وجيل النصر هذا الذي خرجته الهجرة المباركة مثال حي للمسلم الواعي‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صاحب الفكر الراسخ والعقل الناضج‪ ،‬والعقيدة المتينة‪ ،‬صاحب المنهج‬


‫السليم الذي ل يساوم فيه ول يحيد عنه ول يتذبذب ول يروغ عنه روغان‬
‫الثعلب‪ ،‬بل يقنع ويعتد بمنهجه الصيل الذي هو كالذهب‪ ،‬ل تزيده البتلءات‬
‫والمتاعب إل إشراقا ً ولمعانًا‪.‬‬
‫وثيقة تربوية‬
‫كما أن حادث الهجرة المباركة وثيقة تربوية مهمة‪ ،‬فحواها أن السلم ل‬
‫يكتفي بالصلة والصيام ونحوهما من العبادات رغم أهميتها العظمى فيه‪،‬‬
‫عمده الراسخة ودعائمه القوية‪ ،‬بل يريد من المسلمين مع ذلك أن‬ ‫حتى إنها ُ‬
‫ً‬
‫يقيموا السلم عاليا في نفوسهم‪ ،‬وأن يقيموا منهجه وأنظمته وآدابه وفضائله‬
‫في بيوتهم‪ ،‬وأسواقهم ومحال أعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم‪ ،‬ودواوين‬
‫حكمهم‪ .‬مستهدفين الصلح والصلح‪ ،‬وإيجاد المسلم الجدير بحمل رسالة‬
‫الله‪ ،‬والكفيل بأداء المانة التي حملها الله إياها على أكمل وجه )إنا عرضنا‬
‫المانة على السموات والرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها‬
‫وحملها النسان إنه كان ظلوما ً جهول ً )‪ (72‬ليعذب الله المنافقين والمنافقات‬
‫والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله‬
‫غفورا ً رحيمًا( )الحزاب ‪.(73 -72‬‬
‫رمز للخاء الصادق‬
‫أبرزت الهجرة المباركة كثيرا ً من المعاني السامية وأرست العديد من‬
‫المبادئ العظيمة‪ ،‬منها مبدأ الخاء السلمي الذي قامت على دعائمه دولة‬
‫السلم‪.‬‬
‫وقد أثنى الله عز وجل على هذه الصورة الوضيئة الطاهرة من الخوة الحقة‪،‬‬
‫ور حالة أصحابها ونفسياتهم أروع تصوير‪ ،‬بما يجعل المسلم يفخر بهذه‬ ‫وص ّ‬
‫النوعية من البشر التي ربما ل يجود الزمان بمثلها‪ ،‬وهذه القمم السامقة‬
‫التي تجعل المسلم يحاول الرتقاء إليها‪ ،‬قال سبحانه‪ ):‬للفقراء المهاجرين‬
‫الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضل ً من الله ورضوانا ً وينصرون‬
‫الله ورسوله أولئك هم الصادقون )‪ (8‬والذين تبوءوا الدار واليمان من قبلهم‬
‫يحبون من هاجر إليهم ول يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على‬
‫أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون(‬
‫)الحشر ‪.(9-8‬‬
‫فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلح‬
‫ولقد أسقط هذا الخاء فوارق النسب واللون والوطن‪ ،‬فل يتقدم أحد إل‬
‫بتقواه‪ ،‬ول يولى أحد إل بإيمانه وإخلصه‪ ،‬وقد جعل الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم هذه الخوة واقعا ً حيا ً تنطق به العمال‪ ،‬ل لفظا ً سطحيًا‪ ،‬عمل ً يرتبط‬
‫ببذل الدماء والموال‪ ،‬ل كلمات تثرثر بها اللسنة‪ ،‬وتتشدق بها الفواه‪ ،‬ثم‬
‫تذهب الكلمات أدراج الرياح‪.‬‬
‫بهذه الوحدة وبتلك الخوة اتحدت كلمة المسلمين وقويت شوكتهم وارتفعت‬
‫رايتهم‪ ،‬فسادوا المم وفتحوا الممالك وركزوا ألويتهم في قلب آسيا وهامات‬
‫إفريقيا‪ ،‬وأنحاء أوروبا‪ ..‬ثم ‪ ..‬لما حادوا وضعفوا ونكصوا وتفرقوا ضاعت‬
‫مكانتهم وصاروا كاليتام على موائد اللئام‪ ،‬وتداعت عليهم المم كما تداعى‬
‫الكلة إلى قصعتها‪.‬‬
‫وإننا في أشد الحاجة إلى استلهام روح الهجرة العاطرة‪ ،‬حتى نرقى ونسعد‬
‫أنفسنا ونسعد البشرية كلها‪ ) :‬ويومئذ يفرح المؤمنون )‪ (4‬بنصر الله ينصر‬
‫من يشاء وهو العزيز الرحيم )‪ (5‬وعد الله ل يخلف الله وعده ولكن أكثر‬
‫الناس ل يعلمون( )الروم ‪.(6-4‬‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دروس وعبر‬
‫وما أكثر الدروس التي يمكن أن نستفيدها من الهجرة ومنها‪:‬‬
‫عدم اليأس من بلوغ الهداف والغايات مهما طال الطريق أو كثرت العقبات‪،‬‬
‫فإن أشد لحظات الليل حلكة تلك التي تسبق الفجر‪ ،‬وإن أشد ساعات‬
‫المخاض ألما ً تلك التي تسبق الوضع‪ .‬والمر كله لله تعالى‪ ) :‬قل اللهم مالك‬
‫الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من‬
‫تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير( )آل عمران ‪.(26‬‬
‫ل نصر إل بصبر وتضحية وبذل‪ .‬وكم قدم المسلمون الوائل من تضحيات‬
‫طوال الثلثة عشر عاما ً حتى تحقق لهم النصر والمن‪.‬‬
‫الصدق والوفاء بالعهود والمواثيق ورد المانات إلى أهلها‪ ،‬كما فعل النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم حين خلف عليا ً ليرد الودائع إلى أهل مكة رغم كل ما‬
‫فعلوا به وبأصحابه رضوان الله عليهم‪.‬‬
‫التوكل على الله حق التوكل مع التخطيط الجيد والخذ بكل السباب المادية‬
‫في الوقت ذاته‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الثقة التي ل شك فيها في موعود الله تعالى بأن النصر لعباده المتقين في‬
‫النهاية‪ ،‬وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسراقة بن مالك الذي كان‬
‫يطارده وصاحبه ليظفر بالمكافأة الثمينة التي رصدتها مكة لمن يأتي بخبرهما‬
‫قال له‪ " :‬ارجع ولك سوارا كسرى" وتحقق وعد النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫الخوة والمحبة واليثار ووحدة الصف سر النصر وسبب العزة‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫)ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز( )الحج ‪.(40 -‬‬
‫‪...‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الهجرة احتفالية التغيير‬


‫‪ ... 2006/01/24‬الدكتور رشاد لشين**‬
‫تهل علينا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة كل عام فتهب علينا رياح التغيير‬
‫العظيمة التي غيرت وجه التاريخ عبر هذا الحدث العظيم الذي يجب أن تكون‬
‫لنا معه وقفات مهمة لنعيد قراءة واقعنا على أضواء دروسه العظيمة وليكون‬
‫لنا محطة جديدة للنطلق نحو تغيير أحوال أمتنا نحو الفضل وهذا هو سر‬
‫توفيق الله تعالى لسيدنا عمر بن الخطاب بأن اختار الهجرة النبوية عنوانا‬
‫للتاريخ السلمي وكان أمامه عدة مناسبات قوية يمكن أن يستخدمها للتأريخ‬
‫مثل غزوة بدر أو فتح مكة أو ميلد أو بعثة الرسول صلى الله علية وسلم‬
‫ولكن كان توفيق الله تعالى لختيار الهجرة حتى تكون محطة للتغيير الدائم‬
‫لمة السلم عبر السنين وصعوًدا نحو المعالي بالهجرة والنتقال من الضعف‬
‫إلى القوة ومن قهر الضلل وسيطرة الباطل إلى ريادة اليمان والدور‬
‫الريادي المنوط بها أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫مقومات التغيير الناجح من خلل الهجرة‬
‫)‪ (1‬أن يكون هناك هدف عظيم يسعى الجميع من أجل تحقيقه‪ :‬وهو إعلء‬
‫كلمة الله تعالى وهذا ما وضحه لنا القران الكريم في التعقيب على الهجرة‬
‫ما ِفي ال َْغاِر‬ ‫فُروا ْ َثان ِ َ‬
‫ي اث ْن َي ْ ِ‬
‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه إ ِذ ْ أ َ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫صَرهُ الل ّ ُ‬ ‫)إ ِل ّ َتن ُ‬
‫صُروه ُ فَ َ‬
‫قد ْ ن َ َ‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جُنود ٍ ل ّ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ‬‫كين َت َ ُ‬‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫معََنا فََأنَز َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬‫حب ِهِ ل َ ت َ ْ‬ ‫صا ِ‬‫ل لِ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫إ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫زيٌز‬‫ه عَ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ي العُلَيا َوالل ُ‬‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ة اللهِ هِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫فلى وَكل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫س ْ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ال ّ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ة ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَل كل ِ َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ت ََروْ َ‬
‫م( التوبة الية)‪(40‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫)‪ (2‬ومن أهم دعائم التغيير الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة‪:‬‬
‫وكسب النصار الجدد وتهيئة الرض الجديرة بحمل الرسالة‪ ,‬وتمثل هذا في‬
‫بيعتي العقبة الولى والثانية وبعث سيدنا مصعب بن عمير لنشر الدعوة في‬
‫المدينة فكان نشر الدعوة أهم وسائل النجاح وأعظم دعائم البناء السلمي‬
‫)‪ (3‬التضحية و تقديم الغالي والنفيس من أجل الفكرة وترك التثاقل إلى‬
‫الرض ‪ :‬وتمثل هذا في ترك الموال والبيوت والديار في مكة المكرمة‬
‫والذهاب إلى المدينة المنورة فكان السلم هو أغلى شئ في حياة‬
‫المسلمين وكانت النتيجة النصروالتمكين‬
‫)‪ (4‬العتصام بالله تعالى‪ :‬فالعتصام بالله هو الفرج والمخرج فرسول الله‬
‫صلى الله علية وسلم يخرج من بيته المحاصر بأربعين رجل لقتلة وهو يقرأ‬
‫م لَ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫شي َْناهُ ْ‬‫دا فَأ َغْ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫فهِ ْ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫دا وَ ِ‬‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ديهِ ْ‬
‫القرآن ‪) :‬وجعل ْنا من بي َ‬
‫ن أي ْ ِ‬‫َ َ َ َ ِ َْ ِ‬
‫ن( يس الية )‪ (9‬ول يخرج سالما فقط بل ويضع التراب فوق كل‬ ‫ً‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي ُب ْ ِ‬
‫الرؤوس وهذا شأن المعتصم بالله الوى إلى ركنه الركين‬
‫)‪ (5‬تأمين الدعم القتصادي وتسهيل وصول الدعم اللوجستي‪:‬‬
‫فأبوبكرالصديق وفر المال اللزم لشراء الراحلتين ودفع أجر‬
‫الخبيرالطوبوغرافي‬
‫‪,‬وأسماء بنت أبى بكر كانت توصل الطعام واختيارها كإمرأة تتحرك بسهولة‬
‫ل يتعرض لها العرب بطبيعتهم سّهل وصول الدعم اللوجستى لرسول الله‬
‫صلى الله علية وسلم وصاحبه في رحلة الهجرة‬
‫)‪ - (6‬التخطيط الجيد والعمل المنظم‪ :‬وتمثل هذا في التي‪-:‬‬
‫‪ -1‬تامين حياة أفراد المة ‪ :‬فتأخير هجرة رسول الله صلى الله علية وسلم‬
‫والمر بخروج الفراد سًرا وفرادى حتى ل يعلم أحد مقصودهم الجديد‬
‫فينقضوا عليهم جميعا فيه تأمين لخروجهم‬
‫‪ -2‬خروج الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت غير معهودٍ الخروج فيه‪:‬‬
‫وقت الظهيرة واشتداد الحر في رمضاء مكة‬
‫‪ -3‬استئجار خبير في الطوبوغرافيا ) عبد الله بن أريقط (‪ :‬حتى ل يسير في‬
‫طريق معهود فيسهل المساك بهم‬
‫‪ -4‬استخدام الخفاء والتمويه‪ :‬وهو أحد وسائل الحرب الحديثة وتمثل في‬
‫التي ‪-:‬‬
‫أ‪ -‬مبيت سيدنا على مكان الرسول حتى يظلوا ينتظرون خروجه وذلك في‬
‫المرحلة الولى حتى يتمكن من الخروج من مكة‬
‫ب‪ -‬عامر بن فهيرة يسير بقطيع من الغنم خلفهم لتغطية الثار حتى ل‬
‫يستطيع أحد أن يقتفى أثرهم‬
‫ج‪-‬البقاء في الغار ثلثة أيام في الوقت الذي تنتشر فيه قوى الشر في كل‬
‫مكان للبحث عنهم‬
‫د‪ -‬تغيير اتجاه المسير فبدل من النطلق في اتجاه الشمال وهو التفكير‬
‫المنطقي لمن يريد الملحقة يتجهون إلى الجنوب أول ً حيث ل يخطر ذلك‬
‫ببال أحد‬
‫)‪(7‬توزيع الدوار ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الكبار يوفرون الدعم المادي للمساندة والصحبة‬
‫ب‪ -‬الشباب والفتيان يقومون بالعمال الفدائية والستخباراتية‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ج‪ -‬المرأة تقوم بالدعم اللوجستى‬


‫د‪ -‬باقي الفراد يهيئون الدولة والرض الجديدة ويرتبون احتفالية الستقلل ‪:‬‬
‫) طلع البدر علينا من ثنيات الوداع (‬

‫)‪(1 /‬‬

‫)‪(8‬الشجاعة والقوة في الحق وتحدي الباطل وعدم الستكانة إليه‪ :‬وتمثل‬


‫ذلك في موقف سيدنا عمر بن الخطاب وبطولته العظيمة حين صعد على‬
‫الجبل وأعلن هجرته حتى يعلم الظالمين درسا ً في قوة الحق وأن المسلمين‬
‫لم يهاجروا خوفا ً ول جبنا ً ولكن هاجروا من أجل مصلحة الدعوة ولبناء دولة‬
‫السلم في أرض جديدة وكانت هذه رسالة لبد من توصيلها في موقف‬
‫سيدنا عمر بن الخطاب‬
‫)‪ (9‬رعاية جميع الحقوق حتى حقوق العداء‪ :‬وتمثل ذلك في مقام سيدنا‬
‫ي في مكة لتوصيل المانات إلى أهلها وهم الكافرون أعداء الدعوة‬ ‫عل ّ‬
‫)‪(10‬الفدائية ‪ :‬يحتاج التغيير إلى شباب فدائي على استعداد لتقديم روحة‬
‫فداء لدعوة الله وتمثل هذا في مبيت سيدنا على في فراش رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في موقف يعرضه للقتل على يد أربعين رجل ً متربصين‬
‫بالخارج‬
‫)‪(11‬استشعار معية الله لنقاذ المة في أحلك الوقات‪ :‬في لحظة من‬
‫لحظات الحساس بقرب سيطرة العداء وبطشهم بالمة وقضائهم عليها‬
‫واستئصالهم لشأفتها ) لو نظر احدهم تحت قدميه لرآنا ( وتأتى النجاة‬
‫معََنا(‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ن إِ ّ‬ ‫باستشعار معية الله )ل َ ت َ ْ‬
‫حَز ْ‬
‫)‪ (12‬الستطلع الجيد والمخابرات النشطة الفاعلة‪ :‬وتمثل هذا في تكليف‬
‫عبد الله بن أبى بكر الغلم الصغير أن يعمل ) ضابط مخابرات ( لحساب‬
‫رسول الله صلى الله علية وسلم فهو صغير يجلس في وسط القوم فل‬
‫يعملون له حساب ويتكلمون بما يريدون وينقل هو كل خططهم لرسول الله‬
‫صلى الله علية وسلم ولسهولة حركته أيضا ً كغلم ل يلتفت له احد فهو‬
‫يجلس معهم طوال النهار وينطلق في الليل إلى رسول الله صلى الله علية‬
‫وسلم جهاز مخابرات ذكى ونشط وفاعل ول يخطر على بال أحد‬
‫)‪ (13‬نفوس قوية ل يصيبها الحزن ول يعتريها الحباط ‪:‬مهما كانت قوة‬
‫العداء ومهما اختلت موازين القوى الظاهرة فمعية الله أقوى من أى قوة‬
‫وتأييد الله بجنود غير مرئية تلقى في قلوب المؤمنين الهدوء والسكينة والثقة‬
‫ها(‬ ‫جُنود ٍ ل ّ ْ‬
‫م ت ََروْ َ‬ ‫َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ‬
‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫والطمأنينة بحتمية نصر الله )فََأنَز َ‬
‫)‪ (14‬المل في نصر الله ‪) :‬ارجع ولك سواري كسرى( كمن يقول‬
‫الن) ارجع عن محاربة المسلمين ولك البيت البيض( كلم يقوله رسول الله‬
‫لسراقة وهو خارج مطارد تطلبه قوى الشر في كل مكان‬
‫استكمال طريق الهجرة‬
‫طريق الهجرة دائم مستمر عبر نهج رسمه لنا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وقد قطعت أمتنا بعض الشواط في طريق هجرتها ولكن المر ما زال‬
‫يحتاج إلى جهود كبيرة وأشواط كثيرة حتى نكمل طريق الهجرة ويمتثل ذلك‬
‫فيما يأتى ‪-:‬‬
‫)‪ (1‬الجهاد والنية ‪ :‬فل يكتمل طريق الهجرة بدون النية الصالحة لبناء الفرد‬
‫والسرة والمجتمع والدولة والمة بأكملها ونجعل كلمة الله هي العليا وكلمة‬
‫الذين كفروا هي السفلى‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول يكتمل طريق الهجرة بدون جهاد النفس والشيطان ومقاومة المادية‬
‫وأصحاب الهواء الذين يضيعون المة وكذلك محاربة المحتلين أعداء المة‬
‫الذين يستذلونها وبذلك نحقق حديث رسول الله صلى الله علية وسلم ‪ ) :‬ل‬
‫هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية (‬
‫)‪ (2‬هجر ما نهى الله عنه‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪« :‬المسلم‬
‫من سلم المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»‪.‬‬
‫)رواه البخاري( وفي رواية )ابن حبان(‪« :‬المهاجر من هجر السيئات‪،‬‬
‫والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»‪ .‬هيا نهجر السيئات ‪ ..‬هيا‬
‫نهجر كل ما نهى الله عنه في كل الميادين و على كل المستويات بدًء بالفرد‬
‫وانتهاًء بالمة فتهجر المة معاصيها الكبيرة المتمثلة في التي على سبيل‬
‫المثال ‪:‬‬
‫‪ -1‬الحتلل وتدنيس الراضى ومقدسات المسلمين من قبل العداء‬
‫‪ - 2‬التخلف عن ركب العلم والحضارة وكونها في وسط ما يسمى بالعالم‬
‫الثالث‬
‫‪ - 3‬التفرق و التشرذم وعدم اتحاد الكلمة‬
‫)‪ (3‬الخذ بمقومات التغيير لصلح شأن المة ‪ :‬وخاصة الهتمام بنشر دعوة‬
‫السلم عبر وسائل العلم فدعوتنا تحتاج إلى البتكار وتكريس الجهود‬
‫ق ومتميز عن طريق الفضائيات والنترنت وبشتى‬ ‫لتوصيل الفكرة بأسلوب را ٍ‬
‫لغات العالم فنقدم رسالة الرحمة والنسانية لكل أمم الرض‪.‬‬
‫ومع استمرار الجهود واحتفالنا بالهجرة كل عام عبر التغيير والرتقاء بشأن‬
‫أمتنا وهجرها لوضاعها غير السلمية في شئون الدنيا والخرة سيحدث التغيير‬
‫المنشود ويأتي النصر المؤزر المبين بإذن الله ‪.‬‬
‫)‪ (4‬تحقيق العبادة هجرة إلى الله تعالى ‪:‬‬
‫هيا نأخذ بيد أمتنا إلى عبادة الله تعالى فنقيم الفرائض وننشر الفضائل‬
‫ونحقق العبادة بمعناها الشامل الذي يتناول مظاهر الحياة جميعا ً‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه المام مسلم‬
‫عن معقل بن يسار ‪ ":‬العبادة في الهرج كهجرة إلى"‬
‫________________________________________‬
‫** الدكتور رشاد محمد عبد الحليم لشين ‪ -‬ماجستير طب الطفال ‪ -‬جامعة‬
‫الزقازيق وليسانس الشريعة السلمية‪ ،‬ويمكنك التواصل معه على البريد‬
‫اللكتروني‪rashadlasheen@hotmail.com :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الهجرة النبوية والدروس التربوية والدعوية‬


‫محمد عبد الله السمان ‪30/12/1426‬‬
‫‪30/01/2006‬‬
‫ل جدال في أن الهجرة النبوية ـ على صاحبها أفضل صلة وأكمل تسليم ـ‬
‫تمثل مرحلة من أهم مراحل الدولة السلمية وأخطرها‪ .‬فهي مرحلة انتقالية‬
‫لثبات وجودها سياسيا ً وعقائديًا؛ فالمرحلة المكية على مسار ثلثة عشر‬
‫عامًا‪ ،‬كانت لثبات العقيدة‪ ..‬بل وتثبيتها في أذهان أتبعاها‪ ،‬من ناحية ـ ومن‬
‫ناحية أخرى ـ لتعرية عقيدة الجاهلية ـ وبضدها ُتعرف الشياء ـ كما يقولون‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن المرحلة المكية‪ ،‬كان ل بد منها‪ ،‬لصقل إيمان أتباعها‪،‬‬
‫ليكونوا نواة المستقبل للدولة السلمية‪ ،‬وكانت توجيهات القرآن‪ ،‬وتوجيهات‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرسول ـ صلوات الله وسلمه عليه‪ -‬للنواة الولى من أتباع الدعوة‪ ،‬تقوم‬
‫على أساس الثقة في الله ـ عز وجل ـ والنصيحة في مواجهة ما يلحقهم من‬
‫أذى بالغ من الضراوة والشراسة‪ ،‬ولعلنا نلمس ذلك من موقف ل نكاد نذكره‪.‬‬
‫حيث كان رسول الله ـ صلوات الله وسلمه عليه ـ يمر على آل ياسر وهم‬
‫ذبون‪ ،‬فيقول لهم‪" :‬صبرا ً آل ياسر‪ ..‬فإن موعدكم الجنة"‪ ،‬واستجابوا‪،‬‬ ‫ُيع ّ‬
‫وكانت أم عمار أول شهيدة في السلم‪ .‬وفي صحيح البخاري عن خباب بن‬
‫الرت ـ رضي الله عنه ـ قال‪" :‬شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم‬
‫ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ـ فقلنا‪" :‬أل تستنصر لنا؟ أل تدعو لنا؟‪".‬‬
‫من قبلكم ُيؤخذ الرجل‪ ،‬فيحفرون له في الرض‪ ،‬فُيجعل‬ ‫فقال‪" :‬قد كان َ‬
‫فيها‪ ..‬ثم ُيؤتى بالمنشار‪ ،‬فيوضع على رأسه‪ ،‬فُيجعل نصفين‪ ،‬وُيمشط‬
‫ن‬‫بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه‪ ..‬والله لُيتم ّ‬
‫الله هذا المر‪ ،‬حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت‪ ،‬ل يخاف إل الله‪،‬‬
‫والذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون"!‬
‫ً‬
‫إن إرادة الله ـ عز وجل ـ اقتضت أن يكون السلم دينا‪ ،‬يصحح مسار العقول‬
‫ي‪ ،‬ويصحح مسار الحياة البشرية التي شملتها‬ ‫التي حادت عن الطريق السو ّ‬
‫ولت إلى غابة شاسعة‪ ،‬يفترس القوي فيها الضعيف‪ ،‬وأن‬ ‫الفوضى‪ ،‬بعد أن تح ّ‬
‫يكون السلم دولة‪ ،‬تقيم العدل بعد أن اختلت موازينه‪ ،‬وتؤازر الحق‪ ،‬بعد أن‬
‫أصبح مضغة في أفواه الباطل‪ ،‬فالعالم يومئذ تحكمه إمبراطوريتان‪ ،‬إحداهما‬
‫صليبية تنكبت مبادئ المسيحية‪ ،‬والخرى وثنية تمتهن العقل‪ ،‬أعني‬
‫إمبراطوريتي‪ :‬فارس والروم‪ ،‬وبذلك يكون السلم بدولته ضرورة لنقاذ‬
‫البشرية من الوحل‪ ،‬وكانت الهجرة البشرية هي البداية لقامة دولته‪.‬‬
‫يرى الشيخ محمود شلتوت ـ شيخ الزهر السبق ـ في دراسته‪":‬السلم‬
‫والوجود الدولي للمسلمين" العدد الثالث من "سلسلة الثقافة السلمية"‬
‫ول‬ ‫التي كنت أصدرتها )‪ 1958‬ـ ‪ !( 1965‬أن حادثة الهجرة‪ ،‬كانت نقطة تح ّ‬
‫في تاريخ البناء السلمي‪ ،‬لتقوم فوق الرض الجديدة ـ يثرب ـ دولة ذات‬
‫منهج ونظام وهدف‪ ،‬والهجرة من الحداث الفذة التي كانت تمهيدا ً لتثبيت‬
‫البناء السلمي‪ ،‬وميلد دولة داخل إطار من القوة‪ ،‬وبذلك أصبحت )الهجرة(‬
‫من الحداث السلمية الكبرى التي يجب أن تحمل العظمة في نفس كل‬
‫مسلم‪.‬‬
‫عني المؤرخون كثيرا ً ـ وهم يتكلمون على هذا الحدث ـ‬ ‫ُ‬ ‫"وقد‬ ‫الشيخ‪:‬‬ ‫ويضيف‬
‫بذكر حوادث اليذاء التي كانت تتصل بالرسول وأصحابه الذين لّبوا دعوته‪،‬‬
‫ومن هنا ألبسه أرباب الهوى الخاص ـ وهم يكتبون سيرة )النبي العربي( ـ‬
‫ثوب الفرار وعدم الصبر والحتمال في القيام برسالته‪ ،‬ولم يتوّرعوا ـ إمعانا ً‬
‫فيما يشتهون ـ أن يلصقوا كلمة )النبي الفار( وقد ظنوا أن هذا الثوب‬
‫المهلهل الذي خلعوه على هذا الحادث العظيم‪ ،‬يستطيع أن يستر الحقيقة‬
‫التي يحملها بين جنبيه‪ ،‬والتي لم تلبث ـ بعد الوصول إلى المدينة‪ ،‬أن سطع‬
‫نورها‪ ،‬وانتشر أريجها‪ ،‬وبدأت الغشاوة التي وضعها الجهل على العقل‬
‫البشري حينا ً من الدهر‪ ،‬والواقع أن هذه الهجرة )البدنية( لم تكن إل أثرا من‬
‫ً‬
‫آثار هجرة القلوب‪ ،‬عما كان عليه القوم من عقائد فاسدة‪ ،‬وشرائع باطلة‪،‬‬
‫وعقائد وتقاليد‪ ،‬كان لها في هدم النسانية‪ ،‬ما ليس للمعاول القوية في‬
‫تقويض البناء الشامخ العنيد" ‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن الهجرة كانت لتأكيد علمية السلم‪ ،‬وهي حقيقة حاول بعض‬
‫المستشرقين ذوي الهواء أن يطمسوها‪ ،‬متجاهلين ما أقره القرآن ـ كتاب‬
‫الله ـ الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد ـ‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك‬‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫وقد تصدى عملق الدب الستاذ العقاد لقوله تعالى‪ ):‬وك َذ َل ِ َ َ‬
‫ك أوْ َ‬ ‫َ‬
‫حوْل ََها‪].(...‬الشورى‪ :‬من الية ‪ [7‬لتنذر أم‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫قَرى وَ َ‬ ‫قُْرآنا ً عََرب ِي ّا ً ل ِت ُن ْذَِر أ ّ‬
‫القرى ومن حولها‪ ،‬يقول‪":‬وأيا ً كان القول في اللغة التي تكلم بها النبي‪ ،‬وفي‬
‫صلح هذه اللغة للدعوة العالمية‪ ،‬فإن النوع النساني يشمل أم القرى )مكة(‬
‫وما حولها‪ ،‬ول تعتبر هداية أهلها عزل ً لهم عمن عداهم من الناس؛ إذ كان‬
‫خطاب الناس كافة يمنع أن يكون الخطاب مقصورا ً على )أم القرى( ومن‬
‫حولها‪ ،‬ولكن خطابه )أم القرى( ومن حولها‪ ،‬ل يمنع أن يعم الناس أجمعين‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فكيف يسيغ العقل أن يكون صاحب الدعوة المحمدية ـ خاتم النبيين ـ إذا‬
‫كانت رسالته مقصورة على قوم لم يأتهم من قبل نذير؟! إن طائفة من‬
‫المستشرقين تسيغ ما ل يسيغه العقل في أمر القرآن وأمر السلم"‪.‬‬
‫ظهر حديثا ً للشيخ عبد الجواد أحمد عبد المولى‪-‬المام والخطيب والمدرس‬
‫بالوقاف ـ كتاب يحمل عنوان "الدروس التربوية الدعوية من الهجرة النبوية"‬
‫في زهاء مائتي صفحة من القطع الكبير‪ ،‬أشار في المقدمة إلى أن ما أراده‬
‫من كتابه‪ :‬دعوة للتفكر والتدبر‪ ،‬لبعض صفحات التاريخ السلمي‪ ،‬وبخاصة‬
‫تاريخ الرسول وجهاده في هجرته‪ ،‬لنتعرف على سنن الله في خلقه‪ ،‬وسننه‬
‫ل‪ ،‬والهجرة تبين لنا كيف‬ ‫في أرضه‪ ،‬وسنن الله الثابتة ل تقبل تبديل ً ول تحوي ً‬
‫أخذ المصطفى ـ صلوات الله وسلمه عليه ـ بالسباب الرضية‪ ،‬وتوكل ـ في‬
‫نفس الوقت ـ على الله‪ ،‬ول تضاد ّ بينهما ـ وقد تعامل سلف هذه المة مع‬
‫السنن الكونية‪ ،‬فسادوا العالم‪ ،‬ولم يع الخلف هذا المعنى‪ ،‬مما جعل المة‬
‫اليوم في حال ُيرثى لها ‪..‬‬
‫وما عرض له المؤلف‪:‬‬
‫ـ الهجرة النبوية المحمدية لم تكن بدعة‪ ،‬بل سنة قديمة‪ ،‬فقد هاجر من أنبياء‬
‫الله‪ :‬إبراهيم ولوط وموسى عليهم السلم‪.‬‬
‫ـ أسباب الهجرة‪ :‬ذكر المؤلف السباب التقليدية التي سجلتها كتب السيرة‪،‬‬
‫وكنت أود أن يهتم بمسألة ذات أهمية خاصة‪ ،‬وهي أن الهجرة كانت استجابة‬
‫لمر الله‪ ،‬ولم تكن مجرد خاطرة خطرت على بال الرسول ـ صلوات الله‬
‫وسلمه عليه ـ فرارا ً من الذى‪ ،‬فالله ـ عز جل ـ هو الذي قدر بعد أن حققت‬
‫الدعوة أهدافها في مكة التي لم تكن تصلح لقامة دولة ‪.‬‬
‫ـ عوامل نجاح الهجرة‪ :‬وضوح الهدف‪ ،‬المعرفة‪ ،‬اختيار الوقت المناسب‪،‬‬
‫ولعامل التوقيت أهمية متنامية في عملية التخطيط‪ ،‬القدرة على مواجهة‬
‫الظروف المتغيرة‪ ،‬إخلص القائمين على التنفيذ‪ ،‬التهيئة والعداد النفسي‪،‬‬
‫ونسي المؤلف‪ :‬عناية الله‪ ،‬وهي الساس وفوق كل شيء‪.‬‬
‫ـ مظاهر نجاح الهجرة‪ :‬خسرت قريش موازين القوى التي توارثتها على مدى‬
‫قرون وزال عنها سلطانها‪ ،‬لم تعد قريش حاجزا في وجه الدعوة السلمية‪،‬‬
‫إذا أسقطت الهجرة هيبتها من نفوس المستضعفين الخائفين‪..‬‬
‫ً‬
‫ذكر المؤلف في شجاعة أن الكتاب‪ :‬جمع وإعداد‪ ،‬وليس تأليفا‪ ،‬وهذا يعفيه‬
‫من النقد‪ ،‬وُيحمد له‪ ،‬أن قدم لنا معاني كانت في حاجة إلى التحليل‪ ،‬الذي‬
‫خلت منه بعض كتب التراث التي اهتمت بسرد الحداث‪ ،‬لكنها حفظت لنا‬
‫أهم حدث في تاريخ الدعوة السلمية‪ .‬إن الهجرة حفلت بالكثير من‬
‫المؤلفات عدا ما دونته كتب السيرة قديما ً وحديثًا‪ ،‬وهذا ما جعل مهمة من‬
‫يكتب عن الهجرة شاقة؛ إذ ل بد من أن يضيف جديدًا‪ ،‬ونجح المؤلف جهد‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استطاعته‪.‬‬
‫وُيؤخذ على هذه الدراسة‪ :‬أن المؤلف خرج على الموضوع الساسي أحيانا‪ً،‬‬
‫صحيح أن ما زاده تضمن معاني جديرة بالهتمام‪ ،‬كذلك كنا نود أن يربط‬
‫الهجرة النبوية بالمعاصر‪ ،‬وقد أصبحت المة المسلمة التي أرادها الله خير‬
‫أمة أخرجت للناس ـ عاجزة حتى عن الدفاع في مواجهة التحديات الشرسة‪،‬‬
‫وذلك بعد أن كانت رأسًا‪ ،‬و أصبحت تابعا ً بعد أن كانت متبوعًا‪ ،‬وبقي أن‬
‫نقول‪ :‬إن المؤلف بذل جهدا ً كبيرا ً وشاقًا‪ ،‬وقدم لنا دراسة معاصرة يحتاجها‬
‫الشباب قبل الشيوخ‪.‬‬
‫وبقي سؤال يطرح نفسه‪ ،‬وفي أسى مرير‪ :‬أين اليوم من الهجرة التي لم‬
‫تكن نقطة تحول في تاريخ دعوة المسلمين ـ وحسب ـ بل كذلك أرادها الله ـ‬
‫عز وجل ـ منهجا ً ومعنى وبرنامج عمل للمسلمين إلى أن يرث الله الرض‬
‫ومن عليها‪ ،‬ودرسا ً يجب أن يعيه المسلم في كل زمان ومكان‪ ..‬فهل يليق بنا‬
‫أل ّ نذكر الهجرة إل أياما ً معدودات في كل عام‪ :‬أحاديث ومقالت يغلب عليها‬
‫التكرار شبه الممل‪ ،‬ثم ننساها بعد ذلك؟‬
‫وحسبنا هنا أن نتوقف عند قضية لها أهميتها‪ ،‬أعني قضية ـ أو محنة ـ القليات‬
‫المسلمة في شتى بقاع المعمورة‪ ،‬والعديد من هذه القليات ُتشن عليها‬
‫حروب إبادة شرسة‪ ،‬كما في الفلبين وبورما وتايلند‪ ،‬وغيرها‪ ،‬إن كتاب الله‬
‫تعالى كتب علينا الجهاد من أجل إخوة لنا في العقيدة مستضعفين في‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬‫م ل تُ َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫الرض‪ ،‬وفي سورة النساء ـ ‪ ):‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫جَنا ِ‬‫خرِ ْ‬ ‫ن َرب َّنا أ ْ‬‫قوُلو َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫دا ِ‬‫ساِء َوال ْوِل ْ َ‬ ‫ل َوالن ّ َ‬ ‫جا ِ‬‫ن الّر َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫في َ‬
‫ضعَ ِ‬
‫ست َ ْ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ً‬
‫صيرا(‪.‬‬ ‫َ‬
‫ن لد ُن ْ َ‬ ‫َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن لد ُن ْ َ‬ ‫َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ك نَ ِ‬ ‫م ْ‬‫ل لَنا ِ‬ ‫ك وَل ِي ّا َوا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل لَنا ِ‬ ‫قْري َةِ الظال ِم ِ أهْلَها َوا ْ‬
‫هَذِهِ ال َ‬
‫]النساء‪ .[75:‬ول جدال في أن الجهاد هنا فرض عين ل فرض كفاية‪ ،‬وإذا كان‬
‫عقد المة السلمية اليوم قد انفرط‪ ،‬ولم يكن للدولة السلمية وجود‪ ..‬نملك‬
‫السلح ل لنقاتل به العداء‪ ،‬بل ليقاتل به المسلم أخاه المسلم‪ .‬دونما اعتبار‬
‫لتحذير الرسول لنا في خطبة الوداع‪":‬ل ترجعوا بعدي كفارا ً يضرب بعضكم‬
‫رقاب بعض" وقوله في الصحيح المتفق عليه‪" :‬إذا التقى المسلمان بسيفيهما‬
‫فالقاتل والمقتول في النار‪ ،‬قالوا يا رسول الله‪ :‬هذا القاتل فما بال المقتول؟‬
‫قال‪ :‬إنه كان حريصا ً على قتل صاحبه"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أقول إذا كنا عاجزين عن الجهاد المسلح‪ ،‬فلماذا ل نلجأ إلى سلح آخر‪ :‬جهاد‬
‫المقاطعة‪ ،‬وهو سلح له خطورته‪ ،‬وإذا كان هذا السلح تقرر بالنسبة للثلثة‬
‫الذين خلفوا عن غزوة تبوك وهم مسلمون‪ ،‬فمن باب أولى المعتدون على‬
‫ج لها السماوات السبع‪ .‬هي أننا‬ ‫إخواننا من غير المسلمين‪ ،‬والمفاجأة التي ترت ّ‬
‫أصبحنا أصدقاء لعدائنا‪ ،‬نمنحهم الولء‪ ،‬ضاربين عرض الحائط بقوله تعالى‬
‫َ‬
‫صاَرى‬ ‫ذوا ال ْي َُهود َ َوالن ّ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫محذرا ً في سورة المائدة ‪َ):‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫دي ال ْ َ‬ ‫أ َول ِياَء بعضه َ‬
‫م‬
‫قو ْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫م ِ‬‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ‬‫ْ َ َْ ُ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫شى أ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫ن ِفيهِ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ض يُ َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن فَت ََرى ال ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫حوا عََلى َ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫عن ْدِهِ فَي ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مرٍ ِ‬ ‫فت ِْح أوْ أ ْ‬ ‫ي ِبال ْ َ‬ ‫ن ي َأت ِ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سى الل ّ ُ‬ ‫صيب ََنا َدائ َِرةٌ فَعَ َ‬
‫تُ ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ن(‪] .‬المائدة‪ .[52-51:‬وأخيرا‪ ..‬وليس آخرا‪ :‬فليتنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫م َنادِ ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫سّروا ِفي أن ْ ُ‬ ‫أ َ‬
‫نعي اليوم كلمات الشيخ شلتوت ـ رحمه الله‪" :-‬كانت الهجرة من بين‬
‫الحداث كلها جديرة أن تتجه إليها النظار‪ ،‬وي ُّتخذ منها مبدأ للتاريخ السلمي‪،‬‬
‫ليكون للمسلمين من ذكراها في كل عام‪ ،‬ومن التوقيت بها في مكاتباتهم‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعقودهم وأحداثهم العامة والخاصة درس متصل الحلقات‪ ،‬يساير حياتهم‬


‫كلها"‪ .‬ولله المر من قبل ومن بعد‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الهجرة النبوية‬
‫الشيخ ‪ /‬سامح قنديل‬
‫بعد أن تمت بيعة العقبة الثانية ‪ ،‬ونجح السلم في تأسيس وطن له وسط‬
‫صحراء تموج بالكفر والجهالة ‪ ،‬عاد النصار إلى المدينة ينتظرون هجرة النبي‬
‫ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم بتلهف كبير ‪ .‬وأذن رسول الله ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ للمسلمين بالهجرة إلى هذا الوطن ‪ ،‬الذي اختاره الله مهجرا ً‬
‫لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ولم تكن الهجرة مجرد التخلص من إيذاء المشركين أو الفرار من الفتنة في‬
‫الدين ‪ ،‬بل كانت كذلك إيذانا ً بميلد دولة السلم ‪ ،‬وإقامة مجتمع التوحيد‬
‫الذي تهفوا إليه نفوس المؤمنين ‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا كان امتحان المسلمين قبل الهجرة متمثل في اليذاء والتعذيب وتحمل‬
‫ألوان السخرية والستهزاء والتكذيب فإن الهجرة كانت تمثل امتحانا ً ليس‬
‫أقل ضراوة ‪ ،‬حيث سيترك المهاجر الوطان والديار والقرابات والموال ‪،‬‬
‫والصحاب والذكريات ‪ ،‬بل سيغامر بنفسه وربما فقدها في أثناء الطريق ‪،‬‬
‫فقد سعت قريش بشتى الطرق إلى عرقلة الهجرة أمام المهاجرين ‪ ،‬مرة‬
‫بحجز أموالهم ومنعهم من حملها ‪ ،‬ومرة بحجز زوجاتهم وأطفالهم ‪ ،‬وثالثة‬
‫بالحتيال لعادتهم إلى مكة ‪ ،‬لكن شيئا ً من ذلك كله ‪ ،‬لم يعق موكب‬
‫الهجرة ‪ ،‬فالمهاجرون كانوا على أتم استعداد للنخلع من أموالهم وأهليهم‬
‫ودنياهم كلها تلبية لنداء العقيدة ‪ ،‬ونصرة لدين الله وتأسيسا ً وإقامة لمجتمع‬
‫اليمان ‪.‬‬
‫لقد ضرب المسلمون بهجرتهم أروع أمثلة التضحية من أجل الدين ‪ ،‬فهذه أم‬
‫سلمة تحكي قصة هجرتها مع زوجها وابنها ‪ ،‬وهم أول أهل بيت هاجر ‪ ،‬فلما‬
‫رآه أصهاره مرتحل ً بأهله قالوا ‪ :‬هذه نفسك غلبتنا عليها ! أرأيت صاحبتنا هذه‬
‫؟ علم نتركك تسير بها في البلد فأخذوا منه زوجته ! ‪ ،‬وغضب آل أبي سلمة‬
‫لصاحبهم فقالوا ‪ :‬ل و الله ل نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا !‬
‫وتجاذبوا الغلم بينهم حتى خلعوا يده ! وانطلق أبو سلمة مهاجرا ً وحده إلى‬
‫المدينة ‪ ،‬وحبست أم سلمة عند قومها وذهب قوم أبي سلمة بالولد ‍! قالت ‪:‬‬
‫فّرق بيني وبين زوجي وبين ابني ! فكنت أخرج كل غداة بالبطح فما أزال‬ ‫ف ُ‬
‫أبكي حتى أمسي ‪ ،‬سنة أو قريبا منها حتى مر بي رجل من بني عمي‬
‫فرحمني ‪ ،‬فقال لقومه أل تخرجون هذه المسكينة ‪ ،‬فَرقتم بينها وبين زوجها‬
‫وولدها ؟ فقالوا لي الحقي بزوجك إن شئت ‪ ،‬فاسترجعت ابنها من أعمامه ‪،‬‬
‫وارتحلت بعيرها ‪ ،‬فخرجت بولدها تريد المدينة ما معها من أحد من خلق‬
‫الله ‪ .‬وفي الطريق لقيها عثمان بن طلحة ‪ ،‬وكان مشركا ً فأخذته مروءة‬
‫العرب ونخوتهم فقال ‪ :‬ما لهذه من مت َْرك فانطلق بها يقودها إلى المدينة ‪،‬‬
‫كلما نزل منزل ً استأخر عنها مروءة ‪ .‬كما قال صاحبه الجاهلي ‪:‬‬
‫وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مثواها‬
‫فلما وصل قباء قال ‪ :‬زوجك في هذه القرية فادخليها على بركة الله ثم‬
‫انصرف رجعا ً إلى مكة ‪ .‬فكانت أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ تقول ‪ :‬و الله ما‬
‫أعلم أهل بيت في السلم أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة ‪ .‬وما رأيت صاحبا ً‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قط أكرم من عثمان بن طلحة ‪.‬‬


‫قصة هجرة عجيبة ‪ ،‬وأعجب منها موقف ذلك المشرك الذي صاحب هذه‬
‫المرأة المسلمة التي ليست على دينه ليوصلها ‪ ،‬وأحسن معاملتها ‪ ،‬وغض‬
‫بصره عنها طيلة خمسمائة من الكيلو مترات قطعها في أيام ‪ ،‬ثم عاد إلى‬
‫مكة دون راحة ‪ .‬فأي مروءة ‪ ،‬وأي شهامة يتعلمها شباب المسلمون الن من‬
‫رجل كافر ملك نفسه وملك إرادته ‪ ،‬وغض بصره ‪ ،‬إنها سلمة الفطرة التي‬
‫قادته أخيرا ً إلى السلم بعد صلح الحديبية ‪.‬‬
‫ولعل إضاءة قلبه بدأت منذ تلك الرحلة مع المرأة المسلمة ‪.‬‬
‫ومن الصور المضيئة لتضحيات المهاجرين ـ رضي الله عنهم ‪ :‬هجرة صهيب ـ‬
‫رضي الله عنه ـ فإنه لما أراد الهجرة قال له كفار قريش ‪ :‬أتيتنا صعلوكا ً‬
‫حقيرا ً فكثر مالك عندنا ‪ ،‬وبلغت الذي بلغت ‪ ،‬ثم تريد أن تخرج بمالك‬
‫ونفسك ! و الله ل يكون ذلك ! فقال لهم صهيب ‪ :‬أرأيتم إن جعلت لكم مالي‬
‫‪ ،‬أتخلون سبيلي ؟ قالوا نعم ! قال ‪ :‬فإني قد جعلت لكم مالي ‪ .‬فبلغ ذلك‬
‫رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال ‪ :‬ربح صهيب ‪.‬‬
‫وهكذا أخذ المهاجرون يتركون مكة تباعا ً ‪ ،‬حتى كادت تخلوا من المسلمين ‪،‬‬
‫وشعرت قريش أن السلم أضحت له دار يأرز إليها ‪ ،‬وحصن يحتمي به ‪،‬‬
‫فتوجست خيفة من عواقب هذه المرحلة الخطيرة في دعوة محمد ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ وهاجت في دمائها غرائز السبع المفترس حين يخاف على‬
‫حياته فقررت قتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للقضاء على الدعوة التي‬
‫أقلقت مضاجعهم ‪ .‬فأخبر الله رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكرهم‬
‫مك ُُر‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫ن وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬
‫ك وَي َ ْ‬ ‫ك أ َوْ ي ُ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫ك أ َوْ ي َ ْ‬
‫قت ُُلو َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫مك ُُر ب ِ َ‬
‫} وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن { … )النفال‪. (30:‬‬ ‫ري َ‬‫ماك ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫خي ُْر ال َ‬ ‫الله وَ الله َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأذن الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالهجرة ‪ ،‬فجاء منزل أبي بكر‬
‫نحو الظهيرة ‪ ،‬وقد اشتد الحر في وقت ل يخرج فيه أحد عادة ‪ .‬لقد عرف‬
‫النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن قريشا ً ترصده فأراد أن يأخذ حذره ‪،‬‬
‫وعندما ُأخبر أبو بكر بقدومه في هذا الوقت ‪ ،‬عرف أن المر خطير ‪ ،‬ولما‬
‫أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا بكر أن الله أذن له في الخروج ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬الصحبة يا رسول الله ؟ قال ‪ :‬الصحبة ! تقول عائشة ‪ :‬فو الله ما‬
‫شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا ً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ‬
‫يبكي ! ووضع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطة الهجرة مراعيا ً ما يمكنه‬
‫من أسباب دون تواكل على النصر الموعود ‪.‬‬
‫فقد اتفق مع أبي بكر على الخروج ليل ً إلى غار ثور ‪ .‬ومن جهة غير الجهة‬
‫المعتادة التي يذهب الناس إلى المدينة منها ‪ ،‬وأن يمكثا في الغار ثلثة أيام‬
‫حتى يخف الطلب عنهما ‪ .‬واستأجرا دليل ً ماهرا ً بمسالك الصحراء ليقودهما‬
‫إلى المدينة ‪ ،‬وقد استأمنه مع كونه مشركا ‪ ،‬ودفعا إليه راحلتيهما اللتين كان‬
‫أعدهما أبو بكر لذلك ‪ .‬لكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبى إل أن‬
‫يدفع ثمن راحلته كي يبذل في الهجرة من ماله كما يبذل من نفسه !‬
‫وزودتهما أسماء بالطعام ‪.‬‬
‫وكان عبد الله ابن أبي بكر يتسمع لما يقوله الناس بالنهار ثم يخبرهما في‬
‫الليل ‪ ،‬فيعفى عامر بن فهيرة على آثار قدميه بأن يروح بغنمه عليها ‪ .‬كما‬
‫أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليا ً أن يبيت في فراشه ‪ .‬ومع روعة‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التخطيط البشري واستفراغ الواسع ‪ ،‬وأخذ الحيطة البالغة ‪ ،‬إل أن النبي ـ‬


‫صلى الله عليه وسلم ـ ما كان ليركن إلى السباب ‪ ،‬وإنما كان واثقا ً بربه ‪،‬‬
‫متوكل ً عليه ‪ ،‬موقنا ً بحسن تدبيره لنبيه ‪ ،‬ونصرته لدينه ‪ ،‬فحينما وجد فوارس‬
‫قريش ‪ ،‬وقصاص الثر في طلب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانتشروا‬
‫في الجبال والوديان ‪ ،‬وصل بعضهم إلى فم الغار ‪ ،‬حتى رأى الصديق‬
‫أقدامهم ‪ ،‬فخاف على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لن مستقبل المة‬
‫متعلق به ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ رأسه لرآنا فقال النبي ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يا أبا بكر ‪ :‬ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ ! وقد أثنى‬
‫ما ِفي ال َْغارِ إ ِذ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬ ‫ي اث ْن َي ْ ِ‬
‫الله على ذلك اليقين والتوكل التام بقوله ‪َ } :‬ثان ِ َ‬
‫معََنا { ‪) ...‬التوبة‪ :‬من الية ‪. (40‬‬ ‫ن الله َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫حب ِهِ ل ت َ ْ‬
‫صا ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ومن عظيم توكله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكمال يقينه ما جرى مع سراقة‬
‫بن مالك ‪ ،‬الذي علم أن قريشا ً جعلت مائة ناقة لمن يدل على النبي ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ حيا ً أو ميتا ً فتتبعهما بفرسه حتى دنا منهما ‪ ،‬وكان أبو بكر‬
‫يكثر اللتفاف خوفا ً على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإشفاقا ً على المة‬
‫أن تصاب في نبيها ‪ ،‬وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثابتا ً ل‬
‫يلتفت ‪ ،‬ولم يزد على أن قال لما علم بقرب سراقة ‪ :‬الله م اصرعه !‬
‫فاستجاب الله له ‪ ،‬فساخت قدما فرسه في الرض ‪ .‬وعلم أن النبي ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ ممنوع ‪ ،‬وأنه ظاهر ‪ ،‬فطلب منه أن يكتب له كتاب أمان ‪،‬‬
‫وعرض على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المساعدة ‪ ،‬فقال أخف عنا ! ‪،‬‬
‫فأصبح أول النهار جاهدا ً عليهما ‪ ،‬وأمسى آخره حارسا ً لهما ‪.‬‬
‫وواصل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحلته إلى المدينة ‪ .‬وتعددت مظاهر‬
‫عناية الله له ‪ .‬وظهرت دلئل بركته ‪ .‬واشتد شوق أهل المدينة إليه لما علموا‬
‫بخروجه ‪ .‬فكانوا ينتظرونه كل يوم ‪ ،‬ول يرجعون حتى يشتد الحر ‪ ،‬فلما‬
‫شرفت المدينة بمقدمه ‪ ،‬لم يفرح الناس بشيء فرحهم برسول الله ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ حتى جعلت النساء والصبيان والماء يقولون ‪ :‬جاء رسول‬
‫الله ‪ ،‬جاء رسول الله ‪.‬‬
‫ونزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أخواله من بني النجار ‪،‬‬
‫وعمت الفرحة أرجاء يثرب التي تغير فيها كل شيء منذ ذلك اليوم ‪ ،‬حتى‬
‫اسمها ‪ ،‬إنها الن المدينة المنورة ‪ ،‬مدينة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫وحتى سكانها ‪ ،‬إنهم الن أنصار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين }‬
‫ن عََلى‬ ‫ُ‬
‫ما أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬
‫ج ُ‬‫م َول ي َ ِ‬ ‫جَر إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫ها َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫يُ ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫سهِ فَأول َئ ِ َ‬ ‫ن ُيوقَ ُ‬ ‫م وَل َوْ َ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ف ِ‬
‫ح نَ ْ‬
‫ش ّ‬ ‫م ْ‬
‫ة وَ َ‬
‫ص ٌ‬‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫ن { ‪) ...‬الحشر‪ :‬من الية ‪(9‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الهجرة دروس وفوائد ‪1/2‬‬


‫محمد بن إبراهيم الحمد ‪1/3/1426‬‬
‫‪10/04/2005‬‬
‫لقد بعث الله محمدا ً ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بدعوة تمل القلوب نورا‪ً،‬‬
‫شرِقُ بها العقول ُرشدًا‪ ،‬فسابق إلى قبولها رجال عقلء‪ ،‬ونساء فاضلت‪،‬‬ ‫وت ُ ْ‬
‫وصبيان ل زالوا على فطرة الله‪ ،‬وبقيت سائرة في شيء من الخفاء‪ ،‬وكفاُر‬
‫ل‪ ،‬حتى أخذ رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬يقرع‬ ‫قريش ل يلقون لهم با ً‬
‫فه أحلم من‬ ‫بها السماع في المجامع‪ ،‬ويحذر من عبادة الصنام‪ ،‬ويس ّ‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعبدونها‪ ،‬فكان ذلك مثيرا ً لغيظ المشركين‪ ،‬وحافزا ً لهم على مناوأة هذه‬
‫الدعوة‪ ،‬والصد عن سبيلها‪ ،‬فوجدوا في أيديهم وسيلة‪ ،‬هي أن يفتنوا‬
‫المؤمنين‪ ،‬ويسوموهم سوء العذاب؛ حتى يعودوا إلى ظلمات الشرك‪ ،‬وحتى‬
‫قّيمة‪.‬‬
‫ي ُْرهبوا غيرهم ممن تحدثهم نفوسهم بالدخول في دين ال َ‬
‫ون عنه‬ ‫أما المسلمون فمنهم من كانت له قوة من نحو عشيرة أو حلفاء يك ُ ّ‬
‫ف ُ‬
‫كل يد تمتد إليه بأذى‪.‬‬
‫ومنهم المستضعفون وهؤلء هم الذين وصلت إليهم أيدي المشركين وبلغوا‬
‫من تعذيبهم كل مبلغ‪.‬‬
‫ومن هؤلء من يناله العذاب من أقرب الناس إليه نسبا‪ً.‬‬
‫ولما رأى رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ما يقاسيه أصحابه من البلء‬
‫وليس في استطاعته يومئذ حمايتهم أذن لهم في الهجرة للحبشة وقال‪) :‬إن‬
‫بها ملكا ً ل ُيظلم الناس عنده‪ ،‬فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجًا(‪.‬‬
‫فكان ذلك بداية الهجرة‪ ،‬ثم بعد ذلك بدأت الهجرة للمدينة‪ ،‬حيث هاجر من‬
‫هاجر من الصحابة‪ ،‬ثم تبعهم رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.-‬‬
‫هذا هو سبب الهجرة‪ ،‬أما سبب التأريخ بها‪ ،‬فقد كتب أبو موسى الشعري‬
‫ب ليس لها تاريخ(‪،‬‬ ‫إلى عمر بن الخطاب كتابا ً يقول فيه‪):‬إنه يأتينا منك كت ٌ‬
‫فجمع عمر الناس يستطلع رأيهم فيما يكون به التاريخ‪ ،‬فقال بعضهم‪):‬أّرخ‬
‫بالمبعث (‪ ،‬وقال بعضهم‪ ) :‬أّرخ بالهجرة(‪.‬‬
‫فقال عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪):-‬الهجرة فرقت بين الحق والباطل؛ فأّرخوا‬
‫بها (‪.‬‬
‫وهذه إشارة إلى المزية التي استحقت بها الهجرة أن تكون مبدأ التاريخ‬
‫العام؛ حيث أقبل الناس بعدها إلى السلم جهرة ل يخشون إل رب العالمين‪.‬‬
‫الدروس المستفادة من الهجرة‬
‫يستفاد من الهجرة الشريفة دروس عظيمة‪ ،‬ويستخلص منها فوائد جمة‪،‬‬
‫وي ُْلحظ فيها حكم باهرة‪ُ ،‬يفيد منها الفراد‪ ،‬وُتفيد منها المة بعامة‪ ،‬وذلك في‬
‫شتى مجالت الحياة‪ ،‬ومن تلك الدروس والفوائد والحكم ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ضرورة الجمع بين التوكل على الله والخذ بالسباب‪ :‬فالتوكل في لسان‬
‫الشرع يراد به توجه القلب إلى الله حال العمل‪ ،‬واستمداد المعونة منه‪،‬‬
‫والعتماد عليه وحده؛ فذلك سر التوكل وحقيقته‪ ،‬والذي يحقق التوكل هو‬
‫ح توكله؛ فلم يكن التوكل‬ ‫القيام بالسباب المأمور بها؛ فمن عطلها لم يص ّ‬
‫داعية إلى البطالة أو القلل من العمل‪ ،‬بل لقد كان له الثر العظيم في‬
‫إقدام عظماء الرجال على جلئل العمال التي يسبق إلى ظنونهم أن‬
‫صران عن إدراكها؛ ذلك أن‬ ‫ق ُ‬ ‫استطاعتهم وما لديهم من العمال الحاضرة ي َ ْ‬
‫التوكل من أقوى السباب في حصول المراد ودفع المكروه‪ ،‬بل هو أقواها؛‬
‫فاعتماد القلب على الله‪-‬عز وجل‪-‬يستأصل جراثيم اليأس‪ ،‬ويجتث منابت‬
‫الكسل‪ ،‬ويشد ظهر المل الذي يلج به الساعي أغوار البحار العميقة‪ ،‬ويقارع‬
‫به السباع الضارية في فلواتها‪.‬‬
‫معلى‪ ،‬والنصيب الوفى من‬ ‫ّ‬ ‫ح ال ُ‬ ‫قد ْ ُ‬
‫هذا ولرسول الله‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬ال ِ‬
‫شٌر أحق بنصر الله‪ ،‬وأجدر بتأييده من هذا الرسول‬ ‫ف بَ َ‬
‫هذا المعنى؛ فل ي ُعَْر ُ‬
‫الذي لقى في جنب الله ما لقى‪ ،‬ومع ذلك فإن استحقاق التأييد العلى ل‬
‫يعني التفريط قيد أنملة في استجماع أسبابه وتوفير وسائله‪.‬‬
‫ومن ثم فإن رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬أحكم خطة هجرته‪ ،‬وأعد‬
‫لكل فرض عُد َّته‪ ،‬ولم يدع في حسبانه مكانا ً للحظوظ العمياء‪ ،‬ثم توكل بعد‬
‫ذلك على من بيده ملكوت كل شيء‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن أعلى‬ ‫وكثيًرا ما يرتب النسان مقدمات النصر ترتيبا ً حسنًا‪ ،‬ثم يجيء عَوْ ٌ‬
‫يجعل هذا النصر مضاعف الثمار‪.‬‬
‫ولقد جرت هجرة رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬من مكة إلى المدينة‬
‫على هذا الغرار؛ فقد استبقى معه أبا بكر وعليًا‪-‬رضي الله عنهما ‪ ،‬وأذن‬
‫لسائر المؤمنين بتقدمه إلى المدينة‪ ،‬فأما أبو بكر فإن الرسول ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬قال له حين استأذنه؛ ليهاجر‪):‬ل تعجل؛ لعل الله أن يجعل لك‬
‫صاحبًا(‪.‬‬
‫وأحس أبو بكر بأن الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬يعني نفسه بهذا الّرد‪،‬‬
‫فابتاع راحلتين‪ ،‬فحبسهما في داره يعلفهما‪ ،‬إعدادا ً لذلك المر‪.‬‬
‫ي فقد هّيأهُ الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬لدور خاص يؤديه في هذه‬ ‫أما عل ٌ‬
‫المغامرة المحفوفة بالخطار‪ ،‬أل وهي مبيت علي في مكان النبي‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪-‬إذا أراد الخروج إلى المدينة‪.‬‬
‫ويلحظ أن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬كتم أسرار مسيره؛ فلم يطلع عليها‬
‫طلعهم إل بقدر العمل المنوط بهم‪.‬‬ ‫إل من لهم صلة ماسة‪ ،‬ولم يتوسع في إ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثم إنه استأجر خبيرا ً بطريق الصحراء؛ ليستعين بخبرته على مغالبة‬
‫طاِلبين‪ ،‬وهو عبد الله بن ُأريقط الليثي‪ ،‬وكان هاديا ً ماهرا ً بالطريق‪ ،‬وكان‬ ‫م َ‬‫ال ُ‬
‫مناه على ذلك‪ ،‬وسّلما إليه راحلتيهما‪ ،‬وواعداه في‬ ‫َ‬
‫على دين قومه قريش‪ ،‬فَأ ّ‬
‫غار ثور بعد ثلث‪ .‬ومع هذه السباب لم يتكل عليها النبي‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪-‬بل كان قلبه متعلقا ً بالله‪-‬عّز وجل‪-‬فجاءه التوفيق والمدد والعون من‬
‫الله‪.‬‬
‫م‬
‫ويشهد لذلك أنه لما أبقى عليا ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬ليبيت في مضجعه‪ ،‬وه ّ‬ ‫ً‬
‫بالخروج من منزله الذي يحيط به المشركون‪ ،‬وتقطعت أسباب النصر‬
‫ة تأييد الله الخفية ‪ -‬أخذ حصيات ورمى‬ ‫الظاهرة‪ ،‬ولم يبق من سبب إل سن ُ‬
‫بها وجوه المشركين؛ فأدبروا‪.‬‬
‫وكذلك الحال لما كان في الغار‪ ،‬ففي الصحيحين أن أبا بكر‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪-‬قال‪ :‬يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لبصرنا‪ ،‬فقال‪):‬يا أبا بكر‬
‫ما ظنك باثنين الله ثالثهما‪ ،‬ل تحزن؛ فإن الله معنا (‪.‬‬
‫والدرس المستفاد من هذه الناحية هو أن المة التي تريد أن تخرج من تيهها‪،‬‬
‫دد النهوض‪ ،‬ثم تنطوي‬ ‫وتنهض من كبوتها ل ب ُد ّ أن تأخذ بأسباب النجاة وعُ َ‬
‫قلوبها على سراج من التوكل على الله‪ ،‬وأعظم التوكل على الله‪ ،‬التوكل‬
‫عليه‪-‬عز وجل‪-‬في طلب الهداية‪ ،‬وتجريد التوحيد‪ ،‬ومتابعة الرسول‪ ،‬وجهاد‬
‫أهل الباطل‪ ،‬وحصول ما يحبه الله ويرضاه من اليمان‪ ،‬واليقين‪ ،‬والعلم‪،‬‬
‫والدعوة؛ فهذا توكل الرسل‪ ،‬وخاصة أتباعهم‪.‬‬
‫وما اقترن العزم الصحيح بالتوكل على من بيده ملكوت كل شيء إل كانت‬
‫ن[‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مت َوَك ِّلي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫ت فَت َوَك ّ ْ‬ ‫العاقبة رشدا ً وفلحا ً ]فَإ َِذا عََز ْ‬
‫م َ‬
‫آل عمران‪.159 :‬‬
‫وما جمع قوم بين الخذ بالسباب وقوة التوكل على الله إل أحرزوا الكفاية‬
‫لن يعيشوا أعزة سعداء‪.‬‬
‫‪ -2‬ضرورة الخلص‪ ،‬والسلمة من الغراض الشخصية‪ :‬فالخلص روح‬
‫العظمة‪ ،‬وقطب مدارها‪ ،‬والخلص يرفع شأن العمال حتى تكون مراقي‬
‫للفلح‪ ،‬والخلص يجعل في عزم الرجل متانة‪ ،‬فيسير حتى يبلغ الغاية‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حرم الناس من مشروعات‬ ‫ولول الخلص يضعه الله في قلوب زاكيات ل ُ‬


‫عظيمة تقف دونها عقبات‪.‬‬
‫ومن مآخذ العبرة في قصة الهجرة أن الداعي إلى الصلح متى أوتي حكمة‬
‫صا نقي ًّا‪ ،‬وعزما ً صارما ً هَي ّأ َ الله لدعوته بيئة طّيبة فتقُبلها‪ ،‬وزّينها‬ ‫بالغة‪ ،‬وإخل ً‬
‫سيغها الفطُر‬ ‫في قلوب قوم لم يلبثوا أن يسيروا بها‪ ،‬ويطرقوا بها الذان‪ ،‬فَت ُ ِ‬
‫حجج الرائعة حق قدرها‪.‬‬ ‫در ال ُ‬
‫ة‪ ،‬والعقول التي تق ّ‬ ‫السليم ُ‬
‫وهكذا كان‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬فلم يرد بدعوته إل الخلص لله‪ ،‬وإخراج‬
‫الناس من الظلمات إلى النور؛ فكان متجردا ً من حظوظ النفس ورغائبها؛‬
‫ل؛ فيطلب بهذه الدعوة نباهة شأن‬ ‫فما كان‪-‬صلوات الله وسلمه عليه‪-‬خام ً‬
‫ووجاهة؛ فإن في شرف أسرته‪ ،‬وبلغة منطقه‪ ،‬وكرم خلقه ما يكفيه لن‬
‫يحرز في قوم الزعامة لو شاء‪.‬‬
‫قل ً حريصا ً على بسطة العيش؛ فيبغي بهذه الدعوة ثراًء؛ فإن‬ ‫م ِ‬
‫وما كان ُ‬
‫ً‬
‫عيشه يوم كان الذهب يصب في مسجده ُركاما ل يختلف عن عيشه يوم كان‬
‫يلقي في سبيل الدعوة أذىً كثيرًا‪.‬‬
‫ثم إن الهجرة كان دليل ً على الخلص والتفاني في سبيل العقيدة؛ فقد فارق‬
‫المهاجرون وطنهم‪ ،‬ومالهم‪ ،‬وأهليهم‪ ،‬ومعارفهم؛ إجابة لنداء الله ورسوله‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.-‬‬
‫وهذا درس عظيم يفيد منه المسلمون فائدة عظمى وهي أن الخلص هو‬
‫السبب العظم لنيل المآرب التي تعود على الفراد والمة بالخير‪.‬‬
‫‪ -3‬العتدال حال السراء والضراء‪ :‬فيوم خرج‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬من مكة‬
‫مكرها ً لم يخنع‪ ،‬ولم يذل‪ ،‬ولم يفقد ثقته برّبه‪.‬‬
‫ولما فتح الله عليه ما فتح‪ ،‬وأقر عينه بعز السلم‪ ،‬وظهور المسلمين لم‬
‫ش زهوًا‪ ،‬ولم يتعاظم تيهًا؛ فعيشته يوم كان في مكة يلقي الذى ويوم‬ ‫ي َط ِ ْ‬
‫ً‬
‫أخرج منها كارها كعيشته يوم دخل مكة ظافرا‪ ،‬وكعيشته يوم أظلت رايته‬ ‫ً‬
‫البلد العربية‪ ،‬وأطّلت على ممالك قيصر ناحية تبوك‪.‬‬
‫وتواضعه وزهده بعد فتح مكة وغيرها كحاله يوم كان يدعو وحيدا ً وسفهاء‬
‫الحلم في مكة يضحكون منه‪ ،‬ويسخرون‪.‬‬
‫ت من لوائها جزعا ً‬ ‫شع ُ‬‫خ ّ‬ ‫ت فل النعماء ُتبطرني *** ول ت َ َ‬ ‫ك ُل ً بلو ُ‬
‫والدرس المستفاد من هذا المعنى واضح جلي؛ إذ المة تمر بأحوال ضعف‪،‬‬
‫وأحوال قوة‪ ،‬وأحوال فقر‪ ،‬وأحوال غنى؛ فعليها لزوم العتدال في شتى‬
‫قّنطها البأساء‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة‬ ‫الحوال؛ فل تبطرها النعماء‪ ،‬ول ت ُ َ‬
‫للفراد‪.‬‬
‫‪ -4‬اليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين‪ :‬فالذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي‬
‫يظن أن الدعوة إلى زوال‪ ،‬واضمحلل‪.‬‬
‫ولكن الهجرة في حقيقتها تعطي درسا ً واضحا في أن العاقبة للتقوى‬
‫ً‬
‫وللمتقين‪.‬‬
‫ّ‬
‫فالنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يعلم بسيرته المجاهد َ في سبيل الحق أن‬
‫جهم‪ ،‬ول ي َُهولهُ‬ ‫عوَ ِ‬‫ن في دفاعهم‪ ،‬وتقويم ِ‬ ‫يثبت في وجه أشياع الباطل‪ ،‬ول ي َهَ َ‬
‫جِلبوا بخيلهم ورجالهم؛ فقد يكون‬ ‫أن تقبل اليام عليهم‪ ،‬فيشتد ّ بأسهم‪ ،‬وي ُ ْ‬
‫للباطل جولة‪ ،‬ولشياعه صولة‪ ،‬أما العاقبة فإنما هي للذين صبروا والذين هم‬
‫مصلحون‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فلقد هاجر‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬من مكة في سواد الليل مختفيا ً وأهلها‬


‫يحملون له العداوة والبغضاء‪ ،‬ويسعون سعيهم للوصول إلى قتله‪ ،‬والخلص‬
‫مَتجّليا ً وقد استقبله المهاجرون‬ ‫من دعوته‪ ،‬ثم دخل المدينة في بياض النهار ُ‬
‫والنصار بقلوب ملئت سرورا ً بمقدمه‪ ،‬وابتهاجا ً بلقائه‪ ،‬وصاروا يتنافسون في‬
‫الحتفاء به‪ ،‬والقرب من مجلسه‪ ،‬وقد هيئوا أنفسهم لفدائه بكل ما يعز‬
‫عليهم‪ ،‬وأصبح‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬كما قال أبو قيس صرمة النصاري‪:‬‬
‫ثوى بقريش بضع عشرة حجة *** يذكر لو يلقى حبيبا مواتيا‬
‫ويعرض في أهل المواسم نفسه*** فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا‬
‫فلما أتانا واستقر به النوى***وأصبح مسرورا ً بطيبة راضيا‬
‫وأصبح ل يخشى ظلمة ظالم*** بعيد ول يخشى من الناس باغيا‬
‫ل مالنا***وأنفسنا عند الوغى والتآسيا‬ ‫بذلنا له الموال من ح ّ‬
‫ً‬
‫نعادي الذي عادى من الناس كلهم***جميعا ولو كان الحبيب المصافيا‬
‫ونعلم أن الله ل رب غيره *** وأن كتاب الله أصبح هاديا‬
‫‪ -5‬ثبات أهل اليمان في المواقف الحرجة‪ :‬ويبدو ذلك في جواب النبي‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬لبي بكر‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬تطمينا ً له على قلقه‪ ):‬يا أبا بكر‬
‫ما ظنك باثنين الله ثالثهما(‪.‬‬
‫فهذا مثال من أمثلة الصدق والثبات‪ ،‬والثقة بالله‪ ،‬والتكال عليه عند الشدائد‪،‬‬
‫وهو دليل واضح على صدق الرسول‪ ،‬ودعوى النبوة؛ فهو في أشد المآزق‬
‫حرجا ً ومع ذلك تبدو عليه أمارات الطمئنان‪ ،‬وأن الله لن يتخلى عنه في تلك‬
‫الساعات الحرجة‪.‬‬
‫مد ٍّع للنبوة ؟ ففي مثل هذه الحالت‬ ‫ُترى هل يصدر مثل هذا الطمئنان عن ُ‬
‫يبدو الفرق واضحا ً بين أهل الصدق وأهل الكذب‪ ،‬فأولئك تفيض قلوبهم دائما ً‬
‫وأبدا ً بالرضا عن الله‪ ،‬والثقة بنصره‪ ،‬وهؤلء يتهاوون عند المخاوف‪ ،‬وينهارون‬
‫عند الشدائد‪ ،‬ثم ل تجد لهم من الله وليا ً ول نصيرًا‪.‬‬
‫‪ -6‬أن من حفظ الله حفظه الله‪ :‬ويؤخذ هذا المعنى من حال زعماء قريش‬
‫عندما ائتمروا بالنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ليعتقلوه‪ ،‬أو يقتلوه‪ ،‬أو‬
‫ك أ َْو‬ ‫ك أ َوْ ي َ ْ‬
‫قت ُُلو َ‬ ‫فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫مك ُُر ب ِ َ‬‫يخرجوه قال‪-‬تعالى ‪ ] :‬وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن [ النفال‪.30 :‬‬ ‫ري َ‬
‫ماك ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫خي ُْر ال َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ه َوالل ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫ن وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬
‫ك وَي َ ْ‬ ‫خرِ ُ‬
‫يُ ْ‬
‫فأجمعوا بعد تداول الرأي على أن يطلقوا سيوفهم تخوض في دمه الطاهر‪،‬‬
‫فأوحى الله إلى رسوله ما أوحى‪ ،‬فحثا في وجوههم التراب‪ ،‬وبارح مكة من‬
‫حيث ل تراه أعينهم‪.‬‬
‫ن حفظ الله حفظه الله‪ ،‬والحف ُ‬
‫ظ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ة ماضية في أ ّ‬ ‫سن ّ ٌ‬‫وهذا درس عظيم‪ ،‬و ُ‬
‫ظ النسان في دينه ودعوته‪ ،‬وهذا‬ ‫ف َ‬ ‫ح َ‬ ‫من الله شامل‪ ،‬وأعظم ما في ذلك أن ي ُ ْ‬
‫ص إليه‬ ‫َ‬
‫م؛ فل ُيخل َ‬ ‫ص َ‬ ‫الحفظ‪-‬أيضًا‪-‬يشمل حفظ البدن‪ ،‬وليس بالضرورة أن ُيع َ‬
‫البتة؛ فقد يصاب؛ لترفع درجاته‪ ،‬وتقال عثراته‪ ،‬ولكن الشأن كل الشأن في‬
‫حفظ الدين والدعوة‪.‬‬
‫‪ -7‬أن النصر مع الصبر‪ :‬فقد قضى‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬في سبيل دعوته في‬
‫ة‪ ،‬وألسنة ساخرة‪ ،‬وربما لقي‬ ‫مكة ثلثة عشر حول ً وهو يلقي نفوسا ً طاغي ً‬
‫أيديا ً باطشة‪.‬‬
‫كان هَّينا ً على الله أن يصرف عنه الذى جملة‪ ،‬ولكنها سنة البتلء يؤخذ بها‬
‫الرسول الكرم؛ ليستبين صبره‪ ،‬ويعظم عند الله أجره‪ ،‬وليتعلم دعاة الصلح‬
‫كيف يقتحمون الشدائد‪ ،‬ويصبرون على ما يلقون من الذى صغيرا ً كان أم‬
‫كبيرًا‪.‬‬
‫‪ -8‬ظهور المواقف البطولية‪ :‬فالنبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬تنتهي إليه‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشجاعة بأسرها‪ ،‬ومن مواقفه البطولية ما كان من أمر الهجرة وذلك لما‬
‫اجتمعت عليه قريش ورمته عن قوس واحدة‪ ،‬وأجمعت على قتله‪ ،‬والقضاء‬
‫ش رابط‪ ،‬وجبين‬ ‫على دعوته‪ ،‬فما كان منه إل أن قابل تلك الخطوب بجأ ٍ‬
‫ق‪ ،‬وعزم ل يلتوي‪.‬‬ ‫َْ‬
‫طل ٍ‬
‫م للثريا كأنها ***جبين رسول الله إذ شاهد الزحفا‬ ‫ولحت نجو ٌ‬
‫ه‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬فلم تكن تأخذه رهبة من أشياع‬ ‫ْ‬
‫ولقد كان ذلك د َأب َ ُ‬
‫الباطل وإن كثر عددهم‪ ،‬بل كان يلقيهم بالفئات القليلة ويفوز عليهم فوزا ً‬
‫عظيمًا‪ ،‬وكان يقابل العداء بوجهه‪ ،‬ول يوليهم ظهره وإن تزلزل جنده‪،‬‬
‫وانصرفوا جميعا ً من حوله‪.‬‬
‫وكان يتقدم في الحرب حتى يكون موقفه أقرب موقف من العدو‪ ،‬وإذا‬
‫اتقدت جمرة الحرب‪ ،‬واشتد ّ لهبها أوى إليه الناس‪ ،‬واحتموا بظله الشريف؛‬
‫طب عند لقائه؛ كيف وهو يتيقن أن موَته‬ ‫ق ّ‬
‫فلم يكن يتوارى من الموت‪ ،‬أو ي ُ َ‬
‫هو انتقال من حياة مخلوطة بالمتاعب والمكاره إلى حياة أصفى لذة‪ ،‬وأهنأ‬
‫ة‪ ،‬وأبقى نعيما ً ؟‬ ‫راح ً‬
‫ولقد كان لهذه المواقف البطولية الرائعة موضع قدوة لصحابه ومن جاء‬
‫بعدهم؛ فحقيق على المة التي تريد العزة‪ ،‬والرفعة‪ ،‬والسعادة أن تكون على‬
‫ن حلفائها‪ ،‬ويكون لها مكانة مهيبة في‬ ‫درجة من الشجاعة؛ حتى تقر بها أعي ُ‬
‫صدور أعدائها‪.‬‬
‫وحقيق على علماء السلم وزعمائه أن يقتدوا برسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬في أدب الشجاعة التي هي القدام في حكمة؛ فقد جرت سنة الله‬
‫على أن الحق ل يمحق الباطل‪ ،‬وأن الصلح ل يدرأ الفساد إل أن يقيض الله‬
‫لهما رجال ً يؤثرون الموت في جهاد على الحياة في غير جهاد‪.‬‬
‫الهجرة دروس وفوائد ‪2/2‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫محمد بن إبراهيم الحمد ‪5/3/1426‬‬


‫‪14/04/2005‬‬
‫‪ -9‬الحاجة إلى الحلم‪ ،‬وملقاة الساءة بالحسان‪ :‬فلما كان النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫طغام أذىً كثيرًا‪،‬‬‫طغاة‪ ،‬وال ّ‬‫عليه وسلم ‪ -‬في مكة قبل الهجرة كان يلقى من ال ّ‬
‫سه بأذى‪ ،‬ول أغلظ له في‬ ‫فيضرب عنه صفحًا‪ ،‬أو عفوًا؛ فما عاقب أحدا ً م ّ‬
‫القول‪ ،‬بل كان يلقي الساءة بالحسان‪ ،‬والغلظة بالرفق‪.‬‬
‫ومما يجّلي هذا المعنى ما كان منه‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬لما عاد إلى مكة‬
‫ظافرا ً فاتحا ً حيث تمكن ممن كانوا يؤذونه بصنوف الذى فقال لهم‪) :‬ما‬
‫تظنون أني فاعل بكم؟(‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬أخ كريم وابن أخ كريم‪ ،‬فقال‪) :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء(‪.‬‬
‫فهذا دأبه وديدنه‪ ،‬يعفو ويصفح‪ ،‬ويدفع السيئة بالحسنة إل أن يتعدى الشر‪،‬‬
‫فيلقي في وجه الدعوة حجرًا‪ ،‬أو يحدث في نظام المة خل ً‬
‫ل؛ فَل َِرسول الله‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يومئذ شأنه الذي يقول فيه‪) :‬لو أن فاطمة بنت‬
‫محمد سرقت لقطعت يدها(‪.‬‬
‫فالنتصار‪ -‬إذا ‪ -‬ليس للنفس‪ ،‬ول للحرص على الحياة‪.‬‬
‫وإنما هو انتصار للحق‪ ،‬وغضب لحرمات الله‪-‬عز وجل ‪.‬‬
‫وما الحسام الذي يأمر بانتضائه للجهاد في سبيل الله إل كمبضع طبيب ناصح‬
‫زف دمه الفاسد‪ ،‬أو ليستأصل منه أذى متمكنًا؛ حرصا ً‬ ‫يشرط جسم العليل؛ لين ِ‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على سلمته‪.‬‬
‫فهذه السيرة ترشد رئيس القوم والداعية والعالم أن يوسع صدره لمن‬
‫ظ وجفاء؛ فسيرة رسول الله ‪ -‬صلى‬ ‫يناقشه‪ ،‬ويجادله ولو صاغ أقواله في ِغل َ ٍ‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬هي التي علمت معاوية‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬أن يقول‪):‬والله ل‬
‫أحمل سيفي على من ل سيف له‪ ،‬فإن لم يكن من أحدكم سوى كلمة‬
‫يقولها؛ ليشتفي بها فإني أجعل له ذلك دبر أذني‪ ،‬وتحت قدمي(‪.‬‬
‫ويقول‪):‬ل أحمل سيفي ما كفاني سوطي‪ ،‬ول أحمل سوطي ما كفاني‬
‫مقولي(‪.‬‬
‫‪ -10‬استبانة أثر اليمان‪ :‬فلما تنفس السلم في بطاح مكة اعتنقه فريق من‬
‫ذوي العقول السليمة‪ ،‬وما لبث عُّباد الوثان يؤذونهم في أنفسهم‪ ،‬ويأبون أن‬
‫يقيموا شعائر دينهم‪.‬‬
‫ولما كان أولئك المسلمون على إيمان أجلى من القمر يتلل في سماء‬
‫مُلوا الذى في صبر وأناة‪ ،‬وكانت مظاهر أولئك الطغاة حقيرة في‬ ‫ح ّ‬‫صاحية ت َ َ‬
‫أعينهم؛ منبوذة وراء ظهورهم حتى أذن الله لهم بالهجرة‪.‬‬
‫ً‬
‫ب؛ فيخلق من الضعف عزما‪ ،‬ومن‬ ‫ه القلو َ‬ ‫وكذلك اليمان تخالط بشاشت ُ‬
‫ح كرما ً وبذل‪ً.‬‬ ‫ً‬
‫ع ّّزا‪ ،‬ومن الَبطالة نشاطا‪ ،‬ومن الش ّ‬ ‫ً‬ ‫الخمول نهوضًا‪ ،‬ومن الذلة ِ‬
‫وهذا الثر يعطي درسا ً عظيما ً وهو أن اليمان يصنع المعجزات‪ ،‬ويأتي بأطيب‬
‫الثمرات‪.‬‬
‫دهم في سبيل‬ ‫جهْ ِ‬‫وهذا بدوره يدفع أولي المر وأهل العلم أن يبذلوا قصارى ُ‬
‫تعليم ِ المةِ أمَر دينها وقيادتها ‪ -‬ولو بالسلسل ‪ -‬إلى دعوة اليمان والهدى؛‬
‫كي تعود لها عزتها السالفة‪ ،‬وأمجادها الغابرة‪.‬‬
‫‪ -11‬انتشار السلم وقوته‪ :‬وهذا من فوائد الهجرة؛ فلقد كان الحق بمكة‬
‫مغمورا ً بشغب الباطل‪ ،‬وكان أهل الحق في بلء من أهل الباطل شديد‪.‬‬
‫والهجرة كانت من أعظم السباب التي رفعت صوت الحق على صخب‬
‫الباطل‪ ،‬وخّلصت أهل الحق من ذلك البلء الجائر‪ ،‬وأورثتهم حياة عزيزة‪،‬‬
‫ومقاما ً كريمًا‪.‬‬
‫وإذا كانت البعثة مبدأ الدعوة إلى الحق فإن الهجرة مبدأ ظهوره والعمل به‬
‫في حالتي السر والعلنية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ول يبلغ قول الحق غايته‪ ،‬ويأتي بفائدته كاملة إل أن يصبح عمل قائما‪ ،‬وسيرة‬
‫مّتبعة؛ فالهجرة راشت جناح السلم‪ ،‬فذهب يحلق في الفاق؛ ليمحوا آية‬
‫صَرهُ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫صُروهُ فَ َ‬ ‫الضللة‪ ،‬ويجعل آية الهداية مبصرة قال‪ -‬تعالى ‪] :-‬إ ِل ّ َتن ُ‬
‫ن‬
‫حَز ْ‬ ‫حب ِهِ ل ت َ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫قو ُ‬
‫ل لِ َ‬ ‫ما ِفي ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ‬ ‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ي اث ْن َي ْ‬‫فُروا َثان ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ َ‬‫ه ال ّ ِ‬‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫إ ِذ ْ أ َ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫م َ‬‫ل ك َل ِ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ها وَ َ‬‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنود ٍ ل َ ْ‬‫ه عَل َي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫معََنا فَأنَز َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ي العُلَيا[ التوبة‪.40 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ة اللهِ هِ َ‬ ‫فلى وَك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫س ْ‬‫فُروا ال ّ‬ ‫كَ َ‬
‫كر شيئا من أمر الهجرة النبوية‪ ،‬وتعد من جملة‬ ‫ً‬ ‫فإنك تجد الية الكريمة ت َذ ْ ُ‬
‫جْعل كلمة الذين كفروا السفلى‪ ،‬وكلمة الله هي‬ ‫النعم الجليلة المترتبة عليها َ‬
‫العليا‪.‬‬
‫علت كلمة الله حقا‪ ،‬وإنما علت على كاهل تلك الدولة التي قامت بين لبتي‬
‫المدينة‪ ،‬وبسطت سلطانا ً ل تستطيع يد المخالفين أن تمسه من قريب ول‬
‫من بعيد‪.‬‬
‫‪ -12‬أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه‪ :‬فلما ترك المهاجرون ديارهم‪،‬‬ ‫ً‬
‫وأهليهم‪ ،‬وأموالهم التي هي أحب شيء إليهم ‪ -‬أعاضهم الله بأن فتح عليهم‬
‫الدنيا‪ ،‬ومّلكهم شرقها وغربها‪.‬‬
‫وفي هذا درس عظيم وهو أن الله‪-‬عز وجل‪-‬شكور كريم‪ ،‬ول يضيع أجر من‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وض من الله أنواع‪،‬‬ ‫ل؛ فمن ترك شيئا ً لجله عوضه خيرا ً منه‪ ،‬والعِ َ‬
‫أحسن عم ً‬
‫وض به النسان أن ي ُْرَزقَ محبة الله‪-‬عز وجل‪-‬وطمأنينة القلب‬ ‫وأج ّ‬
‫ل ما ُيع ّ‬
‫حوا في سبيل الله‪،‬‬ ‫بذكره‪ ،‬وقوة القبال عليه؛ فحري بأهل السلم أن ُيض ّ‬
‫وأن يقدموا محبوبات الله على محبوبات نفوسهم؛ ليفوزوا بخيري الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -13‬قيام الحكومة السلمية‪ :‬فمن حسنات الهجرة النبوية تلك الحكام‬


‫المدنية‪ ،‬والنظم القضائية والصول السياسية؛ فإنها كانت تنزل بالمدينة حيث‬
‫مَنعة بحيث يأخذونها بقوة‪،‬‬‫أصبح المسلمون في كثرة‪ ،‬وصاروا من ال َ‬
‫ويقومون على إجرائها يوم تنزل والناس يشهدون‪.‬‬
‫ولو كان آخر عهد الوحي يشبه أّوله لم يزد السلم على أن يكون دعوة إلى‬
‫عقائد وأخلق وشيء من العبادات؛ فالهجرة هيأت للسلم أن تكون له‬
‫حكومة ذات سلطان غالب‪ ،‬وكلمة فوق كل كلمة‪ ،‬والهجرة مكنت الحكومة‬
‫السلمية أن تقضي بشرع الله الحكيم‪.‬‬
‫قَهر العداء‪ ،‬وبالشرع الحكيم يعيش الناس بأمن‬ ‫وبالسلطان الغالب ي ُ ْ‬
‫وسعادة‪.‬‬
‫وكذلك كان شأن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد الهجرة‪ ،‬فقد كان من‬
‫مَنعة وتأييد الله له أن أصبحت الجزيرة العربية في بضع سنين طوعَ‬ ‫القوة وال َ‬
‫يمينه‪ ،‬وموضعَ نفاذِ أمره‪ ،‬وأصبحت المة ‪ -‬بما شرعه الله من أحكام‬
‫المعاملت والجنايات‪ ،‬وبما أنار به النفوس من الحكم السامية ‪ -‬تتمتع‬
‫بسياسة عادلة‪ ،‬وحياة زاهرة‪.‬‬
‫والدرس المستفاد من هذا أن المة ل يمكن أن يكون لها سيادة ومنعة إل إذا‬
‫حكمت بشرع الله‪ ،‬ونبذت كل ما يخالفه ظهريًا‪ ،‬فإذا ما التمست العزة‬
‫والسيادة من زبالت أهل الرض‪ ،‬واستبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير‪-‬فلن‬
‫عّزا ً ول فلحًا‪ ،‬والواقع خير شاهد على ما ُذكر‪.‬‬ ‫تدرك ِ‬
‫‪ -14‬قيام المجتمع المسلم‪ :‬فالمسلمون ل يعدون أنفسهم يعيشون في بلد‬
‫إسلمي إل إذا ساد نظام السلم بلدهم‪ ،‬وقامت به أحكامه وآدابه كما تقوم‬
‫به شعائره‪ ،‬وتسود عقائده‪.‬‬
‫وإذا تعذر على المسلمين إقامة أحكام دينهم‪ ،‬وتأييد أنظمته الجتماعية‪،‬‬
‫وآدابه الخلقية‪-‬وجب عليهم النتقال إلى البلد الذي ُيعمل فيه بأحكام السلم‬
‫وآدابه؛ تكثيرا ً لسواد المسلمين‪ ،‬وإعزازا ً لمر الدين‪ ،‬واستعدادا ً لنصره وتأييده‬
‫في العالمين‪.‬‬
‫وإذا لم يكن للمسلمين بلد تتوافر فيه هذه الشروط وجب عليهم أن يجتمعوا‬
‫في بقعة صالحة يقيمون فيها نظام السلم حسب استطاعتهم‪.‬‬
‫فهذه من أعظم حكم الهجرة والبواعث عليها؛ فإذا نشأت النفوس تحت جناح‬
‫نظام يقيم أحكام السلم‪ ،‬ويحمي دعوته‪ ،‬ويحمل على آدابه‪-‬كانت قوة‬
‫للسلم تعمل على رفعته‪ ،‬وتوسيع دائرته‪.‬‬
‫أما إذا نشأت تحت جناح يخالف السلم‪ ،‬ول ُيرّبي المة على آدابه فإن قوتها‬
‫تكون معطلة عن تأييد السلم‪ ،‬وتعميم هدايته‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -15‬اجتماع كلمة العرب‪ ،‬وارتفاع شأنهم‪ :‬فالهجرة‪-‬كما مكنت للدعوة وإقامة‬
‫المجتمع والدولة‪-‬مكنت لجمع الكلمة؛ فكلمة التوحيد أساس توحيد الكلمة؛‬
‫ة‬‫ض َ‬
‫مهي َ‬‫فأمةالعرب كانت متفرقة متشاكسة‪ ،‬فأصبحت متحدة متآلفة‪ ،‬وكانت َ‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجناح تنظر إليها المم بعين الزدراء فأصبحت مكرمة مهيبة الجناب‪ ،‬تفتح‬
‫البلد‪ ،‬وتضرب على هذه المم بسلطانها الكريم‪.‬‬
‫َ‬
‫جلب إليها‬ ‫وكانت في ظلمات الجهل فأصبحت في نور من العلم‪ ،‬دون أن ي ُ ْ‬
‫مشكاة النبوة؛ إذ كان‪-‬عليه الصلة‬ ‫من بلد أجنبية‪ ،‬وإنما كان ذلك من ِ‬
‫ة بنفسه‪ ،‬ويزكيها بما يتحلى به‪ ،‬أو يدعو إليه من‬ ‫والسلم‪-‬يلقي عليها الحكم َ‬
‫صفات الشرف والحمد‪.‬‬
‫ويستفاد من هذا أن أمة السلم ذات منهج رباني كفيل بجمع الكلمة‪ ،‬وإحراز‬
‫السعادة في الدنيا والخرة‪ ،‬بل ل يوجد منهج يكفل ذلك غيره‪.‬‬
‫‪ -16‬التنبيه على فضل المهاجرين والنصار‪ :‬فمن بركات الهجرة على‬
‫المهاجرين أنهم كانوا يلقون في مكة أذىً كثيرًا‪ ،‬فأصبحوا بعد الهجرة في‬
‫أمن وسلمة‪ ،‬ثم إن الهجرة ألبستهم ثوب عزة بعد أن كانوا مستضعفين‪،‬‬
‫ورفعت منازلهم عند الله درجات‪ ،‬وجعلت لهم لسان صدق في الخرين‪ ،‬وقد‬
‫سمى الله‪-‬تعالى‪-‬الصحابة الذين فروا بدينهم إلى المدينة بالمهاجرين‪ ،‬وصار‬
‫عون به بعد اليمان‪.‬‬ ‫هذا اللقب أشرف لقب ي ُد ْ َ‬
‫ن عل شأنهم‪ ،‬وبرزت‬ ‫ومن بركات الهجرة على أهل المدينة من آووا ونصروا أ ْ‬
‫مكانتهم‪ ،‬واستحقوا لقب النصار الذي استوجبوا به الثناء من رب العالمين‪.‬‬
‫‪ -17‬ظهور مزية المدين‪ :‬فالمدينة لم تكن معروفة قبل السلم بشيء من‬
‫الفضل على غيرها من البلد‪ ،‬وإنما أحرزت فضلها بهجرة النبي‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪-‬وأصحابه المسلمين بحق‪ ،‬وبهجرة الوحي معهم إلى ربوعها‪،‬‬
‫حتى أكمل الله لهم الدين‪ ،‬وأتم عليهم النعمة؛ وبهذا ظهرت مزايا المدينة‬
‫ُ‬
‫ردت المصنفات بذكر فضائلها‪ ،‬ومزاياها‪.‬‬ ‫ظهورا ً بّينًا‪ ،‬فَأفْ ِ‬
‫‪ -18‬سلمة التربية النبوية‪ :‬فقد دلت الهجرة على سلمة التربية النبوية‬
‫للصحابة‪ ،‬فقد صاروا‪-‬رضي الله عنهم‪-‬مؤهلين للستخلف في الرض‪،‬‬
‫وتحكيم شرع الله‪ ،‬والقيام بأمره‪ ،‬والجهاد في سبيله‪.‬‬
‫ولقد كان من أثر الهجرة أن الصحابة؛ لستقامتهم وكمال آدابهم وصدق‬
‫لهجاتهم‪-‬يعرضون السلم في أقوم مثال‪ ،‬وأمثل صورة‪.‬‬
‫ل العداُء‪ ،‬يقول المام مالك‪-‬رحمه الله‪) : -‬بلغني أن‬ ‫ولقد شهد بذلك الفض ِ‬
‫نصارى الشام لما رأوا أصحاب رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قالوا‪:‬‬
‫ي عيسى‪-‬عليه السلم(‪.‬‬ ‫والله لهؤلء خير من حواري ّ ْ‬
‫وفي هذا درس عظيم وهو أن التربية الحقة القائمة على العقيدة الصحيحة‬
‫تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ -19‬التنبيه على عظم دور المسجد في المة‪ :‬فأول عمل قام به النبي‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬فور وصوله إلى المدينة‪ ،‬هو بناؤه المسجد؛ لتظهر فيه‬
‫شعائر السلم التي طالما حوربت‪ ،‬ولتقام فيه الصلوات التي تربط المسلم‬
‫برب العالمين‪ ،‬وتنقي قلبه من أدران الرض‪.‬‬
‫ولقد تم بناء المسجد في حدود البساطة؛ ففراشه الرمال والحصباء‪ ،‬وسقفه‬
‫الجريد‪ ،‬وأعمدته الجذوع‪.‬‬
‫ت الكلب إليه‪ ،‬فتغدو وتروح‬ ‫ُ‬
‫فل ُ‬ ‫وربما أمطرت السماء فأوحلت أرضه‪ ،‬وقد ت َ ْ‬
‫فيه‪.‬‬
‫هذا البناء المتواضع هو الذي ت ََرّبى فيه ملئكة البشر‪ ،‬ومؤدبوا الجبابرة‪،‬‬
‫ن للنبي‪ -‬صلى الله عليه‬‫ن الرحم ُ‬ ‫وفاتحوا البلد والقلوب‪ ،‬وفي هذا المسجد أذِ َ‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خي َْرةَ أمته‪ ،‬فيتعهدهم بأدب السماء من غَِبش الفجر‬ ‫وسلم ‪-‬أن يؤم بالقرآن ِ‬
‫إلى غسق الليل‪.‬‬
‫إن مكانة المسجد في المجتمع المسلم تجعله مصدر التوجيه الروحي‬
‫والمادي‪ ،‬فهو ساحة العبادة‪ ،‬وميدان العلم‪ ،‬ومنطلق الجهاد؛ فحري بالمة أن‬
‫دره حق قدره‪.‬‬ ‫ق ُ‬‫تعلم دور المسجد‪ ،‬وأن ت َ ْ‬
‫‪ -20‬عظم دور المرأة في البناء والدعوة‪ :‬ويتجلى ذلك من خلل الدور الذي‬
‫قامت به عائشة‪ ،‬وأختها أسماء‪-‬رضي الله عنهما‪-‬حيث كانتا نعم المعين‬
‫ذل أباهما مع علمهما بخطر المغامرة التي‬ ‫خ ّ‬
‫والناصر في أمر الهجرة؛ فلم ي ُ َ‬
‫سيقوم بها‪ ،‬بل لقد كان دورهما أعظم من ذلك؛ حيث حفظتا سر الّرحلة‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ولقد قطعت أسماء قطعة من نطاقها‪،‬‬ ‫وجهزتا ما تحتاجه الرحلة تجهيزا ً كام ً‬
‫قْربة‪ ،‬فلذلك‬ ‫فم ِ ال ِ‬‫فأوكت به الجراب‪ ،‬وقطعت الخرى وصّيرتها عصاما ً ل َ َ‬
‫سميت ذات النطاقين‪.‬‬
‫وفي هذا الموقف ما يثبت حاجة الدعوة إلى النساء‪ ،‬فهن أرق عاطفة‪،‬‬
‫وأسمح نفسًا‪ ،‬وأطيب قلبًا‪.‬‬
‫ثم إن المرأة إذا صلحت أصلحت زوجها‪ ،‬وبيتها وأبناءها‪ ،‬وإخوتها‪ ،‬فينشأ جيل‬
‫مؤْث ٌِر للعفة والخلق والطهارة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وفي هذا‪-‬أيضًا‪-‬درس للمرأة المسلمة وهو أن تبذل وسعها في سبيل نشر‬
‫الخير‪ ،‬ونصرة الحق‪ ،‬وأن تكون معينة لزوجها ووالدها وإخوانها وأبناءها على‬
‫الدعوة إلى الله ولو أدى ذلك إلى حرمانها من بعض حقوقها؛ فمصلحة المة‬
‫أهم‪ ،‬وما عند الله خير وأبقى‪.‬‬
‫‪ -21‬عظم دور الشباب في نصرة الحق‪ :‬ويتجلى ذلك في ما قام به علي بن‬
‫أبي طالب‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬عندما نام في مضجع النبي‪ -‬صلى الله عليه‬
‫م بالهجرة؛ فضرب أروع المثلة في الشجاعة والبطولة‪.‬‬ ‫وسلم ‪-‬عندما ه ّ‬
‫وكذلك ما قام به عبد الله بن أبي بكر؛ فقد أمره والده أن يتسمع ما تقوله‬
‫قريش في الرسول وأبي بكر‪ ،‬ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك من‬
‫أخبار‪ ،‬وأمر أبو بكر عامر بن فهيرة – موله ‪ -‬أن يرعى غنمه نهاره‪ ،‬ثم‬
‫حها إذا أمسى في الغار‪ ،‬فكان عبد الله بن أبي بكر في قريش يسمع ما‬ ‫ي ُرِي ْ َ‬
‫يأتمرون به‪ ،‬وما يقولون في شأن الرسول وأبي بكر‪ ،‬ثم يأتيهما إذا أمسى‬
‫ويقص عليهما ما علم‪ ،‬وكان عامر في رعيان أهل مكة‪ ،‬فإذا أمسى أراح‬
‫عليهما غنم أبي بكر‪ ،‬فاحتلبا وذبحا‪ ،‬فإذا غدا عبد الله من عندهما إلى مكة‬
‫في عليه‪ ،‬وتلك هي الحيطة البالغة‪.‬‬ ‫أتبع عامر أثره بالغنم ي ُعَ ّ‬
‫ففي موقف عبد الله بن أبي بكر ما يثبت أثر الشباب في نجاح الدعوة‬
‫ونصرة السلم‪.‬‬
‫وإذا تأملت السيرة رأيت أن أكثر الصحابة كانوا من الشباب الذين حملوا لواء‬
‫الدعوة‪ ،‬واستعذبوا من أجلها الموت والعذاب‪.‬‬
‫وهذا درس عظيم يبين لنا أن الشباب هم عماد المة‪ ،‬وإذا وجهوا وجهة‬
‫صحيحة على نهج الكتاب والسنة وما كان عليه سلف المة‪ ،‬ثم أ ُعِْليت‬
‫مُهم‪ ،‬ورفعوا عن سفاسف المور‪-‬كانوا مشاعل هدى‪ ،‬ومصابيح دجى‪.‬‬ ‫م َ‬‫هِ َ‬
‫وة وذوبان العصبيات‪ :‬فمن أعظم حسنات الهجرة ما قام به‬ ‫ُ‬
‫‪ -22‬حصول الخ ّ‬
‫الرسول‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬من المؤاخاة بين المهاجرين والنصار‪ ،‬ومعنى‬
‫مّية إل للسلم‪ ،‬ول ولء إل له‪ ،‬فتسقط‬ ‫هذا ذوبان عصبيات الجاهلية‪ ،‬فل ح ِ‬
‫بذلك فوارق النسب‪ ،‬واللون‪ ،‬والجنس‪ ،‬والتراب؛ فل يتأخر أحد‪ ،‬ول يتقدم إل‬
‫بتقواه ومروءته‪.‬‬
‫قدا ً نافذًا‪ ،‬ل لفظا ً‬ ‫وقد جعل الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬هذه الخوة ع َ ْ‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة تثرثر بها اللسنة‪ ،‬ول يقوم بها‬ ‫فارغًا‪ ،‬وعمل ً يرتبط بالدماء والموال‪ ،‬ل تحي ً‬
‫أثر‪.‬‬
‫وكانت عواطف اليثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الخوة‪ ،‬وتمل‬
‫المجتمع الجديد بأروع المثال‪.‬‬
‫ولقد حرص النصار‪ ،‬على الحفاوة بإخوانهم المهاجرين؛ فما نزل مهاجري‬
‫على أنصاري إل بقرعة‪.‬‬
‫در المهاجرون هذا البذل الخالص؛ فما استغلوه‪ ،‬ول نالوا منه إل بقدر‬ ‫ولقد ق ّ‬
‫ما يتوجهون به إلى العمل الحر الشريف‪.‬‬
‫ول يخفى ما لهذا الخاء من دورٍ في البناء والرقي والتعاون‪.‬‬
‫ويستفاد من هذا الدرس أن المة السلمية ل ب ُد ّ أن تجتمع على أخوة‬
‫السلم‪ ،‬وعلى كتاب الله وسنة رسوله‪ ،‬ونهج السلف الكرام‪ ،‬وإل أصبحت‬
‫مفككة متناثرة ل ُيهاب جنابها‪ ،‬ول ُتسمع كلمُتها‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪ -23‬إصلح العقائد الباطلة والسلوك المنحرف‪ ،‬والتربية على العقيدة‬


‫الصحيحة والخلق الحميدة‪ :‬فلقد كان العالم يتخبط في ظلمات بعضها فوق‬
‫بعض‪ :‬ظلمة من الجهل‪ ،‬وظلمة من دناسة الخلق‪ ،‬وظلمة من منكر‬
‫العمال‪ ،‬فبعث الله المصطفى‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬ليخرج الناس من‬
‫هذه الظلمات إلى نور يسعى بين أيديهم في الحياة الولى‪ ،‬ويهديهم إلى‬
‫السعادة في الحياة الخرى؛ فلقد أتى النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬بكتاب‬
‫مصلٍح للعقائد والخلق والعمال‪ ،‬ومنظم لجميع شؤون الحياة‪،‬‬ ‫عظيم ُ‬
‫ع‪ ،‬فكانت خير أمة جاهدت في الله‬ ‫دها المطا َ‬ ‫ه فئة قليلة واتخذته قائ َ‬‫فَت َد َب َّرت ْ ُ‬
‫وانتصرت‪ ،‬وغلب فرحمت‪ ،‬وحكمت فعدلت‪ ،‬وساست فأطلقت الحرية من‬
‫عقالها‪ ،‬وفجرت ينابيع المعارف بعد نضوبها‪.‬‬
‫صَر بضوئه‬ ‫واسألوا التاريخ؛ فإن هذه المة قد استودعته من مآثرها الغُّر ما ب َ ُ‬
‫العمى‪ ،‬وازدهر في الرض ازدهار الكواكب في كبد السماء‪ ،‬فلقد جاهد‬
‫م معرفة مبدع‬ ‫ل‪ ،‬وشّر الجهل عد ُ‬ ‫جهْ َ‬‫المصطفى‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬ال َ‬
‫ك التوجه إليه بشتى القربات‪ ،‬وجاهد الخلق الرذيلة؛ فكّره‬ ‫الكائنات وتر ُ‬
‫صغار‪ ،‬والكبر‪ ،‬والقسوة‪ ،‬والثرة‪ ،‬وعّلمها‬ ‫للنفوس الجزع‪ ،‬والجبن‪ ،‬والبخل‪ ،‬وال ّ‬
‫ّ‬
‫قَر أمامها كل خطير‪،‬‬ ‫الصبر‪ ،‬فهان عليها كل عسير‪ ،‬وعّلمها الشجاعة؛ فح ُ‬
‫وعلمها الكرم؛ فجادت في سبيل الخير بكل نفيس‪ ،‬وعلمها العزة؛ فسمت‬
‫ل ذي قلب سليم‪ ،‬وعلمها‬ ‫إلى كل مقام مجيد‪ ،‬وعلمها التواضع فتأّلفت ك ّ‬
‫ة رباط التآزر والتعاون على تكاليف الحياة‪ ،‬وعلمها اليَثار‪،‬‬ ‫ة‪ ،‬والّرحم ُ‬‫الّرحم َ‬
‫واليثاُر من أقصى ما يبلغه النسان من مراتب الجود‪.‬‬
‫فهذا الدين أحدث تحول ً عاما ً في حياة الفرد والجماعة‪ ،‬بحيث تغير سلوك‬
‫الفراد اليومي‪ ،‬وعاداتهم المتأصلة كما تغيرت نظرتهم إلى الكون والحياة‬
‫والحكم على الشياء‪.‬‬
‫وهذه المعاني إنما تجلت أعظم التجلي بعد الهجرة النبوية الشريفة المباركة‪.‬‬
‫ونحن اليوم محتاجون‪-‬من معاني الهجرة وأهدافها وحكمها‪-‬إلى ما نصلح به ما‬
‫فسد من عقائد المسلمين‪ ،‬وإلى أن ننخلع في بيوتنا عن الداب التي تخالف‬
‫السلم‪ ،‬وأن ُنعيد إلى هذه البيوت الصدق‪ ،‬والصراحة‪ ،‬والنبل‪ ،‬والستقامة‪،‬‬
‫والعتدال‪ ،‬والتواضع‪ ،‬والعزة‪ ،‬والكرم‪ ،‬والتعاون على الخير‪ ،‬إلى غير ذلك من‬
‫المعاني السامية؛ فالبيت السلمي وطن‪ ،‬بل هو دولة إسلمية‪ ،‬وقبل أن نبدأ‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في علج المة يجب أن نبدأ بالقرب فالقرب؛ فنبدأ في بيوتنا‪ ،‬فنهاجر نحن‬
‫ومن فيها إلى ما يحبه الله‪ ،‬وننخلع عن كل ما ل يرضيه‪-‬عز وجل‪-‬ثم نتحرى‬
‫في مجتمعاتنا أنظمة السلم وآدابه‪ ،‬ونهجر كل ما خالفها مما اقتبسناه من‬
‫خذ َْلنا به مقاصد السلم‪ ،‬فضّيعنا أغراضه الجوهرية‪.‬‬ ‫غيرنا‪ ،‬و َ‬
‫صلت في أذواقنا وميولنا‪،‬‬ ‫وإذا أخذنا بهذه التربية‪ ،‬وتأ ّ‬
‫وت َعَوّد َْنا العمل بها في شتى الميادين‪-‬لم تلبث أوطان المسلمين أن تتحول‬
‫من أوطان عاصية لله إلى أوطان مطيعة لله‪ ،‬ومن أوطان تسود فيها‬
‫النظمة التي تسخط الله إلى أوطان تسود فيها النظمة التي ترضي الله‪،‬‬
‫ل الثار التي كانت لهجرة النبي‪-‬‬ ‫مث ْ ُ‬
‫فيكون لهذا السلوب من أساليب الهجرة ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وأصحابه الولين‪.‬‬
‫قال‪-‬عليه الصلة والسلم‪) :‬المهاجر من هجر السيئات(‪ ،‬وقال‪ ) :‬المهاجر من‬
‫هجر الخطايا والذنوب(‪.‬‬
‫ولما قيل له‪ :‬ما أفضل الهجرة ؟ قال‪) :‬من هجر ما حّرم الله(‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫الهجرة وأحكامها‬
‫ل‪ :‬تعريف الهجرة‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ 1‬ـ لغة‪.‬‬
‫عا‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ شر ً‬
‫ثانًيا‪ :‬فضل الهجرة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اليات القرآنية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الحاديث النبوية‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬أنواع الهجرة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الهجرة المعنوية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الهجرة الحسية‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬حكم الهجرة‪.‬‬
‫سا‪ :‬الهجرة في المم السابقة‪.‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬الهجرة الباقية إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫ساد ً‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد‪:‬‬
‫فقال الشيخ أبو يعلى الزواوي رحمه الله‪ " :‬قد علمت وفقنا الله وإياكم أن‬
‫السلف يحفلون للهجرة ول يحتفلون بها‪ ...‬وأما الحتفال بالهجرة ولم يجر إل‬
‫في عهدنا هذا وهو حسن ما لم يعتريه ما اعترى الموالد في مصر كما‬
‫علمتم‪ ،‬وليقتصر على التنويه بالهجرة إجمال ً وتفصي ً‬
‫ل" )]‪.([1‬‬
‫ل‪ :‬تعريف الهجرة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫هجرانا)]‪.([2‬‬ ‫جرا و ِ‬
‫جر هَ ْ‬
‫م من هجر يه ُ‬ ‫الهجرة لغة‪ :‬اس ٌ‬
‫قال ابن فارس‪" :‬الهاء والجيم والراء أصلن‪ ،‬يدل أحدهما على قطيعة وقطع‪،‬‬
‫جران‪،‬‬‫جر‪ :‬ضد الوصل‪ ،‬وكذلك الهِ ْ‬ ‫والخر على شد شيء وربطه‪ .‬فالول الهَ ْ‬
‫وهاجر القوم من دار إلى دار‪ :‬تركوا الولى للثانية‪ ،‬كما فعل المهاجرون حين‬
‫هاجروا من مكة إلى المدينة")]‪.([3‬‬
‫وضبط ابن منظور أيضا ً التي بمعنى الخروج من أرض إلى أرض بضم الهاء‪:‬‬
‫جرة)]‪.([4‬‬ ‫الهُ ْ‬
‫ويكون الهجر بالقلب واللسان والبدن)]‪:([5‬‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جِع{ ]النساء‪.[34:‬‬ ‫ضا ِ‬


‫م َ‬‫ن ِفى ال ْ َ‬
‫جُروهُ ّ‬
‫فمن الهجر بالبدن قوله تعالى‪َ} :‬واهْ ُ‬
‫ومن الهجر باللسان قول عائشة رضي الله عنها لما قال لها النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪)) :‬إني لعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى‪ ،‬أما إذا‬
‫كنت عني راضية فإنك تقولين‪ :‬ل ورب محمد‪ ،‬وإذا كنت غضبى قلت‪ :‬ل ورب‬
‫إبراهيم(( قالت‪ :‬أجل‪ ،‬والله يا رسول الله ما أهجر إل اسمك)]‪.([6‬‬
‫ومن الهجر بالقلب ما جاء في حديث‪)) :‬من الناس من ل يذكر الله إل‬
‫هجران القلب وترك‬ ‫مهاجرًا(()]‪ ،([7‬قال ابن الثير نقل ً عن الهروي‪" :‬يريد ِ‬
‫ن قلبه مهاجر للسانه غير مواصل له")]‪.([8‬‬ ‫الخلص في الذكر‪ ،‬فكأ ّ‬
‫وقد تجتمع هذه الوجوه كلها أو بعضها في بعض أنواع الهجر‪.‬‬
‫الهجرة شرعًا‪:‬‬
‫عّرفها غير واحد بأنها ترك دار الكفر والخروج منها إلى دار السلم)]‪.([9‬‬
‫وأعم منه ما قاله الحافظ ابن حجر‪" :‬الهجرة في الشرع ترك ما نهى الله‬
‫عنه")]‪ ،([10‬وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬المهاجر من هجر ما نهى‬
‫الله عنه(( )]‪ ،([11‬وهي تشمل الهجرة الباطنة والهجرة الظاهرة‪ ،‬فأما‬
‫الهجرة الباطنة فهي ترك ما تدعو إليه النفس المارة بالسوء وما يزّينه‬
‫الشيطان‪ ،‬وأما الظاهرة فهي الفرار بالدين من الفتن)]‪ ،([12‬والولى أصل‬
‫للثانية‪.‬‬
‫ولما كانت الثانية أعظم أمارات الولى وأكمل نتائجها خص بعض العلماء‬
‫التعريف بها كما تقدم‪ .‬ثم لما كانت هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة‬
‫إلى المدينة أشرف الهجرات وأشهرها انصرف اللفظ عند الطلق إليها‪.‬‬
‫وأما لفظ الهجرتين فهو عند الطلق يراد به الهجرة إلى الحبشة والهجرة‬
‫إلى المدينة)]‪.([13‬‬
‫)]‪ ([1‬الثمرة الولى لجميعة الطلبة الجزائريين الزيتونيين ص ‪ ،40‬نشرة‬
‫السنة الرابعة ‪1355‬ـ ‪1356‬هـ‪ 1936 ،‬ـ ‪1937‬م‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬انظر ‪ :‬لسان العرب )‪.(8/4616‬‬
‫)]‪ ([3‬معجم مقاييس اللغة )‪ . (6/34‬ولم يذكر للصل الثاني مثال‪ً.‬‬
‫)]‪ ([4‬انظر ‪ :‬لسان العرب )‪.(8/4617‬‬
‫)]‪ ([5‬انظر ‪ :‬التوقيف على مهمات التعاريف )‪.(738‬‬
‫)]‪ ([6‬أخرجه البخاري )‪-9/325‬الفتح( ]‪ .[5228‬وفي هذا الحديث فضل‬
‫عائشة رضي الله عنها حيث إنها أخبرت مقسمة أنها في حالة الغضب الذي‬
‫يسلب العاقل اختياره ل تتغير عن المحبة المستقرة في قلبها للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فل يترك قلبها التعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مودة‬
‫ومحبة‪ ،‬ثم من فطنتها رضي الله عنها أنها لما لم يكن لها بد من هجر اسمه‬
‫الشريف أبدلته بمن هو صلى الله عليه وسلم أولى الناس به وهو إبراهيم‬
‫عليه السلم حتى ل تخرج عن دائرة التعلق في الجملة‪ .‬انظر ‪ :‬فتح الباري )‬
‫‪.(9/326‬‬
‫)]‪ ([7‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫)]‪ ([8‬النهاية )‪.(5/245‬‬
‫)]‪ ([9‬انظر ‪ :‬التعريفات للجرجاني )‪ (256‬والمفردات للراغب )‪ (537‬وجامع‬
‫العلوم والحكم لبن رجب )‪.(73-1/72‬‬
‫)]‪ ([10‬فتح الباري )‪.(1/16‬‬
‫)]‪ ([11‬جزء من حديث أخرجه البخاري )‪-1/53‬الفتح( ]‪ [10‬من حديث عبد‬
‫الله بن عمرو رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)]‪ ([12‬انظر‪ :‬فتح الباري )‪.(1/54‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([13‬انظر‪ :‬لسان العرب )‪. (8/4617‬‬


‫ثانًيا‪ :‬فضل الهجرة‪:‬‬
‫لقد جاء في فضل الهجرة وبيان ثواب المهاجرين آيات قرآنية وأحاديث نبوية‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫فمن اليات الكريمة‪:‬‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫دوا ْ ِفي َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫جُروا ْ وَ َ‬
‫جاهَ ُ‬ ‫ها َ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫مُنوا ْ َوال ّ ِ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫‪ -1‬قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫م{]البقرة‪.[218:‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ة اللهِ َوالل ُ‬ ‫م َ‬‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫جو َ‬ ‫أ ُْولئ ِ َ‬
‫ك ي َْر ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دقوا بالله‬ ‫قال ابن جرير رحمه الله‪" :‬يعني بذلك جل ذكره‪ :‬إن الذين ص ّ‬
‫جُروْا{ الذين هجروا مساكنة‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وبرسوله‪ ،‬وبما جاء به‪ ،‬وبقوله‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫المشركين في أمصارهم‪ ،‬ومجاورتهم في ديارهم‪ ،‬فتحولوا عنهم‪ ،‬وعن‬
‫جوارهم وبلدهم إلى غيرها‪ ،‬هجرة لما انتقل عنه إلى ما انتقل إليه‪ ،...‬وإنما‬
‫سمي المهاجرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرين لما‬
‫وصفنا من هجرتهم دورهم ومنازلهم‪ ،‬كراهة منهم النزول بين أظهر‬
‫المشركين وفي سلطانهم‪ ،‬بحيث ل يأمنون فتنتهم على أنفسهم في ديارهم‬
‫إلى الموضع الذي يأمنون ذلك‪...‬‬
‫ولوا من‬ ‫ّ‬ ‫تح‬ ‫والذين‬ ‫ه{‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ل‬ ‫بي‬
‫َ ِ ِ‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫دو‬‫جُرو َ َ َ ُ‬
‫ه‬ ‫جا‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ها َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فمعنى قوله إًذا‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫سلطان أهل الشرك هجرة لهم‪ ،‬وخوف فتنتهم على أديانهم‪ ،‬وحاربوهم في‬
‫ه{ أي‪:‬‬ ‫ة الل ّ ِ‬ ‫م َ‬‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫جو َ‬ ‫ك ي َْر ُ‬ ‫دين الله ليدخلوهم فيه‪ ،‬وفيما يرضى الله‪} ،‬أ ُْولئ ِ َ‬
‫يطمعون أن يرحمهم الله فيدخلهم جنته بفضل رحمته إياهم")]‪.([1‬‬
‫وقال ابن سعدي رحمه الله‪" :‬هذه العمال الثلثة‪ ،‬هي عنوان السعادة‪،‬‬
‫وقطب رحى العبودية‪ ،‬وبها يعرف ما مع النسان من الربح والخسران‪ ،‬فأما‬
‫اليمان فل تسأل عن فضيلته‪ ،...‬وأما الهجرة فهي مفارقة المحبوب‬
‫والمألوف لرضا الله تعالى‪ ،‬فيترك المهاجر وطنه وأمواله وأهله وخلنه تقرًبا‬
‫إلى الله ونصرة لدينة‪ ،‬وأما الجهاد فهو بذل الجهد في مقارعة العداء‪،‬‬
‫والسعي التام في نصرة دين الله وقمع دين الشيطان‪ .‬وهو ذروة العمال‬
‫الصالحة‪ ،‬وجزاؤه أفضل الجزاء‪ .‬فحقيق بهؤلء أن يكونوا هم الراجين رحمة‬
‫الله؛ لنهم أتوا بالسبب الموجب للرحمة")]‪.([2‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫جُروا ْ وَأ ُ ْ‬
‫سِبيِلى‬ ‫م وَأوُذوا ِفى َ‬ ‫من دَِيارِهِ ْ‬ ‫جوا ْ ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ها َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ -2‬وقوله تعالى‪َ} :‬فال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫حت َِها الن َْهاُر‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫رى ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬ ‫م وَلد ْ ِ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن عَن ْهُ ْ‬ ‫فَر ّ‬ ‫وََقات َُلوا ْ وَقُت ُِلوا ْ لك َ ّ‬
‫ب{ ]آل عمران‪.[195:‬‬ ‫وا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عند َه ُ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫عندِ الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫من ِ‬ ‫وابا ً ّ‬‫ثَ َ‬
‫قال ابن جرير رحمه الله‪" :‬يعني بقوله جل ثناؤه‪ :‬فالذين هاجروا قومهم من‬
‫أهل الكفر وعشيرتهم في الله إلى إخوانهم من أهل اليمان بالله والتصديق‬
‫برسوله‪ ،‬وأخرجوا من ديارهم‪ ،‬وهم المهاجرون الذين أخرجهم مشركو‬
‫ب{ يعني‪ :‬أن الله عنده‬ ‫وا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عند َه ُ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫قريش من ديارهم بمكة‪َ} ،...‬والل ّ ُ‬
‫من جزاء أعمالهم جميع صنوفه‪ ،‬وذلك ما ل يبلغه وصف واصف؛ لنه مما ل‬
‫عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر")]‪.([3‬‬
‫وقال ابن كثير رحمه الله‪" :‬أي‪ :‬تركوا دار الشرك وأتوا إلى دار اليمان‬
‫ه{‬ ‫ّ‬
‫عندِ الل ِ‬ ‫من ِ‬ ‫وابا ً ّ‬ ‫وفارقوا الحباب والخلن والخوان والجيران‪ ...‬وقوله‪} :‬ث َ َ‬
‫إضافة إليه ونسبة إليه ليدل على أنه عظيم؛ لن العظيم الكريم ل يعطي إل‬
‫جزيل ً كثيًرا")]‪. ([4‬‬
‫وقال ابن سعدي‪" :‬فجمعوا بين اليمان والهجرة‪ ،‬ومفارقة المحبوبات من‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوطان والموال طلًبا لمرضاة ربهم‪ ،‬وجاهدوا في سبيل الله")]‪. ([5‬‬


‫م وََأن ُ‬ ‫َ‬
‫م ِفى‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫موال ِهِ ْ‬‫دوا ْ ب ِأ ْ‬‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا ْ وَ َ‬ ‫مُنوا ْ وَ َ‬
‫ها َ‬ ‫ن ءا َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫‪ -3‬وقوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫مُنوا وَل ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض َوال ِ‬ ‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫َ‬
‫صُروا أوْلئ ِك ب َعْ ُ‬ ‫ن ءاَووا وّن َ َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سِبي ِ‬‫َ‬
‫جُروْا{ ]النفال‪.[72:‬‬ ‫ها‬ ‫ي‬
‫ْ َ ّ َُ ِ‬‫تى‬ ‫ح‬ ‫ىء‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫من‬ ‫هم‬
‫َ َِِ ّ‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫ول‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫كم‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬‫يُ َ ِ ُ‬
‫ج‬ ‫ها‬
‫قال ابن جرير رحمه الله‪" :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬إن الذين صدقوا الله ورسوله‬
‫جُروْا{ يعني‪ :‬هجروا قومهم وعشيرتهم ودورهم‪ ،‬يعني‪ :‬تركوهم وخرجوا‬ ‫ها َ‬ ‫}وَ َ‬
‫ض{ يقول‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عنهم‪ ،‬وهجرهم قومهم وعشيرتهم‪}...‬أوْلئ ِ َ‬
‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬‫ك ب َعْ ُ‬
‫هاتان الفرقتان يعني المهاجرين والنصار‪ ،‬بعضهم أنصار بعض‪ ،‬وأعوان على‬
‫من سواهم من المشركين‪ ،‬وأيديهم واحدة على من كفر بالله‪ ،‬وبعضهم‬
‫إخوان لبعض دون أقربائهم الكفار")]‪. ([6‬‬
‫وقال ابن كثير رحمه الله‪" :‬ذكر تعالى أصناف المؤمنين‪ ،‬وقسمهم إلى‬
‫مهاجرين خرجوا من ديارهم وأموالهم‪ ،‬وجاءوا لنصر الله ورسوله وإقامة‬
‫دينه‪ ،‬وبذلوا أموالهم وأنفسهم في ذلك‪ ،‬وإلى أنصار وهم المسلمون من أهل‬
‫المدينة إذ ذاك‪ ،‬آووا إخوانهم المهاجرين في منازلهم‪ ،‬وواسوهم في أموالهم‪،‬‬
‫ونصروا الله ورسوله بالقتال معهم‪ ،‬فهؤلء بعضهم أولياء بعض")]‪. ([7‬‬
‫وقال ابن سعدي رحمه الله‪" :‬هذا عقد موالة ومحبة عقدها الله بين‬
‫المهاجرين الذين آمنوا وهاجروا في سبيل الله‪ ،‬وتركوا أوطانهم لله‪ ،‬لجل‬
‫الجهاد في سبيل الله‪ ،‬وبين النصار الذين آووا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وأصحابه وأعانوهم في ديارهم‪ ،‬وأموالهم وأنفسهم‪ .‬فهؤلء بعضهم‬
‫أولياء بعض‪ ،‬لكمال إيمانهم وتمام اتصال بعضهم ببعض")]‪. ([8‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ْ ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا ْ وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا ْ وَ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ -4‬وقوله تعالى‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫م ‪َ %‬وال ّ ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫فَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫قا ً ل ُّهم ّ‬ ‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫صُروا ْ ُأول َئ ِ َ‬ ‫ءاَووا ْ وّن َ َ‬
‫ُ‬
‫م فَأوْل َئ ِ َ‬
‫م{ ]النفال‪.[75-74:‬‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا ْ وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫من ب َعْد ُ وَ َ‬ ‫مُنوا ْ ِ‬ ‫ءا َ‬
‫جُروا ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا وَ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫قال ابن جرير رحمه الله‪" :‬يقول تعالى ذكره‪َ} :‬وال ِ‬
‫صُروْا{ أووا رسول الله صلى الله‬ ‫ن ءاَووا ْ وّن َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ْ ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫عليه وسلم والمهاجرين معه‪ ،‬ونصروهم ونصروا دين الله‪ ،‬أولئك هم أهل‬
‫قا‪ ،‬ل من آمن ولم يهاجر دار الشرك‪ ،‬وأقام بين أظهر‬ ‫اليمان بالله ورسوله ح ً‬
‫ة{ يقول‪ :‬لهم ستر‬ ‫فَر ٌ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ّ‬
‫أهل الشرك‪ ،‬ولم يغز مع المسلمين عدّوهم‪} ،‬لُهم ّ‬
‫م{ يقول‪ :‬لهم في الجنة‬ ‫ري ٌ‬ ‫من الله على ذنوبهم بعفوه لهم عنهما‪} ،‬وَرِْزقٌ ك َ ِ‬
‫ي كريم‪ ،‬ل يتغير في أجوافهم فيصير نجوا‪ ،‬ولكنه يصير‬ ‫مطعم ومشرب هن ّ‬
‫حا كرشح المسك")]‪. ([9‬‬ ‫رش ً‬
‫وقال ابن سعدي رحمه الله‪" :‬اليات السابقات في ذكر عقد الموالة بين‬
‫المؤمنين من المهاجرين والنصار‪ ،‬وهذه اليات في بيان مدحهم وثوابهم‪،‬‬
‫صُروا ْ‬‫ن ءاَووا ْ وّن َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ْ ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا ْ وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا ْ وَ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فقال‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫قًا{ لنهم‬ ‫ح ّ‬
‫ن{ من المهاجرين والنصار‪ ،‬أي‪ :‬المؤمنون } َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة والنصرة والموالة بعضهم لبعض‬
‫ة{ من الله‪ُ ،‬تمحى بها‬ ‫فَر ٌ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫وجهادهم لعدائهم من الكفار والمنافقين‪} ،‬ل ُّهم ّ‬
‫م{ أي‪ :‬خير كثير من الرب‬ ‫ري ٌ‬ ‫سيئاتهم وتضمحل بها زلتهم }َو{ لهم }رِْزقٌ ك َ ِ‬
‫الكريم في جنات النعيم")]‪. ([10‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫موال ِهِ ْ‬ ‫ل اللهِ ب ِأ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ِفى َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬‫مُنوا ْ وَ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ -5‬وقوله تعالى‪} :‬ال ّ ِ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫عند َ الل ّهِ وَأوْل َئ ِ َ‬ ‫فسه َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫ح َ‬
‫م َرب ُّهم ب َِر ْ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ن ‪ %‬ي ُب َ ّ‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫م د ََر َ‬ ‫م أعْظ َ ُ‬ ‫وَأن ُ ِ ِ ْ‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫عند َهُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن ِفيَها أَبدا ً إ ِ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م‪َ %‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِفيَها ن َِعي ٌ‬ ‫ت ل ّهُ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ضوا ٍ‬ ‫ه وَرِ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫م{ ]التوبة‪.[22-20:‬‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫مُنوْا{ بالله‪ :‬صدقوا‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال ابن جرير رحمه الله‪" :‬يقول تعالى ذكره‪} :‬ال ّ ِ‬
‫بتوحيده من المشركين‪ ،‬وهاجروا دور قومهم‪ ،‬وجاهدوا المشركين في دين‬
‫الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأرفع منزلة عنده من سقاة‬
‫الحاج‪ ،‬وعمار المسجد الحرام وهم مشركون")]‪.([11‬‬
‫جُروا ْ‬‫ها َ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا وَ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقال ابن سعدي رحمه الله‪" :‬ثم صرح بالفضل فقال‪} :‬ال ِ‬
‫َ‬
‫م{ بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة‬ ‫موال ِهِ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ب ِأ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ْ ِفى َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ن{‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫عند َ اللهِ وَأوْلئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فائ ُِزو َ‬ ‫م ال َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫م د ََر َ‬ ‫م{ بالخروج بالنفس }أعْظ ُ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫}وَأن ُ‬
‫أي‪ :‬ل يفوز بالمطلوب‪ ،‬ول ينجو من المرهوب إل من اتصف بصفاتهم وتخلق‬
‫بأخلقهم")]‪. ([12‬‬
‫م ِفى‬ ‫َ‬
‫موا لن ُب َوّئ َن ّهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ما ظل ِ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫جُروا ِفى اللهِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫‪ -6‬وقوله تعالى‪َ} :‬وال ِ‬
‫َ‬
‫ن{ ]النحل‪.[41:‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ أكب َُر لوْ كاُنوا ي َعْل ُ‬ ‫ْ‬ ‫جُر ال ِ‬ ‫سَنة وَل َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫الد ّن َْيا َ‬
‫قال ابن جرير رحمه الله‪" :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬والذين فارقوا قومهم ودورهم‬
‫ما‬‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وأوطانهم عداوة لهم في الله على كفرهم إلى آخرين غيرهم } ِ‬
‫موْا{ يقول‪ :‬من بعد ما نيل منهم في أنفسهم بالمكاره في ذات الله‬ ‫ظ ُل ِ ُ‬
‫سَنة{ يقول‪ :‬لنسكننهم في الدنيا مسكًنا يرضونه‬ ‫ح َ‬ ‫م ِفى الد ّن َْيا َ‬ ‫}ل َن ُب َوّئ َن ّهُ ْ‬
‫حا‪...‬‬ ‫صال ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ يقول‪ :‬ولثواب الله إياهم على‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْل َ ُ‬ ‫خَرةِ أك ْب َُر ل َوْ َ‬ ‫جُر ال ِ‬ ‫وقوله‪} :‬وَل ْ‬
‫هجرتهم فيه في الخرة أكبر؛ لن ثوابه إياهم هنالك الجنة التي يدوم نعيمها‬
‫ول يبيد")]‪. ([13‬‬
‫وقال ابن كثير رحمه الله‪" :‬يخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء‬
‫مرضاته‪ ،‬الذين فارقوا الدار والخوان والخلن‪ ،‬رجاء ثواب الله وجزائه")]‬
‫‪. ([14‬‬
‫وقال ابن سعدي رحمه الله‪" :‬يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين‬
‫ما‬‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه{ أي‪ :‬في سبيله‪ ،‬وابتغاء مرضاته } ِ‬ ‫جُروا ْ ِفى الل ّ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َوال ّ ِ‬
‫موْا{ بالذية والمحنة من قومهم‪ ،‬الذين يفتنونهم ليردوهم إلى الكفر‬ ‫ظ ُل ِ ُ‬
‫والشرك‪ ،‬فتركوا الوطان والخلن‪ ،‬وانتقلوا عنها لجل طاعة الرحمن فذكر‬
‫لهم ثوابين‪ ،‬ثواًبا عاجل ً في الدنيا من الرزق الواسع والعيش الهنيئ الذي‬
‫رأوه عيانا بعدما هاجروا وانتصروا على أعدائهم‪ ،‬وافتتحوا البلدان‪ ،‬وغنموا‬
‫ة{‬‫خَر ِ‬ ‫جُر ال ِ‬ ‫منها الغنائم العظيمة فتمولوا‪ ،‬وآتاهم الله في الدنيا حسنة‪} ،‬وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫الذي وعدهم الله على لسان رسوله خير‪ ،‬و}أك ْب َُر{ من أجر الدنيا‪} ...‬ل َ ْ‬
‫و‬
‫ن{ أي‪ :‬لو كان لهم علم ويقين بما عند الله من الجر والثواب‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْل َ ُ‬ ‫َ‬
‫لمن آمن به وجاهد في سبيله‪ ،‬لم يتخلف عن ذلك أحد")]‪. ([15‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫دوا ْ‬
‫جاهَ ُ‬ ‫ما فُت ُِنوا ْ ث ُ ّ‬
‫م َ‬ ‫جُروا ْ ِ‬
‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ها َ‬
‫ن َ‬‫ذي َ‬‫ك ل ِل ّ ِ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫‪ -7‬وقوله تعالى‪} :‬ث ُ ّ‬
‫م{ ]النحل‪.[110:‬‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر ّر ِ‬ ‫َ‬
‫ها لغَ ُ‬ ‫من ب َعْدِ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫صب َُروا ْ إ ِ ّ‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫قال ابن جرير رحمه الله‪" :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬ثم إن ربك يا محمد للذين‬
‫هاجروا من ديارهم ومساكنهم وعشائرهم من المشركين‪ ،‬وانتقلوا عنهم إلى‬
‫ديار أهل السلم ومساكنهم وأهل وليتهم من بعد ما فتنهم المشركون الذين‬
‫كانوا بين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم‪ ،‬ثم جاهدوا المشركين بعد ذلك‬
‫بأيديهم بالسيف وبألسنتهم بالبراءة منهم ومما يعبدون من دون الله‪ ،‬وصبروا‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م{ يقول‪ :‬إن ربك من بعد‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ها ل َغَ ُ‬ ‫من ب َعْدِ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫على جهادهم‪} ،‬إ ِ ّ‬
‫فعلتهم هذه لهم لغفور‪ ...‬رحيم بهم‪. ([16])"..‬‬
‫وقال ابن كثير رحمه الله‪" :‬هؤلء صنف آخر كانوا مستضعفين بمكة مهانين‬
‫في قومهم قد واتوهم على الفتنة‪ ،‬ثم إنهم أمكنهم الخلص بالهجرة‪ ،‬فتركوا‬
‫بلدهم وأهليهم وأموالهم ابتغاء رضوان الله وغفرانه‪ ،‬وانتظموا في سلك‬
‫من‬ ‫المؤمنين‪ ،‬وجاهدوا معهم الكافرين‪ ،‬وصبروا‪ ،‬فأخبر الله تعالى أنه } ِ‬
‫ها{ أي‪ :‬تلك الفعلة وهي الجابة إلى الفتنة لغفور لهم‪ ،‬رحيم بهم يوم‬ ‫ب َعْدِ َ‬
‫معادهم")]‪. ([17‬‬
‫وقال ابن سعدي رحمه الله‪" :‬أي‪ :‬ثم إن ربك الذي ربى عباده المخلصين‬
‫بلطفه وإحسانه لغفور رحيم لمن هاجر في سبيله وخلى دياره وأمواله‪ ،‬طالًبا‬
‫ن على دينه ليرجع إلى الكفر‪ ،‬فثبت على اليمان وتخلص ما‬ ‫لمرضاة الله‪ ،‬وفُت ِ َ‬
‫معه من اليقين‪ ،‬ثم جاهد أعداء الله ليدخلهم في دين الله‪ ،‬بلسانه ويده‪،‬‬
‫وصبر على هذه العبادات الشاقة على أكثر الناس‪ ،‬فهذه أكبر السباب التي‬
‫ينال بها أعظم العطايا‪ ،‬وأفضل المواهب‪ ،‬وهي مغفرة الله للذنوب")]‪. ([18‬‬
‫َ‬
‫ماُتوا ْ ل َي َْرُزقَن ّهُ ُ‬
‫م‬ ‫م قُت ُِلوا ْ أوْ َ‬ ‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫جُروا ْ ِفى َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ -8‬وقوله تعالى‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫ن{ ]الحج‪.[58:‬‬ ‫خي ُْر الرازِِقي َ‬ ‫ه ل َهُوَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سنا ً وَإ ِ ّ‬‫ح َ‬ ‫ه رِْزقا ً َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫قال ابن جرير رحمه الله‪" :‬والذين فارقوا أوطانهم وعشائرهم‪ ،‬فتركوا ذلك‬
‫في رضا الله وطاعته وجهاد أعدائه‪ ،‬ثم قتلوا أو ماتوا وهم كذلك‪ ،‬ليرزقنهم‬
‫الله يوم القيامة في جناته رزًقا حسًنا‪ ،‬يعني بالحسن‪ :‬الكريم‪ ،‬وإنما يعني‬
‫بالرزق الحسن‪ :‬الثواب الجزيل")]‪. ([19‬‬
‫وقال ابن كثير رحمه الله‪" :‬يخبر تعالى عمن خرج مهاجًرا في سبيل الله‬
‫ابتغاء مرضاته‪ ،‬وطلًبا لما عنده‪ ،‬وترك الوطان والهلين والخلن‪ ،‬وفارق بلده‬
‫ماُتوْا{‬ ‫َ‬
‫م قُت ُِلوْا{ أي‪ :‬في الجهاد‪} ،‬أوْ َ‬ ‫في الله ورسوله ونصرة لدين الله }ث ُ ّ‬
‫أي‪ :‬حتف أنفسهم‪ ،‬أي‪ :‬من غير قتال على فرشهم‪ ،‬فقد حصلوا على الجر‬
‫الجزيل‪ ،‬والثناء الجميل")]‪. ([20‬‬
‫وقال ابن سعدي رحمه الله‪" :‬هذه بشارة كبرى‪ ،‬لمن هاجر في سبيل الله‪،‬‬
‫فخرج من داره ووطنه وأولده وماله ابتغاء وجه الله‪ ،‬ونصرة لدين الله‪ ،‬فهذا‬
‫دا في سبيل‬ ‫قد وجب أجره على الله‪ ،‬سواء مات على فراشه‪ ،‬أو قتل مجاه ً‬
‫الله")]‪. ([21‬‬
‫غما ً ك َِثيرا ً‬ ‫مَرا َ‬ ‫ْ ِ ُ‬‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫فى‬ ‫د‬ ‫ج‬
‫ِ َ ِ ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫بي‬
‫َ ِ ِ‬ ‫س‬ ‫فى‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫ها‬
‫َ َ َُ ِ ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫‪ -9‬وقوله‬
‫قد ْ وَقَ َ‬
‫ع‬ ‫ت فَ َ‬ ‫موْ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫م ي ُد ْرِك ْ ُ‬
‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫جرا ً إ َِلى الل ّهِ وََر ُ‬ ‫مَها ِ‬ ‫من ب َي ْت ِهِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ة وَ َ‬
‫سعَ ً‬ ‫وَ َ‬
‫حيمًا{ ]النساء‪.[100:‬‬ ‫فورا ً ّر ِ‬ ‫َ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ى الل ّهِ وَ َ‬ ‫عل َ‬‫جُره ُ َ‬ ‫أ ْ‬
‫قال ابن جرير رحمه الله‪" :‬ومن يفارق أرض الشرك وأهلها هرًبا بدينه منها‬
‫ومنهم إلى أرض السلم وأهلها المؤمنين‪ ،‬في سبيل الله‪ ،‬يعني في منهاج‬
‫ض‬
‫جد ْ ِفى الْر ِ‬ ‫دين الله وطريقه الذي شرعه لخلقه‪ ،‬وذلك الدين القيم } ي َ ِ‬
‫ما كثيًرا‪ ،‬وهو‬ ‫غما ً ك َِثيرًا{‪ ،‬يقول‪ :‬يجد هذا المهاجر في سبيل الله مراغ ً‬ ‫مَرا َ‬ ‫ُ‬
‫ة{ فإنه يحتمل السعة في‬ ‫سعَ ً‬ ‫المضطرب في البلد والمذهب‪ ...‬وقوله‪} :‬وَ َ‬
‫أمر دينهم بمكة‪ ،‬وذلك منعهم إياهم ـ كان ـ من إظهار دينهم‪ ،‬وعبادة ربهم‬
‫علنية‪ ،‬ثم أخبر جل ثناؤه عمن خرج مهاجًرا من أرض الشرك فاّرا بدينه إلى‬
‫الله وإلى رسوله‪ ،‬إن أدركته منيته قبل بلوغه أرض السلم ودار الهجرة‪،‬‬
‫َ‬
‫ه{‪ ،‬وذلك ثواب عمله وجزاء‬ ‫ى الل ّ ِ‬ ‫عل َ‬ ‫جُره ُ َ‬ ‫قد ْ وَقَعَ أ ْ‬ ‫فقال‪ :‬من كان كذلك }فَ َ‬
‫هجرته‪ ،‬وفراق وطنه وعشيرته إلى دار السلم وأهل دينه")]‪. ([22‬‬
‫وقال ابن كثير رحمه الله‪" :‬وهذا تحريض على الهجرة‪ ،‬وترغيب في مفارقة‬
‫المشركين‪ ،‬وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه")]‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪. ([23‬‬
‫وقال ابن سعدي رحمه الله‪" :‬هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب‪،‬‬
‫وبيان ما فيها من المصالح‪ ،‬فوعد الصادق في وعده أن من هاجر في سبيله‬
‫ما في الرض وسعة‪ ،‬فالمراغم مشتمل على‬ ‫ابتغاء مرضاته‪ ،‬أنه يجد مراغ ً‬
‫مصالح الدين‪ ،‬والسعة على مصالح الدنيا")]‪. ([24‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫صارِ َوال ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ال َوُّلو َ‬


‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬‫ري َ‬ ‫ج ِ‬
‫مَها ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫‪ -10‬وقوله تعالى‪َ} :‬وال ّ‬
‫حت ََها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ري ت َ ْ‬ ‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٍ‬‫م َ‬
‫ه وَأعَد ّ لهُ ْ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ى الل ُ‬ ‫ض َ‬‫ن ّر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬
‫هم ب ِإ ِ ْ‬ ‫ات ّب َُعو ُ‬
‫م{ ]التوبة‪.[100:‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن ِفيَها أَبدا ذال ِ َ‬ ‫ال َن َْهاُر َ‬
‫ظي ُ‬ ‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ك ال َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫قال ابن جرير‪" :‬والذين سبقوا الناس أول ً إلى اليمان بالله ورسوله من‬
‫المهاجرين الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم‪ ،‬وفارقوا منازلهم وأوطانهم‪،‬‬
‫والنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل‬
‫ن{ يقول‪ :‬والذين سلكوا سبيلهم‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫هم ب ِإ ِ ْ‬ ‫ن ات ّب َُعو ُ‬
‫ذي َ‬ ‫الكفر بالله ورسوله }َوال ّ ِ‬
‫في اليمان بالله ورسوله‪ ،‬والهجرة من دار الحرب إلى دار السلم طلًبا رضا‬
‫ه{")]‪. ([25‬‬ ‫ضوا ْ عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬‫ى الل ّ ُ‬‫ض َ‬ ‫الله }ّر ِ‬
‫وقال ابن كثير رحمه الله‪" :‬يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من‬
‫المهاجرين والنصار والتابعين لهم بإحسان‪ ،‬ورضاهم عنه بما أعد ّ لهم من‬
‫جنات النعيم‪ ،‬والنعيم المقيم")]‪. ([26‬‬
‫ومن الحاديث النبوية ‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص‪)) :‬أما عملت أن السلم‬
‫يهدم ما كان قبله؟! وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟! وأن الحج يهدم ما كان‬
‫قبله؟!(( )]‪.([27‬‬
‫قال النووي رحمه الله‪" :‬فيه عظيم موقع السلم والهجرة والحج‪ ،‬وأن كل‬
‫واحد منها يهدم ما كان قبله من المعاصي")]‪.([28‬‬
‫‪ -2‬قوله صلى الله عليه وسلم لبي فاطمة الضمري‪)) :‬عليك بالهجرة فإنه ل‬
‫مثل لها(( )]‪.([29‬‬
‫‪ -3‬قوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم‬
‫قراءة‪ ،‬فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة‪ ،‬فإن كانوا في‬
‫الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنًا(( )]‪.([30‬‬
‫‪ -4‬قوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬فمن فعل ذلك منهم – أي من أسلم وهاجر‬
‫وجاهد – فمات كان حقا ً على الله أن يدخله الجنة‪ ،‬أو قتل كان حقا ً على الله‬
‫عز وجل أن يدخله الجنة‪ ،‬وإن غرق كان حقا ً على الله أن يدخله الجنة‪ ،‬أو‬
‫وقصته دابته كان حقا ً على الله أن يدخله الجنة(( )]‪.([31‬‬
‫‪ -5‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬أنا زعيم – والزعيم الحميل – لمن آمن بي‬
‫وأسلم وهاجر ببيت في ربض الجنة‪ ،‬وببيت في وسط الجنة(( )]‪.([32‬‬
‫‪ -6‬وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل اليمان قال‪)) :‬الهجرة((‬
‫)]‪.([33‬‬
‫‪ -7‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬وأنا آمركم بخمس‪ ،‬الله أمرني بهن‪:‬‬
‫بالجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله‪ ((...‬الحديث)]‬
‫‪.([34‬‬
‫‪ -8‬وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو‪)) :‬أتعلم أول زمرة تدخل‬
‫الجنة من أمتي؟(( قال‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ ،‬فقال‪)) :‬المهاجرون‪ ،‬يأتون يوم‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون‪ ،‬فيقول الخزنة‪ :‬أوقد حوسبتم؟ فيقولون‪:‬‬
‫بأي شيء نحاسب؟! وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى‬
‫متنا على ذلك‪ .‬قال‪ :‬فيفتح لهم فيقيلون فيه أربعين عاما ً قبل أن يدخلها‬
‫الناس(( )]‪.([35‬‬
‫‪ -9‬وعن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال‪ :‬حصن كان‬
‫لدوس في الجاهلية‪ ،‬فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله‬
‫للنصار‪ ،‬فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه‬
‫الطفيل بن عمرو‪ ،‬وهاجر معه رجل من قومه‪ ،‬فاجتووا المدينة‪ ،‬فمرض‬
‫فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات‪ ،‬فرآه‬
‫الطفيل بن عمرو في منامه‪ ،‬فرآه وهيئته حسنة‪ ،‬ورآه مغطًيا يديه‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫ما صنع بك ربك؟ فقال‪ :‬غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم)]‬
‫‪. ([36‬‬
‫)]‪ ([1‬جامع البيان )‪.(2/355‬‬
‫)]‪ ([2‬تيسير الكريم الرحمن )‪ 1/173‬ـ ‪.(174‬‬
‫)]‪ ([3‬جامع البيان )‪.(216 /3‬‬
‫)]‪ ([4‬تفسير القرآن العظيم )‪.(166 /2‬‬
‫)]‪ ([5‬تيسير الكريم الرحمن )‪.(306 /1‬‬
‫)]‪ ([6‬جامع البيان )‪.(51 /6‬‬
‫)]‪ ([7‬تفسير القرآن العظيم )‪.(38 /4‬‬
‫)]‪ ([8‬تيسير الكريم الرحمن )‪.(219 /2‬‬
‫)]‪ ([9‬جامع البيان )‪ 56 /6‬ـ ‪.(57‬‬
‫)]‪ ([10‬تيسير الكريم الرحمن )‪.(220 /2‬‬
‫)]‪ ([11‬جامع البيان )‪.(97 /6‬‬
‫)]‪ ([12‬تيسير الكريم الرحمن )‪.(232 /2‬‬
‫)]‪ ([13‬جامع البيان )‪ 106 /8‬ـ ‪.(107‬‬
‫)]‪ ([14‬تفسير القرآن العظيم )‪.(491 /4‬‬
‫)]‪ ([15‬تيسير الكريم الرحمن )‪.(61 /3‬‬
‫)]‪ ([16‬جامع البيان )‪.(183 /8‬‬
‫)]‪ ([17‬تفسير القرآن العظيم )‪.(527 /4‬‬
‫)]‪ ([18‬تيسير الكريم الرحمن )‪ 87 /3‬ـ ‪.(88‬‬
‫)]‪ ([19‬جامع البيان )‪.(194 /10‬‬
‫)]‪ ([20‬تفسير القرآن العظيم )‪.(443 /5‬‬
‫)]‪ ([21‬تيسير الكريم الرحمن )‪.(332 /3‬‬
‫)]‪ ([22‬جامع البيان )‪.(238 /4‬‬
‫)]‪ ([23‬تفسير القرآن العظيم )‪.(344 /2‬‬
‫)]‪ ([24‬تيسير الكريم الرحمن )‪.(393 /1‬‬
‫)]‪ ([25‬جامع البيان )‪.(6 /7‬‬
‫)]‪ ([26‬تفسير القرآن العظيم )‪.(141 /4‬‬
‫)]‪ ([27‬أخرجه مسلم )‪ (1/112‬من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه‪.‬‬
‫)]‪ ([28‬شرح مسلم )‪.(497 /2‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([29‬أخرجه النسائي )‪ (7/465‬من حديث أبي فاطمة الضمري‪ ،‬وحسن‬


‫إسناده الشيخ عبد القادر الرنؤوط في تحقيقه لجامع الصول )‪(11/605‬‬
‫والدكتور سليمان السعود في أحاديث الهجرة )ص ‪ (244‬وصححه اللباني‪،‬‬
‫صحيح الجامع ]‪.[4045‬‬
‫)]‪ ([30‬أخرجه مسلم ]‪ [673‬من حديث أبي مسعود رضي الله عنه‪.‬‬
‫)]‪ ([31‬أخرجه أحمد )‪ (3/483‬والنسائي )‪ (6/21‬من حديث سبرة بن أبي‬
‫فاكه وهو في صحيح السنن ]‪.[2937‬‬
‫)]‪ ([32‬أخرجه النسائي )‪ (6/21‬من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه‬
‫وهو في صحيح سنن النسائي ]‪.[2936‬‬
‫)]‪ ([33‬أخرجه أحمد )‪ (4/114‬من حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه‪.‬‬
‫وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (1/59‬رجاله ثقات"‪.‬‬
‫)]‪ ([34‬أخرجه أحمد )‪ (5/344) (202 ،4/130‬والترمذي )‪ (5/148‬من‬
‫حديث الحارث الشعري وقال الترمذي‪" :‬حسن صحيح غريب"‪ ،‬وصححه ابن‬
‫خزيمة )‪ (2/64‬وقال اللباني ‪" :‬إسناده صحيح"‪.‬‬
‫)]‪ ([35‬أخرجه الحاكم )‪ (2/70‬من حديث عبد الله عمرو رضي الله عنهما‬
‫وقال ‪" :‬صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫)]‪ ([36‬أخرجه مسلم في اليمان‪ ،‬باب‪ :‬الدليل على أن قاتل نفسه ل يكفر )‬
‫‪.(116‬‬
‫ثالًثا‪ :‬أنواع الهجرة‪:‬‬
‫يمكن تقسيم الهجرة إلى نوعين اثنين‪:‬‬
‫‪ -1‬الهجرة المعنوية‪ :‬وهي الهجرة من الكفر إلى السلم ومن البدعة إلى‬
‫السنة ومن المعصية إلى الطاعة‪ ،‬وهذا هو مقتضى الهجرة إلى الله ورسوله‪،‬‬
‫لن الهجرة إلى الله تعالى تكون باليمان به وتوحيده وإفراده بالعبادة خوفا ً‬
‫ورجاًء وحبًا‪ ،‬وأن يجتنب الشرك صغيره وكبيره‪ ،‬وأن يجتنب المعاصي‬
‫والكبائر‪ ،‬وأن يكثر من الستغفار والتوبة لتجديد الهجرة كلما وقع فيما يضعف‬
‫مسيرتها‪ ،‬ولذلك كان مفتاح النجاة هو التوحيد والستغفار‪.‬‬
‫والهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون باتباع سنته وتحكيمها‬
‫والتحاكم إليها وتقديمها على جميع الهواء والراء والذواق‪ ،‬ونبذ البدع‬
‫والمحدثات التي ليس عليها أمر السلم‪.‬‬
‫‪ -2‬الهجرة الحسية‪ :‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة‪ ،‬وهذه أشرف‬
‫الهجرات وأفضلها على الطلق‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الهجرة من دار الكفر إلى دار السلم وهذه يختلف حكمها باختلف‬
‫الظروف والوضاع وسيأتي بيان ذلك‪.‬‬
‫ج ‪ -‬هجرة أهل الذنوب والمعاصي وهجرة أهل الهواء والبدع بمفارقتهم‬
‫حمية منهم أو لهما معًا‪.‬‬‫ومقاطعتهم ومباعدتهم زجرا ً لهم أو ِ‬
‫د‪ -‬الهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن فعن عبد الله بن‬
‫عمرو قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪)) :‬ستكون هجرة‬
‫بعد هجرة‪ ،‬فخيار أهل الرض ألزمهم مهاجر إبراهيم ويبقى في الرض شرار‬
‫أهلها‪ ،‬تلفظهم أرضوهم‪ ،‬تقذرهم نفس الله‪ ،‬وتحشرهم النار مع القردة‬
‫والخنازير(( )]‪.([1‬‬
‫)]‪ ([1‬أخرجه أبو داود ]‪ [2482‬وحسنه اللباني في تخريج مناقب الشام‬
‫وأهله )ص ‪.(79‬‬
‫رابًعا‪ :‬حكم الهجرة‪:‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الهجرة من دار الكفر إلى دار السلم يختلف حكمها باختلف حالت‬
‫المقيمين بديار الكفر‪:‬‬
‫أ‪ .‬فتكون واجبة‪ ،‬وذلك في حق من يقدر عليها ول يمكنه إظهار دينه أو إقامة‬
‫مى‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ة َ‬ ‫مل َئ ِك َ ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ن ت َوَّفاهُ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫واجبات دينه في ديار الكفر‪ ،‬لقوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأن ُ‬
‫ض‬
‫ن أْر ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ض َقاْلوا ْ أل َ ْ‬ ‫ن ِفى الْر ِ‬ ‫في َ‬ ‫ضعَ ِ‬‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬ ‫م َقاُلوا ْ ك ُّنا ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م َقاُلوا ْ ِفي َ‬
‫م ُ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬
‫صيرًا{ ]النساء‪:‬‬ ‫ك ْ‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫جُروا ْ ِفيَها فَأوْل َئ ِ َ َ‬ ‫ة فَت َُها ِ‬‫سعَ ً‬‫الل ّهِ وا ِ‬
‫‪.[97‬‬
‫ولقوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬أنا بريء من مسلم بين مشركين ل تراءى‬
‫ناراهما(( )]‪ ،([1‬ومعناه ل يكون بموضع يرى نارهم ويرون ناره إذا أوقدت‪،‬‬
‫ولن القيام بواجبات دينه واجب‪ ،‬والهجرة من ضرورة الواجبات وتتمتها‪ ،‬وما‬
‫ل يتم الواجب إل به فهو واجب‪.‬‬
‫ب‪ .‬وتسقط عمن يعجز عنها إما لمرض أو إكراه على القامة أو ضعف‬
‫كالنساء والولدان وشبههم‪ ،‬فالعاجز ل هجرة عليه لقوله تعالى‪} :‬إ ِل ّ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫ة وَل َ ي َهْت َ ُ‬ ‫حيل َ ً‬ ‫ن ِ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن ل َ يَ ْ‬ ‫ساء َوال ْوِْلدا ِ‬ ‫ل َوالن ّ َ‬ ‫جا ِ‬‫ن الّر َ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فيُ َ‬
‫ضعَ ِ‬‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫فورًا{ ]النساء‪:‬‬ ‫فوّا ً غَ ُ‬ ‫َ‬
‫ه عَ ُ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فوَ عَن ْهُ ْ‬‫ه أن ي َعْ ُ‬ ‫سى الل ّ ُ‬ ‫ك عَ َ‬ ‫سِبيل ً ‪ %‬فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫‪.[99-98‬‬
‫ج‪ .‬وتستحب في حق من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامة‬
‫واجباته ي دار الكفر‪ ،‬فهذا تستحب في حقه ليتمكن من جهادهم‪ ،‬ولتكثير‬
‫المسلمين ومعونتهم‪ ،‬والتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم ومشاهدة‬
‫المنكر بينهم‪ ،‬ول تجب عليه لمكانه إقامة واجبات دينه بدون الهجرة‪.‬‬
‫وقد كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم مقيما بمكة قبل فتحها مع‬
‫إسلمه)]‪.([2‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬ما ضابط إظهار الدين؟‬
‫فالجواب‪ :‬ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ‪" :‬إظهاره ديَنه ليس‬
‫مجرد فعل الصلة وسائر فروع الدين واجتناب محرماته من الربا وغير ذلك‪،‬‬
‫إنما إظهار الدين مجاهرته بالتوحيد والبراءة مما عليه المشركون من الشرك‬
‫بالله في العبادة وغير ذلك من أنواع الكفر والضلل" )]‪.([3‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ويرى بعض العلماء أنه قد يستحب للمسلم أن يقيم في دار الكفر وذلك إذا‬
‫كان يرجو ظهور السلم بإقامته أو إذا ترتب على بقائه بدار الكفر مصلحة‬
‫للمسلمين‪ ،‬فقد نقل صاحب مغني المحتاج أن إسلم العباس رضي الله عنه‬
‫كان قبل بدر وكان يكتمه ويكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأخبار‬
‫المشركين وكان المسلمون يتقوون به بمكة‪ ،‬وكان يحب القدوم على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكتب إليه صلى الله عليه وسلم‪)) :‬إن مقامك بمكة‬
‫خير((‪ ،‬ثم أظهر إسلمه يوم فتح مكة)]‪.([4‬‬
‫ول شك أن هذا ليس لكل أحد‪ ،‬وأغلب الناس سريع التأثر بما عليه الكفار‪،‬‬
‫وخاصة في هذا الزمان الذي غلب فيه أهل الكفر‪ ،‬ونحن نرى ولوع كثير من‬
‫المسلمين بتقليد الكفار واتباعهم وهم في ديار السلم فكيف الحال بمن هو‬
‫مقيم بين أظهرهم‪ ،‬ل شك أن الفتنة أعظم والخطر أكبر‪ ،‬وأحكام الشريعة‬
‫مبنية على الغالب الكثير ل على ما شذ ّ وندر‪.‬‬
‫)]‪ ([1‬أخرجه أبو داود ]‪ [2645‬والترمذي ]‪ [1604‬من حديث ابن مسعود‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬وحسنه اللباني في صحيح الجامع ]‪.[1461‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([2‬انظر‪ :‬المغني لبن قدامة )‪.(13/151‬‬


‫)]‪ ([3‬فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم )‪(92-1/91‬‬
‫)]‪ ([4‬مغني المحتاج )‪ (4/239‬وانظر ‪ :‬الجهاد والقتال في السياسة الشرعية‬
‫للدكتور محمد خير هيكل )‪.(692-1/687‬‬
‫سا‪ :‬الهجرة في المم السابقة‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫لقد حكى لنا القرآن الكريم هجرة خليل الله إبراهيم عليه السلم حيث قال‬
‫م{‬‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬
‫ه هُوَ ال ْعَ ِ‬
‫جٌر إ َِلى َرّبى إ ِن ّ ُ‬
‫مَها ِ‬
‫ل إ ِّنى ُ‬ ‫ه ُلو ٌ‬
‫ط وََقا َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫الله تعالى‪} :‬فََئا َ‬
‫م َ‬
‫]العنكبوت‪ ،[26:‬أي آمن بإبراهيم لوط‪ ،‬وقال إبراهيم‪ :‬إني مهاجر دار قومي‬
‫المشركين إلى ربي إلى الشام‪ ،‬فهاجر من كوثا وهي قرية من سواد الكوفة‬
‫إلى حّران ثم إلى الشام‪ ،‬وهو ابن خمس وسبعين سنة ومعه لوط وسارة)]‬
‫‪.([1‬‬
‫وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول‪)) :‬ستكون هجرة بعد هجرة‪ ،‬فخيار أهل الرض ألزمهم‬
‫جَر إبراهيم‪ ،‬ويبقى في الرض شرار أهلها‪ ،‬تلفظهم أرضوهم تقذرهم‬ ‫مها َ‬
‫نفس الله‪ ،‬وتحشرهم النار مع القردة والخنازير(( )]‪.([2‬‬
‫قال ابن تيمية رحمه الله بعد ذكره لهذا الحديث‪" :‬فقد أخبر أن خير أهل‬
‫الرض ألزمهم مهاجر إبراهيم بخلف من يأتي إليه ثم يذهب عنه‪ ،‬ومهاجر‬
‫إبراهيم هي الشام‪ ،‬وفي هذا الحديث بشرى لصحابنا الذين هاجروا من حران‬
‫وغيرها إلى مهاجر إبراهيم‪ ،‬واتبعوا ملة إبراهيم ودين نبيهم محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وبيان أن هذه الهجرة التي لهم بعد هجرة أصحاب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إلى المدينة لن الهجرة إلى حيث يكون الرسول‬
‫وآثاره‪ ،‬وقد جعل مهاجر إبراهيم تعدل مهاجر نبينا صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإن‬
‫الهجرة إلى مهاجره انقطعت بفتح مكة")]‪.([3‬‬
‫وكان معروفا ً أيضا ً في المم السابقة الهجرة من دار المعاصي إلى دار‬
‫الطاعة‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫ل قتل تسعة وتسعين نفسًا‪،‬‬ ‫الله عليه وسلم‪)) :‬كان فيمن كان قبلكم رج ٌ‬
‫فسأل عن أعلم أهل الرض فدل على راهب‪ .‬فأتاه فقال‪ :‬إنه قتل تسعة‬
‫مل به مائة‪ .‬ثم سأل‬ ‫ة؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬فقتله‪ ،‬فك ّ‬ ‫وتسعين نفسًا‪ ،‬فهل له من توب ٍ‬
‫س‪ ،‬فهل‬ ‫م‪ .‬فقال‪ :‬إنه قتل مائة نف ٍ‬ ‫ل عال ٍ‬
‫عن أعلم أهل الرض فدل على رج ٍ‬
‫ة؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا‬ ‫له من توب ٍ‬
‫وكذا؟ فإن بها أناسا ً يعبدون الله فاعبد الله معهم‪ ،‬ول ترجع إلى أرضك فإنها‬ ‫ُ‬
‫أرض سوٍء‪ .‬فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت‪ ،‬فاختصمت فيه‬
‫ملئكة الرحمة وملئكة العذاب‪ .‬فقالت ملئكة الرحمة‪ :‬جاء تائبا ً مقبل ً بقلبه‬
‫ك في‬ ‫إلى الله‪ ،‬وقالت ملئكة العذاب‪ :‬إنه لم يعمل خيرا ً قط‪ ،‬فأتاهم مل ٌ‬
‫صورة آدمي‪ ،‬فجعلوه بينهم‪ :‬فقال‪ :‬قيسوا ما بين الرضين‪ ،‬فإلى أيتهما كان‬
‫أدنى فهو له‪ .‬فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الرض التي أراد‪ ،‬فقبضته ملئكة‬
‫الرحمة(( )]‪.([4‬‬
‫قال النووي رحمه الله‪" :‬قال العلماء‪ :‬في هذا استحباب مفارقة التائب‬
‫المواضع التي أصاب بها الذنوب‪ ،‬والخدان المساعدين له على ذلك‪،‬‬
‫ومقاطعتهم ما داموا على حالهم‪ ،‬وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلح‬
‫والعلماء والمتعبدين والورعين ومن يقتدى بهم‪ ،‬وينتفع بصحبتهم‪ ،‬وتتأكد بذلك‬
‫توبته")]‪.([5‬‬
‫وقال ابن حجر رحمه الله‪" :‬فيه فضل التحول من الرض التي يصيب النسان‬
‫فيها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك إما لتذكره لفعاله‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصادرة قبل ذلك والفتنة بها‪ ،‬وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه‬
‫عليه‪ ،‬ولهذا قال له الخير‪ :‬ول ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء‪ ،‬ففيه إشارة‬
‫إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الحوال التي اعتادها في زمن المعصية‪،‬‬
‫والتحول منها كلها والشتغال بغيرها")]‪.([6‬‬
‫)]‪ ([1‬انظر‪ :‬تفسير الطبري )‪ (143-20/142‬وتفسير القرطبي )‪-13/339‬‬
‫‪ (340‬وزاد المسير )‪ (6/268‬وتفسير السمعاني )‪.(4/176‬‬
‫)]‪ ([2‬أخرجه أبو داود ]‪ ،[2482‬وحسنه اللباني في تخريج مناقب الشام‬
‫وأهله )ص ‪.(79‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫)]‪ ([3‬مناقب الشام وأهله )ص ‪ ،(80‬وانظر‪ :‬المجموع )‪.(509 /27‬‬


‫)]‪ ([4‬أخرجه البخاري ]‪ ،[3470‬ومسلم ]‪ [2766‬واللفظ له‪.‬‬
‫)]‪ ([5‬شرح صحيح مسلم )‪.(17/82‬‬
‫)]‪ ([6‬فتح الباري )‪.(518-6/517‬‬
‫سا‪ :‬الهجرة الباقية إلى يوم القيامة‪:‬‬
‫ساد ً‬
‫صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث أن الهجرة انقطعت‬
‫بفتح مكة‪ ،‬فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال‬
‫يوم فتح مكة‪)) :‬ل هجرة بعد الفتح‪ ،‬ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا((‬
‫)]‪ ،([1‬وعن مجاشع بن مسعود أنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬هذا مجالد يبايعك على الهجرة‪ ،‬فقال صلى الله‬
‫عليه وسلم‪)) :‬ل هجرة بعد فتح مكة‪ ،‬ولكن أبايعه على السلم(( )]‪.([2‬‬
‫كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪)) :‬ل تنقطع الهجرة حتى تنقطع‬
‫التوبة‪ ،‬ول تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها(( )]‪ ،([3‬وقال صلى‬
‫الله عليه وسلم‪)) :‬إن الهجرة ل تنقطع ما كان الجهاد(( )]‪ ([4‬في غيرهما من‬
‫الحاديث‪.‬‬
‫وللعلماء في الجمع بين هذه الحاديث والتوفيق بينها مسالك‪:‬‬
‫المسلك الول‪ :‬أن الهجرة التي انقطعت هي الهجرة من مكة إلى المدينة‪،‬‬
‫وأن الهجرة الباقية هي هجر السوء وتركه في أي موضع كان‪ ،‬وبهذا قال أبو‬
‫جعفر الطحاوي)]‪ ،([5‬واستدل بحديث فديك أنه قال‪ :‬يا رسول الله إنهم‬
‫يزعمون أنه من لم يهاجر هلك‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬يا‬
‫فديك أقم الصلة‪ ،‬وآت الزكاة‪ ،‬واهجر السوء‪ ،‬واسكن من أرض قومك حيث‬
‫شئت تكن مهاجرًا(( )]‪.([6‬‬
‫المسلك الثاني‪ :‬أن الهجرة المنقطعة هي الفرض والباقية هي الندب‪ ،‬وبذلك‬
‫قال الخطابي)]‪.([7‬‬
‫المسلك الثالث‪ :‬أن الهجرة المنقطعة هي الهجرة من مكة إلى المدينة‪ ،‬أو‬
‫الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان لنصرته والجهاد معه‪،‬‬
‫وأما الهجرة الباقية فهي الهجرة من دار الكفر إلى دار السلم‪ ،‬وهذه يختلف‬
‫حكمها باختلف الظروف والحوال كما تقدم بيانه‪ ،‬وقد قال بهذا الجمع جمع‬
‫من العلماء‪.‬‬
‫قال البغوي رحمه الله‪" :‬الولى أن يجمع بينهما من وجه آخر‪ ،‬وهو أن قوله‪:‬‬
‫ل هجرة بعد الفتح‪ ،‬أراد به من مكة إلى المدينة‪ ،‬وقوله‪ :‬ل تنقطع الهجرة‪،‬‬
‫أراد بها هجرة من أسلم في دار الكفر عليه أن يفارق تلك الديار‪ ،‬ويخرج من‬
‫بينهم إلى دار السلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم‪)) :‬أنا بريء من كل‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مسلم مقيم بين أظهر المشركين‪ ،‬ل تتراءى ناراهما((‪ ،‬وعن سمرة بن جندب‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬من جامع المشرك وسكن معه فإنه‬
‫مثله((" )]‪.([8‬‬
‫قال النووي رحمه الله‪" :‬قال أصحابنا وغيرهم من العلماء‪ :‬الهجرة من دار‬
‫الحرب إلى دار السلم باقية إلى يوم القيامة‪ ،‬وتأولوا هذا الحديث – أي‬
‫حديث‪)) :‬ل هجرة بعد الفتح(( – تأولين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ل هجرة بعد الفتح من مكة لنها صارت دار إسلم‪ ،‬فل تتصور منها‬
‫الهجرة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وهو الصح‪ ،‬أن معناه أن الهجرة الفاضلة المهمة المطلوبة التي يمتاز‬
‫بها أهلها امتيازا ً ظاهرا ً انقطعت بفتح مكة ومضت لهلها الذين هاجروا قبل‬
‫فتح مكة‪ ،‬لن السلم قوي وعز بعد فتح مكة عزا ً ظاهرا ً بخلف ما قبله")]‬
‫‪.([9‬‬
‫وقال ابن العربي رحمه الله‪" :‬الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار‬
‫السلم وكانت فرضا ً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت بعده‬
‫لمن خاف على نفسه‪ ،‬والتي انقطعت أصل ً هي القصد إلى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم حيث كان")]‪.([10‬‬
‫وقال ابن حجر رحمه الله‪)).." :‬ل هجرة بعد الفتح(( أي‪ :‬فتح مكة‪ ،‬أو المراد‬
‫ما هو أعم من ذلك إشارة إلى أن حكم غير مكة في ذلك حكمها‪ ،‬فل تجب‬
‫الهجرة من بلد فتحه المسلمون‪ ،‬أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين‬
‫أحد ثلثة‪:‬‬
‫الول‪ :‬قادر على الهجرة منها ل يمكنه إظهار دينه ول أداء واجباته‪ ،‬فالهجرة‬
‫منه واجبة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قادر لكنه يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فمستحبة لتكثير المسلمين‬
‫بها ومعونتهم وجهاد الكفار والمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عاجز بعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له القامة‪ ،‬فإن حمل‬
‫على نفسه وتكلف الخروج منها أجر")]‪.([11‬‬
‫)]‪ ([1‬أخرجه البخاري ]‪ [3077‬ومسلم ]‪.[1353‬‬
‫)]‪ ([2‬أخرجه البخاري ]‪ [3078‬ومسلم )‪ (3/1487‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬أخرجه أحمد )‪ (4/99‬والدارمي )‪ (2/157‬وأبو داود ]‪ [2479‬من حديث‬
‫معاوية رضي الله عنه وهو في صحيح سنن أبي داود ]‪.[2166‬‬
‫)]‪ ([4‬أخرجه أحمد )‪ (4/99‬من حديث جنادة بن أبي أمية رضي الله عنه وهو‬
‫في السلسلة الصحيحة ]‪.[1674‬‬
‫)]‪ ([5‬انظر ‪ :‬شرح مشكل الثار )‪.(51-7/49‬‬
‫)]‪ ([6‬أخرجه الطحاوي في شرح المشكل )‪ 7/49‬ـ ‪ ،[2639] (50‬والطبراني‬
‫في الكبير )‪ ،(862 /18‬والوسط )‪ ،(2319‬والبيهقي )‪ ،(17 /9‬وصححه ابن‬
‫حبان )‪ .(4861‬وفيه صالح بن بشير بن فديك لم يرو عنه غير الزهري ولم‬
‫يوثقه غير ابن حبان‪.‬‬
‫)]‪ ([7‬انظر‪ :‬شرح السنة )‪ 372 /10‬ـ ‪.(373‬‬
‫)]‪ ([8‬شرح السنة )‪ 373 /10‬ـ ‪.(374‬‬
‫)]‪ ([9‬شرح مسلم )‪.(8 /13‬‬
‫)]‪ ([10‬انظر‪ :‬شرح النووي لمسلم )‪.(8 /11‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([11‬فتح الباري )‪.(190 /6‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫الهجرة وصناعة المل‬


‫د‪ .‬عادل بن أحمد با ناعمة‪.‬‬
‫من كان يظن أن يكون أولئك النفر الستة بداية مرحلة جديدة من العز‬
‫والتمكين‪ ،‬والبذرة الولى لشجرة باسقة ظلت تؤتي أكلها كل حين بإذن‬
‫ربها؟‪.‬‬
‫ومن كان يخطر بباله أن تشهد تلك الليلة من ليالي الموسم ورسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر يطوفان بمنى حتى إذا سمعا صوت‬
‫رجال يتكلمون مال إليهم فقال وقالوا‪ ،‬وتحدثا وسمعوا‪ ،‬وبينا فأصغوا‬
‫فانشرحت القلوب‪ ،‬ولنت الفئدة ونطقت اللسنة بالشهادتين‪ ،‬وإذا بأولئك‬
‫النفر من شباب يثرب يطلقون الشرارة الولى من نار السلم العظيمة التي‬
‫أحرقت الباطل فتركته هشيما تذروه الرياح‪ .‬من كان يظن أن تلك الليلة‬
‫كانت تشهد كتابة السطور الولى لملحمة المجد والعزة؟‪.‬‬
‫إن نصر الله يأتي للمؤمن من حيث ل يحتسب ول يقدر‪ ،‬لقد طاف رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بمجتمعات القبائل وقصد الرؤساء وتوجه بالدعوة‬
‫إلى الوجهاء وسار إلى الطائف‪ ،‬فعل ذلك كله عشر سنوات وهو يرجو أن‬
‫يجد عند أصحاب الجاه والمنعة نصرة وتأييدا‪ ،‬كان يقول صلى الله عليه‬
‫وسلم في كل موسم‪" :‬من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي"‪،‬‬
‫ومع كل هذا لم يجد من يؤويه ول من ينصره‪ ،‬بل لقد كان الرجل من أهل‬
‫اليمن أو من مضر يخرج إلى مكة فيأتيه قومه فيقولون له‪ :‬احذر غلم قريش‬
‫ل يفتنك!‪.‬‬
‫لم تأت النصرة والحماية والتمكين من تلك القبائل العظيمة ذات المال‬
‫والسلح‪ ،‬وإنما جاءت من ستة نفر جاءوا على ضعف وقلة‪.‬‬
‫"إنها التقادير يوم يأذن الله بالفرج من عنده‪ ،‬ويأتي النصر من قلب المحنة‪،‬‬
‫والنور من كبد الظلماء‪ ،‬والله تعالى هو المؤيد والناصر‪ ،‬والبشر عاجزون‬
‫أمام موعود الله"‪.‬‬
‫ستة نفر من أهل يثرب كلهم من الخزرج دعاهم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى السلم ولم يكن يتوقع منهم نصرة وإنما أراد دعوتهم فآمنوا‬
‫وأسلموا‪ ...‬ثم تتابعت الحداث على نسق عجيب‪ ،‬قال جابر بن عبد الله‬
‫رضي الله عنه‪ :‬حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه فيخرج الرجل‬
‫منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلمه‪ ،‬حتى لم‬
‫تبق من دور النصار إل وفيها رهط من المسلمين يظهرون السلم‪ ،‬ثم‬
‫ائتمروا جميعا فقلنا‪ :‬حتى متى نترك رسول الله يطوف ويطرد في جبال مكة‬
‫ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجل حتى قدموا عليه الموسم‪ ،‬فواعدناه‬
‫العقبة فاجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافينا‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول الله‬
‫علم نبايعك؟ قال‪" :‬على السمع والطاعة في النشاط والكسل‪ ،‬والنفقة في‬
‫العسر واليسر‪ ،‬وعلى المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وأن تقولوا في‬
‫الله ل تخافون لومة لئم‪ ،‬وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما‬
‫تمنعون منه نساءكم وأبناءكم وأزواجكم‪ ،‬ولكم الجنة"‪ ،‬قال جابر‪ :‬فقمنا إليه‬
‫فبايعناه )مسند أحمد(‪.‬‬
‫أرأيتم‪ ...‬يعرض الكبراء والزعماء ويستكبر المل وتتألب القبائل وتتآمر الوفود‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتسد البواب‪ ...‬ثم تكون بداية الخلص بعد ذلك كله في ستة نفر ل حول‬
‫لهم ول قوة‪.‬‬
‫فهل يدرك هذا المعنى المتعلقون بأذيال المادية الصارخة والنافضون أيديهم‬
‫من قدرة الله وعظمته؟‪.‬‬
‫وهل يدرك هذا المعنى الغارقون في تشاؤمهم اليائسون من فرج قريب لهذه‬
‫المة المنكوبة المغلوبة على أمرها؟‪.‬‬
‫إن الله ليضع نصره حيث شاء وبيد من شاء وعلينا أن نعمل حتى تصل دعوتنا‬
‫إلى العالمين‪ ،‬وأل نحتقر أحدا ول نستكبر على أحد‪ ،‬وعلينا أن نواصل سيرنا‬
‫مهما يظلم الليل وتشتد الحزان‪ ،‬فمن يدري لعل الله يصنع لنا في حلكات‬
‫ليلنا الداجي خيوط فجر واعد؟ ومن يدري لعل آلمنا هذه مخاض العزة‬
‫والتمكين؟‪.‬‬
‫أعظم دروس الهجرة!‬
‫إننا على أبواب عام هجري جديد يقبل محمل بما فيه‪ ،‬وعلى أعقاب عام‬
‫هجري مودع يمضي بما استودعناه نقف متذكرين هجرة المصطفى صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ...‬إنها ذكرى العتبار والتعاظ ل ذكرى الحتفال والبتداع‪ .‬إنها‬
‫وقفة نستقرئ فيها فصل من فصول الحياة خطه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وصحبه‪ .‬إنها رجعة إلى العقل في زمن طاشت فيه العقول‪ .‬ووقفة مع‬
‫الروح في زمن أسكرت الرواح فيه مادية صخابة جرافة‪.‬‬
‫إن من أعظم دروس الهجرة وأجل عبراتها "صناعة المل" نعم‪ .‬إن الهجرة‬
‫تعلم المؤمنين فن صناعة المل‪ .‬المل في موعود الله‪ .‬المل في نصر الله‪.‬‬
‫المل في مستقبل مشرق لـ "ل إله إل الله"‪ .‬المل في الفرج بعد الشدة‪،‬‬
‫والعزة بعد الذلة‪ ،‬والنصر بعد الهزيمة‪.‬‬
‫لقد رأيتم كيف صنع ستة نفر من يثرب أمل النصر والتمكين‪ .‬وهاهو رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يصنع المل مرة أخرى حين عزمت قريش على‬
‫قتله‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى‬
‫نام فيثبون عليه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وعلى أن كل حساب مادي يقطع بهلك رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫كيف ل وهو في الدار والقوم محيطون بها إحاطة السوار بالمعصم‪ .‬مع ذلك‬
‫صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم المل‪ ،‬وأوكل أمره إلى ربه وخرج يتلو‬
‫قوله تعالى‪} :‬وجعل ْنا من بي َ‬
‫م لَ‬‫م فَهُ ْ‬ ‫دا َفأغْ َ‬
‫شي َْناهُ ْ‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬ ‫خل ْ ِ‬
‫فهِ ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫دا وَ ِ‬
‫س ّ‬
‫م َ‬‫ديهِ ْ‬
‫ن أي ْ ِ‬
‫َ َ َ َ ِ َْ ِ‬
‫ن{ )يس‪ .(9:‬خرج السير المحصور يذر التراب على الرؤوس‬ ‫صُرو َ‬
‫ي ُب ْ ِ‬
‫المستكبرة التي أرادت قتله! وكان هذا التراب المذرور رمز الفشل والخيبة‬
‫الذين لزما المشركين فيما استقبلوا من أمرهم‪ .‬فانظر كيف انبلج فجر المل‬
‫من قلب ظلمة سوداء‪.‬‬
‫ويمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه يحث الخطى حتى‬
‫انتهى وصاحبه إلى جبل ثور‪ ،‬وهو جبل شامخ وعر الطريق صعب المرتقى‪،‬‬
‫فحفيت قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرتقيه فحمله أبو بكر‬
‫وبلغ به غار ثور ومكثا هناك ثلثة أيام‪.‬‬
‫مرة أخرى يصنع المل!!‬
‫ومرة أخرى يصنع المل في قلب المحنة‪ ،‬وتتغشى القلوب سكينة من الله‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهي في أتون القلق والتوجس والخوف‪ ..‬يصل المطاردون إلى باب الغار‪،‬‬
‫ويسمع الرجلن وقع أقدامهم‪ ،‬ويهمس أبو بكر‪ :‬يا رسول الله لو أن بعضهم‬
‫طأطأ بصره لرآنا! فيقول صلى الله عليه وسلم‪" :‬يا أبا بكر‪ .‬ما ظنك باثنين‬
‫الله ثالثهما؟"‪.‬‬
‫وكان ما كان‪ ،‬ورجع المشركون بعد أن لم يكن بينهم وبين مطلوبهم إل‬
‫خطوات! فانظر مرة أخرى كيف تنقشع عتمة الليل عن صباح جميل‪ .‬وكيف‬
‫مُنوا{ )الحج‪:‬‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫دافِعُ عَ ِ‬
‫ه يُ َ‬
‫ن الل َ‬
‫تتغشى عناية الله عباده المؤمنين }إ ِ ّ‬
‫‪.(38‬‬
‫ن‬
‫وإذا العناية لحظتك عيونها***نم فالحوادث كلهن أما ُ‬
‫ويسير الصاحبان في طريق طويل موحش غير مأهول ل خفارة لهما من‬
‫بشر‪ ،‬ول سلح عندهما يقيهما‪:‬‬
‫ل دروع سابغات ل قنا***مشرعات ل سيوف منتضاه‬
‫قوة اليمان تغني ربها***عن غرار السيف أو سن القناة‬
‫ومن اليمان أمن وارف***ومن التقوى حصون للتقاة‬
‫يسير الصاحبان حتى إذا كانا في طريق الساحل لحق بهما سراقة بن مالك‬
‫طامعا في جائزة قريش مؤمل أن ينال منهما ما عجزت عنه قريش كلها‪،‬‬
‫فطفق يشتد حتى دنا منهما وسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ومرة ثالثة‪ ،‬وهذا الفارس على وشك أن يقبض عليهما ليقودهما أسيرين إلى‬
‫قريش تذيقهما النكال‪ ،‬مرة ثالثة يصنع المل‪ ،‬ول يلتفت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إلى سراقة ول يبالي به وكأن شيئا لم يكن يقول له أبو بكر‪:‬‬
‫ن‬
‫ن إِ ّ‬ ‫يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا‪ ،‬فيقول له مقالته الولى‪} :‬ل َ ت َ ْ‬
‫حَز ْ‬
‫معََنا{ )التوبة‪.(40:‬‬
‫ه َ‬‫الل َ‬
‫لقد اصطنع المل في الله ونصره فنصره الله وساخت قدما فرس سراقة‪،‬‬
‫فلما استوت قائمة إذا لثر يديها غبار ساطع في السماء كالدخان‪ ،‬فأدرك‬
‫سراقة أنهم ممنوعون منه‪ .‬ومرة ثالثة جاء النصر للرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم من حيث ل يحتسب‪ .‬وعاد سراقة يقول لكل من قابله في طريقه‬
‫ذاك‪ :‬ارجع فقد كفيتكم ماههنا‪ ،‬فكان أول النهار جاهدا عليهما وآخره حارسا‬
‫لهما!‪.‬‬
‫ويبلغ أهل المدينة خبر هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬الرجل الذي‬
‫قدم لهم الحياة وصنع لهم المل‪ .‬الرجل الذي أنقذهم من أن يكونوا حطبا‬
‫لجهنم‪ .‬يبلغهم الخبر فيخرجون كل غداة لستقباله حتى تردهم الظهيرة‪ .‬كيف‬
‫ل وقد اقتربت اللحظة التي كانوا يحصون لها اليام ويعدون الساعات؟ قال‬
‫الزبير‪ :‬فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظاره فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل‬
‫من يهود أطما من آطامهم لينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب‪ ،‬فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى‬
‫صوته‪ :‬يا معشر العرب هذا صاحبكم الذي تنتظرون‪.‬‬
‫فثار المسلمون إلى السلح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظاهر‬
‫الحرة‪ .‬تلقوه بقلوب تفيض سعادة وفرحا‪ ...‬وتأمل مظاهر الفرحة الغامرة‪:‬‬
‫‪ -‬قال أنس‪" :‬شهدت يوم دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فلم أر‬
‫يوما أحسن منه ول أضوأ منه" )الحاكم(‪.‬‬
‫‪ -‬قال أبو بكر‪" :‬ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة‬
‫وخرج الناس حتى دخلنا في الطريق وصاح النساء والخدام والغلمان‪ :‬جاء‬
‫رسول الله‪ ،‬الله أكبر‪ ،‬جاء محمد‪ ،‬جاء رسول الله" )الحاكم(‪.‬‬
‫‪ -‬قال أنس‪" :‬لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحبشة لقدومه فرحا بذلك لعبوا بحرابهم" )أبو داود(‪.‬‬


‫وصدق من قال‪:‬‬
‫أقبل فتلك ديار يثرب تقبل يكفيك من أشواقها ما تحمل‬
‫القوم مذ فارقت مكة أعين* تأبى الكرى وجوانح تتململ‬
‫يتطلعون إلى الفجاج وقولهم* أفما يطالعنا النبي المرسل‬
‫رفت نضارتها وطاب أريجها* وتدفقت أنفاسها تتسلسل‬
‫فكأنما في كل دار روضة * وكأنما في كل مغنى بلبل‬
‫وهكذا تعلمنا الهجرة في كل فصل من فصولها كيف نصنع المل‪ ،‬ونترقب‬
‫ولدة النور من رحم الظلمة‪ ،‬وخروج الخير من قلب الشر‪ ،‬وانبثاق الفرج من‬
‫كبد الزمات‪.‬‬
‫ما أحوجنا في هذا الزمن!‬
‫ما أحوجنا ونحن في هذا الزمن‪ ،‬زمن الهزائم والنكسارات والجراحات إلى‬
‫تعلم فن صناعة المل‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فمن يدري؟ ربما كانت هذه المصائب بابا إلى خير مجهول‪ ،‬ورب محنة في‬
‫م؟{‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬
‫شي ًْئا وَهُوَ َ‬
‫هوا َ‬‫سى َأن ت َك َْر ُ‬ ‫طيها منحة‪ ،‬أوليس قد قال الله‪} :‬وَعَ َ‬
‫)البقرة‪.(216:‬‬
‫لقد ضاقت مكة برسول الله ومكرت به فجعل نصره وتمكينه في المدينة‪.‬‬
‫وأوجفت قبائل العرب على أبي بكر مرتدة‪ ،‬وظن الظانون أن السلم زائل ل‬
‫محالة‪ ،‬فإذا به يمتد من بعد ليعم أرجاء الرض‪.‬‬
‫وهاجت الفتن في المة بعد عثمان حتى قيل ل قرار لها ثم عادت المياه إلى‬
‫مجراها‪.‬‬
‫وأطبق التتار على أمة السلم حتى أبادوا حاضرتها بغداد سرة الدنيا وقتلوا‬
‫في بغداد وحدها مليوني مسلم وقيل‪ :‬ذهبت ريح السلم فكسر الله أعداءه‬
‫في عين جالوت وعاد للمة مجدها‪.‬‬
‫وتمال الصليبيون وجيشوا جيوشهم وخاضت خيولهم في دماء المسلمين إلى‬
‫ركبها حتى إذا استيئس ضعيف اليمان نهض صلح الدين فرجحت الكفة‬
‫الطائشة وطاشت الراجحة‪ ،‬وابتسم بيت المقدس من جديد‪.‬‬
‫وقويت شوكة الرافضة حتى سيطر البويهيون على بغداد والفاطميون على‬
‫مصر وكتبت مسبة الصحابة على المحاريب ثم انقشعت الغمة واستطلق‬
‫وجه السنة ضاحكا‪.‬‬
‫وهكذا يعقب الفرج الشدة‪ ،‬ويتبع الهزيمة النصر‪ ،‬ويؤذن الفجر على أذيال ليل‬
‫مهزوم‪ ...‬فلم اليأس والقنوط؟‪.‬‬
‫اشتدي أزمة تنفرجي***قد آذن ليلك بالبلج‬
‫َ‬
‫من ّروِْح‬ ‫سوا ِ‬ ‫إن اليأس والقنوط ليسا من خلق المسلم‪ ،‬قال سبحانه‪} :‬وَل َ ت َي ْأ ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫من ّروِْح اللهِ إ ِل ّ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن{ )يوسف‪.(87:‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ه ل َ ي َي ْأ ُ‬
‫س ِ‬ ‫اللهِ إ ِن ّ ُ‬
‫قال ابن مسعود رضي الله عنه‪" :‬أكبر الكبائر الشراك بالله والمن من مكر‬
‫الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله"‪.‬‬
‫إذا اشتملت على اليأس القلوب***وضاق لما به الصدر الرحيب‬
‫ولم تر لنكشاف الضر وجها***ول أغنى بحيلته الريب‬
‫أتاك على قنوط منك غوث***يمن به اللطيف المستجيب‬
‫وكل الحادثات وإن تناهت***فموصول بها الفرج القريب‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما هذا‬‫فيا أيها الغيورون على أمة السلم‪ ..‬يا من احترقت قلوبهم للمها‪ ،‬نع ّ‬
‫اللم وما أصدقه على إيمانكم وحبكم لدينكم‪ ،‬ولكن ل يبلغن بكم اليأس‬
‫مبلغه‪ ،‬فإن الذي أهلك فرعون وعادا وثمود وأصحاب اليكة والذي رد التتار‬
‫ودحر الصليبين قادر على أن يمزق شمل الروس ويبدد غطرسة الصهيونية‬
‫ويحطم أصنام الوثنية المعاصرة‪.‬‬
‫وأنت‪ ..‬يا من ابتلك الله في رزقك أو صحتك أو ولدك‪.‬‬
‫أنت‪ ..‬يا من جهدك الفقر وانتهكتك العلل وأخذ الموت أحبابك وعدت في‬
‫أعين الناس كالدرهم الزائف ل يقبله أحد‪.‬‬
‫أنت‪ ..‬يا من أصبحت في مزاولة الدنيا كعاصر الحجر يريد أن يشرب منه‪ ،‬ويا‬
‫من سدت في وجهك منافذ الرزق وأبواب الحلل‪.‬‬
‫أنت‪ ..‬هل نسيت رحمة الله وفضله؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الهدي العلمي النبوي في إصلح المة‬


‫بقلم الدكتور نظمي خليل أبوالعطا‬
‫حدثناكم في مقال سابق عن الهدي العلمي النبوي في العلم والعلماء‪،‬‬
‫وعلمنا أن السلم دين العلم‪ ,‬وأن أسلفنا فقهوا ذلك‪ ,‬فكانوا أساتذة العالم‬
‫وقادته في أيامهم وملت مؤلفاتهم مكتبات الدنيا ومصادر تعلمها فكتبوا في‬
‫الطب والنبات والحيوان والكيمياء والفيزياء والفلك والدب والفلسفة‬
‫والمنطق والتاريخ والجغرافيا وعلم النفس والتربية والرياضيات وغيرها من‬
‫العلوم والفنون‪ ،‬وكان الواحد منهم موسوعة تسير على قدمين‪ ،‬فهذا أبو‬
‫حاتم السجستاني من مؤلفاته‪ :‬كتاب الطير وكتاب النخل‪ ,‬وكتاب النبات‪,‬‬
‫وكتاب السيوف والرماح‪ ,‬وكتاب الدروع والترس وكتب المذكر والمؤنث‪,‬‬
‫والمقصور والممدود‪ ,‬وكتاب الفصاحة وغيرها من الكتب التي تزيد على‬
‫عشرين كتابا‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ومن مؤلفات الحسن بن الهيثم كتاب المناظر المطبوع في اكثر من ‪780‬‬
‫صفحة وله مقالت في ضوء القمر ورؤية الكواكب والظلل والكسوف‪.‬‬
‫وللدميري كتاب حياة الحيوان الكبرى‪ ,‬المطبوع في مجلدين ضخمين كتبه‬
‫عندما اختلف بعض الطلب في نوع الحيوان والكتاب موسوعة في وصف‬
‫الحيوان وفؤائده وسلوكه‪.‬‬
‫وللجاحظ كتاب الحيوان ولبن البيطار كتاب الجامع لمفردات الدوية‬
‫والعقاقير ولبن سينا كتاب الطب‪ ,‬وللدينوري كتاب النبات‪ ,‬وللغزالي كتاب‬
‫إحياء علوم الدين ولبن القيم كتب‪ :‬زاد المعاد‪ ,‬والروح‪ ,‬والصارم‪ ,‬المسلول‬
‫ومئات من الكتب المتداولة بين أيدينا ولبن تيمية موسوعات وللبخاري‬
‫صحيحه ولمسلم صحيحه والموطأ لمالك ولو عددنا علماء المسلمين‬
‫ومخطوطاتهم ما انتهينا من ذكر أسماء تلك المؤلفات‪.‬‬
‫فما السبب أخي المسلم أننا تخلينا عن مجدنا وكرامتنا وعلمنا ورضينا أن‬
‫نكون مع الخوالف وفي مؤخرة ركب البشرية وأين الخلل في تربيتنا العلمية‬
‫وأين الخلل في طرائق تعليمنا وتعلمنا ؟!‪.‬‬
‫في رأيي أن هناك العديد من السباب اذكر منها هنا بعضها على سبيل المثال‬
‫ل الحصر على أن أعود إلى الموضوع مرات عدة لنه يحتاج إلى مزيد من‬
‫الدراسة والبحث‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أول‪ :‬بعدنا عن الهدي العلمي النبوي في تقدير العلم والعلماء فعن أبى‬
‫موسى رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪):‬مثل ما بعثني‬
‫الله من الهدي والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة قبلت الماء‬
‫فانبتت الكل والعشب الكثير‪ ،‬وكان أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس‬
‫فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان ل‬
‫تمسك ماء ولنتبت كل فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله‬
‫به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت‬
‫به( متفق عليه‪.‬‬
‫ويستفاد من هذا الحديث في مقامنا هذا أن معظمنا كالقيعان التي ل تمسك‬
‫ماء ول تنبت كل‪ ,‬لننا لم نرفع العلم النافع رأسا‪ ,‬ولم نقبل هدى الله الذي‬
‫أتى به المصطفى صلى الله عليه وسلم وحرصنا على ما ل ينفعنا وآثرنا الدنيا‬
‫والعمل السريع لها عن العلم والتعب في تحصيله وتطبيقه‪.‬‬
‫قال‪ :‬الرياء في العمال والبعد عن الورع والتقوى وعمل العمال العظيمة‬
‫من اجل الناس‪ ,‬وقد نهى المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم عن ذلك‬
‫حين قال‪ :‬إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به‬
‫فعرفه نعمته فعرفها قال‪ :‬فما عملت فيها؟ قال‪ :‬قاتلت فيك حتى‬
‫استشهدت‪ ،‬قال‪ :‬كذبت‪ ،‬ولكنك قاتلت لن يقال جرئ فقد قيل‪ ,‬ثم أمر به‬
‫فسحب على وجهه حتى القي في النار‪ ,‬ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ‬
‫القرآن فأتى به‪ ،‬فعرفه نعمة فعرفها‪ ،‬فقال‪ :‬فما عملت فيها قال‪ :‬تعلمت‬
‫العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن‪ ،‬قال‪ :‬كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم‬
‫وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى‬
‫ألقي في النار‪ .‬جزء من حديث أخرجه مسلم‪ .‬فمعظم المسلمين الن‬
‫يتعلمون ليقال للواحد منهم متعلم‪ ,‬ويحمل الشهادات العليا ليقال أستاذ‬
‫متعلم‪ ,‬وقد يسلك البعض مسالك غير مشروعة للحصول على الدرجة‬
‫العلمية الكبرى‪ ,‬وأصبحت الدنيا مبلغ علمنا ومنتهى قصدنا‪ ,‬فلم يعد علماؤنا‬
‫علماء‪ ,‬ول أساتذتنا أساتذة‪ ,‬ول كتابنا كتابا‪ ,‬إل من رحم ربك‪ ,‬وتحولت‬
‫جامعاتنا إلى مراكز لمنح الرخص المسماة بالشهادات وتحولت مراكز بحوثنا‬
‫إلى أماكن للبحث العلمي من أجل الحصول على الرخصة العلمية وضاعت‬
‫أموال المسلمين وأوقاتهم وأعمارهم‪ ,‬ثم وضعت البحوث على الرفف في‬
‫المكتبات ومصادر التعلم‪ ,‬أما التطبيق والعمل فهذا ليس من مقصدنا من‬
‫التعليم والتعلم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الستغراق في المصطلحات والتفسيرات النظرية والبعد عن العمل‬
‫الجاد والمثمر والمنتج‪ ,‬حيث تحولت دراساتنا إلى تفسيرات‪ ,‬وبحوثنا إلى‬
‫استنيانات واجتماعاتنا إلى تفلسف ومحاضر للجلسات‪ ,‬ومؤتمراتنا وندواتنا‬
‫العلمية لستعراض العضلت اللسانية في الكلم الذي ل يطيق منه شئ وهذا‬
‫مناف لعقيدتنا قال تعالى‪":‬يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون‪ .‬كبر‬
‫مقتنا عند الله أن تقولوا ما ل تفعلون" الصف ‪.2‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫رابعًا‪ :‬الوهن الذي أصاب المسلمين‪ ,‬فقد خاف علينا المصطفى صلى الله‬
‫ن قال‪) :‬حب الدنيا وكراهية الموت(‬
‫عليه وسلم الوهن‪ ,‬وعندما سئل عن الوَهَ ْ‬
‫حيث أصبحت الدنيا مبلغ علمنا‪ ,‬وكرهنا الموت في سبيل الله‪ ,‬وأصبحنا نبحث‬
‫عن مدرات الدنانير‪ ,‬وبعدنا عن مصلحات العباد‪ ,‬وأصبح حب الدنيا والموال‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والزواج والتجارة أحب إلينا من الله ورسوله قال تعالى " قل عن كان آباؤكم‬
‫وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون‬
‫كسادها ومساكن ترضونها احب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله‬
‫فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله ل يهدي القوم الفاسقين" سورة التوبة‬
‫آية ‪.24‬‬
‫فعليك أخي المسلم أن تضع الية السابقة في ورقة وترى هل البناء والزواج‬
‫والموال والتجارة والمساكن أحب إليك من الله ورسوله وجهاد في سبيله‪,‬‬
‫أم الله ورسوله والجهاد في سبيله أحب إلى نفسك من كل ما سبق؟ وهنا‬
‫منسي والملهي‬ ‫نقول لك ليحرم عليك هذه الشياء ولكن حبها المطغي وال ُ‬
‫والصارف عن رسالتك في الحياة هو الممنوع‪.‬‬
‫وهنا ستعرف نفسك بالضبط ومع أي فريق أنت‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬فقدنا الثقة في أنفسنا‪ ,‬وأصبحنا في جهل لقدراتنا وديننا وتراثنا‬
‫فطلبنا المشورة من بيوت خبرة غير المسلمين‪ ,‬وأصبحت مناهجنا ل تؤكد‬
‫عن ذاتنا وعقيدتنا‪ ,‬فتخرجت أجيالنا مقطوعة الصلة بأمجادنا‪ ,‬ومن كان‬
‫مخلصا ً لدينه وعقيدته عاش في الماضي يمجد فيه‪ ,‬ول يعيش في الحاضر‪,‬‬
‫وينسى العمل للمستقبل فلم يستمتع بالحاضر ونعم الله عليه فيه‪ ,‬ولم‬
‫يخطط للمستقبل‪ ,‬فكانت النتيجة كما نعلم جميعا‪ ,‬حتى لغتنا العربية لم نعد‬
‫نقدر على التحدث بها‪ ,‬وأصبح الجنبي الذي يتكلم غير العربية خبيرا حتى ولو‬
‫كان ل يحمل إل الشهادة البتدائية‪ ,‬وبنظرة إلى رواتب العرب والمسلمين‬
‫ورواتب الجانب من غير العرب والمسلمين الذين يعملون في بعض ديار‬
‫المسلمين نعلم ذلك علم اليقين‪.‬‬
‫أخي المسلم أختي المسلمة‪:‬‬
‫قد تكون الكلمات قاسية والنظرة سوداوية والكلمات تقطر حزنا وسوادا‪,‬‬
‫ولكن في الحقيقة نحن أمة رسبت في قاع التاريخ حاليا ونغوص الن في‬
‫الطين وهذا ليس كلمي ولكم من نتائج دراسات العديد من الباحثين والكتاب‬
‫والمفكرين المخلصين‪ ,‬فمع أن الله سبحانه وتعالى ميزنا وجعلنا أمة وسطا‬
‫وجعلنا خير أمة أخرجت للناس‪ ,‬فهل ترضى أخي المسلم أن نكون هكذا عالة‬
‫على غير المسلمين وتوابع لغير المسلمين نأكل من مزارعهم ونلبس من‬
‫مصانعهم ونحارب أنفسنا بأسلحتهم‪ ,‬وضاع المسلمون في أسبانيا‪,‬‬
‫والصومال‪ ,‬والشيشان‪ ,‬والبوسنة‪ ,‬والهرسك‪ ,‬وفلسطين والجزائر وإريتريا‪,‬‬
‫والعراق‪ ,‬والهند وفي ديار كثيرة ل نجرؤ على ذكرها وإل وضعنا في مصاف‬
‫غير العقلء والمارقين‪.‬‬
‫أخي المسلم‪:‬‬
‫هذه دعوة لكل مسلم أن يتقي الله ربه‪ ,‬وان يتبع هدى نبيه محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم في تحصيل العلم النافع والعمل به‪ ,‬وتقدير العلم والعلماء‪ ,‬وأن‬
‫نبتعد بأعمالنا عن الرياء ونجعلها خالصة لوجهه الكريم‪ ,‬ونبتعد عن الجدل‬
‫والمناقشات العقيمة وأن نتق الله في أقوالنا وأفعالنا‪ ,‬وأن نبتعد عن الوهن‬
‫ونثق في قدراتنا ونصر الله لنا لنعيد لمتنا مجدها ولديننا انتشاره وسماحته‬
‫ووسطيته التي حجبت تحت ستار كثيف من سلوكياتنا غير السلمية وأن نعود‬
‫إلى هداية الدنيا برحمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وقد بدأت تباشير‬
‫النصر تظهر وبدأ جبل صناع الحياة في صنع الحياة فهيا بنا جميعا ً نعمل وننتج‬
‫لنخرج أمتنا إلى مكانتها التي وضعها الله منها أمة مؤمنه‪ ,‬عاملة‪ ,‬متعلمة‪,‬‬
‫منتجة‪ ,‬تقود العالم بأخلق القرآن‪ ,‬وتعمر الكون بنواميس الله في الخلق‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبطاعة صاحب الخلق والمر والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬


‫المصدر‪ :‬موسوعة العجاز العلمي في القرآن والسنة‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الهدي النبوي في تربية البناء‬


‫دمة إلى ندوة ‪ :‬أطفالنا في الغرب التي عقدت في دبلن يوم‬ ‫) ورقة مق ّ‬
‫السبت ‪9/3/2002‬م(‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬و الصلة و السلم على نبيه المين ‪ ،‬و آله و صحبه‬
‫أجمعين ‪ ،‬و بعد ‪..‬‬
‫ن‬
‫ذرنا من الفتتان بها فقال ‪ ) :‬إ ّ‬ ‫فإن الله تعالى امتن علينا بنعمة الذّرية ‪ ،‬و ح ّ‬
‫جز أهلينا عن النار فقال ‪:‬‬ ‫ح َ‬ ‫من أموالكم و أولدكم فتنة ( ‪ ،‬و انتدبنا لنأخذ ب ُ‬
‫) قوا أنفسكم و أهليكم نارا ً ( ‪ ،‬و ذلك من حقّ أهلينا علينا ‪ ،‬و تمام رعايتنا‬
‫لهم ‪ ،‬و كلنا راع و مسؤول عن رعيته كما في الحديث ‪.‬‬
‫و لداء أمانة الرعاية ل بد ّ للبوين من الحرص و العمل على تعليم البناء و‬
‫تربيتهم ‪ ،‬و ل يفوتنهما أنهما محاسبان على التهاون و التقصير في ذلك ‪.‬‬
‫ن‬
‫ب عَ ْ‬ ‫شعَي ْ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫رو ب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فقد روى الترمذي و أحمد و غيرهما بإسناد صحيح عَ ْ‬
‫َ‬ ‫أ َبيه عَن جده أ َن ا َ َ‬
‫ة لَها‬ ‫معََها اب ْن َ ٌ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫مَرأة ً أت َ ْ‬ ‫ْ َ ّ ِ ّ ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫ذا « ‪.‬‬ ‫كاة َ هَ َ‬ ‫ن َز َ‬ ‫طي‬ ‫ع‬ ‫ت‬‫ل ل َها » أ َ‬ ‫َ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫تا‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫لي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫تا‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ها‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ب‬‫ا‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫فى‬
‫ُْ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ََِْ َ َ َ ِ ِ َ ِ ِ ْ َ ٍ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َنارٍ « ‪.‬‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫واَري ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ما ي َوْ َ‬ ‫ه ب ِهِ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سوَّر ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫سّر ِ‬‫ل » أي َ ُ‬ ‫ت ل َ ‪َ .‬قا َ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ما ل ِل ّهِ عَّز‬ ‫َ‬
‫ت هُ َ‬ ‫ى صلى الله عليه وسلم وََقال َ ْ‬ ‫قت ْهُ َ َ‬
‫ما إ ِلى الن ّب ِ ّ‬ ‫ما فَأل ْ َ‬ ‫خل َعَت ْهُ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫سول ِهِ ‪.‬‬ ‫ل وَل َِر ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫وَ َ‬
‫و الشاهد هنا أّنه رتب العقوبة على الم و ليس على البنت التي لبست‬
‫المسكتين في يدها ‪ ،‬و لعل هذا لقرارها على المنكر أو تسببها فيه ‪.‬‬
‫و التربية السليمة تبدأ منذ نعومة الظفار ‪ ،‬قال المام الغّزالي رحمه الله في‬
‫خُلقه ‪ ،‬فإّنه‬ ‫ما يحتاج إليه الطفل أشد الحتياج العتناء بأمر ُ‬ ‫) الحياء ( ‪ ) :‬م ّ‬
‫عجلةٍ و‬ ‫حَرد ٍ و غضب ة ِلجاٍج و َ‬ ‫وده المربي في صغره من َ‬ ‫ينشأ على ما ع ّ‬
‫كبره تلفي ذلك و‬ ‫دة و جشع ‪ ،‬فيصعب عليه في ِ‬ ‫شوح ّ‬ ‫فةٍ و هوىًَ و طي ٍ‬ ‫خ ّ‬
‫تصير هذه الخلق صفات و هيئات راسخةٍ له ‪ ،‬فإن لم يتحّرز منها غاية‬
‫ة أخلقهم ‪ ،‬و‬ ‫التحّرز فضحته لبد ّ يوما ً ما ‪ ،‬و لذلك نجد أكثر الناس منحرف ً‬
‫ذلك من قَِبل التربية التي نشأ عليها ( ‪.‬‬
‫و قال الشاعر ‪:‬‬
‫وده أبوه‬ ‫و ينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان ع ّ‬
‫و قد قيل ‪ :‬العلم في الصغر كالنقش في الحجر ‪ ،‬و العلم في الكبر كالغرز‬
‫بالبر‬
‫ّ‬
‫دث و ل حرج عن هدي النبي صلى الله عليه و سلم في التربية ‪ ،‬لتر‬ ‫وح ّ‬
‫ة متكاملة المناهج ‪ ،‬راسخة الصول ‪ ،‬يانعة الثمار ‪ ،‬وافرة الظلل في‬ ‫مدرس ً‬
‫ً‬
‫التربية و التنشئة الصالحة ‪ ،‬حيث اعتنى بهم بنفسه ‪ ،‬و أوصى بهم خيرا في‬
‫العناية و الرعاية ‪.‬‬
‫و من عنايته صلى الله عليه و سلم بتعليم الطفال دعاؤه بالعلم النافع‬
‫لبعضهم كما في مسند أحمد و مستدرك الحاكم بإسناد صححه و وافقه‬
‫ضعَ ي َد َهُ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫س قال ‪ :‬إ َ ّ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ َ ِ‬ ‫الذهبي عَ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م قا َ‬‫َ‬ ‫سِعيد ٌ ‪ -‬ث ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫من ْك ِِبى َ‬ ‫َ‬ ‫عََلى ك َت ِ ِ‬
‫دي ِ‬ ‫ه ِفى ال ّ‬ ‫قهْ ُ‬ ‫مف ّ‬ ‫ل » اللهُ ّ‬ ‫شك َ‬ ‫فى ‪ -‬أوْ عَلى َ‬
‫ْ‬
‫ل«‪.‬‬ ‫ه الت ّأِوي َ‬ ‫م ُ‬ ‫وَعَل ّ ْ‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ‪:‬‬


‫تشجيعه على طلب العلم ‪ ،‬و إفساح المجال أمامه لمخالطة من يكبرونه سن ّا ً‬
‫في مجالس العلم ‪:‬‬
‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫ََْ َ ْ ُ ِ ْ َ‬‫ح‬ ‫ن‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫‪-‬‬ ‫عنهما‬ ‫الله‬ ‫رضى‬ ‫‪-‬‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫ِ ْ ِ ُ َ َ‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن َْ ِ‬
‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫روى الشيخان عَ ْ‬
‫خل َةٍ فَ َ‬ ‫ُ‬
‫ى صلى الله‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫مارِ ن َ ْ‬ ‫ج ّ‬‫ى بِ ُ‬‫س إ ِذ ْ أت ِ َ‬ ‫جُلو ٌ‬ ‫ى صلى الله عليه وسلم ُ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬
‫ه ي َعِْنى‬ ‫ت أن ّ ُ‬ ‫سل ِم ِ « ‪ .‬فَظ َن َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ك َب ََرك َةِ ال ْ ُ‬ ‫ما ب ََرك َت ُ ُ‬ ‫جرِ ل َ َ‬
‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عليه وسلم » إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شُر‬‫عا ِ‬ ‫ت فَإ َِذا أَنا َ‬ ‫ف ّ‬ ‫م الت َ َ‬ ‫ل اللهِ ‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ة َيا َر ُ‬ ‫خل ُ‬ ‫ى الن ّ ْ‬ ‫ل هِ َ‬ ‫ن أُقو َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ة ‪ ،‬فَأَرد ْ ُ‬‫خل َ َ‬
‫الن ّ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة«‬ ‫خل ُ‬ ‫ى الن ّ ْ‬ ‫ى صلى الله عليه وسلم » هِ َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ت ‪ ،‬فَ َ‬ ‫سك َ ّ‬ ‫م فَ َ‬ ‫حد َث ُهُ ْ‬‫شَرةٍ أَنا أ ْ‬ ‫عَ َ‬
‫‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مُر‬ ‫ن عُ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫س ‪ -‬رضى الله عنهما ‪َ -‬قا َ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫البخاري و غيره عَ ِ‬ ‫و روى‬
‫َ‬
‫م‬
‫م – قيل إّنه عبد الرحمن بن عوف ‪ : -‬ل ِ َ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫شَياِخ ب َد ْرٍ ‪ ،‬فَ َ‬ ‫مع َ أ ْ‬ ‫خل ُِنى َ‬ ‫ي ُد ْ ِ‬
‫ل فَد َ َ‬ ‫م ‪َ .‬قا َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫عاهُ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ن قَد ْ عَل ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫مث ْل ُ‬ ‫معََنا ‪ ،‬وَلَنا أب َْناٌء ِ‬ ‫فَتى َ‬ ‫ذا ال َ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ت ُد ْ ِ‬
‫ما‬
‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫مّنى ف َ‬ ‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫مئ ِذ ٍ إ ِل ل ِي ُرِي َهُ ْ‬ ‫عاِنى ي َوْ َ‬ ‫ه دَ َ‬ ‫ما ُرِئيت ُ ُ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫م قا َ‬‫َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫عاِنى َ‬ ‫ت ي َوْم ٍ ‪ ،‬وَد َ َ‬ ‫َذا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫خت َ َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ن( َ‬ ‫خلو َ‬ ‫س ي َد ْ ُ‬ ‫ت الّنا َ‬ ‫ح * وََرأي ْ َ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫صُر اللهِ َوال َ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬ ‫ن ) إ َِذا َ‬ ‫قولو َ‬ ‫تَ ُ‬
‫َ‬
‫ح عَلي َْنا ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صْرَنا وَفت ِ َ‬ ‫فَرهُ ‪ ،‬إ ِذا ن ُ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫مد َ الل َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫مْرَنا أ ْ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫قال ب َعْ ُ‬ ‫سوَرة َ ‪ ،‬ف َ‬ ‫ال ّ‬
‫ذا َ‬
‫ك‬ ‫س أ َك َ َ‬ ‫ِ َ ْ َ َّ ٍ‬ ‫با‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ب‬‫ا‬ ‫يا‬ ‫لى‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫يئ‬
‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫م‬ ‫َْ ُ ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ي‬
‫ْ ْ َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫رى‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬‫وََقا َ ْ ُ ُ ْ‬
‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫َ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫َ‬
‫سو ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ت هُوَ أ َ‬ ‫ل قُل ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ت ل َ ‪َ .‬قا َ‬ ‫ل قُل ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫َ‬ ‫صُر الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫جل ِ َ‬ ‫ةأ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك عَل َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ة ‪ ،‬فَ َ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ح ( فَت ْ ُ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬ ‫ه ) إ َِذا َ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫أعْل َ َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫من َْها إ ِل ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أعْل َ ُ‬ ‫مُر َ‬ ‫وابا ً ( َقال عُ َ‬ ‫ن تَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫فْرهُ إ ِن ّ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫مد ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫) فَ َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫دم‬ ‫و في حضور الناشئ مجالس من يكبرونه سنا ً و قدرا ً تكريم له ينبغي أل يع ِ‬
‫التأّدب و التخّلق فيه ‪ ،‬و من أدبه في مجلسهم أن ل ُيطاولهم أو يتعالم‬
‫دمهم بحديث أو كلم ‪.‬‬ ‫بينهم ‪ ،‬أو يتق ّ‬
‫ت‬ ‫ُ‬
‫قد ْ ك ن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ب رضي الله عنه قال ‪ :‬ل َ‬ ‫جن ْد ُ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫مَرة ُ ب ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫روى مسلم في صحيحه أن َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ه فَ َ‬ ‫فظ عَن ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم غلما فَكن ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫عََلى عَهْد ِ َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مّنى ‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫س ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫جال ً هُ ْ‬ ‫ها هَُنا رِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إ ِل ّ أ ّ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫من َعُِنى ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫و في هذا المعنى يرد قول الحسن البصري في وصّيته لبنه رحمهما الله ‪:‬‬
‫) يا بني ! إذا جالست العلماء فكن على السمع أحرص منك على أن تقول ‪،‬‬
‫و تعّلم حسن الستماع كما تتعّلم حسن الكلم ( ‪.‬‬
‫ب رفيعٌ في حق الكبار و الصغار جميعا ً ‪،‬‬ ‫ن حسن الصغاء و الستماع أد ٌ‬ ‫مع أ ّ‬
‫دث حالب ‪ ،‬و المستمع شارب ‪ ،‬فإذا كفيت‬ ‫و قد أحسن من قال ‪ :‬المتح ّ‬
‫مؤونة الولى فأحسن النتهال منها ‪.‬‬
‫و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ‪:‬‬
‫تهيئته لما ينبغي أن يكون عليه ‪ ،‬أو يصير عليه في كبره كالقيادة و الريادة و‬
‫المامة ‪ ،‬و كفى دليل ً على ذلك تأمير رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫أسامة بن زيد ذي السبعة عشر ربيعا ً على جيش يغزو الروم في بلد الشام ‪،‬‬
‫و فيه كبار الصحابة كأبي بكر و عمر رضي الله عنهم أجمعين ‪ ،‬و بعثه معاذ‬
‫بن جبل رضي الله عنه أميرا ً على اليمن و هو في التاسعة عشرة من العمر ‪.‬‬
‫و من هذا القبيل ما يدل عليه ما رواه البخاريّ في صحيحه عن عمرو بن‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫كانت وقْع ُ َ‬
‫ل قَوْم ٍ‬ ‫فت ِْح َباد ََر ك ُ ّ‬ ‫ة أهْ ِ‬ ‫ما َ َ ْ َ َ‬ ‫سلمة رضي الله عنه أنه قال ‪ :‬ل َ ّ‬
‫َ‬
‫عن ْدِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َوالل ّهِ ِ‬ ‫جئ ْت ُك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ما قَدِ َ‬ ‫م ‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫سل َ ِ‬ ‫مى ب ِإ ِ ْ‬ ‫م ‪ ،‬وَب َد ََر أِبى قَوْ ِ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫سل َ ِ‬ ‫ب ِإ ِ ْ‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صّلوا‬ ‫ذا ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫حي ِ‬ ‫ذا ِفى ِ‬ ‫صل َة َ ك َ َ‬ ‫صّلوا َ‬ ‫ل» َ‬ ‫قا َ‬ ‫قا فَ َ‬ ‫ح ّ‬‫ى صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كَ َ‬
‫م‬‫م أكثُرك ْ‬ ‫مك ْ‬ ‫م ‪ ،‬وَلي َؤُ ّ‬ ‫حد ُك ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫صلة ُ ‪ ،‬فلي ُؤَذ ّ ْ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ضَر ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا ‪ ،‬فإ َِذا َ‬ ‫نك َ‬ ‫حي ِ‬
‫ذا ِفى ِ‬
‫َ‬
‫ت أت َل َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪،‬‬ ‫ن الّرك َْبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قى ِ‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫مّنى ‪ ،‬ل ِ َ‬ ‫حد ٌ أك ْث ََر قُْرآنا ً ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫قُْرآنا ً « ‪ .‬فَن َظ َُروا فَل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قدموِنى بي َ‬
‫ت‬‫ى ب ُْرد َة ٌ ‪ ،‬ك ُن ْ ُ‬ ‫ت عَل ّ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫سِني َ‬ ‫سب ِْع ِ‬ ‫ت أوْ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ‪ ،‬وَأَنا اب ْ ُ‬ ‫ديهِ ْ‬
‫ن أي ْ ِ‬ ‫َْ َ‬ ‫فَ َ ّ ُ‬
‫َ‬
‫حى أل َ ت ُغَ ّ‬ ‫م َ ْ‬ ‫َ‬
‫ت َقارِئ ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫س َ‬ ‫طوا عَّنا ا ْ‬ ‫ن ال َ ّ‬ ‫مَرأة ٌ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫قال َ ِ‬ ‫ت عَّنى ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ص ْ‬‫قل ّ َ‬ ‫ت تَ َ‬‫جد ْ ُ‬‫س َ‬ ‫إ َِذا َ‬
‫ص‪.‬‬ ‫مي ِ‬ ‫ق ِ‬‫ك ال ْ َ‬ ‫حى ب ِذ َل ِ َ‬ ‫ىٍء فََر ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما فَرِ ْ‬ ‫ميصا ً ‪ ،‬فَ َ‬ ‫قط َُعوا ِلى قَ ِ‬ ‫شت ََرْوا فَ َ‬
‫‪َ .‬فا ْ‬
‫ً‬
‫فانظروا رحمكم الله كيف حفظ من أفواه الركبان قسطا من كتاب الله فاق‬
‫ما حفظه بنو قومه رغم تلقيهم عن خير الخلق صلى الله عليه و سّلم ‪ ،‬و‬
‫در لمامة قومه في الصلة رغم حداثة سّنه إلى حد ّ ل‬ ‫الغرب من ذلك أّنه تص ّ‬
‫ُيعاب عليه فيه انحسار ثوبه عن سوأته ‪.‬‬
‫و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫المداعبة و التعليم بطريق اللعب ‪ ،‬و هو من الوسائل التي تعتبرها المدارس‬


‫الغربية في التربية اليوم من أنجع الوسائل و أهمها و أقربها إلى نفس الطفل‬
‫و أنفعها له ‪ ،‬رغم أن الهدي النبوي سبق إلى ذلك و قرره و شرع فيه صاحبه‬
‫صلى الله عليه و سّلم بالفعل ‪ ،‬في مواقف كثيرة من أشهرها ما رواه‬
‫ى صلى الله‬ ‫ل َ‬ ‫س رضي الله عنه َقا َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ن الن ّب ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ٍ‬ ‫الشيخان و غيرهما من حديث أن َ‬
‫ل ل َه أ َبو عُمير ‪َ -‬قا َ َ‬ ‫ن ِلى أ َ ٌ‬ ‫خُلقا ً ‪ ،‬وَ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سب ُ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ ْ ٍ‬ ‫قا ُ ُ ُ‬ ‫خ يُ َ‬ ‫كا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن الّنا‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫عليه وسلم أ ْ‬
‫َ‬
‫ب ب ِهِ ‪،‬‬ ‫ن ي َل ْعَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل الن ّغَي ُْر « ‪ .‬ن ُغٌَر َ‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫مي ْرٍ َ‬ ‫ل » َيا أَبا عُ َ‬ ‫جاَء َقا َ‬ ‫ن إ َِذا َ‬ ‫كا َ‬ ‫م ‪ -‬وَ َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫فَ ِ‬
‫ْ‬
‫ح‪،‬‬ ‫ض ُ‬ ‫س وَي ُن ْ َ‬ ‫ه فَي ُك ْن َ ُ‬ ‫حت َ ُ‬ ‫ذى ت َ ْ‬ ‫ط ال ّ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫مُر ِبال ْب ِ َ‬ ‫صل َة َ وَهُوَ ِفى ب َي ْت َِنا ‪ ،‬فَي َأ ُ‬ ‫ضَر ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫فَُرب ّ َ‬
‫صلى ب َِنا ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ه فَي ُ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ْ‬
‫خل َ‬ ‫م َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م وَن َ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫س عظيم‬ ‫و مداعبته صلى الله عليه و سلم لبي عمير رضي الله عنه در ٌ‬
‫يرسم منهجا ً في تربية الطفال و تعليمهم و آباءهم بأسلوب التشويق و‬
‫التودد لهم ‪ ،‬و لذلك اهتم العلماء بهذا الحديث أّيما اهتمام ‪.‬‬
‫دة فوائد‬ ‫قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ) الفتح ( ‪ ) :‬في هذا الحديث ع ّ‬
‫ص الفقيه الشافعي صاحب‬ ‫جمعها أبو العباس الطبري المعروف بابن القا ّ‬
‫ن بعض الناس‬ ‫ص في أّول كتابه أ ّ‬ ‫التصانيف في جزِء مفرد ‪ ،‬و ذكر ابن القا ّ‬
‫عاب على أهل الحديث أّنهم يروون أشياء ل فائدة فيها ‪ ،‬و مثل ذلك التحديث‬
‫ن في هذا الحديث من وجوه الفقه‬ ‫بحديث أبي عمير هذا ‪ ،‬قال ‪ :‬و ما درى أ ّ‬
‫ة(‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مبسوط‬ ‫ساقها‬ ‫و فنون الدب و الفائدة ستين وجها ً ث ّ‬
‫م‬
‫و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ‪:‬‬
‫الضرب و التأديب بالضوابط الشرعّية في التعليم ‪:‬‬
‫وردت في هذا الباب أحاديث جياد ٌ كثيرة منها ‪:‬‬
‫ل‬‫مَعاذٍ رضي الله عنه َقا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫‪ -‬ما رواه أحمد في مسنده بإسناد حسن عَ ْ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ب ِعَ ْ‬ ‫َ‬
‫شرِ ْ‬
‫ك‬ ‫ل » ل َ تُ ْ‬ ‫ت ‪َ .‬قا َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫شرِ ك َل ِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫صاِنى َر ُ‬ ‫أوْ َ‬
‫ك‬‫ن أ َهْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫كأ ْ‬
‫ك وإن أ َمرا َ َ‬
‫ن َوال ِد َي ْ َ َ ِ ْ َ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ت وَل َ ت َعُ ّ‬ ‫حّرقْ َ‬ ‫ت وَ ُ‬ ‫ن قُت ِل ْ َ‬ ‫شْيئا ً وَإ ِ ْ‬ ‫ِبالل ّهِ َ‬
‫قد ْ‬ ‫مدا ً فَ َ‬ ‫مت َعَ ّ‬ ‫ة ُ‬ ‫مك ُْتوب َ ً‬ ‫صل َة ً َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ت ََر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مدا ً فَإ ِ ّ‬ ‫مت َعَ ّ‬ ‫ة ُ‬ ‫مك ُْتوب َ ً‬ ‫صل َة ً َ‬ ‫ن َ‬ ‫ك وَل َ ت َت ُْرك َ ّ‬ ‫مال ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل َفا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة‬
‫صي َ َ‬‫معْ ِ‬ ‫شةٍ وَإ ِّياك َوال َ‬ ‫ح َ‬ ‫سك ّ‬ ‫ه َرأ ُ‬ ‫مرا فَإ ِن ّ ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫شَرب َ ّ‬ ‫ة اللهِ وَل ت َ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ذِ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫ب َرِئ َ ْ‬
‫ن هَل َكَ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن الّز ْ‬ ‫م َ‬ ‫فَراَر ِ‬ ‫ْ‬
‫ل وَإ ِّياك َوال ِ‬ ‫َ‬ ‫ج ّ‬ ‫خط اللهِ عَّز وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫ح ّ‬ ‫صي َةِ َ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ِبال َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫عَيال ِك ِ‬ ‫فقْ عَلى ِ‬ ‫ت وَأن ْ ِ‬ ‫م َفاث ْب ُ ْ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫ن وَأن ْ َ‬ ‫موَتا ٌ‬ ‫س ُ‬ ‫ب الّنا َ‬ ‫صا َ‬ ‫س وَإ َِذا أ َ‬ ‫الّنا ُ‬
‫م ِفى اللهِ « ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ط َوْل ِ َ‬
‫فهُ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫صاك أَدبا وَأ ِ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ك وَل ت َْرفعْ عَن ْهُ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب َ َ‬
‫ن‬‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫خب ََره ُ عَ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫س أن ّ ُ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫موْلى اب ْ ِ‬ ‫ن ك َُري ْ ٍ‬ ‫‪ -‬و ما رواه الشيخان عَ ْ‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫عند ميمون َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ‪ -‬رضى الله عنها‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ت ِ ْ َ َ ْ ُ َ‬ ‫ه َبا َ‬ ‫س ‪ -‬رضى الله عنهما ‪ -‬أن ّ ُ‬ ‫عَّبا ٍ‬
‫هّ‬
‫سول الل ِ‬ ‫ُ‬ ‫جعَ َر ُ‬ ‫ضط َ‬ ‫َ‬ ‫ساد َةِ ‪َ ،‬وا ْ‬ ‫ض الوِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت عَلى عَْر ِ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫ضط َ‬
‫َ‬
‫ه ‪ -‬قال فا ْ‬ ‫خالت ُ ُ‬ ‫ى َ‬ ‫‪ -‬وَهْ َ‬
‫سول اللهِ صلى الله عليه‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫َ‬
‫ه ِفى طول َِها ‪ ،‬فَنا َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم وَأهْل ُ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ظ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف الل ّي ُ َ‬
‫َ ُ‬ ‫ّ ْ َْ‬ ‫ل أوْ ْ ُ ِ ِ ٍ ْ َ ْ َ ُ ِ ِ ٍ‬
‫لي‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫لي‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ص َ‬ ‫حّتى ان ْت َ َ‬ ‫وسلم َ‬
‫الل ّه صلى الله عليه وسلم فَجل َس ‪ ،‬فَمسح النوم عَن وجهه بيده ‪ ،‬ث ُم قَرأ َ‬
‫ّ َ َ‬ ‫ْ َ ْ ِ ِ َِ ِ ِ‬ ‫َ َ َ ّ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫من َْها ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ض‬
‫ّ ُ َ ٍ َ َ ّ ِ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫َ ِ‬‫م‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬ ‫را‬
‫ْ َ َ‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫آ‬
‫َ َ ُ َ ِ ِ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫سو‬ ‫م‬ ‫تي‬‫ِ‬ ‫وا‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ال ْعَ َ َ ٍ‬
‫ت‬ ‫يا‬ ‫آ‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫ْ‬
‫ّ‬ ‫صلى ‪َ .‬قا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫س ‪ -‬رضى الله عنهما ‪-‬‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ل عَب ْد ُ اللهِ ب ْ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ضوَءه ُ ‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫فَأ ْ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ضعَ َر ُ‬ ‫جن ْب ِهِ ‪ ،‬فَوَ َ‬ ‫ت إ َِلى َ‬ ‫م ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت فَ ُ‬ ‫م ذ َهَب ْ ُ‬ ‫صن َعَ ‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صن َعْ ُ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫فَ ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫فت ِلَها ب ِي َدِ ِ‬ ‫مَنى ي َ ْ‬ ‫خذ َ ب ِأذ ُِنى الي ُ ْ‬ ‫سى ‪ ،‬وَأ َ‬ ‫مَنى عَلى َرأ ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ي َد َهُ الي ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪ ،‬فَ َ ّ‬
‫م‬‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫م َركعَت َي ْ ِ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫م َركعَت َي ْ ِ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫م َركعَت َي ْ ِ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫م َرك ْعَت َي ْ ِ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫صلى َرك ْعَت َ َي ْ ِ‬
‫م فَ َ ّ‬ ‫جاَءهُ ال ْ ُ‬ ‫ضط َ َ‬
‫ن‬ ‫صلى َرك ْعَت َي ْ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ن ‪ ،‬فَ َ‬ ‫مؤَذ ّ ُ‬ ‫حّتى َ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫م أوْت ََر ‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫َرك ْعَت َي ْ ِ‬
‫ح‪.‬‬ ‫صب ْ َ‬ ‫صّلى ال ّ‬ ‫ج فَ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫فت َي ْ ِ‬‫في َ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ‪:‬‬
‫تعويدهم على فعل الخيرات و منه ارتياد المساجد للصلة و التعبد ‪:‬‬
‫روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله ‪ ) :‬حافظوا على أبنائكم‬
‫ن الخير عادة ( ‪.‬‬ ‫ودوهم الخير فإ ّ‬ ‫في الصلة ‪ ،‬و ع ّ‬
‫)‪(3 /‬‬

‫و لهذا القول ما يؤيده في السّنة فقد روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫ةب َ‬
‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن رضي الله عنه عَ ْ‬ ‫فَيا َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن أِبى ُ‬ ‫مَعاوِي َ َ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫فى‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫را‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ج‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫وال‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫عا‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫»‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ًْ ُ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ َ َ َ َ ْ ُ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫أ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬
‫«‪.‬‬
‫و قد ورد في السّنة ما يدل على مشروعية تعويد الصغار على الصيام و صلة‬
‫الجماعة و اصطحابهم للحج صغارا ً و من ذلك ‪:‬‬
‫َ‬
‫ى صلى الله عليه‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ت أْر َ‬ ‫معَوّذٍ َقال َ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ن الّرب َي ِّع ب ِن ْ ِ‬ ‫‪ -‬روى الشيخان عَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مهِ ‪،‬‬ ‫ة ي َوْ ِ‬ ‫قي ّ َ‬‫م بَ ِ‬ ‫طرا فَلي ُت ِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫صب َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صارِ » َ‬ ‫شوَراَء إ ِلى قَُرى الن ْ َ‬ ‫عا ُ‬ ‫داة َ َ‬ ‫وسلم غَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫وم َ‬
‫جعَ ُ‬
‫ل‬ ‫صب َْيان ََنا ‪ ،‬وَن َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صو ّ ُ‬ ‫ه ب َعْد ُ ‪ ،‬وَن ُ َ‬ ‫م ُ‬‫صو ُ‬ ‫ت فَكّنا ن َ ُ‬ ‫م « ‪َ .‬قال ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫صاِئما فَلي َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫حّتى‬ ‫َ‬
‫م عَلى الطَعام ِ أعْطي َْناه ُ َذاك ‪َ ،‬‬ ‫حد ُهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ‪ ،‬فإ َِذا ب َكى أ َ‬ ‫َ‬ ‫ن العِهْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫م اللعْب َ َ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫طارِ ‪ .‬قال ابن حجر ‪ ) :‬في الحديث حجة على مشروعّية‬ ‫عن ْد َ ال ِفْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫تمرين الصبيان على الصيام ( ‪.‬‬
‫ى صلى الله عليه‬ ‫ِّ ّ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫أن‬ ‫عنهما‬ ‫الله‬ ‫رضي‬ ‫س‬
‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫‪ -‬و روى مسلم عَ ِ‬
‫ن‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ؟ « ‪َ .‬قاُلوا ‪ :‬ال ْ ُ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ِ‬ ‫ل» َ‬ ‫قا َ‬ ‫حاِء فَ َ‬ ‫كبا ً ِبالّروْ َ‬ ‫ى َر ْ‬ ‫ق َ‬ ‫وسلم ل َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫قال َ ْ‬ ‫صب ِّيا فَ َ‬ ‫مَرأة ٌ َ‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ ا ْ‬ ‫ل الل ّهِ « ‪ .‬فََرفَعَ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ‪َ » :‬ر ُ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قاُلوا ‪َ :‬‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫أ َل ِهَ َ‬
‫جٌر « ‪.‬‬ ‫كأ ْ‬ ‫م وَل َ ِ‬ ‫ل » ن َعَ ْ‬ ‫ج َقا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ذا َ‬
‫‪ -‬و روى ابن خزيمة في صحيحه و الترمذي و أبو داود بإسناد صحيح عن أنس‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعي إلى طعام‬ ‫بن مالك رضي الله عنه أ ّ‬
‫‪ ،‬فأكل منه ثم قال ‪ :‬قوموا فلنصل بكم ‪ .‬قال أنس ‪ :‬فقمت إلى حصير لنا قد‬
‫اسود من طول ما لبس ‪ ،‬فنصحته بالماء ‪ ،‬فقام عليه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وصففت عليه أنا واليتيم وراءه ‪ ،‬والعجوز من ورائنا ‪ ،‬فصلى بنا‬
‫ركعتين ثم انصرف ‪.‬‬
‫و ليس المقصود تعويدهم على صلة الجماعة في البيت إل أن يكون ذلك في‬
‫النوافل ‪ ،‬كالركعتين التين أم النبي صلى الله عليه و سّلم فيهما الغلمين و‬
‫المرأة ‪ ،‬و هذا هدي نبوي شريف ‪ ،‬و من هديه عليه الصلة و السلم أيضا ً‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ربط البناء بالمساجد و توجيههم إليها ‪ ،‬بل كان يذهب أكثر من ذلك فيتجوز‬
‫في صلته مراعاة لحال الصبية الذين تصطحبهم أمهاتهم إلى المسجد ‪.‬‬
‫ى صلى الله‬ ‫ن الن ّب ِ َ ّ‬‫الله عنه عَ ِ‬ ‫ن أ َِبى قََتاد َةَ رضي‬ ‫روى البخاري في صحيحه عَ ْ‬
‫مع ُ ب ُ َ‬
‫كاَء‬ ‫س‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫ل » إنى ل َُقوم فى الصل َة أ ُريد أ َن أ ُ‬ ‫عليه وسلم َقا َ‬
‫ْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ِ ِ ُ ْ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مهِ « ‪.‬‬ ‫شقّ عََلى أ ّ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫صل َِتى ك ََراهِي َ َ‬ ‫ى ‪ ،‬فَأت َ َ‬
‫جوُّز ِفى َ‬ ‫صب ِ ّ‬
‫ال ّ‬
‫داد رضي الله عنه قال ‪:‬‬ ‫و روى النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن ش ّ‬
‫بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي بالناس إذ جاءه الحسين‬
‫فركب عنقه و هو ساجد ‪ ،‬فأطال السجود بين الناس حتى ظنوا أّنه قد حدث‬
‫أمر فلما قضى صلته ‪ ،‬سألوه عن ذلك ‪ ،‬فقال عليه الصلة و السلم ‪) :‬إن‬
‫ابني ارتحلني ‪ ،‬فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته ( ‪.‬‬
‫فالمسجد إذن روضة يجتمع فيها الصغير و الكبير و يرتادها الرجل و المرأة ‪،‬‬
‫و إن كان بيت المرأة خير لها ‪ ،‬و قد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم‬
‫في ارتيادها يستبقون الخيرات فيذكرون ربهم ‪ ،‬و يأخذون العلم عن نبيهم‬
‫الذي قال ‪ ) :‬من جاء مسجدنا هذا يتعلم خيرا ً أو يعلمه ‪ ،‬فهو كالمجاهد في‬
‫سبيل الله ( و هذا حديث حسن بشواهده ‪ :‬أخرجه ابن ماجة و أحمد و ابن‬
‫حبان في صحيحه و الحاكم في المستدرك ‪ ،‬و قال عنه ‪ :‬هذا حديث صحيح‬
‫على شرط الشيخين ؛ فقد احتجا بجميع رواته ‪ ،‬و لم يخرجاه ‪ ،‬و ل أعلم له‬
‫علة ‪.‬اهـ ‪.‬‬
‫لذلك كان المسجد المدرسة الولى ‪ ،‬و الجامعة الم التي تنشر العلم ‪ ،‬و‬
‫تشيع المعارف بين الناس ‪ ،‬وهو المكان الفضل و المثل لهذا المقصد‬
‫ئ في تعليم الناس و الدعوة إلى الله إل‬ ‫العظيم ‪ ،‬و ينبغي أن ل يعدل به شي ٌ‬
‫لضرورة ‪.‬‬
‫و ما تنكبت المة و لامتهنت علوم الشريعة ‪ ،‬و ل جفت منابعها إل بعد أن‬
‫أغفل دور المسجد في التعليم ‪.‬‬
‫يقول ابن الحاج الفاسي رحمه الله في ) المدخل ( ‪ … ) :‬و المقصود‬
‫بالتدريس ‪ ،‬إنما هو التبيين للمة ‪ ،‬و إرشاد الضال و تعليمه ‪ ،‬و دللة‬
‫الخيرات ‪ ،‬و ذلك موجود في المسجد أكثر من المدرسة ضرورة ‪ ،‬وإذا كان‬
‫المسجد أفضل ‪ ،‬فينبغي أن يبادر إلى الفضل ويترك ماعداه ‪ ،‬اللهم إل‬
‫لضرورة ‪ ،‬و الضرورات لها أحكام أخر ( ‪.‬‬
‫و قبل اصطحاب الطفل إلى المسجد يحسن تعليمه و تأديبه بآداب دخول‬
‫المساجد ‪.‬‬
‫سئل مالك عن الرجل يأتي بالصبي إلى المسجد أيستحب ذلك ؟ فقال ‪ :‬إن‬
‫كان قد بلغ مبلغ الدب و عرف ذلك ‪ ،‬و ل يعبث فل أرى بأسا ً ‪ ،‬و إن كان‬
‫ب ذلك ‪.‬‬ ‫قر فيه ‪ ،‬و يعبث فل أح ّ‬ ‫صغيرا ً ل ي َ‬
‫و بسط البحث في هذه الداب و ما يتعّلق بها من أحكام ‪ ،‬لو استرسلنا فيه‬
‫مته مّنا ‪ ،‬و هذا يتنافى مع الوقت المتاح لتقديم‬ ‫لتشعب بنا البحث و تفلتت أز ّ‬
‫هذه المقالة ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لذا نكتفي بهذا القدر ‪ ،‬من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ‪ ،‬و‬
‫نكل إتمام البحث إلى عزائمكم و أنتم أهل للبحث و المتابعة كما يظن بكم ‪.‬‬
‫و صلى الله و سلم على نبّينا محمد و آله و صحبه أجمعين ‪.‬‬
‫و السلم عليكم و رحمة الله و بركاته‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كتبه‬
‫د ‪ .‬أحمد عبد الكريم نجيب‬
‫‪Dr.Ahmad Najeeb‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫الهدي النبوي في تربية البناء‬


‫دمة إلى ندوة ‪ :‬أطفالنا في الغرب التي عقدت في دبلن يوم‬ ‫) ورقة مق ّ‬
‫السبت ‪9/3/2002‬م(‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬و الصلة و السلم على نبيه المين ‪ ،‬و آله و صحبه‬
‫أجمعين ‪ ،‬و بعد ‪..‬‬
‫ن‬
‫ذرنا من الفتتان بها فقال ‪ ) :‬إ ّ‬ ‫فإن الله تعالى امتن علينا بنعمة الذّرية ‪ ،‬و ح ّ‬
‫جز أهلينا عن النار فقال ‪:‬‬ ‫ح َ‬ ‫من أموالكم و أولدكم فتنة ( ‪ ،‬و انتدبنا لنأخذ ب ُ‬
‫) قوا أنفسكم و أهليكم نارا ً ( ‪ ،‬و ذلك من حقّ أهلينا علينا ‪ ،‬و تمام رعايتنا‬
‫لهم ‪ ،‬و كلنا راع و مسؤول عن رعيته كما في الحديث ‪.‬‬
‫و لداء أمانة الرعاية ل بد ّ للبوين من الحرص و العمل على تعليم البناء و‬
‫تربيتهم ‪ ،‬و ل يفوتنهما أنهما محاسبان على التهاون و التقصير في ذلك ‪.‬‬
‫ن‬
‫ب َ ْ‬‫ع‬ ‫شعَي ْ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫رو ب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فقد روى الترمذي و أحمد و غيرهما بإسناد صحيح عَ ْ‬
‫ة ل ََها‬ ‫أ َبيه عَن جده أ َن ا َ َ‬
‫معََها اب ْن َ ٌ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫مَرأة ً أت َ ْ‬ ‫ْ َ ّ ِ ّ ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫ذا « ‪.‬‬ ‫كاة َ هَ َ‬ ‫ن َز َ‬ ‫طي‬ ‫ع‬ ‫ت‬‫ل ل َها » أ َ‬ ‫َ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫تا‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫لي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫تا‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ها‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ب‬‫ا‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫فى‬
‫ُْ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ََِْ َ َ َ ِ ِ َ ِ ِ ْ َ ٍ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َنارٍ « ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫واَري ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ما ي َوْ َ‬ ‫ه ب ِهِ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سوَّر ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫سّر ِ‬ ‫ل » أي َ ُ‬ ‫ت ل َ ‪َ .‬قا َ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ل ِلهِ عَّز‬ ‫ت هُ َ‬ ‫ى صلى الله عليه وسلم وََقال ْ‬ ‫ما إ ِلى الن ّب ِ ّ‬ ‫قت ْهُ َ‬ ‫ما فَأل َ‬ ‫خلعَت ْهُ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫سول ِهِ ‪.‬‬ ‫ل وَل َِر ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫وَ َ‬
‫و الشاهد هنا أّنه رتب العقوبة على الم و ليس على البنت التي لبست‬
‫المسكتين في يدها ‪ ،‬و لعل هذا لقرارها على المنكر أو تسببها فيه ‪.‬‬
‫و التربية السليمة تبدأ منذ نعومة الظفار ‪ ،‬قال المام الغّزالي رحمه الله في‬
‫خُلقه ‪ ،‬فإّنه‬ ‫ما يحتاج إليه الطفل أشد الحتياج العتناء بأمر ُ‬ ‫) الحياء ( ‪ ) :‬م ّ‬
‫عجلةٍ و‬ ‫حَرد ٍ و غضب ة ِلجاٍج و َ‬ ‫وده المربي في صغره من َ‬ ‫ينشأ على ما ع ّ‬
‫كبره تلفي ذلك و‬ ‫دة و جشع ‪ ،‬فيصعب عليه في ِ‬ ‫شوح ّ‬ ‫فةٍ و هوىًَ و طي ٍ‬ ‫خ ّ‬
‫تصير هذه الخلق صفات و هيئات راسخةٍ له ‪ ،‬فإن لم يتحّرز منها غاية‬
‫ة أخلقهم ‪ ،‬و‬ ‫التحّرز فضحته لبد ّ يوما ً ما ‪ ،‬و لذلك نجد أكثر الناس منحرف ً‬
‫ذلك من قَِبل التربية التي نشأ عليها ( ‪.‬‬
‫و قال الشاعر ‪:‬‬
‫وده أبوه‬ ‫و ينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان ع ّ‬
‫و قد قيل ‪ :‬العلم في الصغر كالنقش في الحجر ‪ ،‬و العلم في الكبر كالغرز‬
‫بالبر‬
‫ّ‬
‫دث و ل حرج عن هدي النبي صلى الله عليه و سلم في التربية ‪ ،‬لتر‬ ‫وح ّ‬
‫ة متكاملة المناهج ‪ ،‬راسخة الصول ‪ ،‬يانعة الثمار ‪ ،‬وافرة الظلل في‬ ‫مدرس ً‬
‫ً‬
‫التربية و التنشئة الصالحة ‪ ،‬حيث اعتنى بهم بنفسه ‪ ،‬و أوصى بهم خيرا في‬
‫العناية و الرعاية ‪.‬‬
‫و من عنايته صلى الله عليه و سلم بتعليم الطفال دعاؤه بالعلم النافع‬
‫لبعضهم كما في مسند أحمد و مستدرك الحاكم بإسناد صححه و وافقه‬
‫ضعَ ي َد َهُ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫س قال ‪ :‬إ َ ّ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ َ ِ‬ ‫الذهبي عَ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عََلى ك َت ِ ِ‬
‫دي ِ‬ ‫ه ِفى ال ّ‬ ‫قهْ ُ‬ ‫مف ّ‬ ‫م قال » اللهُ ّ‬ ‫سِعيد ٌ ‪ -‬ث ّ‬ ‫من ْك ِِبى شك َ‬ ‫فى ‪ -‬أوْ عَلى َ‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل«‪.‬‬ ‫ه الت ّأ ِْوي َ‬


‫م ُ‬ ‫وَعَل ّ ْ‬
‫و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ‪:‬‬
‫تشجيعه على طلب العلم ‪ ،‬و إفساح المجال أمامه لمخالطة من يكبرونه سن ّا ً‬
‫في مجالس العلم ‪:‬‬
‫عن ْد َ‬‫ن ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل ب َي َْنا ن َ ْ‬‫مَر ‪ -‬رضى الله عنهما ‪َ -‬قا َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫روى الشيخان عَ ْ‬
‫ى صلى الله‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫خل َةٍ فَ َ‬
‫مارِ ن َ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫س إ ِذ ْ أت ِ َ‬
‫ى بِ ُ‬ ‫جُلو ٌ‬ ‫ى صلى الله عليه وسلم ُ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه ي َعِْنى‬ ‫ت أن ّ ُ‬ ‫سل ِم ِ « ‪ .‬فَظن َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ك َب ََرك َةِ ال ُ‬ ‫ما ب ََرك َت ُ ُ‬ ‫جرِ ل َ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عليه وسلم » إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شُر‬ ‫عا ِ‬ ‫ت فَإ َِذا أَنا َ‬ ‫ف ّ‬ ‫م الت َ َ‬‫ل اللهِ ‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ة َيا َر ُ‬ ‫خل ُ‬ ‫ى الن ّ ْ‬ ‫ل هِ َ‬ ‫ن أُقو َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ة ‪ ،‬فَأَرد ْ ُ‬ ‫خل َ َ‬‫الن ّ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة«‬ ‫خل ُ‬ ‫ى الن ّ ْ‬ ‫ى صلى الله عليه وسلم » هِ َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ت ‪ ،‬فَ َ‬ ‫سك َ ّ‬
‫م فَ َ‬ ‫حد َث ُهُ ْ‬‫شَرةٍ أَنا أ ْ‬ ‫عَ َ‬
‫‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مُر‬ ‫ن عُ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫س ‪ -‬رضى الله عنهما ‪َ -‬قا َ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫البخاري و غيره عَ ِ‬ ‫و روى‬
‫َ‬
‫م‬
‫م – قيل إّنه عبد الرحمن بن عوف ‪ : -‬ل ِ َ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫شَياِخ ب َد ْرٍ ‪ ،‬فَ َ‬ ‫مع َ أ ْ‬ ‫خل ُِنى َ‬ ‫ي ُد ْ ِ‬
‫َ‬ ‫م ‪ .‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫عاهُ ْ‬ ‫ل فد َ َ‬ ‫مت ُ ْ‬‫ن قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫هف َ‬ ‫مث ْل ُ‬ ‫معََنا ‪ ،‬وَلَنا أب َْناٌء ِ‬ ‫فَتى َ‬ ‫ذا ال َ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ت ُد ْ ِ‬
‫ما‬
‫قال َ‬ ‫َ‬ ‫مّنى ف َ‬‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫مئ ِذ ٍ إ ِل ل ِي ُرِي َهُ ْ‬ ‫عاِنى ي َوْ َ‬ ‫ه دَ َ‬ ‫ما ُرِئيت ُ ُ‬ ‫م قال وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫عاِنى َ‬ ‫ت ي َوْم ٍ ‪ ،‬وَد َ َ‬ ‫َذا َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خت َ َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ن( َ‬ ‫خلو َ‬ ‫س ي َد ْ ُ‬ ‫ت الّنا َ‬ ‫ح * وََرأي ْ َ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫صُر اللهِ َوال َ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬ ‫ن ) إ ِذا َ‬ ‫قولو َ‬ ‫تَ ُ‬
‫ح عَل َي َْنا ‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ال ّ َ َ‬
‫ة‬ ‫ر‬ ‫سو‬
‫َ ََ ْ َْ ِ َ ُ ِ ُ ِ ْ َ َ ِ َ‬ ‫َْ ُ ُ ْ ِ ْ َ ْ َ ْ َ َ‬
‫َ‬ ‫شْيئا ً ‪ .‬فَ َ‬
‫ذا َ‬
‫ك‬ ‫س أك َ َ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ل ِلى َيا اب ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م ل َ ن َد ِْرى ‪ .‬وْ ل َ ْ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫َ‬
‫سو ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ت هُوَ أ َ‬ ‫ل قُل ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ت ل َ ‪َ .‬قا َ‬ ‫ل قُل ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫َ‬ ‫صُر الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫جل ِ َ‬ ‫ةأ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك عَل َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ة ‪ ،‬فَ َ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ح ( فَت ْ ُ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬ ‫ه ) إ َِذا َ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫أعْل َ َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫من َْها إ ِل ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أعْل َ ُ‬ ‫مُر َ‬ ‫وابا ً ( َقال عُ َ‬ ‫ن تَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫فْرهُ إ ِن ّ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫مد ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫) فَ َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫دم‬ ‫و في حضور الناشئ مجالس من يكبرونه سنا ً و قدرا ً تكريم له ينبغي أل يع ِ‬
‫التأّدب و التخّلق فيه ‪ ،‬و من أدبه في مجلسهم أن ل ُيطاولهم أو يتعالم‬
‫دمهم بحديث أو كلم ‪.‬‬ ‫بينهم ‪ ،‬أو يتق ّ‬
‫ت‬ ‫ُ‬
‫قد ْ ك ن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ب رضي الله عنه قال ‪ :‬ل َ‬ ‫جن ْد ُ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫مَرة ُ ب ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫روى مسلم في صحيحه أن َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫هف َ‬ ‫َ‬ ‫فظ عَن ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم غلما فكن ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫عََلى عَهْد ِ َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مّنى ‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫س ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫جال ً هُ ْ‬ ‫ها هَُنا رِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إ ِل ّ أ ّ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫من َعُِنى ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫و في هذا المعنى يرد قول الحسن البصري في وصّيته لبنه رحمهما الله ‪:‬‬
‫) يا بني ! إذا جالست العلماء فكن على السمع أحرص منك على أن تقول ‪،‬‬
‫و تعّلم حسن الستماع كما تتعّلم حسن الكلم ( ‪.‬‬
‫ب رفيعٌ في حق الكبار و الصغار جميعا ً ‪،‬‬ ‫ن حسن الصغاء و الستماع أد ٌ‬ ‫مع أ ّ‬
‫دث حالب ‪ ،‬و المستمع شارب ‪ ،‬فإذا كفيت‬ ‫و قد أحسن من قال ‪ :‬المتح ّ‬
‫مؤونة الولى فأحسن النتهال منها ‪.‬‬
‫و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ‪:‬‬
‫تهيئته لما ينبغي أن يكون عليه ‪ ،‬أو يصير عليه في كبره كالقيادة و الريادة و‬
‫المامة ‪ ،‬و كفى دليل ً على ذلك تأمير رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫أسامة بن زيد ذي السبعة عشر ربيعا ً على جيش يغزو الروم في بلد الشام ‪،‬‬
‫و فيه كبار الصحابة كأبي بكر و عمر رضي الله عنهم أجمعين ‪ ،‬و بعثه معاذ‬
‫بن جبل رضي الله عنه أميرا ً على اليمن و هو في التاسعة عشرة من العمر ‪.‬‬
‫و من هذا القبيل ما يدل عليه ما رواه البخاريّ في صحيحه عن عمرو بن‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫كانت وقْع ُ َ‬
‫ل قَوْم ٍ‬ ‫فت ِْح َباد ََر ك ُ ّ‬ ‫ة أهْ ِ‬ ‫ما َ َ ْ َ َ‬ ‫سلمة رضي الله عنه أنه قال ‪ :‬ل َ ّ‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫عن ْدِ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َوالل ّهِ ِ‬ ‫جئ ْت ُك ُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ما قَدِ َ‬ ‫م ‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫سل َ ِ‬ ‫مى ب ِإ ِ ْ‬ ‫م ‪ ،‬وَب َد ََر أِبى قَوْ ِ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫سل َ ِ‬ ‫ب ِإ ِ ْ‬
‫صلوا‬‫ّ‬ ‫ذا ‪ ،‬وَ َ‬ ‫نك َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫صلة َ ك َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫حي ِ‬ ‫ذا ِفى ِ‬
‫َ‬
‫صلوا َ‬ ‫قال » َ‬ ‫قا ف َ‬ ‫ح ّ‬‫ى صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م أكثُرك ْ‬‫ْ‬ ‫مك ْ‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م ‪ ،‬وَلي َؤ ّ‬ ‫ُ‬
‫حد ُك ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صلة ُ ‪ ،‬فلي ُؤذ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ضَر ِ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن كذا ‪ ،‬فإ ِذا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حي ِ‬
‫ذا ِفى ِ‬
‫ن‪،‬‬ ‫ن الّرك َْبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قى ِ‬ ‫ت أت َل َ ّ‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫مّنى ‪ ،‬ل ِ َ‬ ‫حد ٌ أك ْث ََر قُْرآنا ً ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫قُْرآنا ً « ‪ .‬فَن َظ َُروا فَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قدموِنى بي َ‬
‫ت‬‫ى ب ُْرد َة ٌ ‪ ،‬ك ُن ْ ُ‬ ‫ت عَل ّ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫سِني َ‬ ‫سب ِْع ِ‬ ‫ت أوْ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ‪ ،‬وَأَنا اب ْ ُ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫َْ َ‬ ‫فَ َ ّ ُ‬
‫حى أل َ ت ُغَ ّ‬ ‫َ‬ ‫م َ ْ‬ ‫َ‬
‫ت َقارِئ ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫س َ‬ ‫طوا عَّنا ا ْ‬ ‫ن ال َ ّ‬ ‫مَرأة ٌ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫قال َ ِ‬ ‫ت عَّنى ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫قل ّ َ‬ ‫ت تَ َ‬‫جد ْ ُ‬‫س َ‬ ‫إ َِذا َ‬
‫ص‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫حى ب ِذ َل ِ َ‬ ‫ىٍء فََر ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما فَرِ ْ‬ ‫ميصا ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ً‬ ‫قطُعوا ِلى قَ ِ‬ ‫َ‬ ‫شت ََرْوا فَ َ‬ ‫‪َ .‬فا ْ‬
‫مي ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك ال َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ح ُ‬
‫ً‬
‫فانظروا رحمكم الله كيف حفظ من أفواه الركبان قسطا من كتاب الله فاق‬
‫ما حفظه بنو قومه رغم تلقيهم عن خير الخلق صلى الله عليه و سّلم ‪ ،‬و‬
‫در لمامة قومه في الصلة رغم حداثة سّنه إلى حد ّ ل‬ ‫الغرب من ذلك أّنه تص ّ‬
‫ُيعاب عليه فيه انحسار ثوبه عن سوأته ‪.‬‬
‫و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫المداعبة و التعليم بطريق اللعب ‪ ،‬و هو من الوسائل التي تعتبرها المدارس‬


‫الغربية في التربية اليوم من أنجع الوسائل و أهمها و أقربها إلى نفس الطفل‬
‫و أنفعها له ‪ ،‬رغم أن الهدي النبوي سبق إلى ذلك و قرره و شرع فيه صاحبه‬
‫صلى الله عليه و سّلم بالفعل ‪ ،‬في مواقف كثيرة من أشهرها ما رواه‬
‫ى صلى الله‬ ‫ل َ‬ ‫س رضي الله عنه َقا َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ن الن ّب ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ٍ‬ ‫الشيخان و غيرهما من حديث أن َ‬
‫ل ل َه أ َبو عُمير ‪َ -‬قا َ َ‬ ‫ن ِلى أ َ ٌ‬ ‫خُلقا ً ‪ ،‬وَ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سب ُ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ ْ ٍ‬ ‫قا ُ ُ ُ‬ ‫خ يُ َ‬ ‫كا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن الّنا‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫عليه وسلم أ ْ‬
‫َ‬
‫ب ب ِهِ ‪،‬‬ ‫ن ي َل ْعَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل الن ّغَي ُْر « ‪ .‬ن ُغٌَر َ‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫مي ْرٍ َ‬ ‫ل » َيا أَبا عُ َ‬ ‫جاَء َقا َ‬ ‫ن إ َِذا َ‬ ‫كا َ‬ ‫م ‪ -‬وَ َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫فَ ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ح‪،‬‬ ‫ض ُ‬ ‫س وَي ُن ْ َ‬ ‫ه فَي ُك ْن َ ُ‬ ‫حت َ ُ‬ ‫ذى ت َ ْ‬ ‫ط ال ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫مُر ِبالب ِ َ‬ ‫صل َة َ وَهُوَ ِفى ب َي ْت َِنا ‪ ،‬فَي َأ ُ‬ ‫ضَر ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫فَُرب ّ َ‬
‫صلى ب َِنا ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ه فَي ُ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ْ‬
‫خل َ‬ ‫م َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م وَن َ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫س عظيم‬ ‫و مداعبته صلى الله عليه و سلم لبي عمير رضي الله عنه در ٌ‬
‫يرسم منهجا ً في تربية الطفال و تعليمهم و آباءهم بأسلوب التشويق و‬
‫التودد لهم ‪ ،‬و لذلك اهتم العلماء بهذا الحديث أّيما اهتمام ‪.‬‬
‫دة فوائد‬ ‫قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ) الفتح ( ‪ ) :‬في هذا الحديث ع ّ‬
‫ص الفقيه الشافعي صاحب‬ ‫جمعها أبو العباس الطبري المعروف بابن القا ّ‬
‫ن بعض الناس‬ ‫ص في أّول كتابه أ ّ‬ ‫التصانيف في جزِء مفرد ‪ ،‬و ذكر ابن القا ّ‬
‫عاب على أهل الحديث أّنهم يروون أشياء ل فائدة فيها ‪ ،‬و مثل ذلك التحديث‬
‫ن في هذا الحديث من وجوه الفقه‬ ‫بحديث أبي عمير هذا ‪ ،‬قال ‪ :‬و ما درى أ ّ‬
‫ة(‪.‬‬ ‫م ساقها مبسوط ً‬ ‫و فنون الدب و الفائدة ستين وجها ً ث ّ‬
‫و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ‪:‬‬
‫الضرب و التأديب بالضوابط الشرعّية في التعليم ‪:‬‬
‫وردت في هذا الباب أحاديث جياد ٌ كثيرة منها ‪:‬‬
‫ل‬‫مَعاذٍ رضي الله عنه َقا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫‪ -‬ما رواه أحمد في مسنده بإسناد حسن عَ ْ‬
‫شرِ ْ‬
‫ك‬ ‫ل » ل َ تُ ْ‬ ‫ت ‪َ .‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ب ِعَ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫ما ٍ‬ ‫شرِ كل ِ َ‬ ‫صاِنى َر ُ‬ ‫أوْ َ‬
‫ك‬‫ن أ َهْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫كأ ْ‬
‫ك وإن أ َمرا َ َ‬
‫ن َوال ِد َي ْ َ َ ِ ْ َ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ت وَل َ ت َعُ ّ‬ ‫حّرقْ َ‬ ‫ت وَ ُ‬ ‫ن قُت ِل ْ َ‬ ‫شْيئا ً وَإ ِ ْ‬ ‫ِبالل ّهِ َ‬
‫قد ْ‬ ‫مدا ً فَ َ‬ ‫مت َعَ ّ‬ ‫ة ُ‬ ‫مك ُْتوب َ ً‬ ‫صل َة ً َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ت ََر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مدا ً فَإ ِ ّ‬ ‫مت َعَ ّ‬ ‫ة ُ‬ ‫مك ُْتوب َ ً‬ ‫صل َة ً َ‬ ‫ن َ‬ ‫ك وَل َ ت َت ُْرك َ ّ‬ ‫مال ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل َفا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة‬
‫صي َ َ‬‫معْ ِ‬ ‫شةٍ وَإ ِّياك َوال َ‬ ‫ح َ‬ ‫سك ّ‬ ‫ه َرأ ُ‬ ‫مرا فَإ ِن ّ ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫شَرب َ ّ‬ ‫ة اللهِ وَل ت َ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ذِ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫ب َرِئ َ ْ‬
‫ن هَل َكَ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن الّز ْ‬ ‫م َ‬ ‫فَراَر ِ‬ ‫ْ‬
‫ل وَإ ِّياك َوال ِ‬ ‫َ‬ ‫ج ّ‬ ‫خط اللهِ عَّز وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫ح ّ‬ ‫صي َةِ َ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ِبال َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫عَيال ِك ِ‬ ‫فقْ عَلى ِ‬ ‫ت وَأن ْ ِ‬ ‫م فاث ْب ُ ْ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫ن وَأن ْ َ‬ ‫موَتا ٌ‬ ‫س ُ‬ ‫ب الّنا َ‬ ‫صا َ‬ ‫س وَإ َِذا أ َ‬ ‫الّنا ُ‬
‫م ِفى اللهِ « ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ط َوْل ِ َ‬
‫فهُ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫صاك أَدبا وَأ ِ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ك وَل ت َْرفعْ عَن ْهُ ْ‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬ ‫ّ‬
‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫خب ََره ُ عَ ْ‬ ‫ه أَ ْ‬ ‫َ‬
‫س أن ّ ُ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫موْلى اب ْ ِ‬
‫ب َ َ‬ ‫ن ك َُري ْ ٍ‬ ‫‪ -‬و ما رواه الشيخان عَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ‪ -‬رضى الله عنها‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫مون َ َ‬ ‫مي ْ ُ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ه َبا َ‬ ‫س ‪ -‬رضى الله عنهما ‪ -‬أن ّ ُ‬ ‫عَّبا ٍ‬
‫هّ‬
‫سول الل ِ‬ ‫ُ‬ ‫جعَ َر ُ‬ ‫ضط َ‬ ‫َ‬ ‫ساد َةِ ‪َ ،‬وا ْ‬ ‫ض الوِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت عَلى عَْر ِ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫ضط َ‬
‫َ‬
‫ه ‪ -‬قال فا ْ‬ ‫خالت ُ ُ‬ ‫ى َ‬ ‫‪ -‬وَهْ َ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ها‬
‫َِ‬ ‫ل‬ ‫طو‬‫ُ‬ ‫فى‬ ‫َ ْ ُ ِ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬
‫ق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ظ َر ُ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ل ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫قِلي ٍ‬ ‫ل أوْ ب َعْد َه ُ ب ِ َ‬ ‫قِلي ٍ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ل أوْ قَب ْل َ ُ‬ ‫ف الل ّي ْ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حّتى ان ْت َ َ‬ ‫وسلم َ‬
‫الل ّه صلى الله عليه وسلم فَجل َس ‪ ،‬فَمسح النوم عَن وجهه بيده ‪ ،‬ث ُم قَرأ َ‬
‫ّ َ َ‬ ‫ْ َ ْ ِ ِ َِ ِ ِ‬ ‫َ َ َ ّ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫من َْها ‪،‬‬ ‫ضأ ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ّ ُ َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫َ ِ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫م‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬ ‫را‬
‫ْ َ َ‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫آ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫سو‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫م‬ ‫تي‬‫ِ‬ ‫وا‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫ال ْعَ َ َ‬
‫يا‬ ‫آ‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫ْ‬
‫َ‬
‫س ‪ -‬رضى الله عنهما ‪-‬‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ل عَب ْد ُ الل ّهِ ب ْ ُ‬ ‫صّلى ‪َ .‬قا َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ضوَءه ُ ‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫فَأ ْ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ضعَ َر ُ‬ ‫جن ْب ِهِ ‪ ،‬فَوَ َ‬ ‫ت إ َِلى َ‬ ‫م ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت فَ ُ‬ ‫م ذ َهَب ْ ُ‬ ‫صن َعَ ‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صن َعْ ُ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫فَ ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫فت ِلَها ب ِي َدِ ِ‬ ‫مَنى ي َ ْ‬ ‫خذ َ ب ِأذ ُِنى الي ُ ْ‬ ‫سى ‪ ،‬وَأ َ‬ ‫مَنى عَلى َرأ ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ي َد َهُ الي ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪ ،‬فَ َ ّ‬
‫م‬‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫م َركعَت َي ْ ِ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫م َركعَت َي ْ ِ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫م َركعَت َي ْ ِ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫م َرك ْعَت َي ْ ِ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫صلى َرك ْعَت َ َي ْ ِ‬
‫م فَ َ ّ‬ ‫جاَءهُ ال ْ ُ‬ ‫ضط َ َ‬
‫ن‬ ‫صلى َرك ْعَت َي ْ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ن ‪ ،‬فَ َ‬ ‫مؤَذ ّ ُ‬ ‫حّتى َ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫م أوْت ََر ‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫َرك ْعَت َي ْ ِ‬
‫ح‪.‬‬ ‫صب ْ َ‬ ‫صّلى ال ّ‬ ‫ج فَ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫فت َي ْ ِ‬‫في َ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ‪:‬‬
‫تعويدهم على فعل الخيرات و منه ارتياد المساجد للصلة و التعبد ‪:‬‬
‫روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله ‪ ) :‬حافظوا على أبنائكم‬
‫ن الخير عادة ( ‪.‬‬ ‫ودوهم الخير فإ ّ‬ ‫في الصلة ‪ ،‬و ع ّ‬
‫)‪(3 /‬‬

‫و لهذا القول ما يؤيده في السّنة فقد روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫ةب َ‬
‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن رضي الله عنه عَ ْ‬ ‫فَيا َ‬ ‫س ْ‬‫ن أِبى ُ‬ ‫مَعاوِي َ َ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫فى‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫را‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ج‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫وال‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫عا‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫»‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ْ ِ‬‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬
‫«‪.‬‬
‫و قد ورد في السّنة ما يدل على مشروعية تعويد الصغار على الصيام و صلة‬
‫الجماعة و اصطحابهم للحج صغارا ً و من ذلك ‪:‬‬
‫َ‬
‫ى صلى الله عليه‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ت أْر َ‬ ‫معَوّذٍ َقال َ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ن الّرب َي ِّع ب ِن ْ ِ‬ ‫‪ -‬روى الشيخان عَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مهِ ‪،‬‬ ‫ة ي َوْ ِ‬ ‫قي ّ َ‬‫م بَ ِ‬ ‫طرا فَلي ُت ِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫صب َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صارِ » َ‬ ‫شوَراَء إ ِلى قَُرى الن ْ َ‬ ‫عا ُ‬ ‫داة َ َ‬ ‫وسلم غَ َ‬
‫وم َ‬
‫جعَ ُ‬
‫ل‬ ‫صب َْيان ََنا ‪ ،‬وَن َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صو ّ ُ‬ ‫ه ب َعْد ُ ‪ ،‬وَن ُ َ‬ ‫م ُ‬‫صو ُ‬ ‫ت فَك ُّنا ن َ ُ‬ ‫م « ‪َ .‬قال َ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫صاِئما ً فَل ْي َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫حّتى‬ ‫َ‬
‫م عَلى الطَعام ِ أعْطي َْناه ُ َذاك ‪َ ،‬‬ ‫حد ُهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ‪ ،‬فإ َِذا ب َكى أ َ‬ ‫َ‬ ‫ن العِهْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫م اللعْب َ َ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫طارِ ‪ .‬قال ابن حجر ‪ ) :‬في الحديث حجة على مشروعّية‬ ‫عن ْد َ ال ِفْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫تمرين الصبيان على الصيام ( ‪.‬‬
‫ى صلى الله عليه‬ ‫س رضي الله عنهما أن الن ّب ِ ّ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫‪ -‬و روى مسلم عَ ِ‬
‫ن‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ؟ « ‪َ .‬قاُلوا ‪ :‬ال ْ ُ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ِ‬ ‫ل» َ‬ ‫قا َ‬ ‫حاِء فَ َ‬ ‫كبا ً ِبالّروْ َ‬ ‫ى َر ْ‬ ‫ق َ‬ ‫وسلم ل َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫قال َ ْ‬ ‫صب ِّيا فَ َ‬ ‫مَرأة ٌ َ‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ ا ْ‬ ‫ل الل ّهِ « ‪ .‬فََرفَعَ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ‪َ » :‬ر ُ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قاُلوا ‪َ :‬‬ ‫فَ َ‬
‫جٌر « ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ج َقا َ‬ ‫أ َل ِهَ َ‬
‫كأ ْ‬ ‫م وَل ِ‬ ‫ل » ن َعَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ذا َ‬
‫‪ -‬و روى ابن خزيمة في صحيحه و الترمذي و أبو داود بإسناد صحيح عن أنس‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعي إلى طعام‬ ‫بن مالك رضي الله عنه أ ّ‬
‫‪ ،‬فأكل منه ثم قال ‪ :‬قوموا فلنصل بكم ‪ .‬قال أنس ‪ :‬فقمت إلى حصير لنا قد‬
‫اسود من طول ما لبس ‪ ،‬فنصحته بالماء ‪ ،‬فقام عليه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وصففت عليه أنا واليتيم وراءه ‪ ،‬والعجوز من ورائنا ‪ ،‬فصلى بنا‬
‫ركعتين ثم انصرف ‪.‬‬
‫و ليس المقصود تعويدهم على صلة الجماعة في البيت إل أن يكون ذلك في‬
‫النوافل ‪ ،‬كالركعتين التين أم النبي صلى الله عليه و سّلم فيهما الغلمين و‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المرأة ‪ ،‬و هذا هدي نبوي شريف ‪ ،‬و من هديه عليه الصلة و السلم أيضا ً‬
‫ربط البناء بالمساجد و توجيههم إليها ‪ ،‬بل كان يذهب أكثر من ذلك فيتجوز‬
‫في صلته مراعاة لحال الصبية الذين تصطحبهم أمهاتهم إلى المسجد ‪.‬‬
‫ى صلى الله‬ ‫ن الن ّب ِ َ ّ‬
‫الله عنه عَ ِ‬ ‫ن أ َِبى قََتاد َةَ رضي‬ ‫روى البخاري في صحيحه عَ ْ‬
‫مع ُ ب ُ َ‬ ‫ن أط َوّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كاَء‬ ‫ل ِفيَها ‪ ،‬فَأ ْ‬
‫س َ‬ ‫صل َةِ أِريد ُ أ ْ‬ ‫م ِفى ال ّ‬ ‫ل » إ ِّنى لُقو ُ‬
‫عليه وسلم َقا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مهِ « ‪.‬‬ ‫شقّ عََلى أ ّ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫صل َِتى ك ََراهِي َ َ‬
‫جوُّز ِفى َ‬ ‫ى ‪ ،‬فَأت َ َ‬ ‫صب ِ ّ‬
‫ال ّ‬
‫داد رضي الله عنه قال ‪:‬‬ ‫و روى النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن ش ّ‬
‫بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي بالناس إذ جاءه الحسين‬
‫فركب عنقه و هو ساجد ‪ ،‬فأطال السجود بين الناس حتى ظنوا أّنه قد حدث‬
‫أمر فلما قضى صلته ‪ ،‬سألوه عن ذلك ‪ ،‬فقال عليه الصلة و السلم ‪) :‬إن‬
‫ابني ارتحلني ‪ ،‬فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته ( ‪.‬‬
‫فالمسجد إذن روضة يجتمع فيها الصغير و الكبير و يرتادها الرجل و المرأة ‪،‬‬
‫و إن كان بيت المرأة خير لها ‪ ،‬و قد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم‬
‫في ارتيادها يستبقون الخيرات فيذكرون ربهم ‪ ،‬و يأخذون العلم عن نبيهم‬
‫الذي قال ‪ ) :‬من جاء مسجدنا هذا يتعلم خيرا ً أو يعلمه ‪ ،‬فهو كالمجاهد في‬
‫سبيل الله ( و هذا حديث حسن بشواهده ‪ :‬أخرجه ابن ماجة و أحمد و ابن‬
‫حبان في صحيحه و الحاكم في المستدرك ‪ ،‬و قال عنه ‪ :‬هذا حديث صحيح‬
‫على شرط الشيخين ؛ فقد احتجا بجميع رواته ‪ ،‬و لم يخرجاه ‪ ،‬و ل أعلم له‬
‫علة ‪.‬اهـ ‪.‬‬
‫لذلك كان المسجد المدرسة الولى ‪ ،‬و الجامعة الم التي تنشر العلم ‪ ،‬و‬
‫تشيع المعارف بين الناس ‪ ،‬وهو المكان الفضل و المثل لهذا المقصد‬
‫ئ في تعليم الناس و الدعوة إلى الله إل‬ ‫العظيم ‪ ،‬و ينبغي أن ل يعدل به شي ٌ‬
‫لضرورة ‪.‬‬
‫و ما تنكبت المة و لامتهنت علوم الشريعة ‪ ،‬و ل جفت منابعها إل بعد أن‬
‫أغفل دور المسجد في التعليم ‪.‬‬
‫يقول ابن الحاج الفاسي رحمه الله في ) المدخل ( ‪ … ) :‬و المقصود‬
‫بالتدريس ‪ ،‬إنما هو التبيين للمة ‪ ،‬و إرشاد الضال و تعليمه ‪ ،‬و دللة‬
‫الخيرات ‪ ،‬و ذلك موجود في المسجد أكثر من المدرسة ضرورة ‪ ،‬وإذا كان‬
‫المسجد أفضل ‪ ،‬فينبغي أن يبادر إلى الفضل ويترك ماعداه ‪ ،‬اللهم إل‬
‫لضرورة ‪ ،‬و الضرورات لها أحكام أخر ( ‪.‬‬
‫و قبل اصطحاب الطفل إلى المسجد يحسن تعليمه و تأديبه بآداب دخول‬
‫المساجد ‪.‬‬
‫سئل مالك عن الرجل يأتي بالصبي إلى المسجد أيستحب ذلك ؟ فقال ‪ :‬إن‬
‫كان قد بلغ مبلغ الدب و عرف ذلك ‪ ،‬و ل يعبث فل أرى بأسا ً ‪ ،‬و إن كان‬
‫ب ذلك ‪.‬‬ ‫قر فيه ‪ ،‬و يعبث فل أح ّ‬ ‫صغيرا ً ل ي َ‬
‫و بسط البحث في هذه الداب و ما يتعّلق بها من أحكام ‪ ،‬لو استرسلنا فيه‬
‫مته مّنا ‪ ،‬و هذا يتنافى مع الوقت المتاح لتقديم‬ ‫لتشعب بنا البحث و تفلتت أز ّ‬
‫هذه المقالة ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لذا نكتفي بهذا القدر ‪ ،‬من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ‪ ،‬و‬
‫نكل إتمام البحث إلى عزائمكم و أنتم أهل للبحث و المتابعة كما يظن بكم ‪.‬‬
‫و صلى الله و سلم على نبّينا محمد و آله و صحبه أجمعين ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و السلم عليكم و رحمة الله و بركاته‬


‫كتبه‬
‫د ‪ .‬أحمد عبد الكريم نجيب‬
‫‪Dr.Ahmad Najeeb‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫الهروب من معركة الحياة‬


‫سلمان بن محمد العنزي ‪18/6/1423‬‬
‫‪27/08/2002‬‬
‫يغلب الوهم والظن كثيًرا على النفس فإن وجد أهل ً ومرحًبا وحبال ً من الود‬
‫ممدودة أناخ وأصبح من الهل والقربين‪ ،‬فينشئ عادات وصفات ماحقة لكل‬
‫ما هو جميل وذاهبة بكل مفيد‪ ،‬وجاد إلى وادي الموات ومن ذلك ما تتوهمه‬
‫كثير من النفوس الحزينة من وجوب العزلة ونبذ الناس والعيش في عالم‬
‫محدود ليس فيه إل الكتب وأحاديث النفس بحجة فساد أهل الزمان ‪ ،‬وهذه‬
‫فكرة شيطانية قديمة يجددها في كل زمن ويلبسها لبوس أهله الملئم‬
‫لطبيعة ما يعايشونه فتتمشى مع رغبات النفس وتلذ لكل من فرغ من معاني‬
‫الحياة ‪.‬‬
‫ض ل حيدة عنه فإنه في‬ ‫ما لبد منه وقدًرا ما ٍ‬ ‫والنسان الذي يرى العتزال حت ً‬
‫حا ليس فيهم وعلما ليس عندهم‬ ‫الحقيقة يرى لنفسه فضل ً على الناس وصل ً‬
‫فيلج به النظر وتتقاذفه الفكرة إلى الحد الذي يرتد منه إلى الجهة الخرى ‪،‬‬
‫فالغلو في جانب ل يتوافق مع الطبيعة ول معطيات العلم ل بد أن يقود إلى‬
‫غلو مضاد في مرحلة من مراحل السير‪ ،‬وهنا تضيع المواهب ويذهب اليمان‬
‫ويمرض الفكر‪ ،‬وليس لمن اعتزل الناس وغاب عن دنياهم إل العودة إلى‬
‫الناس والرضا بكل ما يأتي منهم والتلبس برذائلهم وعاداتهم وأفكارهم‬
‫الملوثة دون محاولة للتغيير والصلح‪.‬‬
‫وقد يحقق النسان بعزلته شيئا ً من النتصار للنفس خاصة إذا كان مفكًرا‪،‬‬
‫ولكنها عزلة تقيد خواطره وتطفئ شمعة قلبه وتحوله إلى بيت مهجور من‬
‫أحبابه سكنته الوحشة ولعبت فيه الوهام ‪.‬‬
‫وما قيمة الفكر إن لم تجد من تبثهم إليه وتسمع وقع تأثيره في نفوسهم ‪،‬‬
‫ولعل ما نراه من عزلة كثير من الكتب التخصصية النافعة عن عالم الناس‬
‫إنما كان نتاج هذه العزلة الجسدية والفكرية عنهم ‪.‬‬
‫ثم أليست العزلة هروًبا من قدر المعركة والرغام ؟ أليست هروًبا من‬
‫الواجب المناط في العناق وعكوًفا على ما يرضي النفس ويلهيها وإن كان‬
‫ما وأدًبا ‪ ،‬ألم يخرج سيدنا يونس ‪-‬عليه السلم‪ -‬من قومه مغاضًبا ويترك‬ ‫عل ً‬
‫واجب الدعوة والرشاد ويركب الفلك حتى إذا كانوا في عرض البحر ثار‬
‫واضطرب فاستهموا على رجل يلقونه في البحر فساهم فكان من‬
‫المدحضين فألقي في البحر فالتقمه الحوت ولبث في بطنه مدة من الزمن‬
‫في عزلة عن العالم وعن الناس الذين تركهم وغضب منهم ولم يصبر على‬
‫تحملهم ‪ ،‬عزلة عّرفته أن الحياة ل يمكن أن تصلح إذا عكف النسان فيها‬
‫على نفسه ورضي بها من دون الناس وأسرف في تعليمها وتثقيفها ‪ .‬وكأن‬
‫الله أراد أن يعلمه أن العزلة عن الواقع ليست إل كهذه العزلة في بطن‬
‫الحوت‪ ،‬أرق وسهاد واضطراب لول التسبيح والتحميد‪.‬‬
‫ثم ماذا بعد ذلك ‪ ،‬أين يذهب هذا العلم ؟ وأين يتوجه هذا الفكر ؟‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى ظلم العزلة وبرودها؟ ‪ ،‬لقد فشل الفلسفة في حل مشاكل الناس‬


‫وترقيتهم والخذ بأيديهم في مدارج النضج والبلوغ العقلي فكانت أفكارهم‬
‫واضحة ما لم تختلط بحياة الناس‪ ،‬فإذا اختلطت اضطربت أفكارهم‬
‫وتشوشت وغدت ظل ً من الظلل ينتظر الشمس الناسخة والسبب يعود إلى‬
‫عزلتهم في أبراجهم العاجية والنظر إلى حقائق الحياة القريبة بمنظار يبعد‬
‫القريب ول يقرب البعيد‪ ،‬فكان حكمهم على شيء لم يحيطوا به ولم يعرفوه‬
‫ولم يذوقوا طعمه ‪ ،‬وأنهم قوم مفكرون وتجد لهم درًرا عظيمة ولكنها مثل‬
‫فئة الخمسمئة ريال ليست قابلة للصرف في كثير من أمور الحياة التافهة‬
‫ذات السعر البخيس الذي يحيا به الناس ‪.‬‬
‫ولم يستطع الفلسفة على كثرة ما كتبوا وألفوا أن يهذبوا غير الكتب التي‬
‫كتبوها‪ ،‬أما الناس فلن يتغلب على تيارهم ويلين صلب أفكارهم إل رجل‬
‫واسع العلم رقيق الشعور سعيد النفس جم الحلم مخالط لهم متعرف على‬
‫نفوسهم وحقائقها وما تريد من هذه الحياة كما كان نبينا ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪. -‬‬
‫فيا طالب المعرفة والسعادة في قنن الجبال أو زوايا البيوت إنك لن تجد ما‬
‫طلبت ولن تصبر على الطريق التي سلكت؛ لن النفس البشرية مجبولة على‬
‫الخلطة والئتلف وطبيعة العلم والمعرفة قائمة على المعاشرة والتصادق‬
‫بين أجناس البشر وما يمكن أن تحسه في نفسك من شعور‪ ،‬أو تجده في‬
‫غا ل تؤثر في الحياة أو تزيد من معانيها‪،‬‬‫عقلك من علم ل يعد أن يكون أصبا ً‬
‫وطبيعة الصبغ تعود إلى ) التبهت ( أو الزوال‪ ،‬ولو كان في العزلة خير لمر‬
‫بها الشرع‪ ،‬أو رتب عليها ثواًبا أو ندب إليها أو مدح أهلها‪ ،‬ولكنه لم يفعل بل‬
‫جعلها دواًءا استثنائًيا عند فساد الحياة وتغير الطباع وخوف المرء على دينه‬
‫ول يكون ذلك إل في آخر الزمان ومن أين لنا تحديده ‪ ،‬والقرآن الكريم مليء‬
‫بضمائر الجمع عند مخاطبة المؤمنين في أمر من أمور حياتهم أو أمر من‬
‫أمور دينهم وما أجمل قول الشاعر ‪:‬‬
‫أيها العاكف المسبح سبح ‪... ...‬‬
‫في عراك الحياة في الفاق‬
‫مثل ما كّبر الوائل منا ‪... ...‬‬
‫ووميض السيوف في العناق‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إننا صناع التاريخ ولن يوجد الصناع إل في المصنع ل في شعاف الجبال ‪ ،‬إن‬
‫كل من اعتزل الحياة ورضي بصحبة النفس يجب عليه أن يراجع مبادئه‪ ،‬وأن‬
‫يعود إلى المعترك إن أراد ثواب المجاهدين ‪ ،‬وإن أراد الهداية الكاملة‬
‫) والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (‬
‫وأول من يطالب بترك العزلة الوهمية وخوض معركة الحياة هم الدكاترة‬
‫وأساتذة الجامعات ممن أدخلتهم الدودة الدالية )د( في شرنقتها فكادت أن‬
‫تقتلهم وتقتل مواهبهم‪ ،‬يجب عليهم أن يخرجوا من عزلتهم‪ ،‬ويشاركوا‬
‫المجتمع مشاكله‪ ،‬ويقدموا له الحلول المناسبة الملئمة لفكره وتربيته‬
‫وثقافته‪ ،‬فيتعمق الشعور لديه بمشكلته ويعلم مدى حاجته إلى علمائه‬
‫فا في مراحل التغيير الجتماعي أو‬ ‫ومفكريه ويزداد هذا الواجب وجوًبا مضاع ً‬
‫التصادم الحضاري كما نواجهه اليوم بكل شراسة وعرامة شريطة أن يبتعدوا‬
‫عن الحلول الفلسفية الباردة المنتزعة من قطب العقل المتجمد‪ ،‬وأن يبتعدوا‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن التلقي الساذج لما يدور في الصحافة أو الذاعة العالمية‪ ،‬وأن يبتعدوا عن‬
‫الضغط السياسي الداخلي أو ضغط الجماهير التي ل تفقه شيًئا في أمور‬
‫السياسة المعقدة فإذا ما قدروا على ذلك فإن المجتمع سيكون مجتمًعا واعًيا‬
‫بالحداث وعارًفا بكيفية إدارتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة ومؤمًنا بمبادئه‬
‫وثوابته غير قابل للخضوع أو التراجع‪ ،‬وحتى ل أقع في التعميم الذميم فإن‬
‫عا من العزلة يضفي على النفس سكينة‪ ،‬ويفتح للعقل باب التأمل‪،‬‬ ‫هناك نو ً‬
‫وهذه العزلة تكون في أوقات معينة هي كالربيع في دورة الشهور وهي‬
‫العزلة الفنية المعنية بقول الديب )برناردين دي سان بير( ‪ :‬إن العزلة جبل‬
‫ل تريني قمته الناس صغاًرا ‪.‬‬ ‫عا ٍ‬
‫وليس مراده الحتقار وعدم الختلط‪ ،‬بل مراده الترفع عما يقع فيه الناس‬
‫من رذائل الفعال والقوال ومن ثم تحملهم حينما يقع منهم ذلك وهذه خصلة‬
‫عظيمة وبركة من بركات العزلة الفنية والنفراد مع النفس‪ ،‬على حد قول‬
‫عبد الوهاب عزام‪ -‬رحمه الله‪: -‬‬
‫لست أخلو لغفلة وسكون ‪... ...‬‬
‫وفرار من الورى وارتياح‬
‫إنما خلوتي لفكر وذكر ‪... ...‬‬
‫فهي زادي وعدتي لكفاحي‬
‫وهذه العزلة الفريدة هي نقطة التحول في كثير من أمور الحياة‪ ،‬فكم فكرة‬
‫ومضت في عقل عبقري في إحدى هذه الخلوات الجميلة فكانت مفتاح خير‬
‫ومشعل هداية ومرقاة سمو للحضارة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الهند وسحر جمالها‬


‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫دثي‬ ‫ح ّ‬ ‫ل تَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ج َ‬ ‫حَر ال َ‬ ‫س ْ‬ ‫الهن ْد ُ َيا ِ‬
‫ل فَرّددي‬ ‫صٍغ للجما ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َفالد ّهُْر ُ‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫م ُ‬ ‫ك من الجواهر أ ّ‬ ‫ت عََلي ِ‬ ‫ن َث ََر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حتدِ‬ ‫فوةَ م ْ‬ ‫ص ْ‬‫أفلذ َ أكبادٍ و َ‬
‫ن‬
‫ومؤم ٍ‬ ‫ل نابغَةٍ أ َب َّر‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬
‫شد )‪(1‬‬ ‫ي أْر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫إلى ِفئةٍ ورأ ٍ‬ ‫ُ‬
‫َناٍج‬
‫لسلم ِ َراعَ بها الحمى‬ ‫ُ ِ‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫أم‬ ‫هي‬
‫كد)‪(2‬‬ ‫ف الّر ّ‬ ‫ّ ُ ِ‬ ‫يو‬ ‫س‬ ‫بال‬ ‫ب‬‫عاد ٍ َتواث َ َ‬ ‫َ‬
‫عل ً في ليل ٍ‬
‫ة‬ ‫مشا ِ‬ ‫ك َ‬ ‫فروا إلي ِ‬ ‫نَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ق أْرب َدِ‬ ‫جي َةٍ وأفْ ٍ‬ ‫ظلماء َدا ِ‬
‫َ‬
‫ن تحي ُّزوا‬ ‫حي َ‬ ‫لسلم ِ‬ ‫حمى ا ِ‬ ‫فَأَتوا ِ‬
‫جد ِ )‪(3‬‬ ‫من ِ‬ ‫فيه إلى فئةٍ وَعَْزم ٍ ُ‬
‫*‬
‫*‬
‫*‬
‫ئ‬
‫ل ! لل ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ج َ‬ ‫حَر ال َ‬ ‫س ْ‬‫الهن ْد ُ ! َيا ِ‬
‫مّردِ‬ ‫جدٍ وُز ُ‬ ‫س َ‬ ‫ك ب ِعَ ْ‬ ‫ت عََلي ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫َأل َ‬
‫ت ك ُّلها‬ ‫شعّ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫وََرَوائعُ الَياقو ُ‬
‫ضد‬ ‫من ّ‬ ‫حلى و ُ‬ ‫َ‬ ‫منُثور ال ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫َ‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫حلى‬ ‫س والد ّّر ال ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫صوغي ِ‬ ‫ُ‬
‫شد ِ‬ ‫واهَِر وان ْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫شئ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫صوغي ك َ‬ ‫ُ‬
‫عب َْرةُ‬ ‫ك ِ‬ ‫َزهْوُ القلِئد فوقَ جيد ِ‬ ‫َ‬
‫مهَتدي‬ ‫ة لل ُ‬ ‫ظرين وآي ٌ‬ ‫للّنا ِ‬
‫ت جوْهََر "كوهِ نوٍر" في ُرَبى‬ ‫صن ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫كَ ْ‬
‫فّرد )‪(4‬‬ ‫مت َ‬ ‫ذرا ُ‬ ‫ن َتمن ّعَ في ال ّ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ت فوق تاج ظالم ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ت فأ ْ‬ ‫سرِقَ ْ‬ ‫ُ‬
‫مهَد ّدِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫عهو‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫دا‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫و‬ ‫غ‬‫َبا ٍ‬
‫فه‬ ‫ل في ك َ ّ‬ ‫ص بلندن لم َتز ْ‬ ‫لِ ّ‬
‫فد‬ ‫م ت َن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل أرض ث َْروَةُ ل ْ‬ ‫من ك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫جوْهَُر الّتـ‬ ‫َ‬
‫ك َ‬ ‫ن أغلى الد ّّر عن ْد َ ِ‬ ‫لك ّ‬
‫مت َعَب ّدِ‬ ‫من ال ُ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫شوْقُ ال ُ‬ ‫ـوحيد ‪َ ،‬‬
‫ق‬‫سارِ ٍ‬ ‫ب إليه ل ِ َ‬ ‫ن د َْر ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫معتدِ‬ ‫سطوةِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫بل َ‬ ‫أبدا ول َدر ٍ‬ ‫ً‬
‫ه‬‫ص دون ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه فت ُْر ِ‬ ‫َ‬ ‫جود ُ ل َ ُ‬ ‫ج تَ ُ‬ ‫مهَ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سي ّد َ‬ ‫حها من كل أْروَع َ َ‬ ‫أْروا َ‬
‫ظ عَْبدهُ‬ ‫وعناية الّرحمن تحف ُ‬
‫سد ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ُ‬ ‫عت ّ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ٍ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫واهِرِ ك ُّلها‬ ‫ج‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫أع‬ ‫َ‬ ‫ضحى‬ ‫َ‬
‫َ َ‬ ‫ّ ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫م َ‬ ‫هنا َ‬ ‫َ‬
‫شي ّدِ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫بأعَّز ِ‬
‫*‬
‫*‬
‫*‬
‫‪1415‬هـ‬
‫‪1994‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· ملحمة السلم في الهند ‪.‬‬
‫)‪ (1‬إشارة إلى العلماء المسلمين الذين نزحوا إلى الهند عند الغزو التتري ‪،‬‬
‫والسر العريقة ‪.‬‬
‫كد ‪ :‬الثابتة‬ ‫)‪ (2‬إشارة إلى غزو التتر والمغول للعالم السلمي ‪ .‬والسيوف الر ّ‬
‫في أيدي الضاربين ‪.‬‬
‫)‪ (3‬إشارة إلى قوله تعالى ‪ ) :‬يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ً‬
‫فل تولوهم الدبار ‪ .‬ومن يولهم يومئذ دبره إل متحّرفا ً لقتال أو متحيزا ً إلى‬
‫فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ( ‪] .‬النفال ‪،15 :‬‬
‫‪. [16‬‬
‫ة " كوهي نور " الماسة الهندية الشهيرة كانت عند المغول فأخذها‬ ‫)‪ (4‬ألماس ُ‬
‫" نادر شاه " ملك الفغان عندما انتصر عليهم في موقعة كارنال في الهند ‪.‬‬
‫كما حمل معه " عرش الطاؤوس " الذي ما زال في طهران حتى اليوم ‪ .‬ثم‬
‫م استردها المغول‬ ‫استولى عليها " رانجي سينيخ " حاكم البنجاب ‪ .‬ث ّ‬
‫وحفظوها في حصن عظيم في أورانج أباد ‪ .‬حتى سرقها النجليز لصوص‬
‫الرض ووضعوها دون حياء في تاج ملكة انجلترا ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪...‬‬
‫الهمة طريق إلى القمة‬
‫رئيسي ‪:‬تربية ‪:‬‬
‫يتناول الدرس أهمية علو الهمة وما هو علو الهمة ووسائل ترقية الهمة‬
‫والنهوض بها‪ ،‬والعلمات الدرالة على علو الهمة‪ ،‬والعلمات الدالة على‬
‫مة‬‫سفول الهمة‪،‬و كيفية استثمار همة الناس‪ ،‬ثم ذكر محاذير موجهة لهل اله ّ‬
‫العالية ليجتنبوها ‪.‬‬
‫م به من أمر ليفعل'‪ .‬فالهمة‬ ‫معنى الهمة‪ :‬جاء في 'القاموس'‪':‬هـ م م'‪' :‬ما هُ ّ‬
‫هي الباعث على الفعل‪ ،‬وتوصف بعلو أو سفول‪ ،‬فمن الناس من تكون همته‬
‫عالية علو السماء‪ ،‬ومنهم من تكون همته دنيئة سافلة‪ ،‬تهبط به إلى أسوأ‬
‫الدرجات‪.‬‬
‫مة فقال‬ ‫? وعرف بعضهم علو اله ّ‬
‫‪':‬هو استصغار ما دون النهاية من معالي المور'‪.‬‬
‫مة أل تقف ‪ -‬أي‬ ‫مة العالية‪' :‬علو اله ّ‬ ‫فا اله ّ‬
‫قال ابن القيم رحمه الله ‪ ،‬واص ً‬
‫ً‬
‫النفس‪ -‬دون الله‪ ،‬ول تتعوض عنه بشيء سواه‪ ،‬ول ترضى بغيره بدل منه‪ ،‬ول‬
‫تبيع حظها من الله‪ ،‬وقربه والنس به‪ ،‬والفرح والسرور والبتهاج به بشيء‬
‫مة العالية على الهمم كالطائر العالي‬ ‫من الحظوظ الخسيسة الفانية‪ .‬فاله ّ‬
‫على الطيور‪ ،‬ل يرضى بمساقطهم‪ ،‬ول تصل إليه الفات التي تصل إليهم‪،‬‬
‫مة كلما علت بعدت عن وصول الفات إليها‪ ،‬ولكما نزلت قصدتها‬ ‫فإن اله ّ‬
‫الفات من كل مكان'‪.‬‬
‫مة وقصورها‪ :‬فقد قال الفاروق عمر‬ ‫? وقد حذر السلف كثيًرا من سقوط اله ّ‬
‫رضي الله عنه‪':‬ل تصغرن همتك‪ ،‬فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته'‪.‬‬
‫وقال ابن نباته‪:‬‬
‫حاول جسيمات المور ول تقل إن المحامد والعلى أرزاق‬
‫وارغب بنفسك أن تكون مقصًرعن غاية فيها الطلب سباق‬
‫وقد قيل‪':‬المرء حيث يجعل نفسه‪ ،‬إن رفعها ارتفعت‪ ،‬وإن قصر بها اتضعت'‪.‬‬
‫مة قسمان‪:‬وهبية‪ ،‬وكسبية‪:‬‬ ‫واله ّ‬
‫مة‪ ،‬أو سفولها‪ ،‬ويمكن‬ ‫? فالوهبّية‪ :‬هي ما وهبه الله تعالى للعبد من علو اله ّ‬
‫أن تنمى وترعى‪ ،‬أو تهمل وتترك‪.‬‬
‫مة كسب‬ ‫ّ‬ ‫اله‬ ‫صاحب‬ ‫أن‬ ‫أي‬ ‫كسبية‪:‬‬ ‫صارت‬ ‫? فإن نماها صاحبها وعل بها‬
‫درجات عالية لهمته‪ ،‬وزاد من أصل مقدارها الذي وهبه الله إياه‪ ،‬وإن تركها‬
‫مة في هذا تشترك مع باقي‬ ‫وأهملها ولم يلتفت إليها خبت وتضاءلت‪ ،‬واله ّ‬
‫الصفات العقلية والخلقية كالذكاء وقوة الذاكرة وحسن الخلق وغير ذلك مما‬
‫هو معلوم بدهي‪.‬‬
‫مة مولودة مع‬ ‫قال ابن الجوزي رحمه الله ‪':‬وقد عرفت بالدليل أن اله ّ‬
‫الدمي‪ ،‬وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الوقات‪ ،‬فإذا حثت سارت‪ ،‬ومتى‬
‫رأيت في نفسك عجًزا فسل المنعم‪ ،‬أو كسل ً فالجأ إلى الموفق‪ ،‬فلن تنال‬
‫خيًرا إل بطاعته‪ ،‬ول يفوتك خير إل بمعصيته'‪.‬‬
‫مراتب الهمم ‪:‬الناس متفاوتون في أمرين‪:‬مطالبهم وأهدافهم‪..‬والهمم‬
‫الموصلة إلى هذه المطالب والهداف‪.‬‬
‫فمن الناس من يطلب المعالي بلسانه‪ ،‬وليس له همة في الوصول إليها‪،‬‬
‫ن مغرور‪ .‬ومن الناس من ل يطلب إل سفاسف المور‪ ،‬وهم‬ ‫فهذا متم ّ‬
‫فريقان‪:‬‬
‫? فريق ذو همة في تحصيل تلك الدنايا‪ ،‬فتجده السباق إلى أماكن اللهو‪،‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومغاني الغواني‪ ،‬وهذا إن اهتدى يكن سباًقا إلى المعالي‪ ،‬ذا همة عالية‬
‫قُهوا[‬ ‫سَلم ِ إ َِذا فَ ُ‬‫م ِفي اْل ِ ْ‬ ‫خَياُرهُ ْ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫خَياُرهُ ْ‬
‫ن ِ‬
‫مَعادِ ُ‬
‫س َ‬‫نفيسة‪] :‬الّنا ُ‬
‫رواه البخاري ومسلم وأحمد‪.‬‬
‫? وفريق ل هم له‪ ،‬فهو معدود من سقط المتاع‪ ،‬وموته وحياته سواء‪ ،‬ل يفتقد‬
‫إذا غاب‪ ،‬ول يسأل إذا حضر‪.‬‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫? ومن الناس من تسمو مطالبه إلى ما يحبه الله ورسوله َ‬
‫م‪ ،‬وله همة عظيمة في تحصيل مطالبه وأهدافه فهنيًئا له‪ ..‬وبين كل هذه‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫القسام مراتب كثيرة متفاوتة‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪':‬لذة كل أحد على حسب قدره وهمته وشرف نفسه‪ ،‬فأشرف‬
‫ن لذتهم في معرفة الله ومحبته‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫سا‪ ،‬وأعلهم همة‪ ،‬وأرفعهم قدًرا؛ َ‬ ‫الناس نف ً‬
‫والشوق إلى لقائه‪ ،‬والتودد إليه بما يحبه ويرضاه'‪.‬‬
‫ضا‪':‬ولله الهمم ما أعجب شأنها وأشد تفاوتها!‪ ،‬فهمة متعلقة بالعرش‪،‬‬ ‫وقال أي ً‬
‫وهمة حائمة حول النتان والحش'‪.‬‬
‫يتفاوت الناس في هممهم فتتفاوت على هذا أعمالهم وحظوظهم ودرجاتهم ‪:‬‬
‫وإذا أردت أن تعرف مراتب الهمم‪ ،‬فانظر إلى‪:‬‬
‫ّ‬
‫صلى‬ ‫رضي الله عنه وقد قال له رسول الله َ‬ ‫? همة ربيعة بن كعب السلمي‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل‪ ':‬أ َسأ َ‬
‫ة' رواه مسلم‬ ‫ن‬
‫َ ّ ِ‬‫ج‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫را‬ ‫م‬
‫ُ َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ل[ فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫س ْ‬‫م‪َ ]:‬‬‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫والنسائي وأبوداود‪ .‬وكان بعض الناس يسأله ما يمل بطنه‪ ،‬أو يواري جلده‪.‬‬
‫وقال الشيخ عبد القادر الجيلني لغلمه‪':‬يا غلم‪ :‬ل يكن همك ما تأكل وما‬
‫تشرب‪ ،‬وما تلبس وما تنكح‪ ،‬وما تسكن وما تجمع‪ ،‬كل هذا هم النفس والطبع‬
‫فأين هم القلب‪ ،‬همك ما أهمك‪ ،‬فليكن همك ربك عز وجل وما عنده'‪.‬‬
‫? وهذه من أعظم الوصايا للدعاة حتى ل تضعف همتهم أمام المغريات؛ ل‬
‫سيما وأن من أهم صفات الداعية مخالطته للناس والتأثير عليهم‪ ،‬فكم من‬
‫داعية انزلق في بحر هذه المغريات حتى أضحت الدعوة آخر اهتماماته‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫? وأما أمر ابن عباس رضي الله عنه مع صاحبه النصاري‪ ،‬فهو دليل على‬
‫تفاوت الهمم واختلف مراتبها‪ ،‬فقد قال رضي الله عنه‪':‬لما قبض رسول الله‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م قلت لرجل‪ :‬هلم فلنتعلم من أصحاب النبي َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫م فإنهم كثير' فقال‪ :‬العجب‪ ،‬والله لك يا ابن عباس‪ ،‬أترى الناس‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬
‫ُ َ ْ ِ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ّ‬
‫لى‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫أصحاب‬ ‫من‬ ‫ترى‬ ‫من‬ ‫الناس‬ ‫وفي‬ ‫إليك‪،‬‬ ‫يحتاجون‬
‫صّلى‬ ‫َ‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫م ؟!فتركت ذلك‪ ،‬وأقبلت على المسألة‪ ،‬وتتبع أصحاب‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫م فإن كنت لتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ل‪ ،‬فأتوسد ردائي على باب داره‬ ‫سل ّ َ‬
‫م فأجده قائ ً‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫رسول الله َ‬
‫تسفي الرياح على وجهي حتى يخرج إلى‪ ،‬فإذا رآني قال‪ :‬يا ابن عم رسول‬
‫م ما لك؟ قلت‪ :‬حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الله َ‬
‫م فأحببت أن أسمعه منك‪.‬‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫الله َ‬
‫فيقول‪ :‬هل أرسلت إلى فآتيك؟ فأقول‪ :‬أنا كنت أحق أن آتيك‪ .‬وكان ذلك‬
‫م وقد احتاج‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫الرجل يراني‪ ،‬فذهب أصحاب رسول الله َ‬
‫الناس إلى‪ ،‬فيقول‪' :‬أنت أعلم مني'] قال في 'مجمع الزوائد' ‪ :9/280‬رواه‬
‫الطبراني ورجاله رجال الصحيح[‪.‬‬
‫? وترى اليوم من تفاوت الهمم أمًرا عجًبا‪ :‬فإذا استثنى الناظر في أحوال‬
‫الناس أمر العامة – واستثناؤهم واجب لنه قد ماتت هممهم‪ ،‬وقعدت بهم عن‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحصيل معالي المور‪ -‬واطلع على أحوال الخاصة وهم‪ :‬الدعاة‪ ،‬وطلب‬
‫العلم‪ ،‬وباقي الملتزمين الحريصين على دينهم؛ سيصاب بالدهشة لما يراه‬
‫مة‪ ،‬وأنها الشأن الغالب على الخصوص الذين ذكرتهم‪:‬‬ ‫من فتور اله ّ‬
‫فمنهم‪ :‬من إذا من إذا اطلع ساعة‪ ،‬أو ساعتين في اليوم؛ ظن أنه قد أتي بما‬
‫لم يأت به الوائل‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬من إذا خرج لزيارة فلن من الناس بقصد الدعوة يظن أنه قد قضى‬
‫ما عليه من حق يومي‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬من تتغلب عليه زوجة وعيال فيقطع عامة وقته في مرضاتهم‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬من اقتصر في تحصيل العلم على سماع بعض الشرطة‪ ،‬وحضور‬
‫محاضرة‪ ،‬أو اثنتين في السبوع‪ ،‬أو الشهر‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬من غلب عليه الركون إلى الدنيا‪ ،‬والتمتع بمباحاتها تمتًعا يفضي به‬
‫إلى نسيان المعاني العلية‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬من يقضي عامة يومه متتبًعا لسقطات إخوانه‪ ،‬ومطلًعا على ما يزيد‬
‫خا في هذا المجال ‪.‬‬ ‫علمه رسو ً‬
‫وهكذا يندر أن تجد إنساًنا استطاع أن يعلو بهمته‪ ،‬ويجمع شمله‪ ،‬ويقصر من‬
‫العتذارات والشكايات‪ ،‬فتصبح حياته مثل ً أعلى يحتذي به‪ ..‬ول أزعم أن‬
‫ما بأنه – إل‬ ‫مة وعلوها‪ ،‬ولكن أقول جاز ً‬ ‫جمهور الصحوة قد فات عليه أمر اله ّ‬
‫القليل – لم يستثمروا هممهم حق الستثمار‪ ،‬ولم يحاولوا أن يرتقوا بأنفسهم‬
‫حق الرتقاء‪.‬‬
‫فا‪' :‬إنه‬
‫ما ممن ذكرناهم آن ً‬ ‫? يقول الستاذ المودوديّ رحمه الله مخاطًبا قو ً‬
‫من الواجب أن تكون في قلوبكم نار مّتقدة تكون في ضرامها – على القل –‬
‫ضا‪ ،‬ول تدعه حتى‬ ‫مثل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابًنا له مري ً‬
‫تجّره إلى الطبيب‪ ،‬أو عندما ل يجد في بيته شيًئا يسد به رمق حياة أولده‬
‫فتقلقه‪ ،‬وتضطره إلى بذل الجهد والسعي‪.‬‬
‫إنه من الواجب أن تكون في صدوركم عاطفة صادقة‪ ،‬تشغلكم في كل حين‬
‫من أحيانكم بالسعي في سبيل غايتكم‪ ،‬وتعمر قلوبكم بالطمأنينة‪ ،‬وتكسب‬
‫لعقولكم الخلص والتجرد‪ ،‬وتستقطب عليها جهودكم‪ ،‬وأفكاركم بحيث إن‬
‫شئونكم الشخصية‪ ،‬وقضاياكم العائلية إذا استرعت اهتمامكم‪ ،‬فل تلتفتون‬
‫إليها إل مكرهين‪.‬‬
‫وعليكم بالسعي أل تنفقوا لمصالحكم وشئونكم الشخصية إل أقل ما يمكن‬
‫من أوقاتكم وجهودكم‪ ،‬فتكون معظمها منصرفة لما اتخذتم لنفسكم من‬
‫الغاية في الحياة‪ ..‬وهذه العاطفة ما لم تكن راسخة في أذهانكم‪ ،‬ملتحمة مع‬
‫أرواحكم ودمائكم‪ ،‬آخذة ّ عليكم ألبابكم وأفكاركم؛ فإنكم ل تقدرون أن‬
‫تحركوا ساكًنا بمجرد أقوالكم ‪...‬الحقيقة أن النسان إذا كان قلبه مربوطاً‬
‫بغايته‪ ،‬وفكره متطلًعا إليها‪ ،‬فإنه ل يحتاج إلى تحريض أو دفع ‪...‬واسمحوا لي‬
‫أن أقول لكم‪:‬إنكم إذا خطوتم على طريق هذه الدعوة بعاطفة أبرد َ من تلك‬
‫العاطفة القلبية التي تجدونها في قلوبكم نحو أزواجكم‪ ،‬وأبنائكم‪ ،‬وأمهاتكم؛‬
‫فإنكم ل بد أن تبوءوا بالفشل الذريع' ]'تذكرة دعاء السلم'‪.[58 :‬‬
‫ويمكن أن نقول‪ :‬إن مراتب الهمم متفاوتة فيما يلي‪:‬‬
‫همة ل تسعف صاحبها لقضاء حوائجه الساسية بل يظل عامة ليلة وسحابة‬
‫نهاره في نوم وتراخ وكسل‪ ،‬وهذه أدنى درجات الهمم‪ ،‬وصاحبها عاجز يعتمد‬
‫على الناس اعتماًدا كلًيا‪ ،‬وهذه المرتبة قليلة في النوع النساني‪ ،‬ولله الحمد‪.‬‬
‫ومن أمثلتها في الناس‪ :‬الطفيليون‪ ،‬وطبقة التنابلة المشتهرين في التاريخ‬
‫بكسلهم‪ ،‬وسقوط هممهم‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫همة ترقى بصاحبها إلى قضاء الحوائج‪ ،‬والسعي في الرض‪ ،‬وأداء الفروض‪،‬‬
‫ولكن كل هذا يقضيه بقدر بحيث يستصعب معه كثيًرا من المور‪ ،‬ويعتقد‬
‫استحالتها وهي أمور ممكنة التحقق عند غيره‪ ،‬وتجده – عند الستشارة –‬
‫مة يشترك فيها كثير من‬ ‫كثير الصد ّ قريب القصد‪ ..‬وهذه المرتبة من اله ّ‬
‫الناس إن لم نقل أغلبهم‪.‬‬
‫ومن الناس من يريد الرتفاع بهمته‪ ،‬ولكنه ل يعرف سبل استثمارها‪ ،‬ول‬
‫كيفية الستفادة منها‪ ،‬فتجده متذبذًبا في أموره‪ ،‬فتارة ينجز أموًرا عظيمة‪،‬‬
‫وتارة يستصعب الممكن ويستبعده‪ ..‬والغالب على أهل هذه المرتبة أنهم ل‬
‫يحققون ما يصبون له ويتطلعون إليه‪.‬‬
‫ومن الناس من تتجاوز به همته واقع الناس بكثير وتتعداه‪ ،‬بل تكاد تستسهل‬
‫مة نادر في دنيا البشر‪ ،‬ولكنه‬ ‫المستحيل ول تخضع له‪ ..‬وصاحب هذه اله ّ‬
‫مة‬ ‫موجود معروف‪ ،‬يعرفه الناس ويقتدون به‪ ،‬والغالب على صاحب هذه اله ّ‬
‫أنه يحقق أهدافه وغايته‪ ،‬بل يحقق أموًرا تحتاج في تصور معظم الناس إلى‬
‫فريق من العاملين لنجازها‪.‬‬
‫ل من الدهر‬ ‫له همم ل منتهى لكبارها وهمته الصغرى أج ّ‬
‫ضا‪:‬‬ ‫وأي ً‬
‫تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يغِْله المهر‬
‫مة في حياة المسلم‪:‬‬ ‫أهمية علو اله ّ‬
‫تحقيق كثير من المور مما يعده عامة الناس خيال ل يتحقق‪ :‬وهذا المر‬ ‫ً‬
‫ل‪،‬‬‫مشاهد معروف عند أهل الهمم ؛ إذ يستطيعون – بتوفيق الله لهم أو ً‬
‫وبهمتهم ثانًيا – إنجاز كثير من العمال التي يستعظم بعضها من قعدت به‬
‫همته ويظنها خيا ً‬
‫ل‪.‬‬
‫م؛ إذ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫?وأعظم مثال على هذا‪ :‬سيرة المصطفى َ‬
‫المعروف عند أهل التواريخ أن بناء المم يحتاج إلى أجيال لتحقيقه‪ ،‬لكنه‬
‫م استطاع بناء خير أمة أخرجت للناس في أقل من ربع‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫قرن‪ ،‬واستطاعت هذه المة أن تنير بالسلم غالب الجزاء المعروفة آنذاك‪،‬‬
‫م‪ ،‬وعمله‪ ،‬وهمته العالية في بناء المة أمٌر‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫وجهاده َ‬
‫مة العالية‪ ،‬وخيالتهم‪ ،‬وما‬ ‫معروف‪ ،‬وهو مما تقاصر عنه أطماع أهل اله ّ‬
‫يتطلعون إليه‪.‬‬
‫ل من سنتين أن يخرج من دائرة‬ ‫ديق رضي الله عنه استطاع في أق ّ‬ ‫?والص ّ‬
‫حصار المرتدين‪ ،‬ولم يمت إل وجيوشه تحاصر أعظم إمبراطوريتين في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬هذا وقد نهاه كبار الصحابة عن حرب المرتدين‪ ،‬وظنوا أنه ل يستطيع‬
‫ت عليه ذلك‪ ،‬واستطاع‬ ‫أن يقوم في وجه العرب كلهم‪ ،‬ولكن همته العالية أب َ ْ‬
‫أن ينجز ما ظنه الناس خيال ً ل ينجز‪.‬‬
‫الوصول إلى مراتب عليا في العبادة والزهد‪ :‬وهذا معلم بارز في حياة النبي‬
‫م‪ ،‬والصحابة‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ح‬ ‫ََ َ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ة‬
‫َ ْ ٍ‬‫َ‬ ‫ل‬‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ْ ِ َ َ َ‬‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫َ ْ ُ َ َ ِّ ّ َ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ة‪':‬‬ ‫ُ ْ ُ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ح‬ ‫يقول‬ ‫?‬
‫ضى‬ ‫م َ‬ ‫صّلي ب َِها ِفي َرك ْعَةٍ فَ َ‬ ‫ت يُ َ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ضى فَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫مائ َةِ ث ُ ّ‬ ‫عن ْد َ ال ْ ِ‬ ‫ت ي َْرك َعُ ِ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫قَرة َ فَ ُ‬ ‫ال ْب َ َ‬
‫قرأ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها ي َ ْ َ‬ ‫قَرأ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫حآ َ‬ ‫م افْت َت َ َ‬ ‫ها ث ُ ّ‬ ‫قَرأ َ‬ ‫ساَء فَ َ‬ ‫ح الن ّ َ‬ ‫م افْت َت َ َ‬ ‫ت ي َْرك َعُ ب َِها ث ُ ّ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫مّر ب ِت َعَوّذ ٍ ت َعَوّذ َ‬ ‫سأ َ‬‫َ‬ ‫ً‬
‫ل وَإ َِذا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ؤا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫مّر ب ِ ُ‬ ‫ح وَإ َِذا َ‬ ‫سب ّ َ‬‫ح َ‬ ‫سِبي ٌ‬ ‫مّر ِبآي َةٍ ِفيَها ت َ ْ‬ ‫سل إ َِذا َ‬ ‫مت ََر ّ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫مهِ ث ُّ‬ ‫ن قَِيا ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ً‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م[‬ ‫ظي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬
‫َ َ‬‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫حا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫س‬‫ُ‬ ‫ل‪]:‬‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ثُ ّ َ‬
‫ر‬ ‫م‬
‫ِ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫جد َ ف َ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ما َركعَ ث ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫م ّ‬ ‫ريًبا ِ‬ ‫ويل قَ ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مط ِ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ه[ ث ُ ّ‬ ‫مد َ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫ّ‬
‫معَ الل ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪َ ]:‬‬ ‫َقا َ‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه'رواه مسلم ‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ن قَِيا ِ‬ ‫م ْ‬


‫ريًبا ِ‬ ‫جود ُه ُ قَ ِ‬ ‫س ُ‬‫ن ُ‬ ‫كا َ‬‫ي اْل َعَْلى[ فَ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫] ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫معَ الن ّب ِ ّ‬
‫ت َ‬ ‫ّ‬
‫صلي ْ ُ‬‫ه‪َ ':‬‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫سُعودٍ َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬
‫?وقال عَب ْد ُ اللهِ ب ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ت قال هَ َ‬‫َ‬ ‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫ما هَ َ‬ ‫ُ‬
‫سوٍْء قلَنا وَ َ‬ ‫مرِ َ‬ ‫ت ب ِأ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫حّتى هَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ي ََزل قائ ِ ً‬ ‫ة فَل َ ْ‬ ‫م ل َي ْل َ ً‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫م' رواه البخاري ومسلم وابن ماجة‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ َ َ َ ِّ ّ َ‬ ‫أ ْ‬
‫وأحمد‪.‬‬
‫?وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه على فراش الموت يذكر أموًرا تدل على‬
‫مته في العبادة والزهد‪ ،‬فروي عنه أنه قال‪':‬اللهم إنك تعلم أني لم أكن‬ ‫علو ه ّ‬
‫أحب البقاء في الدنيا ول طول المكث فيها لجري النهار‪ ،‬ول لغرس الشجار‪،‬‬
‫ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل‪ ،‬وظمأ الهواجر في الحر‬
‫الشديد‪ ،‬ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر'‪ .‬هذا وقد كان يعيش في‬
‫دمشق ولكنه عل بهمته عما فيها من مغريات وجمال‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫?وهذا المام مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة قد روى عنه المام‬
‫سا فأسأله عن مسألتين‪ ،‬ثلثة‪،‬‬ ‫ابن القاسم هذه الحادثة‪':‬كنت آتي مال ً‬
‫كا غل ً‬
‫أربعة‪ ،‬وكنت أجد منه انشراح الصدر‪ ،‬فكنت آتي كل سحر‪ ،‬فتوسدت مرة في‬
‫عتبته‪ ،‬فغلبتني عيني فنمت‪ ،‬وخرج مالك إلى المسجد فلم أشعر به‪،‬‬
‫فركضتني سوداء له برجلها‪ ،‬وقالت لي‪ :‬إن مولك ل يغفل كما تغفل أنت‪،‬‬
‫مة‪ ،‬ظنت السوداء‬ ‫اليوم له تسع وأربعون سنة ما صلى الصبح إل بوضوء العَت َ َ‬
‫أنه موله من كثرة اختلفه إليه'‪..‬وإذا أردت التوسع في أمثلة عبادة السلف‬
‫وزهدهم فسيطول بي المر‪ ،‬وحسبي ما أوردته دليل ً على علو هممهم‪.‬‬
‫مة العالية ل يرضى لنفسه دنايا‬ ‫البعد عن سفاسف المور ودناياها‪:‬صاحب اله ّ‬
‫ما إلى ما هو أفضل وأحسن‪ ،‬فتجده يترفع عن مجالس‬ ‫المور بل يطمح دائ ً‬
‫اللغو وإضاعة الوقت‪ ،‬وينأى بنفسه عنها‪.‬‬
‫ما من حال من يقطع يومه وليلته في سفاسف‬ ‫? يقول ابن الجوزي‪ -‬متأل ً‬
‫المور‪':-‬قد رأيت عموم الخلئق يدفعون الزمان دفًعا عجيًبا‪ ،‬إن طال الليل‬
‫فبحديث ل ينفع‪ ،‬أو بقراءة كتاب فيه غزل وسمر‪ ،‬وإن طال النهار فبالنوم‪،‬‬
‫وهم في أطراف النهار على دجلة أو في السواق‪ ،‬فشبهتهم بالمتحدثين في‬
‫سفينة وهي تجري وما عندهم خبر‪ ،‬ورأيت النادرين قد فهموا معنى الزمان‬
‫وتهيأوا للرحيل‪ ،‬فالله الله في مواسم العمر‪ ،‬والبداَر البداَر قبل الفوات‪،‬‬
‫ونافسوا الزمان'‪.‬‬
‫?ولما فر عبد الرحمن الداخل – صقر قريش – من العباسيين‪ ،‬وتوجه تلقاء‬
‫الندلس؛ أهديت إليه جارية جميلة‪ ،‬فنظر إليها وقال‪' :‬إن هذه من القلب‬
‫والعين بمكان‪ ،‬وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها‪ ،‬وإن اشتغلت‬
‫بها عما أطلبه ظلمت همتي‪ ،‬ول حاجة لي بها الن‪ ،‬ورّدها على صاحبها'‪.‬‬
‫مة العالية يعتمد عليه‪ ،‬وتناط به المور الصعبة وتوكل إليه‪ :‬وهذا‬ ‫صاحب اله ّ‬
‫أمر مشاهد معروف؛ فإن كل رؤساء ومدراء الجمعيات والمؤسسات‬
‫مة العالية‪ ،‬ويطمئنون له‪ ،‬ويسعدون به‪ ،‬كيف‬ ‫يطمحون للعمل مع صاحب اله ّ‬
‫مة العالية في‬ ‫ل وهو عوض عن فريق من العاملين‪ ،‬وكذلك صاحب اله ّ‬
‫الدعوة يكون بمثابة فريق من الدعاة‪ ،‬ويرفع الله به الدعوة درجات‪ ،‬وقد‬
‫مة وإن حط نفسه تأبى إل العلو‪ ،‬كالشعلة من النار يخفيها صاحبها‬ ‫قيل‪':‬ذو اله ّ‬
‫عا'‪.‬‬
‫وتأبى إل ارتفا ً‬
‫مة العالية يستفيد من حياته أعظم استفادة‪ ،‬وتكون أوقاته‬ ‫صاحب اله ّ‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مستثمرة بّناءه‪ :‬وهذا هو مطمع الصالحين‪ ،‬ومراد العالمين‪ ،‬ومجال‬


‫المتنافسين‪ ،‬وقد كان السلف رحمهم الله يضربون أعظم المثلة في هذا‬
‫المجال‪ ،‬وحسبي في هذا المر أن أورد مثالين‪:‬‬
‫? كان المام ابن عقيل الحنبلي يقول‪':‬إني ل يحل أن أضيع ساعة من عمري‪،‬‬
‫حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة‪ ،‬وبصري عن مطالعة؛ أعملت‬
‫فكري في حال راحتي وأنا مستطرح'‪.‬‬
‫? ووصف المام النووي حياته لتلميذه ابن العطار‪ ،‬فذكر له أنه كان يقرأ كل‬
‫حا‪ :‬درسين في 'الوسيط'‪،‬‬ ‫حا وتصحي ً‬ ‫سا على مشايخه شر ً‬ ‫يوم اثني عشر در ً‬
‫سا في 'اللمع' لبن جني‪،‬‬ ‫سا في صحيح مسلم‪ ،‬ودر ً‬ ‫سا في 'المهذب'‪ ،‬ودر ً‬ ‫ودر ً‬
‫سا في أصول الفقه‪،‬‬ ‫سا في التصريف‪ ،‬ودر ً‬ ‫سا في إصلح المنطق‪ ،‬ودر ً‬ ‫ودر ً‬
‫سا في أصول الدين‪ ،‬قال‪ :‬وكنت أعلق جميع‬ ‫سا في أسماء الرجال‪ ،‬ودر ً‬ ‫ودر ً‬
‫ما يتعلق بها من شرح مشكل ووضوح عبارة‪ ،‬وضبط لغة‪ ،‬وبارك الله تعالى‬
‫طار‪' :‬ذكر لي شيخنا رحمه الله تعالى أنه كان‬ ‫في وقتي‪ .‬وقال أبو الحسن الع ّ‬
‫ل يضيع له وقًتا ل في ليل ول في نهار إل في اشتغال حتى في الطرق‪ ،‬وأنه‬
‫دام على هذا ست سنين‪ ،‬ثم أخذ في التصنيف والفادة والنصيحة وقول‬
‫الحق‪.‬‬
‫قال الذهبي‪' :‬مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه‪ ،‬والعمل بدقائق الورع‪،‬‬
‫والمراقبة‪ ،‬وتفية النفس من الشوائب ومحقها من أغراضها'‪.‬‬
‫مة مع وقته‪:‬قال د‪.‬‬ ‫ما لحد الغربيين يوضح حال أهل اله ّ‬ ‫ما مه ً‬‫?وإليك كل ً‬
‫شباك يلتقط به نحاتات وقراضات‬ ‫ماردن‪' :‬كل رجل ناجح لديه نوع من ال ّ‬
‫ضلت اليام والجزاء الصغيرة من الساعات مما َيكِنسه‬ ‫الزمان‪ ،‬ونعني بها فَ َ‬
‫معظم الناس بين مهملت الحياة‪ ،‬وإن الرجل الذي يدخر كل الدقائق‬
‫المفردة‪ ،‬وأنصاف الساعات‪ ،‬والعياد غير المنتظرة‪ ،‬والفسحات التي بين‬
‫وقت وآخر‪ ،‬والفترات التي تنقضي في انتظار أشخاص يتأخرون عن مواعيد‬
‫مضروبة لهم‪ ،‬ويستعمل كل هذه الوقات‪ ،‬ويستفيد منها ليأتي بنتائج باهرة‬
‫يدهش لها الذين لم يفطنوا لهذا السر العظيم الشأن']'سبيلك إلى الشهرة‬
‫والنجاح'‪.[56 :‬‬
‫مة قدوة في مجتمعه‪ ،‬ينظر إلى‬ ‫مة العالية قدوة للناس‪ :‬صاحب اله ّ‬ ‫صاحب اله ّ‬
‫حاله القاعدون‪ ،‬وأنصاف الكسالى والفاترون؛ فيقتدون بهمته‪ ،‬ويرون ما كانوا‬
‫يظنونه أمًرا مسطوًرا في الكتب القديمة قد انتهى‪ ،‬وعدم من دنيا الناس‪،‬‬
‫قا في حياتهم‪ ،‬فيظل هذا الشخص رمًزا للناس ومحل‬ ‫يرونه واقًعا متحق ً‬
‫ضرب أمثالهم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫تغيير طريقة حياة الفراد والشعوب ‪ :‬يقول الشيخ محمد الخضر حسين‬
‫حا المراد‪':‬يسمو هذا الخلق بصاحبه فيتوجه به إلى النهايات من معالي‬ ‫شار ً‬
‫المور؛ فهو الذي ينهض بالضعيف يضطهد أو يزدرى‪ ،‬فإذا هو عزيز كريم‪ ،‬وهو‬
‫الذي يرفع القوم من سقوط‪ ،‬ويبدلهم بالخمول نباهة‪ ،‬وبالضطهاد حرية‪،‬‬
‫وبالطاعة العمياء شجاعة أدبية‪.‬‬
‫مة‪:‬‬
‫هذا الخلق هو الذي يحمي الجماعة من أن تتملق خصمها‪...‬أما صغير اله ّ‬
‫فإنه يبصر بخصومه في قوة وسطوة فيذوب أمامهم رهبة‪ ،‬ويطرق إليهم‬
‫طة ثم ل يلبث أن يسير في ريحهم‪ ،‬ويسابق إلى حيث تنحط‬ ‫رأسه ح ّ‬
‫أهواؤهم'‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مة‪ :‬إن تطوير النسان لهمته والرقي بها أمر مطلوب‪ ،‬ويتأكد‬ ‫وسائل ترقية اله ّ‬
‫هذا عند عقلء الناس‪ ،‬ودعاتهم ومصلحيهم‪ ،‬وهذه جملة أمور تساعد – في‬
‫ظني – على تطوير الهمم‪:‬‬
‫ن‬ ‫ذي‬‫ّ‬
‫َ ِ َ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫تعالى‪{:‬‬ ‫قال‬ ‫خطى‪،‬‬ ‫تخطى‬ ‫ول‬ ‫شئ‬ ‫يتحقق‬ ‫المجاهدة‪ :‬فبدونها ل‬
‫سب ُل ََنا ‪] }[69]...‬سورة العنكبوت[‪.‬‬ ‫م ُ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫جاهَ ُ‬ ‫َ‬
‫? قال ابن القيم رحمه الله‪':‬أعرف من أصابه مرض من صداع‪ ،‬وحمى‪ ،‬وكان‬
‫الكتاب عند رأسه‪ ،‬فإذا وجد إفاقة قرأ فيه‪ ،‬فإذا غلب وضعه‪ ،‬فدخل عليه‬
‫ما وهو كذلك فقال‪ :‬إن هذا ل يحل لك ؛ فإنك تعين على نفسك‪،‬‬ ‫الطبيب يو ً‬
‫ما‪.‬‬‫وتكون سبًبا لفوات مطلوبك'‪.‬فهذا رغم مرضه؛ يجاهد ليقرأ‪ ،‬ويزداد عل ً‬
‫?وقال المام عيسي بن موسى‪':‬مكثت ثلثين سنة أشتهي أن أشارك العامة‬
‫في أكل هريسة السوق فل أقدر على ذلك‪ ،‬لجل البكور إلى سماع الحديث'‪.‬‬
‫الدعاء الصادق واللتجاء إلى الله تعالى‪:‬فهو المسئول سبحانه أن يقوى‬
‫إرادتنا‪ ،‬ويعلى همتنا‪ ،‬ويرفع درجاتنا‪.‬‬
‫اعتراف الشخص بقصور همته‪ ،‬وأنه لبد له أن يطورها‪ ،‬ويعلو بها‪:‬وهذا أمر‬
‫َ‬
‫مة‬‫م لبد أن يعتقد أنه قادر على أن يكون من أهل اله ّ‬ ‫ي نفسي‪ ،‬ومن ث َ ّ‬ ‫أول ِ ّ‬
‫العالية‪ ،‬فهذان المران‪:‬‬
‫مة‪.‬‬
‫? العتراف بقصور اله ّ‬
‫? واعتقاد إمكانية تطويرها ‪.‬‬
‫مة‪ ،‬وبدونهما ل يكون‬ ‫عاملن مهمان لبد منهما في محاولة تطوير اله ّ‬
‫الشخص قد خطا خطوات صحيحة‪.‬‬
‫مة العالية‪ ،‬الذين صان الله بهم‬ ‫قراءة سير سلف المة‪ :‬أهل الجتهاد واله ّ‬
‫الدين‪ ،‬فكم من إنسان قرأ سيرة صالح مجاهد؛ فتغيرت حياته إثر ذلك تغيًرا‬
‫كلًيا‪ ،‬وصلح أمره وحسن حاله‪.‬‬
‫? قال على بن الحسن بن شقيق‪':‬قمت لخرج مع ابن المبارك في ليلة باردة‬
‫من المسجد‪ ،‬فذاكرني عند الباب بحديث أو ذاكرته‪ ،‬فما زلنا نتذاكر حتى جاء‬
‫المؤذن للصبح'‪.‬‬
‫? وقال محمد بن على السلمي‪':‬قمت ليلة سحًرا لخذ النوبة على ابن‬
‫لخرم‪ ،‬فوجدت قد سبقني ثلثون قارًئا‪ ،‬ولم تدركني النوبة إلى العصر'‪.‬‬ ‫ا َ‬
‫مة العالية‪ :‬إذ كل قرين بالمقارن يقتدي‪ ،‬والنظر في‬ ‫مصاحبة صاحب اله ّ‬
‫أحواله وما هو عليه‪ ،‬وكيف يختصر له الزمان اختصاًرا؛ نافع مفيد‪ .‬وهذا من‬
‫مة؛ لن البشر قد جلبوا على الغيرة والتنافس‪،‬‬ ‫أعظم البواعث على علو اله ّ‬
‫ضا‪ ،‬وحب المجاراة في طبائع البشر أمر ل ينكر‪.‬‬ ‫ومزاحمة بعضهم بع ً‬
‫مراجعة جدول العمال اليومي‪ ،‬ومراعاة الولويات‪ ،‬والهم فالمهم ‪ :‬وهذا‬
‫دا عن الرتابة‬ ‫مة‪ ،‬إذ كلما كان ذلك الجدول بعي ً‬ ‫أمر مفيد في باب تطوير اله ّ‬
‫مة‪.‬‬
‫والملل؛ كان أجدى في معالجة اله ّ‬
‫التنافس والتنازع بين الشخص وهمته‪ :‬أعني بهذا‪ :‬أن على مريد تطوير همته‬
‫أن يضيف أعباّء وأعمال ً يومية لنفسه لم تكن موجودة في برنامج حياته‬
‫السابق‪ ،‬بحيث يحدث نوع من التحدي داخل النسان لنجاز ما تحمله من‬
‫أعباء جديدة‪ ،‬ويجب أن تكون هذه الضافة مدروسة بعناية وإحكام حتى ل‬
‫يصاب الشخص بالحباط واليأس‪ .‬ويحسن اختيار هذه العباء الجديدة بحيث‬
‫تكون مبلغة له إلى الكمال‪' ،‬فمن كانت همته حفظ جميع كتب محمد بن‬
‫الحسن فالظاهر أنه يحفظ أكثرها أو نصفها']'تعليم المتعلم'‪ .[60 :‬فالتحدي‬
‫الذي نشأ في نفسه بسبب رغبته في حفظ كتب معينة سيوصله إلى حفظ‬
‫أكثرها‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدأب في تحصيل الكمالت والتشوق إلى المعرفة‪ :‬فمن استوي عند العلم‬
‫والجهل‪ ،‬أو كان قانًعا بحاله وما هو عليه؛ فكيف تكون له همة أص ً‬
‫ل‪ ،‬قال‬
‫الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز‪' :‬إن نفسي تواقة‪ ،‬وإنها لم تعط من‬
‫الدنيا شيًئا إل تاقت إلى ما هو أفضل منه‪ ،‬فلما أعطيت ما ل أفضل منه في‬
‫الدنيا تاقت إلى ما هو أفضل منه – يعنى الجنة'‪.‬‬
‫مة وتضييعها‪ :‬كثير من الصالحين‬ ‫البتعاد عن كل ما من شأنه الهبوط باله ّ‬
‫تضيع طاقاتهم في أمور ل تعود عليهم بالنفع بل قد يكون فيها كثير من‬
‫الضرر‪ ،‬فمن صور هذا التضييع‪:‬‬
‫? كثرة الزيارة للقارب بدون هدف شرعي صحيح‪ ،‬ول غرض دنيوي فيه‬
‫منفعة وفائدة معتبرة‪.‬‬
‫? كثرة الزيارة للصحاب بدعوى الخوة والتناصح‪ ،‬فيكثر في المجلس اللغو‬
‫والمزاح وتقل الفائدة‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫قا‬
‫يقول ابن الجوزي رحمه الله ‪':‬أعوذ بالله من صحبة البطالين‪ ،‬لقد رأيت خل ً‬
‫كثيًرا يجرون معي فيما اعتاد الناس من كثرة الزيارة ويسمون ذلك التردد‪:‬‬
‫خدمة‪ ،‬ويطيلون الجلوس‪ ،‬ويجرون فيه أحاديث الناس وما ل يعنى ويتخلله‬
‫غيبة‪ ،‬وهذا شئ يفعله في زماننا كثير من الناس‪ ،‬وربما طلبه المزور وتشوق‬
‫صا في أيام التهاني والعياد‪ ،‬فتراهم يمشي‬ ‫إليه واستوحش الوحدة‪ ،‬وخصو ً‬
‫بعضهم إلى بعض‪ ،‬ول يقتصرون على الهناء والسلم ؛ بل يمزجون ذلك بما‬
‫ذكرته من تضييع الزمان‪.'...‬‬
‫وكلم المام هذا ينطبق – في الجملة – على حال كثير من اللقاءات‬
‫والجتماعات التي يقوم بها الناس اليوم‪.‬‬
‫? النهماك في تحصيل المال بدعوى التجارة‪ ،‬وحيازة المال النافع للسلم‬
‫وأهله‪ ،‬ثم ل يلبث هذا المر أن ينقلب إلى تحصيل محض‪ ،‬وحب للدنيا‬
‫والنغماس فيها‪ ،‬ومن ثم يقسو قلب الشخص وتنحط همته‪.‬‬
‫? تكليف الموظف نفسه بعملين‪ :‬صباحي ومسائي بدون حاجة أو ضرورة‬
‫ملجئة‪ ،‬وإنما دفعه لهذا حب هذه الدنيا والتمتع فيها‪.‬‬
‫? كثرة التمتع بالمباح‪ ،‬والترف الزائد‪ ،‬والترفل في النعيم‪ ،‬وكل هذه المور‬
‫مة مهما قيل في تبريرها وتعليلها‪ ..‬ذكر‬ ‫من العوامل الفتاكة القاضية على اله ّ‬
‫ابن حجر رحمه الله أن تاج الدين المراكشي – أحد فقهاء الشافعية– كان قد‬
‫دا‪،‬‬
‫ما للقراءة والشتغال‪ ،‬صبوًرا على ذلك ج ً‬ ‫'انقطع بالمدرسة الشرفية ملز ً‬
‫بحيث يمتنع عن الكل والشرب‪ -‬أي عن فضولهما ‪ -‬والملذ بسبب ذلك'‪.‬‬
‫وهذه المور من المباحات قطًعا‪ ،‬ولكن ذلك الفقيه علم أن الكثار منها‬
‫مة وضعف العمل‪.‬‬ ‫والولع فيها سبب لسقوط اله ّ‬
‫الستجابة للصوارف السرية استجابة كلية أو شبه كلية‪ :‬فنجد الشخص‬
‫كا في تلبية مطالب زوجه وعياله‪ ،‬وقد ل تكون مهمة في أحيان كثيرة‪،‬‬ ‫منهم ً‬
‫خي ُْرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫وقد يعترض معترض ويورد أحاديث ل تدل على ما ذهب إليه مثل‪َ ]:‬‬
‫مْرءِ‬ ‫ْ‬
‫فى ِبال َ‬ ‫م ِل َهِْلي[ رواه الترمذي وابن ماجة‪ .‬ومثل‪]:‬ك َ َ‬‫خي ُْرك ُ ْ‬‫م ِل َهْل ِهِ وَأ ََنا َ‬ ‫خي ُْرك ُ ْ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ت[ رواه مسلم وأبوداود‪-‬واللفظ له‪ -‬وأحمد ‪ .‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ضي ّعَ َ‬‫ن يُ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫إ ِث ْ ً‬
‫وإنما هذه الحاديث في الحث على إحسان الخلق مع الهل‪ ،‬وعدم تركهم‬
‫وتضييعهم بالكلية‪ ،‬وقد دخلت علينا في حياتهم السرية كثير من التقاليد‬
‫الغربية في أمر الحتفاء الزائد بالهل والولد‪ ،‬ودعوى ضرورة بناء مستقبلهم‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وغير ذلك مما حاصلة‪ :‬نسيان الكفالة اللهية والضمان الرباني‪.‬‬


‫التسويف‪ :‬وهو داء عضال ومرض قتال‪ ،‬إذ أن 'سوف' جند من جنود إبليس‪،‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ن يوم العاجزين غد‬ ‫إ‬
‫ٍ ّ‬ ‫د‬ ‫غ‬ ‫إلى‬ ‫كسل‬ ‫عن‬ ‫اليوم‬ ‫شغل‬ ‫ول أدخر‬
‫مة مذهب لها‪،‬‬ ‫الكسل والفتور‪' :‬ل بد للمرء من البعد عن الكسل لنه قاتل لله ّ‬
‫وخاصة عند تقدم العمر وعجز الجسم‪ ،‬فهذا شيخ السلم زكريا النصاري‬
‫رحمه الله 'كان يصلى النوافل من قيام مع كبر سنه‪ ،‬وبلوغه مائة سنة أو‬
‫أكثر‪ ،‬وهو يميل يميًنا وشمال ً ل يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض‪،‬‬
‫فقيل له في ذلك فقال‪ :‬يا ولدي‪ ،‬النفس من شأنها الكسل وأخاف أن تغلبني‬
‫وأختم عمري بذلك'‪.‬‬
‫?وهذه أقوال تبين ما في العجز والكسل والفتور من آفات‪:‬‬
‫'ما لزم أحد الدعة إل ذل‪ ،‬وحب الهوينا يكسب الذل‪ ،‬وحب الكفاية مفتاح‬
‫العجز'‪.‬‬
‫وقال الصاحب‪':‬إن الراحة حيث تعب الكرام أودع لكنها أوضع‪ ،‬والقعود حيث‬
‫قام الكرام أسهل لكنه أسفل'‪.‬‬
‫ملحظة الخلق‪:‬أكثر الخلق مفرطون‪ ،‬وهم في الغفلة غارقون ؛ فهم صوارف‬
‫مة العلية حيث يغتر بهم ويقلدون في تفريطهم‪ ،‬فالحذار الحذار من‬ ‫عن اله ّ‬
‫غفلة الغافلين والغترار بها‪.‬‬
‫العلمات الدالة على علو همة الشخص‪:‬‬
‫تحّرقه على ما مضى من أيامه‪.‬‬
‫كثرة همومه‪ ،‬وتألمه لحال المسلمين‪ ،‬وما يجدون من ظلم وعنت‪.‬‬
‫موالته النصيحة‪ ،‬وتقديم الحلول والقتراحات‪ ،‬التي تقوم بالسلم‬
‫والمسلمين وتعزهم‪ ،‬لمن يأمل فيهم التغيير‪ ،‬ويرجو منهم الصلح‪.‬‬
‫ما فيما يفعله‪ ،‬أو يتعلمه‪ ،‬أو يصلحه‪ :‬قال الستاذ محمد‬ ‫طلبه للمعالي دائ ً‬
‫الخضر حسين‪' :‬طالب العلم الذي ل يدع باًبا من أبوابه إل ولجه‪ ...‬يكون‬
‫أعظم همة ممن ل يطرق منه كل باب‪ ،‬أو لم يعرج منه على كل مسألة‬
‫قيمة‪ ،‬وطالب العلم الذي يخوضه بنظر حر ويتناول مباحثه بنقد وبصيرة يكون‬
‫ظا ويتلقاها كما يتلقى حاكي الصدى ل‬ ‫أعظم همة ممن يجمع مسائله حف ً‬
‫يكلفك غير إملئها عليه'‪.‬‬
‫كثرة شكواه من ضيق الوقت‪ ،‬وعدم قدرته على إنجاز ما يريده في اليوم‬
‫والليلة‪ :‬وليست هذه الشكوى من نمط ما نسمع من ترداد كثير من الناس‬
‫لها‪ ،‬ولكنها شكوى حقيقية نابعة من عمل دؤوب يستغرق أوقات الشخص‪،‬‬
‫فيبث تلك الهات الصادقة‪.‬‬
‫دا ل يسرع بنقضه‬ ‫قوة عزمه وثبات رأيه وقلة تردده‪ :‬فهو إذا قرر أمًرا راش ً‬
‫بل يستمر فيه‪ ،‬ويثبت عليه حتى يقضيه ويجنى ثمرته‪ ،‬ول شك أن كثرة‬
‫مة‪.‬‬
‫التردد ونقض المر بعد إبرامه من علمات تدني اله ّ‬
‫إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترّددا‬

‫)‪(6 /‬‬

‫مة عند الناس‪،‬‬


‫كيفية استثمار همة الناس‪ :‬يجب علينا أن نحسن استثمار اله ّ‬
‫ونستخرج منهم دفائن الكنوز‪ ،‬وخبايا الصدور والعقول‪ .‬والناس أمام المسلم‬
‫الصالح ثلثة أقسام‪:‬‬
‫? صالح ملتزم بدينه‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫? ومستقيم محافظ على الفرائض والواجبات‪.‬‬


‫? وثالث مضيع ضائع‪.‬‬
‫أما القسم الثالث‪ :‬فيترك لحين إفاقته‪.‬‬
‫وأما القسم الثاني‪ :‬وهم المستقيمون المحافظون‪ ،‬ولكن في استقامتهم‬
‫ومحافظتهم تخليط‪ ،‬فتستثمر هممهم كما يأتي‪:‬‬
‫إن كانوا من ذوي اليسار والغنى يوجهون للمشاركة في أعمال الخير العامة‬
‫مثل بناء المساجد‪ ،‬وإغاثة المنكوبين‪ ،‬وإقامة المنشآت النافعة ونحو ذلك‪،‬‬
‫وخير ما يمكن أن يشاركوا فيه هو تلك الهيئات والجمعيات السلمية‬
‫المنتشرة في العالم السلمي‪ ،‬ولله الحمد‪ ،‬حيث إن الكوارث والنكبات التي‬
‫تحيط بالعالم السلمي والتي توضحها وتتبناها تلك الهيئات كفيلة بإثارة نوازع‬
‫الشفقة والخير فيهم‪ ،‬فينشطون للمساعدة بهمة جيدة‪.‬‬
‫إن كانوا من ذوي الدخول المتوسطة – وهذا حال معظم ذلك القسم وتلك‬
‫الفئة – فيوجهون إلى سماع الدروس الطيبة‪ ،‬وخطب الجمعة النافعة التي‬
‫يؤديها خطباء مشهورون بالتأثير على العامة‪.‬‬
‫ومن الحلول الناجحة لهذه الفئة هو توجيه شبابها وتحمسيهم للمشاركة في‬
‫الجهاد ؛ إذ كم سمعنا عن أشخاص من عامة الناس قد علت همتهم وارتقى‬
‫بم حماسهم حتى شاركوا في الجهاد‪ ،‬وحسنت صلتهم بالله‪ ،‬والتزموا هذا‬
‫الدين‪.‬‬
‫التوضيح والتبيين لهم بأنهم يضيعون أوقاتهم فيما ل يفيد‪ ،‬فلو قضوا ذلك في‬
‫مجالت أجدى وأنفع لكان حسًنا‪.‬‬
‫توجيههم للقراءة النافعة‪ ،‬إذ معظم تلك الطائفة أميو الثقافة وإن كانوا‬
‫يحملون شهادات جامعية‪ ،‬فقد عكف الناس للسف على متابعة أخبار بعينها‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ويثير فيهم الغرام إلى دار السلم‪.‬‬ ‫وتركوا ما ينفعهم عاجل ً وآج ً‬
‫وأما القسم الول‪ :‬فهو المعتمد عليه‪ ،‬والمأمول منه الصلح والرقي بهذه‬
‫المة‪ ،‬ويمكن استثمار همم هذا الصنف كما يأتي‪:‬‬
‫النتساب إلى جمعية‪ ،‬أو هيئة لها برنامج عمل محدد ينجز من خللها كثير من‬
‫المور النافعة‪ ،‬وذلك مثل بعض الهيئات الغاثية المنتشرة في العالم‬
‫السلمي‪ ،‬أو جمعيات البر‪ ،‬أو لجان البر‪ ،‬أو هيئة المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬وليحذر الخ من التأثر بما تشتمل عليه بعض هذه الهيئات‬
‫من نوع خطأ‪ ،‬أو ميل قليل عن الحق‪ ،‬فيترك العمل كلية لجل هذا‪.‬‬
‫النتساب إلى جماعة إسلمية صالحة من الجماعات المنتشرة في العالم‬
‫السلمي‪ ،‬وهي تعمل بجهد وإخلص لقامة دين الله‪ ،‬والقائمون على تلك‬
‫الجماعات لهم برامج محددة تصلح لستثمار همم الشباب‪ ،‬وإقامة عمل‬
‫إسلمي نافع‪.‬‬
‫توعية الشخص المنصوح بأن يختار لنفسه مجال ً يبدع فيه‪ ،‬ويبرز ويكون‬
‫عطاؤه من خلله بالًغا غايته‪ ،‬وهمته في إنجازه قوية عالية‪ ،‬فمن وجد من‬
‫نفسه انصراًفا للعلم وتحصيله؛ فليقبل عليه‪ ،‬ومن وجد منها ميل ً إلى العمال‬
‫الخيرية والغاثية؛ فليشارك إخوانه‪ ،‬ومن وجد منها حًبا للجهاد ومقارعة‬
‫العداء؛ فل يتوان وليقدم ‪.‬‬
‫مة العالية‪،‬‬
‫مة العالية‪ :‬هذه المحاذير خاصة بأهل اله ّ‬ ‫محاذير موجهة لهل اله ّ‬
‫وليست لغيرهم من متدّني الهمم‪ ،‬أو متوسطيها؛ وذلك لن فيها جملة من‬
‫المور ل يفهمها غيرهم‪ ،‬ول يدركها سواهم‪:‬‬
‫ما فتأمره بإنجاز كثير من العمال المتداخلة‬ ‫مة تحلق به همته دائ ً‬ ‫? صاحب اله ّ‬
‫في وقت واحد‪ ،‬فليطعها بقدر ول يستبعد ما تأمر به‪ ،‬وفي الوقت نفسه ل‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقوم به كله بل يأخذ منه بقدر ما يعرف من إسعاف همته له بالقيام به‪.‬‬
‫ة أمر ل ينكره أهل‬ ‫وتزاحم العمال على النسان ومحاولة القيام بها مجتمع ّ‬
‫مة العالية‪.‬‬ ‫اله ّ‬
‫مة العالية معرض لنصائح تثنيه عن همته‪ ،‬وتحاول أن تذكره‬ ‫ّ‬ ‫اله‬ ‫صاحب‬ ‫?‬
‫م ْ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‪] } [4]...‬سورة‬
‫جوْفِ ِ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫ن قَلب َي ْ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ه ل َِر ُ‬ ‫جعَ َ‬‫ما َ‬ ‫ما بأنه‪َ {:‬‬ ‫دائ ً‬
‫الحزاب[‪ .‬وأن صاحب الصنعتين كاذب والثالثة سارق‪ ،‬وهكذا‪ ...‬فالحصيف ل‬
‫يلتفت لهذه النصائح إل بقدر محدود؛ وذلك لن موجهي هذه النصائح قد تنشأ‬
‫نصائحهم هذه لحسد اعتراهم من حال المنصوح‪ ،‬أو لنهم يجهلون ما يستطيع‬
‫مة العالية من أمور ل تدركها أفهامهم‪ ،‬ول تستطيعها‬ ‫عمله هذا الرجل ذو اله ّ‬
‫هممهم‪.‬‬
‫مة معرض لسهام العين والحسد؛ فعليه بالذكار المأثورة ليدرأ‬ ‫? وصاحب اله ّ‬
‫عن نفسه ما قد يصيبه من سهام القدر على يد الحساد‪.‬‬
‫مة قد تعتريه فترة وضعف قليل لما يراه من تدني همم غالب‬ ‫? وصاحب اله ّ‬
‫مة‬‫الخلق؛ فل يحزن لجل هذه الفترة‪ ،‬وليوطن نفسه على الحسان‪ ،‬وعلو اله ّ‬
‫مهما ضعف أو تخاذل من حوله‪ ،‬وأًيا كان سبب الفترة التي تعتريه فهي أمر‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬
‫طبيعي يعتري العالمين والسالكين‪ ،‬وليتذكر حديث المصطفي َ‬
‫ة[ رواه أحمد‪ .‬والشّرة‪ :‬النشاط‬ ‫شّرةٍ فَت َْر ٌ‬ ‫ل ِ‬‫شّرة ً وَل ِك ُ ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ٍ‬‫ل عَ َ‬ ‫ن ل ِك ُ ّ‬ ‫سل ّ َ‬
‫م‪]:‬إ ِ ّ‬ ‫وَ َ‬
‫مة‪ ،‬والفترة‪ :‬الضعف والنكسار‪.‬‬ ‫واله ّ‬

‫)‪(7 /‬‬

‫مة العالية قد يكونون مفرطين في بعض المور التي قد ل يرون‬ ‫? وأهل اله ّ‬
‫قا مباشًرا بموضوع هممهم‪ ،‬وذلك مثل بعض حقوق الهل والقارب‪،‬‬ ‫فيها تعل ً‬
‫فينبغي على من وقع في هذا المحذور أن يلتفت إلى إصلحه ولو بالقدر الذي‬
‫يبعد عنه سهام اللئمين‪.‬‬
‫سا اندفاعًيا‪،‬‬‫مة العالية بصاحبها إلى أن يتحمس تحم ً‬ ‫? وقد تؤدى اله ّ‬
‫فيستعجل‪ ،‬ويرتكب من الخطاء ما كان يمكن تلفيه بقليل من التعقل‬
‫وحساب العواقب‪ ،‬وعلى من وقع في مثل هذا أن يعرف السنن الكونية‪ ،‬وأن‬
‫صّلى‬
‫مة العالية َ‬ ‫المر ل يحسم بين عشية وضحاها‪ ،‬وليكن مثله سيد أولى اله ّ‬
‫م‪ ،‬فقد كان يوصي أصحابه رضي الله عنهم بالعمل والصبر‪،‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫الل ّ ُ‬
‫فالصبر ل غنى عنه لهل الهمم‪.‬‬
‫مة العالية قد يتعرضون لمور تؤثر في هممهم وتطلعهم إلى معالي‬ ‫?وأهل اله ّ‬
‫المور‪ ،‬وأعظم مثال على هذا‪ :‬التعرض للخلف الحاصل بين الفقهاء بعين‬
‫ضا التعرض للجماعات‬ ‫م والمقت‪ ،‬ونقدهم والقلل من شأنهم‪ ،‬ومثاله أي ً‬ ‫الذ ّ‬
‫السلمية العاملة على الساحة وذمها والتنقص من شأنها‪ ،‬وإلصاق التهم بها‬
‫بدون وجه شرعي معتبر في أحيان كثيرة‪ ،‬ويمضي هذا الخ سحابة يومه‬
‫دا لها‪ ،‬ومثل هذا الشخص إن أصبح هذا المر‬ ‫وليلته باحًثا عن الخطاء متصي ً‬
‫ديدنه‪ ،‬فستتخلف همته ول شك‪ ،‬وتقعد به عن معالي المور‪.‬‬
‫مة يستبين خطأ في رأي عالم أو‬ ‫يقول الستاذ محمد الخضر حسين‪' :‬كبير اله ّ‬
‫عبارة كاتب فيكتفي بعرض ما استبان من خطأ على طلب العلم ليفقهوه‪،‬‬
‫ويأبى له أدبه أن ينزل إلى سقط الكلم أو يخف إلى التبجح بما عنده‪ ،‬وقد‬
‫حدثنا التاريخ عن رجال كانوا أذكياء ولكنهم ابتلوا بشيء من هذا الخلق‬
‫خا في صحفهم‪ ،‬ولو تحاموه لكان‬ ‫جا في سيرهم ولط ً‬ ‫المكروه‪ ،‬فكان عو ً‬
‫ذكرهم أعلى ومقامهم في النفوس أسمى‪ ،‬ومنزلتهم عند الله أرقى'‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول ابن القيم رحمه الله‪' :‬أعلى الهمم في طلب العلم طلب علم الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬والفهم عن الله ورسوله نفس المراد‪ ،‬وعلم حدود المنزل‪ ،‬وأخس‬
‫همم طالب العلم قصر همته على تتبع شواذ المسائل وما لم ينزل‪ ،‬ول هو‬
‫واقع‪ ،‬أو كانت همته معرفة الختلف‪ ،‬وتتبع أقوال الناس‪ ،‬وليس له همة إلى‬
‫ل أن ينتفع واحد من هؤلء بعلمه'‪.‬‬ ‫معرفة الصحيح من تلك القوال‪ ،‬وقَ ّ‬
‫مة العالية ل بد له من المداومة على العمال التي تدوم ول‬ ‫? صاحب اله ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَها وَإ ِ ْ‬‫ل إ ِلى اللهِ أد ْوَ ُ‬
‫ما ِ‬
‫ب العْ َ‬‫ح ّ‬
‫نأ َ‬ ‫مة العالية‪]:‬أ ّ‬
‫تنقطع‪ :‬وليتذكر صاحب اله ّ‬
‫مة عظيمة‬ ‫ل[ رواه البخاري ومسلم‪ .‬فهمة متوسطة العلو تدوم خير من ه ّ‬ ‫قَ ّ‬
‫متقطعة‪.‬‬
‫مة العالية‪ ،‬وأن يبارك لنا في أوقاتنا‬ ‫وأسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل اله ّ‬
‫ما‬
‫وأعمالنا‪ ،‬وصلي الله على سيدنا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم تسلي ً‬
‫كثيًرا‪.‬‬
‫من رسالة‪':‬الهمة طريق إلى القمة' للدكتور‪/‬محمد موسى الشريف‬

‫)‪(8 /‬‬

‫الهوية السلمية ومؤامرة القضاء عليها‬


‫الستاذ أنور الجندي رحمه الله‬
‫يزداد إيقاع الحداث في العالم كله مع تنامي عقود القرن الخامس عشر‬
‫الهجري الذي يتوقع أن تصل الصحوة السلمية فيه إلى مرحلة النضوج‬
‫وامتلك الرادة واستعادة الحق‪.‬‬
‫ومن يطالع الحداث منذ بزوغ هذا القرن يستطيع أن يثق بأن المسلمين قد‬
‫خّلفوا فعل ً مرحلة البكاء على الطلل وترنيمات التهافت على الماضي الذي‬
‫انقضى والحزن عليه ‪.‬‬
‫أعتقد أن الحداث قد علمت المسلمين أن يخرجوا من دائرة العاطفة‬ ‫ّ‬
‫الجوفاء إلى دائرة البحث عن خطة ‪ ،‬عن طريق ‪ ،‬عن منهج يمكن به تفادي‬
‫الوقوع في الخطاء مرة أخرى بعد أن تكشفت لهم حقائق كثيرة ربما كانوا‬
‫يجهلونها‪ ،‬ووضحت لهم وجوه ربما كانوا حسني الظن بها‪ ،‬وهي تخفي في‬
‫أعماقها الرغبة في تدميرهم والقضاء على كيانهم ‪.‬‬
‫مّنا‬
‫وا آ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م قال ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ب كلهِ َوإَذا ل ُ‬
‫قوْك ْ‬ ‫ن ِبال ْك َِتا ِ‬
‫من ُوْ َ‬ ‫حب ّوْن َك ُ ْ‬
‫م وَُتؤ ِ‬ ‫م وَل َي ُ ِ‬ ‫م أوْل َِء ت ُ ِ‬
‫حب ّوْن َهُ ْ‬ ‫ها أن ْت ُ ْ‬
‫) َ‬
‫ظ( )آل عمران آية ‪(119‬‬ ‫ْ‬
‫ن الغَي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوإَذا َ‬
‫م َ‬‫مل ِ‬ ‫م الَنا ِ‬ ‫وا عَلي ْك ُ‬ ‫ض ْ‬‫خلوا عَ ّ‬
‫حا لنا نحن المسلمين أن المؤامرة التي بدأت منذ نزول‬ ‫ً‬ ‫واض‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫يجب‬
‫القرآن وظهور السلم لتزال مستمرة ‪ ،‬وهي في كل عصر تأخذ طابًعا‬
‫فا وقد نبأنا الله تبارك وتعالى من أخبارها وجاءت الحداث متوالية‬ ‫مختل ً‬
‫ومتتابعة لتكشف لنا أبعاد المؤامرة التي تدبر للسلم ‪.‬‬
‫وقد وصلنا الن إلى مرحلة توصف بأنها مرحلة اجتثاث الشجرة من جذورها ‪،‬‬
‫هكذا تخطط القوى المتجمعة من غربية وماركسية وصهيونية ولكن هل‬
‫نستطيع ؟ وهل السلم الذي جاء لينقذ البشرية ويخرجها من الظلمات إلى‬
‫النور عرضة للزمة ؟ ‪ .‬ومن الحق أن يقال ‪ :‬إن الزمة موجهة إلى المسلمين‬
‫وأنهم هم الذين سيتحملون عواقبها إذا ما عجزوا عن حماية المانة الموكولة‬
‫إليهم والحفاظ على بيضة الدين ‪.‬‬
‫فإذا تولوا فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه‪.‬‬
‫ق وهو ملذ البشرية كلها وسوف ينصره الله إذا خذله أهله‬ ‫أما السلم فإنه با ٍ‬
‫المتفرقون الن والخاضعون للقوى المختلفة التي تصرب بعضهم ببعض ‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن أمامنا المثلث والتجارب والحداث ماتزال قائمة يجب أن نلتمس عبرتها‬
‫ونحاول أن نستفيد منها للوصول إلى طريق العمل الذي يجب أن يكون قد‬
‫بدأ فعل ً ‪.‬‬
‫فهذا القرن الخامس عشر الهجري هو قرن بناء الخطط العملية لتحرير‬
‫العقل المسلم والنفس المسلمة من التبعية للفكر الغربي الوافد الذي‬
‫خضعنا له أكثر من مائة عام منذ فرض علينا قانون نابليون ومنهج دنلوب‬
‫وخطط زويمر ‪.‬‬
‫ومنذ فرضت علينا إرساليات التبشير مناهجها التربوية والتعليمية التي تحولت‬
‫إلى وزارات التعليم العربية بكل ما تحمل من أخطار وآثام وازدواجية ‪.‬‬
‫هذه المناهج التي ركزت على القليمية والعلمانية والقومية والماركسية‬
‫بتنويع يختلف في كل قطر عن الخر؛ ولكنها تجمع كلها على هدف واحد هو‬
‫تمزيق الوحدة السلمية والحيلولة دون قيامها مرة أخرى‪ .‬ولقد نشأت في‬
‫ظل المخططات دعوات وتنظيمات كشف الزمن عجزها عن العطاء وعدم‬
‫قدرتها على تلبية مطامح النفس المسلمة والعربية التي شكلها الدين الحق‬
‫من إبراهيم ‪ ،‬وموسى ‪ ،‬وعيسى – ومحمد عليهم الصلة والسلم – في‬
‫صا ومنه‬‫ترابط جامع لمة واحدة تؤمن بالله الواحد وتسلم وجهها إليه خال ً‬
‫تستمد منهج الحياة والعمل والمجتمع كما رسمته الكتب السماوية المنزلة‬
‫وحيث جاء القرآن الكريم فمقدمه للناس في الصورة العالمية الخاتمة بحيث‬
‫أصبح هو منهج الفكر لهذه المة كلها بكل ألوانها وعناصرها كما حدث عن‬
‫ذلك كثير من المخططين والباحثين ‪.‬‬
‫فقد استصفى الفكر السلمي خلصة الوحي الرباني كله الذي أنزل على‬
‫الرسل والنبياء واستصفاه من مصدريه القرآن والسنة نوًرا على طريق‬
‫البشرية كلها إلى يوم القيامة فكان لبد أن يواجه من الدعوات والنحل‬
‫والمناهج البشرية‪ .‬وهي التي عجزت عن العطاء وأسقطتها المتغيرات‪ .‬وكان‬
‫آخر ذلك سقوط منهج الغرب الليبرالي وسقوط الماركسية‪ .‬فأسقطت هذه‬
‫المناهج في مسقط رأسها وفي بلدها التي صاغتها ‪ ،‬وأعلنت البشرية منذ‬
‫سنوات طويلة أنها في حاجة إلى منهج جديد ينقذها من براثن النظام الربوي‬
‫الذي اغتالها ‪ ،‬أما سقوط الماركسية على النحو الذي حدث فقد كشف عن‬
‫ما من سيطرتها‬ ‫عجز اليدلوجيات البشرية عن العطاء حتى انها بعد سبعين عا ً‬
‫على مجرى الحداث ومن خلل فلسفة عريضة خالفت فيها مناهج الفطرة‬
‫وعارضت حقائق الدين ومفاهيم العلم وحاولت أن تشق طريقها ضد التيار‬
‫فعجزت وحاصرتها الحداث وقصفتها الرياح وأسقطت منهجها وحطمت‬
‫شراعها ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪199‬‬

You might also like