Professional Documents
Culture Documents
com
للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل
:وتسجيل البريد اللكتروني
http://www.balligho.com
ن في السلم سنة حسنة ،فعمل بها قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :من س ّ
بعده ،كتب له مثل أجر من عمل بها .ول ينقص من أجورهم شيء ...الحديث.
فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك
تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل
.أجورهم ول ينقص من الجر شيئا
والسّنة
ب َ
دة إلى الك َِتا ِ و َع ْ
منهاجناَ :
مة ف ال ُسل َ ِ بِ َ
ّ هم ِ َف ْ
1
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(3 /
2
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
والجتماع والقتصاد وكل ما يتصل بتنظيم أمور الدولة المسلمة التي هي
المحتوي العلمي لقيم الحضارة السلمية ,وحديثنا في هذا المقام عن النظام
القتصادي في الحضارة السلمية.
* بيت المال 'وزارة المالية':
تعتبر الحضارة السلمية الرائدة في مجال تنظيم الموال القتصادية
والموارد المالية للمة السلمية وعرفت البشرية أول وزارة للمالية على
نفس النمط الذي يسود الن في أرقى الدول المتحضرة وهذه الوزارة
الرائدة كانت 'بيت المال' ,ويعتبر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله
عنه أول من أنشأ بيت المال بسبب الفتوحات العظيمة التي تمت في عهده
والخيرات التي تدفقت على الدولة المسلمة ,فقد روى ابن سعد في طبقاته
أن أبا هريرة قدم على عمر من البحرين فلقيه في صلة العشاء الخرة
فسلم عليه ثم سأله عن الناس ثم قال لبي هريرة :ماذا جئت به؟ قلت:
جئت بخمسمائة ألف درهم ,قال :ماذا تقول؟ قلت :مائة ألف ،مائة ألف،
سا ،فقال عمر ،إنك ناعس فارجع إلى أهلك فنم, مائة ألف حتى عددت خم ً
فإذا أصبحت فأتني ،قال أبو هريرة :فغدوت إليه فقال :ماذا جئت به؟ قلت:
جئت بخمسمائة ألف درهم ,قال عمر' :أطيب' قلت :نعم ل أعلم إل ذلك،
دا
فقال عمر للناس :إنه قد قدم علينا مال كثير ,فإن شئتم أن نعده لكم ع ً
ل ،ونشأت من يومها فكرة بيت المال. وإن شئتم أن نكيله لكم كي ً
صا بموارد
ولقد أنشأ عمر بيت المال الفرعي في كل ولية يكون خا ً
ومصارف تلك الولية وما يزيد يرد على بيت المال العام أو المركز الرئيس
بالمدينة ,وجعل له أميًنا مستقل ً في عمله عن الوالي وعن القاضي وهو ما
عرفه العالم بعد ذلك باسم 'مبدأ فصل السلطات'.
وتعالوا سوًيا نقترب من بيت مال المسلمين لنتعرف على موارد ومصارف
هذا البيت والذي يمثل للنظام القتصادي للدولة السلمية ،وما يوضح عظمة
الحضارة السلمية وريادتها في هذا المجال وغيره.
موارد بيت المال:
تنقسم موارد بيت المال في الدولة المسلمة إلى عدة موارد ومصادر تحت
القاعدة الصولية العامة ]إن الصل في الموال الحرمة وما أبيح أخذه يكون
بنص[.
وهي القاعدة المستفادة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في
خطبة الوداع ]]إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام [[...وهذه
الموارد كما يلي:
ل :الزكاة :وهي ركن من أركان السلم وفريضة محكمة وثابتة إلى ] [1أو ً
قيام الساعة وهي مقدار معلوم من مال الغنياء يرد إلى إخوانهم الفقراء
وهي أرقى صور التكافل والتراحم الجتماعي والذي ل يعرف نظيره في أي
مجتمع من المجتمعات السابقة أو اللحقة ،والمال الواجب فيه الزكاة ،أربعة
أقسام [1] ،زكاة النقد ] [2زكاة السوائم والنعام والماشية ] [3زكاة الزروع
والثمار ] [4زكاة الركاز والمعادن.
وهذا المورد من موارد بيت مال الدولة المسلمة يتميز عن باقي الموارد
بتحديد مصارفه وأوجه إنفاقه وهي المذكورة في الية رقم 60من سورة
التوبة.
] [2ثانًيا :الخراج :لما فتح المسلمون بلد العراق وأزالوا دولة الفرس
المجوس منها وأيضا فتحوا الشام والجزيرة وطردوا الروم منها طلب كثير
من كبار الصحابة من الخليفة عمر بن الخطاب أن يقسم الرض المفتوحة
3
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
على الفاتحين والمجاهدين كما قسم عليها الغنائم المنقولة من سلح ومتاع
ولكن عمر رأى أن تكون الرض المفتوحة فيًئا لعموم المسلمين على مر
العصور ,واستند في رأيه على آيات الفيء الموجودة في سورة الحشر ,وأية
الفيء هذه لعموم المسلمين حتى في العصور القادمة ،وألح عليه الصحابة
في تقسيم الرض ولكنه أبى وأيده في رأيه عبد الرحمن بن عوف وشرح
الله عز وجل صدر الفاروق لهذا الرأي الذي كان فيه الفلح والصلح للمة
المسلمة ،وجعل عمر هذا الرض عليها مقدار معين من المال تدفعه كل عام
وهو ما عرف بالخراج ،والرض الخراجية تنقسم إلى نوعين هما:
)(1 /
1ـ الراضي التي فتحت عنوة وبقى عليها أهلها دون أن يدخلوا في السلم،
يفلحونها لحاجة الدولة لخبراتهم على أن يدفعوا خراجها وينتفعوا بالباقي
مقابل عملهم في الرض.
حا واتفق المسلمون مع أهلها على أداء خراجها 2ـ الراضي التي فتحت صل ً
مقابل أن تبقي في أيديهم يتوارثونها طالما يدفعون خراجها ول يستطيع أحد
أن يأخذها.
وكان الخراج أحياًنا في صورة مال أو حاصلت زراعية وكان يجبى بعد
الحصاد ,وحوُله شمسي ل قمري لرتباط الزراعة بالنظام الشمسي
والفصول الربعة.
مع ملحظة حقيقة هامة تضمن استمرارية الخراج كمصدر هام من مصادر
دا حتى الموال في الدولة المسلمة وهي أن الخراج ل يسقط عن الرض أب ً
ولو أسلم أصحابها ،ويعتبر كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف صاحب أبي
حنيفة من أفضل وأول ما كتب في مصادر بيت مال الدولة ومصارفه كتبه
بناًء على طلب الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي أراد ضبط المور
المالية في خلفته.
كيف تعامل عمر مع أرض الخراج؟
ً
لما اتضح لعمر رأيه في الرض المغنومة أرسل من قبله رجال لمسح أرض
السواد 'بالصراق' فبلغت مساحتها 26مليون جريب ،والجريب مساحته تقدر
بألف ومائتان متر ،أي أن كل 3,5جريب يوازي فدان زراعي الن ،وجعل
عمر على كل جريب مقداًرا معيًنا من الدراهم يختلف من جريب لخر حسب
طبيعة الزراعة أو الثمار والزروع ,فالكرم والنخل تختلف عن القمح ,والشعير
عن القطن عن القصب وهكذا ,وبلغت قيمة خراج أرض السواد قبل وفاة
عمر بعام واحد مائة مليون درهم.
وقد بقي لنا من عهد المأمون العباسي أثر تاريخ هام يدل على مقدار الجباية
الخراجية من جميع القاليم ,وقد ذكره ابن خلدون في مقدمته نقل ً عن كتاب
جراب الدولة ولما في ذلك الثر من الفائدة والتوضيح نذكره كما هو:
القليم الخراج النقدي الخراج العيني
1ـ أرض السواد 27800000درهم 200ثوب
2ـ كسكر 11600000درهم 240رطل ً من التين
3ـ كور دجلة 20800000درهم
4ـ حلوان 4800000درهم
5ـ الهواز 30 25000000ألف زجاجة ماء ورد 30000 /رطل سكر
6ـ فارس 30200 27000000رطل زيت 20000 /رطل تمر 500 /ثوب
4
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
5
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وتمتعهم بجميع حرياتهم ,وهي تقابل الزكاة المفروضة على المسلمين وتتبين
لنا عظمة هذا الدين القويم في أن الجزية ل تؤخذ إل من الرجال دون النساء
والصبيان ول تؤخذ من مسكين ول من أعمى ول من مقعد ل مال له ول من
راهب ول من شيخ كبير ل يستطيع العمل ول من المرضى الزمنى ,وليس
ضا عظمة هذا الدين في أن
في أموال أهل ذمة المسلمين زكاة ،وتتضح أي ً
مقدارها يختلف من حالة لخرى حسب يسر الدافع ,وقد ذكر أبو يوسف في
ما على الموسرين ،و 24على المتورطين ،و كتابه الخراج ثلثة فئات 58دره ً
12على العمال ،والجزية ل تسقط عن الذمي إل في حالة واحدة وهي
إسلمه 'بخلف الخراج'.
)(2 /
6
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وروي أن أهل مدينة 'مبنج' وكانوا نصارى في شمال الجزيرة كتبوا إلى عمر
بن الخطاب يقولون :دعنا ندخل أرضك تجارا ً وتعشرنا ,فشاور عمر الصحابة
في ذلك فوافقوا فأصبحت سنة ماضية ,وإذا كان القادم بالتجارة من
المسلمين فُيسأل هل أدى زكاة هذه التجارة أم ل؟ ويقبل يمينه على ذلك,
ما عن صورة الجمارك المفروضة اليوم وهكذا نرى أن العشور تختلف تما ً
ما أو غير مسلم.على كل ما يأتي من الخارج سواء كان التاجر مسل ً
هذا بالنسبة بموارد بيت مال المسلمين أو ما يطلق عليه في الصورة الحديثة
بند 'اليرادات' ،أما بالنسبة للمصروفات أو مصارف بيت المال فهي كالتي:
ل :أرزاق الولة والقضاة وموظفو الدولة والعمال في المصلحة العامة ومن أو ً
هؤلء أمير المؤمنين أو الخليفة نفسه.
ثانًيا :رواتب الجند والعسكر ,ولم يكن هناك في حياة النبي صلى الله عليه
دا ولم يكن هناك جيش وسلم مرتبات معينة للجند لن الجميع كانوا جنو ً
نظامي بالمعنى المعروف وكان الجميع يأخذ من أربعة أخماس الغنائم
والخراج ولما ولي أبو بكر ساوى بين الناس في العطيات فلما جاء عمر بن
الخطاب قسم العطاء مفضل ً السبق فالسبق وعلى هذه القاعدة كانت
المرتبات كالتي:
12000درهم لزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولعمه العباس5000 /
درهم لهل بدر وألحق بهم الحسن والحسين 4000 ،درهم لمن كان إسلمه
كأهل بدر ولكن لم يشهدها وألحق بهم أسامة بن زيد 3000 /لعبد الله بن
عمر وبعض أبناء المهاجرين والنصار كعمر بن أبي سلمة 2000 /درهم لبناء
المهاجرين والنصار 800 /درهم لهل مكة 400/300لسائر الناس600 /
إلى 200لنساء المهاجرين والنصار 9000 /لمراء الجيوش والقراء ،وهكذا
كان الحال ,فلما كثر الناس عن حاجة الغزو والجهاد ولدواعي قيام الحضارة
العمرانية اشتغل كثير من المة بغير الجهاد من الصنائع فلجأت الدولة
للجيش النظامي وأصبح هناك دواوين خاصة بالجند ينالون منها الرواتب
الخاصة بهم على رأس كل سنة.
ثالًثا :تجهيز الجيوش وآلت القتال من سلح وذخائر وخيل وما يقوم مقامهما.
رابًعا :إقامة المشروعات العامة من جسور وسدود وتمهيد الطرق والمباني
العامة ودور الستراحة والمساجد.
سا :مصروفات المؤسسات الجتماعية مثل المستشفيات والسجون وغير خام ً
ذلك من مرافق الدولة.
)(3 /
سا :توزيع الرزاق على الفقراء واليتامى والرامل وكل من ل عائلة له, ساد ً
فالدولة تعوله وتكفله ,ومن العرض السابق يتضح لنا النظام القتصادي
دا قبل
الدقيق الذي ابتكرته الحضارة السلمية في خطواتها الولى ومبكًرا ج ً
أي حضارة أخرى سابقة أو حتى لحقة ,فهي صاحبة السبق في تنظيم
الموارد والمصارف المالية الخاصة بالدولة ،ويبقى بعد هذه الموارد
والمصارف كلها أنه قد تفاجئ الدولة بكارثة أو مجاعة أو قحط شديد أو وباء
قاتل ،وهنا يكون ندب الغنياء من المسلمين من غير إكراه للصدقة والعطاء
لنقاذ جمهور المسلمين كما فعل عثمان بن عفان مع المجاعة في عهد أبي
بكر الصديق عندما تصدق بأموال طائلة لنجدة المسلمين وكما فعل عبد
الرحمن بن عوف أيام عمر بن الخطاب وأمثال ذلك كثير عبر التاريخ
7
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
السلمي مما يضمن استمرارية تدفق الموال على خزينة الدولة دون إكراه
أو مصادرة أو إجبار.
ما
وهكذا نرى أن المنظومة القتصادية في الحضارة السلمية كانت تمثل معل ً
بارًزا من معالم تلك الحضارة ضمنت لتلك الحضارة وتلك الدولة المسلمة
ضا الشفافية في التعامل
الستقللية والستمرارية والتوسع والنتشار وأي ً
والحرية في اتخاذ قراراتها فإن الدولة متى اعتمدت على غيرها في
المساعدات والقروض فقد تخلف طواعية عن سيادتها واستقلليتها لصالح
من تأخذ منه الموال وهذا وقع بالفعل لكثير من بلد المسلمين الن وهذا
رغم تراثهم العظيم والحافل من رصيد التجربة في الحضارة السلمي
)(4 /
8
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
بتعاليم السلم ،فيما يتعلق بالمساواة بين البشر ،بغض النظر عن الفوارق
الجتماعّية والعرقّية وغيرها.
-1النصرانّية ومبدأ المساواة:
فمن خلل استعراضنا لبعض تعاليم النصرانية في كتبها الصلية نقرر في
كونها نظاما ً يمكن أن تتطلع إليه النسانية ليحقق العدل والمساواة ،وخاصة
أن دستور أكبر دولة نصرانية في العالم قد تأثر كثيرا ً بتعاليم الكتاب المقدس
عند النصارى ،ولتعاليمها تأثير كبير على قادة الوليات المتحدة ،ومثال ذلك
مقولة الرئيس ريجان في خطاب ألقاه خلل فترة الحرب الباردة ،قال فيه:
" لقد بدأت المور تتضح ،ولن تكون بعيدة الن ،فإن إزاكل ) (1يقول بأن
النار والحمم ستمطر على أعداء شعب الله ،وهذا يجب أن يعني أنهم سوف
ُيدمرون بالسلحة النووية ..جوج المة التي تقود كل قوى الظلم الخرى ضد
إسرائيل ،والتي سوف تأتي من الشمال فإن روسيا هي جوج ...وبما أن
روسيا قد حاربت الله ..فإنها تنطبق عليها أوصاف جوج وماجوج بدقة
متناهية ").(2
وفي الحقيقة فإن رسالة عيسى الحقيقية كانت موجهة لشعب بني إسرائيل
في عهده عليه السلم ،ومازالت بقايا ذلك في كتب العهد الجديد عند
النصارى.
) متى 5 :10ـ (6
فهي إذن ليست رسالة عالمية لكل البشر ولكل الزمنة ،بل محدودة بزمن
معين ولشعب بعينه .وفي مقطع آخر من العهد الجديد يشير متى إلى حادثة
مرت بعيسى )عليه السلم ( حسب زعمهم وفيها إجحاف كبير على نبي الله
أعزه الله وشرفه عما يقولون ،واتهام له بأنه عنصري متحيز ،فهو ل يرى
أن أحدا ً أهل لدين الله من بني إسرائيل ،ولشك في أن ذلك تجن على نبي
من أولي العزم كرمه الله بالرسالة ،وجعل ميلده معجزة وآية ،ولكنه دليل
على أن تعاليم النصرانية الحالية تعاليم متحيزة ول تسمو لتطبيع المساواة
بين البشرّية.
)متى 21 :15ـ . (26
)(1 /
9
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
10
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
عندما تقع مقاضاة بين إسرائيلي ووثني heathenـ مع العلم أن هذا المصطلح
ُيطلق على النصارى أيضا ً ـ فإن أمكن الحكم لصالح اليهودي وفق قانون
إسرائيل فل بأس فأحكم له وقل هذا "شرعنا" ،وإن كان بالمكان الحكم
لصالح اليهودي بقانون الوثنيين فاحكم لليهودي ،وقل للوثني"هذا شرعكم" ،
وإن لم يكن ممكنا ً الحكم لليهودي بناًء على أي الشرعين فلتجد ذريعة
للتحايل عليهم (Babakama 113a))(6.
ومن أمثلة احتقار اليهود لغيرهم واعتبار أنفسهم أمة مختارة على سائر
البشر ،أن تلمودهم يتحدث عن سائر المم بأنهم في منزلة منحطة ،ول
يمكن قبولهم كيهود حتى لو رغبوا ذلك ،فالتلمود يحرم تدريس التوراة لغير
اليهود .
ووفقا ً للموسوعة اليهودية :
فإن التلمود يحرم تدريس المميين التوراة ) ميراث أبناء يعقوب ( بل إن ر.
جوهان يفتي بأن من يفعل ذلك "يستحق القتل " ). (7
فبل أدنى شك فإن نظاما ً عنصريا ً بهذه الدرجة ل يمكن أن يتقبله أحد كنظام
حياة عالمي ينظم حياة كافة البشر .ولهذا فل عجب بعد ذكر هذه
المقتطفات البسيطة والمحددة من التلمود حينما تستمع لتصريحات القادة
الصهاينة المتعجرفة والجائرة في عدم احترام حياة وحقوق غير اليهود ،
وكأنهم ممنوحون دماًء خاصة .وتعامل ً خاصا ً يميزهم لنهم يهود على سائر
المم ،فهذا مناحيم بيغن )الرئيس السابق للكيان الصهيوني( يرد بصلف
وتعجرف على انتقادات واستنكارات الصحفيين والمنصفين بل كافة دول
العالم حول مذبحة صبرا وشاتيل التي ُقتل فيها المئات من البرياء أطفال ً
وشيوخا ً ونساًء ،قائل ً :
قيوم "غير اليهود" يقتلون قيوم وتريدون أن تحاسبوا اليهود على ذلك ؟! )(8
وما المداهمات الجرامية التي تقوم بها القوات الصهيونية في قتل
الفلسطينيين وتهجيرهم وهدم بيوتهم وتشريدهم وجرف مزارعهم وأشجارهم
التي قد تأصلت جذورها في أراضيهم لعشرات السنين قبل احتلل اليهود
لبلدهم ،إل مثال ً حيا ً أمام العالم الذي انعدمت فيه أي مصداقية لحقوق
المسلمين لتعاليم التلمود العنصرّية.
بل إن شارون وتعامل حكومته مع الفلسطينيين بأقصى درجات الرهاب على
مسمع ومرأى من العالم ،ومقتل داعية حقوق النسان المريكية دهسا ً
بالجرافة أمام أعين الصحفيين والمصورين والعالم كله -إل مثال ً لتلك الرؤية
ذرت في العقلّية الصهيونّية المستشرية للحقد العنصرية الحاقدة التي تج ّ
والكراهية والظلم .وما اغتيال الشيخ أحمد ياسين ـ الطاعن في السن
المصاب بشتى العلل والمشلول تماما ً ـ بأمر شارون نفسه رئيس وزراء
الدولة الديموقراطّية الوحيدة والمحافظة على حقوق النسان في الشرق
الوسط كما يزعم ـ بدماء باردة بل بكل فخر واعتزاز ودون أي مبالة برد
فعل واستنكار العالم كله إل دليل آخر على فساد الفطرة ،وتأصل نظرة
الحقد والحتقار لكل ما هو غير يهودي ،ومحاولة استغلله وابتزازه بأشرس
الطرق وأخس الوسائل.
11
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ومع هذا قد يقول قائل من محبي السلم واللهثين وراء سراب اليهود :إن
تلك التعاليم آثار قديمة قد ل يكون لها تأثير كبير في واقع الممارسات
السرائيلّية في واقعنا اليوم .فإسرائيل دولة ديموقراطّية ،وتلك تعاليم
عنصرّية راديكالّية ،فلنستمع سويا ً لتصريحات رئيس وزراء إسرائيل لما
سببوه من دمار وقتل يفوق الخيال بغزو لبنان بلد ذا سيادة وحرمة ..فلقد
رد بيغن بصلف على تساؤلت المريكيين حول المذابح التي ارتكبت قائ ً
ل:
ل نشعر نحن بالمسؤولية لتبرير ما نقوم به للخرين ..نحن فقط نبرر ذلك
لنفسنا ). (9
وبمفهوم تلمودي فإن كلماته تعني " أن اليهود أكبر وأعلى من أن ينتقدهم
القيوم )غير اليهودي( وإن كان سيد نعمتهم وحامي ديارهم وحليفهم الول"
ومثال آخر على ذلك التفكير العنصري الصهيوني هو ما نشرته صحيفة صن
داي ( (Sundayحول الحاخام والكيميائي اليهودي )موشيه أنتل مان( Moshe
((Antelmanوالذي يفخر بأنه استطاع تطوير رصاصة تحتوي على شحم
الخنزير ولكن لم فعل ذلك؟ تقول الصن داي:
ور رصاصة مشبعة بشحم الخنزير إن )أنتل مان( حاخام وكيميائي يهودي ط ّ
لستخدامها ضد الملتزمين من المسلمين ،والذين يؤمنون بأن أي اتصال مع
الخنزير يفقدهم الفرصة في دخول الجنة ،حسب زعمه ..ولقد قدم هذا
الحاخام "الطيب" اختراعه هدية لمستوطني الضفة الغربية ،وبأمل أن يحصل
على اهتمام البنتاغون في الستفادة من هذا الختراع الخنزيري العسكري )
.(10
وهذا مثال آخر سقناه عن كيف ينظر النخبة من اليهود ورجال الدين من
الحاخامات للمم الخرى من غير اليهود.
كما يبين حقيقة اليهودية المعاصرة شاهد من أهلها ،أل وهو المفكر السياسي
العالمي اليهودي المريكي الجنسّية وأستاذ علم اللغة الشهير في معهد
ماستشوستش للتكنولوجيا ،البروفسور نعوم لتسوسكي ( Noam) Chomsky
في مقابلة أجراها معه ديفيد بارسا ميان )(David Barsamianحيث أجاب
تشوسكي على سؤال وجه له حول نظرة اليهود للناس الخرين فقال:
)(3 /
"لو نظرت إلى الثقافة اليهودية التقليدية سواء كانت في أوروبا الشرقية
أوفي شمال أفريقيا ،لوجدت أنها تعد ّ النصارى و غير اليهود وكأنهم
مخلوقات مختلفة أقل مستوى من اليهود ...ولهذا فعلى سبيل المثال فإنه ل
ينبغي للطباء اليهود أن يعالجوا غير اليهود إل إذا كان ذلك يعود بالفائدة على
اليهود ،ولهذا فإن موسى بن ميمون " الطبيب اليهودي الشهير" كان يعمل
لدى السلطان صلح الدين اليوبي لن اليهود سوف يستفيدون من هذا
العمل وليس العكس ).(11
وعندما سئل تشوسكي هل تلك النظرة الدونّية من قبل اليهود جزء من
تعاليم اليهودّية الصلّية أم جزء من الثقافة اليهودّية الشائعة؟ .فقال:
إنها في الحلقة )Halakahالتعاليم الحاخامية ( ...هناك الكثير من هذا ،لقد
كانوا أقلية مضطهدة ،ولكنهم كانوا عنصريين في نفس الوقت ،فهم
يصبحون عنصريين عندما يصبحون أغلبية غير مضطهدة ). (12
دقومما يبرز أهمية إظهار التعاليم والتشريعات العنصرّية اليهودّية هو تش ّ
كثير من الساسة والعلميين والمثقفين المريكان بأن حضارتنا هي "حضارة
12
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
13
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ولكل طبقة من هذه الطبقات عالم خاص بذاته ،مختلف تماما ً عن باقي
الطبقات ،فهذا النظام يعكس أسوأ صور التمييز العنصري وعدم المساواة،
ولقد جلب هذا النظام الجتماعي الطبقي الجائر أحد مؤسسي الهندوسية
مانو ((Manuخلل حقبة ازدهار الحضارة البراهمة ،ثم أصبح جزءا ً من الديانة
الهندوكية .و يشير جوستاف لوبون إلى بعض تعاليم مانو فيقول:
" لقد أعطى هذا القانون للبراهما تمّيزا ً وحصانة ومكانة عالية مما رفع
درجتهم لتصبح موازية لللهة ..فكل من يولد برهميا ً فهو أفضل المخلوقات
على الطلق ،فهو مالك كل شيء.ومهمته الساسية هو حماية الشاستراز
)التعاليم الهندوسية التي تعطي الشرعية لسلطة البراهما( .فبينما التعاليم
الهندوسية تؤكد أن" :كل ما على الرض ملك للبراهما؛ لنهم العلون بين كل
المخلوقات ،وكل الشياء لهم".
)(4 /
14
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الجانبية ،ومن بينها كثرة تعداد كبار السن وقلة العناية بهم ،وارتفاع عدد
السر بعائل واحد وغالبا ً ما تكون المرأة ،ومشاكل الطفال ،والقليات .فلقد
أصبح من المظاهر المعتادة أن كثيرا ً من كبار السن بين المشردين الذين ل
مأوى لهم في أواسط كبريات المدن المريكية ،وقد تنبأ عدد من علماء
الجتماع المريكيين بأن مشكلة كبار السن سوف تصبح أكثر تفاقما ً في
المستقبل ).(4
وفي الجانب الخر فإن معدلت المواليد في تناقص متزايد ،وارتفاع أعداد
كبار السن دليل على أن مشكلة كبار السن سوف تتفاقم في السنوات
القليلة .لقد كانت نسبة المسنين في الوليات المتحدة خلل عام 1900م
%4فقط من تعداد المجتمع آنذاك ،ومن المتوقع أن يبلغ عدد المسنين عام
2030م ) 50مليون( أي ما يقارب %17من تعداد المجتمع المريكي.
فلنتصور حجم المأساة التي يواجهها ما يقارب خمس المجتمع في وقت
يواجهون فيه أفظع صور اللمبالة والممارسات اللأخلقية من اعتداءات
ل من قبل الولد ،فأي عدالة يحققها هذا النظام وسطو وقتل وتمييز وتخ ّ
الذي يظلم الطفل والشيخ والمرأة .ويحافظ على حقوق القادرين على
العمل والنتاج فقط .وكنتيجة متوقعة للمعاملة الجائرة والتمييز العنصري فإن
المريكيين من أصول أفريقية "السود" ،يواجهون مشاكل مضطردة في
مجتمع انعدام المساواة .وعلى الرغم من أن المريكان البيض في بعض
طبقاتهم الدنيا يواجهون نفس المشاكل ولكن بنسب متفاوتة .فإن %69من
المواليد السود هم أبناء زنا .وثلثي الطفال السود يعيشون في بيوت ذات
عائل واحد ) (Single Parent homesأي برعاية الم غالبا ً فقط دون وجود أب،
أو الب فقط ،وهذه الحالة تشكل نسبة ضئيلة جدًا .كما أن من المتوقع أن
ُيودع %33من الولد السود تحت سن السادسة عشر السجن لجرائم
مختلفة .ويوجد أربع من كل عشرة رجال سود إما في السجن أو في مرحلة
الستئناف أو تحت مراقبة الشرطة الدائمة ،وبأسباب تلك الممارسات
العنصرية بالضافة لعوامل أخرى فإن أعلى معدلت تعاطي المخدرات وترك
الدراسة والغتصاب تنتشر بين المريكان السود ).(5
وبدل ً من بحث السباب لهذه الحصاءات المخيفة ،وإيجاد الحلول العادلة فإن
مرشح الرئاسة السابق والمستشار لثلثة رؤساء في الوليات المتحدة
المريكية السابقين باتريك بوكانن ) (Patrick Buchananيتحدث عن تلك
الحصاءات بأسلوب اتهامي لطبقة السود المسحوقة ويلومها على ما هي فيه
من ظلم وفساد ).(6
)(5 /
فلقد واجهت تلك القليات العبودّية والرق وأسوأ أصناف العنف والتمييز
العنصري ،وهي الن تواجه التميز العنصري والتجاهل المؤسساتي غير
المعلن .إن ما يحتاجون إليه هو جهود صادقة ولكن عادلة تزرع المساواة
وضهم عن قرون من الظلم والقهر والعنصرية ،وليس كيل التهم والعدل وتع ّ
ً ً
ولوم الضحية على ما جنته يد الظالم ،وبهذا فإن نظاما جائرا على أهله وفي
موطنه ليمكن أن يقيم العدل والمساواة بين شعوب الرض ،فالدعاوى
العلمية للحرية والصلح والعدالة الجتماعية إنما هي أساليب ملتوية لفرض
الهيمنة المريكية الرأسمالية المبريالية على شعوب الرض لسلبها مقدراتها
وخيراتها بل إنه استعمار جديد والعراق وأفغانستان أكبر شاهد على ذلك.
15
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
16
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(6 /
وما تخاُذل المسلمين وظهور بعض الممارسات التي ل يقرها السلم إل
بسبب انحطاطهم .فالسلم ل يحوي في تشريعاته ما يقر أي سوء معاملة أو
جبلّية جبله الله عليها.على تمييز ضد أحد للونه أو عرقه أو لغته أو لي صفة ِ
عكس ما كان المر عليه في أديان ونظم تقر بصفة أو أخرى في قوانينها
ضل طبقة على طبقة لسباب عنصرية تتنافى مع مبدأ تفرقة عنصرية ،أو تف ّ
المساواة بين البشر على منهج من العدل.
فالسلم يبقى شامخا ً دين العدالة الجتماعية والمساواة بين الناس ،وهذا
أحد أهم الخصائص المميزة لهذا الدين العظيم ،وقد انجذب إليه بسبب هذا
المبدأ الساس آلف المهتدين من شتى أصقاع الرض ،ومن خلفيات دينية
وعرقية واجتماعية مختلفة ،ليجدوا مكانهم ضمن المنظومة السلمية
العالمية السمحة من بلل وعمار إلى مالكوم إكس وسراج وهاج .
كل تلك المبادئ السلمية العظيمة للمساواة التي لم تستطع أن تسمو إليها
أي حضارة إنسانية على مدار التاريخ ،نشأت في بيئة مريضة بأدواء العصبيات
وضروب الضلل في اختلف من العبادات والخرافات .فلو جرت السباب
التي ندركها في مجراها المعهود فالدعوة التي تأتي من قبل هذه البيئة لن
تدعو إلى إله واحد يتساوى لديه جميع الناس ،ولن تمنح النسان حقا ً يتساوى
فيه جميع الناس ,و لكن هذه الدعوة جاءت بهذا وذاك :جاءت بالدعوة إلى
رب العالمين ،والى الحق الذي يتساوى فيه أبناء أدم وحواء ،وجاءت بذلك
لن إنسانا ً واحدا ً خلق الله فيه من قوة ما يكافىء تلك العصبيات جميعًا،
وتلك الضللت جميعا ويتغلب عليها ويجريها في غير مجراها بعون الله
وتوفيقه .ذلك هو رسول الله .
||2|1
________________________________________
* أستاذ مشارك جامعة الملك خالد -أبها
Gustave Le Bone. Les Civilization de I’nde, p. 211 -1
Khalid Al-Maeena. “Victims of India’s Religious Apartheid.” Arab -2
News, Nov. 29, 1994, p. 10
.George Church. “The Other Arms Race.” Time, Feb. 6, 1989 -3
Sullivan, etal. Social Problems: Divergent Perspectives. (John Wiley & -4
.Sons, New York. 1980, p. 340
William J. Bennett. Index of Leading Cultural Indicators. New York: -5
.Broadway Books, 2000, pp. 50-57
17
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
Patrick J. Buchanan. The Death of the West. Thomas Dunne Books: New -6
.York, 2002, pp. 218-225
)(7 /
18
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
19
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
المثال ـ أن علم النفس ما زال في الوقت الحاضر في مرحلة بدائية جدًا! بل
إن البعض ينكر وجود أي علم من هذا القبيل!! وأنه ليس هناك بالتأكيد نظام
من المعارف النفسية الثابتة التي جرى إقرارها بصورة عامة ،بل هناك عدد
من النظريات ،لكل منها مجال محدود للتطبيق ،وهي تختلف عن بعضها
اختلفات عميقة حينما تتناول الظاهرة نفسها.
فإذا كان لنظريتين في علم النفس رأيان مختلفان تماما ً إزاء ظاهرة من
الظواهر ،فكيف ُيتاح لنا أن نحكم على صدق المنهج النفسي ،وعلمّيته ،
ويقينّيته؟ فإذا ما تأكد أن إحدى النظريتين مصيبة ،بشكل أو آخر ،كانت
الخرى بالتأكيد خاطئة ،وليس لنا من ثم أن نعتقد بأن علم النفس يتكئ على
دعائم ثابتة ،كما يحدث في الفيزياء والكيمياء ،على الرغم من أن هاتين
تتعرضان ـ أيضا ً ـ ولكن بنسبة أقل لتغيرات أساسية في صميم مقولتهما.
وقد يقول قائل :إن كل ً من النظريتين النفسيتين تتضمن قدرا ً من الخطأ
وقدرا ً من الصواب ،وفي هذه الحالة أيضا ً ل يمكن الطمئنان إلى سلمة
المنهج الذي يعتمده علماء النفس في صياغة نظرياتهم؛ لنه ـ في أغلب
الحيان ـ يعتمد التعميم ،ومن ثم تختلف النظريات النفسية ـ أحيانا ً ـ اختلف
النقيض مع النقيض ،دون أن يكون هناك قاسم مشترك .ذلك أن
" التعميم " هو الضربة القاتلة لمناهج البحث العلمي الرصين.
ومهما يكن من أمر فإن )سوليفان( يتناول بالتحليل والنقد اثنتين من أبرز
النظريات النفسية وأكثرها انتشارًا :النظرية السلوكية ونظرية التحليل
النفسي ،لكي ما يلبث أن يصدر حكمه على ضعف ،واهتزاز النتائج التي
توصلنا إليها بصدد تركيب العقل البشري ،وطريقة عمله.
وهو يرى أن السلوكيين ،إلى جانب قيامهم بوضع نظريات على أسس واهية
دمون نظريات تناقض خبراتنا المباشرة .إنهم جدا ً من الحقيقة ،فإنهم يق ّ
ينكرون الحقائق الواضحة ،ينكرون أننا نستطيع تشكيل صورة بصرية أو
سمعية وما إليها في عقولنا .إن أولئك الذين يمتلكون من بيننا قدرة عظيمة
على تكوين الصور البصرية العقلية ،أو الذين يستمتعون بالصغاء العقلي
للعمال الموسيقية المحببة لديهم ،يعلمون أن هذه المقالة ل تنطوي على أي
جانب من الصحة .حقا ً إن النظرية السلوكية عندما يجري تطبيقها على
العمليات العقلية البسيطة جدًا ،تبدو قاصرة إلى درجة تصبح معها غير ذات
قيمة!
وبخصوص نظرية التحليل النفسي يعرض سوليفان للعديد من المحاولت
التي انشقت
عن فرويد ،ويشير بسخرية إلى أن عدد هذه المحاولت من الكثرة بحيث
ينافس المسيحية في طوائفها ،وكل طائفة من طوائف التحليل النفسي
تدعي لنفسها ،مثل طوائف المسيحية ،نظرة شاملة وواقعية ،وتشير إلى
قائمة مؤتمرة من العلقات الروحية والجسمانية لثبات كفاية تعاليمها
وصلحيتها ..إن أي شكل من أشكال التحليل النفسي ل يمكن اعتباره في
وضع مرض كعلم .ول يمكنه اللجوء إلى النتائج من أجل إثبات النظرية؛ لن
هذه النتائج ،أي العلجات التي يقدمها
)(2 /
20
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
النتائج .ويتبع ذلك أن هذه النظريات يمكن فقط الحكم عليها بالستناد إلى
احتمالتها الولية .وهنا نواجه صعوبة تتمثل في أن كل أشكال التحليل
النفسي تظهر محتملة بدرجات متساوية تقريبًا .وربما وجب التفريق لمصلحة
تلك النظريات التي تأخذ بفكرة الل شعور ،وذلك في مقابل تلك التي تنبذ
هذه الفكرة .إن مفهوم الل شعور مفهوم مهم بالتأكيد ،لكنه ُوجد قبل
التحليل بوقت طويل .وهكذا فإن كون التحليل النفسي قد أدخل شيئا ً جديدا ً
هو موضع جدل ونقاش.
والنتيجة التي ينتهي إليها )سوليفان( أنه ليس في نظريات علم النفس كافة
شيء من شأنه أن يغّير جديا ً في قناعتنا بأن هذا العلم ل يمكن اعتباره علما ً
حتى الن .وللمعارف الخرى أيضا ً مثل علم الجتماع والقتصاد وما إلى ذلك،
بعض النواحي التي ل تعتبر مرضية من وجهة النظر العلمية .والعلم هو أقوى
ما يكون عليه عندما يتناول العالم المادي .أما مقولته في المواضيع الخرى
فتعتبر نسبيا ً ضعيفة ومتلجلجة!
وهي نفس النتيجة التي ينتهي إليها الكسيس كاريل في )النسان ذلك
المجهول( ..إن السيطرة على عينة من العالم المادي لغرض فهمها ممكنة
إلى حد ما ،أما السيطرة على عينة يدخل فيها النسان ،والعقل ،والحياة،
سئل الرسول -صلى الله عليه وسلم- طرفًا ،فتكاد تكون مستحيلة .ومن قبل ُ
عن الروح :معجزة النسان ،وسّر العقل ،ومفتاح الحياة ،فأجاب القرآن
نم َ
م ِ
ُ
ما أوِتيت ُ ْ
مرِ َرّبي وَ َ
ك عَن الروح قُل الروح م َ
نأ ِْ ّ ُ ِ ْ ِ ّ ِ سَألون َ َ
الكريم عنه) :وَي َ ْ
ل(] .السراء .[85:وهكذا نرى كيف تتساقط رموز العلمانية ال ْعِل ْم ِ إ ِّل قَِلي ً
الملحدة التي تتنكر لله ..واليمان ..وها هو ذا جان بول سارتر ،زعيم
الوجودية اللحادية ،ينتهي إلى المصير نفسه ..على يده هو وباختياره هذه
المرة .إنه يقول فيما ترجمه الدكتور محمد جابر النصاري بعنوان" :
المحاورة الخيرة بين سارتر ودي بوفوار" ونشرته مجلة الدوحة القطرية في
مايو 1982م" :أنا ل أشعر بأني مجرد ذّرة غبار ظهرت في هذا الكون ،وإنما
أنا كائن حساس تم التحضير لظهوره ،وُأحسن تكوينه ،أي بإيجاز ككائن لم
يستطع المجيء إل ّ من خالق" !
ثم ها هو ذا الدكتور أحمد أبو زيد يذكر في مقال له بعنوان" :هل مات دارون
حقًا؟"
) نشرته مجلة العربي في تموز 1982م ( كيف أنه صدر في إنكلترا من
شهور قليلة وفي أواخر عام 1981م كتاب يحمل عنوانا ً طريفا ً هو " التطور
من الفضاء (Evolution From Space) :قام بتأليفه عالم الفلك الشهير )سير
فريد هويل( وعاونه في ذلك أستاذ هندي يدّرس في جامعة كارديف .ويعترف
الستاذان بصراحة في ذلك الكتاب بأنهما ملحدان ،ول ينتميان لي دين أو
عقيدة ،وأنهما يعالجان أمور الفضاء وحركات الكواكب بأسلوب علمي بحت،
ومن زاوية عقلنية خالصة ل تحفل ول تتأثر بأي موقف ديني .ويدور الكتاب
حول مسألة احتمال وجود حياة على الكواكب الخرى ،ويتناول بالبحث
الدقيق الفكرة التي سادت في بعض الكتابات التطورية عن ظهور الحياة
تلقائيا ً من الوحال الولى نتيجة لبعض الظروف والتغيرات البيئية .ومع أن
هنالك نظريات معارضة لهذا التجاه ،وهي نظريات ترى أن احتمال ظهور
الحياة من هذه الوحال أو الطين الولى ل تزيد عن) (40.000 : 10 : 1أي
واحد إلى عشرة أمامها أربعون ألف صفر .مما يعني أنه ل تكاد توجد فرصة
لظهور الحياة عن طريق التوالد التلقائي من هذا الطين ،وبالتالي فإن الحياة
ل يمكن أن تكون نشأت عن طريق الصدفة البحتة ،وأنه لبد من وجود عقل
21
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
دل لهدف معين .وعلى الرغم من اعتراف المؤلفين الصريح ـ مدّبر يفكر ويب ّ
ً
كما قلنا ـ بإلحادهما ،فإنهما ل يجدان أمامهما مفرا من أن يكتبا الفصل الخير
من الكتاب تحت عنوان " الله ـ ." God
ولبد ّ من الشارة ها هنا إلى أن المعرفة النسانية سواء في ميدان علم
النفس أو
الجتماع ،أو حتى العلوم الصرفة وبخاصة علوم الطبيعة والحياة ،عادت عبر
العقدين الخيرين لكي تتصالح مع اليمان ،وهذا يعني بالضرورة تصالحها مع
الثوابت والمرتكزات التي تحترم إنسانية النسان ،وتمّيزه ،وتفّرده على
العالمين.
إن هذا التصالح أو الوفاق لم يؤثر البتة على حرية العالم في الكشف ،بل
على العكس إنه يجيء بمثابة دفع وتحفيز للمزيد من الكشف عن الحقائق
والنواميس التي لن تكون في نهاية المر إل ّ تأكيدا ً لقصدّية الخلق ،وإحكام
البناء الكوني ،وإبداعية الله سبحانه.
)(3 /
لنقف بعض الوقت عند كتاب "العلم في منظوره الجديد" لـ)روبرت أغروس(
و)جورج ستانسيو( والذي ُنشر في العدد ) (134من سلسلة عالم المعرفة
في شباط 1989م .مترجم الكتاب الدكتور كمال خليلي يلخص فصوله
الخصبة بالحديث عن الظروف التي نشأت في ظلها النظرة العلمية القديمة
التي تطورت في العصور اللحقة إلى مذهب مادي صارم يؤمن بأزلية المادة،
ويرفض من ثم كل ما هو غيبي ،ول يعترف في تفسيره لمختلف الظواهر إل ّ
بنوعين هما العلل ،وهما الضرورة والصدفة.
إزاء هذه النظرة المادية برزت إلى الوجود في مطلع القرن العشرين نظرة
علمية
منافسة ،كان من ألمع رّوادها آباء الفيزياء الحديثة كـ)آينشتاين( و)هاينزنبرغ(
و)بور( وكثيرين غيرهم ممن استحدثوا مفاهيم جديدة كل الجدة أطاحت
بالمفاهيم والنظريات الفيزيائية السابقة التي كانت رائجة منذ عصر أرسطو
وحتى أواخر القرن التاسع عشر .فقد أثبت آينشتاين مثل ً نسبية الزمان
والمكان ،بل الحركة .وبّين الفيزيائي الدانماركي )نيلز بور( أن الذرة ليست
وره ،كما كان نيوتن يظن ،بل إنها هي الخرى مكونة أصغر جسيم يمكن تص ّ
من نواة يحيط بها عدد ل حصر له من اللكترونيات .وأجمعت آراء كبار علماء
الفيزياء النووية والكوزمولوجيا على أن الكون بما يحويه من مليين المجرات
ومليارات النجوم والكواكب قد بدأ في لحظة محددة من الزمن يرجع تاريخها
إلى ما بين ) 10و (20مليار سنة ،فثبت بما ل يدع مجال ً للشك أن المادة
ليست أزلية وأن للنجوم آجال ً محددة تولد وتموت كالدميين ،وأن الكون
دد مستمرين ،بل إن من بين الفيزيائيين الفلكيين المادي نفسه في تطور وتم ّ
ً
المعاصرين من قادته نتائج أبحاثه إلى القول :إن الكون كان مهيأ منذ النفجار
العظيم لتطور مخلوقات عاقلة فيه ،وأن النسان في مركز الغاية من إبداعه،
فرأوا في ذلك كله ،وفي الجمال المنتشر في الطبيعة على جميع
المستويات ،هدفا ً وخطة مرسومة ،فآمنوا بعقل أزلي الوجود ،منتصب وراء
هذا الكون ،واسع الرجاء ،يديره ويرعى شؤونه.
ثم أعقب هذا الجيل من الفيزيائيين والفلكيين جيل آخر من العلماء
المتخصصين في مبحث العصاب وجراحة الدماغ ،من أمثال )شرنغتون(
22
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
و)أكلس( و)سبري( و)بنفيلد( وقفوا حياتهم كلها على دراسة جسم النسان،
فانتهت بهم أبحاثهم إلى القرار بأن النسان مكون من عنصرين جوهريين:
سي -وإن كان يتوقف على ن وروح ل يعتريها الفناء ،وبأن الدراك الح ّ جسد فا ٍ
عمليات فيزيائية وكيميائية -ليس شيئا ً ماديا ً بحد ّ ذاته ،وخلصوا كذلك إلى ما
يفيد بأن العقل والدماغ شيئان مختلفان تمام الختلف ،وأن الرادة والفكار
ليستا من صنع المادة ،ول من إفرازاتها ،بل هي على العكس من ذلك تؤثر
تأثيرا ً مباشرا ً في العمليات الفسيولوجية ذاتها.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية شعر كثيرون من علماء النفس أن إخضاع
العقل للغريزة في طريقة التحليل النفسي وإلغاءه في المذهب السلوكي قد
أفضيا إلى تجريد النسان من إنسانيته ،فظهرت في الخمسينيات من القرن
عرفت فيما بعد باسم "علم النفس النساني" .ومن أبرز الماضي قوة ثالثة ُ
رواد هذه المدرسة )فرانكل( و)ماسلو( و)ماي( الذين يعترفون بأولية العقل
وبعدم قابلية حصره في الخواص الكيميائية والفيزيائية للمادة ،وبكون
النسان قوة واعية تملك حرية التصّرف والختيار ،ويرفضون من ثم تفسير
السلوك البشري كله بلغة الدوافع والغرائز والضرورات البيولوجّية وردود
الفعل اللية ،ويؤمنون عوضا ً عن ذلك بما يسمى القيم الخلقية والجمالية
والجوانب الروحية والنفسية والفكرية.
ل بأس ـ أخيرا ً ـ أن نقرأ معا ً بعض مقاطع الفصل الرابع من الكتاب المذكور،
والذي يحمل عنوان "الله"" :يبدو أن المادة ليست أزلية بالرغم من كل
شيء .وكما يعلن عالم الفيزياء الفلكية )جوزف سلك( "فإن بداية الزمن أمر
ل مناص منه" .كما يخلص الفلكي )روبرت جاسترو( إلى أن "سلسلة
الحوادث التي أدت إلى ظهور النسان بدأت فجأة وبعنف في لحظة محددة
من الزمن ،وفي ومضة ضوء وطاقة".
" فهل من إله في كون كهذا ؟ الفيزيائي )إدموند ويتكر( يعتقد ذلك فهو
يقول" :ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا
موجودتين قبل النفجار العظيم ،وأنه حدث بينهما تفاعل فجائي .فما الذي
يمّيز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الزلية؟ والبسط أن نفترض
خلقا ً من العدم ،أي إبداع الرادة اللهية للكون من العدم" .وينتهي الفيزيائي
)إدوارد ميلن( بعد تفكره في الكون المتمدد ،إلى هذه النتيجة "أما العّلة
دد فأمر إضافتها متروك للقارئ .ولكن الصورة الولى للكون في سياق التم ّ
التي لدينا ل تكتمل من غير الله".
)(4 /
"أما النظرة العلمية الجديدة فترى أن الكون بمجموعه ـ بما في ذلك المادة
والطاقة والمكان والزمان ـ حدث وقع في وقت واحد ،وكانت له بداية
محددة .ولكن لبد من أن شيئا ً ما كان موجودا ً على الدوام؛ لنه إذا لم يوجد
أي شيء من قبل على الطلق فل شيء يمكن أن يوجد الن .فالعدم ل ينتج
عنه إل ّ العدم .والكون المادي ل يمكن أن يكون ذلك الشيء الذي كان
موجودا ً على الدوام؛ لنه كان للمادة بداية .وتاريخ هذه البداية يرجع إلى ما
قبل ) 12إلى (20مليار سنة .ومعنى ذلك أن أي شيء وجد دائما ً هو شيء
غير مادي .ويبدو أن الحقيقة غير المادية الوحيدة هي العقل ،فإذا كان العقل
هو الشيء الذي ُوجد دائما ً فلبد أن تكون المادة من خلق عقل أزلي الوجود.
وهذا يشير إلى وجود كائن عاقل وأزلي خلق كل الشياء ،وهذا الكائن هو
23
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(5 /
24
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
25
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
26
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
27
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
كيفما اتفق تحت عنوان" ،كفانا بؤسا نريد أن نعيش" يدفع النسان إلى
الستهتار بالقيم الرفيعة ،ويحفزه إلى التماس أيسر أشكال الحياة ولو كانت
في منتهى النحطاط ،والرضى بالعيش ولو بالحد الدنى ،أي العيش الذي
ن الرتقاء يشترط تغيير الواقع ،الذي
يمنحه الشهيق والزفير فقط ،طالما أ ّ
يتطلب تضحية وبذل ً وجهدا ً مما يتنافى مع مطلب السلمة ،ومصداق ذلك ما
شاع على ألسن الكثيرين " :نحن نركض وراء الرغيف طوال اليوم ،وبالكاد
نجد الخبز لنأكله ،وتطلب منا إنهاض المة والعمل على تغيير واقعها
المزري!؟"
)(1 /
أضف إلى تأثر النفس بالمفاهيم والقيم الشائعة أو وراثة صفات الباء
والجداد ،عامل العيش في ظل نظام يفرض وجهة نظر معينة ،وطريقة
عيش محددة .فقد كان سكان التحاد السوفياتي المنهار ،يمقتون التجارة
وينفرون منها ،ويعتبرون القيام بها معيبا وأقرب إلى العار جراء ارتباطهم
بالمبدأ الشتراكي ،الذي يمقت الرأسمالية والرأسماليين ،وهي وجهة النظر
التي كانت تسود في أميركا وأوروبا الغربية قبل انهياره ،حيث تعتبر التجارة
ومتعلقاتها من بورصة ومضاربات وعملت وشركات أهم ما يشغل بال
الناس ،بل إن جوهر الحياة وأهم قيمه هي ما يتعلق "بالبيزنس" الذي حول
كل شيء إلى مجرد سلعة للبيع والشراء والمقايضة بما فيها البشر ،ومن هنا
نرى مدى تأثير النظام المطبق على صياغة نفوس الناس قديما ً وحديثا ً
وأهميته.
وأما التأثر بالعادات والتقاليد فأمر غني عن التدليل ،وقد قيل "العادة
كالعبادة!" ،ناهيك عن أن كثيرا ً من العراف المشؤومة ،لها سلطان أقوى
من سلطان الدولة والقانون والدين مع عظم شأنه ،كما هو مشاهد في
العديد من الحالت.
ومن هنا يرد سؤال جوهري ،ويتعلق في صميم بحث تزكية النفس وتهذيبها:
طالما أن النفس تتشكل نتيجة البيئة التي يعيش النسان فيها ،بل وترث
الخصال الحسنة أو القبيحة بفعل أثر الباء والجداد ،أو بحكم العادات
والتقاليد أو النظام المطبق على الناس والذي تحكمه وجهة نظر محددة في
الحياة ،فلم نعاتب الناس فيما هم عليه من سوء حال ،وهل من سبيل إلى
إعادة صياغة نفسية النسان من غير تغيير الوضاع السائدة في المجتمع
وقلب المفاهيم الشائعة فيه فضل عن استبدال العراف السائدة؟
والجواب هو :إن تغيير ما تطبعت عليه النفوس أو ورثته واعتادت عليه أمر
يصعب نواله ،ودونه صعوبات شتى ،وخصوصا في ظل سيادة أوضاع مختلفة
تتباين بل وتتناقض مع ما يراد التغيير له .ولذلك فمن المبالغة ،توقع إحداث
إصلح أو تغيير جماعي في أنفس الناس عموما نحو المثل أو الفضل ،في
م ،وأطبق على نفوس البشر من الرض م وط ّ
ظل نظام رأسمالي مقرف ع ّ
والسماء ،بقوانين وأنظمة وقيم وفلسفات وسياسات ،وإعلم فضائي وأرضي
مرئي ومسموع ومكتوب ،وقوة قاهرة وسلطان مرعب ،لتصوغ النفوس
بعيدا ً عن القيم الرفيعة ،حتى تلك التي كان العرب يتمتعون بكثير منها في
جهم وانكلبهم على بعضهم ،كالنفة جاهليتهم ،مع خمرهم وعرّيهم في ح ّ
والفخر والعزة والباء ،وكإيواء عابر السبيل وقرى الضيف والثرة والشهامة
ن
وما إلى ذلك ،مما نفتقده اليوم بشدة؛ حتى بين الخوة ،بسبب كل ذلك ،فإ ّ
28
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
المعول عليه لتغيير عامة الناس وإصلح أنفسهم والرتقاء بهم ،وإحداث
نهضة حقيقية لهم ،إنما يكون بتغيير الوضاع العامة السائدة في المجتمع،
وباستعمال كل الوسائل والمقدرات الممكنة من مؤسسات تعليمية وإعلمية
واجتماعية وقانونية لنشر القيم الرفيعة والمفاهيم الصحيحة عن الحياة ،وهذا
ل يتأتى بحال دون سياسات يضعها عقلء ومفكرون ونبيهون حريصون على
المجتمع ،يسهر على تنفيذها سلطان الدولة الرحيمة ،وبمساندة مختلف
الطاقات الفردية والجماعية المتوفرة لتحقيق المطلوب.
وعدم توفر ذلك النظام السياسي المبدئي المالك لزمام المور ،المسخر
لطاقات المة ومقدراتها فيما يحقق لها الخير والطمأنينة ،هو ما يفسر فشل
محاولت كل الحركات السياسية والخيرية والخلقية والروحية والجتماعية
في تهذيب أنفس الناس وتنقيتها فضل ً عن عدم إحداث نهضة أو رقي في أي
من مجتمعات العالم السلمي ،حيث سرعان ما تذهب تلك الجهود أدراج
الرياح في ظل قانون واحد يوصد أمام الناس باب الفضيلة ويعاقبهم على
التحّلي بها ،ويشرع أمامهم باب الرذيلة مفتوحا ً على مصراعيه ويكافئهم على
اقترافها.
ومما ينبغي إدراكه ،هو أن ما سبق شرح للواقع على ما هو عليه ،وليس
تبريرا ً لمتهان البعض في سلوكهم ،أو لضرب الصفح عن الظلم والثام بحجة
الظروف والواقع ،أو عذرا ً للعتداء على حقوق الخرين وإهدار كرامتهم.
فالسرقة والزنا والغش والمكر والخديعة وأكل المال بالباطل واحتراف
الحتيال والرشوة والظلم بأنواعه وغيرها من الفات هي من الفواحش التي
يحظر اقترافها وينبغي الحذر منها.
كما أنه ل يصح ول يليق البتة ،النجرار مع ما هو سائد أو التطبع بالواقع
الفاسد ،بحق من ادعى أنه صاحب رسالة في الحياة ،ونذر نفسه لحمل
دعوة سامية ،وتبنى قضية مصيرية فيها ،فالركون للواقع والتلون بما شاع
فيه؛ ينفيان قدرته على إصلح نفسه فكيف يصلح غيره ،لن رائد الطليعة
وقائد المة ينبغي أن يكون مثال ً يحتذى .فصاحب الدعوة إن لم يتميز بالثبات
والتفاني والتضحية والتفاعل الصادق مع أبناء المجتمع ،فلن يفلح في قيادتهم
وسيفشل في تحقيق نصرتهم لقضيته.
)(2 /
لذلك كان على حامل الدعوة بذل جهده في تنقية نفسه من شوائب الواقع
الفاسد ،والتخلص من أدران الصفات المتوارثة ،كما عليه تصفية رواسب
المفاهيم القبيحة والعادات البالية التي يرفل بها مجتمعه .ولمعرفة كيف يتم
ذلك ل بد من توضيح بعض المور.
فاكتساب نفسية راقية سامية ،ل يتأتى بالعجز وكثرة التبرير والكسل
المخزي ،إنما يتحقق بالرادة الصلبة والتصميم الجاد والهمة العالية ،ومن
غيره فل أمل ُيرجى في تحقيق أي تغيير جدير ذكره في أوضاع النسان مهما
نمت عقليته ،واتسعت ثقافته ،وكثرت معلوماته وثرثر بها لسانه؛ لن العادة
ليس من السهل تركها أو التخلي عنها ،ول يمكن تغييرها إل بكسرها و تغليب
عادة أخرى عليها ،ويتم ذلك بتطويع النفس على غير ما تشتهيه ،ولو كان من
المباحات والحلل الزلل ،بل وحملها على ما ل تحب ول ترغب فيه ،طبعا
فيما ل هلك أو أذى فيه ،حتى تصبح طيعة لينة بيد صاحبها يقودها أّنى شاء.
ولعل رأس المر في تغيير ما عليه النفس بالضافة للعزم والهمة والرادة
29
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الصادقة ،هو جعل العقل قائدا ً لها والصرار على ذلك ،فإن انقادت النفس
لمفاهيم صاحبها وقناعاته وتصوراته عن الشياء ،كان في غاية النسجام مع
نفسه ،وتمّيز بالتزان وشعر بالستقرار.
وبما أن حديثنا يتناول نهضة المة السلمية ورسالتها في الحياة وتجسيدها
في أرض الواقع ،كان ل بد من جعل المنهج الشرعي هو القائد الذي يضبط
العقل آلته على أساسه ،فيلزم نفسه بما ألزمه به ربه ،ويتقرب إلى الله
ما حظره الله تعالى ،متجنبا ً ما كرهه زلفى بما ندبه واستحبه ،صادا ً نفسه ع ّ
ما استطاع ،فإذا ما حصل هذا ،تحقق التناسق بين مفاهيم اليمان وصفاء
النفس وانشدادها إلى اللتزام بمنهج الله سبحانه ،وبذلك تسمو إلى حيث
سمى عقل صاحبها ،لتتصف بما روي في الحديث الصحيح عن النبي الكريم
"ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ".
ولتوضيح أهمية ذلك أقتصر على مثلين:
.1فالمسلم يؤمن بأن الرزاق هو الله تعالى ،وهو أمر من ثوابت العقيدة
ن السير في درب الحرام للكسب غير المشروع ،لن ومسلماتها ،وعليه؛ فإ ّ
ً
يغير من واقع رزقه شيئا ،ولن يزيده ذلك إل إثما وحسرة وندامة ،وهذا أمر ً
اعتنقه العقل ،حيث ثبت لدى كل مسلم يقينًا ،أن القرآن حق ينطق بالصدق
الذي ل ريب في ،وأن كل ما ورد فيه هو حق خالص ل يأتيه الباطل ،وقد ورد
ه لَ َ َْ
ق
ح ّ ض إ ِن ّ ُ ماِء َوالْر ِ س َ ب ال ّ ن ،فَوََر ّ دو َما ُتوعَ ُ م وَ َماِء رِْزقُك ُ ْ س َ
فيه? :وَِفي ال ّ
َ
ن? ]الذاريات[. قو َم َتنط ِ ُ ما أن ّك ُ ْ ل َ مث ْ َِ
بينما نجد أن هوى النفس يداعب المشاعر بإثارة القلق على الرزق ،ويدفع
النسان إلى أن ينهل منه قدر المستطاع ،بأي وسيلة طالما أن ذلك متاح ولو
ب
ح ّ س ُ ن ِللّنا ِ لم يكن مباحًا ،وذلك بدافع الرغبة كما جاء في القرآنُ? :زي ّ َ
ل ضةِ َوال ْ َ
خي ْ ِ ف ّ ب َوال ْ ِ ن الذ ّهَ ِ م ْ قن ْط ََرةِ ِ م َطيرِ ال ْ ُقَنا ِن َوال ْ َ ساِء َوال ْب َِني َ ن الن ّ َ م ْ ت ِ وا ِ شهَ َ ال ّ
ْ َ ْ
ث? ]آل عمران [14أو بدافع وسوسة الشيطان حْر ِ مةِ َوالن َْعام ِ َوال َ سو ّ َ م َ ال ْ ُ
م ِبال ْ َ ْ م ال ْ َ شي ْ َ
شاِء? ح َ ف ْ مُرك ُ ْ
قَر وَي َأ ُ ف ْ ن ي َعِد ُك ُ ْ
طا ُ خشية إملق ،يقول تعالى? :ال ّ
]البقرة .[268
واستنادا ً لما سبق ،فإن نفرت النفس إلى ما تشتهيه وتهواه ،أو اتبعت
وسوسة الشيطان ،وانصرفت عن صدق وعد الله المتعهد بكفالة الرزق ،كان
ما اعتنقه العقل وآمن به وسلم بصحته ،حيث هوى إلى ما ذهبت النحطاط ع ّ
إليه النفس باتباعها الشهوة وانقيادها للغريزة ،تماما كالبهيمة تنساق وراء كل
غنيمة.
وتتشكل مع تكرار العصيان نفسية رديئة ،اعتادت الخصومة مع الشريعة
والبعد عن منهج الله ،فتنفصم شخصية المسلم بين إيمانه الذي صدق به
ونفسه التي أصابتها الحسرة لنجرارها وراء مجرد الرغبة ،ويفقد بذلك
انسجامه بين النفس والعقل ،مما يؤدي إلى الضطراب والقلق ،وإذا ما
تكررت هذه الحالة في النفصام بين النفس والعقل أدت على الغلب إلى
اهتزاز الشخصية وعدم جدواها لقيادة نفسها فما بالك بقيادة البشرية.
أما إن جعل المرء ما يؤمن به ويعتنقه عقله هو العامل الحاسم في تسيير
سلوكه ،كان الثبات والرقي ،ولسمت النفس لتتواصل مع العقل ،فيحصل
النسجام وتتحقق الطمأنينة ويظهر الثبات ،فتتشكل بذلك الشخصية
السلمية السوية الصادقة.
)(3 /
30
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
.2مما تدفع إليه الغريزة بشكل فطري ،الميل إلى الجنس الخر ،فإن أرخى
المرء لنفسه عنانها ،وأطلق نظراته وراء كل محرم؛ بغية التلذذ وإشباع
الشهوة ،لدى ذلك بالنفس إلى التخلي عما يحصنها ،من وجوب انقيادها
للعقل الذي سلم بوجوب اتباع وحي الله تبارك وتعالى ،الذي أمر بغض النظر
عن العورات المحرمة ،فإن انقادت النفس لشهوة صاحبها وأطلق نظراته
مر بغض النظر ،يخسر التزامه وبذلك تنقاد نفسه إلى ُ
كسهام القناص حيث أ ِ
طريق الفجور والعصيان حيث تهبط إلى مستوى الغريزة المدفوعة من غير
عقل ضابط .بينما لو حصل العكس ،واتخذت النفس الشرع الذي آمن به
النسان سيدا ً لها ،ومنحته السلطان عليها ،وغضت البصر ،لتعززت ثقته
بقدراته ،ولقويت إرادته ،ولوجد لذة وعصمة من جراء تكرار ذلك حيث بات
هناك انسجام بين نفسه وبين مفاهيمه ،أنظر إلى قول النبي الكريم" النظرة
سهم من سهام إبليس ،من تركها من مخافة الله أعطاه الله إيمانا يجد
حلوته في قلبه " .
وهكذا ينبغي أن تسير المور عند من يريد أن يسلك درب الرشاد ،وينال
رضى الرحمن ،ليتلطف به ويكفله وينصره ،فيصبح بصره الذي يبصر به وعينه
التي يرى بها؛ ولذلك لزم عند من أدرك في نفسه صفة تخرم مروءته ،أو
ط من آدميته ،كان عليه أن يباشر في تهذيب نفسه ،بتعويدها عما يجلها تح ّ
ويرفعها عن الموبقات والثام.
فمثل من شعر بنفسه يتملكها الحسد من الخرين لزمه تدبر حديث النبي
كته في طه على هَل َ َ سل ّ َ سد َ إل في اثنتين :رجل آتاه الله ماًل ،ف َ ح َالكريم "ل َ
ّ
قضي بها وي ُعَلمها" وهكذا ... الحق ،ورجل آتاه الله الحكمة فهو ي َ ْ
وعليه أن يجبر نفسه على النكسار أمام شرع الله لكي يتقبله الله ويوفقه،
فل يغلب شهوة أو طبعا ً سيئا ً على أمر يخالف الشرع ،وعليه أن يحذر من
التبرير لما يقدم عليه ،فإن ذلك هو درب إبليس الذي تجرأ بذلك على الله
تعالى ،حيث أخذ يجادله في أمر طاعته ،وأن سجوده لدم سينقص من قدر
خلقه ،إذ أن النار أفضل من الطين بزعمه ،وتجاهل أن الله هو خالق الشياء،
ويعلم كنهها ،وهو بكل شيء محيط.
وانطلقا ً من هذه القاعدة الفكرية ،ينبغي على المرء النطلق في عالم
يجعل فيه شرع الله جل وعل نصب عينيه ،مدركا ً أنه متبع بذلك عقله الذي
ميزه الله به ليسلم بآلء الله وتوجيهه ووحيه ،فيسير في دربه ويعتصم بحبل
الله منقطعا ً إليه عمن سواه ،لينطبق عليه في رحلته إلى محطته البرزخية
ة، ضي ّ ًمْر ِ ة َ ضي َ ً
ك َرا ِ جِعي إ َِلى َرب ّ ِ ة ،اْر ِ مئ ِن ّ ُمط ْ َ س ال ْ ُ ف ُ قوله تعالىَ ? :ياأ َي ّت َُها الن ّ ْ
جن ِّتي? ]الفجر[. خِلي َ عَباِدي َ ،واد ْ ُ خِلي ِفي ِ َفاد ْ ُ
نعم هذا هو الحال إذا ما ألزم النسان نفسه بما أنتجه عقله من قناعات
عقائدية تفسر سبب وجوده في الحياة ،وتضع له نظاما ً منبثقا ً عنها؛ ليضبط
حركات أفعاله على إيقاعات متناسقة مع منهج الله وهديه الذي رسمه له،
فوًرا? ]النسان[. ما ك َ ُ
شاك ًِرا وَإ ِ ّ ما َ ل إِ ّ سِبي َ حيث يقول? :إ ِّنا هَد َي َْناهُ ال ّ
خر العقل في خدمتها ،فإنه سينطلق وأما إذا ما أتبع النسان نفسه هواها ،وس ّ
ً
في عالم الغواية ،وسينزلق في عالم البهيمة؛ فيصبح شرا منها ،ولنطبق
ل? ]الفرقان[ هذا هو سِبي ً ض ّ ل هُ َ كاْل َن َْعام ِ ب َ ْ م إ ِل ّ َ
ل َ مأ َ ْ ن هُ ْ عليه قوله تعالى?إ ِ ْ
ها ، وا َس ّما َ س وَ َف ٍ واقع بحث النفس ،وخلصته تتمثل في قوله تعالى? :وَن َ ْ
َ َ
ها? سا َن دَ ّ م ْ ب َ خا َ ها ،وَقَد ْ َ كا َ ن َز ّ م ْ ح َ ها ،قَد ْ أفْل َ َ وا َ
ق َها وَت َ ْ جوَر َ فَأل ْهَ َ
مَها فُ ُ
)(4 /
31
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
النفاق
ل :تعريف وبيان. أو ً
ثانًيا :أنواع النفاق.
ثالًثا :أركان النفاق وبواعثه.
رابعا :ذم النفاق في الكتاب والسنة.
سا :خوف السلف من النفاق. خام ً
سا :صفات المنافقين في الكتاب والسنة. ساد ً
سابًعا :موقف المسلم من المنافقين.
ثامًنا :سبل الوقاية من النفاق.
ل :تعريف وبيان: أو ً
أ -النفاق لغة:
اختلف أهل اللغة في أصل النفاق:
مي سرب في الرض الذي ُيست ََتر فيه ،س ّ فقيل :مأخوذ من النفق ،وهو ال ّ
ن المنافق يستر كفَره .وبهذا قال أبو عبيد. النفاق بذلك ل ّ
ّ
وقيل :إنه مأخوذ من نافقاء ،والنافقاء موضع يرققه اليربوع من جحره ،فإذا
أتى من ِقبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فانتفق ،أي :خرج ،ومنه اشتقاق
ن اليمان يخرج منه ،أو يخرج هو ف ما ُيظهر ،فكأ ّن صاحبه يكتم خل َ النفاق؛ ل ّ
من اليمان في خفاء.
ن الصل في الباب واحد ،وهو الخروج ،والنفق المسلك النافذ الذي ويمكن أ ّ
يمكن الخروج منه.
ن النفاق في اللغة سره به أهل العلم المعتبرون أ ّ قال ابن رجب" :والذي ف ّ
هو من جنس الخداع والمكر ،وإظهار الخير وإبطان خلفه".
ب -النفاق شرعا:
هو إظهار السلم وإبطان الكفر.
ص ،وإن كان أصله الذي ي لم تعرفه العرب بهذا المعنى الخا ّ وهو اسم إسلم ّ
ُأخذ منه في اللغة معروًفا.
ج -ألفاظ ذات صلة:
الزندقة:
أطلق بعض العلماء لفظ "الزنديق" على المنافق.
قال ابن تيمية" :ولما كثرت العاجم في المسلمين تكلموا بلفظ الزنديق،
وشاعت في لسان الفقهاء ،وتكلم الناس في الزنديق هل تقبل توبته؟...
والمقصود هنا أن الزنديق في عرف هؤلء الفقهاء هو المنافق الذي كان على
م ويبطن غيَره ،سواء عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،وهو أن يظهر السل َ
ّ
أبطن دينا من الديان كدين اليهود والنصارى أو غيرهم ،أو كان معطل ً جاح ً
دا
للصانع والمعاد والعمال الصالحة".
ينظر :لسان العرب ) ،(14/243مادة) :نفق(.
مقاييس اللغة لبن فارس ) ،(5/455مادة) :نفق(.
جامع العلوم والحكم ).(2/481
ينظر :النهاية في غريب الحديث ) ،(5/97التعريفات للجرجاني )ص .(245
مجموع الفتاوى ).(7/471
ثانًيا :أنواع النفاق:
قال ابن القيم" :النفاق نوعان :أكبر وأصغر.
فالكبر يوجب الخلود في النار في دركها السفل ،وهو أن يظهر للمسلمين
إيمانه بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر ،وهو في الباطن منسلخ من
32
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
ل عهد بين المسلم ف بالعهد ،والغدر حرام في ك ّ الرابع :إذا عاهد غدر ولم ي ِ
وغيره ،ولو كان المعاهد كافًرا ،ولهذا في حديث عبد الله بن عمرو عن النبي
دا بغير حقها لم يرح رائحة صلى الله عليه وسلم)) :من قتل نفسا معاه ً
ما(( ،وقد أمر الله تعالى في الجنة ،وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عا ً
كتابه بالوفاء بعهود المشركين إذا أقاموا على عهودهم ولم ينقضوا منها شيئا.
ما عهود المسلمين فيما بينهم فالوفاء بها أشد ،ونقضها أعظم إثما .ومن وأ ّ
أعظمها نقض عهد المام على من بايعه ورضي به ،وفي الصحيحين عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال)) :ثلثة ل يكّلمهم الله يوم
ما ل
القيامة ول يزكيهم ولهم عذاب أليم(( ،فذكر منهم)) :ورجل بايع إما ً
ف له(( .ويدخل في يبايعه إل لدنيا ،فإن أعطاه ما يريد وّفى له ،وإل لم ي ِ
العهود التي يجب الوفاء بها ويحرم الغدر فيها جميع عقود المسلمين فيما
بينهم إذا تراضوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللزمة
التي يجب الوفاء بها ،وكذلك ما يجب الوفاء به لله عز وجل مما يعاهد العبد
رّبه عليه من نذر الّتبّرر ونحوه.
الخامس :الخيانة في المانة.
ّ
وحاصل المر أن الّنفاق الصغر كله يرجع إلى اختلف السريرة والعلنية،
قاله الحسن .وقال الحسن أيضا :من النفاق اختلف القلب واللسان،
واختلف السر والعلنية ،واختلف الدخول والخروج".
وقال" :ومن أعظم ِ خصال الّنفاق العملي أن يعمل النسان عمل ويظهر أنه
33
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
م له ذلك، صل به إلى غرض له سيئ ،فيت ّ قصد به الخير وإنما عمله ليتو ّ
صل بهذه الخديعة إلى غرضه ،ويفرح بمكره وخداعه وحمد الناس له ويتو ّ
صل به إلى غرضه السيئ الذي أبطنه ،وهذا قد حكاه على ما أظهره ،ويتو ّ
ذوا ْ خ ُ
ّ َ ت}ا أنهم المنافقين عن فحكى واليهود، المنافقين الله في القرآن عن
سول َ ُ
ه ه وََر ُ ب الل ّ َ حاَر َ ن َ م ْ صاًدا ل ّ َ ن وَإ ِْر َ مِني َ مؤْ ِ ن ال ْ ُ قا ب َي ْ َ ري ً ف ِ فًرا وَت َ ْ ضَراًرا وَك ُ ْ دا ِ ج ً س ِم ْ َ
ن{ ]التوبة: بو ذ كا َ َ ل م ه نإ د ه شْ ي هّ ل وال نى س ح ْ ل ا ّ ل إ نا د ر َ أ ن إ ن َ فِ ل ح يَ ل و ُ
ل بَ ق من
ُِ َ َ ُ َ َ ُ ِّ ُ ْ ُ ْ َ ّ ِ ْ َ َْ ِ ْ َ َ ْ ِ
ن َأن بو
ْ ُّ ّ َ ح
ِ ي و ْ ا و َ تن بما أ َ
َ َ َ ُ َ ِ َ حو ر ْ ف ي ن ذي
ِ ّ ل ا ن ب س
ْ َ َ ّ ح َ ت َ ل } اليهود: في وأنزل [، 107
ذاب أ َ َ ْ
م{ ]آل ٌ ليِ ٌ َ َ ع مِ َ ُ ْ ه ل و ب ذاَ َ ع ل ا ن
ّ َ م ٍ ة ز
َ فا
َ م
م بِ َ سب َن ّهُ ْ ح َ فعَُلوا ْ فَل َ ت َ ْ م يَ ْ ما ل َ ْ دوا ْ ب ِ َ م ُح َيُ ْ
عمران ،[188:وهذه الية نزلت في اليهود ،سألهم النبي صلى الله عليه
وسلم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره ،فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما
سألهم عنه ،واستحمدوا بذلك ،وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سئلوا عنه،
ضا عن أبي قال ذلك ابن عباس ،وحديثه مخّرج في الصحيحين .وفيهما أي ً
سعيد أنها نزلت في رجال من المنافقين كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه
وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه ،وفرحوا بمقعدهم خلفه ،فإذا قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا ،وأحبوا أن يحمدوا بما
لم يفعلوا".
وقال في معرض بيان خطورة هذا النفاق" :والنفاق الصغر وسيلة وذريعة
إلى النفاق الكبر ،كما أن المعاصي بريد الكفر ،فكما ُيخشى على من أصّر
ن عند الموت كذلك يخشى على من أصّر على ب اليما َ على المعصية أن يسل َ َ
خصال النفاق أن يسَلب اليمان ،فيصير منافقا خالصا".
مدارج السالكين ).(1/376
تفسير القرآن العظيم ).(1/48
أخرجه البخاري في الديات ،باب :إثم من قتل ذمًيا بغير جرم ).(6914
أخرجه البخاري في الشهادات ،باب :اليمين بعد العصر ) ،(2672ومسلم في
اليمان ).(108
جامع العلوم والحكم ) (2/481وما بعدها ،بتصرف.
ْ َ ّ
ما أت َوْا{ ن بِ َ حو َ فَر ُ ن يَ ْ ذي َ ن ال ِ سب َ ّ ح َ أخرجه البخاري في التفسير ،باب :قوله} :ل َ ت َ ْ
) ،(4568ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم ).(2778
ْ َ
ما أت َوْا{ ن بِ َ حو َ فَر ُ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ ِ سب َ ّ ح َ أخرجه البخاري في التفسير ،باب :قوله} :ل َ ت َ ْ
) ،(4567ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم ).(2777
جامع العلوم والحكم ).(494-2/493
جامع العلوم والحكم ).(493-2/492
م النفاق في الكتاب والسنة: رابًعا :ذ ّ
ن كله في شأنهم؛ لكثرتهم على ظهر ّ قال ابن القيم" :كاد القرآن أن يكو َ
الرض وفي أجواف القبور".
َ ّ َ
ن{ ُ
ه أّنى ي ُؤْفَكو َ م الل ُ م َقات َلهُ ُ حذ َْرهُ ْ م ال ْعَد ُوّ َفا ْ -1قال الله تعالى} :هُ ُ
]المنافقون.[4:
م العَد ُّو{ ْ قال الطبري" :يقول الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم} :هُ ُ
م{؛ فإن ألسنتهم إذا لقوكم معكم ،وقلوبهم عليكم مع حذ َْرهُ ْ يا محمد }َفا ْ
أعدائكم ،فهم عين لعدائكم عليكم".
)(2 /
34
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
قال ابن القيم" :ومثل هذا اللفظ يقتضي الحصر ،أي :ل عدوّ إل هم ،ولكن لم
يرد ها هنا حصر العداوة منهم ،وأنه ل عدوّ للمسلمين سواهم ،بل هذا من
هم بانتسابهم إلى باب إثبات الولوية والحقية لهم في هذا الوصف ،وأنه ل يتو ّ
المسلمين ظاهًرا وموالتهم لهم ومخالطتهم إياهم أنهم ليسوا بأعدائهم ،بل
هم أحقّ بالعداوة ممن باينهم في الدار ،ونصب لهم العداوة وجاهرهم بها؛
فإن ضرر هؤلء المخالطين لهم المعاشرين لهم ـ وهم في الباطن على
ن
خلف دينهم ـ أشد ّ عليهم من ضرر من جاهرهم بالعداوة وألزم وأدوم؛ ل ّ
الحرب مع أولئك ساعة أو أّيام ثم تنقضي ويعقبه النصر والظفر ،وهؤلء
حا ومساًء ،يدّلون العدوّ على عوراتهم، معهم في الديار والمنازل صبا ً
ويترّبصون بهم الدوائر ،ول يمكنهم مناجزتهم ،فهم أحقّ بالعداوة من المباين
م{ ،ل على معنى أنه ل عدوّ لكم حذ َْرهُ ْ م ال ْعَد ُوّ َفا ْ المجاهر ،فلهذا قيل} :هُ ُ
سواهم ،بل على معنى أنهم أحقّ بأن يكونوا لكم عدّوا من الكفار
المجاهرين".
وقال" :قد هتك الله سبحانه أستار المنافقين ،وكشف أسرارهم في القرآن،
ف العالم وجّلى لعباده أمورهم؛ ليكونوا منها ومن أهلها على حذر ،وذكر طوائ َ
الثلثة في أّول سورة البقرة :المؤمنين والكفار والمنافقين ،فذكر في
المؤمنين أربع آيات ،وفي الكفار آيتين ،وفي المنافقين ثلث عشرة آية؛
ن بلية دة فتنتهم على السلم وأهله ،فإ ّ لكثرتهم وعموم البتلء بهم ،وش ّ
دا؛ لنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالته وهم السلم بهم شديدة ج ً
عْلم ن الجاهل أنه ِ ل قالب يظ ّ أعداؤه في الحقيقة ،يخرجون عداوته في ك ّ
قل للسلم قد هدموه، وإصلح ،وهو غاية الجهل والفساد .فل ِّله كم من مع َ
حصن له قد قلعوا أساسه وخّربوه ،وكم من عََلم له قد طمسوه، وكم من ِ
شبه في أصول وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه ،وكم ضربوا بمعاول ال ّ
موا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها ،فل غراسه ليقلعوها ،وكم عَ ّ
ة
سرِي ّ ُ يزال السلم وأهله منهم في محنة وبلّية ،ول يزال يطرقه من شبههم َ
َ
كن ل ّ ن وََل ِ دو َ س ُ ف ِ م ْ م ال ْ ُ م هُ ُ بعد سرّية ،ويزعمون أنهم بذلك مصلحون }أل إ ِن ّهُ ْ
َ
ه
م ُنورِ ِ مت ِ ّ
ه ُ م َوالل ّ ُ فُئوا ْ ُنوَر الل ّهِ ب ِأْفواهِهِ ْ ن ل ِي ُط ْ ِ دو َ ري ُ ن{ ]البقرة} ،[12:ي ُ ِ شعُُرو َ يَ ْ
ن{ ]الصف."[8: وَل َوْ كرِهَ الكافُِرو َ
َ ْ َ
َ
حوْل َ ُ
ه ما َ ت َ ضاَء ْ ما أ َ ست َوْقَد َ َناًرا فَل َ ّذي ا ْ ل ال ّ ِ مث َ ِم كَ َ مث َل ُهُ ْ -2قال الله تعالىَ } :
مل ه َ ف ي
ُ ّ ُ ٌ ُ ْ ٌ ُ ْم ع م ْ ك ب م ص ( 17 ) رون صب
ُْ ِ ُ ي ل تَ ٍ ما ُ لُ ظ في َ
م وَت ََرك ُ ْ ِ
م ه ه ب ُِنورِهِ ْ ب الل ّ ُذ َهَ َ
ن{ ]البقرة.[18 ،17: جُعو َ ي َْر ِ
قال ابن كثير" :وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شّبههم في اشترائهم
الضللة بالهدى وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى بمن استوقد ناًرا ،فلما
أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله وتأّنس بها فبينا هو
كذلك إذ طفئت ناره ،وصار في ظلم شديد ،ل يبصر ول يهتدي ،وهو مع هذا
م ل يسمع ،أبكم ل ينطق ،أعمى لو كان ضياء لما أبصر ،فلهذا ل يرجع إلى أص ّ
ضا ما كان عليه قبل ذلك ،فكذلك هؤلء المنافقون في استبدالهم الضللة عو ً
ي على الرشد .وفي هذا المثل دللة على أنهم عن الهدى ،واستحبابهم الغ ّ
آمنوا ثم كفروا ،كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع .والله أعلم".
م{ ولم يقل :بنارهم؛ لن النار فيها ه ب ُِنورِهِ ْ ب الل ّ ُ وقال ابن القيم" :قال} :ذ َهَ َ
الحراق ،وكذلك حال المنافقين ذهب نور إيمانهم بالنفاق ،وبقي في قلوبهم
حرارة الكفر والشكوك والشبهات ،تغلي في قلوبهم قد صليت بحرها وأذاها
وسمومها ووهجها في الدنيا ،فأصلهم الله تعالى إياها يوم القيامة نارا
طلع على الفئدة .فهذا مثل من لم يصحبه نور اليمان في الدنيا ،بل موقدة ،ت ّ
35
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
خرج منه وفارقه بعد أن استضاء به ،وهو حال المنافق عرف ثم أنكر ،وأقّر
م أبكم أعمى ،كما قال تعالى في حقّ إخوانهم ثم جحد ،فهو في ظلمات أص ّ
ت{ ]النعام."[39: ما ِ ُ ّ
م ِفى الظل َ ْ
م وَب ُك ٌ ص ّن ك َذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنا ُ ذي َمن الكفارَ} :وال ّ ِ
َ
نجعَُلو َ ت وََرعْد ٌ وَب َْرقٌ ي َ ْ ما ٌ ماِء ِفيهِ ظ ُل ُ َ س َن ال ّ م َ ب ِ صي ّ ٍ -3قال الله تعالى} :أوْ ك َ َ
ط ِبال ْ َ حي ٌ َ
ن )(19 ري َ كافِ ِ م ِه ُ ت َوالل ّ ُ مو ْ ِ حذ ََر ال ْ َق َ ِ ع
وا ِ ص َن ال ّ م َ م ِ م ِفي آَذان ِهِ ْ صاب ِعَهُ ْ أ َ
َ َ خط َ ُ َ
موا م عَل َي ْهِ ْ
م َقا ُ وا ِفيهِ وَإ َِذا أظ ْل َ َ ش ْم َ م َ ضاَء ل َهُ ْ ما أ َ م ك ُل ّ َ صاَرهُ ْ ف أب ْ َ كاد ُ ال ْب َْرقُ ي َ ْ
يَ َ
ه عَلى ك ُ ّ َ ّ َ َ ّ وَل َوْ َ
ديٌر{ يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ن الل َ م إِ ّ صارِهِ ْ م وَأب ْ َ معِهِ ْ س ْب بِ َ ه لذ َهَ َ شاَء الل ُ
]البقرة.[20 ،19:
)(3 /
ب آخر من المنافقين، قال ابن كثير" :هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضر ٍ
كون تارة أخرى ،فقلوبهم في حال وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ،ويش ّ
كهم وكفرهم وترّددهم كصّيب ،والصّيب المطر نزل من السماء في حال ش ّ
ظلمات ،وهي الشكوك والكفر والنفاق ،ورعد وهو ما يزعج القلوب من
الخوف ،فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع ،كما قال تعالى:
ن ِبالل ّهِ إ ِن ّهُ ْ
م فو َ حل ِ ُ حةٍ عَل َي ِْهم{ ]المنافقون ،[4:وقال} :وَي َ ْ صي ْ َل َ ن كُ ّ سُبو َ ح َ }ي َ ْ
َ ْ َ َ
ت مَغاَرا ٍ جئا أوْ َ ً مل َ ن َ دو َ ج ُ ن ) (56لوْ ي َ ِ فَرقو َ ُ م يَ ْ م قوْ ٌ َ م وَلك ِن ّهُ ْ منك ُْ هم ّ ما ُ م وَ َ ُ
منك ْ لَ ِ
َ
ن{ ]التوبة ،[57 ،56:والبرق هو ما يلمع في حو َ م ُ ج َ م يَ ْ خل ً ل ّوَل ّوْا ْ إ ِل َي ْهِ وَهُ ْ مد ّ َ أوْ ُ
قلوب هؤلء الضرب من المنافقين في بعض الحيان من نور اليمان ،ولهذا
حي ٌ قال} :يجعُلو َ
ط م ِ ه ُ ت َوالل ّ ُ مو ْ ِ حذ ََر ال ْ َ ق َ ع ِ صوا ِ ن ال ّ م َ م ِفى ءاَذان ِِهم ّ صاب ِعَهُ ْ نأ ْ َ َ ْ َ
ن{ ]البقرة ،[19:أي :ول يجدي عنهم حذرهم شيئا لن الله محيط
َ
ري َ ِباْلكافِ ِ
جُنود ِ )(17 ْ
ث ال ُ دي ُ ح ِ ك َ ل أَتا َ بقدرته ،وهم تحت مشيئته وإرادته ،كما قال} :هَ ُ
م
من وََرائ ِهِ ْ ه ِ ّ
ب )َ (19والل ُ ذي ٍ فُروا ْ ِفى ت َك ْ ِ ن كَ َ ذي َ ل ال ّ ِ مود َ ) (18ب َ ِ ن وَث َ ُ فِْرعَوْ َ
م{ أي: َ َ ْ َ حي ٌ
صاَرهُ ْ ف أب ْ َ خط ُ ط{ ]البروج [20-17:بهم .ثم قال} :ي َكاد ُ الب َْرقُ ي َ ْ م ِ ّ
ضاَء َ ّ ُ
ما أ َ َ ل ك } لليمان، ثباتها وعدم بصائرهم وضعف نفسه في وقوته لشدته
َ
موا{ أي :كلما ظهر لهم من اليمان شيء م َقا ُ م عَل َي ْهِ ْ وا ِفيهِ وَإ َِذا أظ ْل َ َ ش ْ م َ م َ ل َهُ ْ
استأنسوا به واتبعوه ،وتارة تعرض لهم الشكوك فأظلمت قلوبهم فوقفوا
حائرين".
وقال ابن القيم" :صاب عليهم صّيب الوحي ،وفيه حياة القلوب والرواح ،فلم
ظفت عليهم في يسمعوا منه إل رعد التهديد والوعيد والتكاليف التي وُ ّ
دوا في المساء والصباح ،فجعلوا أصابعهم في آذانهم ،واستغشوا ثيابهم ،وج ّ
الهرب والطلب في آثارهم والصياح ،فنودي عليهم على رؤوس الشهاد،
وكشفت حالهم للمستبصرين ،وضرب لهم مثلن بحسب حال الطائفتين
َ
ت ما ٌ ماِء ِفيهِ ظ ُل ُ َ س َ ن ال ّ م َ ب ِ صي ّ ٍ منهم :المناظرين والمقلدين ،فقيل} :أوْ ك َ َ
ورعْد وبرقٌ يجعُلو َ
ت َوالل ّ ُ
ه مو ْ ِ حذ ََر ال ْ َ ق َ ع ِ وا ِ ص َ ن ال ّ م َ م ِ م ِفي آَذان ِهِ ْ صاب ِعَهُ ْ نأ َ َ َ ْ َ ََ ٌ ََْ
ن{ .ضعفت أبصار بصائرهم عن احتمال ما في الصّيب من ِ َ ري ِ ف كاَ ْ لط ِبا حي ٌ م ِ ُ
بروق أنواره وضياء معانيه ،وعجزت أسماعهم عن تلقي وعوده ووعيده
وأوامره ونواهيه ،فقاموا عند ذلك حيارى في أودية التيه ،ل ينتفع بسمعه
َ َ
وا ِفيهِ وَإ َِذا أظ ْل َ َ
م ش ْ م َ م َ ضاَء ل َهُ ْ ما أ َ السامع ،ول يهتدي ببصره البصير} ،ك ُل ّ َ
ه عََلى ك ُ ّ َ
يٍء ش ْ ل َ ن الل ّ َ م إِ ّ صارِهِ ْ م وَأب ْ َ معِهِ ْ س ْ ب بِ َ ه ل َذ َهَ َ شاَء الل ّ ُ موا وَل َوْ َ م َقا ُ عَل َي ْهِ ْ
ديٌر{". قَ ِ
م َ ْ َ نا ْ ّ َ َ ُ
جاَرت ُهُ ْ ت تِ َ ح ْ ما َرب ِ َ دى ف َ ة ِبالهُ َ ضلل َ شت ََرُوا ال ّ ذي َ -4قال الله تعالى} :أولئ ِك ال ِ
ن{ ]البقرة.[16: دي َ مهْت َ ِ كاُنوا ُ ما َ وَ َ
36
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
قال ابن القيم" :خرجوا في طلب التجارة البائرة في بحار الظلمات ،فركبوا
مراكب الشبه والشكوك ،تجري بهم في موج الخيالت ،فلعبت بسفنهم الريح
دى ة ِبال ْهُ َ ضلل َ َ شت ََرُوا ال ّ نا ْ ذي َ ك ال ّ ِ العاصف ،فألقتها بين سفن الهالكينُ} ،أول َئ ِ َ
ن{". دي َ مهْت َ ِ كاُنوا ُ ما َ م وَ َجاَرت ُهُ ْ
ت تِ َ
ح ْما َرب ِ َ فَ َ
ؤلء{ ]النساء: ؤلِء َول إ َِلى هَ ُ ك ل إ َِلى هَ ُ ن ذ َل ِ َ ن ب َي ْ َمذ َب ْذ َِبي َ -5قال الله تعالىُ } :
.[143
قال الطبري" :عنى بذلك أن المنافقين متحّيرون في دينهم ،ل يرجعون إلى
اعتقاد شيء على صحة ،فهم ل مع المؤمنين على بصيرة ،ول مع المشركين
على جهالة ،ولكنهم حيارى بين ذلك".
-6عن ابن عمر رضي الله عنهما ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
))مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ،تعير إلى هذه مرة وإلى
هذه مرة((.
ما تتبع ،ومعنى تعير أي: َ
قال النووي" :العائرة :المتردّدة الحائرة ،ل تدري لي ّهِ َ
ترّدد وتذهب".
م َ َ َ ْ
جد َ لهُ ْ ن تَ ِ ن الّنارِ وَل ْ م َ ل ِ ف ِ س َ ك ال ْ ن ِفي الد ّْر ِ قي َ مَنافِ ِ ن ال ُ -7قال الله تعالى} :إ ِ ّ
صيرا{ ]النساء.[145: نَ ِ
ن م ل َ فس َ ل ا ك رد ال في ن قي ف نا م ْ لا ن إ } بقوله: ثناؤه جل "يعني الطبري: قال
ْ ِ ِ َ ّْ ِ ُ َ ِ ِ َ ِ ِ ّ
ل طبق من الّناِر{ أن المنافقين في الطبق السفل من أطباق جهنم ،وك ّ
أطباق جهنم درك".
مجهَن ّ َ فاَر َناَر َ ت َوال ْك ُ ّ قا ِ مَنافِ َ ن َوال ْ ُ قي َ مَنافِ ِ ه ال ْ ُ -8قال الله تعالى} :وَعَد َ الل ّ ُ
م{ ]التوبة.[68: قي ٌ م ِ ب ُ ذا ٌ م عَ َ َ
ه وَلهُ ْ ّ
م الل ُ م وَل َعَن َهُ ُ سب ُهُ ْ
ح ْ ي َ ن ِفيَها هِ َ دي َ خال ِ َِ
)(4 /
-9عن أبي موسى رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
جة طعمها طّيب وريحها طّيب، ))المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالتُر ّ
والمؤمن الذي ل يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طّيب ول ريح لها،
ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طّيب وطعمها مّر ،ومثل
مها مّر أو خبيث وريحها مّر((. المنافق الذي ل يقرأ القرآن كالحنظلة طع ُ
-10عن عبد الله بن كعب ،عن أبيه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
))مثل المؤمن كالخامة من الزرع ،تفيؤها الريح مرة وتعدلها مرة ،ومثل
المنافق كالرزة ،ل تزال حتى يكون انجعافها مّرة واحدة((.
ن المؤمن حيث جاءه أمر الله انطاع له ،فإن قال المهّلب" :معنى الحديث :أ ّ
وقع له خير فرح به وشكر ،وإن وقع له مكروه صبر ورجا فيه الخير والجر،
فإذا اندفع عنه اعتدل شاكرا.
سر عليه قده الله باختياره ،بل يحصل له التيسير في الدنيا؛ ليتع ّ والكافر ل يتف ّ
الحال في المعاد ،حتى إذا أراد الله إهلكه قصمه ،فيكون موته أشد ّ عذابا
عليه ،وأكثر ألما في خروج نفسه".
قى العراض الواقعة عليه لضعف حظهّ وقال غيره" :المعنى :أن المؤمن يتل ّ
من الدنيا ،فهو كأوائل الزرع شديد الميلن لضعف ساقه ،والكافر بخلف
ذلك ،وهذا في الغالب من حال الثنين".
-11عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى الله عليه
ل منافق عليم اللسان((. وسلم قال)) :إن أخوف ما أخاف على أمتي ك ّ
قال المناوي" :قوله)) :عليم اللسان(( أي :كثير علم اللسان ،جاهل القلب
37
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
كل بها ،ذا هيبة وأ ُّبهة ،يتعّزز ويتعاظم بها ،يدعو والعمل ،اتخذ العلم حرفة يتأ ّ
ب غيره ،ويفعل ما هو أقبح منه، الناس إلى الله ،ويفّر هو منه ،ويستقبح عي َ
ك والتعّبد ،ويسارر رّبه بالعظائم ،إذا خل به ذئب من س َ ويظهر للناس التن ّ
ذر منه الشارع صلى الله عليه وسلم الذئاب لكن عليه ثياب ،فهذا هو الذي ح ّ
هنا حذرا من أن يخطفك بحلوة لسانه ،ويحرقك بنار عصيانه ،ويقتلك بنتن
باطنه وجنانه".
-12عن جابر رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من
سفر ،فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب ،فزعم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال)) :بعثت هذه الريح لموت منافق((،
ة فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات. فلما قدم المدين َ
ة للبلد والعباد به".ة له ،وعلمة لموته ،وراح ً قال النووي" :أي :عقوب ً
-13عن أبي هريرة رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم)) :قال الله تبارك وتعالى :أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عمل
كه((. ي غيري تركته وشر َ أشرك فيه مع َ
ً
ي عن المشاركة وغيرها ،فمن عمل شيئا لي قال النووي" :ومعناه أنا غن ّ
ولغيري لم أقبله ،بل أتركه لذلك الغير .والمراد :أن عمل المرائي باطل ل
ثواب فيه ،ويأثم به".
-14عن جندب رضي الله عنه ،قال :سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
معَ الله به ،ومن ي َُراِئي ي َُراِئي الله به((. س ّ مع َ َس ّيقول)) :من َ
قال الخطابي" :من عمل عمل على غير إخلص وإنما يريد أن يراه الناس
ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ،فيشيدوا عليه ما كان
يبطنه ويسّره من ذلك".
معه الناس ليكرموه وقال النووي" :قال العلماء :معناه من رايا بعمله وس ّ
مع الله به يوم القيامة الناس وفضحه .وقيل: ظموه ويعتقدوا خيره س ّ ويع ّ
مع بعيوبه وأذاعها أظهر الله عيوبه .وقيل :أسمعه المكروه. معناه من س ّ
ب ذلك أن يعطَيه إياه ليكون حسرة عليه .وقيل :معناه وقيل :أراه الله ثوا َ
ّ
س ،وكان حظه منه". من أراد بعمله الناس أسمعه الله النا َ
مدارج السالكين ).(1/388
جامع البيان ).(28/108
طريق الهجرتين )ص .(711-710
مدارج السالكين ).(1/377
تفسير القرآن العظيم ).(1/54
الوابل الصيب ).(78
تفسير القرآن العظيم ) (58-1/57بتصرف.
مدارج السالكين ).(381-1/380
مدارج السالكين ).(1/350
جامع البيان ).(336-5/335
أخرجه مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم ).(2784
شرح صحيح مسلم ).(17/128
جامع البيان ).(5/338
ّ
أخرجه البخاري في فضائل القرآن ،باب :إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل
به ) (5059واللفظ له ،ومسلم في صلة المسافرين ).(797
أخرجه البخاري في المرضى ،باب :ما جاء في كفارة المرض )(5643
واللفظ له ،ومسلم في صفة القيامة ).(2810
38
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(5 /
39
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
-5وعن المعلى بن زياد قال :سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد" :بالله
فق ،ول ط ول بقي إل هو من النفاق مش ِ الذي ل إله إل هو ،ما مضى مؤمن ق ّ
ط ول بقي إل هو من النفاق آمن" ،قال :وكان يقول" :من لم مضى منافق ق ّ
يخف النفاق فهو منافق".
ت -6وعن أبي عثمان قال :قلت لبي رجاء العطاردي :هل أدركت ممن أدرك َ
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشون النفاق؟ وكان قد
أدرك عمر رضي الله عنه ،قال :نعم ،إني أدركت منهم بحمد الله صدرا
حسنا ،نعم شديدا ،نعم شديدا.
ملئت قلوب القوم إيماًنا ويقيًنا ،وخوفهم من قال ابن القيم" :تالله ،لقد ُ
مهم لذلك ثقيل ،وسواهم كثير منهم ل يجاوز إيمانهم النفاق شديد ،وهَ ّ
دعون أن إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل". حناجرهم ،وهم ي ّ
أخرجه مسلم في التوبة ).(2750
شرح صحيح مسلم ).(67-17/66
أخرجه البزار في مسنده ) ،(2885وأبطله ابن حزم في المحلى )،(11/225
وقال الهيثمي في المجمع )" :(3/42رجاله ثقات".
قا في اليمان ،باب :خوف المؤمن من أن يحبط عمله أخرجه البخاري تعلي ً
وهو ل يشعر ،ووصله الحافظ في تغليق التعليق ).(1/52
قا في اليمان ،باب :خوف المؤمن من أن يحبط عمله أخرجه البخاري تعلي ً
وهو ل يشعر ،ووصله الفريابي في صفة المنافق من طرق متعددة وألفاظ
مختلفة.
أخرجه الفريابي في صفة المنافق ).(87
أخرجه الفريابي في صفة المنافق ) ،(81وأبو نعيم في الحلية ).(2/307
مدارج السالكين ).(1/388
سا :صفات المنافقين في الكتاب والسنة: ساد ً
-1مرض القلب:
َ َ ّ ُ
ما
م بِ َ ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ ضا وَلهُ ْ مَر ً ه َ م الل ُ ض فََزاد َهُ ُ مَر ٌ م َ قال الله تعالىِ} :في قُلوب ِهِ ْ
ن{ ]البقرة.[10: كاُنوا ي َك ْذُِبو َ
َ
ض{ إنما يعني :في مَر ٌ م َ قال الطبري" :معنى قول الله جل ثناؤهِ} :في قُُلوب ِهِ ْ
اعتقاد قلوبهم الذي يعتقدونه في الدين والتصديق بمحمد صلى الله عليه
وسلم وبما جاء به من عند الله مرض وسقم ،فاجتزأ بدللة الخبر عن قلوبهم
على معناه عن تصريح الخبر عن اعتقادهم .والمرض الذي ذكر الله جل ثناؤه
كهم في أمر محمد وما جاء به من أنه في اعتقاد قلوبهم الذي وصفناه هو ش ّ
ن إيمان ،ول هم له منكرون عند الله وتحّيرهم فيه ،فل هم به موقنون إيقا َ
إنكار إشراك ،ولكنهم كما وصفهم الله عز وجل مذبذبون بين ذلك ،ل إلى
م
ضّعف العز َ ض في هذا المر ،أي :ي ُ َ مّر ُ هؤلء ول إلى هؤلء ،كما يقال :فلن ي ُ َ
حح الروِّية فيه". ول يص ّ
شبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها، ض ال ّ قال ابن القيم" :قد نهكت أمرا ُ
وغلبت القصود َ السيئة على إراداتهم ونياتهم فأفسدتها ،ففسادهم قد ترامى
م الل ّ ُ
ه ض فََزاد َهُ ُمَر ٌ م َ إلى الهلك ،فعجز عنه الطّباء العارفونِ} ،في قُُلوب ِهِ ْ
َ
ن{")(. كاُنوا ي َك ْذُِبو َ ما َ م بِ َ ب أِلي ٌ م عَ َ
ذا ٌ ضا وَل َهُ ْمَر ً َ
-2الطمع الشهواني:
مَرض{ ْ َ
ذي ِفي قلب ِهِ َ ّ
معَ ال ِ ْ َ
ل في َط َ قو ْ ِ ْ
ن ِبال َضعْ َ خ َ قال الله تعالىَ} :فل ت َ ْ
]الحزاب.[32:
40
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(6 /
قال الطبري" :فيطمع الذي في قلبه ضعف ،فهو لضعف إيمانه في قلبه ،إما
ف بحدود الله ،وإما ك في السلم منافق ،فهو لذلك من أمره يستخ ّ شا ّ
متهاون بإتيان الفواحش".
-3الزيغ بالشبه:
ض
مَر ٌ م َ ُ
ن ِفي قُلوب ِهِ ْ ذي َ ّ
ة ل ِل ِ ن فِت ْن َ ً شي ْطا ُ َ قي ال ّ ْ
ما ي ُل ِ ل َ جعَ َ قال الله تعالى} :ل ِي َ ْ
د{ ]الحج.[53: ق ب َِعي ٍ قا ٍ ش َ في ِ نل ِ َ مي َ ن الظال ِ ِ ّ م وَإ ِ ّ سي َةِ قُُلوب ُهُ ْ قا ِ َوال ْ َ
قال الطبري" :يقول :اختبارا يختبر به الذين في قلوبهم مرض من النفاق،
ك في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقيقة ما يخبرهم وذلك الش ّ
به".
-4التكّبر والستكبار:
م
سهُ ْ ؤو َ ل الل ّهِ ل َوّْوا ُر ُ سو ُ م َر ُ فْر ل َك ُ ْ ست َغْ ِ وا ي َ ْ م ت ََعال َ ْ ل ل َهُ ْ قال الله تعالى} :وَإ َِذا ِقي َ
َ
ن{ ]المنافقون.[5: ست َك ْب ُِرو َ م ْ م ُ ن وَهُ ْ دو َ ص ّ م يَ ُ وََرأي ْت َهُ ْ
قال ابن كثير" :يقول تعالى مخِبرا عن المنافقين عليهم لعائن الله أنهم إذا
م{ أي: سهُ ْ ؤو َ ل الل ّهِ ل َوّْوا ُر ُ سو ُ م َر ُ فْر ل َك ُ ْ ست َغْ ِ وا ي َ ْ م ت ََعال َ ْ ل ل َهُ ْ قيل لهم} :إ َِذا ِقي َ
ما قيل لهم استكبارا عن ذلك ،واحتقارا لما قيل ،ولهذا قال دوا واعرضوا ع ّ ص ّ
ن{ .ثم جازاهم على ذلك فقال ْ َ
ست َكب ُِرو َ م ْ م ُ ن وَهُ ْ دو َ ص ّ م يَ ُ تعالى} :وََرأي ْت َهُ ْ
ن َ َ َ َ َ َ َ َ
م إِ ّ ه لهُ ْ فَر الل ُ م لن ي ّغْ ِ فْر لهُ ْ ست َغْ ِ م تَ ْ مل ْ مأ ْ ت لهُ ْ فْر َ ست َغْ َ مأ ْ واٌء عَلي ْهِ ْ س َ تعالىَ } :
ن{". قي َ س ِ فا ِ م ال َ ْ قو ْ َ ْ
دي ال َ ه ل َ ي َهْ ِ الل َ
-5الستهزاء بآيات الله والجلوس إلى المستهزئين بآيات الله:
ُ قو َ
م
ما ِفي قلوب ِهِ ُْ م بِ َ سوَرة ٌ ت ُن َب ّئ ُهُ ْ م ُ ل عَل َي ْهِ ْ ن ت ُن َّز َ نأ ْ مَنافِ ُ َ حذ َُر ال ْ ُ قال الله تعالى}:ي َ ْ
ن{ ]التوبة.[64 : حذ َُرو َ ما ت َ ْ ج َ خرِ ٌ م ْ ه ُ ّ
ن الل َ ست َهْزُِئوا إ ِ ّ لا ْ قُ ِ
قال الطبري" :يقول تعالى ذكره :يخشى المنافقون أن تنزل فيهم سورة
تنبئهم بما في قلوبهم ،يقول :تظهر المؤمنين على ما في قلوبهم .وقيل :إن
الله أنزل هذه الية على رسول الله صلى الله عليه وسلم لن المنافقين
كانوا إذا عابوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا شيئا من أمره وأمر
ل الله ل يفشي سّرنا ،فقال الله لنبيه صلى الله عليه المسلمين قالوا :لع ّ
ما ج َ خرِ ٌ م ْ ه ُ ّ
ن الل َ عدا} ،إ ِ ّ ددا لهم متو ّ ست َهْزُِئوا{ ،مته ّ وسلم :قل لهم} :ا ْ
ن{". حذ َُرو َ تَ ْ
ْ ّ َ ْ ُ َ وقال الله تعالى} :وَقَد ْ ن َّز َ
فُر ت اللهِ ي ُك َ م آَيا ِ معْت ُ ْ س ِ ن إ َِذا َ بأ ْ م ِفي الك َِتا ِ ل عَلي ْك ْ
م إ ًِذا ُ
ث غَي ْرِهِ إ ِن ّك ْ دي ٍ ح ِ ضوا ِفي َ خو ُ حّتى ي َ ُ م َ معَهُ ْ دوا َ قعُ ُ ست َهَْزأ ُ ب َِها َفل ت َ ْ ب َِها وَي ُ ْ
ميًعا{ ]النساء.[140: ج ِ م َ جهَن ّ َ ن ِفي َ ري َ ن َوالكافِ َِ ْ قي َ مَنافِ ِ ْ
معُ ال ُ جا ِ ه َ ّ
ن الل َ م إِ ّ مث ْل ُهُ ْ ِ
-6الستهزاء بالمؤمنين:
م
طين ِهِ ْ شَيا ِ وا إ ِلى َ َ خل ْ َ مّنا وَإ َِذا َ مُنوا قالوا آ َ ُ َ نآ َ ذي َ ّ
قوا ال ِ قال الله تعالى} :وَإ َِذا ل َ ُ
م ِفي مد ّهُ ْ م وَي َ ُ ست َهْزِئُ ب ِهِ ْ ه يَ ْ ن %الل ّ ُ ست َهْزُِئو َ م ْ ن ُ ح ُ ما ن َ ْ م إ ِن ّ َ معَك ُ ْ َقاُلوا إ ِّنا َ
ن{ ]البقرة.[15-14: مُهو َ م ي َعْ َ ط ُغَْيان ِهِ ْ
قال ابن القيم" :لكل منهم وجهان :وجه يلقى به المؤمنين ،ووجه ينقلب به
إلى إخوانه من الملحدين ،وله لسانان :أحدهما يقبله بظاهره المسلمون،
مّنا وَإ َِذا مُنوا َقاُلوا آ َ نآ َ ذي َ قوا ال ّ ِ والخر يترجم به عن سّره المكنون} ،وَإ َِذا ل َ ُ
ن{. ست َهْزُِئو َ م ْ ن ُ ح ُ ما ن َ ْ م إ ِن ّ َ معَك ُ ْ م َقاُلوا إ ِّنا َ طين ِهِ ْ شَيا ِ وا إ َِلى َ خل َ ْ َ
قد أعرضوا عن الكتاب والسّنة استهزاًء بأهلهما واستحقاًرا ،وأبوا أن ينقادوا
حا بما عندهم من العلم الذي ل ينفع الستكثار منه إل أشًرا لحكم الوحيين فر ً
ست َهْزِ ُ
ئ ه يَ ْ ّ
دا بالمتمسكين بصريح الوحي يستهزئون }الل ُ واستكباًرا ،فتراهم أب ً
41
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ن{". مُهو َ م ي َعْ َم ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ مد ّهُ ْ م وَي َ ُ ب ِهِ ْ
-7الظن السيئ بالله تعالى:
ت َ
مشرِكا ِ ْ ْ
ن َوال ُ كي َمشرِ ِ ْ ْ
ت َوال ُ قا ِمَنافِ َ ْ
ن َوال ُ قي َ مَنافِ ِ ب ال ْ ُ قال الله تعالى} :وَي ُعَذ ّ َ
َ
م وَأعَد ّم وَل َعَن َهُ ْ ه عَل َي ْهِ ْ ب الل ّ ُ ض َ سوِْء وَغَ ِ م َدائ َِرةُ ال ّ سوِْء عَل َي ْهِ ْ ن ال ّ ن ِبالل ّهِ ظ َ ّ ظاّني َ ال ّ
صيًرا{ ]الفتح.[6: م ِ ت َ ساَء ْ م وَ َ جهَن ّ َ م َ ل َهُ ْ
-8عدم الثقة بوعد الله تعالى ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم:
هّ
ما وَعَد ََنا الل ُ ض َ مَر ٌ م َ ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ ذي َ ن َوال ّ ِ قو َ مَنافِ ُل ال ْ ُ قو ُ قال الله تعالى} :وَإ ِذ ْ ي َ ُ
ه إ ِّل غُُروًرا{ ]الحزاب.[12: سول ُ ُ وََر ُ
-9صد ّ الناس عن النفاق في سبيل الله:
حّتى ّ
ل اللهِ َ سو ِ عن ْد َ َر ُ ن ِ م ْ َ
قوا عَلى َ ن ل ت ُن ْفِ ُ قوُلو َ ن يَ ُ ذي َ م ال ّ ِ قال الله تعالى} :هُ ُ
ن{ قُهو َ ف َ ن ل يَ ْ ْ َ َ ضوا وَل ِل ّهِ َ
قي َ مَنافِ ِن ال ُ ض وَلك ِ ّ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ن ال ّ خَزائ ِ ُ ف ّ ي َن ْ َ
]المنافقون.[7:
)(7 /
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال :كنت في غزاة ،فسمعت عبد الله بن
ضوا من حوِله ،ولئن ي يقول :ل تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينف ّ أب ّ
مي أو لعمر ،فذكره ن العّز منها الذل ،فذكرت ذلك لع ّ ّ رجعنا من عنده ليخرج ّ
دثته ،فأرسل رسول الله صلى الله ّ فح فدعاني وسلم، للنبي صلى الله عليه
ذبني رسول ي وأصحابه فحلفوا ما قالوا ،فك ّ عليه وسلم إلى عبد الله بن أب ّ
ط، م لم يصبني مثُله ق ّ دقه ،فأصابني ه ّ الله صلى الله عليه وسلم وص ّ
مي :ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى فجلست في البيت فقال لي ع ّ
ن{ .فبعث قو َ مَنافِ ُ ْ
ك ال ُ جاَء َ الله عليه وسلم ومقتك ،فأنزل الله تعالى} :إ َِذا َ
ي النبي صلى الله عليه وسلم ،فقرأ ،فقال)) :إن الله قد صدقك يا زيد((. إل ّ
-10التسّتر ببعض العمال المشروعة للضرار بالمؤمنين:
نمِني َ مؤ ْ ِ ْ
ن ال ُ قا ب َي ْ َ ري ً ف ِفًرا وَت َ ْ ضَراًرا وَك ُ ْ دا ِ ج ً س ِ م ْ ذوا َ خ ُن ات ّ َ ذي َ قال الله تعالىَ} :وال ّ ِ
َ
سَنى َوالل ّ ُ
ه ح ْ ن أَرد َْنا إ ِل ّ ال ْ ُ ن إِ ْ ف ّ ل وَل َي َ ْ
حل ِ ُ ن قَب ْ ُ م ْ ه ِ سول َ ُ ه وََر ُ ب الل ّ َ حاَر َ ن َ م ْصاًدا ل ِ َ وَإ ِْر َ
ن{ ]التوبة.[107: َ
م لكاذُِبو َ َ شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ يَ ْ
س والوقيعة وإشعال نار الفتنة واستغلل -11التفريق بين المؤمنين والد ّ ّ
قتها والفساد في الرض وادعاء الصلح: الخلفات وتوسيع ش ّ
ُ َ َ َ َ
ن
حو َ صل ِ ُ
م ْ ن ُ ح ُ ما ن َ ْ ض قالوا إ ِن ّ َ دوا ِفي الْر ِ س ُ ف ِ م ل تُ ْ قال الله تعالى} :وَإ َِذا ِقيل لهُ ْ
َ
ن{ ]البقرة.[11: َ ُ ُ َرو ع شْ ي ل ن وَل َك ِ ْ
ن دو َ س ُ ف ِ
م ْ م ال ْ ُ م هُ ُ أل إ ِن ّهُ ْ
ل ثناؤه تكذيب للمنافقين في دعواهم؛ قال الطبري" :وهذا القول من الله ج ّ
إذا أمروا بطاعة الله فيما أمرهم الله به ونهوا عن معصية الله فيما نهاهم
الله عنه قالوا :إنما نحن مصلحون ل مفسدون ،ونحن على رشد وهدى فيما
ذبهم الله عز وجل في ذلك من قيلهم، أنكرتموه علينا دونكم ل ضاّلون ،فك ّ
َ
دون ن{ المخالفون أمَر الله عز وجل ،المتع ّ دو َ س ُ
ف ِ م ْ م ال ْ ُ م هُ ُ فقال} :أل إ ِن ّهُ ْ
ضه ،وهم ل يشعرون ،ول يدرون، حدوَده ،الراكبون معصيَته ،التاركون فرو َ
أنهم كذلك ،ل الذين يأمرونهم بالقسط من المؤمنين ،وينهونهم عن معاصي
الله في أرضه من المسلمين".
-12السفه ورمي المؤمنين بالسفه:
َ ُ
ن
م َ ما آ َ َ
نك َ م ُ س َقالوا أن ُؤْ ِ ن الّنا ُ م َ ما آ َ َ
مُنوا ك َ مآ ِ ل ل َهُ ْ قال الله تعالى} :وَإ َِذا ِقي َ
ن{ ]البقرة.[13: َ َ َ
مو َ ن ل ي َعْل ُ فَهاُء وَلك ِ ْ س َ م ال ّ م هُ ُ فَهاُء أل إ ِن ّهُ ْ س َ ال ّ
دم نعته لهم قال الطبري" :هذا خبر من الله تعالى عن المنافقين الذين تق ّ
42
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(8 /
ن{ الذين يتخذون قي َ مَنافِ ِ شرِ ال ْ ُ قال الطبري" :يقول الله لنبيه :يا محمد} ،ب َ ّ
ّ
أهل الكفر بي واللحاد في ديني أولياء يعني أنصارا وأخلء من دون المؤمنين،
ة{ يقول :أيطلبون عندهم م ال ْعِّز َ َ
عن ْد َهُ ُ ن ِ يعني :من غير المؤمنين} .أي َب ْت َُغو َ
ن ال ْعِّزةَ ل ِل ّهِ المنعة والقوة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل اليمان بي} ،فَإ ِ ّ
ميًعا{ يقول :فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم ج ِ َ
مسوا العّزة والمنعة هم الذلء القلء ،فهل اتخذوا الولياء من المؤمنين ،فيلت ِ ّ
ّ
والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة ،الذي يعّز من يشاء ويذل من
يشاء ،فيعّزهم ويمنعهم".
-14التربص بالمؤمنين:
َ
من الل ّهِ َقاُلوا أل َ ْ م َ ح ِ م فَت ْ ٌ ن ل َك ُ ْ كا َ ن َ م فَإ ِ ْ ن ب ِك ُ ْ صو َ ن ي َت ََرب ّ ُ ذي َ قال الله تعالى} :ال ّ ِ
َ
ن
م َ م ِ من َعْك ُ ْ م وَن َ ْ حوِذ ْ عَل َي ْك ُ ْ ست َ ْ م نَ ْ ب َقاُلوا أل َ ْ صي ٌ ن نَ ِ ري َ كافِ ِن ل ِل ْ َ كا َن َ م وَإ ِ ْمعَك ُ ْ ن َ ن َك ُ ْ
َ
ن عَلى ري َكافِ ِ ه ل ِل َ ْ ّ
ل الل ُ جعَ َ ن يَ ْ َ
مةِ وَل ْ قَيا َ ْ
م ال ِ م ي َوْ َ م ب َي ْن َك ُ ْ
حك ُ ُ ه يَ ْ ّ
ن َفالل ُ مِني َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
ل{ ]النساء.[141: سِبي ً ن َ مِني َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
م{ الذين ينتظرون ن ب ِك ُ ْ صو َ ن ي َت ََرب ّ ُ ذي َ قال الطبري" :يعني جل ثناؤه بقوله} :ال ّ ِ
ه{ يعني :فإن فتح الله ن الل ّ ِ م َ ح ِ م فَت ْ ٌ ن ل َك ُ ْ ن َ
كا َ ـ أيها المؤمنون ـ بكم} ،فَإ ِ ْ
َ َ ْ ُ
معليكم فتحا من عدوكم ،فأفاء عليكم فيئا من المغانمَ} ،قالوا{ لكم }أل ْ
م{ نجاهد عدّوكم ،ونغزوهم معكم ،فأعطونا نصيبا من الغنيمة ،فإنا معَك ُ ْ ن َ ن َك ُ ْ
ب{ يعني :وإن كان صي ٌ ن نَ ِ ري َ ن ل ِل ْ َ
كافِ ِ كا َ ن َ قد شهدنا القتال معكم} ،وَإ ِ ْ
م{ ُ ُ َ َ ُ َ
معَك ْ ن َ م ن َك ْ لعدائكم من الكافرين حظ منكم بإصابتهم منكم }قالوا أل ْ
َ
م{ ألم نغلب عليكم حوِذ ْ عَل َي ْك ُ ْ ست َ ْم نَ ْ يعني :قال هؤلء المنافقون للكافرين }أل َ ْ
43
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
حتى قهرتم المؤمنين ،ونمنعكم منهم بتخذيلنا إياهم ،حتى امتنعوا منكم
ة{ يعني :فالله يحكم بين المؤمنين م ِ قَيا َ م ال ْ ِ م ي َوْ َ م ب َي ْن َك ُ ْ حك ُ ُ ه يَ ْ فانصرفواَ} ،فالل ّ ُ
والمنافقين يوم القيامة ،فيفصل بينكم بالقضاء الفاصل بإدخال أهل اليمان
جنته ،وأهل النفاق مع أوليائهم من الكفار ناَره".
وقال ابن القيم" :يترّبصون الدوائر بأهل السنة والقرآن ،فإن كان لهم فتح
من الله قالوا :ألم تكن معكم؟! وأقسموا على ذلك بالله جهد أيمانهم ،وإن
ن عقد الخاء كان لعداء الكتاب والسنة من النصرة نصيب قالوا :ألم تعلموا أ ّ
خذ صفتهم من بيننا محكم ،وأن النسب بيننا قريب؟! فيا من يريد معرفتهمُ ،
م َ
ن لك ُ ْ كا َن َ م فَإ ِ ْ ن ب ِك ُ ْ صو َ ن ي َت ََرب ّ ُ ذي َ ل} :ال ّ ِ ب العالمين ،فل تحتاج بعده دلي ً كلم ر ّ
َ َ ُ َ ْ َ ُ ُ َ َ ُ ّ
حوِذ ْ ست َ ْ م نَ ْ ب َقالوا أل ْ صي ٌ ن نَ ِ ري َ ن ل ِلكافِ ِ ن كا َ م وَإ ِ ْ معَك ْ ن َ م ن َك ْ ن اللهِ َقالوا أل ْ م َ ح ِ فَت ْ ٌ
هّ
ل الل ُ جعَ َ ن يَ ْ َ
مةِ وَل ْ قَيا َ ْ
م ال ِ م ي َوْ َ ُ
م ب َي ْن َك ْ حك ُ ُ ه يَ ْ ّ
ن َفالل ُ مِني َ مؤ ْ ِ ْ
ن ال ُ م َ م ِ ُ
من َعْك ْ م وَن َ ْ عَل َي ْك ْ
ُ
ل{". سِبي ً ن َ مِني َ مؤ ْ ِ ن عََلى ال ْ ُ ري َ كافِ ِ ل ِل ْ َ
-15التفاق مع أهل الكتاب ضد ّ المؤمنين والتولي في القتال:
َ
ن م ْ فُروا ِ َ
نك َ ذي َ م ال ّ ِ وان ِهِ ُ خ َ ن لِ ْ قوُلو َ قوا ي َ ُ ن َنافَ ُ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ قال الله تعالى} :أل َ ْ
َ خرجن معك ُم ول نطيع فيك ُ َ ن أُ ْ َ
ن ُقوت ِل ْت ُ ْ
م دا وَإ ِ ْ دا أب َ ً ح ً مأ َ م ل َن َ ْ ُ َ ّ َ َ ْ َ ُ ِ ُ ِ ْ جت ُ ْ خرِ ْ ب ل َئ ِ ْل ال ْك َِتا ِ أهْ ِ
نم وَل َئ ِ ْ معَهُ ْ ن َ جو َ خُر ُ جوا ل ي َ ْ خرِ ُ ن أُ ْ ن %ل َئ ِ ْ كاذُِبو َ م لَ َ شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ ه يَ ْ م َوالل ّ ُ صَرن ّك ُ ْ ل َن َن ْ ُ
َ
ن{ ]الحشر-11: صُرو َ م ل ي ُن ْ َ ن الد َْباَر ث ُ ّ م ل َي ُوَل ّ ّ صُروهُ ْ ن نَ َ م وَل َئ ِ ْ صُرون َهُ ْ ُقوت ُِلوا ل ي َن ْ ُ
.[12
-16الطبع على القلوب فل يفقهون:
ك َقاُلوا عن ْدِ َ ن ِ م ْ جوا ِ خَر ُ حّتى إ َِذا َ ك َ معُ إ ِل َي ْ َ ست َ ِ ن يَ ْ م ْ م َ من ْهُ ْ قال الله تعالى} :وَ ِ
ُ َ ّ َ ّ َ ُ ل ِل ّذي ُ
م َوات ّب َُعوا ه عَلى قُلوب ِهِ ْ ن طب َعَ الل ُ ذي َ ك ال ِ فا أولئ ِ َ ل آن ِ ً ماَذا َقا َ م َ ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ ِ َ
م{ ]محمد.[16: َ
واَءهُ ْ أهْ َ
-17فتنة النفس والترّبص والغترار بالماني:
َ قال الله تعالى} :ينادونه َ
م
سك ْ ُ ف َ م أن ْ ُ م فَت َن ْت ُ ْ م َقاُلوا ب َلى وَلك ِن ّك ْ
ُ َ َ معَك ُ ْ ن َ م ن َك ُ ْ م أل َ ْ َُ ُ َُ ْ
ْ ّ ُ ّ َ َ
م ِباللهِ الغَُروُر{ مُر اللهِ وَغَّرك ْ جاَء أ ْ حّتى َ ي َ مان ِ ّ م ال َ م وَغَّرت ْك ُ ُ م َواْرت َب ْت ُ ْ صت ُ ْوَت ََرب ّ ْ
]الحديد.[14:
-18مخادعة الله تعالى والكسل في العبادات والرياء في الطاعات وقلة ذكر
الله:
َ
موا إ ِلى َ
م وَإ َِذا قا ُ خادِعُهُ ْ ه وَهُوَ َ ن الل َّ عو َ خادِ ُ ن يُ َ قي َ مَنافِ ِ ن ال ُ ْ قال الله تعالى} :إ ِ ّ
ل{ ]النساء.[142: ه إ ِل ّ قَِلي ً ن الل َّ رو
َ ّ َ َ َ ُ َ ُ ك ْ ذ ي ول س نا ال ن ؤو ُ را سا َ ُ َ
ي لى موا ك ُ َ صلةِ َقا ُ ال ّ
)(9 /
قال الطبري" :فتأويل ذلك :إن المنافقين يخادعون الله بإحرازهم بنفاقهم
دماَءهم وأموالهم ،والله خادعهم بما حكم فيهم من منع دمائهم بما أظهروا
بألسنتهم من اليمان ،مع علمه بباطن ضمائرهم واعتقادهم الكفر ،استدراجا
منه لهم في الدنيا ،حتى يلقوه في الخرة فيوردهم بما استبطنوا من الكفر
نار جهنم.
س{ فإنه يعنين الّنا َ َ
سالى ي َُرا ُ
ؤو َ ُ صلةِ َقا ُ
موا ك َ َ وأما قوله} :وَإ َِذا َقا ُ
موا إ ِلى ال ّ
أن المنافقين ل يعملون شيئا من العمال التي فرضها الله على المؤمنين
على وجه التقّرب بها إلى الله ،لنهم غير موقنين بمعاد ول ثواب ول عقاب،
وإنما يعملون ما عملوا من العمال الظاهرة بقاء على أنفسهم ،وحذارا من
المؤمنين عليها أن يقتلوا أو يسلبوا أموالهم ،فهم إذا قاموا إلى الصلة التي
هي من الفرائض الظاهرة قاموا كسالى إليها رياء للمؤمنين؛ ليحسبوهم
44
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
منهم ،وليسوا منهم؛ لنهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم ،فهم في
قيامهم إليها كسالى.
ه إ ِل قِليل{ فلعل قائل أن يقول :وهل من ذكر الله ً َ ّ ّ
ن الل َ وأما قولهَ} :ول ي َذ ْك ُُرو َ
شيء قليل؟! قيل له :إن معنى ذلك بخلف ما إليه ذهبت ،إنما معناه :ول
يذكرون الله إل ذكرا رياء؛ ليدفعوا به عن أنفسهم القتل والسباء وسلب
دق بتوحيد الله ،مخلص له الربوبية؛ فلذلك سماه الموال ،ل ذكر موقن مص ّ
الله قليل؛ لنه غير مقصود به الله ،ول مبتغى به التقرب إلى الله ،ول مرادا
به ثواب الله وما عنده ،فهو وإن كثر من وجه نصب عامله وذاكره في معنى
السراب الذي له ظاهر بغير حقيقة ماء".
وقال ابن القيم" :لهم علمات يعرفون بها مبّينة في السنة والقرآن ،بادية
لمن تدّبرها من أهل بصائر اليمان ،قام بهم ـ والله ـ الرياء ،وهو أقبح مقام
قامه النسان ،وقعد بهم الكسل عما أمروا به من أوامر الرحمن ،فأصبح
ن
ؤو َ ساَلى ي َُرا ُ موا ك ُ َ صلةِ َقا ُ موا إ َِلى ال ّ الخلص عليهم لذلك ثقيل }وَإ َِذا َقا ُ
ل{". ه إ ِل ّ قَِلي ً ن الل ّ َ س َول ي َذ ْك ُُرو َ الّنا َ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم:
))ليس صلة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ،ولو يعلمون ما فيهما
لتوهما ولو حبوا .لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ،ثم آمر رجل يؤم الناس،
ثم آخذ شعل ً من نار فأحرق على من ل يخرج إلى الصلة بعد((.
قال ابن حجر" :وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما؛ لقوة
الداعي إلى تركهما؛ لن العشاء وقت السكون والراحة ،والصبح وقت لذة
النوم".
-19الّتذبذب والترّدد بين المؤمنين والكافرين:
ؤلء{ ]النساء: َ
ؤلِء َول إ ِلى هَ ُ ك ل إ َِلى هَ ُ ن ذ َل ِ َ ن ب َي ْ َ مذ َب ْذ َِبي َ قال الله تعالىُ } :
.[143
قال الطبري" :عنى بذلك أن المنافقين متحّيرون في دينهم ،ل يرجعون إلى
حة ،فهم ل مع المؤمنين على بصيرة ،ول مع المشركين اعتقاد شيء على ص ّ
على جهالة ،ولكّنهم حيارى بين ذلك".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال)) :مثل
المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ،تعير إلى هذه مرة وإلى هذه
مرة((.
ما تتبع ،ومعنى تعير أي: َ
قال النووي" :العائرة :المترّددة الحائرة ،ل تدري لي ّهِ َ
ترّدد وتذهب".
-20مخادعة المؤمنين:
ما َ
ن إ ِل ّ أن ْ ُ ّ ّ
م وَ َسهُ ْ ف َ عو َ
خد َ ُ ما ي َ ْ مُنوا وَ َنآ َ ذي َ ه َوال ِ ن الل َ عو َ خادِ ُ قال الله تعالى} :ي ُ َ
ن{ ]البقرة.[9: شعُُرو َ يَ ْ
قال الطبري" :وخداع المنافق رّبه والمؤمنين إظهاره بلسانه من القول
ك والتكذيب؛ ليد َْرأ عن نفسه بما والتصديق خلف الذي في قلبه من الش ّ
م الله عز وجل اللزم من كان بمثل حاله من التكذيب ،لو أظهر بلسانه حك َ
لم يظهر بلسانه ما أظهر من التصديق والقرار من القتل والسباء ،فذلك
ل اليمان بالله". عه رّبه وأه َ خدا ُ ِ
وقال ابن كثير" :أي :بإظهارهم ما أظهروه من اليمان مع إسرارهم الكفر،
يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك ،وأن ذاك نافعهم عنده ،وأنه يروج
م الل ّ ِ
ه م ي َب ْعَث ُهُ ُ عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين ،كما قال تعالى} :ي َوْ َ
َ م عََلى َ فون ل َك ُم ويحسبو َ
م ه م
ِّ ُ ْ ُ ُه نإ َ ل أ ىء ش ْ ن أن ّهُ ْ ْ ََ ْ َ ُ َ حل ِ ُ َ ما ي َ ْ ه كَ َ ن لَ ُفو َ ميعا ً فَي َ ْ
حل ِ ُ ج ِ َ
45
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ما
ن{ ]المجادلة ،[18:ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله} :وَ َ كاذُِبو َ ال ْ َ
ن{ يقول :وما يغّرون بصنيعهم هذا ول ما ي َ ْ َ
ن إ ِل ّ أن ْ ُ
شعُُرو َ م وَ َسهُ ْ
ف َ عو َ خد َ ُ يَ ْ
نيخدعون إل أنفسهم وما يشعرون بذلك من أنفسهم كما قال تعالى} :إ ِ ّ
م{".
خادِعُهُ ْ
ه وَهُوَ َن الل ّ َعو َخادِ ُ ن يُ َقي َ مَنافِ ِال ْ ُ
-21التحاكم إلى الطاغوت والصدود عما أنزل الله و عدم الرضا بالتحاكم
إليه:
)(10 /
46
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(11 /
قال الطبري" :يقول جل ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :وإذا رأيت
هؤلء المنافقين ـ يا محمد ـ تعجبك أجسامهم؛ لستواء خلقها وحسن صورها،
م{ يقول جل ثناؤه :وإن يتكلموا تسمع كلمهم، قوْل ِهِ ْ مع ْ ل ِ َ س َ قوُلوا ت َ ْ ن يَ ُ }وَإ ِ ْ
َ
ة{ يقول :كأن هؤلء سن ّد َ ٌ م َ ب ُ ش ٌ خ ُ م ُ يشبه منطقهم منطق الناس} ،ك َأن ّهُ ْ
المنافقين خشب مسندة ،ل خير عندهم ،ول فقه لهم ،ول علم ،وإنما هم
م{ يقول حةٍ عَل َي ْهِ ْ صي ْ َ ل َ ن كُ ّ سُبو َ ح َ صور بل أحلم ،وأشباح بل عقول ،وقوله} :ي َ ْ
لجل ثناؤه :يحسب هؤلء المنافقون من خبثهم وسوء ظنهم وقلة يقينهم ك ّ
صيحة عليهم؛ لنهم على وجل أن ينزل الله فيهم أمرا يهتك به أستارهم
ويفضحهم ،ويبيح للمؤمنين قتلهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم ،فهم من
خوفهم من ذلك كلما نزل بهم من الله وحي على رسوله ظنوا أنه نزل
بهلكهم بالسن".
ما وأخلبهم لساًنا وألطفهم بياًنا وأخبثهم وقال ابن القيم" :أحسن الناس أجسا ً
قلوًبا وأضعفهم جناًنا ،فهم كالخشب المسندة التي ل ثمر لها ،قد قلعت من
َ
مغارسها فتساندت إلى حائط يقيمها؛ لئل يطأها السالكون} ،وَإ َِذا َرأي ْت َهُ ْ
م
َ تعجب َ َ
ن كُ ّ
ل سُبو َ ح َ سن ّد َة ٌ ي َ ْ م َ ب ُ ش ٌ خ ُ م ُ م ك َأن ّهُ ْ قوْل ِهِ ْ مع ْ ل ِ َ س َ قوُلوا ت َ ْ ن يَ ُ م وَإ ِ ْ مهُ ْ سا ُ ج َ كأ ْ ُْ ِ ُ
ن{". كو ُ َ ف ْ ؤ ي نى صيحة عَل َيهم هُم ال ْعدو َفاحذ َرهُم َقاتل َهم الل ّه أ َ
َ ُ ّ ُ َ ُ ُ ْ ْ ْ ُ َ ُ ّ ِْ ْ َ ْ َ ٍ
مدوا بما لم يفعلوا: َ يح أن يحبون -24
َ َ
مما ل َ ْ دوا ب ِ َ م ُ ح َن يُ ْ نأ ْ حّبو َ وا وَي ُ ِ ما أت َ ْ ن بِ َ حو َ فَر ُ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ ِ سب َ ّح َ قال الله تعالى} :ل ت َ ْ
َ
م{ ]آل عمران.[188: ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ ب وَل َهُ ْ ذا ِ ن ال ْعَ َ م َ فاَزةٍ ِ م َ م بِ َ سب َن ّهُ ْح َ فعَُلوا َفل ت َ ْ يَ ْ
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :إن رجال من المنافقين على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى الغزو تخّلفوا عنه ،وفرحوا بمقعدهم خلف رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه ،وحلفوا
َ
واما أت َ ْ ن بِ َ حو َ فَر ُ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ ِ سب َ ّ ح َ وأحّبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ،فنزلت} :ل ي َ ْ
فعَُلوا{. حبو َ
م يَ ْ ما ل َ ْ دوا ب ِ َ م ُ ح َن يُ ْ نأ ْ وَي ُ ِ ّ َ
-25ظهور الرعب عليهم عند ذكر القتال في آيات الله تعالى:
َ ُ
سوَرةٌ ت ُ سوَرة ٌ فَإ َِذا أن ْزِل ْ ت ُ ول ن ُّزل َ ْ مُنوا ل َ ْ نآ َ ذي َ ل ال ّ ِ قو ُ قال الله تعالى} :وَي َ ُ
ك ن َظَرَ ن إ ِل َي ْ َ ُ ُ ّ َ
ض ي َن ْظُرو َ مَر ٌ م َ ن ِفي قلوب ِهِ ْ ُ ذي َ ت ال ِ قَتال َرأي ْ َ ُ ة وَذ ُك َِر ِفيَها ال ْ ِ م ٌحك َ َ م ْ ُ
47
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َ
م{ ]محمد.[20: ت فَأوَْلى ل َهُ ْ مو ْ ِ ن ال ْ َم َ ي عَل َي ْهِ ِ ش ّ مغْ ِ ال ْ َ
-26يعيبون العمل الصالح ويرضون ويسخطون لحظوظ أنفسهم:
ن
ضوا وَإ ِ ْ من َْها َر ُ طوا ِ ن أ ُعْ ُ ت فَإ ِ ْ صد ََقا ِ ك ِفي ال ّ مُز َ ن ي َل ْ ِ م ْ م َ من ْهُ ْ قال الله تعالى} :وَ ِ
ن{ ]التوبة.[58: َ ُ
طو من َْها إ َِذا هُ ْ َ ْ َ
خ س ي م وا ِ م ي ُعْط َ ْ لَ ْ
ك{ أي: مُز َ ن ي َل ْ ِم ْ م{ أي :ومن المنافقين } َ من ْهُ ْ قال ابن كثير" :يقول تعالى} :وَ ِ
ت{ إذا فرقتها ،ويتهمك في ذلك ،وهم صد ََقا ِ يعيب عليك }ِفي{ قسم }ال ّ
المّتهمون المأبونون ،وهم مع هذا ل ينكرون للدين ،وإنما ينكرون لحظ
ممن َْها إ َِذا هُ ْ وا ِ م ي ُعْط َ ْ ن لَ ْ ضوا وَإ ِ ْ أنفسهم؛ ولهذا إن أعطوا من الزكاة }َر ُ
ن{ أي :يغضبون لنفسهم". طو َ خ ُ س َ يَ ْ
-27يكرهون الجهاد والستشهاد في سبيل الله تعالى:
هّ
ل الل ِ سِبي ِ وا َقات ِلوا ِفي َ ُ م ت ََعال َ ْ ل ل َهُ ْ قوا وَِقي َ ن َنافَ ُ ذي َ م ال ّ ِ قال الله تعالى} :وَل ِي َعْل َ َ
َ م ل ِل ْك ُ ْ َ
ن
ما ِ لي َ م لِ ِ من ْهُ ْ
ب ِ مئ ِذ ٍ أقَْر ُ فرِ ي َوْ َ م هُ ْ م قَِتال ً لت ّب َعَْناك ُ ْ أوِ اد ْفَُعوا َقاُلوا ل َوْ ن َعْل َ ُ
قوُلون بأ َفْواههم ما ل َيس في قُُلوبهم والل ّ َ
ن{ ]آل عمران: مو َ ما ي َك ْت ُ ُ م بِ َ ه أعْل َ ُ ِِ ْ َ ُ َ ِ َ ِ ِ ْ َ ْ َ ِ يَ ُ
.[167
ي بن سلول المنافق قال الطبري" :يعني تعالى ذكره بذلك عبد الله بن أب ّ
وأصحاَبه الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه،
حين سار نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين بأحد لقتالهم ،فقال
لهم المسلمون :تعالوا قاتلوا المشركين معنا ،أو ادفعوا بتكثيركم سوادنا،
سرنا معكم إليهم ،ولك ُّنا معكم عليهم ،ولكن ل فقالوا :لو نعلم أنكم تقاتلون ل ِ
دوا من نفاق أنفسهم ما كانوا نرى أنه يكون بينكم وبين القوم قتال ،فأب َ
م{ غير ما كانوا م قَِتال ً لت ّب َعَْناك ُ ْ يكتمونه ،وأبدوا بألسنتهم بقولهم} :ل َوْ ن َعْل َ ُ
يكتمونه ويخفونه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل اليمان
به".
-28يسخرون من العمل القليل من المؤمنين:
ت صد ََقا ِ ن ِفي ال ّ مِني َ مؤ ْ ِ ْ
ن ال ُ م َ ن ِ عي َ مط ّوّ ِ ن ال ْ ُ مُزو َ ن ي َل ْ ِ ذي َ قال الله تعالى} :ال ّ ِ
ب
ذا ٌ م عَ َ م وَل َهُ ْ من ْهُ ْ ه ِ خَر الل ّ ُ س ِ م َ من ْهُ ْ ن ِ خُرو َ س َ م فَي َ ْ جهْد َهُ ْ ن إ ِل ّ ُ دو َج ُ ن ل يَ ِ ذي ََوال ّ ِ
م{ ]التوبة.[79: َ
أِلي ٌ
)(12 /
عن أبي مسعود رضي الله عنه ،قال :لما أمرنا بالصدقة كّنا نتحامل ،فجاء أبو
عقيل بنصف صاع ،وجاء إنسان بأكثر منه ،فقال المنافقون :إن الله لغني عن
ن
عي َمط ّوّ ِ ن ال ْ ُ ن ي َل ْ ِ
مُزو َ ذي َ صدقة هذا ،وما فعل هذا الخر إل رئاء ،فنزلت} :ال ّ ِ
م.{... جهْد َهُ ْ ن إ ِّل ُدو َ ج ُ ن ل يَ ِ ت َوال ّ ِ
ذي َ صد ََقا ِ ن ِفي ال ّ مِني َ ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ م َ
ِ
قال ابن كثير" :وهذا أيضا من صفات المنافقين ،ل يسلم أحد من عيبهم
ولمزهم في جميع الحوال ،حتى ول المتصدقون يسلمون منهم ،إن جاء أحد
مراٍء ،وإن جاء بشيء يسير قالوا :إن الله لغني منهم بمال جزيل قالوا :هذا ُ
عن صدقته".
-29الرضا بأسافل المواضع:
ّ َ ُ
ه
سول ِ ِمعَ َر ُدوا َ جاهِ ُ مُنوا ِباللهِ وَ َ نآ ِ سوَرة ٌ أ ْ ت ُ قال الله تعالى} :وَإ َِذا أن ْزِل َ ْ
معَ ال ْ َ استأ ْذ َن َ ُ
ن{ ]التوبة.[86: دي َع ِقا ِ ن َم وََقاُلوا ذ َْرَنا ن َك ُ ْ من ْهُ ْ ل ِك أوُلوا الط ّوْ ِ ْ َ َ
قال ابن كثير" :يقول تعالى منكرا وذاما للمتخلفين عن الجهاد الناكلين عنه
مع القدرة عليه ووجود السعة والطول ،واستأذنوا الرسول في القعود،
ن{ ،ورضوا لنفسهم بالعار والقعود في البلد دي َ ع ِقا ِ معَ ال ْ َ ن َ وقالوا} :ذ َْرَنا ن َك ُ ْ
48
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
مع النساء وهن الخوالف ،بعد خروج الجيش ،فإذا وقع الحرب كانوا أجبن
الناس ،وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلما ،كما قال تعالى عنهم في الية
َ خو ُ َ
شى ذى ي ُغْ َ كال ّ ِ م َ ك َتدوُر أعْي ُن ُهُ ْ ن إ ِل َي ْ َ م َينظ ُُرو َ ف َرأي ْت َهُ ْ جاء ال ْ َ ْ الخرى} :فَإ َِذا َ
َ
داٍد{ ]الحزاب [19:أي: ح َ سن َةٍ ِ كم ب ِأل ْ ِ قو ُ سل َ ُ ف َ خو ْ ُ ب ال ْ َ ت فَإ َِذا ذ َهَ َ مو ْ ِ ن ال ْ َ م َ عَل َي ْهِ ِ
علت ألسنتهم بالكلم الحاد ّ القوي في المن ،وفي الحرب أجبن شيء".
-30المر بالمنكر والنهي عن المعروف والبخل ونسيان الله تعالى:
ْ ْ
من ْك َ ِ
ر ن ِبال ُ مُرو َ ض ي َأ ُ ن ب َعْ ٍ م ْ م ِ ضهُ ْ ت ب َعْ ُ قا ُ مَنافِ َ ن َوال ْ ُ قو َ مَنافِ ُ قال الله تعالى} :ال ْ ُ
قبضو َ
م
ن هُ ُ قي َ مَنافِ ِ ن ال ْ ُ م إِ ّ سي َهُ ْ ه فَن َ ِ سوا الل ّ َ م نَ ُ ن أي ْدِي َهُ ْ ف وَي َ ْ ِ ُ َ معُْرو ِ ن ال ْ َ ن عَ ِ وَي َن ْهَوْ َ
ن{ ]التوبة.[67: قو َ س ُ فا ِ ال ْ َ
قال ابن كثير" :يقول تعالى منكرا على المنافقين الذين هم على خلف
صفات المؤمنين ،ولما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
قبضو َ ْ
م{ أي :عن ن أي ْدِي َهُ ْ ف وَي َ ْ ِ ُ َ معُْرو ِ ن ال ْ َ ن عَ ِ من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ ن ِبال ْ ُ مُرو َ كان هؤلء }ي َأ ُ
م{ أي: سي َهُ ْ ه{ أي :نسوا ذكر الله }فَن َ ِ سوا الل ّ َ النفاق في سبيل الله}ن َ ُ
مسيت ُ ْ ما ن َ ِ مك ََ ساك ُْ م َنن َ ل الي َوْ َ ْ عاملهم معاملة من نسيهم ،كقوله تعالى} :وَِقي َ
ن{ أي :الخارجون عن طريق قو َ س ُ فا ِ م ال ْ َ ن هُ ُ قي َ مَنافِ ِ ن ال ْ ُ هاَذا{} .إ ِ ّ م َ مك ُ ْ قاء ي َوْ ِ لِ َ
الحق الداخلون في طريق الضللة".
وقال ابن القيم" :هم جنس بعضه يشبه بعضا ،يأمرون بالمنكر بعد أن
يفعلوه ،وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه ،ويبخلون بالمال في سبيل الله
ومرضاته أن ينفقوه ،كم ذكرهم الله بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه ،وكم
ن
قو َ مَنافِ ُ كشف حالهم لعباده المؤمنين ليتجنبوه ،فاسمعوا أيها المؤمنون} :ال ْ ُ
ْ
ن
ضو َ قب ِ ُ ف وَي َ ْ معُْرو ِ ن ال ْ َ ن عَ ِ من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ ن ِبال ْ ُ مُرو َ ض ي َأ ُ ن ب َعْ ٍ م ْ م ِ ضهُ ْ ت ب َعْ ُ قا ُ مَنافِ َ َوال ْ ُ
م ال ْ َ َ
ن{". قو َ س ُ فا ِ ن هُ ُ قي َ مَنافِ ِ ن ال ْ ُ م إِ ّ سي َهُ ْ ه فَن َ ِ سوا الل ّ َ م نَ ُ أي ْدِي َهُ ْ
-31الفرح بالتخلف وكره الجهاد والتواصي بالتخلف عنه:
َ ّ خل ّ ُ
ن
هوا أ ْ َ
ل اللهِ وَكرِ ُ سو ِ ف َر ُ خل َ م ِ قعَدِهِ ْ م ْ ن بِ َ فو َ م َ ح ال ْ ُ قال الله تعالى} :فَرِ َ
حّر قُ ْ ْ ُ ّ م وَأ َن ْ ُ َ
ل َناُر فُروا ِفي ال َ ل اللهِ وََقالوا ل ت َن ْ ِ سِبي ِ م ِفي َ سهِ ْ ف ِ وال ِهِ ْ م َ دوا ب ِأ ْ جاهِ ُ يُ َ
ن{ ]التوبة.[81: َ َ مأ َ َ
قُهو َ ف َ حّرا لوْ كاُنوا ي َ ْ شد ّ َ جهَن ّ َ َ
قال ابن كثير" :يقول تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله
صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ،وفرحوا بقعودهم بعد خروجه،
ل الل ّهِ وََقاُلوا{ أي: م وَأ َن ْ ُ َ َ
سِبي ِ م ِفي َ سهِ ْ ف ِ وال ِهِ ْ م َ دوا{ معه }ب ِأ ْ جاهِ ُ ن يُ َ هوا أ ْ }وَك َرِ ُ
حّر{؛ وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان فُروا ِفي ال ْ َ بعضهم لبعض }ل ت َن ْ ِ
في شدة الحر عند طيب الظلل والثمار؛ فلهذا قالوا :ل تنفروا في الحّر ،قال
م{ التي جهَن ّ َ ل{ لهم }َناُر َ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم }قُ ْ
حّرا{ مما فررتم منه من الحر ،بل أشد ّ حّرا شد ّ َ تصيرون إليها بمخالفتكم }أ َ َ
من النار".
-32التخذيل والتثبيط والرجاف:
هّ
ما وَعَد ََنا الل ُ ض َ مَر ٌ م َ ن ِفي قُلوب ِهِ ُْ ذي َ ن َوال ِّ قو َ مَنافِ ُ ل ال ْ ُ قو ُ قال الله تعالى} :وَإ ِذ ْ ي َ ُ
َ َ َ َ
م ُ
م لك ْ قا َ م َ بل ُ ل ي َث ْرِ َ م َيا أهْ َ من ْهُ ْ ة ِ ف ٌ ت طائ ِ َ ه إ ِل ّ غُُروًرا %وَإ ِذ ْ َقال ْ سول ُ ُ وََر ُ
ُ ْ
ن
ي ب ِعَوَْرةٍ إ ِ ْ ما هِ َ ن ب ُُيوت ََنا عَوَْرة ٌ وَ َ ن إِ ّ قولو َ ي يَ ُ م الن ّب ِ ّ من ْهُ ُ ريقٌ ِ ن فَ ِ ست َأذِ ُ جُعوا وَي َ ْ َفاْر ِ
ن ِإل فَِراًرا{ ]الحزاب.[13-12: دو َ ري ُ يُ ِ
-33البطء عن المؤمنين:
)(13 /
49
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َ قال الله تعالى} :وإن منك ُم ل َمن ل َيبط ّئ َن فَإ َ
م ل قَد ْ أن ْعَ َ ة َقا َ صيب َ ٌ م ِ م ُ صاب َت ْك ُ ْ نأ َ ّ ِ ْ َِ ّ ِ ْ ْ َ ْ َُ
الل ّه عَل َي إذ ْ ل َ َ
دا{ ]النساء.[72: شِهي ً م َ معَهُ ْ ن َ م أك ُ ْ ْ ّ ِ ُ
قال الطبري" :وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين ،نعتهم لنبيه صلى
م{ أيها من ْك ُ ْ ن ِ الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال} :وَإ ِ ّ
المؤمنون ،يعني :من عدادكم وقومكم ،ومن يتشبه بكم ،ويظهر أنه من أهل
طئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم، دعوتكم وملتكم ،وهو منافق يب ّ
َ
ة{ يقول :فإن أصابتكم صيب َ ٌ م ِ م ُ صاب َت ْك ُ ْ نأ َ وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم} ،فَإ ِ ْ
َ َ َ ّ َ
نم أك ُ ْ ي إ ِذ ْ ل ْ ه عَل ّ م الل ُ ل قَد ْ أن ْعَ َ هزيمة أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم }َقا َ
ة بكم؛ دا{ فيصيبني جراح أو ألم أو قتل ،وسّره تخلفه عنكم شمات ً ّ شِهي ً م َ معَهُ ْ َ
ك في وعد الله الذي وعد المؤمنين على ما نالهم في سبيله لنه من أهل الش ّ
من الجر والثواب وفي وعيده ،فهو غير راج ثوابا ،ول خائف عقابا".
سا إلى رجسهم: -34ل ينفعهم القرآن بل يزيدهم رج ً
َ ُ
ماًنا ه هَذِهِ ِإي َ م َزاد َت ْ ُ ُ
ل أي ّك ْ قو ُ ن يَ ُ م ْ م َ من ْهُ ْ سوَرة ٌ فَ ِ ت ُ ما أن ْزِل َ ْ قال الله تعالى} :وَإ َِذا َ
ُ ّ َ َ
م
ن ِفي قلوب ِهِ ْ ُ ذي َ ما ال ِ ن %وَأ ّ شُرو َ ست َب ْ ِ م يَ ْ ماًنا وَهُ ْ م ِإي َ مُنوا فََزاد َت ْهُ ْ نآ َ ذي َ ما ال ّ ِ فَأ ّ
ن{ ]التوبة.[125-124: كافُِرو َ م َ ماُتوا وَهُ ْ م وَ َ سهِ ْ ج ِ سا إ َِلى رِ ْ ج ً م رِ ْ ض فََزاد َت ْهُ ْ مَر ٌ َ
- 35العودة إلى ما نهوا عنه والتناجي بالثم والعدوان ومعصية الرسول:
َ
ه
ما ن ُُهوا َ ْ ُ
ن ع ن لِ َ م ي َُعوُدو َ وى ث ُ ّ ج َ ن الن ّ ْ ن ن ُُهوا عَ ِ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ قال الله تعالى} :أل َ ْ
حي ّ َ
ك م يُ َ ما ل َ ْ ك بِ َ حي ّوْ َ ك َ جاُءو َ ل وَإ َِذا َ سو ِ ت الّر ُ صي َ ِ معْ ِ ن وَ َ ن ِبالث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ جو ْ َ وَي َت ََنا َ
صل َوْن ََها َ
م يَ ْ جهَن ّ ُ م َ سب ُهُ ْ ح ْ ل َ قو ُ ما ن َ ُ ه بِ َ ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ّ ُ م لَ ْ سهِ ْ ف ِ ن ِفي أن ْ ُ قوُلو َ ه وَي َ ُ ب ِهِ الل ّ ُ
صيُر{ ]المجادلة.[8: م ِ س ال ْ َ فَب ِئ ْ َ
-36الستئذان عن الجهاد بحجة الفتنة:
ُ ْ َ
قطوا س َ فت ْن َةِ َ فت ِّني أل ِفي ال ِ ن ِلي َول ت َ ْ ل ائ ْذ َ ْ قو ُ ن يَ ُ م ْ م َ من ْهُ ْ قال الله تعالى} :وَ ِ
ن{ ]التوبة.[49: ري َ ة ِبالكافِ ِ َ ْ حيط َ ٌ م ِ م لَ ُ جهَن ّ َ ن َ وَإ ِ ّ
نقال ابن كثير" :يقول تعالى :ومن المنافقين من يقول لك يا محمد} :ائ ْذ َ ْ
فت ِّني{ بالخروج معك بسبب الجواري من نساء الروم، ِلي{ في القعود }َول ت َ ْ
قطوا{ أي :قد سقطوا في الفتنة بقولهم ُ س َ ْ َ
فت ْن َةِ َ قال الله تعالى} :أل ِفي ال ِ
هذا".
-37اتخاذ العذار عند التخلف:
م ُ
ن لك ْ َ م َ ن ن ُؤْ ِ َ
م قل ل ت َعْت َذُِروا ل ْ ْ ُ م إ ِلي ْهِ ْ َ جعْت ُ ْ م إ َِذا َر َ ن إ ِل َي ْك ْ
ُ قال الله تعالى} :ي َعْت َذُِرو َ
َ
م
َ ِ ِ ل عا لى َ إ ن دو
ْ ََ ُ ُ ّ َُ ّ َ ِ ر ت م ُ ث ه ُ ل سو ر و م ُ ك َ ل م ع
ُ َ َ ه ّ ل ال رى م َ َ ََ
ي س و خَبارِك ُ ْ ن أَ ْ م ْ ه ِ قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ
ن{ ]التوبة.[94: مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْ م بِ َ شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ ب َوال ّ ال ْغَي ْ ِ
قال ابن كثير" :أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم
َ
م{ أي :لن نصدقكم} ،قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ
ه ن ل َك ُ ْ م َ ن ن ُؤْ ِ ل ل ت َعْت َذُِروا ل َ ْ يعتذرون إليهم }قُ ْ
ه{ سول ُ ُ م وََر ُ ملك ُ ْ َ ه عَ َ ّ
سي ََرى الل ُ م{ أي :قد أعلمنا الله أحوالكم} ،وَ َ خَبارِك ُ ْ ن أَ ْ م ْ ِ
ة
شَهاد َ ِ ب َوال ّ ْ
عال ِم ِ الغَي ْ ِ ن إ ِلى َ َ م ت َُرّدو َ أي :سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا} ،ث ُ ّ
ن{ أي :فيخبركم بأعمالكم ،خيرها وشرها ،ويجزيكم مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْ م بِ َ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ
عليها".
-38الستخفاء من الناس:
م إ ِذ ْ معَهُ ْ ن اللهِ وَهُوَ َ ّ م َ ن ِ فو َ خ ُ ست َ ْ س َول ي َ ْ ن الّنا ِ م َ ن ِ فو َ خ ُ ست َ ْ قال الله تعالى} :ي َ ْ
حيطا{ ]النساء.[108: ً م ِ ن ُ ملو َ ُ ما ي َعْ َ ه بِ َ ن الل ُ ّ ل وَكا َ َ قو ْ ِ ْ
ن ال َ م َ ضى ِ ما ل ي َْر َ ن َ ي ُب َي ُّتو َ
قال ابن كثير" :هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من
طلع على سرائرهم، الناس؛ لئل ينكروا عليهم ،ويجاهرون الله بها؛ لنه م ّ
ن
م َ ضى ِ ما ل ي َْر َ ن َ م إ ِذ ْ ي ُب َي ُّتو َ معَهُ ْ وعالم بما في ضمائرهم ،ولهذا قال} :وَهُوَ َ
طا{ تهديد لهم ووعيد". حي ً م ِ ن ُ مُلو َ ما ي َعْ َ ه بِ َ ن الل ّ ُ كا َ ل وَ َ قو ْ ِ ال ْ َ
50
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(14 /
ْ َ
م ل ي َأُلون َك ُ ْ
م ن ُدون ِك ُ ْ م ْ ة ِ طان َ ً ذوا ب ِ َ خ ُ مُنوا ل ت َت ّ ِ نآ َ ذي َ قال الله تعالىَ} :يا أي َّها ال ّ ِ
خفي صدورهُ َ خبال ً ودوا ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ
م أك ْب َُر قَد ْ ُ ُ ُ ْ ما ت ُ ْ ِ م وَ َ واهِهِ ْ ن أفْ َ ِ ْ َ َ ّ ْ ْ َ َ ِ َ َ ّ َ َ
ُ َ ُ َ
ن
مُنو َ م وَت ُؤْ ِ حّبون َك ُ ْ م َول ي ُ ِ حّبون َهُ ْ م أولِء ت ُ ِ ها أن ْت ُ ْ نَ % قلو َ م ت َعْ ِ ن ك ُن ْت ُ ْ ت إِ ْ م اليا ِ ب َي ّّنا لك ُ ُ
ْ َ َ َ ُ َ ّ
ظن الغَي ْ ِ م َ ل ِ م َ م الَنا ِ ضوا عَلي ْك ُ ُ وا عَ ّ خل ْ مّنا وَإ َِذا َ م َقالوا آ َ قوك ُ ْ ب ك ُلهِ وَإ َِذا ل ُ ِبال ْك َِتا ِ
سؤْهُ ْ
م ة تَ ُ سن َ ٌ ح َ م َ سك ُ ْ س ْ م َ ن تَ ْ دورِ %إ ِ ْ ص ُ ت ال ّ ذا ِ م بِ َ ه عَِلي ٌ ن الل ّ َ م إِ ّ موُتوا ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ ل ُ قُ ْ
شي ًْئا إ ِ ّ
ن م َ م كي ْد ُهُ ْ َ ُ
ضّرك ْ قوا ل ي َ ُ صب ُِروا وَت َت ّ ُ ن تَ ْ حوا ب َِها وَإ ِ ْ فَر ُ ة يَ ْ سي ّئ َ ٌ
م َ صب ْك ْ ُ ن تُ ِ وَإ ِ ْ
حيط{ ]آل عمران.[120-118: ٌ م ِ ن ُ ملو َ ُ ما ي َعْ َ ه بِ َ الل ّ َ
قال ابن كثير" :يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين
بطانة ،أي :يطلعونهم على سرائرهم ،وما يضمرونه لعدائهم ،والمنافقون
بجهدهم وطاقتهم ل يألون المؤمنين خبال أي :يسعون في مخالفتهم ،وما
يضّرهم بكل ممكن ،وبما يستطيعون من المكر والخديعة ،ويوّدون ما يعنت
المؤمنين ويحرجهم ويشقّ عليهم".
وقال ابن القيم" :إن أصاب أهل الكتاب والسنة عافية ونصر وظهور ساءهم
مهم ،وإن أصابهم ابتلء من الله وامتحان يمحص به ذنوبهم ويكفر به ذلك وغ ّ
عنهم سيئاتهم أفرحهم ذلك وسرهم ،وهذا يحقق إرثهم وإرث من عداهم ،ول
ة
سن َ ٌ ح َ ك َ صب ْ َ ن تُ ِ يستوي من موروثه الرسول ومن موروثهم المنافقون} ،إ ِ ْ
ّ َ قوُلوا قَد ْ أ َ َ صب ْ َ
ن
حو َ م فَرِ ُ وا وَهُ ْ ل وَي َت َوَل ْ ن قَب ْ ُ م ْ مَرَنا ِ خذ َْنا أ ْ ة يَ ُ صيب َ ٌ م ِ ك ُ ن تُ ِ م وَإ ِ ْ سؤْهُ ْ تَ ُ
ن{ مُنو َ مؤْ ِ ل ال ُ ْ ّ ْ
موْلَنا وَعَلى اللهِ فَلي َت َوَك ِ ّ َ َ ه لَنا هُوَ َ َ ّ
ب الل ُ ما كت َ َ َ صيب ََنا إ ِل ّ َ ُ %قل لن ي ُ ِ ّ
]التوبة."[51 ،50:
خذ َْنا َ
قولوا قَد ْ أ َ ُ َ َ
ة يَ ُ صيب َ ٌ م ِ صب ْك ُ ن تُ ِ م وَإ ِ ْ سؤْهُ ْ ة تَ ُ سن َ ٌ ح َ صب ْك َ ن تُ ِ وقال الله تعالى} :إ ِ ْ
َ
ن{ ]التوبة.[50: حو َ م فَرِ ُ وا وَهُ ْ ل وَي َت َوَل ّ ْ ن قَب ْ ُ م ْ مَرَنا ِ أ ْ
قال ابن كثير" :يعلم تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بعداوة هؤلء
له؛ لنه مهما أصابه من حسنة أي :فتح ونصر وظفر على العداء مما يسّره
َ قوُلوا قَد ْ أ َ َ صب ْ َ
نم ْ مَرَنا ِ خذ َْنا أ ْ ة يَ ُ صيب َ ٌ م ِ ك ُ ن تُ ِ ويسّر أصحابه ساءهم ذلك} ،وَإ ِ ْ
ن{". حو
َََ َ ْ َ ُ ْ ِ ُ َ ر َ ف م ه و وا ّ ل و ت ي و } هذا قبل من ل{ أي :قد احترزنا من متابعته قَب ْ ُ
دث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر: -41إذا اؤتمن خان وإذا ح ّ
نكون َ ّ ن وَل َن َ ُ صد ّقَ ّ ضل ِهِ ل َن َ ّ ن فَ ْ م ْ ن آَتاَنا ِ ه ل َئ ِ ْ عاهَد َ الل ّ َ ن َ م ْ م َ من ْهُ ْ قال الله تعالى} :وَ ِ
ن% ضو َ معْرِ ُ م ُ وا وَهُ ْ خُلوا ب ِهِ وَت َوَل ّ ْ ضل ِهِ ب َ ِ ن فَ ْ م ْ م ِ ما آَتاهُ ْ ن %فَل َ ّ حي َ صال ِ ِ ن ال ّ مََ ِ
كاُنوا ما َ ب و ه دو َ ع و ما ه ّ ل ال فوا ُ َ ل خ
ْ َ أ ما ب ه ن و َ ق ْ ل ي م و ي لى َ إ م ه ب لو ُ ُ ق في قا ً فا َ ِ ن م ه ب َ ق ْ ع أ فَ
َ َ َ ُ ُ َِ َ َ ْ ِ َ ْ ُ ِ َ َ ِِ ْ ِ ِ َُ ْ
ن{ ]التوبة.[77-75: ي َك َذُِبو َ
قال ابن كثير" :يقول تعالى :ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه
ن من الصالحين ،فما وّفى بما لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله ،وليكون ّ
قال ،ول صدق فيما ادعى ،فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى
يوم يلقوا الله عز وجل يوم القيامة ،عياذا الله من ذلك".
مما هُ ْ خرِ وَ َ مّنا ِبالل ّهِ وَِبال ْي َوْم ِ ال ِ لآ َ قو ُ ن يَ ُ م ْ س َ ن الّنا ِ م َ وقال الله تعالى} :وَ ِ
ن{ ]البقرة.[8: مِني َ مؤ ْ ِ بِ ُ
قال ابن القيم" :لبسوا ثياب أهل اليمان ،على قلوب أهل الزيغ والخسران
51
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(15 /
كل من حيث إن ده جماعة من العلماء مش ِ قال النووي" :هذا الحديث مما ع ّ
دق الذي ليس فيه شك ...فإن إخوة هذه الخصال توجد في المسلم المص ّ
يوسف صلى الله عليه وسلم جمعوا هذه الخصال ،وكذا وجد لبعض السلف
والعلماء بعض هذا أو كّله ،وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال،
ولكن اختلف العلماء في معناه ،فالذي قاله المحققون والكثرون وهو
الصحيح المختار :إن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق ،وصاحبها شبيه
بالمنافقين في هذه الخصال ومتخّلق بأخلقهم ،فإن النفاق هو إظهار ما
يبطن خلفه ،وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال ،ويكون نفاقه في
حقّ من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس ،ل أنه منافق في
السلم فيظهره وهو يبطن الكفر ،ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا
أنه منافق نفاق الكفار المخّلدين في الدرك السفل من النار.
وقوله صلى الله عليه وسلم)) :كان منافقا خالصا(( معناه :شديد الشبه
بالمنافقين بسبب هذه الخصال .قال بعض العلماء :وهذا فيمن كانت هذه
الخصال غالبة عليه ،فأما من يندر ذلك منه فليس داخل فيه ،وهذا هو المختار
في معنى الحديث".
-42تأخير الصلة عن وقتها:
عن العلء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة
حين انصرف من الظهر ،وداره بجنب المسجد ،فلما دخلنا عليه قال :أصليتم
العصر؟ فقلنا له :إنما انصرفنا الساعة من الظهر ،قال :فصلوا العصر ،فقمنا
ما انصرفنا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فصلينا ،فل ّ
))تلك صلة المنافق ،يجلس يرقب الشمس ،حتى إذا كانت بين قرني
الشيطان قام فنقرها أربعا ،ل يذكر الله فيها إل قليل((.
خرون الصلة عن وقتها الّول إلى شرق الموتى ،فالصبح قال ابن القيم" :يؤ ّ
عند طلوع الشمس ،والعصر عند الغروب ،وينقرونها نقَر الغراب إذ هي صلة
قن أّنه مطرود البدان ل صلة القلوب ،ويلتفتون فيها التفات الثعلب إذ يتي ّ
مطلوب".
-43التخلف عن الصلة في جماعة المسلمين:
دا
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال) :من سّره أن يلقى الله غ ً
ما فليحافظ على هؤلء الصلوات حيث ينادى بهن ،فإن الله شرع لنبيكم مسل ً
52
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ن الهدى ،وإنهن من سنن الهدى ،ولو أنكم صليتم صلى الله عليه وسلم سن َ
في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ،ولو تركتم
سنة نبيكم لضللتم ،وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد
من هذه المساجد إل كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ،ويرفعه بها
ط عنه بها سيئة ،ولقد رأيُتنا وما يتخّلف عنها إل منافق معلوم درجة ،ويح ّ
النفاق ،ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف(.
مّني" :ليس المراد بالمنافق ها هنا من يبطن الكفر ويظهر السلم، ش ُقال ال ّ
وإل لكانت الجماعة فريضة؛ لن من يبطن الكفر كافر ،ولكان آخر الكلم
ضا لوله". مناق ً
-44البذاء والبيان:
عن أبي أمامة رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال)) :الحياء
ي شعبتان من اليمان ،والبذاء والبيان شعبتان من النفاق((. والعِ ّ
ي قلة الكلم ،والبذاء هو الفحش في الكلم ،والبيان هو ّ قال الترمذي" :والعِ ّ
سعون في الكلم، كثرة الكلم ،مثل هؤلء الخطباء الذين يخطبون فيو ّ
صحون فيه ،من مدح الناس فيما ل ُيرضي الله". ويتف ّ
ي
قال المناوي" :والِعي أي :سكون اللسان تحّرزا عن الوقوع في البهتان ل ع ّ
ي اللسان لخلل)) .شعبتان من شعب اليمان(( ي العمل ول ع ّ القلب ول ع ّ
أي :أثران من آثاره ،بمعنى أن المؤمن يحمله اليمان على الحياء ،فيترك
القبائح حياء من الله ،ويمنعه من الجتراء على الكلم شفقا من عثر اللسان
والوقيعة في البهتان .والبذاء هو ضد ّ الحياء وقيل :فحش الكلم والبيان ،أي:
فصاحة اللسان ،والمراد به هنا ما يكون فيه إثم من الفصاحة كهجو أو مدح
ق .شعبتان من النفاق بمعنى أنهما خصلتان منشؤهما النفاق ،والبيان بغير ح ّ
دم فيه على الغير تيهامق في النطق والتفاصح وإظهار التق ّ المذكور هو التع ّ
وعجبا كما تقرر .قال القاضي :لما كان اليمان باعثا على الحياء والتحفظ في
الكلم والحتياط فيه عد ّ من اليمان ،وما يخالفهما من النفاق ،وعليه فالمراد
ي ما يكون بسبب التأمل في المقال والتحرز عن الوبال ل لخلل في بالع ّ
اللسان ،والبيان ما يكون بسببه الجتراء وعدم المبالة بالطغيان والتحرز عن
الزور والبهتان .وقال الطيبي :إنما قوبل العي في الكلم مطلقا بالبيان الذي
هو التعمق في النطق والتفاصح وإظهار التقدم فيه على الناس مبالغة لذم
البيان وأن هذه مضرة باليمان مضّرةَ ذلك البيان".
)(16 /
وقال ابن القيم" :وجملة أمرهم أنهم في المسلمين كالزغل في النقود ،يروج
على أكثر الناس لعدم بصيرتهم بالنقد ،ويعرف حاله الناقد البصير من الناس،
وقليل ما هم .وليس على الديان أضّر من هذا الضرب من الناس ،وإنما
جّلى الله أمرهم في القرآن ،وأوضح
تفسد الديان من ِقبلهم ،ولهذا َ
عظم مة بهم و ِ
أوصافهم ،وبّين أحوالهم ،وكّرر ذكرهم؛ لشدة المؤنة على ال ّ
البلية عليهم بوجودهم بين أظهرهم ،وفرط حاجتهم إلى معرفتهم والتحّرز من
مشابهتهم والصغاء إليهم ،فكم قطعوا على السالكين إلى الله طريق الهدى،
دوهم ومّنوهم ،ولكن وعدوهم الغرور ،ومّنوهم وسلكوا بهم سبل الردى ،وعَ ُ
الويل والثبور".
جامع البيان ).(1/122
مدارج السالكين ).(1/379
53
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
54
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(17 /
شبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها، ض ال ّ قال ابن القيم" :قد نهكت أمرا ُ
وغلبت القصود َ السيئة على إراداتهم ونياتهم فأفسدتها ،ففسادهم قد ترامى
هم الل ّ ُ
ض فََزاد َهُ ُ
مَر ٌ إلى الهلك ،فعجز عنه الطّباء العارفونِ} ،في قُُلوب ِهِ ْ
م َ
َ
ن{")(.كاُنوا ي َك ْذُِبو َ
ما َ
م بِ َ
ب أِلي ٌ
ذا ٌ ضا وَل َهُ ْ
م عَ َ مَر ً
َ
55
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
-2الطمع الشهواني:
مَرض{ ذي ِفي قلب ِهِ َ ْ َ ّ
معَ ال ِ ْ
ل في َط َ َ قو ْ ِ ْ
ن ِبال َ ضعْ َ خ َ قال الله تعالىَ} :فل ت َ ْ
]الحزاب.[32:
قال الطبري" :فيطمع الذي في قلبه ضعف ،فهو لضعف إيمانه في قلبه ،إما
ف بحدود الله ،وإما ك في السلم منافق ،فهو لذلك من أمره يستخ ّ شا ّ
متهاون بإتيان الفواحش".
-3الزيغ بالشبه:
ض
مَر ٌ م َ ُ
ن ِفي قُلوب ِهِ ْ ذي َ ّ
ة ل ِل ِ ن فِت ْن َ ً شي ْطا ُ َ قي ال ّ ْ
ما ي ُل ِ ل َ جعَ َ قال الله تعالى} :ل ِي َ ْ
د{ ]الحج.[53: ق ب َِعي ٍ قا ٍ ش َ في ِ نل ِ َ مي َ ن الظال ِ ِ ّ م وَإ ِ ّ سي َةِ قُُلوب ُهُ ْ قا ِ َوال ْ َ
قال الطبري" :يقول :اختبارا يختبر به الذين في قلوبهم مرض من النفاق،
ك في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقيقة ما يخبرهم وذلك الش ّ
به".
-4التكّبر والستكبار:
م
سهُ ْ ؤو َ ل اللهِ لوّْوا ُر ُ َ ّ سو ُ م َر ُ ُ
فْر لك ْ َ ست َغْ ِ وا ي َ ْ َ
م ت ََعال ْ ل لهُ ْ َ قال الله تعالى} :وَإ َِذا ِقي َ
ن{ ]المنافقون.[5: ْ َ
ست َكب ُِرو َ م ْ م ُ ن وَهُ ْ دو َ ص ّ م يَ ُ وََرأي ْت َهُ ْ
قال ابن كثير" :يقول تعالى مخِبرا عن المنافقين عليهم لعائن الله أنهم إذا
م{ أي: سهُ ْ ؤو َ ل الل ّهِ ل َوّْوا ُر ُ سو ُ م َر ُ فْر ل َك ُ ْ ست َغْ ِ وا ي َ ْ م ت ََعال َ ْ ل ل َهُ ْ قيل لهم} :إ َِذا ِقي َ
ما قيل لهم استكبارا عن ذلك ،واحتقارا لما قيل ،ولهذا قال دوا واعرضوا ع ّ ص ّ
َ
ن{ .ثم جازاهم على ذلك فقال ست َك ْب ُِرو َ م ْ م ُ ن وَهُ ْ دو َ ص ّ م يَ ُ تعالى} :وََرأي ْت َهُ ْ
َ َ
ن
م إِ ّ ه ل َهُ ْ فَر الل ُ م َلن ي ّغْ ِ فْر ل َهُ ْ ست َغْ ِ م تَ ْ م لَ ْ مأ ْ ت ل َهُ ْ فْر َ ست َغْ َ مأ ْ واٌء عَل َي ْهِ ْ س َ تعالىَ } :
ن{". قي َ س ِ فا ِ م ال َ ْ قو ْ َ ْ
دي ال َ ه ل َ ي َهْ ِ الل َ
-5الستهزاء بآيات الله والجلوس إلى المستهزئين بآيات الله:
ُ قو َ
ما ِفي قُلوب ِهِ ْ
م م بِ َ سوَرة ٌ ت ُن َب ّئ ُهُ ْ م ُ ل عَل َي ْهِ ْ ن ت ُن َّز َ نأ ْ مَنافِ ُ َ حذ َُر ال ْ ُ قال الله تعالى}:ي َ ْ
ن{ ]التوبة.[64 : حذ َُرو َ ما ت َ ْ ج َ خرِ ٌ م ْ ه ُ ّ
ن الل َ ست َهْزُِئوا إ ِ ّ لا ْ قُ ِ
قال الطبري" :يقول تعالى ذكره :يخشى المنافقون أن تنزل فيهم سورة
تنبئهم بما في قلوبهم ،يقول :تظهر المؤمنين على ما في قلوبهم .وقيل :إن
الله أنزل هذه الية على رسول الله صلى الله عليه وسلم لن المنافقين
كانوا إذا عابوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا شيئا من أمره وأمر
ل الله ل يفشي سّرنا ،فقال الله لنبيه صلى الله عليه المسلمين قالوا :لع ّ
ما ج َ خرِ ٌ م ْ ه ُ ن الل ّ َ عدا} ،إ ِ ّ ددا لهم متو ّ ست َهْزُِئوا{ ،مته ّ وسلم :قل لهم} :ا ْ
ن{". حذ َُرو َ تَ ْ
ت الل ّهِ ي ُك ْ َ َ
فُر م آَيا ِ معْت ُ ْ س ِ ن إ َِذا َ بأ ْ م ِفي ال ْك َِتا ِ ل عَل َي ْك ُ ْ وقال الله تعالى} :وَقَد ْ ن َّز َ
م إ ًِذا ث غَي ْرِهِ إ ِن ّك ُ ْ دي ٍ ح ِ ضوا ِفي َ خو ُ حّتى ي َ ُ م َ معَهُ ْ دوا َ قعُ ُ ست َهَْزأ ُ ب َِها َفل ت َ ْ ب َِها وَي ُ ْ
ميًعا{ ]النساء.[140: ج ِ م َ جهَن ّ َ ن ِفي َ ري َ كافِ ِ ن َوال َْ قي َ مَنافِ ِ ْ
معُ ال ُ جا ِ ه َ ّ
ن الل َ م إِ ّ مث ْل ُهُ ْ ِ
-6الستهزاء بالمؤمنين:
م
طين ِهِ ْ شَيا ِ وا إ ِلى َ َ خل ْ َ مّنا وَإ َِذا َ مُنوا َقالوا آ َ ُ نآ َ ذي َ ّ
قوا ال ِ قال الله تعالى} :وَإ َِذا ل َ ُ
م ِفي مد ّهُ ْ م وَي َ ُ ست َهْزِئُ ب ِهِ ْ ه يَ ْ ن %الل ّ ُ ست َهْزُِئو َ م ْ ن ُ ح ُ ما ن َ ْ م إ ِن ّ َ معَك ُ ْ َقاُلوا إ ِّنا َ
ن{ ]البقرة.[15-14: مُهو َ م ي َعْ َ ط ُغَْيان ِهِ ْ
قال ابن القيم" :لكل منهم وجهان :وجه يلقى به المؤمنين ،ووجه ينقلب به
إلى إخوانه من الملحدين ،وله لسانان :أحدهما يقبله بظاهره المسلمون،
مّنا وَإ َِذا مُنوا َقاُلوا آ َ نآ َ ذي َ قوا ال ّ ِ والخر يترجم به عن سّره المكنون} ،وَإ َِذا ل َ ُ
ن{. ست َهْزُِئو َ م ْ ن ُ ح ُ ما ن َ ْ م إ ِن ّ َ معَك ُ ْ م َقاُلوا إ ِّنا َ طين ِهِ ْ شَيا ِ وا إ َِلى َ خل َ ْ َ
قد أعرضوا عن الكتاب والسّنة استهزاًء بأهلهما واستحقاًرا ،وأبوا أن ينقادوا
حا بما عندهم من العلم الذي ل ينفع الستكثار منه إل أشًرا لحكم الوحيين فر ً
56
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ست َهْزِئُه يَ ْ دا بالمتمسكين بصريح الوحي يستهزئون }الل ّ ُ واستكباًرا ،فتراهم أب ً
ن{".مُهو َ م ي َعْ َ م ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ مد ّهُ ْ م وَي َ ُ ب ِهِ ْ
-7الظن السيئ بالله تعالى:
ت
ِ َ
كا ر شْ م ْ لوا
ِ َ ُ ِ ِ َ َ ُ ِ ن كي ر ش ْ م ْ لوا ت قا
َ ْ
م َ ِ ِ َ َ ُ َ ِ
ف نا م لوا ن قي ف نا ب ال ْ ُ قال الله تعالى} :وَي ُعَذ ّ َ
َ
م وَأعَد ّ م وَل َعَن َهُ ْه عَل َي ْهِ ْب الل ّ ُ ض َ سوِْء وَغَ ِ م َدائ َِرةُ ال ّ سوِْء عَل َي ْهِ ْ ن ال ّ ن ِبالل ّهِ ظ َ ّ ظاّني َال ّ
صيًرا{ ]الفتح.[6: م ِ ت َ ساَء ْم وَ َ جهَن ّ َ م َ ل َهُ ْ
-8عدم الثقة بوعد الله تعالى ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم:
هّ
ما وَعَد ََنا الل ُ ض َ مَر ٌ م َ ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ ذي َ ن َوال ّ ِ قو َ
مَنافِ ُل ال ْ ُ قو ُ قال الله تعالى} :وَإ ِذ ْ ي َ ُ
ه إ ِّل غُُروًرا{ ]الحزاب.[12: سول ُ ُ وََر ُ
-9صد ّ الناس عن النفاق في سبيل الله:
)(18 /
حّتى ل الل ّهِ َ سو ِ عن ْد َ َر ُ ن ِ م ْ قوا عََلى َ ن ل ت ُن ْفِ ُ قوُلو َ ن يَ ُ ذي َ م ال ّ ِ قال الله تعالى} :هُ ُ
ن{ قُهو َ ف َن ل يَ ْ ْ َ َ ضوا وَل ِل ّهِ َ
قي َ مَنافِ ِ ن ال ُ ض وَلك ِ ّ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ن ال ّ خَزائ ِ ُ ف ّ ي َن ْ َ
]المنافقون.[7:
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال :كنت في غزاة ،فسمعت عبد الله بن
ضوا من حوِله ،ولئن ي يقول :ل تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينف ّ أب ّ
مي أو لعمر ،فذكره ّ لع ذلك فذكرت ل، ّ الذ منها ز ّ الع ن
ّ ليخرج عنده من رجعنا
دثته ،فأرسل رسول الله صلى الله ّ فح فدعاني وسلم، للنبي صلى الله عليه
ذبني رسول ي وأصحابه فحلفوا ما قالوا ،فك ّ عليه وسلم إلى عبد الله بن أب ّ
ط، م لم يصبني مثُله ق ّ دقه ،فأصابني ه ّ الله صلى الله عليه وسلم وص ّ
مي :ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى فجلست في البيت فقال لي ع ّ
ن{ .فبعث قو َ مَنافِ ُ ْ
ك ال ُ جاَء َ الله عليه وسلم ومقتك ،فأنزل الله تعالى} :إ َِذا َ
ي النبي صلى الله عليه وسلم ،فقرأ ،فقال)) :إن الله قد صدقك يا زيد((. إل ّ
-10التسّتر ببعض العمال المشروعة للضرار بالمؤمنين:
نمِني َ مؤ ْ ِ ْ
ن ال ُ قا ب َي ْ َ ري ً ف ِفًرا وَت َ ْ ضَراًرا وَك ُ ْ دا ِ ج ً س ِ م ْ ذوا َ خ ُ ن ات ّ َ ذي َ قال الله تعالىَ} :وال ّ ِ
َ
سَنى َوالل ّ ُ
ه ح ْ ن أَرد َْنا إ ِل ّ ال ْ ُ ن إِ ْ ف ّحل ِ ُ ل وَل َي َ ْ ن قَب ْ ُ م ْ ه ِ سول َ ُ ه وََر ُ ب الل ّ َ حاَر َ ن َ م ْصاًدا ل ِ َ وَإ ِْر َ
ن{ ]التوبة.[107: م لكاذُِبو َ َ َ شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ يَ ْ
س والوقيعة وإشعال نار الفتنة واستغلل -11التفريق بين المؤمنين والد ّ ّ
قتها والفساد في الرض وادعاء الصلح: الخلفات وتوسيع ش ّ
ن حو ل ص
ِّ َ َ ْ ُ ُ ْ ِ ُ َ م ن ح ن ما نإ لوا ُ قاَ ض ر َ ل ا في ِ دوا ُ ِ ُ س ْ ف ت ل م ه َ ل َ
ل قي قال الله تعالى} :وَإ ِ َ ِ
ذا
ْ ِ ُ ْ
َ
ن{ ]البقرة.[11: شعُُرو َ ن ل يَ ْ ن وَل َك ِ ْ دو َ س ُ ف ِ م ْ م ال ْ ُ م هُ ُ أل إ ِن ّهُ ْ
ل ثناؤه تكذيب للمنافقين في دعواهم؛ قال الطبري" :وهذا القول من الله ج ّ
إذا أمروا بطاعة الله فيما أمرهم الله به ونهوا عن معصية الله فيما نهاهم
الله عنه قالوا :إنما نحن مصلحون ل مفسدون ،ونحن على رشد وهدى فيما
ذبهم الله عز وجل في ذلك من قيلهم، أنكرتموه علينا دونكم ل ضاّلون ،فك ّ
َ
دون ن{ المخالفون أمَر الله عز وجل ،المتع ّ دو َ س ُ ف ِ م ْ م ال ْ ُ م هُ ُ فقال} :أل إ ِن ّهُ ْ
ضه ،وهم ل يشعرون ،ول يدرون، حدوَده ،الراكبون معصيَته ،التاركون فرو َ
أنهم كذلك ،ل الذين يأمرونهم بالقسط من المؤمنين ،وينهونهم عن معاصي
الله في أرضه من المسلمين".
-12السفه ورمي المؤمنين بالسفه:
َ ُ
نم َ ما آ َ َ
نك َ م ُ س قالوا أن ُؤْ ِ َ ن الّنا ُ م َ ما آ َ َ
مُنوا ك َ مآ ِ ل ل َهُ ْ قال الله تعالى} :وَإ َِذا ِقي َ
ن{ ]البقرة.[13: َ َ َ
مو َ ن ل ي َعْل ُ فَهاُء وَلك ِ ْ س َ م ال ّ م هُ ُ فَهاُء أل إ ِن ّهُ ْ س َ ال ّ
57
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
دم نعته لهم قال الطبري" :هذا خبر من الله تعالى عن المنافقين الذين تق ّ
ووصفه إياهم بما وصفهم به من الشك والتكذيب أنهم هم الجّهال في
أديانهم ،الضعفاء الراء في اعتقاداتهم واختياراتهم التي اختاروها لنفسهم،
وته ،وفيما جاء به من عند ك والريب في أمر الله وأمر رسوله وأمر نب ّ من الش ّ
الله وأمر البعث؛ لساءتهم إلى أنفسهم بما أتوا من ذلك ،وهم يحسبون أنهم
سد من حيث يرى أنه سنون ،وذلك هو عين السفه؛ لن السفيه إنما يف ِ إليها يح ِ
يصلح ،ويضيع من حيث يرى أنه يحفظ ،فكذلك المنافق يعصي رّبه من حيث
يرى أنه يطيعه ،ويكفر به من حيث يرى أنه يؤمن به ،ويسيء إلى نفسه من
م َ
حيث يحسب أنه يحسن إليها ،كما وصفهم به رّبنا جل ذكره ،فقال} :أل إ ِن ّهُ ْ
َ
فَهاُء{ دون س َم ال ّ م هُ ُ ن{ ،وقال} :أل إ ِن ّهُ ْ شعُُرو َ ن ل يَ ْ ن وَل َك ِ ْدو َ س ُ ف ِ م ْ م ال ْ ُ هُ ُ
نل َ
دقين بالله وبكتابه وبرسوله وثوابه وعقابه }وَلك ِ ْ المؤمنين المص ّ
ن{". مو َ ي َعْل َ ُ
سك عندهم بالكتاب والسّنة صاحب ظواهر ،مبخوس وقال ابن القّيم" :المتم ّ
مل أسفارا ،فهمه ظه من المعقول ،والدائر مع النصوص عندهم كحمار يح ِ ح ّ
في حمل المنقول ،وبضاعة تاجر الوحي لديهم كاسدة ،وما هو عندهم
بمقبول ،وأهل التباع عندهم سفهاء ،فهم في خلواتهم ومجالسهم بهم
َ
فَهاُء س َ ن ال ّ م َ ما آ َ ن كَ َ م ُس َقاُلوا أن ُؤْ ِ ن الّنا ُ م َ ما آ َ مُنوا ك َ َ مآ ِ ل ل َهُ ْ يتطيرون} ،وَإ َِذا ِقي َ
َ
ن{". مو َ ن ل ي َعْل َ ُ فَهاُء وَل َك ِ ْ س َم ال ّ م هُ ُ أل إ ِن ّهُ ْ
-13موالة الكافرين:
َ َ
ن
ذو َخ ُ ن ي َت ّ ِ ذي َ ما %ال ّ ِ ذاًبا أِلي ً م عَ َ ن ل َهُ ْن ب ِأ ّ قي َ مَنافِ ِ شرِ ال ْ ُ قال الله تعالى} :ب َ ّ
هّ ْ ْ َ ْ كافري َ
ن العِّزة َ ل ِل ِ م العِّزة َ فَإ ِ ّ عن ْد َهُ ُ ن ِ
ن أي َب ْت َُغو َ مِني َ مؤ ْ ِ
ن ال ُ ن ُدو ِ م ْن أوْل َِياَء ِ ال ْ َ ِ ِ َ
ميًعا{ ]النساء.[139-138: ج ِ َ
)(19 /
ن{ الذين يتخذون قي َ مَنافِ ِ شرِ ال ْ ُ قال الطبري" :يقول الله لنبيه :يا محمد} ،ب َ ّ
ّ
أهل الكفر بي واللحاد في ديني أولياء يعني أنصارا وأخلء من دون المؤمنين،
ة{ يقول :أيطلبون عندهم م ال ْعِّز َ َ
عن ْد َهُ ُ ن ِ يعني :من غير المؤمنين} .أي َب ْت َُغو َ
ن ال ْعِّزةَ ل ِل ّهِ المنعة والقوة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل اليمان بي} ،فَإ ِ ّ
ميًعا{ يقول :فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم ج ِ َ
مسوا العّزة والمنعة هم الذلء القلء ،فهل اتخذوا الولياء من المؤمنين ،فيلت ِ ّ
ل من والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة ،الذي يعّز من يشاء ويذ ّ
يشاء ،فيعّزهم ويمنعهم".
-14التربص بالمؤمنين:
َ
من الل ّهِ َقاُلوا أل َ ْ م َ ح ِ م فَت ْ ٌ ن ل َك ُ ْ كا َ ن َ م فَإ ِ ْ ن ب ِك ُ ْ صو َ ن ي َت ََرب ّ ُ ذي َ قال الله تعالى} :ال ّ ِ
َ َ َ ُ ْ
ن
م َ م ِ من َعْك ُ ْم وَن َ ْ حوِذ ْ عَلي ْك ُ ْ ست َ ْ م نَ ْ ب َقالوا أل ْ صي ٌ ن نَ ِ ري َ كافِ ِن ل ِل َ كا َن َ م وَإ ِ ْمعَك ُ ْ ن َ ن َك ُ ْ
َ
ن عَلى ري َكافِ ِ ه ل ِل َ ْ ّ
ل الل ُ جعَ َ ن يَ ْ َ
مةِ وَل ْ قَيا َ ْ
م ال ِ م ي َوْ َ م ب َي ْن َك ُ ْ حك ُ ُ ه يَ ْ ّ
ن َفالل ُ مِني َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
ل{ ]النساء.[141: سِبي ً ن َ مِني َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
م{ الذين ينتظرون ن ب ِك ُ ْ صو َ ن ي َت ََرب ّ ُ ذي َ قال الطبري" :يعني جل ثناؤه بقوله} :ال ّ ِ
ه{ يعني :فإن فتح الله ن الل ّ ِم َ ح ِ م فَت ْ ٌ ن ل َك ُ ْ ن َ
كا َ ـ أيها المؤمنون ـ بكم} ،فَإ ِ ْ
َ َ ْ ُ
معليكم فتحا من عدوكم ،فأفاء عليكم فيئا من المغانمَ} ،قالوا{ لكم }أل ْ
م{ نجاهد عدّوكم ،ونغزوهم معكم ،فأعطونا نصيبا من الغنيمة ،فإنا معَك ُ ْ ن َ ن َك ُ ْ
ب{ يعني :وإن كان صي ٌ ن نَ ِ ري َ ن ل ِل ْ َ
كافِ ِ كا َ ن َ قد شهدنا القتال معكم} ،وَإ ِ ْ
م{ ُ ُ َ َ ُ َ
معَك ْ ن َ م ن َك ْ لعدائكم من الكافرين حظ منكم بإصابتهم منكم }قالوا أل ْ
58
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َ
م{ ألم نغلب عليكم حوِذ ْ عَل َي ْك ُ ْ ست َ ْ م نَ ْ يعني :قال هؤلء المنافقون للكافرين }أل َ ْ
حتى قهرتم المؤمنين ،ونمنعكم منهم بتخذيلنا إياهم ،حتى امتنعوا منكم
ة{ يعني :فالله يحكم بين المؤمنين م ِ قَيا َ م ال ْ ِ م ي َوْ َ م ب َي ْن َك ُ ْ حك ُ ُ ه يَ ْ فانصرفواَ} ،فالل ّ ُ
والمنافقين يوم القيامة ،فيفصل بينكم بالقضاء الفاصل بإدخال أهل اليمان
جنته ،وأهل النفاق مع أوليائهم من الكفار ناَره".
وقال ابن القيم" :يترّبصون الدوائر بأهل السنة والقرآن ،فإن كان لهم فتح
من الله قالوا :ألم تكن معكم؟! وأقسموا على ذلك بالله جهد أيمانهم ،وإن
ن عقد الخاء كان لعداء الكتاب والسنة من النصرة نصيب قالوا :ألم تعلموا أ ّ
خذ صفتهم من بيننا محكم ،وأن النسب بيننا قريب؟! فيا من يريد معرفتهمُ ،
م ُ
ن لك ْ َ ن كا ََ م فَإ ِ ْ ن ب ِك ُ ْ صو َ ن ي َت ََرب ّ ُ ذي َ ل} :ال ّ ِ ب العالمين ،فل تحتاج بعده دلي ً كلم ر ّ
َ َ ُ َ ْ َ ُ ُ َ َ ُ ّ
حوِذ ْ ست َ ْ م نَ ْ ب َقالوا أل ْ صي ٌ ن نَ ِ ري َ ن ل ِلكافِ ِ ن كا َ م وَإ ِ ْ معَك ْ ن َ م ن َك ْ ن اللهِ َقالوا أل ْ م َ ح ِ فَت ْ ٌ
هّ
ل الل ُ جعَ َ ن يَ ْ َ
مةِ وَل ْ قَيا َ م ال ِ ْ م ي َوْ َ ُ
م ب َي ْن َك ْ حك ُ ُ ه يَ ْ ّ
ن َفالل ُ مِني َ مؤ ْ ِ ْ
ن ال ُ م َ م ِ ُ
من َعْك ْ م وَن َ ْ عَل َي ْك ْ
ُ
ل{". سِبي ً ن َ مِني َ مؤ ْ ِ ن عََلى ال ْ ُ ري َ كافِ ِ ل ِل ْ َ
-15التفاق مع أهل الكتاب ضد ّ المؤمنين والتولي في القتال:
َ
ن م ْ فُروا ِ َ
نك َ ذي َ م ال ّ ِ وان ِهِ ُ خ َ ن لِ ْ قوُلو َ قوا ي َ ُ ن َنافَ ُ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ قال الله تعالى} :أل َ ْ
َ خرجن معك ُم ول نطيع فيك ُ َ ن أُ ْ َ
ن ُقوت ِل ْت ُ ْ
م دا وَإ ِ ْ دا أب َ ً ح ً مأ َ م ل َن َ ْ ُ َ ّ َ َ ْ َ ُ ِ ُ ِ ْ جت ُ ْ خرِ ْ ب ل َئ ِ ْل ال ْك َِتا ِ أهْ ِ
نم وَل َئ ِ ْ معَهُ ْ ن َ جو َ خُر ُ جوا ل ي َ ْ خرِ ُ ن أُ ْ ن %ل َئ ِ ْ كاذُِبو َ م لَ َ شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ ه يَ ْ م َوالل ّ ُ صَرن ّك ُ ْ ل َن َن ْ ُ
َ
ن{ ]الحشر-11: صُرو َ م ل ي ُن ْ َ ن الد َْباَر ث ُ ّ م ل َي ُوَل ّ ّ صُروهُ ْ ن نَ َ م وَل َئ ِ ْ صُرون َهُ ْ ُقوت ُِلوا ل ي َن ْ ُ
.[12
-16الطبع على القلوب فل يفقهون:
ُ
ك َقالوا عن ْدِ َ ن ِ م ْ جوا ِ خَر ُ حّتى إ َِذا َ ك َ معُ إ ِلي ْ َ َ ست َ ِ ن يَ ْ م ْ م َ من ْهُ ْ قال الله تعالى} :وَ ِ
ُ َ ّ َ ّ َ ُ ل ِل ّذي ُ
م َوات ّب َُعوا ه عَلى قُلوب ِهِ ْ ن طب َعَ الل ُ ذي َ ك ال ِ فا أولئ ِ َ ل آن ِ ً ماَذا َقا َ م َ ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ ِ َ
م{ ]محمد.[16: َ
واَءهُ ْ أهْ َ
-17فتنة النفس والترّبص والغترار بالماني:
َ قال الله تعالى} :ينادونه َ
م
سك ْ ُ ف َ م أن ْ ُ م فَت َن ْت ُ ْ م َقاُلوا ب َلى وَلك ِن ّك ْ
ُ َ َ معَك ُ ْ ن َ م ن َك ُ ْ م أل َ ْ َُ ُ َُ ْ
ْ ّ ُ ّ َ َ
م ِباللهِ الغَُروُر{ مُر اللهِ وَغّرك ْ َ جاَء أ ْ حّتى َ ي َ مان ِ ّ م ال َ م وَغَّرت ْك ُ ُ م َواْرت َب ْت ُ ْ صت ُ ْوَت ََرب ّ ْ
]الحديد.[14:
-18مخادعة الله تعالى والكسل في العبادات والرياء في الطاعات وقلة ذكر
الله:
موا إ َِلى ُ قاَ ذا َ إ و م
َ َ ُ َ َ ِ ُ ُ ْ َِ ه ع د خا و ه و ه ّ ل ال ن عو
ُ َ ِ ِ َ ُ َ ِ ُ َ د خا ي ن قي ف نا م ْ ل ا نِ ّ إ } تعالى: الله قال
ل{ ]النساء.[142: ه إ ِل ّ قَِلي ً ن الل ّ َ س َول ي َذ ْك ُُرو َ ن الّنا َ ؤو َ ساَلى ي َُرا ُ موا ك ُ َ صلةِ َقا ُ ال ّ
)(20 /
قال الطبري" :فتأويل ذلك :إن المنافقين يخادعون الله بإحرازهم بنفاقهم
دماَءهم وأموالهم ،والله خادعهم بما حكم فيهم من منع دمائهم بما أظهروا
بألسنتهم من اليمان ،مع علمه بباطن ضمائرهم واعتقادهم الكفر ،استدراجا
منه لهم في الدنيا ،حتى يلقوه في الخرة فيوردهم بما استبطنوا من الكفر
نار جهنم.
س{ فإنه يعنين الّنا َ َ
سالى ي َُرا ُ
ؤو َ ُ صلةِ َقا ُ
موا ك َ َ وأما قوله} :وَإ َِذا َقا ُ
موا إ ِلى ال ّ
أن المنافقين ل يعملون شيئا من العمال التي فرضها الله على المؤمنين
على وجه التقّرب بها إلى الله ،لنهم غير موقنين بمعاد ول ثواب ول عقاب،
وإنما يعملون ما عملوا من العمال الظاهرة بقاء على أنفسهم ،وحذارا من
المؤمنين عليها أن يقتلوا أو يسلبوا أموالهم ،فهم إذا قاموا إلى الصلة التي
59
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
60
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َ م عََلى َ فون ل َك ُم ويحسبو َ
م
م هُ ُ ىء أل َ إ ِن ّهُ ْ
ش ْ ن أن ّهُ ْ
ْ ََ ْ َ ُ َ حل ِ ُ َما ي َ ْ ه كَ َ ن لَ ُفو َ ميعا ً فَي َ ْ
حل ِ ُ ج ِ َ
ما
ن{ ]المجادلة ،[18:ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله} :وَ َ الكاذُِبو ََ ْ
ن{ يقول :وما يغّرون بصنيعهم هذا ول ْ َ ّ
ما ي َشعُُرو َ م وَ َ سهُ ْ ف َ ن إ ِل أن ْ ُ عو َ خد َ ُ يَ ْ
نِ ّ إ } تعالى: قال كما أنفسهم من بذلك يشعرون وما أنفسهم إل يخدعون
م{".خادِعُهُ ْه وَهُوَ َ ن الل ّ َ عو َ خادِ ُ ن يُ َ قي َ مَنافِ ِ ال ْ ُ
-21التحاكم إلى الطاغوت والصدود عما أنزل الله و عدم الرضا بالتحاكم
إليه:
)(21 /
61
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
كانوا يعمُلون %ذ َل َ َ
م كَ َ
فُروا مُنوا ث ُ ّ مآ َ ك ب ِأن ّهُ ْ ِ َ ما َ ُ َ ْ َ ساَء َ م َ ل الل ّهِ إ ِن ّهُ ْ سِبي ِ ن َ دوا عَ ْ ص ّ فَ َ
ن{ ]المنافقون.[3-1: قُهو َ ف َ
م ل يَ ْ م فَهُ ْ فَط ُب ِعَ عََلى قُُلوب ِهِ ْ
قال الشافعي" :فبّين في كتاب الله عز وجل أن الله أخبر عن المنافقين أنهم
جّنة يعني ـ والله أعلم ـ من القتل ،ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا أيمانهم ُ
م كَ َ َ جّنة فقال} :ذ َل ِ َ
فُروا{ بعد اليمان كفًرا مُنوا ث ُ ّ مآ َ ك ب ِأن ّهُ ْ اتخذوا به أيمانهم ُ
إذا سئلوا عنه أنكروه ،وأظهروا اليمان وأقروا به ،وأظهروا التوبة منه ،وهم
مقيمون فيما بينهم وبين الله تعالى على الكفر".
مه من غير أن يعترض عليه؛ لعلمه وقال ابن القيم" :تسبق يمين أحدهم كل َ
أن قلوب أهل اليمان ل تطمئن إليه ،فيتبرأ بيمينه من سوء الظن به ،وكشف
ما لديه ،وكذلك أهل الريبة يكذبون ويحلفون؛ ليحسب السامع أنهم صادقون
خ ُ َ
ن{". مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ ما َساَء َ م َ ل الل ّهِ إ ِن ّهُ ْ سِبي ِ ن َ دوا عَ ْ ص ّ ة فَ َ جن ّ ًم ُ مان َهُ ْ
ذوا أي ْ َ }ات ّ َ
ُ َ َ َ
مقوْل ِهِ ْ مع ْ ل ِ َ س َقولوا ت َ ْ ن يَ ُ م وَإ ِ ْ مهُ ْ سا ُ ج َ جب ُك أ ْ م ت ُعْ ِ وقال الله تعالى} :وَإ َِذا َرأي ْت َهُ ْ
َ ْ َ ُ َ
م َقات َلهُ ُ
م حذ َْرهُ ْ م العَد ُوّ َفا ْ م هُ ُ حةٍ عَلي ْهِ ْ صي ْ َ ل َ نك ّ سُبو َ ح َ سن ّد َة ٌ ي َ ْم َ ب ُ ش ٌ خ ُ ك َأن ّهُ ْ
م ُ
ن{ ]المنافقون.[4: كو َ ه أ َّنى ي ُؤْفَ ُالل ّ ُ
)(22 /
قال الطبري" :يقول جل ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :وإذا رأيت
هؤلء المنافقين ـ يا محمد ـ تعجبك أجسامهم؛ لستواء خلقها وحسن صورها،
م{ يقول جل ثناؤه :وإن يتكلموا تسمع كلمهم، قوْل ِهِ ْ مع ْ ل ِ َ س َ قوُلوا ت َ ْ ن يَ ُ
}وَإ ِ ْ
َ
ة{ يقول :كأن هؤلء سن ّد َ ٌ م َ ب ُ ش ٌ خ ُ م ُ يشبه منطقهم منطق الناس} ،ك َأن ّهُ ْ
المنافقين خشب مسندة ،ل خير عندهم ،ول فقه لهم ،ول علم ،وإنما هم
م{ يقول حةٍ عَل َي ْهِ ْ صي ْ َ ل َ ن كُ ّ سُبو َ ح َ صور بل أحلم ،وأشباح بل عقول ،وقوله} :ي َ ْ
لجل ثناؤه :يحسب هؤلء المنافقون من خبثهم وسوء ظنهم وقلة يقينهم ك ّ
صيحة عليهم؛ لنهم على وجل أن ينزل الله فيهم أمرا يهتك به أستارهم
ويفضحهم ،ويبيح للمؤمنين قتلهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم ،فهم من
خوفهم من ذلك كلما نزل بهم من الله وحي على رسوله ظنوا أنه نزل
بهلكهم بالسن".
ما وأخلبهم لساًنا وألطفهم بياًنا وأخبثهم وقال ابن القيم" :أحسن الناس أجسا ً
قلوًبا وأضعفهم جناًنا ،فهم كالخشب المسندة التي ل ثمر لها ،قد قلعت من
َ
مغارسها فتساندت إلى حائط يقيمها؛ لئل يطأها السالكون} ،وَإ َِذا َرأي ْت َهُ ْ
م
َ تعجب َ َ
ن كُ ّ
ل سُبو َ ح َ سن ّد َة ٌ ي َ ْ م َ ب ُ ش ٌ خ ُ م ُ م ك َأن ّهُ ْ قوْل ِهِ ْ مع ْ ل ِ َ س َ قوُلوا ت َ ْ ن يَ ُ م وَإ ِ ْ مهُ ْ سا ُ ج َ كأ ْ ُْ ِ ُ
ن{". كوُ َ ف ْ ؤ ي نى صيحة عَل َيهم هُم ال ْعدو َفاحذ َرهُم َقاتل َهم الل ّه أ َ
َ ُ ّ ُ َ ُ ُ ْ ْ ْ ُ َ ُ ّ ِْ ْ َ ْ َ ٍ
مدوا بما لم يفعلوا: َ يح أن يحبون -24
َ َ
مما ل َ ْ دوا ب ِ َ م ُ ح َن يُ ْ نأ ْ حّبو َ وا وَي ُ ِ ما أت َ ْ ن بِ َ حو َ فَر ُ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ ِ سب َ ّح َ قال الله تعالى} :ل ت َ ْ
َ َ ْ
م{ ]آل عمران.[188: ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ ب وَلهُ ْ ذا ِ ن العَ َ م َ فاَزةٍ ِ م َ م بِ َ سب َن ّهُ ْح َ فعَُلوا َفل ت َ ْ يَ ْ
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :إن رجال من المنافقين على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى الغزو تخّلفوا عنه ،وفرحوا بمقعدهم خلف رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه ،وحلفوا
َ
واما أت َ ْ ن بِ َ حو َ فَر ُ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ ِ سب َ ّ ح َ وأحّبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ،فنزلت} :ل ي َ ْ
فعَُلوا{. حبو َ
م يَ ْ ما ل َ ْ دوا ب ِ َ م ُ ح َن يُ ْ نأ ْ وَي ُ ِ ّ َ
-25ظهور الرعب عليهم عند ذكر القتال في آيات الله تعالى:
َ ُ
سوَرةٌ ت ُ سوَرة ٌ فَإ َِذا أن ْزِل ْ ت ُ ول ن ُّزل َ ْ مُنوا ل َ ْ نآ َ ذي َ ل ال ّ ِ قو ُ قال الله تعالى} :وَي َ ُ
62
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(23 /
عن أبي مسعود رضي الله عنه ،قال :لما أمرنا بالصدقة كّنا نتحامل ،فجاء أبو
عقيل بنصف صاع ،وجاء إنسان بأكثر منه ،فقال المنافقون :إن الله لغني عن
ن مط ّوّ ِ
عي َ ن ال ْ ُ ن ي َل ْ ِ
مُزو َ ذي َ صدقة هذا ،وما فعل هذا الخر إل رئاء ،فنزلت} :ال ّ ِ
م.{... جهْد َهُ ْ ن إ ِّل ُدو َ ج ُ ن ل يَ ِ ت َوال ّ ِ
ذي َ صد ََقا ِ ن ِفي ال ّ مِني َ ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ م َ
ِ
قال ابن كثير" :وهذا أيضا من صفات المنافقين ،ل يسلم أحد من عيبهم
ولمزهم في جميع الحوال ،حتى ول المتصدقون يسلمون منهم ،إن جاء أحد
مراٍء ،وإن جاء بشيء يسير قالوا :إن الله لغني منهم بمال جزيل قالوا :هذا ُ
عن صدقته".
-29الرضا بأسافل المواضع:
ّ َ ُ
ه
سول ِ ِمعَ َر ُدوا َ جاهِ ُ مُنوا ِباللهِ وَ َ نآ ِ سوَرة ٌ أ ْ ت ُ قال الله تعالى} :وَإ َِذا أن ْزِل َ ْ
معَ ال ْ َ استأ ْذ َن َ ُ
ن{ ]التوبة.[86: دي َع ِقا ِ ن َم وََقاُلوا ذ َْرَنا ن َك ُ ْ من ْهُ ْ ل ِك أوُلوا الط ّوْ ِ ْ َ َ
قال ابن كثير" :يقول تعالى منكرا وذاما للمتخلفين عن الجهاد الناكلين عنه
مع القدرة عليه ووجود السعة والطول ،واستأذنوا الرسول في القعود،
63
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ن{ ،ورضوا لنفسهم بالعار والقعود في البلد دي َ ع ِ قا ِ معَ ال ْ َ ن َ وقالوا} :ذ َْرَنا ن َك ُ ْ
مع النساء وهن الخوالف ،بعد خروج الجيش ،فإذا وقع الحرب كانوا أجبن
الناس ،وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلما ،كما قال تعالى عنهم في الية
َ خو ُ َ
شى ذى ي ُغْ َ كال ّ ِ م َ ك َتدوُر أعْي ُن ُهُ ْ ن إ ِل َي ْ َ م َينظ ُُرو َ ف َرأي ْت َهُ ْ جاء ال ْ َ ْ الخرى} :فَإ َِذا َ
َ
داٍد{ ]الحزاب [19:أي: ح َ سن َةٍ ِ كم ب ِأل ْ ِ قو ُ سل َ ُ ف َ خو ْ ُ ب ال ْ َ ت فَإ َِذا ذ َهَ َ مو ْ ِ ن ال ْ َ م َ عَل َي ْهِ ِ
علت ألسنتهم بالكلم الحاد ّ القوي في المن ،وفي الحرب أجبن شيء".
-30المر بالمنكر والنهي عن المعروف والبخل ونسيان الله تعالى:
ْ ْ
من ْك َ ِ
ر ن ِبال ُ مُرو َ ض ي َأ ُ ن ب َعْ ٍ م ْ م ِ ضهُ ْ ت ب َعْ ُ قا ُ مَنافِ َ ن َوال ْ ُ قو َ مَنافِ ُ قال الله تعالى} :ال ْ ُ
قبضو َ
م
ن هُ ُ قي َ مَنافِ ِ ن ال ْ ُ م إِ ّ سي َهُ ْ ه فَن َ ِ سوا الل ّ َ م نَ ُ ن أي ْدِي َهُ ْ ف وَي َ ْ ِ ُ َ معُْرو ِ ن ال ْ َ ن عَ ِ وَي َن ْهَوْ َ
ن{ ]التوبة.[67: قو َ س ُ فا ِ ال ْ َ
قال ابن كثير" :يقول تعالى منكرا على المنافقين الذين هم على خلف
صفات المؤمنين ،ولما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
قبضو َ ْ
م{ أي :عن ن أي ْدِي َهُ ْ ف وَي َ ْ ِ ُ َ معُْرو ِ ن ال ْ َ ن عَ ِ من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ ن ِبال ْ ُ مُرو َ كان هؤلء }ي َأ ُ
م{ أي: سي َهُ ْ ه{ أي :نسوا ذكر الله }فَن َ ِ سوا الل ّ َ النفاق في سبيل الله}ن َ ُ
مسيت ُ ْ ما ن َ ِ مك ََ ساك ُْ م َنن َ ْ َ
عاملهم معاملة من نسيهم ،كقوله تعالى} :وَِقيل الي َوْ َ
ن{ أي :الخارجون عن طريق قو َ س ُ فا ِ م ال ْ َ ن هُ ُ قي َ مَنافِ ِ ن ال ْ ُ هاَذا{} .إ ِ ّ م َ مك ُ ْ قاء ي َوْ ِ لِ َ
الحق الداخلون في طريق الضللة".
وقال ابن القيم" :هم جنس بعضه يشبه بعضا ،يأمرون بالمنكر بعد أن
يفعلوه ،وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه ،ويبخلون بالمال في سبيل الله
ومرضاته أن ينفقوه ،كم ذكرهم الله بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه ،وكم
ن
قو َ مَنافِ ُ كشف حالهم لعباده المؤمنين ليتجنبوه ،فاسمعوا أيها المؤمنون} :ال ْ ُ
ْ
ن
ضو َ قب ِ ُ ف وَي َ ْ معُْرو ِ ن ال ْ َ ن عَ ِ من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ ن ِبال ْ ُ مُرو َ ض ي َأ ُ ن ب َعْ ٍ م ْ م ِ ضهُ ْ ت ب َعْ ُ قا ُ مَنافِ َ َوال ْ ُ
م ال ْ َ َ
ن{". قو َ س ُ فا ِ ن هُ ُ قي َ مَنافِ ِ ن ال ْ ُ م إِ ّ سي َهُ ْ ه فَن َ ِ سوا الل ّ َ م نَ ُ أي ْدِي َهُ ْ
-31الفرح بالتخلف وكره الجهاد والتواصي بالتخلف عنه:
َ ّ خل ّ ُ
ن
هوا أ ْ َ
ل اللهِ وَكرِ ُ سو ِ ف َر ُ خل َ م ِ قعَدِهِ ْ م ْ ن بِ َ فو َ م َ ح ال ْ ُ قال الله تعالى} :فَرِ َ
حّر قُ ْ ْ ُ ّ م وَأ َن ْ ُ َ
ل َناُر فُروا ِفي ال َ ل اللهِ وََقالوا ل ت َن ْ ِ سِبي ِ م ِفي َ سهِ ْ ف ِ وال ِهِ ْ م َ دوا ب ِأ ْ جاهِ ُ يُ َ
ن{ ]التوبة.[81: َ َ مأ َ َ
قُهو َ ف َ حّرا لوْ كاُنوا ي َ ْ شد ّ َ جهَن ّ َ َ
قال ابن كثير" :يقول تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله
صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ،وفرحوا بقعودهم بعد خروجه،
ل الل ّهِ وََقاُلوا{ أي: م وَأ َن ْ ُ َ َ
سِبي ِ م ِفي َ سهِ ْ ف ِ وال ِهِ ْ م َ دوا{ معه }ب ِأ ْ جاهِ ُ ن يُ َ هوا أ ْ }وَك َرِ ُ
حّر{؛ وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان فُروا ِفي ال ْ َ بعضهم لبعض }ل ت َن ْ ِ
في شدة الحر عند طيب الظلل والثمار؛ فلهذا قالوا :ل تنفروا في الحّر ،قال
م{ التي جهَن ّ َ ل{ لهم }َناُر َ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم }قُ ْ
حّرا{ مما فررتم منه من الحر ،بل أشد ّ حّرا شد ّ َ تصيرون إليها بمخالفتكم }أ َ َ
من النار".
-32التخذيل والتثبيط والرجاف:
هّ
ما وَعَد ََنا الل ُ ض َ مَر ٌ م َ ن ِفي قُلوب ِهِ ُْ ذي َ ن َوال ِّ قو َ مَنافِ ُ ل ال ْ ُ قو ُ قال الله تعالى} :وَإ ِذ ْ ي َ ُ
َ َ َ َ
م ُ
م لك ْ قا َ م َ بل ُ ل ي َث ْرِ َ م َيا أهْ َ من ْهُ ْ ة ِ ف ٌ ت طائ ِ َ ه إ ِل ّ غُُروًرا %وَإ ِذ ْ َقال ْ سول ُ ُ وََر ُ
ُ ْ
ن
ي ب ِعَوَْرةٍ إ ِ ْ ما هِ َ ن ب ُُيوت ََنا عَوَْرة ٌ وَ َ ن إِ ّ قولو َ ي يَ ُ م الن ّب ِ ّ من ْهُ ُ ريقٌ ِ ن فَ ِ ست َأذِ ُ جُعوا وَي َ ْ َفاْر ِ
ن ِإل فَِراًرا{ ]الحزاب.[13-12: دو َ ري ُ يُ ِ
-33البطء عن المؤمنين:
)(24 /
64
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َ قال الله تعالى} :وإن منك ُم ل َمن ل َيبط ّئ َن فَإ َ
م ل قَد ْ أن ْعَ َ ة َقا َ صيب َ ٌ م ِ م ُ صاب َت ْك ُ ْ نأ َ ّ ِ ْ َِ ّ ِ ْ ْ َ ْ َُ
الل ّه عَل َي إذ ْ ل َ َ
دا{ ]النساء.[72: شِهي ً م َ معَهُ ْ ن َ م أك ُ ْ ْ ّ ِ ُ
قال الطبري" :وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين ،نعتهم لنبيه صلى
م{ أيها من ْك ُ ْ ن ِ الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال} :وَإ ِ ّ
المؤمنون ،يعني :من عدادكم وقومكم ،ومن يتشبه بكم ،ويظهر أنه من أهل
طئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم، دعوتكم وملتكم ،وهو منافق يب ّ
َ
ة{ يقول :فإن أصابتكم صيب َ ٌ م ِ م ُ صاب َت ْك ُ ْ نأ َ وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم} ،فَإ ِ ْ
َ َ َ ّ َ
نم أك ُ ْ ي إ ِذ ْ ل ْ ه عَل ّ م الل ُ ل قَد ْ أن ْعَ َ هزيمة أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم }َقا َ
ة بكم؛ دا{ فيصيبني جراح أو ألم أو قتل ،وسّره تخلفه عنكم شمات ً ّ شِهي ً م َ معَهُ ْ َ
ك في وعد الله الذي وعد المؤمنين على ما نالهم في سبيله لنه من أهل الش ّ
من الجر والثواب وفي وعيده ،فهو غير راج ثوابا ،ول خائف عقابا".
سا إلى رجسهم: -34ل ينفعهم القرآن بل يزيدهم رج ً
َ ُ
ماًنا ه هَذِهِ ِإي َ م َزاد َت ْ ُ ُ
ل أي ّك ْ قو ُ ن يَ ُ م ْ م َ من ْهُ ْ سوَرة ٌ فَ ِ ت ُ ما أن ْزِل َ ْ قال الله تعالى} :وَإ َِذا َ
ُ ّ َ َ
م
ن ِفي قلوب ِهِ ْ ُ ذي َ ما ال ِ ن %وَأ ّ شُرو َ ست َب ْ ِ م يَ ْ ماًنا وَهُ ْ م ِإي َ مُنوا فََزاد َت ْهُ ْ نآ َ ذي َ ما ال ّ ِ فَأ ّ
ن{ ]التوبة.[125-124: كافُِرو َ م َ ماُتوا وَهُ ْ م وَ َ سهِ ْ ج ِ سا إ َِلى رِ ْ ج ً م رِ ْ ض فََزاد َت ْهُ ْ مَر ٌ َ
- 35العودة إلى ما نهوا عنه والتناجي بالثم والعدوان ومعصية الرسول:
َ
ه
ما ن ُُهوا َ ْ ُ
ن ع ن لِ َ م ي َُعوُدو َ وى ث ُ ّ ج َ ن الن ّ ْ ن ن ُُهوا عَ ِ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ قال الله تعالى} :أل َ ْ
حي ّ َ
ك م يُ َ ما ل َ ْ ك بِ َ حي ّوْ َ ك َ جاُءو َ ل وَإ َِذا َ سو ِ ت الّر ُ صي َ ِ معْ ِ ن وَ َ ن ِبالث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ جو ْ َ وَي َت ََنا َ
صل َوْن ََها َ
م يَ ْ جهَن ّ ُ م َ سب ُهُ ْ ح ْ ل َ قو ُ ما ن َ ُ ه بِ َ ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ّ ُ م لَ ْ سهِ ْ ف ِ ن ِفي أن ْ ُ قوُلو َ ه وَي َ ُ ب ِهِ الل ّ ُ
صيُر{ ]المجادلة.[8: م ِ س ال ْ َ فَب ِئ ْ َ
-36الستئذان عن الجهاد بحجة الفتنة:
ُ ْ َ
قطوا س َ فت ْن َةِ َ فت ِّني أل ِفي ال ِ ن ِلي َول ت َ ْ ل ائ ْذ َ ْ قو ُ ن يَ ُ م ْ م َ من ْهُ ْ قال الله تعالى} :وَ ِ
ن{ ]التوبة.[49: ري َ ة ِبالكافِ ِ َ ْ حيط َ ٌ م ِ م لَ ُ جهَن ّ َ ن َ وَإ ِ ّ
نقال ابن كثير" :يقول تعالى :ومن المنافقين من يقول لك يا محمد} :ائ ْذ َ ْ
فت ِّني{ بالخروج معك بسبب الجواري من نساء الروم، ِلي{ في القعود }َول ت َ ْ
قطوا{ أي :قد سقطوا في الفتنة بقولهم ُ س َ ْ َ
فت ْن َةِ َ قال الله تعالى} :أل ِفي ال ِ
هذا".
-37اتخاذ العذار عند التخلف:
م ُ
ن لك ْ َ م َ ن ن ُؤْ ِ َ
م قل ل ت َعْت َذُِروا ل ْ ْ ُ م إ ِلي ْهِ ْ َ جعْت ُ ْ م إ َِذا َر َ ن إ ِل َي ْك ْ
ُ قال الله تعالى} :ي َعْت َذُِرو َ
َ
م
َ ِ ِ ل عا لى َ إ ن دو
ْ ََ ُ ُ ّ َُ ّ َ ِ ر ت م ُ ث ه ُ ل سو ر و م ُ ك َ ل م ع
ُ َ َ ه ّ ل ال رى م َ َ ََ
ي س و خَبارِك ُ ْ ن أَ ْ م ْ ه ِ قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ
ن{ ]التوبة.[94: مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْ م بِ َ شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ ب َوال ّ ال ْغَي ْ ِ
قال ابن كثير" :أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم
َ
م{ أي :لن نصدقكم} ،قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ
ه ن ل َك ُ ْ م َ ن ن ُؤْ ِ ل ل ت َعْت َذُِروا ل َ ْ يعتذرون إليهم }قُ ْ
ه{ سول ُ ُ م وََر ُ ملك ُ ْ َ ه عَ َ ّ
سي ََرى الل ُ م{ أي :قد أعلمنا الله أحوالكم} ،وَ َ خَبارِك ُ ْ ن أَ ْ م ْ ِ
ة
شَهاد َ ِ ب َوال ّ ْ
عال ِم ِ الغَي ْ ِ ن إ ِلى َ َ م ت َُرّدو َ أي :سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا} ،ث ُ ّ
ن{ أي :فيخبركم بأعمالكم ،خيرها وشرها ،ويجزيكم مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْ م بِ َ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ
عليها".
-38الستخفاء من الناس:
م إ ِذ ْ معَهُ ْ ن اللهِ وَهُوَ َ ّ م َ ن ِ فو َ خ ُ ست َ ْ س َول ي َ ْ ن الّنا ِ م َ ن ِ فو َ خ ُ ست َ ْ قال الله تعالى} :ي َ ْ
حيطا{ ]النساء.[108: ً م ِ ن ُ ملو َ ُ ما ي َعْ َ ه بِ َ ن الل ُ ّ ل وَكا َ َ قو ْ ِ ْ
ن ال َ م َ ضى ِ ما ل ي َْر َ ن َ ي ُب َي ُّتو َ
قال ابن كثير" :هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من
طلع على سرائرهم، الناس؛ لئل ينكروا عليهم ،ويجاهرون الله بها؛ لنه م ّ
ن
م َ ضى ِ ما ل ي َْر َ ن َ م إ ِذ ْ ي ُب َي ُّتو َ معَهُ ْ وعالم بما في ضمائرهم ،ولهذا قال} :وَهُوَ َ
طا{ تهديد لهم ووعيد". حي ً م ِ ن ُ مُلو َ ما ي َعْ َ ه بِ َ ن الل ّ ُ كا َ ل وَ َ قو ْ ِ ال ْ َ
65
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(25 /
ْ َ
م ل ي َأُلون َك ُ ْ
م ن ُدون ِك ُ ْ م ْ ة ِ طان َ ً ذوا ب ِ َ خ ُ مُنوا ل ت َت ّ ِ نآ َ ذي َ قال الله تعالىَ} :يا أي َّها ال ّ ِ
خفي صدورهُ َ خبال ً ودوا ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ
م أك ْب َُر قَد ْ ُ ُ ُ ْ ما ت ُ ْ ِ م وَ َ واهِهِ ْ ن أفْ َ ِ ْ َ َ ّ ْ ْ َ َ ِ َ َ ّ َ َ
ُ َ ُ َ
ن
مُنو َ م وَت ُؤْ ِ حّبون َك ُ ْ م َول ي ُ ِ حّبون َهُ ْ م أولِء ت ُ ِ ها أن ْت ُ ْ نَ % قلو َ م ت َعْ ِ ن ك ُن ْت ُ ْ ت إِ ْ م اليا ِ ب َي ّّنا لك ُ ُ
ْ َ َ َ ُ َ ّ
ظن الغَي ْ ِ م َ ل ِ م َ م الَنا ِ ضوا عَلي ْك ُ ُ وا عَ ّ خل ْ مّنا وَإ َِذا َ م َقالوا آ َ قوك ُ ْ ب ك ُلهِ وَإ َِذا ل ُ ِبال ْك َِتا ِ
سؤْهُ ْ
م ة تَ ُ سن َ ٌ ح َ م َ سك ُ ْ س ْ م َ ن تَ ْ دورِ %إ ِ ْ ص ُ ت ال ّ ذا ِ م بِ َ ه عَِلي ٌ ن الل ّ َ م إِ ّ موُتوا ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ ل ُ قُ ْ
شي ًْئا إ ِ ّ
ن م َ م كي ْد ُهُ ْ َ ُ
ضّرك ْ قوا ل ي َ ُ صب ُِروا وَت َت ّ ُ ن تَ ْ حوا ب َِها وَإ ِ ْ فَر ُ ة يَ ْ سي ّئ َ ٌ
م َ صب ْك ْ ُ ن تُ ِ وَإ ِ ْ
حيط{ ]آل عمران.[120-118: ٌ م ِ ن ُ ملو َ ُ ما ي َعْ َ ه بِ َ الل ّ َ
قال ابن كثير" :يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين
بطانة ،أي :يطلعونهم على سرائرهم ،وما يضمرونه لعدائهم ،والمنافقون
بجهدهم وطاقتهم ل يألون المؤمنين خبال أي :يسعون في مخالفتهم ،وما
يضّرهم بكل ممكن ،وبما يستطيعون من المكر والخديعة ،ويوّدون ما يعنت
المؤمنين ويحرجهم ويشقّ عليهم".
وقال ابن القيم" :إن أصاب أهل الكتاب والسنة عافية ونصر وظهور ساءهم
مهم ،وإن أصابهم ابتلء من الله وامتحان يمحص به ذنوبهم ويكفر به ذلك وغ ّ
عنهم سيئاتهم أفرحهم ذلك وسرهم ،وهذا يحقق إرثهم وإرث من عداهم ،ول
ة
سن َ ٌ ح َ ك َ صب ْ َ ن تُ ِ يستوي من موروثه الرسول ومن موروثهم المنافقون} ،إ ِ ْ
ّ َ قوُلوا قَد ْ أ َ َ صب ْ َ
ن
حو َ م فَرِ ُ وا وَهُ ْ ل وَي َت َوَل ْ ن قَب ْ ُ م ْ مَرَنا ِ خذ َْنا أ ْ ة يَ ُ صيب َ ٌ م ِ ك ُ ن تُ ِ م وَإ ِ ْ سؤْهُ ْ تَ ُ
ن{ مُنو َ مؤْ ِ ل ال ُ ْ ّ ْ
موْلَنا وَعَلى اللهِ فَلي َت َوَك ِ ّ َ َ ه لَنا هُوَ َ َ ّ
ب الل ُ ما كت َ َ َ صيب ََنا إ ِل ّ َ ُ %قل لن ي ُ ِ ّ
]التوبة."[51 ،50:
خذ َْنا َ
قولوا قَد ْ أ َ ُ َ َ
ة يَ ُ صيب َ ٌ م ِ صب ْك ُ ن تُ ِ م وَإ ِ ْ سؤْهُ ْ ة تَ ُ سن َ ٌ ح َ صب ْك َ ن تُ ِ وقال الله تعالى} :إ ِ ْ
َ
ن{ ]التوبة.[50: حو َ م فَرِ ُ وا وَهُ ْ ل وَي َت َوَل ّ ْ ن قَب ْ ُ م ْ مَرَنا ِ أ ْ
قال ابن كثير" :يعلم تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بعداوة هؤلء
له؛ لنه مهما أصابه من حسنة أي :فتح ونصر وظفر على العداء مما يسّره
َ قوُلوا قَد ْ أ َ َ صب ْ َ
نم ْ مَرَنا ِ خذ َْنا أ ْ ة يَ ُ صيب َ ٌ م ِ ك ُ ن تُ ِ ويسّر أصحابه ساءهم ذلك} ،وَإ ِ ْ
ن{". حو
َََ َ ْ َ ُ ْ ِ ُ َ ر َ ف م ه و وا ّ ل و ت ي و } هذا قبل من ل{ أي :قد احترزنا من متابعته قَب ْ ُ
دث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر: -41إذا اؤتمن خان وإذا ح ّ
نكون َ ّ ن وَل َن َ ُ صد ّقَ ّ ضل ِهِ ل َن َ ّ ن فَ ْ م ْ ن آَتاَنا ِ ه ل َئ ِ ْ عاهَد َ الل ّ َ ن َ م ْ م َ من ْهُ ْ قال الله تعالى} :وَ ِ
ن% ضو َ معْرِ ُ م ُ وا وَهُ ْ خُلوا ب ِهِ وَت َوَل ّ ْ ضل ِهِ ب َ ِ ن فَ ْ م ْ م ِ ما آَتاهُ ْ ن %فَل َ ّ حي َ صال ِ ِ ن ال ّ مََ ِ
كاُنوا ما َ ب و ه دو َ ع و ما ه ّ ل ال فوا ُ َ ل خ
ْ َ أ ما ب ه ن و َ ق ْ ل ي م و ي لى َ إ م ه ب لو ُ ُ ق في قا ً فا َ ِ ن م ه ب َ ق ْ ع أ فَ
َ َ َ ُ ُ َِ َ َ ْ ِ َ ْ ُ ِ َ َ ِِ ْ ِ ِ َُ ْ
ن{ ]التوبة.[77-75: ي َك َذُِبو َ
قال ابن كثير" :يقول تعالى :ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه
ن من الصالحين ،فما وّفى بما لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله ،وليكون ّ
قال ،ول صدق فيما ادعى ،فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى
يوم يلقوا الله عز وجل يوم القيامة ،عياذا الله من ذلك".
مما هُ ْ خرِ وَ َ مّنا ِبالل ّهِ وَِبال ْي َوْم ِ ال ِ لآ َ قو ُ ن يَ ُ م ْ س َ ن الّنا ِ م َ وقال الله تعالى} :وَ ِ
ن{ ]البقرة.[8: مِني َ مؤ ْ ِ بِ ُ
قال ابن القيم" :لبسوا ثياب أهل اليمان ،على قلوب أهل الزيغ والخسران
66
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(26 /
كل من حيث إن ده جماعة من العلماء مش ِ قال النووي" :هذا الحديث مما ع ّ
دق الذي ليس فيه شك ...فإن إخوة هذه الخصال توجد في المسلم المص ّ
يوسف صلى الله عليه وسلم جمعوا هذه الخصال ،وكذا وجد لبعض السلف
والعلماء بعض هذا أو كّله ،وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال،
ولكن اختلف العلماء في معناه ،فالذي قاله المحققون والكثرون وهو
الصحيح المختار :إن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق ،وصاحبها شبيه
بالمنافقين في هذه الخصال ومتخّلق بأخلقهم ،فإن النفاق هو إظهار ما
يبطن خلفه ،وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال ،ويكون نفاقه في
حقّ من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس ،ل أنه منافق في
السلم فيظهره وهو يبطن الكفر ،ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا
أنه منافق نفاق الكفار المخّلدين في الدرك السفل من النار.
وقوله صلى الله عليه وسلم)) :كان منافقا خالصا(( معناه :شديد الشبه
بالمنافقين بسبب هذه الخصال .قال بعض العلماء :وهذا فيمن كانت هذه
الخصال غالبة عليه ،فأما من يندر ذلك منه فليس داخل فيه ،وهذا هو المختار
في معنى الحديث".
-42تأخير الصلة عن وقتها:
عن العلء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة
حين انصرف من الظهر ،وداره بجنب المسجد ،فلما دخلنا عليه قال :أصليتم
العصر؟ فقلنا له :إنما انصرفنا الساعة من الظهر ،قال :فصلوا العصر ،فقمنا
ما انصرفنا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فصلينا ،فل ّ
))تلك صلة المنافق ،يجلس يرقب الشمس ،حتى إذا كانت بين قرني
الشيطان قام فنقرها أربعا ،ل يذكر الله فيها إل قليل((.
خرون الصلة عن وقتها الّول إلى شرق الموتى ،فالصبح قال ابن القيم" :يؤ ّ
عند طلوع الشمس ،والعصر عند الغروب ،وينقرونها نقَر الغراب إذ هي صلة
قن أّنه مطرود البدان ل صلة القلوب ،ويلتفتون فيها التفات الثعلب إذ يتي ّ
مطلوب".
-43التخلف عن الصلة في جماعة المسلمين:
دا
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال) :من سّره أن يلقى الله غ ً
ما فليحافظ على هؤلء الصلوات حيث ينادى بهن ،فإن الله شرع لنبيكم مسل ً
67
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ن الهدى ،وإنهن من سنن الهدى ،ولو أنكم صليتم صلى الله عليه وسلم سن َ
في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ،ولو تركتم
سنة نبيكم لضللتم ،وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد
من هذه المساجد إل كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ،ويرفعه بها
ط عنه بها سيئة ،ولقد رأيُتنا وما يتخّلف عنها إل منافق معلوم درجة ،ويح ّ
النفاق ،ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف(.
مّني" :ليس المراد بالمنافق ها هنا من يبطن الكفر ويظهر السلم، ش ُقال ال ّ
وإل لكانت الجماعة فريضة؛ لن من يبطن الكفر كافر ،ولكان آخر الكلم
ضا لوله". مناق ً
-44البذاء والبيان:
عن أبي أمامة رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال)) :الحياء
ي شعبتان من اليمان ،والبذاء والبيان شعبتان من النفاق((. والعِ ّ
ي قلة الكلم ،والبذاء هو الفحش في الكلم ،والبيان هو ّ قال الترمذي" :والعِ ّ
سعون في الكلم، كثرة الكلم ،مثل هؤلء الخطباء الذين يخطبون فيو ّ
صحون فيه ،من مدح الناس فيما ل ُيرضي الله". ويتف ّ
ي
قال المناوي" :والِعي أي :سكون اللسان تحّرزا عن الوقوع في البهتان ل ع ّ
ي اللسان لخلل)) .شعبتان من شعب اليمان(( ي العمل ول ع ّ القلب ول ع ّ
أي :أثران من آثاره ،بمعنى أن المؤمن يحمله اليمان على الحياء ،فيترك
القبائح حياء من الله ،ويمنعه من الجتراء على الكلم شفقا من عثر اللسان
والوقيعة في البهتان .والبذاء هو ضد ّ الحياء وقيل :فحش الكلم والبيان ،أي:
فصاحة اللسان ،والمراد به هنا ما يكون فيه إثم من الفصاحة كهجو أو مدح
ق .شعبتان من النفاق بمعنى أنهما خصلتان منشؤهما النفاق ،والبيان بغير ح ّ
دم فيه على الغير تيهامق في النطق والتفاصح وإظهار التق ّ المذكور هو التع ّ
وعجبا كما تقرر .قال القاضي :لما كان اليمان باعثا على الحياء والتحفظ في
الكلم والحتياط فيه عد ّ من اليمان ،وما يخالفهما من النفاق ،وعليه فالمراد
ي ما يكون بسبب التأمل في المقال والتحرز عن الوبال ل لخلل في بالع ّ
اللسان ،والبيان ما يكون بسببه الجتراء وعدم المبالة بالطغيان والتحرز عن
الزور والبهتان .وقال الطيبي :إنما قوبل العي في الكلم مطلقا بالبيان الذي
هو التعمق في النطق والتفاصح وإظهار التقدم فيه على الناس مبالغة لذم
البيان وأن هذه مضرة باليمان مضّرةَ ذلك البيان".
)(27 /
وقال ابن القيم" :وجملة أمرهم أنهم في المسلمين كالزغل في النقود ،يروج
على أكثر الناس لعدم بصيرتهم بالنقد ،ويعرف حاله الناقد البصير من الناس،
وقليل ما هم .وليس على الديان أضّر من هذا الضرب من الناس ،وإنما
جّلى الله أمرهم في القرآن ،وأوضح
تفسد الديان من ِقبلهم ،ولهذا َ
عظم مة بهم و ِ
أوصافهم ،وبّين أحوالهم ،وكّرر ذكرهم؛ لشدة المؤنة على ال ّ
البلية عليهم بوجودهم بين أظهرهم ،وفرط حاجتهم إلى معرفتهم والتحّرز من
مشابهتهم والصغاء إليهم ،فكم قطعوا على السالكين إلى الله طريق الهدى،
دوهم ومّنوهم ،ولكن وعدوهم الغرور ،ومّنوهم وسلكوا بهم سبل الردى ،وعَ ُ
الويل والثبور".
جامع البيان ).(1/122
مدارج السالكين ).(1/379
68
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
69
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(28 /
َ وقال الله تعالىُ} :أول َئ ِ َ
م ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ
م فَأعْرِ ْ
ض عَن ْهُ ْ م الل ّ ُ
ه َ ن ي َعْل َ ُ
ذي َك ال ّ ِ
م قَوْل ً ب َِليًغا{ ]النساء.[63: سهِ ْ ف ِم ِفي أ َن ْ ُل ل َهُ ْ عظ ْهُ ْ
م وَقُ ْ وَ ِ
70
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ك{ هؤلء المنافقون الذين وصفت قال الطبري" :يعني جل ثناؤه بقولهُ} :أول َئ ِ َ
م{ في احتكامهم إلى ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ ه َم الل ّ ُ لك ـ يا محمد ـ صفتهم} ،ي َعْل َ ُ
الطاغوت ،وتركهم الحتكام إليك ،وصدودهم عنك ،من النفاق والزيغ ،وإن
َ
م{ يقول: عظ ْهُ ْ م وَ ِ ض عَن ْهُ ْ حلفوا بالله ما أردنا إل إحسانا وتوفيقا} ،فَأعْرِ ْ
فدعهم فل تعاقبهم في أبدانهم وأجسامهم ،ولكن عظهم بتخويفك إياهم بأس
الله أن يحل بهم ،وعقوبته أن تنزل بدارهم ،وحذرهم من مكروه ما هم عليه
م قَوْل ً ب َِليًغا{ سهِ ْ ف ِ م ِفي أ َن ْ ُ ل ل َهُ ْ من الشك في أمر الله وأمر رسوله} ،وَقُ ْ
يقول :مرهم باتقاء الله والتصديق به وبرسوله ووعده ووعيده".
-3عدم المجادلة أو الدفاع عنهم:
ن ّ َ ّ جادِ ْ
م ْب َ ح ّ ه ل يُ ِ ن الل َ م إِ ّ سهُ ْ ف َ ن أن ْ ُ خَتاُنو َ ن يَ ْ ذي َ ن ال ِ ل عَ ِ قال الله تعالىَ} :ول ت ُ َ
ما{ ]النساء.[107 : َ َ
واًنا أِثي ً خ ّ ن َ كا َ
ن
ل{ يا محمد فتخاصم }عَ ِ جادِ ْ قال الطبري" :يعنى بذلك جل ثناؤهَ} :ول ت ُ َ
م{ يعني :يخونون أنفسهم ،يجعلونها خونة بخيانتهم ما سهُ ْ ف َ ن أ َن ْ ُ خَتاُنو َ ن يَ ْ ذي َ ال ّ ِ
من خانوه ماله وهم بنو أبيرق ،يقول :ل تخاصم عنهم من من أموال َ خانوا ِ
ن
ن كا َ َ م ْ ب َ ح ّ ه ل يُ ِ ّ
ن الل َ يطالبهم بحقوقهم ،وما خانوه فيه من أموالهم} ،إ ِ ّ
ما{ يقول :إن الله ل يحب من كان من صفته خيانة الناس في َ
واًنا أِثي ً خ ّ َ
أموالهم ،وركوب الثم في ذلك وغيره ،مما حرمه الله عليه".
-4النهي عن موالتهم والركون إليهم:
ْ َ
مم ل ي َأُلون َك ُ ْ ن ُدون ِك ُ ْ م ْ ة ِ طان َ ً ذوا ب ِ َ خ ُ
مُنوا ل ت َت ّ ِ نآ َ ذي َ قال الله تعالىَ} :يا أي َّها ال ّ ِ
خفي صدورهُ َ خبال ً ودوا ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ
م أك ْب َُر قَد ْ ُ ُ ُ ْ ما ت ُ ْ ِ م وَ َ واهِهِ ْ ن أفْ َ ِ ْ َ َ ّ ْ ْ َ َ ِ َ َ ّ َ َ
ن{ ]آل عمران.[118: قلو َ ُ م ت َعْ ِن ك ُن ْت ُ ْ ت إِ ْ م اليا ِْ َ
ب َي ّّنا لك ُ ُ
قال الطبري" :يعني بذلك تعالى ذكره :يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله،
م{ ن ُدون ِك ُ ْ م ْ ة ِ طان َ ً ذوا ب ِ َ خ ُ وأقروا بما جاءهم به نبيهم من عند ربهم} ،ل ت َت ّ ِ
يقول :ل تتخذوا أولياء وأصدقاء لنفسكم من دونكم ،يقول :من دون أهل
دينكم وملتكم ،يعني من غير المؤمنين.
وذكر أن هذه الية نزلت في قوم من المسلمين كانوا يخالطون حلفاءهم من
اليهود وأهل النفاق منهم ،ويصافونهم المودة بالسباب التي كانت بينهم في
جاهليتهم قبل السلم ،فنهاهم الله عن ذلك ،وأن يستنصحوهم في شيء من
أمورهم".
وقال ابن كثير" :يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين
بطانة أي :يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لعدائهم ،والمنافقون
بجهدهم وطاقتهم ل يألون المؤمنين خبال أي :يسعون في مخالفتهم وما
يضرهم بكل ممكن ،وبما يستطيعون من المكر والخديعة ،ويودون ما يعنت
المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم".
-5جهادهم والغلظة عليهم:
ْ َ ْ ُ ْ ُ ْ َ
م
مأَواهُ ْ م وَ َ ن َواغْلظ عَلي ْهِ ْ قي َ مَنافِ ِ فاَر َوال ُ جاهِدِ الك ّ ي َ قال الله تعالىَ} :يا أي َّها الن ّب ِ ّ
صيُر{ ]التوبة.[73: م ِ س ال ْ َ م وَب ِئ ْ َ جهَن ّ ُ َ
فاَر{ بالسيف ُ ْ
جاهِدِ الك ّ َ
ي َ قال الطبري" :يقول تعالى ذكرهَ} :يا أي َّها الن ّب ِ ّ
ن{ واختلف أهل التأويل في صفة الجهاد الذي أمر الله قي َ مَنافِ ِ والسلحَ} ،وال ْ ُ
نبيه به في المنافقين ،فقال بعضهم :أمره بجهادهم باليد واللسان وبكل ما
أطاق جهادهم به ،وبه قال ابن مسعود رضي الله عنه .وقال آخرون :بل أمره
بجهادهم باللسان ،وبه قال ابن عباس رضي الله عنهما .وقال آخرون :بل
أمره بإقامة الحدود عليهم ،وبه قال الحسن وقتادة رحمهما الله.
وأولى القوال في تأويل ذلك عندي بالصواب ما قال ابن مسعود من أن الله
71
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
أمر نبيه صلى الله عليه وسلم من جهاد المنافقين بنحو الذي أمره به من
جهاد المشركين.
فإن قال قائل :فكيف تركهم صلى الله عليه وسلم مقيمين بين أظهر أصحابه
مع علمه بهم؟!
)(29 /
ة الكفر ،ثم أقام قيل :إن الله تعالى ذكره إنما أمر بقتال من أظهر منهم كلم َ
طلع عليه منهم أنه تكلم بكلمة على إظهاره ما أظهر من ذلك)( ،وأما من إذا ا ّ
الكفر وُأخذ بها أنكرها ورجع عنها وقال :إني مسلم فإن حكم الله في كل من
أظهر السلم بلسانه أن يحقن بذلك له دمه وماله وإن كان معتقدا غير ذلك،
كل هو جل ثناؤه بسرائرهم ،ولم يجعل للخلق البحث عن السرائر ،فلذلك وتو ّ
كان النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بهم وإطلع الله إياه على
ضمائرهم واعتقاد صدورهم كان يقّرهم بين أظهر الصحابة ،ول يسلك
بجهادهم مسلك جهاد من قد ناصبه الحرب على الشرك بالله؛ لن أحدهم
فر فيه بالله ،ثم ُأخذ به أنكره وأظهر طلع عليه أنه قد قال قول ك َ كان إذا ا ّ
السلم بلسانه ،فلم يكن صلى الله عليه وسلم يأخذه إل بما أظهر له من
قوله عند حضوره إياه ،وعزمه على إمضاء الحكم فيه ،دون ما سلف من
قول كان نطق به قبل ذلك ،ودون اعتقاد ضميره الذي لم يبح الله لحد الخذ
به في الحكم ،وتولى الخذ به هو دون خلقه.
م{ يقول تعالى ذكره :واشدد عليهم بالجهاد والقتال ظ عَل َي ْهِ ْ
وقولهَ} :واغْل ُ ْ
والرعاب")(.
-6تحقيرهم وعدم تسويدهم:
عن بريدة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)) :ل
دا فقد أسخطتم ربكم عز وجل(()(. تقولوا للمنافق سيد؛ فإنه إن يك سي ً
-7عدم الصلة عليهم:
َ َ َ َ
م عَلى قَب ْرِهِ إ ِن ّهُ ْ
م ق ْدا َول ت َ ُت أب َ ً
ما َ م َ من ْهُ ْ
حد ٍ ِ ل عَلى أ َ ص ّقال الله تعالىَ} :ول ت ُ َ
ن{ ]التوبة.[84: قو َ س ُ م َفا ِ ماُتوا وَهُ ْسول ِهِ وَ َ فُروا ِبالل ّهِ وََر ُكَ َ
ي جاء ابنه إلى رسول الله صلى ُ
عن عبد الله قال :لما توفي عبد الله بن أب ّ
ّ
صك أكفنه فيه وصل عليه الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله ،أعطني قمي َ
ما فرغ آذنه فر له ،فأعطاه قميصه وقال)) :إذا فرغت منه فآذّنا(( ،فل ّ واستغ ِ
به ،فجاء ليصّلي عليه ،فجذبه عمر ،فقال :أليس قد نهاك الله أن تصّلي على
المنافقين؟! فقال} :استغْفر ل َه َ
ن
سب ِْعي َ م َ فْر ل َهُ ْست َغْ ِ
م ِإن ت َ ْ فْر ل َهُ ْست َغْ ِ م أوْ ل َ ت َ ْ ْ َ ِ ْ ُ ْ
ل عََلى أ َحد منهم مات أ َ
م ُ ق ت ول دا ب
َ ٍ ِ ُْ ْ َ َ َ ً َ َ ْ ّ ص
َ ُ َ ت ول } فنزلت: م{، ه ل َهُ ْ مّرةً فََلن ي ّغْ ِ
فَر الل ُ َ
ع
جامع البيان ).(21/117
جامع البيان ).(5/156
جامع البيان ).(5/271
ذكره عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة.
جامع البيان ).(61-4/60
تفسير القرآن العظيم ).(1/399
أي :لم يرجع عن كلمة الكفر ،بل أصر عليها.
جامع البيان ).(184-10/183
أخرجه أحمد ) ،(5/346والبخاري في الدب المفرد ) ،(760وأبو داود في
72
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الدب ،باب :ل يقال المملوك ربي وربتي ) (4977واللفظ له ،والنسائي في
عمل اليوم والليلة ) ،(244والبيهقي في الكبرى ) ،(6/70وصحح المنذري
إسناده في الترغيب ) ،(3/359وهو مخرج في السلسلة الصحيحة ).(371
ثامًنا :سبل الوقاية من النفاق:
-1التصاف بصفات أهل اليمان وترك صفات أهل النفاق.
-2الجهاد في سبيل الله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
دث به نفسه مات على شعبة من نفاق((. ))من مات ولم يغز ولم يح ّ
ّ
قال النووي" :المراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن
الجهاد في هذا الوصف؛ فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق .وفي هذا الحديث
جه جه عليه من الذم ما يتو ّ أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها ل يتو ّ
على من مات ولم ينوها".
-3كثرة ذكر الله تعالى:
قال ابن القيم" :إن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق؛ فإن المنافقين
ه قليلو الذكر لله عز وجل ،قال الله عز وجل في المنافقين} :وَل َ ي َذ ْك ُُرو َ
ن الل َ
ل{ ]النساء ،[142:وقال كعب :من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من إ ِل ّ قَِلي ً
النفاق .ولهذا ـ والله أعلم ـ ختم الله تعالى سورة المنافقين بقوله تعالىَ} :يا
َ أ َيها ال ّذين آمنوا ل تل ْهك ُ َ
ل ذ َل ِ َ
ك فعَ ْ
ن يَ ْ ن ذِك ْرِ الل ّهِ وَ َ
م ْ م عَ ْ وال ُك ُ ْ
م َول أْولد ُك ُ ْ م َ
مأ ُْ ِ ْ ِ َ َ ُ ّ َُ
ن{ ]المنافقون ،[9:فإن في ذلك تحذيرا من فتنة رو
ِ ُ َ س خا
َ ْ لا م
ْ ُ ه َ
ك ِ ئَ لفَأ ْ
و
المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله عز وجل فوقعوا في النفاق .وسئل بعض
الصحابة رضي الله عنهم عن الخوارج :منافقون هم؟ قال) :ل ،المنافقون ل
يذكرون الله إل قليل( .فهذا من علمة النفاق :قلة ذكر الله عز وجل ،وكثرة
المان من النفاق ،والله عز وجل أكرم من أن يبتلي قلبا ذاكرا بالنفاق ،وإنما
ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله عز وجل".
-4الدعاء:
عن جبير بن نفير قال :دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص ،فإذا هو قائم
يصلي في مسجده ،فلما جلس يتشهد جعل يتعوذ بالله من النفاق ،فلما
انصرف قلت :غفر الله لك يا أبا الدرداء ،ما أنت والنفاق؟ قال) :اللهم غفًرا ـ
ثلثا ـ ،من يأمن البلء؟! من يأمن البلء؟! والله إن الرجل ليفتتن في ساعة
فينقلب عن دينه(.
ب النصار: -5ح ّ
عن أنس رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال)) :آية اليمان
حب النصار ،وآية النفاق بغض النصار((.
)(30 /
73
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
للسلم ،وعرف من على بن أبي طالب رضى الله عنه قربه من رسول الله
ب النبي صلى الله عليه وسلم له وما كان منه من صلى الله عليه وسلم وح ّ
ي لهذا كان ذلك من دلئل ب النصاَر وعل ّ نصرة السلم وسوابقه فيه ثم أح ّ
صحة إيمانه وصدقه في إسلمه؛ لسروره بظهور السلم والقيام بما يرضى
الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ،ومن أبغضهم كان بضد ّ
ل به على نفاقه وفساد سريرته .والله اعلم". ذلك واسُتد ّ
ب بني هاشم: -7حب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وح ّ
ب أبي بكر وعمر إيمان ،وبغضهما قال ابن تيمية" :قال بعض السلف :ح ّ
ب بنى هاشم إيمان ،وبغضهم نفاق". نفاق ،وح ّ
-8التصاف التام بالصدق في المر كله:
قال ابن تيمية" :الصفة الفارقة بين المؤمن والمنافق هو الصدق ،فإن أساس
النفاق الذي بني عليه الكذب".
-9ترك البدع والحدث في الدين:
ن السنن شعائر اليمان". ن النفاق ،كما أ ّ قال ابن تيمية" :البدع مظا ّ
-10البعد عن سماع الغناء:
ّ
وسماع الغناء في الصل محرم ،ومع ذلك فإنه يؤثر النفاق في القلب.
قال ابن مسعود رضي الله عنه) :الغناء ينبت النفاق في القلب ،كما ينبت
الماء البقل(.
ف بأثر الغناء وثمرته ،فإنه ما اعتاده أحد إل قال ابن القيم" :وهذا كلم عار ٍ
نافق قلبه وهو ل يشعر ،ولو عرف حقيقة النفاق وغايته لبصره في قلبه،
فإنه ما اجتمع في قلب عبد قط محبة الغناء ومحبة القرآن إل طردت
إحداهما الخرى ،وقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء
ول عليهم ،وعدم انتفاع وسماعه ،وتبرمهم به ،وصياحهم بالقارئ إذا ط ّ
قلوبهم بما يقرؤه ،فل تتحرك ول تطرب ول تهيج منها بواعث الطلب ،فإذا
جاء قرآن الشيطان فل إله إل الله كيف تخشع منهم الصوات ،وتهدأ
ن ،ويقع البكاء والوجد ،والحركة الظاهرة الحركات ،وتسكن القلوب وتطمئ ّ
والباطنة ،والسماحة بالثمان والثياب ،وطيب السهر ،وتمني طول الليل ،فإن
لم يكن هذا نفاقا فهو آخية النفاق وأساسه".
وقال" :فإن أساس النفاق أن يخالف الظاهر الباطن ،وصاحب الغناء بين
أمرين؛ إما أن يتهتك فيكون فاجرا ،أو يظهر النسك فيكون منافقا ،فإنه يظهر
الرغبة في الله والدار الخرة ،وقلبه يغلي بالشهوات ،ومحبة ما يكرهه الله
ورسوله من أصوات المعازف وآلت اللهو ،وما يدعو إليه الغناء ويهّيجه ،فقلبه
بذلك معمور ،وهو من محبة ما يحبه الله ورسوله وكراهة ما يكرهه قفر،
وهذا محض النفاق".
وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه،،،
أخرجه مسلم في المارة ).(1910
شرح صحيح مسلم ).(13/56
الوابل الصيب )ص .(110
أخرجه الفريابي في صفة المنافق ) ،(73والبيهقي في الشعب )(1/506
واللفظ له.
أخرجه البخاري في اليمان ،باب :علمة اليمان حب النصار ) ،(17ومسلم
في اليمان ).(74
أخرجه مسلم في اليمان ).(78
شرح صحيح مسلم ).(2/64
74
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(31 /
النقد البّناء
د .عبد الكريم بكار 22/6/1426
28/07/2005
في حياتنا العامة والخاصة عدد كبير من الجدليات ،حيث يكون الشيء في
فا على وجود شيء آخر .ويتناوب الشيئان وجوده أو استقامته أو بواره متوق ً
على الوظيفة نفسها ،كتلك العلقة التي نلمسها بين المرض والفقر ،إذ يهيء
الفقر صاحبه للتعرض للمرض ،كما أن المرض من جهته يسّبب للفقير المزيد
من الفقر وهكذا.
هذا يعني أن خصائص كثير من الشياء ل تستمد من ذاتها ،وإنما من العلقات
التي تربطها بغيرها .ومن المؤسف أن اكتشاف العلقات الجدلية على الرغم
من تأثيرها الكبير ،ل يلقى من معظم الناس الهتمام ،وبالتالي فإن معرفتنا
بها تتسم بالقصور والسطحية!
بين البناء والنقد علقة جدلية ،عظيمة الهمية إلى درجة أن كل ً منهما يتغذى
على الخر بصورة جوهرية .ول نستطيع أن نعرف مدى حاجة كل منهما إلى
الخر إل إذا قطعنا الحبل السريري الذي يربط بينهما .ولعلي أبسط القول
في هذه المسألة المهمة عبر المفردات التية:
ما في مدة طويلة نسبًيا ،هي مدة حياة النبي – -1إن القرآن الكريم نزل منج ً
صلى الله عليه وسلم -بين البعثة والوفاة .ويلحظ الناظر دون عناء أن
معظم ما ينزل من الذكر كان يرتبط بوجه من الوجوه بحركة المجتمع
كر السائرين السلمي .إنه يوجه المسيرة ،ويوضح ملمح الطريق ،كما أنه يذ ّ
بالمقاصد النهائية لسيرهم .وحين يقع خطأ بسبب اجتهاد أو ضعف بشري،
فإن القرآن الكريم ينبه المسلمين إلى ذلك الخطأ بقطع النظر عن مقام
المنتقد ،وعن نوع موضوع النقد ،هل هو عام أو هو خاص بشخص من
الشخاص ،على نحو ما نجده في قول سبحانه" :ما كان لنبي أن يكون له
أسرى حتى يثخن في الرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة والله
عزيز حكيم" ]سورة النفال ،[68-67 :وقوله" :عفا الله عنك لم أذنت لهم
حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين" ]سورة التوبة .[43 :وقوله" :وإذ
تقول للذي أنعم الله عليه ،وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله
وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه"
]سورة الحزاب ،[37 :وفي السنة النبوية الكثير الكثير من النصوص التي
تنتقد بعض تصرفات الصحابة ،وتدلهم على ما هو أفضل وأصوب .وقد وعى
المسلمون المغزى العميق لذلك ،ومارسوا النقد بصيغ عديدة ،ولطالما كان
النقد البّناء عامل تحرير للمة من كثير من الزيغ والخطأ على ما هو معروف
ومشهور.
75
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
-2لو تساءلنا :مالذي يعطي المشروعية للنقد ،ويجعل منه شيًئا ل غنى عنه
لستقامة الحياة ،لوجدنا أن ما يمكن التحدث عنه في هذا الشأن كثير ،لعل
منه:
أ – حين نخطط لمر من المور ،أو نحاول اكتشاف ميزة عمل من العمال،
فإن من الواضح أننا ل نستطيع الحاطة بالعتبارات التي تجعل قراراتنا صائبة
ما حقائق غائبة وأجزاء مطموسة ،ومعلومات غير على نحو قاطع .هناك دائ ً
متوفرة ،ولهذا فإن علينا أن نبني خططنا ونظمنا ومناهجنا على أنها أشياء
قابلة للمراجعة ،ومحتاجة للتصحيح والتطوير ،ولن نكون موضوعيين إذا فعلنا
غير ذلك .إن الطبيب حين ل يتأكد من تشخيص مرض من المراض ،يصف
جا مؤقًتا إلى أن تخرج نتائج الصور والتحاليل ،فيصف العلج لمريضه عل ً
النهائي؛ لن خبرته الطبية دلته على السلوك العلجي الملئم ،إن ما هو
ما أكثر من المتوفر ،ولهذا مطلوب من المعرفة لتخاذ القرار الصحيح هو دائ ً
ظر نتحرك في منطقة هشة ،ونستند إلى معطيات غير فإننا ونحن نخطط ،ونن ّ
كافية .إن علينا أن نعتقد أننا نقوم بعمل اجتهادي ،قد يتبين أنه صواب ،وقد
يتبين أنه خطأ .وإن كثيًرا من الذين ينفرون من النقد ،ل ينظرون إلى هذا
المعنى ،ول يهتمون به ،ولو أنهم أدركوه بعمق لرحبوا بالنقد بوصفه كرة
أخرى على صعيد الستدراك على قصور سابق .
ما مفارقة بين النظرية والتطبيق ،فنحن حين ننظر ،ونخطط، ب– هناك دائ ً
نقوم بذلك في حالة من الطلقة التامة ،وكما يقولون :إن الحلم ل تكّلف
شيًئا ،لكن حين نأتي للتنفيذ ،يتجلى لدينا القصور البشري بأوضح صوره،
فنحن نتحرك داخل الكثير من القيود الزمانية والمكانية .وكما أن أعمارنا
ضا محدودة ،مما يجعل وجود محدودة ،كذلك إمكاناتنا وقدراتنا وعلقاتنا أي ً
فجوة بين ما نريده وبين ما نفعله أو نحصل عليه أمًرا متوقًعا .في بعض
الحيان ل ننفذ ما خططنا له ليس بسبب العجز ،ولكن بسبب تغير الرأي ،أو
بسبب الختلف بين أعضاء فريق العمل ،أو لي سبب آخر ...وهذا كله يجعل
النقد أمًرا سائًغا ،بل مطلوًبا.
)(1 /
جـ -في بعض الحيان تأتي مشروعية النقد من الخطاء التي تقع أثناء
التطبيق أو بسبب مغايرة ظروف الستمرار لظروف النشأة .وإذا تأملت في
أوضاع المة وجدت أن كثيًرا مما يحتاج إلى إصلح وتصحيح يعود إلى هذين
السببين ،فالتقصير في الواجبات والوقوع في المنكرات من أكثر العوامل
تأثيًرا في تخلف المة وتأزم أوضاعها .وهما يعودان إلى انحراف وقصور في
الممارسة .كما أن تجدد معطيات الحياة المعاصرة لتكون شديدة البعد عن
حياة أسلفنا ،أوقعنا في أزمات فكرية كثيرة ،بسبب عدم توفر ما يكفي من
الجتهاد للتعامل معها .وهذا من جهته يثير الكثير من الحيرة والكثير من
النقد.
دا
ماذا يحدث حين يتوقف التفاعل بين النقد والبناء ؟ ومتى يكون النقد مفي ً
وبّناًء ؟
هذا ما سنتحدث عنه في المقال القادم بحول الله وطوله.
النقد البناء )(2/2
د .عبد الكريم بكار 6/7/1426
11/08/2005
76
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ذكرت في المقال السابق أن بين العمل والنقد وبين النجاز والتطوير علقة
جدلّية ،وشرحت ما أعنيه بالعلقة الجدلّية ،ووعدت باستكمال الموضوع في
هذا المقال.
إن النظر إلى ما أقمناه وأنجزناه من مناهج ومؤسسات على أنه شيء غير
مكتمل يشكل المحّرض لنا على نقده وتطويره ،لكن يبدو أن النسان ل يملك
من اليقظة النقدية ما يجعله يتعامل مع إنجازاته ومنتجاته دائما ً على هذا
النحو .إننا كثيرا ً ما ننظر إلى نقد شيء يتصل بنا على أنه نقد لذواتنا ،بل
ننظر إليه –أحيانًا -على أنه يمس الكرامة الشخصية للواحد منا .أحيانا ً ل نقبل
بالنقد؛ لنه سيجعلنا نخسر بعض المكاسب التي حصلنا عليها من وراء أوضاع
مغشوشة ،وأحيانا ً نرفض النقد؛ لننا ل نثق بالذي ينقد ،أو ل نرتاح إليه.
وأحيانا ً نرفض النقد؛ لن قبوله سيعني التغيير والتطوير ،وهذا ل يتم من غير
بذل جهد ،ونحن غير مستعدين للقيام بأي شيء إضافي.
بعض الناس يرفض النقد؛ لن لديه نوعا ً من العجاب بالذات والستبداد
ف بما يسمعه من الخرين... بالرأي ،وهذا يجعله يستخ ّ
مهما يكن السبب الدافع إلى مقاومة النقد فإن النتائج ستكون وخيمة.
إن أي عمل حتى ُيؤّدى بطريقة صحيحة يحتاج إلى معرفة تامة بالبيئة
المحيطة والعوامل الجغرافية والجتماعية المؤثرة .وإن هذه المعرفة نحصل
عليها في العادة على سبيل التدرج .ومن ثم فإن الثقة المبالغ فيها في
منجزاتنا تقوم على عدم الكتراث بخطورة ما نجهل .وعلى مدار التاريخ كان
الناس يدركون قيمة ما يعرفون أكثر من إدراكهم للضرار البالغة التي تترتب
على ما ل يعرفون .ورفض النقد هو رفض للمعرفة الجديدة.
إن قبولنا لمقترحات الخرين والسماح لهم ببيان وجوه القصور لدينا ،يجعلنا
نظهر بمظهر الضعيف أو غير الناضج .أما الستبداد بالرأي والتمسك بالسائد
إلى آخر لحظة فإنه يجعلنا نبدو أقوياء صامدين كأشجار السنديان التي
قاومت العواصف مئات السنين .والحقيقة أن قبول النقد يمنحنا القوة؛ لنه
يساعدنا على عمل شيء قبل حدوث النهيار .إنه يفتح سبيل ً للكف عن السير
في نفق مظلم ،في آخره مهلكة.
إن سقوط التحاد السوفيتي بتلك الصورة المريعة والمهينة ومن غير سابق
إنذار ،يقدم حكمة بليغة للمستبدين بآرائهم الرافضين للصلح والتجديد،
والمستخفين بنصائح أهل البصيرة الثاقبة .تقول تلك الحكمة :إن كل الشجار
تموت واقفة شامخة؛ لن موتها ل يكون في سقوطها على الرض ،ولكن في
انقطاع مادة الحياة عنها ،وفي عجزها عن التكّيف مع الظروف المحيطة بها،
وإن رفض النقد هو رفض للتكّيف ،ورفض للستدراك على الخطأ والتقصير،
وهذا ما يجعل السير في طريق الضمحلل أمرا ً ل بد منه!
الوجه الثاني للمشكلة يكمن في ممارسة النقد بعيدا ً عن العمل ،وهذا ما
يحسنه كثيرون منا ،إن حاجة النقد إلى البناء ،ل تقل عن حاجة البناء إلى
م ل والعلقة بينهما جدلّية .الذي يعمل يقدم الفرصة للناقد كي يقول النقد ،ول ِ َ
سن عمله ،ويرتقي بإنتاجه. شيئًا ،والناقد يقدم فرصة للعامل كي يح ّ
في حالة التخلف يرفض كثير من الذين يعملون النقد ،ويتكلم كثير من
القاعدين بما ل يحسنون ،في كل مجلس اعتراضات وانتقادات ل تكاد
ُتحصى ،ومرور واسع على العالم من شرقه إلى غربه ،ومن غربه إلى شرقه،
ض السامر ويذهب كل إلى وتشريح لوضاعه وذكر لمساوئه وأزماته ..وينف ّ
بيته ،وقد شعر كل واحد منا أنه استطاع أن يثبت سعة اطلعه ومعرفته
بالحلول للمشكلت التي تعاني منها البشرية! وتمضي السنوات وتنصرم
77
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
العمار ،وتأتي أجيال جديدة والنقد ما زال مستمرا ً والوضاع على حالها بل
تزداد في بعض الحيان سوءا ً أو فسادًا ،وليس هناك من هو مستعد للتوقف
من أجل رؤية ما حصلنا عليه من وراء تصويب البنادق إلى أعلى في
امتدادات الفضاء!
إذا أردنا للنقد أن يثمر ،وأل ّ يكون شكل ً من التنفيس عن مكروب فحسب
فعلينا أن نراعي العتبارات التالية:
)(2 /
-1النقد المفيد والمنتج هو الذي يتم في ظل البناء .إنه نقد يقوم به البناؤون
أنفسهم ،وأولئك القريبون القريبون منهم .إنهم أدرى بنقاط القوة ونقاط
الضعف .وهم أدرى أيضا ً باللية التي يجب اتباعها من أجل التصحيح ،لكن
مون آذانهم عن المشكلة تقع حين يرفض العاملون القيام بأي مراجعة ،ويص ّ
سماع أي نصيحة ،إنهم في هذه الحالة يحّرضون غيرهم على أن يهرف بما ل
يعرف ،ونحن على مستوى المة نعاني من بطء حركة اليد وضعف النجاز،
وهذا يؤدي بطريقة ما إلى تباطؤ عمل العقل وطيش النقد ،فبين العقل واليد
فزات إضافّية على العمل سوف يساعد على أيضا ً علقة جدلّية ،وإن إيجاد مح ّ
تنشيط حركة النقد البّناء.
صص شرط أساسي لجعل النقد بناء؛ إذ إن من الملحظ أن -2الخبرة والتخ ّ
هناك شهوة قوّية لممارسة النقد ،وربما كان ذلك لن النقد يمنح الناقد تفوقا ً
جهون النقد إلى فوريا ً على القران والجلساء ،ومن ثم فإن كثيرا ً ممن يو ّ
غيرهم ل يملكون أي معرفة بحقيقة الوضاع التي ينتقدونها ،وكثير منهم
يعتمد على أخبار صحفية أو تحليلت يسمعونها في القنوات الفضائية ،ومن
هنا فإن انتقاداتهم كثيرا ً ما تكون سطحية ،أو أنها تعبر عن وجهة نظر ضعيفة
أو منحازة .فقر مجتمعاتنا بالمتخصصين هو المسؤول عن هذه الحالة .نحن ل
نستطيع منع الناس من الكلم ،ولكن من المهم أن ندرك جميعا ً الفرق بين
لغو المجالس وبين النقد المجدي والمفيد.
-3ل بد لنا إذا أردنا لنقدنا أن يكون مفيدا ً من أن نجعله واضحا ومحددا حين
ً ً
ل تعجبنا وضعية من الوضعيات فإن من المهم أن نذكر ما ل يعجبنا بالضبط؛
فالصلح والفساد شيئان نسبيان ،ورب شيء ننتقده ،يكون أفضل ما تم
الوصول إليه بعد جهد وعناء طويل .ونحن ننتقد لنصلح ،والصلح يتطلب أن
نكون قادرين على شرح رأينا بوضوح فيما هو موضع مؤاخذة ،وينبغي أن
نكون في كثير من الحالت قادرين على تقديم بدائل ،نعتقد أنها أفضل مما
هو سائد ،إن اعتمادنا لهذا المبدأ في النقد سوف يحمينا من أن نتخذ من
النقد وسيلة لتفريج همومنا ليس أكثر.
-4إن الناقد مجتهد ،وعليه أن ينظر إلى نقده على أنه يقبل المراجعة والرد.
وليس من ننتقده ملزما ً بالموافقة على كل ما نقوله له .وإذا كان المر كذلك
فعلينا أن ننصح وننتقد على نحو يجعل المنتقد يتقبل نقدنا ،ويهتم به .وهذا
يتطلب أن نتحدث معه سرا ً وبلطف ،ومن غير تكّبر واستعلء.
فف من مرارته ،ويبرهن على أن ما إن النقد طعمه مّر ،والسلوب الجميل يخ ّ
نسعى إليه فعل ً هو الصلح ،وليس الحصول على منافع شخصية
)(3 /
78
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
79
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
المعز رجل يهودى أعتنق السلم لكى يعيين وزيرا فى الدولة ،وكان أسم هذا
الرجل يعقوب بن كلس .ورغم أنه أعتنق السلم إل أنه مازال متعصبا لدينه
اليهودى ،لنه لم يعتنق السلم عن عقيدة بل لجل المنصب .وكان هذا
اليهودى يبغض المسيحيين إلى أقصى درجة ،خاصة وأنه كان له خصم
مسيحى يعزه الخليفة ،وكان اليهودى يخشى أن يعينه وزيرا عوضا عنه ،وكان
اسمه قزمان بن مينا الشهير بأبو اليمن .فأستدعى يعقوب بن كلس اليهودى
عى موسى ليجادل البابا البطريرك النبا ابرآم فى واحدا من بنى قومه ي ُد ْ َ
ً
ل :إن شئت يوما أن مجلس الخليفة المعز .أرسل الخليفة للب البطريرك قائ ً
تحاجج اليهود بنفسك أو بواسطة من تختار من الساقفة ،فتعال إلى دارى
وناقشهم أمامى.
حدد البابا النبا ابرآم موعدا لذلك ،وأصطحب معه النبا ساويرس بن المقفع
أسقف الشمونين )بالصعيد( وكان من علماء الكنيسة فى جيله ،فهو الذى
كتب تاريخ "سير البطاركة" ،وكان أيضا لهوتيا ضليعا ،وخاصة فى اللهوت
المقارن بين الديان ،وله كتب كثيرة فى هذا المجال منها :كتاب التوحيد،
وكتاب التحاد الباهر فى الرد على اليهود ،وكتب كثيرة أخرى .وعندما أستقر
مجلس الخليفة ،وكان حاضرا أيضا الوزير بن كلس اليهودى ورفيقه موسى،
فقال المعز للبابا :تكلم أيها البابا الوقور ،أو أمنح رفيقك الذن بالكلم.
فقال البابا لسقف الشمونين النبا ساويرس :تكلم يأ بنى .ولتمنحك الحكمة
اللهية حكمة من لدنها.
)(1 /
فقال النبا ساويرس بفطنة روحية :ليس من اللئق أن أتحدث إلى يهودى
فى حضرة الخليفة .فأحتد موسى اليهودى رفيق الوزير وقال :إنك تهيننى فى
مسمع من أمير المؤمنين إذ تصفنى بالجهل .فسأله النبا ساويرس بهدوء:
ك الدليل على جهلك ،أفل تغضب؟ وإن قدمت ل َ
ل :ل داعى للغضب فى وهنا تدخل الخليفة المعز بسماحته وبلغته قائ ً
المناقشة ،لن الحرية مكفولة لكل منكم حتى يعبر كل واحد عن عقيدته
بصراحة وبل حرج .فقال النبا ساويرس بثقة :لست أنا الذى أصفكم بالجهل،
بل أن نبيا عظيما نال كرامة خاصة من الله هو الشاهد عليكم.
ل :ومن يكون هذا النبى؟ فسأله موسى اليهودى قائ ً
أجابه النبا ساويرس على الفور :أنه أشعياء النبى الذى قال عنكم" :الثور
يعرف قانيه ،والحمار معلف صاحبه ،أما أسرائيل فل يعرف .شعبى ليفهم"
)أش . (3 :1
ُ ُ
فأنفجر الخليفة المعز ضاحكا ،إذ أعجب بفطنة النبا ساويرس ،وأعجب
بمهارته فى الحوار .ثم سأل الخليفة موسى اليهودى قائل ً :أهذه كلمات
أشعياء النبى حقا؟
فكتم موسى اليهودى غيظه ،فأجاب بصوت خفيف :نعم يامولى.
فأستطرد النبا ساويرس فى الكلم قائل ً :ها أن نبيا عظيما من أنبيائكم قد
أعلن بأن الحيوانات أكثر فهما منكم .
وكان الخليفة ليزال ثمل ً من براعة هذه الدعابة ،ورأى أن يكتفى بذلك فى
تلك الجلسة.
) (2المؤامرة الخبيثة:
كان من أثر تلك المجادلة الحادة أن تضايق الوزير بن كلس للغاية هو ورفيقه
80
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
موسى اليهودى ،فقررا النتقام من النبا ابرآم والنبا ساويرس بتدبير مؤامرة
تقضى على القباط جميعا .فأخذ موسى اليهودى يفتش فى النجيل المقدس
عن شئ يساعده فى تحقيق غرضه الخبيث ،فوجد الية المقدسة التى قالها
رب المجد يسوع المسيح" :لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون
لهذا الجبل :أنتقل من هنا إلى هناك فينتقل ،وليكون شئ غير ممكن لديكم"
)مت . (20 :17
أسرع موسى اليهودى مع الوزير بن كلس إلى الخليفة المعز وقال له :وجدنا
فى أنجيل النصارى أنه مكتوب "أن من له إيمان مثل حبة خردل ينقل
الجبل" .فمن حقنا أن نطالبهم بإثبات صحة دينهم بإتمام هذا الكلم ،فإن لم
يستطيعوا وجب عقابهم لبطلن دينهم .صمت الخليفة المعز لدين الله
الفاطمى مفكرا فى هذه الية ،ورأى أنه إذا كان كلم النجيل صحيحا فتكون
فرصة ذهبية لزاحة الجبل الجاثم شرق المدينة الجديدة )القاهرة( حتى يزيد
عمرانها شرقا ،ويكون موقعها أروع إذ كان الجبل قبل نقله على حدود بركة
الفيل .أما إذا عجزوا عن تنفيذ هذا الكلم كان ذلك دليل ً قاطعا على بطلن
م تحتم إزالة هذا الدين من الوجود .أرسل الخليفة المعز دين النصارى ،ومن ث َ
إلى البابا النبا ابرآم السريانى ،فحضر اليه وتكلم معه عن أمر هذه الية ،وأن
عليه أن يختار أمرا ً مما يأتى:
(1إما تنفيذ هذه الوصية ونقل الجبل الشرقى المقطم .
(2وإما أعتناق السلم وترك الدين المسيحى لبطلنه .
(3وإما ترك البلد المصرية والهجرة إلى أى بلد آخر.
(4أو البادة بحد السيف.
أطرق القديس البطريرك مصليا فى قلبه ليرشده الرب فى هذه المحنة .ثم
طلب من الخليفة أن يمهله ثلثة أيام ،ثم يرد عليه جوابا.
) (3المنادة بصوم واعتكاف:
رجع البابا إلى مقره حزينا وأصدر منشورا عاما يأمر فيه جميع المسيحيين
فى مصر بالصوم ثلثة أيام إلى الغروب ،مع أقامة الصلوات الحارة من أجل
سلمة الكنيسة وأنقاذها من هذه المحنة .يا لها بصيرة روحية وحكمة سماوية
تلك التى تلجأ إلى الله فى الظروف والمحن .فما اروع ما تصليه الكنيسة فى
القداس اللهى قائلة" :لننا لنعرف آخر سواك .أسمك القدوس هو الذى
نقوله فتحيا نفوسنا بروحك القدوس" .بعد ذلك ذهب البابا إلى كنيسة السيدة
العذراء المعروفة بالمعّلقة وطلب الساقفة الذين كانوا موجودين بمصر
القديمة والكهنة والراخنة والرهبان ،وذكر لهم ما حدث بينه وبين الخليفة
المعز ،وقال لهم :علينا بالصوم والصلة هذه اليام الثلثة التى أستمهلته أياها
ليترأف الله علينا بنعمته ويهئ لنا طريق النجاة .أستجاب الجميع لنداء البابا،
وصام الشعب القبطى فى طول البلد وعرضها ،وأقيمت القداسات ،وُرفَِعت
الصلوات والطلبات من أجل هذه المحنة التى تجتازها الكنيسة .وأعتكف البابا
النبا ابرآم مع بعض الساقفة والكهنة والرهبان والراخنة بكنيسة السيدة
العذراء بالمعلقة لمدة هذه اليام الثلثة.
(2إنقشاع الغمة
(1ظهور السيدة العذراء للبابا:
فى فجر اليوم الثالث غفا البابا غفوة قصيرة فرأى خللها السيدة العذراء،
ك؟وسمعها تقول له :ماذا ب َ
ت تعلمين ياسيدة السمائيين والرضيين. فأجابها البابا :أن ِ
81
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
فقالت له :لتخف أيها الراعى المين ،فإن دموعك التى سكبتها فى هذه
ت وشعبك لن ُتنسى .أخرج الكنيسة مع الصوام والصلوات التى قدمتها أن َ
الن من الباب الحديدى المؤدى إلى السوق ،وعند خروجك منه ستجد أمامك
رجل ً بعين واحدة ،حامل جرة ماء .أمسك به لنه الرجل الذى ستتم المعجزة
على يديه.
وما ان قالت السيدة العذراء ذلك حتى توارت عن عيني البابا الذى أستيقظ
من نومه مندهشا.
(2مبعوث السماء القديس سمعان:
عندما أستيقظ البابا من النوم وخرج فى الحال إلى الباب الحديدى المؤدى
إلى السوق رأى خارجه الرجل الذى أشارت إليه السيدة العذراء ،فأمسك به
وأدخله داخل الباب الحديدى ،ثم أغلق الباب .ثم ذكر البابا له ما حدث بينه
وبين الخليفة ،وما أمرته به السيدة العذراء بأنه هو الرجل الذى ستتم على
يديه المعجزة .فقال له القديس سمعان :أغفر لى يا أبتى ،فأنى رجل
خاطئ .
فقال له البابا فى أصرار :أنه أمر أم النور.
فأجاب القديس سمعان فى خضوع وأتضاع :مادامت أم النور هى التى
ى بأن أّودى هذا الواجب العظيم ،فأنى أضع نفسى فى خدمتك حكمت عل ّ
ياسيدى .فسأله البابا عن أسمه وعن سبب وجوده فى السوق فى مثل هذه
الساعة المبكرة ،بينما الناس نيام .فأجابه القديس سمعان :أسمى سمعان
الخراز .وأنا أشتغل بدباغة الجلود ،ولكنى أقوم فى مثل هذه الساعة من كل
صباح لمل قربتى بالماء وأوزعه على الكهول والمرضى الذين أقعدتهم
الشيخوخة أو المرض عن المقدرة على أحضار الماء لنفسهم .وعندما أنتهى
من خدمتى هذه ُأعيد قربتى إلى البيت وأذهب إلى عملى عند صاحب مصنع
لجراء الدباغة حيث أعمل حتى المساء ،وعند غروب الشمس أخرج مع بقية ا ُ
فأكل القليل لسد به رمقى ثم أنصرف إلى الصلة .ثم رجا القديس سمعان
من البابا أن يكتم حقيقة أمره طالما هو حى على هذه الرض .
(3التجهيزات للمعجزة:
بعد أن أنتهى القديس سمعان من حديثه السابق قال للب البطريرك :أصعد
يا أبى المكرم إلى الجبل ،وخذ معك رجال الدين والشمامسة والراخنة،
وأجعلهم يحملون عاليا الناجيل والصلبان والشموع الطويلة موقدة والمجامر
مملوءة بخورا ،وأطلب إلى الملك وحاشيته أن يصعدوا معكم .فتقفوا أنتم
على ناحية من الجبل ،بينما يقفوا هم على الناحية المقابلة لكم ،وسأقف أنا
وسط الشعب خلف غبطتكم بحيث ليعرفنى أحد .ثم إنك بعد تقديم السرار
المقدسة ترفع صوتك مع الجميع مرددين "كيرياليسون" أربعمائة مرة .ثم
أصمت بعد ذلك بعض اللحظات ،ثم أسجد أنت والكهنة أمام العلى ،وكرر هذا
العمل ثلث مرات ،وفى كل مرة تقف فيها بعد السجود أرسم الجبل بعلمة
الصليب ،وسترى مجد الله .فرفع الب البطريرك صلة شكر لله الذى سمح
بالتجربة ،وأعطى معها أيضا المنفذ )1كو .(13 :10
(3المعجزة الخارقة
(1حشد رهيب:
أخبر الب البطريرك الخليفة المعز لدين الله الفاطمى أنه مستعد لتنفيذ
مطلبه بنعمة الله .فخرج الخليفة ممتطيا صهوة جواده ،ومعه حشد رهيب من
82
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
رجال حاشيته وعظمائه وجنوده .وتقابل مع الب البطريرك وعدد كبير من
الساقفة والكهنة والشمامسة والراخنة والشعب وبينهم القديس سمعان
الخراز .ووقف الفريقان ،كما قال القديس سمعان ،مقابل بعضهما فوق جبل
المقطم.
(2زلزلة عظيمة وأنتقال الجبل:
بعد تقديم السرار المقدسة التى رفعها البابا والساقفة ردد المصلون بروح
منكسرة وقلوب منسحقة صلة "كيرياليسون :يارب أرحم" أربعمائة مرة
شرقا وغربا وشمال وجنوبا ،ثم صمتوا برهة بين يدى العلى .وأبتدأوا فى
السجود والقيام ثلث مرات ،والب البطريرك يرشم الجبل بالصليب ،وإذ
بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل ،وفى كل سجدة يندك الجبل ،ومع كل قيام يرتفع
الجبل إلى أعلى وتظهر الشمس من تحته ،ثم يعود إلى مكانه فى كل مرة.
إنها قوة اليمان الذى أعلنه معلمنا الرسول بولس إذ قال" :أستطيع كل شئ
فى المسيح يسوع الذى يقوينى" )فى (13 :4
(3أرتعاب الخليفة والجماهير:
عندما حدثت المعجزة فزع الخليفة المعز وأرتعب وكل الجموع المحتشدة
ل :عظيم هو الله ،تبارك أسمه .وألتمس معه ،وهتف المعز بأعلى صوته قائ ً
من البابا أن يكف عن عمله لئل تنقلب المدينة .وعندما هدأت المور قال
للبابا :لقد أثبتم أن إيمانكم هو إيمان حقيقى.
(4أختفاء القديس سمعان الخراز:
بعد أن هدأت نفوس الجموع المحتشدة بدأوا ينزلون من الجبل ليعودوا إلى
بيوتهم .أما البابا البطريرك فقد تلفت حوله باحثا عن القديس سمعان الخراز
الذى كان يقف خلفه فلم يجده ،ولم يعثر أحد عليه بعد ذلك حتى أظهرته
نعمة الله فيما بعد كما سنرى.
(5تسمية الجبل بالمقطم:
ى كذلك أىم َس ّ
تحكى مخطوطة بدير النبا أنطونيوس أن الجبل المقطم ُ
ً
المقطم أو المقطع أو المقطب لن سطحه كان متساويا ،أى متصل ،فصار
ثلث قطع ،واحدة خلف الخرى ،ويفصل بينهم مسافة .وتقول قواميس اللغة
العربية أن كلمة "مقطم" معناها "مقطع".
(4نتائج المعجزة
كان لهذه المعجزة الجبارة عدة نتائج هامة منها :
)(3 /
83
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
تصرف النفقات اللزمة من خزانة الدولة .أخذ البابا المرسوم الذى يصرح له
بالبناء والترميم وأعتذر عن أخذ المال ،وقال للخليفة:
إن الذى نبنى له كنيسة قادر على أن يساعدنا حتى نتممها ،وهو غير محتاج
إلى مال العالم ،وأعادوا بناءه .إنها حياة القناعة والكتفاء.
فالقديس البابا النبا ابرآم لم يطلب من الخليفة أية أمور أو مقتنيات
شخصية .وقد كان تجديد بناء كنيسة مرقوريوس أبى سيفين فاتحة عهد من
البناء والتجديد ،فتجدد عدد كبير من الكنائس وخاصة فى السكندرية.
(2سلم الكنيسة:
كان لمعجزة نقل جبل المقطم أثر عميق فى نفوس الجميع وصارت رهبة
الله على الكبير والصغير فى الدولة ،إذ يسجل التاريخ ذلك بقوله" :حل
السلم محل الثورة و الحرب ،فأمتل قلب النبا ابرآم طمأنينة على شعبه
المين" .ومن أسباب السلم الذى عم الكنيسة هو ما قيل عن الخليفة نفسه.
وهذا يذكرنا بما حدث مع أمبراطور الدولة الرومانية ،المبراطور قسطنطين
الكبير ،الذى بعد أن رأى راية الصليب فى منامه وتم له النصر فى معاركه
آمن بالمسيح .ليس شئ عسير على الرب ،إذ تستطيع نعمة الله أن تدخل
إلى بلط الملوك والباطرة وتسبى سبيا وتعطى الناس عطايا ،فمعلمنا
القديس بولس يكتب قائل ً " :يسلم عليكم جميع القديسين ،ولسيما الذين
من بيت قيصر" )فى ."(22 :4
ونبدأ بقول كاتب السيرة عن يعقوب بن كلس اليهودى الذى كان قد أسلم
فى عهد كافور الخشيدى وانتهى به الحال إلى الدخول فى خدمة الفاطميين
بعد فتحهم لمصر" :ورغم أنه أعتنق السلم إل أنه مازال متعصبا لدينه
اليهودى ،لنه لم يعتنق السلم عن عقيدة بل لجل المنصب .وكان هذا
اليهودى يبغض المسيحيين إلى أقصى درجة ،خاصة وأنه كان له خصم
مسيحى يعزه الخليفة ،وكان اليهودى يخشى أن يعينه وزيرا عوضا عنه ،وكان
اسمه "قزمان بن مينا الشهير بأبو اليمن" ،فها هنا يقول كاتب سيرة سمعان
السكافى إن ابن كلس كان وزيرا للمعز لدين الله ،وخشى أن يستبدل
الخليفة الفاطمى به رجل نصرانيا يحل محله فى الوزارة .وهذا كله كذب،
ببساطة لن ابن كلس لم يكن يوما وزيرا للمعز ،بل لبنه العزيز .فهذا أول
ول فى جدران الخرافة المضحكة ،وفى أول فقرة منها ،وهو ليس بالمعول معْ َ
ِ
الضعيف ،بل معول مزلزل.
الثانية أن راوى الخرافة قد وصف المعز الفاطمى أكثر من مرة بالسماحة
وسعة الصدر واحترام البطرك وتوقيره ،بالضافة إلى أنه ،عند الكلم عن
مجالسه الدينية ،قد ركز على اشتراطه عدم الغضب أثناء الجدال بين
أصحاب الديان المختلفة .لكنه ينسى هذا كله فجأة ليقدم للمعز نفسه صورة
أخرى مخالفة ،إذ انتهز ما قاله له ابن كلس عن آية استطاعة المؤمن
ول على عقد اللقاء الثانى بين النصرانى نقل الجبل من مكانه إذا أراد ،وع ّ
اليهودى والبطرك لستغلله من أجل القضاء على النصارى فى البلد وقَطعْ
دابرهم .كيف يمكن أن يحدث ذلك فى غمضة عين للمعز المتسامح الواسع
الصدر المحب للعلم والعلماء الموقر لبطرك القباط والذى يفسح فى
مجالسه للمجادلت الدينية دون غضب أوتعصب ،وهو أمر لم يفكر فيه من
ل ول من بعد ُ حاكم مسلم ل فى مصر ول فى أى بلد إسلمى آخر؟ الواقع قب ُ
ْ
دكه عَكل" كما كانت شويكار تنطقها س ّ
أن هذا أمر ل يصدقه عقل ،أو "ل ي ُ َ
فى بعض أعمالها السخيفة ،فطبائع الشخصيات البشرية ل تنقلب بهذه
السرعة ول بهذه السهولة ول لهذه السباب التافهة ،اللهم إل إذا كان صاحب
84
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(4 /
كذلك تقول الحدوتة إن البطرك ،حين رجع من عند المعز ،أصدر منشورا
للنصارى جميعا فى عموم البلد أن يصوموا تلك اليام الثلثة التى ضربها
للخليفة ميعادا لتحقيق المعجزة ،بما يعنى أنه ل بد من إعلم النصارى فى
كل أرجاء مصر بما جاء فى المنشور فى نفس اليوم رغم سعة البلد طول
وعرضا كما هو معروف .والسؤال هو :كيف استطاع البطرك فى ذلك الزمن
الذى كانت المواصلت فيه بدائية وبطيئة أن يوصل منشوره إلى رعيته فى
ذات اليوم بحيث استطاعوا أن يصوموا اليام الثلثة المطلوبة قبل أن تبدأ
المواجهة بينه وبين المعز؟ وإلى القارئ ما قاله كاتب الحدوتة بنفسه فى
هذه النقطة" :ذهب البابا إلى كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالمعلقة،
وطلب الساقفة الذين كانوا موجودين بمصر القديمة والكهنة والراخنة
والرهبان ،وذكر لهم ما حدث بينه وبين الخليفة المعز ،وقال لهم :علينا
بالصوم والصلة هذه اليام الثلثة التى أستمهلته أياها ،ليترأف الله علينا
بنعمته ويهئ لنا طريق النجاة .أستجاب الجميع لنداء البابا ،وصام الشعب
القبطى فى طول البلد وعرضها ،وأقيمت القداسات ،وُرفَِعت الصلوات
والطلبات من أجل هذه المحنة التى تجتازها الكنيسة .وأعتكف البابا النبا
ابرآم مع بعض الساقفة والكهنة والرهبان والراخنة بكنيسة السيدة العذراء
بالمعّلقة لمدة هذه اليام الثلثة" .أما فى الرواية التى أوردها عزت أندراوس
فى "موسوعة تاريخ أقباط مصر" فإن المر يوغل فى الستحالة إن كان
للستحالة درجات متفاوتة" :وعاد البابا إلى منزلة بمصر وأحضر الكهنة
والراخنة بمصر وجميع الشعب القبطى وعرفهم ما حدث وهو يبكى" .أى أن
البطرك لم يكتف بإرسال المنشور إلى جميع أرجاء البلد ،بل أحضر الشعب
القبطى كله إليه .كيف ذلك؟ علمه عند عالم السر وأخفى! أو ربما
استدعاهم بنقرة من فارة الكمبيوتر فحضروا إليه فى الحال من جميع أنحاء
الشبكة العنكبوتية وخرجوا من الحاسوب )أو "الكاتوب" كما أفضل أن أقول(
ددة فى الهواء وهم يستنزلون اللعنات على رأس ملوحين بقبضاتهم المه ّ
المعز ومن نفضوا بذرة المعز ،ويهتفون :بالروح ،بالدم ،نفديك يا إبرام!
وتمضى الحدوتة فتذكر أن السيدة مريم عليها السلم قد ظهرت للبطرك فى
المنام" :فى فجر اليوم الثالث غفا البابا غفوة قصيرة فرأى خللها السيدة
العذراء ،وسمعها تقول له :ماذا ب َ
ك؟
ت تعلمين ياسيدة السمائيين والرضيين. فأجابها البابا :أن ِ
فقالت له :لتخف أيها الراعى المين ،فإن دموعك التى سكبتها فى هذه
سى .أخرج ت وشعبك لن ت ُن ْ َ
الكنيسة مع الصوام والصلوات التى قدمتها أن َ
الن من الباب الحديدى المؤدى إلى السوق ،وعند خروجك منه ستجد أمامك
رجل ً بعين واحدة حامل جرة ماء .أمسك به لنه الرجل الذى ستتم المعجزة
على يديه.
وما ان قالت السيدة العذراء ذلك حتى توارت عن عيني البابا الذى أستيقظ
من نومه مندهشا".
ثم إننا نقرأ أيضا فى الحدوتة أن سمعان قد طلب من البطرك أن يذهب
النصارى إلى الجبل يوم المتحان ويصعدوا هم والمسلمون فيه بحيث يقف
85
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
كل من الفريقين فى جانب .المهم أنهم جميعا سيكونون فوق الجبل ،وهو ما
حدث فعل كما ورد فى الحدوتة فى أكثر من موضع" :أصعد يا أبى المكرم
إلى الجبل ،وخذ معك رجال الدين والشمامسة والراخنة ،وأجعلهم يحملون
عاليا الناجيل والصلبان والشموع الطويلة موقدة والمجامر مملوءة بخورا،
وأطلب إلى الملك وحاشيته أن يصعدوا معكم فتقفوا أنتم على ناحية من
الجبل ،بينما يقفوا هم على الناحية المقابلة لكم ،وسأقف أنا وسط الشعب
خلف غبطتكم بحيث ليعرفنى أحد ...أخبر الب البطريرك الخليفة المعز
لدين الله الفاطمى ،أنه مستعد لتنفيذ مطلبه بنعمة الله ،فخرج الخليفة
ممتطيا صهوة جواده ،ومعه حشد رهيب من رجال حاشيته وعظمائه وجنوده،
وتقابل مع الب البطريرك وعدد كبير من الساقفة والكهنة والشمامسة
والراخنة والشعب وبينهم القديس سمعان الخراز ،ووقف الفريقان ،كما قال
القديس سمعان ،مقابل بعضهما فوق جبل المقطم" .إذن فالفريقان كلهما
كانا واقفين فوق الجبل ،ومع هذا تقول الحدوتة المتخلفة إن الجبل اندك أكثر
من مرة )وهم بطبيعة الحال فوقه( وأخذ يتراقص تراقصا مرعبا فيصعد كلما
رفع النصارى رؤوسهم من السجود ،ويرجع إلى موضعه من الرض مند ّ
كا
حين يعودون فيسجدون ،كل ذلك دون أن يتحطموا ويتفتتوا ،بل دون أن
يصيبهم أى أذى على الطلق ،أو على القل دون أن يسقط أحد منهم من
فوق الجبل أثناء هذه اللعيب الكروباتية التى كان يأتيها هذا الجبل العفريت!
تصوروا!
)(5 /
وأنكى من ذلك أنهم كانوا يشاهدون الشمس من تحت الجبل كلما ارتفع فى
الهواء عند قيامهم من السجود .أى أنهم كانوا واقفين فوق الجبل ،ومع ذلك
استطاعوا أن ي ََرُوا الشمس من تحت هذا الجبل! أين أنت يا خواجه بيجو كى
تشق هدومك وتلطم خدودك وتطق عروقك كما كنت تصنع حين يفشر عليك
أبو لمعة المسكين رغم أن فشره ل يعد شيئا مذكورا جنب هذا التخلف
العقلى الرهيب الذى ل يصلح معه إل إرسال صاحبه إلى العباسية؟ وهذا نص
ما جاء فى الحدوتة عن ذلك الموضوع" :بعد تقديم السرار المقدسة التى
رفعها البابا والساقفة ردد المصلون بروح منكسرة وقلوب منسحقة صلة
"كيرياليسون :يارب أرحم" أربعمائة مرة شرقا وغربا وشمال وجنوبا
ى ،وأبتدأوامدى!( .ثم صمتوا برهة بين يدى العل ّ )أربعمائة مرة بحالها؟ يا مح ّ
فى السجود والقيام ثلث مرات ،والب البطريرك يرشم الجبل بالصليب ،وإذ
ك الجبل ،ومع كل قيام يرتفع بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل ،وفى كل سجدة يند ّ
الجبل إلى أعلى وتظهر الشمس من تحته ،ثم يعود إلى مكانه فى كل مرة".
"ياااا صلاااة النبى" على رأى إسماعيل يس! ولكم ،أيها القراء ،أن تتصوروا
ما حدث للخليفة ورجاله وسائر المسلمين بعد هذه المداعبة المتهورة ،فقد
دبر الهّرار(" :عندمامص الحمار ،ذو ال ّ هَّروا على أنفسهم طبعا )كما يفعل الق ّ
حدثت المعجزة فزع الخليفة المعز وأرتعب وكل الجموع المحتشدة معه،
ل :عظيم هو الله ،تبارك أسمه .وألتمس من وهتف المعز بأعلى صوته قائ ً
البابا أن يكف عن عمله لئل تنقلب المدينة" .عجيبة! أوبعد كل تلك الزلزل
والندكاكات لم تكن المدينة قد انقلبت؟ ثم إنى كنت أتوقع أن يكون تعليق
المعز للبطرك هنا هو" :ماذا تفعل يا رجل يا مجنون؟" ،فهذا هو ما يقال فى
مثل تلك الحالة ،لكن مؤلف الحدوتة يفتقر للسف إلى خفة الظل المصرية.
86
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(6 /
ومما روته هذه الخرافة أيضا أن بطلها المسمى" :سمعان" ،والذى يلقب
مرة بـ"سمعان الخراز" ،ومرة بـ"سمعان الدباغ" )وهو اضطراب آخر من
الضطرابات الكثيرة التى تعج بها الحدوتة السخيفة( كان أعور ،إذ كان قد
فقأ إحدى عينيه .لماذا ،اسم الله عليه؟ قال" :قلعتها من أجل وصية الرب.
87
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
فعندما نظرت لما ليس لى ،فى شهوة ،ورأيت أنى ماضى إلى الجحيم
بسببها ،فكرت وقلت :الصلح لى أن أمضى من هذه الحياة بعين واحدة إلى
ة أخرى من المسيح خير من أمضى إلى الجحيم بعينين" .وقد فسرت رواي ٌ
روايات تلك الخرافة ما فعله ذلك المسكين بشىء من التفصيل على النحو
التالى طبقا لما جاء عند عزت أندراوس فى الهامش رقم 11لتلك الحدوتة
فى "موسوعة تاريخ أقباط مصر" ،إذ كتب قائل" :عندما كان سمعان يقوم
بعمله كإسكافى أتت إليه امرأه لتصلح نعل رجلها )خذوا بالكم والنبى من
"نعل رجلها" هذه ،وكأن هناك نعل لليد ،وآخر للرأس ،وثالثا للنف ،ورابعا
للذن ...وهلم جرا( ،وكانت جميلة الصورة ،وعندما خلعت نعلها نظر إلى
ساقها فنظرت عيناه إليها بشهوة ،فأّنبته نفسه فضرب المخراز فى إحدى
عينيه فأفرغها تنفيذا لوصية الرب" :إن كانت عينك اليمنى ت ُعِْثرك فاقلعها
قى جسدك كله فى نار جهنم" عنك ،لنه خير لك أن ي َهِْلك أحد أعضائك ول ي ُل ْ َ
) مت ...(29 -28 :5قد يقال أن سمعان الخراز تصرف بطريقة حرفيه ،إل
أن هذا ل تنقص من قداسته لبساطته وإخلصه وامانته فى تنفيذ هذه الوصية.
كما أنه برهن على طهارته ونقاوة قلبه ورفضه للخطية التى تمكنت منه فى
لحظه ضعف .كما أنه لم ينظر إلى المرأه بعين واحده وإنما الثنين .فإنه أرد
أن يعاقب نفسه على هذه النظرة الشريره التى إقتربت من الشهوة إلى حد
أنها أصبحت فى حد ذاتها شهوة".
لكن فات سمعان والذين يقدسون سمعان ،وهم بطبيعة الحال أحرار فى
ذلك ،أنه هو أو أى إنسان فى العالم عندما ينظر إلى شىء أو شخص فإنه
ينظر إليه بعينيه الثنتين ل بعين واحدة ،فكيف اكتفى بقلع واحدة ولم يشفعها
ذب ولو نصف تعذيب؟ كذلك بالخرى حتى يتأكد أنه لن يذهب إلى الجحيم ويع ّ
من غير الممكن أن تكون هذه هى المرة الوحيدة التى رأى فيها امرأة جميلة
وتحركت نفسه إليها ،وإل ما كان بشرا سويا ،وهو ما يكذبه تطلعه إلى قدم
المرأة كما جاء فى تلك الخرافة .فلماذا لم يمض على سنته فيقلع العين
الثانية بعد ذلك ما دام لم يقلعها أول مرة فيريح ويستريح؟ ثم لماذا لم يذهب
فى ذات التجاه فيصلم أذنيه ويصب فيهما الُنك كيل يسمع صوتا أنثويا رقيقا
أو مغناجا فيتطاول قلبه وتكون كارثة أخرى؟ ثم لماذا لم يستمر على نفس
المنوال فيجدع أنفه ويسد فتحتيه بما يمتنع معه أن يشم عطر امرأة فواح
يحرك أوتار خياله ونجد أنفسنا أمام كائنة أخرى من تلك الكوائن التى تؤدى
بصاحبها إلى جهنم ،والعياذ بالله؟ ثم إن الخرافة المضحكة قد نسيت أن
جل" التى تسببت فى هذه الكارثة. تقول لنا ماذا فعلت المرأة صاحبة "الّر ْ
ذلك أننى أتصورها ،حين رأت ما صنعه هذا المجنون ،قد لطمت ورَقعت
حّيانى على عادة نساء مصر فى مثل تلك المواقف حتى تكأكا بالصوت ال َ
دب وصوب ،وهى ل تكف عن الصياح واللطم ح َ
حولها خلق الله من كل َ
سْلو المصريات!( ،وكانت حكاية شغلت الصحافة وبقية والعويل )فهكذا ِ
وسائل العلم العام بطوله! وبالمناسبة فل يمكن أن تكون قدمها إل قدما
قشفة ،وإل فما الذى ينتظره النسان من امرأة تذهب إلى السكافى ليصلح
لها نعلها الذى ل تملك غيره؟ ترى ما الذى كان قمينا أن يحدث لو كانت
المرأة سيدة مترفة ذات قدم بضة مضيئة؟ ل أظن إل أن سمعان الورع
خ بها رأسه ضمانا للنجاة، التقى كان سيسرع حينئذ إلى أقرب طبنجة ويط ّ
دق مع ذلك بأنه نجا! وهو ل يكاد يص ّ
ثم إنى أتساءل :كيف يا ترى يقال رغم هذا إن النصرانية هى ديانة الرحمة
صْلبه البشرية من خطاياها؟ فإذا كان دى بدمه و َ والخلص ،وإن المسيح قد فَ َ
88
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(7 /
أما شريعة محمد ،الذى يتخذه الوغاد غرضا لشتائمهم وبذاءاتهم ويريد بعض
الناس أن نسكت على شتمه ول نرد عنه قلة الدب والصياعة الجرامية ،فإن
لها رأيا آخر هو الحكمة كلها ،والفقه كله ،والعطف كله .جاء فى صحيح مسلم
ب على ابن آدم نصيبه من الزنا ،مدرك ذلك ل محالة :فالعينان مثل" :ك ُت ِ َ
زناهما النظر ،والذنان زناهما الستماع ،واللسان زناه الكلم ،واليد زناها
دق ذلك الفرج خ َ
طا ،والقلب يهوى ويتمنى .ويص ّ البطش ،والرجل زناها ال ُ
ذبه" ،وفى رواية ثانية" :أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :إن الله كتب ويك ّ
على ابن آدم حظه من الزنا ،أدرك ذلك ل محالة :فزنا العينين النظر ،وزنا
دق ذلك أو يك ّ
ذبه". اللسان النطق ،والنفس تمّنى وتشتهي .والفرج يص ّ
و بطبيعة الحال فإن الرسول عليه السلم ل يشجع هنا على التساهل ،بل
يعصم النفوس من اليأس إن حسبت أنها يمكن أن تعلو تماما عن مطالب
الجسد وشهواته وكأنها ملئكة نورانية ل غرائز عندها ول تطلعات إلى متاع
الحياة ،ثم تفاجأ بأن ذلك مستحيل تماما مما يدفعها إلى الوقوع فى حمأة
الثم والتخبط فى شباكه ما دام ليس ثمة أمل من وراء الجهود المتلحقة
والحرمانات المتصلة .وهل هناك شخص يستطيع أن يزعم صادقا أنه قد نجح
تمام النجاح فى أل ينظر إلى امرأة فاتنة أو يسمع صوتا جميل أو يشم عطرا
فواحا طوال حياته ،أو أنه نظر وسمع وشم ولم يكن لهذا أى تأثير فى نفسه
على الطلق؟ إنه إذن لكذب الكذابين وأشد المنافقين نفاقا والتواء! والعبرة
على أى حال فى أل يستجيب لصوت الشهوة أو ينساق معه ،بل يوقفه بكل
ما عنده من جهد .والبشر متفاوتون فى هذا الجهد :فمنهم من يتوقف سريعا
فل يمضى بعيدا فى خيالته ،ومنهم من يضعف فيترك لخواطره العنان،
ومنهم من قد يمضى إلى ما هو أبعد من ذلك .وهذا ما نشاهده حولنا دون
حذلقات ماسخة .وباب التوبة مفتوح دائما أبدا ،والله يغفر الذنوب جميعا
مهما غلظت وضخمت ما دام مجترحها يشعر بخطئه ويندم عليه ويعمل بكل
وسعه على عدم المعاودة حتى لو تكرر وقوعه بعد ذلك فى الذنب .فالمهم
أن يظل الضمير يقظا وأل يستسلم صاحبه للثام فيجترحها على أنها أمٌر
عادىّ ل يستوجب الشعور بالذنب والخجل .فهذا أفضل من سد بيبان العفو
والغفران وتيئيس الناس ودفعهم دفعا إلى الثام والخطايا بإيهامهم أن
ل عن المغفرة ،مع أنه سبحانه قد تكفل بغفران الذنوب جميعا. سيئاتهم تج ّ
89
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
والعجيب أن نرى السيد المسيح عليه السلم يتشدد كل هذا التشدد فى
الوقت الذى لم تكن ذنوب أنبياء العهد القديم أنفسهم هى اجتراح الذنوب
البسيطة من عّينة النظر إلى ساق امرأة قشفة مثل ل تثير شهوة صرصور،
بل منهم من زنى ،ومنهم من دّلس ،ومنهم من حقد ،ومنهم من قتل بضمير
بارد وإجرام متوحش ل يعرف الندم ،ومنهم من أعان زوجاته على عبادة
الصنام ،مما تعد معه نظرة سمعان المسكين إلى ساق المرأة الجلفة حسنة
من الحسنات تكفل لصاحبها مقعدا فى البريمو بملكوت السماء!
)(8 /
ه فى ضوء هذا نقرأ النصوص التالية من العهد الجديد27»" :قَد سمعت َ
م أن ّ ُ ْ َ ِ ْ ُ ْ
ل من ينظ ُر إَلى امرأةَ
ْ َ ٍ ن كُ ّ َ ْ َ ْ ُ ِ م :إ ِ ّ ل ل َك ُ ْ ما أ ََنا فَأ َُقو ُ َ
ن28 .وَأ ّ ماِء :ل َ ت َْز ِ قد َ َ ل ل ِل ْ ُ ِقي َ
َ
مَنى ت ُعْث ُِرك َفاقْلعَْها َ ْ
ت عَي ْن ُك الي ُ ْ َ ن كان َ ْ َ ه29 .فَإ ِ ْ ْ
قد ْ َزَنى ب َِها ِفي قَلب ِ ِ شت َهِي ََها ،فَ َ ل ِي َ ْ
ّ ْ َ َ َ َ َ َ
ه ِفي سد ُك كل ُُ َ ج َ قى َ ضائ ِك وَل ي ُل َ َ َ حد ُ أعْ َ ن ي َهْل ِك أ َ َ خي ٌْر لك أ ْ َ ه َ قَها عَن ْك ،لن ّ ُ َ وَأل ْ ِ
خير ل َ َ َ قها عَن ْ َ َ َ
نكأ ْ ه َ ٌْ ك ،لن ّ ُ ك َفاقْط َعَْها وَأل ْ ِ َ مَنى ت ُعْث ُِر َ ك ال ْي ُ ْ ت ي َد ُ َ كان َ ْ ن َ م30 .وَإ ِ ْ جهَن ّ َ َ
ن أعْث ََرت ْكَ َ َ ّ ُ َ ْ َ َ َ َ َ
م" )متى8" .(5 /فإ ِ ْ جهَن ّ َ ه ِفي َ سد ُك كل ُ ج َ قى َ ضائ ِك وَل ي ُل َ حد ُ أعْ َ ي َهْل ِك أ َ
عَ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ُ يد َ َ
ج أوْ أقط َ حَياة َ أعَْر َ خل ال َ ن ت َد ْ ُ خي ٌْر لك أ ْ قَها عَن ْكَ . جلك فاقطعَْها وَأل ِ ك أوْ رِ ْ َ ُ
َ ْ َ
ن أعْثَرت ْك عَي ْن ُك فاقلعَْها َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ
ن9 .وَإ ِ ْ جل ِ ن أوْ ر ْ دا ِ قى ِفي الّنارِ الب َدِي ّةِ وَلك ي َ َ ن ت ُل َ نأ ْ م ْ ِ
ك جهَن ّم ِ الّنارِ وَل َ َ في قى َ ْ ل ت ن ل ال ْحياة َ أ َعْور ِمن أ َ َ خ د ت ن َ أ َ
ك َ ل ر ي خ ك. َ ْ َ
َ ِ ََ ِ ْ ْ ُ َ َ ْ َ ْ ُ َ ٌْ وَ ِ َ َ ْ
نع ها ق ل أ
َ َ
حَياةَ ل ال ْ َ خ َ ن ت َد ْ ُ كأ ْ خي ٌْر ل َ َ ك َفاقْط َعَْهاَ . ك ي َد ُ َ ن أعْث ََرت ْ َ ن" )متى43" .(18 /وَإ ِ ْ عَي َْنا ِ
فأُ. م ،إ َِلى الّنارِ ال ِّتي ل َ ت ُط ْ َ َ َ
جهَن ّ َ ي إ َِلى َ َ ض م ِ ن وَت َ ْ ِ دا ك يَ َ ن لَ َ كو َ ن تَ ُ نأ ْ ْ أقْط َعَ ِ
م
ن أ َعْث ََرت ْ َ 44حيث دودهم ل َ يموت والنار ل َ تط ْ َ ُ
خي ٌْر ك َفاقْط َعَْهاَ . جل ُ َ ك رِ ْ فأ45 .وَإ ِ ْ ُ َ ُ ُ َ ّ ُ َ ْ ُ ُ ُ ُ ْ
ْ َ َ َ لَ َ َ
م ِفي الّناِر جهَن ّ َ ح ِفي َ ن وَت ُطَر َ جل َ ِ ك رِ ْ نل َ كو َ ن تَ ُ نأ ْ م ْ ج ِ حَياة َ أعَْر َ ل ال ْ َ خ َ ن ت َد ْ ُ كأ ْ
ك عَي ْن ُ َ ن أ َعْث ََرت ْ َ ُ ت َوالّناُر ل َ ت ُط ْ َ ُ ال ِّتي ل َ ت ُط ْ َ
ك فأ47 .وَإ ِ ْ مو ُ م ل َ يَ ُ ث ُدود ُهُ ْ حي ْ ُ فأَ 46 .
كوت الله أ َعْور م َ خير ل َ َ َ
حن وَت ُط َْر َ ك عَي َْنا ِ ن لَ َ كو َ ن تَ ُ نأ ْ ََ ِ ْ ِ مل َ ُ َ ل َ خ َ ن ت َد ْ ُ كأ ْ َفاقْل َعَْهاٌ ْ َ .
ُ ت َوالّناُر ل َ ت ُط ْ َ
فأ" )مرقس .(9 /وأترك مو ُ م ل َ يَ ُ ث ُدود ُهُ ْ حي ْ ُ م الّناِرَ 48 . جهَن ّ َ ِفي َ
القارئ الن ليقارن بين كلم وكلم ويرى بنفسه ولنفسه الفرق بين مثاليات
ط لنا فيها الغبية مارى ها" ،حتى ل تن ّ متشنجة ل تؤكل عيشا )ول "جاتو ً
أنطوانيت زوجة لويس السادس عشر!( ول تؤدى بمّتبعها إلى شىء ،اللهم إل
الكوارث أو الكذب والتشدق بما ل يستطيعه هو أو سواه ،وبين تشريع
إنسانى يلئم بين سمو المثالية وضغط الواقع الذى ل يمكن الفلت تمام
الفلت منه ،ويعرف من ثم أن شريعة محمد هى الشريعة الجدر بالقبول
لدى كل من عنده نظر فى عينيه ،وعقل فى رأسه يفكر به ويعرف خلصه،
وإل فلم تكن الجعجعة بقادرة يوما على أن تبّلغ صاحبها أى شىء!
كر النفوس ويدغدغ المشاعر، س ِ أل ما أسهل الكلم الجميل المنمق الذى ي ُ ْ
لكنه عند التطبيق ل ينجلى عن أى طائل .وما هكذا تساس أمور البشر ،بل
السياسة السليمة هى التى تدفعنا فى طريق النجاة ولو خطوات بدل من أن
نظل نراوح أماكننا ونحن نهتف بالشعارات المثالية الباعثة مع ذلك على
الضحك والمنتهية سريعا إلى اليأس والحباط! ترى هل من المستطاع مثل
الحفاظ على أثوابنا من التساخ والعرق مهما اجتهدنا وبذلنا كل ما لدينا من
وسع لتقاء البقع والغبار والطين ورائحة إفرازات الجسد؟ إن هذا ،بطبيعة
الحال ،أمر غير ممكن ،وكل ما نستطيعه هو أن نغير دائما ملبسنا كلما
اتسخت ول نبقيها على أجسامنا بما تؤذى به العين من قذارة ،والنف من
نتانة ،عارفين أن ذلك لن يضع حدا لتلك القذارة ول لتلك النتانة ،وأنهما
90
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(9 /
طما" لنه ومن التدليس النئ المفضوح قولهم إن المقطم إنما سمى" :مق ّ
فى هذه المعجزة قد تقطم ،أى تقطع قِط ًَعا" :تحكى مخطوطة بدير النبا
طع أوطم أو المق ّ مى كذلك ،أى المق ّ
س ّ َ
أنطونيوس أن الجبل المقطم ُ
ً
طب ،لن سطحه كان متساويا أى متصل ،فصار ثلث قطع ،واحدة خلف المق ّ
لخرى ،ويفصل بينهم مسافة .وتقول قواميس اللغة العربية أن كلمة ا ُ
"مقطم" معناها "مقطع" ."...وها هنا عدة أمور :أولها هل تقطع الجبل؟ أم
هل انتقل من مكانه؟ أم هل بقى على حاله الولى؟ لن ُعِد ْ قراءة ما قالته
الحدوتة فى هذا الصدد" :بعد تقديم السرار المقدسة التى رفعها البابا
والساقفة ردد المصلون بروح منكسرة وقلوب منسحقة صلة "كيرياليسون:
يارب أرحم" أربعمائة مرة شرقا وغربا وشمال وجنوبا ،ثم صمتوا برهة بين
يدى العلى .وأبتدأوا فى السجود والقيام ثلث مرات ،والب البطريرك يرشم
الجبل بالصليب ،وإذ بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل ،وفى كل سجدة يندك
الجبل ،ومع كل قيام يرتفع الجبل إلى أعلى وتظهرالشمس من تحته ،ثم
يعود إلى مكانه فى كل مرة .إنها قوة اليمان الذى أعلنه معلمنا الرسول
بولس إذ قال" :أستطيع كل شئ فى المسيح يسوع الذى يقوينى" )فى : 4
.(13عندما حدثت المعجزة فزع الخليفة المعز وأرتعب وكل الجموع
ل :عظيم هو الله ،تبارك أسمه. المحتشدة معه ،وهتف المعز بأعلى صوته قائ ً
وألتمس من البابا أن يكف عن عمله لئل تنقلب المدينة .وعندما هدأت المور
قال للبابا :لقد أثبتم أن إيمانكم هو إيمان حقيقى .بعد أن هدأت نفوس
الجموع المحتشدة بدأوا ينزلون من الجبل ليعودوا إلى بيوتهم .أما البابا
البطريرك فقد تلفت حوله باحثا عن القديس سمعان الخراز الذى كان يقف
خلفه فلم يجده ولم يعثر أحد عليه بعد ذلك حتى أظهرته نعمة الله فيما بعد
ى
م َس ّكما سنرى .تحكى مخطوطة بدير النبا أنطونيوس أن الجبل المقطم ُ
كذلك ،أى المقطم أو المقطع أو المقطب لن سطحه كان متساويا ،أى
لخرى ،ويفصل بينهم مسافة .وتقول ل ،فصار ثلث قطع ،واحدة خلف ا ُ متص ً
قواميس اللغة العربية أن كلمة "مقطم" معناها "مقطع"."...
ومعنى السطور الثلثة الخيرة أن الجبل لم يكن اسمه سابقا" :المقطم" لنه
ن من الواضح أن كل ما حدث ،حسبما لم يكن قد انقطم قبل تلك الواقعة .لك ْ
تقول الخرافة المضحكة ،هو أن الجبل قد ارتفع وهبط عدة مرات ،والناس
فوقه إلى آخر لحظة كما قلنا ،ثم ل شىء آخر ،إذ ل تذكر الحدوتة من قريب
أو من بعيد أنه قد تقطع البتة أو انتقل من موضعه ،وهو ما يعنى أن التفسير
المقدم هنا لكلمة "المقطم" ،وهو حصول المعجزة ،ليس سوى كلم فارغ.
91
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ثم إذا عرفنا أن هذا الجبل كان معروفا عند العرب بهذا السم قبل ذلك
بوقت طويل كان هذا دليل آخر على كذب الحدوتة .وهذه بعض الشواهد على
خَرْيم
ذلك من شعر العرب ونثرهم قبل عصر الفاطميين :يقول أيمن بن ُ
السدى )ت 80هـ(:
دا
ري َ
ن الب َ ِمْرَوا َن َ شرِ ب ْ ِ ماَدى إ َِلى ب ِ ْ ج َقط ّم ِ ِفي ُ م َ ن ال ْ ُ م َت ِ َرك ِب ْ ُ
يقصد أنه سافر من مصر حيث كان عبد العزيز بن مروان واليا ،إلى العراق
الذى كان يتوله أخوه بشر .ويقول ك ُث َّير عزة )105 -40هـ(:
ب ال ُ ّ َ كب َ
مقطم ِ هضا َ سَرى ِ م عاب ِد ٍ ب ِأركاِنها الي ُ ْ ن أعل َ ت َُعاِلي وََقد ن ُ ّ َ
ويقول منصور بن إسماعيل الفقيه )ت 306هـ( فى الثناء على الشافعى
وعلمه:
دفون في ت ُْرِبه ّ ّ َ
م ْقطم َوال َ م َم ال ُ مها ن ِعْ َ
أضحى بمصر دفيًنا في مقط ِ
معَّلى الطائى )وهو من أهل القرنين الثانى والثالث الهجريين( فى ويقول ُ
صف ،وكان يحبها حبا شديدا فماتت ودفنت فى المقطم: رثاء جاريته وَ ْ
ت بها خّليِتني فَْرًدا وب ِن ْ ِ َ
دث ج َ ْ
فَت ََركُتها بالّرغم في َ ii ْ
دون المقطم ل iiألّبسها
مظ ِْلم ِ
ة سك َْنتها في قَْعر ُ ii أ ْ
حد ٌ ... بيتا إذا ما زاره iiأ َ
َ َ ً
ك حافل iiوكفا ُ ْ ِ َ ل ب َ ق ت كن ما ...
سفا سف ت ُْرَبه iiن َ ْ للّريح ي َن ْ ِ
شْنفا طا ول َ ii من زينةٍ قُْر ً
قفا بيًتا ُيصاِفح ت ُْرُبه iiالس ْ
صفا دي الب َِلى iiعَ ْ ت به أي ْ ِ ف ْص َعَ َ
)(10 /
92
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الله عنه ،سار في سفح المقطم ومعه المقوقس ،فقال له عمرو :ما بال
جبلكم هذا أقرع ليس عليه نبات كجبال الشام؟ ...إلى آخر الحوار.
وبالمناسبة فهناك "مقطم" آخر فى فلسطين يقع قرب قرية بيت عنان وبيت
ى آخر وراء انشقاقه هو أيضا ثلث قطع؟ ن إسكاف ّ
لقيا ،فهل كان هناك سمعا ٌ
عفوك اللهم!
هذا من ناحية النص وحده دون الرجوع إلى شىء خارج النص ،فإذا ما وسعنا
الدائرة ورجعنا إلى كتب التاريخ وغيرها من الكتب هالنا المر واكتشفنا أن
ملفق هذه الحدوتة هو رجل مخرف العقل ل فهم لديه ول معرفة له بفن
التأليف ،وإل لقد كان ينبغى أن يفكر قليل قبل أن يكتب ما كتب ،أو على
القل كان عليه أن يراجعه قبل أن يذيعه فى الناس حتى ل تكون فضيحة
بجلجل! كيف ذلك؟ نبدأ بقوله عن ابن كلس إنه كان وزيرا للمعز .وذلك
كذب بواح كما قلنا ،إذ تخبرنا كتب التاريخ والتراجم أن الرجل لم يتول
الوزارة إل فى عهد العزير بالله ابن المعز لدين الله .فهذه واحدة ،كما أنه لم
يقع ترميم للكنائس على هذا النحو فى عهد المعز بأى شكل من الشكال،
وهذه هى الثانية .ثم إننا نبحث فى كل الكتب عند المسلمين فل نجد شيئا
عن تلك التخريفة التى يسمونها" :معجزة" على الطلق! ترى هل يمكن أن
يسكت كل المؤرخين والجغرافيين والدباء والشعراء والفلسفة والوعاظ
وكتاب الدواوين عن الشارة إلى حدث كهذا زلزل القاهرة وكاد أن يأتى
عليها من القواعد ،بل المفروض أنه قد أتى عليها فعل من القواعد ،فل
ل يوم يرى الناس جبال تطير وتهبط يفتحوا فمهم بكلمة توحد الله؟ وهل ك ّ
وتندك وقد تزاحمت الحشود عليها باللف؟ أمن المعقول أن الذين أسعدهم
)أو قل :أتعسهم وأرعبهم( الحظ بركوب ذلك البساط المدهش لم يفكر أحد
منهم فى تسجيل تجربته وتصوير مشاعره فى تلك اللحظات الرهيبة؟ ل ل
ليست هذه طبيعة الشخصية المصرية التى ل تترك شيئا جليل أو تافها دون
واتها
ص َ
أن تجعله محورا لثرثرتها ،إن لم يكن لهزلها وتنكيتها أو للطمها و ُ
حسبما تقتضى الظروف!
)(11 /
مرة أخرى هل يعقل أن يخرس الكّتاب المصريون على بكرة أبيهم فل يخطوا
حرفا واحدا عن الزلزال على القل ،ذلك الزلزال الذى ل بد أن يكون قد
تجاوز مقدار ثمانى درجات بمقياس ريختر ،لكن الله سلم ،لن النبا
والسكافى كانا رغم كل شىء رفيقين بالمسلمين فلم يشاءا أن يدمرا البلد
على دماغ الذين جاؤوا بها واكتفوا بقرصة الذن هذه؟ ودعنا من تثنى الجبل
ورقصه على واحدة ونصف وقد ربط شال على مؤخرته كما تفعل الراقصات،
ف أنعم سخي ٌ فهكذا تقتضى أصول الرقص الشرقى ،وإل فل! وحتى لو َز َ
المسلمين لم يشاؤوا أن يتكلموا عن المعجزة ،ول أدرى لماذا ،لقد كان
دعوا مثل أن النصارى كانوا يريدون بإمكانهم يا أخى أن يقلبوا الحقائق قلًبا في ّ
بالبلد شرا وكان فى نيتهم التمرد على السلطات ،إل أنها قد ألزمتهم
حدودهم .أما أن يسكت الشعب كله خاصته وعامته وحكومته دون أن ينبس
ببنت شفة أو بابنها فهذا ما ل يدخل دماغ أى إنسان .لقد شغلت الناس أيما
شغل حكاية الضواء التى تلعب بها بعض الكنائس فى عصرنا هذا وتطلقها
فى الليل فوق أبراجها ثم يدعون أنها ظهورات لمريم عليها السلم ،وأفاضت
الصحف والكتب فى أمرها طوال سنوات ومازالت تتناولها حتى الن ،ول
93
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ريب أن تلك الضواء المصنوعة ليست شيئا بالمرة أمام الرقص المرعب
الذى يجمد الدم فى العروق والذى رقصه الجبل )منه لله!( ول َرْقص القرد
ميمون ،فما بال المصريين على بكرة أبيهم وأمهم معا قد انكتموا كتمة
الفول المدمس فلم يفتح الله عليهم بكلمة واحدة فى هذه المناسبة المذهلة
التى لو كانت وقعت لقامت فتنة ل يعلم مداها إل الله ،ولرأينا كذلك بعض
ضعفاء اليمان من المسلمين يتنصرون ،وهو ما لم يحدث ،وإل لسجله
المؤرخون على عادتهم فى تناول كل شىء دون تعمية أو تجاهل أو تزييف.
أما استشهاد عزت أندراوس بكلم ماركو بولو عن تلك الحدوتة فى رحلته
فهى مسألة تبعث على القهقهة ،فماركو بولو لم يكن حاضرا الواقعة ،بل لم
يكن معاصرا لها ،وكل ما فعله هو تسجيله لما سمعه أثناء تطوافه فى بلد
المسلمين .ليس ذلك فحسب ،بل من شأن ما قاله أن يقدح فى المسألة ل
أن يؤكدها ،إذ إن مسرح المعجزة عنده بين بغداد والموصل وليس القاهرة،
كما أن الخليفة العباسى فى قصته هو الذى كان ينوى اضطهاد النصارى ل
المعز ،بالضافة إلى أن تاريخ الضطهاد والمعجزة المزعومة فى كتابه متأخر
عن تاريخهما المكذوب فى مصر بقرنين ونصف حسبما يوضح الهامش الول
من هوامش الفصل السابع من الكتاب الخاص برحلته .ثم إن الخليفة
العباسى فى حدوتة الرحالة اليطالى كان يكره النصارى "لله فى لله" دون
حاجة إلى وجود وزير يهودى يوغر صدره عليهم ،على عكس الحدوتة الخرى
التى تصور المعز واسع الصدر ،يفسح لهم دائما فى مجلسه ويحب أن يستمع
إليهم وهم يجادلون المسلمين واليهود فى حرية تامة ،إلى أن قفز فيها ابن
كلس وخطط لليقاع بالنصارى .وفضل عن ذلك نرى الخليفة فى رواية بولو
يعطيهم مهلة عشرة أيام :فإن نجحوا فبها ونعمت ،وإل فالعقوبة الصارمة فى
انتظارهم .أما فى الرواية المصرية فهم الذين التمسوا منه المهلة ،وكانت
ثلثة أيام ل عشرة قضوها كلها صائمين ،بخلف الحدوتة الخرى التى تقول
إن النصارى قد قضوا اليام العشرة فى صلة وتضرع ،لكن دون صيام.
وبالمثل ففيما نجد أن مريم عليها السلم فى روايتنا السابقة هى التى
ظهرت للبطرك فى المنام نفاجأ فى رواية بولو بأن زائر المنام هو الروح
مُزور هو أسقف من الساقفة ل البابا ذاته ،وأن القدس ل العذراء ،وأن ال َ
الزيارة المنامية قد تكررت عدة مرات ،على حين أنها فى الرواية السابقة لم
تقع إل مرة واحدة ليس إل .وفوق ذلك ففى الوقت الذى تقول فيه الرواية
الولى إن الفريقين من مسلمين ونصارى صعدوا جميعا على الجبل ،كل
فريق فى جانب منه ،وإن الجبل كان يعلو ويهبط وهم واقفون فوقه ،نجد فى
رواية رحالتنا البندقى أن الفريقين كانا واقفين فى السهل أمام الجبل ل فوق
جى من الخطر... م يشاهدان ما يحدث وهم بمن ً الجبل نفسه ،وكانا من ث َ ّ
فكيف بعد ذلك جميعا يجرؤ أى إنسان على الستشهاد بما كتبه ذلك الفاق؟
وما أشبه هذا بما كنا نسمعه فى طفولتنا من حواديت العفاريت التى كان
ت وأصبح لى أبطالها دائما رجال ونساء من أهل قريتنا ،حتى إذا ما كبر ُ
تأصدقاء من قرى أخرى بعيدة عن قريتنا وليست لها بها أية صلة ،أخذ ُ
أسمع منهم نفس الحواديت مع بعض التلوينات المختلفة ،إل أن أبطالها رجال
ونساء من تلك القرى الخرى ،فكان هذا سببا إضافيا من السباب التى
نبهتنى إلى أنها مجرد خرافات ل علقة لها بالواقع وأنها لم تقع بقريتنا أو بأية
قرية أخرى.
)(12 /
94
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
95
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
96
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
يجرؤن على التفكير بهذه الصورة والتصريح بهذه الفكرة ،إل أنهم يستبطنونها
ويحملونها؛ فلسان حالهم يعبر عن اليأس القاتل.
وحين تتحدث أمام أمثال هؤلء عن بشائر المل وعن هذه اليقظة والصحوة
المباركة يفاجئونك بفتح الصفحة الخرى من واقع المة ،وفي الحديث عن
الجهود المستميتة لعداء المة ،والتي أصبحت اليوم عينا ً ترصد كل محاولة
تقوم بها هذه المة ويسعى بها المصلحون ليقظتها لجل أن يئدوا كل جهد
للتغيير .
إن هذا المنطق حين يسيطر على تفكير فئام من المصلحين فإنه سيعوق
ويؤخر الجهود ،ومن ثم كان لبد من حديث يبعث على المل ويعيده للنفوس،
واليائسون مهما عملوا لن يحققوا أهدافهم لنهم يعملون وهم ينتظرون
الفشل .
إنه ل ينجح في العمل إل أولئك المتفائلون الذين يدفعهم التفاؤل والشعور
بأنهم سيحققون أهدافهم .وهذا الحديث له جوانب شتى منها الحديث عن
النصوص القطعية بالكتاب والسنة والتي تدل على أن المستقبل والنصر
والعزة لهذا الدين .وهو حديث مهم لكن ليس هذا مكانه .ومنه الحديث عن
هذا النموذج وإبراز هذا النموذج الحديث عن النقلة التربوية للجيل الول جيل
خير الناس .حين جاء النبي في ظل واقع يعاني من أبشع صور النحطاط
والفساد والتخلف ،فانتقل هذا الجيل تلك النقلة البعيدة العظيمة .إن قراءة
سيرة هذا الجيل والتأمل فيها وإدراك هذه النقلة العظيمة مما يبعث على
المل ،ويزيل اليأس عن القلوب ،ويشعر الناس أنه كما غيرت المة وكما
انتقلت من ذاك الواقع البئيس فإنها بإذن الله ستنتقل ،وقد وعد الله عز وجل
-وهو عزوجل ل يخلف الميعاد -فقال) :إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم( .فالله تبارك وتعالى ل يغير ما بقوم من صلح وخير إلى فساد إل
حين يغيرون ما بأنفسهم ،وكذلك ل يغير ما بقوم من فساد وسوء إلى صلح
وخير حتى يغيروا ما بأنفسهم .إن هذه السنة الربانية تعني بمفهومها أن
الناس حين يغيرون ما بأنفسهم ثم يسعون للتغيير ،فإنه سيتحقق التغيير بإذن
الله .
)(1 /
وقد جعل الله عز وجل مسؤولية التغيير على أيدي الناس )ذلك ولو يشاء الله
لنتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل فلن يضل
أعمالهم ( )يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم
يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل
الله ول يخافون لومة لئم ( .
إننا حين نريد أن نتحدث عن تربية خير الناس أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم فإن الحديث يطول ،ولن نستطيع أن نلم بأطرافه وزواياه في مثل
هذه الساعة ،لكننا نريد أن نركز في حديثنا على هذه النقلة ،كيف تحققت
وكيف تغير المجتمع من ذاك الواقع المظلم المنحط إلى أن أصبح القتداء به
والتأسي به والتشبه به دليل على الهداية بإذن الله عز وجل ،والنحراف عنه
دليل ً على الضلل والغواية؟
لقد أرسل الله النبي صلى الله عليه وسلم في مجتمع يعاني من الجاهلية
والضلل ،وقد صار الناس كما وصفهم صلى الله عليه وسلم )إن الله نظر
إلى الناس فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب( ،إنه ُأرسل في
97
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
أمة قد مقتت ،وأمة قد حق عليها الضلل والغواية ،ولم يعد لتلك المة من
أهل الهداية والخير إل أفراد معدودون كانوا يسمون الحنفاء .وحين تقرأ في
السيرة وتقرأ الحديث عن الحنفاء .فإنك تجد أهل السير يسمون الحنفاء
بأسمائهم مما يدل على أنهم فئة محصورة وعدد قليل في خضم ذلك
المجتمع الضال المنحرف.
وحين نتحدث عن جانب واحد فقط من جوانب التخلف والنحطاط التي كان
يعاني منها العرب في جاهليتهم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فإن
ذلك وحده يكفي شاهدا ً لموضوعنا ،لكننا سنطوف هنا وهناك ونأخذ شواهد
من جوانب شتى في ذلك المجتمع ،كلها تنطق بهذا النجاز التربوي الذي
تحقق على يد ذلك الجيل وذاك الرعيل الذي اختاره الله تبارك وتعالى،
ليكون قدوة ً للناس :قدوة في العمل ،والسلوك ،والعتقاد ،والتعبد لله تبارك
و تعالى ،وقدوةً في منهج الصلح والتربية والتغيير .
الجانب الديني
كان الناس قد انسلخوا من دين الله تبارك وتعالى وجاهروا بالشرك الصريح،
وصاروا ل يعرفون الله عز وجل إل في وقت الشدة ،فإذا ألمت بهم شدة
وأدركتهم الخطوب وضاقت بهم البواب لجؤوا إلى ربهم تبارك وتعالى فدعوا
الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون! وهذا عنوان
الستهزاء والسخرية برب العالمين تبارك وتعالى ،إنه دليل على أن قضية
الشرك في عبادة الله تبارك وتعالى كانت ترتكب عند هؤلء عن عمد وسبق
إصرار ،فهاهم حين تدلهم بهم الخطوب وتضيق بهم السبل يعلنون التوحيد
لله تبارك وتعالى .وحين سأل النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم قال ":كم
إله تعبد اليوم؟" قال سبعة :ستة في الرض وواحد في السماء ،قال":فمن
الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟" قال الذي في السماء ،كان أولئك كما حكى أبو
رجاء العطاردي رضي الله عنه :كنا في الجاهلية إذا لم نجد حجرا ً جمعنا
جثوة من التراب وجئنا بالشاة فحلبناها عليه ثم طفنا بها .إن هذه قيمة الله
عند أولئك ،الله هم الذين يصنعونه ،حينما يأتي أحدهم إلى الصحراء يبحث
عن حجر ليعبده ،فيأتي فيختار أربعة أحجار ،فيبحث عن أحسنها وخيرها،
فيجعله إلها ً له فيعبده ويسجد له ويركع له ويعلق مصيره وحياته به ،ثم يأخذ
دره عليها ويشعل تحته النار! إن دره؛ فيضع قِ ْق ْالثلثة الخر فيجعلها أثافي ل ِ
درا ً ويشعل عليها النار لله ل قيمة له ،ومع إلها ً يستوي مع حجارة تحمل ِ ْ
ق
ذلك أصبح ُيسّيرحال هؤلء ويعلقون مصيرهم وحياتهم في دنياهم وآخرتهم
بهذه الحجارة التي هم يختارونها.
وربما كان إلها ً مصنوعا ً مما يؤكل ويطعم ،فتلم بهؤلء مجاعة فيشعرون أن
المحافظة على بقائهم خير من بقاء إلههم فيأكلونه ،كما يحكي الشاعر
مصورا ً حال قبيلة من تلك القبائل :
أكلت حليفة ربها زمن التقحم والمجاعة * لم يحذروا من ربهم سوء العواقب
والتباعة
نعم إن إلها يأكله هؤلء إذا جاعوا لله ل قيمة له ول وزن له ،ومع ذلك كانت ً
هناك الطواغيت الكبرى ،كانت هناك اللت والعزى ومناة الثالثة الخرى (
أفرأيتم اللت والعزى ومنات الثالثة الخرى ) كان هناك ود وسواع وإساف
ونائلة ،كانت تلك الصنام التي تصنع لها البيوت ويحج إليها الناس ويسعون
إليها وتنذر لها النذور وتقدم لها القرابين ،و يستقسم بها أولئك ويحلفون بها
ويعظمونها ولهذا كانت يمينهم واللت والعزى.
ة ربما يأكلونهاً وآله يصنعونها للهة إن هذه الصورة العجيبة من خضوع هؤلء
98
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
إذا جاعوا ،لتدل على فطرة العبودية أصل ً لدى البشر ،وأن البشر مفطورون
على العبودية والذل والخضوع ،فإن لم يعرف البشر إلههم الحق ويتعبدوا إليه
فسيتعبدون لله باطل ،بل إله يصنعونه وهكذا خلق الله عز وجل النسان
عبدا لتستقيم حياته إل بالعبودية والذل والخضوع ،فإما أن يذل ويخضع ويعبد
ربه تبارك وتعالى أو حتما ً سيذل ويخضع ويتعبد لغير الله عز وجل .
)(2 /
وكان أولئك يشركون بالله عز وجل شركا ً من نوع آخر في التشريع والتحليل
والتحريم ،فكانوا يتخذون أحكام الله هزوا ،فيبيحون ويحرمون ،فجاء القرآن
مصرحا ً في الحديث عن أن هذه من صور الشرك بالله تبارك وتعالى )وجعلوا
لله مما ذرأ من الحرث والنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا
فما كان لشركائهم فل يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى
شركائهم((وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ل يطعمها إل من نشاء بزعمهم
وأنعام حرمت ظهورها وأنعام ل يذكرون اسم الله عليها افتراًء عليه) كان هذا
شأنهم يعتدون على حق الله عز وجل في التشريع فإن الله عز وجل كما
قال عن نفسه ( :فاعبده وتوكل عليه) وقال عز وجل (:إن الحكم إل لله أمر
أل تعبدوا إل إياه ) لهذا ل فرق بين من احتكم إلى غير شرع الله وبين من
عبد غير الله عز وجل فقد جمعهما تبارك وتعالى في آية واحدة ( إن الحكم
إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه)،وتوعد القرآن المسلمين حين يستجيبون لطريق
أولئك في التشريع والتحليل والتحريم والحكم بغير شرع الله عز وجل،
توعدهم أنهم إن فعلوا شيئا ً من ذلك ولو في قضية واحدة أنهم سيقعون في
الشرك ( ول تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين
ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) فلئن أطاع
المسلمون المشركين في هذه المسألة وهذه القضية المعينة؛ فاستباحوا
هذه الميتة التي حرمها الله عز وجل فهم مشركون بنص القرآن .ويأتي
التأكيد لهذا الحكم بحرف التوكيد )إنكم( ثم يأتي أيضا باللم التي تدل على
التأكيد )ولئن أطعتموهم إنكم لمشركون( لئن أطاعوهم ليس في أكل الميتة،
إنما في استباحة الميتة واعتقاد أن الميتة وقد حرمها الله عز وجل حلل.
ومن اعتدائهم على حرمات الله عز وجل أن يعتدوا عليها في الشهر الحرم
فيقول تبارك وتعالى ) إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا
يحلونه عاما ً ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ( .
ومن صور الشرك والتشريع لديهم :البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ،وهي
كلها خرافات ل تعدوا أن تكون من نسيج عقلية أولئك المشركين الضالين
الزائغين عن منهج الله تبارك وتعالى ،هكذا كان أولئك في ذاك الوقت وفي
ذاك الزمان ،هذه نظرتهم للله وهذا منهجهم في التشريع والحتكام.
ثم بعث الله عز وجل محمدا ً صلى الله عليه وسلم فيأتي أحدهم أمام
النجاشي ليقول :إنا كنا قوما نأكل الخنافس ونأتي الفواحش ويقتل بعضنا
بعضا ً حتى بعث الله نبيه محمدا ً صلى الله عليه وسلم .ويأتي أحدهم رستم
ليقول له :إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب
ة الجزيرةَ كلها
العباد ،ما هي إل أيام وقد حمل هؤلء الرسالة ،وعمت الهداي ُ
ة لله تبارك وتعالى معلنة
بعد ذلك وأشرق فيها النور ،وصارت كلها خاضع ً
التوحيد ،وانطلقت سيوف الموحدين لتطفئ نار المجوسية وتكسر صليب
النصارى ،وتنطلق هنا وهناك حتى كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
99
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الذين صحبوه ،تحكى أخبارهم هنا وهناك؛ فابن عمر –رضي الله عنهما -يصل
إلى أذربيجان وأبو أيوب النصاري –رضي الله عنه -يدفن تحت أسوار
القسطنطينية ،ويصل سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في المشرق
إلى بلد ماوراء النهر ،وفي المغرب إلى المحيط ،حتى مامضى ذلك الجيل إل
وقد أطفئت نار المجوسية ،وكسر صليب النصارى وأعلن الكون الخضوع لله
تبارك وتعالى ،وصارت الكلمة في ذاك الوقت كلها لكلمة التوحيد ل إله إل
الله.
إنها نقلة عظيمة بعد تلك الحال التي لم تكن حال أسوأ منها ،ول يمكن أن
يتردى البشر إلى منزلة من الحضيض في الشرك و الطغيان أكثر من تلك
المنزلة ،ثم ما لبث أولئك أن تجاوزوها وتركت الدعوة والتربية النبوية أثرها
الفعال في ذلك الجيل الذي نشر دين الله عز وجل وقضى على كل مظاهر
الشرك والطغيان التي كانت سائدة في العالم آنذاك.
الجانب السياسي
)(3 /
100
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(4 /
وفي الجانب الجتماعي كان مجتمعهم مجتمعا ً تسيطر عليه الطبقية ،ولهذا
جاء نقد هذه المظاهر في أول السلم ،فحينما أراد النبي صل الله عليه
وسلم أن يدعو شرفاء قريش ،رغبة منه أن يكسب أحدا ً منهم ،لتكون له
قيمته في الدعوة وأثره ،فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فعبس النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وأعرض عنه ،فنزل
العتاب من الله عز وجل )) عبس وتولى ،أن جاء العمى ،وما يدريك لعله
يزكى ،أو يذكر فتنفعه الذكرى … ((.اليات.
وحينما جاء عّتاب رضي الله عنه ليقابل عمر رضي الله عنه ،فسأله :من
101
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
استخلفت على أهل الوادي يعني أهل مكة قال :ابن أبزى قال :ومن يكون ؟
ى؟ قال !! حافظ لكتاب ى من موالينا ،قال :استخلفت عليهم مول ً قال :مول ً
الله ،عالم بالفرائض ،قال :إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين.
كان أولئك ل يعرفون إل الفخر بالحساب والمجاد الشخصية ،وتمجيد القبيلة
معّلقة عمرو بن كلثوم شاهدة بذلك والتي يبالغ فيها وصف قبيلته يقول فيها و ُ
:
ً
ونشرب إن وردنا الماء صفوا ** ويشرب غيرنا كدرا وطينا
ملنا البر حتى ضاق عنا ** ونحن البحر نمله سفينا
إذا بلغ الرضيع لنا فطاما ** تخر له الجبابر ساجدينا
إن اللغة التي كانت تسيطر على منطق الجميع هي لغة الفتخار بالقبيلة
والطعن في أحساب الخرين ،فجاء هذا الدين وقضي على تلك المجاد ،فلم
يعد العربي يفضل على العجمي إل بالتقوى.
كان مجتمعا ل يقيم وزنا للمرأة فكان أحدهم إذا بشر بالنثى ظل وجهه
مسودا وهو كظيم ،ويبلغ الحال به أن يختفي عن أعين الناس من سوء ما
بشر به.
كانوا يمارسون التسلط والحجر على المرأة فحين تكون اليتيمة في حجر
أحدهم وهي ذات مال ،فإن كانت جميلة تزوجها ،وإن كانت غير ذلك لم
يزوجها حتى تموت ،فيرثها ويأخذ مالها ،وبعد أن جاء هذا الدين ،غير هذه
العادات الجتماعية في أقل من عقدين من الزمن ،حتى أصبحت المرأة
تبشر بالجنة ،فلقد بشر النبي صل الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها
ببيت في الجنة ل صخب فيه ول نصب ،ويؤكد صلى الله عليه وسلم على
القيام بحقوق النساء فيقول ":فاتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم "
وكان هذا المجتمع يعاني من الفساد الخلقي ،فكان النكاح كما تذكر عائشة
رضي الله عنها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء :فنكاح منها نكاح
الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها،
ونكاح آخر كان الرجل يقول لمرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلن
فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ول يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك
الرجل الذي تستبضع منه ،فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب ،وإنما يفعل
ذلك رغبة في نجابة الولد ،فكان هذا النكاح نكاح الستبضاع ،ونكاح آخر
يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت
ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل
منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم :قد عرفتم الذي كان من
أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلن تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها،
ل يستطيع أن يمتنع به الرجل .والنكاح الرابع :يجتمع الناس الكثيرون
فيدخلون على المرأة ل تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن
رايات تكون علما ،فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت
حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ،ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به
ودعي ابنه ل يمتنع من ذلك .فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق
هدم نكاح الجاهلية كله إل نكاح الناس اليوم) .رواه البخاري(.
وكانت الخمرة قد سيطرت عليهم وفعلت بهم الفاعيل ،فحين يتحدث
الشاعر منهم عن معركة أو غزوة يتغنى بالخمر ،بل تبلغ الخمر منزلة عند
بعضهم ،أن تكون مما يستحق أن يبقى في الحياة من أجلها كما قال أحدهم:
فلول ثلث هن من عيشة الفتى ** وربك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبق العاذلت بشربة ** كميت متى ما تعل الماء تزبد
102
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ويقول أحدهم موصيا إذا مات أن يدفن قريبا من تلك الشجرة التي كان يصنع
منها الخمر :
إذا ما مت فادفني إلى جنب كرمة ** تروي عظامي بعد موت عروقها
أخاف إذا ما مت أل أذوقها ** ول تدفني بالفلة فإنني
هكذا كانت قيمتها عندهم ،وحين جاء السلم كان أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم -شأنهم شأن سائر الناس -يشربون الخمر ويتغنون بها كما قال
حسان رضي الله عنه :
ونشربها فتتركنا ملوكا ** وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
حين جاء السلم بتحريم الخمر أراق أوتلك النية آلتي كانت معهم حتى
امتلت أزقة المدينة وشوارعها من الخمر.
)(5 /
إن الفاضة في الحديث عن تلك النقلة حديث يطول ،لكن نكتفي بهذه المثلة
التي أشرنا إليها والتي كلها شاهدة على أن المجتمعات مهما بلغت من
السوء والفساد والتأخر والتخلف ،فهي قادرة على أن تسترد عافيتها وقادرة
دعى إلى المنهج الحق ،وحين تتربى عليه. على أن تنهض من كبوتها ،حين ت ُ ْ
ً ً
إن التغيير الذي حصل للجيل الول يعتبر نموذجا ،وشاهدا لكل من يحمل
عزيمة وإرادة في ال صلح والتغيير.
والتغيير الذي حصل لذلك الجيل ليس على مستوى المجتمعات فقط ،بل هو
على مستوى الفراد كذلك ،فحين نتأمل شخصية عمر بن الخطاب رضي الله
عنه الذي كان جبارا في الجاهلية ،ويرى الناس أنه أبعد الناس عن الحق ،بل
كانوا يرون أن يسلم حمار الخطاب ول يسلم عمر ،ولما آمن هذا الرجل،
واتبع النبي صل الله عليه وسلم ،تغيرت حاله ،فتراه حينما تولى الخلفة
رحيما شفوقا رفيقا ولما جاء رسول كسرى ليقابل خليفة المسلمين وجد
الخليفة ـ عمر رضي الله عنه -نائما تحت الشجرة قال قولته المشهورة:
فقال قولة حق أصبحت مثل ** فنمت نوما قريرالعين هانيها
أمنت لما أقمت العدل بينهم ** وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
إن عمر رضي الله عنه ـ وهو خليفة المسلمين ـ كان يحمل على كتفه الدقيق
والماء يوصله إلى أرملة ليمسح به دمعة عجوز ،ودمعة يتيم ،إن عمر لما
دخل اليمان في قلبه تغير حاله وكان خليفة خليفة رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
وهاك نموذج آخر :إنه مصعب بن عمير رضي الله عنه ،الذي كان شابا مترفا،
كان من أعطر فتيان مكة ،عاش في بيئة ثرية ،وليس في مكة شاب أكثر
منه نضارة ووضاءة ،وبعد أن تبع النبي صلى الله عليه وسلم واستشهد في
غزوة أحد مقبل ً غير مدبر ،بحثوا عنه بين الموتى فلما رأوه لم يجدوا ما
يكفنوه به إل ثوب واحد ،إن غطوا به رأسه بدت رجله ،وإن غطوا به رجليه
بدت رأسه ،رضي الله عنه وأرضاه ،وأنزل الله عز وجل فيه وغيره )) من
المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من
ينتظر وما بدلوا تبديل (( أي تغيير حصل في شخصية ذلك الرجل الذي كان
يعيش حياة الترف والرخاء؟
إن ذلك يعطينا دللة واضحة على أن المجتمعات يمكن أن تتغير ،وأن الفراد
يمكن أن يتغيروا ،وذلك حينما تكون هناك تربية جادة منتجة.
يروي حذيفة رضي الله عنه حديثا يقول فيه " :كان الناس يسألون النبي صل
103
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الله عليه وسلم عن الخير ،وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه ،فقال
:إن كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير ،فسأل حذيفة :هل بعد هذا
الخير من شر؟ قال :نعم ،قال :وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال :نعم وفيه
دخن ،قال :وما دخنه ؟ قال :قوم يستنون بغير سنتي ،ويهتدون بغير هديي
تعرف وتنكر.
لقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيحصل خير لهذه المة بعد ذلك
الشر الذي سيصيبها ،مما يعني أن المجتمعات يمكن أن تتغير ،حين تحمل
إدارة التغيير وتتربى التربية الحقة.
كيف انتقل ذاك الجيل هذه النقلة ؟
هذا سؤال عريض تطول الجابة عنه ،لكني أشير هنا إشارة سريعة ،كانت من
أهم العوامل وراء هذه النقلة العظيمة :العناية باليمان والتركيز على التغيير
الداخلي ابتداء ،إن التربية التي تتوجه إلى مظاهر السلوك البارزة أمام
الناس ،تربية قاصرة وتربية ل تستطيع أن تقف أمام السيل الجارف من
المؤثرات ،إنها تربية تعالج القشور وتغفل عن اللباب ،إنها تعالج مظاهر
المرض وتغفل عن أصله وجوهره ،والبيت الذي يعاني من خلل في أساسه ل
يمكن أبدا أن يخضع إلى الترميم والتحسين .لقد حاولت أقوى أمة في عالم
القوة المادية أن تمنع الخمر وقامت بسن تشريعات وقوانين كثيرة،
استنفرت طاقتها ،ثم بعد سنوات أعلنت عجزها وفشلها ،لماذا فشل أولئك
في حين أن هذه المة لم تحتج إل إلى آيتين تنزل فيخضع الناس ويريقون
الخمر من بيوتهم؟ وقل مثل ذلك في المخدرات والتحلل الجنسي والشذوذ
الخلقي.
لقد فشلت لن التربية المعاصرة اتجهت إلى المظهر دون الحقيقة،ولو
اتجهت التربية إلى بناء اليمان في النفوس لحققت هذه الهداف التي تتطلع
إليها.
ومن عوامل النجاح :أن التربية كانت تتم من خلل الميدان ،ومن خلل العمل
والتطبيق؛ فالجيل الذي تربى على هذه الرسالة لم يكن يستمع إلى
التوجيهات أو تلقى إليه المواعظ والكلمات فقط ،إنما كان يربى من خلل
العمل والميدان والقدوة والممارسة ،كان النبي صلى الله علية وسلم
يصاحبهم ويصلي معهم ويذهب معهم ،ويعايشهم السراء والضراء.
وحين نتأمل سؤال جديرا بالتفكير ،كيف نجح النبي صلى الله عليه وسلم في
رسالته ودعوته في حين لم ينجح الحنفاء الذين كانوا على التوحيد ؟
إن هذا الحديث إنما هو لبعث المل في نفوس سيطر عليها اليأس من التغيير
والصلح ،أسأل الله أن يجعلنا من حملة الرسالة والدعاة إلى الصلح؛ إنه
سميع مجيب.
)(6 /
104
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ذلك المام ؟
وما هي تلك الصرخة التي اهتز لها قلمه ،وعبر عنها بنانه ؟
وما هي نتيجة تجاهل تلك الصرخة ؟
وكيف أعاد التاريخ نفسه ؟
أما المام ،فهو :العلمة ابن قيم الجوزية )ت 751هـ( وأما الصرخة ،فهي:
إنكاره على بني قومه اتخاذهم النقود سلعًا ،يتاجرون بها ،ويعدونها للربح،
فكانت النتيجة المؤسفة ؛ حيث عم الضرر ،ووقع الظلم .هذا ملخص ما
جرى ،وأدع الحديث للمام ابن القيم ،فهو حي بيننا بكتبه ,شاهد عدل بعلمه
وفقهه,إذ يقول في كتابه إعلم الموقعين) " : (3/401الدراهم والدنانير أثمان
المبيعات ،والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقويم الموال ،فيجب أن يكون
محدودا ً مضبوطا ً ل يرتفع ول ينخفض ،إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض
كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات ،بل الجميع سلع ،وحاجة الناس إلى
ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة ،وذلك ل يمكن إل بسعر تعرف
به القيمة ،وذلك ل يكون إل بثمن تقوم به الشياء ،ويستمر على حالة واحدة،
ول يقوم هو بغيره ،إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض ,فتفسد معاملت الناس,
ويقع الخلف ,ويشتد الضرر ,كما رأيت من فساد معاملتهم ,والضرر اللحق
بهم ،حين اتخذوا الفلوس سلعة تعد للربح ,فعم الضرر ,وحصل الظلم...
فالثمان ل تقصد لعيانها ،بل يقصد التوسل بها إلى السلع"أهـ
وقال في الطرق الحكمية)صـ " : (350ويمنع من جعل النقود متجرا ً ؛ فإنه
بذلك يدخل على الناس من الفساد ما ل يعلمه إل الله ،بل الواجب أن تكون
النقود رؤوس أموال يتجر بها ،ول يتجر فيها "أهـ
وهاهو التاريخ يعيد نفسه ،وكأن ابن القيم يعيش واقعنا الحاضر ،أو كأنه ينظر
إليه من ستر رقيق ! ولذا ،فإنه يستحق شهادة دكتوراه فخرية في المال
والقتصاد ،وإن كنت أشك في حفاوته بها لو كان حيا ً .
نعم,أعاد التاريخ نفسه؛لننا اليوم نرى ونسمع كثيرًاعن تذبذب أسعار
العملت,وما نتج عنه من تضخم في النقود وضعف قوتها الشرائية ,كما هو
مشاهد في بعض بلد الشرق والغرب ،وهذا له أسبابه السياسية ,والمنية،
والقتصادية ومن أبرزها العبث بهذا النقد الذي استخدم في غير ما صنع له,
وهذا ماحذر منه العلمة ابن القيم آنفًا ,وألمح إليه الفقيه الشافعي أبو حامد
الغزالي)ت 505هـ( في إحياء علوم الدين) (4/91والفقيه الحنفي ابن
عابدين)ت 1252هـ( في مجموعة رسائله)صـ (57حيث قال ":رأينا الدراهم
والدنانير ثمنا ً للشياء ،ول تكون الشياء ثمنا ً لها ..فليست النقود مقصودة
لذاتها ,بل وسيلة إلى المقصود"أهـ
وأصرح من هذا ما قاله الشيخ محمد رشيد رضا ,حيث قال في تفسير المنار)
":(3/108وثم وجد أمر آخر لتحريم الربا من دون البيع ،وهو أن النقدين إنما
وضعا ليكونا ميزانا ً لتقدير قيم الشياء التي ينتفع بها الناس في معايشهم،
فإذا تحول هذا وصار النقد مقصودا ً بالستغلل ,فإن هذا يؤدي إلى انتزاع
الثروة من أيدي أكثر الناس ,وحصرها في أيدي الذين يجعلون أعمالهم
قاصرة على استغلل المال بالمال "أهـ
وبهذا نقف على إحدى الحكم التي حرم لجلها الشارع الربا ،وهي أن المرابي
يشتغل بالنقد عن المشاريع النتاجية ،فيقل المعروض من السلع والخدمات,
وبالتالي يزيد الطلب عليها ,ومع كثرة النقد يقع التضخم ،وهو ما عبر عنه
بعض القتصاديين ):نقود كثيرة ،تطارد سلعا ً قليلة ( .
ومن هذا الوجه -وغيره -ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى المنع من
105
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
المتاجرة بالعملت -ل بيعها وشراؤها للحاجة -ومن المضاربة بفروق السعار
في سوق المال؛ ومن هؤلء الفقهاء الدكتور محمد الشباني,كما في
بحثيه) الربا والدوات النقدية المعاصرة,والمضاربة بالسهم والمشتبهات من
المكاسب( وعلل ما ذهب إليه بأدلة ,ومقاصد شرعية ,جديرة بالنظر والتأمل،
ومنها :أنه عد من المفاسد التي يؤدي إليها هذا النوع من التعامل ،الضرر
على القتصاد ككل؛ حيث يتوجه المال المدخر إلى المضاربة فيه ،بحيث
يصبح دولة بين المضاربين في السهم ،يتحرك في دائرة واحدة ل يتعداها إلى
غيرها ...الخ .
وقد أشار إلى هذا المحذور وما يؤدي إليه من كساد,الشيخ أبوحامد الغزالي
في إحياء علوم الدين) (4/45حيث قال ":إنما حرم الربا من حيث إنه يمنع
الناس من الشتغال بالمكاسب ؛ وذلك لن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة
الربا من تحصيل درهم زائد نقدا ً أو آجل ً خف عليه اكتساب المعيشة,فل يكد
ويتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة ،وذلك يفضي إلى انقطاع منافع
الخلق ،ومن المعلوم أن مصالح العالم ل تنتظم إل بالتجارات,والحرف,
والصناعة ,والعمار"أهـ
)(1 /
وبنظرة خاطفة إلى واقعنا منذ أربعة أشهر أو أكثر ،نجد أن أموالنا أصبحت
تصب في فوهة السوق حين غلت القيمة السوقية لبعض الشركات غلء غير
مسبوق ,واقتصرت المضاربة على فروق السعار بعيدا ً عن الواقع القتصادي
للشركات المساهمة ،فأصبحت السلع هي النقود في الحقيقة,حتى ظهرت
مقدمات الكساد في سوق العقارات ,والسيارات ...,الخ ،ولمس كثير من
الناس ارتفاع قيمة إيجار الدور والمنازل ؛ لقلة المعروض ,وأصبح هذا حديث
الناس ،كل هذا في فترة زمنية محدودة ! فما الظن لو استمر الحال سنة أو
أكثر !!
ثم أل يكفي هذا حافزًا -على القل-لعادة النظر في حكم اتخاذ النقود سلعاً,
وما تفضي إليه هذه المعاملت من مفاسد وأخطار على الفرد والمجتمع ؟ أم
نحتاج إلى جنائز ومرضى ومفلسين أكثر عددًا ،حتى تتحقق لدينا القناعة
بذلك ؟!!
)(2 /
106
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ثم يمضي الجاحظ في حديث طويل يحتج فيه للضحك ،ويدافع ،ويبين أثره،
وقيمته؛ ولكنه مع ذلك يضع للضحك حدودًا ،وأنه ل ينبغي لحد أن يجاوز هذه
الحدود؛ يقول الجاحظ :وللضحك موضع ،وله مقدار ،وللمزح موضع ،وله
ل ،والتقصير مقدار؛ متى ما جاوزهما أحد ،وقصر عنهما أحد صار الفاضل خط ً
نقصًا؛ فالناس لم يعيبوا الضحك إل بقدر ،ولم يعيبوا المزح إل بقدر ،ومتى
أريد بالمزح النفع ،وبالضحك الشيء الذي جعل له الضحك صار المزح جدًا،
والضحك وقارًا.
وهكذا نرى أن فلسفة الجاحظ في ضحكه ،وإضحاكه فسلفة عميقة ،واعية،
تعتمد على أس فكرية ونفسية سبق بها كثيرا ً من المفكرين؛ فلقد قرر
الجاحظ أن النسان ل يضحك منفردا ً بمقدار ما يضحك إذا تجاوب معه
آخرون؛ وشاركوه في الحساس بالشيء المضحك؛ حيث يقول علماء
النفس :إن الضحك سلوك اجتماعي؛ يقوم به النسان ،ويؤدي في حياة
الفراد والجماعات وظيفة نفسية هامة من وظائف التزان العاطفي ،وهو
السبيل إلى تحقيق ضرب من التكامل النفسي والجتماعي.
ومن ثم فالجاحظ يقرر أن الضحك يحتاج إلى وجدانية من الخرين ،ويفهم
ذلك من خلل ما قاله في حكاية قصته مع محفوظ النقاش البخيل الذي
يدعي الكرم خشية تهكم الجاحظ وسخريته منه؛ قال الجاحظ :صحبني
ل؛ فلما صرت قرب منزله سألني أن محفوظ النقاش من مسجد الجامع لي ً
أبيت عنده؛ وقال :أين تذهب في هذا المطر والبرد؟! ،ومنزلي منزلك!!،
وأنت في ظلمة وليس معك نار!! ،وعندي لبأ -اللبأ هو اللبن الذي ينزل بعد
ولدة الغنم ،وغيرها مباشرة -لم ير الناس مثله ،وتمر ناهيك به جودة؛ ل
تصلح إل له ..فملت معه؛ فأبطأ ساعة ،ثم جاءني بجام لبأ ،وطبق تمر؛ فلما
مددت يدي قال :يا أبا عثمان! إنه لبأ وغلظة ،وهو الليل وركوده ،ثم ليلة
مطر ورطوبة ،وأنت رجل قد طعنت في السن ،ولم تزل تشكو من الفالج
طرفا ،وما زال المرض يسرع إليك ،وأنت في الصل لست بصاحب عشاء؛
فإن أكلت اللبأ ولم تبالغ كنت ل آكل ً ول تاركًا ،وحرشت طباعك ،ثم قطعت
الكل أشهى ما كان إليك ،وإن بالغت بتنا في ليلة سوء من الهتمام بأمرك،
ل؛ وإنما قلت هذا الكلم لئل تقول غدًا :كان وكان.. ولم نعد ّ لك نبيذا ً ول عس ً
والله قد وقعت بين نابي أسد؛ لني لو لم أجئك به وقد ذكرته لك قلت :بخل
به ،وبدا له فيه ..وإن جئت به ولم أحذرك منه ،ولم أذكر لك كل ما عليك فيه
ي ،ولم ينصح ..فقد برئت من المرين جميعًا؛ فإن شئت قلت :لم يشفق عل ّ
فأكلة وموتة ،وإن شئت فبعض الحتمال ونوم على سلمة!!..
فما ضحكت قط كضحكي تلك الليلة ،ولقد أكلته فما هضمه إل الضحك،
والنشاط ،والسرور؛ فيما أظن ..ولو كان معي من يفهم طيب ما تكلم به
ي ،ولكن ضحك من كان وحده ل يكون على قدر مشاركة لقضى الضحك عل ّ
الصحاب اهـ) ..من كتاب البخلء(.
فهذه العبارة الخيرة التي ختم بها الجاحظ حديثه عن محفوظ النقاش تدل
على أن الجاحظ يقرر أن الضحك مشاركة جماعية؛ فالنسان ل يضحك إل
في وجود جماعة ،ومن ثم فالجاحظ يسبق برجسون في هذا الرأي الذي يرى
أن النسان ما كان يمكن أن يقدر المواقف المضحكة ،أو يتذوق النكتة الطيبة
لو أنه كان يشعر بأنه يحيى في عزلة من الناس؛ وذلك لن الضحك بطبيعته
في حاجة إلى أن يردد أصداءه ،وينشر إشعاعاته؛ فهو في صميمه ظاهرة
اجتماعية.
107
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
النمط العزيز
د .عبد الكريم بكار 29/1/1426
10/03/2005
ملي ،هما التوازن والتكامل. شيئان جوهرّيان يسيطران على تفكيري وتأ ّ
التكامل يعني :القبض على رؤية عميقة وشاملة لكل الشياء التي يجب أن
نراها ،وبالطريقة التي يجب أن ُترى بها تلك الشياء .أما التوازن فيعني
إعطاء جوانب الحياة وجوانب الشخصية على -وجه الخصوص -حقها من
الرعاية والتنمية والهتمام من غير إفراط في جانب على حساب جانب آخر.
وربما أمكننا القول :إن امتلكنا لرؤية حسنة لنوعية التكامل المطلوب هي
التي تتحكم في نهاية المر بشكل التوازن الذي نسعى إليه .كما أن من
الممكن القول :إن عناصر الصورة الذهنية عن )التكامل( قد تختلف من
شخص إلى آخر .وقد ينحو بعضها نحو التغّير ،كما ينحو بعضها الخر نحو
الثبات ،في الدائرة السلمية نمط من الناس ي ُّتهم بصفاء روحه ونقاء نفسه،
ومستوى تعبده –على مقدار خبرته -جيد ،ولديه طيبة ،تتصل في بعض
الحيان بطرف من الغفلة التي تصل إلى حد السذاجة ،وكثير من هؤلء – إن
لم نقل أكثرهم -يأخذون عن عابد أو جماعة تقاليد وطرًقا في التعبد،
ويحفظون عن ظهر قلب مقولت ،يسيرون في ظلل دللتها وكأنها مفردات
دستور ،ل يمكن إدخال أي تعديل على أية مادة من مواده.
ومشكلتهم أنهم كثيًرا ما يفقدون التوازن ،ونصاب الحد الدنى من التوزيع
لهتماماتهم وأنشطتهم .وينظرون إلى القوال المأثورة عن شيوخهم
وأسلفهم على أنها أدوات لفهم كل الوضاع والتعامل مع تحديات كل
القصور.
ويميل هذا النمط من عباد الله إلى العزلة الشعورية ،ويجدون حالت عظيمة
من انشراح الصدر وبْرد اليقين ،ويملكون طاقة هائلة على البذل والصرار
على الدعوة إلى ما يشعرون أنهم ظفروا به ,وتتسم معاملتهم بالنعومة
واللطف ،ويميلون إلى حسن الظن ،رؤيتهم للواقع عتيقة ،ونظرتهم
للمستقبل قاصرة ومشوشة ،وبينهم وبين التحليل والتفلسف ما يشبه
العداوة ،لكن لديهم روح متفائلة ،وكثيًرا ما تكون تطّلعاتهم محدودة،
سا،
كل لديهم هاج ً حة التصورات ،ل يش ّ والتدقيق في صفاء العقيدة وص ّ
ومعظم هؤلء عاديون في أعمالهم وإنجازاتهم؛ والناجحون فيهم قليلون كما
ققين منهم ليسوا كثيرين.أن المح ّ
ن من الناس يقف في الجهة المقابلة للنمط في الدائرة السلمية نمط ثا ٍ
صا
الول مع وجود الكثير من الشياء المشتركة بينهما .هذا النمط يحرص حر ً
دا على استقامة تفكيره ،ويكثر من النقاش حول ما يعتقد أنه يشكل شدي ً
دا، ً
انحرافا عن المنهج القويم ،يتحدثون باستمرار عن المهم والمهم ج ً
دا ،ويفرقون في تناول التفاصيل المتعلقة بالمة والخطير والخطير ج ً
ضا من ممارسة وبالشأن العام .كثيرون من هؤلء فتحوا على أنفسهم باًبا عري ً
النقد ،إنهم يتحدثون باستمرار عن المصائب والويلت التي حّلت بالمة،
ويكثرون من المقارنة بين ما لدينا ،وما لدى الخرين ،وتكون النتيجة في
الغالب لصالح المم الخرى ،ولسيما الغربية منها وكثير من أفراد هذا النمط
ناجحون في أعمالهم على نحو مقبول ،وهذا يشجعهم على أن يقترحوا على
غيرهم المشروعات ،ويدّلوهم على طرق للرتقاء وآليات للتقدم ،يشغلهم
108
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
– 2رسالة هذا النمط في الحياة واضحة إنها العيش للسلم وبالسلم .من
ُينسب إلى هذا النمط يعتقد أن لكل امرئ دينين :دينا ً معلنا ً ظاهر يمنحه نو ً
عا
من التمّيز والنتماء الشكلي ،ودينا ً حقيقيًا ،ودين المرء الحقيقي هو الدين
الذي يكّرس حياته من أجله.
يقرأ هذا النمط الماضي لصلح الحاضر ،ويتخذ من معطيات الحاضر وقوًدا
لبلوغ الهداف العظمى ،التفكير لديه إستراتيجي ،والرؤية واضحة ،وهو مع
ميله لليجابية ،وتشّبعه بروح الرجاء يدرك أعباء المرحلة ،ويعرف العلمات
الدالة على الطرق المسدودة ،يجد معرفته ومفاهيمه ،ويتهم نفسه ،ويمتلك
القدرة على السماع والقتباس.
– 3هذا النمط ناجح في عمله ،متفوق في أدائه ،يقدم القدوة والنموذج في
قا ،بالحاجة إلى
كا عمي ًالكثير من جوانب شخصياته وسلوكاته .إن لديه إدرا ً
تحقيق النجاح الباهر؛ حيث مضى زمان الشياء العادية ،وحيث تتطلب الديون
المتأخرة على المة مضاعفة النتاج وبذل المزيد من الجهد.
هذا النمط جمع –باختصار -بين القوة والمانة ،كما قالت ابنة شعيب) :يا أبت
استأجره إن خير من استأجرت القوي المين(.
ينتسب هذا الطراز من الرجال إلى المام الكبير عمر بن الخطاب –رضي
طه وبعث مسيرته. الله عنه -ويحاول باستمرار إحياء خ ّ
وإني لرجو أن نعمق دراستنا المستقبلية حول هذا النمط ،كما أرجو أن نجعل
109
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
النمط الوسط
أ.د.ناصر بن سليمان العمر -المشرف العام على موقع المسلم
قال مطرف بن عبدالله بن الشخير لبنه :يا بني! إن الحسنة بين السيئتين،
وخير المور أوسطها ،وشر السير الحقحقة.
وقوله الحسنة بين السيئتين أي أن الحق بين فعل المقصر والغالي ،قال
بعض السلف :ما أمر الله بأمر إل ّ وللشيطان فيه نزعتان ،فإما إلى غلو ،وإما
إلى تقصير ،فبأيهما ظفر قنع.
وقد قيل:
قك كله ح َف َسامح ول َتستو ِ تَ َ
ُ
ق فلم يستوف قَط كري ُ
م وأب ِ
ولتغل في شيٍءمن المرِ واقتصد
م
كل طرفي قصدِ المور ذمي ُ
ً
وفي الثر" :إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ،فإن المنبت ل أرضا قطع
ول ظهرا ً أبقى").(1
والغراق في كل شيء مذموم ،وخير المور أوسطها ،وقد عاب رسول الله
-صلى الله عليه وسلم -الغراق حتى في العبادة ،وحمل النفس منها على ما
يؤودها ويكلها ،فما كان دونها من باب التخلق والتكلف فهو أشد مقتًا ،فإن
هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إل ّ غلبه ،فسددوا وقاربوا ،وأبشروا،
واستعينوا بالغدوة والروحة ،وشيء من الدلجة ،والقصد القصد تبلغوا.
إن المفازة صعبة ،ودوام السير يحسر البل
تقطع بالنزول الرض عنا وُبعد الرض يقطعه النزول
ومن كلم العرب :شر السير الحقحقة ،وهي شدة السير بأن يستفرغ
المسافر جهد ظهره ،فيقطعه وينبت ،فيهلك ظهره ول يبلغ حاجته.
قال القطامي:
قد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزلل
ولغيره:
ه
ث أدنى لرشد ِ مستعج ٌ
ل والمك ُ
ولم يدر ما يلقاه حين يبادر
وعلى وجه الجمال القتصاد والتوسط ،مغاير للتفريط والجحاف ،أبعد عن
السآمة والتكلف ،حاض على القبال على العمال بانشراح ،داع لحضور
الذهن والقلب فيها ،معين على المداومة عليها.
---------------------------------------------------
* نشر ببعض الدوريات في صيفية 1423
) (1الثر جزء من حديث "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ول تبغضوا
إلى أنفسكم عبادة الله فإن المنبت ل أرضا ً قطع ول ظهرا ً أبقى" قال ابن
حجر في الفتح" :أخرجه البزار ...وصوب إرساله ،وله شاهد في الزهد لبن
المبارك من حديث عبدالله بن عمرو موقوف ،والصواب أنه ل يصح رفعه"،
قال الدارقطني" :رواه يحيى بن المتوكل عن ابن سوقة عن ابن المنكدر عن
110
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
النهر الشاعر
شعر :أنور العطار
ب عطرا ً
بردى المشتهى يفكُر شعرا وهو يحيا لحنا وينسا ُ
ب حّرى ب من حرقة الح ّ في حناياهُ أضلعٌ تتناجى وقلو ٌ
ن جيل ً فجيل ً ووعى الكائنات دهرا ً فدهرا خبر العالمي َ
ل تيها ً وكبراخط في مصحف الوجود سطورا ً باقيات تختا ُ
ت أنقى من الفن لل ًء وأبهى من سطعةِ العلم فكرا معجبا ٍ
ن تنّزى وجدا ً وتقطُر خمرا وى زهوا ً كراقصةِ الحا ِ يتل ّ
ً
مّر في الرض كالربيع ائتلقا وكأيامهِ صفاًء وبشرا
وكسا جّلق النيقة ثوبا ً عبقريا ً من نعمةِ الفجر أطرى
***
ت شعرا ب إلى نفـ سي ويا ملهمي إذا قل ُ أّيهذا النهُر الحبي ُ
ش بقلبي لحنا ً على الدهر حلوا واسرِ في خاطري فتونا وسحرا
ً ً ع ْ
)(1 /
111
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
112
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وسلم" :كل بدعة ضللة" )رواه مسلم( ،ومن هذا الحديث يتبين أن البدع
كلها ضللة ،وأن ليس هناك بدعة حسنة.
جا عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ،وقد قال ثانًيا :أن في البدعة خرو ً
الله تعالى" :قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم
ذنوبكم" )آل عمران ،(31/فمن ابتدع بدعة يتعّبد لله بها فقد خرج عن اتباع
النبي صلى الله عليه وسلم ،لن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعها،
جا عن شرعة الله فيما ابتدعه. فيكون خار ً
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أتى ببيان جميع ما
ُيحتاج إليه في أمر الدين والدنيا ،وهذا كما قال الشاطبي –رحمه الله -في
كتابه )العتصام( ل مخالف عليه من أهل السنه ،بل وجاء في الحديث الذي
رواه الترمذي وأبوا داود وأحمد وابن ماجة بإسناد صحيح عن العرباض بن
سارية :وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العين
ووجلت منها القلوب ،فقلنا :يا رسول الله :إن هذه موعظة موّدع ،فما تعهد
إلينا؟
)(1 /
قال ":تركتكم على البيضاء ،ليلها كنهارها ل يزيغ عنها بعدي إل هالك ،من
يعش منكم فسيرى اختلًفا كثيًرا ،فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء
ضوا عليها بالنواجذ".الراشدين المهدّيين ،ع ّ
دا رسول ثالثأ ::أن هذه البدعة التي ابتدعها تنافي تحقيق شهادة أن محم ً
الله ،لنه من أراد تحقيق هذه الشهادة ل بد له أن يلتزم بما جاء به النبي
صلى الله عليه وسلم ،وأن ل يتعّبد بما لم يصح عنه.
رابًعا :أن مضمون البدعة الطعن في السلم ،وذلك لن المبتدع تتضمن
بدعته أن السلم لم يكتمل ،وأنه كمل السلم بهذه البدعة ،وقد قال الله
تعالى" :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم
ديًنا" )المائدة.(3/
سا :أنه يتضمن الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وذلك لن خام ً
هذه البدعة التي زعمت أنها عبادة إما أن يكون الرسول صلى الله عليه
ل ،وإما أن يكون قد علم بها ولكنه وسلم لم يعلم بها ،وحينئذ ٍ يكون جاه ً
دا ،إذ كيف نأخذ
ما للرسالة أو لبعضها ،وهذا خطير ج ً كتمها ،وحينئذٍ يكون كات ً
قا إلى هذا الظن في النبي صلى الله من الفعال أو القوال ما يكون طري ً
عليه وسلم.
سا :أن البدعة تتضمن تفريق المة السلمية ،لن المة السلمية إذا فتح ساد ً
الباب لها في البدع صار هذا يبتدع شيًئا ،وهذا يبتدع شيًئا ،كما هو الواقع الن،
وكل منهم يظن أنه على صواب ،وكل منهم فرح ببدعته ،فمث ً
ل :الذين ابتدعوا
عيد ميلد الرسول عليه الصلة والسلم ،وصاروا يحتفلون به يطعنون في
الذين ل يحتفلون بهذا اليوم ،ويقولون هؤلء يبغضون النبي صلى الله عليه
وسلم ويكرهونه ،ولهذا لم يفرحوا بمولده ،والحقيقة خلف ذلك ،إذ أن
المبتدع هو الذي تتضمن بدعته أنه يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم ،وإن
دعي أنه يحبه ،لنه إذا ابتدع هذه البدعة والرسول صلى الله عليه كان ي ّ
وسلم لم يشرعها للمة ،فذلك كأنما يتهمه بالجهل أو الكتمان ،وحاشاه أن
يكون كذلك عليه الصلة والسلم ،بل الخير في اتباع سنة النبي صلى الله
ديها ،ول ينبغي للمسلم أن يشّرع كيف شاء ومتى شر في تع ّ عليه وسلم ،وال ّ
113
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
كا مع الله في التشريع ،بل في هذه البدع تعد ّ صريح شاء ،فيجعل نفسه شري ً
على الشريعة وعلى الشارع.
سابًعا :أن البدعة إذا انتشرت في المة اضمحلت السنة ،ولهذا قال بعض
السلف" :ما ابتدع قوم بدعة إل أضاعوا من السنة مثلها أو أشد" وذلك لن
البدع تؤدي إلى نسيان السنن واضمحللها بين المة السلمية.
ولذلك كان المسلمون يخشون البدع ،ويخشون الوقوع فيها ،وَيحذ َُروَنها
ذرون المسلمين منها ،فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ويح ّ
"إياكم وأصحاب الرأي ،فإنهم أعداء السنن ،أعيتهم الحاديث أن يحفظوها،
ضّلوا وََأضّلوا"
فقالوا بالرأي ،فَ َ
)(2 /
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه" :قد أصبحتم على الفطرة ،وإنكم
دث لكم ،فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدى الّول" ،وقال رضي حدُِثون وي ُ ْ
ح َ ست ُ َْ
الله عنه" :القتصاد في السنة خير من الجتهاد في البدعة" ،وقال رضي الله
عنه" :إنا نقتدي ول نبتدي ،ونتبع ول نبتدع ،ولن نضل ما تمسكنا بالثر" وقال:
دا"،ن ضلل ً بعي ً ضل ّ ّ
موه ،ولئن أخذتم يميًنا وشمال ً ل َت َ ِ "عليكم بالطريق فالَز ُ
وقال ابن عمر رضي الله عنهما" :كل بدعة ضللة ،وإن رآها الناس حسنة"،
وقال ابن عباس رضي الله عنهما يوصي عثمان الزدي" :عليك بتقوى الله
تعالى والستقامة ،اتبع ول تبتدع" ،وقال" :إن أبغض المور إلى الله تعالى
البدع" ،وقال" :عليكم بالستقامة والثر وإياكم والبدع" ،وقال عبدالله بن
سنة ،يذهب الدين الديلمي رضي الله عنه" :ب َل ََغني أن أول ذهاب الدين ترك ال ّ
وة" ،وقال الحسن البصري رحمه الله: سّنة كما يذهب الحبل قُوّة ً قُ ّ ة ُ سن ّ ً ُ
سّنة -والذي ل إله إل هو -بين الغالي والجافي ،فاصبروا عليها رحمكم الله، ّ "ال
سّنة كانوا أقل الناس فيما مضى ،وهم أقل الناس فيما بقي: ّ ال أهل فإن
الذين لم يذهبوا مع أهل التراف في إترافهم ،ول مع أهل البدع في بدعهم،
وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم ،فكذلك إن شاء الله فكونوا" ،وقال
جا ول عمرة حتى ما ول صلةً ول ح ً رحمه الله" :ل يقبل الله لصاحب بدعة صو ً
ة ،إل ازداد من ما وصل ً يدعها" ،وقال" :صاحب البدعة ل يزداد اجتهاًدا ،صيا ً
دا" ،وقال" :ل تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك" ،وقال حسان الله بع ً
بن عطية" :ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إل نزع الله من سّنتهم مثلها ،ثم ل
يعيدها إليهم إلى يوم القيامة" ،وقال يحيى بن أبي كثير" :إذا لقيت صاحب
بدعة في طريق فخذ في طريق آخر" ،وقال سفيان الثوري" :البدعة أحب
إلى إبليس من المعصية ،المعصية ُيتاب منها ،والبدعة ل ُيتاب منها" ،وقال:
سّنة ،ودع البدعه" ،وقال ابن "دع الباطل ،أين أنت عن الحق؟ اتبع ال ّ
كا–رحمه الله -يقول" :من ابتدع في الماجشون –رحمه الله" :-سمعت مال ً
دا صلى الله عليه وسلم خان ة يراها حسنة فقد زعم أن محم ً السلم بدع ً
الرسالة ،لن الله يقول" :اليوم أكملت لكم دينكم" )المائدة (3/فما لم يكن
يومئذ ديًنا فل يكون اليوم ديًنا" ،وقال الفضيل بن عياض" :من جلس إلى
ة فاحذروه ،وقال :من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج صاحب بدع ً
عا في طريق فخذ نور السلممن قلبه" ،وقال –رحمه الله" :-إذا رأيت مبتد ً
في طريق آخر ،ول ُيرفع لصاحب البدعةإلى الله –عز وجل -عمل ،ومن أعان
صاحب بدعة فقد أعان على هدم السلم" ،وقال" :من زّوج كريمته من
مبتدع فقد قطع رحمها" ،وقال" :اتبع طرق الهدى ول يضرك قلة السالكين،
114
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(3 /
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
)(4 /
115
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
116
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
.2كان الذن منه صلى الله عليه وسلم بالكتابة بعد السنة السابعة لن
عبدالله بن عمرو هاجر مع أبيه بعد الحديبية ويظهر من النص أن عبد الله
أفرد كتابة الحديث في كتاب ولم يجعله مع القرآن.
.3لما كانت السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نامية باعتبار توالى
صدورها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاف إليه أن هذه السنة قد
تتناول أحكاما ً مرحلية يعتريها النسخ ،فقد كان النهي عن كتابتها له فوائده
المنهجية حتى ل يأخذ المكتوب طابع النهائية ولو أطلق العنان للصحابة من
أدل المر في الكتابة لوصلتنا نسخ عديدة فيها الختلف وكل يجزم بصحة
نسخته لذ لك كانت السياسة العامة هي النهي عن كتابة السنة فيما عدا
الذن الخاص أو في مسائل محددة ذات أنصبة وفروض وأرقام يصعب
ضبطها من عير كتاب .وهذا المحظور يزول بوفاة النبي صلى الله عليه
وسلم لن السنة قد توقف صدور المزيد منها إلى جانب ثبات أحكامها
ووصولها إلى المرحلة النهائية .وكتابة الكتب بعد وفاة النبي صلى الله عليه
وسلم ل تأخذ طابع القبول الذي تأخذه لو كتبت في عهده صلى الله عليه
وسلم بل يبقى المر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم موضع اجتهاد وحوار
وقد يحظر بعض الصحابة بعضهم لبعض ويدعى أحدهم نسخ حديث يعتبره
غيره محكما ً غير منسوخ.
)(1 /
.4لو ُقدٌر للسنة أن تجمع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لما ظهرت
هذه النزعة النقدية المنهجية التي مدت آثارها إلى مختلف جوانب المعرفة
السلمية والتي كانت ميدان تنافس بين العلماء وسبقتهم كذلك إلى يوم
القيامة بإذن الله.
.5إن كتابة السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أمر يشغل المسلمين
بنصية السنة أكثر مما يشغلهم بالصحبة والممارسة والقتداء والمباشرة
الفعلية للسلم وهو ما يميز جيل الصحابة عن كل جيل بعدهم إذ أنهم تعاملوا
مع شخص النبي صلى الله عليه وسلم .ونخلص من هذا إلى أن النهي عن
كتابة السنة كان منهيا ً نصيا ً ومنهجيا ً والذن بكتابتها كان محدودا ً في
الشخاص المعينين وفي الموضوعات التي تحتاج إلى تذكر وللوافدين الذين
يرجعون إلى أقوامهم ويريدون شيئا ً مكتوبا ً إما لتقانه وتذكره وإما زيادة في
التوثيق والتصديق .فقد أخرج البخاري في صحيحه من رواية أبي هريرة أن
خزاعة قتلوا رجل ً من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه ،فأخبر بذلك
النبي صلى الله عليه وسلم فركب راحلته فحطب فقال" :إن الله حبس عن
أهل مكة القتل أو الغيل - ،شك أبو عبد الله ، -وسلط عليهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أل إنها لم تحل لحد قبلي ولم تحل لحد
بعدي ،أل وإنها حلت لي ساعة من نهار ،أل وإنها ساعتي هذه حرام ،ل يختلي
شوكها ول يعضد شجرها ول تلتقط ساقطتها إل لمنشد ،فمن قتل فهو بخير
النظرين ،إما أن يعقل أو يقاد أهل القتيل"
فجاء رجل من أهل اليمن فقال :أكتب لي يا رسول الله فقال " :أكتبوا لبي
فلن".
فقال رجل من قريش :إل الذخر يا رسول الله فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ":إل الذخر".
قال أبو عبدالله :يقال يقاد بالقاف ،فقيل لبي عبدالله :أي شيء كتب له؟
117
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
أما التابعون فقد ظهر من ينادي بترك كتابة الحديث كعامر بن شراحيل
الشعبي )توفي سنة 103هـ( ويونس بن عبيد )توفي سنة 140هـ( وخالد
الحداد )توفي سنة 141هـ( .ولكن جمهور التابعين 000على إباحة الكتابة
وفعلها ومنهم عبد العزيز بن مروان )توفي بعد 80هـ( الذي كتب إلى كثير بن
مرة الحضرمي وكان قد أدرك سبعين بدريًا ،أن يكتب إلية مما سمع من
أحاديث الصحابة إل حديث أبي هريرة فإنه عندنا .وكتب مجاهد بن جبر تلميذ
ابن عباس رضي الله عنهما وخالد بن معدان الكلعي )توفي سنة 103هـ(
عرى ،ومقسم بن بكرة )توفي سنة وكان علمه في مصحف له أزرار و ُ
101هـ( وكان حديثه مدونا ً في كتاب ،وكتب عبد الرحمن بن هرمز العرج
)توفي سنة 117هـ( عن أبي هريرة كتابًا ،وخلصة القول أن عدد الذين كتبوا
118
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الحديث من الصحابة والتابعين يكفي للقول بأن السنة نقلت بالكتابة كما
سنة :الرأي بكتابتها والرأي
نقلت بالمشافهة ،واجتمع الرأيان على نقل ال ُ
بنقلها مشافهة.
تدوين الحديث
نقصد بالتدوين جمع الحاديث في ديوان واحد وهو غير الكتابة لن الكتابة
مجهود فردي حيث يقوم الراوي بكتابة مسموعاته في كتاب لنفسه ،وأول
من عزم على تدوين الحديث عبدالعزيز بن مروان وكان أميرا ً على مصر إل
أنه مات قبل أن ينفذ عزمه فشرع في هذا العمل ولده الخليفة عمر بن
عبدالعزيز )توفي سنة 101هـ( وكان الدافع لهذا التدوين أمران:
صيانة الحديث بعد أن اتسعت رواياته من أن يختلط الصحيح منه بالموضوع،
ويروى عن ابن شهاب الزهري أنه قال" :لول أحاديث تأتينا من قبل المشرق
ننكرها ول نعرفها ما كتبت حديثا ً ول أذنت في الكتابة"
الخوف على الحديث من الضياع بموت علمائه ورواته ،وعندما أمر عمر بن
عبدالعزيز بالتدوين كتب إلى أهل المدينة يقول " انظروا حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم فكتبوه ،فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله".
وكان على رأس المحدثين الذين ندبهم عمر بن عبدالعزيز لهذه المهمة أبو
بكر بن محمد بن حزم ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري وكان في كتاب
عمر إلى أبي بكر بن محمد بن حزم " :انظروا ما كان من حديث النبي صلى
الله عليه وسلم فأكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ول تقبل إل
حديث النبي صلى الله عليه وسلم وَل ُْتفشوا العلم ولتجلسوا حتى ي َُعلم من ل
يعلم فإن العلم ل يهلك حتى يكون سرا ً " ،وقد أمر عمر أبا بكر بن محمد بن
حزم أن يكتب له العلم من عند عمرة بنت عبدالرحمن والقاسم بن محمد
فكتب له -وقد نشأت عمرة في حجر عائشة رضي الله عنه وكانت من أثبت
الناس في حديث عائشة وأما القاسم بن محمد فهو ابن أخي عائشة وكان
عالم زمانه زمن فقهاء المدينة السبعة )توفي سنة 103هـ(
)(3 /
النوم
د .محمد بن عبد الله القناص 24/7/1426
29/08/2005
النوم آية من آيات الله ونعمة من نعمه التي أمتن بها على عباده ،وضرورة
ل َوالن َّهار َواب ْت َِغاؤُك ُ ْ
م م ِبالل ّي ْ ِ
مَنامك ُ ْ ن آَياته َ م ْ من ضروريات الحياة ،قال تعالى) :وَ ِ
قوم يسمعون( ،وقال تعالى ) :أ َل َم يروا ْ أناَ
ْ ََ ْ ّ ك َلَيات ل ِ َ ْ ٍ َ ْ َ ُ َ ن ِفي ذ َل ِ َ ضله إ ِ ّ ن فَ ْ م ِْ
ن(، نو م
ْ ٍ ُ ِ ُ َْ ؤي م و َ ق ّ ل تَ ٍيا ل َ
ك ِ لَ ذ في ِ ّ ِن إ ً ا صر ب م ر ها ن وال ه
َ ْ ُ ِ ِ َ َّ َ ُ ْ ِ في ْ ا نوُ ك س ي ِ ل َ
ل ْ يّ ل ال ناْ ل
َ َ َعج
ويحصل بالنوم الراحة والسكون وزوال التعب والمشقة وتجديد النشاط
جعَ َ
ل سَباتا ً وَ َ
م ُ ل ل َِباسا ً َوالن ّوْ َ م الل ّي ْ َ ل ل َك ُ ُ جعَ َذي َ والقوة ،قال تعالى) :وَهُوَ ال ّ ِ
ل ل َِباسا ً (، جعَل َْنا الل ّي ْ َ سَباتا ً وَ َ م ُ مك ُ ْجعَل َْنا ن َوْ َ
شورًا( ،وقال تعالى) :وَ َ الن َّهاَر ن ُ ُ
والسلم الذي اتصفت تعاليمه وتشريعاته بالشمول والكمال بحيث اعتنى
بالنسان في جميع مراحله وكافة جوانب حياته لم يغفل حالة النوم والتي
يقضي النسان فيها حوالي ثلث حياته بل أحاطها السلم بالداب والسنن
فمن أخذ بها تحقق له في نومه الطمأنينة والراحة ،والهدوء والسكينة ،وابتعد
عن القلق والرق ،وسوف اذكر بعض هذه السنن والداب بإيجاز بحسب ما
يتسع له المقام.
119
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
120
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
تقدم.
-وضع اليد اليمنى تحت الخد:
)(1 /
ي -صلى الله عليه وسلم،- ة رضي الله عنهاَ ،زوِْج الن ّب ِ ّ ص َ ف َ ح ْ ن أم المؤمنين َ فعَ ْ
َ َ َ
مَنى ضعَ ي َد َهُ ال ْي ُ ْ ن ي َْرقُد َ وَ َ ن إ َِذا أَراد َ أ ْ كا َ ل الل ّهِ -صلى الله عليه وسلمَ - سو َ ن َر ُ أ ّ
مَراٍر [.أخرجه ث ِ ك ،ث َل َ َ عَباد َ َ ث ِ م ت َب ْعَ ُ ك ي َوْ َ ذاب َ َ م قِِني عَ َ ل :الل ّهُ ّ قو ُ م يَ ُ ه ،ث ُ ّ خد ّ ِ ت َ ح َ تَ ْ
أبو داود ح )[(5045
ي -صلى الله عليه وسلم -إ َِذا ن الن ّب ِ ّ كا َ لَ " : ة –رضي الله عنهَ -قا َ ف َ حذ َي ْ َ ن ُ وع َ ْ
َ م َ ّ قو ُ ّ أَ َ
تمو ُ كأ ُ س ِ م ِبا ْ ل :اللهُ ّ م يَ ُ خد ّهِ ث ُ ّ ت َ ح َ ضعَ ي َد َه ُ ت َ ْ ل وَ َ ن اللي ْ ِ م ْ ه ِ جعَ ُ ض َ م ْ خذ َ َ
مات ََنا وَإ ِل َي ْهِ الن ّ ُ َ َ َ
شوُر. ما أ َ حَياَنا ب َعْد َ َ ذي أ ْ مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ ح ْ ل ال ْ َ ظ َقا َ ق َ ست َي ْ َ حَيا وَإ َِذا ا ْ وَأ ْ
]أخرجه البخاري ح )[(6314
-كراهة النوم على البطن:
ل اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ّ سو ُ َ ن أ َِبي هَُري َْرةَ –رضي الله عنهَ -قا َ
ل َرأى َر ُ عَ ْ
ه] .أخرجه الترمذي ّ
حب َّها الل ُ ة ل يُ ِ َ جعَ ٌ ض ْ ن هَذِهِ َ ل إِ ّ قا َ َ
جًعا عَلى ب َطن ِهِ ف َ ْ َ ضط ِ َ م ْ جل ُ ً َر ُ
ح )[(2692
-الذكار عند النوم:
ورد أذكار عديدة تشرع عند النوم يستحب للمسلم أن يحافظ على ما تيسر
منها ومن ذلك ما جاء في الحاديث التالية:
َ لَ :قا َ ب َقا َ ْ
ت ي -صلى الله عليه وسلم -إ َِذا أت َي ْ َ ل الن ّب ِ ّ عازِ ٍ ن َ * حديث الب ََراِء ْب ْ ِ
َ
ل :الل ّهُ ّ
م م قُ ْ ن ثُ ّ م ِ ك اْلي ْ َ ق َ ش ّ جعْ عََلى ِ ضط َ ِ ما ْ صَلةِ ث ُ ّ ك ِلل ّ ضوَء َ ضأ وُ ُ ك فَت َوَ ّ جعَ َ ض َ م ْ َ
ري إ ِلي ْ َ َ َ ْ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ
ة
ة وََرهْب َ ً ك َرغْب َ ً ِ ْ ه ظ ت ُ أ ج
َ ل أ َ و ك ْ ي ل ِ إ ري ِ م
ُ ْ أ ت ض
ْ و
َ ّ َ ف و ك ْ ي ل ِ إ هي ِ جْ أ ْ ْ ُ َ
و ت م ل س
َ َ
ت وَب ِن َب ِي ّ َ
ك ذي أن َْزل ْ َ ك ال ّ ِ ت ب ِك َِتاب ِ َ من ْ ُ مآ َ ك الل ّهُ ّ ك إ ِّل إ ِل َي ْ َ من ْ َ جا ِ من ْ َ جأ وََل َ مل ْ َ ك َل َ إ ِل َي ْ َ
َ َ
ما ت َت َك َل ّ ُ
م خَر َ نآ ِ جعَل ْهُ ّ فط َْرةِ َوا ْ ت عََلى ال ْ ِ ك فَأن ْ َ ن ل َي ْل َت ِ َ م ْ ت ِ م ّ ن ُ ت فَإ ِ ْ سل ْ َ ذي أْر َ ال ّ ِ
تمن ْ ُ مآ َ ت الل ّهُ ّ ما ب َل َغْ ُ م فَل َ ّ سل ّ َ ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ي َ ل فََرد ّد ْت َُها عََلى الن ّب ِ ّ ب ِهِ َقا َ
ْ َ ّ َ َ سول ِك َقا َ َ ْ ْ َ ّ ب ِك َِتاب ِ َ
ت سل َ ذي أْر َ ل ل وَن َب ِي ّك ال ِ ت وََر ُ ت قُل ُ ذي أن َْزل َ ك ال ِ
َ
جًل ،إ َِذا أ َ َ َ ّ
ه، جعَ ُ ض َ م ْ خذ َ َ مَر َر ُ هأ َ مَر ،رضي الله عنهما ،أن ّ ُ ن عُ َ * حديث عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ
َ ها ،ل َ َ َ خل َ ْ
حي َي ْت ََها نأ ْ ها ،إ ِ ْ حَيا َ م ْ مات َُها وَ َ م َ ك َ ت ت َوَّفا َ سي وَأن ْ َ ف ِ ت نَ ْ ق َ م َ ل :الل ّهُ ّ َقا َ
َ َ َ
ل: ج ٌ ه َر ُ ل لَ ُ قا َ ة .فَ َ ك ال َْعافِي َ َ سأل ُ َ م إ ِّني أ ْ فْر ل ََها .الل ّهُ ّ مت َّها َفاغْ ِ نأ َ فظ َْها ،وَإ ِ ْ ح َ َفا ْ
ل الل ّهِ -صلى الله قا َ مَر؟ فَ َ ت هَ َ َ
سو ِ ن َر ُ م ْ مَرِ ، ن عُ َ م ْ خي ْرٍ ِ ن َ م ْ لِ : ن عُ َ م ْ ذا ِ معْ َ س ِ أ َ
عليه وسلم] .-أخرجه مسلم ح )[(2712
* حديث عَل ِ َ
ن
ح ُ ما ت َط ْ َ م ّ حى ِ ن الّر َ ْ م
قى ِ ما ت َل ْ َ ت َ شت َك َ ْ سَلم ا ْ ة عَل َي َْها ال ّ م َ ن َفاط ِ َ يأ ّ ّ
ُ ل الل ّه -صلى الله عليه وسلم -أ ُتي بسبي فَأ َتته تسأ َ َ
ماِ ً د خا َ هَْ ُ َ ْ ُل ِ َ ِ َ ْ ٍ ِ َ سو ن َر ُ فَب َل َغََها أ ّ
كت ذ َل ِ َ ي -صلى الله عليه وسلم -فَذ َك ََر ْ جاَء الن ّب ِ ّ ة فَ َ ش َ ت ل َِعائ ِ َ ه فَذ َك ََر ْ ق ُ وافِ ْ م تُ َ فَل َ ْ
َ ْ َ َ
حّتى ما َ كان ِك ُ َ م َ ل عَلى َ قا َ م فَ َ قو َ جعََنا فَذ َهَب َْنا ل ِن َ ُ ضا ِ م َ خلَنا َ ه فَأَتاَنا وَقَد ْ د َ َ ةل ُ ش ُ عائ ِ َ َ
ْ َ َ ّ َ َ َ َ
ماه ُ إ َِذا سألت ُ َ ما َ م ّ خي ْرٍ ِ ما عَلى َ ل أل أد ُلك ُ َ قا َ صد ِْري فَ َ مي ْهِ عَلى َ ت ب َْرد َ قَد َ َ جد ْ ُ وَ َ
َ َ َ َ َ ّ َ ُ أَ َ
حا ث َلًثا سب ّ َ ن وَ َ دا ث َلًثا وَث َلِثي َ م َ ح َ ن َوا ْ ه أْرب ًَعا َ وَث َلِثي َ ما فَكب َّرا الل َ جعَك َ ضا ِ م َ ما َ خذ ْت ُ َ
ه] .أخرجه البخاري ح ) ،(3113ومسلم ما ُ سأل ْت ُ َ ما َ م ّ ما ِ خي ٌْر ل َك ُ َ ك َ ن ذ َل ِ َ ن فَإ ِ ّ وَث ََلِثي َ
ح )[(2727
-استحضار نية قيام الليل عند النوم:
ن ي -صلى الله عليه وسلمَ -قا َ فع َ
م ْ لَ : ن أِبي الد ّْرَداِء -رضي الله عنه -أن الن ّب ِ ّ َ ْ
ب ُ َ َ َ ّ ّ َ أ ََتى فَِرا َ
ح كت ِ َ صب َ َ حّتى أ ْ ه عَي َْناه ُ َ ل فغَلب َت ْ ُ ن اللي ْ ِ م ْ صلي ِ م يُ َ قو َ ن يَ ُ وي أ ْ ه وَهُوَ ي َن ْ ِ ش ُ
ل] .أخرجه النسائي ح ) ج ّ ن َرب ّهِ عَّز وَ َ م ْ ة عَل َي ْهِ ِ صد َقَ ً ه َ م ُ ن ن َوْ ُ كا َ وى وَ َ ما ن َ َ ه َ لَ ُ
121
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
[(1765
-قراءة بعض اليات والسور مثل:
* قراءة آية الكرسي:
ل الل ّهِ -صلى الله عليه سو ُ ر
َ ِ َ ُني َ لّ ك و ل:َ َ
قا عنه- الله -رضي ن أ َِبي هَُري َْرةَ فعَ ْ
َ َ
قل ْ ُ
ت ه فَ ُ خذ ْت ُ ُ ن الط َّعام ِ فَأ َ م ْ حُثو ِل يَ ْجعَ َ ت فَ َ ن فَأَتاِني آ ٍ ضا َم َكاةِ َر َ ظ َز َ ف ِ ح ْوسلم -ب ِ ِ
َ َل َْرفَعَن ّ َ
ل إ َِذا أوَي ْ َ
ت قا َ ث فَ َ دي َ ل الل ّهِ -صلى الله عليه وسلم -فَذ َك ََر ال ْ َ
ح ِ سو ِ ك إ َِلى َر ُ
قَرب ُ َ
ك ظ وََل ي َ ْ حافِ ٌ ن الل ّهِ َ م ْ
ك ِ ل عَل َي ْ َ ن ي ََزا َ ي لَ ْ
س ّ ة ال ْك ُْر ِ ك َفاقَْرأ ْ آي َ َ ش َ إ َِلى فَِرا ِ
ب َذا َ
ك ذو ٌ ك وَهُوَ ك َ ُ صد َقَ َم َ سل ّ َ
ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ي َ قا َ
ل الن ّب ِ ّ ح فَ َ صب ِ َحّتى ت ُ ْ ن َ طا ٌشي ْ َ َ
ن] .أخرجه البخاري ح ) ،(3275ومسلم ح )[(505 َ
شي ْطا ٌ َ
-قراءة اليتين الخيرتين من سورة البقرة:
)(2 /
ل الل ّهِ -صلى سو ُ لَ :قا َ سُعودٍ ال ْب َد ْرِيّ -رضي الله عنهَ -قا َ َ
ل َر ُ م ْ ففي حديث أِبي َ
ما ِفي ل َي ْل َةٍ ك َ َ َ سوَرةِ ال ْب َ َ
ه.فَتا ُ ن قََرأهُ َ م ْ قَرةِ َ خرِ ُ نآ ِ م ْ ن ِ الله عليه وسلم :-اْلي ََتا ِ
]أخرجه البخاري ح ) ،(4008ومسلم ح )[(807
-قراءة قل هو الله أحد والمعوذتين:
ه َ َ َ َ ش َ َ عائ ِ َ
ش ِ ن إ ِذا أَوى إ ِلى فَِرا ِ ي -صلى الله عليه وسلم -كا َ ن الن ّب ِ ّ ةأ ّ ففي حديث َ
َ َ ّ َ
ب َِ ّ ر ب ُ ذ عو ُ أ لْ ُ ق و
ُ َ ٌ َ د ح أ ه ل ال و
ُ َ ه ل ْ ُ ق ما َ ِ ِ َ ه في أ ر َ ق َ ف ما ه في
ْ ِ ّ َ َ ِ ِ َ ث َ ف ن م ُ ث ه ي ّ ف َ ك مع َ ج َ ل ل َي ْل َةٍ َ كُ ّ
ُ ست َ َ َ ق وَ قُ ْ ال ْ َ َ
ما سدِهِ ي َب ْد َأ ب ِهِ َ ج َ ن َ م ْ طاع َ ِ ما ا ْ ما َ ح ب ِهِ َ س ُ م َ م يَ ْ س ثُ ّ ب َالّنا ِ عوذ ُ ب َِر ّ لأ ُ فل ِ
ك ث ََل َ ْ
ت. مّرا ٍ ث َ ل ذ َل ِ َ فعَ ُ سدِهِ ي َ ْ ج َ ن َ م ْ ل ِ ما أقْب َ َ جهِهِ وَ َ سهِ وَوَ ْ عََلى َرأ ِ
-كراهية النوم على سطح غير محجور:
ل اللهِ -صلى الله عليه ّ سو ُ ل َر ُ لَ :قا َ ن -رضي الله عنهَ ،-قا َ شي َْبا َ ي بن َ ن عَل ِ ّ فعَ ْ
ة. م ُ ه الذ ّ ّ من ْ ُ ت ِ قد ْ ب َرِئ َ ْ جاٌر ،فَ َ ح َ ه ِ سل ُ َ ت لي ْ َ َ ت عَلى ظهْرِ ب َي ْ ٍ َ َ ن َبا َ م ْ وسلمَ : -
]أخرجه أبو داود ح )) (4384حجار( :ساتر وحاجز كحائط وغيره يمنعه من
السقوط[.
-2السنن والداب القولية والفعلية عند الستيقاظ:
-ما يقول إذا كان يفزع في منامه:
ّ سو َ َ شعيب ،عَ َ
ل اللهِ -صلى الله عليه ن َر ُ ه ،أ ّ جد ّ ِ ن َ ه ،عَ ْ ن أِبي ِ ْ ن ُ َ ْ ٍ رو ب ْ ِ م ِ ن عَ ْ عَ ْ
ّ َ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ َ
ن م ْ ت ِ ما ِ ت اللهِ الّتا ّ ما ِ عوذ ُ ب ِكل ِ َ قل :أ ُ م ،فلي َ ُ م ِفي الن ّوْ ِ حد ُك ْ وسلم -قال :إ َِذا فزِع َ أ َ
َ َ
ن
ن .فإ ِن َّها ل ْ َ ضُرو ِ ح ُ ن يَ ْ ن ،وَأ ْ طي ِ شَيا ِ ت ال ّ مَزا ِ ن هَ َ م ْ ه ،وَ ِ عَبادِ ِ شّر ِ ه ،وَ َ قاب ِ ِ ع َ ضب ِهِ وَ ِ غَ َ
ه] .أخرجه الترمذي ح ) ،(3451وقال :حديث حسن غريب[ ضّر ُ تَ ُ
-ما يقول إذا تعاّر من الليل أو استيقظ:
ي -صلى الله عليه وسلم- ن الن ّب ِ ّ ت -رضي الله عنه -عَ ْ م ِ صا ِ ن ال ّ عن عَُباد َة ُ ب ْ ُ
ه ك وَل َ ُ مل ْ ُ ه ال ْ ُ ه ،ل َ ُ ك لَ ُ ري َ ش ِ حد َه ُ َل َ ه وَ ْ ه إ ِّل الل ّ ُ ل َل إ ِل َ َ قا َ ل فَ َ ن الل ّي ْ ِ م ْ ن ت ََعاّر ِ م ْ لَ : َقا َ
هّ ه َوالل ُ ّ
ه إ ِل الل ُ ّ َ
ن اللهِ وَل إ ِل َ َ ّ حا َ سب ْ َ مد ُ ل ِلهِ وَ ُ ّ ح ْ ديٌر ال َ ْ يٍء قَ ِ ش ْ ل َ مد ُ وَهُوَ عَلى ك ُ ّ َ ح ْ ال ْ َ
ه فَإ ِ ْ
ن ب لَ ُ جي َ ست ُ ِ عا ا ْ فْر ِلي أ َوْ د َ َ م اغ ْ ِ ل الل ّهُ ّ م َقا َ ل وََل قُوّة َ إ ِّل ِبالل ّهِ ث ُ ّ حو ْ َ أك ْب َُر وََل َ
َ
َ
ه] .أخرجه البخاري ح )[(1154 صَلت ُ ُ ت َ صّلى قُب ِل َ ْ ضأ وَ َ ت َوَ ّ
ن إ َِذا َ ّ سو َ َ ّ عائ ِ َ
ل اللهِ -صلى الله عليه وسلم -كا َ ن َر ُ ه عَن َْها أ ّ ي الل ُ ض َ ة َر ِ ش َ ن َ وع َ ْ
سأ َل ُكَ َ ْ
ك ل ِذ َنبي وأ َ
ِْ َ فُر ست َغْ ِ مأ ْ
َ ّ
حان َك اللهُ ّ َ سب ْ َ ت ُ ه إ ِل أن ْ َ
َ ّ َ
ل :ل إ ِل َ َ ل َقا َ ن اللي ْ ِ ّ م ْ قظ ِ َ ست َي ْ َ ا ْ
ن ل َد ُن ْكَ م ْ ب ِلي ِ ما وَل ت ُزِغ ْ قَلِبي ب َعْد َ إ ِذ ْ هَد َي ْت َِني وَهَ ْ ْ َ عل ًْ م زِد ِْني ِ مت َك اللهُ ّ ّ َ ح َ َر ْ
ب].أخرجه أبو داود ح )[(4402 ْ َ َ
ها ُ ت الوَ ّ ة إ ِن ّك أن ْ َ م ً ح َ َر ْ
-ما يقول إذا قام من الليل يتهجد:
ي -صلى الله عليه وسلم -إ َِذا ن الن ّب ِ ّ ما قال كا َ َ َ َ ه عَن ْهُ َ ي الل ّ ُ ض َ س َر ِ ن عَّبا ٍ فعن اب ْ َ
122
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َْ َ
ن
م ْ ض وَ َ ت َوالْر َ ِ وا ِ م َ س َ م ال ّ ت قَي ّ ُ مد ُ أن ْ َ ح ْ ك ال ْ َ م لَ َ ل :الل ّهُ ّ جد ُ َقا َ ل ي َت َهَ ّ ن الل ّي ْ ِ م ْ م ِ َقا َ
ت ُنوُر ك ال ْ َ ن وَل َ َ َ ْ مل ْ ُ مد ُ ل َ َ ك ال ْ َ ن وَل َ َ
مد ُ أن ْ َ ح ْ ن ِفيهِ ّ م ْ ض وَ َ ت َوالْر َ ِ وا ِ م َ س َ ك ال ّ ك ُ ح ْ ِفيهِ ّ
ض وَل َكَ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ
ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ مل ِك ال ّ ت َ مد ُ أن ْ َ ح ْ ن وَلك ال َ ن ِفيهِ ّ م ْ ض وَ َ ت َوالْر ِ وا ِ
َ
م َ س َ ال ّ
حقّ َوالّناُر َ ّ َ َ ّ ُ َة ن ج ْ ل وا ق ح كَ ُ ل و َ
َ ّ َ ْ ق و ق ح كَ ُ ؤ قا َ ل و
َ ّ َِ ق ح ْ ل ا َ
ك د
َ ّ َ َ ْ ُ ع و و ق ح ْ ل ا تح ْ ُ ْ َ
ن أ د م ال ْ َ
م لَ َ
ك حقّ الل ّهُ ّ ة َ ساعَ ُ حقّ َوال ّ مد ٌ -صلى الله عليه وسلمَ - ح ّ م َ حق ّ و َ ُ ن َ حقّ َوالن ّب ِّيو َ َ
ت م َ ك حا َ
ك ي َ لإ و ت م ص خا َ
ك ب و ت ب ن َ أ ك َ ي َ ل إ و ت ْ ل ّ ك و ت َ
ك ي َ ل ع و ت ن م آ كَ َ َ
َ ْ ُ َ ْ ُ َِ ْ َ َْ ُ َِ ُ َِ ْ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ أ ْ ْ ُ َِ
ب و ت م ل س
َ َ َ َ ما أ َ ّ
ت م وَأن ْ َ قد ّ ُ م َت ال ْ ُ ت أن ْ َ ما أعْل َن ْ ُ ت وَ َ سَرْر ُ ما أ ْ ت وَ َ خْر ُ ت وَ َ م ُ ما قَد ّ ْ فْر ِلي َ َفاغْ ِ
َ َ َ َ ّ َ َ
ك] .أخرجه البخاري ح ) ،(1120ومسلم ح ه غَي ُْر َ ت أوْ ل إ ِل َ ه إ ِل أن ْ َ خُر ل إ ِل َ مؤ َ ّ ال ْ ُ
)[(769
سو ُ
ل ث َر ُ حد ّ َ ة فَت َ َ مون َ َ مي ْ ُ خالِتي َ َ عن ْد َ َ ت ِ ل :ب ِ ّ ما َقا َ ه عَن ْهُ َ ّ
ي الل ُ ض َ س َر ِ
َ ن عَّبا ٍ ن اب ْ ِ وع َ ْ
خُر ْ
ل ال ِ ّ
ث اللي ْ ِ ُ
ن ث ُل ُ ما كا َ َ َ
م َرقَد َ فَل ّ ة ثُ ّ ساعَ ً معَ أهْل ِهِ َ الل ّهِ -صلى الله عليه وسلمَ -
َْ
ف الل ّي ْ ِ
ل خت َِل ِ ض َوا ْ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ ق ال ّ خل َ ِ
ن ِفي َ ْ ل :إ ِ ّ قا َ ماِء فَ َ س َ قَعَد َ فَن َظ ََر إ َِلى ال ّ
صّلى إ ِ ْ َ والن ّهار َلَيا ٍ ُ
شَرةَ َرك ْعَ ً
ة دى عَ ْ ح َ ن فَ َ ست َ ّ ضأ َوا ْ م فَت َوَ ّ م َقا َ ب ثُ ّ ت ِلوِلي اْلل َْبا ِ َ ََ ِ
ح] .أخرجه البخاري ح ) صب ْ َ صلى ال ّ ّ جف َ َ خَر َ م َ ن ثُ ّ ْ ّ َ َ
ن ب ِل ٌ م أذ ّ َ ثُ ّ
صلى َركعَت َي ْ ِ لف َ
،(4569ومسلم ح )[(763
)(3 /
ش َ ُ َ
ن
مِني َ مؤ ْ ِ م ال ْ ُ ةأ ّ عائ ِ َ ت َ سأل ْ ُ لَ : ف َقا َ ن عَوْ ٍ ن بْ ِ م ِ ح َ ن عَب ْدِ الّر ْ ة بْ ُ م َ سل َ َ وعن أبي َ
لن الل ّي ْ ِ م ْ م ِ ه إ َِذا َقا َ صَلت َ ُ ح َ فت َت ِ ُ ي الل ّهِ -صلى الله عليه وسلم -ي َ ْ ن ن َب ِ ّ كا َ يٍء َ ش ْ ب ِأ َيّ َ
ل كاِئي َ مي َ ل وَ ِ جب َْراِئي َ ب َ م َر ّ ه الل ّهُ ّ صَلت َ ُ ح َ ل افْت َت َ َ ن الل ّي ْ ِ م ْم ِ ن إ َِذا َقا َ كا َ ت َ َقال َ ْ
َ َ
ن
م ب َي ْ َ حك ُ ُ ت تَ ْ شَهاد َةِ أن ْ َ ب َوال ّ م ال ْغَي ْ ِ عال ِ َ ض َ ت َوالْر ِ
ْ ماَوا ِ س َ ل َفاط َِر ال ّ سَراِفي َ وَإ ِ ْ
كك إ ِن ّ َ حقّ ب ِإ ِذ ْن ِ َ ن ال َ ْ م ْ ف ِفيهِ ِ خت ُل ِ َ ما ا ْ ن اهْدِِني ل ِ َ فو َ خت َل ِ ُ كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ ما َ ك ِفي َ عَبادِ َ ِ
م] .أخرجه أحمد ح )[(25266 َ ن تَ َ
قي ٍ ست َ ِ م ْ ط ُ صَرا ٍ شاُء إ ِلى ِ م ْ دي َ ت َهْ ِ
-ما يقول إذا رأي رويا في منامه:
ي -صلى الله عليه وسلم:- ل الن ّب ِ ّ لَ :قا َ ن أ َِبيهِ َقا َ ن أِبي قََتاد َة َ عَ ْ
فعن عَبد الل ّه ب َ
ِ ْ ُ ْ ُ
ُ ُ َ َ َ ُ ْ ّ
خافُ ُ
ه ما ي َ َ حل ً م ُ حد ُك ْ مأ َ حل َ ن فَإ َِذا َ شي ْطا ِ ن ال ّ م ْ م ِ حل ُ ن اللهِ َوال ُ م ْ ة ِ ح ُ صال ِ َ الّرؤَْيا ال ّ
ه] .أخرجه البخاري ح ضّر ُ ها فَإ ِن َّها ل ت َ ُ َ شّر َ ن َ م ْ ّ
سارِهِ وَلي َت َعَوّذ ْ ِباللهِ ِ ْ ن يَ َ صق ْ ع َ ْ فَل ْي َب ْ ُ
) ،(3292ومسلم ح )[(2261
َ َ
حّتى ضِني َ مرِ ُ َ
ت أَرى الّرؤَْيا فت ُ ْ قد ْ ك ن ْ ُ ُ ة -رضي الله عنه -قال :ل َ م َ سل َ َ وعن أبي َ
َ َ ُ َ ُ ت أ ََبا قَتاد َة َ ي َ ُ َ
ي
ت الن ّب ِ ّ معْ ُ س ِ حّتى َ ضِني َ مرِ ُ ت لَرى الّرؤَْيا ت ُ ْ قول وَأَنا كن ْ ُ معْ ُ س ِ َ
ب ح ي ما م ُ ك د ح َ أ أى َ ر ذا َ إ َ ف ه ّ ل ال ن م ة ن س ح ْ ل ا يا ْ ؤ ر ال ُ
ل قو ُ ي وسلم- عليه الله -صلى
َ ُ ْ َ ُ ِ ّ ِ ِ َ َ َ َ ُ ِ ْ ّ َ َ
ّ ْ َ
شّر ن َ ّ َ َ ِ ْ م و ها ر ش َ ن َََ ّ ِ ِ ِ ْ م ه ل بال ْ ذ و ع ت ي ل َ ف ه
َ َ َ ُ ر ْ ك ي ما أى ر ب َِ َ ذا َ إ و ح ّ ن يُ ِ م ْ ث ب ِهِ إ ِّل َ حد ّ ْ فََل ي ُ َ
َ
ه] .أخرجه البخاري ح ) ضّر ُ ن تَ ُ دا فَإ ِن َّها ل َ ْ ح ً ث ب َِها أ َ حد ّ ْ ل ث ََلًثا وََل ي ُ َ ف ْ ن وَل ْي َت ْ ِ طا ِ شي ْ َ ال ّ
،(7044ومسلم ح )[(2261
ل:ه َقا َ َ ّ
ل اللهِ -صلى الله عليه وسلم -أن ّ ُ سو ِ ن َر ُ جاب ِرٍ -رضي الله عنه -عَ ْ ن َ وع َ ْ
ّ ْ َ ْ َ َ
نم ْ ست َعِذ ْ ِباللهِ ِ سارِهِ ث َلًثا وَلي َ ْ ن يَ َ صق ْ ع َ ْ م الّرؤَْيا ي َك َْرهَُها فَلي َب ْ ُ حد ُك ُ ْ إ َِذا َرأى أ َ
ه] .أخرجه مسلم ح )[(2262 َ
ن عَلي ْ ِ ذي كا َ َ ّ
جن ْب ِهِ ال ِ ن َ ل عَ ْ حو ّ ْ ْ
ن ث َلًثا وَلي َت َ َ َ طا ِ شي ْ َ ال ّ
-ما يقول عند القلق في النوم:
ي
ي إ ِلى الن ّب ِ ّ َ م ّ خُزو ِ م ْ ْ
ن الوَِليدِ ال َ ْ خال ِد ُ ب ْ ُ شكا َ َ لَ : ن أ َِبيهِ َقا َ ن ب َُري ْد َة َ عَ ْ ن بْ ِ ما َ سل َي ْ َ ن ُ عَ ْ
قا َ
ل ق فَ َ َ ْ م اللي ْ َ ّ َ ّ سو َ قا َ -صلى الله عليه وسلم -فَ َ
ن الَر ِ م ْ ل ِ ما أَنا ُ ل اللهِ َ ل َيا َر ُ
َ
ت وا ِ م َ س َ ب ال ّ م َر ّ ل اللهُ ّ ّ ق ْ شك ف َ ُ َ ت إ ِلى فَِرا ِ َ ي -صلى الله عليه وسلم -إ َِذا أوَي ْ َ الن ّب ِ ّ
ن ِلي ُ ّ َ ب ال ّ ّ َ َ َ ْ ّ َ َ
تك ْ ضل ْ ما أ َ ن وَ َ طي ِ شَيا ِ ت وََر ّ ما أقل ْ ن وَ َ ضي َ ب الَر ِ ت وََر ّ ما أظل ْ سب ِْع وَ َ ال ّ
ي عَّز َ َ َ َ َ َ ّ ُ َ ْ ن َ
ن ي َب ْغِ َ م أوْ أ ْ من ْهُ ْ حد ٌ ِ يأ َ فُرط عَل ّ ن يَ ْ ميًعا أ ْ ج ِ م َ قك كلهِ ْ خل ِ شّر َ م ْ جاًرا ِ َ
123
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َ
ت] .أخرجه الترمذي ح )،(3445 ه إ ِّل أن ْ َ ك َل إ ِل َ َ ه غَي ُْر َ ك وََل إ ِل َ َ ل ث ََناؤُ َ ج ّ ك وَ َ جاُر َ َ
وقال :حديث ليس إسناده بالقوي[
-التسوك إذا قام من الليل:
ن إ َِذا َ
كا وسلم- عليه الله -صلى ه ّ لال لَ سو ر ن ة –رضي الله عنه ،-أ َ ف َ حذ َي ْ َ
َ ِ ّ َ ُ ن ُ فعَ ْ
ك] .أخرجه البخاري ح ) ،(246ومسلم ح ) وا ِ س َ ص َفاه ُ ِبال ّ شو ُ ل يَ ُ ن الل ّي ْ ِ م َ م ِ َقا َ
) (255يشوص( :يدلك أو يغسل أو يحك[.
ي -صلى الله عليه وسلم- َ عائ ِ َ
َ ن الن ّب ِ ّ ة رضي الله عنها ،أ ّ ش َ ن أم المؤمنين َ وع َ ْ
َ سو ّ َ ُ َ َ
ضأ] .أخرجه أبو ن ي َت َوَ ّ
لأ ْ ك قَب ْ َ قظ ،إ ِل َ ت َ َ ست َي ْ ِ ل وَل َ ن ََهاٍر ،فَي َ ْ ن لي ْ ٍ م ْن ل َ ي َْرقُد ُ ِ كا َ
داود ح )[(52
ل اللهِ -صلى الله عليه ّ سو ُ ن َر ُ ل :كا َ َ س ،رضي الله عنهماَ ،قا َ ن عَّبا ٍ ن اب ْ ِ وع َ ِ
سَتاك] .أخرجه مسلم ح ) ُ ف فَي َ ْ صرِ ُ م ي َن ْ َ ن ،ث ُ ّ ْ ْ ّ ّ
ن َركعَت َي ْ ِ ل َركعَت َي ْ ِ صلي ِباللي ْ ِ وسلم -ي ُ َ
،(256وابن ماجه ح ) ،(284واللفظ له[
ن َ ّ سو َ َ
ل اللهِ -صلى الله عليه وسلم -كا َ ن َر ُ مَر – رضي الله عنهما -أ ّ ن عُ َ ن اب ْ ِ عَ ْ
َ َ ّ
ك] .أخرجه أحمد ح ) وا ِ س َ قظ ب َد َأ ِبال ّ ست َي ْ َ َ
عن ْد َه ُ فإ َِذا ا ْ واك ِ ُ س َ م إ ِل َوال ّ َل ي ََنا ُ
.[(5979
-ذكر الله عند الستيقاظ:
يشرع عند الستيقاظ من النوم أن يأتي بالذكار الواردة ومنها ما ورد في
الحاديث التية:
ي -صلى الله عليه ن الن ّب ِ ّ كا َ لَ : ن –رضي الله عنهَ -قا َ ما ِ ن ال ْي َ َ ة بْ ِ ف َ حذ َي ْ َ ن ُ * عَ ْ
َ َ َ
مد ُ ل ِل ّ ِ
ه ل ال ْ َ
ح ْ م َقا َ حَيا وَإ َِذا َقا َ ت وَأ ْ مو ُ كأ ُ م َ س ِ ل ِبا ْ شهِ َقا َ وسلم -إ َِذا أَوى إ َِلى فَِرا ِ
َ َ َ
شوُر] .أخرجه البخاري ح ) ،(6312ومسلم مات ََنا وَإ ِلي ْهِ الن ّ ُ ما أ َ حَياَنا ب َعْد َ َ ذي أ ْ ال ّ ِ
ح )[(3339
)(4 /
124
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ل :إ َِذا ي -صلى الله عليه وسلمَ -قا َ َ فع َ
ن الن ّب ِ ّ ن أِبي هَُري َْرة َ –رضي الله عنه ،-أ ّ َ ْ
َ
ت عَلى َ ن ال ّ َ َ َ ْ َ ُ َ َ
ن ي َِبي ُ شي ْطا َ ت ،فإ ِ ّ مّرا ٍ ث َ ست َن ْث ِْر ثل َ مهِ فلي َ ْ مَنا ِ ن َ م ْ م ِ حد ُك ْ قظ أ َ ست َي ْ َ ا ْ
ه] .أخرجه البخاري ح ) ،(3295ومسلم ح )[(2389 م ِ شي ِ خَيا ِ َ
-الوضوء والصلة:
ل الّله -صلى الله عليه وسلم- سو َ َ * فع َ
ن َر ُ ن أِبي هَُري َْرةَ –رضي الله عنه ،-أ ّ َ ْ
ب ر ض ي د، َ ق ع ث َ ل َ ث م نا و ه َ
ذا إ م ُ كد ح طان عََلى َقافية رأ ْس أ َ َ ي ّ
ش ال َقا َ
ٍ َ ْ ِ ُ ُ َ َ َ َ ُ ِ َ ِ ْ ِ َِ ِ َ ُ ْ ل :ي َ ْ ِ ُ
د ق ع
ت ّ
حل ْ ه ان ْ َ ّ
قظ فَذ َك ََر الل َ َ ست َي ْ َنا ْ د ،فَإ ِ ِ ل َفاْرقُ ْ وي ٌ لط َِ َ
ك لي ْ ٌ َ
ة ،عَلي ْ َ قد َ ٍ ل عُ ْ على ك ُ ّ
َ ً َ ّ ّ ّ َ
ب
شيطا طي ّ َ ح نَ ِ ة ،فَأ ْ
صب َ َ قد َ ٌ ت عُ ْ حل ْ صلى ان ْ َ ن َ ة ،فَإ ِ ْقد َ ٌ ت عُ ْ حل ْ ضأ ان ْ َ ن ت َوَ ّ ة ،فَإ ِ ْ قد َ ٌ عُ ْ
َ
ن] .أخرجه البخاري ح ) ،(1142ومسلم سل َ َ س كَ ْ ف ِ ث الن ّ ْ خِبي َ ح َ صب َ َ س ،وَإ ِل َ أ ْ ف ِ الن ّ ْ
ح )[(776
هذه جملة من الداب والسنن على المسلم أن يحافظ على ما تيسر منها
حتى يتحقق له في نومه الهدوء والطمأنينة والحفظ من الشيطان ومن كل
ذي شر ،والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
)(5 /
125
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
تحرك البدن حركة فاسدة فهو كالملك والعضاء كالرعية ،ول شك أن الرعية
تصلح بصلح الملك وتفسد بفساده ،وكان واجبا ً علينا أن نكون كما كان
سلفنا في العناية بالقلوب لن بها سعادتنا بإذن الله وبها شقاءنا .
* وينبغي للعبد في العبادات أن يكون له فيها نية مطلقة عامة ،ونية خاصة
مقيدة فأما النية العامة ،فإنه يعقد بقلبه عزما ً جازما ً ل تردد فيه ،إن جميع
ما عمله من العمال العتقادية والبدينة والمالية والقولية والمركبة من ذلك
مقصوده بها وجه الله والتقرب إليه وطلب رضاه واحتساب ثوابه ،والقيام
بما فرضه وأحبه الله لعبده وأنه عبد مطلق يتصرف العبد المملوك فهذه
النية العامة التي تأتي على عقائد الدين وأخلقه وأعماله الظاهرة والباطنة ،
ينبغي أن يجددها في قلبه كل وقت وحين ،لتقوى وتتم ويكمل الله للعبد ما
نقص من عمله ،وما أخل به وأغفله من حقوق العبادات ،لعل الله تعالى أن
يجزيه على تلك النية الشاملة للدقيق والجليل من عمله أجرا ً وثوابا ً عظيما ً .
* ثم بعد تحقيق هذا الصل الكبير الذي هو أساس العمال ،ينبغي للعبد أن
يتعبد الله بإخلص في كل جزء من أعماله ،فيستحضر بقلبه أن يعلمه لله
متقربا ً به إليه ،راجيا ً ثوابه من الله وحده ،لم يحمله على ذلك العمل غرض
من الغراض سوى قصد وجه الله وثوابه ،ويسأل ربه تعالى أن يحقق له
خّلصه من الشوائب الخلص في كل ما يأتي وما يذر ،وأن يقوي إيمانه وي ُ َ
المنقصة ،وبهذه النية الصادقة يجعل الله البركة في أعمال العبد ويكون
اليسير منها بنية صالحة أفضل من الكثير الذي بدون نية ثم إذا عرضت له
العوارض المنقصات ،كالرياء وإرادة تعظيم الخلق ،فليبادر بالتوبة إلى الله
ويصرف قلبه عن هذه العوارض المنقصة لحال العبد التي ل تغني عنه شيئا ً
ول تنفعه نفعا ً عاجل ً ول آجل ً .
ثم إذا حقق النية في العبادات ،فليغتنم النية في المباحات والعادات ،وذلك
بأمرين :
أحدهما :أن ينوي أن كل مباح يشتغل به من أكل وشرب وكسوة ونوم
وراحة وتوابعها يقصد به الستعانة على طاعة الله والقيام بواجب النفس
والهل والعائلة والمماليك ،ويقول :اللهم ما رزقتني مما أحب من عافية
وطعام وشراب ولباس ومسكن وراحة بدن وقلب وسعة رزق ،فإجعل ذلك
خيرا ً لي ومعونة لي على ما تحبه وترضاه ،وإجعل سعيي في تحصيل القوت
ي ،فإني أعلم وتوابعه أداء للمر وقياما ً بالواجب واعترافا ً بفضلك ومنتك عل ّ
أن الفضل فضلك والخير خيرك وليس لي حول ول قوة ول اقتدار على شيء
من منافعي ودفع مضاري إل بك فيتقرب إلى ربه بالستعانة بالله في ذلك
مهِ ،ويقصد القيام بالواجب وباحتساب الجر والثواب ،حتى وبالعتراف بن ِعَ ِ
يتحقق فيه قوله صلى الله عليه وسلم " :إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه
ي امرأتك " .
الله إل أجرت عليها حتى ما تجعله في ف ّ
)(1 /
ثم مع هذه النية العامة التي تحيط بجميع مباحاته وعاداته فليستحضر عند كل
جزء من أجزاء عاداته تلك المقاصد الجليلة ليكون قلبه على الدوام ملتفتا ً
إلى ربه منيبا ً إليه خاشعا ً له ومعظما ً وذاكرا ً له فى كل الوقات ،ويكون
اشتغاله بذلك الجزء من عاداته مصحوبا ً بحسن القصد ليتم له الجر وتحصل
له المعونة من الله وينزل الله له البركة ويكون مباركا ً أينما كان .
وكذلك إذا باشر حرثه أو صناعته أو مهنته التي يتعاطاها فليتصحب النية
126
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الصادقة ،وليستعن بربه في حركاته كلها ويرجو رزقه وبركته ،فإن الرجاء
انتظار الفضل من الله من أجل عبادات القلب ،وأكبر السباب للبركة هذه
النية الصادقة ،مع التوكل على الله.
وليعلم العبد أن الله مسبب السباب وميسرها ،فإياك أن تعجب بنفسك
وحذقك وذكائك ،فإن هذا هو الهلك وإنما الكمال أن تخضع لربك وتكون
مفتقرا ً إليه مضطرا ً إليه على الدوام .
ثم إنه لبد أن تكون المور على ما تحب تارة وعلى ما تكره أخرى فإذا
جاءتك على ما تحب فأكثر من حمد الله والثناء عليه وشكره لتبقى لك الن َِعم
وتنمو وتزداد ،وإذا أتتك على ما تكره فوظيفتك الصبر والتسليم والرضا
بقضاء الله وتدبيره لتكون غانما ً في الحالتين في يسرك وعسرك .
يقول الشاعر :
نفوس البرايا كالمطايا يقودها إذا عودت في كل شيء تطاوع
عودها خصال ً من التقي و علم وآداب لها الزهد رابع فنفسك َ
وصبر وشكر والتوكل والسخا و مع ورع فقر به العبد قانع
ومع عزلة ذكر وسابق توبة وخوف وعيد وهو في العفو طامع
وصدق وإخلص وحسن استقامة و كن راضيا ً فيما بك الحق صانع
اللهم أرنا الحق حقا ً وارزقنا اجتنابه واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين
برحمتك يا أرحم الراحمين ،وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين .
______________
) (1الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة
الفاخرة ص . 210،211،245
) (2موارد الظمآن لدروس الزمان ص . 28
)(2 /
الّنعت العظم
د .لطف الله بن عبد العظيم خوجه)*( 17/7/1425
02/09/2004
تقوم فلسفة الوسطّية على فكرة عامة ،ذات ثلثة اتجاهات:
ّ
-اتجاهان طرفان ،فقدا جميع الخصائص اليجابّية للفكرة ،أو جلها ،وجمعا
الخصائص السلبّية منها.
-واتجاه وسط بينهما ،أخذ جميع الخصائص اليجابّية للفكرة ،وترك السلبّية
منها).(1
لن تحت فكرة واحدة ،والفرق ن الوسط والطرفين جميعا ً يستظ ّ ومنه يتضح أ ّ
بينهما في المواقع:
ل الخطوط .واستظ ّ
ل -فالوسط اتخذ المكان الملئم ،هو :المنتصف من ك ّ
كنه ذلك من ُرؤية جميع الجهات والطراف بوضوح بالفكرة من العمق ،وقد م ّ
كم الفضل ،والختيار الحسن. تام واعتدال ،وأتاح له التح ّ
لن الفكرة من طرفان فاتخذا أمكنة بعيدة ،عن الحرف ،فهما يستظ ّ ما ال ّ
-وأ ّ
أطرافها ،وبذلك هما في خطر الخروج ،والدخول في غيرها ،كالذي بين الظل
والشمس ،وهو مقعد الشيطان).(2
وما أشبه الوسطّية بالواقف على لوح من الخشب المستطيل المنصوب فوق
جه نحو الوسط ،وأيّ خطأ في الحساب، ن أراد التوازن فعليه التو ّ عجلة ،فإ ْ
127
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
128
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
بحفظ دينهم الوسط ،كما هو دون تحريف ،وبوجود طائفة تعمل به ،وتعلو به
ظاهرة على غيرها.
***
أسئلة حول الوسطّية:
) (1قال الله تعالى} :وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس
ي
مة على الناس ،والنب ّ
ويكون الرسول عليكم شهيدا{ ،كيف هي شهادة ال ّ
مة ،وما علقة الشهادة بالوسطّية؟. على ال ّ
ي ،حيث المسلمون ) (2أين الوسطّية؟ ،ومن يمثلها ،في هذا الواقع السلم ّ
ل يدعي أّنه الوسط والمقياس؟ ،وما علمة الوسطّية؟ ،وهل في متفرقون ،ك ّ
النصوص تحديد للعلمة ،وتحديد لمن يمثل الوسطّية؟.
)(1 /
سلمي سلم العالمي ،والتعايش ال ّ دعوة إلى ال ّ ) (3هل الوسطّية تتفق مع ال ّ
بين الديان؟ ..وكيف يمكن تحقيق الوسطّية في التعامل مع المخالفين في
سنة؟. المّلة ،والمخالفين في ال ّ
) (4هل من الوسطّية إلغاء مصطلحات :اليمان ،والكفر ..والولء والبراء..
سنة والبدعة..وحجاب المرأة ..والمر بالمعروف والّنهي عن وال ّ
المنكر..والجهاد .بأحكامها ومعانيها؟.
ن الحقّ واحد غير متعدد؟ ..وأين موقع ) (5هل من الوسطّية اعتقاد أ ّ
ددة ،ول حقيقة الوسطّية في المذهب الذي يقّرر أن الحقيقة نسبّية متع ّ
مطلقة؟.
) (6هل التطّرف إلى ناحية يبّرر التطّرف إلى الناحية المضاّدة؟ ..وهل يمكن
القضاء على التطّرف بالوسطّية وحدها ،من دون الحاجة إلى تطّرف مضاّد؟..
مة فرق في هذا بين حكم الشريعة وقوانين النفس؟: وهل ث ّ
)*( عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
) (1الوسط يمثل من كل شيء :نقطة المنتصف .فهو إذن من الشيء،
وموقعه الوسط ،وبمثل هذا قال أهل اللغة:
-قال ابن فارس" :الواو والسين والطاء :بناء صحيح يدل على العدل
والنصف .وأعدل الشيء :أوسطه ووسطه .قال تعالى) :أمة وسطا(" ]في
معجم مقاييس اللغة ).[(6/108
-وفي لسان العرب )) " :(15/294ومن الناس من يعبد الله على حرف(،
كن ،فلماك ،فهو على طرف من دينه ،غير متوسط فيه ول متم ّ أي على ش ّ
ن يقع صفة .ومثل ذلك قوله تعالى كان وسط الشيء أفضله وأعدله :جاز أ ْ
ل .فهذا تفسير الوسط وحقيقة وتقدس) :وكذلك جعلناكم أمة وسطا( ،أي عد ً
معناه ،وأنه اسم لما بين طرفي الشيء ،وهو منه".
) (2قال ابن الثير ]النهاية )" :[5/184خير المور أوساطها( :في هذا الحديث
كل خصلة محمودة لها طرفان مذمومان ،فإن السخاء وسط بين البخل
والتبذير ،والشجاعة وسط بين الجبن والتهور ،والنسان مأمور أن يتجنب كل
وصف مذموم ،وتجنبه بالتعري منه ،والبعد منه ،فكلما ازداد منه بعدا ،ازداد
منه تعريا ،وأبعد الجهات والمقادير والمعاني من كل طرفين وسطهما ،هو
غاية البعد منهما ،فإذا كان في الوسط فقد بعد عن الطراف بقدر المكان".
ملحوظة :عند قوله" :تعريا" حصل تصحيف في لسان العرب 15/296حيث
كتب "تقربا".
129
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
) (3قال تعالى) :وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس
ويكون الرسول عليكم شهيدا( ،أي أمة عدل ،لتشهدوا للنبياء على أممهم ،إذا
ادعوا أن أنبياءهم ما بلغوهم ،كما في الثر ،وليشهد بعضكم على بعض بعد
الموت بالخير والشر) :من أثنيتم عليه خيرا ،وجبت له الجنة ،ومن أثنيتم عليه
شرا ،وجبت له النار ،أنتم شهداء الله في الرض( رواه مسلم ،في هذه الية
دليل صحة الجماع ،ووجوب الحكم به؛ لنهم إذا كانوا عدول شهدوا على
الناس ،فكل عصر شهيد على من بعده .ذكره القرطبي . 2/156
)(2 /
130
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته
إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته
لعلكم تهتدون( )آل عمران .(103 -
هجرة ..وهجر
ولئن كان المصطفى صلى الله عليه وسلم قد قال" :ل هجرة بعد الفتح
ولكن جهاد ونية ،وإذا اسُتنفرتم فانفروا" ،فإن معنى الحديث أنه ل هجرة من
مكة ،لنها صارت دار إسلم ،أما الهجرة بمعناها الشامل ،فإنها باقية مادامت
السموات والرض ،وهي تنقسم إلى نوعين:
النوع الول :الهجرة المعنوية :وهي الهجرة من الكفر إلى السلم ،ومن
المعصية إلى الطاعة ،ومن البدعة إلى السنة ،ولعل هذا هو المقصود العظم
من حديث النية في قوله صلى الله عليه وسلم " :إنما العمال بالنيات وإنما
لكل امرئ ما نوى ،فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله
ورسوله ،ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر
إليه" )متفق عليه(.
والهجرة إلى الله إذن تكون باليمان به وتوحيده ،وإفراده بالعبادة ،واجتناب
الشرك صغيره وكبيره ،خفيه وجليه ،واجتناب المعاصي والثام ،والكثار من
التوبة والستغفار والعمل الصالح ..كل ذلك وغيره هجرة إلى الله.
أما الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكون باتباع سنته
وتحكيمها في الحياة والتحاكم إليها وتقديمها على جميع الراء والهواء ونبذ
البدع والمحدثات التي ليست من الدين في شيء.
أما النوع الثاني فهو الهجرة الحسية المادية :كالهجرة من دار الكفر إلى دار
السلم وهجرة )أو هجر( أهل الذنوب والمعاصي ،كما فعل النبي صلى الله
عليه وسلم والصحابة مع الثلثة الذين خلفوا ،أو كما قال صلى الله عليه
وسلم" :ليحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلث" قال العلماء :إل لبدعة أو
معصية يجاهر بها.
ومنها كذلك الهجرة من دار المعاصي إلى دار الطاعات ،كما فعل الرجل
الذي قتل مائة نفس ،ثم توجه مهاجرا ًَ إلى الرض التي فيها أناس يعبدون
الله تعالى.
وكذلك الهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن ،فعن عبدالله بن
عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول " :ستكون هجرة بعد هجرة ..فخيار أهل الرض ألزمهم مهاجر
إبراهيم") .الحديث أخرجه أبوداود بسند حسن(.
من رحم المعاناة ..خرج جيل النصر
)(1 /
كانت الهجرة نقلة نوعية عظيمة وفتحا ً كبيرا ً للسلم بل تغييرا ً لوجه الرض
بأكمله ،تلك الرض التي كانت تئن من ظلم الظالمين وجهل الجاهلين ،وعبث
العابثين وشرك المشركين .كما كانت فرجا ً ومخرجا ً وعزا ً ومنعة للمسلمين،
فأصبحوا بعدها أصحاب دار وقرار ،وعز وقوة وأمان ،وفي ذلك يقول الحق
جل وعل مثنيا ً على نفسه ،ومذكرا ً الصحابة بهذه النعمة عليهم) :واذكروا إذ
أنتم قليل مستضعفون في الرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم
وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون( )النفال .(26 -
وجيل النصر هذا الذي خرجته الهجرة المباركة مثال حي للمسلم الواعي
131
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
132
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
دروس وعبر
وما أكثر الدروس التي يمكن أن نستفيدها من الهجرة ومنها:
عدم اليأس من بلوغ الهداف والغايات مهما طال الطريق أو كثرت العقبات،
فإن أشد لحظات الليل حلكة تلك التي تسبق الفجر ،وإن أشد ساعات
المخاض ألما ً تلك التي تسبق الوضع .والمر كله لله تعالى ) :قل اللهم مالك
الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من
تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير( )آل عمران .(26
ل نصر إل بصبر وتضحية وبذل .وكم قدم المسلمون الوائل من تضحيات
طوال الثلثة عشر عاما ً حتى تحقق لهم النصر والمن.
الصدق والوفاء بالعهود والمواثيق ورد المانات إلى أهلها ،كما فعل النبي
صلى الله عليه وسلم حين خلف عليا ً ليرد الودائع إلى أهل مكة رغم كل ما
فعلوا به وبأصحابه رضوان الله عليهم.
التوكل على الله حق التوكل مع التخطيط الجيد والخذ بكل السباب المادية
في الوقت ذاته.
)(2 /
الثقة التي ل شك فيها في موعود الله تعالى بأن النصر لعباده المتقين في
النهاية ،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسراقة بن مالك الذي كان
يطارده وصاحبه ليظفر بالمكافأة الثمينة التي رصدتها مكة لمن يأتي بخبرهما
قال له " :ارجع ولك سوارا كسرى" وتحقق وعد النبي صلى الله عليه وسلم.
الخوة والمحبة واليثار ووحدة الصف سر النصر وسبب العزة .قال تعالى:
)ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز( )الحج .(40 -
...
)(3 /
133
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
جُنود ٍ ل ّ ْ
م َ
ه عَل َي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُكين َت َ ُس ِه َ ل الل ّ ُ معََنا فََأنَز َ ن الل ّ َ
ه َ ن إِ ّ حَز ْحب ِهِ ل َ ت َ ْ صا ِل لِ َ قو ُ إ ِذ ْ ي َ ُ
زيٌزه عَ ِ ّ ْ
ي العُلَيا َوالل ُْ ّ
ة اللهِ هِ َ م ُ َ
فلى وَكل ِ َ َ س ْ ْ
فُروا ال ّ َ
نك َ ذي َ ّ
ة ال ِ م َ َ َ
جعَل كل ِ َ ها وَ َ ت ََروْ َ
م( التوبة الية)(40 كي ٌ ح ِ َ
) (2ومن أهم دعائم التغيير الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة:
وكسب النصار الجدد وتهيئة الرض الجديرة بحمل الرسالة ,وتمثل هذا في
بيعتي العقبة الولى والثانية وبعث سيدنا مصعب بن عمير لنشر الدعوة في
المدينة فكان نشر الدعوة أهم وسائل النجاح وأعظم دعائم البناء السلمي
) (3التضحية و تقديم الغالي والنفيس من أجل الفكرة وترك التثاقل إلى
الرض :وتمثل هذا في ترك الموال والبيوت والديار في مكة المكرمة
والذهاب إلى المدينة المنورة فكان السلم هو أغلى شئ في حياة
المسلمين وكانت النتيجة النصروالتمكين
) (4العتصام بالله تعالى :فالعتصام بالله هو الفرج والمخرج فرسول الله
صلى الله علية وسلم يخرج من بيته المحاصر بأربعين رجل لقتلة وهو يقرأ
م لَ م فَهُ ْ شي َْناهُ ْدا فَأ َغْ َ س ّ م َ فهِ ْ خل ْ ِن َ م ْ
دا وَ ِس ّم َ ديهِ ْ
القرآن ) :وجعل ْنا من بي َ
ن أي ْ َِ َ َ َ ِ َْ ِ
ن( يس الية ) (9ول يخرج سالما فقط بل ويضع التراب فوق كل ً صُرو َ ي ُب ْ ِ
الرؤوس وهذا شأن المعتصم بالله الوى إلى ركنه الركين
) (5تأمين الدعم القتصادي وتسهيل وصول الدعم اللوجستي:
فأبوبكرالصديق وفر المال اللزم لشراء الراحلتين ودفع أجر
الخبيرالطوبوغرافي
,وأسماء بنت أبى بكر كانت توصل الطعام واختيارها كإمرأة تتحرك بسهولة
ل يتعرض لها العرب بطبيعتهم سّهل وصول الدعم اللوجستى لرسول الله
صلى الله علية وسلم وصاحبه في رحلة الهجرة
) - (6التخطيط الجيد والعمل المنظم :وتمثل هذا في التي-:
-1تامين حياة أفراد المة :فتأخير هجرة رسول الله صلى الله علية وسلم
والمر بخروج الفراد سًرا وفرادى حتى ل يعلم أحد مقصودهم الجديد
فينقضوا عليهم جميعا فيه تأمين لخروجهم
-2خروج الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت غير معهودٍ الخروج فيه:
وقت الظهيرة واشتداد الحر في رمضاء مكة
-3استئجار خبير في الطوبوغرافيا ) عبد الله بن أريقط ( :حتى ل يسير في
طريق معهود فيسهل المساك بهم
-4استخدام الخفاء والتمويه :وهو أحد وسائل الحرب الحديثة وتمثل في
التي -:
أ -مبيت سيدنا على مكان الرسول حتى يظلوا ينتظرون خروجه وذلك في
المرحلة الولى حتى يتمكن من الخروج من مكة
ب -عامر بن فهيرة يسير بقطيع من الغنم خلفهم لتغطية الثار حتى ل
يستطيع أحد أن يقتفى أثرهم
ج-البقاء في الغار ثلثة أيام في الوقت الذي تنتشر فيه قوى الشر في كل
مكان للبحث عنهم
د -تغيير اتجاه المسير فبدل من النطلق في اتجاه الشمال وهو التفكير
المنطقي لمن يريد الملحقة يتجهون إلى الجنوب أول ً حيث ل يخطر ذلك
ببال أحد
)(7توزيع الدوار :
أ -الكبار يوفرون الدعم المادي للمساندة والصحبة
ب -الشباب والفتيان يقومون بالعمال الفدائية والستخباراتية
134
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
135
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ول يكتمل طريق الهجرة بدون جهاد النفس والشيطان ومقاومة المادية
وأصحاب الهواء الذين يضيعون المة وكذلك محاربة المحتلين أعداء المة
الذين يستذلونها وبذلك نحقق حديث رسول الله صلى الله علية وسلم ) :ل
هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية (
) (2هجر ما نهى الله عنه :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم« :المسلم
من سلم المسلمون من لسانه ويده ،والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
)رواه البخاري( وفي رواية )ابن حبان(« :المهاجر من هجر السيئات،
والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» .هيا نهجر السيئات ..هيا
نهجر كل ما نهى الله عنه في كل الميادين و على كل المستويات بدًء بالفرد
وانتهاًء بالمة فتهجر المة معاصيها الكبيرة المتمثلة في التي على سبيل
المثال :
-1الحتلل وتدنيس الراضى ومقدسات المسلمين من قبل العداء
- 2التخلف عن ركب العلم والحضارة وكونها في وسط ما يسمى بالعالم
الثالث
- 3التفرق و التشرذم وعدم اتحاد الكلمة
) (3الخذ بمقومات التغيير لصلح شأن المة :وخاصة الهتمام بنشر دعوة
السلم عبر وسائل العلم فدعوتنا تحتاج إلى البتكار وتكريس الجهود
ق ومتميز عن طريق الفضائيات والنترنت وبشتى لتوصيل الفكرة بأسلوب را ٍ
لغات العالم فنقدم رسالة الرحمة والنسانية لكل أمم الرض.
ومع استمرار الجهود واحتفالنا بالهجرة كل عام عبر التغيير والرتقاء بشأن
أمتنا وهجرها لوضاعها غير السلمية في شئون الدنيا والخرة سيحدث التغيير
المنشود ويأتي النصر المؤزر المبين بإذن الله .
) (4تحقيق العبادة هجرة إلى الله تعالى :
هيا نأخذ بيد أمتنا إلى عبادة الله تعالى فنقيم الفرائض وننشر الفضائل
ونحقق العبادة بمعناها الشامل الذي يتناول مظاهر الحياة جميعا ً
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه المام مسلم
عن معقل بن يسار ":العبادة في الهرج كهجرة إلى"
________________________________________
** الدكتور رشاد محمد عبد الحليم لشين -ماجستير طب الطفال -جامعة
الزقازيق وليسانس الشريعة السلمية ،ويمكنك التواصل معه على البريد
اللكترونيrashadlasheen@hotmail.com :
)(2 /
136
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الرسول ـ صلوات الله وسلمه عليه -للنواة الولى من أتباع الدعوة ،تقوم
على أساس الثقة في الله ـ عز وجل ـ والنصيحة في مواجهة ما يلحقهم من
أذى بالغ من الضراوة والشراسة ،ولعلنا نلمس ذلك من موقف ل نكاد نذكره.
حيث كان رسول الله ـ صلوات الله وسلمه عليه ـ يمر على آل ياسر وهم
ذبون ،فيقول لهم" :صبرا ً آل ياسر ..فإن موعدكم الجنة" ،واستجابوا، ُيع ّ
وكانت أم عمار أول شهيدة في السلم .وفي صحيح البخاري عن خباب بن
الرت ـ رضي الله عنه ـ قال" :شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ـ فقلنا" :أل تستنصر لنا؟ أل تدعو لنا؟".
من قبلكم ُيؤخذ الرجل ،فيحفرون له في الرض ،فُيجعل فقال" :قد كان َ
فيها ..ثم ُيؤتى بالمنشار ،فيوضع على رأسه ،فُيجعل نصفين ،وُيمشط
نبأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه ..والله لُيتم ّ
الله هذا المر ،حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ،ل يخاف إل الله،
والذئب على غنمه ،ولكنكم تستعجلون"!
ً
إن إرادة الله ـ عز وجل ـ اقتضت أن يكون السلم دينا ،يصحح مسار العقول
ي ،ويصحح مسار الحياة البشرية التي شملتها التي حادت عن الطريق السو ّ
ولت إلى غابة شاسعة ،يفترس القوي فيها الضعيف ،وأن الفوضى ،بعد أن تح ّ
يكون السلم دولة ،تقيم العدل بعد أن اختلت موازينه ،وتؤازر الحق ،بعد أن
أصبح مضغة في أفواه الباطل ،فالعالم يومئذ تحكمه إمبراطوريتان ،إحداهما
صليبية تنكبت مبادئ المسيحية ،والخرى وثنية تمتهن العقل ،أعني
إمبراطوريتي :فارس والروم ،وبذلك يكون السلم بدولته ضرورة لنقاذ
البشرية من الوحل ،وكانت الهجرة البشرية هي البداية لقامة دولته.
يرى الشيخ محمود شلتوت ـ شيخ الزهر السبق ـ في دراسته":السلم
والوجود الدولي للمسلمين" العدد الثالث من "سلسلة الثقافة السلمية"
ول التي كنت أصدرتها ) 1958ـ !( 1965أن حادثة الهجرة ،كانت نقطة تح ّ
في تاريخ البناء السلمي ،لتقوم فوق الرض الجديدة ـ يثرب ـ دولة ذات
منهج ونظام وهدف ،والهجرة من الحداث الفذة التي كانت تمهيدا ً لتثبيت
البناء السلمي ،وميلد دولة داخل إطار من القوة ،وبذلك أصبحت )الهجرة(
من الحداث السلمية الكبرى التي يجب أن تحمل العظمة في نفس كل
مسلم.
عني المؤرخون كثيرا ً ـ وهم يتكلمون على هذا الحدث ـ ُ "وقد الشيخ: ويضيف
بذكر حوادث اليذاء التي كانت تتصل بالرسول وأصحابه الذين لّبوا دعوته،
ومن هنا ألبسه أرباب الهوى الخاص ـ وهم يكتبون سيرة )النبي العربي( ـ
ثوب الفرار وعدم الصبر والحتمال في القيام برسالته ،ولم يتوّرعوا ـ إمعانا ً
فيما يشتهون ـ أن يلصقوا كلمة )النبي الفار( وقد ظنوا أن هذا الثوب
المهلهل الذي خلعوه على هذا الحادث العظيم ،يستطيع أن يستر الحقيقة
التي يحملها بين جنبيه ،والتي لم تلبث ـ بعد الوصول إلى المدينة ،أن سطع
نورها ،وانتشر أريجها ،وبدأت الغشاوة التي وضعها الجهل على العقل
البشري حينا ً من الدهر ،والواقع أن هذه الهجرة )البدنية( لم تكن إل أثرا من
ً
آثار هجرة القلوب ،عما كان عليه القوم من عقائد فاسدة ،وشرائع باطلة،
وعقائد وتقاليد ،كان لها في هدم النسانية ،ما ليس للمعاول القوية في
تقويض البناء الشامخ العنيد" .
وأقول :إن الهجرة كانت لتأكيد علمية السلم ،وهي حقيقة حاول بعض
المستشرقين ذوي الهواء أن يطمسوها ،متجاهلين ما أقره القرآن ـ كتاب
الله ـ الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد ـ
137
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
كحي َْنا إ ِل َي ْ َ وقد تصدى عملق الدب الستاذ العقاد لقوله تعالى ):وك َذ َل ِ َ َ
ك أوْ َ َ
حوْل ََها].(...الشورى :من الية [7لتنذر أم م ال ْ ُ ُ
ن َم ْ
قَرى وَ َ قُْرآنا ً عََرب ِي ّا ً ل ِت ُن ْذَِر أ ّ
القرى ومن حولها ،يقول":وأيا ً كان القول في اللغة التي تكلم بها النبي ،وفي
صلح هذه اللغة للدعوة العالمية ،فإن النوع النساني يشمل أم القرى )مكة(
وما حولها ،ول تعتبر هداية أهلها عزل ً لهم عمن عداهم من الناس؛ إذ كان
خطاب الناس كافة يمنع أن يكون الخطاب مقصورا ً على )أم القرى( ومن
حولها ،ولكن خطابه )أم القرى( ومن حولها ،ل يمنع أن يعم الناس أجمعين..
)(1 /
فكيف يسيغ العقل أن يكون صاحب الدعوة المحمدية ـ خاتم النبيين ـ إذا
كانت رسالته مقصورة على قوم لم يأتهم من قبل نذير؟! إن طائفة من
المستشرقين تسيغ ما ل يسيغه العقل في أمر القرآن وأمر السلم".
ظهر حديثا ً للشيخ عبد الجواد أحمد عبد المولى-المام والخطيب والمدرس
بالوقاف ـ كتاب يحمل عنوان "الدروس التربوية الدعوية من الهجرة النبوية"
في زهاء مائتي صفحة من القطع الكبير ،أشار في المقدمة إلى أن ما أراده
من كتابه :دعوة للتفكر والتدبر ،لبعض صفحات التاريخ السلمي ،وبخاصة
تاريخ الرسول وجهاده في هجرته ،لنتعرف على سنن الله في خلقه ،وسننه
ل ،والهجرة تبين لنا كيف في أرضه ،وسنن الله الثابتة ل تقبل تبديل ً ول تحوي ً
أخذ المصطفى ـ صلوات الله وسلمه عليه ـ بالسباب الرضية ،وتوكل ـ في
نفس الوقت ـ على الله ،ول تضاد ّ بينهما ـ وقد تعامل سلف هذه المة مع
السنن الكونية ،فسادوا العالم ،ولم يع الخلف هذا المعنى ،مما جعل المة
اليوم في حال ُيرثى لها ..
وما عرض له المؤلف:
ـ الهجرة النبوية المحمدية لم تكن بدعة ،بل سنة قديمة ،فقد هاجر من أنبياء
الله :إبراهيم ولوط وموسى عليهم السلم.
ـ أسباب الهجرة :ذكر المؤلف السباب التقليدية التي سجلتها كتب السيرة،
وكنت أود أن يهتم بمسألة ذات أهمية خاصة ،وهي أن الهجرة كانت استجابة
لمر الله ،ولم تكن مجرد خاطرة خطرت على بال الرسول ـ صلوات الله
وسلمه عليه ـ فرارا ً من الذى ،فالله ـ عز جل ـ هو الذي قدر بعد أن حققت
الدعوة أهدافها في مكة التي لم تكن تصلح لقامة دولة .
ـ عوامل نجاح الهجرة :وضوح الهدف ،المعرفة ،اختيار الوقت المناسب،
ولعامل التوقيت أهمية متنامية في عملية التخطيط ،القدرة على مواجهة
الظروف المتغيرة ،إخلص القائمين على التنفيذ ،التهيئة والعداد النفسي،
ونسي المؤلف :عناية الله ،وهي الساس وفوق كل شيء.
ـ مظاهر نجاح الهجرة :خسرت قريش موازين القوى التي توارثتها على مدى
قرون وزال عنها سلطانها ،لم تعد قريش حاجزا في وجه الدعوة السلمية،
إذا أسقطت الهجرة هيبتها من نفوس المستضعفين الخائفين..
ً
ذكر المؤلف في شجاعة أن الكتاب :جمع وإعداد ،وليس تأليفا ،وهذا يعفيه
من النقد ،وُيحمد له ،أن قدم لنا معاني كانت في حاجة إلى التحليل ،الذي
خلت منه بعض كتب التراث التي اهتمت بسرد الحداث ،لكنها حفظت لنا
أهم حدث في تاريخ الدعوة السلمية .إن الهجرة حفلت بالكثير من
المؤلفات عدا ما دونته كتب السيرة قديما ً وحديثًا ،وهذا ما جعل مهمة من
يكتب عن الهجرة شاقة؛ إذ ل بد من أن يضيف جديدًا ،ونجح المؤلف جهد
138
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
استطاعته.
وُيؤخذ على هذه الدراسة :أن المؤلف خرج على الموضوع الساسي أحياناً،
صحيح أن ما زاده تضمن معاني جديرة بالهتمام ،كذلك كنا نود أن يربط
الهجرة النبوية بالمعاصر ،وقد أصبحت المة المسلمة التي أرادها الله خير
أمة أخرجت للناس ـ عاجزة حتى عن الدفاع في مواجهة التحديات الشرسة،
وذلك بعد أن كانت رأسًا ،و أصبحت تابعا ً بعد أن كانت متبوعًا ،وبقي أن
نقول :إن المؤلف بذل جهدا ً كبيرا ً وشاقًا ،وقدم لنا دراسة معاصرة يحتاجها
الشباب قبل الشيوخ.
وبقي سؤال يطرح نفسه ،وفي أسى مرير :أين اليوم من الهجرة التي لم
تكن نقطة تحول في تاريخ دعوة المسلمين ـ وحسب ـ بل كذلك أرادها الله ـ
عز وجل ـ منهجا ً ومعنى وبرنامج عمل للمسلمين إلى أن يرث الله الرض
ومن عليها ،ودرسا ً يجب أن يعيه المسلم في كل زمان ومكان ..فهل يليق بنا
أل ّ نذكر الهجرة إل أياما ً معدودات في كل عام :أحاديث ومقالت يغلب عليها
التكرار شبه الممل ،ثم ننساها بعد ذلك؟
وحسبنا هنا أن نتوقف عند قضية لها أهميتها ،أعني قضية ـ أو محنة ـ القليات
المسلمة في شتى بقاع المعمورة ،والعديد من هذه القليات ُتشن عليها
حروب إبادة شرسة ،كما في الفلبين وبورما وتايلند ،وغيرها ،إن كتاب الله
تعالى كتب علينا الجهاد من أجل إخوة لنا في العقيدة مستضعفين في
ل الل ّ ِ
ه سِبي ِ
ن ِفي َ قات ُِلو َم ل تُ َ ما ل َك ُ ْ
الرض ،وفي سورة النساء ـ ):وَ َ
َ
ن
م ْجَنا ِخرِ ْ ن َرب َّنا أ ْقوُلو َ ن يَ ُذي َن ال ّ ِ دا ِساِء َوال ْوِل ْ َ ل َوالن ّ َ جا ِن الّر َ م َن ِ في َ
ضعَ ِ
ست َ ْ َوال ْ ُ
م ْ
ً
صيرا(. َ
ن لد ُن ْ َ َ جعَ ْ ً َ
ن لد ُن ْ َ َ جعَ ْ ُ َ ّ ْ
ك نَ ِ م ْل لَنا ِ ك وَل ِي ّا َوا ْ م ْ ل لَنا ِ قْري َةِ الظال ِم ِ أهْلَها َوا ْ
هَذِهِ ال َ
]النساء .[75:ول جدال في أن الجهاد هنا فرض عين ل فرض كفاية ،وإذا كان
عقد المة السلمية اليوم قد انفرط ،ولم يكن للدولة السلمية وجود ..نملك
السلح ل لنقاتل به العداء ،بل ليقاتل به المسلم أخاه المسلم .دونما اعتبار
لتحذير الرسول لنا في خطبة الوداع":ل ترجعوا بعدي كفارا ً يضرب بعضكم
رقاب بعض" وقوله في الصحيح المتفق عليه" :إذا التقى المسلمان بسيفيهما
فالقاتل والمقتول في النار ،قالوا يا رسول الله :هذا القاتل فما بال المقتول؟
قال :إنه كان حريصا ً على قتل صاحبه".
)(2 /
أقول إذا كنا عاجزين عن الجهاد المسلح ،فلماذا ل نلجأ إلى سلح آخر :جهاد
المقاطعة ،وهو سلح له خطورته ،وإذا كان هذا السلح تقرر بالنسبة للثلثة
الذين خلفوا عن غزوة تبوك وهم مسلمون ،فمن باب أولى المعتدون على
ج لها السماوات السبع .هي أننا إخواننا من غير المسلمين ،والمفاجأة التي ترت ّ
أصبحنا أصدقاء لعدائنا ،نمنحهم الولء ،ضاربين عرض الحائط بقوله تعالى
َ
صاَرى ذوا ال ْي َُهود َ َوالن ّ َ خ ُ مُنوا ل ت َت ّ ِ نآ َ محذرا ً في سورة المائدة َ):يا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
دي ال ْ َ أ َول ِياَء بعضه َ
م
قو ْ َ ه ل ي َهْ ِ ن الل ّ َ م إِ ّ من ْهُ ْ
ه ِ م فَإ ِن ّ ُ من ْك ُ ْم ِن ي َت َوَل ّهُ ْ م ْ ض وَ َ ٍ م أوْل َِياُء ب َعْْ َ َْ ُ ُ ْ
َ ُ ُ ّ ال ّ
ن
شى أ ْ خ َ ن نَ ْ
قولو َ م يَ ُن ِفيهِ ْ عو َ سارِ ُ ض يُ َ مَر ٌ م َ ن ِفي قُلوب ِهِ ْ ذي َ ن فَت ََرى ال ِ مي َ ظال ِ ِ
َ َ ْ َ
ما حوا عََلى َ صب ِ ُ عن ْدِهِ فَي ُ ْ ن ِ م ْ مرٍ ِ فت ِْح أوْ أ ْ ي ِبال ْ َ ن ي َأت ِ َ هأ ْ سى الل ّ ُ صيب ََنا َدائ َِرةٌ فَعَ َ
تُ ِ
ً ً
ن(] .المائدة .[52-51:وأخيرا ..وليس آخرا :فليتنا َ َ
مي َ م َنادِ ِ سهِ ْ ف ِ
سّروا ِفي أن ْ ُ أ َ
نعي اليوم كلمات الشيخ شلتوت ـ رحمه الله" :-كانت الهجرة من بين
الحداث كلها جديرة أن تتجه إليها النظار ،وي ُّتخذ منها مبدأ للتاريخ السلمي،
ليكون للمسلمين من ذكراها في كل عام ،ومن التوقيت بها في مكاتباتهم
139
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(3 /
الهجرة النبوية
الشيخ /سامح قنديل
بعد أن تمت بيعة العقبة الثانية ،ونجح السلم في تأسيس وطن له وسط
صحراء تموج بالكفر والجهالة ،عاد النصار إلى المدينة ينتظرون هجرة النبي
ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم بتلهف كبير .وأذن رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ للمسلمين بالهجرة إلى هذا الوطن ،الذي اختاره الله مهجرا ً
لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم .
ولم تكن الهجرة مجرد التخلص من إيذاء المشركين أو الفرار من الفتنة في
الدين ،بل كانت كذلك إيذانا ً بميلد دولة السلم ،وإقامة مجتمع التوحيد
الذي تهفوا إليه نفوس المؤمنين .
ً
وإذا كان امتحان المسلمين قبل الهجرة متمثل في اليذاء والتعذيب وتحمل
ألوان السخرية والستهزاء والتكذيب فإن الهجرة كانت تمثل امتحانا ً ليس
أقل ضراوة ،حيث سيترك المهاجر الوطان والديار والقرابات والموال ،
والصحاب والذكريات ،بل سيغامر بنفسه وربما فقدها في أثناء الطريق ،
فقد سعت قريش بشتى الطرق إلى عرقلة الهجرة أمام المهاجرين ،مرة
بحجز أموالهم ومنعهم من حملها ،ومرة بحجز زوجاتهم وأطفالهم ،وثالثة
بالحتيال لعادتهم إلى مكة ،لكن شيئا ً من ذلك كله ،لم يعق موكب
الهجرة ،فالمهاجرون كانوا على أتم استعداد للنخلع من أموالهم وأهليهم
ودنياهم كلها تلبية لنداء العقيدة ،ونصرة لدين الله وتأسيسا ً وإقامة لمجتمع
اليمان .
لقد ضرب المسلمون بهجرتهم أروع أمثلة التضحية من أجل الدين ،فهذه أم
سلمة تحكي قصة هجرتها مع زوجها وابنها ،وهم أول أهل بيت هاجر ،فلما
رآه أصهاره مرتحل ً بأهله قالوا :هذه نفسك غلبتنا عليها ! أرأيت صاحبتنا هذه
؟ علم نتركك تسير بها في البلد فأخذوا منه زوجته ! ،وغضب آل أبي سلمة
لصاحبهم فقالوا :ل و الله ل نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا !
وتجاذبوا الغلم بينهم حتى خلعوا يده ! وانطلق أبو سلمة مهاجرا ً وحده إلى
المدينة ،وحبست أم سلمة عند قومها وذهب قوم أبي سلمة بالولد ! قالت :
فّرق بيني وبين زوجي وبين ابني ! فكنت أخرج كل غداة بالبطح فما أزال ف ُ
أبكي حتى أمسي ،سنة أو قريبا منها حتى مر بي رجل من بني عمي
فرحمني ،فقال لقومه أل تخرجون هذه المسكينة ،فَرقتم بينها وبين زوجها
وولدها ؟ فقالوا لي الحقي بزوجك إن شئت ،فاسترجعت ابنها من أعمامه ،
وارتحلت بعيرها ،فخرجت بولدها تريد المدينة ما معها من أحد من خلق
الله .وفي الطريق لقيها عثمان بن طلحة ،وكان مشركا ً فأخذته مروءة
العرب ونخوتهم فقال :ما لهذه من مت َْرك فانطلق بها يقودها إلى المدينة ،
كلما نزل منزل ً استأخر عنها مروءة .كما قال صاحبه الجاهلي :
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مثواها
فلما وصل قباء قال :زوجك في هذه القرية فادخليها على بركة الله ثم
انصرف رجعا ً إلى مكة .فكانت أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ تقول :و الله ما
أعلم أهل بيت في السلم أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة .وما رأيت صاحبا ً
140
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
وأذن الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالهجرة ،فجاء منزل أبي بكر
نحو الظهيرة ،وقد اشتد الحر في وقت ل يخرج فيه أحد عادة .لقد عرف
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن قريشا ً ترصده فأراد أن يأخذ حذره ،
وعندما ُأخبر أبو بكر بقدومه في هذا الوقت ،عرف أن المر خطير ،ولما
أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا بكر أن الله أذن له في الخروج ،
قال :الصحبة يا رسول الله ؟ قال :الصحبة ! تقول عائشة :فو الله ما
شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا ً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ
يبكي ! ووضع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطة الهجرة مراعيا ً ما يمكنه
من أسباب دون تواكل على النصر الموعود .
فقد اتفق مع أبي بكر على الخروج ليل ً إلى غار ثور .ومن جهة غير الجهة
المعتادة التي يذهب الناس إلى المدينة منها ،وأن يمكثا في الغار ثلثة أيام
حتى يخف الطلب عنهما .واستأجرا دليل ً ماهرا ً بمسالك الصحراء ليقودهما
إلى المدينة ،وقد استأمنه مع كونه مشركا ،ودفعا إليه راحلتيهما اللتين كان
أعدهما أبو بكر لذلك .لكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبى إل أن
يدفع ثمن راحلته كي يبذل في الهجرة من ماله كما يبذل من نفسه !
وزودتهما أسماء بالطعام .
وكان عبد الله ابن أبي بكر يتسمع لما يقوله الناس بالنهار ثم يخبرهما في
الليل ،فيعفى عامر بن فهيرة على آثار قدميه بأن يروح بغنمه عليها .كما
أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليا ً أن يبيت في فراشه .ومع روعة
141
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
142
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
يعبدونها ،فكان ذلك مثيرا ً لغيظ المشركين ،وحافزا ً لهم على مناوأة هذه
الدعوة ،والصد عن سبيلها ،فوجدوا في أيديهم وسيلة ،هي أن يفتنوا
المؤمنين ،ويسوموهم سوء العذاب؛ حتى يعودوا إلى ظلمات الشرك ،وحتى
قّيمة.
ي ُْرهبوا غيرهم ممن تحدثهم نفوسهم بالدخول في دين ال َ
ون عنه أما المسلمون فمنهم من كانت له قوة من نحو عشيرة أو حلفاء يك ُ ّ
ف ُ
كل يد تمتد إليه بأذى.
ومنهم المستضعفون وهؤلء هم الذين وصلت إليهم أيدي المشركين وبلغوا
من تعذيبهم كل مبلغ.
ومن هؤلء من يناله العذاب من أقرب الناس إليه نسباً.
ولما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ما يقاسيه أصحابه من البلء
وليس في استطاعته يومئذ حمايتهم أذن لهم في الهجرة للحبشة وقال) :إن
بها ملكا ً ل ُيظلم الناس عنده ،فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجًا(.
فكان ذلك بداية الهجرة ،ثم بعد ذلك بدأت الهجرة للمدينة ،حيث هاجر من
هاجر من الصحابة ،ثم تبعهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم .-
هذا هو سبب الهجرة ،أما سبب التأريخ بها ،فقد كتب أبو موسى الشعري
ب ليس لها تاريخ(، إلى عمر بن الخطاب كتابا ً يقول فيه):إنه يأتينا منك كت ٌ
فجمع عمر الناس يستطلع رأيهم فيما يكون به التاريخ ،فقال بعضهم):أّرخ
بالمبعث ( ،وقال بعضهم ) :أّرخ بالهجرة(.
فقال عمر -رضي الله عنه ):-الهجرة فرقت بين الحق والباطل؛ فأّرخوا
بها (.
وهذه إشارة إلى المزية التي استحقت بها الهجرة أن تكون مبدأ التاريخ
العام؛ حيث أقبل الناس بعدها إلى السلم جهرة ل يخشون إل رب العالمين.
الدروس المستفادة من الهجرة
يستفاد من الهجرة الشريفة دروس عظيمة ،ويستخلص منها فوائد جمة،
وي ُْلحظ فيها حكم باهرةُ ،يفيد منها الفراد ،وُتفيد منها المة بعامة ،وذلك في
شتى مجالت الحياة ،ومن تلك الدروس والفوائد والحكم ما يلي:
-1ضرورة الجمع بين التوكل على الله والخذ بالسباب :فالتوكل في لسان
الشرع يراد به توجه القلب إلى الله حال العمل ،واستمداد المعونة منه،
والعتماد عليه وحده؛ فذلك سر التوكل وحقيقته ،والذي يحقق التوكل هو
ح توكله؛ فلم يكن التوكل القيام بالسباب المأمور بها؛ فمن عطلها لم يص ّ
داعية إلى البطالة أو القلل من العمل ،بل لقد كان له الثر العظيم في
إقدام عظماء الرجال على جلئل العمال التي يسبق إلى ظنونهم أن
صران عن إدراكها؛ ذلك أن ق ُ استطاعتهم وما لديهم من العمال الحاضرة ي َ ْ
التوكل من أقوى السباب في حصول المراد ودفع المكروه ،بل هو أقواها؛
فاعتماد القلب على الله-عز وجل-يستأصل جراثيم اليأس ،ويجتث منابت
الكسل ،ويشد ظهر المل الذي يلج به الساعي أغوار البحار العميقة ،ويقارع
به السباع الضارية في فلواتها.
معلى ،والنصيب الوفى من ّ ح ال ُ قد ْ ُ
هذا ولرسول الله-عليه الصلة والسلم-ال ِ
شٌر أحق بنصر الله ،وأجدر بتأييده من هذا الرسول ف بَ َ
هذا المعنى؛ فل ي ُعَْر ُ
الذي لقى في جنب الله ما لقى ،ومع ذلك فإن استحقاق التأييد العلى ل
يعني التفريط قيد أنملة في استجماع أسبابه وتوفير وسائله.
ومن ثم فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أحكم خطة هجرته ،وأعد
لكل فرض عُد َّته ،ولم يدع في حسبانه مكانا ً للحظوظ العمياء ،ثم توكل بعد
ذلك على من بيده ملكوت كل شيء.
143
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ن أعلى وكثيًرا ما يرتب النسان مقدمات النصر ترتيبا ً حسنًا ،ثم يجيء عَوْ ٌ
يجعل هذا النصر مضاعف الثمار.
ولقد جرت هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -من مكة إلى المدينة
على هذا الغرار؛ فقد استبقى معه أبا بكر وعليًا-رضي الله عنهما ،وأذن
لسائر المؤمنين بتقدمه إلى المدينة ،فأما أبو بكر فإن الرسول -صلى الله
عليه وسلم -قال له حين استأذنه؛ ليهاجر):ل تعجل؛ لعل الله أن يجعل لك
صاحبًا(.
وأحس أبو بكر بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم -يعني نفسه بهذا الّرد،
فابتاع راحلتين ،فحبسهما في داره يعلفهما ،إعدادا ً لذلك المر.
ي فقد هّيأهُ الرسول -صلى الله عليه وسلم -لدور خاص يؤديه في هذه أما عل ٌ
المغامرة المحفوفة بالخطار ،أل وهي مبيت علي في مكان النبي -صلى الله
عليه وسلم -إذا أراد الخروج إلى المدينة.
ويلحظ أن النبي -صلى الله عليه وسلم -كتم أسرار مسيره؛ فلم يطلع عليها
طلعهم إل بقدر العمل المنوط بهم. إل من لهم صلة ماسة ،ولم يتوسع في إ ْ
)(1 /
ثم إنه استأجر خبيرا ً بطريق الصحراء؛ ليستعين بخبرته على مغالبة
طاِلبين ،وهو عبد الله بن ُأريقط الليثي ،وكان هاديا ً ماهرا ً بالطريق ،وكان م َال ُ
مناه على ذلك ،وسّلما إليه راحلتيهما ،وواعداه في َ
على دين قومه قريش ،فَأ ّ
غار ثور بعد ثلث .ومع هذه السباب لم يتكل عليها النبي -صلى الله عليه
وسلم -بل كان قلبه متعلقا ً بالله-عّز وجل-فجاءه التوفيق والمدد والعون من
الله.
م
ويشهد لذلك أنه لما أبقى عليا -رضي الله عنه -ليبيت في مضجعه ،وه ّ ً
بالخروج من منزله الذي يحيط به المشركون ،وتقطعت أسباب النصر
ة تأييد الله الخفية -أخذ حصيات ورمى الظاهرة ،ولم يبق من سبب إل سن ُ
بها وجوه المشركين؛ فأدبروا.
وكذلك الحال لما كان في الغار ،ففي الصحيحين أن أبا بكر -رضي الله عنه
-قال :يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لبصرنا ،فقال):يا أبا بكر
ما ظنك باثنين الله ثالثهما ،ل تحزن؛ فإن الله معنا (.
والدرس المستفاد من هذه الناحية هو أن المة التي تريد أن تخرج من تيهها،
دد النهوض ،ثم تنطوي وتنهض من كبوتها ل ب ُد ّ أن تأخذ بأسباب النجاة وعُ َ
قلوبها على سراج من التوكل على الله ،وأعظم التوكل على الله ،التوكل
عليه-عز وجل-في طلب الهداية ،وتجريد التوحيد ،ومتابعة الرسول ،وجهاد
أهل الباطل ،وحصول ما يحبه الله ويرضاه من اليمان ،واليقين ،والعلم،
والدعوة؛ فهذا توكل الرسل ،وخاصة أتباعهم.
وما اقترن العزم الصحيح بالتوكل على من بيده ملكوت كل شيء إل كانت
ن[ ب ال ْ ُ
مت َوَك ِّلي َ ح ّ ن الل ّ َ
ه يُ ِ ل عََلى الل ّهِ إ ِ ّ
ت فَت َوَك ّ ْ العاقبة رشدا ً وفلحا ً ]فَإ َِذا عََز ْ
م َ
آل عمران.159 :
وما جمع قوم بين الخذ بالسباب وقوة التوكل على الله إل أحرزوا الكفاية
لن يعيشوا أعزة سعداء.
-2ضرورة الخلص ،والسلمة من الغراض الشخصية :فالخلص روح
العظمة ،وقطب مدارها ،والخلص يرفع شأن العمال حتى تكون مراقي
للفلح ،والخلص يجعل في عزم الرجل متانة ،فيسير حتى يبلغ الغاية.
144
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
145
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
146
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الشجاعة بأسرها ،ومن مواقفه البطولية ما كان من أمر الهجرة وذلك لما
اجتمعت عليه قريش ورمته عن قوس واحدة ،وأجمعت على قتله ،والقضاء
ش رابط ،وجبين على دعوته ،فما كان منه إل أن قابل تلك الخطوب بجأ ٍ
ق ،وعزم ل يلتوي. َْ
طل ٍ
م للثريا كأنها ***جبين رسول الله إذ شاهد الزحفا ولحت نجو ٌ
ه-عليه الصلة والسلم-فلم تكن تأخذه رهبة من أشياع ْ
ولقد كان ذلك د َأب َ ُ
الباطل وإن كثر عددهم ،بل كان يلقيهم بالفئات القليلة ويفوز عليهم فوزا ً
عظيمًا ،وكان يقابل العداء بوجهه ،ول يوليهم ظهره وإن تزلزل جنده،
وانصرفوا جميعا ً من حوله.
وكان يتقدم في الحرب حتى يكون موقفه أقرب موقف من العدو ،وإذا
اتقدت جمرة الحرب ،واشتد ّ لهبها أوى إليه الناس ،واحتموا بظله الشريف؛
طب عند لقائه؛ كيف وهو يتيقن أن موَته ق ّ
فلم يكن يتوارى من الموت ،أو ي ُ َ
هو انتقال من حياة مخلوطة بالمتاعب والمكاره إلى حياة أصفى لذة ،وأهنأ
ة ،وأبقى نعيما ً ؟ راح ً
ولقد كان لهذه المواقف البطولية الرائعة موضع قدوة لصحابه ومن جاء
بعدهم؛ فحقيق على المة التي تريد العزة ،والرفعة ،والسعادة أن تكون على
ن حلفائها ،ويكون لها مكانة مهيبة في درجة من الشجاعة؛ حتى تقر بها أعي ُ
صدور أعدائها.
وحقيق على علماء السلم وزعمائه أن يقتدوا برسول الله -صلى الله عليه
وسلم -في أدب الشجاعة التي هي القدام في حكمة؛ فقد جرت سنة الله
على أن الحق ل يمحق الباطل ،وأن الصلح ل يدرأ الفساد إل أن يقيض الله
لهما رجال ً يؤثرون الموت في جهاد على الحياة في غير جهاد.
الهجرة دروس وفوائد 2/2
)(3 /
147
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
على سلمته.
فهذه السيرة ترشد رئيس القوم والداعية والعالم أن يوسع صدره لمن
ظ وجفاء؛ فسيرة رسول الله -صلى يناقشه ،ويجادله ولو صاغ أقواله في ِغل َ ٍ
الله عليه وسلم -هي التي علمت معاوية -رضي الله عنه -أن يقول):والله ل
أحمل سيفي على من ل سيف له ،فإن لم يكن من أحدكم سوى كلمة
يقولها؛ ليشتفي بها فإني أجعل له ذلك دبر أذني ،وتحت قدمي(.
ويقول):ل أحمل سيفي ما كفاني سوطي ،ول أحمل سوطي ما كفاني
مقولي(.
-10استبانة أثر اليمان :فلما تنفس السلم في بطاح مكة اعتنقه فريق من
ذوي العقول السليمة ،وما لبث عُّباد الوثان يؤذونهم في أنفسهم ،ويأبون أن
يقيموا شعائر دينهم.
ولما كان أولئك المسلمون على إيمان أجلى من القمر يتلل في سماء
مُلوا الذى في صبر وأناة ،وكانت مظاهر أولئك الطغاة حقيرة في ح ّصاحية ت َ َ
أعينهم؛ منبوذة وراء ظهورهم حتى أذن الله لهم بالهجرة.
ً
ب؛ فيخلق من الضعف عزما ،ومن ه القلو َ وكذلك اليمان تخالط بشاشت ُ
ح كرما ً وبذلً. ً
ع ّّزا ،ومن الَبطالة نشاطا ،ومن الش ّ ً الخمول نهوضًا ،ومن الذلة ِ
وهذا الثر يعطي درسا ً عظيما ً وهو أن اليمان يصنع المعجزات ،ويأتي بأطيب
الثمرات.
دهم في سبيل جهْ ِوهذا بدوره يدفع أولي المر وأهل العلم أن يبذلوا قصارى ُ
تعليم ِ المةِ أمَر دينها وقيادتها -ولو بالسلسل -إلى دعوة اليمان والهدى؛
كي تعود لها عزتها السالفة ،وأمجادها الغابرة.
-11انتشار السلم وقوته :وهذا من فوائد الهجرة؛ فلقد كان الحق بمكة
مغمورا ً بشغب الباطل ،وكان أهل الحق في بلء من أهل الباطل شديد.
والهجرة كانت من أعظم السباب التي رفعت صوت الحق على صخب
الباطل ،وخّلصت أهل الحق من ذلك البلء الجائر ،وأورثتهم حياة عزيزة،
ومقاما ً كريمًا.
وإذا كانت البعثة مبدأ الدعوة إلى الحق فإن الهجرة مبدأ ظهوره والعمل به
في حالتي السر والعلنية.
ً ً
ول يبلغ قول الحق غايته ،ويأتي بفائدته كاملة إل أن يصبح عمل قائما ،وسيرة
مّتبعة؛ فالهجرة راشت جناح السلم ،فذهب يحلق في الفاق؛ ليمحوا آية
صَرهُ الل ّ ُ
ه قد ْ ن َ َ صُروهُ فَ َ الضللة ،ويجعل آية الهداية مبصرة قال -تعالى ] :-إ ِل ّ َتن ُ
ن
حَز ْ حب ِهِ ل ت َ ْ صا ِ قو ُ
ل لِ َ ما ِفي ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ ن إ ِذ ْ هُ َ ِ ي اث ْن َي ْفُروا َثان ِ َ ن كَ َ ذي َ َه ال ّ ِج ُ خَر َ إ ِذ ْ أ َ ْ
َ
نذي َ ة ال ّ ِ م َل ك َل ِ َ جعَ َ ها وَ َم ت ََروْ َ جُنود ٍ ل َ ْه عَل َي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ كين َت َ ُ
س ِ ه َ ل الل ّ ُ معََنا فَأنَز َ ه َ ن الل ّ َ إِ ّ
ي العُلَيا[ التوبة.40 : ْ ْ ّ
ة اللهِ هِ َ فلى وَك َل ِ َ
م ُ َ س ْفُروا ال ّ كَ َ
كر شيئا من أمر الهجرة النبوية ،وتعد من جملة ً فإنك تجد الية الكريمة ت َذ ْ ُ
جْعل كلمة الذين كفروا السفلى ،وكلمة الله هي النعم الجليلة المترتبة عليها َ
العليا.
علت كلمة الله حقا ،وإنما علت على كاهل تلك الدولة التي قامت بين لبتي
المدينة ،وبسطت سلطانا ً ل تستطيع يد المخالفين أن تمسه من قريب ول
من بعيد.
-12أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه :فلما ترك المهاجرون ديارهم، ً
وأهليهم ،وأموالهم التي هي أحب شيء إليهم -أعاضهم الله بأن فتح عليهم
الدنيا ،ومّلكهم شرقها وغربها.
وفي هذا درس عظيم وهو أن الله-عز وجل-شكور كريم ،ول يضيع أجر من
148
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وض من الله أنواع، ل؛ فمن ترك شيئا ً لجله عوضه خيرا ً منه ،والعِ َ
أحسن عم ً
وض به النسان أن ي ُْرَزقَ محبة الله-عز وجل-وطمأنينة القلب وأج ّ
ل ما ُيع ّ
حوا في سبيل الله، بذكره ،وقوة القبال عليه؛ فحري بأهل السلم أن ُيض ّ
وأن يقدموا محبوبات الله على محبوبات نفوسهم؛ ليفوزوا بخيري الدنيا
والخرة.
)(4 /
149
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الجناح تنظر إليها المم بعين الزدراء فأصبحت مكرمة مهيبة الجناب ،تفتح
البلد ،وتضرب على هذه المم بسلطانها الكريم.
َ
جلب إليها وكانت في ظلمات الجهل فأصبحت في نور من العلم ،دون أن ي ُ ْ
مشكاة النبوة؛ إذ كان-عليه الصلة من بلد أجنبية ،وإنما كان ذلك من ِ
ة بنفسه ،ويزكيها بما يتحلى به ،أو يدعو إليه من والسلم-يلقي عليها الحكم َ
صفات الشرف والحمد.
ويستفاد من هذا أن أمة السلم ذات منهج رباني كفيل بجمع الكلمة ،وإحراز
السعادة في الدنيا والخرة ،بل ل يوجد منهج يكفل ذلك غيره.
-16التنبيه على فضل المهاجرين والنصار :فمن بركات الهجرة على
المهاجرين أنهم كانوا يلقون في مكة أذىً كثيرًا ،فأصبحوا بعد الهجرة في
أمن وسلمة ،ثم إن الهجرة ألبستهم ثوب عزة بعد أن كانوا مستضعفين،
ورفعت منازلهم عند الله درجات ،وجعلت لهم لسان صدق في الخرين ،وقد
سمى الله-تعالى-الصحابة الذين فروا بدينهم إلى المدينة بالمهاجرين ،وصار
عون به بعد اليمان. هذا اللقب أشرف لقب ي ُد ْ َ
ن عل شأنهم ،وبرزت ومن بركات الهجرة على أهل المدينة من آووا ونصروا أ ْ
مكانتهم ،واستحقوا لقب النصار الذي استوجبوا به الثناء من رب العالمين.
-17ظهور مزية المدين :فالمدينة لم تكن معروفة قبل السلم بشيء من
الفضل على غيرها من البلد ،وإنما أحرزت فضلها بهجرة النبي -صلى الله
عليه وسلم -وأصحابه المسلمين بحق ،وبهجرة الوحي معهم إلى ربوعها،
حتى أكمل الله لهم الدين ،وأتم عليهم النعمة؛ وبهذا ظهرت مزايا المدينة
ُ
ردت المصنفات بذكر فضائلها ،ومزاياها. ظهورا ً بّينًا ،فَأفْ ِ
-18سلمة التربية النبوية :فقد دلت الهجرة على سلمة التربية النبوية
للصحابة ،فقد صاروا-رضي الله عنهم-مؤهلين للستخلف في الرض،
وتحكيم شرع الله ،والقيام بأمره ،والجهاد في سبيله.
ولقد كان من أثر الهجرة أن الصحابة؛ لستقامتهم وكمال آدابهم وصدق
لهجاتهم-يعرضون السلم في أقوم مثال ،وأمثل صورة.
ل العداُء ،يقول المام مالك-رحمه الله) : -بلغني أن ولقد شهد بذلك الفض ِ
نصارى الشام لما رأوا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قالوا:
ي عيسى-عليه السلم(. والله لهؤلء خير من حواري ّ ْ
وفي هذا درس عظيم وهو أن التربية الحقة القائمة على العقيدة الصحيحة
تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
)(5 /
-19التنبيه على عظم دور المسجد في المة :فأول عمل قام به النبي -صلى
الله عليه وسلم -فور وصوله إلى المدينة ،هو بناؤه المسجد؛ لتظهر فيه
شعائر السلم التي طالما حوربت ،ولتقام فيه الصلوات التي تربط المسلم
برب العالمين ،وتنقي قلبه من أدران الرض.
ولقد تم بناء المسجد في حدود البساطة؛ ففراشه الرمال والحصباء ،وسقفه
الجريد ،وأعمدته الجذوع.
ت الكلب إليه ،فتغدو وتروح ُ
فل ُ وربما أمطرت السماء فأوحلت أرضه ،وقد ت َ ْ
فيه.
هذا البناء المتواضع هو الذي ت ََرّبى فيه ملئكة البشر ،ومؤدبوا الجبابرة،
ن للنبي -صلى الله عليهن الرحم ُ وفاتحوا البلد والقلوب ،وفي هذا المسجد أذِ َ
150
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
خي َْرةَ أمته ،فيتعهدهم بأدب السماء من غَِبش الفجر وسلم -أن يؤم بالقرآن ِ
إلى غسق الليل.
إن مكانة المسجد في المجتمع المسلم تجعله مصدر التوجيه الروحي
والمادي ،فهو ساحة العبادة ،وميدان العلم ،ومنطلق الجهاد؛ فحري بالمة أن
دره حق قدره. ق ُتعلم دور المسجد ،وأن ت َ ْ
-20عظم دور المرأة في البناء والدعوة :ويتجلى ذلك من خلل الدور الذي
قامت به عائشة ،وأختها أسماء-رضي الله عنهما-حيث كانتا نعم المعين
ذل أباهما مع علمهما بخطر المغامرة التي خ ّ
والناصر في أمر الهجرة؛ فلم ي ُ َ
سيقوم بها ،بل لقد كان دورهما أعظم من ذلك؛ حيث حفظتا سر الّرحلة،
ل ،ولقد قطعت أسماء قطعة من نطاقها، وجهزتا ما تحتاجه الرحلة تجهيزا ً كام ً
قْربة ،فلذلك فم ِ ال ِفأوكت به الجراب ،وقطعت الخرى وصّيرتها عصاما ً ل َ َ
سميت ذات النطاقين.
وفي هذا الموقف ما يثبت حاجة الدعوة إلى النساء ،فهن أرق عاطفة،
وأسمح نفسًا ،وأطيب قلبًا.
ثم إن المرأة إذا صلحت أصلحت زوجها ،وبيتها وأبناءها ،وإخوتها ،فينشأ جيل
مؤْث ٌِر للعفة والخلق والطهارة. ُ
وفي هذا-أيضًا-درس للمرأة المسلمة وهو أن تبذل وسعها في سبيل نشر
الخير ،ونصرة الحق ،وأن تكون معينة لزوجها ووالدها وإخوانها وأبناءها على
الدعوة إلى الله ولو أدى ذلك إلى حرمانها من بعض حقوقها؛ فمصلحة المة
أهم ،وما عند الله خير وأبقى.
-21عظم دور الشباب في نصرة الحق :ويتجلى ذلك في ما قام به علي بن
أبي طالب -رضي الله عنه -عندما نام في مضجع النبي -صلى الله عليه
م بالهجرة؛ فضرب أروع المثلة في الشجاعة والبطولة. وسلم -عندما ه ّ
وكذلك ما قام به عبد الله بن أبي بكر؛ فقد أمره والده أن يتسمع ما تقوله
قريش في الرسول وأبي بكر ،ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك من
أخبار ،وأمر أبو بكر عامر بن فهيرة – موله -أن يرعى غنمه نهاره ،ثم
حها إذا أمسى في الغار ،فكان عبد الله بن أبي بكر في قريش يسمع ما ي ُرِي ْ َ
يأتمرون به ،وما يقولون في شأن الرسول وأبي بكر ،ثم يأتيهما إذا أمسى
ويقص عليهما ما علم ،وكان عامر في رعيان أهل مكة ،فإذا أمسى أراح
عليهما غنم أبي بكر ،فاحتلبا وذبحا ،فإذا غدا عبد الله من عندهما إلى مكة
في عليه ،وتلك هي الحيطة البالغة. أتبع عامر أثره بالغنم ي ُعَ ّ
ففي موقف عبد الله بن أبي بكر ما يثبت أثر الشباب في نجاح الدعوة
ونصرة السلم.
وإذا تأملت السيرة رأيت أن أكثر الصحابة كانوا من الشباب الذين حملوا لواء
الدعوة ،واستعذبوا من أجلها الموت والعذاب.
وهذا درس عظيم يبين لنا أن الشباب هم عماد المة ،وإذا وجهوا وجهة
صحيحة على نهج الكتاب والسنة وما كان عليه سلف المة ،ثم أ ُعِْليت
مُهم ،ورفعوا عن سفاسف المور-كانوا مشاعل هدى ،ومصابيح دجى. م َهِ َ
وة وذوبان العصبيات :فمن أعظم حسنات الهجرة ما قام به ُ
-22حصول الخ ّ
الرسول-عليه الصلة والسلم-من المؤاخاة بين المهاجرين والنصار ،ومعنى
مّية إل للسلم ،ول ولء إل له ،فتسقط هذا ذوبان عصبيات الجاهلية ،فل ح ِ
بذلك فوارق النسب ،واللون ،والجنس ،والتراب؛ فل يتأخر أحد ،ول يتقدم إل
بتقواه ومروءته.
قدا ً نافذًا ،ل لفظا ً وقد جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم -هذه الخوة ع َ ْ
151
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ة تثرثر بها اللسنة ،ول يقوم بها فارغًا ،وعمل ً يرتبط بالدماء والموال ،ل تحي ً
أثر.
وكانت عواطف اليثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الخوة ،وتمل
المجتمع الجديد بأروع المثال.
ولقد حرص النصار ،على الحفاوة بإخوانهم المهاجرين؛ فما نزل مهاجري
على أنصاري إل بقرعة.
در المهاجرون هذا البذل الخالص؛ فما استغلوه ،ول نالوا منه إل بقدر ولقد ق ّ
ما يتوجهون به إلى العمل الحر الشريف.
ول يخفى ما لهذا الخاء من دورٍ في البناء والرقي والتعاون.
ويستفاد من هذا الدرس أن المة السلمية ل ب ُد ّ أن تجتمع على أخوة
السلم ،وعلى كتاب الله وسنة رسوله ،ونهج السلف الكرام ،وإل أصبحت
مفككة متناثرة ل ُيهاب جنابها ،ول ُتسمع كلمُتها.
)(6 /
152
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
في علج المة يجب أن نبدأ بالقرب فالقرب؛ فنبدأ في بيوتنا ،فنهاجر نحن
ومن فيها إلى ما يحبه الله ،وننخلع عن كل ما ل يرضيه-عز وجل-ثم نتحرى
في مجتمعاتنا أنظمة السلم وآدابه ،ونهجر كل ما خالفها مما اقتبسناه من
خذ َْلنا به مقاصد السلم ،فضّيعنا أغراضه الجوهرية. غيرنا ،و َ
صلت في أذواقنا وميولنا، وإذا أخذنا بهذه التربية ،وتأ ّ
وت َعَوّد َْنا العمل بها في شتى الميادين-لم تلبث أوطان المسلمين أن تتحول
من أوطان عاصية لله إلى أوطان مطيعة لله ،ومن أوطان تسود فيها
النظمة التي تسخط الله إلى أوطان تسود فيها النظمة التي ترضي الله،
ل الثار التي كانت لهجرة النبي- مث ْ ُ
فيكون لهذا السلوب من أساليب الهجرة ِ
صلى الله عليه وسلم -وأصحابه الولين.
قال-عليه الصلة والسلم) :المهاجر من هجر السيئات( ،وقال ) :المهاجر من
هجر الخطايا والذنوب(.
ولما قيل له :ما أفضل الهجرة ؟ قال) :من هجر ما حّرم الله(.
)(7 /
الهجرة وأحكامها
ل :تعريف الهجرة. أو ً
1ـ لغة.
عا.
2ـ شر ً
ثانًيا :فضل الهجرة:
1ـ اليات القرآنية.
2ـ الحاديث النبوية.
ثالًثا :أنواع الهجرة:
1ـ الهجرة المعنوية.
2ـ الهجرة الحسية.
رابًعا :حكم الهجرة.
سا :الهجرة في المم السابقة. خام ً
سا :الهجرة الباقية إلى يوم القيامة. ساد ً
الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فقال الشيخ أبو يعلى الزواوي رحمه الله " :قد علمت وفقنا الله وإياكم أن
السلف يحفلون للهجرة ول يحتفلون بها ...وأما الحتفال بالهجرة ولم يجر إل
في عهدنا هذا وهو حسن ما لم يعتريه ما اعترى الموالد في مصر كما
علمتم ،وليقتصر على التنويه بالهجرة إجمال ً وتفصي ً
ل" )].([1
ل :تعريف الهجرة: أو ً
هجرانا)].([2 جرا و ِ
جر هَ ْ
م من هجر يه ُ الهجرة لغة :اس ٌ
قال ابن فارس" :الهاء والجيم والراء أصلن ،يدل أحدهما على قطيعة وقطع،
جران،جر :ضد الوصل ،وكذلك الهِ ْ والخر على شد شيء وربطه .فالول الهَ ْ
وهاجر القوم من دار إلى دار :تركوا الولى للثانية ،كما فعل المهاجرون حين
هاجروا من مكة إلى المدينة")].([3
وضبط ابن منظور أيضا ً التي بمعنى الخروج من أرض إلى أرض بضم الهاء:
جرة)].([4 الهُ ْ
ويكون الهجر بالقلب واللسان والبدن)]:([5
153
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
154
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
دقوا بالله قال ابن جرير رحمه الله" :يعني بذلك جل ذكره :إن الذين ص ّ
جُروْا{ الذين هجروا مساكنة ها َ ن َ ذي َ وبرسوله ،وبما جاء به ،وبقولهَ} :وال ّ ِ
المشركين في أمصارهم ،ومجاورتهم في ديارهم ،فتحولوا عنهم ،وعن
جوارهم وبلدهم إلى غيرها ،هجرة لما انتقل عنه إلى ما انتقل إليه ،...وإنما
سمي المهاجرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرين لما
وصفنا من هجرتهم دورهم ومنازلهم ،كراهة منهم النزول بين أظهر
المشركين وفي سلطانهم ،بحيث ل يأمنون فتنتهم على أنفسهم في ديارهم
إلى الموضع الذي يأمنون ذلك...
ولوا من ّ تح والذين ه{ ِ ّ لال ل بي
َ ِ ِ س في ِ ْ ا دوجُرو َ َ َ ُ
ه جا و ْ ا ها َن َ ذي َ فمعنى قوله إًذاَ} :وال ّ ِ
سلطان أهل الشرك هجرة لهم ،وخوف فتنتهم على أديانهم ،وحاربوهم في
ه{ أي: ة الل ّ ِ م َح َ ن َر ْ جو َ ك ي َْر ُ دين الله ليدخلوهم فيه ،وفيما يرضى الله} ،أ ُْولئ ِ َ
يطمعون أن يرحمهم الله فيدخلهم جنته بفضل رحمته إياهم")].([1
وقال ابن سعدي رحمه الله" :هذه العمال الثلثة ،هي عنوان السعادة،
وقطب رحى العبودية ،وبها يعرف ما مع النسان من الربح والخسران ،فأما
اليمان فل تسأل عن فضيلته ،...وأما الهجرة فهي مفارقة المحبوب
والمألوف لرضا الله تعالى ،فيترك المهاجر وطنه وأمواله وأهله وخلنه تقرًبا
إلى الله ونصرة لدينة ،وأما الجهاد فهو بذل الجهد في مقارعة العداء،
والسعي التام في نصرة دين الله وقمع دين الشيطان .وهو ذروة العمال
الصالحة ،وجزاؤه أفضل الجزاء .فحقيق بهؤلء أن يكونوا هم الراجين رحمة
الله؛ لنهم أتوا بالسبب الموجب للرحمة")].([2
ْ ُ جُروا ْ وَأ ُ ْ
سِبيِلى م وَأوُذوا ِفى َ من دَِيارِهِ ْ جوا ْ ِ خرِ ُ ها َن َ ذي َ -2وقوله تعالىَ} :فال ّ ِ
ُ
حت َِها الن َْهاُر من ت َ ْ رى ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ م َ خل َن ّهُ ْ م وَلد ْ ِ سي َّئات ِهِ ْ
م َ ن عَن ْهُ ْ فَر ّ وََقات َُلوا ْ وَقُت ُِلوا ْ لك َ ّ
ب{ ]آل عمران.[195: وا ِ ن الث ّ َ س ُ ح ْ عند َه ُ ُ ه ِ عندِ الل ّهِ َوالل ّ ُ من ِ وابا ً ّثَ َ
قال ابن جرير رحمه الله" :يعني بقوله جل ثناؤه :فالذين هاجروا قومهم من
أهل الكفر وعشيرتهم في الله إلى إخوانهم من أهل اليمان بالله والتصديق
برسوله ،وأخرجوا من ديارهم ،وهم المهاجرون الذين أخرجهم مشركو
ب{ يعني :أن الله عنده وا ِ ن الث ّ َ س ُ ح ْ عند َه ُ ُ ه ِ قريش من ديارهم بمكةَ} ،...والل ّ ُ
من جزاء أعمالهم جميع صنوفه ،وذلك ما ل يبلغه وصف واصف؛ لنه مما ل
عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر")].([3
وقال ابن كثير رحمه الله" :أي :تركوا دار الشرك وأتوا إلى دار اليمان
ه{ ّ
عندِ الل ِ من ِ وابا ً ّ وفارقوا الحباب والخلن والخوان والجيران ...وقوله} :ث َ َ
إضافة إليه ونسبة إليه ليدل على أنه عظيم؛ لن العظيم الكريم ل يعطي إل
جزيل ً كثيًرا")]. ([4
وقال ابن سعدي" :فجمعوا بين اليمان والهجرة ،ومفارقة المحبوبات من
155
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
ن
ذي َ ل الل ّهِ َوال ّ ِ سِبي ِ دوا ْ ِفي َ جاهَ ُ جُروا ْ وَ َ ها َ مُنوا ْ وَ َ ن ءا َ ذي َ -4وقوله تعالىَ} :وال ّ ِ
نذي َ م َ %وال ّ ِ ري ٌ فَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ مغْ ِ قا ً ل ُّهم ّ ح ّن َ مُنو َ مؤ ْ ِ م ال ْ ُ ك هُ ُ صُروا ْ ُأول َئ ِ َ ءاَووا ْ وّن َ َ
ُ
م فَأوْل َئ ِ َ
م{ ]النفال.[75-74: منك ُ ْ ك ِ معَك ُ ْ دوا ْ َ جاهَ ُ جُروا ْ وَ َ ها َ من ب َعْد ُ وَ َ مُنوا ْ ِ ءا َ
جُروا ْ ها َ ْ
مُنوا وَ َ ن ءا َ ذي َ ّ
قال ابن جرير رحمه الله" :يقول تعالى ذكرهَ} :وال ِ
صُروْا{ أووا رسول الله صلى الله ن ءاَووا ْ وّن َ َ ذي َ ل الل ّهِ َوال ّ ِ سِبي ِ دوا ْ ِفي َ جاهَ ُ وَ َ
عليه وسلم والمهاجرين معه ،ونصروهم ونصروا دين الله ،أولئك هم أهل
قا ،ل من آمن ولم يهاجر دار الشرك ،وأقام بين أظهر اليمان بالله ورسوله ح ً
ة{ يقول :لهم ستر فَر ٌ مغْ ِ ّ
أهل الشرك ،ولم يغز مع المسلمين عدّوهم} ،لُهم ّ
م{ يقول :لهم في الجنة ري ٌ من الله على ذنوبهم بعفوه لهم عنهما} ،وَرِْزقٌ ك َ ِ
ي كريم ،ل يتغير في أجوافهم فيصير نجوا ،ولكنه يصير مطعم ومشرب هن ّ
حا كرشح المسك")]. ([9 رش ً
وقال ابن سعدي رحمه الله" :اليات السابقات في ذكر عقد الموالة بين
المؤمنين من المهاجرين والنصار ،وهذه اليات في بيان مدحهم وثوابهم،
صُروا ْن ءاَووا ْ وّن َ َ ذي َ ل الل ّهِ َوال ّ ِ سِبي ِ دوا ْ ِفي َ جاهَ ُ جُروا ْ وَ َ ها َ مُنوا ْ وَ َ ن ءا َ ذي َ فقالَ} :وال ّ ِ
قًا{ لنهم ح ّ
ن{ من المهاجرين والنصار ،أي :المؤمنون } َ مُنو َ مؤ ْ ِم ال ْ ُ ك هُ ُ ُأول َئ ِ َ
صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة والنصرة والموالة بعضهم لبعض
ة{ من اللهُ ،تمحى بها فَر ٌ مغْ ِ وجهادهم لعدائهم من الكفار والمنافقين} ،ل ُّهم ّ
م{ أي :خير كثير من الرب ري ٌ سيئاتهم وتضمحل بها زلتهم }َو{ لهم }رِْزقٌ ك َ ِ
الكريم في جنات النعيم")]. ([10
َ ّ ْ ْ
م
موال ِهِ ْ ل اللهِ ب ِأ ْ سِبي ِ دوا ِفى َ جاهَ ُ جُروا وَ َ ها َمُنوا ْ وَ َ ن ءا َ ذي َ -5وقوله تعالى} :ال ّ ِ
م ال ْ َ ُ
عند َ الل ّهِ وَأوْل َئ ِ َ فسه َ َ
ة
م ٍ ح َ
م َرب ُّهم ب َِر ْ شُرهُ ْ ن %ي ُب َ ّ فائ ُِزو َ ك هُ ُ ة ِ ج ً م د ََر َ م أعْظ َ ُ وَأن ُ ِ ِ ْ
156
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َ
عند َهُ ه ِ ن الل ّ َ ن ِفيَها أَبدا ً إ ِ ّ دي َ خال ِ ِ مَ % قي ٌ م ِ م ّ م ِفيَها ن َِعي ٌ ت ل ّهُ ْ جّنا ٍ ن وَ َ ضوا ٍ ه وَرِ ْ من ْ ُ ّ
م{ ]التوبة.[22-20: َ
ظي ٌ جٌر عَ ِ أ ْ
مُنوْا{ بالله :صدقوا ن ءا َ ذي َ قال ابن جرير رحمه الله" :يقول تعالى ذكره} :ال ّ ِ
بتوحيده من المشركين ،وهاجروا دور قومهم ،وجاهدوا المشركين في دين
الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأرفع منزلة عنده من سقاة
الحاج ،وعمار المسجد الحرام وهم مشركون")].([11
جُروا ْها َ ْ
مُنوا وَ َ ن ءا َ ذي َ ّ
وقال ابن سعدي رحمه الله" :ثم صرح بالفضل فقال} :ال ِ
َ
م{ بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة موال ِهِ ْ ل الل ّهِ ب ِأ ْ سِبي ِ دوا ْ ِفى َ جاهَ ُ وَ َ
ن{ ْ َ ُ ّ
عند َ اللهِ وَأوْلئ ِ َ َ َ َ
فائ ُِزو َ م ال َ ك هُ ُ ة ِ ج ً م د ََر َ م{ بالخروج بالنفس }أعْظ ُ سهِ ْ ف ِ }وَأن ُ
أي :ل يفوز بالمطلوب ،ول ينجو من المرهوب إل من اتصف بصفاتهم وتخلق
بأخلقهم")]. ([12
م ِفى َ
موا لن ُب َوّئ َن ّهُ ْ ْ ُ
ما ظل ِ ُ ن ب َعْد ِ َ م ْ ّ
جُروا ِفى اللهِ ِ ْ ها َ ن َ ذي َ ّ
-6وقوله تعالىَ} :وال ِ
َ
ن{ ]النحل.[41: مو َ َ ْ َ َ
خَرةِ أكب َُر لوْ كاُنوا ي َعْل ُ ْ جُر ال ِ سَنة وَل َ ْ ح َ الد ّن َْيا َ
قال ابن جرير رحمه الله" :يقول تعالى ذكره :والذين فارقوا قومهم ودورهم
مان ب َعْد ِ َ م ْ وأوطانهم عداوة لهم في الله على كفرهم إلى آخرين غيرهم } ِ
موْا{ يقول :من بعد ما نيل منهم في أنفسهم بالمكاره في ذات الله ظ ُل ِ ُ
سَنة{ يقول :لنسكننهم في الدنيا مسكًنا يرضونه ح َ م ِفى الد ّن َْيا َ }ل َن ُب َوّئ َن ّهُ ْ
حا... صال ً
َ َ
ن{ يقول :ولثواب الله إياهم على مو َ كاُنوا ْ ي َعْل َ ُ خَرةِ أك ْب َُر ل َوْ َ جُر ال ِ وقوله} :وَل ْ
هجرتهم فيه في الخرة أكبر؛ لن ثوابه إياهم هنالك الجنة التي يدوم نعيمها
ول يبيد")]. ([13
وقال ابن كثير رحمه الله" :يخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء
مرضاته ،الذين فارقوا الدار والخوان والخلن ،رجاء ثواب الله وجزائه")]
. ([14
وقال ابن سعدي رحمه الله" :يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين
مان ب َعْد ِ َ م ْ ه{ أي :في سبيله ،وابتغاء مرضاته } ِ جُروا ْ ِفى الل ّ ِ ها َ ن َ ذي َ }َوال ّ ِ
موْا{ بالذية والمحنة من قومهم ،الذين يفتنونهم ليردوهم إلى الكفر ظ ُل ِ ُ
والشرك ،فتركوا الوطان والخلن ،وانتقلوا عنها لجل طاعة الرحمن فذكر
لهم ثوابين ،ثواًبا عاجل ً في الدنيا من الرزق الواسع والعيش الهنيئ الذي
رأوه عيانا بعدما هاجروا وانتصروا على أعدائهم ،وافتتحوا البلدان ،وغنموا
ة{خَر ِ جُر ال ِ منها الغنائم العظيمة فتمولوا ،وآتاهم الله في الدنيا حسنة} ،وَل َ ْ
َ
الذي وعدهم الله على لسان رسوله خير ،و}أك ْب َُر{ من أجر الدنيا} ...ل َ ْ
و
ن{ أي :لو كان لهم علم ويقين بما عند الله من الجر والثواب مو َ كاُنوا ْ ي َعْل َ ُ َ
لمن آمن به وجاهد في سبيله ،لم يتخلف عن ذلك أحد")]. ([15
)(3 /
دوا ْ
جاهَ ُ ما فُت ُِنوا ْ ث ُ ّ
م َ جُروا ْ ِ
من ب َعْد ِ َ ها َ
ن َذي َك ل ِل ّ ِن َرب ّ َ م إِ ّ -7وقوله تعالى} :ث ُ ّ
م{ ]النحل.[110: حي ٌ
فوٌر ّر ِ َ
ها لغَ ُ من ب َعْدِ َ ك ِ صب َُروا ْ إ ِ ّ
ن َرب ّ َ وَ َ
قال ابن جرير رحمه الله" :يقول تعالى ذكره :ثم إن ربك يا محمد للذين
هاجروا من ديارهم ومساكنهم وعشائرهم من المشركين ،وانتقلوا عنهم إلى
ديار أهل السلم ومساكنهم وأهل وليتهم من بعد ما فتنهم المشركون الذين
كانوا بين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم ،ثم جاهدوا المشركين بعد ذلك
بأيديهم بالسيف وبألسنتهم بالبراءة منهم ومما يعبدون من دون الله ،وصبروا
157
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
م{ يقول :إن ربك من بعد حي ٌفوٌر ّر ِ ها ل َغَ ُ من ب َعْدِ َ ك ِ ن َرب ّ َ على جهادهم} ،إ ِ ّ
فعلتهم هذه لهم لغفور ...رحيم بهم. ([16])"..
وقال ابن كثير رحمه الله" :هؤلء صنف آخر كانوا مستضعفين بمكة مهانين
في قومهم قد واتوهم على الفتنة ،ثم إنهم أمكنهم الخلص بالهجرة ،فتركوا
بلدهم وأهليهم وأموالهم ابتغاء رضوان الله وغفرانه ،وانتظموا في سلك
من المؤمنين ،وجاهدوا معهم الكافرين ،وصبروا ،فأخبر الله تعالى أنه } ِ
ها{ أي :تلك الفعلة وهي الجابة إلى الفتنة لغفور لهم ،رحيم بهم يوم ب َعْدِ َ
معادهم")]. ([17
وقال ابن سعدي رحمه الله" :أي :ثم إن ربك الذي ربى عباده المخلصين
بلطفه وإحسانه لغفور رحيم لمن هاجر في سبيله وخلى دياره وأمواله ،طالًبا
ن على دينه ليرجع إلى الكفر ،فثبت على اليمان وتخلص ما لمرضاة الله ،وفُت ِ َ
معه من اليقين ،ثم جاهد أعداء الله ليدخلهم في دين الله ،بلسانه ويده،
وصبر على هذه العبادات الشاقة على أكثر الناس ،فهذه أكبر السباب التي
ينال بها أعظم العطايا ،وأفضل المواهب ،وهي مغفرة الله للذنوب")]. ([18
َ
ماُتوا ْ ل َي َْرُزقَن ّهُ ُ
م م قُت ُِلوا ْ أوْ َ ل الل ّهِ ث ُ ّ سِبي ِ جُروا ْ ِفى َ ها َ ن َ ذي َ -8وقوله تعالىَ} :وال ّ ِ
ن{ ]الحج.[58: خي ُْر الرازِِقي َ ه ل َهُوَ َ ن الل ّ َ سنا ً وَإ ِ ّح َ ه رِْزقا ً َ الل ّ ُ
قال ابن جرير رحمه الله" :والذين فارقوا أوطانهم وعشائرهم ،فتركوا ذلك
في رضا الله وطاعته وجهاد أعدائه ،ثم قتلوا أو ماتوا وهم كذلك ،ليرزقنهم
الله يوم القيامة في جناته رزًقا حسًنا ،يعني بالحسن :الكريم ،وإنما يعني
بالرزق الحسن :الثواب الجزيل")]. ([19
وقال ابن كثير رحمه الله" :يخبر تعالى عمن خرج مهاجًرا في سبيل الله
ابتغاء مرضاته ،وطلًبا لما عنده ،وترك الوطان والهلين والخلن ،وفارق بلده
ماُتوْا{ َ
م قُت ُِلوْا{ أي :في الجهاد} ،أوْ َ في الله ورسوله ونصرة لدين الله }ث ُ ّ
أي :حتف أنفسهم ،أي :من غير قتال على فرشهم ،فقد حصلوا على الجر
الجزيل ،والثناء الجميل")]. ([20
وقال ابن سعدي رحمه الله" :هذه بشارة كبرى ،لمن هاجر في سبيل الله،
فخرج من داره ووطنه وأولده وماله ابتغاء وجه الله ،ونصرة لدين الله ،فهذا
دا في سبيل قد وجب أجره على الله ،سواء مات على فراشه ،أو قتل مجاه ً
الله")]. ([21
غما ً ك َِثيرا ً مَرا َ ْ ِ ُض ر ال فى د ج
ِ َ ِ ْ ِ ي ه ّ ل ال ل بي
َ ِ ِ س فى ر ج ها
َ َ َُ ِ ْ ِ ي من و } تعالى: -9وقوله
قد ْ وَقَ َ
ع ت فَ َ موْ ُ ه ال ْ َم ي ُد ْرِك ْ ُ
سول ِهِ ث ُ ّ جرا ً إ َِلى الل ّهِ وََر ُ مَها ِ من ب َي ْت ِهِ ُ ج ِ خُر ْ من ي َ ْ ة وَ َ
سعَ ً وَ َ
حيمًا{ ]النساء.[100: فورا ً ّر ِ َ
ه غَ ُ ن الل ّ ُ كا َ ى الل ّهِ وَ َ عل َجُره ُ َ أ ْ
قال ابن جرير رحمه الله" :ومن يفارق أرض الشرك وأهلها هرًبا بدينه منها
ومنهم إلى أرض السلم وأهلها المؤمنين ،في سبيل الله ،يعني في منهاج
ض
جد ْ ِفى الْر ِ دين الله وطريقه الذي شرعه لخلقه ،وذلك الدين القيم } ي َ ِ
ما كثيًرا ،وهو غما ً ك َِثيرًا{ ،يقول :يجد هذا المهاجر في سبيل الله مراغ ً مَرا َ ُ
ة{ فإنه يحتمل السعة في سعَ ً المضطرب في البلد والمذهب ...وقوله} :وَ َ
أمر دينهم بمكة ،وذلك منعهم إياهم ـ كان ـ من إظهار دينهم ،وعبادة ربهم
علنية ،ثم أخبر جل ثناؤه عمن خرج مهاجًرا من أرض الشرك فاّرا بدينه إلى
الله وإلى رسوله ،إن أدركته منيته قبل بلوغه أرض السلم ودار الهجرة،
َ
ه{ ،وذلك ثواب عمله وجزاء ى الل ّ ِ عل َ جُره ُ َ قد ْ وَقَعَ أ ْ فقال :من كان كذلك }فَ َ
هجرته ،وفراق وطنه وعشيرته إلى دار السلم وأهل دينه")]. ([22
وقال ابن كثير رحمه الله" :وهذا تحريض على الهجرة ،وترغيب في مفارقة
المشركين ،وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه")]
158
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
. ([23
وقال ابن سعدي رحمه الله" :هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب،
وبيان ما فيها من المصالح ،فوعد الصادق في وعده أن من هاجر في سبيله
ما في الرض وسعة ،فالمراغم مشتمل على ابتغاء مرضاته ،أنه يجد مراغ ً
مصالح الدين ،والسعة على مصالح الدنيا")]. ([24
)(4 /
159
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون ،فيقول الخزنة :أوقد حوسبتم؟ فيقولون:
بأي شيء نحاسب؟! وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى
متنا على ذلك .قال :فيفتح لهم فيقيلون فيه أربعين عاما ً قبل أن يدخلها
الناس(( )].([35
-9وعن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال :يا رسول الله ،هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال :حصن كان
لدوس في الجاهلية ،فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله
للنصار ،فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه
الطفيل بن عمرو ،وهاجر معه رجل من قومه ،فاجتووا المدينة ،فمرض
فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات ،فرآه
الطفيل بن عمرو في منامه ،فرآه وهيئته حسنة ،ورآه مغطًيا يديه ،فقال له:
ما صنع بك ربك؟ فقال :غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم)]
. ([36
)] ([1جامع البيان ).(2/355
)] ([2تيسير الكريم الرحمن ) 1/173ـ .(174
)] ([3جامع البيان ).(216 /3
)] ([4تفسير القرآن العظيم ).(166 /2
)] ([5تيسير الكريم الرحمن ).(306 /1
)] ([6جامع البيان ).(51 /6
)] ([7تفسير القرآن العظيم ).(38 /4
)] ([8تيسير الكريم الرحمن ).(219 /2
)] ([9جامع البيان ) 56 /6ـ .(57
)] ([10تيسير الكريم الرحمن ).(220 /2
)] ([11جامع البيان ).(97 /6
)] ([12تيسير الكريم الرحمن ).(232 /2
)] ([13جامع البيان ) 106 /8ـ .(107
)] ([14تفسير القرآن العظيم ).(491 /4
)] ([15تيسير الكريم الرحمن ).(61 /3
)] ([16جامع البيان ).(183 /8
)] ([17تفسير القرآن العظيم ).(527 /4
)] ([18تيسير الكريم الرحمن ) 87 /3ـ .(88
)] ([19جامع البيان ).(194 /10
)] ([20تفسير القرآن العظيم ).(443 /5
)] ([21تيسير الكريم الرحمن ).(332 /3
)] ([22جامع البيان ).(238 /4
)] ([23تفسير القرآن العظيم ).(344 /2
)] ([24تيسير الكريم الرحمن ).(393 /1
)] ([25جامع البيان ).(6 /7
)] ([26تفسير القرآن العظيم ).(141 /4
)] ([27أخرجه مسلم ) (1/112من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
)] ([28شرح مسلم ).(497 /2
)(5 /
160
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
161
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الهجرة من دار الكفر إلى دار السلم يختلف حكمها باختلف حالت
المقيمين بديار الكفر:
أ .فتكون واجبة ،وذلك في حق من يقدر عليها ول يمكنه إظهار دينه أو إقامة
مى ظال ِ ِة َ مل َئ ِك َ ُ
م ال ْ َ ن ت َوَّفاهُ ُ
ذي َ ن ال ّ ِواجبات دينه في ديار الكفر ،لقوله تعالى} :إ ِ ّ
َ َ َأن ُ
ض
ن أْر ُ م ت َك ُ ْ ض َقاْلوا ْ أل َ ْ ن ِفى الْر ِ في َ ضعَ ِست َ ْ
م ْ م َقاُلوا ْ ك ُّنا ُ كنت ُ ْ م َقاُلوا ْ ِفي َ
م ُ سهِ ْف ِ
صيرًا{ ]النساء: ك ْ ُ
م ِ ت َ ساء ْ م وَ َ جهَن ّ ُم َ مأَواهُ ْ جُروا ْ ِفيَها فَأوْل َئ ِ َ َ ة فَت َُها ِسعَ ًالل ّهِ وا ِ
.[97
ولقوله صلى الله عليه وسلم)) :أنا بريء من مسلم بين مشركين ل تراءى
ناراهما(( )] ،([1ومعناه ل يكون بموضع يرى نارهم ويرون ناره إذا أوقدت،
ولن القيام بواجبات دينه واجب ،والهجرة من ضرورة الواجبات وتتمتها ،وما
ل يتم الواجب إل به فهو واجب.
ب .وتسقط عمن يعجز عنها إما لمرض أو إكراه على القامة أو ضعف
كالنساء والولدان وشبههم ،فالعاجز ل هجرة عليه لقوله تعالى} :إ ِل ّ
ن
دو َ ة وَل َ ي َهْت َ ُ حيل َ ً ن ِ طيُعو َ ست َ ِ ن ل َ يَ ْ ساء َوال ْوِْلدا ِ ل َوالن ّ َ جا ِن الّر َم َ ن ِ فيُ َ
ضعَ ِست َ ْ
م ْال ْ ُ
فورًا{ ]النساء: فوّا ً غَ ُ َ
ه عَ ُن الل ّ ُ كا َ م وَ َ فوَ عَن ْهُ ْه أن ي َعْ ُ سى الل ّ ُ ك عَ َ سِبيل ً %فَأوْل َئ ِ َ َ
.[99-98
ج .وتستحب في حق من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامة
واجباته ي دار الكفر ،فهذا تستحب في حقه ليتمكن من جهادهم ،ولتكثير
المسلمين ومعونتهم ،والتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم ومشاهدة
المنكر بينهم ،ول تجب عليه لمكانه إقامة واجبات دينه بدون الهجرة.
وقد كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم مقيما بمكة قبل فتحها مع
إسلمه)].([2
فإن قيل :ما ضابط إظهار الدين؟
فالجواب :ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ " :إظهاره ديَنه ليس
مجرد فعل الصلة وسائر فروع الدين واجتناب محرماته من الربا وغير ذلك،
إنما إظهار الدين مجاهرته بالتوحيد والبراءة مما عليه المشركون من الشرك
بالله في العبادة وغير ذلك من أنواع الكفر والضلل" )].([3
)(6 /
ويرى بعض العلماء أنه قد يستحب للمسلم أن يقيم في دار الكفر وذلك إذا
كان يرجو ظهور السلم بإقامته أو إذا ترتب على بقائه بدار الكفر مصلحة
للمسلمين ،فقد نقل صاحب مغني المحتاج أن إسلم العباس رضي الله عنه
كان قبل بدر وكان يكتمه ويكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأخبار
المشركين وكان المسلمون يتقوون به بمكة ،وكان يحب القدوم على النبي
صلى الله عليه وسلم ،فكتب إليه صلى الله عليه وسلم)) :إن مقامك بمكة
خير(( ،ثم أظهر إسلمه يوم فتح مكة)].([4
ول شك أن هذا ليس لكل أحد ،وأغلب الناس سريع التأثر بما عليه الكفار،
وخاصة في هذا الزمان الذي غلب فيه أهل الكفر ،ونحن نرى ولوع كثير من
المسلمين بتقليد الكفار واتباعهم وهم في ديار السلم فكيف الحال بمن هو
مقيم بين أظهرهم ،ل شك أن الفتنة أعظم والخطر أكبر ،وأحكام الشريعة
مبنية على الغالب الكثير ل على ما شذ ّ وندر.
)] ([1أخرجه أبو داود ] [2645والترمذي ] [1604من حديث ابن مسعود
رضي الله عنه ،وحسنه اللباني في صحيح الجامع ].[1461
162
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
163
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الصادرة قبل ذلك والفتنة بها ،وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه
عليه ،ولهذا قال له الخير :ول ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ،ففيه إشارة
إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الحوال التي اعتادها في زمن المعصية،
والتحول منها كلها والشتغال بغيرها")].([6
)] ([1انظر :تفسير الطبري ) (143-20/142وتفسير القرطبي )-13/339
(340وزاد المسير ) (6/268وتفسير السمعاني ).(4/176
)] ([2أخرجه أبو داود ] ،[2482وحسنه اللباني في تخريج مناقب الشام
وأهله )ص .(79
)(7 /
164
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
مسلم مقيم بين أظهر المشركين ،ل تتراءى ناراهما(( ،وعن سمرة بن جندب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)) :من جامع المشرك وسكن معه فإنه
مثله((" )].([8
قال النووي رحمه الله" :قال أصحابنا وغيرهم من العلماء :الهجرة من دار
الحرب إلى دار السلم باقية إلى يوم القيامة ،وتأولوا هذا الحديث – أي
حديث)) :ل هجرة بعد الفتح(( – تأولين:
أحدهما :ل هجرة بعد الفتح من مكة لنها صارت دار إسلم ،فل تتصور منها
الهجرة.
الثاني :وهو الصح ،أن معناه أن الهجرة الفاضلة المهمة المطلوبة التي يمتاز
بها أهلها امتيازا ً ظاهرا ً انقطعت بفتح مكة ومضت لهلها الذين هاجروا قبل
فتح مكة ،لن السلم قوي وعز بعد فتح مكة عزا ً ظاهرا ً بخلف ما قبله")]
.([9
وقال ابن العربي رحمه الله" :الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار
السلم وكانت فرضا ً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت بعده
لمن خاف على نفسه ،والتي انقطعت أصل ً هي القصد إلى النبي صلى الله
عليه وسلم حيث كان")].([10
وقال ابن حجر رحمه الله)).." :ل هجرة بعد الفتح(( أي :فتح مكة ،أو المراد
ما هو أعم من ذلك إشارة إلى أن حكم غير مكة في ذلك حكمها ،فل تجب
الهجرة من بلد فتحه المسلمون ،أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين
أحد ثلثة:
الول :قادر على الهجرة منها ل يمكنه إظهار دينه ول أداء واجباته ،فالهجرة
منه واجبة.
الثاني :قادر لكنه يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فمستحبة لتكثير المسلمين
بها ومعونتهم وجهاد الكفار والمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم.
الثالث :عاجز بعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له القامة ،فإن حمل
على نفسه وتكلف الخروج منها أجر")].([11
)] ([1أخرجه البخاري ] [3077ومسلم ].[1353
)] ([2أخرجه البخاري ] [3078ومسلم ) (3/1487واللفظ للبخاري.
)] ([3أخرجه أحمد ) (4/99والدارمي ) (2/157وأبو داود ] [2479من حديث
معاوية رضي الله عنه وهو في صحيح سنن أبي داود ].[2166
)] ([4أخرجه أحمد ) (4/99من حديث جنادة بن أبي أمية رضي الله عنه وهو
في السلسلة الصحيحة ].[1674
)] ([5انظر :شرح مشكل الثار ).(51-7/49
)] ([6أخرجه الطحاوي في شرح المشكل ) 7/49ـ ،[2639] (50والطبراني
في الكبير ) ،(862 /18والوسط ) ،(2319والبيهقي ) ،(17 /9وصححه ابن
حبان ) .(4861وفيه صالح بن بشير بن فديك لم يرو عنه غير الزهري ولم
يوثقه غير ابن حبان.
)] ([7انظر :شرح السنة ) 372 /10ـ .(373
)] ([8شرح السنة ) 373 /10ـ .(374
)] ([9شرح مسلم ).(8 /13
)] ([10انظر :شرح النووي لمسلم ).(8 /11
)(8 /
165
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(9 /
166
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وتسد البواب ...ثم تكون بداية الخلص بعد ذلك كله في ستة نفر ل حول
لهم ول قوة.
فهل يدرك هذا المعنى المتعلقون بأذيال المادية الصارخة والنافضون أيديهم
من قدرة الله وعظمته؟.
وهل يدرك هذا المعنى الغارقون في تشاؤمهم اليائسون من فرج قريب لهذه
المة المنكوبة المغلوبة على أمرها؟.
إن الله ليضع نصره حيث شاء وبيد من شاء وعلينا أن نعمل حتى تصل دعوتنا
إلى العالمين ،وأل نحتقر أحدا ول نستكبر على أحد ،وعلينا أن نواصل سيرنا
مهما يظلم الليل وتشتد الحزان ،فمن يدري لعل الله يصنع لنا في حلكات
ليلنا الداجي خيوط فجر واعد؟ ومن يدري لعل آلمنا هذه مخاض العزة
والتمكين؟.
أعظم دروس الهجرة!
إننا على أبواب عام هجري جديد يقبل محمل بما فيه ،وعلى أعقاب عام
هجري مودع يمضي بما استودعناه نقف متذكرين هجرة المصطفى صلى الله
عليه وسلم ...إنها ذكرى العتبار والتعاظ ل ذكرى الحتفال والبتداع .إنها
وقفة نستقرئ فيها فصل من فصول الحياة خطه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وصحبه .إنها رجعة إلى العقل في زمن طاشت فيه العقول .ووقفة مع
الروح في زمن أسكرت الرواح فيه مادية صخابة جرافة.
إن من أعظم دروس الهجرة وأجل عبراتها "صناعة المل" نعم .إن الهجرة
تعلم المؤمنين فن صناعة المل .المل في موعود الله .المل في نصر الله.
المل في مستقبل مشرق لـ "ل إله إل الله" .المل في الفرج بعد الشدة،
والعزة بعد الذلة ،والنصر بعد الهزيمة.
لقد رأيتم كيف صنع ستة نفر من يثرب أمل النصر والتمكين .وهاهو رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصنع المل مرة أخرى حين عزمت قريش على
قتله.
قال ابن إسحاق :فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى
نام فيثبون عليه.
)(1 /
وعلى أن كل حساب مادي يقطع بهلك رسول الله صلى الله عليه وسلم،
كيف ل وهو في الدار والقوم محيطون بها إحاطة السوار بالمعصم .مع ذلك
صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم المل ،وأوكل أمره إلى ربه وخرج يتلو
قوله تعالى} :وجعل ْنا من بي َ
م لَم فَهُ ْ دا َفأغْ َ
شي َْناهُ ْ س ّ
م َ خل ْ ِ
فهِ ْ ن َ
م ْ
دا وَ ِ
س ّ
م َديهِ ْ
ن أي ْ ِ
َ َ َ َ ِ َْ ِ
ن{ )يس .(9:خرج السير المحصور يذر التراب على الرؤوس صُرو َ
ي ُب ْ ِ
المستكبرة التي أرادت قتله! وكان هذا التراب المذرور رمز الفشل والخيبة
الذين لزما المشركين فيما استقبلوا من أمرهم .فانظر كيف انبلج فجر المل
من قلب ظلمة سوداء.
ويمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه يحث الخطى حتى
انتهى وصاحبه إلى جبل ثور ،وهو جبل شامخ وعر الطريق صعب المرتقى،
فحفيت قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرتقيه فحمله أبو بكر
وبلغ به غار ثور ومكثا هناك ثلثة أيام.
مرة أخرى يصنع المل!!
ومرة أخرى يصنع المل في قلب المحنة ،وتتغشى القلوب سكينة من الله
167
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وهي في أتون القلق والتوجس والخوف ..يصل المطاردون إلى باب الغار،
ويسمع الرجلن وقع أقدامهم ،ويهمس أبو بكر :يا رسول الله لو أن بعضهم
طأطأ بصره لرآنا! فيقول صلى الله عليه وسلم" :يا أبا بكر .ما ظنك باثنين
الله ثالثهما؟".
وكان ما كان ،ورجع المشركون بعد أن لم يكن بينهم وبين مطلوبهم إل
خطوات! فانظر مرة أخرى كيف تنقشع عتمة الليل عن صباح جميل .وكيف
مُنوا{ )الحج: نآ َ ن ال ّ ِ
ذي َ دافِعُ عَ ِ
ه يُ َ
ن الل َ
تتغشى عناية الله عباده المؤمنين }إ ِ ّ
.(38
ن
وإذا العناية لحظتك عيونها***نم فالحوادث كلهن أما ُ
ويسير الصاحبان في طريق طويل موحش غير مأهول ل خفارة لهما من
بشر ،ول سلح عندهما يقيهما:
ل دروع سابغات ل قنا***مشرعات ل سيوف منتضاه
قوة اليمان تغني ربها***عن غرار السيف أو سن القناة
ومن اليمان أمن وارف***ومن التقوى حصون للتقاة
يسير الصاحبان حتى إذا كانا في طريق الساحل لحق بهما سراقة بن مالك
طامعا في جائزة قريش مؤمل أن ينال منهما ما عجزت عنه قريش كلها،
فطفق يشتد حتى دنا منهما وسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ومرة ثالثة ،وهذا الفارس على وشك أن يقبض عليهما ليقودهما أسيرين إلى
قريش تذيقهما النكال ،مرة ثالثة يصنع المل ،ول يلتفت رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى سراقة ول يبالي به وكأن شيئا لم يكن يقول له أبو بكر:
ن
ن إِ ّ يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا ،فيقول له مقالته الولى} :ل َ ت َ ْ
حَز ْ
معََنا{ )التوبة.(40:
ه َالل َ
لقد اصطنع المل في الله ونصره فنصره الله وساخت قدما فرس سراقة،
فلما استوت قائمة إذا لثر يديها غبار ساطع في السماء كالدخان ،فأدرك
سراقة أنهم ممنوعون منه .ومرة ثالثة جاء النصر للرسول صلى الله عليه
وسلم من حيث ل يحتسب .وعاد سراقة يقول لكل من قابله في طريقه
ذاك :ارجع فقد كفيتكم ماههنا ،فكان أول النهار جاهدا عليهما وآخره حارسا
لهما!.
ويبلغ أهل المدينة خبر هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ،الرجل الذي
قدم لهم الحياة وصنع لهم المل .الرجل الذي أنقذهم من أن يكونوا حطبا
لجهنم .يبلغهم الخبر فيخرجون كل غداة لستقباله حتى تردهم الظهيرة .كيف
ل وقد اقتربت اللحظة التي كانوا يحصون لها اليام ويعدون الساعات؟ قال
الزبير :فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظاره فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل
من يهود أطما من آطامهم لينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب ،فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى
صوته :يا معشر العرب هذا صاحبكم الذي تنتظرون.
فثار المسلمون إلى السلح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظاهر
الحرة .تلقوه بقلوب تفيض سعادة وفرحا ...وتأمل مظاهر الفرحة الغامرة:
-قال أنس" :شهدت يوم دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فلم أر
يوما أحسن منه ول أضوأ منه" )الحاكم(.
-قال أبو بكر" :ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة
وخرج الناس حتى دخلنا في الطريق وصاح النساء والخدام والغلمان :جاء
رسول الله ،الله أكبر ،جاء محمد ،جاء رسول الله" )الحاكم(.
-قال أنس" :لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت
168
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
فمن يدري؟ ربما كانت هذه المصائب بابا إلى خير مجهول ،ورب محنة في
م؟{ خي ٌْر ل ّك ُ ْ
شي ًْئا وَهُوَ َ
هوا َسى َأن ت َك َْر ُ طيها منحة ،أوليس قد قال الله} :وَعَ َ
)البقرة.(216:
لقد ضاقت مكة برسول الله ومكرت به فجعل نصره وتمكينه في المدينة.
وأوجفت قبائل العرب على أبي بكر مرتدة ،وظن الظانون أن السلم زائل ل
محالة ،فإذا به يمتد من بعد ليعم أرجاء الرض.
وهاجت الفتن في المة بعد عثمان حتى قيل ل قرار لها ثم عادت المياه إلى
مجراها.
وأطبق التتار على أمة السلم حتى أبادوا حاضرتها بغداد سرة الدنيا وقتلوا
في بغداد وحدها مليوني مسلم وقيل :ذهبت ريح السلم فكسر الله أعداءه
في عين جالوت وعاد للمة مجدها.
وتمال الصليبيون وجيشوا جيوشهم وخاضت خيولهم في دماء المسلمين إلى
ركبها حتى إذا استيئس ضعيف اليمان نهض صلح الدين فرجحت الكفة
الطائشة وطاشت الراجحة ،وابتسم بيت المقدس من جديد.
وقويت شوكة الرافضة حتى سيطر البويهيون على بغداد والفاطميون على
مصر وكتبت مسبة الصحابة على المحاريب ثم انقشعت الغمة واستطلق
وجه السنة ضاحكا.
وهكذا يعقب الفرج الشدة ،ويتبع الهزيمة النصر ،ويؤذن الفجر على أذيال ليل
مهزوم ...فلم اليأس والقنوط؟.
اشتدي أزمة تنفرجي***قد آذن ليلك بالبلج
َ
من ّروِْح سوا ِ إن اليأس والقنوط ليسا من خلق المسلم ،قال سبحانه} :وَل َ ت َي ْأ ُ
م ال ْ َ من ّروِْح اللهِ إ ِل ّ ال ْ َ َ
ن{ )يوسف.(87: كافُِرو َ قو ْ ُ ه ل َ ي َي ْأ ُ
س ِ اللهِ إ ِن ّ ُ
قال ابن مسعود رضي الله عنه" :أكبر الكبائر الشراك بالله والمن من مكر
الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله".
إذا اشتملت على اليأس القلوب***وضاق لما به الصدر الرحيب
ولم تر لنكشاف الضر وجها***ول أغنى بحيلته الريب
أتاك على قنوط منك غوث***يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت***فموصول بها الفرج القريب
169
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ما هذافيا أيها الغيورون على أمة السلم ..يا من احترقت قلوبهم للمها ،نع ّ
اللم وما أصدقه على إيمانكم وحبكم لدينكم ،ولكن ل يبلغن بكم اليأس
مبلغه ،فإن الذي أهلك فرعون وعادا وثمود وأصحاب اليكة والذي رد التتار
ودحر الصليبين قادر على أن يمزق شمل الروس ويبدد غطرسة الصهيونية
ويحطم أصنام الوثنية المعاصرة.
وأنت ..يا من ابتلك الله في رزقك أو صحتك أو ولدك.
أنت ..يا من جهدك الفقر وانتهكتك العلل وأخذ الموت أحبابك وعدت في
أعين الناس كالدرهم الزائف ل يقبله أحد.
أنت ..يا من أصبحت في مزاولة الدنيا كعاصر الحجر يريد أن يشرب منه ،ويا
من سدت في وجهك منافذ الرزق وأبواب الحلل.
أنت ..هل نسيت رحمة الله وفضله؟
)(3 /
170
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
أول :بعدنا عن الهدي العلمي النبوي في تقدير العلم والعلماء فعن أبى
موسى رضي الله عنه قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم):مثل ما بعثني
الله من الهدي والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة قبلت الماء
فانبتت الكل والعشب الكثير ،وكان أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس
فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان ل
تمسك ماء ولنتبت كل فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله
به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت
به( متفق عليه.
ويستفاد من هذا الحديث في مقامنا هذا أن معظمنا كالقيعان التي ل تمسك
ماء ول تنبت كل ,لننا لم نرفع العلم النافع رأسا ,ولم نقبل هدى الله الذي
أتى به المصطفى صلى الله عليه وسلم وحرصنا على ما ل ينفعنا وآثرنا الدنيا
والعمل السريع لها عن العلم والتعب في تحصيله وتطبيقه.
قال :الرياء في العمال والبعد عن الورع والتقوى وعمل العمال العظيمة
من اجل الناس ,وقد نهى المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم عن ذلك
حين قال :إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به
فعرفه نعمته فعرفها قال :فما عملت فيها؟ قال :قاتلت فيك حتى
استشهدت ،قال :كذبت ،ولكنك قاتلت لن يقال جرئ فقد قيل ,ثم أمر به
فسحب على وجهه حتى القي في النار ,ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ
القرآن فأتى به ،فعرفه نعمة فعرفها ،فقال :فما عملت فيها قال :تعلمت
العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ،قال :كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم
وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى
ألقي في النار .جزء من حديث أخرجه مسلم .فمعظم المسلمين الن
يتعلمون ليقال للواحد منهم متعلم ,ويحمل الشهادات العليا ليقال أستاذ
متعلم ,وقد يسلك البعض مسالك غير مشروعة للحصول على الدرجة
العلمية الكبرى ,وأصبحت الدنيا مبلغ علمنا ومنتهى قصدنا ,فلم يعد علماؤنا
علماء ,ول أساتذتنا أساتذة ,ول كتابنا كتابا ,إل من رحم ربك ,وتحولت
جامعاتنا إلى مراكز لمنح الرخص المسماة بالشهادات وتحولت مراكز بحوثنا
إلى أماكن للبحث العلمي من أجل الحصول على الرخصة العلمية وضاعت
أموال المسلمين وأوقاتهم وأعمارهم ,ثم وضعت البحوث على الرفف في
المكتبات ومصادر التعلم ,أما التطبيق والعمل فهذا ليس من مقصدنا من
التعليم والتعلم.
ثالثًا :الستغراق في المصطلحات والتفسيرات النظرية والبعد عن العمل
الجاد والمثمر والمنتج ,حيث تحولت دراساتنا إلى تفسيرات ,وبحوثنا إلى
استنيانات واجتماعاتنا إلى تفلسف ومحاضر للجلسات ,ومؤتمراتنا وندواتنا
العلمية لستعراض العضلت اللسانية في الكلم الذي ل يطيق منه شئ وهذا
مناف لعقيدتنا قال تعالى":يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون .كبر
مقتنا عند الله أن تقولوا ما ل تفعلون" الصف .2
)(1 /
رابعًا :الوهن الذي أصاب المسلمين ,فقد خاف علينا المصطفى صلى الله
ن قال) :حب الدنيا وكراهية الموت(
عليه وسلم الوهن ,وعندما سئل عن الوَهَ ْ
حيث أصبحت الدنيا مبلغ علمنا ,وكرهنا الموت في سبيل الله ,وأصبحنا نبحث
عن مدرات الدنانير ,وبعدنا عن مصلحات العباد ,وأصبح حب الدنيا والموال
171
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
والزواج والتجارة أحب إلينا من الله ورسوله قال تعالى " قل عن كان آباؤكم
وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون
كسادها ومساكن ترضونها احب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله
فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله ل يهدي القوم الفاسقين" سورة التوبة
آية .24
فعليك أخي المسلم أن تضع الية السابقة في ورقة وترى هل البناء والزواج
والموال والتجارة والمساكن أحب إليك من الله ورسوله وجهاد في سبيله,
أم الله ورسوله والجهاد في سبيله أحب إلى نفسك من كل ما سبق؟ وهنا
منسي والملهي نقول لك ليحرم عليك هذه الشياء ولكن حبها المطغي وال ُ
والصارف عن رسالتك في الحياة هو الممنوع.
وهنا ستعرف نفسك بالضبط ومع أي فريق أنت.
خامسًا :فقدنا الثقة في أنفسنا ,وأصبحنا في جهل لقدراتنا وديننا وتراثنا
فطلبنا المشورة من بيوت خبرة غير المسلمين ,وأصبحت مناهجنا ل تؤكد
عن ذاتنا وعقيدتنا ,فتخرجت أجيالنا مقطوعة الصلة بأمجادنا ,ومن كان
مخلصا ً لدينه وعقيدته عاش في الماضي يمجد فيه ,ول يعيش في الحاضر,
وينسى العمل للمستقبل فلم يستمتع بالحاضر ونعم الله عليه فيه ,ولم
يخطط للمستقبل ,فكانت النتيجة كما نعلم جميعا ,حتى لغتنا العربية لم نعد
نقدر على التحدث بها ,وأصبح الجنبي الذي يتكلم غير العربية خبيرا حتى ولو
كان ل يحمل إل الشهادة البتدائية ,وبنظرة إلى رواتب العرب والمسلمين
ورواتب الجانب من غير العرب والمسلمين الذين يعملون في بعض ديار
المسلمين نعلم ذلك علم اليقين.
أخي المسلم أختي المسلمة:
قد تكون الكلمات قاسية والنظرة سوداوية والكلمات تقطر حزنا وسوادا,
ولكن في الحقيقة نحن أمة رسبت في قاع التاريخ حاليا ونغوص الن في
الطين وهذا ليس كلمي ولكم من نتائج دراسات العديد من الباحثين والكتاب
والمفكرين المخلصين ,فمع أن الله سبحانه وتعالى ميزنا وجعلنا أمة وسطا
وجعلنا خير أمة أخرجت للناس ,فهل ترضى أخي المسلم أن نكون هكذا عالة
على غير المسلمين وتوابع لغير المسلمين نأكل من مزارعهم ونلبس من
مصانعهم ونحارب أنفسنا بأسلحتهم ,وضاع المسلمون في أسبانيا,
والصومال ,والشيشان ,والبوسنة ,والهرسك ,وفلسطين والجزائر وإريتريا,
والعراق ,والهند وفي ديار كثيرة ل نجرؤ على ذكرها وإل وضعنا في مصاف
غير العقلء والمارقين.
أخي المسلم:
هذه دعوة لكل مسلم أن يتقي الله ربه ,وان يتبع هدى نبيه محمد صلى الله
عليه وسلم في تحصيل العلم النافع والعمل به ,وتقدير العلم والعلماء ,وأن
نبتعد بأعمالنا عن الرياء ونجعلها خالصة لوجهه الكريم ,ونبتعد عن الجدل
والمناقشات العقيمة وأن نتق الله في أقوالنا وأفعالنا ,وأن نبتعد عن الوهن
ونثق في قدراتنا ونصر الله لنا لنعيد لمتنا مجدها ولديننا انتشاره وسماحته
ووسطيته التي حجبت تحت ستار كثيف من سلوكياتنا غير السلمية وأن نعود
إلى هداية الدنيا برحمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ,وقد بدأت تباشير
النصر تظهر وبدأ جبل صناع الحياة في صنع الحياة فهيا بنا جميعا ً نعمل وننتج
لنخرج أمتنا إلى مكانتها التي وضعها الله منها أمة مؤمنه ,عاملة ,متعلمة,
منتجة ,تقود العالم بأخلق القرآن ,وتعمر الكون بنواميس الله في الخلق
172
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
173
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
مُر ن عُ َ كا َ ل َ س -رضى الله عنهما َ -قا َ ن عَّبا ٍ ن اب ْ ِ البخاري و غيره عَ ِ و روى
َ
م
م – قيل إّنه عبد الرحمن بن عوف : -ل ِ َ ضهُ ْ ل ب َعْ ُ قا َ شَياِخ ب َد ْرٍ ،فَ َ مع َ أ ْ خل ُِنى َ ي ُد ْ ِ
ل فَد َ َ م َ .قا َ ُ َ َ ْ
م
عاهُ ْ مت ُ ْ ن قَد ْ عَل ِ ْ م ْ م ّ ه ِ ل إ ِن ّ ُ قا َ ه فَ َ مث ْل ُ معََنا ،وَلَنا أب َْناٌء ِ فَتى َ ذا ال َ ل هَ َ خ ُ ت ُد ْ ِ
ما
ل َ قا َ َ
مّنى ف َ م ِ ّ
مئ ِذ ٍ إ ِل ل ِي ُرِي َهُ ْ عاِنى ي َوْ َ ه دَ َ ما ُرِئيت ُ ُ ل وَ َ م قا ََ معَهُ ْ عاِنى َ ت ي َوْم ٍ ،وَد َ َ َذا َ
ُ َ ْ ّ ُ
م خت َ َ حّتى َ ن( َ خلو َ س ي َد ْ ُ ت الّنا َ ح * وََرأي ْ َ فت ْ ُ صُر اللهِ َوال َ جاَء ن َ ْ ن ) إ َِذا َ قولو َ تَ ُ
َ
ح عَلي َْنا . ُ َ ّ َ ُ َ َ
صْرَنا وَفت ِ َ فَرهُ ،إ ِذا ن ُ ِ ست َغْ ِ ه وَن َ ْ مد َ الل َ ح َ ن نَ ْ مْرَنا أ ْ مأ ِ ضهُ ْ قال ب َعْ ُ سوَرة َ ،ف َ ال ّ
ذا َ
ك س أ َك َ َ ِ َ ْ َ َّ ٍ با ع ن با يا لى َ
ل قا َ َ ف . ً ا يئ
ْ شَ م َْ ُ ُ ْ ه ض ع ب لْ ُ ق ي
ْ ْ َ م َ ل و . رى َ ْ ِ د ن َ ل موََقا َ ْ ُ ُ ْ
ه ض ع ب لَ
ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم َ
سو ِ ل َر ُ ج ُ ت هُوَ أ َ ل قُل ْ ُ قو ُ ما ت َ ُ ل فَ َ ت ل َ َ .قا َ ل قُل ْ ُ قو ُ تَ ُ
َ صُر الل ّهِ َوال ْ َ َ
ك جل ِ َ ةأ َ م ُ ك عَل َ َ ذا َ ة ،فَ َ مك ّ َ ح َ ح ( فَت ْ ُ فت ْ ُ جاَء ن َ ْ ه ) إ َِذا َ ه لَ ُ ه الل ّ ُ م ُ أعْل َ َ
َ
ما من َْها إ ِل ّ َ م ِ ما أعْل َ ُ مُر َ وابا ً ( َقال عُ َ ن تَ ّ كا َ ه َ فْرهُ إ ِن ّ ُ ست َغْ ِ ك َوا ْ مد ِ َرب ّ َ ح ْ ح بِ َ سب ّ ْ ) فَ َ
م. ت َعْل َ ُ
دم و في حضور الناشئ مجالس من يكبرونه سنا ً و قدرا ً تكريم له ينبغي أل يع ِ
التأّدب و التخّلق فيه ،و من أدبه في مجلسهم أن ل ُيطاولهم أو يتعالم
دمهم بحديث أو كلم . بينهم ،أو يتق ّ
ت ُ
قد ْ ك ن ْ ُ َ
ب رضي الله عنه قال :ل َ جن ْد ُ ٍ ن ُ مَرة ُ ب ْ ُ س ُ روى مسلم في صحيحه أن َ
ُ َ
ما ه فَ َ فظ عَن ْ ُ ح َ تأ ْ ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم غلما فَكن ْ ُ
ُ ً َ ُ سو ِ عََلى عَهْد ِ َر ُ
َ َ ن ال ْ َ
مّنى . ن ِ س ّ مأ َ جال ً هُ ْ ها هَُنا رِ َ ن َ ل إ ِل ّ أ ّ قو ْ ِ م َ من َعُِنى ِ يَ ْ
و في هذا المعنى يرد قول الحسن البصري في وصّيته لبنه رحمهما الله :
) يا بني ! إذا جالست العلماء فكن على السمع أحرص منك على أن تقول ،
و تعّلم حسن الستماع كما تتعّلم حسن الكلم ( .
ب رفيعٌ في حق الكبار و الصغار جميعا ً ، ن حسن الصغاء و الستماع أد ٌ مع أ ّ
دث حالب ،و المستمع شارب ،فإذا كفيت و قد أحسن من قال :المتح ّ
مؤونة الولى فأحسن النتهال منها .
و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال :
تهيئته لما ينبغي أن يكون عليه ،أو يصير عليه في كبره كالقيادة و الريادة و
المامة ،و كفى دليل ً على ذلك تأمير رسول الله صلى الله عليه و سلم
أسامة بن زيد ذي السبعة عشر ربيعا ً على جيش يغزو الروم في بلد الشام ،
و فيه كبار الصحابة كأبي بكر و عمر رضي الله عنهم أجمعين ،و بعثه معاذ
بن جبل رضي الله عنه أميرا ً على اليمن و هو في التاسعة عشرة من العمر .
و من هذا القبيل ما يدل عليه ما رواه البخاريّ في صحيحه عن عمرو بن
ل ال ْ َ كانت وقْع ُ َ
ل قَوْم ٍ فت ِْح َباد ََر ك ُ ّ ة أهْ ِ ما َ َ ْ َ َ سلمة رضي الله عنه أنه قال :ل َ ّ
َ
عن ْدِ ن ِ م ْ م َوالل ّهِ ِ جئ ْت ُك ُ ْ ل ِ م َقا َ ما قَدِ َ م ،فَل َ ّ مهِ ْ سل َ ِ مى ب ِإ ِ ْ م ،وَب َد ََر أِبى قَوْ ِ مهِ ْ سل َ ِ ب ِإ ِ ْ
174
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
صّلوا ذا ،وَ َ ن كَ َ حي ِ ذا ِفى ِ صل َة َ ك َ َ صّلوا َ ل» َ قا َ قا فَ َ ح ّى صلى الله عليه وسلم َ الن ّب ِ ّ
ُ َ ْ َ ُ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ كَ َ
مم أكثُرك ْ مك ْ م ،وَلي َؤُ ّ حد ُك ْ نأ َ صلة ُ ،فلي ُؤَذ ّ ْ ت ال ّ ضَر ِ ح َ ذا ،فإ َِذا َ نك َ حي ِ
ذا ِفى ِ
َ
ت أت َل َ ّ َ َ
ن، ن الّرك َْبا ِ م َ قى ِ ما ك ُن ْ ُ مّنى ،ل ِ َ حد ٌ أك ْث ََر قُْرآنا ً ِ نأ َ قُْرآنا ً « .فَن َظ َُروا فَل َ ْ
م ي َك ُ ْ
َ َ َ قدموِنى بي َ
تى ب ُْرد َة ٌ ،ك ُن ْ ُ ت عَل ّ كان َ ْ ن وَ َ سِني َ سب ِْع ِ ت أوْ َ س ّ ن ِ م ،وَأَنا اب ْ ُ ديهِ ْ
ن أي ْ ِ َْ َ فَ َ ّ ُ
َ
حى أل َ ت ُغَ ّ م َ ْ َ
ت َقارِئ ِك ُ ْ
م س َ طوا عَّنا ا ْ ن ال َ ّ مَرأة ٌ ِ تا ْ قال َ ِ ت عَّنى ،فَ َ ص ْقل ّ َ ت تَ َجد ْ ُس َ إ َِذا َ
ص. مي ِ ق ِك ال ْ َ حى ب ِذ َل ِ َ ىٍء فََر ِ ش ْ ت بِ َ ح ُ ما فَرِ ْ ميصا ً ،فَ َ قط َُعوا ِلى قَ ِ شت ََرْوا فَ َ
َ .فا ْ
ً
فانظروا رحمكم الله كيف حفظ من أفواه الركبان قسطا من كتاب الله فاق
ما حفظه بنو قومه رغم تلقيهم عن خير الخلق صلى الله عليه و سّلم ،و
در لمامة قومه في الصلة رغم حداثة سّنه إلى حد ّ ل الغرب من ذلك أّنه تص ّ
ُيعاب عليه فيه انحسار ثوبه عن سوأته .
و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال :
)(2 /
175
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
عند ميمون َ ُ َ
ن -رضى الله عنها مِني َ مؤ ْ ِ م ال ْ ُ ةأ ّ ت ِ ْ َ َ ْ ُ َ ه َبا َ س -رضى الله عنهما -أن ّ ُ عَّبا ٍ
هّ
سول الل ِ ُ جعَ َر ُ ضط َ َ ساد َةِ َ ،وا ْ ض الوِ َ ْ َ َ َ َ َ َ
ت عَلى عَْر ِ جعْ ُ ضط َ
َ
ه -قال فا ْ خالت ُ ُ ى َ -وَهْ َ
سول اللهِ صلى الله عليه ّ ُ م َر ُ َ
ه ِفى طول َِها ،فَنا َ ُ ُ
صلى الله عليه وسلم وَأهْل ُ
سو ُ
ل ر َ
ظ َ ق ي ت س ا م ُ ث ، ل َ َ َ ف الل ّي ُ َ
َ ُ ّ ْ َْ ل أوْ ْ ُ ِ ِ ٍ ْ َ ْ َ ُ ِ ِ ٍ
لي َ ق ب ه د ع ب و أ ل لي َ ق ب ه ل ب ق ْ ص َ حّتى ان ْت َ َ وسلم َ
الل ّه صلى الله عليه وسلم فَجل َس ،فَمسح النوم عَن وجهه بيده ،ث ُم قَرأ َ
ّ َ َ ْ َ ْ ِ ِ َِ ِ ِ َ َ َ ّ ْ َ َ َ ِ
من َْها ، أ ض
ّ ُ َ ٍ َ َ ّ ِ و ت َ ف ة َ ق ّ ل ع م ن َ
ش لى َ إ
َ ِم َ
قا م
ّ ُ ث ، ن را
ْ َ َ م ع
ِ ل آ
َ َ ُ َ ِ ِ ة ر سو م تيِ وا خ
َ ال ْعَ َ َ ٍ
ت يا آ ر شْ
ّ صلى َ .قا َ ّ َ
س -رضى الله عنهما - ن عَّبا ٍ ل عَب ْد ُ اللهِ ب ْ ُ م يُ َ م َقا َ ضوَءه ُ ،ث ُ ّ ن وُ ُ س َ ح َ فَأ ْ
ل الل ّ ِ
ه سو ُ ضعَ َر ُ جن ْب ِهِ ،فَوَ َ ت إ َِلى َ م ُ ق ْ ت فَ ُ م ذ َهَب ْ ُ صن َعَ ،ث ُ ّ ما َ ل َ مث ْ َ ت ِ صن َعْ ُ ت فَ َ م ُ ق ْ فَ ُ
ُ ْ ُ َ ْ َ ْ
ه
فت ِلَها ب ِي َدِ ِ مَنى ي َ ْ خذ َ ب ِأذ ُِنى الي ُ ْ سى ،وَأ َ مَنى عَلى َرأ ِ صلى الله عليه وسلم ي َد َهُ الي ُ ْ
ْ ْ ْ ،فَ َ ّ
من ،ثُ ّ م َركعَت َي ْ ِ ن ،ثُ ّ م َركعَت َي ْ ِ ن ،ثُ ّ م َركعَت َي ْ ِ ن ،ثُ ّ م َرك ْعَت َي ْ ِ ن ،ثُ ّ صلى َرك ْعَت َ َي ْ ِ
م فَ َ ّ جاَءهُ ال ْ ُ ضط َ َ
ن صلى َرك ْعَت َي ْ ِ قا َ ن ،فَ َ مؤَذ ّ ُ حّتى َ جع َ َ ما ْ م أوْت ََر ،ث ُ ّ ن ،ثُ ّ َرك ْعَت َي ْ ِ
ح. صب ْ َ صّلى ال ّ ج فَ َ خَر َ م َ ن ،ثُ ّ فت َي ْ ِفي َ خ ِ َ
و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال :
تعويدهم على فعل الخيرات و منه ارتياد المساجد للصلة و التعبد :
روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله ) :حافظوا على أبنائكم
ن الخير عادة ( . ودوهم الخير فإ ّ في الصلة ،و ع ّ
)(3 /
و لهذا القول ما يؤيده في السّنة فقد روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن
ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ةب َ
سو ِ ن َر ُ ن رضي الله عنه عَ ْ فَيا َ س ْ ن أِبى ُ مَعاوِي َ َ ْ َ ُ
ن دي ال فى ه ه ّ ق َ ف ي را ي خ ه ب ه ّ ل ال د ر ي ن م و ة ج جا َ ل ر ش ّ وال ة د عا ر ي خ ْ ل ا » َ
ل قاَ ه َ
ّ ِ ِ ًْ ُ ْ ُ َ ِ ُ ِ ِ ّ َ َ َ َ ْ ُ ِ ٌ َ َ ٌ َ ُْ َ أ ُ ّ ن
«.
و قد ورد في السّنة ما يدل على مشروعية تعويد الصغار على الصيام و صلة
الجماعة و اصطحابهم للحج صغارا ً و من ذلك :
َ
ى صلى الله عليه ل الن ّب ِ ّ س َ ت أْر َ معَوّذٍ َقال َ ْ ت ُ ن الّرب َي ِّع ب ِن ْ ِ -روى الشيخان عَ ِ
ْ ً َ َ َ
مهِ ، ة ي َوْ ِ قي ّ َم بَ ِ طرا فَلي ُت ِ ّ ف ِ م ْ ح ُ صب َ َ نأ ْ م ْ صارِ » َ شوَراَء إ ِلى قَُرى الن ْ َ عا ُ داة َ َ وسلم غَ َ
ُ َ ْ ً وم َ
جعَ ُ
ل صب َْيان ََنا ،وَن َ ْ م ِ صو ّ ُ ه ب َعْد ُ ،وَن ُ َ م ُصو ُ ت فَكّنا ن َ ُ م « َ .قال ْ ص ْ صاِئما فَلي َ ُ ح َ صب َ َ نأ ْ َ َ ْ
َ َ ّ َ َ ْ ّ
حّتى َ
م عَلى الطَعام ِ أعْطي َْناه ُ َذاك َ ، حد ُهُ ْ َ
ن ،فإ َِذا ب َكى أ َ َ ن العِهْ ِ م َ ة ِ م اللعْب َ َ ل َهُ ُ
طارِ .قال ابن حجر ) :في الحديث حجة على مشروعّية عن ْد َ ال ِفْ َ ن ِ كو َ يَ ُ
تمرين الصبيان على الصيام ( .
ى صلى الله عليه ِّ ّ ب ن ال أن عنهما الله رضي س
ن عَّبا ٍ ن اب ْ ِ -و روى مسلم عَ ِ
ن. مو َ سل ِ ُ م ْ م ؟ « َ .قاُلوا :ال ْ ُ قو ْ ُ ن ال ْ َم ِ ل» َ قا َ حاِء فَ َ كبا ً ِبالّروْ َ ى َر ْ ق َ وسلم ل َ ِ
َ َ
تقال َ ْ صب ِّيا فَ َ مَرأة ٌ َ ت إ ِل َي ْهِ ا ْ ل الل ّهِ « .فََرفَعَ ْ سو ُ ل َ » :ر ُ ت َقا َ ن أن ْ َ م ْ قاُلوا َ : فَ َ
َ أ َل ِهَ َ
جٌر « . كأ ْ م وَل َ ِ ل » ن َعَ ْ ج َقا َ ح ّ ذا َ
-و روى ابن خزيمة في صحيحه و الترمذي و أبو داود بإسناد صحيح عن أنس
ن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعي إلى طعام بن مالك رضي الله عنه أ ّ
،فأكل منه ثم قال :قوموا فلنصل بكم .قال أنس :فقمت إلى حصير لنا قد
اسود من طول ما لبس ،فنصحته بالماء ،فقام عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،وصففت عليه أنا واليتيم وراءه ،والعجوز من ورائنا ،فصلى بنا
ركعتين ثم انصرف .
و ليس المقصود تعويدهم على صلة الجماعة في البيت إل أن يكون ذلك في
النوافل ،كالركعتين التين أم النبي صلى الله عليه و سّلم فيهما الغلمين و
المرأة ،و هذا هدي نبوي شريف ،و من هديه عليه الصلة و السلم أيضا ً
176
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ربط البناء بالمساجد و توجيههم إليها ،بل كان يذهب أكثر من ذلك فيتجوز
في صلته مراعاة لحال الصبية الذين تصطحبهم أمهاتهم إلى المسجد .
ى صلى الله ن الن ّب ِ َ ّالله عنه عَ ِ ن أ َِبى قََتاد َةَ رضي روى البخاري في صحيحه عَ ْ
مع ُ ب ُ َ
كاَء س أ َ ف ، ها في لَ وَ ط ل » إنى ل َُقوم فى الصل َة أ ُريد أ َن أ ُ عليه وسلم َقا َ
ْ َ ِ َ ّ ّ ِ ِ ُ ْ ُ ِ ِّ
َ
ُ َ َ
مهِ « . شقّ عََلى أ ّ نأ ُ ةأ ْ صل َِتى ك ََراهِي َ َ ى ،فَأت َ َ
جوُّز ِفى َ صب ِ ّ
ال ّ
داد رضي الله عنه قال : و روى النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن ش ّ
بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي بالناس إذ جاءه الحسين
فركب عنقه و هو ساجد ،فأطال السجود بين الناس حتى ظنوا أّنه قد حدث
أمر فلما قضى صلته ،سألوه عن ذلك ،فقال عليه الصلة و السلم ) :إن
ابني ارتحلني ،فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته ( .
فالمسجد إذن روضة يجتمع فيها الصغير و الكبير و يرتادها الرجل و المرأة ،
و إن كان بيت المرأة خير لها ،و قد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم
في ارتيادها يستبقون الخيرات فيذكرون ربهم ،و يأخذون العلم عن نبيهم
الذي قال ) :من جاء مسجدنا هذا يتعلم خيرا ً أو يعلمه ،فهو كالمجاهد في
سبيل الله ( و هذا حديث حسن بشواهده :أخرجه ابن ماجة و أحمد و ابن
حبان في صحيحه و الحاكم في المستدرك ،و قال عنه :هذا حديث صحيح
على شرط الشيخين ؛ فقد احتجا بجميع رواته ،و لم يخرجاه ،و ل أعلم له
علة .اهـ .
لذلك كان المسجد المدرسة الولى ،و الجامعة الم التي تنشر العلم ،و
تشيع المعارف بين الناس ،وهو المكان الفضل و المثل لهذا المقصد
ئ في تعليم الناس و الدعوة إلى الله إل العظيم ،و ينبغي أن ل يعدل به شي ٌ
لضرورة .
و ما تنكبت المة و لامتهنت علوم الشريعة ،و ل جفت منابعها إل بعد أن
أغفل دور المسجد في التعليم .
يقول ابن الحاج الفاسي رحمه الله في ) المدخل ( … ) :و المقصود
بالتدريس ،إنما هو التبيين للمة ،و إرشاد الضال و تعليمه ،و دللة
الخيرات ،و ذلك موجود في المسجد أكثر من المدرسة ضرورة ،وإذا كان
المسجد أفضل ،فينبغي أن يبادر إلى الفضل ويترك ماعداه ،اللهم إل
لضرورة ،و الضرورات لها أحكام أخر ( .
و قبل اصطحاب الطفل إلى المسجد يحسن تعليمه و تأديبه بآداب دخول
المساجد .
سئل مالك عن الرجل يأتي بالصبي إلى المسجد أيستحب ذلك ؟ فقال :إن
كان قد بلغ مبلغ الدب و عرف ذلك ،و ل يعبث فل أرى بأسا ً ،و إن كان
ب ذلك . قر فيه ،و يعبث فل أح ّ صغيرا ً ل ي َ
و بسط البحث في هذه الداب و ما يتعّلق بها من أحكام ،لو استرسلنا فيه
مته مّنا ،و هذا يتنافى مع الوقت المتاح لتقديم لتشعب بنا البحث و تفلتت أز ّ
هذه المقالة .
)(4 /
لذا نكتفي بهذا القدر ،من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ،و
نكل إتمام البحث إلى عزائمكم و أنتم أهل للبحث و المتابعة كما يظن بكم .
و صلى الله و سلم على نبّينا محمد و آله و صحبه أجمعين .
و السلم عليكم و رحمة الله و بركاته
177
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
كتبه
د .أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
)(5 /
178
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
مُر ن عُ َ كا َ ل َ س -رضى الله عنهما َ -قا َ ن عَّبا ٍ ن اب ْ ِ البخاري و غيره عَ ِ و روى
َ
م
م – قيل إّنه عبد الرحمن بن عوف : -ل ِ َ ضهُ ْ ل ب َعْ ُ قا َ شَياِخ ب َد ْرٍ ،فَ َ مع َ أ ْ خل ُِنى َ ي ُد ْ ِ
َ م .قا َ َ َ قا َ َ ُ َ َ ْ
م
عاهُ ْ ل فد َ َ مت ُ ْن قد ْ عَل ِ ْ م ْ م ّ ه ِ ل إ ِن ّ ُ هف َ مث ْل ُ معََنا ،وَلَنا أب َْناٌء ِ فَتى َ ذا ال َ ل هَ َ خ ُ ت ُد ْ ِ
ما
قال َ َ مّنى ف ََ م ِ ّ
مئ ِذ ٍ إ ِل ل ِي ُرِي َهُ ْ عاِنى ي َوْ َ ه دَ َ ما ُرِئيت ُ ُ م قال وَ َ َ َ معَهُ ْ عاِنى َ ت ي َوْم ٍ ،وَد َ َ َذا َ
م ُ َ ْ ّ َ ُ
خت َ َ حّتى َ ن( َ خلو َ س ي َد ْ ُ ت الّنا َ ح * وََرأي ْ َ فت ْ ُ صُر اللهِ َوال َ جاَء ن َ ْ ن ) إ ِذا َ قولو َ تَ ُ
ح عَل َي َْنا . ت ُ ف و نا ر ص ن ذاَ إ ، ه ر ف غ ت س ن و ه ّ ل ال د م ح ن ن َ أ نا ر م ُ أ م ه ض ع ب لَ قا َ َ ف ، ال ّ َ َ
ة ر سو
َ ََ ْ َْ ِ َ ُ ِ ُ ِ ْ َ َ ِ َ َْ ُ ُ ْ ِ ْ َ ْ َ ْ َ َ
َ شْيئا ً .فَ َ
ذا َ
ك س أك َ َ ن عَّبا ٍ ل ِلى َيا اب ْ َ قا َ م َ ضهُ ْ ل ب َعْ ُ ق ْ م يَ ُ م ل َ ن َد ِْرى .وْ ل َ ْ ضهُ ْ ل ب َعْ ُ وََقا َ
ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم َ
سو ِ ل َر ُ ج ُ ت هُوَ أ َ ل قُل ْ ُ قو ُ ما ت َ ُ ل فَ َ ت ل َ َ .قا َ ل قُل ْ ُ قو ُ تَ ُ
َ صُر الل ّهِ َوال ْ َ َ
ك جل ِ َ ةأ َ م ُ ك عَل َ َ ذا َ ة ،فَ َ مك ّ َ ح َ ح ( فَت ْ ُ فت ْ ُ جاَء ن َ ْ ه ) إ َِذا َ ه لَ ُ ه الل ّ ُ م ُ أعْل َ َ
َ
ما من َْها إ ِل ّ َ م ِ ما أعْل َ ُ مُر َ وابا ً ( َقال عُ َ ن تَ ّ كا َ ه َ فْرهُ إ ِن ّ ُ ست َغْ ِ ك َوا ْ مد ِ َرب ّ َ ح ْ ح بِ َ سب ّ ْ ) فَ َ
م. ت َعْل َ ُ
دم و في حضور الناشئ مجالس من يكبرونه سنا ً و قدرا ً تكريم له ينبغي أل يع ِ
التأّدب و التخّلق فيه ،و من أدبه في مجلسهم أن ل ُيطاولهم أو يتعالم
دمهم بحديث أو كلم . بينهم ،أو يتق ّ
ت ُ
قد ْ ك ن ْ ُ َ
ب رضي الله عنه قال :ل َ جن ْد ُ ٍ ن ُ مَرة ُ ب ْ ُ س ُ روى مسلم في صحيحه أن َ
ُ َ
ما هف َ َ فظ عَن ْ ُ ح َ تأ ْ ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم غلما فكن ْ ُ
ُ َ ً َ ُ سو ِ عََلى عَهْد ِ َر ُ
َ َ ن ال ْ َ
مّنى . ن ِ س ّ مأ َ جال ً هُ ْ ها هَُنا رِ َ ن َ ل إ ِل ّ أ ّ قو ْ ِ م َ من َعُِنى ِ يَ ْ
و في هذا المعنى يرد قول الحسن البصري في وصّيته لبنه رحمهما الله :
) يا بني ! إذا جالست العلماء فكن على السمع أحرص منك على أن تقول ،
و تعّلم حسن الستماع كما تتعّلم حسن الكلم ( .
ب رفيعٌ في حق الكبار و الصغار جميعا ً ، ن حسن الصغاء و الستماع أد ٌ مع أ ّ
دث حالب ،و المستمع شارب ،فإذا كفيت و قد أحسن من قال :المتح ّ
مؤونة الولى فأحسن النتهال منها .
و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال :
تهيئته لما ينبغي أن يكون عليه ،أو يصير عليه في كبره كالقيادة و الريادة و
المامة ،و كفى دليل ً على ذلك تأمير رسول الله صلى الله عليه و سلم
أسامة بن زيد ذي السبعة عشر ربيعا ً على جيش يغزو الروم في بلد الشام ،
و فيه كبار الصحابة كأبي بكر و عمر رضي الله عنهم أجمعين ،و بعثه معاذ
بن جبل رضي الله عنه أميرا ً على اليمن و هو في التاسعة عشرة من العمر .
و من هذا القبيل ما يدل عليه ما رواه البخاريّ في صحيحه عن عمرو بن
ل ال ْ َ كانت وقْع ُ َ
ل قَوْم ٍ فت ِْح َباد ََر ك ُ ّ ة أهْ ِ ما َ َ ْ َ َ سلمة رضي الله عنه أنه قال :ل َ ّ
179
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َ
عن ْدِ
ن ِ م ْ م َوالل ّهِ ِ جئ ْت ُك ُ ْل ِ م َقا َ ما قَدِ َ م ،فَل َ ّ مهِ ْ سل َ ِ مى ب ِإ ِ ْ م ،وَب َد ََر أِبى قَوْ ِ مهِ ْ سل َ ِ ب ِإ ِ ْ
صلواّ ذا ،وَ َ نك ََ َ
صلة َ ك َ َ ّ َ َ
َ حي ِ ذا ِفى ِ
َ
صلوا َ قال » َ قا ف َ ح ّى صلى الله عليه وسلم َ الن ّب ِ ّ
م ُ َ
م أكثُرك ْْ مك ُْ ُ ْ
م ،وَلي َؤ ّ ُ
حد ُك ْ نأ َ ّ َ ْ
صلة ُ ،فلي ُؤذ ْ َ َ ت ال ّ ضَر ِ ح َ َ َ
ن كذا ،فإ ِذا َ َ َ كَ َ
َ َ َ حي ِ
ذا ِفى ِ
ن، ن الّرك َْبا ِ م َ قى ِ ت أت َل َ ّ ما ك ُن ْ ُ مّنى ،ل ِ َ حد ٌ أك ْث ََر قُْرآنا ً ِ نأ َ م ي َك ُ ْ قُْرآنا ً « .فَن َظ َُروا فَل َ ْ
َ َ َ قدموِنى بي َ
تى ب ُْرد َة ٌ ،ك ُن ْ ُ ت عَل ّ كان َ ْ ن وَ َ سِني َ سب ِْع ِ ت أوْ َ س ّ ن ِ م ،وَأَنا اب ْ ُ ديهِ ْ ن أي ْ ِ َْ َ فَ َ ّ ُ
حى أل َ ت ُغَ ّ َ م َ ْ َ
ت َقارِئ ِك ُ ْ
م س َ طوا عَّنا ا ْ ن ال َ ّ مَرأة ٌ ِ تا ْ قال َ ِ ت عَّنى ،فَ َ ص ْ قل ّ َ ت تَ َجد ْ ُس َ إ َِذا َ
ص. ْ حى ب ِذ َل ِ َ ىٍء فََر ِ ت بِ َ ما فَرِ ْ ميصا ،فَ َ ً قطُعوا ِلى قَ ِ َ شت ََرْوا فَ َ َ .فا ْ
مي ِ ق ِ ك ال َ ش ْ ح ُ
ً
فانظروا رحمكم الله كيف حفظ من أفواه الركبان قسطا من كتاب الله فاق
ما حفظه بنو قومه رغم تلقيهم عن خير الخلق صلى الله عليه و سّلم ،و
در لمامة قومه في الصلة رغم حداثة سّنه إلى حد ّ ل الغرب من ذلك أّنه تص ّ
ُيعاب عليه فيه انحسار ثوبه عن سوأته .
و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال :
)(2 /
180
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ن ّ
ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ خب ََره ُ عَ ْ ه أَ ْ َ
س أن ّ ُ ن عَّبا ٍ موْلى اب ْ ِ
ب َ َ ن ك َُري ْ ٍ -و ما رواه الشيخان عَ ْ
ْ ُ َ
ن -رضى الله عنها مِني َ مؤ ْ ِ م ال ُ ةأ ّ مون َ َ مي ْ ُ عن ْد َ َ ت ِ ه َبا َ س -رضى الله عنهما -أن ّ ُ عَّبا ٍ
هّ
سول الل ِ ُ جعَ َر ُ ضط َ َ ساد َةِ َ ،وا ْ ض الوِ َ ْ َ َ َ َ َ َ
ت عَلى عَْر ِ جعْ ُ ضط َ
َ
ه -قال فا ْ خالت ُ ُ ى َ -وَهْ َ
ل الل ّهِ صلى الله عليه سو ُ َ َ َ ُ ر م نا َ ف ، ها
َِ ل طوُ فى َ ْ ُ ِ ه ُ ل ه أ و وسلم عليه الله صلى
ق َ َ َ
سو ُ
ل ظ َر ُ ست َي ْ َ ما ْ ل ،ثُ ّ قِلي ٍ ل أوْ ب َعْد َه ُ ب ِ َ قِلي ٍ ه بِ َ ل أوْ قَب ْل َ ُ ف الل ّي ْ ُ ص َ حّتى ان ْت َ َ وسلم َ
الل ّه صلى الله عليه وسلم فَجل َس ،فَمسح النوم عَن وجهه بيده ،ث ُم قَرأ َ
ّ َ َ ْ َ ْ ِ ِ َِ ِ ِ َ َ َ ّ ْ َ َ َ ِ
من َْها ، ضأ ِ َ ّ و َ تَ ف ٍ ة َ ق ّ ل ع م
ّ ُ َ ن َ
ش لى َ إ
َ ِ م َ
قا مّ ُ ث ، ن را
ْ َ َ م ع
ِ ل
ِ آ ِ ة ر سو
َ َ ُ َ م تيِ وا خ
َ ت
ٍ ال ْعَ َ َ
يا آ ر شْ
َ
س -رضى الله عنهما - ن عَّبا ٍ ل عَب ْد ُ الل ّهِ ب ْ ُ صّلى َ .قا َ م يُ َ م َقا َ ضوَءه ُ ،ث ُ ّ ن وُ ُ س َ ح َ فَأ ْ
ل الل ّ ِ
ه سو ُ ضعَ َر ُ جن ْب ِهِ ،فَوَ َ ت إ َِلى َ م ُ ق ْ ت فَ ُ م ذ َهَب ْ ُ صن َعَ ،ث ُ ّ ما َ ل َ مث ْ َ ت ِ صن َعْ ُ ت فَ َ م ُ ق ْ فَ ُ
ُ ْ ُ َ ْ َ ْ
ه
فت ِلَها ب ِي َدِ ِ مَنى ي َ ْ خذ َ ب ِأذ ُِنى الي ُ ْ سى ،وَأ َ مَنى عَلى َرأ ِ صلى الله عليه وسلم ي َد َهُ الي ُ ْ
ْ ْ ْ ،فَ َ ّ
من ،ثُ ّ م َركعَت َي ْ ِ ن ،ثُ ّ م َركعَت َي ْ ِ ن ،ثُ ّ م َركعَت َي ْ ِ ن ،ثُ ّ م َرك ْعَت َي ْ ِ ن ،ثُ ّ صلى َرك ْعَت َ َي ْ ِ
م فَ َ ّ جاَءهُ ال ْ ُ ضط َ َ
ن صلى َرك ْعَت َي ْ ِ قا َ ن ،فَ َ مؤَذ ّ ُ حّتى َ جع َ َ ما ْ م أوْت ََر ،ث ُ ّ ن ،ثُ ّ َرك ْعَت َي ْ ِ
ح. صب ْ َ صّلى ال ّ ج فَ َ خَر َ م َ ن ،ثُ ّ فت َي ْ ِفي َ خ ِ َ
و من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال :
تعويدهم على فعل الخيرات و منه ارتياد المساجد للصلة و التعبد :
روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله ) :حافظوا على أبنائكم
ن الخير عادة ( . ودوهم الخير فإ ّ في الصلة ،و ع ّ
)(3 /
و لهذا القول ما يؤيده في السّنة فقد روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن
ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ةب َ
سو ِ ن َر ُ ن رضي الله عنه عَ ْ فَيا َ س ْن أِبى ُ مَعاوِي َ َ ْ َ ُ
ن دي ال فى ه ه ّ ق َ ف ي را ي خ ه ب ه ّ ل ال د ر ي ن م و ة ج جا َ ل ر ش ّ وال ة د عا ر ي خ ْ ل ا » َ
ل قاَ ه َ
ِ ّ ِ ْ ُ ُ ً ْ َ ِ ُ ِ ِ َ َ ْ ُِ ٌ َ َ ّ َ ٌ َ َ ُ ْ َ أ ُ ّ ن
«.
و قد ورد في السّنة ما يدل على مشروعية تعويد الصغار على الصيام و صلة
الجماعة و اصطحابهم للحج صغارا ً و من ذلك :
َ
ى صلى الله عليه ل الن ّب ِ ّ س َ ت أْر َ معَوّذٍ َقال َ ْ ت ُ ن الّرب َي ِّع ب ِن ْ ِ -روى الشيخان عَ ِ
ْ ً َ َ َ
مهِ ، ة ي َوْ ِ قي ّ َم بَ ِ طرا فَلي ُت ِ ّ ف ِ م ْ ح ُ صب َ َ نأ ْ م ْ صارِ » َ شوَراَء إ ِلى قَُرى الن ْ َ عا ُ داة َ َ وسلم غَ َ
وم َ
جعَ ُ
ل صب َْيان ََنا ،وَن َ ْ م ِ صو ّ ُ ه ب َعْد ُ ،وَن ُ َ م ُصو ُ ت فَك ُّنا ن َ ُ م « َ .قال َ ْ ص ْ صاِئما ً فَل ْي َ ُ ح َ صب َ َ نأ ْ َ َ ْ
َ َ ّ َ َ ْ ّ
حّتى َ
م عَلى الطَعام ِ أعْطي َْناه ُ َذاك َ ، حد ُهُ ْ َ
ن ،فإ َِذا ب َكى أ َ َ ن العِهْ ِ م َ ة ِ م اللعْب َ َ ل َهُ ُ
طارِ .قال ابن حجر ) :في الحديث حجة على مشروعّية عن ْد َ ال ِفْ َ ن ِ كو َ يَ ُ
تمرين الصبيان على الصيام ( .
ى صلى الله عليه س رضي الله عنهما أن الن ّب ِ ّ ن عَّبا ٍ ن اب ْ ِ -و روى مسلم عَ ِ
ن. مو َ سل ِ ُ م ْ م ؟ « َ .قاُلوا :ال ْ ُ قو ْ ُ ن ال ْ َم ِ ل» َ قا َ حاِء فَ َ كبا ً ِبالّروْ َ ى َر ْ ق َ وسلم ل َ ِ
َ َ
تقال َ ْ صب ِّيا فَ َ مَرأة ٌ َ ت إ ِل َي ْهِ ا ْ ل الل ّهِ « .فََرفَعَ ْ سو ُ ل َ » :ر ُ ت َقا َ ن أن ْ َ م ْ قاُلوا َ : فَ َ
جٌر « . َ َ ج َقا َ أ َل ِهَ َ
كأ ْ م وَل ِ ل » ن َعَ ْ ح ّ ذا َ
-و روى ابن خزيمة في صحيحه و الترمذي و أبو داود بإسناد صحيح عن أنس
ن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعي إلى طعام بن مالك رضي الله عنه أ ّ
،فأكل منه ثم قال :قوموا فلنصل بكم .قال أنس :فقمت إلى حصير لنا قد
اسود من طول ما لبس ،فنصحته بالماء ،فقام عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،وصففت عليه أنا واليتيم وراءه ،والعجوز من ورائنا ،فصلى بنا
ركعتين ثم انصرف .
و ليس المقصود تعويدهم على صلة الجماعة في البيت إل أن يكون ذلك في
النوافل ،كالركعتين التين أم النبي صلى الله عليه و سّلم فيهما الغلمين و
181
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
المرأة ،و هذا هدي نبوي شريف ،و من هديه عليه الصلة و السلم أيضا ً
ربط البناء بالمساجد و توجيههم إليها ،بل كان يذهب أكثر من ذلك فيتجوز
في صلته مراعاة لحال الصبية الذين تصطحبهم أمهاتهم إلى المسجد .
ى صلى الله ن الن ّب ِ َ ّ
الله عنه عَ ِ ن أ َِبى قََتاد َةَ رضي روى البخاري في صحيحه عَ ْ
مع ُ ب ُ َ ن أط َوّ َ ُ َ ُ َ
كاَء ل ِفيَها ،فَأ ْ
س َ صل َةِ أِريد ُ أ ْ م ِفى ال ّ ل » إ ِّنى لُقو ُ
عليه وسلم َقا َ
ُ َ َ َ
مهِ « . شقّ عََلى أ ّ نأ ُ ةأ ْ صل َِتى ك ََراهِي َ َ
جوُّز ِفى َ ى ،فَأت َ َ صب ِ ّ
ال ّ
داد رضي الله عنه قال : و روى النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن ش ّ
بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي بالناس إذ جاءه الحسين
فركب عنقه و هو ساجد ،فأطال السجود بين الناس حتى ظنوا أّنه قد حدث
أمر فلما قضى صلته ،سألوه عن ذلك ،فقال عليه الصلة و السلم ) :إن
ابني ارتحلني ،فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته ( .
فالمسجد إذن روضة يجتمع فيها الصغير و الكبير و يرتادها الرجل و المرأة ،
و إن كان بيت المرأة خير لها ،و قد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم
في ارتيادها يستبقون الخيرات فيذكرون ربهم ،و يأخذون العلم عن نبيهم
الذي قال ) :من جاء مسجدنا هذا يتعلم خيرا ً أو يعلمه ،فهو كالمجاهد في
سبيل الله ( و هذا حديث حسن بشواهده :أخرجه ابن ماجة و أحمد و ابن
حبان في صحيحه و الحاكم في المستدرك ،و قال عنه :هذا حديث صحيح
على شرط الشيخين ؛ فقد احتجا بجميع رواته ،و لم يخرجاه ،و ل أعلم له
علة .اهـ .
لذلك كان المسجد المدرسة الولى ،و الجامعة الم التي تنشر العلم ،و
تشيع المعارف بين الناس ،وهو المكان الفضل و المثل لهذا المقصد
ئ في تعليم الناس و الدعوة إلى الله إل العظيم ،و ينبغي أن ل يعدل به شي ٌ
لضرورة .
و ما تنكبت المة و لامتهنت علوم الشريعة ،و ل جفت منابعها إل بعد أن
أغفل دور المسجد في التعليم .
يقول ابن الحاج الفاسي رحمه الله في ) المدخل ( … ) :و المقصود
بالتدريس ،إنما هو التبيين للمة ،و إرشاد الضال و تعليمه ،و دللة
الخيرات ،و ذلك موجود في المسجد أكثر من المدرسة ضرورة ،وإذا كان
المسجد أفضل ،فينبغي أن يبادر إلى الفضل ويترك ماعداه ،اللهم إل
لضرورة ،و الضرورات لها أحكام أخر ( .
و قبل اصطحاب الطفل إلى المسجد يحسن تعليمه و تأديبه بآداب دخول
المساجد .
سئل مالك عن الرجل يأتي بالصبي إلى المسجد أيستحب ذلك ؟ فقال :إن
كان قد بلغ مبلغ الدب و عرف ذلك ،و ل يعبث فل أرى بأسا ً ،و إن كان
ب ذلك . قر فيه ،و يعبث فل أح ّ صغيرا ً ل ي َ
و بسط البحث في هذه الداب و ما يتعّلق بها من أحكام ،لو استرسلنا فيه
مته مّنا ،و هذا يتنافى مع الوقت المتاح لتقديم لتشعب بنا البحث و تفلتت أز ّ
هذه المقالة .
)(4 /
لذا نكتفي بهذا القدر ،من هديه صلى الله عليه و سلم في تربية الطفال ،و
نكل إتمام البحث إلى عزائمكم و أنتم أهل للبحث و المتابعة كما يظن بكم .
و صلى الله و سلم على نبّينا محمد و آله و صحبه أجمعين .
182
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(5 /
183
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
إننا صناع التاريخ ولن يوجد الصناع إل في المصنع ل في شعاف الجبال ،إن
كل من اعتزل الحياة ورضي بصحبة النفس يجب عليه أن يراجع مبادئه ،وأن
يعود إلى المعترك إن أراد ثواب المجاهدين ،وإن أراد الهداية الكاملة
) والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (
وأول من يطالب بترك العزلة الوهمية وخوض معركة الحياة هم الدكاترة
وأساتذة الجامعات ممن أدخلتهم الدودة الدالية )د( في شرنقتها فكادت أن
تقتلهم وتقتل مواهبهم ،يجب عليهم أن يخرجوا من عزلتهم ،ويشاركوا
المجتمع مشاكله ،ويقدموا له الحلول المناسبة الملئمة لفكره وتربيته
وثقافته ،فيتعمق الشعور لديه بمشكلته ويعلم مدى حاجته إلى علمائه
فا في مراحل التغيير الجتماعي أو ومفكريه ويزداد هذا الواجب وجوًبا مضاع ً
التصادم الحضاري كما نواجهه اليوم بكل شراسة وعرامة شريطة أن يبتعدوا
عن الحلول الفلسفية الباردة المنتزعة من قطب العقل المتجمد ،وأن يبتعدوا
184
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
عن التلقي الساذج لما يدور في الصحافة أو الذاعة العالمية ،وأن يبتعدوا عن
الضغط السياسي الداخلي أو ضغط الجماهير التي ل تفقه شيًئا في أمور
السياسة المعقدة فإذا ما قدروا على ذلك فإن المجتمع سيكون مجتمًعا واعًيا
بالحداث وعارًفا بكيفية إدارتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة ومؤمًنا بمبادئه
وثوابته غير قابل للخضوع أو التراجع ،وحتى ل أقع في التعميم الذميم فإن
عا من العزلة يضفي على النفس سكينة ،ويفتح للعقل باب التأمل، هناك نو ً
وهذه العزلة تكون في أوقات معينة هي كالربيع في دورة الشهور وهي
العزلة الفنية المعنية بقول الديب )برناردين دي سان بير( :إن العزلة جبل
ل تريني قمته الناس صغاًرا . عا ٍ
وليس مراده الحتقار وعدم الختلط ،بل مراده الترفع عما يقع فيه الناس
من رذائل الفعال والقوال ومن ثم تحملهم حينما يقع منهم ذلك وهذه خصلة
عظيمة وبركة من بركات العزلة الفنية والنفراد مع النفس ،على حد قول
عبد الوهاب عزام -رحمه الله: -
لست أخلو لغفلة وسكون ... ...
وفرار من الورى وارتياح
إنما خلوتي لفكر وذكر ... ...
فهي زادي وعدتي لكفاحي
وهذه العزلة الفريدة هي نقطة التحول في كثير من أمور الحياة ،فكم فكرة
ومضت في عقل عبقري في إحدى هذه الخلوات الجميلة فكانت مفتاح خير
ومشعل هداية ومرقاة سمو للحضارة .
)(2 /
185
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َ
حلى س والد ّّر ال ِ ما ِ ن الل ْ َ م َ صوغي ِ ُ
شد ِ واهَِر وان ْ ُ ج َ ت ال َ شئ ِ ْ ما ِ َ
صوغي ك َ ُ
عب َْرةُ ك ِ َزهْوُ القلِئد فوقَ جيد ِ َ
مهَتدي ة لل ُ ظرين وآي ٌ للّنا ِ
ت جوْهََر "كوهِ نوٍر" في ُرَبى صن ْ ِ م ُ كَ ْ
فّرد )(4 مت َ ذرا ُ ن َتمن ّعَ في ال ّ ص ٍ ح ْ ِ
َ
ت فوق تاج ظالم ٍ ح ْ ض َ ت فأ ْ سرِقَ ْ ُ
مهَد ّدِ ُ ِ د عهو ُ ال ِ ر دا
ّ َ غ و غَبا ٍ
فه ل في ك َ ّ ص بلندن لم َتز ْ لِ ّ
فد م ت َن ْ َ َ
ل أرض ث َْروَةُ ل ْ من ك ّ ُ ِ
جوْهَُر الّتـ َ
ك َ ن أغلى الد ّّر عن ْد َ ِ لك ّ
مت َعَب ّدِ من ال ُ مؤ ِ شوْقُ ال ُ ـوحيد َ ،
قسارِ ٍ ب إليه ل ِ َ ن د َْر ٍ م ْ ن ِ كا َ ما َ َ
معتدِ سطوةِ ُ ْ بل َ أبدا ول َدر ٍ ً
هص دون ُ خ ُ ه فت ُْر ِ َ جود ُ ل َ ُ ج تَ ُ مهَ ُ ُ
َ ّ ُ َ
سي ّد َ حها من كل أْروَع َ َ أْروا َ
ظ عَْبدهُ وعناية الّرحمن تحف ُ
سد ِ ف ِ م ْ ي ُ عت ّ ن َ طا ٍ شي ْ َ ل َ ن كُ ّ م ْ ِ
واهِرِ ك ُّلها ج ال ن م ز أع َ ضحى َ
َ َ ّ ِ َ أ ْ
م َ هنا َ َ
شي ّدِ ك ُ ن ُ ص ٍ ح ْ ن ِ م ْ بأعَّز ِ
*
*
*
1415هـ
1994م ... ... ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· ملحمة السلم في الهند .
) (1إشارة إلى العلماء المسلمين الذين نزحوا إلى الهند عند الغزو التتري ،
والسر العريقة .
كد :الثابتة ) (2إشارة إلى غزو التتر والمغول للعالم السلمي .والسيوف الر ّ
في أيدي الضاربين .
) (3إشارة إلى قوله تعالى ) :يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ً
فل تولوهم الدبار .ومن يولهم يومئذ دبره إل متحّرفا ً لقتال أو متحيزا ً إلى
فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ( ] .النفال ،15 :
. [16
ة " كوهي نور " الماسة الهندية الشهيرة كانت عند المغول فأخذها ) (4ألماس ُ
" نادر شاه " ملك الفغان عندما انتصر عليهم في موقعة كارنال في الهند .
كما حمل معه " عرش الطاؤوس " الذي ما زال في طهران حتى اليوم .ثم
م استردها المغول استولى عليها " رانجي سينيخ " حاكم البنجاب .ث ّ
وحفظوها في حصن عظيم في أورانج أباد .حتى سرقها النجليز لصوص
الرض ووضعوها دون حياء في تاج ملكة انجلترا .
)(1 /
186
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
...
الهمة طريق إلى القمة
رئيسي :تربية :
يتناول الدرس أهمية علو الهمة وما هو علو الهمة ووسائل ترقية الهمة
والنهوض بها ،والعلمات الدرالة على علو الهمة ،والعلمات الدالة على
مةسفول الهمة،و كيفية استثمار همة الناس ،ثم ذكر محاذير موجهة لهل اله ّ
العالية ليجتنبوها .
م به من أمر ليفعل' .فالهمة معنى الهمة :جاء في 'القاموس'':هـ م م'' :ما هُ ّ
هي الباعث على الفعل ،وتوصف بعلو أو سفول ،فمن الناس من تكون همته
عالية علو السماء ،ومنهم من تكون همته دنيئة سافلة ،تهبط به إلى أسوأ
الدرجات.
مة فقال ? وعرف بعضهم علو اله ّ
':هو استصغار ما دون النهاية من معالي المور'.
مة أل تقف -أي مة العالية' :علو اله ّ فا اله ّ
قال ابن القيم رحمه الله ،واص ً
ً
النفس -دون الله ،ول تتعوض عنه بشيء سواه ،ول ترضى بغيره بدل منه ،ول
تبيع حظها من الله ،وقربه والنس به ،والفرح والسرور والبتهاج به بشيء
مة العالية على الهمم كالطائر العالي من الحظوظ الخسيسة الفانية .فاله ّ
على الطيور ،ل يرضى بمساقطهم ،ول تصل إليه الفات التي تصل إليهم،
مة كلما علت بعدت عن وصول الفات إليها ،ولكما نزلت قصدتها فإن اله ّ
الفات من كل مكان'.
مة وقصورها :فقد قال الفاروق عمر ? وقد حذر السلف كثيًرا من سقوط اله ّ
رضي الله عنه':ل تصغرن همتك ،فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته'.
وقال ابن نباته:
حاول جسيمات المور ول تقل إن المحامد والعلى أرزاق
وارغب بنفسك أن تكون مقصًرعن غاية فيها الطلب سباق
وقد قيل':المرء حيث يجعل نفسه ،إن رفعها ارتفعت ،وإن قصر بها اتضعت'.
مة قسمان:وهبية ،وكسبية: واله ّ
مة ،أو سفولها ،ويمكن ? فالوهبّية :هي ما وهبه الله تعالى للعبد من علو اله ّ
أن تنمى وترعى ،أو تهمل وتترك.
مة كسب ّ اله صاحب أن أي كسبية: صارت ? فإن نماها صاحبها وعل بها
درجات عالية لهمته ،وزاد من أصل مقدارها الذي وهبه الله إياه ،وإن تركها
مة في هذا تشترك مع باقي وأهملها ولم يلتفت إليها خبت وتضاءلت ،واله ّ
الصفات العقلية والخلقية كالذكاء وقوة الذاكرة وحسن الخلق وغير ذلك مما
هو معلوم بدهي.
مة مولودة مع قال ابن الجوزي رحمه الله ':وقد عرفت بالدليل أن اله ّ
الدمي ،وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الوقات ،فإذا حثت سارت ،ومتى
رأيت في نفسك عجًزا فسل المنعم ،أو كسل ً فالجأ إلى الموفق ،فلن تنال
خيًرا إل بطاعته ،ول يفوتك خير إل بمعصيته'.
مراتب الهمم :الناس متفاوتون في أمرين:مطالبهم وأهدافهم..والهمم
الموصلة إلى هذه المطالب والهداف.
فمن الناس من يطلب المعالي بلسانه ،وليس له همة في الوصول إليها،
ن مغرور .ومن الناس من ل يطلب إل سفاسف المور ،وهم فهذا متم ّ
فريقان:
? فريق ذو همة في تحصيل تلك الدنايا ،فتجده السباق إلى أماكن اللهو،
187
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ومغاني الغواني ،وهذا إن اهتدى يكن سباًقا إلى المعالي ،ذا همة عالية
قُهوا[ سَلم ِ إ َِذا فَ ُم ِفي اْل ِ ْ خَياُرهُ ْ جاهِل ِي ّةِ ِ م ِفي ال ْ َ خَياُرهُ ْ
ن ِ
مَعادِ ُ
س َنفيسة] :الّنا ُ
رواه البخاري ومسلم وأحمد.
? وفريق ل هم له ،فهو معدود من سقط المتاع ،وموته وحياته سواء ،ل يفتقد
إذا غاب ،ول يسأل إذا حضر.
ه عَل َي ْ ِ
ه صّلى الل ّ ُ ? ومن الناس من تسمو مطالبه إلى ما يحبه الله ورسوله َ
م ،وله همة عظيمة في تحصيل مطالبه وأهدافه فهنيًئا له ..وبين كل هذه سل ّ َوَ َ
القسام مراتب كثيرة متفاوتة.
قال ابن القيم':لذة كل أحد على حسب قدره وهمته وشرف نفسه ،فأشرف
ن لذتهم في معرفة الله ومحبته، م ْ سا ،وأعلهم همة ،وأرفعهم قدًرا؛ َ الناس نف ً
والشوق إلى لقائه ،والتودد إليه بما يحبه ويرضاه'.
ضا':ولله الهمم ما أعجب شأنها وأشد تفاوتها! ،فهمة متعلقة بالعرش، وقال أي ً
وهمة حائمة حول النتان والحش'.
يتفاوت الناس في هممهم فتتفاوت على هذا أعمالهم وحظوظهم ودرجاتهم :
وإذا أردت أن تعرف مراتب الهمم ،فانظر إلى:
ّ
صلى رضي الله عنه وقد قال له رسول الله َ ? همة ربيعة بن كعب السلمي
ْ ُ ل ':أ َسأ َ
ة' رواه مسلم ن
َ ّ ِج لا في ِ كَ َ ت َ قَ ف را م
ُ َ كَ ل ْ ل[ فَ َ
قا َ س ْمَ ]:سل ّ َ
ه عَل َي ْهِ وَ َ الل ّ ُ
والنسائي وأبوداود .وكان بعض الناس يسأله ما يمل بطنه ،أو يواري جلده.
وقال الشيخ عبد القادر الجيلني لغلمه':يا غلم :ل يكن همك ما تأكل وما
تشرب ،وما تلبس وما تنكح ،وما تسكن وما تجمع ،كل هذا هم النفس والطبع
فأين هم القلب ،همك ما أهمك ،فليكن همك ربك عز وجل وما عنده'.
? وهذه من أعظم الوصايا للدعاة حتى ل تضعف همتهم أمام المغريات؛ ل
سيما وأن من أهم صفات الداعية مخالطته للناس والتأثير عليهم ،فكم من
داعية انزلق في بحر هذه المغريات حتى أضحت الدعوة آخر اهتماماته.
)(1 /
? وأما أمر ابن عباس رضي الله عنه مع صاحبه النصاري ،فهو دليل على
تفاوت الهمم واختلف مراتبها ،فقد قال رضي الله عنه':لما قبض رسول الله
صّلى الل ّ ُ
ه م قلت لرجل :هلم فلنتعلم من أصحاب النبي َ سل ّ َه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ َ
م فإنهم كثير' فقال :العجب ،والله لك يا ابن عباس ،أترى الناس ّ
سل َ عَلي ْهِ وَ َ َ
ه يَ
ُ َ ْ ِ ل ع هّ لال ّ
لى ص
َ الله رسول أصحاب من ترى من الناس وفي إليك، يحتاجون
صّلى َ الله رسول م ؟!فتركت ذلك ،وأقبلت على المسألة ،وتتبع أصحاب سل ّ َوَ َ
م فإن كنت لتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من سل ّ َ ه عَل َي ْهِ وَ َ الل ّ ُ
ل ،فأتوسد ردائي على باب داره سل ّ َ
م فأجده قائ ً ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ رسول الله َ
تسفي الرياح على وجهي حتى يخرج إلى ،فإذا رآني قال :يا ابن عم رسول
م ما لك؟ قلت :حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول سل ّ َ ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ الله َ
م فأحببت أن أسمعه منك. سل َّ َ
ه عَلي ْهِ وَ َ ّ
صلى الل ُ ّ الله َ
فيقول :هل أرسلت إلى فآتيك؟ فأقول :أنا كنت أحق أن آتيك .وكان ذلك
م وقد احتاج سل ّ َ
ه عَل َي ْهِ وَ َ
صّلى الل ّ ُ
الرجل يراني ،فذهب أصحاب رسول الله َ
الناس إلى ،فيقول' :أنت أعلم مني'] قال في 'مجمع الزوائد' :9/280رواه
الطبراني ورجاله رجال الصحيح[.
? وترى اليوم من تفاوت الهمم أمًرا عجًبا :فإذا استثنى الناظر في أحوال
الناس أمر العامة – واستثناؤهم واجب لنه قد ماتت هممهم ،وقعدت بهم عن
188
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
تحصيل معالي المور -واطلع على أحوال الخاصة وهم :الدعاة ،وطلب
العلم ،وباقي الملتزمين الحريصين على دينهم؛ سيصاب بالدهشة لما يراه
مة ،وأنها الشأن الغالب على الخصوص الذين ذكرتهم: من فتور اله ّ
فمنهم :من إذا من إذا اطلع ساعة ،أو ساعتين في اليوم؛ ظن أنه قد أتي بما
لم يأت به الوائل.
ومنهم :من إذا خرج لزيارة فلن من الناس بقصد الدعوة يظن أنه قد قضى
ما عليه من حق يومي.
ومنهم :من تتغلب عليه زوجة وعيال فيقطع عامة وقته في مرضاتهم.
ومنهم :من اقتصر في تحصيل العلم على سماع بعض الشرطة ،وحضور
محاضرة ،أو اثنتين في السبوع ،أو الشهر.
ومنهم :من غلب عليه الركون إلى الدنيا ،والتمتع بمباحاتها تمتًعا يفضي به
إلى نسيان المعاني العلية.
ومنهم :من يقضي عامة يومه متتبًعا لسقطات إخوانه ،ومطلًعا على ما يزيد
خا في هذا المجال . علمه رسو ً
وهكذا يندر أن تجد إنساًنا استطاع أن يعلو بهمته ،ويجمع شمله ،ويقصر من
العتذارات والشكايات ،فتصبح حياته مثل ً أعلى يحتذي به ..ول أزعم أن
ما بأنه – إل مة وعلوها ،ولكن أقول جاز ً جمهور الصحوة قد فات عليه أمر اله ّ
القليل – لم يستثمروا هممهم حق الستثمار ،ولم يحاولوا أن يرتقوا بأنفسهم
حق الرتقاء.
فا' :إنه
ما ممن ذكرناهم آن ً ? يقول الستاذ المودوديّ رحمه الله مخاطًبا قو ً
من الواجب أن تكون في قلوبكم نار مّتقدة تكون في ضرامها – على القل –
ضا ،ول تدعه حتى مثل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابًنا له مري ً
تجّره إلى الطبيب ،أو عندما ل يجد في بيته شيًئا يسد به رمق حياة أولده
فتقلقه ،وتضطره إلى بذل الجهد والسعي.
إنه من الواجب أن تكون في صدوركم عاطفة صادقة ،تشغلكم في كل حين
من أحيانكم بالسعي في سبيل غايتكم ،وتعمر قلوبكم بالطمأنينة ،وتكسب
لعقولكم الخلص والتجرد ،وتستقطب عليها جهودكم ،وأفكاركم بحيث إن
شئونكم الشخصية ،وقضاياكم العائلية إذا استرعت اهتمامكم ،فل تلتفتون
إليها إل مكرهين.
وعليكم بالسعي أل تنفقوا لمصالحكم وشئونكم الشخصية إل أقل ما يمكن
من أوقاتكم وجهودكم ،فتكون معظمها منصرفة لما اتخذتم لنفسكم من
الغاية في الحياة ..وهذه العاطفة ما لم تكن راسخة في أذهانكم ،ملتحمة مع
أرواحكم ودمائكم ،آخذة ّ عليكم ألبابكم وأفكاركم؛ فإنكم ل تقدرون أن
تحركوا ساكًنا بمجرد أقوالكم ...الحقيقة أن النسان إذا كان قلبه مربوطاً
بغايته ،وفكره متطلًعا إليها ،فإنه ل يحتاج إلى تحريض أو دفع ...واسمحوا لي
أن أقول لكم:إنكم إذا خطوتم على طريق هذه الدعوة بعاطفة أبرد َ من تلك
العاطفة القلبية التي تجدونها في قلوبكم نحو أزواجكم ،وأبنائكم ،وأمهاتكم؛
فإنكم ل بد أن تبوءوا بالفشل الذريع' ]'تذكرة دعاء السلم'.[58 :
ويمكن أن نقول :إن مراتب الهمم متفاوتة فيما يلي:
همة ل تسعف صاحبها لقضاء حوائجه الساسية بل يظل عامة ليلة وسحابة
نهاره في نوم وتراخ وكسل ،وهذه أدنى درجات الهمم ،وصاحبها عاجز يعتمد
على الناس اعتماًدا كلًيا ،وهذه المرتبة قليلة في النوع النساني ،ولله الحمد.
ومن أمثلتها في الناس :الطفيليون ،وطبقة التنابلة المشتهرين في التاريخ
بكسلهم ،وسقوط هممهم.
189
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
همة ترقى بصاحبها إلى قضاء الحوائج ،والسعي في الرض ،وأداء الفروض،
ولكن كل هذا يقضيه بقدر بحيث يستصعب معه كثيًرا من المور ،ويعتقد
استحالتها وهي أمور ممكنة التحقق عند غيره ،وتجده – عند الستشارة –
مة يشترك فيها كثير من كثير الصد ّ قريب القصد ..وهذه المرتبة من اله ّ
الناس إن لم نقل أغلبهم.
ومن الناس من يريد الرتفاع بهمته ،ولكنه ل يعرف سبل استثمارها ،ول
كيفية الستفادة منها ،فتجده متذبذًبا في أموره ،فتارة ينجز أموًرا عظيمة،
وتارة يستصعب الممكن ويستبعده ..والغالب على أهل هذه المرتبة أنهم ل
يحققون ما يصبون له ويتطلعون إليه.
ومن الناس من تتجاوز به همته واقع الناس بكثير وتتعداه ،بل تكاد تستسهل
مة نادر في دنيا البشر ،ولكنه المستحيل ول تخضع له ..وصاحب هذه اله ّ
مة موجود معروف ،يعرفه الناس ويقتدون به ،والغالب على صاحب هذه اله ّ
أنه يحقق أهدافه وغايته ،بل يحقق أموًرا تحتاج في تصور معظم الناس إلى
فريق من العاملين لنجازها.
ل من الدهر له همم ل منتهى لكبارها وهمته الصغرى أج ّ
ضا: وأي ً
تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يغِْله المهر
مة في حياة المسلم: أهمية علو اله ّ
تحقيق كثير من المور مما يعده عامة الناس خيال ل يتحقق :وهذا المر ً
ل،مشاهد معروف عند أهل الهمم ؛ إذ يستطيعون – بتوفيق الله لهم أو ً
وبهمتهم ثانًيا – إنجاز كثير من العمال التي يستعظم بعضها من قعدت به
همته ويظنها خيا ً
ل.
م؛ إذ سل ّ َ ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ?وأعظم مثال على هذا :سيرة المصطفى َ
المعروف عند أهل التواريخ أن بناء المم يحتاج إلى أجيال لتحقيقه ،لكنه
م استطاع بناء خير أمة أخرجت للناس في أقل من ربع سل ّ َ ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ َ
قرن ،واستطاعت هذه المة أن تنير بالسلم غالب الجزاء المعروفة آنذاك،
م ،وعمله ،وهمته العالية في بناء المة أمٌر سل ّ َ ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ وجهاده َ
مة العالية ،وخيالتهم ،وما معروف ،وهو مما تقاصر عنه أطماع أهل اله ّ
يتطلعون إليه.
ل من سنتين أن يخرج من دائرة ديق رضي الله عنه استطاع في أق ّ ?والص ّ
حصار المرتدين ،ولم يمت إل وجيوشه تحاصر أعظم إمبراطوريتين في ذلك
الوقت ،هذا وقد نهاه كبار الصحابة عن حرب المرتدين ،وظنوا أنه ل يستطيع
ت عليه ذلك ،واستطاع أن يقوم في وجه العرب كلهم ،ولكن همته العالية أب َ ْ
أن ينجز ما ظنه الناس خيال ً ل ينجز.
الوصول إلى مراتب عليا في العبادة والزهد :وهذا معلم بارز في حياة النبي
م ،والصحابة ،ومن تبعهم بإحسان: سل ّ َ ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ َ
ح ََ َ ت ت ْ ف َ
فا ة
َ ْ ٍَ لي َ ل ت ذا َ م ّ ل
ْ ِ َ َ َس و ه ي َ ل َ ع ه ُ ّ ل ال لى ّ ص ي ب
َ ْ ُ َ َ ِّ ّ َ ن ال ع م ت يّ ل ص ة': ُ ْ َُ ف يَ ذ ح يقول ?
ضى م َ صّلي ب َِها ِفي َرك ْعَةٍ فَ َ ت يُ َ قل ْ ُ ضى فَ ُ م َ م َ مائ َةِ ث ُ ّ عن ْد َ ال ْ ِ ت ي َْرك َعُ ِ قل ْ ُ قَرة َ فَ ُ ال ْب َ َ
قرأ ُ َ َ
ها ي َ ْ َ قَرأ َ ن فَ َ مَرا َ ع ْ ل ِ حآ َ م افْت َت َ َ ها ث ُ ّ قَرأ َ ساَء فَ َ ح الن ّ َ م افْت َت َ َ ت ي َْرك َعُ ب َِها ث ُ ّ قل ْ ُ فَ ُ
مّر ب ِت َعَوّذ ٍ ت َعَوّذ َ سأ ََ ً
ل وَإ َِذا َ ل َ ؤا ٍ س َ مّر ب ِ ُ ح وَإ َِذا َ سب ّ َح َ سِبي ٌ مّر ِبآي َةٍ ِفيَها ت َ ْ سل إ َِذا َ مت ََر ّ ُ
ممهِ ث ُّ ن قَِيا ِ ْ م
ِ وا ً ح
ْ َ ن ه
ُ ُ ع كو ُ رُ نَ َ
كا َ ف م[ ظي
ِ َ ع ْ ل ا ي
َ َّ ب ر نَ حاَ ْ بسُ ل]: ُ قو ُ َ ي َ
ل َ ع ج
َ َ ف َ ع َ ك ثُ ّ َ
ر م
ِ
ل: قا َ جد َ ف َ َ س َ م َ ما َركعَ ث ُ ّ َ م ّ ريًبا ِ ويل قَ ِ ً َ
مط ِ م َقا َ ه[ ث ُ ّ مد َ ُ ح ِ ن َ م ْ ه لِ َ ّ
معَ الل ُ س ِ لَ ]: َقا َ
190
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(3 /
?وهذا المام مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة قد روى عنه المام
سا فأسأله عن مسألتين ،ثلثة، ابن القاسم هذه الحادثة':كنت آتي مال ً
كا غل ً
أربعة ،وكنت أجد منه انشراح الصدر ،فكنت آتي كل سحر ،فتوسدت مرة في
عتبته ،فغلبتني عيني فنمت ،وخرج مالك إلى المسجد فلم أشعر به،
فركضتني سوداء له برجلها ،وقالت لي :إن مولك ل يغفل كما تغفل أنت،
مة ،ظنت السوداء اليوم له تسع وأربعون سنة ما صلى الصبح إل بوضوء العَت َ َ
أنه موله من كثرة اختلفه إليه'..وإذا أردت التوسع في أمثلة عبادة السلف
وزهدهم فسيطول بي المر ،وحسبي ما أوردته دليل ً على علو هممهم.
مة العالية ل يرضى لنفسه دنايا البعد عن سفاسف المور ودناياها:صاحب اله ّ
ما إلى ما هو أفضل وأحسن ،فتجده يترفع عن مجالس المور بل يطمح دائ ً
اللغو وإضاعة الوقت ،وينأى بنفسه عنها.
ما من حال من يقطع يومه وليلته في سفاسف ? يقول ابن الجوزي -متأل ً
المور':-قد رأيت عموم الخلئق يدفعون الزمان دفًعا عجيًبا ،إن طال الليل
فبحديث ل ينفع ،أو بقراءة كتاب فيه غزل وسمر ،وإن طال النهار فبالنوم،
وهم في أطراف النهار على دجلة أو في السواق ،فشبهتهم بالمتحدثين في
سفينة وهي تجري وما عندهم خبر ،ورأيت النادرين قد فهموا معنى الزمان
وتهيأوا للرحيل ،فالله الله في مواسم العمر ،والبداَر البداَر قبل الفوات،
ونافسوا الزمان'.
?ولما فر عبد الرحمن الداخل – صقر قريش – من العباسيين ،وتوجه تلقاء
الندلس؛ أهديت إليه جارية جميلة ،فنظر إليها وقال' :إن هذه من القلب
والعين بمكان ،وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها ،وإن اشتغلت
بها عما أطلبه ظلمت همتي ،ول حاجة لي بها الن ،ورّدها على صاحبها'.
مة العالية يعتمد عليه ،وتناط به المور الصعبة وتوكل إليه :وهذا صاحب اله ّ
أمر مشاهد معروف؛ فإن كل رؤساء ومدراء الجمعيات والمؤسسات
مة العالية ،ويطمئنون له ،ويسعدون به ،كيف يطمحون للعمل مع صاحب اله ّ
مة العالية في ل وهو عوض عن فريق من العاملين ،وكذلك صاحب اله ّ
الدعوة يكون بمثابة فريق من الدعاة ،ويرفع الله به الدعوة درجات ،وقد
مة وإن حط نفسه تأبى إل العلو ،كالشعلة من النار يخفيها صاحبها قيل':ذو اله ّ
عا'.
وتأبى إل ارتفا ً
مة العالية يستفيد من حياته أعظم استفادة ،وتكون أوقاته صاحب اله ّ
191
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(4 /
تغيير طريقة حياة الفراد والشعوب :يقول الشيخ محمد الخضر حسين
حا المراد':يسمو هذا الخلق بصاحبه فيتوجه به إلى النهايات من معالي شار ً
المور؛ فهو الذي ينهض بالضعيف يضطهد أو يزدرى ،فإذا هو عزيز كريم ،وهو
الذي يرفع القوم من سقوط ،ويبدلهم بالخمول نباهة ،وبالضطهاد حرية،
وبالطاعة العمياء شجاعة أدبية.
مة:
هذا الخلق هو الذي يحمي الجماعة من أن تتملق خصمها...أما صغير اله ّ
فإنه يبصر بخصومه في قوة وسطوة فيذوب أمامهم رهبة ،ويطرق إليهم
طة ثم ل يلبث أن يسير في ريحهم ،ويسابق إلى حيث تنحط رأسه ح ّ
أهواؤهم'.
192
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
مة :إن تطوير النسان لهمته والرقي بها أمر مطلوب ،ويتأكد وسائل ترقية اله ّ
هذا عند عقلء الناس ،ودعاتهم ومصلحيهم ،وهذه جملة أمور تساعد – في
ظني – على تطوير الهمم:
ن ذيّ
َ ِ َ لوا تعالى{: قال خطى، تخطى ول شئ يتحقق المجاهدة :فبدونها ل
سب ُل ََنا ] }[69]...سورة العنكبوت[. م ُ دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ
جاهَ ُ َ
? قال ابن القيم رحمه الله':أعرف من أصابه مرض من صداع ،وحمى ،وكان
الكتاب عند رأسه ،فإذا وجد إفاقة قرأ فيه ،فإذا غلب وضعه ،فدخل عليه
ما وهو كذلك فقال :إن هذا ل يحل لك ؛ فإنك تعين على نفسك، الطبيب يو ً
ما.وتكون سبًبا لفوات مطلوبك'.فهذا رغم مرضه؛ يجاهد ليقرأ ،ويزداد عل ً
?وقال المام عيسي بن موسى':مكثت ثلثين سنة أشتهي أن أشارك العامة
في أكل هريسة السوق فل أقدر على ذلك ،لجل البكور إلى سماع الحديث'.
الدعاء الصادق واللتجاء إلى الله تعالى:فهو المسئول سبحانه أن يقوى
إرادتنا ،ويعلى همتنا ،ويرفع درجاتنا.
اعتراف الشخص بقصور همته ،وأنه لبد له أن يطورها ،ويعلو بها:وهذا أمر
َ
مةم لبد أن يعتقد أنه قادر على أن يكون من أهل اله ّ ي نفسي ،ومن ث َ ّ أول ِ ّ
العالية ،فهذان المران:
مة.
? العتراف بقصور اله ّ
? واعتقاد إمكانية تطويرها .
مة ،وبدونهما ل يكون عاملن مهمان لبد منهما في محاولة تطوير اله ّ
الشخص قد خطا خطوات صحيحة.
مة العالية ،الذين صان الله بهم قراءة سير سلف المة :أهل الجتهاد واله ّ
الدين ،فكم من إنسان قرأ سيرة صالح مجاهد؛ فتغيرت حياته إثر ذلك تغيًرا
كلًيا ،وصلح أمره وحسن حاله.
? قال على بن الحسن بن شقيق':قمت لخرج مع ابن المبارك في ليلة باردة
من المسجد ،فذاكرني عند الباب بحديث أو ذاكرته ،فما زلنا نتذاكر حتى جاء
المؤذن للصبح'.
? وقال محمد بن على السلمي':قمت ليلة سحًرا لخذ النوبة على ابن
لخرم ،فوجدت قد سبقني ثلثون قارًئا ،ولم تدركني النوبة إلى العصر'. ا َ
مة العالية :إذ كل قرين بالمقارن يقتدي ،والنظر في مصاحبة صاحب اله ّ
أحواله وما هو عليه ،وكيف يختصر له الزمان اختصاًرا؛ نافع مفيد .وهذا من
مة؛ لن البشر قد جلبوا على الغيرة والتنافس، أعظم البواعث على علو اله ّ
ضا ،وحب المجاراة في طبائع البشر أمر ل ينكر. ومزاحمة بعضهم بع ً
مراجعة جدول العمال اليومي ،ومراعاة الولويات ،والهم فالمهم :وهذا
دا عن الرتابة مة ،إذ كلما كان ذلك الجدول بعي ً أمر مفيد في باب تطوير اله ّ
مة.
والملل؛ كان أجدى في معالجة اله ّ
التنافس والتنازع بين الشخص وهمته :أعني بهذا :أن على مريد تطوير همته
أن يضيف أعباّء وأعمال ً يومية لنفسه لم تكن موجودة في برنامج حياته
السابق ،بحيث يحدث نوع من التحدي داخل النسان لنجاز ما تحمله من
أعباء جديدة ،ويجب أن تكون هذه الضافة مدروسة بعناية وإحكام حتى ل
يصاب الشخص بالحباط واليأس .ويحسن اختيار هذه العباء الجديدة بحيث
تكون مبلغة له إلى الكمال' ،فمن كانت همته حفظ جميع كتب محمد بن
الحسن فالظاهر أنه يحفظ أكثرها أو نصفها']'تعليم المتعلم' .[60 :فالتحدي
الذي نشأ في نفسه بسبب رغبته في حفظ كتب معينة سيوصله إلى حفظ
أكثرها ،والله أعلم.
193
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الدأب في تحصيل الكمالت والتشوق إلى المعرفة :فمن استوي عند العلم
والجهل ،أو كان قانًعا بحاله وما هو عليه؛ فكيف تكون له همة أص ً
ل ،قال
الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز' :إن نفسي تواقة ،وإنها لم تعط من
الدنيا شيًئا إل تاقت إلى ما هو أفضل منه ،فلما أعطيت ما ل أفضل منه في
الدنيا تاقت إلى ما هو أفضل منه – يعنى الجنة'.
مة وتضييعها :كثير من الصالحين البتعاد عن كل ما من شأنه الهبوط باله ّ
تضيع طاقاتهم في أمور ل تعود عليهم بالنفع بل قد يكون فيها كثير من
الضرر ،فمن صور هذا التضييع:
? كثرة الزيارة للقارب بدون هدف شرعي صحيح ،ول غرض دنيوي فيه
منفعة وفائدة معتبرة.
? كثرة الزيارة للصحاب بدعوى الخوة والتناصح ،فيكثر في المجلس اللغو
والمزاح وتقل الفائدة.
)(5 /
قا
يقول ابن الجوزي رحمه الله ':أعوذ بالله من صحبة البطالين ،لقد رأيت خل ً
كثيًرا يجرون معي فيما اعتاد الناس من كثرة الزيارة ويسمون ذلك التردد:
خدمة ،ويطيلون الجلوس ،ويجرون فيه أحاديث الناس وما ل يعنى ويتخلله
غيبة ،وهذا شئ يفعله في زماننا كثير من الناس ،وربما طلبه المزور وتشوق
صا في أيام التهاني والعياد ،فتراهم يمشي إليه واستوحش الوحدة ،وخصو ً
بعضهم إلى بعض ،ول يقتصرون على الهناء والسلم ؛ بل يمزجون ذلك بما
ذكرته من تضييع الزمان.'...
وكلم المام هذا ينطبق – في الجملة – على حال كثير من اللقاءات
والجتماعات التي يقوم بها الناس اليوم.
? النهماك في تحصيل المال بدعوى التجارة ،وحيازة المال النافع للسلم
وأهله ،ثم ل يلبث هذا المر أن ينقلب إلى تحصيل محض ،وحب للدنيا
والنغماس فيها ،ومن ثم يقسو قلب الشخص وتنحط همته.
? تكليف الموظف نفسه بعملين :صباحي ومسائي بدون حاجة أو ضرورة
ملجئة ،وإنما دفعه لهذا حب هذه الدنيا والتمتع فيها.
? كثرة التمتع بالمباح ،والترف الزائد ،والترفل في النعيم ،وكل هذه المور
مة مهما قيل في تبريرها وتعليلها ..ذكر من العوامل الفتاكة القاضية على اله ّ
ابن حجر رحمه الله أن تاج الدين المراكشي – أحد فقهاء الشافعية– كان قد
دا،
ما للقراءة والشتغال ،صبوًرا على ذلك ج ً 'انقطع بالمدرسة الشرفية ملز ً
بحيث يمتنع عن الكل والشرب -أي عن فضولهما -والملذ بسبب ذلك'.
وهذه المور من المباحات قطًعا ،ولكن ذلك الفقيه علم أن الكثار منها
مة وضعف العمل. والولع فيها سبب لسقوط اله ّ
الستجابة للصوارف السرية استجابة كلية أو شبه كلية :فنجد الشخص
كا في تلبية مطالب زوجه وعياله ،وقد ل تكون مهمة في أحيان كثيرة، منهم ً
خي ُْرك ُ ْ
م وقد يعترض معترض ويورد أحاديث ل تدل على ما ذهب إليه مثلَ ]:
مْرءِ ْ
فى ِبال َ م ِل َهِْلي[ رواه الترمذي وابن ماجة .ومثل]:ك َ َخي ُْرك ُ ْم ِل َهْل ِهِ وَأ ََنا َ خي ُْرك ُ َْ
َ
ت[ رواه مسلم وأبوداود-واللفظ له -وأحمد .وغير ذلك. قو ُ ن يَ ُ
م ْ ضي ّعَ َن يُ َ ما أ ْ إ ِث ْ ً
وإنما هذه الحاديث في الحث على إحسان الخلق مع الهل ،وعدم تركهم
وتضييعهم بالكلية ،وقد دخلت علينا في حياتهم السرية كثير من التقاليد
الغربية في أمر الحتفاء الزائد بالهل والولد ،ودعوى ضرورة بناء مستقبلهم
194
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(6 /
195
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
196
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
يقوم به كله بل يأخذ منه بقدر ما يعرف من إسعاف همته له بالقيام به.
ة أمر ل ينكره أهل وتزاحم العمال على النسان ومحاولة القيام بها مجتمع ّ
مة العالية. اله ّ
مة العالية معرض لنصائح تثنيه عن همته ،وتحاول أن تذكره ّ اله صاحب ?
م ْ ْ ل الل ّ ُ
ه] } [4]...سورة
جوْفِ ِ
ن ِفي َ ن قَلب َي ْ ِ ل ِ ج ٍ ه ل َِر ُ جعَ َما َ ما بأنهَ {: دائ ً
الحزاب[ .وأن صاحب الصنعتين كاذب والثالثة سارق ،وهكذا ...فالحصيف ل
يلتفت لهذه النصائح إل بقدر محدود؛ وذلك لن موجهي هذه النصائح قد تنشأ
نصائحهم هذه لحسد اعتراهم من حال المنصوح ،أو لنهم يجهلون ما يستطيع
مة العالية من أمور ل تدركها أفهامهم ،ول تستطيعها عمله هذا الرجل ذو اله ّ
هممهم.
مة معرض لسهام العين والحسد؛ فعليه بالذكار المأثورة ليدرأ ? وصاحب اله ّ
عن نفسه ما قد يصيبه من سهام القدر على يد الحساد.
مة قد تعتريه فترة وضعف قليل لما يراه من تدني همم غالب ? وصاحب اله ّ
مةالخلق؛ فل يحزن لجل هذه الفترة ،وليوطن نفسه على الحسان ،وعلو اله ّ
مهما ضعف أو تخاذل من حوله ،وأًيا كان سبب الفترة التي تعتريه فهي أمر
ه عَل َي ْ ِ
ه صّلى الل ّ ُ
طبيعي يعتري العالمين والسالكين ،وليتذكر حديث المصطفي َ
ة[ رواه أحمد .والشّرة :النشاط شّرةٍ فَت َْر ٌ ل ِشّرة ً وَل ِك ُ ّ ل ِ م ٍل عَ َ ن ل ِك ُ ّ سل ّ َ
م]:إ ِ ّ وَ َ
مة ،والفترة :الضعف والنكسار. واله ّ
)(7 /
مة العالية قد يكونون مفرطين في بعض المور التي قد ل يرون ? وأهل اله ّ
قا مباشًرا بموضوع هممهم ،وذلك مثل بعض حقوق الهل والقارب، فيها تعل ً
فينبغي على من وقع في هذا المحذور أن يلتفت إلى إصلحه ولو بالقدر الذي
يبعد عنه سهام اللئمين.
سا اندفاعًيا،مة العالية بصاحبها إلى أن يتحمس تحم ً ? وقد تؤدى اله ّ
فيستعجل ،ويرتكب من الخطاء ما كان يمكن تلفيه بقليل من التعقل
وحساب العواقب ،وعلى من وقع في مثل هذا أن يعرف السنن الكونية ،وأن
صّلى
مة العالية َ المر ل يحسم بين عشية وضحاها ،وليكن مثله سيد أولى اله ّ
م ،فقد كان يوصي أصحابه رضي الله عنهم بالعمل والصبر، سل ّ َ
ه عَل َي ْهِ وَ َ
الل ّ ُ
فالصبر ل غنى عنه لهل الهمم.
مة العالية قد يتعرضون لمور تؤثر في هممهم وتطلعهم إلى معالي ?وأهل اله ّ
المور ،وأعظم مثال على هذا :التعرض للخلف الحاصل بين الفقهاء بعين
ضا التعرض للجماعات م والمقت ،ونقدهم والقلل من شأنهم ،ومثاله أي ً الذ ّ
السلمية العاملة على الساحة وذمها والتنقص من شأنها ،وإلصاق التهم بها
بدون وجه شرعي معتبر في أحيان كثيرة ،ويمضي هذا الخ سحابة يومه
دا لها ،ومثل هذا الشخص إن أصبح هذا المر وليلته باحًثا عن الخطاء متصي ً
ديدنه ،فستتخلف همته ول شك ،وتقعد به عن معالي المور.
مة يستبين خطأ في رأي عالم أو يقول الستاذ محمد الخضر حسين' :كبير اله ّ
عبارة كاتب فيكتفي بعرض ما استبان من خطأ على طلب العلم ليفقهوه،
ويأبى له أدبه أن ينزل إلى سقط الكلم أو يخف إلى التبجح بما عنده ،وقد
حدثنا التاريخ عن رجال كانوا أذكياء ولكنهم ابتلوا بشيء من هذا الخلق
خا في صحفهم ،ولو تحاموه لكان جا في سيرهم ولط ً المكروه ،فكان عو ً
ذكرهم أعلى ومقامهم في النفوس أسمى ،ومنزلتهم عند الله أرقى'.
197
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
يقول ابن القيم رحمه الله' :أعلى الهمم في طلب العلم طلب علم الكتاب
والسنة ،والفهم عن الله ورسوله نفس المراد ،وعلم حدود المنزل ،وأخس
همم طالب العلم قصر همته على تتبع شواذ المسائل وما لم ينزل ،ول هو
واقع ،أو كانت همته معرفة الختلف ،وتتبع أقوال الناس ،وليس له همة إلى
ل أن ينتفع واحد من هؤلء بعلمه'. معرفة الصحيح من تلك القوال ،وقَ ّ
مة العالية ل بد له من المداومة على العمال التي تدوم ول ? صاحب اله ّ
ن َ ّ َ َ ْ َ َ
مَها وَإ ِ ْل إ ِلى اللهِ أد ْوَ ُ
ما ِ
ب العْ َح ّ
نأ َ مة العالية]:أ ّ
تنقطع :وليتذكر صاحب اله ّ
مة عظيمة ل[ رواه البخاري ومسلم .فهمة متوسطة العلو تدوم خير من ه ّ قَ ّ
متقطعة.
مة العالية ،وأن يبارك لنا في أوقاتنا وأسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل اله ّ
ما
وأعمالنا ،وصلي الله على سيدنا محمد ،وعلى آله وصحبه وسلم تسلي ً
كثيًرا.
من رسالة':الهمة طريق إلى القمة' للدكتور/محمد موسى الشريف
)(8 /
198
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
إن أمامنا المثلث والتجارب والحداث ماتزال قائمة يجب أن نلتمس عبرتها
ونحاول أن نستفيد منها للوصول إلى طريق العمل الذي يجب أن يكون قد
بدأ فعل ً .
فهذا القرن الخامس عشر الهجري هو قرن بناء الخطط العملية لتحرير
العقل المسلم والنفس المسلمة من التبعية للفكر الغربي الوافد الذي
خضعنا له أكثر من مائة عام منذ فرض علينا قانون نابليون ومنهج دنلوب
وخطط زويمر .
ومنذ فرضت علينا إرساليات التبشير مناهجها التربوية والتعليمية التي تحولت
إلى وزارات التعليم العربية بكل ما تحمل من أخطار وآثام وازدواجية .
هذه المناهج التي ركزت على القليمية والعلمانية والقومية والماركسية
بتنويع يختلف في كل قطر عن الخر؛ ولكنها تجمع كلها على هدف واحد هو
تمزيق الوحدة السلمية والحيلولة دون قيامها مرة أخرى .ولقد نشأت في
ظل المخططات دعوات وتنظيمات كشف الزمن عجزها عن العطاء وعدم
قدرتها على تلبية مطامح النفس المسلمة والعربية التي شكلها الدين الحق
من إبراهيم ،وموسى ،وعيسى – ومحمد عليهم الصلة والسلم – في
صا ومنهترابط جامع لمة واحدة تؤمن بالله الواحد وتسلم وجهها إليه خال ً
تستمد منهج الحياة والعمل والمجتمع كما رسمته الكتب السماوية المنزلة
وحيث جاء القرآن الكريم فمقدمه للناس في الصورة العالمية الخاتمة بحيث
أصبح هو منهج الفكر لهذه المة كلها بكل ألوانها وعناصرها كما حدث عن
ذلك كثير من المخططين والباحثين .
فقد استصفى الفكر السلمي خلصة الوحي الرباني كله الذي أنزل على
الرسل والنبياء واستصفاه من مصدريه القرآن والسنة نوًرا على طريق
البشرية كلها إلى يوم القيامة فكان لبد أن يواجه من الدعوات والنحل
والمناهج البشرية .وهي التي عجزت عن العطاء وأسقطتها المتغيرات .وكان
آخر ذلك سقوط منهج الغرب الليبرالي وسقوط الماركسية .فأسقطت هذه
المناهج في مسقط رأسها وفي بلدها التي صاغتها ،وأعلنت البشرية منذ
سنوات طويلة أنها في حاجة إلى منهج جديد ينقذها من براثن النظام الربوي
الذي اغتالها ،أما سقوط الماركسية على النحو الذي حدث فقد كشف عن
ما من سيطرتها عجز اليدلوجيات البشرية عن العطاء حتى انها بعد سبعين عا ً
على مجرى الحداث ومن خلل فلسفة عريضة خالفت فيها مناهج الفطرة
وعارضت حقائق الدين ومفاهيم العلم وحاولت أن تشق طريقها ضد التيار
فعجزت وحاصرتها الحداث وقصفتها الرياح وأسقطت منهجها وحطمت
شراعها .
)(1 /
199