You are on page 1of 207

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫قارنوا من مات من أهل الخير والصلح كشيخ السلم ابن تيمية ‪ ،‬وقبله ‪:‬‬
‫المام أحمد ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬وأبي حنيفة ‪ ،‬وبعدهم المام محمد بن عبد‬
‫الوهاب رحم الله الجميع ‪ .‬لقد بقي ذكرهم عند الناس كأنهم لم يموتوا ‪ ،‬مع‬
‫ما نرجوه لهم‬
‫من الجر العظيم في الخرة ‪ ،‬قارنوا هؤلء بمن مات من أهل الشر والفساد‬
‫الذين‬
‫لم يبق لهم ذكر البتة‪ ،‬ل ‪..‬بل بقي الذكر السيئ ولعنات المة تلحقهم عند‬
‫ذكرهم ‪ ،‬مع ما ُيخشى عليهم من عذاب الله سبحانه يوم يقوم الناس لرب‬
‫ة وأهدى سبيل ً ؟‬ ‫العالمين‪ ،‬فأي الفريقين أشرف مكان ً‬
‫نذكركم بيوم الحسرة والندامة ‪ ،‬يوم يتبرأ منكم التباع ‪ ،‬وتتبرؤون من‬
‫التباع ‪ ،‬ولكن حين ل ينفع الستعتاب ول التنصل ول التبرؤ ‪ ،‬بل كما قال‬
‫م‬
‫ت ب ِهِ ُ‬‫قط ّعَ ْ‬ ‫ب وَت َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن ات ّب َُعوا وََرأ َُوا العَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ات ّب ُِعوا ِ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫تعالى ‪) :‬إذ ْ ت َب َّرأ ال َ ِ‬
‫َ‬
‫ب ]البقرة ‪ [166 :‬نذكركم بالثقال العظيمة التي ستحملونها يوم‬ ‫سَبا ُ‬ ‫ال ْ‬
‫القيامة من أوزاركم وأوزار الذين تضلونهم بغير علم إن لم تتوبوا ‪ ،‬قال‬
‫ة يوم القيامة وم َ‬ ‫َ‬
‫ضّلون َُهم ب ِغَي ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ن يُ ِ‬‫ذي َ‬ ‫ن أوَْزارِ ال َ ِ‬ ‫مل َ ً َ ْ َ ِ َ َ ِ َ ِ ْ‬ ‫كا ِ‬‫م َ‬‫مُلوا أوَْزاَرهُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫تعالى ‪ ):‬ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن ( ]النحل ‪. [25 :‬‬ ‫ما ي َزُِرو َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫عل ْم ٍ أل َ‬ ‫ِ‬
‫لما كان الظلم قرين الفساد و الفساد ‪ ،‬فإنه جدير بالظالمين الذين يظلمون‬
‫م‬
‫الناس ويبغون في الرض بغير الحق أن يتذكروا يوم الفصل والحساب ) ي َوْ َ‬
‫دارِ (] غافر ‪ [52 :‬ليتذكر‬ ‫سوُء ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ة وَل َهُ ْ‬‫م الل ّعْن َ ُ‬ ‫م وَل َهُ ُ‬
‫معْذَِرت ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫فعُ ال ّ‬ ‫ل َين َ‬
‫الظالمون هذا اليوم المشهود الذي يقتص فيه الحكم العدل من الظالمين‬
‫للمظلومين ‪ ،‬ليتذكروا‬
‫هذا اليوم العظيم إن كانوا يؤمنون بالله واليوم الخر ما داموا في دار الدنيا‬
‫دار التوبة والستعتاب ‪ ،‬فوالله إن للظالم ليوما ً ينكشف فيه الغطاء ويعض‬
‫فيه على يديه من الخزي والحسرة ‪ ،‬وإن في كتاب الله عز وجل لُغنية عن‬
‫أي كلم وكفاية عن‬
‫ما‬‫ن إن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫ل الظال ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ً‬
‫ه غافِل عَ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫أي موعظة قال جل وعل ‪َ) :‬ول ت َ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ل ِي َوْم ٍ ت َ ْ‬ ‫ي ُؤَ ّ‬
‫م ل ي َْرت َد ّ إلي ْهِ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫قن ِِعي ُرُءو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫مهْط ِِعي َ‬ ‫صاُر * ُ‬ ‫ص ِفيهِ الب ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫خُرهُ ْ‬
‫َ‬
‫واٌء( ]إبراهيم ‪ [43-42 :‬وإن الظالمين جميعهم تابعيهم‬ ‫م هَ َ‬ ‫ْ‬
‫م وَأفئ ِد َت ُهُ ْ‬ ‫ط َْرفهُ ْ‬
‫ُ‬
‫ومتبوعيهم لهم يوم مشهود وعصيب ‪ ،‬يوم يلعن بعضهم بعضا ً ‪ ،‬ويحيل التبعة‬
‫بعضهم على بعض ‪ ،‬ولكن حين ل يجلب لهم ذلك إل الخزي والبوار ‪.‬‬
‫إن لم يجد واعظ الله سبحانه والدار الخرة فيكم شيئا ً فل أقل من أن يوجد‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عندكم بقية مروءة وحياء تمنعكم من إفساد أخلق المة والوقوف في وجه‬
‫المصلحين‬
‫الداعين إلى معالي المور والخلق ‪ ،‬فالمتأمل لحال المفسدين في الرض‬
‫اليوم ليأخذه العجب والحيرة من أمرهم ‪ ...‬فما لهم وللمرأة الحيية التي تقر‬
‫في منزلها ‪ ،‬توفر السكن لزوجها وترعى أولدها ‪ ،‬ماذا عليهم لو تركوها في‬
‫هذا الحصن الحصين تؤدي دورها الذي يناسب أنوثتها وطبيعتها ‪ ،‬ثم ماذا‬
‫عليهم لو تركوا أولد المسلمين يتربون على الخير و الدين والخصال‬
‫الكريمة ؟ ماذا يريدون من إفسادهم وتسليط برامج الفساد المختلفة‬
‫عليهم ؟ هل يريدون ‪ ...‬جيل ً منحل ّ يكون وبال ً على مجتمعه ‪ ،‬ذليل ً لعدائه ‪،‬‬
‫عبدا ً لشهواته ؟ ! إن تلك هي النتيجة ‪ ،‬وإن من يسعى إلى تلك النتيجة‬
‫الوخيمة التي تتجه إليها أكثر السر المسلمة اليوم ‪ ،‬لهو من أشد الناس خيانة‬
‫لمجتمعه وأمته وتاريخه ‪ ،‬فيا من وصلوا إلى هذا المستوى من الهبوط‬
‫والنتكاس ‪ :‬توبوا إلى ربكم ‪ ،‬وفكروا في غايتكم ومصيركم ‪ ،‬واعلموا أن‬
‫وراءكم أنباء عظيمة ‪ ،‬وأهوال ً جسيمة تشيب لها الولدان ‪ ،‬وتشخص فيها‬
‫البصار ‪ ،‬فإن كنتم تؤمنون بهذه ‪ :‬فاستيقظوا من غفلتكم وراجعوا أنفسكم ‪،‬‬
‫والله جل وعل يغفر الذنوب جميعا ً ‪ ،‬وإن كنتم ل تؤمنون بذلك فراجعوا دينكم‬
‫‪ ،‬وادخلوا في السلم كافة قبل أن يحال بينكم وبين ما تشتهون ‪.‬‬
‫كر المنافقين من هذه الفئة بأن الله سبحانه يعلم سرهم ونجواهم ‪،‬‬ ‫نذ ّ‬
‫ويعّرف المؤمنين بسيماهم مهما أظهروا السلم في الدنيا ‪ ،‬وفي الخرة‬
‫ة(‬‫خافِي َ ٌ‬
‫م َ‬‫منك ُ ْ‬
‫فى ِ‬
‫خ َ‬
‫ن ل تَ ْ‬
‫ضو َ‬
‫مئ ِذ ٍ ت ُعَْر ُ‬
‫يخزيهم ويفضحهم بين الشهاد (ي َوْ َ‬
‫]الحاقة ‪ [18 :‬فتوبوا إلى الله علم الغيوب ما دمتم في زمن التوبة ‪،‬‬
‫وصححوا بواطنكم قبل أن يبعثر ما في القبور ‪ ،‬ويحصل ما في الصدور ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬فئة التباع وعامة الناس ‪:‬‬
‫وهم الذين لم يصلوا في أخلقهم وأهدافهم إلى مستوى الفئة الشريفة‬
‫المصلحة ‪ ،‬ولم يهبطوا إلى مستوى الفئة المفسدة الوضيعة الخائنة ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وإنما هم فئة بين الفئتين ولديهم الستعداد للخير الذي تدعو إليه الولى ‪ ،‬كما‬
‫أن لديهم الستعداد لتلقي الشر والفساد الذي تسعى إليه الفئة الثانية ]‪، [3‬‬
‫وهذا يؤكد أهمية الدعوة ‪ ،‬وقطع الطريق على الفئة المفسدة ؛ حتى ل‬
‫ينحرف الناس عن الصراط المستقيم ‪ .‬والملحظ في هذه الفئة أنها السواد‬
‫العظم ‪ ،‬بينما يغلب على الفئة الولى والثانية أنهما قلة ‪ ،‬والدفع بين الفئة‬
‫المصلحة والمفسدة من سنن الله عز وجل حيث الصراع بين الحق‬
‫َ‬ ‫ض لّ َ‬
‫ض‬
‫ت الْر ُ‬ ‫سد َ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ضُهم ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬
‫س ب َعْ َ‬ ‫والباطل ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬وَل َ ْ‬
‫ن ( ]البقرة ‪. [251 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ل عََلى الَعال ِ‬
‫َ‬ ‫ه ُذو فَ ْ‬
‫ض ٍ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫وَل َك ِ ّ‬
‫وإلى هذه الفئة من الناس أتوجه بهذه الكلمات ‪:‬‬
‫* إن تذكر اليوم الخر ومشاهده العظيمة من أهم السباب التي تقي من شر‬
‫المفسدين المستكبرين في الدنيا وفي يوم التناد ويوم تخاصم أهل النار ‪،‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ماَذا أ َ‬
‫جب ْت ُ ُ‬ ‫فإذا أيقن العبد بهذه المشاهد وأن الله سبحانه ينادي عباد ) َ‬
‫ن ( عندئذ يحذر العبد أن يتبع كل ناعق ملبس ‪ ،‬وإنما يتبع المرسلين‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ُ‬
‫وأتباعهم ‪ ،‬كما أن تخاصم أهل النار وما فيه من تبرؤ المتبوعين من التباع‬
‫يجعل العبد يحسب لهذا المشهد حسابه ‪ ،‬حتى ل يعض على يديه حسرة‬
‫وندامة ‪ ،‬وهذا الشعور المخيف يجعل النسان في حذر من أهل الشر‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والفساد الذين يزينون له الباطل في الدنيا ‪ ،‬ويوم القيامة يلعن بعضهم بعضا ً‬
‫ويتبرأ التابع من المتبوع والمتبوع من التابع ‪ ،‬فكفى بتذكر تلك المشاهد‬
‫العظيمة واعظا ً ورادعا ً لكل من يحب لنفسه الخير حتى يحذر من أهل الشر‬
‫والفساد ‪ ،‬ويلتصق بأهل الخير والصلح الذين يسعون لنقاذ الناس بإذن ربهم‬
‫سبحانه من شقاء الدنيا وعذاب الخرة ‪ ،‬ويعض عليهم ويبذل لهم المودة‬
‫والنصرة والدعاء ‪ ،‬حيث إنهم أرحم الخلق بالخلق ‪ ،‬وهم صمام المان‬
‫ب وُيوالى وينصر ‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫لمجتمعاتهم ‪ ،‬فجدير بمن هذه صفاته أن ي ُ َ‬
‫لقد أنعم الله سبحانه على عباده بالعقول وإرسال الرسل وإنزال الكتب حتى‬
‫ن الرشد من الغي ‪ ،‬ولن ينفع التابعين الذين أعطوا قيادهم لدعاة الشر‬ ‫ت َب ْي ّ َ‬
‫وألغوا عقولهم ‪ ،‬لن ينفعهم يوم القيامة إلقاء التبعة على المتبوعين من‬
‫المفسدين ‪ ،‬ولقد قامت حجة الله سبحانه على عباده ‪ ...‬نعم لن يجدي عن‬
‫التباع الذين فتحوا أفكارهم وبيوتهم لهل الشر ليفسدوا فيها ويمكروا فيها‬
‫إذا قامت الخصومات بين يدي الحكم العدل ‪ ،‬إنهم بذلك يتحولون إلى فئة‬
‫المفسدين ‪ ،‬شعروا أم لم يشعروا ‪.‬‬
‫وأخيرا ً لنسمع إلى تحذير الله عز وجل لعباده من طاعة الشيطان وحزبه‬
‫ي‬
‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫ن لَ ّ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫وبراءته من أتباعه يوم القيامة ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬وََقا َ‬
‫ي عَل َي ْ ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬‫كم ّ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فت ُك ُ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫عدت ّك ُ ْ‬ ‫حقّ وَوَ َ‬ ‫م وَعْد َ ال َ‬ ‫ه وَعَد َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مُر إ ّ‬ ‫ال ْ‬
‫ما أ ََنا‬ ‫كم ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬‫موا َأن ُ‬ ‫موِني وَُلو ُ‬ ‫م ِلي َفل ت َُلو ُ‬ ‫جب ْت ُ ْ‬ ‫م َفا ْ‬
‫ست َ َ‬
‫َ‬
‫ن إل ّ أن د َعَوْت ُك ُ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫ني‬ ‫مو‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ك‬‫ر‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫م‬‫ب‬ ‫تم‬ ‫َ‬
‫أن‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫خ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ْ ُ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ُ ِ ُ ْ ِ ّ ّ‬
‫َ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫بِ ُ ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ص‬ ‫م‬
‫ب أِليم( ] إبراهيم ‪. [22 :‬‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬‫ن ل َهُ ْ‬‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫________________________‬
‫)‪ (1‬مسلم ‪. (1523) - ، 3/170 :‬‬
‫)‪ (2‬تفسير السعدي ‪ ،‬عند الية )‪ (123‬من سورة النعام ‪.‬‬
‫)‪ (3‬ولذلك يوجد في هذه الفئة ‪ :‬الصالحون والفاسدون حسب نشاط أهل‬
‫الخير وأهل الشر ‪ ،‬وقد يوجد من بينهم أهل العزلة والساكتون ‪.‬‬
‫مجلة البيان ‪:‬العدد ‪102 :‬التاريخ‪ :‬صفر ‪1417 /‬هـ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ثلثة أسئلة تلخص النتخابات العراقية‬


‫أحمد فهمي‬
‫بلغت الحالة السياسية العراقية درجة من التعقيد تضاربت فيها المصالح‬
‫وتشابكت الخيارات حتى داخل الفصيل الواحد ‪ ،‬ومحاولة تفكيك هذه الحالة‬
‫بغرض فهمها أمر عسير ‪ ،‬فهناك عدد هائل من التساؤلت التي يصح الجابة‬
‫عليها برأيين متعارضين ‪ ،‬وتصريحات يصعب حصرها تحتمل كل الوجهين ‪ ،‬بل‬
‫إنه داخل اتجاه واحد يمكن أن نحصر عددا كبيرا من التصريحات والمواقف‬
‫المتضاربة ‪ ،‬بدءا بحكومة علوي وانتهاء بحزب السيستاني ‪ ،‬ول شك في أن‬
‫تواجد الشيعة كعضو رئيس في التركيبة السياسية العراقية تسبب إلى حد‬
‫كبير في هذه التناقضات نظرا إلى طبيعتهم وثقافتهم ‪..‬‬
‫وفي محاولة لختراق هذه التعقيدات نلخص الحالة السياسية العراقية فيما‬
‫يتعلق بالنتخابات في ثلثة أسئلة نحاول الجابة عنها ‪ ،‬وهي ‪ :‬من يؤيد ومن‬
‫يعارض النتخابات ؟ ‪ -‬لماذا يريد المريكيون واليرانيون إجراء النتخابات ؟ ‪-‬‬
‫ما هي أسباب اللهفة الشيعية لجراء النتخابات في موعدها ؟ ‪..‬‬
‫أول ‪ :‬من يؤيد ومن يعارض ؟‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بدءا بالقوى الخارجية فإن الدارة المريكية تتمسك بموقفها المعلن من‬
‫إقامة النتخابات في موعدها ‪ ،‬وكذلك فإن نظام المللي يبذل جهودا كبيرة‬
‫منذ أشهر طويلة إعدادا لهذا الحدث التاريخي ‪ ،‬ولذلك ل يريد بحال أن يتم‬
‫تأجيلها ‪ ،‬وقد أبدى المرشد اليراني علي خامنئي امتعاضه الشديد من‬
‫تفجيرات النجف الخيرة معتبرا أنها محاولة لتعطيل النتخابات وصرح بقوله‬
‫أن أجهزة الستخبارات السرائيلية والمريكية هي التي تقف وراء‬
‫التفجيرات ‪ ،‬وقال ‪ " :‬إما أنها ارتكبت مباشرة هذه العتداءات وإما أنها‬
‫استخدمت بعض الشخاص المتطرفين لكنها هي التي دبرتها " وأضاف ‪" :‬‬
‫بعد سنوات عدة يتوجه العراقيون إلى صناديق القتراع للتعبير عن خيارهم‬
‫رغم إرادة المتعسفين لكن قوات الحتلل ل تريد ذلك ‪ ،‬إنها ترغب في‬
‫انتخابات وهمية وتعمل على انتخاب أعوانها ‪ ،‬أولئك الذين يأتمرون بأمر‬
‫المريكيين والبريطانيين ويسيرون العراق حاليا " ‪.‬‬
‫َ‬
‫معلن ُيبدي ترحيبا كبيرا بأي‬ ‫أما النظمة العربية فيحتفظ أغلبها بموقفين ‪ :‬ال ُ‬
‫استقرار سياسي في العراق ‪ ،‬وهذا يعني التأييد الكامل لجراء النتخابات في‬
‫موعدها المحدد ‪ ،‬ولكن يقول بعض المراقبين أن هناك موقفا آخر غير معلن‬
‫يأمل في عجز القوات المريكية عن الخروج من المستنقع العراقي لن هذا‬
‫يعني تفرغ إدارة بوش لتنفيذ رؤيتها الخاصة بالشرق الوسط الجديد أو الكبير‬
‫وهذا أمر غير سار بالتأكيد ‪ ،‬كما أن انفتاح الساحة العراقية أمام العناصر‬
‫الجهادية نقل كثيرا من نشاطها بعيدا عن الداخل العربي ‪ ،‬وحقق قدرا من‬
‫الستقرار ‪..‬‬
‫أما داخليا ‪ ،‬فالرأي العام السني يرفض تلك النتخابات من الساس لنه‬
‫يعتبرها محاولة لشرعنة القصاء وتحويل العرب السنة إلى أقلية منبوذة‬
‫سياسيا ‪ ،‬ولكن هناك قوى سياسية ترغب في المشاركة إما لعتبار تعاونها‬
‫مع الحتلل ‪ ،‬أو رغبة في الستئثار بالكعكة السنية في ظل غيبة قوى‬
‫سياسية مؤثرة ‪ ،‬ويأتي في مقدمة المؤيدين بالطبع حزب "عراقيون " الذي‬
‫كله الرئيس المعين من قبل الحتلل غازي الياور ‪ ،‬وحزب " تجمع‬ ‫ش ّ‬
‫الديمقراطيين المستقلين " الذي يرأسه عدنان الباجه جي ‪ ،‬وهؤلء ل‬
‫يمانعون في إجراء النتخابات في موعدها وإن كان غازي الياور صرح في‬
‫أكثر من مناسبة بأن موعد النتخابات ليس موعدا مقدسا ول توجد مشكلة‬
‫في تأجيله إذا اقتضت المصلحة ذلك ‪ ،‬والحزب الثالث هو الحزب السلمي‬
‫الذي يتزعمه محسن عبد الحميد ‪ ،‬وكان قد قرر في البداية عدم المشاركة‬
‫ثم تراجع وأعلن أنه يؤيد تأجيل النتخابات ‪ ،‬ثم بدأ في تقديم أوراقه للترشح‬
‫أخيرا ‪..‬‬
‫وبالنسبة للشيعة فغالبية الرأي العام مع إقامتها ‪ ،‬ولكن هناك قوى سياسية‬
‫أغلبها ينتمي إلى توجهات علمانية ُتبدي تحفظات كونها ل ترحب بهيمنة‬
‫السيستاني وتتهمه بالتبعية ليران ‪ ،‬وأما تيار الصدر فقد برع في إبداء مختلف‬
‫المواقف من النتخابات ‪ ،‬فبعد اتفاق الصلح مع المريكيين أعلن لجوءه‬
‫للوسائل السلمية ‪ ،‬ثم أعلن أنه سيشارك في النتخابات ‪ ،‬ثم تراجع عن ذلك‬
‫وصرح مسئولون ينتمون إلى التيار أنهم ل يضمنون نزاهة النتخابات ولذلك‬
‫لن يشاركوا ‪ ،‬ولكن صرح مسئولون آخرون أنه ل مانع من أن يشارك مؤيدو‬
‫التيار في هذه النتخابات بصفتهم الفردية ‪..‬‬
‫ثانيا ‪ :‬لماذا يريد المريكيون إقامة النتخابات في موعدها ؟‬
‫ُيعرف الرئيس المريكي جورج بوش بإصراره وتمسكه برأيه حتى النهاية‬
‫خاصة فيما يتعلق بسياسته الخارجية ‪ ،‬ويتفق معه في هذه الصفة وزير‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدفاع دونالد رامسفيلد ‪ ،‬ولذلك تبدو الدارة المريكية متوافقة على إجراء‬
‫النتخابات على مستوى متخذي القرار ‪ ،‬وهناك تفسيرات لهذا الصرار‬
‫أهمها ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أولها‪ :‬أنهم باتوا مقتنعين بفصل النجاز العسكري عن النجاز السياسي‬


‫باعتبار أن الربط بينهما يسبب الخفاق في كليهما حسب التجارب السابقة ‪،‬‬
‫ولذلك ينبغي أن تتم خطوات بناء نظام عراقي سياسي في مواعيدها بل‬
‫تخلف ‪ ،‬بينما تواصل القوات المريكية معاركها لنهاء المقاومة دونما ضغوط‬
‫سياسية عليها ‪.‬‬
‫وثانيا‪ :‬أن هناك تزامن ل تريد الدارة المريكية أن تفقده ‪ ،‬وذلك بين إقامة‬
‫النتخابات الفلسطينية والعراقية في بداية الولية الثانية لبوش ‪ ،‬وهو تزامن‬
‫يريد الرئيس المريكي أن يقدمه للشعب المريكي على أنه إنجاز سياسي‬
‫غير مسبوق ‪ ،‬ولذلك تحاول القوات المريكية في الفلوجة حاليا أن تنظم‬
‫عملية انسحاب مشرفة باعتبار أنها قد أنهت مهمتها بنجاح ‪ ،‬وأن اللجئين‬
‫يمكن أن يعودوا إلى ديارهم دون مشاكل في خلل أيام قليلة ‪.‬‬
‫ولكن يختلف الحال على مستوى المستشارين والخبراء والمحللين الذين‬
‫يرى قسم كبير منهم أن إجراء النتخابات مع وضعية أمنية غير مستقرة‬
‫خاصة في المناطق السنية يعني أن المور ستعاود النفجار بسرعة ولن‬
‫تصبح للنتخابات قيمة عندها ‪ ،‬خاصة وأن الشعور السني بالظلم سيعظم من‬
‫أسباب النفجار المتوقع ‪ ،‬كما أن خبراء أمريكيين ُيعربون عن خوفهم من أن‬
‫التغلغل اليراني داخل شيعة العراق ورغبة اليرانيين في إجراء النتخابات‬
‫في موعدها يعني أنها ستكون مرحلة جديدة للنفوذ اليراني في العراق وهو‬
‫ما يمكن أن يسبب مشكلت كبيرة للحتلل المريكي في المستقبل ‪.‬‬
‫وهناك وجهة نظر أخرى تقول أن التأييد المريكي للنتخابات جاء على سبيل‬
‫الرضوخ للضغط الشيعي خاصة وأنه قد تم تأجيلها من قبل ‪ ،‬وبذلك فإن‬
‫الدارة المريكية وافقت على إجراء النتخابات ولكنها تأمل في أن يفوز‬
‫مؤيدوها بنسبة كبيرة في مقابل قائمة السيستاني التي تضم أغلب القوى‬
‫الشيعية المؤثرة ‪..‬‬
‫ثالثا ‪ :‬لماذا يتمسك الشيعة بموعد النتخابات ؟‬
‫تبدو اللهفة الشيعية واضحة تجاه النتخابات ‪ ،‬ويعتبر المرجع آية الله‬
‫السيستاني المؤيد والداعم الكبر لها ‪ ،‬ويمكن فهم هذه اللهفة الشيعية من‬
‫خلل النقاط التالية ‪:‬‬
‫} ‪ ...‬الشيعة المؤيدون للنتخابات يهدفون إلى تقوية البناء السياسي للدولة‬
‫العراقية الجديدة من أجل إعادة تفكيكه من جديد بعد أن يكونوا قد سيطروا‬
‫عليه بحكم الغلبية المصطنعة ‪ ،‬فهم يعلمون أن تنفيذ طموحاتهم وأطماعهم‬
‫لن يمكن من خلل وضعية الفوضى والعشوائية السياسية السائدة حاليا ‪.‬‬
‫} ‪ ...‬يعتبر الشيعة أن مزايا الحتلل المريكي يمكن تلخيصها في تحقيق‬
‫هدفين ‪ ،‬أولهما تخليصهم من حكم صدام البعثي ‪ ،‬وقد تحقق ذلك ‪ ،‬والثاني ‪،‬‬
‫هو إقامة نظام سياسي جديد يحقق لهم أطماعهم حسب النسب المفبركة‬
‫لغلبيتهم وهذا لم يتحقق بعد ‪ ،‬وإقامة النتخابات في موعدها خطوة رئيسة‬
‫في سبيل تحقيقه ‪.‬‬
‫} ‪ ...‬إن إقامة النتخابات في ظل الوضعية المشوشة الحالية وفي ظل غيبة‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غالبية القوى السنية يعني أن الشيعة سيكون المجال مفتوحا أمامهم لتحقيق‬
‫نصر سياسي كبير ‪ ،‬بينما النتظار والتأجيل ربما يترتب عليه إعادة ترتيب‬
‫للوراق والوضاع فيحدث ما ل تحمد عقباه بالنسبة لمخططاتهم ‪.‬‬
‫} ‪ ...‬ل يرغب الشيعة حقيقة في حدوث حرب أهلية مع السنة ‪ ،‬فهم يعلمون‬
‫خطورتها على مصالحهم ‪ ،‬ولذلك يخشون من أن تؤدي المقاومة إلى حدوث‬
‫تغيرات في الموقف المريكي من احتلل العراق ‪ ،‬وربما يصل المر إلى‬
‫النسحاب ‪ ،‬وهذا لن يؤدي إل إلى أحد احتمالين ‪ :‬إما التخلي عن أطماعهم أو‬
‫الدخول في حرب أهلية ‪.‬‬
‫هذه باختصار أهم السئلة والجوبة التي يمكن أن تقدم رؤية واضحة قدر‬
‫المكان لشكالية النتخابات العراقية ‪ ،‬ويبقى هناك سؤال آخر ل أعتقد أنه‬
‫بمقدور أحد الجابة عليه حتى الدارة المريكية نفسها ‪ ،‬وهو ‪ :‬هل سُتعقد‬
‫النتخابات حقا في موعدها ‪ 30‬يناير ‪ 2005‬م ؟ ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثلثة أسباب لصيام شهر شعبان‬


‫أهلنا شهر شعبان و ما ادراك ما شعبان في حديث المسند و سنده صحيح‬
‫تقول السيدة عائشة رضي الله عتها و عن أبيها ذكرت لرسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم أقواما يعظمون رجب فقال )أين هم من شعبان( و روت السيده‬
‫عائشة و الحديث في الصحيحين متفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ل يصوم في شهر أكثر منه في شعبان كان يصوم شعبان كله كان‬
‫يصوم شعبان ال قليل و في المسند و عند أهل السن من حديث أسامة بن‬
‫زيد أنه قال قلت يا رسول الله مالي أراك تصوم في شعبان مال تصوم في‬
‫غيره فقال صلى الله عليه وآله وسلم )إن شهر شعبان ترفع فيه العمال إلى‬
‫الله و أنا أحب أن يرفع عملي و أنا صائم( و من حديث طلحه قال قلت يا‬
‫رسول الله مالك تصوم أكثر شعبان فقال )هذا شهر بين رجب و رمضان‬
‫يغفل عنه أكثر الناس وأنا أحب أن أحييه بالصيام ( ومن حديث أبي موسى و‬
‫كلها في المسند والحاديث صحيحة أو حسنه قال سئل رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عن صومه شعبان فقال )هذا شهر يحبه الله ( وهذا السناد فيه‬
‫ضعف‬
‫فاجتمع لنا في سبب إحياء شعبان بالصيام ثلثة أسباب ‪/‬‬
‫السبب الول أنه شهر ترفع فيه العمال الى الله و رفع العمال يحصل أربع‬
‫مرات فهناك مرتين كل يوم في صلة الفجر وصلة العصر يتعاقب الملئكة‬
‫مرتين في اليوم والليله ‪ ,‬قال صلى الله عليه وسلم )يتعاقب فيكم ملئكة‬
‫في الليل والنهار( و قال تعالى )يحفظونه من امر الله( ملئكة كلفها الله أن‬
‫تحفظ بني آدم و لول حفظ الله لتخطفتهم الشياطين ملئكة يتعاقبون أي‬
‫ملئكة في صلة الفجر يستلمون وردية النهار )من الفجر الى العصر( فيهم‬
‫الملكان الموكلن بكتب العمال فإذا جاء وقت العصر نزلت ملئكة أخر‬
‫يتسلمون وردية الليل من العصر الى الفجر و يصعد الذين حرسوا بالنهار‬
‫ومعهم الكتاب ما كتبوه من أعمال في صحف فتحفظ كما قال العلماء في‬
‫السماء الولى ثم رفع أسبوعي كل يوم خميس لما سئل رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم عن سر صيامه الثنين والخميس فقال )أما يوم الثنين فذاك‬
‫يوم ولدت فيه و بعثت فيه وانا أحب ان أصومه واما يوم الخميس فذلك يوم‬
‫ترفع العمال فيه الى الله وانا احب ان يرفع عملي وانا صائم ( فترفع‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العمال كل خميس من السماء الولى الى السماء السابعه لتجمع ثم رفع‬


‫سنوي كل شعبان فما تجمع في السنه يحفظ في اللوح المحفوظ فاذا مات‬
‫ابن ادم جمع العمل كله فختم عليه فاذا قامت القيامة تطايرت الصحف ثم‬
‫بلغك كتابك بيمينك أو شمالك )اللهم بلغنا كتبنا بأيماننا(‬
‫و تأمل في قوله صلى الله عليه وسلم في صيام الثنين و صيام غالب شعبان‬
‫)أني أحب أن يرفع عملي وأنا صائم( فما السر في بين رفع العمل والصيام‬
‫قالوا لن الصائم متلبس بطاعة )اللهم ذكرنا بك فل ننساك( فالنسان في‬
‫الصلة إذا كبر تكبيرة الحرام حرم عليه الكل والشرب والكلم الخارج عن‬
‫الصلة حتى يسلم و التسليم هو التحليل فإذا سلم حل له كل شيء فكذلك‬
‫الصائم إذا نوى الصوم حرم عليه الكل والشرب والجماع فاذا أذن المغرب‬
‫حل له كل شيء كذلك الحاج إذا دخل في النسك حرم عليه لبس المخيط‬
‫وقص الشعر والضافر التطيب والجماع الى اخره فاذا تحلل حل له كل شيء‬
‫فهذه حالت يكون حال العبد فيها أنه مقبل على الله بكليته لذلك فالمة في‬
‫هذا الزمان تصوم صوم ل قيمة له لنهم يظنون ان المقصود بالصيام تجويع‬
‫الجسد بالمتناع عن الكل والشرب والجماع وانتهى المر ل وربي فالصيام‬
‫المطلوب هو الذي يحقق التقوى أن تعيش العباده أن تعيش من الفجر الى‬
‫المغرب وأنت بين يدي الله عابد فان لم تكن عابدا فأنت له والله ل يقبل‬
‫العبادة من ساه لهي )اللهم أحي قلوبنا( المقصود أنه إذا كان الصائم عابدا‬
‫حضر قلبه واقشعر جسمه و خشعت نفسه واقبل بكليته على الله و خصوصا‬
‫قبل والمغرب و بعد العصر فانه يزداد إخباته و يزداد خشوعه فانه اذا رفع‬
‫العمل في هذا الوقت و هو صائم خاشع خاضع ذليل مقبل على ربه منكسر‬
‫فهذا حري أن يقبل عمله والعمل يرفع في شعبان فإياك ان تترك صيام‬
‫شعبان )اللهم اعنا على صيام شعبان(‬
‫السر الثاني من أسرار الصيام في شعبان لما سئل عنه رسول الله قال )هذا‬
‫شهر بين رجب و رمضان يغفل عنه كثير من الناس فأحب أن أحييه بالصيام‬
‫فيه دليل على استحباب احياء الوقات المغفول عنها بالطاعه‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حين تجد الناس في غفله في مكان ليس فيه لله ذاكر فهو مكان يكرهه الله‬
‫والسواق هي مكان الغفله قال صلى الله عليه وسلم )أحب بقاع الرض الى‬
‫الله المساجد و ابغض بقاع الرض الى الله السواق( لنها أمكان غفله لذلك‬
‫جعل للذاكر في السوق ثوابا ليس للذاكر في أي مكان قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ) إذا دخل أحدكم السوق فقال ل إله إل الله وحده ل شريك‬
‫له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف‬
‫حسنه( و هو حديث حسن صححه اللباني و قد ضعفه آخرون ‪ ,‬شيك بمليون‬
‫حسنه قابل للصرف الفوري لنه من الملك الذي ل حرج على فضله و يرزق‬
‫من يشاء بغير حساب هكذا الذاكر في غفلة الناس له أجر عظيم اللهم ذكرنا‬
‫بك فل ننساك قال الحبيب محمد صلى الله عليه و على آله وسلم ) عبادة‬
‫في الهرج كهجرة الي( قيل ما الهرج قال القتل القتل ففي شعبان يشتغل‬
‫الناس بالستعداد لرمضان فهم في غفله لتجهيز المأكولت والمشروبات‬
‫فهذه المشاغل في وسطها يستعد المؤمن لستقبال رمضان أن يصوم‬
‫شعبان كان وهيف بن الورد إذا دخل شعبان أقفل دكانه و أقبل على مصحفه‬
‫فتلى القرآن و كذلك ثبت هذا عن قيس الملئي كان إذا دخل شعبان ترك‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تجارته وأقبل على عبادة الله فمن هنا أصبح ضرورة الستعداد بدورة مكثفة‬
‫قصيرة لصيام رمضان في شعبان‬
‫السبب الثالث ‪ /‬هو أن صيام شعبان و ست من شوال كهيئة السنن القبليه‬
‫والبعديه للصلة فأحب العمال إلى الله هي الفرائض وأحب العمال الى الله‬
‫بعد الفرائض ما كان يحف بها قريبا منها و لذا سن الرسول صلى الله عليه و‬
‫سلم السنن الرواتب إثنا عشرة ركعة في اليوم والليله فأفضل الطاعات ما‬
‫كان يحف بالفرض فكان صيام شعبان بمثابة السنه القبليه و هذه السنن‬
‫تجبر النقص إلي يحصل في رمضان قال صلى الله عليه وسلم من حديث‬
‫طلحه ) ل يقولن أحدكم صمت رمضان كله و ل قمت رمضان كله قال راوي‬
‫الحديث فل أدري اكره رسول الله التزكيه أم ل بد للعبد من نقص ‪.‬‬
‫فالمقصود أن صيام شعبان لرمضان بمثابة السنه القبليه يعالج ما فيه من‬
‫خلل و يسد ما فيه من نقص قاله الشيخ ‪ /‬محمد حسين يعقوب‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثلثة وثلثون سببا للخشوع في الصلة‬


‫يعالج الدرس قضية يشتكي منها الكثيرون وهي كثرة الوساوس‪ ،‬وضعف‬
‫الخشوع في الصلة ويتناول حكم وفوائد الخشوع في الصلة‪ ،‬والسباب التي‬
‫تعين على ذلك ‪.‬‬
‫ن]‬ ‫موا ل ِل ّهِ َقان ِِتي َ‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬الذي قال في كتابه المبين وَُقو ُ‬
‫ن ] ‪45‬‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫‪ [ [238‬سورة البقرة ‪ .‬وقال عن الصلة وَإ ِن َّها ل َك َِبيَرة ٌ إ ِل ّ عََلى ال ْ َ‬
‫[[ سورة البقرة ‪ ،‬والصلة والسلم على إمام المتقين ‪ ،‬وسيد الخاشعين‪،‬‬
‫محمد رسول الله ‪ ،‬وعلى آله ‪ ،‬وصحبه أجمعين ‪ ،‬وبعد ‪،،،‬‬
‫فإن الصلة أعظم أركان الدين العملية ‪ ،‬والخشوع فيها من المطالب‬
‫الشرعية ‪ ،‬ولما كان عدو الله إبليس قد أخذ العهد على نفسه بإضلل بني‬
‫م‬ ‫خل ْفهم وعَ َ‬ ‫آدم وفتنتهم ‪ ،‬وقال ‪ [ :‬ث ُم لت ِينهم من بي َ‬
‫مان ِهِ ْ‬ ‫ن أي ْ َ‬ ‫ن َ ِ ِ ْ َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫َُّ ّ َْ ِ‬ ‫ّ‬
‫م ] ‪ ] [ 17‬سورة العراف ‪ ،‬صار من أعظم كيده ‪:‬‬ ‫مآئ ِل ِهِ ْ‬‫ش َ‬‫عن َ‬ ‫وَ َ‬
‫صرف الناس عن الصلة بشتى الوسائل ‪ ،‬والوسوسة لهم فيها ؛لحرمانهم‬
‫لذة هذه العبادة ‪ ،‬وإضاعة أجرهم ‪ ،‬وثوابهم ‪ .‬ولما كان الخشوع أول مايرفع‬
‫من الرض ‪ ،‬ونحن في آخر الزمان ‪ ،‬انطبق فينا قول حذيفة رضي الله عنه ‪:‬‬
‫] أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ‪ ،‬وآخر ماتفقدون من دينكم الصلة‪،‬‬
‫ل لخير فيه ‪ ،‬ويوشك أن تدخل المسجد‪،‬فل ترى فيهم خاشعا [‬ ‫ب مص ّ‬ ‫وُر ّ‬
‫المدارج ‪. 1/521‬‬
‫ومما يلمسه المرء من نفسه ‪ ،‬ويسمعه من كثرة المشتكين من حوله بشأن‬
‫قضية الوساوس في الصلة ‪ ،‬وفقدان الخشوع ؛ تتبين الحاجة إلى الحديث‬
‫عن هذا الموضوع ‪ ،‬وفيما يلي تذكرة لنفسي‪ ،‬ولخواني المسلمين‪ ،‬أسأل‬
‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن ] ‪ [ 1‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ح ال ْ ُ‬ ‫الله أن ينفع بها ‪ :‬قال الله تعالى ‪ { :‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫ن ] ‪ } [ 2‬سورة المؤمنون ‪ ،‬أي ‪ :‬خائفون ساكنون '‬ ‫شُعو َ‬‫خا ِ‬ ‫صَلت ِِهم َ‬
‫َ‬
‫والخشوع هو السكون ‪ ،‬والطمأنينة ‪ ،‬والتؤدة ‪ ،‬والوقار ‪ ،‬والتواضع ‪ .‬والحامل‬
‫عليه الخوف من الله ومراقبته ' تفسير ابن كثير ط‪ .‬دار الشعب ‪. 6/414‬‬
‫'والخشوع هو ‪ :‬قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع ‪ ،‬والذل ' ‪ .‬المدارج‬
‫‪. 1/520‬‬
‫ن ]‪ } [238‬سورة البقرة ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫موا ل ِلهِ قان ِِتي َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ويروى عن مجاهد أنه قال ‪ { ' :‬وَقو ُ‬
‫فمن القنوت ‪ :‬الركود ‪ ،‬و الخشوع ‪ ،‬و غض البصر ‪ ،‬و خفض الجناح من رهبة‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عز وجل ' تعظيم قدر الصلة ‪ .1/188‬ومحل الخشوع في القلب‪ ،‬وثمرته‬
‫على الجوارح ‪ ،‬والعضاء تابعة للقلب ‪ ،‬فإذا فسد خشوعه بالغفلة والوساوس‬
‫؛ فسدت عبودية العضاء ‪ ،‬والجوارح ؛ فإن القلب كالملك ‪ ،‬والعضاء كالجنود‬
‫عزل الملك بفقد القلب‬ ‫له ‪ ،‬فبه يأتمرون ‪ ،‬وعن أمره يصدرون ‪ ،‬فإذا ُ‬
‫لعبوديته؛ ضاعت الرعية‪،‬وهي الجوارح ‪.‬‬
‫وأما التظاهر بالخشوع فممقوت ‪ ،‬لن من علمات الخلص ‪ :‬إخفاء‬
‫الخشوع ‪ ،‬وكان حذيفة رضي الله عنه يقول ‪':‬إياكم ‪ ،‬وخشوع النفاق ؛ فقيل‬
‫له ‪ :‬وما خشوع النفاق ؟ قال ‪ :‬أن ترى الجسد خاشعا ‪ ،‬والقلب ليس بخاشع‬
‫' وقال الفضيل بن عياض ‪ ':‬كان ُيكره أن ُيري الرجل من الخشوع أكثر مما‬
‫في قلبه' ورأى بعضهم رجل خاشع المنكبين ‪ ،‬والبدن ؛ فقال ‪ :‬يافلن ‪،‬‬
‫الخشوع هاهنا ‪ ،‬وأشار إلى صدره ‪ ،‬ل هاهنا وأشار إلى منكبيه ‪ .‬المدارج‬
‫‪. 1/521‬‬
‫ً‬
‫وقال ابن القيم رحمه الله تعالى ـ مبّينا الفرق بين خشوع اليمان ‪ ،‬وخشوع‬
‫النفاق ـ ‪ ' :‬خشوع اليمان هو ‪ :‬خشوع القلب لله بالتعظيم ‪ ،‬و الجلل ‪ ،‬و‬
‫الوقار ‪ ،‬و المهابة ‪ ،‬و الحياء ؛ فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل ‪ ،‬و‬
‫الخجل ‪ ،‬و الحب ‪ ،‬و الحياء ‪ ،‬و شهود نعم الله ‪ ،‬وجناياته هو ؛ فيخشع القلب‬
‫ل محالة ‪ ،‬فيتبعه خشوع الجوارح ‪.‬‬
‫و أما خشوع النفاق ‪ ،‬فيبدو على الجوارح تصنعا ‪ ،‬وتكلفا ‪ ،‬والقلب غير‬
‫خاشع ‪ ،‬و كان بعض الصحابة يقول ‪ ':‬أعوذ بالله من خشوع النفاق ‪ ،‬قيل له ‪:‬‬
‫و ما خشوع النفاق ؟ قال ‪ :‬أن يرى الجسد خاشعا ‪ ،‬والقلب غير خاشع '‬
‫فالخاشع لله ؛ عبد قد خمدت نيران شهوته ‪ ،‬و سكن دخانها عن صدره ؛‬
‫فانجلى الصدر ‪ ،‬و أشرق فيه نور العظمة ؛ فماتت شهوات النفس للخوف ‪،‬‬
‫و الوقار الذي حشي به ‪ ،‬و خمدت الجوارح ‪ ،‬و توقر القلب ‪ ،‬و اطمأن إلى‬
‫الله ‪ ،‬و ذكره بالسكينة التي نزلت عليه من ربه ‪ ،‬فصار مخبتا له ‪.‬‬
‫و المخبت ‪ :‬المطمئن ؛ فإن الخبت من الرض ‪ :‬ما اطمأن ‪ ،‬فاستنقع فيه‬
‫الماء ‪ ،‬فكذلك القلب المخبت قد خشع ‪ ،‬واطمأن كالبقعة المطمئنة من‬
‫الرض التي يجري إليها الماء ‪ ،‬فيستقر فيها ‪ ،‬و علمته أن يسجد بين يدي ربه‬
‫إجلل له ‪ ،‬و ذل ‪ ،‬و انكسارا بين يديه سجدة ل يرفع رأسه عنها حتى يلقاه ‪...‬‬
‫فهذا خشوع اليمان ‪.‬‬
‫و أما التماوت ‪ ،‬و خشوع النفاق ‪ ،‬فهو ‪ :‬حال عند تكلف إسكان الجوارح‬
‫تصنعا ‪ ،‬و مراءاة ‪ .‬و نفسه في الباطن شابة ‪ ،‬طرية ذات شهوات ‪ ،‬و إرادات‬
‫‪ ،‬فهو يتخشع في الظاهر ‪ ،‬و حية الوادي‪ ،‬و أسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر‬
‫الفريسة ' كتاب الروح ص‪ 314:‬ط‪ .‬دار الفكر ‪ -‬الردن ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫' والخشوع في الصلة إنما يحصل لمن فّرغ قلبه لها ‪ ،‬واشتغل بها عما عداها‬
‫‪ ،‬وآثرها على غيرها ‪ ،‬وحيئذ تكون راحة له ‪ ،‬وقرة عين كما قال النبي صلى‬
‫صَلةِ [ ' تفسير ابن كثير‬ ‫ل قُّرة ُ عَي ِْني ِفي ال ّ‬ ‫جعِ َ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ ... ] :‬وَ ُ‬
‫‪ 5/456‬والحديث ‪ :‬رواه النسائي ‪ ،‬و أحمد ‪ 3/128‬وهو في صحيح الجامع‬
‫‪. 3124‬‬
‫وقد ذكر الله الخاشعين‪ ،‬والخاشعات في صفات عباده الخيار‪ ،‬وأخبر أنه أعد‬
‫ت‬ ‫ما ِ‬
‫سل ِ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫لهم مغفرة ‪ ،‬وأجرا عظيما ‪ ،‬فقال عز وجل ‪[ :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫صادِقات َوال ّ‬ ‫َ‬ ‫صادِِقين َوال ّ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫ن َوال ْ َ‬
‫قان َِتا ِ‬ ‫ت َوال ْ َ‬
‫قان ِِتي َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬‫مي َ‬ ‫صائ ِ ِ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫صد َّقا ِ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫صد ِّقي َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫شَعات َوال ْ ُ‬ ‫خا ِ‬ ‫شِعين َوال ْ َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫صاب َِرا ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫ت‬‫ذاك َِرا ِ‬ ‫ه كِثيًرا َوال ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ري َ‬ ‫ذاك ِ ِ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫َ‬
‫حافِظا ِ‬ ‫ْ‬
‫م َوال َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ن فُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ت َوال َ‬ ‫ما ِ‬ ‫صائ ِ َ‬ ‫َوال ّ‬
‫ما ] ‪ ] [ 35‬سورة الحزاب ‪. 35‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ظي ً‬ ‫جًرا عَ ِ‬ ‫فَرةً وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ه لُهم ّ‬ ‫أعَد ّ الل ُ‬
‫ومن فوائد الخشوع ‪ :‬أنه يخفف أمر الصلة على العبد قال تعالى ‪[ :‬‬
‫ن ] ‪ ] [ 45‬سورة‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫صل َةِ وَإ ِن َّها ل َك َِبيَرة ٌ إ ِل ّ عََلى ال ْ َ‬ ‫صب ْرِ َوال ّ‬ ‫ست َِعيُنوا ْ ِبال ّ‬ ‫َوا ْ‬
‫البقرة ‪ ' ،‬والمعنى ‪ :‬أي مشقة الصلة ثقيلة إل على الخاشعين ‪ ':‬تفسير ابن‬
‫كثير ‪. 125 /1‬‬
‫والخشوع أمر عظيم شأنه ‪ ،‬سريع فقده ‪ ،‬نادر وجوده خصوصا في زماننا ‪،‬‬
‫وهو من آخر الزمان‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ] :‬أول شيء يرفع من‬
‫هذه المة الخشوع ‪ ،‬حتى ل ترى فيها خاشعا [ قال الهيثمي في المجمع‬
‫‪ ' : 2/136‬رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن ' وهو في صحيح‬
‫الترغيب رقم ‪ 543‬وقال ‪ :‬صحيح ‪.‬‬
‫' قال بعض السلف ‪ :‬الصلة كجارية ُتهدى إلى ملك الملوك ‪ ،‬فما الظن بمن‬
‫لء ‪ ،‬أو عوراء ‪ ،‬أو عمياء ‪ ،‬أو مقطوعة اليد والّرجل‪ ،‬أو‬ ‫ُيهدي إليه جارية ش ّ‬
‫مريضة‪ ،‬أو دميمة‪ ،‬أو قبيحة‪ ،‬حتى يهدي إليه جارية ميتة بل روح ‪ ...‬فكيف‬
‫بالصلة يهديها العبد ويتقرب بها إلى ربه تعالى ؟! والله طيب ل يقبل إل‬
‫طيبا‪ ،‬وليس من العمل الطيب ‪ :‬صلة ل روح فيها ‪ .‬كما أّنه ليس من العتق‬
‫الطيب عتق عبد ل روح فيه ' المدارج ‪. 1/526‬‬
‫حكم الخشوع‬
‫والراجح في حكم الخشوع أنه ‪ :‬واجب ‪ ،‬قال شيخ السلم رحمه الله تعالى ‪:‬‬
‫ن]‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫صل َةِ وَإ ِن َّها ل َك َِبيَرة ٌ إ ِل ّ عََلى ال ْ َ‬ ‫صب ْرِ َوال ّ‬ ‫ست َِعيُنوا ْ ِبال ّ‬ ‫قال الله تعالى ‪َ[ :‬وا ْ‬
‫‪ ] [ 45‬سورة البقرة ‪ .‬وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين ‪ ...‬والذم ل يكون إل‬
‫لترك واجب ‪ ،‬أو فعل محّرم ‪.‬‬
‫ل ذلك على وجوب الخشوع ‪ ...‬ويدل‬ ‫وإذا كان غير الخاشعين مذمومين ‪ :‬د ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪[1‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ح ال ُ‬ ‫على وجوب الخشوع فيها أيضا ‪ ،‬قوله تعالى ‪ [ :‬قَد ْ أفْل َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن]‬ ‫وارُِثو َ‬ ‫م ال َ‬ ‫َ‬
‫ن ] ‪ -] [ 2‬إلى قوله‪ [ : -‬أوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫شُعو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صَلت ِهِ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن ] ‪ ] [ 11‬سورة المؤمنون ‪،‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫س هُ ْ‬ ‫فْرد َوْ َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ن ي َرُِثو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ [ 10‬ال ّ ِ‬
‫أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلء ‪ :‬هم الذين يرثون فردوس الجنة‪ ،‬وذلك يقتضي‬
‫أنه ‪ :‬ل يرثها غيرهم ‪ ...‬وإذا كان الخشوع في الصلة واجبا ‪ ،‬وهو المتضمن‬
‫للسكون ‪ ،‬والخشوع ]هكذا في الصل ولعلها الخضوع [ فمن نقر نقر الغراب‬
‫؛ لم يخشع في سجوده ‪ ،‬وكذلك ‪ :‬من لم يرفع رأسه في الركوع‪ ،‬ويستقر‬
‫قبل أن ينخفض ؛ لم يسكن ؛ لن السكون هو ‪ :‬الطمأنينة بعينها ‪.‬‬
‫فمن لم يطمئن ؛ لم يسكن ‪ .‬ومن لم يسكن ؛ لم يخشع في ركوعه ‪ ،‬ول في‬
‫سجوده ‪ ،‬ومن لم يخشع كان آثما عاصيا ‪ ...‬ويدل على وجوب الخشوع في‬
‫الصلة ‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد تاركيه كالذي يرفع بصره إلى‬
‫السماء ‪ ،‬فإنه حركته ورفعه ‪ ،‬وهو ضد حال الخاشع ‪ ' ...‬مجموع الفتاوى‬
‫‪. 558-22/553‬‬
‫فضل الخشوع ووعيد من تركه ‪:‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ت ََعالى َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ضهُ ّ‬ ‫ت افْت ََر َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫َ‬
‫صل َ‬ ‫س َ‬ ‫م ُ‬ ‫خ ْ‬‫يقول النبي صلى الله عليه وسلم‪َ ] :‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلى الل ِ‬ ‫نل ُ‬ ‫ن كا َ‬ ‫َ‬ ‫شوعَهُ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ُ‬
‫م ُركوعَهُ ّ‬ ‫ن وَأت َ ّ‬ ‫ن ل ِوَقْت ِهِ ّ‬ ‫صّلهُ ّ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ضوَءهُ ّ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ه وَإ ِ ْ‬ ‫فَر ل َ ُ‬ ‫شاَء غَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه عََلى الل ّهِ عَهْد ٌ إ ِ ْ‬ ‫س لَ ُ‬ ‫ل فَل َي ْ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫فَر ل َ ُ‬‫ن ي َغْ ِ‬ ‫عَهْد ٌ أ ْ‬
‫ه [ رواه أبو داود ‪ ,‬وهو في صحيح الجامع ‪. 3242‬‬ ‫شاَء عَذ ّب َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ضأ فأ ْ‬ ‫ن ت َوَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال عليه الصلة والسلم _ في فضل الخشوع أيضا _ ‪َ ] :‬‬
‫َ‬ ‫قل ْب ِهِ وَوَ ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ َ‬ ‫م َ ّ‬ ‫ال ْوُ ُ‬
‫ث‬ ‫د‬
‫ُ َ ّ ُ‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫‪:‬‬ ‫رواية‬ ‫جهِهِ _ وفي‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫قب ِ ُ‬‫ن يُ ْ‬ ‫صلى َرك ْعَت َي ْ ِ‬ ‫ضوَء ث ُ ّ‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة[‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫جن ّ ُ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ن ذ َن ْب ِهِ _وفي رواية ‪ :‬إ ِّل وَ َ‬
‫جب َ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫قد ّ َ‬
‫ما ت َ َ‬ ‫فَر ل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ه _ غُ ِ‬
‫س ُ‬
‫ف َ‬‫ما ن َ ْ‬
‫ِفيهِ َ‬
‫رواه البخاري ‪ ،‬و مسلم‪ ،‬والنسائي ‪.‬‬
‫وعند البحث في أسباب الخشوع في الصلة يتبين أنها تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬جلب ما يوجد الخشوع ويقويهوالثاني ‪ :‬دفع ما يزيل الخشوع‬
‫ويضعفه ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهو ما عّبر عنه شيخ السلم بن تيمية رحمه الله _ في بيانه لما يعين على‬
‫الخشوع _ فقال ‪ ' :‬و الذي يعين على ذلك شيئان ‪ :‬قوة المقتضى و ضعف‬
‫الشاغل ‪.‬‬
‫أما الول ‪ :‬قوة المقتضى ‪ :‬فاجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله و ما يفعله ‪،‬‬
‫و يتدبر القراءة ‪ ،‬و الذكر ‪ ،‬و الدعاء ‪ ،‬و يستحضر أنه مناٍج لله تعالى كأنه‬
‫َ‬
‫ن ت َعْب ُد َ‬ ‫يراه ‪ .‬فإن المصلي إذا كان قائما ‪ ،‬فإنما يناجي ربه ‪ ،‬و الحسان ‪ ] :‬أ ْ‬
‫ك [ ثم كلما ذاق العبد حلوة‬ ‫ه ي ََرا َ‬ ‫ن ت ََراه ُ فَإ ِن ّ ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ك ت ََراه ُ فَإ ِ ْ‬ ‫ه ك َأ َن ّ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫الصلة ؛ كان انجذابه إليها أوكد ‪ ،‬و هذا يكون بحسب قوة اليمان ‪.‬‬
‫و السباب المقوية لليمان كثيرة ‪ ،‬و لهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم‬
‫صَلةِ [‬ ‫ت قُّرةُ عَي ِْني ِفي ال ّ‬ ‫جعِل َ ْ‬ ‫ب وَ ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫ساُء َوال ّ‬ ‫ن الد ّن َْيا الن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬ ‫حب ّ َ‬ ‫يقول ‪ُ ] :‬‬
‫رواه النسائي ‪ ،‬و أحمد ‪.‬‬
‫ل [ رواه أبو داود ‪ ،‬و أحمد ‪ ،‬و لم‬ ‫صَلةِ َيا ب َِل ُ‬ ‫َ‬
‫حَنا ِبال ّ‬ ‫و في حديث آخر قال أرِ ْ‬
‫يقل ‪ :‬أرحنا منها ‪.‬‬
‫أما الثاني ‪ :‬زوال العارض ‪:‬‬
‫فهو الجتهاد في دفع ما يشغل القلب ‪ :‬من تفكر النسان فيما ل يعنيه ‪ ،‬و‬
‫تدبر الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلة ‪ ،‬و هذا في كل عبد‬
‫بحسبه ؛ فإن كثرة الوسواس بحسب كثرة الشبهات ‪ ،‬و الشهوات ‪ ،‬و تعليق‬
‫القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها ‪ ،‬والمكروهات التي‬
‫ينصرف القلب إلى دفعها ' مجموع الفتاوى ‪. 607-22/606‬‬
‫وبناء على هذا التقسيم نستعرض فيما يلي طائفة من أسباب الخشوع في‬
‫الصلة ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه‪ :‬وهذا يكون بأمور منها ‪:‬‬
‫] ‪ [ 1‬الستعداد للصلة والتهيؤ لها ‪ :‬ويحصل ذلك بأمور منها ‪ :‬الترديد مع‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫ب هَذِهِ الد ّعْوَةِ الّتا ّ‬ ‫م َر ّ‬ ‫المؤذن ‪ ،‬والتيان بالدعاء المشروع بعده الل ّهُ ّ‬
‫ذي‬ ‫موًدا ال ّ ِ‬ ‫ح ُ‬
‫م ْ‬‫ما َ‬ ‫قا ً‬‫م َ‬‫ه َ‬‫ة َواب ْعَث ْ ُ‬ ‫ضيل َ َ‬
‫ف ِ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫سيل َ َ‬ ‫دا ال ْوَ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ت ُ‬ ‫مةِ آ ِ‬ ‫صَلةِ ال ْ َ‬
‫قائ ِ َ‬ ‫َوال ّ‬
‫ه [ ‪ ...‬والدعاء بين الذان والقامة ‪ ،‬وإحسان الوضوء ‪ ،‬والتسمية قبله ‪،‬‬ ‫وَعَد ْت َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫شهَد ُ أ ّ‬ ‫ه وَأ ْ‬ ‫ك لَ ُ‬‫ري َ‬‫ش ِ‬ ‫حد َه ُ َل َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫ن َل إ ِل َ َ‬ ‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫والذكر والدعاء بعده ‪ ] :‬أ ْ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫َ‬
‫مت َطهّ ِ‬ ‫ن ال ُ‬‫ْ‬ ‫م ْ‬‫جعَلِني ِ‬‫ْ‬ ‫ن َوا ْ‬‫واِبي َ‬ ‫ن الت ّ ّ‬ ‫م ْ‬‫جعَلِني ِ‬ ‫ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫ّ‬
‫ه [ ‪ ] .‬اللهُ ّ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫دا عَب ْد ُه ُ وََر ُ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫[‪.‬‬
‫والعتناء بالسواك ‪ ،‬وهو تنظيف ‪ ،‬وتطييب للفم الذي سيكون طريقا للقرآن‬
‫م لل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫قْرآن [ رواه البزار وقال ‪ :‬ل نعلمه عن‬ ‫واهَك ُ ْ‬ ‫بعد قليل ؛لحديث ط َّهرُوا أفْ َ‬
‫علي بأحسن من هذا السناد كشف الستار ‪ 1/242‬وقال الهيثمي ‪ :‬رجاله‬
‫ثقات ‪ 2/99‬وقال اللباني إسناده جيد ‪ :‬الصحيحة ‪. 1213‬‬
‫ذوا ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف ‪ ،‬قال الله تعالى ‪َ [ :‬يا ب َِني آد َ َ‬
‫جد ٍ ] ‪ ] [ 31‬سورة العراف‪ ،‬والله عز وجل أحقّ من‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عند َ ك ُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ِزين َت َك ُ ْ‬
‫ُتزّين له ‪ ،‬كما أن الثوب الحسن الطيب الرائحة يعطي صاحبه راحة نفسية ‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بخلف ثوب النوم والمهنة ‪.‬‬


‫وكذلك الستعداد بستر العورة ‪ ،‬وطهارة البقعة ‪ ،‬والتبكير ‪ ،‬وانتظار الصلة ‪،‬‬
‫فَرج بين‬ ‫وكذلك تسوية الصفوف ‪ ،‬والتراص فيها ؛ لن الشياطين تتخلل ال ُ‬
‫الصفوف ‪.‬‬
‫ى‬
‫حت ّ َ‬
‫ن َ‬‫مئ ِ ّ‬‫م ي َط ْ َ‬
‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬‫] ‪ [2‬الطمأنينة في الصلة ‪َ ] :‬‬
‫ضعِهِ [ صحح إسناده في صفة الصلة ص‪ 134 :‬ط‪11.‬‬ ‫مو ِ‬ ‫ل عَظ ْم ٍ إلى َ‬ ‫جع َ ك ُ ّ‬
‫ي َْر ِ‬
‫وعند ابن خزيمة نحوه كما ذكر الحافظ في الفتح ‪ 2/308‬وأمر بذلك المسيء‬
‫َ‬
‫ك [ رواه أبو داود ‪ .‬و عن‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ َ‬
‫حّتى ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حدِك ُ ْ‬ ‫صَلة ُ أ َ‬
‫م َ‬ ‫صلته وقال له ‪َ ] :‬ل ت َت ِ ّ‬
‫س‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سوَأ الّنا ِ‬ ‫أبي قتادة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم أ ْ‬
‫صَلت ِهِ [ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪:‬وكيف يسرق من‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سرِقُ ِ‬‫ذي ي َ ْ‬‫ة ال ّ ِ‬
‫سرِقَ ً‬‫َ‬
‫ها [ رواه أحمد ‪ ،‬والحاكم ‪229 /1‬‬ ‫جود َ َ‬‫س ُ‬ ‫َ‬
‫م ُركوعََها وَل ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صلته ؟! قال ‪ ] :‬ل ي ُت ِ ّ‬
‫وهو في صحيح الجامع ‪. 997‬‬
‫وعن أبي عبد الله الشعري رضي الله عنه قال ‪ :‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫م ركوعه ‪ ،‬وينقر في سجوده ‪ ،‬مثل الجائع يأكل التمرة‬ ‫وسلم مثل الذي ل يت ّ‬
‫والتمرتين ‪ ،‬ل يغنيان عنه شيئا [ رواه الطبراني في الكبير ‪ 4/115‬وقال في‬
‫صحيح الجامع ‪ :‬حسن‪ .‬والذي ل يطمئن في صلته ‪ ،‬ل يمكن أن يخشع ‪ ،‬لن‬
‫السرعة تذهب بالخشوع ‪ ،‬ونقر الغراب يذهب بالثواب ‪.‬‬
‫] ‪ [ 3‬تذكر الموت في الصلة‪ :‬لقوله صلى الله عليه وسلم اذكر الموت في‬
‫صلتك ‪ ،‬فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلته لحريّ أن يحسن صلته ‪ ،‬وص ّ‬
‫ل‬
‫صلة رجل ل يظن أنه يصلي غيرها [ السلسلة الصحيحة لللباني ‪،1421‬‬
‫ونقل عن السيوطي تحسين الحافظ ابن حجر رحمه الله لهذا الحديث ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وفي هذا المعنى أيضا ‪ :‬وصية النبي صلى الله عليه وسلم لبي أيوب رضي‬
‫موَد ٍّع [رواه أحمد ‪ ,‬وهو‬ ‫صَلة َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫صَلت ِ َ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫الله عنه لما قال له إ َِذا قُ ْ‬
‫م َ‬
‫في صحيح الجامع رقم ‪ . 742‬يعني ‪ :‬صلة من يظن أنه لن يصلي غيرها ‪،‬‬
‫ما هي آخر صلة له ‪،‬‬ ‫وإذا كان المصلي سيموت ولبد ‪ ،‬فإن هناك صلة ّ‬
‫فليخشع في الصلة التي هو فيها ‪ ،‬فإنه ل يدري ‪ :‬لعلها تكون هذه هي ‪.‬‬
‫] ‪ [ 4‬تدبر اليات المقروءة ‪ ،‬وبقية أذكار الصلة ‪ ،‬والتفاعل معها ‪ :‬القرآن‬
‫نزل للتدبر‬
‫ب ] ‪] [ 29‬سورة‬ ‫با‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫و‬ ‫ك ل ّيدبروا آيات ِه ول ِيتذ َك ّر أ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ر‬ ‫با‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ ِ‬ ‫َ ِ َ ََ َ ْ‬ ‫َ ُّّ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ب أنَز َ ُ ِ ْ‬
‫ي‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ل‬ ‫[ ك َِتا ٌ‬
‫كر ؛ فينتج‬ ‫ص ‪ ،‬ول يحصل التدبر إل بالعلم بمعنى ما يقرأ ‪ ،‬فيستطيع التف ّ‬
‫خّروا‬ ‫م يَ ِ‬‫م لَ ْ‬‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫ن إ َِذا ذ ُك ُّروا ِبآَيا ِ‬ ‫ذي َ‬‫الدمع ‪ ،‬والتأثر ‪ ،‬قال الله تعالى ‪َ [ :‬وال ّ ِ‬
‫مَياًنا ] ‪ ] [ 79‬سورة الفرقان ‪ .‬وهنا يتبين أهمية العتناء‬ ‫ما وَعُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫عَل َي َْها ُ‬
‫بالتفسير ‪ ،‬قال ابن جرير رحمه الله ‪ ' :‬إني لعجب ممن قرأ القرآن ‪ ،‬ولم‬
‫يعلم تأويله _ أي ‪ :‬تفسيره _ كيف يلتذ بقراءته ' مقدمة تفسير الطبري‬
‫دبر كثيرا ‪ :‬ترديد اليات ؛ لنه يعين‬ ‫لمحمود شاكر ‪. 1/10‬ومما ُيعين على الت ّ‬
‫كر ‪ ،‬ومعاودة النظر في المعنى ‪ .‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫على التف ّ‬
‫حّتى‬ ‫َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫صّلى ل َي ْل َ ً‬
‫قَرأ ِبآي َةٍ َ‬ ‫يفعل ذلك ‪ ،‬فقد جاء ‪ :‬أنه صلى الله عليه وسلم ‪َ ] :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫فْر لهُ ْ‬ ‫َ‬
‫عَباد ُك وَِإن ت َغْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫جد ُ ب َِها ‪ ،‬وهي ‪ِ [ :‬إن ت ُعَذ ّب ْهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ي َْرك َعُ ب َِها وَي َ ْ‬ ‫صب َ َ‬
‫أ ْ‬
‫فَإن َ َ‬
‫م ] ‪ ] [ 118‬سورة المائدة [ رواه ابن خزيمة ‪ ,‬وأحمد‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن َ‬ ‫ِّ‬
‫‪ ,‬وهو في صفة الصلة ص‪. 102 :‬‬
‫وكذلك ‪ :‬فإن مما يعين على التدبر التفاعل مع اليات ‪ ،‬كما روى حذيفة قال ‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫]صل ّيت مع النبي صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّم َذات ل َيل َة ‪ ...‬ي ْ ُ‬
‫مّر ِبآي َةٍ‬ ‫سًل إ َِذا َ‬ ‫مت ََر ّ‬ ‫قَرأ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ٍ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ُ َ َ ِّ ّ َ‬
‫مّر ب ِت َعَوّذ ٍ ت َعَوّذ َ [ رواه مسلم ‪ ،‬وفي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سأل وَإ َِذا َ‬ ‫ل َ‬ ‫س َ‬
‫ؤا ٍ‬ ‫مّر ب ِ ُ‬ ‫ح وَإ َِذا َ‬ ‫سب ّ َ‬‫ح َ‬ ‫سِبي ٌ‬ ‫ِفيَها ت َ ْ‬
‫رواية ‪] :‬صليت مع رسول الله ليلة ‪ ،‬فكان إذا مر بآية رحمة سأل ‪ ،‬و إذا مر‬
‫بآية عذاب تعوذ ‪ ،‬و إذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح [ تعظيم قدر الصلة‬
‫‪ 1/327‬وقد جاء هذا في قيام الليل ‪ .‬وقام أحد الصحابة ـ وهو قتادة بن‬
‫ل هُو الل ّ َ‬
‫حد ٌ ] ‪ ] [ 1‬يرددها ل‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫النعمان رضي الله عنه ـ الليل ليقرأ إل ‪ [ :‬قُ ْ َ‬
‫يزيد عليها ‪.‬رواه البخاري ‪ ،‬وأحمد ‪. 3/43‬‬
‫وقال سعيد بن عبيد الطائي ‪ ' :‬سمعت سعيد بن جبير يؤمهم في شهر‬
‫َ‬ ‫ن إ ِذِ اْل َغَْل ُ‬
‫م‬
‫ل ِفي أعَْناقِهِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ي َعْل َ ُ‬‫سو ْ َ‬ ‫رمضان وهو يرّدد هذه الية ‪ [:‬فَ َ‬
‫ن ] ‪ ] [ 72‬سورة‬ ‫جُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي الّنارِ ي ُ ْ‬ ‫ميم ِ ث ُ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ] ‪ِ [ 71‬في ال َ‬ ‫حُبو َ‬ ‫س َ‬‫ل يُ ْ‬ ‫س ُ‬‫سَل ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫قوا ْ‬‫يس ' ‪ .‬وقال القاسم ‪ ' :‬رأيت سعيد بن جبير قام ليلة يصلي ‪ ،‬فقرأ ‪َ [:‬وات ّ ُ‬
‫ن]‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬ ‫ن ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ت ُْر َ‬ ‫ي َوْ ً‬
‫‪ ] [ 281‬سورة البقرة ‪ ،‬فرددها بضعا وعشرين مرة '‪ .‬وقال رجل من قيس‬
‫ُيكنى ‪ :‬أبا عبد الله ‪ ' :‬بتنا ذات ليلة عند الحسن ‪ ،‬فقام من الليل ‪ ،‬فصلى ‪،‬‬
‫ها ] ‪18‬‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة الل ّهِ ل َ ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ْ ن ِعْ َ‬‫سحر ‪ [ :‬وَِإن ت َعُ ّ‬ ‫فلم يزل يردد هذه الية حتى ال ّ‬
‫[ ] سورة إبراهيم ‪ ،‬فلما أصبح قلنا ‪ :‬يا أبا سعيد ‪ :‬لم تكد تجاوز هذه الية‬
‫سائر الليل ‪ ،‬قال ‪ :‬أرى فيها معتبرا ‪ ،‬ما أرفع طرفا ول أرّده إل وقد وقع على‬
‫نعمة وما ل ُيعلم من نعم الله أكثر ' التذكار في أفضل الذكار للقرطبي ص‪:‬‬
‫‪. 125‬‬
‫وكان هارون بن رباب السيدي يقوم من الليل للتهجد فربما ردد هذه الية‬
‫ن]‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ت َرب َّنا وَن َ ُ‬ ‫ب ِبآَيا ِ‬ ‫قاُلوا ْ َيا ل َي ْت ََنا ن َُرد ّ وَل َ ن ُك َذ ّ َ‬
‫حتى ُيصبح ‪[ :‬فَ َ‬
‫‪ ] [ 27‬سورة النعام‪ .‬ويبكي حتى ُيصبح‪ .‬ومما يعين على التدبر أيضا ‪ :‬حفظ‬
‫كر‬‫القرآن ‪ ،‬والذكار المتنوعة في الركان المختلفة ‪ ،‬ليتلوها ويذكرها ؛ ليتف ّ‬
‫فيها ‪ .‬ول شك أن هذا العمل ـ من التدبر والتفكر والترديد والتفاعل ـ من‬
‫ن ي َب ْ ُ‬ ‫خرو َ َ‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫ن ل ِلذ َْقا ِ‬ ‫أعظم ما يزيد الخشوع كما قال الله تعالى ‪ [ :‬وَي َ ِ ّ‬
‫عا ] ‪ ] [ 109‬سورة الفرقان ‪.‬‬ ‫شو ً‬ ‫خ ُ‬‫م ُ‬ ‫زيد ُهُ ْ‬
‫وَي َ ِ‬
‫)‪(4 /‬‬

‫وفيما يلي قصة مؤثرة يتبين فيها تدبره ‪ ،‬وخشوعه صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫مع بيان وجوب التفكر في اليات ‪:‬فعن عطاء قال ‪ ':‬دخلت أنا ‪ ،‬وعبيد بن‬
‫دثينا بأعجب شيء‬ ‫عمير على عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬فقال ابن عمير ‪ :‬ح ّ‬
‫رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فبكت وقالت ‪ :‬قام ليلة من‬
‫ب قربك ‪،‬‬ ‫الليالي فقال‪ ] :‬يا عائشة ‪ :‬ذريني أتعّبد لربي [ قلت ‪ :‬والله إني لح ّ‬
‫وأحب ما يسّرك ‪ ،‬فقام ‪ ،‬فتطهر ‪ ،‬ثم قام يصلي ‪ ،‬فلم يزل يبكي حتى ب ّ‬
‫ل‬
‫ل الرض ‪ ،‬وجاء بلل يؤذنه بالصلة ‪،‬‬ ‫حجره ‪ ،‬ثم بكى ‪ ،‬فلم يزل يبكي حتى ب ّ‬
‫دم من ذنبك‬ ‫فلما رآه يبكي قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬تبكي ‪ ،‬وقد غفر الله لك ما تق ّ‬
‫ي الليلة آيات ويل‬ ‫خر ؟ قال ‪ ] :‬أفل أكون عبدا شكورا ؟ لقد نزلت عل ّ‬ ‫وما تأ ّ‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫خت ِل ِ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ق ال ّ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫لمن قرأها ‪ ،‬ولم يتفكر ما فيها ‪ [ :‬إ ِ ّ‬
‫الل ّي ْل والن ّهار لَيا ٍ ُ‬
‫ب ] ‪ ] [ 190‬سورة آل عمران ' رواه ابن‬ ‫ت ّلوِْلي الل َْبا ِ‬ ‫ِ َ َ ِ‬
‫حّبان ‪ ,‬وقال في السلسلة الصحيحة رقم ‪ : 68‬وهذا إسناد جيد ‪.‬‬
‫ومن التجاوب مع اليات ‪ :‬التأمين بعد الفاتحة ‪ ،‬وفيه أجر عظيم ‪ ،‬قال رسول‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مين ُ ُ‬‫ن َوافَقَ ت َأ ِ‬
‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫مُنوا فَإ ِن ّ ُ‬
‫م فَأ ّ‬ ‫ن اْل ِ َ‬
‫ما ُ‬ ‫م َ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ] :‬إ َِذا أ ّ‬
‫ْ‬
‫ن ذ َن ْب ِهِ [ رواه البخاري رقم ‪ . 747‬وهكذا‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫قد ّ َ‬
‫ما ت َ َ‬ ‫فَر ل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫مَلئ ِك َةِ غُ ِ‬
‫ن ال ْ َ‬
‫مي َ‬‫ت َأ ِ‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التجاوب مع المام في قوله ‪ :‬سمع الله لمن حمده ‪ ،‬فيقول المأموم ‪ :‬ربنا ‪،‬‬
‫ولك الحمد ‪ ،‬وفيه أجر عظيم ‪ ،‬فعن رفاعة بن رافع الزرقي قال ‪ :‬كنا يوما‬
‫نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال ‪:‬‬
‫مد َه ُ [ ‪ ،‬قال رجل وراءه ‪ :‬ربنا ‪ ،‬ولك الحمد حمدا كثيرا ‪،‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه لِ َ‬‫معَ الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫] َ‬
‫م ؟ [‪ ،‬قال ‪ :‬أنا ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫مت َك َل ّ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫طيبا ‪ ،‬مباركا فيه ‪ ،‬فلما انصرف قال ‪َ ] :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مل َ ً‬ ‫َ‬
‫ل [ رواه البخاري الفتح ‪.‬‬ ‫م ي َك ْت ُب َُها أوّ ُ‬ ‫كا ي َب ْت َدُِرون ََها أي ّهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ة وَث ََلِثي َ‬ ‫ضعَ ً‬ ‫ت بِ ْ‬ ‫] َرأي ْ ُ‬
‫ة آية ‪ :‬وذلك أدعى للفهم ‪ ،‬والتدبر ‪ ،‬وهي سنة النبي‬ ‫طع قراءته آي ً‬ ‫] ‪ [ 5‬أن يق ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم كما ذكرت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله‬
‫ن‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫حيم ِ ال ْ َ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫سم ِ الل ّهِ الّر ْ‬
‫ح َ‬ ‫عليه وسلم ‪ { ] :‬ب ِ ْ‬
‫عّ‬
‫قط ُ‬ ‫ة _ ] و في رواية _ ‪ ] :‬ي ُ َ‬ ‫ة آي َ ً‬ ‫ه آي َ ً‬ ‫قطعُ قَِراَءت َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن يُ َ‬‫دي ِ‬ ‫ك ي َوْم ِ ال ّ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫حيم ِ َ‬ ‫الّر ِ‬
‫م‬ ‫حيم ِ ] ث ُ ّ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫ن ] ثُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫قو ُ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬ ‫ف { الّر ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫مد ُ ل ِلهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ‪ { :‬ال َ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫قَِراَءت َ ُ‬
‫ف [ رواه أبو داود‪ ،‬و الترمذي ‪ ,‬وصححه اللباني في الرواء وذكر طرقه‬ ‫ق ُ‬ ‫يَ ِ‬
‫‪ . 2/60‬والوقوف عند رؤوس الي سّنة ‪ ،‬وإن تعلقت في المعنى بما بعدها ‪.‬‬‫ّ‬
‫ل‬ ‫] ‪ [ 6‬ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها ‪ :‬كما قال الله عز وجل ‪ { :‬وََرت ّ ِ‬
‫ن ت َْرِتيًل ] ‪ ] [ 4‬سورة المزمل ‪ ،‬وكانت قراءته صلى الله عليه وسلم ‪] :‬‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫حْرًفا [ رواه أحمد بسند صحيح صفة الصلة ‪ :‬ص‪. 105 :‬‬ ‫حْرًفا َ‬ ‫سَرةً َ‬ ‫ف ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫كو‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫ها‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫سو‬ ‫بال‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫َ‬
‫ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ ِ َ َ َ َ َ ِ ّ َ ِ َُ ّ َ َ ّ َ‬ ‫] َ َ َ‬
‫ن‬ ‫كا‬ ‫و‬
‫من َْها [ رواه مسلم رقم ‪ . 733‬وهذا الترتيل ‪ ،‬والترسل أدعى للتفكر‬ ‫ل ِ‬ ‫أ َط ْوَ َ‬
‫والخشوع بخلف السراع والعجلة ‪.‬‬
‫ومما يعين على الخشوع أيضا ‪ :‬تحسين الصوت بالتلوة ‪ ،‬وفي ذلك وصايا‬
‫نبوية منها ‪:‬قوله صلى الله عليه و سلم ‪ ] :‬زينوا القرآن بأصواتكم فإن‬
‫الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا [ أخرجه الحاكم ‪ 1/575‬و هو في صحيح‬
‫الجامع رقم ‪. 3581‬‬
‫وليس المقصود بتحسين الصوت ‪ :‬التمطيط ‪ ،‬والقراءة على ألحان أهل‬
‫الفسق ‪ ،‬وإنما جمال الصوت مع القراءة بحزن ‪ ،‬كما قال النبي صلى الله‬
‫قرأ ُ‬ ‫عليه وسلم ‪ ] :‬إن م َ‬
‫موه ُ ي َ ْ َ‬ ‫معْت ُ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ذي إ َِذا َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫صوًْتا ِبال ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ّ ِ ْ‬
‫ه [ رواه إبن ماجه ‪ ,‬و هو في صحيح الجامع رقم ‪. 2202‬‬ ‫شى الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫موه ُ ي َ ْ‬ ‫سب ْت ُ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫] ‪ [ 7‬أن يعلم أن الله ُيجيبه في صلته ‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ل فَإ َِذا‬ ‫سأ َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫دي َ‬ ‫ن وَل ِعَب ْ ِ‬ ‫في ْ ِ‬
‫ص َ‬‫دي ن ِ ْ‬ ‫ن عَب ْ ِ‬ ‫صَلة َ ب َي ِْني وَب َي ْ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫س ْ‬‫ه ت ََعاَلى قَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫] َقا َ‬
‫دي وَإ َِذا َقا َ‬
‫ل‬ ‫مد َِني عَب ْ ِ‬ ‫ح ِ‬‫ه ت ََعاَلى َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬‫ل ال ْعَب ْد ُ ال ْ َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫دي ِ‬ ‫ك ي َوْم ِ ال ّ‬ ‫مال ِ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫دي وَإ َِذا َقا َ‬ ‫ي عَب ْ ِ‬ ‫ه ت ََعاَلى أث َْنى عَل َ ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫حيم ِ َقا َ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫ك‬‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬ ‫ل إ ِّيا َ‬ ‫دي فَإ َِذا َقا َ‬
‫َ‬
‫ي عَب ْ ِ‬ ‫ض إ ِل َ ّ‬‫مّرة ً فَوّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫دي وََقا َ‬ ‫جد َِني عَب ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫صَراطَ‬ ‫ل اهْدَِنا ال ّ‬ ‫ل فَإ َِذا َقا َ‬ ‫سأ َ‬ ‫ما َ‬ ‫دي َ‬ ‫دي وَل ِعَب ْ ِ‬ ‫ن عَب ْ ِ‬ ‫ذا ب َي ِْني وَب َي ْ َ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ست َِعي ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ن َقا َ‬ ‫ضالي َ‬ ‫م وَل ال ّ‬ ‫ب عَلي ْهِ ْ‬ ‫ضو ِ‬ ‫مغْ ُ‬ ‫م غَي ْرِ ال َ‬ ‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن أن ْعَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫صَراط ال ِ‬ ‫م ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل [ رواه مسلم رقم ‪ . 395‬وهذا حديث عظيم‬ ‫َ‬
‫سأ َ‬ ‫هَ َ‬
‫ما َ‬ ‫دي َ‬ ‫دي وَل ِعَب ْ ِ‬ ‫ذا ل ِعَب ْ ِ‬
‫ل ؛لحصل له خشوع بالغ ‪ ،‬ولوجد للفاتحة أثرا‬ ‫جليل ‪ ،‬لو استحضره كل مص ّ‬
‫عظيما ‪ ،‬كيف ل ؟! وهو يستشعر أن رّبه يخاطبه ‪ ،‬ثم يعطيه سؤله ‪.‬‬
‫وينبغي إجلل هذه المخاطبة ‪ ،‬وقدرها حقّ قدرها ‪ ،‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ] :‬إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه فلينظر كيف‬
‫يناجيه [ مستدرك الحاكم ‪ 1/236‬و هو في صحيح الجامع رقم ‪1538‬‬
‫] ‪ [ 8‬الصلة إلى سترة ‪ ،‬و الدنو منها ‪:‬من المور المفيدة لتحصيل الخشوع‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الصلة ‪ :‬الهتمام بالسترة ‪ ،‬والصلة إليها ؛ فإن ذلك أقصر لنظر المصلي‬
‫وش‬ ‫‪ ،‬وأحفظ له من الشيطان ‪ ،‬وأبعد له عن مرور الناس بين يديه ‪ ،‬فإنه يش ّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫حد ُك ْ‬ ‫صّلى أ َ‬ ‫‪ ،‬وُينقص أجر المصلي ‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ] :‬إ َِذا َ‬
‫من َْها [ رواه ابن ماجه ‪ ،‬و هو في صحيح الجامع رقم‬ ‫ن ِ‬ ‫ست َْرةٍ وَل ْي َد ْ ُ‬ ‫ل إ َِلى ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫فَل ْي ُ َ‬
‫‪ . 651‬وللدنو من السترة فائدة عظيمة ‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم ‪ ] :‬إ َِذا‬
‫صَلَته [ رواه أبو‬ ‫َ‬
‫ن عَل َي ْهِ َ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬ ‫قط َعْ ال ّ‬ ‫من َْها َل ي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ست َْرةٍ فَل ْي َد ْ ُ‬ ‫م إ َِلى ُ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬‫صّلى أ َ‬ ‫َ‬
‫داود ‪ ،‬وهو في صحيح الجامع رقم ‪. 650‬والسّنة في الدنوّ من السترة أن‬
‫يكون بينه‪،‬وبين السترة ‪ :‬ثلثة أذرع ‪ ،‬وبينها ‪ ،‬وبين موضع سجوده ‪ :‬ممّر شاة‬
‫‪ ،‬كما ورد في الحاديث الصحيحة ‪.‬‬
‫وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم المصلي ‪ :‬بأن ل يسمح لحد أن يمّر بينه‬
‫َ‬ ‫كا َ‬
‫ه‬
‫ن ي َد َي ْ ِ‬‫مّر ب َي ْ َ‬
‫دا ي َ ُ‬
‫ح ً‬‫صّلي فََل ي َد َع ْ أ َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫وبين سترته ‪ ،‬فقال ‪ ] :‬إ َِذا َ َ‬
‫ن [ رواه البخاري ‪ ،‬و‬ ‫طا ٌ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ما هُوَ َ‬ ‫ه فَإ ِن ّ َ‬ ‫قات ِل ْ ُ‬‫ن أ ََبى فَل ْي ُ َ‬ ‫طاع َ فَإ ِ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ْ‬
‫ْ‬
‫وَل ْي َد َْرأه ُ َ‬
‫ف البصر‬ ‫مسلم ‪ .‬قال النووي رحمه الله تعالى ‪ ' :‬والحكمة في السترة ‪ :‬ك ّ‬
‫عما وراءه ‪ ،‬ومنع من يجتاز بقربه ‪ ..‬وتمنع الشيطان المرور ‪ ،‬والتعرض‬
‫لفساد صلته ' شرح صحيح مسلم ‪. 4/216‬‬
‫صدر‪ :‬كان النبي صلى الله عليه‬ ‫] ‪ [ 9‬وضع اليمنى على اليسرى على ال ّ‬
‫سَرى [ رواه مسلم ‪ .‬و‬ ‫ُ ْ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫نى‬ ‫ضعَ ي َد َهُ ال ْي ُ ْ َ‬
‫م‬ ‫وسلم إذا قام في الصلة ‪ ] :‬وَ َ‬
‫] كان يضعهما على الصدر [ رواه أبوداود ‪ ،‬وانظر ‪ :‬إرواء الغليل ‪. 2/71‬‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ] :‬إنا معشر النبياء أمرنا ‪ ..‬أن نضع‬
‫أيماننا على شمائلنا في الصلة [ رواه الطبراني في المعجم الكبير رقم‬
‫‪ 11485‬قال الهيثمي ‪ :‬رواه الطبراني في الوسط ورجاله رجال الصحيح ؛‬
‫المجمع ‪ . 3/155‬وسئل المام أحمد رحمه الله تعالى عن ‪ :‬المراد بوضع‬
‫ل بين يدي العزيز'‬ ‫اليدين إحداهما على الخرى حال القيام ‪ ،‬فقال ‪ ':‬هو ذ ّ‬
‫الخشوع في الصلة لبن رجب ص‪ . 21:‬و قال ابن حجر رحمه الله تعالى ‪':‬‬
‫قال العلماء ‪ :‬الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل‪ ،‬وهو أمنع من‬
‫العبث‪ ،‬وأقرب إلى الخشوع' فتح الباري ‪.2/224‬‬
‫]‪ [10‬النظر إلى موضع السجود ‪ :‬لما ورد عن عائشة ‪ ،‬قالت ‪ ] :‬كان رسول‬
‫الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى طأطأ رأسه ‪ ،‬و رمى ببصره نحو‬
‫الرض [ رواه الحاكم ا‪ 479/‬وقال صحيح على شرط الشيخين‪ ,‬و وافقه‬
‫اللباني صفة الصلة ص ‪ ] . 89‬و لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع‬
‫سجوده حتى خرج عنها [ رواه الحاكم في المستدرك ‪ 479/ 1‬وقال صحيح‬
‫على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ‪ ،‬قال اللباني ‪ :‬وهو كما قال ؛ إرواء‬
‫الغليل ‪2/73‬‬
‫أما إذا جلس للتشهد فإنه ينظر إلى أصبعه المشيرة وهو يحركها لما جاء عنه‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا جلس للتشهد ‪ ] :‬يشير بأصبعه التي تلي‬
‫البهام إلى القبلة ‪ ,‬ويرمي ببصره إليها[ رواه ابن خزيمة ‪ 1/355‬رقم ‪719‬‬
‫وقال المحقق ‪ :‬إسناده صحيح وانظر صفة الصلة ص‪ . 139 :‬وفي رواية ‪:‬‬
‫ه [ رواه أحمد ‪ ,‬وأبو داود‪.‬‬ ‫شاَرت َ ُ‬ ‫صُره ُ إ ِ َ‬ ‫جاوِْز ب َ َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫سّباب َةِ وَل َ ْ‬
‫شاَر ِبال ّ‬ ‫] وَأ َ َ‬
‫مسألة ‪ :‬وهنا سؤال يدور في أذهان بعض المصلين وهو ‪ :‬ما حكم إغماض‬
‫العينين في الصلة خصوصا ‪ ،‬وأن المرء قد يحس بمزيد من الخشوع إذا فعل‬
‫ذلك ؟‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والجواب ‪ :‬أن ذلك مخالف للسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم _‬
‫وت سنة النظر إلى موضع السجود ‪،‬‬ ‫دم قبل قليل _ ثم إن الغماض يف ّ‬ ‫كما تق ّ‬
‫وإلى الصبع ‪ .‬ولكن هناك شيء من التفصيل في المسألة ‪ ،‬فلنفسح المكان‬
‫للعلمة أبي عبد الله ابن القيم يبين المر‪ ،‬ويجّليه ‪ ،‬قال رحمه الله تعالى ‪' :‬‬
‫دم‬ ‫ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تغميض عينيه في الصلة ‪ ،‬وقد تق ّ‬
‫أنه كان في التشهد يومئ ببصره إلى أصبعه في الدعاء ول ُيجاوز بصره‬
‫إشارته ‪.‬‬
‫ل على ذلك مد ّ يده في صلة الكسوف ؛ ليتناول العنقود لما رأى الجنة‬ ‫وقد يد ّ‬
‫‪ ،‬وكذلك رؤيته النار ‪ ،‬وصاحبة الهرة فيها ‪ ،‬وصاحب المحجن ‪ ،‬وكذلك حديث‬
‫مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمّر بين يديه ‪ ،‬ورّده الغلم والجارية ‪ ،‬وحجزه‬
‫بين الجاريتين ‪ ،‬وكذلك أحاديث رد ّ السلم بالشارة على من سّلم عليه ‪ ،‬وهو‬
‫في الصلة ‪ ،‬فإنه إنما كان يشير إلى من يراه ‪ ،‬وكذلك حديث تعّرض‬
‫الشيطان له ؛ فأخذه ‪ ،‬فخنقه ‪ ،‬وكان ذلك رؤية عين ‪ .‬فهذه الحاديث ‪،‬‬
‫وغيرها ‪ُ :‬يستفاد من مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلة ‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في كراهته ‪ ،‬فكرهه المام أحمد ‪ ،‬وغيره وقالوا ‪ :‬هو فعل‬
‫اليهود ‪ ،‬وأباحه جماعة ولم يكرهوه ‪ ...‬والصواب أن ُيقال ‪ :‬إن كان تفتيح‬
‫ل بالخشوع ‪ ،‬فهو أفضل ‪ .‬وإن كان يحول بينه ‪ ،‬وبين الخشوع لما‬ ‫العين ل ُيخ ّ‬
‫وش عليه قلبه ؛ فهنالك‬ ‫في قبلته من الزخرفة ‪ ،‬والتزويق ‪ ،‬أو غيره مما يش ّ‬
‫ل ُيكره التغميض قطعا ‪ ،‬والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول‬
‫الشرع ومقاصده من القول بالكراهة ‪ ،‬والله أعلم ' زاد المعاد ‪ 1/293‬ط‪.‬‬
‫دار الرسالة ‪ .‬وبهذا يتبين أن السنة عدم الغماض إل إذا دعت الحاجة لتلفي‬
‫أمر يضّر بالخشوع ‪.‬‬
‫] ‪ [ 11‬تحريك السبابة ‪ :‬وهذا أمر أهمله كثير من المصلين فضل عن جهلهم‬
‫ي‬‫بفائدته العظيمة وأثره في الخشوع قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ] :‬ل َهِ َ‬
‫ديد ِ [ رواه المام أحمد بسند حسن كما في صفة‬ ‫ح ِ‬‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫شد ّ عََلى ال ّ‬ ‫أَ َ‬
‫الصلة ص‪ ' . 159 :‬أي ‪ :‬أن الشارة بالسبابة عند التشهد في الصلة أشد‬
‫كر العبد بوحدانية الله تعالى ‪،‬‬ ‫على الشيطان من الضرب بالحديد ؛ لنها تذ ّ‬
‫والخلص في العبادة ‪ ،‬وهذا أعظم شيء يكرهه الشيطان نعوذ بالله منه '‬
‫الفتح الرباني للساعاتي ‪. 4/15‬‬
‫ومن أجل هذه الفائدة العظيمة ‪ :‬كان الصحابة رضوان الله عليهم يتواصون‬
‫بذلك ‪ ،‬ويحرصون عليه ‪ ،‬ويتعاهدون أنفسهم في هذا المر الذي يقابله كثير‬
‫من الناس في هذا الزمان بالستخفاف والهمال ‪ ،‬فقد جاء في الثر ما يلي ‪:‬‬
‫] كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يأخذ بعضهم على بعض ‪ .‬يعني ‪:‬‬
‫الشارة بالصبع في الدعاء [ رواه ابن أبي شيبة بسند حسن كما في صفة‬
‫الصلة ص‪ 141 :‬وفي المطبوع من أبي شيبة ]بأصبع [ انظر المصنف رقم‬
‫‪ 9732‬ج ‪ 10‬ص‪ 381 :‬ط‪ .‬الدار السلفية‪ -‬الهند ‪ .‬والسنة في الشارة‬
‫بالسبابة أن تبقى مرفوعة متحّركة مشيرة إلى القبلة طيلة التشهد ‪.‬‬
‫] ‪ [ 12‬التنويع في السور واليات والذكار والدعية في الصلة ‪:‬‬
‫وهذا ُيشعر المصلي بتجدد المعاني ‪ ،‬والنتقال بين المضامين المتعددة لليات‬
‫‪ ،‬والذكار ‪ ،‬وهذا ما يفتقده الذي ل يحفظ إل عددا محدودا من السور _‬
‫وخصوصا قصارها _ والذكار ‪ ،‬فالتنويع من السّنة وأكمل في الخشوع ‪.‬‬
‫وإذا تأملنا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلوه ويذكره في صلته فإننا‬
‫عد ْ‬‫م َبا ِ‬ ‫نجد هذا التنوع ‪ ،‬ففي أدعية الستفتاح مثل نجد نصوصا مثل ‪ ] :‬الل ّهُ ّ‬
‫طاَيا‬‫خ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ْ‬ ‫قِني ِ‬ ‫ب الل ّهُ ّ‬
‫م نَ ّ‬ ‫ق َوال ْ َ‬
‫مغْرِ ِ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬
‫ما َباعَد ْ َ‬ ‫خ َ‬
‫طاَيايَ ك َ َ‬ ‫ن َ‬
‫ب َي ِْني وَب َي ْ َ‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ماِء َوالث ّل ِْج‬ ‫َ‬


‫طاَيايَ ِبال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ل َ‬ ‫س ْ‬ ‫م اغْ ِ‬ ‫س الل ّهُ ّ‬ ‫ن الد ّن َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ب اْلب ْي َ ُ‬ ‫قى الث ّوْ ُ‬ ‫ما ي ُن َ ّ‬ ‫كَ َ‬
‫َوال ْب ََردِ [ رواه البخاري‪،‬ومسلم ‪،‬و أبو داود ‪ ،‬و النسائي‪ ،‬و ابن ماجه‪ ،‬و‬
‫َ‬
‫فا‬
‫حِني ً‬ ‫ض َ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ذي فَط ََر ال ّ‬ ‫ي ل ِل ّ ِ‬ ‫جهِ َ‬‫ت وَ ْ‬ ‫جهْ ُ‬ ‫الدارمي ‪ ،‬و أحمد ‪ ] .‬وَ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫تي‬ ‫ما‬
‫َ َ ْ َ َ َ َ َ ِ ِ ِ َ ّ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫كي‬ ‫س‬
‫َُ ُ ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫تي‬ ‫ش ِ ِ َ ِ ّ َ ِ‬
‫ل‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫كي‬ ‫ر‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أَنا ِ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫سل ِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن [ رواه مسلم ‪،‬و‬ ‫مي‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ري‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُ ْ ِ ِ َ‬ ‫ِ ْ ُ َ َ ّ‬ ‫ُ َِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا َ ِ َ‬
‫مي‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ل‬
‫ك ت ََباَر َ‬
‫ك‬ ‫مد ِ َ‬‫ح ْ‬
‫م وَب ِ َ‬ ‫ك الل ّهُ ّ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬‫الترمذي‪ ،‬و النسائي‪ ،‬و الدارمي ‪ ،‬و أحمد ‪ُ ] .‬‬
‫ك [ رواه مسلم ‪ .‬وغير ذلك من الدعية ‪،‬‬ ‫ه غَي ُْر َ‬ ‫ك وََل إ ِل َ َ‬ ‫جد ّ َ‬ ‫ك وَت ََعاَلى َ‬ ‫م َ‬ ‫س ُ‬‫ا ْ‬
‫والذكار ‪ .‬و المصلي يأتي بهذا مرة ‪ ،‬وبهذا مرة ‪ ،‬وهكذا‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وفي السور التي كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلة الفجر نجد عددا‬
‫صل ‪ :‬كالواقعة ‪ ،‬والطور ‪ ،‬و ق ‪ .‬وقصار‬ ‫كثيرا مباركا مثل‪ :‬طوال المف ّ‬
‫صل مثل ‪ :‬إذا الشمس كورت ‪ ،‬والزلزلة ‪ ،‬والمعوذتين ‪ ،‬و ورد أنه قرأ‬ ‫المف ّ‬
‫الروم ‪ ،‬و يس ‪ ،‬والصافات ‪ ،‬وكان يقرأ في فجر الجمعة بالسجدة‬
‫ل من الركعتين قدر‬ ‫والنسان ‪ ...‬وفي صلة الظهر ‪ :‬ورد أنه كان يقرأ في ك ّ‬
‫ثلثين آية ‪ ،‬وقرأ بالطارق ‪ ،‬والبروج ‪ ،‬والليل إذا يغشى ‪.‬‬
‫وفي صلة العصر ‪ :‬يقرأ في كل من الركعتين قدر خمس عشرة آية ‪ ،‬ويقرأ‬
‫بالسور التي سبقت في صلة الظهر ‪...‬وفي صلة المغرب ‪ :‬يقرأ بقصار‬
‫صل ‪،‬كالتين والزيتون ‪ ،‬وقرأ بسورة محمد ‪ ،‬والطور ‪ ،‬والمرسلت ‪،‬‬ ‫المف ّ‬
‫صل كالشمس وضحاها ‪،‬‬ ‫وغيرها ‪ ...‬وفي العشاء ‪ :‬كان يقرأ من وسط المف ّ‬
‫وإذا السماء انشقت ‪ ،‬وأمر معاذا أن يقرأ بالعلى ‪ ،‬والقلم ‪ ،‬والليل إذا يغشى‬
‫‪.‬‬
‫وفي قيام الليل ‪ :‬كان يقرأ بطوال السور ‪ ،‬و ورد في سنته صلى الله عليه‬
‫وسلم قراءة مائتي آية ‪ ،‬ومائة آية ‪ ،‬وخمسين آية ‪ ،‬وكان أحيانا يقصر القراءة‬
‫‪.‬‬
‫ي‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫وأذكار ركوعه صلى الله عليه وسلم متنوعة ‪ ،‬فبالضافة إلى ‪ُ ] :‬‬
‫ب‬ ‫س َر ّ‬ ‫دو ٌ‬ ‫ح قُ ّ‬ ‫سّبو ٌ‬ ‫مدِهِ [ كان يقول ‪ُ ] :‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ظيم وَب ِ َ‬ ‫ي ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ظيم ِ [ و ] ُ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ت وَأن ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ت وَل َ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫كآ َ‬ ‫ت وَب ِ َ‬ ‫ك َرك َعْ ُ‬ ‫م لَ َ‬ ‫مَلئ ِك َةِ َوالّروِح [ ويقول ‪ ] :‬الل ّهُ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن [ ‪ .‬وفي الرفع‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مي ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫خي وَعَظ ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ري وَ ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫مِعي وَب َ َ‬ ‫س ْ‬
‫شع َ َ‬ ‫خ َ‬ ‫َرّبي َ‬
‫مد ُ [‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مد َه ُ [ _ ‪َ ] :‬رب َّنا وَلك ال َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫ّ‬
‫معَ الل ُ‬ ‫س ِ‬ ‫من الركوع يقول _ بعد ‪َ ] :‬‬
‫مد ُ [ وكان يضيف‬ ‫َ ْ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ُ ّ َ َّ َ‬‫نا‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫]‬ ‫‪:‬‬ ‫وأحيانا‬ ‫مد ُ [‬ ‫ح ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫وأحيانا ‪َ ] :‬رب َّنا ل َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لَء َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما وَ ِ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫لَء َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ ِ‬ ‫لَء الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫لَء ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫أحيانا ‪ِ ] :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫معْط ِ َ‬ ‫ت وََل ُ‬ ‫ما أعْط َي ْ َ‬ ‫مان ِعَ ل ِ َ‬ ‫جدِ َل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الث َّناِء َوال ْ َ‬ ‫يٍء ب َعْد ُ [ ويضيف تارة ‪ ] :‬أهْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫جد ّ [ ‪.‬‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫جد ّ ِ‬ ‫فعُ َذا ال ْ َ‬ ‫ت وََل ي َن ْ َ‬ ‫من َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫لِ َ‬
‫َ‬
‫ي العْلى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ي العْلى [ و ] ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫وفي السجود _ بالضافة إلى ‪ُ ] :‬‬
‫م‬‫ك اللهُ ّ‬‫ّ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ملئ ِك َةِ َوالّروِح [ و ] ُ‬ ‫َ‬ ‫ب ال َ‬‫ْ‬ ‫س َر ّ‬ ‫دو ٌ‬ ‫ح قُ ّ‬ ‫سّبو ٌ‬ ‫مدِهِ [ _ يقول ‪ُ ] :‬‬ ‫ح ْ‬‫وَب ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت وَل َ‬ ‫َ‬ ‫ت وَب ِ َ‬ ‫مل َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مد ِ َ‬
‫ت‬ ‫م ُ‬ ‫سل ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫كآ َ‬ ‫جد ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ك َ‬ ‫فْر ِلي [ و ] اللهُ ّ‬ ‫م اغ ْ ِ‬ ‫ك اللهُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫َرب َّنا وَب ِ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫صَره ُ ت ََباَرك الل ُ‬ ‫ه وَب َ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫شق ّ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جِهي ل ِل ِ‬ ‫جد َ و َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ت َرّبي َ‬ ‫وَأن ْ َ‬
‫ن [ وغير ذلك ‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فْر ِلي [‬ ‫ب اغ ْ ِ‬ ‫فْر ِلي َر ّ‬ ‫ب اغْ ِ‬ ‫وفي الجلسة بين السجدتين _ بالضافة إلى ‪َ ] :‬ر ّ‬
‫عافِِني َواهْدِِني َواْرُزقِْني [ ‪.‬‬ ‫مِني وَ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر ِلي َواْر َ‬ ‫م اغْ ِ‬ ‫_ يقول ‪ ] :‬الل ّهُ ّ‬
‫ت‬ ‫ت َوالط ّي َّبا ُ‬ ‫وا ُ‬ ‫صل َ َ‬ ‫ت ل ِل ّهِ َوال ّ‬ ‫حّيا ُ‬ ‫وفي التشهد عدد من الصيغ الواردة مثل ‪] :‬الت ّ ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫السَلم عَل َي َ َ‬
‫وا ُ‬ ‫صل َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫مَباَركا ُ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫حّيا ُ‬ ‫ي ‪ ...‬الخ [ وكذلك ورد ‪] :‬الت ّ ِ‬ ‫ك أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ُ‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫الط ّيبات ل ِل ّه السَلم عَل َي َ َ‬
‫ت‬‫ت الط ّي َّبا ُ‬ ‫حّيا ُ‬ ‫ي ‪ ...‬الخ [ وورد ‪ ] :‬الت ّ ِ‬ ‫ك أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ي ‪ ...‬الخ [ فيأتي المصلي مرة بهذا ‪،‬‬ ‫م عَلي ْك أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫سل ُ‬ ‫ت ل ِلهِ ال ّ‬ ‫وا ُ‬ ‫صل َ َ‬‫َوال ّ‬
‫ومرة بهذا ‪.‬‬
‫ص ّ‬
‫ل‬ ‫ُ ّ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫]‬ ‫‪:‬‬ ‫منها‬ ‫صيغ‬ ‫دة‬ ‫ّ‬ ‫ع‬ ‫لم‬ ‫ّ‬ ‫وس‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫النبي‬ ‫على‬ ‫الصلة‬ ‫وفي‬
‫م إ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫م وَعََلى آ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ت عََلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫صل ّي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫مد ٍ ك َ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مد ٍ وَعََلى آ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫عََلى ُ‬
‫م‬‫هي َ‬ ‫ت عََلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫ما َباَرك ْ َ‬ ‫مد ٍ ك َ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مدٍ وَعََلى آ ِ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ك عََلى ُ‬ ‫م َبارِ ْ‬ ‫جيد ٌ الل ّهُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫جيد ٌ [ ‪.‬‬ ‫ٌ َ ِ‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫مي‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫َ ِ‬‫إ‬ ‫م‬ ‫هي‬‫ِ‬ ‫را‬ ‫ِ ِْ َ‬‫ب‬‫إ‬ ‫ل‬ ‫آ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫وَ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫جهِ وَذ ُّري ّت ِهِ ك َ َ‬
‫ما‬ ‫ل ب َي ْت ِهِ وَعَلى أْزَوا ِ‬ ‫مد ٍ وَعَلى أهْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ل عَلى ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫وورد أيضا ‪ ] :‬اللهُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ل ب َي ْت ِ ِ‬‫مدٍ وَعَلى أهْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَلى ُ‬ ‫جيد ٌ وََبارِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫ت عََلى آ ِ‬ ‫صل ّي ْ َ‬ ‫َ‬
‫جيد ٌ [ ‪.‬‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫مي‬ ‫ح‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫هي‬ ‫را‬ ‫ب‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫آ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫با‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫وا‬ ‫ز‬ ‫وعََلى أ َ‬
‫َ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت عََلى‬ ‫حمدٍ الن ّبي اْل ُ‬
‫صل ّي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ٍ‬ ‫د‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫آ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬
‫ّ َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫]‬ ‫‪:‬‬ ‫وورد‬
‫ت عََلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫حمدٍ الن ّبي اْل ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫هي َ‬ ‫ما َباَرك ْ َ‬ ‫ي كَ َ‬ ‫ّ‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ر‬
‫َ ِ‬ ‫با‬‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫هي‬‫ِ‬ ‫را‬‫ل ِ َ‬‫ْ‬ ‫ب‬ ‫إ‬ ‫م َوآ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫جيد ٌ [ ‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م إ ِن ّك َ‬ ‫َ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫وَعََلى آ ِ‬
‫)‪(8 /‬‬

‫دم ول يمنع أن يواظب‬ ‫وع بينها كما تق ّ‬ ‫ووردت صيغ أخرى كذلك والسنة أن ين ّ‬
‫على بعضها أكثر من بعض لقوة ثبوتها أو اشتهارها في كتب الحديث‬
‫ما سألوه عن‬ ‫الصحيحة أو لن النبي صلى الله عيه وسلم عّلمها أصحابه ل ّ‬
‫دم من النصوص والصيغ من كتاب‬ ‫الكيفية بخلف غيرها وهكذا ‪ .‬جميع ما تق ّ‬
‫صفة صلة النبي صلى الله عليه وسلم للعلمة الشيخ محمد ناصر الدين‬
‫اللباني الذي اجتهد في جمعها من كتب الحديث ‪.‬‬
‫] ‪ [13‬أن يأتي بسجود التلوة إذا مّر بموضعه ‪ :‬من آداب التلوة السجود عند‬
‫المرور بالسجدة وقد وصف الله في كتابه الكريم النبيين والصالحين بأنهم ‪[:‬‬
‫مَياًنا ] ‪ ] [ 79‬سورة الفرقان ‪,‬‬ ‫ما وَعُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫خّروا عَل َي َْها ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫م لَ ْ‬
‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫إ َِذا ذ ُك ُّروا ِبآَيا ِ‬
‫قال ابن كثير رحمه الله تعالى ‪ ' :‬أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا ؛‬
‫اقتداء بهم ‪ ،‬واتباعا لمنوالهم ' تفسير القرآن العظيم ‪ 5/238‬ط‪ .‬دار‬
‫الشعب ‪ .‬وسجود التلوة في الصلة عظيم ‪ ،‬وهو مما يزيد الخشوع قال الله‬
‫ن ي َب ْ ُ‬ ‫خرو َ َ‬
‫عا ] ‪] [ 109‬سورة‬ ‫شو ً‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫زيد ُهُ ْ‬ ‫ن وَي َ ِ‬‫كو َ‬ ‫ن ل ِلذ َْقا ِ‬ ‫عز وجل ‪ [ :‬وَي َ ِ ّ‬
‫السراء ‪ ،‬وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ‪ ] :‬سجد بسورة‬
‫النجم في صلته[ وعن أبي رافع قال ‪ :‬صليت مع أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫ت ] ‪ ] [ 1‬فسجد ‪ ،‬فقلت‬ ‫ق ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫ماء ان َ‬ ‫س َ‬ ‫العتمة _ أي ‪ :‬العشاء _ فقرأ ‪ [ :‬إ َِذا ال ّ‬
‫له ‪ ،‬قال‪ :‬سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فل أزال أسجد بها‬
‫حتى ألقاه [ رواه البخاري ‪.‬‬
‫فينبغي المحافظة على سجود التلوة في الصلة ‪ ،‬خصوصا ‪ ،‬وأن سجود‬
‫التلوة فيه ترغيم للشيطان ‪ ،‬وتبكيت له ‪ ،‬وذلك مما يضعف كيده للمصلي ‪،‬‬
‫َ‬
‫فعن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ] :‬إ َِذا قََرأ اب ْ ُ‬
‫ن‬
‫ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫م‬‫ن آد َ َ‬‫مَر اب ْ ُ‬‫ل ‪َ :‬يا وَي ِْلي أ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫كي ي َ ُ‬ ‫ن ي َب ْ ِ‬‫طا ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫جد َ اعْت ََز َ‬ ‫س َ‬ ‫جد َة َ فَ َ‬ ‫س ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫آد َ َ‬
‫ت فَِلي الّناُر [ رواه مسلم ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جودِ فَأب َي ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ت ِبال ّ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ة وَأ ِ‬ ‫جن ّ ُ‬‫ه ال َ‬ ‫جد َ فَل ُ‬ ‫جودِ فَ َ‬
‫س َ‬ ‫س ُ‬ ‫ِبال ّ‬
‫]‪ [14‬الستعاذة بالله من الشيطان ‪ :‬الشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه‬
‫بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلّبس عليه صلته ' و الوسواس‬
‫يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو بغيره ‪ ،‬لبد له من ذلك ‪ ،‬فينبغي‬
‫للعبد أن يثبت و يصبر ‪ ،‬و يلزم ما هو فيه من الذكر ‪ ،‬و الصلة ‪ ،‬و ل يضجر ‪،‬‬
‫فا‬
‫ضِعي ً‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬‫ن ك َي ْد َ ال ّ‬
‫فإنه بملزمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان ‪ { :‬إ ِ ّ‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫] ‪ } [ 76‬سورة النساء ‪ ،‬و كلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه ‪ ،‬جاء‬
‫من الوسوسة أمور أخرى ‪ ،‬فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق ‪ ،‬كلما أراد‬
‫العبد السير إلى الله تعالى ‪ ،‬أراد قطع الطريق عليه ‪ ،‬و لهذا قيل لبعض‬
‫السلف ‪ ' :‬إن اليهود و النصارى يقولون ‪ :‬ل نوسوس قال ‪ :‬صدقوا ‪ ،‬و ما‬
‫يصنع الشيطان بالبيت الخرب ' مجموع الفتاوى ‪. 608 / 22‬‬
‫' و قد مثل ذلك بمثال حسن ‪ ،‬و هو ثلثة بيوت ‪ :‬بيت للملك فيه كنوزه ‪ ،‬و‬
‫ذخائره ‪ ،‬و جواهره ‪ ،‬و بيت للعبد فيه كنوز العبد ‪ ،‬و ذخائره ‪ ،‬و جواهره ‪ ،‬و‬
‫ليس جواهر الملك ‪ ،‬و ذخائره ‪ ،‬و بيت خال ‪ ،‬صفر ‪ ،‬ل شيء فيه ‪ ،‬فجاء‬
‫اللص يسرق من أحد البيوت ‪ ،‬فمن أيها يسرق ؟ ' الوابل الصيب ص‪. 43 :‬‬
‫' والعبد إذا قام في الصلة ‪ ،‬غار الشيطان منه ؛ فإنه قد قام في أعظم مقام‬
‫‪ ،‬وأقربه ‪ ،‬وأغيظه للشيطان ‪ ،‬وأشده عليه ‪ ،‬فهو يحرص ‪ ،‬ويجتهد كل‬
‫الجتهاد أن ل يقيمه فيه بل ل يزال به يعده ‪ ،‬ويمّنيه وينسيه ‪ ،‬ويجلب عليه‬
‫ون عليه شأن الصلة ‪ ،‬فيتهاون بها فيتركها ‪ .‬فإن عجز‬ ‫بخيله ورجله حتى يه ّ‬
‫عن ذلك منه ‪ ،‬وعصاه العبد ‪ ،‬وقام في ذلك المقام ‪ ،‬أقبل عدو الله تعالى‬
‫كره في الصلة ما‬ ‫حتى يخطر بينه وبين نفسه ‪ ،‬ويحول بينه وبين قلبه ‪ ،‬فيذ ّ‬
‫لم يكن يذكر قبل دخوله فيها ‪ ،‬حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة‬
‫وأيس منها ‪ ،‬فيذكره إياها في الصلة ؛ ليشغل قلبه بها ‪ ،‬ويأخذه عن الله عز‬
‫وجل ‪ ،‬فيقوم فيها بل قلب ‪ ،‬فل ينال من إقبال الله تعالى ‪ ،‬وكرامته ‪ ،‬وقربه‬
‫ما يناله المقبل على ربه عز وجل ‪ ،‬الحاضر بقلبه في صلته ‪ ،‬فينصرف من‬
‫صلته ‪ ،‬مثلما دخل فيها بخطاياه ‪ ،‬وذنوبه ‪ ،‬وأثقاله ‪ ،‬لم تخفف عنه بالصلة ‪،‬‬
‫فإن الصلة إنما تكفر سيئات من أدى حقها ‪ ،‬وأكمل خشوعها ‪ ،‬ووقف بين‬
‫يدي الله تعالى بقلبه وقالبه ' الوابل الصيب ص‪. 36 :‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ولمواجهة كيد الشيطان ‪ ،‬وإذهاب وسوسته ؛ أرشدنا النبي صلى الله عليه‬
‫َ‬ ‫وسلم إلى العلج التالي ‪ :‬عن عُث ْمان ب َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫هّ‬ ‫ي َ‬ ‫ص أنه أَتى الن ّب ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ن أِبي الَعا ِ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫صلِتي‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ب َي ِْني وَب َي ْ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ن قَد ْ َ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ل ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫ك‬ ‫م ‪َ ] :‬ذا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ي ‪ ،‬فَ َ‬ ‫سَها عَل َ ّ‬ ‫وَقَِراَءِتي ي َل ْب ِ ُ‬
‫ك ث ََلًثا‬ ‫َ‬
‫سارِ َ‬ ‫ل عََلى ي َ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه َوات ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ه فَت َعَوّذ ْ ِبالل ّهِ ِ‬ ‫ست َ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ب فَإ َِذا أ ْ‬ ‫خن َْز ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫طا ٌ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه عَّني ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ت ذ َل ِك فأذ ْهَب َ ُ‬ ‫فعَل ُ‬ ‫[ قال ‪ :‬ف َ‬
‫ومن كيد الشيطان للمصلي ‪ :‬ما أخبرنا عنه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وعن‬
‫علجه فقال إ َ‬
‫حّتى َل ي َد ْرِ َ‬
‫ي‬ ‫س عَل َي ْهِ َ‬ ‫ن فَل َب َ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫جاَء ال ّ‬ ‫صّلي َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫م إ َِذا َقا َ‬ ‫حد َك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫صّلى فَإ َِذا َ َ َ ِ‬
‫س [ رواه البخاري ‪،‬‬ ‫ل‬ ‫جا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬
‫َ ْ ُ ْ َ ْ ََْ ِ َ ُ َ َ ِ ٌ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬‫َ ُ ْ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫م َ‬ ‫كَ ْ‬
‫و مسلم ‪.‬‬
‫ومن كيده كذلك ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله ‪:‬‬
‫شك َ َ‬
‫ل‬ ‫ث فَأ َ ْ‬ ‫حد ِ ْ‬ ‫م يُ ْ‬
‫ة في دبره أ َحد َ َ‬
‫ث أوْ ل َ ْ‬ ‫ُُ ِ ِ ْ َ‬ ‫حَرك َ ً ِ‬ ‫جد َ َ‬ ‫صَلةِ فَوَ َ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬
‫كا َ‬
‫نأ َ‬ ‫] إ َِذا َ َ‬
‫َ‬
‫حا [ رواه مسلم ‪ ،‬وأبوداود ‪،‬‬ ‫جد َ ِري ً‬ ‫صوًْتا أوْ ي َ ِ‬ ‫مع َ َ‬ ‫س َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫صرِ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ فََل ي َن ْ َ‬
‫والترمذي ‪ ،‬والدارمي ‪ ،‬وأحمد ‪ .‬بل إن كيده ليبلغ مبلغا عجيبا كما يوضحه هذا‬
‫الحديث ‪ :‬عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل‬
‫دث ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫يخّيل إليه في صلته أنه أحدث ولم ُيح ِ‬
‫وسلم ‪ ] :‬إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلته حتى يفتح مقعدته فيخيل‬
‫إليه أنه أحدث ولم ُيحدث ‪ ،‬فإذا وجد أحدكم ذلك فل ينصرفن حتى يسمع‬
‫صوت ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه [ رواه الطبراني في الكبير رقم‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ 11556‬وقال في مجمع الزوائد ‪ 1/242‬رجاله رجال الصحيح ‪.‬‬


‫مسألة ‪ :‬وهناك خدعة شيطانية يأتي بها ' خنزب ' إلى بعض الخّيرين من‬
‫المصلين‪ ،‬وهي محاولة إشغالهم بالتفكير في أبواب أخرى من الطاعات عن‬
‫الصلة التي هم بشأنها ‪ ،‬وذلك ‪ :‬كإشغال أذهانهم ببعض أمور الدعوة ‪ ،‬أو‬
‫المسائل العلمية ‪ ،‬فيستغرقون فيها فل يعقلون أجزاء من صلتهم ‪ ،‬وربما‬
‫لّبس على بعضهم بأن عمر رضي الله عنه كان يجّهز الجيش في الصلة ‪،‬‬
‫ولندع المجال لشيخ السلم ابن تيمية يجلي المر ‪ ،‬ويجييب عن هذه الشبهة‬
‫قال رحمه الله تعالى ‪ ' :‬و أما ما يروى عن عمر بن الخطاب من قوله ‪ ] :‬و‬
‫إني لجهز جيشي و أنا في الصلة [ فذاك ؛ لن عمر كان مأمورا بالجهاد ‪،‬‬
‫وهو أمير المؤمنين ‪ ،‬فهو أمير الجهاد ‪ ،‬فصار بذلك من بعض الوجوه ‪ :‬بمنزلة‬
‫المصلي الذي يصلي صلة الخوف حال معاينة العدو ‪ ،‬إما حال القتال و إما‬
‫غير حال القتال ‪ ،‬فهو مأمور بالصلة ‪ ،‬و مأمور بالجهاد ‪ ،‬فعليه أن يؤدي‬
‫َ‬
‫ة‬‫م فِئ َ ً‬ ‫مُنوا ْ إ َِذا ل َ ِ‬
‫قيت ُ ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫الواجبين بحسب المكان ‪ .‬قال تعالى ‪َ { :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن ] ‪ } [ 45‬سورة النفال ‪ ،‬و معلوم‬ ‫حو َ‬‫فل َ ُ‬ ‫ه ك َِثيًرا ل ّعَل ّك ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫َفاث ْب ُُتوا ْ َواذ ْك ُُروا ْ الل ّ َ‬
‫در أنه‬ ‫أن طمأنينة القلب حال الجهاد ل تكون كطمأنينتة حال المن ‪ ،‬فإذا قُ ّ‬
‫نقص من الصلة شيء لجل الجهاد ؛ لم يقدح هذا في كمال إيمان العبد ‪ ،‬و‬
‫طاعته ؛ و لهذا تخفف صلة الخوف عن صلة المن ‪ ،‬و لما ذكر الله سبحانه‬
‫ت عََلى‬ ‫َ‬ ‫صلة الخوف قال ‪ { :‬فَإَذا اط ْ ْ‬
‫صل َة َ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫موا ْ ال ّ‬
‫صل َة َ إ ِ ّ‬ ‫م فَأِقي ُ‬‫مأَننت ُ ْ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫موُْقوًتا ] ‪} [ 103‬سورة النساء ‪ ،‬فالقامة المأمور بها حال‬ ‫ن ك َِتاًبا ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫الطمأنينة ل يؤمر بها حال الخوف ‪.‬‬
‫ومع هذا ‪ :‬فالناس متفاوتون في ذلك ‪ ،‬فإذا قوي إيمان العبد كان حاضر‬
‫القلب في الصلة ‪ ،‬مع تدبره للمور بها ‪ ،‬و عمر قد ضرب الله الحق على‬
‫ملهم ؛ فل ينكر لمثله أن يكون مع تدبيره‬ ‫دث ال ُ‬ ‫لسانه ‪ ،‬و قلبه ‪ ،‬و هو المح ّ‬
‫جيشه في الصلة من الحضور ما ليس لغيره ‪ ،‬لكن ل ريب أن حضوره مع‬
‫عدم ذلك يكون أقوى ‪ ،‬ول ريب أن صلة رسول الله حال أمنه كانت أكمل‬
‫من صلته حال الخوف في الفعال الظاهرة فإذا كان الله قد عفا حال‬
‫الخوف عن بعض الواجبات الظاهرة ‪ ،‬فكيف بالباطنة ؟ ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫و بالجملة ‪ :‬فتفكر المصلي في الصلة ]في[ أمر يجب عليه ‪ ،‬قد يضيق‬
‫وقته ‪ ،‬ليس كتفكره فيما ليس بواجب ‪ ،‬أو فيما لم يضق وقته ‪ ،‬و قد يكون‬
‫عمر لم يمكن ] لعلها ‪ :‬يمكنه [ التفكر في تدبير جيشه إل في تلك الحال ‪ ،‬و‬
‫هو إمام المة ‪ ،‬و الواردات عليه كثيرة ‪ ،‬و مثل هذا يعرض لكل أحد بحسب‬
‫مرتبته ‪ ،‬و النسان دائما يذكر في الصلة ما ل يذكره خارج الصلة ‪ ،‬و من‬
‫ذلك ما يكون من الشيطان ‪ ،‬كما أن بعض السلف ذكر له رجل ‪ :‬أنه دفن مال‬
‫‪ ،‬و قد نسي موضعه ‪ ،‬فقال ‪ :‬قم فصل ‪ ،‬فقام فصلى فذكره ‪ ،‬فقيل له ‪ ،‬من‬
‫أين علمت ذلك ؟ قال ‪ :‬علمت أن الشيطان ل يدعه في الصلة حتى يذكره‬
‫بما يشغله ‪ ،‬ول أهم عنده من ذكر موضع الدفن ‪،‬لكن العبد الكّيس يجتهد‬
‫كمال الحضور مع كمال فعل بقية المأمور ‪ ،‬و ل حول و ل قوة إل بالله العلي‬
‫العظيم ' مجموع الفتاوى ‪. 610 / 22‬‬
‫] ‪ [ 15‬التأمل في حال السلف في صلتهم ‪ :‬وهذا يزيد الخشوع ‪ ،‬ويدفع إلى‬
‫القتداء فـ ' لو رأيت أحدهم ‪ ،‬وقد قام إلى صلته ‪ ،‬فلما وقف في محرابه ‪،‬‬
‫واستفتح كلم سيده خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الناس فيه لرب العالمين ‪ ،‬فانخلع قلبه ‪ ،‬وذهل عقله ' الخشوع في الصلة‬
‫ابن رجب ص‪ . 22 :‬قال مجاهد رحمه الله ‪ ' :‬كان إذا قام أحدهم يصلي‬
‫يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء ‪ ،‬أو يلتفت ‪ ،‬أو يقلب الحصى ‪ ،‬أو‬
‫يعبث بشيء ‪ ،‬أو يحدث نفسه من شأن الدنيا إل ناسيا ما دام في صلته '‬
‫تعظيم قدر الصلة ‪. 1/188‬‬
‫كان ابن الزبير إذا قام في الصلة كأنه عود من الخشوع ‪ ،‬وكان يسجد ‪ ،‬فأتى‬
‫المنجنيق ‪ ،‬فأخذ طائفة من ثوبه ‪ ،‬وهو في الصلة ل يرفع رأسه ‪ ....‬وكان‬
‫مسلمة بن بشار يصلي في المسجد ‪ ،‬فانهدم طائفة منه ‪ ،‬فقام الناس ‪ ،‬وهو‬
‫في الصلة لم يشعر ‪ ...‬و لقد بلغنا أن بعضهم كان كالثوب الملقى ‪ ،‬و‬
‫بعضهم ينفتل من صلته متغير اللون ؛ لقيامه بين يدي الله عز و جل ‪.‬‬
‫وبعضهم ‪ :‬إذا كان في الصلة ؛ ل يعرف من على يمينه و شماله ‪ ...‬و بعضهم‬
‫‪ :‬يصفر وجهه إذا توضأ للصلة ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬إنا نراك إذا توضأت للصلة تغيرت‬
‫أحوالك ‪ ،‬قال ‪ :‬إني أعرف بين يدي من سأقوم ‪ ...‬و كان علي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه إذا حضرت الصلة ؛ يتزلزل ‪ ،‬و يتلون وجهه ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬ما لك‬
‫؟ فيقول ‪ :‬جاء و الله وقت أمانة عرضها الله على السموات ‪ ،‬والرض ‪،‬‬
‫والجبال ‪ ،‬فأبين أن يحملنها ‪ ،‬و أشفقن منها ‪ ،‬و حملُتها ‪ ....‬و كان سعيد‬
‫التنوخي إذا صلى ؛ لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته ‪ ....‬و بلغنا عن‬
‫بعض التابعين أنه كان إذا قام إلى الصلة ؛ تغير لونه ‪ ،‬و كان يقول ‪ :‬أتدرون‬
‫بين يدي من أقف ‪ ،‬ومن أناجي ؟! ‪ ....‬فمن منكم لله في قلبه مثل هذه‬
‫الهيبة ؟ ' سلح اليقظان لطرد الشيطان ' عبد العزيز السلمان ص‪. 209 :‬‬
‫دث نفسك في الصلة ‪ ،‬فقال ‪ :‬أوَ شيء‬ ‫وقالوا لعامر بن عبد القيس ‪ :‬أتح ّ‬
‫دث أنفسنا في الصلة ‪،‬‬ ‫دث به نفسي ! قالوا ‪ :‬إنا لنح ّ‬ ‫ي من الصلة أح ّ‬ ‫ب إل ّ‬
‫أح ّ‬
‫فقال‪ :‬أبالجنة ‪ ،‬والحور ‪ ،‬ونحو ذلك ؟ قالوا ‪ :‬ل ‪ ،‬ولكن بأهلينا ‪ ،‬وأموالنا ‪.‬‬
‫ي _ أي ‪ :‬لن يكثر طعن الرماح في‬ ‫ب إل ّ‬‫ي أح ّ‬
‫فقال ‪ :‬لن تختلف السّنة ف ّ‬
‫دث نفسي في الصلة بأمور الدنيا _ ‪.‬‬ ‫ب إلي من أن أح ّ‬ ‫جسدي أح ّ‬
‫ي ثلث خصال لو كنت في سائر أحوالي أكون فيهن ‪،‬‬ ‫وقال سعد بن معاذ ‪ :‬ف ّ‬
‫لكنت أنا أنا ‪ :‬إذا كنت في الصلة ل أحدث نفسي بغير ما أنا فيه ‪ ،‬وإذا‬
‫سمعت من رسول الله حديثا ل يقع في قلبي ريب أنه الحقّ ‪ ،‬وإذا كنت في‬
‫دث نفسي بغير ما تقول ويقال لها ‪ .‬الفتاوى لبن تيمية ‪22/605‬‬ ‫جنازة لم أح ّ‬
‫‪.‬‬
‫و قال حاتم رحمه الله ‪ :‬أقوم بالمر ‪ ،‬وأمشي بالخشية ‪ ،‬وأدخل بالنية ‪ ،‬وأكّبر‬
‫بالعظمة ‪ ،‬وأقرأ بالترتيل والتفكير ‪ ،‬وأركع بالخشوع ‪ ،‬وأسجد بالتواضع ‪،‬‬
‫وأجلس للتشهد بالتمام ‪ ،‬وأسّلم بالنية‪ ،‬وأختمها بالخلص لله عز وجل ‪،‬‬
‫وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أن ل يقبل مني ‪ ،‬وأحفظه بالجهد إلى‬
‫الموت ‪ .‬الخشوع في الصلة ‪. 28 – 27‬‬
‫سماع منهما ‪ :‬أبو حاتم‬ ‫ُ‬
‫قال أبو بكر الصبغي ‪ :‬أدركت إمامين لم أرزق ال ّ‬
‫الرازي ‪ ،‬ومحمد بن نصر المروزي ‪ ،‬فأما ابن نصر ‪ :‬فما رأيت أحسن صلة‬
‫منه ‪ ،‬لقد بلغني أن زنبورا قعد على جبهته ‪ ،‬فسال الدم على وجهه ‪ ،‬ولم‬
‫يتحرك ‪ ....‬وقال محمد بن يعقوب الخرم ‪ :‬ما رأيت أحسن صلة من محمد‬
‫بن نصر ‪ ،‬كان الذباب يقع على أذنه ‪ ،‬فل يذّبه على نفسه ‪ ،‬ولقد كنا نتعجب‬
‫من حسن صلته ‪ ،‬وخشوعه ‪ ،‬وهيبته للصلة كان يضع ذقنه على صدره كأنه‬
‫خشبة منصوبة ‪ .‬تعظيم قدر الصلة ‪. 1/58‬‬
‫وكان شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى إذا دخل في الصلة ؛ ترتعد‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة ‪ .‬الكواكب الدرّية في مناقب المجتهد ابن‬
‫تيمية لمرعي الكرمي ص‪ 83 :‬دار الغرب السلمي‬

‫)‪(11 /‬‬

‫قارن بين هذا ‪ ،‬وبين ما يفعله بعضنا اليوم ‪ :‬هذا ينظر في ساعته ‪ ،‬وآخر‬
‫يصلح هندامه ‪ ،‬وثالث يعبث بأنفه ‪ ،‬ومنهم من يبيع ‪ ،‬ويشتري في الصلة ‪،‬‬
‫وربما عد ّ نقوده ‪ ،‬وبعضهم يتابع الزخارف في السجاد والسقوف ‪ ،‬أو يحاول‬
‫التعّرف على من بجانبيه ‪ُ .‬ترى ‪ :‬لو وقف واحد من هؤلء بين يدي عظيم من‬
‫عظماء الدنيا ‪ ،‬هل يجرؤ على فعل شيء من ذلك ؟!‬
‫] ‪ [16‬معرفة مزايا الخشوع في الصلة‪ :‬ومنها ‪:‬‬
‫ة‬
‫مكُتوب َ ٌ‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫صلة ٌ َ‬ ‫ضُرهُ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫سل ِم ٍ ت َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ئ ُ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫! قوله صلى الله عليه و سلم ‪َ ] :‬‬
‫ما‬
‫ب َ‬ ‫ن الذ ُّنو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ما قَب ْلَها ِ‬ ‫فاَرةً ل ِ َ‬ ‫تك ّ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫كوعََها إ ِل كان َ ْ‬ ‫شوعََها وَُر ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫ضوَء َ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫فَي ُ ْ‬
‫ه [ رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت كِبيَرةً وَذ َل ِك الد ّهَْر كل ُ‬ ‫َ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن‬‫! أن الجر المكتوب بحسب الخشوع ‪ ،‬كما قال صلى الله عليه وسلم ‪] :‬إ ِ ّ‬
‫سَها‬ ‫سد ُ ُ‬ ‫سب ُعَُها ُ‬ ‫من َُها ُ‬ ‫سعَُها ث ُ ُ‬ ‫ها ت ُ ْ‬ ‫شُر َ‬ ‫من َْها إ ِّل عُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫ما ي ُك ْت َ ُ‬ ‫صَلة َ َ‬ ‫صّلي ال ّ‬ ‫ال ْعَب ْد َ ل َي ُ َ‬
‫فَها [ رواه المام أحمد ‪ ,‬وهو في صحيح الجامع‬ ‫ص ُ‬ ‫سَها ُرب ُعَُها ث ُل ُث َُها ن ِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪. 1626‬‬
‫! أنه ليس له من صلته إل ما عقل منها ‪ ،‬كما جاء عن ابن عباس رضي الله‬
‫عنه ‪ ] :‬ليس لك من صلتك إل ما عقلت منها [ ‪.‬‬
‫! أن الوزار ‪ ،‬والثام تنحط عنه إذا صّلى بتمام ‪ ،‬وخشوع‪،‬كما قال النبي صلى‬
‫عليه وسلم ‪ ] :‬إن العبد إذا قام يصلي ُأتي بذنوبه كلها فوضعت على رأسه‬
‫وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه [ رواه البيهقي في السنن الكبرى‬
‫‪ 3/10‬وهو في صحيح الجامع ‪ .‬قال المناوي ‪ ' :‬المراد أنه كلما أتم ركنا ً ؛‬
‫سقط عنه ركن من الذنوب حتى إذا أتمها ؛ تكامل السقوط ‪ ،‬وهذا في صلة‬
‫متوفرة الشروط ‪ ،‬والركان ‪ ،‬والخشوع كما يؤذن به لفظ ‪ ' :‬العبد ' و' القيام‬
‫' إذ هو إشارة إلى أنه قام بين يدي ملك الملوك مقام عبد ذليل ' ‪ .‬رواه‬
‫البيهقي في السنن الكبرى ‪ 3/10‬وهو في صحيح الجامع ‪.‬‬
‫فة من نفسه ‪ ،‬وأحس‬ ‫! أن الخاشع في صلته ‪ ' :‬إذا انصرف منها ‪ ،‬وجد خ ّ‬
‫بأثقال قد وضعت عنه ‪ ،‬فوجد نشاطا ‪ ،‬وراحة ‪ ،‬و روحا ‪ ،‬حتى يتمنى أنه لم‬
‫يكن خرج منها ‪ ،‬لنها قّرة عينه ‪ ،‬ونعيم روحه ‪ ،‬وجنة قلبه ‪ ،‬ومستراحه في‬
‫الدنيا ‪ ،‬فل يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها ‪ ،‬فيستريح بها ‪ ،‬ل منها‬
‫‪ ،‬فالمحبون يقولون ‪ :‬نصلي فنستريح بصلتنا ‪ ،‬كما قال إمامهم وقدوتهم‬
‫ل [ رواه أبو داود ‪ ،‬و‬ ‫صَلةِ َيا ب َِل ُ‬ ‫َ‬
‫حَنا ِبال ّ‬ ‫ونبيهم صلى الله عليه وسلم ‪ ] :‬أرِ ْ‬
‫أحمد ‪ ،‬ولم يقل أرحنا منها ‪.‬‬
‫جعلت‬ ‫صلةِ [ فمن ُ‬ ‫َ‬ ‫ل قُّرة ُ عَي ِْني ِفي ال ّ‬ ‫جعِ َ‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ ... ] :‬وَ ُ‬
‫قّرة عينه في الصلة ‪ ،‬كيف تقّر عينه بدونها ‪ ،‬وكيف يطيق الصبر عنها ؟ '‬
‫الوابل الصّيب ‪. 37‬‬
‫]‪ [17‬الجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلة وخصوصا في السجود‪:‬‬
‫لشك أن مناجاة الله تعالى ‪ ،‬والتذلل إليه ‪ ،‬والطلب منه ‪ ،‬واللحاح عليه ؛‬
‫مما يزيد العبد صلة بربه‪ ،‬فيعظم خشوعه ‪ ،‬والدعاء هو العبادة ‪ ،‬والعبد مأمور‬
‫ن ] ‪[ 55‬‬ ‫دي َ‬‫معْت َ ِ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ة إ ِن ّ ُ‬ ‫في َ ً‬‫خ ْ‬ ‫عا وَ ُ‬ ‫ضّر ً‬ ‫م تَ َ‬ ‫عوا ْ َرب ّك ُ ْ‬ ‫به قال تعالى ‪{ :‬اد ْ ُ‬
‫ب عَلي ْهِ [ رواه الترمذي‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سأ ْ‬ ‫َ‬
‫ض ْ‬ ‫ه ي َغْ َ‬ ‫ل الل َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫} سورة العراف ‪ ،‬و ] َ‬
‫وحسنه في صحيح الترمذي ‪. 2686‬‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد ثبت الدعاء في الصلة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع معينة‬
‫هي ‪ :‬السجود ‪ ،‬وبين السجدتين ‪ ،‬وبعد التشهد ‪ ،‬وأعظم هذه المواضع‬
‫َ‬
‫و‬
‫ن َرب ّهِ وَهُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْعَب ْد ُ ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫السجود ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ ] :‬أقَْر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا ِفي‬ ‫جت َهِ ُ‬ ‫جود ُ َفا ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫عاَء [ رواه مسلم ‪ .‬وقال ‪...] :‬وَأ ّ‬ ‫جد ٌ فَأك ْث ُِروا الد ّ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫َ‬
‫م [رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ب ل َك ُْ‬ ‫جا‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫‪-‬‬ ‫وجدير‬ ‫ي‬ ‫حر‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫–‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫عا‬
‫ْ ُ ْ َ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫د‬
‫فْر ِلي ذ َن ِْبي ك ُل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م اغْ ِ‬ ‫ومن أدعيته صلى الله عليه وسلم في سجوده ‪ ] :‬الل ّهُ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫فْر‬ ‫م اغ ْ ِ‬ ‫سّره ُ [ رواه مسلم ‪ .‬وكذلك ‪ ] :‬اللهُ ّ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫خَره ُ وَعََلن ِي َت َ ُ‬ ‫ه َوآ ِ‬ ‫ه وَأوّل َ ُ‬ ‫جل ّ ُ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫دِقّ ُ‬
‫ت [ رواه النسائي وهو في صحيح النسائي ‪. 1067‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أعْلن ْ ُ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫سَرْر ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ِلي َ‬
‫دم بعض ماكان يدعو به بين السجدتين ‪ .‬انظر السبب رقم ‪. 11‬‬ ‫وقد تق ّ‬
‫ومما كان يدعو به صلى الله عليه وسلم بعد التشهد ماعلمناه بقوله ‪] :‬إ َِذا‬
‫خر فَل ْيتعوذ ْ بالل ّه م َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أْرب ٍَع ِ‬ ‫َََ ّ ِ ِ ِ ْ‬ ‫شهّدِ اْل ِ ِ‬ ‫ن الت ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫فََرغ َ أ َ‬
‫ل[ ‪ .‬وكان‬ ‫جا ِ‬‫سيِح الد ّ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫شّر ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬‫حَيا َوال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن فِت ْن َةِ ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قب ْرِ وَ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫عَ َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل[‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫شّر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ ِ‬ ‫مل ُ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫شّر َ‬ ‫م ْ‬ ‫عوذ ُ ب ِك ِ‬ ‫م إ ِّني أ ُ‬ ‫يقول ‪ ] :‬اللهُ ّ‬
‫سيًرا [ وعلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يقول‬ ‫ّ‬ ‫ساًبا ي َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سب ِْني ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫] الل ّهُ ّ‬
‫َ‬
‫فْر‬‫ت َفاغْ ِ‬ ‫ب إ ِّل أن ْ َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ما ك َِثيًرا وََل ي َغْ ِ‬ ‫سي ظ ُل ْ ً‬ ‫ف ِ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م إ ِّني ظ َل َ ْ‬ ‫ل ‪ :‬الل ّهُ ّ‬ ‫‪ ] :‬قُ ْ‬
‫م[‪.‬‬ ‫ت ال ْغَ ُ‬ ‫َ‬ ‫عن ْدِ َ‬
‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫مِني إ ِّنك أن ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ك َواْر َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةً ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ِلي َ‬

‫)‪(12 /‬‬

‫ذي ل َ ْ‬
‫م‬ ‫مد ُ ال ّ ِ‬ ‫ص َ‬
‫حد ُ ال ّ‬ ‫ه اْل َ َ‬ ‫ك َيا الل ّ ُ‬ ‫سأ َل ُ َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِّني أ ْ‬ ‫وسمع رجل يقول في تشهده ‪ :‬الل ّهُ ّ‬
‫ت ال ْغَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫فَر ِلي ذ ُُنوِبي إ ِن ّ َ‬ ‫ن ت َغْ ِ‬
‫حد ٌ أ ْ‬ ‫وا أ َ‬ ‫ف ً‬‫ه كُ ُ‬ ‫ن لَ ُ‬‫م ي َك ُ ْ‬ ‫م ُيول َد ْ وَل َ ْ‬‫ي َل ِد ْ وَل َ ْ‬
‫ه ث ََلًثا [‬ ‫فَر ل َ ُ‬ ‫ه قَد ْ غُ ِ‬ ‫فَر ل َ ُ‬‫ل ‪ ]:‬قَد ْ غُ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫‪ ،‬فَ َ‬
‫وسمع آخر يقول في تشهده ‪ :‬اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ‪ ،‬ل إله إل أنت‬
‫وحدك ل شريك لك المنان يا بديع السموات والرض يا ذا الجلل والكرام يا‬
‫حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لصحابه ‪ ] :‬تدرون بما دعا ؟ [ قالوا ‪ :‬الله ‪ ،‬ورسوله أعلم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫] والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه العظم الذي إذا ُدعي به أجاب وإذا‬
‫سئل به أعطى [ وكان من آخر ما يقوله صلى الله عليه وسلم بين التشهد ‪,‬‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ت أن ْ َ‬ ‫ما أعْلن ْ ُ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫سَرْر ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫خْر ُ‬ ‫ما أ ّ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما قد ّ ْ‬ ‫فْر ِلي َ‬ ‫م اغ ِ‬ ‫والتسليم ‪] :‬اللهُ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت [ ' هذه الدعية وغيرها وتخريجها في صفة‬ ‫ه إ ِل أن ْ َ‬ ‫خُر ل إ ِل َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬
‫مؤ َ ّ‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬‫م َ‬‫ال ْ ُ‬
‫الصلة للعلمة اللباني ص‪ 163 :‬ط‪. 11.‬‬
‫وحفظ مثل هذه الدعية ؛ يعالج مشكلة صمت بعض الناس وراء المام إذا‬
‫فرغوا من التشهد ؛ لنهم ل يدرون ماذا يقولون ‪.‬‬
‫] ‪ [18‬الذكار الواردة بعد الصلة ‪ :‬فإنه مما يعين على تثبيت أثر الخشوع في‬
‫القلب وما حصل من بركة الصلة وفائدتها ‪ ,‬ولشك أن من حفظ الطاعة‬
‫الولى ‪ ,‬وصيانتها ‪ :‬إتباعها بطاعة ثانية ‪ ،‬وكذلك ‪ :‬فإن المتأمل لذكار ما بعد‬
‫الصلة يجد أنها تبدأ بالستغفار ثلثا ‪ ,‬فكأن المصلي يستغفر ربه عما حصل‬
‫من الخلل في صلته ‪ ,‬وعما حصل من التقصير في خشوعها فيها ‪ ،‬ومن‬
‫المهم كذلك الهتمام بالنوافل ‪ ,‬فإنها تجبر النقص في الفرائض ‪ ,‬ومنه‬
‫الخلل بالخشوع ‪ ,‬وبعد الكلم عن تحصيل السباب الجالبة للخشوع يأتي‬
‫الحديث عن ‪:‬‬
‫در صفوه‬ ‫ثانيا ‪ :‬دفع الموانع والشواغل التي تصرف عن الخشوع وتك ّ‬
‫] ‪ [19‬إزالة ما يشغل المصلي من المكان‪ :‬عن أنس رضي الله عنه قال ‪:‬‬
‫ب ب َي ْت َِها‬ ‫جان ِ َ‬ ‫ت ب ِهِ َ‬ ‫ست ََر ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ش َ‬ ‫ون _ ل َِعائ ِ َ‬ ‫م _ ستر فيه نقش وقيل ثوب مل ّ‬ ‫ن قَِرا ٌ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه َل ت ََزا ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ذا فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ك هَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫طي عَّنا قَِرا َ‬ ‫مي ِ‬ ‫م‪]:‬أ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫صَلِتي [ رواه البخاري ‪.‬‬ ‫ض ِفي َ‬ ‫صاِويُره ُ ت َعْرِ ُ‬ ‫تَ َ‬
‫صاِويُر‬ ‫ب ِفيهِ ت َ َ‬ ‫َ‬
‫ن لَها ثوْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وعن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنه ‪ :‬كا َ‬
‫سهْوَةٍ _ بيت صغير منحدر في الرض قليل شبيه بالمخدع ‪ ,‬أو‬ ‫دود ٌ إ َِلى َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ريهِ عَّني [‬ ‫خ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫]‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫لي‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫_‬ ‫الخزانة‬
‫ِ‬ ‫ِ ْ ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِّ ّ َ‬ ‫َ‬
‫سائ ِد َ ‪ .‬رواه مسلم‬ ‫ه َ َ‬ ‫و‬ ‫جعَل ْت ُ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫خْرت ُ ُ‬ ‫ت ‪ :‬فَأ ّ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ويدل على هذا المعنى أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة‬
‫ت‬‫سي ُ‬ ‫ليصلي فيها رأى قرني كبش فلما صلى قال لعثمان الحجبي ‪ ] :‬إ ِّني ن َ ِ‬
‫َ‬ ‫أ َن آمر َ َ‬
‫شغَ ُ‬
‫ل‬ ‫يٌء ي َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن ِفي ال ْب َي ْ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫س ي َن ْب َِغي أ ْ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬ ‫ن فَإ ِن ّ ُ‬ ‫قْرن َي ْ ِ‬ ‫مَر ال ْ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن تُ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫ي [ أخرجه أبو داود ‪ ,‬وهو في صحيح الجامع ‪. 2504‬‬ ‫صل ّ َ‬‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ويدخل في هذا ‪ :‬الحتراز من الصلة في أماكن مرور الناس ‪ ,‬وأماكن‬
‫الضوضاء ‪ ،‬والصوات المزعجة ‪ ,‬وبجانب المتحدثين ‪ ,‬وفي مجالس اللغو ‪,‬‬
‫واللغط ‪ ,‬وكل ما يشغل البصر ‪ .‬وكذلك ‪ :‬تجنب الصلة في أماكن الحّر‬
‫الشديد ‪ ,‬والبرد الشديد _ إذا أمكن ذلك _ فإن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أمر بالبراد في صلة الظهر بالصيف ؛ لجل هذا ‪ ،‬قال ابن القيم رحمه الله‬
‫تعالى ‪ ' :‬إن الصلة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور ‪،‬‬
‫جر ‪ ،‬فمن حكمة الشارع أن أمرهم بتأخيرها حتى‬ ‫ويفعل العبادة بتكّره وتض ّ‬
‫ينكسر الحّر ‪ ،‬فيصلي العبد بقلب حاضر ‪ ،‬ويحصل له مقصود الصلة من‬
‫الخشوع والقبال على الله تعالى ‪ ' .‬الوابل الصّيب ط‪ .‬دار البيان ص‪22 :‬‬
‫] ‪ [20‬أن ل يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل‬
‫المصلي‬
‫م‬‫سل َ‬‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫فعن عائشة رضي الله عنها قالت ‪َ :‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ه َقا َ‬ ‫صلت َ ُ‬ ‫ضى َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫مَها فَل ّ‬ ‫ت أعَْلم ٍ فَن َظ ََر إ َِلى عَل ِ‬
‫َ‬ ‫صةٍ َذا ِ‬ ‫مي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫صّلي ِفي َ‬ ‫يُ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫جان ِي ّهِ فَإ ِن َّها ألهَت ِْني‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة وَأُتوِني ب ِأن ْب ِ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن ُ‬ ‫جهْم ِ ب ْ ِ‬ ‫صةِ إ ِلى أِبي َ‬ ‫مي َ‬ ‫خ ِ‬‫] اذ ْهَُبوا ب ِهَذِهِ ال َ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صَلِتي [ وفي رواية ‪َ ] :‬‬
‫تل ُ‬ ‫م هَذِهِ [ وفي رواية ‪ ] :‬كان َ ْ‬ ‫شغَلت ِْني أعْل ُ‬ ‫فا ِفي َ‬ ‫آن ِ ً‬
‫صلةِ [ و هذه الروايات في صحيح‬ ‫َ‬ ‫ل ب َِها ِفي ال ّ‬ ‫شاغ ُ‬‫َ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫َ‬
‫م فَكا َ‬ ‫َ‬
‫ة لَها عَل ٌ‬ ‫َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫مي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫مسلم ‪ .‬ومن باب أولى ‪ :‬أن ل يصلي في ثياب فيها صور ‪ ,‬وخصوصا ذوات‬
‫الرواح كما شاع ‪ ,‬وانتشر في هذا الزمان ‪.‬‬
‫] ‪ [21‬أن ل يصلي وبحضرته طعام يشتهيه‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ضَرةِ الط َّعام ِ [ رواه‬ ‫ح ْ‬ ‫صَلة َ ب ِ َ‬ ‫و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪َ ] :‬ل َ‬
‫دم له ‪ ،‬بدأ‬ ‫مسلم رقم ‪ . 560‬فإذا ُوضع الطعام ‪ ,‬وحضر بين يديه ‪ ,‬أو قُ ّ‬
‫بالطعام ؛ لنه ل يخشع إذا تركه ‪ ,‬وقام يصلي ونفسه متعّلقة به ‪ ,‬بل إن عليه‬
‫أن ل يعجل حتى تنقضي حاجته منه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ‪] :‬إ َِذا قُّر َ‬
‫ب‬
‫جُلوا‬ ‫شاُء وحضرت الصَلة ُ َفابدُءوا به قَب َ َ‬
‫ب وََل ت َعْ َ‬‫مغْرِ ِ‬ ‫صَلةَ ال ْ َ‬ ‫صّلوا َ‬ ‫ن تُ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َ َ ْ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫صَلة ُ َفاب ْد َُءوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأِقي َ‬ ‫حدِك ُ ْ‬‫شاُء أ َ‬ ‫ضع َ ع َ َ‬‫م[ وفي رواية ‪ ] :‬إ َِذا وُ ِ‬ ‫شائ ِك ُ ْ‬
‫ن عَ َ‬‫عَ ْ‬
‫ه [ رواه البخاري‪ ،‬و مسلم ‪.‬‬ ‫من ْ ُ‬‫فُرغ َ ِ‬‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ج ْ‬
‫ل َ‬ ‫َ‬
‫شاِء وَل ي َعْ َ‬ ‫ِبال ْعَ َ‬
‫ك أن مما ينافي الخشوع ‪ :‬أن‬ ‫] ‪ [22‬أن ل يصلي وهو حاقن أو حاقب ‪ :‬لش ّ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو َ‬ ‫يصلي الشخص ‪ ,‬وقد حصره البول ‪ ,‬أو الغائط ‪ ,‬ولذلك ‪ ] :‬ن ََهى َر ُ‬
‫صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّ َ‬
‫ن [ رواه ابن ماجه ‪ ,‬وهو في‬ ‫حاقِ ٌ‬ ‫ل وَهُوَ َ‬ ‫ج ُ‬‫ي الّر ُ‬ ‫صل ّ َ‬‫ن يُ َ‬‫مأ ْ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صحيح الجامع رقم ‪ . 6832‬و الحاقن ‪ :‬أي الحابس البول ‪ ,‬والحاقب هو‬
‫حابس الغائط ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن حصل له ذلك فعليه أن يذهب إلى الخلء ؛ لقضاء حاجته _ ولو فاته ما‬
‫َ‬
‫فاته من صلة الجماعة _ فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال ‪ ] :‬إ َِذا أَراد َ‬
‫خَلِء [ رواه أبو داود ‪ ,‬وهو‬ ‫صَلة ُ فَل ْي َب ْد َأ ْ ِبال ْ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ْ‬‫خَلَء وََقا َ‬ ‫ب ال ْ َ‬‫ن ي َذ ْهَ َ‬‫مأ ْ‬
‫أ َحدك ُ َ‬
‫َ ُ ْ‬
‫في صحيح الجامع رقم ‪ . 299‬بل إنه إذا حصل له ذلك أثناء الصلة ‪ ,‬فإنه‬
‫يقطع صلته لقضاء حاجته ‪ ,‬ثم يتطهر ‪ ,‬ويصلي ؛ لن النبي صلى الله عليه‬
‫ن [ رواه مسلم ‪.‬‬ ‫خب ََثا ِ‬ ‫ه اْل َ ْ‬ ‫دافِعُ ُ‬ ‫ضَرةِ الط َّعام ِ وََل هُوَ ي ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫صَلة َ ب ِ َ‬ ‫وسلم قال ‪َ ] :‬ل َ‬
‫وهذه المدافعة بل ريب تذهب بالخشوع ‪ ,‬ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة‬
‫الريح ‪.‬‬
‫] ‪ [ 23‬أن ل يصلي وقد غلبه النعاس ‪ :‬عن أنس بن مالك قال ‪ ،‬قال رسول‬
‫َ‬
‫ما‬
‫م َ‬ ‫حّتى ي َعْل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫صَلةِ فَل ْي َن َ ْ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫سأ َ‬ ‫الله صلى الله عليه و سلم ‪ ] :‬إ َِذا ن َعَ َ‬
‫قَرأ ُ [ رواه البخاري ‪ .‬أي ‪ :‬فليرقد حتى يذهب عنه النوم ‪,‬‬ ‫يَ ْ‬
‫وقد جاء ذكر السبب في ذلك ‪ :‬فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله‬
‫َ‬
‫ب‬‫حّتى ي َذ ْهَ َ‬ ‫صّلي فَل ْي َْرقُد ْ َ‬ ‫م وَهُوَ ي ُ َ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫سأ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ ] :‬إ َِذا ن َعَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صّلى وَهُوَ َنا ِ‬ ‫عَنه النوم فَإ َ‬
‫ب‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫فُر في َ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫س ل ي َد ِْري لعَل ُ‬ ‫ع ٌ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫حد َك ُ ْ‬
‫نأ َ‬ ‫ْ ُ ّ ْ ُ ِ ّ‬
‫ه [ رواه البخاري ‪ ,‬و مسلم ‪ .‬وقد يحصل هذا في قيام الليل ‪ ,‬وقد‬ ‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫يصادف ساعة إجابة ‪ ,‬فيدعو على نفسه ‪ ,‬وهو ل يدري ‪ ،‬ويشمل هذا الحديث‬
‫من بقاء الوقت 'فتح الباري ' ‪.‬‬ ‫‪ :‬الفرائض أيضا إذا أ ِ‬
‫] ‪ [24‬أن ل يصلي خلف المتحدث أو النائم ‪ :‬لن النبي صلى الله عليه و سلم‬
‫ث [ رواه أبو داود ‪ ,‬و‬ ‫حد ّ ِ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ف الّنائ ِم ِ وََل ال ْ ُ‬ ‫خل ْ َ‬
‫صّلوا َ‬ ‫نهى عن ذلك فقال ‪َ ] :‬ل ت ُ َ‬
‫هو في صحيح الجامع رقم ‪ . 375‬لن المتحدث يلهي بحديثه ‪ ,‬و النائم قد‬
‫يبدو منه ما يلهي ‪ ,‬قال الخطابي رحمه الله ‪ ' :‬أما الصلة إلى المتحدثين ‪:‬‬
‫فقد كرهها الشافعي ‪ ,‬وأحمد بن حنبل ؛ وذلك من أجل أن كلمهم ُيشغل‬
‫المصلي عن صلته ' عون المعبود ‪. 2/388‬‬
‫أما أدلة النهي عن الصلة خلف النائم فقد ضّعفها عدد من أهل العلم ‪ ,‬وقال‬
‫البخاري ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬في صحيحه ‪ :‬باب الصلة خلف النائم ‪ ،‬وساق‬
‫َ‬
‫ة‬
‫ض ٌ‬ ‫معْت َرِ َ‬ ‫صّلي وَأَنا َراقِد َة ٌ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫حديث عائشة ‪َ ] :‬‬
‫شهِ ‪ ' [ ...‬وكره مجاهد ‪ ,‬وطاوس ‪ ,‬ومالك ‪ :‬الصلة إلى النائم ؛‬ ‫عََلى فَِرا ِ‬
‫ُ‬
‫خشية أن يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلته ‪ '...‬فتح الباري ‪ .‬فإذا أمن ذلك‬
‫فل ُتكره الصلة خلف النائم والله أعلم‬
‫صّلى الل ُّ‬
‫ه‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫] ‪ [ 25‬عدم النشغال بتسوية الحصى ‪ :‬عن معيقيب ‪ ] :‬أ َ‬
‫ّ ِّ ّ َ‬ ‫ُ َ ْ ِ ٌ‬
‫عًل‬ ‫ِ‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬
‫ِ ْ ْ َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫س ُ ُ‬
‫د‬ ‫ج‬ ‫ث يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫وي الت َّرا َ‬ ‫س ّ‬‫ل يُ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل ِفي الّر ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫حد َةً [ رواه البخاري ‪ ،‬و مسلم ‪.‬‬ ‫وا ِ‬ ‫فَ َ‬
‫)‪(14 /‬‬
‫َ‬
‫ة‬
‫سوِي َ َ‬ ‫حد َة ٌ ت َ ْ‬ ‫عًل فَ َ‬
‫وا ِ‬ ‫ت َل ب ُد ّ َفا ِ‬ ‫صّلي فَإ ِ ْ‬
‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ت تُ َ‬
‫ح وَأن ْ َ‬
‫س ْ‬ ‫و في رواية ‪َ ] :‬ل ت َ ْ‬
‫م َ‬
‫صى [ رواه أبو داود ‪ ،‬و هو في صحيح الجامع رقم ‪. 7452‬والعلة في هذا‬ ‫ح َ‬‫ال ْ َ‬
‫لولى إذا‬ ‫النهي ‪ :‬المحافظة على الخشوع ؛ ولئل يكثر العمل في الصلة ‪ .‬وا َ‬
‫كان موضع سجوده يحتاج إلى تسوية ؛ فليسوه قبل الدخول في الصلة ‪.‬‬
‫ويدخل في الكراهية ‪ :‬مسح الجبهة ‪ ،‬والنف ‪ ،‬وقد سجد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في ماء ‪ ،‬وطين ‪ ،‬وبقي أثر ذلك في جبهته ‪ ,‬ولم يكن ينشغل في كل‬
‫رفع من السجود بإزالة ما علق ‪ ,‬فالستغراق في الصلة ‪ ,‬والخشوع فيها‬
‫ن ِفي‬ ‫ينسي ذلك ‪ ,‬ويشغل عنه ‪ ,‬وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ] :‬إ ِ ّ‬
‫شغًْل [ رواه البخاري ‪ ,‬و مسلم ‪ .‬وقد روى ابن أبي شيبة عن أبي‬ ‫صَلةِ ُ‬
‫ال ّ‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدرداء قال ‪ ] :‬ما أحب أن لي حمر النعم وأني مسحت مكان جبيني من‬
‫الحصى [ وقال عياض ‪ :‬كره السلف مسح الجبهة في الصلة قبل النصراف‬
‫_ يعني النصراف من الصلة _ ‪ .‬وكما أن المصلي ينبغي أن يحترز مما‬
‫يشغله عن صلته _ كما مّر في النقاط السابقة _ فكذلك عليه أن يلتزم بعدم‬
‫التشويش على المصلين الخرين ‪.‬‬
‫] ‪ [ 26‬عدم التشويش بالقراءة على الخرين ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫َ‬
‫ضك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ضا وََل ي َْرفَعْ ب َعْ ُ‬ ‫م ب َعْ ً‬‫ضك ُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫ه فََل ي ُؤْذِي َ ّ‬ ‫مَناٍج َرب ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُل ّك ُ ْ‬ ‫عليه و سلم ‪ ] :‬أَل إ ِ ّ‬
‫صَلةِ [ رواه أبو داود ‪ ,‬و هو في صحيح‬ ‫ل ِفي ال ّ‬ ‫قَراَءةِ أ َوْ َقا َ‬ ‫ض ِفي ال ْ ِ‬ ‫عَلى ب َعْ ٍ‬
‫َ‬
‫ن [ رواه‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ض ِبال ْ ُ‬ ‫م عَلى ب َعْ ٍ‬
‫ضك ُ ْ َ‬ ‫جهَْر ب َعْ ُ‬ ‫الجامع رقم ‪ . 752‬وفي رواية ‪ ] :‬وََل ي َ ْ‬
‫المام أحمد ‪ ,‬وهو في صحيح الجامع ‪. 1951‬‬
‫] ‪ [ 27‬ترك اللتفات في الصلة ‪:‬‬
‫لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ت فَإ َِذا‬ ‫ف ْ‬ ‫م ي َل ْت َ ِ‬‫ما ل َ ْ‬‫صَلت ِهِ َ‬ ‫قب ًِل عََلى ال ْعَب ْد ِ وَهُوَ ِفي َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ُ‬ ‫ج ّ‬‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫] َل ي ََزا ُ‬
‫ه [ رواه أبو داود ‪ ,‬وهو في صحيح أبي داود ‪.‬‬ ‫ف عَن ْ ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫ت ان ْ َ‬ ‫ف َ‬‫ال ْت َ َ‬
‫واللتفات في الصلة قسمان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬التفات القلب إلى غير الله عز وجل ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬التفات البصر ‪ :‬وكلهما منهي عنه ‪ ,‬وينقص من أجر الصلة ‪ ،‬وقد‬
‫و‬
‫سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللتفات في الصلة فقال ‪ ] :‬هُ َ‬
‫صَلةِ ال ْعَب ْد ِ [ رواه البخاري ‪ ' .‬ومثل من يلتفت‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬‫ه ال ّ‬ ‫س ُ‬‫خت َل ِ ُ‬ ‫س يَ ْ‬‫خت َِل ٌ‬ ‫ا ْ‬
‫في صلته ببصره ‪ ,‬أو قلبه ‪ ,‬مثل ‪ :‬رجل استدعاه السلطان ‪ ,‬فأوقفه بين‬
‫يديه ‪ ,‬وأقبل يناديه ‪ ,‬ويخاطبه ‪ ,‬وهو في خلل ذلك يلتفت عن السلطان‬
‫يمينا ‪ ,‬وشمال ‪ ،‬وقد انصرف قلبه عن السلطان ‪ ,‬فل يفهم ما يخاطبه به ؛‬
‫لن قلبه ليس حاضرا معه ‪ ,‬فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان ؟!‬
‫أفليس أقل المراتب في حقه ‪ :‬أن ينصرف من بين يديه ممقوتا ‪ ,‬مبعدا قد‬
‫سقط من عينيه ‪ ،‬فهذا المصلي ل يستوي ‪ ,‬والحاضر القلب ‪ ,‬المقبل على‬
‫الله تعالى في صلته ‪ ,‬الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه ‪,‬‬
‫فامتل قلبه من هيبته ‪ ,‬وذلت عنقه له ‪ ،‬واستحيى من ربه أن يقبل على‬
‫غيره ‪ ,‬أو يلتفت عنه ‪ ,‬وبين صلتيهما ‪,‬كما قال حسان بن عطية ‪ :‬إن الرجلين‬
‫ليكونان في الصلة الواحدة ‪ ،‬وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء‬
‫والرض ‪ ،‬وذلك أن أحدهما مقبل بقلبه على الله عز وجل والخر ساه غافل '‬
‫الوابل الصيب لبن القيم ‪.‬‬
‫و أما اللتفات ' لحاجة فل بأس به ‪ ،‬روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية قال‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫صَلةَ ال ّ‬
‫صب ِْح فَ َ‬ ‫صَلةِ ي َعِْني َ‬ ‫ب ِبال ّ‬ ‫‪] :‬ث ُوّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫شعْ ِ‬ ‫سا إ ِلى ال ّ‬ ‫ل َفارِ ً‬ ‫س َ‬‫ن أْر َ‬ ‫ل أُبو َداُود وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ب [ َقا َ‬ ‫شعْ ِ‬ ‫ت إ ِلى ال ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫صّلي وَهُوَ ي َلت َ ِ‬
‫ْ‬ ‫يُ َ‬
‫س‪.‬‬ ‫حُر ُ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫و هذا كحمله أمامة بنت أبي العاص ‪ ....‬وفتحه الباب لعائشة ‪ ....‬و نزوله من‬
‫المنبر لما صلى بهم يعلمهم ‪ ....‬وتأخره في صلة الكسوف ‪ ....‬وإمساكه‬
‫الشيطان ‪ ,‬وخنقه لما أراد أن يقطع صلته ‪ ،‬وأمره بقتل الحية ‪ ,‬والعقرب في‬
‫الصلة ‪ ....‬وأمره برد ّ المار بين يدي المصلي ‪ ,‬ومقاتلته ‪ ....‬وأمره النساء‬
‫بالتصفيق ‪ ....‬وإشارته في الصلة ‪ ,‬وغير ذلك من الفعال التي تفعل لحاجة ‪،‬‬
‫ولو كانت لغير حاجة كانت من العبث ‪ -‬المنافي للخشوع ‪ -‬المنهي عنه في‬
‫الصلة ' مجموع الفتاوى ‪. 22/559‬‬
‫] ‪ [ 28‬عدم رفع البصر إلى السماء ‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وقد ورد النهي عن ذلك والوعيد على فعله في قوله صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫َ‬ ‫كا َ‬
‫صُرهُ [ رواه‬ ‫مع َ ب َ َ‬ ‫ن ي ُل ْت َ َ‬ ‫ماِء أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫صَره ُ إ َِلى ال ّ‬ ‫صَلت ِهِ فََل ي َْرفَعْ ب َ َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫] إ َِذا َ َ‬
‫َ‬
‫وام ٍ ي َْرفَُعو َ‬
‫ن‬ ‫ل أقْ َ‬ ‫ما َبا ُ‬ ‫أحمد ‪ ,‬و هو في صحيح الجامع رقم ‪ 762‬وفي رواية ‪َ ] :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن عَ ْ‬ ‫ل لي َن ْت َهُ ّ‬ ‫حّتى َقا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ه ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫شت َد ّ قَوْل ُ ُ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫صَلت ِهِ ْ‬ ‫ماِء ِفي َ‬ ‫س َ‬ ‫م إ َِلى ال ّ‬ ‫صاَرهُ ْ‬ ‫أب ْ َ‬
‫فن أ َبصارهُم [ رواه البخاري ‪.‬وفي رواية ‪] :‬ل َينتهي َ‬ ‫ك أ َوْ ل َت ُ ْ‬
‫ن‬‫م عَ ْ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫ََِْ َ ّ‬ ‫خط َ َ ّ ْ َ ُ ْ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫خط َ َ‬ ‫ماِء أوْ ل َت ُ ْ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫م[‬ ‫صاُرهُ ْ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫س َ‬ ‫صَلةِ إ َِلى ال ّ‬ ‫عاِء ِفي ال ّ‬ ‫عن ْد َ الد ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫صاَرهُ ْ‬ ‫م أب ْ َ‬ ‫َرفْعِهِ ْ‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬
‫] ‪ [ 29‬أن ل يبصق أمامه في الصلة ‪ :‬لنه مما ينافي الخشوع في الصلة‬
‫صّلي فََل‬ ‫كا َ‬
‫م يُ َ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫والدب مع الله ‪ ,‬لقوله صلى الله عليه و سلم ‪ ] :‬إ َِذا َ َ‬
‫صّلى [ رواه البخاري ‪ ,‬و مسلم ‪ .‬و‬ ‫جهِهِ إ َِذا َ‬ ‫ل وَ ْ‬ ‫ه قِب َ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫جهِهِ فَإ ِ ّ‬ ‫ل وَ ْ‬ ‫صقُ قِب َ َ‬ ‫ي َب ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫ما َدا َ‬ ‫ه َ‬ ‫جي الل ّ َ‬ ‫ما ي َُنا ِ‬ ‫ه فَإ ِن ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما َ‬ ‫صق ْ أ َ‬ ‫صَلةِ فََل ي َب ْ ُ‬ ‫م إ َِلى ال ّ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫قال ‪] :‬إ َِذا َقا َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م ِ‬ ‫ت قَد َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سارِهِ أوْ ت َ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫صقْ عَ ْ‬ ‫كا وَل ْي َب ْ ُ‬ ‫مل َ ً‬ ‫مين ِهِ َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫مين ِهِ فَإ ِ ّ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫صّله ُ وََل عَ ْ‬ ‫م َ‬‫ُ‬
‫فَي َد ْفِن َُها [ رواه البخاري ‪ .‬وإذا كان المسجد مفروشا بالسجاد ‪ ,‬ونحوه _ كما‬
‫هو الغالب في هذا الزمان _ فيمكنه إذا احتاج أن يخرج منديل ‪ ,‬ونحوه ‪,‬‬
‫فيبصق فيه ‪ ,‬ويرّده ‪.‬‬
‫] ‪ [ 30‬مجاهدة التثاؤب في الصلة ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سك ب ِي َدِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م فَلي ُ ْ‬ ‫حد ُك ْ‬ ‫بأ َ‬ ‫قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ] :‬إ َِذا ت ََثاوَ َ‬
‫ل [ رواه مسلم ‪ .‬وإذا دخل الشيطان ؛ يكون‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عََلى ِفيهِ فَإ ِ ّ‬
‫أقدر على التشويش على خشوع المصلي بالضافة إلى أنه يضحك من‬
‫المصلي إذا تثاءب ‪.‬‬
‫] ‪ [31‬عدم الختصار في الصلة ‪:‬‬
‫صاِر‬ ‫خت ِ َ‬ ‫ن اِل ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫سول اللهِ َ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫عن أبي هريرة قال ‪ ] :‬ن ََهى َر ُ‬
‫صَلةِ [رواه البخاري ‪ ,‬و مسلم ‪ ,‬و أبو داود _ و اللفظ له _ و الترمذي ‪,‬‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫و النسائي ‪,‬و ابن ماجه ‪ ,‬و الدارمي ‪ ,‬و أحمد ‪ .‬والختصار هو ‪ :‬أن يضع يديه‬
‫مَر‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ب اب ْ ِ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ت إ َِلى َ‬ ‫صل ّي ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ي َقا َ‬ ‫ف ّ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫صب َي ٍْح ال ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫على خصره ‪,‬فعن زَِياد ِ ب ْ ِ‬
‫ب ِفي‬ ‫صل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ذا ال ّ‬ ‫ل ‪ :‬هَ َ‬ ‫صلى َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ب ي َد َيّ فَل ّ‬ ‫ضَر َ‬ ‫صَرِتي فَ َ‬ ‫خا ِ‬ ‫دي عََلى َ‬ ‫ت يَ ِ‬ ‫ضعْ ُ‬ ‫فَوَ َ‬
‫ه [ رواه أحمد ‪ ,‬و‬ ‫م ي َن َْهى عَن ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫صلةِ ] وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫أبو داود ‪ ,‬و النسائي ‪ ,‬وصححه الحافظ العراقي في تخريج الحياء ‪ :‬انظر‬
‫صر راحة أهل النار [ _‬ ‫الرواء ‪ . 2/94‬وقد جاء في حديث مرفوع ‪ ] :‬أن التخ ّ‬
‫والعياذ بالله _ رواه البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا ‪ .‬قال العراقي ‪ :‬ظاهر‬
‫إسناده الصحة ‪.‬‬
‫] ‪ [ 32‬ترك السدل في الصلة ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫صلةِ وَأ ْ‬ ‫ل ِفي ال ّ‬ ‫سد ْ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ن ََهى عَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫لما ورد أ ّ‬
‫ل َفاه ُ [‪ .‬رواه أبو داود ‪ ,‬و هو في صحيح الجامع رقم ‪ . 6883‬قال‬ ‫ج ُ‬ ‫ي الّر ُ‬ ‫ي ُغَط ّ َ‬
‫طابي ‪ ' :‬السدل ‪ :‬إرسال الثوب حتى يصيب الرض ' ‪ .‬ونقل في مرقاة‬ ‫الخ ّ‬
‫المفاتيح ‪ ' :2/236‬السدل منهي عنه مطلقا ؛ لنه من الخيلء ‪ ،‬وهو في‬
‫الصلة أشنع ‪ ,‬وأقبح ' ‪ .‬وقال صاحب النهاية ‪ ' :‬أي يلتحف بثوبيه ‪ ,‬و يدخل‬
‫يديه من داخل فيركع و يسجد ‪ .‬وقيل بأن اليهود كانت تفعله ‪ .‬وقيل السدل ‪:‬‬
‫أن يضع الثوب على رأسه ‪ ,‬أو كتفه ‪ ,‬ويرسل أطرافه أمامه ‪ ,‬أو على عضديه‬
‫ل بالخشوع بخلف ما لو كان مربوطا ‪ ,‬أو‬ ‫‪ ,‬فيبقى منشغل بمعالجته ‪ ,‬فيخ ّ‬
‫مزررا ل يخشى من وقوعه ‪ ,‬فل يشغل المصلي حينئذ ‪ ,‬ول ينافي الخشوع ‪.‬‬
‫ويوجد في بعض ألبسة الناس اليوم من بعض الفارقة ‪ ,‬وغيرهم ‪ ,‬وفي‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طريقة لبس بعض المشالح ‪ ,‬والردية ما يبقي المصلي مشغول في أحيان‬


‫من صلته ‪ :‬برفع ما وقع ‪ ,‬أو ضم ما انفلت ‪ ,‬وهكذا فينبغي التنبه لذلك ‪ .‬أما‬
‫النهي عن تغطية الفم ‪ ,‬فمن العلل التي ذكرها العلماء في النهي عنه ‪ :‬أنه‬
‫يمنع حسن إتمام القراءة وكمال السجود ‪ .‬مرقاة المفاتيح ‪. 2/236‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫] ‪ [ 33‬ترك التشبه بالبهائم ‪ :‬لما أن الله كرم ابن آدم ‪ ,‬وخلقه في أحسن‬
‫تقويم ‪ ،‬كان من المعيب أن يتشبه الدمي بالبهائم ‪ ,‬وقد نهينا عن مشابهة‬
‫عدد من هيئات البهائم ‪ ,‬وحركاتها في الصلة ؛ لما في ذلك من منافاة‬
‫الخشوع ‪ ,‬أو قبح الهيئة التي ل تليق بالمصلي ‪ ،‬فمما ورد في ذلك ‪ ] :‬ن ََهى‬
‫ب َوافْت َِرا ِ‬
‫ش‬ ‫قرِ ال ْغَُرا ِ‬ ‫ث نَ ْ‬ ‫ن ث ََل ٍ‬ ‫صَلةِ عَ ْ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ن الب َِعيرِ [ رواه أحمد ‪ .‬قيل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫َ‬
‫حد َ كِإيطا ِ‬ ‫وا ِ‬‫م ال َ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬‫ل ال َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ُيوط ِ َ‬ ‫سب ُِع وَأ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫معناه ‪ :‬أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد ‪ ,‬مخصوصا به يصلي فيه‬
‫كالبعير ل يغير مناخه ‪ ,‬فيوطنه ‪ .‬الفتح الرباني ‪ . 4/91‬وفي رواية ‪ ] :‬ن ََهاِني‬
‫ب [ رواه‬ ‫ت الث ّعْل َ ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫كال ْت ِ َ‬‫ت َ‬ ‫فا ٍ‬ ‫ب َوال ْت ِ َ‬ ‫ك وَإ ِقَْعاٍء ك َإ ِقَْعاِء ال ْك َل ْ ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫قَرةِ ال ّ‬ ‫قَرةٍ ك َن َ ْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫أحمد ‪ ,‬وهو في صحيح الترغيب رقم ‪. 556‬‬
‫هذا ما تيسر ذكره من السباب الجالبة للخشوع ؛ لتحصيلها ‪ ,‬والسباب‬
‫المشغلة عنه ‪ ,‬لتلفيها ‪ ,‬وإن من عظم مسألة الخشوع ‪ ,‬وعلو قدرها عند‬
‫العلماء ؛ أنهم ناقشوا القضية التالية ‪:‬‬
‫مسألة ‪ :‬فيمن كثرت الوساوس في صلته ‪ ،‬هل تصح أم عليه العادة ؟‬
‫قال ابن القيم رحمه الله تعالى ‪ ' :‬فإن قيل ‪ :‬ما تقولون في صلة من عدم‬
‫الخشوع ‪ ،‬هل يعتد بها أم ل ؟ قيل ‪ :‬أما العتداد بها في الثواب ‪ :‬فل يعتد‬
‫بها ‪ ،‬إل بما عقل فيه منها ‪ ،‬و خشع فيه لربه ‪ .‬قال ابن عباس ‪ ] :‬ليس لك‬
‫من صلتك إل ما عقلت منها [ ‪.‬‬
‫ها‬
‫شُر َ‬ ‫ّ‬
‫من َْها إ ِل عُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫بل ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما ي ُكت َ ُ‬ ‫ص لة َ َ‬ ‫َ‬ ‫صلي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن ال ْعَب ْد َ لي ُ َ‬
‫َ‬ ‫و في المسند مرفوعا ‪] :‬إ ِ ّ‬
‫فَها [ فقد علق الله فلح‬ ‫ص ُ‬ ‫ُ‬
‫سَها ُرب ُعَُها ث ُلث َُها ن ِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫سَها ُ‬ ‫سد ُ ُ‬ ‫سب ُعَُها ُ‬ ‫من َُها ُ‬ ‫سعَُها ث ُ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫المصلين بالخشوع في صلتهم ‪ ،‬فدل على أن من لم يخشع ؛ فليس من أهل‬
‫الفلح ‪ ،‬و لو اعتد له بها ثوابا ؛ لكان من المفلحين ‪ .‬و أما العتداد بها في‬
‫أحكام الدنيا ‪ ,‬وسقوط القضاء ‪ :‬فإن غلب عليها الخشوع ‪ ,‬و تعقلها اعتد بها‬
‫إجماعا ‪ ،‬و كانت من السنن و الذكار عقيبها ‪ :‬جوابر ‪ ,‬و مكملت لنقصها ‪.‬‬
‫وإن غلب عليها عدم الخشوع فيها ‪ ,‬و عدم تعقلها ‪ :‬فقد اختلف الفقهاء في‬
‫وجوب إعادتها ‪ ،‬فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد ‪.‬‬
‫و من هذا أيضا اختلفهم في الخشوع في الصلة ‪ ,‬و فيه قولن للفقهاء ‪ ،‬و‬
‫هما في مذهب أحمد و غيره ‪.‬‬
‫و على القولين ‪ :‬اختلفهم في وجوب العادة على من غلب عليه الوسواس‬
‫في صلته ‪ ،‬فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد ‪ ,‬ولم يوجبها أكثر الفقهاء ‪ .‬و‬
‫احتجوا بأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر من سها في صلته بسجدتي‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫صَلت ِ ِ‬
‫ه‬ ‫م ِفي َ‬ ‫حد َك ُ ْ‬ ‫ن ي َأِتي أ َ‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫السهو و لم يأمره بالعادة مع قوله ‪ ] :‬إ ِ ّ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ل ل ي َد ِْري ك ْ‬ ‫َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫َ‬
‫حّتى ي َظ ّ‬ ‫ن ي َذ ْك ُُر َ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬‫ما ل َ ْ‬ ‫ذا اذ ْك ُْر ك َ َ‬
‫ذا ل ِ َ‬ ‫ل اذ ْك ُْر ك َ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫في َ ُ‬
‫صّلى [‪ .‬و لكن ل نزاع ‪ :‬أن هذه الصلة ل ثواب على شيء منها إل بقدر‬ ‫َ‬
‫صلي‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن العَب ْد َ لي ُ َ‬ ‫حضور قلبه ‪ ,‬و خضوعه ‪ ،‬كما قال صلى الله عليه و سلم ‪ ] :‬إ ِ ّ‬
‫سَها ُرب ُعَُها‬ ‫م ُ‬ ‫خ ُ‬
‫سَها ُ‬ ‫سد ُ ُ‬ ‫سب ُعَُها ُ‬ ‫من َُها ُ‬ ‫سعَُها ث ُ ُ‬ ‫ها ت ُ ْ‬ ‫شُر َ‬ ‫من َْها إ ِّل عُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫ما ي ُك ْت َ ُ‬ ‫صَلة َ َ‬ ‫ال ّ‬
‫فَها [ و قال ابن عباس ‪ ] :‬ليس لك من صلتك إل ما عقلت منها [‬ ‫ص ُ‬ ‫ث ُل ُث َُها ن ِ ْ‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فليست صحيحة باعتبار ترقب كمال مقصودها عليها ‪ ,‬و إن سميت صحيحة‬
‫باعتبار أنا ل نأمره بالعادة ‪ .‬مدارج السالكين ‪. 1/112‬‬
‫َ‬
‫الصحيح أنه قال ‪] :‬إ ِذا ُنودِيَ‬ ‫و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في‬
‫داَء أ َقْب َ َ‬ ‫ط حتى َل يسمع التأ ْ‬ ‫صَلةِ أ َد ْب ََر ال ّ‬
‫ل‬ ‫ّ َ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ضى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫َ ْ َ َ َّ ِ َ ِ‬ ‫ضَرا ٌ َ ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن وَل َ ُ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ِلل ّ‬
‫َ‬
‫مْرِء‬‫ن ال ْ َ‬‫خط َِر ب َي ْ َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب أقْب َ َ‬ ‫وي َ‬ ‫ضى الت ّث ْ ِ‬ ‫حّتى إ َِذا قَ َ‬ ‫صَلةِ أد ْب ََر َ‬ ‫ب ِبال ّ‬ ‫حّتى إ َِذا ث ُوّ َ‬ ‫َ‬
‫ل َل ي َد ِْري‬ ‫ج ُ‬‫ّ ُ‬‫ر‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ي‬ ‫تى‬ ‫ح‬
‫ْ َ ْ َ ُ َ ّ َ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ا‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قو‬
‫ُ‬ ‫وَ َ ِ ِ َ‬
‫ي‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫س [ ‪ .‬قالوا ‪:‬‬ ‫جال ِ ٌ‬ ‫ن وَهُوَ َ‬ ‫جد َت َي ْ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫جد ْ َ‬ ‫س ُ‬‫م فَلي َ ْ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫كأ َ‬ ‫جد َ ذ َل ِ َ‬ ‫صّلى فَإ َِذا وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫كَ ْ‬
‫فأمره النبي في هذه الصلة التي قد أغفله الشيطان فيها ‪ ،‬حتى لم يدر كم‬
‫صلى بأن يسجد سجدتي السهو ‪ ،‬و لم يأمره بإعادتها ‪ ،‬و لو كانت باطلة ‪-‬‬
‫كما زعمتم ‪ -‬لمره بإعادتها ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬و هذا هو السر في سجدتي السهو ‪ ،‬ترغيما للشيطان في وسوسته‬
‫للعبد ‪ ،‬و كونه حال بينه و بين الحضور في الصلة ‪ ،‬و لهذا سماها النبي‬
‫المرغمتين ‪ .‬مدارج السالكين ‪ . 530-1/528‬فإن أردتم وجوب العادة ؛‬
‫لتحصل هذه الثمرات ‪ ,‬و الفوائد ‪ ،‬فذاك كله إليه إن شاء أن يحصلها ‪ ,‬و إن‬
‫شاء أن يفوتها على نفسه ‪ .‬و إن أردتم بوجوبها ‪ :‬أنا نلزمه بها ‪ ,‬و نعاقبه على‬
‫تركها ‪ ,‬و نرتب عليه أحكام تارك الصلة فل ‪ ,‬و هذا هو أرجح القولين ‪ ,‬و الله‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫خاتمة‬

‫)‪(17 /‬‬

‫أمر الخشوع كبير ‪ ،‬وشأنه خطير ‪ ،‬ول يتأتى إل لمن وفقه الله لذلك ‪،‬‬
‫وحرمان الخشوع مصيبة كبيرة وخطب جلل ‪ ,‬ولذلك كان النبي صلى الله‬
‫شعُ ‪[ ...‬‬‫خ َ‬‫ب َل ي َ ْ‬
‫ن قَل ْ ٍ‬
‫م ْ‬ ‫م إ ِّني أ َ ُ‬
‫عوذ ُ ب ِ َ‬
‫ك ِ‬ ‫عليه وسلم يقول في دعائه ‪ ] :‬الل ّهُ ّ‬
‫رواه الترمذي ‪ ,‬وهو في صحيح سنن الترمذي ‪. 2769‬‬
‫والخاشعون درجات ‪ ،‬والخشوع من عمل القلب يزيد ‪ ,‬وينقص ‪ :‬فمنهم من‬
‫يبلغ خشوعه عنان السماء ‪ ,‬ومن يخرج من صلته لم يعقل شيئا ' والناس‬
‫في الصلة على مراتب خمسة ‪ :‬أحدها ‪ :‬مرتبة الظالم لنفسه المفرط ‪ ،‬وهو‬
‫الذي انتقص من وضوءها ‪ ,‬ومواقيتها ‪ ,‬وحدودها وأركانها‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬من يحافظ على مواقيتها ‪ ,‬وحدودها ‪ ,‬وأركانها الظاهرة ‪ ,‬و وضوءها ‪،‬‬
‫لكنه قد ضّيع مجاهدة نفسه في الوسوسة ‪ ،‬فذهب مع الوساوس والفكار ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬من حافظ على حدودها ‪ ,‬وأركانها ‪ ,‬وجاهد نفسه في دفع‬
‫الوساوس ‪ ,‬والفكار ‪ ،‬فهو مشغول بمجهادة عدوه لئل يسرق صلته ‪ ،‬فهو‬
‫في صلة ‪ ,‬وجهاد ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬من إذا قام إلى الصلة أكمل حقوقها ‪ ,‬وأركانها ‪ ,‬وحدودها ‪،‬‬
‫واستغرق قلبه مراعاة حدودها ‪ ,‬وحقوقها ؛ لئل يضيع شيئا منها ‪ ،‬بل همه كله‬
‫مصروف إلى إقامتها _ كما ينبغي _ وإكمالها وإتمامها ‪ ،‬قد استغرق قلبه شأن‬
‫الصلة ‪ ,‬وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬من إذا قام إلى الصلة قام إليها كذلك ‪ ،‬ولكن مع هذا قد أخذ قلبه‬
‫‪ ,‬ووضعه بين يدي ربه عز وجل ‪ ،‬ناظرا بقلبه إليه ‪ ،‬مراقبا له ‪ ،‬ممتلئا من‬
‫محبته وعظمته ‪ ،‬كأنه يراه ويشاهده‪ ،‬وقد اضمحلت تلك الوساوس‬
‫والخطرات ‪ ،‬وارتفعت حجبها بينه وبين ربه ‪ ،‬فهذا بينه وبين غيره في الصلة‬
‫أعظم مما بين السماء والرض ‪ ،‬وهذا في صلته مشغول بربه عز وجل قرير‬
‫العين به ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فر عنه ‪ ،‬والرابع‬‫فالقسم الول معاقب ‪ ،‬والثاني محاسب ‪ ،‬والثالث مك ّ‬


‫جعلت قّرة عينه في‬ ‫مثاب ‪ ،‬والخامس مقّرب من رّبه ‪ ،‬لن له نصيبا ممن ُ‬
‫الصلة ‪ ،‬فمن قّرت عينه بصلته في الدنيا‪ ،‬قّرت عينه بقربه من رّبه عز وجل‬
‫في الخرة ‪ ،‬وقّرت عينه أيضا به في الدنيا ‪ ،‬ومن قرت عينه بالله قّرت به‬
‫كل عين ‪ ،‬ومن لم تقّر عينه بالله تعالى تقطّعت نفسه على الدنيا حسرات '‬
‫الوابل الصيب ص ‪40 :‬‬
‫وختاما أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الخاشعين ‪ ,‬وأن يتوب علينا أجمعين‬
‫‪ ,‬وأن يجزي بالخير من ساهم في هذه الرسالة ‪ ,‬وأن ينفع من قرأ فيها‬
‫آمين ‪ ،‬والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫اسم الكتاب ‪ 33 :‬سببا للخشوع في الصلة …‪ .‬تأليف‪ :‬محمد صالح المنجد‬

‫)‪(18 /‬‬

‫ثلثون وصية تسعد بها زوجتك‬


‫الدكتور حسان شمسي باشا‬
‫السعادة الزوجية أشبه بقرص من العسل تبنيه نحلتان ‪ ،‬وكلما زاد الجهد فيه‬
‫زادت حلوة الشهد فيه ‪ .‬وكثيرون يسألون كيف يصنعون السعادة في‬
‫بيوتهم ‪ ،‬ولماذا يفشلون في تحقيق هناءة السرة واستقرارها ‪.‬‬
‫ول شك أن مسؤولية السعادة الزوجية تقع على الزوجين ‪.‬فل بد من وجود‬
‫المحبة بين الزوجين‪ .‬وليس المقصود بالمحبة ذلك الشعور الهوج الذي‬
‫يلتهب فجأة وينطفئ فجأة ‪ ،‬إنما هو ذلك التوافق الروحي والحساس‬
‫العاطفي النبيل بين الزوجين ‪.‬‬
‫والبيت السعيد ل يقف على المحبة وحدها ‪ ،‬بل ل بد أن تتبعها روح التسامح‬
‫بين الزوجين ‪ .‬والتسامح ل يتأتى بغير تبادل حسن الظن والثقة بين‬
‫الطرفين ‪ .‬والتعاون عامل رئيسي في تهيئة البيت السعيد ‪ ،‬وبغيره تضعف‬
‫قيم المحبة والتسامح ‪ .‬والتعاون يكون أدبيا ً وماديا ً ‪ .‬ويتمثل الول في حسن‬
‫استعداد الزوجين لحل ما يعرض للسرة من مشكلت ‪ .‬فمعظم الشقاق‬
‫ينشأ عن عدم تقدير أحد الزوجين لمتاعب الخر ‪ ،‬أو عدم إنصاف حقوق‬
‫شريكه ‪.‬‬
‫ول نستطيع أن نعدد العوامل الرئيسة في تهيئة البيت السعيد دون أن نذكر‬
‫العفة بإجلل وخشوع ‪ ،‬فإنها محور الحياة الكريمة ‪ ،‬وأصل الخير في علقات‬
‫النسان ‪.‬‬
‫وقد كتب أحد علماء الجتماع يقول ‪ " :‬لقد دلتني التجربة على أن أفضل‬
‫شعار يمكن أن يتخذه الزواج لتفادي الشقاق ‪ ،‬هو أنه ل يوجد حريق يتعذر‬
‫إطفاؤه عند بدء اشتعاله بفنجان من ماء ‪ ..‬ذلك لن أكثر الخلفات الزوجية‬
‫التي تنتهي بالطلق ترجع إلى أشياء تافهة تتطور تدريجيا ً حتى يتعذر إصلحها‬
‫"‪.‬‬
‫ً‬
‫وتقع المسؤولية في خلق السعادة البيتية على الوالدين ‪ ،‬فكثيرا ما يهدم‬
‫البيت لسان لذع ‪ ،‬أو طبع حاد يسرع إلى الخصام ‪ ،‬وكثيرا ً ما يهدم أركان‬
‫السعادة البيتية حب التسلط أو عدم الخلص من قبل أحد الوالدين وأمور‬
‫صغيرة في المبنى عظيمة في المعنى ‪ .‬وهاك بعضا ً من تلك الوصايا التي‬
‫تسهم في إسعاد زوجك ‪.‬‬
‫ن زوجتك ‪ ،‬فإن أي إهانة توجهها إليها ‪ ،‬تظل راسخة في قلبها وعقلها‬ ‫‪ .1‬ل ُته ْ‬
‫‪ .‬وأخطر الهانات التي ل تستطيع زوجتك أن تغفرها لك بقلبها ‪ ،‬حتى ولو‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غفرتها لك بلسانها ‪ ،‬هي أن تنفعل فتضر بها ‪ ،‬أو تشتمها أو تلعن أباها أو أمها‬
‫‪ ،‬أو تتهمها في عرضها ‪.‬‬
‫ن إليك ‪ .‬أشعرها أنك تفضلها على نفسك ‪،‬‬ ‫ن معاملتك لزوجتك ُتحس ْ‬ ‫س ْ‬‫‪ .2‬أح ِ‬
‫ح من أجلها ‪،‬إن‬ ‫ّ‬ ‫ومض‬ ‫‪،‬‬ ‫صحتها‬ ‫على‬ ‫ومحافظ‬ ‫‪،‬‬ ‫إسعادها‬ ‫على‬ ‫حريص‬ ‫وأنك‬
‫ت مثل ً ‪ ،‬بما أنت عليه قادر ‪.‬‬ ‫مرض ْ‬
‫‪ .3‬تذكر أن زوجتك تحب أن تجلس لتتحدث معها وإليها في كل ما يخطر‬
‫ببالك من شؤون‪ .‬ل تعد إلى بيتك مقطب الوجه عابس المحيا ‪ ،‬صامتا أخرسا‬
‫‪ ،‬فإن ذلك يثير فيها القلق والشكوك ‪!.‬‬
‫‪ .4‬ل تفرض على زوجتك اهتماماتك الشخصية المتعلقة بثقافتك أو تخصصك ‪،‬‬
‫فإن كنت أستاذا في الفلك مثل فل تتوقع أن يكون لها نفس اهتمامك بالنجوم‬
‫والفلك !!‬
‫‪ .5‬كن مستقيما في حياتك ‪ ،‬تكن هي كذلك ‪ .‬ففي الثر ‪ " :‬عفوا تعف‬
‫نساؤكم " رواه الطبراني ‪ .‬وحذار من أن تمدن عينيك إلى ما ل يحل لك ‪،‬‬
‫سواء كان ذلك في طريق أو أمام شاشة التلفاز ‪ ،‬وما أسوأ ما أتت به‬
‫الفضائيات من مشاكل زوجية !!‬
‫ّ‬
‫‪ .6‬إياك إياك أن تثير غيرة زوجتك ‪ ،‬بأن تذكرها من حين لخر أنك مقدم على‬
‫الزواج من أخرى ‪ ،‬أو تبدي إعجابك بإحدى النساء ‪ ،‬فإن ذلك يطعن في قلبها‬
‫في الصميم ‪ ،‬ويقلب مودتها إلى موج من القلق والشكوك والظنون ‪ .‬وكثيرا‬
‫ما تتظاهر تلك المشاعر بأعراض جسدية مختلفة ‪ ،‬من صداع إلى آلم هنا‬
‫وهناك ‪ ،‬فإذا بالزوج يأخذ زوجته من طبيب إلى طبيب !!‬
‫كر زوجتك بعيوب صدرت منها في مواقف معينة ‪ ،‬ول تعّيرها بتلك‬ ‫‪ .7‬ل تذ ّ‬
‫الخطاء والمعايب ‪ ،‬وخاصة أمام الخرين ‪.‬‬
‫دل سلوكك من حين لخر ‪ ،‬فليس المطلوب فقط أن تقوم زوجتك‬ ‫‪ .8‬ع ّ‬
‫بتعديل سلوكها‪ ،‬وتستمر أنت متشبثا بما أنت عليه ‪ ،‬وتجنب ما يثير غيظ‬
‫زوجتك ولو كان مزاحا ‪.‬‬
‫‪ .9‬اكتسب من صفات زوجتك الحميدة ‪ ،‬فكم من الرجال ازداد التزاما بدينه‬
‫حين رأى تمسك زوجته بقيمها الدينية والخلقية ‪ ،‬وما يصدر عنها من‬
‫تصرفات سامية ‪.‬‬
‫‪ .10‬الزم الهدوء ول تغضب فالغضب أساس الشحناء والتباغض ‪ .‬وإن‬
‫أخطأت تجاه زوجتك فاعتذر إليها ‪ .‬ل تنم ليلتك وأنت غاضب منها وهي حزينة‬
‫ت منه – في أكثر الحوال – أمر تافه ل يستحق تعكير‬ ‫كر أن ما غضب ْ َ‬‫باكية ‪ .‬تذ ّ‬
‫صفو حياتكما الزوجية ‪ ،‬ول يحتاج إلى كل ذلك النفعال ‪ .‬استعذ بالله من‬
‫الشيطان الرجيم ‪ ،‬وهدئ ثورتك ‪ ،‬وتذكر أن ما بينك وبين زوجتك من روابط‬
‫ومحبة أسمى بكثير من أن تدنسه لحظة غضب عابرة ‪ ،‬أو ثورة انفعال‬
‫طارئة ‪.‬‬
‫‪ .11‬امنح زوجتك الثقة بنفسها ‪ .‬ل تجعلها تابعة تدور في مجّرتك وخادمة‬
‫جعها على أن يكون لها كيانها وتفكيرها وقرارها ‪.‬‬ ‫فذةً لوامرك ‪ .‬بل ش ّ‬ ‫من ّ‬
‫استشرها في كل أمورك ‪ ،‬وحاورها ولكن بالتي هي أحسن ‪ .‬خذ بقرارها‬
‫عندما تعلم أنه الصوب ‪ ،‬وأخبرها بذلك وإن خالفتها الرأي فاصرفها إلى رأيك‬
‫برفق ولباقة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .12‬أثن على زوجتك عندما تقوم بعمل يستحق الثناء ‪ ،‬فالرسول ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ " :‬من لم يشكر الناس لم يشكر الله " رواه الترمذي ‪.‬‬
‫‪ .13‬توقف عن توجيه التجريح والتوبيخ ‪ ،‬ول تقارنها بغيرها من قريباتك اللتي‬
‫مث ُل ً عليا تجري في أذيالهن ‪ ،‬وتلهث في‬ ‫تعجب بهن وتريدها أن تتخذهن ُ‬
‫أعقابهن ‪.‬‬
‫‪ .14‬حاول أن توفر لها المكانات التي تشجعها على المثابرة وتحصيل‬
‫المعارف ‪ .‬فإن كانت تبتغي الحصول على شهادة في فرع من فروع المعرفة‬
‫سْر لها ذلك ‪ ،‬طالما أن ذلك المر ل يتعارض مع مبادئ الدين ‪ ،‬ول يشغلها‬ ‫في ّ‬
‫ب مع ما تحرزه زوجتك من نجاح فيما‬ ‫عن التزاماتها الزوجية والبيتية ‪ .‬وتجاو ْ‬
‫تقوم به ‪.‬‬
‫ت إلى زوجتك باهتمام ‪ ،‬فإن ذلك يعمل على تخليصها مما ران عليها‬ ‫‪ .15‬أنص ْ‬
‫من هموم ومكبوتات ‪ ،‬وتحاشى الثارة والتكذيب ‪ ،‬ولكن هناك من النساء من‬
‫ب حديثها على ذم أهلك أو أقربائك ‪،‬‬ ‫ل تستطيع التوقف عن الكلم ‪ ،‬أو تص ّ‬
‫فعليك حينئذ أن تعامل المر بالحكمة والموعظة الحسنة ‪.‬‬
‫‪ .16‬أشعر زوجتك بأنها في مأمن من أي خطر ‪ ،‬وأنك ل يمكن أن تفرط‬
‫فيها ‪ ،‬أو أن تنفصل عنها ‪.‬‬
‫ل برعايتها اقتصاديا مهما كانت ميسورة الحال ‪ .‬ل‬ ‫‪ .17‬أشعر زوجتك أنك كفي ٌ‬
‫ل لك شرعا ً أن تستولي على أموالها ‪.‬‬ ‫ه عن أبيها ‪ ،‬فل يح ّ‬ ‫ل ورثت ْ ُ‬
‫تطمع في ما ٍ‬
‫ول تبخل عليها بحجة أنها ثرية ‪ ،‬فمهما كانت غنية في حاجة نفسية إلى‬
‫الشعور بأنك البديل الحقيقي لبيها ‪.‬‬
‫‪.18‬حذار من العلقات الجتماعية غير المباحة ‪ .‬فكثير من خراب البيوت‬
‫الزوجية منشؤه تلك العلقات ‪.‬‬
‫‪ .19‬وائم بين حبك لزوجك وحبك لوالديك وأهلك ‪ ،‬فل يطغى جانب على‬
‫جانب ‪ ،‬ول يسيطر حب على حساب حب آخر ‪ .‬فأعط كل ذي حق حقه‬
‫بالحسنى ‪ ،‬والقسطاس المستقيم‬
‫ن هي لك في كل ميادين الحياة ‪ ،‬فإنها تحب‬ ‫‪.20‬كن لزوجك كما تحب أن تكو َ‬
‫منك كما تحب منها ‪ .‬قال ابن عباس رضي الله عنهما ‪ :‬إني أحب أن أتزين‬
‫للمرأة كما أحب أن تتزين لي‬
‫‪ . 21‬أعطها قسطا وافرا وحظا يسيرا من الترفيه خارج المنزل ‪ ،‬كلون من‬
‫ألوان التغيير ‪ ،‬وخاصة قبل أن يكون لها أطفال تشغل نفسها بهم ‪.‬‬
‫‪ .22‬شاركها وجدانيا فيما تحب أن تشاركك فيه ‪ ،‬فزر أهلها وحافظ على‬
‫علقة كلها مودة واحترام تجاه أهلها ‪.‬‬
‫‪ .23‬ل تجعلها تغار من عملك بانشغالك به أكثر من اللزم ‪ ،‬ول تجعله يستأثر‬
‫بكل وقتك‪ ،‬وخاصة في إجازة السبوع ‪ ،‬فل تحرمها منك في وقت الجازة‬
‫سواء كان ذلك في البيت أم خارجه ‪ ،‬حتى ل تشعر بالملل والسآمة ‪.‬‬
‫‪ .24‬إذا خرجت من البيت فودعها بابتسامة وطلب الدعاء ‪ .‬وإذا دخلت فل‬
‫تفاجئها حتى تكون متأهبة للقائك ‪ ،‬ولئل تكون على حال ل تحب أن تراها‬
‫عليها ‪ ،‬وخاصة إن كنت قادما من السفر ‪.‬‬
‫‪ .25‬انظر معها إلى الحياة من منظار واحد ‪..‬وقد أوصى رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬بالنساء بقوله‪ ":‬أرفق بالقوارير " وقوله ‪ " :‬إنما النساء‬
‫شقائق الرجال " و قوله ‪ " :‬استوصوا بالنساء خيرا "‬
‫‪ .26‬حاول أن تساعد زوجك في بعض أعمالها المنزلية ‪ ،‬فلقد بلغ من حسن‬
‫معاشرة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لنسائه التبرع بمساعدتهن في‬
‫واجباتهن المنزلية ‪ .‬قالت عائشة رضي الله عنها ‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫" كان ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يكون في مهنة أهله –يعني خدمة أهله– فإذا‬
‫حضرت الصلة خرج إلى الصلة "‬
‫‪ .27‬حاول أن تغض الطرف عن بعض نقائص زوجتك ‪ ،‬وتذكر ما لها من‬
‫محاسن ومكارم تغطي هذا النقص لقوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فيما رواه‬
‫خُلقا ً رضي منها‬
‫ن مؤمنة إن كرِه َ منها ُ‬
‫مسلم " ل يفرك ) أي ل يبغض ( مؤم ٌ‬
‫آخر " ‪.‬‬
‫‪ .28‬على الزوج أن يلطف زوجته ويداعبها ‪ ،‬وتأس برسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬في ذلك ‪ " :‬فهل بكرا تلعبها وتلعبك ؟ " ‪ .‬وحتى عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه – وهو القوي الشديد الجاد في حكمه – كان يقول ‪" :‬‬
‫ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ) أي في النس والسهولة ( فإن كان‬
‫في القوم كان رجل " ‪.‬‬
‫‪ .29‬استمع إلى نقد زوجتك بصدر رحب ‪ ،‬فقد كان نساء النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يراجعنه في الرأي ‪ ،‬فل يغضب منهن ‪.‬‬
‫‪ . 30‬أحسن إلى زوجتك وأولدك ‪ ،‬فالرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫يقول ‪ " :‬خيركم خيركم لهله " ‪ .‬فإن أنت أحسنت إليهم أحسنوا إليك ‪،‬‬
‫وبدلوا حياتك التعيسة سعادة وهناء ‪ .‬ل تبخل على زوجك ونفسك وأولدك ‪،‬‬
‫وأنفق بالمعروف ‪ ،‬فإنفاقك على أهلك صدقة ‪ .‬قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫‪ " :‬أفضل الدنانير دينار تنفقه على أهلك … " ‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫رواه أحمد في مسنده‬
‫رواه أحمد في مسنده‬
‫رواه البخاري‬
‫رواه البخاري‬
‫رواه البخاري‬
‫رواه الترمذي‬
‫رواه مسلم وأحمد‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثلثون وصية للنجاح في الحياة‬


‫الدكتور حسان شمسي باشا‬
‫كلنا يريد النجاح في الحياة ‪ ،‬ولكن البعض منا يخفق في الوصول إليه لنه‬
‫يظن أن النجاح كلمة مستحيلة صعبة المراد ‪ .‬والحقيقة أننا ربما نكون قد‬
‫أهملنا أسباب النجاح ‪ ،‬وأخلدنا إلى الرض ‪ ،‬فزادتنا هوانا على هوان ‪.‬‬
‫والنجاح هو طموحك من الحسن إلى الحسن ‪ ،‬فالكمال لله تعالى وحده ‪،‬‬
‫وإذا سمعت أحدا يقول لك ‪ " :‬وصلت إلى غايتي في الحياة " فاعلم أنه قد‬
‫بدأ بالنحدار ‪ .‬وعلى النسان السعي نحو النجاح ‪ ،‬والله تعالى ل يضيع أجر‬
‫العاملين ‪ .‬يقول بديع الزمان الهمذاني ‪:‬‬
‫ي إدراك النجاح‬ ‫وعلي أن أسعى وليس عل ّ‬
‫وإليك هذه الوصايا لمن أراد أن يقطف ثمار النجاح من بستان الحياة ‪ ..‬وما‬
‫هي إل دعوة للوصول إلى الفلح في الدارين‪،‬إذ ما قيمة نجاح الدنيا ‪ ،‬إن كان‬
‫في الخرة خسران مبين!!‬
‫‪ .1‬عليك بتقوى الله تعالى فهي خير زاد ‪ ..‬وأفضل وصية ‪ ..‬فالله تعالى يقول‬
‫ب " الطلق ‪-1‬‬ ‫س ُ‬
‫حت َ ِ‬
‫ث ل يَ ْ‬
‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫جا* وَي َْرُزقْ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫خَر ً‬
‫م ْ‬
‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫جعَ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬
‫م ْ‬
‫‪ " :‬وَ َ‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ل ل َه م َ‬
‫سًرا)‪" (4‬‬ ‫مرِهِ ي ُ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫جعَ ْ ُ ِ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬‫ق الل ّ َ‬‫ن ي َت ّ ِ‬‫م ْ‬
‫‪ . 2‬ويقول تعالى أيضا ‪ " :‬وَ َ‬
‫الطلق‬
‫‪ .2‬امل قلبك بمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم محبة أبويك ومن‬
‫حولك ‪ ..‬فالحب يجدد الشباب ‪ ،‬ويطيل العمر ‪ ،‬ويورث الطمأنينة ‪ ..‬والكراهية‬
‫تمل القلوب تعاسة وشقاء ‪..‬اجعل في بيتك ما يكفيك من حب أهلك‬
‫وعائلتك ‪ ..‬فالحب يضمد الجراح ‪ ،‬ويبعث في القلب حرارة اللفة والمودة‪.‬‬
‫‪ .3‬اجعل حبك لنفسك يتضاءل أمام حبك لغيرك ‪ ..‬فالله تعالى يقول ‪:‬‬
‫ة " الحشر ‪. 9‬والسعداء يوزعون‬ ‫ص ٌ‬
‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫كا َ‬‫م وَل َوْ َ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ن عََلى أ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫وَي ُؤْث ُِرو َ‬
‫الخير على الناس ‪ ،‬فتتضاعف سعادتهم ‪ ..‬والشقياء يحتكرون الخير لنفسهم‬
‫‪ ،‬فيختنق في صدورهم ‪ .‬اجعل قلبك مليئا بالحب والتسامح والحنان ‪..‬‬
‫فالشقياء هم الذين امتلت قلوبهم حقدا وكراهية ونقمة ‪.‬‬
‫‪ .4‬ل تذرف الدموع على ما مضى ‪ ،‬فالذين يذرفون الدموع على حظهم‬
‫العاثر ل تضحك لهم الدنيا ‪ ،‬والذي يضحكون على متاعب غيرهم ‪ ،‬ل ترحمهم‬
‫اليام ‪ .‬ل تبك على اللبن المسكوب ‪ ..‬بل ابذل جهدا إضافيا حتى تعوض اللبن‬
‫الذي ضاع منك ‪.‬‬
‫وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬وإن أصابك شيء فل تقل‬
‫لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح‬
‫عمل الشيطان " رواه مسلم‬
‫‪ .5‬اجعل نفسك أكثر تفاؤل ‪ ..‬فالمتفائل يتطلع في الليل إلى السماء ‪ ،‬ويرى‬
‫حنان القمر ‪ ،‬والمتشائم ينظر إلى السماء ول يرى إل قسوة الظلم ‪ .‬كن‬
‫أكثر تفاؤل مما أنت عليه ‪ ،‬فالمتفائل يجذب إليه محبة الخرين ‪ ..‬والمتشائم‬
‫يطردها عن نفسه ‪ ..‬يقول الحليمي ‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه‬
‫الفأل ‪ ،‬لن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى ‪ ،‬والتفاؤل حسن ظن به ‪،‬‬
‫والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال "‪ .‬فعن معاوية بن‬
‫الحكم – رضي الله عنه – قال ‪ :‬قلت يا رسول الله ‪ ،‬منا رجال يتطيرون ‪.‬‬
‫دنهم " ‪ .‬رواه مسلم ‪ .‬وقال‬ ‫فقال ‪ :‬ذلك شيء يجدونه في صدورهم ‪ ،‬فل يص ّ‬
‫النووي ‪ :‬معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ول عتب عليكم في‬
‫ذلك ‪ ،‬ولكن ل تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم ‪.‬‬
‫صر العمر ‪ ،‬ويذهب‬ ‫‪ .6‬كن أكثر إنصافا للناس مما أنت عليه ‪ ..‬فالظلم يق ّ‬
‫النوم من العيون ‪ ..‬ونحن نفقد الذين نحبهم لننا نظلم ونغالط في حسابهم ‪..‬‬
‫نركز حسابنا على أخطائهم ‪ ..‬وننسى فضائلهم ‪ ..‬نطالبهم بأن يكونوا خالين‬
‫من كل عيب ‪ ..‬ونبرر أخطاءنا بحجة أننا بشر غير معصومين ‪ .‬يقول المام‬
‫محمد بن سيرين ‪ " :‬ظلمك لخيك أن تذكر منه أسوأ ما رأيت وتكتم خيره‬
‫" ‪ ،‬ويقول ابن القيم ‪ " :‬كيف ينصف الخلق من لم ينصف الخالق " ‪.‬‬
‫‪ .7‬إذا رماك الناس بالطوب ‪ ،‬فاجمع هذا الطوب لتسهم في تعمير بيت ‪..‬‬
‫وإذا رموك بالزهور فوزعها على الذين عّلموك ‪ ..‬الذين أخذوا بيدك وأنت‬
‫تكافح عند سفح الجبل‬
‫‪ .8‬كن واثقا بالله تعالى أول ثم بنفسك ‪ ..‬وتعرف على عيوبك ‪ ..‬وتيقن أنك‬
‫لو تخلصت من عيوبك لكنت أكثر قربا من أحلمك ‪ .‬تذكر أخطاءك لتتخلص‬
‫من عيوبك‪ .‬وانس أخطاء إخوانك وأصدقائك كي تحافظ عليهم ‪ ..‬واعلم أن‬
‫من سعادة المرء اشتغاله بعيوب نفسه عن عيوب غيره ‪..‬‬
‫‪ .9‬إذا نجحت في أمر ‪ ..‬فل تدع الغرور يتسلل إلى قلبك ‪ ..‬فالرسول عليه‬
‫الصلة والسلم يقول ‪ " :‬وإن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى ل يفخر أحد‬
‫على أحد ول يبغي أحد على أحد " رواه مسلم‪ .‬ويقول تعالى ‪َ " :‬فل ت َُز ّ‬
‫كوا‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َأن ُ‬
‫قى)‪ "(32‬النجم‪ .‬وإذا وقعت على الرض فل تدع‬ ‫ن ات ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫م هُوَ أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ف َ‬
‫الجهل يوهمك أن الناس قد حفروا لك الحفرة ‪ ..‬حاول الوقوف من جديد‬
‫وافتح عينيك وعقلك كي ل تقع في حفر اليام ونكبات الليالي ‪ .‬إذا وقعت‬
‫فتعلم كي تقف ل كيف تجزع ‪ ..‬وإذا وقفت فتذكر الواقعين على الرض ‪..‬‬
‫لتنحني لهم وتساعدهم على الوقوف ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ .10‬إذا انتصرت على خصومك فل تشمت بهم ‪ ..‬وإذا أصيبوا بمصيبة‬


‫ن‬
‫م ْ‬ ‫كل ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫صب ََر وَغَ َ‬
‫فَر إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫فشاركهم ولو بالدعاء ‪ .‬فالله تعالى يقول ‪ " :‬وَل َ َ‬
‫م ْ‬
‫موِر)‪ (43‬الشورى ‪ .‬ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫عَْزم ِ ال ُ‬
‫قوله ‪ " :‬اللهم ل تشمت بي عدوا حاسدا " ‪.‬وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬ل‬
‫تظهر الشماتة لخيك فيرحمه الله ويبتليك " ‪ .‬رواه الترمذي ‪.‬‬
‫‪ .11‬ل تجمع بين القناعة والخمول ‪ ..‬ول بين العزة والغرور ‪ ..‬ول بين التواضع‬
‫والمذلة‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬من تواضع لله رفعه الله حتى‬
‫يجعله في أعلى عليين رواه ابن ماجة‬
‫‪ .11‬اختر لنفسك من الصالحين صديقا واحرص عليه ‪ ..‬فالرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول ‪ " :‬الرجل على دين خليله ‪ ،‬فلينظر أحدكم من يخالل "‬
‫رواه الترمذي ‪ .‬ل تعاتبه في كل صغيرة وكبيرة‪ .‬غض الطرف عن زلته ‪ ،‬فإن‬
‫الكمال لله تعالى وحده ‪ ..‬ضع نصب عينيك إخلصه لله ‪ ،‬وسلوكه‬
‫المستقيم ‪ ..‬حافظ عليه ‪ ،‬فإنك إن ضيعته فقد ل تجد من يشاركك هموم‬
‫الحياة ويدلك على الخير ‪ .‬قال عبد الله بن جعفر ‪ :‬عليك بصحبة من إذا‬
‫صحبته زانك ‪ ،‬وإن غبت عنه صانك ‪ ،‬وإن احتجت إليه عانك ‪ ،‬وإن رأى منك‬
‫خلة سدها أو حسنة عدها وأصلحها " ‪.‬‬
‫‪ .12‬ل تخاصم الخرين ‪ ،‬فالخصام يمزق حبل الصداقة ‪ ،‬ويخلق سدودا وهمية‬
‫بين الرواح‪ .‬اجعل نفسك في كل عام أوسع صدرا من عامك الذي مضى ‪،‬‬
‫فالسعداء ل تضيق صدورهم ‪ ..‬وهم يتسامحون مع غيرهم ويحتملون‬
‫عيوبهم ‪ ..‬وانس إساءة الناس وتذكر جميلهم‬
‫‪ .13‬تسامح مع الذين أخطأوا في حقك ‪ ،‬والتمس لهم العذار ‪ ..‬تسامح‬
‫وأسرف في‬
‫تسامحك ‪ ..‬فالتسامح يطيل العمر ‪ ،‬ويعيد إليك الثقة بالناس واحترام الخرين‬
‫لك ‪ ..‬اغسل تجاعيد الكراهية من قلبك وذاكرتك ‪ ..‬وتعلم أن تعاقب من‬
‫أساؤوا إليك بالنسيان ل بضربهم بالسكاكين ‪ : .‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم ‪ ،‬كان إذا خرج من بيته‬
‫قال ‪ :‬إني تصدقت بعرضي على الناس " رواه أبو داوود ‪ .‬قال المام‬
‫النووي ‪ :‬أي ل أطلب مظلمتي ممن ظلمني ل في الدنيا ول في الخرة ‪،‬‬
‫وهذا ينفع في إسقاط مظلمة كانت موجودة قبل البراء ‪ ،‬فأما ما يحدث بعده‬
‫فل بد من إبراء جديد بعدها " ‪.‬‬
‫‪ .14‬أعط الخرين من قلبك وعقلك ومالك ووقتك ‪ ..‬ول تقدم لهم فواتير‬
‫الحساب ‪ ..‬وإذا ساعدت غيرك فل تطلب من الناس أن يساعدوك ‪ ..‬وليكن‬
‫عملك خالصا لوجه الله تعالى ‪.‬وإذا أنت أسديت جميل إلى إنسان فحذار أن‬
‫تذكره ‪,‬وإن أسدى إنسان إليك جميل فحذار أن تنساه‪ .‬قال تعالى ‪َ " :‬ياأ َي َّها‬
‫ن َوال ََذى " البقرة ‪. 264‬‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫م ّ‬ ‫مُنوا ل ت ُب ْط ُِلوا َ‬
‫صد ََقات ِك ُ ْ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتذكر قول الشاعر ‪:‬‬


‫أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد النسان إحسان‬
‫‪ .15‬اعتبر كل فشل يصادفك إحدى تجارب الحياة التي تسبق كل نجاح‬
‫وانتصار ‪ ..‬فالليل مهما طال فل بد من بزوغ الفجر ‪.‬قال أحدهم ‪:‬النجاح‬
‫سللم لتستطيع أن ترتقيها ويداك في جيبك‪!!.‬‬
‫‪ .16‬احمد الله تعالى على طبق الفول ‪ ..‬ول تلعن اليام لنها لم تقدم لك‬
‫طبق الكافيار في كل يوم ‪ .‬كن قنوعا ‪ ..‬وإياك والحسد ‪ ،‬فالله تعالى قد‬
‫اختص أناسا بنعمة أسداها إليهم ‪ ..‬فل تتمنى زوال النعمة عن الخرين ‪ ..‬بل‬
‫اسأل الله تعالى من فضله ‪ ..‬فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ‪" :‬‬
‫يا أبا هريرة كن ورعا تكن أعبد الناس ‪،‬وكن قتعا تكن أشكر الناس ‪ ،‬وأحب‬
‫للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا ‪،‬وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما‪،‬‬
‫ل الضحك فإن كثر الضحك تميت القلب " رواه ابن ماجة ‪.‬‬ ‫وأق ّ‬
‫‪ .17‬ل تنس في كل يوم أن تطلب من الله العفو والعافية ‪ .‬ففي الحديث‬
‫الذي رواه الترمذي ‪ ،‬يقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬اسألوا الله العفو‬
‫والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية " رواه الترمذي‬
‫‪ .18‬اسأل الله تعالى علما نافعا ورزقا واسعا ‪ .‬فالعلم هو الخزانة التي ل‬
‫يتسلل إليها اللصوص ‪ ..‬وألف دينار في يد الجاهل تصبح حفنة من التراب ‪،‬‬
‫وحفنة من التراب في يد متعلم تتحول إلى ألف دينار ‪ ..‬قال علي بن أبي‬
‫طالب – كرم الله وجهه – لرجل من أصحابه ‪ :‬يا عميل ‪ ،‬العلم خير من المال‬
‫‪ ،‬العلم يحرسك وأنت تحرس المال ‪ ،‬والعلم حاكم والمال محكوم عليه ‪،‬‬
‫والمال تنقصه النفقة ‪ ،‬والعلم يزكوا بالنفاق " ‪ .‬والعلم يحطم الغرور ‪..‬‬
‫والغرور هو قشرة الموز التي تتزحلق عليها ‪ ،‬وأنت تتسلق حبل النجاح ‪..‬‬
‫يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬سلوا الله علما نافعا ‪ ،‬وتعوذوا‬
‫بالله من علم ل ينفع " ‪ .‬رواه ابن ماجة ‪ .‬ولذلك كان من دعاء النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ " :‬اللهم إني أعوذ بك من علم ل ينفع ‪،‬ومن قلب ل‬
‫يخشع ‪،‬ومن نفس ل تشبع‪ ،‬ومن دعاء ل يسمع ‪ ،‬ومن هؤلء الربع " رواه ابن‬
‫ماجة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ .19‬حاول أن تسعد كل من حولك ‪ ،‬لتسعد ويسعد الخرون من حولك ‪..‬‬


‫فأنت ل تستطيع الضحك بين الدموع ‪ ..‬ول الستمتاع بنور الفجر وحولك من‬
‫يعيش في الظلم‪ .‬وسعادة النسان تتضاعف بعدد الذين تنجح في‬
‫إسعادهم ‪ ..‬وإذا اتسع رزقك ‪ ،‬فحاول أن تسعد الناس ببعض مالك ‪ ..‬وإذا‬
‫ضاق رزقك ‪ ،‬فحاول أن تسعدهم بالكلمة الطبية ‪ . ..‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ " :‬ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من ل زاد له " ‪.‬‬
‫رواه مسلم ‪ .‬وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اتقوا النار ولو بشق‬
‫تمرة ‪ ،‬فمن لم يجد فبكلمة طيبة " رواه الشيخان ‪ .‬وقال عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ :‬ل تحقرن من المعروف شيئا ‪ ،‬ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق "‬
‫رواه مسلم‬
‫‪20‬حاول أن تتذكر الذين ساعدوك في أيام محنتك ‪ ..‬والذين مدوا لك أيديهم‬
‫وأنت تتعثر ‪ ..‬والذين وقفوا معك عندما أدارت لك الدنيا ظهرها ‪ ..‬والذين‬
‫أخرجوك من وحدتك يوم تخلى عنك بعض من حولك ‪ ..‬ل تقل إنك شكرتهم‬
‫ورددت لهم الجميل ‪ ..‬اشكرهم مرة أخرى ‪ ،‬ورد لهم الجميل كلما‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استطعت ‪ .‬قال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬من ل يشكر الناس ل يشكر الله "‬
‫رواه الترمذي ‪.‬وقال عليه الصلة والسلم ‪ :‬من صنع إليكم معروفا فكافئوه ‪،‬‬
‫فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه " ‪ .‬رواه أبو‬
‫داوود ‪.‬‬
‫‪ .21‬حاول أن تتذكر أسماء الذين أسأت إليهم من غير قصد ‪ ..‬اسأل الله‬
‫تعالى أن يعفوا عنك ‪ ،‬وادع الله لهم أن يطلبوا منه الغفران لك ‪ .‬ول تحاسب‬
‫الناس ‪ ..‬فحسابهم إضاعة للوقت ‪..‬‬
‫‪ .22‬خذ بيد الضعيف حتى يسترد قوته ‪ ..‬وقف بجانب اليائس حتى يبصر‬
‫بارقة المل ‪ ..‬وكن مع الفاشل حتى يدرك طريق النجاح ‪ .‬حاول أن تضمد‬
‫جروح بعض الناس ‪ ،‬وتسهم في ترميم بيوت آيلة للسقوط ‪ .‬وتأمل قول‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم في تجسيد العلقة القائمة بينك وبين‬
‫الخرين ‪ " :‬المؤمن مرآة المؤمن ‪ ،‬والمؤمن أخو المؤمن ‪ ،‬يكف عليه ضيعته‬
‫ويحوطه من ورائه " رواه أبو داوود وحسنه اللباني ‪.‬‬
‫‪ .23‬إذا زحف الظلم ‪ ،‬فكن أحد حملة الشموع ‪ ،‬ل أحد الذين يقذفون‬
‫الفوانيس بالحجارة ‪ ..‬وإذا جاء الفجر ‪ ،‬فكن من بين الذين يستقبلون أشعة‬
‫النهار ‪ ،‬ل أحد الكسالى الذين ل يدركون شروق الشمس ‪.‬‬
‫‪ .24‬حاول أن تسدد بعض ديون الناس عليك ‪ .‬فبعضهم أعطاك خلصة تجاربه‬
‫خلل أعوام من الزمان مضت ‪ ..‬وبعضهم أعطاك ثقته ‪ ،‬فلم تقف وحدك في‬
‫مواجهة عواصف الحياة ‪ ..‬وبعضهم أضاء لك شمعة وسط الظلم ‪ ،‬فأبصرت‬
‫الطريق في النهار ‪ ..‬وبعضهم مل عقلك ‪ ..‬وآخرون ملوا قلبك ‪ ..‬وأعظم من‬
‫ذلك ‪ ،‬شكر المولى تعالى المتفضل عليك بالنعم كلها ‪ ،‬وكيف بنا إذا قال لنا‬
‫الله تعالى يوم القيامة – كما في الحديث القدسي الذي يرويه مسلم ‪ " : -‬يا‬
‫بن آدم ‪ ،‬حملتك على الخيل والبل وزّوجتك النساء وجعلتك تربع وترأس ‪،‬‬
‫فأين شكر ذلك ؟ " فهل أعددنا لذاك السؤال جوابا ‪!!..‬‬
‫‪ .25‬إذا اقتربت من قمة الجبل ‪ ،‬فل تدع الغرور يفقدك صوابك ‪ ،‬ول تتوهم‬
‫خد ّكَ‬ ‫صعّْر َ‬ ‫أن الذين يقفون عند السفح هم القزام ‪ ..‬قال الله تعالى ‪َ " :‬ول ت ُ َ‬
‫خوٍر)‪" (18‬‬ ‫ل فَ ُ‬‫خَتا ٍ‬‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ب كُ ّ‬‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫حا إ ِ ّ‬
‫مَر ً‬‫ض َ‬‫ش ِفي الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫س َول ت َ ْ‬‫ِللّنا ِ‬
‫لقمان ‪ .‬ولقد سئل الحسن البصري عن التواضع فقال ‪ :‬التواضع هو أن تخرج‬
‫من منزلك ول تلقى مسلما إل رأيت له عليك فضل ‪.‬‬
‫تغلب على أنانيتك ‪ ،‬ومد يدك لتساعد الواقفين عند السفح للوصول إلى قمة‬
‫الجبل ‪ .‬وإذا تعثرت قدمك بعد الوصول إلى قمة الجبل فل تتهم غيرك بأنهم‬
‫سبب وقوعك ‪ .‬تعرف على أخطائك وعيوبك ‪ ،‬حتى إذا وصلت إلى قمة‬
‫الجبل مرة أخرى عرفت كيف تثبت أقدامك بزيادة عدد الذين يقفون معك‬
‫عند القمة ‪.‬‬
‫‪ .26‬ل تفتش عن عيوب الخرين ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬‬
‫إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم " رواه مسلم ‪ .‬قال الخطابي ‪:‬‬
‫معناه ‪ ،‬ل يزال يعيب الناس ويذكر مساوئهم ويقول فسد الناس وهلكوا ‪ ،‬فإن‬
‫فعل ذلك فهو أسوأ حال منهم فيما يلحقه من الثم في عيبهم والوقيعة منهم‬
‫" ‪.‬قال مالك ‪ :‬إذا قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس من أمر دينهم فل أرى‬
‫به بأسا ‪ ،‬وإذا قال ذلك عجبا في نفسه وتصاغرا للناس فهو المكروه الذي‬
‫ُينهى عنه " ‪.‬‬
‫‪ .27‬ل تجعل لليأس طريقا إلى قلبك ‪ ،‬فاليأس يغمض العيون ‪ ..‬فل ترى‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ل يا عبادي ال ّ ِ‬ ‫البواب المفتوحة ول اليدي الممدودة ‪.‬قال تعالى ‪ " :‬قُ ْ‬
‫ه‬
‫ميًعا إ ِن ّ ُ‬‫ج ِ‬‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َغْ ِ‬ ‫مةِ الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬‫م ْ‬ ‫طوا ِ‬‫قن َ ُ‬
‫م ل تَ ْ‬
‫سهِ ْ‬ ‫سَرُفوا عََلى أ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م)‪ (53‬الزمر ‪.‬‬


‫حي ُ‬ ‫هُوَ ال ْغَ ُ‬
‫فوُر الّر ِ‬
‫‪ .28‬أيقن بأنك إذا أتقنت عملك وأحببته وتفانيت فيه ‪ ..‬تستطيع أن تحقق ما‬
‫عجز عنه الخرون ‪ ،‬ول تنس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إن‬
‫الله يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه " رواه أبو يعلى‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ .29‬تذكر أن المؤمن يستطيع أن يحتمل الجوع ‪ ،‬ويستطيع أن يحتمل‬


‫الحرمان ‪ ..‬يستطيع أن يعيش في العراء ‪ ..‬ولكنه ل يستطيع أن يعيش ذليل ‪..‬‬
‫ن"‬ ‫مِني َ‬ ‫سول ِهِ وَل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫والله تعالى يقول ‪ " :‬وَل ِل ّهِ ال ْعِّزة ُ وَل َِر ُ‬
‫‪ .3.‬حاسب نفسك قبل أن تحاسب ‪ ..‬وأحص أعمالك قبل أن تحصى‬
‫ه وَل ْت َن ْظ ُْر ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫س َ‬
‫ف ٌ‬ ‫قوا الل ّ َ‬‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عليك ‪ . ..‬قال الله تعالى ‪َ " :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن)‪ " (18‬سورة الحشر ‪ .‬قال‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫ت ل ِغَدٍ َوات ّ ُ‬ ‫قَد ّ َ‬
‫م ْ‬
‫عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ‪ " :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‬
‫فإنه أهون لحسابكم ‪ ،‬وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا‪ ،‬وتجهزوا ليوم تعرضون‬
‫فيه ل تخفى منكم خافية "‬
‫**********************‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ثلثون وصية تسعدين بها زوجك‬


‫الدكتور حسان شمسي باشا‬
‫ليس في العالم كله مكان بضاهي البيت السعيد جمال وراحة ‪ .‬فأينما‬
‫سافرنا ‪ ،‬وأنى هللنا ‪ ،‬ل نجد أفضل من البيت الذي تخيم عليه ظلل‬
‫السعادة ‪.‬‬
‫والبيت السعيد هو ذلك البيت الذي ل خصام فيه ول نزاع ‪ ..‬الذي ل ُيسمع فيه‬
‫الكلم اللذع القاسي ‪ ،‬ول النقد المرير ‪ .‬هو البيت الذي يأوي إليه أفراد‬
‫السرة فيجدون فيه الراحة والهدوء والطمأنينة ‪.‬‬
‫وتقع المسؤولية في خلق السعادة البيئية على الوالدين ‪ .‬ولكننا أردنا هذا‬
‫المقال أن نبين كيف تستطيع المرأة بذكائها وحكمتها وحسن معاملتها أن‬
‫تسعد زوجها و من ثم تسعد بيتها ‪.‬‬
‫‪ .1‬تذكري أنك أنت مسؤولة عن إسعاد زوجك وأولدك ‪ ،‬وتذكري أن رضا‬
‫زوجك عنك يدخلك الجنة ‪ .‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " : -‬أيما‬
‫امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة " ‪.‬‬
‫ملي زوجك ما يفوق طاقته ‪ .‬فل تحشري رغباتك ول تكدسي طلباتك‬ ‫‪ .2‬ل تح ّ‬
‫مرة واحدة ‪ ،‬حتى ل يرهق زوجك فيهرب منك ‪ .‬وإذا أصررت على مطالبك‬
‫الكثيرة ‪ ،‬فقد يرفضها جميعا ويرفضك أنت رفضا تاما ‪ ،‬غير آسف ول نادم ‪.‬‬
‫وتذكري ما قاله عمر بن عبد العزيز لبنه ‪ " :‬إنني أخشى أن أحمل الناس‬
‫ة"‪.‬‬ ‫ة ‪ ،‬فيرفضونه جمل ً‬ ‫على الحق جمل ً‬
‫وعن علي رضي الله عنه عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ " :‬إن الله‬
‫ة البْزعة‬
‫ق َ‬
‫مل ِ َ‬‫يحب المرأة ال َ‬
‫) أي الظريفة ( مع زوجها ‪،‬الحصان ) أي الممتنعة عن غيره ( "‬
‫‪ .3‬ل تكلفيه أن يتحلى مرة واحدة بكل الصفات والفضائل والمكارم التي‬
‫تشتهين أن‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تجتمع فيه ‪ .‬فمن النادر جدا أن تجتمع كل تلك الصفات في شخص واحد !‬
‫‪ .4‬حين يتزوج رجل امرأة ‪ ،‬يتعلق بصورتها الحلوة كما رآها في الواقع ‪ ،‬ويود‬
‫أن يحفظ لها هذه الصورة سليمة صافية ساحرة طوال حياته ‪ ،‬فل تشوهي‬
‫صورتك التي في ذهنه ‪.‬‬
‫حافظي على جمالك وأناقتك ‪ ،‬ونضرة صحتك ‪ ،‬ورشاقة حركاتك ‪ ،‬وحلوة‬
‫حديثك ‪ ،‬ول تتحدثي بصوت أجش ‪ ،‬ول ترددي ألفاظا سوقية هابطة ‪ ،‬وإذا‬
‫تخليت عن هذه السمات النسوية المطلوبة ‪ ،‬أو أهملت شيئا منها ‪ ،‬هبطت‬
‫صورتك في نظر زوجك ‪ ،‬وابتعدت أنت عن الصورة النسوية الرائعة التي‬
‫ينشدها كل رجل في امرأته ‪.‬‬
‫جاء في وصف رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬للمرأة الصالحة أنه‬
‫قال ‪ … " :‬وإذا نظر إليها )أي‬
‫زوجته( سّرته "‬
‫‪ .5‬حافظي على تدينك ‪ .‬التزمي بالحجاب السلمي ‪ ،‬ول تتساهلي في أن‬
‫يرى أحد ٌ شيئا من جسدك ولو للمحة عابرة ‪ ،‬فإن زوجك يغار عليك ويحرص‬
‫على أل يراك إل من تحل له رؤيتك ‪.‬‬
‫تزوج رجل بنتا ُأعجب بحجابها وتدينها ‪ ،‬حين ردت على صاحبتها في مناقشة‬
‫مسموعة ‪ ،‬إذ قالت " قل لن يصيبنا إل ما كتب الله لنا " ‪ .‬وقال لها إنه‬
‫سيظل دائما يتصورها بهذه الصورة الطاهرة السامية ‪ :‬مؤمنة بالله ‪ ،‬راضية‬
‫بقدره ‪ ،‬متمسكة بالمبادئ السامية والفكار الطاهرة ‪ .‬ولعل زوجك يرى فيك‬
‫مثل ذلك ‪ ،‬فل تحطمي صورتك في قلبه وعقله تجملي لزوجك قبل أن يأتي‬
‫إلى البيت في المساء ‪ ،‬فيراك في أحسن حال ‪ .‬البسي ثوبا نظيفا لئقا ‪،‬‬
‫واستعملي من العطور ما يحب ‪ ،‬ضعي على صدرك شيئا من الحلي التي‬
‫أهداها إليك ‪ ،‬فهو يحب أن يرى أثر هداياه عليك ‪ ،‬وكوني كما لو كنت في‬
‫زيارة إحدى صديقاتك أو قريباتك ‪.‬‬
‫‪ .6‬ل تنشغلي بأعمال البيت عن زوجك ‪ ،‬فتظهر كل أعمال الطهي والتنظيف‬
‫والترتيب عندما يأتي الزوج إلى بيته متعبا مرهقا ‪ .‬فل يراك إل في المطبخ ‪،‬‬
‫أو في ثياب التنظيف والعمل !! قومي بهذه العمال في غيابه ‪.‬‬
‫‪ .7‬رتبي بيتك على أحسن حال ‪ .‬غيري من ترتيب غرفة الجلوس من حين‬
‫لخر ‪ .‬ضعي لمساتك الفنية في انتقاء مواضع اللوحات أو قطع التزيين‬
‫وغيرها ‪.‬‬
‫‪ .8‬ل تتحسري على العاطفة الملتهبة ‪ ،‬ومشاعر الحب الفياضة وأحلم‬
‫اليقظة التي كنت تعيشين فيها قبل الزواج ‪ ،‬فهي تهدأ بعد الزواج وتتحول‬
‫إلى عاطفة هادئة متزنة‬
‫‪ .9‬إذا كان الرجل هو صاحب الكلمة الولى في العلقة الزوجية ‪ ،‬فأنت‬
‫ت من علم‬ ‫المسؤولة عن النجاح والتوافق والنسجام في الزواج ‪ .‬ومهما بلغ ِ‬
‫وثقافة ‪ ،‬ومنصب وسلطان‪ ،‬ارضخي لزوجك والجئي إليه ‪ ،‬ول تصطدمي معه‬
‫في الرأي ‪ .‬واهتمي في مناقشاتك معه بأن تتبادلي الفكار مع زوجك تبادل‬
‫فعليا ‪ ،‬فتفاعل الراء المثمر خير من استقطابها استقطابا مدمرا ‪.‬‬
‫‪ .10‬أشعري زوجك دائما بمشاركتك له في مشاعره وأفراحه ‪ ،‬وهمومه‬
‫وأحاسيسه ‪ .‬أشعريه أنه يحيا في جنة هادئة وادعة ‪ ،‬حتى يتفرغ للعمل‬
‫والبداع والنتاج مما يجعل حياته حافلة مثمرة ‪.‬‬
‫‪ .11‬جربي الكلم الحلو المفيد ‪ ،‬والبتسامة المشرقة المضيئة ‪ ،‬والفكاهة‬
‫المنعشة ‪ ،‬والبشاشة الممتعة ‪ ،‬وابتعدي عن الحزن والغم ‪ ،‬والهذر واللغو ‪،‬‬
‫والعبوس والتجهم ‪ ،‬والكآبة والكتئاب ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .12‬أظهري لزوجك مهارتك وبراعتك وتفوقك على سائر النساء ‪ ،‬وسيزداد‬


‫تمسك زوجك بك ‪ ،‬واعتزازه بصفاتك الشخصية ‪ ،‬حين تتقنين كل شيء‬
‫تعملينه ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ .13‬ل تضيعي وقتك في ثرثرات هاتفية مع صاحباتك ‪ ،‬أو في قراءة مجلت‬


‫تافهة تتحدث عن أخبار الممثلين والممثلت ‪ ،‬والمغنين والمغنيات ‪ ،‬وفي‬
‫قراءة قصص الحب والعلقات الغرامية والوهام ‪ .‬فما أكثر تلك المجلت في‬
‫أيامنا ‪ ،‬وما أكثر النساء اللواتي يقضين معظم أوقاتهن في قراءة تلك‬
‫المجلت التافهة الهابطة ‪.‬‬
‫اختاري من المجلت ما يفيد ذهنك وعقلك وقلبك ‪ ،‬وما يزيدك ثقافة وتعينك‬
‫على حل مشاكل البيت والولد ‪.‬‬
‫‪ . 15‬اختاري من برامج التلفاز ما يفيدك ويزيدك ثقافة وخبرة ‪ ،‬ول تضيعي‬
‫وقتك في المسلسلت الهابطة والفلم المائعة ‪.‬‬
‫‪ . 16‬شجعي زوجك على النشاط الرياضي والبدني خارج البيت ‪ .‬امش معه‬
‫إن أمكن واستمتعا بالهواء الطلق في عطلة نهاية السبوع وكلما سنحت‬
‫الفرصة لذلك ‪.‬‬
‫‪ 17‬تخيري الوقات المناسبة لعرض مشاكل السرة ومناقشة حلها ‪ ،‬إذ‬
‫يصعب حل المشاكل قبل خروج زوجك للعمل في الصباح بسبب قلة‬
‫الوقت ‪ ،‬ول تناقشي أي مشكلة عند عودته من عمله في المساء مرهقا متعبا‬
‫‪ .‬ولعل المساء هو أفضل فترة لمناقشة المشاكل ومحاولة حلها ‪ ،‬ول تناقشي‬
‫مشاكل البناء في حضورهم ‪ ،‬حتى ل يشعروا أنهم أعباء ثقيلة عليك وعلى‬
‫زوجك ‪ ،‬وأنهم سبب الخلف بين الوالدين ‪.‬‬
‫‪ 18‬ل تسرعي بالشكوى إلى زوجك بمجرد دخوله البيت من أمور تافهة مثل‬
‫صراخ الولد ‪ .‬ول تطلبي من زوجك أن يلعب دور الشرطي للولد ‪ ،‬يقبض‬
‫على المتهم ويحاكمه أو يضر به ‪.‬‬
‫‪ 19‬ل تنتقدي سلوك زوجك أمام أطفاله ‪ ،‬ول تستعملي ألفاظا غير لئقة‬
‫يرددها البناء من بعدها مثل " جاء البعبع " أو " وصل الهم " …‬
‫فبعض النساء ‪ ،‬إن تكاسل ولدها في المذاكرة قالت له ‪ :‬لن تنجح أبدا في‬
‫حياتك فأنت كسول فاشل مثل أبيك ‪ ،‬وإذا مرض زوجها قللت من أهمية‬
‫مرضه ‪ ،‬وإن حدثها زوجها بقصة قاطعته قائلة " لقد سمعتها من قبل ‪" ..‬‬
‫وغير ذلك من المور التي قد تبدو تافهة ولكنها تحمل في طياتها الكثير من‬
‫اللم للزوج !!‬
‫‪.20‬حذار حذار من الفراط في الغيرة و العتاب ‪ ،‬وتجنبي التصرفات التي‬
‫تؤجج غيرة زوجك ‪ ،‬وتبلبل أفكاره ‪ .‬أوصى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب‬
‫ابنته فقال ‪ " :‬إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلق ‪ ،‬وإياك وكثرة العتب فإنه‬
‫يورد البغضاء "‬
‫‪.21‬إياك أن تغاري من حب زوجك لمه وأبيه ‪ .‬فكيف نقبل من زوجة مسلمة‬
‫أن تبدأ حياتها بالغيرة من حب زوجها لهله ‪ ،‬وهو حب فطري أوجبه الله على‬
‫المسلمين ل يمس حب زوجها لها من قريب أو بعيد ؟ وكيف نقبل من زوجة‬
‫مسلمة أن توحي لزوجها أن يبدأ حياته معها بمعصية الله تعالى ورسوله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في أهله ‪ ،‬يعق والديه ويقطع رحمه من أجل رضا‬
‫زوجته ؟!‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهو ما أنبأ عنه الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن تغيير حال المسلمين‬
‫وأخلقهم في المستقبل ‪ ،‬فأخبر بأنه في ذلك الزمان ‪ " :‬أطاع الرجل زوجته‬
‫وعق أمه ‪ ،‬وبر صديقه وجفا أباه "‬
‫‪ .22‬ل تنقلي مشاكل بيتك إلى أهلك ‪ ،‬فتوغري صدور أهلك ضد زوجك ‪ .‬بل‬
‫حلي تلك المشاكل بالتعاون مع زوجك ‪.‬‬
‫ل تستعل على زوجك إذا ما كنت أغنى منه أو أعلى حسبا ونسبا أو أكثر‬
‫ثقافة وعلما ‪ ،‬فل يجوز استصغار الزوج وانتقاص قدره والتعالي عليه ‪ .‬يقول‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪: -‬‬
‫" ل ينظر الله تبارك وتعالى إلى امرأة ل تشكر لزوجها وهي ل تستغني عنه "‬
‫‪.‬‬
‫‪.24‬ل تمتنعي على زوجك في المعاشرة الزوجية ‪ .‬قال الرسول ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " : -‬إذا دعا الرجل‬
‫امرأته إلى فراشه ‪ ،‬فلم تأته ‪ ،‬فبات غضبان عليها ‪ ،‬لعنتها الملئكة حتى تصبح‬
‫"‪.‬‬
‫وتذكري أن أول حقوق للزوج على زوجه طاعتها له ‪ .‬فقد قال رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪: -‬‬
‫" لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لحد ‪ ،‬لمرت المرأة أن تسجد لزوجها " ‪.‬‬
‫ول تصومي نفل إل بإذن زوجك ‪ .‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪: -‬‬
‫" ل يحل لمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إل بإذنه ) أي في غير رمضان ( ول‬
‫تأذن في بيته إل بإذنه "‬
‫ك ‪ ،‬فقد جعل النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫س فضل زوجك علي ِ‬ ‫‪ .25‬ل تن ِ‬
‫ً‬
‫ماه كفرا ‪ .‬فعن ابن عباس‬ ‫تناسي فضل الزوج سببا لدخول المرأة النار ‪ ،‬وس ّ‬
‫– رضي الله عنهما – قال ‪ :‬قال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪: -‬‬
‫ت النار ‪ ،‬فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن " ‪ .‬قيل ‪ :‬أيكفرن بالله ؟ قال ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫" أري ُ‬
‫يكفرن العشير ) أي الزوج ( ويكفرن الحسان ‪ ،‬لو أحسنت إلى إحداهن‬
‫ت منك شيئا قالت ‪ :‬ما رأيت منك خيرا قط " ‪.‬‬ ‫الدهَر ‪ ،‬ثم رأ ْ‬
‫‪ .26‬حافظي على أموال زوجك ‪ ،‬ول تنفقي شيئا من ماله إل بإذنه ‪ ،‬وبعد أن‬
‫تستوثق من رضاه ‪ .‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " : -‬ل تنفق‬
‫امرأة شيئا من بيت زوجها إل بإذنه ‪ .‬قيل يا رسول الله ول الطعام ؟ قال ‪:‬‬
‫ذلك أفضل أموالنا " ‪.‬‬
‫وإذا أعسر زوجك فتصدقي عليه من مالك ‪ ،‬وإن لم يكن لك مال ‪ ،‬فاصبري‬
‫على شظف العيش معه لعل الله تعالى يفرج عليكما ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ .27‬إذا كنت من المهات العاملت ‪ ،‬فل تتصوري أن ما يحتاج إليه زوجك‬


‫وأولدك هو المال وحده ‪ ،‬فتغدق الم عليهم المال تعويضا عن تقصيرها في‬
‫أداء مهامها النسانية ‪ .‬وهيهات هيهات أن يتساوى اللبن الصناعي مع لبن الم‬
‫الرباني الطبيعي ‪ .‬أو يتساوى حنان الخادمة مع حنان الم ‪ ..‬وطعام الخادمة‬
‫الكافرة مع طعام الزوجة النظيفة ‪ ،‬وتربية المربية الجاهلة مع تربية الم‬
‫الواعية ‪.‬‬
‫‪ .28‬ل تضجري من عمل زوجك ‪ ،‬فإن أسوأ ما تصنع بعض النساء هو إعلن‬
‫الضجر من عمل الزوج ‪ .‬والعلن يكون عادة في خلق النكد ‪ ،‬والدأب على‬
‫الشكوى ‪ ،‬واتهام الزوج بإهمالها ‪ ..‬واللجوء إلى بيت أمها غضبى ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .29‬تذكري أن الزوج الذي اعتاد أن يرى أمه هي أول من تستيقظ من نومها‬


‫‪ ،‬ثم توقظ كل من في البيت بعد ذلك ‪ ،‬وتجهز لهم الفطور ‪ ،‬وتعاون الصغار‬
‫في ارتداء ملبسهم ‪ ،‬لن يرضى بامرأة اعتادت أن تنام حتى منتصف الشمس‬
‫في كبد السماء ‪!! .‬‬
‫‪ .30‬تذكري أن البيت المملوء بالحب والسلم ‪ ،‬والتقدير المتبادل والحترام‪،‬‬
‫مع طعام مكون من كسرة خبز وماء ‪ ،‬خير من بيت مليء بالذبائح واللحوم‬
‫وأشهى الطعام ‪ ،‬وهو مليء بالنكد والخصام !!‬
‫رواه ابن ماجة والترمذي‬
‫رواه الديلمي‬
‫رواه ابن ماجة‬
‫رواه الترمذي‬
‫رواه النسائي والبزار والحاكم وقال صحيح السناد‬
‫متفق عليه‬
‫رواه الترمذي وصححه‬
‫رواه البخاري‬
‫رواه البخاري‬
‫رواه الترمذي بسند جيد‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ثلثون وقفة في فن الدعوة‬


‫‪ ...‬ثلثون وقفة في فن الدعوة‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫المقدمة‬
‫إن الحمد لله ‪ ،‬نحمده ونستغفره ‪ ،‬ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ‪،‬‬
‫ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‬
‫صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فإن الدعوة فن يجيده الدعاة الصادقون ‪ ،‬كفن البناء للبناة المهرة ‪ ،‬وفن‬
‫الصناعة للصناعة الحذاق ‪ ،‬وكان لزاما على الدعاة أن يحملوا هموم الدعوة ‪،‬‬
‫ويجيدوا إيصالها للناس ‪ ،‬لنهم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ولبد للدعاة أن يدرسوا الدعوة ‪ ،‬لوازمها ‪ ،‬ونتائجها ‪ ،‬وأساليبها ‪ ،‬وما يجد في‬
‫الدعوة ‪ ،‬وكان لزاما عليهم أن يتقوا الله في الميثاق الذي حملوه من معلم‬
‫الخير صلى الله عليه وسلم النبي صلي الله عليه وسلم فإنهم ورثة النبياء‬
‫والرسل ‪ ،‬وهم أهل المانة الملقاة على عواتقهم‬
‫فإذا علم ذلك فإن أي خطأ يرتكبه الداعية فإن ذلك سيؤثر في المة ‪،‬‬
‫وسيكون الدعاة هم المسئولون بالدرجة الولى عما يحدث من خطأ أو‬
‫يرتكب من فشل ؛ بسبب أنهم هم رواد السفينة التي إذا قادوها إلى بر‬
‫المان نجت بإذن الله ‪.‬‬
‫لذا فإن على الدعاة آدابا لبد أن يتحلوا بها حتى يكونوا رسل هداية ‪،‬‬
‫ومشاعل حق وخير ‪ ،‬يؤدون الرسالة كما أرادها الله ‪.‬‬
‫‪1‬ـ الخلص في الدعوة ‪:‬‬
‫إن الخلص في العمل هو أساس النجاح فيه ‪ ،‬لذا فإن على الدعاة الخلص‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في دعوتهم ‪ ،‬وأن يقصدوا ربهم في عملهم ‪ ،‬وأل يتطلعوا إلى مكاسب دنيوية‬
‫زائلة إلى حطام فان ‪ ،‬ولسان الواحد منهم يقول ‪ ) :‬ما أ َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ِ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل ما سأ َل ْتك ُم م َ‬ ‫َ‬
‫م()سبأ‪.(47 :‬فل يطلب‬ ‫جرٍ فَهُوَ ل َك ُ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫ر()الفرقان‪) . (57 :‬قُ ْ َ َ ُ ْ ِ ْ‬ ‫ج ٍ‬‫أ ْ‬
‫الداعي منصبا ‪ ،‬ول مكانا ‪ ،‬ول منزلة ‪ ،‬ول شهرة ‪ ،‬بل يريد بعمله وجه الواحد‬
‫الحد ‪ )) .‬خذ كل دنياكم ‪ ،‬واتركوا فؤادي حرا طليقا غريبا ‪ ،‬فإني أعظمكم‬
‫ثروة ‪ ،‬وإن خلتموني وحيدا سليبا (( ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تحديد الهدف ‪:‬‬
‫يجب أن يكون هدف الداعية واضحا أمامه ‪ ،‬وهو إقامة الدين وهيمنة الصلح ‪،‬‬
‫ُ‬
‫قي‬ ‫ما ت َوِْفي ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ست َط َعْ ُ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ح َ‬‫صل َ‬ ‫وإنهاء أو تقليص الفساد في العالم ) أِريد ُ إ ِّل اْل ِ ْ‬
‫ُ‬
‫ب()هود‪. (88 :‬‬ ‫ت وَإ ِل َي ْهِ أِني ُ‬‫إ ِّل ِبالل ّهِ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬
‫‪3‬ـ التحلي بصفات المجاهدين ‪:‬‬
‫الداعية كالمجاهد في سبيل الله ‪ ،‬فكما أن ذاك على ثغر من الثغور ‪ ،‬فهذا‬
‫على ثغر من الثغور ‪ ،‬وكما أن المجاهد يقاتل في سبيل أعداء الله ‪ ،‬فهذا‬
‫يقاتل أعداء الله من الذين يريدون تسيير الشهوات والشبهات ‪ ، ،‬وإغواء‬
‫ن‬
‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ريد ُ ال ّ ِ‬ ‫وانحطاط المة ‪ ،‬وإيقاعها في حماة الرذيلة ‪ ) .‬وَي ُ ِ‬ ‫الجيل ‪،‬‬
‫ظيما()النساء‪. (27 :‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫مي ْل عَ ِ‬ ‫ميلوا َ‬ ‫ن تَ ِ‬‫تأ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫شهَ َ‬
‫فيجب على الداعية التحلي بما يتحلى به المجاهد ‪ ،‬وأن يصابر العداء‬
‫داًء‬ ‫ما فِ َ‬ ‫من ّا ً ب َعْد ُ وَإ ِ ّ‬
‫ما َ‬ ‫دوا ال ْوََثاقَ فَإ ِ ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا أ َث ْ َ‬
‫خن ْت ُ ُ‬ ‫فيضرب الرقاب ‪َ ) .‬‬
‫ها ()محمد‪. (4 :‬‬ ‫ب أ َوَْزاَر َ‬ ‫حْر ُ‬ ‫ضعَ ال ْ َ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫َ‬
‫‪4‬ـ طلب العلم النافع ‪:‬‬
‫يلزم الداعية أن يطلب العلم النافع الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه‬
‫ه‬
‫ل هَذِ ِ‬ ‫وسلم ‪ ،‬ليدعو على بصيرة ؛ فإن الله قال في محكم تنزيله ‪) :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سِبيِلي أ َد ْ ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ما أَنا ِ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬ ‫عو إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن( )يوسف‪.(108:‬‬ ‫ال ْ ُ ِ َ‬
‫كي‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫م‬
‫قال مجاهد )) البصيرة ‪ :‬أي العلم (( ‪ ،‬وقال غيره ‪ )) :‬البصيرة ‪ :‬أي‬
‫الحكمة (( ‪ ..‬وقال آخر ‪ )) :‬البصيرة ‪ :‬التوحيد (( ‪.‬‬
‫والحقيقة أن المعاني الثلثة متداخلة ‪ ،‬ولبد للداعي أن يكون موحد للواحد‬
‫الحد ‪ ،‬ل يخاف إل من الله ‪ ،‬ول يرجو إل الله ‪ ،‬ول يرهب إل الله ‪ ،‬ول يكون‬
‫أحد أشد حبا له من الله ـ عز وجل ‪.‬‬
‫ولبد أن يكون ذا علم نافع ‪ ،‬وهو علم قال الله وقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ليدعو الناس على بصيرة ‪ ،‬فيحفظ كتاب الله أو ما تيسير من‬
‫كتاب الله ـ عز وجل ـ ويعنى بالحاديث عناية فائقة فيخرجها ‪ ،‬ويصح‬
‫المصحح منها ‪ ،‬ويضعف الضعيف حتى يثق الناس بعلمه النبي صلي الله عليه‬
‫وسلم ويعلم الناس أن يحترم أفكارهم ‪ ،‬وأن يحترم حضورهم ‪ ،‬فيجب أن‬
‫الجمهور بأن يحضر لهم علما نافعا ‪ ،‬جديد بناء ‪ ،‬مرسوما على منهج أهل‬
‫السنة والجماعة ‪.‬‬
‫كذلك علي الداعية أن يكون حريصا علي أوقاته في حله وترحاله‪ ،‬في إقامته‬ ‫ً‬
‫وسفره‪ ،‬في مجالسه‪ ،‬فيناقش المسائل النبي صلي الله عليه وسلم ويبحث‬
‫مع طلبة العلم‪ ،‬ويحترم الكبير‪ ،‬ويستفيد من ذوي العلم‪ ،‬ومن ذوي التجربة‬
‫والعقل‪.‬‬
‫إذا فعل ذلك سدد الله سهامه‪ ،‬ونفع بكلمه‪ ،‬وأقام حجته‪ ،‬وأقام برهانه‪.‬‬
‫‪ -5‬أل يعيش المثاليات‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومما ينبغي علي الداعية أل يعيش المثاليات‪ ،‬وأن يعلم أنه مقصر‪ ،‬وان الناس‬
‫كى‬ ‫ما َز َ‬‫ه َ‬
‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬
‫م وََر ْ‬‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ول فَ ْ‬
‫ض ُ‬ ‫مقصرون‪ ،‬قال سبحانه وتعالي‪ )):‬وَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫منك ُم م َ‬
‫شاُء و()النور‪ :‬الية ‪ . (21‬فهو الكامل‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫كي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َُز ّ‬ ‫حد ٍ أَبدا ً وَل َك ِ ّ‬‫نأ َ‬ ‫ِ ْ ْ ِ ْ‬
‫ت سبحانه وتعاليـ وحده‪ ،‬والنقص لنا‪ ،‬ذهب الله بالكمال‪ ،‬وأبقي كل نقص‬
‫لذلك النسان‪ ،‬فما دام أن النسان خلق من نقص فعلي الداعية أن يتعامل‬
‫معه علي هذا العتبار سواء كانوا رجال ً أو شبابا ً أو نساء‪ ،‬قال سبحانه‬
‫َْ‬ ‫ك واسع ال ْمغفرة هو أ َعل َم بك ُم إذ ْ أ َن َ َ‬
‫ض()لنجم‪:‬‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬
‫م ِ‬‫شأك ُ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ َ ِ ُ َ ْ ِ َ ِ ُ َ ْ ُ ِ ْ ِ ْ‬ ‫وتعالي‪ ( :‬إ ِ ّ‬
‫الية ‪.(32‬‬
‫فما دام الله قد أنشأكم من الرض ‪ ،‬من الطين‪ ،‬من التراب‪ ،‬فأنتم ناقصون‬
‫ل محالة‪ ،‬ولذلك كان عليه الصلة والسلم يتعامل مع الناس علي أنهم‬
‫ناقصون‪ ،‬وعلي أنهم مقصرون‪ ،‬يري المقصر منهم فيعينه ويساعده ويشجعه‪،‬‬
‫ويأخذ بيده إلي الطريق‪.‬‬
‫والداعية الذي يعيش المثاليات ل يصلح للناس‪ ،‬فإنه يتصور في الخيال أن‬
‫الناس ملئكة‪ ،‬الخلف بينهم وبين الملئكة الكل والشرب!!وهذا خطأ ‪ ،‬خاصة‬
‫في مثل القرن الخامس عشر الذي ل يوجد فيه محمد صلي الله عليه وسلم‬
‫ول الصحابة الخيار ‪ ،‬وقل أهل العلم‪ ،‬وكثرت الشبهات‪ ،‬وانحدرت علينا البدع‬
‫من كل مكان ‪ ،‬وأغرقنا بالشبهات‪، ،‬وحاربتنا وسائل مدروسة‪ ،‬درست في‬
‫مجالس عالمية وراءها الصهيونية العالمية وأذنابها!!‬
‫فحق علي العالم‪ ،‬وحق علي الداعية أن يتعامل مع هذا الجيل ويتوقع منه‬
‫الخطأ‪ ،‬ويعلم أن النسان سوف يحيد عن الطريق؛ فل يعيش المثاليات ‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم اليأس من رحمة الله‪:‬‬
‫يجب علي الداعية أل يغضب إن طرح عليه شباب مشكلة‪ ،‬وأنه وقع في‬
‫معصية‪ ،‬فقد أتي الرسول صلي الله عليه وسلم برجل شرب الخمر وهو من‬
‫الصحابة أكثر من خمسين مرة!!‬
‫ثبت هذا في الصحيح‪ ،‬فلما أتي به ليقام عليه الحد‪ ،‬قال بعض الصحابة‪ :‬أخزه‬
‫الله‪ ،‬ما أكثر ما يؤتي به! فغضب عليه الصلة والسلم‪ ،‬وقال للرجل‪ )) :‬ل‬
‫تقل ذلك ل تعن الشيطان عليه‪ ،‬والذي نفسي بيده‪ ،‬ما علمت إل أنه يحب‬
‫الله ورسوله((‪.‬‬
‫فما احسن الحكمة‪ ،‬وما أعظم التوجيه!!‬
‫لذلك نقول دائمًا‪ :‬ل تيأس من الناس مهما بدرت منهم المعاصي والمخالفات‬
‫والخطاء‪ ،‬واعتبر أنهم أمل هذه المة‪ ،‬وأنهم في يوم من اليام سوف تفتح‬
‫لهم أبواب التوبة‪ ،‬وسوف تراهم صادقين مخلصين‪ ،‬تائبين متوضئين‪.‬‬
‫وينبغي علي الداعية أل ييأس من استجابة الناس‪ ،‬بل عليه أن يصبر ويثابر‪،‬‬
‫ويسأل الله لهم الهداية في السجود‪ ،‬ول يستعجل عليهم‪ ،‬فإن رسولنا صلي‬
‫الله عليه وسلم مكث في مكة ثلثة عشرة سنة يدعو إلي )) ل إله إل الله((‪،‬‬
‫فلم ييأس مع كثرة اليذاء!! ومع كثرة السب!! ومع كثرة الشتم!! واعلم أن‬
‫ما يتعرض له من صعوبات ل يقارن بما تعرض له النبي صلي الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬مع ذلك صبر وتحمل كل ذلك ولم يغضب‪ ،‬حتى أتاه ملك الجبال! فقال له‪:‬‬
‫يا محمد‪ ،‬إن الله قد سمع قول قومك لك‪ ،‬وأنا ملك الجبال‪ ،‬وقد بعثتي ربك‬
‫إليك لتأمرني بأمرك‪ ،‬فما شئت‪ ،‬إن شئت أن أطبق عليهم الخشبين؟ فقال‬
‫له رسول صلي الله عليه وسلم ‪)) :‬بل أرجو أن يخرج الله من اصلبهم من‬
‫يعبد الله وحده‪ ،‬ل يشرك به شيئًا((‪.‬‬
‫فأخرج الله من أصلب الكفرة القادة ‪ ،‬فمن صلب الوليد بن المغيرة‪ :‬خالد‬
‫بن الوليد‪ ،‬ومن صلب أبي جهل‪ :‬عكرمة بن أبي جهل‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فما احسن الطريقة‪ ،‬وما أحسن أل يياس الداعية؛ وأن يعلم أن العاصي قد‬
‫يتحول بعد عصيانه إلي إمام مسجد! أو إلي خطيب ! أو إلي عالم!‬
‫من الذي ما أساء قط؟! ومن له الحسنى فقط؟!‬
‫ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها‬
‫كفي المرء نبل ً أن تعد معايبه!‬
‫تريد مهذبا ً ل عيب فيه‬
‫وهل عود يفوح بل دخان؟!‬
‫هذا ل يصلح علي منهج الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فل تقنط من رحمة الله فإن رحمة الله وسعت كل شي‪ ،‬وهو الرحمن‬
‫الرحيم‪ ،‬الذي يقول في الحديث القدسي الذي رواه أحمد والترمزي بسند‬
‫حسن ‪ )) :‬يا ابن آدم‪ ،‬إنك ما دعوتني ورجوتني إل غفرت لك ول أبالي ‪ ،‬يا‬
‫ابن آدم‪ ،‬لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك‪ ،‬ول أبالي‪ ،‬يا‬
‫ابن آدم ‪ ،‬لو أتيتني بقراب الرض خطايا ثم جئتني ل تشرك بي شيئًا‪ ،‬لتيتك‬
‫بها مغفرة((‪.‬‬
‫وعلي الداعية أل ييأس من المدعوين بسبب معاصيهم وإنما عليه أن يعايش‬
‫الجميع‪ ،‬الكبير والصغير‪ ،‬الصالح والطالح‪ ،‬المطيع والعاصى ‪ ،‬ولتعلم أن هذا‬
‫العاصي قد يكون في يوم اليام من رجال الدعوة ‪ ،‬وقد يكون من أولياء‬
‫الله ‪ ،‬فل تيأس‪ ،‬وعليك أن تتدرج معه‪ ،‬وأن تأخذ بيده رويدا ً رويدًا‪ ،‬وأل‬
‫تجابهه‪ ،‬وأل تقاطعه‪.‬‬
‫جاء وفد ثقيف إلي الرسول صلي الله عليه وسلم فدعاهم إلي الدين فقالوا‪.‬‬
‫نشهد أن ل إله إل الله‪ ،‬وأنك رسول الله ‪ ،‬ولكن أما الصلة فل نصلي! وأما‬
‫الزكاة فل تزكي! ول نجاهد في سيبل الله!!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فقال النبي صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬أما الصلة‪ ،‬فل خير في دين ل صلة‬
‫فيه(( وأما الصدقة والجهاد فقد قال صلي الله عليه وسلم بعد ذلك‪:‬‬
‫)) ستصدقون ويجاهدون إذا اسلموا((‪.‬‬
‫فاسلموا ‪ ،‬فأدخل الله اليمان في قلوبهم‪ ،‬فصلوا وزكوا وجاهدوا‪ ،‬وقتل‬
‫بعضهم وراء نهر سيحون وجيحون في سبيل الله! وقتل بعضهم في قندهار‪.‬‬
‫فل ييأس النسان من دعوة الناس إلي سبيل الله سبحانه وتعالي‪ ،‬وليعلم‬
‫أنهم في مرحلة من المراحل سوف يهتدون وسوف يعودون إلي الله سبحانه‬
‫وتعالي‪.‬‬
‫فل تقنط شارب الخمر من توبته إلي الله‪ ،‬ول تقنط السارق ول الزاني‪ ،‬ول‬
‫القاتل ‪ ،‬بل حبببهم إلي الهداية‪ ،‬وقل لهم هناك رب رحيم‪ ،‬يقول في محكم‬
‫فُروا‬ ‫ه َفا ْ‬
‫ست َغْ َ‬ ‫م ذ َك َُروا الل ّ َ‬
‫سهُ ْ‬ ‫موا أ َن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫ة أوْ ظ َل َ ُ‬
‫ش ً َ‬ ‫ن إ َِذا فَعَُلوا َفا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ذي َ‬ ‫التنزيل‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫ن(‬
‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫ما فَعَُلوا وَهُ ْ‬ ‫صّروا عََلى َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ه وَل َ ْ‬
‫ب إ ِّل الل ّ ُ‬
‫فُر الذ ُّنو َ‬‫ن ي َغْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫م وَ َ‬
‫)آل عمران‪. (135:‬‬
‫قال علي رضي الله عنه وأرضاه‪ )) :‬الحكم من ل يقنط الناس من رحمة‬
‫الله‪ ،‬ول يورطهم في معصية الله((‪.‬‬
‫ومن آداب الداعية كذلك أل يهون علي الناس المعاصي ‪ ،‬بل يخوفهم من‬
‫الواحد الحد‪ ،‬فيكون في دعوته وسطا ً بين الخوف والرجاء‪ ،‬فإن بعض الدعاة‬
‫قد يتساهل مع بعض الناس في المعاصي! كلما ارتكبت كبيرة قال‪:‬‬
‫)) سهلة((! وكلما أتى بأخطاء قال‪ )) :‬أمرها بسيط((!‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أفل يعلم أن هناك ربا ً يغضب إذا انتهكت حدوده؟! وأن هناك سلطانا ً عظيما ً‬
‫علي العرش استوي‪ ،‬ل يرضى أن تنتهك محارمه‪ ،‬وقد صح في الحديث‬
‫الصحيح أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال‪ )) :‬تعجبون من غيرة سعد؟‬
‫والذي نفسي بيده‪ ،‬إني أغير من سعد‪ ،‬وإن الله أغير مني((‪.‬‬
‫وقد ورد من صفاته ـ سبحانه وتعالي ـ كما في الصحيح من حديث ابن‬
‫مسعود ‪ )) :‬إن الله غيور ‪ ،‬ومن غيرته سبحانه وتعالي أنه يغار علي عبده‬
‫المؤمن أن يزني ‪ ،‬وعلي أمته المؤمنة أن تزني((‪.‬‬
‫‪ -7‬عدم الهجوم علي الشخاص بأسمائهم‪:‬‬
‫من مواصفات الداعية أل يهاجم الشخاص بأسمائهم‪ ،‬فل ينبذهم علي المنابر‬
‫بأسمائهم أمام الناس‪ ،‬بل يفعل كما فعل الرسول صلي الله عليه وسلم‬
‫ويقول ‪ )) :‬ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا((‪ .‬فيعرف صاحب الخطأ خطأه‬
‫ولكن ل يشهر به‪.‬‬
‫أما إن كان هناك رجل جاهر الله بكتاباته أو بانحرافه أو بأدبه أو ببدعته‪ ،‬أو‬
‫بدعوته إلي المجون ن فهذا ل باس أن يشهر به عند أهل العلم‪ ،‬حتى يبين‬
‫خطره‪ ،‬فقد شهر أهل العلم بالجهم بن صفوان‪ ،‬وقال ابن المبارك في‬
‫الجهم‪ :‬هذا المجرم الذي قاد المة إلي الهاوي‪ ،‬وابتدع بدعة في الدين قال‪:‬‬
‫عجبت لدجال دعا الناس إلي النار‪ .‬واشتق اسمه من جهنم‪ ،‬وشهروا كذلك‬
‫بالجعد بن درهم‪ ،‬وكتبوا أسماءهم في كتب الحديث‪ ،‬وحذروا الناس منهم في‬
‫المجالس العامة والخاصة‪ ،‬فمثل هؤلء يشهر بهم‪ ،‬أما الذين يتكتم علي‬
‫أسمائهم فهم أناس أرادوا الخير فأخطأوا ‪ ،‬وأناس زلت بهم أقدامهم‪ ،‬وأناس‬
‫أساءوا في مرحلة من المراحل‪ ،‬فهؤلء ل تحاول أن تظهر أسماءهم في‬
‫قائمة سوداء فقد يغريهم هذا إلي التمادي في الخطأ‪ ،‬وقد تأخذهم العزة‬
‫بالثم!‬
‫‪ -8‬الداعية ل يزكي نفسه عند الناس‪:‬‬
‫علي الداعية أل يزكي نفسه عند الناس‪ ،‬بل يعرف أنه مقصر مهما فعل ‪،‬‬
‫ويحمد ربه سبحانه وتعالي أن جعله متحدثا ً إلي الناس ‪ ،‬مبلغا ً عن رسوله‬
‫صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬فيشكر الله علي هذه النعمة‪ ،‬فإن الله قال لرسوله‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫كى ِ‬‫ما َز َ‬ ‫ه َ‬‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬‫م وََر ْ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬‫ول فَ ْ‬ ‫صلي الله عليه وسلم ‪ ) :‬وَل َ ْ‬
‫حدٍ ()النور‪ :‬الية ‪ .(21‬وقال له في آخر المطاف بعد أن أدى الرسالة كاملة‪:‬‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ح‬ ‫واجا ً فَ َ‬
‫سب ّ ْ‬ ‫ن الل ّهِ أفْ َ‬‫ن ِفي ِدي ِ‬ ‫خُلو َ‬ ‫س ي َد ْ ُ‬
‫ت الّنا َ‬ ‫ح وََرأي ْ َ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫صُر الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬‫)إ َِذا َ‬
‫وابًا( )النصر‪.((3-1:‬‬ ‫ن تَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫فْرهُ إ ِن ّ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫ك َوا ْ‬‫مد ِ َرب ّ َ‬
‫ح ْ‬
‫بِ َ‬
‫*قال أهل العلم‪ :‬أمره أن يستغفر الله‪.‬‬
‫فل يأتي الداعية فيزكي نفسه‪ ،‬ويقول ‪ :‬أنا آمركم دائما ً وتصونني! وأنهاكم ول‬
‫تمتثلوا نهيي! وأنا دائما ً ألحظ عليكم‪ ..‬وأنا دائما ً أري‪ ،‬وأنا دائما ً أيقول‪ ،‬أو أنا‬
‫دائما ً أحدث نفسي إلي متي تعصي هذه المة ربها ؟!‬
‫فيخرج نفسه من اللوم والعقاب ‪ ،‬وكأنه برئ!! فهاذ خطأ‪ .‬بل يجعل الذنب‬
‫واحدا ً ‪ ،‬والتقصير واحدا ً ‪ ،‬فيقول لهم‪ :‬وقعنا كلنا في هذه المسألة‪ ،‬وأخطانا‬
‫كلنا‪ ،‬والواجب علينا كلنا ‪ ،‬حتى ل يخرج نفسه من اللوم والعتاب ‪ ،‬فما نحن‬
‫إل أسرة واحدة‪ ،‬فربما يكون من الجالسين من هو أزكي من الداعية‪ ،‬ون هو‬
‫أحب إلي الله‪ ،‬وأقرب إليه منه‪.‬‬
‫‪ -9‬عدم الحباط من كثرة الفساد والمفسدين‪:‬‬
‫فينبغي أل يصاب الداعية بالحباط‪ ،‬وأل يصاب بخيبة أمل‪ ،‬وهو يري اللوف‬
‫تتجه إلي اللهو ‪ ،‬وإلي اللغو‪ ،‬والقلة القليلة تتجه غلي الدروس والمحاضرات‪،‬‬
‫ل()الحزاب‪ :‬الية ‪. (62‬‬ ‫دي ً‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬
‫ن تَ ِ‬‫فهذه سنة الله في خلقه‪ ( :‬وَل َ ْ‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فإن الله ذكر في محكم تنزيله أن أهل المعصية أكثر‪ ،‬وأن الضلل أكثر‪ ،‬وأن‬
‫كوُر()سبأ‪ :‬الية‬ ‫ش ُ‬ ‫عَبادِيَ ال ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫المفسدين في الرض أكثر‪ ،‬فقال ‪ ( :‬وَقَِلي ٌ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ه()النعام‪:‬‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ضلوك عَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ض يُ ِ‬
‫ن ِفي الْر َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ‬ ‫‪ (13‬وقال‪) :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن(‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫س وَلوْ َ‬ ‫ما أكث َُر الّنا ِ‬ ‫الية ‪ (116‬وقال سبحانه وتعالي‪( :‬وَ َ‬
‫َ َ‬
‫ن()يونس‪ :‬الية‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫حّتى ي َكوُنوا ُ‬ ‫س َ‬‫ت ت ُك ْرِهُ الّنا َ‬ ‫)يوسف‪ (103:‬وقال ‪ ( :‬أفَأن ْ َ‬
‫ل(‬ ‫كي ٍ‬‫م ب ِوَ ِ‬‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ر( )الغاشية‪ ( (22:‬ل َ ْ‬ ‫صي ْط ِ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫‪ (99‬وقال‪( :‬ل َ ْ‬
‫ك إ ِّل ال َْبلغ()الشورى‪ :‬الية ‪ .(48‬فنحن ل نملك‬ ‫ن عَل َي ْ َ‬ ‫)النعام‪ :‬الية ‪ ( (66‬إ ِ ْ‬
‫سوطا ً ول عصي‪ ،‬ول عذابا ول حبسا‪ ،‬إنما نملك حبا ودعوة وبسمة نقود‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الناس بها غلي جنة عرضها السموات والرض ‪ ،‬فإن استجابوا حمدنا الله‪،‬‬
‫وإن لم يستجيبوا ورفضوا أوكلنا أمرهم لله الذي يحاسبهم ـ سبحانه وتعالي‪.‬‬
‫قال بعض العلماء‪ )) :‬الكفار في الرض اكثر من المسلمين ‪ ،‬وأهل البدعة‬
‫أكثر من أهل السنة‪ ،‬والمخلصون من أهل السنة اقل من غير المخلصين((‪.‬‬
‫ومن صفات الداعية أيضا ً أنه يعيش واقع الناس ويقرأ حياتهم ويتعرف علي‬
‫أخبارهم‪ ،‬وقال ـ سبحانه وتعالي ـ لرسوله صلي الله عليه وسلم ‪( :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬
‫ن( )النعام‪. (55:‬‬ ‫مي َ‬‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سِبي ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ست َِبي َ‬
‫ت وَل ِت َ ْ‬‫ل اْليا ِ‬ ‫ص ُ‬
‫ف ّ‬
‫نُ َ‬
‫ومن حكمة الله ـ سبحانه وتعالي ـ أنه أحيا رسوله أربعين سنة في مكة‪،‬‬
‫عاش في شعاب مكة‪ ،‬وفي أودية مكة‪ ،‬عرف مساربها ومداخلها‪ ،‬عرف‬
‫الطروحات التي وقعت في مكة‪ ،‬وعرف بيوت أهل مكة‪ ،‬واعترض الكفار‪.‬‬
‫مَلك()النعام‪ :‬الية ‪ .(8‬فالله ـ سبحانه وتعالي ـ ذكر‬ ‫ل عَل َي ْهِ َ‬ ‫ول أ ُن ْزِ َ‬
‫وقالوا‪ ( :‬ل َ ْ‬
‫أنه لبد أن يكون بشرا ً ‪ ،‬يعيش آمال الناس‪ ،‬ويعيش هموم الناس‬
‫ومشكلتهم‪ ،‬ويعرف احتياجاتهم‪.‬‬
‫فحق علي الداعية أن يقرأ واقعه‪ ،‬ويستفيد من مجتمعه‪ ،‬وأن يعرف ماذا يدور‬
‫في البلد؟ وماذا يقال؟ وما هي القضايا المطروحة؟ ويتعرف حتى علي‬
‫الباعة‪ ،‬وعلي أصناف التجار‪ ،‬وعلي الفلحين‪ ،‬وعلي طبقات الناس‪ ،‬وأن يلوح‬
‫بطرفه في الماكن ‪ ،‬وفي مجامع الناس‪ ،‬وفي السواق ‪ ،‬وفي المحلت‪ ،‬وفي‬
‫الجامعات‪ ،‬وفي الندية‪ ،‬حتى يكون صاحب خلفية قوية‪ ،‬يتكلم عن واقع‬
‫يعرفه‪.‬‬
‫لذا جعل أهل العلم من لوازم الداعية إذا أتي إلي بلد أن يقرأ تاريخ هذا البلد‪،‬‬
‫وكان بعض العلماء إذا سافروا إلي الخارج يأخذون مذكرات عن البلد‪ ،‬وعن‬
‫تاريخه‪ ،‬وعن جغرافيته‪ ،‬وعن متنزهاته‪ ،‬ويتعرفون علي طبيعة أهله‪ ،‬وكيف‬
‫يعيشون وماذا يحبون‪ ،‬وماذا يكرهون؟! ويتعرفون علي كيفية التربية في هذا‬
‫البلد‪ .‬حتى يتكلموا عن بصيرة‪.‬‬
‫‪ -10‬عدم المزايدة علي كتاب الله‪:‬‬
‫فإن بعض الوعاظ والدعاة يحملهم الشفاق والغيرة علي الدين علي أن‬
‫يزيدوا عليه ما ليس فيه‪ ،‬فتجدهم إذا تكلموا عن معصية جعلوا عقابها أكثر‬
‫مما جعله الله ـ عز وجل ـ حتى إن من يريد أن ينهي عن الدخان وعن شربه‬
‫يقول مثل ً ‪ )) :‬يا عباد الله‪ ،‬إن من شرب الدخان حرم الله عليه الجنة‪ ،‬وكان‬
‫جزاؤه جهنم يصلها مذموما ً مدحورًا((!!‬
‫هذا خطأ‪ ،‬لن هناك موازين في الشريعة‪ ..‬هناك شرك يخرج عن الملة‪.‬‬
‫وهناك كبائر‪ ،‬وهناك صغائر‪ ،‬وهناك مباحات‪ .‬قد جعل الله لكل شئ قدرا‪ً.‬‬
‫فوضع الندي في موضع السيف بالعل‬
‫مضر كوضع السف في موضع الندي‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فعلي الداعي أل يهول علي الناس في جانب العقاب‪ ،‬كما عليه أل يهول‬
‫عليهم في جانب الحسنات كأن يستشهد بالحديث ـ وهو ضعيف ـ الذي يقول‪:‬‬
‫)) صلة بسواك أفضل من سبعين صلة بل سواك((‪ .‬وحديث ـ وهو باطل ـ ‪:‬‬
‫)) من قال ل إله إل الله محمد رسول الله بني الله له سبعين قصرا ً في‬
‫الجنة‪ ،‬في كل قصر سبعون حورية ‪ ،‬علي كل حورية سبعون وصيفًا‪ ،‬ويبقي‬
‫سبعين من صلة العصر إلي صلة المغرب…((!‬
‫فالتهويل ليس بصحيح‪ ،‬بل يكون النسان متونا ً في عباراته‪ ،‬يعرف أنه يوقع‬
‫عن رب العالمين‪ ،‬وينقل عن معلم الخير صلي الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -11‬عدم الستدلل بالحاديث الموضوعة‪:‬‬
‫علي الداعية أل يستدل بحديث موضوع إل علي سبيل البيان‪ ،‬ويعلم أن السنة‬
‫ممحصة ومنقاة‪ ،‬وأنها معروضة ولذلك لما أوتي بالمصلوب ـ هذا المجرم‬
‫الذي وضع أربعة آلف حديث علي محمد صلي الله عليه وسلم كذبا ً وزورا ـ‬
‫ً‬
‫إلي هارون الرشيد ليقتله‪ ،‬فسل هارون الرشيد السيف‪ ،‬قال هذا المجرم‬
‫اقتلني أو ل تقتلني‪ ،‬والله لقد وضعت علي أمة محمد أربعة آلف حديث!!‬
‫فقال هارون الرشيد ‪ )):‬ما عليك يا عدو الله يتصدى لها الجهابذة يزيفونها‪،‬‬
‫ويخرجونها كابن المبارك‪ ،‬وأبي إسحاق المزوري(( فما مر ثلثة أيام إل نقاها‬
‫عبد الله بن المبارك وأخرجها‪ ،‬وبين أنها موضوعة جميعا‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فالحاديث الموضوعة ـ ولله الحمد ـ مبينة ‪ ،‬ونحذر الدعاة من أن يذكروا‬


‫للناس حديثا ً موضوعا ً ‪ ،‬ولو قالوا إنه في مصلحة الدعوة إلي الله‪ ،‬فالمصلحة‬
‫كل المصلحة فيما ورد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم صحيحًا‪ ،‬ل في‬
‫الحاديث الباطلة كحديث علقمة وما واجه مع أمه‪ ،‬وحديث ثعلبة والزكاة‪،‬‬
‫وكأحاديث أخر بواطل‪ ،‬ل يصح الستشهاد بها؛ لن ضررها علي المة عظيم‪،‬‬
‫وأثرها علي المة سقيم‪ ،‬لكن يجوز للداعية أن يبين للناس في محاضرة أو‬
‫درس أو خطبة الحاديث الموضوعة حتى يتعرف الناس عليها‪.‬‬
‫أما الحاديث الضعيفة فلها شروط ثلثة للستدلل بها‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬أل يكون ضعيفا ً شديد الضعف‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن تكون القواعد الكلية في الشريعة تسانده وتؤيده‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أل يكون في الحكام بل يكون في فضائل العمال‪.‬‬
‫وقد ذكر شيخ السلم ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن المام احمد أنه قال ‪:‬‬
‫)) إذا أتي الحلل والحرام تشددنا‪ ،‬وإذا أتت الفضائل تساهلنا(( وهذا كلم جيد‬
‫‪ ،‬ولو أنه غير مجمع عليه‪.‬‬
‫‪ -12‬عدم القدح في الهيئات والمؤسسات والجمعيات والجماعات باسمائها‪:‬‬
‫وما يجب علي الداعية إل يقدح في الهيئات ول المؤسسات بذكر أسمائها‪،‬‬
‫وكذلك الجمعيات والجماعات وغيرها‪ ..‬لكن عليه أن يبين المنهج الحق‪ ،‬ويبين‬
‫الباطل‪ ،‬فيعرف صاحب الحق أنه محق‪ ،‬ويعرف صاحب الباطل أنه مخطئ‪،‬‬
‫لنه إذا تعرض للشعوب جملة‪ ،‬أو للقبائل بأسمائهم أو للجمعيات‪ ،‬أو‬
‫للمؤسسات‪ ،‬أو للشركات‪ ،‬أتي اللف من هؤلء فنفروا منه‪ ،‬وما استجابوا‬
‫له‪ ..‬وتركوا دعوته‪ ،‬وهذا خطأ‪.‬‬
‫وفي الدب المفرد مما يروي عنه صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬أن من أفري‬
‫الفرى أن يهجو الشاعر القبيلة بأسرها((‪ ،‬وهذا خطأ ‪ ،‬فإن من يقول قبيلة‬
‫كذا كلهم فسدة وفسقة مخطئ! لنه ما صدق في ذلك فالتعميم عرضة‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للخطأ‪.‬‬
‫ولبد أن يكون الداعي لبقا في اختيار عباراته حتى يكسب القلوب‪ ،‬ول يثير‬ ‫ً‬
‫عليه الشعب‪ ،‬فإن الناس يغضبون لقبائلهم‪ ،‬ويغضبون لشعوبهم‪ ،‬ويغضبون‬
‫لشركاتهم‪ ،‬ويغضبون لمؤسساتهم‪ ،‬ويغضبون لجمعياتهم‪ ..‬فليتنبه لهذا‪ ،‬وعليه‬
‫أل يظهر بهالة المستعلي علي جمهوره‪ ،‬وعلي أصحابه وعلي أحبابه ‪ ،‬وعلي‬
‫إخوانه‪ ،‬وعلي المدعوين‪ ،‬كأن يقول ـ مثل ً ـ ‪ :‬أنا قلت ‪ ،‬وفعلت‪ ،‬وكتبت‪،‬‬
‫وراسلت‪ ،‬وغضبت‪ ،‬وألفت! فإن )) أنا(( من الكلمات التي استخدمها إبليس‪.‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه الله‪ )) :‬وليحذر كل الحذر من طغيان كلمات‪ :‬أنا‪ ،‬ولي‪،‬‬
‫وعندي‪ ،‬فإن هذه اللفاظ الثلثة ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون‪ ،‬قال‬
‫ن()لعراف‪ :‬الية ‪(12‬‬ ‫طي ٍ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قت َ ُ‬ ‫ن َنارٍ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قت َِني ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫إبليس‪ ) :‬أ ََنا َ‬
‫خي ٌْر ِ‬
‫مل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫صر()الزخرف‪ :‬من الية ‪ (51‬وقال قارون‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫س ِلي ُ‬ ‫وقال فرعون‪ ( :‬أل َي ْ َ‬
‫دي ()القصص‪ :‬الية ‪. (78‬‬ ‫عل ْم ٍ ِ‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫ُ‬
‫عن ْ ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ُ‬ ‫َ) إ ِن ّ َ‬
‫فاجتنب أنا‪ ،‬واجتنب لي‪ ،‬واجتنب عندي‪ ..‬ولكن تصلح )) أنا(( في مثل ‪ :‬أنا‬
‫مقصر‪ ،‬كما اقل شيخ السلم ـ رحمه الله ‪:‬‬
‫أنا الفقير إلي رب البريات‬
‫أنا المسيكين في مجموع حالتي‬
‫مدح أحد الناس ابن تيمه فقال‪:‬‬
‫أنا المكدي وابن المكدي‬
‫وهكذا كان أبي وجدي‬
‫فقال‪ :‬أنا مذنب وأبي مذنب! وجدي مذنب! إلي آدم عليه السلم‪.‬‬
‫*فواجب علي الداعية أن يظهر دائما ً بالتواضع‪ ،‬وأن يلتمس الستر من‬
‫إخوانه‪ ،‬وأن يبادلهم الشعور‪ ،‬وأن يطلب منهم المشورة والقتراح‪ ،‬وأن يعلم‬
‫أن فيهم من هو أعلم منه‪ ،‬وأفصح منه‪ ،‬وأصلح منه‪.‬‬
‫قال بعض السلف‪ )) :‬الساكت ينتظر الجر من الله‪ ،‬والمتكلم ينتظر المقت‪،‬‬
‫فإن المتكلم تخطيء((‪.‬‬
‫‪ -13‬أن يجعل الداعية لكل شيء قدرا‪ً:‬‬
‫ل ينبغي للداعية أن يعطي المسألة أكبر من حجمها ‪ ،‬فالدين مؤسس‪ ،‬والدين‬
‫َ‬ ‫مفروغ منه‪ ) :‬ال ْيو َ‬
‫م‬‫ت ل َك ُ ُ‬‫ضي ُ‬
‫مِتي وََر ِ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م ِدينا ً ()المائدة‪ :‬الية ‪. (3‬‬ ‫سل َ‬‫اْل ِ ْ‬
‫فل يعطي الداعية المسائل أكبر من حجمها‪ ،‬وكذلك ل يصغر المسائل الكبرى‬
‫أو يهونها عند الناس‪ ..‬ومن المثلة علي ذلك‪:‬‬
‫أن بعض الدعاة يعطي مسألة إعفاء اللحية أكبر من حجمها حتى كأنها‬
‫التوحيد الذي يخلد به الناس أو يدخل الناس به الجنة‪ ،‬ويدخل الناس بحلقها‬
‫النار ويخلدون فيها! مع العلم أنها من السنن الواجبات‪ ،‬ومن حلقها فقد‬
‫أرتكب محرمًا‪ ،‬لكن ل تأخذ حجما ً أكبر من حجمها ‪ ،‬وكذلك مسألة إسبال‬
‫الثياب‪ ،‬والكل باليسرى ‪ ،‬وغيرها من المسائل‪ .‬ل يتركها الداعية أو يقول إنها‬
‫قشور فيخطئ ‪ ،‬ول يعطيها اكبر من حجمها‪ ،‬فقد جعل الله لكل شي قدرًا‪.‬‬
‫والحر ميزان ‪ ،‬فعليه أن يفعل كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬فقد‬
‫تكلم عن التوحيد في جل أحاديثه ومجالسه‪ ،‬وأعطي المسائل حجمها حتى ل‬
‫يصاب الناس بإحباط‪.‬‬
‫فإن التربية الموجهة أن تصف له المسالة السهلة فتكبرها عنده‪ ،‬وتصغر له‬
‫المسالة الكبرى‪.‬‬
‫أحيانا ً يصغر بعض الناس من مسألة السحر‪ ،‬واستخدام السحر‪ ،‬ويقول هو‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذنب‪ ،‬مع العلم أنه عند كثير من أهل العلم مخرج من الملة‪ ،‬وحد الساحر‬
‫ضربه بالسيف‪ ،‬ومع ذلك تجد بعض الدعاة يصغر من مسألة السحر!‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وأحيانا ً يصغر بعض الدعاة كذلك من شأن الحداثة‪ ،‬والهجوم علي السلم في‬
‫بعض الصحف والمجلت والجرائد‪ ،‬ويقول‪ :‬هذا ممكن‪ ،‬هذا أمر محتمل‪،‬‬
‫المسألة سهلة ويسيرة!! إلي غير ذلك من المور‪.‬‬
‫‪ -14‬اللين في الخطاب والشفقة في النصح‪:‬‬
‫علي الداعية أن يكون لينا ً في الخطاب‪ ،‬فقد كان الرسول صلي الله عليه‬
‫وسلم لين الكلم بشوش الوجه‪ ،‬وكان صلي الله عليه وسلم متواضعا ً محببا ً‬
‫إلي الكبير والصغير‪ ،‬يقف مع العجوز ويقضي غرضهن ويأخذ الطفل ويحمله‪،‬‬
‫ويذهب إلي المريض ويعوده‪ ،‬ويقف مع الفقير‪ ،‬ويتحمل جفاء العرابي‪،‬‬
‫ويرحب بالضيف‪ ،‬وكان إذا صافح شخصا ً ل يخله يده من يده حتى يكون الذي‬
‫يصافحه هو الذي يخلع‪ ،‬وكان إذا وقف مع شخص ل يعطيه ظهره حتى ينتهي‬
‫من حديثه‪ ،‬وكان دائم البسمة في وجوه أصحابه صلي الله عليه وسلم ل‬
‫ب‬‫قل ْ ِ‬ ‫ظ ال ْ َ‬
‫ت فَظ ّا ً غَِلي َ‬ ‫م وَل َوْ ك ُن ْ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ل ِن ْ َ‬ ‫م َ‬‫مةٍ ِ‬
‫ح َ‬ ‫يقابل أحد بسوء (فَب ِ َ‬
‫ما َر ْ‬
‫حوِْلك()آل عمران‪ :‬الية ‪ (159‬فإذا فعل النسان ذلك كان أحب‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ضوا ِ‬ ‫ف ّ‬‫َلن ْ َ‬
‫إلي الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة!‬
‫ويرسل الله موسى وهارون عليهما السلم إلي فرعون أطغي الطواغيت‪،‬‬
‫شى( )طه‪:‬‬ ‫خ َ‬‫ه ي َت َذ َك ُّر أ َوْ ي َ ْ‬ ‫ه قَوْل ً ل َّينا ً ل َعَل ّ ُ‬ ‫قول ل َ ُ‬ ‫ويأمرهما باللين معه فيقول‪) :‬فَ ُ‬
‫‪. (44‬‬
‫فالقول اللين سحر حلل‪ ،‬قيل لبعض أهل العلم‪ :‬ما هو السحر الحلل؟ قال‪:‬‬
‫)) تبسمك في وجوه الرجال((‪ .‬وقال أحدهم يصف الدعاة الخيار من أمة‬
‫محمد صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬حنينون‪ ،‬لينون‪ ،‬أيسار بني يسر‪ ،‬تقول لقيت‬
‫سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري((‪.‬‬
‫فأدعو الدعاة إلي لين الخطاب‪ ،‬وأل يظهروا للناس التزمت ول الغضب ‪ ،‬ول‬
‫الفظاظة في القوال والفعال ‪ ،‬ول يأخذوا الناس أخذ الجبابرة‪ ،‬فإنهم حكماء‬
‫َ‬
‫ن( )النبياء‪. (107:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫ك إ ِّل َر ْ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫معلمون أتوا رحمة للناس‪( .‬وَ َ‬
‫فالرسول صلي الله عليه وسلم رحمة‪ ،‬واتباعه رحمة‪ ،‬وتلميذه رحمة‪،‬‬
‫والدعاة غلي منهج الله رحمة‪ ،‬وعلي الداعية كذلك أن يثني علي أهل الخير‪،‬‬
‫وأن يشاور إخوانه فل يستبد برأيه‪ .‬والله ـ سبحانه وتعالي ـ يقول ‪( :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م(‬ ‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫ر()آل عمران‪ :‬الية ‪ (159‬ويقول‪ ) :‬وَأ ْ‬ ‫م ِفي اْل ْ‬
‫م ِ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫)الشورى‪ :‬الية ‪.(38‬‬
‫فيشاور طلبه في الفصل‪ ،‬ويشاور إخوانه‪ ،‬ويشاور أهل الخير ممن هم اكبر‬
‫منه سنًا‪ ،‬ويشاور أهل الدين‪ ،‬ول بأس أن يعرض عليهم حتى المسائل الخاصة‬
‫كي يثقوا به‪ ،‬ويخلصوا له النصح ‪ ،‬ويكونوا علي قرب منه‪ ،‬ويشاور أهل الحي‪،‬‬
‫وأهل الحارة‪ ،‬فإن الرسول صلي الله عليه وسلم جلب حب الناس بسبب‬
‫المشاورة‪ ،‬فكان يشاورهم حتى في المسائل العظيمة التي تلم بالمة ‪،‬‬
‫كنزوله في يوم بدر‪ ،‬ومشاورته لصحابه في السري ‪ ،‬ونحو ذلك من الغنائم‬
‫وأمثالها من القضايا الكبرى‪.‬‬
‫*فعلي الداعية أن يشاور المجتمع ول بأس أن يكتب لهم بطاقات‪ ،‬وأن يطلب‬
‫آراءهم ‪ ،‬وإذا وجد مجموعة منهم يقول‪ :‬ما رأيكم يا إخوة في كذا‪ ،‬وكذا‪..‬‬
‫فإن رأي الثنين أفضل من رأي الواحد‪ ،‬ورأي الثلثة افضل من رأي الثنين‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫مرِ ()آل عمران‪ :‬الية ‪.(159‬‬ ‫م ِفي اْل ْ‬ ‫) وَ َ‬
‫شاوِْرهُ ْ‬
‫‪ -15‬حسن التعامل مع الناس وحفظ قدرهم‪:‬‬
‫ً‬
‫فعلي الداعية أن يثني علي أهل الخير‪ ،‬ويشكر من قدم له معروفا ‪ ،‬فإن‬
‫الداعية إذا أثني علي أهل الخير عرفوا أنه يعرف قدرهم‪ ،‬وأنه يعرف الجميل‪،‬‬
‫أما أن تترك صاحب الجميل بل شكر والمخطئ بل إدانة وبل تنبيه‪ ،‬فكأنك ما‬
‫فعلت شيئًا!‬
‫لبد أن تقول للمحسن أحسنت‪ ،‬وللمسيء أسأتن لكن بأدب ‪ ،‬فكبار السن‬
‫يحبون منك أن تحتفل بهم‪ ،‬وأن تعرف أن لهم حق سن الشيخوخة‪ ،‬وأنهم‬
‫سبقوك في الطاعة‪ ،‬وأنهم اسلموا قبلك بسنوات‪ ،‬فتعرف لهم قدرهم‪.‬‬
‫وكذلك العلماء والقضاة ‪ ،‬وأعيان الناس‪ ،‬وشيوخ القبائل‪ ..‬ونحو ذلك من أهل‬
‫العلم والفضل‪ ،‬وأهل المواهب كالشعراء السلميين‪ ،‬والكتاب السلميين‪،‬‬
‫ومن لهم بلء حسن ‪ ،‬والتجار الذين ينفقون في سبيل الله‪ ..‬فتظهر لهم‬
‫المنزلة وتشكرهم علي ما قدموا حتى تحيي في قلوبهم هذا الفعل الخير‪،‬‬
‫كما كان النبي صلي الله عليه وسلم يقول علي المنبر‪ )) :‬غفر الله لعثمان ما‬
‫تقدم من ذنبه وما تأخر((‪ )) .‬ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم((‪ ،‬وكان يقول ‪:‬‬
‫)) دعوا لي أصحابي(( يعني أبا بكر الصديق‪ ،‬وكان صلي الله عليه وسلم‬
‫يشكر عمر‪ ،‬ويخبر ما رأي عمر‪ ،‬وكان يثني علي هذا‪ ،‬ويمدح هذا‪ ،‬ويشكر‬
‫هذا‪ ،‬فإن هذه من أساليب التربية‪ ،‬وليست من التملك في شيء‪.‬‬
‫‪ -16‬أن يعلن الدعوة للمصلحة ‪ ،‬ويسر بها للمصلحة‪:‬‬
‫فعلي الداعية أن يعلن الدعوة للمصلحة‪ ،‬يعلن بها حيث يكون العلن طيبا ً‬
‫كالمحاضرة العامة‪ ،‬والموعظة العامة في قرية أو بلدة أو في مدينة‪ ،‬ولكنه‬
‫إذا أتي ينصح شخصا ً بعينه فعليه أن يسر الدعوة‪ ،‬فيأخذه علي حده‪ ،‬ويتلطف‬
‫له في العبارة ‪ ،‬وينصحه بينه وبينه‪ ،‬قال الشافعي ـ رحمه الله‪:‬‬
‫تغمدني بنصحك في انفراد‬
‫وجنبني النصيحة في الجماعة‬
‫فإن النصح بين الناس نوع‬
‫من التوبيخ ل أرضي استماعه‬
‫فإن خالفتني وعصيت قولي‬

‫)‪(6 /‬‬

‫فل تجزع إذا لم تعط طاعه‬


‫* فيقصد أنه إذا خالفتني ونصحت النسان أما الناس فل تجزع فسوف‬
‫يجابهك هذا‪ ،‬وينتقم لنفسه‪ ،‬وقد تأخذه العزة بالثم ‪ ،‬وكم شكي لي بعض‬
‫الشباب ـ حفظهم الله ـ أن بعض الناس قد جابهم في مجتمع من الناس أو‬
‫انتقدهم فأصابهم من ذلك تذمر وانقباض واشمئزاز! وهذا ليس من المصلحة‬
‫في شيء ‪.‬‬
‫‪ -17‬اللمام بالقضايا المعاصرة والثقافة الواردة‪:‬‬
‫علي الداعية أن يكون ملما ً ومطلعا ً علي الطروحات المعاصرة والقضايا‬
‫الحالية‪ ،‬ويتعرف علي الفكار الواردة‪ ،‬فيقرأ الكتابات الواردة‪ ،‬وليس بصحيح‬
‫ما قاله بعض الناس حتى من الفضلء بعدم قراءة كتب الثقافات الواردة!‬
‫فإن هذا ليس بصحيح ‪ ،‬فلو لم نقرأ هذه الكتب ونطلع علي هذه الثقافات ما‬
‫عرفنا كيف نعيش؟ وأين نعيش ؟ ولما عرفنا كيف نتعامل مع هؤلء الناس؟!‬
‫بل أري أن علي الدعاة أن يقرءوا الصحف والمجلت‪ ،‬لكن بحيطة وحذر‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى ل يصل قليلو الثقافة إلي بعض المجلت الخليعة فتفسد عليهم قلوبهم‪،‬‬
‫لكن إن أرادوا أن يطلعوا فليطلعوا بانفراد وتأمل‪ ،‬ليعرفوا أهدافهم ويعالجوا‬
‫ذلك‪.‬‬
‫عرفت الشر ل للشر لكن لتلفيه‬
‫ومن ل يعرف الشر جدير أن يقع فيه‬
‫وقال عمر ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ ‪ )) :‬إنما تنقض عري السلم عروة‬
‫عروة من أناس ولدوا في السلم ما عرفوا الجاهلية ((‪.‬‬
‫فالذي ل يعرف الجاهلية ل يعرف السلم!‬
‫فحق علي الدعاة أن يطلعوا علي هذه الثقافات ـ ما قلت ـ ومن يجد كتابا ً‬
‫فيه شبهة أو فيه نظر فليعرضه علي من هم أعلي منه حتى يكون علي‬
‫بصيرة ‪ ،‬ونخرج بحل إما بتنبيه أو بنصيحة عامة‪.‬‬
‫‪ -18‬مخاطبة الناس علي قدر عقولهم‪:‬‬
‫علي الداعية أن يكون حاذقا ً ‪ ،‬يخاطب الناس علي قدر عقولهم‪ ،‬فإذا أتي إلي‬
‫المجتمع القروي تحدث بما يهم أهل القرية من مسائلهم التي يعيشونها ‪ ،‬وإذا‬
‫أتى إلي طلبة العلم في الجامعة حدثهم علي قدر عقولهم من الثقافة‬
‫والوعي‪ .‬وإذا أتي إلي مستوي تعليمي أدني تنزل إليهم في مسائلهم وتباطأ‪،‬‬
‫فإن لكل مسائل‪.‬‬
‫فمسائل البادية ـ مثل ـ الشرك أو السحر أو الكهانة أو الخلل بالصلة أو نحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ومسائل أهل الجامعة ـ مثل ً ـ ‪ :‬الفكار الواردة من علمنة وإلحاد وحداثة‪،‬‬
‫وشبهات وشهوات‪.‬‬
‫ومن مسائل المستوي الدنى من ذلك ‪ :‬الجليس‪ ،‬بر الوالدين‪ ،‬حقوق الكبار‪،‬‬
‫حفظ القرآن ‪ .. ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫فلبد من مخاطبة الناس علي قدر عقولهم ‪ ،‬وعلي قدر مواهبهم‪ ،‬وعلي قدر‬
‫استعدادهم‪ ،‬انظر إلي المصطفي صلي الله عليه وسلم يخاطب معاذ بن جبل‬
‫بحطاب ل يخاطب به غيره من العراب ‪ ،‬فيخاطبه عن العلم‪ ،‬وعن اثر العلم‪،‬‬
‫وعن حفظ الله‪ ،‬وعن حدود الله‪ ،‬ويخاطب العراب عن توحيد وأنه يقودهم‬
‫إلي جنة عرضها السموات والرض ‪ ..‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ -19‬أل يسقط عيوبه علي الخرين‪:‬‬
‫مما ينبغي علي الداعية أن يحذر منه أل ينتقد الخرين ليرفع من قدر نفسه‪)).‬‬
‫وهو أسلوب السقاط(( كما يسمى هذا في التربية‪ ..‬أن تسقط غيرك لتظهر‬
‫أنت‪ ،‬ويفعله بعض الناس من أهل الظهور وحب الشهرة ـ والعياذ بالله من‬
‫ذلك ـ وأهل الرياء والسمعة‪ ،‬فإنه إذا ذكر له عالم قال فيه كذا وكذا !! وإذا‬
‫ذكر له داعية ‪ ،‬قال ‪ :‬ما أرضي مسيرة في الدعوة!! وإذا ذكر له كاتب‬
‫انتقده‪ ،‬كما قال شيخ السلم ابن تيمه‪ :‬ـ سقاه الله من سلسبيل الجنة ـ ‪)) :‬‬
‫بعض الناس كالذباب ل يقع إل علي الجرح((‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فالذباب يترك البقعة البيضاء في جسمك‪ ،‬فإذا كنت لبسا ثوبا أبيض وكنت‬
‫متطيبًا‪ ،‬ل يقع الذباب عليه! لكن إذا رأي جرحا ً في إصبعك وقع عليه!‬
‫وتجد أسلوب السقاط هذا عند بعض الناس يقول‪ :‬شكر الله للداعية فلن‬
‫كذا وكذا ‪ ،‬لكن فيه كذا وكذا !! ل يترك الستنقاد ول يترك النتقاد ‪ ،‬ول يترك‬
‫الستثناء‪ ،‬ول يترك الستدراك‪ ،‬حتى يظهر هو كأنه هو الذي ل عيب فيه قط!‬
‫وتجد من الساليب ) المدبلجة( التي دبلجها الشيطان علي بعض الدعاة فإنه‬
‫يأتي ـ مثل ً ـ ويدعو في قالب النصح للداعي‪ ،‬ويريد أن ينتقصه‪ ،‬فإذا ذكر له‬
‫داع قال‪ :‬هداه الله اسأل الله أن يهديه‪ ،‬فتقول له‪ :‬لماذا؟ يقول‪ :‬اسأل الله‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن يهديه ) وكفي(‪.‬‬


‫ً‬
‫فتعرف أن وراء هذه الدعوة شيء ‪ ،‬وأنه يريد بها شيئا آخر‪ ،‬وهذا دعاء ل‬
‫يؤجر عليه!‬
‫قال ابن المبارك‪ )) :‬رب مستغفر أذنب في استغفاره‪ ،‬قالوا‪ :‬كيف؟ قال‪:‬‬
‫يذكر له بعض الصالحين ‪ ،‬فيقول‪ :‬أستغفر الله‪ ،‬ومعناها أنه ينتقد عليه‪ ،‬فل‬
‫يكتب له أجر هذا الستغفار بل يسجل عليه خطيئة!‬
‫‪ -20‬أن يتمثل القدوة في نفسه‪:‬‬
‫علي الداعية أن يتمثل القدوة في نفسه‪ ،‬وأن يسدد ويقارب‪ ،‬وأن يعلم أن‬
‫خطاه‪ ،‬يتضخم! فالخطأ منه كبير! وأن الناس ينظرون إليه‪.‬‬
‫قد هيأوك لمر لو فطنت له‬
‫فأربأ بنفسك أن ترعي مع الهمل‬
‫فإنه اصبح أمامهم كالمرآة كلما وقعت فيها نقطة سوداء صغيرة كبرت‬
‫وتضخمت‪ ،‬فليتق الله في هذه المة حتى ل يكون سببا ً لهلك كثير من‬
‫الناس‪ ،‬فإنا رأينا كثيرا ً من العامة وقعوا في كثير من الخطايا بسبب فتاوى‪،‬‬
‫أو بسبب تصرفات اجتهادية من بعض الفضلء ربما أوجروا عليها‪ ..‬أخطئوا‬
‫خطأ واحدا ً ‪ ،‬ولكن بسببهم عالم!!‬

‫)‪(7 /‬‬

‫قال بعض الفضلء‪ :‬زلة العالم زلة عالم!‬


‫فعليه أن يدرس القار قبل أن يتخذه‪ ،‬وعليه أن يدرس الخطوة التي يريد أن‬
‫يخطوها حتى ل يكون عرضة لتوريط كثير من الناس! وكم جوبه النسان‬
‫بفتاوى من عامة الناس يستدلون بها بعض الفضلء والخيار‪ ،‬وهذا خطأ‬
‫عظيم!‬
‫‪ -21‬التآلف مع الناس‪:‬‬
‫ً‬
‫ينبغي للداعية أن يتآلف مع الناس بالنفع‪ ،‬فيقدم لهم نفعا‪ ،‬فليست مهمة‬
‫الداعية فقط أن يلحقهم بالكلم! أو يلقي عليهم الخطب والمواعظ! لكن‬
‫يفعل كما فعل رسولنا صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬يتآلفهم مرة بالهدية‪ ،‬ومرة‬
‫بالزيارة ‪ ،‬ول بأس بالدعوة‪ ،‬فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم دعا الناس‬
‫وآلفهم وأعطاهم وأهدي لهم‪ ،‬بل كان يعطي الواحد منهم مائة ناقة‪ ،‬وكان‬
‫يأخذ الثياب الجديدة‪ ،‬وكان يعانق النسان ويجلسه مكانه‪ ،‬فهذا من التآلف‪.‬‬
‫وليس هتاك صعوبة لتأليف كثير من الناس‪ ،‬وردهم إلي الله ـ عز وجل ـ مثل‬
‫تأليف كثير من الشباب العصاة‪ ..‬إذا رأيت شابا ً عاصيا ً وعلمته‪ ،‬أو وجدت شابا ً‬
‫ل يستطيع الزواج ودفعت له المهر أو شيئا ً من المهر‪ ،‬وقلت له أن يصحبك‬
‫لصلة الجماعة‪ ،‬وأن يعود إلي الله وأن يتوب‪.‬‬
‫أن تتآلف إنسانا ً تراه ـ مثل ً ـ مدمنا ً للمخدرات بشيء من المال بشرط أن‬
‫يتركها ويجتنبها وهكذا‪.‬‬
‫‪ -22‬أن يكون عند الداعية ولء وبراء نسبي‪:‬‬
‫ينبغي علي الداعية أن يكون عنده ول وبراء نسبي‪ ،‬حب وبغض ‪ ،‬علي حسب‬
‫طاعة الناس‪ ،‬وعلي حسب معصيتهم‪ ،‬ل تحب حبا ً مطلقا ً لمن فيه طاعة‪ ،‬ول‬
‫تبغض بغضا ً مطلقا ً لمن فيه معصية‪ ،‬لكن تحب النسان علي قدر طاعته‬
‫وحبه لله‪ ،‬وتبغضه علي قدر معصيته ومخالفته لله‪ ،‬فقد يجتمع في الشخص‬
‫الواحد حب وبغض ‪ ،‬تحبه لنه يحافظ علي صلة الجماعة‪ ،‬وتبغضه لنه يغتاب‬
‫الناس!‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحب شخصا ً آخر لنه يعفي لحيته ‪ ،‬وتبغضه لنه يسبل ثوبه‪ ،‬فيجتمع في‬
‫الشخص الواحد حب وطاعة!‬
‫‪ -23‬أن يكون الداعية اجتماعيا‪ً:‬‬
‫علي الداعية أن يشارك الناس أحزانهم‪ ،‬ويحل مشكلتهم‪ ،‬ويزور‬
‫مرضاهم‪،‬فالنقطاع عن الناس ليس بصحيح‪ ،‬فإن الناس إذا شعروا أنك معهم‬
‫تشاركهم أحزانهم وأتراحم ‪ ،‬تعيش مشكلتهم‪ ،‬أحبوك ‪ ،‬ولذلك أقترح علي‬
‫الدعاة أن يحضروا حفلت الزواج‪ ،‬وقد يعتذر الداعي أحيانا ً عن عدم حضور‬
‫حفلت الزواج لما عنده من إرهاق ‪ ،‬فل يعني ذلك أنه ل يحب المشاركة‪ ،‬لكن‬
‫يحضر الزواج‪ ،‬فيبارك للعريس ‪ ،‬ويبارك لهل البيت‪ ،‬ويفرح معهم‪ ،‬ويقدم‬
‫الخدمات‪ ،‬ويرونه متكلما ً في صدر المجلس‪ ،‬يرحب بضيوفهم معهم‪ ،‬فيحبونه‬
‫كثيرًا‪.‬‬
‫وأقترح أن يقدم الدعاة أطروحات لمن أراد أن يتزوج ويقولون له‪ :‬نريد أن‬
‫نساعدك وأن نعينك‪ ،‬فماذا تري وماذا تقترح علينا لنقدم لك ما يساعدك علي‬
‫ذلك؟ وكذلك إذا سمع بموت ميت‪ ،‬أن يذهب إلي أهله ويواسيهم ويسليهم‪،‬‬
‫ويلقي عليهم الموعظة‪.‬‬
‫كيف يراك الناس تدعوهم يوم الجمعة‪ ،‬ثم ل يرونك في أفراحهم أو في‬
‫أحزانهم؟!‬
‫وكذلك تساهم في حل مشكلتهم‪ ،‬فالداعية مصلح‪ ،‬وحينئذ ٍ يكسب ود الناس‪،‬‬
‫كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم فإنه تأخر عن صلة الظهر مرة كما ورد‬
‫في البخاري لنه ذهب إلي بني عمر ابن عوف يحل مشكلتهم‪ ،‬ويصلح فيما‬
‫بينهم‪.‬‬
‫وكان صلي الله عليه وسلم إذا سمع عن مريض‪ ،‬حتى من العراب البدو في‬
‫طرف المدينة‪ ،‬ذهب بأصحابه يزوره!‬
‫وهذا من أعظم ما يمكن أن يحبب الداعية في نفوس الناس‪.‬‬
‫‪ -24‬مراعاة التدرج في الدعوة‪:‬‬
‫كذلك فإنه ينبغي علي الداعية أن يتدرج في دعوته‪ ،‬فيبدأ بكبار المسائل قبل‬
‫صغارها‪ ،‬فل يقحم المسائل إقحاما ً ‪ ،‬فبعض الدعاة يذهبون غلي أماكن في‬
‫البادية في بعض القرى فيريد أن يصب لهم السلم في خطبة جمعة واحدة!‬
‫وما هكذا تعرض المسائل!‬
‫عليك أن تأخذ مسألة واحدة تعرضها عليهم‪ ،‬وتدرسها معهم كمسألة التوحيد ‪،‬‬
‫أو مسألة المحافظة علي الصلوات ‪ ،‬أو مسألة الحجاب ‪ ،‬أما أن تذكر لهم‬
‫في خطبة واحدة أو في درس واحد مسائل التوحيد‪ ،‬والشرك‪ ،‬والسحر‪،‬‬
‫والحجاب ‪ ،‬والمحافظة علي الصلة‪ ،‬وحق الجار‪ ،‬فإنهم ل يمكن أن يحفظوا‬
‫شيئًا‪.‬‬
‫أوردها سعد وسعد مشتمل‬
‫ما هكذا تورد يا سعد البل‬
‫ً‬
‫يرسل الرسول صلي الله عليه وسلم معاذا إلي اليمن ‪ ،‬يقول له ك )) أو ما‬
‫تدعوهم شهادة أن ل إله إل الله‪ ،‬وأني رسول الله ‪ ،‬فإن هم أعطوك‬
‫فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ((‪.‬‬
‫*هكذا يعرض الداعية‪ ،‬ل تأتي إلي أناس ل يصلون وتطالبهم بتربية اللحى!!‬
‫فماذا ينفع في السلم أن يربي الناس لحاهم‪ ،‬وهم ل يصلون؟!‬
‫وكذلك ل تطالبهم بصغار المسائل حتى تخرج أنت وإياهم علي مسائل كبري‪،‬‬
‫تنفقون علي قدر مشترك‪ ،‬وتحاول بأساليب مختلفة‪ ..‬مرة بالموعظة‪ ،‬ومرة‬
‫بالخطبة‪ ،‬ومرة بالرسالة‪ ،‬ومرة بالندوة‪ ،‬ومرة بالمسية‪،‬حتى تسلك السبل‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كافة‪.‬‬
‫فإن بعض الناس قد يتأثر بخطبة الجمعة ول يتأثر بالدرس‪ ،‬وبعضهم علي‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬وأحيانا ً يكتب لهم رسالة‪ ،‬وأحيانا ً يتصل بهم بالهاتف ‪،‬‬
‫وأحيانا ً يرسل لهم بعض الدعاة‪ .‬فأري أن تجديد السلوب مطلوب في عصر‬
‫جددت فيه أساليب الباطل!‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ل‪ ،‬وأكثر إنفاقا ً وأكثر وسائل‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫والله يخبر عن أهل الباطل أنهم أكثر ما َ‬
‫م‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا إ ِلى َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫َ‬ ‫سَرةً ث ُ ّ‬
‫م ي ُغْلُبو َ‬ ‫ح ْ‬
‫م َ‬‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م تَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫قون ََها ث ُ ّ‬‫سي ُن ْفِ ُ‬‫) فَ َ‬
‫ن()لنفال‪ :‬الية ‪. (36‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬‫يُ ْ‬
‫لذلك ل ييأس النسان من قلة وسائله‪ ،‬فإن الرسول عليه الصلة والسلم‬
‫كانت ثقافات العالم حوله في جزيرة العرب ـ إمبراطورية كسرى‬
‫وإمبراطورية قيصرـ يملكون كل المكانات الضخمة‪ ،‬ومع ذلك كان هو في‬
‫بيته المبني من الطين وبوسائله البسيطة‪ ،‬ولكن مع الخلص والصدق بلغه‬
‫الله ما تمني‪ ،‬وبلغ الدين مشارق الرض ومغاربها!‬
‫‪ -25‬أن ينزل الناس منازلهم‪:‬‬
‫كذلك ينبغي علي الداعية أن ينزل الناس منازلهم‪ ،‬فل يجعل الناس سواسية‪،‬‬
‫م كُ ّ‬
‫ل‬ ‫فالعالم له منزلة‪ ،‬والمعلم له منزلة‪ ،‬والقاضي له منزلة‪ ،‬وهكذا ( قَد ْ عَل ِ َ‬
‫م ()البقرة‪ :‬الية ‪ .(60‬فليس الناس عنده في منزلة واحدة‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫شَرب َهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫أَنا ٍ‬
‫وهذا ليس نوعا ً من التفريق أو التمييز العنصرين بل هذا من أدب السلم‪.‬‬
‫يختلف لقاء هذا عن ذاك ‪ ،‬وتختلف منزلة هذا عن ذاك ‪ ،‬وبعضهم ل يرضي إل‬
‫بصدر المجلس‪ ،‬وبعضهم لو عانقته يكون له عناق مختلف‪ ،‬وبعضهم له عناق‬
‫آخر!‬
‫فإنزال الناس منازلهم من الحكمة التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية في‬
‫تعامله مع الناس‪ ،‬كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم حيث كان ينزل الناس‬
‫منازلهم‪،‬كما جاء في صحيح مسلم ورواه مسندا ً أبو داود‪ ،‬وهو صحيح من‬
‫كلم عائشة‪.‬‬
‫‪ -26‬أن يحاسب نفسه وأن ينتهل إلي الله‪:‬‬
‫علي الداعية ـ أيضا ً ـ أن يحاسب نفسه محكما في ذلك قوله ‪ ،‬فيسمع لقوله‬
‫ً‬
‫إذا قال‪ ،‬ويحاسب نفسه علي عمله! هل هو ينفذ ما يقول أم ل ؟ وهل يطبق‬
‫ما أمر به أم ل ؟ ثم يسأل ربه العون والسداد‪ ،‬وعليه أن يبتهل إلي الله في‬
‫أول كل كلمة‪ ،‬وأول كل درس‪ ،‬ويسأل الله ـ عز وجل ـ أن يسدده‪ ،‬وأن يفتح‬
‫عليه‪ ،‬وأن يهديه‪.‬‬
‫وما يؤثر في ذلك‪ ،‬ما ورد في الحديث )) اللهم بك أصول‪ ،‬وبك أحاول((‪.‬‬
‫وكان كثير من العلماء إذا أرادوا أن يدرسوا الناس سألوا الله بهذا الدعاء‪،‬‬
‫وبعضهم كان يقول ‪ )) :‬اللهم افتح علي من فتوحاتك (( وبعضهم يقول‪:‬‬
‫)) اللهم ل تكلني غلي نفسي طرفة عين فأهلك((‪.‬‬
‫فإن النسان لو اعتمد علي قدراته وإمكاناته وذاكرته وصوته تقطعت به‬
‫السبل‪ ،‬فليس لنا معين إل الله‪.‬‬
‫فعلي الداعي إذا أراد أن يصعد المنبر يوم الجمعة أن يبتهل إلي الله أن يسدد‬
‫كلماته وعباراته‪ ،‬وأن يهديه سواء السبيل‪ ،‬وان ينفع بكلمه‪ ،‬وأن يلهمه رشده‪،‬‬
‫فإنه لو شاء الله ـ عز وجل ـ ما استطاع أن يواصل‪ ،‬ولو شاء الله ـ سبحانه‬
‫وتعالي ـ خانته العبارة‪ ،‬أو أتي بعبارة ربما تورطهن وتورط الناس معه! أو‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أتى بعبارة خاطئة تخالف الدين! فعليه أن يسأل الله السداد والثبات ‪ ،‬فإن‬
‫من يسدده الله ـ سبحانه وتعالي ـ فهو المسدد‪ ،‬ومن خذله الله فهو‬
‫المخذول‪.‬‬
‫‪ -27‬أن يكون متميزا ً في عبادته‪:‬‬
‫فيجب أن يكون للداعية نوافل من العبادات ‪ ،‬وأوراد من الذكار والدعية‪ ،‬فل‬
‫يكون عاديا ً مثل سائر الناس ؛ بل يكون له تميز خاص‪ ،‬يحافظ علي الدعاء‬
‫بعد الفجر‪ ،‬والدعاء بعد الغروب‪ ،‬حتى يحفظه الله‪ ،‬ـ سبحانه وتعالي ـ ويكون‬
‫له وقت إشراق مع نفسه‪ ،‬يحاسب نفسه بدعاء وبكلمات مباركة بعد الفجر‪،‬‬
‫ويكون له ورد يومي بعيدا ً عن أعين الناس‪ ،‬يقرأ فيه كثيرا ً من القرآن‪ ،‬ويتدبر‬
‫أموره‪ ،‬ويكون له مطالعة في تراجم السلف‪ ،‬لن كثرة الخلطة مع الناس‬
‫تعمي القلب‪ ،‬وتجعل النسان مشوش الذهن ‪ ،‬وقد يقسو قلبه بسبب ذلك‪،‬‬
‫فلبد من العزلة‪ ،‬أو ساعة من الساعات أو بعض الوقت في اليوم والليلة ‪،‬‬
‫يعتزل وحده فل يجلس مع زائر‪ ،‬ول يلتقي بأحد‪ ،‬ول تصل بهاتف‪ ،‬ول يقرأ إل‬
‫فيما ينفعه‪ ،‬ثم يحاسب نفسه علي ذلك‪.‬‬
‫‪ -28‬أن يتقلل من الدنيا ويستعد للموت‪:‬‬
‫ً‬
‫علي الداعية أن يتفكر في الرتحال من هذه الدنيا ‪ ،‬ويدرك أنه قريبا سوف‬
‫يرتحل‪ ،‬وأن الجل محتوم! سوف يوافيه‪ ،‬فل يغتر بكثرة الجموع‪ ،‬ول بكثرة‬
‫ض إ ِّل آِتي‬ ‫َْ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ت َوالْر ِ‬‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫إقبال الناس‪ ،‬فإن الله يقول‪( :‬إ ِ ْ‬
‫الرحمن عَبدا ً ل َ َ َ‬
‫م عَد ًّا( )مريم‪. (93/94:‬‬ ‫م وَعَد ّهُ ْ‬
‫صاهُ ْ‬
‫ح َ‬
‫قد ْ أ ْ‬ ‫ّ ْ َ ِ ْ‬
‫ويعلم أنه سوف يموت وحده! ويحشر وحده! ويقبر وحده! وأن الله سوف‬
‫يسأله عن كل كلمة قالها‪ ،‬فيتأمل‪ :‬لماذا يدعو؟ ولماذا يتكلم؟ وبماذا يقول؟‬
‫ولماذا ينطق؟ حتى يكون علي بصيرة‪.‬‬
‫كذلك علي الداعية أن يتقلل من الدنيا تقلل ً ل يحرجه‪ ،‬فخير المور أوسطها‪،‬‬
‫يسكن كما يسكن أواسط الناس‪ ،‬ويبس كما يلبس أواسط الناس‪ ،‬مع العلم‬
‫أن هناك حيثيات قد تخفي علي كثير من الناس‪.‬‬
‫‪ -29‬أن يكون حسن المظهر‪:‬‬
‫ً‬
‫بعض الناس يري أن علي الداعية أن يلبس لباس الفقراء! أو يلبس لباسا من‬
‫أوضع اللباس! وهذا ليس بصحيح‪ ،‬فإن الله ـ عز وجل ـ قد احل الطيبات‪،‬‬
‫ورسول الله صلي الله عليه وسلم دعا إلي التجمل بقوله‪ )) :‬تجملوا كأنكم‬
‫شامة في عيون الناس(( وقال ‪ )) :‬إن الله جميل يحب الجمال((‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ل‪ ،‬متطيبًا‪ ،‬ويكون مجلسه‬‫وقد يكون من المطلوب أن يكون الداعية متجم ً‬


‫وسيعًا‪ ،‬يستقبل فيه الخيار البررة‪ ،‬وأن يكون له مركب طيب‪ ،‬فإن هذا ل‬
‫يعارض سنة الله ـ عز وجل ـ ول سنة رسوله صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬بل عليه‬
‫كذلك أن يكون له في كل حالة بما يناسبها‪.‬‬
‫إن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يعتني بذلك‪ ،‬في صلة الستسقاء‬
‫خرج في لباس متبذل قديم يظهر الخشية والخشوع والفقر أمام الله ـ عز‬
‫وجل ـ ولكنه في العياد لبس بردة تساوي ألف دينار‪ ،‬حرج بها أمام الناس‪،‬‬
‫أهديت له قيمتها مائة ناقة!‬
‫ً‬
‫فيجب أن يلبس لكل حالة لبوسا‪ ،‬إما نعيمها‪ ،‬وإما بؤسها ‪ ..‬فإنه من الجحاف‬
‫أن يطالب الدعاة أن يعيشوا في بيوت طين في هذا العصر الذي ما تبني فيه‬
‫البيوت إل الفلل!! وإنه لمن الجحاف كذلك أن نطالب الدعاة أن يجلسوا‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علي الخصف‪ ،‬ويجلس الناس علي الكنب الوثير! أو أن نطالب الداعية أن‬
‫يلبس لباسا ً ممزقا ً قديمًا! أو يكتفي بثوب واحد طول السنة! مع العلم أن‬
‫الله واسع عليم‪ ،‬وأن الله يحب أن يري اثر نعمته علي عبده‪.‬‬
‫ولكن علي الداعية أل يتشاغل بالدنيا تشاغل ً يعنيه عن طريقه‪ ،‬فإنه من‬
‫الحسرة أن تجد كثيرا ً من الدعاة‪ ،‬أو بعض المشايخ‪ ،‬أو بعض طلبة العلم‬
‫غارقا ً إلي أذنيه‪ ،‬له من المؤسسات وله من الشركات‪ ،‬وله من الدور‪ ،‬ما‬
‫يشغله عن الدعوة!‬
‫ل نعرض أن يكون لطلبة العلم تجارة‪ ،‬وأن يكون لهم مشاريع في الرض‪،‬‬
‫وأن يكون لهم دخل‪ ،‬فهذا مطلوب كما فعل عثمان وابن عوف‪ ،‬وغيرهم من‬
‫الصحابة‪ ،‬لكن أن يستغرق طالب العلم والداعية وقتا ً في هذه المور‪ ..‬فتجده‬
‫دائما في مكاتب العقارات في البيع والشراء‪ ،‬وفي السندات‪ ،‬مع الشيكات‪،‬‬
‫ويترك المة للمهلكات! هذا ليس بصحيح‪ ،‬وهذا مخجل ‪ ،‬فإن الله ـ عز وجل ـ‬
‫استخدمك في أحسن طاعة‪.‬‬
‫وكذلك يجب أن يهتم الداعية بمظهره الشخصي‪ ،‬وأن تكون حليته إيمانية‪،‬‬
‫وأن يظهر الوقار والسكينة‪ ،‬وأن يلبس لباس أهل الخير‪ ،‬وأهل العلم‪ ،‬فإن‬
‫لكل قوم لباسًا‪ ،‬ويمشي مشية أهل العلم‪ ،‬ويكون مظهره جمي ً‬
‫ل‪ ،‬ويعتني‬
‫بخصال الفطرة‪ ،‬كالسواك وتقليم الظافر‪ ،‬وإعفاء اللحية‪ ،‬واخذ الشارب‪،‬‬
‫ويتعاهد باقي خصال الفطرة‪ ،‬وان يكون متطيبًا‪ ،‬محافظا ً علي الغسل‪،‬‬
‫يحافظ علي مظهره‪ ..‬حتى يمثل الدعوة تمثيل ً طيبا ً أما الناس‪.‬‬
‫أن يكون للداعية شخصيته المستقلة‪:‬‬
‫ً‬
‫إن علي الداعية أل يتقمص شخصية غيره‪ ،‬وأل يذوب ذوبانا في بعض‬
‫الشخصيات‪ ،‬فتجد بعض الدعاة إذا أحب داعية آخر‪ ،‬أو عالما ً آخر قلده في‬
‫كل شيء حتى في صوته! وحتى في مشيته!وحتى في حركاته! فذاب في‬
‫شخصية ذاك!‬
‫ويروي عن الرسول صلي الله عليه وسلم قوله‪ )) :‬ل يكن أحدكم إمعة‪ ،‬إن‬
‫أحسن الناس أحسنت‪ ،‬وإن أساءوا أسأت((‪.‬‬
‫ولكن إن احسن الناس فأحسن‪ ،‬وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم‪ ،‬فذوبان‬
‫الشخصية ليس مطلوبا ً للداعية‪.‬‬
‫فإن عليك أن تستقل بشخصيتك‪ ،‬وتعلم أن الله خلقك نسيجا ً وحدك‪ ،‬وان‬
‫الرض ما تستطيع ـ بإذن الله عز وجل ـ أن تخرج واحدا ً مثلك‪ ،‬فأنت من بين‬
‫المليين التي خلقها الله منذ آدم إلي أن يرث الله الرض ومن عليها وحدك‪،‬‬
‫صوتك ل يشابهك فيه أحد‪ ،‬وملمح جسمك واستعدادك ‪ ،‬وما عندك من‬
‫مواهب‪ ،‬كل هذه تختلف فيها عن غيرك‪ ،‬وقد كانت العرب تكره أن يتقمص‬
‫النسان شخصية غيره‪.‬‬
‫قالوا عن الطاوس‪ :‬إنه أراد أن يقلد الغراب في مشيته فنسى مشيته‪ ،‬وما‬
‫استطاع أن يقلد مشية الغراب!!‬
‫ً‬
‫وهذا ينطبق علي القراء ‪ ..‬فإن القارئ يريد أن يقلد قارئا آخر فيتعب‪ ،‬فل‬
‫أحسن صوت ذاك‪ ،‬ول اسمع صوته المعهود الذي منحه ـ عز وجل ـ إل إذا‬
‫كان يستطيع أن ينطق مثل صوت ذاك بدون كلفة‪ ،‬وصوته جميل مثل صوت‬
‫ذاك‪ ،‬فل بأس إن شاء الله‪.‬‬
‫فينبغي أن تكون للداعية شخصيته المستقلة‪ ،‬وقد مدح النبي صلي الله عليه‬
‫وسلم أصحابه ‪ ،‬كل علي حسب شخصيته ‪ ،‬فأثني علي قوة عمر فقال‪:‬‬
‫)) مثلك يا عمر كمثل نوح وكمثل موسى(( واثني علي أبي بكر في رقته‪،‬‬
‫فقال‪ )) :‬ومثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم وكمثل عيسي عليهما السلم((‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالقوي يبقي علي قوته لكن فيما ينصر به الدين‪.‬‬


‫والسلم بحاجة إلي من هو قوي في رأيه وإرادته‪ ،‬وفي حاجة لمن هو رقيق‬
‫رجيم‪ ،‬فإن هذا له باب‪ ،‬وهذا له باب‪ ،‬كما تحتاج إلي طاقات الناس‪ ،‬وقد‬
‫سلف معنا كثيرا ً أن الرسول صلي الله عليه وسلم نوع اختصاصات الناس‬
‫وجعلهم علي جبهات بسبب مواهبهم‪ ،‬فسيد القراء أبي بن كعب‪ ،‬وحسان‬
‫شاعر النبي صلي الله عليه وسلم وزيد بن ثابت أفرض الناس ‪ ،‬وأبو بكر له‬
‫مهمة الدارة‪ ،‬وعمر له مهمة القوة والصرامة والحزم‪ ،‬وقس علي ذلك‪.‬‬
‫‪ -30‬أن يهتم بأمور النساء‪:‬‬
‫كذلك علي الداعية أن يهتم بجانب النساء‪ ،‬بعالم النساء‪ ،‬فل يغفل هذا‬
‫الجانب في كلمه‪ ،‬ول في محاضراته‪ ،‬لنهن نصف المجتمع‪ ،‬وكل ما في هذا‬
‫الكتيب إنما هو موجه إلي المرأة المسلمة أيضًا‪.‬‬
‫نسأل الله ـ سبحانه وتعالي ـ أن يرضي عنا‪ ،‬وأن يسدد منا القوال والفعال‪،‬‬
‫وأن يتولنا فيمن تولى‪ ،‬وصلي الله علي محمد وعلي آله وصحبه وسلم‬
‫تسليما ً كثيرًا‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسلم علي المرسلين‪ ،‬والحمد لله رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫عائض بن عبد الله القرني‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ثلثون وقفة مع عاشوراء ‪...‬‬


‫مري ـ موقع المسلم ‪...‬‬ ‫عقيل بن سالم الش ّ‬
‫تمر المة السلمية هذه اليام بحدث عظيم يرجع إلى المم الماضية‪ ،‬وهو‬
‫يوم عاشوراء‪ ،‬فأحببت في هذه العجالة أن أذكر أهم الوقفات من وجهة‬
‫نظري‪ ،‬والتي استنبطتها من السنة النبوية تجاه هذا اليوم‪:‬‬
‫‪ -1‬يوم عاشوراء حدث تأريخي في حياة البشرية‪ ،‬ونقطة تحول في حرب‬
‫اليمان مع الكفر‪ ،‬ولذلك كانت حتى المة الجاهلية تصومه‪ ،‬كما قالت عائشة‬
‫رضي الله عنها‪" :‬إن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية" متفق‬
‫عليه‪.‬‬
‫بل حتى المة الكتابية كانت تصوم هذا اليوم‪ ،‬وتتخذه عيدا كما ثبت في‬
‫الصحيحين‪.‬‬
‫‪ -2‬يوم عاشوراء ربط بين أهل اليمان بعضهم البعض ولو اختلفت النساب‬
‫واللغات بل والزمنة‪ ،‬فأصله ارتبط بموسى ومن معه من المؤمنين‪ ،‬ثم امتد‬
‫لكل من شاركهم في اليمان‪.‬‬
‫‪ -3‬يربي في قلوب المؤمنين المحبة بينهم ووحدة الهم‪ ،‬فبصيامه يتذكر‬
‫النسان ذلك الحدث التأريخي الذي مر على إخوانه في الدين مع موسى‬
‫عليه السلم من محاربة لهم وإيذاء على أيدي أهل الكفر‪.‬‬
‫‪ -4‬يوم عاشوراء يدل على أن النبياء بعضهم أولى ببعض كما في رواية "أنا‬
‫أولى بموسى منكم"‪ .‬وهذه الولية لتحادهم في الدين والرسالة‪.‬‬
‫‪ -5‬صيام يوم عاشوراء يدل أن هذه المة أولى بأنبياء المم السابقة من‬
‫قومهم الذين كذبوهم‪ ،‬ويدل على ذلك رواية الصحيحين "أنتم أحق بموسى‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منهم"‪.‬‬
‫وهذا من مميزات المة المحمدية عند الله‪ ،‬ولذلك يكونون شهداء على تبليغ‬
‫النبياء دينهم يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -6‬يوم عاشوراء يربي المسلم على أخوة الدين فقط‪ ،‬ولذلك قال صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬أنتم أحق بموسى منهم" وما ذلك إل لرابطة الدين التي بيننا‪،‬‬
‫وإل فإن أهل الكتاب أقرب لموسى عليه السلم من حيث النسب‪.‬‬
‫‪ -7‬يوم عاشوراء تذكير لهل الرض عامة بنصرة الله لوليائه‪ ،‬وهذا يجدد في‬
‫النفس كل سنة البحث عن هذه النصرة وأسبابها‪.‬‬
‫‪ -8‬يوم عاشوراء تذكير لهل الرض عامة بهزيمة الله لعدائه‪ ،‬وهذا يجدد في‬
‫النفس المل ويبعث التفاؤل‪.‬‬
‫‪ -9‬يوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين‪ ،‬فقد ل يكون‬
‫النصر على العداء بهزيمتهم والغنيمة منهم‪ ،‬بل أحيانا يكون النصر عليهم‬
‫بهلكهم وكفاية المسلمين شرهم‪ ،‬كما حدث مع موسى عليه السلم‪ ،‬وكما‬
‫حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق‪.‬‬
‫‪ -10‬يوم عاشوراء تأكيد على وجوب مخالفة هدي المشركين حتى في‬
‫العبادة‪ ،‬ويدل على هذه المخالفة ما يلي‪:‬‬
‫ما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن اليهود والنصارى اتخذوه عيدا‪،‬‬ ‫أ‪ -‬ل ّ‬
‫قال‪ :‬صوموه أنتم"‪.‬‬
‫ب‪ -‬أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصام يوم قبله أو يوم بعده‪ ،‬رواه‬
‫أحمد في المسند وفيه مقال‪.‬‬
‫‪ -11‬من تأمل الحاديث في يوم عاشوراء تبين له أن أصل مخالفة المسلمين‬
‫للمشركين أمر مقرر عند الصحابة‪ ،‬ويدل على ذلك أنهم لما علموا صيام أهل‬
‫الكتاب مع صيامهم مباشرة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقالوا‬
‫"إن اليهود والنصارى يصومون هذا اليوم" فكأنهم قالوا‪ :‬أنت يا رسول الله‬
‫علمتنا مخالفة اليهود والنصارى‪ ،‬وهم الن يصومون‪ ،‬فكيف نخالفهم؟‪.‬‬
‫‪ -12‬يوم عاشوراء دليل على أن اتخاذ المناسبات أعيادا عادة لليهود خاصة‬
‫منذ القديم‪ ،‬ولذلك اتخذوا يوم عاشوراء عيدا كما في حديث أبي موسى‬
‫رضي الله عنه قال‪" :‬كان أهل خيبر يصومون عاشوراء ويتخذونه عيدا‪،‬‬
‫ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم" رواه مسلم‪ .‬وأما هذه المة فجعل‬
‫الله لها عيدين ل ثالث لهما‪.‬‬
‫‪ -13‬يوم عاشوراء دليل على التناقض في حياة اليهود والنصارى‪ ،‬حيث كانوا‬
‫يحرصون على صيام عاشوراء وهو ليس بواجب حتى في ملتهم‪ ،‬وإنما اقتداء‬
‫بموسى عليه السلم وتركوا مع ذلك أهم المهمات فيما يتعلق بأصل الدين‬
‫وعبادة الله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -14‬يوم عاشوراء دليل على أن الواجبات في الشريعة ل يعدلها شيء من‬
‫حيث الفضل والمنزلة‪ ،‬ولذلك لما شرع الله لهذه المة صيام رمضان جعل‬
‫المر في يوم عاشوراء اختياريا‪ ،‬ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في‬
‫الحديث القدسي‪" :‬وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه"‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -15‬يوم عاشوراء دليل على أن النوافل بعضها فوق بعض‪ ،‬وبيان ذلك‪ :‬أن‬
‫من صام عرفة كفر عنه سنة قبله وسنة بعده‪ .‬ومن صام يوم عاشوراء كفر‬
‫عنه سنة قبله‪ ،‬والمؤمن بدوره يسعى للفضل والكمل‪.‬‬
‫‪ -16‬صيام يوم عاشوراء دليل على يسر الشريعة‪ ،‬ولذلك قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬فمن شاء أن يصومه فليصمه‪ ،‬ومن شاء أن يترك فليتركه" متفق‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه‪.‬‬
‫‪ -17‬صيام يوم عاشوراء دليل على عظم كرم الله سبحانه‪ ،‬وأنه يعطي‬
‫الجزاء الوفى على العمل القليل فتكفير سنة كاملة بصيام يوم واحد‪.‬‬
‫‪ -18‬صيام يوم عاشوراء دليل على إثبات النسخ في شريعة هذه المة‬
‫المحمدية قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وذلك لنه كان واجبا ثم‬
‫نسخ إلى الستحباب‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -19‬إثبات النسخ في صيام يوم عاشوراء أو غيره من الحكام دليل على‬


‫حكمة الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وأنه سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت‪ ،‬ويخلق ما‬
‫يشاء ويختار‪.‬‬
‫‪ -20‬صيام يوم عاشوراء دليل على أن الشكر يكون بالفعل كما هو بالقول‬
‫حتى عند المم السابقة‪ ،‬فقد صامه موسى عليه السلم شكرا لربه سبحانه‪،‬‬
‫وهذا منهج النبياء كما فعل داود عليه السلم وختاما بالنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في صلته بالليل‪ ،‬فلما سئل عنها قال‪ :‬أفل أكون عبدا شكورا" متفق‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ -21‬من تأمل الحاديث تبين له أنه ل ينكر على من تركه‪ ،‬فقد كان ابن عمر‬
‫رضي الله عنهما يترك صيامه‪ ،‬إل إن وافق عادته في الصيام" رواه البخاري‪.‬‬
‫ومع ذلك لم ينكر عليه بقية الصحابة رضي الله عنهم‪.‬‬
‫‪ -22‬صيام يوم عاشوراء تربية للناس على فتح باب المسابقة والتنافس في‬
‫الخيرات‪ ،‬فقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على فضل عاشوراء ثم ترك‬
‫المر راجعا إلى اختيار الشخص حتى يتبين المسابق للخيرات مع غيره‪.‬‬
‫‪ -23‬صيام يوم عاشوراء تربية للناس على اختلف الفعال مع عدم إنكارهم‬
‫على بعضهم البعض ما دام أن المر فيه مندوحة في الختلف‪ ،‬ولذلك كان‬
‫بعض الصحابة يصومه والبعض ل يصومه‪ ،‬ولم ينقل تخطئة بعضهم البعض أو‬
‫اتهام بنقص اليمان أو غيره‪.‬‬
‫‪ -24‬صيام يوم عاشوراء فيه سرعة الستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم في الوامر‪ ،‬فقد جاء في الصحيحين من حديث سلمة رضي الله عنه‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجل ينادي في الناس يوم عاشوراء أن‬
‫من أكل فليتم أو فليصم‪ ،‬ومن لم يأكل فل يأكل"‪ .‬فاستجاب الناس لذلك ولم‬
‫يستفصلوا أو يناقشوا وبادروا للعمل‪ ،‬وعلى هذا يجب أن يكون سلوك‬
‫المسلم في تطبيقه أوامر الله‪.‬‬
‫‪ -25‬كان الصحابة رضي الله عنهم يربون صبيانهم على صيامه كما في حديث‬
‫الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت‪" :‬فكنا نصومه ونصوم صبياننا" متفق‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ -26‬في تعويد الصحابة رضي الله عنهم صبيانهم على صيام يوم عاشوراء‬
‫دليل على أنه ينبغي إظهار بعض شعائر الدين في المجتمع حتى عند غير‬
‫المكلفين حتى يتربى لديهم النتماء لهذا الدين وأهله‪.‬‬
‫‪ -27‬التربية الجادة على التحمل والصبر‪ ،‬ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم‬
‫يعودون صبيانهم على الصيام حتى قالت الربيع بنت معوذ رضي الله عنها‪:‬‬
‫"فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه اللعبة من العهن" متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -28‬يوم عاشوراء دليل علة قبول خبر أهل الكتاب ما لم ينفه شرعنا‪ ،‬ويدل‬
‫على ذلك أن يوم عاشوراء يوم أنجى الله فيه موسى من الغرق إنما هو خبر‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أهل الكتاب‪ ،‬ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه يصدقهم‪،‬‬
‫وفي ذلك من العدل حتى مع العداء ما ل يخفى‪.‬‬
‫‪ -29‬نحن أحق بموسى عليه السلم من أهل الكتاب الذين كذبوه من عدة‬
‫أوجه‪:‬‬
‫‪ -‬أننا صدقنا به وآمنا به ولو لم نره‪ ،‬بخلف من كذبه من قومه‪.‬‬
‫‪ -‬أنه دعا لتوحيد الله كما دعا إليه نبينا‪ ،‬بل ل يختلف عنه شيئا في هذه الجهة‪.‬‬
‫‪ -‬أننا نشهد أنه بلغ دين الله وأدى حق الرسالة‪.‬‬
‫‪ -‬أننا ل نؤذيه عليه السلم بسب أو قدح‪ ،‬بخلف من آذوا موسى عليه السلم‬
‫فبرأه الله مما قالوا‪.‬‬
‫‪ -‬أننا نشهد أنه لو كان حيا زمن النبي صلى الله عليه وسلم لما وسعه إل‬
‫اتباع النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬أننا نؤمن بما جاء به عليه السلم في باب العقيدة ولو لم نقرؤه أو نطلع‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ -‬أن نشهد أن كل من كان من أمته ولم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم أن‬
‫موسى عليه السلم منه براء‪.‬‬
‫‪ -‬أن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والذي جاء به موسى عليه‬
‫السلم يخرج من مشكاة واحدة كما قال النجاشي‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫هذه بعض الفوائد والوقفات أسأل الله أن ينفعنا بها‪ ،‬وأن يتولنا بحفظه‪ ،‬وأن‬
‫ينصر دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ‪...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثلثيات إيمانية ‪" 2‬‬


‫أ‪ .‬صلح عبد العزيز‬
‫المور ثلثة ‪ :‬واجب ‪ ..‬و مستحيل ‪ ..‬و ممكن‪.‬‬
‫الواجب ‪ - :‬أن يكون لهذا الكون إله ؛ و هو الله سبحانه‬
‫المستحيل‪ - :‬أن يكون مع الله إلها ً آخر‪.‬‬
‫الممكن ‪ - :‬كل ما عدا ذلك فهو في دائرة الممكن‪.‬‬
‫مة ‪ ..‬أهمها توحيد الخالق سبحانه و نفي‬ ‫هذه الثلثيات تفتح لصاحبها آفاقا ً ج ّ‬
‫الشرك عنه‪ ..‬ثم إنها توجد تصورا ً صحيحا ً و منطقيا ً لحقائق الشياء‪ ،‬و تفتح‬
‫أمام العبد روزنات يخوض من خللها حياته بأمل و عزم ينصهر أمامه الحديد‬
‫و ُتدك له الجبال ‪ ..‬فكل شيء ممكن‪ ...‬ألم ُينقل عرش بلقيس من اليمن‬
‫ن معدودات و لم ينشرخ ولم يتصدع!!‬ ‫إلى فلسطين في ثوا ِ‬
‫إن تقوية هذا التصور اليماني و تعزيزه في أعماق ضمير المؤمن من شأنه‬
‫شم‬‫أن يشحذ الهمم الخائرة المستسلمة لواقع المة المرير‪ ..‬إلى القمم ال ُ‬
‫العوالي‪ ..‬متمثل ً قولة عقبة بن نافع عند فتحه الشمال الفريقي و قد وقف‬
‫أمام شواطئ المحيط الطلسي ‪ ) :‬اللهم إن كنت أعلم أن وراء هذا البحر‬
‫أرضا ً ‪ ..‬لخضته في سبيلك (‪..‬‬
‫إذا كان المنطق العقلي يستوجب أن يكون لهذا الكون إله قادر على الخلق و‬
‫اليجاد من عدم ‪ ..‬فأي تصور لكمال صفاته وجلل عظمته ل يرتقي بصاحبه‬
‫إلى قمة التنزيه و الوحدانية هو تصور قاصر قد ينحرف بصاحبه عن جاّدة‬
‫الصواب و يودي به في منزلقات الدهرية أو الوجودية أو اللحادية ‪ ..‬و إذا‬
‫سلم صاحب العقل السليم باستحالة أن يكون مع الله إله آخر ‪ ..‬أنقذه هذا‬
‫التسليم من وحل الشرك ‪ ...‬و أوصله إلى بر التوحيد و شاطئ الشكر و‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العرفان‪ ...‬أفل يكون عبدا ً شكورا !!‬


‫و نوع آخر من ثلثيات التزكية اليمانية و ثمرة من ثمارها ‪ ..‬هو تمام‬
‫الخلق‪ ...‬فتمامها ثلث ‪:‬‬
‫ق‬
‫ِ‬ ‫خل‬ ‫بغير‬ ‫سبحانه‬ ‫‪ -1‬أن تكون مع الحق‬
‫أي أنك تعيش مع مولك تراقبه و ل ترى سواه‪ ..‬فُتسقط مراقبة الخلق لك و‬
‫مراقبتك لهم في كل أعمالك و أقوالك‪ ..‬و هذا هو تمام الخلص " أن تكون‬
‫مع الحق بغير خلق "‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون مع الخلق بغير نفس‬
‫صة !! أي‬ ‫ً‬
‫أثناء تعاملك مع خلق الله ‪ ..‬تحاول جاهدا أن ُتسقط حساباتك الخا ّ‬
‫م مصلحة أخيك على مصلحتك ‪ ..‬و أن ُتسقط من قاموسك " أنا و لي‬ ‫أن ُتقد َ‬
‫" و هذا مقام صعب المنال إل من وفقه الله لوصوله‪ ..‬وهذا هو مقام اليثار‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تكون مع النفس بغير أمن‬
‫و هي حالة طوارئ تدعو المرء إلى مراقبة نفسه في سكناتها و خلجاتها ‪ ..‬و‬
‫م‪ ..‬و‬
‫مارة بالسوء ‪ ..‬و إن هي محضتك الُنصح فاته ِ‬ ‫عليه أن يتهمها دائما ً لنها أ ّ‬
‫ذاك من أصعب المقامات ؛ إذ هو مقام المراقبة !! فمن منا إن راقب نفسه‬
‫هنيهة ؟! فقد ُيراقب أحدنا نفسه و يضعها تحت المراقبة سنوات‬ ‫ل يغفل و لو ُ‬
‫و أياما ً و ساعات‪ ...‬و في لحظة غفلة عن خطورتها ‪ ..‬قد تورده المهالك ‪.‬‬
‫فمن تخلق بهذه المقامات الثلث ‪ ..‬مع الحق و الخلق و النفس‪ ..‬وصل‬
‫ذروة في الخلص و اليثار‪ ..‬و امتلك زمام نفسه‪.‬‬ ‫ال ُ‬
‫تصور معي أخي القارئ رعاك الله أن مناهجنا التعليمية و التربوية قد بنيت‬
‫على أن تخرج أجيال ً تتحلى بمثل تلكم الصفات و ترقى بها أعلى مقامات‪..‬‬
‫إخلص في القول و العمل ‪ ..‬بعد عن النانية و الشح!! بل إيثار للخر و تقديم‬
‫له على النفس ‪ ..‬يقظة في الضمير و إرهاف في الشعور ‪ ..‬تصورت معي‬
‫كيف كان سيؤول حال المة و تأخذ مكانها بين أمم الرض الخرى التي و إن‬
‫بلغت شأوا ً كبيرا ً في الرتقاء المدني ‪ ..‬إل أن السمو الحضاري يعو ًُزها !! و‬
‫ذاك ل يتأتى إل بمكارم الخلق و تمامها ‪ .‬و هذا البديل الحضاري ل تملكه إل‬
‫أمتنا السلمية إن امتلكت عوامل الًرقي المدني المادي ‪ ..‬و ربطته أول ً‬
‫وآخرا ً بخلق القرآن‪ ..‬و سيرة خير النام صلى الله عليه أفضل صلة و سلم ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثمار الستغفار‬
‫هل تريد راحة البال وانشراح الصدر وسكينة النفس وطمأنينة القلب والمتاع‬
‫الحسن ؟؟‬
‫عليك بالستغفار ‪) :‬وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا ً حسنا ً إلى‬
‫أجل مسمى(‪.‬‬
‫هل تريد قوة الجسم وصحة البدن والسلمة من العاهات والفات والمراض‬
‫والوصاب ؟؟‬
‫عليك بالستغفار ‪ ) :‬استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم‬
‫مدرارا ً ويزدكم قوة إلي قوتكم (‪.‬‬
‫هل تريد دفع الكوارث والسلمة من الحوادث والمن من الفتن والمحن ؟؟‬
‫عليك بالستغفار ‪) :‬وماكان الله ليعذبهم وأنت فيهم وماكان الله معذبهم وهم‬
‫يستغفرون (‪.‬‬
‫هل تريد الغيث المدرار والذرية الطيبة والولد الصالح والمال الحلل والرزق‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الواسع ؟؟‬
‫ً‬
‫عليك بالسغفار ‪ ) :‬استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم‬
‫مدرارا ً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا(‪.‬‬
‫هل تريد تكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفع الدرجات ؟‬
‫عليك بالستغفار ‪ ) :‬وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (‪.‬‬
‫الستغفار هو دواؤك الناجع وعلجك الناجح من الذنوب والخطايا لذلك أمر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بالستغفار دائما ً وأبدا ً بقوله ‪" :‬يا أيها الناس‬
‫استغفروا الله وتوبوا اليه فإني استغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة"‪.‬‬
‫والله يرضى عن المستغفر الصادق لنه يعترف بذنبه ويستقبل ربه فكأنه‬
‫يقول ‪ :‬يارب اخطأت واسأت وأذنبت وقصرت في حقك‪ ،‬وتعديت حقوقك‪،‬‬
‫وظلمت نفسي‪ ،‬وغلبني الشيطان‪ ،‬وقهرني هواي‪ ،‬وغرتني نفسي المارة‬
‫بالسوء‪ ،‬واعتمدت على سعة حلمك وكريم عفوك وعظيم جودك وكبير‬
‫رحمتك ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فالن جئت تائبا نادما مستغفرا فاصفح عني واعف عني وسامحني وأقل‬‫ً‬
‫عثرتي وامح خطيئتي فليس لي رب غيرك ول إله سواك‪.‬‬
‫يارب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك اعظم‬
‫إن كان ل يرجوك إل محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم؟‬
‫مالي اليك وسيلة إل الرضا وجميل عفوك ثم أني مسلم‬
‫في حديث صحيح قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬من لزم الستغفار جعل الله‬
‫له من كل هم فرجا ً ومن كل ضيق مخرجا ً ‪ ،‬ورزقه من حيث ل يحتسب"‪.‬‬
‫ومن اللطائف كان بعض المعاصرين عقيما ً ل يولد له وقد عجز الطباء عن‬
‫علجه وبارت الدوية فيه ‪ ،‬فسأل أحد العلماء فقال ‪ :‬عليك بكثرة الستغفار‬
‫في الصباح والمساء فإن الله قال عن المستغفرين ‪) :‬يمددكم بأموال‬
‫وبنين (‪.‬‬
‫فأكثر الرجل من الستغفار وداوم عليه فرزقة الله الذرية الصالحة‪.‬‬
‫فيا من مزقه القلق وأضناه الهم وعذبه الحزن عليك بالستغفار فإنه يقشع‬
‫سحب الهموم‪ ،‬ويزيل غيوم الغموم‪ ،‬وهو البلسم الشافي والدواء الكافي ‪.‬‬
‫كاتب المقال‪ :‬د‪ .‬عائض القرني‬
‫المصدر‪ :‬موقع السيف‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثمار الشورى وفوائدها ‪22/11/1425‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫إن الشورى هدي نبوي‪ ،‬وتوجيه قرآني‪ ،‬له ثمار عدة وفوائد كثيرة‪ ،‬ومع ذلك‬
‫يغفل عنها الكثير‪ ،‬وقد أحببت أن أذكر بها في عصر استبد فيه كثيرون‬
‫بآرائهم‪ ،‬لعل الذكرى تنفعهم فيراجعوا أنفسهم‪ ،‬ويرجعوا إلى ذلك الهدي‬
‫فيجعلونه واقعا ً ملموسا ً في بيوتهم وأعمالهم‪ ،‬في دقيق شؤونهم وجليلها‪.‬‬
‫والجيال إذا تربت على هذا الهدي‪ ،‬وشاع فيها فسوف تلمس فوائده‪،‬‬
‫وتقطف ثمرته‪.‬‬
‫وللمشاورة فوائد كثيرة أقتصر في هذه المقالة على بعضها‪ ،‬فمن أهم الثمار‬
‫والفوائد المترتبة على الشورى ما يلي‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1‬أن الستشارة إذا توافر فيها ركنا الخلص والمتابعة فهي عبادة لله‪ ،‬يرجو‬
‫العبد فيها ثواب الله ؛ لن الله قد أمر بها وشرعها‪ ،‬وفعلها رسوله _صلى الله‬
‫عليه وسلم_ وما كان كذلك فهو أمر مشروع متعبد به‪ ،‬سواء أكان عبادة‬
‫واجبة أم مندوبة‪.‬‬
‫‪ -2‬البحث عن الحق والصواب ضمن المنهج الشرعي‪ ،‬والوصول إلى أقرب‬
‫الوسائل الملئمة للمر المتشاور فيه‪.‬‬
‫ومما يروى عن علي _رضي الله عنه_ قوله‪" :‬الستشارة عين الهداية‪ ،‬وقد‬
‫خاطر من استغنى برأيه"‪.‬‬
‫حصنت النعم‬ ‫وقال بعض الحكماء‪" :‬ما اسُتنبط الصواب بمثل المشاورة‪ ،‬ول ُ‬
‫بمثل المواساة‪ ،‬ول اكتسبت البغضاء بمثل الكبر"‪.‬‬
‫‪ -3‬تأليف القلوب وجمع الكلمة‪ ،‬وسد منافذ الشر‪ ،‬والقيل والقال‪ ،‬وأدعى‬
‫لقبول المر الناتج عن تشاور‪.‬‬
‫م ِفي‬‫شاوِْرهُ ْ‬‫قال الطبري‪ :‬أمر الله نبيه _صلى الله عليه وسلم_ بقوله‪" :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ر" ]سورة آل عمران‪ ،‬الية‪ [159 :‬بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب‪،‬‬ ‫اْل ْ‬
‫م ِ‬
‫وعند لقاء العدو‪ ،‬تطييبا ً منه بذلك لنفسهم‪ ،‬وتألفا ً لهم على دينهم)‪.(1‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪:‬‬
‫وقد قيل‪ :‬إن الله أمر بها نبيه _صلى الله عليه وسلم_ لتأليف قلوب أصحابه‪،‬‬
‫وليقتدي به من بعده‪ ،‬وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي‪.‬‬
‫‪ -4‬القضاء على الفردية والرتجال‪ ،‬وتجنيب المة آثار المواقف والقرارات‬
‫الفردية‪.‬‬
‫‪ -‬إن الشورى علج حاسم في مواجهة المواقف الرتجالية والقرارات‬
‫الفردية‪ ،‬إن هناك فرقا ً بين أن يتخذ النسان قرارا ً يخصه وحده‪ ،‬أو يتخذ قرارا ً‬
‫يؤثر على غيره‪.‬‬
‫‪ -5‬تنسيق الجهود وتجميعها‪ ،‬والفادة من الطاقات وعدم تبديدها‪ ،‬والقضاء‬
‫على الزدواجية والتداخل‪ ،‬وهذا أمر واضح وبّين‪ ،‬ولذلك قال ‪-‬سبحانه‪َ" :-‬ول‬
‫م" ]سورة النفال‪ ،‬الية‪ [46 :‬فالشورى وسيلة‬ ‫حك ُ ْ‬‫ب ِري ُ‬‫شُلوا وَت َذ ْهَ َ‬ ‫عوا فَت َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ت ََناَز ُ‬
‫للجتماع‪ ،‬واستثمار الطاقات‪ ،‬وباب من أبواب التعاون على البر والتقوى‪،‬‬
‫وى" ] سورة المائدة‪ ،‬الية‪.[ 2 :‬‬ ‫الذي أمر الله به‪" :‬وَت ََعاوَُنوا عََلى ال ْب ِّر َوالت ّ ْ‬
‫ق َ‬
‫‪ -6‬التدريب والعداد‪ ،‬واكتشاف المواهب والطاقات‪:‬‬
‫أخرج البيهقي أن عمر )رضي الله عنه( كان إذا نزل المر المعضل دعا‬
‫الفتيان فاستشارهم يقتفي حدة عقولهم)‪.(2‬‬
‫‪ -7‬الشورى غنمها لك وغرمها على غيرك‬
‫قال ابن الجوزي‪" :‬ومن فوائد المشاورة أن المشاور إذا لم ينجح في أمره‪،‬‬
‫علم أن امتناع النجاح محض قدر فلم يلم نفسه")‪.(3‬‬
‫فإذا بذل النسان وسعه وطاقته في تحري الصواب فلم يوفق له‪ ،‬فقد اجتهد‪،‬‬
‫وهو مأجور ‪-‬إن شاء الله‪ ،-‬ول يكلف الله نفسا ً إل وسعها‪ ،‬وإن وفق للمر بعد‬
‫اجتهاده ‪-‬والشورى من وسائل الجتهاد‪ -‬فله أجران‪ ،‬فإذا هو غانم غير غارم‬
‫على أي حال‪.‬‬
‫ومن غنم الستشارة نضوج الرأي واستوائه‪ ،‬فقد قيل‪" :‬من شاور الرجال‬
‫شاركهم في عقولهم"‪.‬‬
‫وهو يؤدي إلى أصالة الرأي‪ ،‬وهو من النضج والستواء‪ ،‬وذلك عاصم ‪-‬بإذن‬
‫الله‪ -‬من الوقوع في الخطأ‪ ،‬والتصرف غير المحمود‪.‬‬
‫ومن خلل ما سبق يتضح لنا ما للشورى من ثمار وآثار إيجابية‪ ،‬فهي مفتاح‬
‫كل خير‪ ،‬ومغلق كل شر إذا تمت ممارستها وفق الضوابط الشرعية‪،‬‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والصول المرعية‪ ،‬ولو لم يكن فيها إل أنها تسد بابا من أبواب الشاعة‬
‫المؤذية‪ ،‬والتهامات الباطلة‪ ،‬والفتنة المرجفه‪ ،‬لو لم يكن لها إل ذاك لكفى‬
‫بها خيرًا‪ ،‬ولعز مطلبها وفاز طالبها‪ ،‬ورخص ‪-‬مهما غل‪ -‬ثمنها‪ ،‬ولكن أكثر‬
‫الناس ل يعلمون‪.‬‬
‫أسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا استثمار العقول والراء‪ ،‬وأن يوفقنا لما يحبه‬
‫ويرضاه‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وسلم على المرسلين‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫____________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري ‪.152 / 4‬‬
‫)‪ (2‬انظر‪ :‬ملمح الشورى ص ‪.303‬‬
‫)‪ (3‬انظر‪ :‬زاد المسير ‪.488 / 1‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثمانية عشر مفتاحا ً للتوبة‬


‫ماز‬ ‫ماز بن عبدالرحمن الج ّ‬ ‫ج ّ‬
‫السؤال‬
‫أنا مسلم ولكن بالسم أريد أن أتوب وأرجع إلى الله وإلى السلم‪ ،‬ولكني‬
‫أتوب ثم أعود إلى ما كنت عليه‪ ،‬فأرجو منكم إعطائي نصيحة لكي أتوب ول‬
‫أعود لما كنت عليه‪.‬‬
‫الجابة‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فهذه أيها الخ الكريم‪ ،‬سبل وطرق معينة على الستمرار في التوبة‪ ،‬بل هي‬
‫مفتاح التوبة‪ ،‬فالزمها واحرص على تطبيقها‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ – 1‬الخلص لله _تبارك وتعالى_‪:‬‬
‫ت في توبتك _أعانك‬ ‫ت لله _جل وعل_‪ ،‬وصد َقْ َ‬ ‫فهو أنفع الدوية‪ ،‬فمتى أخلص َ‬
‫دك‬ ‫صرف عنك الفات التي تعترض طريقك‪ ،‬وتص ّ‬ ‫سرها لك_ و َ‬ ‫الله عليها‪ ،‬وي ّ‬
‫عن التوبة‪ ،‬من السوء والفحشاء‪ ،‬قال _تعالى_ في حق يوسف _عليه‬
‫ن"‬‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاَء إ ِن ّ ُ‬‫ح َ‬ ‫سوَء َوال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ه ال ّ‬‫ف عَن ْ ُ‬ ‫صرِ َ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬‫السلم_‪" :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫)يوسف‪ :‬من الية ‪.(24‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشًا‪ ،‬وأنعمهم بال‪ً،‬‬
‫وأشرحهم صدرًا‪ ،‬وأسرهم قلبًا‪ ،‬وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الجلة"ا‪.‬هـ‬
‫الجواب الكافي ‪.‬‬
‫فليكن مقصدك صحيحًا‪ ،‬وتوبتك صالحة نصوحًا‪.‬‬
‫‪ – 2‬امتلء القلب من محبة الله _تبارك وتعالى_‪:‬‬
‫إذ هي أعظم محركات القلوب‪ ،‬فالقلب إذا خل من محبة الله _جل وعل_‬
‫تناوشته الخطار‪ ،‬وتسّلطت عليه الشرور‪ ،‬فذهبت به كل مذهب‪ ،‬ومتى امتل‬
‫القلب من محبة الله _جل وعل_ بسبب العلوم النافعة والعمال الصالحة –‬
‫سه‪ ،‬وطاب نعيمه‪ ،‬وسلم من الشهوات‪ ،‬وهان عليه فعل الطاعات‪.‬‬ ‫مل أن ْ ُ‬ ‫كَ ُ‬
‫فامل قلبك من محبة الله _تبارك وتعالى_‪ ،‬وبها يحيا قلبك‪.‬‬
‫‪ – 3‬المجاهدة لنفسك‪:‬‬
‫فمجاهدتك إياها عظيمة النفع‪ ،‬كثيرة الجدوى‪ ،‬معينة على القصار عن الشر‪،‬‬
‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫دافعة إلى المبادرة إلى الخير‪ ،‬قال _تعالى_‪َ" :‬وال ّ ِ‬
‫ن" )العنكبوت‪.(69:‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه لَ َ‬‫ن الل ّ َ‬
‫سب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬ ‫ُ‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإذا كابدت نفسك وألزمتها الطاعة‪ ،‬ومنعتها عن المعصية‪ ،‬فلُتبشر بالخير‪،‬‬


‫وسوف ُتقبل عليك الخيرات‪ ،‬وتنهال عليك البركات‪ ،‬كل ما كان كريها ً عندك‬
‫ل‪ ،‬صار اليوم‬ ‫بالمس صار عندك اليوم محبوبًا‪ ،‬وكل ما كان بالمس ثقي ً‬
‫خفيفًا‪ ،‬واعلم أن مجاهدتك لنفسك‪ ،‬ليست مرة ول مرتين‪ ،‬بل هي حتى‬
‫الممات‪.‬‬
‫كر الخرة‪:‬‬‫صر المل وتذ ّ‬ ‫‪ – 4‬قِ َ‬
‫ت أنها مزرعة للخرة‪ ،‬وفرصة‬ ‫صر الدنيا‪ ،‬وسرعة زوالها‪ ،‬وأدرك َ‬ ‫كرت قِ َ‬‫فإذا تذ ّ‬
‫كرت الجنة وما فيها من النعيم المقيم‪ ،‬والنار‬ ‫لكسب العمال الصالحة‪ ،‬وتذ ّ‬
‫ت عن السترسال في الشهوات‪ ،‬وانبعثت‬ ‫وما فيها من العذاب الليم‪ ،‬ابتعد َ‬
‫صعتها بالعمال الصالحات‪.‬‬ ‫إلى التوبة النصوح ور ّ‬
‫‪ – 5‬العلم‪:‬‬
‫إذ العلم نور ُيستضاء به‪ ،‬بل يشغل صاحبه بكل خير‪ ،‬ويشغله عن كل شر‪،‬‬
‫والناس في هذا مراتب‪ ،‬وكل بحسبه وما يناسبه‪ ،‬فاحرص على تعلم ما‬
‫ينفعك ومن العلم أن تعلم وجوب التوبة‪ ،‬وما ورد في فضلها‪ ،‬وشيئا ً من‬
‫أحكامها‪ ،‬ومن العلم أن تعلم عاقبة المعاصي وقبحها‪ ،‬ورذالتها‪ ،‬ودناءتها‪.‬‬
‫‪ – 6‬الشتغال بما ينفع وتجّنب الوحدة والفراغ‪:‬‬
‫ت بما ينفعك في‬ ‫َ‬ ‫اشتغل‬ ‫فإذا‬ ‫للنحراف‪،‬‬ ‫فالفراغ عند النسان السبب المباشر‬
‫ت بطالتك‪ ،‬ولم تجد فرصة للفساد والفساد‪ ،‬ونفسك أيها‬ ‫دينك ودنياك‪ ،‬قل ّ ْ‬
‫النسان إن لم تشغلها بما ينفعها شغلتك بما يضرك‪.‬‬
‫‪ – 7‬البعد عن المثيرات‪ ،‬وما يذ ّ‬
‫كر بالمعصية‪:‬‬
‫فكل ما من شأنه يثير فيك دواعي المعصية ونوازع الشر‪ ،‬ويحّرك فيك‬
‫ل‪ ،‬سواء سماعا ً أو مشاهدة أو قراءة‪ ،‬ابتعد‬ ‫الغريزة لمزاولة الحرام‪ ،‬قول ً وعم ً‬
‫عنه‪ ،‬واقطع صلتك به‪ ،‬كالشخاص بعامة‪ ،‬والصدقاء بخاصة‪ ،‬وهكذا النساء‬
‫الجانب عنك‪ ،‬وهكذا الماكن التي يكثر ارتيادها وُتضعف إيمانك‪ ،‬كالنوادي‬
‫والستراحات والمطاعم‪ ،‬وهكذا البتعاد عن مجالس اللغو واللغط ‪ ،‬والبتعاد‬
‫ت منها‪ ،‬وعدم‬ ‫عن الفتن‪ ،‬وضبط النفس فيها‪ ،‬ومنه إخراج كل معصية ُتب َ‬
‫إبقائها معك‪ ،‬في منزلك أو عملك‪.‬‬
‫‪ – 8‬مصاحبة الخيار‪:‬‬
‫صرك‬ ‫فإذا صاحبت خّيرا ً حيا قلبك‪ ،‬وانشرح صدرك‪ ،‬واستنار فكرك‪ ،‬وب ّ‬
‫بعيوبك‪ ،‬وأعانك على الطاعة‪ ،‬ودّلك على أهل الخير‪.‬‬
‫وجليس الخير يذكرك بالله‪ ،‬ويحفظك في حضرتك ومغيبك‪ ،‬ويحافظ على‬
‫فها الملئكة‪ ،‬وتتنّزل‬ ‫سمعتك‪ ،‬واعلم أن مجالس الخير تغشاها الرحمة وتح ّ‬
‫عليها السكينة‪ ،‬فاحرص على رفقة الطيبين المستقيمين‪ ،‬ول تعد عيناك‬
‫عنهم‪ ،‬فإنهم أمناء‪.‬‬
‫‪ – 9‬مجانبة الشرار‪:‬‬
‫سن لك‬ ‫فاحذر رفيق السوء‪ ،‬فإنه ُيفسد عليك دينك‪ ،‬ويخفي عنك عيوبك‪ُ ،‬يح ّ‬
‫القبيح‪ ،‬وُيقّبح لك الحسن‪ ،‬يجّرك إلى الرذيلة‪ ،‬ويباعدك من كل فضيلة‪ ،‬حتى‬
‫ُيجّرئك على فعل الموبقات والثام‪ ،‬والصاحب ساحب‪ ،‬فقد يقودك إلى‬
‫الفضيحة والخزي والعار‪ ،‬وليست الخطورة فقط في إيقاعك في التدخين أو‬
‫الخمر أو المخدرات‪ ،‬بل الخطورة كل الخطورة في الفكار المنحرفة‬
‫والعقائد الضالة‪ ،‬فهذه أخطر وأشد من طغيان الشهوة؛ لن زائغ العقيدة قد‬
‫يستهين بشعائر السلم‪ ،‬ومحاسن الداب‪ ،‬فهو ل يتورع عن المناكر‪ ،‬ول‬
‫ُيؤتمن على المصالح‪ ،‬بل ُيلبس الحق بالباطل‪ ،‬فهو ليس عضوا ً أشل‪ ،‬بل‬
‫عضو مسموم يسري فساده كالهشيم في النار‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ – 10‬النظر في العواقب‪:‬‬
‫ش من سوء العاقبة‬ ‫مل عاقبة أمرك‪ ،‬واخ َ‬ ‫فعندما تفكر في مقارفة سيئة‪ ،‬تأ ّ‬
‫خلدك أنك سوف تتجّرع‬ ‫َ‬ ‫فكما أنك تتلذذ بمقارفة المنكر ساعة‪ ،‬ليكن في َ‬
‫د‪ ،‬والحد ّ إما‬‫ح ّ‬
‫مرارات السى‪ ،‬ساعات وساعات‪ ،‬فجريمة الزنا‪ ،‬فضيحة و َ‬
‫تغريب أو قتل‪ ،‬وجريمة السرقة‪ ،‬عقوبة وقطع‪ ،‬وجريمة المسكر ويلت وجلد‪،‬‬
‫وجريمة الفساد‪ ،‬صلب أو قطع أو قتل‪ ،‬هذا في الدنيا‪ ،‬أما الخرة فالله تعالى‬
‫بالمرصاد‪ ،‬ولن يخلف الميعاد‪.‬‬
‫‪ – 11‬هجر العوائد‪:‬‬
‫فينبغي لك أيها الصادق‪ ،‬ترك ما اعتدته من السكون إلى الدعة والراحة؛ لنك‬
‫جب‬ ‫ح ُ‬
‫ول عنها؛ لنها من أعظم ال ُ‬ ‫إن أردت أن تصل إلى مطلوبك‪ ،‬فتح ّ‬
‫والمواقع التي تقف أمام العبد في مواصلة سيره إلى ربه‪ ،‬وتعظم تلك‬
‫العوائد حينما ُتجعل بمنزلة الشرع أو الرسوم التي ل ُتخالف‪.‬‬
‫وكذلك يصنع أقوياء العزيمة‪ ،‬وأبطال التوبة‪ ،‬فكن منهم‪.‬‬
‫‪ – 12‬هجر العلئق‪:‬‬
‫فكل شيء تعّلق به قلبك دون الله ورسوله من ملذ الدنيا وشهواتها‬
‫ورياساتها ومصاحبة الناس والتعلق بهم‪ ،‬والركون إليهم‪ ،‬وذلك على حساب‬
‫دينك‪ ،‬اهجره واتركه‪ ،‬واستبدله بغير ذلك‪ ،‬وقوّ علقتك برّبك‪ ،‬واجعله محبوبك‪،‬‬
‫حتى يضعف تعّلق قلبك بغير الله _تعالى_‪.‬‬
‫‪ – 13‬إصلح الخواطر والفكار‪:‬‬
‫إذ هي تجول وتصول في نفس النسان وتنازعه‪ ،‬فإن هي صلحت صلح قلبك‪،‬‬
‫وإن هي فسدت فسد قلبك‪.‬‬
‫واعلم أن أنفع الدواء لك أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما ل‬
‫كر فيما ل يعنيه فاته ما يعنيه‬ ‫يعنيك‪ ،‬فالفكر فيم ل يعني باب كل شر‪ ،‬ومن ف ّ‬
‫واشتغل عن أنفع الشياء له بما ل منفعة لدينه‪.‬‬
‫ت فإنه‬ ‫كن الشيطان من بيت أفكارك وخواطرك‪ ،‬فإن فعل َ‬ ‫وإياك أن تم ّ‬
‫ُيفسدها عليك فسادا ً يصعب تدراكه‪ ،‬فافهم ذلك جيدا‪ً.‬‬
‫‪ – 14‬استحضار فوائد ترك المعاصي‪:‬‬
‫ت عنها‬‫كر أنك إن أعرض َ‬ ‫مت نفسك باقتراف منكر أو مزاولة شر‪ ،‬تذ ّ‬ ‫فكلما ه ّ‬
‫واجتهدت في اجتنابها‪ ،‬ولم تقرب أسبابها‪ ،‬فسوف تنال قوة القلب‪ ،‬وراحة‬
‫البدن‪ ،‬وطيب النفس‪ ،‬ونعيم القلب‪ ،‬وانشراح الصدر‪ ،‬وقلة الهم والغم‬
‫والحزن‪ ،‬وصلح المعاش‪ ،‬ومحبة الخلق‪ ،‬وحفظ الجاه‪ ،‬وصون العرض‪ ،‬وبقاء‬
‫المروءة‪ ،‬والمخرج من كل شيء مما ضاق على الفساق والفجار‪ ،‬وتيسير‬
‫سر على أرباب الفسوق‬ ‫الرزق عليك من حيث ل تحتسب‪ ،‬وتيسير ما عَ ُ‬
‫ً‬
‫والمعاصي‪ ،‬وتسهيل الطاعات عليك‪ ،‬وتيسير العلم‪ ،‬فضل أن تسمع الثناء‬
‫الحسن من الناس‪ ،‬وكثرة الدعاء لك‪ ،‬والحلوة التي يكتسبها وجهك‪ ،‬والمهابة‬
‫التي ُتلقى لك في قلوب الناس‪ ،‬وسرعة إجابة دعائك‪ ،‬وزوال الوحشة التي‬
‫بينك وبين الله‪ ،‬وقرب الملئكة منك‪ ،‬وُبعد شياطين النس والجن منك‪ ،‬هذا‬
‫ت تلقتك الملئكة بالبشرى من ربك بالجنة‪ ،‬وأنه‬ ‫م ّ‬‫في الدنيا‪ ،‬أما الخرة فإذا ِ‬
‫ل خوف عليك ول حزن‪ ،‬تنتقل من سجن الدنيا وضيقها إلى روضة من رياض‬
‫الجنة‪ ،‬تنعم فيها إلى يوم القيامة‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة وكان الناس في الحر‬
‫ت في ظل العرش‪ ،‬فإذا انصرفوا من بين يدي الله _تبارك‬ ‫والعََرق‪ ،‬كن َ‬
‫وتعالى_‪ ،‬أخذ الله بك ذات اليمين مع أوليائه المتقين‪ ،‬وحزبه المفلحين‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م" )الجمعة‪.(4:‬‬‫ظي ِ‬ ‫ل ال ْعَ ِ‬


‫ض ِ‬ ‫ه ُذو ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬‫ن يَ َ‬ ‫ل الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫و"ذ َل ِ َ‬
‫ك فَ ْ‬
‫إنك إن استحضرت ذلك كله‪ ،‬فأيقن بالخلص من الولوغ في مستنقع الرذيلة‪.‬‬
‫‪ – 15‬استحضار أضرار الذنوب والمعاصي‪:‬‬
‫كر نفسك أنك إن فعلت شيئا ً من ذلك فسوف‬ ‫ت مزاولة الحرام‪ ،‬ذ ّ‬ ‫فكلما أرد َ‬
‫ُتحرم من العلم والرزق‪ ،‬وسوف َتلقى وحشة في قلبك بينك وبين ربك‪،‬‬
‫وبينك وبين الناس‪ ،‬وأن المعصية تلو المعصية تجلب لك تعسير المور‪ ،‬وسواد‬
‫الوجه‪ ،‬ووهن البدن‪ ،‬وحرمان الطاعة‪ ،‬وتقصير العمر‪ ،‬ومحق بركته‪ ،‬وأنها‬
‫سبب رئيس لظلمة القلب‪ ،‬وضيقه‪ ،‬وحزنه‪ ،‬وألمه‪ ،‬وانحصاره‪ ،‬وشدة قلقه‪،‬‬
‫واضطرابه‪ ،‬وتمّزق شمله‪ ،‬وضعفه عن مقاومة عدوه‪ ،‬وتعّريه من زينته‪.‬‬
‫ن المعصية تورث الذل‪ ،‬وتفسد العقل‪ ،‬وتقوي إرادة المعصية‪،‬‬ ‫استحضر أ ّ‬
‫وتضعف إرادة التوبة‪ ،‬وتزرع أمثالها‪ ،‬وتدخلك تحت اللعنة‪ ،‬وتحرمك من دعوة‬
‫الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ودعوة المؤمنين‪ ،‬ودعوة الملئكة‪ ،‬بل هي‬
‫سبب لهوانك على الله‪ ،‬وُتضعف سيرك إلى الله والدار الخرة‪ ،‬واعلم أن‬
‫المعصية تطفئ نار الغيرة من قلبك‪ ،‬وتذهب بالحياء‪ ،‬وتضعف في قلبك‬
‫تعظيم ربك‪ ،‬وتستدعي نسيان الله لك‪ ،‬وأن شؤم المعصية ل يقتصر عليك‪،‬‬
‫بل يعود على غيرك من الناس والدواب‪.‬‬
‫استحضر أنك إن كنت مصاحبا ً للمعصية‪ ،‬فالله ُينزل الرعب في قلبك‪ ،‬ويزيل‬
‫دل به مخافة‪ ،‬فل ترى نفسك إل خائفا ً مرعوبًا‪.‬‬ ‫أمنك‪ ،‬وُتب ّ‬
‫كر ذلك جيدا ً قبل اقترافك للسيئة‪.‬‬ ‫تذ ّ‬
‫‪ – 16‬الحياء‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إذ الحياء كله خير‪ ،‬والحياء ل يأتي إل بخير‪ ،‬فمتى انقبضت نفسك عما ُتذم‬
‫عليه‪ ،‬وارتدعت عما تنزع إليه من القبائح‪ ،‬فاعلم أنك سوف تفعل الجميل تلو‬
‫الجميل‪ ،‬وتترك القبيح تلو القبيح‪ ،‬وحياٌء مثل هذا هو أصل العقل‪ ،‬وبذر الخير‪،‬‬
‫وأعظمه أن تستحي من ربك _تبارك وتعالى_ بأن تمتثل أوامره وتجتنب‬
‫ت بنظر الله إليك‪ ،‬وأنك بمرأى ومسمع منه‪ ،‬استحييت‬ ‫نواهيه‪ ،‬فإنك متى علم َ‬
‫أن تتعّرض لمساخطه‪ ،‬قول ً وعمل ً واعتقادا‪ً.‬‬
‫ومن الحياء المحمود‪ ،‬الحياء من الناس‪ ،‬بترك المجاهرة بالقبيح أمامهم‪.‬‬
‫ومن الحياء المحمود‪ ،‬الحياء بأل ترضى لنفسك بمراتب الدون‪.‬‬
‫مل‪ ،‬واستحضر‬ ‫احرص دائما ً على تذكر الثار الطيبة للحياء‪ ،‬وطالع أخلق الك ُ ّ‬
‫مراقبة الله _تعالى_‪ ،‬عندها سوف تمتلك الحياء‪ ،‬فتقترب من الكمال‪ ،‬وتتباعد‬
‫عن النقائص‪.‬‬
‫‪ – 17‬تزكية النفس‪:‬‬
‫طّهر نفسك وأصلحها بالعمل الصالح والعلم النافع‪ ،‬وافعل المأمورات واترك‬
‫ت بطاعةٍ ما‪ ،‬فإنما هي صورة من صور انتصارك‬ ‫ت إذا قم َ‬‫المحظورات‪ ،‬وأن َ‬
‫ً‬
‫ت قيدا‪ ،‬كلما تقدمت‬ ‫على نفسك‪ ،‬وتحّررك من قويدها‪ ،‬وهكذا كلما كسر َ‬
‫خطوة‪ ،‬والخير دائما ً يلد الخير‪ ،‬واعلم أن شرف النفس وزكائها‪ ،‬يقود إلى‬
‫التسامي والعفة‪.‬‬
‫‪ – 18‬الدعاء‪:‬‬
‫فهو من أعظم السباب‪ ،‬وأنفع الدوية‪ ،‬بل الدعاء عدو البلء‪ ،‬يدافعه ويعالجه‪،‬‬
‫ففه إذا ن ََزل‪.‬‬
‫ويمنع نزوله‪ ،‬ويرفعه‪ ،‬أو ُيخ ّ‬
‫ومن أعظم ما ُيسأل‪ ،‬وُيدعى به سؤال الله التوبة‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ادع الله _تبارك وتعالى_ أن يمن عليك بالتوبة النصوح‪.‬‬


‫دد اليمان في قلبك‪.‬‬ ‫ادع الله _تبارك وتعالى_ أن ُيج ّ‬
‫أسأل الله _جل وعل_ لك التوفيق والسداد‪ ،‬وأن ُيصلح شأنك‪ ،‬ويغفر ذنبك‪،‬‬
‫والله يتولنا وإياك‪ ،‬وبالله التوفيق‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد‬
‫الله وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ثمرات اليمان بالكتب السماوية ‪...‬‬


‫أنزل الله عز وجل كتبه هداية للعباد‪ ،‬وجعل لها المنزلة السامية‪ ،‬والمكانة‬
‫الرفيعة‪ ،‬وجعل اليمان بها ركنا ً من أركان دينه‪ ،‬ل يصح إيمان العبد إل‬
‫باليمان بها‪.‬‬
‫وقد رتب سبحانه على اليمان بكتبه ثمرات عظيمة‪ ،‬لعل من أهمها السعادة‬
‫ن من لم يؤمن بتلك الكتب فقد خالف‬ ‫في الدنيا والفوز في الخرة‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ملئ ِكت ِ ِ‬ ‫ّ‬
‫فْر ِباللهِ وَ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َك ُ‬ ‫م ْ‬ ‫أمر الله تعالى‪ ،‬وضل ضلل بعيدًا‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬وَ َ‬
‫ضلل ً ب َِعيدا ً { ) النساء‪ (136:‬فقد قرن‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫خرِ فَ َ‬‫سل ِهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬‫وَك ُت ُب ِهِ وَُر ُ‬
‫سبحانه اليمان بكتبه باليمان به‪ ،‬وجعل عاقبة الكفران بها كعاقبة الكفران‬
‫به‪ ،‬سواء بسواء‪.‬‬
‫ومن ثمرات اليمان بالكتب السماوية استشعار المسلم لنعم الله عليه وآلءه‬
‫التي ل تعد ول تحصى‪ ،‬فقد جعل له كتبا ً تهديه سبل الرشاد‪ ،‬فلم يتركه‬
‫سبحانه همل ً تتخطفه الهواء والشهوات‪ ،‬وتتقاذفه الميول والرغبات‪ ،‬بل هيأ‬
‫در العبد ما أسبغ الله‬ ‫له من السباب ما يصلح أمره ويسدد وجهته‪ .‬ولن يق ّ‬
‫عليه من نعمة اليمان به‪ ،‬وما يتبعه من إيمان بما أنزله من كتب إل عندما‬
‫حرم هذه النعم‪ ،‬وحال من كان يحيا حياة الغي والضلل‪ ،‬ل‬ ‫يتأمل حال من ُ‬
‫يدري الهدف من سيره‪ ،‬وما هي الغاية التي يسعى إليها من مسيره‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ } :‬أفمن يمشي مكبا ً على وجهه أهدى أمن يمشي سويا ً على صراط‬
‫مستقيم { )الملك‪ (22:‬وقال أيضا ً في حق الضالين عن هديه‪ } :‬أولئك‬
‫كالنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون { ) العراف‪.(179:‬‬
‫ومن ثمرات اليمان بالكتب السماوية ‪ -‬علوة على ما ذكر ‪ -‬أنه يمنح المؤمن‬
‫الشعور بالراحة والطمأنينة‪ ،‬وذلك بمعرفته أن الله سبحانه قد أنزل على كل‬
‫قوم من الشرائع ما يناسب حالهم‪ ،‬ويحقق حاجتهم‪ ،‬ويهديهم لما فيه صلح‬
‫من َْهاجا ً {‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫شْرعَ ً‬‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫جعَل َْنا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫أمرهم في الدنيا والخرة‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ل ِك ُ ّ‬
‫)المائدة‪ (48 :‬فإذا كان المؤمن على بينة من هذه السنة اللهية ازداد إيمانا ً‬
‫مع إيمانه‪ ،‬ويقينا ً فوق يقينه‪ ،‬فيزداد حبا ً لربه ومعرفة له وتعظيما ً لقدره‪،‬‬
‫فتنطلق جوارحه عاملة بأوامر الله فتتحقق الغاية العظيمة من اليمان‬
‫بالكتب ‪ -‬وهي العمل بما فيها ‪ -‬فينال ثمرة هذا اليمان سعادة في الدنيا‬
‫وفوزا ً في الخرة‪ ،‬وقد وعد الله عز وجل العاملين بشرعه الخير والبركات‬
‫حَنا‬‫فت َ ْ‬ ‫وا ل َ َ‬‫ق ْ‬ ‫مُنوا َوات ّ َ‬‫قَرى آ َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫في الدنيا والخرة‪ ،‬كما قال تعالى‪ } :‬وَل َوْ أ ّ‬
‫َ‬
‫ماِء والرض { )العراف‪ (96:‬وقال أيضًا‪ } :‬وَل َوْ أن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كا ٍ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ب ََر َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫ح ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫ن فَوْقِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م لك َُلوا ِ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫ما أن ْزِ َ‬‫ل وَ َ‬ ‫جي َ‬ ‫موا الت ّوَْراة َ َوالن ْ ِ‬ ‫أَقا ُ‬
‫مُلون { )المائدة‪.(66:‬‬ ‫أ َرجل ِهم منه ُ‬
‫ما ي َعْ َ‬‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫صد َة ٌ وَك َِثيٌر ِ‬ ‫قت َ ِ‬‫م ْ‬‫ة ُ‬ ‫م ٌ‬‫مأ ّ‬‫ْ ُ ِ ْ ِ ُْ ْ‬
‫هذه بعض فوائد اليمان بالكتب السماوية‪ ،‬وهي فوائد عظيمة وجليلة‪ .‬ول‬
‫ت على ذكرها‪ ،‬لكن يمكن‬ ‫ريب أن لليمان بالكتب السماوية فوائد أخرى لم نأ ِ‬
‫أن يستشعرها كل من أمعن النظر وعاش تجربة اليمان بها‪ .‬نسأل الله عز‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجل أن يرزقنا اليمان والعمل بما أمر‪ ،‬وأن يجنبنا ما نهى عنه وزجر‪ ،‬وأن‬
‫يهيأ لنا أسباب التوفيق في الدنيا والخرة‪ ،‬والحمد لله أول ً وآخرًا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثمرات النتصار للنبي المختار‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬علي بن عمر بادحدح‬
‫لعلي ل أبالغ إن قلت‪ :‬إن أحدا ً لم يكن يتوقع قوة النتصار للنبي المختار‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وسعة دائرته في المجالت والدول والهيئات‪ ،‬فقد صار‬
‫الحدث خبرا ً يوميا ً في سائر النشرات الخبارية‪ ،‬وأصبح حديث المجالس‪،‬‬
‫وانشغل به عموم الناس وخاصتهم‪ ،‬بل صارت له صلة بالدول والحكومات‪،‬‬
‫ولعل من المناسب ‪ -‬في البداية ‪ -‬إيجاز القول في صور هذا النتصار ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬الستنكار القوي والعتراض الشديد على الستهزاء بالنبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫خطب الجمع‪ ،‬ومقالت الصحف‪ ،‬ومشاركات النترنت‪.‬‬ ‫وسلم‪ -‬من خلل ُ‬
‫‪ -2‬إنشاء مواقع وصفحات إلكترونية خاصة بالحدث‪ ،‬وتقديم وتيسير سبل‬
‫الحتجاج والمخاطبة للجهات الدنمركية والنرويجية خاصة‪ ،‬والجهات السلمية‬
‫والوروبية والدولية عامة‪.‬‬
‫‪ -3‬الدعوة الواسعة الصداء‪ ،‬الجامعة بين القول القوي والتحرك والتنفيذ‬
‫العملي في شأن مقاطعة البضائع الدنمركية على الفور بإخراجها من‬
‫المحلت والسواق التجارية‪.‬‬
‫‪ -4‬العناية العلمية الكبيرة من خلل التغطية والمتابعة الخبارية‪ ،‬والبرامج‬
‫والحلقات المباشرة وغير المباشرة الخاصة بالحدث‪ ،‬مع الستضافات‬
‫والحوارات حول الموضوع‪.‬‬
‫‪ -5‬التذكير والتشجيع الشعبي الجماهيري العام من خلل أحاديث المجالس‬
‫والديوانيات‪ ،‬ورسائل الجوالت‪ ،‬والبريد اللكتروني والملصقات والمطبوعات‬
‫والعلنات الكبيرة‪ ،‬وملصقات السيارات بزخم كبير لم ُيشهد له مثيل‪.‬‬
‫‪ -6‬التحرك الحكومي السياسي الذي تمثل في استدعاء السفراء‪ ،‬واستنكار‬
‫الحدث رسميًا‪ ،‬ومقاطعة بعض النشطة والبرامج الدنمركية في المجالت‬
‫الثقافية‪.‬‬
‫‪ -7‬طرح الموضوع من خلل وجهات النظر المعاصرة‪ ،‬والمصطلحات‬
‫المتداولة دوليًا‪ ،‬مثل حوار الحضارات‪ ،‬واحترام الديان والمقدسات وإدراجها‬
‫ضمن منظومة حقوق النسان‪.‬‬
‫‪ -8‬التحرك الشامل في المجالت التخصصية المختلفة؛ إذ شارك في النتصار‬
‫المحامون والتجار والصناع والكاديميون والطلب والصغار والكبار والرجال‬
‫والنساء‪.‬‬
‫‪ -9‬التضحية بالوقت والجهد والمال للسهام في جوانب النصرة المختلفة كل‬
‫بحسبه ووفق قدرته‪.‬‬
‫‪ -10‬المتابعة والرصد لثار الحدث وردود الفعال الناشئة عن المقاطعة‬
‫القتصادية‪ ،‬والمراسلت الحتجاجية‪ ،‬والمحاولت القانونية‪.‬‬
‫ويمكننا القول‪ :‬إن المة السلمية في العصر الحديث قّلما قابلت حدثا كان‬
‫ً‬
‫له مثل هذا التأثير في القلوب والنفوس‪ ،‬والقوال والفعال‪ ،‬والمواقف‬
‫والمبادئ‪ ،‬ول عجب في ذلك فالمر يتصل بالرسول الكرم صلى الله عليه‬
‫ه‪](...‬الزمر‪ :‬من الية ‪،[33‬‬ ‫صد ّقَ ب ِ ِ‬‫ق وَ َ‬ ‫صد ْ ِ‬‫جاَء ِبال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫وسلم‪ ،‬نبي الصدق)َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن( ]النبياء‪ .[107:‬ونبي الشفاعة‬ ‫مي َ‬‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬
‫م ً‬ ‫ك إ ِّل َر ْ‬
‫ح َ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫ونبي الرحمة )وَ َ‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫ة لَ َ‬
‫جد ْ ب ِهِ َنافِل َ ً‬
‫ك‬‫ن ي َب ْعَث َ َ‬
‫سى أ ْ‬ ‫ك عَ َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل فَت َهَ ّ‬ ‫م َ‬
‫العظمى والمقام المحمود )وَ ِ‬
‫مودًا( ]السراء‪" .[79:‬سّيد ولد آدم يوم القيامة‪ ،‬وأول من‬ ‫ح ُ‬ ‫قاما ً َ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ك َ‬
‫فع" ] رواه مسلم [‪ ،‬النبي المصطفى‬ ‫مش ّ‬‫ينشق عنه القبر‪ ،‬وأول شافع وأول ُ‬
‫والرسول المجتبى الذي ل يصح لنا إسلم‪ ،‬ول يثبت لنا إيمان إل باليمان‬
‫بنبوته‪ ،‬وصدق محبته‪ ،‬والقرار بعظمته‪ ،‬والتباع لسنته‪ ،‬فله في قلوب‬
‫المسلمين المكانة العظمى والمحبة الكبرى‪ ،‬يجددون بها ما كان عليه‬
‫أسلفهم من الصحابة رضوان الله عليهم كما وصفهم واحد من أعدائهم‪ ،‬وهو‬
‫عروة بن مسعود الثقفي حيث قال‪ ":‬أي قوم والله لقد وفدت على الملوك‪،‬‬
‫ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي‪ ،‬والله إن رأيت ملكا ً ُيعظمه أصحابه‬
‫خم ُنخامة إل وقعت في كف رجل‬ ‫ظم أصحاب محمد محمدًا‪،‬والله إن تن ّ‬ ‫ما ُيع ّ‬
‫ضأ كادوا‬ ‫منهم فدلك بها وجهه وجلده‪ ،‬وإذا أمرهم ابتدروا أمره‪ ،‬وإذا تو ّ‬
‫دون النظر‬ ‫يقتتلون على وضوئه‪ ،‬وإذا تكّلموا خفضوا أصواتهم عنده‪ ،‬وما ُيح ّ‬
‫إليه تعظيما ً له" ] رواه البخاري [ ‪ ،‬وكانوا يفدونه بأرواحهم ولسان حالهم‬
‫سد مقالة أبي طلحة النصاري يوم أحد‪ " :‬نحري دون نحرك يا‬ ‫ومقالهم يج ّ‬
‫رسول الله"‪ ،‬فل مجال للتعرض لمقامه‪ ،‬أو النتقاص لقدره صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ومن هنا جاءت تلك الهبة العظيمة التي يمكن أن نرى خيراتها‬
‫دثا ً بنعمة الله‪:‬‬ ‫ومنافعها الجديرة بالهتمام والغتنام‪ ،‬وهذه بعضها نوردها تح ّ‬
‫ل‪ :‬الفوائد المعنوية التربوية‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬ظهور وإظهار قوة وصدق محبة وعظمة الرسول الكريم ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬في نفوس المسلمين‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -2‬تحرك الغيرة اليمانية والحمية السلمية انتصارا ودفاعا عن رسول‬
‫السلم عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -3‬تجلي صورة وحدة وتكاتف المة في الملمات عندما يتعلق المر بالمور‬
‫العظام كالتعّرض لخير النام صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬رفع الهمم وشحذ العزائم بثبوت قدرة الشعوب السلمية على العطاء‬
‫والتأثير‪ ،‬وإزالة أسباب العجز والتفريط والتقصير‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -5‬ازدياد الوعي بأهمية وعظمة دور الدين عند المسلمين‪ ،‬وكونه الساس‬
‫الذي ترتبط به حياتهم‪ ،‬والتعميم لذلك في واقع المسلمين‪ ،‬والتعريف به لغير‬
‫المسلمين‪ ،‬ومعارضة كل ما ُيعارض ذلك من الناحية الفكرية أو العملية‪.‬‬
‫‪ -6‬الشعور والدراك الحقيقي لمعنى الساءة إلى الدين‪ ،‬والعدوان على‬
‫مقدسات المسلمين‪ ،‬والنتباه إلى نظائر ذلك في أفعال الخرين كالصهاينة‬
‫الغاصبين في فلسطين‪ ،‬والمريكان المجرمين المحتلين في العراق‬
‫وأفغانستان‪ ،‬وغير ذلك من صور وممارسات العدوان‪.‬‬
‫‪ -7‬التأكيد على أهمية عقيدة الولء والبراء‪ ،‬والفهم الصحيح لها في ظل وجود‬
‫العدوان والعتداء‪.‬‬
‫‪ -8‬ازدياد روح البذل والتضحية والعطاء على حساب رغبة المسلم وشهوته‪،‬‬
‫أو المحافظة على ماله وثروته‪ ،‬أو اليثار لسلمته وراحته‪.‬‬
‫ثانيًا‪:‬الفوائد العملية الحياتية‪:‬‬
‫‪ -1‬الوضوح العملي للثر القوي للقتصاد من خلل أثر المقاطعة للبضائع‬
‫والمنتجات الدنمركية‪ ،‬وأهمية توظيف القدرة القتصادية للدفاع عن المة‪،‬‬
‫وتحقيق مصالحها‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬بروز أهمية الستقلل القتصادي وخاصة في مجال الغذاء والدواء‪ ،‬وأهمية‬


‫رفع شعار" نأكل مما نزرع‪ ،‬ونلبس مما نصنع"‪.‬‬
‫‪ -3‬ظهور أهمية التكامل القتصادي بين الدول العربية السلمية‪ ،‬والتركيز‬
‫على إحياء التوجه نحو التكامل بين الدول السلمية وهي كثيرة في عددها‪،‬‬
‫وغنية في مواردها‪ ،‬ومتنوعة في منتجاتها‪.‬‬
‫‪ -4‬وضوح الثر اليجابي لوسائل العلم عند استخدامها في المجالت المهمة‬
‫والقضايا الجوهرية في حياة المة‪ ،‬ووجود العناية بذلك من خلل الستخدام‬
‫المتميز لشبكة النترنت‪ ،‬والمناداة بإنتاج الشرطة والقراص الممغنطة‪،‬‬
‫والعمل على إعداد إعلنات وبرامج تلفزيونية‪ ،‬وعّبر عن ذلك الكاتب أحمد أبو‬
‫زيد في الحياة فقال‪" :‬هذه الحداث الجسام هي التي تشكل وعي أبنائنا‪،‬‬
‫وهي التي تجعلهم يهتمون بشأن المة العربية والسلمية‪ ،‬بعد أن عمدت‬
‫معظم القنوات الفضائية إلى تهميش وتسطيح قضاياهم من خلل بث وتركيز‬
‫متعمد على حياة المشاهير من المطربين والمطربات ونجوم الرياضة من‬
‫اللعبين‪ ،‬حتى بات معظم الشباب من الجنسين على دراية تامة بأدق‬
‫تفاصيل هذه الشخصيات التي أقل ما ُيقال عنها أنها لم تضع لبنة واحدة في‬
‫بناء المجتمع وتقدمه ولحاقه بركب الحضارة والتطور التكنولوجي" ] صحيفة‬
‫الحياة الجمعة ‪4/1/1427‬هـ [‬
‫‪ -5‬وضوح قوة تأثير الجانب السياسي في شتى صوره‪ ،‬فالمملكة التي‬
‫استدعت سفيرها‪ ،‬واستنكر مجلس وزرائها‪ ،‬واعترض مجلس شوراها‪ُ ،‬يعد‬
‫فعلها نموذجا ً للثر والتأثير اليجابي فيما يتعلق بعقيدة ومقومات وهوية المة‪،‬‬
‫كما يبدو الثر مضاعفا ً عند توافق وتطابق العمل الحكومي والشعبي كما في‬
‫هذا المر‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن هذه النصرة أبرزت تسخير المة لبعض قدراتها القتصادية‬
‫والعلمية والسياسية وغيرها في التجاه الصحيح المرتبط بهوية المة‬
‫وتحقيق مصالحها‪ ،‬وتجّلى الثر اليجابي لذلك‪ ،‬لقد كانت النصرة شاهدا على‬
‫ً‬
‫محبة حقيقية ل زائفة‪ ،‬وغيرة صادقة ل كاذبة‪ ،‬وحركة عملية ل دعائية‪،‬‬
‫وإيجابية جماعية ل فردية‪ ،‬ومن هنا ينبغي اغتنام هذه الفوائد والعمل على‬
‫ل‪ ،‬وتطويرها وحسن توجيهها واستثمارها ثانيًا‪ ،‬ونريد لها أن‬ ‫الحفاظ عليها أو ً‬
‫تكون مستمرة ل منقطعة‪ ،‬ومنضبطة ل فوضوية‪ ،‬وشرعية ل مزاجية‪ ،‬وهذا ما‬
‫سأكتب عنه بإذن الله‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثمرات الصبر والتفاؤل بالخير وتقوية اليقين بالله‬


‫ناصر أبو ريان‬
‫‪naseraborayan@yahoo.com‬‬
‫الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلةوالسلم على نبينا المبعوث‬
‫رحمةللعاملين‪ .‬أما بعد‪ :‬تعلمون إحدى نعم الله تعالى العظيمة على عباده‬
‫المسلمين المؤمنين أل وهي نعمة الصبر والتفاؤل وإنتظارالفرج وقوة اليقين‪,‬‬
‫وتذكروا مثلنا الول وقدوتنا وقائدنا وحبيبنا الرسول صل الله عليه وسلم في‬
‫سيرته ودعوته وصبره وحلمه وثباته وكذلك الصحابةرضي الله عنهم ورضوا‬
‫عنه عند نزول الفقر بهم والمراض والخوف والرعب وأنواع البتلءات قالوا‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫صُر الّله ِ‬
‫{ فبشرهم الله تعالى برحمته }أل إ ِ ّ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬
‫على سبيل الستعجال } َ‬
‫ب{ فالنصر قريب من المؤمنين المتقين المحسنين الشاكرين‬ ‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬
‫ري ٌ‬ ‫نَ ْ‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصابرين الوابين الموحدين‪ .‬وقوة اليقين يدفعنا إلى التفاؤل‪،‬وعدم الصابة‬


‫باليأس لجل ما حل بأمتنا السلمية من المصائب من سلب لثرواتها‪،‬ومسخ‬
‫لخلقها وتفرق وشحناء فيما بينها‪.‬وإنه مهما يكن من ذلك فلبد من التفاؤل‬
‫والمل‪،‬بل واليقين الجازم الذي ل يداخله شك ول ارتياب بوعد الله تعالى‬
‫ونصره وتمكينه‪ ،‬وأن المستقبل للسلم‪،‬ولبد وأن ترتفع المعنويات لدى أهل‬
‫السلم لن لديهم بشارات ربانية ونصوصا ً هي جزء من عقيدتهم تبشر بأن‬
‫المستقبل لهذا الدين‪ .‬فالعاقبة المحتومة للمتقين ل ينبغي أن ينقصنا اليقين‬
‫بها ‪ ،‬ول أن يساورنا أدنى شك في تحققها ‪ .‬ويأتي هذا الكلم لنه ربما تسلل‬
‫إلى نفوس بعض المسلمين النهزام واليأس ‪ ،‬وضعف المعنويات تجاه ما‬
‫يرون من تسلط الكفر وأهله على بلد السلم بسبب التهاون العقدي‬
‫والتهاون في الشرك والمعاصي‪ .‬مع أن الواجب أل تزيدنا هذه الخطوب‬
‫والشدائد إل إيمانا ً وتسليما ً وتجديدا ً للتوبة‪ ،‬وصدقا ً ويقينًا‪،‬فإنها حال أهل‬
‫َ‬
‫ن‬‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما َرأى ال ْ ُ‬ ‫اليمان التي أخبرالله تعالى عنهم مثنيا ً عليهم بها فقال}وَل َ ّ‬
‫م إ ِّل‬ ‫ماَزاد َهُ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ماوَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ب َقاُلوا هَ َ‬ ‫حَزا َ‬ ‫اْل َ ْ‬
‫مُعوا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما{‪ ،‬وقال الله تعالى}ال ّ ِ‬ ‫سِلي ً‬ ‫ماًنا وَت َ ْ‬ ‫ِإي َ‬
‫كيل{ وإن مايحيط‬ ‫ُ‬ ‫م الوَ ِ‬‫ْ‬ ‫ه وَِنع َ‬ ‫حسب َُنا الل ُ‬ ‫ْ‬
‫مانا وَقالوا َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫م ِإي َ‬ ‫م فَزاد َهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫خشوْهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م فا ْ‬ ‫َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫بالمة السلمية من شدائد وكروب ومضايق وخطوب لينبغي أن يقابل‬
‫بالستكانة؛بل لبد من رفع هذا الذل والصغار بالقبال على الله تعالى وتجديد‬
‫التوبة النصوح‪،‬وتحقيق التقوى‪،‬وهجر المعاصي ‪ ،‬والحرص على دعاء الله‬
‫تعالى لكشف الكرب‪،‬والخذ بالسباب المعنوية والمادية مع التحلي بالصبر‬
‫والمصابرة‪ ،‬والثبات ‪ ،‬والدعوة إلى إجتماع الكلمة وتوحيد الصف ‪ ،‬فعلينا‬
‫العودة الصادقة إلى هذا الدين أفرادا ً وجماعات ‪ ،‬فوالله ماتخلى الله عنا إل‬
‫كمه في أنفسا وأهلينا وذوينا‪،‬بل‬ ‫أننا ابتعدنا عن ديننا‪،‬وتخلينا عنه‪،‬ولم نعد نح ّ‬
‫كمنا أعرافنا وتقاليدنا ‪ ،‬واستبدلنا الذي هو أدنى بالذي‬ ‫هجرنا كتاب ربنا‪،‬وح ّ‬
‫هوخير‪ ،‬وغّلبنا شهواتنا على عقولنا‪،‬واستهوتنا الشبهات‪،‬وغمرتنا الملذات‪،‬ولم‬
‫نشكرنعم الله علينا ‪ ،‬فسلط علينا العدو‪،‬وأذاقنا منه الستخفاف والذلة‬
‫والصغار لكي يستخرج منا عبودية التوبة والنابة إليه‪،‬والتضرع له كماقال‬
‫ْ‬
‫ن ل َهُ ُ‬
‫م‬ ‫م وََزي ّ َ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫كن قَ َ‬ ‫عوا ْ وَل َ ِ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫سَنا ت َ َ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫جاءهُ ْ‬ ‫ول إ ِذ ْ َ‬ ‫تعالى‪} :‬فَل َ ْ‬
‫ن{ فمانزل بلء إل بذنب‪ ،‬ولرفع إل بتوبة‪،‬وإن لم‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫نفعل ذلك جاءالله بقوم يحملون هذا الدين‪،‬ويبلغونه للناس‪،‬ويصبرون عليه‬
‫َ‬
‫ر‬
‫صب ْ ِ‬ ‫ست َِعيُنوا ِبال ّ‬ ‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حتى يأتي نصرالله قال الله تعالى} َياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ن إ َِذا‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫شرِ ال ّ‬ ‫ن {وقال الله تعالى}وَب َ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صلةِ إ ِ ّ‬ ‫َوال ّ‬
‫َ‬
‫ن{ فأثابهم الله تعالى وبشرهم‬ ‫جُعو َ‬ ‫ة َقاُلوا إ ِّنا ل ِل ّهِ وَإ ِّنا إ ِل َي ْهِ َرا ِ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْهُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫دون{وقال الله‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ة وَُأول َئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬‫م وََر ْ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬‫م َ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ْ‬ ‫بقوله}ُأول َئ ِ َ‬
‫سرا‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ظيمًا{وقال الله تعالى}فَإ ِ ّ‬ ‫ك عَ ِ‬ ‫ل الل ّهِ عََلي َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫تعالى}وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ن‬
‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫م ظل ِ ُ‬ ‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫قات َلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ِ‬ ‫سرا{وقال الله تعالى}أذِ َ‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫إِ ّ‬
‫قولوا َرب َّنا‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حقّ إ ِل أ ْ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ديٌر ال ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫مل َ‬ ‫صرِهِ ْ‬ ‫ه عَلى ن َ ْ‬ ‫الل َ‬
‫زيز{ وقال الله‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫هل َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫َ‬
‫ه{وقال تعالى }وَلي َن ْ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫حون‬ ‫فل ِ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫طوا َوات ّ ُ‬ ‫صاب ُِروا وََراب ِ ُ‬ ‫صب ُِروا وَ َ‬ ‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى} َياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ْ‬
‫ذا ُيمدِد ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م هَ َ‬ ‫ن فَوْرِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قوا وَي َأُتوك ُ ْ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫َ{وقال الله تعالى( ب ََلى إ ِ ْ‬
‫جعَل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ما َ‬ ‫مين وَ َ‬ ‫سو ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫فم َ‬ ‫مسةِ آل ٍ‬ ‫خ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫َرّبك ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دالل ّهِ‬
‫عن ْ ِ‬
‫ن ِ‬‫ماالّنصُر إ ِّل م ْ‬ ‫ن قُُلوب ُك ُ ْ‬
‫م ب ِهِ وَ َ‬ ‫م وَل ِت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫ه إ ِّل ُبشَرى َلك ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫حكيم{‪ .‬فنثق وتؤمن بأن في طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صل‬ ‫زال ْ َ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫زي ِ‬
‫الله عليه وسلم قول ً وعمل ً فيه الطمأنينة والفوز والنصر والفلح والسعادة‬ ‫ً‬
‫والنجاة في الدنيا والخرة وبها تستجلب النعم وتستدفع النقم كما أنها قوت‬
‫القلوب وقرة العيون وسرورالنفوس وروح الحياة وحياة الرواح‪,‬فعلينا‬
‫مواصلة التقرب إليه سبحانه بالمحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة‬
‫التي هي أهم العبادات بعد التوحيد ولنحرص على الخلص وطلب العلم‬
‫الشرعي وتلوة كتاب الله الكريم والعمل به على المنهج النبوي الصحيح‬
‫ونذكر نعم الله تعالى وآلءه المتتابعة والكثارمن الستغفار وحفظ الجوارح‪.‬‬
‫وقال الله تعالى }است َِعيُنوا بالل ّهِ واصبروا إ ّ َ‬
‫ن‬
‫شاُء م ْ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ض ل ِل ّهِ ُيورِث َُها َ‬
‫ن اْلْر َ‬‫ِ‬ ‫َ ْ ُِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬‫ن{‪ .‬ولتقنطوا من رحمة الله تعالى أليس الله بكا ٍ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫عبادِهِ َوال َْعاقِب َ ُ‬ ‫ِ‬
‫عبده‪ .‬فسيكفيكهم الله وهوالسميع العليم‪ .‬والله أشد بأسا ً وأشد تنكيل ‪ً.‬‬
‫ي ول يبيد ول يكون إل ما يريد ‪.‬والفرج‬ ‫فتوكل على الحي القيوم الذي ليفن َ‬
‫ن يحفظ‬ ‫ً‬
‫قريب وابشروا بالخير تفاءلوا الخير تجدوه ‪ .‬سائل العلي القديرأ ْ‬
‫علماؤنا وولة أمورنا المسلمين بحفظه ويجمع كلمتهم ويوحد صفوفهم وأن‬
‫يكبت أعداءهم وأعداء السلم والمسلمين في كل مكان‪ .‬والحمد لله رب‬
‫العالمين والعاقبة للمتقين والصلةوالسلم على نبيناالمبعوث رحمة للعالمين‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثمرة العلم بالسماء والصفات ‪...‬‬


‫الشيخ‪/‬عمر الشقر ‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫يقول الشيخ عمر الشقر‪ :‬إن العلم بأسماء الله وصفاته هو العاصم من‬
‫الزلل‪ ،‬والمقيل من العثرة‪ ،‬والفاتح لباب المل‪ ،‬والمعين على الصبر‪،‬‬
‫والواقي من الخمول والكسل‪.‬‬
‫إن النفوس قد تهفوا إلى مفارقة الفواحش والذنوب‪ ،‬فتذكر أن الله يراها‬
‫ويبصرها‪ ،‬وتذكر وقوفها بين يدي الله فترعوي وتجانب المعصية‪.‬‬
‫ويقع النسان في الذنب والمعصية‪ ،‬ثم يذكر سعة رحمة الله‪ ،‬فل يتمادى في‬
‫الخطيئة‪ ،‬ول يوغل في طريق الهاوية‪ ،‬بل يعود إلى الله ربه التواب الرحيم‬
‫قارعا ً بابه‪ ،‬فيجد الله توابا ً رحيمًا‪.‬‬
‫وتتناوش العبد المصائب والمكاره‪ ،‬فل يجزع ول يهلع‪ ،‬ويلجأ إلى الحصن‬
‫الحصين‪ ،‬والركن الركين‪ ،‬ويقابل المكاره بنفس راضية‪.‬‬
‫دون في منع الرزق عنه‪ ،‬وقصم العمر منه‪ ،‬ويعلم الفارس‬ ‫يقارع الشرار‪ ،‬فيج ّ‬
‫في مجال الصراع أن الرزاق والعمار بيد الله ‪.‬‬
‫يقول المام ابن القيم ـ رحمه الله‪ ) :‬فعلم العبد بتفّرد الرب تعالى بالضر‬
‫والنفع‪ ،‬والعطاء والمنع‪ ،‬والخلق والرزق‪ ،‬والحياء والماته‪ ،‬يثمر له عبودية‬
‫التوكل عليه باطنًا‪ ،‬ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا‪.‬‬
‫وعلمنا بسمعه وبصره وعلمه‪ ،‬يقضي بأنه ل يخفى عليه مثقال ذّرة في‬
‫السماوات ول في الرض‪ ،‬وانه يعلم السر وأخفى‪ ،‬ويعلم خائنة العين وما‬
‫تخفي الصدور‪ ،‬يثمر للعبد حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما ل‬
‫يرضي الله‪ ،‬ويجعل تعليق هذه العضاء بما يحبه الله ويرضاه‪ ،‬فيثمر له ذلك‬
‫الحياء باطنًا‪ ،‬ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومعرفة العبد بغنى الرب وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته توجب له‬
‫سعة الرجاء‪ ،‬وتثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب‬
‫معرفته وعلمه‪.‬‬
‫ومعرفة العبد بجلل الله وعظمته وعزته تثمر له الخضوع والستكانة‬
‫والمحبة‪ ،‬وتثمر له تلك الحوال الباطنة أنواعا ً من العبودية الظاهرة هي‬
‫موجباتها‪.‬‬
‫وكذلك علمه بكماله وجماله وصفاته العلى يوجد له محبة خاصة‪ ،‬بمنزلة أنواع‬
‫العبودية‪ ،‬فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى السماء والصفات (‪.‬‬
‫ويقول في موضع آخر عن تأثير العلم باسماء الله وصفاته وأوامره وأفعاله‬
‫في نفوس العباد‪ ) :‬إن أحد أسرار القرآن العظام هو تحديثه عن رب العباد‬
‫حديثا ً يجلي فيه القرآن الرب لعباده عبر صفاته‪ ،‬فتارة يتجلى الرب عبر آيات‬
‫الكتاب في جلباب الهيبة والعظمة والجلل‪ ،‬فتخضع العناق‪ ،‬وتنكسر‬
‫النفوس‪ ،‬وتخشع الصوات‪ ،‬ويذوب الكبر‪ ،‬كما يذوب الملح في الماء‪.‬‬
‫وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال‪ ،‬وهو كمال السماء‪ ،‬وجمال‬
‫ل على كمال الذات‪ ،‬فيستنفذ حّبه من قلب‬ ‫الصفات‪ ،‬وجمال الفعال الدا ّ‬
‫العبد قوة الحب كلها‪ ،‬بحسب ما عرفه من صفات جماله‪ ،‬ونعوت كماله‪،‬‬
‫فيصبح فؤاد العبد فارغا ً إل من محبته‪ ،‬فإذا أراد منه الغير أن يعلق تلك‬
‫المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه كل الباء كما قيل‪:‬‬
‫يراد من القلب نسيانكم وتأبى الطباع على الناقل‬
‫فتبقى المحبة طبعا ً ل تكلفًا‪.‬‬
‫وإذا تجلى بصفات الرحمة والبر واللطف والحسان انبعثت قوة الرجاء من‬
‫العبد‪ ،‬وانبسط أمله‪ ،‬وقوى طمعه‪ ،‬وسار إلى ربه وحادي الرجاء يحدو ركاب‬
‫سيره‪ ،‬وكلما قوى الرجاء جد ّ في العمل‪ ،‬كما أن الباذر كّلما قوى طمعه في‬
‫ص في البذر‪.‬‬‫ل غّلق أرضه بالبذر‪ ،‬وإذا ضعف رجاؤه ق ّ‬ ‫المغ ّ‬
‫سخط والعقوبة انقمعت‬ ‫وإذا تجلى بصفات العدل والنتقام والغضب وال ّ‬
‫مارة‪ ،‬وبطلت أو ضعفت قواها من الشهوة والغضب واللهو واللعب‬ ‫النفس ال ّ‬
‫ّ‬
‫والحرص على المحرمات‪ ،‬وانقبضت أعّنة رعونتها‪ ،‬فأحضرت المطّية حظها‬
‫من الخوف والخشية والحذر‬
‫وإذا تجلى بصفات المر والنهي‪ ،‬والعهد والوصية‪ ،‬وإرسال الرسل‪ ،‬وإنزال‬
‫الكتب‪ ،‬وشرع الشرائع‪ ،‬انبعثت منها قوة المتثال والتنفيذ لوامره‪ ،‬والتبليغ‬
‫لها‪ ،‬والتواصي بها‪ ،‬وذكرها وتذكيرها‪ ،‬والتصديق بالخبر‪ ،‬والمتثال للطلب‪،‬‬
‫والجتناب للنهي‪.‬‬
‫وإذا تجلى بصفات السمع والبصر والعلم انبعثت من العبد قوة الحياء‪،‬‬
‫فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره‪ ،‬أو يسمع منه ما يكره‪ ،‬أو يخفي في‬
‫سريرته ما يمقته عليه‪ ،‬فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بميزان‬
‫الشرع غير مهملة ول مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى‪.‬‬
‫وإذا تجلى بصفات الكفاية والحب والقيام بمصالح العباد‪ ،‬وسوق أرزاقهم‬
‫إليهم‪ ،‬ودفع المصائب عنهم‪ ،‬ونصرة لوليائه وحمايته لهم ومعيته الخاصة لهم‪،‬‬
‫وة التوكل عليه والتفويض إليه‪ ،‬والرضا به‪ ،‬وبكل ما يجريه‬ ‫انبعثت من العبد ق ّ‬
‫على عبده ويقيمه فيه مما يرضى به هو سبحانه‪.‬‬
‫والتوكل معنى يلتئم من علم العبد بكفاية الله‪ ،‬وحسن اختياره لعبده وثقته‬
‫به‪ ،‬ورضاه بما يفعله به‪ ،‬ويختاره له‪.‬‬
‫وإذا تجلى بصفات العز والكبرياء أعطت نفسه المطمئنة ما وصلت إليه من‬
‫الذل لعظمته‪ ،‬والنكسار لعزته‪ ،‬والخضوع لكبريائه‪ ،‬وخشوع القلب والجوارح‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫له‪ ،‬فتعلوه السكينة والوقار في قلبه ولسانه وجوارحه وسمته‪ ،‬ويذهب طيشه‬
‫وته وحدته‪.‬‬
‫وق ّ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫وجماع ذلك‪ :‬أنه سبحانه يتعّرف إلى العبد بصفات إلهيته تارة وبصفات‬
‫ربوبيتة تارة‪ ،‬فيوجب له شهود صفات اللهية المحبة الخاصة‪ ،‬والشوق إلى‬
‫لقائه‪ ،‬والنس والفرح به‪ ،‬والسرور بخدمته‪ ،‬والمنافسة في قربه واللهج‬
‫مه دون سواه‪ ،‬ويوجب له‬ ‫بذكره‪ ،‬والفرار من الخلق إليه‪ ،‬ويصير هو وحده ه ّ‬
‫شهود صفات الربوبية التوكل عليه‪ ،‬والفتقار إليه‪ ،‬والستعانة به‪ ،‬والذل‬
‫والخضوع والنكسار له‪.‬‬
‫وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته في ألوهيته‪ ،‬وألوهيته في ربوبيته‪ ،‬وحمده في‬
‫ملكه‪ ،‬وعّزه في عفوه‪ ،‬وحكمته في قضائه وقدره‪ ،‬ونعمته في بلئه‪ ،‬وعطائه‬
‫في منه‪ ،‬وبّره ولطفه وإحسانه ورحمته في قّيومّيته‪ ،‬وعدله في انتقامه‪،‬‬
‫وزه‪.‬‬ ‫وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتج ّ‬
‫ويشهد حكمته ونعمته في أمره ونهيه‪ ،‬وعزه في رضاه وغضبه‪ ،‬وحلمه في‬
‫إمهاله‪ ،‬وكرمه في إقباله‪ ،‬وغناه في إعراضه‪.‬‬
‫وأنت إذا تدبرت القرآن وأجرته من التحريف‪ ،‬وأن تقضي عليه بآراء‬
‫المتكلمين‪ ،‬وأفكار المتكلفين‪ ،‬أشهدك ملكا ً قّيوما ً فوق سماواته على عرشه‬
‫يدّبر أمر عباده‪ ،‬يأمر وينهى‪ ،‬ويرسل الرسل‪ ،‬وينزل الكتب‪ ،‬ويرضى ويغضب‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ويخفض ويرفع‪ ،‬يرى من فوق‬ ‫ويثيب ويعاقب‪ ،‬ويعطي ويمنع‪ ،‬ويعّز ويذ ّ‬
‫سبع ويسمع‪ ،‬ويعلم السر والعلنية‪ ،‬فعال لما يريد‪ ،‬موصوف بكل كمال‪ ،‬منّزه‬
‫من كل عيب‪ ،‬ل تتحرك ذرة فما فوقها إل بإذنه‪ ،‬ول تسقط ورقة إل بعلمه‪،‬‬
‫ي ول شفيع (‪.‬‬ ‫ول يشفع أحد عنده إل بإذنه‪ ،‬ليس لعباده دونه ول ّ‬
‫دعاء الله بأسمائه الحسنى‬
‫يقول الشيخ عمر الشقر‪ ) :‬أسماء الله وصفاته تدل على عظمته تبارك‬
‫ت صفات‬ ‫وتعالى‪ ،‬ومن هنا كثرت أسماؤه وصفاته‪ ،‬وقد قيل‪] :‬العظيم من ك َُثر ْ‬
‫كماله[ (‪.‬‬
‫وإذا كانت صفات الله وأسماؤه تدل العباد على عظمة الباري ـ جل وعل ـ‬
‫وكماله وسؤدده‪ ،‬فإنها أعظم سبيل يستطيع العباد سلوكه لتعظيم الله‬
‫وتقديسه وتمجيده ودعائه‪.‬‬
‫سَنى‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ّ‬
‫َِ ِ‬‫ل‬ ‫ل‬‫و‬ ‫?‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫الحسنى‬ ‫بأسمائه‬ ‫وقد أمرنا الحق بدعائه‬
‫ُ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫عوه ُ ب َِها ? ‪] ...‬العراف‪ ،[180:‬والدعاء في اللغة والحقيقة هو‪ :‬الطلب‪،‬‬ ‫َفاد ْ ُ‬
‫أي اطلبوا منه بأسمائه‪.‬‬
‫ودعاء الله بأسمائه الحسنى مرتبتان كما أشار إلى ذلك ابن القيم ـ رحمه‬
‫الله تعالى‪:‬‬
‫الولى‪ :‬دعاء ثناء وعبادة‪ :‬وقد أمرنا الله تبارك وتعالى أن نمجده ونثني عليه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صيل ً‬‫حوه ُ ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬ ‫كرا ً ك َِثيرا ً ?‪ ?41‬وَ َ‬
‫سب ّ ُ‬ ‫مُنوا اذ ْك ُُروا الل ّ َ‬
‫ه ذِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫فقال‪َ ? :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫? ‪] ...‬الحزاب‪.[42 ، 41 :‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن‬
‫النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‪) :‬ما من أحد أحب إليه المدح من الله(‪،‬‬
‫شك ُُروا ْ ِلي‬ ‫َ‬
‫م َوا ْ‬ ‫وقد وعد الله بذكر من يذكره‪ ،‬قال تعالى‪َ ? :‬فاذ ْك ُُروِني أذ ْك ُْرك ُ ْ‬
‫ن ? ‪] ...‬البقرة‪ .[152:‬وفي الحديث الذي يريه البخاري عن أبي‬ ‫فُرو ِ‬‫وَل َ ت َك ْ ُ‬
‫هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال‪ :‬قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم‪) :‬يقول الله‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعالى‪ :‬أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني‪ ،‬فإن ذكرني في نفسه‬
‫ذكرته في نفسي‪ ،‬وإن ذكرني في مل ذكرته في مل خير منهم(‪ .‬وأخبر الحق‬
‫َ‬
‫ب ? ‪...‬‬‫قُلو ُ‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫أن الذاكر لله يطمئن قلبه‪ ،‬وتهدأ نفسه‪ ? :‬أل َ ب ِذِك ْرِ الل ّهِ ت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬
‫]الرعد‪.[28 :‬‬
‫الثانية‪ :‬دعاء طلب ومسألة‪ :‬وقد أمرنا تبارك وتعالى بدعائه والطلب منه‬
‫َ‬
‫م ?‪] ...‬غافر‪.[60:‬‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫عوِني أ ْ‬ ‫ل َرب ّك ُ ُ‬
‫م اد ْ ُ‬ ‫ووعدنا بالجابة‪ ? :‬وََقا َ‬
‫ودعاء الله وسؤاله ل ينبغي أن يكون إل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا فل‬
‫يقال‪ :‬يا موجود‪ ،‬أو يا شيء‪ ،‬اغفر لي وارحمني‪.‬‬
‫وقد نبه علماؤنا إلى السائل ينبغي أن يتخير في كل سؤال السماء المناسبة‬
‫للطلب الذي يطلبه‪ ،‬يقول ابن القيم ـ رحمه الله‪ ) :‬يسأل في كل مطلوب‬
‫باسم يكون مقتضيا ً لذلك المطلوب‪ ،‬فيكون السائل متوسل ً إليه بذلك السم‪،‬‬
‫ومن تأمل أدعية الرسل وجدها مطابقة لهذا(‪ .‬ويقول‪ ) :‬يأتي السائل بالسم‬
‫الذي يقتضيه المطلوب‪ ،‬كما تقول‪ :‬اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور‬
‫الرحيم‪ ،‬ول يحسن أن تقول‪ :‬إنك أنت السميع البصير(‪.‬‬
‫ويقول ابن العربي‪ ) :‬يطلب بكل اسم ما يليق به‪ ،‬تقول يا رحيم ارحمني‪ ،‬يا‬
‫حكيم احكم لي‪ ،‬يا رّزاق ارزقني‪ ،‬يا هادي اهدني( ‪ ،‬ونبه ابن العربي إلى أن‬
‫بعض أسمائه تبارك وتعالى أسماء عامة تصلح لن يدعى بها في كل موضع‪،‬‬
‫وفي كل المور‪ ،‬مثل‪ :‬الله‪ ،‬الرب‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثمرة الفضيلة‬
‫كنت في زيارة لحد المراكز السلمية في ألمانيا فرأيت فتاة متحجبة حجابا ً‬
‫ت الله على ذلك ‪،‬‬ ‫ل أن يوجد مثله في ديار الغرب ؛ فحمد ُ‬ ‫شرعيا ً ساترا ً ق ّ‬
‫ي أحد الخوة أن أسمع قصة إسلمها مباشرة من زوجها ‪ ،‬فلما‬ ‫فأشار عل ّ‬
‫ت مع زوجها قال‪:‬‬ ‫جلس ُ‬
‫ً‬
‫زوجتي ألمانية أبا لجد‪ ،‬وهي طبيبة متخصصة في أمراض النساء والولدة‪،‬‬
‫جَرت عددا ً‬ ‫وكان لها عناية خاصة بالمراض الجنسية التي تصيب النساء ‪ ،‬فأ ْ‬
‫ن يأتين إلى عيادتها ‪ ،‬ثم أشار‬ ‫من البحاث على كثير من المريضات اللتي ك ّ‬
‫عليها أحد الطباء المتخصصين أن تذهب إلى دولة أخرى لتمام أبحاثها في‬
‫ت إلى النرويج ‪ ،‬ومكثت فيها ثلثة أشهر‪ ،‬فلم تجد‬ ‫بيئة مختلفة نسبيا ً فذهَب َ ْ‬
‫ما رأته في ألمانيا ‪ ،‬فقررت السفر للعمل لمدة سنة في‬ ‫شيئا ً يختلف ع ّ‬
‫السعودية ‪..‬‬
‫ت على ذلك أخذت أقرأ عن المنطقة وتاريخها‬ ‫تقول الطبيبة ‪ :‬فلما عزم ُ‬
‫ت منها كيف‬ ‫وحضارتها‪ ،‬فشعرت بازدراء شديد للمرأة المسلمة ‪ ،‬وعجب ُ‬
‫ل الحجاب وقيوده‪ ،‬وكيف تصبر وهي ُتمتَهن كل هذا المتهان‪..‬؟!‬ ‫ترضى بذ ُ ِ‬
‫ما وصلت إلى السعودية علمت أنني ملزمة بوضع عباءة سوداء على‬ ‫ول ّ‬
‫ً‬
‫كتفي ‪ ،‬فأحسست بضيق شديد وكأنني أضع إسارا من حديد يقيدني ويش ّ‬
‫ل‬
‫من حريتي وكرامتي )!!(‪ ،‬ولكني آثرت الحتمال رغبة في إتمام أبحاثي‬
‫العلمية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لبثت أعمل في العيادة أربعة أشهر متواصلة‪ ،‬ورأيت عددا كبيرا من النسوة‪،‬‬
‫ولكني لم أقف على مرض جنسي واحد على الطلق ؛ فبدأت أشعر بالملل‬
‫والقلق ‪ ..‬ثم مضت اليام حتى أتممت الشهر السابع ‪ ،‬وأنا على هذه الحالة‪،‬‬
‫ضبة ومتوترة ‪ ،‬فسألتني إحدى‬ ‫حتى خرجت ذات يوم من العيادة مغ َ‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الممرضات المسلمات عن سبب ذلك‪ ،‬فأخبرتها الخبر‪ ،‬فابتسمت وتمتمت‬


‫بكلم عربي لم أفهمه ‪ ،‬فسألتها‪ :‬ماذا تقولين؟! فقالت‪ :‬إن ذلك ثمرة‬
‫الفضيلة ‪ ،‬وثمرة اللتزام بقول الله تعالى في القرآن الكريم ‪ } :‬والحافظين‬
‫فروجهم والحافظات { ]الحزاب‪[35:‬‬
‫هزتني هذه الية وعّرفتني بحقيقة غائبة عندي ‪ ،‬وكانت تلك بداية الطريق‬
‫للتعرف الصحيح على السلم‪ ،‬فأخذت أقرأ القرآن العظيم والسنة النبوية‪،‬‬
‫ن كرامة المرأة وشرفها إنما هو في‬ ‫حتى شرح الله صدري للسلم‪ ،‬وأيقنت أ ّ‬
‫كتب في الغرب عن الحجاب والمرأة‬ ‫حجابها وعفتها ‪ ..‬وأدركت أن أكثر ما ُ‬
‫المسلمة إنما كتب بروح غربية مستعلية لم تعرف طعم الشرف والحياء‪!..‬‬
‫إن الفضيلة ل يعدلها شيء‪ ،‬ول طريق لها إل اللتزام الجاد بهدي الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وما ضاعت الفضيلة إل عندما اسُتخدمت المرأة ألعوبة بأيدي‬
‫المستغربين وأباطرة العلم‪ .‬وإن أخشى ما نخشاه أن تؤول ديار المسلمين‬
‫إلى ما آلت إليه بلد الغرب‪ ،‬إذا ما اتبعنا أبواق العلمانيين والباحيين‪ ،‬وتخلينا‬
‫عن الفضيلة والعفة والخلق التي يضعها ديننا في صورة منهج كامل للحياة‪.‬‬
‫ذر الجديرة بالنتباه تقرير نشرته مؤخرا ً منظمة الصحة العالمية عن‬ ‫ومن الن ّ ُ‬
‫انتشار مرض نقص المناعة المكتسب )اليدز( في المنطقة العربية‪ ،‬وكانت‬
‫الحصاءات المنشورة مذهلة جدا ً تنبئ عن واقع محزن مع السف الشديد‪!..‬‬
‫ن هذا المرض ثمرة خبيثة من ثمار التفلت الخلقي والنحراف الجنسي ‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫ثمرة من ثمار الحرب الضروس التي تشنها بعض وسائل العلم على الخلق‬
‫والداب السلمية‪ ،‬ثمرة من ثمار ذلك الطوفان الجارف من الفلم الهابطة‬
‫والمسلسلت الماجنة التي طغت على كثير من القنوات العلمية من‬
‫المشرق إلى المغرب‪ .‬ثمرة من ثمار الدعوات المحمومة لدعاة الرذيلة‬
‫والفساد التي تشد فتيان المة وفتياتها إلى مستنقعات الغرب السنة باسم‬
‫التحرر والتحضر‪ ،‬وتزّين لهم الوقوع في الفواحش بكل ألوان الزينة‬
‫المخادعة‪!!..‬‬
‫وإن السلمة من ذلك المرض وأشباهه ل تكون إل بالعودة الصادقة إلى‬
‫حياض الفضيلة‪ ،‬وتربية المة على العفة والحياء‪ ،‬ومراقبة الله تعالى سرا ً‬
‫وجهرًا‪.‬‬
‫أل فلتسكت تلك القلم الملوثة التي ما فتئت تشيع الفاحشة‪ ،‬وتنادي أبناءنا‬
‫وبناتنا للوقوع في حمأة الرذيلة باسم الرقي والتقدم‪!..‬‬
‫أل فلتسكت تلك الصوات الكالحة العبوس التي تتشدق بالدعوة إلى نزع‬
‫الحجاب والختلط باسم الحرية والتمدن‪!..‬‬
‫} إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في‬
‫الدنيا والخرة { ]النور‪[19:‬‬
‫وأحسب أخيرا ً أن من أكبر التحديات التي تواجه الدعاة والمصلحين هي إيجاد‬
‫البدائل التربوية والمحاضن الجتماعية التي يتفيأ في ظللها فتيان المة‬
‫وفتياتها‪ ،‬بعيدا ً عن شرر دعاة العلمنة وعبثهم‪.‬‬
‫كاتب المقال‪ :‬أحمد بن عبد الرحمن الصويان‬
‫المصدر‪ :‬طريق السلم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن ل تّتسعُ للجرح ‪..‬‬


‫مة أماك ُ‬
‫ث ّ‬
‫صالح الفوزان ‪12/3/1427‬‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪10/04/2006‬‬
‫ت‪ :‬إنه صغير ‪..‬‬ ‫ي ‪..‬فقل ُ‬ ‫كذب عل ّ‬
‫ت‪ :‬إنه طفل‪..‬‬ ‫سرقني‪ ..‬فقل ُ‬
‫لكن كيف أفسر الخيانة ‪..‬؟!‬
‫لن أصمت كثيرا ً ‪...‬لن صمتي عندما يكون داخلي أشياء كثيرة لقولها ‪..‬يكون‬
‫الصمت مزعجا ً ‪..‬‬
‫ّ‬
‫صديقي ‪..‬دعني أنظف بياض الصفحات‪ ،‬كما ينظف محارب قديم سلحه‪..‬‬ ‫ّ‬
‫هل أخبروك أن لكل محارب والد حزين وصغير يصرخ‪..‬‬
‫وهه الكاميرا ‪..‬‬ ‫الحديث معك تضيق به اللحظة ‪..‬وتش ّ‬
‫وهو معتق بنوارس البحر الراحلة ‪..‬‬
‫ً‬
‫ت إبراهيم المعتقل في جوانتانامو مظلوما‪ ،‬أما أنت فسأنصرك‬ ‫لقد نصر ُ‬
‫ظالمًا‪..‬‬
‫ث عن الورود ‪..‬ولعن أناشيد الصباح ‪..‬فعصافير‬ ‫ث عن رفاقك ‪ ..‬لتبح ْ‬ ‫لتبح ْ‬
‫خ بدم الخيانة ‪!!..‬‬ ‫ّ‬
‫المكان غادرت ‪..‬حتى لتتلط َ‬
‫ّ‬
‫أتسألني عن رفاقك ‪..‬وعطر الشهداء ‪..‬؟! كلهم ماتوا عندما حطموا البرواز‬
‫وهوا الصورة ‪..‬والمدية بمكانها ‪..‬تحت غطاء سلمى ‪..‬‬ ‫وش ّ‬
‫هل حدثوك أيها الحبيب ‪..‬عندما عقدوا آخر صفقة فوق جثة آخر شهيد ‪..‬؟!‬
‫لتحدثني عن ألم الرحيل ‪..‬وقسوة الطريد ‪..‬لنك وحدك من أحكم سجنك ‪..‬‬
‫وبنيت قصرك والديار ‪..‬‬
‫ل ارتكبتها ‪..‬تجعل الحداد َ يليق بك رغم بقاء روحك‪..‬‬ ‫مة أفعا ٌ‬ ‫ث ّ‬
‫يا صديقي ‪..‬في قلبي مقابر بعد رحيلك ‪..‬لكنها بل أموات ول أسوار ‪..‬سأبقيها‬
‫ل القبور ‪!!..‬‬ ‫مشرعة ‪..‬لعلك تعود يوما ً وتدفن ك ّ‬
‫هل قالوا لك‪ :‬إن ٌأشد المكنة هي التي جمعت أجمل ذكرى وأقساها ‪..‬؟!‬
‫إذا ً لماذا الهروب ‪...‬لماذا ‪..‬؟!‬
‫لنك صديقي‪ ،‬سأقول لك ‪..‬هامسا ً ‪)..‬هناك أشياء مذ ربحتها وأنا أشتري بها‬
‫خساراتي(‬
‫‪..‬أشتري بها سواد َ الصفحات ‪..‬وظهَر الخيل الجامحة ‪..‬‬
‫من يرّوضها أو من يبّيضها ‪..‬لكنها أمكنة الشقاء ‪..‬‬ ‫ثع ّ‬ ‫ت أبح ُ‬ ‫س ُ‬‫ل ْ‬
‫أسألك ‪..‬هل وحدك من يملك الحقيقة؛ لذا أنت هارب بها ‪...‬؟!هل وحدك‬
‫ل الشهداء ‪...‬؟! مرة أخرى‬ ‫‪..‬من يستطيع أن يوقظ الوطان ‪..‬وأن يرّتب حف َ‬
‫ة ليكتبها المتوّرطون ‪..‬‬ ‫ة يفضحها المخلصون‪ ،‬والحقيق ُ‬ ‫الخيان ُ‬
‫ل المكنة ‪..‬في ك ّ‬
‫ل‬ ‫ل الوجوه ‪..‬في ك ّ‬ ‫أعوام مرت وشبيهُتك تبحث عنك في ك ّ‬
‫ة الفؤاد ‪..‬‬‫كها ‪..‬لقد ترك َْتها شاردة َ القلب موجوع َ‬ ‫الزقة ‪..‬حتى الزمنة لم تتر ْ‬
‫ْ‬
‫كتب لك أن تعود للمدينة ‪..‬للقرية ‪..‬فل تدخلها وأنواُرها نائمة‪ ،‬بل‬ ‫صديقي لو ُ‬
‫م البرياء ‪...‬الذين ُنحروا قربة وفاٍء بيد رفاقك ‪..‬‬ ‫ادخْلها صباحا لترى د َ‬
‫ً‬
‫س قبلكم أكثَر دفئا ً ‪..‬‬ ‫لقد كانت الشم ُ‬
‫ً‬
‫م بقريتنا ‪..‬لقد هاجرت للقاموس بحثا عن أمان ‪..‬لعلها‬ ‫لم تعد ْ العصافيُر تنا ُ‬
‫تجده و لو بين السطور ‪..‬‬
‫ل أدري هل أعطيك أعواد َ الثقاب ‪..‬لتعبث بها حتى إذا احتجتها وجدتها حرائق‬
‫ش القلوب ‪...‬‬ ‫بين يديك ‪..‬؟! ‪..‬لقد عبثت بها وأحرْقت عش َ‬
‫ف حروفي ‪..‬أيامي‬ ‫م طريدًا‪..‬؟!هل ستستنز ُ‬ ‫وماذا بعد ذاك ‪...‬؟! هل ستدو ُ‬
‫ن تحت‬ ‫ب المد َ‬ ‫‪..‬دموعي من أجلك ‪..‬؟! يالكبريائك ‪..‬وغرورك ‪..‬وأنت تجو ُ‬
‫الظلم‪!!..‬يضيق بك الفضاء ويتسع لك الكهف‪...‬؟!!‬
‫س الشوارع ؟!‪..‬ألم تَر صور الرقص ‪..‬؟! ألم تسمع عزفي‬ ‫ظك حار ُ‬ ‫ألم يوق ْ‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الكوخ سويًا؟! ‪..‬ألم تشاطرني كسرة الخبز ؟!‪..‬لماذا‬ ‫على البيانو؟! ‪..‬ألم نب ِ‬
‫لم تعد ْ ترقص الجازية ‪..‬؟!‬
‫ث عن‬ ‫ولماذا كسر الزير سيفه وهدم بيته ‪..‬؟! ألنك طريد ُ الحضارة ‪..‬والباح ُ‬
‫السود في ذمم التاريخ ‪..‬؟!‬
‫لم أعتقد يوما أن الجبل يحول الحمائم إلى كواسر ‪...‬ول الليل يحول‬
‫الفراشات إلى خواطيف ‪...‬‬
‫أين أنت ‪..‬؟ وأنت ترّتل صبحك ‪)..‬رب اجعل هذا البلد آمنا ‪..(..‬فحرست المن‬
‫بعينيك وأشهرت دونه سلحك حتى ل يوقظه الطفل والشيخ‪..‬‬
‫يالهف نفسي ‪..‬وهي تحتضن بقاياك ‪..‬دموعك ‪...‬حتى جلل الوقار ‪..‬‬
‫أترى أن الله اختار ثلة يحملون دينه ويبلغون رسالته ‪..‬كلهم ماتوا وبقيت‬
‫وحدك منفيا لتستطيع أن تجتمع مع ذاتك ‪..‬إنه سؤال العمر ياصديقي‬
‫ب آخر وأنا بينكما ‪..‬‬‫ب ياحبيبي في الوقت الذي يحتضُر فيه حبي ٌ‬ ‫آه ‪...‬تهر ُ‬
‫ص ول ورود ‪..‬فيها بياض‬ ‫س ليس فيها رق ٌ‬ ‫ل والعرس‪ ،‬ثمة أعرا ٌ‬ ‫لتنتظر الحتفا َ‬
‫ص في العزاء ‪ ..‬في المآتم ‪..‬فوق الجروح ‪ ..‬؟! ويل‬ ‫الكفان فقط ‪..‬هل سترق ُ‬
‫قلبك ‪..‬إن كانت المدية بيدك ‪..‬هل سأكون ضحيتك القادمة ‪..‬؟!‬
‫لن أدعوك لعرس الشهداء؛ لنك لست منهم ‪..‬لن أهديك تربة الحتفال ‪..‬لنه‬
‫ليس مكانك‪..‬ولتليق به ‪..‬حتى الحلوى سأعطي بقيتها للذئاب ‪..‬لنها‬
‫جائعة ‪..‬وحينما تقتل فهي أرحم منك ‪..‬‬
‫ثمة قرابين ذبحت لتشوه حرم التاريخ والمكان ‪..‬‬
‫فقط سأستدعيك حينما تدخ ُ‬
‫ل مدينة السلم ‪..‬‬
‫مك فقط من أجل طفولة بريئة‬ ‫مك في زّفة الشهداء‪ ،‬اس َ‬ ‫بل دعني أستدِع اس َ‬
‫‪...‬‬
‫ت من قائمة الـ )‪(26‬‬ ‫مك فقط ‪)...‬طالب المطلوب(‪..‬الوحيد ممن بقي َ‬ ‫اس َ‬
‫بعد رحيلك ‪..‬ل أدري هل هذه صورتك أم صورتي ‪!!...‬‬
‫وكلنا خائف ‪!...‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مكتب المشرف العام‬


‫القسم العلمي‬
‫ثوابت المة في ظل المتغيرات الدولية‬
‫مدخل في معرفة الثوابت‬
‫مشاركة أ‪.‬د ناصر بن سليمان العمر‬
‫المشرف العام على موقع المسلم‬
‫‪www.almoslim.net‬‬
‫ضمن فعاليات‬
‫مؤتمر الفاق المستقبلية للعمل الخيري‬
‫والمقام بدولة الكويت تحت إشراف مبرة العمال الخيرية‬
‫وذلك في المدة من ‪ 1425/ - /12-10‬هـ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫مدخل في معرفة الثوابت‬
‫مقدمة وتشمل التعريف‪:‬‬
‫الحمد الله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على إمام المتقين وقائد الغر‬
‫المحجلين‪ ،‬نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلة وأتم التسليم‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن موضوع ثوابت المة في ظل المتغيرات الدولية موضوع عظيم وكبير‪،‬‬


‫بيانه يحتاج إلى وقت وجهد وكلهما عزيز‪ ،‬وحتى نخرج بفائدة في هذه‬
‫العجالة أثرت أن يتعلق الحديث ببيان المنهج وذلك عن طريق ذكر أمور كلية‬
‫وقواعد عامة يستفيد منها المسلم في معرفة الثغر الذي هو واقف عليه‪،‬‬
‫والثابت الذي ينبغي أن يتمسك به‪ ،‬بدون خوض في التفاصيل فإن المجال ل‬
‫يتسع لذلك‪ ،‬وقد قيل‪" :‬من حرم الصول حرم الوصول‪ ،‬ومن عرف الصول‬
‫ضمن الوصول"‪.‬‬
‫والحديث عن هذا الموضوع )أعني تقرير الثوابت( يمكن أن يتناول باعتبارات‬
‫فهذا العنوان ]ثوابت المة[ ليس معنى شرعيا ً واحدا ً ثابتا ً متفقا ً عليه كمعنى‬
‫الصلة في العرف الشرعي‪ ،‬أو الصدقة أو غيرها من اللفاظ الشرعية‬
‫المعروفة‪ ،‬وليس معنى اصطلحيا ً وضع له أهل شأن تعريفا ً جامعا ً مانعا ل‬
‫ً‬
‫يجوز لمن تحدث في شأنهم الحياد عنه‪ ،‬ولهذا سيكون حديثي عن المعنى‬
‫اللغوي الذي يفهم من قولنا الثوابت وبضدها تتميز الشياء ومنها المتغيرات‪،‬‬
‫ثم أعرج على ذكر استعمالت أو اصطلحات اختارها البعض لمقتضيات قد‬
‫ينصرف الذهن إليها وليست عين ما أريد الكلم عنه‪ ،‬بل ربما كان بينها وبين‬
‫ما أريد عموم وخصوص‪ ،‬ثم أشرع في بيان ما رأيته أليق بالعرض في موضع‬
‫ثوابت المة بدون خوض في ذكر تفاصيلها‪.‬‬
‫الثوابت في اللغة‪:‬‬
‫"الثاء والباء والتاء كلمة واحدة‪ ،‬وهي دوام الشيء‪ ،‬يقال‪ :‬ثبت ثباتا ً وثبوتًا‪،‬‬
‫ورجل ثبت وثبيت")‪.(1‬‬
‫ت‬
‫ت وثبي ٌ‬ ‫م واستقّر فهو ثاب ٌ‬ ‫ت الشيُء في المكان يثُبت ث ََباًتا وث ُُبوًتا دا َ‬ ‫تقول‪" :‬ث َب َ َ‬
‫ت")‪.(2‬‬ ‫وث َب ْ ٌ‬
‫ه)‪.(3‬‬ ‫َ‬
‫ه وَواظب َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن على المرِ َداوَ َ‬ ‫وفل ٌ‬
‫ذف)‪.(4‬‬ ‫ح َ‬ ‫ف أي لم ي ُ ْ‬ ‫ت الحر ُ‬ ‫والنحاةُ يقولون‪ :‬ث َب َ َ‬
‫عا)‪.(5‬‬ ‫ة كان ثبيًتا شجا ً‬ ‫ة وث ُُبوت َ ً‬ ‫ل ث ََبات َ ً‬ ‫ت الرج ُ‬ ‫وث َب ُ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ت الغَد ْرِ ِإذا كان ثاِبتا في قتال أو كلم؛ وفي الصحاح؛ ِإذا كان لساُنه‬ ‫ورجل ث َب ْ ُ‬
‫ت)‪.(6‬‬ ‫صوما ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل يزال عند ال ُ‬
‫حَراك)‪.(7‬‬ ‫ت‪ :‬ليس به َ‬ ‫مثب َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ض ُ‬‫مرِي ْ ٌ‬ ‫حّرك‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫حّتى ل ي َت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت النسا َ‬ ‫وداٌء ث َُبات‪ :‬ي ُث ْب ِ ُ‬
‫جَرحو َ‬ ‫م‪ ،‬إذا لم يفارقه‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬ل ِي ُث ِْبتو َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ك" أي ي َ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫ويقال‪ :‬أث ْب َت َ ُ‬
‫ي _صّلى‬ ‫َ‬
‫ش في أمر الن ّب ِ ّ‬ ‫شورَةِ قَُري ْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫ث َ‬
‫َ‬
‫ة ل تقوم معها)‪ .(8‬وفي حدي ِ‬ ‫جراح ً‬ ‫ِ‬
‫ح فأث ْب ُِتوه ُ بالوََثاق)‪.(9‬‬ ‫ْ َ َ‬‫ب‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫إذا‬
‫ِ‬ ‫ضهم‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫بع‬ ‫قال‬ ‫لم_‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وس‬ ‫عليه‬ ‫الله‬
‫ش)‬ ‫را‬
‫ِ َ‬ ‫ف‬‫ال‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ب‬‫ي‬ ‫م‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫ره‪،‬‬ ‫وغي‬ ‫ر‬‫ب‬
‫َِ ِ‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫وهو‬ ‫سرِ الباِء‬ ‫ت‪ ،‬ب ِك َ ْ‬ ‫مث ْب ِ ُ‬ ‫كذا ال ُ‬
‫َ‬ ‫ْ ََْ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪.(10‬‬
‫فكل هذه معاني روعي في أصلها الدوام والستقرار ثم خصصت بحسب‬
‫إضافتها إلى معان روعي فيها أصل المعنى‪.‬‬
‫ولهذا الجذر إطلقات كثيرة وجميعها اشتمل على أصل المعنى بنوع تخصيص‬
‫فمن ذلك‪:‬‬
‫قولهم‪ :‬الثوابت من الكواكب غير السيارة)‪ .(11‬فكأنهم أرادوا الدائمة‬
‫المستقرة في مكانها‪.‬‬
‫ن)‪.(12‬‬ ‫مِتي ٌ‬‫خ‪َ ،‬‬ ‫س ٌ‬ ‫ت ل ي َت ََزعَْزع ُ أي َرا ِ‬ ‫َ‬ ‫س َثاب ِ ٌ‬ ‫سا ٌ‬ ‫وقالوا‪ :‬أ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ينظر معجم مقاييس اللغة لبن فارس مادة )ثبت(‪.‬‬
‫)‪ (2‬ينظر محيط المحيط لبطرس البستاني‪ ،‬ولسان العرب لبن منظور‪.‬‬
‫)‪ (3‬ينظر محيط المحيط‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (4‬السابق‪ ،‬وكذا في اللسان‪.‬‬


‫)‪ (5‬السباق‪.‬‬
‫)‪ (6‬ينظر لسان العرب لبن منظور مادة )ثبت(‪.‬‬
‫)‪ (7‬ينظر المحيط للصاحب بن عباد‪ ،‬أول الباء والثاء وما يثلثهما‪.‬‬
‫)‪ (8‬ينظر الصحاح للجوهري مادة )ثبت(‪.‬‬
‫)‪ (9‬ينظر تاج العروس للزبيدي باب التاء فصل الثاء‪ ،‬والثر رواه عبدالرزاق‬
‫في مصنفه ‪ ،5/389‬ورواه المام أحمد في المسند من طريق عبدالرزاق‬
‫‪ ،1/348‬وهو مشهور عند المفسرين يوردونه في تفسير قول الله تعالى‪:‬‬
‫مك ُُر‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫ن وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬
‫ك وَي َ ْ‬ ‫ك أ َوْ ي ُ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫ك أ َوْ ي َ ْ‬
‫قت ُُلو َ‬ ‫فُروا ْ ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬‫ن كَ َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مك ُُر ب ِ َ‬‫)وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن(‪] ،‬النفال ‪ ،[30 :‬وقد ضعفه بعض أهل العلم كما في‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫خي ُْر ال َ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ه َوالل ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫مشكاة المصابيح برقم )‪ ،(5877‬وحسنه آخرون ومنهم ابن حجر في الفتح‬
‫‪ ،8/307‬قال في الهيثمي في المجمع ‪ ": 7/27‬رواه أحمد والطبراني وفيه‬
‫عثمان بن عمرو الجزري وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله رجال‬
‫الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (10‬ينظر تاج العروس السابق‪.‬‬
‫)‪ (11‬ينظر المحيط لديب اللجمي وشحادة الخوري وآخرون‪ ،‬وكذلك محيط‬
‫المحيط لبطرس البستاني‪.‬‬
‫)‪ (12‬ينظر الغني لعبد الغني أبو العزم )ثابت(‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عَل َي ْهِ ل َ ي ُغَي ُّر ُ‬


‫ه‪ ،‬ومنه‬ ‫م‬
‫مقي ٌ‬ ‫خ‪ُ ،‬‬ ‫س ٌ‬ ‫ه بمعنى َرا ِ‬ ‫حيد ُ عَن ْ ُ‬ ‫فهِ ل َ ي َ ِ‬ ‫موْقِ ِ‬‫ت ِفي َ‬ ‫وقولهم‪َ :‬ثاب ِ ٌ‬
‫وَفَْرعَُها ِفي‬ ‫ت‬ ‫صلَها َثاب ِ ٌ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫جَرةٍ طي ّب َةٍ أ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ة كَ َ‬ ‫َ‬
‫ة طي ّب َ ً‬ ‫م ً‬‫قول الله _تعالى_‪" :‬ك َل ِ َ‬
‫ماِء" )‪.(1‬‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫د)‪.(2‬‬ ‫ص ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص ّ‬
‫م َ‬ ‫ْ‬
‫قّر‪ ،‬ال ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ت الَراد َةِ َوالعَْزم ِ أي ال ُ‬ ‫وقالوا‪َ :‬ثاب ِ ُ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫مل َك َثاب ِت َ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ة)‪.(3‬‬‫قول ٍ‬ ‫من ْ ُ‬‫ل غَي ُْر َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ملك أوْ أ ْ‬ ‫ة أي أ ْ‬ ‫ل َثاب ِت َ ٌ‬ ‫وا ٌ‬ ‫م َ‬‫ة أوْ أ ْ‬ ‫وقالوا‪ :‬أ ْ‬
‫وغير ذلك من إطلقات‪ ،‬ومما سبق يتضح ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الثوابت تطلق على ما روعي فيه معنى الدوام والستقرار‪.‬‬
‫‪ -2‬الدوام والستقرار قد يكون مطلقًا‪ ،‬وقد يكون نسبيا ً لعتبار معين كما في‬
‫جل الطلقات السالفة‪.‬‬
‫إطلقات اصطلحية‪:‬‬
‫الثبوت "ول يخرج استعماله اصطلحا عن الدوام والستقرار والضبط")‪.(4‬‬
‫ومن المثلة للتعريفات الصطلحية الفقهية التي تضمن معان للثبوت مقيدة‬
‫ثبوت النسب‪ ،‬والشهر‪ ،‬والحقوق وغير ذلك)‪.(5‬‬
‫ت غَي ُْر‬‫خ وَي َث ْب ُ ُ‬
‫س ُ‬
‫م وَي َْر َ‬ ‫دو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ت" على " َ‬ ‫مت َغَي َّرا ُ‬ ‫ت َوال ْ ُ‬ ‫واب ِ ُ‬ ‫غير أن بعضهم يطلق "الث ّ َ‬
‫ض")‪.(6‬‬ ‫عارِ ٌ‬ ‫ت َوما هُوَ َ‬ ‫مت َغَّيرا ِ‬ ‫ْ‬
‫س ال ُ‬ ‫ل أو الت ّغَي ّرِ عَك ْ َ‬ ‫حو ّ ِ‬‫ل ِللت ّ َ‬ ‫قاب ِ ٍ‬
‫وهذا المعنى وإن كان صحيحا فليس بلزم اطراده لغة‪ ،‬بل هو اصطلح‬ ‫ً‬
‫لبعضهم‪ ،‬فقد يطلق الثبوت لمراعاة الدوام والستقرار النسبي أو العتباري‬
‫كما مر‪.‬‬
‫وبعض أهل الفضل يجعل الثوابت في الشرع هي المور القطعية ومسائل‬
‫الجماع ويلحق بها من باب العتبار النسبي الجتهادات الراجحة التي تمثل‬
‫مخالفتها نوعا ً من الشذوذ أو الزلل‪ .‬وهذا صحيح باعتبار العذر وعدمه‬
‫للمخالف في المسائل‪ .‬وعليه فهو اصطلح ل مشاحة فيه‪.‬‬
‫على أن نراعي أنه قد يدخل في معنى الثوابت عند آخرين أمور أخرى‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫باصطلحات أخرى غير ما أشير إليه‪.‬‬


‫فالظني قد يكون من الثوابت بالنسبة للبعض لباعتبار عذره المخالف من‬
‫عدمه ولكن باعتبار قوله به واعتقاده لصوابه و ثباته عليه مهما كلف المر لما‬
‫حفت به من قرآن عنده‪ ،‬ومن أمثلة ذلك من الفروع الفقهية طلق الثلث‬
‫هل يقع واحدة أو ثلث‪ ،‬فمع أن هذه مسألة فرعية ظنية اجتهادية غير أن‬
‫شيخ السلم ابن تيمية ثبت عليها وآثر السجن على التنازل عن الفتوى بها‬
‫حتى مات _رحمه الله_‪.‬‬
‫الثوابت المطلقة والثوابت النسبية‪:‬‬
‫ولهذا لو قال قائل الثوابت المطلقة‪ :‬هي نصوص الوحيين الصحيحة المحكمة‪،‬‬
‫فقد أصاب فإن هذه ثوابت مطلقة لمرية فيها‪ ،‬أما الحكام المستنبطة منها‬
‫فقد تكون ثوابت مطلقة كالحكام النصية)‪ (7‬ومثالها حرمة الزنا المستنبطة‬
‫سِبي ً‬
‫ل"‬ ‫ساء َ‬
‫ة وَ َ‬ ‫ح َ‬
‫ش ً‬ ‫ن َفا ِ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫قَرُبوا ْ الّزَنى إ ِن ّ ُ‬
‫من قول الله _تعالى_‪" :‬وَل َ ت َ ْ‬
‫]السراء‪.[32 :‬‬
‫ويمكن أن نجمل الثوابت المطلقة في ثلثة أنواع هي‪:‬‬
‫"النوع الول‪ :‬أصول الدين التي تثبت بالدلة القاطعة‪ ،‬كوجود الله _تعالى_‬
‫ووحدانيته‪ ،‬وملئكته وكتبه ورسالة محمد _صلى الله عليه وسلم_ والبعث بعد‬
‫الموت ونحو ذلك‪ ،‬فهذه أمور ل مجال فيها للختلف‪ ،‬من أصاب الحق فيها‬
‫فهو مصيب‪ ،‬ومن أخطأه فهو كافر‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬بعض مسائل أصول الدين‪ ،‬مثل‪ :‬مسألة رؤية الله في الخرة‪،‬‬
‫وخلق القرآن‪ ،‬وخروج ]عصاة[ الموحدين من النار‪ ،‬وما يشابه ذلك‪ ،‬فقيل‬
‫يكفر المخالف‪ ،‬ومن القائلين بذلك الشافعي‪ ،‬فمن أصحابه من حمله على‬
‫ظاهره‪ ،‬ومنهم من حمله على كفران النعم)‪..(8‬‬
‫النوع الثالث‪] :‬المور[ المعلومة من الدين بالضرورة كفرضية الصلوات‬
‫الخمس‪ ،‬وحرمة الزنا‪ ،‬فهذا ليس موضعا ً للخلف‪ ،‬ومن خالف فيه فقد كفر")‬
‫‪ .(9‬فهذه ثلثة أنواع تندرج تحتها أفراد وجميعها ثوابت مطلقة ينبغي التمسك‬
‫بها‪ ،‬والسبب توارد النصوص فيها‪ ،‬وإجماع السلف عليها‪ ،‬فإنكارها أو القول‬
‫بجواز تركها إنكار للنص أو قول بجواز تركه‪ ،‬ولهذا تضافرت الخبار عن‬
‫السلف في الثبات عليها بل وعدم إعطاء بعضهم التقية فيها رغم الكراه‬
‫الذي يسوغ لهم إعطاؤها‪ ،‬ومن تأمل سيرة المام أحمد والمام ابن تيمية‬
‫وجد ذلك جليًا‪.‬‬
‫القسم الخر الثوابت النسبية‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬السابق‪.‬‬
‫)‪ (2‬السابق‪.‬‬
‫)‪ (3‬السابق‪.‬‬
‫)‪ (4‬تنظر الموسوعة الفقهية ‪.15/9‬‬
‫)‪ (5‬السابق ‪.10-15/9‬‬
‫)‪ (6‬ينظر الغني لعبدالغني أبو العزم السابق‪.‬‬
‫)‪ (7‬على تعريف النص عند الصوليين من نحو قولهم ما تأويله تنزيله أو مال‬
‫يحتمل إل ّ معناه‪.‬‬
‫)‪ (8‬وهذا بعيد فقد قال يونس بن عبد العلى سمعت أبا عبد الله محمد بن‬
‫إدريس الشافعي يقول وقد سئل عن صفات الله وما يؤمن به فقال لله‬
‫تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته ل يسع أحدا ً من خلق‬
‫الله قامت عليه الحجة ردها‪ ،‬لن القرآن نزل بها وصح عن رسول الله القول‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بها فيما روى عنه العدول فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر أما‬
‫قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل‪ ،‬لن علم ذلك ل يدرك بالعقل ول‬
‫بالرؤية والفكر ول يكفر بالجهل بها أحد إل بعد انتهاء الخبر إليه بها‪] .‬ينظر‬
‫اجتماع الجيوش السلمية ص ‪.[94‬‬
‫)‪ (9‬الموسوعة الفقهية ‪ 294-2/293‬بتصرف يسير واختصار‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فقد تكون الحكام المستنبطة من النصوص الثابتة ثابتة ولكنها نسبية‪ ،‬ومن‬
‫قبيل هذا الحكام الثابتة بالنسبة لمن قال بالنص ووافق الحاكم أو المجتهد‬
‫في تحقيق المناط بعد تنقيحه أوتخريجه‪ ،‬فبالنسبة لهؤلء يكون الحكم المعين‬
‫ثابتا ً في حقهم لزما ً لهم‪ ،‬لكون القول بها قول بمقتضى السنة وسنة رسول‬
‫الله _صلى الله عليه وسلم_ "ل يسع أحدا ً تركها لقول أحد كائنا ً من كان")‬
‫‪ ،(1‬مع أنه قد يتغير إذا تغيرت اعتبارات عدة تأتي الشارة إليها‪.‬‬
‫مثال‪ :‬القول بأن فدية قتل المحرم لحمار وحش ذبح بقرة‪.‬‬
‫عُِلم بالنص أن المثلية هي مناط الحكم في فدية قتل الصيد للمحرم‪ ،‬قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫منكم‬ ‫ه ِ‬‫من قَت َل َ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫صي ْد َ وَأنت ُ ْ‬ ‫قت ُُلوا ْ ال ّ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الله _تعالى_‪َ" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ديا ً َبال ِغَ ال ْك َعْب َ ِ‬
‫ة‬ ‫م هَ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫م ب ِهِ ذ ََوا عَد ْ ٍ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ن الن ّعَم ِ ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما قَت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫جَزاء ّ‬ ‫مدا ً فَ َ‬ ‫مت َعَ ّ‬ ‫ّ‬
‫ما‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫فا‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫م‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫با‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ذو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫يام‬ ‫ص‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫أو‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫كي‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫عا‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫فا‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫ُ َ ّ‬ ‫ْ ِ ِ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ َ َ ِ َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫أ ْ‬‫و‬
‫م" ]المائدة‪.[95 :‬‬ ‫قا ٍ‬ ‫زيٌز ُذو ان ْت ِ َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ق ُ‬‫عاد َ فََينت َ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫سَلف وَ َ‬ ‫َ‬
‫فنقول المثل واجب بالنص‪ ،‬ولكن من قتل حمار وحش هل نقول يفدي‬
‫ل؟‬‫ببقرة؟ وهل البقرة مث ً‬
‫الجواب‪ :‬مناط الحكم )المثلية( ثابت بالنص‪ ،‬أما تحقيق المثلية في البقرة‬
‫فمعلوم بنوع من المقايسة والجتهاد‪.‬‬
‫فمن وافقنا في تحقيق المناط فأصل الحكم )فدية مثل( وتطبيقه )البقرة(‬
‫ثابت في حقه بهذا العتبار ويلزمه القول به والثبات عليه‪.‬‬
‫وكذلك قل فيمن قال بأن الضمان يلزم من أتلف عينًا‪ ،‬والضمان هو المثل‬
‫في القيمة‪ ،‬غير أن تقدير قيمة هذا المثل قد تتفاوت فيها اجتهادات الناس‪،‬‬
‫فمن وافقنا في تحقيق المناط فالحكم ثابت بالنسبة إليه‪.‬‬
‫ومن خالفنا في ذلك فمناط الحكم ثابت عنده وعندنا‪ ،‬وتطبيقه ثابت بالنسبة‬
‫لنا ل له‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬هناك ثلثة مصطلحات ينبغي أن نعيها‪.‬‬
‫تحقيق المناط ‪ : ...‬هو النظر والجتهاد في معرفة وجود العلة في آحاد‬
‫الصور‪ ،‬بعد معرفة تلك العلة بنص أو إجماع أو استنباط‪ ،‬فإثبات وجود العلة‬
‫في مسألة معينة بالنظر والجتهاد هو تحقيق المناط)‪.(2‬‬
‫تنقيح المناط ‪ : ...‬هو النظر والجتهاد في تعيين ما دل النص على كونه علة‬
‫من غير تعيين‪ ،‬بحذف ما ل مدخل له في العتبار مما اقترن به من الوصاف)‬
‫‪ .(3‬بمعنى أن "يكون الحكم قد ثبت في عين معينة‪ ،‬وليس مخصوصا بها‪ ،‬بل‬
‫الحكم ثابت فيها وفي غيرها‪ ،‬فيحتاج أن يعرف مناط الحكم‪ .‬مثال ذلك‪ :‬أنه‬
‫قد ثبت في الصحيح أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ سئل عن فأرة‬
‫وقعت في سمن فقال‪" :‬ألقوها وما حولها‪ ،‬وكلوا سمنكم"‪ .‬فإنه متفق على‬
‫أن الحكم ليس مختصا بتلك الفأرة‪ ،‬وذلك السمن; بل الحكم ثابت فيما هو‬
‫أعم منهما‪ ،‬فبقي المناط الذي علق به الحكم ما هو؟")‪.(4‬‬
‫تخريج المناط ‪ : ...‬هو النظر والجتهاد في إثبات علة الحكم إذا دل النص أو‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجماع على الحكم دون علته‪ ،‬وذلك أن يستخرج المجتهد العلة برأيه‪.‬‬
‫كالجتهاد في إثبات كون الشدة المطربة علة لتحريم شرب الخمر‪ ،‬وكون‬
‫القتل العمد العدوان علة لوجوب القصاص في المحدد‪ ،‬وكون الطعم علة ربا‬
‫الفضل في البر ونحوه حتى يقاس عليه كل ما سواه في علته)‪.(5‬‬
‫ويتسع الخلف في أمثلة تنقيح المناط إذ الخلف في حذف بعض الوصاف‬
‫التي لمدخل لعتبارها علة في الحكم قد يكون مظنونًا‪ ،‬ويزيد الختلف في‬
‫أمثلة تخريج المناط‪.‬‬
‫ً‬
‫تنبيه‪ :‬يلحظ مما سبق أن الثوابت النسبية ليس شرطا أن تكون ممدوحة‬
‫مطلقا ً وإن كان الصل ثبات من بدت له عليها‪ ،‬ولعل تقسيم المور إلى‬
‫ثوابت يذم مخالفوها ومتغيرات أمرها أهون‪ ،‬هو موضوع رسالة الشيخ‬
‫الدكتور صلح الصاوي "الثوابت والمتغيرات" فلتراجع‪.‬‬
‫أما موضوع هذه الكلمة فمحاولة لعلم الناظر ومساعدة القاصر في معرفة‬
‫الثابت في حقه والمتغير الذي ل ينبغي أن يثبت عليه‪.‬‬
‫فهنا مسألتين‪ :‬ما هي الثوابت والمتغيرات فجوابها في رسالة الشيخ الصاوي‪.‬‬
‫وكيف أعرف الثوابت والمتغيرات وهو ما أحاول إيضاح معالمه هنا بنوع‬
‫إجمال‪ ،‬أما الثوابت المطلقة فقد مضت الشارة إلى أنواعها الثلثة)‪ ،(6‬وأما‬
‫الثوابت النسبية فسوف يأتي الحديث عنها‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ينظر إعلم الموقعين ‪.1/58‬‬
‫)‪ (2‬تنظر الموسوعة الفقهية ‪.10/232‬‬
‫)‪ (3‬تنظر الموسوعة الفقهية ‪.14/77‬‬
‫)‪ (4‬تنظر الفتاوى الكبرى لشيخ السلم ابن تيمية ‪.2/158‬‬
‫)‪ (5‬تنظر الموسوعة الفقهية ‪.11/40‬‬
‫)‪ (6‬تنظر ص ‪ 6‬من هذه الورقة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ول يفوتني التنبيه هنا على أهمية مراعاة الفرق بين نظرية الحقيقة النسبية‬
‫وما أتحدث عنه من ثوابت نسبية‪ ،‬فمراد التحرريون أو ما يسمون‬
‫بـ)الليبراليين( ومن تأثر بهم في الحقيقة النسبية تكثير الصواب بتصويب‬
‫المتناقضين على اعتبار أن كل واحد منهم يملك حقا ً باعتبار‪ ،‬فالمسلم مصيب‬
‫في معتقده معه حق نسبي‪ ،‬والملحد كذلك مصيب في إلحاده معه حق‬
‫نسبي‪ ،‬والنتيجة ل إنكار إذ الكل مصيب باعتبار‪ ،‬أما الكلم على الثوابت‬
‫النسبية فليس المراد به تصويب ما يجب أن يتقرر عند فلن من ثوابت‬
‫نسبية‪ ،‬وإن كان قد قامت في حقه أمور يلزمه منها الثبوت على ما اختار‪،‬‬
‫كما أنه ل يتعارض مع تقرير وجود ثوابت مطلقة مخالفها مذموم‪.‬‬
‫الثوابت النسبية قد تكون متغيرة في حق الشخص الواحد باعتبارات‪:‬‬
‫لو تأملنا مثال ضمان المثل لمن أتلف عينًا‪ ،‬فمع أن قيمة المثل قد تتفاوت‬
‫فيها اجتهادات الناس إل ّ أن المثل قد يتغاير عند المجتهد الواحد وفقا ً لتغير‬
‫الزمان أو المكان أو غير ذلك‪.‬‬
‫من أسباب تغير الحكم على المسائل‪:‬‬
‫سبق بيان أن النصوص الصحية الصريحة ثابتة ل تتغير وأن ما يتعلق بها من‬
‫أحكام ثوابت نسبية أو اعتبارية‪ ،‬غير أن هذه الثوابت النسبية العتبارية ل‬
‫يلزم دوامها دواما ً مطردا ً ]وقد مضت الشارة إلى أن العرب تطلق لفظ‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثبوت على ما من شأنه أن يتغير باعتبار حال فل غضاضة منها الطلق‬


‫كالمريض المثبت‪،‬وكذا الموثق المثبت وغير ذلك[‪.‬‬
‫قال القرافي _رحمه الله_‪" :‬انتقال العوائد يوجب انتقال الحكام كما نقول‬
‫في النقود وفي غيرها فإنا نفتي في زمان معين بأن المشتري تلزمه سكة‬
‫معينة من النقود عند الطلق؛ لن تلك السكة هي التي جرت العادة‬
‫بالمعاملة بها في ذلك الزمان‪ ،‬فإذا وجدنا بلدا ً آخر وزمانا ً آخر يقع التعامل‬
‫فيه بغير تلك السكة تغيرت الفتيا إلى السكة الثانية‪ ،‬وحرمت الفتيا بالولى‬
‫لجل تغير العادة‪ ،‬وكذلك القول في نفقات الزوجات والذرية والقارب‬
‫وكسوتهم تختلف بحسب العوائد‪ ،‬وتنتقل الفتوى فيها وتحرم الفتوى بغير‬
‫العادة الحاضرة‪ ،‬وكذلك تقدير العواري بالعوائد وقبض الصدقات عند الدخول‬
‫أو قبله أو بعده في عادة نفتي أن القول قول الزوج في القباض‪.(1)"..‬‬
‫والحكم عند المجتهد الواحد قد يتغير بتغير عوامل عديدة بيد أنه ينبغي‬
‫ملحظة أن التغير قد لينال المناط‪ ،‬ولكنه قد يجري على تحقيقه ل لشيء إل ّ‬
‫لتغير عوامل مؤثرة على تحقق المناط في شيء كانت تلك العوامل حاكمة‬
‫بتحققه فيه ثم تغيرت‪.‬‬
‫العوامل التي تجعل الثوابت النسبية متغيرة عند المجتهد الواحد‪:‬‬
‫هي عدة عوامل أهمها خمسة‪:‬‬
‫تغير الزمنة‪.‬‬
‫تغير المكنة‪.‬‬
‫تغير الحوال‪.‬‬
‫تغير النيات‪.‬‬
‫تغير العوائد‪.‬‬
‫فكل هذه أسباب تجعل المجتهد يغير من حكمه فيخرج على مناط آخر غير‬
‫الذي كان رأى‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد أشار إليها المام ابن القيم في العلم يوم عقد فصل نفيسا في تقرير‬
‫عنون له‪ :‬بـ"فصل في تغيير‬ ‫أن الشريعة مبنية على مصالح العباد‪ ،‬وقد ُ‬
‫الفتوى‪ ،‬واختلفها بحسب تغير الزمنة والمكنة والحوال والنيات والعوائد" ثم‬
‫قال‪" :‬الشريعة مبنية على مصالح العباد هذا فصل عظيم النفع جدا ً وقع‬
‫بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة‬
‫وتكليف ما ل سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب‬
‫المصالح ل تأتي به ؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد‬
‫في المعاش والمعاد‪ ،‬وهي عدل كلها ‪ ،‬ورحمة كلها ‪ ،‬ومصالح كلها ‪ ،‬وحكمة‬
‫كلها ‪ ،‬فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها ‪،‬‬
‫وعن المصلحة إلى المفسدة‪ ،‬وعن الحكمة إلى البعث فليست من الشريعة‬
‫وإن أدخلت فيها بالتأويل")‪.(2‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫ضرب ابن القيم لذلك أمثلة منها‪:‬‬
‫"المثال الول‪ :‬أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ شرع لمته إيجاب إنكار‬
‫المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله‪ ،‬فإذا كان إنكار‬
‫المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه ل يسوغ إنكاره‬
‫وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله‪ ،‬وهذا كالنكار على الملوك والولة بالخروج‬
‫عليهم فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر")‪.(3‬‬
‫ثم ذكر‪:‬‬
‫__________‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (1‬ينظر أنوار البروق في أنواع الفروق للقرافي ‪.1/43‬‬


‫)‪ (2‬ينظر إعلم الموقعين ‪.3/11‬‬
‫)‪ (3‬السابق ‪.3/12‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫"المثال الثاني‪ :‬أن النبي _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬نهى أن تقطع اليدي في‬
‫الغزو")‪ (1‬رواه أبو داود ‪ ،‬فهذا حد من حدود الله _تعالى_ وقد نهى عن‬
‫إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو‬
‫تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا كما قاله عمر وأبو الدرداء‬
‫وحذيفة وغيرهم‪ ،‬وقد نص أحمد وإسحاق بن راهويه والوزاعي وغيرهم من‬
‫علماء السلم على أن الحدود ل تقام في أرض العدو" ]‪.[3/13‬‬
‫وذكر من أمثلته فيه قصة أبي محجن المشهورة عندما شرب الخمر فأسر‪،‬‬
‫فلما أفاق ورأى قعقعة السيوف قال بيته المشهور‪:‬‬
‫كفى حزنا ً أن تطرد الخيل بالقنا ‪ ... ...‬وأترك مشدودا على وثاقي‬
‫ً‬
‫والخبر معروف وفيه ترك جلده‪.‬‬
‫وذكر قريبا ً من هذا الوجه سقوط الحد عن التائب‪.‬‬
‫ثم ذكر‪:‬‬
‫"المثال الثالث‪ :‬أن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ أسقط القطع عن‬
‫السارق في عام المجاعة" وهذا وإن كان في ثبوت وقوعه نظر)‪ (2‬لكن‬
‫معناه صحيح دلت عليه أصول الشريعة‪.‬‬
‫ثم ذكر‪:‬‬
‫"المثال الرابع‪ :‬أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ فرض صدقة الفطر صاعا ً‬
‫من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا ً من زبيب أو صاعا ً من أقط)‪ ،(3‬وهذه‬
‫كانت غالب أقواتهم بالمدينة‪ ،‬فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك فإنما‬
‫عليهم صاع من قوتهم كمن قوتهم الذرة والرز أو التين أو غير ذلك من‬
‫الحبوب‪ ،‬فإن كان قوتهم من غير الحبوب كاللبن واللحم والسمك أخرجوا‬
‫فطرتهم من قوتهم كائنا ما كان‪ ،‬هذا قول جمهور العلماء‪ ،‬وهو الصواب الذي‬
‫ل يقال بغيره")‪ ،(4‬وهنا ينبغي أن يتنبه إلى أن من خالف فقال بتعيين تلك‬
‫الصناف لم يخالف في تخريج المناط وإنما خالف تحقيق المناط وتنقيحه‪.‬‬
‫غير أن هذا يصلح مثل ً لتغير الرأي عند من خرج المناط على قوت البلد إذ هو‬
‫يختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان‪.‬‬
‫ثم ذكر‪:‬‬
‫"المثال الخامس‪ :‬أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ نص في المصراة على‬
‫رد صاع من تمر بدل اللبن)‪ ،(5‬فقيل‪ :‬هذا حكم عام في جميع المصار‪ ,‬حتى‬
‫في المصر الذي لم يسمع أهله بالتمر قط ول رأوه; فيجب إخراج قيمة‬
‫الصاع في موضع التمر‪ ,‬ول يجزئهم إخراج صاع من قوتهم‪ ,‬وهذا قول أكثر‬
‫الشافعية والحنابلة‪ ,‬وجعل هؤلء التمر في المصراة كالتمر في زكاة التمر ل‬
‫يجزئ سواه‪ ,‬فجعلوه تعبدًا‪ ,‬فعينوه إتباعا للفظ النص" ثم ذكر قول من قال‬
‫إنما عين لكونه أغلب قوت البلد وليلزم التعيين ثم عقب‪ " :‬ول ريب أن هذا‬
‫أقرب إلى مقصود الشارع ومصلحة المتعاقدين من إيجاب قيمة صاع من‬
‫التمر في موضعه‪ ,‬والله أعلم‪ .‬وكذلك حكم ما نص عليه الشارع من العيان‬
‫التي يقوم غيرها مقامها من كل وجه أو يكون أولى منها كنصه على الحجار‬
‫في الستجمار‪ ,‬ومن المعلوم أن الخرق والقطن والصوف أولى منها بالجواز‪,‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكذلك نصه على التراب في الغسل من ولوغ الكلب والشنان أولى منه‪ ,‬هذا‬
‫فيما علم مقصود الشارع منه‪ ,‬وحصول ذلك المقصود على أتم الوجوه‬
‫بنظيره وما هو أولى منه")‪.(6‬‬
‫وقد ذكر أمثلة أخرى رحمه الله‪.‬‬
‫ولعل من هذا القبيل مراعاة عمر رضي الله عنه لمقصد الشارع في حد‬
‫شارب الخمر ثمانين وذلك عندما رأى الناس قد ضعف عندهم الوازع الذي‬
‫كان عند من شهد التنزيل واستضاء بأنوار النبوة‪ .‬ومثله قيل في إيقاع عمر‬
‫رضي الله عنه طلق الثلثة ثلث طلقات‪.‬‬
‫وكل هذه أمثلة تدل على أن تخريج المناط قد يتغير رأي المرء فيه للسباب‬
‫التي سبقت الشارة إلى بعضها‪ ،‬وهذا التغير ليس تراجعا ً عن خطأ وإنما هو‬
‫اختيار لصواب حكمت اعتبارات متعددة بصوابه‪ ،‬كما حكمت بصواب الول‬
‫اعتبارات أخرى مغايرة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه أبوداود في كتاب الحدود باب الرجل يسرق في الغزو أيقطع )‬
‫‪ ،4/142 (4408‬ورواه الترمذي في السنن كتاب الحدود‪ ،‬باب ما جاء أن‬
‫لتقطع اليدي في الغزو )‪ ،4/53 (1450‬ورواه الدارمي في سننه كتاب‬
‫السير باب في أن لتقطع اليدي في الغزو )‪ ،2/303 (2492‬ورواه البيهقي‬
‫في السنن الكبرى باب من زعم أن الحدود لتقام بأرض الحرب ‪،9/104‬‬
‫وكذلك النسائي في سننه باب القطع في السفر )‪ ،8/91 (4979‬ورواه‬
‫آخرون وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫)‪ (2‬روى الثر البخاري في التاريخ الكبير ‪ ،3/4‬وابن أبي شيبة في مصنفه )‬
‫‪ ،5/521،(28586‬و )‪ ،5/521 ،(28591‬وعبدالرزاق في مصنفه )‪(18990‬‬
‫‪ ،10/242‬وابن حزم من طريقه في المحلى ‪ ،11/343‬وقد ذكر في تلخيص‬
‫الحبير رواية وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني له في جامعه‪ ،‬التلخيص ‪،4/70‬‬
‫والثر ضعيف فيه مجهولن‪ ،‬وقد ضعفه اللباني في الرواء )‪ ،(2428‬غير أن‬
‫المعنى المقصود صحيح شهدت له عدة أدلة أشار إليها ابن القيم رحمه الله‬
‫وغيره‪.‬‬
‫)‪ (3‬كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد‪ ،‬البخاري )‪،2/548 (1435‬‬
‫ومسلم )‪.2/678 (985‬‬
‫)‪ (4‬ينظر إعلم الموقعين ‪.3/18‬‬
‫)‪ (5‬كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة‪ ،‬البخاري )‪،2/756 (2044‬‬
‫ومسلم )‪.3/1158 (1524‬‬
‫)‪ (6‬ينظر إعلم الموقعين ‪.3/19‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫أما الختلف في تحقيق المناط وتنقيحه فاختلله لدى الشخص يؤدي لتراجعه‬
‫عن حكم كان يقول به لبدو خطأ قوله الول ومن ثم النتقال إلى ما يعتقد‬
‫صوابه‪.‬‬
‫نموذج من المة‪ :‬الثوابت المتعلقة بالجمعيات الخيرية‬
‫ما مضى جملة من القواعد والضوابط توضح الثوابت المطلقة والنسبية التي‬
‫تلي المرء‪ ،‬ولما كان عنوان الندوة "ثوابت المة في ظل المتغيرات" فإن‬
‫المة جماعات وأشكال مختلفة يلي بعضها ما ليلي الخرين‪ ،‬إما لحالها أو‬
‫مكانها أو غير ذلك‪ ،‬ولهذا آثرت أن ذكر الضوابط الكلية‪ ،‬التي تبين الثوابت‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المطلقة والثوابت النسبية‪ ،‬لن تفصيل ما ينبغي أن يكون ثابتا ً وبالخص‬


‫الثوابت النسبية لكل طائفة أو جنس أمر عسير يحتاج إلى جهد ووقت طويل‪.‬‬
‫أما الثوابت المطلقة)‪ (1‬فكتاب الدكتور صلح الصاوى "الثوابت والمتغيرات"‬
‫وّفى بكثير فيها‪.‬‬
‫وحتى أبين ذلك أضرب مثل ً بالثوابت المتعلقة بالجمعيات الخيرية فهذه يمكن‬
‫أن تقسم ثوابتها إلى قسمين باعتبار طريق ثبوتها‪:‬‬
‫الولى‪ :‬ثوابت أملتها قواعد الشريعة الكلية ونصوصها العامة‪ ،‬سواء كانت‬
‫مطلقة لمجال لرأي الجمعية فيها أو نسبية ارتأتها الجمعية وارتضتها‪ ،‬مراعية‬
‫فيها قواعد الشريعة وأصولها‪ ،‬وهذه الخيرة ينبغي أن ترسم منهج الجمعية‬
‫وأهدافها وتحكم خط سيرها وطريقة عملها‪ ،‬وتعتبر في تقيم أدائها‪ .‬مع‬
‫ملحظة أن لكل جمعية جملة ثوابت نسبية تتعلق بها مسائل تناسب‬
‫اختصاصها وما تواجهه في نطاق عملها‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬ثوابت أملتها أهداف الجمعيات التي أنشئت لجلها‪.‬‬
‫وهذه ينبغي الثبات عليها إذ التزعزع فيها نقض للهدف الذي من أجله تم‬
‫إنشاء الجمعية أو المنظمة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬أنشأت جمعية من الجمعيات بهدف إغاثة المتضررين من المسلمين‬
‫في الحروب والنكبات‪ ،‬وقد كانت هذه الجمعية في بلد ليست فيه حروب‪.‬‬
‫]هدفها إغاثة المتضررين من الحروب في الخارج[‪.‬‬
‫ثم حصلت نكبة أو كارثة لبعض مجاوريهم من إخوانهم‪ ،‬فينبغي أن تكون‬
‫مسألة إغاثتهم من ثوابت تلك الجمعية‪ ،‬فتبحث عن السبل القانونية والطرق‬
‫الشرعية المرضية التي تكفل لها القيام بما أنشئت لجله وإل ّ فل معنى‬
‫لبقائها إذا اطرد العجز عن القيام بالهدف المنشود‪ .‬مع أن نفس هذا الهدف‬
‫ل‪.‬‬ ‫قد ليكون له كبير اعتبار عند جمعية أخرى تعنى بنشر العلم الشرعي مث ً‬
‫وليعني هذا جمود الجمعية أو المؤسسة في أسلوب عملها وعدم التغيير فيه‬
‫ولكن المقصود أن يكون التغير محكوما ً بالمبادىء والقيم والقواعد والهداف‬
‫التي من أجلها نصبت المؤسسة أو الجمعية‪.‬‬
‫فوفقا ً لهداف المؤسسة تقوم استراتيجيات بعيدة ثابتة تسلك المؤسسة في‬
‫سبيل بلوغها وسائل وترتيبات مرحلية قد تكون متغيرة أو كما يقولون‬
‫تكتيكات مختلفة‪.‬‬
‫فإن كانت المؤسسة الغاثية على سبيل المثال تتعامل مع جهة معينة لتحقيق‬
‫شيء من أهدافها أو استراتيجياتها )التدابير والهداف المخطط لها البعيدة(‬
‫فل يمنع هذا تغير التكتيك والتعامل مع جهة أخرى في سبيل تحقيق ذات‬
‫الهداف‪.‬‬
‫من وسائل الثبات على الثوابت في ظل الهجمة)‪:(2‬‬
‫لشك أن هناك هجمة شرسة على ثوابت المة وما أكثر الثوابت المهددة‬
‫سواًء أكانت أصول ً عقدية كالولء والبراء‪ ،‬أو أخلقية سلوكية‪ ،‬أو اقتصادية‬
‫قات ُِلون َك ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫تجارية‪ ،‬أو سياسية حكمية وصدق الله العظيم القائل‪) :‬وَل َ ي ََزاُلو َ‬
‫و‬
‫ت وَهُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ِدين ِهِ فَي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬‫من ي َْرت َدِد ْ ِ‬ ‫عوا ْ وَ َ‬ ‫ست َ َ‬
‫طا ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬‫عن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫ى ي َُرّدوك ُ ْ‬‫حت ّ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ِفيَها‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫خَرةِ وَأوْلئ ِك أ ْ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫ت أع ْ َ‬ ‫حب ِط ْ‬ ‫كافٌِر فَأوْلئ ِك َ‬
‫ن(‪] ،‬البقرة‪.[217 :‬‬ ‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ول شك كذلك في أن تلك الهجمة أثرت في بعض المصابين بالداء العضال؛‬
‫هشاشة العتقاد‪ ،‬فل عجب أن تجد بعض هؤلء يوالي أعداء الله ويحارب‬
‫أولياءه‪ ،‬وينكر الجهاد أو بعضه‪ ،‬ويصم أهل المنهج الحق من المسلمين‬
‫الطيبين بالتطرف والرهاب المذموم‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولعل الستطراد بذكر فصل من ثوابت المة المهددة يغني عنه كتاب الشيخ‬
‫الدكتور صلح الصاوي‪ .‬كما أنها ظاهرة لكثير من المهتمين بالعمل السلمي‬
‫وق سهامه نحو قضايا أساسية ليتجادل فيها إسلميان‪.‬‬ ‫وذلك لن العدو فَ ّ‬
‫لذا سأتجاوز ذلك إلى طرح جملة من السباب المعينة على الثبات على‬
‫الثوابت التي يمكر لها صباحا ً ومساء‪ ،‬وسوف أسردها بشكل مجمل إذا‬
‫البسط ليتسع له مثل هذا المقام فمنها‪:‬‬
‫القناعة الراسخة بالثوابت التي يدين الله بها‪.‬‬
‫سلمة الصول والمنطلقات التي يبني عليها ثوابته‪ ,‬وبخاصة في العقيدة‪.‬‬
‫واللتزام بالمقاصد العامة والكليات التي جاءت بها الشريعة‪ ,‬والبعد عن‬
‫الشذوذ والغرائب‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬وتشمل هذه الشارة ما أسماه الشيخ بالثوابت النسبية على اصطلحه‬
‫وهي الختيارات العلمية الظاهرة الرجوح والتي ينبغي أن تتفق عليها‬
‫الحركات‪.‬‬
‫)‪ (2‬مستل من دروس بعنوان الطراد والضطراب في المنهج قمت بإعدادها‬
‫وأرجو أن يتيسر لي إخراجها في القريب العاجل‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الوضوح والبيان والبعد عن المجملت والعمومات وتحديد الهداف بموضوعية‬


‫وصفاء ونقاء‪.‬‬
‫العتدال والواقعية الوسطية والتوازن فل إفراط وتفريط ول غلو ول جفاء‪.‬‬
‫التلزم بين القول والعمل‪ ,‬والنسجام بين الظاهر والباطن‪.‬‬
‫سَر وَل َ‬ ‫ْ‬
‫م الي ُ ْ‬ ‫ه ب ِك ُ ُ‬‫ريد ُ الل ّ ُ‬
‫التيسير وسعة الفق‪ ,‬والبعد عن التشديد والتنطع )ي ُ ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م وَلعَلك ْ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫داك ْ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ه عََلى َ‬‫مُلوا ْ ال ْعِد ّة َ وَل ِت ُك َب ُّروا ْ الل ّ َ‬ ‫م ال ْعُ ْ‬
‫سَر وَل ِت ُك ْ ِ‬ ‫ريد ُ ب ِك ُ ُ‬
‫يُ ِ‬
‫ن(‪] ،‬البقرة‪" ،[185 :‬إنما بعثتم ميسرين")‪" ،(1‬يسرا ول تعسرا")‪،(2‬‬ ‫شكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫"إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق")‪.(3‬‬
‫البعد عن التبعية والتقليد والحزبية والتعصب‪ ,‬وبناء الفرد منطلقاته على علم‬
‫راسخ وأصول معتبرة وأركان صلبة والخذ بالجتهاد فيما يسوغ فيه الجتهاد‬
‫بشروطه المعتبرة‪.‬‬
‫مراعاة الزمان والمكان والحوال والقدرة على التجدد والتجديد دون ابتداع‬
‫أو تحريف‪.‬‬
‫التقوى والورع والصدق ومجاهدة النفس والبعد عن التأويل والهواء والفتن‬
‫ما ظهر منها وما بطن‪.‬‬
‫المراجعة المستمرة والتقويم المطرد ومحاسبة النفس والقوة في الرجوع‬
‫إلى الحق مع الحكمة في ذلك والفادة من نصح الخرين وملحوظاتهم‪.‬‬
‫وكذلك الرجوع إلى الراسخين في العلم والتلقي عنهم والفادة منهم‪.‬‬
‫التدارس والتشاور والتعاون مع أصحاب الختصاص والشأن من المعروفين‬
‫بسلمة المنهج قبل القدام على أي أمر ذي بال‪.‬‬
‫الفادة من سير السابقين ودراسة أسباب ثباتهم كحال كثير من الئمة‬
‫والمجددين‪.‬‬
‫دراسة الخطاء التي وقع فيها الخرون ومن أصيبت ثوابتهم من أجل تجنبها‬
‫وتلفيها والبدء من حيث انتهى الخرون‪.‬‬
‫تصور عقبات طريق الثبات وما يكتنفه من شدة وعناء والخذ بالسباب‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشرعية لتجنبها والخلص منها وتلفيها‪.‬‬


‫دراسة فقه الجماهير والسلوب المثل للتعامل مع القوى المؤثرة كالسلطة‬
‫والعلماء والقرناء والتباع حتى ل تزل قدم بعد ثبوتها‪.‬‬
‫الستعداد للتضحية في سبيل المبادئ والهداف ورفض المساومات مع الصبر‬
‫والتحمل طال الزمن أو قصر‪.‬‬
‫قوة الصلة بالله واللتجاء إليه وسؤاله الهداية والتوفيق والسداد فقد قال الله‬
‫"يا عبادي استهدوني أهدكم")‪ (4‬مع الستعانة بالعبادة على مشقات الطريق‬
‫ن(‪] ،‬البقرة‪،[45 :‬‬ ‫شِعي َ‬ ‫صل َةِ وَإ ِن َّها ل َك َِبيَرةٌ إ ِل ّ عََلى ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫ست َِعيُنوا ْ ِبال ّ‬
‫صب ْرِ َوال ّ‬ ‫)َوا ْ‬
‫وكثرة الدعاء والستغفار آناء الليل وأطراف النهار‪.‬‬
‫ومع هذه العوامل المعينة على الثبات على الثوابت يحسن التأكيد على تجنب‬
‫العوامل المؤدية لتنازل عن الثوابت والتبدل فيها‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫ضباية الهداف وعدم تحريرها شرعًا‪.‬‬
‫فساد الصل وضعف المنطلقات والصول وهشاشة الركان وقلة العلم وعدم‬
‫وضوح الطريق‪.‬‬
‫عدم رسوخ القناعة بالمنهج وكثرة الشك والتردد والجتهاد فيما ل مجال‬
‫للجتهاد فيه‪.‬‬
‫عدم القدرة على الدفاع عن أهدافه التي يسعى إليها ولو كان مقتنعا ً‬
‫بسلمتها وصوابها‪.‬‬
‫الستعجال واتخاذ القرارات دون دراسة أو تمحيص والرتجالية في المواقف‬
‫دون تخطيط أو استراتيجية‪.‬‬
‫الفردية وعقلية النا‪ ،‬ومنطق‪" :‬ما أريكم إل ما أرى"‪ ،‬وسياسة شيخ القبيلة‪،‬‬
‫وتهميش الخرين‪ ،‬وبخاصة العاملين معه والمحيطين به‪.‬‬
‫الستجابة للضغوط المباشرة وغير المباشرة من التباع والقوى المؤثرة‬
‫والصرار على مواجهة العواصف والرياح مع سعة المر بسبب الستغراق في‬
‫اللحظة الحاضرة والتأثر بردود الفعال‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬جزء من حديث أبي هريرة رواه البخاري في صحيحه )‪،1/89 (217‬‬
‫ورواه غيره‪.‬‬
‫)‪ (2‬جزء من حديث أبي موسى الشعري رواه البخاري في الصحيح )‪(2873‬‬
‫‪ ،3/1104‬ومسلم كذلك )‪.3/1359 (1733‬‬
‫)‪ (3‬جزء من حديث "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ول تبغضوا إلى‬
‫أنفسكم عبادة الله فإن المنبت ل أرضا ً قطع ول ظهرا ً أبقى" قال ابن حجر‬
‫في الفتح‪" :‬أخرجه البزار‪ ...‬وصوب إرساله‪ ،‬وله شاهد في الزهد لبن‬
‫المبارك من حديث عبدالله بن عمرو موقوف‪ ،‬والصواب أنه ل يصح رفعه"‪،‬‬
‫قال الدارقطني‪" :‬رواه يحيى بن المتوكل عن ابن سوقة عن ابن المنكدر عن‬
‫جابر ورواه شهاب بن خراش عن شيبان النحوي عن محمد بن سوقة بن‬
‫الحارث عن علي وروي عن ابن سوقة عن الحسن البصري مرسل وعن ابن‬
‫المنكدر قال وليس فيها حديث ثابت"‪ ،‬قال العجلوني في كشف الخفاء‪:‬‬
‫"واختلف في إرساله ووصله ورجح البخاري في تاريخه الرسال"‪ .‬قال‬
‫السخاوي‪ " :‬وهو مما اختلف فيه على ابن سوقة في إرساله ووصله وفي‬
‫رفعه ووقفه‪ ،‬ثم في الصحابي أهو جابر أو عائشة أو عمر" قال اللباني في‬
‫الضعيفة ‪ 63 /1‬بعد أن ذكر الحديث‪) :‬وهذا سند ضعيف ( _ وبه علتان‪ .‬لكن‬
‫يغني عنه قوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إن هذا الدين يسر‪ ،‬ولن يشاد هذا‬
‫الدين أحد إل غلبه‪ ،‬فسددوا وقاربوا وأبشروا‪...‬؛ أخرجه البخاري في صحيحه‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من حديث أبي هريرة مرفوعا"‪ .‬وانظر كذلك الضعيفة ‪ 5/501‬حديث رقم‬
‫‪.2480‬‬
‫)‪ (4‬رواه المام مسلم في الصحيح )‪.4/1994 (2577‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ن‬ ‫َ ْ‬
‫مُرو َ‬ ‫التناقض بين القول والعمل وعدم النسجام بين الظاهر والباطن )أت َأ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َأن ُ‬
‫ن( ]البقرة‪.[44 :‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫ب أفَل َ ت َعْ ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬
‫م ت َت ُْلو َ‬‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫س ِبال ْب ِّر وََتن َ‬ ‫الّنا َ‬
‫السعي لرضاء جميع الطراف على حساب المنهج والخوف من النقد‪.‬‬
‫عدم الفادة مما يوجه إليه من نصح ونقد في تصحيح مسيرته‪.‬‬
‫الحزبية والتقليد والتبعية والتعصب للشخاص والهيئات والجماعات والجناس‬
‫والبلدان‪.‬‬
‫إتباع المتشابه وترك المحكم والمسلمات والقطعيات والنسياق وراء‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬
‫ب ِ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫ل عَل َي ْ َ‬ ‫الظنيات والمصالح الموهومة والملتبسات )هُوَ ال ّذِيَ َأنَز َ‬
‫َ‬
‫غ‬
‫م َزي ْ ٌ‬ ‫ن في قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫ت فَأ ّ‬ ‫شاب َِها ٌ‬ ‫مت َ َ‬‫خُر ُ‬ ‫ب وَأ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫م ال ْك َِتا‬ ‫نأ ّ‬
‫آيات محك َمات هُ ُ‬
‫ّ‬ ‫َ ٌ ّ ْ َ ٌ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫م ت َأِويل ُ‬ ‫ما ي َعْل ُ‬ ‫فت ْن َةِ َواب ْت َِغاء ت َأِويل ِهِ وَ َ‬ ‫ه اب ْت َِغاء ال ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاب َ َ‬‫ما ت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فَي َت ّب ُِعو َ‬
‫ُ‬
‫ما ي َذ ّك ُّر إ ِل ّ أوُْلوا ْ‬ ‫عند ِ َرب َّنا وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ّ‬ ‫مّنا ب ِهِ ك ُ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن ِفي ال ْعِل ْم ِ ي َ ُ‬ ‫خو َ‬ ‫س ُ‬‫َوالّرا ِ‬
‫ب( ]آل عمران‪.[7 :‬‬ ‫الل َْبا ِ‬
‫ضعف الخلص والتقوى والتعلق بالدنيا من منصب أو مال أو جاه وجعل‬
‫النفس محور الولء والبراء والحب والبغض والنصر والهزيمة‪.‬‬
‫التوسع في باب التأول وتتبع الرخص والتساهل ودعوى التيسير على الناس‬
‫وتأليف قلوبهم والتسامح غير المسموح‪.‬‬
‫التأثر بتأخر استجابة الناس لدعوته وطول الطريق وقلة المعين وندرة الناصر‬
‫َ‬
‫ن( ]الحديد‪ :‬جزء‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫م َفا ِ‬ ‫م وَك َِثيٌر ّ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ق َ‬ ‫مد ُ ف َ َ‬ ‫م اْل َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫طا َ‬‫)‪ ..‬فَ َ‬
‫من الية ‪.[16‬‬
‫التنافس غير المحمود والختلف مع أصحاب المنهج الحق وكثرة الجدل‬
‫والمراء "من جعل دينه غرضا ً للخصومات أكثر التنقل")‪.(1‬‬
‫القرب من أهل الهواء والبدع ومخالطتهم والتأثر بمناهجهم وطرائقهم‬
‫وقراءة كتبهم والعجاب بسيرهم ومواقفهم‪.‬‬
‫المثالية والغلو والتشدد ومجافاة الواقعية وضعف اللتزام بمنهج الوسطية‬
‫في العتقاد والقول والعمل "ولن يشاد الدين أحد إل غلبه")‪.(2‬‬
‫إهمال السنن الكونية وعدم التدرج في تحقيق الهداف ومجافاة الحكمة‬
‫والناة‪.‬‬
‫الجمود وعدم اعتبار تغير الحوال والماكن والزمان وإغلق باب الجتهاد‬
‫وإهمال قاعدة المصالح والمفاسد والتخوف من كل جديد والرتكاز على‬
‫قاعدة الخذ بالحوط‪.‬‬
‫ضعف الصبر وعدم التحمل والستعجال في طلب تحقيق النتائج واليأس‬
‫وسوء الظن بالله‪.‬‬
‫المعاصي والثام وضعف العبادة وعدم تجديد التوبة والغفلة عن الدعاء‬
‫والستغفار‪.‬‬
‫نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الثوابت‪ ،‬وبالقول الثابت في الحياة الدنيا‬
‫ويوم يقوم الشهاد‪.‬‬
‫وفي الختام‪:‬‬
‫يجدر التنبيه إلى مسألتين‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الولى‪ :‬ليس كل تغير مذموم‪ ،‬وليس لزاما ً أن يكون التغير الطارئ على فرد‬
‫أو مؤسسة أو جماعة تغير في ثوابتها‪ .‬أذكر هذا التنبيه لن عددا ً من الطيبين‬
‫يلحظ تغيرا ً في مواقف بعض الدعاة أو العلماء فيظن أن ذلك تنازل عن‬
‫الثوابت واضطراب في المنهج‪ ،‬بينما قد يكون المر مجرد سوء في التصور‬
‫للثوابت أو عدم معرفة بالمنهج‪.‬‬
‫والخلصة أن التغير منه ما هو مذموم ومنه ما هو محمود ومنه ما يعذر‬
‫النسان فيه‪:‬‬
‫ً‬
‫فقد يكون محمودا ‪: ...‬‬
‫إذا رأى صاحبه أنه رجع إلى الصواب الذي تقرر عنده بالدليل‪ ،‬مثاله شخص‬
‫تمنعه رؤيته الشرعية في حكم تصوير الفيديو من الظهور في الشرطة‬
‫الفيديوية ثم تغيرت رؤيته الشرعية وفقا ً للدلة التي ظهرت له أو بدا له وجه‬
‫آخر فيها‪ ،‬ولعل ما عرف من مذاهب بعض أهل العلم كالمام الشافعي في‬
‫القديم والجديد خير مثال لذلك‪.‬‬
‫إذا اختلف الواقع بحيث ل ينفع فيه السلوب الذي كان عليه‪ ،‬وهذا قد يقع‬
‫حتى في معاملة بعض الناس‪ ،‬فقد تعامل إنسانا ً بالرفق ثم يتضح أنه ل تجدي‬
‫معه إل ّ الشدة أو العكس‪.‬‬
‫‪ -‬وقد يكون مذموما ً ‪: ...‬‬
‫كأن يرجع عن حق تقرر عنده لمحض عرض من أعراض الدنيا‪ ،‬كحال بلعام‬
‫بن باعورا‪ ،‬وجبلة ابن اليهم‪ ،‬وأمية بن أبي الصلت‪ .‬وهو موجود عند بعض‬
‫المتبوعين‪ .‬كعلماء السوء‪.‬‬
‫أن يغير ما استقر عنده وثبت لكون فلن من الناس )مشايخه( تغير‪ ،‬أو بتعبير‬
‫آخر بغير سبب شرعي‪ ،‬ومثل هذا يكون هشا ً ينكسر ويتغير عند أول صدمة!‬
‫وهو موجود عند الهمج الرعاع أتباع كل ناعق‪.‬‬
‫وقد يكون معذورا ً فيه ‪:‬‬
‫التغيير إلى نمط أدنى أو أسلوب أقل بسبب مصلحة ترجحت عنده‪ ،‬أو‬
‫لظرف خاص يعيشه المتغيير‪.‬‬
‫فقد القدرة أو الستطاعة لي سبب‪.‬‬
‫المسألة الثانية التي ينبغي التنبيه عليها‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الدارمي )‪.1/102 (304‬‬
‫)‪ (2‬حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في الصحيح )‪.1/23 (39‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫هي أن الثوابت النسبية قد تتباين بين الناس وليشترط أن يكون الختلف‬


‫فيها اختلف تضاد بل قد يكون اختلف تنوع وهو الذي ينبغي أن يكون بين‬
‫العاملين للسلم‪ ،‬فيتمم بعضهم بعضا ً للقيام بواجبات التكليف المناط‬
‫بمجموع المة‪ ،‬ومن ثم فإن التباين في تلك الثوابت النسبية ليوجب عداوة‬
‫وشقاق بل هو تباين يرجع في حقيقته إلى نوع ائتلف وذلك عند النظر إلى‬
‫المقصد الذي يصبوا إليه الجميع وهو نيل مرضات الله بالقيام برسالته وخدمة‬
‫أمة السلم بالتخصص في شأن من الشؤون وفق الضوابط الشرعية‬
‫المرعية‪.‬‬
‫هذا وقد مضى ذكر جملة من الضوابط التي يميز بها المسلم بين الثابت في‬
‫حقه سواًء كان مطلقا ً أو نسبيا ً وبين المتغير‪ ،‬وقد جاءت بصحبتها جملة من‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المثلة المختصر التي توضح المراد وتكفي اللبيب‪ ،‬ثم ختم ذلك بذكر بعض‬
‫الوسائل المعينة على التصدي للهجمة الشرسة على ثوابت المة‪ ،‬وتؤهل‬
‫الفراد والمجموعات للمضي قدما ً والستقامة على ثوابتهم باطراد من غير‬
‫اضطراب‪.‬‬
‫ط وما قد قيل نافعا ً ولوجهه خالصًا‪ ،‬كما أسأله أن‬
‫خ ّ‬
‫أسأل الله أن يجعل ما ُ‬
‫يبرم لمة محمد صلى الله عليه وسلم إبرام رشد‪ ،‬يعز فيه وليه‪ ،‬ويذل فيه‬
‫عدوه‪ ،‬والحمد لله أول ً وآخرا‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‬
‫والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ق‬
‫ثورةُ الح ّ‬
‫شعر‪ :‬عصام العطار‬
‫ض المحبينا‬‫م يا أر َ‬ ‫م يا شا ُ‬ ‫يا شا ُ‬
‫هان الوفاُء وما هان الوفا فينا‬
‫نحيا على البعد أشواقا ً مؤرقة‬
‫ل يدنو ول اليام تسلينا‬ ‫ل الوص ُ‬
‫ن فتون الحسن تسبينا‬ ‫م ْ‬‫صورة ً ِ‬
‫إّنا حملناك في الضلع عاطفة و ُ‬
‫ك ‪ ،‬وقد غبنا ‪ ،‬المؤاخينا‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫أصاب‬ ‫ك من أيدي الطغاة وما‬ ‫ماذا أصاب ِ‬
‫في مخلب الظلم من أكبادنا مزق وفي النيوب بقايا من أمانينا‬
‫ك في قلبي أكابده دما ً سخيا ً وآلما ً أفانينا‬ ‫ح ِ‬‫م جر ُ‬ ‫يا شا ُ‬
‫ة ول رأى المن يوما ً في مغانينا‬ ‫ك قرير العين طاغي ٌ‬ ‫ل عاش في ِ‬
‫ت أيدي الخطوب بنا في الغرب نائينا‬ ‫وسائلين من الحباب ما صنع ْ‬
‫لقد نكأتم جراحا ً في أضالعنا وقد أثرتم دموعا في مآقينا‬
‫ً‬
‫نلقى على البعد من أيدي " أصادقنا!" ما ل نلقيه من أعدى أعادينا‬
‫كانوا سيوفا ً بأيدي الخصم)‪ (1‬مرهفة ولم يكونوا سيوفا ً في أيادينا‬
‫تبا ً لدنيا على نيران فتنتها ذاب الوفاء فل تلقى الوفيينا‬
‫ن الله تلحظنا نمضي على الدرب واليمان حادينا‬ ‫لكننا وعيو ُ‬
‫نمضي على الدرب ل الكفران يصرفنا عن المسير ول العدوان يثنينا‬
‫نرنو إلى الله أبصارا ً وأفئدة الله غايتنا والله راعينا‬
‫وما طلبنا ثوابا ً من سواه وما خفنا عقابا ً ولم نشرك به دينا‬
‫العيش من أجله ‪ -‬إن كان ‪ -‬بغيتنا والموت من أجله أحلى أمانينا‬
‫دينا‬
‫ش المستب ّ‬ ‫م بط ُ‬ ‫مّنا جوُر طاغيةٍ أو أوهن العز َ‬ ‫ما قيد الفكَر ِ‬
‫غرامنا الحق لم نقبل به بدل ً إن غيرت ِغي َُر الدنيا المحبينا‬
‫في الخوف والمن ما زاغت مواقفنا والعسر واليسر قد كنا ميامينا‬
‫فما رآنا الهدى إل كواكَبه وما رآنا الندى إل عناوينا‬
‫وما رآنا العدى إل جبابرة وما رآنا الفدا إل قرابينا‬
‫ت للحق ثارت على الباغي براكينا‬ ‫نفوسنا السلسل الصافي فإن غضب ْ‬
‫فسنا متنا أبّينا‬ ‫ت في الحقّ أن ُ‬ ‫عشنا أبيين أحرارا ً فإن هلك ْ‬
‫م أين لقاءات الصفيينا وأين سامُرنا الماضي ونادينا‬ ‫يا شا ُ‬
‫ً‬
‫وأين يا شام ريعان الشباب وقد أمسى الشباب رمادا بين أيدينا‬
‫أيامنا)‪ (2‬في سبيل الله عاطرة وفي مناجاته طابت ليالينا‬
‫لم نعرف الثم في سر ول علن سيان ظاهرنا البادي وخافينا‬
‫أحلمنا الطهر ل رجس ول كدر إذا نثاها)‪ (3‬الصبا رفت رياحينا‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م من مواضينا‬ ‫وأين يا شام أيام الجهاد وقد زان الجهاد َ كري ٌ‬


‫دون المغيرينا‬ ‫وأين إخوتنا البرار ل برحوا لله جندا ً يص ّ‬
‫مشاعل الحق والظلماء عاكفة تهدي إليه على رغم المضلينا‬
‫ث ربيعا ً في روابينا‬ ‫س بأرض الشام مشرقة كنا الغيو َ‬ ‫كنا الشمو َ‬
‫ن بأرض الشام شامخة فيها الحماة إذا عّز)‪ (4‬المحامونا‬ ‫كنا الحصو َ‬
‫كنا الرياح إذا نادى الصريخ)‪ (5‬بنا كنا الرجاء إذا ضيمت أراضينا‬
‫كنا الجبال ثباتا ً في مواقفنا كنا السماء سموا ً في معانينا‬
‫ب يرهبنا فوق المطامع ل الغراء ُيغرينا‬ ‫فوق المخاوف ل الرها ُ‬
‫ل ماشينا‬ ‫فوق الدنا)‪ (6‬أبدا ً ما حط طائُرنا في أسر فتنتها أو ز ّ‬
‫ّ‬
‫ت مآمُلنا وفوق زخرفها الفاني أمانينا‬ ‫فوق الدنا أبدا ً كان ْ‬
‫حت موازينا‬ ‫ت كنا العدالة قد ص ْ‬ ‫كّنا العقيدة قد جّلت وقد خُلص ْ‬
‫صبا طيبا ً ول لينا‬ ‫كنا الشمائل قد طابت وقد عذبت فماحكتها ال ّ‬
‫فأين مّنا وقد بّنا حواضرنا وأين مّنا وقد غبنا بوادينا‬
‫ط)‪ (7‬مرابُعنا وأين مّنا على ُبعد مغانينا‬ ‫وأين مّنا على شح ٍ‬
‫هل حّنت الورق)‪ (8‬شوقا عند غيبتنا كما حنّنا وهل هاجت شجيينا‬‫ً‬
‫وهل بكى "بردى" أم جف مدمعه لما بكى من تباريح المشوقينا‬
‫وهل رأت في دروب الخلد "غوطُتنا" وفي خمائله في الهل سالينا‬
‫وأدمع الم يا للم هل تركت لها دموعا ً وأجفانا ً عوادينا)‪(9‬‬
‫ب يبكينا‬ ‫إن أسعد الدمعُ فاض الدمع منهمرا ً أو غاض مدمُعها فالقل ْ ُ‬
‫جرح من البعد يا أماه قّرحه مّر السنين ولم يلق المداوينا‬
‫ح حملنا كلنا في جوانحنا يكاد في عصفات الشوق ُيردينا‬ ‫جر ٌ‬
‫ن جزعنا فقد أودى تصب ُّرنا على الفراق وقد أعيا تسلينا‬ ‫لئ ْ‬
‫ب الله في اللقيا أمانينا‬ ‫ً‬
‫م سوف يعود الشمل مجتمعا ل خي ّ َ‬ ‫يا أ ّ‬
‫ل رحمته يحلوا تلقينا)‪(10‬‬ ‫ً‬
‫فإن قضى الله أل نلتقي فغدا في ظ ّ‬
‫***‬
‫مستهامينا‬ ‫م هذي تباريح البعيدينا)‪ (11‬يا شام هذي شجون ال ُ‬ ‫يا شا ُ‬
‫جنا وأرخصت دمعها الغالي مآقينا‬ ‫ت الذكرى لواع َ‬ ‫يا شام هيج ِ‬
‫مرامينا‬ ‫ً‬
‫ت شأوا َ‬ ‫ت قدرا مطالُبنا يا شام قد بُعد ْ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫يا شام قد عظم ْ‬
‫قصينا‬ ‫نمضي مع الله ل ندري أُتدنينا أقدارنا منك أم تأبى فت ْ‬
‫نمضي مع الله ل تدري جوارينا)‪ (12‬متى وأين ترى نلقي مراسينا‬
‫نمضي مع الله قدما ً ل تعوقنا عن المضي ‪-‬وإن جلت‪ -‬مآسينا‬
‫نمضي مع الله والسلم يهدينا الله يمسكنا والله يزجينا‬
‫نمضي مع الله والجلى تنادينا راضين راضين ما يختار راضينا)‪(13‬‬
‫يا شام ل تجزعي فالله راعينا يا شام ل تيأسي فالله كافينا‬
‫ح فتثوي في أضالعنا على جراح ول ننسى فلسطينا‬ ‫تأتي جرا ٌ‬
‫الدين يهتف أن هبوا لنصرتها والقدس تهتف ل تلقى المجيبينا‬
‫ل فيحيينا‬ ‫ُيميتنا الحزن تفكيرا ً بحاضرنا ويبعث الغد َ آما ً‬
‫معادينا‬ ‫يا كربة النفس للسلم ما صنعت بكل أرض به أيدي ال ُ‬
‫ومحنة العالم المنكوب تنشرنا على فواجعها يوما ً وتطوينا‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ملئت شرا ً وزلزلها جوُر الطغاة ولؤ ُ‬


‫م المستغلينا‬ ‫الرض قد ُ‬
‫في الشرق والغرب آلم مؤرقة تبدو أحايين أو تخفى أحايينا‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يا للطغاة وما أشقى النام بهم عاثوا قوارين أو عاثوا فراعينا‬
‫م سما ً وِغسلينا‬ ‫يسقونك الشهد صرفا ً في كلمهم وفي فعاله ُ‬
‫م كانوا شياطين أو كانوا ثعابينا‬ ‫إن يبد ُ مكرهم أو يبد فتكه ُ‬
‫أين الطواعين منهم في إبادتهم للخلق قد ظلم الناس الطواعينا‬
‫يا ثورة الحق تمشي في أضالعنا نورا ً ونارا ً وتمشي في روابينا‬
‫يا ثورة الحق إن الكون مسرحنا فل حدود تصد ّ الحق والدينا‬
‫رسالة الله رب الناس أنزلها للناس طرا ً فل تمييز يلوينا‬
‫يا ثورة الحق قد طال الظلم بنا وآن للفجر أن يمحو دياجينا‬
‫تأله الظلم ألوانا ً بعالمنا فحطمي الظلم فرعونا ً وقارونا‬
‫وحرري الرض بالسلم والتمسي خير الهداية من خير النبيينا‬
‫الله أكبر والدنيا سواسية فيها البرية إنشاء وتكوينا‬
‫لم يفترق أحد بالصل عن أحد أعمالنا هي تعلينا وتدنينا‬
‫قودي خطانا على منهاج خالقنا حقا ً وعدل ً وتحريرا ً وتأمينا‬
‫قودي خطانا لما يشتاق عالمنا سلما ً وحبا ً وإحسانا ً وتحسينا‬
‫قودي خطانا لما تشدو حضارتنا علما ً وفكرا ً وتشييدا ً وتمدينا‬
‫سبيل إلى أعلى مراقينا‬ ‫فهو الخلص لنا مما يعنينا وهو ال ّ‬
‫يا ثورة الحق ما أحلى مرائينا الغيب يبدو لنا نصرا ً وتمكينا‬
‫م الغد عبر الفق نلمحه يهفو لملقاتنا غارا ً ونسرينا‬ ‫وباس ُ‬
‫وقادم النصر نحياه ونلمسه الله أكده فالنصر آتينا‬
‫وقد يكون بنا والعمر منفسح وقد يكون بأجيال توالينا‬
‫فإن ظفرنا فقد نلنا مطالبنا وإن هلكنا فإن الله جازينا‬
‫الموت في طاعة الرحمن ُيسعدنا والعيش في سخط الرحمن يشقينا‬
‫لقد رضينا الجهاد الصرف جائزة فضل الجهاد إذا نلناه يكفينا‬
‫بئس الحياة إذا الطاغوت عّبدنا نجّر أيامها صغرا ً مرائينا‬
‫ف فهي الثيرة نطريها وتطرينا‬ ‫أما المنية في عّز وفي شر ٍ‬
‫ً‬
‫يا ثورة الحق هل خاب الرجا فينا؟ كنا على العهد أحرارا أبّيينا‬
‫عشنا كراما ً لعهد الله راعينا غرا ً حماة لدين الله وافينا‬
‫دينا ونقحم الموت ‪-‬ل نخشى‪ -‬مجلينا‬ ‫َنطيُر للغاية القصوى مج ّ‬
‫نرجو الشهادة أو نصرا ً يواتينا نعطي الحياة فنعلي الحق والدينا‬
‫الهوامش‬
‫)‪ - (1‬الخصم‪ :‬المخاصم‪ ،‬يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى‬
‫والجمع‪.‬‬
‫)‪ - (2‬أي في ريعان الشباب‪.‬‬
‫)‪ - (3‬نثاها‪ :‬بّثها ونشرها‪.‬‬
‫ل فل يكاد يوجد‪.‬‬ ‫)‪ - (4‬عز الشيء‪ :‬ق ّ‬
‫)‪ - (5‬الصريخ هنا‪ :‬المستغيث‪.‬‬
‫دنيا‪.‬‬
‫)‪ - (6‬الدنا‪ :‬جمع ال ّ‬
‫)‪ - (7‬على شحط‪ :‬على بعد‪.‬‬
‫)‪ - (8‬الورق‪ :‬جمع ورقاء وهي الحمامة‪.‬‬
‫)‪ - (9‬عوادينا‪ :‬مصائب الدهر النازلة بنا‪.‬‬
‫)‪ - (10‬اختارت الخت الشهيدة "أم أيمن" ‪-‬رحمها الله تعالى‪ -‬البيات الخيرة‬
‫المتعلقة بالم من هذا المقطع لقبساتها التي نشرتها لها الرائد‪ ،‬وعّلقت عليها‬
‫بقولها‪" :‬وهذه البيات تمثل حال أمي وأبي‪ ،‬وتمثل حالي بعيدة عنهما في‬
‫ديار الغرب‪ ،‬ولعلها تمثل حال كثيرين غيرهما وغيري‪ ..‬ولذلك اخترتها لقدمها‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في "قبسات"‪ .‬الناشر‪.‬‬


‫)‪ - (11‬تباريح البعيدين‪ :‬ما يكابدونه من الشدائد ويتوهج في نفوسهم من‬
‫الشوق‪.‬‬
‫)‪ - (12‬جوارينا‪ :‬سفننا‪.‬‬
‫)‪ - (13‬واختارت أم أيمن أبيات هذا المقطع من القصيدة‪ ،‬وعّلقت عليه‬
‫بقولها‪ :‬وهذه البيات تعبر عما في نفسي أيضا ً كما تعبر عما في نفس عصام‪،‬‬
‫فنحن ‪-‬والحمد لله‪ -‬زوجان‪ ،‬وصديقا قلب وفكر‪ ،‬ورفيقا عقيدة جهاد‪.‬‬
‫ض‬
‫اللهم إنا راضون بقضائك وقدرك‪ ،‬وبكل ما يصيبنا في سبيلك‪ ،‬فهل أنت را ٍ‬
‫عنا يا الله!‬
‫إذا صح منك الود فالكل هين‬
‫وكل الذي فوق التراب تراب‪.‬‬
‫"نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات‪ ،‬وصلح عليه أمر الدنيا والخرة‬
‫من أن تنزل بنا غضبك‪ ،‬أو يحل علينا سخطك‪ ،‬لك العتبى)*( حتى ترضى‪ ،‬ول‬
‫حول ول قوة إل بك"‪.‬‬
‫)*( العتبى‪ :‬الرجوع عن الساءة إلى ما يرضي العاتب‬

‫)‪(2 /‬‬

‫جائزة درة المعرفة(‬


‫أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبد الله الفنيسان ‪17/11/1425‬‬
‫‪29/12/2004‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد وصحابته أجمعين‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقد اطلعت على جائزة )درة المعرفة( من شركة الموثوقية الدولية‪ ،‬والتي‬
‫سئلت عن حكمها الشرعي‪ .‬وبعد النظر والتمعن في شروط وأهداف هذه‬ ‫ُ‬
‫سئلت عن )هبة الجزيرة( فأجبت بعدم مشروعيتها‬ ‫الجائزة‪ .‬وسبق لي أن ُ‬
‫وبطلن العقد لدخولها تحت القمار )الميسر( المحرم بالقرآن والسنة‪ ،‬وما‬
‫بني على الباطل فهو باطل وأكل لموال الناس بغير حق‪ .‬وحيث إن جائزة‬
‫)درة المعرفة( قد تكون فيها بعض محاذير كانت في )هبة الجزيرة( إل أنها لم‬
‫تخل بعد من الحرام‪ ،‬ووجه ذلك ما يأتي‪:‬‬
‫)‪ (1‬إن بيع وشراء السطوانة بـ )‪ (500‬ريال‪ ،‬والمكافأة التي يحصل عليها‬
‫المشتري – سواء كانت )‪ (650‬ريال أو )‪ (44000‬ريال –عقد من عقود‬
‫المعاوضات الربوية المحرمة‪ ،‬وإن سميت باسم )الهبة(‪ ،‬وقد نص أهل العلم‬
‫كشيخ السلم ابن تيمية على أن )كل تبرع يقترن بالبيع أو الجارة كالهبة‬
‫والعارية فهو مثل القرض( أي كما أن عقد البيع مع القرض حرام‪ ،‬فعقد البيع‬
‫مع الهبة حرام؛ لعموم الثر الثابت )كل قرض جر نفًعا فهو ربا( فمن وهب أو‬
‫أقرض رجل ً ألف ريال وباعه سلعة بأزيد من ثمنها فالمشتري لم يرض بالثمن‬
‫الزائد إل من أجل القرض أو الهبة التي يحصل عليها‪ ،‬والبائع لم يهب أو‬
‫يقرض إل مقابل ما سيجنيه من زيادة ثمن السلعة من زبائنه‪ ،‬والعمال‬
‫بالنيات‪.‬‬
‫)‪ (2‬تسمية هذه المكافأة المالية بأنها )هبة( شرعية من الشركة كذب‪،‬‬
‫وتغرير فسميت بذلك من أجل أن تخرج عن المعاوضات‪ ،‬وتدخل في عقود‬
‫التبرعات المالية حتى يغتفر ما فيها من ربا أو غرر وجهالة –وهذا غير صحيح‪،‬‬
‫فإن الهبة هي )التبرع للغير دون مقابل تمليكه المال المعلوم في زمن‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحياة( وضد )التبرع( طلب العوض‪ .‬وقال العلماء‪ :‬إذا شرط العاقد في الهبة‬
‫ما انقلبت إلى بيع وجرى فيها حينئذ ما يجري في البيوع من الربا‬ ‫ضا معلو ً‬
‫عو ً‬
‫بنوعية النساء والفضل ونحوها‪.‬‬
‫)‪ (3‬يشتمل هذا العقد على جهالة وغرر‪ ،‬ووجه ذلك أن المشتري يأخذ مبالغ‬
‫مقابل أعداد من المشترين جاؤا من بعده ل تسبب له فيهم بدللة أو نحوها‬
‫وإذا حرم الشيء على الخذ فهو حرام على المعطي )البائع( المتسبب من‬
‫باب أولى‪.‬‬
‫حا أن قيمة الشريط )‪ (500‬ريال هي أقل من قيمته الفعلية‬ ‫)‪ (4‬ليس صحي ً‬
‫حتى وإن علل بأنه النسخة الصلية فقيمة أي سلعة تختلف من حال إلى‬
‫أخرى حسب العرض والطلب‪ ،‬وحسب حاجة ورغبة للمشتري فقد يكون ما‬
‫يسمى بالنسخة الصلية عند شخص له قيمة كبيرة‪ ،‬وعند آخر ل يعنيه إل‬
‫دا غير أصلي مادام مادته سليمة‪ ،‬ول يجوز‬ ‫المحتوى ولو كان الشريط مقل ً‬
‫إلزام الناس بشراء السلعة الغالية الثمن‪ ،‬كما ل يجوز منعهم من شراء‬
‫السلعة الرخيصة ولو كانت مقلدة‪ ،‬لختلف حال الناس المالية والعتبارية‪.‬‬
‫)‪ (5‬دفع الشركة )‪ (50‬ريال ً لكل عميل يدل غيره عليها جائز ل شيء فيه؛ لن‬
‫هذا من باب البيع أو الشرط‪ ،‬وهو جائز لحديث جابر في الصحيحين لما باع‬
‫جمله للرسول واشترط حملنه إلى المدينة‪ ،‬وهذا من رسول الله –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬بيع وشرط صريحان بدليل مماكسته له )مساومته( حتى بلغ به‬
‫أوقيه من الذهب‪ .‬وقول جابر في بعض رواياته )بعته واشترطت حملنه إلى‬
‫دا وإن كيفا عليها‪.‬‬
‫أهلي( فالمماكسة والبيع ليسا من الهبة في شيء أب ً‬
‫)‪ (6‬أقل ما يقال في هذا العقد إنه من باب البيع بالوعد؛ حيث تنوي الشركة‬
‫دفع مبالغ مالية محددة لمن اشترى هذه السطوانة وجاء بعده ستة أشخاص‬
‫أو مضاعفات هذا العدد‪ ،‬والبيع بالوعد أبطله جمهور العلماء‪ ،‬وأجازه المالكية‬
‫ما للطرفين مًعا‪.‬‬ ‫بشرط أن يكوم ملز ً‬
‫دا أن تلتزم بما يقلل ربحها أو يلحقها بالخسارة‪ .‬أما‬ ‫)‪ (7‬أما الشركة فبعيد ج ً‬
‫ما بشيء وهو ل يدري أثبت له حق عند الشركة أو‬ ‫المشتري فكيف يكوم ملتز ً‬
‫ل ؟ ثم إن التزام مثل هذا في العقد يوقع النزاع والخصومة بين الناس‬
‫لسيما أنه لم يحدد للوفاء زمن معلوم للطرفين‪.‬‬
‫)‪ (8‬يدخل هذا العقد في مسألة )مد عجوة( وهي بيع ربوي بجنسه مع عوض‬
‫أو عوضين‪ ،‬وفيها تفصيل وخلف بين العلماء‪.‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫إن هذا البيع من عقود المعاوضات المالية التي ل تجوز؛ لشتماله على الربا‬
‫والجهالة والغرر‪ ،‬وتسمية ما قد يعطى للمشتري للسلعة )السطوانة( بأنه‬
‫)هبة( تزوير وحيلة لكل المال بالباطل‪ ،‬واستغفال للناس‪ ،‬ول أدل على هذا‬
‫من زعمهم أن الشركة ل تأخذ من الرباح سوى ‪ ، % 5‬أما الباقي وهو ‪%95‬‬
‫فهو يصرف جوائز للعملء !!‬
‫وصلى الله على نبينا محمد‪...‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جاري العزيز‬
‫يتناول الدرس نصيحة مشفقة للجار الذي افتقد من المسجد فهو ل يصلي‬
‫جماعة وقد يكون تاركا للصلة بالكلية‪ ،‬ولذا فقد تناول حكم تارك الصلة ثم‬
‫حكم صلة الجماعة‪ ،‬ثم بين فوائد الصلة وأثرها‪ ،‬محمل القارئ أمانة إيصال‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الرسالة إلى كل من ترك الصلة أو الجماعة‪.‬‬


‫الحمد لله الذي جعل الصلة كتابا ً موقوتا ً على المؤمنين‪ ،‬وأمر بإقامتها‬
‫والمحافظة عليها وأدائها مع جماعة المسلمين‪ ،‬أحمده على نعمه وأشكره‬
‫مّنه وكرمه‪ .‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن‬ ‫على جزيل َ‬
‫محمدا عبده ورسوله‪ ،‬توعد من تخلف عن صلة الجماعة بأشد الوعيد‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه وعلى آله وأصحابه‪ ،‬ومن تمسك بسنته‪ ،‬وسار على نهجه إلى يوم‬
‫الدين وسلم تسليما كثيرا‪ ،‬أما بعد‪ ،،،‬فإن مقام الصلة عظيم‪ ،‬وقد نوه الله‬
‫بشأنها في كتابه الكريم‪ ،‬وهي الركن الثاني من أركان السلم بعد‬
‫الشهادتين‪ ،‬وهي الفارقة بين المسلم والكافر‪ ،‬وهي عمود السلم‪ ،‬والدلة‬
‫على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة ‪ .‬والشيطان يحرص كل الحرص على‬
‫صرف المسلم عن هذه الصلة؛ لعلمه أنه إذا انصرف عنها؛ انصرف عن بقية‬
‫أحكام الدين من باب أولى‪ ،‬فإنه ل دين لمن ل صلة له‪ ،‬ول حظ له في‬
‫السلم كما قال عليه الصلة والسلم‪...] :‬وآخر ما يبقى من دينهم الصلة‪[...‬‬
‫رواه الحكيم الترمذي ‪ .‬وإن الشيطان يأتي لصرف المسلم عن هذه الصلة‬
‫من طرق كثيرة فإن تمكن من منعه منها بالكلية؛ فإنه يبذل لذلك كل ممكن‪،‬‬
‫وإن لم يتمكن من منعه منها؛ احتال عليه بمنعه من الصلة مع الجماعة‪ ،‬ثم‬
‫بمنعه من أدائها في وقتها‪ ،‬فإن لم يستطع منعه عن الجماعة أغراه بالتكاسل‬
‫والتأخر عن الحضور إلى المسجد حتى يفوته بعضها‪ ،‬ويحرمه فضيلة السبق‬
‫إلى المسجد‪ ،‬وحضور الصلة من أولها‪ ،‬وهذا هو الواقع اليوم من كثير من‬
‫المسلمين‪ ،‬فمنهم أعداد كثيرة من جيران المساجد ل يدخلون المساجد‬
‫للصلة فيها‪ ،‬أو يدخلونها لبعض الصلوات ويتركون بعضها‪ ،‬وأعداد كثيرة تحضر‬
‫إلى المساجد متأخرة ل تدرك إل بعض الصلة مع المام‪ ،‬أو ل تدرك منها‬
‫شيًئا‪ ..‬فما عذرك يا من تسمع النداء _ وقد يكون المسجد إلى جانب بيتك _‬
‫وأنت صحيح البدن‪ ،‬آمن من الخوف‪ ،‬ثم ل تحضر لصلة الجماعة؟! هل أنت‬
‫لم تسمع اليات‪ ،‬والحاديث‪ ،‬أو سمعتها وقلت‪ :‬سمعنا وعصينا؟!! إن حالتنا‬
‫اليوم مع الصلة حالة سيئة‪ ،‬خف ميزانها لدينا‪ ،‬وتساهلنا في شأنها‪ ،‬وسار‬
‫التخلف عنها أمرا ً هينا بل أمرا ً عاديًا‪ ،‬فالسرة الكبيرة في البيت ل يحضر‬
‫منها إل الفراد‪ ،‬وبعض البيوت ل يحضر منها أحد‪ ،‬والذين يحضرون ل ينكرون‬
‫على المتخلفين‪ ،‬وقد يكونون من أولدهم الذين كلفوا بأمرهم بها وضربهم‬
‫عليها ؟ فأنت ترى البيوت والسواق مكتظة بالناس ول يرتاد المساجد منهم‬
‫إل الفراد‪ ،‬والغالبية رضوا بأن يكونوا مع الخوالف‪ ،‬رضوا بالعقوبة‪ ،‬رضوا‬
‫بوصف النفاق‪ ،‬فإن من أبرز صفات المنافقين التي وصفهم الله بها في كتابه‬
‫العظيم‪ :‬التكاسل عن صلة الجماعة‪ ،‬حيث قال تعالى في وصفهم‪ {:‬وَإ َِذا‬
‫س ‪“ }[142] ...‬سورة النساء”‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫ساَلى ي َُراُءو َ‬ ‫موا ك ُ َ‬ ‫صَلةِ َقا ُ‬ ‫موا إ َِلى ال ّ‬ ‫َقا ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سالى‪“ }[54] ...‬سورة التوبة”‬ ‫م كُ َ‬ ‫صلة َ إ ِل وَهُ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وقال سبحانه‪ {:‬وَل ي َأُتو َ‬
‫ف عَن َْها _ أي‪ :‬صلة‬ ‫خل ُ‬‫ّ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ َرأي ْت َُنا وَ َ‬ ‫وقال ابن مسعود رضي الله عنه‪ ] :‬وَل َ‬
‫ق[ رواه مسلم ‪ .‬فهل ترضى أخي الحبيب أن‬ ‫فا ِ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫معُْلو ُ‬ ‫مَنافِقٌ َ‬ ‫الجماعة_ إ ِّل ُ‬
‫تكون فيك من صفات المنافقين‪ ،‬الذين هم أشد الناس عذابا ً يوم القيامة‪{:‬‬
‫صيًرا]‪[145‬إ ِّل ال ّ ِ‬ ‫قين ِفي الد ّر ِ َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫جد َ ل َهُ ْ‬‫ن تَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن الّنارِ وَل َ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫س َ‬
‫ف‬ ‫ك اْل ْ‬ ‫ْ‬ ‫مَنافِ ِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫إِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫معَ ال ُ‬‫م ل ِلهِ فَأولئ ِك َ‬ ‫صوا ِدين َهُ ْ‬ ‫خل ُ‬ ‫موا ِباللهِ وَأ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫حوا َواعْت َ َ‬ ‫صل ُ‬‫َتاُبوا وَأ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ما]‪“} [146‬سورة النساء” إن التخلف‬ ‫ظي ً‬‫جًرا عَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ال ُ‬‫ت الل ُ‬ ‫ف ي ُؤْ ِ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫عن صلة الجماعة دليل على ضعف اليمان‪ ،‬وخواء القلب من تعظيم الله‬
‫وتوقيره واحترامه‪ ،‬وإل فكيف يليق بمسلم صحيح‪ ،‬آمن‪ ،‬يسمع منادي الله كل‬
‫يوم خمس مرات وهو ينادي‪':‬حي على الصلة ‪ ..‬حي على الفلح' ثم ل‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يجيبه!! ويسمع منادي الله وهو يقول‪ ':‬الله أكبر' ثم يكون اللعب عنده أكبر !‬
‫ومشاهدة الفلم والمباريات أكبر ! والبيع والشراء أكبر ! ومشاغل الدنيا‬
‫الفانية أكبر! ويسمعه وهو يقول‪ ':‬الصلة خير من النوم' ثم يكون النوم عنده‬
‫خير من الصلة ! يقول أحد المغسلين للموتى‪ :‬ولقد جيء بميت يحمله أبوه‬
‫وإخوانه‪ ،‬ودخلنا لغسله‪ ،‬فبدأنا بتجريده من ملبسه‪ ،‬هاهو جثة نقلبها بأيدينا‬
‫لقد آتاه الله قوة في جسمه‪ ،‬وفتوة في عضلته‪ ،‬وبياضا ً ناصعا ً في بشرته‪،‬‬
‫وبينما نحن نقلب الجثة‪ ،‬وفجأة وبدون مقدمات انقلب لونه كأنه فحمة‬
‫سوداء‪ ،‬فتجمدت يداي‪ ،‬وشخصت عيناي؛ خوفا وفزعا‪ ،‬فخرجت من مكان‬
‫التغسيل‪ ،‬وأنا خائف‪ ،‬فسألت أباه‪ :‬ما شأن هذا الشاب؟ فقال‪ :‬إنه كان ل‬
‫يصلي ‪ .‬يقول المغسل‪ :‬فقلت لهم‪ :‬خذوا‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ميتكم‪ ،‬فغسلوه ‪ .‬فرفض المغسل أن يغسله‪ ،‬ورفض إمام المسجد أن يصلي‬


‫صّلي عليه‬ ‫سل ول ي ُ َ‬ ‫عليه ‪ .‬إنا لله وإنا إليه راجعون ل اله إل الله ‪ ..‬ل ي ُغَ ّ‬
‫المسلمون‪ ،‬ول يدفن في مقابر المسلمين!!‬
‫سئل الشيخ العلمة ابن عثيمين‪ :‬ما حكم تارك الصلة؟ فأجاب رحمه الله‬
‫تعالى بقوله‪ ':‬إن ترك الصلة كفر مخرج عن الملة‪ ،‬فالذي ل يصلي كافر‬
‫خارج عن الملة‪ ،‬وإن كان له زوجة؛ انفسخ نكاحه منها‪ ،‬ول تحل ذبيحته‪ ،‬ول‬
‫يقبل منه صوم‪ ،‬ول صدقة‪ ،‬ول يجوز أن يذهب إلى مكة فيدخل الحرم‪ ،‬وإذا‬
‫صّلى عليه ول يدفن مع‬ ‫فن ول ي ُ َ‬ ‫سل ول ي ُك َ ّ‬ ‫مات؛ فإنه ل يجوز أن ي ُغَ ّ‬
‫المسلمين‪ ،‬وإنما يؤخذ به إلى البر‪ ،‬ويحفر له حفرة يرمى فيها‪ ،‬ومن مات له‬
‫قريب وهو يعلم أنه ل يصلي ـ والكلم للشيخ ـ فإنه ل يحل له أن يخدع الناس‬
‫ويأتي به إليهم ليصلوا عليه؛ لن الصلة على الكافر محرمة؛ لقوله تعالى‪{:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪“} [84]...‬سورة التوبة”‬ ‫م عََلى قَب ْرِ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫دا وََل ت َ ُ‬ ‫ت أب َ ً‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫حد ٍ ِ‬ ‫ل عََلى أ َ‬ ‫وََل ت ُ َ‬
‫ص ّ‬
‫' انتهى كلمه مختصرا حفظه الله‪.‬‬
‫وسئلت 'اللجنة الدائمة للفتاء'‪ :‬هناك أناس ل يصلون الفرائض الخمس‬
‫قا إل صلة الجمعة‪ ،‬فما حكم الميت منهم؟ وهل يجب على المسلمين‬ ‫مطل ً‬
‫دفنه والصلة عليه؟ فأجابت' اللجنة' بقولها‪ ':‬إذا كان الواقع كما ذكر‪ ،‬فإن‬
‫تركها جاحدا ً لوجوبها عليه‪ ،‬فهو كافر بإجماع المسلمين‪ .‬أما إن تركها كسل ً‬
‫مع اعتقاد وجوبها‪ ،‬فهو كافر على الصحيح من أقوال العلماء؛ للدلة الثابتة‪،‬‬
‫الدالة على ذلك‪ ،‬وعلى هذا القول الصحيح‪ :‬ل يغسل‪ ،‬ول يصلي عليه‬
‫المسلمون صلة الجنازة‪ ،‬ول يدفن في مقابر المسلمين' انتهى ‪.‬‬
‫فأي خاتمة سيئة لهذا العبد ! وأي عار وفضيحة لهله وإخوانه! هذا في الدنيا‪،‬‬
‫ن]‪[5‬‬ ‫هو َ‬ ‫سا ُ‬ ‫م َ‬ ‫صَلت ِهِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن]‪[4‬ال ّ ِ‬ ‫صّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫وما عند الله أشد‪ {:‬فَوَي ْ ٌ‬
‫صلى‬‫ّ‬ ‫}“سورة الماعون” فيا أيها المتهاون بالصلة‪ ..‬يا تارك الجماعة قبل أل ي ُ َ‬
‫حم عليك‪ ..‬استجب ما دمت في مهل‪ ،‬واقبل هذه الكلمات‬ ‫عليك‪ ..‬قبل أل ي ُت ََر ّ‬
‫وهذه التوجيهات من قلب أحبك ويخشى عليك من غضب الجبار‪ ،‬فل يغرنك‬
‫حلم الله وإمهاله لك‪ ،‬إن بعض الناس قد يسخر بالمصلين‪ ،‬ويستهزئ بالصلة‪،‬‬
‫ويلمزهم إن نصحوه وأمروه بالصلة مع الجماعة‪ ،‬وقد يتفوه البعض بكلمات‬
‫تتزلزل لها الرض والسماوات‪ ،‬وتتقطع لها قلوب المؤمنين والمؤمنات‪ ،‬فل‬
‫م‬ ‫َ‬
‫من ْت ُ ْ‬
‫إله إل الله ما أحلم الله على عباده! وما أوسعه وأكبره على أولئك‪َ {:‬ءأ ِ‬
‫ن ِفي‬ ‫ف بك ُم اْل َرض فَإَذا هي تمور]‪[16‬أ َ َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْت ُ ْ‬
‫مأ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ِ ِ َ َ ُ ُ‬ ‫س َ ِ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ماِء أ ْ‬ ‫س َ‬‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫قد ْ ك ذ ّ َ‬ ‫ر]‪[17‬وَل َ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ف نَ ِ‬‫ن كي ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ست َعْل ُ‬ ‫صًبا ف َ‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سل عَلي ْك ْ‬ ‫ن ي ُْر ِ‬
‫ماِء أ ْ‬‫س َ‬‫ال ّ‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ر]‪“} [18‬سورة الملك” فيا من تتكلم بتلك‬ ‫كي ِ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ف َ‬


‫كا َ‬ ‫م فَك َي ْ َ‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫الكلمات‪ ،‬وتسخر بالصالحين الناصحين ألم تحسب لغضب الله حسابا؟ أليس‬
‫الله قادرا ً على أن يشل جسدك‪ ،‬أو يوقف أركانك‪ ،‬أو يخرس لسانك؟ ألم‬
‫يكفك ترك الصلة لتتفوه بهذه الكلمات‪ ،‬وتبارز بها جبار الرض والسماوات‪،‬‬
‫ن]‪“} [14‬سورة‬ ‫سُبو َ‬‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬‫م َ‬‫ن عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ل َرا َ‬ ‫ولكن صدق الله‪ {:‬ك َّل ب َ ْ‬
‫المطففين” ‪.‬‬
‫أخي الحبيب يا من فقدناه في مسجدنا‪ ،‬يا من تخلف عن صلة الجماعة‪ :‬ألم‬
‫يأن لك أن تندم على سيئاتك‪ ،‬وتقلع عنها؟ ألم يأن لقلبك أن يخشع لذكر الله‬
‫وما نزل من الحق؟ إلى متى وأنت بعيد عنا‪ ،‬فلو مرضت‪ ،‬أو مت ما علمنا!‬
‫ألم تعلم أننا نحزن إذا فقدناك‪ ،‬ونفرح والله إذا رأيناك‪ ..‬وليس لنا من المر‬
‫ل عَل َي َْها‪[15]...‬‬‫ض ّ‬‫ما ي َ ِ‬‫ل فَإ ِن ّ َ‬‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫دي ل ِن َ ْ‬ ‫ما ي َهْت َ ِ‬ ‫دى فَإ ِن ّ َ‬‫ن اهْت َ َ‬ ‫م ِ‬
‫شيء { َ‬
‫}“سورة السراء” إلى متى وأنت تحرم نفسك الراحة‪ ،‬والسعادة‪ ،‬والمن‪،‬‬
‫والطمئنان؟! إننا نسمع ونقرأ قصص التائبين والتائبات‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬لم‬
‫نركع لله ركعة‪ ،‬ولم نسجد لله سجدة ‪ .‬سبحان الله ! أيعقل أن مسلما ً يشهد‬
‫أن ل إله إل الله ل يصلي؟! أيها الحبيب‪:‬كل شيء إل الصلة‪ ،‬فإنها العهد الذي‬
‫صَل ِ‬
‫ة[ رواه‬ ‫ك ال ّ‬ ‫فرِ ت َْر ُ‬ ‫ك َوال ْك ُ ْ‬ ‫شْر ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫ل وَب َي ْ َ‬ ‫ج ِ‬
‫ن الّر ُ‬ ‫بيننا وبين الكافرين‪ ] :‬ب َي ْ َ‬
‫مسلم وأبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد ‪ .‬أترضى أن يقال لك‪ :‬كافر؟!! ل‬
‫والله فإننا ل نرضاه لك‪ ..‬نعوذ بالله من حال الكافرين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أخي الحبيب إنك إن حافظت على الصلة؛ فأنت على خير مهما وقع منك‪،‬‬
‫إنها الصلة بينك وبين الله‪ ،‬فهل استغنيت عن الله يوم أن قطعت الصلة بينك‬
‫وبينه؟! إن لك ربا ً برًا‪ ،‬رحيمًا‪ ،‬يفرح بتوبتك‪ ،‬فأقبل عليه‪ ..‬إن حلم الله أوسع‬
‫من إصرارك‪ ،‬ورحمته أعظم من ذنبك‪ ،‬فتب إلى الله قبل أن يحال بينك وبين‬
‫التوبة‪ ..‬أسألك بالله العظيم‪ :‬أيسرك أن تموت وأنت على هذه الحال مع‬
‫ل‪ ،‬ارجع لنفسك‪ ،‬ألم تسمع‬ ‫الصلة؟!! اسأل نفسك‪ ،‬حاسب نفسك‪ ،‬كن عاق ً‬
‫قَر]‪ } [42‬فأول الجابة‪َ {:‬قاُلوا‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سل َك َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫للمجرمين عندما يسألون‪َ {:‬‬
‫ن]‪“} [43‬سورة المدثر” فكر بحالك يوم القيامة‪ ..‬يوم‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫صّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫لَ ْ‬
‫جودِ‬ ‫س ُ‬‫ن إ َِلى ال ّ‬ ‫ق وَي ُد ْعَوْ َ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ي ُك ْ َ‬ ‫تدعى إلى السجود فل تستطيع { ي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫خاشع ً َ‬
‫ن إ ِلى‬ ‫َ‬
‫ة وَقد ْ كاُنوا ي ُد ْعَوْ َ‬ ‫َ‬ ‫م ذِل ٌ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫م ت َْرهَ ُ‬ ‫صاُرهُ ْ‬ ‫ة أب ْ َ‬ ‫ن]‪َ ِ َ [42‬‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫فََل ي َ ْ‬
‫ن]‪“} [43‬سورة القلم” كانوا يدعون بـ'حي على‬ ‫مو َ‬ ‫سال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫جود ِ وَهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ال ّ‬
‫الصلة‪ ..‬حي على الفلح' ويسمعون فل يستجيبون‪.‬‬
‫أخي الكريم‪ ..‬يا جارنا العزيز‪ ..‬يا من فقدناه في مسجدنا‪ :‬ألم تسمع بهذا‬
‫الوعد والوعيد‪ ،‬والتهديد الشديد من النبي الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫َ‬
‫س‬
‫ي ِبالّنا ِ‬ ‫صل ّ َ‬‫جًل فَي ُ َ‬ ‫مَر َر ُ‬ ‫مآ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫صَلةِ فَت ُ َ‬ ‫مَر ِبال ّ‬ ‫نآ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ْ ه َ َ‬ ‫عندما قال‪ ] :‬ل َ َ‬
‫صَلةَ‬ ‫ب إ َِلى قَوْم ٍ َل ي َ ْ‬ ‫ثُ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫دو َ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫حط َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫حَز ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ٍ‬ ‫مِعي ب ِرِ َ‬ ‫م أن ْط َل ِقَ َ‬ ‫ّ‬
‫فَأ ُ‬
‫م ِبالّناِر[ رواه البخاري ومسلم ‪ .‬وفي رواية للمام أحمد‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫يو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬
‫ساِء َوالذ ّّري ّ ِ‬
‫ة‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫يو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ما‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫]‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫أنه َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ِبالّناِر[ إن‬ ‫ما ِفي الب ُُيو ِ‬ ‫ن َ‬ ‫حرُِقو َ‬ ‫ت فِت َْياِني ي ُ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫شاِء وَأ َ‬ ‫صلةَ العِ َ‬ ‫صلة َ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫َلقَ ْ‬
‫م أن يحرق على هؤلء المتخلفين عن صلة‬ ‫مه ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الرسول َ‬
‫الجماعة تلك البيوت التي تؤويهم عن أداء هذا الواجب العظيم‪ ،‬فيذهب‬
‫الحريق بنفوسهم وأموالهم؛ عقابا ً لهم على ترك هذه الشعيرة‪ ،‬وهذه عقوبة‬
‫غليظة ل تكون إل على جريمة عظيمة ‪ .‬إنه لو أحرق بيت على من فيه بالنار؛‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لفزع الناس من ذلك فزعا ً شديدًا‪ .‬ولو جعل ذلك لمن يترك الجماعة؛ لكان‬
‫جزاؤه شرعًا‪.‬‬
‫إن الصحابة كانوا يهتمون بصلة الجماعة وينكرون بشدة على من تخلف عنها‬
‫سّرهُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ويصفونه بالنفاق‪ ،‬فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪َ ] :‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن فَإ ِ ّ‬ ‫ث ي َُناَدى ب ِهِ ّ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫صل َ َ‬‫ظ عََلى هَؤَُلِء ال ّ‬ ‫حافِ ْ‬ ‫ما فَل ْي ُ َ‬ ‫سل ِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫دا ُ‬ ‫ه غَ ً‬ ‫قى الل ّ َ‬ ‫ن ي َل ْ َ‬ ‫أ ْ‬
‫دى‬ ‫ن ال ْهُ َ‬ ‫سن َ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دى وَإ ِن ّهُ ّ‬ ‫ن ال ْهُ َ‬ ‫سن َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫شَرع َ ل ِن َب ِي ّك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫سن ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ف ِفي ب َي ْت ِهِ لت ََرك ْت ُ ْ‬ ‫خل ُ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ذا ال ُ‬ ‫صلي هَ َ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫م كَ َ‬ ‫م ِفي ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫صلي ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وَل َوْ أن ّك ُ ْ‬
‫ن الط ُّهوَر ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫س ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل ي َت َط َهُّر فَي ُ ْ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬‫م وَ َ‬ ‫ضل َل ْت ُ ْ‬‫م لَ َ‬ ‫ة ن َب ِي ّك ُ ْ‬ ‫سن ّ َ‬‫م ُ‬ ‫م وَل َوْ ت ََرك ْت ُ ْ‬ ‫ن َب ِي ّك ُ ْ‬
‫ها‬
‫خطو َ‬‫ُ‬ ‫خطوَةٍ ي َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫هل ُ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫ّ‬
‫جدِ إ ِل ك َت َ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ن هَذِهِ ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫جد ٍ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫مد ُ إ ِلى َ‬ ‫ي َعْ ِ‬
‫ف عَن َْها إ ِلّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سي ّئ َ ً‬ ‫ّ‬
‫خل ُ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫قد ْ َرأي ْت َُنا وَ َ‬ ‫ة وَل َ‬ ‫ه ب َِها َ‬ ‫حط عَن ْ ُ‬ ‫ة وَي َ ُ‬ ‫ج ً‬
‫ه ب َِها د ََر َ‬ ‫ة وَي َْرفَعُ ُ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫قا َ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ل ي ُؤَْتى ب ِهِ ي َُهاَدى ب َي ْ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جلي ْ ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫قد ْ كا َ‬ ‫ق وَل َ‬ ‫فا ِ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫معْلو ُ‬ ‫مَنافِقٌ َ‬ ‫ُ‬
‫ف [ رواه مسلم وأبوداود وابن ماجه وأحمد‪ .‬فهذه مكانة صلة‬ ‫ص ّ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫الجماعة عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وحكمهم على من‬
‫تخلف عنها بأنه عندهم منافق معلوم النفاق‪ ،‬ينبذونه ويهجرونه ‪ .‬والمتخلف‬
‫عن الصلة اليوم أخ عزيز لدينا نكرمه‪ ،‬ونخالطه‪ ،‬ونعاشره ما كأنه ارتكب‬
‫جريمة‪ ،‬وما كأنه عصى الله ورسوله‪ ،‬وهذا مما يدل على أن ميزان الصلة‬
‫لدينا خفيف‪ ،‬وأمرها هين ‪.‬‬
‫فتبين لنا من القرآن الكريم‪ ،‬والسنة المطهرة‪ ،‬وعمل الصحابة‪ ،‬وعمل‬
‫المسلمين إلى يومنا هذا‪ :‬وجوب صلة الجماعة‪ ،‬ووجوب النكار على من‬
‫تخلف عنها ومعاقبته‪ ،‬ويتعين ذلك على ولي أمره‪ ،‬وإخوانه‪ ،‬وعلى إمام‬
‫المسجد وجماعته فإنهم يشتركون في الثم إن سكتوا عنه ‪.‬‬
‫فالله الله بتارك الصلة بنصحه‪ ،‬والنكار عليه‪ ،‬فإن لم يستجب فالتضييق‬
‫عليه‪ ،‬وهجره‪ ،‬وعدم قبوله في الحي حتى يرحل عنه‪ ،‬أو يصلي مع جماعة‬
‫المسلمين‪ ،‬ول يجوز تركه بحال من الحوال‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وويل لولئك الباء الذين يرون أبناءهم على هذا المنكر العظيم‪ ،‬فل يحركون‬
‫ساكنًا‪ ،‬بل ويجلسون معهم‪ ،‬ويشربون‪ ،‬ويأكلون معهم‪ ،‬فل ينصحون‪ ،‬ول‬
‫يضربون‪ ،‬ول يهجرون‪ ،‬وكلها وسائل شرعية‪ ،‬فقد أمر صلى الله عليه وسلم‬
‫بالنصح تارة‪ ،‬وبالضرب تارة‪ ،‬وبالهجر تارة‪ ،‬ويل لولئك الباء ‪ .‬والنبي صلى‬
‫حهِ إ ِّل‬ ‫ص ِ‬ ‫حط َْها ب ِن ُ ْ‬ ‫ة فَل َ ْ‬
‫م يَ ُ‬ ‫عي ّ ً‬‫ه َر ِ‬‫عاه ُ الل ّ ُ‬‫ست َْر َ‬ ‫ن عَب ْدٍ ا ْ‬ ‫م ْ‬‫ما ِ‬ ‫الله عليه وسلم يقول‪َ ] :‬‬
‫ة[ رواه البخاري ومسلم ‪ .‬فتنبه يا ولي المر لبنائك وبناتك‬ ‫جن ّ ِ‬‫ة ال ْ َ‬‫ح َ‬‫جد ْ َرائ ِ َ‬ ‫لَ ْ‬
‫م يَ ِ‬
‫ونسائك واهتم بأمر الصلة فإن شأنها عظيم ‪.‬‬
‫صَلة َ وََءاُتوا‬ ‫َ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ولم يأمر عز وجل بإقامة الصلة فحسب بل قال‪ {:‬وَأِقي ُ‬
‫ن]‪“} [43‬سورة البقرة” وهو نص في وجوب صلة‬ ‫معَ الّراك ِِعي َ‬ ‫كاةَ َواْرك َُعوا َ‬ ‫الّز َ‬
‫الجماعة‪ ،‬ومشاركة المسلمين في صلتهم‪ ،‬ولو كان المقصود إقامتها فقط‬
‫صَلة َ } ‪.‬‬ ‫َ‬
‫موا ال ّ‬ ‫لكتفى بقوله في أول الية‪{ :‬وَأِقي ُ‬
‫أخي الحبيب يا من فقدناه في مسجدنا أرجوك أن تفكر بهذه الدلئل‬
‫والبراهين الواضحات إن كنت تريد الحق‪ ،‬ونبذ الهوى‪:‬‬
‫ألم تعلم أن الله لم يعذر المسلم في حال الحرب بتركه للجماعة‪ ،‬بل أمره‬
‫بها في وقت عصيب‪ ،‬يواجه المسلمون فيه عدوهم‪ ،‬فقال جل وعل‪ {:‬وَإ َِذا‬
‫م َ‬ ‫صَلة َ فَل ْت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ك‪“ }[102]...‬سورة‬ ‫معَ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ة ِ‬‫ف ٌ‬‫طائ ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ت ل َهُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م فَأقَ ْ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫ك ُن ْ َ‬
‫النساء” فهل تظن أخي الحبيب أن صلة الجماعة تجب على هؤلء في هذه‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الظروف الحالكة‪ ،‬ول تجب على رجل يتقلب في فراشه الوثير آمنا ً مطمئنا ً‬
‫معافى؟!‬
‫ألم تعلم أن الله لم يعذر العمى بتركه الجماعة‪ ،‬بل أمره بها رغم ظروفه‬
‫ل‪ :‬أ َتى النبي صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّم رج ٌ َ‬ ‫العصيبة‪ ،‬فع َ‬
‫مى‬ ‫ل أعْ َ‬ ‫ْ ِ َ َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ َقا َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ل الل ِّ‬
‫ه‬ ‫سو َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قودني إَلى ال ْمسجد فَسأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ئ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫لي‬ ‫س‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ِ ِ‬ ‫ِ ٌ َ ُِ ِ‬ ‫ِ ِّ ُ ْ َ ِ‬ ‫ل‪َ :‬يا َر ُ‬
‫ما وَّلى‬ ‫َ‬
‫ه فَل َ ّ‬ ‫ص لَ ُ‬ ‫خ َ َ‬ ‫ي ِفي ب َي ْت ِهِ فََر ّ‬ ‫صل ّ َ‬ ‫ه فَي ُ َ‬ ‫ص لَ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ي َُر ّ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ب[ رواه مسلم‬ ‫ِ ْ‬ ‫ج‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫]‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫َ ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ة[‬‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ص‬‫َ ِ ّ‬ ‫بال‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫دا‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ْ َ ُ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫]‬ ‫ل‪:‬‬‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫دَ ُ‬
‫ه‬ ‫عا‬‫َ‬
‫داِر‬ ‫سعُ ال ّ‬ ‫شا ِ‬ ‫صرِ َ‬ ‫ْ‬
‫ريُر الب َ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫والنسائي ‪ .‬وفي رواية لبي داود قال‪ :‬إ ِّني َر ُ‬
‫ة أَ ُ‬
‫ع‬
‫م ُ‬‫س َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫ل‪] :‬هَ ْ‬ ‫ي ِفي ب َي ِْتي َقا َ‬ ‫صل ّ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ص ٌ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ل ِلي ُر ْ‬ ‫مِني فَهَ ْ‬ ‫وَِلي َقائ ِد ٌ َل ي َُلئ ِ ُ‬
‫جد ُ ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ة[ وفي رواية لبي داود أيضا‬ ‫ص ً‬ ‫خ َ‬ ‫ك ُر ْ‬ ‫ل‪َ ] :‬ل أ ِ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ل‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫داَء[ َقا َ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ي‬
‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫سَباِع فَ َ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫وا ّ‬ ‫ْ‬
‫ة كِثيَرةُ الهَ َ‬ ‫َ‬ ‫دين َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫ل اللهِ إ ِ ّ‬‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫والنسائي قال‪َ ':‬يا َر ُ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي هَل[‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫فلِح فَ َ‬ ‫ي عَلى ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ص لة ِ َ‬ ‫ي عَلى ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫مع ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫م‪] :‬أت َ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫يا أخي الحبيب هل تجب صلة الجماعة على هذا الصحابي الذي جمع بين فقد‬
‫البصر‪ ،‬وبعد الدار‪ ،‬وخوف الطريق‪ ،‬وعدم القائد‪ ،‬ول تجب على المبصر‪،‬‬
‫المجاور للمسجد‪ ،‬الذي يسمع عند كل صلة أكثر من عشرين مؤذنا ً كلهم‬
‫ينادي‪ ':‬حي على الصلة‪ ..‬حي على الفلح' ‪ .‬فيا من فقدناه في صلة‬
‫الجماعة هل تجد لك رخصة بعد هذه الدلة‪ ،‬فإن لم يعذر هؤلء فما هو عذرك‬
‫غدا ً أمام الله؟! وما هي إجابتك في أول سؤال ستسأله‪ ،‬فإن أول ما يحاسب‬
‫عليه العبد يوم القيامة الصلة ‪.‬‬
‫ثم انظر لحكم الصلة وفوائدها العظيمة‪ ،‬فإن منها‪:‬‬
‫أنها سبب للمودة‪ ،‬واللفة‪ ،‬والترابط بين جماعة المسلمين‪ ،‬فنحن نراك‬
‫م حرمت نفسك من المحبة والترابط‪ ،‬فأنت‬ ‫خمس مرات في اليوم والليلة فَل ِ َ‬
‫بحاجة لخوانك وجيرانك؟!‬
‫وهي سبب لتحصيل الجور‪ ،‬والحسنات‪ ،‬وتكفير الذنوب ومحو السيئات‪ ،‬فبكل‬
‫خطوة ترفع لك درجة‪ ،‬ويحط عنك خطيئة‪ ،‬وهي كفارة لما بينها‪ ،‬والملئكة‬
‫تصلي عليك‪ ،‬وتستغفر لك ما دمت في مصلك أ َفَت َُراك استغنيت عن هذا كله‬
‫بترك الصلة في المسجد؟!‪.‬‬
‫وهي سبب للسعادة‪ ،‬والطمئنان‪ ،‬وترك الهموم والقلق‪ ،‬فإن الصلة نور‬
‫لصاحبها في قلبه‪ ،‬وفي وجهه‪ ،‬وفي قبره‪ ،‬وقد مزقت الهموم والغموم قلوب‬
‫كثير ممن هجروا المساجد فانظر لحالهم‪ ،‬فإن سيماهم في وجوههم من أثر‬
‫المعاصي والذنوب‪ ..‬وفوائد الصلة كثيرة جدا ولو لم يكن منها إل أنها طاعة‬
‫لله الذي خلقك‪ ،‬فأحسن خلقتك‪ ،‬وأنعم عليك‪ ،‬ورزقك‪ ،‬وامتن عليك بصحة‬
‫وعافية‪ ،‬أفيجوز أن يعافيك‪ ،‬وأن يعطيك هذا كله ثم يأمرك‪ ،‬فتعصي؟!! إنها‬
‫صفة اللئام‪ ،‬وإنها الدناءة‪ ،‬والخسة‪ ،‬والفجور أن ينعم عليك‪ ،‬فتعصيه‪ .‬إن‬
‫الصرار على المعصية قد يكون سببا ً في سوء الخاتمة‪ ،‬فإن الذنوب ما تزال‬
‫بالرجل العظيم حتى تميت قلبه‪ ،‬وتورده جهنم‪ ،‬فاصدق مع الله‪ ..‬حاسب‬
‫نفسك‪ ..‬ارجع إلى نفسك قبل غرغرة الروح‪ ..‬تضرع إلى الله بالدعاء‪ ..‬خذ‬
‫ن‬
‫بالسباب المادية‪ :‬من نوم مبكر‪ ،‬ووضع منبه‪ ،‬وجاهد النفس‪ ،‬وتذكر‪ {:‬وَإ ِ ّ‬
‫ن]‪“ }[11‬سورة النفطار”‪.‬‬ ‫كات ِِبي َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن]‪[10‬ك َِرا ً‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫م لَ َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫هذه رسالة إلى أخينا وجارنا الذي افتقدناه في صلة الجماعة ‪ ،‬فهل أمام هذا‬
‫البيان من عذر؟ وهل لهم حجة أمام الله؟ هذه الرسالة أمانة في عنق كل‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل ‪ ،‬ليصالها إلى كل تارك لصلة الجماعة‪ ،‬فلنجتهد‪ ،‬فلنجتهد في نصحهم ‪،‬‬ ‫ص ّ‬


‫م َ‬
‫ُ‬
‫ولنجتهد في إيصال مثل هذه الرسالة لهم ‪ ،‬ولنذكرهم بالله ولنخوفهم بالله‬
‫ولنعذر أمام الله‪ ،‬ولنبرئ أنفسنا أمام الله اللهم فاشهد ‪ ،‬اللهم إني بلغت ‪.‬‬
‫من خطبة‪:‬جاري العزيز للشيخ‪ /‬إبراهيم الدويش‬

‫)‪(5 /‬‬

‫لسلمية‬ ‫شريعة ا ِ‬ ‫جتهاد ُ في ال ّ‬


‫حكمه‪ ،‬شرائطه‪ ،‬حجيته‪ ،‬أقسامه‪ ،‬آثاره‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫مقدمة‪ :‬الجتهاد‪ ،‬وحكمه‬
‫ل الجهد لمعرفة حكم الله عز وجل في أمر ما‪ ،‬طبق‬ ‫إذا كان الجتهاد‪ ،‬بذ َ‬
‫دة كل مسلم‬ ‫ضوابطه وأصوله المعروفة‪ ،‬فالجتهاد ينبغي إذن أن يكون ع ّ‬
‫ورفيقه في تعامله مع الله عز وجل من خلل تنفيذ أوامره والنتهاء عن‬
‫نواهيه‪.‬‬
‫ذلك هو الصل في الوظيفة التي أقام الله عليها عبادة الذين أسلموا له‪،‬‬
‫وخضعوا للميثاق الذي واثقهم به‪ .‬إذ إن استخراج أحكام الله من مصادرها‪،‬‬
‫ليست دائما ً من اليسر والسهولة بحيث ل تحتاج إلى أي جهد‪ .‬بل العكس هو‬
‫الواقع في الغالب‪ .‬ولله عز وجل في ذلك حكمة باهرة‪ ،‬ل مجال للخوض فيها‬
‫في هذا المقام‪.‬‬
‫غير أن اللطف اللهي بالعباد‪ ،‬اقتضى الرأفة بهم‪ ،‬نظرا ً إلى تفاوتهم في‬
‫القدرات الفكرية ووسائل الدراية والستنباط‪ ،‬ونظرا ً إلى اختلفهم في‬
‫النصراف إلى المشاغل الدنيوية والمرهقات المعيشية التي تحول دون‬
‫إمكان قيامهم جميعا ً بهذا الواجب على السواء وبالوجه السليم‪.‬‬
‫فكان من رأفته بهم أن رخص لهم في اتباع من أتيح لهم النهوض بهذا الجهد‪،‬‬
‫مل‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫سأ َُلوا أ َهْ َ‬
‫ل الذ ّك ْرِ إ ِ ْ‬ ‫وذلك من خلل خطابه الذي قال لهم فيه‪َ} :‬فا ْ‬
‫ن{ ]النحل‪.[16/43 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫وبهذا تحول ما كان في أصله واجبا ً عينيا ً إلى واجب كفائي‪ .‬إن قام به من‬
‫يقعون موقعا ً من الكفاية التي تحتاج إليها المة في التّبصر بأحكام دينها‪،‬‬
‫سقطت مسؤولية هذا الواجب الجتهادي عن الباقين‪.‬‬
‫ومن هنا ندرك ضرورة وجود طائفة من العلماء المجتهدين في كل عصر‪ .‬إذ‬
‫ل يخلو كل زمن من جديد لم يكن موجودا ً أو معلوما ً من قبل‪ ،‬يحتاج‬
‫المسلمون إلى معرفة حكم الله فيه‪ .‬وإنما سبيل ذلك الجتهاد‪ .‬فإن خل عصر‬
‫ورط المسلمون كلهم من‬ ‫من العصور عن العدد الكافي من المجتهدين‪ ،‬ت ّ‬
‫جراء ذلك التقصير‪ ،‬في معصية ل ترتفع عن كواهلهم إل بوفرة هذه الطائفة‬
‫الكافية من العلماء الذين بلغوا مبلغ القدرة الجتهادية على استنباط الحكام‬
‫من مصادرها‪.‬‬
‫ً‬
‫ويتلخص الدليل على فرضية الجتهاد كفائيا في الدليلين التاليين‪:‬‬
‫أولهما جميع النصوص الدالة على وجوب طاعة الله ورسوله‪ ،‬من مثل قول‬
‫الله تعالى‪} :‬قُ ْ َ‬
‫ل{ ]آل عمران‪ [3/32 :‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫سو َ‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫لأ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]النفال‪ ،[8/20 :‬وقوله‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫م تَ ْ‬
‫ه وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ه َول ت َوَل ّ ْ‬
‫وا عَن ْ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫}أ ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم فيما رواه مالك في موطئه‪)) :‬وقد تركت فيكم إن‬
‫تمسكتم به لن تضلوا بعدي‪ ،‬كتاب الله وسنتي((‪.‬‬
‫ووجه الدللة‪ ،‬أن الله تعالى إذا أوجب عليهم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنه‪ ،‬مما قد ورد في كتابه أو سنة رسوله‪ ،‬فقد أوجب عليهم بذل الجهد‬
‫اللزم لفهم ما قد دلت عليه نصوص كل منهما‪ .‬ذلك لن ما ل يتم الواجب إل‬
‫به فهو واجب‪ .‬وهي قاعدة أصولية معروفة‪.‬‬
‫ن كُ ّ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ْ َ َ ِ ْ‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫كا‬ ‫روا‬
‫م ُ َ َِْ ِ ُ‬
‫ف‬‫ن‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ن‬‫نو‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫ثانيهما قول الله عز وجل‪َ} :‬وما كا َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[9/122 :‬‬ ‫دي ِ‬
‫قُهوا ِفي ال ّ‬
‫ف ّ‬
‫ة ل ِي َت َ َ‬
‫ف ٌ‬
‫م طائ ِ َ‬ ‫فِْرقَةٍ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ووجه الستدلل بها أن نعلم بأن الجهاد من أهم ما قد شرعه الله وفرضه‬
‫على عباده‪ .‬فإذا أمر مع ذلك بتخّلف نفر من الناس عن الخروج إلى الجهاد‪،‬‬
‫لكي يتفرغوا للتفقه في الدين الذي هو استنباط الحكام من نصوص الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬فإن ذلك من أجلى الدلة على أن الجتهاد في فهم أحكام الدين‬
‫فريضة كالجهاد‪ ،‬ولكنه فرض كفائي يكفي في القيام به نفر من الناس‪،‬‬
‫بشرط أن يكونوا من الكثرة بحيث يشكلون مرجعا ً كافيا ً لعامة الناس‪ ،‬فيما‬
‫قد يستشكلونه أو يسألون عنه‪.‬‬
‫ولكن هل يغني عامة الناس‪ ،‬ويرفع عنهم الوزر‪ ،‬أن يتبعوا أئمة مجتهدين قد‬
‫ماتوا وخلوا من قبل‪ ،‬أم لبد ّ أن ينهض من بينهم من يتعلم فيرقى إلى رتبة‬
‫الجتهاد‪ ،‬كي يكون لهم في اتباعه ما يغنيهم عن تقليد الموات؟‬
‫ً‬
‫الصحيح الذي عليه جمهور العلماء‪ ،‬جواز تقليد المجتهد وإن كان ميتا‪ .‬فإن‬
‫ي‬‫ّ‬ ‫للح‬ ‫القوال الجتهادية ل تموت بموت أصحابها‪ .‬يقول ابن القيم‪)) :‬هل يجوز‬
‫تقليد الميت والعمل بفتواه من غير اعتبارها بالدليل الموجب لصحة العمل‬
‫بها؟‪ ..‬فيه وجهان لصحاب المام أحمد‪ .‬فمن منعه قال يجوز تغيير اجتهاده لو‬
‫كان حيًا‪ ..‬والثاني يقول بالجواز‪ .‬وعليه عمل المقلدين في أقطار الرض‬
‫وخيار ما بأيديهم تقليد الموات‪ ،‬والقوال ل تموت بموت قائليها‪ ،‬كما ل تموت‬
‫الخبار بموت رواتها(()‪.(1‬‬
‫ويقول الدهلوي في كتابه حجة الله البالغة ))إن هذه المذاهب الربعة المدونة‬
‫المحررة قد أجمعت المة أو من يعتد ّ به منها على جواز تقليدها إلى يومنا‬
‫هذا‪ .‬وفي ذلك من المصالح ما ل يخفى‪ .‬لسيما في هذه اليام التي قصرت‬
‫فيها الهمم‪ ،‬وأشربت النفوس الهوى‪ ،‬وأعجب كل ذي رأي برأيه((‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أقول‪ :‬وهذا رأي الشيعة المامية أيضًا‪ :‬إذ الئمة المعصومون الذين خلوا من‬
‫قبل‪ ،‬ل تزال أقوالهم هي المرجع في كل ما قد أبرموا القول فيه‪ ،‬غير أن‬
‫أقوالهم ل تسمى عندهم اجتهادا ً بالمعنى المتداول عند أهل السنة‪ .‬إذ‬
‫الجتهاد عند الجمهور قابل للخطأ‪ ،‬نظرا ً إلى أنه صادر من جهده الشخصي‪،‬‬
‫أما عند الشيعة فالعصمة عن الخطأ هي السمة التي لبد ّ أن يتصف الئمة‬
‫بها‪ .‬ومن ثم فإن أقوالهم التي صدروا عنها في الحكام‪ ،‬بمثابة وحي علوي‪،‬‬
‫أو هو اجتهاد‪ ،‬ولكنه اجتهاد معصوم عن تسرب الخطأ إليه‪.‬‬
‫بقي أن نقول‪ :‬إن خضوع الجتهاد للفرض الكفائي في كل زمن‪ ،‬يضفي‬
‫إشكال ً كبيرا ً على المقولة الدارجة على كثير من الفواه‪)) :‬إن باب الجتهاد‬
‫قد أغلق منذ أوائل القرن الخامس(( ولسوف نناقشها‪ ،‬ونوضح وجه الحق‬
‫فيها‪ ،‬في المكان المناسب من هذا البحث إن شاء الله‪.‬‬
‫موضوع الجتهاد‪ ،‬والمحور الذي يدور عليه‪:‬‬
‫يدور الجتهاد في الشريعة السلمية‪ ،‬مهما تنوع‪ ،‬على محور النص من القرآن‬
‫ل مرتبطا ً به‪ ،‬خاضعا ً له‪ ،‬باحثا ً عنه‪ .‬ذلك لن الجتهاد في‬
‫أو السنة‪ ،‬فهو يظ ّ‬
‫مسألة ما من مسائل الدين‪ ،‬ل يعدو أن يكون استجلء لمدى صحة النص‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وثبوته‪ ،‬أو تبينا ً لمعناه ودللته‪ ،‬ويدخل في الحالة الثانية البحث في مدى‬
‫عموم النص أو خصوصه‪ ،‬أو إطلقه أو تقييده‪ ،‬وفي مدى خضوعه للتأويل‪،‬‬
‫وفي العلة التي يدور عليها حكمه‪.‬‬
‫بل إن مطلق ما يسمى حكما ً في مصطلح الشريعة السلمية‪ ،‬ل يتحقق له‬
‫وجود‪ ،‬إل ّ على أساس الخبر أو الحكم الذي بلغنا من الله عز وجل ورسوله‪.‬‬
‫إذ بدونهما ل يسمى العلم الشرعي علمًا‪ ،‬بل هو ل يعدو أن يكون وهما ً وزغ ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وفي ذلك يقول المام الشافعي رحمه الله‪)) :‬وليس لحد أبدا ً أن يقول في‬
‫ل أو حرم‪ ،‬إل من جهة العلم‪ .‬وجهة العلم الخبر في كتاب الله أو‬ ‫شيء‪ :‬ح ّ‬
‫السنة أو الجماع أو القياس(()‪.(2‬‬
‫ومعلوم أن كل ً من الجماع والقياس أثر من آثار النص‪ ،‬ل يتقومان إل ّ به‪ ،‬ول‬
‫ينهضان إل عليه‪ .‬ويقول المام الشافعي في بيان أن القياس أثر ل ينفك عن‬
‫النص‪)) :‬والقياس ما طلب بالدلئل على موافقة الخبر من الكتاب أو السنة‪،‬‬
‫م الحقّ المفترض طلبه(()‪.(3‬‬ ‫لنهما عَل َ ُ‬
‫طي حدود‬ ‫ولو جاز أن تتسع دائرة الجتهاد في الشريعة السلمية إلى تخ ّ‬
‫ص ومدلولته‪ ،‬إذن لجاز لهذا الجتهاد ذاته أن يبطل حكم الشريعة بأسرها‪،‬‬ ‫الن ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأن يستبدل بها شيئا فشيئا غيرها‪.‬‬
‫ولقد أوضح الشاطبي هذه الحقيقة بدقة بارعة عندما قال‪:‬‬
‫طي مأخذ النقل )أي النص( لجاز إبطال الشريعة بالعقل‪.‬‬ ‫))ولو جاز للعقل تخ ّ‬
‫حد ّ للمكلفين )أي‬‫وهذا محال باطل‪ .‬وبيان ذلك أن معنى الشريعة أنها ت َ ُ‬
‫بالنقل الوارد إلينا من الله ورسوله( حدودا ً في أفعالهم وأقوالهم واعتقاداتهم‪.‬‬
‫وهو جملة ما تضمنته‪ .‬فإن جاز للعقل تعدي حد ّ واحد‪ ،‬جاز له تعدي جميع‬
‫ن ما ثبت للشيء ثبت لمثله‪ ..‬وهذا ل يقول به أحد(()‪.(4‬‬ ‫الحدود‪ ،‬ل ّ‬
‫وقد حصر الماوردي عمل المجتهد في سبعة أقسام ل يتجاوزها‪ ،‬تدور كلها‬
‫على محور النص‪ .‬وهي‪ :‬إثبات النص‪ ،‬أو استخراج علته‪ ،‬أو ضبط مدلولته‪ ،‬أو‬
‫الترجيح بين احتمالته‪ ،‬أو الكشف عن عمومه وخصوصه‪ ،‬أو إطلقه وتقيده)‬
‫‪.(5‬‬
‫هل القياس مصدر آخر إلى جانب النص؟‬
‫دته بكلم المام الشافعي ومن جاء بعده‪ ،‬ما يجزم‬ ‫إن فيما قد أوضحته‪ ،‬ثم أي ّ‬
‫بأن القياس ليس إل واحدة من الدللت التي تهدي إلى معنى النص‬
‫ومضمونه‪.‬‬
‫وفي هذا ما يدل على أن الخلف بين أهل السنة والجماعة‪ ،‬وبين الشيعة‬
‫المامية في مشروعية الخذ بالقياس في استنباط الحكام‪ ،‬ليس إل خلفا ً‬
‫لفظيًا‪ .‬إذ إن الشيعة المامية يستعظمون القول بحجية القياس مصدرا ً ثالثا ً‬
‫من مصدري التشريع‪) :‬القرآن والسنة( تخوفا ً من أن ينتهي هذا القول إلى‬
‫هيمنة القياس على النص‪ ،‬وإلى التضييق من دللته أو القضاء عليها‪.‬‬
‫غير أن ما عرفناه الن من أن مهمة القياس ليست إل ّ خدمة النص‪ ،‬عن‬
‫طريق الكشف عن المعاني الكامنة فيه‪ ،‬وعن حدود ما يرمي إليه‪ ،‬يقضي‬
‫على هذا التخوف‪ ،‬ويذيب أي أثر لهذا الخلف‪ .‬وهذا ما قد انتهى إليه العالم‬
‫المحقق الشيخ محمد مهدي شمس الدين إذ يقول‪)) :‬الحقيقة أن ذكرنا ل‬
‫يعني أنه يوجد تباين كامل بين المذاهب في هذه الدوات الستنباطية‪ .‬ففي‬
‫بعض الموارد يكون الختلف لفظيًا‪ .‬أي إن الختلف يكون في التسمية فقط‪.‬‬
‫وبعض الموارد التي تعتبر قياسا ً عند أهل القياس‪ ،‬ل يسميها فقهاء المامية‬
‫قياسًا(()‪.(6‬‬
‫مجالت الجتهاد‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الثابت يقينا ً أن الجتهاد المشروع‪ ،‬هو ما تعلق بحكم شرعي ليس فيه‬
‫دليل قطعي‪ .‬ذلك لن الحاجة إلى الجتهاد متفرعة عن وقوع الحتمال في‬
‫ثبوت النص أو في دللته‪ ،‬كما قد أوضحنا من قبل‪ ..‬ول يقع الحتمال إل حيث‬
‫يكون الدليل ظنيًا‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وبهذا تخرج مسائل العقيدة السلمية ومبادئها الساسية عن دائرة الجتهاد‪.‬‬


‫لنها مستندة إلى دلئل يقينية الثبوت والدللة‪ ،‬كما يخرج أيضا ً كل الحكام‬
‫الفقهية التي ثبتت على وجه القطع واليقين‪ ،‬كفرض الصلوات الخمس‬
‫ووجوب صوم رمضان وحج البيت على المستطيع وحرمة القتل بدون حق‬
‫والسرقة والزنى وشرب الخمر‪ ..‬إذ إنها تستند إلى أدلة قطعية ذات دللة‬
‫يقينية ل مجال فيها للحتمال‪ .‬ومن ثم فل سبيل للجتهاد إليها‪.‬‬
‫ومن أبرز الدلة التي تخرج أصول العقيدة السلمية وما يتبعها من ضروريات‬
‫الحكام الشرعية‪ ،‬عن ساحة الجتهاد‪ ،‬قول الله عز وجل }َفاعْل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬‫ْ‬
‫ه{ ]محمد‪ .[47/19 :‬وقد عرفنا أن العلم هو ما تسامى فوق درجة الشك‬ ‫الل ّ ُ‬
‫والظن وبلغ درجة اليقين والجزم‪ ،‬ول يتأتى ذلك إل بأدلة قاطعة‪ ،‬تغني عن‬
‫النظر والجتهاد فيها‪.‬‬
‫ن‬ ‫عو‬
‫ِ ْ َُِّ َ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫}‬ ‫الزائفة‪:‬‬ ‫العقائد‬ ‫اتباع‬ ‫من‬ ‫التحذير‬ ‫في‬ ‫تعالى‬ ‫ومثل ذلك قول الله‬
‫شْيئًا{ ]النجم‪ [53/28 :‬وقوله تعالى‬ ‫حق ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ن ل ي ُغِْني ِ‬ ‫ن الظ ّ ّ‬ ‫ن وَإ ِ ّ‬‫إ ِل ّ الظ ّ ّ‬
‫صَر‬ ‫معَ َوال ْب َ َ‬ ‫س ْ‬
‫ن ال ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫م إِ ّ‬ ‫س لَ َ‬
‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫ف ما ل َي ْ َ‬‫ق ُ‬ ‫في صدد الموضوع ذاته‪َ} :‬ول ت َ ْ‬
‫ل{ ]السراء‪.[17/36 :‬‬ ‫ؤو ً‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ن عَن ْ ُ‬
‫ك كا َ‬ ‫ل ُأول َئ ِ َ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫فؤاد َ ك ُ ّ‬
‫وفي بيان هذا يقول الشافعي رحمه الله‪)) :‬العلم علمان‪ ،‬علم ل يسع بالغا ً‬
‫ه‪ ،‬مثل الصلوات الخمس‪ ،‬وأن لله على الناس‬ ‫غير مغلوب على عقله جهل ُ ُ‬
‫صوم رمضان وحج البيت إذا استطاعوه وزكاة في أموالهم‪ ،‬وأنه حرم عليهم‬
‫الزنا والسرقة والقتل والخمر‪ ،‬وما كان في معنى هذا مما كلف الله به العباد‬
‫أن يفعلوه ويعلموه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم‪ ،‬وأن يكفوا عما حرم الله‬
‫عليهم منه‪ .‬وهذا الصنف كله من العلم موجود نصا ً في كتاب الله‪ ،‬وموجود‬
‫عاما ً عند أهل السلم‪ ،‬ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم‪ ،‬يحكونه عن‬
‫رسول الله ول ينازعونه في حكايته ول وجوبه عليهم‪ .‬وهذا العلم العام الذي‬
‫ل يمكن فيه الغلط من الخبر ول التأويل‪ ،‬ول يجوز فيه التنازع(()‪.(7‬‬
‫ويقول المام الغزالي في المستصفى‪)) :‬والمجت َهَد ُ فيه‪ ،‬كل حكم شرعي‬
‫ليس فيه دليل قطعي‪ ،‬واحترزنا بالشرعي عن العقليات ومسائل الكلم‪ ،‬فإن‬
‫الحق فيها واحد والمصيب واحد والمخطئ آثم‪ .‬وإنما نعني بالمجتهد فيه ما ل‬
‫يكون المخطئ فيه آثمًا‪ ..‬أما وجوب الصلوات الخمس والزكاة وما اتفقت‬
‫عليه المة من جلّيات الشرع‪ ،‬ففيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف‪ ،‬فليس‬
‫ل اجتهاد(()‪.(8‬‬ ‫ذلك مح ّ‬
‫وهذا ما يقرره سائر علماء الشريعة السلمية وأصولها‪ ،‬على اختلف‬
‫مذاهبهم في دين الله عز وجل‪ ،‬ول أحسب أن في ذلك أيّ خلف‪.‬‬
‫ولكن يدخل في حكم الفروع الجتهادية‪ ،‬جزئيات اعتقادية خارجة عن المبادئ‬
‫الساسية في بناء العقيدة‪ .‬إذ لم تتوفر عليها أدلة قطعية‪ .‬كالبحث في النشأة‬
‫الثانية للنسان بعد الموت أتكون بعد انعدام كلي أم بعد تفتت واضمحلل‪..‬‬
‫وكالبحث في صفتي السمع والبصر لله عز وجل أهما تتعلقان بالموجودات‬
‫كلها‪ ،‬أم يتعلق البصر بالمبصرات والسمع بالمسموعات؟‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهذه وأمثالها‪ ،‬وإن كانت من المور العتقادية‪ ،‬إل أنه لما لم يرد في شأنها‬
‫نصوص ثابتة ذات دللت قاطعة‪ ،‬بقي أمرها موكول ً إلى علم الله‪ ،‬وربما‬
‫وصل الباحث فيها عن طريق الجتهاد إلى رأي مظنون ‪ .‬ول يكلفه الله في‬
‫ذلك بأكثر مما وصل إليه طوقه الجتهادي‪.‬‬
‫غير أن في مسائل العقيدة ما وقع الخلف بشأنه بين بعض المذاهب‬
‫السلمية‪ ،‬أهو من الجزئيات التي لم يرد بشأنها نص قاطع‪ ،‬فهي إذن من‬
‫المسائل الجتهادية‪ ،‬أم هو من المور اليقينية التي تستند إلى نصوص ثابتة‬
‫قاطعة‪ ،‬ومن ثم فل مجال للجتهاد فيها‪ .‬ومن أشهر المثلة على ذلك مسألة‬
‫الخلفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪ .‬فهي عند‬
‫الشيعة المامية وغيرهم من القضايا الساسية التي أبرم الشارع حكمها بأدلة‬
‫نصية قاطعة‪ .‬ومن ثم فل مجال للجتهاد فيها‪ .‬وهي عند سائر المسلمين من‬
‫المسائل الجزئية التي تنبثق عن الرأي والتشاور والجتهاد‪.‬‬
‫غير أن حدود الخلف‪ ،‬في هذه المسألة‪ ،‬تاريخية فيما أراه‪ .‬وهي تنتهي عند‬
‫المام الثاني عشر‪ .‬إذ يلتقي الجميع هناك وإلى يومنا هذا‪ ،‬على كلمة سواء‪.‬‬
‫هو اختيار المام أو الحاكم الصالح الذي يستطيع أن يدير أمور المة‪ .‬وأعتقد‬
‫أن في اعتماد ما يسمى بـ)ولية الفقيه( ما يساهم في ردم ثغرات الخلف‬
‫ويدعم الجامع المشترك التي يلتقي عليه سائر المسلمين اليوم‪.‬‬
‫من هو المجتهد؟‬
‫قلنا إن المجتهد هو ذاك الذي يبذل ما يملك من الجهد لمعرفة حكم الله عز‬
‫ل عليه مصادر الشريعة السلمية‪ .‬ومن المعلوم أن بذل‬ ‫وجل‪ ،‬طبق ما تد ّ‬
‫ً‬
‫هذا الجهد الذي لبد ّ منه‪ ،‬ل يتأتى من الناس جميعا‪ ،‬لما قد سبق بيانه من‬
‫تفاوت الناس في القدرات الذهنية والملكات العلمية‪ ،‬وامتلك أدوات المعرفة‬
‫والستنباط‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إذن فقد كان لبد ّ من ضبط هذه القدرات‪ ،‬وبيان النواع المطلوبة من العلوم‬
‫والمعارف‪ ،‬ثم بيان القدر المطلوب في مجال معرفتها‪ .‬إذ إن وجود هذه‬
‫القدرات ضمن أنواعها وحدودها التي لبد ّ منها‪ ،‬يفرض على صاحبها أن‬
‫يستقل بالجتهاد واستنباط الحكام من مصادرها‪ ،‬ويحرم عليه تقليد الخرين‬
‫فيما انتهت إليه اجتهاداتهم‪.‬‬
‫فما هي هذه الشروط العلمية التي إن توفرت تجعل من صاحبها مجتهدا ً‬
‫يحرم عليه التقليد؟‬
‫خص بيان هذه الشروط‪ ،‬أخذا ً مما ذكره المدي في كتابه الحكام في‬ ‫أل ّ‬
‫أصول الحكام‪ ،‬بعد أن استعرضت هذه الشروط لدى بقية الباحثين من أئمة‬
‫أصول الفقه‪ ،‬فلم أجد بينهم في ذلك خلفا ً يذكر‪ .‬وهي تلخص في الشروط‬
‫التالية‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن يكون المجتهد سليم العقيدة والسلوك‪ ،‬لم يتهم بمروق أو فسق أو‬ ‫أو ً‬
‫تهاون في أداء أوامر الله عز وجل والدفاع عنها عندما يقتضي المر ذلك‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن يكون عالما ً بمدارك الحكام الشرعية وأقسامها وطرق إثباتها‪،‬‬
‫ووجوه دللت تلك المدارك على مدلولتها‪ ،‬وأن يكون على بينة من اختلف‬
‫مراتبها‪ ،‬وأن يعلم القواعد التي يتم على أساسها الترجيح عند التعارض‪ ،‬وأن‬
‫يعلم كيفية استثمار الحكام من مصادرها‪ .‬وأن يكون عالما ً بالرواة وطرق‬
‫الجرح والتعديل‪ ،‬وأنواع الحديث الصحيح منها والضعيف‪..‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثالثًا‪ :‬أن يكون متبصرا ً بأسباب النزول وبحقيقة النسخ وأماكنه والناسخ‬
‫والمنسوخ في النصوص التي تتضمن الحكام‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن يكون عالما ً باللغة العربية وفنونها من نحو وصرف‪ ،‬وبلغة‪ ،‬بحيث‬
‫يميز بين دللت اللفاظ من مطابقة وتضمن والتزام‪ ،‬وحقيقة ومجاز‪،‬‬
‫ومشترك ومتواطئ‪ ،‬وترادف وتباين‪ ،‬واقتضاء وإشارة وعموم وخصوص‬
‫وإطلق وتقييد)‪.(9‬‬
‫أقول‪ :‬ويتفاوت المطلوب من هذه المعارف والعلوم‪ ،‬حسب نوع الجتهاد‬
‫الذي يريد المجتهد أن يمارسه‪ .‬فالجتهاد في جزئية صغيرة‪ ،‬ل يتطلب ما‬
‫يتطلبه الجتهاد في كليات الحكام الشرعية‪ .‬والجتهاد الذي يمارسه الفقيه‬
‫ضمن قواعد مذهبه الفقهي الذي ينتمي إليه‪ ،‬ل يتطلب من الدقة في‬
‫استيعاب الحكام وتلك العلوم ما يتطلبه الجتهاد المطلق الذي ل يتقيد‬
‫صاحبه بمنهج اجتهادي سابق‪ .‬وهذه الملحظة تسلمنا إلى المسألة التالية‬
‫وتفصيل القول فيها‪:‬‬
‫أقسام الجتهاد وواقعه إلى هذا اليوم‪:‬‬
‫للجتهاد تقسيمات من جوانب متعددة‪.‬‬
‫ّ‬
‫فهو ينقسم‪ ،‬من حيث النظر في مناط الحكم )أي في متعلقه( إلى ما يسمى‬
‫بالجتهاد في تحقيق المناط وتخريج المناط وتنقيح المناط‪ ..‬وينقسم من‬
‫ة إلى الجتهاد‬ ‫ة ومتجزئ ً‬ ‫حيث النظر في أحكام الشريعة السلمية مجتمع ً‬
‫الجزئي‪ ،‬أي في جزئية ومسألة واحدة من مسائل الشريعة السلمية‪ ،‬وإلى‬
‫الجتهاد فيما يعم سائر جزيئاتها وأحكامها‪ ..‬وينقسم من حيث استقلل‬
‫المجتهد بأصول الجتهاد ومنهجه أو عدم استقلله بها‪ ،‬إلى ما يسمونه اجتهادا ً‬
‫مطلقا ً واجتهادا ً في المذهب‪ .‬وسأتحدث في كل من هذه القسام بالقدر‬
‫الذي يسمح به هذا المجال‪.‬‬
‫ّ‬
‫أول ً ‪ -‬من حيث النظر في مناط الحكم ومتعلقه‬
‫وهو يتفرع كما قلت إلى القسام التالية‪ :‬أولها الجتهاد في تحقيق المناط‪،‬‬
‫وهو يعني تطبيق الحكام الشرعية على وقائعها ومتعلقاتها‪ ،‬على صعيد العمل‬
‫م{‬‫من ْك ُ ْ‬ ‫دوا ذ َوَيْ عَد ْ ٍ‬
‫ل ِ‬ ‫شهِ ُ‬‫التنفيذي‪ .‬مثال ذلك أن الله تعالى قال‪} :‬وَأ َ ْ‬
‫]الطلق‪ [65/2 :‬فجعل مناط قبول الشهادة العدالة‪ .‬وقد أوضحت الشريعة‬
‫معنى العدالة وحدودها‪ .‬ويبقى تطبيق هذه الحدود على الشخاص‪ .‬وتلك هي‬
‫شهد على أمر من المور‪ .‬ومثاله أيضا ً‬ ‫وظيفة المكلف وواجبه عندما يريد أن ي ُ ْ‬
‫أن الله جعل الفقراء من مستحقي الزكاة‪ .‬وقد عرفنا معنى الفقر الذي عناه‬
‫البيان اللهي‪ .‬وإنما بقي تطبيق صفة الفقر على الشخاص الذين هم مناط‬
‫هذا الحكم الرباني‪.‬‬
‫ول أعلم خلفا ً في أن هذا الحد الدنى من الجتهاد‪ ،‬واجب على كل من‬
‫تكاملت لديه أهلية التكليف‪ ،‬إذ هو اجتهاد يسير يقوى عليه كل ذي نظر‬
‫وفكر)‪.(10‬‬
‫ثاني هذه القسام وثالثها‪ :‬الجتهاد في تخريج مناط الحكم والجتهاد في تنقيح‬
‫مناطه‪ .‬والمراد بالول منهما بذل الجهد لستخراج عّلة الحكم الشرعي في‬
‫الواقعة المنصوص عليها‪ ،‬تمهيدا ً للقياس عليها بموجبها‪ ،‬كاستنباط علة جريان‬
‫الربا في الصناف الربعة المنصوص عليها من المطعومات‪ ..‬والمراد بالثاني‬
‫منهما تشذيب ما علق بالعلة الشرعية‪ ،‬من صفات اتفاقية ل مدخل لها في‬
‫عّلة الحكم‪ ،‬كلون الخمرة وما قد يعلوها من فقاقيع وزبد‪.‬‬
‫ومما ل ريب فيه أن هذين القسمين من الجتهاد‪ ،‬يخضعان للشروط‬
‫الجتهادية العامة التي سبق ذكرها‪ .‬وذلك عند من يأخذ بحجية القياس ويبني‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليها الحكام‪ ،‬وقد سبق بيان ذلك‪.‬‬


‫ثانيا ً ‪ -‬من حيث التجزؤ وعدمه‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وبيانه أن الباحث قد يكون ذا ملكة علمية عامة‪ ،‬تخوله الجتهاد في سائر‬


‫الحكام الفقهية‪ ،‬وقد يكون متخصصا ً في دراسة بعض البواب أو المسائل‬
‫دون غيرها‪ ،‬فيبلغ في تلك المسائل التي اهتم بدراستها درجة الجتهاد‪ ،‬ولكن‬
‫بقي دون تلك الرتبة فيما سواها‪ ..‬فالول إذن مجتهد في سائر الحكام‬
‫الفقهية أي فهو مجتهد كلي‪ .‬والثاني مجتهد في بعض المسائل دون غيرها‬
‫فهو إذن مجتهد جزئي‪ .‬وهذا مقبول وممكن‪ .‬إذ إن الشروط التي يجب أن‬
‫تتوفر للجتهاد‪ ،‬إنما تتعلق بالمسائل التي يريد الباحث أن يجتهد فيها‪ ،‬ذلك‬
‫لن العلم ليس حقيقة مترابطة غير قابلة للتجزؤ‪ .‬بل العلم بكل مسألة‬
‫منفصلة عن العلم بالمسائل الخرى‪.‬‬
‫ولكن مما ل ريب فيه أن جامعا ً مشتركا من الملكة العلمية العامة‪ ،‬يجب أن‬
‫ً‬
‫يكون متوافرا ً لدى كل من يريد أن يجتهد‪ ،‬كيفما كان اجتهاده‪ ،‬جزئيا ً أم كليًا‪.‬‬
‫أي فليس معنى تجزؤ الجتهاد إمكان أن ترى الرجل ضليعا ً في مسألة فقهية‬
‫واحدة‪ ،‬وجاهل ً جهالة مطبقة في المسائل الخرى‪ ،‬بل إن مثل هذه المفارقة‬
‫ل يمكن أن تتحقق بحال‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ -‬من حيث الطلق والنضباط بأصول أحد المذاهب‬
‫والجتهاد‪ ،‬من هذه الوجهة الثالثة ينقسم إلى ما يسمونه اجتهادا ً مطلقًا‪،‬‬
‫واجتهادا ً في المذهب‪.‬‬
‫فالول هو أن يعتمد الباحث المجتهد على مداركه ومعلوماته الشخصية في‬
‫استخراج أصول الجتهاد العامة ومسالك الستدلل‪ ،‬وأن يعتمد على ما يراه‬
‫هو من قواعد تفسير النصوص‪ ،‬ودلئلها وأحكامها باجتهاد ذاتي منه‪ ...‬ويعد ّ‬
‫الئمة الربعة ومن على شاكلتهم في مقدمة من تمرسوا بهذه الصفات‬
‫وتبوؤوا هذه الدرجة في الجتهاد‪.‬‬
‫والثاني هو أن يلتزم الباحث منهج أحد الئمة‪ ،‬في أصول الجتهاد ومسالك‬
‫ل به من الجتهاد في الحكام‬ ‫الستدلل‪ ،‬ثم يبني على منهجه ما قد يستق ّ‬
‫الفقهية المختلفة‪ .‬فهو مجتهد‪ ،‬ولكن ضمن خطة سبق أن وضعها أحد الئمة‬
‫من قبله‪ .‬ومن هنا سمي مجتهدا ً في المذهب‪.‬‬
‫إل أن الذي تجدر ملحظته في هذا الصدد‪ .‬أن هذا التقسيم غير وارد عند‬
‫الشيعة المامية‪ .‬ذلك لن النظر في أحكام الشريعة السلمية إما أن يكون‬
‫عائدا ً إلى واحد من أئمة آل البيت السابقين‪ ،‬وإما أن يكون عائدا ً إلى من جاء‬
‫بعدهم‪ .‬فأما النظر في تلك الحكام في عهود أولئك الئمة‪ ،‬فهو ل ُيعد ّ اجتهادا ً‬
‫بالمعنى الذي ذكرناه‪ ،‬وإنما هو علم يرد من الله إلى عقول أولئك الئمة‪.‬‬
‫ومن ثم فهو غير قابل للخطأ والزيف‪ .‬وأساس ذلك ما يتصفون به ‪ -‬في‬
‫اعتقاد المامية ‪ -‬من العصمة‪ .‬وهي وإن كانت دون مستوى النبوة المؤيدة‬
‫بالوحي‪ .‬فهي على كل حال كلءة متميزة من الله تعالى لهم تحميهم من‬
‫الوقوع في الباطيل والوهام‪ ...‬وأما النظر في الحكام في العهود التي تلت‬
‫د‪ ،‬إلى يومنا هذا‪ ،‬فهو اجتهاد ولكنه غير خاضع للتقسيم إلى ما هو‬ ‫من بع ُ‬
‫ً‬
‫مطلق وما هو مقيد لعدم وجود المناخ الذي يستدعي ذلك زمنيا‪ .‬وإذا أخذنا‬
‫دور الذي يقوم به اعتماد )ولية الفقيه( فإن بوسعنا أن نعتبر‬
‫بالعتبار ال ّ‬
‫ً‬
‫الجتهاد في هذا العصر محصورا في هذه الهيئة العلمية المتميزة التي تحل‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل قيادة المام وتوجيهه‪.‬‬ ‫بشكل مؤقت مح ّ‬


‫حجية الجتهاد وقيمته الدينية‬
‫إذا كان الجتهاد واجبا ً دينيا ً كما أوضحت‪ ،‬فإن ما قد يؤدي إليه هذا الجتهاد‪،‬‬
‫يكون بالضرورة حكما ً دينيًا‪ ...‬وإنها لقضية منطقية شرطية تحمل برهانها في‬
‫داخلها‪.‬‬
‫وإنه لخطأ بّين ذلك التصور الذي يقع تحت تأثيره بعض الكاتبين والباحثين في‬
‫هذا العصر‪ ،‬إذ يفرقون بين ما يسمونه الشريعة السلمية‪ ،‬وما يعبرون عنه‬
‫بالحكام الفقهية الجتهادية‪ ،‬ثم يحصرون سمة الدين وسلطانه فيما يسمونه‬
‫الشريعة‪ ،‬وينفون هذه السمة عن سائر الحكام الجتهادية‪ ،‬بحجة أنها ليست‬
‫إل من إبداع المجتهدين وحصيلة أفكارهم البشرية‪.‬‬
‫والحقيقة أن الدعوة الهائجة اليوم عند عشاق الحضارة الغربية إلى الجتهاد‬
‫وإعادة النظر في الحكام الفقهية القائمة‪ ،‬ثمرة لهذا التصور الخاطئ‬
‫والخطير‪.‬‬
‫إنهم يتصورون أن أكثر الحكام الفقهية المدونة في مصادرها ثمرة لجتهاد‬
‫علماء امتازوا بالدربة والمعرفة القانونية في عصورهم‪ ،‬وما أيسر أن تنسخ‬
‫أفكارهم بأفكار أمثالهم من العلماء الذين جاؤوا على أعقابهم اليوم‪ ..‬أي إن‬
‫الستهانة بالقيمة الدينية الكامنة في الحكام الفقهية الجتهادية‪ ،‬هي التي‬
‫تحفز أصحاب هذه الستهانة إلى الدعوة إلى ما يسمونه بتجديد الفقه‬
‫السلمي عن طريق اجتهاد جديد‪.‬‬
‫غير أنا إذا تأملنا في هذا التصور الذي يتضمن هذا التفريق المختلق بين‬
‫الشريعة السلمية والحكام الفقهية الجتهادية‪ ،‬فإنا سنجد أن خضوعنا لما‬
‫مى بالشريعة السلمية يؤول إلى خضوع وهمي لشعار ل مضمون له‪.‬‬ ‫يس ّ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ل أحكام الشريعة السلمية‪ ،‬أحكام اجتهادية مأخوذة من الدلئل‬ ‫ذلك لن ج ّ‬


‫الظنية للنصوص‪ .‬فإذا كان المعنى الجتهادي الذي فيها يسقط عنها القيمة‬
‫الدينية‪ ،‬فقد عاد اسم الشريعة السلمية كحقيبة كبيرة أفرغت من كل ما‬
‫فيها‪ ،‬يحملها صاحبها على كتفه‪ ،‬تحت وهم أنه يحمل فيها أمتعته وحوائجه!‪..‬‬
‫وكم قرأنا لناس يقدسون الشريعة السلمية كل التقديس‪ ،‬فلما قيل لهم‬
‫عن الربا وحرمته أجابوا بأنه حكم اجتهادي منوط بظروف تبدلت وتطورت‪..‬‬
‫دثتهم عن عقوبة الزنى أو القاتل أو المرتد أو ذكرت لهم أحكام الذمة‪،‬‬ ‫وإذا ح ّ‬
‫ونوا من‬ ‫أو فصلت لهم شيئا ً من أحكام المرأة فيما يتعلق بلباسها وآدابها‪ ،‬هَ ّ‬
‫المر‪ ،‬وتحرروا من تبعات هذه الحكام كلها بحجة أنها آراء اجتهادية!‪..‬‬
‫وإن أحدنا ليسأل بحق‪ :‬فماذا تعني الشريعة السلمية المقدسة الخالدة‬
‫إذن؟!‪ ..‬وما هي مضموناتها التي يتجلى فيها معنى خلودها وخضوعنا‬
‫لسلطانها‪ ،‬إذا استثنينا بدهياتها المعروفة كأصل وجوب الصلة والصوم والحج‬
‫والزكاة‪...‬؟‬
‫ونعود‪ ،‬فنرد ّ على هذا اللغو بتأكيد القضية المنطقية التي استقطبت إجماع‬
‫علماء المسلمين‪ ،‬وهي أن الحكام الجتهادية التي جاءت نتيجة اجتهاد شرعي‬
‫سليم توافرت فيه أصول الجتهاد وشروطه‪ ،‬جزء ل يتجزأ من الدين‪ .‬فهي‬
‫ل‪ ،‬ثم يلزم بها كل‬ ‫إذن أحكام دينية يلزم بها صاحب الجتهاد في حق نفسه أو ً‬
‫من تقاصرت درجته العلمية عن الجتهاد ثانيًا‪ ..‬ثم إن لم يجد أمامه إل هذا‬
‫الجتهاد‪ ،‬فليس له عنه أي معدل‪ .‬وأما إن تعدد المجتهدون من حوله وتعددت‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اجتهاداتهم في المسألة الواحدة‪ ،‬فعليه أن يختار منها ما تسكن إليه نفسه‬


‫ويطمئن إليه قلبه‪ .‬وإنما الحكم الديني في حقه‪ ،‬أن ل يخرج عن اتباع مجموع‬
‫تلك الراء الجتهادية التي انتهى إليها أولئك المجتهدون‪.‬‬
‫ن{‬ ‫مو‬ ‫َ‬
‫َْ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ن ُْ ْ‬
‫ت‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫سأ َُلوا أ َهْ َ‬
‫ل الذ ّك ْرِ إ ِ ْ‬ ‫ل على ذلك قول الله تعالى‪َ} :‬فا ْ‬ ‫يد ّ‬
‫]النحل‪.[16/43 :‬‬
‫فإن المر بسؤال أهل الذكر‪ ،‬وهم العلماء‪ ،‬إنما هو فرع عن المر باتباعهم‪،‬‬
‫دين إل ما أمر الله عباده به؟‬
‫وهل ال ّ‬
‫ويدل عليه أيضا ما تم التفاق عليه‪ ،‬من أن المجتهد إذا عاد فغير اجتهاده في‬ ‫ً‬
‫مسألة واحدة‪ ،‬فإن اجتهاده اللحق ل ينقض اجتهاده السابق في المسألة‬
‫ذاتها‪ ،‬قال السنوي في شرحه على منهاج البيضاوي ))والتفاق على أن‬
‫ض‬
‫ق ُ‬ ‫الجتهاد ل ينقض الجتهاد(()‪ (11‬وقال صاحب مسّلم الثبوت ))ل ُين َ‬
‫الحكم في الجتهادات إذا لم يخالف قاطعًا‪ ،‬وإل ّ نقض هذا النقض باجتهاد‬
‫لحق‪ ،‬ويتسلسل‪.(12)((..‬‬
‫وجه الدللة‪ ،‬أن الجتهاد الذي توفرت شروطه ينزل منزلة النص في دللته‬
‫على الحكم الشرعي‪ .‬فكما أن اتباع مدلول النص واجب ديني‪ ،‬فكذلك اتباع‬
‫ما انتهى إليه النظر الجتهادي في حق المجتهد ومقلده‪ ،‬واجب ديني‪ .‬فإذا‬
‫عرض له بعد ذلك اجتهاد آخر في المسألة ذاتها‪ ،‬وانتهى إلى ترجيح اجتهاد‬
‫مخالف لما كان قد ظنه وارتآه‪ ،‬فإنما يكون ذلك كورود نص معارض للنص‬
‫الذي قبله‪ ،‬ينسخه وينهي زمن العمل به‪ ،‬ول يحمل أي دللة على أنه كان‬
‫خطأ أو باطل ً من أساسه‪ .‬فالجتهاد الثاني أيضا ً ل سلطان له على الزمن‬
‫الذي أبرم فيه الجتهاد الول‪ ،‬لنه استظل بحكم ديني صحيح‪ .‬وإنما ينبسط‬
‫سلطانه على الزمن الثاني الذي ظهر فيه الجتهاد الجديد‪ ،‬عن طريق النسخ‬
‫والنهاء فقط‪.‬‬
‫ل على مخالفة الشيعة أو الباضية للجمهور في هذه‬ ‫ولم أجد إلى الن ما يد ّ‬
‫المسألة‪.‬‬
‫وأوضح شاهد على ذلك‪ ،‬هو أن كتب الفقه المقارن وكتب أحاديث الحكام مع‬
‫شروحها تفيض بذكر الراء الجتهادية للشيعة المامية والزيدية والباضية‬
‫المتفقة أو المخالفة لراء المذاهب الخرى‪ .‬ومن البدهي أن أيا ً من أصحاب‬
‫هذه المذاهب ل يجنح إلى ما رجحه اجتهاده‪ ،‬إل لما يعتقد من دينّية ما انتهى‬
‫إليه وغلب على ظنه أنه الحق بالنسبة إليه‪.‬‬
‫غير أن في الناس اليوم من يثير الشبهات التالية حول حجية الجتهاد ودينّيته‪.‬‬
‫ل‪ :‬قولهم إن إثبات الصفة الدينية في الحكام الجتهادية يتعارض مع ما‬ ‫أو ً‬
‫رواه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أرسل‬
‫صحابيا ً على رأس سرية‪ .‬فقال له فيما قال‪ :‬وإذا أنزلت أهل حصن على‬
‫حكمك‪ ،‬فل تقل إنه حكم الله عز وجل‪ ،‬فإنك ل تدري أتصيب حكم الله أم ل‪.‬‬
‫ولكن أنزلهم على حكمك‪.‬‬
‫والجواب عن هذا من وجهين‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الوجه الول‪ :‬أن قضايا السلم والحرب وكل ما يتعلق بهما وينتج عنهما‪ ،‬ل‬
‫يجوز أن يبت فيها إل إمام المسلمين أو من قد ينيبه عنه‪ ،‬كما في هذا‬
‫الحديث‪ ،‬وهذا معنى كونها داخلة في أحكام المامة‪ .‬وقد علمنا أن المام‬
‫مفوض في هذه القضايا أن يتخير أقرب ما يراه محققا ً لمصلحة المسلمين‪..‬‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونظرا ً إلى أن ما يتخيره المام أو نائبه من ذلك‪ ،‬قد ل يصيب الوفق والصلح‬
‫)كاختياره صلى الله عليه وسلم افتداء السرى على قتلهم في غزوة بدر(‬
‫فقد كان من مقتضى الحيطة والدب مع الله عز وجل أن ينسب المام أو‬
‫نائبه ما يراه من الجتهادات في أحكام المامة إلى نفسه‪ ،‬ول ينسبه إلى الله‬
‫عز وجل تحسبا ً لهذا الحتمال‪.‬‬
‫غير أن هذه الحيطة‪ ،‬ل تجعل الناس في حل من اتباع المام فيما قضى به‬
‫من أحكام المامة‪ .‬بل يجب عليهم بإيجاب الله تعالى النقياد لما قضى به‬
‫وإطاعته فيما ألزمهم به من ذلك‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن من مقتضى الدب مع الله تعالى في سائر الحكام‬
‫الجتهادية‪ ،‬أن ينسب المجتهد ما انتهى إليه بعد النظر والتمحيص‪ ،‬إلى فهمه‬
‫واجتهاده‪ ،‬لحتمال أن يكون مخطئًا‪.‬‬
‫غير أن هذا الحتمال ل يعفيه من ضرورة اتباع ما هداه إليه اجتهاده‪ ،‬كما ل‬
‫يعفي الذي يستفتيه من وجوب اتباعه في هذا الذي أفتاه به‪ .‬بل إن كل ً منهما‬
‫يجب أن يدين باتباعه والنقياد له‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يقول بعضهم إن ثبوت القيمة الدينية للشيء إنما يترتب على يقين‬
‫اعتقادي بذلك‪ .‬واليقين العتقادي ل يتوافر إل حيث تقوم أدلة ثابتة ثبوتا ً‬
‫قطيعًا‪ .‬والحكام الجتهادية مظنونة دائمًا‪ .‬فكيف يترتب الحكم اليقيني الذي‬
‫هو أساس القيمة الدينية‪ ،‬على مسائل وتصورات ظنية؟‬
‫والجواب أن القيمة الدينية الثابتة يقينًا‪ ،‬آتية من الدليل الشرعي اليقيني‪،‬‬
‫على أن العمل بالحكام الجتهادية في حق أصحاب الجتهاد ومقلديهم‪ ،‬واجب‬
‫ل مناص منه‪ ،‬وليست آتية من جهة الدللة الظنية التي أورثت الحكم‬
‫كة‪ .‬ورب مسألة‬ ‫الجتهادي المظنون‪ ،‬فالجهة بين هذين المرين كما ترون منف ّ‬
‫كان الدليل عليها ظنيًا‪ ،‬ولكن ثبت وجوب العمل بها بدليل قطعي‪ ..‬وإن من‬
‫أجلى المثلة على ذلك‪ ،‬دللة خبر الواحد في نطاق الحكام العملية‪ ،‬فإن‬
‫مدلوله يغلب أن يكون ظنيًا‪ ،‬إل أن الدلة الصحيحة قد تواردت وتواترت على‬
‫وجوب العمل بمقتضى هذه الخبار)‪.(13‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وربما قال قائلهم إن إعطاء الحكم الجتهادي قيمة دينية ثابتة‪ ،‬يستلزم‬
‫وبة‪ ،‬وهم الذين يرون أن الحق في المسألة الواحدة‬ ‫الجنوح إلى رأي المص ّ‬
‫يتعدد بتعدد المجتهدين‪ ،‬وأنهم كلهم‪ ،‬بناء على ذلك‪ ،‬مصيبون‪ .‬ومن المعلوم‬
‫أن الراجح هو أن الحق في علم الله وحكمه واحد‪ ،‬وأن المجتهد قد يصادفه‬
‫وقد ل يصادفه‪ ،‬وهو ما صرح به رسول الله في الحديث الصحيح‪.‬‬
‫والجواب عن هذه الشبهة‪ .‬أن هذه المسألة ليست مما نحن بصدده في‬
‫شيء‪ .‬فإن البحث في وحدانية الحق أو تعدده في علم الله شيء‪ ،‬وإلزام‬
‫الله عباده باتباع ما غلب على ظنونهم أنه الحق‪ ،‬في الحكام العملية‪ ،‬شيء‬
‫آخر‪ ،‬وليس بينهما أي تلزم‪.‬‬
‫فإن القبلة التي أمر الله عباده بالتوجه إليها في صلتهم واحدة في واقع المر‬
‫وأصله‪ .‬ولكن الله عز وجل لم يلزم عباده البعيدين عن الكعبة بأكثر من‬
‫التوجه إلى الجهة التي غلب على ظنهم أن القبلة فيها‪ .‬حتى وإن تغير ظن‬
‫المصلي في أثناء صلته‪ ،‬بحيث اقتضى ذلك أن يتحول في كل ركعة من‬
‫صلته‪ ،‬إلى جهة أخرى‪ ،‬بل ذلك هو واجبه الديني‪ ،‬ل يملك غيره)‪.(14‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن الله عز وجل نّزل ما هدى المجتهدين اجتهادهم إليه‪ ،‬منزلة الحق‬
‫ل‪ .‬فكان ذلك في حقهم هو الدين الذين‬ ‫الثابت في علمه‪ ،‬تجاوزا ً منه وفض ً‬
‫يجب اتباعه‪.‬‬
‫هذا كله‪ ،‬إذا أخذنا برأي القائلين بأن الحق في أحكام الشريعة واحد‪ ،‬وبأن‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبة‪ ،‬ومنهم المام‬ ‫المجتهد إما مصيب أو مخطئ‪ .‬أما إذا جنحنا إلى رأي المص ّ‬
‫الغزالي والباقلني وإمام الحرمين‪ ،‬وآخرون‪ ،‬فل إشكال أصل‪ً.‬‬
‫والخلصة التي ل أحسب أنها تغيب عن بال أي باحث متدبر‪ ،‬هي أن الجتهاد‬
‫في معرفة أحكام الدين واستنباطها من مصادرها‪ ،‬واجب ديني كما قد عرفنا‬
‫وتبين لنا في أول هذا البحث‪.‬‬
‫إذن فالنتائج التي تنبثق عن الجتهاد لبد ّ أن تكون أحكاما ً دينية‪ .‬وإل ّ لوقع‬
‫التشاكس بين المقدمة والنتية‪ ،‬وهذا ما ل يعقل نسبته إلى الدين الحق‪.‬‬
‫متى يبطل الجتهاد السابق حكم الجتهاد اللحق؟‬
‫قلت إن الجتهاد اللحق ل ينقض الجتهاد السابق في المسألة ذاتها‪ ،‬بل إن‬
‫لكل منهما مشروعيته في ميقاته‪.‬‬
‫ولكن ربما تكون من الجتهاد السابق إجماع ضمني يتعلق بجزء مما قد تعلق‬
‫به ذلك الجتهاد‪ ،‬ففي هذه الحالة يبطل كل اجتهاد لحق يتعارض مع الجزء‬
‫الجتهادي السابق الذي ارتقى إلى درجة الجماع‪.‬‬
‫مثاله أن يختلف المجتهدون في عصر سابق‪ ،‬في مسألة ما‪ ،‬إلى رأيين‪ ،‬ولكن‬
‫ل اتفاق من أصحاب الرأيين‪ .‬ففي‬ ‫يوجد بين الرأيين جامع مشترك هو مح ّ‬
‫هذه الحالة ل يصح الجتهاد اللحق إن خالف هذا الجامع المشترك‪ .‬لنه يعد ّ‬
‫مصادرة لحكم تم عليه الجماع‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ومن أقرب التطبيقات الفقهية لذلك‪ ،‬اختلف الئمة في ميراث الجد ّ مع‬
‫د‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬بل المال‬ ‫الخوة‪ ،‬فإنهم اختلفوا فقال بعضهم‪ :‬المال كله للج ّ‬
‫ً‬
‫بينهما‪ .‬فقد اتفق القولن إذن على أن للجد ّ في كل الحوال شيئا من المال‪.‬‬
‫فاجتهاد من جاء لحقا ً بقول ثالث‪ ،‬وهو حرمان الجد وإعطاء اللمال كله للخ‪،‬‬
‫اجتهاد مخالف للجماع السابق الذي انبثق من الرأيين السابقين‪ .‬ومن ثم فهو‬
‫اجتهاد باطل ومردود‪.‬‬
‫وتبين من هذا أن القول الثالث الذي جاء به اجتهاد لحق‪ ،‬يكون شرعيا ً‬
‫ومقبول ً إذا لم يعارض شيئا ً متفقا ً عليه في السابق‪ ،‬مثاله‪ :‬أن يرى بعضهم‬
‫جواز أكل الذبيحة متروكة التسمية سواء كان ذلك عمدا ً أو نسيانًا‪ ،‬في حين‬
‫يرى بعضهم أنه ل يجوز أكلها إن كان ترك التسمية عمدًا‪.‬‬
‫د‪ ،‬من اجتهد في المر‪ ،‬فرأى أن متروك التسمية ل تؤكل‬ ‫فإذا جاء من بع ُ‬
‫سواء تركت التسمية عمدا ً أو سهوًا‪ ،‬فإن هذا القول الثالث ل يصادم شيئا ً‬
‫متفقا ً عليه لدى أصحاب الرأيين السابقين‪.‬‬
‫هذا ما ذهب إليه جمهور الصوليين‪ :‬الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة)‬
‫‪.(15‬‬
‫ولم أعثر في هذه المسألة على خلف للباضية أو الشيعة لهذا الذي ذهب‬
‫إليه الجمهور‪ .‬هذا مع العلم بأن الجماع المعتد ّ به عند الشيعة المامية هو‬
‫إجماع آل البيت‪.‬‬
‫أخيرًا‪ ،‬هل أغلق باب الجتهاد؟‬
‫هنالك من قال من العلماء‪ :‬إن باب الجتهاد قد أغلق فعل ً منذ أواسط القرن‬
‫الرابع‪ ،‬وقد عادت مهمة الفقهاء مجرد ترجيح بين القوال أو تخريج عليها‪..‬‬
‫وفيهم من قال‪ :‬بل إن باب الجتهاد لم يغلق ول يملك أن يغلقه أحد‪ ،‬ولكن‬
‫تقاصرت الهمم وتراجعت العلوم الفقهية‪ ،‬وفيهم من قال‪ :‬إن الجتهاد لم‬
‫يغلق بابه والعلماء لم تتقاصر همههم ول تناقصت علومهم‪ .‬ولكن أدركتهم‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرهبة وخانتهم الجرأة فلم يقتحموا إليه كما فعل من قبلهم‪.‬‬


‫فما هو الحق في هذه المسألة؟ وما هو واجب المسلمين اليوم؟‬
‫لعل الجواب الذي يتفق مع المنطق وتسكن إليه النفس‪ ،‬ما قاله الشيخ‬
‫محمد نور الحسن رحمه الله في بحث ألقاه في المؤتمر الول لمجمع‬
‫البحوث السلمية في القاهرة‪ .‬قال‪:‬‬
‫))الذي يظهر لي أن النزاع في أن باب الجتهاد أغلق أم لم يغلق‪ ،‬ل طائل‬
‫منه‪ ،‬إذ لم يتوارد فيه السلب واليجاب على مورد واحد‪ .‬ولذا فإن أصحاب كل‬
‫من الرأيين على حق‪ ،‬بالنظر إلى المعنى الذي يتصورونه ويرمون إليه‪.‬‬
‫فالجتهاد قد أغلق بابه فعل ً مع بداية القرن الرابع‪ ،‬إذا كان مقصوده الجتهاد‬
‫المطلق الذي يبدأ أصحابه بوضع السس الجتهادية‪ ،‬واعتماد أصول‬
‫الستدلل‪ ،‬والجتهاد لم يغلق بابه‪ ،‬بل هو مستمر إلى يومنا هذا‪ ،‬إن أريد به‬
‫استعمال هذه السس والقواعد الثابتة‪ ،‬في استخراج الحكام من مصادرها‬
‫الشرعية‪ ،‬وفي مواصلة الجتهاد في كل ما يجد من القضايا والحكام((‪.‬‬
‫أعتقد أن بوسعي أن أزيد هذا الكلم الدقيق إيضاحًا‪ ،‬من خلل بيان ما يلي‪:‬‬
‫إن الجتهاد في الشريعة السلمية‪ ،‬ليس عمل ً إبداعيا ً طليقًا‪ ،‬كالذي نعرفه‬
‫في نطاق البحوث المتعلقة بكثير من المعارف والفكار النسانية الخرى‪..‬‬
‫وإنما هو اتجاه مرسوم‪ ،‬والتزام بمنهج محدد‪ .‬إذ هو ليس أكثر من البحث عن‬
‫حكم الله الذي خاطب وألزم به عباده في كتابه أو أوحي به وحيا ً غير متلو‬
‫إلى نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪ .‬كل ذلك استنادا ً إلى سبل‬
‫ووسائل علمية محددة‪ ،‬ل مجال لحد من الناس‪ ،‬مهما كان شأنه أن يتجاوزها‬
‫أو يتحرر منها‪ ..‬إذن فالساحة الجتهادية أمام الباحثين محددة ضمن قواعد‬
‫وأصول ثابتة معينة في تفسير النصوص والقياس عليها‪.‬‬
‫وقد كان لحسن حظ العلماء الذين جاؤوا في القرن الرابع فما بعد‪ ،‬أنهم‬
‫نظروا إلى العلماء الذين سبقوهم‪ ،‬وإذا هم قد ا ستخرجوا أصول الجتهاد‬
‫وقواعد الستنباط‪ ،‬واتفقوا على ما ل مجال فيه للختلف من تلك القواعد‬
‫والصول‪ ،‬وتقاسموا وجوه الرأي في كل ما فيه متسع للرأي والخلف ثم‬
‫تأمل هؤلء المتأخرون في جزئيات الحكام الفقهية‪ ،‬فرأوا أنه ما من مذهب‬
‫اجتهادي يمكن أن يلوح لهم في فهم نص أو استنباط حكم‪ ،‬إل وسبقهم إلى‬
‫القول به واحد من أولئك السابقين!‪..‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فقد رأوا أن الساحة الجتهادية المطلقة محجوزة كلها عنهم‬
‫باجتهادات من سبقهم‪ .‬ل لن أولئك السابقين كانوا أكثر منهم تعمقا ً وعلمًا‪،‬‬
‫ولكن لن الساحة كما قلت محدودة‪ ،‬ولن احتمالت وجوه فهم النصوص هي‬
‫الخرى محصورة ومتناهية‪ ،‬فبأي طاقة أو مرونة اجتهادية يتمكن هؤلء من‬
‫إبداع اجتهادات جديدة في مسألة ما‪ ،‬مما سبق النظر والجتهاد فيه؟ وبأي‬
‫وسيلة اجتهادية مشروعة يصلون إلى اختراع قواعد ومناهج جديدة للجتهاد‬
‫قوا إليها؟ كيف يتسنى لهم ذلك إذا كانت الحتمالت‬ ‫سب َ ُ‬
‫وفهم النصوص‪ ،‬لم ي ُ ْ‬
‫دت أو عولجت بدراسات اجتهادية‬ ‫س ّ‬
‫سِبق إليها‪ ،‬و ُ‬
‫الممكنة والواردة كلها قد ُ‬
‫سابقة؟‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ومن هنا نعلم أن شيئا ً آخر غير العبقرية العلمية‪ ،‬لعب دورا ً كبيرا ً في رفع‬
‫أولئك الئمة الذين كانوا في الصدر الول من تاريخ التشريع السلمي‪ ،‬إلى‬
‫مركز الصدارة في الميدان الجتهادي‪ ،‬أل وهو فراغ المجال الجتهادي‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أمامهم‪ ،‬بحيث إن أي إنجاز علمي يتجّلى فيه‪ ،‬لبد ّ أن يأخذ الشكل البداعي‪،‬‬
‫وأن يسمى بالجتهاد المطلق‪.‬‬
‫فهذا هو الذي أظهر أسبقية أولئك في مظهر المبدعين للجتهاد ومناهجه‪،‬‬
‫وأظهر هؤلء المتأخرين‪ ،‬شاؤوا أم أبوا‪ ،‬في مظهر المقلدين والتابعين‪ ،‬حتى‬
‫وإن كانوا في واقع المر مستقلين بالنظر والبحث‪.‬‬
‫فِتي أجاب السائل‪،‬‬‫وقد نقل الزركشي عن القفال الشاشي أنه كان إذا است ُ ْ‬
‫ثم قال له‪ :‬لست مقّلدا ً للشافعي‪ ،‬ولكن وافق رأيي رأيه!‪ ..‬وكذلك ابن دقيق‬
‫العيد والعز بن عبد السلم )من أعيان القرن السابع( فقد كان كل منهما‬
‫فَتى فيه‪ ،‬إل أنه يجد نفسه مع ذلك غير خارج عن مذهب‬ ‫يجتهد فيما ُيست ْ‬
‫إمامه‪..‬‬
‫إذن فإن ما كان يبدو في النشاطات العلمية لعلماء القرن الرابع فما بعد‪ ،‬من‬
‫مظهر التقيد بمنهج من قد سبقهم‪ ،‬لم يكن عن تقليد وابتعاد منهم عن‬
‫الجتهاد‪ ،‬بل لم يكن لهم منه بد ّ ول مناص‪ .‬لهذا السبب الذي ربما أطلت في‬
‫بيانه‪.‬‬
‫***‬
‫أخيرا ً ما الذي نأخذه من هذا الكلم كله لعصرنا الذي نحن فيه؟‬
‫نأخذ منه ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬باب الجتهاد مفتوح ول يمكن أن يغلقه أحد‪ ..‬ولكن له شروطه‬ ‫أو ً‬
‫وضوابطه‪ ،‬ول يجوز أن يتلعب بها أحد‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ل معنى للتطلع إلى ما يسمى )الجتهاد المطلق( إذ ل معنى ول مبرر‬
‫طراح قواعد الستنباط وتفسير النصوص‪ ،‬لمجرد أنها قديمة الكتشاف‪ ،‬وأن‬ ‫ل ّ‬
‫غيرنا من العلماء قد سبق إلى معرفتها والعمل بها فاكتسب بذلك اسم‬
‫)المجتهد المطلق(‪ .‬الشأن في ذلك كشأن الذين اكتشفوا من قبلنا قواعد‬
‫اللغة العربية تمامًا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إن دراسة المشكلت والوضاع الحديثة يجب دراستها دراسة اجتهادية‬
‫بجد ّ وإخلص‪ ،‬وهي تدخل بدون ريب في صميم واجباتنا وحياتنا السلمية‪،‬‬
‫ومن الخير الستنجاد بـ)الجتهاد الجماعي( كلما اشتدت المشكلة وتغلبت‬
‫عوامل اللتباس والتشابه‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إن الكلمة الجامعة التي ينبغي أن تلتقي عليها المذاهب السلمية في‬
‫هذا العصر بصدد مسألة الجتهاد‪ ،‬هي‪ :‬أن المسالك الجتهادية إنما هي السبل‬
‫المؤدية إلى معرفة الغوامض من أحكام الله وأوامره للنضباط بها والتحرك‬
‫داخل ساحتها‪ ،‬وليست‪ ،‬كما يجب أن يراها بعضهم اليوم‪ ،‬سبل ً للتسلل‬
‫والفرار من خللها‪ ،‬من ضوابط الشرع وقيوده‪ ،‬والبتعاد عن فلك الدين‬
‫والتحرر من جاذبيته‪.‬‬
‫والميزان الذي به يمكن أن ندرك هذه الحقيقة ونتذوقها‪ ،‬هو القاعدة التي ل‬
‫شذوذ فيها ول ريب والقائلة‪:‬‬
‫إن السلم الحضاري الذي يثير دهشة وإعجاب كثير من الناس‪ ،‬ل يمكن أن‬
‫ينهض إل على أساس راسخ من السلم التدّيني!‪ ..‬وإن كل ً من الماضي‬
‫البعيد‪ ،‬والحاضر الذي نتقلب فيه‪ ،‬لكبر شاهد على ذلك‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬إعلم الموقعين ‪.4/215‬‬
‫)‪ (2‬الرسالة بتحقيق أحمد شاكر ص ‪.39‬‬
‫)‪ (3‬المرجع السابق ص ‪.40‬‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الموافقات للشاطبي ‪.88-1/87‬‬‫)‪(4‬‬


‫انظر إرشاد الفحول للشوكاني ‪.240‬‬
‫)‪(5‬‬
‫الجتهاد والحياة لمجموعة من المؤلفين ص ‪.53‬‬
‫)‪(6‬‬
‫الرسالة‪ :‬الفقرات ‪ 963 ،962 ،961‬بتحقيق المرحوم أحمد شاكر‪.‬‬
‫)‪(7‬‬
‫)‪(8‬‬
‫)‪ (9‬الحكام للمدي ‪ ،140-3/139‬ط صبيح القاهرة‪ .‬وانظر المستصفى‬
‫للغزالي‪ 352-2/351 :‬ط بولق‪ ،‬ونهاية السول في شرح منهاج الصول‬
‫للسنوي ‪ 4/547‬ط السلفية‪.‬‬
‫)‪ (10‬انظر الموافقات للشاطبي ‪ ،90-4/89‬والمستصفى للغزالي ‪.2/230‬‬
‫)‪ (11‬نهاية السول للسنوي مع حاشية البخيت عليه ‪.4/575‬‬
‫)‪ (12‬مسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت لعبد العلي محمد بن نظام الدين‬
‫النصاري ‪ 2/395‬ط بولق‪.‬‬
‫ً‬
‫)‪ (13‬ارجع ما ذكره المام الغزالي مطول في هذا البحث في كتابه‬
‫المستصفى ‪ 1/146‬ط بولق‪.‬‬
‫)‪ (14‬انظر الرسالة للشافعي من ص ‪ 401‬فما بعد بتحقيق أحمد شاكر‪.‬‬
‫)‪ (15‬انظر السنوي على المنهاج للبيضاوي ‪ 884-4/883‬وفواتح الرحموت‬
‫بشرح مسّلم الثبوت لعبد العلي محمد النصاري ‪ ،2/395‬وشرح العضد على‬
‫المختصر لبن الحاجب ‪ 2/39‬ط بولق‪ .‬وشرح المحلي على جمع الجوامع‬
‫لبن السبكي ‪ 147-2/146‬ط‪ :‬الخيرية‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫جحا والحرية‬
‫‪ ...‬خواطر‬
‫عندما سمع حجا عن "بلد الحرية" و"مشاعل النور" لم تسعه دنياه من‬
‫الفرح‪ ،‬فأسرع إلى أهله وأعد العدة عّله يحظى بمقعد في طائرة الغرب‬
‫المنطلقة إلى "بلد الحرية"‪.‬‬
‫ً‬
‫أمضى حجا يومه يوّدع الهل والصحاب لّنه سيكون غدا في "بلد الحرية"‪:‬‬
‫يتنفس حرية‪ ،‬ويأكل حرية‪ ،‬ويشرب حرية‪ ،‬ويعيش ما بقي من حياته في‬
‫حرية‪.‬‬
‫جلس جحا بعد عناء يوم طويل يراقب عبر شاشة التلفاز مصائب العالم علهّ‬
‫يكون آخر عهد له بها‪.‬‬
‫مر في مقعده بعدما رأى عينة من المشاهد المرّوعة التي يقوم بها سفير‬ ‫تس ّ‬
‫الحرية العالمي في بلد الرافدين وقال في نفسه لعل المر فيه لبس فل‬
‫مر ويدوس مبادئه بأقدامه‬‫ن سفير الحرية العالمي يقتل وينهب ويد ّ‬ ‫ُيعقل أ ّ‬
‫وهو سفيرها!!‪.‬‬
‫بقي حجا في مقعده متسائل ً عن صحة ما يرى ويسمع فإذا بموضوع حجاب‬
‫المرأة في بلد العلمانية والثورة والحرية لم يبقَ له مكان حيث ضاقت ذرعا ً‬
‫به وهي المدافعة عن الحرية والمبادئ السامية وحقوق النسان‪.‬‬
‫ي وقال لهم إن في آخر‬‫وهنا تذكر جحا نفسه عندما خدع ذات يوم أولد الح ّ‬
‫الطريق رجل يوزع الحلوى فركض الولد وتجمعوا في المكان الذي دلهم‬
‫ن جحا أن المر حقيقة فجرىخلفهم وعلم بعد ذلك أنه كذب كذبة‬ ‫عليه فظ ّ‬
‫دقها‪.‬‬
‫وص ّ‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقال‪" :‬لعمري إن حرية بلد الغرب هي كذبة صدقها أهلها قبل الخرون فل‬
‫داع وسأبقى في بلدي كاشفا ً زيف هذا الخداع"‪.‬‬
‫أريد هذا السفر الخ ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جحيم النا ونعيم اهدنا‬


‫د‪.‬محمد إياد العكاري‬
‫منذ بدء الخليقة التي أبدعها المولى فاطر السماوات والرض سبحانه‬
‫وإبليس اللعين وجنوده يتربصون بآدم عليه السلم ويترصدون له ولذريته‬
‫رافعين راية العداوة والحرب على بني آدم فلم يكتف إبليس اللعين بأن أخرج‬
‫أبوينا من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما لكنه أقسم ليحتنكن‬
‫ذريته إلى يوم الدين وليضل ّّنهم وليمّنيّنهم وليفتّننهم متفّننا ً في طرق غوايتهم‬
‫ونا ً في أحابيل كيده ومكره لهم ليحيد بهم عن الصراط المستقيم والنعيم‬ ‫متل ّ‬
‫المقيم‪.‬‬
‫أجل هذا دأبه وجنوده ثم ليلقي بمن أطاعوه في نيران الجحيم والعياذ بالله‬
‫بعد أن حّلت عليه اللعنة ‪ ...‬ونال سخط الله ‪ ...‬بعد أن أمره الله بالسجود‬
‫لدم فكان ما كان !‍!؟‬
‫ترى لو تساءلنا ما الذي أخرج إبليس من الجنة ومن صحبة الملئكة ومعّية‬
‫ل عليه اللعنة إلى يوم الدين ؟؟‬ ‫ط المهين وتح ّ‬ ‫سخ َ‬ ‫المقّربين ليكون حاله ال ّ‬
‫لجاءنا الجواب عليه في الذكر الحكيم‬
‫أعوذ بالله من الشيطان الرجيم‬
‫)) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من‬
‫العالين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاخرج منها‬
‫فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين (( سورة ص)‪(77-75‬‬
‫ب ‪ ...‬والفخُر ‪ ...‬والستعلء‬ ‫ج ُ‬ ‫أجل ‪ ..‬أجل هو الك ِب ُْر ‪ ...‬والعُ ْ‬
‫)) أنا خيٌر منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين ((‬
‫هي أنا النانية‪ ،‬وأنا الكبر‪ ،‬وأنا الجحود ‪،‬وأنا الستكبار ‪،‬وهي التي أودت به‬
‫واستحق بسببها اللعنة‪.‬‬
‫ه الخاصة‬ ‫ّ‬
‫حلت ُ‬‫ل غرو أن يكون لكل إنسان شخصيته المستقلة‪ ،‬وأداؤه الذاتي‪،‬و ُ‬
‫ط فليس هذا بمستغرب‬ ‫ف أو شط ٍ‬ ‫به‪ ،‬وتميزه واستقلليته الطبيعية دون سر ٍ‬
‫ول مستنكر في شرعنا الحنيف أبدا ً أبدا ً‬
‫وه!! ويتمادى النسان بشخصيته!! ويتعالى‬ ‫ولكن القضية أن يتعدى التميز خط َ‬
‫المرء على بني جنسه!! فهذا مال يحمد عقباه‪ ..‬حيث يدخل في عالم‬
‫طاووسية!! ليقع في آفة الغرور!! ويهوي في درك الستعلء!!‬ ‫الّنرجسية وال ّ‬
‫ويكون فريسة الغطرسة والستكبار والعياذ بالله‪.‬‬
‫وقد حذرنا المصطفى عليه الصلة والسلم من الكبر إلى أبعد مدى بقوله ‪:‬‬
‫)) ل يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر (( رواه البخاري‬
‫أي آفةٍ هذه بحيث أن ذرة ً من الك ِب ْرِ تحرم صاحبها من دخول الجنة !!؟‬
‫أجل ‪...‬أجل‬
‫ً‬
‫ل إن أصاب أحدا جعله في أردى أحواله سلوكا‪ ،‬حيث تتمادى‬ ‫ً‬ ‫فالكبر داء وبي ٌ‬
‫النا الفردية لتشوبها نبرة الكبر لشخصها!! والستعلء بذاتها!! والتميز‬
‫بحالها!! والتفضيل لكينونتها على البشر!!لتقع بذلك في الذى والشرور‪،‬‬
‫وتهوي في درك الغرور فتغور بذلك بإبليسية فعلها مع إبليس لتهوي في درك‬
‫الشقاء ومستنقع الكبرياء‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا ما أردى وأودى بإبليس ونال به السخط وحقت عليه اللعنة‬


‫)) أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ((‬
‫لغة التكبر ‪ ...‬ونزعة الستعلء ‪ ...‬ومنطق الحجود ‪ ...‬ولهجة النكران ‪...‬‬
‫تبرز نوازع النا نافرة!! بحواف حادة!! ونظرات جارحة!! لتنفث سموم‬
‫ح نقع الستعلء‬‫الكبرياء‪ ،‬وتف َّ‬
‫هي ليست قصة إبليس فحسب ولكنها قصة جبابرة وطغاة الرض في كل‬
‫مكان وعلى مر الزمان الذين يستكبرون على أقوامهم ويتعالون على بني‬
‫جلدتهم من البشر ويمنحون أنفسهم ألقابا ً وأوسمة وسلطات ومسميات ما‬
‫أنزل الله بها من سلطان‬
‫صها لنا القرآن الكريم‪:‬‬
‫وهذه قصة فرعون شاهدة ناطقة كما ق ّ‬
‫)) ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه النهار‬
‫ن ول يكاد ُيبين‬
‫تجري من تحتي أفل تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهي ٌ‬
‫فلول ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملئكة مقترنين فاستخف‬
‫قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما ً فاسقين(( الزخرف )‪(54-51‬‬
‫ق يتحدث به ؟! وأي غرورٍ أصابه ؟!‬‫أي استكبارٍ هذا ؟! وأي منط ٍ‬
‫ّ‬
‫النا ‪ ...‬النا هذا الضمير المنفصل إن لم يهذب نفسه ويصلح حامله ويعالج‬
‫طبائع ذاته في علقاته وتعاملته يقصي صاحبه‪ ،‬ويقطع وتينه‪ ،‬ويلقي به في‬
‫مهاوي الجحيم‪ ،‬ليفصله عن معية المهتدين في الدنيا قبل يوم الدين والجنة‬
‫والنعيم‪.‬‬
‫تسمع قصتهم في كل زمان وتلقى أمثالهم حيث وجود الطغيان‪ ،‬وتشاهدهم‬
‫بمواقع الظلم والعدوان‬
‫وهذا عصرنا الحديث ناطقٌ شاهد ٌ على أمم ٍ تلبس لبوس الكبر!! وتتحدث بلغة‬
‫دق بنبرات الكبرياء!! تملك ناصية المم المتحدة‬ ‫الستعلء!! وتتش ّ‬
‫بجبروتها!!‪ ..‬تدعي أن قولها الفصل !!‪..‬‬
‫وتزعم أن بيدها الحل!! تتحرك كأنها تملك مقاليد العالم كله!!! متألهة بذلك‬
‫على أهل هذه البسيطة!! أساطيلها منتشرة لتظهر قوتها‪ ....‬بوارجها متنقلة‬
‫تبدي غطرستها ‪....‬طائراتها قاذفة صواريخها ناسفة تهدي الفناء‪ ...‬وتفني‬
‫الحياة‪ ...‬تبيد الحرث والنسل ‪...‬تدبج المكر وتصنع الغدر ‪...‬تتلون كالحرباء‬
‫وتفح كالفاعي بحجة الديمقراطية وحقوق النسان تفني العباد وتدمر‬
‫البلد!!!!!‬
‫وبرسالة التحضر تحرق القرى وتهدم المدن!!!! وبالتحضر تحاول تغيير الحال‬
‫وطمس المعالم والمكان‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أي رسالة يقدمها لنا البيت البيض؟! وما هي فحوى مقالتهم !؟‬
‫بئس ما يقولون وسحق ما يفعلون لسان حالهم يقول ‪ We are the first‬نحن‬
‫الول كما قال إبليس ‪:‬أنا خير منه‬
‫والبيت البيض عندهم أصبح محكمة العالم ‪Global Court‬‬
‫يتحدثون باستعلء كأنهم المتصرفون في شؤون البلد والعباد‪ ،‬يخطبون‬
‫بغطرسة يسوسون بمنطق القوة‬
‫نفس المنطق ونفس اللهجة وذات القوال وأردى الفعال لنرى نبرة‬
‫فرعون !! وخطاب قارون !! ومقال إبليس !! ))أنا خير منه ‪(( ..‬‬
‫نبرة الكبرياء‪ ..‬ونزعة الستعلء‪ ..‬ومنطق السفهاء‪ ..‬ولغة الطغاة‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المستكبرين‪.‬‬
‫هذا المخلوق الكريم الذي يستحق كل تكريم وكل تقدير أكرمه المولى‬
‫سبحانه من فوق سبع سماوات )) ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البر‬
‫والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيل ((‬
‫السراء ‪70‬‬
‫وسخر المولى سبحانه له ما في السماوات والرض جميعا ً منه لخدمته‬
‫ولراحته هذا المخلوق الكريم يستحق كل تكريم أجل أجل والله ولكن ماذا‬
‫نقول عن واقع الحال‪ :‬آه‪ ..‬آه‪ ..‬ول ينفع قول اله‬
‫و ل حول ول قوة إل بالله فما نراه في هذا العصر مما يظلم فيه النسان‬
‫أخيه النسان ليندى له الجبين ويسم أهل هذا الزمان بأقذع النعوت وأقدح‬
‫العبارات حيث قاموس اللغة كله ل يتسع لما نراه من انتهاكات لحقوق‬
‫النسان في كل مكان وسجن أبو غريب شاهد ٌ ناطقٌ والعراق وفلسطين عينا‬
‫المة التي يحاولون فقأها وطمس معالمها ولكن‬
‫ن أحمقُ يتعاملون مع‬ ‫ضمير ول جبا ٌ‬
‫م مْيت ال ّ‬ ‫خسئوا فما عرف الحقيقة ظال ٌ‬
‫البشر كالبهائم هنا وهناك وغوانتنامو أفظع إهانة للبشرية والنسانية في‬
‫مطلع هذا القرن ولتتأمل بعد ذلك المولى سبحانه وتعالى وهو الكريم القادر‬
‫العظيم الجبار من بيده ملكوت السماوات والرض كيف يخاطب النسان‬
‫مستثيرا ً فيه عقله وحكمته موقظا ً فيه ضميره وفطرته‬
‫أعوذ بالله من الشيطان الرجيم‬
‫)) يا أيها النسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي‬
‫صورة ما شاء ركبك ((النفطار ‪6‬ـ ‪7‬‬
‫ما أعظم هذا الخطاب وما أبلغه وماأجمل مايثيره في النفس أما تتحرك‬
‫المشاعر والقلوب له؟‬
‫ثم لو تأملنا فاتحة الكتاب وأم القرآن و إطللة الذكر الحكيم السورة التي ل‬
‫تصح صلة إل بها لرأينا فيها عجبا ً ومعاني غاية في الروعة والحكمة ترشدنا‬
‫إلى ما يصلح حالنا في حياتنا ودنيانا وآخرتنا في توجهنا إليه سبحانه وما يروي‬
‫أشواقنا ويثبت فؤادنا ويهدينا إلى الصراط المستقيم قول ً وفعل ً سلوكا ً واتباعا ً‬
‫بقوله ‪:‬‬
‫)) إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم ((‬
‫ل مقام الله وتنزه في عله فأنت تتوجه في صلتك إلى الله بكليتك‬ ‫ج ّ‬
‫وجوارحك وفعلك وقولك ترى هل تتوجه إليه وحدك ؟؟ كل فأنت لست وحدك‬
‫ولست بمفردك وليس المقام هنا أن تقول إياك أعبد ‪ ...‬وإياك أستعين ‪...‬‬
‫واهدني الصراط المستقيم ‪ ...‬فالمولى سبحانه وتعالى يعلمنا أن نخاطبه‬
‫ونتوجه إليه بلغة الجمع لتكون في معية المهتدين وخلية من خليا نحلهم‬
‫لسانك لسانهم وحالك حالهم وجسمك بجوارهم وروحك معهم لتكون في‬
‫معيتهم وتأنس بصحبتهم وتكون أقدر على الثبات في خضم الحياة بطاقة أكبر‬
‫وقدرة أعظم على تجاوز الصعاب فالمؤمن قوي بأخيه والمؤمن للمؤمن‬
‫كالبنيان يشد ّ بعضه بعضا ً هذه صفة المؤمنين الصادقين وهذا منطق اليمان‬
‫بقولك‬
‫)) اهدنا الصراط المستقيم (( وليس اهدني الصراط المستقيم‬
‫فالسلم دين الفرد ضمن الجماعة‪ .....‬ودين الجماعة ضمن المة‪ ....‬ودين‬
‫ة‪،‬‬
‫ب متعانقةٍ ‪،‬وأجساد ٍ متلصق ٍ‬ ‫ة بقلو ٍ‬
‫العتصام بحبله المتين والتوجه إليه كلي ً‬
‫ة‪ ،‬صفا ً واحدا ً كالبنيان المرصوص‬
‫وألسنةٍ صادق ٍ‬
‫)) اهدنا الصراط المستقيم ((‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم دين الجسد الواحد‪ ،‬والصف المستقيم‪ ،‬والبنيان المرصوص كما‬


‫وصفهم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ونعت به المؤمنين بقوله‪:‬‬
‫)) مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا‬
‫اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر (( متفق عليه‬
‫فمع من ترانا ؟؟! نكون مع من يقول‪ :‬أنا خير منه‬
‫أم مع الذين يتوجهون بقلوبهم وعقولهم وأبدانهم وأجسادهم كيانا ً واحدا ً صفا ً‬
‫مستقيما ً كالجسد الواحد معتصمين بحبل الله المتين )) اهدنا الصراط‬
‫المستقيم ((‬
‫ّ‬
‫اللهم اجعلنا بفضلك ومنك وجودك وكرمك هداة ً مهتدين غير ضالين ول‬
‫مضّلين‬
‫والحمد لله رب العالمين‬

‫)‪(2 /‬‬

‫جدد حياتك من الداخل‬


‫الشيخ محمد الغزالي ‪ -‬إسلم أون لين‬
‫كثيرا ما يحب النسان أن يبدأ صفحة جديدة في حياته‪ ،‬ولكنه يقرن هذه‬
‫البداية المرغوبة بموعد مع القدار المجهولة‪ ،‬كتحسن في حالته‪ ،‬أو تحول‬
‫خطير في مكانته‪ .‬وقد يقرنها بموسم معين‪ ،‬أو مناسبة خاصة‪ .‬كعيد ميلد أو‬
‫غرة عام جديد مثل‪.‬‬
‫وهو في هذا التسويف يشعر بأن رافدا من روافد القوة قد يجيء مع هذا‬
‫الموعد‪ ،‬فينشطه بعد خمول ويمنيه بعد إياس‪ .‬وهذا وهم‪ ،‬فإن تجدد الحياة‬
‫قبل كل شيء ينبع من داخل النفس‪.‬‬
‫والرجل المقبل على الحياة بعزيمة وصبر ل تخضعه الظروف المحيطة به‬
‫مهما ساءت‪ ،‬ول تصّرفه وفق هواها‪ .‬إنه هو الذي يستفيد منها ويحتفظ‬
‫بخصائصه أمامها‪ ،‬كبذور الزهار التي تطمر أكوام السبخ‪ ،‬ثم هي تشق‬
‫الطريق إلى أعلى مستقبلة ضوء الشمس برائحتها المنعشة!!‪ .‬وذلك النسان‬
‫إذا ملك نفسه وملك وقته واحتفظ بحرية الحركة لقاء ما يواجهه من شئون‬
‫كريهة‪ .‬إنه يقدر على فعل الكثير دون انتظار أمداد خارجية تساعده على ما‬
‫يريد‪.‬‬
‫إنه بقواه الكامنة وملكاته المدفونة فيه والفرص المحدودة أو التافهة المتاحة‬
‫له يستطيع أن يبني حياته من جديد‪.‬‬
‫ل مكان لتريث‪ ،‬إن الزمن قد يفد بعون يشد به أعصاب السائرين في طريق‬
‫الحق‪ ،‬أما أن يهب طاقة على الخطو أو الجري لمن ل إرادة أصل في السير‬
‫في طريق الحق فهذا مستحيل‪.‬‬
‫ل تعلق بناء حياتك‬
‫ل تعلق بناء حياتك على أمنية يلدها الغد‪ ،‬فإن هذا الرجاء لن يعود عليك‬
‫بخير‪ .‬فما بين يديك حاضرا هي الدعائم التي يتمخض عنها المستقل‪ .‬وكما أن‬
‫كل تأخير لنفاذ التجديد في حياتك ل يعني سوى إطالة الفترة الكابية التي‬
‫تبغي الخلص منها وبقائك مهزوما أمام نوازع الهوى والتفريط‪ .‬ل بل قد‬
‫يكون طريقا لنحدار أشد وهنا الطامة‪ .‬وكما قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬النادم ينتظر من الله الرحمة‪ ،‬والمعجب ينتظر المقت‪ .‬واعلموا عباد‬
‫ن‬
‫س َ‬‫ح ْ‬‫الله أن كل عامل سيقدم على عمله‪ ،‬ول يخرج من الدنيا حتى يرى ُ‬
‫عمله وسوء عمله‪ ،‬وإنما العمال بخواتيمها‪ ،‬والليل والنهار مطيتان فأحسنوا‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السير عليهما إلى الخرة‪ ،‬واحذروا التسويف فإن الموت يأتي بغتة ول يغترن‬
‫أحدكم بحلم الله‪ ،‬فإن الجنة والنار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله‪ ،‬ثم قرأ‬
‫ه( ‪.‬‬
‫شّرا ي ََر ُ‬ ‫قا َ‬
‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫من ي َعْ َ‬ ‫قا َ‬
‫ل ذ َّرةٍ َ‬
‫خي ًْرا ي ََرهُ * وَ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫) فَ َ‬
‫من ي َعْ َ‬
‫ما أجمل أن يعيد النظر النسان تنظيم نفسه بين الحين والحين‪ ،‬وأن يرسل‬
‫نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرف عيوبها وآفاتها وأن يرسم السياسات‬
‫القصيرة المدى والطويلة المدى لتخلص من هذه الهنات التي تزري به‪.‬‬
‫بين الحين والخر أقوم بتنظيم أدراج مكتبي التي تبعثر عليها الوراق‬
‫والقصاصات أقوم بترتيب ما هو بحاجة للترتيب وبرمي ما ل معنى له في‬
‫سلة المهملت‪ ،‬وكما أن الفوضى تدب في البيت بعد أعمال يوم كامل أيضا‪،‬‬
‫تمتد إليه اليدي الدائبة لتطرد هذه الفوضى‪.‬‬
‫إن كان هذا حال الثاث والبيت فأل تستحق حياة النسان هذه الجهد‬
‫والتنظيم؟ أل تستحق النفس بعد كل مرحلة تقطعها إلى إعادة النظر‬
‫والمحاسبة؟ إن النسان أحوج الخلئق إلى التنقيب في أرجاء نفسه وتعهد‬
‫حياته الخاصة والعامة بما يصونها من العلل والتفكك‪ .‬حيث إن الكيان‬
‫النساني قلما يبقى متماسك اللبنات مع حدة الحتكاك بصنوف الشهوات‬
‫وضروب المغريات‪.‬‬
‫كما أن تجديد الحياة ل يعني إدخال بعض العمال الصالحة‪ ،‬أو النيات الحسنة‬
‫وسط جملة من ضخمة من العادات الذميمة والخلق السيئة‪ ،‬فهذا الخلط ل‬
‫ينشئ به المرء مستقبل حميدا‪ .‬ول مسلكا مجيدا‪ .‬بل إنه ل يدل على كمال أو‬
‫قبول‪ ،‬فإن القلوب المتحجرة قد ترشح بالخير‪ ،‬والصابع الكزة قد تتحرك‬
‫بالعطاء‪ .‬فالشرار قد تمر بضمائرهم فترت صحو قليل ثم تعود بعد ذلك إلى‬
‫سباتها‪ ،‬ول يسمى ذلك اهتداء‪ ،‬وإن الهتداء هو الطور الخير للتوبة النصوح‪.‬‬
‫=============‬
‫* عن كتاب جدد حياتك للشيخ محمد الغزالي بإيجاز وتصرف‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جدوى الحوار الديني بين الغرب والسلم‬


‫عداؤهم لنا بين سوء العرض وسوء الفهم وسوء القصد‬
‫أد يحيي هاشم حسن فرغل‬
‫‪yehia_hashem@ hotmail .com‬‬
‫‪http://www.yehia-hashem.netfirms.com‬‬
‫أصبح من المعروف أن نداء الحوار الديني في صيغته الحالية لم يكن نابعا‬
‫من تاريخ الفكر السلمي الطويل الذي مارسه المسلمون بأسلوب‬
‫موضوعي علمي وبحرية كاملة على جانبي الحوار وأنتج من ثم تراثا عقليا‬
‫جدليا على المستوى العلى ‪ -‬مازالت تحفل به المكتبة السلمية ‪ -‬على يد‬
‫كبار الئمة والعلم من مثل أبي حامد الغزالي ‪ ،‬والطبري ‪ ،‬وأبي الحسن‬
‫العامري وابن تيمية ‪ ،‬وعبد الرحمن البغدادي ‪،‬إلخ ‪ ، ..‬وفي المحدثين ‪ :‬رحمة‬
‫الله الهندي وأبي زهرة ووافي وأحمد عبد الوهاب وديدات وبعض أساتذة‬
‫العقيدة بالزهر ؟ وفي كتب التوحيد والتفسير والحديث ‪،‬وكانت قدوتهم في‬
‫ذلك كله القرآن الكريم والحديث الشريف‬
‫إننا نعرف اليوم أن هذا الحوار الديني المعاصر بدأ بتخطيط من المخابرات‬
‫الفرنسية ولغراضها ‪ -‬ضمن جهات أوربية أخرى ‪ ، -‬بقيادة مديرها الكبر‬
‫الكونت دي مارانش ‪ ،‬منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي ‪ ،‬في حركته‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نحو احتواء السلم سياسيا واقتصاديا في صيغة سماها " الحوار السلمي‬
‫المسيحي" ثم طورها من بعد إلى ما سماه " الحوار الديني " ‪ ،‬المصدر ‪:‬‬
‫وثائق الستاذ محمد حسنين هيكل في مقاله بمجلة " الكتب ‪:‬وجهات نظر " )‬
‫مايو ‪ (2001‬التي تصدر بالقاهرة ‪.‬‬
‫هكذا يتبين المنطلق السياسي المخابراتي للدعوة إلى هذا الحوار‬
‫ثم يتبين المنطلق الكنسي التبشيري لهذا الحوار من مبادرة الفاتيكان إليه‬
‫وتخطيطه له ‪ ،‬وأهدافه منه ‪ ،‬ويتبين ذلك مما كتبه أليكسي جورافسكي في‬
‫الفصل السادس من كتابه بعنوان ) السلم والمسيحية من التنافس‬
‫والتصادم إلى الحوار والتفاهم( ترجمة خلف محمد الجراد ومراجعة وتقديم‬
‫محمود حمدي زقزوق‪ ،‬دمشق ‪ .2000‬وهو يتضمن قصة المساعي‬
‫الكاثوليكية المعاصرة في مسألة الحوار مع السلم‪ .‬حيث ذكر أنه ) ينطلق‬
‫من الكنيسة والمحافظة عليها كحامية للدين‪ .‬إذ كان يتخوف البابا ليون‬
‫الثالث عشر عندما يغادر رجل الدين الوروبي إلى البلدان الفريقية‬
‫والسيوية ول يجد فيها هيئة دينية تحمي المصالح الكنسية‪.‬‬
‫من هنا كان اهتمام الكنيسة الكاثوليكية بمسألة الحوار‪ ،‬من جهة‪ ،‬ورغبتها‬
‫فيه‪ ،‬من جهة أخرى ؛ ولذلك طالبت بهيئة دينية مستقلة تقود الكنائس‬
‫المحلية وكنائس الشرق الدنى والشرقية‪ ،‬مع تناسي الشقاقات القديمة‬
‫بينها‪ .‬وعندما تطورت حركة التحرر الفروآسيوي غّيرت الكنيسة نظرتها‬
‫لمسألة القيادة الكنسية‪ ،‬فجعلتها تتكيف مع ظروف كل بلد‪ ،‬مع إطلق‬
‫مفهوم "مراعاة مصالح السماء"‪.‬‬
‫أما قضايا السلم في المجمع الفاتيكاني من حيث الحوار معه‪ ،‬فقد عولجت‬
‫لول مرة من ‪ 1962‬إلى ‪ 1965‬على مستوى مذهبي عقائدي‪ ،‬وفي ضوء‬
‫الدستور العقائدي والدستور الرعوي في الكنيسة‪ ،‬وعالم اليوم‪ ،‬ومع تنامي‬
‫فكرة الحوار مع السلم‪.‬‬
‫…‪ ..‬وفي عام ‪ 1965‬حدد المجمع الكنسي العلقة مع السلم من خلل‬
‫التصريح الذي جاء فيه‪" :‬إن الكنيسة تنظر بعين العتبار – أيضا ً – إلى‬
‫المسلمين الذين يعبدون الله الواحد الحي القيوم الرحيم القادر على كل‬
‫مه مريم‬ ‫ي‪ ،‬وإن لم يعترفوا به كإله‪ ،‬ويكرمون أ ّ‬ ‫جّلون يسوع كنب ّ‬‫شيء …‪.‬و ي ُ ِ‬
‫العذراء "‪.‬‬
‫ثم دعا المجمع الكنسي إلى تناسي كل الخلفات القديمة تحت مفهوم‬
‫العقيدة اللهية النهائية التي تجمع الدينين )التوحيد(‪ ،‬مع الحتفاظ ببعض‬
‫وة محمد )ص(‪ ،‬من‬ ‫الخلفات الجزئية‪ {!!}،‬كتأليه النبي يسوع‪ ،‬من جهة‪ ،‬ونب ّ‬
‫جهة ثانية‪ ،‬وتعدد الزوجات‪ ،‬وما نتج عنه من انحلل خلقي برأي بعض‬
‫الساقفة } !! {‪( .‬‬
‫ومع تزايد عدد مناصري الحوار مع السلم في الفاتيكان‪ ،‬لحظ المؤلف ) أن‬
‫ظم مدارس صيفية للقساوسة عام ‪ ،1979‬ومعهم المبشرون‬ ‫السكرتارية تن ّ‬
‫مق لفهم‬ ‫والعاملون في البلدان السلمية‪ ،‬من أجل تعريفهم بالشكل المع ّ‬
‫السلم }!{ ‪ .‬وثمة مؤتمرات وملتقيات في بلد عربية وأوروبية دعت إلى‬
‫هذا النوع من الحوار بحضور شخصيات إسلمية معروفة‪ ( .‬وذكر المؤلف في‬
‫هذا السياق ) ما قام به سكرتير أمانة شؤون الديانات غير المسيحية الذي‬
‫زار السعودية والقاهرة ودعا علماء المسلمين لزيارة الفاتيكان لتصل مسألة‬
‫الحوار السلمي–المسيحي إلى مرحلة وضع السس اللهوتية والجوانب‬
‫الجتماعية والثقافية للحوار(‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كما يتبين المنطلق التبشيري للحوار متحالفا مع الهداف السياسية‬


‫الصهيومسيحية من كتاب الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذ الحضارة والدب‬
‫الفرنسي وعنوانه "حرب صليبية بكل المقاييس " نستشهد هنا بما رصدته‬
‫المؤلفة من أن المجمع الفاتيكانى الثاني الذي انعقد في المدة من ‪-1962‬‬
‫‪ 1965‬كان بمثابة الخطة التنفيذية للحرب الصليبية الدائرة حاليًا‪ ،‬أو لتلك‬
‫الحرب العالمية الرابعة كما يطلق عليها البعض‪ ،‬والتي أدخل ما يسمى "‬
‫الحوار الديني " عصبا أساسيا فيها ‪ ،‬وأن ذلك الحوار المسيحي السلمي‬
‫المزعوم ل يهدف إل إلى اجتثاث السلم بالتدريج تفاديا ً لية مصادمات ‪:‬‬
‫حماية للقليات المسيحية التي تعيش وسط أغلبية مسلمة على حد قول‬
‫البابا يوحنا بولس الثاني الذي أدان في البداية الحرب على العراق وكان‬
‫يصفها على أنها – فعل إجرامي وفى أحاديث أخرى بأنها "من وحي‬
‫الشيطان" ! ثم حدث التحول الذي كشف سره مراسل مجلة "إكسبريس"‬
‫ل‪" :‬أن حقيقة ما يخيف‬ ‫جان ميشيل ديمينز فى مقالة بتاريخ ‪ 17/5/2003‬قائ ً‬
‫البابا من هذه الحرب هو أن تؤدى إلى رد فعل لدى الصوليين السلميين‬
‫وتزايد الخطار على القليات المسيحية المحاطة أو المحاصرة في الراضي‬
‫المسلمة ‪ ..‬أي أن البابا يوحنا بولس الثاني لم يكن يعارض الحرب حبا ً في‬
‫النسانية ‪ ،‬ولكن دفاعا ً عن القليات التابعة له ‪ ،‬والتي يستعين بها ويعتمد‬
‫عليها فى عملية التنصير التى يقودها‪.‬‬
‫ليس ذلك فحسب ولكن من أجل فتح الباب أمامه في الدول السلمية‬
‫الخالصة كما يجري حاليا في دارفور كمثال ‪ :‬فمن حديث الوزير السوداني‬
‫محمد أحمد هارون وزير الدولة السوداني للشئون الداخلية في ندوة له‬
‫بالقاهرة في ‪ ) 2004\8\7‬كشف عن أن عدد المنظمات التبشيرية الوربية‬
‫والمريكية العاملة في دارفور يبلغ أكثر من ‪ 30‬منظمة أوربية وأمريكية‪.‬‬
‫وقال‪ :‬إن هذه المنظمات باتت "واحدة من آليات النظام السياسي العالمي‬
‫الجديد‪ ،‬وإنها أصبحت مسئولة عن إعداد مسارح الحرب للخرين‪ ،‬وإنها تقوم‬
‫بأدوار في غاية الخطورة ‪ ،‬وتستغل العمل الغاثي في عمليات التبشير في‬
‫دارفور التي يعتبر غالبية سكانها مسلمين‪ ،‬ول يوجد بها كنيسة واحدة (‬
‫المصدر نشرة إسلم أون ل ين في ‪2004\8\8‬‬
‫وكما ترى الدكتورة زينب عبد العزيز فقد كان من أهم أصداء هذه الحرب‬
‫الصليبية وإنعكاساتها الحوارية ذلك المؤتمر الذي انعقد بالقاهرة في رحاب‬
‫وزارة الثقافة في اليام الثلثة من شهر يوليو ‪ 2003‬تحت عنوان ‪" :‬نحو‬
‫خطاب ثقافي جديد‪ :‬من تحديات الحاضر إلى آفاق المستقبل" ‪ .‬وعلى الرغم‬
‫من أن العنوان المعلن للمؤتمر هو نحو خطاب ثقافي جديد‪ ،‬إل أنه قد ناقش‬
‫محورين أساسيين هما نقد الخطاب الثقافي السائد وتجديد الفكر الديني ‍}!{‬
‫‪ ،‬وإذا ما أخذنا في العتبار – كما ترى الستاذة الدكتورة زينب عبد العزيز ‪-‬‬
‫أهم وأغرب ما تم طرحه من مقترحات في هذا المؤتمر لدركنا أن المغزى‬
‫الحقيقي لهذا الحشد الثقافي هو طرح كيفية اقتلع السلم تمشيا ً مع مآرب‬
‫هذه الحرب الصليبية الحوارية ولمواكبة الحضارة المريكية والغربية‬
‫المسيحية فى انفلتها الجامح‪ ..‬ول أدل على ذلك من أن تتولى جماعة من‬
‫العلمانيين الموالين للغرب مناقشة الخطاب الديني وتحديد آفاقه‬
‫المستقبلية!‬
‫وهنا يظهر التلحم بين التبشير والصهيومسيحية والعلمانية المحلية‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فلقد تراوحت الجلسات منذ الجلسة الفتتاحية حتى الجلسة الختامية – وفقا‬
‫لمتابعة الدكتورة زينب ‪ -‬بين منطق التكفير وآفاق التفكير ومحاولت التفكيك‬
‫التي طالت كل الثوابت السلمية والتاريخية المراد مراجعتها بدءا ً من الدين‬
‫نفسه‪ ..‬المر الذي يضع علمات استفهام حول المخططات المريكية‬
‫الصليبية التي لحت في المؤتمر وحول أولئك المسلمين الذين تباروا في‬
‫مطالب جد غريبة ‪ ،‬فمنهم من طالب بحذف آيات وكلمات من القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وعدم العتراف بالسلف الصالح‪ ،‬ونبذ التراث والمساس بالفقهاء‬
‫القدامى‪ ،‬ومنهم من طالب بعمل لهوت إسلمي جديد‪ ،‬وانتقاد ثبات النص‬
‫القرآني ‪ ،‬والمطالبة بالنطلق نحو الحياة والمتعة بدل ً من القيم والخلق‬
‫البالية ‪ ،‬وبتطبيق قيم فلسفة عصر التنوير ‪ ،‬والستفادة من مدرسة الحداثة ‪،‬‬
‫ومنهم من طالب الغرب المسيحي رسميا ً بالتدخل لصلح الشأن الديني في‬
‫البلدان السلمية ‪ ،‬بما أنه صاحب المصلحة الولى في هذا التخريب ‪ ،‬ومنهم‬
‫من طالب بتغيير المناهج الدراسية العربية وفقا ً لوقاحة السياسة المريكية‬
‫ومطالبها ‪ ،‬ومنع تدريس القرآن الكريم في المدارس ‪ ،‬وإنتاج خطاب ديني‬
‫متطور يواكب العصر في انفلته الخلقى ‪ ،‬ومنهم من طالب بحقوق المرأة‬
‫في كل شيء ؟؟؟ المر الذي استوجب عدة علمات استفهام وتعجب ‪،‬‬
‫وتحرير الوعي السلمي من قاعدة الحلل والحرام إلخ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثم يظهر الخط الستشراقي في هذا المخطط الحواري إذ تؤكد المؤلفة أن‬
‫هذه المطالب لم تخرج عن مطالب المستشرقين المتعصبين الذين لم يكفوا‬
‫عن تكرار هذه المطالب بصورة أو بأخرى ‪ ،‬وأنها امتثال واضح لمقولة‬
‫المستشرق المبشر زويمر‪ ،‬الذى قال في مطلع القرن الماضي " إنه لن‬
‫يقتلع السلم إل أيد مسلمة من داخل أمة السلم" ‪.‬‬
‫هكذا يتبين لكل ذي عينين أن هذا الحوار إنما يقع داخل أسوار من صنع‬
‫تحالف عالمي خماسي الضلع يتكون من‬
‫‪ .1‬المخابرات الغربية‬
‫‪ .2‬والتحالف الصهيومسيحي‬
‫‪ .3‬والتبشير‬
‫‪ .4‬والستشراق‬
‫‪ .5‬وأذنابهم من العلمانيين المحليين ؟‬
‫فما ثمرته لنا نحن المسلمين – غير الخسران المبين ‪ -‬وقد بدأ في يد هؤلء ‪،‬‬
‫وما يزال تحت إدارتهم ‪ ،‬وفي أحضان تخطيطهم ووفق توجيههم ؟ وما يزال‬
‫العزف مستمرا على أنغامهم ؟‬
‫بل ما ثمرته من وجهة النظر الدينية الخالصة سواء للمسلمين أو المسيحيين‬
‫وقد وقع بين براثن السياسة العالمية المعاصرة بأغراضها في السيطرة‬
‫والتوسع والمبريالية وتصفية العدو " القديم \ الجديد" ؟‬
‫وما الذي يقذف بالزهر في خضم هذا المختبر المسموم ؟‬
‫ويقفز بعضهم فوق مائدة الحوار ليقول مشاغبا ‪ :‬ولم ل ؟ لم ل يقتحم الفكر‬
‫السلمي الساحة ليقدم الحقيقة ويعدل من هذا المسار لصالح السلم ؟‬
‫فهل كان هؤلء العلمانيون في المؤتمر المشار إليه آنفا بحاجة إلى من‬
‫يعلمهم ألف باء السلم وهم من قلب المجتمع السلمي وثقافته ؟‬
‫وبصرف النظر عن العلمانيين المشاغبين العاملين ضمن مخطط هذا الحوار‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التبشيري الستشراقي الستعماري فإنه لمن المؤسف أن نجد من ل يزال‬


‫في صفوفنا من بيننا من يبتلع الطعم – طعم ما يدعى بالحوار الديني‬
‫المستورد في سياق هذا المنظور التبشيري ووفق أحكامه سالف الذكر – ما‬
‫زلنا نجد من ل يزال مستغرقا في حالت جلد الذات } لحظ عزيزي القارئ‬
‫أنه ‪ :‬جلد ذات المجموع يجري وفق عملية نفسية باطنية يتم فيها جلد‬
‫المجموع من أجل تبرئة الذات وتمجيدها ؛ ذات الفرد ‪ :‬الفرد الناقد { ‪،‬‬
‫فينسب الصورة المشوهة عن السلم في الغرب وما أدت إليه من تجذير‬
‫عداوته للسلم ‪ ..‬ينسبها إلي سوء العرض منا بدل من سوء القصد منهم ؟‬
‫داعيا إلى هذه المؤتمرات الحتفالية للحوار التي سبق أن خطط لها الغرب‬
‫لغراض مخابراتية سياسية صهيونية تبشيرية استشراقية ‪ ،‬ولغراض أخرى‬
‫في نفس يعقوب ‪ ،‬لكي يشارك فيها بعض المسلمين ‪ ،‬إمعانا ل في جلد‬
‫الذات فحسب ولكن في تجميل التابع لصورة المتبوع مما يعود بالتجميل علي‬
‫الطرفين طرف التابع وطرف المتبوع ؟‬
‫وإذا كانت التصريحات التي تخرج اليوم عن استمرار وتشجيع هذا الحوار‬
‫الديني ترغب في طمأنة المتشككين فيه بأنه لن يتناول مسائل العقيدة "‬
‫والعقيدة ل تباع ول تشترى " ) حسب تصريحات شيخ الزهر بتاريخ ‪\7\ 16‬‬
‫‪(2004‬‬
‫ففي أي شيء يكون الحوار إذن ؟‬
‫أيكون في العبادات وما أحسبها إل ملحقة بالممنوع من العقيدة ؟‬
‫أيكون في الخلق وهي مسلمات لدى الطرفين ؟‬
‫أيكون في السياسة وهي محرمات لدى الطرفين رسميا ما لم يكن بسند‬
‫سلطوي ؟‬
‫أيكون في المناسبات والتقريظ والمجاملت الجتماعية فما حاجتها إذن إلى‬
‫الحوار ؟‬
‫أم ليكون من أجل طمأنة الفاتيكان على مستقبل تحركاته وأقلياته في العالم‬
‫السلمي ؟‬
‫أل يعني هذا أن فكرة الحوار التي كانت قد بدأت ولها بالنسبة إلينا موضوع‬
‫قد انتهت إلى غير موضوع ‪ ،‬وما بقي منها غير لقاءات " بوس اللحى " ؟‬
‫فهل دارت دائرتها المفرغة إلى نقطة البداية ‪ ،‬أم إلى نقطة الصفر ؟‬
‫طعم الحوار في صفوفنا ‪ :‬مكانكم ‪ ،‬فليست القضية اليوم‬ ‫أيها المبتلعون ُ‬
‫قضية الحوار ‪ ،‬لنه ليست القضية أنكم أنتم المسلمين ‪ ..‬المسئولون عن‬
‫عداء الغرب لنا ‪ ،‬حيث تسيئون عرض السلم … مع أنكم تفعلون }!{ ‪،‬‬
‫ليست هذه هي القضية ‪ ،‬إنها على العكس من ذلك ‪ ،‬إنهم في الغرب‬
‫يتجاوزون سوء العرض هذا ‪ ،‬ويفهمون عرضيته أوجانبيته أوهامشيته ‪،‬‬
‫ويذهبون إلي عمق علقتهم بالحضارة السلمية ؛ باعتبارها الخطر‬
‫الموضوعي علي حضارتهم ‪.‬‬
‫إنه من السطحية والسذاجة ــ إن لم يكن من التآمر ــ أن يظن البعض منا‬
‫أن المسألة ترجع إلي طريقة عرض السلم‪ ...‬وتنتهي المشكلة ‪.‬‬
‫وإل فإنه في كل دين ‪ ،‬وفي كل مذهب ‪ ،‬وفي كل نظرية ‪ ،‬وفي كل‬
‫أيديولوجية هناك من يسئ العرض ‪ ،‬ول أحد غير الهازلين يتوقف عند أولئك‬
‫الذين ينبتون علي هامش هذه الديان والمذاهب ممن يسيئون العرض ؛ جهل ً‬
‫أو قصدا ً ‪ ....‬في المسيحية هناك من يسئ العرض ‪ .‬وفي الديموقراطية هناك‬
‫من يسئ العرض ‪ .‬وفي الليبرالية هناك من يسئ العرض ‪ .‬وفي الشتراكية‬
‫هناك من يسئ العرض ‪ .‬ول تكون هناك نهاية المطاف ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويبتلي السلم بمن يسئ العرض من المبشرين والمستشرقين وأنصاف‬


‫العلماء ‪ ،‬والمثقفين الجهلء ‪ ،‬والجهلء الجهلء ‪ ..‬تماما ً كما هو الحال مع غيره‬
‫‪ ،‬لكنه هو وحده الذي يقولون عنه ‪ :‬لول سوء العرض ‪...‬‬
‫يا سادة ‪ :‬ل تضيفوا إلي سوء العرض منا سوء الظن بهم !!!؟؟…‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يا سادة ‪ :‬إن في الغرب رجال ً ولجانا ومراكز بحث ‪ ،‬وجامعات ‪ ،‬و‪ ..‬و‪..‬‬
‫يحققون ‪ ،‬ويدققون ويذهبون إلي المصادر الصلية ‪ ،‬كعلماء وخبراء‬
‫وفلسفة ‪ ،‬وإعلميين ‪ ،‬واستراتيجيين ‪....‬فما هي القضية إذن ‪..‬‬
‫ليست القضية إذن قضية سوء فهم ‪ ،‬نشأ من سوء عرض ‪ ..‬فما هي القضية‬
‫إذن ‪ :‬؟‬
‫القضية أنهم هناك يدركون الخطر الموضوعي الذي يأتيهم من انبعاث‬
‫الحضارة السلمية مرة أخري ‪ ،‬ثم يذهبون يشوشون علي منطلقاتهم‬
‫وأهدافهم ويستأجرون العملء من سماسرة الثقافة والعلم ‪ ،‬والعلم ‪،‬‬
‫والعلمانيين ليشيعوا مقولت ساذجة تبعدنا عن أصل المشكلة وتضللنا عن‬
‫جوهر القضية ‪.‬‬
‫وإل فقولوا لنا ‪..‬‬
‫هل كان أرنست رينان المستشرق الفرنسي الشهير متأثرا ً بسوء عرض‬
‫الجهلء منا للسلم وهو يقدم كراهيته للسلم في ذورته الكاديمية ‪ :‬إذ يقول‬
‫في خطاب افتتاحي في الكوليج دوفرانس حول تصنيف الشعوب السامية‬
‫في تاريخ الحضارة ‪ . )..‬الشرط الساسي لتمكين الحضارة الوربية من‬
‫النتشار هو تدمير كل ماله صلة بالسامية الحقة ‪ :‬تدمير سلطة السلم‬
‫الثيوقراطية ‪ ،‬لن السلم ل يستطيع البقاء إل كدين رسمي ‪ ،‬وعندما يختزل‬
‫؟ { هذه الحرب الدائمة‪،‬‬ ‫إلي وضع دين حر وفردي فإنه سينقرض ‪ } .‬؟ ‍‬
‫الحرب التي لن تتوقف إل عندما يموت آخر أولد إسماعيل بؤسا ‪ ،‬أو يرغمه‬
‫الرهاب } أي إرهاب يعني ؟!! { علي أن ينتبذ في الصحراء مكانا ً قصيا ‪.‬‬
‫السلم هو النفي الكامل لوربا ‪ ،‬السلم هو التعصب ‪ ،‬السلم هو احتقار‬
‫العلم ‪ ،‬القضاء علي المجتمع المدني ‪ ،‬إنه سذاجة الفكر السامي المرعبة ‪،‬‬
‫يضٌيق الفكر النساني ‪ ،‬يغلقه دون كل فكرة دقيقة ‪ ،‬دون كل عاطفة‬
‫لطيفة ‪ ،‬دون كل بحث عقلني ‪ ،‬ليضعه أمام حشو سرمدي ‪ " :‬الله هو الله "‬
‫‪ .‬المستقبل هو إذن لوربا ولوربا وحدها ‪ ،‬ستفتح أوربا العالم ‪ ،‬وتنشر فيه‬
‫الدين الذي هو الحق‪ ،‬الحرية ‪ ،‬احترام البشر ‪ ،‬هذا العتقاد القائل بأن ثمة‬
‫شيئا ً ما إلهيا ً في صلب النسانية} عقيدة التجسد !! { … ( !! أنظر كتاب "‬
‫السلم اليوم لمارسيل بوازار " بحث الحبيب الشطي المين العام لمنظمة‬
‫المؤتمر السلمي ووزير خارجية تونس السبق صـ ‪ 34‬ــ ‪ 35‬طبعة ‪ 1986‬ــ‬
‫اليونسكو ‪.‬‬
‫فهل تريدون منا أن نصدق أن أرنست رينان – وهو من هو في قمة‬
‫الستشراق ‪ -‬في صورته المشوهة عن السلم عمدا قد تأثر بسوء العرض‬
‫منا ؟‬
‫أو فقولوا لنا لماذا يكتب " باول شمتز " المستشرق اللماني المعروف مثل ً‬
‫في كتابه " السلم قوة الغد العالمية " ــ قبيل الحرب العالمية الثانية ــ‬
‫لُيحذر من تواكب الحركة السلمية مع الحركة القومية السلمية " وما يمثله‬
‫ذلك من خطر محدق بالغرب !! يقول المؤلف ) إن انتفاضة العالم السلمي‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صوت نذير لوربا ‪ ،‬وهتاف يجوب آفاقها يدعو إلي التجمع والتساند الوربي‬
‫لمواجهة هذا العملق الذي بدأ يصحو ويزيل النوم عن عينيه‪ .‬فهل يسمع‬
‫الهتاف أحد ؟ أل من يجيب ( ‪.‬انظر كتابه " السلم قوة الغد " ترجمة د‪.‬‬
‫محمد عبد الغني شامة صـ ‪356‬‬
‫‪ .‬حتى إنه ليقلل من أهمية افتقاد العالم السلمي للتقدم التكنولوجي في‬
‫هذه المعركة التي ينذر قومه بها ‪ ،‬إذ يقول ) من الممكن أن يعارض المرء‬
‫هذا الرأي ‪ ..‬فإن السلم فقد سيطرته علي بعض الشياء المادية ‪ ،‬وخاصة ما‬
‫يتصل بالحرب ‪ ،‬فهو لم يلحق بالتقدم التكنولوجي الحديث ‪ .‬ول أستطيع أن‬
‫أدرك لماذا لم يعوض الشرق السلمي ما فاته في هذا الميدان ‪ ،‬إذ ل تحتاج‬
‫العلوم الحديثة إلي طبيعة عقلية خاصة ‪ ،‬بل يتطلب اللمام بها والتفوق فيها‬
‫الخبرة وتوجيه الخبراء ‪ ،‬ومن المؤكد أنه غالبا ً ما يحدث أن تكون حضارة ذات‬
‫منزلة عالية في التقدم التكنولوجي ‪ ..‬هي أقل درجة من حضارة أخري لم‬
‫تبلغ تطورها بعد في هذا المجال ما بلغته الولي ‪ ،‬إذن فهناك احتمال كبير في‬
‫أن يصبح شعب ظهر حتى الن أن مواهبه في الناحية التكنولوجية ضعيفة‬
‫سيدا ً علي شعب آخر استولت التكنولوجيا علي حواسه ومشاعره ‪ ،‬فلم‬
‫ينقذه أحد ‪ ..‬لماذا ل يتعلم العالم السلمي ما تعلمناه في مجال التكنولوجيا ‪،‬‬
‫وفي مقابل هذا ‪ :‬سوف يكون من الصعب علينا استعادة التعاليم الروحية‬
‫التي فقدتها المسيحية ‪ ،‬بينما لم يزل السلم يحافظ عليها ‪ ( .‬المصدر‬
‫السابق‪.‬‬
‫ويبني المؤلف تحذيره علي ما يلمسه من مصادر القوة التي يملكها العالم‬
‫السلمي ؛ وهي ‪ :‬الموقع الجغرافي ‪ ،‬والخصوبة البشرية ‪ ،‬والثروات والمواد‬
‫الخام والدين السلمي ) الذي له قوة سحرية علي تجميع الجناس البشرية‬
‫تحت راية واحدة بعد إزالة الشعور بالتفرقة العنصرية من نفوسهم ‪ ،‬وله من‬
‫الطاقة الروحية ما يدفع المؤمن به علي الدفاع عن أرضه وثرواته ‪ ،‬بكل ما‬
‫يملك مسترخصا ً في سبيل ذلك كل شئ حتى روحه ‪ ..‬يحرص علي التضحية‬
‫بها فداء لوطان السلم ‪. ( .‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ثم يتساءل ‪ ) :‬أي قوة وجدانية بعثت هذه الرادة اليوم في الشرق ؟ ( ثم‬
‫يجيب برؤية صحيحة ) قوة الوحدة الفكرية للسلم ‪ ،‬ووجود الحساس الحي‬
‫للدين السلمي ‪ ،‬فهو ينتصر في كل مكان ينزل فيه الميدان مع‬
‫اليديولوجيات الخرى ( ‪.‬‬
‫بل إنه ليستشعر الخطر من مجرد أداء المسلمين لفريضة الحج واتجاههم‬
‫إلي القبلة في صلواتهم ‪ ..‬إذ يقول ) إن اتجاه المسلمين نحو مكة ــ وطن‬
‫السلم ــ عامل من أهم العوامل في تقوية وحدة التجاه الداخلي بين‬
‫المسلمين ‪ ،‬وأسلوب يضفي علي جميع نظم الحياة في المجتمع السلمي‬
‫طابع الوحدة ‪ ،‬وصفة التمسك ‪.( .‬‬
‫بل إن ناشر الكتاب اللماني يقدم له بهذه العبارة ) باول شمتز عاش في‬
‫القاهرة عدة سنوات ويعرف جيدا ً السس التي ينبثق عنها تطلع الشعوب‬
‫السلمية إلي الستقلل ‪ ،‬الذي يعد أهم مشكلة سياسية في الوقت‬
‫الحاضر ‪ ،‬وهذا الكتاب يوضح الخطر المتوهج الذي يمر عليه النسان في‬
‫أوربا بكل بساطة ‪ ،‬وفي غير اكتراث ‪ ،‬فأصحاب اليمان بالسلم يقفون اليوم‬
‫} قبيل الحرب العالمية الثانية { في جبهة موحدة معادية للغرب … وهذا‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكتاب هو نداء وتحذير يجب أن يلقى الحترام الجدي من أجل مصالح الغرب‬
‫وحدها‪. ( .‬هكذا ‪ ،‬فهل كتب باول شمتز ما كتب بعد الحادي عشر من سبتمبر‬
‫؟ أو كتبه عن سوء فهم ؟ أو لما وجده من سوء عرض للسلم يرتكبه بعض‬
‫الجهلء من هنا أو من هناك ؟ !!!‬
‫أو فقولوا لماذا نشر المفكر المريكي " صامويل هانتنجتون " الستاذ بجامعة‬
‫هارفارد كتابه المعروف باسم ) صدام الحضارات ( وفيه يبشر لصدام‬
‫مستقبلي هائل بين الديانات والثقافات الحديثة ممثلة في الثقافة الوربية‬
‫المريكية الغربية من ناحية ‪ ،‬وبين الديانات والثقافات القديمة ‪ ..‬لكنه خص‬
‫الحضارة العربية السلمية بأكثر قدر من التركيز لنها ـ كما يعتقد ـ ستكون‬
‫أولي تلك الحضارات القديمة وأقدرها علي الزدهار وتحدي الغرب قريبا ً ‪،‬‬
‫ولذلك يقول الرجل ‪ ) :‬يجب علي الغرب الستعداد من الن لصدام‬
‫المستقبل هذا ‪ ،‬بل العمل علي إجهاض قوة الحضارات الخرى ‪ ،‬خاصة‬
‫السلمية قبل أن تكتمل ‪. ( .‬‬
‫‪ ،‬فهل كتب صامويل هننجتون ما كتب بعد الحادي عشر من سبتمبر ؟ أو كتبه‬
‫عن سوء فهم ؟ أو لما وجده من سوء عرض للسلم يرتكبه بعض الجهلء‬
‫من هنا أو من هناك ؟ !!!‬
‫وفي نفس اتجاه هنتنجتون نجد دراسة أخري نشرتها مجلة اليكونومست‬
‫البريطانية في ‪ 8‬يناير عام ‪ ، 1994‬ركزت علي أن مستقبل العالم مهدد‬
‫بقوتين كامنتين أمامهما فرصة البزوغ ‪ ،‬بل الصدام مع الخرين ‪ :‬هما اليابان‬
‫والقوة السلمية المنتظرة! مقال صلح حافظ ــ الخليج ‪. 25/2/1994‬‬
‫وها هو الرئيس السبق للوليات المتحدة المريكية ــ ريتشارد نيكسون ‪:‬‬
‫يدرك السمة الحضارية للسلم ‪ ،‬حيث يقول ) إن السلم ليس دينا ً فقط ‪،‬‬
‫وإنما هو أساس حضارة رئيسية ‪ ،‬إننا نتحدث عن العالم السلمي بصفته كيانا ً‬
‫واحدا ً ــ ليس لن هناك مكتبا ً إسلميا ً يوجه سياساته ‪ ،‬ولكن لن الدول‬
‫منفردة تشترك في اتجاهات سياسية وثقافية مشتركة مع الحضارة السلمية‬
‫ككل ‪) ( .‬انتهزوا الفرصة ــ ترجمة حاتم غانم ‪ ،‬طبعة فبراير ‪ 1992‬صـ ‪(. 40‬‬
‫فهل كتب نيكسون ما كتب بعد الحادي عشر من سبتمبر ؟ أو كتبه عن سوء‬
‫فهم ؟ أو لما وجده من سوء عرض للسلم يرتكبه بعض الجهلء من هنا أو‬
‫من هناك ؟ !!!‬
‫ثم يقول ريتشارد نيكسون ‪ ) :‬للعمل في العالم السلمي فإن علي صناع‬
‫السياسة المريكية المناورة داخل وكر أفعي من سم النزاعات اليديولوجية‬
‫والصراعات الوطنية ( ‪.‬والمدهش أنه يعترف بعد ذلك بأن بعض المريكيين‬
‫) يتغاضون عن حقيقة أن السلم ل يشمل مبدأ ارهاب وأن ثلثة قرون قد‬
‫مرت منذ أن انشغل المسيحيون في حروب دينية في أوربا ‪ ( .‬فهل من سوء‬
‫عرضنا فهم نيكسون ؟ ‪.‬‬
‫ثم يعترف بفضل الحضارة السلمية فيقول ‪ ) :‬بينما ذبلت أوربا في العصور‬
‫الوسطي تمتعت الحضارة السلمية بعصرها الذهبي ‪ ،‬وقد أسهم السلم‬
‫بمجهودات هائلة في مجال العلوم والطب ‪ ،‬والفلسفة ‪ ،‬وفي كتابه "عصر‬
‫اليمان " لحظ ول ديورانت أن النجازات الهامة في كل الميادين قد تحققت‬
‫علي يد مسلمين في هذه الفترة ‪ ،‬وكان ابن سينا أعظم الكتاب في الطب ‪،‬‬
‫والرازي أعظم طبيب ‪ ،‬والبيروني أعظم جغرافي ‪ ،‬وابن الهيثم أعظم صانع‬
‫لللت البصرية ‪ ،‬وجابر أعظم كيميائي ‪ ..‬وكان العلماء العرب فاعلين في‬
‫تطوير الفكرة العلمية ‪ ..‬وعندما دفع الرجال العظام من عصر النهضة‬
‫الوربية إلي المام حدود المعرفة ‪ ..‬فقد رأوا أكثر لنهم وقفوا علي أكتاف‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العمالقة من العالم السلمي ‪.( .‬‬


‫ثم يقول ريتشارد نيكسون ) إن حضارتنا ليست متفوقة علي حضارتهم‬
‫الموروثة ‪ ،‬إن شعوب العالم السلمي كانوا أكثر مقاومة لجاذبية الشيوعية‬
‫من مقاومة أولئك في الغرب ‪ ،‬وإن رفضهم الواسع للمادية وثقافة الغرب‬
‫الخلقية المسموح بها ـ أي في الغرب ـ رجعت عليهم بالفضل ‪( .‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وطيلة خمسة قرون من ‪ 700‬إلي ‪ 1200‬م ــ كما يقول نيكسون ــ فإن‬


‫العالم السلمي تقدم وتفوق علي العالم المسيحي فيما يتعلق بالقوة‬
‫الجيوبوليتيكية ‪ ،‬ومستوي المعيشة ‪ ،‬والمسئولية الدينية ‪ ،‬وتقدم القوانين ‪،‬‬
‫ومستوي تعلم الفلسفة ‪ ،‬والعلوم والثقافة ‪.‬‬
‫ثم يرجع انحسار الحضارة السلمية إلي انتصارها في الحروب الصليبية ‪ ،‬كما‬
‫يرجع تفوق الغرب إلي انهزامه إذ يقول ) إن عقودا ً من الحرب قلبت‬
‫الطاولت ‪ ،‬وكما كتب ديورانت ‪ :‬إن الغرب خسر الحرب الصليبية ‪ ،‬لكنه ربح‬
‫العقائد )!! ( ‪ ،‬وتم طرد كل محارب مسيحي من أرض اليهودية والمسيحية‬
‫المقدسة ) كذا !! ( ‪ .‬لكن السلم استنزف نتيجة انتصاره المتأخر ‪ ،‬ودمر‬
‫وخرب علي يد المغول ــ بالمقابل ــ في عصر من ظلم الغموض والفقر ‪،‬‬
‫بينما المهزوم مدفوعا ً بالجهد ونسيان الهزيمة تعلم كثيرا ً من عدوه ‪ ،‬ورفع‬
‫ول لغاته الجديدة إلي لغة‬ ‫الكاتدرائيات في السماء ‪ ،‬وعبر بحور العقل ‪ ،‬وح ٌ‬
‫دانتي وفيلون ‪ ،‬وتحرك بروح معنوية عالية إلي النهضة ( فهل كتب نيكسون‬
‫ما كتب تحت سوء عرض منا للسلم ‪.‬‬
‫وحين أصدر جان بيرك المستشرق الفرنسي ترجمته لمعاني القرآن عام‬
‫‪ 1990‬وجدناه يبرر اهتمامه بتقديم معاني القرآن للغرب بقوله ) لن الكثير‬
‫من المفكرين والناس الن ينبذون الصورة المادية للحياة المعاصرة ‪،‬‬
‫ويرفضون مجتمع الستهلك ‪ ،‬هذا المجتمع المادي المحض ‪ ..‬ويفضلون علي‬
‫المدنية المعاصرة مدنية السلم الروحية وينادون بالعودة إليها (‬
‫فهل كتب جان بيرك ما كتب تحت سوء عرض منا للسلم‬
‫ولكن بيرك يلتف بخبث فيقدم في ترجمته للقرآن الكريم بعض معاني القرآن‬
‫مشوهة فكأنه أراد أن يقول للمفكرين الغربيين الذين أصبحوا يرفضون‬
‫حضارة الغرب الن ويرون أنها علي وشك النهيار‪ ،‬لنها فقدت الساس‬
‫الروحي والخلقي ‪ ..‬يريد أن يقول لهم ‪ :‬وهذا هو السلم أيضا ً ملئ‬
‫بالخرافات والتناقضات ‪ ( ..‬ألخ مقال رجب البنا صـ ‪ ، 9‬الهرام ‪. 6/3/1994‬‬
‫أما جان بيرك نفسه فيكاد يلتمس لنفسه العذر فيما يكون قد حدث من‬
‫مخالفة في ترجمته للقرآن الكريم يعتذر بالرجوع إلي وجوب الخذ بالمنهج‬
‫التاريخي إذ يقول ‪ ) :‬يبقي صحيحا ً القول بأن الديناميكية الدينية ذاتها تتطور‬
‫عبر التاريخ ــ ليس في مبادئها وأصولها بالطبع ‪ ،‬ولكن في صياغتها وأشكالها‬
‫وتطبيقاتها ‪ ،‬فتلك أشياء خاضعة للتأقلم والتطور وتختلف باختلف العصور‬
‫والزمات ( الهرام ‪. 29/7/1995‬‬
‫ومن الواضح لدينا أن استثناءه ) المبادئ والصول ( من عملية التأقلم‪ ..‬الخ ‪،‬‬
‫ليس إل تغطية لفظية لهدفه من الترجمة ‪ ،‬وهو إيصال الديناميكية الدينية‬
‫التاريخية إلي ) صياغة ( المبادئ والصول ‪ ،‬وما ذلك إل صياغة كلمات الله‬
‫تعالي ما دمنا بصدد ترجمة القرآن الكريم خلفا لتصريحه ‪ ،‬وهذا المنهج‬
‫التاريخي هو المدخل " الحديث " لنسف أصالة المسلمات السلمية ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهل ذهب جان بيرك إلي ذلك نتيجة سوء فهم أو سوء عرض ‪.‬‬
‫وإذا كان ما تقدم أمثلة مستوحاة من بؤرة المستشرقين فلنا مقال قادم‬
‫نستوحي أمثلته من ساحة المبشرين ‪ ،‬والتربويين ‪ ،‬والسياسيين ‪ ،‬ثم نعقب‬
‫بالتساؤل عن موقف الزهر‬

‫)‪(6 /‬‬

‫جرائم الزنج‬
‫شعر‪ :‬ابن الرومي‬
‫مقلت ْ َ‬
‫ي لذيذ َ ‪ii‬المنام ِ‬ ‫ذاد َ عن ُ‬
‫ة‬
‫ل ‪ii‬بالبصر ِ‬ ‫أيّ نوم ٍ من بعد ما ح ّ‬
‫ك ‪ii‬الزْنج‬ ‫أيّ نوم ٍ من بعدِ ما انته َ‬
‫ن هذا من المورِ لمٌر‬ ‫إ ّ‬
‫***‬
‫ك أيتها ‪ii‬البصـ‬ ‫ي علي ِ‬ ‫ف نفس ْ‬ ‫له َ‬
‫ة ‪ii‬السـ‬ ‫ك يا قُب ّ َ‬ ‫ي علي ِ‬ ‫ف نفس ْ‬ ‫له َ‬
‫ك يا فرضة البلـ‬ ‫ي علي ِ‬ ‫ف نفس ْ‬ ‫له َ‬
‫متفاني‬ ‫ف نفسي ِلجمِعك ‪ii‬ال ُ‬ ‫له َ‬
‫***‬
‫ل‬‫ن ‪ii‬حا ٍ‬ ‫ُ‬
‫بينما أهلها بأحس ِ‬
‫دخلوها كأّنهم قِط َعُ ‪ii‬الليـ‬
‫ل رأَوا بهم أيّ ‪ii‬هول!‬ ‫أيّ هو ٍ‬
‫ن‬ ‫م بناِرهم من ‪َii‬يمي ٍ‬ ‫إذ رموه ْ‬
‫م ‪ii‬منهم‬ ‫م فكابد َ القو ُ‬ ‫صّبحوه ْ‬
‫ج ‪ii‬إل‬ ‫ت ما أتى الزن ُ‬ ‫كر ُ‬ ‫ما تذ ّ‬
‫ي بالبصرةِ ‪ii‬الزهـ‬ ‫عَّرجا صاحب ّ‬
‫ب لديها‬ ‫فاسألها‪ ،‬ول جوا َ‬
‫ق ‪ii‬فيها‬ ‫ن ضوضاُء ذلك الخل ِ‬ ‫أي َ‬
‫ك فيها‪ ،‬وفلك ‪ii‬إليها‬ ‫ن ُفل ٌ‬ ‫أي َ‬
‫أين تلك القصوُر والدوُر ‪ii‬فيها‬
‫م القصوُر ‪ِii‬تلل ً‬ ‫ت ِتلك ُ‬ ‫دل ْ‬ ‫بُ ّ‬
‫ُ‬ ‫ر‪ُ ... ،‬‬ ‫َ‬
‫سجام ِ‬
‫دموِع ‪ii‬ال ّ‬
‫شغلها عنه بال ّ‬ ‫ف ٍ‬‫حلولها فهي ق ْ‬ ‫ت من ُ‬ ‫خل ْ‬ ‫و َ‬
‫عظام ِ‬ ‫ت ‪ِ ii‬‬ ‫هنا ِ‬ ‫ل من َ‬ ‫ما ح ّ‬
‫م ‪ii‬السلم ِ‬ ‫جهارا ً محارِ َ‬
‫ن ل يقوم في ‪ii‬الوهام ِ‬ ‫كاد َ أ ْ‬
‫***‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ضرام ِ‬ ‫ب ‪ii‬ال ِ‬ ‫ل له ِ‬ ‫ـرة ُ لهفا كمث ِ‬
‫ـلم ِ لهفا ً يطول منه ‪ii‬غرامي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫ـدان لهفا يبقى على ‪ii‬العوام ِ‬
‫سَتضام ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ف نفسي ل ِعِّزك ال ُ‬ ‫له َ‬
‫***‬
‫طلم ِ‬ ‫دهم ‪ii‬باص ِ‬ ‫م عبي ُ‬ ‫إذ ْ رماه ْ‬
‫م الظلم ِ‬ ‫مدله ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل إذا را َ‬ ‫ـ ِ‬
‫س ‪ii‬الغلم ِ‬ ‫ب رأ ُ‬ ‫حقّ منه يشي ُ‬ ‫ُ‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهم من ‪ii‬أمام ِ‬ ‫ل –من خل ِ‬ ‫شما ٍ‬ ‫و ِ‬


‫ف عام ِ‬ ‫طول يوم ٍ كأّنه أل ُ‬ ‫َ‬
‫ب أّيما ‪ii‬إضرام ِ‬ ‫م القل ُ‬ ‫أضر َ‬
‫سقام ِ‬ ‫ف ذي ‪َ ii‬‬ ‫مدن ٍ‬ ‫ـراِء تعريِج ُ‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫بالكل‬ ‫‪ii‬‬ ‫لها‬ ‫–ومن‬ ‫ل‬
‫لسؤا ٍ‬
‫زحام ِ‬ ‫ت ‪ii‬ال ِ‬ ‫أين أسواُقها ذوا ُ‬
‫م؟‬‫ت في البحرِ ‪ii‬كالعل ِ‬ ‫منشآ ٌ‬
‫ن ذو الحكام ِ‬ ‫أين ذا َ‬
‫ك البنيا ُ‬
‫ب ُركام ِ‬ ‫من رمادٍ ومن ترا ٍ‬
‫ن بين تلك ‪ii‬الكام ِ‬ ‫ل ترى العي ُ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫جراح الغربة‪..‬‬
‫س رباه هل سيأتي‬‫ل دام ٌ‬ ‫ّ‬
‫ح تلو جراح ‪ ،‬وسيوف تقطع أمتي ورماح‪ ،‬ولي ٌ‬ ‫جرا ٌ‬
‫ت أزعم أن ل‬‫م أني في ساح الحياة سعيد‪ ،‬كن ُ‬ ‫ت أزع ُ‬‫من بعد ُ صباح‪ ،‬قد كن ُ‬
‫ت‬ ‫ً‬
‫ت يوما ورأي ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ك ُيدمي قدمي ولن ُيكّبلني يوما حديد‪ ،‬عفوا أمتي إن صحو ُ‬ ‫شو ٌ‬
‫جسما ً داميا ً يمله الصديد‪.‬‬
‫ح تتلوها جراح‪ ،‬وسماٌء تلبدها الرياح‪ ،‬وسلسل أوثقت فينا كل عزم ٍ يبتغي‬ ‫جرا ٌ‬
‫م المعالي اجتياح‪ ،‬فلم يعد يجدي العويل ول النياح‪ ،‬ولم يعد لنا إل البكاء‬ ‫لش ّ‬
‫أو الصياح‪.‬‬
‫جراح الغربة تنزف من بقاياها دما ً وهي تصرخ ألما ً فوق أجسادٍ أرواحها من‬
‫الخلق عن قيمها تعّرت‪ ،‬وعن آدميتها تخّلت‪ ،‬وبمهانتها تجّلت‪ ،‬وعن عزتها‬
‫توّلت‪ ،‬ولجلدها هابت وأجّلت‪ ،‬وعن شريعتها ونهجها ضّلت‪ ،‬وفي دياجير جهلها‬
‫ظّلت‪ ،‬وفي محراب الفاسدين صّلت‪ ،‬وعلى سفينتها كم من العابثين أقّلت‪،‬‬
‫وعن شق طريقها بين المم كم تعبت ومّلت‪.‬‬
‫آهٍ من غربتي في زمن الملهي والفتن‪ ،‬وآهٍ من حسرتي في زمن المآسي‬
‫والمحن‪ ،‬تصاغرت الذنوب في أعين الخلق فانحرفوا عن منهج الخالق‪ ،‬لبسوا‬
‫ي مرير‪ ،‬أخذوا‬ ‫ثوبا ً غير ثوبهم باسم التحرر والفكر المستنير وهم والله في غ ّ‬
‫من علوم الدنيا الحظ الوافر‪ ،‬وركنوا ما في مافي الكتاب والسنة من علم ٍ‬
‫زاخر‪ ،‬وقعوا على الوحل والطين زاعمين فيهما الحرير واليقطين‪ ،‬لهفي على‬
‫ت غير ثقافتها فتاهت في بحر متلطم لبعدها عن قائدها‬ ‫أمة قيدتها ثقافا ٍ‬
‫ث تاريخي مليء بالغبار يحتاج لمن أراد أن‬ ‫ورّبان سفينتها‪ ،‬في أعناقنا إر ٌ‬
‫مر عن ساعده لينفض عنه ذلك التراب‪ ،‬وبين أيدينا نتاج‬ ‫يسبر أغواره أن يش ّ‬
‫حقبة من الزمن لن يذكر التاريخ أسوأ منها ول أسود منها‪ .‬ليس هذا هو‬
‫الوضع الطبيعي لنا أبدًا‪ ،‬وليست هذه أمة محمد ٍ والذي خلق الورى‪ ،‬ليست‬
‫ك‬‫هذه أمة التوحيد والذي أحيا البرى‪ ،‬هناك شيء قد حصل‪ ،‬وهناك ما من ش ّ‬
‫بعض الخلل‪.‬‬
‫ّ‬
‫مشت واضمحلت في عالم النفتاح والتمدن‬ ‫ن من شخصية هُ ّ‬ ‫جروح الغربة تئ ّ‬
‫بحجة الرقي والنخراط في المجتمعات الخرى ُبغية التعايش السلمي مع‬
‫الخرين‪ ،‬وتناسوا أن في ديننا من المبادئ ما ل يمكن معها أن ينصهر في أي‬
‫ثقافات أخرى مهما كانت‪ ،‬ومهما توغلت وتنوعت وتفرعت اتجاهات تلك‬
‫ب كان‪ ،‬ومهما بلغت تلك الثقافات من رقي‬ ‫الثقافات بين ظهرانينا لي سب ٍ‬
‫زائف فإن ذلك ل يعني التسليم لها والخذ بها كأحد المسلمات التي يتطلبها‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العصر‪.‬‬
‫جروح الغربة يعصرها السى عندما تشاهد شباب وشابات حباهم الله نعمة‬
‫أن يكونوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم بعد ذلك تذهب هذه‬
‫المكرمة الربانية في لحظات عبث شيطانية‪ ،‬مغيبة عن واقعها وعن تاريخها‬
‫ب قد ترك الدب والثقافة واتجه إلى المراقص والحانات‪ ،‬شباب‬ ‫فتراهم شبا ٌ‬
‫علقوا السلسل والساور فلم ُيعد ُيعرف الذكر من العاهر‪ ،‬شباب سهروا‬
‫الليالي وذرفوا الدموع وأضربوا عن الطعام ليس من أجل السلم ولكن من‬
‫أجل الحب ولوعة الشوق والهيام‪ ،‬تركوا جانبا ً العلم والدين‪ ،‬وتاهوا بين‬
‫منعطفات السنين‪ ،‬وأضاعوا الشيشان والفغان وبغداد وفلسطين‪ ،‬يقضي‬
‫وقته متنزها ً على أرصفة الشوارع‪ ،‬يلحق بعينيه الفتاة والخرى‪ ،‬وعندما يقع‬
‫في الحبائل يقضي الليل ساهرا ً باكيا ً على حب غادر‪ ،‬أو عشق قاهر‪ ،‬يتقلب‬
‫على الفراش تكسوه الحرقة والكبد‪ ،‬ليس على أقصى أسيرا ً في القيود‪ ،‬ول‬
‫ب ُنفي‬
‫ت أحرقوه اليهود‪ ،‬ول على شع ٍ‬ ‫ل قتلوه الجنود‪ ،‬ول على بي ٍ‬ ‫على طف ٍ‬
‫ذب واستباحوا منه العراض والحدود‪ ..‬ل ‪ ..‬أبدا ً‬ ‫شّرد وعُ ّ‬
‫حّرق وأهين و ُ‬ ‫وقُّتل و ُ‬
‫فأولئك ليسوا بالنسبة له إل خبرا ً يتناقله الناس وتلوكه اللسن يسمع طرفا ً‬
‫ث عابر عن شيء اسمه أقصى ينادي به وبفلسطين وحطين‪ ،‬ويشدو‬ ‫من حدي ٍ‬
‫بالفاروق وصلح الدين‪ ،‬ثم يسوقه الحنين إلى ظلل الزيزفون وماجدولين‪،‬‬
‫تراه يتخبط في حياته‪ ،‬لهو في المساجد ساجد‪ ،‬ول هو عن التسكع في‬
‫الشوارع وارع‪ ،‬تقلبه نفسه حسب شهواتها‪ ،‬فقد السيطرة عليها‪ ،‬فساقته‬
‫حيث شاءت‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جروح الغربة تتأوه في حرقة وألم عندما ترى في بناتنا اليوم من تشد العباءة‬
‫على خصرها وتدعي أنها عباءة‪ ،‬وتكشف الصدر من تحت العباءة وتدعي أنها‬
‫عباءة‪ ،‬تكشف عن ساقيها من تحت العباءة وتدعي أنها عباءة‪ ،‬ول أدري بعد‬
‫بروز الشعر والوجه والصدر والخصر والساق أين هي العباءة‪ ،‬نسيت بنات‬
‫المسلمات وجرت وراء الموضة والصرخات‪ ،‬صرخات أخواتها في القدس‬
‫تأتي من تمزيق الثياب‪ ،‬وهتك العراض‪ ،‬وبقر البطون‪ ،‬وقطع الثداء‪،‬‬
‫ن شاسع‪،‬‬ ‫وصرخات من يحسبن أنهن بناتنا‪ ،‬صرخات الموضة والقصات‪ ،‬بو ٌ‬
‫وفرق كما بين السماء والرض‪ ،‬إن كان لها من عمل جبار تعمله‪ ،‬فهي تخرج‬
‫في مسيرة صاخبة‪ ،‬ولكن خروج المعة‪ ،‬لم تجد مكانا ً تمضي إليه‪ ،‬فخرجت‬
‫متسلية‪ ،‬وهي ضاحكة فاغرة‪ ،‬فتراها تردد الشعارات متبرجة‪ ،‬سافرة‪ ،‬ما‬
‫الفرق بينها وبين من ل هوية لها ول دين‪ ،‬وما الذي يميزها عن فتاة الهوى‬
‫والعبث‪ ،‬هل يا ترى ستقول بأنها في علقاتها رغم ظاهرها أفضل من ملتزمة‬
‫منقبة‪ ،‬ل والله‪ ،‬ليس المر كذلك؛ فلو كان الدين يقاس بما في القلوب‬
‫وصلحها فقط لما أتى السلم بصلة ول صوم ول زكاة ول حج ول حجاب‬
‫ل ل يتجزأ‪ ،‬ل يمكن أن‬‫واعتبر الخلق أهم من كل ذلك‪ ،‬ولكن السلم ك ُ ّ‬
‫ل بل عمل‪.‬‬ ‫ل بل قول‪ ،‬ول يمكن أن يستقيم قو ٌ‬
‫يستقيم فع ٌ‬
‫ً‬
‫جروح الغربة تصرخ بألم فيما ُيشاهد أيضا‪ ،‬وُيرى في التلفاز مما يستوجب‬
‫معه التوبة والندم‪ ،‬فأن ترى العرايا في بلد النصارى والغربيين‪ ،‬في الشوارع‬
‫والمقاهي غادين رائحين‪ ،‬فذلك مما ألفه العقل‪ ،‬ولكن أن ترى ذلك في بلد‬
‫المسلمين فعندها يكون المر جد هجين‪ ،‬ومستغرب له ومستنكر جدًا‪ ،‬ول‬
‫تصدقه العين‪ ،‬والعري نوعان‪ ،‬عري الجساد من لباسها وظهور لحومها‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومفاتنها‪ ،‬وعري الفكر والحساس‪ ،‬والخير هو امتداد للول‪ ،‬فعندما تبتذل‬


‫النفس إلى مستوى من الحضيض يخرجها عن الدين بحجة الموضة‬
‫والموديرن‪ ،‬وُينسى أصول الشريعة فهي الطامة المريعة‪ ،‬في البدء كان‬
‫الحجاب شعار كل فتاة في أي زمان ومكان‪ ،‬التزاما ً ينبع من عقيدة كانت‬
‫جذورها راسخة مهما تغير في الزمان مما يطغى على الحياة الجتماعية من‬
‫تغير واختلف نتيجة السياسة وما تجره على الشعوب والبلدان‪ ،‬فالعقيدة‬
‫واحدة‪ ،‬والدين واحد‪ ،‬والجذور واحدة‪ ،‬وكان رأس ذلك كله الخلق‪ ،‬ومرت‬
‫السنون والقرون وأتى في آخر الزمان من يدعين المناداة بحقوق الممتهنات‬
‫من النساء كما يسمينهن جاء من يدعين التنوير والمعرفة بسرائر المور من‬
‫أمثال هدى شعراوي وروز اليوسف ومثيلتهن ممن قدن المسيرات ولعن‬
‫الحجاب ورمينهن على التراب‪.‬‬
‫لربما أن ما نعيشه الن من واقع أمر يدعو إلى الشمئزاز والشعور بالضعف‬
‫ما نحن فيه‪ ،‬ولول أننا ننتمي إلى أعظم دين‪ ،‬وإلى‬ ‫والهوان وعدم الرضا أبدا ً ع ّ‬
‫أعظم نبي وهو الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لصابنا من اليأس‬
‫والعجز والخور والتلشي والتقوقع والنتهاء ما يصيب أي حضارة كنتيجة‬
‫طبيعية لهذا التسلسل الذي نمر به‪ ،‬بيد أن في ديننا من المبشرات ما يحفظ‬
‫لنا عزيمتنا ويبدد الظلم الدامس الذي نراه أمامنا فنحن أمة ل نعرف ما‬
‫تعنيه كلمة المستقبل القاتم‪ ،‬أو النزع الخير‪ ،‬أو السقوط البدي‪ ،‬مصداقا ً‬
‫لقول الله عزوجل‪] :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون‬
‫عن المنكر[ إن ما نمر به الن ليس وليد اليوم وليس جديدا ً على هذه المة‬
‫المباركة‪ ،‬فإن البتلء فيها وارد؛ كيف ل وقد ابتلي سيد الخلق وأوذي وط ُ ِ‬
‫رد‬
‫شّرد وحوصر‪ ،‬ولكنه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم دانت له مشارق‬ ‫و ُ‬
‫م الله عليه نوره ونصره الذي وعد‪ ،‬فما جزاء الصبر إل‬ ‫الرض ومغاربها؛ وأت ّ‬
‫النصر والظفر‪.‬‬
‫عبد الله الشهاري‬

‫)‪(2 /‬‬

‫جران العود والزواج الثاني‬


‫د‪.‬عثمان قدري مكانسي‬
‫‪othman47@hotmail.com‬‬
‫ن الَعود لنه كان قد اتخذ‬ ‫َ‬ ‫جرا‬ ‫ر‬
‫ٌ‬ ‫عام‬ ‫لقب‬ ‫‪.‬‬ ‫عامر‬ ‫بن‬ ‫جران الَعود الحارث‬ ‫هو ِ‬
‫ن ( ليضرب به امرأتيه !‪.‬‬ ‫جلدا ً من جران ) عنق ( الَعود‪ ،‬وهو ) الجمل المس ّ‬
‫وهو من أهل النصف الثاني من القرن السادس الميلدي ‪ ،‬ولعله أدرك‬
‫السنوات الولى من القرن السابع ‪ ..‬وذكر الماكن التي وردت في أشعاره‬
‫تدل على أنه من أهل العالية في الشمال الغربي من نجد ‪ ،‬قريبا ً من‬
‫الحجاز ‪.‬‬
‫ً‬
‫يبدو أنه قد تزوج مرارا وأنه قد جمع بين امرأتين ‪ ،‬ولم يكن – على ما يبدو –‬
‫سعيدًافي زواجه قط ‪ .‬ومع ذلك فقد جرب حظه مرة أخرى ‪ ،‬وكانت السن‬
‫قد تقدمت به ‪ ..‬وهو شاعر فصيح العبارة ‪ ،‬لطيف المعاني ‪،‬مرح خفيف‬
‫الروح يخلط الهزل بالجد شعره سهل عذب ‪ ،‬وفنونه الغزل والوصف ‪.‬‬
‫وفي هذه القصيدة التي أوردتها لهذا الشاعر يصف ما لقيه من متاعب في‬
‫زواجه ‪ ،‬بعد أن كان ُأغرم بجمال مرأة ‪ ،‬ودفع للها مهرا ً كبيرا ً ‪ ،‬ثم تزوجها‬
‫على امرأة كانت عنده ‪ ،‬فلقي منهما ما لقيه ! ‪ ...‬وفي القصيدة شيء من‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المرح كثير‪ ،‬ودعابة ينشرح لها قلوب الواقعين فيما وقع فيه الشاعر‪ ،‬ومن‬
‫ما يفعل !‪.‬‬ ‫يود أن يقع فيه ول ّ‬
‫ن امرا ً ‪ii‬نوفلي ّ ٌ‬
‫ة‬ ‫أل ل يغُّر ّ‬
‫ن ‪ii‬كأنه‬ ‫ّ َ‬ ‫دها‬ ‫ال‬ ‫يسقى‬ ‫م ُ‬ ‫ول فاح ٌ‬
‫ل عُّلقت في ‪ii‬عقيصة‬ ‫ب خي ٍ‬ ‫وأذنا ُ‬
‫فإن الفتى المغروَر يعطي ِتلَده‬
‫مها‬ ‫ن عظا َ‬ ‫ويغدو بمسحاٍح كأ ّ‬
‫ت في المال ‪ii‬أهَلها‬ ‫م ُ‬ ‫فتلك التي حك ّ ْ‬
‫دمُتني ‪-ii‬‬ ‫ضّرتين – ع ِ‬ ‫لقد كان لي عن َ‬
‫ي ‪ii‬منهما‬ ‫ق َ‬ ‫سعلةُ ‪ ،‬حل ِ‬ ‫ل وال ّ‬ ‫هما الغو ُ‬
‫ُتداوَرني في البيت حتى ‪ii‬ت َك ُّبني‬
‫وقد عوّد َْتني الوقذ َ ثم ‪ii‬تجّرني‬
‫ولم أَر كالموقوذ ِ ُترجى ‪ii‬حياُته‬
‫أقول لنفسي ‪ :‬أين كانت؟ وقد ‪ii‬أرى‬
‫فه‬ ‫ي ‪ii‬نص َ‬ ‫ف مالي واتُركا ل َ‬ ‫خذا نص َ‬
‫ح من أم ‪ii‬حازم ٍ‬ ‫ألقي الخنا والب َْر َ‬
‫صب ‪ii‬رأسها‬ ‫صب ُّر عينيها وتع ِ‬ ‫تُ َ‬
‫ر‬
‫ض ٍ‬ ‫مح َ‬ ‫مبدىً ‪ii‬و َ‬ ‫سها في كل َ‬ ‫ترى رأ َ‬
‫ب‬‫ل ‪ii‬عقار ٍ‬ ‫حْته كان مث َ‬ ‫سّر َ‬ ‫ن َ‬ ‫وإ ْ‬
‫َ‬
‫قْينا غدوَة ً طال بيننا‬ ‫ُ‬ ‫ما الت َ‬ ‫ول ّ‬
‫جّلي إليها من بعيد ٍ ‪ii ،‬وأّتقي‬ ‫ُ‬
‫أ َ‬
‫جراَنه‬ ‫ت ‪ِ ii‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ت ل ِعَوْد ٍ فالت َ َ‬ ‫مد ْ ُ‬ ‫عَ َ‬
‫ح‬ ‫ض‬ ‫و‬
‫ُ ُ ّ ُ‬‫ب‬‫ترائ‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫بعدي‬ ‫‪،‬‬ ‫الرأس‬ ‫على‬ ‫‪...‬‬ ‫فإنني‬ ‫‪ii‬‬ ‫ي‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫لت‬ ‫خ‬ ‫يا‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ذر‬‫َ‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫خذا‬
‫ح‬ ‫ك أبط ُُ‬ ‫أساود ُ َيزهاها لعيني َ‬
‫ح‬
‫طها من تحتها ‪ii‬يتطوّ ُ‬ ‫َترى ُقر َ‬
‫ح‬
‫ويعطي الثنا من ماِله ‪ ،‬ثم ‪ُii‬يفض ُ‬
‫ح‬‫ن أعراها اللحاُء ‪ii‬المشب ّ ُ‬ ‫محاج ُ‬
‫ح‬ ‫ل مبتاٍع من الناس ‪ii‬يرب ُ‬ ‫وما ك ّ‬
‫ح‬
‫ما ألقي منهما ‪ii‬متَزحَز ُ‬ ‫وع ّ‬
‫ح‬‫جّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ش ما بين التراقي ‪ُ ii‬‬ ‫خد ّ ُ‬ ‫م َ‬
‫ح‬
‫م ُ‬ ‫ي من نحو الِهراوةِ ‪َii‬تل َ‬ ‫وعين ِ َ‬
‫ح‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ي ‪ii‬أَرن ّ ُ‬ ‫شي ّا عل ّ‬ ‫مغ ِ‬ ‫إلى الماء َ‬
‫ح‬
‫ض ُ‬ ‫ة ‪ُii‬ين َ‬ ‫عه الماُء ساع َ‬ ‫إذا لم ي َُر ْ‬
‫ح‬ ‫رجال ً قياما ‪ ،‬والنساُء ‪ُii‬تسب ّ ُ‬ ‫ً‬
‫ح‬‫ب ‪ii‬أْروَ ُ‬ ‫م ‪ ،‬فالتعّز ُ‬ ‫وب ِْينا بذ ّ‬
‫ح‬‫ة ‪ii‬أبر ُ‬ ‫وما كنت ألقى من ُرَزْين َ‬
‫ح‬
‫م ‪ii‬يضب َ ُ‬ ‫وتغدو غُد ُوّ الذئب والبوُ ُ‬
‫ح‬
‫سَر ُ‬ ‫ط ول هو ‪ii‬ي َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل لم ي ُ ْ‬ ‫شعالي َ‬
‫ح‬‫م ُ‬ ‫ب ِقصارٍ ‪ii‬وَتر َ‬ ‫ل بأذنا ٍ‬ ‫تشو ُ‬
‫مط َْر ُ‬
‫ح‬ ‫ف بالحجارة ‪ِ ii‬‬ ‫ب وقذ ٌ‬ ‫سبا ٌ‬
‫ح‬ ‫مّز ُ‬ ‫قا ول ‪ii‬أت َ َ‬ ‫ً‬ ‫حجارَتها ح ّ‬
‫ح‬
‫ْ َ ُ‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫وأ‬ ‫‪ii‬‬ ‫المور‬ ‫في‬ ‫أمضى‬ ‫ول َْلكي ْ ُ‬
‫س‬
‫ح‬‫ود قد كان ‪ii‬يصل ُ ُ‬ ‫ن العَ ْ‬ ‫جرا َ‬ ‫ت ِ‬ ‫رأي ُ‬
‫الهوامش‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1‬نوفلية ‪ :‬غطاء تضعه المرأة على رأسها ليبدو شعرها أكبر حجما ً وأعلى‬
‫ارتفاعًا‪.‬‬
‫التريبة ‪ :‬جانب الصدر ‪ .‬وضح ‪ :‬بيض ‪ .‬يجب أن ل يغتر النسان بالجمال‬
‫الصناعي ‪.‬‬
‫‪ -2‬الساود ‪ :‬حيات سوداء ‪ .‬البطح ‪ :‬بطن الوادي ‪ .‬شعر فاحم يلتوي‬
‫كالحيات السوداوات‬
‫‪ -3‬الضفائر كثيفة طويلة كذنب الحصان ‪.‬‬
‫‪ -4‬الثنا عكس التلد ‪ ،‬والتلد القديم ‪ .‬يدفع الجاهل كل ماله للمرأة التي يغتر‬
‫بها ‪.‬‬
‫‪ -5‬المرأة المسحاح ‪ :‬السريعة المشي ‪ ،‬وهذا عيب في المرأة ‪ .‬المحجن ‪:‬‬
‫العصا المعقوف ‪ .‬والمشبح ‪ :‬المقشر ‪ .. .‬تبدو المرأة دون زينة على حقيقتها‬
‫جلدا ً وعظاما ً فقط‪.‬‬
‫‪ -8‬السعلة ‪ :‬أنثى الغول ‪.‬‬
‫‪ -9‬تناوره الولى حتى تكبه على وجهه ‪ ،‬ثم تضربه بالعصا الغليظة !‪.‬‬
‫‪ -11 -10‬فإذا غاب عن الوعي رشت عليه الماء ليصحو ‪.‬‬
‫‪ -12‬تسبح ‪ :‬تعجب ‪ .‬يتعجب الرجال والنساء مما تفعل به زوجتاه ‪.‬‬
‫‪ -13‬يعرض عليهما نصف ماله إذا طّلقهما فحياة العزوبية أهون من بقائه‬
‫معهما ‪.‬‬
‫‪ -14‬الخنا ‪ :‬قبيح الكلم ‪ .‬البرح ‪ :‬الذى ‪ .‬يرى منهما السب والذى ‪.‬‬
‫‪ -15‬تصبير العينين ‪ :‬صبغ ما حولهما ‪ .‬وضبح البوم ‪ :‬نعيبه ‪ :‬ل تتركانه ليل ً ول‬
‫نهارا ً شتما ً وسبا ً وإيذاًء ‪.‬‬
‫‪ -16‬المبدى ‪ :‬البادية ‪ .‬المحضر ‪ :‬المدن ‪ .‬الشعلول ‪ :‬الشعر المنفوش ‪ .‬ل‬
‫تهتمان بزينتهما أبدا ً‬
‫‪ -17‬فإن سرحت إحداهما شعرها رفعته كذنب العقرب تضرب به من خلفها ‪.‬‬
‫‪ -21 -20‬الخلة ‪ :‬الزوجة ‪ ...‬ليتقي شرهما عمد إلى عنق البعير فسلخه ‪،‬‬
‫واتخذه سوطا ُ يؤدبهما به ‪ ،‬وهذا ما يفعله العاقل مع زوجتيه الناشزتين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جريمة بشعة جديدة في سجل يهود‬


‫أفلم تكف لهل التفاوض أن يخرسوا إلى البد؟!‬
‫‪ l‬بالمس في ‪ 22/3/2004‬اغتالت عصابات يهود المجرمة الشيخ المجاهد‬
‫أحمد ياسين وإخوانه معه‪.‬‬
‫‪ l‬واليوم في ‪ 17/4/2004‬امتدت يد الغدر كذلك إلى الدكتور عبد العزيز‬
‫الرنتيسي وإخوانه معه‪.‬‬
‫‪ l‬وقبلهما عدد كثير من الشهداء سقطوا على أيدي صناع الجريمة وأهلها من‬
‫يهود‪.‬‬
‫‪ l‬ومع كل ذلك ل زلنا نسمع من الحكام العملء في بلد المسلمين‪ ،‬ومن‬
‫السلطة ورجالها التباكي على مائدة المفاوضات‪ ،‬وخارطة الطريق كأنهم ل‬
‫يسمعون أو يعقلون‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ l‬إن عصابات يهود ل زالت تعلن جهارا نهارا أنها ستلحق أهل فلسطين‪،‬‬
‫وتعتقل‪ ،‬وتغتال بكل ما أوتيت من قوة‪ ،‬على سمع الحكام والسلطة‬
‫وبصرهم‪ ،‬يتفاخر بذلك كل عصابات يهود‪ ،‬الذين ُيدعون باليمين أو باليسار‪،‬‬
‫فكلهم سواء‪ ،‬شارون وبيريز يفتخرون أنهم يقتلون مسلما ً بأي وسيلة كانت‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في ميدان المعركة أو غدرا ً واغتيا ً‬


‫ل‪.‬‬
‫‪ l‬هذا ما تعلنه عصابات يهود‪ ،‬أفليس من العار والشنار أن يعلن بعد هذا رجال‬
‫السلطة وأشباه الحكام أن المشكلة هي في عدم تطبيق خارطة الطريق‪،‬‬
‫وعدم قبول كيان يهود بالجلوس على مائدة المفاوضات؟‬
‫‪ l‬والدهى والمر أنهم يعتبون على أمريكا انحيازها ليهود‪ ،‬كأنها كانت يوما ً غير‬
‫منحازة‪ ،‬ألم تجعل سفك دماء المسلمين هدفا ً لها؟ أليست هي التي تقتل‬
‫وتسفك الدماء في العراق وأفغانستان؟ أليست هي التي تمد يهود بكل‬
‫أسباب القوة؟ أليست هي التي جعلت اغتيال يهود للشيخ أحمد ياسين‬
‫والدكتور الرنتيسي دفاعا ً عن النفس؟ ومع ذلك فهم يعتبون عليها ويناشدونها‬
‫العون والمساعدة!‬
‫ي‬
‫‪ l‬لقد صدق رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في قوله‪» :‬إذا لم تستح ِ‬
‫فاصنع ما شئت« فإنهم حقا ً ل يستحيون‪ ،‬قاتلهم الله أنى يؤفكون‪.‬‬
‫‪ l‬رحم الله الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ورحم الله من قبله الشيخ أحمد‬
‫ياسين‪ ،‬ورحم الله من سبقوهم ومن يلحقون بهم في سبيل الله‪ ،‬وأسكنهم‬
‫فسيح جناته } مع ال ّذي َ‬
‫داء‬ ‫ن َوال ّ‬
‫شهَ َ‬ ‫قي َ‬
‫دي ِ‬
‫ص ّ‬
‫ن َوال ّ‬
‫ن الن ّب ِّيي َ‬ ‫ه عَل َي ِْهم ّ‬
‫م َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ن أن ْعَ َ‬‫َ َ ِ َ‬
‫ن ُأول َئ ِك َرِفي ً‬
‫قا‬ ‫َ‬ ‫س َ‬
‫ح ُ‬
‫ن وَ َ‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫َوال ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جزيرة العرب بين التشريف والتكليف )‪(6-1‬‬


‫‪2/7/1424‬‬
‫أ‪.‬د ناصر بن سليمان العمر‪ -‬المشرف العام على موقع المسلم‬
‫ل‪ :‬الرث الحضاري التاريخي لجزيرة العرب‬ ‫أو ً‬
‫* إن لهل الجزيرة العربية ثروة تاريخية ثرة)‪ ،(1‬وإرث حضاري يمتد عبر‬
‫قرون بعيدة وأزمنة مديدة‪ ،‬يجب أن يستلهموا منه دروسًا‪ ،‬وأن يأخذوا منه‬
‫عبرًا‪ ،‬للمضي بحضارتهم ورسالتهم ُقدمًا‪.‬‬
‫فجزيرة العرب بها أم القرى‪ ،‬وبيت الله الحرام‪ ،‬ومدينة النبي ومسجده‬
‫_عليه الصلة والسلم_ وما بين البيت إلى المنبر‪ ،‬روضة من رياض الجنة )‬
‫‪:(2‬‬
‫م للرسول ومعهد منيٌر‬ ‫بطيبة رس ٌ‬
‫و قد تعفو الرسوم وتهمد‬
‫ول تمحي اليات من دار حرمة‬
‫بها منبرالهادي الذي كان يصعد‬
‫و واضح آيات وباقي معالم‬
‫وربع له فيه مصلى ومسجد‬
‫به حجرات كان ينزل وسطها‬
‫من الله نور يستضاء ويوقد‬
‫معارف لم تطمس على العهدآيها‬
‫أتاها البلي فالي منها تجدد‬
‫وفيها كان الخلفاء الراشدون‪ ،‬والنصار والمهاجرون‪ ،‬وبها عقدت رايات‬
‫المسلمين‪ ،‬وقويت أمور الدين‪ ،‬وأيضا ً فإن فيها المناسك والمشاعر‪،‬‬
‫والمواقيت والمناحر‪:‬‬
‫إذا هَّزنا الشوقُ اضطربنا لهزه‬
‫ب الرحل اضطراب الراقم‬ ‫على ُ‬
‫شعُ ِ‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‬ ‫ت تستقيم بمائ ٍ‬ ‫فمن صبوا ٍ‬


‫ب بنائم ِ‬ ‫ومن أريحيات ته ُ‬
‫وأ َسَتشر ُ َ‬
‫م حتى يدلني‬ ‫ف العل َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫النواس‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫الريا‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫َ ّ‬ ‫طيبها‬ ‫على‬
‫وهل أنسم الرواح إل ّ لنها‬
‫ب على تلك الربى و المعالم ِ‬ ‫َته ُ‬
‫شّراح في‬ ‫شعرية‪ ،‬ذكرها الفحول في دواوينهم‪ ،‬فدرسها ال ُ‬ ‫كما أنها جزيرة ِ‬
‫ً‬
‫مصنفاتهم‪ ،‬فإذا قرأتها وجدت زمزم والحطيم‪ ،‬وددا وأشداخ‪ ،‬ومدافع الريان‪،‬‬
‫وشماريخ رضوى‪ ،‬وبرقة ثهمد‪ ،‬وحومانة الدراج ‪ ،‬وتقادمت فالجبس‬
‫فالسوبان‪ ،‬وهجر وجواثا‪ ،‬وإضم والجواء‪ ،‬وتهامة والحجاز‪ ،‬والعروض واليمن‪،‬‬
‫واليمامة والرميصاء‪ ،‬بل أرض نجد كلها‪:‬‬
‫وإني وإن فارقت نجدا ً وأهله‬
‫لمحترق الحشاء شوقا ً إلى نجدِ‬
‫أروح على وجدٍ وأغدو على وجدٍ‬
‫وأعشق أخلقا ً خلقن من المجدِ‬
‫آخر‪:‬‬
‫أقول لصاحبي والعيس تخدي‬
‫بنا بين المنيفة فالضمار‬
‫تمتع من شميم عرار نجد‬
‫فما بعد العشية من عرار‬
‫أل يا حبذا نفحات نجد‬
‫قطار‬ ‫وريا ً روضه غب ال َ‬
‫)وربك( إذ يحل الناس نجدا ً‬
‫وأنت على زمانك غير زار‬
‫شهور ينقضين وما شعرنا‬
‫صاف لهن ول سرار‬ ‫بأن َ‬
‫ولو استطردنا بذكر شيء مما ورد في أشعارهم لطال المقال)‪ ، (3‬فأي دار‬
‫من ديارها ما وقفوا عليها؟ وأي أطلل دوارس ماهز بعضهم شوق إليها‪،‬‬
‫وحسبك قول عنترة‪:‬‬
‫هل غادر الشعراء من متردم ** أم هل عرفت الدار بعد توهم‬
‫و فوق ذلك تجد في تلك المصنفات ذكر عشائر الجزيرة وقبائلها وخصائصهم‪،‬‬
‫وأمور دقيقة متعلقة بهم‪.‬‬
‫وفضل ً عن ذلك فقد كان للحضارات القديمة فيها شأن عظيم‪ ،‬بل إن أول‬
‫ما بنى آدم _عليه السلم_ بيت‬ ‫الحضارات البشرية قامت بها وأ َ َ‬
‫هلْتها‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫الله الحرام)‪ (4‬فكان أول بيت وضع للناس ببكة مباركًا‪ ،‬وقد ذكر العليم‬
‫الحكيم في القرآن الكريم عن حضارات الجزيرة العربية ما لم يذكره عن‬
‫غيرها من المم والحضارات التي قامت في شتى البلدان والقاليم فسادت‬
‫ثم بادت‪.‬‬
‫أل ترى أن جزيرة العرب‪ ،‬أرض معجزات نبوية‪ ،‬ومجال رسالت سماوية ‪،‬‬
‫ش عظيم‪ ،‬وبئٌر معطلة‪ ،‬وقصر مشيد‪ ،‬بل‬ ‫ففيها بلد سبأ‪ ،‬وسد ّ مأرب‪ ،‬وعر ٌ‬
‫سائر بلد عاد؛ إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلد‪ ،‬وثمود الذين‬
‫ب الرس‪ ،‬وأصحاب اليكة‪ ،‬وأصحاب الخدود‪،‬‬ ‫جابوا الصخر بالوادي‪ ،‬وأصحا ُ‬
‫وقبر هود‪ ،‬ودعوة إبراهيم‪ ،‬وحجر صالح‪ ،‬ومدين شعيب‪ ،‬ومرتع إسماعيل‪،‬‬
‫وملجأ موسى‪ ،‬ومهد محمد _صلى الله عليه وسلم_ وعلى إخوانه النبياء‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمرسلين ومثواه‪:‬‬
‫فبوركت يا قبر الرسول وبوركت ** بلد ثوى فيها الرشيد المسدد ‪(sup>(5‬‬
‫جّلهم بعد أن غيبوا‬‫ثم كانت أرض الجزيرة وطاًء لخير القرون وأديمها لحافا ً ل ُ‬
‫تحت أطباق ثراها‪.‬‬
‫وشتان شتان بين قبر لبي بكر وعمر‪ ،‬وآخر لخوفو وخفرع! بون واسع وفرق‬
‫شاسع بين روضة من رياض الجنة وحفرة من حفر النار‪:‬‬
‫لئن تطاول بالهرام منهزم ** فنحن أهرامنا سلمان أو عمر‬
‫ومع هذا كله فأرض الجزيرة العربية تشتمل على حدود جليلة‪ ،‬وك ُوَرٍ جسيمة‪،‬‬
‫فهي من أمد القاليم مساحة‪ ،‬وأفسحها ساحة‪ ،‬وأعظمها حرمة‪ ،‬وأشرفها‬
‫مدنًا‪" ،‬وربك يخلق ما يشاء ويختار" )‪.(6‬‬
‫لحكمة بالغة قضاها ** يستوجب الحمد على اقتضاها‬
‫وقد فضل جزيرة العرب على ما سواها جمع ممن عنوا بالقاليم والبلدان‪،‬‬
‫قال الهمداني‪" :‬أفضل البلد المعمورة من شق الرض الشمالي إلى الجزيرة‬
‫الكبرى ‪ ...‬وتسمى جزيرة العرب")‪ ، (7‬وقال القلقشندي‪ .." :‬بجزيرة العرب‬
‫الواقعة في أواسط المعمورة وأعدل أماكنه وأفضل بقاعه‪ ،‬حيث الكعبة‬
‫الحرام ‪ ،(8) "..‬قال المقدسي في أحسن التقاسيم‪" :‬وهي أمد القاليم‬
‫مساحة‪ ،‬وأفسحها ساحة‪ ،‬وأفضلها تربة‪ ،‬وأعظمها حرمة‪ ،‬وأشرفها مدنًا" )‪.(9‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فجزيرة العرب من أفضل البلد وأشرفها‪ ،‬قال الشيخ بكر أبوزيد‪" :‬كثرة‬
‫السماء تدل على شرف المسمى‪ ،‬ولهذه الجزيرة جملة أسماء؛ كلها مضافة‬
‫إلى العرب ل غير")‪ (10‬وذكرها‪] :‬جزيرة العرب[‪ ،‬و]أرض العرب[‪ ،‬و ]بلد‬
‫العرب[‪ ،‬و]وديار العرب[‪ ،‬و]الجزيرة العربية[‪ ،‬و]شبه جزيرة العرب[‪] ،‬وشبه‬
‫الجزيرة العربية[)‪.(11‬‬
‫ً‬
‫ومما يدل على شرفها أيضا كثرة ما صنف فيها‪ ،‬وقد أشار الشيخ بكر إلى‬
‫كتب زيادة على ما ذكر ‪ ،‬والشأن هنا أيضا ً في ذكر‬‫شيء منها‪ ،‬ومما ُ‬
‫المؤلفات المفردة عن هذه الجزيرة على اختلف مقاصد المؤلفين‪:‬‬
‫‪) .1‬جزيرة العرب( للصمعي‪ ،‬يذكره من ترجم له‪.‬‬
‫‪) .2‬جزيرة العرب( لبي سعيد السيرافي‪ ،‬ذكره الباباني في )هدية العارفين(‪،‬‬
‫وغيره‪.‬‬
‫‪) .3‬جزيرة السلم( للشيخ سلمان العودة‪ ،‬مطبوع‪ ،‬وما يليه كذلك‪.‬‬
‫‪) .4‬جزيرة العرب مهد الحضارة النسانية( لمحمد معروف الدواليبي‪.‬‬
‫‪) .5‬مرآة جزيرة العرب(‪ ،‬لبي أيوب صبري باشا‪.‬‬
‫‪) .6‬السكان والقتصاد والعمل قبل قرن في جزيرة العرب( أحمد اليحيى‪.‬‬
‫‪) .7‬جغرافية شبه جزيرة العرب( لمحمود أبو العل‪.‬‬
‫‪) .8‬جغرافية جزيرة العرب(‪ ،‬لعمر رضا كحالة‪.‬‬
‫‪) .9‬رحلت في شبه جزيرة العرب( لجون لويس بوركهات‪.‬‬
‫‪) .10‬جزيرة العرب قبل السلم( لبرهان الدين دلو‪.‬‬
‫‪) .11‬تاريخ جزيرة العرب القديم‪ ،‬وسيرة النبي _صلى الله عليه وسلم_(‬
‫لعبدالله العثيمين‪.‬‬
‫‪) .12‬وفود القبائل على الرسول _صلى الله عليه وسلم_‪ ،‬وانتشار السلم‬
‫في جزيرة العرب( لحسن جبر‪.‬‬
‫‪) .13‬جزيرة العرب مصير أرض وأمة( لمحمد ولد داداه‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪) .14‬شبه جزيرة العرب( لمحمود شاكر‪ ،‬وهو مجموعة كتب جعل لكل قسم‬
‫أو أقسام منها كتابًا‪.‬‬
‫‪) .15‬أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ‪ :‬جزيرة العرب( لمحمد عبدالهادي‪،‬‬
‫وفاء محمد‪.‬‬
‫‪) .16‬صور من شمالي جزيرة العرب‪ :‬في منتصف القرن التاسع عشر(‬
‫لجورج أوغست‪ ،‬ترجمة سمير الشبلي‪.‬‬
‫‪) .17‬أرض المعجزات‪ :‬رحلة في جزيرة العرب( لعائشة عبدالرحمن‪.‬‬
‫‪) .18‬جزيرة العرب في العصر الحديث( لصلح العقاد‪.‬‬
‫‪) .19‬الجزيرة العربية‪ :‬موطن العرب ومهد السلم( لمصطفى مراد الدباغ‪.‬‬
‫‪) .20‬لمحات عن تطور الفكر في جزيرة العرب في القرن العشرين( لفهد‬
‫المبارك‪.‬‬
‫‪) .21‬جزيرة العرب في القرن العشرين( لحافظ وهبة‪.‬‬
‫‪) .22‬النهضات الحديثة في جزيرة العرب( لمحمد عبدالله ماضي‪.‬‬
‫‪) .23‬مشاهداتي في جزيرة العرب( لحمد حسين‪.‬‬
‫‪) .24‬اكتشاف جزيرة العرب‪ :‬خمسة قرون من الحضارة والعلم( جاكلين‬
‫بيرين‪ ،‬ترجمة قدري قلعجي‪.‬‬
‫‪) .25‬دراسات عن تاريخ الخليج العربي والجزيرة العربية( لصباح إبراهيم‬
‫الشيخلي‪.‬‬
‫وقد أغفلنا شيئا ً مما كتب في جيولوجيتها وتضاريسها للكتفاء بما ذكر‪ ،‬أما‬
‫التسجيلت المرئية والندوات وما كتب في المجلت من مقالت متخصصة‬
‫عن الجزيرة العربية فأكثر من أن تحصر‪ ،‬ول أطيل بسرد بعضها‪ ،‬ففيما سبق‬
‫غنية وكفاية‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫اذهب إلى أعلى الصفحة‬
‫ً‬
‫‪-1‬قال سماحة الشيخ بكر أبو زيد –حفظه الله‪" : -‬فيحدها غربا بحر القلزم‪،‬‬
‫والقلزم مدينة على طرفه الشمالي‪ ،‬ويقال‪ :‬بحر الحبشة وهو المعروف الن‬
‫باسم البحر الحمر‪ ،‬ويحدها جنوبا ً بحر العرب‪ ،‬ويقال‪ :‬بحر اليمن‪ ،‬وشرقا ً‬
‫خليج البصرة الخليج العربي‪ ،‬والتحديد من هذه الجهات الثلث بالبحر‬
‫المذكورة محل اتفاق بين المحدثين والفقهاء والمؤرخين والجغرافيين‬
‫وغيرهم‪ ،...‬ويحدها شمال ً ساحل البحر الحمر الشرقي الشمالي وما على‬
‫متت ِهِ شرقًا؛ من مشارف الشام وأطراره ]الردن حاليًا[ ومنقطع‬ ‫مسا َ‬‫ُ‬
‫السماوة من ريف العراق‪ ،‬والحد غير داخل في المحدود هنا)خصائص جزيرة‬
‫العرب ص ‪ 18-17‬باختصار يسير‪ .‬الطبعة الثانية ‪ 1418‬دار ابن الجوزي(‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر) صحيح البخاري حديث رقم ‪ ،(1195‬و)صحيح مسلم حديث رقم‬
‫‪.(1390‬‬
‫‪ -3‬انظر في ذلك مثل ً )صفة جزيرة العرب للحسن بن أحمد بن يعقوب‬
‫الهمداني ص ‪ 319‬وما بعدها‪ .‬طبعة دار اليمامة ‪ 1397‬بتحقيق محمد بن‬
‫علي الكوع الحوالي(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -4‬ذكر ابن حجر في )الفتح( أقوال ً في أول من بنى البيت‪ ،‬فذكر آدم‬
‫والملئكة وشيث ابن آدم‪ ،‬ثم قال‪ :‬والول أثبت‪ ،‬قال السيوطي في )شرح‬
‫سنن النسائي( عند تعليقه على حديث‪ ":‬سألت رسول الله _صلى الله عليه‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل؟ قال‪:‬المسجد الحرام‪ .‬قلت‪ :‬ثم أي؟‬ ‫ضعَ أو ً‬ ‫َ‬


‫جد وُ ِ‬‫س ِ‬
‫م ْ‬
‫وسلم_ أيّ َ‬
‫َ‬
‫ما"‪ .‬قال القرطبي‪:‬‬ ‫عا ً‬‫ن َ‬ ‫قال‪:‬المسجد القصى‪ .‬قُْلت‪ :‬وكم بينهما؟ قال‪:‬أْرب َُعو َ‬
‫فيه إشكال‪ ،‬وذلك أن المسجد الحرام بناه إبراهيم _عليه السلم_ بنص‬
‫القرآن‪ ,‬والمسجد القصى بناه سليمان _عليه السلم_‪ ،‬كما أخرجه النسائي‬
‫من حديث ابن عمر‪ ،‬وسنده صحيح‪ ،‬وبين إبراهيم وسليمان أيام طويلة‪ ،‬قال‬
‫أهل التاريخ‪ :‬أكثر من ألف سنة‪ .‬قال‪ :‬ويرتفع الشكال بأن يقال‪ :‬الية‬
‫والحديث ل يدلن على بناء إبراهيم وسليمان ‪ِ-‬لما بيّنا‪ -‬ابتداء وضعهما لهما‪,‬‬
‫بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما وبدأه‪ ،‬وقد روي‪ :‬أول من بنى البيت‬
‫آدم‪ ،‬وعلى هذا فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت المقدس من بعده‬
‫بأربعين عامًا‪ .‬انتهى‪ .‬قُْلت‪ :‬بل آدم نفسه هو الذي وضعه أيضًا‪ ،‬قال الحافظ‬
‫ما بنى الكعبة أمره الله‬ ‫ابن حجر في كتاب )التيجان لبن هشام(‪ :‬إن آدم ل ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه" )كتاب‬ ‫سك ِفي ِ‬ ‫ه فَب ََناه ُ وَن َ َ‬
‫ن ي َب ْن ِي َ ُ‬
‫_تعالى_ بالسير إلى بيت المقدس‪ ,‬وَأ ْ‬
‫ل‪ ،‬حديث رقم ‪ ،689‬سنن النسائي‬ ‫المساجد باب ذكر أي مسجد وضع أو ً‬
‫بشرح السيوطي ‪ ،2/362‬الطبعة الخامسة لدار المعرفة‪1420 ،‬هـ(‪.‬‬
‫‪_ 5‬البيت من مرثية حسان _رضي الله عنه_ التي مطلعها‪ :‬بطيبة رسم‬
‫للرسول ومعهد‪.‬‬
‫‪ -6‬القصص‪.68 :‬‬
‫‪) -7‬صفة جزيرة العرب ص ‪ ،(3‬للهمداني‪.‬‬
‫‪) -8‬نهاية الرب في معرفة أنساب العرب ص ‪ (15‬لبي العباس أحمد‬
‫القلقشندي‪ ،‬طبعة دار الكتاب المصري مع دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بتحقيق‬
‫إبراهيم البياري‪.‬‬
‫‪) 9‬أحسن التقاسيم في معرفة القاليم ص ‪ (38‬للمقدسي‪.‬‬
‫‪- 10‬انظر )خصائص جزيرة العرب للشيخ بكر أبو زيد ص ‪ ،(15‬ومن أسمائها‬
‫كذلك ما ذكره الهمداني في كتابه )صفة جزيرة العرب ص ‪(3‬؛ أل وهو‬
‫]الجزيرة الكبرى[ وقد مضى نصه‪.‬‬
‫‪- 11‬انظر )خصائص جزيرة العرب( لفضيلة الشيخ بكر أبو زيد –حفظه الله‪-‬‬
‫ص ‪.12‬‬
‫جزيرة العرب بين التشريف والتكليف )‪9/7/1424 (6-2‬‬
‫المشرف العام على موقع المسلم أ‪.‬د ناصر بن سليمان العمر‬
‫جزيرة العرب وعلقتها بفضل العرب‪:‬‬
‫سل المعاني عنا إنّنا عرب‬
‫شعارنا المجد يهوانا ونهواه‬
‫هي العروبة لفظ إن نطقت به‬
‫في الشرق والغرب والسلم معناه‬
‫لقد قرر أهل العلم أن العرب هم "رأس المة وسابقوها إلى المكارم")‪(1‬‬
‫فهم "أفضل من العجم")‪ (2‬بل "أفضل من غيرهم")‪ (3‬بل "أفضل المم")‪(4‬‬
‫قاطبة‪،‬قال شيخ السلم‪" :‬ولهذا ذكر أبومحمد حرب بن إسماعيل بن خلف‬
‫الكرماني صاحب المام أحمد في وصفه للسنة التي قال فيها‪ :‬هذا مذهب‬
‫أئمة العلم وأصحاب الثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها‪:‬‬
‫وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها‪،‬‬
‫فمن خالف شيئا من هذه المذاهب‪ ،‬أو طعن فيها‪ ،‬أو عاب قائلها‪ ،‬فهو مبتدع‪،‬‬
‫خارج عن الجماعة‪ ،‬زائل عن منهج السنة وسبيل الحق‪ ،‬وهو مذهب أحمد‬
‫وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور‬
‫وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم‪ ،‬فكان من قولهم أن اليمان قول‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعمل ونية‪ ،‬وساق كلما طويل ً إلى أن قال‪ :‬ونعرف للعرب حقها وفضلها‬
‫وسابقتها ونحبهم‪ ،‬لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬حب العرب‬
‫إيمان وبغضهم نفاق( ول نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي‪ ،‬الذين ل‬
‫يحبون العرب‪ ،‬ول يقرون بفضلهم‪ ،‬فإن قولهم بدعة وخلف‪ .‬ويروون هذا‬
‫الكلم عن أحمد نفسه‪ ،‬في رسالة أحمد بن سعيد الصطخري عنه إن‬
‫صحت‪ ،‬وهو قوله وقول عامة أهل العلم")‪ (5‬وقال الكرماني أيضًا‪" :‬فالعرب‬
‫أفضل الناس‪ ،‬وقريش أفضلهم‪ ،‬هذا مذهب الئمة وأهل الثر والسنة‪(6) "..‬‬
‫قال شيخ السلم‪)" :‬إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى‬
‫من ولد إسماعيل بني كنانة( الحديث‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث صحيح وهذا‬
‫يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم‪ ،‬فيقتضي أنهم أفضل من ولد‬
‫إسحق‪ ،‬ومعلوم أن ولد إسحق الذين هم بنو إسرائيل أفضل العجم‪ ،‬لما فيهم‬
‫من النبوة والكتاب‪ ،‬فمتى ثبت الفضل على هؤلء فعلى غيرهم بطريق‬
‫الولى")‪ (7‬وقال قبلها‪" :‬فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة‪ :‬اعتقاد أن‬
‫جنس العرب أفضل من جنس العجم‪...‬وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني‬
‫هاشم بمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم‪ ،‬وإن كان هذا من‬
‫الفضل بل هم في أنفسهم أفضل‪ ،‬وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه‬
‫كتبا ً‬
‫وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإل لزم الدور")‪ ،(8‬وقد وضع المصنفون ُ‬
‫وأجزاء في الدليل على فضل العرب فلتراجع)‪.(9‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وسر تفضيل العرب على من سواهم‪ ،‬هو ما تميزوا به من خصال حميدة‪،‬‬


‫وأخلق نبيلة ‪ ،‬كما قال الحكيم الترمذي‪" :‬فالعرب بالخلق شرفوا‪ ،‬وإل ّ‬
‫فالشجرة واحدة وهو خليل الرحمن")‪ (10‬وقال الشيخ بكر‪" :‬فالعرب هم‬
‫حملة شريعة السلم إلى سائر المخاطبين بها ‪ ...‬لنهم يومئذ قد امتازوا من‬
‫بين سائر المم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لمة من المم‪،‬‬
‫وتلك هي‪ :‬جودة الذهان‪ ،‬وقوة الحوافظ‪ ،‬وبساطة الحضارة والتشريع‪ ،‬والبعد‬
‫عن الختلط ببقية أمم العالم")‪ ،(11‬كما أنهم "أطوع للخير‪ ،‬وأقرب للسخاء‪،‬‬
‫والحلم‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والوفاء ‪ ...‬أصحاب إباء ل يعرفون التزلف والنفاق‬
‫وتحمل الستبداد‪ ..‬ومما تميز به العرب الصدق‪ ،‬حتى الذين كانوا يحاربون‬
‫السلم ظهر صدقهم في أمور")‪ .(12‬فيا لله كيف انتكست بعد ذلك الفطر‬
‫وتغيرت العقول ففتن بعضنا بحضارة غربية قاصرة على جوانب قاصرة فيها‬
‫دل‪ -‬شرها بمكارم حضارة عريقة‪.‬‬ ‫ست َب ْ َ‬
‫دل ‪-‬يوم ا ْ‬
‫ست َب ْ َ‬
‫ما فيها‪ ،‬وا ْ‬
‫مولى المكارم يرعاها ويعمرها ** إن المكارم قد قلت مواليها‬
‫ول يخفى على القارئ الكريم أن هذا التفضيل ينبغي أن يراعى عند النظر‬
‫إليه أمران‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن النظرة هنا إلى طبائع الشعوب والجناس مجردة عما تأثرت به من‬
‫أمور خارجة عنها‪ ،‬فمن استصلح بالشرع والدين يفضل من سواه ويعلوه‬
‫ل العرب إنما فضلهم لمكارم الخلق التي‬ ‫ض َ‬
‫من ف ّ‬‫بقدر ما قام فيه من دين‪ .‬و َ‬
‫اتصفوا بها‪ ،‬وجاءت الشرائع بتميمها‪ ،‬فإذا التزم الناس بالشرائع فل فضل‬
‫لعربي على أعجمي إل ّ بالتقوى‪ ،‬والصل أن الناس معادن)‪.(13‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه وصف عام وعند التفصيل ومقارنة الفراد يشذ بعضهم‪ ،‬فقد تجد‬
‫شخصا ً من العجم يفضل بعض العرب في أخلقه وصفاته‪ ،‬ولكن عند الطلق‬
‫والتعميم فالعرب أفضل ممن سواهم‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والشاهد من هذا التقرير هو أن البيئة التي يعيش فيها النسان‪ ،‬والرض التي‬
‫ينشأ عليها لها صلة وثيقة بأخلقه وعاداته‪ ،‬وقد عرفت العرب هذه العلقة‬
‫منذ زمن بعيد‪ ،‬ولهذا كانوا يدفعون أولدهم إلى المراضع "لينشأ الطفل في‬
‫العراب ‪ ،‬فيكون أفصح للسانه وأجلد لجسمه وأجدر أن ل يفارق الهيئة‬
‫المعدية وقد قال ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬لبي بكر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬حين قال له‪:‬‬
‫"ما رأيت أفصح منك يا رسول الله"‪ .‬فقال‪) :‬وما يمنعني ‪ ،‬وأنا من قريش ‪،‬‬
‫وأرضعت في بني سعد ؟( فهذا ونحوه كان يحملهم على دفع الرضعاء إلى‬
‫كر أن عبد الملك بن مروان كان يقول أضر بنا‬ ‫المراضع العرابيات ‪ .‬وقد ذ ُ ِ‬
‫ً‬
‫حانا‪ ،‬وكان سليمان فصيحا; لن الوليد أقام مع‬ ‫ً‬ ‫حب الوليد لن الوليد كان ل ّ‬ ‫ُ‬
‫أمه‪ ،‬وسليمان وغيره من إخوته سكنوا البادية‪ ،‬فتعربوا‪ ،‬ثم أدبوا فتأدبوا")‬
‫‪ ،(14‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فرق بين من يتقلب في عيش لين‬
‫العطاف رطب‪ ،‬وبين آخر تربى في بيئة شديدة وعرة‪ ،‬فذلل شظف العيش‬
‫وركب صعبه‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬
‫إنما السلم في الصحرا امتهد**ليجيء كل مسلم أسد‬
‫فإذا شرف العرب لخلقهم وصفاتهم فالبيئة ]الجزيرة العربية[ هي التي‬
‫ساعدت في صنع كثير من تلك الخلق والخصال التي تميز بها العرب)‪،(15‬‬
‫ولهذا كانت الجزيرة العربية أفضل من غيرها‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ - 1‬نوادر الصول في أحاديث الرسول ص ‪ ،106‬لمحمد بن علي الحكيم‬
‫الترمذي‪ ،‬طبعة المكتبة العلمية بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫‪ - 2‬انظر تفسير القرطبي ‪.1/141‬‬
‫‪ - 3‬السابق ‪.4/263‬‬
‫‪ - 4‬انظر تحفة الحوذي بشرح جامع الترمذي ‪ ،9/379‬لمحمد بن عبدالرحمن‬
‫المباركفوري‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ - 5‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪ ،1/148‬لشيخ السلم ابن تيمية‪ .‬وانظر كذلك‬
‫ص ‪ ،156‬وقد نسب القول بفضل العرب للجمهور في منهاج السنة النبوية‬
‫‪.4/599‬‬
‫‪ - 6‬انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير ‪ ،4/515‬لعبد الرؤوف المناوي‪،‬‬
‫الطبعة الولى للمكتبة التجارية الكبرى‪.‬‬
‫‪ - 7‬انظر اقتضاء الصراط المستقيم‪ ،‬لشيخ السلم بن تيمية‪،1/154 ،‬‬
‫الطبعة الثانية لمطبعة السنة المحمدية بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ - 8‬السابق ‪.1/148‬‬
‫‪ - 9‬لبن القيم ‪-‬رحمه الله‪ -‬فصل في الدليل على فضل العرب‪ ،‬وللمقدسي‬
‫مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب‪ ،‬وللهيتمي‬
‫مبلغ الرب في فخر العرب‪ ،‬اختصره الهيتمي من كتاب حافل للحافظ‬
‫العراقي‪.‬‬
‫‪ - 10‬انظر نوادر الصول في أحاديث الرسول‪ ،‬لبي عبدالله الحكيم الترمذي‬
‫ص ‪.96‬‬
‫‪ - 11‬خصائص جزيرة العرب ص ‪ ،61‬للشيخ بكر أبو زيد‪ .‬مع اختصار يسير‪.‬‬
‫‪ - 12‬جزيرة السلم ص ‪ ،46-42‬للشيخ سلمان بن فهد العودة‪ ،‬والنقل‬
‫باختصار وتصرف يسير‪.‬‬
‫‪ - 13‬جزء من حديث الصحيحين‪ ،‬انظر صحيح البخاري كتاب أحاديث النبياء‬
‫باب قول الله تعالى {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} ‪،3381‬‬
‫وصحيح مسلم رقم ‪.2526‬‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ - 14‬انظر الروض النف‪ ،‬لعبدالرحمن بن عبدالله السهيلي‪ ،‬شرح حديث‬


‫الرضاع ‪ ،1/188‬طبعة مكتبة الكليات الزهرية‪.‬‬
‫‪ - 15‬ذكر الشيخ بكر أبو زيد في كتابه خصائص الجزيرة ص ‪ 66-63‬ستا ً‬
‫وعشرين ميزة للعرب وجزيرتهم نقل ً عن كتاب أم القرى فلتراجع‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫جزيرة العرب بين التشريف والتكليف )‪17/7/1424 (6-3‬‬


‫المشرف العام على موقع المسلم أ‪.‬د ناصر بن سليمان العمر‬
‫تعلق العرب في شتى المصار بأرض الجزيرة‪:‬‬
‫ل يخفى على القارئ الكريم أن العرب الصليين الذين تفرقوا في شتى‬
‫المصار أصولهم من الجزيرة العربية وإن ب َُعد العهد‪ ،‬هذا ما قرره من عنوا‬
‫بالتقاسيم والقاليم‪ ،‬وغيرهم من المحققين‪ ،‬قال القلقشندي‪" :‬اعلم أن‬
‫مساكن العرب في ابتداء المر‪ ،‬كانت بجزيرة العرب")‪ ،(1‬وهو قول‬
‫المعاصرين من الباحثين في هذا الحقل‪ ،‬قال المقريزي‪" :‬ولخلف بيننا في‬
‫أن هذه القبائل العربية التي ملت القطار العربية على اتساع رقعتها‪ ،‬قد‬
‫انبعث كلها بطبيعة الحال من مهدها الول وهو شبه الجزيرة العربية")‪،(2‬‬
‫وقال‪" :‬وليس من شك في أن المستودع الول في شبه الجزيرة العربية‬
‫الذي أمد شطري الوادي بالعناصر العربية منذ عصور الجاهلية‪ ،‬هو نفسه‬
‫الذي أمد بلد المغرب كلها في أفريقية‪ ،‬وبلد الشام والعراق في آسيا‪) "..‬‬
‫‪.(3‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ ..":‬وفي هذه الرض كانت العرب حين البعث وقبله فلما‬
‫جاء السلم وفتحت المصار سكنوا سائر البلد من أقصى المشرق إلى‬
‫أقصى المغرب وإلى سواحل الشام وأرمينية وهذه كانت مساكن فارس‬
‫والروم والبربر وغيرهم ثم انقسمت هذه البلد قسمين منها ما غلب على‬
‫أهله لسان العرب حتى ل تعرف عامتهم غيره ‪ ...‬ومنها ما العجمة كثيرة‬
‫فيهم أو غالبة عليهم ‪ ..‬فهذه البقاع انقسمت إلى ما هو عربي ابتداء وما هو‬
‫عربي انتقال وإلى ما هو عجمي وكذلك النساب ثلثة أقسام قوم من نسل‬
‫العرب وهم باقون على العربية لسانا ودارا أو لسانا ل دارا أو دارا ل لسانا‬
‫وقوم من نسل العرب بل من نسل بني هاشم ثم صارت العربية لسانهم‬
‫ودارهم أو أحدهما وقوم مجهولو الصل ل يدرون أمن نسل العرب هم أو من‬
‫نسل العجم وهم أكثر الناس اليوم ")‪.(4‬‬
‫والمقصود أن أصول العرب في مشارق الرض ومغاربها ترجع إلى الجزيرة‬
‫العربية في كثير من الحيان‪ ،‬وهذا بدوره يجعل للجزيرة العربية في كثير من‬
‫القلوب مكانا ً وقد قيل‪:‬‬
‫قل فؤادك حيث شئت من الهوى‬ ‫نَ ّ‬
‫ما الحب إل ّ للحبيب الول‬
‫كم منزل في الرض يألفه الفتى‬
‫وحنينه أبد ا ً لول منزل‬
‫وقبيح بنا وإن قدم العهد ** هوان الباء و الجداد‬
‫جزيرة العرب وقبائلها بعد البعثة‬
‫قبائل العرب وتواجدها في الجزيرة العربية في العصر النبوي‬
‫جزيرة العرب مهوى أفئدة المسلمين ‪:‬‬
‫وعيرني الواشون أني أحبها**وتلك شكاة زائل عنك عارها‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما كانت الجزيرة مهبط الوحي وسابقة الراضي للسلم ‪-‬فما مات رسول‬ ‫ل ّ‬
‫ما‬
‫الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه سائر الجزيرة العربية)‪ (5‬ل ّ‬
‫كان المر كذلك عظمت مكانة الجزيرة في قلوب المسلمين جميعا ً عربا ً‬
‫وعجمًا‪ ،‬ولغرابة فهي التي مدت البقاع والصقاع بالسلم‪ ،‬فل عجب إذا‬
‫قرأت في بعض التراجم‪ ،‬عن بعض أهل العلم من العاجم‪ ،‬أنه كان‪" :‬واسع‬
‫الطلع بشئون العالم السلمي‪ ،‬شديد التعلق بجزيرة العرب والحجاز‬
‫والحرمين الشريفين‪ ،‬عميق الحق‪ ،‬شديد التعظيم للنبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وأصحابه وأهل بيته‪ -‬شديد الحب للعرب‪ ،‬يسوؤه ويؤلمه ذمهم‬
‫وانتقاص حقهم وفضلهم‪ ،‬خبيرا ً بجغرافية الجزيرة العربية‪ ،‬ألف كتابا ً باللغة‬
‫العربية في هذا الموضوع في شبابه")‪.(6‬‬
‫وكيف ل يكون للمسلمين في المشارق والمغارب تعلق بها وهم يتوجهون‬
‫تلقاءها في الخمسة الوقات‪ .‬وقد قال قائلهم إقبال‪:‬‬
‫ً‬
‫نحن الذين إذا دعوا لصلتهم والحرب تسقي الرض جاما أحمرا‬
‫جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا بمسامع الروح المين فكبرا‬
‫وهذا الت َعَّلق نلحظه في كثير من العجم وبخاصة في شبه القارة الهندية‪،‬‬
‫فتراهم يكبرون ويجلون من عرفوا أنه من أرض العرب‪ ،‬وهذا كثير فيمن عنوا‬
‫بالشرع والدين‪ ،‬ولسيما من لم يعش منهم بأرض الجزيرة‪ ،‬وأما من عاش‬
‫فيها فكثير منهم تغيرت نظرته إما لختلف واقع أحفاد أبي بكر وعمر وسائر‬
‫ق ليست بأخلق أهل هذه‬ ‫ما في مخيلته‪ ،‬أو نتيجة معاملة وأخل ٍ‬ ‫الصحابة‪ -‬ع ّ‬
‫البلد‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪1‬نهاية الرب في معرفة أنساب العرب ص ‪.51‬‬
‫‪ 2‬البيان والعراب عما بأرض مصر من العراب ص ‪ ،74‬للمقريزي‪.‬‬
‫‪ 3‬السابق ص ‪.95‬‬
‫‪ 4‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪ 167-1/166‬باختصار‪.‬‬
‫‪ 5‬انظر التماس السعد في الوفاء بالوعد للسخاوي ص ‪ ،3‬وكذلك أسد الغابة‬
‫لبن الثير ص ‪ 602‬ترجمة حبة بن بعكك‪.‬‬
‫‪ 6‬نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر ص ‪ ،1917‬لعبد الحي اللكنوي‪،‬‬
‫والكلم هنا عن ابنه عبدالعلي بن عبدالحي‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫جزيرة العرب بين التشريف والتكليف‬


‫الرث الحضاري التاريخي لجزيرة العرب‬
‫جزيرة العرب وعلقتها بفضل العرب‬
‫تعلق العرب في شتى المصار بأرض الجزيرة‬
‫جزيرة العرب ودعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم‬
‫جزيرة العرب ودعوة محمد عليه الصلة والسلم‬
‫وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون‪ -‬ثم المراجع‬
‫إعداد القسم العلمي‬
‫مشاركة أ‪.‬د ناصر بن سليمان العمر‬
‫المشرف العام على موقع المسلم‬
‫‪www.almoslim.net‬‬
‫ضمن أوراق‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البعد الرسالي لمجلس التعاون الخليجي‬


‫بإشراف مركز البحوث والدراسات‬
‫وزارة الوقاف والشؤون السلمية‬
‫بدولة قطر‬
‫نشر في رمضان ‪ -1423‬نوفمبر ‪2002‬م‬
‫جزيرة العرب بين التشريف والتكليف‬
‫ل‪ :‬الرث الحضاري التاريخي لجزيرة العرب‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫إن لهل الجزيرة العربية)‪ (1‬ثروة تاريخية ثرة‪ ،‬وإرث حضاري يمتد عبر قرون‬
‫بعيدة وأزمنة مديدة‪ ،‬يجب أن يستلهموا منه دروسًا‪ ،‬وأن يأخذوا منه عبرًا‪،‬‬
‫للمضي بحضارتهم ورسالتهم ُقدمًا‪.‬‬
‫فجزيرة العرب بها أم القرى‪ ،‬وبيت الله الحرام‪ ،‬ومدينة النبي‪ ،‬ومسجده عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬وما بين البيت إلى المنبر‪ ،‬روضة من رياض الجنة)‪:(2‬‬
‫م للرسول ومعهد منيٌر‬ ‫بطيبة رس ٌ‬
‫و قد تعفو الرسوم وتهمد‬
‫ول تمحي اليات من دار حرمة‬
‫بها منبر الهادي الذي كان يصعد‬
‫و واضح آيات و باقي معالم‬
‫وربع له فيه مصلى ومسجد‬
‫به حجرات كان ينزل وسطها‬
‫من الله نور يستضاء و يوقد‬
‫معارف لم تطمس على العهد آيها‬
‫أتاها البلي فالي منها تجدد‬
‫وفيها كان الخلفاء الراشدون‪ ،‬والنصار والمهاجرون‪ ،‬وبها عقدت رايات‬
‫المسلمين‪ ،‬وقويت أمور الدين‪ ،‬وأيضا ً فإن فيها المناسك والمشاعر‪،‬‬
‫والمواقيت والمناحر‪:‬‬
‫إذا هَّزنا الشوقُ اضطربنا لهزه‬
‫ب الرحل اضطراب الراقم‬ ‫على ُ‬
‫شعُ ِ‬
‫ل‬
‫ت تستقيم بمائ ٍ‬ ‫فمن صبوا ٍ‬
‫ب بنائم ِ‬
‫ومن أريحيات تهُ ُ‬
‫َ‬
‫م حتى يدلني‬ ‫عل َ‬‫ف ال َ ْ‬‫شرِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬
‫وأ ْ‬
‫مّر الرياِح النواسم ِ‬ ‫على طيبها َ‬
‫وهل أنسم الرواح إل ّ لنها‬
‫م؟‬ ‫ب على تلك الربى و المعال ِ‬ ‫َته ُ‬
‫شّراح في‬ ‫شعرية‪ ،‬ذكرها الفحول في دواوينهم‪ ،‬فدرسها ال ُ‬ ‫كما أنها جزيرة ِ‬
‫ً‬
‫مصنفاتهم‪ ،‬فإذا قرأتها وجدت زمزم و الحطيم‪ ،‬وددا و أشداخ‪ ،‬ومدافع‬
‫الريان‪ ،‬وشماريخ رضوى‪ ،‬وبرقة ثهمد‪ ،‬وحومانة الدراج ‪ ،‬وتقادمت فالجبس‬
‫فالسوبان‪ ،‬وهجر وجواثا‪ ،‬وإضم والجواء‪ ،‬وتهامة والحجاز‪ ،‬والعروض واليمن‪،‬‬
‫واليمامة والرميصاء بل أرض نجد كلها‪:‬‬
‫وإني وإن فارقت نجدا ً وأهله‬
‫لمحترق الحشاء شوقا ً إلى نجدِ‬
‫أروح على وجدٍ وأغدو على وجدٍ‬
‫وأعشق أخلقا ً خلقن من المجدِ‬
‫آخر‪:‬‬
‫أقول لصاحبي والعيس تخدي‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بنا بين المنيفة فالضمار‬


‫تمتع من شميم عرار نجد‬
‫فما بعد العشية من عرار‬
‫أل يا حبذا نفحات نجد‬
‫قطار‬ ‫وريا ً روضه غب ال َ‬
‫)وربك( إذ يحل الناس نجدا ً‬
‫وأنت على زمانك غير زار‬
‫شهور ينقضين و ما شعرنا‬
‫ن ول سرار‬ ‫صاف له ّ‬
‫بأن َ‬
‫ولو استطردنا بذكر شيء مما ورد في أشعارهم لطال المقال)‪ ،(3‬فأي دار‬
‫من ديارها ما وقفوا عليها؟ وأي أطلل دوارس ماهز بعضهم شوق إليها‪،‬‬
‫وحسبك قول عنترة‪:‬‬
‫هل غادر الشعراء من متردم ‪ ...‬أم هل عرفت الدار بعد توهم؟‬
‫و فوق ذلك تجد في تلك المصنفات ذكر عشائر الجزيرة وقبائلها وخصائصهم‪،‬‬
‫وأمور دقيقة متعلقة بهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬قال سماحة الشيخ بكر أبو زيد –حفظه الله‪" : -‬فيحدها غربا ً بحر القلزم‬
‫‪-‬والقلزم مدينة على طرفه الشمالي ويقال بحر الحبشة وهو المعروف الن‬
‫باسم البحر الحمر‪ ،‬ويحدها جنوبا ً بحر العرب ويقال بحر اليمن‪ ،‬وشرقا ً خليج‬
‫البصرة الخليج العربي‪ ،‬والتحديد من هذه الجهات الثلث بالبحر المذكورة‬
‫محل اتفاق بين المحدثين والفقهاء والمؤرخين والجغرافيين وغيرهم‪ ...‬و‬
‫ه‬
‫متت ِ ِ‬ ‫يحدها شمال ً ساحل البحر الحمر الشرقي الشمالي وما على ُ‬
‫مسا َ‬
‫شرقًا؛ من مشارف الشام وأطراره ]الردن حاليًا[ ومنقطع السماوة من‬
‫ريف العراق‪ ،‬والحد غير داخل في المحدود هنا" خصائص جزيرة العرب ص‬
‫‪ 18-17‬باختصار يسير‪ .‬الطبعة الثانية ‪ 1418‬دار ابن الجوزي‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر صحيح البخاري حديث رقم ‪ ،1195‬وصحيح مسلم حديث رقم‬
‫‪.1390‬‬
‫ً‬
‫)‪ (3‬انظر في ذلك مثل صفة جزيرة العرب للحسن بن أحمد بن يعقوب‬
‫الهمداني ص ‪ 319‬وما بعدها‪ .‬طبعة دار اليمامة ‪ 1397‬بتحقيق محمد بن‬
‫علي الكوع الحوالي‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفضل ً عن ذلك فقد كان للحضارات القديمة فيها شأن عظيم بل إن أول‬
‫ما بنى آدم عليه السلم بيت الله‬ ‫الحضارات البشرية قامت بها وأ َ َ‬
‫هلْتها وذلك ل ّ‬
‫الحرام)‪ (1‬فكان أول بيت وضع للناس ببكة مباركًا‪ ،‬وقد ذكر العليم الحكيم‬
‫في القرآن الكريم عن حضارات الجزيرة العربية ما لم يذكره عن غيرها من‬
‫المم والحضارات التي قامت في شتى البلدان والقاليم فسادت ثم بادت‪.‬‬
‫أل ترى أن جزيرة العرب‪ ،‬أرض معجزات نبوية‪ ،‬ومجال رسالت سماوية ‪،‬‬
‫ش عظيم‪ ،‬وبئٌر معطلة‪ ،‬وقصر مشيد‪ ،‬بل‬ ‫ففيها بلد سبأ‪ ،‬وسد ّ مأرب‪ ،‬وعر ٌ‬
‫سائر بلد عاد؛ إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلد‪ ،‬وثمود الذين‬
‫ب الرس‪ ،‬وأصحاب اليكة‪ ،‬وأصحاب الخدود‪،‬‬ ‫جابوا الصخر بالوادي‪ ،‬وأصحا ُ‬
‫وقبر هود‪ ،‬ودعوة إبراهيم‪ ،‬وحجر صالح‪ ،‬ومدين شعيب‪ ،‬ومرتع إسماعيل‪،‬‬
‫وملجأ موسى‪ ،‬ومهد محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه النبياء‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمرسلين‪ -‬ومثواه‪:‬‬
‫فبوركت يا قبر الرسول وبوركت ‪ ...‬بلد ثوى فيها الرشيد المسدد)‪(2‬‬
‫جّلهم بعد أن غيبوا‬ ‫ثم كانت أرض الجزيرة وطاًء لخير القرون وأديمها لحافا ً ل ُ‬
‫تحت أطباق ثراها‪.‬‬
‫وشتان شتان بين قبر لبي بكر وعمر‪ ،‬وآخر لخوفو وخفرع! بون واسع وفرق‬
‫شاسع بين روضة من رياض الجنة وحفرة من حفر النار‪:‬‬
‫لئن تطاول بالهرام منهزم ‪ ... ...‬فنحن أهرامنا سلمان أو عمر‬
‫ومع هذا كله فأرض الجزيرة العربية تشتمل على حدود جليلة‪ ،‬وك ُوَرٍ جسيمة‪،‬‬
‫فهي من أمد القاليم مساحة‪ ،‬وأفسحها ساحة‪ ،‬وأعظمها حرمة‪ ،‬وأشرفها‬
‫خَتاُر‪.(3)(...‬‬
‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫خل ُقُ َ‬
‫ما ي َ َ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫مدنًا‪) ،‬وََرب ّ َ‬
‫لحكمة بالغة قضاها ‪ ...‬يستوجب الحمد على اقتضاها‬
‫وقد فضل جزيرة العرب على ما سواها جمع ممن عنوا بالقاليم والبلدان‪.‬‬
‫قال الهمداني‪" :‬أفضل البلد المعمورة من شق الرض الشمالي إلى الجزيرة‬
‫الكبرى ‪ ...‬وتسمى جزيرة العرب")‪ ،(4‬وقال القلقشندي‪ .." :‬بجزيرة العرب‬
‫الواقعة في أواسط المعمورة وأعدل أماكنه وأفضل بقاعه‪ ،‬حيث الكعبة‬
‫الحرام ‪ ،(5)"..‬قال المقدسي في أحسن التقاسيم‪" :‬وهي أمد القاليم‬
‫مساحة‪ ،‬وأفسحها ساحة‪ ،‬وأفضلها تربة‪ ،‬وأعظمها حرمة‪ ،‬وأشرفها مدنًا")‪.(6‬‬
‫فجزيرة العرب من أفضل البلد وأشرفها قال الشيخ بكر أبوزيد‪" :‬كثرة‬
‫السماء تدل على شرف المسمى‪ ،‬ولهذه الجزيرة جملة أسماء؛ كلها مضافة‬
‫إلى العرب ل غير")‪ (7‬وذكرها‪] :‬جزيرة العرب[‪ ،‬و]أرض العرب[‪ ،‬و ]بلد‬
‫العرب[‪ ،‬و]وديار العرب[‪ ،‬و]الجزيرة العربية[‪ ،‬و]شبه جزيرة العرب[‪] ،‬وشبه‬
‫الجزيرة العربية[‪.‬‬
‫ً‬
‫ومما يدل على شرفها أيضا كثرة ما صنف فيها‪ ،‬وقد أشار الشيخ بكر إلى‬
‫كتب زيادة على ما ذكر)‪ ،(8‬والشأن هنا أيضا ً في ذكر‬ ‫شيء منها‪ ،‬ومما ُ‬
‫المؤلفات المفردة عن هذه الجزيرة على اختلف مقاصد المؤلفين‪:‬‬
‫جزيرة العرب للصمعي‪ ،‬يذكره من ترجم له‪.‬‬
‫جزيرة العرب لبي سعيد السيرافي‪ ،‬ذكره الباباني في هدية العارفين‪،‬‬
‫وغيره‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ذكر ابن حجر في الفتح أقوال ً في أول من بنى البيت فذكر آدم والملئكة‬
‫وشيث ابن آدم‪ ،‬ثم قال والول أثبت‪ ،‬قال السيوطي في شرح سنن النسائي‬
‫جد‬ ‫َ‬
‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫عند تعليقه على حديث‪ ":‬سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ َ‬
‫ل؟ قال‪) :‬المسجد الحرام(‪ .‬قلت‪ :‬ثم أي؟ قال‪) :‬المسجد القصى(‪.‬‬ ‫ضعَ أو ً‬ ‫وُ ِ‬
‫َ‬
‫ما( قال القرطبي‪ :‬فيه إشكال‪ ،‬وذلك أن‬ ‫عا ً‬
‫ن َ‬‫قُْلت‪ :‬وكم بينهما؟ قال‪) :‬أْرب َُعو َ‬
‫المسجد الحرام بناه إبراهيم عليه السلم بنص القرآن‪ ,‬والمسجد القصى بناه‬
‫سليمان عليه السلم‪ ،‬كما أخرجه النسائي من حديث ابن عمر‪ ،‬وسنده‬
‫صحيح‪ ،‬وبين إبراهيم وسليمان أياما ً طويلة‪ ،‬قال أهل التاريخ أكثر من ألف‬
‫سنة‪ .‬قال‪ :‬ويرتفع الشكال بأن يقال‪ :‬الية والحديث ل يدلن على بناء‬
‫إبراهيم وسليمان ‪ِ-‬لما بيّنا‪ -‬ابتداء وضعهما لهما‪ ,‬بل ذلك تجديد لما كان أسسه‬
‫غيرهما وبدأه‪ ،‬وقد روي‪ :‬أول من بنى البيت آدم‪ ،‬وعلى هذا فيجوز أن يكون‬
‫غيره من ولده وضع بيت المقدس من بعده بأربعين عامًا‪ .‬انتهى‪ .‬قُْلت‪ :‬بل‬
‫آدم نفسه هو الذي وضعه أيضًا‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر في كتاب التيجان لبن‬
‫ما بنى الكعبة أمره الله –تعالى‪ -‬بالسير إلى بيت المقدس‪,‬‬ ‫هشام‪ :‬إن آدم ل ّ‬
‫ه" كتاب المساجد باب ذكر أي مسجد وضع أو ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫في‬
‫ِ ِ‬ ‫ك‬ ‫ه فَب ََناه ُ وَن َ َ‬
‫س‬ ‫ن ي َب ْن ِي َ ُ‬
‫وَأ ْ‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حديث رقم ‪ ،689‬سنن النسائي بشرح السيوطي ‪ ،2/362‬الطبعة الخامسة‬


‫لدار المعرفة‪.1420 ،‬‬
‫)‪ (2‬البيت من مرثية حسان –رضي الله عنه‪ -‬التي مطلعها‪ :‬بطيبة رسم‬
‫للرسول ومعهد‪.‬‬
‫)‪ (3‬القصص‪.68 :‬‬
‫)‪ (4‬صفة جزيرة العرب ص ‪ ،3‬للهمداني‪.‬‬
‫)‪ (5‬نهاية الرب في معرفة أنساب العرب ص ‪ ،15‬لبي العباس أحمد‬
‫القلقشندس‪ ،‬طبعة دار الكتاب المصري مع دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بتحقيق‬
‫إبراهيم البياري‪.‬‬
‫)‪ (6‬أحسن التقاسيم في معرفة القاليم ص ‪ ،38‬للمقدسي‪.‬‬
‫)‪ (7‬انظر خصائص جزيرة العرب للشيخ بكر أبو زيد ص ‪ ،15‬ومن أسمائها‬
‫كذلك ما ذكره الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب ص ‪3‬؛ أل وهو‬
‫]الجزيرة الكبرى[ وقد مضى نصه‪.‬‬
‫)‪ (8‬انظر خصائص جزيرة العرب لفضيلة الشيخ بكر أبو زيد –حفظه الله‪ -‬ص‬
‫‪.12‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫جزيرة السلم للشيخ سلمان العودة‪ ،‬مطبوع‪ ،‬وما يليه كذلك‪.‬‬


‫جزيرة العرب مهد الحضارة النسانية‪ ،‬لمحمد معروف الدواليبي‪.‬‬
‫مرآة جزيرة العرب‪ ،‬لبي أيوب صبري باشا‪.‬‬
‫السكان والقتصاد والعمل قبل قرن في جزيرة العرب‪ ،‬أحمد اليحيى‪.‬‬
‫جغرافية شبه جزيرة العرب‪ ،‬لمحمود أبو العل‪.‬‬
‫جغرافية جزيرة العرب‪ ،‬لعمر رضا كحالة‪.‬‬
‫رحلت في شبه جزيرة العرب‪ ،‬لجون لويس بوركهات‪.‬‬
‫جزيرة العرب قبل السلم‪ ،‬لبرهان الدين دلو‪.‬‬
‫تاريخ جزيرة العرب القديم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لعبدالله‬
‫العثيمين‪.‬‬
‫وفود القبائل على الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وانتشار السلم في جزيرة‬
‫العرب‪ ،‬لحسن جبر‪.‬‬
‫جزيرة العرب‪ :‬مصير أرض وأمة‪ ،‬لمحمد ولد داداه‪.‬‬
‫شبه جزيرة العرب‪ ،‬لمحمود شاكر‪ ،‬وهو مجموعة كتب جعل لكل قسم أو‬
‫أقسام منها كتابًا‪.‬‬
‫أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ‪ :‬جزيرة العرب‪ ،‬لمحمد عبدالهادي‪ ،‬وفاء‬
‫محمد‪.‬‬
‫صور من شمالي جزيرة العرب‪ :‬في منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬لجورج‬
‫أوغست‪ ،‬ترجمة سمير الشبلي‪.‬‬
‫أرض المعجزات‪ :‬رحلة في جزيرة العرب‪ ،‬لعائشة عبدالرحمن‪.‬‬
‫جزيرة العرب في العصر الحديث‪ ،‬لصلح العقاد‪.‬‬
‫الجزيرة العربية‪ :‬موطن العرب ومهد السلم‪ ،‬لمصطفى مراد الدباغ‪.‬‬
‫لمحات عن تطور الفكر في جزيرة العرب في القرن العشرين‪ ،‬لفهد‬
‫المبارك‪.‬‬
‫جزيرة العرب في القرن العشرين‪ ،‬لحافظ وهبة‪.‬‬
‫النهضات الحديثة في جزيرة العرب‪ ،‬لمحمد عبدالله ماضي‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مشاهداتي في جزيرة العرب‪ ،‬لحمد حسين‪.‬‬


‫اكتشاف جزيرة العرب‪ :‬خمسة قرون من الحضارة والعلم‪ ،‬جاكلين بيرين‪،‬‬
‫ترجمة قدري قلعجي‪.‬‬
‫دراسات عن تاريخ الخليج العربي والجزيرة العربية‪ ،‬لصباح إبراهيم الشيخلي‪.‬‬
‫وقد أغفلنا شيئا ً مما كتب في جيولوجيتها وتضاريسها للكتفاء بما ذكر‪ ،‬أما‬
‫التسجيلت المرئية‪ ،‬والندوات‪ ،‬وما كتب في المجلت من مقالت متخصصة‬
‫عن الجزيرة العربية فأكثر من أن تحصر‪ ،‬ول أطيل بسرد بعضها ففيما سبق‬
‫غنية وكفاية‪.‬‬
‫جزيرة العرب بين التشريف والتكليف ‪6-2‬‬
‫ثانيًا‪ :‬جزيرة العرب وعلقتها بفضل العرب‪:‬‬
‫سل المعاني عنا إنّنا عرب‬
‫شعارنا المجد يهوانا ونهواه‬
‫هي العروبة لفظ إن نطقت به‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لقد قرر أهل العلم أن العرب هم "رأس المة وسابقوها إلى المكارم")‪(1‬‬
‫فهم "أفضل من العجم")‪ (2‬بل "أفضل من غيرهم")‪ (3‬بل "أفضل المم")‪(4‬‬
‫قاطبة‪،‬قال شيخ السلم‪" :‬ولهذا ذكر أبومحمد حرب بن إسماعيل بن خلف‬
‫الكرماني صاحب المام أحمد في وصفه للسنة التي قال فيها‪ :‬هذا مذهب‬
‫أئمة العلم وأصحاب الثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها‪:‬‬
‫وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها‪،‬‬
‫فمن خالف شيئا من هذه المذاهب‪ ،‬أو طعن فيها‪ ،‬أو عاب قائلها‪ ،‬فهو مبتدع‪،‬‬
‫خارج عن الجماعة‪ ،‬زائل عن منهج السنة وسبيل الحق‪ ،‬وهو مذهب أحمد‬
‫وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور‬
‫وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم‪ ،‬فكان من قولهم أن اليمان قول‬
‫وعمل ونية‪ ،‬وساق كلما طويل ً إلى أن قال‪ :‬ونعرف للعرب حقها وفضلها‬
‫وسابقتها ونحبهم‪ ،‬لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬حب العرب‬
‫إيمان وبغضهم نفاق( ول نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي‪ ،‬الذين ل‬
‫يحبون العرب‪ ،‬ول يقرون بفضلهم‪ ،‬فإن قولهم بدعة وخلف‪ .‬ويروون هذا‬
‫الكلم عن أحمد نفسه‪ ،‬في رسالة أحمد بن سعيد الصطخري عنه إن‬
‫صحت‪ ،‬وهو قوله وقول عامة أهل العلم")‪ (5‬وقال الكرماني أيضًا‪" :‬فالعرب‬
‫أفضل الناس‪ ،‬وقريش أفضلهم‪ ،‬هذا مذهب الئمة وأهل الثر والسنة‪(6)"..‬‬
‫قال شيخ السلم‪)" :‬إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى‬
‫من ولد إسماعيل بني كنانة( الحديث‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث صحيح وهذا‬
‫يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم‪ ،‬فيقتضي أنهم أفضل من ولد‬
‫إسحق‪ ،‬ومعلوم أن ولد إسحق الذين هم بنو إسرائيل أفضل العجم‪ ،‬لما فيهم‬
‫من النبوة والكتاب‪ ،‬فمتى ثبت الفضل على هؤلء فعلى غيرهم بطريق‬
‫الولى")‪ (7‬وقال قبلها‪" :‬فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة‪ :‬اعتقاد أن‬
‫جنس العرب أفضل من جنس العجم‪...‬وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني‬
‫هاشم بمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم‪ ،‬وإن كان هذا من‬
‫الفضل بل هم في أنفسهم أفضل‪ ،‬وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه‬
‫كتبا ً‬
‫وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإل لزم الدور")‪ ،(8‬وقد وضع المصنفون ُ‬
‫وأجزاء في الدليل على فضل العرب فلتراجع)‪.(9‬‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسر تفضيل العرب على من سواهم‪ ،‬هو ما تميزوا به من خصال حميدة‪،‬‬


‫وأخلق نبيلة ‪ ،‬كما قال الحكيم الترمذي‪" :‬فالعرب بالخلق شرفوا‪ ،‬وإل ّ‬
‫فالشجرة واحدة وهو خليل الرحمن")‪ (10‬وقال الشيخ بكر‪" :‬فالعرب هم‬
‫حملة شريعة السلم إلى سائر المخاطبين بها ‪ ...‬لنهم يومئذ قد امتازوا من‬
‫بين سائر المم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لمة من المم‪،‬‬
‫وتلك هي‪ :‬جودة الذهان‪ ،‬وقوة الحوافظ‪ ،‬وبساطة الحضارة والتشريع‪ ،‬والبعد‬
‫عن الختلط ببقية أمم العالم")‪ ،(11‬كما أنهم "أطوع للخير‪ ،‬وأقرب للسخاء‪،‬‬
‫والحلم‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والوفاء ‪ ...‬أصحاب إباء ل يعرفون التزلف والنفاق‬
‫وتحمل الستبداد‪ ..‬ومما تميز به العرب الصدق‪ ،‬حتى الذين كانوا يحاربون‬
‫السلم ظهر صدقهم في أمور")‪ .(12‬فيا لله كيف انتكست بعد ذلك الفطر‬
‫وتغيرت العقول ففتن بعضنا بحضارة غربية قاصرة على جوانب قاصرة فيها‬
‫دل‪ -‬شرها بمكارم حضارة عريقة‪.‬‬ ‫ست َب ْ َ‬
‫دل ‪-‬يوم ا ْ‬
‫ست َب ْ َ‬
‫ما فيها‪ ،‬وا ْ‬
‫مولى المكارم يرعاها ويعمرها ‪ ... ...‬إن المكارم قد قلت مواليها‬
‫ول يخفى على القارئ الكريم أن هذا التفضيل ينبغي أن يراعى عند النظر‬
‫إليه أمران‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬نوادر الصول في أحاديث الرسول ص ‪ ،106‬لمحمد بن علي الحكيم‬
‫الترمذي‪ ،‬طبعة المكتبة العلمية بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر تفسير القرطبي ‪.1/141‬‬
‫)‪ (3‬السابق ‪.4/263‬‬
‫)‪ (4‬انظر تحفة الحوذي بشرح جامع الترمذي ‪ ،9/379‬لمحمد بن عبدالرحمن‬
‫المباركفوري‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫)‪ (5‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪ ،1/148‬لشيخ السلم ابن تيمية‪ .‬وانظر‬
‫كذلك ص ‪ ،156‬وقد نسب القول بفضل العرب للجمهور في منهاج السنة‬
‫النبوية ‪.4/599‬‬
‫)‪ (6‬انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير ‪ ،4/515‬لعبد الرؤوف المناوي‪،‬‬
‫الطبعة الولى للمكتبة التجارية الكبرى‪.‬‬
‫)‪ (7‬انظر اقتضاء الصراط المستقيم‪ ،‬لشيخ السلم بن تيمية‪،1/154 ،‬‬
‫الطبعة الثانية لمطبعة السنة المحمدية بالقاهرة‪.‬‬
‫)‪ (8‬السابق ‪.1/148‬‬
‫)‪ (9‬لبن القيم ‪-‬رحمه الله‪ -‬فصل في الدليل على فضل العرب‪ ،‬وللمقدسي‬
‫مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب‪ ،‬وللهيتمي‬
‫مبلغ الرب في فخر العرب‪ ،‬اختصره الهيتمي من كتاب حافل للحافظ‬
‫العراقي‪.‬‬
‫)‪ (10‬انظر نوادر الصول في أحاديث الرسول‪ ،‬لبي عبدالله الحكيم الترمذي‬
‫ص ‪.96‬‬
‫)‪ (11‬خصائص جزيرة العرب ص ‪ ،61‬للشيخ بكر أبو زيد‪ .‬مع اختصار يسير‪.‬‬
‫)‪ (12‬جزيرة السلم ص ‪ ،46-42‬للشيخ سلمان بن فهد العودة‪ ،‬والنقل‬
‫باختصار وتصرف يسير‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الول‪ :‬أن النظرة هنا إلى طبائع الشعوب والجناس مجردة عما تأثرت به من‬
‫أمور خارجة عنها‪ ،‬فمن استصلح بالشرع والدين يفضل من سواه ويعلوه‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل العرب إنما فضلهم لمكارم الخلق التي‬ ‫ض َ‬


‫من ف ّ‬ ‫بقدر ما قام فيه من دين‪ .‬و َ‬
‫اتصفوا بها‪ ،‬وجاءت الشرائع بتميمها‪ ،‬فإذا التزم الناس بالشرائع فل فضل‬
‫لعربي على أعجمي إل ّ بالتقوى‪ ،‬والصل أن الناس معادن)‪.(1‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه وصف عام وعند التفصيل ومقارنة الفراد يشذ بعضهم‪ ،‬فقد تجد‬
‫شخصا ً من العجم يفضل بعض العرب في أخلقه وصفاته‪ ،‬ولكن عند الطلق‬
‫والتعميم فالعرب أفضل ممن سواهم‪.‬‬
‫والشاهد من هذا التقرير هو أن البيئة التي يعيش فيها النسان‪ ،‬والرض التي‬
‫ينشأ عليها لها صلة وثيقة بأخلقه وعاداته‪ ،‬وقد عرفت العرب هذه العلقة‬
‫منذ زمن بعيد‪ ،‬ولهذا كانوا يدفعون أولدهم إلى المراضع "لينشأ الطفل في‬
‫العراب ‪ ،‬فيكون أفصح للسانه وأجلد لجسمه وأجدر أن ل يفارق الهيئة‬
‫المعدية وقد قال ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬لبي بكر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬حين قال له‪:‬‬
‫"ما رأيت أفصح منك يا رسول الله"‪ .‬فقال‪) :‬وما يمنعني ‪ ،‬وأنا من قريش ‪،‬‬
‫وأرضعت في بني سعد ؟( فهذا ونحوه كان يحملهم على دفع الرضعاء إلى‬
‫كر أن عبد الملك بن مروان كان يقول أضر بنا‬ ‫المراضع العرابيات ‪ .‬وقد ذ ُ ِ‬
‫ً‬
‫حانا‪ ،‬وكان سليمان فصيحا; لن الوليد أقام مع‬ ‫ً‬ ‫حب الوليد لن الوليد كان ل ّ‬ ‫ُ‬
‫أمه‪ ،‬وسليمان وغيره من إخوته سكنوا البادية‪ ،‬فتعربوا‪ ،‬ثم أدبوا فتأدبوا")‪،(2‬‬
‫هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فرق بين من يتقلب في عيش لين العطاف‬
‫رطب‪ ،‬وبين آخر تربى في بيئة شديدة وعرة‪ ،‬فذلل شظف العيش وركب‬
‫صعبه‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬
‫إنما السلم في الصحرا امتهد ‪ ...‬ليجيء كل مسلم أسد‬
‫فإذا شرف العرب لخلقهم وصفاتهم فالبيئة ]الجزيرة العربية[ هي التي‬
‫ساعدت في صنع كثير من تلك الخلق والخصال التي تميز بها العرب)‪،(3‬‬
‫ولهذا كانت الجزيرة العربية أفضل من غيرها‪.‬‬
‫وإني وإن فارقت نجدا ً وأهله‬
‫أروح على وجدٍ وأغدو على وجد ٍ ‪ ...‬لمحترق الحشاء شوقا ً إلى نجدِ‬
‫وأعشق أخلقا ً خلقن من المجدِ‬
‫جزيرة العرب بين التشريف والتكليف ‪6-3‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تعلق العرب في شتى المصار بأرض الجزيرة‪:‬‬
‫ول يخفى على القارئ الكريم أن العرب الصليين الذين تفرقوا في شتى‬
‫المصار أصولهم من الجزيرة العربية وإن ب َُعد العهد‪ ،‬وهذا ما قرره من عنوا‬
‫بالتقاسيم والقاليم‪ ،‬وغيرهم من المحققين‪ ،‬قال القلقشندي‪" :‬اعلم أن‬
‫مساكن العرب في ابتداء المر‪ ،‬كانت بجزيرة العرب")‪ ،(4‬وهو قول‬
‫المعاصرين من الباحثين في هذا الحقل‪ ،‬قال المقريزي‪" :‬و ل خلف بيننا في‬
‫أن هذه القبائل العربية التي ملت القطار العربية على اتساع رقعتها‪ ،‬قد‬
‫انبعث كلها بطبيعة الحال من مهدها الول وهو شبه الجزيرة العربية")‪،(5‬‬
‫وقال‪" :‬وليس من شك في أن المستودع الول في شبه الجزيرة العربية‬
‫الذي أمد شطري الوادي بالعناصر العربية منذ عصور الجاهلية‪ ،‬هو نفسه‬
‫الذي أمد بلد المغرب كلها في أفريقية‪ ،‬وبلد الشام والعراق في آسيا‪.(6)"..‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ ..":‬وفي هذه الرض كانت العرب حين البعث وقبله فلما‬
‫جاء السلم وفتحت المصار سكنوا سائر البلد من أقصى المشرق إلى‬
‫أقصى المغرب وإلى سواحل الشام وأرمينية وهذه كانت مساكن فارس‬
‫والروم والبربر وغيرهم ثم انقسمت هذه البلد قسمين منها ما غلب على‬
‫أهله لسان العرب حتى ل تعرف عامتهم غيره ‪ ...‬ومنها ما العجمة كثيرة‬
‫فيهم أو غالبة عليهم ‪ ..‬فهذه البقاع انقسمت إلى ما هو عربي ابتداء وما هو‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عربي انتقال وإلى ما هو عجمي وكذلك النساب ثلثة أقسام قوم من نسل‬
‫العرب وهم باقون على العربية لسانا ودارا أو لسانا ل دارا أو دارا ل لسانا‬
‫وقوم من نسل العرب بل من نسل بني هاشم ثم صارت العربية لسانهم‬
‫ودارهم أو أحدهما وقوم مجهولو الصل ل يدرون أمن نسل العرب هم أو من‬
‫نسل العجم وهم أكثر الناس اليوم ")‪(7‬‬
‫والمقصود أن أصول العرب في مشارق الرض ومغاربها ترجع إلى الجزيرة‬
‫العربية في كثير من الحيان‪ ،‬وهذا بدوره يجعل للجزيرة العربية في كثير من‬
‫القلوب مكانا ً وقد قيل‪:‬‬
‫قل فؤادك حيث شئت من الهوى‬ ‫نَ ّ‬
‫كم منزل في الرض يألفه الفتى ‪ ...‬ما الحب إل ّ للحبيب الول‬
‫وحنينه أبد ا ً لول منزل‬
‫وقبيح بنا وإن قدم العهد ‪ ...‬هوان الباء و الجداد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬جزء من حديث الصحيحين‪ ،‬انظر صحيح البخاري كتاب أحاديث النبياء‬
‫ن( ‪،3381‬‬ ‫سائ ِِلي َ‬
‫ت ِلل ّ‬
‫خوَت ِهِ آَيا ٌ‬
‫ف وَإ ِ ْ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ُيو ُ‬
‫كا َ‬ ‫باب قول الله تعالى )ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫وصحيح مسلم رقم ‪.2526‬‬
‫)‪ (2‬انظر الروض النف‪ ،‬لعبدالرحمن بن عبدالله السهيلي‪ ،‬شرح حديث‬
‫الرضاع ‪ ،1/188‬طبعة مكتبة الكليات الزهرية‪.‬‬
‫)‪ (3‬ذكر الشيخ بكر أبو زيد في كتابه خصائص الجزيرة ص ‪ 66-63‬ستا ً‬
‫وعشرين ميزة للعرب وجزيرتهم نقل ً عن كتاب أم القرى فلتراجع‪.‬‬
‫)‪ (4‬نهاية الرب في معرفة أنساب العرب ص ‪.51‬‬
‫)‪ (5‬البيان والعراب عما بأرض مصر من العراب ص ‪ ،74‬للمقريزي‪.‬‬
‫)‪ (6‬السابق ص ‪.95‬‬
‫)‪ (7‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪ 167-1/166‬باختصار‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫قبائل العرب وتواجدها في الجزيرة العربية في العصر النبوي‬


‫جزيرة العرب مهوى أفئدة المسلمين‪:‬‬
‫وعيرني الواشون أني أحبها ‪ ...‬وتلك شكاة زائل عنك عارها‬
‫ما كانت الجزيرة مهبط الوحي وسابقة الراضي للسلم ‪-‬فما مات رسول‬ ‫ل ّ‬
‫ما‬
‫ّ‬ ‫(ل‬‫‪1‬‬ ‫العربية)‬ ‫الجزيرة‬ ‫سائر‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫فتح‬ ‫حتى‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫الله‬
‫كان المر كذلك عظمت مكانة الجزيرة في قلوب المسلمين جميعا ً عربا ً‬
‫وعجمًا‪ ،‬ولغرابة فهي التي مدت البقاع والصقاع بالسلم‪ ،‬فل عجب إذا‬
‫قرأت في بعض التراجم‪ ،‬عن بعض أهل العلم من العاجم‪ ،‬أنه كان‪" :‬واسع‬
‫الطلع بشئون العالم السلمي‪ ،‬شديد التعلق بجزيرة العرب والحجاز‬
‫والحرمين الشريفين‪ ،‬عميق الحق‪ ،‬شديد التعظيم للنبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وأصحابه وأهل بيته‪ -‬شديد الحب للعرب‪ ،‬يسوؤه ويؤلمه ذمهم‬
‫وانتقاص حقهم وفضلهم‪ ،‬خبيرا ً بجغرافية الجزيرة العربية‪ ،‬ألف كتابا ً باللغة‬
‫العربية في هذا الموضوع في شبابه")‪.(2‬‬
‫وكيف ل يكون للمسلمين في المشارق والمغارب تعلق بها وهم يتوجهون‬
‫تلقاءها في الخمسة الوقات‪ .‬وقد قال قائلهم إقبال‪:‬‬
‫ً‬
‫نحن الذين إذا دعوا لصلتهم ‪ ...‬والحرب تسقي الرض جاما أحمرا‬
‫جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا ‪ ...‬بمسامع الروح المين فكبرا‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا الت َعَّلق نلحظه في كثير من العجم وبخاصة في شبه القارة الهندية‪،‬‬
‫فتراهم يكبرون ويجلون من عرفوا أنه من أرض العرب‪ ،‬وهذا كثير فيمن عنوا‬
‫بالشرع والدين‪ ،‬ولسيما من لم يعش منهم بأرض الجزيرة‪ ،‬وأما من عاش‬
‫فيها فكثير منهم تغيرت نظرته إما لختلف واقع أحفاد أبي بكر وعمر وسائر‬
‫ق ليست بأخلق أهل هذه‬ ‫ما في مخيلته‪ ،‬أو نتيجة معاملة وأخل ٍ‬ ‫الصحابة‪ -‬ع ّ‬
‫البلد‪ ،‬ولكنها أخلق حضارات وافدة فتحت لها الصدور فتطاير شررها‬
‫واستشرى شرها‪.‬‬
‫جزيرة العرب بين التشريف والتكليف ‪6-4‬‬
‫رابعًا‪ :‬جزيرة العرب ودعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم‪:‬‬
‫ومن مميزات جزيرة العرب التي جعلتها ذات حضارة رائدة متميزة‪ ،‬قيام‬
‫دعوة إبراهيم عليه السلم بها‪:‬‬
‫هي الحنيفية عين الله تكلؤها ‪ ...‬فكلما حاولوا تشويهها شاهوا‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن الث ّ َ‬
‫مَرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫منا ً َواْرُزقْ أهْل َ ُ‬ ‫ذا ب ََلدا ً آ ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫با ْ‬ ‫م َر ّ‬ ‫هي ُ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫)وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ب‬‫ذا ِ‬‫ضطّره ُ إ ِلى عَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه قِليل ث ُ ّ‬ ‫مت ّعُ ُ‬ ‫فَر فأ َ‬ ‫نك َ‬ ‫م ْ‬‫ل وَ َ‬ ‫خرِ قا َ‬ ‫م ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عن ْد َ‬‫واد ٍ غي ْرِ ِذي َزْرٍع ِ‬ ‫ن ذ ُّري ِّتي ب ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫سكن ْ ُ‬ ‫صيُر()‪َ) (3‬رب َّنا إ ِّني أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫س ال َ‬ ‫الّنارِ وَب ِئ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫وي إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫س ت َهْ ِ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫جعَل أفئ ِد َة ً ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صلة َ فا ْ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫حّرم ِ َرب َّنا ل ِي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫ب َي ْت ِ َ‬
‫ن()‪ ،(4‬فاستجاب الله دعوته؛ وجعل في‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ت ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫َواْرُزقْهُ ْ‬
‫نسله من النبياء من يقوم بدعوة الحنيفية يحوطها ويرعاها ويتممها‪ ،‬فكان‬
‫إسماعيل عليه السلم أبا العرب‪ ،‬ورسولهم‪ ،‬والمجدد الول لملة إبراهيم‬
‫‪-‬عليه السلم‪ -‬وعن بنيه انتشرت بقايا الحنيفية في سائر أرجاء الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬وصارت الحنيفية الديانة الرسمية لشبه الجزيرة العربية‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر التماس السعد في الوفاء بالوعد للسخاوي ص ‪ ،3‬وكذلك أسد‬
‫الغابة لبن الثير ص ‪ 602‬ترجمة حبة بن بعكك‪.‬‬
‫)‪ (2‬نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر ص ‪ ،1917‬لعبد الحي اللكنوي‪،‬‬
‫والكلم هنا عن ابنه عبدالعلي بن عبدالحي‪.‬‬
‫)‪ (3‬البقرة‪.126 :‬‬
‫)‪ (4‬إبراهيم‪.37 :‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ولقد ظل العرب رواد حضارة نبوية مجيدة ردحا ً من الزمن‪ ،‬ثم تقادمت بهم‬
‫السنون‪ ،‬اندرست معالم حضارة التوحيد شيئا ً فشيئًا‪ ،‬إلى أن جاء عمرو بن‬
‫لحي الخزاعي واستورد عبادة الصنام عن دين العماليق بأرض الشام)‪،(1‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪) :‬رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبا بني‬
‫كعب هؤلء يجر قصبه في النار()‪ ،(2‬وأورد "ابن إسحاق في السيرة الكبرى‬
‫… أتم من هذا ولفظه‪) :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬يقول‬
‫ون‪ :‬رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار‪ ،‬لنه أول من غير‬ ‫لكثم ْبن ال ْ َ‬
‫ج ْ‬
‫صيَلة‬‫ل ال ْوَ ِ‬
‫ص َ‬ ‫حَر ال ْب َ ِ‬
‫حيَرة وَوَ َ‬ ‫سائ َِبة وَب َ ّ‬
‫ب ال ّ‬
‫سي ّ َ‬
‫دين إسماعيل‪ ،‬فنصب الوثان و َ‬
‫مي (")‪ ،(3‬وقال و" قال هشام وحدثني أبي وغيره أن إسماعيل‬ ‫حا ِ‬‫مى ال ْ َ‬
‫ح َ‬
‫وَ َ‬
‫عليه السلم لما سكن مكة وولد بها أولده فكثروا حتى ملئوا مكة ونفوا من‬
‫كان بها من العماليق ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب والعداوات‬
‫وأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلد)‪ (4‬والتماس المعاش فكان الذي‬
‫حملهم على عبادة الوثان والحجارة أنه كان ل يظعن من مكة ظاعن إل ّ‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫احتمل معه حجرا ً من حجارةِ الحرم‪ ،‬تعظيما للحرم وصبابة بمكة‪ ،‬فحيثما‬
‫حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالبيت حبا للبيت وصبابة به‪ ،‬وهم على ذلك‬
‫يعظمون البيت ومكة ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل‬
‫عليهما السلم‪ ،‬ثم عبدوا ما استحسنوا ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين‬
‫إبراهيم غيره فعبدوا الوثان وصاروا إلى ما كانت عليه المم من قبلهم‪،‬‬
‫واستخرجوا ما كان يعبد قوم نوح عليه السلم منها على إرث ما بقى من‬
‫ذكرها فيهم‪ ،‬وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها‬
‫من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة‬
‫والمزدلفة وإهداء البدن مع إدخالهم فيه ما ليس منه")‪.(5‬‬
‫غير أنه بقيت فيهم قلة على الحنيفية مستقيمون‪ ،‬كأمثال زيد بن عمرو بن‬
‫نفيل‪ ،‬قال ورقة بن نوفل ‪-‬وهو كذلك من المتألهين قبل البعثة دارسا ً للكتاب‪-‬‬
‫في رثائه‪:‬‬
‫َرشدت وأنعمت بن عمروٍ وإنما‬
‫ديِنك ربا ً ليس رب كمثله ‪ ...‬تجنبت تنورا ً من النار حاميا ً‬ ‫ب َ‬
‫وتركك أوثان الطواغي كما هيا‬
‫إلى قوله‪:‬‬
‫مقامها‬ ‫ُ‬ ‫كريم‬ ‫دار‬ ‫في‬ ‫فأصبحت‬
‫ل الله فيها ولم ت َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫ُتلقي خلي َ‬
‫ل فيها بالكرامةِ لهيا ً‬ ‫وقد ُتدِرك النسان رحمة ربه ‪ ...‬ت ُعَل َ ُ‬
‫من الّناس جبارا ً إلى النار هاديا ً‬
‫و لو كان تحت الرض سبعين واديا ً‬
‫وقد كان زيد يلتمس الحنيفية ملة إبراهيم‪ " ،‬فوقف فلم يدخل في يهودية ول‬
‫نصرانية وفارق دين قومه فاعتزل الوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح‬
‫على الوثان ونهى عن قتل الموءودة وقال أعبد رب إبراهيم ; وبادى قومه‬
‫بعيب ما هم عليه")‪.(6‬‬
‫وقد ثبت في صحيح البخاري "أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشأم‬
‫يسأل عن الدين ويتبعه‪ ،‬فلقي عالما من اليهود‪ ،‬فسأله عن دينهم‪ ،‬فقال‪ :‬إني‬
‫لعلي أن أدين دينكم‪ ،‬فأخبرني‪ .‬فقال‪ :‬ل تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك‬
‫من غضب الله‪ .‬قال‪ :‬زيد ما أفر إل ّ من غضب الله ول أحمل من غضب الله‬
‫شيئا أبدًا‪ ،‬وأّنى أستطيعه؟ فهل تدلني على غيره قال‪ :‬ما أعلمه إل أن يكون‬
‫حنيفًا‪ .‬قال زيد‪ :‬وما الحنيف؟ قال‪ :‬دين إبراهيم لم يكن يهوديا ول نصرانيا ول‬
‫يعبد إل الله‪ .‬فخرج زيد فلقي عالما ً من النصارى‪ ،‬فذكر مثله‪ ،‬فقال‪ :‬لن تكون‬
‫على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله‪ .‬قال‪ :‬ما أفر إل ّ من لعنة الله‪ ،‬ول‬
‫أحمل من لعنة الله ول من غضبه شيئا أبدًا‪ ،‬وأّنى أستطيع؟ فهل تدلني على‬
‫غيره؟ قال‪ :‬ما أعلمه إل أن يكون حنيفًا‪ .‬قال‪ :‬وما الحنيف؟ قال‪ :‬دين إبراهيم‬
‫لم يكن يهوديا ول نصرانيا‪ ،‬ول يعبد إل الله‪ .‬فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم‬
‫عليه السلم‪ ،‬خرج فلما برز رفع يديه فقال‪ :‬اللهم إني أشهد أني على دين‬
‫إبراهيم‪ .‬وقال الليث كتب إلي هشام عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي‬
‫الله عنهما قالت‪ :‬رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة‪،‬‬
‫يقول‪ :‬يا معاشر قريش والله ما منكم على دين إبراهيم غيري‪ ،‬وكان يحيي‬
‫الموءودة يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته‪ :‬ل تقتلها أنا أكفيكها مئونتها‬
‫فيأخذها فإذا ترعرعت قال لبيها إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك‬
‫مئونتها")‪(7‬‬
‫ومن المتألهين قبل البعثة أيضا ً أمية بن أبي الصلت الثقفي وهو القائل‪:‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت‬‫ن آيات ربنا ثاقبا ٌ‬


‫إ ّ‬
‫ّ‬
‫ن إل الكفوُر‬
‫ن يوم القيامةِ عند اللـ ‪ ...‬ل يماري فيه ّ‬ ‫كل دي ٍ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر فتح الباري لبن حجر كتاب المناقب حديث رقم ‪،6/669 ،3520‬‬
‫طبعة دار السلم ‪.1421‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم حديث رقم ‪.2856‬‬
‫)‪ (3‬فتح الباري لبن حجر كتاب المناقب حديث رقم ‪3520‬باختصار يسير‪.‬‬
‫)‪ (4‬في نهاية هذا المبحث خارطة تبين تواجد العرب في الجزيرة قبل البعثة‬
‫ص ‪.14‬‬
‫)‪ (5‬إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ‪ ،2/210‬لبن القيم‪ ،‬بتحقيق محمد‬
‫حامد الفقي‪ ،‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي ‪.1357‬‬
‫)‪ (6‬السيرة النبوية لبن هشام ‪ ،254-1/253‬الطبعة السابعة لدار الكتاب‬
‫العربي ‪.1420‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬حديث رقم ‪.3828‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ــــــــــه إل ّ دين الحنيفة بوُر‬


‫وكان يرى ما آل إليه حال أهل الكتاب من الضلل ومن ذلك قوله‪:‬‬
‫ضي ٍَع‬
‫فرأى الله حالهم بم ْ‬
‫مورا‬‫مث ْ ُ‬
‫مْزَرٍع ول َ‬ ‫ت ‪ ...‬لبذي َ‬ ‫م غاديا ٍ‬ ‫فسناها عليه ُ‬
‫خورا‬ ‫خليا و ُ‬ ‫مزنهم َ‬ ‫وترى ُ‬
‫ً‬
‫إلى آخر ما قال‪ ،‬غير أنه لم يسلم بعد البعثة النبوية حسدا من عند نفسه‪.‬‬
‫وما مضى يدل على بقايا سمحة كانت عند العرب‪ ،‬صقلت أذهانهم وجلت‬
‫أبصارهم ليروا زيغ النصارى واليهود وما آلو إليه‪.‬‬
‫والخلصة أن دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم بالضافة إلى الجانب‬
‫الروحي الذي عمرته بالعبادات التي شرعتها والشعائر والمناسك التي تركتها‬
‫وبقيت آثارها إلى حين البعثة النبوية الشريفة‪ ،‬فقد أرست دعائم حضارة فذة‪،‬‬
‫في مجالت الحياة كلها‪ ،‬وقد كان لها أثر كبير على العرب وما تميزوا به من‬
‫كريم خصال وحسن أخلق‪ ،‬فلئن كان في العرب صدق ووفاء فإن أباهم كان‬
‫سول ً ن َب ِي ًّا()‬‫ن َر ُ‬ ‫صادِقَ ال ْوَعْد ِ وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫عي َ‬
‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ِ‬
‫س َ‬‫ب إِ ْ‬ ‫صادقًا‪َ) ،‬واذ ْك ُْر ِفي ال ْك َِتا ِ‬
‫ت افْعَ ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫‪ ،(1‬ولئن كان في العرب صبر وجلد فإن أباهم قال عند الذبح )َيا أب َ ِ‬
‫ن()‪ ،(2‬ولئن كانوا يجيدون القتال‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫جد ُِني إ ِ ْ‬‫ست َ ِ‬
‫مُر َ‬‫ما ت ُؤْ َ‬
‫َ‬
‫والرمي بالنبال فإن أباهم كان راميًا)‪ ،(3‬ولئن كانوا فرسانا ً فإن أباهم أول‬
‫من ذللت له الخيل)‪ ،(4‬ولئن كان فيهم كرم فجدهم مالبث أن جاء بعجل‬
‫حنيذ‪.‬‬
‫ما ضاعت هويتهم الحنيفية السمحة‪ ،‬ذهبت حضارتهم‪ ،‬وأمسوا في شر‬ ‫ثم ل ّ‬
‫حال كل عام يرذلون‪ ،‬وبالمقابل فقد سطعت شمس القياصرة‪ ،‬وتأججت نار‬
‫الكاسرة‪.‬‬
‫جزيرة العرب قبل البعثة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلة والسلم‬
‫جزيرة العرب بين التشريف والتكليف ‪6-5‬‬
‫خامسًا‪ :‬جزيرة العرب ودعوة محمد عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫جرت سنة الله القاضية بإهلك المكذبين الظالمين‪ ،‬في أصحاب الحضارات‬
‫ما بطرت معيشتهم‪،‬‬ ‫السابقة من المم التي خلت في أرض الجزيرة‪ .‬وذلك ل ّ‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ها وَهِ َ‬ ‫ن قَْري َةٍ أ َهْل َك َْنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وعتوا عن أمر ربهم‪ ،‬وتفاقم ظلمهم‪) ،‬فَك َأي ّ ْ‬
‫ة عََلى عُروشها وبئ ْر معط ّل َة وقَصر مشيد()‪) ،(5‬وك َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م أهْل َك َْنا ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫ٍ َ ْ ٍ َ ِ ٍ‬ ‫ُ ِ َ َِ ٍ ُ َ‬ ‫خاوِي َ ٌ‬ ‫ي َ‬ ‫فَهِ َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫م إ ِّل قَِليل ً وَك ُّنا ن َ ْ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سك َ ْ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ساك ِن ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫شت ََها فَت ِل ْ َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ت َ‬ ‫قَْري َةٍ ب َط َِر ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫وما ً آ َ‬ ‫ها قَ ْ‬ ‫شأَنا ب َعْد َ َ‬ ‫ة وَأن ْ َ‬ ‫م ً‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن قَْري َةٍ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫م قَ َ‬ ‫ن()‪) ،(6‬وَك َ ْ‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م ِفي ِ‬ ‫ما أت ْرِفْت ُ ْ‬ ‫جُعوا إ َِلى َ‬ ‫ضوا َواْر ِ‬ ‫ن ل ت َْرك ُ ُ‬ ‫ضو َ‬ ‫من َْها ي َْرك ُ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫سَنا إ َِذا هُ ْ‬ ‫سوا ب َأ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ت ت ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫واهُ ْ‬ ‫ك د َعْ َ‬ ‫ما َزال َ ْ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن َقاُلوا َيا وَي ْل ََنا إ ِّنا ك ُّنا َ‬ ‫سأُلو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ساك ِن ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫حَنا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن أهْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫فت َ ْ‬‫وا ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫مُنوا َوات ّ َ‬ ‫قَرى آ َ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ن()‪) (7‬وَلوْ أ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫صيدا َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعَلَناهُ ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫بوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َ ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫ّ َ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ت‬‫ٍ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫َ ِ ْ َ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أ َهْ ُ‬ ‫قرى أ َن يأ ْت ِيهم بأ ْسناِ بياتا ً وهُم نائ ِمون لعأ َوأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫أ َفَأمن أ َ‬
‫قَرى أ ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مرِ َرب َّها‬ ‫نأ ْ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫ن قَْري َةٍ عَت َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن()‪) ،(8‬وَكأي ّ ْ‬ ‫م ي َلعَُبو َ‬ ‫ى وَهُ ْ‬ ‫ضح ً‬ ‫سَنا ُ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫ي َأت ِي َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ن‬‫ها وَكا َ‬ ‫مرِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ت وََبا َ‬ ‫ذاقَ ْ‬ ‫ذابا ن ُكرا فَ َ‬ ‫ها عَ َ‬ ‫ديدا وَعَذ ّب َْنا َ‬ ‫ش ِ‬ ‫سابا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ها ِ‬ ‫سب َْنا َ‬ ‫حا َ‬ ‫سل ِهِ فَ َ‬ ‫وَُر ُ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ديدا َفات ّ ُ‬ ‫ً‬ ‫ذابا َ‬ ‫ً‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ه َيا أوِلي اللَبا ِ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه لهُ ْ‬ ‫سرا أعَد ّ الل ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫مرِ َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫َ‬
‫م ذِكرا()‪.(9‬‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُنوا قَد ْ أن َْز َ‬
‫ه إ ِلي ْك ْ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫آ َ‬
‫إن من سنن الله عزوجل في هذه الحياة أن جعل لكل بداية نهاية‪ ،‬فمع اليوم‬
‫غدًا‪ ،‬وبعد الحدث جدثًا‪ ،‬ولكل مولود يوم موعود‪ ،‬وهذه سنة الله في الذين‬
‫ل‪ ،‬فكم من حضارة قامت وازدهرت ثم‬ ‫خلو من قبل ولن تجد لسنة الله تبدي ً‬
‫ما لبثت أن تبدلت وتبددت‪ .‬ولكن جعل الله لهذه السنن أسبابا ً ونواميس‬
‫وقوانين؛ حتى يسهم البشر في صنعها؛ في تقديمها و تأخيرها‪ ،‬بحسب علمهم‬
‫وحلمهم‪ .‬وحتى يكون الجزاء من جنس العمل‪ ،‬فيقال يداك أوكتا وفوك نفخ‪،‬‬
‫وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مريم‪.54:‬‬
‫)‪ (2‬الصافات‪.102 :‬‬
‫)‪ (3‬في حديث البخاري وغيره‪) :‬ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا(ً‬
‫انظر الصحيح كتاب الجهاد باب التحريض على الرمي حديث رقم ‪.2899‬‬
‫)‪ (4‬انظر أخبار مكة ‪ ،4/189‬لمحمد بن إسحاق الفاكهي‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫لمكتبة النهضة الحديثة ‪ 1407‬بتحقيق عبدالملك بن دهيش‪.‬‬
‫)‪ (5‬الحج‪.45 :‬‬
‫)‪ (6‬القصص‪.58:‬‬
‫)‪ (7‬النبياء‪.15 -11 :‬‬
‫)‪ (8‬العراف‪.98 – 96 :‬‬
‫)‪ (9‬الطلق‪.10 – 8 :‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ما اندرست معالم التوحيد في أرض الجزيرة وترك الناس ملة‬ ‫وهكذا ل ّ‬
‫ن البشَر فتاهوا بين وثنية جائرة‪،‬‬
‫الحنيفية خل نفر قليل‪ ،‬واجتالت الشياطي ُ‬
‫ومجوسية فاجرة‪ ،‬ويهودية مدمرة‪ ،‬ونصرانية حائرة‪) ،‬وإن الله نظر إلى أهل‬
‫الرض فمقتهم عربهم وعجمهم إل ّ بقايا من أهل الكتاب()‪ .(1‬أمست حضارة‬
‫العرب في حضيض وغدو في شر حال)‪ (2‬وآذن الناس بهلك‪ ،‬ولكن اقتضت‬
‫ل يخرج الناس من الظلمات إلى‬ ‫رحمة الله أن ينبثق فجٌر وأن ُيبعث رسو ٌ‬
‫النور بإذن ربهم ويهديهم إلى صراط مستقيم‪:‬‬
‫ما أطل محمد ٌ زكت الربى ‪ ...‬واخضر في البستان كل هشيم‬ ‫ل ّ‬
‫فألف الله به بين الشمل وجمع به بين القلوب وعصم به من كيد الشيطان‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واقتضت حكمته أن تكون أرض النبوة الخاتمة والرسالة العالمية الخالدة هي‬
‫أرض الجزيرة العربية‪ .‬ليبلغ أهلها رسالة ربهم إلى الناس كافة "فالعرب هم‬
‫حملة شريعة السلم إلى سائر المخاطبين بها ‪ ..‬لنهم يومئذ قد امتازوا من‬
‫بين سائر المم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لمة من المم‪،‬‬
‫وتلك هي‪ :‬جودة الذهان‪ ،‬وقوة الحوافظ‪ ،‬وبساطة الحضارة والتشريع‪ ،‬والبعد‬
‫عن الختلط ببقية أمم العالم‪ .‬فهم بالوصف الول‪ :‬أهل لفهم الدين وتلقيه‪.‬‬
‫وبالوصف الثاني‪ :‬أهل لحفظه‪ ،‬وعدم الضطراب في تلقيه‪ .‬وبالوصف الثالث‪:‬‬
‫أهل لسرعة التخلق بأخلقه‪ ،‬إذ هم أقرب إلى الفطرة السليمة‪ ...‬وبالوصف‬
‫الرابع‪ :‬أهل لمعاشرة بقية المم‪ ،‬إذ ل حزازات بينهم وبين المم الخرى")‪.(3‬‬
‫ومن رعاية الله لهذه الجزيرة وأهلها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت‬
‫حتى فتح الله عليه سائرها‪.‬‬
‫ومن عناية النبي صلى الله عليه وسلم بها أنها كانت وصيته قبل موته عن‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ .." :‬وأوصى عند موته بثلث أخرجوا‬
‫المشركين من جزيرة العرب ‪(4)"..‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول‪) :‬لخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى ل أدع إل‬
‫مسلمًا()‪ .(5‬ومن ثمرة تلك الرعاية اللهية والعناية النبوية ما أخبر به الصادق‬
‫المصدوق صلى الله عليه وسلم‪( :‬إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون‬
‫في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم)‪.(6‬‬
‫ومن لطف الله بهذه الجزيرة وأهلها‪ ،‬أنه قصم فئاما ً من الظالمين اعتدوا‬
‫ك بأ َصحاب ال ْفي َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ضِلي ٍ‬‫م ِفي ت َ ْ‬ ‫ل ك َي ْد َهُ ْ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل أل َ ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ل َرب ّ َ ِ ْ َ ِ‬ ‫ف فَعَ َ‬ ‫م ت ََر ك َي ْ َ‬ ‫فيها‪) ،‬أل َ ْ‬
‫ف‬
‫ص ٍ‬ ‫م ك َعَ ْ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫جي ٍ‬ ‫س ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جاَرةٍ ِ‬ ‫ح َ‬
‫م بِ ِ‬ ‫ميهِ ْ‬ ‫ل ت َْر ِ‬ ‫م ط َْيرا ً أ ََباِبي َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫وَأْر َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫جّباٍر‬‫ل َ‬ ‫مَر ك ُ ّ‬ ‫ه َوات ّب َُعوا أ ْ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫وا ُر ُ‬ ‫ص ْ‬
‫م وَعَ َ‬ ‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫دوا ِبآيا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫عاد ٌ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل()‪) ،(7‬وَت ِل ْ َ‬ ‫كو ٍ‬ ‫مأ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م أل ب ُْعدا ً‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫روا‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫عاد‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫أل‬‫َ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ن‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫عوا‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ ُ ْ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َ ِ‬ ‫ٍ‬
‫هوٍد()‪(8‬‬ ‫ل َِعادٍ قَوْم ِ ُ‬
‫الغدر أهلك عادا ً في منازلها‬
‫جْند‬ ‫من حمير حين كان البغي مجهرة ‪ ...‬والبغي أفنى قرونا ً دارها ال ُ‬
‫منهم على حادث اليام فانجردوا‬
‫‪...‬‬
‫وهذه سنة الله الباقية‪..‬‬
‫فمن موعود الله لنا ما ثبت في حديث أم المؤمنين عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪-‬‬
‫قالت‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا‬
‫ببيداء من الرض يخسف بأولهم وآخرهم( قالت‪" :‬قلت يا رسول الله كيف‬
‫يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم" قال‪) :‬يخسف‬
‫بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم()‪(9‬‬
‫ول مجال هنا للحديث عن حضارة السلم وكم سادت من قرون وكيف‬
‫ما تخلو عنها‪ ،‬فإن النهار ل يحتاج إلى دليل‪ ،‬والمعروف ل‬ ‫انتكس أهلها ل ّ‬
‫يعرف‪ ،‬وما كتب أكثر من أن يحصر‪.‬‬
‫ل خلف بحر الروم عن عرب‬ ‫س ْ‬ ‫بالله َ‬
‫فإن تراءت لك الحمراء عن كثب‬
‫وانزل دمشق وخاطب صخر مسجدها‬
‫وطف ببغداد وابحث في مقابرها‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬جزء من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه وهو عند‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مسلم برقم ‪.2865‬‬


‫)‪ (2‬عن المقداد بن السود رضي الله عنه قال‪ " :‬لقد بعث الله النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها نبي من النبياء في فترة وجاهلية‬
‫ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الوثان فجاء بفرقان فرق به بين الحق‬
‫والباطل" رواه المام أحمد في المسند ‪ 2684‬ومن الميمنية ‪ ،6/3‬ورجاله‬
‫ثقات قال ابن كثير في التفسير ‪ 3/331‬وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه‪.‬‬
‫وساقه الطبري بسنده في التفسير ‪ 19/53‬من رواية محمد بن إسماعيل بن‬
‫عياش عن أبيه‪ ،‬وراه ابن حبان في صحيحه ‪ 14/489‬والطبراني في المعجم‬
‫الكبير ‪ ،20/253‬والبخاري في الدب المفرد ‪.1/44‬‬
‫)‪ (3‬خصائص جزيرة العرب ص ‪ ،61‬للشيخ بكر أبو زيد‪ .‬مع اختصار يسير‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير باب هل يستشفع إلى أهل الذمة‬
‫رقم ‪.3053‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب إخراج اليهود والنصارى من‬
‫جزيرة العرب حديث رقم ‪.1767‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم كتاب صفة القيامة والجنة والنار‪ ،‬باب تحريش الشيطان‬
‫وبعثه سراياه لفتنة الناس‪ .‬حديث رقم ‪.2812‬‬
‫)‪ (7‬سورة الفيل‪.‬‬
‫)‪ (8‬هود‪.60 – 59 :‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري رقم ‪ ،2118‬ومسلم رقم ‪.2882‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫أين الرشيد وقد طاف الغمام به‬


‫هذي معالم خرس كل واحدة‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫م َ‬
‫ماض نعيش على أنقاضه أ َ‬
‫ل در در امرئ يطري أوائله ‪ ...‬بالمس كانوا هنا واليوم قد تاهوا‬
‫فسائل الصرح أين المجد والجاه‬
‫عمن بناه لعل الصخر ينعاه‬
‫س تلقاه‬ ‫ل امرئ من بني العبا ِ‬ ‫ع ّ‬
‫فحين جاوز بغداد تحداه‬
‫قامت خطيبا ً فاغرا ً فاه‬
‫ونستمد القوى من وحي ذكراه‬
‫فخرا ً ويطرق إن ساءلته ما هو؟‬
‫والحاصل أن لهل هذه الجزيرة مقوم من مقومات ظهور حضارتهم أل وهو‬
‫أس الحضارة وأساسها ذلك هو السلم‪ ،‬الذي وطئ كل أرض فدخل كل قلب‬
‫صالح‪ .‬ولئن سمعنا بأن بعض الدول السلمية نسبة المسلمين إلى المائة‬
‫فيها مئوية‪ ،‬فأي دولة أعجمية ‪-‬أيا ً كانت حضاراتها‪ -‬لوجود لمسلم فيها؟ وهذا‬
‫دليل على قوة حضارة السلم ونفوذها‪ .‬وبيان جلي عملي يؤكد صلحها لي‬
‫زمان وفي كل مكان‪.‬‬
‫والسلم باق‪ ،‬والتجربة التاريخية في القيادة الحضارية شاهدة ماثلة‪،‬‬
‫والمقومات المادية موجودة‪ ،‬فإذا جمعنا هذه الثلث واستفدنا منها كانت‬
‫حضارتنا الجدر بالسيادة والريادة‪ ،‬كما كانت في سابق عهدها‪.‬‬
‫جزيرة العرب بين التشريف والتكليف ‪6-6‬‬
‫سادسًا‪ :‬وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون‪ -‬ثم المراجع ‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عوٍَج‪(1)(...‬‬ ‫إن هذا القرآن شرف للعرب إذ نزل بلغتهم )قُْرآنا ً عََرب ِي ّا ً غَي َْر ِذي ِ‬
‫سانا ً عََرب ِي ًّا‪) ،(3)(...‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫صد ّقٌ ل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ك َِتا ٌ‬ ‫)إ ِّنا أ َن َْزل َْناهُ قُْرآنا ً عََرب ِي ًّا‪) (2)(...‬وَهَ َ‬
‫كما ً عََرب ِي ًّا‪.(4)(...‬‬ ‫َ‬
‫ح ْ‬ ‫أن َْزل َْناهُ ُ‬
‫وكيف ل يكون خطاب رب العالمين إلى كافة المكلفين عربا ً وعجما ً شرفا ً‬
‫ك‪ (5)(...‬قال‬ ‫م َ‬ ‫قو ْ ِ‬‫ك وَل ِ َ‬ ‫ه ل َذِك ٌْر ل َ َ‬
‫للعرب‪ ،‬وقد جاء بلغتهم دون سواهم؟ )وَإ ِن ّ ُ‬
‫القرطبي‪" :‬يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش إذ نزل بلغتهم وعلى‬
‫رجل منهم نظيره‪) :‬لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم( أي شرفكم فالقرآن‬
‫نزل بلسان قريش وإياهم خاطب فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل‬
‫من آمن بذلك فصاروا عيال عليهم لن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه‬
‫من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عنى به من المر والنهي وجميع ما‬
‫فيه من النباء فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا")‪(6‬‬
‫ن()‪" ،(7‬‬ ‫وعلى قدر التشريف يأتي التكليف‪ ،‬ولهذا قال بعدها )وسوف ت َ‬
‫سألو َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ ْ‬
‫أي عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والستجابة له")‪ (8‬فأفهم الناس‬
‫له‪ ،‬ينبغي "أن يكونوا أقوم الناس به‪ ،‬وأعلمهم بمقتضاه وهكذا كان خيارهم‬
‫وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الولين ومن شابههم‬
‫وتابعهم")‪.(9‬‬
‫فمن قام بهذا التكليف استحق الذكر والتشريف‪ ،‬وبالمقابل من نبذ الرسالة‬
‫وضيع المانة عاد عليه القعود عن التكليف بالتوبيخ والتعنيف‪ ،‬وكان معرضا ً‬
‫ن قَْري َ ٍ‬
‫ة‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫م قَ َ‬ ‫للوعيد والتهديد‪ ،‬ولعل من مناسبة قول الله عز وجل‪) :‬وَك َ ْ‬
‫خرين( بعد قوله‪) :‬ل َ َ َ‬ ‫ظالمة وأ َن َ ْ‬
‫م ك َِتابا ً ِفي ِ‬
‫ه‬ ‫قد ْ أن َْزل َْنا إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫وما ً آ َ ِ َ‬ ‫ها قَ ْ‬ ‫شأَنا ب َعْد َ َ‬ ‫ت َ ِ َ ً َ ْ‬ ‫َ‬
‫كان َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن()‪ ،(10‬الشارة إلى أن القعود عن القيام بالذكر ظل ٌ‬ ‫قلو َ‬ ‫م أَفل ت َعْ ِ‬ ‫ذِك ُْرك ُ ْ‬
‫عاقبته وخيمة قصمت مدنا ً وقرى وحضارات أترفت فغدا أهلها حصيدا ً‬
‫خامدين‪.‬‬
‫فواجب على أهل الجزيرة‪ ،‬منبع العرب‪ ،‬ومشرق السلم‪ ،‬أن ينهضوا‬
‫بحضارتهم‪ ،‬وأل يغفلوا عن تبليغ رسالت ربهم‪ ،‬فقد آتاهم الله ما لم يؤت‬
‫م‬
‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫أحدا ً من العالمين‪ ،‬وفضلهم على كثير من المخلوقين‪ُ) ،‬أول َئ ِ َ‬
‫سوا ب َِها‬ ‫وما ً ل َي ْ ُ‬ ‫قد ْ ْوَك ّل َْنا ب َِها قَ ْ‬‫ؤلِء فَ َ‬ ‫فْر ب َِها هَ ُ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬‫م َوالن ّب ُوّة َ فَإ ِ ْ‬ ‫حك ْ َ‬‫ب َوال ْ ُ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫ن ب َعْدِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل ِ ْ‬ ‫ست َ ْ‬‫م وَي َ ْ‬ ‫شأ ي ُذ ْهِب ْك ُ ْ‬‫ن يَ َ‬ ‫مةِ إ ِ ْ‬ ‫ح َ‬‫ي ُذو الّر ْ‬ ‫ك ال ْغَن ِ ّ‬‫ن()‪) ،(11‬وََرب ّ َ‬
‫َ‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬
‫ن()‪ ،(12‬ومن ينهض بالتكليف يناله‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن ذ ُّري ّةِ قَوْم ٍ آ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫شاُء ك َ َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫َ‬
‫حظه من التشريف‪ ،‬ولن ينسى التاريخ صلح الدين‪ ،‬ومحمود بن سبكتكين‪.‬‬
‫لهم قد أصبحت أهواؤنا شيعا ً‬
‫راع يعيد إلى السلم سيرته ‪ ...‬فامنن علينا براع أنت ترضاه‬
‫يرعى بنيه وعين الله ترعاه‬
‫حرر في‬
‫يوم الربعاء ‪11/2/1423‬هـ‬
‫ثبت المراجع‬
‫البعد الرسالي لدول مجلس التعاون‪ :‬المحور الول‬
‫بالضافة إلى القرآن الكريم وكتب السنة تم الرجوع إلى الكتب التالية‪:‬‬
‫الرقم ‪ ...‬اسم الكتاب ‪ ...‬المؤلف ‪ ...‬الطبعة ‪ ...‬ملحظات‬
‫‪ ... .1‬خصائص جزيرة العرب ‪ ...‬بكر أبوزيد ‪ ...‬دار ابن الجوزي الطبعة الثانية‬
‫‪- ... 1997-1418‬‬
‫‪ ... .2‬جزيرة السلم ‪ ...‬سلمان العودة ‪ ...‬دار الوطن ‪- ... 1411‬‬
‫‪ ... .3‬صفة جزيرة العرب للهمداني ‪ ...‬الهمداني ‪ ...‬دار اليمامة ‪... 1397‬‬
‫بتحقيق محمد بن علي الكوع الحوالي‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫__________‬
‫)‪ (1‬الزمر‪.28 :‬‬
‫)‪ (2‬يوسف‪.2 :‬‬
‫)‪ (3‬الحقاف‪.12 :‬‬
‫)‪ (4‬الرعد‪.37 :‬‬
‫)‪ (5‬الزخرف‪.44 :‬‬
‫)‪ (6‬تفسير القرطبي‪ :‬الجامع لحكام القرآن ‪ ،16/93‬طبعة دار الكتاب‬
‫العربي ‪.1387‬‬
‫)‪ (7‬الزخرف‪.44 :‬‬
‫)‪ (8‬تفسير ابن كثير ‪ ،4/130‬طبعة دار الفكر ‪.1407‬‬
‫)‪ (9‬السابق ‪.4/129‬‬
‫)‪ (10‬النبياء‪.10 :‬‬
‫)‪ (11‬النعام‪.89 :‬‬
‫)‪ (12‬النعام‪.133 :‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪ ... .4‬فتح الباري ‪ ...‬ابن حجر ‪ ...‬دار السلم ‪- ... 1421‬‬


‫‪ ... .5‬شرح سنن النسائي ‪ ...‬السيوطي ‪ ...‬دار المعرفة الطبعة الخامسة‬
‫‪- ... 1421‬‬
‫‪ ... .6‬نوادر الصول في أحاديث الرسول ‪ ...‬الحكيم الترمذي ‪ ...‬المكتبة‬
‫العلمية بالمدينة المنورة ‪- ...‬‬
‫‪ ... .7‬تفسير القرطبي ‪ ...‬القرطبي ‪ ...‬دار الكتاب العربي ‪- ... 1387‬‬
‫‪ ... .8‬تحفة الحوذي ‪ ...‬المباركفوري ‪ ...‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت ‪- ...‬‬
‫‪ ... .9‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪ ...‬شيخ السلم ‪ ...‬الثانية‪ -‬مطبعة السنة‬
‫المحمدية‪ -‬القاهرة ‪- ... 1369‬‬
‫‪ ... .10‬منهاج السنة النبوية ‪ ... ،، ...‬الولى‪ -‬مؤسسة قرطبة ‪- ... 1406‬‬
‫‪ ... .11‬فيض القدير ‪ ...‬المناوي ‪ ...‬الولى‪ -‬المكتبة التجارية الكبرى‪-1356 -‬‬
‫مصر ‪- ...‬‬
‫‪ ... .12‬الروض النف ‪ ...‬السهيلي ‪ ...‬مكتبة الكليات الزهرية ‪- ...‬‬
‫‪ ... .13‬نهاية الرب في معرفة أنساب العرب ‪ ...‬القلقشندي ‪ ...‬دار الكتاب‬
‫المصري مع دار الكتاب اللبناني ‪ ...‬بتحقيق البياري‬
‫‪ ... .14‬البيان والعراب عما بأرض مصر من العراب ‪ ...‬المقريزي ‪... - ...‬‬
‫نقل ً عن موقع الوراق‬
‫‪ ... .15‬التماس السعد في الوفاء بالوعد ‪ ...‬السخاوي ‪،، ... - ...‬‬
‫‪ ... .16‬نزهة الخواطر وبهجة المسامع والناظر ‪ ...‬اللكنوي ‪،، ... - ...‬‬
‫‪ ... .17‬أسد الغابة ‪ ...‬ابن الثير ‪،، ... - ...‬‬
‫‪ ... .18‬إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ‪ ...‬ابن القيم ‪ ...‬مطبعة مصطفى‬
‫البابي الحلبي ‪ ... 1357‬بتحقيق محمد حامد الفقي‬
‫‪ ... .19‬سيرة ابن هشام ‪ ...‬ابن هشام ‪ ...‬دار الكتاب العربي الطبعة السابعة‬
‫‪- ... 1420‬‬
‫‪ ... .20‬أخبار مكة ‪ ...‬الفاكهي ‪ ...‬مكتبة النهضة الحديثة الطبعة الولى ‪1407‬‬
‫‪ ...‬بتحقيق عبدالملك بن دهيش‬
‫‪ ... .21‬تفسير ابن كثير ‪ ...‬ابن كثير ‪ ...‬دار الفكر بيروت ‪- ... 1407‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫جسور المحبة‬
‫‪ ...‬جسور المحبة‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫المقدمة‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونستهديه‪ ،‬ونعوذ بالله من‬
‫شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل غله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬صلي الله عليه وعلي آله وصحبة وسلم تسليما ً كثيرًا‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن المحبة في الله ـ عز وجل ـ من أعظم عرى اليمان وقواعده‪،‬‬
‫كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وللمحبة جسور أقامها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بين المؤمنين‪ ،‬ووصل قلوبهم بها‪.‬‬
‫وقد ذكر ـ سبحانه وتعالي ـ هذه الجسور في كثير من المواضع في كتابه‬
‫ة()الحجرات‪ :‬الية ‪ (10‬وقوله جلت‬ ‫خو َ ٌ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫العزيز‪ ،‬كقوله‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫فّرُقوا ()آل عمران‪ :‬الية ‪(103‬‬ ‫ميعا َول ت َ َ‬ ‫ً‬ ‫ج ِ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫قدرته ‪َ) :‬واعْت َ ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ميعا َ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ْ‬‫م لوْ أن ْ َ‬ ‫ن قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫ويقول تبارك اسمه ‪( :‬وَأل َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أ َل ّ ْ‬
‫م( )لنفال‪ (63:‬وقصر‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ه أل َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬ ‫ف َ‬
‫م‬
‫ضهُ ْ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫مَنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫سبحانه وتعالي الولية علي المؤمنين فقال‪َ( :‬وال ْ ُ‬
‫َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما وَل ِي ّك ُ ُ‬ ‫ي()التوبة الية ‪(71‬وقال سبحانه وتعالي‪( :‬إ ِن ّ َ‬ ‫ض َ‬ ‫أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫م َراك ُِعو َ‬ ‫كاة َ وَهُ ْ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صلة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا ال ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫ن( )المائدة‪:‬‬ ‫م الَغال ُِبو َ‬ ‫ْ‬ ‫ب اللهِ هُ ُ‬‫ّ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫مُنوا فإ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه َوال ِ‬ ‫سول ُ‬‫َ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ل الل َ‬ ‫ي َت َوَ ّ‬
‫‪(55/56‬‬
‫ً‬
‫وقد ذكر النبي صلي الله عليه وسلم جسور المحبة ـ أيضا ـ فهو الذي أسسها‬
‫وأرسى بناءها‪ ،‬ومد حبال الود في قلوب أتباعه إلي يوم الدين ‪ .‬قال عليه‬
‫الصلة والسلم كما عند مسلم من حديث أبي هريرة ‪ )) :‬حق المسلم علي‬
‫المسلم ست‪ .‬قيل‪ :‬ما هن يا رسول الله؟ قال‪ :‬إذا لقيته فسلم عليه‪ ،‬وإذا‬
‫دعاك فأجبه‪ ،‬وإذا استنصحك فانصح له‪ ،‬وإذا عطس فحمد الله فشمته‪ ،‬وإذا‬
‫مرض فعده‪ ،‬وإذا مات فاتبعه((‪.‬‬
‫وهذه المسائل تدعو إليها الحاجة‪ ،‬ول يمر يوم أو لليلة إل ويقع أحد أفرادها‪،‬‬
‫ومع ذلك فإن كثيرا ً من الناس يقصر مع إخوانه المسلمين في أداء هذه‬
‫الحقوق‪ ،‬فل تراه يعود مريضا ً أو يمشي في جنازة أو يسلم علي أحد‪.‬‬
‫ولما رأيت هذا المر واضحا ً جليا ً ‪ ،‬استعنت بالله‪ ،‬عز وجلـ في جميع مادة هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬وقد تناولت فيه بعضا ً من تلك الجسور )) جسور المحبة(( تذكيرا ً‬
‫ل‪ ،‬ثم حثا ً لخواني علي مد هذه الجسور فيما بينهم‪ ،‬لتنشر المحبة‬ ‫لنفسي أو ً‬
‫واللفة والمودة بين المسلمين‪.‬‬
‫فهيا نتحاب‪ ..‬وهيا نتآلف‪ ..‬وهيا نتراحم‪..‬‬
‫آداب إسلمية‬
‫أول ً ‪ :‬التحية في السلم‬
‫السلم‪ ..‬تحية السلم‪:‬‬
‫يقول صلي الله عليه وسلم في المسلم يقابل المسلم ‪ )) :‬إذا لقي أحدكم‬
‫أخاه فليسلم عليه((‪ .‬فالسلم هو التحية التي أنزلها الله علي رسوله صلي‬
‫سلم(‬ ‫ه َ‬ ‫قوْن َ ُ‬ ‫م ي َل ْ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫حي ّت ُهُ ْ‬‫الله عليه وسلم وهي تحية أهل الجنة‪ .‬قال تعالي‪) :‬ت َ ِ‬
‫)الحزاب‪ :‬الية ‪ .(44‬وهي التحية التي رضيها الله ورسوله صلي الله عليه‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم لتباعه وأمته من بعده‪ ،‬ول يجوز للمسلم أن يستبدل بتحية السلم‬
‫ل‪ ،‬ول أنعم صباحا‪ً،‬‬ ‫غيرها من تحايا المم الخرى‪ ،‬ل بصباح الخير‪ ،‬ول أهل ً وسه ً‬
‫ول غير ذلك‪ .‬قال عمران بن حصين كنا في الجاهلية نقول‪ :‬أنعم الله بك عينا‪،‬‬
‫وأنعم صباحا ً ‪ ،‬فلما كان السلم نهينا عن ذلك‪.‬‬
‫وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان‪ ،‬قال‪ :‬كانوا في الجاهلية يقولون ‪:‬‬
‫حييت مساًء‪ ،‬حييت صباحًا‪ ،‬فغير الله ذلك بالسلم‪.‬‬
‫إذن فلبد أن يبدأ المسلم بهذه التحية العظيمة ‪ ،‬بالسلم الشرعي السني‬
‫الموروث عنه عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬
‫ها إ ِ ّ‬
‫من َْها أوْ ُرّدو َ‬
‫ن ِ‬
‫س َ‬
‫ح َ‬ ‫حي ّةٍ فَ َ‬
‫حّيوا ب ِأ ْ‬ ‫م ب ِت َ ِ‬ ‫قال الله ـ عز وجل ـ ‪)َ :‬إ َِذا ُ‬
‫حّييت ُ ْ‬
‫سيبًا( )النساء‪(86:‬‬ ‫ح ِ‬
‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن عََلى ك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫من َْها(( ‪ :‬أي تزيد علي تحية‪ ،‬فإذا قال ‪ :‬السلم عليكم ورحمة الله‬ ‫َ‬
‫ن ِ‬‫س َ‬
‫ح َ‬‫))ب ِأ ْ‬
‫فقل‪ :‬وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‪ ،‬أو بمثلها بأن تقول‪ :‬وعليكم‬
‫السلم ورحمة الله‪.‬‬
‫ً‬
‫وعند أبي داود والترمذي بسند صحيح عن عمران بن حصين؛ أن رجل جاء‬
‫إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال‪ :‬السلم عليكم‪ ،‬فرد عليه ثم جلس ‪.‬‬
‫فقال النبي صلي الله عليه وسلم )) عشر(( ثم جاء آخر‪ ،‬فقال‪ :‬السلم‬
‫عليكم ورحمة الله‪ ،‬فرد عليه‪ ،‬فجلس فقال‪ )) :‬عشرون(( ثم جاء آخر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪ ،‬فرد عليه‪ ،‬فقال )) ثلثون(( ‪ .‬أي ثلثون‬
‫حسنة لمن أدي التحية بتمامها‪.‬‬
‫هذه تعاليمه عليه الصلة والسلم‪ ،‬وهذا هديه في تعليم أصحابه‪ ،‬انظر كيف‬
‫يحبب السنة إلي قلوب أصحابه عن طريق إبلغهم بالجر العظيم الذي‬
‫ينتظرهم من الله الواحد الحد‪ ،‬إذا هم طبقوا تعاليمه وساروا علي هديه‪.‬‬
‫‪-2‬علي من نسلم؟!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ورد عند البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن‬
‫رجل ً سأل النبي صلي الله عليه وسلم ‪ :‬أي السلم خير؟ قال ‪ )) :‬نطعم‬
‫الطعام‪ ،‬وتقرأ السلم علي من عرفت ومن لم تعرف((‪.‬‬
‫وهذا أيضا ً هدي إسلمي نبوي شريف؛ أن تسلم علي من عرفت من‬
‫المسلمين ومن لم تعرف!! قال بعض السلف‪ :‬أصبح السلم عند المتأخرين‬
‫علي المعرفة‪ ،‬وهذه من علمات الساعة‪ ،‬فالواجب علي المسلم أن يفشي‬
‫السلم بين الناس؛ من عرف ومن لم يعرف خل أهل الكتاب‪ ،‬خل المشركين‪،‬‬
‫خل الوثنين‪ ،‬فالمسلم هو المقصود بهذا الحديث وغيره من الحاديث التي‬
‫تبين حقوق الناس بعضهم علي بعض‪ .‬فإذا كان النسان يعيش في‬
‫المجتمعات السلمية‪ ،‬فإنه يطلب منه لفشاء السلم علي من لقيه‪ ،‬سواء‬
‫عرفه وكان صديقا ً أو قريبًا‪ ،‬أم لم يعرفه‪.‬‬
‫ومن الملحظات الجتماعية أننا نسلم الن علي المعرفة فقط! وتري الناس‬
‫في الطرقات ل يسلمون إل علي من عرفوه! أما من لم يعرفوه فل يسلمون‬
‫عليه! وهذا من عمل الجاهلية‪ ،‬وهو مخالف لسنته عليه الصلة والسلم‪ ،‬ففي‬
‫الصحيحين أن آدم لما خلقه الله قال‪ )) :‬اذهب فسلم علي أولئك النفر من‬
‫الملئكة جلوس‪ ،‬فاستمع ما يحبونك‪ ،‬فإنها تحيتك وتحية ذريتك‪ ،‬فذهب فقال ‪:‬‬
‫السلم عليكم‪ .‬فقالوا‪ :‬السلم عليك ورحمة الله‪ ،‬فزادوه‪ :‬ورحمة الله(( ‪.‬‬
‫هذه هي تحية آدم‪ ،‬وتحية ذريته‪ ،‬وتحية أهل الجنة‪ ،‬وعن أبي هريرة رضي الله‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬ل تدخلون الجنة حتى‬
‫تؤمنوا‪ ،‬ول تؤمنا حتى تحابوا‪ ،‬أول أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟‬
‫أفشوا السلم بينكم((‪.‬‬
‫فبين عليه الصلة والسلم في هذا الحديث أن الجنة ل تدخل إل باليمان ‪،‬‬
‫وان اليمان ل يحصل إل بالحب‪ ،‬وان الحب ل يحصل إل بإفشاء السلم‪.‬‬
‫وإفشاء السلم يزيل الضغينة من القلوب خاصة بين القارب والجيران‪.‬‬
‫ومعناه في السلم أنك ترفع رايتك البيضاء المسالمة‪ ،‬كأنك تقول‪ :‬أتيت ارفع‬
‫رايتي البيضاء‪ ،‬فامنوني ول تتهيبوا مني‪.‬‬
‫وهذا هو شعار المحبة والود الذي أقامه رسولنا صلي الله عليه وسلم وحث‬
‫علي إرسائه وتثبيته في قلوب أصحابه وأمته من بعده‪.‬‬
‫وعند البخاري موقوفا ً علي عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال‪:‬‬
‫)) ثلث من جمعهن فقد جمع اليمان‪ :‬النصاف من نفسك‪ ،‬وبذل السلم‬
‫للعالم‪ ،‬والنفاق من القتار((‪ .‬وبذل السلم للعالم هنا يتضمن تواضع العبد‪،‬‬
‫وأنه ل يتكبر علي أحد‪ ،‬بل يبذل السلم للصغير والكبير‪،‬والشريف والوضيع‪،‬‬
‫ومن يعرفه ومن ل يعرفه‪ ،‬والمتكبر ضد هذا ‪ ،‬فإنه ل يرد السلم علي كل من‬
‫سلم عليه كبرا ً منه وتهيًا‪ ،‬فكيف يبذل السلم لكل واحد؟!‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلي الله عليه وسلم‬
‫مر علي غلمان فسلم عليهم‪.‬‬
‫وهذا من شدة تواضعه ولينه ورحمته صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬وهو بذلك يدخل‬
‫أعظم البهجة علي نفوس هؤلء الصغار‪ ،‬لنهم سوف يتشرفون بسلم رسول‬
‫الله صلي الله عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ليه وسلم عليهم‪ ،‬وسوف‬
‫يحكون ذلك في المجالس‪.‬‬
‫فعلي المسلم أن يتواضع لمثل هؤلء‪ ،‬ول يتجاهلهم لنهم صغار‪ ،‬بل يتفقدهم‪،‬‬
‫وسلمه عليهم يعلمهم بذلك الحب‪ ،‬ويدفعهم إلي مكارم الخلق‪.‬‬
‫وقد رأينا في السيرة أن عمر رضي الله عنه علي هيبته وقوته في الحق كان‬
‫إذا مر الصبيان وقف وسلم عليهم‪ ،‬ومازحهم‪ ،‬وهو خليفة المسلمين!!‪.‬‬
‫وقد مر علي صبيان المدينة وهم يلعبون‪ ،‬فعندما رأوه وسمعوا جلجلته‬
‫وهيلمانه وسلطانه فروا إلي بيوتهم‪.‬‬
‫الشياطين تفر من عمر فكيف الصبيان؟!!‬
‫كيف بالصبيان الذين قلوبهم كقلوب الطير‪ ،‬أما يفرون من إنسان أصاب‬
‫قياصرة الدنيا باليأس‪ ،‬وأكاسرة المعمورة بالذهول؟!‬
‫ففروا جميعا إل عبد الله بن الزبير‪ ،‬فإنه لم يفر‪ ،‬كان شابا ً صغيرًا‪ .‬فقال له‬
‫عمر يمازحه‪ :‬فر أصحابك ولم تفر أنت‪ ،‬أما خفت؟‬
‫قال عبد الله ‪ :‬ما فعلت جرما فأخافك‪ ،‬وليست الطريق ضيقة فأوسع لك!‬
‫فاستدل علي ذكائه وشجاعته من تلك اللحظة‪ ،‬وكيف ل يكون ذكيا ً وأبوه‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ضَها ِ‬ ‫الزبير بن العوام‪ ،‬وأمه أسماء رضي الله عنهم جميعًا؟! (ذ ُّري ّ ً‬
‫ة ب َعْ ُ‬
‫م( )آل عمران‪(34:‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬
‫س ِ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ب َعْ ٍ‬
‫‪-3‬أمانة تحمل السلم وتبليغه‪:‬‬
‫كان صلي الله عليه وسلم يسلم بنفسه علي من يواجهه‪ ،‬ويحمل السلم لمن‬
‫يريد السلم عليه من الغائبين ‪ ،‬كما ثبت أنه صلي الله عليه وسلم بعث فتي‬
‫إلي رجل مريض‪ ،‬فلما أتاه قال‪ :‬إن رسول الله صلي الله عليه وسلم يقرئك‬
‫السلم ‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫وكان صلي الله عليه وسلم يتحمل السلم لمن يبلغه إليه‪ ،‬فعند البخاري‬
‫ومسلم أن جبريل عليه السلم نزل من السماء‪ ،‬فأتت خديجة رضي الله‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنها‪ ،‬فقال جبريل عليه السلم ‪ )) :‬يا رسول الله‪ ،‬هذه خديجة أتتك بالطعام‬
‫فأقرأ عليها السلم من ربها‪ ،‬وبشرها ببيت في الجنة من قصب‪ ،‬ل صخب فيه‬
‫ول نصب((‬
‫وقد بلغ كذلك صلي الله عليه وسلم السلم لعائشة أم المؤمنين من جبريل‬
‫)متفق عليه(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وينتهي السلم علي الصحيح عند قول)) وبركاته(( كما روي ذلك أبو داود‬
‫والترمزي بسند قوي‪ ،‬وقد زاد بعضهم )) ومغفرته((‪ .‬ولكن هذه الزيادة‬
‫ضعيفة‪ ،‬ذكرها أبو داود في حديث ل يثبت‪.‬‬
‫وكان عليه الصلة والسلم كما عند البخاري والترمزي والحاكم عن أنس أنه‬
‫إذا سلم ثلثا ً ‪ ،‬ولعل هذا كان هدية صلي الله عليه وسلم في السلم علي‬
‫الجمع الكثير الذين ل يبلغهم سلم واحد‪ ،‬إن ظن أن الول لم يحصل به‬
‫السماع ‪ ،‬كما بينت ذلك رواية الحاكم‬
‫وقد ورد في السنة‪ :‬أن الرسول صلي الله عليه وسلم ذهب يزور سعد بن‬
‫عبادة ‪ ،‬فأتى الباب فقال‪ )) :‬السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪ ،‬فسمعه‬
‫سعد فرد في نفسه ‪ ،‬ولم يرفع صوته! فذهب صلي الله عليه وسلم فلحقه‬
‫سعد بن عبادة‪ ،‬وقال ك يا رسول الله‪ ،‬والله ما سلمت من سلم إل سمعتك‪،‬‬
‫وقد رددت في نفسي‪ ،‬لكن أردت أن تزيدنا من السلم‪ ،‬فقال عليه الصلة‬
‫والسلم‪ :‬السلم عليكم أهل البيت ورحمته‪ ،‬إنه حميد مجيد((‪.‬‬
‫‪ -4‬السلم علي النساء‪:‬‬
‫ورد عند الترمزي وأبي داود وابن ماجة والبخاري في الدب المفرد أن‬
‫الرسول صلي الله عليه وسلم مر يوما ً بجماعة من النسوة فألوى بيده‬
‫بالتسليم جماعة من النسوة كن في طرف الطريق وهو مار صلي الله عليه‬
‫وسلم فالتفت إليهن وقال ‪ :‬السلم عليكن ورجمة الله وبركاته‪ .‬وهذا خلقه‬
‫عليه الصلة والسلم؛ لنه رسول للرجال والنساء جميعًا‪.‬‬
‫قال بعض أهل العلم‪ :‬إذا انتفت الموانع‪ ،‬وأمنت الفتنة فيجوز السلم علي‬
‫النساء‪ ،‬كالعجوز الكبيرة مثل ً ‪ ،‬فإن عليك أن تسلم عليها وتصحبها‪ ،‬وتسألها‬
‫عن حالها‪ ،‬كما فعل الصحابة رضي الله عنهم ‪ ،‬فقد كانوا ـ كما في حديث‬
‫سهل بن سعد عند البخاري ـ يصلون الجمعة ثم يأتون إلي عجوز في طريقهم‬
‫فيسلمون عليها‪ ،‬وهذا مرغوب فيه من باب الرحمة بالكبير من المسلمين‬
‫الطاعنين في السن‪ ،‬وهذا مما حث عليه السلم في كثير من النصوص‪ ،‬وقد‬
‫ذهب المام ابن القيم إلي ذلك في زاد المعاد‪.‬‬
‫من آداب السلم‪:‬‬
‫صح عنه عليه الصلة والسلم عند البخاري ومسلم والترمزي أنه قال ‪:‬‬
‫)) يسلم الصغير علي الكبير ‪ ،‬والمار علي القاعد‪ ،‬والراكب علي الماشي‪،‬‬
‫والقليل علي الكثير((‪.‬‬
‫*الصغير يسلم علي الكبير‪ :‬فقوله صلي الله عليه وسلم‪ )) :‬يسلم الصغير‬
‫علي الكبير(( لحكمة‪ ،‬فإن الكبير له حق الوقار فيبدؤه الصغير بالسلم‪ ،‬فأنت‬
‫إذا لقيت برجل أكبر منك سنًا‪ ،‬فالواجب عليك أن تبدأه بالسلم لتشعره‬
‫باحترامك له وتقديرك لكبره‪ ،‬ولو بدأك هو بالسلم فهو أفضل منك بل شك‪.‬‬
‫فصغير السن يبدأ بالسم علي الكبير‪ ،‬ويقاس علي ذلك أنه يبدأ العالم‪،‬‬
‫والشيخ الجليل‪ ،‬وعلي من له مكانة ووجاهة‪ ،‬وعلي من له بلء حسن‪ ،‬أو‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منزلة في السلم‪ ،‬فيبدأ كل هؤلء بالسلم‪.‬‬


‫*المار يسلم علي القاعد‪ :‬وأما قوله صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬المار علي‬
‫القاعد((‪ .‬فالواجب علي الماشي أن يبدأ القاعد بالسلم‪ ،‬ل كما يفعل بعض‬
‫الناس فهم دائما ً ينتظرون من يبدأهم بالسلم ‪ ،‬ل كما فعل بعض الناس فهم‬
‫دائما ً ينتظرون من يبدأهم بالسلم علي أي حال؛ سواء كان راكبا ً أو مارًا‪ ،‬أو‬
‫قاعدًا‪ ،‬وهذا خطأ ويخشى علي صاحبه من الكبر‪ ،‬فلبد من معرفة السنة في‬
‫هذا المر‪ ،‬واللتزام بها كما جاءت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فالمار هو الذي يبدأ الجلوس بالسلم‪ ،‬لنه هو الطارئ علي المكان‪ ،‬وفي‬
‫الغالب يكون وحده‪ ،‬بينما يكون الجلوس جماعة‪.‬‬
‫*الراكب يسلم علي الماشي‪ :‬وأما قلوه صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬والراكب‬
‫علي الماشى(( فإن الراكب يسلم علي الماشي‪ ،‬ويبدؤه بالسلم‪ ،‬فراكب‬
‫السيارة ـ مثل ً ت يسلم علي من يمش‪ ،‬وكذلك راكب الدابة‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر بعض الشراح ـ كما في فتح الباري ـ لطائف منها قولهم‪ :‬إن الراكب‬
‫يشعر بزهو دائمًان فألزمه السلم بالسلم علي الماشي تواضعا ً وخفضا ً‬
‫للجناح‪ ،‬حتى ل يتطرق الكبر إلي صدره‪.‬‬
‫*القليل يسلم علي الكثير‪ :‬وقال صلي الله عليه وسلم‪ )):‬والقليل علي‬
‫الكثير(( ‪ .‬فإذا مر الواحد علي الجماعة فالواجب أن يبدأ هو بالسلم‪ ،‬وإذا مر‬
‫الخمسة علي العشرة سلم الخمسة علي العشرة‪ ،‬ولم يسلم العشرة علي‬
‫الخمسة‪.‬‬
‫و)) يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم‪ ،‬ويجزئ عن الجلوس أن‬
‫يرد أحدهم((‪ .‬كما عند أبي داود وله شاهد يحسنه عند مالك في الموطأ‪.‬‬
‫وورد عند الترمزي أنه صلي الله عليه وسلم قال‪ )) :‬يسلم الماشي علي‬
‫القائم((‪.‬‬
‫فهذه آدابه صلي الله عليه وسلم وهذه تعاليمه وحكمه ولطائفة‪ ،‬فإنه لم‬
‫يترك خيرا ً إل وحثنا علي فعله‪ ،‬ولم يترك شرا ً إل وحذرنا منه‪.‬‬
‫فضل البدء بالسلم‪:‬‬
‫جاء عند ابن حبان والبراز عن جابر قال‪ :‬قال رسول الله صلي الله عليه‬
‫وسلم ‪ )) :‬ليسلم الراكب علي الماشي‪ ،‬والماشي علي القاعد‪ ،‬والماشيان‬
‫أيهما بدأ هو أفضل((‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم فيما رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح ك )) إن‬
‫أولي الناس بالله من بدأهم بالسلم((‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والمعني ‪ :‬أن أقرب الناس إلي الله ـ عز وجل ـ وأكثرهم ولية وحبا ً وزلفي‬
‫إلي الله‪ ،‬الذي يبدا المسلمين بالسلم‪ ،‬وكانت هذه عادة أخيار الصحابة‬
‫والتابعين أنهم يبدون غيرهم بالسلم‪.‬‬
‫وورد عنه عليه الصلة والسلم كما عند ابن السني‪ ،‬قال‪ )) :‬السلم قبل‬
‫السؤال‪ ،‬فمن بدأكم بالسؤال قبل السلم فل تجيبوه((‪.‬‬
‫ومعني الحديث أنه ل يبدأ أحد في سؤال ول في كلم حتى يسلم‪ ،‬فإذا سلم‬
‫بدأ في سؤاله وموضوعه‪.‬‬
‫وعند الترمذي وأبي داود وأحمد بسند صحيح عن كلدة بن حنبل أن صفوان‬
‫بن أمية بعثه بلبن ولبأ))أول ما يحلب عند الولدة(‪ ،‬وجداية ) الصغير من‬
‫الظباء(‪ ،‬وضغابيس ) صغار القثاء( إلي النبي صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬والنبي‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلي الله عليه وسلم بأعلى الوادي‪ ،‬قال‪ )) :‬فدخلت عليه‪ ،‬ولم اسلم‪ ،‬ولم‬
‫استذان‪ ،‬فقال النبي صلي الله عليه وسلم ‪0) :‬أرجع فقل ‪ :‬السلم‬
‫عليكم‪،‬أأدخل؟((‪.‬‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫كي‬ ‫ز‬‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬‫ت‬‫يا‬‫آ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫يي‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫أمة امية‪) ..‬هُوَ ال ّ ِ َ َ َ ِ‬
‫ث‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ذي‬
‫َ ِْ ْ َ ِ ِ ََُ ِ ْ‬ ‫ِ ُْ ْ َْ‬ ‫ّ ّ َ َ ُ‬
‫ن( )الجمعة‪(2:‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ل لَ ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬‫كاُنوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ة وَإ ِ ْ‬
‫م َ‬‫حك ْ َ‬‫ب َوال ْ ِ‬‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫وَي ُعَل ّ ُ‬
‫مهُ ُ‬
‫بعث الله في هذه المة هذا الرسول صلي الله عليه وسلم؛ ليزكيها ويفقهها‬
‫في دينها‪ ،‬ويعلمها الداب الرفيعة والخلق العالية‪.‬‬
‫والشاهد في حديث كلدة‪ :‬أن البدء بالسلم يكون قبل الدخول ‪ ،‬وقبل‬
‫الكلم ‪ ،‬وقبل أي شيء‪.‬‬
‫وكان صلي الله عليه وسلم كما في سنن أبى داود من حديث عبد الله بن‬
‫بسر‪ ،‬إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه‪ ،‬ولكن من ركنه‬
‫اليمن أو اليسر‪ ،‬فيقول‪ )) :‬السلم عليكم ‪ ،‬السلم عليكم(( حديث حسن‪.‬‬
‫وكان من هديه عليه الصلة والسلم أنه يبدأ من لقيه بالسلم‪ .‬وكان يحرص‬
‫علي ذلك‪ ،‬خلفا ً للمتكبرين‪ ،‬فإنهم يتحرون أن يبدأهم الناس بالسلم‪.‬‬
‫وابتداء السلم بلفظ‪ )) :‬السلم عليكم ورحمة الله وبركاته((‪ ،‬ويرد الراد‬
‫)) وعليكم السلم(( بالواو‪ .‬وقد أتثبتها النووي وابن القيم‪ ،‬وهي اجمل‬
‫وأحسن من لفظ ‪ )) :‬عليكم السلم((‪.‬‬
‫ويكره أن يقول المبتدئ ‪ )) :‬عليكم السلم((‪ ،‬قال أبو جري الهجيمي كما عند‬
‫أبي داود والترمذي وأحمد بسند صحيح ‪ :‬أتيت النبي صلي الله عليه وسلم‬
‫فقلتك عليك السلم يا رسول الله‪ ،‬فقال)) ل تقل عليك السلم‪ ،‬فإن عليك‬
‫السلم تحية الموتى((‪.‬‬
‫فعلينا تجنب قول‪ )) :‬عليك السلم(( فإنهم كانوا يحيون موتاهم بذلك‪ ،‬كما‬
‫قال الشاعر لما مر بقبر قيس بن عاصم‪:‬‬
‫عليك سلم الله قيس بن عاصم‬
‫ورحمته ما شاء أن يتزحما‬
‫تحية من ألبسته منك نعمة‬
‫إذا زار عن شحط بلدك سلما‬
‫وما كان قيس موته موت واحد‬
‫ولكنه بنيان قوم تهدما‬
‫فبدأ بالجار والمجرور لنه ميت‪.‬‬
‫فكره النبي صلي الله عليه وسلم أن يحيي بتحية الموات‪ ،‬ومن كراهته لذلك‬
‫لم يرد علي المسلم بها‪.‬‬
‫‪-3‬آداب السلم في المجالس‪:‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم فيما رواه أبو داود والترمذي وأحمد والبخاري في‬
‫الدب المفرد والحميدي وابن حبان بسند حسنك )) إذا قعد أحدكم فليسلم‬
‫النبي صلي الله عليه وسلم وإذا قام فيسلم‪ ،‬وليست الولي أحق من‬
‫الخرة((‪.‬‬
‫والمعني‪ :‬إذا أردت أن تودع إخوانك وأصحابك عليك أن تسلم فتقول وأنت‬
‫تغادر المكان والمجلس‪ :‬السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪ ،‬وهذه سنة غفل‬
‫كثير من المسلمين عنها‪ ،‬حتى تجد الكثير يقول‪ :‬في أمان الله‪ ،‬أو استودعكم‬
‫الله‪ ،‬ويترك هذه السنة العظيمة التي نص عليها رسول الهدى عليه الصلة‬
‫والسلم!‬
‫وعند أبي داود بسندين أحدهما مرفوع وسنده صحيح‪ ،‬والخر موقوف وسنده‬
‫ضعيف عنه صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬إذا لقي أحدكم صاحبه فيسلم عليه‪،‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن حال بينهما شجرة أو جدار‪ ،‬ثم لقيه فيسلم عليه أيضًا((‪.‬‬
‫وقد ورد هذا من عمل الصحابة عند الطبراني في الوسط‪ ،‬وابن السني‪،‬‬
‫وأخرجه البخاري في الدب المفرد‪ ،‬عن أنس رضي الله عنه قال‪ )) :‬كان‬
‫أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يتماشون ‪ ،‬فإذا استقبلتهم شجرة‬
‫ل‪ ،‬وإذا التقوا من روائها سلم بعض علي بعض((‬ ‫أو أكمة تفرقوا يمينا ً وشما ً‬
‫سنده حسن‪.‬‬
‫ويقاس علي هذا الداخل والخارج في المجلس‪ ،‬فإنه يسلم كلما دخل أو خرج‬
‫‪ ،‬وهذا فعل حسن يثاب فاعله‪.‬‬
‫‪ -3‬آداب السلم عند دخول المسجد‪:‬‬
‫قال ابن القيم ـ يرحمه الله ـ ‪ )) :‬ون هديه صلي الله عليه وسلم أن الداخل‬
‫إلي المسجد يبتدئ بركعتين تحية المسجد ‪ ،‬ثم يجئ فيسلم علي القوم((‪.‬‬
‫واستدل ـ رحمه الله ـ بحديث رفاعة في المسيء صلته أنه صلي ثم أتي‬
‫فسلم فقال له صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬وعليك ‪ ،‬فأرجع فصل فإنك لم‬
‫تصل(( الحديث‪.‬‬
‫وهذا رأيه ـ يرحمه الله ـ ولكن ليس هناك دليل علي أن الرجل لم يسلم أول‬
‫ما دخل المسجد‪ ،‬ثم إنه قد يكون بعيدا ً في طرف المسجد فابتدأ بالصلة أول ً‬
‫ثم جاء فسلم‪.‬‬
‫والقرب أنه إذا دخل المسلم المسجد أن يسلم علي إخوانه المسلمين ‪ ،‬ثم‬
‫يصلي ركعتين‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وإذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلة ـ نافلة كانت أو فريضة ـ فإن السنة‬
‫في ذلك كما صح عند مسلم وغيره‪ ،‬أن تبسط يدك فتجعل باطنها إلي‬
‫الرض‪ ،‬وظاهرها إلي اتجاه وجهك‪ ،‬ول تقل بلسانك وأنت في الصلة ‪:‬‬
‫وعليكم السلم‪.‬‬
‫وبعض أهل العلم يقول‪ :‬تشير بسبابتك‪ ،‬ولكن بسط الكف أولي عند أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وهو القول الراجح‪.‬‬
‫‪ -5‬آداب السلم علي الهل‪:‬‬
‫ً‬
‫كان صلي الله عليه وسلم إذا دخل علي أهله بالليل يسلم تسليما ل يوقظ‬
‫النائم‪ ،‬ويسمع اليقظان‪ .‬رواه مسلم‪ .‬فل يدخل النسان علي أهله فيسلم‬
‫بإزعاج فيوقظ أهله! فانظر إلي لطافته ورقته وصفوة صلي الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أما حديث ‪ )) :‬السلم قبل الكلم((‪ .‬فهو باطل ل يصح عنه صلي الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقد ورد عند الترمزي من حديث جابر ‪ ،‬لكن في سنده عنبسة بن‬
‫عبد الرحمن وهو متروك‪ ،‬ورماه أبو حاتم بالوضع‪ .‬فقال ‪ :‬وضاع‪ :‬يعني كذاب‪،‬‬
‫كما أن شيخ عنبسة وهو محمد ابن زاذان متروك أيضا ً ‪ ،‬فالحديث باطل‪.‬‬
‫‪ -6‬حكم السلم علي أهل الكتاب‪:‬‬
‫كان صلي الله عليه وسلم ل يبدأ أهل الكتاب بالسلم ‪ ،‬وقد صح عنه عليه‬
‫الصلة والسلم عند مسلم وأبي داود والترمزي ‪ ،‬أنه قال‪ )) :‬ل تبدءوا اليهود‬
‫والنصارى بالسلم((‪ .‬فالسنة لمن يعمل مع اليهود والنصارى أل يبدأهم‬
‫بالسلم‪ ،‬لكن إذا سلموا قال‪ :‬وعليكم‪.‬‬
‫ومر صلي الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم وأحمد علي مجلس فيه‬
‫أخلط من المسلمين والمشركين عبدة الوثان واليهود‪ ،‬فسلم عليهم‪ .‬فإذا‬
‫مررت بمجلس فيه مسلمون ) وهذا شرط( وفيه يهود ونصارى‪ ،‬فسلم عليهم‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم الشرعي‪.‬‬
‫وكتب عليه الصلة والسلم كما في البخاري ومسلم لهرقل وغيره‪ )) :‬السلم‬
‫علي من أتبع الهدي((‪.‬‬
‫وقد ورد ذلك في كتاب الله ـ سبحانه وتعالي ـ في قول موسي لفرعون‪( :‬‬
‫دى()طه‪ :‬الية ‪ (47‬فإذا سلمت أو كتبت رسالة‬ ‫ن ات ّب َعَ ال ْهُ َ‬ ‫م عََلى َ‬
‫م ِ‬ ‫سل ُ‬
‫َوال ّ‬
‫لهل الكتاب فإنك تقول ‪ )) :‬السلم علي من أتبع الهدى((‪ .‬لكن ل تبدأهم‬
‫بالسلم‪.‬‬
‫‪ -7‬ترك السلم علي العاصي حتى يتوب‪:‬‬
‫كان من هديه صلي الله عليه وسلم ترك السلم ابتداء وردا علي من أحدث‬
‫حدثا ً حتى يتوب منه ‪ ،‬كما فعل صلي الله عليه وسلم بكعب بن مالك مع‬
‫صاحبيه كما عند البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود وأحمد ‪ ،‬فإن الرسول‬
‫صلي الله عليه وسلم لم يكن يبدؤهم بالسلم ‪ ،‬بل قال كعب بن مالك‪:‬‬
‫فكنت اسلم علي الرسول صلي الله عليه وسلم فل أدري هل يرد علي أن‬
‫ل ؟! وهل حرك شفتيه بالسلم أم ل ؟!‬
‫ً‬
‫ومثل ذلك المبتدع الذي عرف بابتداعه ‪ ،‬أو أحدث حدثا في الدين‪ ،‬فلك أن‬
‫تهجره‪ ،‬ل تسلم عليه‪ ،‬ول ترد عليه السلم حتى يتوب‪ ،‬وذلك بعد نصحه‬
‫وتخويفه وحثه علي ترك البتداع في الدين‪.‬‬
‫وكذلك مثل من ترك صلة الجماعة بل عذر وهو جار للمسجد‪ ،‬معافي‪ ،‬وفي‬
‫صحة ‪ ،‬فلك أن تهجره من السلم‪ ،‬ومن الرد حتى يصلي مع الجماعة‪.‬‬
‫وورد من حديث أبى أيوب النصاري أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)) ل يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلث‪ ،‬يلتقيان ‪ ،‬فيعرض هذا‪،‬‬
‫ويعرض هذا ‪ ،‬وخيرهما الذي يبدأ بالسلم‪.‬‬
‫وهذا في أمور الدنيا‪ ،‬فإن الغضب والغيظ في الدنيا ينتهي بثلث‪ ،‬ويحرم‬
‫الهجر بعد ذلك ‪،‬أما في الدين فل ينتهي حتى يتوب من ابتداعه‪.‬‬
‫*السلم عند الشعراء‪:‬‬
‫قال كثير عزة في السلم‪:‬‬
‫حيتك عزة بالتسليم وانصرفت‬
‫فحيها مثلما حيتك يا جمل‬
‫ليت التحية كانت لي فأشكرها‬
‫ما كان يا جمل ً حييت يا رجل‬
‫وذكر أهل الدب أن رجل ً طلق امرأته‪ ،‬فتزوجها رجل آخر؛ فأراد الول أن‬
‫تعود إليه‪ ،‬فقال مهددا ً الثاني‪:‬‬
‫سلم الله يا مطر عليها‬
‫وليس عليك يا مطر السلم‬
‫فطلقها فلست لها بكفء‬
‫وإل يعل مفرقتك الحسام!!‬
‫ويقول جرير الخطفي في ديوانه‪:‬‬
‫يا أم ناجية السلم عليكم‬
‫قبل الرواح وقبل لوم العذل‬
‫لو كنت أعلم أن آخر عهدكم‬
‫يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل‬
‫***‬
‫ً‬
‫ثانيا ‪ :‬إجابة الدعوة‬
‫‪-1‬حكم إجابة دعوة المسلم‪:‬‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن جسور المحبة قوله صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬وإذا دعاك فأجبه((‬
‫ومن الدعوات ما تكون واجبة‪ ،‬ومنها ما تكون سنة‪ ،‬ومنها ما يحرم إجابتها‪.‬‬
‫فأما ما هي واجبة‪ :‬فدعوة الزواج ـ إذا لم يكن هناك منكر ـ ففي الصحيحين‬
‫من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ‪ :‬إذا دعي أحدكم إلي الوليمة‬
‫فليأتها((‪ .‬والوليمة هي وليمة العرس؛ لنها تسمي هكذا في كتب اللغة‪ .‬وفي‬
‫لفظ مسلم‪ )) :‬إذا دعا أحدكم أخاه فليجب ‪ ،‬عرسا ً كان أو نحوه((‪.‬‬
‫قال أهل العلم‪ :‬هذا المر للوجوب‪ ،‬أي يجب عليك شرعا ً أن تجيب الداعي ما‬
‫لم يكن هناك منكر مخالف للشرع‪.‬‬
‫‪-2‬آداب الدعوة‪:‬‬
‫ورد عند مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫)) شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ‪ ،‬ويدعي إليها من يأباها‪ ،‬ومن‬
‫لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله((‪.‬‬
‫فشر الولئم التي للرياء والسمعة ‪ ،‬يدعي إليها عليه الناس‪ ،‬ويمنع منها‬
‫الفقراء‪ ،‬وعند مسلم ـ أيضا ً ـ )) إذا دعي أحدكم إلي طعام فليجب‪ ،‬فإن شاء‬
‫طعم‪ ،‬وإن شاء ترك((‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فأنت تحضر وليس المقصود أن تأكل‪ ،‬فإن البعض الن إذا دعي إلي وليمة‬
‫قال‪ :‬ما أستطيع لني أكلت‪ ،‬أو يقول ‪ :‬ل أريد الكل‪ ،‬فهذا خطأ ‪ ،‬ليس‬
‫المقصود أن تأكل‪ ،‬احضر وادع لهم‪ ،‬وتحدث معهم وآنسهم‪ ،‬فإن كثيرا ً من‬
‫السلف كانوا يحضرون وهم صيام‪ ،‬فكانوا يدعون لهل المنزل من حسن‬
‫خلقهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وعن ابن مسعود مرفوعا‪ )) :‬طعام الوليمة أول يوم حق ‪ ،‬وطعام الوليمة‬
‫في اليوم الثاني سنة‪ ،‬وطعام الوليمة في اليوم الثالث سمعة‪ ،‬ومن سمع‬
‫سمع الله به((‪ .‬رواه أبو داود‪ ،‬وأحمد وفي سنده مجهول‪ ،‬وهذا الحديث‬
‫ضعيف‪ .‬والبخاري يري ضعف الحديث‪.‬‬
‫وقد قال البخاري في الصحيح ‪ )) :‬لم يوقت النبي صلي الله عليه وسلم يوما ً‬
‫ول يومين ((‪.‬‬
‫فللنسان أن يزيد علي يوم أو يومين أو ثلث‪ ،‬لكن القرب للسنة يوم واحد‪،‬‬
‫ووليمة واحدة‪.‬‬
‫والمقصود إجابة الدعوة إذا لم يكن هناك منكر‪.‬‬
‫والدعوة لمن سبق‪ :‬فإذا دعاك داعيان في يوم واحد‪ ،‬أو في أيام مختلفة‪،‬‬
‫فقدم الذي سبق إلي دعوتك‪ ،‬واعتذر للثاني ‪ ،‬وقل له‪ :‬سبقك فلن بالدعوة ‪،‬‬
‫فإذا تساوي أهل الدعوة ‪ ،‬فالقرب منهم الولي بالجابة‪ ،‬وذوي الرحام أولي‬
‫بك بإجابة دعوتهم من الجيران إذا دعوك سويًا‪.‬‬
‫وإذا كان هناك منكر فليس عليه أن يحضر ـ كما سبق ـ إل إذا علم أن في‬
‫حضوره منعا ً للمنكر ‪ ،‬أو حدا ً منه ‪ ،‬فله أن يحضر‪.‬‬
‫***‬
‫ثالثا‪ :‬الدين النصيحة‬
‫‪-1‬وجوب النصيحة‪:‬‬
‫أما قوله صلي الله عليه وسلم في الحديث ‪ )) :‬وإذا استنصحك فانصح له((‪.‬‬
‫فهذا أدب ثالث يبينه عليه الصلة والسلم لنا‪ ،‬وهو شعار المحبة‪ ،‬وهو الواجب‬
‫الشرعي علينا بعضنا لبعض‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالنصيحة واجبة عند أهل العلم‪ ،‬وقد قال صلي الله عليه وسلم كما عند‬
‫مسلم‪ )) : .‬الدين النصيحة ‪ ،‬فقلنا‪ :‬لمن؟ قال ‪ :‬لله ولكتابه‪ ،‬ولرسوله‪ ،‬ولئمة‬
‫المسلمين وعامتهم((‪.‬‬
‫وقد قال صلي الله عليه وسلم كما في الصحيحين ‪ ،‬وهذا من باب النصيحة ‪:‬‬
‫)) انصر أخاك ظالما ً أو مظلومًا‪ ،‬قلنا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ننصره مظلومًا‪ ،‬فكيف‬
‫ننصره ظالمًا؟ قال ‪ :‬ترده عن الباطل فإن ذلك نصره((‪.‬‬
‫فالواجب علينا أن نتناصح فيما بيننا ‪ ،‬والنسان ل يسلم من الخطأ والنسيان‪،‬‬
‫ونحن جميعا ً يعترينا النقص والخطأ في كثير من تصرفاتنا‪ ،‬لن العصمة‬
‫لرسول الهدى عليه الصلة والسلم‪ ،‬فالواجب علي الخ إذا رأي أخاه قد‬
‫أخطأ في مسألة‪ ،‬أو في اجتهاد أو في تصرف‪ ،‬أو في أسلوب‪ ،‬أن يذهب إليه‬
‫وينصحه‪ ،‬ولن يجد الناصح إل الحب والدعاء والبشر والستقبال الحسن‪ .‬يقول‬
‫علي ـ رضي الله عنه ـ ‪ )) :‬المؤمنون نصحة‪ ،‬والمنافقون غششة((‪.‬‬
‫فإذا رأيت النسان ينتقد إخوانه وينالهم في المجالس‪ ،‬ويتعرض لعراضهم‪،‬‬
‫ثم ل ينصحهم في وجوههم‪ ،‬فأعلم أنه غاش لله ولرسوله صلي الله عليه‬
‫وسلم وللمؤمنين‪.‬‬
‫ومن علمة المؤمن إذا أراد أن يقوم أخاه أن يذهب إليه‪ ،‬ويأخذه علي حدة‪،‬‬
‫وينصحه ويوجهه‪ ،‬ويحن عليه‪ ،‬ويتعاطف معه‪ ،‬ويتلطف به حتى يقومه إن كان‬
‫يريد النصح حقًا‪ ،‬وإن كان يريد التشهير بأخيه المسلم فالله يتوله‪ ،‬والله‬
‫حسيبه‪ ،‬والله من رواء قصده‪.‬‬
‫وقد ذكر الله ـ عز وجل ـ في كتابه طريقة النبياء في الدعوة‪ ،‬وأنها قامت‬
‫ُ‬
‫ت َرّبي‬‫سال ِ‬ ‫م رِ َ‬ ‫علي النصيحة‪ ،‬فهذا نوح عليه السلم يقول لقومه‪) :‬أب َل ّغُك ُ ْ‬
‫م ()لعراف‪ :‬الية ‪ (62‬ويقول لهم ـ أيضا ً ـ (َول ي َن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حي إ ِ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫فعُك ُ ْ‬
‫م نُ ْ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬
‫ص ُ‬
‫وَأن ْ َ‬
‫أ َردت أ َ َ‬
‫م()هود‪ :‬الية ‪ (34‬وهذا نبي الله صالح عليه السلم يقول‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬
‫ص َ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫َ ْ ُ ْ‬
‫م ()لعراف‪ :‬الية ‪.(79‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لقومهك َ( َيا قَوْم ِ ل َ‬
‫ت لك ْ‬ ‫ح ُ‬
‫ص ْ‬
‫ة َرّبي وَن َ َ‬
‫سال َ‬ ‫م رِ َ‬ ‫قد ْ أب ْلغْت ُك ْ‬
‫ت لكم()لعراف‪ :‬الية‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال شعيب‪َ ( :‬يا قَوْم ِ ل َ‬
‫ح ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫ت َرّبي وَن َ َ‬ ‫سال ِ‬‫م رِ َ‬ ‫قد ْ أب ْلغْت ُك ْ‬
‫‪ (93‬فهؤلء هم أنبياء الله ـ عز وجل ـ وصفوة خلقهن ومن تشبه بقوم فهو‬
‫منهم‪.‬‬
‫‪-3‬آداب النصيحة‪:‬‬
‫للنصيحة آداب ثلثة‪ :‬الول‪ :‬الخلص‪ ،‬الثاني اللين ‪ ،‬والثالث‪ :‬السرار بها‪.‬‬
‫وكثيرا ما يخطي العبد‪ ،‬فنحن لسنا معصومين من الخطأ ‪ ،‬وغني اكرر ذلك‬
‫ليعلم الناصح أن الخطأ والنسيان شيء عادي مركوز في أصل الجبلة‪ ،‬فل‬
‫يتعصب في نصيحته‪ .‬يقول الشاعر‪:‬‬
‫من ذا الذي ما ساء قط‬
‫ومن له الحسنى فقط‬
‫ويقول الخر‪:‬‬
‫تريد مهذبا ً ل عيب فيه‬
‫وهل عودة يفوح بل دخان!!‬
‫ويقول ثالث‪:‬‬
‫ً‬
‫ولست بمستبق أخا ل تلمه‬
‫علي شعث أي الرجال المهذب؟!‬
‫ويقول رابع‪:‬‬
‫من ذا الذي ترضي سجاياه كلها‬
‫كفي المرء نبل ً أن تعد معايبه‬
‫وإن السرار بالنصيحة من هديه صلي الله عليه وسلم فإن النصيحة علي‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رءوس الشهاد فضيحة‪.‬‬


‫قال الشاعر‪:‬‬
‫تغمدني بنصحك في انفراد‬
‫وجنبني النصيحة في الجماعة‬
‫فإن النصح بين الناس نوع‬
‫من التوبيخ ل أرضي استماعه‬
‫فإن خالفتني وعصيت أمري‬
‫فل تجزع إذا لم تلق طاعه‬
‫ً‬
‫وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول‪ )) :‬رحم الله امرأ أهدي إلي عيوبي‪ ،‬وكان‬
‫يستمع للصحابة وهم ينصحونه((‪.‬‬
‫***‬
‫ً‬
‫رابعا ‪ :‬تشميت العاطس‬
‫‪-1‬متي يشمت العاطس وكيفية التشميت؟!‬
‫قال عليه الصلة والسلم في الحديث ‪ )) :‬وإذا عطس فحمد الله فشمته((‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ويقول صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬عن الله يحب العطاس‪ ،‬ويكره التثاؤب((‪.‬‬
‫فالعطاس رحمة من الله‪ ،‬والتثاؤب من الشيطان ؛ لن العطاس فيه تفتيح‬
‫لشرايين القلب ‪ ،‬وانشراح للصدر‪ ،‬وهو رحمة من الله‪ ،‬والله أعلم بالسر في‬
‫ذلك ‪ .‬فكان الواجب أن تقول‪ :‬الحمد لله‪.‬‬
‫أما التثاؤب‪ :‬فإنك تكظم ما استطعت‪ ،‬وقد قال صلي الله عليه وسلم كما‬
‫عند البخاري وأحمد ‪ )) :‬إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله ‪ ،‬وليقل له أخوه‪:‬‬
‫يرحمك الله ‪ ،‬فإذا قال له يرحمك الله فليقل‪ :‬يهديكم الله ويصلح بالكم((‪.‬‬
‫وعند البخاري ومسلم والترمزي وابن ماجة وأحمد عن أنس ‪ )) :‬أنه عطس‬
‫عنده رجلن فشمت أحدهما‪ ،‬ولم يشمت الخر‪ ،‬فقال الذي لم يشمته‪:‬‬
‫عطس فلن فشمته‪ ،‬وعطست فلم تشمتني‪ ،‬فقال‪ :‬هذا حمد الله‪ ،‬وأنت لم‬
‫تحمد الله((‪.‬‬
‫وعند مسلم وأحمد من حديث أبى موسى الشعري أنه صلي الله عليه وسلم‬
‫قال‪ )) :‬إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه‪ ،‬فإن لم يحمد الله فل‬
‫تشمتوه((‪.‬‬
‫ففهم من الحديث انه من قال‪ :‬الحمد لله ‪ ،‬فعلينا وجوبا ً أن نقول له‪ :‬يرحمك‬
‫الله‪ ،‬وإذا سكت ولم يحمد الله‪ ،‬فليس عليك أن تقول له ‪ :‬يرحمك الله ‪ ،‬بل‬
‫تسكت‪.‬‬
‫؟!‬
‫‪ -2‬هل التشميت فرض عين أم فرض كفاية ‍‬
‫ذهب المالكية ومنهم ابن أبي زيد وابن العربي إلي أن التشميت فرض عين‪،‬‬
‫وهو الصحيح ‪،‬فإن علي أهل المجلس ـ مثل ً ـ إذا سمعوا )) الحمد لله(( أن‬
‫يقولوا ‪ )) :‬يرحمك الله(( ل يكفي منهم واحد‪ ،‬فهو فرض عين وليس فرض‬
‫كفاية‪.‬‬
‫وكان من هديه صلي الله عليه وسلم في العطاس ما ذكره أبو داود‬
‫والترمزي واحمد وابن السني ـ وسنده حسن ـ كما أن الحاكم صححه‪ ،‬أنه‬
‫كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه علي فيه‪ ،‬وخفض أو غض به صوته‪ .‬فالسنة‬
‫أل يرفع المسلم صوته بالعطاس‪.‬‬
‫وهناك حديثان ضعيفان أشير إليهما‪:‬‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحديث الول‪ )) :‬التثاؤب الشديد والعطسة الشديدة من الشيطان((‪ .‬رواه‬


‫ابن السني‪ ،‬وهو ضعيف ل يصح عنه صلي الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫الحديث الثاني‪ )) :‬إن الله يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس((‪ .‬حديث‬
‫ضعيف ل يصح عنه صلي الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وقد قال عليه الصلة والسلم فيما رواه أبو داود بسند حسن‪ )) .‬شمت أخاك‬
‫ثلثا ً ‪ ،‬فما زاد فهو زكام((‪.‬‬
‫يعني أنه يعطس في المرة الولي فيحمد الله‪ ،‬فقل له‪ :‬يرحمك الله‪ .‬وفي‬
‫الثانية قل له‪ :‬يرحمك الله‪ .‬وفي الثالثة قل له ‪ :‬يرحمك الله‪ ،‬وفي الرابعة قل‬
‫له‪ :‬عافاك الله‪.‬‬
‫وقد عطس رجل عنده عليه الصلة والسلم النبي صلي الله عليه وسلم‬
‫فقال له‪ )) :‬يرحمك الله((‪ .‬ثم عطس أخري فقال له صلي الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫)) الرجل مزكوم((‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪ :‬وقوله في الحديث ‪ )) :‬الرجل مزكوم(( تنبيه علي الدعاء له‬
‫بالعافية؛ لن الزكمة علة‪ ،‬وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلث‪ ،‬وفيه تنبيه‬
‫له علي هذه العلة ليتداركها ول يهملهما‪ ،‬فيصعب أمرها‪ ،‬فكلمه صلي الله‬
‫عليه وسلم كله حكمة‪ ،‬ورحمة وعلم‪ ،‬وهدى‪.‬‬
‫وقد قال صلي الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بسند حسن‪ )) :‬إذا عطس‬
‫أحدكم فليشمته جليسه‪ ،‬فإن زاد علي الثلثة فهو مزكوم‪ ،‬ول تشمته بعد‬
‫الثلث‪.‬‬
‫وذكر أهل العلم أنه إذا زاد علي الثلث فيدعو لصحابه بالعافية‪.‬‬
‫هنا مسألة‪ :‬إذا لم تسمع أنت حمد العاطس‪ ،‬لكن سمع من بجانبه أنه حمد‬
‫الله ـ فماذا تفعل إذا تبين لك أنه حمد الله؟ ولو لم تسمعه‪ ،‬فقل ‪ :‬يرحمك‬
‫الله‪ ،‬أما إذا لم يتبن لك‪ ،‬فل تشمته‪.‬‬
‫مسألة ثانية‪ :‬هل تذكر العاطس إذا نسي الحمد؟‬
‫ذهب إلي ذلك نفر من أهل العلم كالننوي وغيره من العلماء‪ ،‬واستحسنوا‬
‫ذلك‪ ،‬وقد فعله إبراهيم التيمي‪ ،‬كما فعله أيضا ً ابن المبارك‪ ،‬فقد عطس رجل‬
‫عند ابن المبارك ولم يحمد الله‪ ،‬فقال ابن المبارك‪ :‬ماذا يقول الرجل إذا‬
‫عطس؟قال يقول الحمد لله‪ ،‬قال‪ :‬يرحمك الله‪ )) ،‬هذا قول((‪.‬‬
‫والقول الصحيح ‪ :‬أنه ل يلزمك أن تذكره؛ لنه لو كان يلزمك أن تذكره لكان‬
‫النبي صلي الله عليه وسلم أولي بتذكير من عطس ولم يشمته‪ ،‬ولم يذكره‪،‬‬
‫وهذا تعزيز له وحرمان لبركة الدعاء‪ ،‬لما حرم نفسه بركة الحمد‪.‬‬
‫وقد تعاطس الناس في مجلسه‪ ،‬ولم يذكرهم عليه الصلة والسلم‪ ،‬بل لم‬
‫يشمتهم‪ ،‬وهذا هو القول الراجح‪.‬‬
‫وكان اليهود يتعاطسون عنده عليه الصلة والسلم فيقولونك الحمد لله‪،‬‬
‫فيقول ك )) يهديكم الله ويصلح بالكم((‪.‬‬
‫رواه أبو داود والترمذي واحمد والبخاري في الدب المفرد ‪ ،‬وصححه الترمذي‬
‫والنووي والحاكم‪.‬‬
‫ً‬
‫فانظر إلي الحكمة‪ :‬اليهود بحاجة إلي الهداية‪ ،‬وليسوا أهل للرحمة ‪ ،‬فهل‬
‫يترحم عليهم وهم مخالفون؟!‬
‫ً‬
‫ل ‪ .‬هم بحاجة إلي أن يهديهم الله أول‪ ،‬قبل أن يرجمهم‪ ،‬فعدل عليه الصلة‬
‫والسلم عن لفظ‪ )) :‬يرحمكم الله((‪ .‬إلي لفظ )) يهديكم الله ويصلح‬
‫بالكم((‪.‬‬
‫***‬
‫خامسًا‪ :‬عيادة المريض‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فضل عيادة المريض والدعاء له‪:‬‬


‫قال عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬وإذا مرض فعده((‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وهذا جسر آخر من جسور المحبة بين المسلمين‪ ،‬فمن حق المسلم علي‬
‫أخيه المسلم إذا مرض أن يعوده‪ ،‬والعيادة لها آداب ‪ ،‬ولها فضل من الله ـ عز‬
‫وجل ـ فقد روي مسلم عن ثوبان قال ‪ :‬قال رسول الله صلي الله عليه‬
‫وسلم ‪ )) :‬من عاد مريضا ً لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع((‪ .‬وفي لفظ ‪:‬‬
‫قيل ‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬وما خرفة الجنة؟ قال ‪)) :‬جناها((‪ .‬يعني كأنه يمشي في‬
‫بساتين الجنة‪ .‬وقد عاد عليه الصلة والسلم أصحابه‪ ،‬فقد عاد سعد بن أبي‬
‫وقاص ـ رضي الله عنه و؟أرضاه ـ ودعا له‪ ،‬وقال له‪ )) :‬ولعلك تخلف حتى‬
‫ينفع بك أقوام‪ .‬ويضربك آخرون((‬
‫وعاد عليه الصلة والسلم جابرا ً ـ رضي الله عنه ـ فوجده مغمي عليه فتوضأ‬
‫عليه الصلة والسلم وصب عليه الماء فاستفاق‪.‬‬
‫وكان صلي الله عليه وسلم إذا عاد مريضا ً دعا له‪ ،‬وجلس قليل عند رأسه‪،‬‬
‫ً‬
‫ووضع يده الكريمة علي صدره ‪ ،‬وهذا من النس والملطفة‪.‬‬
‫‪-2‬آداب العيادة‪:‬‬
‫العيادة عند أهل السنة كل ثلثة أيام‪ ،‬إل أن يكون قريبا ً كالب والبن والخ‬
‫ومن في حكمهم‪ ،‬أما إذا كان غير ذلك‪ ،‬فإنك تزوره كل يوم ثلثة أيام‪ ،‬أما أن‬
‫تأتيه كل يوم‪ ،‬أو تأتيه مرة في الصباح ومرة في المساء وهذا مزعج!‬
‫وقد ذكر الذهبي في ترجمة سليمان بن مهران الملقب )) بالعمش(( أنه‬
‫مرض مرضا ً زمنًا‪ ،‬فدخل عليه الناس‪ ،‬وترددوا عليه كثيرا ً فأزعجوه‪ ،‬فكتب‬
‫وصف مرضه في ورقة‪ ،‬ووضعها تحت مخدته التي ينام عليها‪ ،‬فكان كلما‬
‫سأله أحد عن مرضه‪ ،‬أخرج هذه الورقة‪ ،‬وقال له أقرأ!‬
‫فلما كثر الناس عليهن قفز فأخذ المخدة‪ ،‬وجعلها تحت إبطه ‪ ،‬ووقف وقال ‪:‬‬
‫شافي الله مريضكم!‬
‫ً‬
‫وعلي المسلم أن يتحرى وقت العبادة ‪ ،‬بحيث يكون مناسبا للمريض‪ ،‬فل‬
‫يكون عند نومه‪ ،‬ول عند طعامه‪ ،‬ول عند صلته‪ ،‬ول في وقت يري انه يرتاح‬
‫فيه المريض‪ ،‬بل يتوخي وقت العيادة المناسب‪.‬‬
‫ومن آداب العيادة أنك ل تطيل الجلوس عند المريض‪ ،‬فإن بعض الناس إذا‬
‫زار المريض زاده مرضا ً علي مرضه‪ ،‬فيبقي الساعة والساعتين!وهذا ليس‬
‫من أدب العيادة‪.‬‬
‫فإذا عدت المريض وكان مرضه خفيفًا‪ ،‬حسنت له صحته‪ ،‬وهونت عليه‬
‫مرضه‪ ،‬وقلت ‪ :‬ما شاء الله‪ ،‬ما كنت أظن أنك هكذا‪ ..‬صحتك طيبة‪ ..‬وحالك‬
‫طيبة‪ ،‬شافاك الله وعافاك‪ ،‬قريبا ً تخرج من هذا المرض ـ إن شاء الله ـ ونحو‬
‫ذلك من الكلم‪ ،‬ل أن تأتي العائد بوجه آخر‪ ،‬فيزيد المريض مرضا ً علي مرضه‬
‫‪ ،‬فبعض الناس ‪ ،‬هداهم الله ـ يشعر المريض انه أسوأ حال‪ ،‬وأن مرضه ليس‬
‫له علج البتة‪ ،‬وأنه يجب عليه أن يوصي بماله‪ ،‬ويوزع تركته‪ ،‬وهكذا حتى‬
‫يجعل المريض في عداد الموتى!‬
‫وهذا خطأ‪ ،‬فالحالة النفسية لها دورها‪ ،‬فأنت إذا أشعرته أنه سليم معافى‪،‬‬
‫يمكن أن يكون ذلك سببا ً في شفائه ـ بإذن الله ـ ولذلك كان النبي صلي الله‬
‫عليه وسلم إذا عاد مريضا ً قال له ‪ )) :‬ل بأس طهور إن شاء الله((‪ .‬ونحو‬
‫ذلك كما تقدم في عيادته للعرابي‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكن يقول أهل العلم‪ :‬إذا وصلت غلي رجل أصبح قريبا ً من الخرة‪ ،‬ومرض‬
‫مرضا ً ل يرجي برؤه‪ ،‬فحسن ظنه بالله‪ ،‬وحسن قدومه علي الله‪ ،‬وحسن‬
‫رجاءه في الله‪ ،‬هذه هي السنة في العيادة‪.‬‬
‫قال أحدهم‪:‬‬
‫مرض الحبيب فعدته‬
‫فمرضت من خوفي عليه‬
‫وأتي الحبيب يعودني‬
‫فشفيت من نظري إليه‬
‫وقال آخر وهو القاضي الحنفي الشهرزوي‪:‬‬
‫والله ما جئتكم زائرا ً إل‬
‫وجدت الرض تطوي لي‬
‫ل انثنى وجهي عن بابكم‬
‫إل تعثرت بأذيالي‬
‫ويقول أبو تمام‪:‬‬
‫إذا مرضنا أتيناكم نعودكم‬
‫وتذنبون فنأتيكم ونعتذر‬
‫وقال آخر في ذكره سبحانه‪:‬‬
‫إذا مرضنا تداوينا بذكركم‬
‫ونترك الذكر أحيانا ً فننتكس‬
‫ول يكثر العائد عند المريض من ذكر الدنيا‪ ،‬وكثرة المزاح‪ ،‬ول من الكلم الذي‬
‫ل يليق‪ ،‬ولكن يخفف الزيارة ويذهب‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬اتباع الجنازة‬
‫‪-1‬فضل اتباع الجنازة‪:‬‬
‫يقول صلي الله عليه وسلم في الحديث‪ )) :‬وإذا مات فاتبعه((‪ ،‬ضريبة‬
‫المسلم علي المسلم!! حتى بعد أن اصبح جثمانا ً ‪ ،‬وأصبحت روحه في‬
‫عليين‪ ،‬تتبعه وتقوم بحقوقه‪ ،‬وتشفع له وأنت تصلي علي جنازته‪ ،‬وتترحم‬
‫عليه وهو في الثري‪،‬وتواصله بالدعاء‪ ،‬وتدعو له بظهر الغيب‪.‬‬
‫هذه أخوة السلم‪ ،‬وهذا ميثاق اليمان ‪ ،‬وتلك حقوق المسلم علي المسلم‬
‫التي تقتصر علي الحياة فقط‪ ،‬بل تشمل المسلم بعد موته أيضًا‪ .‬قال عليه‬
‫الصلة والسلم كما عند الترمزي بسند ضعيف‪ )) :‬من تبع جنازة وحملها ثلث‬
‫مرات‪ ،‬فقد قضي ما عليه من حقها((‬
‫ولكن في الصحيحين أنه قال ك )) من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله‬
‫قيراط‪ ،‬ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان(( قيل ‪ :‬وما القيراطان؟ قال‪:‬‬
‫)) مثل الجبلين العظيمين(( ‪.‬‬
‫فانظر ما اسهل العمل‪ ،‬وأعظم الجر‪.‬‬
‫‪ -2‬آداب الجنازة والعزاء‪:‬‬
‫من السنة أن يمشي أما الجنازة‪ ،‬وفي هذا تفصيل‪ ،‬قال ابن عمر عند‬
‫الخمسة‪ ،‬وصححه‪ ،‬ابن حبان‪ ،‬وأعله النسائي بالرسال‪ )) :‬رأيت النبي صلي‬
‫الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أما الجنازة((‪ .‬فالسنة المشي أمام‬
‫الجنازة‪ ،‬لكن الراكب يمشي خلفها‪ ،‬والماشي أمامها‪ ،‬وإن مشي خلفها فل‬
‫بأس‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقالت أم عطية ـ كما في الصحيحين ‪ )) :‬نهينا عن اتباع الجنائز ؛ لن المرأة‬


‫ضعيفة ‪ ،‬وتصاب بالجزع‪ ،‬وربما تفتن‪ ،‬وربما تتسخط علي قضاء الله وقدره‪،‬‬
‫فليس للمرأة ـ ولو كانت عجوزا ً ـ اتباع الجنازة‪ ،‬ول زيارة القبور‪.‬‬
‫وهنالك عادات تخالف الشرع‪ ،‬نبه عليها أهل العلم‪ ،‬وكتبوا فيها‪ ،‬وبينوا‬
‫الخطأ ‪ ،‬ونبهوا عليه‪ ،‬وأشاروا إلي الصواب فجزاهم الله خيرًا‪ ،‬ومن هذه‬
‫العادات‪:‬‬
‫الجتماع علي العزاء ‪ ،‬ونصب الخيام والولئم‪ ،‬والقيام بالصياح والنياحة‪،‬‬
‫وضرب الوجه‪ ،‬وشق الجيب‪ ،‬وكذلك الجزع من القضاء والقدر‪.‬‬
‫ومن المخالفات الشرعية أيضًا‪ :‬أن يمزح بعض الناس في العزاء‪ ،‬أو أن‬
‫يضحكوا مما يثير نتباه الحضور‪ ،‬أو يتحدثوا بإسهاب في أمور الدنيا‪ ،‬إلي غير‬
‫ذلك من الصور المخالفة للشرع التي بينها ونبه عليها العلماء‪.‬‬
‫هذه بعض جسور المحبة التي أتي بها محمد صلي الله عليه وسلم والتي‬
‫اتصف بها أصحابه رضوان الله تعالي عليهم فحققوا هذه الصفات في عالم‬
‫الواقع‪ .‬وكانت استجابتهم استجابة فذة من كل جوانبها ‪ ،‬وهم الذين امتلت‬
‫قلوبهم بهذه الخلقيات حتى أعماقها ‪ ،‬فآتت ثمارها بإذن الله ‪ ،‬فوصلوا بذلك‬
‫إلي القمة الني ل يحسن صعودها إل من أحسن العبودية لله‪ ،‬وتمسك بكتاب‬
‫الله وبسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬واتصف وتخلق بأخلق السلم‪.‬‬
‫والحمد لله ‪ ...‬ما زال الباب مفتوحا ً النبي صلي الله عليه وسلم وما زالت‬
‫البضاعة مطروحة أما الجميع‪ ،‬وليس علينا إل أن نتاجر مع الله ـ عز وجل ـ‬
‫ول يكون ذلك إل بالتخلق بأخلقيات هذا الجيل العظيم‪ ،‬وإذا فعلنا ذلك‬
‫فسوف نصل غلي أرقي صورة بشرية يمكن أن يصل إليها النسان علي وجه‬
‫الرض النبي صلي الله عليه وسلم صورة النسان الذي توشك أن تصافحه‬
‫الملئكة!!‬
‫فن تأليف الرواح‬
‫ل‪ :‬مثل عليا تربي عليها الصحابة‬ ‫أو ً‬
‫أما فن تأليف القلوب فنستمده بسند صحيح من سيرة النبي محمد صلي الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬من ميراثه‪ ،‬من دعوته ‪ ،‬نتذاكره ونتعلمه‪ ،‬ونتربى عليه‪ ،‬كما‬
‫تربي عليه السابقون الولون من سلفنا ـ رضوان الله تعالي عليهم ‪ .‬وسوف‬
‫نذكر بعضا ً من العناصر التي يقوم عليها بناء هذا الفن الجليل ‪.‬‬
‫كظم الغيظ‪:‬‬
‫ذكر الله ـ عز وجل ـ في محكم كتابه أصول هذا الفن‪ ،‬وذكرها رسولنا عليه‬
‫الصلة والسلم بكلمه وبعلمه وبأخلقه الشريفة العالية صلي الله عليه‬
‫س‬‫ن الّنا ِ‬ ‫ظ َوال َْعاِفي َ‬
‫ن عَ ِ‬
‫ن ال ْغَي ْ َ‬
‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬ ‫وسلم ‪ ،‬فقال المولى جلت قدرته‪َ ( :‬وال ْ َ‬
‫ن()آل عمران‪ :‬الية ‪.(134‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬
‫قال أهل العلم‪ :‬ثلث منازل للمبتدئين والمقصدين والسابقين بالخيرات‪:‬‬
‫المنزلة الولي‪ :‬من أسيء إليه فليكظم ‪ ،‬وهذه درجة المقصرين من أمثالنا‬
‫من المسلمين أن يكظم غيظه‪ ،‬ول يتشفى لنفسه في المجالس ول يتعرض‬
‫للعراض‪.‬‬
‫س ( يذهب إلي من أساء‬ ‫ْ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫المنزلة الثانية‪ :‬فإن زاد وأحسن ) َوالَعاِفي َ‬
‫إليه ويقول له‪ :‬عفا الله عنك‪.‬‬
‫ن( يذهب بهدية أو‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫المنزلة الثالثة‪ :‬فإن زاد وأحسن ) َوالل ُ‬
‫بزيارة إلي من أساء إليه‪ ،‬ويصافحه ويقبله‪.‬‬
‫قال أهل السيرة‪ :‬قام خادم علي هارون الرشيد بماء حار يسكب عليه‪،‬‬
‫فسقط البريق بالماء الحار علي رأس الخليفة أمير المؤمنين‪ ..‬حاكم الدنيا!!‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فغضب الخليفة‪ ،‬والتفت إلي الخادم‪.‬‬


‫فقال الخادم ـ وكان ذكيا ً ـ والكاظمين الغيظ!‬
‫قال الخليفة‪ :‬كظمت غيظي‪..‬‬
‫قال‪ :‬والعافين عن الناس!‬
‫قالت ‪ :‬عفوت عنك‪..‬‬
‫قال ‪ :‬والله يحب المحسنين‪.‬‬
‫قال ‪ :‬اذهب فقد أعتقتك لوجه الله!!‬
‫‪ -2‬نزع الغل والبغضاء‪:‬‬
‫في معركة الجمل خرجت عائشة وطلحة والزبير وغيرهم ـ رضي الله عنهم‬
‫أجمعين ـ وخرج الصحابة معهم بالسيوف وخرج علي ـ رضي الله عنه ـ ومعه‬
‫بعض الصحابة من أهل بدر ومعهم السيوف يلتقون! قيل لعامر الشعبي‪ :‬الله‬
‫أكبر! يلتقي الصحابة بالسيوف ول يفر بعضهم من بعض قال‪ :‬أهل الجنة‬
‫التقوا فاستحيا بعضهم من بعض! فلما قتل طلحة في المعركة وكان في‬
‫الصف المضاد لعلي ـ نزل علي من علي فرسه وترك السف‪ ،‬وترجل نحو‬
‫طلحة‪ ،‬ونظر إليه وهو مقتولـ وطلحة أحد العشرة المبشرين بالجنةـ فنفض‬
‫التراب عن لحية طلحة وقال‪ :‬يعز علي يا أبا محمد أن أراك علي هذه الحال‪،‬‬
‫ما‬
‫ولكن أسال الله أن يجعلني وإياك ممن قال فيهم سبحانه وتعالي‪( :‬وَن ََزعَْنا َ‬
‫ن( )الحجر‪.(47:‬‬
‫قاب ِِلي َ‬
‫مت َ َ‬ ‫وانا ً عََلى ُ‬
‫سُررٍ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ِغ ّ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫دورِهِ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ِفي ُ‬
‫فانظر إلي الصفاء ‪ ،‬والنقاء‪ ،‬وانظر إلي العمق‪ ،‬وانظر غلي الروعة! وهم‬
‫يقتتلون‪ ،‬والدماء تسيل وعلي يحتضن طلحة ويسلم عليه ‪ ،‬ويذكره أنه سوف‬
‫يجلس معه في جنات ونهر‪ ،‬في مقعد صدق عند مليك مقتدر‪ ،‬حقا ً إنه مشهد‬
‫رائع‪ ،‬وأنموذج باهر‪.‬‬
‫هذا النموذج الحي يدلنا دللة واضحة علي أن هؤلء البشر لم يخرجوا عن‬
‫بشرتهم‪ ،‬ولم يكونوا يوما ً من اليام ملئكة‪ ،‬ولكنهم كانوا في أروع صورة‬
‫بشرية عرفتها الدنيا‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫مر علي ابن السماك صاحب له عتب عليه‪ ،‬فقال لبن السماك‪ :‬غدا َ نتحاسب‬
‫ـ يعني غدا ً ألتقي معك أحاسبك وتحاسبني‪ ،‬وألومك وتلومني‪ ،‬ونعرف من هو‬
‫المخطئ منا ـ فقال ابن السماك‪ :‬ل والله‪ ،‬غدا ً نتغافر!‬
‫فالمؤمنون ل يتحاسبون ‪ ،‬ول يقول أحدهم للخر ‪ :‬أنت كتبت في كذا‪ ..‬وقلت‬
‫كذا‪ ،‬وسمعت أنك تغتابني‪ ..‬و‪ .. ..‬إلخ‪ ،‬ل ‪ ..‬هذا أسلوب خاطئ ‪ ،‬والصحيح أن‬
‫يقول له‪ )) :‬غفر الله لك((‪.‬‬
‫‪-3‬بذل العراض والموال في سبيل الله‪:‬‬
‫لقد وصل الجيل المبارك إلي حد أن يقوم أحدهم وهو أبو ضمضم يصلي في‬
‫ل‪ :‬اللهم إنه ليس لي مال‬ ‫الليل ثم يتوجه إلي الله ـ تعالي ـ بالدعاء قائ ً‬
‫أتصدق به في سبيلك‪ ،‬ول جسم أجاهد به في ذاتك ‪ ،‬ولكني أتصدق بعرضي‬
‫علي المسلمين‪ ..‬اللهم من شتمني‪ ،‬أو سبني‪ ،‬أو ظلمني‪ ،‬أو اغتابني‪ ،‬فاجعلها‬
‫له كفارة!!‬
‫ويروي أن النبي صلي الله عليه وسلم حث علي الصدقة ذات يوم ‪ ،‬فقام‬
‫علبة ابن زيد فقال ‪ :‬يا رسول الله! حثثت علي الصدقة‪ ،‬وما عندي إل‬
‫عرضي‪ ،‬فقد تصدقت به علي من ظلمني‪ ،‬قال‪ :‬فأعرض عنه رسول صلي‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬ولما كان في اليوم الثاني قال‪)) :‬أين علية ابن زيد ‪ ،‬أو أين‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتصدق بعرضه‪ ،‬فإن الله ـ تبارك وتعالي ـ قد قبل ذلك منه((‪.‬‬


‫فهذا هو المتصدق بالعراض ‪ ،‬ولبد أن يبذل الدعاة وطلبة العلم أعراضهم‬
‫كما بذلها محمد صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬فإن بذل عرضه وماله ودمه لهذه‬
‫الدعوة الخالدة‪ ،‬فعسي الله أن يجعل دماءنا وأنفسنا وأعراضنا وأموالنا‬
‫وأبناءنا وأهلنا فداء ل ))ل إله إل الله محمد رسول الله((‪.‬‬
‫‪ -4‬تحمل زلت الغير‪:‬‬
‫ذكر الغزالي ـ صاحب الحياء ـ أن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ جاءه رجل‬
‫فقال‪ :‬يا أبا سعيد ‪ ،‬أغتابك فلن!‪ ،‬قال‪ :‬تعال‪ ،‬فلما أتي إليه أعطاه طبقا ً من‬
‫رطب‪ ،‬وقال له اذهب إليه وقل له ‪ :‬أعطيتنا حسناتك‪ ،‬وأعطيناك رطبا ًً !‬
‫فذهب بالرطب إليه!‬
‫فالمقصود من هذا أن الدنيا أمرها سهل وهين‪ ،‬وأن بعض الناس يتصدق‬
‫بحسناته ‪ ،‬فل عليك مهما نالك حاسد‪ ،‬أو ناقم ‪ ،‬أو مخالف‪ ،‬أو منحرف!‬
‫فاعتبر ذلك في ميزان حسناتك‪ ،‬واعلم أن ذلك رفعة لك‪.‬‬
‫ً‬
‫ويروي في مسيرة موسى عليه السلم أنه قال ‪ :‬يا رب‪ ،‬أريد منك أمرا! قال‪:‬‬
‫ما هو يا موسى ؟ ـ والله أعلم به ـ قال‪ :‬اسالك أن تكف ألسنة الناس عني!‬
‫قال الله ـ عز وجل ـ ‪ :‬يا موسى ‪ ،‬وعزتي وجللي‪ ،‬ما اتخذت ذلك لنفسي‪،‬‬
‫إني اخلقهم‪ ،‬وأرزقهم وإنهم يسبونني ويشتمونني!!سبحان الله ! الله!‬
‫الرحمن‪ ،‬الحد‪ ،‬الفرد‪ ،‬الصمد‪ ،‬الذي لم يلد ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له كفوا ً أحد‪،‬‬
‫يسب من الناس!! هذا المخلوق الضعيف‪ ،‬الذليل الحقير‪ ،‬الحشرة‪ ،‬يخرج‬
‫نطفة‪ ،‬ثم يسب الله ويشتمه ـ جل وعل؟!‪.‬‬
‫وفي البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال‪ :‬قال رسول الله صلي‬
‫الله عليه وسلم )) قال الله ـ تعالي ـ شتمني ابن آدم ‪ ،‬وما ينبغي له أن‬
‫يشتمني‪ ،‬ويكذبني وما ينبغي له ! أما شتمه فقوله‪ :‬إن لي ولدًا‪ ،‬وأما تكذيبه‬
‫فقوله‪ :‬ليس يعيدني كما بدأني((‪.‬‬
‫ً‬
‫وعند احمد في كتاب الزهد أن الله ـ عز وجل ـ يقول‪ )) :‬عجبا لك يا ابن آدم‪،‬‬
‫خلقتك وتعبد غيري! ورزقتك وتشكر سواي! أتحبب إليك بالنعم‪ ،‬وأنا غني‬
‫عنك‪ ،‬وتتبغض إلي بالمعاصي‪ ،‬وأنت فقير إلي! خيري إليك نازل‪ ،‬وشرك إلي‬
‫صاعد((‬
‫فما دام أن الواحد الحد ـ سبحانه وتعالي ‪ ،‬يسبه ويشتمه بعض الشرار من‬
‫خلقه ـ فكيف بنا نحن ‪ ،‬ونحن أهل التقصير؟!‬
‫إذا علم هذا فإنه خير دليل علي المثل العليا التي حملها أصحابه عليه الصلة‬
‫والسلم ـ ورضي الله عنهم ـ فتراضوا واختلفوا كما يختلف البشر‪ ،‬وأتت‬
‫بينهم نفرة في أيام من حياتهم! ولكنهم عادوا في صفاء‪ ،‬وفي عناق ‪ ،‬وفي‬
‫صبور‪ ،‬وفي محبة؛ لن المبدأ الذي يحملونه مبدأ واحد‪ ،‬وليس مبادئ متعددة‪،‬‬
‫فمبدؤهم‪ )) :‬ل إله إل الله محمد رسول الله((‪ .‬وما حصل بينهم دليل علي‬
‫أنهم لم يخرجوا عن بشرتهم‪ ،‬ولم يصبحوا ملئكة‪ ،‬ولم يخرجوا من عموم‬
‫قوله صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬كل بني آدم خطاء((‪.‬‬
‫ولم يصبحوا كذلك صفحات بيضاء ل أثر فيها ول نقيضة‪ ،‬كل ما كانوا كذلك!‬
‫كانوا بشرا ً تعتمل في نفوسهم دوافع الشر‪ ،‬ويتحركون في الرض بدوافع‬
‫البشر‪ ،‬ولكنها دوافع البشر في اصفي حالتها وأعلها‪ ،‬دوافع البشر حين‬
‫يتخففون إلي أقصي حد من ثلة الرض ‪ ،‬فيصعدون أقصي ما يتاح للبشر من‬
‫الصعود‪.‬‬
‫كانوا يعلمون‪ ..‬فإذا هبطت بهم ثقلة عن المستوى السامق لم يستكينوا‬
‫للهبوط‪ ،‬وإنما عادوا يعلمون للصعود من جديد‪ ..‬فيصعدون ويصعدون‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي سيرة أبي بكر ـ رضي الله عنه ت أن رجل ً قال لبي بكر‪ :‬والله يا أبا‬
‫بكر لسبنك سبا ً يدخل معك في قبرك ‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬بل يدخل معك قبرك‬
‫أنت ل معي!!‬
‫صدق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ فإن المسبوب ل يدخل معه السب‪ ،‬ولكن‬
‫يدخل السب مع الساب الذي سلط لسانه علي عباد الله‪ .‬أفيظن هذا الجاهل‬
‫أنه إذا سب أو شتم أو نال من أبي بكر أن شتمه هذا سوف يدخل مع أبي‬
‫يكر القبر؟ فهذا جهل‪ ،‬وأي جهل !!‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ثم انظر وتأمل جواب أبي بكر عليه )) بل يدخل معك قبرك ول يدخل معي((‬
‫فقط كان هذا جوابه؟! ولم يقل له‪ :‬بل سأسبك سبا ً يدخلك قبرك! وسأفعل‬
‫بك كذا!! وسأريك كذا!! الخ‪ ،‬ل بل )) يدخل معك قبرك((!‬
‫وقول أبي بكر وتصرفه هو الصحيح ‪ ،‬فإن الكلمة العوراء والكلمة الثمة‪،‬‬
‫والكلمة الجارحة‪ ،‬تكون وبال ً وحسرة وندامة علي من تجرأ وجرح ونال بها‬
‫من أخيه‪.‬‬
‫‪ -5‬إنهاء الخصام والسعي إلي الصلح‪:‬‬
‫قال رجل لعمرو بن العاص‪ :‬والله ل تفرغن لك!‬
‫قال عمرو‪ :‬إذن تقع في الشغل!‬
‫وهذا هو الحق ‪ ،‬فإن الذي يتفرغ لينال من الناس‪ ،‬ويشتم الناس‪ ،‬ويكيد‬
‫للناس‪ ،‬هذا ل يكون فارغا ً أبدًا! وإنما يشغله الله بالناس!وهذا يضيع عمره‬
‫في الترهات والتفاهات وما ل ينفع!‬
‫وقول عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ هو الصواب‪ ،‬وهو الحكمة (‬
‫خْيرا ً ك َِثيرا ً ()البقرة‪ :‬الية ‪ (269‬ويروي أهل‬ ‫ة فَ َ ُ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ي َ‬
‫قد ْ أوت ِ َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ن ي ُؤْ َ‬
‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫الحديث أن عامر الشعبي ت وهو من علماء التابعين المشهورينـ قام أمامه‬
‫رجل وقال له ك كذبت يا عامر!‬
‫فقال عامر‪ :‬إن كنت صادقا ً فغفر الله لي ‪ ،‬وإن كنت كاذبا فغفر الله لك!!‬
‫ً‬
‫فماذا قال الرجل بعدها يا تري؟!‬
‫ً‬
‫سكت !! لن من استطاع أن ينهي الخصام‪ ،‬وأن يجعل للصلح موضعا‪ ،‬وأل‬
‫يستعدي الناس خاصة أهل الفضل وأهل المنزلة وأهل الصدارة والمكانة‪،‬‬
‫كان محسنا ً علي نفسهن وعلي السلم ‪ ،‬وعلي المسلمين‪.‬‬
‫‪ -6‬محاسبة النفس‪:‬‬
‫في مسيرة سالم بن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ أن رجل ً‬
‫زاحمه في مني‪ ،‬فالتفت الرجل إلي سالم ـ وسالم علمة التابعين ـ فقال‬
‫له ‪ :‬إني لظنك رجل سوء‪ .‬فقال سالم‪ :‬ما عرفني إل أنت! لن سالما ً ت‬
‫رضي الله عنه ـ يشعر في نفسه انه رجل سوء‪ ،‬وهذا صواب لن المؤمن‬
‫يرمي نفسه بالتقصير كلما رآها تعالت أو تطاولت أو نسيت‪ ،‬كما أنه يلوم‬
‫نفسه ويحاسبها‪ .‬لكن الفاجر والمنافق يزكي أما الناس!‬
‫وكان سعيد بن المسيب يقوم وسط الليل ويقول لنفسه‪ :‬قومي يا مأوي كل‬
‫شر!‬
‫سعيد بن المسيب يقول لنفسه هذا الكلم!! ونحن ماذا نقول لنفسنا؟ اللهم‬
‫استرنا بسترك‪.‬‬
‫وفي قصة ثابتة بأسانيد صحيحة‪ ،‬قام رجل في الحرم أمام ابن عباس ـ حبر‬
‫المة وترجمان القرآن ت فسبه أمام الناس‪ ،‬وابن عباس ينكس رأسه!!‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أعرابي جلف يسب علمة الدنيا ول يرد عليه‪ ..‬وواصل العرابي الشتم‪ ،‬فرفع‬
‫ابن عباس رأسه وقال‪ :‬أتسبني وفي ثلث خصال؟!‬
‫قال‪ :‬ما هي يا ابن عباس؟‬
‫قال‪ :‬والله ما نزل المطر بأرض إل سررت بذلك‪ ،‬وحمدت الله علي ذلك‪،‬‬
‫وليس لي بها ناقة ول شاة!!‬
‫قال‪ :‬والثانية؟‬
‫قال‪ :‬ول سمعت بقاض عادل إل دعوت الله له بظهر الغيب وليس لي عنده‬
‫قضية!!‬
‫قال‪ :‬والثالثة؟‬
‫قال‪ :‬ول فهمت آية من كتاب الله إل تمنيت أن المسلمين يفهمون كما أفهم‬
‫منها!!‬
‫هذه هي المثل العليا التي حملها أصحابه عليه الصلة والسلم‪ ،‬وهو الذي‬
‫رباهم أصل ً علي أسس العقيدة وأخلق اليمان‪ ،‬وإل فهم أمة أمية خرجت من‬
‫الصحراء‪ ،‬لكنه صلي الله عليه وسلم بناهم شيئا ً فشيئا ً ‪ ،‬ورصع مجدهم‪،‬‬
‫واعتني بهم‪ ،‬حتى أصبحوا قادة المم النبي صلي الله عليه وسلم وقدوة‬
‫حسنة للناس!‬
‫وقالوا في المثل‪ )) :‬من لك بأخيك كله(( تريد أخا ً مهذبا ً كله‪ ،‬ل ‪ ،‬هذا ل‬
‫يكون‪ ..‬خذ بعضه‪ ،‬خذ نصفه ‪ ،‬خذ ثلثه‪ ،‬خذ ثلثيه‪.‬‬
‫فهل وجدت في المجتمع المسلم شخصا ً ـ مهما بلغ من الرقي وحسن الخلق‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ض ُ‬ ‫ول فَ ْ‬ ‫ل‪ ،‬ل حيف فيه ول نقص؟! كل‪ ،‬هذا ل يكون ( وَل َ ْ‬ ‫ـ أن يكون كام ً‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شاُء ()النور‪:‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كي َ‬ ‫ه ي َُز ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫حد ٍ أَبدا وَلك ِ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫من ْك ُ ْ‬‫كى ِ‬ ‫ما َز َ‬ ‫ه َ‬ ‫مت ُ ُ‬‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫الية ‪.(21‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تجد هذا كريما لكنه غضوب! وتجد هذا حليما لكنه بخيل! وتجد هذا طيبا لكنه‬ ‫ً‬
‫عجول! لن الله وزع المناقب والمثالب علي الناس‪.‬‬
‫من ذا الذي ترضي سجاياه كلها‬
‫كفي المرء نبل ً أن تعد معايبه‬
‫فإذا عدت معايب النسان فاعلم أنه صالحن ولكن بعض الناس ل تستطيع أن‬
‫تعد معايبه أبدا ً مهما حاولت!!‬
‫وبعضهم لخيره وصلحه‪ ،‬تقول‪ :‬ليس فيه إل كذا‪ ،‬وهذا هو الخير ‪ ،‬ومن غلبت‬
‫محاسنه مساوئه فهو العدل في السلم‪ .‬ومن غلبت مساوئه محاسنه ‪ ،‬فهو‬
‫المنحرف عن منهج الله ـ عز وجل ـ لن الله يزن الناس يوم القيامة بميزان‬
‫قب ّ ُ‬
‫ل‬ ‫ن ن َت َ َ‬
‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬ ‫آية الحقاق النبي صلي الله عليه وسلم يقول تعالي‪ُ( :‬أول َئ ِ َ‬
‫َ‬ ‫عَنه َ‬
‫ق‬
‫صد ْ ِ‬ ‫جن ّةِ وَعْد َ ال ّ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫م ِفي أ ْ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫جاوَُز عَ ْ‬ ‫مُلوا وَن َت َ َ‬‫ما عَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُْ ْ‬
‫ن( )الحقاف‪(16:‬‬ ‫دو‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫يو‬ ‫ُ‬ ‫نوا‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ذي‬ ‫ال ّ ِ‬

‫)‪(11 /‬‬

‫فبين الله في الية أن لهم مساوئ ‪ ،‬وأنه يتجاوز عنهم ـ سبحانه وتعالي ـ وأن‬
‫لهم خطايا النبي صلي الله عليه وسلم وأن لهم ذنوبًا‪ ،‬ولكنهم كما يقول‬
‫الحديث‪ )) :‬إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث((‪.‬فبعض الناس ماؤه قليل‪..‬‬
‫أي شيء يؤثر فيه‪ ،‬قطرة تؤثر فيه! ولكن بعضهم لمحاسنه ومناقبه بلغ‬
‫قلتين‪ ،‬فمهما وضعت فيه ل يتغير أبدا ً لكرمه‪ ،‬وبذله‪ ،‬وعطائه‪ ،‬وعلمهن‬
‫وسخائه‪ ،‬وفضله‪ ،‬ودعوتهن وخيره‪ ،‬وصلحه‪ ،‬وصدق نيته غلي غير ذلك من‬
‫الصفات‪ .‬وهذا تأتيه أحيانا ً نزغات من نزغات الشيطان‪ ،‬لكنها ل تؤثر فيه‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولذلك يقول ابن تيمه ونقلها ابن القيم عنه في مدارج السالكين‪ :‬أما موسى‬
‫عليه السلم فإنه أتى باللواح فيها كلم الله ـ عز وجل ـ فألقاها في الرض‪،‬‬
‫وأخذ برأس أخيه يجره إليه‪ .‬يقول ابن تيمية‪ :‬أخوة كان نبيا ً مثله‪ ،‬ومع ذلك‬
‫جره بلحيته أمام الناس‪ ،‬ولكن عفا الله عنه!‬
‫قال ابن القيم‪:‬‬
‫وإذا الحبيب أتي بذنب واحد‬
‫جاءت محاسنه بألف شفيع‬
‫وفي حديث رواه البهقي بسند حسن‪ ،‬قال‪ )) :‬أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم((‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪ :‬إل الحدود ‪ ،‬وهذه عبارة تثبت في بعض الروايات من لفظه‬
‫صلي الله عليه وسلم فإن الناس متساوون في الحدود‪ ،‬لكن في المسائل‬
‫التي ليس فيها حدود‪ ،‬فعلينا أن نقيل صاحب العثرة ـ من أهل الهيئات ـ‬
‫عثرته‪ ،‬وأهل الهيئات هم الذين لهم قدم صدق في السلم‪ ،‬وفي الدعوة‪،‬‬
‫وفي الخير‪ ،‬وفي الكرم‪ ،‬وفي الصدارة‪ ،‬وفي التوجيه‪ ،‬وفي التأثير‪ ،‬وهم‬
‫وجهاء الناس‪ ،‬وأهل الخير‪ ،‬وأهل الفضل‪ ،‬فهؤلء إذا بدرت منهم بادرة فعلينا‬
‫أن نتحملها جميعًا‪ ،‬وعلينا أن ننظر إلي سجل حسناتهم‪ ،‬وإلي دواوين كرمهم‪،‬‬
‫ومنازلهم عند الله وعند خلقه‪.‬‬
‫يقول بشار بن برد‪:‬‬
‫إذا كنت في كل المور معاتبا ً‬
‫صديقك لم تلق الذي ل تعاتبه‬
‫ويقول في بيت آخر‪:‬‬
‫ً‬
‫إذا أنت لم تشرب مرارا علي القذى‬
‫ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه‬
‫فصاحب أخاك‪ ،‬وتحمل منه الزلة‪ ،‬واغفر له العثرة‪ ،‬وتجاوز عن خطئه‪.‬‬
‫وكان ابن المبارك إذا ذكر له أصحابه قال‪ :‬من مثل فلن‪ ،‬فيه كذا وكذا من‬
‫المحاسن‪ ،‬ويسكت عن المساوئ‪.‬‬
‫ً‬
‫وليتنا نتذكر حسنات الناس ‪ ،‬فما أعلم أحدا من المسلمين مهما قصر إل وله‬
‫حسناته‪ ،‬ولو لم يكن من حسناته إل انه يحب الله ورسوله المصطفي صلي‬
‫الله عليه وسلم لكفي‪.‬‬
‫يؤتي برجل يشرب الخمر إلي الرسول صلي الله عليه وسلم فأمر به فجلد‪،‬‬
‫وكان قد أتي به كثيرًا‪ .‬فقال رجل من القوم‪ :‬اللهم العنه ما أكثر ما يؤتي به‪.‬‬
‫فقال المعلم العظيم صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬ل تلعنوه فوالله ما علمت أن‬
‫يحب الله ورسوله((‪.‬‬
‫وفي لفظ ‪ :‬قال رجل‪ :‬ما له أخزاه الله‪ .‬فقال رسول الله صلي الله عليه‬
‫وسلم ك )) ل تكونوا عونا ً للشيطان علي أخيكم((‪.‬‬
‫فاثبت له صلي الله عليه وسلم أصل الحب‪ ،‬وهي حسنة‪ ،‬واثبت له بقاءه في‬
‫دائرة الخوة السلمية‪ ،‬وهذه من أعظم الحسنات‪ ،‬فلماذا ل نتذكر للناس‬
‫محاسنهم وبلءهم في السلم؟!‬
‫إنك ل تجد شريرا ً خالصا ً إل رجل كفر بالله‪ ،‬أو تعدي علي حدوده‪ ،‬أو أعلن‬
‫ً‬
‫الفجور‪ ،‬أو خلع ثوب الحياء‪ ،‬أو عادي الولياء والخيار الصالحين‪ ،‬ونبذ السلم‬
‫وراءه ظهريًا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬المنهج السلمي لنبذ الخلف‬
‫أمثلة تطبيقية‪:‬‬
‫مرت نماذج خيرة في حياته عليه الصلة والسلم‪ ،‬سطرها أصحابه ـ رضوان‬
‫الله عليهم ـ ومن هذه النماذج‪:‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪-1‬الخلف بين بلل وأبي ذر‪:‬‬


‫ً‬
‫فهذا أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ عير بلبا بأمه‪ ،‬فشكاه بلل إلي النبي صلي الله‬
‫عليه وسلم ثم ندم أبو ذر علي ما بدر منه من قول‪ ،‬فوضع خده علي التراب‪،‬‬
‫وقال لبلل‪ :‬والله ل أرفع حدي حتى تطأه بقدمك! فتعانقا وتصافحا‪.‬‬
‫‪-2‬الخلف بين المهاجرين والنصار‪:‬‬
‫كاد المهاجرون والنصار أن يقتلوا وذلك بعد السلم! وسلوا السيوف ‪،‬‬
‫وتهيئوا للقتال! فخرج عليهم الرسول صلي الله عليه وسلم وقال‪ )) :‬ما بال‬
‫دعوى جاهلية(( ثم قال ‪ )) :‬دعوها فإنها منتنه((‪.‬‬
‫فبكوا ‪ ،‬واسقطوا السيوف من أيديهم ‪ ،‬وتعانقوا فهذه الخوة المعتصمة بالله‬
‫نعمة يمتن الله بها علي المسلمين‪ ،‬وهي نعمة يهيئها الله لمن يحيهم من‬
‫عبادة‪ ،‬وما كان إل السلم وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة ‪ ،‬وما كان إل‬
‫خبل الله الذي يعتصم به الجميع‪ ،‬فيصبحون بنعمة الله إخوانًا‪ ،‬وما يمكن أن‬
‫يجمع القلوب إل أخوة في الله تصغر إلي جانبها الحقاد التاريخية‪ ،‬والثأرات‬
‫القبلية‪ ،‬والطماع الشخصية‪ ،‬والرايات العنصرية!‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫م إ ِذ ْ كن ْت ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت اللهِ عَلي ْك ْ‬‫م َ‬ ‫فّرُقوا َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ميعا ً َول ت َ َ‬ ‫ج ِ‬‫ل الل ّهِ َ‬‫حب ْ ِ‬‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫(َواعْت َ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬‫فَرةٍ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫م عَلى ش َ‬ ‫وانا وَكن ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫مت ِهِ إ ِ ْ‬ ‫م ب ِن ِعْ َ‬‫حت ُ ْ‬
‫صب َ ْ‬
‫م فأ ْ‬ ‫ن قلوب ِك ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫داًء فأل َ‬ ‫أعْ َ‬
‫من َْها ()آل عمران‪ :‬الية ‪(103‬‬ ‫م ِ‬ ‫قذ َك ُ ْ‬ ‫الّنارِ فَأ َن ْ َ‬

‫)‪(12 /‬‬

‫ذكر أهل التاريخ بسند صحيح أن الصحابة خرجوا في غزوة بني المصطلق ‪،‬‬
‫وكان لعمر مولى اسمه جهجاه‪ ،‬فقام فاختصم مع رجل من النصار اسمه‬
‫سنان بن وبرة‪ ،‬فغضب الخير غضبا ً شديدا ً حتى تصايحا‪ ،‬فقال مولى عمر‪ :‬يا‬
‫للمهاجرين! وقال النصاري‪ :‬يا للنصار!فبلغت في النفوس حزازات‪ ،‬وأخبروا‬
‫بها رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول فقال‪ :‬صدق المثل القائل‪ :‬جوع‬
‫كلبك يتبعك‪ ،‬وسمن كلبك يأكلك! لو أنا صرفناهم عن دارنا ما فعلوا هذا‪ ،‬لئن‬
‫رجعنا إلي المدينة ليخرجن العز منها الذل‪.‬فقال عمر‪ :‬ائذن لي أن أقتله يا‬
‫رسول الله‪ ،‬فقال صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬يا عمر‪ ،‬ل يتحدث الناس أن‬
‫محمدا ً يقتل أصحابه((‪.‬‬
‫هذا هو المنهج الصحيح في التعامل مع الخصوم في هذه المرحلة من مراحل‬
‫الدعوة المباركة‪ ،‬فالنبي صلي الله عليه وسلم عنده منهج دعوى يسير عليه‪،‬‬
‫يريد مصلحة هذه الدعوة‪ ،‬وما عليه من دمه ول من نفسه‪ ،‬ول من ماله‪ ،‬ول‬
‫من زوجه‪ ،‬ول من أهله‪ ،‬لنه يريد للدعوة أن تستمر ‪ ،‬وأن يستفيد الناس‪،‬‬
‫وأن يسمع الناس‪ ،‬وأن يتعظ الناس‪ ،‬وأن يهتدي علي يديه بشر كثير‪ ،‬أما‬
‫قضية النتقام الشخصي أو أن يقوم النسان ويغضب لنفسه‪ ،‬فليست من‬
‫صفاته صلي الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومنع عليه الصلة والسلم عمرن فأتي عبد الله بن عبد الله بن أبي بن‬
‫سلول فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬سمعت أنك تريد قتل أبي‪ ،‬فإنك أن أرسلت رجل ً‬
‫لقتل أبي‪ ،‬والله ل تطمئن نفسي أن أري قاتل أبي يمشي علي وجه الرض‬
‫حتى أقتله‪ ،‬لكن يا رسول الله ائذن لي أن أهذب الن وآتيك برأس أبي! والله‬
‫يا رسول الله لئن شئت لقتلنه‪ ،‬فإنك العز وهو الذل!!‬
‫انظر إلي السلم! وإلي عظمة النتساب إليه؛ فصل بين الولد وأبيه‪ ،‬وهو من‬
‫صلبه‪ ،‬ومن دمه‪ ،‬من عروقه!‬
‫ثم انظر إلي اليمان الذي تغلغل في أحشاء هذا الصحابي الجليل‪ ،‬وتسرب‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلي عروقه ومشاعره‪ ،‬وجري منه مجرى الروح والدم ‍!‬


‫حقًا‪ ،‬بـ )) ل إله إل الله محمد رسول الله(( يظهر من روائع اليمان واليقين‬
‫والشجاعة‪ ،‬وخوارق الفعال والخلق ‪ ،‬ما يخير العقول واللباب ‪ ،‬ويعجز عن‬
‫تفسيره أهل البصائر والعقلء‪.‬‬
‫ويموت هذا الشقي‪ ،‬فيجيء ابنه عبد الله بن عبد الله إلي رسول الله صلي‬
‫الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه‪ ،‬فأعطاه‪ ،‬ثم سأله‬
‫أن يصلي عليه ‪ ،‬فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم ليصلي عليه‪ ،‬فقام‬
‫عمر فأخذ بثوب رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬
‫أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟! فقال رسول الله صلي الله عليه‬
‫وسلم ‪)) :‬إنما خيرني الله فقال‪( :‬استغْفر ل َه َ‬
‫فْر‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫م أوْ ل ت َ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫ه()التوبة‪ :‬الية ‪ (80‬وسأزيده علي‬ ‫ه لَ ُ‬
‫فَر الل ّ ُ‬ ‫مّرة ً فَل َ ْ‬
‫ن ي َغْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سب ِْعي َ‬‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫السبعين((‪.‬‬
‫قال عمر‪ :‬إنه منافق!! فصلي عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم وصلي‬
‫ت أ ََبدا ً َول‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫حد ٍ ِ‬
‫َ‬
‫ل عََلى أ َ‬ ‫ص ّ‬‫معه المسلمون‪ .‬فأنزل الله عليه قوله‪َ( :‬ول ت ُ َ‬
‫ه()التوبة‪ :‬الية ‪(84‬‬ ‫م عََلى قَب ْرِ ِ‬ ‫ق ْ‬‫تَ ُ‬
‫ويأتي إلي الرسول صلي الله عليه وسلم متخلفون من المنافقين الذين‬
‫أساءوا وتركوا الغزو‪ ،‬وخالفوا أمرهن وعصوا الله‪ ،‬فيقول أحدهم ‪ :‬يا رسول‬
‫الله‪ ،‬إني مريض!فيقول له‪ :‬صدقت‪ .‬وهو ليس مريضا ً في جسمه‪ ،‬لكنه‬
‫مريض القلب‪ .‬ويأتيه الثاني فيقول له‪ :‬امرأتي مرضت في الغزوة! فيقول له‪:‬‬
‫ل! فيقول له‬ ‫صدقت‪ .‬ويأتيه الثالث يقول له‪ :‬فقير ما استطعت أن أشتري جم ً‬
‫م‬‫ك لِ َ‬ ‫ه عَن ْ َ‬ ‫فا الل ّ ُ‬ ‫الرسول صلي الله عليه وسلم ‪ :‬صدقت ‪ ،‬فيقول تعالي‪( :‬ع َ َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن( )التوبة‪. (43:‬‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫صد َُقوا وَت َعْل َ َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫ن لَ َ‬ ‫حّتى ي َت َب َي ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬
‫أذِن ْ َ‬
‫فماذا أحدث عليه الصلة والسلم بهذا الخلق؟‬
‫جمع القلوب بدعوته‪ ،‬وألف بين الرواح بحكمته‪ ،‬أتاه أحدهم فقال له‪ :‬والذي‬
‫ل إله إل هو إنك أحب إلي من نفسي!!‬
‫ً‬
‫وقال الثاني‪ :‬والله ما ملت عيني منه إجلل له‪ ،‬والله لو سألتموني أن أصفه‬
‫لكم‪ ،‬ما استطعت أن أصفه من حبي وإجللي له‪.‬‬
‫ولقد كانوا رضي الله عنهم يتمنون أن تسيل دماؤهم‪ ،‬وتندق أعناقهم‪ ،‬ول‬
‫يشاك رسول الله صلي الله عليه وسلم بشوكة‪ ..‬هذا هو الحب!‬
‫‪ -3‬الخلف بين معاوية وابن الزبير‪:‬‬
‫كان لمعاوية مزرعة في المدينة‪ ،‬وله عمال‪ ،‬وكان لبن الزبير مزرعة بجانبها‪،‬‬
‫ومعاوية آنذاك يحكم ما يقارب العشرين دولة‪ ،‬وابن الزبير راع من رعيته‪،‬‬
‫وكان بينهما حزازات قديمة‪ ،‬فأتي عمال معاوية ودخلوا في مزرعة ابن الزبير‬
‫‪ ،‬فكتب ابن الزبير لمعاوية كتابا ً ‪ ،‬وكان رضي الله عنه غضوبًا‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬من عبد الله بن الزبير ابن حواري الرسول‪ ،‬وابن‬
‫ذات النطاقين‪ ،‬إلي معاوية بن هند بن آكلة الكباد! أما بعد ‪ :‬فقد دخل عمالك‬
‫مزرعتي‪ ،‬فو الذي ل إله إل هو إن لم تمنعهم ليكون‪ ،‬لي معك شأن!!‬
‫فقرأ معاوية الرسالة ـ وكان حليما ً ـ فاستدعي ابنه يزيد‪ ،‬وكان يزيد متهورا ‪،‬‬
‫ً‬
‫فعرض عليه معاوية الرسالة‪ ،‬وقال ‪ :‬ماذا تري أن نجيبه؟‬

‫)‪(13 /‬‬

‫قال‪ :‬أرى أن ترسل له جيشا ً أوله في المدينة‪ ،‬وآخره عندك في دمشق‬


‫يأتونك برأسه!!‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقال معاوية‪ :‬ل ‪ ،‬خير من ذلك وأقرب رحمًا‪ ،‬فكتب معاوية‪ :‬بسم الله‬
‫الرحمن الرحيم‪ ،‬من معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬إلي عبد الله بن الزبير بن‬
‫حواري الرسول‪ ،‬وابن ذات النطاقين‪ ،‬السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪،‬‬
‫وبعد‪ :‬فلو كانت الدنيا بيني وبينك‪ ،‬ثم سألتها لسلمتها لك‪ ،‬فإذا أتاك كتابي‬
‫هذا‪ ،‬فضم مزرعتي إلي مزرعتك‪ ،‬وعمالي إلي عمالك فهي لك‪ ،‬والسلم!!‬
‫وصلت الرسالة إلي ابن الزبير ‪ ،‬فقرأها وبلها بدموعه‪ ،‬وذهب غلي معاوية‬
‫في دمشق‪ ،‬وقبل رأسه‪ ،‬وقال له ‪ :‬ل أعدمك الله عقل ً أنزلك هذا المنزل من‬
‫قريش‪.‬‬
‫***‬
‫ثالثا‪ :‬الجتماع تحت راية السلم‬ ‫ً‬
‫إننا نختلف عن سائر المم‪ ..‬فلم نجتمع علي حب الوطن! فالوطنية ليست‬
‫هي التي جمعتنا‪ ،‬فإن أوطاننا هي كل بلد المسلمين‪ ،‬وأينما ذكر اسم الله‬
‫في بلد كان هذا البلد وطنا ً لكل المسلمين‪.‬‬
‫ولم نجتمع كذلك علي دم‪ ،‬فإن الدم دعوة أرضية لم ينزلها الله في كتابه‪،‬‬
‫ولم نجتمع علي لغة‪ ،‬فإن اللغات شتي‪.‬‬
‫ولكن اجتمعنا علي عقيدة‪ ،‬وعلي مبدأ أتي به محمد صلي الله عليه وسلم‬
‫وهو )) ل إله إل الله محمد رسول الله((‪.‬‬
‫هذا المبدأ ‪ ،‬جعلنا نتآخى ونجتمع بعد فرقة وشتات‪.‬‬
‫إن كيد مطرف الخاء فإننا‬
‫نغدوا ونسري في إخاء تالد‬
‫أو يختلف ماء الغمام فماؤنا‬
‫عذب تحدر من غمام واحد‬
‫أو يختلف نسب يؤلف بيننا‬
‫دين أقمناه مقام الوالد‬
‫فكلما حدثت جفوة‪ ،‬أو حصل هجر‪ ،‬عدنا غلي الدين‪ ،‬وتذكرنا أننا نصلي‬
‫الصلوات الخمس‪ ،‬وأننا نتجه إلي قبلة واحدة‪ ،‬ونتبع رسول ً واحدا ً ونعبد ربا ً‬
‫واحدًا‪ ،‬ومعنا كتاب واحد‪ ،‬وسنة واحدة‪ ،‬فلله الحمد‪.‬‬
‫إن ما يجري بين الحبة من خلف ـ أحيانا ً ـ ل يفسد للود قضية‪ ،‬ول يغير ما‬
‫ما فَعَُلوهُ ()النعام‪ :‬الية ‪.(112‬‬ ‫ك َ‬ ‫في النفوس‪ ،‬فإن الله يقول‪ ( :‬وَل َوْ َ‬
‫شاَء َرب ّ َ‬
‫فإنه ـ بمشيئة الله ـ يحدث مثل هذا‪ ،‬وفي ذلك من المصالح العظيمة ما الله‬
‫به عليم‪.‬‬
‫يقول المتنبي‪:‬‬
‫لعل عتبك محمود عواقبه‬
‫وربما صحت الجساد بالعلل‬
‫ولعلنا نكره شيئا ً فيه خير كثير‪ ،‬ونحب شيئا فيه شر كثير‪.‬ولله الحكمة البالغة‪.‬‬
‫ً‬
‫ل تدبر لك أمرا ً‬
‫فأولو التدبير هلكي‬
‫وارض بالله حكيما ً‬
‫نحن أولى بك منكا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فل تكره من أمر الله شيئا ‪ )) ،‬ورب ضارة نافعة((‪ .‬فأحيانا تحدث أمور يكون‬
‫فيها من المصالح العظيمة التي ل يدركها البشر بعقولهم‪ ،‬ول بتخطيطهم‪ ،‬ول‬
‫بتصرفهم!‬
‫ومن هذه المور ما يكون قوة للنسان ورفعة‪ ،‬ومنزلة وحماية‪ ،‬وكفارة النبي‬
‫صلي الله عليه وسلم ودرجة‪ ،‬وكان يحسب هو أنها نقمة‪ ،‬وأنها ضربة له‪،‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأنها كارثة ‪ ،‬فله الحكمة البالغة‪ ،‬ولبد للعبد أن يقول كلما اصبح وأمسي ‪)) :‬‬
‫رضيت بالله ربًا‪،‬وبالسلم دينًا‪ ،‬وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيًا((‪.‬‬
‫وفي سنن أبى داود بسند صحيح‪ )) :‬من قال رضيت بالله ربا ً وبالسلم دينًا‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وجبت له الجنة((‪.‬‬ ‫وبمحمد رسو ً‬
‫فإنه ليس بيننا وبين أحد من الناس شجار لسباب دنيوية‪ ،‬ول لذواتنا‪ ،‬ول‬
‫لنفسنا‪ ،‬فإن العبد عليه أن يسعى لمصلحة هذا الدين‪ ،‬ولمصلحة المة والبلد‬
‫والعباد‪ ،‬وأن يسعى لجمع الصف‪ ،‬ونبذ الفرقة‪ ،‬ودرء الفتن عن المة حتى‬
‫ما‬ ‫ً‬
‫ميعا َ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫َْ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ل َوْ أ َن ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫تكون المة تحت مظلة‪) :‬وَأ َل ّ َ‬
‫ف ب َي ْ َ‬
‫م( )لنفال‪. (63:‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬
‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ه أ َل ّ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫م وَل َك ِ ّ‬
‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬
‫ت ب َي ْ َ‬ ‫أ َل ّ ْ‬
‫ف َ‬
‫اللهم أعصمنا من الزلل‪ ،‬وأنقذنا من الخطل‪ ،‬وأخرجنا من الحادث الجلل‪.‬‬
‫اللهم ثبت منا القدام ‪ ،‬وسدد منا السهام‪ ،‬وارفع منا العلم ‪ ،‬وانصرنا‬
‫بالسلم‪.‬‬
‫اللهم انزع من قلوبنا الغل علي الخوان‪،‬والضغينة علي الجيران‪،‬والحسد‬
‫للقران‪.‬‬
‫اللهم اغسل قلوبنا بماء اليقين‪،‬واسق أرواحنا من كوثر الدين‪ ،‬وأثلج صدورنا‬
‫بسكينة المؤمنين‪ .‬سبحان ربك العزة عما يصفون‪ ،‬وسلم علي المرسلين‪،‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد‪ ،‬وعلي آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫جنين‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ت جميل َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ضُر‬
‫ك أن ْ َ‬ ‫جهُ ِ‬ ‫ة ووَ ْ‬ ‫ة ‪ ... ...‬غَّناُء زاهي ٌ‬ ‫ن " ! أن ِ‬ ‫جني ُ‬ ‫ك" ِ‬ ‫لهفي عََلي ِ‬
‫فُر‬‫س ِ‬ ‫صْبحا ً ي ُ ْ‬ ‫ن هدىً و ُ‬ ‫ج على الّزما ِ‬ ‫دجى نورا ً يمو ‪ُ ... ...‬‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ت َ‬ ‫ولقد طلعْ ِ‬
‫ك في المراِبع ي ُْزهُِر‬ ‫ضةٍ ‪ ... ...‬ت َْغنى ووْرد ُ ِ‬ ‫ل َرو َ‬ ‫ت أجم ُ‬ ‫ت وأن ْ ِ‬ ‫ولقد ط َل َعْ ِ‬
‫ضُر‬‫خ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫ت في مددٍ و َ‬ ‫قي ِ‬ ‫ت ‪ ... ...‬وب َ ِ‬ ‫فَر ْ‬ ‫لْهفي عليك ! وكم َنواٍح أقْ َ‬
‫ب المسك ُدونك ينشُر‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ح وهَ ّ‬ ‫ت ‪ ... ...‬سا ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ح فانت َ َ‬ ‫من رِد َْفيك فوّ َ‬ ‫والعِط ُْر ِ‬
‫جُر‬ ‫ف ّ‬ ‫ج أو د َم ٍ ي َت َ َ‬ ‫مو ّ ُ‬ ‫ف الميادين التي عَط ّْرِتها ‪ ... ...‬ب ُِرؤىً ت َ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ب وي ُن ْذُِر‬ ‫ة من ُيهي ِ ُ‬ ‫ْ‬
‫فو ووَثب َ ُ‬ ‫مةٍ ‪ ... ...‬ت َغْ ُ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ت آي ُ‬ ‫ك ! وأن ْ ِ‬ ‫ل َْهفي علي ِ‬
‫ن يعيده وي ُذ َك ُّر‬ ‫قرو ِ‬ ‫خ في ساحاِتها ‪ ... ...‬عَب َقَ ال َ‬ ‫س التاري ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ي َت َن َ ّ‬
‫خُر‬ ‫َ‬ ‫وتز‬ ‫ك‬ ‫ُ ِ‬ ‫ربا‬ ‫في‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫الفوار‬ ‫ب‬ ‫َِ ُ‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ج‬ ‫ة‬
‫َ ْ ِ َ ْ ِ َ ْ َ َ َ ْ ٍ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫غا‬ ‫ما‬
‫قهَُر )‪(1‬‬ ‫جرمين وت َ ْ‬ ‫ك ب َِثوَرةٍ ‪ ... ...‬ك ُْبرى ت َهُّز الم ْ‬ ‫دوا عدوّ الله عَن ْ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬
‫شُر‬ ‫ف وتن ُ‬ ‫ّ‬ ‫تر‬ ‫م‬
‫ٌ‬ ‫وأنسا‬ ‫ً‬ ‫ى‬ ‫وند‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ً‬ ‫ى‬ ‫شذ‬ ‫َ‬ ‫كراها‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬‫و‬ ‫برى‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫الثور‬
‫مةٍ ‪ ... ...‬تْبني وترفَعُ ما ي ُعِّز وُيؤث َُر‬ ‫ة أُ‬ ‫ص‬ ‫ق‬ ‫التاريخ‬ ‫في‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ضي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬
‫ج وتب ْهَُر‬ ‫سها ‪ ... ...‬والذكَريات رؤىً تمو ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل وهَ ْ‬ ‫ورباك ! ما أحلى الظل َ‬
‫جهَُر )‪(2‬‬ ‫سّر و ي َ ْ‬ ‫ك في وَلهٍ ي ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫مت ْ ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن ك ُلها ‪َ ... ...‬‬ ‫ّ‬ ‫ن " ! والجنائ ِ ُ‬ ‫ن الجنائ ِ‬ ‫" عَي ْ َ‬
‫صُر‬ ‫ك وأعْ ُ‬ ‫حم في ُرَبا ِ‬ ‫ح المل ِ‬ ‫عطَرها ‪ ... ...‬سا ُ‬ ‫شر ِ‬ ‫ل ي َن ْ ُ‬ ‫ك ! َيظ ّ‬ ‫َ‬
‫تحنو ! عَلي ِ‬
‫* * ‪* * ... * ...‬‬
‫ْ‬
‫ل وت ُظهُر‬ ‫ل ت ُط ِ ّ‬ ‫ت وأهوا ٌ‬ ‫ف ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ة ‪َ ... ...‬ز َ‬ ‫صب ٌ‬ ‫ن " ! هذى عُ ْ‬ ‫ك " جني ُ‬ ‫ل َْهفي علي ِ‬
‫شُر‬ ‫ح ُ‬ ‫شد ّ و ي َ ْ‬ ‫ق يَ ُ‬ ‫ك في ط َوْ ٍ‬ ‫حما ِ‬ ‫ت أسيرة ‪ ... ...‬و ِ‬ ‫دنيا وأن ْ ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫تتل ّ‬
‫ن ويأسُر‬ ‫هله الَهوا ُ‬ ‫خ ُيذ ِ‬ ‫شي ْ ُ‬ ‫ت ‪ ... ...‬وال ّ‬ ‫ة ُروّعَ ْ‬ ‫ف والطفول ُ‬ ‫ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل يْز َ‬ ‫ّ‬
‫واللي ْ ُ‬
‫ب أغب َُر‬‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫مْرب َد ّ الجوان ِ‬ ‫حي َْرة ٌ ‪ ... ...‬والفقُ ُ‬ ‫نو َ‬ ‫وهوى المومةِ والحني ُ‬
‫َ‬
‫وا ‪ ... ...‬لعُل على ساِح الجهادِ وكّبروا‬ ‫ً‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ارت َ َ‬ ‫مي ُ‬ ‫ك الغُّر الميا ِ‬ ‫وشباب ُ ِ‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* * ‪* * ... * ...‬‬
‫جُر‬ ‫ف ُ‬ ‫ن فت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫جنو ُ‬ ‫دفُعها ال ُ‬ ‫ت بها ‪ ... ...‬نكراُء ي َ ْ‬ ‫ة دوّ ْ‬ ‫جم ٌ‬ ‫ف العَد ُوّ ! وه ْ‬ ‫ح َ‬ ‫َز َ‬
‫ب وت َظهَُر‬ ‫ْ‬ ‫ت ت َِغي ُ‬ ‫م ‪ ... ...‬ما بين آل ٍ‬ ‫جن ْد ُهُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك وقد ت َ َ‬ ‫علي ِ‬ ‫فوا َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ُز َ‬
‫صد ُ ما يشاُء وينظ ُُر‬ ‫ُ‬ ‫ير‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫والمو‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ده‬ ‫ِ‬ ‫وعتا‬ ‫باباته‬ ‫ّ‬ ‫بد‬ ‫يمضي‬
‫جُر‬ ‫ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫فها‬ ‫ْ ِ‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ِ َ‬ ‫ص‬ ‫عوا‬ ‫لقي‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫قها‬ ‫ِ‬ ‫آفا‬ ‫في‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫تحو‬ ‫ت‬ ‫والطائرا ُ‬
‫قب َُر‬ ‫س وت ُ ْ‬ ‫خَتفي فيها النفو ُ‬ ‫لت ْ‬ ‫مَنا ‪ ... ...‬زِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ت التي د َك ّ ْ‬ ‫والمْرَوحيا ُ‬
‫ك ي ُذ ْك َُر‬ ‫حنان ُ ِ‬ ‫حنو ! َ‬ ‫م ‪ ... ...‬وكأّنها ت َ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫ت َْهوي على أصحابها فَت َ ُ‬
‫مُر‬ ‫ل ما هو ُيث ِ‬ ‫ل وك ّ‬ ‫قو ِ‬ ‫ب على الح ُ‬ ‫م ي ُْلقي الّلهيـ ‪ ... ...‬ــ َ‬ ‫ودويّ دّباَباِته ْ‬
‫ل ما هو َيظهَُر‬ ‫ص على الشيوِخ وك ّ‬ ‫ن القنابل والّرصا ‪ِ ... ...‬‬ ‫وا بألوا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ور َ‬
‫ذروا‬ ‫س وأن ْ َ‬ ‫ُ‬
‫خّيـ ‪ ... ...‬ــم ِ والمناِزل والنفو ِ‬ ‫حصاُر على المدينة والم َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫عَظ َ‬
‫* * ‪* * ... * ...‬‬
‫خطُرَ‬ ‫شد ّ وأ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫ك ‪َ ... ...‬دام ٍ عَزائمه ْ‬ ‫ن لمْعر ٍ‬ ‫مدو َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫شبا ُ‬ ‫ضى ال ّ‬ ‫وم َ‬
‫محي ‪ ... ...‬أبدا وذكراها تهّز وتب ْهَُر‬ ‫ً‬ ‫ة ل ت َن ْ َ‬ ‫شهد " المخّيم" جول ً‬ ‫َ‬
‫فُر‬ ‫خ َ‬ ‫ة ل تُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫حهم ‪ ... ...‬صب ٌْر أب َّر وذِ ّ‬ ‫سل ُ‬ ‫ن العدوّ ! ِ‬ ‫وا ُيلقو َ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬
‫سطُرّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت هناك ت ُ َ‬ ‫ف ُبطول ٌ‬ ‫منـ ‪ ... ...‬ــعَط ٍ‬ ‫بين الزِقةِ ‪ ،‬في الدروب ‪ ،‬بكل ُ‬
‫صُر‬ ‫م ب َذل ي ُعِّز وَين ُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫سهَ ْ‬ ‫ن نفو َ‬ ‫ن الَباِذلو ‪َ ... ...‬‬ ‫فو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن الّزا ِ‬ ‫مدو َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫جهَُر‬ ‫ت‬
‫ِ ّ َ ْ‬ ‫و‬ ‫ج‬ ‫تض‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫آما‬ ‫س‬
‫ّ ُ‬ ‫نا‬ ‫وال‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫م‬ ‫يه‬
‫ُ ُ ُ ِ ْ ُ‬‫إل‬ ‫ر‬ ‫صو‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ت‬‫َ َِ ُ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫!‬ ‫فوا‬ ‫ُ‬ ‫وق َ‬
‫سعُّر‬ ‫ة تت َ‬ ‫م ً‬ ‫حات ِهِ ‪ ... ...‬عَْزما ً ي َُثوُر وه ّ‬ ‫سا َ‬ ‫ت في َ‬ ‫سابقوا للمو ِ‬ ‫وت َ‬
‫ب وكوث َُر‬ ‫طي ُ‬ ‫ل فيها ت ِ‬ ‫منازِ ٍ‬ ‫جن ّةٍ ‪ ... ...‬و َ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫هنا َ‬ ‫يعلو ُ‬
‫ج وعَن ْب َُر‬ ‫مو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ك وَرْيحا ٌ‬ ‫مس ٌ‬ ‫شذا ‪ِ ... ...‬‬ ‫ة وال ّ‬ ‫ث الن ّدِي ّ ُ‬ ‫جث َ ُ‬ ‫ط ال ُ‬ ‫ساقَ ُ‬ ‫تت َ‬
‫جُر‬ ‫ل وَيف ُ‬ ‫قوَنها عََبثا يض ّ‬‫ً‬ ‫م ‪ُ ... ...‬يل ُ‬ ‫قد ُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫وترى اليهود َ وقَد ْ ت ََعاظ َ‬
‫ة ‪ ... ...‬ت َْنمو ِبها هذي الورود ُ وت ُْزهُِر‬ ‫ت روض ً‬ ‫كأ ّ َ‬ ‫وت ََرى َ‬
‫ح ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ن الْر َ‬
‫من ْظُرَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ال َ‬ ‫ل ما يكو ُ‬ ‫جم ُ‬ ‫ة ‪ ... ...‬أبهى وأ ْ‬ ‫ت جميل ٌ‬ ‫ك " جنين " ! أن ِ‬ ‫ل َْهفي علي ِ‬
‫ك وت ُن ْث َُر‬ ‫ن َبني ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قى اّلللئ ِ‬ ‫ضك بالدماء كأّنما ‪ ... ...‬ت ُل ْ َ‬ ‫ت أر َ‬ ‫شي ْ ِ‬ ‫و ّ‬
‫س أوفُر‬ ‫ك غر ُ‬ ‫من ِ‬ ‫ة ‪ ... ...‬ت ُْروى فينبت ِ‬ ‫جن ِْين " غني ّ ً‬ ‫ضك يا " ِ‬ ‫ل أر ُ‬ ‫ستظ ّ‬
‫ن " ! ِتلك للئ ‪ ... ...‬أغلى وأجمل ما يكون الجوهُر‬ ‫لهفي عليك " جني ُ‬
‫* * ‪* * ... * ...‬‬
‫الرياض‬
‫‪30‬محرم ‪1423‬هـ‬
‫‪13‬أبريل ‪2002‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬إشارة إلى ثورة ‪1936‬م ودور جنين وقراها فيها ‪.‬‬
‫)‪ (2‬عين الجنائن ‪ :‬اسم مدينة جنين قديما ً ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جلل الموت رثاء الشيخ عبد الله عزام‬


‫رثاء الشيخ عبد الله عزام وولديه‬
‫ـ رحمهم الله ـ‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ْ‬
‫عطُر الوُُرود جرى‬‫ة الدم أم ِ‬ ‫ك أم صدقَ الجهاد ِ أرى ‪ ... ...‬ودفق ُ‬ ‫ل موت َ‬‫جل َ‬
‫فرا‬
‫خ َ‬
‫ق أوفى وما َ‬ ‫ُ‬
‫سب َ ٍ‬
‫م على َ‬ ‫ق ‪ ... ...‬عَْز ٌ‬
‫خل ٍ‬‫ق ‪ ،‬هد ْيٌ على ُ‬ ‫نوٌر على عب ٍ‬
‫َ‬
‫خطرا‬‫هوال وال َ‬‫ن بِهما ال ْ‬
‫ض إذ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن على جنبيك أقب َلَتا ‪ ... ...‬ف ُ‬ ‫ريحانتا ِ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شررا‬ ‫دها ال ّ‬ ‫ن وق ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ة أط َْلق ْ‬ ‫ضب ٌ‬ ‫ة ‪ ... ...‬وغَ ْ‬ ‫مَرّوع ٌ‬ ‫ميلوا إلى ‪ ،‬الدار ! أنباٌء ُ‬ ‫ِ‬
‫جرٍ وفتى ألوى وما انتظرا‬ ‫م ِ‬ ‫مز ْ‬ ‫ل ‪ُ ... ...‬‬ ‫ج ٍ‬ ‫سوى َر ُ‬ ‫ساِح ل ألقى ِ‬ ‫ف في ال ّ‬ ‫أطو ُ‬
‫صا َتروي لنا الخبرا‬ ‫ص َ‬ ‫ُ‬
‫صب َب َْنها غ َ‬ ‫ت بها ‪َ ... ...‬‬ ‫موع ُ الغاليا ُ‬ ‫سوَةٍ ! والد ّ ُ‬ ‫ون ِ ْ‬
‫ذرا‬ ‫طلق من أّناتها الن ّ ُ‬ ‫ودفقة من كبود الناس جارية ‪ ... ...‬حّرى فَت ُ ْ‬
‫ن فانفطرا‬ ‫ساح بالحزا ِ‬ ‫عه ‪ ... ...‬هوى إلى ال ّ‬ ‫كل فؤاد ٍ من ت َل َوّ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫كأ ّ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫ي ؟! فقالوا ‪ :‬عّز وانتصرا‬ ‫م ّ‬ ‫ن الك َ ِ‬ ‫م ‪ ... ...‬أي ْ َ‬ ‫ت لهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ‪ ،‬قُل ُ‬ ‫فت َْيا َ‬ ‫ولي ال ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫سأل ُ‬
‫مرا‬ ‫ضَر العُ ُ‬ ‫مرا ن َ ّ‬ ‫ً‬ ‫سَنى ففاَز بها ‪ ... ...‬عَْيشا أغَّر وعُ ْ‬ ‫ً‬ ‫ح ْ‬ ‫ن رّبه ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ونا َ‬
‫كرا‬ ‫م َ‬ ‫كاد َ أو َ‬ ‫ما َ‬ ‫مْيتا و م ّ‬ ‫ً‬ ‫ت ‪َ ... ...‬يداه ُ َ‬ ‫صن َعَ ْ‬ ‫ل ما َ‬ ‫ن هَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫وعاد َ قاِتل ُ‬
‫ن قَلُبه انفجرا‬ ‫ْ‬ ‫ن الحديد ولك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب قُْنبلةٍ ‪ِ ... ...‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن قَل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ُ ل ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫جَر ال ِ‬ ‫َتف ّ‬
‫قرا‬ ‫س َ‬ ‫ت به َ‬ ‫مما ألق ْ‬ ‫ً‬ ‫ح َ‬ ‫معَ الهوى ِ‬ ‫ت ‪َ ... ...‬‬ ‫ت الحقاد ُ واشتعل ْ‬ ‫َ‬
‫كأّنما غَل ِ‬
‫ل ما اّدخرا‬ ‫ي فيلقى ك ّ‬ ‫ما الّتق ّ‬ ‫ده ‪ ... ...‬أ ّ‬ ‫ي في مكائ ِ‬ ‫شق ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫يمو ُ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫ت ويا لعدوّ بالذى جهرا‬ ‫ّ‬
‫ى ‪ :‬واها ِلنازلةٍ ‪ ... ...‬حل ْ‬ ‫ً‬ ‫وقال ك ّ‬
‫ل فت ً‬
‫درا‬ ‫َ‬
‫ن دون ََنا غ َ‬ ‫جَبا ٍ‬ ‫ت ‪ ... ...‬وطْعنةٍ من َ‬ ‫َ‬ ‫جرم ٍ وقع ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب فاجعةٍ من ُ‬ ‫فَُر ّ‬
‫ح واعتبرا‬ ‫ص ّ‬ ‫ت ‪ ... ...‬بنا الّنوازل عَْزما ً َ‬ ‫ن َنزل ْ‬ ‫نإ ْ‬ ‫جعُ أّوابي َ‬ ‫لله ن َْر ِ‬
‫عْندها الِعبرا‬ ‫ِ‬ ‫لقي‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫دروس‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫أغنى‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫تها‬ ‫ساح‬
‫ِ َ ِ‬ ‫ب‬ ‫لقي‬ ‫ْ‬ ‫ي‬
‫ً ُ‬ ‫ة‬ ‫درس‬ ‫قد كان َ ْ‬
‫م‬
‫سورا‬ ‫ن الملحم ِ ن َْتلو عندها ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ‪ِ ... ...‬‬ ‫مَنا التوحيد َ في ل َهَ ٍ‬ ‫ب ُيعل ّ ُ‬ ‫أ ٌ‬
‫هرا‬ ‫وح في ميداننا َز َ‬ ‫مْرحمةٍ ‪ ... ...‬منه ُتف ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ب ؟ يا طي َ‬ ‫خ لنا وأ ٌ‬ ‫أ ٌ‬
‫طرا‬ ‫ف َ‬ ‫ب وال ِ‬ ‫قي القل َ‬ ‫ل ‪ ... ...‬ط َّلت ُرؤاه ُ ت ُن َ ّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ي ‪ :‬إّنه َر ُ‬ ‫م ّ‬ ‫كل ك َ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫وقا َ‬
‫ن صبرا‬ ‫م ْ‬ ‫ض ميدانا ل َ‬ ‫ً‬ ‫ك ‪ ... ...‬ويبسط الر َ‬ ‫ُ‬ ‫مْعتَر ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫معنا في ك ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫خ يُ َ‬ ‫أ ٌ‬
‫دررا‬ ‫غوا لنا ال ّ‬ ‫صا ُ‬ ‫خ أو َ‬ ‫م َ‬ ‫هنا ‪َ ... ...‬بنوا شوا ِ‬ ‫مةِ أشياِخ الجهادِ ُ‬ ‫مع الئ ّ‬
‫ل الّنوُر وانتشرا‬ ‫سا َ‬ ‫دور فَ َ‬ ‫ل الب ُ ُ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ب داجيةٍ ‪ِ ... ...‬‬ ‫ن قَل ٍ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫كأّنما طلُعوا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ُتعيد ُ المجد والثرا‬ ‫ة ‪ ... ...‬وملحما ٌ‬ ‫مبّين ٌ‬ ‫ت ُ‬ ‫ن آيا ٌ‬ ‫ض أفغا َ‬ ‫في أر ِ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫عهد ٌ مع الله ‪ ،‬عبد الله ُقمت له ‪ ... ...‬عزما تشقّ عليه دربك الوعرا‬ ‫ً‬
‫ت خلفك أشتاتا ً ُيمّزقها ‪ ... ...‬طول الهوان ويرميها الهوى ُزمرا‬ ‫َترك َ‬
‫ب الحياة على ‪ ... ...‬ذل وَيطويهم في جوفها خبرا‬ ‫ّ‬ ‫ما زال َيطحنهم ح ّ‬
‫جر في ساحاِتها فجرى‬ ‫هنا ‪َ ... ...‬دما تف ّ‬ ‫ً‬ ‫ب أشواقَ الجهاد ُ‬ ‫ت تطل ُ‬ ‫وجئ َ‬
‫عرى‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫بيننا‬ ‫وحبال‬ ‫التقى‬ ‫من‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ب‬‫ٌ‬ ‫نس‬ ‫أرضها‬ ‫في‬ ‫ولنا‬ ‫أتيتها‬
‫صرا‬ ‫ة َتجمعُ الّتاريخ والعُ ُ‬ ‫حم ً‬ ‫ب الميدان آصرة ً ‪ ... ...‬ول ُ ْ‬ ‫ت في ل َهَ ِ‬ ‫وّثق َ‬
‫مة دفعت أفلذها الغَُرَرا‬ ‫طرة ‪ ... ...‬وأ ّ‬ ‫وفي ُرباها لنا ذكرى مع ّ‬
‫ة لرسول الله يحملهم ‪ ... ...‬شوقُ الجهاد ودين عّلم البشرا‬ ‫صحاب ً‬
‫ة ‪ ... ...‬ذكرى لتبعث في أجيالها الظفرا‬ ‫ل ناحي ً‬ ‫طيوفهم لم تزل في ك ّ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫سهرا‬
‫سهد وال ّ‬ ‫ت ‪ُ ... ...‬تخفي الحنين وتطوي ال ّ‬ ‫ن " رْبوة طلع ْ‬ ‫أفي " قطاع جني ٍ‬
‫صَبرا‬ ‫ق ما َ‬ ‫فتت وإباء العزم ُيمسكها ‪ ... ...‬عن الُبكاء ودفقُ الشو ِ‬ ‫تل ّ‬
‫صورا‬ ‫جع في ساحاتها ال ّ‬ ‫ما ُتكابده ‪ ... ...‬ذِكَرى ُتر ّ‬ ‫ْ‬ ‫شروق لها م ّ‬ ‫مع ال ّ‬
‫َ‬
‫هنا الوَطرا‬ ‫ْ‬
‫دعه ‪ ... ...‬تقول ‪ :‬عُد ْ فغدا ت َلقى ُ‬ ‫ً‬ ‫ت ُتو ّ‬ ‫م ما زال ْ‬ ‫كأّنها اليو َ‬
‫كأّنه قال ‪ :‬هل أبقى على دعةٍ ‪ ... ...‬حّتى ُيفيق الذي أغفى وما شعرا‬
‫صدق الخبرا‬ ‫م يَ ْ‬ ‫لي راية من كتاب الله أْرفَُعها ‪ ... ...‬إلى الجهادِ وعز ٌ‬
‫ى ُيداهن دنيا أو فتى كفرا‬ ‫ت ‪ ... ...‬فت ً‬ ‫مع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ت وقَد ْ َ‬ ‫ل برايا ٍ‬ ‫ل أستظ ّ‬
‫سيرا‬ ‫طر ال ّ‬ ‫ول أساوم في حقّ رواه لنا ‪ ... ...‬دم الجدود ُ ودين ع ّ‬
‫صُبرا‬ ‫دقا ً لله أو ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫دعو له ُ‬ ‫دماء به ‪ ... ...‬ي َ ْ‬ ‫ج ال ّ‬ ‫هناك ميداننا مو ُ‬ ‫ُ‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* ‪* ... * ...‬‬
‫م والكدرا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م َتزل تحنو في ُد ْفُعها ‪ ... ...‬طول الحنين فتشكو اله ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫يا َرْبوة ً ل ْ‬
‫َ‬
‫ن ب َكرا‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن أوفى و َ‬ ‫م ْ‬
‫ب َ‬ ‫ن أو ُ‬‫م َيح ْ‬ ‫َ‬
‫ل مساٍء وهي صابرة ٌ ‪ ... ...‬أل ْ‬ ‫تقول ك ّ‬
‫ُ‬
‫ضَرا‬
‫ح َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وّلى و َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل الّنا َ‬‫سأ ُ‬
‫ودت ِهِ ‪ ... ...‬وت َ ْ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫طي َ‬‫ُتطال ِعْ الفْقَ ! ت َْهوى ِ‬
‫جوُز الكيد َ والحفرا‬ ‫دروب ي َ ُ‬ ‫حمله ‪ ... ...‬على ال ّ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫كن َ‬ ‫م قَد ْ ُ‬ ‫ل الليل ‪ :‬ك َ ْ‬ ‫وَتسأ ُ‬
‫سورا‬ ‫معَ القيام ِ ويْتلو الي وال ّ‬ ‫قطعه ‪َ ... ...‬‬ ‫ل الليل ي َ ْ‬ ‫طو ُ‬ ‫ن ُيضنيه ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫كَ ْ‬
‫دها ال ّ‬
‫ذكرا‬ ‫عن ْ َ‬
‫جلو ِ‬ ‫ه ‪ ... ...‬إلى المساجد ي َ ْ‬ ‫ُ‬
‫حمل ُ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫م قَد ْ ك ُن ْ َ‬ ‫ل الفجَر ‪ :‬ك َ ْ‬ ‫سأ ُ‬ ‫وت َ ْ‬
‫َ‬
‫ست َِعرا‬‫م ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫شو ِ‬‫ي ال ّ‬ ‫مل ً ‪ ... ...‬إلى الجهاد ِ غن ّ‬ ‫شواقه أ َ‬ ‫نأ ْ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ُ‬
‫ح ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫م ك ُن ْ َ‬ ‫كَ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن الفتى غاب عن ساحاتها وسرى‬ ‫ت ‪ ... ...‬أي ْ َ‬ ‫سأل ْ‬ ‫حَها َ‬ ‫سا ِ‬ ‫قُبوُر التي في َ‬ ‫حّتى ال ُ‬
‫سرا‬ ‫ح َ‬ ‫شوقَ وان ْ َ‬ ‫مال ي َطوي ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ما َنأى َ‬ ‫ه ‪ ... ...‬ل ّ‬ ‫ل من الزيتون ي َعْرِفُ ُ‬ ‫لظ ّ‬ ‫وك ّ‬
‫شوق والن ّذ َُرا‬ ‫جع منها ال ّ‬ ‫صى ل ِطلعَت ِهِ ‪ ... ...‬دّوت ت َُر ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ة القْ َ‬ ‫َ‬
‫كأّنما لْهف ُ‬ ‫َ‬
‫مصطبرا‬ ‫مهاجرا ً في سبيل الله ُ‬ ‫ربا ً ‪ُ ... ...‬‬ ‫مغْت َ ِ‬ ‫مَر ُ‬ ‫طوي العُ ْ‬ ‫ل يقول ‪ :‬أي َ ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫عَبرا‬ ‫صدائه ِ‬ ‫جعُ صدىً ‪ ... ...‬يوحي وي َْنشر من أ ْ‬ ‫مم الفغان َر ْ‬ ‫فعاد من قِ َ‬
‫شَرا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫هذي الميادين داُر المؤمنين فما ‪ ... ...‬ترى غريبا بها أو جاحدا أ ِ‬
‫ت له أبدا ً ‪ ... ...‬أكبادنا وجهاد ٌ لم يزل خضرا‬ ‫ن حن ّ ْ‬ ‫هنا لنا وط ٌ‬ ‫ُ‬
‫هرا‬ ‫َ َ‬ ‫د‬ ‫واز‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫وهوانا‬ ‫مد‬ ‫ّ‬ ‫مح‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫أبو‬ ‫ديار‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫غريب‬ ‫فينا‬ ‫كان‬ ‫ما‬
‫جَرى‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ننا‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫ُ ِ ْ ٍ ََْ‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫خل‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫إذا‬ ‫قُلوب‬ ‫معُ ال ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫لنا بحكمته َ‬
‫شُر الخيَر الذي ظ ََهرا‬ ‫هدىً ي َن ْ ُ‬ ‫عنا ‪ ... ...‬وعن ُ‬ ‫طوي َنوازِ َ‬ ‫خُلق ي َ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫قَد ْ كان عَ ْ‬
‫ذكرا‬ ‫ظ في أكبادنا ال ّ‬ ‫حف ُ‬ ‫عّزا ً ون َ ْ‬ ‫جرنا ‪ِ ... ...‬‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ذكرى َ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫طوي على شر ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫هوةِ الشواق قد نفرا‬ ‫ل ‪ ... ...‬إليك في ز ْ‬ ‫خلد كم بط ٍ‬ ‫ْ‬ ‫جَنان ال ُ‬ ‫تأّلقي يا ِ‬
‫ؤتزرا‬ ‫م ْ‬ ‫طيب ينشره ُ ‪ ... ...‬مجل ّل ً بُهدى الحسان ُ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫خا ً بزك ّ‬ ‫مضم ّ‬ ‫ُ‬
‫ضرا‬ ‫خ ِ‬ ‫سندسا َ‬ ‫ً‬ ‫ل من شهادته ‪ُ ... ...‬نوٌر وُيلقي عليه ُ‬ ‫ٍ‬ ‫جل‬ ‫في‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫يَ‬
‫ورا‬ ‫ح َ‬ ‫ن وال َ‬ ‫س َ‬ ‫ح ْ‬ ‫جلو ال ُ‬ ‫ب تَ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫ن كوا ِ‬ ‫فت إليه طيوف من منائرها ‪ ... ...‬عي ٌ‬ ‫خ ّ‬
‫درا‬‫ج ُ‬ ‫خطا إل يهّز بها ‪ ... ...‬دارا من الظلم أو يرمي بها ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خطو ُ‬ ‫ما كان ي َ ْ‬
‫شقّ سبيل أو جل ظفرا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫خطا للهدى إل أَنار به ‪ ... ...‬د َْربا و َ‬ ‫وما َ‬
‫ك على جولته انتشرا‬ ‫س ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ل الّرياحين من أنفاسه عبقت ‪ ... ...‬وكل ِ‬ ‫كُ ّ‬
‫ل الدروب دما ً ‪ ... ...‬يروي به الرض أو يروي به العصرا‬ ‫يكاد َيسكب في ك ّ‬
‫جرى‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ُرواء الرض ِ‬ ‫شهيد حياةُ الّناس ك ُّلهم ‪ ... ...‬فيه وك ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ُيعّلم الناس قول الحق أين مضوا ‪ ... ...‬ويجتلي في ميادين الّتقى الخبرا‬
‫فو له أثرا‬ ‫ق ُ‬ ‫ة ‪ ... ...‬في الّناس أو صادقٌ ي ْ‬ ‫لوله لم يبق للحسان منزل ٌ‬
‫ف لها ‪ ... ...‬رجالها ومعالي المجد حيث ترى‬ ‫س ُيز ّ‬ ‫عرا ٌ‬ ‫شهادة أ ْ‬ ‫هي ال ّ‬
‫تزاحموا في دروب الحقّ واستبقوا ‪ ... ...‬إلى مناهلها الحداث والغيرا‬
‫ت بينها ُزمرا‬ ‫تنافسوا في ميادين الُهدى شرفا ً ‪ ... ...‬وأقبلوا وثبا ٍ‬
‫ل على إحسانه ظفرا‬ ‫قوا ‪ ... ...‬راضين ‪ ،‬ك ّ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫وآية الله فيهم أّنهم َ‬
‫وخّلفوا في وحول الرض من علقت ‪ ... ...‬قلوبهم ب َِهوى منها ومن قصرا‬
‫طرا‬‫دنيا فما ربحوا ‪ ... ...‬إل الهلك ولم يلقوا بها وَ َ‬ ‫تنافسوا شهوة ال ّ‬
‫سرا‬‫خ ِ‬ ‫ل من َ‬ ‫جارةٌ ‪ ،‬وي ْلهم ‪َ ،‬يا ذ ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ت ‪ ... ...‬ت ِ َ‬ ‫سَر ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ل قالوا ‪ :‬إذن َ‬ ‫ما انتهى أج ٌ‬ ‫ل ّ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫شوق والعبرا‬ ‫صّبوا ال ّ‬ ‫َ‬
‫متاه ! ف ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫جن َْْبيه أقبلتا ‪ ... ...‬و َ‬ ‫ن على َ‬ ‫ريحانتا ِ‬
‫صرا‬ ‫ن له الكباد َ والب َ َ‬ ‫ج الحنا ُ‬ ‫م ‪ ... ...‬ها َ‬ ‫َ‬
‫وة ! ك ْ‬ ‫حّنا إليه فحّنا للب ّ‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫درا‬ ‫كضا ً إلى الله ي َْلقون الذي قُ ِ‬ ‫ما كاد يلقاهما حّتى مضى بهما ‪َ ... ...‬ر ْ‬
‫صبرا‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫عقبى المؤمنين رضا ً ‪ ... ...‬ورحمة الله ُتوفي ك ّ‬ ‫بشرى من الله ! ُ‬
‫َ‬
‫سك الذي ن َشرا‬ ‫م ْ‬ ‫سك ول ن َشر ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫سكا ً ليس يعدله ‪ِ ... ...‬‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وح الد ّ ُ‬ ‫وف َ ّ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫ست ََعرا‬ ‫ق جد ّ وا ْ‬ ‫عزيمةٍ لسبا ٍ‬ ‫ت على ‪َ ... ...‬‬ ‫جئ َ‬ ‫ك عبد الله ! ِ‬ ‫لله دّر َ‬
‫شوقُ وانفجرا‬ ‫ج ال ّ‬ ‫ن الّزحام إلى ‪ ... ...‬شهادة الحقّ ‪ ،‬ها َ‬ ‫ل بي َ‬ ‫ت في عج ٍ‬ ‫وجئ َ‬
‫صبرا‬ ‫سباق ‪ ،‬فَطوبى للذي َ‬ ‫ُ‬ ‫دم دّفاقٌ ب ِلهفته ‪ ... ...‬إلى ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ت وال ّ‬ ‫أتي َ‬
‫جرح لم يزل غبرا‬ ‫على محّياك منه نوُر ملحمة ‪ ... ...‬ومن عروقك ُ‬
‫َ‬
‫مَرا‬ ‫ن دربك لم تترك به أثرا ً ‪ ... ...‬إل وأورق غرسا ً فيه أوْ ث َ َ‬ ‫كأ ّ‬
‫عراقه وجرى‬ ‫سال في أ ْ‬ ‫َ‬
‫ن دم ٍ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ح به ‪ ... ...‬و ِ‬ ‫ق أل ّ‬ ‫ن شو ٍ‬ ‫م ْ‬
‫خُر ِ‬ ‫ص ْ‬
‫وأورقَ ال ّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫طرا‬ ‫واحا به عَ ِ‬ ‫مل الكون فَ ّ‬ ‫وأْزهََر الفْقُ ريحانا َيطوف به ‪ ... ...‬وي َ ْ‬
‫شر عنها اليَ والِعبرا‬ ‫كأّنما وصل الدنيا بآخرة ‪ ... ...‬وعاد ين ْ ُ‬
‫ب وابتدرا‬ ‫عاد َ أغنى إذا ما ه ّ‬ ‫ْ‬ ‫ضى ‪ ... ...‬و َ‬ ‫م َ‬ ‫جاَز المدى و َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن عَب َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫عجب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫م الهواَء فانتصرا‬ ‫ج َ‬ ‫ْ‬
‫مضى أل َ‬ ‫ب َ‬ ‫ضْر ٍ‬ ‫ل ‪َ ... ...‬‬ ‫لله دّرك عبد الله من رج ٍ‬
‫َ‬
‫حذرا‬ ‫ة من لم يعرف ال َ‬ ‫ج َ‬ ‫ُ‬
‫ضت ل ّ‬ ‫خ ْ‬ ‫مرت عن عزمة لله صادقة ‪ ... ...‬و ُ‬ ‫ش ّ‬‫َ‬
‫سفوح هوى ما زال منتظرا‬ ‫فقت ‪ ... ...‬وفي ال ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ش " لهف ٌ‬ ‫على ذرا " هِْندكو ٍ‬
‫ت كي ترى البطال صاعدة ‪ ... ...‬إلى ذراها وتلقى شوقها النضرا‬ ‫َتطّلع ْ‬
‫هرا‬ ‫لكّنها ذهلت مشدوهة ورأت ‪ ... ...‬وثبا ً يسابق منها النجم الّز ُ‬
‫ح أو يطرق الحداث والغيرا‬ ‫جنان هوىً ‪ُ ... ...‬يل ّ‬ ‫وثبا ً يدقّ بكفّيه ال ِ‬
‫ن ما نذرا‬ ‫صدقَ الّرحم َ‬ ‫حيةٍ ‪ ... ...‬هذا الذي َ‬ ‫ل َنا ِ‬‫ت كُ ّ‬ ‫ت ؟! فََرد ّ ْ‬ ‫ن ذاك قال ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حقَ الْبرار والثرا‬ ‫نل ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫بى‬ ‫َ‬ ‫طو‬ ‫ُ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫س‬ ‫له‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫خوان‬ ‫ْ‬ ‫إ‬ ‫ق‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫مضى‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن‬
‫ساِئر ِنعم الّرحم ِ‬
‫ى اليمان وَ َ‬ ‫حل ّ‬ ‫جمال استانبول َبين ُ‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ى‬
‫ل فِد َ ً‬ ‫جندِيّ َأه َ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫هَُنا عََرفت ُ َ‬
‫ب‬‫خ ِ‬ ‫مجد ِ َلم ت َ ِ‬ ‫مَراِقي ال َ‬ ‫ة في َ‬ ‫م ً‬ ‫وَهِ ّ‬
‫ما ن َب ََغت‬ ‫َّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫نا‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ر‬
‫َ ِ‬ ‫دا‬ ‫في‬ ‫ج َ َ ِ‬ ‫ت‬ ‫مع‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫جا‬ ‫لم‬ ‫َ‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫وا‬ ‫ج‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ ِ َ َ َ ِ‬ ‫َ َ ِ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫لؤ‬‫ُ‬ ‫ه‬
‫َ ِ ِ‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ها‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ها‬‫وَ ُ َ َ‬
‫ت‬ ‫صغ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫من أد َ ِ‬ ‫وى وَ ِ‬ ‫من َتق َ‬ ‫ة الّنورِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ها َ‬ ‫وَ ّ‬
‫مُرَنا‬ ‫سا ِ‬ ‫فوُر " َ‬ ‫ك َيا " ُبس ُ‬ ‫فافِ َ‬ ‫ض َ‬ ‫عََلى ِ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫من ط ََر ِ‬ ‫من َدمٍع وَ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫حّر َ‬ ‫جى وَ َ‬ ‫أش َ‬
‫َ‬
‫ن ُأغن ِي َ ٌ‬
‫ة‬ ‫شطي ِ‬
‫ج في ال ّ ّ‬ ‫مو ُ‬ ‫ما ال َ‬ ‫ك َأن ّ َ‬
‫ب‬‫ق عَذِ ِ‬ ‫عاَدت إ َِليَنا ب ِ َ‬
‫ن َرائ ِ ٍ‬ ‫لح ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مى‬ ‫شى فََر َ‬ ‫ن فَأصَغى َفانت َ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫مّر الّز َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ِ‬ ‫ن َواد ٍ أو عَلى هِ َ‬ ‫ه َبي َ‬ ‫مال ُ‬ ‫أح َ‬
‫لت‬ ‫من الله رزقا ً َفاض َفامت َ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫مى ِ َ‬ ‫ُنع َ‬
‫ب‬‫ص ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫جَرى فيضا ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫شَعاب َُها وَ َ‬ ‫ِ‬
‫جَرى وََرَبت‬ ‫ماٍء َ‬ ‫َ‬
‫من َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ت الر ُ‬ ‫َواهت َّز ِ‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب‬ ‫من ب َِهيِج الّزرِع والعُ ُ‬ ‫َ‬


‫ش ِ‬ ‫وَأنب ََتت ِ‬
‫مرا ً‬ ‫زهرا ً يسبح ِللرحم َ‬
‫ن أو ث َ َ‬ ‫ُ َ ّ ُ ّ َ ِ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫خشَعت ِفي غصن َِها الّرط ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َوأيكةٍ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫َ ُ ُ ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫مو‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫عطر‬ ‫ِ‬ ‫قت‬ ‫َ‬ ‫ة ََ‬
‫ب‬ ‫ع‬ ‫ح ً‬ ‫وََنف َ‬
‫ب‬
‫سك ِ‬ ‫من َ‬ ‫ن ُ‬ ‫في ِ‬ ‫ب عََلى الِعط َ‬ ‫ل طي ٍ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ن الطَيارِ ل َِغي َ ً‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫وَ َ َ‬ ‫زق‬
‫ٍ ِ َ‬
‫ب‬ ‫ح ِ‬ ‫ساِح و الّر َ‬ ‫مام ِ ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫من َ‬ ‫ة ِ‬ ‫وََرفّ ً‬
‫ة‬
‫م َزاهِي َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جلتَها لَنا الّيا ُ‬ ‫حّتى َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬ ‫ف عَ َ‬ ‫ضرِ أو َرفَر ٍ‬ ‫خ ِ‬ ‫س َ‬ ‫سند ُ ٍ‬ ‫بِ ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حل ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ستَها ي َد ُ الّرح َ‬ ‫وَألب َ َ‬
‫ب‬‫صب َ ِ‬ ‫منَها َوفي َ‬ ‫عد ٍ ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ج في َ‬ ‫مو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫ة‬
‫ل َراب ِي َ ٍ‬ ‫ُ‬
‫صَعتَها اللَياِلي ‪ ،‬ك ّ‬ ‫ّ‬ ‫وََر ّ‬
‫ب‬ ‫قب َ ِ‬ ‫من ب ُُيوت اللهِ وَ ال ِ‬ ‫ب ُِلؤل ُؤٍ ِ‬
‫ها‬ ‫مَنائ ِرِ َ‬ ‫من َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد ٍ ن ََثرت ُ‬ ‫عس َ‬ ‫وَ َ‬
‫ب‬ ‫من لب َ ِ‬ ‫َ‬ ‫جيد ٍ وَ ِ‬ ‫من ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُنورا ي َُزي ّ ُ‬ ‫ً‬
‫ة‬
‫ق ً‬‫واَر َدافِ َ‬ ‫َ‬
‫مآذِن َِها الن َ‬ ‫من َ‬ ‫وَ ِ‬
‫ب‬ ‫ح‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫زا‬ ‫ق‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫تموج في أ ُ‬
‫ُ ُ ِ‬ ‫ٍ َ ٍ َ ِ‬ ‫َ ُ ُ ِ‬
‫َ‬
‫هت‬ ‫َ َ ٍ َ َ‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫جو‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫جت‬ ‫ك َأن َّها ن ُ ِ َ‬
‫س‬
‫ب‬ ‫ط الد ّّر وَ الذ ّهَ ِ‬ ‫خُيو ِ‬ ‫شَيت ب ِ ُ‬ ‫وَوُ ّ‬
‫ها‬ ‫سَر َ‬ ‫ماِء ك َ ّ‬ ‫ة الّنورِ َفوقَ ال َ‬ ‫ق َ‬ ‫َياَدف َ‬
‫ب‬ ‫حب َ ِ‬ ‫من َ‬ ‫معََها المنُثوَر ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ج وَ َ‬ ‫مو ٌ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ٍ‬ ‫س‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫من‬
‫َ ُ‬ ‫ر‬ ‫غي‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫عاع‬ ‫َ‬ ‫ش‬ ‫ُ‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫لي‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫دت‬ ‫َ‬ ‫عا‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫َ ِ‬ ‫ص‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫صي‬ ‫ِ‬ ‫وَُلؤل ُؤَا ً‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ساَلت عََلى ذ َهَ ٍ‬ ‫ة َ‬ ‫ض ٌ‬ ‫ك َأن َّها فِ ّ‬
‫ب‬
‫ش ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ي َوال ُ‬ ‫حل ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ب َبي َ‬ ‫جد ٌ َذا َ‬ ‫عس َ‬ ‫َأو َ‬
‫غدا ً‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫فوِر" إ ِ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ري َياُرَبى "الب ُ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫فَأب ِ‬
‫ب‬ ‫ق ِ‬ ‫مرت َ ِ‬ ‫ي العَهْد ِ ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ب ِك ُ ّ‬ ‫آ ٍ‬
‫*‬
‫*‬
‫*‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· ملحمة القسطنطينية ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جمع الصلوات في السفر‬


‫رقم الفتوى‬
‫‪10944‬‬
‫تاريخ الفتوى‬
‫‪ 26/12/1425‬هـ ‪06-02-2005 --‬‬
‫السؤال‬
‫لسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫نحن مجموعة من الموظفين نعمل في موقع عمل يبعد عن المسكن العائلي‬
‫‪ 290‬كم ونسكن سكن عزابيه في موقع العمل نذهب كل نهاية اسبوع الى‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اهلنا ويكون وقت النطلق بين الظهر والعصر فهل يجوز الجمع للصلتين وما‬
‫هو نوع هذا ا الجمع جزاكم الله عنا كل خير ‪.‬‬
‫الجابة‬
‫الحمد لله رب العالمين وبعد‬
‫ما دام يفصلكم عن محل إقامتكم المسافة التي ذكرتم وهي ‪ 290‬كم فإنكم‬
‫والحالة هذه تعدون مسافرين وعليه فيجوز لكم القصر والجمع جمع تقديم ‪.‬‬
‫وإن حصل الجمع بعد أن تغادروا موقع العمل فهو أولى خروجا من الخلف‬
‫في المسافر إذا أقام أكثر من ثلثة أيام وكان يعرف متى يعود إلى أهله حيث‬
‫يرى بعض أهل العلم أنه ل يعد مسافرا لكن إذا شرع في السفر عائدا إلى‬
‫أهله فهو مسافر بل خلف وبالتالي يتمتع بأحكام السفر‬
‫والله أعلم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جمع القرآن الجزء الول‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫جمع القرآن)‪(1‬‬
‫بقلم ‪ :‬الشيخ ‪ /‬محمد صفوت نور الدين‬
‫أخرج البخاري في )صحيحه( عن زيد بن ثابت النصاري‪) ،‬رضى الله عنه( ‪-‬‬
‫وكان ممن يكتب الوحي‪ -‬قال‪ :‬أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة‪ ،‬وعنده‬
‫عمر بن الخطاب فقال أبو بكر‪ :‬إن عمر أتاني فقال‪ :‬إن القتل قد استحر يوم‬
‫اليمامة بقراء القرآن‪ ،‬وإني أخشى إن استحر القتل بالقراء في المواطن‬
‫فيذهب كثير من القرآن إل أن تجمعوه‪ ،‬وإني أرى أن تجمع القرآن‪ ،‬فقال أبو‬
‫بكر‪ :‬قلت لعمر‪ :‬كيف أفعل شئ لم يفعله رسول الله )صلى الله عليه‬
‫وسلم( ؟ فقال عمر‪ :‬هو والله خير‪،‬فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح‬
‫الله لذلك صدري‪ ،‬ورأيت الذي رأى عمر‪ ،‬قال زيد‪ :‬وعمر عنده جالس ل‬
‫يتكلم‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬إنك رجل شاب عاقل ول نتهمك‪ ،‬كنت تكتب الوحي‬
‫لرسول الله )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬فتتبع القرآن فاجمعه‪ ،‬فوالله لو كلفني‬
‫نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫كيف تفعلن شئ لم يفعله رسول الله )صلى الله عليه وسلم(؟ قال أبو بكر‬
‫هو والله خير‪ ،‬فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له‬
‫صدر أبو بكر وعمر‪ ،‬فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والكتاف‬
‫والعسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت من سورة ))التوبة(( آيتين مع‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ل ِ‬‫سو ٌ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬
‫م َر ُ‬ ‫أبي خزيمة النصاري لم أجدهما مع أحد غيره‪) :‬ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫م ()التوبة‪ :‬من الية ‪ (128‬حتى ختم‬ ‫ص عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫زيٌز عَل َي ْهِ َ‬
‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫م عَ ِ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫براءة إلى آخرها ‪.‬‬
‫وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله‪ ،‬ثم عند‬
‫عمر حتى توفاه الله‪ ،‬ثم عند حفصة بنت عمر‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخرج البخاري عن زيد ابن ثابت النصاري أيضا‪ :‬لما نسخنا الصحف من‬
‫المصاحف فقدت آية من سورة )الحزاب( كنت أسمع رسول الله )صلى الله‬
‫عليه وسلم( يقرأها فلم أجدها عند أحد إل خزيمة بن ثابت النصاري الذي‬
‫ن‬
‫م َ‬‫جعل رسول الله )صلى الله عليه وسلم( شهادته شهادة رجلين‪ِ ) :‬‬
‫ه()الحزاب‪ :‬من الية ‪،(23‬‬ ‫ه عَل َي ْ ِ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫عاهَ ُ‬
‫ما َ‬ ‫صد َُقوا َ‬
‫ل َ‬ ‫جا ٌ‬
‫ن رِ َ‬‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫فألحقناها في سورتها في المصحف ‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحديث يبين جمع زيد للقرآن مما كان مكتوبا ً فيه من‪:‬‬
‫العسب‪ :‬جمع عسيب‪ :‬وهو جريد النخل يكشطون الخواص ويكتبون في‬
‫الطرف العريض‪.‬‬
‫واللخاف‪ :‬جمع لخفة‪ :‬وهي الحجارة الرقاق أو صحائف الحجارة‪.‬‬
‫والرقاع ‪ :‬جمع رقعة‪ ،‬وقد تكون من جلد أو ورق‪.‬‬
‫وقطع الديم‪ :‬الجلد بعد دبغه‪ ،‬أما قبل دبغه فيسمى إهابا‪.‬‬
‫والكتاف‪ :‬عظم البعير أو الشاه كان إذا جف كتبوا عليه‬
‫والضلع‪:‬جمع ضلع‪ ،‬وهوالعظم المعروف‪.‬‬
‫والقتاب‪ :‬جمع قتب‪ ،‬وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه‪.‬‬
‫وقعة اليمامة‬
‫كانت فتنة بني حنيفة أصلها في إدعاء مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب‬
‫الحنفي‪ ،‬حيث ادعى النبوة وأرسل إلى النبي )صلى الله عليه وسلم( كتابا ً‬
‫قال فيه ‪) :‬من مسليمة رسول الله سلم عليك اما بعد‪ :‬فإني قد أشركت في‬
‫المر معك وإن لنا نصف الرض‪ ،‬ولقريش نصف الرض‪ ،‬ولكن قريشا ُ قوم‬
‫يعتدون ( فأجابه النبي )صلى الله عليه وسلم( )بسم الله الرحمن الرحيم‪،‬‬
‫من محمد رسول الله )صلى الله عليه وسلم( إلى مسيلمة الكذاب‪ ،‬السلم‬
‫على من اتبع الهدى‪ ،‬أما بعد‪ :‬فإن الرض له يورثها من يشاء من عباده‪،‬‬
‫والعاقبة للمتقين(‬
‫وكان ذلك أواخر سنة عشرة من الهجرة‪ ،‬وقد توفى النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم( قبل القضاء على فتنة مسليمة فكانت وقعة اليمامة من آخر السنة‬
‫الحادية عشر التي توفي فيها رسول الله )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬ولكنها‬
‫أمتدت حتى أول السنة الثانية عشر‪ ،‬وقد صبر فيها الصحابة صبرا ً لم يعهد‬
‫مثله‪.‬‬
‫يقول ابن كثير في )فضائل القرآن( ‪ :‬إن مسيلمة التف حوله من المرتدين‬
‫قريب من مائة ألف‪ ،‬فجهز الصديق خالد بن الوليد في قريب من ثلثة عشر‬
‫ألفًا‪ ،‬فالتقوا معهم‪ ،‬فانكشف الجيش السلمي لكثرة ما فيه من أعراب‬
‫فنادى القراء من كبار الصحابة‪ :‬يا خالد خلصنا‪ ،‬يقولون ميزنا عن هؤلء‬
‫العراب‪ ،‬فتميزوا منهم وانفردوا‪ ،‬فكانوا قريبا ً من ثلثة آلف‪ ،‬ثم صدقوا‬
‫الحملة وقاتلوا قتال ً شديدا ً وجعلوا يتنادون يا أصحاب سورة البقرة‪ ،‬فلم يزل‬
‫ذلك دأبهم حتى فتح الله عليهم وولى جيش الكفر فارا ً واتبعتهم السيوف‬
‫المسلمة في أقفيتهم قتل ً وأسرا ً وقتل الله مسيلمة وفرق شمل أصحابه‪ ،‬ثم‬
‫رجعوا في سلم‪.‬‬
‫وقد قتل من المسلمين في هذه الغزوة خمسمائة وقيل‪ :‬أربعمائة وخمسون‪،‬‬
‫منهم من المهاجرون والنصار ثمانية وخمسون غالبيتهم من قراء القرآن‪ ،‬أما‬
‫من قتل من الكافرين فكانوا بضعة وخمسون ألفًا‪.‬‬
‫ولقد صبر الصحابة في حرب اليمامة صبرا ً لم يعهد مثله وجعل خالد ل يبرز‬
‫له منهم أحد ال قتله‪ ،‬ول يدنو منه شئ إل أكله‪ ،‬وممن استشهد في هذه‬
‫الغزوة‪:‬‬
‫جعفر بن ثابت بن قيس حفر لقدميه بعدما تحنط وتكفن يحمل الراية حتى‬
‫قتل‪.‬‬
‫زيد بن الخطاب قال‪ :‬أيها الناس عضوا على أضراسكم‪ ،‬واضربوا في عدوك‪،‬‬
‫وامضوا قدمًا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال‪ :‬والله ل أتكلم حتى يهزمهم الله أو ألقى الله فأكلمه بحجتي‪ ،‬فقتل‬
‫شهيدًا‪ ،‬رضى الله عنه‪.‬‬
‫وممن قتل في هذه الغزو‪ :‬حزن بن أبي وهب جد سعيد بن المسيب‪ ،‬وقتل‬
‫معه ولداه عبد الرحمن ووهب‪ ،‬وابن ابنه حكيم بن وهب بن حزن‬
‫وقتل سالم مولى أبي حذيفة‪ ،‬أحد الربعة الذين قال فيهم رسول الله )صلى‬
‫الله عليه وسلم( ‪) :‬استقرئوا القرآن من أربعة( ‪.‬‬
‫وكان أبو دجانة سماك بن خراش‪ ،‬أحد الشجعان‪ ،‬ممن أقتحم على بني حنيفة‬
‫الحديقة‪ ،‬فانكسرت رجله‪ ،‬شارك وحشي في قتل مسيلمة‪.‬‬
‫ومنه الطفيل بن عمر الدوسي‪ ،‬الذي أسلمت دوس بدعوته لهم‪.‬‬
‫أما عباد بن بشر فكان صاحب شجاعة وبلء شديد‪ ،‬وكان ذا ورع وعبادة‬
‫وتهجد‪.‬‬
‫وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة‪ ،‬الذي أسلم قبل دار الرقم وهاجر إلى الحبشة‬
‫والمدينةوقد أخى النبي )صلى الله عليه وسلم( بينه وبين عباد بن بشر‪.‬‬
‫وقد قتل يوم اليمامة أيضا ً ‪:‬‬
‫‪ -‬السائب بن عثمان بن مظعون‪ ،‬والسائب بن العوام أخو الزبير بن العوام‬
‫وعبد الله بن سهيل بن عمرو‪ ،‬وهو ممن أسلم قديما ً وهاجر إلى الحبشة‪،‬‬
‫فلما عاد حبسه أبوه سهيل بن عمرو ‪ ،‬فلما كان يوم بدر خرج معهم‪ ،‬فلما‬
‫توجهوا فر إلى المسلمين فشهدها معم‪.‬‬
‫‪-‬عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول‪ ،‬وكان أبوه رأس المنافقين ‪ ،‬واما هو‬
‫فمن سادات‬
‫ً‬
‫الصحابة وفضلئهم شهد بدرا وما بعدها‪ ،‬وكان أشد الناس على أبيه ‪.‬‬
‫ومنهم مغمر بن عدي‪ ،‬وهو أخو علصم بن عدي‪ ،‬الذي آخى رسول الله )صلى‬
‫الله عليه وسلم( بينه وبين زيد بن الخطاب‪ ،‬ولما قال الناس عند موت‬
‫رسول الله )صلى الله عليه وسلم(‪ :‬وددنا أنا متنا قبله؛ قال معمر‪ :‬لكني‬
‫والله ما أحب أن أموت قبله لصدقه ميتا ً كما صدقته حيًا‪.‬‬
‫وممن أستشهد يومئذ من الصحابة أيضا ً‬
‫مالك بن عمرو؛ وهومن المهاحرين وممن شهدوا بدرا‪.‬‬
‫ويزيد بن قيس بن رباب السدي )بدري( والحكم بن سعيد بن عاص بن أمية‪.‬‬
‫وعامر بن البكر الليثي )بدري( وصفوان بن أمية بن عمرو‪ ،‬وأبو قيس بن‬
‫حارث بن قيس السهمي‪،‬ممن هاجرإلى الحبشة‪ ،‬وعبد الله بن مخرمة من‬
‫المجادين وممن شهد بدرًا‪ ،‬وعمارة بن حزم بن زيد )من النصار(‪.‬‬
‫وغيرهم رضي الله عنهم‪ ،‬كان منهم يوم اليمامة البلء الحسن والشجاعة‬
‫النادرة والقتال الشديد‪ ،‬وإن كان في قتلهم شرخ للسلم إل أن الله جعل‬
‫في هذا الشرخ خيرًا‪،‬‬
‫بأن نبه عمر ليشير على الصديق بجمع القرآن ‪ ،‬فجمع ‪ ،‬فالحمد لله الذي‬
‫ظ وتمكينًا‪ ،‬ومن راجع السيرة‬ ‫جعل من كل شدة تمر بالسلم خيرا وحف ً‬
‫والتاريخ في القديم والحديث عرف ذلك ولمسه؟‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫من إهانات الله لمسيلمة الكذاب‬
‫الله يظهر المعجزات على يد أنبيائه شاهد صدق على قولهم‪ ،‬فلما أراد‬
‫مسيلمة ‪ -‬لعنه الله – أن يستخف قومه‪ ،‬فيدعي لهم أنه صاحب آيات معجزة‬
‫عامله الله بضد مقصوده فأظهر الهانة له في ذلك‪ ،‬من ذلك أنه بصق في‬
‫بئر فغاص ماؤها بالكلية‪ ،‬وفي أخرى فصار ماؤها أجتجًا‪ ،‬وتوضأ وسقى‬
‫بوضوئه نخل فيبست وهاكت‪ ،‬وأتى بولدان يبرك عليهم فجعل يمسح رؤسهم‪،‬‬
‫فمنهم من قرع رأسه‪ ،‬ومنهم من لثغ لسانه‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه دعا لرجل من‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أصحابه لوجع في غينيه فمسحهما فعمي‪.‬‬


‫أتباع مسيلمة‪:‬‬
‫جاء رجل –هو طلحة النمري‪ -‬من اليمامة إلى مسيلمة الكذاب فسأله‪ :‬من‬
‫يأتيك؟ قال‪ :‬رجس‪ ،‬قال‪ :‬أفي نور أم في ظلمة؟ فقال‪ :‬في ظلمة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أشهد أنك كاذب‪ ،‬وأن محمد صادق‪ ،‬ولكن كذاب ربيعة أحب الينا من صادق‬
‫مضر‪.‬‬
‫ً‬
‫يفسر ذلك لنا أن اتباع مسيلمة لم يكن إيمانا بنبوته‪ ،‬ولكن كان لعراض‬
‫شدًا()الكهف‪ :‬من الية ‪(17‬‬ ‫مْر ِ‬‫ه وَل ِي ّا ً ُ‬
‫جد َ ل َ ُ‬ ‫ل فَل َ ْ‬
‫ن تَ ِ‬ ‫ضل ِ ْ‬
‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬
‫دنيوية شتى )وَ َ‬
‫أنا نحن نزلنا الذكر‪:‬‬
‫هَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ن َّزلَنا الذ ّكَر وَإ ِّنا ل ُ‬
‫ح ُ‬
‫من أقوال بعض المفسرين في قوله تعالى‪) :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫ن(‪:‬‬
‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬‫لَ َ‬
‫قال الفخر الرازي‪ :‬قال بعضهم‪ :‬حفظه بأن جعله معجزا ً مباينا ً لكلم البشر‪،‬‬
‫فعجز الخلق عن الزيادة فيه والنقصان عنه ؛ لنهم لو زادوا فيه أو نقصوا عنه‬
‫لتغير نظم القرآن‪ ،‬فيظهر لكل العقلء أن هذا ليس من القرآن‪ ،‬فصار كونه‬
‫معجزا ً كإحاطة السور بالمدينة؛ لنه يحصنها ويحفظها ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنه تعالى صانه وحفظه من أن يقدر أحد من الخلق على‬
‫معارضته‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬أعجز الخلق عن إبطاله وإفساده ؛ بأن قيض جماعة يدرسونه‬
‫ويحفظونه ويشهرونه فيما بين الخلق إلى آخر بقاء التكاليف ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬المراد بالحفظ هو أن أحد لو حاول تغييره بحرف أو نقطة لقال‬
‫له أهل الدنيا‪ :‬هذا كذب وتغير لكلم الله تعالى ‪ ،‬حتى أن الشيخ المهيب لو‬
‫اتفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب الله تعالى لقال له الصبيان‪:‬‬
‫أخطأت أيها الشيخ وصوابه كذا وكذا‪ ،‬فهذا هو المراد من قوله‪) :‬وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ه‬
‫ن(‪.‬‬‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬‫لَ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫واعلم أنه لم يتفق لشئ من الكتاب مثل هذا الحفظ‪ ،‬فما من كتاب إل وقد‬
‫دخله التصحيف والتحريف والتغير‪ ،‬إما في الكثير منه أو في القليل‪ ،‬وبقاء هذا‬
‫الكتاب مصونا ً عن جميع جهات التحريف‪ ،‬منع أن دواعي الملحدة واليهود‬
‫والنصارى متوفرة على إبطاله وإفساده‪ .‬من أعظم المعجزات‪ ،‬وأيضا ً أخبر‬
‫الله تعالى عن بقائه محفوظا ً عن التغير والتحريف‪ ،‬وانقضى الن قريبا ً من‬
‫ستمائة سنة‪ ،‬فكان ذلك أيضا ً معجزا ً قاهرًا‪ .‬انتهى كلم الفخر الرازي‪] .‬واليوم‬
‫مضى أكثر من أربعة عشر قرنا ً ول يزال بحمد الله محفوظا ً كما أنزل[ ‪.‬‬
‫قال القرطبي في تفسيره عن يحى بن أكثم‪ :‬كان للمأمون‪ -‬وهو أمير إذ ذاك‬
‫– مجلس نظر فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب‪ ،‬حسن‬
‫الوجه‪ ،‬طيب الرائحة‪ ،‬قال‪ :‬فتكلم فأحسن الكلم والعبارة‪ ،‬قال‪ :‬فلما تقوض‬
‫المجلس دعاه المأمون فقال له‪ :‬إسرائيلي؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال له‪ :‬أسلم حتى‬
‫أفعل بك وأصنع‪ ،‬ووعده‪ ،‬فقال‪ :‬ديني ودين آبائي وانصرف‪ ،‬قال‪ :‬فلما كان‬
‫بعد سنة جاءنا مسلمًا‪ ،‬قال‪ :‬فتكلم عن الفقه فأحسن الكلم؛ فلما تقوض‬
‫المجلس دعاه المأمون وقال‪ :‬ألست صاحبنا بالمس؟ قال له‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فما‬
‫كان سبب إسلمك؟ قال‪ :‬انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذا‬
‫الديان‪ ،‬وأنت تراني حسن الخط‪ ،‬فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلث نسخ‬
‫فزدت فيها ونقصت‪ ،‬وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني ‪ ،‬وعمدت إلى النجيل‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فكتبت ثلث نسخ فزدت فيها ونقصت‪ ،‬وأدخلتها البيعة فاشتريت مني‬
‫وعمدت إلى القرآن فعملت ثلث نسخ وزدت فيها ونقصت‪ ،‬وأدخلتها‬
‫للوراقين فتصفحوها‪ ،‬فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم‬
‫يشتروها‪ ،‬فعلمت أن هذا كتاب محفوظ‪ ،‬فكان هذا سبب إسلمي‪ ،‬قال يحى‬
‫بن أكثم فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر‪،‬فقال‬
‫لي‪ :‬مصداق هذا في كتاب الله عز وجل‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬في أي موضع؟ قال‪:‬‬
‫ه(‬ ‫ّ‬
‫ب الل ِ‬ ‫ن ك َِتا ِ‬‫م ْ‬ ‫ظوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح ِ‬
‫ست ُ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫في قوله تبارك وتعالى في التوراة والنجيل ‪) :‬ب ِ َ‬
‫)المائدة‪ :‬الية ‪ ،(44‬فجعل حفظه إليهم فضاع‪.‬‬
‫ن( أي في حال إنزاله وبعد إنزاله‪،‬‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫قال السعدي في تفسيره‪) :‬وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم‪ ،‬وبعد إنزاله‬
‫أودعه الله في قلب رسوله واستودعه في قلوب أمته وحفظ الله ألفاظه من‬
‫التغير فيها والزيادة والنقص ومعانيه من التبديل‪ ،‬فل يحرف معنى من معانيه‬
‫إل قيض الله له من يبين الحق المبين‪ ،‬وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على‬
‫عباده المؤمنين‪.‬‬
‫ه( فيها ثلثة أقوال‪:‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬‫ن ب َي ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫قال في ))زاد المسير(( ‪ِ ) :‬‬
‫أحدها‪ :‬بين يدي تنزيله وبعد نزوله‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه لبس قبله كتاب يبطله‪ ،‬ول يأتي بعده كتاب يبطله‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ل يأتيه الباطل من أخباره عما تقدم‪ ،‬ول في إخباره عما تأخر‪.‬‬
‫وفي خلفة أبى بكر جمع القرآن زيد وعمر بأشراف الصديق‪ ،‬رضي الله‬
‫عنهم وكان ذلك في أول العام الثاني عشر أما في خلفة عثمان فجمع‬
‫القرآن زيد بن ثابت‪ ،‬وعبد الله بن الزبير‪ ،‬وسعيد بن العاص‪ ،‬وعبد الرحمن‬
‫بن الحارث بن هشام‪ ،‬وقال عثمان لثلثة القرشيين‪ :‬إذا اختلفتم وزيد بن‬
‫ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش‪ ،‬فإنه إنما أنزل بلسانهم‬
‫ففعلوا‪ ،‬وكان ذلك سنة خمسة وعشرين‪ ،‬وكان نسخا ً للصحف التي كتبت في‬
‫جمع أبي بكر الصديق‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫نقل السيوطي عن ابن التين وغيره‪ :‬الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان‬
‫أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شئ بذهاب حملته؛ لنه لم‬
‫يكن مجموعا ً في موضع واحد‪ ،‬فجمعه في صحائف مرتبا ً مرتبا ً ليات سوره‬
‫على ما وقفهم عليه النبي )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬وجمع عثمان كان لما كثر‬
‫الختلف في وجوه القراءات حتى قرءوه بلغاتهم على أتساع اللغات‪ ،‬فأدى‬
‫ذلك ببعضهم تخطئة بعض فخشي من تفاقم المر في ذلك‪ ،‬فنسخ تلك‬
‫الصحف في مصحف واحد مرتبا ً لسوره‪ ،‬واقتصر من سائر اللغات على لغة‬
‫قريش‪ ،‬محتجا ً أنه نزل بلغتهم‪ ،‬وإن كان وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا ً‬
‫للحرج والمشقة في بادئ المر‪ ،‬فرأى أن الحاجة لذلك قد انتهت فاقتصر‬
‫على لغة واحدة‪.‬‬
‫فالقرآن الكريم كتاب الله الخاتم أنزله على نبيه الكريم‪ ،‬وحمله إليه ملك‬
‫الوحي جبريل وحفظه رب العزة سبحانه‪ ،‬فهم في كتاب مكنون ل يمسه إل‬
‫ن*‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما ي َن ْب َِغي ل َهُ ْ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ت ب ِهِ ال ّ‬ ‫ما ت َن َّزل َ ْ‬‫المطهرون ‪) :‬وَ َ‬
‫ب‬‫ل َر ّ‬ ‫زي ُ‬ ‫َ‬
‫ه لت َن ْ ِ‬‫ن( )الشعراء ‪) ، (212– 210 :‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫معُْزولو َ‬ ‫َ‬
‫مِع ل َ‬ ‫س ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫إ ِن ّهُ ْ‬
‫ن‬
‫سا ٍ‬‫ن * ب ِل ِ َ‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن *عَلى قَلب ِك ل ِت َكو َ‬ ‫َ‬ ‫مي ُ‬ ‫ْ‬
‫ح ال ِ‬ ‫ل ب ِهِ الّرو ُ‬ ‫ن * ن ََز َ‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال ِ‬
‫َ‬
‫ن( )الشعراء‪(195– 192 :‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ي ُ‬ ‫عََرب ِ ّ‬
‫فالقرآن أنزله رب العزة جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في‬
‫السماء الدنيا في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن‪ ،‬وكان ذلك في ليلة‬
‫َ‬
‫كة()الدخان‪(3:‬‬ ‫مَباَر َ‬ ‫القدر ‪) :‬إ ِّنا أن َْزل َْناه ُ ِفي ل َي ْل َةٍ ُ‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قد ِْر( )القدر‪ ، (1:‬ثم نزل بعد ذلك مفرقا ً بحسب‬ ‫‪) ،‬إ ِّنا أ َن َْزل َْناه ُ ِفي ل َي ْل َةِ ال ْ َ‬
‫ول ن ُّز َ‬
‫ل‬ ‫فُروا ْل َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫الوقائع على رسول الله )صلى الله عليه وسلم( )وََقا َ‬
‫ك وََرت ّل َْناه ُ ت َْرِتيل ً * َول ي َأُتون َكَ‬ ‫ؤاد َ َ‬ ‫ت ب ِهِ فُ َ‬ ‫ك ل ِن ُث َب ّ َ‬ ‫حد َة ً ك َذ َل ِ َ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫مل َ ً‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ال ْ ُ‬
‫سيرًا(‪) 000‬الفرقان ‪.(33-32:‬‬ ‫َ‬
‫ف ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫حقّ وَأ ْ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫جئ َْنا َ‬ ‫ل إ ِّل ِ‬ ‫مث َ ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ً‬
‫فكان هذا القرآن ينزل مجيبا للسئلة‪ ،‬هاديا من الحيرة‪ ،‬مرشدا في الظلمة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫منقذا ً من الهلكة‪ ،‬فصل ً في كل أمر احتاجوا فيه إلى بيان‪ ،‬فيوم شق عليهم‬
‫الصوم وكان الفطر عند غروب الشمس إلى صلة العشاء أو النوم وحدث ما‬
‫حدث من أمور شقت على المسلمين من شدة الجوع أو الشوق إلى نسائهم‬
‫س ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ل َِبا ٌ‬ ‫م هُ ّ‬ ‫سائ ِك ُ ْ‬ ‫ث إ َِلى ن ِ َ‬ ‫صَيام ِ الّرفَ ُ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫م ل َي ْل َ َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫أنزل الله قوله ‪) :‬أ ُ ِ‬
‫فا عَن ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَع َ َ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م فََتا َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫خَتاُنو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ه أن ّك ُ ْ‬
‫وأ َنتم ل ِباس ل َهن عَل ِم الل ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ ْ َ ٌ ُ ّ‬
‫م‬ ‫ن ل َك ُُ‬ ‫ي‬‫ب‬
‫َ ّ َََّ َ‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫بوا‬ ‫َ ُ‬‫ر‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬
‫ْ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ب‬‫َ َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫غوا‬ ‫ُ‬ ‫ن َ َْ‬
‫ت‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫شُروهُ ّ‬ ‫ن َبا ِ‬ ‫َفاْل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َول‬ ‫م إ َِلى الل ّي ْ ِ‬ ‫صَيا َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م أت ِ ّ‬ ‫جرِ ث ُ ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫سوَد ِ ِ‬ ‫ط اْل ْ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ط اْلب ْي َ ُ‬ ‫خي ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن‬ ‫ها ك َذ َل ِ َ‬ ‫دود ُ اللهِ َفل ت َ ْ‬‫ّ‬ ‫ْ‬
‫جدِ ت ِل َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫قَرُبو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي ال َ‬ ‫فو َ‬ ‫عاك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَأن ْت ُ ْ‬ ‫شُروهُ ّ‬ ‫ت َُبا ِ‬
‫ن( )البقرة‪. (187:‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ي َت ّ ُ‬ ‫س لعَلهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه آَيات ِهِ ِللّنا ِ‬
‫ولما كانوا في غزوة الحديبية وصلوا الظهر جماعة خلف النبي )صلى الله‬
‫عليه وسلم( فسجدوا جميعًا‪ ،‬وتوعدهم العدو إذا جاءت صلة العصر فسجدوا‬
‫فمالوا عليهم ليقتلوهم وهم سجود فقبل أن تأتي صلة العصر أنزل الله‬
‫القرآن يرد كيد عدوهم‪.‬‬
‫أخرج أحمد في ))مسنده(( عن أبي عباس الزرقي قال ‪ :‬كنا مع رسول الله‬
‫)صلى الله عليه وسلم( بعسفان‪ ،‬فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد‬
‫وهم بيننا وبين القبلة‪ ،‬فصلى بنا رسول الله )صلى الله عليه وسلم( الظهر‬
‫فقالوا ‪ :‬لو كانوا على حال لو أصبنا غرتهم‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬تأتي عليهم صلة هي‬
‫أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم‪ ،‬قال‪ :‬فنزل جبريل بهذه اليات بين الظهر‬
‫َ‬
‫صلةَ ()النساء‪:‬الية ‪ ،(102‬قال‪:‬‬ ‫م ال ّ‬ ‫ت ل َهُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م فَأقَ ْ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫والعصر‪) :‬وَإ َِذا ك ُن ْ َ‬
‫فحضرت فأمرهم رسول الله )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬فأخذوا السلح‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فصفنا خلفه صفين‪ ،‬قال‪ :‬ثم ركع فركعنا جميعًا‪ ،‬ثم رفع فرفعنا جميعا ً ثم‬
‫سجد النبي )صلى الله عليه وسلم( بالصف الذي يليه والخرون قيام‬
‫يحرسونهم‪ ،‬فلما سجدوا وقاموا جلس الخرون فسجدوا مكانهم‪ ،‬ثم تقدم‬
‫هؤلء إلى مصاف هؤلء وجاء إلى مصاف هؤلء‪ ،‬ثم ركع فركعوا جميعًا‪ ،‬ثم‬
‫رفع فرفعوا جميعا ً ثم سجد النبي )صلى الله عليه وسلم( بالصف الذي يليه‬
‫والخرون قيام يحرسونهم‪ ،‬فلما جلسوا جلس الخرون فسجدوا‪ ،‬ثم سلم‬
‫عليهم ثم انصرف‪ ،‬قال‪ :‬فصلها رسوا الله )صلى الله عليه وسلم( مرتين‪،‬‬
‫مرة بعسفان‪ ،‬زمرة بأرض بني سليم )‪(1‬‬
‫فكان نزول آيات صلة الخوف وهم في الميدان ل يعلمون بكيد العدو‪ ،‬فنزل‬
‫الوحي بالقرآن ينجيهم الله من كل كيد ويرد كيد عدوهم في نحورهم‪.‬‬
‫وتأتي خولة بنت ثعلبة إلى النبي )صلى الله عليه وسلم( وهو في حجرة‬
‫عائشة تشكوا أن زوجها أوس بن الصامت قد ظاهر منها‪ ،‬تجادل النبي )صلى‬
‫الله عليه وسلم( في شأنها‪ ،‬فينزل الله عز وجل فصل قضيتها في الحال‬
‫ه‬‫كي إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫شت َ ِ‬‫جَها وَت َ ْ‬ ‫ك ِفي َزوْ ِ‬ ‫جادِل ُ َ‬ ‫ل ال ِّتي ت ُ َ‬ ‫ه قَوْ َ‬ ‫معَ الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫بقوله )قَد ْ َ‬
‫ب‬‫ذا ٌ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫صيٌر( إلى قوله تعالى ‪):‬وَل ِل َ‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫حاوَُرك ُ َ‬ ‫مع ُ ت َ َ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م( )المجادلة‪. (4-1:‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫وكذلك لما وقع أهل الفك في أم المؤمنين‪ ،‬رضي الله تعالى عنها‪ ،‬وقالوا ما‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قالوا‪ ،‬واحتار النبي )صلى الله عليه وسلم( ووقع الناس في شدة‪ ،‬وبكت‬
‫عائشة رضي الله عنها‪ ،‬بكاء شديدا ً فرج الله عنهم جميعا ً بأن أنزل الله قوله‪:‬‬
‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م ل ِك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ل هُوَ َ‬ ‫شّرا ً ل َك ُ ْ‬
‫م بَ ْ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ل تَ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫صب َ ٌ‬‫ك عُ ْ‬‫جاُءوا ِباْل ِفْ ِ‬ ‫ن َ‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫)إ ِ ّ‬
‫م( )النور‪-10 :‬‬ ‫لي‬ ‫ع‬ ‫ع‬ ‫مي‬
‫َ ُ َ ِ ٌ َِ ٌ‬ ‫س‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬‫)‬ ‫قول‪:‬‬ ‫إلى‬ ‫ثم(‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ َ َ ِ َ ِ‬‫م‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ك‬‫ا‬ ‫ما‬
‫م ِ ٍ ِ ُْ ْ َ‬
‫م‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ئ‬ ‫ر‬ ‫ا ْ‬
‫‪. (20‬‬
‫وتتبع ذلك أمر يطول سرده ويصعب جمعه‪ ،‬فكان القرآن في نزوله تفريج‬
‫الهم‪ ،‬وتوضيح المر‪ ،‬وبيان الدين‪ ،‬وتصحيح العبادة‪ ،‬والرد على المشركين‪،‬‬
‫وتفنيد حجج المبطلين‪ ،‬وتثبيت المؤمنين ‪...‬‬
‫جمع القرآن )‪(2‬‬
‫بقلم ‪ :‬الشيخ ‪ /‬محمد صفوت نور الدين‬

‫)‪(4 /‬‬

‫أخرج البخاري في )صحيحه( عن زيد بن ثابت النصاري‪) ،‬رضى الله عنه( ‪-‬‬
‫وكان ممن يكتب الوحي‪ -‬قال‪ :‬أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة‪ ،‬وعنده‬
‫عمر بن الخطاب فقال أبو بكر‪ :‬إن عمر أتاني فقال‪ :‬إن القتل قد استحر يوم‬
‫اليمامة بقراء القرآن‪ ،‬وإني أحشى إن استحر القتل بالقراء في المواطن‬
‫فيذهب كثير من القرآن إل أن تجمعوه‪ ،‬وإني أرى أن تجمع القرآن‪ ،‬فقال أبو‬
‫بكر‪ :‬قلت لعمر‪ :‬كيف أفعل شئ لم يفعله رسول الله )صلى الله عليه‬
‫وسلم( ؟ فقال عمر‪ :‬هو والله خير‪،‬فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح‬
‫الله لذلك صدري‪ ،‬ورأيت الذي رأى عمر‪ ،‬قال زيد‪ :‬وعمر عنده جالس ل‬
‫يتكلم‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬إنك رجل شاب عاقل ول نتهمك‪ ،‬كنت تكتب الوحي‬
‫لرسول الله )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬فتتبع القرآن فاجمعه‪ ،‬فوالله لو كلفني‬
‫نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫كيف تفعلن شئ لم يفعله رسول الله )صلى الله عليه وسلم(؟ قال أبو بكر‬
‫هو والله خير‪ ،‬فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له‬
‫صدر أبو بكر وعمر‪ ،‬فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والكتاف‬
‫والعسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت من سورة )التوبة( آيتين مع‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫سو ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬
‫م َر ُ‬ ‫أبي خزيمة النصاري لم أجدهما مع أحد غيره‪) :‬ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫م( )التوبة ‪ (128 :‬حتى ختم براءة‬ ‫ص عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ري ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫زيٌز عَل َي ْهِ َ‬
‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م عَ ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬
‫إلى آخرها ‪.‬‬
‫تنبه عمر بن الخطاب )رضى الله عنه(‪ ،‬بفضل الله تعالى لما وقع القتل في‬
‫القراء باليمامة‪ ،‬فعرض على الصديق جمع القرآن في مصحف واحد‪ ،‬فدعى‬
‫أبو بكر زيد بن ثابت فتشاوروا ثلثتهم حتى استقر المر في جمع القرآن في‬
‫مصحف واحد‪ ،‬عندئذ جلس عمر وزيد على باب المسجد يسألون الناس عن‬
‫المكتوب عندهم من القرآن‪ ،‬فيكتبونه ول يكتبون شيئا ً حتى يأتي صاحبه‬
‫بشاهدين يشهدان أن الذي كتب بين يدي رسول الله )صلى الله عليه وسلم(‬
‫أي أن عليه إقرار رب العزة سبحانه‪ ،‬فكان المكتوب في المصاحف إلى‬
‫اليوم هو المنقول من ذلك الذي عليه إقرار رب العزة الذي أنزله‪ ،‬فالقرآن‬
‫المكتوب المصاحف موافق على الذي عرضه جبريل على النبي )صلى الله‬
‫عليه وسلم(‪ ،‬وهما موافقان للذي نزل إلى بيت العزة في السماء الدنيا‪ ،‬وهذا‬
‫أيضا ً مطابق لما هو مكتوب في اللوح المحفوظ‪ ،‬فالحمد لله رب العالمين‬
‫على كمال الحفظ وتمام الحكام وشمول البيان ‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وما جاء في الحديث من قول زيد بن ثابت النصاري )رضى الله عنه(‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة النصاري لم أجدهما مع‬
‫ص عَل َي ْك ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫زيٌز عَل َي ْهِ َ‬ ‫م عَ ِ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬‫م َر ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬‫أحد غيره ‪) :‬ل َ َ‬
‫م( )التوبة‪ (128:‬حتى ختم براءة إلى أخرها‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬‫ؤو ٌ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫بينما قال زبد بن ثابت النصاري أيضًا‪ :‬لما نسخنا الصحف في المصاحف‬
‫فقدت آية من سورة الحزاب كنت أسمع رسول الله )صلى الله عليه وسلم(‬
‫يقرأها لم أجدها مع أحد إل مع خزيمة بن ثابت النصاري الذي جعل رسول‬
‫ل‬‫جا ٌ‬‫ن رِ َ‬‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫الله )صلى الله عليه وسلم( شهادته بشهادة رجلين ‪ِ ) :‬‬
‫ُ‬
‫ما ب َد ّلوا‬
‫ن ي َن ْت َظ ُِر وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ه وَ ِ‬
‫حب َ ُ‬
‫ضى ن َ ْ‬ ‫ن قَ َ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ فَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫عاهَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫صد َُقوا َ‬ ‫َ‬
‫ل( )الحزاب‪ (23:‬فألحقناها في سورتها في المصحف‪ ،‬ففي هذا أمور‬ ‫دي ً‬ ‫ت َب ْ ِ‬
‫هامة‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن آية سورة التوبة التي وجدت مع أبي خزيمة النصاري كانت وهم‬ ‫أو ً‬
‫يجمعون القرآن في زمن أبي بكر الصديق‪ ،‬أي ومجلس الجمع وطلب‬
‫الشهود منعقد وذلك في العام الثاني عشرة من الهجرة والصحابة ل يزالون‬
‫متوافرين‪ ،‬فهذا يعني أنهم وجدوها مكتوبة عنده ووجدوا من شهد من الشهود‬
‫أنها كتبت بين يدي النبي )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬فكانت هي النص الوحد‬
‫فكانت هي النص الوحد الذي وجد عند واحد فقط من كتبة الوحي‪ ،‬وذلك‬
‫يعني أن كل القرآن وجد عند أكثر من واحد من الصحابة‪ ،‬الذين كتبوا القرآن‬
‫وشهد من الصحابة الشهود بأنه كتب بين يدي النبي )صلى الله عليه وسلم(‬
‫هذا مع أنه محفوظ في صدور الكثير من أصحاب النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم( سمعوه منه وتناقلوه عنه‪.‬‬
‫ل‪ ،‬أو كتبت‬ ‫ثانيًا‪ :‬أن آية الحزاب فقدت عند الجمع الول‪ ،‬فلم تكتب فيه أص ً‬
‫ثم سقطت من بين صحائفه ومع ذلك بقي الصحابة يقرءونها مع قراءتهم‬
‫للسورة‪ ،‬وذلك يعني أنهم لم يكونوا يقرءون القرآن من المصحف‪ ،‬إنما كانوا‬
‫يقرءونه من المحفوظ ويتلقاه كل واحد منهم من حفظته‪ ،‬وأن من أراد أن‬
‫يكتب كنب لنفسه‪ ،‬لذا نشأت تلك المصاحف الخاصة التي أمر عثمان فيما‬
‫بعد بحرقها‪ ،‬لنها لم تنقل من المكتوب بين يدي النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم( في كل آياتها‪ ،‬وذلك يبين أن الصل الول في القرآن النقل بالتلقي‬
‫والمشافهة‪ ،‬وذلك شأن القرآن الكريم إلى ليوم وإلى آخر الزمان‪ ،‬فل يكون‬
‫مصدر القرآن أبدا ً النقل من المكتوب مهما كان موثوقا ً به‪ ،‬خاصة وأن‬
‫القرآن لما جمع في جمعه الول وفي نسخه الذي بعده كان خاليا ً من النقط‬
‫والشكل‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ثالثًا‪ :‬لما نسخ زيد وأصحابه مصحف أبي بكر غي المصاحف في زمن عثمان‪،‬‬
‫فقد آية سورة الحزاب فالتمسها‪ ،‬لحظ أن ذلك كان في العام الخامس‬
‫والعشرين للهجرة؛ أي قد انتهى مجلس الشهاد‪ ،‬فوجدت – بحمد الله تعالى‬
‫– مع خزيمة بن ثابت النصاري الذي جعل رسول الله )صلى الله عليه‬
‫وسلم( شهادته بشهادة رجلين‪ ،‬وهو غير أبي خزيمة النصاري‪ ) .‬فتنبه( ‪.‬‬
‫وسواء كان فقدها بعد أن جمعة في خلفة الصديق‪ ،‬ثم سقطت منهم‬
‫فاحتاجوا إلى إعادة كتابتها – وهو الراجح – أم كانت سقطت أصل ً في جمع‬
‫الصديق ولم تكتب إل في خلفة عثمان‪ ،‬مع علمنا أن التلقي كان بالحفظ ل‬
‫بالكتابة من ذلك المجموع المحفوظ عند أبي بكر ثم عمر‪ ،‬ثم حفصة‪ ،‬رضي‬
‫الله عنهم جميعًا‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فكأن جمع القرآن الذي أشار به عمر بن الخطاب )رضى الله عنه(‪،‬كان من‬
‫إلهام الله تعالى له‪ ،‬وذلك أن وفرة القرآن في صدور الصحاب كانت تزداد‬
‫وتنتقل إلى التابعين من أول يوم تولى الصديق )رضى الله عنه( فيه الخلفة‬
‫حيث أيقظ الصديق )رضى الله عنه( ‪ ،‬الصحابة من هول المصيبة التي‬
‫أصابتهم‪ ،‬وكان رأيهم في ذلك أن يموتوا على ما مات عليه النبي )صلى الله‬
‫عليه وسلم(‪ ،‬فلما تولى الصديق )رضى الله عنه( حث الصحابة على البقاء‬
‫على ذلك الدين بكل ما في‪ ،‬فحملهم على الجهاد وتبليغ الدين وإظهار معالمه‬
‫وبعث فيهم روح الدعوة لهذا الدين والثبات والجهاد لذا فإن أبا هريرة )رضى‬
‫الله عنه( قال‪ :‬والله لول أن أبا بكر استخلف‪ ،‬ما عبد الله‪ ،‬حتى قالوا في‬
‫المثال‪) :‬ردة ول أبا بكر لها(‪.‬‬
‫يقول ابن كثير في ) فضائل القرآن( عند ذكر جمع أبي بكر للقرآن‪ :‬وهذا من‬
‫أحسن وأجل ما فعل الصديق )رضى الله عنه( فإنه أقامه الله تعالى بعد‬
‫النبي )صلى الله عليه وسلم( مقاما ً ل ينبغي لحد من بعده قاتل العداء من‬
‫مانعي الزكاة والمرتدين والفرس والروم‪ ،‬ونفذ الجيوش وبعث البعوث‬
‫والسرايا‪ ،‬ورد المر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقته وذهابه وجمع القرآن‬
‫العظيم في أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه‪ ،‬وكان هذا من سر‬
‫ن( )الحجر‪ ، (9:‬فجمع‬ ‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫ح ُ‬
‫قوله تعالى ‪) :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫الصديق الخير وكف الشر رضي الله عنه وأرضاه‪.‬‬
‫ثم ساق حديث علي بن أبي طالب )رضى الله عنه( )أعظم الناس أجرا ً في‬
‫المصاحف أبو بكر‪ ،‬إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين(‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫أعني أن القرآن نقل من يوم نزوله بطريقين‪:‬‬
‫الكتابة‪ ،‬والداء فتنبه عمر لما حدث في طريق الداء عند قتل كثير من‬
‫الحفاظ من الصحابة‪ ،‬فأشار على الصديق )رضى الله عنه(‪ ،‬بجمع المكتوب‬
‫في مصحف واحد‪ ،‬فكان اللهام من فضل الله حفظا ً لكتابه؛ لنه القائل‪) :‬إ ِّنا‬
‫ن(‪ ،‬فإن الله سبحانه الذي تولى حفظ القرآن‬ ‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫جعل الحفظ والكتابة من أهم عوامل حفظه‪ ،‬فإذا فتر أحدهما قوى الله‬
‫الخر‪.‬‬
‫فانظر إلى الحافظة عند العرب كانت قوية‪ ،‬والكتابة ضعيفة‪ ،‬فقوى الله‬
‫سبحانه الكتابة بتقوية وسائلها رويدا ً رويدا ً من أقلم وأوراق وأحبار وطباعة‪،‬‬
‫ثم قوى الحافظة‪ ،‬حيث أظهر الحافظة الصناعية في المسجلت وغيرها‪،‬‬
‫فالحافظ هو الله الذي تولى حفظ القرآن وجعل له وسائل كثيرة‪َ) :‬وال ْ َ‬
‫خي ْ َ‬
‫ل‬
‫ن( )النحل‪. (8:‬وكان بداية‬ ‫مو َ‬‫ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ة وَي َ ْ‬
‫ها وَِزين َ ً‬‫ميَر ل ِت َْرك َُبو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل َوال ْ َ‬
‫َوال ْب َِغا َ‬
‫ذلك كله إلهام الله تعالى لعمر فيما أشار به على الصديق‪) ،‬رضى الله عنه(؛‬
‫وتصديق ذلك في )صحيح البخاري( من حديث أبي هريرة‪) ،‬رضى الله عنه(‬
‫أن النبي )صلى الله عليه وسلم( قال‪) :‬أنه كان فيما مضى قبلكم من المم‬
‫محدثون‪ ،‬وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب( فكان هذا‬
‫من اللهام المبكر الذي الهم به عمر دون غيره من الصحابة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ثم راجعه عمر‪ ،‬حتى تبين من المراجعة وبسط‬ ‫ولهذا فإن أبا بكر أمتنع أو ً‬
‫الحجج أن ذلك هو الصواب لنعلم أن الصحابة‪ ،‬رضوان الله عليهم‪ ،‬قد أقام‬
‫الله بهم الدين‪ ،‬فاجتهدوا ليوافقوا رسول الله )صلى الله عليه وسلم( في كل‬
‫شئ فالرسول )صلى الله عليه وسلم( أمر بالقرآن فكتب مفرقا ً في الرقاع‬
‫والعسب وغيرهما‪ ،‬ولكن يمنع كتابته في مصحف واحد أنه ينزل منجمًا‪ ،‬وأن‬
‫النسخ يأتي على بعض آيات منه‪ ،‬فل يصلح الجمع إل بعد التمام بانقطاع‬
‫الوحي‪ ،‬ول يكون ذلك إل بعد موته )صلى الله عليه وسلم(‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن فضل الله أنه قد كان إلهام ذلك لعمر )رضى الله عنه( ولو كان اللهام‬
‫لبي بكر لصار أمرا ً من الخليفة‪ ،‬فيطاع بغير حوار‪ ،‬فل يظهر اجتهاد الصحابة‬
‫وسعيهم لموافقة ما كان عليه رسول الله )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬ذلك‬
‫الجتهاد الذي يجعل كل مسلم يشعر أن الصحابة اجتهدوا ليوافقوا رسول الله‬
‫)صلى الله عليه وسلم( في كل شئ مهما كان ظهوره وجلئه‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وتدبر فإن جمع القرآن في مصحف واحد قد أشار القرآن والسنة إليه بذكره‬
‫ن( )البقرة‪) ، (2:‬وَل َ ّ‬
‫ما‬ ‫قي َ‬‫مت ّ ِ‬‫هدىً ل ِل ْ ُ‬ ‫ب ِفيهِ ُ‬‫ب ل َري ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا ُ‬ ‫في قوله تعالى‪) :‬ذ َل ِ َ‬
‫حك ْ َ‬
‫مة(‬ ‫ْ‬
‫ب َوال ِ‬ ‫ْ‬
‫م الك َِتا َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ّ‬
‫ه( )البقرة‪ )، (89:‬وَي ُعَل ُ‬ ‫ّ‬
‫عن ْدِ الل ِ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ب ِ‬‫م ك َِتا ٌ‬‫جاَءهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ل عَلي ْ َ‬ ‫حقّ ()البقرة‪:‬الية ‪) ،(176‬ن َّز َ‬ ‫ْ‬
‫ب ِبال َ‬ ‫ْ‬
‫ل الك َِتا َ‬ ‫ه ن َّز َ‬ ‫ّ‬
‫)البقرة‪)، (129:‬الل َ‬
‫ق()آل عمران‪:‬الية ‪ (3‬وفي عشرات من اليات‪ ،‬وجاء في‬ ‫ح ّ‬‫ب ِبال ْ َ‬‫ال ْك َِتا َ‬
‫الحديث) النهي عن السفر بالمصحف إلى بلد العدو(‪ ،‬فهذه النصوص الكثيرة‬
‫صارت كالمر من الله للمة لجمع القرآن في مصحف واحد ليصير كتابا ً‬
‫بالمعنى الكامل‪ ،‬فتأمل تلك النصوص يظهر لك أن الصحابة‪ ،‬رضوان الله‬
‫عليهم اجتهدوا في فهمها ‪ ،‬والعمل بها‪ ،‬فحفظ الله بهم السلم‪ ،‬وحماهم من‬
‫البدع والمحدثات‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫يقول القرطبي‪ :‬ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان وعلي وتميم‬
‫الداري وعبادة بن الصامت‪ ،‬وعبد الله بن عمرو بن العاص ‪ ،‬ثم قال‪ :‬وقد‬
‫تظاهرت اليات أن الئمة الربعة جمعوا القرآن – أي حفظوه في صدورهم –‬
‫على عهد النبي )صلى الله عليه وسلم( لجل سبقهم إلى السلم وإعظم‬
‫الرسول )صلى الله عليه وسلم( لهم‪) .‬انتهى( ‪.‬‬
‫وفي حديث أنس إثبات جمع القرآن لربعة من النصار هم‪ ،‬أبو الدرداء‪ ،‬ومعاذ‬
‫بن جبل‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وأبو زيد – واسمه سعد بن عبيد‪ -‬والمقصود أن‬
‫حفاظ القرآن كثير‪ ،‬ولكن لن بعض آياته حديثة عهد بالنزول فقد أتم حفظه‬
‫بعد وفاة النبي )صلى الله عليه وسلم( الكثير؛ لن بعض هذا لم يبلغهم؛ لنه‬
‫نزل قبيل وفاته‪ ،‬ولعله كلن في سفر أو شغل‪ ،‬فلما حضر أو فرغ‪ ،‬حفظ‪،‬‬
‫ولكن المتيقن منه أن كل القرآن مع كل الصحاب‪ ،‬كل آية منه مع جمع غفير‬
‫في تواتر مستفيض‪ ،‬فضل ً عن كتابتها في الرقاع التي نقلت منها المصاحف‪،‬‬
‫خاصة ما قبل العرضة الخيرة‪ ،‬وما بعدها اجتهدوا في وضعه‪ ،‬فوضعوه في‬
‫الموضع الذي رأى رسوا الله )صلى الله عليه وسلم( وضعه فيه‪ ،‬لذلك لم‬
‫يكن يحدث خلف بين الصحابة في ذلك‪ ،‬وكل خلف سرعان ما اختفي لقتناع‬
‫أصحابه‪ ،‬بعد مشاورة ومراجعة ليوافقوا ما كان عليه رسول الله )صلى الله‬
‫عليه وسلم( إنما بقي ذكر ذلك وحكايته لبيان اجتهاد الصحابة في ذلك‪ ،‬ليثبت‬
‫لنا بعد ذلك ان ترتيب القرآن وسوره توقيفي أطلع جبريل عليه رسول الله‬
‫)صلى الله عليه وسلم( والدلة على ذلك كثيرة جدا ً مبسوطة في مكانها من‬
‫علوم القرآن‪ ،‬وفي عرضات جبريل خاصة العرضة الخيرة الكفاية في ذلك‬
‫والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫فالقرآن الكريم جمع في خلفة أبي بكر الصديق )رضى الله عنه(‪ ،‬والصحابة‬
‫متوافرون في مصحف واحد‪ ،‬ثم نسخ في خلفة عثمان )رضى الله عنه(‪،‬‬
‫والصحابة يشهدون ذلك‪ ،‬فضل ً عن أن عثمان )رضى الله عنه( أرسل إلى‬
‫حفصة أن أرسلي الينا بالصحف ننسخها في المصاحف‪ ،‬ثم نردها إليك وإنما‬
‫فعل ذلك عثمان؛ لن الناس اختلفوا في القراءات بسبب تفرق الصحابة في‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البلدان‪ ،‬ونقل القرآن عنهم فقرأ كل قوم بالحرف الذي سمعوه من الصحابي‬
‫الذي علمهم‪ ،‬فلما التقوا في غزوة أرمينية قرأت كل طائفة بما روي لها‬
‫وذلك لن المسلمين رأوا حياتهم في القرآن ونصرهم في عبادة ربهم بالصلة‬
‫والتهجد‪ ،‬فكانوا بالليل رهبانا ً وفي النهار فرسانًا‪ ،‬فلما ظهرت قراءاتهم‬
‫للقرآن وقد تجمعوا من أمصار مختلفة كل تلقى من حرف الصحابي الذي‬
‫أقرأهم‪ ،‬اختلفوا وتنازعوا فأشفق حذيفة مما رأى منهم‪ ،‬فقدم المدينة ودخل‬
‫على عثمان قبل أن يدخل بيته‪ ،‬فقال له‪ :‬أدرك المة قبل أن تهلك‪ ،‬قال‪ :‬فيما‬
‫ذا؟ قال‪ :‬في كتاب الله‪ ،‬ثم قال‪ :‬أني حضرت هذه الغزوة‪ ،‬وقد جمعت ناس‬
‫من الشام والعراق والحجاز‪ ،‬فوصف الحال التي كانوا عليها من التنازع في‬
‫القراءة‪ ،‬ثم قال أني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتاب الله كما اختلف‬
‫اليهود والنصارى‪.‬‬
‫وينبغي لنا أن نتدبر كيف أن الله أظهر هذا النزاع المبكر وألهم الصحابة أل‬
‫يسكتوا عليه حتى يجمعوا الناس على رسم واحد للمصحف ويقرءوا بكل‬
‫حرف وافقه ويستمر المر معهم‪ ،‬فل يبقى من الحرف إل ما وافق ذلك‬
‫الرسم‪ ،‬والحمد لله تعالى على ذلك الخير العميم‪... ... .‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫جمع النهاية‬
‫في بداية الخير و الغاية‬
‫و هو‬
‫مختصر صحيح البخاري‬
‫لبي محمد ‪ ،‬عبد الله بن سعد بن أحمد بن أبي جمرة الزدي ‪ ،‬الندلسي ‪،‬‬
‫المالكي ‪ ،‬المتوفى سنة ‪ 695‬هـ‬
‫ضَبط أحاديثه و اعتنى به‬ ‫قاَبله و َ‬
‫أبو الهيثم الشهبائي‬
‫الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب‬
‫) الملقب بالشريف (‬
‫تقديم‬
‫الحمد لله على نعمائه و الصلة و السلم على نبيه محمد و آله ‪ ،‬و بعد‬
‫فبينما كنت أعمل على طباعة شرح الشيخ علي الجهوري على مختصر‬
‫صحيح البخاري ‪ ،‬المسمى جمع النهاية في بداية الخير و الغاية ‪ ،‬لبي محمد ‪،‬‬
‫عبد الله بن سعد بن أحمد بن أبي جمرة الزدي الندلسي المالكي ‪ ،‬بدا لي‬
‫أن من النفع للقارئ تمييز متن الكتاب ) و هو مختصر الصحيح ( عن حاشيته‬
‫) و هي شرح الشيخ الجهوري على المختصر ( ‪ ،‬ففعلت ذلك و قمت‬
‫بالفصل بين المتن و الحاشية ‪.‬‬
‫ي بعض الحباب بالفصل بينهما عند الطباعة لتاحة المتن لمن‬ ‫ثم أشار عل ّ‬
‫يريد حفظه من أحباب المصطفى صلى الله عليه و سلم الحريصين على‬
‫حفظ سنته و العمل بها ‪ ،‬فرأيت المر وجيها ً ‪ ،‬و عزمت على إفراد المتن‬
‫بالنشر أول ً ‪ ،‬ثم نشره مع حاشية الجهوري عليه حينما أفرغ من تحقيقها و‬
‫التعليق عليها بما يفيد إن شاء الله تعالى ‪ ،‬و أرجو أن ل يطول العهد بين نشر‬
‫هذا و ذاك ‪.‬‬
‫و ها أنا اليوم أبدأ بالمتن فأقدمه إلى المكتبة السلمية مضبوطا ً مشكول ً‬
‫مرقم الحاديث ‪ ،‬إلى جانب ترقيم أحاديث الجامع الصحيح للمام البخاري‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رحمه الله ‪ ،‬و ذكر الباب الذي روي فيه الحديث عند البخاري ‪ ،‬مع التزام ما‬
‫ألزم ابن أبي جمرة نفسه به من القتصار على متون الحاديث دون أسانيدها‬
‫‪ ،‬و الكتفاء من السانيد بذكر من روى كل حديث من الصحابة الكرام رضوان‬
‫الله عليهم أجمعين ‪ ،‬عن رسول رب العالمين ‪ ،‬صلى الله عليه و سلم ‪.‬‬
‫و تحسن الشارة هنا إلى أن المختصر الذي بين أيدينا وقع اسمه في كثير من‬
‫النسخ ‪ ،‬إن لم يكن أكثرها ‪ :‬جمع النهاية في بداية الخير و غاية ‪ ،‬بتجريد كلمة‬
‫) غاية ( من ) الـ ( التعريف ‪ ،‬مع أن تعريفها أنسب للسياق و أبلغ في‬
‫الدللة ‪ ،‬و هو المثبت على النسخة التي أمتلكها ‪ ،‬و لذلك عّرفتها ‪ ،‬و جعلت‬
‫عنوانه ‪:‬‬
‫جمع النهاية في بداية الخير و الغاية‬
‫و رحم الله ابن أبي جمرة الزدي فإنه لم يشأ أن يقتصر على اختصار‬
‫الصحيح إلى مئتين و ثمانية و سبعين حديثا ً ) بحسب النسخة التي عندي ‪ ،‬و‬
‫في غيرها أكثر من ذلك ببضعة أحاديث ( ‪ ،‬بل عمد بعد ذلك إلى شرحها ‪ ،‬و‬
‫أفاض في ذلك في كتاب سماه ) بهجة النفوس و تحليها بمعرفة مالها و عليها‬
‫( ‪ ،‬و هو كتاب نفيس سارت به الركبان و انتشرت نسخه المخطوطة في‬
‫شرق العالم و غربه ‪ ،‬و اعتمد عليه شراح البخاري بخاصة و شراح الحديث‬
‫بعامة ‪ ،‬حتى صار من أبرز المراجع الحديثية عند أهل العلم ‪.‬‬
‫طبَعت الَبهجة مرارا ً ‪ ،‬أّولها بإشراف و تحقيق إسماعيل بن عبد الله‬ ‫و قد ُ‬
‫شر مطبعة الصدق الخيرية بالقاهرة سنة ‪ 1355‬هـ ‪.‬‬ ‫المغربي الصاوي ‪ ،‬و ن َ ْ‬
‫خرها بتحقيق الدكتور بكري شيخ أمين معتمدا ً على خمس نسخ خطية ‪ ،‬و‬ ‫وآ ِ‬
‫قامت بنشر هذه الطبعة دار العلم للمليين ببيروت سنة ‪ 1997‬م ‪ ،‬في‬
‫دين كبيرين بلغ عدد صفحاتهما ) ‪ ( 1778‬صفحة ‪ ،‬تضم إلى جانب كتاب‬ ‫مجل ّ َ‬
‫ُ‬
‫سه ‪ ،‬و في هذا‬ ‫) بهجة النفوس ( كتاب ) المرائي الحسان ( للمؤلف نف ِ‬
‫كر سبعين رؤيا رآها حين شرح الكتاب ‪.‬‬ ‫الكتاب ي َذ ْ ُ‬
‫أما المؤلف فهو من أئمة الرواية ‪ ،‬و إن كان ذات هنات وهّنات في التصوف‬
‫و السلوك ‪ ،‬و قد أطال العلماء النفس في الكلم عليها ‪ ،‬و ليس هذا مقام‬
‫تعقبها أو بيانها ‪.‬‬
‫و إني إذ أدفع بهذا المختصر المبارك إلى المكتبة السلمية ‪ ،‬خدمة لسنة‬
‫الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬و رجاء أن نكون من أحبابه و‬
‫أتباعه ‪ ،‬لرجو من قارئه و حافظه ‪ ،‬و من أفاد منه أن يتذكرني بدعوة صادقة‬
‫عند تأمله أو تصفحه ‪ ،‬أو نصيحة نافعة عند الوقوف على ما هو خطأ أو خلف‬
‫الولى من عملي فيه ‪ ،‬فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬يقول ‪ ) :‬إن الله يدخل بالسهم الواحد‬
‫ه(‬ ‫من َب ّل َ ُ‬
‫ي به ‪ ،‬و ُ‬
‫صن ْعَِته الخيَر ‪ ،‬و الرام َ‬
‫ه يحتسب في َ‬ ‫ة ‪ :‬صان ِعَ ُ‬ ‫ثلثة نفر الجن َ‬
‫جهُّز به في سبيل‬ ‫ُ‬
‫مد ّ ب ِهِ ( ‪ ،‬و في أخرى ‪ ) :‬و الذي ي ُ َ‬‫م ِ‬ ‫و في رواية ‪ ) :‬و ال ُ‬
‫الله ( ‪.‬‬
‫و الله من وراء القصد ‪ ،‬و عليه التكال ‪ ،‬و صلى الله و سلم و بارك على نبينا‬
‫محمد و آله و صحبه أجمعين ‪.‬‬
‫و كتب‬
‫أبو الهيثم الشهبائي ‪ ،‬أحمد بن عبد الكريم نجيب ‪ ،‬الملقب بالشريف‬
‫دبِلن ) إيرلندا (‬
‫في الحادي و العشرين من ربيع الول ‪ ،‬سنة ‪ 1427‬هـ‬
‫الموافق للتاسع عشر من نيسان ‪ ،‬سنة ‪ 2006‬م‬
‫جمع النهاية‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في بداية الخير و الغاية‬


‫و هو‬
‫مختصر صحيح البخاري‬
‫لبي محمد ‪ ،‬عبد الله بن سعد بن أحمد بن أبي جمرة الزدي ‪ ،‬الندلسي ‪،‬‬
‫المالكي ‪ ،‬المتوفى سنة ‪ 695‬هـ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن سعد بن أبي جمرة الزدي ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪ : -‬الحمد لله حق حمده ‪ ،‬و الصلة و السلم على سيدنا محمد الخيرة من‬
‫خلقه ‪ ،‬و على الصحابة السادة المختارين لصحبته ‪ ،‬و بعد‬
‫فلما كان الحديث و حفظه من أقرب الوسائل إلى الله عز و جل بما‬
‫بمقتضى الثار في ذلك ‪ ،‬فمنها قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ )) : -‬من أدى‬
‫إلى أمتي حديثا ً واحدا ً يقيم به سنة ‪ ،‬أو يرد به بدعة ‪ ،‬فله الجنة (( ‪ ،‬و منها‬
‫قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ )) : -‬من حفظ على أمتي حديثا ً واحدا ً كان له‬
‫أجر أحد ٍ و سبعين نبيا ً صديقا ً (( ‪ ،‬و الثر في ذلك كثيٌر ‪.‬‬
‫ت‬
‫ت الهمم قد قصرت عن حفظها مع كثرة كتبها من أجل أسانيدها فرأي ُ‬ ‫و رأي ُ‬
‫من أصح كتبه كتابا أختصر منه أحاديث بحسب الحاجة إليها ‪ ،‬و أختصر‬ ‫ً‬ ‫أن آخذ ِ‬
‫أسانيدها ما عدا راوي الحديث ‪ ،‬فل بد منه فيسُهل حفظها و تكثر الفائدة فيها‬
‫إن شاء الله تعالى ‪ ،‬فوقع لي أن يكون كتاب البخاري لكونه من أصحها و‬
‫لكونه رحمه الله تعالى كان من الصالحين و كان مجاب الدعوة و دعا‬
‫لقارئه ‪ ،‬و قد قال لي من لقيته من القضاة الذين كانت لهم المعرفة و‬
‫ن كتابه ما ُقرئَ في وقت‬ ‫قّر لهم بالفضل ‪ :‬إ ّ‬ ‫م َ‬
‫ي من السادة ال ُ‬ ‫من لق َ‬ ‫الرحلة ع ّ‬
‫ت مع بركة‬ ‫ب به في مركب فغَرَِقت قط ‪ ،‬فرغب ُ‬ ‫جت ‪ ،‬و ل ُرك ِ َ‬ ‫شدة إل فُّر َ‬
‫ّ‬
‫الحديث في تلك البركات ‪ ،‬لما في القلوب من الصدأ ؛ فلعله بفضل الله أن‬
‫مل‬ ‫ح ْ‬ ‫مت عليها ‪ ،‬و لع ّ‬
‫ل بِ َ‬ ‫ج شديد َ الهواء التي تراك َ‬ ‫ما بها ‪ ،‬و أن ُيفّر َ‬ ‫يكشف ع ّ‬
‫تلك الحاديث الجليلة ُتعفى من الغرق في بحور البدع و الثام ‪.‬‬
‫مَلت بحسب ما وّفق الله إليه فإذا هي َثلثمائة حديث غير بضٍع فكان‬ ‫فلما ك ُ‬
‫أولها كيف كان بدء الوحي لرسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬و آخرها‬
‫ميُته‬
‫ة و إنعام الله عليهم بدوام رضاه فيها ؛ فس ّ‬ ‫دخول أهل الجنة الجن َ‬
‫بمقتضى وضعه ‪:‬‬
‫جمع النهاية في بدء الخير و غاية‬
‫م الله لي و لكل من قرأهُ أو سمعه بدء‬ ‫م َ‬
‫و لم أفّرق بينها بتبويب ‪ ،‬رجاء أن ُيت ّ‬
‫الخير بغايته ‪ ،‬فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلها لقلوبنا جلًء ‪،‬‬
‫ب سواه ‪ ،‬و صلى الله على سيدنا محمد خاتم‬ ‫و لداء ديننا شفاًء بمّنه ل ر ّ‬
‫ب العالمين ‪.‬‬ ‫النبيين ‪ ،‬و الحمد لله ر ّ‬
‫] باب ‪ :‬كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪. [ -‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل الله ‪-‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ما ب ُدِئَ ب ِهِ َر ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ‪ )) :‬أ َوّ ُ‬ ‫ة أ ُم ال ْمؤْمِني َ‬


‫ن أن َّها َقال َ ْ‬‫ُ ِ َ‬ ‫ش َ ّ‬ ‫عائ ِ َ‬
‫ن َ‬‫] ‪ [ 3 / 1‬عَ ْ‬
‫ن ل ي ََرى‬ ‫َ‬
‫ة ِفي الن ّوْم ِ فَكا َ‬ ‫ح ُ‬‫صال ِ َ‬‫ي الّرؤَْيا ال ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ن الوَ ْ‬ ‫م َ‬‫صلى الله عليه وسلم ‪ِ -‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مث ْ َ َ‬
‫حَراٍء‬ ‫خلو ب َِغارِ ِ‬
‫َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫خلُء وَكا َ‬
‫َ‬
‫ب إ ِلي ْهِ ال َ‬ ‫حب ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫صب ِْح ث ُ ّ‬
‫ق ال ّ‬ ‫ل فَل ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫ُرؤَْيا ِإل َ‬
‫جاَء ْ‬
‫َ‬
‫ن ي َن ْزِع َ إ ِلى أهْل ِهِ وَي َت ََزوّد ُ‬‫لأ ْ‬ ‫ْ‬
‫ت العَد َد ِ قَب ْ َ‬‫ي ذ ََوا ِ‬ ‫ّ‬
‫ث ِفيهِ و هوَ الت ّعَب ّد ُ اللَيال ِ َ‬ ‫فَي َت َ َ‬
‫حن ّ ُ‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حَراءٍ‬ ‫غارِ ِ‬ ‫حقّ و هوَ ِفي َ‬ ‫جاَءهُ ال ْ َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫مث ْل َِها َ‬ ‫ة فَي َت ََزوّد ُ ل ِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫جعُ إ َِلى َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫ك ثُ ّ‬ ‫ل ِذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مّني‬ ‫حّتى ب َل َغَ ِ‬ ‫خذ َِني فَغَط ِّني َ‬ ‫ل فَأ َ‬ ‫ئ َقا َ‬ ‫قارِ ٍ‬ ‫ما أَنا ب ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل اقَْرأ َقا َ‬ ‫قا َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫جاَءهُ ال ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫ة َ‬ ‫خذ َِني فَغَط ِّني الّثان ِي َ َ‬ ‫ئ فَأ َ‬ ‫قارِ ٍ‬ ‫ما أَنا ب ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ل اقَْرأ قُل ْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫سل َِني فَ َ‬ ‫م أْر َ‬ ‫جهْد َ ث ُ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خذ َِني فَغَط ِّني‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ئ فَأ َ‬ ‫قارِ ٍ‬ ‫ما أَنا ب ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ل اقَْرأ فَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫سل َِني فَ َ‬ ‫م أْر َ‬ ‫جهْد َ ث ُ ّ‬ ‫مّني ال ْ َ‬ ‫ب َل َغَ ِ‬
‫م ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬‫ن عَل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫خل َقَ اْل ِن ْ َ‬ ‫خل َقَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫ل ? اقَْرأ ِبا ْ‬ ‫قا َ‬ ‫سل َِني فَ َ‬ ‫م أْر َ‬ ‫ة ثُ ّ‬ ‫الّثال ِث َ َ‬
‫ل الله ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫جعَ ب َِها َر ُ‬ ‫م ? ]القلم ‪ [ 3 - 1 :‬فََر َ‬ ‫ك اْلك َْر ُ‬
‫َ‬ ‫اقَْرأ ْ وََرب ّ َ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫ضي الّله عَن َْها فَ َ‬ ‫خوَي ْل ِد ٍ َر ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ة ب ِن ْ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ل عََلى َ‬ ‫خ َ‬ ‫ؤاد ُه ُ فَد َ َ‬ ‫ف فُ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫وسلم ‪ -‬ي َْر ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خب ََر‬ ‫ها ال َ‬ ‫خب ََر َ‬ ‫ةوأ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه الّروْع ُ فَ َ‬ ‫ب عَن ْ ُ‬ ‫حّتى ذ َهَ َ‬ ‫ملوه ُ َ‬ ‫ملوِني فََز ّ‬ ‫مُلوِني َز ّ‬ ‫َز ّ‬
‫ك‬ ‫دا إ ِن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫زي َ‬ ‫ة َ‬ ‫َ‬ ‫سي فَ َ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫ك الله أب َ ً‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫كل و الله َ‬ ‫ج ُ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫قال ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت عَلى ن َ ْ‬ ‫شي ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫قد ْ َ‬
‫ب‬
‫وائ ِ ِ‬ ‫ن عََلى ن َ َ‬ ‫ف وَت ُِعي ُ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ري ال ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫م وَت َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ل وَت َك ْ ِ‬ ‫ل ال ْك َ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م وَت َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ل الّر ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ل َت َ ِ‬
‫دال ْعُّزى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حقّ َفان ْط َل َ َ‬
‫ن عَب ْ ِ‬ ‫سد ِ ب ْ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ل بْ ِ‬ ‫ن ن َوْفَ ِ‬ ‫ة بْ َ‬ ‫ت ب ِهِ وََرقَ َ‬ ‫حّتى أت َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ج ُ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ب ِهِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ً‬
‫ب ال ْعِب َْران ِ ّ‬
‫ي‬ ‫ب ال ْك َِتا َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ وَ َ‬ ‫صَر ِفي ال ْ َ‬ ‫مَرأ قَد ْ ت َن َ ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ج َ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫اب ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ي‬‫م َ‬ ‫خا كِبيًرا قَد ْ عَ ِ‬ ‫شي ْ ً‬ ‫ن َ‬ ‫ب وَكا َ‬ ‫ن ي َكت ُ َ‬ ‫شاَء الله أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل ِبالعِب َْران ِي ّةِ َ‬ ‫جي ِ‬ ‫ن الن ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫فَي َكت ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خي‬ ‫نأ ِ‬ ‫ة َيا اب ْ َ‬ ‫َ‬
‫ه وََرق ُ‬ ‫لل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫خيك ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫مع ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫ة َيا اب ْ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫تل ُ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ما َرأى فَ َ‬ ‫خب ََر َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صّلى الّلهم عَل َي ْهِ و َ‬ ‫ل الله َ‬ ‫سو ُ‬ ‫خب ََرهُ َر ُ‬ ‫ماَذا ت ََرى فَأ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عا لي ْت َِني أكو ُ‬ ‫جذ ً‬ ‫سى َيا لي ْت َِني ِفيَها َ‬ ‫مو َ‬ ‫ذي ن َّزل الله عَلى ُ‬ ‫س ال ِ‬ ‫مو ُ‬ ‫ة هَذا الّنا ُ‬ ‫وََرق ُ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫لهم‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫الله‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ج‬ ‫ْ‬
‫َ ْ ِ َ َ َ َ ُ ْ ِ ِ ّ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫حّيا إ ِ ُ ْ ِ ُ‬
‫ر‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫م َ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ني‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫عو‬ ‫إل‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ج‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ّ‬
‫ط‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ٌ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫ِ َ َِ ْ ُ ْ ِ ِ َ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ ِ َ ِ ََ ِ ِ ِ‬ ‫ََ ْ ْ َ ِ َ ُ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫شَها ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل اب ْ ُ‬ ‫ي َقا َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ي وَفَت ََر ال ْوَ ْ‬ ‫ن ت ُوُفّ َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ب وََرقَ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ي َن ْ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫مؤَّزًرا ث ُ ّ‬ ‫صًرا ُ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫صْر َ‬ ‫أن ْ ُ‬
‫ة بن عَبدالرحم َ‬ ‫َ‬ ‫و أَ ْ‬
‫و‬
‫لوه َ‬ ‫صارِيّ َقا َ‬ ‫دالله الن ْ َ‬ ‫ن عَب ْ ِ‬ ‫جاب َِر ب ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫م َ ْ ُ ْ ِ ّ ْ َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫خب ََرِني أُبو َ‬
‫َ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫صوًْتا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫شي إ ِذ ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ديث ِهِ ب َي َْنا أَنا أ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫قا َ‬ ‫ي فَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن فَت َْرةِ ال ْوَ ْ‬ ‫ث عَ ْ‬ ‫حد ّ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ن‬ ‫ي ب َي ْ َ‬ ‫س ّ‬ ‫س عَلى ك ُْر ِ‬ ‫َ‬ ‫جال ِ ٌ‬ ‫حَراٍء َ‬ ‫جاَءِني ب ِ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫مل ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ري فَإ َِذا ال َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ت بَ َ‬ ‫ماِء فََرفَعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ملوِني فَأن َْز َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ت فَ ُ‬
‫ل الله ت ََعالى‬ ‫ملوِني َز ّ‬ ‫ت َز ّ‬ ‫قل ُ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫ه فََر َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫عب ْ ُ‬ ‫ض فَُر ِ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جْر ?‬ ‫جَز َفاهْ ُ‬ ‫م فَأن ْذِْر ? ] المدثر ‪ [ 2 ، 1 :‬إ ِلى قَوْل ِهِ ? َوالّر ْ‬ ‫مد ّث ُّر قُ ْ‬ ‫? ي َأي َّها ال ُ‬
‫ه‬
‫ي وَ ت ََتاب َعَ َتاب َعَ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ي الوَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫] المدثر ‪ [ 5 :‬فَ َ‬
‫] باب ‪ :‬حلوة اليمان [‬
‫ي ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫ّ‬ ‫] ‪ [ 16 / 2‬عَ َ‬
‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ضي اللهم عَْنهم عَ‬ ‫ك َر ِ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫س بْ‬ ‫ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫هُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وسلم ‪َ -‬قا َ‬
‫سول ُ‬ ‫ن الله وََر ُ‬ ‫ن ي َكو َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫حلوَةَ الي َ‬ ‫جد َ َ‬ ‫ن ِفيهِ وَ َ‬ ‫نك ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ث َ‬ ‫ل ‪ )) :‬ثل ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ي َُعود َ ِفي‬ ‫ن ي َك َْرهَ أ ْ‬ ‫ه ِإل ل ِل ّهِ و أ ْ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫مْرَء ل ي ُ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ما و أ ْ‬ ‫واهُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬ ‫ال ْك ُ ْ‬
‫ف ِفي الّنارِ (( ‪.‬‬ ‫قذ َ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ما ي َك َْره ُ أ ْ‬ ‫فرِ ك َ َ‬
‫] باب ‪ :‬علمة اليمان حب النصار [‬

‫)‪(3 /‬‬

‫و‬
‫شهِد َ ب َد ًْرا و ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ت ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن عَُباد َة َ ب ْ َ‬ ‫] ‪ [ 18 / 3‬عَ ّ‬
‫هَ‬ ‫ل الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪َ -‬قا َ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قَباِء ل َي ْل َ َ‬ ‫َ‬
‫حوْل ُ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫قب َةِ أ ّ‬ ‫ة العَ َ‬ ‫حد ُ الن ّ َ‬‫أ َ‬
‫َ‬ ‫ةم َ‬
‫سرُِقوا و‬ ‫شي ًْئا و ل ت َ ْ‬ ‫كوا ِبالله َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ن ل تُ ْ‬ ‫حاب ِهِ ‪َ )) :‬باي ُِعوِني عََلى أ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫صاب َ ٌ ِ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ِ‬
‫مول‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جل ِك ْ‬ ‫م و أْر ُ‬ ‫ديك ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ه ب َي ْ َ‬‫فت َُرون َ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م و ل ت َأُتوا ب ِب ُهْ ََتا ٍ‬ ‫قت ُلوا أْولد َك ْ‬ ‫َل ت َْزُنوا و ل ت َ ْ‬
‫ن ذ َل ِكَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫صا َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جُرهُ عَلى الله و َ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ن وََفى ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ف فَ َ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫صوا ِفي َ‬ ‫ت َعْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ست ََرهُ الله‬ ‫م َ‬ ‫شي ًْئا ث ُ ّ‬ ‫ن ذ َل ِك َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫صا َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫هو َ‬ ‫فاَرة ٌ ل ُ‬ ‫ب ِفي الد ّن َْيا فَهُوَ ك ّ‬ ‫شي ًْئا فَُعوقِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ه فََباي َعَْناه ُ عَلى ذ َِلك (( ‪.‬‬ ‫عاقَب َ ُ‬ ‫شاَء َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه و إِ ْ‬ ‫فا عَن ْ ُ‬ ‫شاَء عَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فَهُوَ إ ِلى الله إ ِ ْ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما ? ] الحجرات ‪:‬‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫ن اقْت َت َلوا فَأ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فَتا ِ‬‫ن طائ ِ َ‬ ‫] باب ‪ ? :‬وَإ ِ ْ‬
‫‪[9‬‬
‫جلَ‬ ‫صَر هَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ذا الّر ُ‬ ‫ت ِلن ْ ُ‬ ‫س قال ذ َهَب ْ ُ‬ ‫ن قي ْ ٍ‬ ‫ف بْ ِ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫] ‪ [ 31 / 4‬عَ ِ‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫قا َ َ‬ ‫قي َِني أ َُبو ب َك َْرة َ فَ َ‬
‫ت‬‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫جعْ فَإ ِّني َ‬ ‫ل اْر ِ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫صُر هَ َ‬ ‫ت أن ْ ُ‬ ‫ريد ُ قُل ْ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫ل أي ْ َ‬ ‫فَل َ ِ‬
‫ما‬‫في ْهِ َ‬ ‫سي ْ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قى ال ْ ُ‬ ‫ل ‪ )) :‬إ َِذا ال ْت َ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ي َ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫ل‬‫قُتو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ما َبال ال َ‬ ‫ُ‬ ‫قات ِل ف َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫سول الله هَذا ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قُتول ِفي الّنارِ ف ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫قات ِل َوال َ‬ ‫ُ‬ ‫َفال ْ َ‬
‫حب ِهِ (( ‪.‬‬ ‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫صا عََلى قَت ْ ِ‬ ‫ري ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫] باب ‪ :‬قيام ليلة القدر من اليمان [‬
‫ل الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪)) : -‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرة َ َقا َ‬ ‫] ‪ [ 35 / 5‬عَ ْ‬
‫ن ذ َن ْب ِهِ (( ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫فَر ل ُ‬ ‫ساًبا غُ ِ‬ ‫حت ِ َ‬ ‫ماًنا َوا ْ‬ ‫قد ْرِ ِإي َ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫م ل َي ْل َ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫] باب ‪ :‬الدين يسر [‬
‫ن‬
‫ل ‪ )) :‬إ ِ ّ‬ ‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪َ -‬قا َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرة َ عَ‬ ‫] ‪ [ 39 / 6‬عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ست َِعيُنوا‬ ‫شُروا َوا ْ‬ ‫سد ُّدوا وََقارُِبوا و أب ْ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫حد ٌ ِإل غَلب َ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫دي َ‬ ‫شاد ّ ال ّ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫سٌر وَل َ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ال ّ‬
‫جةِ (( ‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ن الد ّل َ‬ ‫م َ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫حةِ وَ َ‬ ‫ِبال ْغَد ْوَةِ َوالّروْ َ‬
‫] باب ‪ :‬أداء الخمس من اليمان [‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫] ‪ [ 53 / 7‬عَ َ‬
‫سِني عَلى‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫س يُ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ن عَّبا‬ ‫ِ‬ ‫مع َ ا ب ْ‬ ‫ت أقْعُد ُ َ‬ ‫ل ك ُن ْ ُ‬ ‫مَرة َ َقا َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ك سهما من مالي فَأ َ‬ ‫َ‬ ‫ل لَ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫عندي حتى أ َ‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫ل أَ‬ ‫قا َ‬ ‫ريرِهِ فَ َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪:‬‬ ‫وا الن ّب ِ ّ‬ ‫ما أت َ ُ‬ ‫سل ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫قي ْ ِ‬ ‫دال َ‬ ‫ن وَفد َ عَب ْ ِ‬
‫َ‬
‫م قال إ ِ ّ‬
‫قوْم ِ أوْ ِبال ْوَفْد ِ غَي َْر‬ ‫حًبا ِبال ْ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ة َقا َ‬ ‫ن ال ْوَفْد ُ َقاُلوا ‪َ :‬رِبيعَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫م أوْ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫)) َ‬
‫ر‬ ‫ه‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫إل‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫تي‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫طي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫الله‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫يا‬ ‫‪:‬‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫مى‬
‫ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ ْ َ ِ ُ ْ َ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫خَزا َ َ َ َ َ‬
‫دا‬ ‫ن‬ ‫ول‬ ‫يا‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫فا‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْ ٍ ُ ِْ ِ ِ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ُ َ َ َ ُ ْ َ ِ َْ ٍ‬ ‫ََ ّ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ا َ َ ِ ََََْ َََْ‬
‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫را‬ ‫ح‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ة وَ َ ُ‬
‫ن أْرب ٍَع‬ ‫م عَ ْ‬ ‫م ب ِأْرب ٍَع وَن ََهاهُ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫شرِب َةِ فَأ َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫سألوه ُ عََ ِ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ل ب ِهِ ال ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫وََراَءَنا وَن َد ْ ُ‬
‫حد َه ُ َقاُلوا الله‬ ‫حد َه ُ َقا َ‬ ‫َ‬
‫ن ِبالله وَ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ما الي َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل أت َد ُْرو َ‬ ‫ن ِبالله وَ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ِبالي َ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ورسول ُ َ‬
‫ل الله وَإ َِقا ُ‬
‫م‬ ‫سو ُ‬ ‫دا َر ُ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ه ِإل الله و أ ّ‬ ‫ن ل إ ِل َ َ‬ ‫شَهاد َة ُ أ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫طوا‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫كاة وصيام رمضان و أ َ‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫تا‬ ‫إي‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫صلَةِ َ ِ‬
‫و‬ ‫ال ّ‬
‫قي ّرِ و َقا َ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫ل ال ُ‬‫ْ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ت وَُرب ّ َ‬ ‫مَزفّ ِ‬ ‫ْ‬
‫قيرِ َوال ُ‬ ‫حن ْت َم ِ و الد ّّباِء َوالن ّ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ن أْرب ٍَع عَ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫م (( ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ن وََراَءك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫خب ُِروا ب ِهِ ّ‬ ‫نوأ ْ‬ ‫فظوهُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ا ْ‬
‫] باب ‪ :‬ما جاء أن العمال بالنية والحسبة‪ ،‬ولكل امرىء ما نوى [‬
‫ل ‪ )) :‬إ َِذا‬ ‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪َ -‬قا َ‬ ‫] ‪ [ 39 / 8‬عَ َ‬
‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫سُعود ٍ عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫أ َن ْ َ‬
‫ة (( ‪.‬‬ ‫صد َقَ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫سب َُها فَهُوَ ل َ ُ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ل عََلى أهْل ِهِ ي َ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫فقَ الّر ُ‬
‫] باب ‪ :‬العلم قبل القول والعمل [‬
‫خي ًْرا‬ ‫ن ي ُرِدِ الله ب ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪َ )) : -‬‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫] ‪َ [ 10 / 9‬قا َ‬
‫م ِبالت ّعَل ّم ِ (( ‪.‬‬ ‫ما ال ْعِل ْ ُ‬ ‫ن وَإ ِن ّ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ه ِفي ال ّ‬ ‫قهْ ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫يُ َ‬
‫ب‬‫قا ي َط ْل ُ ُ‬ ‫ري ً‬ ‫ك طَ ِ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪َ )) : -‬‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫] ‪َ [ 10 / 10‬قا َ‬
‫جن ّةِ (( ‪.‬‬ ‫قا إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ري ً‬ ‫ه طَ ِ‬ ‫ل الله ل َ ُ‬ ‫سهّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫عل ْ ً‬ ‫ب ِهِ ِ‬
‫] باب ‪ :‬من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين [‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ت‪-‬‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫طيًبا ي َ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مَعاوِي َ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫معْ ُ‬


‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫دالّر ْ‬ ‫ن عَب ْ ِ‬ ‫مي ْد ُ ب ْ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ن ُ‬ ‫] ‪ [ 71 / 11‬عَ ِ‬
‫ما‬‫ن وَإ ِن ّ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ه ِفي ال ّ‬ ‫قهْ ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫خي ًْرا ي ُ َ‬ ‫ن ي ُرِدِ الله ب ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل " )) َ‬ ‫قو ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضّرهُ ْ‬ ‫مرِ الله ل ي َ ُ‬ ‫ة عَلى أ ْ‬ ‫م ً‬ ‫ة َقائ ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل هَذِهِ ال ّ‬ ‫ن ت ََزا َ‬ ‫طي وَل َ ْ‬ ‫م َوالله ي ُعْ ِ‬
‫ْ‬
‫س ٌ‬ ‫أَنا َقا ِ‬
‫مُر الله (( ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خال َ َ‬
‫يأ ْ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫فهُ ْ‬ ‫َ‬
‫] باب ‪ :‬من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس [‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫] ‪ [ 86 / 12‬عَ َ‬
‫ن‬
‫شأ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫قل ُ‬ ‫صلي فَ ُ‬ ‫ي تُ َ‬ ‫ة وَهِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ت أت َي ْ ُ‬ ‫ماَء َقال َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬
‫ة‬‫ت آي َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن الله قل ُ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫َ‬
‫قال ْ‬ ‫مف َ‬ ‫َ‬ ‫س قَِيا ٌ‬ ‫ماِء فإ َِذا الّنا ُ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬‫ت إ ِلى ال ّ‬ ‫َ‬ ‫شاَر ْ‬‫س فَأ َ َ‬‫ال َّنا ِ‬
‫ب عَلى‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جلِني الغَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فَأ َ‬
‫ص ّ‬‫تأ ُ‬ ‫جعَل ُ‬ ‫يف َ‬ ‫ش ُ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫ق ْ‬
‫مف ُ‬ ‫سَها أيْ ن َعَ ْ‬ ‫ت ب َِرأ ِ‬ ‫شاَر ْ‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫م و أث َْنى عَل َي ْهِ ث ُ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صّلى الّلهم عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫مد َ الله عَّز وَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ماَء فَ َ‬ ‫سي ال ْ َ‬ ‫َرأ ِ‬
‫َ‬ ‫شيٍء ل َم أ َك ُ ُ‬
‫ة و الّناُر‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫حّتى ال ْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫ه ِإل َرأي ْت ُ ُ‬ ‫ن أِريت ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل ‪َ )) :‬‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫ك َقال َ ْ‬ ‫ب ل أد ِْري أيّ ذ َل ِ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ل أوْ قَ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ِفي قُُبورِك ُ ْ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ي أن ّك ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ي إ ِل َ‬ ‫َ‬ ‫فَأو ِ‬
‫ح‬
‫ن أ َِو‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫ل فَأ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫ك ب ِهَ َ‬ ‫م َ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ل يُ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫سيِح الد ّ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن فِت ْن َةِ ال ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ماُء ِ‬ ‫س َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاَءَنا‬ ‫ل الله َ‬ ‫سو ُ‬ ‫مد ٌ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل هُوَ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ماُء فَي َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما َقال َ ْ‬ ‫ن ل أد ِْري ب ِأي ّهِ َ‬ ‫موقِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مَنا إ ِ ْ‬ ‫حا قَد ْ عَل ِ ْ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫م َ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫قا ُ‬ ‫مد ٌ َثلًثا فَي ُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫جب َْنا َوات ّب َعَْنا هُوَ ُ‬ ‫دى فَأ َ‬ ‫ت و ال ْهُ َ‬ ‫ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫قو ُ‬ ‫ماُء فَي َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ك َقال ْ‬ ‫ب ل أد ِْري أيّ ذ َل ِ َ‬ ‫مْرَتا ُ‬ ‫مَنافِقُ أوِ ال ُ‬ ‫ما ال ُ‬ ‫موقًِنا ب ِهِ و أ ّ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ك ُن ْ َ‬
‫ه (( ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫شي ًْئا فَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قلت ُ ُ‬ ‫قولو َ‬ ‫س يَ ُ‬ ‫ت الّنا َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل أد ِْري َ‬
‫] باب ‪ :‬الحرص على الحديث [‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل ‪ِ :‬قي َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫َ‬ ‫] ‪ [ 99 / 13‬عَ َ‬
‫سعَد ُ الّنا ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الله َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرة َ أن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫قد ْ‬ ‫ل الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ )) : -‬ل َ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫مةِ َقا َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ك ي َوْ َ‬ ‫فاعَت ِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما َرأي ْ ُ‬ ‫من ْك ل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ل ِ‬ ‫حد ٌ أوّ ُ‬ ‫ثأ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذا ال َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫سألِني عَ ْ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫ت َيا أَبا هَُري َْرة َ أ ْ‬ ‫ظ َن َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ه ِإل‬ ‫ل ل إ ِل َ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫مةِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫فاعَِتي ي َوْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫سعَد ُ الّنا ِ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك عََلى ال ْ َ‬ ‫ص َ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ِ‬
‫سهِ (( ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف ِ‬ ‫ن قلب ِهِ أوْ ن َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫خال ِ ً‬ ‫الله َ‬
‫] باب ‪ :‬كيف يقبض العلم [‬
‫سول الله ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ص قال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن الَعا ِ‬ ‫رو ب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دالله ب ْ ِ‬ ‫ن عَب ْ ِ‬ ‫] ‪ [ 100 / 14‬عَ ْ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ ِ ُ ِ َ َِْ ً ََْ ِ ُ ُ ِ َ‬‫ع‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫عا‬ ‫زا‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ض‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫الله‬ ‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫))‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫‪-‬‬ ‫وسلم‬ ‫صلى الله عليه‬
‫س‬‫خذ َ الّنا ُ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫عال ِ ً‬ ‫ق َ‬ ‫م ي ُب ْ ِ‬ ‫حّتى إ َِذا ل َ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫ض ال ْعُل َ َ‬ ‫قب ْ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ض ال ْعِل ْ َ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ال ْعَِبادِ و ل َك ِ ْ‬
‫ضّلوا ((‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضّلوا و أ َ‬ ‫عل ْم ٍ فَ َ‬ ‫وا ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫سئ ُِلوا فَأفْت َ ْ‬ ‫جّهاًل فَ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫ُرُءو ً‬
‫] باب ‪ :‬من سمع شيئا فراجعه حتى يعرفه [‬
‫ع‬
‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ل تَ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪َ -‬‬ ‫ج الن ّب ِ ّ‬ ‫ة َزوْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫] ‪ [ 103 / 15‬عن َ‬
‫َ‬
‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫هوأ ّ‬ ‫حّتى ت َعْرِفَ ُ‬ ‫ت ِفيهِ َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ه ِإل َرا َ‬ ‫شي ًْئا ل ت َعْرِفُ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ة فَ ُ‬ ‫َ‬
‫ل الله ت ََعالى ?‬ ‫قو ُ‬ ‫س يَ ُ‬ ‫ت أوَلي ْ َ‬ ‫قل ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ب َقال ْ‬ ‫ب عُذ ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫حو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ‪َ )) :‬‬ ‫َقا َ‬
‫ك‬‫ما ذ َل ِ ِ‬ ‫ل ‪ :‬إ ِن ّ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ت ‪ :‬فَ َ‬ ‫َ‬
‫سيًرا ? ] النشقاق ‪َ [8 :‬قال ْ‬ ‫ساًبا ي َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِ‬ ‫س ُ‬ ‫حا َ‬ ‫ف يُ َ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ب ي َهْل ِك (( ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫سا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ش ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن ُنوقِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ض و لك ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ال ْعَْر ُ‬
‫] باب ‪ :‬من سأل ‪ ،‬و هو قائم ‪ ،‬عالما جالسا [‬
‫ي ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫سى َقا َ‬ ‫] ‪ [ 123 / 16‬عَ َ‬
‫ل إ ِلى الن ّب ِ ّ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن أِبي ُ‬ ‫ْ‬
‫ضًبا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫وسلم ‪ -‬فَ َ‬
‫قات ِل غ َ‬ ‫حد ََنا ي ُ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ل الله فإ ِ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قَتال ِفي َ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫سول الله َ‬ ‫ل ‪َ :‬يا َر ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َقائ ِ ً‬
‫ما‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ِإل أن ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ما َرفَعَ إ ِل َي ْهِ َرأ َ‬ ‫ل‪:‬و َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ة فََرفَعَ إ ِل َي ْهِ َرأ َ‬ ‫مي ّ ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قات ِ ُ‬ ‫وَي ُ َ‬
‫ل ((‬ ‫ج ّ‬ ‫َ ّ َ َ‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫الله‬ ‫ل‬
‫َ ِ ِ‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫ِ َ ُ َ ُ َ ِ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫يا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫الله‬ ‫ة‬
‫َ ِ َ ُ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫َ َِ‬‫ت‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫))‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫فَ َ‬
‫‪.‬‬
‫] باب ‪ :‬ل يتوضأ من الشك حتى يستيقن [‬
‫َ‬
‫ل الله ‪ -‬صلى‬ ‫سو ِ‬ ‫كا إ َِلى َر ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ه َ‬ ‫مهِ أن ّ ُ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫ميم ٍ عَ ْ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ن عَّبادِ ب ْ ِ‬ ‫] ‪ [ 137 / 17‬عَ ْ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫صلةِ فَ َ‬ ‫جد ُ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خي ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ج ُ‬
‫يَء ِفي ال ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫ل إ ِلي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫ذي ي ُ َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ -‬الّر ُ‬
‫حا (( ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فت ِ ْ َ‬
‫جد َ ِري ً‬ ‫صوًْتا أوْ ي َ ِ‬ ‫مع َ َ‬ ‫س َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫صرِ ْ‬ ‫ل أوْ ل ي َن ْ َ‬ ‫)) ل ي َن ْ َ‬
‫] باب ‪ :‬ل يمسك ذكره بيمينه إذا بال [‬
‫َ‬ ‫] ‪ [ 153 / 18‬عَن عَبدالله ب َ‬
‫ي ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ن أِبيهِ عَ ِ‬ ‫تاد َة َ عَ ْ‬ ‫ن أِبي قَ َ‬ ‫ْ ْ ِ َ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫مين ِهِ َول‬ ‫جي ب ِي َ ِ‬ ‫ست َن ْ ِ‬ ‫مين ِهِ َول ي َ ْ‬ ‫ن ذ َكَره ُ ب ِي َ ِ‬ ‫خذ َ ّ‬ ‫م َفل ي َأ ُ‬ ‫حد ُك ْ‬ ‫لأ َ‬ ‫ل ‪ )) :‬إ َِذا َبا َ‬ ‫وسلم ‪َ -‬قا َ‬
‫س ِفي الَناِء (( ‪.‬‬ ‫ف ْ‬ ‫ي َت َن َ ّ‬
‫] باب ‪ :‬الماء الذي يغسل به شعر النسان [‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪207‬‬

You might also like