You are on page 1of 207

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))ل يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إل أخذها بيمينه فيربيها كما يربي‬
‫صه‪ ،‬حتى تكون مثل الجبل أو أعظم((‪.‬‬ ‫أحدكم فلوه أو قلو َ‬
‫قال القرطبي‪" :‬وإنما ل يقبل الله الصدقة من المال الحرام لنه غير مملوك‬
‫من المتصدق‪ ،‬وهو ممنوع من التصرف فيه‪ ،‬فلو قبلت منه لزم أن يكون‬
‫مأمورا ً به منهيا ً عنه من وجه واحد وهو محال‪ ،‬لن أكل الحرام يفسد القلوب‬
‫فتحرم الرقة والخلص فل تقبل العمال"‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪" :‬ومعنى الكسب المكسوب‪ ،‬والمراد به ما هو أعم‬
‫من تعاطي التكسب أو حصول المكسوب بغير تعاط كالميراث‪ ،‬وكأنه ذكر‬
‫الكسب‪ ،‬لكونه الغالب في تحصيل المال‪ ،‬والمراد بالطيب‪ :‬الحلل لنه صفة‬
‫الكسب"‪.‬‬
‫‪ (4‬تحريم إضاعة المال‪:‬‬
‫ذيًرا *‬ ‫َ‬
‫ل وَل ت ُب َذ ّْر ت َب ْ ِ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ َ‬‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ه َوال ِ‬ ‫ق ُ‬‫ح ّ‬
‫قْرَبى َ‬ ‫ت َذا ال ْ ُ‬ ‫قال تعالى }َوءا ِ‬
‫فوًرا{ ]السراء‪:‬‬ ‫َ‬
‫ن ل َِرب ّهِ ك ُ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن وَكا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مب َذ ِّري َ‬
‫طي ِ‬‫شَيا ِ‬ ‫خوا َ‬ ‫كاُنوا إ ِ ْ‬ ‫إِ ّ‬
‫‪.[27 ،26‬‬
‫قال عبد الله بن مسعود‪) :‬التبذير في غير حق وهو السراف(‪.‬‬
‫وقال ابن عطية‪" :‬التبذير إنفاق المال في فساد أو في سرف في مباح"‪.‬‬
‫ب{ ]العراف‪.[31:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬‫سرُِفوا ْ إ ِن ّ ُ‬ ‫شَرُبوا ْ وَل َ ت ُ ْ‬‫وقال تعالى‪} :‬وك ُُلوا ْ َوا ْ‬
‫قال ابن عباس‪) :‬أحل الله الكل والشرب ما لم يكن سرفا ً أو مخيلة(‪.‬‬
‫قال ابن السعدي‪" :‬فإن السرف يبغضه الله ويضر بدن النسان ومعيشته‬
‫حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفاق"‪.‬‬
‫وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))إن الله حرم عليكم عقوق المهات ووأد البنات ومنع هات‪ ،‬وكره لكم قيل‬
‫وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال((‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬وأما إضاعة المال فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية‬
‫وتعريضه للتلف‪ ،‬وسبب النهي أنه فساد والله ل يحب المفسدين‪ ،‬ولنه إذا‬
‫أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس"‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪" :‬ومنع منه لن الله تعالى جعل المال قياما لمصالح‬
‫العباد‪ ،‬وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح إما في حق مضيعها وإما في حق‬
‫غيره‪ ،‬ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل فوات الخرة ما‬
‫لم يفوت حقا ً أخرويا ً أهم منه‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالحاصل في كثرة النفاق ثلثة أوجه‪:‬‬


‫ً‬
‫الول‪ :‬إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعا فل شك في منعه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعا ً فل شك في كونه مطلوبا ً‬
‫بالشرط المذكور‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬إنفاقه في المباحات بالصالة كملذ ّ النفس فهذا ينقسم إلى‬
‫قسمين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله‪ ،‬فهذا‬
‫ليس بإسراف‪ ،‬والثاني‪ :‬ما ل يليق به عرفا ً وهو ينقسم إلى قسمين‪ :‬أحدهما‬
‫ما يكون لدفع مفسدة إما ناجزة أو متوقعة فهذا ليس بإسراف‪ ،‬والثاني ما ل‬
‫يكون في شيء من ذلك فالجمهور على أنه إسراف‪ ،‬وذهب بعض الشافعية‬
‫إلى أنه ليس بإسراف؛ لنه تقوم به مصلحة البدن وهو غرض صحيح‪ ،‬وإذا‬
‫كان في غير معصية فهو مباح له‪ ،‬وقال ابن دقيق العيد‪ :‬وظاهر القرآن يمنع‬
‫ما قال إ‪.‬هـ وقد صرح بالمنع القاضي حسين وتبعه الغزالي وجزم به الرافعي‬
‫وتبعه النووي‪ ،‬والذي يترجح أنه ليس مذموما ً لذاته لكنه يفضي غالبا ً إلى‬
‫ارتكاب المحذور كسؤال الناس وما أدى إلى المحذور فهو محذور"‪.‬‬
‫‪ (5‬أداء الحقوق لهلها‪:‬‬
‫وله أمثلة كثيرة منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ أداء الزكاة إلى مستحقيها‪:‬‬
‫ن عَل َي َْها{ الية ]التوبة‪:‬‬ ‫مِلي َ‬ ‫ن َوال َْعا ِ‬‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَراء َوال ْ َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫صد ََقا ُ‬‫ما ال ّ‬
‫قال تعالى }إ ِن ّ َ‬
‫‪.[60‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬بين تعالى أنه هو الذي قسمها‪ ،‬وبين حكمها‪ ،‬وتولى أمرها‬
‫بنفسه‪ ،‬ولم يكل قسمها إلى أحد غيره‪ ،‬فجزأها لهؤلء المذكورين"‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪" :‬ول يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر الله تعالى من بناء‬
‫المساجد والقناطر والسقايا وإصلح الطرق وما أشبه ذلك من القرب التي‬
‫كين{‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬‫قَراء َوال ْ َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫صد ََقا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫لم يذكرها الله تعالى لقوله سبحانه‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫و)إنما( للحصر والثبات‪ ،‬تثبت المذكور وتنفي ما عداه"‪.‬‬
‫‪2‬ـ أداء الديون لصحابها‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬من‬
‫أخذ أموال الناس يريدها أداءها أدى الله عنه‪ ،‬ومن أخذ يريد إتلفها اتلفه‬
‫الله((‪.‬‬
‫قال ابن بطال‪" :‬فيه الحض على ترك استئكال أموال الناس والتنزه عنها‬
‫وحسن التأدية إليهم عند المداينة‪ ،‬وقد حرم الله أكل أموال الناس بالباطل"‪.‬‬
‫وجاء الشرع بتحذير القادر على أداء الدين من تأخيره وجعله ظالما ً بالتأخير‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬مطل‬
‫ي فليتبع((‪.‬‬ ‫الغني ظلم ومن اتبع على مل ّ‬
‫قال ابن المنذر‪" :‬هذا الخبر يدل على معان منها‪ :‬أن من الظلم دفع الغني‬
‫صاحب المال عن ماله بالمواعيد"‪.‬‬
‫وقال ابن بطال‪" :‬وفيه ما دل على تحصين الموال"‪.‬‬
‫‪3‬ـ تعريف اللقطة‪:‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال‪ :‬جاء أعرابي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فسأله عما يلتقطه فقال‪)) :‬عرفها سنة ثم اعرف عفاصها‬
‫ووكاءها فإن جاء أحد يخبرك بها وإل فاستنفقها((‪ ،‬قال‪ :‬يا رسول الله فضالة‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه النبي‬ ‫الغنم؟ قال‪)) :‬لك أو لخيك أو للذئب((‪ ،‬قال‪ :‬ضالة البل؟ فتمّعر وج ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪)) :‬ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها‪ ،‬ترد الماء‬
‫وتأكل الشجر((‪.‬‬
‫واللقطة هي المال الذي يجده المرء ساقطا ً ل يعرف مالكه‪ ،‬فالواجب على‬
‫واجده أن يعرفه ويعرف الوعاء الذي حفظ فيه من كيس ونحوه‪ ،‬وكذا‬
‫العلمات التي يتميز بها‪ ،‬ويحفظ هذا المال عنده سنة كاملة يعرف به في‬
‫المجامع العامة كالسواق وأبواب المساجد ونحوها فإن جاء من يدعيها وذكر‬
‫وصفها تاما ً أداه إليه‪.‬‬
‫ولها أحكام أخرى كثيرة مذكورة في كتب الفقه‪.‬‬
‫‪ (6‬حماية الموال من السفهاء‪:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م قَِياما َواْرُزُقوهُ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ه لك ْ‬ ‫ل الل ُ‬‫جعَ َ‬‫م الِتى َ‬ ‫ُ‬
‫موالك ُ‬ ‫فَهاء أ ْ‬ ‫س َ‬‫قال تعالى }وَل َ ت ُؤُْتوا ْ ال ّ‬
‫معُْروفًا{ ]النساء‪.[5:‬‬ ‫م قَوْل ً ّ‬ ‫م وَُقوُلوا ْ ل َهُ ْ‬ ‫ِفيَها َواك ْ ُ‬
‫سوهُ ْ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬ينهى سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في‬
‫الموال التي جعلها للناس قيامًا‪ ،‬أي‪ :‬تقوم بها معايشهم من التجارات‬
‫وغيرها"‪.‬‬
‫قال ابن سعدي‪" :‬السفهاء جمع سفيه‪ ،‬وهو من ل يحسن التصرف في المال‪،‬‬
‫إما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه ونحوها‪ ،‬وإما لعدم رشده كالصغير وغير‬
‫الرشيد‪ ،‬فنهى الله الولياء أن يؤتوا هؤلء أموالهم خشية إفسادها وإتلفها‪،‬‬
‫ولن الله جعل الموال قياما ً لعباده في مصالح دينهم ودنياهم‪ ،‬وهؤلء ل‬
‫يحسنون القيام عليها وحفظها‪ ،‬فأمر الولي أن ل يؤتيهم إياها‪ ،‬بل يرزقهم‬
‫منها ويكسوهم ويبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية‪،‬‬
‫وأن يقولوا لهم قول ً معروفًا‪ ،‬بأن يعدوهم إذا طلبوها أنهم سيدفعونها لهم بعد‬
‫رشدهم ونحو ذلك‪ ،‬ويلطفوا لهم في القوال جبرا ً لخواطرهم"‪.‬‬
‫‪ (7‬الدفاع عن المال‪:‬‬
‫عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول‪)) :‬من قتل دون ماله فهو شهيد((‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬فيه جواز قتل القاصد لخذ المال بغير حق سواء كان المال‬
‫قليل ً أو كثيرًا"‪.‬‬
‫قال ابن بطال‪" :‬إنما أدخل البخاري هذا الحديث في هذه البواب ليريك أن‬
‫للنسان أن يدافع عن نفسه وماله‪ ،‬فإن كان شهيدا ً إذا قتل في ذلك كان إذا‬
‫قتل من أراده في مدافعته له عن نفسه ل دية عليه فيه ول قود"‪.‬‬
‫‪ (8‬توثيق الديون والشهاد عليها‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{‬‫مى َفاك ْت ُُبو ُ‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن إ َِلى أ َ‬ ‫داَينُتم ب ِد َي ْ ٍ‬ ‫مُنوا ْ إ َِذا ت َ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫م{ ]البقرة‪.[282:‬‬ ‫جال ِك ُ ْ‬
‫من ّر َ‬ ‫ن ّ‬ ‫شِهيد َي ْ ِ‬‫دوا ْ َ‬ ‫شهِ ُ‬‫ست َ ْ‬ ‫إلى قوله }َوا ْ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا إرشاد منه تعالى لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملت‬
‫مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها"‪.‬‬
‫وقال القرطبي‪" :‬لما أمر الله تعالى بالكتب والشهاد وأخذ الرهان كان ذلك‬
‫نصا ً قاطعا ً على مراعاة حفظ الموال وتنميتها‪ ،‬وردا ً على الجهلة المتصوفة‬
‫ورعاعها الذين ل يرون ذلك فيخرجون عن جميع أموالهم ول يتركون كفاية‬
‫لنفسهم وعيالهم‪ ،‬ثم إذا احتاج وافتقر عياله فهو إما أن يتعرض لمنن الخوان‬
‫أو لصدقاتهم أو أن يأخذ من أرباب الدنيا وظلمتهم وهذا الفعل مذموم منهي‬
‫عنه"‪.‬‬
‫‪ (9‬ضمان المتلفات‪:‬‬
‫قال ابن قدامة‪" :‬فمن غصب شيئا ً وجب عليه رده‪ ...‬فإن تلف لزمه بدله‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م{‬ ‫دى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ما اعْت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫دوا ْ عَل َي ْهِ ب ِ ِ‬


‫مث ْ ِ‬ ‫دى عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م َفاعْت َ ُ‬ ‫ن اعْت َ َ‬
‫م ِ‬ ‫لقوله تعالى‪} :‬فَ َ‬
‫]البقرة‪[194:‬؛ ولنه لما تعذر رد العين وجب رد ما يقوم مقامها من المالية‪،‬‬
‫فإن كان مما تتماثل أجزاؤه وتتفاوت صفاته كالحبوب وجب مثله لن المثل‬
‫أقرب إليه من القيمة وإن كان غير متقارب الصفات وهو ما عدا المكيل‬
‫والموزون وجبت القيمة في قول الجماعة"‪.‬‬
‫ومن القواعد الفقهية قاعدة‪ :‬الصل في المتلفات ضمان المثل بالمثل‬
‫والمتقوم بالقيمة‪.‬‬
‫وفي لزوم الضمان على المتلف لمال غيره ضمان من التعدي على الموال‬
‫والستهانة بها‪ ،‬لن النسان إذا علم أنه بغصبه أو بتفريطه في حفظ الوديعة‬
‫ونحوها من أموال الناس يضمن مثلها أو قيمتها عند تعذر المثلية فإن ذلك‬
‫يدعوه إلى التحرز والعناية والحفظ والنتباه وعدم الغفلة عنها‪ ،‬فتحفظ بذلك‬
‫الموال من الضياع‪.‬‬
‫‪ (10‬تحريم السرقة وإيجاب الحد فيها‪:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬
‫سَبا ن َكال ّ‬ ‫ما ك َ‬ ‫جَزاء ب ِ َ‬‫ما َ‬ ‫ة َفاقْطُعوا أي ْدِي َهُ َ‬ ‫سارِقَ ُ‬ ‫سارِقُ َوال ّ‬ ‫قال تعالى‪َ} :‬وال ّ‬
‫م{ ]المائدة‪.[138:‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫ه عَ ِ‬
‫قال ابن جرير‪" :‬يقول جل ثناؤه‪ :‬ومن سرق من رجل أو امرأة فاقطعوا ـ أيها‬
‫الناس ـ يده"‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وقد كان القطع معمول ً به في الجاهلية فقرر في السلم‪،‬‬
‫وزيدت شروط ُأخر‪ ،‬كما كانت القسامة والدية والقراض وغير ذلك من‬
‫الشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه وزيادات هي من تمام‬
‫المصالح"‪.‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫قال القاضي عياض‪" :‬صان الله تعالى الموال بإيجاب القطع على السارق‪،‬‬
‫ولم يجعل ذلك في غير السرق كالختلس والنتهاب والغصب؛ لن ذلك قليل‬
‫بالنسبة إلى السرقة‪ ،‬ولنه يمكن استرجاع هذا النوع بالستدعاء إلى ولة‬
‫المور‪ ،‬وتسهل إقامة البينة عليه‪ ،‬بخلف السرقة فإنه تندر إقامة البنية عليها‪،‬‬
‫فعظم أمرها واشتدت عقوبتها؛ ليكون أبلغ في الزجر عنها‪ ،‬وقد أجمع‬
‫المسلمون على قطع السارق في الجملة‪ ،‬وإن اختلفوا في فروع منه"‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،،،‬‬
‫جامع البيان )‪.(11/671‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(17/238‬‬
‫السلم وضرورات الحياة )ص ‪.(133‬‬
‫جامع البيان )‪.(12/169‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(4/424‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(4/468‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الزكاة‪ ،‬باب الستعفاف عن المسألة )‪.(1471‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(7/131‬‬
‫مراتب الجماع )ص ‪.(155‬‬
‫الداب الشرعية ‪.(265/)3‬‬
‫السلم وضرورات الحياة )ص ‪ (156 ،135‬بتصرف‪.‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/210‬‬
‫قال النووي‪ :‬بضم الغين وتخفيف الذال المكسورة‪ .‬شرح صحيح مسلم )‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.(7/100‬‬
‫أخرجه مسلم في كتاب الزكاة )‪.(1015‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(7/100‬‬
‫أخرجه البخاري في الزكاة‪ ،‬باب الصدقة من كسب طيب )‪ ،(1410‬ومسلم‬
‫في كتاب الزكاة )‪.(1014‬‬
‫المفهم )‪.(3/59‬‬
‫فتح الباري )‪.(328 -3/327‬‬
‫جامع البيان )‪ (15/73‬ـ دار الفكر‪.‬‬
‫المحرر الوجيز )‪.(3/450‬‬
‫جامع البيان )‪.(5/472‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )ص ‪.(287‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الستقراض‪ ،‬باب ما ينهى من إضاعة المال )‬
‫‪ ،(2408‬ومسلم في كتاب القضية )‪.( 1715‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(11/11‬‬
‫فتح الباري )‪ (10/422‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/378‬‬
‫المغني )‪.(4/125‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الستقراض‪ ،‬باب من أخذ أموال الناس يريد أدءها‬
‫أو إتلفها )‪.(2387‬‬
‫شرح ابن بطال على البخاري )‪.(6/513‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الستقراض‪ ،‬باب مطل الغني ظلم )‪ ،(400‬ومسلم‬
‫في كتاب المساقاه )‪.(1465‬‬
‫انظر‪ :‬شرح ابن بطال على صحيح البخاري )‪.(6/415‬‬
‫شرح ابن بطال على صحيح البخاري )‪.(6/416‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب اللقطة‪ ،‬باب ضالة البل )‪ ،(2427‬ومسلم في‬
‫كتاب اللقطة )‪.(1722‬‬
‫السلم وضرورات الحياة )ص ‪.(178‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/462‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )ص ‪.(164‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب المظالم‪ ،‬باب من قاتل دون ماله )‪ ،(2480‬ومسلم‬
‫في كتاب اليمان )‪.(226‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(2/165‬‬
‫شرح ابن بطال على صحيح البخاري )‪.(6/607‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/345‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(3/417‬‬
‫المغني )‪.(7/361‬‬
‫الشباه والنظائر للسيوطي )‪.(2/2‬‬
‫مقاصد الشريعة السلمية وعلقتها بالدلة الشرعية )ص ‪.(302‬‬
‫جامع البيان )‪.(4/569‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/57‬‬
‫شرح صحيح مسلم للنووي )‪.(11/181‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬محاسن حفظ المال‪:‬‬
‫‪ (1‬المال مال الله استخلف فيه عباده‪:‬‬
‫ن{ ]الحديد‪:‬‬ ‫في‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫ت‬
‫ّ ْ َ ْ ِ َ‬ ‫س‬‫م‬ ‫ُ‬
‫كم‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ج‬ ‫ما‬
‫ِ ّ َ َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫قو‬‫سول ِهِ وََأنفِ ُ‬
‫مُنوا ْ ِبالل ّهِ وََر ُ‬‫قال تعالى }ءا ِ‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.[7‬‬
‫قال ابن جرير‪" :‬أي‪ :‬أنفقوا مما خولكم الله من المال الذي أورثكم عمن كان‬
‫قبلكم فجعلكم خلفاؤهم فيه"‪.‬‬
‫قال القرطبي‪" :‬فيه دليل على أن أصل الملك لله سبحانه‪ ،‬وأن العبد ليس له‬
‫إل التصرف الذي يرضي الله فيثيبه على ذلك بالجنة"‪.‬‬
‫فالذي يقع في يده المال وهو يعلم أن المالك في الصل هو الله وأنه‬
‫مستخلف فيه فل ينفقه إل فيما يرضيه ول يجمعه إل من حيث يرضيه‪ ،‬وأن أي‬
‫تصرف يخرج عما يرضي الله في المال يكون تصرفا ً غير مشروع‪ .‬إن الذي‬
‫يعلم ذلك ويلتزم بإذن الله في جمع المال وإنفاقه هو الجدير بحفظه‪ ،‬بخلف‬
‫الذي يغنيه الله ول يشعر بهذه القاعدة فإنه يتصرف في المال تصرف‬
‫السفيه وهو جدير بإضاعة المال وإن ظن أنه يحفظه‪.‬‬
‫‪ (2‬الحث على الكسب‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫من‬‫مَناك ِب َِها وَكلوا ِ‬
‫شوا ِفى َ‬ ‫م ُ‬ ‫ض ذ َلول َفا ْ‬‫م الْر َ‬ ‫ل لك ُ‬ ‫جعَ َ‬‫ذى َ‬
‫شوُر{ ]الملك‪.[15:‬‬ ‫ّرْزقِهِ وَإ ِل َي ْهِ الن ّ ُ‬
‫قال ابن جرير‪" :‬وكلوا من رزق الله الذي أخرجه لكم من مناكب الرض"‪.‬‬
‫وقال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬فسافروا حيث شئتم من أقطارها‪ ،‬وترددوا في أقاليمها‬
‫وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات‪ ،‬واعلموا أن سعيكم ل يجدي عليكم‬
‫شيئا ً إل أن ييسره الله لكم"‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬عَل ِ َ‬
‫ض‬
‫ن ِفى الْر ِ‬ ‫ضرُِبو َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫خُرو َ‬‫ضى َوءا َ‬ ‫مْر َ‬‫م ّ‬‫منك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬‫سي َ ُ‬
‫م أن َ‬ ‫َ‬
‫ه{ ]المزمل‪.[20:‬‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫ض ِ‬‫من فَ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي َب ْت َُغو َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬مسافرون يبتغون من فضل الله في المكاسب‬
‫والمتاجر"‪.‬‬
‫عن الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ف الله‬
‫))لن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيك ّ‬
‫بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه((‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬فيه الحث على الصدقة والكل من عمل يده والكتساب‬
‫بالمباحات بالحطب والحشيش النابتين في موات"‪.‬‬
‫وقال ابن حزم‪" :‬وأجمعوا أن اكتساب المرء من الوجوه المباحة مباح"‪.‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫وقال ابن مفلح‪" :‬يسن التكسب ومعرفة أحكامه حتى مع الكفاية‪ ،‬نص عليه‬
‫في الرعاية"‪.‬‬
‫إن الفرد ل يجب عليه أن يمشي في مناكب الرض طالبا ً للرزق‪ ،‬بل يباح له‬
‫ذلك إل أنه إذا ترك السعي في طلب الزرق وترتب على ذلك فقره‬
‫واضطراره إلى سؤال الناس واستجدائهم كان آثما ً ووجب عليه حفظ ماء‬
‫الوجه بطلب الرزق الحلل بكسب يده ما دام قادرا ً على ذلك‪ ،‬أما ترك المة‬
‫كلها للمكاسب فإنه ل يجوز؛ لنه خلف مقصود الله من عمارة الرض‪،‬‬
‫فالسعي في طلب المال مشروع‪ ،‬وهو وإن كان مباحا ً بالجزء فإنه ضرورة‬
‫بالكل‪.‬‬
‫‪ (3‬التزام السعي المشروع في الكسب واجتناب الكسب الحرام‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫شكُروا للهِ ِإن‬ ‫ما َرَزقَْناك ُ ْ‬
‫م َوا ْ‬ ‫من ط َي َّبا ِ‬
‫ت َ‬ ‫مُنوا ْ ك ُُلوا ْ ِ‬
‫ن ءا َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[172:‬‬ ‫دو َ‬‫م إ ِّياه ُ ت َعْب ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى آمرا ً عباده المؤمنين بالكل من طيبات ما رزقهم‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعالى وأن يشكروه تعالى على ذلك إن كانوا عبيده‪ ،‬والكل من الحلل سبب‬
‫لتقبل الدعاء والعبادة‪ ،‬كما أن الكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة"‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))يا أيها الناس‪ ،‬إن الله طيب ل يقبل إل طيبًا‪ ،‬وإن الله أمر المؤمنين بما أمر‬
‫َ‬
‫صاِلحا ً إ ِّنى ب ِ َ‬
‫ما‬ ‫مُلوا ْ َ‬ ‫ت َواعْ َ‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ك ُُلوا ْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫به المرسلين فقال‪} :‬ياأي َّها الّر ُ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫ت َ‬ ‫من ط َي َّبا ِ‬ ‫مُنوا ْ ك ُُلوا ْ ِ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م{ ]المؤمنون‪ [51:‬وقال‪} :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬ ‫ن عَِلي ٌ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫م{ ]البقرة‪ ،(([172:‬ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد ّ يده‬ ‫َرَزقَْناك ُ ْ‬
‫إلى السماء يارب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام‬
‫وغذَيبالحرام فأنى يستجاب لذلك‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬فيه الحث على النفاق من الحلل والنهي عن النفاق من‬
‫غيره‪ ،‬وفيه أن المشروب والمأكول والملبوس ونحو ذلك ينبغي أن يكون‬
‫حلل ً خالصا ً ل شبهة فيه"‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))ل يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إل أخذها بيمينه فيربيها كما يربي‬
‫صه‪ ،‬حتى تكون مثل الجبل أو أعظم((‪.‬‬ ‫أحدكم فلوه أو قلو َ‬
‫قال القرطبي‪" :‬وإنما ل يقبل الله الصدقة من المال الحرام لنه غير مملوك‬
‫من المتصدق‪ ،‬وهو ممنوع من التصرف فيه‪ ،‬فلو قبلت منه لزم أن يكون‬
‫مأمورا ً به منهيا ً عنه من وجه واحد وهو محال‪ ،‬لن أكل الحرام يفسد القلوب‬
‫فتحرم الرقة والخلص فل تقبل العمال"‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪" :‬ومعنى الكسب المكسوب‪ ،‬والمراد به ما هو أعم‬
‫من تعاطي التكسب أو حصول المكسوب بغير تعاط كالميراث‪ ،‬وكأنه ذكر‬
‫الكسب‪ ،‬لكونه الغالب في تحصيل المال‪ ،‬والمراد بالطيب‪ :‬الحلل لنه صفة‬
‫الكسب"‪.‬‬
‫‪ (4‬تحريم إضاعة المال‪:‬‬
‫ذيًرا *‬ ‫َ‬
‫ل وَل ت ُب َذ ّْر ت َب ْ ِ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ َ‬ ‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ه َوال ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬
‫قْرَبى َ‬ ‫ت َذا ال ْ ُ‬ ‫قال تعالى }َوءا ِ‬
‫فوًرا{ ]السراء‪:‬‬ ‫َ‬
‫ن ل َِرب ّهِ ك ُ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن وَكا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مب َذ ِّري َ‬
‫طي ِ‬‫شَيا ِ‬ ‫خوا َ‬ ‫كاُنوا إ ِ ْ‬ ‫إِ ّ‬
‫‪.[27 ،26‬‬
‫قال عبد الله بن مسعود‪) :‬التبذير في غير حق وهو السراف(‪.‬‬
‫وقال ابن عطية‪" :‬التبذير إنفاق المال في فساد أو في سرف في مباح"‪.‬‬
‫ب{ ]العراف‪.[31:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫سرُِفوا ْ إ ِن ّ ُ‬ ‫شَرُبوا ْ وَل َ ت ُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وك ُُلوا ْ َوا ْ‬
‫قال ابن عباس‪) :‬أحل الله الكل والشرب ما لم يكن سرفا ً أو مخيلة(‪.‬‬
‫قال ابن السعدي‪" :‬فإن السرف يبغضه الله ويضر بدن النسان ومعيشته‬
‫حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفاق"‪.‬‬
‫وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))إن الله حرم عليكم عقوق المهات ووأد البنات ومنع هات‪ ،‬وكره لكم قيل‬
‫وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال((‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬وأما إضاعة المال فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية‬
‫وتعريضه للتلف‪ ،‬وسبب النهي أنه فساد والله ل يحب المفسدين‪ ،‬ولنه إذا‬
‫أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس"‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪" :‬ومنع منه لن الله تعالى جعل المال قياما لمصالح‬
‫العباد‪ ،‬وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح إما في حق مضيعها وإما في حق‬
‫غيره‪ ،‬ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل فوات الخرة ما‬
‫لم يفوت حقا ً أخرويا ً أهم منه‪.‬‬
‫فالحاصل في كثرة النفاق ثلثة أوجه‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الول‪ :‬إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعا ً فل شك في منعه‪.‬‬


‫والثاني‪ :‬إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعا ً فل شك في كونه مطلوبا ً‬
‫بالشرط المذكور‪.‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫والثالث‪ :‬إنفاقه في المباحات بالصالة كملذ ّ النفس فهذا ينقسم إلى‬


‫قسمين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله‪ ،‬فهذا‬
‫ليس بإسراف‪ ،‬والثاني‪ :‬ما ل يليق به عرفا ً وهو ينقسم إلى قسمين‪ :‬أحدهما‬
‫ما يكون لدفع مفسدة إما ناجزة أو متوقعة فهذا ليس بإسراف‪ ،‬والثاني ما ل‬
‫يكون في شيء من ذلك فالجمهور على أنه إسراف‪ ،‬وذهب بعض الشافعية‬
‫إلى أنه ليس بإسراف؛ لنه تقوم به مصلحة البدن وهو غرض صحيح‪ ،‬وإذا‬
‫كان في غير معصية فهو مباح له‪ ،‬وقال ابن دقيق العيد‪ :‬وظاهر القرآن يمنع‬
‫ما قال إ‪.‬هـ وقد صرح بالمنع القاضي حسين وتبعه الغزالي وجزم به الرافعي‬
‫وتبعه النووي‪ ،‬والذي يترجح أنه ليس مذموما ً لذاته لكنه يفضي غالبا ً إلى‬
‫ارتكاب المحذور كسؤال الناس وما أدى إلى المحذور فهو محذور"‪.‬‬
‫‪ (5‬أداء الحقوق لهلها‪:‬‬
‫وله أمثلة كثيرة منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ أداء الزكاة إلى مستحقيها‪:‬‬
‫ن عَل َي َْها{ الية ]التوبة‪:‬‬ ‫مِلي َ‬ ‫ن َوال َْعا ِ‬‫كي ِ‬
‫سا ِ‬
‫م َ‬ ‫قَراء َوال ْ َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫صد ََقا ُ‬‫ما ال ّ‬
‫قال تعالى }إ ِن ّ َ‬
‫‪.[60‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬بين تعالى أنه هو الذي قسمها‪ ،‬وبين حكمها‪ ،‬وتولى أمرها‬
‫بنفسه‪ ،‬ولم يكل قسمها إلى أحد غيره‪ ،‬فجزأها لهؤلء المذكورين"‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪" :‬ول يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر الله تعالى من بناء‬
‫المساجد والقناطر والسقايا وإصلح الطرق وما أشبه ذلك من القرب التي‬
‫كين{‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬‫قَراء َوال ْ َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫صد ََقا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫لم يذكرها الله تعالى لقوله سبحانه‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫و)إنما( للحصر والثبات‪ ،‬تثبت المذكور وتنفي ما عداه"‪.‬‬
‫‪2‬ـ أداء الديون لصحابها‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬من‬
‫أخذ أموال الناس يريدها أداءها أدى الله عنه‪ ،‬ومن أخذ يريد إتلفها اتلفه‬
‫الله((‪.‬‬
‫قال ابن بطال‪" :‬فيه الحض على ترك استئكال أموال الناس والتنزه عنها‬
‫وحسن التأدية إليهم عند المداينة‪ ،‬وقد حرم الله أكل أموال الناس بالباطل"‪.‬‬
‫وجاء الشرع بتحذير القادر على أداء الدين من تأخيره وجعله ظالما ً بالتأخير‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬مطل‬
‫ي فليتبع((‪.‬‬ ‫الغني ظلم ومن اتبع على مل ّ‬
‫قال ابن المنذر‪" :‬هذا الخبر يدل على معان منها‪ :‬أن من الظلم دفع الغني‬
‫صاحب المال عن ماله بالمواعيد"‪.‬‬
‫وقال ابن بطال‪" :‬وفيه ما دل على تحصين الموال"‪.‬‬
‫‪3‬ـ تعريف اللقطة‪:‬‬
‫عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال‪ :‬جاء أعرابي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فسأله عما يلتقطه فقال‪)) :‬عرفها سنة ثم اعرف عفاصها‬
‫ووكاءها فإن جاء أحد يخبرك بها وإل فاستنفقها((‪ ،‬قال‪ :‬يا رسول الله فضالة‬
‫ه النبي‬ ‫الغنم؟ قال‪)) :‬لك أو لخيك أو للذئب((‪ ،‬قال‪ :‬ضالة البل؟ فتمّعر وج ُ‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪)) :‬ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها‪ ،‬ترد الماء‬
‫وتأكل الشجر((‪.‬‬
‫ً‬
‫واللقطة هي المال الذي يجده المرء ساقطا ل يعرف مالكه‪ ،‬فالواجب على‬
‫واجده أن يعرفه ويعرف الوعاء الذي حفظ فيه من كيس ونحوه‪ ،‬وكذا‬
‫العلمات التي يتميز بها‪ ،‬ويحفظ هذا المال عنده سنة كاملة يعرف به في‬
‫المجامع العامة كالسواق وأبواب المساجد ونحوها فإن جاء من يدعيها وذكر‬
‫وصفها تاما ً أداه إليه‪.‬‬
‫ولها أحكام أخرى كثيرة مذكورة في كتب الفقه‪.‬‬
‫‪ (6‬حماية الموال من السفهاء‪:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م قَِياما َواْرُزُقوهُ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ه لك ْ‬‫ل الل ُ‬‫جعَ َ‬
‫م الِتى َ‬ ‫ُ‬
‫موالك ُ‬‫فَهاء أ ْ‬‫س َ‬‫قال تعالى }وَل َ ت ُؤُْتوا ْ ال ّ‬
‫معُْروفًا{ ]النساء‪.[5:‬‬ ‫م قَوْل ً ّ‬‫م وَُقوُلوا ْ ل َهُ ْ‬ ‫ِفيَها َواك ْ ُ‬
‫سوهُ ْ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬ينهى سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في‬
‫الموال التي جعلها للناس قيامًا‪ ،‬أي‪ :‬تقوم بها معايشهم من التجارات‬
‫وغيرها"‪.‬‬
‫قال ابن سعدي‪" :‬السفهاء جمع سفيه‪ ،‬وهو من ل يحسن التصرف في المال‪،‬‬
‫إما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه ونحوها‪ ،‬وإما لعدم رشده كالصغير وغير‬
‫الرشيد‪ ،‬فنهى الله الولياء أن يؤتوا هؤلء أموالهم خشية إفسادها وإتلفها‪،‬‬
‫ولن الله جعل الموال قياما ً لعباده في مصالح دينهم ودنياهم‪ ،‬وهؤلء ل‬
‫يحسنون القيام عليها وحفظها‪ ،‬فأمر الولي أن ل يؤتيهم إياها‪ ،‬بل يرزقهم‬
‫منها ويكسوهم ويبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية‪،‬‬
‫وأن يقولوا لهم قول ً معروفًا‪ ،‬بأن يعدوهم إذا طلبوها أنهم سيدفعونها لهم بعد‬
‫رشدهم ونحو ذلك‪ ،‬ويلطفوا لهم في القوال جبرا ً لخواطرهم"‪.‬‬
‫‪ (7‬الدفاع عن المال‪:‬‬
‫عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول‪)) :‬من قتل دون ماله فهو شهيد((‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬فيه جواز قتل القاصد لخذ المال بغير حق سواء كان المال‬
‫قليل ً أو كثيرًا"‪.‬‬
‫قال ابن بطال‪" :‬إنما أدخل البخاري هذا الحديث في هذه البواب ليريك أن‬
‫للنسان أن يدافع عن نفسه وماله‪ ،‬فإن كان شهيدا ً إذا قتل في ذلك كان إذا‬
‫قتل من أراده في مدافعته له عن نفسه ل دية عليه فيه ول قود"‪.‬‬
‫‪ (8‬توثيق الديون والشهاد عليها‪:‬‬

‫)‪(25 /‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مى َفاك ْت ُُبو ُ‬
‫ه{‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬‫ل ّ‬ ‫ن إ َِلى أ َ‬
‫ج ٍ‬ ‫داَينُتم ب ِد َي ْ ٍ‬ ‫مُنوا ْ إ َِذا ت َ َ‬ ‫ن ءا َ‬
‫ذي َ‬‫قال تعالى‪} :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫م{ ]البقرة‪.[282:‬‬ ‫جال ِك ُ ْ‬
‫من ّر َ‬ ‫ن ّ‬ ‫دوا ْ َ‬
‫شِهيد َي ْ ِ‬ ‫شهِ ُ‬‫ست َ ْ‬ ‫إلى قوله }َوا ْ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا إرشاد منه تعالى لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملت‬
‫مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها"‪.‬‬
‫وقال القرطبي‪" :‬لما أمر الله تعالى بالكتب والشهاد وأخذ الرهان كان ذلك‬
‫نصا ً قاطعا ً على مراعاة حفظ الموال وتنميتها‪ ،‬وردا ً على الجهلة المتصوفة‬
‫ورعاعها الذين ل يرون ذلك فيخرجون عن جميع أموالهم ول يتركون كفاية‬
‫لنفسهم وعيالهم‪ ،‬ثم إذا احتاج وافتقر عياله فهو إما أن يتعرض لمنن الخوان‬
‫أو لصدقاتهم أو أن يأخذ من أرباب الدنيا وظلمتهم وهذا الفعل مذموم منهي‬
‫عنه"‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ (9‬ضمان المتلفات‪:‬‬
‫قال ابن قدامة‪" :‬فمن غصب شيئا وجب عليه رده‪ ...‬فإن تلف لزمه بدله‬ ‫ً‬
‫م{‬ ‫دى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ما اعْت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫دوا ْ عَل َي ْهِ ب ِ ِ‬
‫مث ْ ِ‬ ‫م َفاعْت َ ُ‬ ‫دى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن اعْت َ َ‬
‫م ِ‬‫لقوله تعالى‪} :‬فَ َ‬
‫]البقرة‪[194:‬؛ ولنه لما تعذر رد العين وجب رد ما يقوم مقامها من المالية‪،‬‬
‫فإن كان مما تتماثل أجزاؤه وتتفاوت صفاته كالحبوب وجب مثله لن المثل‬
‫أقرب إليه من القيمة وإن كان غير متقارب الصفات وهو ما عدا المكيل‬
‫والموزون وجبت القيمة في قول الجماعة"‪.‬‬
‫ومن القواعد الفقهية قاعدة‪ :‬الصل في المتلفات ضمان المثل بالمثل‬
‫والمتقوم بالقيمة‪.‬‬
‫وفي لزوم الضمان على المتلف لمال غيره ضمان من التعدي على الموال‬
‫والستهانة بها‪ ،‬لن النسان إذا علم أنه بغصبه أو بتفريطه في حفظ الوديعة‬
‫ونحوها من أموال الناس يضمن مثلها أو قيمتها عند تعذر المثلية فإن ذلك‬
‫يدعوه إلى التحرز والعناية والحفظ والنتباه وعدم الغفلة عنها‪ ،‬فتحفظ بذلك‬
‫الموال من الضياع‪.‬‬
‫‪ (10‬تحريم السرقة وإيجاب الحد فيها‪:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬‫سَبا ن َكال ّ‬ ‫ما ك َ‬ ‫جَزاء ب ِ َ‬‫ما َ‬ ‫ة َفاقْطُعوا أي ْدِي َهُ َ‬ ‫سارِقَ ُ‬ ‫سارِقُ َوال ّ‬ ‫قال تعالى‪َ} :‬وال ّ‬
‫م{ ]المائدة‪.[138:‬‬ ‫ح ِ ٌ‬
‫كي‬ ‫زيٌز َ‬ ‫الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫ه عَ ِ‬
‫قال ابن جرير‪" :‬يقول جل ثناؤه‪ :‬ومن سرق من رجل أو امرأة فاقطعوا ـ أيها‬
‫الناس ـ يده"‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وقد كان القطع معمول ً به في الجاهلية فقرر في السلم‪،‬‬
‫وزيدت شروط ُأخر‪ ،‬كما كانت القسامة والدية والقراض وغير ذلك من‬
‫الشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه وزيادات هي من تمام‬
‫المصالح"‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬صان الله تعالى الموال بإيجاب القطع على السارق‪،‬‬
‫ولم يجعل ذلك في غير السرق كالختلس والنتهاب والغصب؛ لن ذلك قليل‬
‫بالنسبة إلى السرقة‪ ،‬ولنه يمكن استرجاع هذا النوع بالستدعاء إلى ولة‬
‫المور‪ ،‬وتسهل إقامة البينة عليه‪ ،‬بخلف السرقة فإنه تندر إقامة البنية عليها‪،‬‬
‫فعظم أمرها واشتدت عقوبتها؛ ليكون أبلغ في الزجر عنها‪ ،‬وقد أجمع‬
‫المسلمون على قطع السارق في الجملة‪ ،‬وإن اختلفوا في فروع منه"‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،،،‬‬
‫جامع البيان )‪.(11/671‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(17/238‬‬
‫السلم وضرورات الحياة )ص ‪.(133‬‬
‫جامع البيان )‪.(12/169‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(4/424‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(4/468‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الزكاة‪ ،‬باب الستعفاف عن المسألة )‪.(1471‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(7/131‬‬
‫مراتب الجماع )ص ‪.(155‬‬
‫الداب الشرعية ‪.(265/)3‬‬
‫السلم وضرورات الحياة )ص ‪ (156 ،135‬بتصرف‪.‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/210‬‬
‫قال النووي‪ :‬بضم الغين وتخفيف الذال المكسورة‪ .‬شرح صحيح مسلم )‬
‫‪.(7/100‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخرجه مسلم في كتاب الزكاة )‪.(1015‬‬


‫شرح صحيح مسلم )‪.(7/100‬‬
‫أخرجه البخاري في الزكاة‪ ،‬باب الصدقة من كسب طيب )‪ ،(1410‬ومسلم‬
‫في كتاب الزكاة )‪.(1014‬‬
‫المفهم )‪.(3/59‬‬
‫فتح الباري )‪.(328 -3/327‬‬
‫جامع البيان )‪ (15/73‬ـ دار الفكر‪.‬‬
‫المحرر الوجيز )‪.(3/450‬‬
‫جامع البيان )‪.(5/472‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )ص ‪.(287‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الستقراض‪ ،‬باب ما ينهى من إضاعة المال )‬
‫‪ ،(2408‬ومسلم في كتاب القضية )‪.( 1715‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(11/11‬‬
‫فتح الباري )‪ (10/422‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/378‬‬
‫المغني )‪.(4/125‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الستقراض‪ ،‬باب من أخذ أموال الناس يريد أدءها‬
‫أو إتلفها )‪.(2387‬‬
‫شرح ابن بطال على البخاري )‪.(6/513‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الستقراض‪ ،‬باب مطل الغني ظلم )‪ ،(400‬ومسلم‬
‫في كتاب المساقاه )‪.(1465‬‬
‫انظر‪ :‬شرح ابن بطال على صحيح البخاري )‪.(6/415‬‬
‫شرح ابن بطال على صحيح البخاري )‪.(6/416‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب اللقطة‪ ،‬باب ضالة البل )‪ ،(2427‬ومسلم في‬
‫كتاب اللقطة )‪.(1722‬‬
‫السلم وضرورات الحياة )ص ‪.(178‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/462‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )ص ‪.(164‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب المظالم‪ ،‬باب من قاتل دون ماله )‪ ،(2480‬ومسلم‬
‫في كتاب اليمان )‪.(226‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(2/165‬‬
‫شرح ابن بطال على صحيح البخاري )‪.(6/607‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/345‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫الجامع لحكام القرآن )‪.(3/417‬‬


‫المغني )‪.(7/361‬‬
‫الشباه والنظائر للسيوطي )‪.(2/2‬‬
‫مقاصد الشريعة السلمية وعلقتها بالدلة الشرعية )ص ‪.(302‬‬
‫جامع البيان )‪.(4/569‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/57‬‬
‫شرح صحيح مسلم للنووي )‪.(11/181‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫حفظ القرآن من التحريف‬


‫امتاز القرآن الكريم عن غيره من الكتب السماوية بكفالة الله عز وجل له‬
‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل ُ‬
‫هَ‬ ‫ح ُ‬‫وحفظه من التحريف والتغيير ‪ ،‬فقال سبحانه ‪ } :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫ظه الله من أن يزاد فيه أو ينقص‬ ‫ف َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن { )الحجر‪ (9:‬قال أهل العلم ‪َ :‬‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫لَ َ‬
‫منه ‪ ،‬ولول أن الله سبحانه تولى حفظه بنفسه لصابه ما أصاب الكتب قبله‬
‫من التحريف والتبديل ‪ ،‬إذ أوكل الله حفظها إلى من أنزلت عليهم قال تعالى‬
‫هدى ونور يحك ُم بها النبيون ال ّذي َ‬ ‫َ‬
‫هاُدوا‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫موا ل ِل ّ ِ‬ ‫سل َ ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِّّ َ‬ ‫} إ ِّنا أن َْزل َْنا الت ّوَْراة َ ِفيَها ُ ً َ ُ ٌ َ ْ ُ ِ َ‬
‫داء {‬ ‫شهَ َ‬ ‫كاُنوا عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ب الل ّهِ وَ َ‬ ‫ن ك َِتا ِ‬‫م ْ‬‫ظوا ِ‬ ‫ف ُ‬‫ح ِ‬ ‫ست ُ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ن َواْل َ ْ‬
‫حَباُر ب ِ َ‬ ‫َوالّرّبان ِّيو َ‬
‫)المائدة‪ :‬من الية ‪ (44‬والحكمة من تفضيل القرآن بهذه الميزة العظيمة ‪،‬‬
‫كونه خاتم الكتب السماوية ‪.‬‬
‫وقد هيأ الله له من أسباب الحفظ ما لم يهيئه لغيره من الكتب ‪ ،‬فمن تلك‬
‫السباب ما فعله الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه من جمع‬
‫القرآن في الصحف ‪ ،‬وذلك لما كثر القتل في القّراء يوم اليمامة وخشي‬
‫ضياع القرآن بضياع حفظته ‪ ،‬كما ثبت ذلك في صحيح البخاري ‪.‬‬
‫ومن أسباب حفظه أيضا ما قام به الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي‬
‫الله عنه بموافقة جميع الصحابة من جمع الناس على مصحف واحد جمع فيه‬
‫القراءات الثابتة ‪ ،‬ثم بعث به إلى الفاق ‪ ،‬وأحرق ما سواه ‪ ،‬بعد أن ظهرت‬
‫بوادر الختلف ‪.‬‬
‫ومن أعظم أسباب حفظ القرآن الكريم ما يسره الله عز وجل من تسهيل‬
‫حفظه في الصدور حتى أقدر على حفظه الصغير والكبير والجاهل والمتعلم‬
‫سْرَنا‬ ‫والعربي والعجمي ل يختص بحفظه أحد دون أحد ‪ ،‬قال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫قد ْ ي َ ّ‬
‫مد ّك ِرٍ { )القمر‪. (32:‬‬ ‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ‬ ‫قْرآ َ‬‫ال ْ ُ‬
‫ومن جميل ما يحكى مما يعد شاهدا حيا على حفظ الله لكتابه وصيانته له‬
‫من أن تعبث به أيدي البشر أن يهوديا دخل على المأمون في مجلسه فتكلم‬
‫فأحسن العبارة ‪ ،‬فلما انتهى المجلس دعاه المأمون فقال إسرائيلي ؟ قال‬
‫نعم ‪ ،‬فدعاه إلى السلم ‪ ،‬ورغبه بالعطايا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ديني ودين آبائي ثم‬
‫انصرف ‪ ،‬فلما كان العام المقبل حضر فتكلم في الفقه فأحسن فقال‬
‫المأمون أو لست صاحبنا قال نعم قال فما سبب إسلمك ؟ قال انصرفت‬
‫من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الديان وأنت تراني حسن الخط فعمدت‬
‫إلى التوراة فكتبت ثلث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتريت‬
‫مني ‪ ،‬وعمدت إلى النجيل فكتبت ثلث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها‬
‫البيعة فاشتريت مني ‪ ،‬وعمدت إلى القرآن فعملت ثلث نسخ وزدت فيها‬
‫ونقصت وأدخلتها الوراقين فتصفحوها فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان‬
‫رموا بها فلم يشتروها ‪ ،‬فعلمت أن هذا كتاب محفوظ فكان هذا سبب‬
‫إسلمي ‪.‬‬
‫مسّلمة‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫مسلم‬ ‫كل‬ ‫ذهن‬ ‫في‬ ‫محسومة‬ ‫القرآن‬ ‫حفظ‬ ‫قضية‬ ‫كانت‬ ‫فمن هنا‬
‫عند كل مؤمن ‪ ،‬وقد نص العلماء على أن من ادعى حصول النقص أو الزيادة‬
‫في كتاب الله فقد كذب الله في خبره وذلك كفر ‪.‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫زي ٌ‬ ‫فهِ ت َن ْ ِ‬‫خل ْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ َول ِ‬‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وصدق الله إذ يقول ‪ } :‬ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫ل ِ‬
‫ميد ٍ { )فصلت‪ (42:‬وبالله التوفيق ‪.‬‬ ‫ح ِ‬‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حفظ النسل من خلل التنشئة والرعاية )‪(5 / 1‬‬


‫د‪ .‬فريدة صادق زوزو ‪8/5/1426‬‬
‫‪15/06/2005‬‬
‫توطئة‪:‬‬
‫تستمد الحكام التفصيلية للمحافظة على النسل وإعداده للستخلف من‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬وإن كانت طرق رعاية الولد وتربيتهم قد جبل عليها‬
‫النسان بفطرته؛ إل أن الشارع الحكيم أسس قواعد وحدد ضوابط تقوم‬
‫عليها الرعاية في كل زمان ومكان‪ ،‬تماشيا مع الفطرة‪ ،‬وتصحيحا للطبائع‬
‫القبيحة‪ ،‬مثل ما كان في الجاهلية من قتل البنات‪" ،‬وإذا الموؤدة سئلت بأي‬
‫ذنب قتلت" ]التكوير‪ ،[8 :‬فهذا طبع ينافي الفطرة السليمة في حب الولد‬
‫سواء أكانوا ذكورا أم إناثا‪ ،‬ومثله ما جاء عن قتل الولد عموما‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫"ول تقتلوا أولدكم خشية إملق" ]السراء‪.[31 :‬‬
‫وهذه الضوابط مما استوعبتها النصوص التالية؛ في قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة" ]التحريم‪ ،[6 :‬وقول‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم‪" :‬كلكم راٍع‪ ،‬وكلكم مسؤول عن رعيته‪،‬‬
‫فالمام راٍع وهو مسؤول‪ ،‬والرجل راٍع على أهله وهو مسؤول‪ ،‬والمرأة راعية‬
‫على بيت زوجها وهي مسؤولة‪ ،‬والعبد راٍع على مال سيده وهو مسؤول‪ ،‬أل‬
‫فكلكم راٍع وكلكم مسؤول")‪. (1‬‬
‫وم صحة وصواب التربية‬ ‫فهذه النصوص تبين قواعد الرعاية والحفظ بما يق ّ‬
‫على السس القرآنية والنبوية؛ وهذه الضوابط ل يمكنها أن تؤدي دورها في‬
‫غياب المحضن السري الذي يجمع أفراد العائلة الواحدة؛ الذين جمعهم عقد‬
‫زواج شرعي بين الب والم‪ ،‬وتحقق المقصد الصلي بالتناسل‪ ،‬وقد قال‬
‫تبارك وتعالى‪":‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق‬
‫منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء" ]النساء‪ ،[1 :‬فالنسل هو خلف‬
‫الزواج‪.‬‬
‫وبوجود السرة وتعدد الفراد فيها‪ ،‬تتحدد وظيفة كل فرد في هذه السرة‪،‬‬
‫حقوقا وواجبات‪ ،‬بما يحقق التكامل الذي يتكفل بالنسل رعاية وتنشئة‪ .‬هو‬
‫الذي سيتضح في هذه الدراسة بمبحثيها؛ حيث يعرض المبحث الول لهمية‬
‫الكيان السري في الرعاية والتنشئة الجتماعية عموما‪ ،‬ويتخصص مجال‬
‫الدراسة في المبحث الثاني في طرق كفالة اليتيم في غياب السرة‪ ،‬وقد‬
‫اخترت هذا النموذج لما ورد فيه من تفصيل في آي القرآن وأحاديث‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم‪ ،‬هذا التفصيل الذي نستمد منه أهم قواعد‬
‫الرعاية والتي نعتمدها كنموذج عام يسترشد به في مجال التربية والرعاية‪،‬‬
‫وهو ما سأحاول تطبيقه مع رعاية ذي العاهة الذي لم تفصل طرق رعايته‬
‫بالكيفية الولى‪ ،‬سوى ما استنبط من مقاصد الشارع الحكيم؛ مثل مقصد‬
‫الرحمة‪ ،‬ومقصد السماحة والتسامح‪ ،‬ومقصد المساواة وغيرها‪.‬‬
‫المبحث الول‪ :‬التنشئة والرعاية السرية‬
‫المطلب الول‪ :‬وظائف السرة ودورها في حفظ النسل‪.‬‬
‫تتأسس وظائف السرة على عقد الزواج والمقاصد التي ينبني عليها‪" ،‬‬
‫فالسبيل الول لتكوين السرة هو نظام الزواج")‪ ، (2‬ففي قوله تعالى‪" :‬ومن‬
‫آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة‬
‫سة للكيان السري‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫مؤ َ ِ‬
‫ورحمة" ]الروم‪ [21:‬تبيان للقواعد الروحية ال ُ‬
‫بالسكينة التي تظلل على الزوجين‪ ،‬والمودة والرحمة التي تجمعهما ما طالت‬
‫الحياة بينهما‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبإيجاد النسل يكتمل البناء السري‪ ،‬كما يبينه الخالق تبارك وتعالى في قوله‪:‬‬
‫"هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها‪ ،‬فلما‬
‫تغشاها حملت حمل خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا‬
‫صالحا لنكونن من الشاكرين" ]العراف‪ .[189 :‬حيث يعد ّ مجيء الولد‬
‫النتقال بالسرة إلى عهدها الذهبي‪ ،‬وهو "عهد الستقرار والفهم الصحيح‬
‫للحياة السرية‪ ،‬والدراك المباشر لمسؤولياتها")‪ ، (3‬مما يتطلب تغيرا في‬
‫مسؤوليات الزوجين‪ ،‬من فردين إلى مسؤولين على رعاية وتنشئة نسلهما‪.‬‬
‫وقد حددت وظائف كل من الزوجين بما يتفق وخصائص الرجل والمرأة في‬
‫الية الكريمة في قوله تعالى‪" :‬ولوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن‬
‫أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ل تكلف‬
‫نفس إل وسعها ل تضار والدة بولدها ول مولود له بولده وعلى الوارث مثل‬
‫ذلك فإن أرادا فصال ً عن تراض منهما وتشاور فل جناح عليكم إذا سلمتم ما‬
‫آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير" ]البقرة‪:‬‬
‫‪ ،[233‬كما يتبين ذلك أيضا في قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬كلكم راٍع‬
‫وكلكم مسؤول عن رعيته‪ ،‬والمير راٍع‪ ،‬والرجل راٍع على أهل بيته‪ ،‬والمرأة‬
‫راعية على بيت زوجها وولده‪ ،‬فكلكم راٍع وكلكم مسؤول عن رعيته")‪. (4‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالشارع الحكيم يحرص على رعاية النسل داخل السرة‪ ،‬فهذا حديث‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما من مولود إل يولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه‬
‫يهودانه وينصرانه ويمجسانه" )‪ (5‬يؤكد حقيقة ثابتة وهي أن الطفل يولد وهو‬
‫ل يفقه شيئا في هذا الوجود‪" ،‬والسرة هي النظام الجتماعي الوحيد الذي‬
‫يأخذ على عاتقه مسؤولية تحويل الحيوان النساني الصغير إلى مخلوق‬
‫آدمي")‪ ، (6‬حيث يختلف صغير النسان عن غيره من الصغار في نموه‬
‫البطيء‪ ،‬وشدة احتياجه إلى من يرعاه على القل حتى سن الخامسة الرعاية‬
‫الجسدية والصحية‪ ،‬أما التنشئة الجتماعية والتي يقصد بها "تلقين الطفل‬
‫اللغة والعادات والتقاليد وآداب السلوك وقواعد الدين والعرف‪ ،‬وهي الجسر‬
‫الذي يصل بين الفردية الخالصة والمجتمع")‪(7‬؛ فهي تطول حتى يلمس‬
‫الوالدان مقدرة نسلهما على التفاعل الجتماعي‪ ،‬والتكّيف مع الحياة بالصورة‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫وهكذا تتعدد وظائف السرة )‪ (8‬بين إنجاب الولد الشرعيين‪ ،‬ثم رعايتهم‬
‫منذ الولدة والعناية برضاعهم وحضانتهم‪،‬كما سيتبين لحقا‪ ،‬والنفاق عليهم‬
‫في الملبس والمعيشة عموما‪ ،‬ليأتي بعدها دورهما المشترك عندما يكبر؛‬
‫بالتربية للمحافظة على الفطرة السليمة‪ ،‬وتنمية قدرات الولد المتعددة‪،‬‬
‫وتهيئتهم استعدادا للتفاعل مع المجتمع‪.‬‬
‫وهذا لقمان الحكيم ينصح ابنه كما يذكر ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى‪:‬‬
‫ي أقم الصلة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر‪ ،‬وأصبر على ما أصابك‬ ‫"يا بن ّ‬
‫إن ذلك من عزم المور‪ ،‬ول تصعر خدك للناس‪ ،‬ول تمش في الرض مرحا‬
‫إن الله ل يحب كل مختال فخور‪ ،‬وأقصد في مشيك وأغضض من صوتك إن‬
‫أنكر الصوات لصوت الحمير" ]لقمان‪.[19-17 :‬‬
‫فهذه النصائح هي مفتاح التعامل الصحيح مع أفراد المجتمع لتنشئتهم تنشئة‬
‫بّناءة‪ ،‬فهذه القواعد هي التي تبني النسان الفعال؛ الذي تهيئه السرة‬
‫للستخلف وعبادة الله تعالى‪ ،‬وأن يكون ممن ينشد المصطفى صلى الله‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم أن يكثروا أتباعه يوم ل ينفع مال ول بنون‪ ،‬إل العمل الصالح؛ هذا‬
‫العمل الذي ل ينشأ من فراغ‪ ،‬بل إن التربية على الخلق والمبادئ السلمية‬
‫هي قوامه وعمدته‪.‬‬
‫ورغم كون حق النسل في انتسابه لبويه من الطبائع المجبول عليها لدى‬
‫النسان‪ ،‬فإن الشارع قام بتقويمها وتحديد ضوابطها‪ ،‬لما لها من أهمية في‬
‫قيام الكيان السري‪" ،‬فحفظ النسب الراجع إلى صدق انتساب النسل إلى‬
‫أصله سائق النسل إلى البر بأصله‪ ،‬والصل إلى الرأفة والحنو على نسله")‪(9‬‬
‫‪.‬‬
‫وتتحدد أسس الرأفة والحنو برضاعة الوليد وحضانته في السنوات الولى‬
‫)من الميلد إلى الصبا(‪ ،‬ورعايته وتربيته في السنوات التالية التي ينشأ فيها‬
‫ويترعرع‪ ،‬حيث "يقوم الباء بأداء هذا الواجب الضروري؛ إما بمقتضى وازع‬
‫الفطرة النسانية الذي يغني عن القوانين والسلطان‪ ،‬وإما بوازع الدين الذي‬
‫يزع النفوس عن التهاون بحدود الشريعة‪ ،‬وإما بوازع السلطان صاحب القهر‬
‫والصولجان")‪. (10‬‬
‫فرعاية النسل‪ ،‬والحفاظ عليه حتى يبلغ أشده ويقوم بأداء واجبه اتجاه خالقه‪،‬‬
‫وأمته‪ ،‬تتحقق داخل المحيط السري؛ لن السرة هي الكفيلة بتهيئة المناخ‬
‫الذي يحقق مصالح النسل في حفظه ورعايته وتربيته وتنشئته‪ ،‬ومن ثمة‬
‫تتحدد للسر)‪(11‬ة وظائفها‪ ،‬المر الذي بّينته نصوص الشريعة في مثل قوله‬
‫تعالى‪" :‬وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" ]البقرة‪ ،[233:‬وذلك‬
‫تحديدا للوظيفة الولى للب في توفير الرزق والكسوة‪ ،‬وهذه وظيفة الب‬
‫الولى‪ ،‬أما وظيفة الم فقد تحددت في مثل قوله تعالى‪" :‬والوالدات يرضعن‬
‫أولدهن حولين كاملين" ]البقرة‪ ،[233:‬وقوله تبارك وتعالى‪" :‬حملته أمه‬
‫كرها ووضعته كرها" ]الحقاف‪ ،[15 :‬وقوله تعالى‪" :‬حملته أمه وهنا على‬
‫وهن" ]لقمان‪ ،[14 :‬فوضحت هذه اليات الكريمة المهام الرئيسة للم‬
‫والمتمثلة في الحمل والرضاع والحضانة؛ حيث تعد الرضاعة والحضانة‬
‫قاعدتين أساسيتين للتربية عموما؛ لن الطفل يولد وهو ل يقوى على شيء‪،‬‬
‫قال تعالى‪" :‬وخلق النسان ضعيفا" ]النساء‪ ،[28 :‬وقال تبارك وتعالى أيضا‬
‫واصفا مراحل حياة النسان‪" :‬الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد‬
‫ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم‬
‫القدير" ]الروم‪ .[54 :‬هذا الضعف ل يمكن للنسان وهو وليد أن يدفع به عن‬
‫نفسه؛ فل يقوى على ذلك إل بمعونة والديه اللذين تكفل بذلك شرعا وعرفا‪،‬‬
‫بل وعادة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫هذه هي المقاصد الصلية للرعاية والتربية؛ أين ينتقل الطفل من المراحل‬


‫الولى إلى مراحل القوة ليقدر على رد ّ جميل والديه برعايتهما وهما كبيران‬
‫مصداقا لقوله تعالى‪" :‬وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا إما‬
‫يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل تقل لهما أف ول تنهرهما وقل لهما‬
‫قول كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني‬
‫صغيرا" ]السراء‪ ،[24 -23:‬وهنا تظهر المقاصد التبعية لرعاية وحفظ النسل‪،‬‬
‫بما يعود على الوالدين‪ ،‬فقال تعالى‪" :‬حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة‬
‫قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل‬
‫صالحا ترضاه" ]الحقاف‪.[15 :‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولهذه الغايات ارتأيت بدأ الحديث عن وظائف السرة عموما‪ ،‬وبحث وظيفتي‬
‫الرضاعة والحضانة تخصيصا وتفصيل في المطالب اللحقة‪ ،‬لما لهما من‬
‫أهمية في رعاية النسل في بداية حياته داخل كيان السرة‪ ،‬وخارجه عند‬
‫انفكاك عرى الزواج والبناء السري‪ ،‬فإن حق النسل يبقى ثابتا‪ ،‬ل يتغير ول‬
‫يتبدل‪.‬‬
‫ونلحظ أن الفقهاء ‪-‬في كتب الفقه السلمي‪ -‬ركزوا اهتمامهم على مباحث‬
‫الرضاع والحضانة والنفقة خصوصا‪ ،‬غير مفصلين في مبحث التربية والتعليم‪،‬‬
‫لن موضوع التربية عموما ليس من المباحث الفقهية البحتة‪ ،‬وإن كان ذا‬
‫صلة قوية غير مباشرة بمباحث حقوق النسل في الشريعة السلمية )‪.(12‬‬
‫والحقيقة أن هذا المر راجع إلى كون الرضاع والحضانة دعامة وأساس رعاية‬
‫المولود والعناية به‪ ،‬فالمولى تبارك وتعالى أول ما دعا إليه هو قوله تعالى‪[ :‬‬
‫والوالدات يرضعن أولدهن]‪ ،‬فبالرضاع ينمو المولود ويكبر وإل فالموت‬
‫مصيره‪ ،‬إذا لم يجد العناية في أيامه الولى‪ ،‬وتستمر الرضاعة والحضانة‬
‫للمولود حتى لو انفصل الزوجان‪ ،‬وانحلت عرى الزواج بالطلق‪ ،‬خاصة وأن‬
‫في انحلل عقد الزواج ظهور مخاصمات بين الزوجين‪ ،‬فلم يدع الشارع‬
‫الحكيم هذه المخاصمات تؤثر في حقوق النسل المشروعة‪ ،‬حيث قال‪" :‬ل‬
‫تضار والدة بولدها ول مولود له بولده" ]البقرة‪ ،[233 :‬فحقوق النسل باقية‬
‫في كل الحوال؛ و لهذا غّلب الفقهاء حق الولد على حق الم في الرضاع‬
‫والحضانة كما سيأتي‪ ،‬رعاية لمصلحة الولد‪ ،‬وتقريرا لحقوقه الدائمة‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري عن عبد الله بن عمر‪ ،‬كتاب‪ :‬النكاح‪ ،‬باب‪" :‬قوا أنفسكم‬
‫وأهليكم نارا"‪ ،‬رقم‪ .5188 :‬أنظر‪ :‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري بشرح فتح‬
‫الباري‪،‬ج ‪ /9‬ص ‪.254‬‬
‫)‪ (2‬السمالوطي‪ ،‬الدين والبناء العائلي‪ ،‬ص ‪.195‬‬
‫)‪ (3‬الخشاب‪ ،‬مصطفى‪ :‬دراسات في الجتماع العائلي‪ ) ،‬بيروت‪ :‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،(1985 ،‬ص ‪.81‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه‪ ،‬في كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬المرأة‬
‫راعية في بيت زوجها‪ ،‬رقم ‪ ،5200‬أنظر‪ :‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري بشرح فتح‬
‫الباري‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪.296‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه مسلم في كتاب‪ :‬القدر‪ ،‬باب‪ ،6:‬أنظر‪ :‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‬
‫بشرح النووي‪ ،‬ج ‪/16‬ص ‪.207‬‬
‫)‪ (6‬الخولي‪ ،‬السرة والحياة العائلية‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫)‪ (7‬الخشاب‪ ،‬دراسات في الجتماع العائلي‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫)‪ (8‬الخولي‪ ،‬السرة والحياة العائلية‪ ،‬ص ‪61‬؛ الخشاب‪ ،‬دراسات في‬
‫الجتماع العائلي‪ ،‬ص ‪81‬؛ السبيعي‪ ،‬عدنان‪ :‬سيكولوجية المومة‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫)دمشق‪ :‬الشركة المتحدة للتوزيع‪ ،(1985 ،‬ج ‪86 /1‬؛ شكري‪ ،‬التجاهات‬
‫المعاصرة في دراسة السرة‪ ،‬ص ‪.165‬‬
‫)‪ (9‬ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة السلمية‪ ،‬ص ‪.162‬‬
‫)‪ (10‬العالم‪ ،‬المقاصد العامة للشريعة‪ ،‬ص ‪440‬‬
‫)‪ (11‬ول يهم أن مصطلح " السرة" لم يأت له ذكر في القرآن الكريم أو‬
‫السنة النبوية؛ بل إن معانيه مؤسس لها في أحكام الزواج وقواعده؛ فإن‬
‫البناء السري تبع لعقد الزواج حال وجود النسل؛ وهل في تفصيل أحكام‬
‫الطلق وما في سياقها إل إيضاح لطرق انفكاك عرى السرة وانحلل العقد‬
‫الذي بنيت عليه‪ ،‬فل أسرة دون زواج‪ ،‬ول نسل خارج إطار الزواج‪ ،‬وقد قال‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ابن عاشور" ول جرم أن الصل الصيل في تشريع أمر العائلة هو إحكام‬


‫آصرة النكاح ثم إحكام آصرة القرابة ثم إحكام آصرة الصهر‪ ،‬ثم إحكام كيفية‬
‫انحلل ما يقبل النحلل من هذه الواصر الثلث" ‪ .‬ابن عاشور‪ ،‬مقاصد‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬ص ‪.155‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫)‪ (12‬هو موضوع اختص بالبحث فيه التربويون‪ ،‬أنظر‪ :‬علوان‪ ،‬عبد الله ناصح‪:‬‬
‫تربية الولد في السلم‪ ،‬ط ‪) ،21‬القاهرة‪ :‬دار السلم للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪(1992 ،‬؛ جبار‪ ،‬سهام مهدي‪ :‬الطفل في الشريعة السلمية ومنهج‬
‫التربية النبوية‪ ،‬ط ‪) ،1‬صيدا‪ :‬المكتبة العصرية‪(1997 ،‬؛ طعمة‪ ،‬صابر‪ :‬منهج‬
‫السلم في تربية النشء وحمايته‪ ،‬ط ‪) ،1‬بيروت‪ :‬دار الجيل‪(1994 ،‬؛‬
‫ل‪ :‬الطفولة في السلم مكانتها وأسس تربية الطفل‪،‬‬ ‫عثمان‪،‬حسن م ّ‬
‫) الرياض‪ :‬دار المريخ‪ ،(1982 ،‬اسماعيل‪ ،‬محمد عماد الدين‪ :‬الطفال مرآة‬
‫المجتمع‪ ،‬كتاب رقم ‪ 99‬من سلسلة عالم المعرفة‪ ) ،‬الكويت‪ :‬مطابع‬
‫الرسالة‪(1986 ،‬؛ قنطار‪ ،‬فايز‪ :‬المومة‪ ،‬كتاب رقم ‪ 166‬من سلسلة عالم‬
‫المعرفة‪ ) ،‬الكويت‪ :‬مطابع السياسة‪(1992 ،‬؛ سويد‪ ،‬محمد نور عبد الحفيظ‪:‬‬
‫منهج التربية النبوية للطفل‪ ،‬ط ‪) ،5‬بيروت‪ :‬مؤسسة الريان‪1414 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪1994‬م(‪.‬‬
‫التفكير البداعي في المناهج الدراسية‬
‫لمقررات الفقه وأصوله]‪(1) [2/3‬‬
‫د‪ /‬فريدة زوزو )‪24/11/1425 (2‬‬
‫‪05/01/2005‬‬
‫وأما ترغيب التفكير البداعي في نفوس الطلب فيتأتى من خلل‪:‬‬
‫علقة المدرس والطالب‪:‬‬
‫لبد من الخذ بعين العتبار أن المدرس في الجامعة هو آخر مدرس يتعلم‬
‫على يديه الطالب‪ ،‬وهو يفترق عن المعلم في المدرسة البتدائية‪ ،‬هذا لنه‬
‫أول معلم‪ ،‬وبالتالي فإن أهداف المدرسة تختلف عن أهداف الجامعة‬
‫باعتبارها المدرسة الخيرة‪ ،‬ولنه " ينظر إلى مؤسسات التعليم الجامعي‬
‫باعتبارها المراكز الساسية للبحث العلمي؛ فالمدرسون في هذه المؤسسات‬
‫يتحملون أمانة العلم تبليغا وتعليما ونشرا‪ ،‬لكن عليهم أن يتحملوا هذه المانة‬
‫إبداعا وإنتاجا" )‪.(3‬‬
‫ومن هنا كان على الستاذ في الجامعة أن يتبع جملة من المور حتى ينتج‬
‫طالبا حافظا مستوعبا‪ ،‬يملك أدوات البداع ل الحفظ فقط‪ ،‬ويحول الطالب‬
‫السلبي إلى طالب إيجابي فعال من خلل السؤال أو النقاش‪ ،‬وإشراكه في‬
‫محور الدرس استثارة له نحو التساؤل المجدي‪.‬‬
‫ونأخذ هنا مثال‪ ،‬عند تدريسنا لمادة الفقه المقارن والتي ل يحبها أكثر الطلبة‪،‬‬
‫لماذا؟ لنها تعتمد أكثر شيئ على حفظ الدلة الكثيرة والمختلفة بين‬
‫المذاهب الفقهية‪ ،‬فهذا المذهب يستند على دليل من الحديث النبوي‪،‬‬
‫والمذهب الخر يفنده بحديث نبوي آخر‪ ،‬ليجد الطالب نفسه في معركة‬
‫سيوفها هي نصوص الوحي نفسها‪ .‬وكان الولى بالمدرس أن يستعمل هذه‬
‫المادة في بيان أهمية التفكير النقدي‪ ،‬عند النظر في دليل الخصم‪ ،‬بأن ينتقد‬
‫بدليل أقوى حجة‪ ،‬استعراضا للدلة القوية‪ ،‬ودحضا للدلة الواهية؛ حتى يمكن‬
‫الستفادة حقا من كتب ومفردات الفقه المقارن‪ ،‬ومنه بيان سمو الشريعة‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمية وغناها بالراء الفقهية في المسألة الواحدة‪ ،‬مما ُيرفع به الحرج عند‬
‫تعذر العمل بالحكم الشرعي الصلي‪.‬‬
‫ول يمكن هنا التغافل عن الجانب التربوي لهذه المادة مثل؛ إذ يتعلم الطالب‬
‫ل‪ ،‬فل يزود‬ ‫من هذه المادة كذلك نبذ التعصب المذهبي والتقليد‪ ،‬وهو خلق عا ٍ‬
‫المدرس الطالب بالعلم والمعرفة فقط‪ ،‬بل يزوده كذلك بالخلق والخلل‬
‫الحميدة‪ ،‬والسلوك القويم‪ ،‬فالطالب الجامعي قد وصل في الجامعة لخر‬
‫مرحلة من مراحل التربية والتنشئة التي ابتدأت في البيت منذ أن كان‬
‫رضيعا‪ ،‬فعلى المدرس أن يدرك هذه المسألة ويضعها في الحسبان‪ ،‬من أجل‬
‫أن يساهم في إعداد الفرد الصالح الفعال أول‪ ،‬وتكوين الفقيه المجتهد ثانيا‪،‬‬
‫فمن المور الواجب اتباعها‪:‬‬
‫أ‪ -‬طريقة التدريس في كسب انتباه الطالب‪:‬‬
‫جرت العادة أن يجلس الستاذ ثابتا على كرسيه متحدثا وشارحا للدرس من‬
‫أوراق موزعة بين يديه‪ ،‬أو من خلل النظر والتقليب لصفحات كتاب مفتوح‬
‫أمامه؛ في الوقت الذي يكون فيه الطالب إما يتثاءب أو يتململ على كرسيه‬
‫أو يرسم على أوراقه‪...‬الخ‪.‬‬
‫ة في تدريس العلوم الشرعية وتسمى‬ ‫ة التقليدي َ‬
‫ة الطريق َ‬
‫تعد هذه الطريق ُ‬
‫)طريقة التلقين(‪ ،‬وتعتمد على التلقين والتكرار‪ ،‬وهي وسيلة مهمة وفعالة‬
‫في الحفظ في السطور والصدور‪ ،‬بحيث يستوعب الطالب الدرس في ذهنه‪،‬‬
‫طلب منه إعادة شيئ أو استفسره المدرس عن مسألة‪ ،‬فإنه ل‬ ‫ولكن إذا ُ‬
‫يعرف الجابة ؛ فهي طريقة تشوبها بعض السلبيات مثل‪ :‬عدم مراعاة‬
‫الفروق الفردية بين الطلبة؛ حيث أن أعدادهم كبيرة جدا مما يعسر معه‬
‫العناية بأفراد الطلبة فردا فردا‪ ،‬كما أنها تخلو من تجاوب الطلبة معها‪ ،‬حيث‬
‫أنهم يتلقوا فقط‪ ،‬ولم يستثاروا أبدا لسؤال أو حل إشكال‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإنها طريقة ل تجذب انتباه الطالب في هذا العصر‪ ،‬وهو‬
‫الذي أصبح فكره مشغول بأمور خارجة عن الدرس‪ ،‬فليس الدرس هو غايته‬
‫وهدفه‪ .‬فلقد أصبح الطلب يأتون للدرس جبرا‪ ،‬ولن التعليم إجباري على كل‬
‫الفراد‪ ،‬وبالتالي يأتي الطالب وذهنه معلق بمشتهيات وملذات غير الدرس‬
‫الممل‪ ،‬وهنا وجب الحديث عن أسباب تدني الدافعية للتعلم والدراسة لدى‬
‫طلبنا‪ ،‬وهو موضوع شائك يحتاج إلى بحث تربوي مستقل‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومن الضروري هنا أن تتنوع طرق التدريس بعد أن عرفنا أن طريقة التلقين‬
‫ليست الطريقة المجدية في هذا العصر بالذات‪ ،‬عصر المعلوماتية‪ ،‬وعصر‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬وعصر السرعة في كل شيء‪ ،‬وكان لبد من الستعانة بطرق‬
‫أخرى أكثر فاعلية‪ ،‬وأيسر تعامل مع الطلب‪ ،‬وهنا أخص بالذكر بعضا من هذه‬
‫الطرق مثل‪:‬‬
‫استعمال تقنية المعلومات والتي من شأنها أن تضفي على الدرس حيوية‬
‫واهتماما متزايدا من قبل الطلب‪ ،‬كما أنها تيسر على المدرس تجميع‬
‫المعلومات الكثيرة في مساحات قليلة بطريقة مبسطة جذابة‪ ،‬تجلب انتباه‬
‫الطالب كل حين‪ .‬وتكمن أهمية هذه الوسائل كما يقول د‪ /‬أحمد محمد زكي‬
‫)المتخصص في مجال التقنية(‪ ":‬في استثارة اهتمام التلميذ وإشباع حاجته‬
‫للتعلم‪ ،‬وتشرك هذه الوسائل جميع حواس المتعلم‪ ،‬مما يؤدي إلى ترسيخ‬
‫المعلومة وحسن ترتيب واستمرار أفكار التلميذ‪ ،‬وكذلك تنمي قدرة المتعلم‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على التأمل ودقة الملحظة واتباع التفكير العلمي‪.(4) "...‬‬


‫ناهيك على تسهيلها استيعاب الدرس الذي يتيسر فيه الشرح بطريق الصور‬
‫مثل مناسك الحج‪ ،‬ودروس فقه السيرة‪ ،‬ومناطق الغزوات‪ ،‬التي تسهل‬
‫دة لهذا الغرض‪ ،‬فالطالب في هذا المساق مثل وهو‬ ‫دراستها على خرائط مع ّ‬
‫ينظر في الخريطة إلى طول المسافة بين مكة والمدينة المنورة‪ ،‬طريق‬
‫هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم يسهل عليه تصور الدرس وفهمه‬
‫واستيعابه‪.‬‬
‫كما يمكن أن تساهم تقنية المعلومات في حساب مقادير الزكوات خاصة‬
‫الحديثة منها مثل أنصبة السهم والسندات وعروض التجارة عموما بطريقة‬
‫حسابية ميسرة‪ ،‬ومثلها أنصبة الورثة في علم المواريث وغيرها‪.‬‬
‫طريقة المناقشة‪ :‬وتحبذ هذه الطريقة أن تمارس مع مجموعات وفرق‬
‫صغيرة من الطلبة عددهم بين )‪ (15-10‬فيكون محور الدرس موضوعا‬
‫للنقاش الدائر بين المدرس والطلبة‪ ،‬وفيها يمكن الستعانة ببعض الكتب‬
‫الجانبية المساعدة على استثارة التفكير والسؤال عند الطالب‪ ،‬وهي طريقة‬
‫تعين كذلك على فهم الموضوع من طرق متعددة وبالتالي تنمية قدرة‬
‫الطالب على استيعاب الدرس من أحد الطرق الميسرة عنده‪ .‬وهي طريقة‬
‫تستعمل في حصص المناقشة‪.‬‬
‫تنويع النشطة داخل الفصل‪ :‬أي أن المدرس يحاول تغيير جو التدريس إلى‬
‫طرح سؤال‪ ،‬أو دعوة طالب لمناقشة مسألة‪ ،‬أوالكتابة على السبورة‪ ،‬أو‬
‫استعمال تخطيط الشجرة‪ .‬كما يجدر أن يتحلى المدرس بروح الدعابة‬
‫والمرح أحيانا بإلقاء مزحة يستثير بها صمت وهدوء الطلبة‪ ،‬كما ينبغي كل‬
‫حين التنبيه على أهم محاور الدرس‪ ،‬والخيط الجامع للدرس حتى ل يضيع‬
‫الطلب بين تفريعات الدرس ناسين جوهره‪.‬‬
‫طريقة الوحدات‪ :‬والغاية من هذه الطريقة الربط بين معلومات المنهج في‬
‫المادة الواحدة‪ ،‬أو في مواد مختلفة متعددة‪ ،‬حول هدف نظري واحد؛ فالزكاة‬
‫مثل‪ -‬إذا درست على منهج المواد المنفصلة‪ -‬تدرس دراسة جافة ضحلة‪،‬‬
‫تتناول أوقات وجوبها‪ ،‬ومقاديرها‪ ،‬ومصارفها‪ ،‬إلى غير ذلك‪ ،‬ولكنها كوحدة‬
‫يمكن أن تدرس من اتجاهات أقوى حيوية وأعظم تأثيرا‪ ،‬مثل‪ :‬الزكاة‬
‫ومشكلة الفقر‪ ،‬الزكاة والتنظيم القتصادي‪ ،‬الزكاة والتعاون‪ ،‬المضاعفات‬
‫السيئة لمنع الزكاة‪...‬الخ )‪.(5‬‬
‫ب‪ -‬التمثيل بحيثيات ومستجدات الواقع المعيش‪:‬‬
‫حركة المجتمع والواقع الجتماعي واقع متحرك غير ثابت‪ ،‬فهو أحيانا يحتكم‬
‫إلى الشريعة السلمية ‪ ،‬وفي أحيان أخرى يبتعد عنها‪ ،‬لينجرف مع التيارات‬
‫المستحدثة‪.‬‬
‫والستاذ في درسه يدرس المنهج المقرر‪ ،‬واضعا خلفه واقعه الذي يعيش‬
‫فيه؛ وهنا تكمن إشكالية التمايز عند الطالب‪ ،‬بين ما يتلقاه في الدرس وبين‬
‫واقعه‪ ،‬فهما يسيران في اتجاهين متعاكسين‪ ،‬وهنا وجب على المدرس أن‬
‫يربط مادة درسه بالواقع المعيش‪ ،‬بـ‪:‬‬
‫* إنزال الحكام الشرعية منازلها بعد تحقيق مناطها‪ ،‬حيث يعد الواقع أحد‬
‫عناصر تحليل وتحقيق مناطات الحكام‪.‬‬
‫* ومحاولة الستفادة من العلوم الحديثة في مجال تفسير وفهم بعض‬
‫النصوص الشرعية‪.‬‬
‫* معالجة المسائل والتحديات المعاصرة بالنظر الفقهي الشرعي )مجالت‬
‫الطب والسياسة والمعاملت القتصادية‪ ،‬وغيرها(‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* النطلق من الواقع بتحدياته‪ ،‬ومعالجتها معالجة شرعية؛ فهذا المنهج‬


‫سيساعد الطالب والستاذ نفسه على اللتحام بالمجتمع والندماج في‬
‫مؤسساته‪.‬‬
‫* ويوضح الستاذ أهمية ذلك في نهضة المة‪ ،‬ويحث الطالب على أن يكون‬
‫عضوا فاعل‪.‬‬
‫فل يمكن عزل الطالب عن واقعه الذي يعيشه‪ ،‬وخاصة أن مقررات‬
‫الدراسات الشرعية الحالية تعتمد على أمرين اثنين‪:‬‬
‫‪ -‬أولهما التأصيل النظري للحكام الشرعية المستوحى من القرآن والسنة‪،‬‬
‫من دون ربطها بما يسود المجتمع من مخالفات لهذه الحكام‪ ،‬أو محاولة‬
‫إدراج صورها الحديثة لتأصيلها شرعيا ‪.‬‬
‫‪ -‬وثانيهما التمثيل بالمثلة والفروع الفقهية القديمة‪ ،‬التي يصعب على الطالب‬
‫فهمها ناهيك عن فهم الدرس والقاعدة المعتمدة‪ ،‬وما يأتي المثال في الصل‬
‫إل لجل أن ييسر فهم الدرس!‪.‬‬
‫مكامن تجديد المثلة بما يناسب العصر‪:‬‬
‫إضافة لما سبق التطرق إليه لبعض المثلة في الفقه المعاصر ومادة الفقه‬
‫المقارن‪ ،‬فهذه أمثلة أخرى من‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ -‬مادة فقه المعاملت ‪ :‬وخذ لذلك مثال‪ ،‬فعند شرحي لدرس البيوع المنهي‬
‫عنها للغرر الواقع فيها نمّثل بـ‪" :‬ل يجوز بيع البعير الشارد والعبد البق‪،‬‬
‫والسمك في النهر والطير في السماء‪ ،‬واللبن في الضرع"‪ ،‬وغيرها كثير كثير‬
‫من المثلة التي لم تتغير منذ قرون طويلة‪ ،‬وقس على ذلك المثلة في‬
‫الدرس الصولي فهي هي‪ ،‬كما َدرستها أنا في الجامعة وكما ُأدرسها الن‬
‫للطلبة‪ ،‬وكما سُيدرسها طلبتي في المستقبل لطلبتهم‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫وقد يصعب على الستاذ استحضار أمثلة وتطبيقات جديدة من الواقع لن‬
‫الستاذ نفسه عاجز عن استيعاب ومحاولة مزج التنظير مع التطبيق‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أمثلة التجديد في الدرس الصولي‪:‬‬
‫لبد من ربط الدرس الصولي بالواقع المعيش‪ ،‬في إنزال الحكام الشرعية‬
‫منازلها بعد تحقيق مناطها‪ ،‬حيث يعد الواقع أحد عناصر تحليل وتحقيق‬
‫مناطات الحكام‪ .‬ومحاولة الستفادة من العلوم الحديثة في مجال تفسير‬
‫وفهم بعض النصوص الشرعية‪.‬‬
‫إذ سيساعد هذا المنهج على اللتحام بالمجتمع والندماج في مؤسساته‪ ،‬فل‬
‫ينغلق الصوليون على أنفسهم في مباحث تجريدية نظرية هي لعلم الكلم‬
‫والفلسفة أقرب‪.‬‬
‫ول يمكن عزل المنهج الصولي عن واقعنا الذي نعيشه‪ ،‬فالمباحث الحالية‪،‬‬
‫وهي في ذاتها قديمة‪ ،‬وتعتمد على المثلة القديمة التي لم ول تتغير في أي‬
‫كتاب أصولي قديم أو حديث‪ ،‬وخذ لذلك أمثلة في درس " السبب"‪ :‬القتل‬
‫العمد سبب لوجوب القصاص‪ ،‬وفي درس "الجماع"‪ ،‬من الجماعات إعطاء‬
‫الجدة السدس‪ ،‬وفي درس " الرخصة والعزيمة"‪ :‬من أمثلة إباحة ترك‬
‫الواجب‪ :‬الفطر في رمضان للمسافر‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫ومن هنا تظهر أهمية مراجعة المقررات الدراسية لعلم أصول الفقه‬
‫ومفرداتها‪ ،‬بما جد ّ في الواقع من مسائل‪ ،‬لمواجهة التحديات والشبهات‬
‫المثارة كل حين وبصور متغايرة‪ ،‬ولو أمكن " تحديث المثلة في كل‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الموضوعات مع ربطها بالتطبيق القضائي المعاصر" )‪.(6‬‬


‫‪ -‬ومن أمثلة مادة " القواعد الفقهية"‪:‬‬
‫مادة القواعد الفقهية والتي تعتبر من أجل العلوم التي أبدع فيها علماؤنا‬
‫لهميتها‪،‬كما قال المام القرافي" قواعد كلية فقهية كثيرة العدد‪ ،‬عظيمة‬
‫المدد‪ ،‬مشتملة على أسرار الشرع وحكمه‪...‬وهي قواعد عظيمة النفع وبقدر‬
‫الحاطة بها يعظم قدر الفقيه وشرفه‪ ،(7) "..‬فأساسها مبني على عمل‬
‫الفقهاء على جمع الفروع الفقهية المتناثرة تحت محدد وضابط جامع لها‪،‬‬
‫بغرض إيجاد رابط لفروع كثيرة متشابهة موصولة مع بعض‪ ،‬فقد قال المام‬
‫السيوطي بعد الثناء على الفقهاء‪ ":‬ولقد نوعوا هذا الفقه فنونا وأنواعا‪،‬‬
‫وتطاولوا في استنباطه يدا وباعا‪ .‬وكان من أجل أنواعه‪ :‬معرفة نظائر الفروع‬
‫وأشباهها‪ ،‬وضم المفردات إلى أخواتها وأشكالها‪ ،‬ولعمري إن هذا الفن ل‬
‫يدرك بالتمني‪ ،‬ول ينال بسوف ولعل ولو أني‪.(8) "..‬‬
‫إل أنه يستشكل على المدرس في هذا العصر البحث عن أمثلة جديدة‪،‬‬
‫فتجده عاجزا عن التيان بذلك‪ ،‬لنه وللسف غير مطلع على مستجدات‬
‫العصر التي كثيرا ما تكون مخزنة في البحاث الكاديمية‪ ،‬والمقالت العلمية‬
‫في المجلت‪ ،‬وعلى شبكة النترنيت‪ ،‬والتي تستدعي استقراًء لها كما استقرأ‬
‫علماؤنا الجلء في القديم نوازلهم‪.‬‬
‫وهنا يجد الستاذ نفسه بدل أن يشرح القاعدة الفقهية الم‪ ،‬يشرح المثلة‬
‫المستعصية على أذهان الطلبة‪ ،‬لنها أمثلة من زمان غير زمانهم‪ ،‬وهنا علمة‬
‫استفهام كبيرة ؟!‬
‫فكيف بمادة ُقصد من وضع مساقها ومفرداتها وتدريسها للطلبة أن تساعدهم‬
‫في اكتساب الملكة الفقهية‪ ،‬وهي المقصد الساسي من وضع هذا العلم‪،‬‬
‫تعمل بعكس هدفها في عدم استيعاب الطالب لمثلتها ناهيك عن القاعدة‬
‫الصل؟‬
‫فالمدرسون ل يبذلون الجهد الكافي في البحث والستقصاء عن تطبيقات‬
‫عملية لموادهم لنهم هم أنفسهم حرموا من معرفتها سواء في مرحلة‬
‫تعليمهم المدرسي أو الجامعي‪.‬‬
‫لذا فإن مجهودا ً إضافيا ً يعد أمرا ضروريا ومطلوب من قبل المعلمين لكسر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الجمود الموجود في الكتب المدرسية‪ ،‬وليخرجوا التعليم من?الحفظ‬
‫والستذكار ?إلى?القناع? والتطبيق )‪?.(9‬‬
‫ومن هنا تظهر أهمية مراجعة المقررات الدراسية ومفرداتها بما جد ّ في‬
‫الواقع من مسائل فقهية أو حديثية أو تفسيرية وغيرها‪ ،‬لمواجهة التحديات‬
‫والشبهات المثارة كل حين وبصور متغايرة‪ .‬وهو أمر ليس بالعسير إذا ما‬
‫تكاتفت جهود الباحثين من كل تخصص في الدراسات الشرعية بغرض‬
‫استقراء المستجدات وأدلتها‪ ،‬والتي كثيرا ما تعتمد على مقاصد الشريعة‬
‫وقواعد الفقه والتفسير المقاصدي لليات والحاديث الشريفة‪ ،‬وهو مما‬
‫سيساعد على تنمية البحث العلمي وتطوير مناهج تدريس الدراسات‬
‫الشرعية في جوانب متعددة تعدد الستقراء المبحوث عنه‪.‬‬
‫ج‪ -‬تحفيز الطالب على التفكير والبحث العلمي‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫بعد أن يتلقى الطالب الدرس ويحفظه استيعابا وفهما‪ ،‬نخطو نحو تدريبه على‬
‫ملكة السؤال والستفسار‪ ،‬ليتعمق الفهم بالنقاش وضرب المثلة‪ .‬فلو بقيت‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعلومات دون تحليلها أو استنطاقها لتحولت إلى جثة هامدة ل تغني من‬
‫يحملها في شيء سوى إرهاقه بحملها واسترجاعها‪ ،‬أما التفكير الناقد فإنه‬
‫يحول هذه المعلومات إلى طاقة خلقة تسهم في تكوين العقلية العلمية‬
‫المستنيرة التي يستطيع صاحبها أن يتعامل مع مفردات الواقع ومتطلبات‬
‫الحياة بمرونة واضحة وبقدرة على التحليل و الستنتاج و الفهم والستيعات‬
‫تساعده على الحياة الراقية و السلوك المتطور )‪.(10‬‬
‫وهو المر المرجو والمقصود من التعليم والتربية عموما‪" ،‬ول شك أن الهدف‬
‫المتوخى من العملية التدريسية؛ ل يتمثل في حشو أذهان الطلبة‬
‫بالمعلومات‪ ،‬وإن كانت مفيدة‪ ،‬فليس المتوخى أن يتخرج طلب الفقه أوعية‬
‫للمعلومات‪ ...‬غير أن الهدف الهم الذي يجب أن تتجه إليه العملية التدريسية‬
‫في الفقه‪ ،‬إنما هو بناء الشخصية الفقهية للطالب‪ ،‬وتنمية ملكات الستنباط‬
‫والبحث الفقهي عنده‪ ،‬واكسابه القدرة على التفكير العلمي السليم‪ ،‬المبني‬
‫على منهجية فقهية واضحة‪ ،‬قادرة على المحاورة والمناظرة" )‪.(11‬‬
‫ولن التحديات والمتغيرات كثيرة ومعقدة فإن الحتجاج العقلي من شأنه أن‬
‫يزيل الغبش عن ذهن الطالب‪ ،‬والمعروف في عرف الدراسات الشرعية أنها‬
‫دوما تتجه إلى التأصيل النصي من القرآن والسنة فقط‪ ،‬ويأخذ الحتجاج‬
‫العقلي مساحة ضيقة‪ ،‬ل يفهمها الطالب بسهولة‪ .‬فالستدلل بالحجة العقلية‬
‫أمر في غاية الهمية بعد الستدلل بالنص وتعليم الطلب ذلك مهم جدا‪ ،‬لنه‬
‫"وفي ظل ازدياد الشبهات العقلية أصبح ضروريا العناية بالحجة العقلية في‬
‫عرض مقرر العلوم الشرعية بشكل أكثر فعالية" )‪.(12‬‬
‫ومن أهم الوسائل المساعدة على إدراك الطلب فن البداع إكثار المدرس‬
‫من السؤال‪ ،‬بحيث تكون السئلة الكثيرة المتتابعة المتتالية مدخل للدرس‪،‬‬
‫وليس بالضرورة أن تتم الجابة عن كل السئلة آنيا وفي أثناء إلقاء الدرس‪،‬‬
‫وهنا وجب تطويرما أسماه د‪ /‬جمال بادي " أسلوب ضرب المثلة" )‪.(13‬‬
‫فالمهم أننا عَّلمنا الطلبة طريقة السؤال وطريقة الوصول للمعلومة‬
‫المطلوبة عن طريق سؤال مباشر أو غير مباشر‪ .‬ويمكن هنا الستعانة بما‬
‫يسميه التربويون "البتكار بالستثارة"‪ ،‬بحيث تكون مهمة المدرس استثارة‬
‫الطلب عن طريق طرح بعض التعليقات القصيرة المثيرة‪ ،‬وذلك من أجل‬
‫استدعاء الراء والفكار الجديدة )‪.(14‬‬
‫وهنا سيكون دور المدرس كالمدرب والمراقب والمستشار أحيانا أخرى؛ أي‬
‫أن دوره ل يكمن في صب المعلومات صبا‪ ،‬وإنما يوجه الطلب نحو‬
‫المعلومات‪ ،‬ويشرف على توجيههم الوجهة الصحيحة‪ ،‬وتدريبهم على روح‬
‫التساؤل‪ ،‬وتشجيعهم على ذلك‪.‬‬
‫أي يتم عرض المحتوى على أساس‪:‬‬
‫* عرض الموضوع على هيئة مشكلة أو تساؤل يثير اهتمام التلميذ وتفكيرهم‬
‫لتحقيق أهداف تدريس العلوم ‪.‬‬
‫* إتاحة الفرصة لهم مع المعلم لوضع الفروض المناسبة لحل المشكلة )‪.(15‬‬
‫د‪ -‬تأهيل الطالب عمليا‪:‬‬
‫يأخذ المدرس في عين العتبار أن طالب الدراسات الشرعية مثله مثل‬
‫طالب في التخصص التقني الذي يدخل المختبرات يوميا‪ ،‬فطالب الدراسات‬
‫الشرعية وإن كان ل يدخل إلى هذه المختبرات في أيام دراسته فإنه ل محالة‬
‫داخلها في واقع حياته‪ ،‬على اعتبار أنه سيكون قاضيا شرعيا أو مدرسا أو‬
‫إماما خطيبا‪ ،‬أو فقيها مجتهدا‪ ،‬أو فردا عاديا في مجتمعه‪ ،‬ولكنه غير عادي‬
‫بالنظر إلى تخصصه الذي يتطلب منه إلماما بعلوم الشريعة وتفريعاتها‪ ،‬فهو‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سُيستفسر كل حين عن مسألة فقهية أو فتوى أو معنى حديث‪ ،‬أو معنى آية‪،‬‬
‫وهو هنا في مركز المفتي والمجتهد بين أهله وجيرانه وأفراد بلدته الصغيرة‪،‬‬
‫"ومن مظاهر القصور والخلل والتقصير الواضح البّين أن يواجه طالب‬
‫الشريعة الذي يرى نفسه مختصا في الحديث أو العقيدة أو التفسير بمسائل‬
‫من الحياة تتصل بالحلل والحرام عمليا‪ ،‬ثم يعتذر عن عدم قدرته على‬
‫التعامل معها لنه مختص بالعقيدة مثل وليس بالفقه" )‪.(16‬‬
‫وهنا يحضرني مثال مهم وهو أن إحدى زميلتي وهي خريجة معهد الدعوة‬
‫والعلم والتي لم تدرس من مواد الفقه إل القليل القليل‪ ،‬حدث أن تزوجت‬
‫إماما وهو المر الذي استدعى أن كثيرا من نساء المدينة يزرنها بغرض‬
‫الستفتاء والسؤال‪ ،‬فتجد نفسها حائرة ل تعرف ماذا تقول‪ ،‬والسبب أنها‬
‫خريجة كلية الدعوة والعلم‪ ،‬ولم تدرس من الفقه وعلومه إل النزر القليل!‬
‫وهنا تظهر الحاجة إلى دراسة فن الترجيح والمناظرات والجدل العلمي‪ ،‬التي‬
‫حفل بها تاريخنا السلمي‪ ،‬فندرب الطلبة على فن المناظرات والستدلل‬
‫المقابل للستدلل المضاد‪ ،‬فإن هذا الفن معناه وجوب استحضار الحكم‬
‫ودليله بصورة آنية‪ ،‬وذلك يتطلب حفظها وفهمها واستيعاب أهميتها ومكانتها‬
‫وموضعها بين المسائل المعروضة حتى يتأتى استحضارها وهذا أحد فنون‬
‫التفكير البداعي الذي يتدرب الطلب عليه في الدرس النظري ثم التطبيقي‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫فهذه العلوم تعد أعمال تحتاج إلى فنون تطبيقية مثل فن الخطابة المتماشي‬
‫مع الحداث اليومية‪ ،‬وعلم القضاء الذي يحتاج إلى تطبيق وتمثيل للمحاكم‬
‫ومجالس القضاء التي تحتاج معرفة فن الترافع ومحاججة الخصم بالحجة‬
‫والبيان ‪...‬الخ‪.‬‬
‫|‪|2|1‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬أصل هذا البحث ورقة بحثية ألقيت في المؤتمر الدولي‪) :‬السلم‬
‫والمسلمون في القرن الواحد والعشرين‪ :‬الصورة والواقع(‪ ،‬كواللمبور‪،‬‬
‫مركز بوترا للتجارة العالمية‪6/8/2004-4 ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬جامعة العلوم السلمية بماليزيا‪.‬‬
‫)‪ (3‬فتحي حسن ملكاوي‪ ،‬البحث التربوي وتطبيقاته في الدراسات السلمية‬
‫في الجامعات‪ ،‬إسلمية المعرفة‪ ،‬السنة ‪ ،8‬العدد ‪ ،30‬خريف ‪1423‬هـ‪/‬‬
‫‪2002‬م‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫)‪ (4‬توظيف تقنية المعلومات في تدريس العلوم الشرعية‪ ،‬ندوة" نحو صياغة‬
‫حديث لمقررات الدراسة الشرعية"‪ ،‬جامعة مليا‪ ،8/2/2004-7 ،‬ص ‪.3‬‬
‫)‪ (5‬فتحي حمودة بيومي‪ ،‬التربية والطرق الخاصة بتدريس العلوم السلمية‪،‬‬
‫ص ‪ ،54‬نقل عن د‪/‬مروان قدومي‪ ،‬طرق تدريس الفقه السلمي‪ ،‬بحث مقدم‬
‫للمؤتمر الثاني لكلية الشريعة‪ ،‬جامعة الزرقا الهلية‪ ،‬الردن‪ 19-18 ،‬ربيع‬
‫الثاني ‪1420‬هـ‪1999 /1/8-31/7 /‬م‪ ،‬تحرير‪ :‬د‪ /‬هايل عبد الحفيظ داود‪ ،‬ط‬
‫‪2000 /1‬م‪ ،‬الزرقا‪ :‬جامعة الزرقا الهلية‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫)‪ (6‬ص ‪.10‬‬
‫)‪ (7‬القرافي‪ ،‬الفروق‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.3‬‬
‫)‪ (8‬السيوطي‪ ،‬الشباه والنظائر‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫)‪ (9‬أيمن أبو عذية‪ ،‬فليعلموا لماذا يتعلمون ‪:‬تطبيقات العلوم في الحياة ‪-‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مادة للطلبة الموهوبين‪ ،‬ورقة مقدمة للمؤتمر العلمي العربي الثالث لرعاية‬
‫الموهوبين والمتفوقين‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫)‪ (10‬محمد إسماعيل محمد اللباني‪ ،‬التفكير الناقد ودوره في التعلم الفعال‪،‬‬
‫ص ‪.22‬‬
‫)‪ (11‬ماجد الجلد‪ ،‬المفاهيم السلمية وأساليب تدريسها‪ ،‬بحث مقدم‬
‫للمؤتمر الثاني لكلية الشريعة‪ ،‬جامعة الزرقا الهلية‪ ،‬الردن‪ 19-18 ،‬ربيع‬
‫الثاني ‪1420‬هـ‪1999 /1/8-31/7 /‬م‪ ،‬ص ‪.424‬‬
‫)‪ (12‬جمال بادي‪ ،‬تطوير أساليب تدريس العلوم الشرعية‪ ،‬ندوة" نحو صياغة‬
‫حديث لمقررات الدراسة الشرعية"‪ ،‬جامعة مليا‪ ، /8/2-7 ،‬ص ‪.2‬‬
‫)‪ (13‬جمال بادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،2004،‬ص ‪.5‬‬
‫)‪ (14‬محمود محمد علي ‪ ،‬تنمية مهارات التفكير‪ ،‬ط ‪2002 /1‬م‪ ،‬جدة‪ :‬دار‬
‫المجتمع للنشر والتوزيع‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫)‪ (15‬عادل أبو العز أحمد سلمة‪ ،‬عن تصور مستقبلي لمناهج العلوم في‬
‫مرحلة التعليم الساسي في ضوء متطلبات العصر‪ ،‬ورقة مقدمة للمؤتمر‬
‫العلمي العربي الثالث لرعاية الموهوبين والمتفوقين ‪ 21 – 19‬تموز ‪2003‬م‪،‬‬
‫مان ص ‪.17‬‬ ‫‪ 21 – 19‬جمادى الولى ‪1424‬هـ‪ ،‬فندق هوليدي إن‪ /‬ع ّ‬
‫)‪ (16‬محمد سعيد حوى‪ ،‬ما الذي نريده من طالب الشريعة فقها‪ ،‬بحث مقدم‬
‫للمؤتمر الثاني لكلية الشريعة‪ ،‬جامعة الزرقا الهلية‪ ،‬الردن‪ 19-18 ،‬ربيع‬
‫الثاني ‪1420‬هـ‪1999 /1/8-31/7 /‬م‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫حفظ النسل من خلل التنشئة والرعاية )‪(5 / 2‬‬
‫د‪ .‬فريدة صادق زوزو ‪22/5/1426‬‬
‫‪29/06/2005‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الرضاعة‬
‫أول‪ :‬حكم الرضاعة‪.‬‬
‫استنبط الفقهاء حكم الرضاعة من خلل النظر في اليات القرآنية الدالة على‬
‫ذلك‪ ،‬في قوله تعالى‪" :‬والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد‬
‫أن يتم الرضاعة‪ ،‬وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف‪ ،‬ل تكلف‬
‫نفس إل وسعها‪ ،‬ل تضار والدة بولدها‪ ،‬ول مولود له بولده‪ ،‬وعلى الوارث مثل‬
‫ذلك‪ ،‬فإن أرادا فصال عن تراض منهما وتشاور فل جناح عليهما‪ ،‬وإن أردتم‬
‫أن تسترضعوا أولدكم فل جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف‪ ،‬واتقوا‬
‫الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير" )البقرة‪.(233 :‬‬
‫ففعل )يرضعن( مضارع إل أنه جاء ليدل على المر‪ ،‬وهذه إحدى صيغ المر‬
‫التي تأتي بالجملة الخبرية‪ ،‬قال الرازي‪" :‬والخبر قد يقام مقام المر‪،‬‬
‫وبالعكس؛ والسبب في جواز هذا المجاز أن المر يدل على وجود الفعل‪ ،‬كما‬
‫أن الخبر يدل عليه أيضا‪ ،‬فبينهما مشابهة من هذا الوجه‪ ،‬فصح المجاز")‪. (1‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫فالية الكريمة وإن جاءت في جملة خبرية إل أنها قامت مقام المر‪،‬‬
‫"للمبالغة في تقريره")‪ ،(2‬حيث أمر المولى تبارك وتعالى المهات أن‬
‫يرضعن أولدهن؛ لن الرضاعة حق الولد أوجبه الله له بنص القرآن ‪،‬وهو أمر‬
‫دل على الوجوب في الرأي الراجح؛ كما سيأتي بيانه في آراء الفقهاء؛ بعد‬
‫اختلفهم هل المر في الية جاء على سبيل الندب أم الوجوب؛ فالذي عليه‬
‫جمهور الفقهاء أن الرضاع واجب على الم حفظا للولد‪ ،‬وإبقاًء له‪ ،‬وهذا في‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حال عدم وجود من يرضعه غيرها ؛ أو أن الطفل ل يقبل بغيرها‪ ،‬حال قيام‬
‫الزوجية ‪ ،‬وإلى هذا ذهب المالكية في المشهور)‪ (3‬والحنابلة)‪ (4‬والشافعية)‬
‫‪ ،(5‬وأما الحنفية فقد قرروا أنه واجب عليها قضاًء في الحالت السابقة‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪" :‬ل تضار والدة بولدها" )البقرة‪ ،(233 :‬وفي الحالة العامة هو‬
‫واجب ديانة)‪ .(6‬أما إن كانت الم مطلقة بائنا‪ ،‬أو كانت ناشزا؛ فإن الراجح‬
‫أن ُيعطى لها أجر ذلك لقوله تبارك وتعالى‪" :‬فإن أرضعن لكم فآتوهن‬
‫أجورهن‪ ،‬وأتمروا بينكم بمعروف‪ ،‬وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" )الطلق‪:‬‬
‫‪(6‬؛ ولن الرضاع يلزم الب من النفقة الواجبة لولده)‪ ،(7‬فليس له إجبار الم‬
‫على ذلك‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن" "يبين أن أجرة‬
‫الرضاعة ليست أجرة خالصة‪ ،‬أي ليست عوضا خالصا؛ بل هي مؤونة‬
‫ونفقة")‪.(8‬‬
‫ويذهب محمد رشيد رضا إلى أن الرضاعة حق للم‪ ،‬كما هو واجب عليها)‪،(9‬‬
‫في قوله‪" :‬الظاهر أن المر للوجوب مطلقا‪ ،‬فالصل أنه يجب على الم‬
‫إرضاع ولدها؛ إن لم يكن هناك عذر مانع من مرض ونحوه‪ .‬ول يمنع الوجوب‬
‫جواز استئجار الظئر عنها مع أمن الضرر؛ لن هذا الوجوب للمن ل للتعبد‪..‬‬
‫وكان الذي يتبادر إلى ذهني أن المقصود من الجملة أول وبالذات هو أن من‬
‫حقوق الوالدات أن يرضعن أولدهن وما المطلقات إل والدات‪ ،‬فيجب‬
‫تمكينهن من إرضاع أولدهن المدة التامة للرضاع")‪ ،(10‬وهو قول ابن رشد‬
‫أيضا)‪.(11‬‬
‫ثانيا‪ :‬حكمة الرضاعة ومقاصدها‪.‬‬
‫ث باب الرضاع جاءت لتؤكد‬ ‫الحكام الفقهية التي بنى عليها الفقهاء مباح َ‬
‫أهمية الرضاعة فهي مقصد قائم بحد ّ ذاته‪ ،‬ناهيك عن المقاصد التبعية له؛ وإل‬
‫فل معنى لتشريع أحكام الرضاع المختلفة ‪.‬‬
‫ل‪ -‬المقاصد الصلية للرضاعة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ل يشترط أن تكون مدة الرضاعة تمام العامين؛ لن " الحولين " في الية‬
‫جاءت نصا في الرضاع الناشر للحرمة في الزواج‪ ،‬غير أنه في هذه المدة‬
‫تظهر حكمته تعالى ومقصده في جعل الرضاع مانعا من موانع الزواج‬
‫المؤبدة؛ " لن جزء المرضعة وهو اللبن صار جزءا ً للرضيع باغتذائه به")‪.(12‬‬
‫فهي المدة التي يأخذ فيها الوليد كل حاجته الغذائية التي تدعمه وتقوي‬
‫جسمه بما يبني ويؤسس لما بعدها‪ ،‬حيث إن وزن الطفل من الولدة إلى‬
‫سن العامين يتضاعف أربعة أضعاف )من ‪ 3‬كلغ‪ 12 -‬كلغ( في المتوسط‪،‬‬
‫وفيها يكتمل النمو الطبيعي لجهزة الجسم)‪ ،(13‬كما يؤكد على ذلك الطبيب‬
‫النشواني مفصل ذلك بقوله " أما نمو الطفال الرضع منذ الولدة وحتى نهاية‬
‫السنة الثانية من العمر فسريع نسبيا‪ ،‬ويترافق مع تطورات عديدة في كافة‬
‫أجهزة الجسم‪ ،‬خاصة الجهاز العصبي والحواس المعروفة‪ ،‬وفي هذه الفترة‬
‫يتعلم الطفل الوقوف والمشي بعد الحبو‪ ،‬ويتطور لغويا بحيث يتمكن من‬
‫تأليف جمل صغيرة معبرة قبل نهاية السنة الثانية‪ ،‬وتبدأ معالم شخصية‬
‫الطفل بالتبلور والظهور")‪.(14‬‬
‫وهنا يكمن المقصد الصلي للرضاعة‪ .‬فرضاعة الوليد والتقامه لثدي أمه هي‬
‫الطريقة المثلى الكفيلة بتغذيته وتحصينه من المراض‪ ،‬فبعد أن كان جنينا‬
‫في بطن أمه يتغذى من دمها الذي يصله عن طريق المشيمة‪ ،‬فإنه بعد‬
‫خروجه للدنيا تواصل أمه مهمتها في تغذيته وكفايته الغذاء الذي يتطلبه‬
‫جسده وبخاصة في الشهر الول‪ ،‬وهنا تأتي أهمية اللبأ الذي يرضعه الوليد‬
‫في السبوع الول‪ ،‬ففائدته وقيمته الغذائية عالية)‪ ،(15‬وكأن الوليد مازال‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يسكن في رحم أمه‪ ،‬وبعدها يتحول إلى الحليب المعتاد ذي الخصائص‬


‫المتميزة كذلك)‪.(16‬‬
‫ويبقى الطفل ينهل من معين الحليب حتى يبلغ أشده في تمام السنتين‪،‬‬
‫وبعدها يكون قد تعود على الغذاء الخارجي‪ ،‬وانتهت مشكلة التسنين بظهور‬
‫النياب بين الشهر السادس عشر )‪ (16‬والشهر السابع عشر )‪(17‬؛ فإنه من‬
‫المؤذي حقا أن يمنع الطفل من الرضاعة وهو في دور انبثاق السنان‬
‫ونموها؛ حيث إن التسنين يتزامن مع حدوث اضطرابات في الجهاز الهضمي‪،‬‬
‫والقي والسهال)‪.(17‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫كما تبين الية القرآنية مقصدا آخر في التنصيص على الحولين‪ ،‬في قوله‬
‫تعالى‪":‬ل تضار والدة بولدها ‪ ،‬ول مولود له بولده‪ ،‬وعلى الوارث مثل ذلك‪،‬‬
‫فإن أرادا فصال عن تراض منهما وتشاور فل جناح عليهما"؛ وهذا المقصد‬
‫يتمثل في تحديد الشارع الحكيم لمدة الرضاعة حتى ل تضر الم ابنها بعدم‬
‫إرضاعه‪ ،‬أو فطامه‪ ،‬لسبب من السباب‪ ،‬أو يضره الوالد بمنع أمه من القيام‬
‫بذلك؛ "ولما كان من الناس من يستعجل الفطام‪ ،‬وربما يكون ذلك ضارا‬
‫بالولد‪ ،‬حد ّ الله له حدا تغلب السلمة عنده وهو حولن كاملن")‪(18‬؛ فإذا‬
‫غلبت السلمة جاز للوالدين التفاق على فطام الوليد‪ ،‬وهذا التفاق يمثل‬
‫مظهرا مصغرا من مظاهر مبدأ الشورى في السلم‪ ،‬في قوله تعالى‪" :‬فإن‬
‫أرادا فصال عن تراض منهما وتشاور"‪" ،‬والقرآن يرشدنا إلى المشاورة في‬
‫أدنى أعمال تربية الولد‪ ،‬ول يبيح لحد والديه الستبداد بذلك")‪.(19‬‬
‫وبالرغم من أن الوليد بعد الشهر السابع يستطيع أن يأكل الغذاء الصلب‬
‫المعتاد‪ ،‬فإنه ل ينقطع عن ثدي أمه بل يبقى مرتبطا به‪ ،‬تحكمه في ذلك‬
‫مقاصد أخرى هي المقاصد التبعية للرضاعة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ -‬المقاصد التبعية للرضاعة‪:‬‬
‫المقاصد التبعية العائدة للوليد‪:‬‬
‫في الوقت الذي ترضع فيه الم وليدها فإنه ينهل كذلك من الحب والحنان‬
‫اللذين يرافقان عملية الرضاعة إلى تمامها‪ ،‬فالطفل بالرضاعة يتعلم‬
‫أحاسيس الحب والحنان والعطف ويعيشها‪ ،‬وهنا تبدأ أولى مراحل التربية‬
‫والتعليم؛ خلفا لما يعتقده كثير من الناس حين "يظنون أن تربية الطفل‬
‫وتنشئته على الخلق الفاضلة تبدأ في السنة السادسة‪ ،‬أو السابعة من عمره‬
‫وهذا غير سليم‪ ،‬فإن تربيته وغرس الصفات الحميدة في نفسه يبدأ في أول‬
‫يوم من ولدته")‪ ،(20‬حيث يتعلق الطفل بأمه معبرا لها عن مدى حاجته لها‪،‬‬
‫ل يبغي من وراء ذلك سوى التعبير عن حب طفولي تعجز لغته عن التعبير‬
‫بها‪ ،‬فيعبر عنه باللتصاق بها وبجسدها)‪.(21‬‬
‫وهنا تأتي أهمية اختيار الظئر المناسبة للرضيع؛ فإنها مع إرضاعه وتغذيته‬
‫الحليب‪ ،‬تغذيه كذلك بالخلق وأساسيات التربية التي يأخذها الوليد منهاجا‬
‫وأساسا لما بعدها‪ ،‬حتى قيل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ل‬
‫تسترضعوا الورهاء )‪ ،(22) " (23‬ورغم الختلف في صحة الحديث إل أن‬
‫معناه وارد‪ ،‬وليس معنى العدوى هنا العدوى الحقيقية في المرض‪ ،‬بل قصد‬
‫بها التخلق بصفات المرضع‪ ،‬فإن "اللبن نسبة" كما قال سيدنا عمر بن‬
‫الخطاب‪" ،‬الرضاع يغير الطباع"‪ ،‬و" الغاذي يشبه المغتذي")‪(24‬؛ فليست‬
‫الرضاعة عملية ميكانيكية تقوم بها الم أو المرضع بطريقة آلية حتى يأخذ‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوليد كفايته وتنتهي؛ بل إن العملية لها مقدمات هي الحتضان‪ ،‬والتقبيل‪،‬‬


‫والملمسة‪ ،‬واللعب مع الطفل حتى يركن‪ ،‬ثم تكون الرضاعة‪ ،‬وخللها تلعب‬
‫أصابع الرضيع ثدي المرضع وأجزاء جسدها الذي يصله‪ ،‬ويسمع دقات قلبها‬
‫هل يفيض حبا وحنانا‪ ،‬أم أنه جامد مّيت‪ .‬والطباء يثبتون أن الرضيع يتأثر‬
‫ل بحسب‬ ‫بالحالة النفسية التي تكون عليها الم المرضع‪،‬كما أن الحليب يق ّ‬
‫تعب وعصبية المرضع‪.‬‬
‫المقاصد التبعية العائدة للم‪:‬‬
‫تعد الرضاعة الطريق الذي تكسب به الم أجرا وثوابا عند الله تعالى بعد‬
‫ثواب الحمل والوضع‪ ،‬قال تعالى‪" :‬حملته أمه وهنا على وهن" )لقمان‪،(14 :‬‬
‫وقوله تبارك وتعالى‪" :‬حملته أمه كرها ووضعته كرها" )الحقاف‪ ،(15 :‬فتأخذ‬
‫الوالدة المرضع على عملية الرضاعة ‪ -‬وهي المر الفطري الجبلي‪ -‬أجرا عند‬
‫الله؛ كما ل يخفى ما للرضاعة من أهمية في مساعدة الم النفساء على‬
‫استعادة قوتها‪ ،‬حيث إن عملية الرضاع تسهل انقباض الرحم‪ ،‬وعودته إلى‬
‫حجمه الطبيعي‪ ،‬فتتخلص النفساء من الدم بسرعة كبيرة)‪ ،(25‬خلفا لما هو‬
‫شائع إذ "تحسب الجاهلت أن الرضاع يسبب لهن الضعف والوهن‪ ،‬مع أن‬
‫الرضاعة تحدث تحسنا في الحالة الصحية‪ ،‬وتبعث النشاط في وظائف الهضم‬
‫للستزادة من المواد الغذائية")‪.(26‬‬
‫ثالثا‪ :‬حق الرضاع وواجب الدولة‪.‬‬
‫تماشيا مع منهج البحث في دراسة مفهوم الحفظ على مستوى الفراد‪ ،‬ثم‬
‫على مستوى العموم؛ فإنه لمن الهمية أن نذكر بعض الجوانب من دور‬
‫الدولة في إجراء حقوق الفراد‪ ،‬والمحافظة على أداء الواجبات‪ .‬وقد روى‬
‫نافع عن ابن عمر أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان ل يفرض للمولود حتى‬
‫يطعم‪ ،‬ثم أمر مناديا فنادى "ل تعجلوا أولدكم عن الفطام‪ ،‬فإنا نفرض لكل‬
‫مولود في السلم")‪ ،(27‬بعد أن لحظ أن الناس يستعجلون في فطام‬
‫أولدهم ابتغاء الحصول على حق الطفل من بيت مال المسلمين‪ ،‬لنه كان‬
‫قد أمر بفرض عطية للفطيم‪ .‬فهاهو يرى عاقبة ما أمر به‪ ،‬في الستعجال‬
‫على فطام الرضع‪ ،‬مما يرجع بالسوء عليهم في عدم أخذهم حقهم وكفايتهم‬
‫من الرضاعة‪ ،‬مقابل مبلغ المال‪ ،‬فتدارك المر‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ونلحظ مظهرا آخر من مظاهر إجراء هذا الحق في العصر الحديث‪ ،‬ما‬
‫شرعته الحكومات في قانون العمل؛ حيث يقر للعاملة المرضع حقها في‬
‫ساعة الرضاعة يوميا غير وقت الستراحة العامة‪ ،‬وهو أحد الحقوق المكفولة‬
‫للرضيع إذا كانت أمه موظفة وعاملة؛ فتنص المادة ‪ 165‬من قانون العمل‬
‫السعودي ومثله الجزائري "تنص على أنه يحق للعاملة عندما تعود لمزاولة‬
‫عملها بعد إجازة الوضع أن تأخذ بقصد إرضاع مولودها الجديد فترة للستراحة‬
‫أو فترات ل تزيد بمجموعها على الساعة في اليوم الواحد‪ ،‬وذلك علوة على‬
‫فترات الراحة الممنوحة لجميع العمال")‪.(28‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬الرازي‪ ،‬المحصول‪ ،‬ج ‪/2‬ص ‪.34‬‬
‫)‪ (2‬محمد رشيد رضا‪ ،‬تفسير المنار‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.409‬‬
‫)‪ (3‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪525-509‬؛ ابن رشد‪ ،‬بداية‬
‫المجتهد‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪42‬؛ ابن جزي‪ ،‬القوانين الفقهية‪ ،‬ص ‪223‬؛ القرطبي‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجامع لحكام القرآن‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ .160‬وذهب القرافي إلى إجبار ذات الزوج‬
‫على رضاع ولدها إل أن يكون ل يرضع مثلها لشرفها‪ ،‬وتأخيره عليه السلم‬
‫الغامدية حتى إذا أرضعت ولدها حينئذ رجمها؛ فدل ذلك على تعينه له‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫القرافي‪ ،‬الذخيرة‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.270‬‬
‫)‪ (4‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪،‬ج ‪ /7‬ص ‪627 _ 612‬؛ ابن تيمية‪ ،‬فتاوى ابن تيمية‪ ،‬ج‬
‫‪ /34‬ص ‪.66‬‬
‫)‪ (5‬الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪187‬؛ ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬ج ‪/9‬‬
‫ص ‪.505‬‬
‫)‪ (6‬ابن عابدين‪،‬حاشية ابن عابدين‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.618 ،211‬‬
‫)‪ (7‬ومن هنا يمكننا فهم سبب إدراج الفقهاء الحديث عن الرضاعة في باب‬
‫النفقة كما عند الحنابلة والشافعية والحنفية‪ ،‬وبعض المالكية‪ ،‬أما بعضهم‬
‫الخر فقد أدرجها في باب حقوق الزوج على الزوجة‪ .‬أنظر‪ :‬ابن قدامة‪،‬‬
‫المغني‪ :‬كتاب النفقة؛ الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ :‬كتاب النفقات؛ ابن‬
‫عابدين‪ ،‬حاشية ابن عابدين‪ ،‬كتاب النفقة‪ ،‬مطلب في إرضاع الصغير؛‬
‫الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ :‬كتاب النفقة؛ ابن جزي‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬كتاب‬
‫النكاح‪ ،‬باب‪ :‬النفقة؛ ابن رشد‪ ،‬بداية المجتهد‪ :‬حقوق الزوج على الزوجة‪ .‬أما‬
‫كتاب الرضاع فهو عند جميعهم يخص الحديث عن الرضاع الذي ينشر‬
‫الحرمة‪.‬‬
‫)‪ (8‬أبو زهرة‪ ،‬الحوال الشخصية‪ ،‬ص ‪.402‬‬
‫)‪ (9‬وبنحوه قال القرطبي ‪ ،‬وعن ابن العربي في قوله تعالى [والوالدات‬
‫يرضعن أولدهن] اختلف الناس هل هو حق لها أم هو حق عليها؟ واللفظ‬
‫محتمل؛ لنه لو أراد التصريح بقوله عليها لقال" وعلى الوالدات إرضاع‬
‫أولدهن حولين كاملين"‪ ،‬كما قال‪ [ :‬وعلى المولود له رزقهن] "‪ .‬ابن العربي‪،‬‬
‫أحكام القرآن‪ ،‬ج ‪/1‬ص ‪204‬؛ أنظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع لحكام القرآن‪ ،‬ج‬
‫‪/3‬ص ‪.161‬‬
‫)‪ (10‬محمد رشيد رضا‪ ،‬تفسير المنار‪ ،‬ج ‪/2‬ص ‪.410 -409‬‬
‫)‪ (11‬ابن رشد‪ ،‬بداية المجتهد‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.43‬‬
‫)‪ (12‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.123‬‬
‫)‪ (13‬النشواني‪ ،‬محمد نبيل‪ :‬الطفل المثالي – تربيته وتنشئته ونموه والعناية‬
‫به في الصحة والمرض‪ ، -‬ط ‪ ) ،1‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪ ،(1987 ،‬ص‬
‫‪.174‬‬
‫)‪ (14‬النشواني‪ ،‬الطفل المثالي‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫)‪ (15‬حيث يحتوي اللبأ أو الصمغة على الكولستروم ‪ ( ( Colostrum‬الذي ينبه‬
‫أمعاء الطفل وينظفها مم يجب التخلص منه في المعاء‪ ،‬ويكون للجهاز‬
‫الهضمي خير مطهر‪ ،‬وهذه المادة غير موجودة في المرضع التي تأتي لترضع‬
‫الطفل بعد مدة طويلة من ولدتها؛ وهو يتضمن من البروتين والفيتامينات‬
‫والملح المعدنية وخمائر الهضم مما يفوق مثيلتها في لبن الم‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫وصفي‪ ،‬محمد‪ :‬الرجل والمرأة في السلم‪ ،‬ط ‪ ) ،1‬بيروت‪ :‬دار ابن حزم‪،‬‬
‫‪ ، (1997‬ص ‪286‬؛ النشواني‪ ،‬الطفل المثالي‪ ،‬ص ‪18‬؛ المحيسري‪ ،‬عبد‬
‫السلم‪ :‬مع الله في جسم النسان‪ ،‬ط ‪) ،1‬عمان‪ :‬دار البشير للنشر‪،(1992 ،‬‬
‫ص ‪.59-58‬‬
‫)‪ (16‬ل ينكر أحد خصائص وقيمة حليب الم الغذائية ‪ :‬فهو الذي يحتوي على‬
‫الجسام الضدية ‪ ،‬وتركيبه من البروتينات والسكريات والدهون والفيتامينات‬
‫بنسب تناسب حاجة الوليد ‪ ،‬ومما يلئم قدرته على الهضم‪ ،‬إضافة أنه معقم‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ودرجة حرارته ملئمة ‪ ،‬إلى غيرها من الفوائد التي يعددها الطباء ‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫النشواني‪ ،‬الطفل المثالي‪ ،‬ص ‪17‬؛ المحيسري‪ ،‬مع الله في جسم النسان‪،‬‬
‫ص ‪61 -60‬؛ موسى‪ ،‬عبد الله إبراهيم‪ :‬المسؤولية الجسدية‪ ،‬ط ‪ ) ،1‬بيروت‪:‬‬
‫دار ابن حزم‪309 ،(1995 ،‬؛ شوبل‪ ،‬حسين‪ :‬المومة الرسالة السامية‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫)الرياض‪ :‬دار الرفاعي‪ ،(1984 ،‬ص ‪.140‬‬
‫)‪ (17‬وصفي‪ ،‬الرجل والمرأة في السلم‪ ،‬ص ‪.288-287‬‬
‫)‪ (18‬الدهلوي‪ ،‬حجة الله البالغة‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.146‬‬
‫)‪ (19‬رشيد رضا‪ ،‬تفسير المنار‪،‬ج ‪/2‬ص ‪.414‬‬
‫)‪ (20‬الماوردي‪ ،‬أبو الحسن‪ :‬كتاب الرضاع‪ ،‬تحقيق‪ :‬عامر سعيد الزيباري‪ ،‬ط‬
‫‪) ،1‬بيروت‪ :‬دار ابن حزم‪ ،(1996 ،‬ص ‪ 4‬من مقدمة المحقق‪.‬‬
‫)‪Tan Joo Lee, The Mother and The Baby, 14 edition, ( Bounty Services (21‬‬
‫‪.Sdn Bhd, July 1999), P 14‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ق‪،‬‬
‫م َ‬
‫ح ُ‬
‫ه‪َ :‬‬
‫)‪ (22‬ورهاء‪ :‬من الوره؛ الخرق في كل عمل‪ ،‬وقيل الحمق‪ .‬وَرِ َ‬
‫والنعت أوره وورهاء‪ .‬ومنه توره في عمله بمعنى لم يكن فيه حذق‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫ابن الثير‪ ،‬مجد الدين‪ :‬النهاية في غريب الحديث والثر‪ ،‬تحقيق‪ :‬طاهر أحمد‬
‫الزاوي ومحمود محمد الطناحي‪ ،‬ط ‪) ،2‬دار الفكر‪1399 ،‬هـ‪1979 /‬م(‪ ،‬مج‬
‫‪ /5‬ص ‪177‬؛ الفيروزابادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.295‬‬
‫)‪ (23‬رواه الطبراني في المعجم الصغير‪ .‬أنظر‪ :‬الطبراني‪ ،‬المعجم الصغير‪،‬‬
‫ط ‪) ،1‬دار الفكر‪ ،(1981 ،‬ج ‪/1‬ص ‪.52‬‬
‫)‪ (24‬راجع هذه القوال‪ :‬ابن سلمة‪ ،‬مصطفى بن محمد‪ :‬الرضاعة‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫) القاهرة‪ :‬دار أم القرى‪ ،(1996 ،‬ص ‪.71‬‬
‫)‪ (25‬النشواني‪ ،‬الطفل المثالي‪ ،‬ص ‪17‬؛ شوبل‪ ،‬المومة الرسالة السامية‪،‬‬
‫ص ‪.141‬‬
‫)‪ (26‬وصفي‪ ،‬الرجل والمرأة في السلم‪ ،‬ص ‪.286‬‬
‫)‪ (27‬ابن العربي‪ ،‬أحكام القرآن‪،‬ج ‪/4‬ص ‪.290‬‬
‫)‪ (28‬عبد نايل‪ ،‬السيد‪ :‬الوسيط في شرح نظامي العمل و التأمينات‬
‫الجتماعية في المملكة العربية السعودية‪ ) ،‬الرياض‪ :‬مطابع جامعة الملك‬
‫سعود‪1417 ،‬هـ(‪ ،‬ص ‪.156‬‬
‫حفظ النسل من خلل التنشئة والرعاية )‪(3/5‬‬
‫د‪ .‬فريدة صادق زوزو ‪12/6/1426‬‬
‫‪18/07/2005‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الحضانة‪.‬‬
‫تعتبر الحضانة مكمل لحق الرضاع‪ ،‬فالشارع الذي أوجب على الم إرضاع‬
‫ولدها‪ ،‬بالضرورة أوجب أن يكون تحت رعايتها وحضانتها وقت الرضاع‪ ،‬وعند‬
‫النزاع وانفكاك عرى السرة خصوصا‪" ،‬فالم أحق بحضانته لفضل حنوها‬
‫وشفقتها")‪ (1‬في المدة التي ل يستغني فيها الوليد عن أمه في العادة‪ ،‬إلى‬
‫أن يشب فيتخلى عن حضنها إلى محضن التربية الجتماعية‪ ،‬فبعدها تقوم‬
‫السرة مجتمعة بدورها في تربية النشء ورعايته؛ "والمتيسر من الوالدة أن‬
‫ترضع وتحضن‪ ،‬فيجب عليها ذلك‪ ،‬والمتيسر من الوالد أن ينفق عليه من‬
‫طوله‪ ،‬وينفق عليها")‪.(2‬والعلة في تقديم الم على الب في الحضانة لنها"‬
‫أعرف بالتربية‪ ،‬وأقدر عليها‪ ،‬وأصبر وأرأف‪ ،‬وأفرغ لها")‪(3‬؛ وإلى التعليل‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نفسه ذهب القرافي في قوله" ولما كانت الحضانة تفتقر إلى وفور الصبر‬
‫على الطفال في كثرة البكاء والتضجر من الهيئات العارضة للصبيان ومزيد‬
‫الشفقة والرقة الباعثة على الرفق بالضعفاء والرفق بهم‪ ،‬وكانت النسوة أتم‬
‫ن عليهم")‪.(4‬‬ ‫م ّ‬‫من الرجال في ذلك كله قد َ‬
‫واختلف الفقهاء في طبيعة الحضانة كما اختلفوا في الرضاع هل هو حق‬
‫للمرأة أم حق عليها؟ أي هل الحضانة حق للصغير؟ أم حق للم؟ أم حق لهما‬
‫معا؟ وهذا السؤال‪ ،‬الغرض من طرحه ما يترتب عليه من تبعات؛ فإذا كانت‬
‫الحضانة ومثلها الرضاع حقا ً للمرأة‪ ،‬فليس للب جبرها عليها؛ فتسقط‬
‫بالتخلي عنها‪.‬‬
‫أما إذا كانت حقا للصغير فمن الواجب عليها حضانته إلزاما‪ ،‬تقوم على‬
‫شؤونه‪ ،‬فترضعه وترعاه‪ ،‬وتغذيه وتربيه حتى يستقل بنفسه في المأكل‬
‫والملبس‪ ،‬وبعدها يساعدها الب في تربيته وتنشئته النشأة الجتماعية التي‬
‫تكفل له الخروج للحياة‪ ،‬وممارسة النشاط فيها‪ ،‬بعد أن تكون عائلته قد‬
‫زودته بأهم قواعد التعامل الجتماعي‪.‬‬
‫وجاءت مباحث الفقهاء في موضوع الحضانة تخدم المحافظة على النسل‪،‬‬
‫وتحرص على إلقاء الضوء على أهم معالم وقواعد الرعاية‪ ،‬فبحث الفقهاء ‪:‬‬
‫طبيعة وحكم الحضانة‪ ،‬وشروط الحاضن‪ ،‬ومتى تسقط الحضانة‪ ،‬وغيرها من‬
‫المباحث التي روعي فيها مصالح النسل‪ ،‬وما يخدمه؛ فتفصيلت موضوع‬
‫الحضانة لم ينص عليه تنصيصا‪ ،‬بل لجتهاد الفقهاء الباع الكبير في تحديد‬
‫معالم هذا الموضوع استنباطا وفهما وقياسا‪ ،‬اعتمادا على قوله صلى الله‬
‫عليه وسلم [ أنت أحق به ما لم تتزوجي] للمرأة التي جاءته وقالت له‪ :‬يا‬
‫رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء‪ ،‬وثدي له سقاء‪ ،‬وحجري له حواء‪،‬‬
‫وإن أباه طلقني فأراد أن ينتزعه مني‪ ،‬فقال لها رسول الله صلى الله عليه‬
‫ت أحق به ما لم تنكحي])‪ ،(5‬وقياسا على ما جاء في آية‬ ‫وسلم ‪ [:‬أن ِ‬
‫الرضاع [ل تضار والدة بولدها]‪.‬‬
‫مذاهب الفقهاء في مسائل الحضانة والتعقيب عليها‪:‬‬
‫لم يختلف الفقهاء كثيرا عند تعريفهم الحضانة والمحضون؛ فهي عند‬
‫المالكية"حفظ الولد والقيام بمصالحه؛ والمحضون هو من ل يستقل‬
‫كالصغير؛ فتستمر حضانته في الذكر إلى البلوغ على المشهور‪ ،‬وفي النثى‬
‫إلى دخول الزوج بها")‪.(6‬‬
‫وتوسع الشافعية في تعريف الحضانة فهي حفظ من ل يستقل‪ ،‬وتربيته‪،‬‬
‫وتنتهي في الصغير بالتمييز‪.‬أما بعده إلى البلوغ فتسمى كفالة)‪.(7‬‬
‫وقد اتفق الفقهاء)‪ (8‬عدا الحنابلة على عد ّ الحضانة حقا للحاضن )الم(‪،‬‬
‫استنادا لما قرره حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم المتقدم في‬
‫ت أحق به]‪ ،‬أما الحنابلة فعندهم أن "كفالة الطفل وحضانته واجبة‬ ‫قوله‪[ :‬أن ِ‬
‫لنه يهلك بتركه‪ ،‬فيجب حفظه عن الهلك‪ ،‬كما يجب النفاق عليه وإنجاؤه من‬
‫المهالك‪ .‬ومعنى هذا أنها حق للمحضون"‪ .‬والقول بأن الحضانة حق للحاضن‬
‫أي أن الم ل تجبر عند إسقاطها والتخلي عنها‪.‬‬
‫غير أنه يثار سؤال في هذه المسألة ‪:‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫عند تخلي الم عن الحضانة‪ ،‬وعدم تقدم حاضن آخر‪ ،‬فما هو مصير الولد ؟‬
‫وهل يصح إجبار من له الحق في الحضانة من العصبات مثل‪ ،‬رغم عدم طلبه‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك‪ ،‬هل يصح إجباره على أخذها؟ ومن يجبره؟‬


‫‪ -‬ومما اتفق عليه الفقهاء أيضا سقوط حضانة الم بزواجها استنادا لنص‬
‫الحديث المتقدم؛ إضافة إلى ما ورد عنهم من تعليل للحديث‪ ،‬كون المرأة‬
‫تشتغل عن الحضانة بحقوق الزوج)‪(9‬؛" ول أثر لرضى الزوج الجنبي لنه قد‬
‫يرجع فيتضرر الولد")‪ .(10‬إل أنهم اختلفوا في عودتها بعد طلقها‪ ،‬فالحنابلة)‬
‫‪ (11‬والحنفية )‪(12‬والشافعية)‪ (13‬على القول برجوعها لها خلفا للمالكية)‬
‫‪.(14‬‬
‫ويرجع المام ابن قيم الجوزية سبب اختلفهم إلى اختلفهم في فهم‬
‫المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم‪[ :‬ما لم تنكحي] هل هو تعليل أم‬
‫توقيت‪" ،‬فإن قيل اللفظ تعليل عادت الحضانة بالطلق لن الحكم إذا ثبت‬
‫لعلة زال بزوالها‪ .‬وإن قيل للتوقيت‪ :‬أي حقك من الحضانة موقت إلى حين‬
‫نكاحك‪ ،‬فإذا نكحت انقضى وقت الحضانة؛ وليس عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حديث في سقوط الحضانة بالتزوج غير هذا")‪ .(15‬والتفاق حاصل‬
‫على عدم سقوطها بزواجها من محرم للمحضون‪.‬‬
‫وهنا أيضا يطرح سؤال‪ :‬أل يمكن للم أن تحضن ابنها عند موافقة زوجها‬
‫الثاني‪ ،‬حتى وإن كان غير محرم للولد؟ فإن العمل في العادة جارٍ على‬
‫حضانة الم لبنائها )سواء الواحد أو الثلثة( عند زواجها ثانية؛ وهو ما تؤكده‬
‫الية الكريمة [وربائبكم اللتي في حجوركم] )النساء‪ ،(23 :‬فإن الوصف )في‬
‫حجوركم( يحكي على غالب المر)‪ ،(16‬فهل في هذا الفعل مخالفة لحديث‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ وهل الحديث يخالف الية؟‬
‫‪ -‬وأما اتفاقهم على سقوط الحضانة لسفر الحاضن فليس عن الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم حديث أو فعل أو تقرير؛ والقاعدة العامة في المسألة أن‬
‫الولي أو الحاضن إذا أراد السفر سفر نقلة‪ ،‬ففي كلتا الحالتين الولي أولى‬
‫بالمحضون‪.‬‬
‫وفي تعليل هذه القاعدة ذهب الحنابلة إلى تعذر الولي من تأديب وتعليم ابنه)‬
‫‪ ،(17‬وذهب الشافعية إلى التعليل بحفظ النسب فإنه يحفظه الباء‪ ،‬أو رعاية‬
‫لمصلحة التأديب والتعليم كما قال الحنابلة‪ ،‬ولسهولة النفاق)‪.(18‬‬
‫واجتهادات الفقهاء في هذه المسألة بنيت على العرف والعادة؛ والسؤال‬
‫المطروح‪ :‬أفل يضر بالصغير والحاضن أن يسافروا سفر نقلة لمجرد أن‬
‫الوالد استوطن بلدا آخر‪ ،‬وما الحال مع سفره خارج البلد‪ ،‬وهل تبقى مسافة‬
‫القصر هي الحاكم في سقوط الحضانة عند تعدي هذه المسافة؟ هذه السئلة‬
‫وغيرها مما يمكن أن يثار حول مسألة إسقاط الحضانة لسفر الب أو‬
‫الحاضن‪ ،‬ومن السئلة المهمة ما طرحه د‪ /‬جسام علي سالم الشامسي)‪(19‬‬
‫في دراسته لمسألة النتقال بالصغير المحضون‪ ،‬حيث قال‪" :‬المشكلة التي‬
‫تثار عندما ينتقل الولي سفر نقلة إلى منطقة داخل الدولة وتبعد مسافة )ما‬
‫يقدر بأربعة برد)‪ (20‬أي ما يجوز القصر في الصلة والفطر في نهار رمضان(‬
‫فهل هذا المر يقاس على مسألة الحضانة وانتقال الحاضن إلى بلد الولي‬
‫ليحضن طفله فيه رغم أن القصر في الصلة والفطر في نهار رمضان من‬
‫المسائل التوقيفية التي جاء فيها حكم نص شرعي‪.‬‬
‫وهذا من المسائل العملية والعرفية التنظيمية والتي تتغير بتغير الزمان‬
‫والظروف والوضاع الجتماعية والتقنيات الحديثة… بسهولة النتقال‬
‫والمقدرة على التصال")‪ ،(21‬وقد نقل الدكتور الشامسي عن الستاذ‬
‫مصطفى الزرقا كلما في الموضوع نفسه ما ملخصه" أن الفقهاء إن قرروا‬
‫هذا الجتهاد كان لهم من طبيعة عصرهم وأقطارهم ما يبرر وجهة نظرهم في‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السفر… أما الن وقد يسر العلم النتقال السريع المريح فوجب أن تبنى‬
‫الحكام اليوم على هذه العتبارات بحيث تراعى مصلحة الصغير وحق البوين‬
‫معا")‪ .(22‬فما هي أحكام السفر التي تسقط بها الحضانة؟ وهل يصح ابتداًء‬
‫أن يكون السفر من مسقطات الحضانة؟‬
‫هذه السئلة المطروحة تحتاج إلى إجابة مختص ونظر فقيه‪ ،‬حتى ل يتقول‬
‫في أحكام الشريعة بغير علم‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬القرطبي‪ ،‬الجامع لحكام القرآن‪،‬ج ‪ /3‬ص ‪.160‬‬
‫)‪ (2‬الدهلوي‪ ،‬حجة الله البالغة‪ ،‬ج ‪/2‬ص ‪.145‬‬
‫)‪ (3‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين محمد بن أبي بكر‪ :‬زاد المعاد في هدي خير‬
‫العباد‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب وعبد القادر الرناؤوط‪ ،‬ط ‪) ،13‬بيروت‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ /‬الكويت‪ :‬مكتبة المنار السلمية‪،(1986 ،‬ج ‪/5‬ص ‪.438‬‬
‫)‪ (4‬القرافي‪ ،‬الفروق‪ ،‬الفرق الثامن والسبعون والمائة‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.206‬‬
‫)‪ (5‬رواه الحاكم في كتاب الطلق‪ ،‬وقال عنه‪ :‬هذا حديث صحيح السناد‪.‬‬
‫أنظر‪ :‬الحاكم‪ ،‬المستدرك‪ ،‬ج ‪/2‬ص ‪.207‬‬
‫)‪ (6‬ابن جزي‪ ،‬القوانين الفقهية‪ ،‬ص ‪.223‬‬
‫)‪ (7‬الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.191‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫)‪ (8‬فعن ابن رشد" أن الحضانة حق للحاضن على المشهور وعلى ذلك لو‬
‫أسقطها مستحقها سقطت‪ .‬وهي للم لقوله صلى الله عليه وسلم‪ [:‬من فرق‬
‫بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة] ولن المة والمسبية‬
‫إذا لم يفرق بينها وبين ولدها‪ ،‬فأخص بذلك الحرة"‪ ،‬ابن رشد‪ ،‬بداية المجتهد‪،‬‬
‫ج ‪ /2‬ص ‪ .43‬أنظر أيضا‪ :‬ابن جزي‪ ،‬القوانين الفقهية‪ ،‬ص ‪224‬؛ ابن عابدين‪،‬‬
‫رد المحتار‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪555‬؛ النووي‪ ،‬منهاج الطالبين‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.452‬‬
‫)‪ (9‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪ ،‬ج ‪/9‬ص ‪139‬؛ الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،‬ج ‪/2‬‬
‫ص ‪529‬؛ الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،‬ج ‪.196 /5‬‬
‫)‪ (10‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،‬ج ‪.196 /5‬‬
‫)‪ (11‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪ ،‬ج ‪ /9‬ص ‪.140‬‬
‫)‪ (12‬ابن عابدين‪ ،‬رد المحتار‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.566‬‬
‫)‪ (13‬الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،‬ج ‪.197 /5‬‬
‫)‪ (14‬ابن جزي‪ ،‬القوانين الفقهية‪ ،‬ص ‪.223‬‬
‫)‪ (15‬ابن القيم‪ ،‬زاد المعاد‪ ،‬ج ‪/5‬ص ‪.452 -434‬‬
‫)‪) (16‬في حجوركم( قيد ُأظهر به الغالب العم‪ ،‬وحكاية لواقع الحال؛ إذ‬
‫الغالب أن أبناء الزوجة يكونون في حجر أزواج أمهاتهم‪ .‬وهذه الية يأخذها‬
‫الصوليون كمثال وشاهد على عدم الخذ بمفهوم المخالفة في حال كون‬
‫القيد خرج مخرج الغالب العم‪ ،‬أو الكثري‪ .‬قال المدي " اتفق القائلون‬
‫بالمفهوم على أن كل خطاب خصص محل النطق بالذكر لخروجه مخرج‬
‫العم الغالب‪ ،‬ل مفهوم له‪ ،‬وذلك كقوله تعالى‪[ :‬وربائبكم] فإن تخصيصه‬
‫بالذكر لمحل النطق إنما كان لنه الغالب‪ ،‬إذ الربيبة إنما تكون في الحجر"‪،‬‬
‫المدي‪ ،‬الحكام‪،‬ج ‪ /3‬ص ‪.93‬‬
‫)‪ (17‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪ ،‬ج ‪/9‬ص ‪.141‬‬
‫)‪ (18‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،‬ج ‪.201 /5‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (19‬هو رئيس قسم المعاملت بكلية الشريعة والقانون‪ ،‬بجامعة المارات‬
‫العربية المتحدة‪.‬‬
‫)‪ (20‬البرد =أربعة فراسخ‪ ،‬والفرسخ = ثلثة أميال‪ ،‬والميل= ‪4000‬ذراع‪،‬‬
‫والذراع = ‪ 24‬أصبعًا‪ ،‬والذراع = ‪46.2‬سم‪ .‬فأربعة برد )‪ 4‬برد(= ‪ 16‬فرسخا ً‬
‫= ‪ 88.704‬كلم‪ ،‬أي ما يعادل ‪ 89‬كلم تقريبا‪ .‬أنظر‪ :‬الزحيلي‪ ،‬الفقه‬
‫السلمي وأدلته‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.321‬‬
‫)‪ (21‬الشامسي‪ ،‬جسام علي سالم‪" :‬إشكالت في بعض مناحي مركز المرأة‬
‫بين النظر والتطبيق"‪ ،‬مقال بمجلة المجلس السلمي العلى الجزائري‪،‬‬
‫العدد الثالث‪ ،2000 ،‬ص ‪.140‬‬
‫)‪ (22‬مصطفى الزرقا‪ ،‬مشروع قانون الحوال الشخصية الموحد‪ ،‬ص ‪304‬؛‬
‫نقل عن الشامسي‪ ،‬إشكالت في بعض مناحي مركز المرأة‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫حفظ النسل من خلل التنشئة والرعاية )‪(4/5‬‬
‫د‪ .‬فريدة صادق زوزو ‪12/7/1426‬‬
‫‪17/08/2005‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬رعاية وتنشئة اليتيم وذي العاهة‬
‫المطلب الول‪ :‬مرتكزات رعاية وتنشئة اليتيم وذي العاهة‪.‬‬
‫ترتكز رعاية اليتيم والطفل ذي العاهة في الشريعة السلمية على قواعد‬
‫الرعاية الولى لي طفل كما تقدم‪ ،‬ومن الحكام العامة تنشئة النسل‪ ،‬ثم‬
‫خص بها اليتيم وذو العاهة في القرآن‬ ‫تليها الرعاية والتربية الخاصة التي ُ‬
‫الكريم والسنة النبوية؛ والتي تنبني على مقصد الرحمة‪ ،‬أحد أوصاف‬
‫الشريعة‪ ،‬وقواعد التكريم الرباني للنسان عموما؛ ليشب اليتيم وذو العاهة‬
‫فردين فاعلين‪ ،‬عاملين‪ ،‬مؤهلين للقيام بدورهما في المجتمع‪ ،‬وغير ناقمين‬
‫على بني جنسهما‪.‬‬
‫والذي دعاني للبحث في مسائلهما؛ أن اليتيم ضعيف عاجز عن النظر في‬
‫أمور نفسه ومصالحها‪ ،‬ل أب يحوطه بالرعاية أو ينصره‪ ،‬ولذا خصه الشارع‬
‫الحكيم بتفصيل أساليب التعامل معه‪ ،‬بكفالته حتى يقدر على مواجهة أعباء‬
‫الحياة عندما يرشد‪ ،‬وعندها ل حاجة لوصي أو قيم‪ ،‬فُرشده يكفل له دخول‬
‫غمار الحياة‪،‬كما قال تعالى‪[ :‬فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم‬
‫أموالهم] )النساء‪.(6 :‬‬
‫وأما ذو العاهة فإنه عندما يتلقى الرعاية في الصغر فلن يلقي صعوبات في‬
‫التعامل الجتماعي‪ ،‬وفي النخراط في العمل والمهن‪ .‬والدور في ذلك يرجع‬
‫لوظيفة السرة والمؤسسات الجتماعية الخاصة بهذا الدور والمؤهلة للقيام‬
‫به‪ ،‬باعتمادهما على طرق التربية الخاصة)‪.(1‬‬
‫أما أن ُينادى بإباحة ما يسمى "بقتل الرحمة"‪ ،‬أو "قتل وإسقاط أو إجهاض‬
‫الجنين المشوه"‪ ،‬وخاصة في الوساط الطبية‪ ،‬فهو مما ينافي مقاصد الشارع‬
‫الحكيم في وجود هذا الصنف من الناس‪ ،‬حيث قال تعالى‪[ :‬وجعلنا بعضكم‬
‫لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا] )الفرقان‪ .(20 :‬واتفاق العلماء قائم‬
‫على تحريم أي قتل بدون حق‪ ،‬مصداقا لقوله تعالى‪[ :‬ول تقتلوا النفس التي‬
‫حرم الله إل بالحق] )السراء‪ ،(33 :‬والحق ‪:‬هو ما يتعلق بموجبات القتل‬
‫والقصاص‪ ،‬ففي التخلص من ذي العاهة أو إسقاطه من بطن أمه وهو جنين‪،‬‬
‫ص أهليته الناقصة من‬ ‫ق ُ‬‫قتل للنفس كذلك‪ ،‬فهو إنسان حي‪،‬كامل‪ ،‬ول ت ُن ْ ِ‬
‫إنسانيته‪ ،‬خاصة بعد أن يكون عمره ‪ 120‬يوما‪ ،‬أما قبلها فإن العلماء بين‬
‫قائلين بالباحة المطلقة‪ ،‬وبين المتوقفين‪ ،‬وبين محرمي أي نوع من الجهاض‬
‫في أي عمر‪ .‬وهو ما سنراه لحقا‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبين هذا وذاك يبقى لذي العاهة والمريض الحق في الحياة التي أكرمه الله‬
‫تعالى بها‪ .‬وأما الموت فهو أمر الله يصيب به الله من يشاء ‪ ،‬أّنى شاء‪.‬‬
‫ل‪ :‬قواعد التكريم الرباني للنسان‪.‬‬‫أو ً‬

‫)‪(14 /‬‬

‫الناس متساوون في السلم‪ ،‬ل فضل لعربي على أعجمي إل بالتقوى‪ ،‬ول‬
‫فضل لغني على فقير‪ ،‬فل فضل لي إنسان كان على فقير أو لقيط أو ذي‬
‫عاهة‪" ،‬كل ميسر لما خلق له")‪(2‬؛ وكل بقدر طاقته وقدراته يحقق العبادة‬
‫المرجوة‪ ،‬واليتم ليس نقيصة ل ُيقدر بها على الستخلف وعبادة الله تعالى‪،‬‬
‫ومثله ذو العاهة ل تنتقص عبادته لعاهته ‪ ،‬ول ينتقص أجره وثوابه عند الباري‬
‫تعالى‪ ،‬بل بالعكس فقد أسقطت عنه بعض التكاليف الشرعية التي ل يقدر‬
‫عليها بسبب نوع العاهة‪ ،‬وهو ما تبّينه الية الكريمة [ليس على العمى حرج‬
‫ول على العرج حرج ول على المريض حرج] )النور‪ (61 :‬حيث قال ابن‬
‫عاشور في تفسيرها‪" :‬تنفي هذه الية الحرج عن هؤلء الثلثة فيما تجره‬
‫ضرارتهم إليهم من الحرج من العمال‪ ،‬والحرج مرفوع عنهم في كل ما‬
‫تضطرهم إليه أعذارهم‪ ،‬فتقتضي نيتهم فيه التيان بالكمال‪ ،‬ويقتضي العذر‬
‫أن يقع منهم‪ ،‬فالحرج منفي عن العمى في التكليف الذي يشترط البصر‪،‬‬
‫وعن العرج فيما يشترط فيه المشي والركوب‪ ،‬وعن المريض في التكليف‬
‫الذي يؤثر المرض في إسقاطه كالصوم وشروط الصلة والغزو؛ وأعظم‬
‫ذب عن بيضة السلم والجهاد في سبيل الله")‪.(3‬‬ ‫تكليف سقط عنه هو ال ّ‬
‫ولو كان اليتم عارا أو خسة‪ ،‬لما جعل الله سبحانه وتعالى نبّيه وأشرف خلقه‬
‫كذلك‪ ،‬ولو كانت العاهة نقيصة لما عاتب العلي القدير نبّيه على ابن أم‬
‫مكتوم الضرير‪ ،‬قال تعالى‪[ :‬عبس وتولى أن جاءه العمى وما يدريك لعله‬
‫يّزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى] )عبس‪ ،(4 -1:‬فالتكريم الرباني جاء عاما‪،‬‬
‫والناس متساوون في حق الحياة‪ ،‬وحق الوجود؛ لن العلي القدير هو الذي‬
‫تكرم على عباده فخلقهم لغاية عبادته‪[ ،‬وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون]‬
‫)الذاريات‪ ،(56 :‬فالحياة عبادة متصلة‪ ،‬تتحقق بها رسالة الستخلف في‬
‫الرض وعمارتها‪ ،‬وكرمهم على سائر الخلق‪ ،‬حيث قال تعالى‪[ :‬ولقد كرمنا‬
‫بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على‬
‫كثير ممن خلقنا تفضيل] )السراء‪ .(70:‬وهذا التكريم الرباني شامل لكل‬
‫أصناف وأجناس الناس‪ ،‬المهم هو تحقيق الوظيفة الوجودية لهم‪ ،‬فحق الحياة‬
‫لي إنسان مرتبط بعبادة المولى تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مقصد الرحمة والتكافل الجتماعي‪.‬‬
‫من القواعد التي انبنت عليها شريعة السلم مبدأ الرحمة‪ ،‬وهو الذي يكفل‬
‫لفراد المجتمع الواحد التكافل بينهم بما يحقق مقاصد الحياة في العيش‬
‫الكريم لكل فرد منهم؛ فإذا ما ابتلي فرد باليتم‪ ،‬أو بعاهة جسدية أو خلقية‬
‫فإن سائر أفراد المجتمع سيقفون إلى جانبه رعاية وكفالة‪ ،‬كما قال‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم‪[ :‬ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم‬
‫وتعاطفهم كمثل الجسد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر‬
‫والحمى])‪ ،(4‬وقوله أيضا [ المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا]‪ ،‬ثم‬
‫شبك بين أصابعه)‪ ،(5‬إذ ل يمكن بحال التخلي عنهم‪ ،‬وتركهم يعانون الوحدة‪،‬‬
‫فيعتزلون بأنفسهم عن الناس‪ ،‬حيث تعمل عقدة النقص عملها الفاعل في‬
‫الحقد على الناس والنفور منهم‪ ،‬والنطواء على النفس؛ وحتى ل يحدث هذا‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن الشارع الحكيم وهو الرحيم بعباده‪ ،‬حث المسلمين على التحلي بهذا‬
‫الخلق الرباني‪ ،‬والذي وصفت به الشريعة كذلك)‪ ،(6‬فعن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم [الراحمون يرحمهم الله‪ ،‬ارحموا من في الرض يرحمكم أهل‬
‫السماء])‪ ،(7‬وبّين عليه الصلة والسلم عاقبة الذي ل يرحم‪ ،‬فجاء عنه صلى‬
‫الله عليه وسلم قوله‪[ :‬من ل يرحم ل يرحم])‪ ،(8‬كما قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪[ :‬ل تنتزع الرحمة إل من شقي])‪ ،(9‬والشقي هو الذي يحتقر اليتيم‪،‬‬
‫ويسخر من ذي العاهة‪ ،‬ول يقوم بواجبه نحوهما عطفا ورحمة‪ ،‬ناهيك عن‬
‫الحترام لكونهما مكرمين من الخالق تبارك وتعالى‪ .‬فهذا هو الشقي‪ ،‬وهذه‬
‫هي عاقبته‪ ،‬كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم‪[ :‬إن العبد ليتكلم‬
‫بالكلمة ما يتبين فيها‪ ،‬يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب])‬
‫‪ ،(10‬وهو القائل في تحذيره للسيدة عائشة رضي الله عنها وهي أم‬
‫المؤمنين؛ فقد قالت ‪ :‬قلت للنبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬حسبك من صفية‬
‫كذا وكذا )تعني أنها قصيرة( فقال عليه الصلة والسلم‪[ :‬لقد قلت كلمة لو‬
‫مزج بها البحر لمزجته])‪ ،(11‬ومصداقا لقوله تعالى الذي وصفهم بالظالمين‬
‫إذا لم يتوبوا‪[ :‬يا أيها الذين آمنوا ل يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا‬
‫منهم‪ ،‬ول نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن‪ ،‬ول تلمزوا أنفسكم ول‬
‫تنابزوا باللقاب‪ ،‬بئس السم الفسوق بعد اليمان‪ ،‬ومن لم يتب فأولئك هم‬
‫الظالمون] )الحجرات‪.(11 :‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫ول يقف الحد عند الرحمة باليتيم والحسان إليه بالعطف والشفقة‪ ،‬بل‬
‫يتعداهما إلى ما هو أعلى وأصلح؛ فإن اليتيم ومثله ذي العاهة أحد لبنات‬
‫المجتمع ودعائمه‪ ،‬فهم طاقة بشرية واجتماعية واقتصادية؛ فإذا ما بقوا على‬
‫سلبيتهم ونفورهم من المجتمع‪ ،‬فإن ذلك مدعاة إلى اهتزاز البناء الجتماعي؛‬
‫ومن ثم فإنه من الضروري تجاوز التعامل معهم بمنطق الشفقة والعطف‪،‬‬
‫ولهم‬‫والحسان إلى محاولة تنشئتهم وتأهيلهم اجتماعيا قدر المكان‪ ،‬بما يح ّ‬
‫إلى قدرات إيجابية وفاعلة في تنمية مجتمعهم)‪ .(12‬وإن التكافل الجتماعي‬
‫الذي يبادر به أفراد مجتمع ما نحو اليتامى وذوي العاهات‪ ،‬في إعطائهم كامل‬
‫حقوقهم المفروضة شرعا‪ ،‬ينتج عنه اندماجهم الفعال واليجابي بعملهم‬
‫دهم خدمة للمجتمع‪ ،‬وقيامهم بمسؤولياتهم كل قدر طاقته‪ ،‬مما "يمنحهم‬ ‫وك ّ‬
‫السلم النفسي والسكينة والطمئنان القائم على احترام إنسانية النسان")‬
‫‪ ،(13‬فيتحولون من أفراد عالة على ذويهم ومجتمعاتهم إلى أفراد ذوي‬
‫فعالية‪ ،‬يخدمون مجتمعهم بقدر ما أتيح لهم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬قواعد رعاية وتنشئة النسل‪.‬‬
‫من القواعد العامة لرعاية النسل ُتستخرج بعض قواعد الرعاية الخاصة لفئة‬
‫اليتام وذوي العاهات‪ .‬فاليتيم الذي فقد أباه فقد النصرة والسند‪ ،‬وهو فاقد‬
‫للمرّبي والمعلم‪ ،‬وبفقدان الب يتزعزع المحضن السري الذي يقدم لليتيم‬
‫الرعاية المتكاملة‪ ،‬والذي يكفل له الخروج للمجتمع بعد أن يكون قد تعلم‬
‫قواعد التعامل الجتماعي؛ إل أن اليتيم "وقد كان أبواه يربيان فيه روح‬
‫الئتلف بالجماعة التي يعيش فيها‪ ،‬إذ أنهما بفيض الحنان والعطف البوي كانا‬
‫يثيران فيه نوازع الرحمة بغيره‪ ،‬إذا لم يستعض عن ذلك بالكلءة الرحيمة‬
‫العاطفة ممن يتصلون به خرج نافرا من الناس… فكان حقا على المجتمع أن‬
‫يحميهم‪ ،‬وينمي عواطف اللفة فيهم بالمودة")‪ .(14‬وكان لزاما أن يجد اليتيم‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرعاية والتعهد الخاص مما يخرجه من دائرة النفور من الناس‪ ،‬والحقد‬


‫عليهم‪ ،‬وحتى ل يسلك طريق التشرد والنحراف أو العنف‪ .‬فإذا ما ُتعهد‬
‫بالرعاية فإنه ينشأ إنسانا صالحا مطيعا‪ ،‬غير يائس أو حاقد على يتمه؛ مثله‬
‫مثل غيره من البشر‪ ،‬بل هو أحسنهم‪ ،‬فهذا المصطفى صلى الله عليه وسلم‬
‫عاش يتيما‪ ،‬ووجد الرعاية من جده وعمه‪ ،‬ثم تلقفته الرعاية الربانية‪ ،‬فكذلك‬
‫اليتيم‪ ،‬فهو الذي نزلت في حقه ما يفوق الثنين وعشرين )‪(22‬آية – كما‬
‫سيأتي ورودها لحقا – تركزت حول حث الشارع الحكيم المسلمين على‬
‫رعايته‪ ،‬وكفالته وتربيته‪ ،‬والحسان إليه‪ ،‬وعدم الحط من شأنه ‪ .‬وآيات أخرى‬
‫تبين حقوق اليتيم على كافله والقّيم عليه فيما يخص التصرف في ماله‪،‬‬
‫وزواجه‪ ،‬وإرثه‪ ،‬فهذه اليات مجتمعة ترسم ضوابط رعاية اليتيم وكفالته‪ ،‬بما‬
‫ل يدع مجال للحط أو النتقاص من قيمة اليتامى‪ .‬كما ل يخفى ما جاء عن‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو القائل‪[ :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة‬
‫كهاتين] وأشار بإصبعيه‪ ،‬يعني السبابة والوسطى)‪.(15‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪" (1‬تواضع علماء التربية على استخدام مصطلح التربية الخاصة للدللة على‬
‫بعض مظاهر العملية التعليمية المستخدمة مع غير العاديين الذين يشملون‬
‫فئات العاقة العقلية والتخلف الدراسي والنحراف الخلقي والعيوب الكلمية‬
‫والعاقة السمعية والعاقة البصرية والعاقة الجسدية‪ ،‬بالضافة إلى‬
‫الموهوبين"‪ .‬أحمد‪ ،‬لطفي بركات‪ :‬الرعاية التربوية للمعوقين عقليا‪) ،‬الرياض‪:‬‬
‫دار المريخ‪ ،(1984 ،‬ص ‪9‬؛ يضاف لصحاب التربية الخاصة المرضى بأمراض‬
‫مزمنة‪ ،‬مثل‪ :‬السكري‪ ،‬والقلب‪ ،‬والصرع‪ .‬أنظر‪ :‬أحمد‪ ،‬مصطفى حسن و‬
‫أحمد‪ ،‬عبلة إسماعيل‪ :‬العاقات البسيطة الحسية والبدنية والتعامل معها‪،‬‬
‫) مطابع الهرام‪ ،(1991 ،‬ص ‪6‬؛ مرسي‪ ،‬عبد العظيم شحاتة‪ :‬تربية الطفل‬
‫المعوق‪ ،‬ط ‪ )2‬القاهرة‪ :‬مكتبة النهضة العربية‪ ،(1979 ،‬ص ‪.10‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه مسلم في كتاب‪ :‬القدر‪ ،‬باب‪ .1 :‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم بشرح‬
‫النووي‪ ،‬ج ‪ /16‬ص ‪.197‬‬
‫)‪ (3‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج ‪ /18‬ص ‪.299‬‬
‫)‪ (4‬البخاري‪،‬كتاب‪ :‬الدب‪ ،‬باب رحمة الناس والبهائم‪ ،‬رقم‪ ،6011 :‬البخاري‪،‬‬
‫صحيح البخاري بشرح فتح الباري‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.436‬‬
‫)‪ (5‬البخاري ‪ ،‬كتاب‪ :‬الدب‪ ،‬باب‪ :‬تعاون المؤمنين بعضهم بعضا‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪6026‬؛ البخاري‪ ،‬صحيح البخاري بشرح فتح الباري‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪449‬؛ وأخرجه‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب‪ :‬البر والصلة‪ ،‬باب‪ .17 :‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬ج‬
‫‪/16‬ص ‪.139‬‬
‫)‪ (6‬في الرحمة والرحماء ألف الصالحي‪ ،‬شمس الدين محمد بن علي بن‬
‫طولون‪ :‬كتاب الربعين في فضل الرحمة والرحماء‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد خير‬
‫رمضان يوسف‪ ،‬ط ‪ ) ،1‬بيروت‪ :‬دار ابن حزم‪.(1995 ،‬‬
‫)‪ (7‬الحاكم‪ ،‬المستدرك‪159 /4 ،‬؛ ورواه أبو داود‪ ،‬في باب‪ :‬في الرحمة‪،‬‬
‫رقم‪ ،4920 :‬أبو داود‪ ،‬سنن أبي داود بشرح عون المعبود‪ ،‬ج ‪ /13‬ص ‪.285‬‬
‫)‪ (8‬البخاري‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب‪ :‬رحمة الولد وتقبيله‪ ،‬رقم‪ ،5997 :‬البخاري‪،‬‬
‫صحيح البخاري بشرح فتح الباري‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.426‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (9‬رواه أبي داود‪ ،‬في كتاب الدب‪ ،‬باب‪ :‬في الرحمة‪ ،‬رقم‪ ،4921 :‬أبو‬
‫داود‪ ،‬سنن أبي داود بشرح عون المعبود‪ ،‬ج ‪ /13‬ص ‪287‬؛ والترمذي في‬
‫أبواب البر والصلة‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في رحمة المسلمين‪ ،‬الترمذي‪ ،‬سنن‬
‫الترمذي بشرح عارضة الحوذي‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.110‬‬
‫)‪ (10‬البخاري‪ ،‬كتاب‪ :‬الرقاق‪ ،‬باب‪ :‬حفظ اللسان‪ .،‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‬
‫بشرح فتح الباري‪ ،‬ج ‪/ 11‬ص ‪308‬‬
‫)‪ (11‬أخرجه أبو داود في كتاب ‪ :‬الدب‪ ،‬باب‪ :‬في الغيبة‪ ،‬رقم ‪ ،4854‬أنظر‪:‬‬
‫أبو داود‪ ،‬سنن أبي داود بشرح عون المعبود‪ ،‬ج ‪ /13‬ص ‪.221‬‬
‫)‪ (12‬أنظر‪ :‬إبراهيم‪ ،‬سعد الدين‪" :‬قضية المعوقين في الوطن العربي‪:‬‬
‫الملمح والمعالجة"‪ ،‬المستقبل العربي‪ ) ،‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية(‪ ،‬السنة ‪ 4‬العدد ‪ ،1981 / 12 ،34‬ص ‪ 37‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (13‬الجراجرة‪ ،‬عيسى‪ :‬ريادة السلم في تفهم خصوصية عالم الطفال‪،‬‬
‫)عمان‪ :‬دار ابن رشد‪ ،‬دار الكرمل‪ ،(1988 ،‬ص ‪.105‬‬
‫)‪ (14‬أبو زهرة‪ ،‬محمد‪ :‬تنظيم السلم للمجتمع‪ ) ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر‬
‫العربي(‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫)‪ (15‬أخرجه البخاري‪ ،‬في كتاب‪ :‬الدب‪ ،‬باب‪ :‬رحمة الناس‪ ،‬رقم ‪.6005‬‬
‫البخاري‪ ،‬صحيح البخاري بشرح فتح الباري‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪436‬؛ وأخرجه مسلم‪،‬‬
‫في كتاب‪ :‬الزهد والرقائق‪ ،‬باب‪ ،3 :‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬ج‬
‫‪ /18‬ص ‪113‬؛ وأخرجه الترمذي ‪ ،‬وقال حديث حسن صحيح‪ ،‬الترمذي‪ ،‬سنن‬
‫الترمذي مع عارضة الحوذي‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ .106‬واللفظ له‪.‬‬
‫حفظ النسل من خلل التنشئة والرعاية )‪(5/5‬‬
‫د‪ .‬فريدة صادق زوزو ‪19/7/1426‬‬
‫‪24/08/2005‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬قواعد رعاية اليتيم‪.‬‬
‫تنقسم نصوص الشريعة التي رسمت معالم منهج رعاية اليتيم وكفالته‪ ،‬إلى‬
‫نصوص الرعاية العامة‪ ،‬ونصوص الرعاية الخاصة‪.‬‬
‫ل‪ -‬نصوص الرعاية العامة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ث المسلمين على كفالة اليتيم والصلح من‬ ‫ح ِ‬
‫وتتميز نصوص الرعاية العامة ب ِ ّ‬
‫شأنه‪ ،‬وعدم تركه مقهورا بين الناس‪ ،‬يحطوا من شأنه‪ ،‬ويستهزئوا منه ومن‬
‫حاله؛ فبّينت هذه اليات معالم وضوابط رعاية اليتيم‪ ،‬والطريقة المثلى‬
‫لتنشئته النشأة الجتماعية المثلى‪ ،‬التي تعينه على اجتياز محنة اليتم‪،‬‬
‫والخروج للمجتمع كفرد فاعل‪ ،‬ل يحقد على بني جنسه‪ ،‬ول يسلك سبيل‬
‫النحراف أو العزلة‪.‬‬
‫ومن هذه اليات قوله تعالى‪" :‬وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ل تعبدون إل الله‬
‫وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين" )البقرة‪ ،(83 :‬وقوله‬
‫تعالى‪" :‬ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من‬
‫آمن بالله واليوم الخر والملئكة والكتاب والنبّيين وآتى المال على حبه ذوي‬
‫القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب" )البقرة‪:‬‬
‫‪ ،(177‬وقوله عز وجل‪" :‬يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير‬
‫فللوالدين والقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير‬
‫فإن الله به عليم" )البقرة ‪ ،(215 :‬وقوله تعالى‪" :‬ويسألونك عن اليتامى قل‬
‫إصلح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم" )البقرة‪ ،(220:‬وقوله تعالى أيضًا‪:‬‬
‫"وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه"‬
‫)النساء‪.(8:‬‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد حذر العلي القدير من عاقبة ظلم اليتامى‪ ،‬وعدم العطف عليهم‬
‫والحسان عليهم بما رزقهم الله من نعمة المال‪ ،‬فإن الفقر ابتلء‪ ،‬وقد يبتلى‬
‫ظالم اليتيم بتيتم أولده‪ ،‬قال رب العزة‪" :‬وليخش الذين لو تركوا من خلفهم‬
‫ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قول معروفا" )النساء‪،(9 :‬‬
‫وقال تعالى‪" :‬واعبدوا الله ول تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي‬
‫القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب‬
‫بالجنب وابن السبيل" )النساء‪ ،(36 :‬وقوله تعالى‪" :‬ويطعمون الطعام على‬
‫حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" )النسان‪.(8:‬‬
‫فهذه آيات جامعة لمعاني التكافل الجتماعي في السلم‪ ،‬بحيث ل يتغافل‬
‫عن حق أي فرد من أفراد المجتمع‪ ،‬بما أثبته لهم الشارع الحكيم‪.‬‬
‫يضاف لها اليات التي تحرم الحط من شأن اليتيم‪ ،‬وقهره‪ ،‬بما يتنافى‬
‫والخلق السلمية المؤسسة لقواعد التكافل الجتماعي‪ ،‬قال تعالى في هذا‬
‫الشأن‪" :‬وأما إذا ما ابتله فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانني‪ ،‬كل بل ل‬
‫تكرمون اليتيم" )الفجر‪ (17-16 :‬وجاء في تفسير الية أن "ترك إكرام اليتيم‬
‫على وجوه‪ .‬أحدها ‪ :‬ترك بره‪ ،‬وإليه الشارة بقوله "ول تحاضون على طعام‬
‫المسكين"‪ .‬والثاني‪ :‬دفعه عن حقه الثابت له في الميراث وأكل ماله‪ ،‬وإليه‬
‫الشارة بقوله "وتحبون المال حبا جما" أي تأخذون أموال اليتامى وتضمونها‬
‫إلى أموالكم" )‪.(1‬‬
‫ومن اليات في السياق نفسه قوله تعالى‪" :‬وما أدراك ما العقبة‪ ،‬فك رقبة‪،‬‬
‫أو إطعام في يوم ذي مسغبة‪ ،‬يتيما ذا مقربة" )البلد‪ ،(15-12 :‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫"فأما اليتيم فل تقهر" )الضحى ‪ ،(9 :‬وقوله تعالى‪" :‬أرأيت الذي يكذب‬
‫بالدين‪ ،‬فذلك الذي يدع ّ اليتيم" )الماعون‪" ،(2-1 :‬وحاصل المر في د َع ّ اليتيم‬
‫أمور )أحدها( دفعه عن حقه وماله بالظلم و)الثاني( ترك المساواة معه‪،‬‬
‫و)الثالث( يزجره ويضربه ويستخف به")‪.(2‬‬
‫ثانيًا‪ -‬نصوص الرعاية الخاصة‪:‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫لم تصرح اليات الكريمة نصا على كافل اليتيم‪ ،‬غير أن للمصطفى صلى الله‬
‫عليه وسلم حديثا في هذا المجال فقد قال‪" :‬من قبض يتيما بين المسلمين‬
‫إلى طعامه وشرابه‪ ،‬أدخله الله الجنة البتة‪ ،‬إل أن يعمل ذنبا ل يغفرله")‪، (3‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة")‪ ،(4‬وقيل أن كفالة اليتيم "واجبة في‬
‫الصل على ذوي الرحام والقرباء‪ ،‬وأما الدولة فإنها ل تلجأ إلى الرعاية إل‬
‫عند الحاجة")‪ ،(5‬وهو ما يتبين بدللة إشارة النص في اليات الكريمة التي‬
‫سبقت‪ ،‬عندما تقرن بين الحسان لذوي القربى واليتامى‪" ،‬فالمتصرفون في‬
‫أموال اليتامى في غالب الحوال هم أهل قرابتهم")‪ .(6‬فإنه من الولى أن‬
‫يضم اليتيم إلى أحد بيوتات المسلمين بدل من أن يعيش في دور اليتام‪ ،‬لما‬
‫سينشأ عنه من عواقب نفسية وخيمة‪ ،‬وهو ما يظهر جليا عند رؤيتنا ليتام‬
‫المؤسسات الخاصة برعاية اليتامى‪" ،‬وقد وجد أن أطفال دور اليتام كانوا‬
‫معاقين بدنيا واجتماعيا وعاطفيا‪ ،‬إذا ما تمت مقارنتهم مع الطفال الخرين‪،‬‬
‫ويتعاظم هذا الفرق على نحو ثابت ومؤكد مع نمو الطفال")‪.(7‬‬
‫أما اليات الكريمة المخصصة لرعاية اليتيم فقد أرشدت كافله إلى منهاج‬
‫التعامل معه في عظام المور بخاصة‪ ،‬وهي أمور المال‪ ،‬والنكاح؛ لن هذين‬
‫المرين مما تكون ولية الب عليهما‪ ،‬فإذا ما فقد اليتيم أباه فقد الولية‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والوصاية‪ ،‬لذلك ذهب العرب إلى أن اليتيم هو من فقد أباه؛ لنه فقد من‬
‫دم الحضانة‪ ،‬وقد تنصر الم‪ ،‬لكن نصرة الب‬ ‫يدفع عنه‪ ،‬والذي فقد أمه ع ِ‬
‫أكثر)‪.(8‬‬
‫ومن هذه اليات قوله تعالى‪" :‬وآتوا اليتامى أموالهم ول تتبدلوا الخبيث‬
‫بالطيب ول تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا عظيما" )النساء ‪،(2:‬‬
‫وقوله أيضا‪" :‬وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من‬
‫النساء مثنى وثلث ورباع" )النساء‪ ،(3 :‬وقوله تعالى‪" :‬وابتلوا اليتامى حتى‬
‫إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم" )النساء‪،(6 :‬‬
‫وقوله تعالى‪" :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم‬
‫نارا وسيصلون سعيرا" )النساء‪.(10 :‬‬
‫ومن اليات أيضا ً قوله تعالى‪" :‬ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى‬
‫يبلغ أشده" )النعام‪ ،(152 :‬ونفسها )السراء‪ ،(34 :‬وقد جاء الحث والحض‬
‫على حفظ مال اليتيم في آية المحرمات بسورة النعام في قوله تعالى‪" :‬قل‬
‫تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" )النعام‪ ،(151 :‬والتي ابتدأت بتحريم الشرك‬
‫بالله‪ ،‬وتحريم قتل النفس‪ ،‬ودعت إلى حفظ النسل‪ ،‬وحفظ العرض‪ ،‬ثم دعت‬
‫إلى حفظ المال‪ ،‬وجاء ذكر حفظ مال اليتيم ابتداًء‪ ،‬وفي هذا التقديم غاية‬
‫جليلة كما ذهب لذلك المام ابن عاشور حيث قال في تفسير الية " من‬
‫المحرمات التي ترجع حفظ قواعد التعامل بين الناس لقامة قواعد الجامعة‬
‫السلمية‪ ،‬ومدنيتها‪ ،‬وتحقيق ثقة الناس بعضهم ببعض… وابتدأها بحفظ حق‬
‫الضعيف الذي ل يستطيع الدفع عن حقه في ماله‪ ،‬وهو اليتيم")‪.(9‬‬
‫وفي أمور الزواج قال تبارك وتعالى‪" :‬ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم‬
‫فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللتي ل تؤتوهن ما كتب‬
‫الله لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا‬
‫لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما" )النساء‪،(127 :‬‬
‫ودعا الشارع الحكيم إلى عدم غبط حقوق اليتيمات‪ ،‬في مهورهن خاصة‪،‬‬
‫فمما جاء عن السيدة عائشة قولها‪ " :‬أنهم ُنهوا عن أن ينكحوا من رغبوا في‬
‫ن‬
‫مالها وجمالها من يتامى النساء إل بالقسط‪ ،‬من أجل رغبتهم عنهن إذا ك ّ‬
‫قليلت المال والجمال"؛ وكان الولي يرغب عن أن ينكحها ويكره أن يزوجها‬
‫رجل فيشركه في ماله بما شركته‪ ،‬فيعضلها")‪.(10‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬قواعد الرعاية والتربية الخاصة لذوي العاهات‪.‬‬
‫لم تعد تربية ذوي العاهات تأخذ الطابع العام للتربية فحسب‪ ،‬بل إن البحاث‬
‫ديا ً في إيجاد قواعد عامة وأخرى خاصة‬ ‫النفسية والطبية أخذت تنحو منحى ج ّ‬
‫يسترشد بها الباء في تربية أبنائهم المعاقين‪ ،‬على اختلف نوع إعاقتهم؛‬
‫السمعية أو البصرية أو الكلمية‪ ،‬أو العقلية؛ إذ إن ولدة طفل يعاني من‬
‫العاقة الجسدية أو العقلية قد يغير جذريا حياة السرة‪ .‬ول يكفي تشجيع‬
‫الهل على المساهمة الفعالة في تربية الطفل المعوق‪ ،‬فالسرة تحتاج إلى‬
‫الدعم الكبير‪ ،‬وذلك بتحضيرها وإعدادها للتدخل المناسب لمساعدة طفلها‬
‫المعوق وتربيته داخل إطار السرة)‪.(11‬‬
‫فللسرة الدور المهم والكبير في التربية ليواجه الطفال إعاقاتهم "بعيدا عن‬
‫المواقف الحباطية‪ ،‬والصراعات النفسية‪ ،‬مما يحقق الستقرار النفسي‬
‫والجتماعي‪ ،‬ويؤكد الثقة في أنفسهم")‪ .(12‬هذه الثقة التي تدفعهم إلى‬
‫الستقلل النسبي عن التكالية والعتماد المطلق على الهل‪ ،‬مما يؤهلهم‬
‫لخوض غمار التمهين والعمل‪ .‬فلم تعد تربية المعاق تبغي تكييفه مع أفراد‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أسرته فقط‪ ،‬بل إنها تنشد تفعيل قدراته اجتماعيا‪ ،‬واقتصاديا‪ ،‬ليصبح طاقة‬
‫منتجة‪.‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫وفي الحقيقة إن تربية المعوقين ل تختلف عن تربية الطفال السوياء‪ ،‬فإن‬


‫أهدافهما واحدة‪ ،‬إل أن الذي يميز التربية الخاصة عن العادية هو التقنيات‬
‫اللزمة لتربية المعاقين‪ ،‬أو بالحرى الطفال ذوي الحاجات الخاصة‪ ،‬بما‬
‫يتوافق وإعاقتهم؛ بحيث تهدف التربية الخاصة إلى تحقيق التوازن في أمرين‬
‫مهمين بالنسبة للمعاق؛‬
‫أولهما‪ :‬تغيير السلوك العدواني المميز للمعاق إلى سلوك مسالم متزن غير‬
‫قلق‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬تحويل المعاق من فرد عالة على أسرته إلى طاقة فعالة منتجة‪.‬‬
‫ولتحقيق ذلك يتطلب المر قواعد معينة طويلة المدى‪ ،‬تبدأها السرة مع‬
‫معاقها‪ ،‬وتنتهي بالمؤسسات الجتماعية التربوية الخاصة بتأهيل المعوقين‬
‫سلوكيا‪ ،‬ودراسيا‪ ،‬وأخيرا مهنيا؛ وذلك بالعتماد على‪:‬‬
‫تكييف ذي العاهة مع نفسه ابتداء‪ ،‬ليجد ممارسة الحياة اليومية أمرا عاديا‪،‬‬
‫في لبسه‪ ،‬وأكله بنفسه؛ ويكون ذلك بإزاحة كل المعوقات التي تحول دون‬
‫توافق الطفل مع نفسه‪.‬‬
‫وتكييفه للتعامل مع الناس‪ ،‬من خلل تدريبه على آداب التنشئة الجتماعية‪،‬‬
‫والعراف العامة للمجتمع‪ ،‬فيتكّيف بسهولة مع أفراد أسرته‪ ،‬ويندمج في‬
‫مجتمعه‪ ،‬فل يجد صعوبة في التفاهم معهم‪ ،‬مما يمكن أن يسبب له توترا‬
‫يؤدي به للنعزال والنطواء‪.‬‬
‫تنمية قدراته المتبقية له من العاقة بما هو ميسر لها‪ ،‬في معاونته على‬
‫اكتساب الخبرات والمهارات‪ ،‬وتأهيله للعمل بقدر ما يستطيع‪ ،‬مثل النجارة‪،‬‬
‫والحرف اليدوية ) صناعة الحذية‪ ،‬الفخار‪ ،‬السلل…(‪ ،‬وإصلح الثاث‬
‫والساعات‪ ،‬وأعمال الطباعة… الخ)‪.(13‬‬
‫تعد هذه القواعد أبرز ما كتب في مجال رعاية المعاقين؛ من أجل تطوير‬
‫قدراتهم السليمة وتنميتها‪ ،‬في تعويضها للجزء المفقود أو المعوق‪ ،‬بأساليب‬
‫خاصة عرفت بـ"التربية الخاصة" ‪ .‬ولن مجال البحث ليس مجال اجتماعيا أو‬
‫نفسيا بل أصوليا مستندا ً إلى مقاصد الشريعة‪ ،‬ارتأيت التعريف بهذه القواعد‬
‫والشارة إليها بشكل موجز‪ ،‬بما يتوافق مع أهداف البحث‪ ،‬لمعرفة مدى‬
‫الهتمام الذي يلقاه المعاقون‪ ،‬وطرق رعايتهم‪ ،‬والتي تستمد أصولها من‬
‫إنسانيتهم‪ ،‬ومن مبدأ الرحمة بهذا الصنف من الفراد؛ وإذا كان المر كذلك‬
‫مع علماء التربية‪ ،‬فالولى بالمجتهد في المسائل الفقهية أن ل يستبيح‬
‫"إجهاض الجنة المشوهة" بما ل يتوافق مع مقاصد شريعتنا‪ ،‬وأحكام ديننا‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬الرازي‪ ،‬تفسير الفخر الرازي‪ ،‬مج ‪ /16‬ج ‪ /31‬ص ‪.173‬‬
‫)‪ (2‬الرازي‪ ،‬تفسير الفخر الرازي‪ ،‬ج ‪/32‬ص ‪.112‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه الترمذي في‪ :‬أبواب‪ :‬البر والصلة‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في رحمة اليتيم‬
‫وكفالته‪ ،‬الترمذي‪ ،‬سنن الترمذي مع عارضة الحوذي‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.106‬‬
‫)‪ (4‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫)‪ (5‬علوان‪ ،‬عبد الله ناصح‪ :‬التكافل الجتماعي في السلم‪ ،‬ط ‪) ،4‬حلب‪ :‬دار‬
‫السلم للطباعة والنشر‪ ،(1984 ،‬ص ‪62‬؛ أنظر أيضا‪ :‬علوان‪ ،‬تربية الولد‪ ،‬ج‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ /1‬ص ‪.147‬‬
‫)‪ (6‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪،‬ج ‪ /4‬ص ‪218‬‬
‫)‪ (7‬السبيعي‪ ،‬سيكولوجية المومة‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.272‬‬
‫)‪ (8‬ابن العربي‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪154‬؛ ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪،‬‬
‫ج ‪/4‬ص ‪.219‬‬
‫)‪ (9‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.162‬‬
‫)‪ (10‬ابن العربي‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ .310‬أنظر أيضا‪ :‬صحيح البخاري‬
‫بشرح فتح الباري‪ ،‬كتاب‪ :‬النكاح‪ ،‬باب‪ :‬إذا كان الولي هو الخاطب‪ ،‬رقم ‪،37‬‬
‫البخاري‪ ،‬صحيح البخاري بشرح فتح الباري‪ ،‬ج ‪ /9‬ص ‪188‬؛ وفي كتاب‪:‬‬
‫التفسير‪ ،‬باب‪[ :‬وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى]‪ ،‬رقم ‪ ،4574 :‬ابن حجر‪،‬‬
‫فتح الباري‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪239‬؛ وأخرجه مسلم ‪ ،‬في كتاب‪ :‬التفسير‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫مسلم‪ ،‬صحيح مسلم مع شرح النووي‪ ،‬ج ‪/18‬ص ‪.154‬‬
‫)‪ (11‬قنطار‪ ،‬المومة )نمو العلقة بين الطفل والم(‪،‬ص ‪.185‬‬
‫)‪ (12‬أحمد‪ ،‬لطفي بركات‪ :‬الرعاية التربوية للمعوقين عقليا‪ ،‬ص ‪96‬‬
‫)‪ (13‬أحمد‪ ،‬لطفي بركات‪ :‬الرعاية التربوية للمعوقين عقليا‪ ،‬ص ‪44-9‬؛‬
‫أحمد‪ ،‬لطفي بركات‪ :‬تربية المعوقين في الوطن العربي‪،‬ط ‪) ،1‬الرياض‪ :‬دار‬
‫المريخ‪ ،(1981 ،‬ص ‪70‬؛ مرسي‪ ،‬عبد العظيم شحاتة‪ :‬التأهيل المهني‬
‫للمتخلفين عقليا‪ ) ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة النهضة العربية(‪ ،‬ص ‪100 ،13‬؛ أبو فخر‪،‬‬
‫ي‪ :‬التربية الخاصة للطفال المعوقين‪ ) ،‬دمشق‪ :‬مطبعة‬ ‫غسان عبد الح ّ‬
‫التحاد‪ ،(1992 ،‬ص ‪ 31‬وما بعدها‪.‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫حفظ كتاب الله بين القواعد الساسية والطرق العملّية‬


‫إلى كبار السن ‪) ...‬السلم اليوم( تقدم الطرق المثلى لحفظ كتاب الله‬
‫إبراهيم الزعيم ‪1/10/1426‬‬
‫‪03/11/2005‬‬
‫ً‬
‫سئلت عن الطريقة المثلى لحفظ القرآن الكريم‪ ،‬وكنت دائما أجيب‬ ‫كثيرا ً ما ُ‬
‫السائل من خلل تجربتي المتواضعة في حفظ القرآن الكريم‪ ،‬إلى أن جاءت‬
‫الفرصة اليوم لوثق هذه التجربة من خلل هذا التحقيق الذي نقدمه للقارئ‬
‫العزيز من خلل شبكة )السلم اليوم(‪ ،‬وليعذرني صغار السن؛ إذ إنني أخص‬
‫في المقام الول كبار السن‪ ،‬سواء كانوا رجال ً أونساء‪ ،‬فالصغار يجدون من‬
‫فظهم في المدارس والمساجد‪ ،‬لكن الكبار الذين انشغلوا بأمور الحياة ‪-‬‬ ‫يح ّ‬
‫أعانهم الله ‪ -‬ل يجدون في الغالب من يفعل معهم ذلك‪.‬‬
‫قواعد أساسية وخطوات عملية‬
‫لشك أن إنجاز أي عمل يتطلب توفر قواعد أساسية لتمامه‪ ،‬وحفظ القرآن‬
‫عمل‪ ،‬وهذا العمل حتى يتم على أكمل وجه لبد من توفر عناصر أساسية في‬
‫الحافظ تسبق عملية الحفظ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬النية الخالصة‪ ،‬بمعنى أن يكون وجه الله تبارك وتعالى هو المبتغى بهذا‬
‫العمل‪.‬‬
‫ول القوال إلى أفعال‪ ،‬فإذا كنت فعل ً‬ ‫‪ - 2‬العزيمة الصادقة التي يجب أن تح ّ‬
‫تتمنى حفظ كتاب الله كما تقول ويقول الكثيرون‪ ،‬وترّدد مثلهم هذه الكلمة‬
‫"نفسي أحفظ القرآن"‪ ،‬فعليك بالعمل‪.‬‬
‫‪ - 3‬الدعاء الدائم‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فل"‪ ،‬التي يرددها‬ ‫‪ - 4‬إلغاء مقولة‪" :‬راحت علينا"‪ ،‬ومقولة‪" :‬عقلي ق ّ‬


‫ً‬
‫الكثيرون من الكبار‪ ،‬صحيح أنه قد يكون الحفظ في الكبر صعبا‪ ،‬لكن إذا لم‬
‫ل‪ ،‬فليس أقل من أن تحفظ أجزاء منه‪.‬‬ ‫تستطع حفظ كتاب الله كام ً‬
‫بعد أن عرفنا هذه القواعد الساسية‪ ،‬ننتقل إلى الخطوات العملية التي‬
‫ترافق عملية الحفظ‪ ،‬والمتمثلة فيما يلي‪:‬‬
‫‪ _ 1‬اختر)اختاري( الوقت النسب للحفظ‪ ،‬وأفضل الوقات للحفظ بعد الفجر‬
‫أو عند السحر أو بعد المغرب‪.‬‬
‫‪ _ 2‬حدد)حددي( وقتا ً للحفظ يتم اللتزام به‪ ،‬وُيستحسن أن تعد جدول ً يشمل‬
‫برامج يومك ويبين مواعيدها‪.‬‬
‫‪ _ 3‬اختر)اختاري( المكان النسب‪ ،‬وأفضل الماكن بيوت الله‪ ،‬وهذا بالطبع‬
‫للرجال‪ ،‬أما المرأة فتحفظ في بيتها‪.‬‬
‫‪ _ 4‬ل تتعجل)لتتعجلي( في الحفظ‪ ،‬فقد كنت أحفظ في كل يوم صفحة‬
‫واحدة على الغلب‪ ،‬مع أني كنت أستطيع حفظ أكثر من ذلك‪ ،‬وذلك لني‬
‫أحببت أن أسير على قاعدة "قليل دائم خير من كثير منقطع"‪ ،‬وفي هذا‬
‫إشارة أيضا ً إلى أنه ينبغي أن تعرف قدراتك وتسير وفقا ً لها‪.‬‬
‫‪ _ 5‬استغل)استغلي( كل دقيقة في وقتك‪ ،‬فبعد حفظ المقدار المحدد راجعه‬
‫في السيارة‪ ،‬وبين الذان والقامة وبين المحاضرات ‪-‬إذا كنت طالبًا‪ ،-‬أو في‬
‫وقت الستراحة إذا كنت موظفا ً أو عام ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ _ 6‬ليكن المصحف ‪ -‬ذا الحجم الصغير‪ -‬دائما ً في جيبك أو قريبا ً منك‬
‫لمراجعة ما حفظت‪ ،‬ولتحفظ حينما تشعر بالرغبة في ذلك‪.‬‬
‫‪ _ 7‬إذا شعرت بأنك غير قادر)قادرة( على الحفظ في ساعة ما فل‬
‫تواصل)تواصلي( الحفظ‪ ،‬بل انتقل)انتقلي( إلى أي عمل آخر للترفيه عن‬
‫نفسك‪ ،‬ثم عاود)عاودي( الحفظ بعد ذلك‪.‬‬
‫طرق الحفظ‬
‫في بعض مراكز التحفيظ ُتطبق طريقة حفظ سطر سطر؛ إذ يحفظ الطالب‬
‫سطرا ً واحدا ً ثم يحفظ السطر الثاني فيكررهما معًا‪ ،‬ثم يحفظ الثالث‬
‫م الصفحة‪ ،‬وذلك بالطبع مع استخدام‬ ‫فيكررها جميعًا‪ ،‬وهكذا إلى أن ُيت ّ‬
‫الصوت المرتفع؛ لن استخدام حاستي السمع والبصر أحرى للحفظ‪ ،‬كما أن‬
‫هناك طريقة أخرى طبقتها على نفسي وتتمثل في تلوة الصفحة كاملة‪ ،‬ثم‬
‫تقسيمها بالنظر إلى نصفين‪ ،‬ويتم ترديد النصف الول إلى أن يتم حفظه‪،‬‬
‫وُيطبق ذلك على النصف الثاني ثم ُتقرأ الصفحة كاملة‪ ،‬بالضافة إلى طريقة‬
‫تكرار القراءة‪.‬‬
‫إيجابيات الكبار‬
‫وفي سؤال وجهته للدكتور عبد الرحمن الجمل ‪ -‬الستاذ المشارك في كلية‬
‫أصول الدين بالجامعة السلمية بغزة‪ ،‬ورئيس دار القرآن الكريم والسنة‪-‬‬
‫ضل أن يتبعها الكبار في الحفظ أجاب‪" :‬ل مانع‬ ‫حول ما إذا كان هناك طرق ُيف ّ‬
‫من أن يسلك الكبار الطرق التي يسلكها الصغار في الحفظ؛ فالطرق هي‬
‫الطرق‪ ،‬لكن المر يحتاج إلى تركيز"‪.‬‬
‫وحول اليجابيات التي يتمتع بها الكبير‪ ،‬وهي ما تميزه عن الصغير‪ ،‬والتي‬
‫يمكن أن تمثل دافعا ً للكبير لحفظ كتاب الله وتثبيته قال‪:‬‬
‫_ الكبير مدرك أكثر للجر المترتب على حفظ القرآن الكريم‪.‬‬
‫_ الخلص وطلب الجر من الله‪ ،‬وهذا غير متوفر عند الصغير‪.‬‬
‫_ اللتزام مع مجموعة يحفظ معهم ليشجع بعضهم البعض‪.‬‬
‫_ الرجوع إلى التفسير‪ ،‬بحيث يستطيع الكبير من خلله ربط اليات بعضها‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ببعض‪ ،‬وربط نهايات اليات‪.‬‬


‫_ إلزام نفسه بحفظ معين يوميا‪ً.‬‬
‫_ التركيز على المتشابهات‪ ،‬وذلك من خلل قراءة الكتب التي تناولت هذا‬
‫الموضوع‪ ،‬مثل كتاب‪ :‬البرهان في متشابه القرآن‪ ،‬ودرة التنزيل وغرة‬
‫التأويل‪ ،‬بالضافة إلى أن هناك مجموعة كتب للدكتور فاضل السامرائي في‬
‫هذا المجال‪.‬‬
‫_ الكبير قادر على اختيار الشيخ الحافظ والمتقن‪.‬‬
‫_ الكبير أقدر على أن يقرن الحفظ بالعمل‪ ،‬وهو ما يرسخ الحفظ‪.‬‬
‫_ اللجوء إلى الله على الدوام لطلب العون والتوفيق‪.‬‬
‫إذا هبت ريحك فاغتنمها‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كنت مصرا ً على أن أثبت ما ذكرته في بداية موضوعي من أن حفظ القرآن‬


‫ليس مرتبطا ً بسن معينة‪ ،‬وأن الكبار في السن قد يحفظون كتاب الله إذا‬
‫ُوجدت عندهم العزيمة لذلك‪ ،‬فبحثت إلى أن اهتديت إلى ضيائي السوسي ‪-‬‬
‫الذي حفظ القرآن وعمره ‪ 38‬عاما ً ‪ -‬فسألته عن الطريقة التي اتبعها في‬
‫الحفظ فقال‪ :‬لم اعتمد طريقة محددة‪ ،‬مشيرا ً إلى أن الطريقة الوحيدة التي‬
‫سار عليها هي طريقة تكرار القراءة؛ إذ حافظ على قراءة الجزء اليومي دون‬
‫انقطاع‪ ،‬وذلك منذ ما يزيد على عشرة أعوام‪ ،‬إلى أن وصل إلى مرحلة يقرأ‬
‫فيها طرف الية فيستمر في القراءة غيبا ً ول يحتاج إل لتثبيت فواصل اليات‬
‫"نهاية اليات"‪ ،‬ثم اعتمد أسلوب ترديد الربع اليومي الذي يريد حفظه‪،‬‬
‫وبالفعل حفظ القرآن الكريم على ثلثة مراحل‪:‬‬
‫الولى‪ :‬مرحلة السجن وحفظ فيها )‪ (15‬جزءا ً خلل أربعة أشهر‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬مرحلة البعاد وثّبت فيها الجزاء الخمسة عشر وحفظ خمسة أخرى‪،‬‬
‫وذلك خلل تسعة أشهر‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬حفظ الجزاء العشرة الخيرة خلل ستة أشهر‪ ،‬بالضافة إلى التثبيت‬
‫الكامل‪ ،‬وكان ذلك في البيت‪ ،‬وتزامن مع مزاولته لمهامه الطبيعية في العمل‬
‫والبيت‪.‬‬
‫ويقدم السوسي ‪-‬الذي أتم الحفظ قبل سبعة أعوام من الن‪ -‬نصيحته إلى‬
‫كل من رغب في الحفظ فيقول‪" :‬ل تيأس‪ ،‬فللنفس عزمات‪ ،‬فإذا هبت ريحك‬
‫فاغتنمها‪ ،‬هناك فترات صفاء لبد أن ُتستغل في الحفظ؛ لن النفس تفتر‪،‬‬
‫وهذا طبيعي لكن لبد من الستئناف من جديد"‪.‬‬
‫تجاوزن الربعين‬
‫وحتى ل يقول قائل‪" :‬هذه التجربة تجربة رجل‪ ،‬والمر عسير على النساء" أو‬
‫"هذه حالة نادرة"‪ ،‬قررت البحث عن تجارب أخرى لناس آخرين خاضوا‬
‫التجربة‪ ،‬فكانت المفاجأة عندما ُأبلغت بوجود حافظات للقرآن الكريم في‬
‫أحد المساجد بمدينة غزة‪ ،‬فزرت المكان على الفور‪ ،‬والتقيت بالسيدة يسرى‬
‫‪ -‬التي حفظت القرآن الكريم وعمرها أربعون عامًا‪ -‬فحدثتني قائلة‪ :‬لقد كانت‬
‫البداية في دورة الحكام التي أخذتها‪ ،‬ثم بعد ذلك بدأت بالحفظ‪ ،‬والتحقت‬
‫بمشروع "‪ 100‬حافظة خلل عام" الذي أطلقته دار القرآن الكريم والسنة‪،‬‬
‫ي بحفظ كتابه الكريم"‪.‬‬‫ن الله عل ّ‬‫م ّ‬ ‫مضيفة‪" :‬وبفضل الله َ‬
‫دعيه البعض بأن كبار السن ل يستطيعون‬ ‫ً‬
‫وحول ما إذا كان صحيحا ما ي ّ‬
‫الحفظ‪ .‬قالت‪ :‬هذا غير صحيح؛ فالنسان إذا نوى على شيء فسيعينه الله‪،‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مشيرة إلى أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬نزل عليه الوحي‪ ،‬وهو في‬
‫الربعين من عمره‪ ،‬وكثير من الصحابة حفظوا القرآن وهم في سن متأخرة‪.‬‬
‫كما التقينا بسيدة أخرى رفضت ذكر اسمها ‪ -‬وهي في الستينيات من عمرها‪-‬‬
‫وقد شارفت على إتمام الحفظ‪ ،‬فكانت نصيحتها لكل من أراد الحفظ‪:‬‬
‫‪ -‬إخلص النية لله‪.‬‬
‫‪ -‬العزيمة الصادقة‪.‬‬
‫‪ -‬كثرة الدعاء في الليل أن يمن الله عليك بهذه المنة العظيمة‪.‬‬
‫‪ -‬المداومة على التكرار‪.‬‬
‫‪ -‬عدم التكلم في لغو الحديث؛ لن المرء بذلك سينسى ما يحفظ‪.‬‬
‫‪ -‬الكثار من فعل الخيرات؛ لن أبواب الطاعات تسهل عليك حفظ القرآن‪.‬‬
‫ور ورقة المصحف‬ ‫ص ّ‬
‫ولكن ماذا لو لم يكن لديك ‪-‬أخي القارئ‪ -‬أو أختي القارئة وقت للحفظ‪،‬‬
‫وخاصة في شهر رمضان بسبب العمال المتراكمة عليك‪ ،‬مع أن الصل أن‬
‫ُيخصص وقت للحفظ كما أسلفنا‪ ،‬لكن إن كنت تعاني من هذه المشكلة فما‬
‫هو الحل؟ ل تحزن)لتحزني(؛ الحل موجود بإذن الله تعالى‪ ،‬فما عليك إل أن‬
‫تنفذ)تنفذي( التالي‪:‬‬
‫وري( ورقة المصحف المقرر حفظها‪ ،‬ولتكن أمامك في مكان‬ ‫ور)ص ّ‬
‫_ص ّ‬
‫عملك‪ :‬على )طبلون( السيارة‪ ،‬على المكتب‪ ،‬في المطبخ‪ ،‬شريطة أن تكون‬
‫في مكان يسهل على العين النظر إليه‪.‬‬
‫_ انظر)انظري( إليها مرارًا‪.‬‬
‫_ ضع)ضعي( الشريط في المسجل‪ ،‬واستمع)استمعي( إلى نفس الصفحة‪،‬‬
‫وبذلك تفّعل حاستي السمع والبصر‪.‬‬
‫_ كرر)كرري( النظر والستماع مرات عدة‪ ،‬ثم في المساء لن يأخذ حفظ‬
‫هذه الصفحة معك أكثر من خمس دقائق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في الختام أقول‪ :‬إن حفظ كتاب الله ‪ -‬تبارك وتعالى‪ -‬ليس أمرا صعبا‪ ،‬إنه‬
‫سره الله عليه؛ لذلك ما عليك إل أن تخطو الخطوة الولى‪،‬‬ ‫يسير على من ي ّ‬
‫وتختار)تختاري( بعد ذلك أي الطرق التي ذكرت تناسبك أكثر‪ ،‬وإن أردت أي‬
‫استشارة فنحن بين يديك‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫حق الباء في أموال البناء‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫هل لوالدي الحق في أن يأخذ من مالي بحاجة أو بغير حاجة ؟ و ما حكم‬
‫الشرع إذا كان يأخذ من مالي و يعطي لخواني ؟ و هل الم و الب في الخذ‬
‫من مال أبنائهم سواء ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ً‬
‫أقول مستعينا بالله تعالى ‪:‬‬
‫ً‬
‫إن الله تعالى أوصى بالباء خيرا ‪ ،‬و أوجب لهم على أبنائهم حقوقا معنوية‬ ‫ً‬
‫) كتوقيرهما ‪ ،‬و التلطف في مخاطبتهما ‪ ،‬و عدم التأفف منهما ( و مادّية‬
‫) كالنفقة بالمعروف على الموسر ( ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫قال تعالى ‪ ) :‬و قَضى رب َ َ‬
‫ن‬‫ما ي َب ْلغَ ّ‬ ‫وال ِد َْين إحسانا إ ّ‬ ‫دوا إل إّياه ُ و ِبال َ‬ ‫ك أل ّ ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬
‫ما قَوْل ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما و ق ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ق ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عن ْد َ َ‬
‫ل لهُ َ‬ ‫ف و ل ت َن ْهَْرهُ َ‬ ‫ما أ ّ‬ ‫ل لهُ َ‬ ‫ما فل ت َ ُ‬ ‫كلهُ َ‬ ‫ما أو ِ‬ ‫حد ُهُ َ‬
‫ك الك ِب ََر أ َ‬ ‫ِ‬
‫كرِْيما ( ] السراء ‪. [ 23 :‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن لهم‬ ‫ص بأ ّ‬‫و يجمع بين الحق المعنويّ و الماديّ للباء على البناء وُُرود الن ّ‬
‫ن حصولهم على هذا الحق و تمكينهم‬ ‫حقّ ثابت في أموال أبنائهم ‪ ،‬حيث إ ّ‬
‫ل ذلك لهم بمثابة الكسب الحلل الذي ل‬ ‫منه واجب ماديّ على البناء ‪ ،‬و جع ُ‬
‫سنا ً‬‫ة لحدٍ فيه عليهم يترك أثرا ً معنويا ً ح َ‬ ‫ل و ل من ّ َ‬ ‫ينازعون في أخذه ‪ ،‬و ل فض ّ‬
‫في نفوسهم ‪.‬‬
‫لذلك قضت الشريعة الغراء بأن للب أن يأخذ من مال ابنه مقدار حاجته‬
‫بكرامةٍ و عزة نفس ل يتبعها أذىً و ل مّنة ‪ ،‬كيف و هو ـ في ذلك ـ إّنما يأكل‬
‫قه الثابت ‪.‬‬ ‫كسِبه الطيب ‪ ،‬و يأخذ من ح ّ‬ ‫من َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫فقد روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ‪ ،‬أ ّ‬
‫ح مالي ‪.‬‬ ‫ن يجتا َ‬ ‫ن أبي يريد ُ أ ْ‬ ‫ن لي مال ً و َولدا ً ‪ ،‬و إ ّ‬ ‫رجل ً قال ‪ :‬يا رسول الله إ ّ‬
‫فقال عليه الصلة و السلم ‪ ) :‬أنت و مالك لبيك ( ‪.‬‬
‫و روى أبو داود و ابن ماجة في سننهما بإسناد صحيح عن عمرو بن شعيب‬
‫ن لي‬ ‫ن رجل ً أتى النبي صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬إ ّ‬ ‫عن أبيه عن جده ‪ ،‬أ ّ‬
‫ن والدي يحتاج إلى مالي ‪ ،‬قال ‪ ) :‬أنت و مالك لوالدك ‪ ،‬إن أولدكم‬ ‫مال ً ‪ ،‬و إ ّ‬
‫ب أولدكم ( ‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫كم ‪ ،‬كلوا من ك َ ْ‬ ‫سب ِ ُ‬
‫من أطيب ك َ ْ‬
‫ت ‪ :‬و ل فرق بين الب و الم في أن لكل منهما الحق في أن يأخذ من‬ ‫قل ُ‬
‫مال ولده ‪ ،‬لما رواه أبو داود و ابن ماجة و النسائي بإسناد ٍ صحيح عن عمارة‬
‫مته ‪ ،‬أنها سألت عائشة رضي الله عنها ‪ :‬في حجري يتيم‬ ‫بن عمير ‪ ،‬عن ع ّ‬
‫أفآكل من ماله ؟ فقالت أم المؤمنين ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سِبه ( ‪.‬‬ ‫من ك َ ْ‬ ‫ده ِ‬‫سب ِهِ ‪ ،‬و ول َ ُ‬
‫ن من أطيب ما أكل الرجل من ك َ ْ‬ ‫سلم ‪ ) :‬إ ّ‬
‫ض أهل العلم ذهبوا إلى أن‬ ‫ما وقد تقرر ذلك فل بد من الشارة إلى أن بع َ‬ ‫أ َ‬
‫للب الخذ من مال ولده بدون قيد ٍ أو حد ّ ‪ ،‬لحاجته و فوق حاجته ‪ ،‬سواء‬
‫ض‪.‬‬ ‫رضي بذلك البن أم لم ير َ‬
‫قال الشوكاني رحمه الله في شرح حديث أم المؤمنين رضي الله عنها ‪:‬‬
‫ك لولده في ماله ‪ ،‬فيجوز له الكل منه سواء‬ ‫) يدل على أن الرجل مشارِ ٌ‬
‫أذن الولد أو لم يأذن ‪ ،‬و يجوز له أيضا ً أن يتصرف به كما يتصرف بماله ‪ ،‬ما‬
‫فه ( ‪ ] .‬نيل الوطار ‪. [ 391 / 5 :‬‬ ‫س َ‬ ‫ف و ال َ‬ ‫سَر ِ‬ ‫لم يكن ذلك على وجه ال َ‬
‫ب هذا المذهب بما رواه الحاكم بإسنادٍ صححه ‪ ،‬و قال‬ ‫رض على من ذه َ‬ ‫و اعت ُ ِ‬
‫‪ :‬هو على شرط الشيخين ‪ ،‬عن عائشة رضي الله تعالى عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬قال‬
‫ة الله لكم ‪ ،‬يهب لمن‬ ‫رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ) :‬إن أولَدكم هب ُ‬
‫يشاء إناثا ً ‪ ،‬و يهب لمن يشاء الذكور ‪ ،‬فهم و أموالهم لكم إذا احتجتم إليها ( ‪.‬‬
‫و هذا الحديث صححه الشيخ اللباني رحمه الله في الصحيحة و الرواء ل‬
‫على شرط الشيخين ‪ ،‬و قال معقبا ً عليه ‪:‬‬
‫و في الحديث فائدة فقهيية هامة قد ل تجدها في غيره ‪ ،‬و هي أنه يبين أن‬
‫الحديث المشهور ‪ ) :‬أنت و مالك لبيك ( ‪ ،‬ليس على إطلقه ‪ ،‬بحيث أن الب‬
‫يأخذ من مال ابنه ما يشاء ‪ ،‬كل ؛ و إنما يأخذ ما هو بحاجة إليه ( ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬و العقل و العتبار يشهدان لمذهب تقييد حق الب في مال ابنه‬
‫بمقدار الحاجة ل غير ‪ ،‬إذ لو كان معنى قوله ‪ ) :‬أنت و مالك لبيك ( على‬
‫ظاهره و إطلقه لستحق الب السئثار بمال ولده بعد وفاته ل يشركه فيه‬
‫صر في أدائها الولد ‪ ،‬و‬ ‫غيره من الورثة ‪ ،‬و لكانت عليه زكاته في حياته إن ق ّ‬
‫ليس المر كذلك ‪.‬‬
‫قال ابن الهمام الحنفي بعد ذكر حديث عائشة المتقدم ‪ ) :‬و مما يقع بأن‬
‫س‬ ‫الحديث يعني أنت و مالك لبيك ما أ ُو َ َ‬
‫سد ُ َ‬ ‫ن ابن ِهِ ال ُ‬‫م ْ‬ ‫ب ِ‬‫ث ال َ‬ ‫ه تعالى وَّر َ‬ ‫ل أن ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫كه لم يكن لغيره شيء مع وجوده ( ‪.‬‬ ‫مع وَل َدِ وَل َدِهِ ‪ ،‬فلو كان الكل مل َ‬ ‫َ‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ابن قدامه رحمه الله ‪ :‬و للب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع غناه و‬
‫حاجته بشرطين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن ل يجحف بالبن ‪ ،‬و ل يأخذ ما تعلقت به حاجته ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن ل يأخذ من مال أحد وَل َد َْيه فيعطيه لخر؛ لن تفضيل أحد الولدين‬
‫جد الشرطان جاز‬ ‫غير جائز‪ ،‬فمع تخصيص الخر بالخذ منه أولى ‪ .‬فإذا وُ ِ‬
‫الخذ ( ‪ ] .‬الكافي ‪. [ 471 / 2 :‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن أحدهم حدود َ‬ ‫فليتق البناء و الباء رّبهم فيما أع َ‬


‫طوا و ما ت ََركوا ‪ ،‬و ل يجاوِّز ّ‬
‫عه الله تعالى له ‪ ،‬فإنه ) من يعص الله و رسوله و يتعد ّ حدوده يدخله‬ ‫ما شر َ‬
‫نارا ً ( ‪ ) ،‬و من يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ( ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬و الله أعلم و أحكم ‪ ،‬و ما توفيقي إل بالله ‪ ،‬عليه توكلت و إليه أنيب ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫حق الصغيرة المزوجة بغير إذنها في الخيار بعد البلوغ‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫جت من قبل أبيها أو جدها حق الخيار بعد‬ ‫هل للصغيرة الغير بالغة إذا ُزوّ َ‬
‫بلوغها ؟‬
‫إذا كان الجواب بالنفي ‪ ،‬فلماذا ل يكون لها الخيار إذا كانت ل ترضى بزوجها‬
‫و ل تحبه ؟‬
‫و هل هناك من الئمة و السلف من يعطي حق الخيار بعد البلوغ للصغيرة‬
‫المزوجة من قبل أبيها أو جدها قبل بلوغها ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ً‬
‫أقول مستعينا بالله تعالى ‪:‬‬
‫م عليها عقد على‬ ‫إن الحكم عن المسؤول عنه يختلف بحسب الحالة التي ت ّ‬
‫ت ذ َك ََرها أهل العلم ‪ ،‬و ما ذهبوا‬ ‫الصغيرة ‪ ،‬و فيما يلي أشير إلى ثلث حال ٍ‬
‫ل منها على وجه اليجاز ‪:‬‬ ‫إليه في حكم ك ّ‬
‫دها ) و إن عل (‬ ‫م تزويج الصغيرة من قَِبل أبيها أو ج ّ‬ ‫• الحالة الولى ‪ :‬إذا ت ّ‬
‫س لها حق الخيار ‪ ،‬إل إن‬ ‫فإن النكاح صحيح لزم قبل البلوغ و بعده ‪ ،‬و لي َ‬
‫َ‬
‫صداق ‪ ،‬ل أعلم في‬ ‫ش في ال ّ‬ ‫ن فاح ٌ‬ ‫كفٍء ‪ ،‬أو وََقع فيه غب ٌ‬ ‫كان التزويج من غير ُ‬
‫ذلك خلفا ً بين العلماء ‪.‬‬
‫جها إل الب‬ ‫ن الصغيرة ل يزوّ ُ‬ ‫كرا ً ‪ :‬ذهب المام مالك رحمه الله إلى أ ّ‬ ‫ت مذ ّ‬‫قل ُ‬
‫ب و ل جد ّ‬ ‫كن لها أ ٌ‬ ‫‪ ،‬و عند الشافعي يزوجها الب أو الجد حصرا ً ‪ ،‬فإن لم ي ُ‬
‫مر ‪ ،‬لما صح في سنن‬ ‫فليس لغيرهما من الولياء تزويجها حتى تبُلغ و ُتستأ َ‬
‫أبي داود و غيره من حديث ابن عباس و أبي هريرة رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ُ ) :‬تستأمر اليتيمة في نفسها ؛ فإن‬
‫سكتت فهو إذنها ‪ ،‬و إن أبت فل جواز عليها ( ‪ ،‬و الستئمار ل يكون إل بعد‬
‫البلوغ ‪.‬‬
‫• الحالة الثانية ‪ :‬إذا كان ولي الصغيرة في النكاح غير الب و من في حكمه‬
‫ن‬ ‫من الجداد فإن التزويج ل يصح إذا كان من غير كفٍء ‪ ،‬أو وقعَ فيه َ‬
‫غب ٌ‬
‫ش في المهر ‪.‬‬ ‫فاح ٌ‬
‫• الحالة الثالثة ‪ :‬إذا كان ولي الصغيرة في النكاح غير الب و من في حكمه‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الجداد ‪ ،‬و كان الزوج كفؤا ً للمعقود عليها ‪ ،‬و أصد ََقها صداق المثل أو‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ن ‪ ،‬فللعلماء في هذه الحالة مذهبان ‪:‬‬ ‫خيرا منه ‪ ،‬من غير ظلم ٍ و ل غَب ْ ٍ‬
‫ن ل خيار للزوجة بعد البلوغ ‪ ،‬لن تزويجها على هذه الصفة و هي‬ ‫أوّل ُُهما ‪ :‬أ ْ‬
‫بالغٌ صحيح لما فيه من النصاف و البّر بها ‪ ،‬فلزم أن يكون كذلك قبل البلوغ‬
‫أيضا ً – هذا قولهم – و هو مذهب جمهور العلماء ‪ ،‬و القاضي أبي يوسف من‬
‫فّية ‪ ،‬و اختيار شيخ السلم ابن تيمية رحمهم الله جميعا ً ‪.‬‬ ‫حن َ ِ‬
‫ال َ‬
‫ن لها الخيار بمجّرد البلوغ ‪ ،‬فإن شاءت أمضت العقد ‪ ،‬و إن‬ ‫و ثانيهما ‪ :‬أ ّ‬
‫شاءت فسخته ‪ ،‬و بهذا قال المام أبو حنيفة ‪ ،‬و تلميذه محمد بن الحسن‬
‫َ‬
‫مةِ فإنها تخير إذا أعتقت و هي مزوجة و‬ ‫رحمة الله عليهما ‪ ،‬قياسا ً على ال َ‬
‫الجامع بين الحالتين حدوث ملك التصرف ‪.‬‬
‫و هذا مذهب ابن عمر و أبي هريرة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ‪،‬‬
‫ة قول ً عن المام أحمد ‪.‬‬ ‫و ذكره ابن تيمي ّ َ‬
‫ن هذا الحق ل‬ ‫و عليه تجب مبادرة المرأة إلى حق الخيار بمجرد البلوغ ‪ ،‬ل ّ‬
‫يستصحب مدى الحياة ‪ ،‬بل يسقط برضاها بالزوج تصريحا ً ‪ ،‬أو بالسكوت‬
‫ن التنبيه ‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ل على الرضا ‪ ،‬و لذلك ح ُ‬ ‫الدا ّ‬
‫و الراجح من القولين هو ما ذهب إليه الجمهور لعدم وجود دليل يصلح‬
‫العتماد عليه في القول بتخيير الزوجة بعد البلوغ في إجازة العقد أو فسخه ‪،‬‬
‫و لضعف القياس الذي استدل به من حكم بتخييرها من السادة الحنفّية ‪،‬‬
‫فضل ً عن المفاسد المترتبة على ذلك ‪ ،‬من إسقاط حق الولياء ‪ ،‬توهين‬
‫ض ‪ ،‬و الله أعلم و أحكم ‪.‬‬ ‫أواصر النكاح ‪ ،‬و تعريضه للفسخ بغير مقت ٍ‬
‫هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ‪ ،‬و بالله التوفيق ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مسلم‬ ‫حق المسلم على ال ُ‬


‫) خطبتا الجمعة في مسجد َدبِلن بإيرلندا اليوم الثاني من شوال ‪ 1423‬هـ‬
‫الموافق للسادس من ديسمبر ـ كانون الّول ـ ‪ 2002‬م (‬
‫الخطبة الولى‬
‫إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ‪ ،‬و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ‪،‬‬
‫و من سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ‪ ،‬و من يضلل فل هادي له ‪،‬‬
‫و أشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬و أشهد أن محمدا ً عبده و‬
‫رسوله ‪.‬‬
‫ن إل و أنتم مسلمون {‬ ‫} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و ل تموت ّ‬
‫] آل عمران ‪. [ 102 :‬‬
‫} يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و‬
‫ث منهما رجال ً كثيرا ً و نساء ‪ ،‬و اتقوا الله الذي تساءلون به و الرحام إن‬ ‫ب ّ‬
‫ً‬
‫الله كان عليكم رقيبا { ] النساء ‪. [ 1 :‬‬
‫ً‬
‫} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قول ً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر‬
‫لكم ذنوبكم ‪ -‬و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا ً عظيما ً { ] الحزاب ‪:‬‬
‫‪. [ 70،71‬‬
‫ما بعد فيا عباد الله !‬‫أ ّ‬
‫ذركم و بال عصيانه و‬ ‫أوصيكم و نفسي بتقوى الله العظيم و طاعته ‪ ،‬و أح ّ‬
‫ضها الله‬‫مخالفة أمره ‪ ،‬و أذكركم و نفسي بحقوقه و حقوق خلقه ‪ ،‬التي افتَر َ‬
‫تعالى في كتابه و على لسان نبيه ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن ديننا الذي ارتضاه الله تعالى لنا منهجا ًَ َرشدا ً يجمع بين الحقوق و‬
‫الواجبات ‪ ،‬و ل يذهب فيه سدى شيء من الصالحات ‪ ،‬و ل ريب في أن‬
‫الحقوق تجب على العباد بإيجاب الشارع الحكيم ‪ ،‬أما في حقه تعالى فل‬
‫شيئ يجب عليه إل ما أوجبه على نفسه تفضل ً منه و منة ‪.‬‬
‫و من جوامع الكلم و فصل الخطاب في بيان مجمل الحقوق و أوجب‬
‫الواجبات ما رواه الشيخان و غيرهما و اللفظ لمسلم عن معاذ بن جبل رضي‬
‫الله عنه قال ‪ :‬كنت ردف رسول الله صبى الله عليه وسلم ليس بيني و بينه‬
‫إل مؤخرة الرحل فقال ‪ ) :‬يا معاذ بن جبل ( ‪ ،‬قلت ‪ :‬لبيك رسول الله صبى‬
‫الله عليه وسلم و سعديك ‪ ،‬ثم سار ساعة ثم قال ‪ ) :‬يا معاذ بن جبل ( قلت‬
‫‪ :‬لبيك رسول الله صبى الله عليه وسلم و سعديك ‪ ،‬ثم سار ساعة ثم قال ‪:‬‬
‫) يا معاذ بن جبل ( ‪ ،‬قلت ‪ :‬لبيك رسول الله صبى الله عليه وسلم و سعديك‬
‫‪ ،‬قال ‪ ) :‬هل تدري ما حق الله على العباد ؟( قال ‪ :‬قلت ‪ :‬الله و رسوله‬
‫أعلم ‪ ،‬قال ‪ ) :‬حق الله على العباد أن يعبدوه و ل ُيشركوا به شيئا ً ( ‪ ،‬ثم سار‬
‫ت ‪ :‬لبيك رسول الله صبى الله عليه وسلم و‬ ‫ساعة ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬يا معاذ ( قل ُ‬
‫سعديك ‪ ،‬قال ‪ ) :‬هل تدرري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ ( قلت ‪:‬‬
‫الله و رسوله أعلم ‪ ،‬قال ‪ ) :‬أن ل ُيعذب َُهم ( ‪.‬‬
‫قلوا لله عباد *** حتى و إن جهلوا يوما ً و إن حادوا‬ ‫الناس ما ع َ‬
‫ل في نيل مغفرة *** في يوم محشرهم لله إن عادوا‬ ‫م أم ٌ‬ ‫يحدوه ُ‬
‫ما دام مرتكزا ً إفراد بارئهم *** في أصل فطرتهم و الدين توحيد ُ‬
‫عباد الله !‬
‫إن توحيد الله تعالى بما أوجب توحيده به من أفعاله و أسمائه و صفاته و‬
‫عبادة خلقه أوجب الواجبات ‪ ،‬و أهم المهمات التي عليها مدار الفوز و‬
‫النجاة ‪ ،‬في الحياة و بعد الممات ‪ ،‬و لهذا كثر النكير على من وقع في‬
‫الشرك المنافي لتوحيد رب البريات ‪ ،‬و آذن الله تعالى المشركين بالياس‬
‫من المغفرة و دخول الجنات ‪.‬‬
‫َ‬
‫شاُء َو‬‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِك ل ِ َ‬‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫َ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫شَرك ب ِهِ وَ ي َغْ ِ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل ي َغْ ِ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫دا { ] النساء ‪. [ 116 :‬‬ ‫ً‬
‫ضلل ب َِعي ً‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ ف َ‬
‫َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫و من عدله المطلق سبحانه و تعالى أن ل ُيضيع شيئا من حقوق العباد حتى‬ ‫َ‬
‫يقتص لصاحبها أو يرضيه برفع درجاته أو تكفير سيئاته ‪ ،‬فما ربك بظلم للعبيد‬
‫‪ ،‬و ل يرضى الظلم بين العبيد ‪ ،‬بل يقول لمن دعا على ظالمه ‪ ) :‬و عزتي و‬
‫جللي لنصرنك و لو بعد حين ( كما روينا بإسناد حسن عن خير البشر ‪.‬‬
‫فإن برئت ذمتك من التفريط في جنب الله ‪ ،‬و سلمت من الوقوع في‬
‫الشرك بالله ‪ ،‬فحذار حذار من الستطالة في حقوق العباد أو التقصير فيما‬
‫ب عن كل اقتراف ‪ ،‬أو‬ ‫س ٌ‬ ‫أوجب الله عليك صرفه لهم ‪ ،‬فإنك موقوف و محا َ‬
‫مجانبة للحق و النصاف ‪.‬‬
‫روي في المسند عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله‬
‫صبى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬الدواوين عند الله عز و جل ثلثة ؛ ديوان ل يعبأ‬
‫ن ل يغفره الله ؛ فأما‬ ‫ن ل يترك الله منه شيئا ً ‪ ،‬و ديوا ٌٌ‬ ‫الله به شيئا ً ‪ ،‬و ديوا ٌ‬
‫الديوان الذي ل يغفره الله فالشرك بالله ‪ ،‬قال الله عز و جل ‪ :‬و من ُيشرك‬
‫بالله فقد حرم الله عليه الجنة ‪ .‬و أما الديوان الذي ل يعبأ الله به شيئا ً فظلم‬
‫سه فيما بينه و بين ربه ‪ ،‬من صوم يوم تركه أو صلة تركها ‪ ،‬فإن الله‬ ‫العبد نف َ‬
‫عز و جل يغفر ذلك و يتجاوز إن شاء ‪ ،‬و أما الديوان الذي ل يترك الله منه‬
‫ضهم بعضا ً ‪ :‬القصاص ل محالة ( ‪.‬‬ ‫م العباد بع َ‬ ‫شيئا ً ف ُ‬
‫ظل ُ‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫نعم يا عباد الله ! إن حقوق العباد ل يستهين بها إل غر مغبون ‪ ،‬جاهل‬


‫بالعواقب و الخواتيم ‪ ،‬أما من اصطفاه الله و توله ‪ ،‬و وفقه لما فيه رضاه‬
‫فل يفرط في شيء منها ‪ ،‬و أقلها ما جاء التأكيد عليه في السنة تخصيصا ً ‪ ،‬و‬
‫هو حق المسلم المتعين الداء على المسلم ‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صبى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫) حق المسلم على المسلم خمس رد السلم و عيادة المريض و اتباع الجنائز‬
‫و إجابة الدعوة و تشميت العاطس ( متفق عليه ‪.‬‬
‫و في رواية في صحيح مسلم ‪ ) :‬حق المسلم على المسلم ست ‪ :‬إذا لقيته‬
‫فسلم عليه ‪ ،‬و إذا دعاك فأجبه ‪ ،‬و إذا استنصحك فانصح له ‪ ،‬و إذا عطس‬
‫فحمد الله فشمته ‪ ،‬و إذا مرض فُعده ‪ ،‬و إذا مات فاتبعه ( ‪.‬‬
‫و في رواية مسلم هذه زيادات و قيود هامة في التعامل بين المسلمين ‪،‬‬
‫أولها زيادة حقوق المسلم عددا ً ‪ ،‬و في هذا دللة على أن العدد المذكور يفيد‬
‫مراعاة حال السائل و ليس القتصار على ما ذكر ‪.‬‬
‫و ثانيها المر بالسلم مطلقا ً على من يلقاه المسلم من المسلمين ‪ ،‬و ليس‬
‫مجرد رد السلم على من ابتدأه به ‪ ،‬لما لفشاء السلم في إشاعة المحبة و‬
‫اللفة بين أفراد المجتمع ‪ ،‬فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أن رسول‬
‫الله صبى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬ل تدخلوا الجنة حتى تحابوا أل أدلكم على‬
‫أمر إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلم بينكم ( ‪.‬‬
‫و ثالثها إيجاب إسداء النصيحة لمن يحتاجها من المسلمين ‪ ،‬لن الدين‬
‫النصيحة ‪ ،‬و من النصيحة الواجبة مناصحة المبتدع و الرد على المخالف بما‬
‫يرده إلى الحق و ل يزيده نفرة منه ‪ ،‬و بعدا ً عنه ‪ ،‬و قد دأب السلف على‬
‫مناظرة المخالفين في أصول الدين و فروعه ‪ ،‬و أطرهم على الحق أطرا ً‬
‫مي السنة و أهلها في زمنيهما‬ ‫بالحجة و البيان ‪ ،‬ل غير ‪ ،‬و ما مناظرات إما َ‬
‫أحمد َ بن حنبل و أحمد َ بن تيمية إل معالم في الطريق ترد على من يفر من‬
‫المخالف إلى القذف و التشهير متذرعا ً بآراء آحاد العلماء في عدم مناظرة‬
‫المبتدعة رغم شذوذ هذا القول و مخالفته لما عليه جمهور السلف قول ً و‬
‫فعل ً ‪.‬‬
‫و رابع ما يستفاد من هذا النص الشريف ‪ :‬تقييد إيجاب تشميت العاطس‬
‫بحمده لله تعالى ‪ ،‬فإن قال بعد عطاسه ‪ :‬الحمد لله ‪ .‬قيل له ‪ :‬يرحمك الله‬
‫وجوبا ً على الكفاية ‪ ،‬و يتعين عليها بعدها أن يدعو لنفسه و لمشمته بما جاء‬
‫في السنة كقوله ‪ :‬يهدينا و يهديكم الله و يصلح بالكم ‪.‬‬
‫عباد الله !‬
‫إن حقوق إخوانكم من أهل القبلة عليكم لزمة ما دامت فيكم عين تطرف ‪،‬‬
‫و ل تنتهي إل باتباع جنائزهم بعد مماتهم فأدوا إليهم حقوقهم ‪ ،‬و اسألوا الله‬
‫حقوقكم ‪.‬‬
‫و ما دام الحديث عن حقوق العباد قائما ً فمن المناسب الشارة إلى ما أقره‬
‫رسول الله صبى الله عليه وسلم قبل الهجرة و طبقه بعدها عمليا ً من أخوة‬
‫السلم بين أبنائه و التآخي بين المسلمين فـ ) المسلم أخو المسلم ل يظلمه‬
‫و ل يسلمه ( كما ثبت بذلك الحديث في الكتب الستة ‪.‬‬
‫و أخوة السلم أقوى من أخوة النسب ‪ ،‬و رابطته أوثق من رابطة الدم ‪ ،‬و ل‬
‫مسوغ شرعا ً للتبجح بالمصطلحات المبتدعة حديثا ً من قبيل الخوة في‬
‫الوطنية أو القومية أو غيرهما من الدعوات الجاهلية ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و حذار من النحراف بالنجراف وراء من يعد النصارى اخوة له ‪ ،‬بدعوى أن‬


‫الله تعالى وصف بعض أنبيائه بأنهم إخوان لبني قومهم كما في قوله تعالى ‪:‬‬
‫} و إلى مدين أخاهم شعيبا ً { و قوله سبحانه ‪ } :‬و إلى عاد أخاهم هودا ً { ‪،‬‬
‫مع أنهم يغفلون عن أن الله تعالى لم يصف القوام بأنهم إخوة للنبياء ‪ ،‬و‬
‫إثبات الصفة ليس إثباتا ً لما يقابلها كما هو معلوم عند أهل اللغة ‪.‬‬
‫و من العجب أن نعد الصليبيين إخوة ً لنا ‪ ،‬في الوقت الذي نغفل فيه أو‬
‫نتغافل عن الخوة الحقة التي تربطنا بأبناء ديننا و ملتنا ‪ ،‬و أهل قبلتنا ‪ ،‬في‬
‫فلسطين و غيرها من بلدان المسلمين ‪ ،‬فنسلم إخوانا ً و نخذل آخرين ‪،‬‬
‫يقبعون في سجون الغزاة المجرمين ‪ ،‬مع أن من حقهم علينا أن نقوم‬
‫بواجب النصرة و المداد لهم ‪.‬‬
‫أين نحن من أقوال أئمة السلف ‪ ،‬و هداة الخلف و قد أجمعوا على وجوب‬
‫استنقاذ السير و فك العاني ‪:‬‬
‫قال ابن العربي في أحكام القرآن بعد ذكر السرى المستضعفين ‪ :‬إن الولية‬
‫معهم قائمة ‪ ,‬و النصرة لهم واجبة بالبدن بأل تبقى منا عين تطرف حتى‬
‫نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك ‪ ,‬أو نبذل جميع أموالنا في‬
‫استخراجهم ‪ ,‬حتى ل يبقى لحد درهم ‪ ،‬كذلك قال مالك وجميع العلماء ‪ ،‬فإنا‬
‫لله و إنا إليه راجعون على ما حل بالخلق في تركهم إخوانهم في أسر العدو ‪,‬‬
‫و بأيديهم خزائن الموال و فضول الحوال ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫و قال ابن تيمة ‪ :‬فكاك السارى من أعظم الواجبات ‪ ،‬و بذل المال الموقوف‬
‫و غيره في ذلك من أعظم القربات ‪.‬‬
‫فالله الله يا أمة السلم في إخوانكم ‪ ،‬إرعوا شؤونهم ‪ ،‬و أعطوهم حقوقهم ‪،‬‬
‫و حذار من أن يكون في قلوبكم غل للذين آمنوا ‪.‬‬
‫مل ‪ ،‬و عصمنا من الضللة و الزلل‬ ‫وّفقني الله و إّياكم لخيَريْ القول و الع َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل ذنب‬ ‫أقول قولي هذا و استغفر الله الجليل العظيم لي و لكم من ك ّ‬


‫فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‬
‫ّ‬
‫مد و آله و صحبه أجمعين‬ ‫و صّلى الله و سّلم و بارك على نب ّيه مح ّ‬
‫ّ‬
‫الخطبة الثانية‬
‫أما بعد فإن خير الكلم كلم الله ‪ ،‬و خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬و شر المور محدثاتها ‪ ،‬و كل محدثة بدعة ‪ ،‬و عليكم بالجماعة فإن‬
‫يد الله على الجماعة ‪ ،‬و من شذ شذ في النار ‪.‬‬
‫ة السلم !‬ ‫م َ‬‫أ ّ‬
‫ل نزال حديثي عهد بشهر رمضان الذي ي أفل نجمه قبل يومين ‪ ،‬و سرعان‬
‫ما بردت الهمم برحيله ‪ ،‬و عادت أحوال الكثيرين منا إلى ما كانت عليه قبل‬
‫دخوله ‪ ،‬و كأن الله ل يعبد إل في رمضان ‪ ،‬و هذه أمارة للخذلن و دللة على‬
‫الخسران ‪ ،‬لن رب رمضان هو رب شعبان و شوال و سائر الشهور ‪.‬‬
‫فلنبادر يا عباد الله إلى تصحيح مساراتنا ‪ ،‬و ليشد بعضنا على أيادي بعض‬
‫بالتذكير و المناصحة و العانة على طاعة الله ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫فاّتقوا الله يا عباد الله ‪ ،‬و تزّودوا من دنياكم لخرتكم عمل يرضاه ‪ ،‬و صلوا و‬
‫ّ‬
‫سّلموا على نبّيه و آله و صحبه و من واله ‪ ،‬فقد ُأمرتم بذلك في الذكر‬
‫ن الله و ملئكته يصّلون على النبي يا أّيها‬ ‫ب العالمين ‪ ) :‬إ ّ‬‫الحكيم ‪ ،‬إذ قال ر ّ‬
‫الذين آمنوا صّلوا عليه و سلموا تسليما (‬
‫ّ‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل و سّلم و بارك على عبدك ‪ ،‬و رسولك مح ّ‬


‫مد ‪ ،‬و على آله و صحبه‬ ‫اللهم ص ّ‬
‫أجمعين ‪.‬‬
‫د ‪ .‬أحمد عبد الكريم نجيب‬
‫‪Dr.Ahmad-A-Najeeb‬‬
‫‪alhaisam@msn.com‬‬
‫‪http://www.saaid.net/Doat/Najeeb‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ن شانئك هو البتر!‬ ‫حقا إ ّ‬


‫بدرية العبدالرحمن ‪2/2/1427‬‬
‫‪02/03/2006‬‬
‫قُتكم بالكتابة حول الزمة السلمية الدنمركية‪ ..‬وأعلم بالمقابل‬ ‫أعلم كم أره ْ‬
‫أنها حديث الساعة الذي ليكاد يخلو مطبوعة ول منتدى إنترنت منه‪..‬لدرجة‬
‫ل( الغلب من الحديث عنها وحولها‪..‬‬ ‫قد )م ّ‬
‫أنا شخصيا ً ل أريد الحديث عن شيء آخر غير الحبيب صلى الله عليه وعلى‬
‫آله وسلم‪ ...‬ليس فقط لنه موضوع جاهز للكسالى أمثالي‪..‬ولكن أيضا ً لنه‬
‫حدث )متواصل( قد فتح شهيتي للثرثرة والتعليق والتفكير‪ ،‬كما لم لم تكن‬
‫مفتوحة من قبل‪..‬‬
‫البارحة فقط كنت أقرأ خبرا ً مفرحا ً ومبهجا ً نشره موقع )إسلم أون لين(‬
‫حول موجة استنكار لهانة الحبيب عليه أفضل الصلة والسلم ‪..‬ل تبدأ هذه‬
‫المرة من دولنا السلمية‪ ،‬وإنما من ممثلي الكنائس المسيحية على اختلفها‬
‫في العالم أجمع‪...‬ليقولوا‪ :‬إن ماحصل ضد السلم لم يكن إل وصمة عار في‬
‫جبين الشانئين والمتعصبين‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقد أصدر المجلس الوروبي لزعماء الديان بيانا )رسميا( عّبر فيه عن‬
‫ب كل‬ ‫استيائه مما حصل جاء فيه‪" :‬ونشجب إساءة استخدام حرية التعبير لس ّ‬
‫ما هو مقدس لدى المؤمنين‪ ..‬إن سلسلة الرسومات الهجومية على النبي‬
‫محمد هي إهانة بالغة لحوالي )‪ (1.3‬مليار مسلم‪ ..‬نحن نسلم بحق حرية‬
‫التعبير كركيزة أساسية للديموقراطية‪ ،‬وحقوق النسان دون مثل هذه‬
‫الساءات"‪.‬‬
‫وأبلغ منه ما نقله الموقع عن نائب بطريرك الكاثوليك في مصر )يوحنا قلته(‬
‫دا حجم ومكانة الرسول الكريم"‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬إن مسيحيي الشرق يعرفون جي ً‬
‫جهت للمسيحيين في‬ ‫وأكد على أن الرسومات المسيئة للرسول هي إهانة وُ ّ‬
‫العالم وليس للمسلمين فقط‪ ،‬مشيًرا إلى وجود تيار إلحادي في الغرب‬
‫"يدعو إلى قيام حضارته بسقوط المقدسات وإهانة الديان"‪.‬‬
‫إضافة إلى عاصفة من الحتجاجات والبيانات وّقع عليها رجال الدين‬
‫المسيحي في نابلس وتركيا‪ ..‬تثير ليس فقط إعجابنا وحماسنا للروح النزيهة‬
‫والشريفة التي دفعتهم لمثل هذا الموقف النبيل‪ ...‬ولكن تثير مزيدا ً من‬
‫التساؤلت حول توّقف كثير من )ربعنا( المسلمين عند مثل هذه الحادثة‬
‫وحديثهم عنها بأنها واقعة يجب أل ّ ُتعطى أكبر من حجمها‪ ،‬وأل ّ يتعامل معها‬
‫المسلمون بهذه الحساسية!!‬
‫المسألة حين ترى )مسلمًا( يتعامل مع حادثة استفزاز للحمّية الدينية بهذا‬
‫ور بعض المسلمين‬ ‫القدر من اللمبالة فإنك تدرك وجود خلل مؤسف في تص ّ‬
‫لقيم الحرية وقيم العالم الجديد‪..‬‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دثت عنه في مقالت سابقة من أن اللدينّية هي ما‬ ‫لست بحاجة لتكرار ما تح ّ‬


‫يمكن أن يفسد علينا صفو عالمنا القادم‪ ..‬وأن البهتان الذي تقوم به حين‬
‫دسات أمر سيجر ويلت لطاقة لنا بها‪..‬‬ ‫تتعدى على المق ّ‬
‫اللدينية حين تتوشح رداء عربيا ً كما في بعض سخافات القوم هنا وهناك‪،‬‬
‫وحين تريد أن تستحيل إلى حركة سياسية تستبعد الدين من أجندتها‪ ،‬وتريد‬
‫أن تتحرر من الدين ومن تخّلفه وويلته التي جرها على الشعوب )زعمت(‪..‬‬
‫حين تفعل اللدينية ذلك فإنها تصبح أمرا ً يستدر السخرية بشكل لُيطاق‪..‬‬
‫ليس فقط لن الشعوب العربية والسلمية شعوب متدينة بالفطرة‪ ،‬وليمكن‬
‫تخّيلها بمعزل عن دين الله تعالى الذي ارتضاه لها‪...‬ولكن أيضا ً لن وجود‬
‫كم والهجوم‬ ‫ون من الته ّ‬ ‫اللدينيين في الغلب مرتبط ببرنامج كوميدي متك ّ‬
‫دس في العقل المسلم‪...‬‬ ‫دسات والتشكيك اللواعي في جذور المق ّ‬ ‫على المق ّ‬
‫أي إنه موقف حاقد‪...‬أو مهووس يريد الظهور والتمّرد بطريقة‬
‫مفلسة‪..‬والفلس بهذا الشكل موقف يستدر الشفقة‪...‬ليس موقفا ً فكريا ً‬
‫معتدل ً يستحق الحترام‪..‬‬
‫إن هذه الوقفة التي يقفها المسيحيون معنا هي التي لبد أن يفقه اللدينيون‬
‫منها أن الخلفية الدينية في عقل كل الشعوب )والسلمية منها خاصة( أمر‬
‫ليمكن تجاهله‪..‬وأن فطرة الله التي فطر الناس عليها ليست جينا ً وراثيا ً‬
‫يمكن تعديله في مختبر علمي ملحد‪!!..‬‬
‫أمر آخر يمكننا قراءته وهو كيف أمكن للخر المسيحي الذي طالما ارتبط‬
‫صبه )الديني الصريح( في عقل المسلم بمليين الضحايا بامتداد تاريخنا‬ ‫تع ّ‬
‫السلمي كان آخرها في حرب البلقان الطويلة ‪..‬كيف أمكنه أن يكون نزيها ً‬
‫ومتسامحا ً في النهاية ليعلن موقفا ً فكريا ً استثنائيا ً جدا ً وواضحًا؟!‬
‫لم يكن المر صعبا ً هذه المرة أن يعلنوا مبدأهم حول الحترام وحول‬
‫التعايش‪...‬للدرجة التي تضمن إحدى البيانات التعبير عن النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬بأنه )نبي السلم(‪..‬‬
‫جاء في البيان الذي أصدره ممثلو ست كنائس رئيسة في تركيا‪" :‬كأبناء النبي‬
‫إبراهيم‪ ،‬نشجب عدم احترام محمد نبي السلم الذي نحبه ونتعاون معه‪،‬‬
‫ونحن نصلي مع إخواننا المسلمين ليحكم الحب اللهي الرض"‪.‬‬
‫هل ستكون حملة البيانات النزيهة هذه المرة بداية لعهد جديد يبدؤه‬
‫المسلمون مع المسيحيين‪ ،‬وموقفا ً جديدا ً تماما ً هو نفسه موقف‪) :‬قل ياأهل‬
‫الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل ّ نعبد إل ّ الله ولنشرك به شيئا ً‬
‫وليتخذ بعضنا بعضا ً أربابا ً من دون الله‪](...‬آل عمران‪[64:‬؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هل سيبدأ السلم والحوار الديني‪..‬يبدؤه المسلمون من داخلهم في طوائفهم‬


‫المتعددة ‪...‬يبدؤونه مع الخرين لتكون كلمة الله هي العليا‪..‬؟ هل ستبدأ‬
‫حملة للسلم والتحاور الديني أخيرا ً من أزمة أثارها الشانئ البتر )اللديني(‬
‫ليؤدي إلى آخر ماكان يتمناه؟ وهو حوار ديني متسامح؟‬
‫بأبي أنت وأمي يارسول الله‪...‬أرادوا أن ينتقصوك ويزدروا دينك وإيمانك‪ ،‬فلم‬
‫يزد ذلك أمتك إل رشدًا‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقائق عن الغزو الفكري للسلم‬


‫الستاذ أنور الجندي‬
‫ً‬
‫هناك مجموعة من الحقائق التي تكشفت أخيرا بعد أن انهارت مخططات‬
‫التغريب والغزو الثقافي في العالم السلمي وبعد أن أوشكت جولة هذا‬
‫الباطل تسربل بالعلم والبراعة واللمعان الخاطف أن تنطفئ وتنهار‪.‬‬
‫وكان حقا ً علينا أن نتعرف على هذه المور حتى ل تخدعنا مرة أخرى حين‬
‫يحاول النفوذ الجنيب أن يغير جلده أو يعاود خداعه أو يحاول تجديد أساليب‬
‫مكره‪.‬‬
‫ونحن نعرف أن هذا النفوذ الجنبي الذي يحاول أن يحتوي أمتنا وفكرنا هو‬
‫مجموعة من المؤتمرات التي يحكيها النفوذ الجنبي والصهيوني والماركسي‪،‬‬
‫وأنه بدأ بصيحات متعددة‪:‬‬
‫هي صيحة لويس التاسع وصيحة غلدستون وصيحة كرومر‪ ،‬وصيحة اللورد‬
‫اللنبي وصيحة كامبل وهي صيحات خمس يجب أن نعيها ونتعرف عل هدفها‪.‬‬
‫أم لويس التاسع فإنه بعد أن هزم في الحملة الصليبية السابعة التي تحطمت‬
‫أمام المنصورة وأقتيد وهو قائدها أسيرا ً حتى يفتدي نفسه وسجن في بيت‬
‫لقمان‪.‬‬
‫هذا الرجل المهزوم السير كتب في مذكراته يقول‪" :‬لقد تبين لنا بعد هذه‬
‫الجولة الطويلة أن هزيمة المسلمين عن طريق الحرب مسألة مستحيلة‬
‫لنهم يملكون منهجا ً محكما ً يقوم على الجهاد في بيل الله ومن شأن هذا‬
‫المنهج أن يحول دون هزيمتنا عسكريا ً ولذلك فإن على الغرب أن يسلك‬
‫طريقا ً آخر‪ ،‬هو طريق الكلمة‪ ،‬الذي يقوم على نزع الفتيل من هذا المنهج‬
‫وتفريغه من القوة والصمود والبسالة‪ ،‬وذلك عن طريق تحطيم مجموعة من‬
‫المفاهيم بتأويلها أو التشكيك فيها"‪.‬‬
‫هذه الوصية كانت أساس الخطة التي قام بها الغرب من بعد عن طريق‬
‫إنشاء مؤسستي التبشير والستشراق وإثارة الشبهات حول مفهوم السلم‬
‫الصيل الجامع دنيا ودولة وعقيدة وشريعة وأخلقًا‪ ،‬ومن ثم كانت محاولت‬
‫الستشراق تدور كلها حول تحويل السلم إلى دين لهوتي عبادي منفصل‬
‫عن الحياة منتزع من ميادين القتصاد والجتماع والسياسة والتربية‪.‬‬
‫ولما كان القرآن هو مصدر هذا المنهج الرباني الصيل الذي ما هزم‬
‫المسلمون إل عندما تغافلوا عنه أو حاولوا التماس غيره فإن صيحة‬
‫غلدستون في مجلس الهموم البريطاني كانت تمثل حقيقة الفهم‬
‫الستعماري النجليزي – وإنجلترا إذ ذاك إمبراطورية ل تغيب عنها الشمس –‬
‫حين وقف وهو ممسك بالمصحف يقول‪" :‬إنه ل أمل في إخضاع المسلمين‬
‫ما دام هذا الكتاب باقيا ً في الرض"‪.‬‬
‫وكان هذا إشارة مضاعفة للعمل على إثارة الشبهات حول القرآن وعقيدته‬
‫وشريعته على النحو الذي عرفناه من قراءة تاريخ التبشير والغزو الثقافي‪.‬‬
‫ثم جاء كرومر الذي أمضى ربع قرن كامل وهو الحاكم الفعلي لمصر ليبني –‬
‫كما قال في تقاريره الرسمية ومذكراته – جيل ً جديدا ً من المتفرنجين الذين‬
‫يوالون الحضارة الغربية والحاكم الجنبي ويقبلون التعامل معه ويؤمنون بأن‬
‫هذه البلد ل تنجح إل إذا سارت في طرق الحضارة الغربية‪.‬‬
‫وكان من ثمرة عمل كرومر‪ :‬لطفي السيد الذي أعلن عداءه للعروبة‬
‫وللسلم وللعالم السلمي ودعا إلى القليمية المصرية الفرعونية‪ .‬وطه‬
‫حسين الذي قال‪ :‬أننا يجب أن نأخذ الحضارة الغربية حلوها ومرها وخيرها‬
‫وشرها وما يحمد منها وما يعاب‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم جاءت صيحة أشد نكرا ً هي صيحة اللورد اللنبي‪ :‬الذي كانت دولة بريطانيا‬
‫قد خدعت العرب بوعود إنشاء دولة عربية إذا هم عاونوهم في الحرب‬
‫العالمية الولى فلما فعلوه كان جزاءهم احتلل بلدهم‪.‬‬
‫فاحتل الفرنسيون سوريا ولبنان واحتل النجليز الردن والعراق وفلسطين‬
‫وظهر وعد بلفور الذي أعطى اليهود وطنا ً قوميا ً في فلسطين‪.‬‬
‫ثم جاء اللورد اللنبي ليقف ويقول‪ :‬اليوم انتهت الحروب الصليبية‪ .‬وهو يعني‬
‫أن الجيوش التي هزمت وآخرها بقيادة لويس قد عادت بعد ثمانمائة سنة‬
‫مرة أخرى إلى هذه البلد منتصرة ومنهية للحروب الصليبية على نحو آخر‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه الخيوط يمكن أن تعطي المثقف المسلم صورة حقيقية‬
‫للخلفيات لواقعنا في مواجهة النفوذ الجنبي فإن هناك قصة أخرى وصيحة‬
‫أخرى للوزير كامبل وزير خارجية بريطانيا ‪ 1907‬م‪.‬‬
‫فقد توصل هذا الرجل إلى أن الحضارة الغربية وهذا النفوذ الستعماري‬
‫الضخم للدول الغربية قد دخل في مرحلة الفول ولكنه أراد أن يجمع علماء‬
‫العالم ومفكريه ومؤرخيه لوضع خطة تقول‪:‬‬
‫إذا كانت هذه هي نهاية الحضارة الغربية فمن الذي سيخلف بريطانيا‬
‫والغرب‪ ،‬فأعلن المؤتمرون‪ :‬أن المسلمين هم المستخلفون لنهم أهل‬
‫ل‪ ،‬ولن لهم من عقيدتهم منهج محكم يمكنهم من استعادة بناء‬ ‫المنطقة أو ً‬
‫الحضارة السلمية‪ ،‬هناك جرى التفكير حول خطة للحيلولة دون تمكن‬
‫المسلمين والعرب من امتلك هذه الرادة وتأخير هذه الجولة ما أمكن وجرى‬
‫البحث حول السبيل الذي يمكن الغرب المنهار بحكم انتهاء جولته من‬
‫استبقاء نفوذه وتأخير قيام النهضة السلمية في بلدها‪ ،‬قال دهاة السياسة‬
‫ودهاقين الستبداد والستعمار‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عليكم أن تغرسوا جنسا ً غريبا ً عن هذه المة في المنطقة الواقعة بين أفريقيا‬
‫وآسيا حتى يحول دون امتدادها ويفصل بينها‪ ،‬هنالك تقدم اليهود وقالوا‪ :‬نحن‬
‫العنصر الغريب العازل‪.‬‬
‫ومن هنا بدأت مؤامرة الصهيونية في فلسطين وإلى يوم آخر بعيد‪.‬‬
‫هذا هو منطلق اليقظة السلمية إلى معرفة التحديات التي تواجه المة‪ ،‬فإذا‬
‫أضفنا إليها مثل ً تقرير اللورد كرزون ضعيف ما دام العامة يتعلمون اللغة‬
‫العربية الفصيحة لغة القرآن كما في الوقت الحاضر ول يتعلمون اللغة العربية‬
‫الدارجة لن نسبة اللغة المصرية الدارجة إلى لغة القرآن كنسبة اليطالياني‬
‫إلى اللتيني واليوناني الحديث إلى اليوناني القديم وعربية الفلح لغة قائمة‬
‫بنفسها وقواعدها خاصة بها فإذا لم تؤخذ هذه الحتياطات يستمر الجيل‬
‫الجديد مثل سابقه غير حاصل لخدمة وطنه وتظل عبارة مصر للمصريين كما‬
‫كانت اسما ً بل مسمى"‪.‬‬
‫هذا هو التجاه الواضح للنفوذ الجنبي نحو القرآن واللغة العربية والهدف هو‬
‫قطع اللغة الحية عن القرآن ومن ثم يصبح مجهول ً ويقرأ بقاموس وتموت‬
‫العربية ويموت القرآن ويذهب السلم‪.‬‬
‫هذا القرآن هو الذي أزعجهم‪ ،‬رمى به غلدستون وقال عنه كرومر أنه يؤخر‬
‫التقدم ودعا كرزون إلى العامية وجاء بعد ذلك ماسينون ليدعو إلى الكتابة‬
‫بالحروف اللتينية‪.‬‬
‫وتوالت نذر التغريب وتجمعت سحبه في أفق الفكر السلمي لحتوائه‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والقضاء على ذاتيته وخصائصه‪ ،‬فقالوا نابليون أيقظ الشرق‪ ،‬وكذبوا فإن‬
‫الذي أيقظة الشرق هو محمد بن عبد الوهاب وصالح المؤمنين الذين ارتفعت‬
‫صيحتهم بالعودة إلى المنابع‪.‬‬
‫وعمل الغزو الفكري في ميدان الثقافة والتعليم حتى أن ‪ 50‬ألفا ً من أبناء‬
‫المحظوظين يتعلمون بمدارس الرساليات كل عام ويملون عقولهم وقلوبهم‬
‫بمفاهيم مسمومة مغلوطة صاغتها قوى متآمرة من المستشرقين‬
‫والمبشرين والماسون والعلمانيين والوثنيين لهدم هذه القوة التي تقف في‬
‫وجه الفكر البشري الضال كله وهي السلم‪.‬‬
‫وقد صنع النفوذ الجنبي تلك المحاولة الخطيرة التي أسموها التغريب والتي‬
‫استهدفت تحطيم مقومات السلم الساسية وإثارة الشبهات حول مقومات‬
‫الفكر السلمي التي تتمثل في الصول الساسية‪:‬‬
‫القرآن والسنة وهما منهج السلم في بناء المجتمع وقد اتهم الدين بالجمود‬
‫والعجز عن متابعة الحضارات وهو مصدر التقدم في العالم‪.‬‬
‫اللغة العربية بإعلء شأن العاميات والحروف العجمية وإتهامها بأنها لغة‬
‫عاجزة عن الستجابة للتطور إذ أنها لغة دينية‪.‬‬
‫سيرة الرسول وتاريخ السلم بإثارة الشبهات حول وقائعه‪.‬‬
‫الحضارة السلمية وإنكار فضلها على الحضارة المعاصرة واتهامها بأنها‬
‫حضارة غير أصيلة وإسقاطها في مجال تطور الحضارة النسانية‪.‬‬
‫الدب العربي وإخضاعه لمقاييس جديدة واحدة تجرده من أصالته السلمية‪.‬‬
‫التراث السلمي والغض من قدرة ومحاولة إحياء الجوانب المتصلة بالفكر‬
‫الشعوبي والوثني والفكر الصوفي الفلسفي‪.‬‬
‫التاريح السلمي ومحاولة تزييفه وإثارة الشبهات حوله واتهامه بأنه مليء‬
‫بالثغرات‪.‬‬
‫كذلك جرى العمل على الحيلولة دون استئناف المسلمين حياتهم أو بناء‬
‫مجتمعهم على أساس إسلمي وذلك بإثارة الثغرات القومية والقليمية‬
‫والتشكيك في العقيدة وإيجاد الفرق والنحل الهدامة‪ ،‬وتركيز المفاهيم‬
‫العلمانية والمادية وصرف المة عن وجهتيها التي سارت عليها أربعة عشر‬
‫قرنا ً والقضاء على خصائصها ومحو مآثرها وتحقير ماضيها وإفساد حاضرها‪،‬‬
‫وخلق جديد منهزم مفتون بالغرب وأباطيله ومفاهيمه‪.‬‬
‫ول ريب أن أولى مطالبنا هي الصالة الفكرية‪ :‬هذه الصالة القادرة على فرز‬
‫كل ما ل يتلءم مع روح التراث وترك كل ما هو دخيل ثم الدرة على النفتاح‬
‫على الفكر النساني والتطور العلمي في يقظة ووعي كاملين بحيث نأخذ‬
‫الوسائل وحدها ل تستطيع أن تقدم شيئا ً ذا بال أو تعطي إضافة بناءة‬
‫صحيحة إذا لم تكن مرتبطة بالصالة وبوجود المة وحقيقة رسالتها وهدفها‪،‬‬
‫وإن التطلع إلى التقدم العلمي والتكنولوجي لن تكون له فائدة إيجابية إذا لم‬
‫يصدر عن إيمان أكيد بجذور المة الولى الحقيقية وأن يتحرك في داخل إطار‬
‫فكرها وقيمها‪ .‬كذلك فإن الحوار مع الفكر العالمي يجب أن يتم في داخل‬
‫إطار "المانة" التي تحمل لواءها المة السلمية للبشرية كلها دفعا ً إياها إلى‬
‫الحق وحجزا ً لها عن الشر‪.‬‬
‫إن أبرز معالم السلم هو التكامل بين أعماق القلب ومجرى الفكر‪ ،‬وإقامة‬
‫مبدأ التعاون بديل ً لمبدأ الصراع‪ ،‬وتقدير لقاء الجيال بوصفه أصدق من صراع‬
‫الجيال والعتقاد بأنه ليس بين النسان والطبيعة صراع ولكنها محاولة‬
‫سيطرة واهتداء إلى النفع بها‪.‬‬
‫ول ريب أن السنة الجامعة هي البوتقة الناصعة التي انصهرت فيها كل‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثقافات والنحل والدعوات التي طرحت في فلك الفكر السلمي‬


‫فاستصفتها السنة وحررتها من شبهاتها وأخذت عصارتها الطيبة فضمتها إلى‬
‫كيانها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فالسنة هي النهر الكبير والمذاهب والفرق روافد منه وقد صهرت السنة خير‬
‫ما في الكلم والعتدال والتصوف والتشيع في مضمونها الجامع الذي يستمد‬
‫حقيقته ووجوده من المفهوم القرآني الصيل‪.‬‬
‫وقد وقف السلم أمام الفكر اليوناني الوافد كما وقف أمام غنوص الشرق‪،‬‬
‫موقف العداوة والبغضاء كاشفا ً عن وجوده الخلف بين ذلك كله وبين مفهوم‬
‫التوحيد الخالص‪.‬‬
‫كذلك فقد رفض السلم التطور على حساب الصالة‪.‬‬
‫ورفض التقدم على حساب التضحية بالجذور والقيم السلمية‪.‬‬
‫كما رفض تضحية القيم العليا في سبيل التقدم المادي ولم يخضع مفاهيمه‬
‫للحضارات وأهواء المم‪ ،‬وليس في المناهج واليديولوجيات شيء لمع إل‬
‫وعند المسلمين ما هو مثله أو خير منه وهو في الغرب مقطوع الصلة بالله‬
‫ولكنه في السلم متصل الحلقات وهو في الفكر البشري انشطاري ولكنه‬
‫في السلم جامع متكامل‪.‬‬
‫إن العودة إلى المنابع هي صيحة المسلمين في كل أزمة وكلما أدلهمت‬
‫الحداث وأحاطت الزمات‪ ،‬كانت دعوة الغزالي وابن حنبل وابن حزم وابن‬
‫القيم وابن عبد الوهاب‪.‬‬
‫وفي ضوء هذا كله نجدنا في حاجة إلى استيعاب الحقائق التية‪:‬‬
‫ل‪ :‬إن انطلق المسلمين والعرب على كل المستويات القتصادية‬ ‫أو ً‬
‫والجتماعية ل يمكن أن يتم بدون الرتكاز على قاعدة أساسية تكون هي‬
‫المصدر والمنطلق ونقطة البدء ونقطة النهاية‪ :‬هذه القاعدة ليست سوى‬
‫المنهج الصيل الذي قدمه السلم لبناء المجتمع‪.‬‬
‫وعلى المسلمين اليوم أن يفهموا السلم فهم الصدر الول له وهو أصح‬
‫فهم‪ :‬قوة خالقة من وراء النسان والنسان مستخلف في الرض عن الله‬
‫الخالق مسئولية‪ ،‬وجزاء وتعاليم أخلقية تطبع الحياة والحركة والمجتمع‪.‬‬
‫النسان فرد ولكنه جزء من المجتمع‪.‬‬
‫ول يزال الجسم السلمي يرفض العضو الغريب ول يزال الكيان النساني‬
‫يرفض الجسم الغرب‪.‬‬
‫العقيدة وليست اللغة هي علمة بقاء الجماعة فإذا زالت العقيدة زالت‬
‫الجماعة وانحلت وانقرض وجودها‪.‬‬
‫ً‬
‫كان التأويل من أخطر السلحة التي استعملت النصوص تفسيرا يخرجها من‬
‫مدلولتها الصلية إلى مدلولت منحرفة ولقد حذر القرآن من هذا الخطر‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نحن ندرس الفلسفة ولكن نعتقد أن الفكر الفلسفي ليس هو الفكر‬
‫السلمي ونؤمن بأن الفكر السلمي قرآني المصدر‪.‬‬
‫نحن ل تهزنا صور البريق وخاصة براعة البيان إل إذا كان صاحبه يصدر عن‬
‫منطلق القرآن وهدي اليمان ويخشى الله ويبتغيه‪.‬‬
‫وقد يكون هناك نظريات لمعة تخدع العقل أو تعجب البسطاء وهذه نحذرها‬
‫لنها ليست إل من هوى النفس ومطامع الذات‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬قطع السلم المتداد الفكري والثقافي بين ما قبل السلم وبعده‪:‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قطعه عن العرب أول ً ثم عن كل مكان ذهب إليه وقد ذهب إلى قلب آسيا‬
‫وأفريقيا فنزعها تماما ً من عبودية ألف سنة لليونان والرومان ثم قطع امتداد‬
‫العبودية الفرعونية والفارسية والقيصرية للنسان وقطع امتداد الوثنية في‬
‫العالم كله وأطلق العقل البشري من قيوده التي كانت تأسره حول المعابد‬
‫ورفعه إلى اعتقاد بحياة أخرى وراء هذه الحياة‪.‬‬
‫إن الثقافة التي قدمها اليونان والرومان والتي استمرت ألف سنة قبل أن‬
‫يجيء السلم قد تلشت تماما ً بعد أقل من قرن من دخول السلم وقام‬
‫على الزمن حقيقة واقعة هي النقطاع الحضاري‪.‬‬
‫عندما تشتد المحن والزمات على المسلمين أن يعودوا إلى المنابع الولى‬
‫وأن يلتمسوا أصول السلم قبل ظهور الخلف من أصوله القرآنية وأن تؤمن‬
‫بأن كل ما انحدر إلينا من الماضي ليس إسلما ً كله فكثير منه وضعه‬
‫شعوبيون وفلسفة وملحدة وأن بين الحق والباطل هوى النفس والظن فإذا‬
‫تغلب الهوى استخدم العقل لتبرير الفاسد من المر والتمس الرخص وفارق‬
‫العزائم وآثر السلمة على المعاناة‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬ليس السلم دينا ً روحيا ً ول مذهبا ماديا‪ ،‬ولكنه يجمع بين المعنويات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والماديات في تناسق عجيب‪ .‬وهو حين يرفض روح النسك بمفهوم الرهبانية‬
‫واعتزال الحياة يرفض في نفس الوقت روح التحلل والباحية والنطلق بغير‬
‫قيود ويقيم نظام الحياة في المجتمع في إطار من الضوابط والحدود يحول‬
‫بينها وبين الرتطام والنهار‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬طبع السلم حياة العرب والمسلمين في الماضي ول يزال يطبعها‬
‫وسيظل يطبعها إلى مئات السنين ولذلك فإن كل حركة فكرية أو اجتماعية‬
‫في التاريخ الحديث تتجاهل هذا الواقع البديهي فهي تتجاهل الطار الطبيعي‬
‫الذي يجب أن ينشأ ضمنه والساس العملي الذي يجب أن تستند إليه‪ ،‬إنه‬
‫يجب أن يكون في داخل السلم ل خارجه‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬جاء السلم ظاهرة مستقلة عن فعل البيئة‪ .‬وكذلك جاءت النبوات‬
‫فهي لم تخضع للتفسير المادي للتاريخ ولم تكن ذات علقة بردود فعل‬
‫لظروف الحضارات أو أحوال المم )ويخطئ من يقول أن السلم جاء بعد أن‬
‫ضعفت الروم والفرس( أو أنه جاء نتيجة انقلب في نظم النتاج أو انبثاقا ً من‬
‫واقع اقتصادي‪.‬‬
‫ول يمكن تفسير حروب السلم وفتوحه تفسيرا ً اقتصاديا ً أو القول بأنها كانت‬
‫من أجل الفقر أو رغبة في الحصول على المغانم‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لقد أسقط السلم منطق التفسير المادي للتاريخ الذي يحتم انبثاق كل‬
‫انقلب سياسي من انقلب مناظر في نظام النتاج وعلقاته‪.‬‬
‫لقد جاء السلم من البداية مقررا ً المساواة في الغرض وضمان حد الكفاية‬
‫للفرد وتحقيق التوازن القتصادي بين الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬ليست هناك صلة بين المذاهب الجتماعية والحقائق العلمية‪ :‬الحقائق‬
‫العلمية ل تثبت إل في المعامل أما المذاهب الجتماعية فهي نظريات من‬
‫صنع عقول أو تخطئ وتصيب‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬لقد كان السلم عامل ً أساسيا في كل حركات التحرر التي قامت بها‬
‫ً‬
‫الشعوب المستعبدة في عصرنا وقد انطلقت النضالت الوطنية من تحت رأيه‬
‫الجهاد في سبيل الوطن وكان السلم في هذه النضالت رمزا ً للمقاومة‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الروحية والثقافية ضد الحتلل والستعباد‪.‬‬


‫تاسعًا‪ :‬لقد انحسرت تلك الموجة الضالة التي حاولت أن تلتقط النصوص من‬
‫السنة أو التراث لدعم وجهة نظر الغزو الثقافي‪ ..‬وتبين أن كثيرا ً من‬
‫النصوص التي أريد بها تأييد الديمقراطية أو الشتراكية أو تحديد النسل‬
‫ليست صحيحة‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬فليحذر المسلمون اليوم وهم على الطريق لمتلك أدوات الحضارة‬
‫المادية وتراثها التكنولوجي والعلمي والميكانيكي أن تستوعبهم هذه الحضارة‬
‫او تحتويهم في إطار الفكر الغربي النشطاري للعناصر وعليهم أن يبدأوا من‬
‫نقطة التوحيد واليمان بالخاء النساني والعدل والرحمة‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬إن بدايات النصر ومطالع الفجر يجب أن ل تخدع المثقفين‬
‫وتخلق فيهم طمأنينة زائفة مستسلمة أو تصرفهم عن المثابرة والصرار على‬
‫تأكيد الخط الرباني الصحيح وتوسيد الطريق القرآني الصيل وتثبيت الخطأ‬
‫على الطريق المستقيم إلى الغاية الكبرى‪.‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬بالرغم من كل الضربات التي وجهت للمسلمين خلل القرن‬
‫الرابع عشر فإن عددهم قد تضعفت إلى أن بلغ المليار على امتداد الكرة‬
‫الرضية كلها‪.‬‬
‫لقد تأخرت التجربة السلمية لتستعلن بعد أن فشلت كل التجارب يئس‬
‫المصلحون العلمانيون‪.‬‬
‫ثالث عشر‪ :‬لقد أصبح المسلمون يملكون الطاقة والثروة والتفوق البشري‬
‫وهم على أبواب استيعاب تكنولوجيا العلم بحيث يستطيعون استغلل‬
‫مساحات واسعة من الراضي وقدرات هائلة لم تستغل بعد‪ ،‬لقد جاء دور‬
‫عالم السلم بعد أن نضبت آبار الغرب وثرواته ومصانعه التي عملت بخامات‬
‫المسلمين أربعة قرون أو يزيد‪ ،‬وسوف تكون حضارة السلم متميزة بطابع‬
‫العدل والرحمة والخاء النساني‪ ،‬إن المسلمين اليوم ينتقلون من عصر‬
‫اليقظة إلى عصر النهضة مرورا ً بمرحلة الرشد والصالة والحفاظ على‬
‫الشخصية والتماس المنابع‪.‬‬
‫رابع عشر‪ :‬ل نقول قدمت أفغانستان‪ :‬الفارابي وأين سينا أو قدمت فارس‪:‬‬
‫الغزالي وأبو حنيفة‪ :‬فالحقيقة أن السلم هو الذي قدمهما‪ .‬وعندما يتحدث‬
‫الكتاب عن الفوارق بين العقليات الفرنسية والنجليزية واللمانية بينما هي‬
‫مسيحية الصل نجد أن للمسلمين عقلية واحدة موحدة في بلد المسلمين‬
‫جميعا ً تشهد أصولها من التوحيد وجماع الروح والمادة‪.‬‬
‫خامس عشر‪ :‬في مجال الدعوة إلى الحوار يجب الحذر فإن المسألة مرحلية‬
‫والرأسمالية هي المسيحية‪ .‬وإنهم يأخذون المسلمين ليكونوا )رديًا(‬
‫للمسيحية في محاربة الشيوعية‪ .‬والمعروف أن عداء المسلمين عداء قديم‪.‬‬
‫ولكنها محاولة للستفادة من السلم لخدمة الرأسمالية‪.‬‬
‫سادس عشر‪ :‬أربع شخصيات ليست هي شخصيتنا الحقيقية‪:‬‬
‫المصرية الفرعونة‪ ،‬العربية قبل السلم‪ ،‬اليونانية‪ ،‬الوروبية الحديثة‪.‬‬
‫ً‬
‫سابع عشر‪ :‬من الخطأ وصف السلم بأنه ثورة‪ ،‬ذلك أن السلم إصلحا لبيئة‬
‫أو لعصر ول جاء ردا ً على ظروف اجتماعية في القرن السابع الميلدي وليس‬
‫مذهبا ً ول نظرية ولكنه رسالة السماء الخالدة التي تختلف عن اليديولوجيات‬
‫والفكر البشري‪.‬‬
‫ثامن عشر‪ :‬المفهوم النقي للسلم‪ ،‬القرآني المصدر‪..‬‬
‫استقامة الفكر مع استقامة الخلق وطهارة الباطن مع طهارة الظاهر ونقاء‬
‫الوجه مع نقاء السريرة‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الشخصية التي ل تطمح إلى شيء من متاع الدنيا وعاشت فقيرة وكانت‬
‫تستطيع لو أرادت أن تحصل على الكثير ولقد عرض عليها الغراء فأبت‬
‫ورغبت فيما عند الله‪.‬‬
‫تاسع عشر‪ :‬فهم الغربيون السلم منذ وقت مبكر‪ ،‬فهما أشد عمقا ً من فهمنا‬
‫فهموه على أنه منهج حياة ونظام مجتمع‪ ،‬ومن ذلك قول جوردون تشايلنن‬
‫)في كتابه ماذا حدث في التاريخ( كثير من الناس يعرفون السلم كدين من‬
‫الديان ولكن قلما يفهمه كحركة من الحركات ولذلك يمكننا أن نختصر هذه‬
‫الحقيقة في العبارة التية‪ :‬السلم دين عجيب بين أديان العالم فهو يجمع بين‬
‫الدنيا والدين‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫حقائق ل ينبغي أن تغيب‬


‫محمد الغزالي‬
‫هل اقترب المسلمون من القاع خلل تاريخهم الطويل مثلما اقتربوا منه في‬
‫هذه اليام العجاف؟ إن تخلفهم المادي والدبي بعيد المدى‪ ،‬وأعداءهم‬
‫محدقون بهمفي ميادين شتى‪ ،‬ول يزالون يدفعون بالراح من يشير إليهم‬
‫بالرماح‪!!.‬‬
‫أرسلت نظرة عجلى إلى الماضي ثم قلت‪ :‬ليست هذه المرة الولى‬
‫لهزائمهم الكبيرة‪ ،‬ففي القرن السابع الهجري كان كل شيء يؤذن بزوال دين‬
‫محمد عليهالصلة والسلم كما يقول‬
‫"فيلب حتي" في كتابه تاريخ العرب‪ ،‬فقد جاء الصليبيون من أوربا جحافل ل‬
‫آخر لها واستطاعوا اقتحام عواصم عربية كبيرة‪،‬وفكروا في الهبوط إلى‬
‫شمال الحجاز ليبلغوا القبر النبوي وفي الوقت نفسه اجتاح المغول شرق‬
‫العالم السلمي‪ ،‬ودمروا المدن العظام‪ ،‬ولم يبق إل أن تنطبق ذراعا‬
‫الكماشة حتى يمسي العالم السلمي كله في خبر كان‪.‬‬
‫مخَتلف فيه‬ ‫ل إنكار على مجتهد ول ُ‬
‫علي الحمادي‬
‫هذه القاعدة ذكرها علماؤنا من سلف هذه المة لما فهموا روح وأدركوا أن‬
‫هذه المة ل يمكن أن يستقيم أمرها وأن تبقي أمة واحدة بعيدة عن النزاع‬
‫والشقاق إل بإدراك هذه القاعدة‪.‬‬
‫تقليص الفجوة بين المثقف وأمته‬
‫عبد الرحمن الخالدي‬
‫لسنا مع تصنيف المبدعين والعاملين في الحياة العامة إلى مثقفين‬
‫وسياسيين‪ ،‬ذلك أن الصل في السياسي أن تكون له أرضية فكرية ثقافية‬
‫يتحرك وفقها ويرسم خططه على هديها‪ ،‬وإل كانت حركته ضلل وتيها‪ ،‬كما‬
‫أن الصل في المثقف أن يكون له حد أدنى من الفقه السياسي بالواقع وما‬
‫يعتمل فيه من مذاهب وأفكار ومناهج‪ ،‬وما يشغل الناس حتى ل تكون‬
‫تنظيراته وتوجيهاته في منأى عن معاناة المجتمع وانشغالته‪ ،‬وبالتالي يكون‬
‫كمن يقف في برج عال يتأمل غريقا دون أن يمتلك القدرة على إنقاذه‪ .‬إن‬
‫هذا التصنيف ليس إل تصنيفا إجرائيا أملته‬
‫الحاجة إلى بحث سبل التقاطع والتكامل بين ركنين أساسين من أركان‬
‫النهوض بالمة العربية السلمية إلى مصاف الدول المتقدمة وضمان الحياة‬
‫الكريمة لفرادها‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخلفة مسألة اجتهادية‪ ..‬أول ً وأخيرًا!‬


‫د‪.‬محمد عابد الجابري‬
‫الخلف المتشعب حول مسألة المامة )وتعني رئاسة المة السلمية وشكل‬
‫تنظيمها( دليل على أنها مسألة اجتهادية‪ ،‬أول وأخيرًا‪ .‬وينطبق هذا على‬
‫القائلين بالنص أيضا ً لنه ل يوجد بشأنها في القرآن ول في الحديث نص‬
‫ظاهر قاطع‪ .‬فالنص هنا موضوع اختيار واجتهاد وتأويل‪.‬‬
‫الفغاني ‪ :‬قراءة في خطوات المشروع الصلحي وتحديد المسؤوليات‬
‫ماجد الغرباوي‬
‫سجل لنا التاريخ اكثر من محاولة نهض بها رجال مسلمون بهدف الصلح‬
‫والتجديد‪ ،‬كانت قد سبقت حركة السيد جمال الدين السد آبادي )الفغاني(‪،‬‬
‫وكانت لها آثار ايجابية متفاوتة‪ ،‬ال ان ما حدث على يد السيد على هذا‬
‫الصعيد يبقى نقطة تحول في تاريخ الشرق بشكل عام والمسلمين بشكل‬
‫خاص‪ ،‬فخطواته كانت في اطار مشروع اصلحي نهضوي واسع وجاد‬
‫يستهدف احياء الشخصية السلمية واعادة بنائها عبر اصلح الفكر والمقولت‬
‫والرؤى التي اصابتها تشوهات كثيرة بفعل عوامل متعددة‪ ،‬أودت بها الى‬
‫النحطاط والتبعية‪ ،‬حتى اقصي‬
‫الفرد المسلم وغادر موقعه الحضاري الفاعل‪ ،‬وتخلى عن مسؤوليته تجاه‬
‫امته ودينه‪ ،‬وتهمش دوره في صناعة التاريخ‪ ،‬وعجز عن بناء مستقبل طموح‬
‫يتناسب وحجم المبادئ والقيم التي آمن بها‪ ،‬فجاء السيد جمال الدين ليعيد‬
‫لتلك الشخصية المستلية والمقموعة في داخلها والمحاصرة من قبل‬
‫الستعمار والستبداد‪ ،‬قدرتها على اتخاذ المواقف المناسبة ومواجهة الحداث‬
‫بعزة وارادة عاليتين‪.‬‬
‫وفعل ً استطاع ان ينفخ في المة روح اليقظة والعزيمة‪ ،‬حتى حطمت ما‬
‫ك ُِبلت به من اغلل وانتفضت بشدة بوجه التحديات المحيطة بها‪.‬‬
‫رمضان وتأسيس التنوير السلمي‬
‫د‪.‬محمد عمارة‬
‫في القرآن الكريم‪ ،‬يأتي تعريف شهر رمضان بأنه )الذي أنزل فيه‬
‫القرآن(‪..‬وليس بأنه "شهر الصيام"‪ ..‬بل إن السبب في اختيار هذا الشهر ـ‬
‫وهو ليس من الشهر الحرم ـ ليكون ميقاتا لهذا الركن من أركان السلم ـ‬
‫فريضة الصيام ـ هو نزول القرآن الكريم فيه‪ ..‬فكأنه الحتفال الديني ـ‬
‫الجماعي ـ باللحظة التي نزل فيها الروح المين ـ جبريل عليه السلم ـ على‬
‫قلب نبي السلم ورسوله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ببواكير الوحي والتنزيل‬
‫)اقرأ باسم ربك الذي خلق‪ .‬خلق النسان من علق‪ .‬اقرأ وربك الكرم‪ .‬الذي‬
‫علم بالقلم‪ .‬علم النسان مالم يعلم‬
‫)‬
‫فصل المقال فيما بين التصوف والسياسة من اتصال‬
‫محمد يتيم‬
‫إذا كان من المفهوم منهجيا التمييز بين الشريعة والحقيقة باعتبارهما مجال‬
‫لبحثين متخصصين أملى ظهورهما تطور العلوم السلمية والحاجة المتزايدة‬
‫إلى التخصص‪ ،‬فإن من الخطاء التاريخية هو تطور بعضهما في انفصال عن‬
‫البعض الخر بل أحيانا في نزاع وتشاكس بينهما‪ .‬وقليلة هي تلك اللحظات‬
‫التي التقى فيها طلب الحقيقة بتحقيق حدود الشريعة واستنباط أحكام هذه‬
‫الخيرة بالوقوف عند مقاصدها التربوية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لكن التاريخ يشهد رغم ذلك أن التصوف في صورته السنية الجنيدية قد سعى‬
‫إلى ردم هذه الهوة بين المطلبين إذ زاوج بين مفهوم الرباط الروحي‬
‫التربوي''ومفهوم ''الرباط السياسي'' أي النخراط في هموم المة وحماية‬
‫الثغور والسير في مصالح الخلق والوطن ‪.‬‬
‫من يرفع حالة الجمود عن الحراك السلمي؟‬
‫خالد حسن‬
‫هل تعي القوى السياسية والتيارات والتوجهات الصلحية أن النسان لعربي‬
‫لفرط شعوره بالضعف والهوان‪ ،‬أصبح يستبعد أي أهمية أو قيمة أو أثر يذكر‬
‫لرأيه في واقع الحياة؟‪.‬‬
‫إنه ما لم يتفاعل هذا النسان من خلل التجمعات أو الحركة الشعبية مع‬
‫القضايا والهتمامات الملحة ويعيش أجواء التلحم والتدافع والحتكاك‬
‫اليجابي عبر الفعل السلمي الجتماعي فإنه سيظل حبيس حالة الكتئاب‬
‫والحتقان‪ ،‬أي وعي هذا الذي يتشكل فقط من خلل تراكمات التجريد‬
‫والتنظير عن بعد وهيمنة صناعة الكلم وطغيان التخزين دون تصريف؟‪.‬‬
‫رفع الظلم مدخل لمكافحة الرهاب‬
‫فهمي هويدي‬
‫أسهل شيء أن نندد بالرهاب وأهله‪ ،‬أما الصعب حقا فهو أن نتحرى مصادره‬
‫ونزيل أسبابه‪ .‬أدري أن إدانة الرهاب ضرورية للغاية‪ ،‬لكنها بالمقارنة تغدو‬
‫"جهادا اصغر"‪ .‬أما الجهاد الكبر الذي ينبغي أن تستنفر لجله عزائم الرجال‬
‫وتستدعى شجاعتهم‪ ،‬فهو التصدي للظلم الذي يستنبت الرهاب ويغذيه‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فليتنا ل نقف حين نتصدى للمر عند إدانة الرهاب وحده‪ ،‬وإنما نضم‬
‫إليه ‪ -‬بل قبله ‪-‬إدانة الظلم الذي ابتلينا به‪.‬‬
‫أدعوكم إلى العصيان‬
‫طارق البشرى‬
‫من الملحظ أنه كلما ضاقت دائرة الفراد الممسكين بزمام الدولة زاد‬
‫التضييق على خصومهم السياسيين‪ ،‬وزاد ميلهم لستخدام العنف مع‬
‫الخصوم‪ .‬وأن شخصنة الدولة هى آخر درجات ضيق نطاق المسيطرين على‬
‫الدولة‪ ،‬ذلك أن الشخصنة تكون القيادة فيها قد آلت إلى أفراد معدودين‪ ،‬لم‬
‫يعد المر فى يد شريحة طبقية أو طائفية أو قبلية أو غير ذلك‪ ،‬إنما صارت‬
‫إلى أفراد‪ ،‬وهنا تضيق المصلحة المحمية من الدولة لنها تكون اقتصرت على‬
‫مصالح أفراد‪.‬‬
‫‪...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن شانئك هو البتر!‬‫حقًا‪ ..‬إ ّ‬


‫بدرية العبد الرحمن‬
‫قُتكم بالكتابة حول الزمة السلمية الدنمركية‪ ..‬وأعلم بالمقابل‬
‫أعلم كم أره ْ‬
‫أنها حديث الساعة الذي ليكاد يخلو مطبوعة ول منتدى إنترنت منه‪..‬لدرجة‬
‫ل( الغلب من الحديث عنها وحولها‪..‬‬ ‫قد )م ّ‬
‫أنا شخصيا ً ل أريد الحديث عن شيء آخر غير الحبيب صلى الله عليه وعلى‬
‫آله وسلم‪ ...‬ليس فقط لنه موضوع جاهز للكسالى أمثالي‪..‬ولكن أيضا ً لنه‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حدث )متواصل( قد فتح شهيتي للثرثرة والتعليق والتفكير‪ ،‬كما لم تكن‬


‫مفتوحة من قبل‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫البارحة فقط كنت أقرأ خبرا مفرحا ومبهجا نشره موقع )إسلم أون لين(‬
‫حول موجة استنكار لهانة الحبيب عليه أفضل الصلة والسلم ‪..‬ل تبدأ هذه‬
‫المرة من دولنا السلمية‪ ،‬وإنما من ممثلي الكنائس المسيحية على اختلفها‬
‫في العالم أجمع‪...‬ليقولوا‪ :‬إن ماحصل ضد السلم لم يكن إل وصمة عار في‬
‫جبين الشانئين والمتعصبين‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقد أصدر المجلس الوروبي لزعماء الديان بيانا )رسميا( عّبر فيه عن‬
‫ب كل‬ ‫استيائه مما حصل جاء فيه‪" :‬ونشجب إساءة استخدام حرية التعبير لس ّ‬
‫ما هو مقدس لدى المؤمنين‪ ..‬إن سلسلة الرسومات الهجومية على النبي‬
‫محمد هي إهانة بالغة لحوالي )‪ (1.3‬مليار مسلم‪ ..‬نحن نسلم بحق حرية‬
‫التعبير كركيزة أساسية للديموقراطية‪ ،‬وحقوق النسان دون مثل هذه‬
‫الساءات"‪.‬‬
‫وأبلغ منه ما نقله الموقع عن نائب بطريرك الكاثوليك في مصر )يوحنا قلته(‬
‫دا حجم ومكانة الرسول الكريم"‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬إن مسيحيي الشرق يعرفون جي ً‬
‫جهت للمسيحيين في‬ ‫وأكد على أن الرسومات المسيئة للرسول هي إهانة وُ ّ‬
‫العالم وليس للمسلمين فقط‪ ،‬مشيًرا إلى وجود تيار إلحادي في الغرب‬
‫"يدعو إلى قيام حضارته بسقوط المقدسات وإهانة الديان"‪.‬‬
‫إضافة إلى عاصفة من الحتجاجات والبيانات وّقع عليها رجال الدين‬
‫المسيحي في نابلس وتركيا‪ ..‬تثير ليس فقط إعجابنا وحماسنا للروح النزيهة‬
‫والشريفة التي دفعتهم لمثل هذا الموقف النبيل‪ ...‬ولكن تثير مزيدا ً من‬
‫التساؤلت حول توّقف كثير من )ربعنا( المسلمين عند مثل هذه الحادثة‬
‫وحديثهم عنها بأنها واقعة يجب أل ّ ُتعطى أكبر من حجمها‪ ،‬وأل ّ يتعامل معها‬
‫المسلمون بهذه الحساسية!!‬
‫المسألة حين ترى )مسلمًا( يتعامل مع حادثة استفزاز للحمّية الدينية بهذا‬
‫ور بعض المسلمين‬ ‫القدر من اللمبالة فإنك تدرك وجود خلل مؤسف في تص ّ‬
‫لقيم الحرية وقيم العالم الجديد‪..‬‬
‫دثت عنه في مقالت سابقة من أن اللدينّية هي ما‬ ‫لست بحاجة لتكرار ما تح ّ‬
‫يمكن أن يفسد علينا صفو عالمنا القادم‪ ..‬وأن البهتان الذي تقوم به حين‬
‫دسات أمر سيجر ويلت لطاقة لنا بها‪..‬‬ ‫تتعدى على المق ّ‬
‫اللدينية حين تتوشح رداء عربيا ً كما في بعض سخافات القوم هنا وهناك‪،‬‬
‫وحين تريد أن تستحيل إلى حركة سياسية تستبعد الدين من أجندتها‪ ،‬وتريد‬
‫أن تتحرر من الدين ومن تخّلفه وويلته التي جرها على الشعوب )زعمت(‪..‬‬
‫حين تفعل اللدينية ذلك فإنها تصبح أمرا ً يستدر السخرية بشكل لُيطاق‪..‬‬
‫ليس فقط لن الشعوب العربية والسلمية شعوب متدينة بالفطرة‪ ،‬وليمكن‬
‫تخّيلها بمعزل عن دين الله تعالى الذي ارتضاه لها‪...‬ولكن أيضا ً لن وجود‬
‫كم والهجوم‬ ‫ون من الته ّ‬ ‫اللدينيين في الغلب مرتبط ببرنامج كوميدي متك ّ‬
‫دس في العقل المسلم‪...‬‬ ‫دسات والتشكيك اللواعي في جذور المق ّ‬ ‫على المق ّ‬
‫أي إنه موقف حاقد‪...‬أو مهووس يريد الظهور والتمّرد بطريقة‬
‫مفلسة‪..‬والفلس بهذا الشكل موقف يستدر الشفقة‪...‬ليس موقفا ً فكريا ً‬
‫معتدل ً يستحق الحترام‪..‬‬
‫إن هذه الوقفة التي يقفها المسيحيون معنا هي التي لبد أن يفقه اللدينيون‬
‫منها أن الخلفية الدينية في عقل كل الشعوب )والسلمية منها خاصة( أمر‬
‫ليمكن تجاهله‪..‬وأن فطرة الله التي فطر الناس عليها ليست جينا ً وراثيا ً‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يمكن تعديله في مختبر علمي ملحد‪!!..‬‬


‫أمر آخر يمكننا قراءته وهو كيف أمكن للخر المسيحي الذي طالما ارتبط‬
‫صبه )الديني الصريح( في عقل المسلم بمليين الضحايا بامتداد تاريخنا‬ ‫تع ّ‬
‫السلمي كان آخرها في حرب البلقان الطويلة ‪..‬كيف أمكنه أن يكون نزيها ً‬
‫ومتسامحا ً في النهاية ليعلن موقفا ً فكريا ً استثنائيا ً جدا ً وواضحًا؟!‬
‫لم يكن المر صعبا ً هذه المرة أن يعلنوا مبدأهم حول الحترام وحول‬
‫التعايش‪...‬للدرجة التي تضمن إحدى البيانات التعبير عن النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬بأنه )نبي السلم(‪..‬‬
‫جاء في البيان الذي أصدره ممثلو ست كنائس رئيسة في تركيا‪" :‬كأبناء النبي‬
‫إبراهيم‪ ،‬نشجب عدم احترام محمد نبي السلم الذي نحبه ونتعاون معه‪،‬‬
‫ونحن نصلي مع إخواننا المسلمين ليحكم الحب اللهي الرض"‪.‬‬
‫هل ستكون حملة البيانات النزيهة هذه المرة بداية لعهد جديد يبدؤه‬
‫المسلمون مع المسيحيين‪ ،‬وموقفا ً جديدا ً تماما ً هو نفسه موقف‪) :‬قل يا أهل‬
‫الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل ّ نعبد إل ّ الله ولنشرك به شيئا ً‬
‫وليتخذ بعضنا بعضا ً أربابا ً من دون الله‪](...‬آل عمران‪[64:‬؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هل سيبدأ السلم والحوار الديني‪..‬يبدؤه المسلمون من داخلهم في طوائفهم‬


‫المتعددة ‪...‬يبدؤونه مع الخرين لتكون كلمة الله هي العليا‪..‬؟ هل ستبدأ‬
‫حملة للسلم والتحاور الديني أخيرا ً من أزمة أثارها الشانئ البتر )اللديني(‬
‫ليؤدي إلى آخر ماكان يتمناه؟ وهو حوار ديني متسامح؟‬
‫بأبي أنت وأمي يارسول الله‪...‬أرادوا أن ينتقصوك ويزدروا دينك وإيمانك‪ ،‬فلم‬
‫يزد ذلك أمتك إل رشدًا‪!..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫حقوق أهل العلم على المة‬


‫د‪ .‬الشريف حاتم بن عارف العوني)*( ‪18/6/1425‬‬
‫‪04/08/2004‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على إمام النبياء والمرسلين‪،‬‬
‫وعلى آله وأصحابه والتابعين‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫ث جليل؛‬ ‫فإن الحديث عن حقوق أهل العلم وعن واجب المة تجاههم حدي ٌ‬
‫م الحقوق وأعظم الواجبات‪ ،‬بل هو حديث عن عّزة‬ ‫ث عن أحد أه ّ‬ ‫لنه حدي ٌ‬
‫ن أمرها‪ ،‬بل عن بقائها أو زوالها‪.‬‬ ‫مةٍ ورفعة شأنها‪ ،‬أو عن ذّلتها وهَ َ‬
‫وا ِ‬ ‫أ ّ‬
‫ولكي ل ُيظن بهذا الكلم أني أبالغ‪ ،‬فلنأخذ الحديث من آخره‪ ،‬من أن الحديث‬
‫ث عن بقاء المة أو‬ ‫عن حقوق أهل العلم وعن واجب المة تجاههم هو حدي ٌ‬
‫ح هو والحق لفظان مترادفان‪،‬‬ ‫م الصحي َ‬ ‫ن العل َ‬ ‫ل في أ ّ‬ ‫زوالها‪ .‬فهل يشك عاق ٌ‬
‫فل يكون العلم علما ً صحيحا إل وهو حق‪ ،‬وعليه‪ :‬فالعلم هو الحق‪ ،‬وأما‬
‫ً‬
‫ل أن الحق هو الثابت الباقي‪ ،‬وأن‬ ‫الباطل فإنه هو الجهل‪ ،‬ثم هل يشك عاق ٌ‬
‫ن‬
‫ل إِ ّ‬ ‫ْ‬
‫حقّ وََزهَقَ الَباط ِ ُ‬ ‫ْ‬
‫جاَء ال َ‬ ‫الباطل هو الزائل الفاني‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬وَقُ ْ‬
‫ل َ‬
‫هوقًا"]السراء‪ ،[81:‬إذن فالعلم )الذي هو الحق( به يكون‬ ‫ن َز ُ‬ ‫ال َْباط ِ َ‬
‫ل َ‬
‫كا َ‬
‫الثبات والبقاء‪ ،‬والجهل الذي هو الباطل‪ ،‬به يكون الزوال والفناء‪ ،‬ول شك أن‬
‫م لهما بذاتهما‪ ،‬إنما قوامهما بمن يّتصف بهما‪ ،‬فل‬ ‫العلم والجهل وصفان ل قوا َ‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن العلماء الذين حملوا‬ ‫علم إل بعالم‪ ،‬كما أنه ل جهل إل بجاهل‪ ،‬ومعنى ذلك‪ :‬أ ّ‬
‫ة للحقّ‬ ‫ق‪ ،‬إذا عّلموه ونشروه‪ ،‬فقد عّلموا الحق ونشروه‪ ،‬فكان ذلك إشاع ً‬ ‫الح ّ‬
‫م العلماء‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ما إذا أضيعَ عل ُ‬ ‫مة‪ ،‬ذلك الحق الذي هو الثبات والبقاء لها‪ ،‬وأ ّ‬ ‫في ال ّ‬
‫ة الجهل بالعلم‪ ،‬أي الباطل بالحق‪ ،‬فقد قضت على نفسها‬ ‫ُ‬ ‫الم‬ ‫فاستبدلت‬
‫بالزوال والفناء‪.‬‬
‫مة هو حديثنا عن‬ ‫ُ‬
‫أرأيت؟! كيف كان الحديث عن حقوق أهل العلم على ال ّ‬
‫بقائها أو زوالهما؟!‪.‬‬
‫ن لك أن ذلك الحديث هو‬ ‫ة بعده إلى أن أبي ّ َ‬ ‫ة ذلك‪ ،‬فل حاج َ‬ ‫ح َ‬‫تص ّ‬ ‫أما وقد ت َب َي ّن ْ َ‬
‫ن العّزة‬ ‫ضا عن عّزة المة ورفعة شأنها‪ ،‬أو عن ذلتها وهوان أمرها؛ ل ّ‬ ‫ث أي ً‬ ‫حدي ٌ‬
‫ن الذلة والهوان هما الزوال والفناء!‬ ‫ّ‬ ‫والرفعة ل تكون بغير الثبات والبقاء؛ ول ّ‬
‫ل والهوان( فهما سبيل الزوال والفناء!‪.‬‬ ‫أو )إن لم ت ِّع ما الذ ّ‬
‫ث )في الحقيقة( عن‬ ‫مة هو حدي ٌ‬ ‫إذن فالحديث عن حقوق أهل العلم على ال ّ‬
‫مة بحفظ وأداء حقوق علمائها تقوم بما يحفظ لها‬ ‫ُ‬
‫مة‪ ،‬فال ّ‬ ‫مة على ال ّ‬ ‫حقوق ال ّ‬
‫دث‬ ‫ب عّزتها ورفعة شأنها‪ ،‬ونحن عندما نتح ّ‬ ‫بقاءها وثباتها‪ ،‬ويؤّدي عنها واج َ‬
‫ما يعود بأعظم النفع والخير على‬ ‫دث ع ّ‬ ‫مة‪ ،‬إنما نتح ّ‬ ‫عن حقوق العلماء على ال ّ‬
‫سا وضرائب ينتفع بها العلماء‬ ‫ُ‬
‫مكو ّ‬ ‫مة نفسها‪ .‬فليس أداء تلك الحقوق ُ‬ ‫ال ّ‬
‫مة لعلمائها‪ ،‬بل هي قواعد ُ العز والتمكين‬ ‫ُ‬ ‫ض ٌ‬
‫ل وَتبّرعٌ من ال ّ‬ ‫وحدهم‪ ،‬ول هي تف ّ‬
‫ي‪ ،‬وأصول الحضارة والعلم‪ ،‬فأّول منتفٍع بأداء‬ ‫ُ‬
‫دم والّرق ّ‬ ‫س التق ّ‬ ‫س ُ‬ ‫مة‪ ،‬وأ ُ‬ ‫لل ّ‬
‫حقوق العلماء هو المؤّدي لها‪ ،‬وأّول خاسر هو المضّيع لها‪ .‬من هنا كان‬
‫ن الحرص‬ ‫ل! ومن هنا أيضا ً نعلم أ ّ‬ ‫الحديث عن حقوق أهل العلم حديثا ً جلي ً‬
‫ً‬
‫على أداء حقوق أهل العلم ينبغي أن يكون نابعا من حرص المة على بقائها‬
‫ن إليها‬ ‫وعّزتها‪ ،‬ل أن يكون نابعا ً فقط من الشعور بواجب الشكر لمن أحس َ‬
‫)وإن كان هذا حسنًا(‪ ،‬ول أن يكون نابعا ً من العتراف بالفضل لذوي الفضل‬
‫ل(‪ ،‬ول من غير ذلك وحده‪ ..‬بل لب ُد ّ من أن نستشعر ونحن‬ ‫)وإن كان هذا جمي ً‬
‫نؤّدي حقّ العالم أّننا بأدائه نؤّدي حقّ أنفسنا‪ ،‬وأننا نحن أول من سيجني‬
‫الفائدة الكبرى من هذا الداء لحق العالم‪.‬‬
‫ق‬
‫كر ببعض حقوق أهل العلم‪ ،‬فإنني أبدأ بح ّ‬ ‫فإذا ما أردنا بعد ذلك أن نذ ّ‬
‫مّته هو حقّ المسلم على‬ ‫يؤسفني أن أبدأ به‪ ،‬وهو أن أول حقّ العالم على أ ّ‬
‫مة‪ ،‬أن ضّيعوا من‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ص ال ّ‬ ‫مة‪ ،‬بل ببعض خوا ّ‬ ‫المسلم! نعم‪ ..‬لقد بلغ ببعض ال ّ‬
‫وة السلمّية‪ ،‬فظلموهم وخذلوهم وقت‬ ‫قهم في الخ ّ‬ ‫حقوق العلماء حتى ح ّ‬
‫حاجتهم إليهم‪ ،‬وأسلموهم إلى أعدائهم‪ ،‬واستباحوا غيبتهم بالشتم والوصف‬
‫القبيح‪ ،‬وأساؤوا فيهم الظنون!! مع أن أضداد َ ذلك كّله هو من حقّ المسلم‬
‫قه السلمي‬ ‫مته المسلمة أن ُيوّفوه ح ّ‬ ‫ُ‬
‫على المسلم!! فأول حق العالم على أ ّ‬
‫العام‪ ،‬وأن ُينزلوه منزلة بقية المسلمين‪ ،‬بل العدل يقول‪ :‬إن حقّ العالم من‬
‫قه‬‫د؛ لن ح ّ‬ ‫ح التقصير فيه أش ّ‬ ‫م الخلل به أكبر‪ ،‬وقُب ْ َ‬ ‫ذلك الحقّ العام أمكن‪ ،‬وإث َ‬
‫ن حاجة الناس إلى القيام به أشد )ثانًيا(‪.‬‬ ‫ل(؛ ول ّ‬ ‫ل يقتصر عليه)أو ً‬
‫قّر له بالتقد ّم ِ والتمي ّزِ على غيره من‬ ‫ثم ثاني حقّ ينبغي أن يؤّدى للعالم‪ :‬أن ي ُ َ‬
‫م وتمي َّز به‪ ،‬بل إن هذا القرار هو باب الوفاء للعالم‬ ‫الناس في العلم الذي تقد ّ َ‬
‫م عند‬ ‫ن هذا القرار يستلز ُ‬ ‫م شيًئا من حقوقه؛ ل ّ‬ ‫قه‪ ،‬وبغيره لن ُيعطى العال ُ‬ ‫بح ّ‬
‫ن عدم‬ ‫ز؛ ول ّ‬ ‫كل العقلء قدًرا من التقديم والتقدير بحسب ذلك التقد ّم ِ والتمي ّ ِ‬
‫دمه وتمّيزه أيّ داٍع للتقديم والتقدير‪.‬‬ ‫القرار به لن يدع للعالم عند الجاحد لتق ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولذلك فإنه من الضروري في هذا الباب أن يكون عند الناس إقراٌر بتقد ّم ِ‬
‫زهم عنهم‪ ،‬وإل فعلينا أن نطوي صفحة الحديث عن حقوق‬ ‫العلماء عليهم وتمي ّ ِ‬
‫العلماء على أمتهم‪.‬‬
‫مة لعلمائها‪ ،‬والبحث‬ ‫ن السعي إلى تحقيق هذا القرار من ال ُ‬ ‫وهذا ينبهنا إلى أ ّ‬
‫ّ‬
‫ل في دواعي قصوره عند أكثرها‬ ‫م َ‬
‫فه عند كثيرين منها‪ ،‬والتأ ّ‬ ‫في أسباب تخل ّ ِ‬
‫مة حقوق علمائها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م به‪ ،‬وهو الخطوة الولى لن تعرف ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫أْولى ما يجب الّته ّ‬
‫ل بقائها وعزتها ورفعة شأنها‪.‬‬ ‫لتعرف بعد ذلك سبي َ‬
‫ول شك أنه قبل ذكر علج ظاهرةٍ ما‪ ،‬أنه لب ُد ّ من معرفة أسبابها‪ ،‬فما هي‬
‫دمهم وَتمّيزهم‬ ‫أسباب هذه الظاهرة؟ وهي عدم العتراف لعلماء الشريعة بتق ّ‬
‫في علم الشريعة‪.‬‬
‫مل‪ ،‬ويستحقّ أخذ آراء‬ ‫إن هذا الموضوع لموضوع ٌ حقيقٌ بطول النظر والتأ ّ‬
‫ُ‬
‫دد أسبابه وكثرتها في ظّني‪ .‬غير أني أنّبه‬ ‫ميته‪ ،‬ولتع ّ‬
‫العلماء والباحثين فيه؛ له ّ‬
‫ل من‬ ‫مك ّ‬ ‫هنا إلى بعض السباب‪ ،‬والتي منها‪ :‬ما هو شخصي نفسي ل يع ّ‬
‫م يشمل جميع أو غالب المّتصفين‬ ‫ب عا ّ‬ ‫اتصف بتلك الظاهرة؛ ومنها ما هو سب ٌ‬
‫بها‪ ،‬فمن تلك السباب‪:‬‬
‫م صاحَبه بأنه‬ ‫ّ‬
‫م‪ :‬وهو داٌء خطير‪ ،‬يمنع من التعلم؛ لنه ُيوهِ ُ‬ ‫ل‪ :‬الغرور والتعال ُ‬ ‫أو ً‬
‫عْلم غيره من العلماء‪ ،‬ويكفي هذا الداء سوًءا أنه ل‬ ‫ليس في حاجةٍ إلى ِ‬
‫ف به‪ ،‬ول الواقع فيه‪ .‬ولذلك فإن من خطورته أن‬ ‫يرضى أحد ٌ أن يوص َ‬
‫مصابه به لسعى في‬ ‫ب به‪ ،‬وإل لو شعر ب ُ‬ ‫المصاب به ل يشعر أنه مصا ٌ‬
‫الستشفاء منه‪ .‬وهذا يعني أن علج هذا الداء يبدأ بإشعار صاحبه بنقصه‬
‫وقصوره وقّلة علمه‪ ،‬ولذلك طرائقه التي ل تخفى على الحكيم‪ ،‬والتي تختلف‬
‫من شخص إلى آخر‪.‬‬
‫ضراوةً‬ ‫ت مختلفةٍ من الناس‪ ،‬وأكثرهم َ‬ ‫ويكثر هذا الداء في عصرنا بين طبقا ٍ‬
‫فيه صنفان منهم‪:‬‬
‫ّ‬
‫قفون وعلماء في غير العلوم الشرعّية‪ :‬ظّنوا أن علمهم الذي تعلموه‪،‬‬ ‫مث َ ّ‬
‫‪ُ -‬‬
‫ف لن يزاحموا‬ ‫وذكاءهم الذي قادهم إلى التفوق في علومهم )رّبما( = كا ٍ‬
‫صصوا فيه‪ ،‬ناسين أو متناسين أن الواحد‬ ‫علماء الشريعة علمهم الذي تخ ّ‬
‫م‬‫صصوا فيها‪ ،‬فل ِ َ‬ ‫منهم ل يحق له أن يزاحم علماء كل العلوم التي لم يتخ ّ‬
‫جه من شاء متى شاء؟!‪.‬‬ ‫ى مستباحا ً َيل ُ‬ ‫جعلوا من علم الشريعة وحده حم ً‬
‫‪ -‬طلبة العلم الشرعي الذين لم يتأّدبوا بأدب العلم الذي تعّلموا طرفا ً منه‪:‬‬
‫وهؤلء غالبا ً إنما داؤهم الكبر هو طلب العلم للدنيا‪ :‬للمال‪ ،‬أو الجاه‪،‬‬
‫فدواؤهم هو الخلص! فإذا أخلصوا في الطلب‪ ،‬ظهرت آثار العلم عليهم‪،‬‬
‫والتي من أبرزها التواضع وهضم النفس‪ .‬وما أبعد أهل الخلص عن الغرور!‪.‬‬
‫ة في غاية العمق‪ ،‬بل‬ ‫م عميق ٌ‬ ‫ثانيًا‪ :‬الجهل بحقيقة العلوم الشرعّية‪ ،‬وأنها علو ٌ‬
‫ه –تعالى‪ -‬بها أكمل الخلق‬ ‫ص الل ُ‬ ‫هي أعمق العلوم على الطلق‪ ،‬ولذلك اخت ّ‬
‫صه الله –‬ ‫من اخت ّ‬ ‫سله‪ ،‬وكان م ّ‬ ‫ُ‬ ‫وأذكى الناس‪ ،‬وأعقل البشر‪ ،‬وهم أنبياؤه وُر ُ‬
‫م أنبيائه‪ ،‬وسيد ُ ولد آدم‪ :‬محمد ٌ –صلى‬ ‫م ُرسله‪ ،‬وإما ُ‬ ‫تعالى‪ -‬بعلوم شرعه خات ُ‬
‫م الناس بالله تعالى وبأمره – عز وجل‪ ،-‬ومع‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،-‬الذي كان أعل َ‬
‫ُ‬
‫عظيم علم نبّينا صلى الله عليه وسلم بشرع رّبه عز وجل‪ ،‬فقد أمر بالضراعةِ‬
‫ب زدني علمًا"!‬ ‫إلى رّبه – سبحانه‪ -‬أن يزيده منه علمًا‪ ،‬فقال تعالى‪" :‬وقل ر ّ‬
‫ص الله –تعالى‪ -‬به مصطفاه من خلقه‪ ،‬فهو صلى‬ ‫فأي علم أعمق من علم خ ّ‬
‫الله عليه وسلم أعلم الناس به‪ ،‬ثم مع عظيم علمه به يأمره عز وجل بطلب‬
‫عمق علوم الشريعة هذا العمق العظيم نجد الناس‬ ‫الزيادة منه!‪ .‬ومع ُ‬
‫متهافتين في الخوض فيها‪ ،‬جهًل منهم بعمقها‪ .‬ولذلك فإنك ترى الناس ل‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقبلون من غير الطبيب أن يمارس مهنة الطب‪ ،‬ول يقبلون من غير المهندس‬
‫صصّيان‪ ،‬ل‬
‫ن هذين العلمين عندهم علمان تخ ّ‬ ‫أن يمارس مهنة الهندسة؛ ل ّ‬
‫صص فيهما‪ ،‬وهكذا بقية العلوم الكونّية‪ ،‬فإذا جاؤوا للعلوم‬ ‫يتقنهما إل من تخ ّ‬
‫صص في دراستها على‬ ‫ّ‬ ‫يتخ‬ ‫لم‬ ‫ممن‬ ‫لغيرهم‪،‬‬ ‫أو‬ ‫لنفسهم‬ ‫الشرعّية‪ ،‬سمحوا‬
‫يدي أهلها‪ ،‬بأن يتكّلم ويخوض فيها‪ ،‬ونحن نطالب هؤلء أن ُينصفوا علوم‬
‫الشريعة‪ ،‬فإن لم يعترفوا لها بأنها أعمق العلوم‪ ،‬مع أن هذا هو الواجب‬
‫صصات الخرى‪،‬‬ ‫ف التخ ّ‬ ‫ل من أن يضعوها في مصا ّ‬ ‫عليهم لو أنصفوا‪ ،‬فل أق ّ‬
‫ة‪ ،‬ل ُيحسنها إل من أفنى عمره واجتهد في‬ ‫م عميق ٌ‬‫التي ُيعترف لها بأنها علو ٌ‬
‫تحصيلها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫مد بعض أعداء السلم من الكفرة والمنافقين تشويه صورة علماء‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬تع ّ‬
‫الشريعة بكل الوسائل المتاحة لهم‪ ،‬في وسائل العلم المختلفة‪ ،‬وفي‬
‫ي حثيث منظ ّم ٍ مدروس من زمن‬ ‫سعْ ٍ‬‫القرارات ذات التأثير‪ .‬وذلك من خلل َ‬
‫سعُْيهم هذا جوانب مختلفة‪ ،‬من تجفيف منابع العلم الشرعي‪،‬‬ ‫طويل‪ ،‬يتناول َ‬
‫وصد ّ الناس عن تعلمه‪ ،‬وإضعاف صلة الناس بعلمائه‪ ،‬وانتقاص أقدار حملته‬ ‫ّ‬
‫بكل مكر ودهاء‪ ،‬فعلى المسلمين أن يعرفوا أعداءهم الحقيقّيين من الكفرة‬
‫ل‬‫والخونةِ المنافقين‪ ،‬فل ُيمكّنونهم من وسائل إعلمهم‪ ،‬أول يجعلون وسائ َ‬
‫قي والتأّثر‪ ،‬كما أنه ل ينبغي عليهم الرضوخ‬ ‫ة للتل ّ‬ ‫ل مأمون ً‬ ‫إعلمهم وسائ َ‬
‫ح‬ ‫ة لتحقيق أهدافهم فيهم‪ ،‬بل عليهم فَ ْ‬
‫ض ُ‬ ‫للقرارات التي يّتخذها أعداؤهم وسيل ً‬
‫دها‪ ،‬ولكي ل‬ ‫مة المسلمين‪ ،‬لكي يقف الجميعُ ض ّ‬ ‫خفايا تلك القرارات لعا ّ‬
‫خْبثها ومكرها‪.‬‬ ‫تطويهم ب ُ‬
‫قق في المسلمين ما أخبر به‬ ‫ما تح ّ‬ ‫قا‪ ،‬م ّ‬ ‫ة عدد علماء الشريعة ح ّ‬ ‫رابعًا‪ :‬قل ّ ُ‬
‫جهاًل‪ ،‬فضّلوا وأضّلوا‪،‬‬ ‫سا ُ‬‫ي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬من أنهم اتخذوا رؤو ً‬ ‫النب ّ‬
‫س أهل العلم قد أعانوا‬ ‫جّهال الذين يلبسون لبا َ‬ ‫ول شك أن هؤلء الرؤوس ال ُ‬
‫س عن علمائهم‪ ،‬ثم هم‬ ‫دوا النا َ‬
‫ص ّ‬‫قا‪ ،‬و َ‬ ‫ل العلم ح ّ‬ ‫س أه َ‬ ‫على أن ل يعرف النا ُ‬
‫قون بها القرار لهم بالعلم والتقد ّم ِ فيه‪،‬‬ ‫ة يستح ّ‬ ‫س لهم مزي ّ ً‬ ‫لجهلهم ل يجد النا ُ‬
‫قا قاسوه على الجاهل‪ ،‬فاختلط الحابل بالنابل‪،‬‬ ‫ما ح ّ‬ ‫س عال ً‬ ‫حتى إذا رأى النا ُ‬
‫مة إلى أن تعتني بالعلم الشرعي‪ ،‬وبالبقّية الباقية‬ ‫ُ‬
‫م حاجةِ ال ّ‬ ‫وهذا ُيبّين عظي َ‬
‫قا‪ :‬علماَء رّبانين‪ .‬فنحن في هذه‬ ‫سا ح ّ‬ ‫س رؤو ً‬ ‫من علمائه‪ :‬لكي يكون الرؤو ُ‬
‫ث الناس على‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫وإلى‬ ‫الشرعي‪،‬‬ ‫العلم‬ ‫نشر‬ ‫الظروف أولى ما نكون إلى‬
‫ضا‬
‫ل الميسرة على الناس تحصيله‪ ،‬كما أنه يبّين أي ً‬ ‫تعّلمه‪ ،‬وتهيئ كل ال ّ‬
‫سب ُ ِ‬
‫دروا فعلى أهل‬ ‫ب تصديرهم أهل العلم وإبرازهم للناس‪ ،‬فإن لم ٌيص ّ‬ ‫وجو َ‬
‫دروا‪ ،‬وأن يدّلوا الناس إلى الهدى والعلم الذي وهبهم الله –‬ ‫العلم أن يتص ّ‬
‫تعالى‪ -‬إّياه‪.‬‬
‫م أسباب ظاهرة عدم أو ضعف اعتراف‬ ‫إن هذه السباب في ظّني هي أه ّ‬
‫دم والتمّيز في علم الشريعة‪ ،‬وهي‬ ‫مة المسلمين لعلماء الشريعة بالتق ّ‬ ‫عا ّ‬
‫فا في سياق‬ ‫ض وسائل مقاومتها آن ً‬ ‫ب ُيمكن مقاومتها‪ ،‬وقد ذكرت بع َ‬ ‫أسبا ٌ‬
‫سردها السابق‪.‬‬
‫دم والتمّيز‪ ،‬فل يحتاج غالبهم حينها إلى‬ ‫فإذا ما أقّر الناس للعالم بالتق ّ‬
‫تذكيرهم بواجب العالم عليهم‪ ،‬ولن تكون أخطاء آحادهم في التقصير في حق‬
‫سرعان ما يحرص الواحد منهم على استدراكها‬ ‫ة غير مقصودة‪ُ ،‬‬ ‫العالم إل فلت ً‬
‫دم والتمّيز يقتضي‬ ‫إذا ما أدرك أنه حاد عن أداء واجبه‪ ،‬حيث إن القرار بالتق ّ‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن بالعالم‪ ،‬وت َْر َ‬


‫ك‬ ‫ن الظ ّ‬
‫ب في المقال والفعال‪ ،‬وإحسا َ‬ ‫م والجلل‪ ،‬والتأد ّ َ‬ ‫الحترا َ‬
‫ماراته بغير علم‪ ،‬وكما قال القائل‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫جداله و ُ‬
‫سا للفضيلة موقعٌ ‪... ...‬‬ ‫وأكثر َبخ ً‬
‫جُهو ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫فيه‬ ‫العلم‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ل أه‬ ‫ُيجاد ُ‬
‫ة‪ ،‬فكيف إذا كانوا علماَء بالله تعالى وبأمره؟! فهؤلء‬ ‫م ً‬ ‫هذا حقّ أهل العلم عا ّ‬
‫ن الله –تعالى‪ -‬وبارزه بالعداوة‬‫هم أولياء الله الذين من عاداهم فقد آذ َ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫مة‪ ،‬وأدِلُء العالمين إلى سعادة‬ ‫ُ‬
‫والحرب‪ ،‬والذين هم ورثة النبياء‪ ،‬وسادة ال ّ‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫م الله في الدنيا إذا طلعوا ‪... ...‬‬ ‫ج ُ‬ ‫م أن ُ ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫شروا‬ ‫ُ‬
‫ة الله في الخرى إذا ن ُ ِ‬ ‫ج ُ‬
‫ح ّ‬ ‫و ُ‬
‫م ‪... ...‬‬
‫م نوُر الوجود هُ ُ‬ ‫ة الناس هُ ْ‬ ‫م زين ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫م ريحاُنها العَط ُِر‬ ‫ح الحياة هُ ُ‬ ‫رو ُ‬
‫م ‪... ...‬‬‫ل به ْ‬ ‫م أولياُء الّنهى تحيا العقو ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫مي ّهِ الشجُر‬ ‫س ِ‬ ‫ل من وَ ْ‬ ‫ض ّ‬‫خ َ‬ ‫كالغيث ي َ ْ‬
‫ة ‪... ...‬‬ ‫م مزرع ٌ‬ ‫وإنما هذه اليا ُ‬
‫م الثمُر‬ ‫س لها والعال ِ ُ‬ ‫س غر ٌ‬ ‫النا ُ‬
‫________________________________________‬
‫)*( عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى‬

‫)‪(3 /‬‬

‫حقوق الخوة ‪2-1‬‬


‫للخوة منزلة عظيمة في بناء هذا الدين ولها ثمرات كثيرة دلت عليها اليات‬
‫والحاديث ولها حقوق وآداب وشروط منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب‬
‫ولهمية ذلك ولكثرة مفسدات الخوة والستهانة بمكانتها ولتثبيت الخيار‬
‫الصادقين في أخوتهم وتبشيرهم بما لهم في ذلك من فوز كان هذا الدرس‪.‬‬
‫الحمد لله ‪ ،‬وأصلى وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما‬
‫بعد‪،،،‬‬
‫فسيكون الكلم عن الخوة وحقوقها من خلل النقاط التالية‪:‬‬
‫تعريف الخوة وأنواعها‪.‬‬
‫أساليب الشارع في تحقيق الخوة السلمية‪.‬‬
‫ثمرات الخوة‪.‬‬
‫صفات الخ المطلوب‪.‬‬
‫الوسائل المعينة على تقوية هذه الرابطة‪.‬‬
‫حقوق الخوة وآدابها‪.‬‬
‫مكدرات الخوة‪.‬‬
‫تنبيه‪.‬‬
‫ل‪ :‬تعريف الخوة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ة‪ :‬تطلق على القرابة في النسب والشتراك في الولدة القريبة من الب‬ ‫لغ ً‬
‫أو الم‪ ،‬وقد تطلق في النسب البعيد كما يقال‪ :‬أخو العرب ‪ ،‬كما جاء في‬
‫هودا ً { ]العراف‪ :‬من الية ‪ .[65‬هذا هو الصل‬ ‫م ُ‬‫خاهُ ْ‬‫عاد ٍ أ َ َ‬
‫القرآن } وَإ َِلى َ‬
‫في إطلق الخوة‪.‬‬
‫اصطلحًا‪ :‬يقصد بها الخوة السلمية‪ ،‬وهي الرابطة التي تجمع بين شخصين‬
‫ب أو أم‪ .‬وعلى‬‫ينتميان إلى دين السلم‪ ،‬وإن لم يكن بينهما اشتراك في أ ٍ‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا فالخوة يمكن أن يقال أنها نوعان‪:‬‬


‫أ‪ -‬الخوة في النسب‪ .‬ب‪ -‬الخوة السلمية‬
‫والثانية هي محور كلمنا هنا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أساليب الشارع في تحقيق الخوة‪:‬‬
‫ن‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫الخبار عن وقوع الخوة بين المؤمنين‪ :‬كما قال عز وجل‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫خوَةٌ { ]الحجرات‪ :‬من الية ‪ [10‬فهذا إخبار كأنه شئ معروف أنهم أخوة ‪،‬‬ ‫إِ ْ‬
‫وهذا أبلغ من أن يقول كونوا أخوة‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫حت ُ ْ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫جعل الخوة نعمة امتن الله بها على عباده‪ :‬وقال عز وجل‪ } :‬فَأ ْ‬
‫وانا ً { ]آل عمران‪ :‬من الية ‪.[103‬‬ ‫خ َ‬ ‫مت ِهِ إ ِ ْ‬ ‫ب ِن ِعْ َ‬
‫جل َزاَر‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن َر ُ‬ ‫جعل الخوة سببا لحصول محبة الله عز وجل‪ :‬ففي الحديث‪] :‬أ ّ‬
‫ما أ ََتى عَلي ْهِ َقا َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫كا فَل َ ّ‬ ‫مل َ ً‬ ‫جت ِهِ َ‬ ‫مد َْر َ‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫صد َ الل ّ ُ‬ ‫خَرى فَأْر َ‬ ‫ه ِفي قَْري َةٍ أ ُ ْ‬ ‫خا ل َ ُ‬ ‫أَ ً‬
‫مةٍ ت َُرب َّها‬ ‫ن ن ِعْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ِ‬
‫م‬ ‫ل لَ َ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫قْري َةِ َقا َ‬ ‫خا ِلي ِفي هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫ل أ ُِريد ُ أ َ ً‬ ‫ريد ُ َقا َ‬ ‫ِ‬ ‫ن تُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫أي ْ‬
‫ل الل ّه إل َي َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل فَإ ِّني َر ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه ِفي الل ّهِ عَّز وَ َ‬ ‫حب َب ْت ُ ُ‬ ‫ل َل غَي َْر أّني أ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه[ رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ه ِفي ِ‬ ‫حب َب ْت َ ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫حب ّك ك َ‬ ‫قَد ْ أ َ‬
‫حب ِّتي‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ن فِ ّ‬ ‫حاّبي َ‬ ‫مت َ َ‬‫حب ِّتي ل ِل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫وفي الحديث القدسي‪َ ] :‬‬
‫ي[‬ ‫ن فِ ّ‬ ‫صِلي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ْ‬
‫حب ِّتي ل ِل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ن فِ ّ‬ ‫مت ََباذِِلي َ‬ ‫ْ‬
‫حب ِّتي ل ِل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ن فِ ّ‬ ‫مت ََزاوِِري َ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫رواه مالك وأحمد‪.‬‬
‫َ‬
‫ب ِفي‬ ‫ح ّ‬ ‫مان ال ْ ُ‬ ‫لي َ‬ ‫جعل الخوة أوثق عرى اليمان‪ :‬ففي الحديث‪ ] :‬أوَْثق عَُرى ا ْ ِ‬
‫الّله َوال ْب ُْغض ِفي الّله[ رواه البزار ‪.‬‬
‫َ‬
‫ب[‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مع َ َ‬ ‫مْرُء َ‬ ‫ب‪ :‬كما في الحديث‪] :‬ال ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب بمنزلة ال ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ِ‬ ‫جعل منزلة ال ُ‬
‫رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ّ‬
‫مةِ أي ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ل ي َوْ َ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ترتيب الجر العظيم عليها‪ :‬ففي الحديث‪] :‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ال ْمتحابون بجَلِلي ال ْيو ُ‬
‫ل إ ِل ظ ِلي[رواه مسلم‪.‬‬ ‫م ل ظِ ّ‬ ‫م ِفي ظ ِّلي ي َوْ َ‬ ‫م أظ ِل ّهُ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ َ َ ّ َ ِ َ‬
‫جد َ‬ ‫ن ِفيهِ وَ َ‬ ‫نك ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ث َ‬ ‫َ‬
‫جعلها وسيلة لكتساب حلوة اليمان‪ :‬ففي الحديث‪] :‬ث َل ٌ‬
‫مْرَء لَ‬ ‫ب ال َْ‬ ‫َ‬ ‫كون الل ّه ورسول ُ َ‬ ‫حَلوةَ اْليما َ‬
‫ح ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ما وَأ ْ‬ ‫واهُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫ن يَ ُ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َ َ‬
‫ف ِفي الّناِر[ رواه‬ ‫قذ َ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما ي َكَرهُ أ ْ‬ ‫فرِ ك َ‬ ‫ن ي َُعود َ ِفي الك ْ‬ ‫ن ي َكَره َ أ ْ‬ ‫ه إ ِل ل ِلهِ وَأ ْ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ن ِفي الله ت ََعاَلى إ ِل ّ‬ ‫ب اثَنا ِ‬ ‫ْ‬ ‫حا ّ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫تعليق الفضلية على شدتها‪:‬ففي الحديث‪َ ] :‬‬
‫ه[ رواه البخاري في الدب المفرد وابن حبان‬ ‫حب ِ ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫حّبا ل ِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫شد ّهُ َ‬ ‫ما أ َ َ‬ ‫ضلهُ َ‬ ‫ن أفْ َ‬
‫كا َ‬
‫َ َ‬
‫في صحيحه وغيرهما‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ب ل ِل ّهِ وَأب ْغَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جعلها وسلة لستكمال اليمان‪:‬كما في الحديث‪َ ] :‬‬
‫ن[رواه أبو داود‪.‬‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫لاِْ‬ ‫م َ‬ ‫ست َك ْ َ‬ ‫قد ْ ا ْ‬ ‫من َعَ ل ِل ّهِ فَ َ‬ ‫طى ل ِل ّهِ وَ َ‬ ‫وَأ َعْ َ‬
‫ذي‬ ‫جعلها وسيلة لكتساب اليمان وبالتالي لدخول الجنة‪ :‬ففي الحديث‪َ] :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫م عَلى‬ ‫حاّبوا أَل أد ُل ّك ُ ْ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫مُنوا وََل ت ُؤْ ِ‬ ‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫سي ب ِي َدِهِ َل ت َد ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م[ رواه مسلم وأبوداود‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫شوا ال ّ‬ ‫م أفْ ُ‬ ‫حاب َب ْت ُ ْ‬ ‫موه ُ ت َ َ‬ ‫م فَعَلت ُ ُ‬ ‫مرٍ إ َِذا أن ْت ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫والترمذي وابن ماجة وأحمد‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ثمرات الخوة‪:‬‬
‫للخوة ثمرات جليلة سواء كانت مدخرة لهم في الخرة‪ ،‬أو كانت معجلة لهم‬
‫في الدنيا ‪ ،‬فمما يدخر لهم في الخرة‪:‬‬
‫أن يكون في ظل الله يوم ل ظل إل ظله‪ :‬كما في الحاديث السابقة‪.‬‬
‫ج ّ‬
‫ل‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫الحصول على مكانة عالية في الخرة‪ :‬كما في الحديث‪َ] :‬قا َ‬
‫داُء[ رواه‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫م الن ّب ِّيو َ‬ ‫ن ُنورٍ ي َغْب ِط ُهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مَناب ُِر ِ‬ ‫م َ‬ ‫جَلِلي ل َهُ ْ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫حاّبو َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫الترمذي‪ .‬وهذه المكانة العالية حصلوا عليها بالمحبة في الله عز وجل‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الحصول في الخرة على مقام أعلى مما يستحقه بعمله‪:‬كما في الحديث‪:‬‬


‫ن‬
‫م عَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سأ َ َ‬ ‫جًل َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫هأ ّ‬
‫عَن أ َنس رضي الل ّه عَن َ‬
‫ُ ْ ُ‬ ‫ْ َ ٍ َ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫لل َ‬ ‫َ‬ ‫ت لَها[ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫قا َ‬ ‫ساعَةِ فَ َ‬
‫يَء إ ِل أّني‬ ‫ش ْ‬ ‫ماَذا أعْد َد ْ َ‬ ‫ل‪ ] :‬وَ َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫مَتى ال ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ال ّ‬
‫ت[ َقا َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أُ ِ‬
‫حب َب ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مع َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ل‪] :‬أن ْ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ب الل َ‬ ‫ح ّ‬
‫قول النبي صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫مع َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫حَنا ب ِ َ ْ ِ ّ ِ ّ َ‬ ‫يٍء فََر َ‬ ‫شَ ْ‬ ‫حَنا ب ِ َ‬ ‫ما فَرِ ْ‬ ‫س فَ َ‬ ‫أن َ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫س فَأَنا أ ُ ِ‬ ‫أ َحببت َقا َ َ‬
‫جو‬ ‫مَر وَأْر ُ‬ ‫م وَأَبا ب َك ْرٍ وَعُ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ب الن ّب ِ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل أن َ ٌ‬ ‫ْ َْ َ‬
‫م ‪ .‬رواه البخاري‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫َ‬
‫مال ِهِ ْ‬ ‫ل أعْ َ‬ ‫مث ِ‬ ‫مل ب ِ ِ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫نل ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫حّبي إ ِّياهُ ْ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫أ ْ‬
‫ومسلم ‪.‬ومن الثمرات التي تعجل له في الدنيا وهي تؤدى بدورها إلى‬
‫الرتفاع الخروي‪ :‬ما يلي‪:‬‬
‫ن‬‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫حَلوَةَ ا ْ ِ‬ ‫جد َ َ‬ ‫ن ِفيهِ وَ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ث َ‬ ‫تذوق حلوة اليمان‪ :‬كما في الحديث‪] :‬ث ََل ٌ‬
‫كون الل ّه ورسول ُ َ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِّل ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫مْرَء َل ي ُ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ما وَأ ْ‬ ‫واهُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫ن يَ ُ َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫ن ي َُعود َ ِفي ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف ِفي الّناِر[ رواه البخاري‬ ‫قذ َ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ما ي َك َْره ُ أ ْ‬ ‫فرِ ك َ َ‬ ‫ن ي َك َْره َ أ ْ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫نيل محبة الله له‪ :‬وهذه المحبة لشك أنها تعود عليه بالنفع الدنيوي‬
‫والخروي؛ لن من منافعها الدنيوية أن ينشر له القبول في الرض ‪ ،‬إذا أحبه‬
‫الله تعالى نشر له القبول في الرض وتعرفون الحديث في ذلك‪.‬‬
‫خلوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سي ب ِي َدِهِ ل ت َد ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫اكتساب اليمان‪ :‬كما في الحديث الذي سبق‪َ] :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫موهُ‬ ‫م فَعَل ْت ُ ُ‬ ‫مرٍ إ َِذا أن ْت ُ ْ‬ ‫م عََلى أ ْ‬ ‫حاّبوا أَل أد ُل ّك ُ ْ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫مُنوا وََل ت ُؤْ ِ‬ ‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م[ رواه مسلم وأبوداود والترمذي وابن ماجة‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫سَل َ‬ ‫شوا ال ّ‬ ‫م أفْ ُ‬ ‫حاب َب ْت ُ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫وأحمد‪.‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ض ل ِلهِ وَأعْطى ل ِل ِ‬ ‫ب ل ِلهِ وَأب ْغَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫استكمال اليمان‪ :‬كما في الحديث‪َ ] :‬‬
‫ن[رواه أبو داود‪.‬‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫لاِْ‬ ‫م َ‬ ‫ست َك ْ َ‬ ‫قد ْ ا ْ‬ ‫من َعَ ل ِل ّهِ فَ َ‬ ‫وَ َ‬
‫العانة على الطاعة‪ :‬إذ أنه يجد من أخوانه من يعينه على طاعة الله ‪،‬‬
‫ويكرهه في المعاصي ‪ ،‬وهذا ل شك يعود عليه بالنفع الدنيوي والخروي‪.‬‬
‫تحسين الخلق‪ :‬وذلك لنه سيقتدي بإخوانه الصالحين الذين حسنت أخلقهم ‪،‬‬
‫وإذا حسن خلقه؛ استفاد دنيويا ً وأخرويا ً ‪ ،‬يكفى أنه يحصل على احترام الناس‬
‫ل رفيٍع في الخرة‪.‬‬ ‫له في الدنيا‪ ،‬ويحصل على مقام ٍ عا ٍ‬
‫تطبيق المفاهيم السلمية‪ :‬والخصال الحميدة التي ل يمكن تطبيقها إل مع‬
‫جماعة ‪ ،‬مثل اليثار ونحوه‪.‬‬
‫الثمرات الدنيوية مثل‪:‬‬
‫النتفاع بالخ في قضاء الحاجات ‪ ،‬والنتفاع منه بجاهه ‪ ،‬والنتفاع منه بماله‬
‫يواسيك ‪ ،‬يقرضك ونحو ذلك‪ .‬كذلك حصول النس‪ ،‬وانشراح الصدر‪ ،‬وتخفيف‬
‫اللم والهموم وذلك لنك تخالط من ل تثقل عليك نفسه‪.‬‬
‫ما يحصل لك من الستشارة لخيك إذا ترددت في المر‪.‬‬
‫تنبيه على أربع نقاط مهمة‪:‬‬
‫يشترط في الخوة المطلوبة أن تكون لله خالصة‪ :‬أما إذا لم يتوفر هذا‬
‫الشرط‪ ،‬فإنها حينئذ ل تكون أخوة السلم ‪ ،‬ومثل هذه العلقة التي ل تكون‬
‫مئ ِذٍ‬ ‫خّلُء ي َوْ َ‬ ‫لله تنقلب إلى عداوة يوم القيامة كما جاء في القرآن‪ } :‬اْل َ ِ‬
‫ن { ]الزخرف‪.[67:‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ض عَد ُوّ إ ِّل ال ْ ُ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫ً‬
‫الناس أصناف والنسان يألف من يجانسه ويشاكله‪ :‬وربما ل يألف شخصا مع‬
‫أنه من الصالحين ‪ ،‬وإن كان هذا ل يعنى أنه يكرهه‪ ،‬ل‪ .‬ولكن يحبه على قدر‬
‫ما به من إيمان‪ ،‬ولكن ربما ل يأنس به بمثل ما يأنس بمن هو على شاكلته ‪،‬‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعليه أن يهذب هذه العاطفة بما يتوافق مع محبة الله عز وجل‪.‬‬


‫اصبر نفسك مع الخيار‪ ،‬ول تخرج عن دائرة الصالحين‪.‬‬
‫خا ل عيب‬ ‫طاء‪ ،‬وفينا عيوب‪ ،‬وإذا كنت تطلب أ ً‬ ‫لن تجد شخصا ً كامل ً ‪ :‬فكلنا خ ّ‬
‫فيه فإنك تبحث عن سراب ‪ ،‬ولكن سدد وقارب‪ ،‬وابحث عن الصديق الذي‬
‫ترى أن عيوبه مغمورة في بحر حسناته‪ ،‬وأن هذه العيوب ل تخشى منها على‬
‫نفسك‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬صفات الخ المطلوب‪ :‬إن للخ المؤاخي صفات لبد أن يتحلى بها ومن‬
‫أهم هذه الصفات ما يلي‪:‬‬
‫أن يكون مؤمنًا‪ :‬لن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ‪ ،‬ولذلك‬
‫ي[ رواه أبوداود‬ ‫ك إ ِّل ت َ ِ‬
‫ق ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ط ََعا َ‬ ‫مًنا وََل ي َأ ْك ُ ْ‬
‫مؤ ْ ِ‬‫ب إ ِّل ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫جاء في الحديث‪َ] :‬ل ت ُ َ‬
‫والترمذي وأحمد والدارمي‪.‬‬
‫أن يكون ملتزما ً بشرع الله‪:‬متبعا أوامره مجتنبا لنواهيه كما قال عز وجل‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ه َول ت َعْد ُ‬
‫جهَ ُ‬‫ن وَ ْ‬
‫دو َ‬‫ري ُ‬ ‫ي يُ ِ‬‫ش ّ‬ ‫داةِ َوال ْعَ ِ‬ ‫م ِبال ْغَ َ‬
‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬
‫ن ي َد ْ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫صب ِْر ن َ ْ‬
‫} َوا ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا { ]الكهف‪ :‬من الية ‪ .[28‬وقال سبحانه‪:‬‬ ‫ْ‬
‫ة ال َ‬ ‫ريد ُ ِزين َ َ‬ ‫م تُ ِ‬
‫ك عَن ْهُ ْ‬ ‫عَي َْنا َ‬
‫ب إ َِلي { ]لقمان‪ :‬من الية ‪.[15‬‬ ‫َ‬ ‫سِبي َ‬
‫ن أَنا َ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫} َوات ّب ِعْ َ‬
‫ً‬
‫أن يكون عاقل‪ :‬فالحمق صداقته تضر أكثر مما تنفع وقديما قبل‪ :‬عدو عاقل‬ ‫ً‬
‫خير من صديق أحمق‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أن يكون حسن الخلق‪:‬وذلك لنك ستكثر معاملته ومعاشرته فربما إذا كان‬
‫سيئ الخلق آذاك ولم يصبر على أخوتك ‪ ،‬وربما اكتسبت منه الخلق السيئ‪.‬‬
‫ما‬‫جن ّد َة ٌ فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫جُنود ٌ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫أن يبادلك الشعور بهذه الخوة‪:‬ففي الحديث‪] :‬اْل َْرَوا ُ‬
‫ف[ رواه مسلم‪ ،‬والبخاري‪ -‬تعليقا‪. -‬‬ ‫خت َل َ َ‬ ‫من َْها ا ْ‬ ‫ما ت ََناك ََر ِ‬ ‫ف وَ َ‬ ‫من َْها ائ ْت َل َ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت ََعاَر َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإذا كان يتضايق منك ول يفرح بمقدمك ووجدت منه إعراضا وجفاءا فمثل‬
‫هذا ل يصلح أن تؤاخيه ‪ ،‬هذا يكفى أن يؤاخي الخوة السلمية العامة أما‬
‫الخوة الخاصة فمثل هذا ل يعنيك ول يعينك على تحقيق الخوة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الوسائل المعينة على تحقيق الخوة‪:‬‬
‫خاه ُ فَل ْي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ج ُ‬ ‫َ‬
‫خب ِْرهُ‬ ‫لأ َ‬ ‫ب الّر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫إخباره بأنك تحبه في الله‪ :‬كما في الحديث‪] :‬إ َِذا أ َ‬
‫ه[رواه أبوداود والترمذي وأحمد ‪.‬‬ ‫َ‬
‫حب ّ ُ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫ه فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م ُ‬ ‫خاه ُ ِفي الله فَل ْي ُعْل ِ ْ‬ ‫م أَ َ‬‫حد ُك ُ ْ‬
‫َ‬
‫بأ َ‬ ‫ح ّ‬
‫َ‬
‫ويبين السبب في ذلك فقال‪ ] :‬إ َِذا أ َ‬
‫َ‬ ‫قى ل ِْل ُل ْ َ‬ ‫أ َب ْ َ‬
‫ة[ رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الخوان ‪.‬‬ ‫موَد َ ِ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬ ‫فةِ وَأث ْب َ ُ‬
‫تقوية العلقة بالله عز وجل‪ :‬والسعي إلى الحصول على محبة الله عز وجل ‪،‬‬
‫َ‬
‫ل فَي َُناِدي‬ ‫ري ُ‬ ‫جب ْ ِ‬‫ه ِ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫ه فَي ُ ِ‬ ‫حب ِب ْ ُ‬ ‫ب فَُلًنا فَأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ري َ‬‫جب ْ ِ‬
‫لن الله إذا أحبك ]َناَدى ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماِء ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ه أهْ ُ‬ ‫حب ّ ُ‬‫حّبوه ُ فَي ُ ِ‬ ‫ب فَُلًنا فَأ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ماِء إ ِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ل ِفي أهْ ِ‬ ‫ري ُ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض[ رواه البخاري ومسلم‪ .‬فإذا أحبك الله أحبك‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫بو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫يو‬
‫ْ ِ‬ ‫ُ َ ُ ُ‬
‫عباده ومنهم هذا الخ الذي تريد أن تؤاخيه‪.‬‬
‫معرفة ثمرات الخوة في الله‪ :‬إذا عرفت ثمرات الخوة الدنيوية والخروية‬
‫وما فيها من الخير والجر ‪ ،‬سعيت إلى تحقيقها وتقويتها‪.‬‬
‫معرفة سير السلف الصالح في الخوة‪:‬وكيف كانت أخوتهم‪.‬‬
‫مراعاة حقوق الخوة‪:‬لنها تزيد في الخوة‪ ،‬وتبعدها عما يضرها ‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬حقوق الخوة وآدابها‪ :‬الساس الذي تقوم عليه علقة المسلم بأخيه‬
‫أن يحب له ما يحب لنفسه كما جاء في الحديث‪َ] :‬ل يؤْم َ‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫حّتى ي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫ُ ِ ُ‬
‫ه[رواه البخاري ومسلم ‪ .‬فإذا التزم المسلم مع أخيه بهذا‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ب ل ِن َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫خيهِ َ‬ ‫ِل َ ِ‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الساس فأنه بالتأكيد سيقوم بحقوق الخوة كاملة ‪ .‬وحقوق الخوة منها‬
‫حقوق عامة يلتزم بها المسلم مع أخيه المسلم ‪ ،‬ومنها حقوق خاصة تضاف‬
‫إلى الحقوق العامة تكون بين المتآخيين‪ ،‬و من هذه الحقوق والداب‪:‬‬
‫سل ِم ِ عََلى‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ ال ْ ُ‬ ‫‪ -1‬الحقوق الستة المذكورة في الحديث المعروف‪َ ] :‬‬
‫ال ْمسلم ست إَذا ل َقيته فَسل ّم عل َيه وإَذا دعا َ َ‬
‫ح لَ ُ‬
‫ه‬ ‫ص ْ‬ ‫ك َفان ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ص َ‬ ‫ست َن ْ َ‬ ‫ه وَإ َِذا ا ْ‬ ‫جب ْ ُ‬ ‫ك فَأ ِ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ َِ َ َ‬ ‫ِ َ ُ‬ ‫ُ ْ ِ ِ ِ ّ ِ‬
‫ه[رواه‬ ‫َْْ ُ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ما‬
‫ّ ْ ُ َِ َ ِ َ ُ ْ ُ َِ َ َ‬‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫س فَ َ ِ َ‬
‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫وَإ َِذا عَط َ َ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬اجتناب سوء الظن‪ ،‬والتجسس والتحسس‪ ،‬والتناجش‪ ،‬والتحاسد‪،‬‬
‫ْ‬ ‫والتباغض والتدابر‪ ،‬كما في الحديث‪] :‬إياك ُم والظ ّن فَإن الظ ّ َ‬
‫ث‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ن أك ْذ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ِ ّ‬ ‫ِّ ْ َ‬
‫عَباد َ‬ ‫ضوا وَكوُنوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫داب َُروا وَل ت ََباغَ ُ‬ ‫َ‬ ‫دوا وََل ت َ َ‬ ‫س ُ‬ ‫حا َ‬ ‫سوا وََل ت َ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫سوا وََل ت َ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫وََل ت َ َ‬
‫واًنا[ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫خ َ‬ ‫الل ّهِ إ ِ ْ‬
‫ه وََل‬ ‫َ‬
‫م ُ‬ ‫سل ِم ِ َل ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خو ال ْ ُ‬ ‫مأ ُ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ -3‬اجتناب ظلمه وخذله واحتقاره‪] :‬ال ْ ُ‬
‫ه‪ [...‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫م ُ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ما قب ْ َ‬ ‫فَر لهُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن إ ِل غ ِ‬ ‫ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صاف َ‬ ‫َ‬ ‫ن في َت َ َ‬ ‫َ‬ ‫قَيا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َلت َ ِ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫‪ -4‬مصافحته إذا لقيه‪َ ] :‬‬
‫َ‬
‫فت َرَِقا[ رواه أبوداود والترمذي وابن ماجة وأحمد‪ .‬فضل عظيم ومع ذلك‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫نفرط فيه‪.‬‬
‫ه‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫خا‬ ‫قى أ ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫شيًئا ول َو أ َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫رو‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫]‬ ‫وجهه‪:‬‬ ‫في‬ ‫‪ -5‬التبسم‬
‫ِ َ ْ ٍ‬ ‫ْ َ ْ ْ َ‬ ‫َ ْ ُ ِ‬ ‫َ ْ ِ َ ّ ِ ْ‬
‫ق[رواه مسلم‪.‬‬ ‫َْ‬
‫طل ٍ‬
‫‪ -6‬عدم إظهار الشماتة فيه‪.‬‬
‫ن‬‫قعُد ُ ِفيهِ وَل َك ِ ْ‬ ‫قعَدِهِ ي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ج َ‬‫ل الّر ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫قي ُ‬ ‫‪ -7‬يوسع له في المجلس‪َ] :‬ل ي ُ ِ‬
‫سُعوا[رواه مسلم وأحمد‪-‬واللفظ له‪.-‬‬ ‫حوا وَت َوَ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫تَ َ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫جهِهِ الّناَر ي َوْ َ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫خيهِ َرد ّ الل ُ‬ ‫ضأ ِ‬ ‫عْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن َرد ّ عَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ -8‬الرد عن عرضه‪َ ] :‬‬
‫ة[ رواه الترمذي وأحمد‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫‪ -9‬نداؤه بأحب السماء إليه‪ :‬قال عمر رضى الله عنه‪]] :‬ثلث يصفين لك ود‬
‫أخيك‪ :‬أن تسلم عليه إذا لقيته ‪ ،‬وأن توسع له في المجلس ‪ ،‬وأن تناديه بأحب‬
‫السماء إليه[[‪.‬‬
‫ن‬
‫‪ -10‬إعانته ومواساته بالمال إذا احتاج إلى ذلك‪ :‬وفي الحديث‪] :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬‫ما كا َ‬ ‫َ‬ ‫مُعوا َ‬ ‫ج َ‬ ‫دين َةِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫عَيال ِهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ط ََعا ُ‬ ‫مُلوا ِفي ال ْغَْزوِ أ َوْ قَ ّ‬ ‫َ‬
‫ن إ َِذا أْر َ‬ ‫شعَرِّيي َ‬ ‫اْل َ ْ‬
‫مّني وَأ ََنا‬ ‫م ِ‬ ‫سوِي ّةِ فَهُ ْ‬ ‫حد ٍ ِبال ّ‬ ‫م ِفي إ َِناٍء َوا ِ‬ ‫موه ُ ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫م اقْت َ َ‬ ‫حد ٍ ث ُ ّ‬ ‫ب َوا ِ‬ ‫م ِفي ث َوْ ٍ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ل ظ َهْرٍ فَل ْي َعُد ْ ب ِهِ عََلى‬ ‫ض ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ن‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫]‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫ومسلم‪.‬‬ ‫البخاري‬ ‫رواه‬ ‫م[‬ ‫م ُْ ْ‬
‫ه‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫ه[ رواه‬ ‫ن َل َزاد َ ل َُ‬ ‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ب‬
‫َُ ْ ِ ِ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫زا‬
‫ِ ْ َ ٍ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ْ َ ُ َ َ ْ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫َ ْ‬ ‫م‬
‫مسلم ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫كا َ‬ ‫جةِ أ َ ِ‬
‫خيهِ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬‫‪ -11‬السعي في حاجته والقيام بخدمته‪...] :‬وَ َ‬
‫جت ِهِ ‪ [...‬رواه البخاري ومسلم‪ .‬وكان بعض السلف يشترط إذا كان مع‬ ‫حا َ‬ ‫ِفي َ‬
‫أخيه في السفر أن يتولى هو الخدمة ‪.‬‬
‫‪ -12‬أل يمن عليه بمعروف‪:‬فإذا أعانه‪ ،‬أو واساه بالمال‪ ،‬أو سعى في حاجته‪،‬‬
‫أو قام بخدمته ل يمن عليه بهذا المعروف‪ ،‬فيبطل صدقته‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬يا‬
‫ن َواْل ََذى { ]البقرة‪ :‬من الية ‪.[264‬‬ ‫َ‬
‫م ّ‬‫م ِبال ْ َ‬
‫صد ََقات ِك ُ ْ‬‫مُنوا ل ت ُب ْط ُِلوا َ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫‪ -13‬أن يشكره على صنيعه‪ :‬إذا أعانه أخوه المسلم بمال‪ ،‬أو خدمه‪ ،‬فعليه‬
‫ه[رواه الترمذي‬ ‫شك ُْر الل ّ َ‬ ‫س لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫شك ُْر الّنا َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬‫م ْ‬ ‫أن يشكر له صنيعه هذا ‪َ ] :‬‬
‫وأحمد‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫سي َ‬ ‫جال ِ ِ‬ ‫ي َوال ْ ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫ن فِ ّ‬ ‫حاّبي َ‬
‫مت َ َ‬‫حب ِّتي ل ِل ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ت َ‬ ‫جب َ ْ‬
‫ل وَ َ‬ ‫ج ّ‬‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫‪ -14‬زيارته لله‪َ] :‬قا َ‬
‫ي[رواه مالك وأحمد‪ .‬ولبد من التأدب‬ ‫ن فِ ّ‬ ‫مت ََباذِِلي َ‬ ‫ي َوال ْ ُ‬ ‫ن فِ ّ‬
‫مت ََزاوِِري َ‬ ‫ي َوال ْ ُ‬ ‫فِ ّ‬
‫ً‬
‫بآداب الزيارة مثل‪ :‬اختيار الوقت المناسب ‪ ،‬وأل تكون الزيارة سببا في‬
‫إضاعة الوقت فيما ل يفيد وغيرها من الداب‪.‬‬
‫‪ -15‬النفقة على الخوان‪ ،‬وبذل الطعام لهم إذا جاءوا لزيارته‪ ،‬أو اجتمعت‬
‫َ‬
‫ل‬‫ج ُ‬‫ه الّر ُ‬ ‫ق ُ‬‫ل ِديَنارٍ ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ض ُ‬ ‫معهم في مكان واحد‪ :‬وذلك للحديث الذي فيه‪] :‬أفْ َ‬
‫ل الل ّهِ وَِديَناٌر‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ل عََلى َداب ّت ِهِ ِفي َ‬ ‫ج ُ‬‫ه الّر ُ‬ ‫ق ُ‬‫عَيال ِهِ وَِديَناٌر ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫ق ُ‬
‫ِديَناٌر ي ُن ْفِ ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ [رواه مسلم‪.‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫حاب ِهِ ِفي َ‬ ‫ه عََلى أ ْ‬
‫ص َ‬ ‫ق ُ‬
‫ي ُن ْفِ ُ‬
‫‪ -16‬عدم التكلف والتكليف‪ :‬إذا زارك أخوك فل تتكلف له‪ ،‬ولو زرته أنت ل‬
‫تكلفه ول تطلب منه ما يكلفه بل اطلب منه عدم التكلف‪ ،‬ول يعنى ذلك أل‬
‫يكرمك‪ ،‬فالكرام شئ‪ ،‬والكلفة والتكلف شئ آخر‪.‬‬
‫‪ -17‬عدم إخلف الموعد‪ :‬لو تواعدتما في ميعاد معين فاحرص على أن تأتي‬
‫في الموعد ‪ ،‬فأن إخلفك الموعد سواء بعدم حضورك أو بحضورك متأخرا ً‬
‫يضايق أخاك‪.‬‬
‫‪ -18‬تحسين الخلق معه‪:‬بأن يكون تعاملكما مبنى على الخلق الحسنة‪ ،‬وكل‬
‫منكم يصبر على الخر‪ ،‬ويسود بينكما التواضع والحلم والصدق‪ ،‬والرفق‬
‫والحياء‪ ،‬وطلقة الوجه والبشاشة عند اللقاء‪ ،‬وغير ذلك من الخلق الحسنة‪.‬‬
‫‪ -19‬كتمان السر وستر العيب‪:‬بحكم ملزمتكما لبعضكما لبد أن يطلعك على‬
‫سر من أسراره‪ ،‬أو تطلع على عيب فيه ‪ ،‬فمن حقوق الخوة أن تكتم سره‪،‬‬
‫وتستر عيبه‪ ،‬وتساعده في إصلحه‪.‬‬
‫َ‬
‫م وَلوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن عَلى أن ْ ُ‬ ‫‪ -20‬اليثار‪ :‬تؤثره على نفسك قال تعالى‪ } :‬وَي ُؤْث ُِرو َ‬
‫ة { ]الحشر‪ :‬من الية ‪ . [9‬تؤثره في المجلس بأن تجلسه في‬ ‫ص ٌ‬
‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِهِ ْ‬
‫المكان المناسب الذي قد ترغب أنت في الجلوس فيه‪ ،‬تؤثره على نفسك‬
‫في الكل والشرب‪ ،‬وغير ذلك من أنواع اليثار‪.‬‬
‫‪ -21‬مشاركته مشاعره‪ :‬تحزن لحزنه وتفرح لفرحه‪ .‬إذا أصيب بمصيبة بادرت‬
‫بمساعدته‪ ،‬ومحاولة تخفيف وقعها عليه‪ ،‬إذا سّره شئ بادرت إلى تهنئته‪،‬‬
‫وإظهار الفرح والسرور بذلك‪.‬‬
‫‪ -22‬ملطفته بالكلم ‪.‬‬
‫‪ -23‬عدم مقاطعته إذا تكلم‪ :‬بل يصغي إليه ويظهر له الهتمام لكلمه‪.‬‬
‫‪ -24‬أن يثنى عليه بما هو أهله‪:‬على أل يكون ذلك مدحا ً له في وجهه‪.‬‬
‫‪ -25‬يبلغه مدح الناس وثناءهم عليه‪:‬إذا لم يؤد ذلك إلى إدخال الغرور‬
‫والعجب عليه‪.‬‬
‫‪ -26‬ل يبلغه ذم الناس له‪:‬لن ذلك يوغر صدره إل أن يكون قد ذم بعيب فيه‪،‬‬
‫فيتلطف في نصحه وإصلح ذلك العيب فيه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -27‬تقديم النصيحة له‪ :‬سواء قصر في واجب أو ارتكب منهيا عنه ‪ ،‬يقدم له‬
‫النصيحة ويلتزم بآداب النصيحة ‪.‬‬
‫‪ -28‬طلب النصح منه‪:‬وذلك لنك ل تبصر كل عيوبك‪ ،‬ول تعرف كل ذنوبك ‪،‬‬
‫فإذا طلبت منه النصح؛ بصرك بها‪ ،‬فعرفتها وتجنبتها‪ .‬يقول الحسن‪]] :‬قد كان‬
‫من قبلكم من السلف الصالح يلقى الرجل الرجل‪ ،‬فيقول يا أخي‪ :‬ما كل‬
‫ذنوبي أبصر‪ ،‬وما كل عيوبي أعرف‪ ،‬فإذا رأيت خيرا ً فمرني‪ ،‬وإذا رأيت شرا ً‬
‫فانهني[[‪ .‬ويقول بلل بن سعد‪]] :‬أخ لك كلما لقيك ذكرك بنصيبك من الله‪،‬‬
‫وأخبرك بعيب فيك أحب إليك وخير لك من أٍخ كلما لقيك وضع في كفك‬
‫دينارًا[[‪.‬‬
‫‪ -29‬تقليل الخلف معه بقدر المكان‪ :‬فإن كثرة الخلف قد توجب البغضاء ‪،‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن وجد الخلف أحيانا ً فلبد من التأدب بآداب الخلف المعروفة‪.‬‬


‫‪ -30‬التسامح عن الزلت التي قد تصدر من الخ‪ :‬لن الخ ليس معصومًا‪،‬‬
‫ومن طلب أخا ً بل عيب صار بل أخ‪ ،‬ابن السماك قال له أحدهم‪ :‬غدا ً نتعاتب‪،‬‬
‫قال‪ :‬بل غدا ً نتغافر‪ .‬ويقول المام الشافعي رحمه الله‪]] :‬من صدق في أخوة‬
‫أخيه قبل علله‪ ،‬وسد ّ خلله‪ ،‬وعفا عن زلِله[[‪.‬‬
‫‪ -31‬عدم الكثار من العتاب‪ :‬لبد من العتاب بين الخوان ‪ ،‬وقد استبقاك من‬
‫عاتبك‪ ،‬لكن أن يصبح طبعا ً للخ فكلما لقى أخاه عاتبه‪ ،‬فهذا يورث النفرة‬
‫والفرقة بين الخوين‪.‬‬
‫‪ -32‬قبول العذر‪ :‬إذا اعتذر لك أخوك فاقبل عذره‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -33‬إعانته على ما يقربه إلى الله ويبعده عن سخطه‪ :‬تعينه على أعمال‬
‫الخير بعامتها ‪ ،‬تعينه على حضور محاضرة ترى أنه ل يرغب فيها تقول‪ :‬أنا‬
‫سأمر عليك وآخذك بالسيارة أو سآخذك إلى الدرس العلمي‪ .‬أوتذكره بأن‬
‫غدا ً مثل ً أول أيام البيض‪ ،‬وهكذا تعينه على أعمال الخير جميعًا‪ .‬وكذلك تعينه‬
‫في البتعاد عما يغضب الله إذا رأيه سيرتكب ذنبا ً أعنته في البتعاد عنه‪،‬‬
‫وهكذا‪ .‬وهذه فائدة عظيمة من فوائد الخوة في الله‪.‬‬
‫ه‬ ‫خي‬ ‫َ‬
‫ن عَ ْ ٍ ُ ْ ِ ٍ َ ْ ُ ِ ِ ِ‬
‫ل‬ ‫عو‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫م ْ‬‫ما ِ‬ ‫‪ -34‬الدعاء له بظهر الغيب‪ :‬ففي الحديث‪َ ] :‬‬
‫ل[ رواه مسلم‪.‬‬ ‫مث ْ ٍ‬ ‫ك بِ ِ‬‫ك وَل َ َ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫ب إ ِّل َقا َ‬ ‫ب ِظ َهْرِ ال ْغَي ْ ِ‬
‫‪ -35‬اجتناب مكدرات الخوة‪ :‬وهذا يجرنا إلى نتكلم عن مكدرات الخوة‬
‫بالتفصيل‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬مكدرات الخوة‪:‬‬
‫‪ -1‬النية المشوبة بشوائب الدنيا‪ :‬علينا أن نصفي أخوتنا من المزاجية وغيرها‪،‬‬
‫ت‬
‫جب َ ْ‬ ‫ل وَ َ‬‫ج ّ‬‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫لبد أن تكون هذه الخوة خالصة لله عز وجل‪َ] :‬قا َ‬
‫ي‪ [...‬رواه مالك وأحمد‪ .‬ولتعلم أيها الخ أن ما كان لله‬ ‫ن فِ ّ‬ ‫حاّبي َ‬ ‫حب ِّتي ل ِل ْ ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫م َ‬‫َ‬
‫فهو المتصل‪ ،‬وما كان لغير الله فهو المنقطع ‪.‬‬
‫‪ -2‬الذنوب‪:‬بشكل عام ‪ ،‬فإن لها أثرا ً عظيما ً في قطع الصلة ‪ ،‬إذا وجدت من‬
‫إخوانك جفاءا ً ‪ ،‬فذلك لذنب أحدثته‪.‬‬
‫‪ -3‬الجدال والمراء‪:‬فالجدال والمراء يوحش القلوب‪ ،‬ويوغرها لسيما إذا‬
‫ض‬
‫ت ِفي َرب َ ِ‬ ‫م ب ِب َي ْ ٍ‬ ‫عي ٌ‬ ‫أصبح لحظ النفس ل لظهار الحق‪ .‬وفي الحديث‪] :‬أ ََنا َز ِ‬
‫ن ت ََر َ‬
‫ك‬ ‫م ْ‬‫جن ّةِ ل ِ َ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ت ِفي وَ َ‬ ‫قا وَب ِب َي ْ ٍ‬‫ح ّ‬‫م ِ‬ ‫ن ُ‬‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫مَراَء وَإ ِ ْ‬ ‫ك ال ْ ِ‬‫ن ت ََر َ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫جن ّةِ ل ِ َ‬
‫خل ُ َ‬ ‫َ‬
‫ه[ رواه أبوداود‪.‬‬ ‫ق ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِفي أعَْلى ال ْ َ‬
‫جن ّةِ ل ِ َ‬ ‫حا وَب ِب َي ْ ٍ‬ ‫مازِ ً‬‫ن َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ب وَإ ِ ْ‬ ‫ال ْك َذِ َ‬
‫وعبد الرحمن بن أبي ليلى يقول‪] :‬ما ماريت أخي أبدا ً لني إن ماريته إما أن‬
‫أكذبه وإما أن أغضبه[‪.‬‬
‫‪ -4‬المداهنة وعدم النكار عليه‪ :‬وعدم نصيحته ‪ ،‬تكون بينهما مجاملة فل هذا‬
‫ينكر على أخيه‪ ،‬ول يكون بينهما أمر بالمعروف‪ ،‬ول الخر يفعل ذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬الحسد‪ :‬لشك أنه مفسد للخوة أيما إفساد‪ ،‬بل أنه مفسد للعمال‬
‫الصالحة‪.‬‬
‫‪ -6‬التنافس على بعض المور‪ :‬التنافس من شأنه أن يولد الغيرة‪ ،‬وبالتالي‬
‫الحسد وإيغار الصدور‪ ،‬والتنافس يحدث بأن يشتركا في محاولة الوصول‬
‫لهدف واحد ل يتسع إل لحدهما ‪ ،‬فلبد أن يكون الفائز أو الحاصل على‬
‫الشيء واحد‪ ،‬فيحصل بينهما تنافس عليه مما يوغر الصدور‪ ،‬ويفسد الخوة‬
‫ويكدرها‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التعامل المالي بين الخوة‪ :‬إذا لم يكن هذا التعامل بالطار الشرعي‬
‫المطلوب‪ ،‬ولم تدخله المسامحة المطلوبة بين المسلمين فإن هذا يكدر‬
‫الخوة‪.‬‬
‫‪ -7‬الثرة وحب الذات‪ :‬هذا يقود إلى عدم تطبيق حقوق الخوة وآدابها‪.‬‬
‫‪ -8‬التفاخر بالنساب‪ :‬وهذا لشك أنه من عمل الجاهلية‪ ،‬وهذا إن كان يجب‬
‫أل يكون بين المسلمين عمومًا‪ ،‬فمن باب أولى يجب أل يكون بين الخوة‪.‬‬
‫‪ -9‬السخرية والتهكم بالخرين حتى ولو كان عن طريق المزاح‪.‬‬
‫‪ -10‬الخلطة غير الموجهة‪ :‬والتي ينتج عنها ضياع الوقت‪.‬‬
‫‪ -11‬الوصول لدرجة التعلق‪ :‬وحينئذ تنتفي الخوة ويحل محلها التعلق‪ ،‬ولكي‬
‫تعرف هل الذي بينك وبينه أخوة في الله أم تعلق؟ فللتعلق علمات يعرف‬
‫بها وتميزه عن غيره من أهمها‪ :‬أنك تحب هذا الشخص بغض النظر عن ديانته‬
‫وقوة إيمانه‪ ،‬يعنى زاد إيمانه أو نقص؛ حبك له كما هو لم يتغير ‪ ،‬ولو كان‬
‫حبك له لله لتغير مع ديانته وقوة إيمانه فإذا زاد زاد الحب‪ ،‬وإذا نقص نقص‬
‫الحب‪.‬‬
‫‪ -12‬عدم مراعاة حقوق الخوة وآدابها‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬تنبيه‪:‬‬
‫لبد من التنبيه إلى أنه مع فضل الخوة والترغيب فيها إل أنه ينبغي للمسلم‬
‫أن يعود نفسه على تربية نفسه بنفسه فيما إذا انفرد عن إخوانه ‪ ،‬لن‬
‫مفارقة الخوان من الممكن حدوثها‪ ،‬واجتماعاتك معهم قد ل تدور ولذا‪ :‬لبد‬
‫أن تعود نفسك على أن ترفع إيمانك بنفسك فل تكن عالة على إخوانك دائمًا‪،‬‬
‫بل حاول تربية نفسك‪ ،‬وذلك بأن تجعل لنفسك عبادات تنفرد بها كقراءة‬
‫القرآن وتدبره‪ ،‬والنوافل عموما ً من صلة وصيام وصدقة وغيرها؛ يجعلك إن‬
‫انفردت استفدت‪ ،‬وإن كنت مع الخوان فأنت أيضا ً في فائدة والحمد لله‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫من محاضرة‪ :‬حقوق الخوة للشيخ‪ /‬عبد الرحمن العايد‬

‫)‪(5 /‬‬

‫حقوق الرامل والمطلقات‬


‫د‪ .‬إبراهيم بن ناصر الحمود ‪14/6/1427‬‬
‫‪10/07/2006‬‬
‫مفهوم الرملة والمطلقة‪:‬‬
‫الرملة مصطلح يطلق على كل امرأة مات عنها زوجها ولم تتزوج بعده مع‬
‫فقرها وحاجتها‪ ،‬لن لفظ أرامل يطلق أيضا ً على المساكين من رجال ونساء‪،‬‬
‫لكنه استخدم في النساء أكثر‪ ،‬لن العرب تقول أرمل فلن إذا نفد زاده‬
‫وافتقر‪ ،‬والمرأة إذا فقدت زوجها فقد فقدت من ينفق عليها فناسبها الوصف‪،‬‬
‫وقد تكون الرملة ذات أولد صغار مما يزيد من عنائها فتكون أرملة وأما ً‬
‫ليتام‪ ،‬فالعطف‪ ،‬والشفقة عليها أهم لنها تحملت المسؤولية لوحدها مع‬
‫عجزها وضعفها‪.‬‬
‫ً‬
‫أما المطلقة‪ :‬فهي أكثر وضوحا ول يخفى أمرها على أحد‪ ،‬لكن المطلقات‬
‫أنواع حسب لفظ الطلق‪ ،‬وهي كل امرأة فارقت زوجها في حياته بطلقه‬
‫لها‪ ،‬فهناك عامل مشترك بين المطلقة والرملة وهو‪ :‬أن كل ً منهما فارق‬
‫الزوج‪ ،‬وهذه الفرقة حصلت إما بموت أو طلق‪ ،‬لكن الفرقة بالموت هي‬
‫الفرقة الكبرى لنه ل رجعة فيها‪ ،‬أما الفرقة بالطلق فقد تعود الزوجة إلى‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زوجها بالرجعة‪ ،‬أو بعقد جديد‪.‬‬


‫كما أن خفض الجناح لليتامى والبائسين دليل الشهامة والمروءة‪ ،‬ففي‬
‫الحديث "صنائع المعروف تقي مصارع السوء"‪.‬‬
‫وحري لكل من وجد قسوة في قلبه أن يعطف على يتيم ويمسح على رأسه‪.‬‬
‫ومن حقوق اليتام بعد رعايتهم‪ ،‬وتربيتهم‪ ،‬والشفاق عليهم‪ ،‬حفظ أموالهم‪،‬‬
‫ومخالطتهم‪.‬‬
‫قال تعالى‪" :‬ويسألونك عن اليتامى قل إصلح لهم خير‪ ،‬وإن تخالطوهم‬
‫فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح"‪.‬‬
‫فالغاية هي إصلح اليتيم في نفسه‪ ،‬وماله‪ ،‬وقد توعد الله أصحاب النوايا‬
‫السيئة الذين يتعدون على أموال اليتامى وينكرونها‪ ،‬فقال جل شأنه‪" :‬إن‬
‫الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ً إنما يأكلون في بطونهم نارا ً وسيصلون‬
‫سعيرا"‪ ،‬وقال جل شأنه‪" :‬وآتوا اليتامى أموالهم ول تتبدلوا الخبيث بالطيب‬
‫ول تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا ً كبيرًا"‪.‬‬
‫فاليتيم قد يكون له نصيب كبير من مال والده بعد موته فهو لصغر سنه ل‬
‫يستطيع حفظه وتنميته فيطمع وليه في ماله ويعرض نفسه لهذا الوعيد‬
‫الشديد‪ ،‬يقول السعدي ‪-‬رحمه الله‪) -‬يبعث آكل مال اليتيم(‪.‬‬
‫نظرة المجتمع للمطلقات‪:‬‬
‫هناك في المجتمع نظرة قاسية دونية للمطلقة كأنها ارتكبت ذنبا ً أو خطيئة‪،‬‬
‫فهي في نظر المجتمع –غالبًا‪:-‬‬
‫أ‪ .‬أنها غير صالحة للتزويج‪ ،‬فقد فاتها قطار الحظ‪.‬‬
‫ب‪ .‬أنها مصدر للمتاعب والمشاق فقدت دورها في الحياة‪.‬‬
‫ج‪ .‬نظرة كره وأنانية من بنات جنسها خوفا ً على أزواجهن منها‪.‬‬
‫تقول إحدى الرامل‪:‬‬
‫مات زوجي وبعد خمس سنوات تزوجت من آخر‪ ،‬لم تستمر الحياة معه سوى‬
‫عامين لمشكلت ل حصر لها مع زوجته الولى‪ ،‬فهي تعتقد أني خطفت زوجها‬
‫منها‪ .‬فكنت مطلقة مما زاد في أحزاني وهمومي‪.‬‬
‫فعلى كل أرملة أن تصبر وتحتسب‪ ،‬فالصبر مفتاح الفرج "ومن يتق الله‬
‫يجعل له مخرجًا"‪.‬‬
‫وكل من يستصغر المطلقة أو يحتقرها فهو مخطئ وامرؤ فيه جاهلية‪.‬‬
‫أما نظرة السلم للرامل والمطلقات فهي نظرة منصفة لهن ما لغيرهن من‬
‫الحقوق والواجبات‪ ،‬وقد وضع السلم التدابير الواقية من حدوث الطلق‬
‫وجعله أبغض الحلل إلى الله‪.‬‬
‫أمر السلم بحسن العشرة بين الزوجين وحث على التسامح والعفو‪ ،‬وأرشد‬
‫إلى الطريقة المثلى في حال نشوز الزوج‪ ،‬كما حرم التلعب بالطلق‪،‬‬
‫وأوصى بالنساء خيرًا‪ ،‬وأباح الطلق إذا تعذر الوفاق‪.‬‬
‫كفالة السلم لليتام – ومن هو اليتيم‪:‬‬
‫الم الرملة التي مات زوجها ولها منه أولد صغار فهي أم ليتام‪ .‬لن اليتيم‬
‫في عرف الشرع من مات أبوه وهو صغير دون سن البلوغ‪.‬‬
‫فإن مطلق العدالة في السلم حفظ الحقوق لصحابها كما جاء في قول‬
‫النبي –صلى الله عليه وسلم‪" -‬ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا"‪.‬‬
‫واليتيم في الغالب جمع بين اليتم والمسكنة‪ ،‬ولن يضيع يتيم في كنف‬
‫السلم‪ ،‬فهذا محمد –صلى الله عليه وسلم‪ -‬نشأ يتيما ً فآواه ربه ونصره كما‬
‫قال سبحانه "ألم يجدك يتيما ً فآوى"‪.‬‬
‫فقد رغب السلم في كفالة اليتيم‪ ،‬وحسب كافل اليتيم أن يكون في معية‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬في الجنة كما جاء في الحديث "أنا وكافل‬
‫اليتيم كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى" فحق على من سمع هذا الحديث أن‬
‫يعمل به‪ ،‬فهل هناك مكانة أومنزلة أعظم من هذه المنزلة في الجنة؟!‪ ،‬وهذا‬
‫يدل على عظم حق اليتيم لضعفه ومعاناته بسبب فقد والده الذي يحنو عليه‬
‫ويحسن تربيته‪ ،‬وينفق عليه‪ ،‬ويقوم على تعليمه وتأديبه‪ ،‬فهو بأمس الحاجة‬
‫إلى من يعوضه عما فقده من أصحاب القلوب الرحيمة فيقوم على تربيته‬
‫والنفاق عليه‪ ،‬ورعايته‪ ،‬حتى يبلغ مبلغ الرجال‪.‬‬
‫ولقد عني القرآن الكريم بحق اليتيم ونهى عن قهره وإهماله‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫"فأما اليتيم فل تقهر"‪" ،‬كل بل ل تكرمون اليتيم"‪" ،‬أرأيت الذي يكذب بالدين‬
‫فذلك الذي يدع اليتيم"‪.‬‬
‫ج حق الضعيفين‬ ‫ُ‬
‫حّر ُ‬
‫وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "إني أ َ‬
‫اليتيم والمرأة"‪ ،‬وكان ابن عمر –رضي الله عنهما‪ -‬ل يجلس على طعام إل‬
‫على مائدته أيتام‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فكم من أم ليتام تعاني مشقة تربيتهم‪ ،‬والنفاق عليهم‪ ،‬وهي ل حول لها ول‬
‫قوة‪ ،‬تنتظر من يأخذ بأيديهم من المحسنين ويمسح دمعتهم ويعوضهم خيرا ً‬
‫"وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا ً خافوا عليهم فليتقوا الله‬
‫وليقولوا قول ً سديدًا"‪.‬‬
‫بل إن ديننا السلمي يأمرنا بتنمية مال اليتيم وحفظه له يقول عمر بن‬
‫الخطاب –رضي الله عنه‪" -‬اتجروا في أموال اليتامى لئل تأكلها الصدقة"‪،‬‬
‫حتى إذا بلغ اليتيم وأصبح رشيدا ً يستطيع أن يتصرف في ماله بنفسه دفع إليه‬
‫ماله وهو حقه الذي فرضه الله له كامل ً غير منقوص‪ ،‬يقول تعالى‪" :‬وابتلوا‬
‫اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا ً فادفعوا إليهم أموالهم"‬
‫وقال سبحانه‪" :‬ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن" فكفالة اليتيم نوع‬
‫من التكافل الجتماعي الذي يقره الدين السلمي‪ ،‬تحقيقا ً لوحدة المسلمين‪،‬‬
‫وتعاطفهم‪ ،‬وتراحمهم‪ ،‬وكثيرا ً ما يشكو بعض اليتام من ازدراء زملئهم لهم‬
‫ومضايقتهم لهم في المنزل والشارع والمدرسة‪ ،‬وتعييرهم لهم بالفقر‪،‬‬
‫والحاجة للناس‪ ،‬والضعف‪ ،‬والمسكنة‪ .‬وهذا أسلوب خطير جدا ً له أثره على‬
‫حياة اليتيم النفسية‪ ،‬وسلوكه في الحياة‪ ،‬فإن احتقار اليتيم وإهماله وصرف‬
‫النظر عنه‪ ،‬يزيد من عنائه بل ربما يؤدي به إلى الجنوح‪ ،‬والنحراف‪ ،‬بسبب‬
‫غياب السلطة البوية‪.‬‬
‫ولقد خطت المملكة –وفقها الله‪ -‬خطوة مباركة حين أنشأت الجمعيات‬
‫الخيرية لكفالة اليتام التي تساند ما تقوم به وزارة العمل والشؤون‬
‫الجتماعية من جهود مباركة في هذا الجانب‪.‬‬
‫واليتيم على مستوى المم والشعوب بحاجة إلى رعاية‪ ،‬وعناية خاصة‪ ،‬ويد‬
‫حانية‪ ،‬تحتضنه وتخفف من معاناته‪ ،‬فهذا واجب شرعي قبل أن يكون واجبا ً‬
‫إنسانيًا‪ ،‬فقد أورد الذهبي في ترجمة أبي علي حسان بن سعيد المنيعي‬
‫المتوفى ‪463‬هـ أنه عم الفاق بخيره وبره ومن ذلك أنه كان يكسو في‬
‫الشتاء نحوا ً من ألف نفس‪.‬‬
‫وفي الحديث الصحيح‪" :‬اتقوا النار ولو بشق تمرة" وما أحوج الرامل‪،‬‬
‫والمساكين إلى عطف المحسنين‪ ،‬ولنا في رسول الله –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬القدوة الحسنة‪ ،‬فكان عليه الصلة والسلم ل يستكثر أن يمشي مع‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرملة والمسكين يقضي له حاجته‪ ،‬وقد وصفه عمه أبو طالب بقوله‪" :‬ثمال‬
‫اليتامى عصمة الرامل"‬
‫أي كافيهم‪ ،‬وناصرهم‪ ،‬ومانعهم عما يضرهم‪ ،‬كانت أم المؤمنين زينب بنت‬
‫خزيمة تعرف بأم المساكين‪ ،‬لكثرة إحسانها إليهم‪.‬‬
‫‪ -5‬حق الرملة والمطلقة في التزويج‪:‬‬
‫كما ذكرت سابقا ً فإن الرملة والمطلقة امرأة لها كامل حقوقها الشرعية‬
‫تحت ظل تعاليم السلم السمحة ول يجوز لحد من الناس أن يبخسها شيئا ً‬
‫من حقوقها فلها الحق في أن تتزوج بعد فراغ عدتها وهذا أمر شرعه الله‪.‬‬
‫بل إن المرأة الرملة والمطلقة تفوق غيرها في رجاحة عقلها وتجربتها في‬
‫الحياة‪ ،‬فليس فيها ما يعيبها‪ ،‬فهذه زينب بنت جحش –رضي الله عنه‪ -‬لما‬
‫طلقها زوجها زيد بن حارثة تزوجت من هو خير منه‪ ،‬رسول الله –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬فأصبحت إحدى أمهات المؤمنين‪ ،‬ولم يتزوج رسول الله –صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬بكرا ً سوى عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ ،-‬وإن عزوف بعض‬
‫الرجال عن الزواج بالرامل والمطلقات ناتج عن الوضع الجتماعي لهذه‬
‫المرأة بسبب من تواجههم من بنات جنسها من نظرة قاسية تحرمها من‬
‫بعض حقوقها في الحياة‪ ،‬كما أنه يتولد لدى المطلقة خاصة خوف من الفشل‬
‫في الزواج الثاني بسبب تجربتها الولى‪ ،‬ومتى قوبلت الرملة والمطلقة‬
‫بالعراض وعدم الزواج‪ ،‬فإن لذلك أثره على المجتمع حين يكثر العوانس في‬
‫البيوت‪ ،‬ول يتزوج المطلقة والرملة إل من يعرف قدرها وقيمتها فهي أم‬
‫ومربية وواعية ومدركة لكثير من مسؤولياتها الزوجية‪ .‬وكثير من المطلقات‬
‫والرامل تزوجن وأصبحن من أفضل النساء‪.‬‬
‫ومن المطلقات من سرى إليها داء الظلم والسخرية حتى بعد زواجها الثاني‬
‫فاتهمت بالنانية‪ ،‬وإهمال أولدها‪.‬‬
‫ومن أحسن النية في زواجه بالمطلقة‪ ،‬والرملة‪ ،‬فإنه يؤجر على ذلك‪ ،‬خاصة‬
‫إذا كانت أم أولد‪ ،‬واحتسب الجر عند الله في تربية أولدها‪ ،‬وتعليمهم‪،‬‬
‫وتنشئتهم النشأة الصالحة‪ ،‬كما أن في زواجه بها إنقاذا ً لحياتها من الذل‬
‫والهوان الذي تلقيه كل يوم من مجتمع ل يعرف لهذه النسانة قدرها‪.‬‬
‫لكن بعض الرامل ترفض من يتقدم لخطبتها بحجج واهية‪ ،‬إما وفاًء لزوجها‪،‬‬
‫أو لئل يتضرر أولدها بزواجها‪ ،‬وهذه العذار ل تعادل مصلحة الزواج‪ ،‬بل قد‬
‫يكون في زواجها مصلحة لولدها حين تجد زوجا ً صالحا ً يقوم على رعاية‬
‫الولد‪ ،‬ويكون لهم الب البار‪ ،‬وقد يكون خيرا ً لها من زوجها الول‪.‬‬
‫‪ -6‬حقوق المطلقة والرملة المالية‪:‬‬
‫المطلقة إذا كانت رجعية‪ ،‬وهي التي يحق لزوجها مراجعتها دون عقد جديد‪،‬‬
‫فحكمها حكم الزوجة‪ ،‬لها ما لها من الحقوق المالية‪ ،‬فيجب لها التي‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -1‬النفقة‪ ،‬والسكنى من مال الزوج لعموم قوله تعالى "وعلى المولود ‪-‬له‬
‫رزقهن وكسوتهن بالمعروف" وقوله تعالى‪" :‬أسكنوهن من حيث سكنتم من‬
‫وجدكم ول تضاروهن لتضيقوا عليهن" وذلك مدة عدتها‪ ،‬حسب يسر الزوج‬
‫وعسره وبحسب حال الزوجة وما يصلح لمثالها مما جرى به العرف والعادة‪،‬‬
‫فحق العشرة بينهما ل يزال قائمًا‪ ،‬وهل جزاء الحسان إل الحسان‪ ،‬والله‬
‫تعالى يقول‪" :‬ول تنسوا الفضل بينكم"‪.‬‬
‫والمطلقة البائن‪ ،‬إن كانت حامل ً فلها النفقة من أجل الحمل حتى تضع‪ ،‬وإن‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كانت غير حامل فل نفقة لها لكونها أجنبية منه‪ ،‬ولنفصام عقدة النكاح بينهما‪.‬‬
‫‪ -2‬وللمطلقة أيضًا‪ :‬حق المتعة‪ ،‬وهو‪ :‬مال زائد على النفقة يدفعه الزوج لمن‬
‫طلقها قبل الدخول بها‪ ،‬جبرا ً لخاطرها‪ ،‬وهو من محاسن الدين السلمي قال‬
‫تعالى‪" :‬ل جناح عليكم إن طلتقم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن‬
‫فريضة‪ ،‬ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا ً بالمعروف‬
‫حقا ً على المحسنين"‪.‬‬
‫فهذه الية دلت على استحقاق المطلقة المتعة إذا لم يدخل بها زوجها‪ ،‬ولم‬
‫يفرض لها المهر‪.‬‬
‫وتستحب المتعة في حق غيرها من المطلقات لعموم قوله تعالى‪:‬‬
‫"وللمطلقات متاع بالمعروف حقا ً على المتقين"‪.‬‬
‫وهذا الحق المالي للمطلقة قد غفل عنه كثير من الناس اليوم‪ ،‬وقل في‬
‫الزمن الحاضر من يؤدي متعة النساء‪ ،‬لن غالب النساء تنشد السلمة‬
‫والتسريح بإحسان قطعا ً للنزاع والخصومة‪ .‬وقد أرشد الله المؤمنين بقوله‪:‬‬
‫"يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‬
‫فما لكم عليهن من عدة تعتدونها‪ ،‬فمتعوهن وسروحهن سراحا ً جمي ً‬
‫ل"‪.‬‬
‫ويقول جل شأنه مخاطبا ً نبيه محمدا ً –صلى الله عليه وسلم‪" -‬يا أيها النبي‬
‫قل لزواجك إن كنتن ترون الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن‬
‫سراحا ً جمي ً‬
‫ل"‪.‬‬
‫‪ -3‬حق الصداق‪ :‬وهو المهر المسمى؛ كله إن طلقها بعد الدخول‪ ،‬وبعد‬
‫تسمية المهر في العقد‪ ،‬فيجب لها كامل المهر‪ ،‬ول يحل للزوج أن يأخذ منه‬
‫شيئا ً إل برضاها‪ ،‬قال تعالى‪" :‬وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم‬
‫إحداهن قنطارا ً فل تأخذوا منه شيئًا‪ .‬أتأخذونه بهتانا ً وإثما ً مبينًا‪ ،‬وكيف تأخذونه‬
‫وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا ً غليظًا"‪.‬‬
‫فإن كان الطلق بسبب سوء عشرتها وكراهيتها له‪ ،‬فله أن يأخذ ما أعطاها؛‬
‫لقوله تعالى‪" :‬فإن خفتم أل يقيما حدود الله فل جناح عليهما فيما افتدت به"‪.‬‬
‫* أما إن طلقها قبل الدخول وبعد تسمية المهر فيجب لها نصف المهر‬
‫المسمى في العقد‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‬
‫وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"‪.‬‬
‫* وإن طلقها بعد الدخول‪ ،‬وقبل تسمية المهر فهذه يجب لها مهر المثل‬
‫لقوله تعالى‪" :‬فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة"‪.‬‬
‫فليتق الله كل زوج في طلقته‪ ،‬ول يهضم شيئا ً من حقها الذي فرضه الله لها‪.‬‬
‫‪ -4‬حق الرث‪:‬‬
‫فالمطلقة الرجعية‪ ،‬إذا مات زوجها في عدتها ترثه كغيرها من الزوجات‪ ،‬فلها‬
‫نصيبها الذي فرضه الله لها‪ ،‬ول يجوز النقص منه‪ ،‬أو المساومة عليه إل‬
‫برضاها‪ ،‬وما نسمعه في بعض المجتمعات من حرمان الزوجة من الميراث‬
‫تبعا ً لرغبة الزوج وهواه‪ ،‬هذا خلف الشرع‪ ،‬وأمر باطل وتعد على حدود الله‪،‬‬
‫وما فرضه الله ل يجوز لي مخلوق أن يبطله‪.‬‬
‫‪ -5‬الحقوق المالية التي في ذمة الزوج‪:‬‬
‫فللمطلقة كامل حقوقها المالية الواجبة في ذمة الزوج‪ ،‬كالقروض‪ ،‬والديون‬
‫من عقار ونحوه‪ .‬فبعض النساء تدفعها الثقة العمياء بالزوج فيستولي على‬
‫كل أموالها‪ ،‬وعند طلقه لها‪ ،‬ترجع إلى أهلها بخفي حنين‪ ،‬بعد أن جحد مالها‬
‫وظلمها حقها‪ ،‬والظلم ظلمات يوم القيامة‪ ،‬وهل جزاء الحسان إل الحسان‪.‬‬
‫والمرأة بطبيعتها عاطفية فقد يتوسل إليها الزوج بأن تعطيه أموالها ليتاجر‬
‫فيها حتى إذا استولى على كل ما لديها طلقها‪ ،‬ومنعها حقها‪ ،‬وذهبت أموالها‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سدى بسبب إهمال الزوجة وتساهلها‪ ،‬وظلم الزوج‪.‬‬


‫وهناك قصة واقعية لحدى المطلقات‪ ،‬تقول‪ :‬عشت مع زوجي خمس سنوات‬
‫في غاية التفاهم‪ ،‬والسعادة‪ ،‬والتعاون على ظروف المعيشة‪ ،‬حتى أني أسلم‬
‫له مرتبي الشهري في يده كل شهر‪ ،‬مناولة دون إيصال‪ ،‬مما ساهم في بناء‬
‫مسكن جيد لنا ولولدنا‪ ،‬وبعد الفراغ من البناء فاجأني بالطلق وتزوج بأخرى‬
‫لتسكن في البيت الذي شيدت معظمه برواتبي‪ ،‬وذهبت إلى أهلي صفر‬
‫اليدين في غاية الحزن والكآبة والندم على تفريطي‪ ،‬والسى على زوج ل‬
‫يعرف معروفًا‪ ،‬ول ينكر منكرًا‪.‬‬
‫فهذه القصة وأمثالها تصور لنا حال بعض الزواج الذين ظلموا زوجاتهم‪،‬‬
‫وأكلوا أموالهن بغير حق‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫كذلك الرملة‪:‬لها حقوق مالية بعد وفاة زوجها‪ ،‬فلها حق الرث من ماله‪ ،‬ول‬
‫يجوز الخذ منه إل برضاها‪ ،‬وإن لم يخلف زوجها مال ً يكفيها ويكفي أولدها‪،‬‬
‫فلها حق الصدقة‪ ،‬والبر والحسان‪ ،‬ومد يد العون والمساعدة من المحسنين‪،‬‬
‫وهذا واجب إنساني وقربة إلى الله ‪-‬عز وجل‪ -‬فكم من أرملة تعاني من‬
‫الفقر والمسكنة وضيق ذات اليد‪ ،‬والحاجة إلى السكن‪ ،‬وقد تقدم قول النبي‬
‫–صلى الله عليه وسلم‪" -‬الساعي على الرملة والمسكين كالمجاهد في‬
‫سبيل الله"‪.‬‬
‫‪ -7‬حق المطلقة في الحضانة‪:‬‬
‫للمرأة المطلقة حق حضانة طفلها‪ ،‬ولها حق النفقة من أجله في الحولين‪.‬‬
‫ول يحق للزوج أن يأخذ ولدها منها‪ ،‬قال تعالى‪" :‬ل تضار والدة بولدها ول‬
‫مولود له بولده"‪.‬‬
‫ومتى تم فطام الطفل فللم المطلقة حق حضانته حتى يبلغ سبع سنين‪ ،‬ما‬
‫لم تتزوج الم‪ ،‬فإن تزوجت سقطت حضانتها لقول النبي –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬للمرأة التي سألته حضانة ولدها "أنت أحق به ما لم تنكحي"‪.‬‬
‫وإنما جعل السلم حق الحضانة للم؛ لنها هي التي تمده بحنانها وتسهر على‬
‫راحته ومصلحته‪ ،‬وتصبر على أذاه‪ ،‬وهي مصدر غذائه ورعايته‪.‬‬
‫وإذا تم للولد سبع سنين في حضانة أمه‪ ،‬فإن كان غلما ً خير بين أبيه وأمه‪،‬‬
‫فكان مع من اختار منهما‪ ،‬أما النثى فهي بعد السابعة تكون عند أبيها حتى‬
‫تتزوج في أحد القوال؛ لنه أحفظ لها وأحق بوليتها من غيره‪.‬‬
‫لكن بعض الزواج ينتقم من الم بمنعها من رؤية ولدها منذ الطفولة من باب‬
‫الضرار بها دون وازع من دين أو ضمير‪ ،‬حتى شكل هذا المر ظاهرة لدى‬
‫المحاكم الشرعية لكثرة القضايا من هذا النوع‪ ،‬فكم من مطلقة تعاني مرارة‬
‫بعدها عن ولدها وما يلقيه هذا المسكين من العذاب والحرمان بسبب بعده‬
‫عن أمه‪ .‬وقد يكون تحت زوجة أبيه التي ل ترحم فيزيد ذلك من عنائه‬
‫وعذابه‪.‬‬
‫فليتق الله أولئك الباء الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة‪،‬‬
‫فالحضانة حق للم بحكم الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ول يجوز لحد‬
‫التعدي على حدود الله‪ ،‬ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه‪.‬‬
‫تقول إحدى المطلقات‪:‬إن لي بنتا ً ل أراها إل في السنة مرة واحدة‪ ،‬أو في‬
‫يوم العيد‪ ،‬ناهيك عن النزاع والشقاق الذي يحدث بين أهل الزوج وأهل‬
‫الزوجة بسبب هذا الطفل المسكين الذي أصبح ضحية بين أبويه ل يشعر‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالستقرار عند أحدهما تتنازعه اليدي من كل جانب‪" ،‬أفحكم الجاهلية يبغون‬


‫ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون"‪.‬‬
‫‪ -8‬أسباب حالت الطلق في العصر الحاضر‪:‬‬
‫وهل ترون عدد المطلقات الن أكثر من ذي قبل؟‬
‫يرجع الطلق بين الزوجين إلى عدد من السباب منها ما يرجع إلى الزوج‪،‬‬
‫ومنها ما يرجع إلى الزوجة‪ ،‬ومنها ما يرجع لهما معًا‪ .‬ومن أهم تلك السباب‬
‫في الوقت الحاضر‪:‬‬
‫‪ -1‬التسرع في الختيار من الجانبين‪ ،‬وعدم الدقة في التحري‪ ،‬فبعض الشباب‬
‫ل‪ ،‬ويغفلون عما هو أهم من‬ ‫عند الختيار يركزون على جانب واحد كالجمال مث ً‬
‫ل‪ ،‬فتريد زوجا ً غنيا ً‬
‫ذلك‪ .‬وبعض الفتيات تركز على جانب واحد كالمال مث ً‬
‫وتغفل عما هو أهم من ذلك فينتج عن هذا التسرع وعدم التحري خلف في‬
‫المستقبل‪ ،‬شقاق ونزاع‪ ،‬يؤدي بهما إلى الطلق المبكر‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -2‬عدم رؤية المخطوبة والخاطب‪ ،‬مع أنه أمر مباح شرعا ففي غياب الرؤية‬
‫الشرعية مشاكل كثيرة‪ ،‬وقد قال الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬للمغيرة‪:‬‬
‫"انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" ومن منع الرؤية فهو جاهل بالشرع‪،‬‬
‫ويقود إلى مشاكل ل تحمد عقباها تنتهي في النهاية بالطلق‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم التكافؤ بين الزوجين من حيث المستوى العقلي‪ ،‬والثقافي‪،‬‬
‫والجتماعي‪ ،‬فاختلف الطباع يؤدي إلى الشقاق‪ ،‬والنزاع مما يؤدي إلى‬
‫الطلق‪.‬‬
‫‪ -4‬ارتكاب المعاصي‪ ،‬فكم من زوجة‪ ،‬تركت زوجها لنه ل يصلي‪ ،‬أو لنه‬
‫يتعاطى المخدرات‪ ،‬أو يتعامل بالربا‪ ،‬فتصبر الزوجة مدة من الزمن ترجو‬
‫توبته وهدايته‪ ،‬فإذا نفذ صبرها طلبت الطلق‪.‬‬
‫‪ -5‬سوء العشرة الزوجية من الزوج‪ ،‬أو الزوجة‪ ،‬والظلم‪ ،‬والجهل‪ ،‬وعدم‬
‫النصاف‪ .‬كمن يضرب زوجته عند أتفه السباب‪ ،‬أو لكونها لم تنجب له ولدا‪ً،‬‬
‫فيحتدم الخلف بينهما وينتهي بالطلق‪.‬‬
‫تقول إحدى السيدات‪ :‬تزوجت منذ عشر سنين‪ ،‬وأنجبت أربع بنات ثم تغير‬
‫علي زوجي وهددني بالطلق إن لم أنجب له ولدا ً ذكرًا‪ ،‬وتزوج من ثانية‬
‫فأنجبت له بنتين‪ ،‬وحاولت إقناعه بأن هذه مشيئة الله ولكن ل فائدة‪.‬‬
‫‪ -6‬الغيرة المفرطة من جانب الزوج أو الزوجة‪ ،‬فإنها تؤدي إلى هدم البيوت‬
‫إذا زادت عن حدها المألوف‪ ،‬ووصلت إلى حد الشك بأحد الزوجين‪ ،‬والصل‬
‫في الحياة الزوجية الثقة المتبادلة‪ ،‬وحسن الظن‪ ،‬والمودة‪ ،‬والرحمة‪ ،‬والله‬
‫تعالى يقول‪" :‬يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا ً من الظن إن بعض الظن إثم‬
‫ول تجسسوا" والقصد العتدال في الغيرة كما كانت عليه أمهات المؤمنين‪.‬‬
‫تقول إحدى المطلقات‪ :‬تزوجت من زوج طبيعة عمله تحتم عليه الختلط‪.‬‬
‫وكنت أشعر بغيرة عمياء من كل تصرفاته‪ ،‬فساءت علقتي به وطلبت‬
‫الطلق ورجعت إلى بيت أهلي مع طفل يبلغ ثلث سنوات‪ ،‬ولقد ندمت أشد‬
‫الندم على ما فعلته‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فالندم شعور يلحق المطلقة ويلحق الكثير من الرجال بسبب اتخاذهم هذه‬
‫الخطوة بسبب الغضب وعدم التروي‪ ،‬والشيطان حريص على أن يفرق بين‬
‫الرجل وزوجته‪ ،‬كما جاء في صحيح مسلم أنه يرسل أعوانه ويدني منه‬
‫أشدهم فتنة حتى إذا قال ما تركته حتى فرقت بينه وبين زوجته قال نعم أنت‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويدنبه منه‪.‬‬
‫وهناك أسباب أخرى للطلق حسب حال الزوج والزوجة‪.‬‬
‫أما عن عدد المطلقات فهذا ل يمكن معرفته إل عن طريق الجهات‬
‫المسؤولة عن هذا الجانب في كل بلد بحسبه‪ .‬فالطلق ظاهرة اجتماعية‬
‫دولية يزيد وينقص بحسب ظروف البلد الجتماعية والقتصادية‪ ،‬لكن‬
‫الدراسات أثبتت أن نسبة الطلق في العصر الحاضر أكثر من ذي قبل وأنه‬
‫يقل كلما تقادم العمر بالزوجين‪ ،‬فأكثر حالت الطلق تقع في السنوات‬
‫الولى من الزواج‪.‬‬
‫ول شك أن تطور وسائل التصال في العصر الحاضر‪ ،‬مع تنوع المفاهيم‬
‫ودعوى الستقلل والحرية كل ذلك له دور في زيادة نسبة المطلقات إذا لم‬
‫تقابل هذه المور بروية وحكمة وتعقل‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫حقوق السرى في السلم‬


‫د‪ .‬صالح بن عبدالله الشثري* ‪20/6/1423‬‬
‫‪29/08/2002‬‬
‫تعد قضية حقوق النسان من أهم القضايا المعاصرة التي تشغل أذهان‬
‫المفكرين وفلسفة الخلق منذ قرون‪ ،‬لنها من أهم المهمات وأوجب‬
‫الواجبات التي تتطلع إليها البشرية‪ ،‬فهي السند الذي يساهم في تدعيم‬
‫الحقوق النسانية للفراد والمجتمعات‪ ،‬وفي شتى مجالت الحياة سواء‬
‫القتصادية أو السياسية‪ ،‬أو في ظروف الحروب والصراعات‪.‬‬
‫وفي هذا العصر ‪-‬عصر المدنية‪ ،‬عصر الحضارة؟ا‪ -‬أصبحت هذه القضية هي‬
‫أم القضايا‪ ،‬فما وقع في )هورشيما ونجزاكي( اليابانية‪ ،‬و)صبرا وشاتيل(‬
‫اللبنانية‪ ،‬و)حلبجة( العراقية‪ ،‬وفي البوسنة والهرسك‪ ،‬وفي كوسوفا‪ ،‬وكشمير‬
‫والشيشان‪ ،‬وآخرها )جنين( الفلسطينية‪ ،‬وغيرها كثير‪...‬يجعل النسان يقف‬
‫حيرانًا‪ ،‬ويتساءل أين حقوق النسان؟‪ ،‬والجواب في الحقيقة واضح‬
‫كالشمس‪ ،‬إنها الحرب التي تجعل النسان ينسى إنسانيته ومبادئه وأخلقه‪،‬‬
‫إنه الطرف القوى الذي ينسى ضميره‪ ،‬إنها النفس الشريرة التي تبحث عن‬
‫الدماء والشلء من دون تمييز‪.‬‬
‫وفي ظل التخبط العمى للسياسة الدولية أصبح السلم في هذا الزمن‬
‫متهما ً بعدم العناية بحقوق النسان‪ ،‬وتأصيل تلك الحقوق ‪ ،‬وهذا يتطلب بيان‬
‫تلك الحقوق‪ ،‬وإيضاح موقف السلم منها‪ ،‬وبيان سماحته وعدله ورحمته‬
‫بالبشر‪ ،‬الذي قرر منذ أربعة عشر قرنا ً أن للنسان حقوقا ً ينبغي أن تراعى‪،‬‬
‫كما أن عليه واجبات ينبغي أن تؤدى‪ ،‬وهي في الحقيقة ل يغفلها ول يتجاهلها‬
‫كل منصف‪ ،‬وكل باحث عن الحقيقة‪.‬‬
‫وقبل الخوض في تفاصيل حقوق السرى في السلم أود أن أشير إلى أن‬
‫القرآن الكريم حوى الفكار الساسية المهمة‪ ،‬وترك تفاصيلها وممارستها‬
‫وتطبيقاتها للمة وفق ضوابط الشريعة السلمية‪ ،‬فاهتم بالكليات وفتح‬
‫المجال لعقول علماء السلم‪ ،‬وهو بذلك قد حاز قصب السبق على غيره من‬
‫الديان الخرى‪ ،‬وحتى القوانين الوضعية‪ .‬كما أن حقوق النسان في السلم‬
‫تقوم على أساس متين من الحرية والعدالة ‪ ،‬ولجل ذلك حرم الله الظلم‬
‫والعتداء وشّنع على أهله وتوعدهم بالعذاب الليم‪ ،‬كما أن العقل والواقع‬
‫يشهد بأنه ل توجد دولة أو تشريع يعطي حرية مطلقة بحيث يتصرف النسان‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من تلقاء نفسه بل قيود أو ضوابط‪ ،‬هذا ل يوجد على ظهر الرض‪ ،‬ول يقول‬
‫به أحد من البشر‪ ،‬ولجل ذلك تضع كل دولة أو أمة قيودا ً وضوابط لهذه‬
‫الحرية حسب قانونها الذي تحكم به‪ ،‬أما أمة السلم فمصدر حريتهم نابع من‬
‫كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ .‬ولجل ذلك أعطى السلم‬
‫الناس حريتهم في حدود في القول والفعل‪ ،‬وحرم عليهم الغيبة والنميمة‪،‬‬
‫والبهتان وقول الزور والقذف والستهزاء‪.‬‬
‫ً‬
‫إن الحروب تعد أكثر الظواهر البشرية تأثيرا على القيم النسانية‪ ،‬لنها سبب‬
‫في إهدار حياة الفراد والمجتمعات‪ ،‬فيصبح النسان ل قيمة له‪ ،‬وهو ما‬
‫يتطلب حاجة البشر للتغلب على هذه الظاهرة وضبط أحكامها بصورة تراعي‬
‫القيم النسانية الخالدة‪ .‬والحق أن ظاهرة السرى تعد من أهم الظواهر‬
‫الناتجة عن الحروب في قسوتها ومجافاتها للقيم الخلقية‪.‬‬
‫لقد وضع السلم للحروب نظاما ً متميزًا‪ ،‬وتفصيل ً دقيقا ً لسبابها‪ ،‬ووسائلها‬
‫وغاياتها‪ ،‬ومن ينظر لحكام الحرب في التشريع السلمي يرى أن السلم‬
‫كان له قدم السبق في تنظيم هذه الظاهرة‪ ،‬فل عجب ول غرابة من دين‬
‫اتسم بالرحمة والنسانية أن يفرض الرحمة والنسانية في معاملة أسرى‬
‫الحرب‪ ،‬في وقت كانت فيه جميع المم الخرى تقتل السرى أو تستعبدهم‪.‬‬
‫وإن من يتأمل تراث السلم في مسألة السرى‪ ،‬ويطلع على ما دونه علماء‬
‫السلم عن السرى وحقوقهم في السلم يلحظ بجلء أن السلم يجنح‬
‫باستمرار إلى تغليب الجانب النساني في معاملة السرى‪ ،‬والهم من ذلك‬
‫أن السلم أخضع معاملة السرى لنظام محكم وتشريع مدون‪ ،‬ل يجوز بأي‬
‫حال من الحوال تجاوزه أو التعدي عليه ل سيما تحت ضغط الحالت النفسية‬
‫المتوترة التي تولدها الحروب والنتصارات‪.‬‬
‫ولنا أن نسأل عن تعريف السير؟ فنقول ‪ :‬إن السير هو الحربي الذي أسر‬
‫في حال الحروب مع المسلمين‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬السرى هم الرجال الذين‬
‫يقعون في قبضة عدوهم أحياء في حال الحرب‪ ،‬وفي الفقه يطلق أسرى‬
‫الحرب على العداء المحاربين الذين أظهروا العداوة للسلم وصمموا على‬
‫محاربته بالعمل‪ ،‬فسقطوا في أيدي المسلمين المجاهدين الذين أرادوا إعلء‬
‫كلمة الله تعالى‪.‬‬
‫وبهذا يدخل كل من يحمل السلح ضد السلم‪ ،‬وهو قادر على الحرب‪ ،‬سواء‬
‫أكان جنديا ً أصليًا‪ ،‬أو متطوعًا‪ ،‬أو مرتزقًا‪ ،‬أو جاسوسًا‪ ،‬فيخرج الطفال‬
‫والشيخ والنساء‪ ،‬والرهبان والفلحين ومطلق العجزة‪ ،‬فلهم معاملة خاصة‪.‬‬
‫وسأجمل الحديث عن هذا الموضوع المتشعب في أمور أرى أنها الولى‬
‫بالبيان والتوضيح‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫المر الول‪ :‬أن السرى يقعون في أيدي أعدائهم كما تقع الغنائم في أيدي‬
‫المحاربين‪ ،‬ولكن الحقيقة التي يجب أل تغيب أن الصل في النسان الحرية‪،‬‬
‫ولجل ذلك قرر السلم بسماحته وعدله أنه ل يجوز أسر كل من تقع عليه‬
‫أيدي المسلمين من الكافرين‪ ،‬وإنما يكون ذلك فقط حيث تكون الحرب‬
‫وحيث يكون المحاربون‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد وضع فقهاء السلم أوصافا لمن يجوز أسره‪ ،‬وشروطا لوقوع السر حتى‬
‫أصبح له نظام وحدود معروفة ومدونة في الشريعة السلمية قبل أن يعرفها‬
‫فقه القانون الدولي الحديث بقرون‪ ،‬بل لما ظهرت تشريعات السرى في‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القانون الدولي كان للفقه السلمي نظرياته الخاصة به‪ ،‬والتي تلتقي بالفقه‬
‫الدولي أحيانا ً وتختلف عنه أحيانا ً أخرى‪.‬‬
‫لقد وردت نصوص كثيرة في القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية الشريفة تحث‬
‫على معاملة السرى معاملة حسنة تليق به كإنسان‪ ،‬يقول الله تعالى في‬
‫سورة النفال‪) :‬يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من السرى إن يلم الله في‬
‫قلوبكم خيرا ً يؤتكم خيرا ً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم(‪ ،70‬فإذا‬
‫كان المولى سبحانه يعد السرى الذين في قلوبهم خير بالعفو والمغفرة‪ ،‬فإن‬
‫المسلمين ل يملكون بعد هذا إل معاملتهم بأقصى درجة ممكنة من الرحمة‬
‫والنسانية‪.‬‬
‫لقد قرر السلم بسماحته أنه يجب على المسلمين إطعام السير وعدم‬
‫تجويعه‪ ،‬وأن يكون الطعام مماثل ً في الجودة والكمية لطعام المسلمين‪ ،‬أو‬
‫أفضل منه إذا كان ذلك ممكنًا‪ ،‬استجابة لمر الله تعالى في قوله في سورة‬
‫النسان‪) :‬ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ً ويتيما ً وأسيرًا(‪ ،8:‬ويروى أنه‬
‫صلى اله عليه وسلم أطعم بعض السرى ورواهم بيده الكريمة‪ ،‬ويقول أبو‬
‫عزيز بن عمير‪ ،‬وكان أحد أسرى بدر حول معاملته‪" :‬كنت في رهط النصار‬
‫دموا غذاءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا‬ ‫حين أقبلوا من بدر‪ ،‬فكانوا ق ّ‬
‫التمر‪ ،‬لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا‪ ،‬فما تقع في يد‬
‫ي‬
‫رجل منهم كسرة خبز إل نفحني بها فأستحي فأردها على أحدهم فيردها عل ّ‬
‫وما يمسكها"‪.‬‬
‫كما قرر السلم بسماحته وعدله ورحمته أنه يجب معاملة السير بالحسنى‬
‫وعدم إهانته أو إذلله‪ ،‬روى الطبراني عن أبي عزيز أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬استوصوا بالسارى خيرًا"‪ ،‬ولما رأى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أسرى يهود بني قريضة موقوفين في العراء في ظهيرة يوم‬
‫قائظ‪ ،‬قال مخاطبا ً المسلمين المكلفين بحراستهم‪" :‬ل تجمعوا عليهم حّر هذا‬
‫اليوم وحّر السلح‪ ،‬قَّيلوهم حتى يبردوا" ومن هذا المنطلق ل يجوز تعذيب‬
‫السير لجل الحصول على معلومات عسكرية عن جيش العدو‪ ،‬فقد سئل‬
‫ذب السير إن رجي أن يدل على عورة العدو؟ فقال‪:‬‬ ‫مالك رحمه الله‪" :‬أُيع ّ‬
‫ما سمعت بذلك"‪ .‬إنها سماحة السلم ورحمته التي لم يبلغها القانون الدولي‬
‫النساني المعاصر‪ ،‬وأخص بذلك معاهدات جنيف ‪1929‬م‪1949 ،‬م ولهاي‬
‫لحقوق النسان‪ ،‬وحقوق أسرى الحروب‪.‬‬
‫ومن الواجبات التي قررها السلم كسوة السير كسوة لئقة به تقيه حر‬
‫الصيف وبرد الشتاء‪ ،‬فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫حديث جابر رضي الله عنه أنه لما كان يوم بدر أتي بالسارى‪ ،‬وأتي بالعباس‬
‫ولم يكن عيه ثوب‪ ،‬فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد قميص عبد‬
‫الله بن أبي بن الحارث يقدر عليه فكساه إياه‪ ،‬كما ورد انه عليه السلم كسا‬
‫بعض السارى من ملبسه‪.‬‬
‫ومن الحقوق التي قررها السلم للسير حقه في ممارسة شعائر دينه خلل‬
‫فترة أسره )الهندي‪.(205 :‬‬
‫المر الثاني‪ :‬عند استقراء أحكام السرى التي وقعت في غزوات الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والسرايا التي قام بها أصحابه نجد أن مصير السرى‬
‫حدد في أمرين‪ ،‬أحدهما العفو والمن‪ ،‬والخر الفداء‪ ،‬وقد أكد عليهما العلماء‪،‬‬
‫كما ورد في الية الكريمة التي تحكم الوضع الشرعي للسرى غير المسلمين‬
‫في دولة السلم في سورة محمد‪):‬فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب‬
‫ما فداء حتى تضع الحرب أوزارها( ‪،4:‬‬ ‫حتى إذا أثخنتموهم فإما من ّا ً بعد وإ ّ‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومعنى الية أن على المجاهدين المسلمين عند لقائهم بالكفار في ساحة‬


‫الوغى أن يعملوا السيف في رقابهم‪ ،‬وبعد إثخانهم بالجراح وإنهاكهم إلى‬
‫درجة الوهن‪ ،‬عليهم القبض عليهم وتقييدهم والتحفظ عليهم حتى تضع‬
‫الحرب أوزارها‪ ،‬وعند ذلك يحق للمسلمين المن عليهم بإطلق سراحهم‬
‫بدون أي مقابل أو مفاداتهم بمال‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أما الول فهو العفو عن السير وإطلق سراحه مجانا ً دون مقابل‪ ،‬وقد حكم‬
‫به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في كثير من غزواته‪ ،‬كما هو مدون‬
‫في سيرته عليه السلم‪ ،‬ول غرو في ذلك فإن الله سبحانه بدأ بالمن عندما‬
‫قال‪) :‬فإما منا ً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها(‪ ،‬ومدح من يتصف‬
‫بصفة العفو والصفح‪):‬وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم(‪،‬‬
‫وهكذا كان العفو هو الول لنه من شيمة المصطفى صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫حتى إنه كان يطلق السير بمجرد بسيط‪ ،‬أو تدخل رجل من المؤمنين يطلب‬
‫حرية السير‪ ،‬وكان عليه السلم يتمنى أن يتدخل أحدهم‪ ،‬حتى إنه تمنى حياة‬
‫أحد الكفار من الذين ماتوا ليتدخل في أسرى بدر ليطلق سراحهم‪ ،‬وهو‬
‫المطعم بن عدي‪ ،‬كل هذا وذاك يدل دللة أكيدة ما للعفو من قيمة ومن‬
‫قدسية‪ ،‬ولجل ذلك حث السلم الناس على تطبيق هذه الصفة‪ ،‬وأعظم‬
‫التطبيق حين يكون ذلك مع أسرى الحرب‪.‬‬
‫أما الثاني وهو فداء أسرى الحرب ‪ :‬فالسير إما أن يفدي نفسه بالمال‪ ،‬كما‬
‫وقع ذلك في أسرى غزوة بدر الكبرى‪ ،‬أو يفدى برجل مسلم أسير عند‬
‫الكفار‪ ،‬ولم يقتصر الرسول صلى الله عليه سلم على الفداء بالمال والرجال‪،‬‬
‫بل جعل الفداء بتعليم السير أولد المسلمين الكتابة والقراءة‪ ،‬وهذه أسهل‬
‫مهمة بالنسبة للسير ولم يسبق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذا‬
‫يدل على ما لهذا الدين من تطلع إلى الحرية وإلى محاربة الجهل الفكري‬
‫والعتقادي على حد سواء‪ ،‬وأنه يتطلع إلى دولة العلم والتفكير الصحيح‬
‫والعتقاد بالتوحيد‪ ،‬وللسف فإن النسانية لم تنتبه حتى يومنا هذا إلى هذا‬
‫الحكم النبوي الكريم الذي طبقه سيد الخلق عليه أفضل الصلة والسلم منذ‬
‫أربعة عشر قرنًا‪ ،‬في وقت لم تكن للثقافة قيمة ول للسير حاجة‪ ،‬ول توجد‬
‫جمعيات دولية أو منظمات تهتم بالسرى‪.‬‬
‫وقد ذكر بعض العلماء أن القتل يعد خيارا ً ثالثًا‪ ،‬لكن الصحيح أن القرآن‬
‫الكريم ليس فيه أي نص يبيح قتل السير لمجرد أنه أسر‪ ،‬ورأي الفقهاء‬
‫مستقر على أن التي في سورة النفال‪) :‬وما كان لنبي أن يكون له أسرى‬
‫حتى يثخن في الرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة(‪ ،67:‬تتعلق‬
‫بواقعة معينة أراد بها المسلمون أن يأخذوا أسرى رغبة في مفاداتهم بالمال‪،‬‬
‫وذلك قبل تحقق الهدف الساسي من المعركة وهو إعلء كلمة الله‪ ،‬وقال‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل يعترض أحدكم أسير أخيه فيقتله"‪،‬‬
‫والخبار في ذلك كثيرة جدًا‪ ،‬مما يضيق المقام بذكره‪.‬‬
‫المر الثالث والخير ‪ :‬وهو مسألة التطبيق‪ ،‬فالتطبيق هو النتيجة وهو الثمرة‬
‫لهذه الحقوق‪ ،‬فما جاء به السلم‪ ،‬وما هو مدون في النظمة والتشريعات‬
‫الدولية عن السرى‪ ،‬أمر ل يختلف عليه اثنان‪ ،‬فليس هناك جهل بالنظمة ول‬
‫بالقوانين‪ ،‬ولكن للسف ل يلتفت لتلك الحقوق وتلك النظمة‪ ،‬إنها حكاية‬
‫تسلط القوي علىالضعيف‪ ،‬فأين المبادىء والخلق؟‪ ،‬أين القيم والمثل‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النسانية؟‪ ،‬إن الواقع ليشهد‪ ،‬ويزخر بالشواهد التي تعد عارا ً على جبين‬
‫النسانية‪ ،‬هذه الشواهد لم تأتي من دول متسلطة فحسب‪ ،‬بل مع تسلطها‬
‫تدعي الحرية‪ ،‬والمثالية في رعاية حقوق النسان‪ ،‬بل وحقوق الحيوان‪،‬‬
‫وأكتفي بما يحصل الن في )قنتنامو( الجزيرة الكوبية من أعظم دول العالم‬
‫قوة‪ ،‬وأعظم دول العالم مطالبة بحقوق النسان حيث تضع السرى‬
‫المشكوك في أمرهم في أقفاص كأقفاص القردة‪ ،‬في الخلء‪ ،‬وبمعاملة ل‬
‫تعامل بها الحيونات فضل ً عن النسان‪ ،‬والشاهد الخر ما حصل في مخيم‬
‫جنين بفلسطين المحتلة‪ ،‬فلجل مجموعة من المجاهدين الفلسطينين‪ ،‬يقوم‬
‫اليهود بإبادة المخيم عن بكرة أبية‪ ،‬وهدم البيوت على من فيها من نساء‬
‫وأطفال وشيوخ‪ ،‬ومع هذا يرفضون أي لجنة لتقصي الحقائق‪ ،‬فلك الله أيها‬
‫الشعب العزل‪ ،‬أين المنظمات النسانية؟‪ ،‬أين الضمير النساني من هذا‬
‫الفجائع؟ أين الذين يريدون حماية العالم من الرهاب؟ أين هؤلء الذين‬
‫يدعون أنهم وصلوا إلى أعلى المراتب في المحافظة على حقوق النسان‪،‬‬
‫وحقوق أسرى الحرب؟ إنه الوجه الخر الذين يغيب عن كثير من الناس‪.‬‬
‫وبهذا أل نتفق جميعا ً على أن مسألة التطبيق هي الثمرة وهي الهدف الذي‬
‫تطمح إليه وتنشده البشرية جمعاء!!‪*.‬أستاذ اللغة العربية المساعد كلية‬
‫الملك خالد العسكرية‬
‫المراجع‪:‬‬
‫‪-1‬أسرى الحرب عبر التاريخ‪ ،‬لعبد الكريم فرحان‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار طيبة‪:‬‬
‫‪1979‬م‪.‬‬
‫‪-2‬حكم أسرى الحرب في السلم ومقارنته بالقانون الدولي‪ ،‬لعبد السلم‬
‫الحسن الدغيري‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط ‪1985 ،1‬م‪.‬‬
‫‪-3‬أسرى الحرب والتزاماتهم في القانون الدولي‪ ،‬لمصلح حسن أحمد‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫ط ‪1989 ،1‬م‪.‬‬
‫‪-4‬أحكام السرى والسبايا في الحروب الصليبية‪ ،‬لعبد اللطيف عامر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط ‪1986 ،1‬‬
‫‪-5‬حقوق النسان في السلم للدكتور عبد اللطيف الغامدي‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪ ،1420‬منشورات أكاديمية نايف العربية للعلوم المنية‪.‬‬
‫‪-6‬أحكام الحرب والسلم في دولة السلم‪ ،‬للدكتور إحسان الهندي‪ ،‬ط‬
‫‪،1‬دمشق‪1993،‬م‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ ،‬أما بعد ‪ :‬فالسلم عليكم ورحمة الله‬
‫وبركاته ‪ ،‬أيها الخوة حديثنا هذه الليلة عن الخوة وحقوقها وسيكون الكلم‬
‫في النقاط التالية ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬تعريف الخوة وأنواعها‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أساليب الشارع في تحقيق الخوة السلمية ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ثمرات الخوة ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬صفات الخ المطلوب‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬الوسائل المعينة على تقوية هذه الرابطة ‪ .‬سادسا ً ‪ :‬حقوق الخوة‬
‫وآدابها ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سابعا ً ‪ :‬مكدرات الخوة ‪.‬‬


‫ثامنا ً ‪ :‬تنبيه ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬تعريف الخوة وأنواعها ‪:‬‬
‫تطلق الخوة في اللغة على القرابة في النسب والشتراك في الولدة‬
‫القريبة من الب أو الم فتقول هذا أخي لمن اشترك معك في أمك أو أبيك ‪،‬‬
‫وقد تطلق في النسب البعيد كما يقال أخو العرب كما جاء في القرآن الكريم‬
‫هودًا(( )العراف‪ . (65:‬هذا هو الصل في إطلق الخوة‬ ‫م ُ‬ ‫عاد ٍ أ َ َ‬
‫خاهُ ْ‬ ‫‪ )) :‬وَإ َِلى َ‬
‫إل أنها يمكن أن تطلق اصطلحا ً على الخوة السلمية ‪.‬‬
‫وهي الرابطة التي تجمع بين شخصين ينتميان إلى دين السلم وإن لم يكن‬
‫بينهما اشتراك في أب أو أم ‪.‬‬
‫وعلى هذا فالخوة يمكن أن يقال أنها نوعان ‪:‬‬
‫‪ -1‬الخوة في النسب‪.‬‬
‫‪ -2‬الخوة السلمية‪.‬‬
‫والثانية هي محور الكلم في هذه المحاضرة ‪.‬‬
‫مما لشك فيه أن النسان بطبعه يميل إلى الجتماع بالخرين وينفر عن‬
‫العزلة والتفرد وقد راعى السلم هذا الجانب في النسان فحثه على‬
‫الجماعة والتحاد وترك الفرقة والختلف وتعرفون الدلة على ذلك‪.‬‬
‫وكان السلف يحرصون على الجماعة واتخاذ الخوان ‪ ،‬يقول عمر ‪) :‬ما‬
‫أعطي عبد بعد السلم خيرا ً من أخ صالح فإذا رأى أحدكم ودا ً من أخيه‬
‫فليتمسك به( ‪.‬‬
‫ويقول علي ‪ ) :‬كدر الجماعة خير من صفو الفرد ( ‪ ،‬وقد قيل ‪ ):‬أعجز الناس‬
‫من فرط في طلب الخوان وأعجز منه من ضيع من ظفر بهم (‪0‬‬
‫وقال مالك بن دينار ‪ ) :‬لم يبق في الدنيا إل ثلثة‪ :‬لقاء الخوان ‪ ،‬والتهجد‬
‫بالقرآن ‪ ،‬وبيت خال يذكر الله فيه ( ‪)) ،‬والمؤمن يألف ويؤلف ول خير فيمن‬
‫ل يألف ول يؤلف(( كما جاء في الحديث ‪.‬‬
‫ويحب المسلم إخوانه المسلمين عامة ويواليهم ويناصرهم ويؤدي حقوقهم ‪،‬‬
‫إل أن هذا ل يمنع أن يتخذ المسلم إخوانا ً له من المسلمين فيخصهم بمزيد‬
‫محبة ووداد ول ينكر كونه يخص بعض المسلمين بمزيد محبة ووداد ل ينكر‬
‫عليه هذا لن ))الرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها‬
‫اختلف(( ‪.‬‬
‫كما في الحديث ‪ .‬وهذه الخوة الخاصة هي التي سنتكلم عنها في هذا‬
‫الموضوع ‪.‬‬
‫ثانيًا‪:‬أساليب الشارع في تحقيق الخوة السلمية ‪.‬‬
‫‪ -1‬الخبار عن الخوة بين المؤمنين ‪ :‬وهذا أبلغ من الطلب منهم ان يكونوا‬
‫ة(( )الحجرات‪. (10:‬‬ ‫خو َ ٌ‬
‫ن إِ ْ‬
‫مُنو َ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫إخوة فقد قال تعالى ‪ )):‬إ ِن ّ َ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وانا(( )ىل‬
‫خ َ‬‫مت ِهِ إ ِ ْ‬
‫حُتم ب ِن ِعْ َ‬ ‫‪-2‬جعلها نعمة امتن الله بها على عباده ‪ )) :‬فَأ ْ‬
‫صب َ ْ‬
‫عمران‪. (103:‬‬
‫ً‬
‫‪-3‬جعلها سبب لحصول محبة الله‪ :‬وفي الحديث )) زار رجل أخا له في قرية‬
‫فأرصد الله له ملكا ً على مدرجته فقال أين تريد قال أخا ً لي في هذه القرية‬
‫فقال هل لك عليه من نعمة تربها قال ل إل أني أحبه في الله قال فإني‬
‫رسول الله إليك أن الله أحبك كما أحببته (( ‪ ،‬وفي الحديث الخر قال الله‬
‫تعالى ‪ )) :‬حقت محبتي على المتحابين أظلهم في ظل العرش يوم القيامة‬
‫يوم لظل إل ظلي (( ‪.‬‬
‫وفي الحديث الخر قال الله تعالى ‪ )) :‬حقت محبتي للمتحابين في ‪ ،‬وحقت‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محبتي للمتواصلين في وحقت محبتي للمتناصحين في‪ ،‬وحقت محبتي‬


‫للمتزاورين في ‪ ،‬وحقت محبتي للمتباذلين في (( ‪.‬‬
‫وفي الحديث الخر قال الله تعالى ‪ )) :‬وجبت محبتي للمتحابين في ‪،‬‬
‫والمتجالسين في ‪ ،‬والمتباذلين في ‪ ،‬والمتزاورين في (( ‪.‬‬
‫‪ -4‬جعلها أوثق عرى اليمان ‪ )) :‬إن أوثق عرى السلم أن تحب في الله‬
‫وتبغض في الله (( ‪ ،‬وفي الحديث الخر )) أوثق عرى اليمان الموالة في‬
‫الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله عز وجل (( ‪.‬‬
‫‪ -5‬جعل منزلته بمنزلة من يحب ‪)) :‬أنت مع من أحببت(( وفي الحديث الخر‬
‫))المرء مع من أحب (( ‪.‬‬
‫‪-6‬ترتيب الجر العظيم عليها ‪ :‬إن الله تعالى يقول يوم القيامه ‪)) :‬أين‬
‫المتحابون بجللي اليوم أظلهم في ظلي يوم لظل إل ظلي( ‪.‬‬
‫وفي الحديث الخر ))إن المتحابين في الله في ظل العرش (( وفي الحديث‬
‫الخر )) سبعة يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إل ظله ‪ :‬إمام عادل ‪ ،‬وشاب‬
‫نشأ في عبادة الله ‪ ،‬ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه‬
‫ورجلن تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه ‪ ،‬ورجل ذكر الله خاليا‬
‫ففاضت عيناه ‪ ،‬ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال‪ :‬إني أخاف الله‬
‫رب العالمين ‪ ،‬ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لتعلم شماله ما تنفق‬
‫يمينه((‬
‫وفي الحديث الخر قال الله تعالى ))المتحابون في جللي لهم منابر من نور‬
‫يغبطهم النبيون والشهداء((‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفي الحديث الخر ))المتحابون في على منابر من نور ‪ ،‬يغبطهم بمكانهم‬


‫النبيون والصديقون والشهداء(( ‪.‬‬
‫‪-7‬جعلها وسيلة لكتساب حلوة اليمان ‪ :‬ففي الحديث )) ثلث من كن فيه‬
‫وجد حلوة اليمان ‪ :‬أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب‬
‫المرء ليحبه إل لله ‪ ،‬وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه ‪،‬كما‬
‫يكره أن يلقى في النار (( وفي الحديث الخر )) من أراد أن يجد طعم‬
‫اليمان ‪ ،‬فليحب المرء ليحبه إل لله (( وفي الحديث الخر )) من سره أن‬
‫يجد حلوة اليمان فليحب المرء ليحبه إل لله (( ‪.‬‬
‫‪-8‬تعليق الفضلية على شدتها ‪ :‬كما في الحديث )) ما تحابا اثنان في الله‬
‫تعالى إل كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه (( ‪.‬‬
‫‪-9‬جعلها وسيلة لستكمال اليمان ‪ :‬كما في الحديث )) من أحب لله وأبغض‬
‫لله ‪ ،‬وأعطى لله ‪ ،‬ومنع لله فقد استكمل اليمان(( ‪.‬‬
‫‪-10‬جعلها وسيلة لكتساب اليمان وبالتالي الدخول إلى الجنة ‪ :‬كما في‬
‫الحديث )) والذي نفسي بيده ‪،‬لتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ‪ ،‬ولتؤمنوا حتى‬
‫تحابوا ‪ ،‬أول أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلم بينكم (( ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ثمرات الخوة‪:‬‬
‫للخوة ثمرات جليلة سواء كانت مدخرة له في الخرة أم كانت معجلة له في‬
‫الدنيا ‪.‬‬
‫‪-‬فمما يدخره في الخرة ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون في ظل الله يوم لظل إل ظله ‪ :‬كما في الحديث )) إن الله‬
‫تعالى يقول يوم القيامة ‪ :‬أين المتحابون بجللي ‪ ،‬اليوم أظلهم في ظلي ‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يوم لظل إل ظلي (( ‪ ،‬وفي الحديث الخر )) إن المتحابين في الله في ظل‬


‫العرش (( ‪ ،‬وفي الحديث الخر )) سبعة يظلهم الله في ظله يوم لظل إل‬
‫ظله ‪ :‬إمام عادل ‪ ،‬وشاب نشأ في عبادة الله ‪ ،‬ورجل قلبه معلق في‬
‫المسجد إذاخرج منه حتى يعود إليه ‪ ،‬ورجلن تحابا في الله فاجتمعا على ذلك‬
‫وافترقا عليه ‪ ،‬ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه‪ ،‬ورجل دعته امرأة ذات‬
‫منصب وجمال فقال ‪ :‬إني أخاف الله رب العالمين ‪ ،‬ورجل تصدق بصدقة‬
‫فأخفاها حتى لتعلم شماله ماتنفق يمينه (( ‪.‬‬
‫‪-2‬الحصول على مكانة عالية في الخرة كما في الحديث قال الله تعالى‬
‫)) المتحابون في جللي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء (( ‪،‬‬
‫وفي الحديث الخر )) المتحابون في على منابر من نور يغبطهم بمكانتهم‬
‫النبيون والصديقون والشهداء (( ‪.‬‬
‫‪-3‬الحصول على مقام في الخرة أعلى ممايستحقه بعمله كما في الحديث ))‬
‫أنت مع من أحببت (( وفي الحديث الخر )) المرء مع من أحب (( وعندما‬
‫سمع أنس ذلك فرح فرحا شديدا لنه رجى أن يكون مع الرسول صلى عليه‬
‫وسلم وأبي بكر وعمر ‪.‬‬
‫فعندما يحب المسلم أخاه ويكون المحبوب أعلى درجة منه في الخرة فانه‬
‫يرفع المحب الى درجة المحبوب فهذا الرتفاع في الدرجة من ثمرات‬
‫الخوة ‪.‬‬
‫ومن الشياء التي تعجل له في الدنيا وهي تؤدي بدورها النتفاع الخروي ما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫‪-1‬تذوق حلوة اليمان ‪ :‬كما في الحديث )) ثلث من كن فيه وجد حلوة‬
‫اليمان ‪ :‬أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ‪ ،‬وأن يحب المرء‬
‫ليحبه إل لله ‪ ،‬وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذا أنقذه الله منه ‪ ،‬كما يكره‬
‫أن يلقى في النار(( وفي الحديث الخر )) من أحب أن يجد طعم اليمان‬
‫فليحب المرء ليحبه إل لله (( وفي الحديث الخر )) من سره أن يجد حلوة‬
‫اليمان فليحب المرء ليحبه إل لله (( ‪.‬‬
‫‪ -2‬نيل محبة الله له ‪ :‬وهذه المحبة لشك أنها تعود عليه بالنفع الدنيوي‬
‫والخروي ولعل من منافعها الدنيوية أن ينشر له القبول في الرض وتعرفون‬
‫الحديث في ذلك ‪.‬‬
‫‪-3‬اكتساب اليمان ‪ :‬كما في الحديث الذي سمعتموه )) والذي نفسي بيده ل‬
‫تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ول تؤمنوا حتى تحابوا‪ ...‬الحديث (( ‪.‬‬
‫‪-4‬استكمال اليمان ‪ :‬كما في الحديث )) من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله‬
‫ومنع لله فقد استكمل اليمان (( ‪.‬‬
‫‪-5‬العانة على الطاعة ‪ :‬إذ أنه يجد باخوانه من يعينه على طاعة الله ويكرهه‬
‫في المعاصي وهذا يعود عليه بالنفع الدنيوي والخروي ‪.‬‬
‫‪-6‬تحسين الخلق ‪ :‬وذلك لنه سيقتدي بإخوانه الصالحين الذين حسنت‬
‫أخلقهم وإذا حسن خلقه استفاد دنيويا ً وأخرويا ً يكفي أنه يحصل على احترام‬
‫الناس له في الدنيا ويحصل على درجة عالية في الخرة ‪.‬‬
‫‪-7‬تطبيق المفاهيم السلمية الجميلة والخصال الحميدة التي ليمكن تطبيقها‬
‫إل مع وجود الجماعة ‪ :‬مثل اليثار ونحوه ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ثمرات الخوة أيضا ‪:‬الثمرات الدنيوية ‪:‬‬
‫من مثل النتفاع بالخ في قضاء الحاجات والنتفاع من الخ بجاهه أو النتفاع‬
‫منه بماله وذلك بأن يواسيك أو يقرضك أو نحو ذلك ‪.‬‬
‫كذلك من الثمرات حصول النس وانشراح الصدر وتخفيف اللم والهموم‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وذلك لنك تخالط من ل تثقل عليك نفسه وفي الوقت نفسه يرغبك في‬
‫الخرة ‪.‬‬
‫كذلك من الثمرات ما يحصل لك من الستشارة لخيك اذا ترددت في أمر ما‬
‫وغيرها من الثمرات‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬صفات الخ المطلوب ‪:‬‬
‫قبل أن أبدأ بذكر صفات الخ المطلوب لبد من التنبيه إلى أربع نقاط ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫النقطة الولى ‪ :‬يشترط في الخوة المطلوبة أن تكون لله خالصة فهي لله‬
‫وفي الله أما إذا لم يتوفر هذا الشرط فانها حينئذ ل تكون أخوة إسلمية‬
‫تترتب عليها الثمرات المذكورة ومثل هذه العلقة تنقلب الى عداوة يوم‬
‫ن(( )الزخرف‪.(67:‬‬ ‫قي َ‬ ‫ض عَد ُوّ إ ِّل ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬‫مئ ِذ ٍ ب َعْ ُ‬ ‫خّلء ي َوْ َ‬ ‫القيامة )) اْل َ ِ‬
‫يقول الشاعر‪:‬‬
‫من لم تكن في الله خلته فخليله منه على خطر‬
‫النقطة الثانية ‪ :‬الناس أصناف والنسان يألف من يجانسه ويشاكله وربما‬
‫ليألف شخص مع أنه من الصالحين وإن كان هذا ل يعني أنه يكرهه ل بل‬
‫يحبه على قدر ما به من إيمان لكن ربما ل يأنس له مثل ما يأنس بمن هو‬
‫على شاكلته ‪ ،‬وعليه أن يهذب هذه العاطفه بما يتوافق مع ما يحبه الله ‪.‬‬
‫النقطة الثالثة‪ :‬اصبر نفسك مع الخيار ول تجعل الكلم السابق حجة لك‬
‫وذلك بأن تقول إني ل أرتاح للصالحين ‪ ،‬والناس أشكال وكل يؤالف شكله ‪.‬‬
‫ل ‪ ،‬الكلم السابق يسمح لك أن تخص واحدا ً من الصالحين بمزيد مودة‬
‫وصداقة بسبب أنه ل يشاكله ولكنك تنتقل عنه إلى غيره من الصالحين ول‬
‫تخرج عن دائرة الصالحين واعلم أنك إن لم تجد من نفسك ارتياحا لجميعهم‬
‫فإن في نفسك مرضا ً يجب عليك علجه وذلك بالصبر معهم حتى يقوى‬
‫إيمانك ومن ثم بالتأكيد ستألفهم أو على القل بعضهم ‪.‬‬
‫طاء وكلنا فينا عيوب وإذا كنت‬ ‫النقطة الرابعة ‪ :‬لن تجد شخصا ً كامل ً فكلنا خ ّ‬
‫تطلب أخا ً ل عيب فيه فإنك أشبه ما تكون تبحث عن سراب ولكن سدد‬
‫وقارب هناك من حسناته تغمر عيوبه وتغطيها وهناك من تزيد عيوبه وهناك‬
‫من عنده عيب تخشى منه أنت أن يؤذيك أوتقتدي به فيه فابحث عن الصديق‬
‫الذي ترى أن عيوبه مغمورة في بحر حسناته وأن هذه العيوب لتخشى منها‬
‫على نفسك‪.‬‬
‫بعد هذه النقاط الربع أقول أن للخ المؤاخي صفات ينبغي أن يتحلى بها ومن‬
‫أهم هذه الصفات‬
‫ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون مؤمنا ‪ :‬لن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ولذا‬ ‫ً‬
‫جاء في الحديث‬
‫)) ل تصاحب إل مؤمنا ول يأكل طعامك إل تقي (( ‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪ -2‬أن يكون ملتزما ً ‪ :‬بشرع الله متبعا ً لوامره مجتنبا لنواهيه كما قال سبحانه‬
‫ً‬
‫ن‬
‫دو َ‬‫ري ُ‬‫ي يُ ِ‬ ‫ش ّ‬‫داةِ َوال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ُّهم ِبال ْغَ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬‫ف َ‬ ‫صب ِْر ن َ ْ‬ ‫وتعالى ‪َ )) :‬وا ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا(( )الكهف‪ ، (28:‬وقال تعالى‬ ‫ْ‬
‫ة ال َ‬ ‫ريد ُ ِزين َ َ‬‫م تُ ِ‬ ‫ه وََل ت َعْد ُ عَي َْناك عَن ْهُ ْ‬
‫َ‬ ‫جهَ ُ‬‫وَ ْ‬
‫ي(( )لقمان‪ ، (15:‬وهذا يقتضي أل تصاحب الغافل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سِبي َ‬
‫ب إ ِل ّ‬ ‫ن أَنا َ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫)) َوات ّب ِعْ َ‬
‫ْ‬
‫عن ذِكرَِنا‬ ‫ه َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فلَنا قلب َ ُ‬ ‫ن أغ َ‬ ‫م ْ‬ ‫المعرض عن ذكر الله قال الله عز وجل )) وَل ت ُط ِعْ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حَياة َ الد ّن َْيا((‬ ‫م ي ُرِد ْ إ ِل ال َ‬ ‫عن ذِك ْرَِنا وَل َ ْ‬ ‫من ت َوَّلى َ‬ ‫عن ّ‬ ‫ض َ‬ ‫(( وقال )) فَأعْرِ ْ‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)النجم‪.(29:‬‬
‫ً‬
‫‪ -3‬إن يكون عاقل ‪ :‬فالحمق صداقته تضر أكثر مما تنفع ‪ ،‬وقديما قيل ‪ :‬عدو‬
‫عاقل خير من صديق أحمق ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫فل تعجب أخا الجهل وإياك وإياه‬
‫فكم من جاهل أردى حليما حين واخاه‬
‫يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه‬
‫‪ -4‬أن يكون حسن الخلق ‪ :‬وذلك لنك ستكثر معاشرته ومعاملته فاذا كان‬
‫سيئ الخلق ربما آذاك ولم يصبر على أخوتك بل وربما تكتسب منه هذا‬
‫الطبع السيئ ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يبادلك الشعور بهذه الخوة لنه كما ورد في الحديث )) الرواح جنود‬
‫مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف (( فإذا كان يتضايق منه‬
‫ول يفرح بمقدمه ووجدت منه إعراضا ً وجفاء فمثل هذاليصلح أن تؤاخيه ‪،‬هذا‬
‫يكفي أن يؤاخى الخوة العامة ‪ ،‬التي تكون بين المسلمين عامة‪ ،‬فأما الخوة‬
‫الخاصة فمثل هذا ل يعينك على تحقيق هذه الخوة ‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الوسائل المعينة على تحقيق هذه الخوة ‪:‬‬
‫هناك وسائل تعين الخوان على تحقيق رابطة الخوه وتقويتها ومن هذه‬
‫الوسائل مايلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إخباره بأنك تحبه لله ‪ :‬كما في الحديث )) إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه‬
‫أنه يحبه (( وبين السبب في ذلك فقال ‪ )) :‬إذا أحب أحدكم أخاه في الله‬
‫فليعلمه فإنه أبقى في اللف’ وأثبت في المودة (( ‪.‬‬
‫‪ -2‬تقوية العلقة بالله عز وجل والسعي الى الحصول على محبة الله ‪ :‬لن‬
‫الله اذا أحبك دعى جبريل فقال ‪ )) :‬إني أحب فلنا ً فأحبه فيحبه جبريل ثم‬
‫ينادي في السماء فيقول‪ :‬إن الله تعالى يحب فلنا ً فأحبوه فيحبه أهل السماء‬
‫ثم يوضع له القبول في الرض(( فإذا أحبك الله أحبك عباده ومنهم هذا الخ ‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفة ثمرات الخوة في الله ‪ :‬فإذا عرفت ثمراتها الدنيوية والخروية وما‬
‫فيها من الخير والجر سعيت الى تحقيقها وتقويتها ‪.‬‬
‫‪ -4‬معرفة سير السلف الصالح في هذه النقطة بالذات وكيف كانت أخوتهم ‪.‬‬
‫‪ -5‬مراعاة حقوق الخوة ‪ :‬لنها تزيد في الخوة وتبعدها عما يكدرها وهذا‬
‫يجرنا الى أن نتكلم عن حقوق الخوة وآدابها ‪.‬‬
‫سادسًا‪:‬حقوق الخوة وآدابها ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الساس التي تقوم عليه علقة المسلم بأخيه أن يحب له ما يحب لنفسه كما‬
‫جاء في الحديث )) ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه(( ‪ ،‬فإذا‬
‫التزم المسلم مع أخيه بهذا الساس فانه بالتأكيد سيقوم بحقوق الخوة كاملة‬
‫‪ ،‬وحقوق الخوة منها حقوق عامة يلتزم بها المسلم مع أخيه المسلم ومنها‬
‫حقوق خاصة تضاف الى الحقوق العامة تكون بين المتآخين من المسلمين ‪،‬‬
‫ومن العنوان يتضح ان هناك حقوقا ً وهناك آداب والفرق بينهما أن الحقوق‬
‫تكون واجبة والداب تكون مندوبة ‪.‬‬
‫وعموما ً سأسرد شيئا من هذه الحقوق والداب دون تمييز بينها فمنها ما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬الحقوق الستة المعروفة المذكورة في الحديث ‪ )) :‬حق المسلم على‬
‫المسلم ست ‪ :‬إذا لقيته فسلم عليه واذا دعاك فأجبه واذا استنصحك فانصح‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫له واذا عطس فحمد الله فشمته واذا مرض فعده واذا مات فاتبعه (( ‪.‬‬
‫‪-2‬اجتناب سوء الظن والتجسس والتحسس والتناجش والتحاسد والتباغض و‬
‫التدابر ‪ :‬كما جاء في الحديث )) إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ول‬
‫تجسسوا ول تحسسوا ول تنافروا ول تحاسدوا ول تباغضوا ول تدابروا وكونوا‬
‫عباد الله إخوانا‪. ((...‬‬
‫‪-3‬اجتناب ظلمه وخذله واحتقاره ‪ )) :‬المسلم أخو المسلم ليظلمه وليخذله‬
‫ول يحقره((‪.‬‬
‫‪-4‬مصافحته اذا لقيته ‪ )) :‬ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان الغفر لهما‬
‫قبل أن يتفرقا ((‪ .‬أنظر الى هذا الفضل العظيم الذي نضيعه ‪.‬‬
‫‪-5‬التبسم في وجهه ‪ )) :‬ل تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك‬
‫بوجه طلق (( ‪.‬‬
‫‪-6‬عدم إظهار الشماتة فيه ‪ )) :‬ل تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله‬
‫ويبتليك ((‪.‬‬
‫‪-7‬يوسع له في المجلس ‪ )) :‬ل يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس‬
‫فيه ولكن تفسحوا أو توسعوا‪. ((...‬‬
‫‪-8‬الرد عن عرضه ‪ )) :‬من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم‬
‫القيامة(( ‪.‬‬
‫‪-9‬دعاؤه بأحب السماء إليه ‪ :‬قال عمر ‪ ":‬ثلث يصفين ود أخيك أن تسلم‬
‫عليه اذا لقيته وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب السماء اليه "‪.‬‬
‫‪-10‬إعانته ومواساته بالمال اذا احتاج الى ذلك ‪ :‬كما في الحديث )) أن‬
‫الشعريين اذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جعلوا ما كان‬
‫عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في اناء واحد بالسوية فهم مني وانا‬
‫منهم (( ‪،‬وفي الحديث الخر)) يا معشر المهاجرين والنصار إن من إخوانكم‬
‫قوما ً ليس لهم مال ول عشيرة فليضم أحدكم اليه الرجلين أو الثلثة(( ‪ .‬وفي‬
‫الحديث الخر)) من كان معه فضل ظهر فليعد به على من ل ظهر له ((‪.‬‬
‫‪-11‬السعي في حاجته والقيام بخدمته ‪ )) :‬ومن كان في حاجة أخيه كان الله‬
‫في حاجته((‪.‬‬
‫ً‬
‫يا أخي تستطيع أن تخدم أخاك اذا كان مشغول بعمل فتساعده على إنجازه‬
‫أو يمكنك ان تقوم بشىء من أعماله ولو بتسديد الفواتير عنه‪ ،‬كذلك عند‬
‫السفر أو الرحلت والجتماعات تقوم بخدمته ومساعدته ‪ .‬وكان بعض‬
‫السلف يشترط خدمة من يذهب معه‪.‬‬
‫‪-12‬ل يمن عليه بمعروفه ‪ :‬اذا أعانه وواساه بالمال أو سعى في حاجته وقام‬
‫بخدمته ل يمن عليه بهذا المعروف فإن المن يبطل الصدقة والمعروف )) َيا‬
‫َ‬
‫ن َوالَذى(( ) البقرة‪. (264:‬‬ ‫كم ِبال ْ َ‬
‫م ّ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت ُب ْط ُِلوا ْ َ‬
‫صد ََقات ِ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪-13‬أن يشكره على صنيعه ‪ :‬اذا أعانه أخوه المسلم بمال أو خدمة فعليه أن‬
‫يشكر له صنيعه وقد جاء في الحديث )) من لم يشكر الناس لم يشكر‬
‫الله (( ‪.‬‬
‫‪-14‬زيارته لله ‪:‬وقد سمعتم حديث )) الرجل الذي زار أخا له في قرية(( ‪،‬‬
‫وحديث )) وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتباذلين في‬
‫والمتزاورين في (( ‪.‬‬
‫ولبد من التأدب بآداب الزيارة من مثل اختيار الوقت المناسب ومن مثل ال‬
‫تكون الزيارة سببا ً في إضاعة الوقت بما ليفيد وغير ذلك من الداب‬
‫المعروفة‪.‬‬
‫‪-15‬النفقة على الخوان وبذل الطعام اليهم اذا قدموا لزيارتك أو اجتمعت‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معهم في مكان ما‪ :‬جاء في الحديث الذي رواه مسلم ‪ )) :‬افضل دينار ينفقه‬
‫الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ودينار‬
‫ينفقه على أصحابه في سبيل الله (( ‪ ،‬واسمعوا الحديث الخر)) أيما مسلم‬
‫كسا مسلما ً ثوبا ً على عرى كساه الله من خضر الجنة وايما مسلم اطعم‬
‫مسلما ً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة وايما مسلم سقى مسلما ً على‬
‫ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم(( ‪ ،‬وأنس بن مالك حينما دخل عليه‬
‫أصحابه قال لجاريته هلمي لصحابنا ولو كسرا ً فإني سمعت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول )) مكارم الخلق من أعمال الجنة(( وكان علي رضي‬
‫الله عنه يقول "لن أجمع نفرا ً من إخواني على صاع أو صاعين من طعام‬
‫أحب الي من أن اخرج الى سوقكم فاعتق رقبه"‪.‬‬
‫‪-16‬عدم التكلف والتكليف ‪ :‬إذا زارك أخوك فينبغي ألتتكلف له لن ذلك‬
‫يترتب عليه أنك ستتضايق من مجيئه مرة اخرى أو يتضايق أهلك بذلك لن‬
‫مجيء هذا الخ سيتعبهم أو يتضايق أخوك هذا لنه ليريد ان يشق عليه‬
‫بمجيئه ‪،‬كذلك لو زرته أنت فل تكلفه واطلب منه عدم التكلف ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪-17‬عدم إخلف الموعد ‪ :‬لو تواعدتما في ميعاد معين فاحرص على أن تاتي‬
‫في الموعد فان اخلفك للموعد بعدم حضورك او بحضورك متاخرا يضايق‬
‫أخاك‪.‬‬
‫‪-18‬تحسين الخلق معه ‪ :‬بأن يكون تعاملكما مبنيا ً على الخلق الحسنة‬
‫فالغيظ يكظم وكل منكم يصبر على الخر وقد ساد بينكما التواضع والحلم‬
‫والصدق والرفق والحياء وطلقة الوجه والبشاشة عند اللقاء وغير ذلك من‬
‫الخلق الحسنة‪.‬‬
‫‪-19‬كتمان السر وستر العيب ‪ :‬بحكم أخوتكما وملزمتكما لبعضكما لبد أن‬
‫يطلعك على سر من اسراره او تطلع علىعيب فيه ‪ ،‬فمن حقوق الخوة ان‬
‫تكتم سره ول تطلع عليه أحدا وتستر عيبه وتساعده في اصلحه‪.‬‬
‫م‬
‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫م وَل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ن عََلى َأن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫‪-20‬اليثار ‪ :‬تؤثره على نفسك )) وَي ُؤْث ُِرو َ‬
‫ة(( )الحشر‪ ،(9:‬تؤثره في المجلس بأن تجلسه في المكان المناسب‬ ‫ص ٌ‬
‫صا َ‬
‫خ َ‬
‫َ‬
‫الذي قد ترغب فيه أنت كأن تتنازل له عن المتكأ ليتكىء هو ‪ ،‬تؤثره على‬
‫نفسك في الكل والشرب والتقدم اثناء ركوب السيارة وهكذا‪.‬‬
‫‪-21‬مشاركته مشاعره ‪ :‬بأن تحزن لحزنه وتفرح لفرحه ‪ ،‬إذا أصيب بمصيبة‬
‫بادرت بمساعدته ومحاولة تخفيف وقعها عليه وإذا سره شيء بادرت الى‬
‫تهنئته وأظهرت الفرح والسرور بذلك‪.‬‬
‫‪-22‬ملطفته بالكلم ‪ :‬يقول الفضيل ‪):‬لن يلطف الرجل أهل مجلسه‬
‫ويحسن خلقه معهم خير له من قيام ليله وصيام نهاره ( ‪.‬‬
‫‪-23‬ل يقاطعه إذا تكلم ‪ :‬بل يصغي اليه ويظهر له الهتمام بكلمه ‪.‬‬
‫‪-24‬أن يثني عليه بما هو أهل له ‪ :‬على أل يكون ذلك مدحا ً له في وجهه ‪.‬‬
‫‪-25‬يبلغه مدح الناس له ‪ :‬إذا لم يؤدي ذلك الى إدخال الغرور عليه ‪.‬‬
‫‪-26‬ل يبلغه ذم الناس له ‪ :‬لن هذا يوغر صدره إل أن يكون قد ذم لعيب فيه‬
‫فليتلطف بنصحه ومحاولة إصلح هذا العيب ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪-27‬تقديم النصيحة له ‪ :‬سواء قصر في واجب أو ارتكب منهيا عنه يقدم له‬
‫النصيحة ويلتزم بآدابها من مثل النصيحة على انفراد وأن تكون بلطف‬
‫وأسلوب حسن ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتعرفون الحديث )) الدين النصيحة (( و جرير بن عبد الله يقول ‪" :‬بايعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلة وإيتاء الزكاة والنصح لكل‬
‫مسلم" ‪.‬‬
‫‪-28‬طلب النصيحة منه ‪:‬وذلك لنك قد ل تبصر كل عيوبك ول تعرف كل‬
‫صرك بها فعرفتها وتجنبتها ‪.‬‬‫ذنوبك فإذا طلبت منه النصح ب ّ‬
‫عمر بن عبد العزيز يقول لعمرو بن مهاجر‪ ) :‬يا عمرو إذا رأيتني قد فلت عن‬
‫الحق فضع يدك في تلبيبي ثم هزني ثم قل لي ماذا تصنع (‪.‬‬
‫ويقول الحسن ‪ ) :‬قد كان من قبلكم من السلف الصالح يلقى الرجل الرجل‬
‫فيقول ‪ :‬يا أخي ما كل ذنوبي أبصر ول كل عيوبي أعرف فأ ذا رأيت خيرا ً‬
‫فمرني واذا رأيت شرا فانهني (‬
‫ويقول بلل بن سعد )أخ لك كلما لقيك ذكرك بنصيبك من الله وأخبرك بعيب‬
‫فيك أحب اليك وخير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك دينارا(‪.‬‬
‫‪ -29‬تقليل الخلف معه بقدر المكان ‪ :‬فإن كثرة الخلف قد توجب البغضاء‬
‫فان وجد الخلف أحيانا ً فلبد من التأدب بآداب الخلف المعروفة‪.‬‬
‫‪-30‬التسامح عن الزلت والهفوات التي قد تصدر من الخ ‪ :‬لن الخ ليس‬
‫معصوما ً ومن طلب أخا ً بل عيب صار بل أخ ‪،‬‬
‫وابن السماك قال له أحدهم غدا نتعاتب قال ‪ :‬بل غدا نتغافر ‪.‬‬
‫يقول المام الشافعي رحمه الله‪ ) :‬من صدق في أخوة أخيه قتل علله وسد‬
‫خلله وعفا عن زلله(‪.‬‬
‫‪-31‬عدم إكثار العتاب ‪ :‬لبد من العتاب بين الخوان وقد)كلمة غير واضحة(‬
‫من عاتبك ولكن ل يتجاوز حده ويصبح طبعا ً للخ كلما لقي أخاه عاتبه ‪.‬‬
‫‪ -32‬قبول العذر ‪ :‬إذا اعتذر إليك أخوك فاقبل عذره ‪.‬‬
‫‪-33‬إعانته على ما يقربه إلى الله ويبعده عن سخطه ‪ :‬تعينه على أعمال‬
‫الخير بعامتها ‪ ،‬كأن تعينه على القيام لصلة الفجر تتصل عليه بالهاتف‬
‫لتوقظه أولقيام الليل أو لحظور محاضرة أو أن غدا ً أول أيام البيض وهكذا ‪،‬‬
‫وكذلك تعينه على البتعاد عما يغضب الله ‪ ،‬إذا رأيته سيرتكب ذنبا ً أعنته على‬
‫البتعاد عنه وهكذا ‪ ،‬وهذه في الحقيقة فائدة عظيمة من فوائد الخوة‪.‬‬
‫‪-34‬الدعاء له ‪ :‬وتعرفون الدعاء للمسلم بظهر الغيب كما في الحديث )) ما‬
‫من عبد مسلم يدعولخيه بظهر الغيب إل قال الملك ولك بمثل(( رواه مسلم‬
‫‪.‬‬
‫‪-35‬التكامل‪.‬‬
‫‪-36‬اجتناب مكدرات الخوة التي سيأتي الكلم فيها الن‪.‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬مكدرات الخوة ‪:‬‬
‫‪-1‬النية المشوبة بشوائب الدنيا ‪:‬علينا أن نصفي أخوتنا من المزاجية وغيرها‬
‫ولبد أن تكون هذه الخوة خالصة لله ‪ ،‬يقول عز وجل في الحديث القدسي‬
‫)) وجبت محبتي للمتحابين في(( ولتعلم أيها الخ أن ما كان لله فهو المتصل‬
‫وما كان لغيره فهو المنقطع‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -2‬الذنوب بشكل عام ‪ :‬فان لها أثرا عظيما في قطع الصلة فإذا وجدت من‬
‫إخوانك جفاء فذلك لذنب أحدثته‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪-3‬الجدال والمراء ‪ :‬فالجدال والمراء يوحش القلوب ويوغرها لسيما وأنه‬


‫أصبح لحظ النفس لظهار الحق وقد جاء في الحديث )) ل يؤمن العبد اليمان‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كله حتى يترك الكذب في المزاح والمراء وإن كان محقا(( وفي الحديث‬
‫الخر )) أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وبيت‬
‫في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وبيت في اعلى الجنة لمن‬
‫حسن خلقه (( ‪.‬‬
‫وقال خالد بن معاوية‪) :‬اذا كان الرجل مماريا ً لجوجا ً معجبا ً برأيه فقد تمت‬
‫خسارته (‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪) :‬إياكم والمراء فإنها ساعة جهل العالم وبها يبتغى‬
‫الشيطان زلته ( ‪.‬‬
‫وعبد الرحمن بن ابي ليلى‪ :‬يقول) ما ماريت أخي أبدا لني إن ماريته إما أن‬
‫أكذبه وإما أن أغضبه(‪.‬‬
‫‪ -4‬المداهنة ‪ :‬وعدم النكار عليه وعدم نصيحته ‪ :‬تكون بينهما مجاملة فل هذا‬
‫ينكر على هذا أو يأمر بمعروف ول الخر يفعل ذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬الحسد ‪ :‬ولشك أنه مفسد للخوة أيما إفساد بل إنه مفسد للعمال‬
‫الصالحة ‪.‬‬
‫‪ -6‬التنافس على بعض المور ‪ :‬التنافس من شأنه أن يولد الغيرة وبالتالي‬
‫الحسد وايغار الصدور‪ ،‬والتنافس يحدث بأن يشتركا في محاولة الوصول إلى‬
‫هدف واحد ليتسع إل لحدهما وهذا يحدث مثل المسابقات سواء الرياضية أو‬
‫الثقافية ‪.‬‬
‫وقد يكون أحيانا ً التنافس على عمل خيري كل منهما يريد القيام به ول يتسع‬
‫لهما جميعًا‪.‬‬
‫‪-7‬التعامل المالي بين الخوة ‪ :‬إذا لم يؤطر بالطار الشرعي المطلوب ولم‬
‫تدخله المسامحة المطلوبة من المسلم ‪ ،‬قد يؤجر هذا على هذا شيئا فيخل‬
‫الخر بشيء يسير فيطبق عليه الخر الشرط الجزائي أو يحاول أن يستوفر‬
‫حقه كامل ً دون أن يدع للمسامحة مجال ً ونحو ذلك فهذه توغر الصدور وتفسد‬
‫الخوة‪.‬‬
‫‪ -8‬الثرة وحب الذات‪ :‬وهذا يقوده إلى عدم تطبيق حقوق الخوة وآدابها‪.‬‬
‫‪-9‬التفاخر بالنساب ‪ :‬وهذا من عمل الجاهلية وإذا كان يجب أل يكون بين‬
‫المسلمين فمن باب أولى أل يكون بين الخوان‪.‬‬
‫‪-10‬السخرية والتهكم بالخرين حتى ولو كان عن طريق المزاح‪.‬‬
‫‪ -11‬الخلطة غير الموجهة والتي ينتج عنها ضياع الوقت‪.‬‬
‫‪-12‬الوصول إلى درجة التعلق ‪ :‬وحينها تنتفي الخوة ويحل محلها التعلق‬
‫‪،‬وللتعلق علمات يعرف بها وتميزه عن الحب في الله من أهمها أنك تحب‬
‫هذا الشخص بغض النظر عن ديانته وقوة إيمانه ويستمر حبك له حتى لو‬
‫ضعف إيمانه أو ربما انتكس ‪.‬‬
‫‪-13‬عدم مراعاة حقوق الخوة وآدابها والتي سبق بيان كثير منها‪.‬‬
‫ثامنا ً ‪ :‬تنبيه ‪:‬‬
‫أيها الخوة لبد من التنبيه إلى أنه مع فضل الخوة والترغيب فيها إل انه‬
‫ينبغي للمسلم أن يعود نفسه على تربية نفسه فيما إذا انفرد عن إخوانه ‪،‬‬
‫لن مفارقة الخوان من الممكن حدوثها واجتماعاتك معهم قد ل تدوم ‪ ،‬ولذا‬
‫لبد أن تعود نفسك على أن ترفع إيمانك بنفسك فل تكن عالة على إخوانك‬
‫دائما ً بل حاول تربية نفسك وذلك بأن تجعل لنفسك عبادات تنفرد بها كقراءة‬
‫القرآن وتدبره والنوافل من صلة وصيام وغيرهما ‪.‬‬
‫أسأل الله عز وجل أن يغفر لنا الزلل وأن يجعل ما قلته وسمعتموه حجة لنا‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل علينا وأن يغفر لنا ولوالدينا ولخواننا المسلمين عامة وصلى الله على نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫حقوق النسان ‪..‬رؤية خاصة!!‬


‫أمين حسن أحمد يس*‬
‫كثر اللغط والقيل والقال حول قضايا حقوق النسان‪ ،‬ورفعت لذلك‬
‫الشعارات وأقيمت المؤسسات والمنظمات التي تبنت رعاية الحقوق‬
‫النسانية‪ ،‬ولكن الجميع في خضم هذا المعترك الحامي نسوا أوتناسوا ما هي‬
‫حقيقة النسان الذي يدافعون عن حقوقه!!‪..‬‬
‫إن الغرب الذي تولى كبر هذه القضية هو أبعد ما يكون عن حقيقة النسان؛‬
‫فالحضارة الغربية ماهي إل امتداد للدولة العسكرية الرومانية القديمة‪ ،‬وكما‬
‫تزينت تلك الدولة الولى بالفلسفة الغريقية المأخوذة عن الفرعونية لتخفي‬
‫قبح وجودها الوحشي تزينت الثانية بالدفاع عن حقوق النسان لتخفي مسخها‬
‫الشائه وهي تعمل على قتل النسانية واستعبادها!!‪..‬‬
‫لقد كانت نظرة علماء الغرب وما زالت على أن النسان هوعبارة عن‬
‫مجموعة من الغرائز‪ ،‬وأن الدفاع عن حقوق النسان من وجهة نظرهم هو‬
‫إطلق العنان لهذه الغرائز إلى أبعد مدى ممكن‪..‬‬
‫إن هذا ما هو إل اغتيال للنسان من على ظهر الرض!‪ ،‬وإن النسان الذي‬
‫يحترم نفسه بقدر قيمة كرامته يأبى أن يعامل بإنسانية من قتلوها في‬
‫أنفسهم‪ ،‬وأرادوا قتلها فيه!!‪ ..‬معرفة النسان لحقوق أي شيء تأتي من‬
‫معرفته بالشيء نفسه؛ فالذي يعرف حقيقة النسان ل يقبل ذلك المسخ‬
‫دعاة!!‪..‬‬
‫الغربي الشائه‪ ،‬وحقوقه الم ّ‬
‫در لنا أن ننظر عبر القرون إلى خارطة تاريخية للعالم القديم فإنا سنجد‬ ‫إذا قُ ّ‬
‫ً‬
‫أن أوروبا كانت جزءا من المحيط المتجمد‪ ،‬وأمريكا وراء البحار‪ ،‬وإفريقيا‬
‫مجاهيل مخيفة وغابات موحشة‪ ،‬وأطراف آسيا وأجزاء من العالم في تخلف‬
‫إنساني كبير!!‪ ..‬أما في تلك البقعة الزاهرة التي تمتد من اليمن لتمر بالحجاز‬
‫وتنتهي في الشام فالنسانية تنعم بمعناها الصحيح‪ ،‬وتعيش الحقوق النسانية‬
‫واقعا ً ل تنظيرًا!!‪ ..‬ما أعظم الشرق السلمي!!‪ ..‬ذلك أنه أكبر ما في العالم‬
‫بعلمه وحضارته‪ ،‬وأعلم من في النسانية بالنسان!!‪ ..‬كيف ل وهو معدن‬
‫النبياء‪ ،‬ومهبط الرسالت؟!‪..‬‬
‫وهذا رجل من الشرق يقدم رؤيته الخاصة لحقوق النسان‪ ،‬ويعتبرها رسالة‬
‫الرجل الشرقي للعالم!!‪..‬‬
‫ما أبدع الله الكون أراد أن يعّرف بنفسه وبقدرته من خلل مخلوق ضعيف‪،‬‬ ‫ل ّ‬
‫وقذف الله في وجه الكون بهذا التحدي الذي يسمى النسان )إني جاعل في‬
‫الرض خليفة(‪ ..‬أنزله إلى الرض ما عليه شيء سوى ورق الشجر يستر‬
‫عورته‪ ،‬وما أنزل الله معه شيئا ً آخر غير زوجه!!‪ ..‬لن به يقوم التحدي؛ فصنع‬
‫الله به العاجيب!!‪ ..‬وأقام به الخلفة والحضارة والمدنية‪.‬‬
‫ً‬
‫إن أولى حقوق النسان وأحقها بالرعاية هو حقّ أن يكون النسان إنسانا!!‪..‬‬
‫خر‬ ‫فل يسمح للنسان أن يبيع نفسه لشيء يملكه!؛ فيكون عبدا ً لشيء ُ‬
‫س ّ‬
‫له!!‪ ..‬يا أيها النسان كن إنسانا ً تملك كل شيء‪ ،‬وكن غير ذلك تخسر كل‬
‫شيء!!‪..‬‬
‫يقول عيسى عليه السلم‪) :‬ماذا يستفيد النسان إذا ربح العالم كله وخسر‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نفسه؟!(‪ ..‬أي شيء تريد أن تكون يا من تتهرب من إنسانيتك؟!‪ ..‬هل وجدت‬


‫ول إلى جزء من‬ ‫في الكون شيئا ً يعدلها أو يفوقها كرامة سوى أن تتح ّ‬
‫جسدك؟!‪ ..‬فالطبع الغريزي يعمل آليا ً كبقية أجهزة الجسم! هكذا تكون‬
‫مسخا ً شائها ً في الكون الذي خلقت لتكون سيدا ً عليه‪..‬‬
‫واعلم أنك حين تتنازل عن إنسانيتك فستقف في وجه الكون الذي سوف‬
‫يناصبك العداء‪ ،‬وأول من يعاديك منه هو )نفسك(!!‪ ..‬هل سخر لك الكون إل‬
‫من أجل أنك إنسان‪ ،‬ولنه كان ينتظر منك أن تريه عظمة ربه فيك؛ فالحياة‬
‫النسانية هي مسرح الكون‪ ،‬والخلق هم المشاهدون؛ أفل يتضجرون حين‬
‫يرون منك رعضا ً رديئًا‪ ،‬ودورا ً غير مشرف؟!‪.‬‬
‫من الحقوق ذات الهمية القصوى احترام اختيار النسان ومشيئته؛ فإن الله‬
‫تعالى الذي خلق النسان أمضى له مشيئته حتى في اليمان به سبحانه أو‬
‫الكفر به؛ فقال عّز من قائل‪) :‬وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن‬
‫شاء فليكفر(‪ ..‬وعندما يهين المرء من أمر الله بإهانته فهو ل يهين فيه‬
‫شخصه المكرم‪ ،‬وإنما يهين اختياره الخاطئ لنفسه؛ ذلك الختيار الذي أهان‬
‫به كرامة الله فيه؛ فينتصر له بعدم قبول اختياره؛ لنه لم يختر بإنسانيته‬
‫لنسانيته‪ ،‬مع احترامه للنسان الذي فيه‪ ..‬وإنك ل تجد أحدا ً من الناس يستبد‬
‫برأيه‪ ،‬ويأطر الخرين عليه‪ ،‬ول يحترم آراءهم إل ّ رأيت فيه نقصًا؛ ذلك أنه لما‬
‫عجز أن يبصر كرامة الله فيه لم يرها في الخرين‪.‬‬
‫على هذا ينبغي أن تحترم في النسان منطقه إذا تكلم‪ ،‬وصمته إذا آثر‬
‫السكوت‪ ،‬وتحترم فيه عقله؛ فل تستخف به‪ ،‬ول تدخل عليه خبال ً أو سخافة‬
‫أو فكرة ل يستطيع حملها‪ ..‬تحترم فيه قلبه؛ فل تدخل على محراب وجدانه‬
‫دون إذن منه؛ بأن تجرح له شعورًا‪ ،‬أو تدخل عليه إحساسا ً ل يريده‪ ..‬تحترم‬
‫فيه هذه النفس النسانية‪ ..‬مّرت برسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة‬
‫فقام على قدميه فقيل‪) :‬يا رسول الله هذا يهودي!( فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪) :‬أليست بنفس؟!( لن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫من اختاره إنسانًا‪ ،‬ونفخ فيه من روحه‪..‬‬ ‫يقدر فيه َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أنت في هذا تتعامل مع إنسان يستصحب معه وجوده النساني كله؛ عقل ً‬
‫وقلبا ً وروحًا‪ ..‬وما عدا هذا فحقه عليك أن ترجعه إلى إنسانيته‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫حقوق النسان بين الغزو الجنبي النجلوأمريكي والفتح السلمي‬


‫أ‪.‬د‪ /.‬محمد الدسوقي بن على‬
‫من المور الدالة على عظمة السلم والتي تدعو إلى المزيد من التعقل‬
‫والتأمل‪ ،‬ما جاء به نبي السلم محمد صلوات الله وسلمه عليه من قوله في‬
‫إحدى وصاياه لصحابه الذين هم جند الحق‪) :‬انطلقوا باسم الله وبالله وعلى‬
‫ملة رسول الله‪ ،‬ول تقتلوا شيخا ً فانيًا‪ ،‬ول طفل ً صغيرًا‪ ،‬ول امرأة‪ ،‬ول تغلوا‪،‬‬
‫وضموا غنائمكم‪ ،‬وأصلحوا‪ ،‬وأحسنوا إن الله يحب المحسنين( ]رواه أبو داود‬
‫في سننه عن أنس[‪ ،‬والنهي عن العتداء على النساء يعني بالضرورة النهي‬
‫عن التحرش بهن جنسيا ً وانتهاك أعراضهن ولو بكلمة نابية )إن الذين يرمون‬
‫المحصنات الغافلت المؤمنات لعنوا في الدنيا والخرة ولهم عذاب‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عظيم‪..‬النور‪ ،(23/‬والحال كذلك بالنسبة للطفال‪ ،‬والحق أننا نظلم السلم‬


‫إن نحن قارناه‪ -‬فيما لفت نبي السلم هنا أنظارنا إليه إبان إظهاره وأصحابه‬
‫نور الله وهدايته للعالمين وأثناء نشره وإياهم رسالة السماء إلى الرض‪،‬‬
‫وفيما يعد نظاما ً غير قابل للتعديل إلى قيام الساعة‪ -‬نظلمه أن نحن قارناه‬
‫بما يجري الن على أرض الواقع في العراق على سبيل المثال من هجمة‬
‫شرسة ليس لها ما يبررها‪ ،‬سوى نهب نفط وثروات البلد والعباد بالقوة بعد‬
‫سقوط النظام العراقي وبعد أن اتضح منذ البداية كذب ما ادعوه عن وجود‬
‫أسلحة دمار شامل‪.‬‬
‫ففي إحصائية لعدد القتلى من المدنيين والمصابين ذكرت وكالت النباء منذ‬
‫أيام أن اقتحام بلدة الفالوجة أسفر في غضون أيام قلئل عن قتل ما يزيد‬
‫عن سبعمائة قتيل وألف مصاب كان معظمهم من النساء والطفال‪ ،‬وأعاد‬
‫هذا الخبر إلى الذهان ما حدث‪ -‬دون ما حساب ول عقاب‪ -‬في بلد الرافدين‬
‫العام الماضي وتحديدا ً في شهري مارس وأبريل‪ ،‬حيث ذكرت وكالت النباء‬
‫ومنظمات حقوق النسان أن قوات الحتلل المجتلبة من بلد الديمقراطيات‬
‫بدافع الحقد على السلم والمسلمين وبزعم الدفاع عن الشعب العراقي ضد‬
‫الدكتاتورية‪ ،‬ألقت ما يزيد عن ‪ 13000‬ثلث عشر ألف قنبلة وقذيفة عنقودية‬
‫في مناطق مزدحمة بالسكان مما أدى إلى قتل وجرح ما يزيد عن ألف مدني‬
‫أغلبهم من النساء والعجائز والطفال‪ ،‬وفي تقرير إحصائي آخر كشفت عنه‬
‫القيادة الوسطى للجيش المريكي أوضح أن هذه القيادة ألقت ‪10782‬من‬
‫هذه القذائف المحرمة دوليا ً تحتوي بداخلها على مليون و ‪ 800‬ألف قنبلة‬
‫صغيرة‪ ،‬كما ألقت القوات البريطانية ‪ 70‬قذيفة عنقودية من الجو و ‪2100‬‬
‫أخرى تحتوي على ‪ 113190‬قنبلة صغيرة أطلقت من البر‪ ،‬وأن نسبة كبيرة‬
‫من هذه القنابل المرفوضة دوليا ً استقرت في المناطق السكنية وكان‬
‫النصيب الكبر منها لحياء بغداد والناصرية وراح ضحيتها آلف البرياء أغلبهم‬
‫حّلة والنجف والناصرية‬ ‫أيضا ً من النساء والطفال‪ ،‬وأن سجلت مستشفيات ال ِ‬
‫رصدت في يوم ‪31‬مارس من نفس العام استشهاد وإصابة ‪ 2279‬مدنيا ً‬
‫خلل الشهرين المذكورين‪ ،‬ومنذ ذلك التاريخ وإلى اليوم تسقط مئات وآلف‬
‫الضحايا من المدنيين معظمهم أيضا ً من النساء والطفال‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفي مجال الغتصاب وانتهاك العراض تشير لجنة حقوق النسان في العراق‬
‫إلى اتهام قوات التحالف المريكية والبريطانية باغتصاب العشرات من نساء‬
‫العراق‪ ،‬ليس هذا فحسب بل والطفال أيضًا‪ ،‬وذكرت اللجنة في رسالة‬
‫موجهة منها إلى المنظمة العربية لحقوق النسان أنها سجلت خلل شهرين‬
‫فقط من الحتلل ‪ 57‬حالة اغتصاب لنساء و ‪ 27‬حالة اغتصاب لطفال‪ ،‬كما‬
‫اتهم العديد من سكان الفالوجة جنود الحتلل المريكي بالتحرش بنسائهم‬
‫مؤكدين أن ذلك يمثل إهانة تستوجب مقاومة المحتلين وقتلهم‪ ،‬وفي يناير‬
‫الماضي قام الجنود المريكان باغتصاب العراقيات المعتقلت بسجن )أبو‬
‫غريب(‪ ،‬وأكد بيان نشرته وكالة )قدس برس( الذي حمل نداء استغاثة‪ ،‬أن‬
‫كثيرات من المعتقلت فقدن عذريتهن وأن بعضهن يحملن في أحشائهن أجنة‬
‫من جراء عملية الغتصاب‪ ،‬ولم يكتف هؤلء الهمج الرعاع بما فعلوه بل‬
‫نشروا صورة على عدة مواقع على شبكة النترنت لجندي أمريكي يشير‬
‫بعلمة النصر ويقف بجواره طفلن يبتسمان ويحمل أحدهما لوحة مكتوب‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليها باللغة النجليزية التي ل يفهمانها )هذا الجندي قتل والدي واغتصب‬
‫أختي(‪ ،‬المر الذي أثار ردود فعل غاضبة حتى في بعض الوساط المريكية‬
‫نفسها‪ ،‬فأية خسة هذه وأية نذالة‪ ،‬وصدق الله القائل‪) :‬والذين كفروا يتمتعون‬
‫ويأكلون كما تأكل النعام والنار مثوى لهم ‪..‬محمد‪ .. (12/‬والذي ينبغي أن‬
‫تعلمه القوات الغازية وكل عراقي حتى أولئك الذين ل يزالون يدعمون‬
‫التواجد الجنبي وأعمال الحتلل بمشاركتهم من خلل مجلس الحكم المحلي‬
‫في تنفيذ سياسة العدو ول ينتفضون في وجهه لقاء دراهم معدودة]حيث‬
‫أعلنت مصادر أمريكية منذ شهر تقريبا ً أن أحمد الجلبي أحد أعضاء المجلس‬
‫يتلقى شهريا ً‪ 340‬ألف دولر مقابل التجسس ونقل معلومات عن المقاومة‬
‫إلى قوات الحتلل‪ ،‬ومن العضاء الـ ‪ 25‬الذين عينتهم قوات الحتلل‬
‫والمنوط بهم حكم العراق مدير المخابرات محمد عبد الله الشهواني الذي‬
‫منحته أمريكا مائة مليون دولر لستخدامها لتجنيد عملء داخل العراق[‪ ،‬ليعلم‬
‫هؤلء جميعا ً أن إخراج العدو من بلد المسلمين واجب على الجميع ل فرق‬
‫بين عظيم ووضيع‪ ،‬وأن الجهاد ما شرع إل لنشر الدعوة ودفع العدو ومنعه‬
‫عن انتهاك حرمة الدين والوطن والعرض )وما لكم ل تقاتلون في سبيل الله‬
‫والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان ‪ ..‬النساء‪) ،(75/‬وقاتلوهم حتى‬
‫ل تكون فتنة ويكون الدين لله‪ ..‬البقرة‪ ،(193/‬وأن رسول النسانية محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم قد أجلى يهود بني قينقاع عن بكرة أبيهم على فعل ما‬
‫هو أقل مما ذكرنا بكثير‪ ،‬وعّلمنا عليه السلم أن )من قتل دون عرضه فهو‬
‫شهيد(‪ ،‬وأن انتهاك عرض مسلمة واحدة ل يكفيه نقض عروش قوى التحالف‬
‫مجتمعة‪ ،‬وأن المعتصم بالله أعلن عن تجهيز جيش بأكمله عندما علم أن‬
‫مسلمة قد احتبسها عظيم الروم الذي كان يمثل قوة عظمى كأمريكا الن‬
‫حتى انتهى المر بالفراج صاغرا ً ورغم أنفه عن هذه السيدة العفيفة‪ ،‬كما‬
‫يجب عليهم أن يعرفوا أن إجماع المسلمين على أنه "إذا حضر العدو البلد‬
‫الذي يقيم به المسلمون‪ ،‬فإنه يجب على أهل البلد جميعا ً أن يخرجوا لقتاله‪،‬‬
‫ول يحل لحد أن يتخلى عن القيام بواجبه نحو مقاتلته"]فقه السنة ‪،[3/85‬‬
‫والجماع كما هو معروف حجة ومصدر تشريعي يأتي عقب الكتاب والسنة‪.‬‬
‫على أن ما يحدث على هذا النحو الذي ذكرنا في العراق من مجازر جماعية‬
‫ومن قتل لللف من الطفال والنساء والعجائز وانتهاك للعراض‪ ،‬وقل‬
‫أضعاف أضعافه في أفغانستان وفي البوسنة والهرسك ومن قبل ذلك في‬
‫أندونيسيا‪ ،‬يدعونا إلى الجزم بأن هذا هو كل ما تمخضت عنه حضارة الغرب‪،‬‬
‫وهو ما يجعل من المحتم البحث عن شريعة أخرى‪ -‬غير شريعة الغاب تلك‪-‬‬
‫تضبط حركة الحياة والحياء في الحرب والسلم ويعيش الناس جميعا ً أقلية‬
‫وأغلبية في ظلها في أمن وأمان وليس ذلك إل في السلم دين محمد‬
‫العظيم‪ ،‬كما أن ما حدث وما يزال في هذه البلد المسلمة الفقيرة والمغلوب‬
‫على أمر أهلها‪ ،‬يجعلنا نلتمس العذر لهذه الشبيبة المؤمنة التي قيضها الله‬
‫لتدافع عن أوطان المسلمين وأعراضهم حتى ل يصبحان كل مباحا ً لكلب‬
‫ضالة وذئاب جريحة تريد أن تفترس كل ما أمامها بأي شكل ودون وازع من‬
‫ضمير أو دين ودون رادع من شريعة أو قانون ودون ما مراعاة لدنى معاني‬
‫النسانية لكون ما يفعلونه ل يمت إلى القيم أو المبادئ أو المثل بأدنى صلة‪،‬‬
‫وعلى قدر ما يكون الفعل يكون رد الفعل‪ ،‬ول أظن أن منصفا ً ولو من غير‬
‫المسلمين يخالفني هذا الرأي‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما أن ما حدث يكشف عن زيف ما تنادي به هذه الديمقراطيات التي عفى‬


‫عليها الزمن وأضحت ل تصلح لدارة هذا العالم لما أفصحت عنه من عنصرية‬
‫ومن انتهاك لحرمة الدمي ومن إهدار لحقه في الحياة ومن فضح لما تدعيه‬
‫من المناداة بحقوق للمرأة أو للطفل‪ ،‬فل حرمة لدى هذه الديمقراطيات‬
‫الزائفة ديمقراطيات القتل والغتصاب والتدمير والبادة الجماعية وهدم‬
‫أماكن العبادة‪ ،‬لمرأة مسلمة‪ ،‬ول حرمة لمسجد ول حرمة لعجوز ول حرمة‬
‫لعالم دين ول حرمة لطفل رضيع أو فطيم‪ ،‬الكل يهان والكل يباد والكل‪-‬‬
‫وفي بلده‪ -‬يسجن‪ ،‬والكل يواجه بفوهات البنادق والدبابات ويقصف بصواريخ‬
‫المدافع والطائرات‪ ،‬إنها الهمجية التترية التي فاقت بعجرفتها وفي شراستها‬
‫الجاهلية الولى وجاهلية العصور الوسطى‪ ،‬ول بد من بديل يقيم العدل‬
‫وينصف الظالم من المظلوم‪ ،‬إذ حاشاه سبحانه أن يترك أمر خلقه إلى حثالة‬
‫من البشر ليس لها من عمل إل الباحية وإشباع الغريزة الجنسية من الحرام‬
‫وإهلك الحرث والنسل وإشاعة الفاحشة وإظهار الفساد في الرض‪ ،‬فهو‬
‫تعالى الرحيم بخلقه ومن رحمته أن أرسل إليهم من بعد عيسى عليه أزكى‬
‫السلم‪ ،‬رسوله محمدا ً )بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره‬
‫المشركون ‪ ..‬الصف‪ (9/‬وليخرج )الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم‬
‫إلى صراط العزيز الحميد‪ ..‬إبراهيم‪ ،(1/‬وما حل ما حل بشعب العراق البي‬
‫إل لحسانه الظن منذ البداية بمن ليسوا على دينهم حتى مكنوا لهم وحدث‬
‫ما حدث‪.‬‬
‫فما أعظمك يا نبي الله ويا رسول النسانية ومبعوث العناية اللهية للخافقين‪،‬‬
‫وأنت تستنكر كل هذه العمال الوحشية التي اتسم بها أهل الباطل‪ ،‬ما‬
‫وجه قادة جندك وقد أحيط بهم من قَِبل أقوى قوتين في‬ ‫أعظمك وأنت ت ّ‬
‫العالم يومئذ )الفرس والروم( توجههم لمعان الرحمة والنسانية‪ ،‬ما أعظمك‬
‫وأنت تغرس فيهم كل معان القيم والمبادئ والمثل وكل المعاني النسانية‬
‫النبيلة‪" ،‬ل تغلوا )أي ل تخونوا في الغنيمة وبالمناسبة فقد ذكرت مصادر‬
‫عليمة أن خزينة البنك المركزي العراقي كانت بها أموال ً وسبائك ذهب تقدر‬
‫بـ ‪ 40‬مليار دولر وجدت فارغة وأن أكثر من ‪170‬ألف قطعة آثار سرقت وتم‬
‫تهريب أغلبها خارج البلد وما خفي كان أعظم(‪ ،‬ول تغدروا ول تمثلوا)من هنا‬
‫كان استنكار علماء المسلمين لما عُد ّ خروجا ً واستثناًء عما هو الصل(‪ ،‬ول‬
‫تقتلوا وليدا ً )وحدث في ذلك عما يحدث من قوى الحتلل الغاشمة ول‬
‫حرج("‪ ،‬ما أعظمك يا رحمة الله للعالمين وأنت ترى امرأة مقتولة فما يكون‬
‫منك إل أن تقول مستنكرًا‪) :‬ما كانت هذه لتقاتل(‪ ،‬وتنهى بعدها عن قتل‬
‫النساء والصبيان]رواه مسلم عن ابن عمر[‪ ،‬ما أعظمك وأنت تعلم أتباع دينك‬
‫ما جاء في وصية أبي بكر لسامة حين بعثه إلى الشام‪) :‬ول تقتلوا طفل ً‬
‫صغيرا ً ول شيخا ً ول امرأة ول تعقروا نخل ً ول تحرقوه ول تقطعوا شجرة‬
‫مثمرة ول تذبحوا شاة ول بقرة و بعيرا ً إل لمأكلة‪ ،‬وسوف تمرون بأقوام قد‬
‫فّرغوا أنفسهم في الصوامع‪ -‬يريد الرهبان‪ -‬فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له"‪،‬‬
‫ما أعظمك يا رحمة الله للعالمين وأنت تعلمهم أن ينبذوا إلى من يهموا‬
‫بقتالهم في ُِعلموهم بذلك إعمال ً لقول الله تعالى‪) :‬وإما تخافن من قوم خيانة‬
‫فانبذ إليهم على سواء‪ ..‬النفال‪ ،(58/‬ما أعظمك وقد تركت مث ُل ً ونبل ً ل ولن‬
‫يصل إليه الشرق أو الغرب أو غيرهما ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا‪.‬‬
‫وأكتفي في هذا الصدد بما ذكره البلذّري في فتوح البلدان من أن أهل‬
‫سري( إن قتيبة بن مسلم الباهلي‬ ‫سمرقند قالوا لعاملهم )سليمان بن أبي ال ّ‬
‫غدر بنا وظلمنا وأخذ بلدنا‪ -‬يعني دون أن يعلمنا‪ -‬وقد أظهر الله العدل‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنصاف‪ ،‬فْأذن لنا فليفد منا وفد إلى أمير المؤمنين يشكو ظلمتنا‪ ..‬فأذن‬
‫لهم فوجهوا منهم قوما ً إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه‪ ،‬فلما علم‬
‫ي‬
‫عمر ظلمتهم كتب إلى سليمان يقول له‪ :‬إن أهل سمرقند قد شكوا إل ّ‬
‫ظلما ً أصابهم‪ ،‬وتحامل ً من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم‪ -‬يعني دون‬
‫منابذة‪ -‬فإن أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي فلينظر في أمرهم‪ ،‬فإن قضى‬
‫لهم فأخرجهم إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل أن ظهر عليهم قتيبة‪،‬‬
‫س لهم سليمان )جميع بن حاضر( القاضي‪ ،‬فقضى بأن يخرج عرب‬ ‫فأجل َ‬
‫سمرقند إلى معسكرهم وينابذوهم على سواء فيكون صلحا ً جديدا ً أو ظفرا ً‬
‫عنوة‪ ،‬فقال لهم أهل السند‪ :‬بل نرضى بما كان ول نجدد حربًا‪ ،‬لن ذوي‬
‫مناهم‪ ،‬فإن عدنا‬ ‫منونا وأ ّ‬
‫رأيهم قالوا‪ :‬قد خالطنا هؤلء القوم وأقمنا معهم وأ ّ‬
‫إلى الحرب ل ندري لمن يكون الظفر‪ ،‬وإن لم يكن لنا كنا قد اجتلبنا عداوة‬
‫في المنازعة‪ ،‬فتركوا المر على ما كان ورضوا ولم ينازعوا بعد أن عجبوا من‬
‫عدالة السلم والمسلمين وأكبروهم‪ ،‬وكان ذلك سببا ً في دخولهم السلم‬
‫مختارين‪ ،‬وقالوا أن هذا عمل لم نعلم أن أحدا ً وصل في العدل إليه‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والحق أن الكلم في هذا وفي صون حرمة غير المسلم في بلد المسلمين‬
‫والحفاظ على كرامته‪ ،‬أكثر من أن يحصى وأعظم من أن يحيط به مجرد‬
‫مقال‪ ،‬ول عجب في هذا فالتاريخ وجميع الحقائق تشهد بأنه ما عاش أهل‬
‫الديان في ظل دين كفل لمخالفيه كرامتهم وصان حقوقهم وحريتهم الدينية‪،‬‬
‫سوى دين المسلمين الذي هو في الساس دين عيسى عليه السلم ودين‬
‫جميع النبياء والذي قال عنه رب العزة سبحانه )شرع لكم من الدين ما‬
‫وصى به نوحا ً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن‬
‫أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه‪ ..‬الشورى‪ ،(13/‬وعليه فـ )من يبتغ غير السلم‬
‫دينا ً فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين(‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫حقوق النسان في السلم‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫‪ -‬تعريف الحقوق‪.‬‬
‫‪ -‬هل هذه الحقوق مستحقة للنسان أم هي من تفضل الله تعالى عليه؟‬
‫‪ -‬مظاهر التكريم اللهي للنسان‪.‬‬
‫الفصل الول‪ :‬خصائص ومميزات حقوق النسان في السلم‪.‬‬
‫‪ -1‬حقوق النسان في السلم تنبثق من العقيدة السلمية‪.‬‬
‫‪ -2‬حقوق النسان في السلم منح إلهية‪.‬‬
‫‪ -3‬حقوق النسان في السلم شاملة لكل أنواع الحقوق‪.‬‬
‫‪ -4‬حقوق النسان في السلم ثابتة ول تقبل اللغاء أو التبديل أو التعطيل‪.‬‬
‫‪ -5‬حقوق النسان في السلم ليست مطلقة بل مقيدة بعدم التعارض مع‬
‫مقاصد الشريعة السلمية‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أهم الحقوق التي كفلها السلم للنسان‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬حق الحياة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حق الكرامة‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثالثًا‪ :‬حق الحرية‪.‬‬


‫رابعًا‪ :‬حق التدين‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬حق التعليم‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬حق معرفة الحق‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬حق التملك والتصرف‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬حق العمل‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مقارنة بين حقوق النسان في السلم وفي الوثائق الوضعية‬
‫الدولية‪.‬‬
‫ل‪ :‬من حيث السبقية واللزامية‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيا‪ :‬من حيث العمق والشمول‪.‬‬ ‫ً‬
‫ثالثًا‪ :‬من حيث الحماية والضمانات‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬مفهوم الغرب لحقوق النسان‪.‬‬
‫‪ -1‬حرية التدين‪.‬‬
‫‪ -2‬حرية إقامة العلقات السرية‪.‬‬
‫‪ -3‬حق الحرية‪.‬‬
‫‪ -4‬حق التملك‪.‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫‪ -‬تعريف الحقوق‪:‬‬
‫تعريف الحقوق لغة‪:‬‬
‫حقة أخص‬ ‫قال الجوهري‪" :‬الحق‪ :‬خلف الباطل‪ ،‬والحق‪ :‬واحد الحقوق‪ ،‬وال َ‬
‫منه‪ ،‬يقال‪ :‬هذه حقتي أي‪ :‬حقي"‪.‬‬
‫وقال الفيروز آبادي‪" :‬الحق‪ :‬من أسماء الله تعالى أو من صفاته‪ ،‬والقرآن‪،‬‬
‫وضد الباطل‪ ،‬والمر المقضي‪ ،‬والعدل‪ ،‬والسلم‪ ،‬والمال‪ ،‬والملك‪ ،‬والموجود‬
‫الثابت‪ ،‬والصدق‪ ،‬والموت‪ ،‬والحزم‪ ،‬وواحد الحقوق"‪.‬‬
‫وقال المناوي‪" :‬الحق لغة‪ :‬الثابت الذي ل يسوغ إنكاره"‪.‬‬
‫تعريف الحقوق اصطلحًا‪:‬‬
‫الحقوق لها معنيان أساسيان‪:‬‬
‫‪ -1‬فهي أول ً تكون بمعنى‪ :‬مجموعة القواعد والنصوص التشريعية التي تنظم‬
‫على سبيل اللزام علئق الناس من حيث الشخاص والموال‪.‬‬
‫فهي بهذا المفهوم قريبة من مفهوم خطاب الشارع المرادف لمعنى )الحكم(‬
‫في اصطلح علماء الصول‪ ،‬أو لمعنى )القانون( في اصطلح علماء القانون‪.‬‬
‫ل‪ :‬الحقوق المدنية‪ ،‬أو القانون المدني‪.‬‬ ‫وهذا المعنى هو المراد عندما نقول مث ً‬
‫‪ -2‬وهي ثانيا ً تكون جمع حق بمعنى السلطة والمكنة المشروعة‪ ،‬أو بمعنى‬
‫المطلب الذي يجب لحد على غيره‪.‬‬
‫وهذا هو المراد في مثل قولنا‪ :‬إن للمغصوب منه حق استرداد عين ماله لو‬
‫قائمًا‪ ،‬وأخذ قيمته أو مثله لو هالكًا‪ ،‬وإن للمشتري حق الرد بالعيب‪ ،‬وإن‬
‫التصرف على الصغير هو حق لوليه أو وصيه ونحو ذلك‪.‬‬
‫ويمكن تعريف الحق بمعناه العام بأن يقال‪ :‬الحق هو اختصاص يقرر به‬
‫الشرع سلطة أو تكليفًا‪.‬‬
‫‪ -‬هل هذه الحقوق مستحقة للنسان أم هي من تفضل الله تعالى؟‬
‫ن{ ]الروم‪.[47:‬‬ ‫مني َ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أي" حق أوجبه على نفسه الكريمة تكرما ً وتفض ً‬
‫ل"‪.‬‬
‫ة{ ]النعام‪.[54:‬‬‫م َ‬
‫ح َ‬‫سهِ الّر ْ‬ ‫ف ِ‬‫م عََلى ن َ ْ‬ ‫ب َرب ّك ُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬ك َت َ َ‬
‫قال القرطبي‪" :‬أي‪ :‬أوجب ذلك بخبره الصادق ووعده الحق"‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬أوجبها على نفسه الكريمة تفضل ً منه وإحسانا ً وامتنانًا"‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬كون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق إنعام‬
‫وفضل ليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق‪ ،‬فمن‬
‫الناس من يقول‪ :‬ل معنى للستحقاق إل أنه أخبر بذلك ووعده صدق‪ ،‬ولكن‬
‫أكثر الناس يثبتون استحقاقا ً زائدا ً على هذا كما دل عليه الكتاب والسنة قال‬
‫ن{‪.‬‬
‫مني َ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬
‫ح ّ‬
‫ن َ‬ ‫تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫كا َ‬
‫ولكن أهل السنة يقولون هو الذي كتب على نفسه الرحمة‪ ،‬وأوجب هذا الحق‬
‫دعون أنه واجب عليه‬ ‫على نفسه‪ ،‬لم يوجبه عليه مخلوق‪ ،‬والمعتزلة ي ّ‬
‫بالقياس على الخلق‪ ،‬وأن العباد هم الذين أطاعوه بدون أن يجعلهم مطيعين‬
‫له‪ ،‬وأنهم يستحقون الجزاء بدون أن يكون هو الموجب‪ ،‬وغلطوا في ذلك‪،‬‬
‫وهذا الباب غلطت فيه القدرية والجبرية أتباع جهم والقدرية النافية"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقال ابن القيم‪" :‬وقد أخبر سبحانه عن نفسه أنه كتب على نفسه وأحق‬
‫ن{‪ ،‬وقال تعالى‪} :‬وَإ َِذا‬ ‫مني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫على نفسه‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ه‬
‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م عََلى ن َ ْ‬ ‫ب َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ك َت َ َ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سَل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ب َِئاَيات َِنا فَ ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م ب ِأ ّ‬ ‫موالهُ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف َ‬ ‫ن أن ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه اشت ََرى ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ة{‪ ،‬وقال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫الّر ْ‬
‫ة‬ ‫را‬
‫ّ َْ ِ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫قا‬‫ّ‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫دا‬ ‫ع‬
‫ِ َ ُ َ َُ َ َ َ ْ ً َ ْ ِ َ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬
‫َ ِ ِ‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫فى‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬
‫َ ّ َ ُ ِ َ ِ‬ ‫ت‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫م‬
‫ن{ ]التوبة‪ ،[111:‬وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله‬ ‫قْرءا ِ‬ ‫ل َوال ْ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫لن ِ‬ ‫َوا ِ‬
‫عليه وسلم قال لمعاذ‪)) :‬أتدري ما حق الله على عباده؟(( وفيه‪)) :‬أتدري ما‬
‫حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟((‪ ،‬ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في‬
‫غير حديث‪ :‬من فعل كذا كان على الله أن يفعل به كذا وكذا في الوعد‬
‫والوعيد‪ ،‬ونظير هذا ما أخبر سبحانه من قسمه ليفعلن ما أقسم عليه كقوله‪:‬‬
‫ك ل َنسئ َل َنه َ‬
‫ن{‬ ‫طي َ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫شَرن ّهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك ل َن َ ْ‬ ‫ن{ ]الحجر‪} ،[92:‬فَوََرب ّ َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫}فَوََرب ّ َ َ ْ ّ ُ ْ‬
‫م‬‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫مل ّ‬ ‫ن{ ]إبراهيم‪ ،[13:‬وقوله‪} :‬ل ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظال ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫]مريم‪ ،[68:‬وقوله‪} :‬لن ُهْل ِك ّ‬
‫ك منه َ‬
‫ن{ ]ص‪ ،[85:‬إلى أمثال ذلك من صيغ القسم‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫من ت َب ِعَ َ ِ ْ ُ ْ‬ ‫م ّ‬‫ك وَ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ِ‬
‫سه‪ ،‬وهو القسم‬ ‫سم على نفسه أو منعه نف َ‬ ‫المتضمن معنى إيجاب المق ِ‬
‫الطلبي المتضمن للحظر والمنع‪ ،‬بخلف القسم الخبري المتضمن للتصديق‬
‫والتكذيب‪ ،‬قالوا‪ :‬وإذا كان معقول ً من العبد أن يكون طالبا ً من نفسه فتكون‬
‫سوء{ ]يوسف‪،[53:‬‬ ‫ماَرةٌ ِبال ّ‬ ‫سل ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫نفسه طالبة منها لقوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫وى{ ]النازعات‪،[40:‬‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫هى‬ ‫َ‬
‫َ َ ِ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫م َرب ّهِ وَ َ َ‬
‫ن‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وقوله‪} :‬وَأ ّ‬
‫ه‬
‫مع كون العبد له آمر ونهاه فوقه‪ ،‬فالرب تعالى الذي ليس فوقه آمر ول نا ٍ‬
‫كيف يمتنع منه أن يكون طالبا ً من نفسه فيكتب على نفسه‪ ،‬ويحق على‬
‫؟! بل ذلك أولى وأحرى في حقه من تصوره في‬ ‫نفسه‪ ،‬ويحرم على نفسه ‍‬
‫حق العبد‪ ،‬وقد أخبر به عن نفسه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وكتابة ما كتبه على نفسه وإحقاق ما حقه عليها متضمن لرادته ذلك‬
‫ومحبته له ورضاه به وأنه ل بد أن يفعله‪ ،‬وتحريمه ما حرمه على نفسه‬
‫متضمن لبغضه لذلك وكراهته له وأنه ل يفعله‪ ،‬ول ريب أن محبته لما يريد أن‬
‫يفعله وبغضه له يمنع وقوعه منه مع قدرته عليه لو شاء‪ ،‬وهذا غير ما يحبه‬
‫من فعل عبده ويكرهه منه‪ ،‬فذاك نوع وهذا نوع‪ ،‬ولما لم يميز كثير من الناس‬
‫بين النوعين وأدخلوهما تحت حكم واحد اضطربت عليهم مسائل القضاء‬
‫والقدر والحكمة والتعليل‪ ،‬وبهذا التفصيل سفر لك وجه المسألة وتبلج‬
‫صبحها"‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬مظاهر التكريم اللهي للنسان‪:‬‬


‫‪ -1‬خلقه في أحسن تقويم‪:‬‬
‫م{ ]التين‪.[4:‬‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ل َ َ‬
‫وي ٍ‬ ‫ق ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِفى أ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫قَنا ا ِ‬ ‫قد ْ َ‬
‫قال ابن عباس‪) :‬في أعدل خلق(‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬إنه تعالى خلق النسان في أحسن صورة وشكل‪ ،‬منتصب‬
‫القامة سوي العضاء حسنها"‪.‬‬
‫‪ -2‬نفخ فيه من روحه‪:‬‬
‫ه{ ]السجدة‪.[9:‬‬ ‫ح ِ‬ ‫من ّرو ِ‬ ‫خ ِفيهِ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫واه ُ وَن َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ث ُ ّ‬
‫ن{ ]ص‪:‬‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قُعوا ل ُ‬ ‫حى فَ َ‬ ‫من ّرو ِ‬ ‫ت ِفيهِ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه وَن َ َ‬ ‫سوّي ْت ُ ُ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬فَإ َِذا َ‬
‫‪.[72‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال الواحدي‪" :‬وأضاف روح آدم إليه إكراما وتشريفا"‪.‬‬
‫‪ -3‬أمر الملئكة بالسجود لدم‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬
‫ست َكب ََر‬ ‫س أَبى َوا ْ‬ ‫ّ‬
‫دوا إ ِل إ ِب ِْلي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫س َ‬‫م فَ َ‬ ‫دوا لد َ َ‬ ‫ج ُ‬‫س ُ‬ ‫مَلئ ِك َةِ ا ْ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل ِل ْ َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[34:‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لدم‪ ،‬امتن بها على ذريته‪،‬‬
‫حيث أخبر أنه تعالى أمر الملئكة بالسجود لدم"‪.‬‬
‫‪ -4‬تعليم آدم السماء كلها‪:‬‬
‫َ‬ ‫مَلئ ِك َةِ فَ َ‬
‫ل أنب ُِئوِنى‬ ‫قا َ‬ ‫م عََلى ال ْ َ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫م عََر َ‬ ‫ماء ك ُل َّها ث ُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫م ءاد َ َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَعَل ّ َ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫ما عَل ّ ْ‬
‫مت ََنا إ ِن ّ َ‬ ‫م ل ََنا إ ِل ّ َ‬ ‫عل ْ َ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن ‪َ e‬قاُلوا ْ ُ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ؤلء ِإن ُ‬ ‫ماء هَ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫َ‬
‫م{‪] .‬البقرة‪.[32 ،31:‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَِلي ُ‬ ‫أن َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملئكة بما‬
‫اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم"‪.‬‬
‫‪ -5‬جعل النسان خليفة في الرض‪:‬‬
‫ة{ ]البقرة‪:‬‬ ‫ف ً‬‫خِلي َ‬ ‫ض َ‬ ‫ل ِفى الْر ِ‬ ‫ع ٌ‬ ‫جا ِ‬ ‫مَلئ ِك َةِ إ ِّني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫‪.[30‬‬
‫قال البغوي‪" :‬والصحيح أنه خليفة الله في أرضه؛ لقامة أحكامه وتنفيذ‬
‫وصاياه"‪.‬‬
‫قال ابن عاشور‪" :‬وقول الله هذا موجه إلى الملئكة على وجه الخبار؛‬
‫ليسوقهم إلى معرفة فضل الجنس النساني على وجه يزيل ما علم الله أنه‬
‫في نفوسهم من سوء الظن بهذا الجنس"‪.‬‬
‫‪ -6‬تفضيل النسان على كثير من المخلوقات‪:‬‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫حرِ وََرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ِفى ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫مل َْناهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مَنا ب َِنى ءاد َ َ‬ ‫قد ْ ك َّر ْ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَل َ َ‬
‫ل{ ]السراء‪.[70:‬‬ ‫ضي ً‬ ‫ف ِ‬ ‫قَنا ت َ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م عََلى ك َِثيرٍ ّ‬
‫م ّ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬ ‫ت وَفَ ّ‬ ‫الط ّي َّبا ِ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قال الشوكاني‪" :‬أجمل سبحانه هذا الكثير ولم يبين أنواعه‪ ،‬فأفاد ذلك أن بني‬
‫ل{ يدل‬ ‫ضي ً‬ ‫ف ِ‬‫آدم فضلهم سبحانه على كثير من مخلوقاته‪ ...‬والتأكيد بقوله }ت َ ْ‬
‫على عظم هذا التفضيل وأنه بمكان مكين‪ ،‬فعلى بني آدم أن يتلقوه بالشكر‬
‫ويحذروا من كفرانه"‪.‬‬
‫‪ -7‬تسخير المخلوقات للنسان‪:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ن ِفى‬
‫ه إِ ّ‬‫من ْ ُ‬‫ميعا ّ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬
‫ما ِفى الْر ِ‬
‫ت وَ َ‬
‫ماوا ِ‬
‫س َ‬
‫ما ِفى ال ّ‬
‫م ّ‬‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ن{ ]الجاثية‪.[13:‬‬ ‫فكُرو َ‬ ‫ّ‬ ‫ت لّ َ‬
‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك لَيا ٍ‬
‫قال ابن سعدي‪" :‬وهذا شامل لجرام السماوات والرض ولما أودع الله‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيهما من الشمس والقمر والكواكب والثوابت والسيارات وأنواع الحيوانات‬


‫وأصناف الشجار والثمرات وأجناس المعادن‪ ،‬وغير ذلك مما هو معد لمصالح‬
‫بني آدم ومصالح ما هو من ضروراته"‪.‬‬
‫الصحاح )‪.(4/1460‬‬
‫القاموس المحيط )‪.(3/221‬‬
‫التوقيف على مهمات التعاريف )ص ‪.(287‬‬
‫المدخل الفقهي العام )‪ (10-3/9‬لمصطفى الزرقاء‪.‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(3/446‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(6/435‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/140‬‬
‫أخرجه البخاري في الجهاد‪ ،‬باب اسم الفرس والحمار )‪ ،(48‬ومسلم في‬
‫اليمان )‪.(30‬‬
‫مفتاح دار السعادة )ص ‪ (431-430‬ببعض اختصار‪.‬‬
‫تفسير ابن أبي حاتم )‪.(10/3448‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(4/527‬‬
‫الوسيط في تفسير القرآن المجيد )‪.(3/45‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/80‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/78‬‬
‫معالم التنزيل )‪.(1/79‬‬
‫تفسير التحرير والتنوير )‪.(1/400‬‬
‫فتح القدير )‪.(245-3/244‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )ص ‪.(776‬‬
‫الفصل الول‪ :‬خصائص ومميزات حقوق النسان في السلم‪:‬‬
‫‪ -1‬حقوق النسان في السلم تنبثق من العقيدة السلمية‪:‬‬
‫إن حقوق النسان في السلم تنبع أصل ً من العقيدة‪ ،‬وخاصة من عقيدة‬
‫التوحيد‪ ،‬ومبدأ التوحيد القائم على شهادة أن ل إله إل الله هو منطلق كل‬
‫الحقوق والحريات‪ ،‬لن الله تعالى الواحد الحد الفرد الصمد خلق الناس‬
‫أحرارًا‪ ،‬ويريدهم أن يكونوا أحرارًا‪ ،‬ويأمرهم بالمحافظة على الحقوق التي‬
‫شرعها والحرص على اللتزام بها‪ ،‬ثم كلفهم شرعا ً بالجهاد في سبيلها‬
‫والدفاع عنها‪ ،‬ومنع العتداء عليها وهذا ما تكرر في القرآن الكريم في آيات‬
‫القتال والجهاد‪.‬‬
‫فحقوق النسان في السلم تنبع من التكريم اللهي للنسان بالنصوص‬
‫الصريحة‪ ،‬وهو جزء من التصور السلمي والعبودية لله تعالى وفطرة النسان‬
‫التي فطره الله عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬حقوق النسان في السلم منح إلهية‪:‬‬
‫إن حقوق النسان في السلم منح إلهية منحها الله لخلقه‪ ،‬فهي ليست منحة‬
‫من مخلوق لمخلوق مثله‪ ،‬يمن بها عليه ويسلبها منه متى شاء‪ ،‬بل هي حقوق‬
‫قررها الله للنسان‪.‬‬
‫‪ -3‬حقوق النسان في السلم شاملة لكل أنواع الحقوق‪:‬‬
‫من خصائص ومميزات الحقوق في السلم أنها حقوق شاملة لكل أنواع‬
‫الحقوق‪ ،‬سواء الحقوق السياسية أو القتصادية أو الجتماعية أو الثقافية‪.‬‬
‫كما أن هذه الحقوق عامة لكل الفراد الخاضعين للنظام السلمي دون تمييز‬
‫بينهم في تلك الحقوق بسبب اللون أو الجنس أو اللغة‪.‬‬
‫‪ -4‬حقوق النسان في السلم ثابتة ول تقبل اللغاء أو التبديل أو التعطيل‪:‬‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من خصائص حقوق النسان في السلم أنها كاملة وغير قابلة لللغاء؛ لنها‬
‫جزء من الشريعة السلمية‪.‬‬
‫إن وثائق البشر قابلة للتعديل غير متأبية على اللغاء مهما جرى تحصينها‬
‫بالنصوص‪ ،‬والجمود الذي فرضوه على الدساتير لم يحمها من التعديل‬
‫بالغلبية الخاصة‪.‬‬
‫وقضى الله أن يكون دينه خاتم الديان وأن يكون رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم خاتم النبيين‪ ،‬ومن ثم فما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم فهو باق ما دامت السماوات والرض‪.‬‬
‫‪ -5‬حقوق النسان في السلم ليست مطلقة بل مقيدة بعدم التعارض مع‬
‫مقاصد الشريعة السلمية‪:‬‬
‫ومن خصائص حقوق النسان في السلم أنها ليست مطلقة‪ ،‬بل مقيدة بعدم‬
‫التعارض مع مقاصد الشريعة السلمية‪ ،‬وبالتالي بعدم الضرار بمصالح‬
‫الجماعة التي يعتبر النسان فردا ً من أفرادها‪.‬‬
‫حقوق النسان في السلم للدكتور محمد الزحيلي )ص ‪ (133-132‬بتصرف‪.‬‬
‫حقوق النسان في السلم للدكتور سليمان الحقيل )ص ‪.(53‬‬
‫حقوق النسان في السلم‪ .‬د‪.‬سليمان الحقيل )ص ‪.(53‬‬
‫حقوق النسان للحقيل )ص ‪.(53‬‬
‫حرمات ل حقوق‪ ،‬لعلي جريشة‪.‬‬
‫حقوق النسان للحقيل )ص ‪.(53‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مقارنة بين حقوق النسان في السلم وفي الوثائق الوضعية‬
‫الدولية‪:‬‬
‫ل‪ :‬من حيث السبقية واللزامية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫لقد كان للشريعة السلمية الغراء فضل السبق على كافة المواثيق‬
‫والعلنات والتفاقيات الدولية في تناولها لحقوق النسان وتأصيلها لتلك‬
‫الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ً من الزمان‪ ،‬وأن ما جاء به العلن‬
‫العالمي لحقوق النسان والتفاقيات الدولية اللحقة ومن قبلها ميثاق المم‬
‫المتحدة ما هو إل ترديد لبعض ما تضمنه الشريعة السلمية الغراء‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فحقوق النسان المهددة اليوم والتي ندعو إلى حمايتها واحترامها قد أقرها‬
‫السلم وقدسها منذ أربعة عشر قرنا ً فسبق بها سبقا ً بعيدا ً عما قال به القرن‬
‫عد قرن حقوق النسان‪.‬‬ ‫الثامن عشر الذي ُ‬
‫وحقوق النسان كما جاء بها السلم حقوق أصيلة أبدية ل تقبل حذفا ً ول‬
‫ل‪ ،‬إنها حقوق ملزمة شرعها الخالق سبحانه وتعالى‪،‬‬ ‫تعديل ً ول نسخا ً ول تعطي ً‬
‫فليس من حق بشر كائنا ً من كان أن يعطلها أو يتعدى عليها‪ ،‬ول تسقط‬
‫حصانتها الذاتية ل بإرادة الفرد تنازل ً عنها ول بإرادة المجتمع ممثل ً فيما يقيمه‬
‫من مؤسسات أيا ً كانت طبيعتها وكيفما كانت السلطات التي تخولها‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالقيمة القانونية للعلن العالمي لحقوق النسان فهو ليس إل‬
‫مجرد تصريح صادر عن المم المتحدة غير ملزم‪.‬‬
‫فيتضح أن حقوق النسان في المواثيق الدولية عبارة عن توصيات أو أحكام‬
‫أدبية‪ ،‬أما في السلم فحقوق النسان عبارة عن فريضة تتمتع بضمانات‬
‫جزائية وليست مجرد توصيات أو أحكام أدبية‪ ،‬فللسلطة العامة في السلم‬
‫حق الجبار على تنفيذ هذه الفريضة‪ ،‬خلفا ً لمفهوم هذه الحقوق في المواثيق‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدولية التي تعتبرها حقا ً شخصيا ً مما ل يمكن الجبار عليه إذا تنازل عنه‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬من حيث العمق والشمول‪:‬‬
‫حقوق النسان في السلم أعمق وأشمل من حقوق النسان في الوثائق‬
‫الوضعية‪ ،‬فحقوق النسان في السلم مصدرها كتاب الله وسنة رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬أما مصدر حقوق النسان في القوانين والمواثيق الدولية‬
‫فهو الفكر البشري‪ ،‬والبشر يخطئون أكثر مما يصيبون‪ ،‬ويتأثرون بطبيعتهم‬
‫البشرية بما فيها من ضعف وقصور وعجز عن إدراك المور والحاطة‬
‫بالشياء‪ ،‬وقد أحاط الله بكل شيء علمًا‪.‬‬
‫إن الحقوق في السلم تبلغ درجة الحرمات وهي في هذا تمر بدرجات‪،‬‬
‫سّلمة‪ ،‬ومن بعدها تدعمها الواجبات‪ ،‬ومن بعد الواجبات تحميها‬ ‫م َ‬
‫فالحقوق ُ‬
‫الحدود‪ ،‬ومن بعد الحدود ترتفع إلى الحرمات‪.‬‬
‫وإذا كانت المواثيق البشرية قد ضمنت بعض الحقوق فإن السلم بمصدريه‬
‫القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة شمل جميع أنواع الحقوق التي تكرم‬
‫الله بها على خلقه‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬من حيث الحماية والضمانات‪:‬‬
‫إن حقوق النسان في القوانين الوضعية لم توضع لها الضمانات اللزمة‬
‫لحمايتها من النتهاك‪.‬‬
‫فبالرجوع إلى مواد العلن العالمي لحقوق النسان الصادر عن المم‬
‫المتحدة عام ‪1948‬م نجده لم يحدد الوسائل والضمانات لمنع أي اعتداء‬
‫على حقوق النسان وبخاصة ما يكون من هذه الوسائل والضمانات على‬
‫المستوى العالمي‪.‬‬
‫كما تضمن العلن تحذيرا من التحايل على نصوصه أو إساءة تأويلها دون‬ ‫ً‬
‫تحديد جزاء للمخالفة‪ ،‬وتضمنت أيضا ً تشكيل لجنة لحقوق النسان تقوم‬
‫بدراسة تقارير الدول الطراف عن إجراءاتها لتأمين الحقوق المقررة‪ ،‬كما‬
‫تتسلم التبليغات المقدمة من إحدى الدول الطراف ضد أخرى بشأن أدائها‬
‫لحد التزاماتها المقررة بمقتضى التفاقية وذلك بشروط معينة‪.‬‬
‫وبالنظر إلى الحماية الدولية لحقوق النسان نجدها محاولت لم تصل إلى حد‬
‫التنفيذ‪ ،‬وهي تقوم على أمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬محاولة التفاق على أساس عام معترف به بين الدول جميعًا‪.‬‬
‫‪ -2‬محاولة وضع جزاءات ملزمة تدين الدولة التي تنتهك حقوق النسان‪.‬‬
‫إن كل ما صدر عن المم المتحدة والمنظمات والهيئات بخصوص حقوق‬
‫النسان يحمل طابع التوصيات ول يعدو كونه حبرا ً على ورق يتلعب به‬
‫واضعوه حسبما تمليه عليهم الهواء والشهوات‪.‬‬
‫أما في السلم فقد اعتمد المسلمون في مجال حماية حقوق النسان على‬
‫أمرين أساسين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬إقامة الحدود الشرعية‪ ،‬إذ إن من أهم أهداف إقامة الحدود الشرعية في‬
‫السلم المحافظة على حقوق الفراد‪.‬‬
‫‪ -2‬تحقيق العدالة المطلقة التي أمر الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫وحثا عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة‪.‬‬
‫قال تعالى‪} :‬إن الل ّ ْ‬
‫ن{ ]النحل‪.[90:‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َوال ْ‬‫مُر ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫ه ي َأ ُ‬‫َ‬ ‫ِ ّ‬
‫قال ابن عطية‪" :‬والعدل هو فعل كل مفروض من عقائد وشرائع وسير مع‬
‫الناس في أداء المانات وترك الظلم والنصاف وإعطاء الحق"‪.‬‬
‫َ‬
‫ل{ ]النساء‪.[58:‬‬ ‫موا ْ ِبال ْعَد ْ ِ‬
‫حك ُ ُ‬
‫س أن ت َ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك َ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وَإ َِذا َ‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ابن كثير‪" :‬أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس"‪.‬‬
‫وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه في إقامة العدل فكانت‬
‫حياته كلها عدل‪ ،‬وعلم أصحابه العدل وأوصى أمته به وحذرهم من الظلم‪،‬‬
‫ووضع منهج السلم في إقرار العدل والمساواة والمحافظة على الحقوق‬
‫وحمايتها‪.‬‬
‫حقوق النسان للحقيل )ص ‪.(87‬‬
‫حقوق النسان للحقيل )ص ‪.(103‬‬
‫حقوق النسان للحقيل )‪.(89-88‬‬
‫حقوق النسان للحقيل )ص ‪.(89‬‬
‫حقوق النسان للحقيل‪.‬‬
‫المحرر الوجيز )‪.(2/416‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/528‬‬
‫حقوق النسان للحقيل )ص ‪.(104-103‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬مفهوم الغرب لحقوق النسان‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لم تظهر فكرة حقوق النسان جزئيا ً بشكل رسمي عند الغرب إل في القرن‬
‫الثالث عشر الميلدي‪ ،‬الموافق للقرن السابع الهجري‪ ،‬أي‪ :‬بعد نزول السلم‬
‫بسبعة قرون‪ ،‬وذلك نتيجة ثورات طبقية وشعبية في أوروبا‪ ،‬ثم في القرن‬
‫الثامن عشر في أمريكا لمقاومة التميز الطبقي أو التسلط السياسي أو‬
‫الظلم الجتماعي‪.‬‬
‫‪ -1‬حرية التدين في الغرب‪:‬‬
‫جاء في العلن العالمي لحقوق النسان أن لكل شخص الحق في حرية‬
‫الدين وحرية تغيير ديانته أو عقيدته وحرية العراب عنها بالتعليم والممارسة‪.‬‬
‫فالنسان عند الغرب حر في أن يختار الدين الذي يريده وحر في أن يغير‬
‫دينه متى شاء‪.‬‬
‫وهذا يتعارض مع تعاليم السلم الذي ل يجيز للمسلم تغيير ديانته‪ ،‬بل يعتبر‬
‫ذلك ردة ويجب إقامة الحد فيها؛ لن السماح بالردة يشكل خطرا ً على أمن‬
‫الدولة السلمية‪ ،‬ويخالف ما قصده السلم من حفظ للضروريات الخمس‬
‫التي على رأسها ضرورة حفظ الدين الذي تقوم الدولة السلمية أساسا ً‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬حرية إقامة العلقات السرية‪:‬‬
‫جاء في العلن العالمي لحقوق النسان أن للرجل والمرأة متى بلغا سن‬
‫الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين‪.‬‬
‫فيبيح للكافر التزوج بمسلمة وللمسلم التزوج بالكافرة بدون أي قيود على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وهذا يخالف تعاليم السلم التي ل تجيز للمرأة المسلمة أن تتزوج بغير‬
‫المسلم‪ ،‬وذلك صيانة للسرة من النحلل بسبب الختلف في الدين عند‬
‫احترام الزوج بموجب عقيدته لمقدسات زوجته لن المرأة أحد عنصري‬
‫السرة الكثر حساسية في هذا الموضوع بسبب شعورها بالضعف أمام‬
‫الرجل"‪.‬‬
‫‪ -3‬حق الحرية‪:‬‬
‫ً‬
‫جاء في العلن العالمي لحقوق النسان‪" :‬يولد جميع الناس أحرارا متساوين‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الكرامة والحقوق"‪.‬‬


‫وفي اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية‪" :‬لكل فرد الحق في الحرية‬
‫والسلمة الشخصية ول يجوز حرمان أحد من حريته إل على أساس من‬
‫القانون وطبقا ً للجراءات المقررة"‪.‬‬
‫وهذا الحق يكاد أن يكون نظريا ً اليوم‪ ،‬ويعاني الفراد والشعوب الويلت من‬
‫الفراط والتفريط بحق الحرية‪ ،‬والمتاجرة بها والتغني فيها وعدم ضبط‬
‫الممارسات فيها وحولها‪ ،‬حتى قالت إحدى نسائهم‪" :‬كم من الجرائم ارتكبت‬
‫باسمك أيتها الحرية"‪.‬‬
‫‪ -4‬حق التملك‪:‬‬
‫ً‬
‫تفاوت مفهوم حق التملك عند الغرب تفاوتا هائ ً‬
‫ل‪.‬‬
‫فالرأسمالية أطلقت حرية التملك إلى أبعد الحدود وجردته من كل قيد حتى‬
‫استبد الغنياء وأصحاب رؤوس الموال بمقدرات المم والشعوب واستنزفت‬
‫خيرات البلد وطبقات الفقراء والعمال‪.‬‬
‫بينما تمادت الشيوعية في الفراط والغلو وألغت الملكية الفردية وفرضت‬
‫ملكية الدولة الكاملة‪ ،‬واستولت على جميع وسائل النتاج‪ ،‬وأصبح العمال‬
‫مجرد آلت للعمل‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،،‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي )ص ‪.(101‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي )ص ‪.(181‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي )ص ‪ (156-155‬بتصرف‪.‬‬
‫حقوق النسان للحقيل )ص ‪.(82‬‬
‫حقوق النسان للحقيل )ص ‪.(161‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي )ص ‪.(169‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي )ص ‪.(169‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي )ص ‪.(170‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي )ص ‪.(315‬‬
‫‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫حقوق النسان مابين الشريعة السلمية والقوانين الوضعية‬


‫طريف السيد عيسى *‬
‫‪alsayed_59@hotmail.com‬‬
‫تثار اليوم ضجة كبيرة حول قضايا حقوق النسان والحريات والديمقراطية‬
‫ويتم التركيز على العالم السلمي والوطن العربي تحت شعار الشرق‬
‫الوسط الجديد فهي شعارات مغلفة بالعسل وبداخلها سم زعاف ‪,‬فهي‬
‫شعارات طرية ناعمة الملمس لكنها مثل الحية الرقطاء وهذا ما سنبينه حول‬
‫واقع القوانين الوضعية وموقفها من حقوق النسان ‪.‬‬
‫أستهل الحديث بقول الله تعالى‪:‬‬
‫) يآيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا (‬
‫الحجرات ‪13‬‬
‫) ومن آياته خلق السموات والرض واختلف ألسنتكم وألوانكم ( الروم ‪22‬‬
‫)ولو شاء ربك لمن من في الرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى‬
‫يكونوا مؤمنين( يونس ‪. 99‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نصوص واضحات بينات تدحض كل تعصب ينكر واقع الحال لبني البشر من‬
‫حيث العقيدة واللون واللغة والقومية‪ ,‬ويعتبر واهما كل من يعتقد أن يكون‬
‫الناس جميعا بعقيدة واحدة ولون واحد وقومية واحدة ولغة واحدة ‪ ,‬وكل من‬
‫يدعوا الى هذا التعصب انما يدعوا الى التنافر والقتتال ‪.‬‬
‫وقد يقول قائل انها قيم عظيمة ليمكن انكارها لكنها مفقودة على أرض‬
‫الواقع وجوابنا المختصر أن عجز المسلمين في عدم التعامل مع هذه القيم‬
‫ليلغي دورها وقدرتها على النتاج من جديد في حال تم التعامل معها فالخلل‬
‫في المطبقين وليس في المنهج‪.‬‬
‫وهذا يدعوا السلمين وخاصة العلماء والدعاة والمفكرين والجماعات‬
‫السلمية للتخلص من حالة العجاب بهذه النصوص والتجاه نحو تطبيقها‬
‫على أرض الواقع لمعالجة المشاكل التي نشأت بسبب غيابها‪.‬‬
‫كما انه ليمكن النكار أن الحكام والسلطين في يومنا هذا يبعدون كل‬
‫مخلص ويقربون أهل المنافع الشخصية أصحاب الولء للحاكم أو لجهات‬
‫خارجية همها ابقاء هذه المة على حالتها الراهنة ‪.‬‬
‫وليمكن لي أمة أن تحقق تقدما وأفرادها مسلوبي الرادة وفاقدي الحرية‬
‫والقيمة النسانية‪,‬وهذا لينطبق على سلطان الجور والستبداد بل ينطبق‬
‫أيضا على بعض التيارات والحركات السلمية التي تعاني من حالة المرض‬
‫المزمن بالتضييق على الرأي الخر وصاحب النقد والتقويم سواء من الداخل‬
‫أو الخارج حتى غدت بعض هذه التيارات تعيش داخل محميات وتضع لنفسها‬
‫السوار فتنتشر فيها أدبيات التعصب الحزبي مما يجعلها ولسان حالها يقول‬
‫نحن المقياس السليم لليمان وفهم السلم ‪ ,‬وينسى هؤلء أن السلم دين‬
‫مفتوح للجميع وليس حكرا على أحد وما هذه التيارات والحركات ال وسائل‬
‫لتحقيق السلم والشهادة على العالمين‪.‬‬
‫ان حقوق النسان واحترامها تمثل قمة في التدين وكل من يرفض هذا‬
‫المنطق فنقول له ان المشكلة فيك وليس في الشريعة فصوب فكرك‬
‫وفهمك وفقهك وليتطابق المعتقد مع السلوك ‪.‬‬
‫كما أنه من الظلم أن نحمل السلم حال المة اليوم من هدر للكرامة‬
‫والحقوق بل يتحمل ذلك كل من عمل على ابعاد السلم عن الحياة ليرسيخ‬
‫الستبداد والظلم والقهر والجبروت ‪ ,‬وهنا لبد لمن أراد التصدي لهذا المر‬
‫أن يكون القدوة العملية تحت شعار ل اكراه‪.‬‬
‫حقوق النسان في المواثيق الدولية‬
‫لينكر عاقل أن الله خلق الوجود بتوازن وتكامل فكان النسان معجزة من‬
‫معجزات الخالق عزوجل فهو روح وجسد وعقل وسمع وبصر وفؤاد‬
‫) ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات‬
‫وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيل( السراء ‪.70‬‬
‫فخلق الكون وارسال الرسل وانزال الكتب كل ذلك ليقيم النسان حياته‬
‫على الصراط المستقيم ويؤمن أن الله هو المشرع ‪.‬‬
‫ولكن عندما يبتعد النسان عن منهج الله يصاب بالغرور ويتبع الهوى فيشرع‬
‫لنفسه ولغيره مالم يأذن به الله ‪ ,‬ومعلوم أن النسان مهما بلغ من درجات‬
‫العلم والمعرفة يبقى علمه محدودا أمام خالق الكون ‪ ,‬وكل من ينصب نفسه‬
‫مشرعا بدل الخالق فينطبق عليه قول الله تعالى‬
‫) قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ( المائدة ‪.77‬‬
‫ومنذ أن أقر ميثاق المم المتحدة الخاص بحقوق النسان وهي تسعى لبراز‬
‫دورها على أنها راعية حقوق النسان بل ان بعض الدول تفرض نفسها على‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنها هي الراعي الول لحقوق النسان ولو كان على حساب النسان نفسه‬
‫من قتله وامتهانه وحرمانه من أبسط هذه الحقوق ‪.‬‬
‫ولبد لنا من وقفة متانية مع هذا الميثاق لنوضح أنه محدود المدلول ‪.‬‬
‫فكم نشهد حروب تحت زعم الحفاظ على حقوق النسان لكننا نجد أن هذه‬
‫الدول هي أول من ينتهك تلك الحقوق بل نجدها ترفض التوقيع على أي‬
‫معاهدة تلزمها بهذه المواثيق للحد من عدوانيتها‪ ,‬لكن الذي عاش لفترة‬
‫طويلة يعاني من العمى وفجأة ابصر فعندما يرى ضوء الشمعة فيحسبه ضوء‬
‫الشمس ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهاقد مر زمن طويل على هذا الميثاق وكل يوم نرى ونسمع عن انتهاك‬
‫الحقوق والتمييز بل اننا نجد هذه الدول ترعى دول تقوم بأفظع الجرائم بحق‬
‫النسانية ‪ ,‬فهل ينكر عاقل التمييز بين السود والبيض في أمريكا وهل يخفى‬
‫على أحد الفرق الكبير في الدخل بين مناطق السود والبيض في أمريكا وهل‬
‫ينكر منصف أن نسبة مشاركة المرأة في الوزارات والمناصب لتساوي ال‬
‫واحد بالمائة في أمريكا فأين تطبيق هذا الميثاق ‪.‬‬
‫ثم ماهي السلطة العليا التي تلزم الدول باللتزام بهذا الميثاق بل ان الميثاق‬
‫يخضع لسياسة الدول المتغلبة وبالتالي يبقى هذا الميثاق عرضة للنتهاك‬
‫) يقول آرنولد توينبي صاحب كتاب مختصر تأريخ الحضارات – عن ميثاق‬
‫المم المتحدة لحقوق النسان بانه ميثاق سخيف لنه أعطى لبعض الدول‬
‫حق الفيتو الذي يجهض أي قرار لنصرة المظلوم ( ‪.‬‬
‫ثم ان أي ميثاق يحتاج الى برامج ومناهج لصلح الفرد والمجتمع والدولة‬
‫وهذا مايفتقده الميثاق مما جعله فاقدا للمصداقية وخاضعا لمزاج الدول‬
‫الغالبة والقوية التي تتحكم بمصير الشعوب وهذا مادفع ممثل الصين في‬
‫مجلس المن ليقول ذات مرة ) أمريكا تتعامل مع مجلس المن بالحذاء ( ‪.‬‬
‫وهذا مايجعل ذلك الميثاق مسيطرا على المور فقط على الورق لنه ليحمل‬
‫أي منهج للصلح وهكذا سيبقى كالجائع الذي يتغذى على رائحة الخبز‪.‬‬
‫مالفائدة أن يقر الميثاق الحقوق الساسية للنسان والمم وفي نفس الوقت‬
‫أعطى حق النقض الفيتو لبعض الدول حصرا وهذا يتناقض مع كل قيم الحرية‬
‫والديمقراطية بل انه قمة الستبداد لنه يجعل مصير العالم بيد دولة تتحكم‬
‫بمصائر الشعوب والدول ‪.‬‬
‫وقد يقول قائل الباب مفتوح للشكوى والتظلم فنقول مالفائدة من التظلم‬
‫طالما هناك دولة واحدة قادرة على افشال أي محاولة للنتصار لحقوق‬
‫المظلوم ‪.‬‬
‫كما أن هذا الميثاق فيه من الثغرات القانونية والتي مكنت بعض الدول من‬
‫المساءلة والقضاء لن الميثاق في بعض نصوصه ينص على أنه ليتدخل في‬
‫القضاء الدولي ال في حال رضى الطرفين الظالم والمظلوم ‪,‬فمتى كان‬
‫الظالم يرضى بالحتكام الى العدل عندما يكون مخيرا بين القبول وعدمه‬
‫وهذا ماجعل هذا الميثاق يقوض الحقوق بشكل جماعي لنه مافائدة المواثيق‬
‫اذا لتوجد جهة تلزم الظالم والمعتدي للمثول أمام القضاء العادل ‪.‬‬
‫وعندما نبحث عن العدالة في الميثاق فل نجد أي نص يتكلم عن العدالة بل‬
‫نجد عكس ذلك حيث هناك نص يقول ) اذا تقاطع السلم مع العدالة فل عبرة‬
‫بالعدالة وانما العبرة بالسلم والمن الدولي وذلك باعادة السلم الى نصابه –‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المادة الولى – الفقرة الولى ( فلنفترض أن دولة تملك حق النقض أو احدى‬


‫حليفاتها على دولة صغيرة ضعيفة وأفقدت هذه الدولة كل الحقوق ودمرت‬
‫بنيته التحتية فبموجب المادة الولى على الدولة المعتدى عليها أن تستسلم‬
‫استسلم المكره للقوة العاتية الظالمة وهذا منافي لكل قيم العدل ‪ ,‬أو تقوم‬
‫برفع دعوى للمم المتحدة وهنا ندخل من جديد في دوامة حق النقض الفيتو‬
‫أو يتوجب قبول الطرفين بالحتكام الى القانون الدولي وهذا أيضا يدخلنا في‬
‫متاهة تهرب الظالم من قانون العدل ‪.‬‬
‫لذلك نجد الميثاق فتح الباب واسعا لتملص الدول القوية ومالكة حق النقض‬
‫للتهرب من أي مساءلة ‪ ,‬في حين نجد شريعة السماء أوجبت القتال ضد‬
‫المعتدي الظالم لنه لقيمة للسلم القائم على الظلم) لقد أرسلنا رسلنا‬
‫بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ( الحديد ‪25‬‬
‫) فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ الى أمر الله ( الحجرات ‪.9‬‬
‫كما أننا نجد الميثاق وتكريسا لهيمنة الدول الكبرى والقوية حيث تمكن هؤلء‬
‫من الحتياط لي تغيير في الميثاق قد يحد من هيمنتهم حيث أنه في حال‬
‫الطلب لتعديل أي نص فان ذلك يخضع أيضا لحق النقض الفيتو حسب المادة‬
‫)‪ (108‬من الميثاق ‪ ,‬وهذا يبقي حقوق النسان والدول الضعيفة رهينة‬
‫وأسيرة للدول الكبرى صاحبة حق النقض ‪.‬‬
‫اذا كان هذا هو حال ميثاق صادر عن جهة تعتبر مظلة لكل الدول فكيف‬
‫لمواثيق صدرت عن جهات غير رسمية ول دولية ولتملك أي سلطة لتنفيذها‬
‫فانها قطعا سوف تتعرض للنتهاك أكثر بكثير من ميثاق المم المتحدة ‪.‬‬
‫كل ماتقدم يثبت فشل ميثاق المم المتحدة في الحفاظ على حقوق النسان‬
‫والشعوب ‪ ,‬وبما أن النسان يشرع لنفسه فانه يشرع بما تقتضيه مصلحته‬
‫وبالرجوع الى العديد من القرارات الدولية نجد أنها ضربت عرض الحائط‬
‫بحقوق النسان وحقوق الشعوب فدمرت دول وتم قصفها بالسلحة المحرمة‬
‫كما حصل في هيروشيما وناغزاكي وكما حصل في فيتنام وكما يحصل اليوم‬
‫في العراق ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ان المم المتحدة راعية حقوق النسان والشعوب هي نفسها من شرع في‬
‫مؤتمر القاهرة الدولي الخاص بالسكان والتنمية أنه يجوز انشاء المراكز‬
‫الطبية التي تعمل على احهاض النساء الحوامل أثناء فترة الحمل وهي نفسها‬
‫شرعت في مؤتمر بكين للمراءة بجواز زواج الرجل من الرجل وزواج المرأة‬
‫بالمرأة تحت دعوى الحريات الشخصية وبذلك حازت هذه المؤسسة الدولية‬
‫على مرتبة الشرف في جعل الرذيلة نظاما عالميا مخالفة بذلك الفطرة التي‬
‫فطر الله الناس عليها ‪.‬‬
‫ان كل هذا التناقض لن الميثاق ليملك منهج وبرنامج للصلح ولنه من صنع‬
‫البشر بينما نجد شرع الله وضع النصوص وآليات التنفيذ مع برامج الصلح‬
‫اللزمة من خلل اليمان بالله على أنه المشرع واليمان باليوم الخر‬
‫والعقاب والجزاء والمكافئة وحض النسان على اللتزام بالخلق الحميدة ‪.‬‬
‫وطالما أن هذا الميثاق يفتقد لهذا المنهج فانه سيبقى ينتقل من فشل الى‬
‫آخر ومن اخفاق الى آخر وبذلك ينطبق عليه وعلى من يجعل هذا الميثاق هو‬
‫المرجعية الولى والخيرة قول الله تعالى ‪:‬‬
‫) والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يجده شيئا ووجد الله عنده فوقاه حسابه والله سريع الحساب ‪ .‬أو كظلمات‬
‫في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها‬
‫فوق بعض اذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من‬
‫نور ( النور ‪40-39‬‬
‫حقوق النسان في ضوء دستور الدول‬
‫يعتبر دستور أي دولة عبارة عن صيغة تنظيمية لتنظيم عمل أجهزة الدولة‬
‫وبيان الحقوق والواجبات وبذلك يجب أن يكون الدستور حاميا لحقوق‬
‫النسان من أي اعتداء سواء كان من قبل أجهزة الدولة المدنية أو المنية‬
‫والعسكرية أو من قبل أي جهة من غير الدولة ‪.‬‬
‫كما أن الدولة وأجهزتها المختلفة وكافة المؤسسات والتجمعات ملزمة بهذا‬
‫الدستور وأي خروج عنه يعتبر نوع من الستبداد والتسلط والتعدي على‬
‫الحقوق وعليه لبد من تطبيق الدستور على الجميع بل أية محاباة‪.‬‬
‫ومعلوم أن دولة القانون والدستور حتى تستقيم أمورها دون طغيان وتسلط‬
‫لبد أن تتوفر فيها عدة أمور ‪:‬‬
‫‪ -‬وجود دستور تتوفر فيع عملية التدرج في النصوص القانونية‬
‫‪ -‬أن تخضع الدولة وأجهزتها وباقي مكونات المجتمع لهذا الدستور‬
‫‪-‬أن ينبع هذا الدستور من حضارة وهوية وثقافة المجتمع‬
‫‪ -‬أن يتضمن الدستور اعترافا صريحا بالحريات والحقوق الفردية والجماعية‬
‫وتوضع الليات التي تضمن عدم التجاوز على أي نص من الدستور أو تجميده‬
‫لمصلحة حزب أوفئة ما وفي نفس الوقت يتضمن آليات التنفيذ وبرامج‬
‫الصلح ‪.‬‬
‫فوجود الدستور أمر ضروري لنه يضمن قيام العمل المؤسسي ويحد من‬
‫التسلط والتفرد وبذلك يكون السياج الذي ليجوز الخروج عليه او عنه لنه‬
‫في تلك الحالة تفقد الدولة قانونيتها وشرعيتها‪.‬‬
‫كما أن عملية التدرج في النصوص بحيث تكون هناك نصوص تسمو على‬
‫نصوص أخرى بحسب أهميتها وأن تكون هناك نصوص تابعة لغيرها بحيث‬
‫يخضع النص الدنى للنص العلى دون أي تناقض بينهما ‪ ,‬كما يجب أن تكون‬
‫هناك نصوص تعبر عن السمات الرئيسية للدولة بحيث ليجوز لحد كان من‬
‫كان أن يخرج عليها أو عنها‪.‬‬
‫وفي الدستور ليجوزلي دائرة أو جهاز أو مؤسسة أن تتخذ أي اجراء يتعارض‬
‫مع الدستور لن هذه الدوائر والجهزة والمؤسسات جزء من الدولة فعليها‬
‫الخضوع لسلطان الدستور ‪ ,‬وأي خروج يعني أن الدولة الواحدة تتحول الى‬
‫عدة دول فهذه دولة أمن الدولة وهذه دولة المخابرات العسكرية وتلك دولة‬
‫العسكر وهؤلء حرس قديم وأولئك حرس جديد ‪.‬‬
‫أما قضية الحريات والحقوق فهي الهدف من قيام دولة الدستور والقانون‬
‫لنهما وجدا لضمان تمتع الفراد بحرياتهم العامة ‪ ,‬وأي انعدام أو تعدي عليهما‬
‫فهذا يعني أن الدولة تحولت الى الستبداد والظلم والقهر وحكم الفرد‬
‫والجزب القائد للدولة والمجتمع وانعدام المن ‪.‬‬
‫كل ذلك يستدعي ضمانات لبد منها لسيادة الدستور وتتمثل هذه الضمانات‬
‫في ‪:‬‬
‫‪ -‬الفصل بين السلطات الثلث التشريعية والتنفيذية والقضائية‬
‫‪ -‬تنظيم عملية الرقابة القضائية بعيدا عن كل أشكال الهيمنة والملء‬
‫‪ -‬تطبيق وتفعيل نظام الشورى ) الديمقراطية (‬
‫ان عملية الفصل بين السلطات الثلث ضمان لعدم اعتداء أي منهما على‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عمل الخرى وفي نفس الوقت يلزم الدولة على احترام تلك السلطات ‪,‬‬
‫لكن ليمنع أن تشكل كل سلطة حالة رقابية على السلطة الخرى ‪ ,‬كما أن‬
‫عملية الفصل تمنع سيطرة سلطة على أخرىوبذلك تستمد هذه السلطات‬
‫صلحياتها من الدستور ولتخضع لي جهة ما في الدولة ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وعندما يكون القضاء نزيها ومستقل ويمتلك صلحيات الرقابة فانه في تلك‬
‫الحالة تخضع الدولة لسلطة الدستور وليس العكس وهذا يتطلب أن تكون‬
‫هناك حصانة لتلك السلطة تتمكن من الفصل في المخاصمات بكل حرية‬
‫سواء بين أفراد المجتمع أو بين الدوائر والجهزة وسلطة القضاء هي التي‬
‫تحكم بخطأ أو صحة أي تصرف بعيدا عن هيمنة المن والمخابرات‬
‫والمتنفذين في الدولة حتى لو كان رأس الدولة نفسه ‪.‬‬
‫أما الشورى ) الديمقراطية كأسلوب لدارة الدولة وليس مصدر للتشريع (‬
‫فانها أضمن وسائل الرقابة على الجميع بل استثناء من رأس الهرم في‬
‫الدولة الى أصغر محكوم ‪ ,‬كما أنها تفتح المجال واسعا للمساهمة اليجابية‬
‫والفعالة داخل المجتمع في جو من التنافس الشريف لنها لتسمح بهيمنة فئة‬
‫على مقدرات البلد والعباد وهذا يدفع بالجميع للمساهة في بناء الدولة‬
‫والمجتمع ول تشعر أي فئة سواء كانت دينية أو قومية أنها مهمشة‪.‬‬
‫وعندما نستعرض دساتير بعض الدول نجد فيها من الخلل والثغرات التي‬
‫جعلت من الفرد صنما يعبد ومن الحزب قائدا وحيدا للدولة والمجتمع وكل‬
‫ذلك يرجع الى ‪:‬‬
‫‪ -‬فساد الساس الفكري والمرجعية التي اعتمد ت عليها عملية انشاء‬
‫الدستور الذي تم وضعه من قبل البشر وهم محدودي القدرات وسيبقون‬
‫كذلك لن النسان مهما بلغ سيبقى فهمه قاصرا عن فهم الكون والسنن‬
‫الكونية والمستقبل كما أن النسان يبقى غير معصوم عن الخطأ لذلك لبد‬
‫من اعتماد مرجعية هي من خلقت النسان والكون وهي شريعة الله ‪.‬‬
‫‪ -‬ان الدساتير الحالية ستبقى عرضة للتجاوز وظلم الخرين وباسم الدستور‬
‫وبغطاء منه لن النسان هو من وضعه‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن النسان تتلعب فيه الهواء والمصالح وبذلك يمكنمه التلعب‬
‫بالدستور في اللحظة التي يرى فيها أن عملية التعديل أو التغيير في الدستور‬
‫هي لمصلحته أو لمصلحة فئة معينة وليستدعي المر أكثر من اشارة أمنية‬
‫ليتم عقد اجتماع طارئ للسلطة التشريعية وخلل وقت قصير يتم تعديل أي‬
‫نص بما يتلئم مع مصلحة القائد الوحد ‪ ,‬أو أنه تحت غطاء أن البلد تمر في‬
‫ظروف صعبة فعليه يتم اقرار قوانين الطوارئ والحكام العرفية ويتم تجميد‬
‫فعالية القضاء ليحل محله القضاء المني والعسكري وتفتح المعتقلت أبوابها‬
‫لتستقبل عشرات اللوف من المواطنين تحت مبرر حالة الطوارئ وبذلك‬
‫تتوسع حالة الستبداد حتى تصبح كالسرطان وتنتشر في المجتمع طبقة‬
‫المستفيدين الذين يدورون في فلك المستبد فيتحركون لحركته ويسكنون‬
‫لسكونه ويصبح القائد الوحد هو قبلتهم ‪.‬‬
‫‪ -‬وفي غياب سلطة الدستور يعمل المستبد على حجب الشمس عن كل‬
‫معارض فتختفي المؤسسات وتذوب السلطات وتداس القوانين تحت أقدام‬
‫الجهزة المنية والعسكر فيصبح الحاكم هو الخصم والحكم وهو القاضي‬
‫والجلد ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬وفي غياب سلطة الدستور تصبح الدولة بكل دوائرها وأجهزتها صانعة‬
‫لمعاناة الشعب وقاضية على آماله بل ان الشعب مجبر على الهتاف‬
‫باستمرار بالروح بالدم نفديك ياقائد بفضل اتساع مساحة الخوف والقلق‬
‫التي تزرعمها أجهزة المن والمخابرات التي تصبح أكثر من عدد وزارات‬
‫الدولة ‪.‬‬
‫‪ -‬وفي غياب سلطة الدستور تنقلب المفاهيم فيصبح الستبداد ديمقراطية‬
‫مفصلة على مقاس النظام تحت شعار أنت حر في أن تقول ما أريد وبذلك‬
‫تصبح الديمقراطية تأصيل للطغيان والديكتاتورية وتصبح صناديق القتراع‬
‫توابيت لدفن ارادة الشعب ‪.‬‬
‫الشريعة السلمية وحقوق النسان‬
‫يعتبر السلم نظاما كامل ومتوازنا لكل شؤون الحياة والنصوص التشريعية‬
‫للقرآن الكريم وماثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أول تأسيس لدولة‬
‫القانون لنها تشريع الهي لدخل لهوى ومصلحة النسان فيه ‪.‬‬
‫وبما أن النسان هو مدار التكليف فلقد اهتمت الشريعة بحقوق النسان‬
‫بشكل شامل وواسع لعامة الناس دون تمييز لن النصوص قامت على عقيدة‬
‫اليمان بالله وبذلك خرج النسان من دائرة العبودية لغير الله تعالى‪.‬‬
‫والنصوص القرآنية والثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ليمكن‬
‫التلعب فيها لن المة كلها ستقف بوجه من يتلعب بالنصوص ‪.‬‬
‫وهذه النصوص تتعامل مع الجميع بروح واحدة ودون تمييز ) لقد أرسلنا‬
‫رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ( الحديد‬
‫‪.25‬‬
‫واضافة الى عملية الرقابة من قبل السلطات الثلث فهناك سلطة رابعة‬
‫مستقلة لتتبع للدولة وتتمثل بالعلماء الذي يتمثل دورهم في النصح والتقييم‬
‫بل يمكن لهم اذا وجدوا انحرافا واضحا من الحاكم أن يعملوا على استبداله‬
‫وهذا ماقرره أغلب الفقهاء وأهل العلم من المام الجويني وغيره‬

‫)‪(4 /‬‬

‫) يقول المام الجويني في مؤلفه الغياثي صفحة ‪ :57‬ومما يتصل باتمام‬


‫الغرض في ذلك أن المتصدي للمامة اذا عظمت جنايته وكثرت عاديته وفشا‬
‫احتكامه واهتضامه وبدت قضماته وتتابعت عثراته وخيف بسببه ضياع البيضة‬
‫وتبدد دعائم السلم ولم نجد من ننصبه للمامة حتى ينتهض لدفعه حسب‬
‫مايدفع البغاة فل نطلق القول للحاد في أطراف البلد أن يثوروا فانهم لو‬
‫فعلوا ذلك لصطلموا و أبيروا –أي ذهبت ريحهم _ وكان ذلك سببا في زيادة‬
‫المحن واثارة الفتن ولكن اذا اتفق رجل مطاع ذو أتباع وأشياع يقوم محتسبا‬
‫آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وانتصب لكفاية المسلمين ما دفعوا اليه‬
‫فليمض في ذلك قدما والله نصيره على الشرط المقدم في رعاية المصالح‬
‫والنظر في المناهج وموازنة مايدفع ويرتفع بما يتوقع ( ‪.‬‬
‫فالشريعة السلمية لتؤمن برفع الشعارات ول تضميد الجراح ومازال القيح‬
‫بداخلها بل تأمر بالتنظيف والتنقية وتأهيل المصاب ببرنامج علجي اصلحي‬
‫وبذلك تكون الحقوق هي عملية غير نظرية‪.‬‬
‫وعقيدة السلم فرضت على النسان ال لتزام بحقوق النسان من خلل‬
‫الثواب والعقاب الدنيوي والخروي ) ان البرار لفي نعيم وان الفجار لفي‬
‫جحيم ( النفطار ‪14-13‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالبر والحسان من أرقى قيم حقوق النسان لذلك حذر الله كل من يتمادى‬
‫بالفجور والعتداء على الخرين وبذلك كانت العقيدة لها اثر كبير في اصلح‬
‫سلوك النسان بشكل ذاتي وبدافع ايماني لن ضمير المسلم ونفسه هما‬
‫الرقيب على التصرفات والسلوك ) ل أقسم بيوم القيامة ول أقسم بالنفس‬
‫اللوامة ( القيامة ‪2-1‬‬
‫فنفس المؤمن تلوم صاحبها على كل قول أو تصرف وسلوك والمؤمن من‬
‫خلل العقيدة يؤمن بان قضية حقوق النسان على أنها منهج رباني يجب‬
‫اللتزام بها ‪.‬‬
‫ولعبت أخلق السلم دورا مهما في تفعيل اليمان بحقوق النسان لن‬
‫الخلق أساس من أسس السلم وليستقيم ايمان النسان اذا كان هناك‬
‫تناقض وتعارض بين عقيدته وسلوكه ‪ ,‬وأخلق السلم تفرض على المسلم‬
‫أن يكون نظيف القلب خاليا من كل أشكال الحقد والكراهية ) قال عليه‬
‫الصلة والسلم أل وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا‬
‫فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب ( وعليه فالمسلم محاسب على كل‬
‫سلوك ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ‪ .‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (‬
‫الزلزلة ‪. 8 -7‬‬
‫ولو تتبعنا سور القرآن الكريم لوجدنا نصوص كثيرة تحض على احترام حقوق‬
‫النسان ويكفي سورة الحجرات التي اشتملت على هذه المعاني ) يا أيها‬
‫الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على‬
‫ما فعلتم نادمين ( الحجرات ‪ 6‬وفي) يا أيها الذين آمنوا ليسخر قوم من قوم‬
‫عسى أن يكونوا خيرا منهم ول نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهمن‬
‫ولتلمزوا أنفسكم ولتنابزوا باللقاب بئس السم الفسوق بعد اليمان ومن‬
‫لم يتب فأولئك هم الظالمون ( الحجرات ‪11‬‬
‫وفي خطبة الوداع ) قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ان دمائكم وأموالكم‬
‫وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ( ‪.‬‬
‫ولم يقتصر المر على العقيدة والخلق بل تلعب العبادة دورا مهما في قضية‬
‫حقوق النسان لن العبادة تربط النسان بخالقه وتخرجه من دائرة العبودية‬
‫لغير الله وتعمل على تزكية النفس وترفعها عن ايذاء الخرين بل انها تجعل‬
‫الجميع سواسية ففي الصلة يقف الرئيس والمرؤوس بجانب بعضهم وفي‬
‫الحج الكل بلباس واحد لفرق بين ابيض أو اسود ولبين سيد ومسود وفي‬
‫الصيام الجميع يجوع ويعطش فل فرق بين غني أو فقير وكذلك فالعبادات‬
‫تهذب النفس وتنهى عن اليذاء ) ان الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر (‬
‫فالفحشاء والمنكر مصطلحان عامان يدلن على كل قول أو عمل سئ بحق‬
‫النفس أو بحق الخرين ‪.‬‬
‫وبذلك نجد أن النصوص بشكل عام الزمت السلم باحترام حقوق النسان‬
‫وبما أنها نصوص ربانية فهي ضمانة لخلوها من النقائص والخطاء وهي‬
‫السبيل الوحيد لضمان العدل والرحمة ) صبغة الله ومن أحسن من الله‬
‫صبغة ونحن له عابدون ( البقرة ‪138‬‬
‫كما أن هذه النصوص لها قدسية عند السملم مما يحرم عليه الخروج عليها‬
‫وهي طاعة اختيارية نابعة من النفس التي آمنت بالمنهج الرباني ) فل وربك‬
‫ليؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ليجدوا في أنفسهم حرجا مما‬
‫قضيت ويسلموا تسليما ( النساء ‪.65‬‬
‫ولم تقتصر النصوص على دائرة المسلمين بل شملت غيرهم لتحصنهم من‬
‫العتداء عليهم ) لينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين ( الممتحنة ‪8‬‬
‫فهي نصوص لعدم العتداء طالما غير المسلم ليعتدي ودعوة الى البر‬
‫والحسان والقسط بالعدل فاي قيم أرقى من هذه القيم التي تدعوا لحترام‬
‫حقوق النسان بغض النظر عن دينه ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫كما أن الشريعة جعلت مسؤولية الحفاظ على الحقوق مسؤولية ثنائية‬


‫فالفرد مسؤول والسلطة مسؤولة فل يجوز أن تقوم السلطة بالتطبيق بينما‬
‫الفرد ليطبق والعكس صحيح ايضا ) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء‬
‫بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( التوبة ‪.71‬‬
‫وحقوق النسان في السلم منحة الهية ليحق لبشر أن يحجبها أو يمتهنها أو‬
‫ينتقص منها ال في حال قيام النسان بتصرف يستدعي المحاسبة والرقابة‬
‫وكل ذلك يكون بموجب قانون وليس بهوى نفس ‪.‬‬
‫وحقوق النسان في السلم وسطية معتدلة متوازنة فل تطغى حقوق الفرد‬
‫على حقوق الجماعة والعكس صحيح وضابط ذلك التقوى ذلك المفهوم‬
‫الشامل الذي يجعل تصرفات المسلم تحت منظار المراقبة الذاتي ‪.‬‬
‫والبعض تختلط عليه المور فتراه يقول وأين هذا الدستور الذي يقنن قضايا‬
‫حقوق النسان فان هؤلء غاب عنهم أن التشريع السلمي بما يحتويه من‬
‫نصوص يعتبر دستورا متكامل ومتوازنا لحقوق النسان ويمكن لنا أن نشير‬
‫الى بعض هذه الحقوق من خلل بعض النصوص ‪:‬‬
‫‪ -‬حق الحياة ‪ :‬حياة النسان مقدسة ليجوز العتداء عليها ال بالحق ) من قتل‬
‫نفسا بغير نفس أو فساد في الرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها‬
‫فكأنما أحيا الناس جميعا ( وحتى النسان محترم حتى بعد موته ) قال صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬اذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ( كما أمر بالسراع في‬
‫عملية الدفن ‪.‬‬
‫‪ -‬حق الحرية ‪ :‬وهي صفة تولد مع النسان وتستمر معه وليس لحد أن‬
‫يسلبها ) قال الخليفة عمر ابن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم‬
‫امهاتهم أحرارا (‬
‫‪ -‬حق العدل والمساواة ‪ :‬فالناس سواسية أمام الشريعة ) قال صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ :‬لفضل لعربي على عجمي ول لعجمي على عربي ول لحمر‬
‫على أسود ول لسود على أحمر ال بالتقوى (‬
‫) وقال ايضا والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها (‬
‫كما أن من حق كل فرد أن يتحاكم للشريعة أو يخاصم أي شخص حتى لو‬
‫كان رأس الدولة ومنواجب القضاء أن ينصفه وحادثة مقاضاة الخليفة علي‬
‫مع يهودي دليل ناصع وحادثة والي مصر عمر ابن العاص مع القبطي دليل‬
‫آخر على عدالة القضاء السلمي ‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك حقوق اخرى ضمنتها النصوص منها ‪ :‬حق الحماية من تعسف‬
‫السلطة – حق الحماية من التعذيب – حق الفرد في حماية عرضه وسمعته –‬
‫حقوق القليات – حق المشاركة في الحياة العامة – حق حرية التفكير‬
‫والعتقاد والتعبير – حق الدعوة والتبليغ – الحقوق القتصادية – الحق في‬
‫الكفاية ضمن مقومات الحياة – حق التعلم – حق التنقل والرتحال‬
‫) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما‬
‫مبينا (‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ان الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (‬


‫) ول تجسسوا ول يغتب بعضكم بعضا (‬
‫) ل اكراه في الدين (‬
‫) من آذى ذميا فقد آذاني (‬
‫) لكم دينكم ولي دين (‬
‫) قل هذه سبيلي أدعوا الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني (‬
‫) وسخر لكم مافي الرض جميعا (‬
‫) ولتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل (‬
‫) أعطوا الجير أجره قبل أن يجف عرقه (‬
‫) طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة (‬
‫هذه هي شريعة الله الخالق الشاملة الكاملة والمتوازنة ‪ ,‬بينما شرائع البشر‬
‫الى اليوم يقتل النسان باسمها وتدمر بلد باسمها ويعتدى على مجتمع‬
‫باكمله باسمها وما الوضع المعاش ال أكبر دليل على أن هذا التنظير‬
‫والتسطير ال شعارات وجري وراء سراب ‪.‬‬
‫فل بديل للبشرية عن وحي السماء لنه خال من النقائص والهوى والنقائض‬
‫وكل شئ دون شرع الله فهو خواء وافلس‬
‫) ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ( السراء ‪9‬‬
‫) يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم ( النفال ‪24‬‬
‫) تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فباي حديث بعد الله وآياته يؤمنون (‬
‫الجاثية ‪6‬‬
‫تنويه ‪ :‬تمت الستعانة ببعض المعلومات من خلل بعض الكتب والمراجع‬
‫والبحوث والمواقع مجلة المة القطرية‬
‫عدة بحوث عن قضايا حقوق النسان‬
‫ميثاق المم المتحدة الخاص بحقوق النسان‬
‫بعض كتب مقاصد الشريعة السلم‬

‫)‪(6 /‬‬

‫حقوق الجار]‪[1‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫وبعد ‪ :‬فهذه أحاديث تربوية في مجال حفظ الجار ‪ ,‬فمن ذلك ما أخرجه‬
‫الئمة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬مازال جبريل يوصيني بالجار حتى‬
‫ظننت أنه سيورثه " )]‪. ([1‬‬
‫يعني أنه من عظم حق الجار تكررت الوصية من جبريل عليه السلم للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ببيان حقه وإكرامه والنهي عن أذاه حتى أصبح بمنزلة‬
‫الخ من النسب ‪ ,‬وحتى ظن صلى الله عليه وسلم أن التشريع سينزل‬
‫بتوريث الجار من جاره ‪.‬‬
‫ونجد أن النبي صلى الله عليه وسلم ينفي اليمان عن النسان الذي ل يحب‬
‫جاره ‪ ,‬كما أخرج المام مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬والذي نفسي بيده ل يؤمن عبد حتى يحب‬
‫لخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه " )]‪. ([2‬‬
‫فلقد بلغ من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالجار أن أقسم على نفي‬
‫اليمان عن عبد ل يحب لجاره ما يحب لنفسه ‪ ,‬وهذا من أبلغ الدلة على‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عظم حق الجار ‪ ,‬وإذا كان النسان سينتفي عنه اليمان إذا أبغض جيرانه فما‬
‫قيمة وجوده في هذه الحياة الدنيا ؟! إن قيمة وجوده في إيمانه وما يقدمه‬
‫من عمل صالح يرفع رصيده من الحسنات يوم القيامة ‪ ,‬ويأتي في مقدمة‬
‫هذه العمال حبه لجيرانه‪.‬‬
‫وجاء ضمن حديث طويل يشتمل على وصايا نبوية ‪" :‬وأحسن جوار من‬
‫جاورت تكن مسلما" )]‪.([3‬‬
‫فالمجاورة بالحسان لبد منها للحكم للنسان بالسلم وبضد ذلك إذا جاور‬
‫بسوء ‪.‬‬
‫وفي إقرار مبدأ التكافل الجتماعي يقول رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪":‬ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به "‬
‫أخرجه الطبراني من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه )]‪. ([4‬‬
‫فهذا حديث عظيم ‪ ,‬فإن أعز شيء على المسلم إيمانه‪ ,‬وإذا كان إيمانه‬
‫سينتفي حينما يترك جاره جائعا وهو يعلم به فإنه سيسارع إلى إطعام جاره‬
‫ولو بمقاسمته طعامه‪ ,‬وبهذا الحديث وأمثاله فإنه لن يوجد جائعون في العالم‬
‫السلمي ‪ ,‬لن السلم يلزم جيرانهم بإطعامهم ‪.‬‬
‫ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان أفضل الجيران "خير‬
‫الصحاب خيرهم لصاحبه‪ ,‬وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره"أخرجه‬
‫الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما)]‪.([5‬‬
‫والخيرية عند الله تعالى منزلة عالية ‪ ,‬وكل إنسان له جيران‪ ,‬والتفاضل بين‬
‫هؤلء الجيران عند الله تعالى يكون بمقدار مايقدمون لجيرانهم من الخير‬
‫والحسان ‪.‬‬
‫وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الجيران بالتهادي بينهم حتى يذهب مافي‬
‫نفوسهم من البغضاء وتتقوى الصلة بينهم ‪ ,‬ففي حديث أخرجه الئمة البخاري‬
‫ومسلم والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يانساء المؤمنات لتحقرن جارة لجارتها ولو فرسن‬
‫شاة " ‪.‬‬
‫وفي رواية الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ ":‬تهادوا فإن‬
‫الهدية ُتذهب وحر الصدر ‪ ,‬ول تحقر جارة لجارتها ولو شق فرسن شاة " )]‬
‫‪. ([6‬‬
‫ووحر الصدر غله وغشه ‪.‬وفرسن الشاة ظلفها ‪ ,‬ويطلق على العظم القليل‬
‫اللحم ‪ ,‬والمراد الشيء القليل ‪.‬‬
‫ففي هذا الحديث بيان ما للهدية من أثر فعال في تصفية القلوب وإزالة‬
‫مايكدر صفوها من الغل والحقد ‪ ,‬لن المسلم حينما يقدم لخيه الهدية فإنما‬
‫يعبر له بذلك عن صفاء قلبه نحوه ‪ ,‬واستعداده الكامل للتفاهم معه على‬
‫المور التي قد تكون سببا في تكدير صفاء القلوب ‪ ,‬فإذا استشعر المهدى‬
‫إليه هذا المعنى فإنه بدوره ينجذب نحو أخيه المهدي إليه ويزول مافي قلبه‬
‫عليه من الغل والحقد ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا مطلوبا بين المسلمين عموما فإنه بين الجيران من باب أولى ‪,‬‬
‫وقد جاء التعبير عن الجيران بالجارات من النساء لنهن عادة يستنكفن من‬
‫الهدية إذا كانت قليلة فل يهدين إل ماكان كثيرا‪ ,‬وهذا الكثير قد ل يتوافر‬
‫فتتوقف بذلك الهدايا بين الجيران ‪ ,‬فجاء الرشاد خاصا بالنساء ليبادرن إلى‬
‫التهادي بينهن ولو بأقل القليل ‪.‬‬
‫وفي التهادي بين الجيران أخرج المام مسلم من حديث أبي ذر رضي الله‬
‫عنه قال‪" :‬إن خليلي أوصاني ‪ :‬إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه ثم انظر أقرب‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أهل بيت من جيرانك فأصبهم بمعروف" )]‪. ([7‬‬


‫وفي حديث آخر أخرجه المامان البخاري وأبو داود من حديث عائشة رضي‬
‫الله عنها قالت‪ " :‬قلت‪ :‬يارسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال‪:‬‬
‫إلى أقربهما منك بابا" )]‪. ([8‬‬
‫دم بالهدية هو القرب من الجيران ‪ ,‬وليس‬ ‫وفي هذا دليل على أن الذي ُيق ّ‬
‫الغنى أو الكثر شرفا ورفعة ‪.‬‬
‫ولقد طبق الصحابة رضي الله عنهم هذه التوجيهات النبوية ومن ذلك ما‬
‫أخرجه المامان أبو داود والترمذي من حديث عمرو بن شعيب رحمه الله عن‬
‫أبيه قال‪ُ :‬ذبحت شاة لبن عمرو في أهله فقال‪ :‬أهديتم لجارنا اليهودي ؟‬
‫قالوا ‪ :‬ل ‪ ,‬قال‪ :‬ابعثوا إليه منها ‪ ,‬فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪ :‬مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " )]‪. ([9‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهكذا اهتم عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بجاره اليهودي ‪,‬‬
‫ولم يحرمه من الهدية لكونه على غير دينه ‪ ,‬فإن له حق الجوار وإن كان‬
‫مخالفا في الدين ‪ ,‬وهذا مثل على تسامح المسلمين وحسن معاملتهم لهل‬
‫الذمة ‪ ,‬وذلك تنفيذ منهم لحكام السلم وآدابه ‪.‬‬
‫وإن هذه المعاملة الكريمة لمن ليسوا على ديننا لكبر دافع لهم إلى الدخول‬
‫في السلم ‪ ,‬وإزالة مافي نفوسهم من الكراهية لهذا الدين والنفور منه ‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫)]‪ ( [1‬صحيح البخاري رقم ‪ ,6014‬كتاب الدب ‪ ,‬باب الوصاة بالجار )‬
‫‪ (10/441‬صحيح مسلم رقم ‪ 2624‬في البر والصلة ‪ ,‬باب الوصية بالجار‬
‫سنن أبي داود رقم ‪ 5151‬في الدب باب في حق الجوار سنن الترمذي رقم‬
‫‪ 1942‬في البر باب في حق الجوار ‪.‬‬
‫)]‪ ( [2‬صحيح مسلم ‪ ,‬رقم ‪ ) 45‬ص ‪. (67‬‬
‫)]‪ ( [3‬سنن ابن ماجه ‪ ,‬رقم ‪ 4217‬الزهد )‪. (1410 /2‬‬
‫)]‪ ( [4‬المعجم الكبير ‪ ,‬رقم ‪. (1/232) , 751‬‬
‫)]‪ ( [5‬سنن الترمذي ‪ ,‬رقم ‪ , 1945‬في البر والصلة ‪ ,‬باب ماجاء في حق‬
‫الجوار ‪.‬‬
‫)]‪ ( [6‬صحيح البخاري ‪ ,‬كتاب الدب رقم ‪ , 6017‬باب لتحقرن جارة لجارتها‬
‫)‪ (10/445‬صحيح مسلم رقم ‪ 1030‬في الزكاة ‪ ,‬باب الحث على الصدقة ‪,‬‬
‫سنن الترمذي رقم ‪ 2131‬في الولء والهبة باب حث النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم على التهادي ‪.‬‬
‫)]‪ ( [7‬والمقصود بالمرق اللحم ‪.‬‬
‫)]‪ ( [8‬صحيح البخاري و كتاب الدب ‪ ,‬باب حق الجوار ‪ ,‬رقم ‪) 6020‬‬
‫‪ , (10/447‬سنن أبي داود رقم ‪ 5155‬في الدب‪ ,‬باب حق الجوار ‪.‬‬
‫)]‪ ( [9‬سنن أبي داود رقم ‪ 5152‬في الدب ‪ ,‬باب في حق الجوار‪ ,‬سنن‬
‫الترمذي رقم ‪ 1944‬في البر ‪ ,‬باب في حق الجوار ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫حقوق الجار]‪[2‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبعد ‪ :‬فاستكمال لما مّر ذكره في الحلقة الماضية من حقوق الجار أذكر‬
‫بعض الحاديث النبوية في ذلك ‪ ,‬فمنها ما أخرجه الئمة البخاري ومسلم وأبو‬
‫داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ " :‬من كان يؤمن بالله واليوم الخر فل يؤذ جاره " )]‪. ([1‬‬
‫ففي هذا الحديث توصل النبي صلى الله عليه وسلم للنهي عن أذي الجار‬
‫برصيد المسلم من اليمان بالله تعالى واليوم الخر ‪ ,‬فإن الذي يحمل هذا‬
‫الرصيد اليماني من المفترض فيه أن يحسن إلى جاره وأن ليؤذيه ‪ ,‬لكن قد‬
‫يكون إيمان المسلم من النوع القاصر الذي ليؤثر على سلوكه ‪ ,‬فإن تذكيره‬
‫بهذا اليمان يدفعه إلى الوعي الديني فيستقيم على الصراط المستقيم ‪.‬‬
‫وينفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمان عن الجار الذي يخاف منه‬
‫جيرانه حيث يقول ‪ ":‬والله ليؤمن ‪ ,‬والله ليؤمن ‪ ,‬والله ليؤمن‪ ,‬قيل ‪ :‬ومن‬
‫يارسول الله ؟ قال ‪ :‬الذي ليأمن جاره بوائقه" أخرجه الشيخان من حديث‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه )]‪. ([2‬‬
‫البوائق جمع بائقة وهي الداهية أي الغوائل والشرور ‪.‬‬
‫وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم عن جار السوء اليمان وأكد ذلك‬
‫بالقسم المتكرر بسبب ما يضمر جار السوء لجاره من الغل والحقد ‪ ,‬وما‬
‫يبيته له في ضميره من إرادة الساءة إليه والكيد له‪ ,‬فإن ذلك يتنافى مع‬
‫حقيقة اليمان ‪ ,‬فإن حقيقة اليمان أن يحب لجاره ما يحب لنفسه وأن يكره‬
‫له مايكره لها‪ ,‬ولن إظهار العداوة والجفوة للجار تجعله يعيش حياته في قلق‬
‫ونكد ‪ ,‬حيث يتوقع كل يوم من جاره أن يجلب له الضرار والنكبات ‪ ,‬وإن‬
‫مجرد شعوره بذلك يعد ّ من الذى الذي يلحقه من جاره ‪ ,‬فإذا كان هذا الجار‬
‫يتسبب في الحيلولة بين جاره وبين الطمأنينة والمن فإنه جدير به بأن ُينزع‬
‫منه التصاف باليمان المؤثر على السلوك ‪.‬‬
‫ومن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم لمن جاء يشكو جاره ما أخرجه أبو‬
‫داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ " :‬جاء رجل إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يشكو جاره‪ ,‬فقال ‪ :‬اذهب فاصبر ‪ ,‬فأتاه مرتين أو ثلثا‬
‫فقال ‪ :‬اذهب فاطرح متاعك في الطريق ‪ ,‬ففعل ‪ ,‬فجعل الناس يسألونه‬
‫ويخبرهم خبر جاره ‪ ,‬فجعلوا يلعنونه ‪ :‬فعل الله به وفعل ‪ ,‬وبعضهم يدعو‬
‫عليه ‪ ,‬فجاء إليه جاره فقال له ‪ :‬ارجع فإنك لن ترى مني شيئا تكرهه " )]‪([3‬‬
‫‪.‬‬
‫ففي هذا الحديث مسألتان ‪ :‬الولى الصبر على أذى الجار ‪ ,‬فإن المسلم‬
‫مأمور بأن يتحمل من جاره أ َوّل ً مايصل إليه منه من الذى ‪ ,‬فإن الجار حينما‬
‫يتضجر منه جاره ويشكو إليه كل مايصدر من أفراد أسرته قد ليحتمل ذلك‬
‫منه فيظهر له عدم المبالة به ‪ ,‬ولكن حينما يغض الطرف عن المور‬
‫الصغيرة فإن جاره سُيكبر فيه ذلك فُيكثر من الهتمام به ‪ ,‬ويمنع عنه الذى‬
‫من نفسه وممن يستطيع التأثير عليه من جيرانه ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬استعمال الحكمة في معاملة الجار المؤذي فإن المسلم‬
‫مأمور بأن لَيدخل في خصومة مع جاره ‪ ,‬بل يحاول دفع الذى عن نفسه‬
‫بطريقة لتوقعه في الخصام والجدال ‪ ,‬ولذلك أرشد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم هذا الرجل المشتكي إلى الصبر أول ‪ ,‬فلما لم ينفع ذلك في ردع جاره‬
‫عن أذيته أرشده إلى الطريقة المذكورة في الحديث فكان لها الثر القوي‬
‫في تغيير الموقف وعودة الجار المعتدي إلى رشده وصوابه ‪.‬‬
‫ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم خطورة الجار المجرم على جاره‬
‫وعظم حق الجوار بقوله" لن يزني الرجل بعشر نسوة خير له من أن يزني‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بامرأة جاره ‪ ,‬ولن يسرق من عشرة أبيات أيسر له من أن يسرق من بيت‬


‫جاره " أخرجه المام أحمد وغيره من حديث المقداد رضي الله عنه )]‪. ([4‬‬
‫ففي هذا الحديث بيان لهمية حقوق الجار ‪ ,‬فإن مصيبة النسان بجاره أعظم‬
‫من مصيبته بالبعيد عنه‪ ,‬فإن جاره قريب منه ويعرف عوراته ومواطن‬
‫الضعف في بيته ‪ ,‬فالتحرز منه أصعب من التحرز من غيره بكثير ‪ ,‬فلهذا كان‬
‫إثم من اعتدى على عرض جاره أو بيته مضاعفا عشر مرات على ما إذا فعل‬
‫ذلك بالبعيد عنه ‪.‬‬
‫هذا وإن للمحافظة على حقوق الجار أثرا كبيرا في تقوية الخوة السلمية‬
‫وحمايتها ‪.‬‬
‫ون من أفراد وبقدر مايكون صلح الفراد يكون صلح المجتمع ‪,‬‬ ‫فالمجتمع مك ّ‬
‫فالمجتمع في المدن والقرى يتشكل من مجموعات صغيرة تمثل أحياء‬
‫المدينة الواحدة ‪ ,‬فإذا حصل النسجام بين أفراد هذه المجموعات الصغيرة‬
‫ون منها المجتمع الكبير على النسجام والتفاهم ‪ ,‬وأفراد هذه المجموعات‬ ‫تك ّ‬
‫هم المتجاورون في الحي الواحد ‪ ,‬فإذا حصل الذى بين الجيران تباعد أفراد‬
‫الحي ‪ ,‬وكان ذلك مانعا من إسهامهم في بناء المجتمع الكبير على الوضع‬
‫السليم ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أذية الجار سبب من أسباب دخول‬
‫النار حتى لو كان للمؤذي أعمال صالحة أخرى وذلك فيما رواه أحمد والبزار‬
‫رحمهما الله تعالى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رجل ‪:‬‬
‫يارسول الله إن فلنة ‪ ,‬فذكر من كثره صلتها وصدقتها وصيامها غير أنها‬
‫تؤذي جيرانها بلسانها ‪ ,‬قال‪ :‬هي في النار ‪ ,‬قال‪ :‬يارسول الله فإن فلنة ‪,‬‬
‫دق بالثوار من القط )]‪ ([5‬لتؤذي‬ ‫فذكر من قلة صيامها وصلتها وأنها تص ّ‬
‫بلسانها جيرانها‪ ,‬قال‪ :‬هي في الجنة ‪.‬‬
‫ذكره الحافظ الهيثمي وقال ‪ :‬ورجاله ثقات )]‪. ([6‬‬
‫فهذا الحديث فيه مقارنة بين العمال الصالحة والعمال السيئة ‪ ,‬والمقصود‬
‫بالعمال الصالحة المذكورة في الحديث النوافل أما الواجبات فإن المسلم‬
‫مؤاخذ على تركها ‪.‬‬
‫فالحديث فيه مقارنة بين امرأتين ‪ ,‬إحداهما تكثر من النوافل في الصلة‬
‫والصيام والصدقة ‪ ,‬لكنها تؤذي جيرانها بلسانها‪ ,‬فكان مصيرها النار ‪ ,‬وذلك‬
‫لن أعمالها الصالحة المذكورة نوافل تثاب عليها ولتعاقب على تركها ‪ ,‬أما‬
‫أذيتها لجيرانها فإنه عمل محرم تعاقب عليه إن لم تتب توبة نصوحا‪.‬‬
‫أما الخرى فإنها لتكثر من النوافل ‪ ,‬لكنها عفيفة اللسان لتؤذي جيرانها ‪,‬‬
‫فهذه قد فاتها الجر بقلة أدائها للنوافل ‪ ,‬ولكن ذلك ليمنع دخولها الجنة لنها‬
‫قد سلمت من الثم حيث لم ترتكب محرما‪.‬‬
‫ولينبغي للجار أن يحتقر أذاه لجاره إذا كان قليل فإنه يكون آثما بذلك وإن‬
‫كان أذاه لجاره قليل‪ ,‬وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫"لقليل من أذى الجار" أخرجه الطبراني‪ ,‬ذكر ذلك الهيثمي وقال ‪ :‬ورجاله‬
‫ثقات )]‪. ([7‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫)]‪ ( [1‬صحيح البخاري رقم ‪ , 6018‬كتاب الدب ‪ ,‬باب من كان يؤمن بالله‬
‫واليوم الخر)‪ , (1/45‬صحيح مسلم رقم ‪ 47‬في اليمان‪ ,‬باب الحث على‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إكرام الجار ‪ .‬سنن أبي داود رقم ‪ 5154‬في الدب ‪ ,‬باب في حق الجوار ‪.‬‬
‫)]‪ ( [2‬صحيح البخاري رقم ‪ , 6016‬كتاب الدب ‪ ,‬باب إثم من ليأمن جاره‬
‫بوائقه ‪ .‬صحيح مسلم رقم ‪ 46‬في اليمان‪ ,‬باب تحريم إيذاء الجار ‪.‬‬
‫)]‪ ( [3‬سنن أبي داود رقم ‪ 5153‬في الدب ‪ ,‬باب في حق الجوار ‪.‬‬
‫)]‪ ( [4‬صحيح الجامع الصغير رقم ‪. 4919‬‬
‫)]‪ ( [5‬الثوار القطع الكبيرة من القط ‪.‬‬
‫)]‪ ( [6‬مجمع الزائد ‪. 8/169‬‬
‫)]‪ ( [7‬مجمع الزائد ‪. 8/170‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫حقوق القرآن العظيم ‪... ... ...‬‬


‫أما بعد‪...‬‬
‫أيها المؤمنون؛ اتقوا الله واشكروه على نعمة إنزال القرآن‪ ،‬الذي جعله الله‬
‫ربيع قلوب أهل البصائر واليمان فهو كما قال علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ -‬في وصفه‪ :‬هو كتاب الله‪ ،‬فيه نبأ من قبلكم‪ ،‬وخبر ما بعدكم‪،‬‬
‫وحكم ما بينكم‪ ،‬هو الفصل ليس بالهزل‪ ،‬من تركه من جبار قصمه الله‪ ،‬ومن‬
‫ابتغى الهدى في غيره أضله الله‪ ،‬وهو حبل الله المتين‪ ،‬وهو الذكر الحكيم‪،‬‬
‫وهو الصراط المستقيم‪ ،‬وهو الذي ل تزيغ به الهواء‪ ،‬ول تلتبس به اللسنة‪،‬‬
‫ول يشبع منه العلماء‪ ،‬ول يخلق عن كثرة الرد‪ ،‬ول تنقضي عجائبه‪ ،‬وهو الذي‬
‫شد ِ‬ ‫دي إ َِلى الّر ْ‬ ‫جبا ً * ي َهْ ِ‬ ‫معَْنا قُْرآنا ً عَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا‪ " :‬إّنا َ‬
‫ه")‪ (1‬من قال به صدق‪ ،‬ومن عمل به أجر‪ ،‬ومن حكم به عدل‪ ،‬ومن‬ ‫مّنا ب ِ ِ‬ ‫َفآ َ‬
‫دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫ً‬
‫أمة القرآن هذه بعض أوصاف كتابكم الحكيم‪ ،‬وقد ذكر الله كثيرا من أوصافه‬
‫في القرآن العظيم‪ ،‬بّين في تلك الوصاف وظيفة الكتاب ومهمته وعمله‪ ،‬وما‬
‫يجب له من الحقوق والواجبات‪ ،‬فمن ذلك أيها المؤمنون أن الله وصف كتابه‬
‫ك روحا ً م َ‬ ‫الحكيم بأنه روح قال ‪ -‬تعالى ‪" :-‬وك َذ َل ِ َ َ‬
‫ت‬‫ما ك ُن ْ َ‬‫مرَِنا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ ُ‬‫ك أوْ َ‬ ‫َ‬
‫ن")‪ (2‬فالقرآن العظيم روح يحيي به الله قلوب‬ ‫ما ُ‬ ‫ب َول اْلي َ‬ ‫ما ال ْك َِتا ُ‬ ‫ت َد ِْري َ‬
‫المتقين فلله كم من ميت ل روح فيه ول حياة أحياه الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬بروح‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شي ب ِهِ ِفي‬ ‫م ِ‬ ‫ه ُنورا ً ي َ ْ‬ ‫جعَل َْنا ل َ ُ‬ ‫حي َي َْناه ُ وَ َ‬ ‫مْيتا ً فَأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫الكتاب قال ‪ -‬تعالى ‪ " :-‬أوَ َ‬
‫من َْها ")‪ (3‬فاطلبوا أيها المؤمنون‬ ‫خارٍِج ِ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ت ل َي ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه ِفي الظ ّل ُ َ‬ ‫مث َل ُ ُ‬
‫ن َ‬ ‫س كَ َ‬
‫م ْ‬ ‫الّنا ِ‬
‫حياة قلوبكم من كتاب ربكم‪ ،‬فل أطيب ول أكمل من الحياة بروح القرآن‪.‬‬
‫مُنوا ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫عباد الله إن من أوصاف القرآن العظيم أنه نور قال ‪ -‬تعالى ‪َ " :-‬فآ ِ‬
‫َ‬
‫جاَءك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خِبيٌر ")‪ (4‬وقال‪ " :‬قَد ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ذي أن َْزل َْنا َوالل ّ ُ‬ ‫سول ِهِ َوالّنورِ ال ّ ِ‬ ‫وََر ُ‬
‫سلم ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫سب ُ َ‬‫ه ُ‬ ‫وان َ ُ‬ ‫ض َ‬‫ن ات ّب َعَ رِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دي ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫ن * ي َهْ ِ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن الل ّهِ ُنوٌر وَك َِتا ٌ‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫قيم ٍ ")‪(5‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ُ ْ‬ ‫م‬ ‫ط‬
‫ٍ‬ ‫را‬ ‫ص‬‫ِ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫ََْ ِ ْ ِ‬‫ه‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫نو‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬‫وَ ُ ِ ُ ُ ْ‬
‫ه‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فالقرآن يا عباد الله نور تشرق به قلوب المؤمنين‪ ،‬ويضيء السبيل للسالكين‬
‫المتقين‪ ،‬وذلك ل يكون إل لمن تمسك به فعمل بأوامره وانتهى عن زواجره‪.‬‬
‫أيها المؤمنون إن من أوصاف القرآن العظيم أنه فرقان قال الله ‪ -‬تعالى ‪" :-‬‬
‫ذيرا ً ")‪ (6‬فالقرآن‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن عََلى عَب ْدِهِ ل ِي َ ُ‬ ‫فْرَقا َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ذي ن َّز َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ت ََباَر َ‬
‫فرقان يفرق بين الحق والباطل وبين الهدى والضلل وبين الغي والرشاد‬
‫وبين العمى والبصار وهو فرقان فرق الله فيه وبه بين المؤمنين البرار وبين‬
‫الكافرين الفجار‪ ،‬فاحرصوا عباد الله على التحلي بصفات المؤمنين‪ ،‬والتخلي‬
‫عن صفات الكافرين والفاسقين‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أيها المؤمنون إن من أوصاف القرآن العظيم أنه موعظة وشفاء‪ ،‬وهدى‬


‫ةَ‬ ‫َ‬
‫عظ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جاَءت ْك ُ ْ‬‫س قَد ْ َ‬ ‫ورحمة للمؤمنين كما قال الله ‪ -‬تعالى ‪َ" :-‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ن")‪ (7‬فالقرآن يا عباد‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫هدىً وََر ْ‬ ‫دورِ وَ ُ‬ ‫ص ُ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫فاٌء ل ِ َ‬ ‫ش َ‬‫م وَ ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫الله أبلغ موعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وهو أنجع‬
‫الدوية لما في القلوب من الفات والمراض‪ ،‬ففي كتاب الله ‪ -‬تعالى ‪-‬شفاء‬
‫أمراض الشبهات و شفاء أمراض الشهوات وهو هدى ورحمة لمن تمسك به‪،‬‬
‫يدله على الصراط المستقيم‪ ،‬ويبين له المنهاج القويم‪ ،‬ويوضح سبيل‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫أيها المؤمنون هذه بعض الوصاف التي وصف الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬بها القرآن‬
‫العظيم‪ ،‬وهي أوصاف عظيمة جليلة تبين عظم قدر هذا الكتاب المجيد الذي‬
‫جعله الله خاتم كتبه إلى أهل الرض‪ ،‬فهو أعظم آيات النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬بل هو أعظم آيات النبياء‪ ،‬فلم يؤت نبي مثل هذا القرآن العظيم‪،‬‬
‫الذي أعجز نظامه الفصحاء‪ ،‬وأعيت معانيه البلغاء وأسر قلوب العلماء‪،‬‬
‫فصدق والله ربنا حيث قال‪ " :‬الل ّه نز َ َ‬
‫مَثان ِ َ‬
‫ي‬ ‫شاِبها ً َ‬ ‫مت َ َ‬‫ث ك َِتابا ً ُ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ُ َّ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬
‫م إ ِلى ذِكرِ الل ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م وَقلوب ُهُ ْ‬ ‫جلود ُهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ت َِلي ُ‬ ‫ُ‬
‫مث ّ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬
‫شو ْ َ‬‫خ َ‬‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬‫جُلود ُ ال ّ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬
‫شعِّر ِ‬ ‫ق َ‬ ‫تَ ْ‬
‫هاد ٍ ")‪.(8‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬ ‫َ‬
‫هف َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن ي َشاُء وَ َ‬ ‫م ْ‬‫دي ب ِهِ َ‬ ‫ّ‬
‫دى اللهِ ي َهْ ِ‬ ‫َ‬
‫ذ َل ِك هُ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أيها المؤمنون؛ إن لهذا الكتاب العظيم حقوقا ً كثيرة وواجبات عديدة‪ ،‬فاتقوا‬
‫الله عباد الله وقوموا بحقوقه وواجباته‪ ،‬فمن حقوقه أيها المؤمنون‪ ،‬وجوب‬
‫الفرح به‪ ،‬فكتاب الله المجيد خير ما يفرح به‪ ،‬قال الله ‪ -‬تعالى ‪َ" :-‬يا أ َي َّها‬
‫ة‬
‫م ٌ‬
‫ح َ‬ ‫هدىً وََر ْ‬ ‫دورِ وَ ُ‬ ‫ص ُ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫فاٌء ل ِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬‫عظ َ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬‫م َ‬‫جاَءت ْك ُ ْ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ما‬‫م ّ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫حوا هُوَ َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ْ‬
‫ك فَلي َ ْ‬ ‫مت ِهِ فَب ِذ َل ِ َ‬ ‫ح َ‬
‫ل اللهِ وَب َِر ْ‬‫ّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ل بِ َ‬‫ن )‪ (75‬قُ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫ن")‪ (9‬قال أبو سعيد ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في هذه الية‪)) :‬فضل الله‪:‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫يَ ْ‬
‫القرآن‪ ،‬ورحمته‪ :‬أن جعلكم من أهله(( ومقتضى هذا الفرح يا عباد الله هو‬
‫تعظيم هذا الكتاب‪ ،‬وإيثاره على غيره‪ ،‬فإنه والله خير من كل ما يجمعه‬
‫الناس من أعراض الدنيا وزينتها‪.‬‬
‫ن‬
‫أيها المؤمنون؛ إن من حقوق هذا الكتاب المجيد تلوته‪ ،‬قال ‪ -‬تعالى ‪" :-‬إ ِ ّ‬
‫ة‬
‫علن ِي َ ً‬ ‫سّرا ً وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫صلة َ وَأ َن ْ َ‬ ‫موا ال ّ‬
‫َ‬
‫ب الل ّهِ وَأَقا ُ‬ ‫ن ك َِتا َ‬ ‫ن ي َت ُْلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫فوٌر‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ضل ِهِ إ ِن ّ ُ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫زيد َهُ ْ‬ ‫م وَي َ ِ‬ ‫جوَرهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ن ت َُبوَر )‪ (29‬لي ُوَفّي َهُ ْ‬ ‫جاَرة ً ل َ ْ‬ ‫ن تِ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ي َْر ُ‬
‫كوٌر ")‪ (10‬وقد قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪)) :-‬اقرؤوا القرآن فإنه يأتي‬ ‫ش ُ‬ ‫َ‬
‫يوم القيامة شفيعا ً لصحابه(()‪ (11‬رواه مسلم فحافظوا أيها المؤمنون على‬
‫تلوة القرآن‪ ،‬واستكثروا من ذلك‪ ،‬فإن تلوة القرآن تجلو القلوب وتطهرها‬
‫وتزكيها‪ ،‬وتحمل المرء على فعل الطاعات‪ ،‬وترك المنكرات‪ ،‬وترغبه فيما عند‬
‫الله رب البريات‪.‬‬
‫أيها المؤمنون‪ ،‬إن من حقوق هذا الكتاب العظيم والفرقان المبين تدبر‬
‫ك ل ِي َد ّب ُّروا آَيات ِهِ وَل ِي َت َذ َكَرّ‬ ‫مَباَر ٌ‬ ‫ك ُ‬ ‫ب أ َن َْزل َْناهُ إ ِل َي ْ َ‬ ‫معانيه‪ ،‬قال الله ‪ -‬تعالى ‪" :-‬ك َِتا ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب")‪ (12‬وقد ذم الله ‪ -‬تعالى ‪-‬المعرضين عن تدبر كتابه فقال ‪ -‬جل‬ ‫أوُلو اْلل َْبا ِ‬
‫فال َُها")‪ (13‬فاتقوا الله عباد‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب أقْ َ‬ ‫م عََلى قُُلو ٍ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وعل ‪" :-‬أَفل ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫الله وتدبروا كتابه العظيم‪ ،‬فإنه ل يحصل النتفاع بالقرآن إل لمن جمع قلبه‬
‫عند تلوته وسماعه‪ ،‬واستشعر أنه خطاب ربه ‪ -‬جل وعل ‪ -‬إلى رسوله‪ ،‬وقد‬
‫جاء عن بعض السلف ‪ -‬رحمهم الله ‪ -‬أنهم كانوا يقيمون الليل بآية واحدة‬
‫يرددونها ويتدبرون ما فيها‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أيها المؤمنون؛ إن من حق هذا القرآن المجيد تعظيمه وإجلله وتوقيره‪ ،‬فإنه‬


‫كلم ربنا العظيم الجليل‪ ،‬وقد أجمع العلماء على وجوب تعظيم القرآن‬
‫العزيز‪ ،‬وتنزيهه‪ ،‬وصيانته‪ ،‬فمن استخف بالقرآن أو استهزأ به أو بشيء منه‬
‫فقد كفر بالله العظيم‪ ،‬وهو كافر بإجماع المسلمين‪ ،‬فعظموا هذا الكتاب يا‬
‫عباد الله‪ ،‬واحفظوه من عبث العابثين‪.‬‬
‫عباد الله‪ ،‬وإن من تعظيمه أن ل يمس القرآن إل طاهر ‪ -‬أي متوضىء ‪ ،-‬ول‬
‫يقرأه جنب ‪ -‬أي من كانت عليه جنابة ‪ ،-‬ول يجوز استدباره أو مد ّ الّرجل إليه‪،‬‬
‫شَعائ َِر‬ ‫ن ي ُعَظ ّ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫ك وَ َ‬ ‫أو وضعه حيث يمتهن‪ ،‬فاتقوا الله وعظموا كتابه‪" :‬ذ َل ِ َ‬
‫ب")‪.(14‬‬ ‫قُلو ِ‬‫وى ال ْ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫الل ّهِ فَإ ِن َّها ِ‬
‫أيها المؤمنون؛ إن من حقوق هذا الكتاب الستمساك به كما أمر الله ‪ -‬تعالى‬
‫ط‬
‫صَرا ٍ‬ ‫ك عََلى ِ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬‫ي إ ِل َي ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ذي ُأو ِ‬
‫ك ِبال ّ ِ‬
‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫‪ -‬بذلك نبيه فقال ‪ -‬تعالى ‪َ" :-‬فا ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫قيم ٍ ")‪ (15‬والستمساك به يكون باتباعه‪ ،‬بإحلل حلله وتحريم حرامه‪،‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫والقتداء به‪ ،‬والتحاكم إليه‪ ،‬وعدم الكفر بشيء منه كما قال ‪ -‬تعالى ‪:-‬‬
‫م")‪ (16‬فاتقوا الله عباد الله وتمسكوا بكتاب‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫"ات ّب ُِعوا َ‬
‫ربكم تمسكا صادقا ترى آثاره في أعمالكم وأقوالكم وأخلقكم‪ ،‬وأقبلوا عليه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ل‪ ،‬فإنه من اعتصم به فقد هدي‪،‬‬ ‫تلوة وحفظا ً وتدبرا ً وفكرا ً وعلما ً وعم ً‬
‫فاعتصموا بحبل الله جميعا ً أيها المؤمنون‪.‬‬
‫‪----------------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬الجن‪.2-1 :‬‬
‫)‪ (2‬الشورى‪.52 :‬‬
‫)‪ (3‬النعام‪.122 :‬‬
‫)‪(4‬التغابن‪.8 :‬‬
‫)‪ (5‬المائدة‪.16 -15 :‬‬
‫)‪ (6‬الفرقان‪.1 :‬‬
‫)‪ (7‬يونس‪.57 :‬‬
‫)‪ (8‬الزمر‪.23 :‬‬
‫)‪ (9‬يونس‪58 - 57 :‬‬
‫)‪ (10‬فاطر‪.30- 29 :‬‬
‫)‪ (11‬أخرجه مسلم في كتاب صلة المسافرين وقصرها من حديث أبي‬
‫أمامة الباهلي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬برقم ‪.804‬‬
‫)‪ (12‬ص‪.29 :‬‬
‫)‪ (13‬محمد‪.24 :‬‬
‫)‪ (14‬الحج‪.32 :‬‬
‫)‪ (15‬الزخرف‪.43:‬‬
‫)‪ (16‬العراف‪... ... .3 :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫حقوق المرأة ‪ ..‬حقائق وأباطيل‬


‫أقام مركز بحوث القرآن الكريم والسنة النبوية التابع لجامعة القرآن الكريم‬
‫والعلوم السلمية ندوة بعنوان ‪ ) :‬حقوق المرأة ‪ ..‬حقائق وأباطيل ( وذلك‬
‫بقاعة الشهداء بأمدرمان يوم الثنين ‪17/4/2006‬م بعد المغرب‪ ،‬تحدث فيها‬
‫كل من الستاذة رباب أبوقصيصة قاضي المحكمة العليا ومقررة الدائرة‬
‫العدلية بمجمع الفقه السلمي‪ ،‬والستاذ الدكتور أحمد إسماعيل البيلي‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستاذ بجامعة القرآن الكريم والعلوم السلمية‪ ،‬والدكتور عبد الحي يوسف‬
‫رئيس قسم الثقافة السلمية بجامعة الخرطوم‪ ،‬وقد تحولت الندوة في بعض‬
‫أجزائها إلى ردود حول ما أثاره الدكتور حسن الترابي مؤخرا حول إمامة‬
‫المرأة وزواج الكتابي من المسلمة وغيرها من القضايا المثيرة التي أطلقها‬
‫الدكتور الترابي مؤخرا‪ ،‬أو بالحرى أعاد فيها أقول قديمة له في هذه القضايا‪.‬‬
‫الستاذة رباب أبوقصيصة ابتدرت حديثها بالشارة إلى مكانة المرأة في‬
‫ظلمت في السلم‪،‬‬ ‫المجتمع كعنصر أساسي للنهوض به‪ ،‬نافية أن تكون قد ُ‬
‫منوهة إلى أن أعداء السلم يدخلون من باب أحكام المرأة في السلم غالبا‪،‬‬
‫وأشارت إلى مساواة الرجل والمرأة في الثواب والعقاب‪ ،‬مبينة أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم خصص يوما للنساء لتلقي العلم إشارة إلى مكانة‬
‫المرأة وفرضية العلم عليها كالرجل‪ ،‬ثم نوهت بفضل بعض أمهات المؤمنين‬
‫كالسيدة عائشة رضي الله عنها التي كان يأخذ الصحابة رضوان الله عليهم‬
‫الفتوى منها‪ ،‬وحول عمل المرأة أوضحت أن عملها مقيد بالتزام الضوابط‬
‫الشرعية في الملبس والسلوك‪ ،‬وفي موضوع القوامة أوضحت أن القوامة‬
‫منح للرجل لنفاقه على السرة ول تمس كرامة‬ ‫عمل تنظيمي داخل السرة ُ‬
‫المرأة بشيء ‪ ،‬مشيرة إلى أن السلم كفل للمرأة حق اختيار الزوج‪ ،‬وأن‬
‫كفالة الرجل للمرأة في الزواج يحفظ للسرة تماسكها‪ ،‬وحول تعدد الزوجات‬
‫أوضحت أن الله تعالى شرعه وقيده بالعدل وإل فواحدة‪ ،‬أما موضوع شهادة‬
‫المرأتين التي تعادل شهادة الرجل الواحد بينت أن ذلك قرآن مأمورون‬
‫بالتسليم به وإل كفرنا‪.‬‬
‫الستاذ الدكتور أحمد إسماعيل البيلي قصر حديثه على المسائل التي تختلف‬
‫فيها المرأة عن الرجل مثل‪:‬‬
‫ـ لبس الحرير الذي يجوز للمرأة ويحرم على الرجل‪.‬‬
‫ـ حقها في الصداق‪.‬‬
‫ـ ُترفع عنها الصلة ول قضاء عليها في حالة حيضها‪.‬‬
‫ـ ُيرفع عنها الصيام ويلزمها القضاء عند حيضها‪.‬‬
‫ـ ل يحق لها الزواج بأكثر من رجل‪.‬‬
‫ـ ل يجوز أن يتزوجها كافر‪ ،‬ول كتابي‪.‬‬
‫ـ تعتد عدة الطلق وحين يتوفى زوجها‪.‬‬
‫ـ ل يباح لها أن تكون مؤذنا‪.‬‬
‫ـ ل يباح لها أن تكون إماما في الصلة‪.‬‬
‫ـ ل تقيم الصلة للرجال‪.‬‬
‫ـ على المرأة أن تستر كل جسدها ـ عدا وجهها وكفيها ـ عن الرجال الجانب‪.‬‬
‫ـ ل يحل لها أن تسافر مسافة قصر إل مع ذي محرم صونا لها‪.‬‬
‫ثم تحدث بعده الدكتور عبد الحي يوسف رئيس قسم الثقافة السلمية‬
‫بجامعة الخرطوم لفتا النظار إلى أن بعض الناس يتعمد المخالفة للشهرة‬
‫في وقت تنشغل فيه المة بأمهات المسائل‪ ،‬وأكد أن المسلم والمسلمة‬
‫دينهما مبني على التسليم والرضا لله تعالى‪ ،‬مشيرا إلى أن المة ل تجتمع‬
‫على ضللة وهذا أصل يغفله كثير من الناس‪ ،‬وينبني على هذا أن هناك بعض‬
‫المور محسومة ول تقبل النقاش‪ ،‬ثم أوضح في قضية التمييز بين الرجل‬
‫والمرأة أن السلم دين العدل‪ ،‬ومن العدل أن ُيسوى بين المتماثلين وُيفرق‬
‫بين المختلفين‪ ،‬مؤكدا أن السلم عدل بين الرجل والمرأة ولم ُيسوِ بينهما‪،‬‬
‫مشيرا إلى أن الفوراق بين الرجل والمرأة كونا وقدرا وشرعا تمنع المساواة‬
‫بينهما‪ .‬وحول إمامة المرأة للصلة أكد أن هذه القضية أثارتها الدوائر‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصهيونية‪ ،‬مؤكدا أن هذه القضية غير مثارة في مجتمعنا أصل‪ ،‬منوها بفضل‬
‫وسبق النساء عندنا في الطاعات‪ ،‬مبينا أن إمامة المرأة للصلة تترتب عليها‬
‫مفاسد منها‪:‬‬
‫ـ التشبه بالرجال فيما هو من خصائص الرجال‪ ،‬وقد لعن الله تعالى‬
‫المتشبهات من النساء بالرجال‪.‬‬
‫ـ ذهاب الحياء والتخفي الجسمي والحركي والصوتي الذي هو سر جمال‬
‫المرأة‪.‬‬
‫ـ افتضاح أمرها في مسائل جعل الله تعالى أمرها على الستر‪ ،‬مثل الحيض‪.‬‬
‫ـ من السنة أن يرفع الخطيب صوته وأن يشير بيديه‪ ،‬وهذا ل يليق‬
‫بالمسلمات‪.‬‬
‫وحول شهادة المرأة أوضح أن هذا فيه مراعاة للمرأة وتكريم لها مشيرا إلى‬
‫أن الضلل الذي ورد في الية بمعنى النسيان‪ ،‬وهذا فيما يكون فيه النسيان‬
‫في العادة؛ أما ما كان من الشهادات ل ُيخشى فيه النسيان؛ فشهادتها تكون‬
‫كشهادة الرجل‪.‬‬
‫ثم تساءل الدكتور عبد الحي يوسف‪ :‬لمصلحة من يراد بلبلة الناس في هذه‬
‫المسلمات؟‬
‫وقد شهدت الندوة حضورا كثيفا من الرجال والنساء ضاقت بهم القاعة‪ ،‬كما‬
‫ناقش عدد من الحضور من المختصين المسائل التي وردت في الندوة‬
‫وعلقوا على بعض ما جاء فيها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حقوق المرأة القتصادية بين الشريعة السلمية والشرعة العالمية‬


‫سيكة بّر‬
‫* د‪ .‬فتنت م ّ‬
‫ل‪ :‬الحقوق القتصادية للمرأة‬‫ـ أو ً‬
‫هي الحقوق التي يكون موضوعها مصلحة اقتصادية مادية أو معنوية كحق‬
‫التملك وحرية النتاج أو الستثمار وحق العمل والحق في أجر عادل أو الحق‬
‫النقابي وحق العمال في الضراب‪.‬‬
‫أ( في القوانين الوضعية‪:‬‬
‫كانت درجة المساواة بين الرجل والمرأة تختلف باختلف هذه الحقوق كما‬
‫تختلف باختلف النظم التي تتناول حقوق المرأة في هذا الشأن إلى أن صدر‬
‫))العلن العالمي لحقوق النسان(( حيث طالب في المادة السابعة عشرة‬
‫منه بمساواة الحقوق بين الرجل والمرأة والتي تقول‪)) :‬لكل شخص حق‬
‫التملك بمفرده أو بالشتراك‪ ،‬ول يجوز حرمانه من ملكه تعسفًا((‪.‬‬
‫كما طالبت اتفاقية القضاء في المادة الثالثة عشرة منها بالمساواة حيث‬
‫تقول‪)) :‬أن تتخذ الدول الطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز‬
‫ضد المرأة في المجالت الخرى للحياة القتصادية والجتماعية لكي تكفل لها‬
‫على أساس تساوي الرجل والمرأة نفس الحقوق ول سيما‪:‬‬
‫أ ـ الحق في الستحقاقات السرية‪.‬‬
‫ب ـ الحق في الحصول على القروض المصرفية والرهون والعقارات وغير‬
‫ذلك من أشكال الئتمان المالي((‪.‬‬
‫ثم في البند ))ح(( من المادة السادسة عشرة من نفس التفاقية الذي يقول‪:‬‬
‫))يكون للزوجة نفس حقوق الزوج فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات‬
‫والشراف عليها وإدارتها والتمتع بها والتصرف فيها((‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب( في الشريعة السلمية‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ حق التملك‪ :‬من أهم حقوق المرأة القتصادية هو حقها في التملك‪.‬‬
‫والشريعة السلمية إذ أقرت لها هذا الحق فإنها شرعت بشأنه أحكاما ً‬
‫لصيانته وعدم العبث بتطبيقه‪ .‬ففصلت كامل ملكية الزوجة عن ملكية زوجها‬
‫))فل يجوز جمع ملكية الزوجين أو خلطهما مع بعض فكل واحد منهما غريب‬
‫عن الخر فيما يخص ملكية الخر(( وليس للزوجة أية ولية على أموال‬
‫زوجته‪ .‬فإنها تملك مالها بالستقلل‪ ،‬وتبعا ً لهذه الستقللية ))ل يحق لحد أن‬
‫يتدخل في كيفية إنفاق ما تملك‪ ،‬أي ل يحق للزوج أو لحد غيره أن يملي‬
‫على المرأة كيفية إنفاق ما تملك أو التصرف بمهرها كما أنه ل يحق للرجل‬
‫طلب النفاق على نفسها أو عليه لن تغطية هذه النفقات تقع على عاتقه هو‬
‫وليس على عاتقها وإذا فعلت ذلك فيعتبر إحسانا ً منها((‪.‬‬
‫وفضل ً عن هذه الستقللية بالمال فإن الشرع السلمي قد أجاز للزوجة‬
‫التصرف في مال زوجها بإذنه الصريح أو الضمني وهكذا يجوز لها أن تنفق‬
‫من ماله دون تبذير‪ .‬وأكثر من ذلك فإن للزوجة‪ ،‬طبقا ً للشريعة‪ ،‬حقا ً فيما‬
‫يملكه زوجها‪ ،‬فعند ))عقد النكاح(( بينهما يخصص الزوج بعضا ً مما يملكه‬
‫لزوجته ))كمهر(( مؤجل لها‪.‬‬
‫وقد امتدح ))عبدالرحمن خان لودي(( هذا الحق عندما قال‪)) :‬تدخل المرأة‬
‫بيت زوجها مطمئنة بأن لها ما تملكه وإن إنفاق الرجل عليها يخلصها من‬
‫ضرورة العمل((‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ حق المرأة في الستثمار‪ :‬ومن أهم الحريات والحقوق القتصادية‪ ،‬حرية‬
‫النتاج واستثمار رؤوس الموال في مختلف النواحي الزراعية والصناعية‬
‫والتجارية والمالية‪ ،‬ويقضي مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة أن تتمتع‬
‫المرأة بهذه الحريات والحقوق بنفس القدر الذي يتمتع به الرجل‪.‬‬
‫ففي الدول السلمية‪ ،‬حيث تسود أحكام الشريعة الغراء ل توجد قيود على‬
‫حرية المرأة وحقها في استثمار أموالها أو الشتغال بالعمال التجارية أو‬
‫المالية‪ .‬فحقوقها في هذا الميدان متساوية مع حقوق الرجل‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ حرية المرأة في العمل والجر الذي تتقاضاه‪ :‬لبد أن نذكر إنه بالنسبة‬
‫للعمل وطبيعته وفي النطاق الخاص بممارسته‪ ،‬توجد بعض العمال التي ل‬
‫تتفق بطبيعتها مع احتمال المرأة ول تلئم تكوينها كأنثى وبسبب هذا‪ ،‬لم‬
‫تتناول الشريعة السلمية أية تشريعات فيما يختص ))بعمل المرأة(( عامة‬
‫والجر الذي تتقاضاه عن عملها إذا عملت‪ .‬ولكنها لم تغفل حرية المرأة في‬
‫ممارسة العمل أو المهنة التي تراها بل إنها لم توجد أية قيود على أهلية‬
‫المرأة في إبرام عقد العمل فالمساواة بين الرجل والمرأة‪ ،‬زوجة كانت أو‬
‫غير زوجة‪ ،‬تامة من حيث الهلية في التعاقد على العمل أو الستخدام مع‬
‫صاحب العمل‪.‬‬
‫ـ ثانيًا‪ :‬حقوق المرأة في الرث‬
‫‪ 1‬ـ في الحضارات السابقة للسلم‪:‬‬
‫كانت المرأة‪ ،‬في الحضارات القديمة تحرم من حقها في الرث حتى ل ينتقل‬
‫المال بزواج البنت من بيت الب إلى بيت الزوج‪ ،‬وكان ينحصر الرث في‬
‫البن الكبر البالغ القوي القادر على حمل السلح والدفاع عن القبيلة‪.‬‬
‫وجاءت ))التفاقية(( تطالب بحق المرأة في الرث وبمساواتها مع الرجل في‬
‫شأنه‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ في الشريعة السلمية‪:‬‬
‫لقد تناولت الشريعة السلمية مسائل التوريث بإفاضة وتفصيل وتحديد شمل‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جميع حالت التوارث وسببه وموانعه وترتيبه‪.‬‬


‫ـ حق المرأة في الرث‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫أعطى السلم المرأة الحق في إرث والديها وأقاربها وجعله نصيبا ً مفروضا ً‬
‫لها لقوله تعالى‪) :‬للرجال نصيب مما ترك الوالدان والقربون وللنساء نصيب‬
‫مما ترك الوالدان والقربون مما قل منه أو كثر نصيبا ً مفروضًا( النساء‪.7 /‬‬
‫ويرى فقهاء المسلمين أن هذه الية تقرر قاعدة عامة في تثبيت شرعية‬
‫الرث الذي يحق للجنسين ـ الرجال والنساء ـ كما يرون فيه تشريعا ً حقوقيا ً‬
‫لسنة جديدة لم تكن مألوفة من قبل وهي توريث المرأة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫حقوق المرأة في السلم‬


‫الشيخ يوسف محمد القرضاوي ‪ -‬قطر‬
‫* المرأة نصف المجتمع من حيث الكم والعدد ولكنها في الواقع وفي التأثير‬
‫أكثر من النصف‪.‬‬
‫* السلم يراعي الحقوق من حيث اهتمامه برعاية الواجبات لن كل حق‬
‫للنسان هو واجب على غير‪.‬‬
‫* ل يجوز أن نتسول على موائد الغرب وعندنا ثروتنا القيمية والخلقية‬
‫والتشريعية والفكرية الهائلة التي ل يوجد عشر معشارها عند غيرنا فلسنا‬
‫بحاجة إلى غيرنا‪.‬‬
‫نظم المجلس العلى لشؤون السرة لقاء علميا ً تحدث فيه القرضاوي عن‬
‫حقوق المرأة في السلم وبعد تمهيد لهذا اللقاء قدمه د‪ .‬يوسف عبيدان‬
‫عميد كلية القتصاد بجامعة قطر سابقًا‪.‬‬
‫ل‪ :‬إن المرء في هذه اليام ل يكاد يسعفه البيان أو‬ ‫تحدث القرضاوي قائ ً‬
‫اللسان للحديث في أي موضوع من الموضوعات أو قضية من القضايا‪،‬‬
‫وعندنا قضية تطرح نفسها على كل ندوة وعلى كل مجلس وعلى كل‬
‫محاضرة وعلى كل متحدث هي قضية فلسطين ومع هذا فلبد للحياة أن‬
‫تمضي ولبد للسفينة أن تسير باسم الله مجراها ومرساها ول يمكن أن‬
‫نعطل الحياة من أجل هذه المأساة فلبد لنا أن نتحاضر ونتدارس ونتذاكر‬
‫ونتناقش في أمورنا ما دمنا في إطار الشريعة وفي إطار هذا الدين العظيم‬
‫الذي أكرمنا الله تعالى به وأتم به النعمة علينا )اليوم أكملت لكم دينكم‬
‫وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا( ‪ ..‬يقولون‪ :‬إن المرأة نصف‬
‫المجتمع‪ ،‬وهذا صحيح المرأة نصف المجتمع بحكم العدد‪ ،‬جرت سنة الله أن‬
‫عدد الرجال وعدد النساء يكاد يكون متساويًا‪ ،‬هناك ‪ %50‬مع ‪،%52 %50‬‬
‫‪ %49 %51 %48‬حوالي هكذا وبعض الدارسين يتخذ من هذا دليل ً على‬
‫وجود الله عز وجل أن وراء هذا الكون قوة عليا لن الناس لو تركوا لهوائهم‬
‫وشهواتهم‪ ،‬لختاروا الذكور وهذا من سوء فهمهم‪ ،‬لنه ل يوجد ذكورا ً بل إناث‪،‬‬
‫ولكن القوة التي تشرف على هذا العالم وتنظمه‪ ،‬الله تبارك وتعالى هو الذي‬
‫يرتب هذا المر‪ ،‬فالمرأة نصف المجتمع من حيث الكم والعدد ولكنها في‬
‫الواقع وفي التأثير أكثر من النصف‪ ،‬لن للمرأة تأثيرا ً في زوجها وتأثيرا ً في‬
‫أبنائها‪ ،‬لهذا كانت العناية بالمرأة أمرا ً واجبًا‪ ،‬ل عجب أن يهتم القرآن وتهتم‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السنة‪ ،‬ويهتم الفقه السلمي‪ ،‬وتهتم كتب التفسير وكتب الحديث وكتب‬
‫التربية بالمرأة‪ ،‬القرآن ذكر المرأة في عشرات السور‪ ،‬في سور كثيرة‪،‬‬
‫ويكفي أن هناك سورا ً خاصة بشأن المرأة مثل سورة )المجادلة( قال تعالى‬
‫)قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع‬
‫تحاوركما ‪ (..‬وسورة )الممتحنة( النساء الممتحنات )يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن( خاصة بالنساء‪ ،‬وسورة )الطلق( هذا‬
‫في أمر المرأة‪ ،‬وسورة التحريم )يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله تبتغي‬
‫مرضاة أزواجك والله غفور رحيم( وسورة آل عمران‪ ،‬أسرة عمران يتحدث‬
‫القرآن في هذه السورة عن ميلد امرأة‪ ،‬احتفال ً بميلد مريم )رب إني نذرت‬
‫لك ما في بطني محررا ً فتقبل مني‪ ،‬إنك أنت السميع العليم‪ ،‬فلما وضعتها‬
‫قالت رب إني وضعتها أنثى‪ ،‬والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالنثى(‪.‬‬
‫وعندنا سورة باسم مريم عليها السلم‪ ،‬القرآن تحدث عن المرأة في‬
‫عشرات من السورة‪ ،‬ثم إنه كلما قال الله تعالى )يا أيها الناس( أو )يا‬
‫عبادي( أو )يا بني آدم( أو )يا أيها الذين آمنوا( فهذا خطاب للرجال والنساء‬
‫جميعا ً جاء في الحديث الشريف أن أم سلمة رضي الله عنها كانت تمشطها‬
‫ماشطتها وتجملها وتزينها‪ ،‬وسمعت الرسول صلى الله عليه وسلم في‬
‫المسجد يقول )يا أيها الناس( قالت لها هات الخمار‪ ،‬قالت إنه يقول )يا أيها‬
‫الناس( قالت لها‪ :‬وأنا من الناس‪.‬‬
‫** ” هناك أناس متشددون يريدون حبس المرأة في البيت وهذه عقوبة لها‪،‬‬
‫أن تقر المرأة في بيتها هذا خطاب لنساء الرسول صلى الله عليه وسلم ل‬
‫حبس للمرأة في البيت حتى أنهم حرموا المرأة من الصلوات في المسجد‬
‫في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت المرأة تصلي في المسجد ”‬
‫لذلك أقول إن السلم والقرآن اهتم بالمرأة لنها نصف المجتمع في الكم‬
‫وأكثر من النصف من ناحية التأثير فل عجب أن نهتم بالمرأة وبحقوق المرأة‬
‫وبواجبات المرأة‪ ،‬لكن في عصرنا يركزون على الحقوق أكثر من التركيز‬
‫على الواجبات‪ ،‬ربما يسأل سائل‪ :‬لماذا لم نر في تراثنا السلمي العظيم‬
‫لسلم أو حقوق‬ ‫الغني الثري لم نر هذا العنوان واضحًا‪ ،‬حقوق المرأة في ا ٍ‬
‫النسان في السلم؟! أحب أن أقول‪ :‬إن السلم يراعي الحقوق من حيث‬
‫اهتمامه برعاية الحقوق من حيث اهتمامه برعاية الواجبات لن كل حق‬
‫للنسان هو واجب على غيره‪ ،‬يعني حق الب في البر والكرام والطاعة‬
‫والحسان‪ ،‬هذا حق‪ ،‬وواجب علىأولده‪ ،‬واجب بر الوالدين أو الحسان‬
‫بالوالدين فإذا أدي واجب البر والحسان روعيت حقوق البوة‪ ،‬وكذلك حقوق‬
‫المومة )ووصينا النسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها‪،‬‬
‫وحمله وفصاله ثلثون شهرا( فإذا روعيت هذه الفريضة )بر الوالدين( فقد‬
‫روعي حق الوالدين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفي المقابل حقوق الولد في الرعاية والتعليم والنفقة‪ ،‬هذه واجبات على‬
‫الب فإذا أداها فقد روعيت حقوق الولد‪ .‬ومن أجل هذا راعى السلم‬
‫الحقوق من حيث اهتمامه بالمطالبة في أداء الواجبات في الحضارة الغربية‬
‫تخالف النظرة والفلسفة السلمية في هذا الجانب‪ ،‬لن الحضارة الغربية‬
‫تطالب بالحق أكثر من الواجب النساني وفي الحضارة الغربية مطالب‬
‫سائل‪ ،‬والنسان في الحضارة السلمية مكلف‪ ،‬مطالب مسؤول‪ .‬نحن‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شريعتنا تقوم على التكاليف‪ ،‬واللزام بما فيه كلفة‪ ،‬النسان في الحضارة‬
‫الغربية همه أن يقول‪ :‬ماذا لي؟ والنسان في الحضارة السلمية يقول‪ :‬ماذا‬
‫ي؟ النسان الغربي نفعي أناني‪ ،‬والنسان المسلم غيري أخلقي‪ ،‬هذا الذي‬ ‫عل ّ‬
‫لم يجعل الحقوق تظهر في الحضارة السلمية لن ذلك من فلسفتها‪ ،‬لنه‬
‫عندما تؤدي واجبك روعيت حقوق الخرين‪ ،‬ل تظنوا أن السلم أهمل حقوق‬
‫المرأة‪ ،‬نحن أول من علم الناس الحقوق من خلل تعليمهم الواجبات‪ ،‬وكل‬
‫حق يقابله واجب‪ ،‬ونحن أمة السلم أغنياء بما عندنا‪ ،‬بحيث ل نحتاج إلى‬
‫الستيراد من غيرنا أو التسول من سوانا‪ ،‬المتسول وهو قادر هذا ليس من‬
‫الخلق ‪ ..‬ل يجوز أن نتسول على موائد الغرب وعندنا ثروتنا القيمية‬
‫والخلقية والتشريعية والفكرية الهائلة التي ل يوجد عشر معشارها عند غيرنا‬
‫فلسنا بحاجة إلى غيرنا‪ ،‬ل يجوز للنسان أن يستورد وعنده بضاعة من صنع‬
‫وطنه‪ ،‬هذا أمر ل يجيزه القتصاد الحقيقي‪ ،‬نحن عندنا ما يغنينا‪.‬‬
‫يجب أن نقف وقفة ناقدة فاحصة عندما يطرحه العالم علينا‪ ،‬في عصر‬
‫العولمة والعولمة صكها من صكها كمصطلح يغزون به عقلنا وأفكارنا يقولون‪:‬‬
‫الحداثة‪ ،‬وما بعد الحداثة‪ ،‬النظام العالمي الجديد‪ ،‬وبعدها العولمة‪ ،‬والعولمة‬
‫في حقيقتها هي "المركة" عولمة الناس أي أمركتهم أن يصبحوا خاضعين‬
‫للثقافة الميركية والفلسفة الميركية في عالم القتصاد‪ ،‬والثقافة والدين‬
‫والمن‪ ،‬بعد ‪ 11‬سبتمبر أصبحت هناك عولمة المن‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫كنا في الكويت والحديث كان عن عولمة الصحة‪ ،‬والدواء‪ ،‬أي جعل إنتاج‬
‫الدواء محصورا ً في شركات عملقة مسيطرة على العالم تسحق كل إنتاج‬
‫محلي‪ ،‬العولمة )غول( يريد أن يبتلع العالم‪ ،‬فلبد أن نحذر من هذه العولمة‪،‬‬
‫ما تطرحه لنا هذه العولمة من أشياء تتعلق بالمرأة يجب أن ننظر فيها نظرة‬
‫فحص وتدقيق‪ ،‬ل نأخذها أخذ المقلدين نحاكي محاكاة القردة أو نقلد تقليد‬
‫الببغاء‪ ،‬نحن قوم لنا رسالتنا ولنا تميزنا ولنا شخصيتنا لسنا من حثالة البشر‬
‫كنا سادة العالم‪ ،‬كنا قادة الحضارة‪ ،‬كنا معلمي البشرية‪ ،‬كان أشهر أسماء‬
‫العلماء في العالم‪ ،‬أسماء علمائنا‪ ،‬وأشهر المراجع العلمية كانت مراجعنا‬
‫وأشهر الجامعات كانت في ديارنا‪ ،‬ولغة العلم الوحيدة في العالم كانت اللغة‬
‫العربية إذا أردنا أن نتعرف على حقوق المرأة في السلم‪ ،‬فلم نتعرف عليها‬
‫من وثيقة المرأة في بكين‪ ،‬أو مؤتمر السكان في القاهرة‪ ،‬هذه الوثائق التي‬
‫أرادت أن تفرض نفسها على المة وتلغي شخصية المة وهذا ما أريد التحذير‬
‫منه‪ ،‬هذه الشياء ننظر إليها بعقلنية مفتوحة‪ ،‬ل بعقل منغلق‪ ،‬يجب أل نقلد‬
‫تقليدا ً أعمى‪ ،‬يجب أن نجتهد كما اجتهدوا‪ ،‬حسب زماننا ومكاننا ل حسب‬
‫زمانهم ومكانهم‪ ،‬ينبغي أن نأخذ ما نأخذ حسب قواعد وعندنا ثوابت في‬
‫السلم ل يجوز أن نجور عليها بحال من الحوال‪ ،‬الثوابت هي التي تمسك‬
‫على المة وحدتها والثوابت هي )في دائرة القطعيات( والظنيات هي المجال‬
‫الوسع في النظر والجتهاد‪ ،‬فمن حسن حظنا ومن فضل الله علينا أن معظم‬
‫أحكام الشريعة والفقه ظنيات قابلة للجتهاد تقبل أكثر من فهم ومن تفسير‬
‫نريد من المشغولين بقضية المرأة كالمجلس العلى للسرة أن ينظر في‬
‫هذه الوثائق الغربية‪ ،‬ويأخذ ما يناسب‪ ،‬ويبعد ما ل يتناسب وشريعتنا‬
‫السمحاء‪ ،‬المرأة مطالبة مثل الرجل بالعبادات شأنها شأن الرجل‪ ،‬وتجازى‬
‫كما يجازى الرجل‪ ،‬هناك اختلفات طفيفة في التكاليف تقتضيها طبيعة‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المرأة‪ ،‬أساس المساواة بين المرأة والرجل موجود‪ ،‬المجتمعات المسلمة ل‬


‫تتنازل عن الثوابت بحال من الحوال‪ ،‬العقاد ناقش في كتابه اليساريين في‬
‫قولهم )المرأة مثل الرجل( ومنذ ذلك القول بأن السلم يركز على العدل‬
‫والعدل أن تعطي كل ذي حق حقه‪ ،‬نأخذ من الوثائق التي وضعت من أجل‬
‫المرأة بما يتناسب وثوابتنا‪ ،‬للمرأة حقوق يجب أن تراعي فل تجبر على من‬
‫ل تحب‪ ،‬وكذلك للزوجة حقوق يجب أن تراعى‪ ،‬بدءا من الخطبة وانتهاء‬
‫بالطلق ‪ ..‬روي أن امرأة جاءت تطلب الخلع من زوجها‪ ،‬فنهرها عمر رضي‬
‫الله عنه وقال‪ :‬ضعوها في الحظيرة‪ ،‬وباتت ليلتها في الحظيرة‪ ،‬وفي الصباح‬
‫قالت‪ :‬والله أهنأ ليلة أنامها في هذه الحظيرة‪ ،‬فما كان من عمر إل أن أمر‬
‫بالتفريق بينهما‪ ،‬هذا هو السلم الذي راعى حقوق المرأة‪ ،‬هل نستقي من‬
‫أفكار الغرب أم مرجعيتنا شريعتنا؟! يجب أن نأخذ من فلسفة الغرب ما‬
‫يناسبنا‪ ،‬الغرب ينظر إلى المرأة‪ ،‬كجسد يستخدمها أداة في العلم والعلن‪،‬‬
‫استخدام المرأة في وسائل العلم هو قائم على إعلء الجسد على الروح‬
‫والمرأة باعتبارها إنسان‪ ،‬هي جسد وروح‪ ،‬فنحن يجب أل نسير وراء في هذه‬
‫الناحية‪ ،‬هناك صيحات من نساء الغرب يشتكين مما جرته عليهن الحضارة‬
‫الغربية‪ ،‬المرأة أصبحت آلة استهلكها العمل في المعامل وأفقدها أنوثتها‬
‫فأصبحت جنسا ً ثالثًا‪ ،‬المرأة في الغرب ل تجد من يكفلها مثلما يفعل السلم‪،‬‬
‫وبالتالي تعتمد على نفسها في كل شيء‪ ،‬مما يفقدها كثيرا ً من أنوثتها‬
‫وكرامتها‪ ،‬وبالتالي هي تشكو مما جلبته عليها الحضارة الغربية من مآس‬
‫إنسانية‪..‬‬
‫السلم يلزم أولياء المرأة بكفالتها إذا كانت في حاجة أو ضرورة‪ ،‬المرأة في‬
‫الغرب ل تجد من يعيلها ونظام النفقات في السلم ل يعرفونه‪ ،‬علينا أن‬
‫نتمسك بعقائدنا وشرائعنا‪ ،‬على أن يكون ذلك في ضوء فقه جديد واجتهاد‬
‫جديد‪ ،‬آفة قضية المرأة أنها ضاعت بين الفراط والتفريط‪ ،‬هناك أناس‬
‫متشددون يريدون حبس المرأة في البيت وهذه عقوبة لها‪ ،‬أن تقر المرأة‬
‫في بيتها هذا خطاب لنساء الرسول صلى الله عليه وسلم ل حبس للمرأة‬
‫في البيت حتى أنهم حرموا المرأة من الصلوات في المسجد في عهد‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم كانت المرأة تصلي في المسجد‪ ،‬قال صلى‬
‫الله عليه وسلم "ل تمنعوا إماء الله مساجد الله"‪.‬‬
‫وقد شدد فضيلته على ضرورة أن تدخل المرأة معترك الحياة وتساهم في‬
‫بناء مجتمعها جنبا ً إلى جنب مع أخيها الرجل وذلك ضمن ضوابط السلم‬
‫وآدابه‪ ،‬كما دعا إلى أن تساهم المرأة في النتخابات والترشيح‪ ،‬وركز فضيلته‬
‫على أهمية أن تصان حقوق المرأة كاملة‪ ،‬وأن نتخذ منهجا ً وسطا ً في معالجة‬
‫قضية المرأة إذ ل إفراط ول تفريط ل أن نتشدد ونفرط‪ ،‬ول أن نهمل‬
‫ونتجاوز حدود الثوابت في السماح للمرأة بالتجاوز على ما رسمته عقائدنا‬
‫وشرائعنا السمحاء‪ ،‬وأل يصبح كل شيء مباحا ً دون ضوابط‪ ،‬وفي نهاية اللقاء‬
‫أجاب فضيلة الشيخ القرضاوي عن كل السئلة التي وجهت إليه فيما يتعلق‬
‫بحقوق المرأة وواجبتها‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫حقوق المرأة للمرة قبل الخيرة د‪ .‬أبوبكر محمد عثمان*‬


‫ل زال الباحثون يطاردون المفكرين المسلمين؛ مستفسرين عن موقف‬
‫السلم من حقوق المرأة‪ ،‬ومع أن هذا الموضوع قد ُقتل بحثا إل أنه ما دام‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن السؤال ل زال متجددا فل بأس من تلخيصها فيما يلي من المواضيع‬


‫المثارة وهي‪ :‬الميراث‪ ،‬والقوامة‪ ،‬والطلق‪ ،‬وتعدد الزوجات‪ ،‬والعمل‪،‬‬
‫والتعليم‪ ،‬والحقوق السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬أما حصولها على نصف الميراث فهذا مقابل إعفائها من النفاق على‬
‫نفسها‪ ،‬فضل عن النفقة على غيرها؛ بل هي مكفولة أما وأختا وزوجة‪ ،‬وابنة؛‬
‫فأين الحيف؟! ومن الرابح؟!‪.‬‬
‫‪ -‬أما القوامة فمعناها الحماية‪ ،‬والرعاية‪ ،‬والنفقة؛ أي إن الرجل مسؤول عن‬
‫القيام على مصالحها دون أدنى مسؤولية من جهتها؛ لذلك ُأعطي السلطة‬
‫داخل مؤسسة الزوجية؛ فما من غنم إل يقابله مغرم؛ فما ظن المرأة التي‬
‫تطالب بتبادل المواقع؟!؛ هل يمكنها حمايته‪ ،‬ورعايته‪ ،‬والنفاق عليه مقابل‬
‫حصولها على السلطة‪ ،‬والقوامة؟!‪ ..‬هذا هو دين الفطرة؛ فمن ناطحها‬
‫نطحته!!‪..‬‬
‫‪ -‬أما حق الطلق فمكفول للمرأة‪ ،‬ويمكنها النص عليه في وثيقة الزواج –‬
‫على قول لبعض أهل العلم – بحيث وقتما رأت أن النفصال يحقق مصلحتها‬
‫لم تحتج إلى موافقة الزوج‪ ..‬ولكن لم نر إل قلة قليلة من النساء طلبن أن‬
‫تكون العصمة بأيديهن؛ لعلمهن أن الرجال أصبر على تحمل المشاكل‪ ،‬وعلى‬
‫السعي لحّلها بروّية دون اندفاع‪ ،‬والهم أنها ل يمكنها استعمال هذا الحق غير‬
‫حّرم عليه زوجته‪،‬‬ ‫مرة واحدة؛ بخلف الرجل الذي يملك ثلث فرص قبل أن ت ُ َ‬
‫وحينئذ يمكنه القتران بها إذا تزوجت من آخر؛ فمات عنها‪ ،‬أو طّلقها وانتهت‬
‫دتها‪ ..‬فلو تبّين أنها تسّرعت في استعمال حقها لم يكن سبيل لرأب الصدع‪،‬‬ ‫ع ّ‬
‫ن أ مأن تحرم منننتنوجبر الكسر؛ فل يتصور أن تعود فتخطب زوجها الذي‬
‫طّلقت نفسها منه‪.‬‬
‫‪ -‬أما تعدد الزوجات فالمرأة هي المسؤولة عنه؛ وليس الرجل؛ فهي تقبل‬
‫استمرار الزوجية إذا تزوج زوجها بأخرى‪ ،‬وتفضل أن تحتفظ بنصف أو ثلث أو‬
‫ربع رجل بدل من أن تفقده كله‪ ،‬والمرأة تقبل أن يتزوجها رجل متزوج؛‬
‫مسات‬ ‫وتفضل ذلك على النتظار الذي قد يؤدي إلى العنوسة؛ فعلى المتح ّ‬
‫ضد التعدد منع النساء من قبول الزواج من رجل متزوج‪ ،‬وتحريضهن على‬
‫طلب الطلق إذا تزوج رجالهن؛ وذلك بدل من التوسل إلى الرجال بالتوقف‬
‫عن خطبة النساء؛ فل أظنهن سيكففن عن ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬أما العمل السياسي فأنا أتساءل‪ :‬أليس الحمل تسعة أشهر عمل؟!‪ ،‬وأليس‬
‫ل؟!‪ ،‬وأليس الرضاع لسنتين‬ ‫تحمل الم الوضع لثماني عشرة ساعة عم ً‬
‫ل؟!‪ ..‬فإذا انفردت النساء‬ ‫ل؟‪ ،‬وأليست الرعاية لخمس سنين بعد ذلك عم ً‬ ‫عم ً‬
‫بهذه العمال دون الرجال فما وجه العدالة أن تشارك الرجل في العمل‬
‫خارج المنزل دون ضرورة؟!؛ أليس هذا كقول قوم سبأ )ربنا باعد بين‬
‫أسفارنا(‪ ..‬أما إن كانت مطلقة‪ ،‬أو أرملة‪ ،‬أو تريد أن تساعد زوجها الفقير‪ ،‬أو‬
‫كانت ‪ ...‬وكانت خبرة نادرة فل أحد يمنعها من العمل؛ على أل ّ يشتمل على‬
‫تبرج‪ ،‬أو اختلط‪ ،‬أو خلوة‪.‬‬
‫ل البعض منعه عندما تفشى الفسق بين الرجال والنساء؛‬ ‫‪ -‬أما التعليم فلع ّ‬
‫ّ‬
‫حفاظا على شرف بناتهم‪ ،‬لكن منعهن من التعليم والتعلم ل دليل عليه من‬
‫الكتاب أو السنة ما دام أنه يخلو من المحاذير الشرعية؛ ول يفضي إلى‬
‫مفاسد؛ بل إن السلم يحث النسان على الستزادة من العلم )وقل رب‬
‫زدني علما(‪ ،‬ومعظم الذين يطالبون بتعليم المرأة ل نظن إل أنهم ل يرضونه‬
‫لنسائهم إل بالشروط الشرعية‪.‬‬
‫‪ -‬أما طلب دخول البرلمان‪ ،‬والوزارات فلعله لحرصهن أن يكن في موضع‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اتخاذ القرار؛ للحفاظ‪ ،‬أو لسترداد حقوقهن التي اغتصبها الرجال بزعمهن‪،‬‬
‫وهنا تفصيل‪:‬‬
‫‪ -‬أ‪ /‬من الذين ربى هؤلء الرجال المغتصبين؟!؛ ألم ينشأوا في حجور النساء‪،‬‬
‫وكانوا كالعجينة يشكلنها كيف شئن؟!‪ ..‬فلماذا لم يعلمنهم احترام المرأة‪،‬‬
‫وتوقيرها‪ ،‬والعطف عليها؛ وليس فقط الحرص على إعطائها حقوقها بدون‬
‫مطالبات من جهتها؟!‪.‬‬
‫‪ -‬ب‪ /‬أليست الغلبية في البرلمانات والوزارات من الرجال؟!؛ فهل حصل كل‬
‫الرجال على حقوقهم‪ ،‬أم فقدها الكثير منهم بأساليب التكتيك‪ ،‬والغش‪،‬‬
‫والتكتلت‪ ،‬والتزوير؟!‪ ..‬وهل ضمن هؤلء النسوة أنهن سيحصلن على‬
‫حقوقهن لمجرد وجودهن تحت قبة البرلمان؟!‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -‬ج‪ /‬هل يحتاج منع العنف ضد المرأة لستغللها في الترويج للبضائع؛ حتى‬
‫زيوت الشاحنات‪ ..‬واشتراط الجمال للحصول على وظيفة؛ خصوصا‬
‫للسكرتيرات‪ ،‬والمضيفات‪ ،‬وبائعات التذاكر‪ ..‬وكذلك مسابقات الجمال‪..‬‬
‫والعمل في الملهي والمراقص لتقديم الطعمة والخمور والرقص أمام‬
‫الرجال‪ ..‬وكذلك اعتماد معاشرة الرجال لبعضهم واستخراج عقود زواج‬
‫بينهم؟!؛ )فهذا يحصر أهداف الممارسة في تحقيق اللذة؛ ويتجاهل الهدف‬
‫السمى؛ وهو النجاب(!!؛ ثم إذا تمتع الرجال بعضهم ببعض فأين نصيب‬
‫المرأة؟! )هذا غير الحكم الشرعي‪ ،‬وما في ذلك من مفاسد وأضرار(‪..‬‬
‫وكذلك فقدها لسم أبيها لصالح اسم زوجها‪ ..‬واعتماد رضى المرأة بالزنى‬
‫مانعا من تجريمه؛ بحجة أنها حرة في جسدها؛ تفعل به ما تشاء‪ ..‬فهل يسمح‬
‫لها القانون أن تفقأ عينها‪ ،‬أو تزهق روحها أو أن تنتحر؟!؛ فلماذا تكون حرة‬
‫في التصرف في ذلك الجزء من جسدها دون غيره من الجزاء؟!‪ ..‬فإن قيل‪:‬‬
‫)إنما خلق الله ذلك الجزء لتلك الممارسة(؛ قلنا‪) :‬لكنكم جعلتم ضوابط حتى‬
‫لقضاء الحاجة؛ فخصصتم أماكن للرجال وأخرى للنساء؛ فكيف ل يكون‬
‫لشرف علقة بين الرجل والمرأة ضوابط؟!‪.‬‬
‫هل يحتاج منع كل هذا إلى دخول البرلمان‪ ،‬والوزارة؟!‪.‬‬
‫‪ -‬أما رئاسة الدولة‪ ،‬والقضاء‪ ،‬والخلفة العظمى فهل تطلعت النساء لمثل‬
‫هذه المواقع؟!‪ ،‬وكم وزيرة‪ ،‬ورئيسة دولة؟‪ ،‬وكم قاضية في أكثر الدول‬
‫علمانية )فرنسا وألمانيا وإنجلترا(؟!‪ ..‬لقد رفض الشعب الياباني تنصيب‬
‫امرأة من السرة المالكة ملكة عليهم!!‪ ..‬أربعمائة ألف امرأة امتنعت ألمانيا‬
‫عن إعطائهن فرص عمل؛ وبدل ً من ذلك أعطتهم تراخيص لمزاولة‬
‫الدعارة!!‪ )..‬أها‪ ..‬قلتو شنو؟!‪(..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمته الشيخ المين الحاج محمد‬
‫أحمد*‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪.‬‬
‫فحقوق رسولنا علينا كثيرة جدًا‪ ،‬كيف ل؟ وقد أخرجنا الله به من الضللة‪،‬‬
‫وبصرنا به بعد العماية‪ ،‬ودلنا به إلى طريق الهداية‪ ،‬فجزاه الله عنا خير ما‬
‫يجزي نبيا ً عن أمته‪ ،‬ووفقنا للقيام بأداء بعض حقه‪ ،‬إذ ل طاقة لنا بالقيام بكل‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقه‪ ،‬ول بإسداء شكره‪ ،‬والله يجزي بالقليل كثيرًا؛ من تلك الحقوق‪:‬‬
‫‪ .1‬اليمان به‪ ،‬والتصديق بأنه عبد الله‪ ،‬ورسوله‪ ،‬وصفيه‪ ،‬وخليليه‪ ،‬أرسله بين‬
‫يدي الساعة بشيرا ً ونذيرًا‪ ،‬وداعيا ً إلى الله بإذنه وسراجا ً منيرا‪.‬‬
‫‪ .2‬أن ل يعبد الله عز وجل إل وفق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يطيعه في كل ما أمر به وينتهي عن كل ما نهى عنه وزجر‪ ،‬فقد أمر‬
‫الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه حوالي ثلث وثلثين آية‪،‬‬
‫وقرن محبته تعالى بطاعة رسوله‪ ،‬فقال‪ ) :‬قل إن كنتم تحبون الله ورسوله‬
‫فاتبعوني يحببكم الله(‪ ،‬ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما‪ " :‬ثلثة ل تقبل‬
‫إل بثلثة‪ ،‬وذكر منها‪ ) :‬وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول(‪ ،‬فقال‪" :‬من أطاع الله‬
‫ولم يطع الرسول ل تقبل طاعته"‪ ،‬أو كما قال؛ بل لقد أمر بطاعته من غير‬
‫قيد ول شرط‪ ،‬فقال‪ ) :‬وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا(‪،‬‬
‫وذلك لنه صلى الله عليه وسلم ل ينطق عن الهوى‪) ،‬إن هو إل ّ وحي يوحى(‪،‬‬
‫فل يحتاج ما يصح عنه أن يعرض على القرآن؛ كما يزعم بعض المتفلتين‪،‬‬
‫الذين َيردون ما ل تهواه أنفسهم من سنة خير النام صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يؤمن ويعتقد أنه خاتم الرسل أجمعين‪ ،‬وأنه سيد ولد آدم‪ ،‬فل نبي‬
‫بعده‪ ،‬ول مخلوق فوقه‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يؤمن ويصدق أن شريعته خاتمة للشرائع‪ ،‬وكتابه مهيمن وناسخ لجميع‬
‫الكتب‪ ،‬ودينه خاتم للديان‪.‬‬
‫‪ .6‬أن يؤمن ويعتقد أنه ل يسع أحد كائنا ً ما كان الخروج على شريعته‪،‬‬
‫والستغناء عن طريقته‪.‬‬
‫‪ .7‬أن يحبه أكثر من ماله‪ ،‬وولده‪ ،‬وأهله‪ ،‬ونفسه التي بين جنبيه‪ ،‬فحبه صلى‬
‫الله عليه وسلم له أصل وكمال‪ ،‬وأن يتأسى في ذلك بصحابته الكرام‪،‬‬
‫وأتباعه العظام‪ ،‬حيث وصف عروة بن مسعود الثقفي قبل إسلمه عندما جاء‬
‫مفاوضا ً عن قريش في صلح الحديبية طرفا ً من ذلك لكفار قريش عندما رجع‬
‫ل‪ " :‬دخلت على الملوك‪ :‬كسرى وقيصر والنجاشي؛ فلم أر أحدا ً‬ ‫إليهم قائ ً‬
‫ظم أصحاب محمد محمدًا‪ ،‬كان إذا أمرهم ابتدروا‬ ‫ظمه أصحابه مثلما ُيع ِ‬ ‫ُيع ِ‬
‫أمره‪ ،‬وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه‪ ،‬وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده‪،‬‬
‫وما يحدون له النظر تعظيما ً له"‬
‫‪ .8‬أن يعتقد أنه معصوم من الزلل والخطأ ومن الناس‪.‬‬
‫‪ .9‬أن يحب سنته ويعمل على نشرها بين الناس‪.‬‬
‫‪ .10‬أن يحب آله وصحبه وآل بيته‪ ،‬وأل يؤذيه فيهم‪ ،‬فمن أنتقص أحدا ً منهم‬
‫فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد توعد الله من آذى رسوله‬
‫بقوله‪) :‬إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والخرة وأعد لهم‬
‫عذابا ً مهينًا(‪ ،‬فالحذر الحذر أخي المسلم أن تتعرض لحد من أصحاب رسول‬
‫الله فيبعدك الله من رحمته التي وسعت كل شئ‪ ،‬ل السابقين منهم ول‬
‫اللحقين؛ فكل ً وعد الله الحسنى‪.‬‬
‫‪ .11‬أل يرد شيئا ً من سنته الصحيحة‪ ،‬ول يؤولها تأويل ً غير مستساغ‪ ،‬فيكون‬
‫من الظالمين لنفسهم المعتدين على دين الله‪.‬‬
‫‪ .12‬أن يتحاكم إلى شرعه ول يرضى بغيره بديل‪ً.‬‬
‫‪ .13‬أل يقدم قول أحد كائنا ً ما كان على قوله وحكمه‪.‬‬
‫‪ .14‬أل يغلو فيه ويرفعه من درجة العبودية إلى درجة الربوبية أو اللوهية‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على رسوله الكريم‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين‬


‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫فإن من أعظم الحقوق على المسلمين كافة وأهل العلم خاصة بيان فضل‬
‫نبيهم صلى الله عليه وسلم وعظيم قدره عند الله تبارك وتعالى وعند‬
‫أصحابه الذين اتبعوه وعاشوا معه ورأوه‪ ،‬وكيف ترجم هذا الجيل هذه المحبة‬
‫إلى واقع وسلوك!! فما أحوج المسلمون اليوم أن يعرفوا حق نبيهم صلى‬
‫الله عليه وسلم عليهم حتى يحبوه كما أحبه ذلك الجيل ويتبعوه كما اتبعه ذلك‬
‫الجيل‪.‬‬
‫وإن شئت أن ترى بعض المكانة عند الصحابة رضي الله عنهم فتأمل هذا‬
‫الوصف الذي رآه عروة ابن مسعود الثقفي سيد من سادات قريش‪ ،‬وهم من‬
‫أشد خلق الله عداوة له حينما جاء يفاوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م ب ِعَي ْن َي ْ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ب الن ّب ِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫مق ُ أ ْ‬ ‫ل ي َْر ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن عُْروَة َ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫الحديبية )ث ُ ّ‬
‫ت ِفي‬ ‫ة إل وقَعَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫م ً‬‫خا َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ و َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫خ َ‬
‫ما ت َن َ ّ‬ ‫والل ّهِ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ك بها وجهه و َجل ْده وإَذا أ َمره َم ابتدروا أ َمر ِه و َإَذا توضأ َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ ُ َِ َ َ ّ‬ ‫َ َ ُ ْ َْ َُ‬ ‫ِ‬ ‫م فَد َل َ ِ َ َ ْ َ ُ َ ِ َ ُ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫كَ ّ‬
‫َ‬
‫ن إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫دو َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫عن ْد َه ُ وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫وات َهُ ْ‬ ‫ص َ‬‫ضوا أ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ضوئ ِهِ وَإ َِذا ت َك َل ّ َ‬ ‫ن عََلى وَ ُ‬ ‫قت َت ُِلو َ‬ ‫كاُدوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ل أيْ قَوْم ِ َوالل ّهِ ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫قد ْ وَفَد ْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫حاب ِهِ فَ َ‬ ‫ص َ‬ ‫جعَ عُْروَة ُ إ َِلى أ ْ‬ ‫ه فََر َ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ظي ً‬ ‫الن ّظ ََر ت َعْ ِ‬
‫كا قَ ّ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫مل ِ ً‬ ‫ت َ‬ ‫ن َرأي ْ ُ‬ ‫ي َوالل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫سَرى َوالن ّ َ‬ ‫صَر وَك ِ ْ‬ ‫ت عََلى قَي ْ َ‬ ‫ك وَوَفَد ْ ُ‬ ‫مُلو ِ‬ ‫عََلى ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دا َوالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫مد ٍ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ما ي ُعَظ ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫حاب ُ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ُعَظ ّ ُ‬
‫جل ْد َه ُ وَإ َِذا‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫جهَ ُ‬ ‫ك ب َِها وَ ْ‬ ‫م فَد َل َ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫ت ِفي ك َ ّ‬ ‫ة إ ِّل وَقَعَ ْ‬ ‫م ً‬‫خا َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ت َن َ ّ‬ ‫إِ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضوا‬ ‫ف ُ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ضوئ ِهِ وَإ َِذا ت َكل َ‬ ‫ن عَلى وَ ُ‬ ‫قت َت ِلو َ‬ ‫ضأ كاُدوا ي َ ْ‬ ‫مَرهُ وَإ َِذا ت َوَ ّ‬ ‫م اب ْت َد َُروا أ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫ه( ]رواه البخاري[‪.‬‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ظي ً‬‫ن إ ِل َي ْهِ الن ّظ ََر ت َعْ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ّ‬‫ما ي ُ ِ‬ ‫عن ْد َه ُ وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫وات َهُ ْ‬ ‫ص َ‬‫أ ْ‬
‫ول خفاء على من مارس شيئا ً من العلم‪ ،‬أو خص بأدنى لمحة من فهم ‪،‬‬
‫بتعظيم الله تعالى قدر نبينا صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و خصوصه إياه بفضائل و‬
‫محاسن و مناقب ل تنضبط لزمام‪ ،‬و تنويهه من عظيم قدره بما تكل عنه‬
‫اللسنة و القلم‪.‬‬
‫فمنها ما صرح به الله تعالى في كتابه‪ ،‬و نبه به على جليل نصابه‪ ،‬و أثنى‬
‫عليه من أخلقه و آدابه‪ ،‬و حض العباد على التزامه‪ ،‬و تقلد إيجابه‪ ،‬فكان جل‬
‫جلله هو الذي تفضل و أولى‪ ،‬ثم طهر و زكى‪ ،‬ثم مدح بذلك و أثنى‪ ،‬ثم أثاب‬
‫عليه الجزاء الوفى‪ ،‬فله الفضل بدءا ً و عودا ‪ ،‬و الحمد أولى و أخرى‪.‬‬
‫ومنها ما أبرزه للعيان من خلقه على أتم وجوه الكمال و الجلل‪ ،‬و تخصيصه‬
‫بالمحاسن الجميلة و الخلق الحميدة‪ ،‬و المذاهب الكريمة‪ ،‬و الفضائل‬
‫العديدة‪ ،‬و تأييده بالمعجزات الباهرة‪ ،‬و البراهين الواضحة‪ ،‬و الكرامات البينة‬
‫التي شاهدها من عاصره و رآها من أدركه‪ ،‬و علمها علم يقين من جاء بعده‪،‬‬
‫حتى انتهى علم ذلك إلينا‪ ،‬و فاضت أنواره علينا‪.‬‬
‫فاعلم أيها المحب لهذا النبي الكريم صلى الله عليه و سلم‪ ،‬الباحث عن‬
‫تفاصيل جمل قدره العظيم أن خصال الجلل و الكمال في البشر نوعان‪:‬‬
‫ضروري دنيوي اقتضته الجبلة و ضرورة الحياة الدنيا‪ ،‬و مكتسب ديني‪ ،‬و هو‬
‫ما يحمد فاعله‪ ،‬و يقرب إلى الله تعالى زلفى‪.‬‬
‫فأما الضروري المحض فما ليس للمرء فيه اختيار و ل اكتساب‪ ،‬مثل ما كان‬
‫في جبلته من كمال خلقته‪ ،‬و جمال صورته‪ ،‬و قوة عقله‪ ،‬و صحة فهمه‪ ،‬و‬
‫فصاحة لسانه‪ ،‬و قوة حواسه و أعضائه‪ ،‬و اعتدال حركاته‪ ،‬و شرف نسبه‪ ،‬و‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عزة قومه‪ ،‬وكرم أرضه‪ ،‬و يلحق به ما تدعوه ضرورة حياته إليه‪ ،‬من غذائه و‬
‫نومه‪ ،‬و ملبسه و مسكنه‪ ،‬و منكحه‪ ،‬و ما له و جاهه‪.‬‬
‫و قد تلحق هذه الخصال الخرة بالخروية إذا قصد بها التقوى و معونة البدن‬
‫على سلوك طريقها‪ ،‬و كانت على حدود الضرورة و قوانين الشريعة‪.‬‬
‫و أما المكتسبة الخروية فسائر الخلق العلية‪ ،‬و الداب الشرعية‪ :‬من الدين‬
‫و العلم‪ ،‬و الحلم‪ ،‬و الصبر‪ ،‬و الشكر‪ ،‬و المروءة‪ ،‬و الزهد‪ ،‬و التواضع‪ ،‬و‬
‫العفو‪ ،‬والعفة‪ ،‬و الجود‪ ،‬و الشجاعة‪ ،‬و الحياء‪ ،‬والصمت‪ ،‬و التؤدة‪ ،‬و الوقار‪ ،‬و‬
‫الرحمة‪ ،‬و حسن الدب و المعاشرة‪ ،‬و أخواتها‪ ،‬و هي التي جمعها حسن‬
‫الخلق‪.‬‬
‫و قد يكون من هذه الخلق ما هو في الغريزة و أصل الجبلة لبعض الناس‬
‫وقد يختلف الناس بعضهم عن بعض في هذه ولكن أن تجمع لشخص واحد‬
‫فهذا من عظيم الفضل لهذا النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫لقد أخذ سبحانه العهد على جميع النبياء أن أدركوه أن يتبعوه ويخبروا بذلك‬
‫قومهم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫م‬‫مةٍ ث ُ ّ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب وَ ِ‬ ‫من ك َِتا ٍ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ُ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫ميَثاقَ الن ّب ِي ّي ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫م‬‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫م وَأ َ َ‬ ‫ل أأقَْرْرت ُ ْ‬
‫ل مصدقٌ ل ّما معك ُم ل َتؤْمنن به ول َتنصرنه َقا َ َ َ‬
‫َ َ َ ْ ُ ِ ُ ّ ِ ِ َ َ ُ ُ ّ ُ‬ ‫سو ٌ ّ َ ّ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]آل‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫شا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫كم‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫دو‬ ‫ه‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ري‬ ‫ص‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ِ ْ ِ ْ ِ‬
‫عمران ‪[81‬‬
‫وبين سبحانه وتعالى أن محمدا صلى الله عليه وسلم أمانا لهم مما حرفه‬
‫م‬‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫سول َُنا ي ُب َي ّ ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫ب قَد ْ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫أحبارهم وعلماؤهم فقال تعالى‪َ} :‬يا أ َهْ َ‬
‫ن الل ّهِ ُنوٌر‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫جاء ُ‬ ‫عن ك َِثيرٍ قَد ْ َ‬ ‫فو َ‬ ‫ب وَي َعْ ُ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ك َِثيرا ً ّ‬
‫ن{ ]المائدة ‪[15‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ب ّ‬ ‫وَك َِتا ٌ‬
‫وامتن على البشرية كافة أن بعث رسول منهم وليس ملكا حتى ل تيأس‬
‫النفس وتعجز عن العبادة إذ ل طاقة لبشر بمتابعة عبادة مما تقوم بها‬
‫مَلكا ً ل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ول ُأنزِ َ‬
‫مُر‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك وَل َوْ أنَزل َْنا َ‬ ‫مل َ ٌ‬ ‫ل عَل َي ْهِ َ‬ ‫الملئكة قال تعالى‪} :‬وََقاُلوا ْ ل َ ْ‬
‫ن)‬ ‫سو َ‬ ‫ما ي َل ْب ِ ُ‬ ‫سَنا عَل َي ِْهم ّ‬ ‫جل ً وَل َل َب َ ْ‬ ‫جعَل َْناه ُ َر ُ‬ ‫مَلكا ً ل ّ َ‬ ‫جعَل َْناه ُ َ‬ ‫ن)‪ (8‬وَل َوْ َ‬ ‫م ل َ ُينظ َُرو َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫‪]{(9‬النعام ‪[9 - 8‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ق‬
‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫شي ِفي ال ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ل ي َأكل الطَعا َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وََقاُلوا َ‬
‫ذيرًا{ ]الفرقان ‪[7‬‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫ك فَي َ ُ‬ ‫مل َ ٌ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ل َوَْل ُأنزِ َ‬
‫فكان من فضل الله ورحمته لقامة الحجة كاملة على خلقه وعباده أن بعث‬
‫فيهم رسول يأكل كما يأكلون ويشرب كما يشربون وينام كما ينامون‪.‬‬
‫ص عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ري ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫زيٌز عَل َي ْهِ َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫قال تعالى‪}:‬ل َ َ‬
‫م{ ]التوبة ‪[128‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ؤو ٌ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫م ي َت ُْلو عَل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن َأن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سول ً ّ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ث ِفيهِ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ ب َعَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ه عََلى ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫}ل َ َ‬
‫ن{‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ّ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ل لَ ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫كاُنوا ْ ِ‬ ‫ة وَِإن َ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫م وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫كيهِ ْ‬ ‫آَيات ِهِ وَي َُز ّ‬
‫]آل عمران ‪[164‬‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫}هُوَ ال ّ ِ‬
‫مهُ ُ‬ ‫م وَي ُعَل ُ‬ ‫م آَيات ِهِ وَي َُزكيهِ ْ‬ ‫م ي َت ْلو عَلي ْهِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سول ّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مّيي َ‬ ‫ث ِفي ال ّ‬ ‫ذي ب َعَ َ‬
‫ن{ ]الجمعة ‪[2‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ّ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ل لَ ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫ة وَِإن َ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫م وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫كيك ُ ْ‬ ‫م آَيات َِنا وَي َُز ّ‬ ‫م ي َت ُْلو عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫سول ً ّ‬ ‫م َر ُ‬ ‫سل َْنا ِفيك ُ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫}ك َ َ‬
‫ن{ ]البقرة ‪[151‬‬ ‫مو َ‬ ‫كوُنوا ْ ت َعْل َ ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ة وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫قال جعفر ابن محمد‪ :‬علم الله عجز خلقه عن طاعته‪ ،‬فعرفهم ذلك‪ ،‬لكي‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعلموا أنهم ل ينالون الصفو من خدمته‪ ،‬فأقام بينهم و بينه مخلوقا ً من‬
‫جنسهم في الصورة‪ ،‬و ألبسه من نعمته الرأفة و الرحمة‪ ،‬و أخرجه إلى‬
‫ن ي ُط ِِع‬ ‫م ْ‬ ‫الخلق سفيرا ً صادقًا‪ ،‬و جعل طاعته من طاعته‪ ،‬فقال تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{ ]النساء ‪[80‬‬ ‫طاعَ الل ّ َ‬ ‫قد ْ أ َ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫الّر ُ‬
‫حوْل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضوا ْ ِ‬ ‫ف ّ‬‫لن َ‬‫ب َ‬ ‫قل ْ ِ‬
‫ظ ال ْ َ‬ ‫ت فَظ ّا ً غَِلي َ‬ ‫كن َ‬ ‫م وَل َوْ ُ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِلن َ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َر ْ‬ ‫}فَب ِ َ‬
‫ل عََلى الل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ت فَت َوَك ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مرِ فَإ َِذا عََز ْ‬ ‫م ِفي ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬ ‫َفاعْ ُ‬
‫ن{ ]آل عمران ‪[159‬‬ ‫مت َوَك ِّلي َ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن{ ]النبياء ‪[107‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سلَنا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫ة للَعال ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك إ ِل َر ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫}وَ َ‬
‫قال أبو بكر بن طاهر‪ :‬زين الله تعالى محمدا صلى الله عليه و سلم بزينة‬‫ً‬
‫الرحمة‪ ،‬فكان كونه رحمة‪ ،‬و جميع شمائله و صفاته رحمة على الخلق‪ ،‬فمن‬
‫أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه‪ ،‬و الواصل‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬‫ح َ‬‫ك إ ِّل َر ْ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫فيهما إلى كل محبوب‪ ،‬أل ترى أن الله يقول‪} :‬وَ َ‬
‫ن{‪ ،‬فكانت حياته رحمة‪ ،‬و مماته رحمة‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ل ّل َْعال َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عيا ً إ َِلى الل ّهِ ب ِإ ِذ ْن ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ذيرًا)‪ (45‬وََدا ِ‬ ‫شرا ً وَن َ ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫هدا ً وَ ُ‬‫شا ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ي إ ِّنا أْر َ‬ ‫}َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫مِنيرًا)‪] {(46‬الحزاب ‪[46 - 45‬‬ ‫سَراجا ً ّ‬ ‫وَ ِ‬
‫جمع الله تعالى في هذه الية لنبيه صلى الله عليه وسلم ما آثره به على‬
‫باقي الخلق‪ ،‬و جملة من أوصاف المدح‪ ،‬فجعله شاهدا ً على أمته لنفسه‬
‫بإبلغهم الرسالة‪ ،‬و هي من خصائصه صلى الله عليه و سلم‪ ،‬و مبشرا ً لهل‬
‫طاعته‪ ،‬و نذيرا ً لهل معصيته‪ ،‬و داعيا ً إلى توحيده و عبادته‪ ،‬و سراجا ً منيرا ً‬
‫يهتدى به للحق‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ح لَ َ‬ ‫َ‬
‫ك)‪(3‬‬ ‫ض ظهَْر َ‬ ‫ق َ‬ ‫ذي أن َ‬ ‫ك)‪ (2‬ال ِ‬ ‫ك وِْزَر َ‬ ‫عن َ‬ ‫ضعَْنا َ‬ ‫ك)‪ (1‬وَوَ َ‬ ‫صد َْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫شَر ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫}أل َ ْ‬
‫سرًا)‪ (6‬فَإ َِذا‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سرًا)‪ (5‬إ ِ ّ‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك)‪ (4‬فَإ ِ ّ‬ ‫ك ذِك َْر َ‬ ‫وََرفَعَْنا ل َ َ‬
‫ب)‪] {(8‬الشرح[‬ ‫ك َفاْرغَ ْ‬ ‫ب)‪ (7‬وَإ َِلى َرب ّ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ت َفان َ‬ ‫فََرغْ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قال القاضي عياض‪ :‬هذا تقرير من الله جل اسمه لنبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫على عظيم نعمه لديه‪ ،‬و شريف منزلته عنده‪ ،‬و كرامته عليه‪ ،‬بأن شرح قلبه‬
‫لليمان و الهداية‪ ،‬و وسعه لوعى العلم‪ ،‬و حمل الحكمة‪ ،‬و رفع عنه ثقل أمور‬
‫الجاهلية عليه‪ ،‬و بغضه لسيرها‪ ،‬و ما كانت عليه بظهور دينه على الدين كله‪،‬‬
‫و حط عنه عهدة أعباء الرسالة و النبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم‪ ،‬و تنويهه‬
‫بعظيم مكانه‪ ،‬و جليل رتبته‪ ،‬و رفعه و ذكره‪ ،‬و قرانه مع اسمه اسمه‪.‬‬
‫ولقد كان أهل الكتاب يتناقلون صفته تابع عن تابع ورغم إخفائهم الكثير إل أن‬
‫الله سبحانه وتعالى أظهر ما أخفوه‪.‬‬
‫عن عطاء ابن يسار‪ ،‬قال‪ :‬لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬قلت‪ :‬أخبرني‬
‫عن صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال‪ :‬أجل‪ ،‬و الله ! إنه لموصوف‬
‫في التوراة ببعض صفته في القرآن‪ :‬يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا‬
‫ونذيرا‪ ،‬و حرزا ً للميين‪ ،‬أنت عبدي و رسولي‪ ،‬سميتك المتوكل‪ ،‬ليس بفظ و‬
‫ل غليظ و ل صخاب في السواق‪ ،‬و ل يدفع بالسيئة السيئة‪ ،‬و لكن يعفو و‬
‫يغفر‪ ،‬و لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء‪ ،‬بأن يقولوا ‪ :‬ل إله إل الله‪،‬‬
‫و يفتح به أعينا عميًا‪ ،‬و آذانا ً صمًا‪ ،‬و قلوبا ً غلفًا‪.‬‬
‫ولقد كان من عظيم محبة الله تعالى لنبيه بعد رفعه وعلو شأنه الملطفة في‬
‫ك لِ َ‬
‫حّتى‬ ‫ت ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫عن َ َ‬
‫م أِذن َ‬ ‫فا الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫العتاب رحمة به وفضل وكرما قال تعالى‪} :‬ع َ َ‬
‫ن{ ]التوبة ‪[43‬‬ ‫م ال ْ َ‬
‫كاذِِبي َ‬ ‫صد َُقوا ْ وَت َعْل َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن لَ َ‬
‫ي َت َب َي ّ َ‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال عون بن عبد الله‪ :‬أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب‪.‬‬


‫و لو بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله‪ ،‬لم أذنت لهم لخيف عليه أن‬
‫ينشق قلبه من هيبة هذا الكلم‪ ،‬لكن الله تعالى برحمته أخبره بالعفو حتى‬
‫سكن قلبه‪ ،‬ثم قال له‪ :‬لم أذنت لهم بالتخلف حتى يتبين لك الصادق في‬
‫عذره من الكاذب‪.‬‬
‫و في هذا من عظيم منزلته عند الله ما ل يخفى على ذي لب‪.‬‬
‫وكانت معية الله مع نبيه بالحفظ ل تفارقه‪.‬‬
‫ل{ ]السراء ‪[74‬‬ ‫شْيئا قَِلي ً‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫ت ت َْرك َ ُ‬ ‫كد ّ‬ ‫قد ْ ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَل َوْل َ َأن ث َب ّت َْنا َ‬
‫عاتب الله تعالى النبياء عليهم السلم بعد الزلت‪ ،‬و عاتب نبّينا عليه السلم‬
‫قبل وقوعه‪ ،‬ليكون بذلك أشد انتهاًء و محافظة لشرائط المحبة‪ ،‬و هذه غاية‬
‫العناية‪.‬‬
‫ثم انظر كيف بدأ بثباته و سلمته قبل ذكر ما عتبه عليه و خيف أن يركن‬
‫إليه‪ ،‬ففي أثناء عتبه براءته‪ ،‬و في طي تخويفه تأمينه و كرامته‪.‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫م ل َ ي ُك َذ ُّبون َك وَلك ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ذي ي َ ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫حُزن ُ َ‬ ‫ه ل َي َ ْ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫قال تعالى‪} :‬قَد ْ ن َعْل َ ُ‬
‫ن{ ]النعام ‪[33‬‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت الل ّهِ ي َ ْ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫قال علي رضي الله عنه‪ :‬قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬إنا ل‬
‫ك{‬ ‫م ل َ ي ُك َذ ُّبون َ َ‬ ‫نكذبك و لكن نكذب ما جئت به‪ ،‬فأنزل الله تعالى‪} :‬فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫]الية[‬
‫ففي هذه الية منزع لطيف المأخذ‪ ،‬من تسليته تعالى له عليه السلم‪ ،‬و‬
‫إلطافه به في القول‪ ،‬بأن قرر عنده أنه صادق عندهم‪ ،‬و أنهم غير مكذبين‬
‫له‪ ،‬معترفون بصدقه قول ً و اعتقاًدا‪ ،‬و قد كانوا يسمونه ـ قبل النبوة ـ المين‪،‬‬
‫فدفع بهذا التقرير ما قد يتألم به من وصفهم له بسمة الكذب‪ ،‬ثم جعل الذم‬
‫لهم بتسميتهم جاحدين ظالمين‪.‬‬
‫قد ْ‬ ‫َ‬
‫ثم عّزاه و آنسه بما ذكره عمن قبله‪ ،‬و وعده النصر بقوله تعالى‪} :‬وَل َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صُرَنا وَل َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫حّتى أَتاهُ ْ‬ ‫ما ك ُذ ُّبوا وَأوُذوا َ‬ ‫صب َُروا عََلى َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫ك ُذ ّب َ ْ‬
‫ن{ ]النعام ‪[34‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫من ن َب َأ ِ ال ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ت الل ّهِ وَل َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬ ‫مب َد ّ َ‬‫ُ‬
‫جى)‬ ‫س َ‬ ‫ل إ َِذا َ‬ ‫ّ‬
‫حى)‪َ (1‬واللي ْ ِ‬ ‫ض َ‬‫وقد أقسم تعالى بتحقيق قدره فقال تعالى‪َ} :‬وال ّ‬
‫ف‬‫سو ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫خي ٌْر ل ّ َ‬ ‫ما قََلى)‪ (3‬وَل َْل ِ‬ ‫ك َرب ّ َ‬ ‫ما وَد ّعَ َ‬
‫ن الولى)‪ (4‬وَل َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫خَرة ُ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫‪َ (2‬‬
‫دى)‪(7‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضال فهَ َ‬ ‫جد َك َ‬ ‫جد ْك ي َِتيما فآَوى)‪ (6‬وَوَ َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ضى)‪ (5‬أل ْ‬ ‫طيك رب ّك فت َر َ‬ ‫ي ُعْ ِ‬
‫ل فََل ت َن ْهَْر)‪(10‬‬ ‫سائ ِ َ‬ ‫ال‬ ‫ما‬ ‫قهر)‪ (9‬وأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫تي‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫ك َعائل ً فَأ َْغْنى)‪ (8‬فَأ َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ج َ‬
‫د‬ ‫وَوَ َ‬
‫مةِ َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ث)‪] {(11‬الضحى[‬ ‫حد ّ ْ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ما ب ِن ِعْ َ‬ ‫وَأ ّ‬
‫قال القاضي عياض‪ :‬تضمنت هذه السورة من كرامة الله تعالى له‪ ،‬و تنويهه‬
‫به و تعظيمه إياه ستة و جوه‪:‬‬
‫ل‬ ‫ّ‬
‫حى)‪َ (1‬واللي ْ ِ‬ ‫ض َ‬‫الول‪ :‬القسم له عما أخبره به من حاله بقوله تعالى‪َ} :‬وال ّ‬
‫جى)‪ .{(2‬أي و رب الضحى‪ ،‬و هذا من أعظم درجات المبرة‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫إ َِذا َ‬
‫ما‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ك َرب ّ َ‬ ‫ما وَد ّعَ َ‬ ‫الثاني‪ :‬بيان مكانته عنده و حظوته لديه بقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫قََلى{‪ ،‬أي ما تركك و ما أبغضك‪ .‬و قيل‪ :‬ما أهملك بعد أن اصطفاك‪.‬‬
‫لوَلى)‪ ،{(4‬قال ابن إسحاق‪ :‬أي‬ ‫من ا ْ ُ‬ ‫خي ٌْر ل ّ َ‬ ‫الثالث‪ :‬قوله تعالى‪} :‬وَل َْل ِ‬
‫ك ِ َ‬ ‫خَرة ُ َ‬
‫مالك في مرجعك عند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا‪.‬‬
‫و قال سهل‪ :‬أي ما ذخرت لك من الشفاعة و المقام المحمود خير لك مما‬
‫أعطيتك في الدنيا‪.‬‬
‫ضى)‪{(5‬‬ ‫َ‬
‫طيك َرب ّك فت َْر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف ي ُعْ ِ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫َ‬
‫الرابع‪ :‬قوله تعالى‪} :‬وَل َ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و هذه آية جامعة لوجوه الكرامة‪ ،‬و أنواع السعادة‪ ،‬و شتات النعام في‬
‫الدارين‪ .‬و الزيادة‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬يرضيه بالنصر والتمكين في الدنيا‪ ،‬و الثواب في الخرة‪.‬‬
‫و قيل‪ :‬يعطيه الحوض و الشفاعة‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬ما عدده تعالى عليه من نعمه‪ ،‬و قرره من آلئه قبله في بقية‬
‫السورة‪ ،‬من هدايته إلى ما هداه له‪ ،‬أو هداية الناس به على اختلف‬
‫ل‪ ،‬و آوى‬ ‫ل‪ ،‬و أغنى بك عائ ً‬ ‫التفاسير‪ ،‬ول مال له‪ ،‬فأغناه بما آتاه‪ ،‬وهدى بك ضا ً‬
‫بك يتيما ً ـ ذكره بهذه المنن‪ ،‬و أنه لم يهمله في حال صغره و عيلته و يتمه و‬
‫قبل معرفته به‪ ،‬و ل ودعه ول قله‪ ،‬فكيف بعد اختصاصه و اصطفائه !‬
‫السادس‪ :‬أمره بإظهار نعمته عليه و شكر ما شرفه بنشره و إشادة ذكره‬
‫مةِ َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ث)‪ ،{(11‬فإن من شكر النعمة الحديث‬ ‫حد ّ ْ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ما ب ِن ِعْ َ‬ ‫بقوله تعالى‪} :‬وَأ ّ‬
‫بها‪ ،‬و هذا خاص له‪ ،‬عام لمته‪.‬‬
‫وهذه بعض شمائله صلى الله عليه وسلم‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫)ع َ َ‬
‫س‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫س بْ‬ ‫ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫ةَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَ َ‬
‫ت لي ْل ٍ‬ ‫دين َةِ َذا َ‬ ‫م ِ‬ ‫قد ْ فزِع َ أهْل ال َ‬ ‫س وَل َ‬ ‫جعَ الّنا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫س وَكا َ‬ ‫جوَد َ الّنا ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كا َ‬
‫جًعا‬ ‫م َرا ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫قاهُ ْ‬ ‫ت فَت َل َ ّ‬ ‫صو ْ ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س قِب َ َ‬ ‫َفان ْط َل َقَ َنا ٌ‬
‫س ِلِبي ط َل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫سي ْ ُ‬ ‫قهِ ال ّ‬ ‫ي ِفي عُن ُ ِ‬ ‫ة عُْر ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ت وَهُوَ عَلى فََر ٍ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫م إ َِلى ال ّ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫وَقَد ْ َ‬
‫حًرا( ]رواه مسلم [‪.‬‬ ‫جد َْناه ُ ب َ ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫عوا َقا َ‬ ‫م ت َُرا ُ‬ ‫عوا ل َ ْ‬ ‫م ت َُرا ُ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫وَهُوَ ي َ ُ‬
‫)ع َ َ‬
‫م‬‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫خد ْرِيّ َر ِ‬ ‫سِعيد ٍ ال ْ ُ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫ْ‬
‫ها( ]رواه البخاري ومسلم[‪.‬‬ ‫خد ْرِ َ‬ ‫ن ال ْعَذ َْراِء ِفي ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫يا‬‫شد ّ َ َ‬ ‫ح‬ ‫أَ َ‬
‫ل‬ ‫خ َ‬ ‫ت دَ َ‬ ‫م َقال َ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ج الن ّب ِ ّ‬ ‫ه عَن َْها َزوْ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫)ع َ ْ‬
‫م‬ ‫م عَلي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫سا ُ‬ ‫قالوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن الي َُهود ِ عَلى َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َرهْط ِ‬ ‫ٌ‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫ة َقال ْ‬ ‫َ‬ ‫م َواللعْن َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫سا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ت وَعَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫مت َُها فَ ُ‬ ‫فهِ ْ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬‫قل ْ ُ‬ ‫مرِ ك ُل ّهِ فَ ُ‬ ‫ب الّرفْقَ ِفي اْل ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫مهًْل َيا َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م قَد ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫سو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫َيا َ‬
‫م( ]رواه البخاري ومسلم[‪.‬‬ ‫ت وَعَلي ْك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫ذا‬‫ة كَ َ‬ ‫في ّ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ت ِللن ّب ِ ّ‬ ‫ت قُل ْ ُ‬ ‫ة َقال َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫)ع َ ْ‬
‫ت‬ ‫ه قال ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جت ْ ُ‬ ‫مَز َ‬ ‫حرِ ل َ‬ ‫َ‬ ‫ماِء الب َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫مزِ َ‬ ‫ة لو ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫م ً‬ ‫ت كل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫قد ْ قل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫قال ل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة‪ -‬ف َ‬ ‫َ‬ ‫صيَر ً‬ ‫ذا ‪-‬ت َعِْني ق ِ‬‫َ‬ ‫وَك َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ذا( ]رواه‬ ‫ذا وَك َ َ‬ ‫ن ِلي ك َ َ‬ ‫ساًنا وَأ ّ‬ ‫ت إ ِن ْ َ‬ ‫حك َي ْ ُ‬ ‫ب أّني َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ساًنا فَ َ‬ ‫ه إ ِن ْ َ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫حك َي ْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫أبو داود[‪.‬‬
‫ولقد كان صلى الله عليه وسلم ل يواجه أحدا بما يكره بل كان يعرض به‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫شت َرِ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫طو َ‬ ‫وام ٍ ي َ ْ‬ ‫ل أقْ َ‬ ‫ما َبا ُ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫ة َقال َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫)ع َ ْ‬
‫ه( ]رواه البخاري[‪.‬‬ ‫ب الل ِ‬ ‫ّ‬ ‫س ِفي ك َِتا ِ‬ ‫شُروطا لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وام ٍ‬ ‫ل أقْ َ‬ ‫ما َبا ُ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫حد ّث َهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ َ ِ‬ ‫)ع َ ْ‬
‫م( ]رواه البخاري[‪.‬‬ ‫صلت ِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ماِء ِفي َ‬ ‫س َ‬ ‫م إ ِلى ال ّ‬ ‫َ‬ ‫صاَرهُ ْ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ي َْرفَُعو َ‬
‫ص ِفيهِ فَت َن َّزهَ‬ ‫خ َ‬ ‫شي ًْئا فََر ّ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫صن َعَ الن ّب ِ ّ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫ة َقال ْ‬ ‫َ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫)ع َ ْ‬
‫ما‬ ‫ل َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ّ‬
‫مد َ الل َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫خط َ‬ ‫َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫م فَب َلغَ ذ َل ِك الن ّب ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه قَوْ ٌ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ه( ]رواه البخاري[‪.‬‬ ‫صن َعُ ُ‬ ‫يِء أ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫هو َ‬ ‫وام ٍ ي َت َن َّز ُ‬ ‫ل أقْ َ‬ ‫َبا ُ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج الن ّب ِ ّ‬ ‫سألوا أْزَوا َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ب الن ّب ِ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فًرا ِ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫سأ ّ‬ ‫ن أن َ ٍ‬ ‫)ع َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ساَء وَقا َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ج الن ّ َ‬ ‫م ل أت ََزوّ ُ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫سّر ف َ‬ ‫َ‬ ‫مل ِهِ ِفي ال ّ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه وَأثَنى عَلي ْ ِ‬ ‫مد َ الل َ‬ ‫ح ِ‬ ‫شف َ‬ ‫م عَلى فَِرا ٍ‬ ‫م ل أَنا ُ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫م وَقال ب َعْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ل آكل الل ْ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫وام ٍ قالوا كذا وَكذا( ]رواه مسلم[‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫ما َبال أق َ‬ ‫قال َ‬
‫والذي ينظر إلى حياته الخاصة يرى التواضع التام وعدم النشغال الزائد‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالدنيا‪.‬‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫)ع َ َ‬
‫سل َ‬‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬
‫صلى الل ُ‬‫ي َ‬
‫ب الن ّب ِ ّ‬
‫عا َ‬
‫ما َ‬
‫ه قال َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬
‫ن أِبي هَُري َْرة َ َر ِ‬‫ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه( ]رواه البخاري ومسلم[‪.‬‬ ‫َ‬
‫ه وَإ ِل ت ََرك ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن اشت ََهاه ُ أكل ُ‬ ‫َ‬
‫ما قط إ ِ ْ‬ ‫ط ََعا ً‬
‫وكذلك رحمته بنسائه ومعونته إياهم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ه‬
‫ل ِفي ب َي ْت ِ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ة هَ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫سأ َ َ‬ ‫) َ‬
‫خيطُ‬ ‫ه وَي َ ِ‬ ‫َ‬
‫ف ن َعْل ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ن َعَ ْ‬ ‫شي ًْئا َقال ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ه( ]رواه أحمد[‪.‬‬ ‫م ِفي ب َي ْت ِ ِ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫لأ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ل ِفي ب َي ْت ِهِ ك َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه وَي َعْ َ‬ ‫ث َوْب َ ُ‬
‫وكذلك شدة محبته لصحابه رضي الله عنهم والشهود بالفضل لهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫)ع َ َ‬
‫ه‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫عن ْد َ الن ّب ِ ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫جال ِ ً‬ ‫ت َ‬ ‫ل ك ُن ْ ُ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن أِبي الد ّْرَداِء َر ِ‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫دى‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫ً‬ ‫خ‬ ‫آ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫بو‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سل ِ‬
‫إ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬
‫ن َ ب َي ِْني وَب َي ْ َ‬ ‫ل إ ِّني كا َ‬ ‫َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫مَر فَ َ‬ ‫غا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫حب ُك ْ‬‫ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ي‬‫فَر ِلي َفَأَبى عَل ّ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سألت ُ ُ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ن َدِ ْ‬ ‫ت إ ِلي ْهِ ث ُ ّ‬ ‫سَرعْ ُ‬ ‫يٌء فَأ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خطا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫اب ْ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫من ْزِ َ‬
‫ل‬ ‫م فأَتى َ‬ ‫مَر ن َدِ َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه لك َيا أَبا ب َكرٍ ث َلًثا ث ُ ّ‬ ‫فُر الل ُ‬ ‫ل ي َغْ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ت إ ِلي ْك ف َ‬ ‫فَأقب َل ُ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫قاُلوا َل فَأَتى إ َِلى الن ّب ِ ّ‬ ‫م أُبو ب َك ْرٍ فَ َ‬ ‫ل أث ّ َ‬ ‫سأ َ‬ ‫أِبي ب َك ْرٍ فَ َ‬
‫َ‬ ‫حّتى أ َ ْ‬
‫جَثا‬‫فقَ أُبو ب َك ْرٍ فَ َ‬ ‫ش َ‬ ‫معُّر َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ه الن ّب ِ ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل وَ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫فَ َ‬
‫صّلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫مّرت َي ْ َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت أظ ْل َ َ‬ ‫ل الل ّهِ َوالل ّهِ أَنا ك ُن ْ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫عََلى ُرك ْب َت َي ْهِ فَ َ‬
‫ق‬
‫صد َ َ‬ ‫ل أُبو ب َك ْرٍ َ‬ ‫ت وََقا َ‬ ‫م ك َذ َب ْ َ‬ ‫قل ْت ُ ْ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫ه ب َعَث َِني إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ُ‬ ‫م َتارِ ُ‬ ‫َ‬
‫ها(‬ ‫ما أوذِيَ ب َعْد َ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫حِبي َ‬ ‫صا ِ‬ ‫كوا ِلي َ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫مال ِهِ فَهَ ْ‬ ‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ساِني ب ِن َ ْ‬ ‫وََوا َ‬
‫]رواه البخاري[‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ريرٍ َقا َ‬
‫ت وَل َرآِني‬ ‫م ُ‬ ‫سل ْ‬ ‫من ْذ ُ أ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫جب َِني الن ّب ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن َ‬ ‫)وَعَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ب ب ِي َدِ ِ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ت عَلى ال َ‬ ‫ت إ ِلي ْهِ أّني ل أث ْب ُ ُ‬ ‫شك َوْ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫جِهي وَل َ‬ ‫م ِفي وَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫إ ِّل ت َب َ ّ‬
‫مهْدِّيا( ]رواه البخاري ومسلم[‪.‬‬ ‫هادًِيا َ‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫م ث َب ّت ْ ُ‬ ‫ل الل ّهُ ّ‬ ‫صد ِْري وََقا َ‬ ‫ِفي َ‬
‫وحتى مع خادمه كان رمزا للسوة والقدوة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫)ع َ َ‬
‫ن‬
‫سِني َ‬ ‫شَر ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫م ُ‬ ‫خد َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫س بْ‬ ‫ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫ل ِلي أ ُ‬
‫ذا(‬ ‫ت كَ َ‬ ‫ذا وَهَّل فَعَل ْ َ‬ ‫ت كَ َ‬ ‫م فَعَل ْ َ‬ ‫يٍء ل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ّ‬
‫ط‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫فا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫َوالل ّ‬
‫]رواه البخاري ومسلم[‪.‬‬
‫فمهما كتب الكاتب وأفهم الخطيب فلن يف أحد بحق نبينا محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم !!‬
‫ولكن هل من بداية؟!! والبداية ل تكون إل بعلم وعمل‪ ....‬وقد أطلق المولى‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫سبحانه وتعالى المتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى‪} :‬ل َ َ‬
‫ُ‬
‫خَر وَذ َك ََر الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م اْل ِ‬ ‫ه َوال ْي َوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫ة لّ َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ك َِثيرًا{ ]الحزاب ‪[21‬‬
‫فنسأل الله أن يجعلنا منهم‪ -‬اللهم آمين‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫حقوق النشر و التأليف و الملكية الفكرية‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫السلم عليكم ‪ ،‬هل يجوز نسخ شيئ من الكتب محفوظة الحقوق ) حقوق‬
‫النشر ( علما ً بأنها تنشر و توزع مجانا ً ‪ .‬أفيدونا جزاكم الله خيرا ً ‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أقول مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬


‫الملكّية الفكرّية حقّ مقرر لصحابه ‪ ،‬و منها حقوق التأليف و النشر ‪ ،‬فإذا‬
‫حفظت هذه الحقوق لمؤّلف الكتاب أو طابعه أو ناشره أو غيرهم بموجب‬ ‫ُ‬
‫ن المؤّلف‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ذلك‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫عليه‬ ‫دي‬ ‫ّ‬ ‫التع‬ ‫عدم‬ ‫و‬ ‫قه‬‫ّ‬ ‫ح‬ ‫من‬ ‫تمكينه‬ ‫وجب‬ ‫‪،‬‬ ‫صحيح‬ ‫ٍ‬ ‫د‬ ‫عق‬
‫قه بِعوض أو بغير عوض‬ ‫سابقٌ إلى مباٍح فهو أحقّ به ‪ ،‬و له أن ينزل عن ح ّ‬
‫إلى من يشاء ‪.‬‬
‫ص أو جهةٍ ما ‪ ،‬ل يجوز‬ ‫ص على حفظ حقوقه لشخ ٍ‬ ‫ن أيّ كتاب منصو ٍ‬ ‫و عليه فإ ّ‬
‫إعادة طبعه أو تصويره أو نسخه أو نشره على غير الصورة التي يجيزها‬
‫عرفا و إن‬‫ً‬ ‫حفظت حقوق النشر ُ‬ ‫صاحب حقّ التصّرف فيه ‪ ،‬و كذلك الحال إن ُ‬
‫لم يكن ذلك مكتوبا ً ‪ ،‬لما رواه البخاري معّلقا ً و أبو داود و الترمذي عن أبي‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬ال ْ ُ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬‫هريرة رضي الله عنه قال ‪َ :‬قا َ‬
‫عرفا ً‬ ‫ن القاعدة الفقهّية تقول ‪ ) :‬المشروط ُ‬ ‫م«‪،‬ول ّ‬ ‫شُروط ِهِ ْ‬ ‫عن ْد َ ُ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫كالمشروط شرطا ( ‪.‬‬
‫ب بالسبق إليها ‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫و من المقرر شرعا ً أن الحقوق تكت َ َ‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية في معرض كلمه عن خطبة الرجل على خطبة‬
‫أخيه ‪ ... ) :‬كمن سبق إلى مباح فجاء آخر يزاحمه ‪ ...‬و إذا كان سبب النهي‬
‫تعلق حق للول بهذه العين فإذا أزيل على الوجه المحرم لم يؤثر هذا في‬
‫الحل المزيل فإنه كالقاتل لموروثه فإنه لما أزال تعلق حق الموروث لمال‬
‫بفعله المحرم لم يؤثر هذا الزوال في الحل له ‪ ،‬و لهذا ل يبارك لحد في‬
‫شيء قطع حق غيره عنه بفعل محرم ثم اقتطعه لنفسه ( ] الفتاوى‬
‫الكبرى ‪. [ 395 / 3 :‬‬
‫ً‬
‫وره لنفسه ‪ ،‬فل أرى بأسا في ذلك‬ ‫ب علم ٍ بيده أو ص ّ‬ ‫ما إن نسخه طال ُ‬ ‫ت‪:‬أ ّ‬ ‫قل ُ‬
‫مَنع أحد ٌ منه بهذه‬ ‫منع من كتمانه ‪ ،‬و إن َ‬ ‫لّنه من باب طلب العلم الذي ُ‬
‫الصورة فأخشى عليه الوقوع في الوعيد الشديد ‪ ،‬لما رواه أحمد و أصحاب‬
‫ل الل ّهِ صلى‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫ن أ َِبى هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫السنن إل النسائي بإسناد صحيح عَ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫ن َنارٍ ي َوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جام ٍ ِ‬‫ه ب ِل ِ َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬
‫ج َ‬‫ه أل َ‬ ‫علم ٍ فَكت َ َ‬
‫م ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫سئ ِ َ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫الله عليه و سلم ‪َ » :‬‬
‫مةِ « ‪.‬‬‫قَيا َ‬‫ال ْ ِ‬
‫فها حقوق نشرها‬ ‫كتب التي توّزع مجانا ً ‪ ،‬أو تلك التي أشاع مؤل ّ ُ‬ ‫و بالنسبة لل ُ‬
‫ه للمنع من نسخها أو‬ ‫لمن أراد فعل ذلك احتسابا ً فالمر فيه سعة ‪ ،‬و ل وج َ‬
‫ف الحقّ عليها‬ ‫عهد بذلك إلى جهةٍ معّينة ‪ ،‬و وُقِ َ‬ ‫توزيعها ‪ ،‬إل أن يكون قد ُ‬
‫لكفاءتها ‪ ،‬فل تجوز مزاحمتها في ذلك ‪ ،‬و الله أعَلم ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬و الله المستعان ‪ ،‬و عليه التكلن‬
‫ب العالمين ‪.‬‬ ‫و الحمد لله ر ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حقيبة الخروج من الحياة‬


‫عندما تتخلف مصابيح التميز عن حياة كثير من النساء تكون النتيجة الحتمية‬
‫هي ‪ :‬الضنك ‪ ،‬والضيقة ‪ ...‬مما يؤدي ببعض المجتمعات الكافرة إلى البداع ‪،‬‬
‫والبتكار في وسائل النتحار ‪ ،‬للتخلص من حياة الضيق و الضنك ‪ ...‬فالحمد‬
‫لله على نعمة السلم وإلى هذا الخبر ‪:‬‬
‫طريقة جديدة للخروج من الدنيا‬
‫قال " فيليب نيتشكه " داعية قتل الشفقة في استراليا أن جهاز النتحار الذي‬
‫يطلق عليه اسم " حقيبة الخروج " والذي يتم طلبه بالبريد من كندا ‪ ،‬يحقق‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مبيعات كبيرة في البلد‪.‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫ويبلغ سعر الجهاز )‪ (30‬دولرا أمريكيا ‪ ،‬ويأتي مع حقيبة خاصة مصنوعة من‬
‫البلستيك لزهاق الروح عن طريق الختناق‪.‬‬
‫وصرح " نيتشكه " لذاعة ) إيه‪.‬بي‪.‬سي( السترالية بأن " الجهاز يبدو كئيبا ً‬
‫إلى حد ما ولكنه فعال في إزهاق الرواح" – والعياذ بالله‪.-‬‬
‫وأضاف أنه" يستخدم بصورة شائعة جدا ً ‪ ،‬ويتحدث معي عنه كثيرون يوميا ً‬
‫حتى أصف لهم الجهاز وأزودهم بمعلومات تتعلق به"‪.‬‬
‫من ناحية ثانية ‪ ،‬قامت إحدى السيدات البريطانيات التي تعاني من مرض‬
‫يصيب الجهاز العصبي ويفقد النسان القدرة على الحركة برفع دعوى قضائية‬
‫أمام المحكمة العليا أمس في لندن للحصول على تصريح يسمح لزوجها‬
‫بمساعدتها في إنهاء حياتها ‪.‬‬
‫وذكر راديو لندن أن السيدة دايات بيريتي ) التي تبلغ من العمر ‪ 42‬عاما(ً‬
‫أصيبت بهذا المرض قبل عامين ‪ .‬وأشار الرديو إلى إن السيدة المريضة‬
‫لجأت إلى القضاء بعد أن رفضت السلطات ضمان عدم ملحقة زوجها إذا‬
‫ساعدها في إنهاء حياتها‪.‬‬
‫ومن هذا الخبر يتبين لنا حال العالم الكافر إذ هو محط الكتئابات النفسية ‪،‬‬
‫والرق ‪ ،‬والضيقة‪...‬‬
‫ل‪ }:‬ومن أعرض عن ذكري‬ ‫والله جل وعز يخبرنا في القرآن عن أحوالهم قائ ً‬
‫فإن له معيشة ضنكًا{ طه‪ . 124:‬فهم يعيشون في ضنك ‪ ،‬وضيق ‪ ،‬وحصر‬
‫سرج الطريق إلى‬ ‫نفسي رهيب ‪ ...‬نعم ‪ ...‬لقد ضييعوا مصابيح التميز وهي ُ‬
‫السعادة الحقيقية ‪ , ..‬وأهم أهداف هذه الحياة‪..‬‬
‫محمد بن سّرار اليامي‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حقيقة اللتزام‬
‫يتناول الدرس بيان معنى اللتزام بالدين وحقيقته التي يجب أن يكون عليها‪،‬‬
‫وتناول اليات والحاديث التي وردت فيها مترادفات لللتزام وبينها‪ ،‬وعرض‬
‫جملة من العمال التي ينبغي أن يعملها ويحافظ عليها الملتزم‪ ،‬وعرض لمر‬
‫الدعوة إلى الله وأهميتها وذكر بعض مجالتها ‪.‬‬
‫إن الحمد لله؛ نحمده‪ ،‬ونشكره‪ ،‬ونثني عليه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونشهد أن ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬وهو ربنا عليه توكلنا‪ ،‬وإليه ننيب‪ ،‬ونحمده سبحانه أن هدانا للسلم وما‬
‫كنا لنهتدي لول أن هدانا الله أما بعد‪،،،‬‬
‫فإننا نشاهد اليوم هذا القبال الكبير من شبابنا على دين الله‪ ،‬وعلينا أن‬
‫نتفاءل بهذا القبال‪ ،‬فهناك القبال على طلب العلم‪ ،‬والقبال على تطبيق‬
‫السنة النبوية‪ ،‬والقبال على تطبيق الشريعة في كل شئون الحياة‪ .‬لقد حصل‬
‫من هذا اللتزام أثر بليغ؛ أل وهو هذه الصحوة السلمية التي انتشرت في‬
‫جميع أرجاء المعمورة‪ ،‬وسوف نتحدث عن اللتزام‪ ،‬وحقيقته‪ ،‬وأدلته من‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬ثم الحديث عن أحوال الملتزم وصفاته‪.‬‬
‫تعريف اللتزام‬
‫دق على اللتزام بالشرع‪ ،‬واللتزام بغيره؛ واصطلح‬ ‫اللتزام كلمة عامة َتص ُ‬
‫في هذا الزمان أن تطلق كلمة ملتزم على المستقيم على الشرع‪،‬‬
‫والمتمسك بالدين‪ ،‬ولكن الولى أن نسمي المتدين‪ :‬بالمستقيم‪ ،‬والمتمسك‬
‫بالشريعة‪ ،‬والمطيع لله‪ ،‬وعامل ً بالشريعة‪ ،‬ومتبعا ً لرسول الله صلى الله عليه‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم‪ ،‬وهذا هو الولى والرجح‪.‬‬


‫حقيقة اللتزام‬
‫ذكرنا أن الملتزم هو ذلك الشاب المستقيم على الشرع والعامل به‪ ،‬والمتبع‬
‫لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذه هي حقيقة اللتزام‪ ،‬والعمال التي‬
‫يقوم بها الملتزم‪ :‬إما ان تكون من الواجبات‪ ،‬وإما أن تكون من السنن‪ ،‬وإما‬
‫أن تكون من نوافل العبادة والطاعات‪ ،‬وإما أن تكون من فروض الكفايات‪.‬‬
‫دق‬ ‫ص ُ‬ ‫والملتزم الذي كمل التزامه؛ مطلوب منه القيام بهذه العمال حتى ي ْ‬
‫عليه قول‪ :‬ملتزم ‪.‬‬
‫اللتزام هو العتصام‬
‫فّرُقوا ]‪}[103‬سورة آل‬ ‫َ‬
‫ميًعا وَل ت َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬
‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬
‫قال تعالى‪َ{:‬واعْت َ ِ‬
‫عمران ‪ .‬والعتصام‪ :‬هو لزوم الشيء والتمسك به‪ .‬وحبل الله تعالى‪:‬هو‬
‫السبب الذي يوصل إلى رضاه‪ ،‬و إلى ثوابه‪ ،‬وإلى جنته ودار كرامته‪ ...‬وسماه‬
‫الله تعالى حبل ً في هذه الية؛ لن من تمسك به نجى‪ ،‬ومن تركه اختل‬
‫ه‪.‬‬
‫تمسكه‪ ،‬واختل سير ُ‬
‫اللتزام هو التمسك‬
‫قى‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫سك ِبالعُْروَةِ الوُث َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬‫ست َ ْ‬‫قد ِ ا ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ِباللهِ ف َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ت وَي ُؤ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫فْر ِبالطاغو ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َك ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قال تعالى‪{:‬فَ َ‬
‫م ل ََها‪}[256] ...‬سورة البقرة‪ .‬والتمسك‪ :‬هو القبض على الشيء‬ ‫صا َ‬
‫ف َ‬‫َل ان ْ ِ‬
‫قبضا ً محكما ً بكل ما يستطيع‪ .‬وهذا أمر من الله تعالى أن نتمسك بشرعه‬
‫ك عََلى‬ ‫ي إ ِل َي ْ َ‬
‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذي ُأو ِ‬ ‫ك ِبال ّ ِ‬ ‫س ْ‬
‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫بكل ما نستطيع‪ ،‬كما قال تعالى‪َ{:‬فا ْ‬
‫م]‪ }[43‬سورة الزخرف ‪ .‬ثم بين الله أن الستمساك بالعروة‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬‫ط ُ‬‫صَرا ٍ‬ ‫ِ‬
‫الوثقى ل يكون إل بأمرين وهما‪ :‬الكفر بالطاغوت ‪ ...‬واليمان بالله تعالى ‪.‬‬
‫اللتزام هو الستقامة‬

‫)‪(1 /‬‬

‫م وََل هُ ْ‬
‫م‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫موا فََل َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى‪ { :‬إ ِ ّ‬
‫ه ثُ ّ‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫ن َقالوا َرب َّنا الل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن]‪ }[13‬سورة الحقاف‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حَزُنوا ]‪ }[30‬سورة فصلت ‪.‬‬ ‫خاُفوا وَل ت َ ْ‬ ‫ة أل ت َ َ‬ ‫ملئ ِك ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ل عَلي ْهِ ُ‬ ‫موا ت َت َن َّز ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ل اللهِ ق ْ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي قا َ‬ ‫ّ‬
‫ن عَب ْد ِ اللهِ الث ّ َ‬
‫سلم ِ‬ ‫ل ِلي ِفي ال ِ ْ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قل ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ق ِ‬
‫َ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫فَيا َ‬
‫َ‬
‫س ْ‬
‫َ‬
‫ن ُ‬ ‫وع َ ْ‬
‫م [ رواه مسلم‬ ‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ْ‬ ‫ُ‬
‫ت ِباللهِ ث ّ‬ ‫ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫دا غي َْرك قال‪ ] :‬قل آ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح ً‬ ‫هأ َ‬ ‫سأل عَن ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫قَوًْل ل أ ْ‬ ‫َ‬
‫والترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد ‪ .‬أمره الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بالستقامة وهي أن يسير سيرا ً سويا ً ليس فيه أية انحراف أو مخالفة‪ ،‬وهذا‬
‫هو حقيقة اللتزام ‪ ،‬قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ] :‬الستقامة أن‬
‫تستقيم على المر والنهي ول تروغ روغان الثعالب[‪ .‬وقال ابن القيم‪ :‬سمعت‬
‫شيخ السلم ابن تيمية يقول‪ ' :‬استقاموا على محبته وعبوديته‪ ،‬فلم يلتفتوا‬
‫صّلى‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م ِفيَنا َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ة قَا َ َ‬ ‫سارِي َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ض بْ َ‬ ‫ْ‬
‫عنه يمنة ول يسرة' ‪ .‬والعِْرَبا ِ‬
‫ت‬ ‫ب وَذ ََرفَ ْ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫من َْها ال ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫ة ب َِليغَ ً‬ ‫عظ َ ً‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ت ي َوْم ٍ فَوَعَظ ََنا َ‬ ‫م َذا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ل‪:‬‬‫قا َ‬ ‫موَد ٍّع َفاعْهَد ْ إ ِل َي َْنا ب ِعَهْد ٍ فَ َ‬ ‫ة ُ‬ ‫عظ َ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ل الل ّهِ وَعَظ ْت ََنا َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫قي َ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫من َْها ال ْعُُيو ُ‬ ‫ِ‬
‫دي‬ ‫ن ب َعْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ست ََروْ َ‬ ‫شّيا وَ َ‬ ‫حب َ ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ن عَب ْ ً‬ ‫مِع َوالطاعَةِ وَإ ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫س ْ‬ ‫وى اللهِ َوال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ق َ‬ ‫م ب ِت َ ْ‬ ‫ُ‬
‫] عَلي ْك ْ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ضوا عَلي َْها‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫مهْدِّيي َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫دي َ‬ ‫ش ِ‬ ‫فاِء الّرا ِ‬ ‫خل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سن ّةِ ال ُ‬ ‫سن ِّتي وَ ُ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ُ‬
‫دا فَعَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫خت َِلًفا َ‬ ‫ا ْ‬
‫ة[رواه ابن ماجه‬ ‫َ‬
‫ضلل ٌ‬ ‫َ‬ ‫ل ب ِد ْعَةٍ َ‬ ‫نك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ت فَإ ِ ّ‬ ‫حد ََثا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫موَر ال ُ‬ ‫م َوال ُ‬ ‫جذ ِ وَإ ِّياك ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ِبالن ّ َ‬
‫والترمذي وأبوداود والدارمي وأحمد‪ .‬وهكذا يأمرنا الرسول صلى الله عليه‬
‫ض باليدين فيه‬ ‫وسلم بالتمسك بالسنة‪ ،‬والعض عليها بالنواجذ‪ ،‬ذلك أن القب َ‬
‫عرضة للتفلت‪ ،‬فلجل ذلك من شدة حرصه صلى الله عليه وسلم يأمرنا‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالعض عليها بالنواجذ‪ .‬والنواجذ‪ :‬هي أقاصي السنان وهذا كناية على شدة‬
‫التمسك بالسنة مخافة أن تتفلت‪ .‬والشاب الملتزم حقًا‪ :‬هو الذي يتمسك‬
‫بالسنة‪ ،‬ويقبض عليها قبضا ً محكمًا‪ ،‬فيقبض عليها بيديه وعضديه؛ مخافة أن‬
‫تتفلت منه‪ ،‬ولو أدى ذلك إلى العض عليها بأقاصي أسنانه‪.‬‬
‫وقفات مع الحديث‪:‬‬
‫‪ -1‬ل شك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أوصى بالتمسك بالسنة بهذه‬
‫الشدة‪ ،‬إل لنه يعرف أن هناك معوقات‪ ،‬وضللت‪ ،‬وشبهات‪ ،‬ودوافع‪ .‬وهذه‬
‫الشبهات والضللت قد ترخي تمسك النسان بهذه السنة‪ ،‬ولكن إذا عرف‬
‫ة لنجاته‪ ،‬وأن إخلله بها وسيلة إلى‬ ‫الشاب الملتزم أن تمسكه بالسنة وسيل ً‬
‫هلكه ودمار لحياته‪ ،‬فإنه بل شك يتمسك بها أشد ما يكون التمسك‪.‬‬
‫‪ -2‬كذلك‪ :‬الملتزم الذي يعمل بالسنة كما ُأمَر ل شك أنه يلقي من أعدائه‬
‫ومن أضداده تسفيها ً وَتضليل ً واستهزاًء وتنفيرا ً وكيدا ً وتنقصا ً لحالته‪،‬‬
‫واستضعافا ً لرأيه‪ ،‬ورميا ً له بالعيون‪ ،‬وهذا ليس بخاف على أحد‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -3‬لقد رأينا كثيرا ً من شبابنا الذين رجعوا إلى الله تعالى‪ ،‬وأقبلوا على‬
‫دوا على أعقابهم ‪ ،‬وغيروا‬ ‫الطاعة وصحبوا أهل الخير‪ ،‬ثم بعد فترة قليلة ارت ّ‬
‫ما كانوا عليه من اللتزام والتمسك‪ ،‬وعادوا إلى لهوهم وسهوهم‪ ،‬لماذا؟!!‬
‫لن التزامهم لم يكن محكمًا‪ ،‬وتمسكهم لم يكن قويًا‪ ،‬إضافة إلى ضعف‬
‫إيمانهم مما جعلهم متدينين برهة من الزمان‪ ،‬ثم رجعوا إلى الضلل وإلى‬
‫النحراف‪ .‬إذا ً فعلى المسلم أن يكون قابضا ً على السنة‪ ،‬وسائرا ً على النهج‬
‫السوي والمنهج المستقيم‪ ،‬الذي هو صراط الله الذي أمرنا بأن نسلكه وأن‬
‫نسير عليه‪ ،‬والذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه طريق واحد مستقيم‬
‫صَرا َ‬
‫ط‬ ‫ليس فيه أي انحراف‪ ،‬أو ميل كما في قوله تعالى‪{ :‬اهْدَِنا ال ّ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م]‪ }[6‬سورة الفاتحة ‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَأ ّ‬ ‫قي َ‬
‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م‬‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫صاك ُ ْ‬ ‫م وَ ّ‬ ‫سِبيل ِهِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬ ‫ل فَت َ َ‬ ‫َفات ّب ُِعوه ُ وََل ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬
‫سب ُ َ‬
‫ن عَب ْدِ‬ ‫ن]‪ }[153‬سورة النعام‪ .‬والمستقيم الذي ليس فيه اعوجاج‪ ،‬فَعَ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ت َت ّ ُ‬
‫ل‬‫م قا َ‬‫َ‬ ‫خطا ث ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫خط لَنا َر ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫سُعودٍ قا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬
‫اللهِ ب ْ ِ‬
‫سب ُ ٌ‬
‫ل‬ ‫ل‪ ] :‬هَذِهِ ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫مال ِهِ ث ُ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مين ِهِ وَعَ ْ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫طا عَ ْ‬ ‫طو ً‬ ‫خ ُ‬ ‫ط ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫سِبي ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫هَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن هَ َ‬
‫ذا‬ ‫م قَرأ ‪{ :‬وَأ ّ‬ ‫ُ‬
‫عو إ ِلي ْهِ ث ّ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫شي ْطا ٌ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ّ‬
‫ة عَلى كل َ‬ ‫فّرق ٌ‬ ‫مت َ َ‬
‫زيد ُ ُ‬ ‫َقال ي َ ِ‬
‫َ‬
‫ه‪}[153] ...‬‬ ‫سِبيل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬ ‫ل فَت َ َ‬ ‫سب ُ َ‬‫ما َفات ّب ُِعوه ُ وََل ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ِ‬
‫سورة النعام [ رواه أحمد والدارمي ‪ .‬وهذه السبل التي كل منها عليه‬
‫شيطان يدعو إليها ليس بالضرورة أن يكون شيطان جن؛ بل قد يكون من‬
‫شياطين النس‪ ،‬وما أكثرهم في هذا الزمان وكل زمان‪ ،‬فهم يدعون إلى‬
‫مخالفة صراط الله والبتعاد عنه‪ ...‬إنهم يدعون إلى الطرق المنحرفة وإلى‬
‫الطرق الملتوية‪ :‬فهذا يدعو إلى الغناء واللهو! وذاك يدعو إلى الكسل! وآخر‬
‫يدعو إلى الزنا! وآخر يدعو إلى التبرج! وما أكثر من يستجيب لهم من ضعاف‬
‫اليمان! ولكن المستقيم يستطيع أن يتفلت من هؤلء إذا دعوه إلى أهوائهم‬
‫وشهواتهم‪ ،‬وذلك لن سير المسلم على هذا الصراط سير سريع ل يتمكن‬
‫دعاة الضلل من إيقافه‪.‬‬
‫أعمال الملتزم والمستقيم‬
‫الملتزم حقا يجب عليه أن يقوم بأعمال معينة حتى يصدق عليه قول 'ملتزم'‬
‫فمن هذه العمال نذكر ما يلي‪:‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪:‬التمسك بالسنة‪:‬إن الشاب الملتزم هو الذي تمسك بالسنة تمسكا ً‬ ‫أو ً‬


‫محكمًا‪ ،‬وبذلك يكون من أهل السنة ومن أهل الشريعة‪ ،‬ويكون هو الجماعة‪،‬‬
‫وإن قل من يقوم بها‪ .‬والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أهل النجاة؛ هم‬
‫الذين ساروا على ما كان عليه هو وأصحابه عندما ذكر حديث افتراق المة‪،‬‬
‫ْ‬
‫ن‬‫م‪ ] :‬ل َي َأت ِي َ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫رو َقا َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن ُعَب ْدِ اللهِ ب َ ْ ِ‬ ‫فَعَ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ِ‬‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫حّتى إ ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ِبالن ّعْ ِ‬ ‫حذ ْوَ الن ّعْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ما أَتى عََلى ب َِني إ ِ ْ‬ ‫مِتي َ‬ ‫عََلى أ ّ‬
‫َ‬ ‫صن َعُ ذ َل ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ةل َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت عَلى‬ ‫فّرقَ ْ‬ ‫ل تَ َ‬‫سَراِئي َ‬ ‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ك وَإ ِ ّ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مِتي َ‬ ‫ن ِفي أ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه عَلن ِي َ ً‬ ‫م ُ‬‫أَتى أ ّ‬
‫م ِفي الّنارِ إ ِّل‬ ‫ُ‬
‫ة ك ُل ّهُ ْ‬ ‫مل ّ ً‬ ‫ن ِ‬‫سب ِْعي َ‬ ‫ث وَ َ‬ ‫مِتي عََلى ث ََل ٍ‬ ‫فت َرِقُ أ ّ‬ ‫ة وَت َ ْ‬ ‫مل ّ ً‬ ‫ن ِ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ث ِن ْت َي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ َقا َ‬ ‫ُ‬ ‫مل ّ ً‬
‫حاِبي[رواه‬ ‫ص َ‬ ‫ما أَنا عَلي ْهِ وَأ ْ‬ ‫ل‪َ ] :‬‬ ‫سو َ‬ ‫ي َيا َر ُ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة[ َقالوا وَ َ‬ ‫حد َ ً‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫ِ‬
‫الترمذي‪ .‬فمن هذا الحديث‪ :‬يتبين أن الفرقة الناجية هي التي سارت على‬
‫سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وتمسكت بها واتبعته صلى الله عليه‬
‫وسلم في كل شئون الحياة‪.‬‬
‫ثانيًا‪:‬طلب العلم‪ :‬إن الشاب الملتزم يجب عليه أن يكون داعية إلى الله‬
‫تعالى‪ ،‬فيدعو الناس إلى الستقامة واللتزام وتطبيق شرع الله في حياته‪.‬‬
‫وحتى يكون الشاب الملتزم داعية إلى الله على بصيرة يجب عليه أن يطلب‬
‫العلم الشرعي‪ ...‬كما يجب على الشاب الملتزم والمستقيم أن يطلب العلم‬
‫حتى يعبد الله على نور وبرهان‪ ،‬وليس على جهل وضلل‪.‬‬
‫ثالثًا‪:‬ترك البدع والمعاصي والملهي‪ :‬إن الشاب الملتزم حريص كل الحرص‬
‫على البعد عما يدنس عرضه‪ ،‬وعما يقدح في عدالته‪ ،‬وعما ينقص من قدره‬
‫وذلك بترك البدع والمعاصي والملهي‪ ...‬فيا أخي الملتزم إن ابتعادك عن‬
‫مثل هذا هو حقيقة من حقائق التزامك‪ ،‬وضرورة من ضرورياته‪ .‬وقد مدح‬
‫َ‬
‫ن]‬‫شُعو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صَلت ِهِ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن]‪[1‬ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫الله المؤمنين بقوله‪{ :‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫ن]‪ }[3‬سورة المؤمنون فجعل من صفات‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ن الل ّغْوِ ُ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ[2‬وال ّ ِ‬
‫المؤمنين البعد عن اللغو‪ ،‬وهي الصفة الثانية بعد الصلة‪ ،‬وهذه حقيقة‬
‫الملتزم ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ن الله عليك ويكمل التزامك ‪ ،‬وتكمل‬ ‫رابعًا‪:‬الدعوة إلى الله‪:‬وبعد أن يم ّ‬


‫نفسك‪ ،‬فتطهرها من المعاصي وتهذبها على الطاعة ‪ ،‬وتستقيم على السنة ؛‬
‫يجب عليك أمر مهم من أهم أعمال الملتزم ‪ ،‬و هو‪ :‬الدعوة إلى الله‪ ،‬فابذل‬
‫ما تستطيعه من السباب‪ ،‬لتأخذ بأيدي إخوانك ‪،‬وتحرضهم على أن يلتزموا ‪،‬‬
‫ول تيأسوا بسبب كثرة المنكرات؛ بل عليكم أن تبذلوا قصارى جهدكم في‬
‫دعوة إخوانكم‪ ،‬ولو كانوا بعيدين عن الستقامة؛ بل ولو لم يستجيبوا من أول‬
‫مرة‪ ،‬ولعلك أن تجد بعد زمن‪ :‬أن منهم من يستجيب لدعوتك ‪.‬‬
‫لقد سرنا والحمد لله كثرة الدعاة الذين يدعون إلى الله‪ ،‬ولكن وجدنا منهم‬
‫من يستنكف عن الدعوة إلى الله‪ ،‬ويعلل هذا التقاعس بأن أهل الشر أكثر ‪،‬‬
‫وأن أهل الستقامة وأهل اللتزام أقل من غيرهم؛ بل ونجدهم يقتصرون‬
‫علىأنفسهم ول يقومون بدعوة غيرهم‪ ،‬ول شك أن هذا خلل ونقص في حقيقة‬
‫في‬‫ن لَ ِ‬ ‫سا َ‬‫ن اْل ِن ْ َ‬‫ر]‪[1‬إ ِ ّ‬ ‫اللتزام‪...‬أيها الخ الداعية اقرأ قول الله تعالى‪َ { :‬وال ْعَ ْ‬
‫ص ِ‬
‫ر]‬‫صب ْ ِ‬‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬
‫وا َ‬ ‫حقّ وَت َ َ‬ ‫وا ِبال ْ َ‬
‫ص ْ‬
‫وا َ‬
‫ت وَت َ َ‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫ن َءا َ‬ ‫ر]‪[2‬إ ِّل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س ٍ‬
‫خ ْ‬
‫ُ‬
‫‪ }[3‬سورة العصر ‪ .‬فقد بين سبحانه أن أهل النجاة هم الذي آمنوا‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلك عملوا الصالحات‪ ،‬ولم يقتصروا على هذا فقط؛ بل قاموا بدعوة غيرهم‪،‬‬
‫فتواصوا بالحق‪ ،‬وتواصوا بالصبر‪ .‬فعلينا أن نتواصى فيما بيننا‪ ،‬فإنا بحاجة إلى‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك‪ ،‬حتى الملتزم والمستقيم مّنا ‪ .‬وفي استطاعة كل من قرأ القرآن على‬
‫المشايخ‪ ،‬وحضر دروس العلماء في المساجد‪ ،‬وتفقه في دين الله‪ ،‬أن يبين‬
‫ل‪ :‬هذا طالب علم‪ ،‬أو‬ ‫قا َ‬ ‫ويعّلم ويدعو إلى ما يعلمه‪ ،‬فإنه يصدق عليه أن ي ُ َ‬
‫ل‪ :‬هذا عالم‪ ،‬وإن كان علما ً نسبيًا‪ ،‬فعليه أن يحرص على تعدي هذا العلم‬ ‫قا َ‬ ‫يُ َ‬
‫إلى غيره بأي وسيلة ممكنة له‪ ،‬فإن استطاع أن ينتظم في سلك الدعاة إلى‬
‫الله؛ سواء كان رسميا ً أو معاونًا‪ ،‬فإن ذلك خير‪ ،‬وهو وسيلة من وسائل نشر‬
‫العلم والدين‪ ...‬إنني أنصح إخواني بالنضمام إلى إخوانهم الدعاة بأي وسيلة‬
‫ة أو حديثًا‪ ،‬فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬ ‫لديهم‪ ،‬ولو لم يحفظ إل آي ً‬
‫ة[ رواه البخاري والترمذي وأحمد والدارمي ‪.‬‬ ‫] ب َل ُّغوا عَّني وَل َوْ آي َ ً‬
‫مجالت الدعوة إلى الله‬
‫أما عن مجالت الدعوة إلى الله‪ ،‬فهي كثيرة‪ ،‬وكل إنسان يختلف عن غيره‪،‬‬
‫وكل يعرف قدراته وإمكاناته‪ ،‬ولكن نذكر على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪-1‬الخطبة ‪ :‬فعلى الخ الداعي الذي تعلم العلم الصحيح‪ ،‬واستقام على دين‬
‫جه هؤلء المصلين الذين‬ ‫الله‪ ،‬أن ينتهز الفرصة‪ ،‬ويكون خطيبا ً في مسجد‪ ،‬ويو ّ‬
‫ل يسمعون موعظة دينية إل في كل أسبوع مرة واحدة‪ ...‬وعليه أن يختار لهم‬
‫الخطب النافعة التي تعالج مشاكلهم‪ ،‬وتنبههم على ما هم غافلون عنه‪ ،‬فلعل‬
‫الله أن يهدي به بعض الحاضرين؛ فيتأثر بما يسمع‪ ،‬فيرجع عن غّيه‪ ،‬وفي‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫خي ٌْر ل َ َ‬
‫حد ٌ َ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ك َر ُ‬ ‫دى ب ِ َ‬ ‫ن ي ُهْ َ‬‫الحديث عنه عليه السلم قال لعلي‪َ ] :‬ل َ ْ‬
‫مرِ الن ّعَم ِ [ رواه البخاري ومسلم وأبوداود وأحمد ‪.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ُ‬
‫‪-2‬المامة ‪ :‬مجال آخر من مجالت الدعوة إلى الله وهو تولي المامة‪ ،‬وما‬
‫أكثر المساجد التي هي بحاجة إلى أئمة صادقين ومجتهدين‪ ،‬وحريصين على‬
‫نفع غيرهم من إخوانهم المصلين‪ ،‬والذي يتولى إمامة مسجد وقصده الصلح‬
‫ونفع إخوانه فإنه‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬تكون الصلة خلفه مقبولة بإذن الله تعالى‪ ،‬وذلك أنه يحرص على‬
‫إكمال شروط الصلة وواجباتها وأركانها وسننها‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أنه ينفع المصلين‪ ،‬فإما أن يقرأ عليهم في كتاب مثل‪ ،‬أو يقرأ عليهم‬
‫ً‬
‫نصيحة‪ ،‬أو يفسر لهم آية‪ ،‬أو يشرح لهم حديثًا‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬فهو بذلك ينفع‬
‫نفسه‪ ،‬وينفع إخوانه المصلين‪ ...‬إذا ً فما الذي يعوقك يا أخي أن تتولى هذا‬
‫المنصب‪ ،‬فتكون بذلك من الذين نفعوا أنفسهم ونفعوا المة‪ ،‬وأسقطوا‬
‫الواجب عن غيرهم ‪.‬‬
‫‪ -3‬المساعدة ‪ :‬بشتى أنواعها‪ :‬المادية والمعنوية‪.‬‬
‫صفات الملتزم والمستقيم‬
‫إن الصفات التي يجب أن يتحلى بها كل شاب ملتزم ومستقيم كثيرة ٌ جدًا‪،‬‬
‫وعلى سبيل المثال نذكر بعض هذه الصفات المهمة‪ ،‬وذلك للختصار‪:‬‬
‫ت فَظاّ‬ ‫م وَل َوْ ك ُن ْ َ‬‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ل ِن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬
‫ما َر ْ‬ ‫ل‪:‬المعاملة الحسنة‪:‬قال تعالى{ فَب ِ َ‬ ‫أو ً‬
‫ن أِبي ذ َّر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫غَِليظ ال َ‬
‫حوِْلك]‪}[َ159‬آل عمران‪ .‬وفي الحديث‪ :‬عَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب لن ْ َ‬ ‫قل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫َقا َ‬
‫ع‬
‫ت وَأت ْب ِ ْ‬ ‫ما كن ْ َ‬ ‫حي ْث ُ َ‬
‫ق اللهِ َ‬ ‫م‪ ] :‬ات ّ ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ِلي َر ُ‬
‫ن[ رواه الترمذي والدارمي‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫سي ّئ َ َ‬
‫س ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫س بِ ُ‬ ‫ق الّنا َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫حَها وَ َ‬‫م ُ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫سن َ َ‬
‫ح َ‬‫ة ال َ‬ ‫ال ّ‬
‫وأحمد فالمعاملة الحسنة صفة من صفات كل مسلم‪ ،‬وكل ملتزم‪ ،‬فل تكن‬
‫فظ ّا ً غليظًا‪ ،‬بل كن لين الجانب‪ ،‬و الق أخاك بوجه مبتسم‪ ،‬إعجابا ً به ومحبة‬
‫له‪ ،‬فهذه كلها من صفات الملتزمين التي جاء الشرع بها وحث عليها‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثانيًا‪:‬التأدب مع الغير وحسن الجوار‪ ،‬وأداء المانة‪ :‬فمن الداب تأدب المسلم‬
‫الملتزم مع الخرين‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬تأدبه مع أبويه‪ ،‬وذلك ببرهما وطاعتهما في‬
‫غير معصية‪ ،‬وهذا أمر واجب‪ .‬وكذلك يكون واصل ً لرحامه‪ ،‬ومتأدبا ً معهم‬
‫ومؤديا ً حقوقهم التي عليه‪ ،‬وكذلك حسن الجوار وتأدبه مع جيرانه‪ ،‬وعدم‬
‫إيذائهم ومعرفة حق الجار‪ ،‬وصدق الحديث معهم ومع غيرهم‪ ،‬وهكذا أداء‬
‫المانة وغيرها من الصفات الحميدة التي يجب عليك أيها المسلم الملتزم أن‬
‫تتحلى بها‪.‬‬
‫ثالثًا‪:‬غض البصر‪ ،‬وكف الذى‪ ،‬ورد السلم‪ ،‬والمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن‬
‫س عََلى‬ ‫جُلو َ‬ ‫م َوال ْ ُ‬ ‫ل‪ ] :‬إ ِّياك ُ ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫المنكر‪ :‬فعَ ْ‬
‫م إ ِلّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‪ ] :‬فَإ َِذا أب َي ْت ُ ْ‬ ‫ث ِفيَها َقا َ‬ ‫حد ّ ُ‬ ‫سَنا ن َت َ َ‬
‫جال ِ ُ‬ ‫م َ‬‫ي َ‬‫ما هِ َ‬ ‫ما لَنا ب ُد ّ إ ِن ّ َ‬
‫قالوا َ‬ ‫ت [ فَ َ‬ ‫الط ُّرَقا ِ‬
‫َ‬
‫ر‬
‫ص ِ‬ ‫ض ال ْب َ َ‬‫ل‪] :‬غَ ّ‬ ‫ق َقا َ‬ ‫ري ِ‬ ‫حقّ الط ّ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫قَها[ َقاُلوا وَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ريقَ َ‬ ‫طوا الط ّ ِ‬ ‫س فَأعْ ُ‬ ‫جال ِ َ‬ ‫م َ‬‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫وك َ ّ َ‬
‫ر[ رواه البخاري‬ ‫من ْك َ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫ي عَ ْ‬ ‫ف وَن َهْ ٌ‬ ‫معُْرو ِ‬‫مٌر ِبال ْ َ‬ ‫سَلم ِ وَأ ْ‬ ‫ف اْلَذى وََرد ّ ال ّ‬ ‫َ‬
‫ومسلم وأبوداود وأحمد ‪ .‬وإن التهاون بهذه المور يضعف من تمسك النسان‬
‫والتزامه واستقامته!‬
‫وصية وخاتمة‬
‫وفي الختام فهذه وصية خاصة لخواني الدعاة إلى الله‪ ،‬وإلى كل مسلم‬
‫ملتزم ومستقيم على أمر الله‪ ،‬فأقول لهم‪ :‬إذا رأينا كثرة الهالكين الذين هم‬
‫على شفا جرف من الهلك‪ ،‬ألسنا مسؤولين عنهم؟!! أليس لهؤلء حق‬
‫ن الله علينا باللتزام والستقامة‪ ،‬فإن علينا أن ل‬ ‫علينا ؟!! فما دمنا قد م ّ‬
‫نتركهم على ضللهم وعلى غيهم؛ بل نحرص على جذبهم إلى التمسك بدين‬
‫الله والستقامة عليه‪ :‬فإن كانوا ممن يدين بالسلم‪ ،‬ولكن ل يعرف من دينه‬
‫إل مجرد التسمية‪ ،‬فإننا ننصحه ونوجهه ونبين له الدين الصحيح والسلم‬
‫الحق‪ ،‬لعل الله أن يهديه ويصبح من المستقيمين على دين الله‪ ،‬ومن‬
‫المتمسكين بالسنة والشريعة‪ ...‬وإن كان ممن ل يدين بدين السلم‪ ،‬فإننا‬
‫ندعوه إلى السلم‪ ،‬ونبين له محاسنه‪ ،‬فالسلم هو الدين الواجب اتباعه وأما‬
‫غيره من الديان فهي باطلة‪ ،‬وهكذا فلعل الله أن يهديه إلى السلم‪.‬‬
‫صص يوما ً في السبوع‪،‬‬ ‫وهذه دعوة لخواني الملتزمين فلو أن كل واحد مّنا خ ّ‬
‫مع العمال وغيرهم‪ ،‬ودعا إلى الله تعالى‪،‬‬ ‫ومشى إلى هذه الورش وأماكن تج ّ‬
‫أو مشى إلى أماكن تجمعهم للصلة‪ ،‬وألقى عليهم كلمة قصيرة‪ ،‬فإنه‬
‫سيحصل بذلك خيٌر كثيٌر إن شاء الله‪ ...‬ولو ذهب كل واحد أو مجموعة إلى‬
‫تلك المجالس والمخيمات ونحوها‪ ،‬وألقى نصيحة وكلمة خفيفة‪ ،‬أو وزع‬
‫منشورا ً أو شريطا ً من الشرطة المفيدة النافعة‪ ،‬فل شك أن الخير سينتشر‬
‫بإذن الله تعالى‪ ،‬ويكثر أهل الخير‪ ،‬والمتمسكون بدين الله‪ ،‬وهذا ما نتمناه‬
‫ونرجوه إن شاء الله‪ ،‬وضعوا نصب أعينكم وصية النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫حد ٌ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ك َر ُ‬‫دى ب ِ َ‬ ‫ن ي ُهْ َ‬ ‫لعلي بن أبي طالب حين بعثه للجهاد‪ ،‬فقال له‪َ ] :‬ل َ ْ‬
‫مرِ الن ّعَم ِ [ رواه البخاري ومسلم وأبوداود وأحمد ‪.‬‬ ‫ح ْ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫خي ٌْر ل َ َ‬‫َ‬
‫نسأل الله أن يمن علينا بطاعته‪ ،‬ونسأله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن‬
‫عبادته‪ ،‬ونسأله أن يجعلنا من المتمسكين بشريعته‪ ،‬والذابين عن دينه‪،‬‬
‫والمجاهدين في سبيله‪ ،‬والمبلغين لمره وشرعه‪ ،‬والمرين بالمعروف‬
‫والناهين عن المنكر‪ ،‬والداعين إلى الله على بصيرة‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر‬
‫عليه‪ ،‬وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫من رسالة‪ :‬حقيقة اللتزام للشيخ‪ /‬ابن جبرين حفظه الله‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقيقة النتصار‬
‫مفهوم النصر وحقيقته‬
‫ما مهمتنا ؟‬
‫أمثلة من القرآن‬
‫أحاديث في النتصار‬
‫سورة العصر و حقيقة النصر‪:‬‬
‫أسباب تأخر النصر الظاهر‬
‫التنازل من أجل النتصار‬
‫تصوروا القضية هكذا‪:‬‬
‫تقديم‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬
‫ل له‪ ،‬ومن ُيضلل فل هاديَ له‪،‬‬ ‫مض ّ‬ ‫ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل ُ‬
‫دا عبده ورسوله‪.‬‬ ‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك‪ ،‬وأشهد أن محم ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪(1‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن إ ِّل وَأن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫]سورة آل عمران‪ :‬الية‪َ) .[102 :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ذي‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ساًء َوات ّ ُ‬ ‫جال ً ك َِثيرا ً وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫نَ ْ‬
‫م َرِقيبًا()‪] (2‬سورة النساء‪ ،‬الية‪.[1 :‬‬ ‫ن عَل َي ْك ُْ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫حا‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫وا‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫سا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ِ َ ْ َ َ ِ ّ‬ ‫تَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فْر‬‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬ ‫ديدا ً ي ُ ْ‬
‫صل ِ ْ‬ ‫س ِ‬‫ه وَُقوُلوا قَوْل ً َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ظيمًا()‪] (3‬سورة‬ ‫وزا ً عَ ِ‬ ‫قد ْ َفاَز فَ ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫الحزاب‪ ،‬اليتان‪.[71 ،70 :‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإن أصدق الحديث كتاب الله‪ ،‬وأحسن الهدي هدي محمد‪ ،‬صلى الله‬
‫عليه وسلم وشر المور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة وكل‬
‫ضللة‪ ،‬في النار‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقد تأملت في واقع الدعوة اليوم‪ ،‬وما مرت به في خلل هذا العصر من‬
‫محن وابتلءات‪ ،‬ورأيت أن المة تعيش يقظة مباركة‪ ،‬وصحوة ناهضة‪،‬‬
‫والدعاة يجوبون الفاق‪ ،‬والجماعات السلمية انتشرت في البلدان‪ ،‬حتى‬
‫وصلت إلى أوربا وأمريكا‪ ،‬وقامت حركات جهادية في بعض بلد المسلمين‬
‫كأفغانستان وفلسطين وأرتيريا والفلبين وغيرها‪.‬‬
‫ولكن لحظت أن هناك مفاهيم غائبة عن فهم كثير من المسلمين‪ ،‬مع أن‬
‫القرآن الكريم قد بينها‪ ،‬بل وفصلها‪ ،‬ورأيت أن كثيرا من أسباب الخلل في‬
‫واقع الدعوة والدعاة‪ ،‬يعود لغياب هذه الحقائق‪.‬‬
‫ومن هذه المفاهيم مفهوم "حقيقة النتصار"‪ ،‬حيث إن خفاءه أوقع في خلل‬
‫كبير‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬الستعجال‪ ،‬والتنازل‪ ،‬واليأس والقنوط ثم العزلة‪ ،‬وهذه أمور‬
‫لها آثارها السلبية على المنهج وعلى المة‪.‬‬
‫من أجل ذلك كله عزمت على بيان هذه الحقيقة الغائبة‪ ،‬ودراستها في ضوء‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫وأسأل الله التوفيق والسداد والعانة‪.‬‬
‫أهمية الموضوع‬
‫تبرز أهمية الموضوع وسببه من خلل الفهم الخاطئ لمعنى حقيقة انتصار‬
‫الداعية‪ ،‬والخلط فيه بين معنى انتصار الداعية وبين انتصار الدعوة‪ ،‬وظهور‬
‫الدين‪ ،‬حيث نتج عن هذا الفهم وهذا الخلط عدة أمور ‪-‬سلبية‪ -‬أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬تصور كثير من الناس أن هذا الداعية لم ينتصر ولم ينجح في دعوته؛ لنه‬
‫لم يتمكن من تحقيق الهداف التي يدعو إليها‪ ،‬ويسعى لتحقيقها‪ ،‬مما يؤدي‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى التشكيك في منهجه‪ ،‬وانصراف بعض المدعوين عنه‪.‬‬


‫‪ -2‬استعجال النتائج وتحقيق الهداف‪.‬‬
‫من قَِبل كثير من الدعاة‪ ،‬فإن بعض الدعاة إذا بدأ في دعوته فإنه يرسم‬ ‫ِ‬
‫دا يسير من خلله لتحقيق أهدافه‪ ،‬ولكن إذا مضى زمن ولم يتحقق‬ ‫ً‬ ‫جي‬ ‫جا‬
‫ً‬ ‫منه‬
‫شيء من ذلك‪ ،‬أو تحقق شيء يرى أنه ل يساوي الجهود المبذولة‪ ،‬فيقوم‬
‫بتعديل منهجه السليم إلى منهج خاطئ يستعجل فيه الثمار‪ ،‬وذلك ناتج عن‬
‫تصوره الخاطئ في فهم حقيقة ما يجب عليه‪ ،‬وإنه إذا لم تتحقق أهدافه فإنه‬
‫لم يقم بما أوجبه الله عليه‪ ،‬غافل عن الفرق بين المرين‪ ،‬أو جاهل لذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬النحراف عن المنهج‪.‬‬
‫وذلك أنه لن يصلح آخر هذه المة إل بما صلح به أولها‪ ،‬فالداعية ملزم بأن‬
‫يلتزم بمنهج أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهو ما كان عليه رسول الله‪ ،‬صلى الله‬
‫عليه وسلم وصحابته‪.‬‬
‫بل هو ما ورد في الحديث الصحيح‪ " :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين‬
‫المهديين من بعدي‪ ،‬تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ " )‪.(4‬‬
‫قيما ً فات ّب ُِعوه ُ َول‬
‫َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬
‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬
‫طي ُ‬‫صَرا ِ‬
‫ذا ِ‬ ‫وهو ما نفهمه من قوله ‪-‬تعالى‪) :-‬وَأ ّ‬
‫ه()‪] (5‬سورة النعام الية‪.[153 :‬‬ ‫سِبيل ِ ِ‬
‫ن َ‬ ‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬
‫م عَ ْ‬ ‫ل فَت َ َ‬
‫سب ُ َ‬ ‫ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬
‫إلى غير ذلك من اليات والحاديث التي تبين وجوب اللتزام بمنهج الكتاب‬
‫والسّنة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة آل عمران آية‪.102 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة النساء آية‪.1 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة الحزاب آية‪.71-70 :‬‬
‫)‪ - (4‬أخرجه أحمد‪ 127 ،4/126 :‬وأبو داود )‪ (4607‬وابن ماجة )‪(43‬‬
‫والترمذي )‪ (2676‬وقال هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫)‪ - (5‬سورة النعام آية‪.153 :‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫صا منهم على نصر السلم‪ ،‬وتصورا منهم أن‬ ‫فبعض الجماعات والدعاة‪ ،‬حر ً‬
‫ظهور الدين وزوال الكفر والفساد مقياسا لنجاح دعوتهم‪ ،‬وأمام ضغط‬
‫الظالمين ومساوماتهم‪ ،‬واستعجال التباع وعدم صبرهم‪ ،‬يسعى هؤلء‬
‫للحصول على بعض المكاسب نصرة لهذا الدين ودفاعا عنه‪ ،‬ولكن هذا المر‬
‫قد يقتضي التنازل عن بعض أصول السلم‪ ،‬وهنا يأتي الداعية إلى محاولة‬
‫تطبيق قاعدة المصالح والمفاسد‪ ،‬فينحرف عن المنهج وهو ل يدري‪،‬‬
‫ويستسلم لمساومات العداء وألعيبهم‪.‬‬
‫‪ -4‬اليأس والقنوط ثم العتزال‪.‬‬
‫طريق الدعوة طريق طويل وشاق‪ ،‬مليء بالعقبات والمحن والبتلءات‪،‬‬
‫وقليل من الدعاة من يجتاز هذا الطريق وهو ثابت على دعوته‪ ،‬ملتزم‬
‫بمنهجه‪.‬‬
‫وكثير من الدعاة عندما يسير في الطريق ثم يجد أن العوام تمضي وهو لم‬
‫يحقق شيئا مما يدعو إليه‪ ،‬ويحاول إعادة الكرة مرة بعد أخرى‪ ،‬ول يرى أثرا‬
‫مباشرا لدعوته‪ ،‬تبدأ عنده الشكوك والوهام‪ ،‬فمرة‪ :‬يتهم نفسه‪ ،‬وأخرى‬
‫قومه‪ ،‬وثالثة‪ :‬أتباعه ومؤيديه‪ ،‬ثم يصل في النهاية إلى أن هؤلء القوم ل تنفع‬
‫معهم دعوة‪ ،‬ول يستجيبوا لداع أو نذير‪ ،‬ويقول لنفسه‪ :‬كفاني ما كفانيا‪،‬‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م()‪] - (1‬سورة البقرة‪،‬‬ ‫داهُ ْ‬


‫هُ َ‬ ‫ك‬‫س عَل َي ْ َ‬ ‫وعليك بخاصة نفسك والسلم‪ ،‬و)ل َي ْ َ‬
‫م()‪] (2‬سورة‬ ‫ّ‬
‫ضل إ َِذا اهْت َد َي ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫الية‪ [272 :‬يفهمها فهما خاطئا‪ -‬و)ل ي َ ُ‬
‫المائدة‪ ،‬الية‪ [105 :‬يضعها في غير موضعها‪.‬‬
‫وهنا ييئس من قومه‪ ،‬ويقنط من هداية الله لهم‪ ،‬ثم يعتزل الدعوة ويترك‬
‫القوم وشأنهم‪.‬‬
‫ومنشأ هذه النتيجة التي وصل إليها عدم إدراكه واستيعابه لحقيقة النتصار‪،‬‬
‫وأنه قد يكون صبره على قومه مع عدم استجابتهم أعظم له أجرا‪ ،‬وذخرا‬
‫ونصرا‪ ،‬مما لو آمنوا بما يدعو إليه واتبعوه‪.‬‬
‫هذه الثار ‪-‬وغيرها‪ -‬التي نتجت في أغلب أحوالها عن الخلط في مفهوم‬
‫النتصار‪ ،‬وعدم قدرة كثير من الدعاة التفريق بين انتصار الدين وبين انتصار‬
‫الداعية‪.‬‬
‫ومما سبق تتضح أهمية هذا الموضوع‪ ،‬وحاجة الدعاة وطلب العلم إلى‬
‫تجليته وبيانه‪ ،‬وبخاصة أن القرآن الكريم‪ ،‬قد وردت فيه آيات كثيرة‪ ،‬تقرر‬
‫مفهوم النتصار‪ ،‬ومهمة الداعية‪ ،‬والفرق بين المهمة وبين النتيجة والثر‪.‬‬
‫وفي الصفحات التالية تقرير لهذه الحقيقة وتجلية لها‪ ،‬ومن الله نستمد العون‬
‫والتأييد‪.‬‬
‫مفهوم النصر وحقيقته‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫قال الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪) :-‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫شَهاُد()‪] (3‬سورة غافر‪ ،‬الية‪.[51 :‬‬ ‫م اْل َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬
‫وَي َوْ َ‬
‫ن()‪] (4‬سورة الروم‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫صُر ال ْ ُ‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫وقال ‪-‬سبحانه‪) :-‬وَ َ‬
‫م()‪] (5‬سورة محمد‪ ،‬الية‪ .[7 :‬وقال‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫صُروا الل َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫‪ .[47‬وقال‪) :‬إ ِ ْ‬
‫ه()‪] (6‬سورة الحج‪ ،‬الية‪ .[40 :‬وقال‪:‬‬ ‫صُر ُ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫َ‬
‫‪-‬جل ذكره‪) :-‬وَلي َن ْ ُ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫جن ْد ََنا لهُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن وَإ ِ ّ‬‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫َ‬
‫م لهُ ُ‬ ‫ن إ ِن ّهُ ْ‬‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫)وَل َ َ‬
‫ن()‪] (7‬سورة الصافات‪ ،‬اليات‪.[173 - 171 :‬‬ ‫ال َْغال ُِبو َ‬
‫هذه اليات وأمثالها تدل على انتصار الداعية‪ ،‬سواء أكان رسول أو أحد‬
‫المؤمنين‪ ،‬وهذا النتصار يكون في الحياة الدنيا قبل الخرة‪.‬‬
‫والذي علمناه من القرآن والسنة‪ ،‬أن من النبياء من قتله أعداؤه ومّثلوا به‪،‬‬
‫كيحيى وشعياء وأمثالهما‪ ،‬ومنهم من هم بقتله قومه‪ ،‬فكان أحسن أحواله أن‬
‫يخلص منهم حتى فارقهم ناجيا بنفسه‪ ،‬كإبراهيم الذي هاجر إلى الشام من‬
‫أرضه مفارقا لقومه‪ ،‬وعيسى الذي رفع إلى السماء‪ ،‬إذ أراد قومه قتله‪ ،‬ونجد‬
‫من المؤمنين من يسام سوء العذاب‪ ،‬وفيهم من يلقى في الخدود‪ ،‬وفيهم‬
‫من يستشهد‪ ،‬وفيهم من يعيش في كرب وشدة واضطهاد‪ ،‬فأين وعد الله لهم‬
‫طردوا أو قتلوا أو عذبوا؟‬ ‫بالنصر في الحياة الدنيا؟ )‪ (8‬وقد ُ‬
‫نحن نعلم يقينا‪ ،‬أن وعد الله ل يتخلف أبدا‪ ،‬ومنشأ السؤال والشكال أننا‬
‫قصرنا النظر على نوع واحد من أنواعه‪ ،‬وهو النصر الظاهر وانتصار الدين‪،‬‬
‫ول يلزم أن يكون هذا هو النصر الذي وعد الله به أنبياءه ورسله وعباده‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫والله قد وعدهم بالنصر‪ ،‬وهو متحقق ل شك في ذلك‪ ،‬ول مرية‪ ،‬وذلك في‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬‫صُر ُر ُ‬ ‫الحياة الدنيا قبل الخرة‪ ،‬لن الله ‪-‬سبحانه‪ -‬قال‪) :‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫شَهاُد()‪] (9‬غافر الية‪ .[51 :‬ومن أصدق‬ ‫م اْل َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫آ َ‬
‫من الله قيل‪.‬‬
‫وتجلية لهذه القضية‪ ،‬وبيانا لهذا الجانب ل بد من إيضاح معنى النصر‪ ،‬وأنه‬
‫أشمل مما يتبادر إلى أذهاننا‪ ،‬ويسبق إلى أفهامنا إن النصر له وجوه عدة‪،‬‬
‫وصور متنوعة أهمها ما يلي‪:‬‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة البقرة آية‪.272 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة المائدة آية‪.105 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة غافر آية‪.51 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الروم آية‪.47 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة محمد آية‪.7 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة الحج آية‪.40 :‬‬
‫)‪ - (7‬سورة الصافات آية‪.173-171 :‬‬
‫)‪ - (8‬انظر تفسير الطبري ‪ 24/74‬وفي ظلل القرآن ‪.5/3085‬‬
‫)‪ - (9‬سورة غافر آية‪.51 :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -1‬أن النصر قد يكون بالغلبة المباشرة والقهر للعداء على أيدي هؤلء‬
‫ل َداوُد ُ‬ ‫النبياء والرسل‪ ،‬كما حصل لداود وسليمان‪ ،‬عليهما السلم )وَقَت َ َ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ة()‪] (1‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪) .[251 :‬وَكل آت َي َْنا‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك َوال ْ ِ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ت َوآَتاهُ الل ّ ُ‬ ‫جاُلو َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪] (3‬سورة‬ ‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬‫َ‬ ‫ك ُ‬ ‫مل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫علما( )‪] (2‬سورة النبياء‪ ،‬الية‪) .[79 :‬عَلى ُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫حكما وَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫ملكا ل ي َن ْب َِغي ِل َ‬ ‫ب ِلي ُ‬ ‫فْر ِلي وَهَ ْ‬ ‫ب اغ ِ‬ ‫البقرة‪ ،‬الية‪) .[102 :‬قال َر ّ‬
‫دي()‪] (4‬سورة ص‪ ،‬الية‪.[35 :‬‬ ‫ب َعْ ِ‬
‫وكذلك موسى‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬نصره الله على فرعون وقومه‪ ،‬وأظهر الدين‬
‫ن()‪(5‬‬ ‫شو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْرِ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَقَوْ ُ‬ ‫صن َعُ فِْرعَوْ ُ‬ ‫ن يَ َ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫مْرَنا َ‬ ‫في حياته‪) ،‬وَد َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪(6‬‬ ‫م ت َن ْظ ُُرو َ‬ ‫ن وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫م وَأغَْرقَْنا آ َ‬ ‫جي َْناك ُ ْ‬ ‫]سورة العراف‪) .[137 ،‬فَأن ْ َ‬
‫]البقرة‪ ،‬الية‪.[50 :‬‬
‫ونبينا محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم نصره الله نصرا مؤزرا‪ ،‬وأهلك أعداءه في‬
‫ك فَْتحا ً‬ ‫حَنا ل َ َ‬ ‫بدر‪ ،‬وما بعدها حتى ظهر دين الله‪ ،‬وقامت دوله السلم‪) .‬إ ِّنا فَت َ ْ‬
‫َ‬ ‫صُر الل ّهِ َوال ْ َ‬
‫س‬
‫ت الّنا َ‬ ‫ح وََرأي ْ َ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬ ‫مِبينًا()‪] (7‬سورة الفتح‪ ،‬الية‪) .[1 :‬إ َِذا َ‬ ‫ُ‬
‫واجًا()‪] (8‬سورة النصر‪ ،‬اليتان‪.[2 -1 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫خُلون في دين الل ّه أ َ‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫يَ‬
‫وهذا النوع من النتصار هو النصر الظاهر‪ ،‬وهو أول ما يتبادر إلى الذهان عند‬
‫إطلق كلمة النصر‪ ،‬للسباب التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬لنه نصر ظاهر يراه الناس ويحسون به‪.‬‬
‫ب‪ -‬أنه هو النتصار الذي يجمع بين انتصار الدين وظهوره وانتصار الداعية‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أنه محبب إلى النفوس‪ ،‬وهو النصر العاجل‪" ،‬والنفس مولعة بحب‬
‫ب ()‬ ‫ري ٌ‬ ‫ح قَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وَفَت ْ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫صٌر ِ‬ ‫حّبون ََها ن َ ْ‬ ‫خَرى ت ُ ِ‬ ‫العاجل" ولذلك قال ‪-‬سبحانه‪) :-‬وَأ ُ ْ‬
‫‪] (9‬سورة‪ ،‬الصف‪.[13 :‬‬
‫‪ -2‬أن النصر قد يكون بإهلك هؤلء المكذبين‪ ،‬ونجاة النبياء والمرسلين‪ ،‬ومن‬
‫آمن معهم‪ ،‬كما حدث لنوح‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬حيث نجاه الله وأهلك قومه‪( ،‬فَد َ َ‬
‫عا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫رب َ‬
‫ض‬‫جْرَنا اْلْر َ‬ ‫مرٍ وَفَ ّ‬ ‫من ْهَ ِ‬ ‫ماٍء ُ‬ ‫ماِء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وا َ‬ ‫حَنا أب ْ َ‬ ‫صْر فَ َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫ب َفان ْت َ ِ‬ ‫مغُْلو ٌ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫َ ّ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ري‬ ‫ج ِ‬ ‫سرٍ ت َ ْ‬ ‫واٍح وَد ُ ُ‬ ‫ت أل َ‬ ‫ملَناه ُ عَلى َذا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مرٍ قَد ْ قُدَِر وَ َ‬ ‫ماُء عَلى أ ْ‬ ‫قى ال َ‬ ‫عُُيونا َفالت َ َ‬
‫فَر()‪] (10‬سورة القمر‪ ،‬اليات‪.[14-10 :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نك ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫جَزاًء ل ِ َ‬ ‫ب ِأعْي ُن َِنا َ‬
‫َ‬
‫ن ك َذ ُّبوا‬ ‫ذي َ‬ ‫مّنا وَقَط َعَْنا َداب َِر ال ّ ِ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ب َِر ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي َْناه ُ َوال ّ ِ‬ ‫وكذلك قوم هود‪) ،‬فَأن ْ َ‬
‫ن()‪] (11‬سورة العراف‪ ،‬الية‪.[72 :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫كاُنوا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ِبآيات َِنا وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪] (12‬سورة‬ ‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حوا ِفي َدارِهِ ْ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ة فَأ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬ ‫وقوم صالح‪) ،‬فَأ َ‬
‫العراف‪ ،‬الية‪.[78 :‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪(13‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كا َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫مطرا فان ْظْر كي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫مط َْرَنا عَلي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫وقوم لوط‪) ،‬وَأ ْ‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]سورة العراف‪ ،‬الية‪.[84 :‬‬


‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م()‬
‫ظي ٍ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ب ي َوْم ِ الظلةِ إ ِن ّ ُ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫وقوم شعيب‪) ،‬فَك َذ ُّبوه ُ فَأ َ‬
‫خذ َهُ ْ‬
‫‪] (14‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪ .[189 :‬إن أخذ المجرمين بالعذاب الليم نصر‬
‫عظيم للداعية‪ ،‬وكبت للمكذبين والمرجفين‪ ،‬والله يمهل ول يهمل أبدا‪:‬‬
‫ة‬‫ح ُ‬
‫صي ْ َ‬
‫ه ال ّ‬ ‫خذ َت ْ ُ‬‫ن أَ َ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫صبا ً وَ ِ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ َ‬
‫حا ِ‬
‫خذ ْنا بذ َنبه فَمنهم م َ‬
‫ن أْر َ‬ ‫)فَك ُّل ً أ َ َ ِ ْ ِ ِ ِ ْ ُ ْ َ ْ‬
‫َ‬
‫فنا به اْل َرض ومنهم م َ‬
‫م وَل َك ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ه ل ِي َظ ْل ِ َ‬
‫مهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أغَْرقَْنا وَ َ‬‫ْ َ َ ِ ُْ ْ َ ْ‬ ‫س ْ َ ِ ِ‬ ‫خ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ن()‪] (15‬سورة العنكبوت‪ ،‬الية‪.[40 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫م ي َظل ِ ُ‬
‫سهُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫كاُنوا أن ْ ُ‬
‫‪ -3‬قد يكون النتصار بانتقام الله من أعدائهم‪ ،‬ومكذبيهم‪ ،‬بعد وفاة هؤلء‬
‫النبياء والرسل‪ ،‬كما حدث مع من قتل يحيى‪- ،‬عليه السلم‪ -‬وشعياء‪ ،‬ومن‬
‫حاول قتل عيسى‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬قال المام الطبري في تفسير الية‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة البقرة آية‪.251 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة النبياء آية‪.79 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة البقرة آية‪.102 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة ص آية‪.35 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة العراف آية‪.137 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة البقرة آية‪.50 :‬‬
‫)‪ - (7‬سورة الفتح آية‪.1 :‬‬
‫)‪ - (8‬سورة النصر آية‪.2-1 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة الصف آية‪.13 :‬‬
‫)‪ - (10‬سورة القمر آية‪.14-13-12-11-10 :‬‬
‫)‪ - (11‬سورة العراف آية‪.72 :‬‬
‫)‪ - (12‬سورة العراف آية‪.78 :‬‬
‫)‪ - (13‬سورة العراف آية‪.84 :‬‬
‫)‪ - (14‬سورة الشعراء آية‪.189 :‬‬
‫)‪ - (15‬سورة العنكبوت آية‪.40 :‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫حَياةِ الد ّن َْيا()‪] (1‬سورة غافر‪ ،‬الية‪[51 :‬‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫)إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫"إما بإعلئنا لهم على من كذبنا‪ ..‬أو بانتقامنا في الحياة الدنيا من مكذبيهم‬
‫بعد وفاة رسولنا من بعد مهلكهم‪ ،‬كالذي فعلنا من نصرتنا شعياء بعد مهلكه‪،‬‬
‫بتسليطنا على قتلته من سلطنا حتى انتصرنا بهم من قتلته‪ ،‬وكفعلنا بقتلة‬
‫يحيى من تسليطنا بختنصر عليهم حتى انتصرنا به من قتله له‪ ،‬وكانتصارنا‬
‫لعيسى من مريدي قتله بالروم حتى أهلكناهم بهم )‪ " (2‬وهذا يدخل تحت‬
‫م()‪] (3‬سورة محمد‪ ،‬الية‪ .[4 :‬أي‪:‬‬ ‫من ْهُ ْ‬‫صَر ِ‬ ‫ه لن ْت َ َ‬‫شاُء الل ّ ُ‬ ‫قوله ‪-‬تعالى‪) :-‬وَل َوْ ي َ َ‬
‫لنتقم‪.‬‬
‫‪ -4‬أن ما يتصوره الناس هزيمة قد يكون هو النصر الحقيقي‪ ،‬كالقتل‪،‬‬
‫والسجن والطرد والذى‪.‬‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫ن قُت ِلوا ِفي َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬
‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫أليس قتل الداعية شهادة في سبيل الله‪َ) .‬ول ت َ ْ‬
‫الل ّه أ َمواتا ً ب ْ َ‬
‫ن()‪] (4‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.[169 :‬‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫حَياٌء ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫جعَلِني ِ‬
‫فَر ِلي َرّبي وَ َ‬ ‫َ‬
‫ما غ َ‬ ‫ن بِ َ‬
‫مو َ‬ ‫َ‬
‫مي ي َعْل ُ‬ ‫ت قَوْ ِ‬ ‫َ‬
‫ل َيا لي ْ َ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫)ِقي َ‬
‫ن()‪] (5‬سورة يس‪ ،‬اليتان‪.[27 ،26 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫مك َْر ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن()‪] (6‬سورة التوبة‪ ،‬الية‪ .[52 :‬فقتل‬ ‫سن َي َي ْ ِ‬
‫ح ْ‬ ‫دى ال ْ ُ‬ ‫ح َ‬‫ن ب َِنا إ ِّل إ ِ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ل ت ََرب ّ ُ‬‫ل هَ ْ‬ ‫)ق ُ ْ‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الداعية انتصار للداعية من عدة جوانب‪ ،‬أهمها‪:‬‬


‫ن قت ِلوا ِفي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫سب َ ّ‬
‫ح َ‬ ‫)أ( الشهادة‪ ،‬وهي من أعظم أنواع النتصار‪َ) ،‬ول ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن فَرِ ِ‬ ‫سبيل الل ّه أ َمواتا ً ب ْ َ‬
‫ه(‬
‫ضل ِ ِ‬‫نف ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ما آَتاهُ ُ‬ ‫ن بِ َ‬
‫حي َ‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬‫حَياٌء ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫)‪] (7‬سورة آل عمران‪ ،‬اليتان‪.[170 ،169 :‬‬
‫)ب( انتصار المنهج وظهوره‪ ،‬كما حدث لعبد الله الغلم عندما قتله الملك‪،‬‬
‫فقال قوم‪" :‬آمنا بالله رب الغلم" )‪.(8‬‬
‫ونجد في العصر الحاضر سيد قطب ‪-‬رحمه الله‪ -‬كان قتله انتصارا لمنهجه‬
‫الذي عاش من أجله‪ ،‬ومات في سبيله‪ ،‬حتى قال أحد الشيوعيين وهو في‬
‫سجنه‪ :‬إنني أتمنى أن أقتل كما قتل سيد وينتشر مبدئي وكتبي كما انتشرت‬
‫كتب سيد قطب‪.‬‬
‫بل إننا وجدنا مطابع النصارى في لبنان تسارع إلى طباعة ونشر كتب سيد‬
‫‪-‬يرحمه الله‪ -‬كالظلل‪ ،‬والمعالم‪ ،‬وخصائص التصور السلمي‪ ،‬لما تدره من‬
‫أرباح هائلة‪ ،‬نظرا لكثرة القراء والمستفيدين‪.‬‬
‫وهذا ما قصده سيد عندما قال‪ :‬إن كلماتنا وأقوالنا تظل جثثا هامدة حتى إذا‬
‫متنا في سبيلها وغذيناها بالدماء عاشت وانتفضت بين الحياء‪.‬‬
‫ن‬
‫سا َ‬ ‫جعَل ِلي ل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫)ج( الذكر الطيب بعد وفاته‪ ،‬قال إبراهيم‪ ،‬عليه السلم‪َ) ،‬وا ْ‬
‫ن()‪] (9‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪ .[ 84 :‬والمقتول في سبيل‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬‫ق ِفي اْل ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬‫ِ‬
‫الله له ذكر طيب عند المؤمنين‪ ،‬وهذا أمر مشاهد ومحسوس‪.‬‬
‫وكذلك الطرد والخراج‪ ،‬قد يكون انتصارا للداعية‪ ،‬حين يتصور كثير من‬
‫الناس أن هذا هزيمة له‪ ،‬ولذا فإن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬قال عن رسوله‪ ،‬صلى الله‬
‫صَرهُ الل ّ ُ‬
‫ه إ ِذ ْ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬‫صُروهُ فَ َ‬ ‫عليه وسلم حين أخرجته قريش من مكة‪) .‬إ ِل ّ ت َن ْ ُ‬
‫ما ِفي ال َْغاِر()‪] (10‬سورة التوبة‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬ ‫ي اث ْن َي ْ ِ‬
‫فُروا َثان ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫خَر َ‬
‫‪.[40‬‬
‫ول شك أن خروجه من مكة كان انتصارا من عدة أوجه‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫)‪ (1‬أن الله نجاه من المشركين‪ ،‬وحماه منهم‪ ،‬وأعماهم عنه‪ ،‬حيث أرادوا‬
‫قتله‪.‬‬
‫)ب( أن الدعوة انتقلت إلى بيئة أخرى تحميها وتؤازرها بدل أن كان رسول‬
‫الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم محاربا مطاردا‪ ،‬وأصحابه يعذبون ويقتلون‪ ،‬ول‬
‫يتمكنون من إظهار عبادتهم لله كما حدث لهم في المدينة‪.‬‬
‫)ج( قيام دولة السلم في المدينة‪ ،‬وانطلقة الجهاد بعد ذلك‪ ،‬ثم بدء دخول‬
‫الناس في دين الله أفواجا‪.‬‬
‫وكذلك نجد أن هجرة الصحابة للحبشة كانت انتصارا لهم‪ ،‬وكبتا لعدائهم‪،‬‬
‫ولذلك لحقتهم قريش إلى هنالك‪ ،‬ولكنهم عادوا خائبين حيث حماهم‬
‫النجاشي‪ ،‬بل أسلم ودخل في دين الله !!‬
‫وقل مثل ذلك عن السجن والتعذيب والذى‪ ،‬فإن انطلقة الداعية قد تكون‬
‫بداية من سجنه أو إيذائه‪.‬‬
‫فهذا داعية اتهم في عرضه من قبل أعدائه‪ ،‬وتصور كثير من الناس أن هذا‬
‫الداعية قد انتهى‪ ،‬ولن يكون له شأن بعد اليوم‪ ،‬ولكن كانت هذه التهمة‬
‫انطلقة كبرى لهذا الداعية‪ ،‬من عدة أوجه‪:‬‬
‫)‪ (1‬انتصر على نفسه حيث عرف أن رهبة السجن أكبر من حقيقته‪ ،‬حيث‬
‫أدخل السجن مرتين‪ ،‬فأصبحت لديه مناعة من الخوف أو الرهبة من غير‬
‫الله‪.‬‬
‫)ب( تكشف له الباطل‪ ،‬وعرف زيف بعض من كان يتلبس بالحق تمويها‬
‫وخداعا‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)جـ( عرف صديقه من عدوه‪ ،‬وكما قال الشاعر‪:‬‬


‫جزى الله الشدائد عني كل خير ‪ ...‬عرفت بها صديقي من عدوي‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة غافر آية‪.51 :‬‬
‫)‪ - (2‬تفسير الطبري ‪.24/74‬‬
‫)‪ - (3‬سورة محمد آية‪.4 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة آل عمران آية‪.169 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة يس آية‪.27-26 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة التوبة آية‪.52 :‬‬
‫)‪ - (7‬سورة آل عمران آية‪.170-169 :‬‬
‫)‪ - (8‬قطعة من قصة أصحاب الخدود أخرجها مسلم )‪ (3005‬من حديث‬
‫صهيب‪.‬‬
‫)‪ - (9‬سورة الشعراء آية‪.84 :‬‬
‫)‪ - (10‬سورة التوبة آية‪.40 :‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫)د( زاد عدد طلبه ومحبيه‪ ،‬وكثر المستمعون للحق الذي يدعو إليه‪ ،‬فأصبحوا‬
‫عشرات اللف بل ويزيدون‪.‬‬
‫)هـ( كبت الله أعداءه وخصومه‪ ،‬وتجرعوا كأس الهزيمة وهم ينظرون‪.‬‬
‫نل‬ ‫قي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَنافِ ِ‬ ‫أليس هذا هو النتصار في الحياة الدنيا قبل الخرة؟! )وَل َك ِ ّ‬
‫ن()‪] (1‬سورة المنافقون‪ ،‬الية‪ .[8 :‬وقبل أن نغادر هذا النوع من أنواع‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫النتصار‪ ،‬ل بد من الوقوف أمام حقيقة تخفى على الكثيرين‪ ،‬وهي نوع من‬
‫أنواع انتصار الداعية‪ ،‬ذلك أن الداعية عندما يقتل أو يسجن أو يؤذى أو يطرد‬
‫فإن خصمه قد ذاق ألوان الذى المعنوي والعذاب النفسي قبل أن يقدم على‬
‫ما أقدم عليه‪ ،‬بل وأحيانا بعد أن يفعل فعلته‪ ،‬فإنه ل يجد للراحة مكانا‪ ،‬ول‬
‫للسعادة طعما‪ ،‬ولذا فإن الحجاج بن يوسف عند ما قتل سعيد بن جبير‪ ،‬ذاق‬
‫ألوان العذاب النفسي حتى كان ل يهنأ بنوم‪ ،‬ويقوم من فراشه فزعا ويقول‪:‬‬
‫ما لي ولسعيد‪ ،‬حتى مات وهو في همه وغمه‪.‬‬
‫ولهذا جاء القرآن معبرا عن هذه الحقيقة‪ ،‬كما في سورة آل عمران‪ ،‬فقال‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫موُتوا ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ظ قُ ْ‬ ‫ن ال ْغَي ْ ِ‬ ‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫م َ‬ ‫م اْل ََنا ِ‬ ‫ضوا عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫وا عَ ّ‬ ‫خل َ ْ‬‫‪-‬سبحانه‪) :-‬وَإ َِذا َ‬
‫ة‬‫سي ّئ ٌَ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ت ال ّ ُ ِ ِ ْ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ ٌ َ ُ ُ ْ َ ِ ْ ُ ِ ْ ْ َ‬
‫م‬ ‫ؤ‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ر‬ ‫دو‬ ‫ص‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫الل ّ َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ّ‬‫م َ‬ ‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬ ‫قوا ل ي َ ُ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬‫حوا ب َِها وَإ ِ ْ‬ ‫فَر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ط()‪] (2‬سورة آل عمران‪ ،‬اليتان‪.[120 ،119 :‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫خْيرًا()‪] (3‬سورة‬ ‫م ي ََناُلوا َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ِ ْ ِِ ْ ْ‬ ‫ه‬ ‫ظ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬‫ب‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ُ ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ر‬
‫ََ ّ‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫‪-‬سبحانه‪:-‬‬ ‫وقال‬
‫الحزاب‪ ،‬الية‪.[25 :‬‬
‫بينما نجد الداعية يعيش في سعادة وهناء‪ ،‬قال المام الطبري في قوله‬
‫ن‬‫ن وَإ ِ ّ‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫م ل َهُ ُ‬ ‫ن إ ِن ّهُ ْ‬‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫قد ْ َ‬ ‫‪-‬تعالى‪) :-‬وَل َ َ‬
‫ن()‪] (4‬سورة الصافات‪ ،‬اليات‪ [173 - 171 :‬قال‪ :‬كان‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬‫جن ْد ََنا ل َهُ ُ‬ ‫ُ‬
‫بعض أهل العربية يتأول ذلك‪ ،‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين بالسعادة‬
‫)‪ (5‬وهذا ‪-‬أيضا‪ -‬معنى حديث رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم " عجبا لمر‬
‫المؤمن أن أمره كله خير ‪-‬وليس ذلك لحد إل للمؤمن‪ -‬إن أصابته سراء شكر‬
‫فكان خيرا له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " )‪.(6‬‬
‫ولذلك قال شيخ السلم معبرا عن هذه الحقيقة‪ :‬ماذا ينقم مني أعدائي؟ أنا‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جنتي وبستاني في صدري‪ ،‬قتلي شهادة‪ ،‬ونفي سياحة‪ ،‬وسجني خلوة‪.‬‬


‫وهو ما عناه أحد الزهاد عندما قال‪ :‬لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه‬
‫من اللذة والنعيم لجالدونا عليه بالسيوف‪.‬‬
‫وهنا ندرك من المنتصر ومن المنهزم‪ ،‬وأن النتصار والهزيمة أبعد معنى مما‬
‫يراه الناس في الظاهر‪ ،‬بل هناك حقائق قد ل تدرك بالعيون‪ ،‬وصدق من‬
‫قال‪:‬‬
‫اصبر على مضض الحسو‬
‫فالنار تأكل نفسها ‪ ...‬د فإن صبرك قاتله‬
‫إن لم تجد ما تأكله‬
‫‪ -5‬أن ثبات الداعية على مبدئه‪ ،‬هو انتصار باهر‪ ،‬وفوز ساحق‪ ،‬حيث يعلو على‬
‫الشهوات والشبهات‪ ،‬ويجتاز العقبات بشجاعة وثبات‪ ،‬بل إنه ل يمكن أن‬
‫يتحقق النتصار الظاهر إل بعد تحقق هذا النتصار‪ ،‬فإبراهيم‪ ،‬عليه السلم‪،‬‬
‫قوه ُ ِفي‬ ‫ه ب ُن َْيانا ً فَأ َل ْ ُ‬
‫وهو يلقى في النار كان في قمة انتصار‪َ) ،‬قاُلوا اب ُْنوا ل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪] (7‬سورة الصافات‪ ،‬اليتان‪:‬‬ ‫فِلي َ‬ ‫م اْل ْ‬
‫س َ‬ ‫جعَل َْناهُ ُ‬
‫حيم ِ فَأَراُدوا ب ِهِ ك َْيدا ً فَ َ‬ ‫ج ِ‬‫ال ْ َ‬
‫‪.[98 ،97‬‬
‫والمام أحمد ‪-‬رحمه الله‪ -‬عندما ثبت على مبدئه في محنة القول بخلق‬
‫القرآن‪ ،‬ورفض الستجابة لجميع الضغوط ومحاولت التراجع كان في قمة‬
‫انتصاره‪.‬‬
‫وأصحاب الخدود وهم يلقون في النار‪ ،‬ول يقبلون المساومة على دينهم‪،‬‬
‫َ‬
‫م إ ِّل أ ْ‬
‫ن‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫موا ِ‬ ‫ق ُ‬‫ما ن َ َ‬
‫ويفضلون الموت في سبيل الله كانوا هم المنتصرين‪) ،‬وَ َ‬
‫د()‪] (8‬سورة البروج‪ ،‬الية‪.[8:‬‬ ‫مي ِ‬
‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬‫مُنوا ِبالل ّهِ ال ْعَ ِ‬
‫ي ُؤْ ِ‬
‫ونجد هذا المعنى من معاني النتصار في الحديث الذي رواه خباب عندما جاء‬
‫إلى رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم وقال له‪ :‬أل تستنصر لنا‪ ،‬أل تدعو لنا؟‬
‫قال‪ " :‬كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الرض فيجعل فيه فيجاء‬
‫بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق بأثنتين وما يصده ذلك عن دينه‪ ،‬ويمشط‬
‫بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه " )‬
‫‪ (9‬الحديث‪.‬‬
‫فبين‪ ،‬صلى الله عليه وسلم أن النتصار هو الثبات على الدين‪ ،‬وعدم التراجع‬
‫مهما كانت العقبات والمعوقات‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة المنافقون آية‪.8 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة آل عمران آية‪.120-119 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة الحزاب آية‪.25 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الصافات آية‪.173-172-171 :‬‬
‫)‪ - (5‬تفسير الطبري ‪.23/114‬‬
‫)‪ - (6‬أخرجه مسلم )‪.(3999‬‬
‫)‪ - (7‬سورة الصافات آية‪.98-97 :‬‬
‫)‪ - (8‬سورة البروج آية‪.8 :‬‬
‫)‪ - (9‬أخرجه البخاري )‪.(3612‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪- 6‬أن النصر قد يكون بقوة الحجة‪ ،‬وصحة البرهان‪ ،‬قال المام الطبري في‬
‫ن()‪(1‬‬
‫صوُرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫م ل َهُ ُ‬
‫ن إ ِن ّهُ ْ‬
‫سِلي َ‬ ‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫ق ْ‬
‫سب َ َ‬ ‫قوله تعالى‪( :‬وَل َ َ‬
‫قد ْ َ‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]سورة الصافات‪ ،‬اليتان‪ .[172 ،171 :‬يقول ‪-‬تعالى ذكره‪ -‬ولقد سبق منا‬
‫القول لرسلنا أنهم لهم المنصورون‪ ،‬أي مضى بهذا منا القضاء والحكم في أم‬
‫الكتاب‪ ،‬وهو أنهم لهم النصرة والغلبة بالحجج‪.‬‬
‫ن()‪ (2‬بالحجج‪(3) .‬‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م ل َهُ ُ‬ ‫قال السدي‪) :‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪ (4‬أي‬ ‫فِلي َ‬‫س َ‬ ‫م اْل ْ‬ ‫جعَل َْناهُ ُ‬ ‫وقال الطبري في قوله ‪-‬تعالى‪) :-‬فَأَراُدوا ب ِهِ ك َْيدا ً فَ َ‬
‫فجعلنا قوم إبراهيم الذلين حجة‪ ،‬وغلبنا إبراهيم عليهم بالحجة‪.(5) .‬‬
‫م عَلى‬ ‫َ‬ ‫هي َ‬
‫ها إ ِب َْرا ِ‬ ‫جت َُنا آت َي َْنا َ‬
‫ح ّ‬ ‫ك ُ‬ ‫وكذلك نجد هذا المعنى في قوله ‪ -‬تعالى‪) :‬وَت ِل ْ َ‬
‫شاُء()‪] (6‬سورة النعام‪ ،‬الية‪ .[83 :‬والرفع هو‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫جا ٍ‬ ‫مهِ ن َْرفَعُ د ََر َ‬ ‫قَوْ ِ‬
‫النتصار‪.‬‬
‫وكذلك في سورة البقرة بعد أن ذكر الله محاجة الذي كفر لبراهيم في ربه‪،‬‬
‫فَر()‪] (7‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪ .[258 :‬والبهت‬ ‫ذي ك َ َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫قال الله ‪-‬تعالى‪) -‬فَب ُهِ َ‬
‫هو الهزيمة‪ ،‬أي انهزم الكافر وانتصر إبراهيم بالحجة والبرهان‪.‬‬
‫إذن فانتصار الداعية بقوة حجته هو انتصار حقيقي‪ ،‬بل هو وسيلة من أهم‬
‫وسائل انتصار الدين وظهوره‪.‬‬
‫‪ -7‬أن انتصار الداعية‪ ،‬غير محصور في زمان أو مكان‪ ،‬فزمانه الحياة الدنيا‬
‫ثم الخرة‪ ،‬ومكانه أرض الله الواسعة‪.‬‬
‫ولذا فقد يضطهد الداعية في مكان وينتصر في مكان آخر‪ ،‬كما حدث لنبينا‬
‫محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم فقد اضطهد في مكة‪ ،‬ثم انتصر في المدينة أول‬
‫ثم في مكة ثانيا‪.‬‬
‫وموسى‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬اضطهد في أرض فرعون وانتصر بعد ذلك في مكان‬
‫آخر‪ ،‬وقد يضطهد الداعية في زمان‪ ،‬ثم ينتصر في زمان آخر‪ .‬كما حدث‬
‫لشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬فمات في سجنه ‪-‬رحمه الله‪ -‬ولكن انتصرت دعوته‬
‫أعظم النتصار بعد عدة قرون من وفاته ول تزال‪.‬‬
‫وهذا أمر معلوم ومشاهد‪ ،‬فكم من داعية هزم في مكان وانتصر في مكان‬
‫آخر‪ ،‬وأوذي في زمان وانتصر في زمان آخر‪ ،‬سواء في حياته أو بعد وفاته‪.‬‬
‫‪ -8‬أخيرا‪ ،‬فإن النصر قد يكون بالمنع‪ ،‬أي بحماية الداعية ومنع أعدائه من‬
‫ن()‪] (8‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬ ‫الوصول إليه‪ ،‬قال ‪-‬سبحانه‪َ) :-‬ول هُ ْ‬
‫‪ .[48‬أي يمنعون )‪(9‬‬
‫في َْناكَ‬ ‫ن إ ِّنا ك ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ض عَ ِ‬ ‫مُر وَأعْرِ ْ‬ ‫ما ت ُؤْ َ‬ ‫صد َع ْ ب ِ َ‬ ‫وقال‪ -‬جل وعل‪َ) :-‬فا ْ‬
‫ن()‪] (10‬سورة الحجر‪ ،‬الية‪.[95 ،94 :‬‬ ‫زئي َ‬ ‫ست َهْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قال المام الطبري في معنى هذه الية‪ :‬فاصدع بأمر الله‪ ،‬ول تخف شيئا‬
‫سوى الله‪ ،‬فإن الله كافيك من ناصبك وآذاك‪ ،‬كما كفاك المستهزئين‪.(11) .‬‬
‫س()‪] (12‬سورة المائدة‪ ،‬الية‪.[67 :‬‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫ص ُ‬ ‫ه ي َعْ ِ‬ ‫وقال ‪-‬سبحانه‪َ) :-‬والل ّ ُ‬
‫هذه بعض أوجه النصر‪ ،‬بل أهم أنواع النصر‪ ،‬ولو تأملنا في هذه الوجه ثم‬
‫نظرنا إلى سيرة النبياء والرسل‪ ،‬عليهم وعلى نبينا أفضل الصلة والسلم‪،‬‬
‫لوجدنا أن كل واحد منهم قد تحقق له نوع من هذه النواع أو أكثر من نوع‪،‬‬
‫كما حدث لنبينا محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم فقد انتصر بظهور الدين‬
‫وتمامه‪ ،‬وانتصر بإهلك من كذبه في بدر وما بعدها‪ ،‬وانتصر‪ ،‬وهو يخرج من‬
‫مكة‪ ،‬وانتصر بالحجة والبرهان‪ ،‬وانتصر بالمنع من العداء‪ ،‬وانتصر في مكان‬
‫َ‬
‫ن ث َب ّت َْناكَ‬‫ول أ ْ‬ ‫غير بلده‪ ،‬وانتصر بالثبات على دين الله والصدع بكلمة الحق‪) ،‬وَل َ ْ‬
‫ل()‪] (13‬سورة السراء‪ ،‬الية‪.[74 :‬‬ ‫شْيئا ً قَِلي ً‬ ‫م َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬‫ت ت َْرك َ ُ‬
‫قد ْ ك ِد ْ َ‬ ‫لَ َ‬
‫ويتفاوت النبياء والرسل‪ ،‬عليهم السلم‪ ،‬في النتصارات التي حققوها‪ ،‬ولكن‬
‫م ل َهُ ُ‬
‫م‬ ‫ن إ ِن ّهُ ْ‬
‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ْ ُ‬
‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫قد ْ َ‬ ‫وعد الله قد تحقق لهم )وَل َ َ‬
‫ن()‪] (14‬سورة الصافات‪ ،‬اليات‪،171:‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫جن ْد ََنا ل َهُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن وَإ ِ ّ‬‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.[173 ،172‬‬
‫وكذلك كل مؤمن صادق فسيتحقق له النتصار‪ ،‬سواء في حياته أم بعد مماته‬
‫م‬
‫قو ُ‬
‫م يَ ُ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫تحقيقا لوعد الله‪) :‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫صُر ُر ُ‬
‫شَهاُد()‪] (15‬سورة غافر‪ ،‬الية‪.[51 :‬‬ ‫اْل َ ْ‬
‫ومن خلل ما سبق يتضح لنا المفهوم الشامل للنتصار‪ ،‬وأنه ل يجوز لنا أن‬
‫نحدد نوع النتصار الذي نريده‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة الصافات آية‪.172-171 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة الصافات آية‪.172 :‬‬
‫)‪ - (3‬تفسير الطبري ‪.23/114‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الصافات آية‪.98 :‬‬
‫)‪ - (5‬تفسير الطبري ‪.23/75‬‬
‫)‪ - (6‬سورة النعام آية‪.83 :‬‬
‫)‪ - (7‬سورة البقرة آية‪.258 :‬‬
‫)‪ - (8‬سورة البقرة آية‪.48 :‬‬
‫)‪ - (9‬انظر تفسير الطبري ‪ 1/269‬وهو قول لبن عباس‪.‬‬
‫)‪ - (10‬سورة الحجر آية‪.95-94 :‬‬
‫)‪ - (11‬تفسير الطبري ‪.14/69‬‬
‫)‪ - (12‬سورة المائدة آية‪.67 :‬‬
‫)‪ - (13‬سورة السراء آية‪.74 :‬‬
‫)‪ - (14‬سورة الصافات آية‪.173-172-171 :‬‬
‫)‪ - (15‬سورة غافر آية‪.51 :‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫فالمر لله من قبل ومن بعد‪ ،‬ولسنا سوى عبيد له‪ ،‬سبحانه‪ ،‬نسعى لتحقيق‬
‫عبوديته‪ ،‬ومن كمال العبودية أن نعلم ونوقن يقينا جازما ل شك فيه أن وعد‬
‫الله متحقق ل محالة‪ ،‬ولكننا قد ل ندرك حقيقة هذا المر لحكمة يعلمها الله‪،‬‬
‫صُر‬‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬
‫ح ّ‬
‫ن َ‬‫كا َ‬‫وقد يتأخر النصر ابتلء وامتحانا‪ ،‬وصدق الله العظيم‪) :‬وَ َ‬
‫ن()‪] (1‬سورة الروم‪ ،‬الية‪.[47 :‬‬‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ما مهمتنا ؟‬
‫من أجل أن نفقه حقيقة النتصار ل بد من أن نعرف المهمة التي كلفنا الله‬
‫بها فبمقدار القيام بهذه المهمة يتحقق النتصار‪.‬‬
‫هل مهمتنا أن نقوم بهداية الناس؟ أو مهمتنا أن نسعى ونجد في دعوة الناس‬
‫للهداية واليمان؟‪.‬‬
‫هل مهمتنا أن نجبر الناس على اليمان؟ أو مهمتنا أن نبين لهم الطريق إلى‬
‫اليمان؟ إن مهمة النبياء والرسل والدعاة تتلخص في كلمة واحدة‪ ،‬إنها‪:‬‬
‫البلغ‪.‬‬
‫بل إن مسئوليتهم محصورة في هذا الجانب وحده‪.‬‬
‫واليات في هذا كثيرة‪ ،‬جاءت مقررة لهذه الحقيقة‪ ،‬التي تغيب عن أذهان‬
‫كثير من الدعاة والمصلحين‪.‬‬
‫ل إ ِّل ال َْبلغُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ل عَلى الّر ُ‬ ‫ونقف قليل مع بعض هذه اليات‪ :‬قال ‪-‬سبحانه‪) :-‬فَهَ ْ‬
‫ل إ ِّل ال َْبلغُ‬ ‫سو ِ‬‫ما عََلى الّر ُ‬ ‫ن()‪] (2‬سورة النحل‪ ،‬الية‪ .[35 :‬وقال‪) :‬وَ َ‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ضوا‬‫ن أعَْر ُ‬ ‫ن()‪] (3‬سورة النور‪ ،‬الية‪ .[54 :‬وقال في سورة الشورى‪) :‬فَإ ِ ْ‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك إ ِّل ال َْبل ُ‬ ‫ن عَل َي ْ َ‬ ‫َ‬


‫غ()‪] (4‬سورة الشورى الية‪:‬‬ ‫فيظا ً إ ِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ْ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن()‪(5‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫سول َِنا ال َْبلغُ ال ْ ُ‬ ‫ما عََلى َر ُ‬ ‫م فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬ ‫‪ .[48‬وفي سورة أخرى‪) :‬فَإ ِ ْ‬
‫ما عََلى‬ ‫َ‬
‫موا أن ّ َ‬ ‫م َفاعْل َ ُ‬ ‫ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬ ‫]سورة التغابن‪ ،‬الية‪ [12 :‬وفي المائدة‪) :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن()‪] (6‬سورة المائدة‪ ،‬الية‪.[92 :‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫سول َِنا ال َْبلغُ ال ْ ُ‬ ‫َر ُ‬
‫غ()‪(7‬‬ ‫ك ال َْبل ُ‬ ‫ما عَل َي ْ َ‬ ‫وا فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫قال المام الطبري في قوله ‪-‬تعالى‪) :-‬وَإ ِ ْ‬
‫]سورة آل عمران‪ ،‬الية‪ .[20 :‬إن أدبروا معرضين عما تدعوهم إليه من‬
‫السلم‪ ،‬وإخلص التوحيد لله رب العالمين‪ ،‬فإنما أنت رسول مبلغ‪ ،‬وليس‬
‫عليك غير إبلغ الرسالة إلى من أرسلتك إليه من خلقي‪ ،‬وأداء ما كلفتك من‬
‫طاعتي )‪.(8‬‬
‫وقال ابن عاشور في الية نفسها‪ :‬وإن تولوا وأعرضوا عن قولك لهم‪:‬‬
‫ما‬‫آسلمتم‪ ،‬فليس عليك من إعراضهم تبعة‪ ،‬فإنما عليك البلغ‪ ،‬فقوله‪) :‬فَإ ِن ّ َ‬
‫غ()‪ (9‬وقع موقع جواب الشرط‪ ،‬وهو في المعنى علة الجواب‪،‬‬ ‫ك ال َْبل ُ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫فوقوعه موقع الجواب إيجاز بديع‪ ،‬أي ل تحزن‪ ،‬ول تظنن أن عدم اهتدائهم‪،‬‬
‫وخيبتك في تحصيل إسلمهم‪ ،‬كان لتقصير منك‪ ،‬إذ لم تبعث إل للتبليغ‪ ،‬ل‬
‫لتحصيل اهتداء المبلغ إليهم )‪.(10‬‬
‫ومن أجل تأكيد هذه الحقيقة‪ ،‬وهي أن مهمة النبياء والرسل هي البلغ‪،‬‬
‫جاءت آيات أخرى تبين أن هداية الناس ليست ل للنبياء ول للرسل ول‬
‫ميعا ً‬ ‫َْ‬
‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ض ك ُل ّهُ ْ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫ك َل َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫لغيرهم‪ ،‬قال ‪-‬سبحانه‪) :-‬وَل َوْ َ‬
‫حّتى ي َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ن()‪] (11‬سورة يونس‪ ،‬الية‪.[99 :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ت ُك ْرِهُ الّنا َ‬ ‫أفَأن ْ َ‬
‫ك ل تهدي م َ‬
‫شاُء()‪(12‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ت وَل َك ِ ّ‬ ‫حب َب ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ِ‬ ‫وقال ‪-‬جل وعل ‪) :-‬إ ِن ّ َ‬
‫م‬‫نل ْ‬‫َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ك عَلى آَثارِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫خع ٌ ن َ ْ‬ ‫ك َبا ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫]سورة القصص‪ ،‬الية‪ .[56 :‬وقال‪) :‬فَلعَل َ‬
‫سفًا()‪] (13‬سورة الكهف‪ ،‬الية‪ .[6 :‬ومثلها‪)( :‬لعَل َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ثأ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذا ال ْ َ‬ ‫مُنوا ب ِهَ َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬
‫ن()‪] (14‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪.[3 :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ك أل ي َكوُنوا ُ‬ ‫ف َ‬ ‫خع ٌ ن َ ْ‬ ‫َبا ِ‬
‫ت()‪] (15‬سورة فاطر‪،‬‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫سك عَلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ب نَ ْ‬ ‫وفي سورة أخرى‪َ) :‬فل ت َذ ْهَ ْ‬
‫الية‪.[8 :‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫وتتحدد مهمتنا بقول الحق ‪-‬وهو البلغ‪ -‬كما في هذه الية‪) :‬وَقُ ِ‬
‫فْر()‪] (16‬سورة الكهف‪ ،‬الية‪.[29 :‬‬ ‫شاَء فَل ْي َك ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شاَء فَل ْي ُؤْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫ست َط َعْ َ‬
‫ت‬ ‫نا ْ‬ ‫م فَإ ِ ِ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ك إ ِعَْرا ُ‬ ‫ن ك َب َُر عَل َي ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ونختم هذه اليات بهاتين اليتين‪) :‬وَإ ِ ْ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫شاَء الل ُ‬ ‫م ِبآي َةٍ وَلوْ َ‬ ‫َ‬
‫ماِء فت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫سّلما ً ِفي ال ّ‬ ‫ض أوْ ُ‬ ‫فقا ِفي الْر ِ‬
‫ي نَ َ ً‬ ‫ن ت َب ْت َغِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن()‪] (17‬سورة النعام‪ ،‬الية‪.[35 :‬‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫دى َفل ت َ ُ‬ ‫م عََلى ال ْهُ َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬
‫ت‬‫ما أن ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫أما آية الذاريات فجاءت مؤكدة المعنى بأسلوب آخر‪) :‬فَت َوَ ّ‬
‫ن()‪] (18‬سورة الذاريات‪ ،‬اليتان‪،54 :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫فعُ ال ْ ُ‬ ‫ن الذ ّك َْرى ت َن ْ َ‬ ‫مُلوم ٍ وَذ َك ّْر فَإ ِ ّ‬ ‫بِ َ‬
‫‪.[55‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة الروم آية‪.47 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة النحل آية‪.35 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة النور آية‪.54 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الشورى آية‪.48 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة التغابن آية‪.12 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة المائدة آية‪.92 :‬‬
‫)‪ - (7‬سورة آل عمران آية‪.20 :‬‬
‫)‪ - (8‬انظر تفسير الطبري ‪.3/215‬‬
‫)‪ - (9‬سورة آل عمران آية‪.20 :‬‬
‫)‪ - (10‬التحرير والتنوير ‪.3/205‬‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يونس آية‪.99 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(11‬‬


‫القصص آية‪.56 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(12‬‬
‫الكهف آية‪.6 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(13‬‬
‫الشعراء آية‪.3 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(14‬‬
‫فاطر آية‪.8 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(15‬‬
‫الكهف آية‪.29 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(16‬‬
‫النعام آية‪.35 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(17‬‬
‫الذاريات آية‪.55-54 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(18‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫هذه بعض اليات التي وردت في كتاب الله محددة مهمة النبياء والرسل‬
‫والدعاة‪ ،‬ونافية أي مهمة أخرى قد يتصور الدعاة أنها من مسئوليتهم‪ ،‬وهي‬
‫ليست كذلك‪.‬‬
‫إن مهمتنا هي البلغ‪ ،‬وليس الكراه‪ ،‬والسعي لهداية الناس‪ ،‬وليس تحقيق‬
‫هدايتهم‪ ،‬واتخاذ الخطوات والسبل المشروعة لتغيير الواقع السيئ‪ ،‬ل تغيير‬
‫الواقع‪.‬‬
‫إننا عندما ندرك هذه الحقائق‪ ،‬ونتعامل معها‪ ،‬نفهم حقيقة النصر الذي نسعى‬
‫للفوز به‪ ،‬ونعلم من المنتصر ومن المهزوم‪ ،‬وعندما تغيب هذه السس‬
‫والصول والمنطلقات قد يحيد الداعية عن الطريق‪ ،‬ويخشى أن يكون ممن‬
‫خسري َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬
‫حَيا ِ‬ ‫سعْي ُهُ ْ‬ ‫ض ّ‬
‫ل َ‬ ‫ن َ‬ ‫مال ً ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ِباْل ْ َ ِ َ‬
‫ن أعْ َ‬ ‫ل ن ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫ل هَ ْ‬ ‫قال الله فيه‪( :‬قُ ْ‬
‫صْنعًا( )‪ ] (1‬سورة الكهف‪ ،‬اليتان‪،103 :‬‬ ‫َ‬
‫ن ُ‬‫سُنو َ‬‫ح ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬‫سُبو َ‬‫ح َ‬‫م يَ ْ‬
‫الد ّن َْيا وَهُ ْ‬
‫‪ [104‬وإن كانت هاتان اليتان في الكفار‪ ،‬فإن معناهما قد يشمل في بعض‬
‫مدلوله أولئك‪.‬‬
‫أمثلة من القرآن‬
‫تأصيل لهذا المفهوم‪ ،‬ومزيد بيان لهذه القضية‪ ،‬سأختار أمثلة من كتاب الله‪،‬‬
‫ص سير النبياء والمرسلين وبعض الدعاة من المم السابقة‪ ،‬حيث يتضح‬ ‫تق ّ‬
‫من خلل هذه القصص‪ ،‬المنهج الذي سلكه أولئك‪ ،‬والنتائج التي حققوها‪،‬‬
‫سا لنا ومن يأتي بعدنا‪.‬‬ ‫ليكون عبرة ونبرا ً‬
‫وسأعرض كل قصة بالقدر الذي أرى أنه يحقق الغرض من إيرادها‪ ،‬مقتصًرا‬
‫على أبرز هذه القصص‪ ،‬وأقربها صلة بموضوعنا‪.‬‬
‫‪ -1‬قصة نوح‬
‫ذكر الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬نوحا‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬في تسع وعشرين سورة من‬
‫سور القرآن‪ ،‬وقد جاء في بعضها في أكثر من موضع‪ ،‬ومنها سورة نزلت‬
‫بكاملها في نوح وقومه‪ ،‬وهي سورة نوح‪.‬‬
‫إن قصة نوح مع قومه قصة عظيمة مليئة‪ ،‬بالدروس والعبر‪ ،‬ومما يكسبها‬
‫أهمية خاصة ما تميزت به‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫)أ( أن نوح‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬أول رسول إلى البشر‪ ،‬وكل أول له خصوصيته‬
‫وميزته‪.‬‬
‫)ب( طول المدة التي قضاها في قومه‪ ،‬حيث مكث )‪ (950‬سنة‪.‬‬
‫)جـ( أن نوحا‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬من أولي العزم من الرسل‪.‬‬
‫)د( كثرة وروده في القرآن‪ ،‬حيث ورد )‪ (43‬مرة‪ .‬في )‪ (29‬سورة من سور‬
‫القرآن‪ ،‬أي في ربع سور القرآن ‪ -‬تقريبا )‪.(2‬‬
‫وسأذكر بعض اليات التي وردت تقص علينا سيرة نوح مع قومه‪ ،‬ثم أقف‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعض الوقفات حولها‪:‬‬


‫قالَ‬ ‫مهِ ف ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلَنا ُنوحا إ ِلى قوْ ِ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫قال ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬في سورة العراف‪) :‬ل َ‬
‫م()‬ ‫ظي ٍ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫م عَذا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ف عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْره ُ إ ِّني أ َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬
‫‪] (3‬سورة العراف‪ ،‬الية‪.[59 :‬‬
‫هذا جوهر دعوة نوح‪ ،‬حيث دعاهم إلى عبادة الله وتوحيده‪ ،‬وحذرهم من مغبة‬
‫مخالفته‪.‬‬
‫وتأتي مرحلة أخرى يواجه فيها قومه بعد استكبارهم وعدم استجابتهم‪ ،‬قال‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫مهِ َيا قَوْم ِ إ ِ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫م ن َب َأ َ ُنوٍح إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫‪-‬سبحانه‪ -‬في سورة يونس‪َ) :‬وات ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬‫مَرك ُ ْ‬ ‫مُعوا أ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت فَأ ْ‬ ‫ت اللهِ فَعَلى اللهِ ت َوَك ّل ُ‬ ‫ري ِبآيا ِ‬ ‫كي ِ‬ ‫مي وَت َذ ْ ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫ك َب َُر عَل َي ْك ُ ْ‬
‫كاَءك ُم ث ُم ل يك ُ َ‬
‫ن()‪(4‬‬ ‫ي َول ت ُن ْظ ُِرو ِ‬ ‫ضوا إ ِل َ ّ‬ ‫م اق ْ ُ‬ ‫ة ثُ ّ‬ ‫م ً‬‫م غُ ّ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫مُرك ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ّ‬ ‫شَر َ‬ ‫وَ ُ‬
‫]سورة يونس‪ ،‬الية‪.[71 :‬‬
‫وتأتي أطول قصة لنوح مع قومه في سورة هود‪ ،‬حيث حاجهم وجادلهم وبين‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫دال ََنا فَأت َِنا ب ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت ِ‬ ‫جاد َل ْت ََنا فَأك ْث َْر َ‬ ‫ح قَد ْ َ‬ ‫لهم طريق الهداية‪ ،‬حتى قالوا‪َ) :‬يا ُنو ُ‬
‫ن()‪] (5‬سورة هود‪ ،‬الية‪.[32 :‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ت َعِد َُنا إ ِ ْ‬
‫ك إ ِلّ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن قوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫هلَ ْ‬ ‫ي إ ِلى ُنوٍح أن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ثم يبين الله له النهاية في هؤلء )وَأو ِ‬
‫حي َِنا َول‬ ‫فلك ب ِأعْي ُن َِنا وَوَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صن َِع ال ُ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ن َفل ت َب ْت َئ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَد ْ آ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن()‪] (6‬سورة هود‪ ،‬اليتان‪.[37 ،36 :‬‬ ‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫غ‬ ‫م‬
‫ِّ ُ ْ ُ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫موا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ني‬ ‫تُ َ ِ ْ ِ‬
‫ب‬ ‫ط‬ ‫خا‬
‫ونقف بعض الوقفات المهمة حول قصة نوح‪ ،‬مما له ارتباط بموضوعنا‪:‬‬
‫ف‬‫م أ َل ْ َ‬ ‫ث ِفيهِ ْ‬ ‫مهِ فَل َب ِ َ‬ ‫سل َْنا ُنوحا ً إ َِلى قَوْ ِ‬ ‫قد ْ أْر َ‬
‫‪ -1‬كم لبث نوح في قومه؟ )ول َ َ َ‬
‫َ‬
‫عامًا()‪] (7‬سورة العنكبوت‪ ،‬الية‪.[14 :‬‬ ‫ن َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫سن َةٍ إ ِّل َ‬ ‫َ‬
‫‪ -2‬ما هي الساليب التي اتخذها نوح لتبيلغ رسالة ربه؟ لقد اتخذ كل وسيلة‬
‫مي ل َي ْل ً‬ ‫ت قَوْ ِ‬ ‫ب إ ِّني د َعَوْ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫مشروعة في محاولة لهدايتهم وتعبيدهم لله؛ )َقا َ‬
‫جعَلوا‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫فَر لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م ل ِت َغْ ِ‬ ‫ما د َعَوْت ُهُ ْ‬ ‫عائي إ ِّل فَِرارا ً وَإ ِّني ك ُل ّ َ‬ ‫م دُ َ‬ ‫م ي َزِد ْهُ ْ‬ ‫وَن ََهارا ً فَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِّني‬ ‫ست ِك َْبارا ً ث ُ ّ‬ ‫ست َك ْب َُروا ا ْ‬ ‫صّروا َوا ْ‬ ‫م وَأ َ‬ ‫وا ث َِياب َهُ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫م ِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫صاب ِعَهُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫سَرارًا()‪] (8‬سورة نوح‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫سَرْر ُ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫م إ ِّني أعْل َن ْ ُ‬ ‫جَهارا ً ث ُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫د َعَوْت ُهُ ْ‬
‫اليات‪.[9-5 :‬‬
‫‪ -3‬ماذا كانت النتيجة من هؤلء؟‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة الكهف آية‪.104-103 :‬‬
‫)‪ - (2‬لن سور القرآن )‪ ،(114‬و )‪ (29‬ربع )‪.(116‬‬
‫)‪ - (3‬سورة العراف آية‪.59 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة يونس آية‪.71 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة هود آية‪.32 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة هود آية‪.37-36 :‬‬
‫)‪ - (7‬سورة العنكبوت آية‪.14 :‬‬
‫)‪ - (8‬سورة نوح آية‪.9-8-7-6-5 :‬‬

‫)‪(8 /‬‬
‫َ‬
‫ن()‪] (1‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪ [111 :‬ثم قالوا‪:‬‬ ‫ك اْل َْرذ َُلو َ‬ ‫ك َوات ّب َعَ َ‬‫ن لَ َ‬
‫م ُ‬ ‫)َقاُلوا أن ُؤْ ِ‬
‫ن()‪ (2‬سورة ]الشعراء‪ ،‬الية‪:‬‬
‫مي َ‬
‫جو ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ح ل َت َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫م ت َن ْت َهِ َيا ُنو ُ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫)ل َئ ِ ْ‬
‫‪.[116‬‬
‫‪ -4‬من آمن مع نوح؟ لم يؤمن معه إل قليل‪ ،‬حتى إن زوجته لم تؤمن به‪،‬‬
‫وكذلك أحد أبنائه‪ ،‬ولنقرأ هذه اليات‪:‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫سب َقَ عَل َي ْهِ ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك إ ِّل َ‬ ‫ن وَأ َهْل َ َ‬ ‫ن اث ْن َي ْ ِ‬ ‫جي ْ ِ‬ ‫ل َزوْ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِفيَها ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫)قُل َْنا ا ْ‬
‫ل()‪] (3‬سورة هود‪ ،‬الية‪.[40 :‬‬ ‫ه إ ِّل قَِلي ٌ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫آ َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حك ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫حقّ وَأن ْ َ‬ ‫ن وَعْد َك ال َ‬ ‫ن أهِْلي وَإ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن اب ِْني ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫قال َر ّ‬ ‫هف َ‬ ‫ح َرب ّ ُ‬ ‫)وََناَدى ُنو ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ك‬
‫َ ُ ُ ِّ ُ ْ َ ِ ْ ْ ِ ِّ ُ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ح‬ ‫نو‬ ‫يا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫)‬ ‫‪[.‬‬ ‫‪45‬‬ ‫الية‪:‬‬ ‫هود‪،‬‬ ‫]سورة‬ ‫(‬ ‫‪4‬‬ ‫ن()‬ ‫مي َ‬ ‫حاك ِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫صال ٍِح ()‪] (5‬سورة هود‪ ،‬الية‪.[46 :‬‬ ‫ل غَي ُْر َ‬ ‫م ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ت عَب ْد َي ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫كان ََتا ت َ ْ‬ ‫ط َ‬ ‫ت ُلو ٍ‬ ‫مَرأ َ‬ ‫ت ُنوٍح َوا ْ‬ ‫مَرأ َ‬ ‫فُروا ا ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مث َل ً ل ِل ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫) َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫خل الّناَر َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫شْيئا وَِقي َ‬ ‫ً‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ي ُغْن َِيا عَن ْهُ َ‬ ‫ما فَل ْ‬ ‫َ‬ ‫خان ََتاهُ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫حي ْ ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫عَبادَِنا َ‬ ‫ِ‬
‫ن()‪] (6‬سورة التحريم‪ ،‬الية‪.[10 :‬‬ ‫خِلي َ‬ ‫دا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ح ب َي ِْني‬ ‫ن َفافْت َ ْ‬ ‫مي ك َذ ُّبو ِ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫‪ -5‬وأخيرا ماذا قال نوح‪ ،‬عليه السلم؟ )َقا َ‬
‫ن()‪] (7‬سورة الشعراء‪ ،‬اليتان‪:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫معِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جِني وَ َ‬ ‫م فَْتحا ً وَن َ ّ‬ ‫وَب َي ْن َهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫صْر()‪] (8‬سورة القمر‪ ،‬الية‪.[10 :‬‬ ‫ب َفان ْت َ ِ‬ ‫مغْلو ٌ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫عا َرب ّ ُ‬ ‫‪) .[118 ،117‬فَد َ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫)وََقا َ‬
‫ضلوا‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ن ت َذ َْرهُ ْ‬ ‫ن د َّيارا إ ِن ّك إ ِ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ن الكافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ب ل ت َذ َْر عَلى الْر ِ‬ ‫ح َر ّ‬ ‫ل ُنو ٌ‬
‫فارا()‪] (9‬سورة نوح‪ ،‬اليتان‪.[27 ،26 :‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫جرا ك ّ‬ ‫ً‬ ‫دوا إ ِل َفا ِ‬ ‫ّ‬ ‫عَباد َك َول ي َل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ه أّني‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عا َرب ّ ُ‬ ‫‪ -6‬وتحقق النتصار لنوح بعد هذه الرحلة الشاقة العسيرة‪) :‬فد َ َ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قى‬ ‫ض عُُيونا فالت َ َ‬ ‫َ‬ ‫جْرَنا اْلْر َ َ‬ ‫مرٍ وَفَ ّ‬ ‫من ْهَ ِ‬ ‫ماٍء ُ‬ ‫ماِء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وا َ‬ ‫حَنا أب ْ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫صْر فَ َ‬ ‫ب َفان ْت َ ِ‬ ‫مغُْلو ٌ‬ ‫َ‬
‫جَزاًء‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ري ب ِأعْي ُن َِنا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سرٍ ت َ ْ‬ ‫واٍح وَد ُ ُ‬ ‫ت أل َ‬ ‫ملَناه ُ عَلى ذا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مرٍ قد ْ قدَِر وَ َ‬ ‫ماُء عَلى أ ْ‬ ‫ال َ‬
‫ر()‪] (10‬سورة القمر‪ ،‬اليات‪:‬‬ ‫ك‬
‫ِ ْ ُ ّ ِ ٍ‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬
‫َ ِ َ َ ْ ََ َ َ َ ً َ‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ها‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ن‬
‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫‪.[15-10‬‬
‫هذه قصة نوح‪ ،‬ومع هذه السنوات التي قضاها‪ ،‬بل القرون‪ ،‬حيث لبث قرابة‬
‫عشرة قرون‪ ،‬ماذا كانت النتيجة؟‬
‫)أ( لم يؤمن من قومه إل قليل‪ ،‬قيل‪ :‬إنهم ثلثة عشر بنوح‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬قال‬
‫ابن إسحاق‪ :‬نوح وبنوه الثلثة‪ ،‬سام‪ ،‬وحام‪ ،‬ويافث‪ ،‬وأزواجهم‪ ،‬وستة أناس‬
‫ممن كان آمن به )‪.(11‬‬
‫)ب( لم تؤمن زوجته ول أحد أبنائه كما سبق‪ ،‬وهم أقرب الناس إليه‪.‬‬
‫)جـ( ومع ذلك‪ ،‬فإنه يعد منتصرا‪ ،‬بل إنه حقق أعظم النتصارات‪ ،‬ويتمثل ذلك‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬صبره وثباته طوال هذه القرون‪ ،‬وعدم ميله إلى محاولت قومه ‪-‬وحاشاه‬
‫ك وك ُل ّما مر عَل َي ْهِ مَل ٌ‬
‫َ‬ ‫فل ْ َ َ َ َ ّ‬ ‫صن َعُ ال ْ ُ‬ ‫من ذلك‪ -‬أو تأثره باستهزائهم وسخريتهم )وَي َ ْ‬
‫ن()‬ ‫خُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫مك َ‬ ‫َ‬ ‫من ْك ْ‬‫ُ‬ ‫خُر ِ‬ ‫س َ‬ ‫مّنا فَإ ِّنا ن َ ْ‬ ‫خُروا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫خُروا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫مهِ َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫‪] (12‬سورة هود‪ ،‬الية‪.[38 :‬‬
‫ن‬‫كون َ ّ‬ ‫ح ل َت َ ُ‬ ‫م ت َن ْت َهِ َيا ُنو ُ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫‪ -2‬حماية الله له من كيدهم ومؤامراتهم‪َ) :‬قاُلوا ل َئ ِ ْ‬
‫ن()‪] (13‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪.[116 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫جو ِ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫كاُنوا‬ ‫م َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫بآيا‬ ‫بوا‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫بالغرق‪،‬‬ ‫كذبوه‬ ‫الذين‬ ‫قومه‬ ‫إهلك‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬
‫ُ ِ َ ِّ ُ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ن()‪] (14‬سورة العراف‪ ،‬الية‪.[64 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫وما ً عَ ِ‬ ‫قَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ك ()‪] (15‬سورة‬ ‫فل ِ‬ ‫ه ِفي ال ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي َْناه ُ َوال ِ‬ ‫‪ -4‬نجاة نوح ومن آمن معه‪) ،‬فَأن ْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ري ب ِأعْي ُن َِنا()‪(16‬‬ ‫ج ِ‬ ‫سرٍ ت َ ْ‬ ‫واٍح وَد ُ ُ‬ ‫ت أل َ‬ ‫مل َْناه ُ عَلى َذا ِ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫العراف‪ ،‬الية‪) .[64 :‬وَ َ‬
‫]سورة القمر‪ ،‬اليتان‪.[14 ،13 :‬‬
‫‪ -5‬إن قصة انتصار نوح وإهلك قومه أصبح آية يعتبر بها‪ ،‬وجعل الله لنوح‬
‫ر()‪] (17‬سورة‬ ‫مد ّك ِ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ة فَهَ ْ‬ ‫ها آي َ ً‬ ‫قد ْ ت ََرك َْنا َ‬ ‫لسان صدق في الخرين )وَل َ َ‬
‫القمر‪ ،‬الية‪.[15 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة الشعراء آية‪.111 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة الشعراء آية‪.116 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة هود آية‪.40 :‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (4‬سورة هود آية‪.45 :‬‬


‫)‪ - (5‬سورة هود آية‪.46 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة التحريم آية‪.10 :‬‬
‫)‪ - (7‬سورة الشعراء آية‪.118-117 :‬‬
‫)‪ - (8‬سورة القمر آية‪.10 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة نوح آية‪.27-26 :‬‬
‫)‪ - (10‬سورة القمر آية‪.15-14-13-12-11-10 :‬‬
‫)‪ - (11‬انظر تفسير الطبري ‪.8/215‬‬
‫)‪ - (12‬سورة هود آية‪.38 :‬‬
‫)‪ - (13‬سورة الشعراء آية‪.116 :‬‬
‫)‪ - (14‬سورة العراف آية‪.64 :‬‬
‫)‪ - (15‬سورة العراف آية‪.64 :‬‬
‫)‪ - (16‬سورة القمر آية‪.14-13 :‬‬
‫)‪ - (17‬سورة القمر آية‪.15 :‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫كورًا()‪] (1‬سورة السراء‪ ،‬الية‪.[3 :‬‬ ‫ش ُ‬ ‫ن عَْبدا ً َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُنوٍح إ ِن ّ ُ‬ ‫مل َْنا َ‬
‫ح َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ة َ‬ ‫)ذ ُّري ّ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن()‪] (2‬سورة الصافات‪ ،‬الية‪) .[79 :‬إ ِ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫م عََلى ُنوٍح ِفي ال َْعال َ ِ‬ ‫سل ٌ‬ ‫) َ‬
‫ن()‪] (3‬سورة آل‬ ‫مي َ‬ ‫ن عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م َوآ َ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫م وَُنوحا ً َوآ َ‬ ‫فى آد َ َ‬ ‫صط َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫عمران‪ ،‬الية‪.[33 :‬‬
‫وهكذا تتضح حقيقة النصر‪ ،‬من خلل قصة نوح وقومه‪.‬‬
‫وقبل أن أتجاوز قصة نوح‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬وقفت عند آية وردت في سورة‬
‫فارًا()‪(4‬‬ ‫جرا ً ك َ ّ‬
‫دوا إ ِّل َفا ِ‬ ‫ك َول ي َل ِ ُ‬ ‫عَباد َ َ‬ ‫ضّلوا ِ‬ ‫م يُ ِ‬‫ن ت َذ َْرهُ ْ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫نوح‪ ،‬حيث‪ ،‬قال‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫]سورة نوح‪ ،‬الية‪.[27 :‬‬
‫وبما أنه لم يكن في الرض يومئذ إل قوم نوح‪ ،‬وقد كفروا بالله‪ ،‬وتمردوا على‬
‫رسوله‪ ،‬سوى فئة قليلة هي التي آمنت به‪ ،‬فإن الله ‪-‬سبحانه‪ -‬أهلك جميع‬
‫من في الرض‪ ،‬يومئذ سوى نوح ومن آمن معه‪ ،‬حماية للمنهج الذي ذكر نوح‬
‫أنه معرض للزوال إن بقي هؤلء‪ ،‬فأهلك هؤلء على كثرتهم من أجل عدد من‬
‫البشر يحملون الحق ويذودون عنه‪ .‬والدليل على أنه لم يبق سوى من يحمل‬
‫معَ ُنوٍح()‪] (5‬سورة‬ ‫مل َْنا َ‬ ‫ح َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫رسالة التوحيد أن الله ‪-‬تعالى‪ -‬قال‪) :‬ذ ُّري ّ َ‬
‫السراء‪ ،‬الية ‪ .[3‬قال المام الطبري في تفسير هذه الية‪ :‬وذلك أن كل من‬
‫على الرض من بني آدم فهم من ذرية من حمله الله مع نوح في السفينة‪.‬‬
‫قال قتادة‪ :‬والناس كلهم ذرية من أنجى الله في تلك السفينة‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬بنوه ونساؤهم ونوح )‪.(6‬‬
‫وقيل هم ثلثة عشر‪ ،‬رجال ونساء )‪.(7‬‬
‫َ‬ ‫ك ال ّذي َ‬ ‫قال ‪-‬سبحانه‪ُ) :-‬أول َئ ِ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ّ‬
‫م وَ ِ‬ ‫ن ذ ُّري ّةِ آد َ َ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الن ّب ِّيي َ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ه عَلي ْهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن أن ْعَ َ‬ ‫ِ َ‬
‫معَ ُنوٍح()‪] (8‬سورة نوح‪ ،‬الية‪ .[58 :‬إن النتصار وهو انتصار المنهج ل‬ ‫مل َْنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫الفراد‪ ،‬والعبرة ليست بكثرة المؤمنين والمستجيبين للحق‪ ،‬وإنما في المنهج‬
‫الذي يحمله أولئك سواء أقلوا أم كثروا‪ ،‬ولذا فإن بضعة نفر أو يزيدون‪ ،‬ول‬
‫يتجاوزون ثلثة عشر فردا يحملون السلم ويحققون معنى العبودية‪ ،‬يهلك‬
‫أهل الرض جميعا حماية لهؤلء وللمنهج الذي يمثلونه ويحملونه‪ ،‬ما دام أن‬
‫ن‬‫ك إِ ْ‬ ‫هناك خطرا يهدد بزوالهم‪ ،‬ومن ثم زوال المنهج الذي يحملونه‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫فارًا()‪] (9‬سورة نوح‪ ،‬الية‪.[27 :‬‬ ‫جرا ً ك َ ّ‬ ‫دوا إ ِّل َفا ِ‬ ‫ك َول ي َل ِ ُ‬ ‫ضّلوا ِ‬
‫عَباد َ َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ت َذ َْرهُ ْ‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولهذا قال رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم في بدر وهو يناجي ربه‪ " :‬اللهم‬
‫إن تهلك هذه العصابة من أهل السلم ل تعبد في الرض‪ (10) " ...‬الحديث‪.‬‬
‫واستجاب الله لمحمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم ونصره في بدر وما بعدها‪ ،‬كما‬
‫استجاب لنوح‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬من قبله‪.‬‬
‫ومن علمات انتصار دين السلم‪ ،‬أنه لن تستطيع قوة في الرض أن تهلك‬
‫جميع المؤمنين كما كان يخشى في عهد نوح أو في أول الرسالة ‪-‬كما سبق‪،-‬‬
‫لن رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم بين هذا كما ورد في الحديث الصحيح‪:‬‬
‫" ل تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله ل يضرهم من خذلهم أو خالفهم‬
‫حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك " )‪.(11‬‬
‫‪ -2‬أصحاب القرية‬
‫ب‬ ‫ضرِ ْ‬ ‫وهي القصة التي ذكرها الله في سورة )يس(‪ ،‬ولنقرأ هذه اليات‪َ) :‬وا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن فَك َذ ُّبوهُ َ‬ ‫ِ‬ ‫م اث ْن َي ْ‬ ‫سل َْنا إ ِل َي ْهِ ُ‬‫ن إ ِذ ْ أْر َ‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ها ال ْ ُ‬ ‫جاَء َ‬ ‫قْري َةِ إ ِذ ْ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫مث َل ً أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أن َْز َ‬
‫ل‬ ‫مث ْل َُنا وَ َ‬ ‫شٌر ِ‬ ‫م إ ِّل ب َ َ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ن َقاُلوا َ‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫م ُ‬ ‫قاُلوا إ ِّنا إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ث فَ َ‬ ‫فَعَّزْزَنا ب َِثال ِ ٍ‬
‫ما‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫ن وَ َ‬ ‫سلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مل ُ‬ ‫م إ ِّنا إ ِلي ْك ْ‬ ‫ن قالوا َرب َّنا ي َعْل ُ‬ ‫م إ ِل ت َكذُِبو َ‬ ‫ن أن ْت ُ ْ‬ ‫يٍء إ ِ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫سن ّك ْ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫م وَلي َ َ‬ ‫ُ‬
‫من ّك ْ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫م ت َن ْت َُهوا لن َْر ُ‬ ‫نل ْ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫م لئ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن قالوا إ ِّنا ت َطي ّْرَنا ب ِك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مِبي ُ‬ ‫عَل َي َْنا إ ِل الَبلغ ال ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م()‪] (12‬سورة يس‪ ،‬اليات‪ .[18-13 :‬قرية واحدة‪ ،‬وهي قرية‬ ‫َ‬ ‫مّنا عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ِ‬
‫أنطاكية كما ذكر المفسرون‪ ،‬يرسل إليها رسولن‪ ،‬وعندما لم يؤمن بهما أهل‬
‫هذه القرية‪ ،‬يرسل الله ثالثا‪ ،‬ومع ذلك فيبقى هؤلء على إصرارهم وكفرهم‪،‬‬
‫وما زادهم إرسال الرسول الثالث إل عتوا ونفورا‪ ،‬بل هددوا برجم هؤلء‬
‫َ‬
‫م()‪] (13‬سورة يس‪،‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬‫مّنا عَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫سن ّك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَل َي َ َ‬ ‫من ّك ُ ْ‬ ‫ج َ‬‫الرسل وقتلهم‪) :‬ل َن َْر ُ‬
‫الية‪.[18 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة السراء آية‪.3 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة الصافات آية‪.79 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة آل عمران آية‪.33 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة نوح آية‪.27 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة السراء آية‪.3 :‬‬
‫)‪ - (6‬انظر تفسير الطبري ‪.15/19‬‬
‫)‪ - (7‬انظر تفسير الطبري ‪.8/215‬‬
‫)‪ - (8‬سورة مريم آية‪.58 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة نوح آية‪.27 :‬‬
‫)‪ - (10‬أخرجه مسلم )‪.(1763‬‬
‫)‪ - (11‬أخرجه البخاري )‪ ،(3641‬ومسلم )‪.(1037‬‬
‫)‪ - (12‬سورة يس آية‪.18-17-16-15-14-13 :‬‬
‫)‪ - (13‬سورة يس آية‪.18 :‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫وهل انتهت القصة عند هذا الحد‪ ،‬بل جاءهم رجل رابع‪ ،‬وهو من بني جلدتهم‬
‫وناصح لهم‪) ،‬وجاَء م َ‬
‫ل َيا قَوْم ِ ات ّب ُِعوا‬
‫سَعى َقا َ‬ ‫ج ٌ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫دين َةِ َر ُ‬ ‫صى ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ن أقْ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن()‪] (1‬سورة يس‪ ،‬الية‪ .[20 :‬ويستمر في حواره معهم ودعوتهم‪،‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬
‫وهذه المرة لم يهددوه‪ ،‬كما هددوا من قبله بل قتلوه عندما خالفهم‪ ،‬وهذا‬
‫شأن الطغاة فإنهم ل يتحملون أن يخالفهم أحد من بني قومهم أو حاشيتهم‪.‬‬
‫وهكذا ثلثة رسل وداعية من أهل هذه القرية لقرية واحدة‪ ،‬ومع ذلك لم‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستجيبوا للدعاة‪ ،‬ولم يكتفوا بعدم الستجابة‪ ،‬بل هددوا الرسل ‪-‬وقيل‬
‫قتلوهم‪ -‬وقتلوا الداعية الرابع‪.‬‬
‫إن مقاييس الرض تظهر أن هؤلء الرسل لم ينتصروا ولم يحققوا أهدافهم‪،‬‬
‫وأن هذا الداعية استعجل في الكشف عن هويته وإيمانه‪ ،‬ولذلك لقي جزاءه؟‬
‫هكذا يقوم الحدث في نظر من لم يفهم حقيقة النتصار‪ ،‬ول معنى الهزيمة‪.‬‬
‫أما منطق الحق‪ ،‬ومنهج النبوة‪ ،‬فيعلن أن هؤلء قد نصروا نصرا مؤزرا‪ ،‬وأن‬
‫أصحاب القرية هم الخاسرون‪ ،‬ويتمثل النصر في الحقائق التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن هؤلء الرسل قد بلغوا رسالة الله‪ ،‬ولم يستسلموا لشبه أهل القرية‬
‫ن()‪(2‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ما عَل َي َْنا إ ِّل ال َْبلغُ ال ْ ُ‬ ‫أول‪ ،‬وتهديدهم ثانيا‪ ،‬وهذه هي مهمتهم‪) :‬وَ َ‬
‫]سورة يس‪ ،‬الية‪ .[17 :‬ومن أدى ما عليه فقد انتصر وفاز ونجح‪.‬‬
‫‪ -2‬إيمان رجل من أهل القرية بهم‪ ،‬وتأييده لهم علنية‪ ،‬يعد نصرا وانتصارا له‬
‫ولهم‪ ،‬ولذلك كان رد أهل القرية عنيفا تجاهه‪ ،‬لنهم شعروا بخذلنه لهم‪،‬‬
‫وخذلنهم نصر لولئك الرسل‪.‬‬
‫دى‬ ‫ح َ‬ ‫ّ‬
‫ن ب َِنا إ ِل إ ِ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ل ت ََرب ّ ُ‬‫ل هَ ْ‬ ‫ُ‬
‫‪ -3‬أن قتل هذا الداعية نصر له ولمنهجه )ق ْ‬
‫ة()‪] (4‬سورة‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫ن()‪] (3‬سورة التوبة‪ .[52 :‬ولذلك‪ِ) ،‬قيل اد ْ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫سن َي َي ْ ِ‬ ‫ح ْ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫مي ي َعْل َ ُ‬ ‫ت قَوْ ِ‬ ‫يس‪ ،‬الية‪ .[26 :‬فتمنى أن يعلن عن فوزه وانتصاره‪َ) ،‬يا ل َي ْ َ‬
‫ن()‪] (5‬سورة يس‪ ،‬اليتان‪.[27 ،26 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫مك َْر ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫جعَل َِني ِ‬ ‫فَر ِلي َرّبي وَ َ‬ ‫ما غَ َ‬ ‫بِ َ‬
‫‪ -4‬وتتويجا لنتصارات هؤلء الرسل وهذا الداعية‪ ،‬جاءت النهاية المحققة‪:‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫من ْزِِلي َ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬ ‫ماِء وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫جن ْد ٍ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مهِ ِ‬ ‫ما أن َْزل َْنا عََلى قَوْ ِ‬ ‫)وَ َ‬
‫ن()‪] (6‬سورة يس‪ ،‬اليتان‪.[29 ،28 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ُ‬‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫حد َة ً فَإ َِذا هُ ْ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫ح ً‬ ‫صي ْ َ‬ ‫إ ِّل َ‬
‫إن الدعاة في أمس الحاجة إلى أن يقفوا مع قصة أصحاب القرية‪ ،‬ويتدبروا‬
‫أبعادها ونهاياتها‪.‬‬
‫ثلثة رسل‪ ،‬وداعية مخلص صادق لقرية واحدة‪ ،‬ومع ذلك فلم يؤمنوا‪ ،‬وعدم‬
‫إيمانهم لم يفت في عضد هؤلء الرسل‪ ،‬ولم يمنع هذا الداعية من قول كلمة‬
‫الحق‪ ،‬دون استعجال أو تنازل أو يأس‪.‬‬
‫بل إن هذا الداعية‪ ،‬كما ورد عند الطبري‪ ،‬كان يقول أثناء قتل قومه له‪:‬‬
‫مي‬ ‫ت قَوْ ِ‬ ‫"اللهم اهد قومي فإنهم ل يعلمون"‪ ،‬بل إننا نلمس من قوله )َيا ل َي ْ َ‬
‫ن()‪ (7‬أنه ل يقول هذا تشفيا ول من أجل إغاظتهم‪ ،‬ولكن من أجل‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ما أن َْز َ‬
‫ل‬ ‫هدايتهم‪ ،‬لنهم إذا علموا أنه كان على الحق وقد قالوا للرسل‪) :‬وَ َ‬
‫شيٍء إ َ‬
‫ن()‪] (8‬سورة يس‪ ،‬الية‪ .[15 :‬كان‬ ‫م إ ِّل ت َك ْذُِبو َ‬ ‫ن أن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ ْ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫أرجى لهدايتهم‪.‬‬
‫وهذا من حرصه على هداية قومه‪ ،‬وهكذا يكون الداعية‪ ،‬محبا لهداية الناس‪،‬‬
‫ل يحمل الحقد ول الضغينة‪ ،‬وهذا هو النتصار على النفس الذي يسبق‬
‫النتصار الظاهر‪ ،‬ومن حرم النتصار على نفسه‪ ،‬فلن ينتصرعلى غيره‪.‬‬
‫‪ -3‬أصحاب الخدود‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م عَلي َْها قُُعود ٌ‬ ‫ت الوَُقود ِ إ ِذ ْ هُ ْ‬ ‫دودِ الّنارِ َذا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ب ال ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫قال الله ‪ -‬تعالى‪) :‬قُت ِ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا ِبالل ِ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م إ ِل أ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫موا ِ‬ ‫ق ُ‬‫ما ن َ َ‬
‫شُهود ٌ وَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ِبال ُ‬ ‫فعَُلو َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫د()‪] (9‬سورة البروج‪ ،‬الية‪.[8-4 :‬‬ ‫مي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫زيزِ ال َ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫قصة أصحاب الخدود قصة عجيبة‪ ،‬تصور لنا معنى من معاني النتصار الذي‬
‫نتحدث عنه‪ ،‬وتبين أن استجابة الناس‪ ،‬أو ظهور الدين ليس هو المقياس‬
‫الوحيد للنتصار‪ ،‬بل إن ثبات الداعية وانتصار المنهج هو قمة النتصار‪.‬‬
‫ولهمية هذه القصة‪ ،‬فسأذكرها بتمامها‪ ،‬كما أوردها العلمة ابن كثير ‪-‬رحمه‬
‫الله‪ -‬حيث قال في تفسير هذه اليات‪:‬‬
‫__________‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يس آية‪.20 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫يس آية‪.17 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫التوبة آية‪.52 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫يس آية‪.26 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫يس آية‪.27-26 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫يس آية‪.29-28 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫يس آية‪.26 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫يس آية‪.15 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(8‬‬
‫البروج آية‪.8-7-6-5-4 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(9‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا عفان‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن أبي ليلى‪ ،‬عن صهيب أن رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫" كان فيمن كان قبلكم ملك وكان له ساحر‪ ،‬فلما كبر الساحر قال للملك‪:‬‬
‫إني قد كبر سني‪ ،‬وحضر أجلي‪ ،‬فادفع إلي غلما لعلمه السحر‪ ،‬فدفع إليه‬
‫غلما كان يعلمه السحر‪ ،‬وكان بين الساحر وبين الملك راهب‪ ،‬فأتى الغلم‬
‫على الراهب فسمع من كلمه فأعجبه نحوه وكلمه‪ ،‬وكان إذا أتى الساحر‬
‫ضربه وقال‪ :‬ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما حبسك؟ فشكا ذلك‬
‫إلى الراهب‪ ،‬فقال‪ :‬إذا أراد الساحر أن يضربك فقل‪ :‬حبسني أهلي‪ ،‬وإذا أراد‬
‫أهلك أن يضربوك فقل‪ :‬حبسني الساحر‪ ،‬فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة‬
‫فظيعة عظيمة قد حبست الناس فل يستطيعون أن يجوزوا‪ ،‬فقال‪ :‬اليوم‬
‫أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر‪ ،‬قال‪ :‬فأخذ حجرا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر فاقتل هذه‬
‫الدابة حتى يجوز الناس‪ ،‬ورماها فقتلها‪ ،‬ومضى الناس‪ ،‬فأخبر الراهب بذلك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أي بني أنت أفضل مني وإنك ستبتلى‪ ،‬فإن ابتليت فل تدل علي‪.‬‬
‫فكان الغلم يبرئ الكمه والبرص وسائر الدواء ويشفيهم )‪ (1‬وكان للملك‬
‫جليس فعمي‪ ،‬فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة‪ ،‬فقال‪ :‬اشفني‪ ،‬فقال ما أنا أشفي‬
‫أحدا‪ ،‬إنما يشفي الله عز وجل فإن آمنت به دعوت الله فشفاك‪ ،‬فآمن فدعا‬
‫الله فشفاه‪ ،‬ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس‪ ،‬فقال له الملك‪ :‬يا‬
‫فلن‪ ،‬من رد عليك بصرك؟ فقال‪ :‬ربي‪ .‬فقال‪ :‬أنا؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ربي وربك الله‪،‬‬
‫قال‪ :‬أولك رب غيري؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ربي وربك الله‪ ،‬فلم يزل يعذبه حتى دل‬
‫على الغلم‪ ،‬فبعث إليه فقال‪ :‬أي بني‪ :‬بلغ من سحرك أن تبرئ الكمه‬
‫والبرص‪ ،‬وهذه الدواء؟ قال‪ :‬ما أشفي أحدا‪ ،‬إنما يشفي الله عز وجل قال‪:‬‬
‫أنا؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬ولك رب غيري؟ قال‪ :‬ربي وربك الله‪ ،‬فأخذه ‪-‬أيضا‪-‬‬
‫بالعذاب فلم يزل به حتى دل على الراهب‪ ،‬فأتى بالراهب‪ ،‬فقال ارجع عن‬
‫دينك‪ ،‬فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه‪ ،‬وقال للعمى‪:‬‬
‫ارجع عن دينك‪ ،‬فأبى‪ ،‬فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى‬
‫الرض‪ ،‬وقال للغلم‪ :‬ارجع عن دينك‪ ،‬فأبى‪ ،‬فبعث به مع نفر إلى جبل كذا‬
‫وكذا‪ ،‬فقال‪ :‬إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإل فدهدهوه‪ ،‬فذهبوا به‪ ،‬فلما‬
‫علوا به الجبل قال‪ :‬اللهم اكفنيهم بما شئت‪ ،‬فرجف بهم الجبل فدهدهوا‬
‫أجمعون‪ .‬وجاء الغلم يتلمس حتى دخل على الملك فقال‪ :‬ما فعل أصحابك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬كفانيهم الله ‪-‬تعالى‪ -‬فبعث به مع نفر في قرقور‪ ،‬فقال‪ :‬إذا لججتم به‬
‫البحر فإن رجع عن دينه وإل فغرقوه في البحر‪ ،‬فلججوا به البحر‪ ،‬فقال‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغلم‪ :‬اللهم اكفنيهم بما شئت‪ ،‬فغرقوا أجمعون‪ ،‬وجاء الغلم حتى دخل على‬
‫الملك‪ ،‬فقال‪ :‬ما فعل أصحابك؟ فقال‪ :‬كفانيهم الله ‪-‬تعالى‪ -‬ثم قال للملك‪:‬‬
‫إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به‪ ،‬فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني‪،‬‬
‫وإل فإنك ل تستطيع قتلي‪ ،‬قال‪ :‬وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد‪،‬‬
‫ثم تصلبني على جذع وتأخذ سهما من كنانتي‪ ،‬ثم قل‪ :‬بسم الله رب الغلم‪،‬‬
‫فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني‪ ،‬ففعل ووضع السهم في كبد قوسه‪ ،‬ئم رماه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬بسم الله رب الغلم‪ ،‬فوقع السهم في صدغه‪ ،‬فوضع الغلم يده على‬
‫موضع السهم ومات‪ ،‬فقال الناس‪ :‬آمنا برب الغلم‪.‬‬
‫فقيل للملك أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك‪ ،‬قد آمن الناس كلهم‪،‬‬
‫فأمر بأفواه السكك فخدد فيها الخاديد‪ ،‬وأضرمت فيها النيران‪ ،‬وقال‪ :‬من‬
‫رجع عن دينه فدعوه‪ ،‬وإل فأقحموه فيها‪ ،‬قال‪ :‬فكانوا يتعادون ويتدافعون‪،‬‬
‫فجاءت امرأة بابن لها ترضعه‪ ،‬فكأنما تقاعست أن تقع في النار‪ ،‬فقال‬
‫الصبي‪ :‬اصبري يا أماه فإنك على الحق " )‪.(2‬‬
‫هذه قصة أصحاب الخدود بطولها‪ ،‬وقد أوردتها لهميتها‪ ،‬وقد أعجبت بما قاله‬
‫سيد قطب ‪-‬رحمه الله‪ -‬حول هذه القصة مبينا حقيقة النتصار فيها‪ ،‬ولذا‬
‫سأذكر بعض ما قاله‪ ،‬ثم أضيف ما أراه حولها مما له صلة بموضوعنا‪:‬‬
‫وكان مما قال ‪-‬رحمه الله‪(3) :-‬‬
‫"في حساب الرض يبدو أن الطغيان قد انتصر على اليمان‪ ،‬وأن هذا اليمان‬
‫الذي بلغ تلك الذروة العالية‪ ،‬في نفوس الفئة الخيرة الكريمة الثابتة‬
‫المستعلية‪ ،‬لم يكن له وزن ول حساب في المعركة التي دارت بين اليمان‬
‫والطغيان"‪.‬‬
‫في حساب الرض تبدو هذه الخاتمة أسيفة أليمة‪.‬‬
‫حساب الرض يجيك في الصدر شيء أمام هذه الخاتمة السيفة‪.‬‬
‫ولكن القرآن يعلم المؤمنين شيئا آخر‪ ،‬ويكشف لهم عن حقيقة أخرى‪.‬‬
‫إن الحياة وسائر ما يلبسها من لذائذ وآلم‪ ،‬ومن متاع وحرمان‪ ،‬ليست هي‬
‫القيمة الكبرى في الميزان‪ ،‬وليست هي السلعة التي تقرر حساب الربح‬
‫والخسارة‪ ،‬والنصر ليس مقصورا على الغلبة الظاهرة‪ ،‬فهذه صورة واحدة‬
‫من صور النصر الكثيرة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬بإذن الله‪.‬‬
‫)‪ - (2‬رواه مسلم )‪ (3005‬من حديث صهيب رضي الله عنه ]‪(3005) - 73‬‬
‫كتاب الزهد[‪.‬‬
‫)‪ - (3‬سأختار من كلمه ما له صلة بهذا الموضوع‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫إن الناس جميعا يموتون‪ ،‬وتختلف السباب‪ ،‬ولكن الناس ل ينتصرون ‪-‬جميعا‪-‬‬
‫هذا النتصار‪ ،‬ول يرتفعون هذا الرتفاع‪ ،‬ول يتحررون هذا التحرر‪ ،‬ول ينطلقون‬
‫هذا النطلق إلى هذه الفاق‪ ،‬إنما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من‬
‫عباده‪ ،‬تشارك الناس في الموت‪ ،‬وتنفرد دون ‪-‬كثير من‪ -‬الناس في المجد‪،‬‬
‫المجد في المل العلى‪ ،‬وفي دنيا الناس ‪-‬أيضا‪ -‬إذا نحن وضعنا في الحساب‬
‫نظرة الجيال بعد الجيال‪.‬‬
‫لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل الهزيمة‬
‫ليمانهم‪ ،‬ولكن كم كانوا يخسرون أنفسهم‪ ،‬وكم كانت البشرية كلها تخسر‪،‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير‪ ،‬معنى زهادة الحياة بل‬
‫عقيدة‪ ،‬وبشاعتها بل حرية‪ ،‬وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الرواح‪ ،‬بعد‬
‫سيطرتهم على الجساد‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫د()‪] (1‬سورة البروج‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫ن يُ ِ ُ ِ ِ َ ِ ِ َ ِ ِ‬
‫مي‬‫ح‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ز‬‫زي‬‫ع‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫نوا‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م إ ِّل أ ْ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫موا ِ‬‫ق ُ‬‫ما ن َ َ‬
‫)وَ َ‬
‫‪ .[8‬حقيقة ينبغي أن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله‪ ،‬في كل أرض‪ ،‬وفي‬
‫كل جيل‪.‬‬
‫إن المعركة بين المؤمنين وخصومهم هي في صميمها معركة عقيدة‪ ،‬وليست‬
‫شيئا آخر على الطلق وإن خصوهم ل ينقمون منهم إل اليمان‪ ،‬ول‬
‫يسخطون منهم إل العقيدة )‪(2‬‬
‫وبعد هذه الدروس التي استخلصها سيد قطب من هذه القصة‪ ،‬أقف عدة‬
‫وقفات حولها‪:‬‬
‫‪ -1‬ثبات الراهب والعمى‪ ،‬وتخلي العمى عن جميع متع الحياة الدنيا في‬
‫مقابل أن يظفر بعقيدته‪ ،‬إن الراهب قد انتصر في معركة بقائه أو بقاء‬
‫عقيدته‪ ،‬فاختار أن تبقى العقيدة ولو خسر حياته‪.‬‬
‫أما العمى فقد انتصر مرتين‪ ،‬انتصر عندما تخلى عن مكانته عند الملك مع‬
‫ما في ذلك من جاه ومكانة‪ ،‬وانتصر عندما تخلى عن حياته في مقابل‬
‫عقيدته‪.‬‬
‫إن الراهب والعمى قد خلدا لنا معاني عظيمة من معاني النتصار الحقيقي‪،‬‬
‫بعيدا عن التأويل والتبرير الذي يغطي فيه كثير من الناس ضعفهم وخورهم‬
‫بستار يوهمون فيه الخرين أنهم إنما فعلوا ذلك من أجل الدين‪ ،‬ولو صدقوا‬
‫لعلموا أن انتصار الدين بأن يفعلوا ما فعله الراهب والعمى‪.‬‬
‫‪ -2‬عجيب أمر هذا الغلم! لماذا دل الملك على مقتله‪ ،‬ولماذا ‪-‬مادام أن الله‬
‫قد منعه من الملك‪ -‬لم يؤثر البقاء ليبلغ رسالة ربه‪ ،‬ويدل الناس على الدين‬
‫الحق‪ ،‬ويبقي على حياته سالما‪.‬‬
‫هذا سؤال قد يتبادر إلى الذهان‪:‬‬
‫والمفهوم التي لم تعرف حقيقة النتصار‪ .‬إن الغلم قد أدرك ‪-‬بتوفيق من‬
‫الله‪ -‬أن كلمة في لحظة حاسمة صادقة‪ ،‬تفعل ما ل تفعله آلف الكلمات في‬
‫عشرات السنين‪.‬‬
‫إن الحياة مواقف‪ ،‬يتميز فيها الصادق من غيره‪ ،‬وقد سنحت فرصة عظيمة ل‬
‫يجوز تفويتها‪ ،‬ول يليق تبرير ضياعها‪ ،‬وكما قيل‪" :‬إذا هبت رياحك فاغتنمها"‬
‫وقد هبت رياح هذا الغلم‪ ،‬وهل رياحه إل تبليغ رسالة ربه‪ ،‬ولو دفع حياته ثمنا‬
‫رخيصا في سبيل الله؟‬
‫إنه انتصار الفهم‪ ،‬وانتصار الرادة‪ ،‬وانتصار العقيدة عندما تتحول في صدر‬
‫صاحبها إلى قوة مؤثرة‪ ،‬وحياة صادقة‪ ،‬وليست على هامش حياته وسلوكه‬
‫وتفكيره‪ ،‬إن هذا الغلم قد انتصر عدة مرات في معركة واحدة‪ ،‬وموقف‬
‫واحد‪:‬‬
‫انتصر بقوة فهمه وإدراكه لقصر وأسلم الطرق لنصرة دينه وعقيدته‪ ،‬وإخراج‬
‫أمته ومجتمعه من الظلمات إلى النور‪.‬‬
‫وانتصر بقدرته على اتخاذ القرار الحاسم في الوقت المناسب‪ ،‬متخطيا جميع‬
‫العقبات‪ ،‬ومستعليا على الشهوات وحظوظ النفس ومتاع الحياة الدنيا‪.‬‬
‫وانتصر على هذا الملك الغبي‪ ،‬الذي أعمى الله بصيرته‪ ،‬فأخرب ملكه بيده‪،‬‬
‫فإنها ل تعمى البصار‪ ،‬ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‪.‬‬
‫إن الناس قد يتعجبون لن الغلم قد دل الملك على مقتله‪ ،‬ولكنهم ل يدركون‬
‫أن الملك قد قتل نفسه بيده ل بيد غيره‪ ،‬فأيهما أولى بالعجب والتعجب؟‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن الغلم أقدم وهو يعي حقيقة ما يفعل‪ :‬أما الملك فأعمته سكرة الملك‬
‫وشهوة السلطان عن أن يدرك ما خطط له هذا الغلم‪ ،‬في هذه المعركة‬
‫الفاصلة التي مات فيها فرد وحيت أمة‪.‬‬
‫وانتصر الغلم عندما تحقق ما كان يتصوره ويتوقعه وقدم نفسه من أجله‪،‬‬
‫فآمن الناس وقالوا‪ :‬آمنا بالله رب الغلم‪.‬‬
‫إن دقة التخطيط وبراعة التنفيذ‪ ،‬وسلمة التقدير‪ ،‬نجاح باهر‪ ،‬وفوز ظاهر‪.‬‬
‫وانتصر الغلم عندما فاز بالشهادة في سبيل الله‪ ،‬فكل الناس يموتون‪ ،‬ولكن‬
‫القليل منهم من يستشهدون‪.‬‬
‫وانتصر أخيرا عندما خلد الله ذكره قدوة لمن بعده‪ ،‬وذكرا حسنا على لسان‬
‫المؤمنين‪ ،‬حيث جعل الله له لسان صدق في الخرين‪.‬‬
‫‪ -3‬وتتويجا لهذه النتصارات المتلحقة‪:‬‬
‫تأتي نهاية القصة‪ ،‬عندما آمن الناس برب الغلم‪ ،‬آمنوا بالله وحده وكفروا‬
‫بالطاغوت‪ ،‬وهنا جن جنون الملك‪ ،‬وفقد صوابه‪ ،‬فاستخدم كل ما يملك من‬
‫وسائل الرهاب والتخويف‪ ،‬في محاولة يائسة‪ ،‬للبقاء على هيبته وسلطانه‬
‫وتعبيد الناس له‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة البروج آية‪.8 :‬‬
‫)‪ - (2‬انظر معالم في الطريق فصل‪ :‬هذا هو الطريق ص ‪.173‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ثم يحفر أخاديده‪ ،‬ويوقد نيرانه‪ ،‬ويأمر زبانيته وجنوده بإلقاء المؤمنين في‬
‫النار‪ ،‬وتأتي المفاجأة المذهلة‪ ،‬بدل أن يضعف من يضعف‪ ،‬ويهرب من يهرب‪،‬‬
‫ل تسجل الرواية أن أحدا منهم تراجع أو جبن أو هرب‪ ،‬بل نجد القدام‬
‫والشجاعة‪ ،‬وذلك بالتدافع إلى النار‪ ،‬وكأن الغلم قد بث فيهم الشجاعة‪،‬‬
‫والثبات وها هم يجدون في اللحاق به‪ ،‬وكأنهم يتلذذون في تقديم أرواحهم‬
‫ن‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سب َ ّ‬
‫ح َ‬
‫فداء لدينهم‪ ،‬تموت الجسام وتحيا الرواح عند خالقها‪َ) :‬ول ت َ ْ‬
‫قُت ُِلوا في سبيل الل ّه أ َمواتا ً ب ْ َ‬
‫ن()‪] (1‬سورة آل‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬
‫حَياٌء ِ‬
‫لأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عمران‪ ،‬الية‪.[169 :‬‬
‫من لم يمت بالسيف مات بغيره ‪ ...‬تنوعت السباب والموت واحد‬
‫والحالة الفريدة التي وردت في الرواية‪ ،‬هي تلك المرأة التي خافت على‬
‫رضيعها‪ ،‬ولكنها نسيت أنها قد أرضعته اليمان والشجاعة والقدام مع اللبن‬
‫الذي كان يشربه‪ ،‬فطلب منها التقدم‪ ،‬فأقدمت‪.‬‬
‫أي أمة تلك‪ ،‬وأي قوم أولئك‪ ،‬مع الزمن الطويل الذي عاشوه في الظلم‪،‬‬
‫والسنوات التي استعبدهم فيها هذا الملك‪ ،‬ومع قصر المدة التي عرفوا فيها‬
‫اليمان‪ ،‬فقد عرفوا المنهج حق المعرفة‪ ،‬وكأنهم عاشوا فيه كما عاش‬
‫الراهب طول عمره‪ ،‬أو تربوا عليه كما تربى الغلم في صباه‪.‬‬
‫إنه اليمان إذا خالط بشاشة القلوب‪ ،‬ولمس الرواح يفعل العجب‪.‬‬
‫لقد رأينا في قصة الراهب والعمى ثم الغلم انتصارا فرديا‪.‬‬
‫ولكننا في قصة أولئك المؤمنين نرى انتصارا جماعيا‪ ،‬قل أن يحدث له في‬
‫التاريخ مثيل‪.‬‬
‫إنه صفاء العقيدة‪ ،‬ووضوح المنهج‪ ،‬وسلمة الطريق‪ ،‬وفهم حقيقة النتصار‪.‬‬
‫‪ -4‬وقبل أن نغادر هذه القصة‪ ،‬يرد سؤال في الذهان‪:‬‬
‫ماذا حل بهذا الملك وحاشيته وجنده؟‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهل ذهبت دماء هؤلء المؤمنين وأرواحهم دون انتقام من الله لمن قتلهم؟‬
‫إننا ل نجد في القرآن ول في السنة أي ذكر لهؤلء الظلمة‪ ،‬وماذا كان‬
‫مصيرهم في الدنيا‪ ،‬ولله في ذلك حكمة قد تخفى علينا‪.‬‬
‫ن فَت َُنوا‬
‫ِ َ‬‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬
‫نعم وردت آية في آخر قصتهم فيها دعوة لهم وتحذير )إ ِ ّ‬
‫ق()‪(2‬‬ ‫ري ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬
‫جهَن ّ َ‬
‫ب َ‬‫ذا ُ‬ ‫م ي َُتوُبوا فَل َهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫م لَ ْ‬‫ت ثُ ّ‬
‫مَنا ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫]سورة البروج الية‪.[10 :‬‬
‫قال الحسن البصري‪" :‬انظروا إلى هذا الكرم والجود‪ ،‬قتلوا أولياءه‪ ،‬وهو‬
‫يدعوهم إلى التوبة والمغفرة" )‪.(3‬‬
‫إن هذه النهاية تحقق معنى من معاني النتصار‪ ،‬من المنتصر؟ الذي نصر‬
‫عقيدته ودين ربه‪ ،‬وحرق بضع دقائق‪ ،‬ثم انتقل إلى جنات النعيم‪ ،‬أو ذلك‬
‫الذي تمتع بأيام في الحياة الدنيا ثم مآله ‪-‬إن لم يتب‪ -‬إلى عذاب جهنم‬
‫وعذاب الحريق؟‪.‬‬
‫هل هناك مقارنة بين الحريق الول‪ ،‬والحريق الثاني‪ ،‬حريق الدنيا‪ ،‬وحريق‬
‫الخرة؟ إنها نقلة بعيدة‪ ،‬وبون شاسع‪ ،‬أما المؤمنون الذين حرقوا في الدنيا‪،‬‬
‫حت َِها اْل َن َْهاُر()‪] (4‬سورة البروج الية‪ [11 :‬وتعلن‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫فـ )ل َهُ ْ‬
‫النتيجة التي ل مراء فيها‪ ،‬ول جدال‪:‬‬
‫فوُْز ال ْك َِبيُر()‪ (5‬أليس هذا هو النتصار؟‪.‬‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫)ذ َل ِ َ‬
‫أحاديث في النتصار‬
‫وردت بعض الحاديث عن رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم نجد فيها دللة‬
‫لحقيقة النتصار‪ ،‬وإزالة لما يتوهم من معنى الهزيمة‪.‬‬
‫وسأذكر أربعة أحاديث‪ ،‬وأقف مع كل حديث مبينا وجه الستدلل فيه‪.‬‬
‫‪-1‬الحديث الول‬
‫أخرج المام البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس ‪-‬رضي الله عنهما‪-‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم " عرضت علي المم فأخذ النبي‬
‫يمر معه المة‪ ،‬والنبي يمر معه العشرة‪ ،‬والنبي يمر معه الخمسة‪ ،‬والنبي‬
‫يمر وحده‪ ،‬فنظرت فإذا سواد كثير‪ ،‬قلت‪ :‬يا جبريل‪ :‬هؤلء أمتي؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫ولكن انظر إلى الفق‪ ،‬فنظرت فإذا سواد كثير‪ ،‬قال هؤلء أمتك‪ ،‬وهؤلء‬
‫سبعون ألفا قدامهم ل حساب عليهم ول عذاب " )‪ (6‬الحديث‪.‬‬
‫وفي رواية عن ابن عباس ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬قال‪ :‬خرج علينا النبي‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه وسلم يوما فقال‪ " :‬عرضت علي المم‪ ،‬فجعل يمر النبي معه‬
‫الرجل‪ ،‬والنبي معه الرجلن‪ ،‬والنبي معه الرهط‪ ،‬والنبي ليس معه أحد‪) " ...‬‬
‫‪ (7‬الحديث‪.‬‬
‫وفي رواية لمسلم‪ ،‬عن ابن عباس ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم " عرضت علي المم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي‬
‫ومعه الرجل والرجلن‪ ،‬والنبي ليس معه أحد‪ ،‬إذ رفع لي سواد عظيم‪) " ...‬‬
‫‪ (9) (8‬الحديث‪.‬‬
‫وقد ورد الحديث بروايات أخرى في معنى هذه الروايات‪.‬‬
‫وتبرز صلة هذا الحديث في موضوعنا من خلل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ورد في الحديث‪ ،‬أن الرسول‪ ،‬صلى الله عليه وسلم نظر إلى سواد كثير‪،‬‬
‫وفي رواية‪ :‬سواد عظيم‪ ،‬ثم رأى سوادا كثيرا ‪-‬آخر‪ -‬سد الفق‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة آل عمران آية‪.169 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة البروج آية‪.10 :‬‬
‫)‪ - (3‬تفسير ابن كثير ‪.4/496‬‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (4‬سورة البروج آية‪.11 :‬‬


‫)‪ - (5‬سورة البروج آية‪.11 :‬‬
‫)‪ - (6‬أخرجه البخاري )‪.(6541‬‬
‫)‪ - (7‬أخرجه البخاري )‪.(5752‬‬
‫)‪ - (8‬الرهيط‪ :‬قال النووي هم بضم الراء تصغير الرهط‪ .‬وهي الجماعة دون‬
‫العشرة‪ .‬مسلم بشرح النووي ‪.3/53‬‬
‫)‪ - (9‬أخرجه مسلم )‪.(220‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫والسواد الول هم ممن آمن بموسى‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬والسواد الخر هم أمة‬
‫محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم وهذا يمثل نوعا من أنواع النتصار الظاهر‪ ،‬حيث‬
‫انتشر الدين وآمن الناس‪ ،‬حتى بلغوا هذا المبلغ‪ ،‬وهو النوع الول من أنواع‬
‫النتصار التي أشرت إليها سابقا‪ ،‬ومثل ذلك النبي الذين يمر ومعه المة‪.‬‬
‫‪ -2‬ورد في الحديث‪ ،‬أن النبي يمر معه العشرة‪ ،‬والنبي ومعه الخمسة‪،‬‬
‫والنبي يمر وحده‪ ،‬وفي رواية‪ :‬فجعل النبي يمر معه الرجل‪ ،‬والنبي معه‬
‫الرجلن‪ ،‬والنبي ليس معه أحد‪.‬‬
‫ونحن ل نشك في انتصار النبياء والرسل كما أخبرنا الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بذلك‬
‫شَهاُد()‪(1‬‬‫م اْل َ ْ‬
‫قو ُ‬‫م يَ ُ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صُر ُر ُ‬‫فقال‪) :‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫]سورة غافر‪ ،‬الية‪ .[51 :‬وغيرها من اليات التي سبق ذكرها‪.‬‬
‫وها نحن نجد النبي يأتي يوم القيامة‪ ،‬ومعه العشرة‪ ،‬والخر معه الخمسة‪،‬‬
‫وثالث ومعه الرجلن‪ ،‬ورابع ومعه رجل واحد‪ ،‬والخامس وليس معه أحد‪.‬‬
‫والمر الذي يجب أل يغيب عن أذهاننا أن النبي الذي معه العشرة والخمسة‬
‫والرهيط قد ل يكونون قد آمنوا به واتبعوه في حياته‪ ،‬بل قد يكون بعضهم بعد‬
‫وفاته‪ ،‬لن الذين رآهم رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم من أمته ليسوا‬
‫الذين آمنوا به في حياته صلى الله عليه وسلم فقط‪ ،‬بل منهم من آمن به‬
‫في حياته‪ ،‬ومنهم من آمن به بعد وفاته إلى قيام الساعة‪ ،‬وإن كان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يختلف عن غيره من النبياء بأنه خاتمهم وآخرهم‪.‬‬
‫وبهذا نفهم أن النتصار ليس بكثرة التباع فحسب‪ ،‬وقبول الناس واستجابتهم‪،‬‬
‫هذا نوع من أنواع النتصار كما سبق‪ ،‬وبخاصة إذا كان التباع على المنهج‬
‫الحق‪ ،‬وإل فل عبرة بالكثرة والقلة‪.‬‬
‫والمعادلة التي نخرج منها‪ ،‬والحقيقة التي نظفر بها‪ ،‬أن النبي ‪-‬كل نبي‪ -‬ل‬
‫شك في انتصاره في الحياة الدنيا قبل الخرة‪ ،‬وها نحن نجد عددا من النبياء‬
‫ليس معهم إل أفرادا‪ ،‬بل بعضهم ليس معه أحد‪.‬‬
‫عا أخرى من النتصار‪ ،‬أشمل مما قد يتبادر إلى أذهان‬ ‫فالنتيجة أن هناك أنوا ً‬
‫كثير من الناس‪ ،‬وبعض الدعاة‪ .‬إن إدراكنا لهذه الحقيقة وتعاملنا معها هو نوع‬
‫من النتصار الذي نبحث عنه بل هو أول الخطوات لتحقيق النتصار‪.‬‬
‫‪ -2‬الحديث الثاني‬
‫ت ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ " :‬شكونا إلى رسول الله‪ ،‬صلى‬ ‫َ‬
‫عن خباب بن الَر ْ‬
‫الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة‪ ،‬فقلنا‪ :‬إل تستنصر لنا‪ ،‬أو‬
‫تدعو لنا؟ فقال‪ :‬قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فُيحفر له في الرض فيجعل‬
‫فيها‪ ،‬ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين‪ ،‬ويمشط بأمشاط‬
‫الحديد ما دون لحمه وعظمه‪ ،‬ما يبعده ذلك عن دينه‪ ،‬والله ليتمن الله‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬هذا المر‪ ،‬حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت فل يخاف إل‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله والذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون " )‪.(2‬‬


‫ولنقف هذه الوقفات‪:‬‬
‫‪ -1‬خّباب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬جاء إلى رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‬
‫يطلب منه الدعاء بالنصر ‪ -‬هكذا أطلق خباب‪ ،‬وهو يريد النصر الظاهر‪ ،‬برفع‬
‫العذاب والذى الذي كانت قريش تصبه على رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫وسلم وصحابته‪.‬‬
‫فنقله رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم نقلة أخرى مبينا له معنى آخر من‬
‫معاني النتصار‪ ،‬وهو الثبات على دين الله‪ ،‬وتحمل المشاق والعقبات‪ ،‬حتى لو‬
‫ذهبت روح المسلم فداء لدينه وعقيدته‪.‬‬
‫‪ -2‬ثم يذكر له رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم النصر الظاهر وأنه متحقق‪،‬‬
‫ويقسم رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم على ذلك‪ ،‬ولكنه ل يتحقق إل بعد‬
‫الثبات والصبر‪.‬‬
‫‪ -3‬ونجد أن ما ذكره رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم وأقسم على حصوله‬
‫وهو إتمام هذا الدين ‪-‬وهو نوع من النتصار‪ -‬قد ل يتحقق في حياة الداعية‪،‬‬
‫فمسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت حدث بعد وفاة رسول الله‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فعلى الداعية أن يعي هذا المر‪ ،‬وأن انتصار الدين ل يتعلق بشخصه‪.‬‬
‫‪ " -4‬ولكنكم تستعجلون " صدق رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم إن حرص‬
‫كثير من الدعاة على انتصار هذا الدين قد يؤدي بهم إلى ارتكاب ما يعوقه‪،‬‬
‫وهو الستعجال‪ ،‬إنهم يريدون أن يروا النتائج في حياتهم‪ ،‬بل في أول حياتهم‬
‫‪-‬أحيانا‪ -‬وهذا لم يتحقق لكثير من النبياء والرسل‪.‬‬
‫ويعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النصر يحتاج إلى الصبر والثبات‬
‫والتفاؤل مع عدم العجلة‪.‬‬
‫ويعلمنا أن النصر أشمل مما قد يتبادر إلى أذهاننا‪.‬‬
‫فليس النصر مقصورا على النصر الظاهر‪ ،‬والنصر الظاهر ل يلزم أن يتحقق‬
‫في حياة الداعية‪.‬‬
‫‪ -3‬الحديث الثالث‬
‫عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ ،‬قال رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫أن الله عز وجل قال‪ " :‬من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب " )‪ .(3‬الحديث‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة غافر آية‪.51 :‬‬
‫)‪ - (2‬أخرجه البخاري )‪.(3612‬‬
‫)‪ - (3‬أخرجه البخاري )‪.(6502‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫والشاهد من هذا الحديث القدسي‪ ،‬أن المؤمن إذا أيقن أن الله معه‪ ،‬ويجب‬
‫أن يوقن بذلك‪ ،‬ومن كان وليا لله فإن الله معه‪ ،‬وإذا الله كان معه‪ ،‬يعلن‬
‫الحرب على من آذاه أو عاداه‪ ،‬فيستلزم ذلك أن يؤمن إيمانا ل شك فيه أن‬
‫الله سينصره‪ ،‬لن المعركة لم تعد بين الداعية وعدوه‪ ،‬وإنما هي حرب من‬
‫الله على هذا المعادي‪ ،‬وبدهي أن نعلم من المنتصر ومن الخاسر؟ !!‪.‬‬
‫ومادام المر كذلك‪ ،‬فإن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬هو الذي يقدر نوع النتصار وزمانه‬
‫ومكانه‪ ،‬ول يخضع هذا لرؤيتنا القاصرة‪ ،‬أو رغباتنا المحدودة‪ ،‬أو اجتهاداتنا‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البشرية‪.‬‬
‫وما علينا إل أن نعلم يقيًنا أن المعركة محسومة من أولها‪ ،‬معروفة نتائجها‬
‫قبل بدايتها‪ ،‬وأن نتعامل بإيجاب مع هذا اليقين‪ ،‬فل نستعجل ول نيأس‪ ،‬ول‬
‫ن‬ ‫نتصرف تصرفا قد يكون سببا لحرماننا من النصر الذي ل شك فيه‪) :‬وَ َ‬
‫كا َ‬
‫ن()‪] (1‬سورة الروم‪ ،‬الية‪.[47 :‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫صُر ال ْ ُ‬‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬
‫ح ّ‬
‫َ‬
‫‪ -4‬الحديث الرابع‬
‫عن عثمان بن عفان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬كان رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫وسلم إذا مر بهم وهم يعذبون يقول‪ " :‬صبرا‪ ،‬آل ياسر فإن موعدكم الجنة "‬
‫)‪.(2‬‬
‫إن الصبر نوع من أعظم أنواع النتصار‪ ،‬فبالصبر يسمو النسان على رغباته‬
‫ويعلو على متع الحياة الدنيا‪.‬‬
‫ب()‪.(3‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه أّوا ٌ‬ ‫م العَب ْد ُ إ ِن ّ ُ‬ ‫والصبر سمة الرجال الخيار )ن ِعْ َ‬
‫إنه بالصبر ينتصر على نفسه أول‪ ،‬وينتصر على عدوه‪ ،‬ثانيا‪ ،‬وينصر مبدأه ثالثا‪.‬‬
‫إننا عندما نذكر انتصار السلم في مراحله الولى نتذكر آل ياسر‪ :‬ياسر‬
‫وسمية وعمار‪.‬‬
‫إن هذا البيت بصبره وجهاده‪ ،‬وتقديم حياته فداء لهذا الدين‪ ،‬ممن وضع‬
‫اللبنات الولى لعزة هذا الدين وظهوره‪.‬‬
‫لقد انتصروا على ذواتهم أول‪ ،‬وعلى المشركين ثانيا‪ ،‬ونصروا السلم ثالثا‪.‬‬
‫قد ْ َفاَز()‪(4‬‬
‫ة فَ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫ن الّنارِ وَأ ُد ْ ِ‬
‫خ َ‬ ‫ح عَ ِ‬ ‫حزِ َ‬ ‫ن ُز ْ‬‫م ْ‬ ‫ثم لهم الجنة بعد ذلك‪) ،‬فَ َ‬
‫فوُْز ال ْك َِبيُر()‪] (5‬سورة البروج الية‪:‬‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫]سورة آل عمران‪ ،‬الية‪) .[185 :‬ذ َل ِ َ‬
‫‪.[11‬‬
‫ن قصة الصحابي الجليل عمير بن الحمام في بدر قصة تسجل انتصاًرا‬ ‫وأجد أ ّ‬
‫باهًرا للداعية‪ ،‬فالوقوف عندها واستخلص ما فيها من دورس وعبر يعطي‬
‫دللة على ما نحن بصدده‪.‬‬
‫سورة العصر و حقيقة النصر‪:‬‬
‫قال المام الشافعي ‪-‬رحمه الله‪" :-‬لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم"‪) .‬‬
‫‪.(6‬‬
‫فما علقة هذه السورة بحقيقة النتصار؟‬
‫إن هذه السورة ترسم منهج النصر بصورة واضحة جلية‪ ،‬وتصحح الفهم‬
‫الخاطئ بحصر قضية النتصار بصورة واحدة أو نوع منفرد‪.‬‬
‫كيف ذلك؟‬
‫يقسم الله ‪ -‬سبحانه وتعالى‪ -‬أن كل إنسان في خسر‪ ،‬أي خسارة وهلك‬
‫وبوار‪ ،‬إل من استثنى بعد ذلك‪.‬‬
‫والمستثنى من الخاسرين‪ ،‬هو الفائز والرابح والمنتصر‪.‬‬
‫فلننظر في شروط النتصار‬
‫مُنوا()‪.(7‬‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ -1‬اليمان‪) ،‬إ ِّل ال ّ ِ‬
‫ت()‪.(8‬‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫‪ -2‬عمل الصالحات‪) ،‬وَعَ ِ‬
‫ق()‪.(9‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫وا ِبال َ‬ ‫ص ْ‬‫وا َ‬ ‫‪ -3‬التواصي بالحق‪) ،‬وَت َ َ‬
‫ر()‪.(10‬‬ ‫صب ْ ِ‬ ‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫‪ -4‬التواصي بالصبر‪) ،‬وَت َ َ‬
‫هذه شروط النصر‪ ،‬فمن استكملها فقد خرج من الخسران ونجا‪ ،‬وبالتالي‬
‫فقد انتصر وفاز وأفلح‪.‬‬
‫وهنا ‪-‬بعد تقرير هذه القضية‪ -‬نأتي للدللة على فهم حقيقة النتصار في هذه‬
‫السورة‪.‬‬
‫فالله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬لم يذكر من شروط النتصار تحقق النتائج‪ ،‬واهتداء‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الناس واستجابتهم‪.‬‬
‫إذن النصر ليس محصورا في تلك السورة فقط‪ ،‬والله ‪-‬سبحانه‪ -‬حكم بانتصار‬
‫المسلم ونجاته من الخسران إذا استكمل الشروط الربعة‪ ،‬وليس منها أن‬
‫يستجيب الناس له‪ ،‬أو أن تتحقق الهداف التي يسعى إليها‪ ،‬فهذا المر ليس‬
‫ل‬
‫ض ِ‬ ‫ه ُذو ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫له‪ ،‬وليس من لوازم النصر‪ ،‬وهذا رحمة من الله وفضل )َوالل ّ ُ‬
‫م()‪] (11‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.[105 :‬‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ظي ِ‬
‫بل قد استوقفني في هذه السورة أمران مهمان‪ ،‬لهما علقة في رسم منهج‬
‫النتصار‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬التواصي بالحق‪ ،‬لن النسان قد يضعف أو يزل أو ينحرف‪ ،‬فيحتاج إلى‬
‫من يوصيه بالمنهج‪ ،‬محافظة عليه وصيانة له‪ ،‬فكم من إنسان يتصور أنه على‬
‫الحق‪ ،‬وهو قد حاد عنه‪ ،‬واتبع السبل من حيث ل يدري‪ ،‬ومع ذلك يقول‪:‬‬
‫م()‪] (12‬سورة‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫عن ْد ِ أ َن ْ ُ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ل هُوَ ِ‬‫لماذا لم أنتصر‪ ،‬وما سر تأخر النصر؟ )قُ ْ‬
‫آل عمران‪ ،‬الية‪.[165 :‬‬
‫فالتواصي بالحق سبيل لتحقق النصر الذي وعد الله به عباده المؤمنين‪،‬‬
‫وعاصم من النحراف عن صراط الله المستقيم‪.‬‬
‫‪ -2‬التواصي بالصبر‪:‬‬
‫ول يمكن أن يتحقق النصر لمستعجل الشيء قبل أوانه‪ ،‬ول لليائس والقانط‬
‫من رحمة الله‪.‬‬
‫والتواصي بالصبر يمنع من الستعجال‪ ،‬ويبعد اليأس والقنوط‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة الروم آية‪.47 :‬‬
‫)‪ - (2‬رواه الحاكم ‪ 389 - 3/388‬وصححه اللباني في فقه السيرة )‪.(107‬‬
‫)‪ - (3‬سورة ص آية‪.30 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة آل عمران آية‪.185 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة البروج آية‪.11 :‬‬
‫)‪ - (6‬تفسير ابن كثير ‪.4/547‬‬
‫)‪ - (7‬سورة العصر آية‪.3 :‬‬
‫)‪ - (8‬سورة آية‪.3 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة العصر آية‪.3 :‬‬
‫)‪ - (10‬سورة العصر آية‪.3 :‬‬
‫)‪ - (11‬سورة البقرة آية‪.105 :‬‬
‫)‪ - (12‬سورة آل عمران آية‪.165 :‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ومن هنا فإن المؤمن إذا التزم بالحق وتمسك به وسار عليه ولم يحد عنه‪ ،‬ثم‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫صبر وصابر غير مستعجل ول يائس‪ ،‬فإن النصر متحقق له ل محالة )وَ َ‬
‫ل()‪] (1‬سورة النساء‪ ،‬الية‪ .[122 :‬بل إن التزام الحق‬ ‫ن الل ّهِ ِقي ً‬ ‫َ‬
‫م َ‬
‫صد َقُ ِ‬
‫أ ْ‬
‫والصبر‪ ،‬هو النصر الذي ل يتحقق نصر دونه‪.‬‬
‫أسباب تأخر النصر الظاهر‬
‫ب العاجل‪ ،‬وتحقق النصر الظاهر لدين الله أمر محبب‬ ‫النفس مجبولة على ح ّ‬
‫إلى النفس كيف ل‪ ،‬وهو ظهور دين الله وقمع الباطل وأهله‪ ،‬ولذلك قال‬
‫ن()‪(2‬‬‫مِني َ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ب وَب َ ّ‬
‫ري ٌ‬ ‫ن الل ّهِ وَفَت ْ ٌ‬
‫ح قَ ِ‬ ‫م َ‬
‫صٌر ِ‬
‫حّبون ََها ن َ ْ‬
‫خَرى ت ُ ِ‬ ‫‪-‬سبحانه‪) :-‬وَأ ُ ْ‬
‫]سورة الصف‪ ،‬الية‪.[13 :‬‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ونحن مأمورون بالسعي لقامة دين الله )وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫ه()‪] (3‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.[193 :‬‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬‫دي ُ‬ ‫ال ّ‬
‫وكثير من الناس ‪-‬وأخص الدعاة منهم‪ -‬يستبطئون تحقق النصر‪ ،‬وقد يسبب‬
‫لهم هذا المر شيئا من اليأس أو النحراف عن المنهج‪ ،‬ويغفلون عن السباب‬
‫التي تؤخر النصر الظاهر‪ ،‬مع أن معرفة هذه السباب أمر مهم‪ ،‬وله آثاره‬
‫اليجابية على حياة الدعاة والمدعوين والتباع‪ ،‬وذلك أن هذه السباب على‬
‫نوعين‪:‬‬
‫‪ -1‬أسباب سلبية‪ ،‬والمعرفة بها سبيل إلى تلفيها وإزالتها‪.‬‬
‫‪ -2‬أسباب إيجابية‪ ،‬وفقهها وإدراكها عامل مؤثر في ثبات الداعية على المنهج‬
‫الرباني‪ ،‬سواء تحقق النصر عاجل أو آجل‪.‬‬
‫وسأقف مع أبرز السباب التي تكون عامل مؤثرا في تأخير النصر أو عدم‬
‫وقوعه في حياة الداعية أو على يديه‪ ،‬وسأختصر فيها حسب مقتضى المقام‪:‬‬
‫‪ -1‬تخلف بعض أسباب النصر المشروعة‪:‬‬
‫ت هذه السباب أو بعضها تخلف النصر؛ لن‬ ‫وذلك أن للنصر أسباًبا‪ ،‬فإذا تخّلف ْ‬
‫السبب عند الصوليين‪ ،‬هو ما يلزم من وجوده الوجود‪ ،‬ومن عدمه العدم‬
‫لذاته‪ ،‬وإن كان ل يلزم من وجود السبب هنا وجود النصر لمانع آخر‪ ،‬ولكن‬
‫يلزم من عدمه العدم‪.‬‬
‫فمثل‪ :‬نجد من أسباب النصر المشروعة العداد للمعركة لن الله ‪-‬تعالى‪-‬‬
‫يقول‪:‬‬
‫ن ب ِهِ عَد ُوّ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ل ت ُْرهُِبو َ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫ن رَِبا ِ‬ ‫م ْ‬‫ن قُوّةٍ وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫)وَأ َ ِ‬
‫م()‪] (4‬سورة النفال‪،‬‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬‫م الل ّ ُ‬‫مون َهُ ُ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ُدون ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َوآ َ‬ ‫وَعَد ُوّك ُ ْ‬
‫الية‪ .[60 :‬فعدم الخذ بالسباب سبب من أسباب الهزيمة أو تأخر النصر‪.‬‬
‫‪ -10‬قد يكون انتصار الداعية بعد وفاته أعظم من انتصاره في حياته‪ ،‬لن‬
‫المراد هو انتصار المنهج‪ ،‬أما الشخاص فإن الله قد تكفل بإثابتهم وإكرامهم‪،‬‬
‫جزاء دعوتهم وصدقهم‪ ،‬ولذلك جاءت اليات تبين هذا المر‪:‬‬
‫)ول تحسبن ال ّذين قُت ُِلوا في سبيل الل ّه أ َمواتا ً ب ْ َ‬
‫ن()‪(5‬‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫حَياٌء ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ّ‬
‫فَر ِلي َرّبي‬ ‫َ‬
‫ما غ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫مي ي َعْل ُ‬ ‫ت قوْ ِ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َيا لي ْ َ‬ ‫َ‬
‫]سورة آل عمران‪ ،‬الية‪) .[169 :‬قا َ‬
‫ما‬
‫ة بِ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬
‫خلوا ال َ‬ ‫ُ‬ ‫ن()‪] (6‬سورة يس‪ ،‬الية‪) .[27 ،26 :‬اد ْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫مك َْر ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َِني ِ‬ ‫وَ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫هث ّ‬ ‫ّ‬
‫ن قالوا َرب َّنا الل ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ن()‪] (7‬سورة النحل‪ ،‬الية‪) .[32 :‬إ ِ ّ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جن ّةِ ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫شُروا ِبال ْ َ‬ ‫حَزُنوا وَأب ْ ِ‬ ‫خاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫ة أّل ت َ َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬‫موا ت َت َن َّز ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬
‫شت َِهي‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫خَرةِ وَل َك ُ ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي اْل ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫ن أوْل َِياؤُك ُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ُتوعَ ُ‬
‫ن()‪] (8‬سورة فصلت‪ ،‬الية‪ .[31 ،30 :‬إلى غير‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ّ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫م وَل َك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ذلك من اليات‪.‬‬
‫وكم من داعية لم ينتصر الدين في حياته‪ ،‬ولكنه انتصر أعظم النتصار بعد‬
‫مماته‪ ،‬فهذا عبد الله الغلم‪ ،‬وسبق بيان قصته‪ ،‬وكذلك شيخ السلم ابن‬
‫تيمية مات في سجنه‪ ،‬ولكن منهجه انتصر انتصارا باهرا بعد عدة قرون من‬
‫وفاته‪.‬‬
‫وسيد قطب سجن ثم قتل‪ ،‬ولكن مؤلفاته انتشرت أكبر النتشار بعد قتله!!‪..‬‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة النساء آية‪.122 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة الصف آية‪.13 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة البقرة آية‪.193 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة النفال آية‪.60 :‬‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫آل عمران آية‪.169 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(5‬‬


‫يس آية‪.27-26 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫النحل آية‪.32 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫فصلت آية‪.31-30 :‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-‬‬ ‫)‪(8‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫‪ -11‬أن تأخر النصر فيه ابتلء وتمحيص للدعاة‪ ،‬وفيه من العبر والدروس ما‬
‫يفيد اللحقون منه فوائد جمة‪ .‬قال ‪-‬تعالى‪) :-‬أ َم حسبت َ‬
‫ة وَل َ ّ‬
‫ما‬ ‫جن ّ َ‬‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل‬‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ضّراُء وَُزلزِلوا َ‬ ‫ساُء َوال ّ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي َأت ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ب()‪] (1‬سورة‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر الل ّهِ قَ َ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫َ‬
‫صُر الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬
‫َ‬
‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل َوال ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫م‬
‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قولوا آ َ‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ن ي ُت َْركوا أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬‫ح ِ‬ ‫البقرة‪ ،‬الية‪ .[214 :‬وقال‪) :‬الم أ َ‬
‫ن‬
‫م ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صد َُقوا وَلي َعْل َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫م فَلي َعْل َ‬ ‫َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬ ‫ن وَل َ َ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫ل يُ ْ‬
‫ن()‪] (2‬سورة العنكبوت‪ ،‬الية ‪ .[3 - 1‬واليات كثيرة معلومة‪.‬‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فهذه أبرز أسباب تأخر النصر الظاهر حسب ما تبين لي‪ ،‬وقد تتكشف لنا‬
‫أسباب تأخر النصر‪ ،‬وقد ل تتكشف‪.‬‬
‫والذي يجب أن نعتقده أن علينا فعل السباب الشرعية‪ ،‬سعيا لنصرة دين‬
‫ه()‪(3‬‬ ‫عن ْدِ الل ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صُر إ ِّل ِ‬ ‫ما الن ّ ْ‬ ‫الله‪ ،‬أما تحقق النصر فليس لنا بل هو لله )وَ َ‬
‫]سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.[126 :‬‬
‫والنصر لن يتحقق إل إذا حان موعده في علم الله ل في تقديرنا القاصر‪.‬‬
‫صُر‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ولن يتحقق النصر إل بعد اليمان الجازم بوعد الله‪) ،‬وَ َ‬
‫ن()‪] (4‬سورة الروم‪ ،‬الية‪.[47 :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫أما من عنده شك وريبة فل يستحق النصر )‪.(5‬‬
‫‪ -2‬قد يكون سبب تأخر النصر حدوث مانع من الموانع‪ ،‬والمانع هو‪ :‬ما يلزم‬
‫من وجوده العدم‪ ،‬ول يلزم من عدمه وجود ول عدم لذاته‪ .‬والموانع كثيرة‬
‫جدا‪ ،‬كالظلم والركون للكفار والمعاصي وغيرها‪ .‬وموانع النصر هي أسباب‬
‫الهزيمة‪ ،‬ولذلك نجد في غزوة أحد لما بدت علمات النصر ثم وقعت‬
‫المخالفة من الرماة لمر الرسول‪ ،‬صلى الله عليه وسلم حلت الهزيمة‪ ،‬كما‬
‫و‬
‫ل هُ َ‬ ‫ذا قُ ْ‬ ‫م أ َّنى هَ َ‬ ‫مث ْل َي َْها قُل ْت ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صب ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ة قَد ْ أ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال ‪ -‬تعالى‪) :-‬أوَل َ ّ‬
‫م()‪] (6‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪ .[165 :‬قال محمد بن إسحاق‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫عن ْد ِ أ َن ْ ُ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م()‪ (7‬أي بسبب‬ ‫سك ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫عند أ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫)‬ ‫والسدي‪.‬‬ ‫أنس‬ ‫بن‬ ‫والربيع‬ ‫جرير‬ ‫وابن‬
‫ُ َ ِ ْ ِ ْ ِ ْ ِ‬
‫عصيانكم لرسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم حين أمركم أل تبرحوا مكانكم‬
‫فعصيتم‪ ،‬يعني بذلك الرماة‪.(8) .‬‬
‫ن‬
‫واط ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صَرك ُ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫وفي حنين لماذا تأخر النصر‪ ،‬يقول ‪ -‬سبحانه‪) :-‬ل َ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫شْيئا وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَن ْك ُ ْ‬ ‫م ت ُغْ ِ‬ ‫م فَل َ ْ‬ ‫م ك َث َْرت ُك ُ ْ‬ ‫جب َت ْك ُ ْ‬
‫ن إ ِذ ْ أعْ َ‬ ‫حن َي ْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫ك َِثيَرةٍ وَي َوْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن()‪.(9‬‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَلي ْت ُ ْ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫اْلْر ُ‬
‫حيث ذكر الله ‪ -‬سبحانه‪ -‬أن قول أحد المسلمين لن نغلب اليوم من قلة‪،‬‬
‫وكان عددهم )‪ (12‬ألفا )‪ (10‬مانعا من موانع النصر‪ ،‬لن الله ‪ -‬سبحانه‪-‬‬
‫وكلهم إلى كثرتهم فلم تنفعهم شيئا‪ ،‬ثم تحقق النصر بعد ذلك عندما زال هذا‬
‫المانع حيث ثبت أن الكثرة وحدها ل تجلب النصر‪ ،‬وإنما العتماد على الله‬
‫‪-‬سبحانه‪ -‬بعد الخذ بالسباب‪.‬‬
‫ومن خلل ما سبق يتضح أهمية مراعاة السباب‪ ،‬والحرص على تحصيلها‪ ،‬مع‬
‫تلفي الموانع واجتنابها‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -3‬النحراف عن المنهج‬
‫النحراف عن المنهج مانع من الموانع‪ ،‬ولكن أفردته لهمية التنبيه عليه‪ ،‬فقد‬
‫تتبعت بالستقراء واقع كثير من الجماعات السلمية والحركات الجهادية‬
‫المعاصرة‪ ،‬وبحثت عن سر عدم انتصارها وتحقق ما تعلنه من أهداف خيرة‬
‫نبيلة‪ ،‬حيث إن تلك الجماعات تسعى لنصرة دين الله‪ ،‬وتحكيم شرعه‪،‬‬
‫فوجدت إن من أبرز السباب ‪-‬حسب ما ظهر لي‪ -‬انحرافها عن المنهج‬
‫الصحيح ‪-‬منهج أهل السنة والجماعة‪ -‬في ثوابتها أو وسائلها‪.‬‬
‫وقد يكون النحراف يسيرا ‪-‬في نظر البعض‪ -‬ولكنه خطير جدا ومؤثر في‬
‫تحقيق النصر‪.‬‬
‫فمن ذلك التساهل في قضية العقيدة وعدم اعتبارها من الولويات التي تتميز‬
‫بها تلك الجماعة‪.‬‬
‫وكذلك تمييع مفهوم الولء والبراء‪ ،‬والركون إلى الظالمين ومداهنتهم‪.‬‬
‫ومن ذلك تأصيل الحزبية‪ ،‬مما يؤدي إلى تفريق كلمة المسلمين‪ ،‬وتنافر‬
‫القلوب‪ .‬وكذلك اعتبار أن الغاية تبرر الوسيلة‪ ،‬وهلم جرا‪.‬‬
‫إن تحرير الصول والثوابت‪ ،‬وتنقيتها مما قد يشوبها‪ ،‬أمر جوهري وأساس في‬
‫سلمة منهج الدعوة وصدق التوجه‪.‬‬
‫وكذلك عرض كل وسيلة من الوسائل على القواعد والصول الشرعية‪ ،‬حماية‬
‫لها من النحراف تحت ضغط الواقع وحجية المصلحة المتوهمة‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم نضوج المة‪ ،‬وضعف استعدادها إن دين الله عظيم‪ ،‬ويحتاج إلى أمة‬
‫قد ترّبت على هذا الدين زمنا حتى تتمكن من حمله وتبليغه للناس‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة البقرة آية‪.214 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة العنكبوت آية‪.3-1 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة آل عمران آية‪.126 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الروم آية‪.47 :‬‬
‫)‪ - (5‬انظر في ظلل القرآن تفسير سورة الحج ‪ 4/2427‬ففيه كلم قيم‬
‫حول بعض ما ذكر‪.‬‬
‫)‪ - (6‬سورة آل عمران آية‪.165 :‬‬
‫)‪ - (7‬سورة آل عمران آية‪.165 :‬‬
‫)‪ - (8‬انظر تفسير ابن كثير ‪.1/425‬‬
‫)‪ - (9‬سورة التوبة آية‪.25 :‬‬
‫)‪ - (10‬انظر تفسير الطبري ‪ 10/100‬وتفسير ابن كثير ‪.2/343‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫أمة قد اجتازت المشقة والعقبات قبل أن تحصل على النصر‪ ،‬بل من أجل‬
‫الحصول عليه‪.‬‬
‫ئم إن قيام هذا الدين يحتاج إلى طاقات ضخمة‪ ،‬كثيرة العدد‪ ،‬متعددة‬
‫المواهب والتخصصات‪ ،‬وهذا المر يحتاج إلى زمن ليس باليسير‪ ،‬فإعداد‬
‫الرجال وتربيتهم من أشق المهمات وأصعبها‪.‬‬
‫ولذلك نجد أن رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم بقي ثلثة عشر عاما يربي‬
‫الرجال واحدا واحدا‪ ،‬ويهيئ المة جماعة جماعة‪ ،‬استعدادا لحمل الرسالة‬
‫والذود عنها‪.‬‬
‫فقوم في دار الرقم‪ ،‬وآخرون يهاجرون إلى الحبشة‪ ،‬ومرة يحصر الجمع في‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شعب أبي طالب‪ ،‬ثم تأتي الهجرة إلى المدينة‪.‬‬


‫كل هذا وغيره هيأ هذه المة لحمل الرسالة حتى كمل الدين وفتح الله على‬
‫المسلمين فتحا عظيما‪.‬‬
‫ومما سبق يتضح أن هذا المر يحتاج إلى زمن لتمامه‪ ،‬واكتمال بنائه‪ ،‬وهو‬
‫سبب من أسباب تأخر النصر وظهور دين الله مهيمنا على البشر‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم إدراك قيمة النصر‪:‬‬
‫إن مجيء النصر سريعا دون كبير مشقة ول عناء‪ ،‬يجعل المة المنتصرة ل‬
‫تعرف قيمة هذا النتصار‪ ،‬ومن ثم ل تبذل من الجهود للمحافظة عليه ما‬
‫يستحقه وما يحتاج إليه‪.‬‬
‫وسأضرب مثلين يوضحان هذه الحقيقة‪:‬‬
‫)‪ (1‬الرجل الذي عاش في الفقر ثم جد واجتهد في تحصيل المال حتى أصبح‬
‫غنيا‪ ،‬نجد أنه يحافظ على هذا المال محافظة عجيبة‪ ،‬ويبذل كل الوسائل‬
‫الممكنة للذود عنه وحمايته‪.‬‬
‫وذلك لنه ذاق طعم الفقر ومذلته‪ ،‬ثم إنه تعب في جمع هذا المال وتنميته‪،‬‬
‫فليس من السهولة أن يفرط فيه‪ ،‬ويكره أن يعود للفقر بعد أن أخرجه الله‬
‫منه‪ ،‬كما يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه‪.‬‬
‫أما أولده وورثته‪ ،‬فتجد أن الكثير منهم ل يولي هذا المال ما يستحقه من‬
‫عناية واهتمام‪ ،‬بل قد يعبث فيه حتى يصبح فقيرا‪.‬‬
‫وذلك أنه لم يعرف قيمة هذا المال‪ ،‬ولم يتعب في جمعه وكسبه‪ ،‬ولم يذق‬
‫طعم الفقر كما ذاقه مورثه‪.‬‬
‫)ب( قيام الدول وسقوطها‪:‬‬
‫مما يلحظ بالستقراء والتتبع أن الدول تكون إبان قيامها قوية مهابة‪ ،‬وتجد أن‬
‫المراء والخلفاء يبذلون جهودا مضاعفة للمحافظة على الدولة‪ ،‬وتلفي جميع‬
‫أسباب ضعفها‪.‬‬
‫ثم تأتي أجيال لم تساهم في قيام الدولة‪ ،‬وورثت الملك كما يرث الوارث‬
‫المال‪ ،‬وهنا ينشغلون عن الدولة بمكاسبها‪ ،‬ويغفلون عن تبعاتها‪ ،‬وتبدأ الدولة‬
‫في الضعف والتفكك حتى قد يئول المر إلى سقوطها‪.‬‬
‫ً‬
‫ولذا فإن مجيء النصر دون تعب أو عناء قد يكون سببا في عدم استمراره‪،‬‬
‫وصعوبة المحافظة عليه‪ ،‬ومن هنا فقد تقتضي حكمة الله أن يتأخر النصر‬
‫حتى يستوي المر ويوجد الرجال الذين يعرفون قيمة النصر‪ ،‬والثمن الذي‬
‫يستحقه‪.‬‬
‫‪ -6‬قد يكون في علم الله ‪-‬جل وعل‪ -‬أن هؤلء لو انتصروا لن يقوموا بتكاليف‬
‫النتصار‪ (1) ،‬من إقامة حكم الله في الرض‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ .‬وذلك أن النتصار ليس مرادا لذاته‪ ،‬وإنما‬
‫لما يتحقق منه‪ ،‬وهو إخماد الفتنة‪ ،‬وأن يكون الدين كله لله‪.‬‬
‫ي‬
‫قو ِ ّ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬‫ن ي َن ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫صَر ّ‬ ‫وهذا مما يفهم من قوله ‪-‬تعالى‪) :-‬وَل َي َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ِفي اْل َْر‬
‫مُروا‬ ‫كاةَ وَأ َ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫زيٌز ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫موِر()‪] (2‬سورة الحج‪ ،‬الية‪،40 :‬‬ ‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫َ‬
‫من ْكرِ وَل ِلهِ َ‬
‫ن ال ُ‬ ‫وا عَ ِ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫‪ .[41‬وقد ل نعلم نحن سبب ذلك ولكن الله يعلمه‪.‬‬
‫وذلك أن هناك فئة من الناس تثبت في حالة الشدة والعناء‪ ،‬وتصمد في حالة‬
‫المواجهة والبلء ولكنها تضعف وتتقهقر في حالة النعم والرخاء والمن‪.‬‬
‫وقوم هذه حالهم ل يستحقون النصر‪ ،‬والله أعلم بما كان‪ ،‬وما يكون‪ ،‬وما لم‬
‫يكن لو كان كيف يكون‪.‬‬
‫‪ -7‬من أسباب تأخر النصر أن الباطل الذي يحاربه الدعاة لم ينكشف زيفه‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للناس تماما‪ ،‬فقد يجد له أنصارا من المخدوعين فيه‪ ،‬ممن هم ليسوا على‬
‫هذا الباطل‪ ،‬ول يقرونه لو اكتشفوا حقيقته‪.‬‬
‫ومن أبرز المثلة على ذلك قصة المنافقين‪ ،‬فكثير من الصحابة ‪-‬رضوان الله‬
‫عليهم‪ -‬لم يكونوا يعرفون عددا من أقطاب النفاق‪ ،‬بل إنهم يحسنون الظن‬
‫بهم‪ ،‬ولذلك وجدنا من يدافع عنهم‪ ،‬حتى إن بعض كبار الصحابة من النصار‬
‫ي‪ ،‬لعدم معرفتهم بما كان عليه من الباطل‬ ‫ُ‬
‫كانوا يدافعون عن عبد الله بن أب َ ّ‬
‫وبخاصة في أول العهد المدني‪.‬‬
‫ولما جاء زيد بن أرقم وأخبر عن مقولة عبد الله بن أبي بن سلول في غزوة‬
‫بني المصطلق‪ ،‬قال عمر بن الخطاب لرسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم مر‬
‫عباد بن بشر فليقتله‪ ،‬فقال رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم " فكيف يا‬
‫عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟ ل!! ولكن أذن بالرحيل "‬
‫إذن المنافقون في نظر كثير من الناس أصحاب لرسول الله‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫م‬ ‫م ال ْعَد ُوّ َفا ْ‬
‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫وسلم لن حقيقتهم لم تنكشف للناس‪ ،‬وحقيقتهم‪) ،‬هُ ُ‬
‫ن()‪] (3‬سورة المنافقون‪ ،‬الية‪.[4 :‬‬ ‫ه أ َّنى ي ُؤْفَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫َقات َل َهُ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬هذا السبب يختلف عن الذي قبله فتأمل‪.‬‬
‫)‪ - (2‬سورة الحج آية‪.41-40 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة المنافقون آية‪.4 :‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫ولذلك قال رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم لعمر في نهاية المطاف لما‬
‫تكشفت حقيقة هؤلء عند كثير من المسلمين‪ " :‬كيف ترى يا عمر؟ أما والله‬
‫لو قتلته يوم قلت لي‪ :‬اقتله‪ ،‬لرعدت له آنف لو أمرتها اليوم تقتله لقتلته قال‬
‫عمر‪ :‬قد والله علمت لمر رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من‬
‫أمري "‬
‫فهذا الحديث يصور معنى هذا السبب الذي ذكرته أدقّ تصوير وبيان‪.‬‬
‫والدخول في معركة مع قوم لم تنكشف حقيقة أمرهم تماما‪ ،‬له آثاره‬
‫السلبية على المة المسلمة‪ ،‬إذ أن بعض المسلمين سيقف في صف أولئك‪،‬‬
‫كما وقف بعض الصحابة مع المنافقين‪.‬‬
‫كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عائشة في قصة الفك وجاء‬
‫فيه‪:‬‬
‫" فقام رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن‬
‫أبي بن سلول‪ ،‬قالت‪ :‬فقال رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم وهو على‬
‫المنبر‪ :‬يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي‪،‬‬
‫فوالله ما علمت على أهلي إل خيرا‪ ،‬ولقد ذكروا رجل ما علمت عليه إل خيرا‪،‬‬
‫وما كان يدخل على أهلي إل معي فقام سعد بن معاذ النصاري ‪ -‬رضي الله‬
‫عنه ‪ -‬فقال‪ :‬أنا أعذرك منه يا رسول الله‪ ،‬إن كان من الوس ضربنا عنقه‪،‬‬
‫وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا بأمرك‪ ،‬قالت‪ :‬فقام سعد بن‬
‫عبادة ‪-‬وهو سيد الخزرج‪ -‬وكان رجل صالحا‪ ،‬ولكن احتملته الحمية‪ ،‬فقال‬
‫لسعد بن معاذ‪ :‬كذبت لعمر الله‪ ،‬ل تقتله ول تقدر على قتله‪ ،‬ولو كان من‬
‫رهطك‪ ،‬ما أحببت أن يقتل‪ ،‬فقام أسيد بن حضير ‪-‬وهو ابن عم سعد بن معاذ‪-‬‬
‫فقال لسعد بن عبادة‪ :‬كذبت لعمر الله لنقتلنه‪ ،‬فإنك منافق تجادل عن‬
‫المنافقين‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فثار الحيان‪ ،‬الوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله‪ ،‬صلى الله‬
‫عليه وسلم على المنبر‪ ،‬فلم يزل رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم يخفضهم‬
‫حتى سكتوا‪ ،‬وسكت رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ " " ...‬الحديث )‪.(1‬‬
‫وقد ل يقف بعض المسلمين مع هؤلء‪ ،‬ولكن سيكون وقوفهم مع الدعاة‬
‫ضعيفا ومترددا‪ ،‬لنهم لم يتيقنوا أن هؤلء على الباطل‪ ،‬مما يؤثر على‬
‫المعركة التي يخوضها المسلمون ضد أعدائهم‪ ،‬وقد يؤدي إلى فرقة‬
‫المسلمين وتأخر النصر‪.‬‬
‫حاَرَبة قد تكون غير صالحة بعد‬ ‫‪ -8‬ومن أسباب تأخر النصر‪ ،‬أن البيئة الم َ‬
‫لستقبال الحق والخير والعدل‪ ،‬مما يقتضي أموًرا تهيئها لذلك قبل الدخول‬
‫معها في معركة‪ ،‬ومن ذلك بذل جميع الوسائل الشرعية لبيان أن هؤلء القوم‬
‫‪-‬المحاربين‪ -‬على الباطل‪ ،‬ومحاولة إقناعهم ودعوتهم وبيان حقيقة السلم‪،‬‬
‫وفساد ما هم عليه من باطل‪.‬‬
‫فإن هذا المر إن لم يكن سبًبا في هدايتهم قبل المعركة فإنه وسيلة لمعرفة‬
‫الحق‪ ،‬ومن ثم القبول به بعد المعركة‪ ،‬ولذا فإن الدعوة إلى السلم تسبق‬
‫الدخول في المعركة‪.‬‬
‫‪ -9‬ومن أسباب عدم الستجابة لدين الله)‪ (2‬أن عوامل النصر قد تتوافر‬
‫بالنسبة للداعية‪ ،‬لكن هناك موانع تتعلق بالمدعوين ‪ -‬كالمر السابق‪ -‬ومن‬
‫ذلك عدم تقدير الله هداية هؤلء القوم‪ ،‬حيث كتب عليهم الضللة‪ ،‬قال‬
‫ميعًا()‪(3‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫دى الّنا َ‬ ‫ه ل َهَ َ‬‫شاُء الل ّ ُ‬
‫ن ل َوْ ي َ َ‬‫مُنوا أ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫س ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ي َي ْأ ِ‬ ‫‪-‬سبحانه‪) :-‬أفَل َ ْ‬
‫ت عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ق ْ‬‫ح ّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ه وَ ِ‬‫دى الل ّ ُ‬ ‫ن هَ َ‬
‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫]سورة الرعد‪ ،‬الية‪ .[31 :‬وقال‪) :‬فَ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة()‪] (4‬سورة النحل‪ ،‬الية‪ .[36 :‬وقال ‪-‬جل وعل‪) :-‬أولئ ِ َ‬ ‫ضلل َ ُ‬
‫م ي ُرِدِ‬ ‫نل ْ‬ ‫ذي َ‬‫ك ال ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م()‪] (5‬سورة المائدة‪ ،‬الية‪ .[41 :‬إلى غير ذلك من‬ ‫ن ي ُطهَّر قُلوب َهُ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫اليات )‪.(6‬‬
‫التنازل من أجل النتصار‬
‫مما لفت نظري في واقع كثير من الدعاة والجماعات السلمية المعاصرة‬
‫أنها قد تستبطئ النصر‪ ،‬وحرصا منها على دين الله‪ ،‬وتأثرا بكثرة النتقادات‬
‫التي توجه لها‪ ،‬لماذا لم تحقق أهدافها بالرغم مما تبذله من جهود‪ ،‬وما مضى‬
‫من زمن‪ ،‬فإنها من أجل ذلك كله ولغيره من السباب قد تقدم بعض‬
‫التنازلت للحصول على بعض المكاسب للدعوة‪.‬‬
‫وقد تنوعت صور هذه التنازلت وتعددت‪ ،‬وهم بين مقل ومكثر‪.‬‬
‫ولن من أبرز أسباب هذا المر ‪-‬كما ذكرت‪ -‬هو الحرص لتحقيق النتصار‬
‫لدين الله‪ ،‬أو للدعاة وللجماعات )‪ (7‬ولرتباطه الوثيق في موضوعنا‪ ،‬حيث‬
‫أشرت إلى ذلك في أول هذا البحث‪.‬‬
‫فإنني سأقف وقفة مناسبة مع هذه القضية وسأحاول بيانها بإيجاز‪ ،‬نظرا لن‬
‫هذا المر يستحق بحثا مستقل مفصل‪ ،‬ول أستطيع أن أقوم بذلك من خلل‬
‫هذا البحث‪ ،‬ولعل الله أن يقيض له من يجليه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬أخرجه البخاري )‪ (4141‬ومسلم )‪.(2770‬‬
‫)‪ - (2‬واستجابة الناس انتصار لدين الله‪ ،‬حتى لو لم يكن هناك معركة وقتال‬
‫"إذا جاء نصر الله والفتح"‪.‬‬
‫)‪ - (3‬سورة الرعد آية‪.31 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة النحل آية‪.36 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة المائدة آية‪.41 :‬‬
‫)‪ - (6‬وانظر تفسير الطبري ‪ 30/331‬تفسير سورة الكافرون لتجد كلما‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جيدا‪.‬‬
‫)‪ - (7‬وانتصار الداعية انتصار لدين الله‪ ،‬كما أن انتصار الدين نصر للداعية‪.‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫وقد ذهبت أتأمل ما ورد في ذلك في كتاب الله ‪-‬في ضوء منهجي في هذه‬
‫الرسالة‪ -‬فوقفت أمام ثلث قضايا وردت في القرآن الكريم‪ ،‬عالجها القرآن‪،‬‬
‫ورسم لنا من خللها منهجا نسير عليه دون زلل أو خلل‪.‬‬
‫وسأذكر كل قضية‪ ،‬وأسلوب معالجتها‪ ،‬ثم أذكر في النهاية خلصة ما توصلت‬
‫إليه حول هذا المر‪ ،‬وأسأل الله التوفيق والسداد‪.‬‬
‫القضية الولى‪ :‬سبب نزول سورة الكافرون‪:‬‬
‫قال المام الطبري‪ :‬حدثني محمد بن موسى الخرشي قال‪ :‬ثنا أبو خلف‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثنا داود‪ ،‬عن عكرمة عن ابن عباس‪ " ،‬أن قريشا وعدوا رسول الله‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مال‪ ،‬فيكون أغنى رجل بمكة‪ ،‬ويزوجوه ما‬
‫أراد من النساء‪ ،‬ويطئوا عقبه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬هذا لك عندنا يا محمد‪ ،‬وكف عن‬
‫شتم آلهتنا‪ ،‬فل تذكرها بسوء‪ ،‬فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة‬
‫فهي لك ولنا فيها صلح‪ ،‬قال‪ :‬ما هي‪ ،‬قالوا‪ :‬تعبد آلهتنا سنة‪ ،‬اللت والعزى‪،‬‬
‫ونعبد إلهك سنة‪ ،‬قال‪ :‬حتى أنظر ما يأتي من عند ربي‪ ،‬فجاء الوحي من‬
‫ل أ َفَغَي َْر الل ِّ‬
‫ه‬ ‫ن " السورة‪ ،‬وأنزل الله‪) :‬قُ ْ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ل َيا أ َي َّها ال ْ َ‬‫اللوح المحفوظ " قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن( " )‪(1‬‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن( إلى قوله‪َ) :‬فاعْب ُد ْ وَك ُ ْ‬ ‫جاهُِلو َ‬ ‫مُروّني أعْب ُد ُ أي َّها ال ْ َ‬ ‫ت َأ ُ‬
‫]سورة الزمر‪ ،‬الية‪.[66 ،65 ،64 :‬‬
‫وقال الطبري‪ :‬أيضا ‪-‬حدثني يعقوب‪ ،‬قال حدثنا ابن علية‪ ،‬عن محمد بن‬
‫إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬ثني سعيد بن ميناء مولى البختري‪ ،‬قال‪ " :‬لقي الوليد بن‬
‫المغيرة والعاص بن وائل والسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم فقالوا‪ :‬يا محمد‪ ،‬هلم فلنعبد ما تعبد‪ ،‬وتعبد ما نعبد‪،‬‬
‫ونشركك في أمرنا كله‪ ،‬فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد‬
‫شركناك فيه‪ ،‬وأخذنا بحظنا منه‪ ،‬وإن كان الذي بأيدينا خير مما في يديك كنت‬
‫ن(‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ل َيا أ َي َّها ال ْ َ‬ ‫قد شركتنا في أمرنا‪ ،‬وأخذت منه بحظك‪ ،‬فأنزل الله‪) :‬قُ ْ‬
‫" ]سورة الكافرون‪ ،‬الية‪ .[1 :‬حتى انقضت السورة )‪.(2‬‬
‫إننا نجد في هذه السباب أن قريشا طلبت من رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫وسلم أن يتنازل لها‪ ،‬وتتنازل له حتى يلتقيا حول نقطة واحدة‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬لو أن رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم وافقهم على ذلك‪،‬‬
‫وطلب منهم أن يبدأوا بعبادة الله أول‪ ،‬فإنهم إذا عرفوا السلم لن يرجعوا‬
‫عنه‪ ،‬وفي هذا تحقيق مكسب كبير للسلم‪ ،‬وتحقيق انتصار‪ ،‬ورفع للبلء الذي‬
‫يلقيه المسلمون‪.‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫عاب ِ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن َول أن ْت ُ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫والجواب أن الله قد حسم هذه القضية‪) ،‬ل أعْب ُد ُ َ‬
‫َ‬
‫ن()‪] (4‬سورة الكافرون‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫ي ِدي ِ‬ ‫م ِدين ُك ُ ْ‬
‫م وَل ِ َ‬ ‫د()‪ (3‬وفي آخرها )ل َك ُ ْ‬ ‫ما أعْب ُ ُ‬ ‫َ‬
‫‪.[6‬‬
‫فالقضية قضية مبدأ‪ ،‬غير قابلة للمساومة ول لتنازل قيد أنملة‪ ،‬فهذه مسألة‬
‫من مسائل العقيدة‪ ،‬بل هي العقيدة نفسها‪.‬‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫عاب ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ودفعا لي احتمال أو طمع في هؤلء قال ‪-‬سبحانه‪َ) :-‬ول أن ْت ُ ْ‬
‫د()‪ (5‬مرتين‪ ،‬فهو تأكيد حاسم‪ ،‬وخبر جازم من عند علم الغيوب‪ ،‬أنهم لن‬ ‫َ‬
‫أعْب ُ ُ‬
‫يعبدوا الله أبدا‪ ،‬ل في الحاضر‪ ،‬ول في المستقبل‪ ،‬وكأن بعد إيمانهم كبعد‬
‫استجابة الرسول‪ ،‬صلى الله عليه وسلم لمطلبهم‪ ،‬وهكذا كان‪ ،‬قال المام‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطبري‪:‬‬
‫د()‪ (6‬فيما تستقبلون أبدا "ما أعبد" أنا الن‪ ،‬وفيما‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أعْب ُ ُ‬
‫ن َ‬
‫دو َ‬‫عاب ِ ُ‬
‫م َ‬‫)َول أن ْت ُ ْ‬
‫أستقبل‪ ،‬وإنما قيل ذلك كذلك‪ ،‬لن الخطاب من الله كان لرسول الله‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين‪ ،‬قد علم أنهم ل يؤمنون‬
‫أبدا‪ ،‬وسبق لهم ذلك في السابق من علمه‪ ،‬فأمر نبيه‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‬
‫أن يؤيسهم من الذي طمعوا فيه‪ ،‬وحدثوا به أنفسهم‪ ،‬وإن ذلك غير كائن منه‬
‫ول منهم في وقت من الوقات‪ ،‬وآيس نبي الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم من‬
‫الطمع في إيمانهم‪ ،‬ومن أن يفلحوا أبدا‪ ،‬فكانوا كذلك لم يفلحوا‪ ،‬ولم ينجحوا‬
‫إلى أن قتل بعضهم يوم بدر بالسيف‪ ،‬وهلك بعض قبل ذلك كافرا‪ ،‬وبنحو‬
‫الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ ،‬وجاءت به الثار‪(7).‬‬
‫إن التأمل في هذه القضية‪ ،‬وكيف حسمها القرآن‪ ،‬يعطي من الدورس ما‬
‫نحن بأمس الحاجة إليه‪ ،‬بل يرسم منهجا واضحا جليا في كيفية مواجهة‬
‫أساليب كثير من أعداء السلم حاضرا ومستقبل‪.‬‬
‫م‬
‫ن َرب ّهُ ْ‬
‫عو َ‬
‫ن ي َد ْ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫القضية الثانية‪ :‬سبب نزول قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬ول ت َطُردِ ال ِ‬
‫ي()‪] (8‬سورة النعام‪ ،‬الية‪.[52 :‬‬ ‫داةِ َوال ْعَ ِ‬
‫ش ّ‬ ‫ِبال ْغَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬تفسير الطبري ‪.3/331‬‬
‫)‪ - (2‬تفسير الطبري ‪.30/331‬‬
‫)‪ - (3‬سورة الكافرون آية‪.2 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الكافرون آية‪.6 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة الكافرون آية‪.3 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة الكافرون آية‪.3 :‬‬
‫)‪ - (7‬تفسير الطبري ‪.3/331‬‬
‫)‪ - (8‬سورة النعام آية‪.52 :‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫قال الطبري ‪-‬مسندا إلى ابن مسعود‪ ،‬قال‪ " :‬مر المل من قريش بالنبي‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمار وبلل وخباب ونحوهم من ضعفاء‬
‫المسلمين‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا محمد‪ :‬أرضيت بهؤلء من قومك‪ ،‬هؤلء الذين من الله‬
‫عليهم من بيننا‪ ،‬أنحن نكون تبعا لهؤلء‪ ،‬اطردهم عنك‪ ،‬فلعلك إن طردتهم أن‬
‫م " " )‪.(1‬‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬‫عو َ‬‫ن ي َد ْ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫نتبعك‪ ،‬فنزلت هذه الية‪َ " :‬ول ت َط ُْردِ ال ّ ِ‬
‫ن‬ ‫وفي رواية أخرى قال الطبري ‪-‬مسند إلى مجاهد‪ -‬قال‪َ) :‬ول ت َط ُْردِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ي()‪ (2‬بلل وابن أم عبد كانا يجالسان محمدا‪،‬‬ ‫ش ّ‬‫داةِ َوال ْعَ ِ‬
‫م ِبال ْغَ َ‬
‫ن َرب ّهُ ْ‬
‫عو َ‬
‫ي َد ْ ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم فقالت قريش محقرتهما‪ :‬لولهما وأمثالهما لجالسناه‪،‬‬
‫فنهي عن طردهم )‪.(3‬‬
‫وفي رواية قال الطبري‪ :‬حدثني القاسم‪ ،‬قال‪ :‬ثنا حسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنا حجاج‪ ،‬عن‬
‫َ‬
‫ن()‪ (4‬الية‪.‬‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ابن جريج‪ ،‬عن عكرمة في قوله‪) :‬وَأن ْذِْر ب ِهِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫قال‪ " :‬جاء عتبة بن ربيعة‪ ،‬وشيبة بن ربيعة‪ ،‬ومطعم بن عدي‪ ،‬والحرث بن‬
‫نوفل‪ ،‬وقرضة بن عيد عمرو بن نوفل في أشراف من بني عبد مناف من‬
‫الكفار إلى أبي طالب‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا طالب‪ ،‬لو أن ابن أخيك يطرد عنه موالينا‬
‫وخلفاءنا‪ ،‬فإنما هم عبيدنا‪ ،‬وعسفاؤنا‪ ،‬كان أعظم في صدورنا‪ ،‬وأطوع له‬
‫عندنا‪ ،‬وأدنى لتباعنا إياه وتصديقنا له‪ ،‬قال‪ :‬فأتى أبو طالب النبي‪ ،‬صلى الله‬
‫عليه وسلم فحدثه بالذي كلموه به‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب‪ :‬لو فعلت ذلك‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى ننظر ما الذي يريدون‪ ،‬وإلم يصيرون من قولهم‪ ،‬فأنزل الله تعالى‪:‬‬
‫خاُفو َ‬ ‫َ‬
‫ي َول‬ ‫ن ُدون ِهِ وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫س ل َهُ ْ‬‫م ل َي ْ َ‬ ‫شُروا إ َِلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)وَأن ْذِْر ب ِهِ ال ّ ِ‬
‫م( ]سورة النعام‪ ،‬الية‪،51 :‬‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬‫ن َول ت َط ُْردِ ال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫م ي َت ّ ُ‬ ‫فيعٌ ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫‪.[52‬‬
‫فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر عن مقالته‪ ،‬فأنزل الله ‪ -‬تعالى‪:-‬‬
‫م( " )‪] (5‬سورة النعام‪،‬‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ِبآَيات َِنا فَ ُ‬ ‫مُنو َ‬‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫جاَء َ‬ ‫)وَإ َِذا َ‬
‫الية‪.[54 :‬‬
‫وفي رواية أخرى للطبري عن خباب قال فيها‪:‬‬
‫فقال كفار قريش‪ :‬إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا العرب به‬
‫فضلنا‪ ،‬فإن وفود العرب تأتيك‪ ،‬فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلء العبد‪ ،‬فإذا‬
‫نحن جئناك فأقمهم عنا‪ ،‬فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت‪ ،‬ثم نزل قوله‬
‫م()‪] (7)(6‬سورة النعام‪ ،‬الية‪.[52:‬‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫‪-‬تعالى‪َ) :‬ول ت َط ُْردِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وقد وردت أحاديث أخرى‪ ،‬ول يخلو بعضها من ضعف ولكن‪ ،‬يقوي بعضها‬
‫بعضا فترتقي بمجموعها إلى درجة الحسن لغيره‪ ،‬ومعناها متقارب‪ ،‬وكلها‬
‫تذكر سببا واحدا للنزول‪ ،‬ولكن في بعض هذه الروايات زيادات على بعض‪،‬‬
‫ويؤكد هذه الروايات الحديث التالي‪:‬‬
‫من أصح ما ورد في هذا ما رواه مسلم في صحيحه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن‬
‫أبي شيبة‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد الله السدي‪ ،‬عن إسرائيل‪ ،‬عن المقدام بن‬
‫شريح‪ ،‬عن أبيه عن سعد هو ابن أبي وقاص‪ ،‬قال‪ " :‬كنا مع النبي‪ ،‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ستة نفر‪ ،‬فقال المشركون للنبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم اطرد‬
‫هؤلء ل يجترءون علينا‪ ،‬قال‪ :‬وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلل‬
‫ورجلن نسيت اسميهما‪ ،‬فوقع في نفس رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ما شاء الله أن يقع‪ ،‬فحدث نفسه‪ ،‬فأنزل الله عز وجل " َول ت َط ُْردِ ال ّ ِ‬
‫م " " الية )‪(8‬‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫م‬
‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫معَ ال ِ‬ ‫سك َ‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫صب ِْر ن َ ْ‬
‫وذكر ابن كثير في قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وا ْ‬
‫ي()‪ (9‬الية‪ ،‬إنها نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من‬ ‫ش ّ‬ ‫داةِ َوال ْعَ ِ‬ ‫ِبال ْغَ َ‬
‫الرسول‪ ،‬صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم وحده‪ ،‬ول يجالسهم بضعفاء‬
‫أصحابه‪ ،‬كبلل وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود‪ ،‬وليفرد أولئك بمجلس‬
‫م()‪(10‬‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬‫على حدة‪ ،‬فنهاه الله عن ذلك فقال‪َ) :‬ول ت َط ُْردِ ال ّ ِ‬
‫ع‬
‫م َ‬‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫صب ِْر ن َ ْ‬
‫الية‪ ،‬وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلء فقال‪َ) :‬وا ْ‬
‫م()‪ (11‬الية )‪] (12‬سورة الكهف‪ ،‬الية‪.[28 :‬‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫إن الوقوف مع سبب نزول هاتين اليتين يضع حدا لكثير من الجتهادات التي‬
‫يقدم عليها كثير من الدعاة والجماعات‪ ،‬وهم ‪-‬ول شك‪ -‬يقدمون عليها حرصا‬
‫على دينهم‪ ،‬ورغبة في انتصار الدين وظهوره‪ ،‬وتحقيقا لبعض الهداف التي‬
‫يسعون إليها‪.‬‬
‫ولكن الغاية ‪-‬مهما كانت شريفة‪ -‬فإنها ل تبرر الوسيلة‪.‬‬
‫تصوروا القضية هكذا‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬تفسير الطبري ‪.200 /7‬‬
‫)‪ - (2‬سورة النعام آية‪.52 :‬‬
‫)‪ - (3‬انظر تفسير الطبري ‪.7/202‬‬
‫)‪ - (4‬سورة النعام آية‪.51 :‬‬
‫)‪ - (5‬انظر تفسير الطبري ‪ 7/202‬وهذا الحديث مرسل‪.‬‬
‫)‪ - (6‬سورة النعام آية‪.52 :‬‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (7‬انظر تفسير الطبري ‪ 7/201‬وفي سنده السدي وهو ضعيف‪.‬‬


‫)‪ - (8‬أخرجه مسلم )‪ ،(2413‬وانظر تفسير ابن كثير ‪.3/80‬‬
‫)‪ - (9‬سورة الكهف آية‪.28 :‬‬
‫)‪ - (10‬سورة النعام آية‪.52 :‬‬
‫)‪ - (11‬سورة الكهف آية‪.28 :‬‬
‫)‪ - (12‬انظر تفسير ابن كثير ‪.3/80‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫لو أن جماعة من الجماعات السلمية‪ ،‬التي توجد في دول كافرة‪ ،‬وتسعى‬


‫جاهدة للدعوة إلى دين الله‪ ،‬ونشر رسالة السلم‪ ،‬قالت لها تلك الدولة‪ :‬نحن‬
‫مستعدون للتفاوض معكم من أجل النظر في العتراف بكم‪ ،‬للدخول في‬
‫النتخابات مثل‪ ،‬أو للحصول على بعض المتيازات للدعوة‪ ،‬ولكن نشترط‬
‫عليكم أن تبعدوا فلنا وفلنا من قيادتكم‪ ،‬وآخرين من جماعتكم‪ ،‬فإننا ل‬
‫نعترف بجماعة فيها هؤلء‪ ،‬والجماعة ل تنقم على هؤلء الدعاة شيئا في أمر‬
‫دينهم وعقيدتهم‪ ،‬ولم تكن تفكر في ذلك قبل هذا الطلب‪ ،‬ولكن الدولة ل‬
‫تريدهم احتقارا لهم‪.‬‬
‫فيا ترى هل تصمد تلك الجماعة‪ ،‬وترفض الموضوع جملة وتفصيل وتقول‪:‬‬
‫َ‬
‫د()‪] (1‬سورة البروج‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫مي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ ال ْعَ ِ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م إ ِّل أ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫موا ِ‬ ‫ق ُ‬‫ما ن َ َ‬ ‫)وَ َ‬
‫‪ .[8‬أو تبدأ مناقشة ما يسمى بالمصلحة؟ وماذا يضير لو أبعد هؤلء من أجل‬
‫مصلحة الدعوة‪ ،‬وتحقيقا للمكتسبات المتوقعة‪ ،‬إلى غير ذلك من التبريرات؟‬
‫أظن‪ - .‬بحكم معرفتي بواقع بعض الجماعات ‪-‬أنها ستستجيب لهذه‬
‫المساومات‪ ،‬وقد استجابت لقل من ذلك‪.‬‬
‫بينما حسم القرآن هذه القضية منذ العهد المكي‪ ،‬ورسم لنا منهجا ل لبس‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ِ‬‫ك عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ساب ِ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫يٍء وَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ساب ِهِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما عَل َي ْ َ‬ ‫فيه ول غموض ) َ‬
‫ن()‪] (2‬سورة النعام‪ ،‬الية‪.[52 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫م فَت َكو َ‬ ‫يٍء فَت َط ُْرد َهُ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫إنه أمر مخيف جدا‪ ،‬رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم أفضل البشر‪ ،‬وإمام‬
‫المرسلين‪ ،‬لو فعل هذا‪ ،‬وهو لن يفعله إل من أجل مصلحة الدعوة‪ ،‬ورسالة‬
‫السلم‪ ،‬لو فعله ‪-‬وحاشاه من ذلك‪ -‬سيكون من الظالمين‪.‬‬
‫ويبين لنا المنهج الذي نسلكه في مثل هذه الطلبات والمساومات‪ ،‬عندما تبدو‬
‫شاَء‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن وَ َ‬‫م ْ‬‫شاَء فَل ْي ُؤْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫لنا قضية المصلحة‪) :‬وَقُ ِ‬
‫فْر()‪] (3‬سورة الكهف‪ ،‬الية‪ .[29 :‬الية‪.‬‬ ‫فَل ْي َك ْ ُ‬
‫هذا واجبنا‪ ،‬وتلك مسئوليتنا‪ ،‬أن نقول الحق‪ ،‬أما هل يؤمن الناس أو يكفروا‬
‫ميعًا()‪ (4‬إن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬
‫س َ‬ ‫دى الّنا َ‬ ‫ه ل َهَ َ‬‫شاُء الل ّ ُ‬ ‫ن ل َوْ ي َ َ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫م ي َي ْأ ِ‬ ‫فليس لنا )أفَل َ ْ‬
‫القضية عندما تتعلق بالمبادئ فل مجال للمفاوضة ول للتنازل‪ ،‬والمسألة‬
‫ن()‪] (5‬سورة الكافرون‪ ،‬الية‪.[6 :‬‬ ‫ي ِدي ِ‬ ‫م وَل ِ َ‬ ‫م ِدين ُك ُ ْ‬ ‫محسومة )ل َك ُ ْ‬
‫القضية الثالثة‪ :‬ما ورد في سورة الفتح‪ :‬قال ابن كثير‪ :‬نزلت هذه السورة‬
‫الكريمة لما رجع رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي‬
‫القعدة من سنة ست من الهجرة‪ ،‬حين صده المشركون عن الوصول إلى‬
‫المسجد الحرام‪ ،‬فيقضي عمرته فيه‪ ،‬وحالوا بينه وبين ذلك ثم مالوا إلى‬
‫المصالحة والمهادنة‪ ،‬وأن يرجع عامه هذا‪ ،‬ثم يأتي من قابل‪ ،‬فأجابهم إلى‬
‫ذلك‪ :‬على تكره من جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله‬
‫عنه ‪-‬‬
‫وقد وردت قصة الصلح في روايات عديدة‪ ،‬منها في الصحيحين وغيرهما‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهي قصة طويلة سأقتصرعلى جزء يسير منها مما له صلة بموضوعنا‪ ،‬وهو‬
‫مما ثبت في الصحيح‪.‬‬
‫‪ -1‬جاء في صحيح البخاري‪ " :‬فدعا النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم الكاتب )‪(6‬‬
‫فقال النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم اكتب‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم فقال‬
‫سهيل )‪ (7‬أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو‪ ،‬ولكن اكتب باسمك اللهم‪ ،‬كما‬
‫كنت تكتب‪ ،‬فقال المسلمون‪ :‬والله ل نكتبها إل بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫فقال النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم اكتب‪ :‬باسمك اللهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذا ما‬
‫قاضى عليه محمد رسول الله‪ ،‬فقال سهيل‪ :‬والله لو كنا نعلم أنك رسول الله‬
‫ما صددناك عن البيت‪ ،‬ول قاتلناك‪ ،‬ولكن اكتب‪ :‬محمد بن عبد الله‪ ،‬فقال‬
‫النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم والله إني لرسول الله‪ ،‬وإن كذبتموني‪ ،‬اكتب‪:‬‬
‫محمد بن عبد الله " )‪.(8‬‬
‫‪ -2‬ومما جاء في الصلح‪ " :‬وإنك ترجع عنا عامنا هذا فل تدخل علينا مكة‪ ،‬وأنه‬
‫إذا كان عام قابل خرجنا عنها فتدخلها بأصحابك " )‪.(9‬‬
‫‪ -3‬وجاء ‪-‬أيضا‪ " :-‬على أنه من أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫أصحابه بغير إذن وليه رده عليه‪ ،‬ومن أتى قريشا ممن مع رسول الله‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه وسلم لم يردوه عليه " )‪.(10‬‬
‫هذا بعض ما ورد في الصلح‪ ،‬ولذلك فإن عمر لما بلغه عزم الرسول‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه وسلم على عقد الصلح ولم يبق إل الكتاب غضب غضبا شديدا‬
‫وذهب إلى رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم وقال له‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أولسنا‬
‫بالمسلمين‪ ،‬أوليسوا بالمشركين؟ " قال صلى الله عليه وسلم بلى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فعلم نعطى الدنية في ديننا؟ فقال‪ ،‬صلى الله عليه وسلم أنا عبد الله‬
‫ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني " )‪(11‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة البروج آية‪.8 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة النعام آية‪.52 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة الكهف آية‪.29 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الرعد آية‪.31 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة الكافرون آية‪.6 :‬‬
‫)‪ - (6‬وهو علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫)‪ - (7‬سهيل بن عمرو رئيس المفاوضين من قريش‪.‬‬
‫)‪ - (8‬أخرجه البخاري )‪.(2732 ،2731‬‬
‫)‪ - (9‬مسند المام أحمد ‪ 4/330‬وانظر تفسير ابن كثير ‪.4/196‬‬
‫)‪ - (10‬مسند المام أحمد ‪ 4/330‬وانظر تفسير ابن كثير ‪.4/196‬‬
‫)‪ - (11‬انظر المصدر السابق وتفسير ابن كثير ‪.4/196‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫إن هذا الصلح الذي اعتبره عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬دنية في دينه‪ ،‬ومع ما قد‬
‫يبدو لول وهلة من صعوبة القبول في بعض الشروط التي كتبت‪ ،‬وبخاصة‬
‫في نظر المتحمس‪ ،‬هذا الصلح بشروطه سماه الله فتحا مبينا‪ ،‬قال ابن‬
‫مسعود‪ :‬إنكم تعدون الفتح فتح مكة‪ ،‬ونحن نعد الفتح صلح الحديبية‪.‬‬
‫وقال جابر‪ :‬ما كنا نعد الفتح إل يوم الحديبية‪ .‬وقال البخاري‪ :‬حدثنا عبيد الله‬
‫بن موسى‪ ،‬عن إسرائيل‪ ،‬عن أبي إسحاق‪ ،‬عن البراء ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫تعدون أنتم الفتح فتح مكة‪ ،‬وقد كان فتح مكة فتحا‪ ،‬ونحن نعد الفتح بيعة‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرضوان يوم الحديبية‪ ،‬وفي مسند أحمد‪ :‬فقال النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‬
‫ك فَت ْ ً‬
‫حا‬ ‫حَنا ل َ َ‬
‫" نزل علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها )إ ِّنا فَت َ ْ‬
‫مِبيًنا( " ]سورة الفتح‪ ،‬الية‪.[1 :‬‬ ‫ُ‬
‫وفي رواية أخرى لحمد عن أنس ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬نزلت على النبي‪،‬‬
‫َ‬
‫خَر()‪] (1‬سورة‬ ‫ما ت َأ ّ‬‫ك وَ َ‬‫ن ذ َن ْب ِ َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫قد ّ َ‬
‫ما ت َ َ‬
‫ه َ‬‫ك الل ّ ُ‬
‫فَر ل َ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم )ل ِي َغْ ِ‬
‫الفتح‪ ،‬الية‪ .[2 :‬مرجعه من الحديبية‪ ،‬قال النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم " لقد‬
‫نزلت على الليلة آية أحب إلي مما على الرض‪ ،‬ثم قرأها‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫وسلم " )‪.(2‬‬
‫إننا نجد في هذه القضية أن رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم وافقهم على‬
‫عدة أمور أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكتب باسمك اللهم‪ ،‬بدل من بسم الله الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكتب‪ :‬محمد بن عبد الله‪ ،‬بدل من‪ :‬محمد رسول الله‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يؤخر دخول مكة إلى العام القادم‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يرد من جاء من المشركين مسلما دون إذن وليه‪ ،‬مع أنهم لن يردوا‬
‫من جاء إليهم مشركا‪ .‬بل إن رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم قال للصحابة‬
‫عندما احتج بعضهم على هذه الشروط‪ " :‬ل يسألوني خطة يعظمون فيها‬
‫حرمات الله إل أعطيتهم إياها " رواه البخاري )‪.(3‬‬
‫ولو دققنا النظر في هذه المور التي أجابهم إليها رسول الله‪ ،‬لوجدنا أنها ل‬
‫تتعلق بالعقيدة ول بالمبدأ‪ ،‬وفرق كبير بينها وبين ما سبق في سورة‬
‫)الكافرون(‪ .‬وسورة )النعام(‪ ،‬وليس فيها اعتراف بالباطل أو إقرار له‪.‬‬
‫مِبينًا()‪ (4‬ولنقف مع هذه المطالب‬ ‫كيف وقد سمى الله هذا الصلح‪) :‬فَْتحا ً ُ‬
‫الربعة‪ ،‬وقفة يسيرة موجزة‪ ،‬تبين ذلك‪.‬‬
‫فكتابة "باسمك اللهم" ليس فيها محذور شرعي‪ ،‬فلو أن مسلما قال‪ :‬باسمك‬
‫اللهم‪ ،‬وهو ل يعتقد تأويل أو نفي اسم الرحمن الرحيم ول صفته‪ ،‬فإنه ل يأثم‪.‬‬
‫وأما‪ :‬كتابة محمد بن عبد الله‪ ،‬فإن رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم محمد‬
‫بن عبد الله‪ ،‬وقد نفى‪ ،‬صلى الله عليه وسلم أي احتمال قد يتطرق إلى‬
‫الذهان‪ ،‬فقال لهم‪ " :‬والله إني لرسول الله وإن كذبتموني " فإذا انتفى‬
‫اللبس جاز المر‪.‬‬
‫وأما رجوعهم هذا العام إلى العام المقبل‪ ،‬فهذه قضية مصلحية تقدر بقدرها‪،‬‬
‫بل إن فيها عدم استجابة للعواطف الجياشة إذا كان سيترتب على هذه‬
‫الستجابة مفسدة‪.‬‬
‫وكم من التصرفات يقوم بها بعض الناس استجابة لعاطفة غير منضبطة‬
‫تسبب مفاسد عظيمة‪ ،‬قد ل تقدر المفسدة أثناء العاطفة‪.‬‬
‫وقضية إعادة من جاء مسلما إلى المشركين‪ .‬قد تبدو مجحفة‪ ،‬وهذه هي‬
‫النظرة العجلى‪ ،‬أما النظرة المتأنية والبعيدة‪ ،‬والتي تتجاوز مصلحة الفراد‬
‫إلى مصلحة المة‪ ،‬بل هي في مصلحة الفراد أنفسهم‪ ،‬فل يلزم أن يقبلهم‬
‫المسلمون فأرض الله واسعة‪ ،‬يدل على ذلك قوله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‬
‫لبي جندل‪ " :‬يا أبا جندل‪ :‬اصبر واحتسب‪ ،‬فإن الله جاعل لك ولمن معك من‬
‫المستضعفين فرجا ومخرجا " الحديث‪.(5) .‬‬
‫وقوله لبي بصير لما جاءه في المدينة‪ " :‬ويل أمة مسعر حرب لو كان معه‬
‫أحد " )‪.(6‬‬
‫وهكذا كان فقد كان ردهما بداية فتح عظيم للمسلمين‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫هذه هي القضايا التي ذكرت أنني سأبين منهج القرآن فيها‪ ،‬وقد فعلت‪ ،‬وهنا‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫آتي لخلصة الموضوع ونتيجته‪ ،‬فأقول‪:‬‬


‫إن مفهوم التنازل قد اختلط على كثير من الدعاة والجماعات‪ ،‬وكل منهم‬
‫يتمسك بدليل يناسبه‪ ،‬دون نظرة شمولية‪ ،‬فنحن بين إفراط وتفريط‪،‬‬
‫والموضوع يحتاج ‪-‬كما ذكرت سابقا‪ -‬إلى دراسة شاملة مؤصلة‪ ،‬تجمع فيها‬
‫الدلة‪ ،‬وتعرض الوقائع والحوال‪ ،‬مما يساعد على حسم الموضوع وبيانه‪.‬‬
‫ومن خلل ما سبق فقد اتضح لي ما يلي‪:‬‬
‫أول‪ :‬ل يجوز التنازل عن أمر يتعلق بأصل من أصول السلم‪ ،‬أو مبدأ من‬
‫مبادئه‪ ،‬أو حكم من أحكامه التي حسمها الكتاب والسنة‪ ،‬أو أجمع عليها‬
‫المسلمون‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أما مسائل الجتهاد‪ ،‬ووسائل الدعوة ومراحلها‪ ،‬والسياسات الشرعية‪،‬‬
‫فتراعى فيها القواعد‪ ،‬الشرعية الكلية العامة‪ ،‬كقاعدة‪ ،‬درء المفاسد وجلب‬
‫المصالح‪ ،‬وقاعدة سد الذرائع‪ ،‬وقواعد وأصول‪ :‬المصالح المرسلة‬
‫والستحسان‪ ،‬وغيرها من القواعد المعروفة‪.‬‬
‫وذلك ل يكون إل من العلماء المتبحرين‪ ،‬الذين يسوغ لهم الجتهاد‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة الفتح آية‪.2 :‬‬
‫)‪ - (2‬انظر مسند المام أحمد‪ .‬وتفسير ابن كثير ‪.4/182‬‬
‫)‪ - (3‬أخرجه البخاري )‪.(2732 ،2731‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الفتح آية‪.1 :‬‬
‫)‪ - (5‬رواه أحمد ‪ 4/325‬انظر تفسير ابن كثير ‪.4/197‬‬
‫)‪ - (6‬رواه أبو داود )‪ ،(2765‬وانظر تفسير ابن كثير ‪.4/199‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫وأخيرا أقول‪ :‬إن حرصنا على نصر دين الله‪ ،‬وشدة محبتنا لظهوره على‬
‫الدين كله يجب أل تكون مخرجة لنا عن اللتزام بالمنهج الشرعي‪ ،‬فإن الغاية‬
‫ل تبرر الوسيلة‪.‬‬
‫صور النصر العاجل والجل في القرآن‬
‫جاء النصر في القرآن على عدة صور‪ ،‬أشرت إليها سابقا‪ ،‬ولكن أحببت أن‬
‫أذكرها مجتمعة باختصار؛ لتكون واضحة أمام الدعاة‪ ،‬ولئل يتعجلوا وعد الله‪،‬‬
‫فكل شيء عنده بمقدار‪ ،‬فل يعجله حرص حريص‪ ،‬ول يرّده كره كاره‪ ،‬وهو‬
‫العليم الحكيم‪.‬‬
‫‪- 1‬من النبياء من أذاه قومه‪ ،‬فنصره الله عليهم‪ ،‬فأهلكهم وأقام الدين في‬
‫حياته‪ ،‬كموسى ومحمد‪ ،‬عليهما أفضل الصلة والسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬ومنهم من وله الله الملك ‪ -‬وهذا نصر عظيم‪ -‬كداود وسليمان‪ ،‬عليهما‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنهم من أذاه قومه ولم يؤمنوا به‪ ،‬سوى قليل منهم فنجاه الله ومن‬
‫معه‪ ،‬وأهلك عدوه‪ ،‬ثم لم يبين لنا القرآن ماذا حدث للنبي بعد ذلك‪ ،‬أي‪ :‬هل‬
‫آمن به قوم آخرون‪ ،‬أو بقي على من آمن معه ومن آمن من ذرياتهم‪ ،‬كنوح‬
‫وهود وصالح ولوط‪.‬‬
‫‪-4‬ومنهم من قتله قومه‪ ،‬أو حاولوا قتله‪ ،‬فانتقم الله له بعد حين‪ ،‬كيحيى‬
‫م‬‫حد َة ً فَإ َِذا هُ ْ‬
‫ة َوا ِ‬
‫ح ً‬ ‫ت إ ِّل َ‬
‫صي ْ َ‬ ‫ن َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫وعيسى‪ ،‬ومن أرسل لصحاب القرية )إ ِ ْ‬
‫ن()‪] (1‬سورة يس‪ ،‬الية‪.[29 :‬‬‫دو َ‬
‫م ُ‬
‫خا ِ‬
‫َ‬
‫‪ -5‬ومنهم من يئس من قومه فتركهم‪ ،‬فعاقبه الله‪ ،‬ثم عفا عنه‪ ،‬ولما عاد‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إليهم‪ ،‬نصره الله نصرا مؤزرا‪ ،‬وظهر الدين وهو يونس )‪.(2‬‬
‫‪ -6‬ومن الدعاة من قتله قومه فآمن به بعض قومه فقتلوا وحّرقوا‪ ،‬ولكن ل‬
‫نعلم ماذا حل بهؤلء القتلة‪ ،‬سوى أن الله دعاهم للتوبة‪ ،‬وتوعدهم إن لم‬
‫يتوبوا بعذاب جهنم وعذاب الحريق في الخرة‪.‬‬
‫وهؤلء هم أصحاب الخدود )‪(3‬‬
‫ول يعنى هذا أنهم لم ينصروا في الدنيا‪ ،‬فقد بينت أوجه النصر عند ذكر‬
‫قصتهم‪.‬‬
‫إن استحضار هذه الصور في ذهن الداعية عامل مساعد في تخطي الصعاب‪،‬‬
‫وتجاوز العقبات الحسية والمعنوية‪ ،‬وتزيد من إيمان الداعية بربه في تحقق‬
‫غال ِب عََلى أ َمره ول َك َ‬
‫ن()‪] (4‬سورة‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ْ ِ ِ َ ِ ّ‬ ‫ه َ ٌ‬ ‫موعوده‪َ) ،‬والل ّ ُ‬
‫يوسف‪ ،‬الية‪.[21 :‬‬
‫وقفة مع قصة يونس عليه السلم‪.‬‬
‫ت إ ِذ ْ‬ ‫حو ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫نك َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حكم ِ َرب ّك َول ت َك ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫صب ِْر ل ِ ُ‬ ‫قال الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪َ) :-‬فا ْ‬
‫م()‪] (5‬سورة القلم‪ ،‬الية‪ .[48 :‬لقد وردت قصة يونس‪،‬‬ ‫ظو ٌ‬ ‫مك ْ ُ‬ ‫َناَدى وَهُوَ َ‬
‫عليه السلم‪ ،‬في القرآن في عدة مواضع‪ ،‬منها في سورة النبياء‪:‬‬
‫َ‬ ‫)وَذا النون إذ ْ ذ َهَب مَغاضبا ً فَظ َ َ‬
‫نل‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫قدَِر عَل َي ْهِ فََناَدى ِفي الظ ّل َ‬
‫ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن()‪] (6‬سورة النبياء‪ ،‬الية‪.[87 :‬‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫مي‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ظا‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ْ ُ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ني‬ ‫إ ِل َ َ ِ ْ َ ُ ْ َ َ ِ ّ‬
‫إ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن‬ ‫حا‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫َ‬
‫ن إ ِذ ْ أب َقَ إ َِلى‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫س لَ ِ‬ ‫ن ُيون ُ َ‬ ‫وأطول قصة له وردت في الصافات )وَإ ِ ّ‬
‫م‬ ‫مِلي ٌ‬ ‫ت وَهُوَ ُ‬ ‫حو ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ن َفال ْت َ َ‬ ‫ضي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ساهَ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫حو ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن فَن َب َذ َْناه ُ ِبال ْعََراِء‬ ‫َ‬
‫ث ِفي ب َط ْن ِهِ إ َِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬ ‫ن ل َل َب ِ َ‬ ‫حي َ‬ ‫سب ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ول أن ّ ُ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫زي ُ‬ ‫ف أوْ ي َ ِ‬ ‫مائ َةِ أل ٍ‬ ‫سلَناه ُ إ ِلى ِ‬ ‫ن وَأْر َ‬ ‫طي ٍ‬ ‫ق ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جَرةً ِ‬ ‫ش َ‬ ‫م وَأن ْب َت َْنا عَلي ْهِ َ‬ ‫قي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫وَهُوَ َ‬
‫ن()‪] (7‬سورة الصافات‪ ،‬اليات‪ .[148-139 :‬ووردت‬ ‫َ‬ ‫مُنوا فَ َ‬ ‫َفآ َ‬
‫حي ٍ‬ ‫م إ ِلى ِ‬ ‫مت ّعَْناهُ ْ‬
‫ت إ ِذ ْ َناَدى وَهُ َ‬
‫و‬ ‫حو ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫نك َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك َول ت َك ْ‬ ‫حكم ِ َرب ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫صب ِْر ل ِ ُ‬ ‫في سورة القلم‪َ) :‬فا ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جت ََباه ُ َرب ّ ُ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫مو ٌ‬ ‫مذ ْ ُ‬ ‫ن َرب ّهِ لن ُب ِذ َ ِبالعََراِء وَهُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ٌ‬‫ه ن ِعْ َ‬ ‫داَرك َ ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ظو ٌ‬ ‫مك ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن()‪] (8‬سورة القلم‪ ،‬اليات‪ .[50 - 48 :‬قد وردت قصة‬ ‫َ‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫فَ‬
‫يونس بروايات متعددة‪ ،‬واختلف المفسرون حول سبب تركه لقومه‪ ،‬ومعنى‬
‫ضبًا()‪ (9‬على قولين‪:‬‬ ‫مَغا ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫قوله ‪-‬تعالى‪) :-‬إ ِذ ْ ذ َهَ َ‬
‫‪ -1‬قيل ذهب مغاضبا لربه‪.‬‬
‫‪ -2‬قيل ذهب مغاضبا لقومه‪.‬‬
‫وقد روى الطبري عن ابن عباس والضحاك أنه ذهب مغاضبا لقومه‪.‬‬
‫وروى عن الشعبي‪ ،‬وسعيد بن أبي الحسن‪ ،‬وسعيد بن جبير أنه ذهب مغاضبا‬
‫لربه‪.‬‬
‫جح المام الطبري بعد ذكر عدة روايات‪ ،‬أنه ذهب مغاضبا لربه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫وقد ر ّ‬
‫وهذا القول ‪-‬أعني قول من قال إنه ذهب مغاضبا لربه‪ -‬أشبه بتأويل الية‪،‬‬
‫وذلك لدللة قوله‪) :‬فَظ َ َ‬
‫ه()‪ (10‬على ذلك‪ ،‬على أن الذين‬ ‫قدَِر عَل َي ْ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ّ‬
‫وجهوا تأويل ذلك إلى أنه ذهب مغاضبا لقومه‪ ،‬إنما زعموا أنهم فعلوا ذلك‬
‫استنكارا منهم أن يغاضب نبي من النبياء ربه‪ ،‬واستعظاما له‪ ،‬وهم بقيلهم أنه‬
‫ذهب مغاضبا لقومه قد دخلوا في أمر أعظم مما أنكروا‪(11) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة يس آية‪.29 :‬‬
‫)‪ - (2‬هناك خلف حول سبب تركه لقومه سيأتي بيانه بعد صفحات‪.‬‬
‫)‪ - (3‬انظر كتاب معالم في الطريق ص ‪ ،180‬وفي ظلل القرآن تفسير‬
‫سورة البروج ‪.6/3873‬‬
‫)‪ - (4‬سورة يوسف آية‪.21 :‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (5‬سورة القلم آية‪.48 :‬‬


‫)‪ - (6‬سورة النبياء آية‪.87 :‬‬
‫)‪ - (7‬سورة الصافات آية‪.139 :‬‬
‫)‪ - (8‬سورة القلم آية‪.50-48 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة النبياء آية‪.87 :‬‬
‫)‪ - (10‬سورة النبياء آية‪.87 :‬‬
‫)‪ - (11‬انظر تفصيل ذلك في تفسير الطبري ‪.17/76‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫والذي يعنينا ‪-‬هنا‪ -‬أن يونس‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬سواء كان قد ذهب مغاضبا لربه أو‬
‫لقومه‪ ،‬فإنه قد استعجل المر‪ ،‬ولم يصبر كما قال ‪-‬تعالى‪ -‬لمحمد‪ ،‬صلى الله‬
‫ت()‪ (1‬فإنه لم يصبر‪،‬‬ ‫حو ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫صا ِ‬ ‫ك َول ت َك ُ ْ‬ ‫حك ْم ِ َرب ّ َ‬ ‫صب ِْر ل ِ ُ‬‫عليه وسلم )َفا ْ‬
‫وسواء كان‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬استعجل إيمانهم أو استعجل العذاب لهم )‪ (2‬لنهم‬
‫قد كذبوه‪ ،‬واليمان انتصار‪ ،‬وتعذيب المكذبين انتصار للداعية‪ ،‬فإنه قد‬
‫استعجل النتصار‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬ولذلك عاقبه الله‪ ،‬بأن ابتلعه الحوت‪ ،‬وهو‬
‫مليم‪ ،‬أي‪ :‬مذنب‪.‬‬
‫ولكن الله عفا عنه وكفر له بعد أن نادى في الظلمات واعترف بذنبه‪ ،‬عليه‬
‫السلم‪ ،‬بل اجتباه ربه فجعله من الصالحين‪.‬‬
‫فلما رجع إلى قومه بأمر من الله‪ ،‬آمنوا كلهم‪) ،‬وأ َرسل ْناه إَلى مائ َة أ َل ْف أوَ‬
‫ٍ ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ ْ َ َ ُ ِ‬
‫ن()‪] (3‬سورة الصافات‪ ،‬اليتان‪،147 :‬‬ ‫حي ٍ‬‫م إ َِلى ِ‬ ‫مت ّعَْناهُ ْ‬‫مُنوا فَ َ‬ ‫ن َفآ َ‬‫دو َ‬ ‫زي ُ‬‫يَ ِ‬
‫‪ .[148‬وهذا من أعظم النتصار‪.‬‬
‫ك َول ت َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫حك ْم ِ َرب ّ َ‬
‫صب ِْر ل ِ ُ‬‫قال المام الطبري في تفسير قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬فا ْ‬
‫م()‪] (4‬سورة القلم‪ ،‬الية‪ .[48 :‬يقول‬ ‫ظو ٌ‬‫مك ْ ُ‬ ‫ت إ ِذ ْ َناَدى وَهُوَ َ‬ ‫حو ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫كَ َ‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬ذكره لنبيه محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم فاصبر يا محمد لقضاء ربك‬
‫وحكمه فيك‪ ،‬وفي هؤلء المشركين‪ ،‬بما أتيتهم به من القرآن وهذا الدين‪،‬‬
‫وامض لما أمرك به ربك‪ ،‬ول يثنينك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك‬
‫وأذاهم لك‪.‬‬
‫ت()‪ (5‬قال قتادة‪ :‬ل تعجل كما عجل‪ ،‬ول تغضب كما‬ ‫حو ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫صا ِ‬ ‫)َول ت َك ُ ْ‬
‫غضب‪" ،‬وهو مذموم" أي‪ :‬مذنب أو مليم‪.‬‬
‫قال الطبري‪ :‬أي ل تكن كصاحب الحوت فيعاقبك ربك على تركك تبليغ ذلك‪،‬‬
‫كما حبس يونس في بطن الحوت )‪.(6‬‬
‫إنه أمر عظيم حري بالدعاة أن يفقهوه‪.‬‬
‫وقفات مهمة‬
‫أول‪ :‬إذا فهم الداعية حقيقة النتصار‪ ،‬فإن هذا ل يعني أن يتساهل الداعية في‬
‫أمر الدعوة‪ ،‬وفي السعي الحثيث لزالة المنكرات‪ ،‬والجد في محاولة هداية‬
‫الناس‪ ،‬وذلك أن الشيطان قد يوسوس له فيقول‪:‬‬
‫أنت مهمتك البلغ‪ ،‬أما النتائج فليست لك ‪-‬وهذا حق‪ -‬فإذن لماذا تحزن أو‬
‫تتعب نفسك فيما ليس لك‪ .‬ثم يوسوس له أن هؤلء الناس ل خير فيهم‪،‬‬
‫ويكفي أنك بّينت مرة أو مرتين‪ ،‬أو ثلثا‪ ،‬فإذا لم يستجيبوا فإنك معذور‪ ،‬ول‬
‫داعي للستمرار والصرار‪ ،‬لن جهودك ضائعة‪ ،‬ولو استفدت من وقتك في‬
‫غير هذا المر لكان أحسن‪.‬‬
‫ثم يبدأ الداعية يتراخى شيئا فشيئا‪ ،‬حتى يترك الدعوة وينعزل عن الناس‬
‫وشأنهم وليس هذا هو المراد‪ ،‬ولكن إدراك حقيقة النتصار يزيد من حماس‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الداعية ‪-‬مع النضباط‪ -‬سعيا وراء تحقيق هذا المطلب الذي عز مناله‪ ،‬سواء‬
‫أكان انتصارا ظاهرا لدين الله‪ ،‬أو كان انتصارا للداعية نفسه ‪-‬كما سبق‬
‫تفصيله‪.-‬‬
‫وعلى الداعية أن يحزن ويفرح‪ ،‬ولكن ل بد أن يكون حزنه وفرحه إيجابيا‬
‫فعال‪.‬‬
‫فحزنه يزيد من حرصه وإصراره على إنقاذ أمته‪ ،‬وهداية قومه‪ ،‬وتعبيد الناس‬
‫لله جل وعل‪.‬‬
‫وفرحه يقوي عزيمته ويشد من أزره للمضي قدما في تحقيق أهدافه متلذذا‬
‫بنشوة النتصار وحب الخير للناس‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬كل داعية يجب أن يرسم لنفسه منهجا يسير عليه ويحدد أهدافا يسعى‬
‫لتحقيقها‪ ،‬يستمد ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫مراعيا حاجة المجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬والواقع الذي يعاصره ولكن بعض‬
‫الدعاة عندما يسير زمنا في دعوته‪ ،‬ثم يرى ما تحقق على يديه‪ ،‬فيلحظ أنه‬
‫لم تتحقق الهداف التي رسمها‪ ،‬ولكن تحقق جزء منها‪ ،‬يشعر أنه فشل في‬
‫مهمته‪ ،‬وخسر في دعوته‪ ،‬فييئس ثم يتوقف‪.‬‬
‫وهذا أمر خطير‪ ،‬فإذا كان بعض النبياء لم يتحقق على أيديهم هداية رجل‬
‫واحد‪ ،‬ومع ذلك لم يشكوا في دعوتهم أو يتوقفوا في طريقهم‪ ،‬فكيف برجل‬
‫ليس نبيا‪ ،‬ومع ذلك حقق بعض ما يدعو إليه؟! ولذلك فقول الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم لعلي‪ " :‬فوالله لئن يهدي الله بك رجل واحدا خير لك من‬
‫حمر النعم " )‪ .(7‬يدل علي أن هداية رجل واحد انتصار عظيم للداعية‪،‬‬
‫فكيف يكون الداعية مثاليا‪ ،‬إما كل شيء‪ ،‬أو ل شيء؟!‬
‫ولذلك فإن كلمة سيد ‪-‬رحمه الله‪" -‬خذوا السلم جملة أو دعوه"‪ .‬تحتاج إلى‬
‫تفصيل‪ ،‬ول تؤخذ على إطلقها‪ ،‬فبعض وجوه معانيها حق‪ ،‬وهناك وجوه أخرى‬
‫فسرت بها هذه الكلمة‪ ،‬يستشهد بها بعض الدعاة‪ ،‬مما يخالف المنهج‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة القلم آية‪.48 :‬‬
‫)‪ - (2‬انظر تفسير الطبري ‪ 17/76‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ - (3‬سورة الصافات آية‪.148-147 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة القلم آية‪.48 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة القلم آية‪.48 :‬‬
‫)‪ - (6‬انظر تفسير الطبري ‪.29/44‬‬
‫)‪ - (7‬أخرجه البخاري )‪ (2942‬مسلم‪.(2406) ،‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫ثالثا‪ :‬من أهم أنواع النتصار هو النتصار على النفس بل ل يمكن أن يتحقق‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫صاب َت ْك ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫له أي نوع من أنواع النصر إل إذا انتصر على نفسه وشهواتها )أوَل َ ّ‬
‫م()‪] (1‬سورة آل‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫عن ْد ِ أ َن ْ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل هُوَ ِ‬ ‫ذا قُ ْ‬ ‫م أ َّنى هَ َ‬ ‫مث ْل َي َْها قُل ْت ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫صب ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ة قَد ْ أ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫وى فَإ ِ ّ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫س‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫هى‬ ‫َ‬
‫َ َ‬‫ن‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫خا‬
‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫و‬‫)‬ ‫[‪.‬‬‫‪165‬‬ ‫الية‪:‬‬ ‫عمران‪،‬‬
‫ة هي ال ْمأ ْوى()‪] (2‬سورة النازعات‪ ،‬اليتان‪) .[41 ،40 :‬وما أ َ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫صا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جن ّ َ ِ َ َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ل‬ ‫ه قَت ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ك()‪] (3‬سورة النساء‪ ،‬الية‪) .[79:‬فَط َوّعَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سي ّئ َةٍ فَ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫هل‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ن()‪] (4‬سورة المائدة‪ ،‬الية‪) .[30 :‬إ ِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫س َِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬
‫ح ِ‬‫صب َ َ‬‫ه فأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قت َل ُ‬ ‫َ‬
‫خيهِ ف َ‬ ‫أَ ِ‬
‫م()‪] (5‬سورة الرعد‪ ،‬الية‪ .[11 :‬إلى غير‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأن ْ ُ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫ي ُغَي ُّر َ‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك من اليات‪.‬‬
‫من‬ ‫ومن هنا فإذا تأخر النصر فلنبدأ في بحثنا عن سبب ذلك من أنفسنا‪ ،‬ف ِ‬
‫مأمنه يؤتى الحذر‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫وبعد أن عشنا )‪ (6‬مع هذا الموضوع وعايشناه‪ ،‬نصل إلى خاتمة المطاف‬
‫فأقول‪:‬‬
‫مما سبق اتضح لنا أن حقيقة انتصار الداعية تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫ب‬ ‫ّ‬
‫ماِتي ل ِلهِ َر ّ‬ ‫م َ‬ ‫حَيايَ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كي وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫صلِتي وَن ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫‪ -1‬التجرد لله والخلص له )قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك ل َه وبذ َل ِ َ ُ‬
‫ن()‪] (7‬سورة النعام‪،‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ت وَأَنا أوّ ُ‬ ‫مْر ُ‬ ‫كأ ِ‬ ‫ري َ ُ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نل َ‬
‫ش‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫ُ‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ه ُ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫مُروا إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫اليتان‪ .[163 ،162 :‬وقال سبحاله‪) :‬وَ َ‬
‫ة()‪] (8‬سورة‬ ‫م ِ‬
‫قي ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫َ‬
‫كاةَ وَذ َل ِك ِدي ُ‬ ‫صلة َ وَي ُؤُْتوا الّز َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫فاَء وَي ُ ِ‬ ‫حن َ َ‬‫ن ُ‬ ‫دي َ‬ ‫ال ّ‬
‫البينة‪ ،‬الية‪ .[5 :‬والعمل الذي ل يصاحبه الخلص حري بالرد وعدم القبول‪.‬‬
‫‪ -2‬سلمة المنهج‪ ،‬وهو أن يكون وفق ما كان عليه رسول الله‪ ،‬صلى الله‬
‫عليه وسلم وصحابته‪ ،‬وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهو منهج الطائفة‬
‫المنصورة‪ ،‬والفرقة الناجية‪ ،‬الذين ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم حتى‬
‫قيما ً َفات ّب ُِعوه ُ َول ت َت ّب ُِعوا‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫يأتي أمر الله‪ ،‬قال ‪-‬سبحانه‪) :-‬وَأ ّ‬
‫ه()‪ (9‬وقال صلى الله عليه وسلم " تركتكم على‬ ‫سِبيل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬ ‫ل فَت َ َ‬ ‫سب ُ َ‬‫ال ّ‬
‫البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها بعدي إل هالك " وقال‪ " :‬تركت فيكم ما إن‬
‫تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا‪ :‬كتاب الله وسنتي " )‪.(10‬‬
‫‪ -3‬اللتزام التام بما يدعو إليه والثبات على الطريق حتى يلقى الله‪ ،‬قال‬
‫م()‪(11‬‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ك عََلى ِ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ي إ ِل َي ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ذي ُأو ِ‬ ‫ك ِبال ّ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬‫ست َ ْ‬ ‫‪-‬سبحانه‪َ) :-‬فا ْ‬
‫ن‬ ‫س ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِلى اللهِ وَهُوَ ُ‬ ‫َ‬ ‫جهَ ُ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫سل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫]سورة الزخرف‪ ،‬الية‪ .[43 :‬وقال‪) :‬وَ َ‬
‫موِر()‪] (12‬سورة لقمان‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫قى وَإ َِلى الل ّهِ َ‬ ‫ك ِبال ْعُْروَةِ ال ْوُث ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫فَ َ‬
‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫قد ِ ا ْ‬
‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن الك َِتا َ‬ ‫م ت َت ْلو َ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫س ِبالب ِّر وَت َن ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫الية‪ .[22 :‬وقال‪) :‬أت َأ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪(13‬‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫صلةِ وَإ ِن َّها لكِبيَرة ٌ إ ِل عَلى ال َ‬ ‫َ‬ ‫صب ْرِ َوال ّ‬ ‫ست َِعيُنوا ِبال ّ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫قُلو َ‬ ‫أَفل ت َعْ ِ‬
‫]سورة البقرة‪ ،‬اليتان‪ .[45 ،44 :‬فالثبات على الطريق‪ ،‬من أقوى عوامل‬
‫النصر وعلماته‪.‬‬
‫بل إن صاحب الباطل إذا ثبت على باطله فغالبا ما ينتصر )‪ (14‬فكيف بمن‬
‫هو على الحق المبين؟‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة آل عمران آية‪.165 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة النازعات آية‪.41-40 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة النساء آية‪.79 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة المائدة آية‪.30 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة الرعد آية‪.11 :‬‬
‫)‪ - (6‬أنا والقراء‪.‬‬
‫)‪ - (7‬سورة النعام آية‪.163-162 :‬‬
‫)‪ - (8‬سورة البينة آية‪.5 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة النعام آية‪.153 :‬‬
‫)‪ - (10‬رواه الحاكم في المستدرك وصححه اللباني في صحيح الجامع رقمه‬
‫‪.2937‬‬
‫)‪ - (11‬سورة الزخرف آية‪.43 :‬‬
‫)‪ - (12‬سورة لقمان آية‪.22 :‬‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (13‬سورة البقرة آية‪.45-44 :‬‬


‫)‪ - (14‬أي يحقق أهدافه في الدنيا‪.‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫‪ -4‬الصدع بالحق‪ ،‬وعدم المداهنة أو الخوف من غير الله قال‪-‬تعالى‪:-‬‬


‫َ‬
‫ن()‪] (1‬سورة‬ ‫زئي َ‬ ‫ست َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫في َْنا َ‬ ‫ن إ ِّنا ك َ َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ض عَ ِ‬ ‫مُر وَأعْرِ ْ‬ ‫ما ت ُؤْ َ‬ ‫صد َع ْ ب ِ َ‬ ‫)َفا ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫شاَء فَل ْي ُؤْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫الحجر‪ ،‬اليتان‪ .[95 ،94 :‬وقال‪) :‬وَقُ ِ‬
‫َ‬
‫فْر()‪] (2‬سورة الكهف‪ ،‬الية‪ .[29 :‬وقال ‪-‬سبحانه‪َ) -‬يا أي َّها‬ ‫شاَء فَل ْي َك ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ه َوالل ُ‬ ‫سالت َ ُ‬ ‫ت رِ َ‬ ‫ما ب َلغْ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما أن ْزِ َ‬ ‫ل ب َلغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬
‫خذ َ الل ُ‬ ‫س()‪] (3‬سورة المائدة‪ ،‬الية‪ .[67 :‬وقال‪) :‬وَإ ِذ ْ أ َ‬ ‫ن ُالّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ي َعْ ِ‬
‫ه()‪] (4‬سورة آل عمران‪،‬‬ ‫مون َ ُ‬ ‫ْ‬
‫س َول ت َكت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ميَثاقَ ال ِ‬
‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ب لت ُب َي ّن ُن ّ ُ‬ ‫ن أوُتوا الك َِتا َ‬
‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫ِ‬
‫ط()‪(5‬‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ْ‬
‫داَء ِبال ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن ل ِلهِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫مي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫مُنوا كوُنوا قَ ّ‬ ‫ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫الية‪ .[187:‬وقال‪َ) :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫]سورة المائدة‪ ،‬الية‪ .[8 :‬إلى غير ذلك من اليات التي توجب الصدع بالحق‬
‫والدعوة إليه‪.‬‬
‫‪ -5‬الصبر وعدم اليأس واليقان الجازم بوعد الله ونصره لعباده )‪ (6‬قال‬
‫ن‬‫ن وَإ ِ ّ‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م ل َهُ ُ‬ ‫ن إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫‪-‬سبحانه‪) :-‬وَل َ َ‬
‫ن()‪] (7‬سورة الصافات‪ ،‬اليات‪ .[173 ،172 ،171 :‬وقال‪:‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫جن ْد ََنا ل َهُ ُ‬ ‫ُ‬
‫شَهاُد()‪(8‬‬ ‫َ‬
‫م اْل ْ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫في‬ ‫) ِّ َْ ُ ُ ُ ُ َ َ ِ َ َ ُ ِ‬
‫نوا‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫إ‬
‫َ َ ِ َّْ ََ ْ َ َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م قَد ْ‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫س الّر ُ‬ ‫ست َي ْأ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫]سورة غافر‪ ،‬الية‪ .[51 :‬وقال‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫سوا ِ‬ ‫صُرَنا()‪] (9‬سورة يونس‪ ،‬الية‪ .[110 :‬وقال‪َ) :‬ول ت َي ْأ ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ك ُذُِبوا َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ن َروِْح الل ّهِ إ ِّل ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪] (10‬سورة يوسف‪،‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ل ي َي ْأ ُ‬ ‫َروِْح الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م(‬‫ل لهُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ل َول ت َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫صب ََر أولوا العَْزم ِ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫صب ِْر ك َ َ‬ ‫الية‪ .[87 :‬وقال‪َ) :‬فا ْ‬
‫ك َول ت َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫حك ْم ِ َرب ّ َ‬ ‫صب ِْر ل ِ ُ‬ ‫)‪] (11‬سورة الحقاف‪ ،‬الية‪ .[35 :‬وقال‪َ) :‬فا ْ‬
‫هّ‬
‫ن وَعْد َ الل ِ‬ ‫صب ِْر إ ِ ّ‬ ‫ت()‪] (12‬سورة القلم‪ ،‬الية‪ .[48 :‬وقال‪َ) :‬فا ْ‬ ‫حو ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫كَ َ‬
‫ق()‪.(13‬‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ن()‪] (14‬سورة الروم‪ ،‬الية‪ .[60 :‬وقال‪:‬‬ ‫ن ل ُيوقُِنو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫فن ّك ال ِ‬ ‫َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫)َول ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪] (15‬سورة‬ ‫صب َُروا وَكاُنوا ِبآيات َِنا ُيوقُِنو َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫مرَِنا ل ّ‬ ‫ن ب ِأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ة ي َهْ ُ‬ ‫م ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫)وَ َ‬
‫ُ‬
‫صاب ُِروا وََراب ِطوا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫صب ُِروا وَ َ‬ ‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫السجدة‪ ،‬الية‪ .[24 :‬وقال‪َ) :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ن()‪] (16‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.[200 :‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫َوات ّ ُ‬
‫فإذا تحققت هذه المقومات‪ ،‬جاء النصر‪ ،‬فوعد الله ل يتخلف أبدا‪ ،‬بل إن‬
‫تحقق هذه الركان في فرد أو جماعة نصر عظيم‪ ،‬وما يأتي بعد ذلك من نصر‬
‫هو أثر من آثار هذا النتصار‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة الحجر آية‪.95-94 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة الكهف آية‪.29 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة المائدة آية‪.67 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة آل عمران آية‪.187 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة المائدة آية‪.8 :‬‬
‫)‪ - (6‬ذكر الطبري وابن كثير أن ابن جريج قال إن موسى عليه السلم ‪-‬لما‬
‫دعا على فرعون بقوله‪) :‬ربنا إنك آتيت فرعون ومله زينة وأموال في الحياة‬
‫الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم‬
‫فل يؤمنوا حتى يروا العذاب الليم(‪ .‬قال الله تعالى‪) :‬قد أجيبت دعوتكما‬
‫فاستقيما ول تتبعان سبيل الذين ل يعلمون(‪] .‬سورة يونس‪ ،‬الية‪ [.89 :‬قال‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ابن جريج‪ :‬إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة‪ ،‬قبل أن يهلكه الله‬
‫بالغرق‪ .‬انظر تفسير الطبري ‪ 11/161‬وتفسير ابن كثير ‪.2/429‬‬
‫)‪ - (7‬سورة الصافات آية‪.173-172-171 :‬‬
‫)‪ - (8‬سورة غافر آية‪.51 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة يوسف آية‪.110 :‬‬
‫)‪ - (10‬سورة يوسف آية‪.87 :‬‬
‫)‪ - (11‬سورة الحقاف آية‪.35 :‬‬
‫)‪ - (12‬سورة القلم آية‪.48 :‬‬
‫)‪ - (13‬سورة الروم آية‪.60 :‬‬
‫)‪ - (14‬سورة الروم آية‪.60 :‬‬
‫)‪ - (15‬سورة السجدة آية‪.24 :‬‬
‫)‪ - (16‬سورة آل عمران آية‪.200 :‬‬

‫)‪(28 /‬‬

‫صْرَنا عََلى ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫قوْم ِ‬ ‫مَنا َوان ْ ُ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫صْبرا ً وَث َب ّ ْ‬ ‫وختاما‪ :‬نقول‪َ) :‬رب َّنا أفْرِغ ْ عَل َي َْنا َ‬
‫ن()‪] (1‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪َ) .[250 :‬رب َّنا ل ت ُزِغ ْ قُُلوب ََنا ب َعْد َ إ ِذ ْ هَد َي ْت ََنا‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ت ال ْوَ ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ل َد ُن ْ َ‬
‫ب()‪] (2‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.[8 :‬‬ ‫ها ُ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ة إ ِن ّ َ‬
‫م ً‬ ‫ح َ‬‫ك َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ل ََنا ِ‬ ‫وَهَ ْ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫وا‬
‫َ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫دا‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫في‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫را‬ ‫س‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ا‬ ‫)َرب َّنا‬
‫ْ‬ ‫ْ َِ َ ّ ْ‬ ‫ِ ْ َ ُ ََ َِ ْ َ َ ِ‬
‫خذ ْنا إن نسينا أ ِوَ‬ ‫ن()‪] (3‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪َ) .[147 :‬رب َّنا ل ت ُ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ؤا ِ َ ِ ْ َ ِ َ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ْ ِ‬
‫ن قَب ْل َِنا َرب َّنا َول‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ه عََلى ال ّ ِ‬ ‫مل ْت َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫صرا ً ك َ َ‬ ‫ل عَل َي َْنا إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ح ِ‬ ‫خط َأَنا َرب َّنا َول ت َ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫صْرَنا عََلى‬ ‫َ‬
‫ولَنا َفان ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ت َ‬ ‫مَنا أن ْ َ‬‫ح ْ‬ ‫فْر ل ََنا َواْر َ‬ ‫ف عَّنا َواغْ ِ‬ ‫ة ل ََنا ب ِهِ َواعْ ُ‬ ‫طاقَ َ‬ ‫ما ل َ‬ ‫مل َْنا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫تُ َ‬
‫ن()‪] (4‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.[286 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫قوْم ِ ال َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والعاقبة للمتقين‪ ،‬ول عدوان إل على‬
‫الظالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة البقرة آية‪.250 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة آل عمران آية‪.8 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة آل عمران آية‪.147 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة البقرة آية‪.286 :‬‬

‫)‪(29 /‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫حقيقة النتماء و الموقف من أصحاب النتماءات المخالفة‬
‫الحمد لله و كفى و الصلة و السلم على نبّيه المصطفى ‪ ،‬و آله و صحبه‬
‫أجمعين و بعد ‪:‬‬
‫قيت من بعض الخوة المقيمين في الديار اليرلندّية عن رأيي في‬ ‫فقد تل ّ‬
‫التسمي بالسلفية أو غيرها ‪ ،‬و قولي في النتماء إلى إحدى الجماعات‬
‫السلمّية العاملة في الساحة كجماعة الخوان المسلمين أو حزب التحرير أو‬
‫غيرها ؟ أو الخروج مع جماعة التبليغ بقصد الدعوة إلى الله تعالى ؟ و رأيي‬
‫في التعامل مع المنتسبين إلى بعضها في شيء من أمور الدنيا أو مجالستهم‬
‫و بدئهم بالسلم ؟‬
‫فقلت مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل السّنة و الجماعة فالتزموه و‬ ‫يسعنا في هذا الباب ما وسع سلفنا ‪ ،‬أه َ‬


‫تواصو به ‪ ،‬و هو لزوم الجماعة ‪ ,‬و هي ما كان عليه السلف الصالح ‪ ،‬و رّبما‬
‫عرفوا بأهل السّنة أو أصحاب الحديث أو السلفّيون أو غير ذلك من‬
‫صت‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫كما‬ ‫ن العبرة بالمقاصد و المعاني ل باللفاظ و المباني‬ ‫ميات إذ إ ّ‬ ‫المس ّ‬
‫القائدة المعروفة عند الفقهاء ‪.‬‬
‫روى الجري في ) الشريعة ( و الللكائي في ) شرح أصول العتقاد ( بإسناد‬
‫من‬ ‫سئل ) ت ‪191‬هـ ( ‪َ :‬‬ ‫صحيح أن المام أبا بكر بن عّياش رحمه الله ُ‬
‫صب لشيٍء منها (( ‪.‬‬ ‫كرت الهواء لم يتع ّ‬ ‫ي ؟ فقال ‪ )) :‬الذي إذا ذ ُ ِ‬ ‫سن ّ ّ‬
‫ال ُ‬
‫مِع و هو ‪ :‬تأليف المفترق )كما في‬ ‫ج ْ‬‫ة مشتق من ال َ‬ ‫و لفظ الجماعة لغ ً‬
‫القاموس المحيط و لسان العرب ( ‪.‬‬
‫‪ ...‬قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ) في مجموع الفتاوى ‪/ 3 :‬‬
‫‪ )) : ( 157‬الجماعة هي الجتماع ‪ ،‬وضدها الفرقة ‪ ،‬و إن كان لفظ الجماعة‬
‫قد صار اسما ً لنفس القوم المجتمعين (( ‪.‬‬
‫مقتبس من مجموع ما ورد في كتاب‬ ‫‪ ...‬و اصطلح أهل السنة و الجماعة ‪ُ ،‬‬
‫ث على العتصام‬ ‫الله و سنة رسوله ‪ ،‬من اليات ‪ ،‬و الخبار الواردة في الح ّ‬
‫فرقة و الختلف في‬ ‫بالسنة ‪ ،‬و ملزمة الجماعة ‪ ،‬و النهي عن البتداع و ال ُ‬
‫الدين ‪.‬‬
‫‪ ...‬فمن ذلك قوله سبحانه و تعالى ‪ } :‬و ل تتبعوا السبل فتفّرق بكم عن‬
‫سبيله { ] النعام ‪. [ 153 :‬‬
‫‪ ...‬و قوله ‪ } :‬أن أقيموا الدين و ل تتفّرقوا فيه { [ الشورى ‪.] 13 :‬‬
‫‪ ...‬روى الطبراني بإسناد حسن في تفسيره عن ابن عّباس ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪ -‬في هاتين اليتين قوله‪ )) :‬أمر الله المؤمنين بالجماعة و نهاهم عن‬
‫الختلف و الفرقة ‪ ،‬و أخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء‬
‫والخصومات في دين الله (( ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ...‬أما الخبار الواردة في هذا الباب فكثيرة جدا و منها ‪:‬‬
‫‪ ...‬قوله صلى الله عليه و سّلم في وصيته لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه‬
‫التي رواها الشيخان ‪:‬‬
‫ت ‪ :‬فإن لم يكن‬ ‫ُ‬
‫‪ )) ...‬تلزم جماعة المسلمين وإمامهم (( ‪ ،‬قال حذيفة ‪ :‬قل ُ‬
‫ة و ل إمام ؟ فقال ‪:‬‬ ‫لهم جماع ٌ‬
‫ض بأصل شجرةٍ حتى ُيدركك‬ ‫ّ‬ ‫تع‬ ‫أن‬ ‫لو‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫لها‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫الفرق‬ ‫تلك‬ ‫فاعتزل‬ ‫‪)) ...‬‬
‫الموت ‪ ،‬وأنت على ذلك (( ‪.‬‬
‫ن النبي‬ ‫‪ ...‬و روى الشيخان أيضا ً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أ ّ‬
‫صلى الله عليه و سّلم قال ‪:‬‬
‫ة (( ‪.‬‬‫ة جاهلي ّ ً‬ ‫ً‬
‫‪ )) ...‬ليس أحد ٌ يفارق الجماعة شبرا فيموت إل مات ميت ً‬
‫‪ ...‬و في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه المشهور ‪ ،‬أن رسول الله‬
‫ة قال فيها ‪:‬‬ ‫صلى الله عليه و سّلم وعظهم موعظ ً‬
‫‪ )) ...‬عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين ‪ ،‬تمسكوا بها ‪ ،‬وعضوا‬
‫ل بدعة‬ ‫ل محدثةٍ بدعة ‪ ،‬و ك ّ‬ ‫نك ّ‬ ‫محدثات المور فإ ّ‬ ‫عليها بالنواجذ ‪ ،‬و إياكم و ُ‬
‫ضللة (( ‪.‬‬
‫ل في صحيحه ‪،‬‬ ‫وب الشيخان ك ّ‬ ‫‪ ...‬و لهمّية لزوم الجماعة ‪ ،‬و عظيم شأنها ‪ ،‬ب ّ‬
‫ل في سننه ‪ ،‬على لزومها ‪.‬‬ ‫ي ‪ ,‬و الترمذي ‪ ،‬ك ّ‬ ‫و النسائ ّ‬
‫‪ ...‬فقال البخاري في كتاب العتصام بالكتاب و السنة من صحيحه ‪ :‬باب‬
‫سطا ً { و ما أمر النبي صلى الله عليه‬ ‫ةو َ‬ ‫م ً‬‫قوله تعالى ‪ } :‬و كذلك جعلناكم أ ّ‬
‫و سّلم بلزوم الجماعة و هم أهل العلم ‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ...‬و قال المام مسلم في كتاب المارة من صحيحه ‪ :‬باب وجوب ملزمة‬
‫جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ‪ ،‬و في كل حال ‪ ،‬و تحريم الخروج على‬
‫الطاعة ومفارقة الجماعة ‪.‬‬
‫ل من فارق الجماعة ‪ ،‬و ِذكُر الختلف على‬ ‫ون النسائي في سننه ‪ :‬قت ُ‬ ‫عن َ‬
‫‪ ...‬و َ‬
‫ة فيه ‪.‬‬ ‫علقة عن عَْرفَ َ‬
‫ج َ‬ ‫زياد بن ِ‬
‫ماه ‪ :‬باب ما جاء في لزوم الجماعة ‪.‬‬ ‫‪ ...‬وعقد الترمذي في سننه بابا ً س ّ‬
‫ت ‪ :‬و الجماعة التي يجب على المسلم لزومها ‪ ،‬و يحرم الخروج‬ ‫‪ ...‬قل ُ‬
‫مصرٍ ‪ ،‬و‬ ‫عليها ‪ ،‬ويستحق الوعيد من فارقها ‪ ،‬هم أهل الحقّ في كل عصرٍ و ِ‬
‫إن قَّلوا ‪.‬‬
‫‪ ...‬قال أبو شامة المقدسي رحمه الله ) كما في شرح أصول العتقاد‬
‫لللكائي و تاريخ دمشق لبن عساكر ( ‪:‬‬
‫‪ )) ...‬حيث جاء المر بلزوم الجماعة ‪ ،‬فالمراد به لزوم الحق و اّتباعه ‪ ،‬و إن‬
‫كان المستمسك به قليل ً ‪ ،‬و المخالف كثيرا ً (( ‪.‬‬
‫‪ ...‬ثم استدل بقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ‪ )) :‬إن الجماعة ما‬
‫دك (( ‪.‬‬ ‫وافق الحق ‪ ،‬و إن كنت َوح َ‬
‫ماد رحمه الله قال ‪ )) :‬إذا‬
‫ن نعيم بن ح ّ‬ ‫ً‬
‫‪ ...‬و في ) تاريخ دمشق ( أيضا أ ّ‬
‫فسدت الجماعة ‪ ،‬فعليك بما كانت عليه قبل أن تفسد ‪ ،‬و إن كنت وحدك ‪،‬‬
‫فإّنك الجماعة حينئذ ٍ (( ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ ...‬و قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في سننه ) ‪ )) : ( 476 / 4‬و‬
‫تفسير الجماعة عند أهل العلم هم أهل الفقه و العلم و الحديث (( ‪.‬‬
‫ي‬
‫ل قول المام البخار ّ‬ ‫دم معنا قبل قلي ٍ‬ ‫‪ ...‬و قول الترمذي هذا موافقٌ لما تق ّ‬
‫رحمه الله في معنى الجماعة ‪ :‬هم أهل العلم ‪.‬‬
‫‪ ...‬و قال الشاطبي في ) العتصام ‪ 260 / 2‬و ما بعدها ( ‪ :‬اختلف الناس في‬
‫ل‪:‬‬‫معنى الجماعة المرادة في الحاديث على خمسة أقوا ٍ‬
‫أحدها ‪ :‬إنها السواد العظم من أهل السلم ‪.‬‬
‫و الثاني ‪ :‬جماعة أئمة العلماء المجتهدين ‪.‬‬
‫و الثالث ‪ :‬الصحابة على الخصوص ‪.‬‬
‫و الرابع ‪ :‬جماعة أهل السلم إذا أجمعوا على أمر ‪.‬‬
‫و الخامس ‪ :‬جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير ‪.‬‬
‫و ذهب بعض المتأخرين كابن تيمية ‪ ,‬و من وافقه إلى استعمال اصطلح‬
‫) السلف الصالح ( كمرادف لصطلح ) أهل السنة ( ‪ ،‬و كثر في كلمهم ذكر‬
‫عقيدة السلف ‪ ،‬و منهجهم ‪ ،‬و مذاهبهم ‪ ،‬و ما إلى ذلك مما ُيراد به ما كان‬
‫عليه أهل السنة و الجماعة رضوان الله عليهم أجمعين ‪.‬‬
‫‪ ...‬وإذا أطلق لفظ السلف الصالح أريد به غالبا ً من عاش إلى نهاية القرن‬
‫دهم فيجعل آخرهم المام‬ ‫الثالث الهجري ‪ ،‬و قد كان ابن تيمية رحمه الله يح ّ‬
‫ابن جرير الطبري ‪ ،‬وابن المنذر ) كما في منهاج السنة ‪ 52،53 / 6 :‬و ‪/7‬‬
‫‪. ( 13‬‬
‫‪ ...‬و قال البربهاريّ رحمه الله ) في السّنة ‪ ( 36 / 2‬في تعريف الجماعة‬
‫المذكورة في الحاديث ‪ )) :‬هم جماعة الحق و أهله (( ‪.‬‬
‫‪ ...‬و مال إلى هذا الرأي الحافظ ابن كثير في ) النهاية ( ‪ ،‬و هو أولى القوال‬
‫بالقبول فيما يظهر لي ‪ ،‬لكونه يشملها جميعا ً ‪ ،‬و الله أعلم ‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ...‬و بعد ُ ‪ ،‬فيسعنا الن ‪ -‬و قد بّينا المراد من اصطلحي السّنة ‪ ،‬و الجماعة‬
‫ل على حدة ‪ -‬القول ‪:‬‬ ‫ك ّ‬
‫مقابل أهل‬ ‫ن اصطلح أهل السنة و الجماعة ُيطلق على أهل الحق ‪ ،‬في ُ‬ ‫‪ ...‬إ ّ‬
‫ن السنة تعني ‪ )) :‬ما كان‬ ‫ّ‬ ‫بأ‬ ‫القول‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫انطلق‬ ‫‪،‬‬ ‫الشقاق‬ ‫و‬ ‫البدع‬ ‫و‬ ‫الضلل‬
‫ي صلى الله عليه و سّلم و أصحابه اعتقادا ً ‪ ،‬و اقتصادا ً ‪ ،‬و قول ً ‪ ،‬و‬ ‫عليه النب ّ‬
‫عمل ً (( كما في ) مجموع الفتاوى ‪. ( 306,307 / 19 :‬‬
‫‪ ...‬و أّول ظهور للتسمية بأهل السّنة كان في عهد الصحابة الكرام رضوان‬
‫الله عليهم أجمعين ‪ ،‬أواخر عهد الخلفة الراشدة ‪.‬‬
‫دمة صحيحه محمد بن سيرين رحمه الله قال ‪ )) :‬لم‬ ‫‪ ...‬روى مسلم في مق ّ‬
‫موا‬‫يكونوا ‪ -‬أي الصحابة ‪ -‬يسألون عن السناد ‪ ،‬فلما وقعت الفتنة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬س ّ‬
‫لنا رجالكم ‪ ،‬فُينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ‪ ،‬و ُينظر إلى أهل البدع‬
‫فل يؤخذ حديثهم (( ‪.‬‬
‫ة ‪ ،‬حيث‬ ‫‪ ...‬و قد اشتهر إطلق هذه التسمية على ما ُيقابل الرافضة خاص ً‬
‫يكثر‬
‫سنة و شيعة ‪ ،‬إضافة إلى المعروف عند أهل‬ ‫أن ُيقال ‪ :‬انقسمت المة إلى ُ‬
‫العلم من إطلقه على أهل السنة المحضة ‪.‬‬
‫‪ ...‬قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ) في منهاج السّنة ‪: ( 221 / 2‬‬
‫‪ )) ...‬فلفظ السنة يراد به من أثبت خلفة الخلفاء الثلثة ‪ ،‬فيدخل في ذلك‬
‫جميع الطوائف إل ّ الرافضة ‪ . . .‬و قد يراد به أهل الحديث و السنة المحضة ‪،‬‬
‫ن القرآن غير مخلوق‬ ‫فل يدخل فيه إل ّ من أثبت الصفات لله تعالى ‪ ،‬و يقول إ ّ‬
‫م ساق جملة من عقائد أهل السنة و الجماعة التي باينوا فيها أهل البدع‬ ‫(( ‪ .‬ث ّ‬
‫‪.‬‬
‫‪ ...‬و الذي يعنينا في هذا المقام هو الطلق الثاني ‪ ،‬و عليه يمكن تعريف أهل‬
‫السنة و الجماعة بأنهم ‪ )) :‬الثابتون على اعتقاد ما نقله إليهم السلف الصالح‬
‫رحمهم الله ‪ ،‬عن الرسول صلى الله عليه و سّلم أو عن أصحابه رضوان الله‬
‫ص في الكتاب ‪ ،‬و ل عن الرسول صلى الله عليه‬ ‫عليهم ‪ ،‬فيما لم يثبت فيه ن ّ‬
‫حرف ‪,‬‬ ‫و سّلم (( ‪ ،‬كما قرره أبو نصر السجزي ) في الرد على من أنكر ال َ‬
‫ص ‪. ( 99 :‬‬
‫ب أخرى ُيعرفون بها فُهم الفرقة الناجية ‪ ،‬و‬ ‫‪ ...‬و لهل السنة و الجماعة ألقا ٌ‬
‫الطائفة المنصورة الثابتة على الحق في زمن الغربة ‪ ،‬ل يضّرها من خذلها ‪،‬‬
‫حتى تلقى الله و هي كذلك ‪ ،‬و قد ثبت وصفهم بذلك عن نبينا المين عليه‬
‫وب الشيخان ‪ ،‬ك ٌ‬
‫ل في‬ ‫الصلة و السلم في الصحيحين و غيرهما ‪ ،‬حيث ب ّ‬
‫صحيحه على الطائفة المنصورة ‪.‬‬
‫‪ ...‬فقال البخاريّ ) كما أسلفنا ( في كتاب العتصام بالكتاب و السنة ‪ :‬باب‬
‫ة من أمتي على الحق ‪ ،‬و‬ ‫قول النبي صلى الله عليه و سّلم ‪ :‬ل تزال طائف ٌ‬
‫هم أهل العلم ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ...‬و في كتاب المارة من صحيح مسلم ‪ :‬باب قوله صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ‪ ،‬ل يضّرهم من خالفهم ‪.‬‬
‫‪ ...‬و في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ‪ ،‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سّلم قال ‪:‬‬
‫‪ )) ...‬ل تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ‪ ،‬ل يضّرهم من خذلهم ‪ ،‬و ل من‬
‫خالفهم ‪ ،‬حتى يأتي أمر الله و هم كذلك (( ‪.‬‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫‪ ...‬و عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ‪ ،‬أ ّ‬
‫و سّلم قال ‪:‬‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ث و سبعين مّلة ‪ ،‬كّلهم في النار إل ّ مّلة واحدة ٌ (( ‪،‬‬ ‫‪ )) ...‬تفترق أمتي على ثل ٍ‬
‫قالوا ‪ :‬و من هي يا رسول الله ؟ قال ‪ )) :‬ما أنا عليه و أصحابي (( ‪ ،‬أخرجه‬
‫الترمذي و غيره بإسناد حسن ‪.‬‬
‫‪ ...‬قال ابن كثير رحمه الله ) في تفسيره ‪ )) : ( 433 / 4 :‬هم أهل السنة و‬
‫الجماعة المتمسكون بكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سّلم ‪ ،‬و بما‬
‫كان عليه الصدر الول من الصحابة و التابعين ‪ ،‬وأئمة المسلمين (( ‪.‬‬
‫ة أثبت الناس على السنة ‪ ،‬و أكثرهم تمسكا ً‬ ‫ما كان أهل الحديث خاص ً‬ ‫‪ ...‬و ل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫و اعتصاما بما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام ‪ ،‬ذهب‬ ‫ً‬
‫غير واحد ٍ من أهل العلم و التحقيق إلى الجزم بأن أهل السنة و الجماعة ‪ ،‬و‬
‫الطائفة المنصورة ‪ ،‬هم أهل الحديث و الثر ‪.‬‬
‫ن عبد الله بن‬ ‫‪ ...‬أخرج الخطيب ) في شرف أصحاب الحديث ‪ ,‬ص ‪ ( 26 :‬أ ّ‬
‫المبارك رحمه الله قال ‪ )) :‬هم عندي أصحاب الحديث (( ‪.‬‬
‫‪ ...‬و في ) ص ‪ 25 :‬و ‪ 27‬منه أيضا ً ( روى عن المام أحمد رحمه الله قوله ‪:‬‬
‫)) إن لم يكونوا أصحاب الحديث ‪ ،‬فل أدري من هم (( ‪.‬‬
‫‪ ...‬و قال المام الترمذي رحمه الله في كتاب الفتن من سننه ‪ :‬سمعت‬
‫محمد بن إسماعيل – يريد البخاري ‪ -‬يقول ‪ :‬سمعت علي بن المديني يقول ‪،‬‬
‫ة من أمتي ظاهرين على‬ ‫وذكر هذا الحديث عن النبي ‪ )) :‬ل تزال طائف ٌ‬
‫الحق (( ‪ :‬هم أهل الحديث ‪.‬اهـ ‪.‬‬
‫‪ ...‬و ذكر الشيخ عبد القادر الجيلني رحمه الله ) في الغنية ‪ ، ( 71 / 1 :‬أنه‬
‫ليس لهل السنة إل اسم واحد ٌ ُيعرفون به ‪ ،‬و هو أصحاب الحديث ‪.‬‬
‫‪ ...‬و ُروي مثل هذا عن غير واحد ٍ من السلف رحمهم الله ‪ ،‬ورضي عنهم ‪.‬‬
‫‪ ...‬و إّنما حاز أهل الحديث هذا الشرف العظيم ‪ ،‬لكونهم جمعوا بين الرواية‬
‫والدراية ‪ ،‬إلى جانب العمل بما جاء في الثر ‪ ،‬عن خير البشر عليه الصلة و‬
‫السلم ‪ ،‬و اعتقاد ما أرشد إليه ‪.‬‬
‫ما من خالفت روايته عقيدته و منهجه و عمله فل يسلم من البتداع ‪ ،‬و في‬ ‫أ ّ‬
‫هذا السياق جاء قول أبي عمرو بن الصلح رحمه الله ) كما في الفتاوى و‬
‫المسائل ‪ ,‬ص ‪ )) : ( 213 :‬قد يكون النسان من أهل الحديث و هو مبتدع ((‬
‫‪.‬‬
‫‪ ...‬و قول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ) في مجموع الفتاوى ‪( 95 / 4 :‬‬
‫‪:‬‬
‫‪ )) ...‬و نحن ل نعني بأهل الحديث ‪ ،‬المقتصرين على سماعه ‪ ،‬أو كتابته ‪ ،‬أو‬
‫ل من كان أحقّ بحفظه ‪ ،‬و معرفته ‪ ،‬و فهمه ‪،‬‬ ‫روايته ‪ ،‬بل نعني بهم ك ّ‬
‫ظاهرا ً ‪ ،‬وباطنا ً واتباعه باطنا ‪ ،‬و ظاهرا ‪ ،‬و كذلك أهل القرآن ‪ ،‬و أدنى خصلة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في هؤلء محبة القرآن و الحديث ‪ ،‬و البحث عنهما ‪ ،‬و عن معانيهما ‪ ،‬و‬
‫جبهما (( ‪.‬‬ ‫العمل بما علموه من مو َ‬
‫ملته ‪.‬‬ ‫ح‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫نقلته‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫حفظته‬ ‫لنهم‬ ‫‪،‬‬ ‫الحديث‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫أه‬ ‫‪ ...‬و قد سمي أهل السنة‬
‫قال الللكائي ) في شرح أصول العتقاد ‪: ( 22 / 1 :‬‬
‫ث على‬ ‫‪ )) ...‬لم نجد في كتاب الله و سنة رسوله ‪ ،‬و آثار صحابته ‪ ،‬إل الح ّ‬
‫التباع ‪ ،‬و ذم التكلف و الختراع ‪ ،‬فمن اقتصر على هذه الثار كان من‬
‫المتبعين و كان أولهم بهذا الوسم ‪ ،‬و أخصهم بهذا الرسم أصحاب الحديث ‪،‬‬
‫لختصاصهم برسول الله صلى الله عليه و سّلم ‪ ,‬و اتباعهم لقوله ‪ ،‬و طول‬
‫ملزمتهم له ‪ ،‬و تحملهم علمه (( ‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ...‬و الفرق التي تزعم النتساب إلى أهل السنة و الجماعة ‪ ،‬و تدعي‬
‫ي محمد صلى الله عليه و سّلم في أصول الدين و‬ ‫ي ‪ ،‬هد ِ‬‫العتصام بخير الهد ِ‬
‫فروعه ‪ ،‬كثيرة جدا ً ‪ )) ،‬غير أن الله أبى أن يكون الحق و العقيدة الصحيحة‬
‫إل مع أهل الحديث و الثار ‪ ،‬لنهم أخذوا دينهم و عقائدهم ‪ ،‬خلفا ً عن سلف ‪،‬‬
‫و قرنا ً عن قرن ‪ ،‬إلى أن انتهوا إلى التابعين ‪ ،‬و أخذه التابعون عن أصحاب‬
‫رسول الله عليه الصلة و السلم عن رسول الله صلى الله عليه و سّلم ‪ ،‬و‬
‫ل طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله الناس من الدين القويم ‪ ،‬و‬
‫ما سائر‬ ‫الصراط المستقيم ‪ ،‬إل ّ هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث ‪ ،‬أ ّ‬
‫الفرق ‪ ،‬فطلبوا الحديث ل بطريقه فحادوا عن الحق ‪ ،‬و زاغوا عنه (( ‪ ،‬كما‬
‫جة ‪ 22 / 2 :‬و ما بعدها ( ‪.‬‬ ‫قرر ذلك الصفهاني ) في الحجة في بيان المح ّ‬
‫و بعد هذا العرض المسهب لبيان أهل الحق أرى من المناسب أن أردفه‬
‫بجملة من المسائل تعميما ً للفائدة ‪ ،‬و تقريرا ً لما أدين الله تعالى به ‪ ،‬و ما‬
‫كنت لخالف في شيء من ذلك منهج أهل السّنة و الجماعة أو أخالف أهل‬
‫العلم أتباع الكتاب و السّنة على فهم السلف من أهل العلم المعاصرين‬
‫الجلء ‪.‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬حول تسمية أهل الحق ‪ ،‬فقد عرفوا منذ عصر صدر السلم‬
‫زمن الخلفاء الراشدين بأهل السّنة ثم احتيج لتحديد المراد بهذا الوصف بعد‬
‫أن زعم بعض المبتدعة النتساب إلى السّنة ‪ ،‬فقيل هم أهل العلم ‪ ،‬و قيل‬
‫هم أهل الحديث ‪ ،‬و قيل هم الجماعة ‪ ،‬و قيل غير ذلك و كل ذلك حقّ ل‬
‫ميات ‪.‬‬ ‫ن العبرة بالمنهج و ليس بالمس ّ‬ ‫مرية فيه إذ إ ّ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫و في العصر الحديث قال محدث الديار الشامّية الشيخ محمد ناصر الدين‬
‫مي بالسلفّية [ ‪ ) :‬لما‬ ‫اللباني رحمه الله] في إجابته على سؤالي له عن التس ّ‬
‫صار أهل البدع ينسبون أنفسهم إلى السنة ‪ ،‬و صار من أدعيائها الشاعرة و‬
‫الماتريدّية و كثير من الصوفّية اضط ُّر أهل الحق إلى تمييز أنفسهم فانتسبوا‬
‫إلى السلفّية و قالوا نحن سلفّيون ( و قال ‪ :‬رحمه الله في مقام آخر ‪ :‬إن‬
‫اصطلح السلفّية جاء بديل ً عن اسم أهل السّنة و الجماعة المتمسكين‬
‫بالكتاب و السّنة على فهم السلف الصالح ‪ ،‬بمعنى أّنه اختصار لهذه العبارة‬
‫الطويلة ‪.‬‬
‫م وجيه ‪،‬‬‫ٌ‬ ‫كل‬ ‫فهو‬ ‫‪،‬‬ ‫يبرره‬ ‫ما‬ ‫له‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫مشهور‬ ‫ر‬
‫ٌ‬ ‫كثي‬ ‫المجال‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫الشيخ‬ ‫و كلم‬
‫مي بالسلفّية ‪ ،‬و‬ ‫غير أّني ل أعلم أحدا ً سبق الشيخ ناصر في الدعوة للتس ّ‬
‫الذي أعرفه عن علماء نجد كالشيخين عبد العزيز بن باز و محمد بن صالح‬
‫العثيمين رحمهما الله ‪ ،‬أّنهما ل يرون بأسا ً بالتسمي بالسلفّية ‪ ،‬و ل يأمرون‬
‫مي بمذهب أهل السّنة و الجماعة‬ ‫به و ل ينهون عنه ‪ ،‬و ل يفضلونه على التس ّ‬
‫‪ ،‬بل ذهبوا أبعد من ذلك في التأكيد على أن ل عبرة للتسميات المحدثة ‪ ،‬بل‬
‫العبرة بما تصدق عليه هذه التسميات ‪ ،‬فإن كان المراد منها الحق فالحق‬
‫أحق أن ي ُت َّبع ‪ ،‬و إن لم تكن السماء سائغة عند المخالفين ‪.‬‬
‫و من هذا المنطلق لم يستنكر الشيخ ابن باز رحمه الله تسمية أتباع دعوة‬
‫ة في ذلك ‪،‬‬ ‫هابّية و لم ير غضاض ً‬ ‫هاب ) السلفّية ( بالو ّ‬ ‫الشيخ محمد بن عبد الو ّ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫هأبية لقبا شريفا عظيما إذا أطِلق على أهل التوحيد الخالص‬ ‫ً‬ ‫بل اعتبر لقب الو ّ‬
‫هاب و عّرف بدعوته ‪:‬‬ ‫‪ ,‬فقال بعد أن أثنى على الشيخ محمد بن عبد الو ّ‬
‫) فصارت دعوته تجديدية إسلمية عظيمة ‪ ،‬نفع الله بها المسلمين في‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجزيرة العربية وفي غيرها رحمه الله رحمة واسعة ‪ ،‬و صار أتباعه و من دعا‬
‫بدعوته و نشأ على هذه الدعوة في نجد يسمى بالوهابي ‪ ،‬و كان هذا اللقب‬
‫علما لكل من دعا إلى توحيد الله ‪ ،‬و نهى عن الشرك و عن التعلق بأهل‬
‫القبور‪ ،‬أو التعلق بالشجار و الحجار‪ ،‬و أمر بالخلص لله وحده و سمي‬
‫وهابيا‪ ،‬فهو لقب شريف عظيم يدل على أن من لقب به فهو من أهل التوحيد‬
‫‪ ،‬و من أهل الخلص لله ‪ ،‬و ممن ينهى عن الشرك بالله ‪ ،‬و عن عبادة‬
‫القبور و الشجار و الحجار والصنام و الوثان ‪ ,‬هذا هو أصل هذه التسمية و‬
‫هذا اللقب ‪ ،‬هو نسبة إلى الشيخ المام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن‬
‫علي التميمي الحنبلي الداعي إلى الله عز و جل رحمه الله رحمة واسعة ( ‪.‬‬
‫و هذه الفتوى معروفة مشهورة منشورة ‪ ،‬و هي مثبتتة على الرابط التالي‬
‫في شبكة المعلومات الدولية ) النترنت ( التالي ‪:‬‬
‫‪http://www.ibnbaz.org/Display.Asp?f=nor00007.htm&print=on‬‬
‫و كما أسلفت فإن الشيخ رحمه الله ل يوصي بالتسمي بالنتساب إلى‬
‫السلفّية ‪ ،‬و ل ينهى عنه عند ذكر المنتسبين إلى السلف الصالح ‪ ،‬و من‬
‫جه إليه‬‫النصاف أن أورد مثال ً على ذكره للسلفيين في معرض الثناء ‪ ،‬حيث وُ ّ‬
‫السؤال التالي ‪:‬‬
‫كثرت الطوائف و الفرق التي تزعم أنها هي الطائفة المنصورة ‪ ،‬و اشتبه‬
‫على كثير من الناس المر ‪ ،‬فماذا نفعل خاصة أن هناك فرقا تنتسب للسلم‬
‫كالصوفية و السلفية و نحو ذلك من الفرق فكيف نميز بارك الله فيكم ؟‬
‫فأجاب قائل ً ‪ :‬ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬افترقت‬
‫اليهود على إحدى وسبعين فرقة‪ -‬يعني كلها في النار إل واحدة وهم أتباع‬
‫موسى‪ -‬وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة‪ -‬والمعنى أن كلها في‬
‫النار إل واحدة وهم التابعون لعيسى عليه السلم‪ -‬قال وستفترق هذه المة‪-‬‬
‫يعني أمة محمد عليه الصلة والسلم‪ -‬على ثلث وسبعين فرقة كلها في النار‬
‫إل واحدة قيل ‪ :‬يا رسول ال له ‪ ،‬من هي الفرقة الناجية ؟ قال ‪ " :‬الجماعة "‬
‫و في لفظ ‪ :‬ما أنا عليه وأصحابي ‪.‬‬
‫هذه هي الفرقة الناجية ‪ ،‬الذين اجتمعوا على الحق الذي جاء به الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم و استقاموا عليه ‪ ،‬و ساروا على نهج الرسول صلى‬
‫الله عليه و سلم و نهج أصحابه ‪ ،‬و هم أهل السنة و الجماعة ‪ ،‬و هم أهل‬
‫الحديث الشريف السلفيون الذين تابعوا السلف الصالح ‪ ،‬و ساروا على‬
‫نهجهم في العمل بالقرآن و السنة ‪ ،‬و كل فرقة تخالفهم فهي متوعدة‬
‫بالنار ‪.‬اهـ ‪.‬‬
‫و هذه الفتوى مثبتتة على الرابط التالي في شبكة المعلومات الدولية‬
‫) النترنت ( ‪:‬‬
‫‪http://www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=nor00004‬‬
‫ت ‪ :‬ل أحسبني أجانب الصواب أو أخالف الحق إذا آثرت النتساب إلى أهل‬ ‫قل ُ‬
‫م سّني‬ ‫السنة و الجماعة ‪ ،‬فلم أزد في التعريف بنفسي على أن أقول ‪ :‬مسل ٌ‬
‫و كفى ‪.‬‬
‫مع أني أعذر من آثر التسمية بالسلفي أو الثري أو النتساب إلى السلفّية أو‬
‫ة ‪ ،‬و أرانا على الجاّدة‬ ‫الثرّية أو أهل الحديث إذا رأى في ذلك مصلحة شرعي ّ ً‬
‫ذاتها التي درج عليها أهل السنة و الجماعة ‪ ،‬و سار عليها السلف الصالح ‪ ،‬و‬
‫إن اختلفنا في التسمية أو فيما يسوغ فيه الخلف من مسائل الفروع ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمة‬ ‫ن مبرر التسمي بالسلفّية الذي ذكره الع ّ‬ ‫سك بالصل أ ّ‬ ‫ما يحفزني للتم ّ‬ ‫وم ّ‬
‫اللباني ‪ ،‬قد تكرر وجوده في المنتسبين إلى السلفّية اليوم ‪ ،‬فكما أن‬
‫المنتسبين إلى أهل السّنة دخل فيهم بعض أهل البدع ‪ ،‬فقد اّدعى السلفّية‬
‫اليوم بعض من خالف منهج السلف ‪ ،‬و آخر من انتسب إلى السلفّية و ُأنكر‬
‫داد ‪ ،‬نزيل المدينة النبوّية – سابقا ً – الذي رد ّ عليه‬ ‫عليه أتباع محمود الح ّ‬
‫العلماء الفذاذ ‪ ،‬و في صدارتهم فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه‬
‫الله و رعاه ‪ ،‬و ان شئت الستزادة و التثبت من ذلك فارجع إلى الرابط‬
‫التالي على الشبكة ‪:‬‬
‫‪http://www.sahab.net/page/article.php?sid=123‬‬
‫وغ النتساب إلى السلفّية كبديل أو مرادف للنسبة‬ ‫س ّ‬
‫و الخلصة عندي أّنه إذا ُ‬
‫سّنة ‪ ،‬فإن في‬ ‫لهل السّنة و الجماعة بسبب اّدعاء الدعياء أّنهم من أهل ال ُ‬
‫اّدعاء آخرين للسلفّية مع خروجهم ) من أو على ( منهج السلف في التبديع و‬
‫وغ للعودة إلى التسمية الم ‪ ،‬و النتساب إلى السّنة و‬ ‫قواعده ‪ ،‬مس ّ‬
‫سب ‪.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫الجماعة ‪ ،‬و َ‬
‫ّ‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬فيما يتعلق بالحزاب و الجماعات السلمية ‪ ،‬فأقول ‪:‬‬
‫ما الحزاب و الجماعات السلمّية العاملة في الساحة ‪ ،‬فرأيي فيها‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫صب‬ ‫ت على الدعوة إلى التعاون الشرعي بديل ً عن التع ّ‬ ‫معروف ‪ ،‬إذ إنني د َأب ُ‬
‫ذر نفسي و إخواني من الحزاب و التحزب و‬ ‫ت و أح ّ‬ ‫ذر ُ‬‫الحزبي ‪ ،‬و ح ّ‬
‫ُ‬
‫التحزيب ‪ ،‬و التعصب و الموالة و المعاداة على السس الحزبية ‪ ،‬و في أط ُ ٍ‬
‫ر‬
‫جماعّية فاسدة ما أنزل الله بها من سلطان ‪ ،‬و ما فتئت أقرر ذلك و أدعو‬
‫إليه في كتاباتي و مقالتي و خطبي ‪ ،‬و آخر ذلك خطبة الجمعة الملقاة في‬
‫مسجد َدبِلن في إيرلندا بتاريخ الخامس عشر من شهر الله المحرم عام‬
‫‪1423‬للهجرة ‪ ،‬بعنوان ‪ ) :‬واجب الباء نحو البناء في الغرب ( و المثبتتة‬
‫على الرابط التالي في شبكة المعلومات الدولية ) النترنت ( التالي ‪:‬‬
‫?‪http://www.sahab.net/sahab/showflat.pl‬‬
‫‪Cat=&Board=islam&Number=276048&page=0&view=collapsed&sb=5‬‬
‫و التزاما ً بما ارتضيت و انتهجت من إجلل أهل العلم و احترام آرائهم ‪ ،‬و الرد ّ‬
‫إليهم فيما يعرض للمسلمين من نوازل و مسائل ‪ ،‬فإنني أثبت هنا رأي‬
‫سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في حكم النتماء إلى الجماعات‬
‫سِئل عن حكم النتماء للجماعات السلمية ‪ ،‬و اللتزام‬ ‫السلمّية ‪ ،‬حيث ُ‬
‫بمنهج جماعة معينة دون سواها ؟‬
‫فأجاب رحمه الله بقوله ‪ :‬الواجب على كل إنسان أن يلتزم بالحق ‪ ،‬قال الله‬
‫عز وجل ‪ ،‬و قال رسوله صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬و أل يلتزم بمنهج أي جماعة‬
‫ل إخوان مسلمين و ل أنصار سنة و ل غيرهم ‪ ،‬و لكن يلتزم بالحق ‪ ،‬و إذا‬
‫انتسب إلى أنصار السنة و ساعدهم في الحق ‪ ،‬أو إلى الخوان المسلمين و‬
‫وافقهم على الحق من دون غلو و ل تفريط فل بأس ‪ ،‬أما أن يلزم قولهم و ل‬
‫يحيد عنه فهذا ل يجوز ‪ ،‬وعليه أن يدور مع الحق حيث دار ‪ ،‬إن كان الحق مع‬
‫الخوان المسلمين أخذ به ‪ ،‬و إن كان مع أنصار السنة أخذ به ‪ ،‬و إن كان مع‬
‫غيرهم أخذ به ‪ ،‬يدور مع الحق ‪ ،‬يعين الجماعات الخرى في الحق ‪ ،‬و لكن ل‬
‫يلتزم بمذهب معين ل يحيد عنه و لو كان باطل ‪ ،‬و لو كان غلطا ‪ ،‬فهذا‬
‫منكر ‪ ،‬وهذا ل يجوز ‪ ،‬ولكن مع الجماعة في كل حق ‪ ،‬وليس معهم فيما‬
‫أخطئوا فيه ‪.‬اهـ ‪.‬‬
‫و هذه الفتوى مثبتة في الجزء الثامن من مجموع فتاوى و مقالت متنوعة ‪،‬‬
‫للشيخ ‪ ،‬و هي مثبتتة على الرابط التالي في شبكة المعلومات الدولية‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) النترنت ( التالي ‪:‬‬


‫‪http://www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=Bz01530.htm&print=on‬‬
‫ن الشيخ رحمه الله تعالى يفّرق في الحكم بين‬ ‫و من الجلي في هذه الفتوى أ ّ‬
‫ب إلى جماعة ما لمساعدتهم على الحق بدون غلو أو تفريط أو تعصب‬ ‫منتس ٍ‬
‫ما ل بأس به عنده ‪.‬‬ ‫فهذا م ّ‬
‫صب يجعله يلتزم مذهبا ً ل يحيد عنه و‬ ‫أما الذي ينتسب إلى جماعةٍ ما عن تع ّ‬
‫لو كان باطل ً أو غََلطا ً ‪ ،‬فهذا منكٌر ل يجوز ‪.‬‬
‫و من المناسب هنا أن نثبت نصيحة الشيخ رحمه الله لعضاء هذه الجماعات‬
‫سئل ) كما في المجّلد الخامس من مجموع فتاواه و مقالته المتنوعة (‬ ‫حيث ُ‬
‫بم ينصح الشباب داخل هذه الجماعات ؟‬
‫فأجاب قائل ً ‪ :‬أن يترسموا طريق الحق و يطلبوه ‪ ،‬و أن يسألوا أهل العلم‬
‫فيما أشكل عليهم ‪ ،‬و أن يتعاونوا مع الجماعات فيما ينفع المسلمين بالدلة‬
‫الشرعية ‪ ،‬ل بالعنف و ل بالسخرية ‪ ،‬و لكن بالكلمة الطيبة و السلوب‬
‫الحسن و أن يكون السلف الصالح قدوتهم ‪ ،‬و الحق دليلهم ‪ ،‬و أن يهتموا‬
‫بالعقيدة الصحيحة التي سار عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم و‬
‫صحابته رضي الله عنهم ‪.‬اهـ ‪.‬‬
‫و هذه الفتوى منشورة على الرابط التالي في شبكة المعلومات الدولية‬
‫) النترنت ( ‪:‬‬
‫‪http://www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=Bz00864.htm&print=on‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ما المسألة الثالثة و الخيرة في هذا المقام ‪ ،‬فعن التعامل مع المخالف ) و‬ ‫أ ّ‬


‫صة المنتسبين أو المنسوبين إلى الجماعات و الحزاب و المحسوبين عليها‬ ‫خا ّ‬
‫( سواء منهم ذي البدعة الظاهرة التي ُيجاهر بها ‪ ،‬أو من لم تظهر منه بدعة‬
‫ك في أمره بسبب صحبته و بطانته ‪ ،‬فأقول ‪:‬‬ ‫ش ّ‬
‫و لكن ُ‬
‫فقد قّررت في رسالةٍ سابقةٍ لي كتبتها و نشرتها قبل أكثر من عشر سنين‬
‫حول هجر المبتدعة مقّررا ً أن هذا الهجر من أصول منهج أهل السّنة و‬
‫الجماعة في التعامل مع المبتدع ‪ ،‬و لكن المر ليس على إطلقه ‪ ،‬فل يهجر‬
‫المسلم لمجرد وقوعه في البدعة ‪ ،‬إذ إن البدعة ل تقع على من وقع فيها‬
‫مطلقا ً ‪ ,‬بل ل بد ّ من التفصيل و التبيين ‪.‬‬
‫كما أّنه يرجع في باب الهجر إلى مراعاة المصالح و المفاسد ‪ ،‬فقد يعامل‬
‫ن إن في الغلظة‬ ‫دة تفوق معاملة الكافر أحيانا ً ‪ ،‬إذا غلب على الظ ّ‬ ‫المبتدع بش ّ‬
‫ما إن كان الهجر عديم‬ ‫عليه ردع ٌ له عن بدعته ‪ ،‬ترّده إلى جاّدة الصواب ‪ ،‬أ ّ‬
‫الجدوى أو يؤّدي إلى مفسدةٍ أكبر فالولى عدمه ‪ ،‬بل يعدل عن الهجر إلى ما‬
‫جة و المجادلة بالتي هي‬ ‫قد يكون أبلغ في الزجر ‪ ،‬كالمناصحة و المحا ّ‬
‫أحسن ‪.‬‬
‫و بالجملة فإن أحكام المر بالمعروف و النهي عن المنكر ُيمكن أن ت ُن َّزل‬
‫على مسألة الزجر بالهجر ‪ ،‬و يراعى هنا ما يراعى هناك من المصالح و جلبها‬
‫‪ ،‬و المفاسد و درئها ‪.‬‬
‫و تفصيل هذه المسألة هو موضوع الحلقة الرابعة من الدراسات المنهجّية‬
‫التي نشرتها بعنوان ‪ :‬المر بالمعروف و النهي عن المنكر ‪ :‬ضوابط و أحكام‬
‫في مواجهة أهل الحوادث و البدع ‪ ،‬و هو مطبوع ٌ و ينشر على الشبكة قريبا ً‬
‫إن شاء الله ‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ما ل ُيقبل تأخير بيانه في هذا المقام هو ما سبق لي نشره على‬ ‫غير أ ّ‬


‫الرابط التالي في شبكة المعلومات الدولية ) النترنت ( التالي ‪:‬‬
‫?‪http://www.sahab.net/sahab/showflat.pl‬‬
‫‪Cat=&Board=islam&Number=274769&page=8&view=collapsed&sb=5‬‬
‫و هو عن وجوب العدل في الحكم على المبتدعة ‪ ،‬و ما يترتب على ذلك من‬
‫الموالة و المعاداة ‪ ،‬حيث أمرنا الله تعالى بالعدل فقال سبحانه ‪ ) :‬يا أّيها‬
‫وامين لله شهداء بالقسط و ل يجرمّنكم شنآن قوم على‬ ‫الذين آمنوا كونوا ق ّ‬
‫أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ( ] المائدة ‪. [ 8 :‬‬
‫و إذا كّنا عادلين في باب البراءة من المبتدعة و بغضهم و مباينتهم ‪ ،‬فل بد أن‬
‫يكون ذلك بحسب البدعة المَتلّبس بها ‪ ،‬مع موالتهم و محبتهم لما فيهم من‬
‫فرة ‪ ،‬و غير‬ ‫الخير و البر من جهات أخرى ‪ ،‬هذا في حال كون البدعة غير مك ّ‬
‫منافيةٍ لصول أهل السّنة و الجماعة المتفق عليها ‪ ،‬فيكون ) الحب و البغض‬
‫ن العبد يجتمع فيه سبب الولية‬ ‫بحسب ما فيهم من خصال الخير و الشر ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫و سبب العداوة ‪ ،‬و الحب و البغض ‪ ،‬فيكون محبوبا من وجه ‪ ،‬و مبغوضا من‬
‫وجه ‪ ،‬و الحكم للغالب (‬
‫] شرح العقيدة الطحاوّية ‪ ،‬لبن أبي العز الحنفي ‪ ،‬ص ‪. [ 434 :‬‬
‫و هذا مقتضى العدل ‪ ،‬و قد قرره شيخ السلم ابن تيمّية رحمه الله في‬
‫قوله‪ ) :‬إذا اجتمع في الرجل الواحد خير و شر ‪ ،‬و فجور و طاعة و معصية ‪،‬‬
‫سنة و بدعة ‪ ،‬استحق من الموالة بقدر ما فيه من الخير ‪ ،‬و استحق من‬
‫المعاداة بقدر ما فيه من الشر ‪ ،‬فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الكرام‬
‫و الهانة ‪ ،‬فيجتمع له من هذا و من هذا ‪ ،‬كاللص الفقير نقطع يده لسرقته ‪،‬‬
‫و ُيعطى من بيت المال ما يكفي حاجته ‪ ،‬هذا هو الصل الذي اتفق عليه أهل‬
‫السّنة و الجماعة ( ‪.‬‬
‫] مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ‪.[ 28/209 :‬‬
‫ما هو مقّرر عند أهل السنة و الجماعة ‪ ،‬و هو ما أدين‬ ‫و بناًء على ما تقدم م ّ‬
‫الله تعالى به أقول ‪:‬‬
‫ن أهل البدع ليسوا على درجةٍ واحدةٍ ‪ ،‬ففيهم المبتدع الكافر ببدعته ‪ ،‬و‬ ‫إ ّ‬
‫فيهم الفاسق بتلبسه بها ‪ ،‬و فيهم الداعية إليها ‪ ،‬و غير الداعية ‪ ،‬و فيهم‬
‫المعذور بجهله أو اجتهاده ‪ ،‬و غير المعذور شأنهم في ذلك شأن أهل اليمان‬
‫عند من قال إّنه يزيد بالطاعة و ينقص بالعصيان ] و هو مذهب جمهور أهل‬
‫السنة خلفا ً للحنفّية ‪ .‬انظر ‪ :‬شرح الطحاوّية ‪ ،‬ص ‪ 335 :‬و ما بعدها [‬
‫قه من المعاملة‬ ‫ل محّله ‪ ،‬و يأخذ ح ّ‬ ‫ل إنسان منزلته ‪ ،‬و ُيح ّ‬ ‫فل بد أن ُينزل ك ّ‬
‫ولًء و براًء ‪.‬‬
‫و هذا العموم في التعامل مع المخالفين ل ب ُد ّ من تخصيصه إذا أريد تنزيله‬
‫على الواقع المعاصر أو أعضاء و أتباع الحزاب و الجماعات السلمّية‬
‫المعاصرة ‪ ,‬و خير من تناول هذا الموضوع فشفى و وفى هو سماحة الشيخ‬
‫لمة عبد العزيز بن باز رحمه الله ‪ ،‬و من رسائله الكثيرة الوفيرة ‪ ،‬و‬ ‫الع ّ‬
‫جه‬‫فتاواه المنيرة التي يسدي فيها نصحه لتباع الجماعات و الحزاب ‪ ،‬و يو ّ‬
‫إلى الخرين إلى معاملتهم وفق الشريعة الغراء ‪ ،‬أقتطف الرسالة التالية‬
‫وهي منشورة في الجزء السابع من ) مجموع فتاوى و مقالت متنوعة ‪،‬‬
‫للشيخ رحمه الله ( ‪ ،‬و معروضة على الرابط التالي في شبكة المعلومات‬
‫الدولية ) النترنت ( ‪:‬‬
‫‪http://www.ibnbaz.org/Display.asp?f=Bz01275.htm‬‬
‫صهما ‪:‬‬‫و هي عبارة عن سؤال و جواب فيما يلي ن ّ‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫السؤال ‪ :‬تعلم يا سماحة الشيخ ما حل في الساحة من فتن فأصبح هناك‬


‫جماعات مثل جماعة التبليغ و جماعة الخوان و السلفية و غيرهم من‬
‫الجماعات و كل جماعة تقول ‪ :‬إنها هي التي على صواب في اتباع السنة من‬
‫هم الذين على صواب من هذه الجماعات ومن نتبع منهم ؟ ونرجو منك أن‬
‫تسميهم بأسمائهم ؟‬
‫الجواب ‪ :‬الجماعة التي يجب اتباعها والسير على منهاجها هم أهل الصراط‬
‫المستقيم ‪ ،‬هم أتباع النبي و هم أتباع الكتاب و السنة الذين يدعون إلى كتاب‬
‫الله وسنة رسوله قول وعمل ‪ ،‬أما الجماعات الخرى فل تتبع منها أحدا إل‬
‫فيما وافقت فيه الحق ‪ .‬سواء كانت جماعة الخوان المسلمين أو جماعة‬
‫التبليغ أو أنصار السنة أو من يقولون إنهم السلفيون أو الجماعة السلمية أو‬
‫من تسمي نفسها بجماعة أهل الحديث و أي فرقة تسمي نفسها بأي شيء‬
‫فإنهم يطاعون و يتبعون في الحق و الحق ما قام عليه الدليل و ما خالف‬
‫الدليل يرد عليهم و يقال لهم ‪ :‬قد أخطأتم في هذا ‪ ،‬فالواجب موافقتهم فيما‬
‫يوافق الية الكريمة أو الحديث الشريف أو إجماع سلف المة ‪.‬‬
‫أما ما خالفوا فيه الحق فإنه يرد عليهم فيه فيقول لهم أهل العلم ‪ :‬قولكم‬
‫كذا و فعلكم كذا خلف الحق‪ -‬هذا يقوله لهم أهل العلم فهم الذين يبصرون‬
‫الجماعات السلمية ‪ .‬فأهل العلم العالمون بالكتاب و السنة الذين تفقهوا‬
‫في الدين من طريق الكتاب و السنة ‪ ،‬هم الذين يعرفون تفاصيل هذه‬
‫الجماعات و هذه الجماعات عندها حق و باطل فهي ليست معصومة و كل‬
‫واحد غير معصوم و لكن الحق ما قام عليه الدليل من كتاب الله و سنة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع سلف المة سواء من هذه الجماعات‬
‫أو من الحنابلة أو الشافعية أو المالكية أو الظاهرية أو الحنفية أو غيرهم ‪-‬‬
‫فما قام عليه الدليل فهو الحق و ما خالف الدليل من كتاب الله أو سنة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الجماع القطعي يكون خطأ و أما الذين‬
‫يدعون إلى غير كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فهؤلء ل‬
‫يتبعون و ل يقلدون ‪ ،‬إنما يطاع و يتبع من دعا إلى كتاب الله و سنة رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم و أصاب الحق فإذا أخطأ فإنه يقال له ‪ :‬أحسنت إذا‬
‫أحسن و أخطأت إذا أخطأ و يتبع في الصواب ‪ ،‬و يدعي له بالتوفيق ‪ ،‬و إذا‬
‫أخطأ يقال له أخطأت في كذا و خالفت الدليل الفلني و الواجب عليك التوبة‬
‫إلى الله و الرجوع إلى الحق ‪ -‬هذا يقوله أهل العلم و أهل البصيرة ‪ -‬أما‬
‫العامي فليس من أهل العلم و إنما العلماء هم العلماء بالكتاب و السنة‬
‫المعروفون الذين يتبعون الكتاب و السنة فعلى العامي أن يسأل هؤلء الذين‬
‫عرفوا الكتاب و السنة عما أشكل عليه مثل أن يسألهم ما تقولون في دعوة‬
‫فلن الذي يقول كذا و يقول كذا حتى يتبصر و يعرف الحق كما قال الله‬
‫ن و هم أهل العلم بكتاب الله و‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫سأ َُلوا أ َهْ َ‬
‫ل الذ ّك ْرِ إ ِ ْ‬ ‫سبحانه ‪َ :‬فا ْ‬
‫سنة رسوله أما أهل البدعة فليسوا من أهل الذكر ‪ ،‬والدعاة إلى البدعة‬
‫ليسوا من أهل الذكر أيضا ‪ .‬و الله ولي التوفيق و صلى الله وسلم على نبينا‬
‫محمد و آله و صحبه ‪.‬اهـ ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فالواجب إذن مناصحة القوم و محاججتهم ‪ ،‬و عدم مجاملة أحد ٍ منهم‬
‫أيا ً كان بالسكوت على خطئه ‪ ،‬أو عدم إنكاره عليه ‪ ،‬و دعوته إلى التوبة‬
‫منه ‪ ،‬و هذا واجب كفائي على أهل العلم و الفضل ‪ ،‬كما قال الشيخ ) هذا‬
‫يقوله أهل العلم و أهل البصيرة‪ -‬أما العامي فليس من أهل العلم و إنما‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلماء هم العلماء بالكتاب و السنة المعروفون الذين يتبعون الكتاب و السنة‬


‫(‪.‬‬
‫مطلقا ‪ ،‬مرجحين أن في المخالطة أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫و إنني إذ أعذر قوما ذهبوا إلى الهجر ُ‬
‫ن أّنهم كذلك ردعا ً و زجرا ً‬ ‫َ‬
‫ُ ّ‬ ‫ظ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫أو‬ ‫وعهم (‬‫السلم على الحزبيين ) على تن ّ‬
‫لهم ‪ ،‬و سلمة للهاجر من موت القلب أو استمراء البدع أو تبّلد الحساس‬
‫تجاه البدع و أهلها ‪.‬‬
‫فإنني أنظر إلى المسألة على أّنها مما تدخل فيه مراعاة المصالح و المفاسد‬
‫ما ُتقم‬‫‪ ،‬إضافة إلى مشروعّية الخلف في الحكم على الشخاص الذين ل ّ‬
‫جة بعد ‪ ،‬أو ل يجاهرون بما يخالف الحق ‪.‬‬ ‫عليهم الح ّ‬
‫هذا ما أدين الله به ‪ ،‬فإن أصبت فمن الله ‪ ،‬و إن أخطأت فمن نفسي و من‬
‫ن الله بصيٌر بالعباد ‪.‬‬‫وض أمري إلى الله ‪ ،‬إ ّ‬ ‫الشيطان ‪ ،‬و أف ّ‬
‫ب العالمين‬ ‫و الحمد لله ر ّ‬
‫و صّلى الله و سلم على نبّيه المين ‪ ,‬و آله و صحبه أجمعين‬
‫ّ‬
‫و كتب‬
‫د ‪ .‬أحمد بن عبد الكريم نجيب‬
‫‪Dr.Ahmad-A-Najeeb‬‬
‫‪ahmadnajeeb@hotmail.com‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫حقيقة الدور اليراني في العراق بعد الحتلل‬


‫د‪ .‬محمد عياش الكبيسي‬
‫أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي عبد الله جول المنشورة في صحيفة‬
‫السياسة الكويتية بتاريخ ‪ 2006 /3 / 3‬والتي جاءت تحت عنوان "تركيا تحذر‬
‫من مخطط إيراني للسيطرة على العراق‪ "..‬وقبل ذلك تصريحات وزير‬
‫الخارجية السعودي "سعود الفيصل" حول نفس الموضوع‪ ،‬وتحذير‬
‫المسئولين الردنيين من الخطر الذي يتهدد هوية العراق ومستقبل المنطقة‬
‫من الطرف اليراني‪ ،‬أثارت تلك التصريحات تساؤلت كثيرة لسيما أن تلك‬
‫التصريحات كانت موجهة للمريكان ومتهمة لهم بأنهم يسعون لتسليم العراق‬
‫إلى إيران‪ .‬ولتوضيح الصورة والجابة على تلك التساؤلت أقدم هذه الورقة‬
‫والتي تضم المحاور التية‪:‬‬
‫المحور الول‪ :‬أمريكا وإيران خلف أم وفاق؟‬
‫ل شك أن الذي يتابع مسيرة )الثورة السلمية( على يد آية الله الخميني‬
‫والحرب العلمية مع الوليات المتحدة المريكية )الشيطان الكبر( وقضية‬
‫الرهائن المريكان الذين احتجزوا من قبل )الطلب السائرين على خط‬
‫المام( الذي يتابع كل هذا ل شك أنه سيصل إلى أن هناك خلفات جوهرية‬
‫بين الطرفين ليس من السهولة التقليل من شأنها‪ ،‬إل أن بعض المراقبين‬
‫سجل في التجاه المعاكس مؤشرات أخرى قد تكون من الناحية العملية‬
‫أقوى في الدللة‪ ،‬ومن هذه المؤشرات‪:‬‬
‫أ– سكوت العلم المريكي المطبق حول قضية الجزر الثلث المتنازع عليها‬
‫بين إيران وبين دولة تصنف على أنها قريبة من الوليات المتحدة رغم‬
‫المطالبات المتكررة لدولة المارات العربية من خلل مجلس التعاون‬
‫الخليجي لسترداد هذه الجزر!!‬
‫ب– سكوت المريكان عن الوضع المأساوي الذي تعيشه القليات اليرانية‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مثل السنة والكراد والعرب والبلوش في ظل "الحكومة السلمية‪ ,‬بينما‬


‫نذكر كيف استغلت هذه المسألة ضد العراق‪.‬‬
‫ج – تعامل المريكان مع المعارضة اليرانية المسلحة )مجاهدي خلق( والتي‬
‫كانت لها معسكرات معروفة داخل العراق وبعد دخول المريكان اتجهت‬
‫القوات المريكية إلى هذه المعسكرات وحاصرتها وأجبرتها على نزع سلحها‪،‬‬
‫مع أن هذه المليشيا علمانية التوجه بخلف الحكومة اليرانية‪.‬‬
‫د– تخليص إيران من العدوين اللدودين )طالبان( في الشرق و )صدام‬
‫حسين( في الغرب‪ ،‬نعم ربما تكون هذه فائدة غير مقصودة من قبل‬
‫المريكان ولكن يبقى السؤال‪ :‬هل كان "صدام" و"طالبان" أخطر على‬
‫المشروع المريكي من إيران "الحكومة السلمية" ولماذا؟‬
‫هـ‪ -‬عامل المريكان مع الذرع اليرانية في العراق بعد الحتلل‪ ،‬حيث ل‬
‫ل الحزاب والمنظمات والمليشيات التي تعاونت مع الحتلل‬ ‫يخفى أن ج ّ‬
‫وكانت رأس الرمح في غزو العراق كانت كلها مؤسسة ومدربة في إيران‪،‬‬
‫مثل المجلس العلى للثورة السلمية "عبد العزيز الحكيم" وجناحه المسلح‬
‫"فيلق بدر" وحزب الدعوة"إبراهيم الجعفري" وهؤلء هم عصب النظام‬
‫العراقي الجديد بعد الحتلل‪ ،‬وحتى على مستوى المرجعيات الدينية قام‬
‫المريكان بمساعدة اليرانيين في تهميش كل المراجع الشيعية العراقية‪,‬‬
‫مثل‪ :‬آية الله العظمى "فاضل المالكي" وآية الله "أحمد البغدادي" وآية الله‬
‫"جواد الخالصي" وغيرهم كثير وتم التعامل حصًرا مع "آية الله‬
‫السيستاني"وهو إيراني الجنسية فارسي الصل ل يمتلك أي وثيقة عراقية‪،‬‬
‫وقد أعلن رفضه للجنسية العراقية التي منحتها إياه الجمعية الوطنية الحالية‬
‫التي يسيطر عليها التجاه "الشيعي اليراني" وهذا بحسب ما أعلنته وسائل‬
‫العلم الرسمية!! واليوم تعلن الوليات المتحدة وإيران الموافقة على إجراء‬
‫مفاوضات مباشرة بخصوص العراق استجابة لدعوة المجلس العلى "عبد‬
‫العزيز الحكيم"!! وهذا اعتراف صريح بأن إيران هي الفاعل القوى في‬
‫المشهد العراقي‪ .‬ونسجل هنا اعتراض التيار الصدري الذي يمثل القاعدة‬
‫العرض "للتشيع العروبي العراقي" على هذه المبادرة كما هو حال هيئة‬
‫علماء المسلمين وكل القوى العراقية الوطنية‪.‬‬
‫و‪ -‬وربما يشكل على كل هذه المؤشرات الزمة الخيرة حول "المفاعل‬
‫النووي" ويمكن الجواب‪ :‬أن المريكان يفكرون بالستفادة من إيران ضمن‬
‫سقف محدد ل يتعارض على القل مع سقف "الكيان الصهيوني" وربما لو‬
‫كان أي نظام عربي آخر يفكر بما تفكر به إيران سيواجه بقوة أشد حتى لو‬
‫لم يكن إسلمًيا‪ ،‬مثال "صدام" و "القذافي‪".‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬العراق وإيران‬
‫ل شك أن حرب الثماني سنوات بين "عراق صدام" و "إيران الخميني" أذكت‬
‫خا طويل ً من الصراعات المريرة تعود إلى أيام الفتح السلمي الول‪.‬‬ ‫تاري ً‬
‫والتي ل زال اليرانيون يجاهرون بكراهتهم لقادة هذا الفتح‪ ،‬ومن المراقبين‬
‫من يرجع بهذا الصراع إلى تاريخ "نبوخذ نصّر" الملك العراقي الذي تمكن من‬
‫أسر أمراء اليهود و"كورش" الملك اليراني مسيح اليهود ومحررهم من‬
‫العراقيين!!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لم يخف اليرانيون رضاهم بما حصل للعراق على يد المريكان ومنهم من‬
‫أعلن أن العراق ما كان له أن يسقط بيد المريكان لو ل مساعدة اليرانيين!!‬
‫فماذا تريد إيران من العراق اليوم؟! يمكن بهذا الصدد تسجيل الملحظات‬
‫الميدانية التية‪:‬‬
‫قا لمصلحتها‬ ‫‪ 1-‬تسعى إيران بقوة لتكريس مبدأ "الفيدرالية" في العراق تحقي ً‬
‫القليمية في عراق مفتت ضعيف‪ ،‬والحزاب الشيعية المرتبطة بإيران هي‬
‫التي أصرت على هذا المبدأ رغم أنهم يدعون تمثيل الغلبية "الشيعية" في‬
‫العراق‪ ،‬والمتعارف عليه أن القليات هي التي تتوجس من الحكومة المركزية‬
‫القوية ولذلك تلجأ إلى"الفيدرالية" لحماية ذاتها وخصوصيتها‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فحينما يطالب الكراد بالفيدرالية تكون مطالبتهم مفهومة‪ ،‬أما أن تطالب‬
‫الكثرية بهذا فمعنى ذلك أن هذه الكثرية إما أنها أكثرية وهمية‪ ،‬أو إنها تعمل‬
‫لصالح أطراف أخرى‪.‬‬
‫ضا لتهجير العوائل‬ ‫‪ 2-‬تسعى إيران بقوة ومن خلل التنظيمات الموالية لها أي ً‬
‫السنية من بغداد‪ ،‬ومن منطقة "المدائن" بشكل خاص‪ ،‬كما أن الحكومة‬
‫العراقية الحالية لم تخف رغبتها في تغيير محيط بغداد "ذي الغلبية السنية"‬
‫حيث صّرح موفق الربيعي "مستشار المن القومي"‪ :‬أن بغداد ل يصح أن‬
‫تبقى محاطة بالرهابيين‪ ،‬ولتحقيق هذه الغايات قامت وزارة الداخلية‬
‫والمليشيات المرتبطة بها بحملت قتل وتعذيب وتشويه للجثث في هذه‬
‫المناطق ولم يعد المر خافًيا بعد اكتشاف "السجون السرية" و"فرق‬
‫الموت" واعترافات مدير "مشرحة بغداد" الذي أعلن عن وصول أكثر من‬
‫سبعة آلف جثة عليها آثار التعذيب وقد فّر إلى خارج العراق! وكان من‬
‫المضحك أن تجيب الحكومة رسمًيا‪ :‬أن هؤلء الذين يقومون بهذه الجرائم‬
‫هم رجال يرتدون ملبس وزارة الداخلية ويستخدمون سيارات وزارة الداخلية‬
‫لكنهم غير منتسبين فعل ً لهذه الوزارة!! تجدر الشارة أن وزير الداخلية هذا‬
‫هو بيان صولغ جبر المعروف بأنه أحد قيادي فيلق بدر الذي أشرفت على‬
‫تأسيسه وتجهيزه المخابرات اليرانية‪ ،‬والذي اعترف بالشتراك مع القوات‬
‫اليرانية في قتالها للعراقيين إبان حرب الثماني سنوات‪ ،‬واليوم يفاخر بأنه‬
‫يعمل جنًبا إلى جنب مع القوات المريكية في ضرب المقاومة العراقية‪.‬‬
‫والمعارك الكبرى التي دارت في الفلوجة والنجف وسامراء‪ ..‬الخ شاهدة‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫‪ 3-‬موقف إيران من المقاومة العراقية‪ :‬كان يفترض بإيران أن تستثمر‬
‫المقاومة العراقية لصالحها في صراعها المعلن مع الوليات المتحدة‬
‫ما‪ ،‬حيث إن الذي‬ ‫المريكية‪ .‬إل أن الذي يجرى على الرض بخلف هذا تما ً‬
‫يقوم باعتقال أفراد المقاومة أو المشتبه بعلقته مع المقاومة هم الذرع‬
‫اليرانية المعروفة‪ ،‬وحتى خطباء المساجد الذي يحثون الناس على الصمود‬
‫يتم اعتقالهم وقتلهم بطريقة بشعة‪ .‬وهناك إحصائيات كثيرة في هذا وبعض‬
‫الذين أفرج عنهم صرحوا أن بعض ضباط التحقيق كانوا يتكلمون الفارسية!!‬
‫وقد يقال إن هذا بدافع طائفي‪ ،‬ولكن الحقيقة أن موقف إيران هذا لم يختلف‬
‫كثيًرا عن موقفها من مقاومة "الصدر" في النجف وبغداد والبصرة‪ ،‬حيث‬
‫اشتركت القوات الموالية ليران مع القوات المريكية في محاصرة الصدر‪،‬‬
‫وبقيت إيران تمارس الضغط على مقتدى الصدر حتى أعلن أخيًرا عن‬
‫انضمامه للمشروع السياسي تحت قائمة الئتلف الذي يقوده "عبد العزيز‬
‫الحكيم"!! وبهذا يكون موقف إيران من المقاومة ل يقل خطورة عن موقف‬
‫دا يضاعف من خطورة إيران أل‬ ‫المريكان أنفسهم!! إل أن هناك فارًقا واح ً‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهو أن الحتلل المريكي مدان عربًيا وإسلمًيا وحتى عالمًيا‪ ،‬أما إيران فإنها‬
‫دا حيث إنها أمنت أي ردة فعل‬ ‫تقوم بكل ما تقوم به وهي في وضع مريح ج ً‬
‫عربية أو حتى سنية‪ ،‬وذلك للسباب التية‪:‬‬
‫‪ 1-‬إن الحرب العلمية بين إيران وأمريكا والتهديدات التي يطلقها الرئيس‬
‫اليراني الجديد ضد الكيان الصهيوني جعل من الصعب إدانة اليرانيين‪ ،‬لن‬
‫إدانتهم تعني الصطفاف مع المبريالية المريكية‪ ،‬وبهذا يتم التغاضي بل‬
‫وعدم الرغبة أصل ً في بحث حقيقة الدور اليراني في العراق ‪.‬‬
‫‪ 2-‬إن الحركات السلمية والواجهات العلمية ل تريد أن تظهر بالمظهر‬
‫الطائفي وقد ظهر هذا جلًيا في الحداث الخيرة‪ ،‬حيث سارعت تلك الحركات‬
‫والواجهات بإدانة تفجير مرقد الماميين "علي الهادي والحسن العسكري"‬
‫في سامراء بينما تغاضوا عن هدم مائتي مسجد من مساجد السنة وحرق‬
‫المصاحف التي تناقلت صورها الكثير من وسائل العلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪207‬‬

You might also like