You are on page 1of 205

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫م اتفاق بين أبى بكر وعمر‪ ،‬عند وفاة الرسول‬ ‫فحسب أوهام طبيبنا كان قد ت ّ‬
‫عليه السلم‪ ،‬على تولى الول حكم المسلمين‪ ،‬على حين كان على بن أبى‬
‫ى‪ ،‬يقود الجيوش وقتها بعيدا فى العراق فلم‬ ‫ّ‬
‫طالب‪ ،‬طبقا لعلم صاحبنا اللد ُن ّ ّ‬
‫يتم التنسيق معه بل تم خداعه‪ .‬كما يسخر طبيبنا المتهوس من أن الرسول‪،‬‬
‫رغم وفاته فى ‪632‬م‪ ،‬كان ل يزال يصدر الوامر بعد ذلك لوقت طويل فى‬
‫العوام ‪855 ،830 ،785 ،725 ،688 ،683 ،660 ،640،651‬م! ترى من‬
‫أين لكاتبنا كل هذه العبقرية التى ل مثيل لها؟ ما كنت أعرف أن ما يقوله‬
‫بعض الناس من أن الفرق بين العبقرية والجنون شعرة هو رأى صحيح‪ ،‬حتى‬
‫ت كيف أن عيار العبقرية قد يزيد حبتين فينقلب جنونا‬ ‫ت هذا الكلم فرأي ُ‬ ‫قرأ ُ‬
‫خالصا ل أمل فى الشفاء منه ولو أحضروا لصاحبه خيرة النطاسيين‬
‫ضرى العفاريت وكاتبى الحجبة والمعّزمين! بالله‬ ‫والمعالجين النفسانيين ومح ّ‬
‫ى يقود الجيوش فى العراق عند وفاة النبى؟ وبأية أمارة كان هذا‬ ‫متى كان عل ّ‬
‫يا ترى؟ لقد كان‪ ،‬رضى الله عنه وكّرم وجهه‪ ،‬آنذاك فى المدينة مشغول‬
‫بتغسيل النبى وتكفينه ودفنه مع غيره من أهله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولم‬
‫تكن هناك جيوش إسلمية فى أى مكان فى ذلك الحين‪ ،‬اللهم إل جيش‬
‫أسامة بن زيد‪ ،‬الذى كان قد تم تجهيزه للذهاب إلى حدود الشام‪ ،‬إل أن موت‬
‫النبى عليه الصلة والسلم قد أوقفه إلى حين‪ .‬وبالنسبة للعراق بالذات لم‬
‫يحدث أن وطئه أى جيش مسلم‪ ،‬بل لم يحدث أى تفكير فى إرسال قوات‬
‫إلى حدوده المشتركة مع جزيرة العرب فى عهد النبى قط‪ .‬أما أنه عليه‬
‫السلم كان يصدر أوامره إلى المسلمين إلى ما بعد وفاته بعد عقود فليقل‬
‫لى القراء الكرام‪ :‬كيف كان هذا؟ ومن يا ترى قاله سوى هذا المخبول؟ يقينا‬
‫ط ل َْز َ‬
‫ق‬ ‫خب ْ َ‬
‫إن قائل هذا الكلم ليس له مكان يصلح له إل الخانكة أو العباسية َ‬
‫دون إبطاء أو تأخير‪ ،‬ل للمسارعة بتدارك حالته‪ ،‬فهى كما قلنا حالة ميؤوس‬
‫منها‪ ،‬بل لحماية الناس من خطره‪ ،‬فلربما أقدم على عمل متهور يعّرض‬
‫من" بكسر‬ ‫المن العام للخطر )أو بتعبير الخفراء عندنا فى القرية‪" :‬ال ِ ْ‬
‫سر الله ضلوعه كلها ضلعا ضلعا حتى يهمد ويريحنا من هذه‬ ‫الهمزة‪ ،‬ك َ ّ‬
‫الدوشة الكذابة التى يزعجنا بها مثلما تزعجنا دوشة نباح الكلب بالليل حين‬
‫ض طفل من رجله أو يهارش كلبا ويدميه‬ ‫ة ل عمل لها!( فيع ّ‬ ‫تكون َفا ِ‬
‫ضي َ ً‬
‫فينشب فيه الكلب الخر مخالبه وتصير معركة كلبية حامية وتصبح مشكلة‬
‫ونقول ساعتها‪ :‬يا ليت الذى جرى ما كان! إننا هنا أمام سيرة شعبية خرافية‬
‫كسيرة عنترة‪ ،‬التى تصوره وهو يحارب فارس والحبشة واليمن‪ ،‬ويقود‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجيوش السلمية‪ ،‬ويقطع الفيافى والقفار إلى الممالك المختلفة متحد ًّيا‬
‫جبابرتها فى وجههم‪ ،‬ولسنا أمام كلم تاريخى متزن يخاطب العقل‪ ،‬وصاحبه‬
‫من بجاسته وثخانة وجهه يريدنا أن نحفر طرقات المدينة كلها ونجعل عاليها‬
‫واطئها حتى ينشرح صدره‪ ،‬ثم يتعطف علينا فى نهاية المطاف بالكفر المبين‬
‫رغم ذلك كله‪ ،‬وبعد خراب بصرة والكوفة وبغداد والموصل والنجف وغيرها‬
‫كما هو حادث الن فى العراق على يد قوات "التحرير والعمار" المريكية‬
‫والبريطانية ومن والها من أشاوسة حكام العرب والمسلمين الذين لن‬
‫سبهم ربنا أبدا ل هم ول شعوبهم البليدة الذليلة التى تستزيد بل تستعذب‬ ‫يك ّ‬
‫إهاناتهم لها واستبدادهم بها وسجنهم وقتلهم إياها!‬
‫وهذا الرجل يترك حقائق التاريخ ويذهب فيفترض أشياء ل يمكن أن تكون‬
‫صحيحة أبدا ثم يبنى فوقها ما يريد الوصول إليه من نتائج يرى أن من شأنها‬
‫التشكيك فى تلك الحقائق التاريخية‪ .‬فعلى سبيل المثال فمكة عنده كانت‪،‬‬
‫فيما يبدو )"فيما يبدو"‪ :‬ل حظ!( حّيا من أحياء دمشق‪ ،‬لكن لماذا؟ الجواب‪،‬‬
‫حسبما يقول‪ ،‬هو أن كلمة "مكة" تعنى بالرامية‪" :‬مدينة منخفضة"‪ .‬ثم‬
‫يمضى مؤكدا "أننا الن قد أصبحنا نعرف أن المسلمين الوائل‪ ،‬شأنهم شأن‬
‫قَرائين الوائل )جمع "قرآن"(‪ ،‬تم اختراعهم فى الشام‪ ،‬وليس فى جزيرة‬ ‫ال َ‬
‫العرب"!‪:‬‬
‫" ‪Le mot la mecque est araméen syrien, et signifie ville basse, désignant‬‬
‫‪probablement un quartier de Damas. On sait maintenant que les premiers‬‬
‫‪musulmans, comme les premiers corans, et la vie de Mahomet, furent‬‬
‫‪inventés en Syrie, et non en Arabie...La Mecque n'existait pas, car on n'a‬‬
‫‪jamais vu des milliers d'habitants s'installer dans un désert aride sans eau ni‬‬
‫‪."cultures‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫خلص‪ :‬لقد أبرم سيادته التاريخ إبراما وأصدر فرماناته بأن مكة ليست من‬
‫مدن جزيرة العرب بل من مدن الشام! ول يستطيع المتضرر أن يلجأ إلى أى‬
‫قضاء بعد هذا القضاء المبرم الذى قضاه صاحبنا! فانظر بالله عليك أيها‬
‫كموا أهواءهم‬‫القارئ كيف ي ُك َْتب التاريخ‪ ،‬وكيف يريد بعض الناس أن يح ّ‬
‫المجنونة فى تغيير حقائقه‪ ،‬وكيف يريدوننا أن نتابعهم على هذا التنطع‪ ،‬وإل‬
‫كنا متخلفين! ناشدتكم الله يا قرائى الكرام‪ ،‬لو كانت مكة حّيا من أحياء‬
‫دمشق‪ ،‬فأين ذهب ذلك الحى؟ ولماذا سكت الدمشقيون عن هذا التزييف‬
‫الجلف الذى لم يحدث مثله فى التاريخ‪ ،‬وبخاصة أنه يسلبهم الشرف المتمثل‬
‫فى أن بلدهم هى مركز السلم ومصدره؟ وكيف صمت أحفاد القرشيين‪،‬‬
‫والمويون منهم بالذات‪ ،‬على ما قالته أقلم المؤرخين وكتب السيرة المزيفة‬
‫عن أجدادهم وعن معاداتهم للدعوة الجديدة مما يشّهر بهم ويفضحهم فى‬
‫كل أرجاء العالم؟ وأين ذهب الرومان الذين كانوا يحتلون بلد الشام فلم‬
‫ينّبهوا العالم إلى هذا التزييف الوقح الذى مارسه العرب والمسلمون‪ ،‬على‬
‫القل من باب النتقام والحرب المعنوية والدعائية بعد أن خسروا الحرب‬
‫العسكرية والسياسية؟ ومعروف أن الشوام لم يسلموا كلهم‪ ،‬بل بقى منهم‬
‫حتى الن كثير من النصارى واليهود‪ ،‬فكيف يسكتون على مثل تلك الفعلة‬
‫ن غير الدين‬ ‫َ‬
‫وهم بدي ٍ‬‫العجيبة‪ ،‬وهى فرصة لفضح القوم الذين فتحوا بلدهم وأت َ ْ‬
‫الذى يعتنقونه‪ ،‬ولسان غير السان الذى كانوا يتكلمونه؟ ولماذا لم يتكلم‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويصدع بالحقيقة واحد مثل ثيوفان الكاتب البيزنطى الذى أتى بعد عصر‬
‫الرسول ببضعة عقود ليس إل وأخذ على عاتقه محاربة السلم بدل من نسبة‬
‫الكاذيب إلى الرسول الكريم وأصحابه على عادة المبشرين؟ ترى هل من‬
‫الممكن أن يتم تزييف شىء مثل هذا ثم تسكت الدنيا كلها عنه فل تتكلم ول‬
‫ل علينا الطبيب الفرنسى‬ ‫كا‪ ،‬إلى أن ه ّ‬ ‫تعترض أو ل تبدى على القل ش ّ‬
‫المأفون بعد أربعة عشر قرنا من الزمان فعدل الوضع المائل‪ ،‬اعتمادا على‬
‫ماذا؟ اعتمادا على أوهام ما أنزل الله بها من سلطان! ثم ما دخل المعنى‬
‫الذى يدعيه‪ ،‬صواًبا أو خطًأ‪ ،‬لكلمة "مكة" فى الرامية فى أن تكون تلك‬
‫ة فى جزيرة العرب؟ إن كلمه يوحى بأن كلمة‬ ‫المدينة حّيا فى دمشق ل مدين ً‬
‫"مكة" ليست عربية‪ ،‬وهو سخف آخر من سخافات الرجل الذى من الواضح‬
‫أنه ل يفقه شيئا بالمرة فى موضوعنا‪ ،‬بل ينقل من كتب بعض المستشرقين‬
‫ما يوافق هواه دون عقل أو فهم! فالرامية والسريانية والكلدانية والشورية‬
‫ت سامّية‪،‬‬ ‫مَثل العربية‪ ،‬لغا ٌ‬‫مَثلها َ‬ ‫والعبرية والحبشية‪...‬كل هذه اللغات‪َ ،‬‬
‫بالضبط مثلما نقول إن الفرنسية والطليانية والسبانية والبرتغالية هى لغات‬
‫لتينية‪ ،‬أىْ لغات تفرعت من اللغة الم واستقلت بنفسها‪ .‬وعلى هذا فالقول‬
‫بأن هذه الكلمة الموجودة فى لساننا العربى أو تلك ليست عربية بل سريانية‬
‫صد به التلبيس على القارئ العادىّ الذى‬ ‫ق َ‬ ‫مثل أو آرامية هو فى الواقع كلم ي ُ ْ‬
‫ل يعرف شيئا عن الموضوع‪ ،‬إذ ليس هناك أى دليل على أن ذلك صحيح‪،‬‬
‫ص العربية دون أخواتها الساميات‬ ‫خت َ ّ‬
‫ن ليس هناك من معًنى لن ت ُ ْ‬ ‫فضل ً عن أ ْ‬
‫بالخذ عنهن بدل من القول المنطقى العاقل بأنها تشتمل على هذه اللفاظ‬
‫كما تشتمل عليها أخواتها‪ .‬والغريب أن المستشرقين عادةً ل يفعلون العكس‪،‬‬
‫فتراهم ل يقولون باستعارة اللغات السامية الخرى شيئا من العربية‪.‬‬
‫والسبب فى هذا وذاك هو الرغبة فى التحامل على العرب والمسلمين ل‬
‫غير‪ ،‬وبخاصة إذا وضعنا فى العتبار أن بعض علماء الساميات ي ََرْون فى اللغةِ‬
‫م التى تفرعت منها الكادية والحبشية‬ ‫ة السامي ّ َ ُ‬
‫ة ال ّ‬ ‫العربيةِ اللغ َ‬
‫دعيه‪ ،‬صواًبا أو‬ ‫والعبرية‪...‬إلخ! ومرة أخرى نقول‪ :‬ترى ما دخل المعنى الذى ي ّ‬
‫خطًأ‪ ،‬طبيبنا المضطرب الفكر لكلمة "مكة" فى الرامية فى أن تكون تلك‬
‫المدينة حّيا فى دمشق ل مدينة من مدن جزيرة العرب؟ والعجيب أنه يرجع‬
‫ذب‬ ‫إنكاره وجود مكة إلى أنها تقع فى وادٍ جديب غير ذى ماء ول زرع‪ .‬أفنك ّ‬
‫إذن أقاربنا ومعارفنا وكل المصريين والعرب والمسلمين وكل الكّتاب‬
‫والرحالة من مسلمين وغير مسلمين ممن زاروا مكة قبل توظيف شطر من‬
‫أموال النفط فى تحلية ماء البحر الحمر لسكانها ولسائر أهل السعودية‬
‫ن! مهما قلتم لنا عن مكة فليس لمكة‬ ‫والخليج كله عموما‪ ،‬ونقول لهم‪ :‬وإ ِن ِ ْ‬
‫وجود! لقد نسى المجنون أن زمزم كانت ول تزال هناك طول الوقت يشرب‬
‫الناس ويستمدون حاجاتهم الخرى من مائها فتكفيهم هم وضيوف الرحمن‬
‫بحمد الله‪ .‬وهذا أمر قد شهد به المستشرقون الذين استطاعوا الندساس‬
‫بين الحجيج والتظاهر بأنهم مسلمون وكتبوا عن البلد المين‪ .‬وحتى بعد أن‬
‫توفر لها ماء البحر المحّلى فل تزال المنطقة المحيطة بها واديا غير ذى زرع‪.‬‬
‫وما زال الناس كذلك يقطنونها ويحبون العيش فيها حتى الن رغم شدة‬
‫حرارتها‪ ،‬وسيظلون يفعلون ذلك إلى ما شاء الله‪ .‬وعلى أى حال فليس‬
‫العيش فيها بالصعوبة التى عليها الحياة فى مناطق السكيمو ول بواحد على‬
‫المليون‬

‫)‪(20 /‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ج بالسكان ويحبها أهلها كما يحب أهل كل‬ ‫منها‪ ،‬ومع ذلك فتلك المناطق تع ّ‬
‫ضح سخف فكر هذا الرجل ورقاعته‪ ،‬وكأننى‬ ‫بلد بلدهم! إننى أشعر‪ ،‬وأنا أو ّ‬
‫طى البيروقراطى" يطالبنى بإثبات أننى أنا إبراهيم عوض الواقف‬ ‫أمام "عَب َْعا ِ‬
‫حياله بشحمى ولحمى وعظمى وكظمى ل أزال حيا أ ُْرَزق ولم أمت! شىء‬
‫مّر الصعوبة!‬ ‫ب ُ‬‫طى أفندى" صع ٌ‬ ‫يبدو فى منتهى السهولة‪ ،‬غير أنه مع "عَب َْعا ِ‬
‫لقد فات ذلك المخبول أن الصل فى الخبار عموما أنها صادقة ما لم يقم‬
‫ك فى النفس شىء مما سمعْته‪ ،‬فعندئذ يشك‬ ‫ح ْ‬
‫دليل على عكس ذلك أو ي َ ُ‬
‫النسان فيما بلغه‪ ،‬وحقّ له أن يشك‪ .‬فما الذى فى الخندق أو فى وجود مكة‬
‫أو المدينة مما يبعث على الريبة؟ لقد كان أحرى بهذا المجنون أن يذهب‬
‫فيقرأ أول قبل أن يتهور كل هذا التهور ويقترح تلك القتراحات النيرونية‬
‫المسعورة‪ .‬ألم يبلغه ما قاله الشيخ الصوفى فاخر بن فاخر‪ ،‬رضى الله عنه‬
‫ضأ ْ واقرأ"؟ يقصد‬ ‫وأرضاه‪ ،‬فى فلم "اللص والكلب" لسعيد مهران‪" :‬تو ّ‬
‫قراءة المصحف‪ .‬لكننا ل نطلب منه أن يتوضأ‪ ،‬وكذلك ل نطلب منه أن يقرأ‬
‫المصحف‪ ،‬فمثله لن يطهر أبدا حتى لو اغتسل بكل ما فى البحر والنهر من‬
‫ماء‪ ،‬ومن ثم ل يجوز له أن يمسك بالكتاب المجيد‪ ،‬إنما نطلب منه أن يقرأ‬
‫التاريخ وأل يعتمد على تشويشات مخه‪ ،‬فما هكذا يؤخذ العلم يا سليل‬
‫دعنا به الفاكون الفاقون من‬ ‫الحضارة الغربية والتنوير الفرنسى الذى يص ّ‬
‫أبناء جلدتنا‪ ،‬خّيبهم الله!‬
‫ن فلنترك هذا كله ونسأل‪ :‬ما الذى يريد منا هذا الرجل أن نفعل بمكة‬ ‫ولك ْ‬
‫)مكة التى فى جزيرة العرب‪ ،‬وليست مكة الشامية التى ل وجود لها إل فى‬
‫ذهنه المتفكك(؟ أننكتها هى أيضا‪ ،‬ل للبحث هذه المرة عن خندق‪ ،‬بل‬
‫وا كى يتسق الوضع الموجود على أرض الواقع مع أوهام طبيبنا‬ ‫ح ً‬‫م ْ‬
‫لنمحوها َ‬
‫المضطرب الفكر والعقل؟ ذلك أنه ل يصح أن يقع كلم أحد الوربيين الرض!‬
‫فى( حين‬ ‫حن َ ِ‬
‫سى َ‬ ‫ن‪ ،‬يا أخى الكريم‪ ،‬نحن نعرف أن عبد الفتاح القصرى ) ِ‬ ‫لك ْ‬
‫شْزًرا فى فلم نورماندى ُتو وقالت له‬ ‫نظرت إليه زوجته الفارعة الضخمة َ‬
‫فى؟" قد تراجع‬ ‫حن َ ِ‬‫دد وقد كشفت ذراعيها المكتنزتين‪َ " :‬‬ ‫بصوتها الحّيانى المه ّ‬
‫فى الحال عن عنترياته وقال لها وهو يطامن من انتفاشته‪ ،‬ويخفض صوته‪،‬‬
‫ويطأطئ رأسه‪ ،‬وعيناه المتخاصمتان الظريفتان تنظر كل منهما فى اتجاه‪:‬‬
‫"خلص! هذه المرة فقط تنزل كلمتى الرض!"‪ ،‬أفيكون إذن كلم الطبيب‬
‫فى‬‫حن َ ِ‬‫سى َ‬ ‫الفرنسى أعّز علينا وعلى التاريخ وحقائق التاريخ من كلم ِ‬
‫ح به )وبصاحبه‬ ‫س ْ‬‫م َ‬‫فى الرض‪ ،‬بل لي ُ ْ‬ ‫خن َ ِ‬
‫المصرى؟ فلينزل إذن كلم مسيو َ‬
‫معه( الرض‪ ،‬وْليشرب هو ومن يتشدد له من البحر‪ ،‬بل من البحرين‪ :‬البيض‬
‫والحمر على رأى عبد الناصر‪ ،‬ولكن دون نكسة ناصرية بمشيئة الله‬
‫)"نكسة" ل هزيمة‪ :‬خذوا بالكم!(‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫هل يمكن أن يتصور عاقل أنه لم تكن هناك فى بلد العرب قبل السلم‬
‫مدينة اسمها مكة‪ ،‬ثم نبتت هكذا نبتا عفاريتيا بعده‪ ،‬ثم لم يبد أحد دهشته‬
‫)وبخاصة من سكانها الجدد الذين لم يكن لهم قبل ذلك وجود( من هذا‬
‫خا وديًنا وأنساًبا‬
‫التراث الغزير الهائل الذى يدور حولها شعًرا ونثًرا وتاري ً‬
‫والقائل بأنها طول عمرها كانت موجودة فى جزيرة العرب؟ أترى الذين‬
‫وا بالناس ووضعوهم فيها كما توضع البلليص فى‬ ‫َ‬
‫أنشأوا تلك المدينة وأت َ ْ‬
‫قا على أفواههم إلى أن‬ ‫أماكنها دون أن يؤخذ لهم رأى قد ألزقوا لص ً‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫انطمست ذاكرتهم ولم يعودوا يعرفون شيئا عن أصلهم أو فصلهم ول عن‬


‫أصل مدينتهم أو فصلها‪ ،‬فعند ذلك رفعوا اللصق وسمحوا لهم بالكلم؟ وهل‬
‫فعلوا مثل ذلك مع سكان الرض جميعا بما فيهم النصارى واليهود الذين كانوا‬
‫يعيشون فى جزيرة العرب قبل السلم ثم تم إجلؤهم عنها بعده؟ لماذا لم‬
‫يفتح أحد من هؤلء فمه فيفضح المستور ويكشف الزيف والتزييف؟ وماذا‬
‫نقول فى بطليموس الجغرافى اليونانى القديم الذى تكلم عنها وسماها‬
‫مك َُربا‪) "Macoraba :‬كتاب وليم موير عن سيرة الرسول الذى سلف ذكره‪/‬‬ ‫" َ‬
‫ص ‪ ،xc‬ومادة "‪ "Mecca‬فى الطبعة الولى من "‪The Encyclopaedia of‬‬
‫‪("Islam‬؟ وماذا نصنع مع ما قاله هيرودوت عن اللت‪ ،‬إحدى اللهة الوثنية‬
‫التى كان لها صنم فى كعبة مكة قبل السلم )وليم موير‪ /‬ص ‪(cii- ciii‬؟‬
‫كذلك ما العمل إزاء ما ذكره الرحالة الوربى بروس )‪ ،(Bruce‬الذى زار بلد‬
‫الحبشة فى القرن الثامن عشر الميلدى من أن الحباش يروون فى‬
‫تواريخهم أن أبرهة قصد مكة ثم ارتد عنها لما أصاب حيشه من المرض الذى‬
‫يصفونه بالجدرى )عباس محمود العقاد‪ /‬مطلع النور‪ /‬كتاب الهلل ديسمبر‬
‫‪1968‬م‪ /‬العدد ‪(75 /213‬؟ وفضل عن ذلك فثمة بحث لكرزويل الثارى‬
‫المشهور يرد فيه على كايتانى المستشرق اليطالى وما يذهب إليه من إنكار‬
‫بناء قريش للكعبة‪ ،‬ويؤكد أن ما وصلنا فى كتب التاريخ عن هذا المر صحيح‬
‫ل شك فيه )العقاد‪ /‬مطلع النور‪ .(76 /‬وهناك أيضا كتاب للمستشرق‬
‫الهولندى دوزى يحاول أن يثبت فيه وجود بنى إسرائيل فى مكة )التى‬
‫نعرفها( خلل عصورها الجاهلية عنوانه‪ ،"Die Israeliten zu Mekka" :‬كما كتب‬
‫فى نفس الموضوع المستشرق البلجيكى لمنس كتابا عنوانه‪Les Juives a" :‬‬
‫‪ ،"la Mecque‬وهو ما يدل على أن وجود مكة هناك فى ذلك الحين ل يواجه‬
‫أى شك فى نفس ذينك المستشرقين‪ .‬بل إننا لم نسمع بأحد سواهما من‬
‫المستشرقين أو غير المستشرقين ممن يؤبه بكلمهم أو ل يؤبه يقول إن‬
‫مكة لم يكن لها فى إقليم الحجاز أثناء الجاهلية وجود! ثم لماذا يفعل العرب‬
‫ور أن يفكر الحكام العرب بعد السلم‪ ،‬وبعد‬ ‫ص ّ‬
‫بعد السلم هذا كله؟ وهل ي ُت َ َ‬
‫وا يسبحون فى بحور الغنى والترف‪ ،‬فى إنشاء مدينة مثل مكة فى‬ ‫َ‬
‫ح ْ‬
‫ض َ‬
‫أن أ ْ‬
‫ح الماء )على أساس أن زمزم غير موجودة‬ ‫قلب الجبال والصحراء حيث يش ّ‬
‫بناء على فرضيته الرذيلة مثله( وحيث تنعدم الزراعة والصناعة؟ ثم كيف‬
‫سب لبائهم زورا وبهتانا أنهم‬ ‫ون بعد ذلك كله‪ ،‬وهم المسلمون‪ ،‬أن ي ُن ْ َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ي َْر َ‬
‫كانوا مشركين يعبدون الصنام والوثان وأنهم حاربوا القرآن والرسول الذى‬
‫أتاهم به وحاولوا القضاء عليه وعلى دعوته‪ ،‬بل وصل المر بهم أن فكروا‬
‫يوما فى قتله والتخلص منه غدرا وغيلة؟ ومن المجنون الذى سولت له نفسه‬
‫وى‬‫بالنتقال إلى مثل تلك المدينة دون أن يكون هناك جاذب من أى نوع ي َهْ ِ‬
‫بفؤاده إليها حتى ول ذكريات الطفولة والصبا فيها وكونها موطن الجداد؟‬
‫باختصار ل يوجد سبب واحد‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬يجعلنا نصدق هذا الهراء الجنونى‪ ،‬فى‬
‫الوقت الذى تتضافر كل الدواعى لرفضه والسخرية من عقل صاحبه‪ .‬ومع‬
‫ى الحقائق وإنكار‬ ‫َ‬
‫ن القراء‪ ،‬فالغربيون أصحاب باع طويل فى ل ّ‬ ‫هذا فل يستغرب ّ‬
‫عّز الظهر الحمر‪ ،‬وما فِْرية السلحة النووية العراقية عنا‬ ‫ضوء الشمس فى ِ‬
‫ببعيدة‪ ،‬فقد دمروا بلدا كامل وأبادوا من سكانه مئات اللوف بناًء على هذه‬
‫الكذبة المجرمة دون أن يطرف لهم جفن‪ ،‬وما زالوا ماضين فى عملهم‬
‫"التحريرى العمارى" بمساعدة الراذل من حكام المسلمين وشعوبهم‬
‫ة"‪ .‬فماذا تكون‬ ‫ن ط َب َ َ‬
‫ق َ‬ ‫البليدة النتنة مثلهم على رأى المثل العربى‪" :‬وافَقَ َ‬
‫ش ّ‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فى عن مكة بالقياس إلى ما فعله المريكان والبريطان فى‬


‫خن َ ِ‬
‫كذبة مسيو َ‬
‫العراق؟‬

‫)‪(22 /‬‬

‫ت على الفقرة التالية فى مادة "مكة" بالـ"ويكيبيديا‪:‬‬


‫وبالمناسبة فقد وقع ُ‬
‫الموسوعة الحرة" الموجودة على المشباك‪ ،‬وهى إذا صحت )ول أظن إل أنها‬
‫صحيحة‪ ،‬وإل لم يسمح بنشرها المشرفون على هذه الموسوعة العالمية(‬
‫كانت كفيلة وحدها بنسف كل هذه الرقاعات‪ ،‬إذ ل يمكن أن تكون‬
‫المواصفات الجغرافية التى يؤكد الكاتب أنه قد اكتشفها فى موقع تلك‬
‫المدينة المكرمة على الخريطة قد أتت عن طريق المصادفة حين ط َقّ فى‬
‫أدمغة حكام المسلمين أن يبنوها بالمخالفة لكل الذرائع والسباب حسبما‬
‫ضحنا‪ ،‬بل ل بد أن يكون ذلك من تدبير الخالق العليم منذ بدايتها الموغلة‬
‫و ّ‬
‫فى التاريخ‪ .‬تقول الفقرة المذكورة‪" :‬الكتشاف العلمي الجديد الذي كان‬
‫يشغل العلماء والذي أعلن في يناير ‪ 1977‬يقول‪ :‬إن مكة المكرمة هي مركز‬
‫اليابسة في العالم‪ ،‬وهذه الحقيقة الجديدة استغرقت سنوات عديدة من‬
‫البحث العلمي للوصول إليها‪ ،‬واعتمدت على مجموعة من الجداول الرياضية‬
‫المعقدة استعان فيها العلماء بالحاسب اللي‪ .‬ويروي العالم المصري الدكتور‬
‫حسين كمال الدين قصة الكتشاف الغريب فيذكر أنه بدأ البحث وكان هدفه‬
‫مختلفا تماما‪ ،‬حيث كان يجري بحثا ليعد وسيلة تساعد كل شخص في أي‬
‫مكان من العالم على معرفة وتحديد مكان القبلة‪ ،‬لنه شعر في رحلته‬
‫العديدة للخارج أن هذه هي مشكلة كل مسلم عندما يكون في مكان ليست‬
‫فيه مساجد تحدد مكان القبلة‪ ،‬أو يكون في بلد غريبة‪ ،‬كما يحدث لمئات‬
‫اللف من طلب البعثات في الخارج‪ ،‬لذلك فكر الدكتور حسين كمال الدين‬
‫في عمل خريطة جديدة للكرة الرضية لتحديد اتجاهات القبلة عليها وبعد أن‬
‫وضع الخطوط الولى في البحث التمهيدي لعداد هذه الخريطة ورسم عليها‬
‫القارات الخمس‪ ،‬ظهر له فجأة هذا الكتشاف الذي أثار دهشته‪ .‬فقد وجد‬
‫العالم المصري أن موقع مكة المكرمة في وسط العالم‪ .‬وأمسك بيده برجل‬
‫وضع طرفه على مدينة مكة‪ ،‬ومر بالطرف الخر على أطراف جميع القارات‬
‫فتأكد له أن اليابسة على سطح الكرة الرضية موزعة حول مكة توزيعا‬
‫منتظما‪ .‬ووجد مكة في هذه الحالة هي مركز الرض اليابسة‪ .‬وأعد خريطة‬
‫العالم القديم قبل اكتشاف أمريكا وأستراليا وكرر المحاولة‪ ،‬فإذا به يكتشف‬
‫أن مكة هي أيضا مركز الرض اليابسة‪ ،‬حتى بالنسبة للعالم القديم يوم بدأت‬
‫الدعوة للسلم‪ .‬ويضيف العالم الدكتور حسين كمال الدين‪ :‬لقد بدأت بحثي‬
‫برسم خريطة تحسب أبعاد كل الماكن على الرض‪ ،‬عن مدينة مكة‪ ،‬ثم‬
‫وصلت بين خطوط الطول المتساوية لعرف كيف يكون إسقاط خطوط‬
‫الطول وخطوط العرض بالنسبة لمدينة مكة‪ ،‬وبعد ذلك رسمت حدود‬
‫القارات وباقي التفاصيل على هذه الشبكة من الخطوط‪ ،‬واحتاج المر إلى‬
‫إجراء عدد من المحاولت والعمليات الرياضية المعقدة بالستعانة بالحاسب‬
‫اللي لتحديد المسافات والنحرافات المطلوبة‪ ،‬وكذلك احتاج المر إلى‬
‫برنامج للحاسب اللي لرسم خطوط الطول وخطوط العرض لهذا لسقاط‬
‫الجديد‪ .‬وبالصدفة وحدها اكتشفت أنني أستطيع أن أرسم دائرة يكون‬
‫مركزها مدينة مكة وحدودها خارج القارات الرضية الست‪ ،‬ويكون محيط‬
‫هذه الدائرة يدور مع حدود القارات الخارجية‪ .‬مكة إذن‪ ،‬بتقدير الله‪ ،‬هي قلب‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرض‪ ،‬وهي بعض ما عبر عنه العلم في اكتشاف العلماء بأنه مركز التجمع‬
‫الشعاعي للتجاذب المغناطيسي"‪ .‬وقد سبق أن قال القرطبى‪ ،‬عند تفسيره‬
‫لقوله تعالى‪" :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا"‪ ،‬إن "الكعبة" تقع "وسط الرض"‪،‬‬
‫فعّلقت أنا على ذلك بأنه ل يوجد مكان على سطح الكرة الرضية يمكن أن‬
‫يقع فى وسطها لن الرض كرة‪ ،‬فوسطها إذن ل يكون إل فى داخلها‪ .‬ولو‬
‫ح فى هذه الحالة أن تحتل‬ ‫كانت الرض دائرة أو مستطيل أو مربعا مثل لص ّ‬
‫ما وأنها كرة فمركزها ل يمكن أن يقع على سطحها‬ ‫إحدى البنايات وسطها‪ ،‬أ ّ‬
‫بل فى بطنها )انظر كتابى‪" :‬من الطبرى إلى سيد قطب‪ -‬دراسات فى مناهج‬
‫فَهم‬
‫التفسير ومذاهبه"‪ /‬دار الفكر العربى‪1421 /‬هـ‪2000 -‬م‪ .(216 /‬لكن ي ُ ْ‬
‫من كلم الدكتور حسين كمال الدين أن كلمة "الوسط" )أو كما قال هو‪:‬‬
‫حْرفِّيتها‪ ،‬وعلى هذا فإنى أتراجع عن‬
‫خذ على َ‬‫"القلب"( ل ينبغى أن ت ُؤْ َ‬
‫اعتراضى على ما جاء فى تفسير القرطبى عن هذه القضية إذا صح ما قاله‬
‫الدكتور المذكور‪.‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫ونفس الشىء الذى قاله مخبولنا عن مكة نجده فى كلمه التالى عن يثرب‪،‬‬
‫إذ يقول‪Le mot medina (s'écrivant mdn) est un mot araméen syrien, et " :‬‬
‫‪." .signifie district, dans la région de Madian (s'écrivant aussi mdn) en Syrie‬‬
‫وكما قضى قضاءه المبرم فى أمر مكة فحكم عليها أن تكون شامية ل‬
‫دثة النشأة بعد السلم ل عريقة الجذور قبله‪ ،‬نراه هنا كذلك‬ ‫ح َ‬
‫م ْ‬
‫عربية‪ ،‬و ُ‬
‫صد ّ ول ي َُرد ّ بأن المدينة هى أيضا ذات أصل شامى‪ ،‬وأن‬ ‫يصدر حكمه الذى ل ي ُ َ‬
‫اسمها آرامى! ونفس الردود التى أوردناها عليه فى تخريفاته الرقيعة عن‬
‫مكة تكفى فى الرد على تخريفاته هنا التى ل تقل عنها رقاعة! ونزيد على‬
‫ذلك أن بطليموس وإسطفانوس البيزنطى قد كتبا عن المدينة وسمياها‪:‬‬
‫"يثرَبا‪ ،" Yathrippa:‬كما تشير إليها النقوش المعينية باسم "يثرب" )مادة"‬
‫‪ " Al- Madina‬فى "‪ .("Encyclopaedia of Islam The‬وبالضافة إلى هذا فإن‬
‫ثمة كتابات يهودية شامية من القرن الثالث قبل الميلد تتحدث عن وجود‬
‫يهود فى منطقة خيبر وما حولها‪ ،‬وإن أنكرت عليهم طريقة ممارستهم لدينهم‬
‫)إسرائيل ولفنسون‪ /‬تاريخ اليهود فى بلد العرب فى الجاهلية وصدر السلم‪/‬‬
‫لجنة التأليف والترجمة والنشر‪1927 /‬م‪ ،(13 /‬وهو ما يتسق مع ما يقوله‬
‫المسلمون عن وجود يهود قبل السلم فى تلك المناطق بما فيها يثرب‪،‬‬
‫هؤلء اليهود الذين لم يعد لهم أثر هناك بعد مجىء الدين الجديد‪ ،‬فما الذى‬
‫يدفع المسلمين يا ترى إلى القول بأنه كان هناك قبل السلم وجود لليهود‬
‫فى يثرب إذا لم يكن لهذه المدينة وجود فعلى حسبما تزعم تخريفات‬
‫سكى يتناول وجود اليهود‬ ‫زين ْ ِ‬
‫س ِ‬
‫الطبيب الفرنسى؟ وثمة كتاب للعالم الغربى ل ِ ْ‬
‫فى المدينة قبل الدعوة المحمدية اسمه‪ ."Die Juden zu Medina" :‬كما‬
‫يتحدث إسرائيل ولفنسون الباحث اليهودى فى كتابه السالف الذكر عن وجود‬
‫مورًِدا أقوال‬
‫اليهود فى يثرب وما حولها حديث الموقن تمام اليقان‪ُ ،‬‬
‫المستشرقين فى ذلك‪ ،‬ومستدل ّ من بعض أسماء القبائل والشخصيات‬
‫والماكن والحصون والبار اليهودية على سبيل المثال على أن ما يقوله‬
‫العرب عن هذا الموضوع صحيح )ص ‪ ،(...81 ،62 -61 ،17 -16‬فضل عن أنه‬
‫ل ينكر شيئا البتة مما تقوله المصادر السلمية عن الحوادث التى جرت هناك‬
‫بين النبى عليه الصلة والسلم وبين بنى إسرائيل عليهم اللعنة‪ .‬وما هذا‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ض من فَْيض!‬ ‫رغم ذلك كله‪ ،‬إل غَي ْ ٌ‬


‫ول يقف جنون الرجل الباذنجان عند هذا الحد‪ ،‬بل ينطلق كالثور الهائج ناطحا‬
‫بقرنيه العميين‪ ،‬أو دائسا بأظلفه الغبية‪ ،‬كل إناء زجاجى أو خزفى ثمين‪:‬‬
‫شْرك ِّية‪ ،‬إذ نحن )حسب‬
‫مي ًْنا‪ ،‬عقيدة ٌ ِ‬
‫فعقيدتنا فى الله‪ ،‬كما يزعم علينا كذًبا و َ‬
‫كلمه( نؤمن بالله‪ ،‬وهذا )بناًء على مفترياته( إله القمر‪ ،‬ونؤمن معه بالرحمن‪،‬‬
‫وهو )طبقا لما يقول( إله الصواعق ‪ ،‬كما نؤمن بإبليس‪ ،‬وإبليس )فى زعمه‬
‫الكاذب علينا( إله الجحيم‪ ،‬الجحيم الذى سيقذفه الله فيه بمشيئته تعالى‪.‬‬
‫وعندنا‪ ،‬فضل عن هذا‪ ،‬كثير من الخرافات كالجن والملئكة والشياطين‬
‫والعفاريت وغير ذلك من الوهام‪ ،‬علوة على الكعبة و"العذراء السوداء"‬
‫ود عيشته ويجعلها عيشة قطران!(‪ ،‬ثم هناك‬ ‫)يقصد الحجر السود‪ ،‬ربنا يس ّ‬
‫الحجار التى نستخدمها‪ ،‬كما يقول‪ ،‬فى المسجد وفى الطهارة‪ ،‬وكذلك‬
‫الصلوات التى نتقرب بها إلى الشمس قبل الشروق وبعده‪ ،‬وفوق ذلك‬
‫دم كُرًقى وتعاويذ َ للحماية من الشرور‪ .‬ثم ينبغى أل ننسى‬ ‫خ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ن‪ ،‬الذى ي ُ ْ‬
‫القرآ ُ‬
‫دا‪ ،‬ذلك الله الجديد الذى اخترعه السلم وجعله شريكا لله‪،‬‬ ‫ص محم ً‬ ‫بوجهٍ خا ّ‬
‫والذى ينظر إليه السلميون على أنه "النسان الكامل" الذى ينبغى احتذاؤه‪،‬‬
‫وبخاصة فى مجال الجرائم الدينية والعنف الذى يمارسونه ضد النساء وضد‬
‫من يفوقونهم تطورا بين البشر! وطبعا المقصود بالناس الذين يفوقون‬
‫المسلمين تطورا هو وأمثاله كما ل يخفى على حضرات القراء! ترى هل‬
‫من؟ أومثل‬ ‫مْز ِ‬
‫يحتاج السادة القراء إلى تعقيب من جانبى على هذا التخلف ال ُ‬
‫هذا المفكوكة صواميل عقله أكثر تطورا من أحد؟ إن الحمير ذاتها‪ ،‬وهى‬
‫مضرب المثل فى الغباء‪ ،‬لترفض أن تقاَرن بهذا المتخلف‪ ،‬ومعها كل الحق!‬
‫اللطف يا صاحب اللطف!‬

‫)‪(24 /‬‬

‫‪Une part du succès de l'islam, en dehors de la violence qui hébète les‬‬


‫‪méchants, vient du polythéisme islamique et des superstitions coraniques:‬‬
‫‪Allah le dieu de la lune, Al Rahman le dieu de la foudre, Satan le dieu des‬‬
‫‪enfers, Iblis le diable, les trois filles d'Allah (divinités d'origine sumérienne‬‬
‫‪puis syrienne), les djinns, les ogres, les anges, les démons, les ifrits, les‬‬
‫)‪malaks et autres fantasmes, la Kaaba (Cybèle), la Vierge Noire (météorite‬‬
‫‪et le culte des cailloux utilisés dans les mosquées ou aux toilettes. Et bien‬‬
‫‪sûr le culte solaire, avec la prière qu'on doit faire avant ou après le lever du‬‬
‫‪soleil, pour ne pas avouer le paganisme de cette pratique qui vient des‬‬
‫‪rédacteurs zoroastriens du Coran. Et le Coran, qui sert de fétiche et de‬‬
‫‪talisman dans les niaiseries populaires. Sans oublier le seul dieu iventé par‬‬
‫‪l'islam : Mahomet, le nouvel Associé d'Allah. Les islamistes le considèrent‬‬
‫‪comme un homme "parfait", et veulent donc l'imiter... surtout dans les‬‬
‫‪crimes rituels, les violences faites aux femmes et aux gens plus évolués‬‬
‫‪.qu'eux‬‬
‫ج ّ‬
‫ل؟‬ ‫ست ِن ْ ِ‬
‫أما القرآن‪ ،‬فما أدراك ما القرآن حسب ما يهرف به هذا الرجل ال ْ‬
‫القرآن عنده هو توراة يهود السامرة والناصرة‪ ،‬مضافا إليها عدد من القصص‬
‫الخرافية والخطاء التاريخية من هنا ومن ههنا على مدى بضعة قرون‪ ،‬وكان‬
‫فى بداية أمره مكتوبا بعدد من اللغات الجنبية كالرامية والحبشية والعبرية‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ http://www.balligho.com

‫ كتبه‬،‫والسريانية واللتينية والسلفية واليونانية والجريجورية ولغة الصابئة‬


‫ ثم لحق بهم‬،‫العشرات من اليهود المارقين والنصارى الريوسيين‬
‫ ثم دخل العرب على الخط فى آخر المطاف بعد القرن التاسع‬،‫الزرادشتيون‬
‫ت فى ذلك القرن ولم‬ ْ َ‫ التى كانت قد اخت ُرِع‬،‫الميلدى فترجموه إلى العربية‬
‫يكن لها وجود قبله! أية عبقرية هذه يا ربى؟ إن قائل هذا الكلم هو رجل قد‬
!‫فقد عقله تماما ولم يعد هناك أى أمل فى استرجاعه! إنه مجنون رسمى‬
‫ تمر هندى"! وعلى ذكر التمر الهندى أريد أن‬،‫ لبن‬،‫وكلمه عبارة عن "سمك‬
‫ "من‬:‫أنادى "بعزم ما بى" ) كما تقول الست بدارة السكندرانية فى أغنيتها‬
‫ يا من يحضر لى الن )لترويق البال الذى عكره أخونا‬:("‫فوق شواشى الذرة‬
ْ ‫المخبول( كوبا من عصير التمر الهندى الذى لم يكن ينقطع فى بيتى ثم تر‬
‫كنا‬
‫صنعه مع أشياء أخرى حلوة تحاشيا للصابة بالسكرى؟ كما قل ّْلنا الكل‬
‫ ليجىء هذا الرجل ويزيد الطين بلة بكلمه‬،‫منا أنفسنا من أطايب كثيرة‬ ْ ‫حَر‬
َ ‫و‬
ّ
‫ وسلط عليه مخبول مثله يزيده‬،‫ وأّرق نومه‬،‫ أمغص الله بطنه‬،‫الذى يمغص‬
،‫ وخّلك فى حالك‬،‫ ابعد عن السيرة النبوية‬،‫خبال على خبال! يا عم راكان‬
!"‫"الله يسوءك‬

(25 /)

Le Coran n'était au début que le Pentateuque des Juifs samaritains et


nazaréens de Syrie, puis on y a ajouté des légendes et des erreurs historiques
pendant encore cinq ou six siècles, la plupart du temps issues de romans
populaires antérieurs au cinquième siècle. Dès le cinquième siècle, des
guerriers arabes de Syrie se convertirent au judaïsme samaritain et
deviennent les Ismaélites, qui donneront plus tard "islam" (qui ne veut pas
dire soumission, mais ismaélite, car c'est ainsi qu'ils étaient appelés par les
chroniqueurs contemporains). Ce n'étaient pas des Bédoins, mais des soldats
professionnels de Syrie, au service des grandes puissances : Rome,
Constantinople et la Perse. Les rédacteurs des premiers corans ont été
plusieurs dizaines, d'abord des hérétiques juifs en Syrie (cinquième siècle),
puis des chrétiens arianistes à Damas (septième siècle), puis des scribes
zoroastriens à Bagdad et en Perse (huitième siècle), et ensuite des Arabes,
après le neuvième siècle, lors de la traduction du Coran en arabe. En dehors
des groupes des langues anciennes qui ont servi à rédiger les légendes
coraniques (akkadien, sumérien, phénicien, moabite, ugaritique, égyptien,
nabatéen, chaldéen) les textes des corans originels au cinquième et sixième
siècle sont en sabéen, abyssin, araméen, syriaque, hébreu, slavon, latin, grec,
géorgien... Le Coran, s'appuyant sur des mythes juifs sans fondements, est
entièrement faux historiquement et scientifiquement... On sait maintenant
que le Coran a été rédigé avec des textes datant d'avant le cinquième siècle,
quand des rabbins convertirent les soldats de Syrie à l'ismaléisme, une
hérésie judaïque qui deviendra l'islam après le neuvième siècle. Ce n'est que
bien plus tard que le Coran fut traduit en arabe, langue inventée au
neuvième siècle, ce qui en explique les incroyables falsifications et
absurdités. La lecture du Coran ne fut (partiellement) unifiée qu'après 935.

10
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪Heureusement, beaucoup de croyants sont capables d'interpréter le texte‬‬


‫‪.selon des conceptions modernes du Dieu, en écoutant leur coeur‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫ة والخطباءَ‬ ‫ف من سخفه الئم َ‬ ‫س طائ ٌ‬ ‫م ّ‬ ‫والرجل المسكين يأبى إل أن ي َ َ‬


‫ؤول بينهم وبين‬ ‫ح ُ‬‫المسلمين‪ ،‬فهو يتهمهم بالضحك على جماهير المسلمين وال ُ‬
‫التفكير وإعمال العقل حتى يظلوا منبعا ل يغيض لملء جيوبهم‪ ...‬إلى آخر‬
‫حك الثكلى‪ ،‬فالئمة الغَل ََبى مظلومون ظلم الحسن‬ ‫ض ِ‬
‫هذا الهراء الذى ي ُ ْ‬
‫والحسين‪ ،‬إذ هم ليسوا إل موظفين حكوميين مطحونين‪ .‬وهم‪ ،‬شأن أى‬
‫موظف حكومى )فى مصر وأمثالها من الدول السلمية الفقيرة على القل(‪،‬‬
‫ل يحتكمون بعد الخمسة أيام الولى من الشهر إل على الستر‪ ،‬إذ تصبح‬
‫جيوبهم التى يفترى عليها الخطل أنظف من الصينى بعد غسله! ول ينقصهم‬
‫إل أن يقفوا على النواصى يمدون أيديهم لسؤال اللئام من أمثال صاحبنا حتى‬
‫يستطيعوا أن يعيشوا‪ ،‬ومن هنا فإن كثيرا منهم ل يتورع عن الشتغال بأية‬
‫قاشا‬ ‫جارا‪ ،‬وذلك ن ّ‬ ‫صنعة بعد الظهر كى يمكنه الحياة‪ :‬فترى هذا سّباكا‪ ،‬وذاك ن ّ‬
‫كالمام جارنا فى القرية الذى اشتغل فى نقاشة بيتى هناك‪ ،‬ومعه إمام آخر‬
‫كان يعمل معه بمثابة صبى له رغم أنهما فى عمر واحد‪ ،‬ثم جاء منذ أربعة‬
‫سخ‬ ‫ص من متعاطى البانجو‪ ،‬فحطم البواب وخلع الكوالين وو ّ‬ ‫أشهر ولد ٌ ل ّ‬
‫الجدران وأفسد فى هزيع من الليل ما أنفق فيه إمامانا المسكينان اليام‬
‫والليالى والسابيع‪ .‬و"للسف" لم يستطع أن يسرق شيئا‪ ،‬بل أمسكت به‬
‫سَرق‪ ،‬وإل‬ ‫الشرطة وهو بالداخل‪ .‬وعلى كل حال لم يكن فى البيت شىء ي ُ ْ‬
‫فلماذا أنشئت المصارف إذا كان كل من معه قرشان يحّيرانه سوف يحتفظ‬
‫طاة؟ وبالمناسبة فهذا الولد اللص هو شاب‬ ‫س َ‬ ‫صوص وال ّ‬ ‫بهما فى البيت لل ّ ُ‬
‫أزهرى يمكن أن يكون إماما وخطيبا فى يوم من اليام‪ ،‬ولعله لهذا قد استبق‬
‫الحوادث فمد يده مبكرا للسؤال )ولكن على طريقته( كى يثبت لصاحبنا‬
‫ى أنا أيضا أن أشتغل‬ ‫الخطل أنه ل يفهم شيئا! ولو كانت القدار قد كتبت عل ّ‬
‫قاشا مثل ذينك المامين‪ ،‬ولكنت الن عاكفا‬ ‫إماما وخطيبا لكنت اشتغلت ن ّ‬
‫على صنفرة أحد الجدران فى بيت من بيوت القرية أو سحب سكينة معجون‬
‫فوقه أو إعطائه وجها ثالثا من الطلء‪ ،‬أو من يدرى فلربما كنت الليلة أقتحم‬
‫فضها" و"أجعلها على البلطة" انتقاما أوّل ً‬ ‫إحدى الشقق فى غيبة أصحابها و"أن ّ‬
‫مما فعله ببيتى الولد اللص‪ ،‬وثانيا كى أفرفش أنا وأولدى ونعيش‪ ،‬ونأكل‬
‫قراقيش‪ ،‬بدل من جلوسى أمام الحاسوب لكتابة هذا السخف الذى ل فائدة‬
‫ضى زوجتى التى كانت‬ ‫من ورائه ول عائدة سوى أنه يوهمنى بأهميتى وي ُْر ِ‬
‫تتطلع إلى القتران بأحد المؤلفين‪ ،‬وأنا رجل رهيف القلب ل أريد أن أبدد‬
‫ى مسيو راكان‬ ‫ق َ‬ ‫ش ِ‬‫أوهامها! إلهى‪ ،‬وأنت جاهى‪ ،‬أسألك باسمك العظم أن ت ُ ْ‬
‫وتكتب عليه أن يعمل فى وظيفة إمام وخطيب لدى وزارة الوقاف المصرية‬
‫ف عن‬ ‫حتى يعرف قرصة الجوع بعد "خمسة منه"‪ ،‬ويدرك أن الله حق‪ ،‬ويك ّ‬
‫الفتراء على خلق الله وعن توليف سخافاته التى تثير الشمئزاز‪ ،‬ولكن‬
‫جس السلم!‬ ‫بشرط أل يدخل السلم‪ ،‬وإل ن ّ‬
‫وأعتقد‪ ،‬بعد أن اط ّل َْعنا على عينة من هلوسات الرجل الهارب من وراء أسوار‬
‫الخانكة ويلزم إرجاعه إلى حيث كان‪ ،‬أننا لسنا بحاجة إلى الرد على هلوساته‬
‫الخرى التالية‪ ،‬فهو يقول مثل إن محمدا قد تم اختراعه فى نفس الوقت‬
‫رع‬‫رعت فيه الحاديث فى القرن التاسع الميلدى‪ ،‬أما القرآن فاخت ُ ِ‬ ‫التى اخت ُ ِ‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)حسب هَُرائه( بعد ذلك فى القرن الحادى عشر‪ ،‬وهو ما يفسر لنا‪ ،‬كما‬
‫يقول‪ ،‬الضافات والكشوط التى كان الكتبة يقومون بها فى مخطوطات ذلك‬
‫الكتاب طبقا لهواء المحاربين التى كانت تملى عليهم ما يكتبون أو يشطبون!‬
‫ثم يستمر فى اضطراباته العقلية مؤكدا أن محمدا قد صار الن شريكا لله‬
‫فى ألوهيته‪ ،‬بل إن هناك اتجاها عند المسلمين لحلله محله كما حدث فى‬
‫ى كما هى العادة‪،‬‬ ‫م‪ ،‬بناًء على مزاعمه‪ ،‬تأليه محمد وعل ّ‬ ‫الديان الخرى‪ .‬لقد ت ّ‬
‫دل النبى بالله بعد أن أصبح يتكلم باسمه! وبطبيعة الحال فل أظن أن‬ ‫واست ُب ْ ِ‬
‫د‪.‬‬
‫ج ّ‬
‫ثمة حاجة للرد على هذا الغثاء الذى ل يمكن أحدا أن يأخذه مأخذ ال ِ‬
‫وهأنذا أخّلى بين القراء وما قاله الرجل فى الصل الفرنسى لكلمه‪:‬‬
‫‪La vie de "Mahomet" fut inventée au neuvième siècle, en même temps que‬‬
‫‪les hadits. La mise en forme du Coran s'étant achevée bien après le onzième‬‬
‫‪siècle. Ce qui explique pourquoi les rédacteurs effaçaient et réécrivaient‬‬
‫‪directement sur les manuscrits, selon les exigences des guerriers qui leur‬‬
‫‪dictaient les sourates à inclure ou à effacer. Quant à l'idée coranique‬‬
‫‪qu'Allah efface ses propos pour les remplacer par d'autres, elle paraît, aux‬‬
‫‪yeux de beaucoup, éminemment profanatoire... Aujourd'hui, Mahomet est‬‬
‫‪devenu l'Associé d'Allah, et a, comme dans d'autres religions, tendance à le‬‬
‫‪remplacer. Mahomet et Ali, comme c'est la coutume, sont divinisés : le‬‬
‫‪.prophète, parlant au nom de Dieu, s'y substitue‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫ى‬‫ومما لسنا أيضا بحاجة إلى الرد عليه لوضوح سخفه قوله إن قبر المام عل ّ‬
‫شف إل بعد مقتله بخمسين عاما عندما لوحظ أن الكلب تتجنب مكان‬ ‫لم ي ُك ْت َ َ‬
‫ى بن الحسين‬ ‫دفنه احتراما لجثته كما تقول السطورة حسبما قال‪ ،‬وإن عل ّ‬
‫ابن المام على )يقصد الحسين بن على سبط النبى عليه رضوان الله( قد‬
‫ذ ُِبح وهو طفل رضيع‪ ،‬والسبب فى مقتله أنه كان هاجرّيا‪ ،‬أى من سللة هاجر‬
‫ى" كانت‬ ‫َ‬
‫مة التى تزوج بها إبراهيم عليه السلم(‪ ،‬وإن كلمة "هاجر ّ‬ ‫)ال َ‬
‫مستعملة على نطاق واسع للدللة على المسلمين حتى القرن العاشر‬
‫جرة"‪ ،‬أى انتقال النبى عليه السلم‬ ‫الميلدى‪ ،‬ثم تحولت فى الترجمة إلى "الهِ ْ‬
‫من مكة إلى المدينة‪ ،‬مثلما كانت كلمة "إسماعيلى" هى المستخدمة فى‬
‫البداية قبل أن تفسح المجال لكلمة "مسلم"‪ ،‬وإنه لو كانت جثة الحسين‬
‫مض‬ ‫ح ْ‬
‫ص النصارى لكانوا أخذوا عينة من ال َ‬ ‫الموجودة فى مسجده بالقاهرة تخ ّ‬
‫النووى والكربون ‪ 14‬الخاص بها ولحّللوها كى يتثّبتوا أنها ليست له‪ ،‬وبذلك‬
‫تنتهى خرافته!‬
‫أرايتم المدى الذى يمكن أن يصل إليه انفلت المخ واضطراب العقل‬
‫ى بن الحسين‪ ،‬وقد مات فى عمر‬ ‫وتشوش التفكير؟ فالحسين يصبح عل ّ‬
‫ون إلى القرن الذى ل أدرى كم‬ ‫م ْ‬
‫س ّ‬
‫الرضاع‪ ،‬والمسلمون كانوا ي ُ َ‬
‫بـ"السماعيليين" و"الهاجريين"! ما هذا الخبل العقلى؟ ثم فليكن رأس‬
‫مى باسمه فى القاهرة أو ل يكن‪ ،‬فماذا فى‬ ‫الحسين فعل فى المسجد المس ّ‬
‫ذلك؟ إن الرجل الفارغ يثير عراكا فى غير معترك‪ ،‬فرأس الحسين‪ ،‬رضى‬
‫الله عنه‪ ،‬أو رأس أى شخص آخر حتى لو كان نبيا من النبياء‪ ،‬ليست من‬
‫شعائر الدين فى قليل أو كثير‪ ،‬بل إن السلم )"السلم" ل المسلمين من‬
‫م ومتصوفة( ل يعترف بالضرحة ول يستريح للصلة فى مساجد يوجد‬ ‫عوا ّ‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيها ما ي ُعَْرف بـ"مقامات الولياء"‪ ،‬والوهابية مثل تتشدد فى هذا تشدًدا ل‬


‫ن زوبعة فى فنجان! ومع ذلك فيا‬ ‫يعرف الهوادة! وهكذا نرى أن سيادته يش ّ‬
‫ليت الدولة تعمل على تخليص المساجد من هذه المشاهد بحيث تكون‬
‫خالصة لوجه الله ل تشوبها أية شائبة من تعظيم البشر تعظيما يتنافى مع‬
‫اليمان بالله‪ .‬وينبغى أل نتحجج بمراعاة مشاعر العامة واعتقاداتهم‪ ،‬فما‬
‫م وتطهيره من هذه الدران‪ .‬وقد نجح‬ ‫جاءت الديان إل للرتفاع بفكر العوا ّ‬
‫فريق من الشباب فى قريتى فى ثمانينات القرن البائد فى نقل رفات من‬
‫ي ُط َْلق عليهم‪" :‬الولياء" من كل مساجد القرية إلى الجبانة العامة دون أن‬
‫در واحد مثلى‪ ،‬إذ‬ ‫تحدث أية مشاكل أو تثور أية اعتراضات‪ ،‬على عكس ما ق ّ‬
‫َ‬
‫ت هؤلء الشبان أنهم أبعد نظرا منى وأصلب‬ ‫خشيت أن يهيج أهل القرية‪ ،‬فأث ْب َ َ‬
‫عزيمة ومضاء! على أية حال هذا نص ما قاله الرجل بالفرنسية‪ ،‬أسوقه دون‬
‫تعليق كما وعدت‪:‬‬
‫‪Concernant les objets ayant appartenu à Mahomet, c'est la même chose que‬‬
‫‪le tombeau d'Ali découvert cent cinquante ans après sa mort, parce que des‬‬
‫‪chiens évitaient respectueusement un monticule de terre : de la légende. De‬‬
‫‪même dans une mosquée en Egypte, on trouve la tête d'Ali Hussein, fils‬‬
‫‪d'Ali, égorgé bébé uniquement parce qu'il était agarène, c'est-à-dire‬‬
‫‪descendant d'Agar, prétendue esclave d'Abraham. Cette tête fut retrouvée‬‬
‫‪cinq siècles après sa mort. Des tests ADN et au carbone 14 anéantiraient ce‬‬
‫‪culte imité des chrétiens, mais l'islam ne peut se passer dixième siècle. Le‬‬
‫‪mot ismaélite (descendant d'Ismaël, fils d'Agar) fut traduit en arabe par‬‬
‫‪musulman (soumis), le mot agarène (descendant d'Agar) étant traduit par‬‬
‫‪.hégire, en inventant la fiction de la fuite à Médine‬‬

‫)‪(28 /‬‬

‫وما قلناه عن رأس الحسين نسوقه تعليقا على ما يقوله بعض المسلمين عن‬
‫مخلفات أثرية يقولون إنها للنبى عليه السلم مما يجادل فيه صاحبنا ويحاول‬
‫أن يجعل من حبته قبة ترتفع فى أجواز الفضاء وتمل الفاق‪ ،‬فمثل هذه‬
‫خر قيد أنملة‪ ،‬فالمهم أن النبى صلى‬ ‫دم فى ميزان الدين ول تؤ ّ‬ ‫الشياء ل تق ّ‬
‫در بأثمان‪ ،‬هو القرآن‬ ‫الله عليه وسلم قد ترك لنا ميراثا روحيا عظيما ل يق ّ‬
‫الكريم والسنة النبوية المشرفة والسيرة العطرة التى ترينا كيف يكون‬
‫ق‪ ،‬وكيف يثق النسان فى موله وفى القدرات التى منحه‬ ‫الرجال رجال بح ّ‬
‫إياه فينجز جلئل العمال وي َد َْفع بأحداث التاريخ فى التجاه الذى يريده ربه‬
‫سبحانه ول يقعد ك َل ّ عاجزا تحت رحمة العداء يسومونه الخسف والهوان‬
‫ف‬‫ويدمرون بلده ويقتلون أهله ويغتصبون نساءه وينهبون ثرواته وهو مكت ٍ‬
‫ديه كالوَل ََيا‪ ،‬وأقصى ما يشغله هو الجدل الشيطانى حول‬ ‫بوضع يديه على خ ّ‬
‫ما ينهض به أبطال المقاومة‪ :‬أهو انتحار يدخل صاحبه بسببه النار‪ ،‬أم‬
‫ط له حينئذٍ‬‫استشهاد يضمن به الشهيد مقعد صدق عند مليك مقتدر؟ لين ّ‬
‫شياطين الفتاوى الجرامية مثل فرافيرو العجيب‪ ،‬لعنهم الله لعنا كبيرا‪،‬‬
‫ساح خالًيا أمام الصهاينة‬ ‫فيحاولوا أن يثبطوا عزائم المقاومين حتى يتركوا ال ّ‬
‫ورعاة البقر الملعين ليفعلوا بنا وببناتنا وُدورنا وأموالنا ومؤسساتنا وبنا نحن‬
‫مهَّزئين واسأل نفسك‬ ‫فِتين ال ُ‬
‫م ْ‬
‫ك من هؤلء ال ُ‬ ‫أنفسنا ما يشاؤون! يا أخى‪ ،‬د َعْ َ‬
‫صِغ لصوت ضميرك‪ :‬أهذا الذى يفعله هؤلء المغاوير من دفاع عن الوطن‬ ‫َ‬
‫وأ ْ‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والدين والعِْرض والمال والحاضر والمستقبل والهل والذرية وعنى وعنك‪،‬‬


‫وعن كل الناس من حولنا ممن ل يشاركونهم بطولتهم‪ ،‬بل حتى عن هؤلء‬
‫المفتين أنفسهم وأولدهم ونسائهم )هذا إن كانت عندهم غيرة على‬
‫أعراضهم‪ ،‬ول إخال(‪ ،‬هل هذا مما يمكن أن يجلب على أبطال الوطنية‬
‫والسلم والكرامة والنبل والفداء غضب الله وسخطه؟ فما الذى يمكن أن‬
‫ه إذن عّنا؟ النبطاح أمام هؤلء المغول المتوحشين وتعرية‬ ‫ى الل َ‬‫ض َ‬ ‫ي ُْر ِ‬
‫السوءات‪ ،‬ثم أنت تعرف الباقى الذى يريده منا المريكان والصهاينة؟ لقد‬
‫كانوا يظنون أن نساء المسلمين فى العراق سوف يخرجن لستقبالهم ببدل‬
‫سا يقول إن‬ ‫ما مدل ّ ً‬‫دم أن تجد مفتيا مجر ً‬ ‫الرقص الشرقى! وطبعا لن ت َعْ َ‬
‫الرقص الشرقى فى هذه الحالة أهون شّرا من إزهاق الروح التى يهتز لها‬
‫عرش الرحمن‪ :‬روح المريكى بطبيعة الحال! أما أرواح المسلمين التى‬
‫ت بمئات اللف فل تهتز لها ول حتى أرداف أولئك المدّلسين! يا أخى‪،‬‬ ‫ق ْ‬ ‫أ ُْزهِ َ‬
‫ل على الطلق!‬ ‫ل هُُزء‪ ،‬بل هؤلء أشباه رجال‪ ،‬بل إنهم ليسوا برجا ٍ‬ ‫هؤلء رجا ٌ‬
‫والله لو كان هؤلء البطال كفارا لما كان لهم عندنا غير العجاب بهم‬
‫وبرجولتهم‪ .‬يا أخى‪ ،‬إن الرجولة والبطولة من شأنها أن تثير الحترام أّيا كان‬
‫صاحبها‪ ،‬فما بالنا إذا كان هؤلء البطال الرجال ممن يقول‪ :‬أشهد أل إله إل‬
‫الله‪ ،‬وأشهد أن محمدا رسول الله )وهذا الجزء الخير من الشهادة‪ ،‬بل فى‬
‫الحقيقة‪ :‬الجزء الول والخير معا‪ ،‬يجّنن أمثال رشاد خليفة رسول الميثاق‬
‫الفاق‪ ،‬وأحمد صبحى منصور‪ ،‬المفكر النحرور )بدل من "النحرير" نزول على‬
‫فُتون المدّلسون‪ :‬المدنيين!‬ ‫م ْ‬
‫حكم السجعة(! يقول المريكان والصهاينة وال ُ‬
‫ة بلَدنا‬
‫ن ويا صهاين ُ‬ ‫المدنيين! ونحن نقول أيضا‪ :‬المدنيين! فاتركوا يا أمريكا ُ‬
‫ّ‬
‫كلها ومدنّيينا يترك أبطالنا مدنّييكم! أما بلدكم فنحن لم نحتلها ولم نفكر فى‬
‫العتداء عليها‪ ،‬بل أنتم الذين أتيتم إلينا ورّوعتمونا ودمرتم أوطاننا وقتلتم‬
‫مئات اللوف منا وعثتم فسادا فى ديارنا بعدما سبقكم إلى هذا الجرام‬
‫أشباهكم من إنجليز وفرنسيين وطليان وإسبان وفعلوا بنا الفاعيل على مدى‬
‫ما متصل ً رغم الضحك الذى‬ ‫عشرات السنين حتى مّرروا حياتنا وجعلوها غ ّ‬
‫نضحكه من خارج قلوبنا‪ ،‬كما أفقدونا ثقتنا فى أنفسنا وفى ديننا وفى قدراتنا‬
‫ح عَِبيد‪ ،‬وأتيتم أنتم بسلمتكم لتكملوا المهمة‪،‬‬ ‫وهوا أرواحنا فصارت أروا َ‬ ‫وش ّ‬
‫وكأنها ناقصة أمثالكم‪ ،‬لعنة الله عليكم وعلى يوم ٍ رأينا فيه وجوهكم‪ ،‬وجوه‬
‫الشياطين وعتاة المجرمين! نكرر الكلم مرة أخرى‪ :‬إنهم يقولون‪ :‬المدنيين!‬
‫ة بلَدنا‬‫ن ويا صهاين ُ‬ ‫المدنيين! ونحن أيضا نقول‪ :‬المدنيين! فاتركوا يا أمريكا ُ‬
‫ة‬
‫ت ماسخ ٍ‬ ‫ومدنيينا يترك أبطالنا مدنييكم! هكذا ببساطة متناهية‪ ،‬ودون حذلقا ٍ‬
‫وفتاَوى مأبونةٍ عاهرة!‬

‫)‪(29 /‬‬

‫وعودةً إلى ما قاله الطبيب الفرنسى عن مخّلفات النبى عليه الصلة‬


‫ة‪ ،‬نؤكد أن مثل هذه الشياء ل‬ ‫ة كانت هذه المخّلفات أو م ّ‬
‫دعا ً‬ ‫والسلم‪ ،‬حقيقي ً‬
‫علقة لها بالدين‪ ،‬الذى هو فى الحقيقة عقيدة وأخلق وسلوك مستقيم كريم‬
‫قاب‬‫وعقل يسعى وراء المعرفة فى نهم ونشوة وعزيمة جبارة تذّلل العِ َ‬
‫جد ّ ما يقول جنابه‬ ‫قق أصعب الّر َ‬
‫غاب‪ .‬وعلى هذا فإننا ل نأخذ مأخذ ال ِ‬ ‫وتح ّ‬
‫العالى )أو الواطى بالحرى( إنهم قد طالبوا السلطات التركية به من فحص‬
‫ما عندها من أشياء يقال صدقا أو كذبا إنها تخص النبى عليه السلم‪ .‬ذلك أن‬
‫المر ل يستحق كل هذا الضجيج‪ ،‬لنه حتى لو تبّين أن هذه الشياء ل تخص‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مير‪ .‬أما الحاديث التى‬ ‫قيرٍ أو قِط ْ ِ‬ ‫النبى فلن تؤثر فى إيمان المؤمن ب َ‬
‫شْرَوى ن َ ِ‬
‫ت للستعانة بها على بسط النفوذ والسيطرة على‬ ‫يزعم أنها إنما اخت ُرِعَ ْ‬
‫الجماهير‪ ،‬فمن الواضح أنه ل يفقه شيئا عن طبيعة تلك الحاديث‪ ،‬إذ هى‬
‫تدعو إلى اليمان بالله وتوحيده واليقين بأن هناك ثوابا وعقابا على ما‬
‫يجترحه البشر أو يهملون أداءه من أعمال‪ ،‬مثلما تنادى بمكارم الخلق‬
‫والتمسك بالعزة والشرف والرفق فى كل المور والحنوّ على الضعفاء‬
‫والمسحوقين والتعاون مع الخرين والبشاشة فى وجوههم والمحافظة على‬
‫صلة الرحام والحتفاظ دائما بباب المل مفتوحا واتخاذ العمل وإتقانه مبدأ‬
‫أساسيا فى الحياة‪ ،‬وإلى تسهيل شؤون الزواج والستر على الضعف النسانى‬
‫ما أمكن إل إذا أدى إلى ضياع الحقوق‪ ،‬كما تحض على الشورى والعلم‬
‫مّرا وحتى لو أخطأ‬ ‫والتفكير والجتهاد فى سبيل بلوغ الحق حتى لو كان ُ‬
‫المجتهد الطريق ما دام لم يدخر فى اجتهاده وسعا أو إخلصا‪ ،‬ومن ناحية‬
‫أخرى نراها تحذر من النفاق والتفريط فى الكرامة والنسياق وراء الجموع‬
‫دون تفكير والسكوت على الباطل والرضا بالدنّية‪ ،‬وتأبى على المسلم أن‬
‫يستنيم لظلم الحاكم ما كان فى مستطاعه أن يقاومه ويغير ظلمه‪ ،‬أو أن‬
‫عْرضه ورزقه‬ ‫يفرط فى استقلل وطنه‪ ،‬بل توجب عليه أن يهب للدفاع عن ِ‬
‫وداره وأن يحيل حياة المعتدين إلى جحيم عاجل فى الدنيا قبل أن يذوقوا‬
‫جحيم الخرة التى فى نهاية المطاف‪ ...‬وبالمناسبة فمن حق العلماء‬
‫هلين أن ينظروا فى الحاديث ويمحصوها بغية الستزادة من الستيثاق‬ ‫المؤ ّ‬
‫مًيا وب ُك ْ ً‬
‫ما‬ ‫ما وعُ ْ‬
‫ص ّ‬
‫والتعمق فى الفهم‪ ،‬وليس مطلوبا منهم أن يخّروا عليها ُ‬
‫رع‬ ‫خت ُ ِ‬
‫صم بأنه إنما ا ْ‬ ‫دون بحث أو تدقيق‪ .‬فأى شىء فى هذا يمكن أن ُيو َ‬
‫للضحك على أذقان الجماهير؟‬
‫‪Concernant les reliques de Mahomet, comme les hadiths, elles ont été‬‬
‫‪inventées pour se donner du pouvoir et du prestige, et en imposer aux foules.‬‬
‫‪Les marchands vendent ce qu'on leur demande, et quoi de plus rentable que‬‬
‫‪de fournir des objets ayant appartenu à un soi-disant prophète ? On peut‬‬
‫‪émettre l'hypothèse que les "objets ayant appartenu à Mahomet, sa dent et‬‬
‫‪des cheveux" ne datent pas du septième siècle, quand le calife Omar inventa‬‬
‫‪le personnage de Mahomet, mais probablement du huitième ou neuvième‬‬
‫‪siècle, quand sa légende fut fabriquée à partir de nombreux textes de‬‬
‫‪provenances diverses. Mais on peut parier que la Turquie, surtout avec la‬‬
‫‪régression islamiste actuelle, refuserait de faire expertiser, par un collège‬‬
‫‪international d'archéologues spécialisés, avec diffusion 24/24 par webcam‬‬
‫‪sur internet, ces reliques, sous prétexte qu'elles sont "sacrées", comme le‬‬
‫‪.tombeau du "prophète" et le tombeau d'Ali‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫وأخيرا ل بد من كلمة توضيحية‪ :‬فالرجل‪ ،‬كما هو ظاهر من كلمه‪ ،‬ثائر على‬


‫الديان كلها‪ ،‬إل أننى ركزت ردى على ما يخص السلم فى ذلك الكلم‪ .‬وقبل‬
‫أن أترك القلم )آسف‪ :‬قبل أن أترك لوحة أصابع الحاسوب( أحب أن أقول‬
‫كلمة فيما اّدعاه من أن الديان إنما تقوم على الصراع‪ :‬الصراع بين الله‬
‫والنسان‪ ،‬والصراع بين الرجل والمرأة‪ ،‬والصراع بين البشر والحيوان‪،‬‬
‫والصراع بين الب والبن‪ ،‬والصراع بين شعب من الشعوب وسائر الشعوب‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخرى‪Le mécanisme psychologique du prophétisme est le conflit: Dieu" :‬‬


‫‪contre l'humanité, l'homme contre la femme, les humains contre les‬‬
‫‪animaux, le père contre son fils, et un peuple contre tous les autres peuples‬‬
‫كز رّدى هنا أيضا على ما فى السلم من قيم ومبادئ‬ ‫"‪ .‬وبالطبع سوف أر ّ‬
‫تناقض ما قاله على خط مستقيم‪ :‬فالله هو الخالق الرازق الرحيم الكريم‬
‫زى على الحسنة بعشر أمثالها إلى مائة ضعف‬ ‫ج ِ‬
‫الودود الغفار التواب الذى ي َ ْ‬
‫فسبعمائة‪ ،‬على حين ل يجاِزى على السيئة‪ ،‬إن جاَزى‪ ،‬إل بمثلها‪ ،‬وكثيرا ما‬
‫يغفرها بل يغفر الذنوب جميعا‪ ،‬وليس فى عقيدتنا صراع بينه وبين عباده على‬
‫أى نحو‪ ،‬ومن الواضح أن الغبى قد خلط هنا بين توحيد المسلمين ووثنية‬
‫الغريق‪ .‬وقد كان للملئكة موقف رافض من خلق النسان‪ ،‬إل أن الله قد‬
‫بّين لهم أن باستطاعة آدم أن يتعلم الجديد دائما فتزداد معرفته باستمرار‪،‬‬
‫خِلقوا له منذ البداية‪،‬‬ ‫بخلفهم هم‪ ،‬إذ ل يمكنهم تعلم أى شىء آخر غير ما ُ‬
‫عا بين‬ ‫فهل فى شىء من هذا ما يمكن اتخاذه ذريعة للزعم بأن هناك صرا ً‬
‫خِلقا‪ ،‬كما يقول‬ ‫الله والنسان فى السلم؟ أما بالنسبة للرجل والمرأة فقد ُ‬
‫س واحدة‪ ،‬فالنساء شقائق الرجال حسبما جاء فى كلم النبى‬ ‫ف ٍ‬
‫القرآن‪ ،‬من ن َ ْ‬
‫محمد عليه السلم‪ ،‬والله سبحانه قد خلق الرجال والنساء من نفس واحدة‬
‫ليسكنوا إليهن وجعل بينهم وبينهن مودة ورحمة طبقا لما جاء فى الية‬
‫الحادية والعشرين من سورة "الروم"‪ .‬ونصل إلى العلقة التى ينبغى أن‬
‫تسود فى السلم بين الب والبن‪ :‬فالب مأمور أن يكون عطوفا وشفوقا‬
‫على ابنه وأن يحسن تربيته وتعليمه‪ ،‬والبن مأمور باحترام والده والقيام‬
‫وزا وأن يخفض له جناح الذل من الرحمة وأن يحفظ له‬ ‫معْ ِ‬
‫بحاجاته إذا كان ُ‬
‫الجميل وأن يدعو له بالمغفرة‪ .‬أما الحيوانات فالرفق بها فى السلم واجب‬
‫دينى‪ ،‬وقد دخلت امرأة النار فى هرة حبستها حتى ماتت‪ ،‬فلم تطعمها ولم‬
‫س‬
‫تطلقها تبحث عن رزقها بنفسها فى أرض الله الواسعة‪ ،‬ودخلت موم ٌ‬
‫فها ماًء من البئر وسقته من الظمإ‬ ‫خ ّ‬
‫الجنة لنها عطفت على كلب وملت ُ‬
‫الذى كان يعذبه‪ .‬وتبقى العلقة بين الشعوب كما يريدها السلم‪ ،‬ويكفى فى‬
‫تصويرها أن نسوق الية ‪ 13‬من "الحجرات" التى يقول فيها مولنا سبحانه‬
‫وتعالى‪" :‬يا أيها الناس‪ ،‬إّنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى‪ ،‬وجعلناكم شعوًبا وقبائلَ‬
‫ل ِت ََعارفوا‪ .‬إن أكرمكم عند الله أتقاكم"‪ .‬إن ما فى القرآن شىء‪ ،‬وما فى‬
‫الكتاب المقدس عن هذه الموضوعات شىء آخر‪ ،‬وكان ينبغى على الحمق‬
‫أل يخلط بين هذا وذاك ول يتوهم أن القرآن يمكن أن يقول شيئا يشبه ما‬
‫كتبه مؤلف سفر "التكوين" مثل عن شجرة الحياة التى نهى الله سبحانه آدم‬
‫وحواء عن الكل منها حتى ل يصيرا عارفَْين بالخير والشر كمعرفة الله لهما‪،‬‬
‫لكن الحّية استطاعت أن ت ُغْوِىَ أبوينا بعصيان النهى اللهى‪ ،‬فأكل من الشجرة‬
‫مثيَرْين بذلك حقده سبحانه عليهما وخشيته من أن ينازعاه ألوهيته‪" :‬قالت‬
‫الحية للمرأة‪ :‬لن تموتا‪ ،‬بل الله عالم أنه يوم تأكلن منه تنفتح أعينكما‬
‫وتكونان كالله عارفَْين الخير والشر* فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للكل‬
‫وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر‪ ،‬فأخذت من ثمرها وأكلت‬
‫وأعطت رجلها أيضا معها فأكل*‪ *...‬وقال )أى الرب( للمرأة‪ :‬تكثيًرا أ ُك َّثر‬
‫سود‬ ‫ك‪ ،‬وهو ي َ ُ‬ ‫ك يكون اشتياق ِ‬ ‫جل ِ ِ‬
‫أتعاب حبلك‪ .‬بالوجه تلدين أولدا‪ ،‬وإلى َر ُ‬
‫ك*‪ *...‬وقال الرب‪ :‬هو ذا النسان قد صار كواحد ٍ منا عارفا الخير والشر‪.‬‬ ‫علي ِ‬
‫والن لعله يمد يده ويأخذ من ثمرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى البد*‬
‫خذ منها" )الصحاح ‪3‬‬ ‫فأخرجه الرب الله من جنة عدن ليعمل الرض التى أ ُ ِ‬
‫كله(‪ ،‬أو هذا الكلم الذى ينبئ عن نقمة الله وخوفه من بنى آدم حين رآهم‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وا مدينة وبرجا فقال‪" :‬هو ذا شعب واحد‪ ،‬ولسان واحد لجميعهم‪ ،‬وهذا‬ ‫قد ب َن َ ْ‬
‫ابتداؤهم بالعمل‪ .‬والن ل يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه* هلم ننزل‬
‫ونبلبل هناك لسانهم حتى ل يسمع بعضهم لسان بعض" )‪ .(9 -1 /10‬وبهذا‬
‫نصل إلى نهاية الطريق‪ ،‬فأترككم أيها القراء الكرام فى رعاية الله وحفظه!‬

‫)‪(31 /‬‬
‫ه حزنا ً‬
‫خذ ْهُ ومثل َ ُ‬
‫ُ‬
‫محمد بن إبراهيم الحمد ‪7/8/1427‬‬
‫‪31/08/2006‬‬
‫عنوان هذا المقال مأخوذ من كلمة للمام سفيان الثوري ت ‪- 161‬رحمه‬
‫الله‪.-‬‬
‫ً‬ ‫والكلمة بتمامها‪" :‬ما أعطي رج ٌ‬
‫ل من الدنيا شيئا إل قيل له‪ :‬خ ْ‬
‫ذه ومثله‬
‫حزنًا"‪.‬‬
‫فهذه الكلمة ‪-‬على وجازتها‪ -‬من هذا المام الكبير المتبوع تحمل في طياتها‬
‫ة بالغة‪ ،‬ولو تدبرها النسان لوجد مصداقها لئحا ً في واقع الحياة؛ فما‬ ‫حكم ً‬
‫الذي يتمناه الناس كلهم؟ إنهم يتمنون السعادة؛ فالعالم بأسره مؤمنه‬
‫وكافره‪ ،‬بره وفاجره يبتغي السعادة‪ ،‬ويروم طرد الهم والقلق‪.‬‬
‫وما السعادة عند أكثر من في الرض؟ إنها سعادة المال‪ ،‬والجاه‪ ،‬والشهرة؛‬
‫فل سعادة عندهم إل سعادة المشاهير من أهل الفن‪ ،‬والمال‪ ،‬والرياضة‪،‬‬
‫والوجاهة‪ ،‬والرياسة وغير ذلك من المور التي تأخذ باللباب‪.‬‬
‫ول يعرفون السعادة إل بإطلق الشهوات‪ ،‬والتمتع بسائر الملذات‪ ،‬وإذا فاتهم‬
‫ذلك قالوا‪ :‬على الدنيا العفاء‪.‬‬
‫فهل تلك النظرة صائبة؟ وهل أهل الفن‪ ،‬والمال‪ ،‬والرياضة‪ ،‬والوجاهة‪،‬‬
‫والرياسة سعداء حقًا؟ وهل المجتمعات التي أطلقت لنفسها الشهوات‪،‬‬
‫وتمتعت بسائر الملذات سعيدة حقًا؟ إنك لو تدبرت أحوال أولئك‪ ،‬واستمعت‬
‫إلى أقوالهم لدركت صحة قول سفيان –رحمه الله‪.-‬‬
‫وإليك نبذة عن أحوال وأقوال أولئك الذين ُيظن أنهم أسعد الناس‪:‬‬
‫ها هو الملك حسين بن طلل الذي ترّبع على عرش الردن مدة تزيد عن‬
‫خمس وأربعين سنة‪ ،‬قضى معظمها في ريعان شبابه؛ إذ تولى الملك وعمره‬
‫ست عشرة سنة‪ ،‬وتوفي في الثالثة والستين من عمره بعد صراع مرير مع‬
‫مرض السرطان‪ ،‬ها هو يقول في الفصل الخير من كتابه "مهنتي كملك"‬
‫الذي روى فيه ذكرياته‪ ،‬والحداث التي مرت به في حياته حتى مرحلة‬
‫السبعينيات الميلدية‪:‬‬
‫"إنني أعتقد بأن من العسير جدا ً إدراك السعادة في هذه الدنيا سواء كان‬
‫المرء ملكا ً أم إنسانا ً عاديًا؛ ما هي السعادة بالنسبة للغلبية العظمى من‬
‫الناس؟ إنها الحصول على عمل مغرٍ ممتع‪ ،‬وعلى راتب جيد‪ ،‬وأسرة لطيفة‬
‫تستعذبها النفس‪ ،‬والقيام بالرحلت من وقت إلى آخر‪ ،‬وأن يكون للمرء بعض‬
‫الصدقاء‪ ،‬وأن يساعد الناس‪ ،‬ويساعدوه‪.‬‬
‫لقد نلت كل ذلك‪ ،‬وما زال كل ذلك في متناول يدي‪ ،‬ولكن هل يعني هذا حقا ً‬
‫أنني سعيد؟‬
‫ل أعتقد ذلك‪ ،‬نعم لقد كانت حياتي خصبة مليئة‪-‬كما قلت‪-‬ولربما لم يعرف‬
‫مثلها إل القليل من الناس‪ ،‬لقد عرفت السراء والضراء‪ ،‬ولعل الضراء رجحت‬
‫على السراء‪ ،‬وعانيت لحظات في غاية الشدة‪ ،‬ومرت بي فترات في أقصى‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫درجات الضيق‪ ،‬ومّرت بي أوقات كنت أشعر فيها بأنني في منتهى العزلة‪،‬‬
‫وعرفت الحداد والحزان‪ ،‬والنادر من الفرح‪ ،‬والقليل من السعادة‪ ،‬لقد‬
‫عرفت كل ما يمكن أن يعرفه كائن بشري‪ :‬الجوع‪ ،‬والعطش‪ ،‬والذلل‪،‬‬
‫والهزيمة‪ ،‬والنادر من اليسار والبحبوحة‪ ،‬والقليل من السلم والراحة‬
‫والبتهاج"‪.‬‬
‫إلى أن قال‪" :‬إن حياتي الخاصة والعائلية غير منظمة؛ فأعباء الدولة تحول‬
‫بيني وبين أن أكون لهذه الكائنات النسانية العزيزة الغالية بالقدر الذي أرغب‬
‫وأتوق إليه‪ ،‬وطالما اضطررت أن أخيب آمالهم في الوقت الذي ينتظرونني‬
‫فيه؛ لتناول طعام الغداء معي‪ ،‬فأحتبس نفسي مع زائر أجنبي‪ ،‬أو سياسي‬
‫أردني‪ ،‬ثم في حوالي الساعة الرابعة أو الخامسة بعد الظهر أطلب إحضار‬
‫بعض الشطائر لكلها وأنا منهمك في عملي‪.‬‬
‫أما في المساء فإنني أغادر مائدة العمل في الساعة الثامنة أو التاسعة‪،‬‬
‫ويكون أولدي عندها قد استسلموا إلى الرقاد‪ ،‬وتبقى في انتظاري زوجتي‬
‫وأولدي ليمنحوني الحرارة التي افتقدتها‪ ،‬والتي أشعر بأنني في مسيس‬
‫الحاجة إليها"‪.‬‬
‫معلى من الشهرة‬ ‫ّ‬ ‫ح ال ُ‬
‫قد ْ ُ‬ ‫ً‬
‫ثم إن نجوم الرياضة ‪-‬وخصوصا كرة القدم‪ -‬لهم ال ِ‬
‫وب ُْعد الصيت في هذا العصر‪.‬‬
‫وكثير من الناس يظن أن نجوم الرياضة أسعد الناس؛ لما ينعمون به من‬
‫الشهرة‪ ،‬وحب الجماهير‪ ،‬وربما طغيان الغنى‪.‬‬
‫صَرة ُ تقول غير هذا؛ فلو كشفت عن سالفة هؤلء‪ ،‬وتبينت‬ ‫مب ْ َ‬
‫والحقيقة ال ُ‬
‫حقيقة أمرهم ‪ -‬لعلمت أنهم في وادٍ والسعادة الحقة في واد؛ ولدركت أن ما‬
‫هم فيه من إظهار للسرور والبهجة أنها سعادة عابرة مؤقتة تخفي وراءها‬
‫اللم‪ ،‬والمتاعب والتراح؛ ذلك أن اللعب ينتقل من معسكر إلى معسكر‪،‬‬
‫ومن استعداد لمباراة إلى استعداد لخرى‪ ،‬ومن سفر إلى بلد إلى سفر آخر‪.‬‬
‫وهذه إصابة تقض مضجعه وتؤرق جفنه‪ ،‬وتلك صحافة تقذع في نقده‪ ،‬وتبالغ‬
‫في سّبه‪ ،‬أو التعريض به‪ ،‬وهذه اضطرابات تصيبه قبل كل مباراة‪ ،‬وتلك كآبة‬
‫تخيم عليه عند كل هزيمة‪ ،‬وذلك جمهور ل يرحمه إذا لم يقم بدوره كما‬
‫دة يكيدون له‪ ،‬ويترّبصون به الدوائر‪ ،‬وذاك خوف وقلق من‬ ‫س َ‬
‫ينبغي‪ ،‬وهؤلء ح َ‬
‫فقدان مكانته‪.‬‬
‫ثم ما حال ذلك النجم اللمع إذا انخفض مستواه‪ ،‬وما حاله إذا اعتزل أو‬
‫اضطر إلى ذلك؟‬
‫إنه يلقي كل كنود وجحود حتى من أقرب القربين إليه‪.‬‬
‫ثم كم ُيحرم من النس بأهله؟ وكم ُيحرم أهله منه؟‬
‫إذا ً فليست السعادة عند هؤلء‪ ،‬وإن تظاهروا بها‪ ،‬وظن بعض الناس أنهم‬
‫أحقّ الناس وأهُلها‪ ،‬وإن كانوا ‪-‬أيضًا‪ -‬متفاوتين في الشقاء وقلة السعادة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وها هي مارلين مونرو ممثلة الغراء المريكية التي ُتعد ّ أشهر ممثلة في‬
‫تاريخ هوليود‪ ،‬والتي يقولون عنها‪ :‬إنها "أسطورة هوليود التي ل يخبو نورها‪،‬‬
‫ول ينطفئ وهجها‪ ،‬ول ينقطع الحديث عنها"‪.‬‬
‫هذه المرأة تركت الدنيا في الخامس من أغسطس عام ‪1962‬م في ظروف‬
‫غامضة؛ فماذا كانت حياة تلك المشهورة التي ملت الدنيا‪ ،‬وشغلت الناس‬
‫في حياتها وبعد وفاتها‪ ،‬والتي تركت الدنيا في أوج شهرتها‪ ،‬وعّز بريقها‪،‬‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وشرخ شبابها‪ ،‬والتي ل يزال الحديث مستمرا ً عنها؟‬


‫هل كانت سعيدة في حياتها؟ وهل أغنت عنها شهرتها؟‬
‫لعل حديثها عن نفسها يكون أبلغ وأوقع‪ ،‬تقول عن نفسها‪" :‬إنها نشأت في‬
‫جو يخيم عليه الحزن‪ ،‬وتحاصره الكآبة‪ ،‬فلم تعرف لها أبًا‪ ،‬ولم تجد لها أما ً‬
‫ت أحد على كتفها ليقول لها‪-‬كما يقال للصغار‪ :-‬أنت طفلة‬ ‫حنونًا‪ ،‬ولم ي َُرب ّ ْ‬
‫جميلة‪.‬‬
‫وتعترف بأن الرجل الذي كتب اسمه في شهادة ميلدها على أنه أبوها‪ -‬هو‬
‫مها الذي ربما اختارته بطريقة عشوائية كأب للمولودة الجديدة"‪.‬‬ ‫أحد عشاق أ ّ‬
‫وتؤكد مارلين أن أسوأ شيء في حياتها هو محاولة الكثيرين استغللها‪ ،‬حتى‬
‫أقرب القربين‪.‬‬
‫الجدير بالذكر أن حياة تلك المرأة كانت سلسلة من الفضائح التي كانت‬
‫مسؤولة عن بعضها‪ ،‬ول يد لها في بعضها الخر‪.‬‬
‫وأشهر ما كان من ذلك علقتها بالرئيس المريكي جون كنيدي‪ ،‬ثم تخليه عنها‬
‫ما تولى الرئاسة‪ ،‬ثم علقتها بأخيه روبرت كنيدي‪.‬‬ ‫ل ّ‬
‫ولقد سببت لها تلك العلقات متاعب كثيرة‪ ،‬بل لقد قيل‪ :‬إن لل كنيدي يدا ً‬
‫في موتها‪.‬‬
‫وأخيرا ً كيف كانت نهاية تلك المرأة؟‬
‫لقد وجدوها جثة هامدة في منزلها‪ ،‬واكتشف المحقق الذي تناول قضيتها أنها‬
‫ماتت منتحرة‪ ،‬ووجد رسالة محفوظة في صندوق المانات في مانهاتن في‬
‫نيويورك‪ ،‬وهذه الرسالة ألقت بعض الضوء على انتحار مارلين مونرو؛ إذ وجد‬
‫على غلفها كلمة تطلب عدم فتح الرسالة قبل وفاتها‪.‬‬
‫ولما فتح المحقق الرسالة‪ ،‬وجدها مكتوبة بخط مارلين مونرو بالذات‪ ،‬وهي‬
‫موجهة إلى فتاة تطلب نصيحة مارلين عن الطريق إلى التمثيل‪.‬‬
‫قالت مارلين في رسالتها إلى الفتاة‪ ،‬وإلى كل من ترغب العمل في السينما‪:‬‬
‫"احذري المجد‪ ،‬احذري كل من يخدعك بالضواء؛ إني أتعس امرأة على هذه‬
‫ة‬
‫ضل البيت‪ ،‬والحياة العائلية الشريف َ‬ ‫الرض؛ لم أستطع أن أكون أمًا‪ ،‬إني أفَ ّ‬
‫على كل شيء‪ ،‬إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة‬
‫الطاهرة‪ ،‬بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة‪ ،‬بل النسانية‪.‬‬
‫وتقول في النهاية‪ :‬لقد ظلمني الناس‪ ،‬وإن العمل في السينما يجعل المرأة‬
‫سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة‪.‬‬
‫إني أنصح الفتيات بعدم العمل في السينما وفي التمثيل؛ إن نهايتهن إذا كن‬
‫عاقلت كنهايتي"‪.‬‬
‫هذه هي حال تلك المرأة‪ ،‬وهذه نصائحها المجانية تقدمها في نهاية مطافها؛‬
‫دكر؟‬ ‫فما أكثر العبر‪ ،‬وما أقل المعتبر؛ فهل من م ّ‬
‫وهذه الميرة الليدي ديانا سبنسر تلك المرأة النجليزية التي نالت من‬
‫الشهرة ما لم تنله امرأة في القرن العشرين؛ إذ تزوجت بولي عهد بريطانيا‬
‫المير تشارلز عام ‪1980‬م‪1400-‬هـ‪ ،‬وُأقيم حفل الزواج الكبير في قصر‬
‫بكنجهام‪ ،‬وشاهد العالم ذلك الحفل عبر شاشات التلفاز‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الحين والعلم العالمي بكافة وسائله ل يفتأ يذكر اسمها‪ ،‬ويتابع‬
‫أخبارها‪ ،‬وينشر صورها‪.‬‬
‫وظل الناس يتابعون كل دقيقة وجليلة من أمرها‪ ،‬حتى أصبح كثير من نساء‬
‫العالم يقلدنها في شتى أحوالها‪ ،‬حتى في مشيتها‪ ،‬وتسريحة شعرها‪ ،‬وطريقة‬
‫ابتسامتها‪ ،‬ونوع ملبوسها‪ ،‬ونحو ذلك من شؤونها‪.‬‬
‫وعلى مدى سنوات طويلة كان لدى الشعب البريطاني‪ ،‬وسائر شعوب العالم‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اعتقاد بأن ديانا وتشارلز هما أسعد زوجين على وجه الرض‪ ،‬كيف ل وقد‬
‫امتلكا جميع مباهج الحياة ‪-‬في نظر الكثرين‪-‬؟‬
‫فالشهرة‪ ،‬والمجد‪ ،‬والثراء‪ ،‬والنفوذ‪ ،‬والمستقبل الذي ينتظر الذرية كل هذه‬
‫المور ُنصب أعين الزوجين‪.‬‬
‫ولكن هذا العتقاد لم يكن صائبًا‪ ،‬وكل القصص والحكايات الوردية التي‬
‫صنعها خيال الناس لم يكن لها أي نصيب من الواقع؛ فلقد استيقظ العالم‬
‫ذات صباح من شهر مايو ‪1992‬م على فضيحة مدوية عصفت بتلك الخيالت‪،‬‬
‫وطوحت بها مكانا ً قصيًا؛ فقد ظهر كتاب جديد في بريطانيا تحت عنوان )ديانا‬
‫القصة الحقيقية(‪.‬‬
‫وهذا الكتاب يروي قصة إخفاق ذلك الزواج التاريخي‪ ،‬ويكشف تعاسة ديانا‬
‫وشقاءها‪ ،‬ومحاولتها النتحار في عام ‪1989‬م بعد أن يئست من حياتها‪.‬‬
‫ويذكر الكتاب أحد المواقف التي زلزلت كيان الميرة‪ ،‬وجعلتها تحيا أسوأ‬
‫أيامها؛ فعندما رآها تشارلز تبكي لوفاة والدها‪ ،‬وعدم وجوده بجانبها عّنفها‪،‬‬
‫ووبخها‪ ،‬وقال لها بمنتهى القسوة‪ :‬اخرجي من أحزانك بسرعة؛ فل وقت لدينا‬
‫لهذه الحاسيس‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولم يكن هذا الموقف هو الخير؛ فقد توالت عبارات المير تشارلز‪ ،‬وإهاناته‬
‫البالغة لديانا‪ ،‬حتى قررت التخلص من حياتها‪ ،‬خاصة بعد النباء التي أشارت‬
‫إلى وجود علقة غرامية بين المير وبين سيدة أخرى ُتدعى كاميل فلورز‪،‬‬
‫ومن ثم ابتلعت ديانا كل ما لديها من حبوب مهدئة؛ رغبة في التخلص من‬
‫حياتها‪ ،‬إل أن قدرها لم يحن بعد‪ ،‬فنجت من الموت‪.‬‬
‫ولم يكن صدور ذلك الكتاب نهاية المطاف؛ فقد بدأت الصحف تكشف جوانب‬
‫أخرى‪ ،‬وأسرارا ً جديدة تعكس إخفاق الزوجين في تجاوز خلفاتهما‪ ،‬واستعادة‬
‫ما كان بينهما من صفاء في بداية حياتهما الزوجية‪.‬‬
‫وكشفت صحيفة )صنداي إكسبرس( النقاب عن أن الميرة ديانا تعاني من‬
‫كوابيس مرعبة‪ ،‬وأحلم مخيفة تداهمها ليل ً في نومها؛ لتحيل حياتها إلى‬
‫عذاب ل يتوّقف‪ ،‬وشقاء ل ينقطع‪.‬‬
‫وأضافت الصحيفة أن ديانا تتلقى العلج؛ للتخلص من هذه الكوابيس والحلم‬
‫المزعجة التي يرى الطبيب المعالج أنها تعكس مدى ما تعانيه الميرة في‬
‫حياتها من مصاعب‪ ،‬وما تعجز عن تحقيقه من رغبات مكبوتة‪.‬‬
‫وقالت‪ :‬إن الميرة التعسة بلغت درجة من الشقاء والضيق الشديد اضطرت‬
‫معها إلى اللجوء إلى طبيب نفسي كي يعالجها‪.‬‬
‫وأكدت الصحيفة أن الميرة أسرعت عقب تدهور صحتها؛ بسبب الكوابيس‬
‫والحلم المزعجة إلى الطبيب النفساني الشهير )آلن ماكجلشان(‪.‬‬
‫وتقول الصحيفة‪ :‬إن ديانا ترى في نومها وحوشا ً غريبة تثير الرعب والهلع‪،‬‬
‫وترى مشاهد بحرية مخيفة تزلزل كيانها‪ ،‬وترتعد لها فرائصها‪.‬‬
‫وأكدت بأن المير تشارلز نفسه بدأ يشعر بالقلق إزاء ما يجري لزوجته التي‬
‫أصبحت تقطع نومها؛ لتنهض مذعورة لما تراه‪.‬‬
‫وبعد ذلك زادت المشكلت بينها وبين زوجها‪ ،‬وحاولت والدة تشارلز الملكة‬
‫إليزابيث تهدئة المر‪ ،‬وحث الزوجين على تجاوز خلفاتهما‪ ،‬والتوقف عند هذا‬
‫الحد‪.‬‬
‫وعلى رغم من ذلك فقد اتفق الطرفان على أن حياتهما على هذا النمط‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أصبحت مستحيلة‪ ،‬ولكن الطلق ثقيل‪ ،‬خصوصا ً على نفس تشارلز؛ لنه‬
‫سيؤدي إلى فقدانه وفقدان أبنائه من بعده حق الجلوس على العرش؛ إذ ل‬
‫يجوز دستوريا ً أن يكون الملك مطلقًا‪.‬‬
‫ولن المير عَي ُْنه على العرش‪ ،‬وليس لديه أي فكرة للتنازل عنه‪-‬فقد قرر أل ّ‬
‫ُيطّلق‪.‬‬
‫أما الميرة التعيسة فلم يعد لديها سوى ولديها هاري وويليام يملن الفراغ‬
‫والوحدة التي تقاسيها‪ ،‬ول تريد أن ت ُط َّلق؛ حتى ل يفقدا حق الجلوس على‬
‫عرش بريطانيا في المستقبل‪ ،‬ومن أجل هذا قررا النفصال دون طلق؛ ليبدأ‬
‫كل منهما حياته بالطريقة التي يحبها‪.‬‬
‫وبعد هذا اعترف الزوجان بالخيانة الزوجية‪ ،‬وأصبحت ديانا تترامى من أحضان‬
‫عشيق إلى عشيق‪ ،‬إلى أن آل بها المر إلى آخر واحد منهم وهو عماد الفايد‪.‬‬
‫وآخر فصل من فصول حياة تلك المرأة هو تلك النهاية المؤلمة التي أودت‬
‫بحياتها عندما كانت في فرنسا بصحبة عشيقها عماد الفايد؛ إذ ركبا في‬
‫السيارة التي خرجت بهما من الفندق الذي كانا يقيمان فيه‪ ،‬فلما خرجا إذا‬
‫عدسات المصورين تضّيق عليهما الطريق‪ ،‬فأسرع السائق هروبا ً من‬
‫المصورين‪ ،‬فوقع الحادث الذي أودى بحياة ديانا وعماد الفايد‪.‬‬
‫فماذا أغنى الثراء؟ وماذا أغنت الشهرة؟ وماذا أغنى الجاه؟‬
‫ول تزال الصحافة تأتيك بالخبار‪ ،‬وتوافيك بالجديد من تعاسة المشاهير‪.‬‬
‫ومن آخر ذلك ما جاء في صحيفة الرياض ‪ 7‬ربيع الخر ‪1427‬هـ‪ ،‬الموافق‪5 :‬‬
‫ل في العالم يتمنى لو كان‬ ‫مايو ‪2006‬م عدد ‪ 13829‬تحت عنوان‪) :‬أغنى رج ٍ‬
‫فقيرًا(‪.‬‬
‫وتحت هذا العنوان كتبت‪" :‬الثروة ل تكفي لجلب السعادة‪ ،‬وقد تكون وبال ً‬
‫على صاحبها"‪ .‬هذا ما يقوله بيل غيتس الذي يوصف بأنه أغنى أغنياء العالم‪.‬‬
‫ونسب راديو )سوا( إلى غيتس قوله‪ :‬إنه يدعو على نفسه بالفقر‪ ،‬ويتمنى لو‬
‫لم يكن أغنى بني البشر‪.‬‬
‫وأضاف أنه ل يشعر بأن ثروته الطائلة التي تقدر بالبليين تحقق له ما يريد‪.‬‬
‫ويقول بيل غيتس‪ :‬إنه يكره كونه من المشاهير‪ ،‬كما أنه ل يحب إثارة انتباه‬
‫ة؛ بسبب ثروته‪ ،‬وأنه يعيش وحيدًا"‪.‬‬ ‫الخرين‪ ،‬ويعتبر نفسه في محن ٍ‬
‫ولو استرسل الكاتب في ذكر مثل تلك الخبار‪ ،‬والحوال لطال به المقام‪،‬‬
‫وإذا أردت مزيدا ً من ذلك ‪ -‬فارجع إلى كتاب ) التوبة وظيفة العمر( لكاتب‬
‫هذه السطور‪.‬‬
‫ل من الدنيا شيئا ً إل قيل له‪:‬‬ ‫ي رج ٌ‬ ‫ُ‬ ‫وأخيرا ً تذ ّ‬
‫كر كلمة سفيان الثوري‪" :‬ما أعط َ‬
‫ذه ومثَله حزنًا"‪.‬‬ ‫خ ْ‬
‫ُ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫سوقة‬‫داء الملوك وال ّ‬


‫سلمان العنزي ‪8/7/1427‬‬
‫‪02/08/2006‬‬
‫الخوف داء الملوك والسوقة‪ ،‬ومرض الكبار والصغار‪ ،‬وبلء النساء والرجال‪،‬‬
‫ج من وخزته‬ ‫ومحنة الحرار والعبدان‪ ،‬وصيقل الشجعان‪ ،‬وحتف الجبناء‪ ..‬لم ين ُ‬
‫ناٍج‪ ،‬ولم يسلم من عركته إنسان‪ ،‬ولئن ذهبت تبحث وتلج في البحث عن‬
‫أسباب كثير من التخلف في أساليب الحكم أو الدارة أو القتصاد أو التعليم‬
‫لوجدت أن الخوف هو السبب الحقيقي في إفراز ذلك الفساد الكبير‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتراكم على القلوب والعقول‪.‬‬


‫لماذا تكثر السجون في العالم وخاصة السياسية منها‪ ،‬وتستجد أدوات‬
‫التعذيب وُتبتكر لتصل إلى مرحلة ل يمكن وصفها‪ ،‬ول الحاطة بقدرتها على‬
‫تحقيق أهدافها‪ ،‬وُيستجلب أساتذة القسوة من بقاع الرض ليفرضوا معاني‬
‫الظلم على النفوس المضيئة‪ ،‬وُتفتح لهم المدارس والكاديميات ليفرغوا فيها‬
‫تجارب عمرهم البئيس‪ ،‬ويملؤوا رؤوس المتعلمين بحثالة أفكارهم الوحشية‪،‬‬
‫ليبدؤوا من نقظة ل يأتي بعدها إل ما يذهل النفس‪ ،‬ويربك العقل‪ ،‬ويقف‬
‫بالتفكير جانبا ً ليسمح للخيال بإكمال الوصف! والحق ُيقال لم تلمس الفجاءة‬
‫كتب في التعذيب من كتب‪ ،‬وما صدر من موسوعات؛‬ ‫قلبي عندما قرأت ما ُ‬
‫لنني كنت أدرك معنى الخوف‪ ،‬وأعرف أبعاده‪ ،‬وأرى آثاره في الواقع‬
‫المعاصر قبل أن أقرأ تاريخه فيما غبر من قرون!‬
‫سلك بها سبيل الحق لكانت‬ ‫ولماذا تكثر الدراسات الباردة لقضية إدارية لو ُ‬
‫من مسائل الطفال التي تنشط بها أذهانهم؟ ولماذا تكثر الجتماعات لدراسة‬
‫ُ‬
‫صرف عليها مبالغ طائلة‬ ‫مشاريع ُقتلت بحثًا‪ ،‬وأتي بها من مكان بعيد بعد أن ُ‬
‫لتكون نبراسا ً لواقعنا‪ ،‬وحل ً لمشاكلنا‪ ،‬وسبيل ً للخلص ننفذ من خلله إلى‬
‫الجهة الخرى حيث العالم الخر المتحضر؟‬
‫ولماذا ل ُيسلك سبيل الله في عالم القتصاد مكان الكم الهائل من النظريات‬
‫المخترعة وفق ظروف زمنية ومكانية ل تتناسب وحياتنا وزماننا؟‬
‫ولماذا ل نعمل على إعمال سنة الله في المال على الرض بعد أن تشّربتها‬
‫كد هذا‬ ‫أنفسنا وعلمنا علما ً ل يخالطه شك أنها الصلح للفراد والجماعات‪ ،‬وأ ّ‬
‫العلم دراسات جاّدة قامت بها بعض المعاهد الغربية؟‬
‫ولماذا يزيف الحكام خطاباتهم‪ ،‬ويلبسونها حلي الشفقة والرحمة والعطف‪،‬‬
‫وروا محاريب القلوب الضعيفة المتهافتة على معسول الكلم‪ ،‬والعاجزة‬ ‫ليتس ّ‬
‫عن إداراك المعاني خلف ظلل الكلمات؟ ولماذا يرضى الشعب بهذه‬
‫ولها إلى قوانين تنحت في قلوبهم‪ ،‬وتنطق بها ألسنتهم دون‬ ‫الكلمات‪ ،‬ويح ّ‬
‫وعي‪ ،‬وهم يرون خلف ما يسمعون؟‬
‫ً‬
‫ولماذا هذا التلعب الكبير بالحقائق عند مقارعة الدول بعضها بعضا‪ ،‬وعند‬
‫اشتداد حمى التنابز والتهامات مع رؤية مصارع الخرين؟‬
‫ولماذا التنازل الكبير عن التراث الفكري والعقائدي والخلقي في مقابل‬
‫الوعود المعسولة بالسلمة؟‬
‫م شملها‪ ،‬ويجّلي حقيقتها‪ ،‬ويظهر عجائبها‬ ‫أسئلة كثيرة جدا ً ول جواب عليها يل ّ‬
‫غير هذه الكلمة بكل ما تحمله من مضامين خطيرة يدرك كنهها العارفون بها‬
‫والقارئون التاريخ في أطواره كلها‪ ،‬إنها كلمة )الخوف(‪.‬‬
‫س‬
‫لقد قال المنفلوطي – عليه رحمة الله – في مقال له بأن الكذب هو أ ّ‬
‫وح به في مسارح الحياة‪ ،‬ودقق‬ ‫الشرور وقاعدتها‪ ،‬ولو أنه أجال النظر وط ّ‬
‫س الشرور وقاعدتها‪ ،‬ويكفي أن‬ ‫الفهم وسبر التاريخ لعلم أن الخوف هو أ ّ‬
‫نعلم أن صفة )الكذب( على ما فيها من فساد ماحق ليست إل مجرد عرض‬
‫لداء الخوف‪ ،‬وطيف من أطيافه المتفاوتة!‬
‫لول الخوف من الموت ما رضي النسان بالدنية في دينه‪ ،‬والرزية في عقله‪،‬‬
‫والخطل في رأيه‪ ،‬وما رضي بكفة الميزان الجائرة‪ ،‬والتقصير دون الغاية‪،‬‬
‫والرضى بالقليل! ولول الخوف من ذهاب الدنيا في صورة ملك أو مال أو‬
‫حشدت الفكار‬ ‫ددت النياب‪ ،‬و ُ‬ ‫ح ّ‬
‫جاه‪ ،‬ما كثرت الدسائس‪ ،‬وخربت الضمائر‪ ،‬و ُ‬
‫الخبيثة‪ ،‬وامتلت السجون! ولول الخوف من عقابيل الحق ما ُزّوقت‬
‫الفتراءات وُزّينت المنكرات!‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول سبيل إلى الفكاك من هذا الوحش الفاتك إل بالتعّرف على الله‪ ،‬وتطهير‬
‫القلب من أوضار الدنيا وبهرجها الزائف؛ حتى تكون الحقائق هي الفيصل في‬
‫كل قول أو فعل ‪!...‬‬
‫وكم هو جميل عندما نقرأ القرآن فنجد أن الله ‪-‬عز وجل‪ -‬يرشد عباده إلى‬
‫أن يتعرفوا عليه‪ ،‬ويرتبطوا به‪ ،‬ول يلتفتوا إلى أحد سواه كائنا ً ما كان )إ ِن ّ َ‬
‫ما‬
‫ن(‪ ،‬ومن‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫ن ِإن ُ‬ ‫خاُفو ِ‬ ‫م وَ َ‬‫خاُفوهُ ْ‬ ‫ف أ َوْل َِياءه ُ فَل َ ت َ َ‬‫خو ّ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ذ َل ِك ُ ُ‬
‫ف‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كا ٍ‬ ‫س الل ُ‬ ‫كان مع الله ولمست قلبه أنوار العّزة استحق كفاية الله )ألي ْ َ‬
‫هاٍد(‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬‫ما ل َ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه فَ َ‬ ‫ضل ِ ِ‬
‫من ي ُ ْ‬‫من ُدون ِهِ وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ك ِبال ّ ِ‬
‫خوُّفون َ َ‬
‫عَب ْد َه ُ وَي ُ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وإنك لتعجب أشد العجب وأنت تسمع حوار موسى مع ربنا ‪-‬عز وجل‪ -‬في‬
‫أول أمره‪ ،‬وقد أمره بأن يذهب إلى فرعون برسالته هاديا ً وبشيرا ً وسراجا ً‬
‫ف َأن ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ب إ ِّني قَت َل ْ ُ‬‫ل َر ّ‬ ‫ن(‪َ) .‬قا َ‬ ‫قت ُُلو ِ‬ ‫خا ُ‬ ‫ب فَأ َ‬ ‫م عَل َ ّ‬
‫ي َذن ٌ‬ ‫منيرا ً فيقول‪) :‬وَل َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ط عَل َي َْنا أوْ أن ي َط َْغى(‬ ‫فُر َ‬ ‫َ‬ ‫خا ُ َ‬ ‫َ‬
‫ف أن ي َ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن(‪َ) .‬قاَل َرب َّنا إ ِن َّنا ن َ َ‬‫قت ُُلو ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫فسا ً فَأ َ‬ ‫نَ ْ‬
‫فيأتيه الجواب أكمل ما يكون‪ ،‬وأنقى ما يكون‪ ،‬فيلمس القلب الواجف‬
‫ما‬ ‫ُ‬
‫معَك َ‬ ‫خاَفا إ ِن ِّني َ‬‫ل َل ت َ َ‬‫فيسكن‪ ،‬والنفس القلقة فتأوي إلى ركن عظيم )َقا َ‬
‫معُ وَأ ََرى(‪ .‬وبعد هذا الحوار والمضي مع موسى وقصته في رحلة عجيبة‬ ‫س َ‬
‫أ ْ‬
‫َ‬
‫مليئة بالعناية الربانية حتى وقف به الطريق أمام البحر وفرعون وجنوده من‬
‫ورائه يحثون المسير‪ ،‬وبنو إسرائيل تتخاوص عيونهم‪ ،‬وتشرئب أعناقهم‪،‬‬
‫ن(‪ ،‬وإذا هو ينطق بكل ثقة‬ ‫كو َ‬ ‫مد َْر ُ‬ ‫وتضطرب أفئدتهم‪ ،‬وتقول ألسنتهم )إ ِّنا ل َ ُ‬
‫بعد أن امتل قلبه باليمان‪ ،‬وتعّرف على الله‪ ،‬ورأى آثار أسمائه العظيمة في‬
‫ن( أين‬ ‫دي ِ‬ ‫سي َهْ ِ‬
‫ي َرّبي َ‬ ‫معِ َ‬‫ن َ‬ ‫ل ك َّل إ ِ ّ‬ ‫كل أطوار محاورته مع فرعون وقومه )َقا َ‬
‫ذهب ذلك الخوف‪ ،‬وأين سلك؟ لم يعد له وجود في القلب الواثق المطمئن‬
‫العارف بربه‪ ،‬ولم يبق منه ما يمل قلب بعوضة مضروب بها المثا‬

‫)‪(2 /‬‬

‫دار البقاء ‪ -‬لزين العابدين‬


‫قال في قصيدة تكتب بماء الذهب‪ ،‬روعة في اللفاظ ‪،‬عذبة في المعاني‪،‬‬
‫تدل التائهين إلى ما خلقوا له وتيقظ النائمين‪:‬‬
‫اعمل لدار البقاء رضوان خازنها ** الجار احمد والرحمن بانيها‬
‫ارض لها ذهب والمسك طينتها **والزعفران حشيش نابت فيها انهارها‬
‫لبن محض ومن عسل** والخمر يجري رحيقا في مجاريها‬
‫والطير تجري على الغصان** عاكفة تسبح الله جهرا في مغانيه‬
‫ا من يشتري الدار بالفردوس يعمرها **بركعة في ظلم الليل يخفيه‬
‫او سد جوعة مسكين بشبعته **في يوم مسغبة عم الغل فيها‬
‫النفس تطمع في الدنيا وقد **علمت ان السلمة منها ترك ما فيها‬
‫اموالنا لذوي الميراث نجمعها** ودارنا لخراب البوم نبنيها‬
‫ل دار للمرء بعد الموت يسكنها **ال التي كان قبل الموت يبنيها‬
‫فمن بناها بخير طاب مسكنه** ومن بناها بشر خاب بانيها‬
‫والناس كالحب والدنيا رحى** نصبت للعالمين وكف الموت يلهيها‬
‫فل القامة تنجي النفس من** تلف ول الفرار من الحداث ينجيها‬
‫تلك المنازل في الفاق خاوية **اضحت خرابا وذاق الموت بانيها‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اين الملوك التي عن حظها غفلت* حتى سقاها بكاس الموت ساقيها‬
‫افنى القرون وافنى كل ذي **عمر كذلك الموت يفني كل ما فيها‬
‫نلهو ونامل امال نسر بها **شريعة الموت تطوينا وتطويها‬
‫فاغرس اصول التقى ما دمت مقتدرا **واعلم بانك بعد الموت لقيها‬
‫تجني الثمار غدا في دار مكرمة **ل من فيها ول التكدير ياتيها‬
‫الذن والعين لم تسمع ولم تره **ولم يجر في قلوب الخلق ما فيها‬
‫فيالها من كرامات اذا حصلت **وياله من نفوس سوف تحويها‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دخلت النت داعية فخرجت عاشقة‬


‫تحكي "س‪.‬م" قصتها مع غرفة المحادثة فقالت‪ :‬أنا فتاة جامعية عمري ‪30‬‬
‫ي‬
‫ما‪ ,‬كنت أدخل المنتديات الشرعية بهدف الدعوة إلى الله‪ ,‬وكانت لد ّ‬ ‫عا ً‬
‫الرغبة أن أشارك في حوارات كنت أعتقد أنها تناقش قضايا مهمة وحساسة‪،‬‬
‫تهمني في المقام الول‪ ،‬وتهم الدعوة‪ ،‬مثل الفضائيات واستغللها في‬
‫الدعوة‪ ,‬ومشروعية الزواج عبر النترنت‪.‬‬
‫وكان من بين المشاركين شاب متفتح ذكي‪ ،‬شعرت بأنه أكثر وًدا نحوي من‬
‫الخرين‪ ,‬ومع أن المواضيع عامة إل أن مشاركته كان لدي إحساس أنها‬
‫موجهة لي وحدي! ول أدري كيف سحرتني كلماته؟ فتظل عيناي تتخطف‬
‫أسطره النابضة بالبداع والبيان الساحر ـ بينما يتفجر في داخلي سيل عارم‬
‫من الزهو والعجاب‪ ،‬يحطم قلبي الجليدي في دعة وسلم‪ ,‬ومع دفء كلماته‬
‫ورهافة مشاعره وحنانه أسبح في أحلم وردية وخيالت محلقة في سماء‬
‫الوجود‪.‬‬
‫ذات مرة ذكر لرواد الساحة أنه متخصص في الشؤون النفسية‪ ،‬ساعتها‬
‫شعرت أنني محتاجة إليه بشدة‪ ،‬وبغريزة النثى‪ ،‬أريد أن يعالجني وحدي‪,‬‬
‫ولت لي نفسي أن أفكر في النفراد به وإلى البد‪ .‬وبدون أن أشعر‬ ‫فس ّ‬
‫طلبت منه ‪-‬بشيء من الحياء‪ -‬أن أضيفه على قائمة الحوار المباشر معي‪,‬‬
‫وهكذا استدرجته إلى عالمي الخاص‪ .‬وأنا في قمة الضطراب كالضفدعة‬
‫أرتعش‪ ،‬وحبات العرق تنهال على وجهي بغزارة ماء الحياء‪ ,‬وهو لول مرة‬
‫ينسكب‪ ..‬ولعلها الخيرة‪.‬‬
‫بدأت أعد نفسي بدهاء صاحبات يوسف؛ فما أن أشكو له من علة إل أفكر‬
‫ي بكلمات الثناء والحب والحنان والتشجيع‬ ‫في أخرى‪ .‬وهو كالعادة ل يضن عل ّ‬
‫وبث روح المل والسعادة‪ ,‬إنه وإن لم يكن طبيًبا نفسًيا إل أنه موهوب ذكي‬
‫ماح يعرف ما تريده النثى‪.‬‬ ‫ل ّ‬
‫الدقائق أصبحت تمتد لساعات‪ ,‬في كل مرة كلماته كانت بمثابة البلسم الذي‬
‫يشفي الجراح‪ ,‬فأشعر بمنتهى الراحة وأنا أجد من يشاركني همومي وآلمي‬
‫ما يحدثني بحنان وشفقة ويتوجع ويتأوه‬ ‫ويمنحني المل والتفاؤل‪ ,‬دائ ً‬
‫لمعاناتي‪ ،‬ما أعطاني شعور أمان من خلله أبوح له بإعجابي الذي ل يوصف‪,‬‬
‫جا في مغازلته وممازحته بغلف من التمنع والدلل الذي يتفجر‬ ‫ول أجد حر ً‬
‫في النثى وهي تستعرض فتنتها وموهبتها‪.‬‬
‫انقطعت خدمة النترنت ليومين لسباب فنية‪ ,‬فجن جنوني‪ ..‬وثارت ثائرتي‪..‬‬
‫أظلمت الدنيا في عيني‪..‬‬
‫وعندما عادت الخدمة عادت لي الفرحة‪ ..‬أسرعت إليه وقد وصلت علقتي‬
‫معه ما وصلت إليه‪ ..‬حاولت أن أتجّلد وأن أعطيه انطباعا ً زائفا ً أن علقتنا‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه يجب أن تقف في حدود معينة‪ ،‬وأنا في نفسي أحاول أن أختبر مدى‬
‫تعّلقه بي‪ ..‬قال لي‪ :‬ل أنا ول أنت يستطيع أن ينكر احتياج كل منا‬
‫إلى الخر‪ ،‬وبدأ يسألني أسئلة حارة أشعرتني بوده وإخلص نيته‪.‬‬
‫ودون أن أدري طلبت رقم هاتفه حتى إذا تعثرت الخدمة ل سمح الله أجد‬
‫قا للتواصل معه‪ ..‬كيف ل وهو طبيبي الذي يشفي لوعتي وهيامي!! وما‬ ‫طري ً‬
‫هي إل ساعة والسماعة المحرمة بين يدي أكاد ألثم مفاتيح اللوحة الجامدة‪..‬‬
‫لقد تلشى من داخلي كل وازع!‬
‫مارة بالسوء تزّين‬‫وتهشم كل التزام كنت أّدعيه وأدعو إليه‪ .‬بدأت نفسي ال ّ‬
‫لي أفعالي وتدفعني إلى الضلل بحجة أنني أسعى لزواج من أحب بسنة الله‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫وتوالت التصالت عبر الهاتف‪ ..‬أما آخر اتصال معه فقد امتد لساعات قلت‬
‫له‪ :‬هل يمكن لعلقتنا هذه أن تتوج بزواج؟ فأنت أكثر إنسان أنا أحس معه‬
‫بالمان؟! ضحك وقال لي بتهكم‪ :‬أنا ل أشعر بالمان‪ ..‬ول أخفيك أنني‬
‫سأتزوج من فتاة أعرفها قبلك‪ .‬أما أنت فصديقة‪ ،‬وتصلحين أن تكوني‬
‫عشيقة‪ ،‬عندها جن جنوني وشعرت أنه يحتقرني فقلت له‪ :‬أنت سافل‪..‬‬
‫قال‪ :‬ربما‪ ,‬ولكن العين ل تعلو على الحاجب‪ ..‬شعرت أنه يذلني أكثر قلت له‪:‬‬
‫ت آخر من يتكلم عن الشرف!! لحظتها‬ ‫أنا أشرف منك ومن‪ ...‬قال لي‪ :‬أن ِ‬
‫ي‪ ..‬وقعت نفسًيا عليها‪.‬‬‫وقعت منهارة مغشى عل ّ‬
‫مّرة‪ ,‬فقد‬
‫وجدت نفسي في المستشفى‪ ,‬وعندما أفقت‪ ،‬أفقت على حقيقة ُ‬
‫دخلت النترنت داعية‪ ,‬وتركته وأنا ل أصلح إل عشيقة!!‬
‫ماذا جرى؟! لقد اتبعت فقه إبليس اللعين الذي باسم الدعوة أدخلني غرف‬
‫الضلل‪ ,‬فأهملت تلوة القرآن وأضعت الصلة‪ ،‬وأهملت دروسي‪ ،‬وتدنى‬
‫تحصيلي‪ ,‬وكم كنت واهمة ومخدوعة بالسعادة التي أنالها من حب النت‪..‬‬
‫إن غرفة المحادثة فتنة‪ ..‬احذرن منها أخواتي فل خير يأتي منها مالم تضعي‬
‫لنفسك حواجز إيمانية تمنعك من النجراف وراء الملذات‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دخول الخدم غير المسلمين إلى مكة‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬كتاب الحج والعمرة‪/‬مسائل متفرقة‬
‫التاريخ ‪21/06/1426 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫أرغب في اصطحاب العائلة لداء العمرة‪ ،‬وبرفقتنا خادمة من أهل الكتاب‪،‬‬
‫فهل يجوز دخول الخادمة‪ ،‬وبقاؤها داخل الفندق لرعاية الولد؟‬
‫الجواب‬
‫دخول الكافر للمسجد الحرام بمكة اختلف فيه العلماء على قولين‪ :‬الول‪:‬‬
‫ذا من عموم نصوص القرآن والسنة‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬ ‫المنع‪ ،‬والثاني‪ :‬الجواز‪ ،‬أخ ً‬
‫"يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فل يقربوا المسجد الحرام بعد‬
‫عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله‬
‫عليم حكيم"]التوبة‪.[28:‬‬
‫فبعد اتفاق العلماء على أن الكافر نجس نجاسة حكمية )معنوية( والنهي عن‬
‫قربانه المسجد الحرام أبلغ‪ ،‬فالنهي عن الدخول من باب أولى‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فذهب إلى الجواز أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬وذهب إلى المنع فقهاء أهل المدينة‬
‫كمالك وأصحابه‪ ،‬وهي رواية للمام أحمد‪ ،‬وهو قول عطاء من التابعين‪،‬‬
‫وذهب المام الشافعي إلى الجواز إن دعت الحاجة إلى ذلك‪ ،‬وهي الرواية‬
‫الثانية عن أحمد‪ ،‬وهو قول قتادة من التابعين‪.‬‬
‫ومنشأ الخلف بين العلماء في هذه المسألة‪ :‬ما المراد بالمسجد الحرام في‬
‫الية‪ ،‬فالحناف مع اتفاقهم أن المشركين وأهل الكتاب سواء في الحكم‪.‬‬
‫فمن ذهب إلى جواز الدخول كالحناف قال‪ :‬المراد بالنهي عن قربان‬
‫)المسجد( يعني الحج والعمرة وعامة المناسك‪ ،‬عبر بالمكان وأراد الحال‪،‬‬
‫ومن أراد المنع فسر المسجد بمكان السجود‪ ،‬وهو المسجد الذي في جوفه‬
‫الكعبة أو هو الحرم كله‪ ،‬أي الذي يحرم فيه الصيد وقطع الشجر‪ ،‬فيدخل في‬
‫المسجد الحرام حينئذ عامة مساكن مكة وحتى مزدلفة‪.‬‬
‫ومن أجاز دخول الكافر الحرم للحاجة نظر إلى نصوص أخرى تفسر الية؛‬
‫فقد أخرج المام عبد الرزاق الصنعاني في تفسيره )‪ (1/272،271‬عن جابر‬
‫بن عبد الله في قوله تعالى‪" :‬إنما المشركون نجس فل يقربوا المسجد‬
‫الحرام بعد عامهم هذا" قال‪):‬إل أن يكون عبدا ً أو أحدا ً من أهل الذمة( ورواه‬
‫ابن جرير )‪ (10/108‬وابن أبي حاتم )‪.(6/1775‬‬
‫وأخرج أحمد )‪ (15221‬عن جابر قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"ل يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إل أهل العهد وخدمهم"‪ .‬قال ابن‬
‫كثير في التفسير‪ :‬وقف هذا الحديث أولى من رفعه‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬يجوز لكم أخذ خادمتكم النصرانية معكم إلى العمرة ما دمتم‬
‫بحاجة إليها للخدمة ورعاية الطفال‪ ،‬على أل تدخل معكم إلى المسجد‬
‫الحرام‪ ،‬بل تبقى في الفندق أو الشقة‪ .‬وفق الله الجميع إلى كل خير‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫درء المشقة في الشريعة السلمية‬


‫د‪ .‬القرشي عبد الرحيم البشير*‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫الحمد لله نجاهد أنفسنا حتى نستقيم على أمره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فهو المهتد‪ ،‬ومن يضلل فلن تجد له‬
‫دا‪ ،‬والصلوات الطيبات والتسليمات الزاكيات على عبده ورسوله‬ ‫ولًيا مرش ً‬
‫وصفي خلقه وخليله وعلى آل بيته الطهار وصحابته البرار‪ ..‬اللهم ارزقنا‬
‫محبتك ومحبته‪ ،‬واجعلنا من خاصته‪ ،‬وادخلنا في شفاعته‪ ،‬واسقنا من حوضه‪،‬‬
‫واجعلنا في الجنة في رفقته‪ ،‬سبحانك ل علم لنا إل ّ ما علمتنا إنك أنت العليم‬
‫الحكيم‪ ،‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫إن الموضوع الذي وقع عليه اختياري في هذا البحث؛ يتعلق بمقصد من‬
‫سَنة فقهاء الشريعة حتى أصبح من‬ ‫مقاصد الشريعة البديعة‪ ،‬جرى على أل ِ‬
‫القواعد الكلية‪ ،‬والضوابط الفقهية المعتبرة المرعية التي كشفت عن آفاق‬
‫يسر الشريعة وسماحتها بتصوير بارع‪ ،‬وتنوير رائع‪ ،‬في إطار نظرية جامعة‪،‬‬
‫جمعت ما تحتها من جزئيات فرعية على اختلف موضوعاتها وأبوابها‪.‬‬
‫وقد جعلت عنوان هذا البحث‪) :‬درء المشقة في الشريعة السلمية( وقد‬
‫قدمته في ندوة علمية بقسم الفقه والصول بكلية الشريعة بجامعة قطر‪،‬‬
‫فُأثرِيَ بالنقاش العلمي القيم‪ ..‬فإلى مقاصد هذا البحث‪ ،‬والذي كان الول‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منها في تعريف المشقة‪:‬‬


‫المقصد الول‪ :‬تعريف المشقة‬
‫المشقة لغة‪ :‬الصعوبة والشدة والحرج‪ :‬قال صاحب القاموس المحيط]‪:[1‬‬
‫صُعب( وفي تاج العروس]‪) :[2‬المشقة الشدة‬ ‫قا ومشقة َ‬ ‫)شق عليه المر ش ً‬
‫والحرج وجمعه مشاق ومشقات(‪ ،‬والشق هو السم من المشقة كما جاء في‬
‫لسان العرب]‪.[3‬هذه المعاني إذا أخذت مطلقة من غير نظر إلى الوضع‬
‫العربي فإنها تقتضي ثلث أوجه اصطلحية‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬شموله لغير المقدور عليه من التكليف بما ل يطاق‪ ،‬فإنه يسمى‬
‫مشقة من حيث إيقاع من تطلب حمله في عناء وتعب ل يجدي – كالمقعد إذا‬
‫تكلف القيام‪ ،‬والنسان إذا تكلف الطيران‪ ،‬ونحو ذلك – وهذا النوع ليس‬
‫طا للبحث فيما نحن بصدده وقد منع وقوعه أكثر العلماء من أصحاب‬ ‫مح ً‬
‫المذاهب المعتبرة كما هو مقرر في مظانه من كتب الصول]‪[4‬وغيرها‪.‬‬
‫وقد حرر ابن تيمية]‪[5‬وتلميذه ابن القيم]‪ –[6‬رحمهما الله – هذه المسألة بما‬
‫يحقق الجماع على عدم وقوع التكليف بما ل يطاق‪ ،‬مع اختلف العلماء في‬
‫جواز المر به]‪ ،[7‬وحصرا الخلف في دخول الفعل المختلف فيه فيما ل‬
‫يطاق أو عدم وصفه بذلك‪ ،‬فيكون الخلف في تحقق هذا الوصف – مال‬
‫يطاق – في ذلك الفعل‪ .‬ومثل لذلك باختلفهم فيما تعلق علم الله تعالى بعدم‬
‫وقوعه مما هو ممكن في ذاته عقل ً وعادة‪ ،‬كإيمان من بلغته الدعوة ومات‬
‫كافًرا‪ ،‬فهذا ل نزاع في التكليف به‪ ،‬لكن هذ يطلق عليه أّنه مما ل يطاق؛‬
‫باعتبار أنه غير مقدور للمكلف بالنظر إلى تعلق المشيئة بعدم وقوعه‪ ،‬أم هو‬
‫مقدور للمكلف القدرة المصححة التي هي مناط التكليف وشرط فيه‪ ،‬فل‬
‫يكون داخل فيما يطاق‪.‬‬
‫قال ابن القيم – رحمه الله – في سياق حديثه عن أنواع الفعل بالنسبة إلى‬
‫التكليف وفي النوع الثاني مما ل يطاق "‪ ..‬اتفق الناس على أنه ل يطاق‪،‬‬
‫وتنازعوا في جواز المر به‪ ،‬ولم يتنازعوا في عدم وقوعه‪ ،‬ولم يثبت بحمد‬
‫الله أمر اتفق المسلمون على أنه ل يطاق‪ ،‬وقالوا‪ :‬إّنه يكلف به العبد ول‬
‫اتفق المسلمون على فعل كلف به العبد وأطلقوا القول عليه بأّنه ل يطاق]‬
‫‪.[8‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬إطلق المشقة على المقدور عليه وفيه مشقة معتادة‪ ،‬ل‬
‫تخرجه عن المعتاد في العمال العادية‪ ،‬فهذه مشقة عادية يستطيع النسان‬
‫تحملها دون إلحاق الضرر به‪ ،‬وإنما يكون وصفه بالمشقة باعتبار أنه نفس‬
‫التكليف به زيادة على ما جرت به العادات قبل التكليف فيكون شاًقا على‬
‫النفس بهذا العتبار‪ ،‬ولهذا أطلق عليه لفظ "التكليف" وهو في اللغة يقتضي‬
‫ملته أمر يشق عليه وأمرته به]‬ ‫فا‪ ،‬إذا ح ّ‬
‫المشقة‪ ،‬إذ تقول العرب‪ :‬كلفته تكلي ً‬
‫‪ [9‬قال الشاطبي]‪ .." :[10‬فمثل هذا يسمى مشقة بهذا العتبار؛ لنه إلقاء‬
‫بالمقاليد‪ ،‬ودخول في أعمال زائدة على ما اقتضته الحياة الدنيا"‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬لن هذا النوع من المشاق لم يدرأه‬ ‫وهذا الوجه ليس محل ً لهذا البحث أي ً‬
‫الشارع‪ ،‬ول تنفك عنه العبادة غالًبا‪ ،‬والتكليف بالمطالب الشرعية مع وجود‬
‫ل‪ ،‬فل يكون له أثر في التخفيف وإسقاط التكاليف‬ ‫هذا الوجه واقع فع ً‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫يقول العز بن عبد السلم ]‪[11‬ن هذا الوجه‪) :‬هذه المشاق كلها ل أثر لها في‬
‫إسقاط العبادات والطاعات‪ ،‬ول في تخفيفها‪ ،‬لنها لو أثرت لفاتت مصالح‬
‫العبادات والطاعات في جميع الوقات‪ ،‬أو في غالب الوقات‪ ،‬ولفات ما رتب‬
‫عليها من المثوبات والباقيات"‪ .‬وقال ابن القيم]‪" :[12‬إن كانت المشقة‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مشقة تعب‪ ،‬فمصالح الدنيا والخرة منوطة بالتعب‪ ،‬ول راحة لمن ل تعب له‪،‬‬
‫بل على قدر التعب تكون الراحة"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن هذه المشقة المعتادة تختلف باختلف العمال‬ ‫وتجدر الشارة هنا إلى أ ّ‬
‫فليس المشقة في الصلة – مثل ً – كالمشقة في الصيام أو الحج أو الجهاد‪،‬‬
‫ن "كل عمل في نفسه‬ ‫ولكن كما قرر المام الشاطبي في الموافقات]‪ [13‬أ ّ‬
‫له مشقة معتادة فيه توازي مشقة مثله من العمال العادية‪ ،‬فلم تخرج عن‬
‫المعتاد إلى الجملة"‪.‬‬
‫وكما تختلف المشاق العادية باختلف العمال؛ فإنها تختلف بالزمان والمكنة‬
‫والحوال‪ ،‬فإسباغ الوضوء في السبرات]‪ [14‬غيره في الزمان الحار‪ ،‬وليس‬
‫القيام إلى الصلة من النوم مع قصر الليل أو لشدة البرد‪ ،‬كالقيام لها في‬
‫غير هذين الحالين]‪"[15‬‬
‫ن المشقة نسبية يحتاج فهمها إلى‬ ‫ومحل الفائدة من هذه الشارة‪ :‬تحقيق أ ّ‬
‫دقة نظر بالنسبة لكل عمر في ذاته‪ ،‬وإل ّ اختلطت على الناظر أنواع المشاق‪،‬‬
‫فتختلط الحكام المترتبة عليها‪ ،‬وهو أمر في غاية الهمية يقول الشاطبي في‬
‫الموافقات]‪" :[16‬المشقة قد تبلغ في العمال المعتادة ما يظن أّنه غير‬
‫معتاد‪ ،‬ولكنه في الحقيقة معتاد‪ ،‬ومشقته في مثلها مما يعتاد‪ ..‬وإذا لم تخرج‬
‫عن المعتاد لم يكن للشارع قصد في رفعها"‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬إطلق المشقة على المقدور عليه الخارج عن المضاد في‬
‫العمال العادية بحيث يشوش على النفوس في تصرفها لما فيه من مشقة‬
‫وهذا هو محط البحث‪.‬‬
‫والمشقة الحاصلة في هذا النوع قسمان‪:‬‬
‫قسم يتعلق بأعيان الفعال المكلف بها‪ ،‬بحيث إذا وقت مرة واحدة وجدت‬
‫فيها المشقة غير المعتادة‪ .‬وهذا النوع الذي شرعت له الرخص كالصوم في‬
‫المرض والسفر‪.‬‬
‫والقسم الثاني ل يختص بأعيان الفعال‪ ،‬ولكن تلحق المشقة العامل بتلك‬
‫العمال بالمداومة عليها‪ ،‬ويحصل له من المشقة ما يحصل في القسم الول‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وترك مال‬ ‫وهذا القسم شرع فيه الرفق‪ ،‬والخذ من العمل بما ل يحصل مل ً‬
‫تطيقه النفس‪ ،‬مما يدخل في التنطع والتكلف‪.‬‬
‫وإذا كان هذا النوع بقسمه هو محل البحث‪ ،‬فما هو تعريف هذا النوع من‬
‫صا‬
‫فا للمشقة منصو ً‬ ‫المشقة التي يراد درؤها في الصطلح؟ لم أجد تعري ً‬
‫عليه – حسب اطلعي – والسبب في ذلك – في نظري – اختلف مراتب‬
‫العبادات والمعاملت في نظر الشرع مما يتبعه الختلف في ضبط المشاق‬
‫الجالبة للتيسير‪ ،‬يقول العز بن عبد السلم في قواعده]‪" :[17‬وتختلف‬
‫المشاق باختلف العبادات في اهتمام الشرع‪ ،‬فما اشتد اهتمامه به شرط‬
‫في تخفيفه المشاق الشديدة العامة‪ ،‬وما لم يهتم به خففه بالمشاق الخفيفة‪،‬‬
‫وقد تخفف مشاقه مع شرفه وعلو مرتبته لتكرر مشاقه كيل يؤدي إلى‬
‫المشاق العامة الكثيرة الوقوع"‪ .‬ثم قال‪" :‬ومن المشكل ضبط المشقة‬
‫المقتضية للتخفيف كالمرض في الصوم‪ ،‬فأنه إن ضبط بالمشقة فالمشقة‬
‫نفسها غير مضبوطة‪ ،‬وإن ضبط بما يساوي مشقة السفار فذلك غير محدود‬
‫"قال" ومن ضبط ذلك بأقل ما ينطبق عليه السم كأهل الظاهر خلص من‬
‫هذا الشكال" ومع ما ذكرته فإن مجمل ما ذكره المام الشاطبي في‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فا‬
‫الموافقات]‪ [18‬في مواضع مختلفة منه يمكن أن نستخلص منه تعري ً‬
‫للمشقة التي تقتضي التخفيف بما يقرب معناها فهي‪" :‬العسر المتعلق‬
‫بأعيان الفعال المكلف بها أو بالمداومة عليها والتي يكشف العرف أو‬
‫الفحص للحاقه بنظائره أنه خارج عن المعتاد"‪.‬‬
‫وقد قيدت التعلق بأعيان الفعال أو المداومة عليها‪ ،‬ليشمل التعريف ما سبق‬
‫ذكره من قسمي المشقة غير المعتادة‪ ،‬فأوهنا للتنويع في الموضعين من‬
‫التعريف‪ ،‬فل تكون مفسدة له‪.‬‬
‫ووصف العيان بأنها مكلف بها ليخرج الوجه الول من المشاق الداخلية فيما‬
‫ل يطاق إذا لم يقع التكليف بها كما سبق بيانه‪.‬‬
‫وكون الكشف عن خروج العسر عن المعتاد يكون بالعرف أو بالفحص‬
‫لللحاق بنظائره‪ ،‬فذلك يشمل وجهتي نظر العلماء في ضابط المشقة غير‬
‫المعتادة‪ ،‬لنه ما يفهم من كلم الشاطبي ]‪[19‬ي الموافقات أن العرف كاف‬
‫في ضبط هذه المشاق فقد ذكر في المسألة الحادية عشر – في سياق‬
‫الحديث عن المشقة الجالبة للتيسير"‪ ..‬حيث تكون المشقة الواقعة على‬
‫المكلف خارجة عن معتاد المشقات في العمال العادية حتى يحصل بها‬
‫فساد ديني أو دنيوي مقصود الشارع فيها الرفع على الجملة" فالقياس إذن‬
‫معتاد المشقات في العمال العادية‪ ،‬وضابط ذلك إنما يكون العادة والعرف‪.‬‬
‫وما يفهم من أستشكال ابن عبد السلم السابق الذكر]‪ ،[20‬وكلم القرافي‬
‫في فروقه]‪ [21‬وفي الذخيرة]‪ [22‬وما قرره الزركشي]‪ :[23‬يفهم مما ذكره‬
‫طا للمشقة‪ ،‬واستحسنوا أن يعرف الضابط عن‬ ‫هؤلء أن العرف ل يصلح ضاب ً‬
‫طريق فحص الفقيه عن أدنى مشاق الفعل المعين المحقق بنص أو إجماع أو‬
‫استدلل‪ ،‬ثم ما ورد عليه مشاق لم يرد الشرع بتحديدها بتعين تقريبها بما‬
‫يساويها أو كان أعلى منها مما يثبت بدليل شرعي‪ ،‬وما كان أدنى مما اعتبره‬
‫الدليل ل يكون جالًبا للتيسير‪.‬‬
‫فالضابط هنا إنما يتضح عن طريق الفحص ل بواسطة العرف‪ .‬وقيد )خارج‬
‫دا على‬‫دا عن تحمل النسان عادة‪ ،‬ومقي ً‬ ‫عن المعتاد( أي فيما يكون زائ ً‬
‫النفوس تصرفاتها‪ ،‬معطل ً للعمال غالًبا عند تداخلها‪ ..‬وبهذا القيد يخرج الوجه‬
‫الثاني من المشقة المعتادة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫المقصد الثاني‪ :‬أدلة رفع المشقة غير المعتادة‬


‫بعد تحديد المشقة التي قصد الشارع إلى رفعها – وهي المشقة غير المعتادة‬
‫– وبيان تعريفها والشارة إلى وجهة نظر العلماء في ضابطها – نورد الدلة‬
‫على رفعها من الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬والصول العامة المقطوع بها‪ ،‬والمبادئ‬
‫الساسية للشريعة السلمية التي أقرت اليسر والتسهيل حتى أصبح ذلك‬
‫خاصية من خصائص الشريعة السلمية‪.‬‬
‫ل‪ :‬الدلة من القرآن الكريم‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ونقتصر منها على ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬بيان أن اليسر من مقاصد التشريع‪:‬‬
‫وذلك في قوله تعالى‪) :‬يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم العسر( البقرة )‬
‫ضا كان أو‬
‫‪ (185‬وذلك في سياق الكلم عن الترخيص للصائم بالفطر مري ً‬
‫مسافًرا‪.‬‬
‫ب‪ .‬نفي التكليف بما خرج عن الوسع‪:‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سا إل وسعها( البقرة )‪ (286‬إلى قوله‬ ‫ومنه قوله تعالى‪) :‬ل يكلف الله نف ً‬
‫تعالى‪) :‬ربنا ول تحمل علينا إصًرا كما حملته على الذين من قبلنا( وتمام‬
‫الدليل في إجابة هذا الدعاء الوارد في الية بما رواه مسلم في صحيحه ]‬
‫‪[24‬فيه )قال الله تعالى‪ :‬قد فعلت(‪.‬‬
‫ج‪ .‬التخفيف مراعاة لضعف المكلف من مقاصد التشريع‪:‬‬
‫فا(‬ ‫ومن أدلة ذلك قوله تعالى‪) :‬يريد الله أن يخفف عنكم وخلق النسان ضعي ً‬
‫النساء )‪ (28‬وقوله تعالى‪) :‬ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج( المائدة )‪(6‬‬
‫وذلك في سياق بيان رخصة التيمم عند فقدان الماء أو المرض سواء في‬
‫الوضوء أو الغسل‪ ،‬بل جعل ذلك من تمام النعمة على العباد المستحقة‬
‫للشكر )‪ ..‬وليتم نعمته عليكم ولعلكم تشكرون( المائدة )‪.(6‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الستدلل بالسنة على دفع المشقة‪:‬‬
‫سمي هذا الدين‬ ‫تسمية الدين بالحنيفية السمحة‪ ،‬قال الشاطبي]‪" :[25‬وقد ُ‬
‫بالحنيفية لما فيها من التسهيل والتيسير"‪ ،‬من ذلك ما رواه المام أحمد ]‬
‫‪[26‬فيه‪ ..) :‬إني أرسلت بحنيفية سمحة(‪.‬‬
‫ما‪ .‬ودليل‬‫منهج النبي صلى الله عليه وسلم في اختيار اليسر ما لم يكن إث ً‬
‫خير بين‬ ‫ذلك ما رواه البخاري ]‪[27‬ن حديث عائشة – رضي الله عنها – )ما ُ‬
‫ما فإن كان‬ ‫ما( وقولها‪) :‬ما لم يكن إث ً‬‫أمرين إل ّ اختار أيسرهما ما لم يكن إث ً‬
‫ما كان أبعد الناس عنه( "ينادي بأن المخير له غير الله من المخلوقين‪ ،‬إذ ل‬ ‫إث ً‬
‫يصح أن يقع من الله تخيير بين اثم وغيره]‪ .[28‬وإذا ثبت أن التخيير من غير‬
‫الله كان المراد به التخيير بين أمرين من أمور الدنيا‪.‬‬
‫والحديث ظاهر في إرادة التيسير‪ ،‬أما ترك ما فيه إثم فل مشقة فيه من‬
‫دا‬
‫دا للمشقة لما كان مري ً‬ ‫كا‪ ،‬قال الشاطبي]‪"[29‬ولو كان قاص ً‬ ‫حيثية كونه تر ً‬
‫دا للحرج والعسر وذلك باطل"‪.‬‬ ‫لليسر ول للتخفيف‪ ،‬ولكان مري ً‬
‫ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في إتيان الرخص المشروعة وذلك في ما‬
‫رواه المام أحمد في مسنده]‪) ،[30‬إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى‬
‫عزائمه(‪.‬‬
‫وصف النبي صلى الله عليه وسلم للدين باليسر وأمره باليغال فيه برفق‪،‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه البخاري في صحيحه]‪[31‬من قوله صلى الله عليه وسلم‬
‫)إن هذا الدين يسر‪ ،‬ولن يشاد الدين أحد ٌ إل ّ غلبه‪ ،‬فسددوا]‪ [32‬وقاربوا]‪([33‬‬
‫وهذا دليل على طلب اليسر وعدم الغلو وهو شامل للدين كله من عبادات‪،‬‬
‫ومعاملت وفتوى‪ ،‬ودعوة لله تعالى‪ ،‬وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر‪ ،‬وليس‬
‫أدل على ذلك أن طلب اليسر كان وصيته صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن‬
‫جبل وأبي موسى الشعري – رضي الله عنهما – حين بعثهما إلى اليمن فقال‬
‫لهما‪" :‬يسرا ول تعسرا وبشرا ول تنفرا]‪.[34‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم للصحابة في حادثة العرابي الذي بال في‬
‫المسجد – وهو أمر متعلق بتغيير المنكر – "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا‬
‫معسرين"‪[35].‬‬
‫ثالًثا‪ :‬الدليل الثالث الجماع‪:‬‬
‫فالمة مجمعة على عدم وقوع المشقة غير المألوفة في التكاليف الشرعية‪.‬‬
‫قال الشاطبي]‪ –[36‬بعد حكايته للجماع – "وهو يدل على عدم قصد الشارع‬
‫إليه"‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬الدليل الرابع الستقراء‪:‬‬
‫وهو دليل اعتمده المام الشاطبي]‪ ،[37‬وزبدة كلمة‪ ،‬أن تتبع الحكام‬
‫الشرعية دل على درء المشاق غير المعتادة في عدة جزئيات متفرقة في‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جمع أبواب الفقه‪ ،‬من ثبوت مشروعية الرخص قطًعا‪ ،‬وتناول المحرمات في‬
‫الضطرار‪ ،‬والنطق بكلمة الكفر عند مشقة الكراه مع اطمئنان القلب‪،‬‬
‫والعفو في الصيام عما يشق الحتراز من المفطرات كغبار الدقيق‪ ،‬إلى‬
‫جزئيات كثيرة يحصل من مجموعها القطع بأن من مقاصد التشريع درء‬
‫المشاق غير المعتادة‪.‬‬
‫وللمام الشاطبي نظرة ثاقبة حين عد هذا النوع من الستقراء بمثابة التواتر‬
‫المعنوي قال رحمه الله عند كلمه عن العموم "فإنا نحكم بمطلق رفع الحرج‬
‫في البواب كلها عمل ً بالستقراء‪ ،‬فلنه عموم لفظي‪ ،‬فإذا ثبت اعتبار التواتر‬
‫المعنوي ثبت في ضمنه ما نحن فيه" ]‪[38‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والذي يظهر لي‪ :‬أنه إّنما قال‪" :‬ثبت في ضمنه" ولم يقل‪ :‬ثبت بالتواتر‬
‫ً‬
‫المعنوي‪ ،‬لنه ليس تواتًرا معنوًيا بالصطلح المعروف – كجود حاتم مثل – لن‬
‫ذلك وصف جزئي وهو كرم حاتم‪ ،‬فكل جزئية من أفعال كرمه تعود على هذا‬
‫الوصف مباشرة بالثبات‪ ،‬وهذا بخلف إثبات الكلي باستقراء الجزئيات فإنها‬
‫تتضمن المعنى العام الكلي من جزئيات مختلفة في مواضع مختلفة‪.‬‬
‫سا‪ :‬الدليل الخامس الدليل العقلي على درء المشاق في التشريع‬ ‫خام ً‬
‫السلمي‪:‬‬
‫الدليل العقلي بما قرره العز بن عبد السلم]‪[39‬من أن العبد إنما يقوم‬
‫ما له جل وعل‪ ،‬وليس في طلب عين المشاق‬ ‫بالعمال تقرًبا لله تعالى وتعظي ً‬
‫ما‪ ،‬فل تكون مطلوبة‪ ،‬يقول – رحمه الله – ل يصح التقرب‬ ‫توقيًرا ول تعظي ً‬
‫بالمشاق‪ ،‬لن القرب كلها تعظيم للرب سبحانه وتعالى‪ ،‬وليس في عين‬
‫ما ول توقيًرا"‪ .‬وإذا لم تكون المشقة مقصودة فإن درأها يكون‬ ‫المشاق تعيظ ً‬
‫مقصوًدا في التشريع إذا أخلت بأداء التكليف لخروجها عن المعتاد إذ ل يبقى‬
‫حينها إل ذات المشقة وهي غير مرادة‪.‬‬
‫ما قرره الشاطبي في الموافقات إذ بّين أن وقوع المشقة غير المعتاد في‬
‫التكليف يلزم منه التناقض في الشريعة وذلك منفي عنها‪ ،‬قال – رحمه الله –‬
‫"‪ ..‬فإنه إذا كان وضع الشريعة على قصد العنات والمشقة‪ ،‬وقد ثبت أنها‬
‫ضا واختلًفا‪ ،‬فهي‬ ‫موضوعة على قصد الرفق والتسير‪ ،‬كان الجمع بينهما تناق ً‬
‫منزعة عن ذلك‪.‬‬
‫ن الدليل الفعلي‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫الشاطبي‬ ‫والمام‬ ‫السلم‬ ‫عبد‬ ‫بن‬ ‫العز‬ ‫قرره‬ ‫ونخلص مما‬
‫لدرء المشقة يتلخص في أمرين‪:‬‬
‫)‪ (1‬إن العمال يقصد طلًبا للقربة‪ ،‬وطلب المشقة لذاتها ل قربة فيه‪.‬‬
‫)‪ (2‬إن القول بوقوع المشقة غير المعتادة في التكليف يلزم منه التناقض‬
‫والشريعة منزهة عنه‪.‬‬
‫المقصد الثالث‪ :‬حكمة درء المشاق غير العادية‬
‫تتلخص حكمة درء المشاق غير العادية فيما يلي‪:‬‬
‫ف وتحبيب العبادة إليه‪:‬‬‫مك َل ّ ْ‬
‫‪ /1‬مراعاة ضعف ال ُ‬
‫لما كان التشريع من عند الله تعالى وهو الخبير بخلقه‪ ،‬اقتضت حكمته‬
‫سبحانه وتعالى أن يتناسب التشريع مع صفات ذلك المخلوق الضعيف رحمة‬
‫به‪ ،‬حتى تتجلى حكمته في تحبيب الطاعة في قلب المؤمن )حّبب إليكم‬
‫اليمان وزينه في قلوبكم( الحجرات )‪ (7‬وتلك طبيعة الرسالة الخاتمة‬
‫الشاملة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وللمام الشاطبي – رحمه الله – عبارة رشيقة جاءت عند كلمه عن الوامر‬
‫فا في نفسه‪،‬‬ ‫والنواهي]‪ [40‬نسوق بعضها فنقرأ قوله‪" :‬لما كان المكلف ضعي ً‬
‫فا في صبره‪ ،‬عزره ربه الذي علمه كذلك وخلقه عليه‪،‬‬ ‫فا في عزمه‪ ،‬ضعي ً‬ ‫ضعي ً‬
‫قا يستند إليه في الدخول في العمال‪ ،‬وأدخل‬ ‫فجعل له من جهة ضعفه رف ً‬
‫في قلبه حب الطاعة قواه عليها‪ ..‬فإذا دخل العبد في حب الخير انفتح له‬
‫فا‪ ،‬فتوخى مطلق المر بالعبادة بقوله‬ ‫يسر المشقة وصار الثقيل عليه ضعي ً‬
‫ل( المزمل )‪ (8‬و)وما خلقت الجن والنس إل ّ ليعبدون(‬ ‫)وتبتل إليه تبتي ً‬
‫الذاريات )‪.(56‬‬
‫ويؤكد هذا المعنى قول ابن القيم]‪ –[41‬رحمه الله – في سياق كلمه عن‬
‫سماحة الشريعة‪" :‬ورحمة كلها‪ ،‬ومصالح كلها‪ ،‬وحكمة كلها‪ ،‬فكل مسألة‬
‫خرجت عن العدل إلى الجور‪ ،‬وعن الرحمة إلى ضدها‪ ،‬وعن المصلحة إلى‬
‫المفسدة‪ ،‬وعن الحكمة إلى العبث‪ ،‬فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها‬
‫بالتأويل‪ ،‬فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته لخلقه"‪.‬‬
‫‪ /2‬خوف النقطاع عن التكليف أو بغضه‪:‬‬
‫وذلك أن المشقة غير المعتادة إذا أدخلت الفساد على جسم النسان أو عقله‬
‫أو ماله أو حاله؛ فإنها تؤدي إلى انقطاعه عن التكاليف أو عدم تجويد أدائه‪،‬‬
‫وربما أدت إلى بغضه إذا ضعفت النفس وتغلب الهوى نتيجة البتلء بمصاحبة‬
‫التكليف للمشاق غير العادية‪ ،‬يقول الشاطبي]‪" :[42‬ويدخل هذا الخوف – أي‬
‫من انقطاع التكليف – من إدخال الفساد على المكلف في جسمه أو عقله أو‬
‫ماله أو حاله"‪.‬‬
‫‪ /3‬الخوف من التقصير عند مزاحمة التكاليف المتعلقة بالمكلف‪:‬‬
‫إذا وجدت المشاق غير العادية وتزاحمت التكاليف على المكلف كقيامه على‬
‫أهله مع تكاليف أخرى تتسم بالمشقة غير العادية فإن ذلك ربما قطعه عن‬
‫بعض التكاليف الخرى‪ ،‬ويسوقه ذلك إلى التقصير في بعض التكاليف على‬
‫حساب بعضها فيستق اللوم‪ ،‬بأنه مطالب بالقيام بجميع التكاليف وتجويدها ل‬
‫أداء بعضها دون البعض‪ ،‬أو تجويد أداء بعضها على حساب البعض الخر‪[43].‬‬
‫المقصد الرابع‪ :‬درأ المشقة بين مقاصد التشريع والقواعد الفقهية‬
‫نعني بهذا المقصد الجابة على سؤال مهم يتلخص فيما يلي‪:‬‬
‫إذا ثبت بالدلة أن درء المشاق غير العادية مقصد من مقاصد التشريع‪ ،‬وبانت‬
‫حكمته‪ ،‬فثمة مسألة تعرض في هذا لمقام وهي‪ :‬أن هذا المقصد قاعدة‬
‫فقهية يعبر عنها بقولهم )المشقة تجلب التيسير( والقواعد الفقهية ل تصلح‬
‫دا شرعًيا‪ ،‬وبين كونها قاعدة فقهية‬ ‫أن تكون دليل ً فكيف نوفق بين كونها مقص ً‬
‫ل تصلح أن تكون دلي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وهو مقام يحتاج لتحرير القول فيه لما ورد من كلم العلماء من عدم‬
‫دا‬‫الحتجاج بالقواعد الفقهية‪ ،‬وما نحن بصدده قاعدة فقهية بجانب كونه مقص ً‬
‫شرعًيا‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وفي التقرير الذي صدرت به مجلة الحكام العدلية]‪ [44‬قال العلماء‬


‫المحررين لها‪" :‬فحكام الشرع لم يقفوا على نقل صريح ل يحكمون بمجرد‬
‫الستناد إلى واحدة من هذه القواعد إل أن لها فائدة كلية في ضبط‬
‫المسائل‪."...‬‬
‫وقال بن نجيم]‪ –[45‬رحمه الله – "ل تجوز الفتوى بما تقتضيه الضوابط لنها‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صا وهي لم تثبت على المام بل استخرجها‬ ‫ليست كلية بل أغلبية‪ ،‬خصو ً‬
‫المشايخ من كلمه"‪.‬‬
‫أكد هذا المعنى الستاذ الزرقا في المدخل العام]‪[46‬إذ يقول‪" :‬القاعدة ل‬
‫تكون مطردة إذ تصور الفكرة الفقهية التي تعبر عن المنهاج القياسي العام‬
‫في حلول القضايا وترتيب أحكامها والقياس كثيًرا ما ينحزم ويعدل عنه في‬
‫بعض المسائل إلى حلول استثنائية استحسانية لمقتضيات خاصة بتلك‬
‫المسائل‪ ،‬تجعل الحكم الستثنائي أحسن وأقرب إلى مقاصد الشريعة في‬
‫تحقيق العدالة‪ ."..‬ولهذا لم تسوغ المجلة أن يقتصر القضاة في أحكامهم‬
‫على الستثناء إلى شيء من هذه القواعد الكلية فقط دون نص آخر خاص أو‬
‫عام يشمل بعمومه الحادثة المقضي فيها‪ ..‬فالقواعد الفقهية على ما لها من‬
‫قيمة واعتبار هي كثيرة المستثنيات فهي دساتير للتفقيه ل قوانين للقضاء"‬
‫فهذه النقول وأمثالها تفيد – أنه ل يسوغ اعتبار القواعد الفقهية أدلة شرعية‬
‫لستنباط الحكام لسببين‪:‬‬
‫الول‪:‬‬
‫إن هذه القواعد ثمرة للفروع المختلفة وجامع ورابط لها‪ ،‬وليس من المعقول‬
‫أن تجعل ما هو ثمرة وجامع دليل ً لستنباط أحكام الفروع لتي هي أصله‪.‬‬
‫الثاني‪:‬‬
‫أن معظم هذه القواعد ل يخلو من المستثنيات‪ ،‬فقد تكون المسألة المبحوث‬
‫عن حكمها من المسائل والفروع المستثناة‪ ،‬ولهذا ل يجوز بناء الحكم على‬
‫أساس هذه القواعد‪ ،‬ولكنها تعتبر شواهد مصاحبة ليستأنس بها في تخريج‬
‫سا على المسائل الفقهية المدونة‪.‬‬ ‫الحكام للقواعد الجديدة قيا ً‬
‫ن اللئق بقولهم عدم حمله‬ ‫والذي يظهر لي من استقراء القواعد الفقهية أ ّ‬
‫ن هذه القواعد تختلف‬ ‫على إطلقه من عدم الستدلل بالقواعد الفقهية‪ ،‬ل ّ‬
‫ل‪ ،‬ثم من حيث وجود الدليل على حكم‬ ‫من حيث أصولها ومصادرها أو ً‬
‫المسألة المبحوث عنها ثانًيا‪.‬‬
‫فمن حيث أصول القواعد ومصادرها‪ ،‬فمن القواعد ما كان أصله من كتاب أو‬
‫سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست مستخرجة من الفروع الفقهية‬
‫صا من السنة‪ ،‬فهي قبل أن تكون قاعدة‬ ‫فحسب‪ ،‬أو تكون القاعدة نفسها ن ً‬
‫جرت على ألسنة الفقهاء دليل شرعي‪ ،‬وكونها أصبحت قاعدة فقهية ل‬
‫يخرجها عن كونها دليل ً شرعًيا‪ ،‬فنحو )ل ضرر ول ضرار(]‪ [47‬وقاعدة )البينة‬
‫على من اّدعى واليمين على من أنكر(]‪ [48‬ونحوهما فهذه القواعد أدلة‬
‫شرعية قبل أن تكون قواعد مرعية‪.‬‬
‫ونخلص من هنا أن القواعد ثلثة أنواع‪:‬‬
‫) أ( ما يستخرج من الفروع الفقهية ويكون ثمرة لها‪.‬‬
‫) ب( ما يستند على أدلة شرعية واضحة وينبني عليها‪ ،‬كقاعدة )المشقة‬
‫تجلب التيسير(‪.‬‬
‫) ج( ما يكون دليل شرعًيا في نفسه نحو )ل ضرر ول ضرار( فالنوع الثالث‬ ‫ً‬
‫دليل بنفسه وهو ظاهر‪ ،‬والنوع الثاني يشبه الدلة في قوتها لقوة الدلة التي‬
‫ن كلمهم عن عدم اعتبار القواعد أدلة إّنما ي ُن َّزل على‬ ‫أنبنى عليها‪ .‬ولهذا فإ ّ‬
‫النوع الول وهو يمثل أغلب القواعد الفقهية‪.‬‬
‫ونخلص من هذا المقصد بأن القول بعدم اعتبار القواعد أدلة شرعية ل يضر‬
‫فيما نحن بصدده من تقرير أن درء المشقة مقصد شرعي اصيل يتوجب على‬
‫المجتهد مراعاته واصطحابه عند كل فتوى أو حكم شرعي‪.‬‬
‫المقصد الخامس‪ :‬درجات المشقة وضوابطها‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (1‬درجات المشقة‪:‬‬


‫اتفقت عبارات الفقهاء الذي ألفوا في قواعد الفقه – كالعز بن عبد السلم]‬
‫‪ ،[49‬والقرافي]‪ ،[50‬والزركشي]‪ ،[51‬والسيوطي]‪ ،[52‬وابن نجيم]‪،[53‬‬
‫على أن التكليف تصاحبه غالًبا أنواع ثلثة من المشاق‪:‬‬
‫الول‪:‬‬
‫مشقة عظيمة فادحة – كمشقة الخوف على النفس أو العضاء أو منافعها –‬
‫عا" فهي توجب التخفيف والترخيص‬ ‫قال القرافي]‪" :[54‬فيعفى عنها إجما ً‬
‫للّناس قطًعا‪ ،‬لن المحافظة على النفوس والعضاء للقيام بمصالح الدجنيا‬
‫والخرة أولى من تعريضها للضرر‪ ،‬فإذا قمنا بهذه العبادة مع وجود تلك‬
‫المشقة لجل ثوابها‪ ،‬لدى ذلك لفوات غيرها‪ ،‬فإذا لم يكن للحج طريق إل‬
‫البحر وكان حينئذ الغالب فيه عدم سلمة الوصول فل يجب الحج‪.‬‬
‫الثاني‪:‬‬
‫مشقة ضعيفة – كالوجع البسيط المحتمل في الصبع‪ ،‬أو الصداع الخفيف في‬
‫ن تحصيل مصالح‬ ‫الرأس – فهذه المشقة ل تأثير لها ول التفات إليها‪ ،‬ل ّ‬
‫العبادة أولى من دفع مثلها مما ل يؤبه له عادة لهمية هذه العبادة وشرفها‪،‬‬
‫وخفة هذه المشقة ويسرها‪.‬‬
‫الثالث‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫مشقة متوسطة بين المرتبتين‪ :‬وضابطها أّنها إن اقتربت من النوع الول‬


‫أوجبت التخفيف‪ ،‬وإن اقتربت من النوع الثاني كوجع الصبع اليسير لم توجب‬
‫قا فهذه الدرجات قد يكون إسقا ً‬
‫طا‬ ‫التخفيف‪ ،‬وهذا التخفيف الذي يراعى وف ً‬
‫صا كالقصر أو إبدال ً‬
‫كإسقاط الجمعة والحج بأعذار سقوطها‪ ،‬وقد يكون تنقي ً‬
‫ما أو تأخيًرا كما في جمع الصلوات‬‫كالتيمم عند تحقيق شروطه‪ ،‬أو تقدي ً‬
‫صا كأكل الميتة للمضطر‪،‬‬‫المشتركة في الوقت بشروطها‪ ،‬وقد يكون ترخي ً‬
‫وقد تكون تغييًرا كصلة الخوف‪.‬‬
‫)‪ (2‬ضوابط المشقة وشروط اعتبارها‪:‬‬
‫سبقت الشارة عند تعريف المشقة الجالبة لليسر لوجهتي نظر العلماء في‬
‫ضابط المشقة‪:‬‬
‫فالفريق الول‪:‬‬
‫طا في تحديد المشقة الجالبة للتيسير وهو ما يفهم من كلم‬ ‫اعتمد العادة ضاب ً‬
‫الشاطبي في الموافقات]‪.[55‬‬
‫والرأي الثاني‪:‬‬
‫طا للمشقة كالعز بن عبد السلم]‪،[56‬‬ ‫استشكل اعتماد العرف ضاب ً‬
‫والقرافي‪[57]،‬الزركشي]‪ ،[58‬وذلك لمرين‪:‬‬
‫الول‪:‬‬
‫اختلف المشقة باختلف أعذارها‪ :‬كمشقة الصوم غير مشقة الصلة قال‬
‫الزركشي]‪ .." :[59‬ففي التيمم يعدل عن الماء إذا خاف إتلف منفعة عضو‬
‫شا في عضو ظاهر‪ ،‬وفي القيام إلى الصلة ل‬ ‫أو بطء البرء أو شيًئا فاح ً‬
‫يشترط فيه الضرورة ول يكفي مجرد السم‪ ،‬والمعتبر ألم يلهي عن الخشوع‬
‫في العبادة‪ ،‬ومشقة الصوم ل يشترط فيها الهلك والضابط أن يتضرر في‬
‫الصوم تضرًرا يمنعه من التصرف في المآرب"‪.‬‬
‫الثاني‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اختلف المشقة باختلف رتب العباداتك فقد بين العز بن عبد السلم]‪[60‬أن‬
‫المشاق تختلف باختلف رتب العبادات "‪ ..‬فما كان في نظر الشرع أهم‬
‫اشترط في إسقاطه أهم المشاق وأعمها‪ ،‬فإن العموم بكثرته يقوم مقام‬
‫العظم‪ ،‬كما سقط التطهر من الخبث في الصلة التي هي أفضل العبادات‬
‫بسبب التكرار‪ ،‬وما لم تعظم رتبته في نظر الشرع تؤثر فيه المشاق‬
‫الخفيفة" وفي المعاملت اكتفى الشرع بمجرد السم كشروط السلم في‬
‫سائر الوصاف‪ ،‬وأنواع الحرف يقتصر على مسماه دون مرتبة معينة منها‪.‬‬
‫وقد عدلوا عن العرف إلى تقرير ضبط المشقة بتقريبها بقواعد الشرع‪ ،‬قال‬
‫طا للمشقة "‪ ..‬لن‬ ‫القرافي]‪ :[61‬معلل ً لعتبار التقريب بقواعد الشرع ضاب ً‬
‫التقريب خير من التعطيل لما اعتبره الشارع‪ ،‬فنقول على الفقيه أن يفحص‬
‫عن أدنى مشاق تلك العبادة المعينة فيحققه بنص أو إجماع أو استدلل‪ ،‬ثم ما‬
‫طا‪ ،‬وإن‬ ‫ورد عليه بعد ذلك من المشاق مثل تلك المشقة أو أعلى جعله مسق ً‬
‫مّثل لذلك بقوله‪" :‬مثاله التأذي بالقمل في الحج مبيح‬‫كان أدنى لم يجعله" و َ‬
‫ّ‬
‫للحلق بحديث كعب]‪[62‬فأي مرض أذى مثله أو أعلى منه أباح وإل فل‪،‬‬
‫والسفر مبيح للفطر بالنص‪ ،‬فيعتبر به غيره من المشاق"‪.‬‬
‫فهذا هو منهجهم وهو التقريب بقواعد الشرع‪.‬‬
‫والذي يظهر لي – والله أعلم – أن هذا الضابط الذي ارتضوه ليس أقوى من‬
‫اعتماد العرف – الذي ارتضاه المام الشاطبي – في كل الحالت ل سيما وأن‬
‫برر الستشكال في عدم اعتبار العرف من اختلف رتب العبادات‪ ،‬واختلف‬
‫العذار‪ ،‬فتختلف المشقة تبًعا لختلفهما‪ ،‬ل يتحقق في بعض الحالت في‬
‫كثير من المعاملت وقد سبق النقل عن القرافي وعن العز بن عبد السلم‬
‫بأن المعاملت اكتفى فيها الشرع بمجرد السم‪ ،‬وفي الحرف يقتصر على‬
‫مسماها دون مرتبة معينة‪.‬‬
‫ً‬
‫فعلى القول باعتبار التقريب بقواعد الشرع ضابطا‪ ،‬ل ينبغي رد العرف فيما‬
‫تعتبر فيه العادة ل سيما في المعاملت والحرف ونحو ذلك‪ ،‬فرد العرف‬
‫قا فيه نظر لننا إذا رددناه لعدم ضبطه‪ ،‬فمثل ذلك يجري على التقريب‬ ‫مطل ً‬
‫بضوابط الشرع فما الذي يضبط المشقة الحاصلة من السفر‪ ،‬فهي مضطربة‬
‫مختلفة باختلف المكلفين وأحوالهم‪ ،‬وما ضابط الذى الموجب للحلق‪ ،‬فيما‬
‫طا‪ ،‬وإذا كان المر يرجع إلى‬‫يجري على العرف يجري على ما ارتضوه ضاب ً‬
‫المجتهد في تقرير الفحص بقواعد الشرع وضبطه باجتهاده‪ ،‬فلم ل يرجع‬
‫ضبط العرف إلى اجتهاد المجتهد وضبطه بالنظر والجتهاد لتقرير المسألة‬
‫محل البحث؟‪.‬‬
‫وقد أوضح القرافي]‪ [63‬بعد أستشكاله للعرف فقال‪" :‬إن الفقهاء يحيلون‬
‫على العرف عند سؤالهم مع أّنهم من أهل العرف‪ ،‬فلو كان هناك عرف قائم‬
‫ما لهم أو معروًفا ول تصح الحالة على غير الفقهاء؛ لنه ليس‬ ‫لوجوده معلو ً‬
‫بعد الفقهاء من أهل العرف إل ّ العوام‪ ،‬وهم مما ل يصح تقليدهم في الدين"‪.‬‬
‫وهذا الكلم ل يخلو من نظر‪ ،‬وقد تعقبه الشخ محمد رشيد رضا في تفسيره‬
‫المنار]‪ [64‬بما يكفي فقال‪" :‬وما استشكله من نوط ما لم يرد في الشرع‬
‫بالعرف نظر ظاهر‪ ،‬فإن العلماء الذي ناطوا بعض المسائل بالعرف إّنما ذلك‬
‫وقع منهم أفذاًذا أثناء البحث أو التصنيف‪ ،‬ويجوز أن يجهل كل فرد منهم‬
‫العرف العام في كثير من المسائل‪ ،‬وما اجتمع علماء مصر أو قطر للبحث‬
‫عن عرف الناس في أمر ومحاولة ضبطه وتحديده ثم عجزوا عن معرفته‬
‫وأحالوا ذلك على العامة‪ .‬فالرجوع إلى العرف فيما يشق على الناس‪ ،‬وما ل‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يشق عليهم ل بد منه‪ ،‬وهو ل يعرف إل ّ بمباشرة الناس وتعّرف شؤونهم‬


‫وأحوالهم"‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وخلصة القول‪ ،‬أن كل الضابطين صالح في مجاله لتحديد المشقة الجالبة‬


‫طا للمشقة في نظر المجتهد في المسألة‬ ‫للتيسير فما سهل سبيله منهما ضاب ً‬
‫المعينة بالبحث‪ ،‬وقوى مدركة منهما قدم على غيره‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ (3‬عدم تلزم المشقة والتكليف‪:‬‬
‫إذا اعتبرنا التقريب بقواعد الشرع والعرف ضابطين – على ما سبق ترجيحه‬
‫ن المشقة إذا‬ ‫– فإن الضابط الثالث هو عدم تلزم المشقة والتكليف‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫كانت ملزمة للتكليف ول تنفك عنه كالصوم في النهار الطول أو الحار‪،‬‬
‫فا‬
‫والمخاطرة بالنفوس في الجهاد‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهذه المشاق ل توجب تخفي ً‬
‫في العبادة‪ ،‬لنها قررت معها‪ ،‬وهذه المشقة وإن خرجت عن المعتاد بالنظر‬
‫لغيرها من مشاق العبادات‪ ،‬فهي معتادة في مثلها من العمال العادية التي‬
‫يقوم الناس بها وتقتضي التضحية بنفوسهم فهي بهذا العتبار ليست خارجة‬
‫عن العتياد‪ ،‬كما أنها غير مقصودة للشارع بذاتها بل من جهة ما في ذلك من‬
‫المصالح العائدة للمكلف‪ ،‬لن في اعتبارها ترك للعبادة – كالجهاد مثل ً – ينجم‬
‫عنه من الضرر ما يفوق الضرر الحاصل من تلك المشقة المصاحبة للجهاد‪،‬‬
‫ولهذا لم تعتبر]‪.[65‬‬
‫)‪ (4‬أن تكون المشقة في نازلة عامة في الناس‪:‬‬
‫هذا الضابط اعتبره بعض العلماء‪ ،‬وهو محل نزاع‪ ،‬قال ابن العربي]‪" :[66‬إذا‬
‫صا لم يعتبر‬ ‫كان الحرج في نازلة عامة في الناس فإنه يسقط وإذا كان خا ً‬
‫عندنا‪ ،‬وفي بعض أصول الشافعي اعتباره‪"..‬‬
‫وقد تعقبه الشاطبي في الموافقات]‪[67‬بما حاصله‪:‬‬
‫أن الخاص إن أريد به أعلى مراتب المعتاد فل يعتبر‪ ،‬ول ينبغي أن يختلف‬
‫فيه‪ ،‬إذ المعتاد ل إسقاط فيه‪ ،‬وإن وقع خلف فإنما هو في تحقيق كونه من‬
‫المعتاد أم ل‪.‬‬
‫صا‬
‫ومن ناحية أخرى‪ :‬فإن الخاص بكل اعتبار عام غير خاص‪ ،‬إذ ل يكون مخت ً‬
‫ببعض المكلفين على التعيين دون بعض‪.‬‬
‫ومن ناحية ثالثة فإن من المشاق ما هو خاص وشرع فيه التخفيف‪ ،‬فالمرض‬
‫ليس بعام بمعنى أنه ل يسوغ التخفيف في كل مرض‪ ،‬وهو يخص كل واحد‬
‫ما عند تقييده بما يحصل فيه‬ ‫من المكلفين في نفسه‪ ،‬ولكن يمكن أن يعتبر عا ً‬
‫الحرج غير المعتاد فيرجع إلى القسم العام‪ ،‬وكذلك القول في أمثاله‪ ،‬وبذلك‬
‫يصعب تمثيل الخاص‪.‬‬
‫وأما رابًعا‪:‬‬
‫فإن التشريع ل يكون لشخص بعينه أو لقوم مخصوصين فهذا غير متصور في‬
‫دا من‬ ‫الشريعة‪ ،‬إل ّ اختص به النبي صلى الله عليه وسلم أو خ ّ‬
‫ص به أح ً‬
‫صا بزماان النبوة‪.‬‬‫أصحابه كشهادة خزيمة‪ ،‬وهذا يكون مخت ً‬
‫كر فيه الكفاية لرد هذا الضابط والله‬ ‫وأطال الشاطبي في تقرير ذلك وما ذ ُ ِ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫)‪ (5‬عدم تعارض اعتبار المشقة مع النصوص الشرعية‪:‬‬
‫المشقة إنما تدرأ في موضع ل نص فيه‪ ،‬وأما مع معارضة النص فل تدرأ‪ ،‬وقد‬
‫مثل ابن عابدين]‪ [68‬لذلك بقول أبي حنيفة ومحمد – رحمهما الله – بحرمة‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رعي حشيش الحرم المكي أو قطعه سوى الذخر‪ ،‬وذلك لورود النص فيه‬
‫فمثل ذلك وإن كان فيه مشقة وعمت به البلوى‪ ،‬فل يعفى عنه‪ ،‬ول تجلب‬
‫مشقته التيسير‪.‬‬
‫سمي في الغرب بموت الرحمة – وهو طلب‬ ‫ُ‬ ‫ما‬ ‫–‬ ‫عصرنا‬ ‫في‬ ‫ومن أمثلة ذلك‬
‫المريض قتله لما يصيبه من مشقة غير معتادة لمرض مزمن يعجز الطب عن‬
‫علجه‪ ،‬فمثل هذه المشقة ل تدرأ بقتل المريض لمخالفة ذلك النصوص‬
‫والقواعد الشرعية الداعية لحفظ النفس واعتبارها من الكليات الساسية‬
‫وتحريم قتلها بغير حق الثابت بالدلة القاطعة‪.‬‬
‫)‪ (6‬أل ّ يكون وقوع المشقة نادًرا‪:‬‬
‫فالمشقة التي يراعى فيها ال تكون نادرة الوقوع فإن كانت كذلك فإنها ل‬
‫ما فلو كان نادًرا لم‬ ‫عا عا ً‬
‫تراعي قال الزركشي]‪ .."[69‬إذا كانت المشقة وقو ً‬
‫تراع المشقة فيه"‪ .‬قال‪" :‬ولهذا تتوضأ المستحاضة لكل فريضة لوقوعها‬
‫نادًرا‪ ،‬ولو نسي أربع صلوات من صلوات أربع أيام فلم يعلم أنها متفقة أو‬
‫مختلفة‪ ،‬فإنه يحتاج لصلة عشرين صلة ليسقط الفرض بيقين وإن كان في‬
‫ذلك مشقة عليه"‪ .‬وذلك لن وقوع مثل هذه المسألة نادر الحدوث‪.‬‬
‫)‪ (7‬أل ّ تكون المشقة غير المعتادة في فعل يعسر اجتنابه]‪:[70‬‬
‫فإن كان المشقة العظيمة في فعل ل يعسر اجتنابه‪ ،‬فهذا ل تدرأ مشقته وإن‬
‫عظمت؛ لن اجتنابه ميسور‪ ،‬ومّثل له العز بن عبد السلم ببيع العيان‬
‫الغائبة‪ ،‬فهذا ل يعفى عنه‪.‬‬
‫أما كان مما يعسر اجتنابه ولن من تحمله كبيع البيض في قشره والرمان‬
‫والبطيخ‪ ،‬والنظر إلى أساس الدار‪ ،‬فهذا ونحوه ل يشترط درأه لما يصاحبه‬
‫من مشقة غير معتادة‪ ..‬وبالجملة فإن معرفة ضوابط المشاق وشروط درئها‬
‫يرجع إلى اجتهاد الفقيه‪ ،‬وهو ل يكاد يصيب الحقيقة إل ّ أن ينظر إلى مقام‬
‫الفعل المكلف به وأهميته في نفسه‪ ،‬ثم إلى مقدار العسر والضرر الذي‬
‫يلحق المكلف من الدخول فيه والنظر فيما إذا كان الدوام عليه يؤدي إلى‬
‫انقطاعه عنه‪ ،‬أو عن بعضه‪ ،‬أو وقوع خلل في صاحبه أو في حاله أو حال من‬
‫أحواله مستصحًبا للشروط والضوابط المذكورة تجنًبا للزلل في الحكم‬
‫للضراب الحاصل في حقيقة المشقة‪.‬‬
‫المقصد السادس‪ :‬المشاق المصاحبة للتكليف ل تقصر لذاتها‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫به‬ ‫وصلته‬ ‫هذا المقصد وهو الخير في البحث تكملة لموضوع البحث‬
‫المشاق‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪ -‬منها ما يدرأ‪ ،‬وهو المشقة غير المعتادة‪.‬‬


‫ما للعبادة بحيث ل ينفك عنها كالمخاطرة‬ ‫‪ -‬ومنها ما ل يدرأ‪ ،‬وهو ما كان ملز ً‬
‫بالنفوس في الجهاد‪ ،‬أو كانت مشقته معتادة‪.‬‬
‫والقسمان الخيران مما ل تدرأ مشقته ل يقصد لذاته بل من جهة ما في ذلك‬
‫من المصالح العائدة على المكلف‪.‬‬
‫وحصيلة المقاصد السابقة أن المشقة غير العادية تدرأ في التشريع‬
‫السلمي‪ ،‬ومحصلة هذا المقصد أن ما ل يدرأ من المشاق ل يكون مقصوًدا‬
‫لذاته وبالولى ما كان حقه أن يدرأ منها‪ ،‬وقد أورد الشاطبي]‪ ،[71‬والعز بن‬
‫عبد السلم]‪[72‬أدلة عدم قصد المشقة في التشريع السلمي‪ ،‬وأورد‬
‫العتراضات الواردة عليها وأجابا عنها‪ ،‬وصفوة ما حرراه‪:‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (1‬إن موارد الشرع ومصادره ناطقة بأن مطلوب الشرع إنما هو مصلحة‬
‫العباد‪ ،‬وليست المشقة مصلحة‪ ،‬ول تلزم بين قصد المشقة وقصد التكليف‬
‫من جهة كونه مصلحة للمكلف عاجل ً أو آج ً‬
‫ل‪ ،‬بل هو بمثابة أمر الطبيب‬
‫باستعمال الدواء المر‪ ،‬وليس غرضه إل الشفاء‪ ،‬وقطعه لليد المتآكلة وليس‬
‫مقصده إل حفظ مهجته فل يشكل على هذا استلزام التكليف للمشقة‪.‬‬
‫)‪ (2‬إن حصول الثواب على المشقة ل يستلزم قصدها؛ لن الثواب حاصل‬
‫من حيث كانت المشقة لبد من وقوعها‪ ،‬وبها حصل العمل المكلف به‪ ،‬فرتب‬
‫دا على أجر إيقاع المكلف به‪ ،‬ولهذا يحصل الثواب‬ ‫الشارع عليها أجًرا زائ ً‬
‫بسبب المشاق وإن لم تتسبب عن العمل المطلوب كما يكفر عن السيئات‬
‫بسبب لحوق المصائب والمشاق بدليل حديث عائشة رضي الله عنها]‪:[73‬‬
‫)ما يصيب المؤمن من وصب ول نصب ول هم حتى الشوكة يشاكها إل كفر‬
‫الله به من سيئاته(‪.‬‬
‫وقد قرر العز بن عبد السلم]‪[74‬أن الثواب على الصبر والرضا على‬
‫المصائب وليس عليها لذاتها فقال‪ " :‬ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور‬
‫وهو خطأ صريح؛ فإن الثواب والعقاب إنما هو بالكسب‪ ،‬والمصائب ليست‬
‫منها‪ ،‬بل الجر على الصبر والرضا"‪.‬‬
‫وتعقبه ابن حجر في فتح الباري]‪[75‬بأن الحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت‬
‫الجر بمجرد حصول المصيبة‪ ،‬أما الصبر والرضا فقدر زائد يمكن أن يثاب‬
‫عليه زيادة على ثواب المصيبة‪ ،‬وتوسط القرافي]‪[76‬ففرق بين التكفير‪،‬‬
‫والثواب الجزاء‪ ،‬فبّين أن التكفير يمكن أن يكون من غير مقابلة عمل من‬
‫المكلف بل لمجرد المصيبة‪ ،‬أما الجر والثواب فمغزى اليات القرآنية متعلق‬
‫بالصبر والرضا والتسليم‪.‬‬
‫قا لظاهره لن ظاهر‬ ‫وكلم القرافي هذا ل ينافي كلم العز بن عبد السلم وف ً‬
‫حا في الجر والثواب‪ ،‬ولعل ما‬ ‫كلم العز ل ينفي التكفير‪ ،‬إذ كلمه جاء صري ً‬
‫ذهب إليه القرافي أوجه والله أعلم‪.‬‬
‫ومهما يكن فإنه على تقرير القرافي والعز بن عبد السلم يثبت الدليل أن‬
‫المشاق غير مقصودة لذاتها‪.‬‬
‫)‪ (3‬من الدلة على عدم قصد المشقة لذاتها‪ ،‬أن قليل العمل البدني قد‬
‫يكون أفضل من كثيره‪ ،‬وخفيفه أفضل من ثقيله‪ ،‬كتفضيل القصر على التمام‬
‫قال العز بن عبد السلم في قواعده]‪" :[77‬ولو كان الثواب على قدر النصب‬
‫لما فضلت ركعة الوتر على ركعتي الفجر‪ ،‬ولما فضلت ركعتا الفجر على‬
‫مثلها من الرواتب"‪.‬‬
‫بل قليل المشقة يكون أفضل من كثيرها لمصلحة راجحة‪ ،‬فالمشي إلى‬
‫الجمعات في شدة الحر مع تحقق المبادرة إلى الصلة‪ ،‬قدم عليه البراد‬
‫بالظهر لتحقيق الخشوع الذي قد يشوش عليه شدة الحر فقدم الخشوع‬
‫الذي هو أفضل أوصاف الصلة على المبادرة التي ل تدانيه في الرتبة ولم‬
‫يلتفت للمشقة لنها غير مقصودة لذاتها"]‪[78‬‬
‫ويترتب على هذا المقصد وهو عدم قصد المشقة لذاتها أمران‪:‬‬
‫المر الول‪:‬‬
‫ليس للمكلف أن يقصد المشقة لذاتها لعظم أجرها ولكن له أن يقصد العمل‬
‫الذي يعظم أجره لعظم مشقته من حيث هو عمل قال الشاطبي]‪.." :[79‬‬
‫وذلك هو قصد الشارع بوضع التكليف به وما جاء على موافقة قصد الشارع‬
‫هو المطلوب‪ ،‬فإذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة‪ ،‬فقد خالف قصد الشارع‬
‫من حيث إن الشارع ل يقصد بالتكليف نفس المشقة‪ ،‬وكل قصد يخالف قصد‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشارع باطل"‪.‬‬
‫ويشكل على هذا التقرير‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪:‬‬
‫ما دلت عليه ظواهر بعض النصوص من أن قصد المكلف إلى التشديد على‬
‫نفسه في العبادة وسائر التكاليف صحيح مثاب عليه ومن ذلك حديث جابر]‬
‫‪ –[80‬رضي الله عنه – قال‪ :‬خلت البقاع حول المسجد‪ ،‬فأراد بنو سلمة أن‬
‫ينتقلوا إلى قرب المسجد‪ ،‬فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‬
‫لهم‪) :‬إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد( قالوا‪ :‬نعم يا رسول‬
‫الله أردنا ذلك‪ .‬فقال صلى الله عليه وسلم‪) :‬بنو سلمة دياركم تكتب آثاركم‪،‬‬
‫دياركم تكتب آثاركم( وفي رواية لمسلم‪) :‬إن لكم بكل خطوة درجة(‪.‬‬
‫ثانًيا‪:‬‬
‫أحوال أصحاب الحوال‪ ،‬فإنهم ركبوا في التعبد إلى ربهم أعلى ما بلغته‬
‫طاقتهم‪ ،‬وقد ثبت نظير ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ومن ذلك ما‬
‫رواه ابن المبارك]‪[81‬أن أبي موسى الشعري كان يتتبع اليوم المعمعاني‬
‫الشديد الحر فيصومه‪.‬‬
‫وقد أجاب الشاطبي]‪[82‬وابن القيم]‪[83‬بما حاصله‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫أنالحاديث ليس فيها دليل على قصد المشقة لذاتها‪ ،‬فحديث بني سلمة جاء‬
‫في رواية البخاري ما يفسره في أّنه زاد فيه )وكره أن تعرى المدينة قبل‬
‫ذلك‪ ،‬لئل تخلو ناحيتهم من حراستها( ومعنى ذلك أن ديارهم أصبحت موضع‬
‫رباط يثاب المرء على قصد وجوده فيه من هذه الحيثية‪.‬‬
‫وأما فعل أبي موسى رضي الله عنه فإنه حجة من عمل الصحابي‪ ،‬ولكن فيه‬
‫الخبار بأن عظمة الجر ثابت لمن عظمت مشقة العبادة عليه‪ ،‬وليس فيه‬
‫قصد التشديد على النفس‪ ،‬وإنما قصد الدخول في عبادة عظم أجرها لعظم‬
‫مشقتها‪ .‬وأما شأن أرباب الحوال فمقاصدهم القيام بحق المعبود مع طرح‬
‫حظوظ النفس‪ ،‬وليس قصدهم التشديد على النفوس لذاته‪ .‬وبناء على ما‬
‫تقدم من عدم قصد المكلف المشقة لذاتها‪ ،‬فإن المشقة إذا كانت حاصلة‬
‫بسبب المكلف مع عدم اقتضاء ذلك العمل بأصله‪ ،‬فأدخلها المكلف على‬
‫نفسهباختياره‪ ،‬فإن فعله يكون منهًيا عنه ول يصح التعبد به‪.‬‬
‫ويدل على ذلك حديث ابن عباس]‪ –[84‬رضي الله عنه – قال‪ :‬بينما النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم في الشمس‪ ،‬فسأل عنه‬
‫فقالوا‪ :‬هذا أبو إسرائيل‪ ،‬نذر أن يقوم ول يقعد‪ ،‬ول يستظل‪ ،‬ول يتكلم‪،‬‬
‫ويصوم‪ ..‬قال صلى الله عليه وسلم‪) :‬مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم‬
‫صومه( قال المام مالك]‪ –[85‬رضي الله عنه – "أمره أن يتم ما كان لله‬
‫طاعة‪ ،‬نهاه عن ما كان لله معصية" من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‬
‫)هلك المتنطعون(‪[86]،‬ورده صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن‬
‫مظعون‪ ،‬ونهى الذين أرادوا التشديد – بالتبتل – على أنفسهم وقال‪) :‬من‬
‫رغب عن سنتي فليس مني(‪[87].‬‬
‫قال الشاطبي]‪" :[88‬ونهيه عن التشديد شهير في الشريعة بحيث صار أصل ً‬
‫فيها قطعًيا‪ ،‬فإذا لم يكن من قصد الشارع التشديد على النفس‪ ،‬كان قصد‬
‫المكلف إليه مضاًدا لما قصد الشارع من التخفيف المعلوم المقطوع به‪ ،‬فإذا‬
‫خالف قصده قصد الشارع بطل ولم يصح‪."..‬‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولهذا فإن المكلف متى علم أو ظن أنه يدخل على نفسه أو جسمه أو عقله‬
‫حالة فساد‪ ،‬أويكره بسبب تلك المشقة – غير الملزمة للعمل – أو تدخل‬
‫عليه الملل‪ ،‬أو لم يعلم ولم يظن ولكنه وجد ذلك للدخول في العمل‪ ،‬ليس‬
‫له فعل ذلك العمل‪ :‬وفي مثل ذلك قال صلى الله عليه وسلم )ليس من البر‬
‫الصوم في السفر(]‪ [89‬وترجمة البخاري تدل على سبب ورود الحديث الدال‬
‫على منع الدخول في المشقة غير المعتادة التي تدخل على النفس العسر‬
‫والعنت‪ ،‬وذلك بقوله "باب قول النبي لمن ظلل عليه واشتد الحر"‪.‬‬
‫غير أن هذه المشاق غير المعتادة‪ ،‬قد تكون معتادة بالنسبة لبعض المكلفين‬
‫المنقطعين لله تعالى المعانين على بذلك المجهود في التكاليف‪ ،‬وفي قوله‬
‫تعالى‪) :‬واستعينوا بالصبر والصلة وإنها لكبيرة إل ّ على الخاشعين( البقرة )‬
‫‪ (45‬فجعلها كبيرة على المكلف‪ ،‬واستثنى الخاشعين‪ ،‬الذين إمامهم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي كانت قرة عينه في الصلة كما ثبت ذلك‬
‫في مسند المام أحمد]‪ ،[90‬فمن خص بوراثته في هذا النحو‪ ،‬نال من بركة‬
‫هذه الخاصية‪ ،‬فأقبل على العبادة بيقين ساطع‪ ،‬لما وجد فيها من راحة ولذة‪،‬‬
‫فليس العابد‪ ،‬ببصيرة وضاءة في ضائقة من حرج النفس واقتحام المكاره –‬
‫كما يحسب أسارى الهواء – بل هو لذة ل تنقص – عند من ذاقها – عن لذة‬
‫إدراك المعارف السامية‪ ،‬والحكمة الغامضة‪.‬‬
‫وليس ذلك خاص بأرباب الحوال‪ ،‬بل هو شأن الصحابة والتابعين ممن اشتهر‬
‫بالعلم وحمل الحديث والقتداء بعد الجتهاد – في استقامة وتوازن تام بين‬
‫التكاليف الشرعية‪ ،‬ومن ذلك ما صح عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه‬
‫أنه كان إذا صلى العشاء أوتر بركعة يقرأ فيها القرآن كله‪[91].‬يكفي في ذلك‬
‫شهادة القرآن لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم )كانوا قليل ً من‬
‫الليل ما يهجعون وبالسحار هم يستغفرون( الذاريات )‪ (18 ،17‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫)تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوًفا وطمًعا( السجدة )‪،(16‬‬
‫فهؤلء هيأهم الله لتلك العمال وهيأهم لها‪ ،‬ولم يكونوا مخالفين بذلك للسنة‪،‬‬
‫بل كانوا معدودين من السابقين‪ ،‬وذلك لن العلة التي نهي لجلها عن العمل‬
‫الشاق مفقودة في حقهم‪ ،‬وقد صور الشاطبي]‪[92‬حالهم ةيسر هذه المشاق‬
‫في حقهم فقال‪ .." :‬حاله حال من يعمل بحكم غلبة الخوف أو الرجاء أو‬
‫المحبة‪ ،‬فالخوف سوط سائق‪ ،‬والرجاء حاد ٍ قائد‪ ،‬والمحبة تيار حامل‪ .. ،‬غير‬
‫أن الخوف من ما هو أشق يحمل على الصبر على ما هو أهون وإن كان‬
‫شاًقا‪ ..‬والرجاء في تمام الراحة يحمل على الصبر على تمام التعب‪ ،‬والمحب‬
‫يعمل ببذل المجهود شوًقا إلى المحبوب فيسهل عليه الصعب‪ ،‬ويقرب عليه‬
‫البعد"‪.‬‬
‫المر الثاني‪:‬‬
‫أداء الفعل مع المشقة غير المعتادة‪:‬‬
‫سبق الكلم عن تقرير كون المشقة غير مقصودة للشارع وأن المكلف ل‬
‫يقصدها لذاتها وهو المر الول وأداء الفعل مع المشقة غير المعتاد هو المر‬
‫الثاني‪ ،‬مع العلم بأن بعض المخلصين قد تكون هذه المشقة غير المعتادة‬
‫معتادة في حقهم كما سبق بيان ذلك‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ولبيان حكم أداء الفعل مع مشقة غير معتادة فإن العمل الحاصل مع مشقة‬
‫غير معتادة ل يخلو من حالتين]‪:[93‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الولى‪:‬‬
‫من خفت عليه المشقة فتكلف وفعل‪ ،‬ولم يخش الهلك أو الضرر العظيم‪،‬‬
‫كالمريض يتحمل المشقة في حضور الجمعة‪ ،‬فهذا يصح منه ويسقط عنه‬
‫الفرض‪.‬‬
‫الثانية‪:‬‬
‫أن يتكلف الفعل مع خشية الهلك أو الضرر العظيم‪ ،‬قال الزركشي]‪[94‬في‬
‫ما في‬ ‫حق من يصوم في مثل هذه الحالة‪" :‬فيجب عليه الفطر إذا كان صائ ً‬
‫رمضان‪ ،‬فإن صام عصى" قال الشاطبي]‪"[95‬وقد نقل منع الصوم إذا خاف‬
‫التلف به عن مالك والشافعي‪ ،‬ل يجزئه إن فعل‪ ،‬ونقل المنع عن الطهارة‬
‫عند خوف التلف والنتقال إلى التيمم"‪.‬‬
‫إل أن الغزالي ذكر في المستصفى في المريض يريد الصوم في مثل هذه‬
‫الحالة أّنه يجب عليه الفطر فإن صام عصى ثم قال‪" :‬ويحتمل أن يقال إنما‬
‫عصى لجنايته على الروح التي هي حق الله تعالى ويكون كالمصلي في الدار‬
‫المغصوبة يعصي لتناوله حق الغير وكذلك هذا لم يعص من حيث أنه صائم بل‬
‫من حيث سعيه في الهلك"‪.‬‬
‫والذي يظهر لي – والله أعلم – أن هذا الحتمال الذي ذكره المام الغزالي‬
‫والذي مقتضاه صحة الصيام مع الثم للسعي في الهلك ل يخلو من نظر؛‬
‫وذلك؛ لن أداء المكلف للعبادة مع خوف الهلك‪ ،‬وإن شابهت الصلة في‬
‫الرض المغصوبة من جهة العصيان بفعل ما نهي عنه إل ّ أنها تخالفها في‬
‫أمرين‪:‬‬
‫الول‪:‬‬
‫إن الصلة في الدار المغصوبة ل يترتب عليها من المفسدة ما يترتب على‬
‫أداء الفعل المكلف به مع خشية الهلك‪ ،‬وتباين المفسدة في المحلين يجعل‬
‫القياس مع الفارق‪.‬‬
‫الثاني‪:‬‬
‫أن الوصف في مسألة الصلة في الدار المغصوبة وصف مجاور منفك عن‬
‫المنهي عنه وهو – على ري جمهور الصوليين – يصحح الصلة لعدم تعلق‬
‫النهي بها‪.‬‬
‫أما في أداء الصوم مع المشقة الفادحة‪ ،‬فإنها في خصوص ذلك المكلف فإن‬
‫المشقة تلزم الفعل المكلف به ول تنفك عنه بحال ما دام السبب المدخل‬
‫ما‪ ،‬والجمهور على أن الوصف الملزم للمنهي عنه يعود عليه‬ ‫للمشقة قائ ً‬
‫بالبطلن‪ ،‬وهذا فارق آخر يضعف هذا القياس بل يسقطه‪.‬‬
‫وتجدر الشارة – هنا – إلى أن المشقة الداخلية على المكلف بدون تسببه‪،‬‬
‫كالمشقة الحاصلة بسبب المرض‪ ،‬وألم البرد‪ ،‬فهذه المشقة ليس للشارع‬
‫فيها قصد‪ ،‬غير أن الله جعلها للعباد ابتلء فسلطها عليهم كيف يشاء‪ ،‬والدلة‬
‫دالة على الذن في دفعها والتحرر منها عند توقعها‪ ،‬وبناء عليه أذن المكلف‬
‫دفع ألم الجوع والعطش والبرد‪ ،‬وبالتداوي عند وقوع المراض‪ ،‬والتوقي من‬
‫كل مؤذٍ وإعداد العدة لدفعه فإذا أتى المكلف بالسباب‪ ،‬وامتنع دفع المشقة‬
‫اعتبرت جهة البتلء‪ ،‬فيتحتم الصبر والرضا بالقضاء‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فهذا جهد بذلته لجمع مسائل هذا المقصد الشرعي العظيم‪ ،‬قصدت إليه‬
‫ما موضوعًيا في التشريع‪،‬‬ ‫كمقصد من مقاصد التشريع السلمي يؤلف نظا ً‬
‫وهو بحاجة إلى استكماله بالجانب التطبيقي مما اجتهد فيه العلماء ودرءوا‬
‫فيه المشاق غير المعتادة‪ ،‬لن ما ورد به النص من درأ المشاق محدود‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معلوم‪ ،‬والنظر في مسالك العلماء في درأ المشاق‪ ،‬الوقوف على الجزئيات‬


‫الثابتة باجتهادهم تعين على إضاءة آفاق جديدة تساهم في بيان مسالكه‪،‬‬
‫عا‬‫ومعرفة ضوابطه‪ ،‬وتقرب الجانب النظري إذ يكون فيها – له – تصويًرا بار ً‬
‫وتنويًرا رائًعا‪..‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫]‪ [1‬للفيروز أبادي ‪ 3/258‬مادة شق‪.‬‬
‫]‪ [2‬للزيدي ‪ 6/399‬مادة شق‪.‬‬
‫]‪ [3‬لبن منظور ‪ 11/96‬مادة شق‪.‬‬
‫]‪ [4‬انظر‪ :‬نهاية السؤال للسنوي ‪ ،1/149‬شرح تنقيح الفصول للقرافي‬
‫‪ ،143‬تيسير التحرير‬
‫]‪ [5‬مجموع الفتاوي ‪.8/469 ،4/175‬‬
‫]‪ [6‬بدائع الفوائد ‪.4/175‬‬
‫]‪ [7‬انظر التفصيل في‪ :‬البرهان لمام الحرمين ‪ ،1/104‬المستصفى‪:‬‬
‫للغزالي ‪ ،1/86‬المعتمد‪ :‬للبصري ‪ .1/177‬التفسير الكبير‪ :‬للرازي ‪،48-2/42‬‬
‫كشف السرار‪ :‬للبخاري ‪ ،1/191‬شرح العضد على مختصر ابن الحاجب‬
‫‪.11-2/9‬‬
‫]‪ [8‬البدائع ‪.4/176‬‬
‫]‪ [9‬لسان العرب مادة )كلف(‪.‬‬
‫]‪ [10‬الموافقات ‪.2/269‬‬
‫]‪ [11‬قواعد الحكام ‪.2/7‬‬
‫]‪ [12‬أعلم الموقعين ‪.2/112‬‬
‫]‪.2/269 [13‬‬
‫]‪ [14‬السبرة‪ :‬الغداة الباردة‪.‬‬
‫]‪ [15‬انظر تقرير ذلك وأمثلته في‪ :‬قواعد الحكام لبن عبد السلم ‪،1/173‬‬
‫المنشور في القواعد للزركشي ‪ ،3/172‬القرافي في الفروق ‪،1/121‬‬
‫الذخيرة ‪1/340‬‬
‫]‪.1/271 [16‬‬
‫]‪ [17‬انظر‪.1/39 :‬‬
‫]‪ [18‬انظر‪.3/49 ،2/269 ،1/484 :‬‬
‫]‪.2/268 [19‬‬
‫]‪ [20‬انظر‪ :‬ص ‪ 4‬من البحث‪.‬‬
‫]‪.1/120 [21‬‬
‫]‪.1/341 [22‬‬
‫]‪ [23‬في المنصور من القواعد ‪.3/172‬‬
‫]‪ [24‬كتاب اليمان‪ ،‬باب بيان أنه سبحانه لم يكلف إل ما يطاق ‪ 1/116‬حديث‬
‫رقم )‪ ،(126‬عن ابن عباس رضي الله عنهما‪.‬‬
‫]‪ [25‬الموافقات ‪.3/250‬‬
‫]‪ [26‬وفي مسنده ‪ 233 ،6/116‬وحسنه ابن حجر في تغليق التعليق ‪،1/43‬‬
‫وهو بخلف رواية )بعثت بالحنيفية السمحة( فقد ضعف العراقي سندها في‬
‫تخريج أحاديث الحياء ‪ ،4/149‬ولكنها حسنة بغيرها كما قال العلئي في فتح‬
‫ن له طرق ليس ببعيد أل ينزل سندها عن درجة‬ ‫القدير ‪ 2/121‬حيث قال‪" :‬لك ّ‬
‫الحسن"‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫]‪ [27‬متفق عليه رواه البخاري في المناقب باب صفة النبي‪ ،‬وفي الدب‬
‫والحدود ومسلم في الفضائل باب مباعدته للثام واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫]‪ [28‬فتح الباري ‪.7/42‬‬
‫]‪ [29‬الموافقات ‪.2/212‬‬
‫]‪ 4/227 [30‬من حديث ابن عمر‪.‬‬
‫]‪ [31‬عن أبي هريرة ‪ 1/23‬رقم ‪.39‬‬
‫]‪ [32‬سددوا‪ :‬أي اطلبوا بأعمالكم السداد والستقامة وهو القصد في المر‬
‫والعدل فيه النهاية في غريب الحديث مادة )سدد(‪.‬‬
‫]‪ [33‬قارب أي عمل به شيًئا ل يعاب عليه النهاية في غريب الحديث مادة‬
‫)سدد(‪.‬‬
‫]‪ [34‬صحيح البخاري ‪ 3/110‬رقم ‪ 2873‬وصحيح مسلم ‪ 3/1359‬رقم‬
‫‪.11549‬‬
‫]‪ [35‬صحيح البخاري عن أبي هريرة ‪ 1/89‬رقم ‪.217‬‬
‫]‪ [36‬في الموافقات ‪.2/212‬‬
‫]‪ [37‬في الموافقات ‪.4/451‬‬
‫]‪ [38‬المصدر السابق نفسه‪.‬‬
‫]‪ [39‬قواعد الحكام ‪.1/36‬‬
‫]‪ [40‬في الموافقات ‪.3/421‬‬
‫]‪ [41‬في أعلم الموقعين ‪.3/14‬‬
‫]‪ [42‬الموافقات ‪.3/122‬‬
‫]‪ [43‬انظر‪ :‬المصدر السابق نفسه‪.‬‬
‫]‪ [44‬ص ‪.15‬‬
‫]‪ [45‬نقله عنه الحموي في عمز عيون البصائر ‪.1/37‬‬
‫]‪.2/934 [46‬‬
‫]‪ [47‬رواه المام مالك في الموطأ ‪ 2/745‬رقم ‪ 1429‬عن عمر بن يحيى‬
‫المازني عن أبيه‪ ،‬والمام أحمد في مسنده عن ابن عباس ‪ 1/313‬برقم‬
‫‪ 2867‬والحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري وقال صحيح السناد‬
‫على شرط مسلم ولم يخرجه وأقره الشعبي واللفظ للحاكم‪.‬‬
‫]‪ [48‬رواه البخاري بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين‬
‫على المدعى عليه في صحيحه ‪ 2/888‬برقم ‪ 2380‬والمام أحمد في مسنده‬
‫‪ 1/253‬برقم ‪ 2380‬وبلفظه رواه الدارقطني في سننه ‪ ،99 ،3/111‬و‬
‫‪ 218 – 4/217‬حديث رقم ‪ ،52 ،51‬عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده‪،‬‬
‫ضا البيهقي في سننه ‪ 8/123‬برقم ‪.162221‬‬ ‫ورواه بلفظه أي ً‬
‫]‪ [49‬قواعد الحكام ‪.1/37‬‬
‫]‪ [50‬الفروق ‪ 1/119‬والذخيرة ‪.1/191‬‬
‫]‪ [51‬المنثور من القواعد ‪.3/173‬‬
‫]‪ [52‬الشباه والنظائر ‪.73‬‬
‫]‪ [53‬المصدر السابق نفسه ‪.1/116‬‬
‫]‪ [54‬الفروق ‪.8/119‬‬
‫]‪.3/49 ،2/269 ،1/484 [55‬‬
‫]‪ [56‬في قواعد الحكام ‪.1/37‬‬
‫]‪ [57‬في الفروق ‪.1/120‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [58‬المنثور من القواعد ‪.3/172‬‬


‫]‪ [59‬المصدر السابق نفسه‪.‬‬
‫]‪ [60‬قواعد الحكام ‪.2/9‬‬
‫]‪ [61‬في الذخيرة ‪ ،1/341‬وفي الفروق ‪.1/120‬‬
‫]‪ [62‬رواه البخاري في حجج المحصر باب قول الله )أو صدقة( عن كعب بن‬
‫عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال )أتؤذيك هوام رأسك؟ قال نعم‪،‬‬
‫قال أحلق وأنسك بشاة‪ ،‬أو صم ثلثة أيامأو أطعم ‪ (..‬الحديث‪.‬‬
‫]‪ [63‬في الفروق ‪.120 – 1/119‬‬
‫]‪.6/276 [64‬‬
‫]‪ [65‬انظر‪ :‬قواعد الحكام لبن عبد السلم ‪ ،1/37 ،2/11‬الفروق للقرافي‬
‫‪ .1/121‬المنشور من القواعد للزركشي ‪ .3/171‬الموافقات للشاطبي‬
‫‪.2/214‬‬
‫]‪ [66‬في أحكام القرآن ‪.3/306‬‬
‫]‪ 2/273 [67‬فما بعدها‪.‬‬
‫]‪ [68‬في رسائله ‪ ،2/120‬وانظر الشباه والنظائر لبن نجيم ‪.1/171‬‬
‫]‪ [69‬المنثور من القواعد ‪.3/171‬‬
‫دا من المثلة في قواعد الحكام للعز‬ ‫ً‬ ‫ومزي‬ ‫]‪ [70‬انظر هذا الضابط وتفصيله‬
‫بن عبد السلم ‪ 2/30‬فما بعدها‪.‬‬
‫]‪ [71‬في الموافقات ‪.2/214‬‬
‫]‪ [72‬في قواعد الحكام ‪ 1/37‬فما بعدها‪.‬‬
‫]‪ [73‬رواه البخاري في صحيحه في كتاب المرض‪ ،‬باب ما جاء في كفارة‬
‫المرض رقم ‪ .5640‬ومسلم في البر والصلة باب ثواب المؤمن فيما يصيبه‬
‫من مرض أو حزن أو نحو ذلك‪.‬‬
‫]‪ [74‬في قواعد الحكام ‪.1/29‬‬
‫]‪.10/105 [75‬‬
‫]‪ [76‬في الفروق ‪.1/122‬‬
‫]‪.1/38 [77‬‬
‫]‪ [78‬المصدر السابق‪ ،‬ومجموع الفتاوي لبن تيمية ‪.10/62‬‬
‫]‪ [79‬في الموافقات ‪.2/22‬‬
‫]‪ [80‬رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلة‪ ،‬باب فضل كثرة الخطا إلى‬
‫المساجد ‪ 1/462‬حديث رقم ‪ 665‬عن جابر رضي الله عنه ورواه البخاري‬
‫عن أنس واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫]‪ [81‬في الزهد حديث رقم ‪ 1309‬وحسنه اللباني في صحيح الترغيب‬
‫والترهيب حديث رقم ‪.975‬‬
‫]‪ [82‬في الموافقات ‪.2/225‬‬
‫]‪ [83‬في الموافقات ‪.2/225‬‬
‫]‪ [84‬رواه البخاري في صحيحه في اليمان والنذور‪ ،‬باب النذر فيما ل يملك‬
‫وفي المعصية رقم ‪.6704‬‬
‫]‪ [85‬في الموطأ ‪.2/476‬‬
‫]‪ [86‬رواه مسلم في العلم باب هلك المتنطعون ‪ 4/2055‬رقم ‪.2670‬‬
‫]‪ [87‬متفق عليه رواه البخاري في صحيحه في النكاح باب ما يكره من‬
‫التبتل والخصاء رقم ‪ ،5073‬ومسلم في صحيحه في النكاح باب استحباب‬
‫النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤونة‪.‬‬
‫]‪ [88‬في الموافقات ‪.2/229‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [89‬رواه البخاري في صحيحه في الصوم باب قول النبي لمن ظلل عليه‬
‫واشتد الحر‪ ،‬ومسلم في صحيحه في الصيام باب جواز الصوم والفطر في‬
‫شهر رمضان للمسافر ‪ 2/786‬رقم ‪ 115‬عن جابر رضي الله عنه‪.‬‬
‫]‪.285 ،199 ،3/128 [90‬‬
‫]‪ [91‬رواه ابن أبي شبية في مصنفه ‪ ،1/367‬وسعيد بن منصور في سننه‬
‫‪ ،2/469‬وابن المبارك في الزهد رقم ‪ ،1275‬وعبد الرازق في المصنف‬
‫‪ ،3/124‬وابن سعد في الطبقات ‪ ،3/75‬وأبو عبيد في فضائل القرآن رقم‬
‫‪ ،277‬والطحاوي في شرح معاني الثار ‪ ،1/294‬والطبراني في الكبير ‪،1/87‬‬
‫والبيهقي في السنن الكبرى ‪ ،3/24‬وفي الشعب ‪.5/145‬‬
‫]‪ [92‬في الموافقات ‪.2/245‬‬
‫]‪ [93‬راجع الحالتين وأمثلتهما في المنثور من القواعد للزركشي ‪،3/173‬‬
‫الفروق للقرافي ‪ ،2/23‬وقواعد الحكام للعز بن عبد السلم ‪.2/38‬‬
‫]‪ [94‬في المنثور من القواعد ‪.3/174‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫]‪.2/106 [95‬‬
‫* أستاذ أصول الفقه المشارك بجامعة قطر ]معار[‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫دراسة السيرة النبوية وأهميتها في المنهج السلمي‬


‫علء سعد حسن ‪11/3/1426‬‬
‫‪20/04/2005‬‬
‫النبي الخاتم والرسول المين محمد بن عبد الله أمرنا الله تبارك وتعالى‬
‫بالتأسي به وجعله قدوتنا في الحياة يقول تعالى ‪ ) :‬لقد كان لكم في رسول‬
‫الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الخر ( الحزاب ‪ ، 21‬كما أمرنا‬
‫الله تعالى بمحبته ) قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم‬
‫وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها‬
‫أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره‬
‫والله ل يهدي القوم الفاسقين ( التوبة ‪ .. 24‬فكيف يتحقق هذا القتداء‬
‫ويتصل القلب بهذه المحبة دون دراسة سيرته العطرة صلى الله عليه‬
‫وسلم ؟!‬
‫إن بعض المناهج والمدارس السلمية تغفل دراسة السيرة النبوية إما عن‬
‫غفلة عن أهميتها ومكانتها في المنهج السلمي ودورها في بناء الفهم‬
‫السلمي المستقيم ‪ ،‬وإما عن توجس مما قد يكون اعتراها مما يعتري كتب‬
‫التاريخ عادة من بعض الخطاء ‪ ،‬كما تعمد بعض الدراسات إلى استنطاق‬
‫مواقف السيرة أحكاما ودللت تخدم توجها مذهبيا أو حزبيا معينا بصرف‬
‫النظر عن احتمال هذه المواقف تلك التأويلت والنتائج من عدمه ‪..‬‬
‫والواقع أن المنهج السلمي في حاجة إلى دراسات تعيد للسيرة النبوية‬
‫المطهرة مكانتها وترد إليها اعتبارها بوصفها واحدة من أهم مصادر الفهم‬
‫السلمي الصحيح ‪ ،‬وكذا تنقيها وتنقحها من كل تأويل خاطئ أو فهم مغلوط‬
‫قد لحق بها أو اختلط بمنهجها ‪ ،‬عسى أن تساهم هذه السطور في التمهيد‬
‫لتلك الدراسات المرجوة لعادة السيرة النبوية إلى مكانتها الطبيعية اللئقة ‪..‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أول أهمية دراسة السيرة النبوية ‪:‬‬


‫‪ – 1‬المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم ‪ ..‬أو هي التطبيق العملي للقرآن ‪ ،‬أو‬
‫التفسير العملي للقرآن ‪ ،‬فل شك أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو‬
‫أول وأعظم من فهم القرآن الكريم ‪ ،‬فهو مبلغ الرسالة عن ربه عز وجل ‪،‬‬
‫وهو أعظم من فسر هذا الكتاب الخالد ‪ ،‬كما أنه صلى الله عليه وسلم لم‬
‫يقدم تفسيره للقرآن في أقوال منطوقة ‪ -‬أحاديث نبوية ‪ -‬فحسب ‪ ،‬ول قدم‬
‫تفسيره هذا بين دفتي كتاب يقرأ ‪ ،‬ولكنه قدم هذا التفسير وذلك الفهم من‬
‫خلل حياته العملية والدعوية كلها ‪ ،‬فكانت حياته كلها ترجمة فعلية حية‬
‫للقرآن الكريم ‪ ،‬فقد كان صلى الله عليه وسلم كما قالت عنه السيدة عائشة‬
‫رضي الله عنها ‪) :‬خلقه القرآن أو كان قرآنا يمشي على الرض ( ‪ ،‬كما تعد‬
‫مواقف السيرة النبوية كلها أرضا خصبة للمفسرين بما توفره من معرفة‬
‫أسباب نزول اليات والمواقف التي نزلت فيها ‪ ،‬وكيفية تطبيق الجيل الول‬
‫من المسلمين لها ‪ ،‬حتى يكاد يستعصي علينا فهم بعض معاني القرآن الكريم‬
‫في معزل عن الحياة والبيئة التي تنزل فيها ‪ ،‬وهي ما تعرف بالسيرة النبوية‬
‫المطهرة ‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ – 2‬ضمان عدم الغلو أو التعسف في فهم النصوص وضبط ذلك بتطبيق‬


‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬ول توفر السيرة النبوية ‪ -‬وهي التي تجمع‬
‫مواقفه صلى الله عليه وسلم كلها – تفسيرا دقيقا للقرآن الكريم بالمعنى‬
‫اللغوي فحسب ‪ ،‬ولكنها تعطينا أهم عنصر من عناصر ضبط الفهم السلمي‬
‫بعيدا عن الغلو أو الخطأ أو التعسف ‪ ،‬لننا حين نجمع النصوص إلى طريقة‬
‫تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم لهذه النصوص ‪ ،‬مع إيماننا المطلق بأن‬
‫النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو أعلم أهل الرض بمراد الله تعالى من‬
‫قوله ‪ ،‬وأنه أوتي القرآن ومثله معه وهو الحكمة )‪ ) (1‬كما أرسلنا فيكم‬
‫رسول منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما‬
‫لم تكونوا تعلمون (البقرة ‪ ) ، 151‬واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله‬
‫والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا ( الحزاب ‪ ، 34‬ندرك أنه ليس في إمكاننا‬
‫فهم النصوص قرآنا وسنة فهما لغويا مجردا في معزل عن طريقة تطبيق‬
‫النبي لها ‪ ،‬ونحن مأمورون في كتاب الله بطاعته وإتباعه ) من يطع الرسول‬
‫فقد أطاع الله (النساء ‪ ) 80‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (‬
‫آل عمران ‪ ، 31‬وهو القائل ‪" :‬خذوا عني مناسككم" )‪ .. (2‬ومثال على ذلك‬
‫قوله تعالى‪ ) :‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ( التوبة‬
‫‪] ، 73‬التحريم‪ ،[9:‬ورغم أن حدود اللغة تقطع بأن جهاد الكفار والمنافقين‬
‫على حد سواء ‪ ،‬وأن المنافقين معطوفة على الكفار ‪ ،‬غير أن تطبيق النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم للنص ‪ ،‬وامتناعه من قتل عبد الله بن أبي ابن سلول‬
‫رأس النفاق وزعيم المنافقين ‪ ،‬ونهيه ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي من‬
‫ذلك " بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا")‪ ، (3‬وكذا نهيه عمر بن‬
‫الخطاب عن ذلك وحمايته من القتل وقوله لعمر ‪ " :‬حتى ل تحدث العرب أن‬
‫محمدا يقتل أصحابه")‪ .. (4‬وكذا حمايته لدماء المنافقين بعدم إفشاء سرهم‬
‫للصحابة واستئمان حذيفة بن اليمان وحده على ذلك ‪ ،‬كل ذلك يضعنا أمام‬
‫فهم مغاير تماما للمعنى اللغوي للية الكريمة ‪ ،‬ويقدم لنا تفسيرا عمليا‬
‫يتعدى حدود اللغة المجردة إلى فهم أعمق وأشمل ‪ ،‬ونجد أنفسنا في النهاية‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مسلمين بطريقة تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم عبادة وطاعة وإتباعا ‪،‬‬
‫وعلى ذلك نستطيع أن نحكم على فهم من يطالب بقتل المنافقين والعملء‬
‫مستشهدا بالية الكريمة في معزل عن تطبيق النبي لها ‪ ،‬بأنه فهم مغلوط ل‬
‫يتفق وطبيعة المنهج السلمي ‪ ،‬وهذا هو تفسير المفسرين للية فكيف‬
‫فسروها هكذا إل في ضوء تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم لها ؟ ‪ :‬وقال‬
‫ابن عباس أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان وأذهب‬
‫الرفق عنهم وقال الضحاك جاهد الكفار بالسيف وأغلظ على المنافقين‬
‫بالكلم وهو مجاهدتهم وعن مقاتل والربيع مثله وقال الحسن وقتادة ومجاهد‬
‫ومجاهدتهم إقامة الحدود عليهم وقد يقال إنه ل منافاة بين هذه القوال لنه‬
‫تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا بحسب الحوال والله أعلم)‪ .. (5‬ومثل ذلك‬
‫ينطبق على كثير من النصوص قرآنا وسنة ‪..‬‬
‫‪ – 3‬ربط القلوب بصاحب السيرة العطرة محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فمن‬
‫دواعي وأسباب تحقيق محبته دراسة سيرته ومواقفه وحياته كلها ‪ ..‬فتحقيق‬
‫محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من أهم واجبات المسلم في الحياة‬
‫لتحقيق اليمان يقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ل يؤمن أحدكم حتى‬
‫أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ")‪ ، (6‬وقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب في البخاري ‪" :‬ل يؤمن أحدكم حتى‬
‫أكون أحب إليه من نفسه ")‪ (7‬والسيرة النبوية هي من أهم وسائل تحقيق‬
‫هذه المحبة واستقرارها في القلوب ‪..‬‬
‫‪ – 4‬تقديم قدوة عملية خالدة للجيال المسلمة على مر العصور من خلل‬
‫حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته كقصة حياة كاملة ‪ ..‬يقول الله‬
‫تبارك وتعالى ) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ( ‪ ،‬ويقول تعالى‬
‫)لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( ‪ ،‬ولما بسط الله تعالى بعض‬
‫قصص النبياء في سورة النعام عقب على ذلك بقوله ‪ ) :‬أولئك الذين هدى‬
‫الله فبهداهم اقتده (النعام ‪ .. 90‬فالمطالبة بالقتداء بالنبي محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم تستوجب دراسة مسيرة حياته بكل دقائقها وتفاصيلها للتأسي بها‬
‫في كل موقف من مواقف الحياة المعاصرة ‪..‬‬
‫‪ – 5‬المضي على منهج القرآن الكريم الذي قص علينا سير النبياء السابقين‬
‫مثل ) آدم ‪ -‬نوح ‪ -‬إبراهيم– يوسف ‪ -‬موسى – عيسى وأمه مريم ‪ ..‬عليهم‬
‫جميعا السلم ( بصورة شبه كاملة تقريبا ‪ ..‬فأصبح لزاما علينا أن نجمع سيرة‬
‫نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كذلك ‪ ،‬لتحقيق الهداف التي من أجلها‬
‫بسط الله تعالى سير النبياء عموما ‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ – 6‬السيرة النبوية مع الحديث الشريف يمثلن معا السنة النبوية وهي‬


‫المصدر الثاني بعد القرآن الكريم من مصادر التشريع السلمي ‪ ،‬لن السنة‬
‫النبوية تشمل القوال والفعال والتقرير ‪ ،‬وإذا كان علم الحديث يقوم في‬
‫المقام الول على القوال فإن المواقف والفعال والمواقف التقريرية تعتبر‬
‫عماد السيرة النبوية ‪ ،‬وإذا كانت كتب السنة والصحاح قد حوت كل ذلك دون‬
‫تفرقة بين الحديث المنطوق وبين المواقف المختلفة ‪ ،‬إل أنه جاز جمع ما‬
‫يمثل سيرته صلى الله عليه وسلم جمعا مستقل لتحقيق الهداف المرجوة‬
‫من دراسة السيرة النبوية ‪ ..‬يقول الدكتور البوطي عن كتب الحديث ‪ :‬وإن‬
‫كانت عناية هذه الكتب الولى تنصرف إلى أقوال رسول الله وأفعاله من‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حيث أنها مصدر تشريع ل من حيث هي تاريخ يدون‪(8) .‬‬


‫‪ – 7‬حث السلم على ذلك ‪ ..‬يقول بعض الصحابة ‪ " :‬كنا نعلم أبناءنا الغزوة‬
‫من غزوات النبي كما نعلمهم السورة من القرآن " ‪ ،‬وانظر إلى أحاديث جابر‬
‫بن عبد الله النصاري الطوال وهو يروي عن بعض غزوات النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬مثل ما رواه عنه في غزوة الحزاب وغيرها ‪ ،‬وحديث كعب بن‬
‫مالك عن المخلفين عن غزوة تبوك وهو حديث طويل دخل ول شك في باب‬
‫القصص التاريخي في المقام الول ‪ ،‬حتى إن أول من جمع المغازي كانوا‬
‫أبناء الصحابة من أمثال عروة بن الزبير وأبان بن عثمان بن عفان)‪، (9‬‬
‫وسمح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لتميم الداري‬
‫بالجلوس مرة واحدة في السبوع في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ليقص سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصصه وأخبار المم السابقة‬
‫)‪..(10‬‬
‫‪ – 8‬السيرة النبوية قصص ‪ ،‬وهي أسهل المواد دراسة واستيعابا ‪ ،‬لطبيعة‬
‫القصص من التشويق والتأثير وسهولة الفهم والثبات في النفس والذهن ‪،‬‬
‫ولذلك ركز القرآن الكريم على القصص‪ ):‬نحن نقص عليك أحسن القصص(‬
‫]يوسف‪ ،[3:‬ومن خلل قصص السيرة يتم إحاطة الدارس بكثير من علوم‬
‫السلم ويتشرب معانيه دون كثير جهد وعناء ‪..‬‬
‫‪ – 9‬تحقيق شدة التعلق بالرسالة نفسها وهي دين السلم الذي بذلت في‬
‫سبيله هذه التضحيات الجسام التي تذخر بها سيرة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وصحابته أجمعين ‪ ..‬إن دراسة هذه السلسلة المتصلة من العطاء‬
‫الدائم الذي ل ينقطع والتضحيات الضخمة والجهاد المرير يلقي في قلوب‬
‫الدارسين قيمة الكنز الذي بين أيديهم فيتمسكون به ‪..‬‬
‫‪ – 10‬دراسة السيرة جزء من دراسة التاريخ ‪ ،‬وتكمن أهمية دراسة التاريخ‬
‫في أن ‪:‬‬
‫أ – التاريخ يعيد نفسه ‪ ،‬ومشكلت النسان تكاد تكون متكررة ل تتغير على‬
‫وجه الحقيقة ‪ ،‬ويجب حلها في ضوء ما تم حلها به سابقا ‪ ) ..‬ل يصلح أمر‬
‫هذه المة إل بما صلح به أولها(‬
‫ب – التاريخ ذاكرة الشعوب ومن يفقد ذاكرته فل حاضر ول مستقبل له‪..‬‬
‫ج ‪ -‬تعميق هوية وأصالة المة والشعوب والحفاظ على التراث ‪..‬‬
‫د – يعتبر للتاريخ أهمية خاصة في المم صاحبة الرسالة المستمرة المتصلة ‪،‬‬
‫لنه يعينها على فهم طبيعة الرسالة ‪ ،‬والثقة في إمكانية تحقيقها على أرض‬
‫الواقع كما تحققت في عهود سابقة ‪ ..‬والسلم على وجه الخصوص والتحديد‬
‫قد ردم الفجوة بين النظرية والتطبيق ‪ ،‬فما ظهرت نظرية من النظريات‬
‫على وجه الرض إل وحدث بينها وبين التطبيق الواقعي فجوة طبيعية‬
‫لستحالة تطبيق النصوص تطبيقا كامل على أرض الواقع ‪ ،‬إل دين السلم‬
‫ونصوصه لنه من لدن حكيم خبير يعلم من خلق ‪ ،‬وليس هناك شاهدا على‬
‫إمكانية تطبيق النصوص تطبيقا واقعيا كامل خير من السيرة النبوية والتاريخ‬
‫السلمي في عصور اللتزام بالمنهج ‪..‬‬
‫هـ – اهتمام القرآن الكريم اهتماما بالغا بتاريخ المم والشعوب السابقة‬
‫وتركيزه على معنى الوحدة البشرية منذ بدء خلق النسان ‪ ..‬ومطالبته لنا‬
‫بأخذ الدروس والعبر من التاريخ ) أو لم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان‬
‫عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الرض وعمروها أكثر مما‬
‫عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم‬
‫يظلمون( ]الروم‪.[9:‬‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و – تقديم تعريف واقعي للمسلم المعاصر في عالم اليوم على أنه إنسان له‬
‫تاريخ ‪ ..‬إنك ل تستطيع أن تتقدم إلى مؤسسة أو شركة محترمة لشغل‬
‫وظيفة مرموقة دون تقديم شهادات الخبرة السابقة والسيرة الذاتية ‪،‬‬
‫والمسلم اليوم إذا أراد تقديم نفسه للعالم فلبد أن يقدم نفسه على اعتبار‬
‫أنه إنسان له تاريخ حضاري مجيد يعينه على استشراف دوره في حاضر‬
‫العالم ومستقبله ‪..‬‬
‫ثانيا‪ :‬ضوابط دراسة السيرة النبوية‪:‬‬
‫غير أن دراسة السيرة النبوية المطهرة على أهميتها القصوى يجب أن تنضبط‬
‫بضوابط منهجية حتى ل تتحول إلى نوع من اللهو أو العبث أو التسلية دون‬
‫تحقيق الهداف المنهجية المرجوة من دراستها ‪ ،‬وأهم هذه الضوابط ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -1‬ضابط التوثيق على المنهج السلمي في حفظ وتوثيق الحديث الشريف ‪،‬‬
‫ويعتبر أهم هذه الضوابط ويتعلق بالكتب والدراسات القديمة – على وجه‬
‫الخصوص ‪ -‬لتنقية هذه الكتب من الخرافات والسرائيليات والوضعيات ‪..‬‬
‫وهذا يتحقق بالتنقيح في ضوء منهج علوم الحديث ‪ ،‬ولعل هذا الضابط قد‬
‫توفر تماما في الدراسات الحديثة للسيرة النبوية ‪..‬‬
‫‪ - 2‬تجرد الدارس والباحث والكاتب في السيرة النبوية من كل الهواء و‬
‫الميول الشخصية ‪ ،‬وعدم الخضوع عند تفسير حوادث السيرة واستخراج‬
‫الدروس للحكام المسبقة والميول المذهبية والحزبية والفكرية ‪ ،‬وهو أهم‬
‫ضابط يتعلق بالدراسات والكتب الحديثة والمعاصرة‪ ..‬وهكذا تبقى السيرة‬
‫نبعا صافيا ينهل منه كل دارس على مر العصور فهي بكر متجددة للهتداء بها‬
‫في كل موقف وحدث وكل عصر ومصر ‪..‬‬
‫‪ – 3‬استبعاد كتب ودراسات المستشرقين والمتأثرين بهم تماما ككتاب‬
‫معتمدين للسيرة النبوية ‪ ..‬لما تمثله مدرستهم من تشكيك في وقائع السيرة‬
‫من ناحية ‪ ،‬ومن تفسير وفهم خاطئ للمواقف من ناحية أخرى ‪ ،‬وكذا عدم‬
‫اعتمادهم في العم الغلب على منهج التوثيق السلمي الدقيق مع عدم‬
‫إلمامهم بعلوم الرجال والجرح والتعديل وغير ذلك من علوم الحديث التي‬
‫توثق وقائع السيرة النبوية ‪ ،‬بالضافة إلى موقفهم الخاص من قضية الخوارق‬
‫والمعجزات)‪.. (11‬‬
‫ثالثا‪ :‬تطور دراسة السيرة النبوية عبر العصور‪ ..‬والذي يهمنا في هذا المقام‬
‫إبراز أهم المراحل التي تمثل منعطفات أو ركائز أساسية في دراسة ورواية‬
‫السيرة النبوية ونستطيع تلخيص هذه المراحل في)‪:(12‬‬
‫‪ – 1‬مرحلة الرواية ‪ ..‬إن معظم دراسات السيرة تركز على مرحلة التجميع‬
‫باعتبارها المرحلة الولى من مراحل دراسة السيرة النبوية ‪ ،‬غير أنني ألفت‬
‫النظر أن التجميع إنما قام ويقوم على الرواية في المقام الول ‪ ،‬ولذا فإن‬
‫المرحلة الولى من مراحل دراسة السيرة النبوية كانت مرحلة رواية الحداث‬
‫والتي بدأها الصحابة رضوان الله عليهم من رواة الحاديث النبوية وهي‬
‫الحاديث التي تتناول المواقف والحداث وهي التي تبدأ عادة بمثل قولهم ‪:‬‬
‫كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ...‬ويلحق بذلك تميم الداري الذي‬
‫أجلسه عمر بن الخطاب في مسجد رسول الله يقص على الناس يوما في‬
‫السبوع فلما كانت خلفة عثمان بن عفان سمح له بيومين ‪ ..‬وكان ذلك بل‬
‫شك في العشرين سنة التالية لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ – 2‬مرحلة التجميع وهي التي قام عليها عروة بن الزبير وابان بن عثمان بن‬
‫عفان ووهب بن منبه وشرحبيل بن سعد وبن شهاب الزهري‬
‫‪ – 3‬مرحلة التدوين ومثلها محمد بن اسحاق المتوفي عام ‪ 152‬هـ‬
‫‪ – 4‬مرحلة التوثيق والتنقيح والتهذيب ومثلها بن هشام الذي هذب كتاب بن‬
‫إسحاق وأخرجه لنا في واحد من أهم المصادر القديمة للسيرة النبوية على‬
‫الطلق )سيرة بن هشام(‬
‫‪ – 5‬مرحلة المستشرقين وتلميذهم ‪ ،‬وهي منعطف خطير في تناول السيرة‬
‫النبوية بدأ من النصف الثاني من القرن التاسع عشر ميلديا لخطورة فهم‬
‫هؤلء وخطورة منهجهم الذي اعتمد ما يعرف بالمنهج الذاتي في تناول‬
‫التاريخ وهو منهج يقدم ذاتية الكاتب عن وثائقية الوقائع ‪ ،‬بل يكاد يهمل علوم‬
‫التوثيق جملة وتفصيل وهي المرحلة التي أخرجت لنا مفهوم العبقرية‬
‫المحمدية ‪ ،‬وبثت شكوكا حول العلقات الخوية المتميزة بين الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم ‪ ،‬والتي شككت كذلك في معجزات النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم الحسية المختلفة الثابتة بطرق الثبوت السلمية المختلفة ‪..‬‬
‫‪ – 6‬مرحلة الصحوة ‪ ،‬وهي المرحلة التي تعد انقلبا على مرحلة‬
‫المستشرقين والتي أعادت للسيرة النبوية بهاءها باعتماد المنهج العلمي ‪ ،‬ثم‬
‫تابعت في هذا المضمار إضافة المنهج التحليلي والستنباطي لستخراج‬
‫الدروس والحكام ‪ ،‬وهي المرحلة التي يطمئن الدارس والباحث لنتاجها في‬
‫مجموعه ‪ ،‬ويمثل هذه المرحلة – على سبيل المثال – مصطفى السباعي‬
‫) دروس وعبر (– الشيخ الخضري – البوطي) فقه السيرة ( – المباركفوري‬
‫) الرحيق المختوم (– عماد الدين خليل) دراسات في السيرة ( – محمد أحمد‬
‫باشميل ) معارك السلم الفاصلة (– محمد الغزالي ) فقه السيرة ( ‪،‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬منهج مقترح لتناول السيرة النبوية في ضوء ضوابط تجعل دراستها‬
‫والهتداء بها ملزمة للمسلمين مثلها مثل فروع السلم من تفسير وحديث‬
‫وفقه وعقيدة‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ – 1‬جمع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم أول ‪ ..‬فلقد‬
‫تعددت المواضع التي تناولت حياة النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي الضوء‬
‫على صفاته والحداث التي عاصرته ‪ ،‬فنحن نعلم العام الذي ولد فيه النبي‬
‫من حادثة الفيل التي سجلها القرآن في سورة الفيل ‪ -‬ونحن نعلم أشياء عن‬
‫البيئة التي نشأ فيها من وأد البنات وشرب الخمر ولعب الميسر وعبادة‬
‫الوثان من آيات القرآن – ونعلم أنه يتيم من قوله تعالى ‪ ) :‬ألم يجدك يتيما‬
‫فآوى (الضحى ‪ – 6‬ونعلم أنه أمي ل يقرأ ول يكتب من قوله تعالى ‪ ) :‬وما‬
‫كنت تتلو من قبله من كتاب ول تخطه بيمينك إذا لرتاب المبطلون (العنكبوت‬
‫‪ ) ، 29‬الذين يتبعون الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في‬
‫التوراة ( العراف ‪ – 157‬ونعرف بحوادث ووقائع كثيرة في حياة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم من القرآن الكريم مثل ‪ :‬السراء والمعراج – الهجرة – بناء‬
‫مسجد قباء – غزوة بدر – غزوة أحد – يهود بني النضير – الحزاب – صلح‬
‫الحديبية – فتح مكة – غزوة حنين – غزوة تبوك – حادثة الفك – مواقف‬
‫المنافقين من النبي – كفالته لزيد بن حارثة – زواجه من زينب بنت جحش –‬
‫شغب زوجاته عليه في سورة التحريم – استماع الجن للقرآن والرسالة ‪( ..‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ – 2‬جمع السيرة ثانيا من الحاديث الشريفة مع تحقيقها ‪ ،‬وفقا لمنهج الكتب‬


‫الصحاح‪ ،‬وهو أمر حادث في بعض الدراسات الحديثة للسيرة النبوية مثل فقه‬
‫السيرة للشيخ محمد الغزالي تحقيق الشيخ اللباني ‪..‬‬
‫‪ – 3‬ملء الفراغات واستكمال الصورة من روايات الصحابة والتابعين الموثقة‬
‫ومن أقوال المفسرين في تفسير اليات وأسباب نزولها ‪..‬‬
‫‪ – 4‬ربط دراسة السيرة بعلم أصول الفقه ‪ ..‬بمعنى استخراج الحكام والعبر‬
‫والعظات والدروس من السيرة باعتبارها من أصول التشريع كفرع من السنة‬
‫النبوية مع الحديث الشريف وعدم تركها لهواء الكتاب والدارسين ‪ ..‬حماية‬
‫للفهم السلمي من الشذوذ أو الغلو أو الخطأ ‪ ،‬وحماية للسيرة من التأويل‬
‫الخاطئ ‪ ،‬أو لي أعناق الوقائع والحداث إلى أحكام أبعد ما تكون عن‬
‫مقاصدها الحقيقية ‪ ،‬ومثال على ذلك ما يؤكده الدكتور البوطي عن منهجه‬
‫في كتابة فقه السيرة فيقول ‪ :‬ولقد استنبطت من أحداث السيرة النبوية‬
‫طبقا لهذه القواعد أحكام كثيرة منها ما يتعلق بالعتقاد واليقين ‪ ،‬ومنها ما‬
‫يتعلق بالتشريع والسلوك ‪ ،‬والمهم في هذا الصدد أن نعلم أنها جاءت‬
‫منفصلة عن التأريخ وتدوينه ‪ ،‬بعيدة عن معناه ومضمونه ‪ ،‬وإنما كانت نتيجة‬
‫معاناة علمية أخرى نهضت في حد وجودها على البنيان التاريخي الذي قام‬
‫بدوره على القواعد العلمية التي ذكرناها "‬
‫‪ .. (href="#1">(13‬وليؤمن الدارسون والباحثون‬
‫أن لتفسير أحداث السيرة النبوية قدسية مثل تفسير القرآن الكريم ‪ ،‬فهي‬
‫داخلة في الحكمة التي قرنها الله تعالى في أكثر من موضع مع الكتاب الذي‬
‫أنزله على رسوله ‪ ،‬وقد قال المفسرون على أن الحكمة في اليات هي‬
‫السنة النبوية)‪ (14‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إني‬
‫أوتيت القرآن ومثله معه)‪.. (15‬‬
‫)*( باحث إسلمي‪.‬‬
‫)‪ (1‬أجمع المفسرون على أن الحكمة هي السنة أو فهم القرآن أو الفقه في‬
‫الدين ويعلق‬
‫القرطبي على ذلك بقوله ‪ :‬ل تعارض‬
‫)‪ (2‬رواه عروة بن الزبير عن جابر رضي الله عنه – القرطبي ج ‪ 1‬ص ‪39‬‬
‫)‪ (3‬فقه السيرة للبوطي ص ‪216‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري – الرحيق المختوم للمباركفوري ص ‪330‬‬
‫)‪ (5‬ابن كثير ‪ $ 372\2‬اليات ) التوبه ‪( 74 : 73‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري ‪ 44 / 15‬بن كثير ج ‪ 2‬ص ‪334‬‬
‫)‪ (7‬البخاري ‪6632‬‬
‫)‪ (8‬فقه السيرة للبوطي ص ‪21‬‬
‫)‪ (9‬البوطي ص ‪20‬‬
‫)‪ (10‬حول القصة السلمية للدكتور نجيب الكيلني ص ‪29‬‬
‫)‪ (11‬للدكتور البوطي تفصيل وافي في بحثه الرائع السيرة النبوية كيف‬
‫تطورت دراستها‬
‫وكيف يجب فهمها اليوم ‪ ..‬الذي جعله تمهيدا لكتابه ) فقه السيرة ( الطبعة‬
‫السابعة‬
‫)‪ (12‬ما أقدمه هنا هو خلصة لدراسة عدة كتب تناولت هذا الموضوع من‬
‫أمثال‬
‫البوطي ‪ ،‬والقصة السلمية للكيلني ‪ ،‬والرواية العربية عصر التجميع لفاروق‬
‫خورشيد‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (13‬فقه السيرة ص ‪23‬‬


‫)‪ (14‬قاله قتاده وغير واحد ) بن كثير ج ‪3‬ص ‪ – (487‬قال أهل العلم بالتأويل‬
‫‪:‬‬
‫الكتاب القرآن ‪ ،‬والحكمة السنة ) تفسير القرطبي ج ‪ 14‬ص ‪183‬‬
‫)‪ (15‬تفسير بن كثير ج ‪ 1‬ص ‪ 4‬ويقول بن كثير تعقيبا على هذا الحديث ‪ :‬ذلك‬
‫أن‬
‫السنة تتنزل عليه كما ينزل القرآن غير أنها ل تتلى‬

‫)‪(5 /‬‬

‫دراسة الفتاة للطب في جامعة مختلطة‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫ما حكم الشرع في المرأة تدرس الطب في جامعة مختلطة ) كجامعة‬
‫دمشق التي أدرس في معهد التعويضات السن ّّية فيها ( ‪ ،‬إذا لم يكن في‬
‫صة بالفتيات مع أني أبذل وسعي في عدم الختلط‬ ‫بلدها جامعة جامعات خا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫و عدم محادثة الشباب ؟ و إذا أردت التوقف عن الدراسة للتخلص من‬
‫المفاسد المرافقة لها ‪ ،‬عاَرض والدي فكيف أفعل ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬
‫ن تحصيل العلوم‬ ‫معاصرين أ ّ‬ ‫قدامى و ال ُ‬‫المعروف من كلم أهل العلم ال ُ‬
‫م به‬ ‫ض الكفاية ‪ ،‬أي أّنه إذا قا َ‬ ‫الدنيوّية يدور بين الباحة و الستحباب و فر ِ‬
‫قط الثم عن الباقين ‪ ،‬و إن لم يقوموا به أثموا جميعا ً ‪.‬‬ ‫البعض س َ‬
‫و مثال فرض الكفاية ما يحتاجه المسلمون من آلة الحرب و وسائله ‪ ،‬التي‬
‫تحمي ديار السلم ‪ ،‬و تصون دماء المسلمين و أموالهم و أعراضهم ‪ ،‬و ترد ّ‬
‫المعتدين و تدفع الصائلين ‪ ،‬فإذا بلغَ المر حد ّ الكفاية بقيام من يقدر عليه ‪،‬‬
‫طلبه عن باقي المسلمين ‪.‬‬ ‫سقط التكليف ب َ‬
‫مة إذا حصلت على المطلوب و لو بطريق الشراء أو‬ ‫و يسقط الثم عن ال ّ‬
‫ّ‬
‫ل بالخبار الدالة على استعمال‬ ‫الجارة و نحوهما ‪ ،‬إذ إن التاريخ حاف ٌ‬
‫المسلمين أدوات الحرب المصّنعة بأيدي غير المسلمين كالسيوف الهندّية‬
‫) الشهيرة ( و غيرها ‪.‬‬
‫و فيما يتعّلق بمهّنة الطب و ما ُيلحق بها من علوم الصيدلة و التمريض و‬
‫دد الحكام الشرعّية بحسب حاجة المسلمين إلى هذه العلوم ‪:‬‬ ‫المخابر ‪ ،‬تتع ّ‬
‫ض كتابا ً و ل سّنة ‪.‬‬ ‫ة كالطب النفسي الذي ل ُيعار ُ‬ ‫فقد تكون دراستها مباح ً‬
‫ن َفرضا ً على الكفاية على النساء دون الرجال كالختصاص في‬ ‫و قد تكو ُ‬
‫دم وجود الطبيبة‬ ‫ن في عَ َ‬‫مراض النساء و الولدة و ما إلى ذلك ‪ ،‬إذ إ ّ‬
‫خُلقها ‪ ،‬المتمكنة من مهنتها و اختصاصها ‪ ،‬مفاسد‬ ‫المسلمة الثقة في دينها و ُ‬
‫ن أمام‬ ‫ل كشفه من أجسامه ّ‬ ‫كثيرة ‪ ،‬منها اضطرار المسلمات لكشف ما ل يح ّ‬
‫غير المسلمين من الطباء رجال ً و نساًء ‪ ،‬و ل أمام الطبيب المسلم غير‬
‫المحَرم ‪.‬‬
‫عذرت المريضة المسلمة في طلب العلج على يد هؤلء بحكم‬ ‫و إذا ُ‬
‫ُُ‬
‫ن عنه من‬ ‫ذر القادرات على سد ّ هذا الثغر لقعوده ّ‬ ‫ن هذا ل َيع ُ‬ ‫الضطرار ‪ ،‬فإ ّ‬
‫عذر ‪.‬‬
‫غير ُ‬
‫علم ِ الطب الذي ل‬ ‫ً‬
‫ة يثاب عليها من طلبها احتسابا كفروع ِ‬ ‫و قد تكون مندوب ً‬
‫ب غير مسلم إذا كان‬ ‫ً‬
‫مفسدة في أن يلتمس المريض فيها علجا عند طبي ٍ‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب النف و‬ ‫المريض رجل ً ‪ ،‬و طبيبة غير مسلمة للنثى و أمثلته كثيرة ٌ منها ط ّ‬
‫الذن و الحنجرة و ما إليها ‪.‬‬
‫دم المرأة على‬ ‫و عليه فما احتاجه المسلمون من علوم الطب ‪ ،‬ل بأس أن ُتق ِ‬
‫حت فيه النّية ‪ ،‬بل قد يتعّين عليها ذلك إذا لم يقم من بنات‬ ‫دراسته ‪ ،‬إذا صل ُ َ‬
‫كفائي ‪.‬‬‫سها من يسد الحاجة و يؤدي الواجب ال ِ‬ ‫جن ِ‬‫ِ‬
‫و إن كان في ذلك بعض المفاسد قوبلت بما يترّتب عليه من المصالح ‪ ،‬و‬
‫دفع ضرر عام‬ ‫مل الضرر الخاص ل َ‬ ‫روعي الرجح ‪ ،‬عمل ً بالقاعدة الفقهّية ) ي َُتح ّ‬
‫فاَزين ) مع‬ ‫( ‪ ،‬فإذا اقَتصرت مفسدة الدراسة في الجامعة على خلع الق ّ‬
‫الحفاظ على غطاء الوجه عند من يذهب إلى ُوجوبه ( ‪ ،‬و إمكانّية اجتناب‬
‫الجلوس في مقاعد مشتركة تجمع الذكور و الناث جنبا ً إلى جنب ‪ ،‬و عدم‬
‫الخلوة بين الجنسين ‪ ،‬بل و ما َذكرته السائلة من عدم محادثة الطالبات‬
‫لب أصل ً أو العكس ‪ ،‬مع قيامها بالدعوة إلى الله تعالى بين الطالبات ؛‬ ‫للط ّ‬
‫ل بكثير من المفسدة المترّتبة على‬ ‫فإن المفسدة المترّتبة على دراستها أق ّ‬
‫قصد مئات اللف من المسلمات عيادات الطّباء غير المحارم ‪ ،‬أو الطبيبات‬
‫غير المسلمات أو مخابر تصنيع السنان و العلج الفيزيائي ) و منه التدليك (‬
‫طلبا ً للعلج ‪.‬‬
‫وة الواضحة الجلّية أنه في ب ََلد السائلة – رغم ما شاع من‬ ‫و من دلئل النب ّ‬
‫ي‬
‫صنوف الفتن و فنون الفساد – يحقّ للطالبة في الجامعات اللتزام بالز ّ‬
‫ت في‬ ‫ت و دّرس ُ‬ ‫فين ‪ ،‬و قد د ََرس ُ‬ ‫ي كامل ً بما فيه غطاء الوجه و الك ّ‬ ‫الشرع ّ‬
‫دمشق و ل تزال في ذاكرتي صور عشرات الفتيات يجلسن في قاعات‬
‫ت بالسواد‬ ‫فعا ٍ‬‫خرة بعيدا ً عن الذكور ‪ ،‬متل ّ‬ ‫الدراسة منزويات في الصفوف المتأ ّ‬
‫ن الوجوه و ل الكفوف ‪ ،‬و أرجو أن يكون الحال على ما كان‬ ‫‪ ،‬ل ُترى منه ّ‬
‫عليه ‪ ،‬أو خيرٍ منه في يومنا هذا ‪.‬‬
‫ت‬‫س ْ‬ ‫غيرها ُ‪ ،‬فقد دَر َ‬ ‫ة ‪ ،‬بل فيها و في َ‬ ‫ص ً‬‫و لم يكن هذا في كّلية الشريعة خا ّ‬
‫ط إلى‬ ‫حَلب ‪ ،‬و لم ُُتضط َّر ق ّ‬ ‫واتي و تخّرجت في كلّية الطب بجامعة َ‬ ‫إحدى أخ َ‬
‫ة‬
‫ت كامل ٍ‬ ‫ت سنوا ٍ‬ ‫خلِع نقابها ‪ ،‬أو الختلط المحّرم بغير بنات جنسها خلل س ّ‬ ‫َ‬
‫متتاليةٍ ‪ ،‬و هذا من توفيق الله و تثبيته لمن يشاء من عباده ‪.‬‬
‫ن قّرةَ المزني‬ ‫ُ‬ ‫روى أحمد و الترمذي بإسناد قال عنه ‪ ) :‬حسن صحيح ( عَ ْ‬
‫سد َ أ َهْلُ‬‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬إ َِذا ف َ‬
‫َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫رضي الله عنه َقا َ‬
‫م«‪.‬‬ ‫خي َْر ِفيك ُ ْ‬
‫شام ِ فَل َ َ‬ ‫ال ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ك تحاشي الوقوع في المحظورات الشرعّية في الدراسة فأطيعي‬ ‫فإذا أمكن ِ‬


‫ذر عليك اللتزام بالشرع الحنيف ‪ ،‬و لم‬ ‫ما إن تع ّ‬
‫مي دراستك ‪ ،‬أ ّ‬ ‫والدك و أت ّ‬
‫دم ( ‪،‬‬
‫ك ) بحسب الختصاص و الحاجة إليه كما تق ّ‬ ‫تكن دراستك متعّينة علي ِ‬
‫فاعتذري لبيك بالتي هي أحسن ‪ ،‬و تذّرعي إليه بالدب و البّر و الحسان ‪،‬‬
‫ل الله يشرح صدَره ؛ فيدعك و شأنك ‪ ،‬و يأذن لك في تغيير الختصاص أو‬ ‫ع ّ‬
‫النصراف عن الدراسة إلى ما هو خيٌر منها ‪.‬‬
‫ي التوفيق ‪.‬‬ ‫و الله ول ّ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دراسة المرأة في المعاهد المريكية‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬فقه السرة‪ /‬قضايا المرأة ‪/‬تعليم المرأة‬
‫التاريخ ‪25/6/1424 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫هل تجوز لي الدراسة في المعاهد المريكية لتعلم اللغة؟ لنني أعيش فيها‬
‫حاليا وأمنيتي أن أدعو للسلم‪ ،‬لكن لغتي ل تساعدني‪ ،‬خاصة وأنني ولله‬
‫الحمد متنقبة‪ ،‬فهل يمكنني ذلك؟ علما أن من يقوم بالتدريس امرأة‪،‬‬
‫والرجال عموما ً ل يقبلون كثيرا ً على مثل تلك المعاهد‪ ،‬أي أن الغلبية نساء‪،‬‬
‫والله تعالى يحفظكم‪.‬‬
‫الجواب‬
‫تعّلم اللغة الجنبية من المور المباحة في الشرع‪ ،‬ل سيما والهدف من تعلمها‬
‫استخدامها في الدعوة إلى الله‪ ،‬ونشر دينه وتبليغه للناس‪ ،‬ول بأس في‬
‫الدراسة في هذا المعهد‪ ،‬الذي يعلم اللغة النجليزية ما دام أغلب الدارسين‬
‫نساء‪ ،‬والمدرسة امرأة كما تقولين‪ ،‬وعليك أن تلتزمي بالحجاب الشرعي‪،‬‬
‫وأن تغضي الطرف من النظر إلى الرجال الجانب‪ ،‬والتزمي بالحشمة‬
‫ومكارم الخلق في المظهر‪ ،‬والمخبر‪ ،‬ول سيما وأنت في هذه البلد التي ل‬
‫تعرف معروفا ً ول تنكر منكرًا‪ ،‬وفقك الله وحماك من كل سوء‪ ،‬آمين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دراسة المراكز المالية لبعض الشركات المساهمة في السوق السعودي]‬


‫‪[1/2‬‬
‫خالد بن إبراهيم الدعيجي ‪11/6/1425‬‬
‫‪28/07/2004‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين‬
‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد جاء في التقرير السنوي لنشاط سوق السهم السعودية ما نصه‪:‬‬
‫" بلغت القيمة السوقية للسهم المصدرة في نهاية عام ‪2003‬م )‪(589.93‬‬
‫مليار ريال‪ ،‬وذلك بارتفاع نسبته )‪ (%110.14‬مقارنة مع ما كانت عليه في‬
‫نهاية العام السابق ‪2002‬م عندما بلغت )‪ (280.73‬مليار ريال‪.‬‬
‫أما القيمة الجمالية للسهم المتداولة خلل عام ‪2003‬م فقد بلغت نحو )‬
‫‪ (596.5‬مليار ريال‪ ،‬مقابل )‪ (134‬مليار ريال لنفس الفترة من العام السابق‬
‫‪2002‬م‪ ،‬محققة بذلك نسبة ارتفاع بلغت )‪.(%346‬‬
‫أما إجمالي عدد السهم المتداولة خلل عام ‪2003‬م فقد بلغت نحو )‪(5.6‬‬
‫مليار سهم مقابل )‪ (1.7‬مليار سهم لنفس الفترة من العام السابق ‪2002‬م‪،‬‬
‫محققة بذلك نسبة ارتفاع )‪.(%221‬‬
‫أما إجمالي عدد الصفقات المنفذة خلل عام ‪2003‬م‪ ،‬فقد بلغ نحو )‪(3.76‬‬
‫مليون صفقة مقابل )‪ (1.03‬مليون صفقة لنفس الفترة من عام ‪2002‬م‬
‫محققة بذلك نسبة ارتفاع مقدارها )‪.(1)" (%246‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تأمل معي أخي القارئ هذه الرقام الخيالية‪ ،‬والقفزات الهائلة في نسب‬
‫القيم السوقية وعدد السهم المتداولة والصفقات المبرمة‪ ،‬إنها لتدل على أن‬
‫سوقنا المالية مقبلة على مزيد من الستثمار في الوراق المالية‪ ،‬وما زلنا‬
‫في بداية الطريق ومن المتوقع أن يتم افتتاح سوق "بورصة" سعودية يتم‬
‫فيها إجراء عدد من العقود المالية المتنوعة‪ ،‬كما هو الحال في السواق‬
‫العالمية‪.‬‬
‫إن هذه الرقام الناطقة في التقرير السابق تدعونا لقراءة قوائم المراكز‬
‫المالية لهذه الشركات المتداولة أسهمها في السوق‪ ،‬لمعرفة هل هذه‬
‫الشركات قائمة على معاملت مباحة خالصة من المحرم‪ ،‬أما أنها تزاول‬
‫المحرم في معاملتها؟‬
‫وإن كانت الثانية فهل نسبة المحرم كثيرة أم قليلة؟‪ ،‬وما هو المحرم الذي‬
‫تمارسه؟ هل هو اليداع بفوائد أم أنها تقترض بفوائد أم أنها تستثمر جزءا ً من‬
‫أموالها بشركات محرمة؟‬
‫ومما يدعونا أيضا ً لقراءة قوائم هذه الشركات‪ ،‬السئلة الكثيرة التي ترد إلى‬
‫طلبة العلم‪ ،‬من المساهمين مثل‪:‬‬
‫ما هي الشركات التي يباح المساهمة فيها؟‬
‫كيف يمكن أن أتخلص من المحرم إذا كانت الشركة تتعامل بالمحرم؟‬
‫أنا ل أستثمر بل أتاجر فكيف أتخلص من المحرم؟‬
‫فهذه السئلة وغيرها كثير تدل دللة واضحة على أن نسبة عظمى ممن‬
‫يساهم في هذه الشركات يتوق إلى الحلل‪ ،‬ول يريد أن يطعم من يعول‬
‫الحرام‪.‬‬
‫وهذه الورقات سوف تتناول هذه القضية النازلة من خلل‪ :‬دراسة المراكز‬
‫المالية لعدد من الشركات‪.‬‬
‫هذا وأسأل الله أن يهدينا رشدنا‪ ،‬وأن يفتح علينا من أبواب رحمته‪ ،‬إنه ولي‬
‫ذلك والقادر عليه‪ ،‬والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫دراسة المراكز المالية لعدد من الشركات‬
‫قام الباحث باختيار عدد )‪ (16‬شركة كعينة عشوائية تمثل جميع القطاعات‬
‫في السوق‪ ،‬وتخصصت هذه الدراسة بثلثة أمور لدى كل شركة مساهمة‬
‫وهي‪:‬‬
‫الول‪ :‬الستثمارات المحرمة‪ ،‬ونسبتها لموجودات الشركة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬القروض المحرمة‪ ،‬ونسبتها لموجودات الشركة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬اليرادات المحرمة‪ ،‬ونسبتها لصافي إيرادات الشركة‪.‬‬
‫مع العلم أن الباحث لم يذكر في هذه الدراسة إل ما هو مصرح به من قبل‬
‫الشركة في قوائمها‪ ،‬أما ما لم تصرح به لم يذكره الباحث ولم يستفصل عنه‪.‬‬
‫فإليك هذه الدراسة في المطالب التية‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬دراسة لقوائم بعض الشركات من القطاع الصناعي‬
‫الشركة الولى‪ :‬شركة سابك‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م()‪،(2‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي الموجودات‪ (109,300,109,000) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫ً‬
‫تستثمر الشركة جزءا من رأس مالها في شركات زميلة‪ ،‬وأوراق مالية‬
‫متنوعة‪ ،‬وقد تم الفصاح عن هذه الوراق‪ ،‬وذكرت أنها استثمرت مبلغا ً قدره‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (200,000,000‬ريال سعودي في سندات التنمية الحكومية‪ ،‬وهذه كما ل‬


‫يخفى محرمة بالجماع‪.‬‬
‫فنسبة الستثمار بالسندات إلى إجمالي الموجودات‪.%1.8 :‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬أفصحت الشركة عن نوعين من القروض‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬تسهيلت بنكية قصيرة الجل‪.‬‬
‫وتحمل فائدة وفقا ً للسعار التجارية السائدة‪ ،‬بمبلغ قدره )‪(459,260,000‬‬
‫ريال سعودي‪.‬‬
‫النوع الثاني‪:‬قروض طويلة الجل‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬
‫ل‪ :‬قرض مقدم من صندوق الستثمارات العامة‪ ،‬بمبلغ قدره‪) :‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ (5,704,918,000‬ريال سعودي‪ ،‬بنسبة فائدة )‪.(% 6‬‬
‫ثانيًا‪ :‬قرض مقدم من صندوق التنمية الصناعية السعودي بمبلغ وقدرة )‬
‫‪ (1,238,034,000‬ريال سعودي‪ ،‬ولم تذكر الشركة هل هذا القرض بفوائد‬
‫أم ل؟‬
‫ثالثًا‪ :‬قروض تجارية متنوعة بمبلغ قدره )‪ (29,473,305,000‬ريال سعودي‪،‬‬
‫ونسبة الفائدة وفق السعار التجارية السائدة‪.‬‬
‫فمما سبق يتضح أن إجمالي القروض الربوية لدى الشركة يساوي‪:‬‬
‫)‪ (35,637,483,000‬ريال سعودي‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فنسبة هذه القروض المحرمة إلى إجمالي الموجودات‪(%32.6) :‬‬


‫د‪ .‬قائمة الدخل‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيرادات السنة بمبلغ قدره )‪(6,696,156,000‬‬
‫ريال سعودي‪.‬‬
‫ومن ضمن قائمة الدخل إيرادات عن ودائع وفوائد بنكية بمبلغ قدره‪:‬‬
‫)‪ (271,358,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫فتكون نسبة هذه الفوائد الربوية لرباح الشركة‪(% 4.04 ):‬‬
‫الشركة الثانية‪ :‬شركة الغاز والتصنيع الهلية‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م()‪،(3‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي الموجودات‪ (1,425,085,613) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن استثمارها جزء من أموالها في سندات حكومية طويلة‬
‫الجل بمبلغ قدره )‪ (750,000,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫فتكون نسبة هذا الستثمار المحرم لجمالي موجودات الشركة‪52.62) :‬‬
‫‪.(%‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫ً‬
‫أفصحت الشركة عن تقديمها قرضا طويل الجل لشركةٍ زميلة بمبلغ قدره )‬
‫‪ (2,625,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫فتكون نسبة هذا القرض لجمالي موجوداتها‪.(% 0.18) :‬‬
‫وكذلك قامت الشركة بالقتراض من صندوق التنمية الصناعي بمبلغ قدره )‬
‫‪ (10,329,000‬ريال سعودي‪ ،‬ولم تذكر هل هذا القرض بفوائد أم ل؟‬
‫د‪ .‬اليرادات‪:‬أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها لهذا العام بمبلغ قدره )‬
‫‪ (115,017,549‬ريال سعودي‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن ضمن هذه اليرادات‪:‬إيرادات ودائع لدى البنوك وسندات حكومية قصيرة‬
‫الجل بمبلغ قدره )‪ (2,961,223‬ريال سعودي‪ ،‬فتكون نسبة هذا اليراد‬
‫لصافي الربح )‪.(% 2.5‬‬
‫ومما يلحظ على الشركة‪ :‬أنها لم تفصح عن إيراداتها من سندات الحكومة‬
‫طويلة الجل السابق ذكرها‪ ،‬والذي يمثل نصف موجوداتها‪ ،‬إل أنها ذكرت‬
‫ضمن بند إيرادات من استثمارات طويلة الجل مبلغا ً قدره )‪(41,307,871‬‬
‫ريال سعودي وهذا اليراد يحتمل أن يكون جزءا ً كبيرا ً منه من السندات‬
‫الحكومية طويلة الجل‪.‬‬
‫الشركة الثالثة‪ :‬الشركة السعودية للصناعات الدوائية‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م()‪،(4‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي الموجودات‪ (1,584,830,000) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن استثماراتها في سندات التنمية الحكومية السعودية‬
‫بمبلغ قدره‪:‬‬
‫)‪ (294,305,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫فتكون نسبة هذه الستثمارات المحرمة لجمالي الموجودات‪.(%18.57):‬ج‪.‬‬
‫القروض‪:‬‬
‫لم يرد في القوائم المالية أن الشركة قامت بالقتراض‪ .‬د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها لهذا العام بمبلغ قدره )‬
‫‪(40,105,000‬ريال سعودي‪ .‬ومن ضمن اليرادات‪ :‬إيرادات سندات التنمية‬
‫الحكومية السعودية بمبلغ قدره )‪ (7,415,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫فتكون نسبة هذا اليراد المحرم لجمالي الربح‪ .(% 18.48) :‬وهناك إيرادات‬
‫أخرى لم يفصح عنها‪ ،‬ذكرت تحت بند إيرادات أخرى‪ ،‬بمبلغ قدره )‬
‫‪ (1,238,000‬ريال‪.‬‬
‫الشركة الرابعة‪ :‬شركة الجبس الهلية‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م()‪،(5‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي الموجودات‪ (407,819,345) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫لم تستثمر الشركة أموالها في استثمارات محرمة قطعا ً كالسندات وأسهم‬
‫البنوك الربوية‪ ،‬بل كانت استثماراتها في شركات زميلة‪.‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن قرض واحد طويل الجل من صندوق التنمية الصناعي‪،‬‬
‫بمبلغ قدره )‪ (13,375,000‬ريال سعودي‪ ،‬ولم تذكر هل هذا القرض بفوائد‬
‫أم ل؟‬
‫د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫بلغت صافي إيرادات الشركة‪ (78,543,712) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ومن ضمن اليرادات‪ :‬إيرادات الستثمارات والودائع بمبلغ قدره )‬
‫‪ (2,539,607‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ويلحظ هنا أن الشركة دمجت بين إيرادين أحدهما مباح في الغالب هو‬
‫اليراد الخاص بالستثمارات)‪ ،(6‬وإيراد محرم قطعا ً وهو إيراد الودائع‪ ،‬وهذا‬
‫مما يؤخذ على الشركة‪ ،‬وكان من الواجب عليها الفصاح عن إيراد الودائع‬
‫بشكل مستقل‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وذكرت إيرادات أخرى بمبلغ قدره )‪ (274,415‬ريال سعودي‪ ،‬ولكن لم يتم‬


‫الفصاح عن طبيعتها‪.‬‬
‫الشركة الخامسة‪ :‬شركة التصنيع الوطنية‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م()‪،(7‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي موجودات الشركة‪ (2,226,784,000) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن نوعين من الستثمارات المحرمة‪:‬‬
‫الول‪ :‬استثمارات في سندات التنمية الحكومية بمبلغ قدره )‬
‫‪ (114,500,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬قروض ممنوحة لشركات زميلة بمبلغ قدره )‪ (6,856,000‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫فتكون نسبة هذه الستثمارات لصافي موجوداتها‪.(% 5.4) :‬‬
‫وذكرت الشركة أنها استثمرت مبلغا ً قدره )‪ (63,000‬ريال سعودي في‬
‫أوراق مالية متاحة للبيع لكنها لم تفصح عن نوع هذه الوراق‪.‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن نوعين من القروض‪:‬‬
‫الول‪ :‬تحت بند تسهيلت قصيرة الجل‪ ،‬بمبلغ قدره )‪ (6,975,000‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قروض طويلة الجل وهي من طرفين‪:‬‬
‫الطرف الول‪ :‬صندوق التنمية الصناعي‪ ،‬بمبلغ قدره )‪ (526,850,000‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد صرحت الشركة أن هذا القرض بفوائد دفعت مقدما‪ ،‬وسميت بنفقات‬
‫التمويل‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الطرف الثاني‪ :‬بنوك محلية تجارية بمبلغ قدره )‪ (125,417,000‬ريال‬


‫سعودي‪.‬‬
‫فمما سبق يكون إجمالي القروض المحرمة‪ (659,242,000) :‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫وبالتالي تكون نسبة هذه القروض لموجودات الشركة‪(% 29.6) :‬‬
‫د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها بمبلغ قدره‪ (54,252,000) :‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫وكذلك أفصحت عن نوعين من اليرادات المحرمة هما‪:‬‬
‫الول‪ :‬إيرادات السندات الحكومية بمبلغ قدره )‪ (1,723,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إيرادات الودائع البنكية بمبلغ قدره )‪ (3,135,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫فيكون مجموع اليرادات المحرمة‪ (4,858,000):‬ريال سعودي‪.‬‬
‫وبالتالي تكون نسبة اليراد المحرم لمجموع اليرادات‪.(% 8.95) :‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬ملحق في مجلة تداول‪ ،‬العدد السابع ‪ -‬شتاء عام ‪2003‬م‪ ،‬وكذلك تجده‬
‫في موقع تداول‪<www.tadawul.com.sa :‬‬
‫)‪ (2‬صحيفة الجزيرة )السبت ‪6/2/1425‬هـ العدد ‪.(11503‬‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (3‬صحيفة الجزيرة )السبت ‪22/1/1425‬هـ العدد ‪.(11489‬‬


‫)‪ (4‬صحيفة الجزيرة )الخميس ‪6/2/1425‬هـ العدد ‪.(11473‬‬
‫)‪ (5‬صحيفة الجزيرة )الثنين ‪4/12/1424‬هـ العدد ‪.(11442‬‬
‫)‪ (6‬ليست على إطلقها‪ ،‬بل يقصد الباحث في هذه الشركة التي استثمرت‬
‫في شركة زميلة‪ .‬وإل فالصل ‪ -‬للسف ‪ -‬أن الستثمارات عملية ربوية في‬
‫الغالب‪.‬‬
‫)‪ (7‬ينظر ‪ :‬موقع الشركة على الشبكة العالمية بعنوان‬
‫‪http://www.nic.com.sa‬‬
‫دراسة المراكز المالية لبعض الشركات المساهمة في السوق السعودي]‬
‫‪[2/2‬‬
‫خالد بن إبراهيم الدعيجي ‪25/6/1425‬‬
‫‪11/08/2004‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬دراسة لقوائم بعض الشركات من قطاع الخدمات‬
‫الشركة الولى‪ :‬الشركة السعودية للنقل الجماعي‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م()‪(10‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي موجودات الشركة‪ (1,563,107,000) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫لم يرد في قوائم الشركة أنها تستثمر جزءا ً من أموالها في معاملت محرمة‪.‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫لم يرد في قوائم الشركة أنها اقترضت قرضا ً محرما‪ً.‬‬
‫والذي يظهر للباحث أن الشركة تمول احتياجاتها عن طريق المرابحات‬
‫الشرعية؛ لنه ورد في قائمة المركز المالي ضمن المطلوبات " أقساط‬
‫عقود مرابحة"‪ ،‬وإن كان ورد في قائمة المطلوبات أنها مدينة لبعض البنوك‪،‬‬
‫لكنها لم تفصح عن حقيقة الدين هل هو شرعي أم ربوي‪.‬‬
‫د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها بمبلغ قدره‪ (53,623,000) :‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫وأظهرت القوائم أن جميع إيراداتها مباحة إل أنها لم تفصح عن طبيعة‬
‫اليرادات المتنوعة والتي بمبلغ قدره )‪ (3,445,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫فالذي يظهر للباحث أن هذه الشركة أعمالها جميعها مباحة‪ ،‬بشرط أن تكون‬
‫إيراداتها المتنوعة السابق ذكرها مباحة‪.‬‬
‫االشركة الثانية‪ :‬شركة جرير للتسويق‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م( )‪(9‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي موجودات الشركة‪ (587,694,514) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫ً‬
‫لم يرد في قوائم الشركة أنها تستثمر جزءا من أموالها في معاملت محرمة‪.‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن تسهيلت مصرفية بمبلغ قدره )‪ (90,833,348‬ريال‬
‫سعودي‪ ،‬على شكل قروض لتمويل اعتمادات مستندية ومتطلبات لرأس‬
‫المال العامل‪ ،‬وأن هذه التسهيلت خاضعة للفائدة طبقا ً لسعار الفائدة‬
‫السائدة في السوق‪.‬‬
‫فتكون نسبة هذه القروض المحرمة لجمالي الموجودات‪.(% 15.45) :‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها بمبلغ قدره‪ (108,807,185) :‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫وذكرت من ضمن اليرادات " إيرادات أجار وأخرى " ولكنها لم تفصح عنها‪،‬‬
‫وهذا مما يؤخذ على الشركة‪.‬‬
‫الشركة الثالثة‪ :‬شركة الرياض للتعمير‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م( )‪(8‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي موجودات الشركة‪ (1,432,273,547) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫ً‬
‫لم يرد في قوائم الشركة أنها تستثمر جزءا من أموالها في معاملت محرمة‬
‫قطعًا‪ ،‬لكنها ذكرت أنها تستثمر أموالها في ثلثة أنواع من الستثمارات‪:‬‬
‫الول‪ :‬في الصناديق الستثمارية‪ ،‬بمبلغ قدره )‪ (96,742,687‬ريال سعودي‪،‬‬
‫ولم تفصح عن نوعية هذه الصناديق‪ ،‬لكن ذكرت الشركة في تقريرها " أنها‬
‫تستثمر الفائض من أموال الشركة مع البنوك في المضاربات السلمية وفق‬
‫عقود تم إقرارها شرعًا"‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬في الوراق المالية بمبلغ قدره )‪ (600,000‬ريال سعودي‪ ،‬ولم تفصح‬
‫عن نوعية هذه الوراق هل هي سندات أو أسهم؟ وإن كانت أسهما ً هل هي‬
‫مباحة أو محرمة؟ لكن ذكرت الشركة أنها استثمرت بنفس المبلغ المذكور‬
‫في شركة إسمنت تبوك‪ ،‬فلعل المبلغ المذكور يكون في شركة إسمنت‬
‫تبوك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬في مساهمات الراضي بمبلغ قدره )‪ (100,638,449‬ريال سعودي‪،‬‬
‫وهذه الصل فيها الباحة‪.‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫لم يرد في قوائم الشركة أنها اقترضت قرضا ً محرما‪ً.‬‬
‫د‪ .‬اليرادات‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها بمبلغ قدره‪ (113,497,349) :‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لكن ذكرت تحت بند إيرادات أخرى مبلغا ً قدره )‪ (48,067‬ريال سعودي‪ ،‬ولم‬
‫تفصح عن نوعية هذا اليراد‪ ،‬وهذا مما يؤخذ على الشركة‪.‬‬
‫فالذي يظهر للباحث أن هذه الشركة جميع أعمالها مباحة بشرطين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن تكون اليرادات الخرى التي لم توضحها الشركة كلها مباحة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تكون شركة إسمنت تبوك من الشركات التي جميع معاملتها‬
‫مباحة؛ لن شركة الرياض للتعمير استثمرت في شركة أسمنت تبوك )‬
‫‪ (600,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫الشركة الرابعة‪ :‬شركة العقارية السعودية‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م( )‪(7‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي موجودات الشركة‪ (1,456,225,577) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫ً‬
‫ذكرت الشركة أنها استثمرت جزءا من رأس مالها في السندات الحكومية‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمبلغ قدره )‪ (123,026,979‬ريال سعودي‪.‬‬


‫وبالتالي تكون نسبة هذا الستثمار المحرم لجمالي الموجودات‪(% 8.44) :‬‬
‫كما أنها ذكرت أنها استثمرت جزءا ً من رأس مالها في مشروع المانة مع‬
‫البنك السعودي البريطاني بمبلغ قدره )‪ (16,891,523‬ريال سعودي‪،‬‬
‫ومشروع المانة مجاز من الهيئة الشرعية لدى البنك‪.‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لم يرد في قوائم الشركة أنها اقترضت قرضا محرما‪ ،‬إل أنها ذكرت أنها‬
‫مدينة لعدد من البنوك‪ ،‬ولم تفصح عن طبيعة الدين‪.‬‬
‫د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها بمبلغ قدره‪ (121,706,880) :‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫ومن ضمنها إيرادات من السندات والسهم بمبلغ قدره )‪ (1,642,203‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫ويؤخذ على الشركة أنها لم تفصل بين إيرادات السندات والسهم حتى يعرف‬
‫المساهم اليراد المحرم ليتخلص منه‪.‬‬
‫وذكرت كذلك إيرادات أخرى بمبلغ قدره )‪ (2,814,479‬ريال سعودي‪ ،‬ولم‬
‫تفصح عن نوعيتها‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬دراسة لقوائم شركة قطاع التصالت‬
‫وبما أنه ل يوجد في هذا القطاع إل شركة واحدة وهي شركة التصالت‬
‫السعودية ستكون هي مجال الدراسة فقط‪.‬‬
‫شركة التصالت السعودية‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م()‪(6‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي موجودات الشركة‪ (41,772,210,000) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫ً‬
‫استثمرت الشركة مبلغا قدره )‪ (2,107,000,000‬ريال سعودي‪ ،‬وذلك في‬
‫حسابات ودائع قصيرة الجل لدى البنوك‪ ،‬بمعدل فائدة )‪ (% 2.3‬وبلغ‬
‫إجمالي الفوائد المستحقة من هذا اليداع )‪ 6.2‬مليون ريال سعودي(‬
‫وبالتالي يكون نسبة هذا الستثمار لجمالي موجوداتها‪.(% 5.04) :‬‬
‫وكانت الشركة تستثمر جزءا ً من أموالها في السندات الحكومية لعام‬
‫‪2002‬م‪ ،‬لكنها في عام ‪2003‬م لم تستثمر أموالها في هذه السندات‪ ،‬وهذا‬
‫يكتب لصالح الشركة‪.‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫أفصحت الشركة أنها لم تقم بالقتراض للعام الميلدي ‪2003‬م وهذا مما‬
‫يكتب لصالح الشركة‪.‬‬
‫مع العلم أن الشركة انتهت من تسديد قرض طويل الجل مستحق من عام‬
‫‪2001‬م‪ ،‬بقيمة )‪ 2500‬مليون ريال(‪.‬‬
‫لكن لدى الشركة اتفاقيات تسهيلت ائتمانية قصيرة الجل غير مستخدمة‪،‬‬
‫قابلة للتجديد مع ثلث بنوك محلية بقيمة )‪ 1500‬مليون ريال(‪.‬‬
‫د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها بمبلغ قدره‪ (8,525,262,000) :‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫لكن من ضمن هذه اليرادات إيرادات محرمة هي‪:‬‬
‫ل‪ :‬إيرادات من ودائع لدى البنوك بمبلغ )‪ 32.8‬مليون ريال(‪.‬‬ ‫أو ً‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثانيًا‪ :‬إيرادات من حسابات جارية )‪ 4.2‬مليون ريال(‪.‬‬


‫ثالثًا‪ :‬إيرادات من استثمارات قصيرة الجل )‪ 6.2‬مليون ريال(‬
‫فيكون مجموع هذه اليرادات )‪ (43,200,000‬ريال سعودي أي )‪43.2‬‬
‫مليون سعودي(‪.‬‬
‫فتكون نسبة اليراد المحرم لجمالي الربح‪.(% 0.5) :‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬دراسة لقوائم بعض الشركات من قطاع السمنت‪.‬‬
‫الشركة الولى‪ :‬شركة إسمنت اليمامة‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م( )‪(5‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي موجودات الشركة‪ (1,488,773,560) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن استثمارها في سندات الحكومة بمبلغ قدره )‬
‫‪ (250,000,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كما أنها أودعت لدى البنوك – إيداعا لجل – مبلغا قدره )‪(356,250,000‬‬
‫ريال سعودي‪.‬‬
‫فيكون مجموع الستثمار المحرم )‪ (615,250,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫وبالتالي تكون نسبة هذا الستثمار لجمالي الموجودات‪.(% 41.32) :‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫لم يرد في قوائم الشركة أنها اقترضت قرضا ً محرمًا‪ ،‬ولذي يظهر للباحث أن‬
‫الشركة ليست بحاجة إلى قروض‪ ،‬والسيولة النقدية لديها عالية جدا ً ولهذا‬
‫استثمرت حوالي ‪ %40‬من موجوداتها بمعاملت محرمة‪.‬‬
‫د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها بمبلغ قدره‪ (388,596,210) :‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫وبلغ إيرادات استثمارها من سندات الحكومة )‪ (8,726,469‬ريال سعودي‪.‬‬
‫فتكون نسبة هذا اليراد لصافي اليرادات‪.(% 2.24) :‬‬
‫ولم تفصح الشركة عن نوعية اليرادات المتنوعة والتي تبلغ )‪(8,843,441‬‬
‫ريال سعودي‪.‬‬
‫وكذلك لم تفصح الشركة عن إيرادها من ودائعها لدى البنوك‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون هو اليراد المتنوع‪.‬‬
‫الشركة الثانية‪ :‬شركة إسمنت المنطقة الشرقية‬

‫)‪(4 /‬‬

‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م( )‪(4‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي موجودات الشركة‪ (1,403,290,000) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن استثمارها في سندات التنمية الحكومية بملغ قدره )‬
‫‪ (446,000,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫وبالتالي تكون نسبة الستثمار المحرم لجمالي الموجودات‪.(% 31.78) :‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لم يرد في قوائم الشركة أنها اقترضت قرضا محرما‪ ،‬ولذي يظهر للباحث أن‬
‫الشركة ليست بحاجة إلى قروض‪ ،‬والسيولة النقدية لديها عالية جدا ً ولهذا‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استثمرت حوالي ‪ %30‬من موجوداتها بمعاملت محرمة‪.‬‬


‫د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها بمبلغ قدره‪ (250,757,000) :‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫ولكنها لم تفصح عن إيراداتها من السندات الحكومية‪ ،‬بل ذكرت هذا مجمل ً‬
‫تحت بند‪ :‬إيرادات استثمارات بمبلغ قدره )‪ (19,775,000‬ريال سعودي‪،‬‬
‫والشركة تستثمر جزءا ً من أموالها في السهم‪ ،‬فهذا اليراد هو مجموع من‬
‫استثمارها في السندات والسهم‪ ،‬وهذا مما يؤخذ على الشركة أنها لم تفصل‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫وكذلك ذكرت الشركة تحت بند إيرادات أخرى مبلغا قدره )‪(4,695,000‬‬
‫ريال سعودي‪ ،‬ولم تفصح عن نوعية هذا اليراد‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬دراسة لقوائم بعض الشركات من قطاع الزراعة‪.‬‬
‫الشركة الولى‪ :‬شركة تبوك للتنمية الزراعية )تادكو(‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م( )‪(3‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي موجودات الشركة‪ (354,268,048) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن استثمارها في الصناديق الستثمارية بمبلغ قدره )‬
‫‪ (14,000,000‬ريال سعودي‪ .‬وأكدت الشركة أن استثمارها في الصناديق‬
‫وفق الشريعة السلمية‪ ،‬وهذا مما يسجل في صالح الشركة‪.‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن قرض بمبلغ )‪ (7,500,000‬ريال سعودي‪ ،‬وهذا القرض‬
‫من وزارة المالية والقتصاد الوطني " الدارة العامة للقروض والعانات "‪،‬‬
‫ولم يظهر في اليضاح هل هذا القرض ربوي أو ل؟‬
‫د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها بمبلغ قدره‪ (15,756,582) :‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫وأفصحت عن مجموعة من اليرادات كلها مباحة‪ ،‬لكن ذكرت تحت بند‬
‫إيرادات متنوعة مبلغا ً قدره )‪ (1,445,265‬ريال سعودي‪ ،‬ولم توضح نوعية‬
‫هذا اليراد‪.‬‬
‫فالذي يظهر للباحث أن هذه الشركة جميع معاملتها مباحة بشرطين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون القرض الذي حصلت عليه من وزارة المالية قرضا ً غير ربوي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تكون اليرادات المتنوعة السابق ذكرها جميعها مباحة‪.‬‬
‫الشركة الثانية‪ :‬الشركة الوطنية للتنمية الزراعية )نادك(‪.‬‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م( )‪(2‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي موجودات الشركة‪ (1,066,131,961) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن نوعين من استثماراتها‪:‬‬
‫الول‪ :‬استثمارات مرابحة بمبلغ قدره )‪ (10,000,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬استثمارات في صناديق استثمارية في بنك الرياض بمبلغ قدره )‬
‫‪ (52,000,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫فإذا كانت الصناديق وفق الشريعة السلمية فإن جميع استثمارات الشركة‬
‫مباحة‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن سدادها لخر قسط من قرض صندوق التنمية الصناعي‬
‫بمبلغ قدره )‪ (9,830,000‬ريال سعودي‪ ،‬ولم تفصح الشركة عن طبيعة‬
‫القرض هل هو ربوي أو ل‪.‬‬
‫د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها بمبلغ قدره‪ (27,544,722) :‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫وأفصحت الشركة عن مجموعة من اليرادات كلها مباحة‪ ،‬لكن ذكرت تحت‬
‫بند إيرادات أخرى مبلغا ً قدره )‪ (1,040,005‬ريال سعودي‪ ،‬ولم توضح نوعية‬
‫هذا اليراد‪.‬‬
‫فالذي يظهر للباحث أن هذه الشركة جميع معاملتها مباحة بثلثة شروط‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون القرض الذي حصلت عليه من صندوق التنمية الصناعي‬
‫قرضا ً غير ربوي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تكون اليرادات المتنوعة السابق ذكرها جميعها مباحة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون استثمارها في صناديق بنك الرياض الستثمارية وفق‬
‫الشريعة السلمية‪.‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬دراسة لقوائم بعض الشركات من قطاع البنوك‪.‬‬
‫ل‬
‫وبما أنه ل يوجد بنك إسلمي في السوق السعودية – فيما يعلم الباحث ‪ -‬خا ٍ‬
‫من جميع المعاملت المحرمة إل شركة الراجحي المصرفية‪ ،‬لهذا ستكون‬
‫هي مجال الدراسة‪.‬‬
‫شركة الراجحي المصرفية للستثمار‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م( )‪،(1‬‬
‫يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي الموجودات‪ (64,678,324,000) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي استثماراتها بمبلغ قدره )‪(45,365,318,000‬‬
‫ريال سعودي‪.‬‬
‫فتكون نسبة هذه الستثمارات لجمالي الموجودات‪.(% 70.13) :‬‬
‫وجميع هذه الستثمارات مباحة ومجازة من هيئتها الشرعية وهي خمسة‬
‫أنواع‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬المتاجرة بمبلغ قدره )‪ (33,708,378‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ونسبته لجمالي الموجودات‪.(% 52.21) :‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬بيع التقسيط بمبلغ قدره )‪ (14,982,015,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ونسبته لجمالي الموجودات‪.(% 23.16) :‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬عقود الستصناع بمبلغ قدره )‪ (3,420,237,000‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ونسبته لجمالي الموجودات )‪.(% 5.28‬‬


‫النوع الرابع‪ :‬عقود مرابحة بمبلغ قدره )‪ (2,063,050,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ونسبته لجمالي الموجودات )‪(% 3.18‬‬
‫النوع الخامس‪ :‬استثمارات متنوعة بمبلغ قدره )‪ (191.638,000‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونسبته لجمالي الموجودات )‪.(% 0.29‬‬


‫ج‪ .‬القروض‬
‫غير متصور أن تقوم الشركة بالقتراض‪ ،‬لكن بما أنها مؤسسة مالية يودع‬
‫فيها أموال الناس فهذه الودائع هل هي على اسمها وديعة أم نرجع إلى‬
‫حقيقتها وهي أنها قرض؟ اختلف فيها العلماء المعاصرون على قولين‪،‬‬
‫والقول الصحيح المتعين أنها قروض‪ ،‬وبالتالي جميع الودائع التي لدى البنك‬
‫تعتبر قروضا عليه‪ ،‬لكن مما يميز شركة الراجحي عن غيرها أنها ل تعطي‬
‫فوائد على الودائع سواء كانت لجل أو تحت الطلب‪.‬‬
‫ومن خلل قراءة قوائمها أفصحت الشركة عن حسابات عملئها الجارية بمبلغ‬
‫قدره )‪ (47,200,904,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ونسبة هذه القروض لجمالي الموجودات )‪.(% 72.97‬‬
‫وذكرت أيضا ً حسابات أخرى عبارة عن تأمينات واعتمادات وشيكات مقبولة‬
‫وحوالت بمبلغ قدره )‪ (2,067,988,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ونسبة هذه الحسابات لجمالي الموجودات )‪.(% 3.19‬‬
‫وذكرت الشركة أنها مطلوبة لبنوك خارجية بمبلغ قدره )‪(638,850,000‬‬
‫ريال سعودي‪ ،‬ونسبة هذه المطلوبات لجمالي الموجودات )‪ ،(% 1.05‬ولم‬
‫تفصح الشركة عن طبيعة هذه الديون‪.‬‬
‫د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها بمبلغ قدره‪ (2,038,120,000) :‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫كل اليرادات التي ذكرتها الشركة إيرادات مباحة‪ ،‬وكغيرها من الشركات‬
‫السابقة فهي ذكرت تحت بند " دخل العمليات الخرى " مبلغا ً قدره )‬
‫‪ (63,024,000‬ريال سعودي‪ ،‬ولم تفصح عن نوعية هذا الدخل‪.‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫مما سبق ذكره عن نشاط شركة الراجحي يظهر للعيان أن الشركة جميع‬
‫أنشطتها مباحة‪ ،‬وهي من المؤسسات المالية القلئل التي أكدت جديتها في‬
‫شرعية معاملتها‪.‬‬
‫لكن مما يلحظ على الشركة‪ ،‬وغيرها من البنوك السلمية‪ ،‬أن أغلب‬
‫موجوداتها من الديون‪ ،‬فالستثمارات التي سبق ذكرها هي في الحقيقة ديون‬
‫للشركة على الغير‪.‬‬
‫والسهم كما هو معلوم " جزء مشاع من موجودات الشركة " فالذي يبيع‬
‫السهم إنما يبيع هذا الجزء المشاع‪ ،‬فإذا كان أغلب موجودات الشركة ديونا ً‬
‫فإن المتاجر إنما يبيع دينًا‪ ،‬فتكييف البيع يكون‪) :‬بيع الدين لغير من هو عليه(‬
‫وجمهور العلماء على تحريمه‪.‬‬
‫إل أنه قد يناقش هذا العتراض فيقال‪ :‬إن الموجودات التي ذكرت في قوائم‬
‫الشركة خالية من قيمة الشركة المعنوية‪ ،‬فلم يذكر في القوائم القيمة‬
‫المعنوية للشركة وهي كما هو معلوم عالية جدًا‪ ،‬ويكفي أن سهم الراجحي‬
‫هو أغلى سهم في السوق السعودي حيث وصل في بعض أيام التداول "‬
‫‪ "1250‬ريال سعودي‪.‬‬
‫فلو ذكرت القيمة المعنوية للشركة لصبحت طاغية على هذه الديون‪ ،‬ومن‬
‫المتقرر عند العلماء المعاصرين أن القيمة المعنوية هي عرض من العروض‬
‫يباع ويشترى‪ ،‬وبالتالي تأخذ موجودات الراجحي حكم العروض‪ ،‬وهذه الديون‬
‫ل‪ ،‬والمسألة تحتاج إلى بسط وتحرير‬ ‫تكون تبعًا‪ ،‬ويجوز تبعا ً ما ل يجوز استقل ً‬
‫ليس هذا محله‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المطلب السابع‪ :‬دراسة لقوائم بعض الشركات من قطاع الكهرباء‪.‬‬


‫وبما أنه ل يوجد إل شركة واحدة وهي الشركة السعودية للكهرباء‪ ،‬فستكون‬
‫هي مجال الدراسة‪.‬‬
‫الشركة السعودية للكهرباء‬
‫من خلل قراءة المركز المالي للشركة‪ ،‬كما في )‪ 31‬ديسمبر ‪2003‬م( )‬
‫‪ ،(11‬يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجمالي الموجودات‪ (101,376,854,000) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ .‬الستثمارات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن استثمارها عن طريق الودائع قصيرة الجل في البنوك‬
‫بمبلغ قدره )‪ (1,040,232,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫فتكون نسبة هذا الستثمار لجمالي موجوداتها )‪.% (1.02‬‬
‫كما أن الشركة كانت تستثمر أموالها في سندات الحكومة في عام ‪ 2002‬م‬
‫لكنها في عام ‪2003‬م أنهت هذا الستثمار‪ ،‬فهذا يكتب لصالح الشركة‪.‬‬
‫ج‪ .‬القروض‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن قروض طويلة الجل من بنوك تجارية بمبلغ قدره )‬
‫‪ (4,034,974,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫فتكون نسبة هذا القرض المحرم لموجودات الشركة‪.(% 3.98) :‬‬
‫د‪ .‬اليرادات‪:‬‬
‫أفصحت الشركة عن صافي إيراداتها بمبلغ قدره )‪ (1,408,443,000‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫وكغيرها من الشركات لم تفصح عن بعض اليرادات التي جعلتها تحت‬
‫مسمى " صافي إيرادات ومصروفات أخرى " وهي بمبلغ قدره )‬
‫‪ (135,143,000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫مع أنها ذكرت أن هذه اليرادات غير تشغيلية‪ ،‬أي ليست داخلة في صميم‬
‫عملها‪.‬‬
‫خلصة الدراسة‬
‫من خلل ما سبق بيانه يتضح ما يلي‪:‬‬
‫أن الشركات المساهمة تنقسم من حيث طبيعة عملها‪ :‬هل هو مباح أو‬
‫حرام؟ إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬ما كان عملها مباحا ً بالكامل‪ ،‬أي ل تزاول أي عمل محرم‪ ،‬وهذا‬
‫مثل البنوك السلمية الجادة في أسلمة معاملتها‪ ،‬كشركة الراجحي‬
‫المصرفية‪ ،‬وكذلك مثل شركة النقل الجماعي‪ ،‬وشركة الرياض للتعمير‪،‬‬
‫وشركة تبوك الزراعية وكذلك شركة نادك الزراعية إذا توفرت الشروط‬
‫السابق ذكرها أثناء دراسة قوائم هذه الشركات‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬ما كان عملها محرما ً بالكامل أو بالغلب‪ ،‬وهذه مثل البنوك‬
‫الربوية‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬ما كان عملها في الصل مباحا ولكنها تتعامل بالمحرم من‬
‫إيداع بفوائد أو تقترض و تقرض بفوائد أو تستثمر أموالها بمعاملت محرمة‬
‫قطعا ً كالسندات‪ .‬وهذه مثل شركة سابك والدوائية والتصالت والكهرباء‪،‬‬
‫وهذه الشركات تتفاوت فيما بينها ما بين مقل ومكثر في تعاملها بالمحرم‪.‬‬
‫فما حكم هذه النواع الثلثة من الشركات؟‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما النوع الول فل إشكال في إباحته‪.‬‬


‫و النوع الثاني كذلك ل إشكال في حرمته‪.‬‬
‫وأما النوع الثالث فقد اختلف فيه العلماء المعاصرون على أربعة أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬الجواز بشروط‪ ،‬وهو مما أفتت به هيئة الراجحي الشرعية‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬الجواز في شركات القطاع العام والتحريم في غيرها‪ ،‬وهو‬
‫قول الدكتور مصطفى الزرقا رحمه الله‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن ذلك يرجع إلى حسب نية المساهم فإن كان بقصد‬
‫المتاجرة فإنه يجوز مطلقا ً وإن كان بقصد الستثمار فيحرم‪ .‬وهذا قول الشيح‬
‫السلمي ‪.‬‬
‫ً‬
‫القول الرابع‪ :‬التحريم مطلقا‪ ،‬وهو قول جماهير أهل العلم ومما أفتى به‬
‫سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز‪ ،‬واللجنة الدائمة للفتاء ‪ ،‬وصدر به قرار‬
‫المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر السلمي‪ ،‬وكذلك المجمع الفقهي‬
‫التابع لرابطة العالم السلمي‪ ،‬وما قال به عدد من الهيئات الشرعية مثل‬
‫بيت التمويل الكويتي‪ ،‬وكذلك الهيئات الشرعية التابعة للبنوك السلمية في‬
‫السودان )‪.(12‬‬
‫والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬صحيفة الجزيرة )الربعاء ‪1425/ 10/2‬هـ العدد ‪.(11507‬‬
‫)‪ (2‬صحيفة الرياض )الربعاء ‪1424/ 6/12‬هـ العدد ‪.(13001‬‬
‫)‪ (3‬صحيفة الجزيرة )الربعاء ‪1425/ 26/1‬هـ العدد ‪.(11493‬‬
‫)‪ (4‬صحيفة الجزيرة )الثنين ‪1425/ 24/1‬هـ العدد ‪.(11491‬‬
‫)‪ (5‬صحيفة الجزيرة )السبت ‪1424/ 23/12‬هـ العدد ‪.(11461‬‬
‫)‪ (6‬صحيفة الجزيرة )الربعاء ‪1425/ 3/2‬هـ العدد ‪.(11500‬‬
‫)‪ (7‬صحيفة الجزيرة )الربعاء ‪1424/ 27/12‬هـ العدد ‪.(11465‬‬
‫)‪ (8‬صحيفة الجزيرة )الربعاء ‪1425/ 5/1‬هـ العدد ‪.(11472‬‬
‫)‪ (9‬صحيفة الجزيرة )الربعاء ‪1425/ 5/1‬هـ العدد ‪.(11472‬‬
‫)‪ (10‬صحيفة الجزيرة )الربعاء ‪6/12/1424‬هـ العدد ‪.(11444‬‬
‫)‪ (11‬صحيفة الجزيرة )الحد ‪1425/ 30/1‬هـ العدد ‪.(11497‬‬
‫)‪ (12‬وسوف تنشر مجلة البيان بحثا ً للباحث في هذه المسألة بذكر الدلة‬
‫والمناقشة بالتفصيل بإذن الله تعالى‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫دراسة حديث الجهنميين‬


‫عبد الرحيم بن صمايل السلمي ‪26/12/1423‬‬
‫‪27/02/2003‬‬
‫المقدمة ‪:‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وبعد ‪:‬‬
‫ن حديث الشفاعة الطويل من الحاديث المهمة في العقيدة ؛ لنه يشتمل‬ ‫فإ ّ‬
‫على مسائل كثيرة في باب الرؤية والشفاعة وصفة الجنة والنار واليمان‬
‫واليوم الخر والصفات والوعد والوعيد وغيرها من المسائل ‪.‬‬
‫ويوجد في هذا الحديث الطويل روايات مشكلة اختلفت فيها الراء وتعددت‬
‫فيها القوال‪.‬‬
‫وحديث الجهنميين هو جزء من حديث الشفاعة الطويل وهو الفقرة التي ُذكر‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيها خروج عصاة الموحدين من النار فهم آخر هؤلء العصاة الخارجين من‬
‫النار وقد ورد في وصفهم مجموعة روايات تصفهم بأنهم يقولون ل إله إل‬
‫الله ويتركون الشرك ويعرفون بأثر السجود يعني من أهل الصلة ووردت‬
‫رواية صارت موضوع إشكال عند العلماء واختلفوا في المراد بها وهي قوله "‬
‫لم يعملوا خيرا ً قط " فإن الظاهر الصرف من هذه الرواية وحدها يقتضي‬
‫أنهم ليسوا من المسلمين مما يدل على مناقضة الروايات التي تصفهم بما‬
‫تقدم ‪.‬‬
‫ل من‬ ‫ولهذا تعددت التصورات في حقيقة هؤلء ‪ :‬هل هم لم يعملوا أي عم ٍ‬
‫أعمال السلم أبدا ً ؟ أم عملوا عمل ً قليل ً ناقصا ً أمكن وصفهم بأنهم لم‬
‫يعملوا عمل ً كامل ً قط؟‬
‫وقبل ذلك ‪ :‬ما هو حال هذه الرواية من حيث الصحة والضعف ؟ ولن هذه‬
‫المسألة تتعلق بأصل اليمان المنجي وحده الدنى كان لبد من معرفة القول‬
‫الحق في هذه الرواية المشكلة في الحديث ‪ .‬فالمعني بالدراسة في هذا‬
‫البحث هو حديث الجهنميين من حيث تخريجه ومعانيه اللغوية وتوجيه الرواية‬
‫المشكلة فيه ‪.‬‬
‫ت هذا البحث إلى ثلث مباحث ‪:‬‬ ‫وقسم ُ‬
‫المبحث الول ‪ :‬تخريج حديث الجهنميين ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬المعاني اللغوية في الحديث ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬بيان معنى قوله " لم يعملوا خيرا ً قط " والرد على المرجئة‬
‫‪.‬‬
‫أسأل الله تعالى التوفيق والسداد والخلص في العلم والعمل‬
‫المبحث الول ‪ :‬تخريج حديث الجهنميين‬
‫المطلب الول ‪ :‬التخريج العام لحديث الجهنميين ‪:‬‬
‫روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪:‬‬
‫أن ناسا ً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يا رسول الله ! هل نرى‬
‫ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬هل ُتضاّرون‬
‫في رؤية القمر ليلة البدر ؟ قالوا ‪ :‬ل يا رسول الله قال ‪ :‬هل ُتضاّرون في‬
‫الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا ‪ :‬ل يا رسول الله قال ‪ " :‬فإنكم ترونه‬
‫كذلك ‪ "...‬ثم ساق حديثا ً طويل ً وفيه ذكر الجهنميين في قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من‬
‫أراد من أهل النار " أمر الملئكة أن يخرجوا من النار من كان ل يشرك بالله‬
‫شيئا ً ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول ل إله إل الله فيعرفونهم في النار‬
‫يعرفونهم بأثر السجود ‪ .‬تأكل النار من ابن آدم إل ّ أثر السجود حّرم الله على‬
‫ب عليهم‬ ‫النار أن تأكل أثر السجود‪ .‬فُيخرجون من النار وقد امتحشوا ‪ .‬فُيص ّ‬
‫ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت الحّبة في حميل السيل ‪ " .‬الحديث‬
‫وقد جاء الحديث بألفاظ متقاربة وروي مطول ً ومختصرا ً ‪.‬‬
‫وقد روى حديث الجهنميين عدد من الصحابة رضي الله عنهم وجاءت‬
‫أحاديثهم على النحو التالي ‪:‬‬
‫‪-1‬حديث أبي هريرة – رضي الله عنه ‪. -‬‬
‫رواه البخاري في صحيحه في – كتاب صفة الصلة – باب صفة السجود –‬
‫برقم)‪(773‬وفي – كتاب الرقاق – باب صفة الجنة والنار وفي ‪ -‬كتاب التوحيد‬
‫– باب قوله تعالى ‪ " :‬وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " – برقم )‪. (7437‬‬
‫من حديث سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي عنه ‪.‬‬
‫ورواه مسلم في صحيحه – كتاب اليمان – باب معرفة طريق الرؤية – برقم‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (299‬ورواه أحمد )‪ (400 /2‬قال الهيثمي في مجمع الزوائد )‪" : (384 /10‬‬
‫وفيه صالح مولى التوأمة وهو ضعيف " وفيه قوله " ليتمجدن الله يوم القيامة‬
‫على ُأناس لم يعملوا خيرا ً قط ‪. " ...‬‬
‫‪ -2‬حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه ‪.‬‬
‫رواه البخاري في صحيحه في – كتاب التوحيد – باب قوله تعالى ‪ :‬وجوه‬
‫يومئذ ٍ ناظرة إلى ربها ناظرة " – برقم )‪ (7439‬ومسلم في صحيحه في –‬
‫كتاب اليمان – باب معرفة الرؤية – برقم )‪ (302‬وأحمد )‪ (94 /3‬عن زيد بن‬
‫أسلم عن عطاء بن يسار عنه ‪.‬‬
‫ورواه البخاري في صحيحه في – كتاب اليمان – باب تفاضل أهل اليمان في‬
‫العمال – برقم )‪ (22‬وفي – كتاب الرقاق – باب صفة الجنة والنار – برقم )‬
‫‪ (6560‬ومسلم في صحيحه في – كتاب اليمان – باب معرفة الرؤية – عن‬
‫يحيى بن عمارة عن أبي سعيد ‪.‬‬
‫كما رواه مسلم في صحيحه من وجه آخر في – كتاب اليمان – باب معرفة‬
‫الرؤية– برقم )‪ (306‬و )‪ (307‬عن أبي نضرة عنه ‪.‬‬
‫ورواه ابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمأن )ص ‪ (646‬عن صالح بن‬
‫أبي طريف عنه ‪.‬‬
‫‪-3‬حديث جابر بن عبد الله ‪ -‬رضي الله عنه ‪. -‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫رواه أحمد )‪ (326 /3‬وابن حبان )الحسان ‪ (203 /1‬برقم) ‪،(183‬والطبراني‬


‫في الوسط كما في مجمع الزوائد )‪ (379 /10‬وقال الهيثمي ‪ :‬ورجاله رجال‬
‫الصحيح غير بسام الصيرفي وهو ثقة ‪.‬‬
‫‪-4‬حديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه ‪. -‬‬
‫رواه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلة )‪ (279 277 / 1‬برقم)‬
‫‪ . (269 268‬وابن ماجه – كتاب الزهد – باب ذكر الشفاعة – برقم)‬
‫‪،( 4315‬والطبراني في الوسط كما في مجمع الزوائد )‪ (379 /10‬وقال‬
‫الهيثمي ‪" :‬فيه عبد الرحمن ابن اسحاق وهو ضعيف" ‪.‬‬
‫‪-5‬حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه ‪. -‬‬
‫رواه البخاري – كتاب الرقاق – باب صفة الجنة والنار – برقم ‪6559‬‬
‫والطبراني في الوسط كما في مجمع الزوائد )‪ (380 /10‬وقال‬
‫الهيثمي‪":‬وفيه من لم أعرفهم" رواه أحمد )‪183 144 134 126 125 / 3‬‬
‫‪. ( 260 255 208‬‬
‫وأبو يعلى في مسنده ) ‪ ( 475 391 344 267 /5‬برقم )‪2978 2886‬‬
‫‪. ( 3206 305‬‬
‫‪-6‬حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه ‪. -‬‬
‫رواه أحمد )‪ (454 /1‬عن عطاء بن السائب عن عمرو بن ميمون عنه ‪.‬‬
‫وقال الهيثمي في مجمع الزوائد )‪ " : (383 / 10‬رواه أحمد وأبو يعلى‬
‫ورجالهما رجال الصحيح غير عطاء بن السائب وهو ثقة ولكنه اختلط " ‪.‬‬
‫‪-7‬حديث عمران بن حصين – رضي الله عنه ‪.‬‬
‫رواه البخاري – كتاب للرقاق – باب صفة الجنة والنار – برقم ‪ 6566‬ورواه‬
‫أحمد )‪ (434 /4‬وأبو داود في سنته – كتاب السنة – باب في الشفاعة –‬
‫برقم )‪ (4740‬والترمذي – كتاب صفة جهنم – برقم )‪. (2600‬‬
‫‪-8‬حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رواه أحمد )‪ (402 391 /5‬وابن أبي عاصم في السنة ص ‪ 835 /‬وابن‬
‫خزيمة في التوحيد ‪ 664 /2‬والجري في الشريعة ص ‪ 346 /‬عنه ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬تخريج رواية " لم يعملوا خيرا ً قط " ‪.‬‬
‫ت أن حديث الجهنميين رواه ثمانية من الصحابة الكرام رواية‬ ‫سبق أن بين ُ‬
‫مختصر ومطولة ‪.‬‬
‫ولم يرد في رواية الثمانية جميعا ً هذه الزيادة " لم يعملوا خيرا ً قط " إل ّ في‬
‫حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عند مسلم )‪ .(1‬وقد رواه‬
‫مسلم عن أبي سعيد الخدري من غير طريق عطاء بن يسار وليس فيه هذه‬
‫الزيادة فقد رواه عن يحيى بن عمارة )‪ (2‬وأبي نضرة )‪ (3‬ورواه ابن حبان‬
‫عن صالح بن أبي طريف عنه دون الزيادة ‪ .‬وقد روى مسلم هذا الحديث في‬
‫آخر الباب بعد سياقه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ولم يذكر في حديثه‬
‫عنده الرواية السابقة ‪.‬‬
‫قد يقول قائل ‪ :‬هذه الرواية يشهد لها روايتان في الحديث ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬ما رواه أحمد في حديث أبي هريرة ولفظه ‪ " :‬ليتمجدن الله يوم‬
‫القيامة على ُأناس لم يعملوا خيرا ً قط ‪ " ...‬الحديث )‪.(4‬‬
‫الثانية ‪ :‬ما رواه البخاري عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري وفيه "‬
‫ل عملوه‬ ‫فيقول أهل الجنة هؤلء عتقاء الرحمن أدخلهم الله الجنة بغير عم ٍ‬
‫ول خير قدموه " )‪ .(5‬وأرى أن هاتين الروايتين ل تصلحان في الشواهد لما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن حديث أبي هريرة ضعيف فيه صالح مولى التوأمة )‪.(6‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن رواية البخاري من نفس الطريق المروي به الزيادة عند مسلم فهما‬
‫حديث واحد وقد يكون روى بالمعنى ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أن رواية مسلم منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما رواية‬
‫البخاري فمنسوبة إلى أهل الجنة فاختلفت جهة النسبة فل يصح أحدهما‬
‫شاهدا للخر ‪.‬‬
‫وهل تعتبر هذه الزيادة من زيادة الثقة فتكون مقبولة ؟‬
‫يشترط في زيادة الثقة عدم المخالفة لمن هو أوثق منه وظاهر رواية عطاء‬
‫بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه مخالف لبقية الرواة عن أبي سعيد‬
‫ومخالف لبقية من روى حديث الجهنميين الذين وصفوا في الحاديث الخرى‬
‫بأنهم " يشهدون أن ل إله إل الله ويعبدون الله ول يشركون به شيئا ً ومن أهل‬
‫الصلة " ‪ .‬بينما في الزيادة أنهم لم يعملوا خيرا ً قط ‪.‬‬
‫والظاهر أن هذه الزيادة شاذة إذا ُأخذت على ظاهرها أو صحيحة إذا أمكن‬
‫الجمع بينها وبين بقية الروايات بجمع صحيح ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬المعاني اللغوية في الحديث‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ت أن حديث الجهنميين جزء من حديث الشفاعة الطويل وسأذكر‬ ‫سبق أن بين ُ‬


‫فع" أي ‪:‬‬‫س ْ‬
‫جملة من ألفاظ الحديث التي تحتاج إلى بيان معانيها اللغوية " َ‬
‫سواد فيه زرقة أو صفرة يقال ‪ :‬سفعته النار إذا لفحته فغّيرت لون بشرته )‬
‫شوا" أي ‪ :‬احترقوا يقال ‪ :‬امتحش الخبز أي ‪ :‬احترق ‪ .‬ويقال ‪:‬‬ ‫‪" .(7‬امتح َ‬
‫حّبة" ‪ :‬قال ابن شميل ‪:‬‬ ‫شه )‪" .(8‬ال ِ‬‫محشته النار وأمحشته والمعروف ‪ :‬أمح َ‬
‫"الحبة )بكسر الحاء( اسم جامع لحبوب البقول التي تنتشر إذا هاجت ثم إذا‬
‫حّبة نبت ينبت في الحشيش‬ ‫مطرت قابل نبتت" ‪ .‬وقال أبو عمرو ‪" :‬ال ِ‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصغار" ‪ .‬وقال ابن دريد في الجمهرة ‪" :‬كل ما كان من ب َْزر العشب فهو‬
‫حبب )‪"·.(9‬حميل" ‪ :‬قال أبو سعيد الضرير ‪" :‬حميل السيل ما‬ ‫حّبة"‪ .‬والجمع ِ‬
‫حّبة واستقرت على شط مجرى‬ ‫جاء به من طين أو غثاء فإذا اتفق فيه ال ِ‬
‫السيل فإنها تنبت في يوم وليلة وهي أسرع نابتة نباتًا" ‪ .‬قال المازري ‪:‬‬
‫"وإنما أخبر صلى الله عليه وسلم من سرعة نباتهم" )‪"· .(10‬قشبني" قال‬
‫مني ريحه ‪ ..‬والقشيب ‪:‬‬ ‫الجوهري ‪" :‬قشبني يقشبني أي أذابني كأنه قال ‪ :‬س ّ‬
‫السم والجمع أقشاب" )‪ (11‬قال القرطبي ‪) :‬قوله ‪" :‬قشبني ريحها" أي غّير‬
‫مم ‪:‬‬ ‫ح َ‬‫ودني – وأحرقني قاله الحربي ( )‪"· .(12‬حممًا" ‪ :‬ال ُ‬ ‫س ّ‬
‫جلدي وصورتي و َ‬
‫ضبارة‬‫الفحم واحده حممة )‪" .(13‬ضبائر" ‪ :‬قال الهروي ‪" :‬ضبائر جمع ِ‬
‫) بكسر الضاد ( مثل عمارة وعمائر والضبائر ‪ :‬جماعات الناس يقال ‪ :‬رأيتهم‬
‫ط" ‪ :‬بفتح القاف وتشديد الطاء ظرف‬ ‫ضبائر أي جماعة في تفرقة" )‪" .(14‬قَ ّ‬
‫لستغراق الزمن الماضي ويشترط أن يسبقها نفي ‪.‬‬
‫ومنه قول الفرزدق ‪:‬‬
‫ما قال ل قط إل ّ في تشهده ‪... ...‬‬
‫م)‪(15‬‬‫ؤه نع ُ‬‫لول التشهد كانت ل َ‬
‫ً‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬بيان معنى قوله " لم يعملوا خيرا قط " والرد على المرجئة‬
‫ورد في وصف الجهنميين في الحاديث بالوصاف التالية ‪:‬‬
‫‪-1‬ل يشركون بالله شيئا ً )‪.(16‬‬
‫‪-2‬يقولون ل إله إل الله )‪.(17‬‬
‫‪-3‬يعرفون بأثر السجود )‪.(18‬‬
‫وهذه الوصاف مأخوذة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه ‪ " :‬حتى‬
‫إذا فرغ الله من القضاء بين العباد ‪ ,‬وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل‬
‫النار ‪ ,‬أمر الملئكة أن يخرجوا من النار من كان ل يشرك بالله شيئا ً ‪ ,‬ممن‬
‫أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول ل إله إل الله ‪ ,‬فيعرفونهم في النار ‪.‬‬
‫يعرفونهم بأثر السجود ‪ .‬تأكل النار من ابن آدم إل أثر السجود ‪ .‬حّرم الله‬
‫خَرجون من النار وقد امتحشوا ‪" ...‬‬ ‫على النار أن تأكل أثر السجود ‪ ,‬في ُ ْ‬
‫ً‬
‫الحديث ‪ .‬وظاهر رواية " لم يعملوا خيرا قط " معارضة لوصف الجهنميين‬
‫بهذه الوصاف ‪ ,‬ولهذا كانت هذه الرواية فيها إشكال يحتاج إلى بيان‬
‫وتوضيح ‪.‬‬
‫وقد احتج بهذا الحديث طائفتان ‪:‬‬
‫إحداهما ‪ :‬من يرى أن اليمان هو تصديق القلب فقط ‪ ,‬ول يدخل في حقيقته‬
‫قول اللسان وعمل القلب والجوارح ‪ ,‬وهم مرجئة المتكلمين من الشاعرة و‬
‫الماتريدية ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬من يرى أن اليمان تصديق القلب وقول اللسان وعمل القلب‬
‫ويستدل بهذا الحديث على أن ترك جميع أعمال الجوارح إل الشهادتين ل‬
‫يخرج من اليمان ‪.‬‬
‫والحق أنه ليس لهما دليل في هذه الرواية على ما ذهبوا إليه ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬الرد على مرجئة المتكلمين ) غلة المرجئة ( ‪:‬‬
‫أخذ الغزالي في إحياء علوم الدين من هذا الحديث أن العمل ليس ركنا ً في‬
‫اليمان ‪ ,‬إذ الركن ل يحتمل السقوط إل بانتفاء الحقيقة ‪ ,‬وقد أخرج الله‬
‫تعالى من النار قوما ً جاءوا بالتصديق المجرد )‪.(19‬‬
‫" وقد استدل الغزالي بقوله " من كان في قلبه " على نجاة من أيقن بذلك‬
‫خر‬ ‫وحال بينه وبين النطق به الموت ‪ ,‬وقال في حق من قدر على ذلك فأ ّ‬
‫فمات ‪ :‬يحتمل أن يكون امتناعه عن النطق بمنزلة امتناعه عن الصلة‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيكون غير مخلد في النار " )‪.(20‬‬


‫والرد على المرجئة من وجوه ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن هذا الحديث ليس عمدة المرجئة في تقرير حقيقة اليمان ‪ ,‬لنه من‬
‫أحاديث الحاد الظنّية التي ل تقبل في العقيدة كما زعموا ‪ ,‬وكذلك دللته‬
‫ظنّية إذ الدللت اللفظّية ظنّية عندهم لحتمال المجاز والشتراك والمعارض‬
‫العقلي وغيرها ‪.‬‬
‫والستدلل بحديث ليس عمدة ول يستقيم الستدلل به على أصولهم ل يصح‬
‫ول يوصل لدللته على قواعدهم ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن هذا الحديث فيه الرد عليهم في مسألة زيادة اليمان ونقصانه)‪(21‬‬
‫وقد بوب عليه البخاري بابا ً بعنوان ‪ " :‬باب تفاضل أهل اليمان في العمال "‬
‫‪ .‬والستدلل به في موضع وإهماله في موضع آخر تناقض واتباع للهوى ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أن هذه الرواية لم ترد إل ّ عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري‬
‫رضي الله عنه مع كثرة من رواه من الصحابة ‪ ,‬وقد رواه عن أبي سعيد غير‬
‫عطاء ولم يذكرها ‪ .‬بل إن رواية عطاء بن يسار مضطربة ففي صحيح مسلم‬
‫رويت هذه العبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وفي البخاري عن‬
‫أهل الجنة مع أنه حديث واحد ومخرجه واحد ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬أن الروايات التي لم ُتذكر فيها الزيادة أرجح ورواتها أكثر من تلك ‪,‬‬
‫وهي موافقة للصول القطعية من أنه لن يدخل الجنة إل مؤمن ‪ ,‬وأن اليمان‬
‫قول وعمل )‪.(22‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬أن ظاهر الرواية يدل على عدم التصديق ‪ ,‬لنه "خير" وهم لم‬
‫يعملوا خيرا ً قط ‪ ,‬فاستثناء التصديق ليس عليه دليل ‪ ,‬وإذا جاز استثناؤه‬
‫فيصح استثناء قول اللسان وعمل القلب والجوارح من حيث جنسها ل نوعها ‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬أن يحمل النفي في قوله " لم يعملوا خيرا ً قط " على نفي الكمال‬
‫الواجب لورود ما يدل على أنهم عملوا خيرا ً في الروايات الخرى ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الرد على مرجئة الفقهاء ومن وافقهم ‪.‬‬
‫استدل بهذا الحديث من يرى عدم اشتراط العمل الظاهر في حقيقة‬
‫اليمان ‪ ,‬وزعموا أن اليمان المنجي هو تصديق القلب وعمله وقول اللسان ‪.‬‬
‫والرد عليهم من وجوه ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن الروايات التي ليس فيها هذه الزيادة أرجح ‪ ,‬وقد تقدم بيان ذلك ‪,‬‬
‫وقد ثبت فيها أن الجهنميين من أهل الصلة ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪:‬‬
‫أن رواية الزيادة لم ترد في طرق الحديث إل عن عطاء بن يسار عن أبي‬
‫سعيد الخدري رضي الله عنه مما يدل على أنها غير محفوظة ‪ ,‬وقد تقدم‬
‫بيان ذلك ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪:‬أن يجمع بين الروايات فيحمل النفي في الزيادة على نفي الكمال‬
‫الواجب كما قال ابن خزيمة ‪ " :‬هذه اللفظة ‪ ) :‬لم يعملوا خيرا ً قط ( من‬
‫الجنس الذي تقول العرب بنفي السم عن الشيء لنقصه من الكمال والتمام‬
‫‪ ,‬فمعنى هذه اللفظة على هذا الصل لم يعملوا خيرا ً قط على التمام‬
‫والكمال ‪ ,‬ل على ما أوجب عليه وأمر به " )‪.(23‬‬
‫ويشهد لهذا القول حديث " ارجع فصل فإنك لم تصل " ‪ ,‬وقاتل المائة جاء‬
‫عنه " أنه لم يعمل خيرا ً قط " مع كونه تائبا ً وشرع في الهجرة إلى الرض‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصالحة ‪.‬‬
‫وهذا أمر سائغ في لغة العرب يقولون ‪ :‬أنت لست بولدي ول يريد نفي البنوة‬
‫عنه بالمرة بل يريد لست بولدي الطائع لن من صفات الولد الطاعة لبيه ‪.‬‬
‫ومراتب النفي هي ‪ :‬نفي الوجود أو الصحة أو الكمال ‪ ,‬وحمله على الول‬
‫والثاني يلزم منه نفي قول اللسان وعمل القلب لنها تدخل في عموم‬
‫"العمل" و "الخير" ‪ ,‬وإذا استثنوا قول اللسان وعمل القلب بنصوص خارج‬
‫الحديث فإن روايات الحديث يمكن أن يستثنى بها عمل الجوارح ويحمل‬
‫النفي على الكمال ‪.‬‬
‫ومن زعم أن العمل في الزيادة يراد به عمل الجوارح دون عمل القلب فهذا‬
‫زعم ل دليل عليه ‪.‬‬
‫وقد أخرجوا عمل القلب من عموم الزيادة بالروايات الدالة على خروج من‬
‫كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان‬
‫وهذا صحيح ينضاف إلى عمل الجوارح الخارج بكونهم من أهل السجود‬
‫والصلة ‪.‬‬
‫وزعم بعض الشراح)‪ (24‬أن المراد بالسجود الوجه ‪ ,‬وهذا إذا اقتضى نفي‬
‫كونهم من أهل الصلة ففاسد ‪ ,‬ولهذا رواه البخاري في كتاب صفة الصلة‬
‫في باب فضل السجود مما يدل أنه فهم من السجود سجود الصلة‬
‫رابعا ً ‪ :‬أن يقال ‪ :‬إن الرواية تدل على حالة غيبّية مخصوصة ل تعارض الصل‬
‫الثابت‪.‬فهؤلء لقلة عملهم و خفائه ل يستطيع أهل الجنة معرفتهم عندما يأذن‬
‫لهم الله تعالى في إخراج أهل الذنوب ممن دخل النار ‪.‬‬
‫فقد ورد في لفظ مسلم ‪ " :‬يقولون ربنا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ‪,‬‬
‫ويعملون معنا " ثم يقولون بعد إخراجهم من عرفوا ‪ " :‬ربنا لم نذر فيها خيرا ً‬
‫" ‪ ,‬وهذا القول هو حسب معرفتهم)‪ (25‬ثم يخرج الله تعالى أقواما ً آخرين ‪,‬‬
‫فقد ورد في رواية في المسند " أنا الن أخرج بعلمي ورحمتي ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫فيخرج أضعاف ما أخرجه " )‪ (26‬فيمكن القول بأن هذه حالة خاصة ل ندركها‬
‫في الدنيا ول في الخرة وهي ل ُيرد ّ بها الصل العام في مفهوم اليمان‬
‫وحقيقته ‪.‬‬
‫ويشبه هؤلء ما ورد في حديث حذيفة في آخر الزمان وفيه ‪ " :‬يدرس‬
‫السلم – كما يدرس وشي الثوب حتى ل يدري ما صيام ول صدقة ول نسك ‪,‬‬
‫ويسري على كتاب الله في ليلة فل يبقى في الرض منه آية ويبقى طوائف‬
‫من الناس ‪ :‬الشيخ الكبير ‪ ,‬والعجوز يقولون ‪ :‬أدركنا آباءنا على هذه الكلمة ‪:‬‬
‫ل إله إل الله فنحن نقولها ‪ .‬قال صلة بن زفر لحذيفة ‪ :‬فما تغني عنهم ل إله‬
‫إل الله وهم ل يدرون ما صيام ول صدقة ول نسك ؟ فأعرض عنه حذيفة‪,‬‬
‫فرددها عليه ثلثًا‪ ,‬كل ذلك يعرض عنه حذيفة ‪ ,‬ثم أقبل عليه في الثالثة فقال‬
‫‪ :‬يا صلة تنجيهم من النار " )‪.(27‬‬
‫)‪ - (1‬في كتاب اليمان – باب معرفة الرؤية – برقم )‪. (302‬‬
‫)‪ -(2‬في كتاب اليمان ‪ -‬باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار –‬
‫برقم )‪. (305 , 304‬‬
‫)‪ -(3‬في الكتاب والباب السابق برقم )‪. (307 , 306‬‬
‫)‪ -(4‬رواه أحمد في مسنده ‪. 400 / 2‬‬
‫)‪ -(5‬صحيح البخاري – كتاب التوحيد – باب قول الله تعالى ) وجوه يومئذ‬
‫ناضرة إلى ربها ناظرة ( برقم )‪. (7439‬‬
‫)‪ -(6‬صالح بن نبهان مولى التوأمة وهي ‪ :‬التوأمة بنت أمية بن خلف ابن‬
‫وهب وهي التي نسب صالح إليها ) انظر ‪ :‬الثقات ‪ -‬لبن حبان – ‪( 42 / 3‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اختلط في آخر عمره قال الصمعي ‪ :‬كان شعبة ل يحدث عنه ‪ ,‬وقال بشر‬
‫بن عمر ‪ :‬سألت مالكا ً عنه فقال ليس بثقة ‪ .‬انظر ‪ :‬تهذيب التهذيب ‪405 / 4‬‬
‫‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫)‪-(7‬فتح الباري ) ‪. ( 429 / 11‬‬


‫)‪ -(8‬المفهم ) ‪ , ( 422 – 421 / 1‬والمعلم ) ‪ ( 266 / 1‬ووردت بصيغة‬
‫وب الولى ‪ ,‬والحق أن‬ ‫طأ القرطبي الثانية وص ّ‬ ‫المبني للمعلوم والمجهول وخ ّ‬
‫كليهما مروي في الصحيح ول يتضمن معنى باطل ‪.‬‬
‫)‪ - (9‬المعلم ) ‪ , ( 226 / 1‬وانظر المفهم ) ‪. ( 422 / 1‬‬
‫)‪ -(10‬المعلم ) ‪ , ( 226 / 1‬وانظر المفهم ) ‪. ( 422 / 1‬‬
‫)‪ -(11‬الصحاح مادة ) قشب ( ‪.‬‬
‫)‪ -(12‬المفهم ) ‪ , ( 422 / 1‬وانظر ‪ :‬المعلم ) ‪. ( 226 / 1‬‬
‫)‪ - (13‬المفهم ) ‪ , ( 422 / 1‬والمعلم ) ‪. ( 229 / 1‬‬
‫)‪ - (14‬المعلم ) ‪ , ( 229 / 1‬والمفهم ) ‪. ( 451 / 1‬‬
‫)‪ - (15‬انظر ‪ :‬قاموس العراب ) ص ‪ , ( 70 /‬المنهاج في القواعد والعراب‬
‫) ص ‪. ( 231 /‬‬
‫)‪ - (16‬انظر ‪ :‬صحيح البخاري برقم ‪ , 773‬وصحيح مسلم برقم ‪. 299‬‬
‫)‪ -(17‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫)‪ -(18‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫)‪ (19‬وقد تابعه الزبيدي على ذلك انظر الحياء وشرحه ) ‪. ( 243 / 5‬‬
‫)‪ -(20‬فتح الباري ) ‪. ( 430 / 11‬‬
‫)‪ - (21‬انظر ‪ :‬ظاهر الرجاء في الفكر السلمي ص ‪. 748 /‬‬
‫)‪ -(22‬انظر ‪ :‬المصدر السابق ص ‪. 749 /‬‬
‫)‪ - (23‬التوحيد ص ‪ ) 309 /‬ط القديمة ( ‪.‬‬
‫)‪ -(24‬شرح البي على صحيح مسلم ‪.‬‬
‫)‪ - (25‬ورد في حديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم برقم ‪" : 303‬‬
‫فيقال لهم ‪ :‬أخرجوا من عرفتم " ‪.‬‬
‫)‪ - (26‬المسند ‪. 325 / 3‬‬
‫)‪ -(27‬رواه الحاكم ) ‪ ( 473 / 4‬وقال صحيح على شرط مسلم ‪ ,‬وسكت‬
‫عنه الذهبي ‪ ,‬وصححه اللباني انظر السلسلة الصحيحة برقم ‪.87‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫دراسة علمية حول إشكالية ترجمة معاني القرآن الكريم‬


‫أكدت دراسة علمية حول ترجمة معاني القرآن وإشكالياتها للدكتورة ليلى‬
‫عبد الرازق عثمان رئيس قسم اللغة النجليزية والترجمة الفورية بجامعة‬
‫الزهر استحالة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الخرى بنفس الدقة‬
‫التي تحققت في اللغة العربية التي نزل بها كتاب الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬مشيرة‬
‫إلى أن القرآن قد تترجم كلماته حرفيا ً لكن من الصعب ترجمة ما تحمله هذه‬
‫الكلمات بباطنها من مدلولت ومعان تمثل روح القرآن وسره المنيع‪.‬‬
‫وأشارت الدراسة إلى أن أسلوب القرآن عالي السمو ومميز البيان والعجاز‪،‬‬
‫وهذا يظهر في الفخامة البلغية والفصاحة البالغة والنثر اليقاعي والحبكة‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القصصية والتنسيق البارع بين المعاني وموسيقى الكلمات مما يصعب فهمه‬
‫حتى على متحدثي اللغة العربية أنفسهم‪.‬‬
‫وقالت الباحثة إن آيات القرآن الكريم تنفرد بإيقاع وقافية ونظم وفواصل‬
‫تظهر بوضوح في تلوة القرآن‪ ،‬وكل ذلك ل تستطيع الترجمة أن تنقله‪ ،‬لذا‬
‫توجد صعوبات كثيرة تواجه الذين يتصدون لترجمة معاني القرآن في مقدمتها‬
‫صعوبة نقل الخصائص البلغية للقرآن سواء كانت تتمثل في علم المعاني‬
‫ويندرج تحته الطناب والحذف والتقديم والتأخير والستفهام أو علم البيان أي‬
‫التشبيه والستعارة والكناية أو علم البديع أي الطباق والمبالغة والنظم‬
‫والفواصل والتكرار‪.‬‬
‫وأكدت الدراسة أن كثيرين ممن ترجموا معاني القرآن من غير الناطقين‬
‫باللغة العربية مسلمين كانوا أو غير مسلمين اعترفوا بصعوبة ترجمة القرآن‬
‫والعجز عن مضاهاة اللغات الخرى باللغة العربية‪ ،‬ومن هؤلء على سبيل‬
‫المثال أ‪ .‬ج‪ .‬اربري الذي كان من أشد المعجبين بلغة القرآن لكنه قال‪ :‬بدون‬
‫شك لغة القرآن العربية تتحدى أية ترجمة مناسبة لن البيان المعجز يتلشى‬
‫حتى في أكثر الترجمات دقة‪.‬‬
‫وأوضحت الباحثة أن هذه الصعوبات دفعت مترجمي القرآن إلى اللغة‬
‫النجليزية إلى ابتكار ما يمكن تسميته بلغة إسلمية إنجليزية ‪Islamic inglish‬‬
‫حيث قاموا بالتعبير عن السماء السلمية بمعانيها دون تحريف وبذلك ظهرت‬
‫مفردات دينية بديلة تغلغلت في اللغة النجليزية مثل كلمة ‪ Haj‬بدل من‬
‫‪ Pilgrimage‬و ‪ Zakat‬و ‪ Sadakah‬بدل من ‪ Charity‬و ‪ Almsgiving‬و ‪Poor-due‬‬
‫مشيرة إلى أن انتشار المفردات السلمية ودخولها إلى اللغة النجليزية‬
‫يؤدي دورا ً مهما ً في توحيد المسلمين في العالم على اختلف لغاتهم‪.‬‬
‫وأكدت الدراسة انه لكي ينقل المترجم معاني القرآن على أفضل وجه فإنه‬
‫يجب أن يفهم البيئة التي نزل فيها القرآن وأسباب النزول وان يفهم‬
‫الخصائص البلغية للغة الصلية وينقلها بدقة متناهية‪ ،‬وان يلتزم بالنص‬
‫الصلي فل يضيف أو يحذف شيئا ً حتى ل يغير المعنى أو يضلل القارئ‪،‬‬
‫موضحة أن هناك بعض المترجمين حاولوا نقل معنى كل كلمة وأضافوا‬
‫هوامش لشرح الصور البلغية مثل يوسف علي لكن هناك مترجمين آخرين‬
‫لم يعتنوا بالخصائص البلغية واهتموا فقط بتبسيط معاني القرآن حتى يفهمها‬
‫العامة‪.‬‬
‫وأضافت الباحثة أن العطف هو صعوبة أخرى كبيرة تواجه المترجم لن‬
‫العطف هو أحد تراكيب التماسك اللزمة لتكوين وحدات أكبر في الخطاب‬
‫وهو يختلف ليس فقط في نسبة تواتره من لغة إلى أخرى ولكن أيضا من‬
‫حيث تراكيبه ووظائفه واستخدامه‪ ،‬مشيرة إلى أن تكرار أداة العطف من‬
‫أكثر الخطاء الشائعة التي يقع فيها المترجمون فأداة العطف ‪ and‬على سبيل‬
‫المثال يستخدمها المترجمون كلما وجدوا حرف »الواو« في النص الصلي‬
‫وهذا يؤدي إلى الزيادة والحشو في النجليزية‪ .‬وأشارت إلى أن من أهم‬
‫الخطاء الشائعة أيضا ً تغيير صيغة الجملة المعطوفة من مبني للمجهول إلى‬
‫مبني للمعلوم بجانب الخطاء الوظائفية والتوصيلية مثل الختيار الخاطئ‬
‫لدوات العطف أو استبدال أداة عطف بأخرى‪.‬‬
‫‪30/04/2001‬‬
‫‪ http://www.islamweb.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دراسة لقوائم شركة الورق‬


‫خالد بن إبراهيم الدعيجي ‪25/3/1427‬‬
‫‪23/04/2006‬‬
‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فهذه دراسة مختصرة لقوائم شركة "الورق"‪ ،‬علما ً أن نشرة الصدار ذكرت‬
‫فيها القوائم المالية المدققة المنتهية في ‪ 31‬ديسمبر ‪2005‬م‪ .‬وهناك بعض‬
‫الستفسارات على القوائم تم إرسالها إلى الشركة‪ ،‬وجاء الرد منهم بخطاب‬
‫واضح جلي أجاب على الستفسارات بكل شفافية‪ ،‬فتشكر الشركة على‬
‫تعاونها‪.‬‬
‫ل‪ :‬دراسة قوائم الشركة المنتهية في ‪ 31‬ديسمبر ‪2005‬م‬ ‫أو ً‬
‫‪ .1‬إجمالي الموجودات‪ (456.163.151) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫‪ .2‬الودائع البنكية‪:‬‬
‫إجمالي الودائع‪ (18.942.580) :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ونسبتها لجمالي الموجودات ‪ .% 4.15‬وتتكون من ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حساب جاري لدى البنوك بمبلغ )‪ (18.837.172‬ريال سعودي‪ .‬وليس‬
‫مربوطا ً بأي فوائد ربوية مطلقا ً حسب خطاب الشركة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نقد لدى خزينة الشركة بمبلغ )‪ (105.408‬ريال سعودي‪.‬‬
‫‪ .3‬إيرادات الودائع‪.‬‬
‫لم يظهر في قوائم الشركة إيرادات للودائع البنكية‪.‬‬
‫‪ .4‬الستثمارات‪:‬‬
‫إجمالي استثمارات الشركة‪ (3.994.580) :‬ريال سعودي‪ .‬ونسبتها‬
‫للموجودات ‪ .%0.87‬وتتألف من‪:‬‬
‫أ‪ -‬استثمار في شركة غاز الشرق المحدودة‪ ،‬وهي شركة تحت التأسيس‪،‬‬
‫بمبلغ )‪ (3.900.000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ب‪ -‬استثمار في الشركة المتحدة للتركيبات بمبلغ )‪ (94.679‬ريال سعودي‪.‬‬
‫‪ .5‬إجمالي المطلوبات‪ 456.163.151 :‬ريال سعودي‪.‬‬
‫‪ .6‬القروض‪:‬‬
‫إجمالي القروض ‪ (182.477.290) :‬ريال سعودي‪ .‬ونسبتها لجمالي‬
‫المطلوبات ‪ .%40‬وتتكون هذه القروض من ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قروض صندوق التنمية الصناعية السعودي بمبلغ ‪ (36.000.000) :‬ريال‬
‫سعودي‪ .‬ونسبتها لجمالي المطلوبات )‪ .(%7.9‬ول تعد هذه القروض ربوية‬
‫عند المختصين‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قروض مرابحة قصيرة الجل بمبلغ )‪ (102.283.089‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ونسبتها لجمالي المطلوبات )‪ . (%22.42‬وهي تمويل إسلمي متوافق مع‬
‫ضوابط الهيئات الشرعية‪.‬‬
‫ج‪ -‬قروض مرابحة طويلة الجل بمبلغ )‪ (19.263.150‬ريال سعودي‪.‬‬
‫ونسبتها لجمالي المطلوبات )‪ .(%4.2‬وهي تمويل إسلمي متوافق مع‬
‫ضوابط الهيئات الشرعية‪.‬‬
‫جاء في خطاب الشركة‪ ":‬أما المرابحات التي تم ذكرها كقروض قصيرة‬
‫وطويلة الجل‪ ،‬فهي مرابحات شرعية تم تصنيفها حسب تواريخ استحقاق‬
‫سدادها حسب شروط اللجان الشرعية لدى هذه البنوك‪ ،‬وتتم المرابحة‬
‫بإبلغنا للبنك بالرغبة في شراء مواد ذات مواصفات معينة من عدة موردين‬
‫تم استلم عروض أسعارهم‪ ،‬فيقوم البنك بالتصال بهم وفتح اعتمادات‬
‫لصالحهم باسم البنك‪ ،‬وعند وصول المستندات يتم توقيع عقد المرابحة بيننا‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبين البنك لشراء تلك المواد ويتم تحديد تاريخ السداد" أهـ‪.‬‬
‫د‪ -‬قروض لطراف ذات علقة بمبلغ )‪ (24.262.551‬ريال سعودي‪ .‬ونسبتها‬
‫لجمالي المطلوبات )‪. (%5.3‬‬
‫جاء في خطاب الشركة في طبيعة القروض‪ ":‬وهي مبالغ مستحقة للشركاء‬
‫على الشركة وليس عليها أي عائد أو فوائد"‬
‫وعند طلب اليضاح أكثر تبين أن رئيس مجلس الدارة ونائبه قاما بإقراض‬
‫الشركة هذه المبالغ بدون فوائد‪.‬‬
‫هـ‪ -‬بنوك دائنة بمبلغ )‪ (662.500‬ريال سعودي‪ .‬ونسبتها لجمالي المطلوبات‬
‫)‪. (%0.14‬‬
‫وجاء في خطاب الشركة " تتمثل هذه المديونية في خطابات ضمان صادرة‬
‫من البنوك للشركة لجهات حكومية وتجارية‪ ،‬من أجل توريد مخلفات ورقية‬
‫ول تحمل أي فوائد مرتبطة بها‪ .‬بيانها كالتالي‪:‬‬
‫* خطاب ضمان لصالح وزارة التربية بمبلغ )‪ (500.000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫* خطاب ضمان لصالح الدار العربية للطباعة والنشر بمبلغ )‪ (100.000‬ريال‬
‫سعودي‪.‬‬
‫* خطاب ضمان لمؤسسة الجزيرة بمبلغ )‪ (60.000‬ريال سعودي‪.‬‬
‫* خطاب ضمان لوزارة الصحة بمبلغ )‪ (2.500‬ريال سعودي‪.‬‬
‫‪ .7‬جاء في ختام الخطاب " ونفيد فضيلتكم بأن الشركة ومنذ بداية تأسيسها‬
‫حرصت كل الحرص على أن تكون جميع تعاملتها المالية وغيرها وفقا ً‬
‫للشريعة السمحاء‪ ،‬ونحن على استعداد لطلعكم في أي وقت على أي‬
‫مستندات ترغبون الطلع عليها متعلقة بأية مواضيع مالية لدى الشركة"‬
‫‪ .8‬حكم الكتتاب فيها‪:‬‬
‫من خلل ما سبق الذي يظهر لي جواز الكتتاب فيها‪ ،‬لنه لم يظهر في‬
‫قوائمها ما يمنع ذلك‪.‬‬
‫والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫درة مصونة و جوهرة مكنونة‬


‫لقد جاء السلم و المرأة مهضومة الحقوق مهيضة الجناح مسلوبة الكرامة‬
‫مهانة مزدراة محل التشاؤم و سوء المعاملة معدودة من سقط المتاع و‬
‫أبخس السلع تباع و تشترى توهب و تكترى ل تملك ول تورث بل تقتل و توأد‬
‫بل ذنب و ل جريمة فلما جاء السلم بحكمه و عدله ورفع مكانتها و أعلى‬
‫شأنها و أعاد لها كرامتها و أنصفها فمنحها حقوقها و الغى مسالك الجاهلية‬
‫نحوها واعتبرها شريكة للرجل شقيقة له في الحياة ‪.‬‬
‫وقد ذكرها الله في كتابه الكريم مع الرجل في أكثر من موضع يقول سبحانه‬
‫) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى (‬
‫و أوصى بها النبي خيرا ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله ) استوصوا بالنساء خيرا ( و قال رسول الله ‪ ) :‬اكمل‬
‫المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم ( كما ضمن لها‬
‫السلم الكرامة النسانية و الحرية الشرعية و العمال السلمية التي تتفق‬
‫مع طبيعتها و انوثتها فيما ل يخالف نصا من كتاب أو سنة ول يعارض قاعدة و‬
‫مقصدا من مقاصد الشريعة في محيط نسائي مصون كما ساوى بينها وبين‬
‫الرجل في عدد من النواحي إل أن هذه المساواة قائمة على ميزان الشرع‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومقياس النقل الصحيح و العقل السليم فقد جعل الله لكل من الرجل و‬
‫المرأة خصائص ومزايا ومقومات ليست للخر وأهل كل منهم لما سيقوم به‬
‫من من مهام في هذه الحياة فأعطى الرجل قوة في جسده ليسعى ويكدح‬
‫ومنح المرأة العطف و الحنان لترية البناء وتنشئة الجيال وبناء السر‬
‫المسلمة ‪.‬‬
‫أمة السلم ‪:‬‬
‫أي شيء تريده المرأة بعد هذا التكريم‬
‫و أي شيء تنشده بنات حواء بعد هذه الحصانة و الرعاية ؟‬
‫أيستبدلن الذي هو أدنى بالذي هو خير ؟‬
‫أيؤثرن حياة التبرج و السفور و التهتك و الختلط على حياة الطهر و العفاف‬
‫و الحشمة ؟؟‬
‫ايضربن بنصوص الكتاب و السنة المرة بالحجاب والعفة عرض الحائط ؟‬
‫ويخدعن بالبواق الماكرة و الصوات الناعقة و الدعايات المضللة والكلمات‬
‫المعسولة الخادعة التي تطالعنا بين الفينة و الخرى وتثار بين حين وآخر ؟‬
‫أيتركن التأسي بأمهات المؤمنين الطاهرات كعائشة و خديجة وفاطمة وسمية‬
‫و نسيبة و يقلدن الماجنات ويتشبهن بالفاجرات عياذا بالله ؟‬
‫أختي المسلمة ‪:‬‬
‫إنك لن تبلغي كمالك المنشود وتعيدي مجدك المفقود وتحققي مكانتك‬
‫السامية إل باتباع تعاليم السلم والوقوف عند حدود الشريعة وذلك وحده هو‬
‫الكفيل بأن يطبع في قلبك محبة الفضائل و التنزه عن الرذائل فمكانك والله‬
‫تحمدي و بيتك تسعدي و حجابك تصلحي و عفافك تريحي وتستريحي قال‬
‫تعالى ‪ ) :‬وقرن في بيوتكن ول تبرجن تبرج الجاهية الولى (‬
‫فأنت في السلم درة مصونة وجوهرة مكنونة وبغيره دمية في يد كل فاجر و‬
‫ألعوبة وسلعة رخيصة يتاجر فيها بل يلعب ذئاب البشر فيهدرون عفتها‬
‫وكرامتها ثم يلفظونها لفظ النواة فمتى خالفت المرأة آداب السلم و‬
‫تساهلت بالحجاب وبرزت للرجال مزاحمة متعطرة غاض ماؤها وقل حياؤها‬
‫وذهب بهاؤها فعظمت بها الفتنة ‪.‬‬
‫أنهم يهدفون إلى تحرر المرأة من أخلقها وآدابها وانسلخها من مثلها وقيمها‬
‫ومبادئها وايقاعها في الشرر و الفساد ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫درجات التوبة ومقومات نجاحها‬


‫* مهدي الفتلوي‬
‫للتوبة درجات عديدة ترتبط بمدى قوة إرادة التائبين‪ ،‬وبحسب تصميمهم على‬
‫ترك الذنوب وبمستوى التزامهم بشروط التوبة ومقومات نجاحها‪ ،‬وهذه‬
‫الدرجات هي أربع‪:‬‬
‫الدرجة الولى‪ :‬أن يتوب النسان من ذنوبه ويستمر على الستقامة فترة من‬
‫الزمن‪ ،‬ثم يعود إلى مقارفة المعاصي وارتكاب الذنوب‪ ،‬من غير أن يحدث‬
‫نفسه بالتوبة‪ ،‬ومن غير أن يتأسف على فعله هذا‪ ،‬بل ينهمك انهماك الغافل‬
‫في اتباع الشهوات‪ ،‬فهذا يعتبر من جملة المصرين على ارتكاب المعاصي‬
‫وتسمي نفسه )النفس المارة بالسوء( التي أشار إليها القرآن الكريم‪ ،‬وهذا‬
‫يخشى عليه من سوء الخاتمة‪.‬‬
‫الدرجة الثانية‪ :‬وهي أرقى من الولى‪ ،‬وخلصتها‪ :‬أن يتوب المذنب ويستمر‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الستقامة مدة من الزمن‪ ،‬ثم تغلبه الشهوة في بعض الذنوب‪ ،‬فيقدم‬
‫عليها لضعف إرادته ولعجزه من قهر شهوته‪ ،‬ل أنه مع ذلك مواظب على‬
‫الطاعات وتارك لجملة من المحرمات‪ ،‬وكلما فرغ من ارتكاب الذنب يندم‬
‫على فعله‪ ،‬ويقول‪ :‬يا ليتني لم أفعله‪ ،‬وسأتوب عنه وأجاهد نفسي حتى‬
‫ول له عكس ذلك وتدعوه إلى ارتكاب المعاصي‪،‬‬ ‫أقهرها‪ ،‬لكن نفسه دائما ً تس ّ‬
‫ثم إلى التوبة‪ ،‬وهكذا يتوب ويخرق توبته مرة بعد أخرى‪ ،‬وتسمى نفس هذا‬
‫ولة‪ ،‬وصاحبها من الذين قال الله سبحانه فيهم‪:‬‬ ‫المذنب بالنفس المس ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫)وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عمل ً صالحا وآخر سيئا( التوبة‪.102 /‬‬
‫وأمر هذا )التائب المذنب( من حيث مواظبته على الطاعات وكراهيته لما‬
‫يتعاطاه من المعاصي مرجو‪ ،‬فعسى الله أن يتوب عليه‪ ،‬ولكن عاقبته في‬
‫خطر من حيث تسويفه في التوبة وتأخيره في القدام على المغفرة‪ ،‬فلربما‬
‫يختطف قبل أن يتوب‪.‬‬
‫الدرجة الثالثة‪ :‬وهي درجة التائب الذي سلط طريق الستقامة في أمهات‬
‫الطاعات‪ ،‬وترك كبائر الذنوب والمعاصي كلها إل أنه ليس ينفك عن بعض‬
‫المعاصي التي تعتريه بين فترة وأخرى‪ ،‬ولكن ل عن عمد بل يبتلى بها في‬
‫مجاري أحواله من غير أن يعزم إعزاما ً قويا ً للحتراز من أسبابها التي تقوده‬
‫لها‪ ،‬ونفس هذا التائب تسمى بالنفس اللوامة‪ ،‬وهي كذلك مذكورة في‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫الدرجة الرابعة‪ :‬أن يتوب العاصي ويستقيم على التوبة إلى آخر عمره‪،‬‬
‫دث نفسه بالعودة إلى ذنوبه إل الزلت‬ ‫ويتدارك ما فرط في أمره‪ ،‬ول يح ّ‬
‫من عصم‪ ،‬فهذا هو الذي استقام على التوبة‬ ‫التي ل ينفك عنها البشر إل َ‬
‫)النصوح( وهي أعلى درجات التوبة من حيث اللتزام‪ ،‬واسم نفس صاحبها‬
‫)النفس المطمئنة(‪ ،‬وهي التي قال الله سبحانه عنها‪) :‬يا أيتها النفس‬
‫المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية( الفجر‪.27 /‬‬
‫وأصحاب هذه الدرجة إلى قسمين‪:‬‬
‫من تاب وسكنت شهواته تحت قهر المعرفة اليمانية والحب‬ ‫أ ( منهم َ‬
‫الخالص لله سبحانه‪ ،‬واليمان الثقيل الذي ل يتحمله إل صاحبه‪ ،‬ولم ينشغل‬
‫بصراع نفسه في سلوك طريق اليمان الكامل‪..‬‬
‫من تاب بقوة إرادته وخوفه الشديد من الله تعالى‪ ،‬وهذا دائما ً‬ ‫ب ( ومنهم َ‬
‫يصارع شهواته لنها تلح وتضغط عليه وتطلب منه الستجابة إلى مطالبها‬
‫المحرمة‪ ،‬ولكنه قوي بمجاهدتها وكسر جماحها وردها‪..‬‬
‫والمستفاد من الروايات إن الثاني له فضل وثواب أعظم من الول‪ ،‬والله‬
‫سبحانه أعلم بذلك‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫درس الصلح‪ ...‬في عاشوراء‬


‫عبد الله بن عبد الرحمن العبد الله ‪10/1/1427‬‬
‫‪09/02/2006‬‬
‫ن صيام يوم عاشوراء سنة‪ ،‬واختلفوا في حكمه أول‬ ‫اتفق أهل العلم على أ ّ‬
‫ل بالوجوب‪ ،‬وآخرون بسنية صيامه‪ ،‬وقد ورد في فضل‬ ‫السلم فمن قائ ٍ‬
‫س هذا هو مح ّ‬
‫ل‬ ‫صيامه جملة من الحاديث في الصحيحين وغيرهما‪ . . .‬ولي َ‬
‫ن خلله شأن هذا اليوم‪.‬‬
‫م ْ‬ ‫كلمنا‪ ،‬وإنما هو مدخ ٌ‬
‫ل يتبين ِ‬
‫جى الله كليمه موسى ـ عليه السلم ـ وقومه‪ ،‬وأغرق‬ ‫ذلك اليوم الذي ن ّ‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فرعون وقومه‪ ،‬فصامه موسى شكًرا لله‪ ،‬وصامه نبينا ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ وصمناه من بعده لمرهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصيامه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫"نحن أحق بموسى منكم" )‪.(1‬‬
‫حا بنصر الله للمصلحين‬ ‫ً‬ ‫فر‬ ‫شرع‬ ‫عاشوراء‬ ‫فهذا نص واضح أن صيام يوم‬
‫)موسى وقومه( ودحره للظلمة المفسدين ) فرعون وقومه( وهذه هي علته‪.‬‬
‫وبتجاوز التفصيل في فضائله‪ ،‬والخلف في حكم صيامه‪ ،‬وحالت صيامه‪،‬‬
‫ن في صيام هذا اليوم بالضافة إلى المتثال‬ ‫والعمال المشروعة فيه‪ . . .‬فإ ّ‬
‫ن ومعالم جديٌر‬ ‫ل‪ . .‬هناك معا ٍ‬ ‫والتقوى وغيرها من مقاصد الصيام إجما ً‬
‫ن أن يتنبهوا لها‪ ،‬وأن ينبهوا عليها‪ ،‬وأن يرجعوا إلى أحداث ذلك‬ ‫بالمصلحي َ‬
‫ن ربط المعاني‬ ‫ه بعض المعالم والمعاني الصلحية؛ ل ّ‬ ‫من ُ‬ ‫اليوم كي يستفيدوا ِ‬
‫ن‪.‬‬ ‫َ‬
‫مصلحي َ‬ ‫س ال ُ‬
‫السامية المطلوبة بما ُيمارس أوقع في نف ِ‬
‫وهنا ملحظ جميل يبين أهمية تدبر معاني عاشوراء‪ :‬فالنبي ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ عب َّر عن ولئهِ لموسى ـ عليه السلم ـ بصيام يوم نجاته من فرعون‪،‬‬
‫ما وفضل ً كبيًرا‪ ،‬ولم يأمرنا أن نعّبر عن ولئنا لنبينا ـ‬ ‫ورّتب عليه أجًرا عظي ً‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ بالحتفال بيوم مولده‪ ،‬أو يوم هجرته ونجاته من‬
‫م به موسى ـ عليه‬ ‫ت وإشارة إلى مكانة الدور الذي قا َ‬ ‫قريش‪ ،‬ففي هذا لف ٌ‬
‫ل من فصول قصة دعوته‬ ‫ٍ‬ ‫فص‬ ‫كل‬ ‫المصلح‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ليتأم‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫شر‬‫ُ‬ ‫م‬
‫ن الصيا َ‬
‫السلم ـ وأ ّ‬
‫ُ‬
‫م اقْت َدِ ْ‬
‫ه‪(...‬‬ ‫دى الل ّ ُ‬
‫ه فَب ِهُ َ‬
‫داهُ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ليجني منها ثماًرا تفيده في دعوته( أول َئ ِ َ‬
‫]النعام‪ :‬من الية ‪.[90‬‬
‫ن جملةِ المعالم البارزة والمعاني المستفادة من حياة موسى ـ عليه‬ ‫م ْ‬‫و ِ‬
‫السلم ـ الصلحية‪ ،‬وأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنا بصيام ذلك اليوم‪.‬‬
‫ن على المصلِح أن يربي على الستقللية الفكرية‪ ،‬وحرية الختيار متى ما‬ ‫‪.‬أ ّ‬
‫وجد البيئة مهيأة لذلك‪ ،‬والوقت مناسًبا لذلك‪ ،‬ويتمثل هذا الجانب في‬
‫صورتين ذات نسقين مختلفين‪:‬‬
‫ت‬‫ضا ـ وفي ذا ِ‬ ‫‪ -‬فنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرنا بالصيام‪ ،‬ولكنه ـ أي ً‬
‫ف اليهود بصيام ِ يوم قبله أو يوم بعده )‬ ‫المر‪ ،‬وفي أوامر أخرى أمرنا أن نخال ِ َ‬
‫‪) ،(2‬فتدبر هذا! يوم عاشوراء يوم فاضل‪ ،‬يكفر صيامه سنة ماضية صامه‬
‫غب فيه‪ ،‬ثم لما قيل له‬ ‫رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمر بصيامه ور ّ‬
‫قبيل وفاته‪ :‬إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى أمر بمخالفتهم بضم يوم آخر‬
‫إليه وعزم على فعل ذلك( )‪(3‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫قول إنا رسول رب َ َ‬ ‫‪ -‬وموسى ـ عليه السلم ـ أمره ربه )فَأ ْت َِياه ُ فَ ُ‬
‫معََنا‬ ‫ل َ‬ ‫س ْ‬ ‫ك فَأْر ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫ِّ َ ُ‬
‫دى(‬ ‫ن ات ّب َعَ ال ْهُ َ‬ ‫م ِ‬‫م عََلى َ‬ ‫سل ُ‬ ‫ك َوال ّ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِبآي َةٍ ِ‬ ‫جئ َْنا َ‬ ‫م قَد ْ ِ‬ ‫ل َول ت ُعَذ ّب ْهُ ْ‬ ‫سرائي َ‬ ‫ب َِني إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ى(]طه‪:‬‬ ‫ضح ً‬ ‫س ُ‬ ‫شَر الّنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫م الّزين َةِ وَأ ْ‬ ‫م ي َوْ ُ‬ ‫عد ُك ُ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ل للناس‪َ ...) :‬‬ ‫]طه‪ [47:‬وقا َ‬
‫ن لهم ما عنده حّتى يدخلوا في مطلوب‬ ‫دا ليبي َ‬ ‫من الية ‪ ،[59‬فأخذ منهم موع ً‬
‫موسى ـ عليه السلم ـ عن قناعة‪ ،‬وليس عن ضغط سلطوي‪َ...) :‬يا أ َي ّها ال ْمَل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫ل لَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫)‬ ‫وتهديده‬ ‫[‪،‬‬ ‫‪38‬‬ ‫الية‬ ‫من‬ ‫ري‪](...‬القصص‪:‬‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ن( ]الشعراء‪ .[29:‬وكانت النتيجة‬ ‫َ‬ ‫ني‬‫ِ‬ ‫جو‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬‫ج‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ري‬ ‫ْ‬
‫ِ ُ ِ‬‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫له‬ ‫إ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬
‫سى( ]طه‪.[70:‬‬ ‫مو َ‬‫ن وَ ُ‬ ‫هاُرو َ‬‫ب َ‬ ‫مّنا ب َِر ّ‬ ‫ُ‬
‫جدا َقالوا آ َ‬ ‫ً‬ ‫س ّ‬ ‫حَرةُ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ْ‬
‫كالفلق‪( ،‬فَأل ِ‬
‫م على حياةِ موسى ـ عليهِ السلم ـ منذ‬ ‫ت الجواء التي كانت تغي ُ‬ ‫وإذا تأمل َ‬
‫ت‬‫جدتها أجواًء ملبدة بغيوم ٍ سوداء مظلمة‪ ،‬فهو ُولد في وق ٍ‬ ‫مولده إلى نبوته و َ‬
‫ة‬
‫ف ً‬ ‫َ‬
‫ف طائ ِ َ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ست َ ْ‬
‫شَيعا ي َ ْ‬ ‫جعَل أهْلَها ِ‬ ‫كان فرعون فيهِ عالًيا في الرض )‪ ...‬وَ َ‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫منهم يذ َب َ‬
‫ن(]القصص‪ :‬من‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ساَءهُ ْ‬ ‫حِيي ن ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ح أب َْناَءهُ ْ‬ ‫ِ ُْ ْ ُ ّ ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ضِعيهِ فإ َِذا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫حي َْنا إ ِلى أ ّ‬ ‫م بعد وضعه‪) :‬وَأوْ َ‬ ‫الية ‪ ،[4‬ث ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ه آل فِْرعَوْ َ‬ ‫ُ‬ ‫قط ُ‬ ‫َ‬
‫م‪](...‬القصص‪ :‬من الية ‪ [7‬ليصل إلى )فالت َ َ‬ ‫قيهِ ِفي الي َ ّ‬ ‫فَأل ْ ِ‬
‫ت‬ ‫ن قالت‪...) :‬قُّر ُ‬ ‫ن امرأة فرعو َ‬ ‫حَزنًا(‪ ،‬وكاد يقتل لول أ ّ‬ ‫م عَد ُوّا ً وَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫ل ِي َ ُ‬
‫خذ َه ُ وََلدًا‪](...‬القصص‪ :‬من الية‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فعََنا أوْ ن َت ّ ِ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫قت ُُلوه ُ عَ َ‬ ‫ك ل تَ ْ‬ ‫ن ِلي وَل َ َ‬ ‫عَي ْ ٍ‬
‫‪ ، [9‬وفي هذهِ اليام العصيبة التي ينتظر فيها التسلية والسلوى‪ ،‬يحّرم ربنا‬
‫ما استوى بلغ أشده‪ ،‬واستوى‬ ‫بحكمة بليغة المراضعَ على الطفل موسى‪ ،‬ول ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أهْل َِها‬ ‫م ْ‬ ‫فلةٍ ِ‬ ‫ن غَ ْ‬ ‫حي ِ‬ ‫ة عَلى ِ‬ ‫دين َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫كان فصل جديد من المعاناة ينتظره )وَد َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ست ََغاث َ ُ‬ ‫ن عَد ُوّهِ َفا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫شيعَت ِهِ وَهَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫قت َِتل ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫جد َ ِفيَها َر ُ َ‬ ‫فَوَ َ‬
‫جلي ْ ِ‬
‫س بجريمةِ قتل‬ ‫ه( فتلب َ‬ ‫ضى عَلي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ق َ‬ ‫سى فَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ن عَد ُوّهِ فَوَكَزه ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ّ‬
‫شيعَت ِهِ عَلى ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م إذا بالذي نصره موسى‬ ‫ب(‪ ،‬ث ّ‬ ‫خاِئفا ي َت ََرقّ ُ‬ ‫دين َةِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح ِفي ال َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫كان من نتاجها )فَأ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ما قَت َل َ‬ ‫قت ُلِني ك َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫سى أت ُ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ل َيا ُ‬ ‫بالمس يفضح أمره بين الناس )َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ت َكو َ‬ ‫ُ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫جّبارا ِفي الْر‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫ريد ُ إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن تُ‬ ‫س إِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫فسا ً ِبال ْ‬
‫م‬ ‫نَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫سَعى قا َ‬ ‫دين َةِ ي َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صى ال َ‬ ‫ن أق َ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫ل كلمته حّتى ) َ‬ ‫ن قا َ‬ ‫ن(‪ ،‬وما إ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫صل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ج إ ِّني ل َ َ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫ن( لُتفر َ‬ ‫حي َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫خُر ْ‬ ‫ك َفا ْ‬ ‫ك ل ِي َ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫مل ي َأت َ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫سى إ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫َيا ُ‬
‫ب(‬ ‫ّ‬
‫خاِئفا ي َت ََرق ُ‬ ‫ً‬ ‫ن متاٍع ول زاٍد‪ ،‬بل ) َ‬ ‫ة‪ ،‬فيخرج من فورِهِ دو َ‬ ‫ة إثَر غرب ٍ‬ ‫عليهِ غرب ٌ‬
‫ن‬ ‫م‬
‫َ َ ْ َ َ ْ َ ِ ْ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ص‬ ‫َ َ‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫ّ َ ْ ِ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬
‫ّ َ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫)‬ ‫را‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أخي‬ ‫البشارة‬ ‫لتأتيه‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫قوْم ال ّ‬ ‫ْ‬
‫ال َ ِ‬
‫ن‬
‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن حقيقة يقين المصلح تتبين في مرحلة ضعفه؛ إذ ليس بمصلٍح َ‬ ‫إ ّ‬
‫ن تنفرج أساريره وتبتهج نفسه وينشرح‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فا‪ ،‬وليس بصاحب يقي ٍ‬ ‫يقينه ضعي ً‬
‫ن يرى قوة السلم وعزة أهله‪ ،‬ما لم تصحبه هذه‬ ‫صدره ويتهلل وجهه حي َ‬
‫المشاعر في حلك الظلم‪ ،‬واشتداد الضيق‪ ،‬واجتماع الكروب‪ ،‬وتكالب المم‪،‬‬
‫لن أمله بالله كبير‪ ،‬ويقينه بأن العاقبة للمصلحين المتقين‪ ،‬وأن المستقبل‬
‫عَبادِهِ َوال َْعاقِب َ ُ‬ ‫ينتظره ـ بنص كتاب الله ـ‪) :‬إ ّ َ‬
‫ة‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ل ِل ّهِ ُيورِث َُها َ‬ ‫ن الْر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ن( قال ابن القيم‪" :‬واليقين قلب اليمان ولّبه‪ ،‬وكل علم وعمل ل يزيد‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫اليمان واليقين قوة فمدخول" )‪ ،(4‬وقال‪" :‬سمعت شيخ السلم ابن تيمية ـ‬
‫م تل قوله‬ ‫قدس الله روحه ـ يقول ‪ :‬بالصبر واليقين ُتنال المامة في الدين‪ ،‬ث ّ‬
‫َ‬ ‫ـ تعالى ـ‪) :‬وجعل ْنا منه َ‬
‫ن( )‬ ‫كاُنوا ِبآَيات َِنا ُيوقُِنو َ‬ ‫صب َُروا وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫مرَِنا ل َ ّ‬ ‫ن ب ِأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ة ي َهْ ُ‬ ‫م ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫َ َ َ َ ِ ُْ ْ‬
‫‪.(5‬‬
‫س السحرة‪ ،‬وهم الذين أسلموا قريًبا‬ ‫ِ‬ ‫نف‬ ‫في‬ ‫را‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫واليقين‬ ‫اليمان‬ ‫إن‬ ‫ب ّ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫مّنا‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا إ ِّنا آ َ‬ ‫ضي هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ض إ ِن ّ َ‬ ‫ت َقا ٍ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن موقفهم‪َ...) :‬فاقْ ِ‬ ‫كا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قى( )طه‪:‬‬ ‫خي ٌْر وَأب ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حرِ َوالل ّ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما أك َْرهْت ََنا عَل َي ْهِ ِ‬ ‫طاَياَنا وَ َ‬ ‫خ َ‬ ‫فَر ل ََنا َ‬ ‫ب َِرب َّنا ل ِي َغْ ِ‬
‫‪.(73-72‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن‬‫م ْ‬‫فمما يجدر بالمصلح أن يتنبه إليه‪ ،‬بل يجعله عقيدة يدين الله بها‪ ،‬ويجعله ِ‬
‫ن الله يريد من عباده أن يكونوا واثقين‬ ‫صميم ما يربي عليه من حوله‪ :‬أ ّ‬
‫بنصره‪ ،‬كما وثقت أم موسى ـ عليه السلم ـ بوعد الله‪ ،‬حين قال لها‪) :‬إ ِّنا‬
‫ن الم‪ ،‬وبطش فرعون‪ ،‬إل أنها امتثلت‬ ‫م‪ ،‬وحنا ِ‬ ‫ك(‪ ،‬مع خطورة الي ّ‬ ‫َراّدوه ُ إ ِل َي ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن(‪.‬‬
‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ه وَعْد َه ُ وَل َك ِ ّ‬
‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫لن الله وعدها‪) ،‬وَعْد َ الل ّهِ ل ي ُ ْ‬
‫خل ِ ُ‬
‫إنها عقيدة المصلح إيمان بالقدر‪ ،‬مع يقين بالظفر‪ ،‬مع فعل السبب في حدود‬
‫م يكل النتائج لله علم الغيوب‪ ،‬فتأتيه بالنصر أو‬ ‫الطاقة البشرية المتاحة‪ ،‬ث ّ‬
‫ه إمام المصلحين ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪:‬‬ ‫الجر‪ ،‬وفي الحديث قال قدوت ُ‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"عجًبا لمر المؤمن! إن أمره كله خير ـ وليس ذاك لحد إل للمؤمن ـ؛ إن‬
‫أصابته سراء شكر فكان خيًرا له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فكان خيًرا له " )‬
‫‪.(6‬‬
‫ح‬
‫َ‬ ‫المصل‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫عاشوراء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫يو‬ ‫في‬ ‫المصلح‬ ‫يتذكرها‬ ‫التي‬ ‫المعاني‬ ‫من‬ ‫كذلك‬
‫م‬
‫ُ‬ ‫تبس‬ ‫فلن‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ّ ِ‬ ‫ر‬ ‫وم‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫بحلو‬ ‫الطريق‬ ‫ه يسل َ‬
‫ك‬ ‫الحقيقي تدفعه النعم ول ترده‪ ،‬وأن ّ ُ‬
‫س‬‫ب النا َ‬ ‫ح يجب عليه أن يخاط ِ َ‬ ‫ن المصل َ‬ ‫له الورود حتى تجرحه الشواك‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن رسالته للملك ـ وإن كان طاغية ـ‪ ،‬وللفسقة‬ ‫ن تكو َ‬ ‫ب شمولي‪ ،‬وأ ْ‬ ‫بخطا ٍ‬
‫ما ـ وإن كانوا‬ ‫س عمو ً‬ ‫وأصحاب المعاصي ـ وإن كانت كفًرا ـ‪ ،‬وللنا ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ه‪ ،‬فل يطل ُ‬ ‫ه لل ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ن في الرض ـ‪ ،‬وعلى المصلح أن يوقف نف َ‬ ‫مستضعفي َ‬
‫ريد ُ‬ ‫جهِ اللهِ ل ن ُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل )‪..‬ل ِوَ ْ‬ ‫ضا‪ ،‬ب ْ‬ ‫س شيًئا‪ ،‬ول يستجدي من المخلوقات عو ً‬ ‫النا ِ‬
‫ن‬‫ريرا( لتكو َ‬ ‫ً‬ ‫مط ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫وما عَُبوسا قَ ْ‬ ‫ً‬ ‫ن َرب َّنا ي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خا ُ‬ ‫شكورا * إ ِّنا ن َ َ‬‫ً‬ ‫ُ‬ ‫جَزاًء َول ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ما‬ ‫م بِ َ‬ ‫جَزاهُ ْ‬ ‫سُرورا * وَ َ‬ ‫ً‬ ‫ضَرة ً وَ ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫قاهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شّر ذ َل ِك الي َوْم ِ وَل ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫النتيجة‪) :‬فَوََقاهُ ْ‬
‫ن ِفيَها‪.(...‬‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬‫ريرا * ُ‬ ‫ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫جن ّ ً‬‫صب َُروا َ‬ ‫َ‬
‫ويتصور هذا المعنى في مشروعيةِ صيام يوم عاشوراء‪ ،‬فإن الله يقول‪" :‬كل‬
‫عمل ابن آدم له إل الصيام‪ ،‬فإنه لي وأنا أجزي به"‪.‬‬
‫ويتجلى هذا المعنى السامي في قصة موسى ـ عليه السلم ـ مرتين‪ :‬في‬
‫عندما اقتص للمظلوم من القبطي الظالم‪ .‬وفي قصته عندما‬ ‫المرة التي ِ‬
‫ل( ولم يبث إليها شكوى‪ ،‬ولم يقص لهما ما‬ ‫م ت َوَّلى إ َِلى الظ ّ ّ‬ ‫ما ث ُ ّ‬ ‫سقى )ل َهُ َ‬
‫َ‬
‫ر‬
‫خي ْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ت إ ِل َ ّ‬ ‫ما أنَزل ْ َ‬ ‫ب إ ِّني ل ِ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قا َ‬ ‫جرى‪ ،‬بل التجأ لمن يعلم السر وأخفى )فَ َ‬
‫ج للمال في ذلك الظرف العصيب‪ ،‬والكرب‬ ‫ه محتا ٌ‬ ‫م من أن ُ‬ ‫قيٌر(‪ ،‬على الرغ ّ‬ ‫فَ ِ‬
‫الصعب‪ ،‬إل أنه تذكر معنيين جميلين‪:‬‬
‫الول‪ :‬نعمة الله عليه بنجاته من مغبة قتل القبطي‪ ،‬ووصوله لهذه البلد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حاجته وافتقاره إلى الله‪ ،‬وتعلق أمره بنصر ربه‪.‬‬
‫شي‬ ‫م ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ولم يلتفت إلى الدنيا أثناء عمله هذا‪ ،‬فكان جزاؤه أن جاءته )إ ِ ْ‬
‫ك ل ِيجزي َ َ‬ ‫ن أ َِبي ي َد ْ ُ‬
‫م قال له‪:‬‬ ‫ت ل ََنا(‪ ،‬ث ّ‬ ‫قي ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما َ‬ ‫جَر َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫عو َ َ ْ ِ َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫حَياٍء َقال َ ْ‬ ‫عََلى ا ْ‬
‫ست ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫جٍج فَإ ِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ة ِ‬ ‫مان ِي َ َ‬ ‫جَرِني ث َ َ‬ ‫ن ت َأ ُ‬ ‫ن عََلى أ ْ‬ ‫هات ََي ْ َِ‬ ‫ي َ‬ ‫دى اب ْن َت َ ّ‬ ‫ح َ‬‫ك إِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أنك ِ َ‬ ‫)إ ِّني أِريد ُ أ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫جد ُِني إ ِ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫شقّ عَل َي ْ َ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫عن ْدِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شرا ً فَ ِ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ْ‬ ‫أت ْ َ‬
‫ن(‪ .‬وهكذا جميع المصلحين فإنهم يعملون لله‪ ،‬ل لدنيا يصيبونها ول‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫دا فإنه من "عاجل بشرى‬ ‫ضا ل قص ً‬ ‫امرأة ينكحونها‪ ،‬فإن حصل شيء عر ً‬
‫المؤمن" )‪.(7‬‬
‫ه جعل‬ ‫ومن المعالم الصلحية العظيمة في قصة موسى ـ عليه السلم ـ أن ّ ُ‬
‫ل شريف لنه يسعى إلى‬ ‫ن عم ٍ‬ ‫كل نقطة يمكن المرور بها‪ ،‬ولم يمتنع عَ ْ‬
‫مقصد عظيم بل رعى الغنم عند والد الفتاتين على أن يأجره ثماني حجج‪،‬‬
‫م‪ ،‬وكل أنبياء الله‬ ‫م عشًرا‪ ،‬وكذلك نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ رعى الغن َ‬ ‫فأت ّ‬
‫مثله ـ كما في الموطأ ـ‪ .‬فهو كسائر المصلحين يعلم متى تأتيه الفرصة‬
‫المناسبة المواتية ليبث برنامجه الصلحي‪.‬‬
‫كذلك من الشارات في طريق المصلح‪ :‬أّنه ل ينتقم لنفسه‪ ،‬بل يدع النتقام‬
‫والنتصار يأتيهِ من ربه‪ ،‬فالله ـ عّز وجل ـ يؤكد على هذا المعنى بقوله‪) :‬إ ِّنا‬
‫شَهاُد(‪ ،‬وموسى ـ‬ ‫م ال َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫ل ََنن ُ‬
‫ه أمر‬ ‫عليه السلم ـ ما اعتبر ما جرى من فرعون من مطاردة ومحاربة أن ّ ُ‬
‫ما؛ لن مقصده الصلح وتأدية‬ ‫ه لجله‪ ،‬بل جعله أمًرا عا ً‬ ‫من ُ‬ ‫شخصي ينتقم ِ‬
‫ما‬ ‫ن منتق ً‬ ‫حا وداعًيا‪ ،‬ولو كا َ‬ ‫سهِ مصل ً‬ ‫م إلى فرعون بنف ِ‬ ‫ه قدِ َ‬ ‫َ‬ ‫رسالته‪ ،‬بدللة أن ّ ُ‬
‫ك هذا السبيل‪ ،‬وما اقترب من هذا الطريق‪.‬‬ ‫سهِ ما سل َ‬ ‫لنف ِ‬
‫ومن نهج المصلحين‪ :‬أّنهم ل يملكون أعّز من رسالتهم التي يريدون إيصالها‪،‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فينافحون عنها بشجاعة‪ ،‬ويقاتلون لجلها بجرأة‪ ،‬ويقدمون لطرحها بوضوح‪،‬‬


‫وشجاعة المصلح مكتسبة من أمور ثلثة‪:‬‬
‫الول‪ :‬قوة يقينه برسالته‪.‬‬
‫فاًء(‬
‫ج َ‬ ‫ب‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ي‬‫َ‬
‫ّ َ ُ َ َ ُ ُ‬‫ف‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ز‬‫ال‬ ‫ما‬
‫ّ‬ ‫)فأ‬ ‫رسالته‬ ‫لصحة‬ ‫ونصره؛‬ ‫الله‬ ‫الثاني‪ :‬قوة يقينه بمعية‬
‫ما سّباًقا‪ ،‬وبإمكانه أن يكتسبها بالمران‪ ،‬ومن كان‬ ‫الثالث‪ :‬فطرة تجعله مقدا ً‬
‫ن عنده من الشجاعة بقدره‪.‬‬ ‫ن كا َ‬
‫عند َه ُ يقي ٌ‬
‫ِ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ن الشجاعة والكرم هي أساس‬ ‫وشيخ السلم ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يرى أ ّ‬
‫صلح الناس في دينهم ودنياهم )‪.(8‬‬
‫ل من فصول رحلة موسى ـ عليه السلم ـ من‬ ‫والشجاعة تتبدى في كل فص ٍ‬
‫الميلد إلى النبوة‪ ،‬فقد ألهم الله أمه عند الحمل وعند الوضع ما جعلها ل‬
‫م‪ ،‬وسيرة‬ ‫ن علم فرعون بالمولود‪ ،‬وكذلك عندما ألقته في الي ّ‬ ‫م ْ‬ ‫تخشى ِ‬
‫موسى ـ عليه السلم ـ كلها شجاعة في شجاعة‪ ،‬وبالمقابل تجد من مواقف‬
‫الطاغية فرعون ما يدل على جبنه؛ لنه ل يملك رسالة ول يملك معية من الله‬
‫رسوله‪.‬‬
‫ن أصحاب المروءة من أبناء الجاهلية يتعايرون بالجبن‪ ،‬ويتفاخرون‬ ‫ولئن كا َ‬
‫بالشجاعة‪ ،‬فإّنه حريٌ بالمصلحين أن يكونوا كلهم شجعان مقدامين‪ ،‬ولو أّدى‬
‫ك إلى موتهم بله سجنهم وإيذائهم‪ ،‬ومما يؤيد هذا ما قاله إمام المصلحين ـ‬ ‫ذل ِ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ لمن سأله عن أي الجهاد أفضل؟‪" :‬كلمة حق عند‬
‫سلطان جائر" )‪.(9‬‬
‫قا‬
‫كذلك فإن على المصل ِِح أن يتذكَر في عاشوراء أّنه ارتضى لنفسه طري ً‬
‫أولها صعبة وعرة‪ ،‬وآخرها حلوة خضرة‪ ،‬وأنه لن ينال آخرها حّتى يتمسك‬
‫ويصبَر في أولها‪ ،‬فهذا موسى ـ عليه السلم ـ عاش مطارًدا في بطن أمه‪ ،‬ثم‬
‫مطاَرًدا لمقتله القبطي‪ ،‬ثم مطاَرًدا لنبوته ولصدعه بكلمة الحق التي ذكرها‬
‫م انقلبت الية إليه‪ ،‬والمكانة عنده‪ُ ،‬أغرق‬ ‫عند فرعون‪ ،‬فصبر في الطريق‪ . .‬ث ّ‬
‫ن يسومهم‬ ‫ّ‬
‫فرعون ونجا‪ ،‬آمن فرعون فما انتفع‪ ،‬وخلص الناس من طاغية كا َ‬
‫سوء العذاب‪.‬‬
‫من المقاصد التي يتبناها المصلح ـ بعد رضا الله عّز وجل ـ أن يكون محبوًبا‬ ‫و ِ‬
‫قا بما يأسر قلوبهم‪ ،‬ويجذب أرواحهم‪ ،‬لمصلحةِ من‬ ‫ممن حوله‪ ،‬متخل ً‬ ‫مرغوًبا ِ‬
‫حوله أول ً ولمصلحة دعوته ثانًيا‪ ،‬بل هناك معنى أوسع من هذا‪ ،‬فقد ورد في‬
‫الصحيحين‪ :‬لما كان يوم حنين آثر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ناسا ً‬
‫في القسمة فأعطى القرع بن حابس مئة من البل‪ ،‬وأعطى عيينة مثل ذلك‪،‬‬
‫وأعطى أناسا ً من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة‪ ،‬فقال رجل‪:‬‬
‫والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها‪ ،‬وما أريد فيها وجه الله‪ .‬قال الراوي‪:‬‬
‫فقلت والله لخبرن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال فأتيته فأخبرته‬
‫بما قال‪ .‬قال فتغّير وجهه حتى كان كالصرف‪ ،‬ثم قال‪" :‬فمن يعدل إن لم‬
‫يعدل الله ورسوله "؟ قال ثم قال‪ " :‬يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من‬
‫هذا فصبر" )‪.(10‬‬
‫ن أعداء الصلح يسلكون سبل ً‬ ‫ن متفطًنا له‪ :‬أ ّ‬ ‫ضا مما يجدر بالمصلح أن يكو َ‬ ‫أي ً‬
‫معوجة في رد الحق‪ ،‬فهذا فرعون يستهتر ويتهكم بموسى ـ عليه السلم ـ‬
‫ما(‪ ،‬فكان‬ ‫َ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬‫ض وَ َ‬‫ت َوال َْر ِ‬
‫وا ِ‬‫م َ‬‫س َ‬
‫ب ال ّ‬
‫ن رب العالمين هو‪َ) :‬ر ّ‬ ‫عندما أعلمه أ ّ‬
‫ن‬‫ن(‪) ،‬إ ِ ّ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ف آذان أتباعه بقوله )أل ت َ ْ‬ ‫ن بعد َ أن شن َ‬
‫الجواب من فرعو َ‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ُ‬
‫ح بسلح‬ ‫ك فعلى المصلح أن يتسل َ‬ ‫ن(‪ ،‬لذل َ‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ذي أْر ِ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫سول َك ُ ْ‬ ‫َر ُ‬
‫الخلق الحسن الذي يفوق كثيًرا من السلحة المادية‪ ،‬وهذا الحدث شاهد‬
‫لهذا‪.‬‬
‫ست َِعيُنوا‬ ‫ا‬
‫ِ ْ ِ ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫سى‬ ‫ُ َ‬ ‫مو‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫)‬ ‫العاقبة‪:‬‬ ‫ما‬ ‫مصلحين‬ ‫ُ‬ ‫لل‬ ‫يبين‬ ‫أن‬ ‫بالمصلح‬ ‫يجدر‬
‫ن(‪،‬‬ ‫قي‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫با‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ض لِ ِ ُ ِ َ َ ْ َ‬
‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ها‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ر‬ ‫يو‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بالل ّهِ واصبروا إ ّ َ‬
‫ِ ْ ِ َ ِ ِ َ ََ ِ َ ُ ِ ُ ّ ِ َ‬ ‫ن الْر َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ُِ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫وا‬
‫َ ْ‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬‫َ ْ َ‬‫ح‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ئي‬
‫ِ‬ ‫را‬ ‫س‬
‫ِ ْ َ‬ ‫إ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ب‬ ‫نا‬ ‫ز‬
‫َ َ َْ َ َِ‬‫و‬ ‫جا‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫أتباعه‪:‬‬ ‫مع‬ ‫ما‬ ‫ً‬ ‫حكي‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫يكو‬ ‫وأن‬
‫ْ ٍ‬ ‫فون عََلى أ َ‬
‫ل إ ِن ّك ُْ‬
‫م‬ ‫ة َقا َ‬ ‫م آل ِهَ ٌ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫له‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عل‬ ‫ْ َ‬ ‫ج‬ ‫ا‬ ‫سى‬ ‫َ ُ َ‬‫مو‬ ‫يا‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ْ ٍ ُ ْ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ص‬ ‫ي َعْك ُ ُ َ‬
‫ن(‪ ،‬وأن يبعث‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ِفيهِ وََباط ِ ٌ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫مت َب ٌّر َ‬ ‫ؤلِء ُ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫جهَلو َ‬ ‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫قَوْ ٌ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫جاَء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫المصلح في نفسه الهمة العالية ويزرعها في أتباعه‪) :‬وَل ّ‬
‫ك(‪ ،‬وأن يأخذ هو وأتباعه القضية‬ ‫ب أ َرِِني َأنظ ُْر إ ِل َي ْ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه َرب ّ ُ‬ ‫قات َِنا وَك َل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫مي َ‬ ‫لِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سن َِها( حّتى يتبين الصادق من‬ ‫ح َ‬ ‫ذوا ب ِأ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫مك ي َأ ُ‬ ‫مْر قَوْ َ‬ ‫قوّةٍ وَأ ُ‬ ‫ها ب ِ ُ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫بحزم )فَ ُ‬
‫ث في التباع روح الخوة والتكافل‪.‬‬ ‫الكاذب‪ ،‬وأن يب ّ‬
‫ة موسى ـ عليه السلم ـ الذي‬ ‫وبالجملة فإنه يجدر بالمصلح أن يتأمل قص َ‬
‫م عاشوراء‪ ،‬وأن يهتدي بهدي أنبياء الله‬ ‫شرع الله الصيام لجل نجاته يو َ‬
‫ن ما فيها من المعاني السامية على طريق الصلح‬ ‫وبرسله‪ ،‬وأن يتمع َ‬
‫والمصلحين‪.‬‬
‫)‪ (1‬البخاري )‪ ،(2004‬مسلم )‪(11330‬‬
‫)‪ (2‬أحمد )‪)2047‬‬
‫)‪ (3‬ابن تيمية ـ اقتضاء الصراط المستقيم )‪) 87‬ط‪ .‬الفقي‪.‬‬
‫)‪ (4‬الفوائد )‪ (86‬ط‪ .‬الكتب العلمية ) ‪1393‬هـ‪).‬‬
‫)‪ (5‬مدارج السالكين )‪ (2/154‬ط‪ .‬الفقي‪.‬‬
‫)‪ (6‬مسلم ) ‪).5318‬‬
‫)‪ (7‬البخاري )‪) 4780‬ونصه‪ :‬عن أبي ذر قال‪ :‬قيل لرسول الله ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ‪ :‬أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟‬
‫قال‪" :‬تلك عاجل بشرى المؤمن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬البخاري )‪ ،(2917‬ومسلم )‪).1759‬‬
‫)‪ (9‬انظر‪ :‬الفتاوى ) ‪) 28/157‬‬
‫)‪ (10‬أحمد )‪(.18076‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫درس في الحساب‬
‫طارق حميدة‬
‫‪tariq_hamida@hotmail.com‬‬
‫ً‬
‫هاجمت سرية بعثها النبي صلى الله عليه وسلم عيرا لقريش فقتلت وأسرت‬
‫وغنمت‪ ،‬وكان أصحاب النبي يظنون الشهر الحرام لم يدخل‪ ،‬إذ كانوا‬
‫ما يدخل بعد شهر رجب‪.‬‬ ‫جمادى الخرة ول ّ‬ ‫يحسبون أنهم في اليوم الخير من ُ‬
‫وكانت فرصة اهتبلها المشركون ليشنعوا على الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫والمسلمين أنهم ينتهكون حرمة الشهر الحرام فيقتلون ويأسرون‪ ،‬وقد تأثر‬
‫المسلمون كثيرا ً بهذه الدعاية‪ ،‬وتوقف الرسول صلى الله عليه وسلم في‬
‫أمر السرى والغنائم‪ ،‬فأنزل الله تعالى آيات بينات‪ ،‬تلجم المشركين‪ ،‬وتدفع‬
‫ل ِفيهِ ك َِبيٌر وَ َ‬
‫صد ّ‬ ‫ل قَِتا ٌ‬ ‫ل ِفيهِ قُ ْ‬ ‫حَرام ِ قَِتا ٍ‬ ‫شهْرِ ال ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫سَألون َ َ‬
‫ك عَ‬ ‫باطل حججهم )ي َ ْ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَك ُ ْ‬
‫عن ْد َ الل ِ‬‫ه أكب َُر ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ج أهْل ِهِ ِ‬
‫خَرا ُ‬ ‫حَرام ِ وَإ ِ ْ‬ ‫جدِ ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فٌر ب ِهِ َوال َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م إِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ِدين ِك ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ُ‬
‫حّتى ي َُرّدوك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫قات ِلون َك ْ‬‫ن يُ َ‬
‫ل َول ي ََزالو َ‬ ‫قت ْ ِ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ة أكب َُر ِ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫فت ْن َ ُ‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مال ُهُ ْ‬
‫م‬ ‫ت أعْ َ‬
‫َ‬
‫حب ِط َ ْ‬‫ك َ‬ ‫كافٌِر فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ت وَهُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِدين ِهِ فَي َ ُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ي َْرت َدِد ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عوا وَ َ‬ ‫طا ُ‬‫ست َ َ‬‫ا ْ‬
‫ن( )البقرة‪(217:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫خَرةِ وَأولئ ِك أ ْ‬ ‫ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫ً‬
‫والسائلون هم المشركون يفعلون ذلك استنكارا ودعاية مغرضة‪ ،‬ويتبعهم في‬
‫ذلك أهل الكتاب والمنافقون في المدينة‪ ،‬وقد يكون السائلون أيضا ً أصحاب‬
‫النبي عليه السلم تأثرا ً بما يروجه المشركون‪ ،‬وخوفا ً من الله مما فعله‬
‫رجال السرية من انتهاك الشهر الحرام‪.‬‬
‫َ‬
‫سألون َ َ‬
‫ك‬ ‫وهنا يأتي الرد اللهي واضحا ً وحاسما ً وواضعا للمور في نصابها ‪) ..‬ي َ ْ‬
‫ً‬
‫ل ِفيهِ ك َِبيٌر ‪ (...‬قل وأعلن يا محمد‪ ،‬أن‬ ‫ل قَِتا ٌ‬ ‫ل ِفيهِ قُ ْ‬ ‫حَرام ِ قَِتا ٍ‬ ‫شهْرِ ال ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عَ ِ‬
‫القتال في الشهر الحرام معصية كبيرة ‪ ،‬ومحرم ل توافق عليه‪ ،‬ولكن هذا‬
‫من‬ ‫المر ليس كل الحقيقة‪ ،‬فالصورة لم تكتمل بعد‪ ،‬فالصد عن سبيل الله ـ َ‬
‫آمن‪ ،‬أو أراد اليمان أو حتى التعرف على الحق ـ والكفُر بالله وبالمسجد‬
‫ج محمد وأصحابه من مكة البلد الحرام‪ ،‬أكبر عند الله‪ ،‬فلئن‬ ‫الحرام‪ ،‬وإخرا ُ‬
‫ارتكب أصحاب محمد أمرا كبيرا خطأ ودون تعمد‪ ،‬فلقد ارتكبت قريش ول‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تزال عددا ً من الكبائر والخطايا والجرائم والتي هي بمجموعها أكبر وأعظم‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬‫صد ّ ع َ ْ‬‫بميزان الله وهو الميزان الحق الذي ل يخطئ ول يحابي‪) ،‬وَ َ‬
‫ه‪. (..‬‬ ‫ه أ َك ْب َُر ِ‬
‫عن ْد َ الل ّ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫خرا َ‬
‫ج أهْل ِهِ ِ‬ ‫حَرام ِ وَإ ِ ْ َ ُ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فٌر ب ِهِ َوال ْ َ‬ ‫الل ّهِ وَك ُ ْ‬
‫وإذا كان المشركون يستنكرون ويستكبرون وقوع القتل من المسلمين في‬
‫تلك السرية‪ ..‬فإن الله تعالى يقرر أن فتنة الناس عن دينهم وتعذيبهم حتى‬
‫يرتدوا عنه أكبر من القتل‪ ،‬إن القتل إنهاء للحياة‪ ،‬ولكن الفتنة وحرف الناس‬
‫عن الحق وإكراههم على ما ل يحبون أكبر وأخطر من القتل‪ ،‬إن الله تعالى‬
‫وهو رب الناس لم يشأ أن يكرههم على دينه وهو الحق الذي فيه مصلحتهم‬
‫وسعادتهم‪ ،‬وحّرم على المسلمين أن يكرهوا أحدا ً على الدين‪ ،‬فكيف بمن‬
‫يكرهون الناس على الكفر ويعذبونهم ليرتدوا عن اليمان ؟!‬
‫إنه درس في الحساب يتعلمه الصغار في رياض الطفال قبل الصف الول‪،‬‬
‫ن أحد أنه بالضجيج وعلو الصوت‬ ‫ذلكم هو مفهوم‪ ،‬أكبر وأصغر‪ ...،‬ول يظن ّ ّ‬
‫يغير الحقائق ويقلب المفاهيم على طريقة ]خذوهم بالصوت ل يغلبوكم[ ‪.‬‬
‫يصلح هذا الدرس في سياق العداء الفلسطيني الصهيوني كلما تشدق‬
‫الغاصبون في إدانة النشاطات الجهادية والنضالية‪ ،‬إذ كيف يشير إلى القذى‬
‫في عين غيره‪،‬من كان في عينه جذع شجرة؟! وأين النضال لدحر العدوان‬
‫من الظلم والغتصاب والتهجير ؟!‬
‫ونفس المنطق ينبغي أن يوجه إلى المريكان وهم يصرخون مستنكرين‬
‫"للرهاب" الذي مّرغ أنوفهم في التراب‪ ،‬لن آخر من يحق له الحديث عن‬
‫الرهاب والجرام هم المريكان‪ ،‬إنهم هم الذين أبادوا الهنود الحمر‪ ،‬وهم‬
‫الذين استعبدوا الفارقة‪ ،‬وهم أبطال هيروشيما وناغازاكي وآثارهم في فيتنام‬
‫والعراق وغيرهما لم ُتمح بعد‪ ،‬وهم الذين يمارسون الفتنة والكراه السياسي‬
‫بتنصيب الزعامات التي تسير في فلكهم على الشعوب المستضعفة‪ ،‬وردع‬
‫الديمقراطية وحرية اختيار القيادات‪ ،‬وأمريكا الن تمارس "الجتياح" الفكري‬
‫والقتصادي والخلقي‪ ،‬إضافة إلى الضغوط السياسية والعسكرية في كل‬
‫الرض‪ ،‬فيما يسمى اليوم بالعولمة‪ ،‬وأما وقوف المريكان داعمين للصهاينة‬
‫الغاصبين في فلسطين فهو أوضح وأشهر من أن يذكر‪ ،‬إنها الفتنة إذن "‬
‫والفتنة أشد من القتل " ‪ ،‬ومن أصدق من الله حديثا ً !؟ ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫درس في الّنصرة من سلمة بن الكوع‬


‫د‪ .‬عبدالوهاب بن ناصر الطريري ‪10/3/1427‬‬
‫‪08/04/2006‬‬
‫دا‪،‬‬
‫ً‬ ‫شدي‬ ‫دا‬‫ّ ً‬ ‫ي‬‫أ‬ ‫فكان‬ ‫الجسم؛‬ ‫في‬ ‫سطة‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫عنه‪-‬‬ ‫الله‬ ‫‪-‬رضي‬ ‫الكوع‬ ‫بن‬ ‫ُأوتي سلمة‬
‫دا؛ فهو متوافر‬ ‫داء ل ُيسبق ش ً‬ ‫ربما أغار على الجيش فهزمه وحده‪ ،‬وكان ع ّ‬
‫القوة‪ ،‬متناسق الجسم واسع الخطو‪.‬‬
‫ب يوم الحديبية حينما كانت الرسل تختلف بين رسول الله‬ ‫وكان له خبر عاج ٌ‬
‫–صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأهل مكة تهّيئ للصلح الذي أزمع النبي –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬أن يعقده معهم‪ ،‬فلما كانت قائلة النهار ذهب سلمة إلى شجرة‬
‫ل بظلها‪ ،‬فكسح شوكها‪ ،‬والتقط ما تناثر منها‪ ،‬وهيأ لنفسه مقيل ً‬ ‫يستظ ّ‬
‫ّ‬
‫اضطجع فيه عند أصلها‪ ،‬فجاء أربعة من المشركين من أهل مكة فعلقوا‬
‫سلحهم على الشجرة‪ ،‬وجلسوا يتحدثون‪ ،‬ويقعون في رسول الله –صلى الله‬
‫ب أبيه وأمه من أن‬ ‫عليه وسلم‪ ،-‬ولقد كان أهون على سلمة أن يسمع س ّ‬
‫يسمعهم يقعون في رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬فآذاه ذلك غاية‬
‫ول إلى شجرة أخرى ليبعد مسامعه عن وقيعة‬ ‫الذى؛ فترك الشجرة لهم‪ ،‬وتح ّ‬
‫أولئك المشركين في رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ .-‬فبينا هو كذلك؛ إذ‬
‫ن زنيم‪ ،‬فظن سلمة أن المشركين‬ ‫خا ينادي يا للمهاجرين‪ُ ..‬قتل اب ُ‬ ‫سمع صار ً‬
‫نقضوا مسعى الصلح فاخترط سيفه‪ ،‬ثم شد ّ على أولئك الربعة‪ ،‬وهم رقود‪،‬‬
‫فأخذ أسلحتهم‪ ،‬فجمعها في يده‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬والذي أكرم وجه محمدٍ ل يرفع‬
‫أحد ٌ منكم رأسه إل ضربته بالسيف‪ ،‬ثم جاء بهم يسوقهم إلى رسول الله –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ثم جاء عمه عامر بتسعين من المشركين حاولوا‬
‫مناوشة المسلمين يسوقهم إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فنظر‬
‫إليهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ثم قال‪" :‬دعوهم يكون لهم بدء‬
‫الفجور وثناه" أي‪ :‬يكون لهم أول الغدر وآخره‪ ..‬ثم عفا عنهم رسول الله –‬
‫صلى ا لله عليه وسلم‪ -‬وصرفهم‪ .‬صحيح مسلم )‪.(1807‬‬
‫إن في هذه القصة دللت مهمة منها‪:‬‬
‫دا أشد حًبا لرسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬من أصحابه‬ ‫‪ -1‬ل نعلم أح ً‬
‫ّ‬
‫الذين آمنوا به‪ ،‬واستنارت أعينهم برؤية محّياه‪ ،‬وتعطرت أسماعهم بسماع‬
‫ن حّبه شغاف قلوبهم‬ ‫حديثه‪ ،‬وصحبوه في أحوال حياته وتقّلبات أموره‪ ،‬فاستك ّ‬
‫وخالط لحمهم ودمهم وعصبهم‪ ،‬فيالله لسلمة –رضي الله عنه‪ -‬وهو يسمع‬
‫ط من المشركين يشاركونه‬ ‫مسّبة رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬من ره ٍ‬
‫ي‪ ،‬وكم‬ ‫ظل الشجرة التي يقيل تحتها‪ ،‬فكم قاسى حينئذ ٍ من اللم النفس ّ‬
‫ما سمع!! ولكنه كظم غيظه‪،‬‬ ‫خات الحنق والغضب م ّ‬ ‫تدّفقت في دمائه ز ّ‬
‫ي‪ ،‬مع أنه كان في‬ ‫ف انفعال ّ‬‫وسيطر على عواطفه‪ ،‬ولم يفرط منه أي تصّر ٍ‬
‫ل الذي هّيأه‬ ‫عنفوان شبابه‪ ،‬وفي العشرين من عمره‪ ،‬لقد ترك لهم الظ ّ‬
‫دا؛ ليكون بمنأى عن هذا اليذاء الذي ل يستطيع‬ ‫حى عنهم بعي ً‬ ‫لنفسه‪ ،‬وتن ّ‬
‫احتماله‪ ،‬ولم يمنعه أن ُينفذ غضبه‪ ،‬ويشفي غيظ قلبه ضعف ول عجز؛ فقد‬
‫كان الشجاعَ قلًبا‪ ،‬القويّ بدًنا‪ ،‬السريع عَد ًْوا‪ ،‬ولكنه تعامل مع مشاعره‬
‫ت غير‬ ‫ورا ٍ‬‫ف يمكن أن يتداعى إلى تط ّ‬ ‫دا عن أي تصر ٍ‬ ‫ط كامل‪ ،‬بعي ً‬ ‫بانضبا ٍ‬
‫ي باصطبارٍ جميل وبصيرة نافذة‪ ،‬وحتى عندما‬ ‫مل اللم النفس ّ‬ ‫محسوبة‪ ،‬وتح ّ‬
‫سمع الصارخ ينادي بما يدل على غدرٍ أو مقتلة لم ُيبادر إلى قتل هؤلء‪ ،‬مع‬
‫أن الفرصة كانت له مواتية‪ ،‬فقد عّلقوا أسلحتهم فهم عُّزل‪ ،‬ورقدوا بغير تهّيؤ‬
‫أو احتراز‪ ،‬ولكنه اكتفى بسوقهم إلى النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ليكون‬
‫التصرف من المرجعية العامة للمسلمين‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سا بليًغا في النضباط وقيادة‬ ‫دم للمة من خلل هذا الموقف در ً‬ ‫إن سلمة ُيق ّ‬
‫ل غير‬ ‫العواطف والسيطرة على مشاعر النفعال‪ .‬وعدم الندفاع لردة فع ٍ‬
‫محسوبة أو تصرف غير رشيد‪ ،‬على الرغم من قوة المؤثر وشدة الستثارة‪.‬‬
‫‪ -2‬كما يلفتنا التعالي الخلقي الذي تعامل به النبي –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫قص‪ ،‬ومع التسعين الذين جيء بهم‬ ‫مع هؤلء الذين وقعوا فيه بالمسبة والتن ّ‬
‫إليه‪ ،‬وهم يحاولون مناوشة المسلمين‪ ،‬ومع ذلك عفا عن الجميع‪ ،‬وتركهم‬
‫ما؛ إذ لم يصدر منه –صلى‬ ‫وا نبوًيا كري ً‬
‫يبوؤون بأول الغدر وآخره‪ ،‬وكان عف ً‬
‫خ أو ملومة‪ ،‬وإنما هو الخلق العظيم والصفح‬ ‫الله عليه وسلم‪ -‬لهؤلء توبي ٌ‬
‫الجميل‪.‬‬
‫ف كبير واضح‪ ،‬وهو أن يتم‬ ‫لقد كان أمام النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬هد ٌ‬
‫الصلح بينه وبين أهل مكة‪ ،‬ولذلك لم يسمح لهذه الستفزازات المتكررة من‬
‫رعاع المشركين أن تعرقل مساعيه‪ ،‬أو تحرف وجهته عن هدفه‪ ،‬فكان أقوى‬
‫جمها بحجمها الطبيعي ضمن الحدث الذي يعايشه‪،‬‬ ‫من هذه الستثارة‪ ،‬فح ّ‬
‫والهدف الذي يصمد إليه‪ ،‬ولذا انتهى المر إلى ما أراد رسول الله –صلى الله‬
‫كتبت الصحيفة‪ ،‬وحصل بذلك الفتح المبين‪ ،‬وعاد –‬ ‫م الصلح‪ ،‬و ُ‬‫عليه وسلم‪ ،-‬فت ّ‬
‫ك فَْتحا ً‬
‫حَنا ل َ َ‬ ‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬إلى المدينة وآيات الله تتنّزل عليه )إ ِّنا فت َ ْ‬
‫مِبينًا( ]الفتح‪.[1:‬‬
‫ُ‬
‫إن عدم وضوح الهداف‪ ،‬وفقدان الخطة للعمل يجعل المة مرتهنة برّدات‬
‫الفعل المتذبذبة‪ .‬وإن الستجابات الفردية غير المدروسة يمكن أن تعرقل‬
‫صا ضخمة‪ ،‬وتجهض أهداًفا كبيرة‪.‬‬ ‫مسيرة منطلقة‪ ،‬وتهدر فر ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬
‫فصلوات الله وسلمه على من أنزل الله عليه الكتاب‪ ،‬وآتاه الحكمة )وَ َ‬
‫خْيرا ً ك َِثيرًا(‪].‬البقرة‪ :‬من الية ‪.[269‬‬ ‫ة فَ َ ُ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ي َ‬
‫قد ْ أوت ِ َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ي ُؤْ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫درس نبوي في التوحيد‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحمد لله المتوحد بالجلل بكمال الجمال تعظيما وتكبيرا‪ ،‬المتفرد بتصريف‬
‫الحوال على التفصيل والجمال تقديرا ً وتدبيرًا‪ ،‬ل إله بحق إله نزل الفرقان‬
‫بذلك ليكون للعالمين نذيرًا‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على خير الموحدين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وعلى‬
‫التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد‪ :‬فإن دروس النبياء في التوحيد‬
‫كثيرة‪ ،‬فما من رسول إل ّ وقد دعا إلى التوحيد وحذر من الشرك‪ ،‬كما قال‬
‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫َ‬ ‫قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫ت‬
‫غو َ‬‫طا ُ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫سول ً أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫الله _تعالى_‪" :‬وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ة فَ ِ‬ ‫ضلل ُ‬ ‫ت عَلي ْهِ ال ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ه وَ ِ‬ ‫دى الل ّ ُ‬‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫فَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ن" ]النحل‪.[36:‬‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫ْ‬
‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ف َ‬
‫كا َ‬ ‫ُ‬
‫َفان ْظُروا ك َي ْ َ‬
‫والوقوف مع بعض دروس أولئك يحتاج إلى سفر عظيم‪ ،‬فالكلم فيه يطول‪،‬‬
‫ة ماسة‪ ،‬ولعل ما ليدرك جله ليترك‬ ‫والحاجة إلى بحثه والكتابة فيه مطول ً‬
‫كله‪ ،‬ولهذا أقف هنا مع درس واحد ألقاه الكريم بن الكريم بن الكريم في‬
‫أحد السجون –التي غصت في الماضي ول تزال في دول البغي والعدوان‬
‫تغص بالموحدين‪ -‬إنه درس يوسف عليه السلم لصاحبي السجن‪ ،‬ولطوله‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الظاهر ‪-‬عند أهل التأمل والتدبر‪ -‬أشرع فيه عرضا ً من منتصفه‪ ،‬وأقف مع‬
‫َ‬
‫ك ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫شرِ َ‬ ‫ن ل ََنا أ ْ‬
‫ن نُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬
‫س َ‬‫م وَإ ِ ْ‬
‫هي َ‬ ‫مل ّ َ‬
‫ة آَبائي إ ِب َْرا ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫قوله‪َ" :‬وات ّب َعْ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل‬ ‫ن أكثَر الّنا ِ‬ ‫س وَلك ِ ّ‬ ‫ل اللهِ عَلي َْنا وَعَلى الّنا ِ‬ ‫ض ِ‬
‫نف ْ‬ ‫م ْ‬ ‫يٍء ذ َل ِك ِ‬ ‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫ن" ]يوسف‪ ،[38:‬وفي هذه الية يبدو أن يوسف –عليه السلم‪ -‬ذكر‬ ‫ُ َ‬‫رو‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫يَ‬
‫آباءه لفائدة‪ ،‬إذ ربما يعرف السجينان طرفا ً من أخبارهما؛ لن إبراهيم _عليه‬
‫السلم_ أشهر من علم على رأسه نار‪ ،‬وقد كانت له مواقف مذكورة مع‬
‫حاكم مصر‪ ،‬ويبدو أن القوم كانوا يزعمون أنهم على شيء من دين إبراهيم‬
‫ودلئل هذا في سورة يوسف كثيرة‪.‬‬
‫والشاهد أنه ذكر لهم أن أئمة الهدى الذين سماهم ما كان لحد منهم أن‬
‫يشرك بالله من شيء‪ ،‬وقوله‪) :‬ما كان لنا( صيغة جحود تقتضي مبالغة انتفاء‬
‫الوصف عن الموصوف‪ ،‬فأصل الكلم أن يقال ما كنا نشرك بالله‪ ،‬فلما أراد‬
‫المبالغة في نفي الشرك نفى المصدر )أن نشرك( أي ما كان لنا الشراك‪،‬‬
‫وعبر بالمصدر لدللته على الجنس مجردا ً عن زمن بخلف الفعل‪ ،‬ثم التعبير‬
‫بالمصدر اقتضى إدخال لم الستحقاق على متعلقه‪ ،‬فأدخل لم الستحقاق‬
‫ونفى الجنس عنهم بنفي الستحقاق‪ ،‬وهذا من بديع الكلم البليغ‪ ،‬فالمعنى ما‬
‫كان من حقنا الشراك‪ ،‬فترك ما ليس بحق ألزم من ترك أمر قد يكون من‬
‫حق التارك‪ ،‬فلو قال قائل ما كنت أفعل كذا‪ ،‬قد يقال‪ :‬ليس ذلك لعدم‬
‫استحقاقه الفعل لكن لكرم أخلقه أو غير ذلك‪ ،‬أما إن قال ما كان لي أن‬
‫أفعل كذا‪ ،‬فهذا يقضي بأنه ليس من حقه أن يفعل كذا‪ ،‬فل يحق لهم فعله‪.‬‬
‫ثم مع هذا التأكيد قال‪) :‬من شيء( فأدخل من على المفعول ليحقق العموم‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ول ملكا ً مقربًا‪ ،‬ول كوكبا ً‬ ‫فكأنه يقول ما كان لنا أن نشرك بالله نبيا ً مرس ً‬
‫معظمًا‪ ،‬ولنجما ً متوهجًا‪ ،‬ول كل ما يصح عليه إطلق لفظ الشيء غير الله‪،‬‬
‫وكل ذلك جار على عادة النبياء في تعظيم المر بالتوحيد‪ ،‬والنهي عن‬
‫الشرك‪ ،‬بخلف من تنكب سبيلهم‪ ،‬فتراه ثاني عطفه يظن أنه قد حقق‬
‫التوحيد‪ ،‬فإذا أمر آمر به أو نهى عن ضده‪ ،‬فل يظن أبدا ً أن الكلم متوجه‬
‫إليه‪ ،‬أو أنه مقصود مخاطب به‪ ،‬بل ربما رأى الدعوة إليه والتذكير به من‬
‫الفضول إذ الناس مسلمون‪ ،‬وإذا حسن حاله ظن أن المخاطبين به إنما هم‬
‫أناس في بلد غير بلده‪ ،‬أو أن الكلم قصر على الذين يدعون الموتى‬
‫ويطوفون بالقبور وينذرون لها ويحجون‪ ،‬فأعيذك أيها القارئ وأعوذ بالله أن‬
‫تكون تلك حالي أو حالك‪ ،‬أو هذا ظني وظنك‪ ،‬بل أنت أنت المراد‪ ،‬أنت أنت‬
‫المخاطب بتحقيق التوحيد واجتناب الشرك‪ ،‬ولي في ما أقول لنفسي العظة‬
‫والعبرة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫فلتكن لنا في النبياء والمرسلين قدوة‪ ،‬فهذا يوسف يقول ما يقول‪ ،‬معظما ً‬
‫أمر التوحيد عنده وعند آبائه‪ ،‬ولنقف مع أحدهم بل سيدهم إبراهيم –عليه‬
‫السلم‪ -‬لنفهم ما بال يوسف يعظم أمر التوحيد عندهم‪ ،‬ولنر هل تجاوز في‬
‫جن ُب ِْني‬‫ق؟ قال أبوه عليه السلم كما أخبر الله _تعالى_ عنه‪َ..." :‬وا ْ‬ ‫صدي ُ‬ ‫ذلك ال ّ‬
‫م" ]إبراهيم‪ ،[35:‬فيا سبحان الله! إمام الموحدين‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وبن ِ َ‬
‫صَنا َ‬
‫ن ن َعْب ُد َ ال ْ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ََ ّ‬
‫وقدوة المحققين‪ ،‬مجادل الصابئين الفلسفة‪ ،‬مبطل مذاهبهم الزائفة‪،‬‬
‫بالحجج البينة الدامغة‪ ،‬ناصب أدلة التوحيد ورافع أعلمها‪ ،‬وخافض رايات‬
‫م‬
‫هي َ‬ ‫الشرك الجازم ببواتر الحجج هامها‪ ،‬من برأه الله فقال مؤكدًا‪" :‬إ ِ ّ‬
‫ن إ ِب َْرا ِ‬
‫كا ُ‬
‫ن" ]النحل‪ ،[120:‬وفي غير آية‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫حِنيفا ً وَل َ ْ‬
‫م يَ ُ‬ ‫ة َقاِنتا ً ل ِل ّهِ َ‬ ‫م ً‬
‫نأ ّ‬‫َ َ‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما كان من المشركين‪ ،‬المبرأ من الشرك على ألسنة النبيين‪ ،‬هذا المام‬
‫_صلى الله عليه وسلم_ مع كل ذلك يقول‪ ..." :‬واجنبِني وبن ِ َ‬
‫ن ن َعْب ُد َ‬
‫يأ ْ‬ ‫ََ ّ‬ ‫َ ْ ُْ‬
‫اْل َصنام * رب إنه َ‬
‫س‪]"...‬إبراهيم‪.[36:‬‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ِ‬ ‫ضل َل ْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ ّ ِّ ُ ّ‬ ‫ْ َ َ‬
‫تأمل هذا المشهد‪ ،‬ترى نبي الله يقف على مشارف مكة يشير إليها إشارة‬
‫القريب "رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الصنام"‪ ،‬ترك لتوه‬
‫بنيه بواد غير ذي زرع)‪ ،(1‬ولك أن تتوهم حاله وما يعتمل في قلبه‪ ،‬أي تعلق‬
‫بالله قام فيه‪ ،‬وأي إشفاق على بنيه يختلج في نفسه‪ ،‬أُترى الداعي في ذلك‬
‫المقام يدعو بغير ألزم الدعاء وأحراه به‪ ،‬لنفسه ولمن خلف؟ ثم تأمل بم دعا‬
‫عليه السلم ولمن دعا! دعا الله أن يجنبه عبادة الصنام وبنيه –أتدري من هم‬
‫جعَل َْنا ِفي ذ ُّري ّت ِهِ الن ّب ُوّةَ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫بنوه! قال الله _تعالى_‪" :‬وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫ب‪] "...‬العنكبوت‪ ،[27:‬فليت شعري ماذا يقول أولئك الذين إذا ذكر‬ ‫َوال ْك َِتا َ‬
‫الله وحده نفروا‪ ،‬وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون‪ ،‬ماذا يقولون لو‬
‫أن واعظا ً وعظهم بما دعا به إبراهيم _عليه السلم_‪.‬‬
‫فاللهم رحماك وإياك نسأل أن ترزقنا تحقيق التوحيد‪ ،‬والخوف من الشرك‬
‫والحذر‪ ،‬وأن تجنبنا وبنيننا أن نعبد الصنام‪ ،‬ربنا إنهن أضللن كثيرا ً من أصحاب‬
‫العقول‪ ،‬في الهند والسند‪ ،‬والشرق والغرب‪ ،‬بل وفي بعض ديار المسلمين‪،‬‬
‫فلك الحمد على الهداية‪ ،‬ونسألك الثبات حتى نلقاك على التوحيد ‪-‬أرجى ما‬
‫به نلقاك‪.‬‬
‫_______________‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ِ‬ ‫ضل َل ْ َ‬‫نأ ْ‬ ‫ب إ ِن ّهُ ّ‬ ‫)‪ (1‬يدل على ذلك سياق اليات بعد ُ إذ قال‪َ" :‬ر ّ‬
‫َ‬
‫ت‬‫سك َن ْ ُ‬‫م * َرب َّنا إ ِّني أ ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ك غَ ُ‬ ‫صاِني فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّني وَ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن ت َب ِعَِني فَإ ِن ّ ُ‬ ‫س فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ل‬‫جعَ ْ‬ ‫صلة َ َفا ْ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫حّرم ِ َرب َّنا ل ِي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ك ال ُ‬ ‫عن ْد َ ب َي ْت ِ َ‬
‫واد ٍ غَي ْرِ ِذي َزْرٍع ِ‬ ‫ن ذ ُّري ِّتي ب ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن" ]إبراهيم‪:‬‬ ‫شكُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ت لعَلهُ ْ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م َواْرُزقْهُ ْ‬ ‫وي إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫س ت َهْ ِ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫أفْئ ِد َة ً ِ‬
‫‪ ،[37-36‬أما قوله‪" :‬عند بيتك المحرم" فيعني موضعه أو أثره المندرس وقد‬
‫بناه آدم _عليه السلم_ أول‬

‫)‪(2 /‬‬

‫درسان حيويان مقتبسان من قادة النبي صلى الله عليه وسلم‬


‫لحاضر المسلمين ومستقبلهم‬
‫بقلم اللواء الركن‬
‫محمود شيث خطاب‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬الغزوات والسرايا‬
‫التفرغ للعلم نعمة عظيمة من نعم الله‪ ،‬يقصر الحمد والشكر عن الوفاء‬
‫بحقها لله‪ ،‬وعلى المر ء الذي يقدر مثل هذه النعمة العظيمة أن يحمد الله‬
‫عز وجل عليها بالعمال ل بالقوال‪.‬‬
‫وشغلت نفسي في تفرغي الكامل بدراسة )قادة النبي صلى الله عليه‬
‫ت درسين حيويين من‬ ‫وسلم( الذين قادوا السرايا في حياته المباركة‪ ،‬فاكتشف ُ‬
‫ً‬
‫مصائر أولئك القادة‪ ،‬لم أكن أعرفهما من قبل‪ ،‬ولم أقرأ عنهما شيئا‪ ،‬فأحببت‬
‫أن أشارك القراء نشوة هذا الكتشاف‪.‬‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم هو قائد المسلمين في الغزوات‪ ،‬وهي ثماني‬
‫وعشرون غزوة‪ ،‬نشب القتال في تسع غزوات منها‪ ،‬وحققت تسع عشرة‬
‫غزوة من غزواته عليه الصلة والسلم أهدافها دون قتال‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واستغرق جهاد النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته كافة سبع سنين بعد‬
‫الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة‪ ،‬فقد خرج إلى غزوة وّدان‬
‫وهي أول غزوة قادها النبي صلى الله عليه وسلم في شهر صفر من السنة‬
‫الثانية للهجرة‪ ،‬وكانت غزوة تبوك وهي آخر غزواته عليه الصلة والسلم في‬
‫رجب من السنة التاسعة الهجرية‪.‬‬
‫ولكن جهاد النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على الغزوات فحسب‪ ،‬بل‬
‫شمل الغزوات والسرايا أيضًا‪ ،‬والفرق بين الغزوة والسرية‪ ،‬أن الغزوة تكون‬
‫بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أما السرية فتكون بقيادة أحد الصحابة‬
‫عليهم جميعا ً رضوان الله‪.‬‬
‫وكان عدد سرايا النبي صلى الله عليه وسلم سبعا ً وأربعين سرية‪ ،‬وفي رواية‬
‫أنه بعث عددا ً أكثر من السرايا‪ ،‬والول أصح‪.‬‬
‫وقد استغرق بعث هذه السرايا تسع سنين‪ ،‬ابتداًء من سرية حمزة بن عبد‬
‫المطلب رضي الله عنه التي بعثها إلى )العيص( في شهر رمضان من السنة‬
‫الولى الهجرية‪ ،‬وانتهاء بسرية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله‬
‫عنه التي بعثها إلى بلد )مذحج( في اليمن في شهر رمضان من السنة‬
‫العاشرة الهجرية‪.‬‬
‫وكان من ثمرات جهاد سبع سنوات في الغزوات‪ ،‬وتسع سنوات في السرايا‪،‬‬
‫توحيد شبه الجزيرة العربية لول مرة في التاريخ تحت لواء السلم‪ ،‬بقيادة‬
‫أبنائها من العرب المسلمين‪ ،‬وتطهيرها من الجنبي الدخيل‪ ،‬وتحطيم الصنام‬
‫والوثان في أرجائها‪ ،‬وهي آلهة العرب قبل السلم‪ ،‬بعد أن أصبح العرب‬
‫يعبدون إلها ً واحدا ً ل شريك له‪ ،‬بفضل السلم دين التوحيد والوحدة‪ ،‬ودين‬
‫الله الذي ارتضاه للناس كافة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وكان عدد قادة سرايا النبي صلى الله عليه وسلم سبعا وثلثين قائدا‪ ،‬بإضافة‬
‫عبد الله بن جبير الوسي النصاري الذي كان قائد الرماة في غزوة )أحد(‬
‫إلى قادة سرايا النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إكبارا ً لمزاياه القيادية‪ ،‬وتقديرا ً‬
‫لسجاياه البطولية‪ ،‬وليكن أسوة حسنة لكل قائد وجندي من قادة العرب‬
‫والمسلمين وجنودهم في مزاياه وسجاياه‪ ،‬فيصبح تعداد القادة ثمانية وثلثين‬
‫قائدًا‪.‬‬
‫وليس عبد الله بن جبير رضي الله عنه من قادة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ولكنه ليس أقل منهم كفاية واقتدارًا‪ ،‬وقدرا ً وجل ً‬
‫ل‪.‬‬
‫لقد كانت ثمرات الجهاد في الغزوات والسرايا ثمرات يانعة حقًا‪ ،‬وكانت‬
‫لقيادة النبي صلى الله عليه وسلم الفذة آثار حاسمة في نتائج غزواته‬
‫وسراياه‪ :‬بصورة مباشرة في غزواته لنها بقيادته المباشرة‪ ،‬وبصورة غير‬
‫من أحسن اختيارهم‪.‬‬ ‫مباشرة في سراياه لنها بقيادة َ‬
‫واختيار النبي صلى الله عليه وسلم لقادة سراياه‪ :‬في أسلوب اختياره الذي‬
‫يضع الرجل المناسب بالمكان المناسب‪ ،‬وفي حرصه على اللتزام بشروط‬
‫القيادة المتميزة في الختيار لفائدة السلم والمسلمين‪ ،‬درس ينبغي أن‬
‫نتعلمه حكاما ً ومحكومين‪ ،‬إذا أردنا أن ننتصر في الحرب ونتفوق في السلم‪،‬‬
‫فقد عّز النصر على العرب والمسلمين وعّز النجاح‪ ،‬وأصبحوا أهل الهزائم‬
‫والخفاق‪.‬‬
‫وربما نعود إلى تفصيل هذا الدرس الحيوي في موعد قريب بإذن الله‪ ،‬فهو‬
‫الدرس الحيوي الذي ينبغي أن نتعلمه من النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬درس‬
‫اختيار القادة‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فسأقتصر على درسين حيويين نتعلمهما من قادته‬
‫عليهم رضوان الله‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مصائر قادة النبي صلى الله عليه وسلم‪..‬‬


‫والدليل القاطع على تمتع قادة النبي صلى الله عليه وسلم بالكفاية القيادية‬
‫العالية‪ ،‬هو ما أحرزوه من انتصارات باهرة على أعداء السلم والمسلمين‪،‬‬
‫عددا ً في كل معركة خاضوها دون استثناء‪.‬‬ ‫المتفوقين عليهم عددا ً و ُ‬
‫الشجاعة‪..‬‬
‫والشجاعة الفائقة هي إحدى مزايا الواجب توفرها في الكفاية القيادية‪،‬‬
‫وكانت الشجاعة الفائقة هي القاسم المشترك بين مزايا قادة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم كافة‪.‬‬
‫والدليل القاطع على الشجاعة الفائقة لقادة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أن‬
‫اثنين وعشرين قائدا ً منهم قضى شهيدًا‪ ،‬وخمسة عشر قائدا ً منهم مات على‬
‫فراشه‪ ،‬أي أن ستين بالمائة من القادة استشهدوا‪ ،‬وأربعين بالمائة منهم‬
‫ماتوا خارج ميدان القتال‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ول أعرف نسبة عالية من الشهداء في القادة كنسبة الشهداء في قادة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في تاريخ الحروب القديمة والحديثة‪ ،‬فالخسائر في‬
‫القادة )اعتياديًا( أقل بكثير من الخسائر في غير القادة من الجنود وضباط‬
‫ون واحدا ً بالمائة في أحسن الحوال وفي أعلى‬ ‫الصف والضباط‪ ،‬وقد ل تك ّ‬
‫تقدير‪.‬‬
‫والقول بأن هذه النسبة العالية في الشهداء بين قادة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم سببها شجاعتهم الفائقة واليمان العميق‪ ،‬وليس كاليمان العميق حافز‬
‫من حوافز القدام والستقتال في طلب الشهادة‪ ،‬تخلصا ً من الحياة المؤقتة‬
‫للحياء إلى الحياة الدائمة للشهداء‪..‬‬
‫ً‬
‫ونسبة الشهداء من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم قادة وجنودا‪ ،‬ثمانون‬
‫بالمائة كما فصلنا ذلك في بحث «السلم والحرب الجماعية»‪ ،‬فقد استشهد‬
‫أربعة من الصحابة من كل حمسة عليهم رضوان الله‪ ،‬لن إيمانهم العميق‬
‫الذي كان أعلى نسبة ممن جاء بعدهم‪ ،‬هو الذي حقق لهم أمنياتهم في‬
‫الستشهاد‪ ،‬إذ كان كل واحد منهم يتمنى أن يستشهد قبل أخيه‪.‬‬
‫والمبدأ الذي جاء به السلم في اختصاص الشهداء بالحياة الباقية مبدأ ل‬
‫مثيل له في تعاليم القتال التي جاءت بها الديان السماوية الخرى وتعاليم‬
‫ن الذين قِتلوا في‬
‫القتال في المذاهب الوضعية البائدة والسائدة‪) :‬ول تحسب ّ‬
‫ل اللهِ أمواتا ً بل أحياء عند َ رّبهم يرَزقون( ]آل عمران‪.[169 :‬‬
‫سبي ِ‬
‫ول تجد مثل هذا المبدأ القتالي‪ :‬مبدأ الحياة الباقية للشهيد‪ ،‬في أية عقيدة‬
‫قتالية قديمة أو حديثة‪ ،‬إل في العقيدة العسكرية السلمية‪ ،‬ولكن ياليت‬
‫قومي يعلمون‪.‬‬
‫كما أن ارتفاع نسبة الشهداء في قادة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬يدل على‬
‫طلبهم للشهادة وحرصهم على الستشهاد‪ ،‬فكانت الشهادة من أغلى أماني‬
‫المجاهدين الصادقين‪ ،‬وقادة النبي صلى الله عليه وسلم منهم بدون شك‪.‬‬
‫القيادة من المام‪..‬‬
‫وارتفاع نسبة الشهداء في قادة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬يدل على أنهم‬
‫كانوا يقودون رجالهم من المام‪ ،‬يقولون لهم‪ :‬اتبعونا! ويضربون لرجالهم‬
‫أروع المثال في الشجاعة والبسالة‪ ،‬وأنهم كانوا يستأثرون دون رجالهم‬
‫بمواطن الخطر‪ ،‬ويؤثرونهم بمواطن المن‪ ،‬وهكذا يكون القادة الذين‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يحوزون على ثقة رجالهم عن جدارة واستحقاق‪.‬‬


‫وارتفاع نسبة الشهداء في قادة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬يدل على أن‬
‫أولئك القادة ل يقودون رجالهم من الخلف‪ ،‬يقولون لرجالهم‪ :‬تقدموا! ثم‬
‫يبقون قابعين في مواقع أمينة في الخلف‪ ،‬كما يفعل القادة الذين يؤثرون‬
‫مصالحهم الذاتية على مصالح رجالهم ومصلحة أمتهم العليا‪.‬‬
‫حسنيين(‬ ‫ن بها إل إحدى ال ُ‬‫لقد كان شعارهم في الجهاد‪) :‬قل‪ :‬هل تربصو َ‬
‫]التوبة‪ [52 :‬النصر أو الشهادة‪.‬‬
‫ذلك هو الدرس الول الذي يبرز من دراسة السير التفصيلية لقادة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫أن نسبة الشهداء منهم كانت ستين بالمائة‪ ،‬وهي أعلى نسبة لستشهاد‬
‫القادة في تاريخ الحرب القديم والحديث وفي تاريخ البشرية من مختلف‬
‫المم واللوان والجناس في مختلف الحروب قديما ً وحديثًا‪ ،‬وهذا برهان‬
‫ساطع على صدق حديث النبي صلى الله عليه وسلم‪« :‬خير الناس قرني‪ ،‬ثم‬
‫الذين يلونهم‪ » ..‬الحديث الشريف ]رواه البخاري ومسلم والترمذي‬
‫وأحمد‪ ،[..‬وهو برهان من الناحية العسكرية خاصة‪ ،‬وبإمكان كل مختص في‬
‫علم من العلوم أن يدلل حسب اختصاصه على صدق هذا الحديث الشريف‪.‬‬
‫فل يسأل متسائل‪ :‬كيف انتصر النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه القليلين‬
‫حد شبه الجزيرة العربية لول‬ ‫على أعدائه الكثيرين؟ وكيف استطاع أن يو ّ‬
‫مرة في التاريخ تحت ظل التوحيد خلل تسع سنين؟‬
‫ولكن الدرس الثاني الذي نتعلمه من قادة النبي صلى الله عليه وسلم هو‬
‫أعجب من الدرس الول وأغرب‪ ،‬وهو أن قادة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫المتميزين بالشجاعة الفائقة اسُتشهدوا بآجالهم في ساحات الجهاد‪ ،‬والقادة‬
‫المتميزين بالشجاعة النادرة منهم ماتوا بآجالهم في بيوتهم على فراشهم!‬
‫وبتعبير آخر‪ ،‬إن القادة الشجعان استشهدوا‪ ،‬والقادة الذين هم أكثر شجاعة‬
‫ماتوا على فراشهم‪ ،‬وتفصيل هذا الدرس في الحديث التي بإذن الله‪.‬‬
‫ومن حقي ومن حق كل مسلم أن يسأل المبهورين بالعسكرية الغربية‬
‫الحديثة أو بالعسكرية الشرقية الحديثة‪ ،‬أو بالعسكرية الغرابية التي هي مزيج‬
‫من العسكرية الشرقية والعسكرية الغربية‪ :‬ما نسبة الذين قِتلوا من القادة‬
‫الغربيين أو الشرقيين في الحرب العالمية الثانية )‪1945-1939‬م( وما‬
‫بعدهما من حروب موضعية؟‬
‫أعلى نسبة من قتلى القادة لم تبلغ واحد بالمائة في العسكرية الغربية‬
‫والعسكرية الشرقية والعسكرية الغرابية!‬
‫فلماذا نستبدل العسكرية الشرقية أو الغربية أو الغرابية بالعسكرية‬
‫من ينبهر بها العرب والمسلمون؟ ولماذا نستبدل الذي‬ ‫السلمية؟ ولمصلحة َ‬
‫هو أدنى بالذي هو خير؟‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وصحبه‬ ‫لقد قادت العقيدة العسكرية السلمية النب ّ‬
‫إلى النصر‪ ،‬وإلى توحيد الجزيرة العربية تحت لواء السلم خلل تسع سنين‬
‫فقط من عمر الزمان‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقادت الخلفاء الراشدين الهادين المهديين من بعده على عهد أبي بكر‬
‫الصديق رضي الله عنه‪ ،‬وعمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬والصدر الول من‬
‫عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه‪ ،‬وقادت قادة الفتح السلمي وجنوده‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى فتح العراق وبلد الشام ومصر وليبيا وبلد فارس وخراسان‪ ،‬وتوحيد هذه‬
‫البلد الشاسعة تحت لواء السلم خلل أقل من عشرين سنة‪.‬‬
‫ما تخلى العرب والمسلون عن العقيدة السلمية‪ ،‬وطبقوا العسكرية‬ ‫فل ّ‬
‫الغربية أو الشرقية أو الغرابية‪ ،‬قادتهم هذه العقائد الدخيلة إلى الهزائم‬
‫المنكرة‪ ،‬وخسروا حتى بلدهم‪ ،‬وقادتهم تلك العقائد العسكرية الجنبية إلى‬
‫الذل والهوان‪.‬‬
‫ولعل ما حدث في بيروت من ِقبل العدو الصهيوني‪ ،‬هو قمة ما بلغه العرب‬
‫والمسلمون من ذل وهوان‪ ،‬دون أن تقودهم العقائد العسكرية الدخيلة إلى‬
‫الوحدة أو إلى النصر‪.‬‬
‫فمتى تعرف هذه الحقائق الناصعة‪ ،‬ومتى نعود إلى السلم من جديد‪ ،‬فقد‬
‫انتصرنا بالسلم‪ ،‬ولن ننتصر بغيره على أعدائنا‪ ،‬وواقعنا المرير أوضح دليل؟‬
‫مصائر قادة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫تاريخ استشهاده‬
‫هجري‪/‬ميلدي ‪ ...‬مكان استشهاده ‪ ...‬مصرعه ‪ ...‬قدمه في السلم ‪ ...‬القائد‬
‫‪ ... 3 ... 624‬أحد ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬حمزة بن عبد‬
‫المطلب‬
‫‪ ... 2 ... 623‬بدر ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬عبيد بن الحارث بن‬
‫عبد المطلب‬
‫‪ ... 3 ... 624‬أحد ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬عبد الله بن جحش‬
‫السدي‬
‫‪ ... 3 ... 624‬أحد ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم ‪ ...‬عمير بن عدي الخطمي‬
‫الوسي‬
‫على عهد معاوية ‪ ...‬المدينة ‪ ...‬مات على فراشه ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪...‬‬
‫سالم بن عمير الوسي‬
‫‪ ... 43 ... 663‬المدينة ‪ ...‬مات على فراشه ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪...‬‬
‫محمد بن مسلمة الوسي النصاري‬
‫‪ ... 55 ... 675‬المدينة ‪ ...‬مات على فراشه ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪...‬‬
‫سعد بن أبي وقاص‬
‫‪ ... 8 ... 629‬مؤتة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬زيد بن حارثة‬
‫الكلبي‬
‫‪ ... 54 ... 673‬غزة ‪ ...‬مات على فراشه ‪ ...‬قديم السلم ‪ ...‬عبد الله بن‬
‫أنيس الجهني‬
‫‪ ... 3 ... 624‬المدينة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬أبو سلمة بن عبد‬
‫السد المخزومي‬
‫‪ ... 4 ... 625‬بدر معونة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬المنذر بن‬
‫عمرو الساعدي الخزرجي‬
‫‪ ... 4 ... 625‬الرجيع ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬مرثد بن أبي مرثد‬
‫الغنوي‬
‫‪ ... 11 ... 632‬بزاخة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬عكاشة بن‬
‫محصن السدي‬
‫‪ ... 18 ... 439‬عمواس ‪ ...‬مات على فراشه بالطاعون فهو شهيد ‪ ...‬قديم‬
‫السلم – بدري ‪ ...‬أبو عبيدة بن الجراح‬
‫‪ ... 32 ... 652‬المدينة ‪ ...‬مات على فراشه ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬عبد‬
‫الرحمن بن عوف‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ... 40 ... 660‬الكوفة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬علي بن أبي‬


‫طالب‬
‫‪ ... 11 ... 632‬اليمامة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم ‪ ...‬عبد الله بن عتيك‬
‫الخزرجي‬
‫‪ ... 8 ... 629‬مؤتة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬عبد الله بن رواحة‬
‫الخزرجي‬
‫‪ ... 8 ... 629‬مكة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬أسلم بعد الهجرة ‪ ...‬كرز بن جابر الفهري‬
‫على عهد معاوية ‪ ...‬المدينة ‪ ...‬مات على فراشه ‪ ...‬أسلم بعد غزوة أحد ‪...‬‬
‫عمرو بن أمية الضمري‬
‫‪ ... 23 ... 643‬المدينة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬عمر بن‬
‫الخطاب‬
‫‪ ... 13 ... 634‬المدينة ‪ ...‬مات على فراشه ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬أبو‬
‫بكر الصديق‬
‫‪ ... 12 ... 633‬عين التمر ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬بشير بن‬
‫سعد الخزرجي‬
‫‪ ... - ... - ... -‬مات على فراشه ‪ ...‬قديم السلم ‪ ...‬غالب بن عبد الله الليثي‬
‫‪ ... 7 ... 628‬ديار بني سليم ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬أسلم قبل فتح مكة ‪ ...‬ابن أبي‬
‫العوجاء السلمي‬
‫‪ ... 11 ... 632‬اليمامة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬شجاع بن وهب‬
‫السدي‬
‫‪ ... 8 ... 629‬ذات أطلح ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم ‪ ...‬كعب بن عمير‬
‫الغفاري‬
‫‪ ... 8 ... 629‬مؤتة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم ‪ ...‬جعفر بن أبي طالب‬
‫‪ ... 54 ... 673‬المدينة ‪ ...‬مات على فراشه ‪ ...‬قديم السلم ‪ ...‬أبو قتادة‬
‫بن ربعي النصاري‬
‫‪ ... 21 ... 641‬حمص ‪ ...‬مات على فراشه ‪ ...‬أسلم قبل فتح مكة ‪ ...‬خالد‬
‫بن الوليد‬
‫‪ ... 43 ... 664‬الفسطاط ‪ ...‬مات على فراشه ‪ ...‬أسلم قبل فتح مكة ‪...‬‬
‫عمرو بن العاص‬
‫‪ ... - ... - ... -‬مات على فراشه ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪ ...‬سعد بن زيد‬
‫الوسي‬
‫‪ ... 11 ... 632‬اليمامة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم ‪ ...‬الطفيل بن عمرو‬
‫الدوسي‬
‫على عهد عثمان ‪ ...‬المدينة ‪ ...‬مات على فراشه ‪ ...‬أسلم قبل فتح مكة ‪...‬‬
‫عيينة بن حصن الفزاري‬
‫على عهد عثمان ‪ ...‬المدينة ‪ ...‬مات على فراشه ‪ ...‬قديم السلم – بدري ‪...‬‬
‫قطبة بن عامر الخزرجي‬
‫‪ ... 11 ... 632‬بلد بني سليم ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬قديم السلم ‪ ...‬الضحاك بن‬
‫سفيان الكلبي‬
‫‪ ... 20 ... 640‬بلد الحبشة ‪ ...‬شهيد ‪ ...‬أسلم قبل فتح مكة ‪ ...‬علقمة بن‬
‫مجزر المدلجي‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪... ... ... ... ... ...‬‬


‫ً‬
‫*قادة السرايا سبعة وثلثون قائدا‪ ،‬ومع عبد الله بن جبير قائد الرماة في‬
‫غزوة أحد‪ ،‬أصبح مجموعهم ثمانية وثلثين قائدًا‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫مجلة المة‪ ،‬العدد ‪ ،37‬محرم ‪ 1404‬هـ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫دروب الجهاد‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ن‬ ‫سبي ُ‬ ‫َ‬ ‫ت َل ّ ّ‬
‫ما ْ‬ ‫ل الّنجا وال َ‬ ‫ن َ‬ ‫جهاد ِ ‪ ... ...‬وأي ْ َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ن ُدرو ُ‬ ‫ت ! أي ْ َ‬ ‫ف ّ‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫جنا ْ‬ ‫متي وِثبي لل ِ‬ ‫هنا َفان َْهضي ‪ ... ...‬ل ََها أ ّ‬ ‫جهادِ ُ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫د ُُرو ُ‬
‫ن‬
‫سا ْ‬ ‫ح َ‬ ‫حوٌر ِ‬ ‫جو ُ‬ ‫مو ُ‬ ‫حياة ُ ‪ ... ...‬وُنوٌر ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫خلود ِ ! هَُناك ال َ‬ ‫ُ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫جنا ُ‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫ضي ِغماَر الطعا ْ‬ ‫ّ‬ ‫خو ِ‬ ‫َ‬
‫شهيد ِ ! فَهُّبي ‪ ... ...‬إلْيها و ُ‬ ‫ها لل ّ‬ ‫مَنائ ُِر َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫و ُ‬
‫ل وُروٍح وأغلى أما ْ‬ ‫ما ٍ‬ ‫جوِدي ‪ ... ...‬ب َ َ‬ ‫ب ُ‬ ‫خوَر على الد ّْر ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫قي ال ّ‬ ‫ش ّ‬
‫ن‬‫ف َدوا ْ‬ ‫مْنها قطو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ج ‪ ... ...‬ودون َ ِ‬ ‫مو ُ‬ ‫ن تُ ُ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫ك َ‬ ‫َفدون َ ِ‬
‫* * ‪* * ... * ...‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ب الما ْ‬ ‫سبيل الّنجاةِ ود َْر ُ‬ ‫ة الحقّ هذي ‪َ ... ...‬‬ ‫م َ‬ ‫متي ! أ ّ‬ ‫فيا أ ّ‬
‫ن‬
‫ل الذي عّز فا ْ‬ ‫مّر ‪ ،‬وك ُ ّ‬ ‫ة ‪ ... ...‬ت ُ‬ ‫حظ ٌ‬ ‫ل ‪ ،‬لَ ْ‬ ‫ما ي َط ُ ْ‬ ‫مهْ َ‬ ‫مُر ‪َ ،‬‬ ‫هو العُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫وافتتا‬ ‫ض‬
‫َ ٌ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫فها‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫ُ ُ‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫زين‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫مهما‬ ‫‪،‬‬ ‫ك‬ ‫و َُْ ِ‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬
‫ن‬‫جَبا ْ‬ ‫شديد ٌ وإما َ‬ ‫ما َ‬ ‫ص ِفيها ‪ ... ...‬فإ ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ّ‬ ‫وَداُر اب ِْتلٍء ت ُ َ‬
‫ن‬
‫وا ْ‬ ‫ل الهَ َ‬ ‫ي وذ ُ ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫ما َ‬ ‫عّزةٍ ‪ ... ...‬وإ ِ ّ‬ ‫ي عََلى ِ‬ ‫ق ّ‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫وأ ِ ّ‬
‫* * ‪* * ... * ...‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫جا ْ‬ ‫صول َ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫صب َ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫رمون ‪ ... ...‬وفي يدِهِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫م ْ‬ ‫ستك ْب ََر ال َ‬ ‫متي ا ْ‬ ‫ويا أ ّ‬
‫ن‬
‫خا ْ‬ ‫ى أ َوْ د ُ َ‬ ‫ن من لظ ً‬
‫َ‬
‫ن ‪ ... ...‬عَلى فِت َ ٍ‬
‫َ‬
‫شرقي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫جاوََز ظ ُل ْ ُ‬ ‫و َ‬
‫ن‬ ‫ما ْ‬ ‫حد ّ الي َ َ‬ ‫يو َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ي ‪ ... ...‬وعَْزم ِ الت ّ ِ‬ ‫م غَي ُْر عَْزم ِ الب ّ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ن‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫كيا ْ‬ ‫شديد َ ال ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫ت ‪ ... ...‬إلى الله َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ةأ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مأ ّ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫تَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫علي الذا ْ‬ ‫ولةٍ ‪ ... ...‬وأعِْلي الّنداَء وأ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫على َ‬ ‫م َ‬ ‫فُهُّبي إ ِلي ْهِ ْ‬
‫* * ‪* * ... * ...‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جَبا ْ‬ ‫م أو َ‬ ‫جرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ضي َّعها ُ‬ ‫ماني ‪ ... ...‬و َ‬ ‫ت عَلْيها ال َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫طي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫فل ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫وا ْ‬ ‫هوىً أو هَ َ‬ ‫مهِ ‪ ... ...‬على خدرٍ من َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ب بأوْ َ‬ ‫ولهٍ َيغي ُ‬
‫ن‬ ‫ستكا‬ ‫فا‬ ‫ر‬ ‫خط‬ ‫على‬ ‫فاق‬ ‫َ‬ ‫وغاف يتيه بأحلمه ‪ ... ...‬أ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ْ ُ ْ‬
‫ن‬ ‫قدا‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ال‬ ‫نورها‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫شر‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫تها‬ ‫ستنز ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ل سا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫وجا‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫هب‬ ‫ن‬ ‫ون‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫لقي‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫هو‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫تُ َ ِ‬
‫ز‬ ‫زل‬
‫ْ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ِ ِ َْ ْ َْ‬ ‫َِْ ََ ِ ُ‬
‫ن‬
‫قيا ْ‬ ‫عبيدِ ال ِ‬ ‫سكارى ‪ ... ...‬عَّبيدِ الن ُّهود ِ َ‬ ‫جرمين ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ف بال ُ‬ ‫وت َْعص ُ‬
‫* * ‪* * ... * ...‬‬
‫ن‬
‫عوا ْ‬ ‫ب َ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ح ُ‬ ‫مل ِ‬ ‫ت فيها ‪ ... ...‬وت َعْلو َ‬‫ُ‬ ‫مو ُ‬ ‫و " كشميُر " يلتطم ال َ‬
‫ن‬‫ي الِعنا ْ‬ ‫س أب ّ‬ ‫مرا ِ‬ ‫قريّ ‪ ... ...‬شديد ُ ال ِ‬ ‫س الَعب َ‬ ‫وي َعُْلو ِبها الفار ُ‬
‫ن‬
‫جَنا ْ‬ ‫ي ال ِ‬ ‫دماُء غن ّ‬ ‫حَها ‪ ... ...‬وت َْرِوي ال ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سائ ِ ُ‬ ‫ب الن ّ َ‬ ‫ت َهُ ّ‬
‫ن‬‫ي ومن آي َةٍ أو ب ََيا ْ‬ ‫غن ّ‬ ‫ق طاهِرٍ ‪َ ... ...‬‬ ‫ن عَب َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫شْر ِ‬ ‫وتن ُ‬
‫ن‬‫صد ْقَ المعا ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫س في الْر ِ‬ ‫مضي الجَهاد ُ بآيات ِهِ ‪ ... ...‬ل ِي َْغر َ‬ ‫وي َ ْ‬
‫* * ‪* * ... * ...‬‬
‫ن‬
‫فوا ٍ ْ‬ ‫ك في وَقد َةِ العُن ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عز ُ‬ ‫ت الطريقَ ‪ ... ...‬و َ‬ ‫سنا " عََرف ِ‬ ‫ك " بُ ْ‬ ‫حَنان َي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ك وَوان‬ ‫شا ٍ‬ ‫حشد ُ الُغفاةِ ‪ ... ...‬وذل الّنيام ِ و َ‬ ‫ّ‬ ‫ك َ‬ ‫حول ِ‬ ‫َ‬ ‫تو َ‬ ‫ن ََهض ِ‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬‫هنا َ د َْرُبنا ِللجَنا ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ك ‪َ ... ...‬تقو ُ‬ ‫ن ُرَبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ق ٌ‬ ‫مال ِ َ‬ ‫ت عَ َ‬ ‫فَهَب ّ ْ‬


‫ن‬
‫مَغا ْ‬ ‫ذوي َ‬ ‫خ وت َ ْ‬ ‫شي ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ساء ‪ ... ...‬وي ُذ ْب َ ُ‬ ‫سَبى الن ّ َ‬ ‫ض ‪ ،‬تُ ْ‬ ‫ك العِْر ُ‬ ‫أي ُن ْت َهَ ُ‬
‫ن‬ ‫صا ْ‬ ‫ك عَهْد ٌ ي ُ َ‬ ‫ف ب َِرب ّ َ‬ ‫هيا ً ‪ ... ...‬فَك َي ْ َ‬ ‫مل ِ‬ ‫سل ِ ٌ‬ ‫م ّ‬ ‫وي َْبقى إذا ً ُ‬
‫* * ‪* * ... * ...‬‬
‫َ‬ ‫أ َط ِّلي " سرايي ُ‬
‫ن‬
‫ث الزما ْ‬ ‫سوفا " حدي َ‬ ‫ف " ُنورا ً َيموج ‪ ... ...‬أط ِّلي " ك ُ ُ‬
‫ن‬
‫سنا ْ‬‫دى وال ّ‬ ‫جُلو ‪ ... ...‬على الساح حقّ الهُ َ‬ ‫ميُر " نوٌر تد َّفق ي َ ْ‬ ‫كش ِ‬ ‫وَ " َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َدويّ الذا ْ‬ ‫ون ؟ ‍ أي ْ َ‬ ‫ن الـ ‪ ... ...‬مصل َ‬ ‫حي ‪ ،‬المساجد ُ أي ْ َ‬ ‫م ‪ ،‬وي ِ‬ ‫أت ُهْد َ ُ‬
‫ن‬ ‫خ ُ‬ ‫عظ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫جَنا ْ‬ ‫شوعُ ال َ‬ ‫ةو ُ‬ ‫م ‪َ ... ...‬وموْ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ن الّتلوة ُ ؟ ‍! أي ْ َ‬ ‫وأي ْ َ‬
‫ن‬ ‫ب المكا ْ‬ ‫ح َ‬ ‫مل ُ َر ْ‬ ‫ؤهم في الفضاِء ‪ ... ...‬فَت َْهوي وت َ ْ‬ ‫شل ُ‬ ‫تناث ََر أ ْ‬
‫ن‬
‫حنا ْ‬ ‫من َْها الَهوى وال َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن الليالي ‪ ... ...‬ل َ‬ ‫سكو ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫حُنو عَلي ْهِ ْ‬ ‫وي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ؤها ‪ ،‬و اليدا ْ‬ ‫شل ُ‬ ‫ل ! وأ ْ‬ ‫جبا ٌ‬ ‫مَها ‪ِ ... ...‬‬ ‫م أكوا ُ‬ ‫ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫جما ِ‬ ‫وت ِل ْك ال َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ب حا ْ‬ ‫ب ول َهَ ّ‬ ‫صِغ قَل ْ ٌ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن!ل ْ‬ ‫ست َِغيثا ‪َ ... ...‬‬ ‫مد َّتا ت َ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫كأن ّهُ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫عينان أ ْ‬
‫ل ل َِبعيدٍ وَدا ْ‬ ‫ج ٍ‬ ‫خ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ى ‪ ... ...‬و ِ‬ ‫ن أس ً‬ ‫م ْ‬ ‫ضتا ِ‬ ‫غم َ‬ ‫و َ‬
‫ن‬
‫ل اللسا ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن وطو ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صرِ الي َد َي ْ ِ‬ ‫قريب ‪ ... ...‬وق ْ‬ ‫جرِ ال َ‬ ‫وظلم ِ الَبعيدِ وهَ ْ‬
‫* * ‪* * ... * ...‬‬
‫ن‬
‫دها ْ‬ ‫ة كال ّ‬ ‫دم قاِني ً‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ‪ِ ... ...‬‬ ‫َ‬
‫حال ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫سِلمي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذي ُرَبى ال ُ‬ ‫فهَ ِ‬
‫ن‬‫ْ‬ ‫اليدا‬ ‫فى‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫ُ ُ ْ‬ ‫ت‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬‫الجريم‬ ‫خفى‬ ‫ُ ْ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫رمو‬ ‫ج‬ ‫م‬
‫ٍ ّ َ ُ ْ ِ‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫طفل‬ ‫م‬ ‫فَك َ ْ‬
‫ن؟!‬ ‫دا ْ‬ ‫ف يُ َ‬ ‫ي فكي َ‬ ‫خف ّ‬ ‫حمى ‪ ... ...‬وهذا َ‬ ‫حى ! فَي ُ ْ‬ ‫جاهُِر ! وَي ْ ِ‬ ‫فهذا ي ُ َ‬
‫ن‬ ‫حنا ْ‬ ‫من َْها َبقاَيا ال َ‬ ‫ب ِ‬ ‫سك ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ت ‪ ... ...‬ل ِت َ ْ‬ ‫مال ْ‬ ‫مةِ َ‬ ‫ذي َبقايا المو َ‬ ‫وَهَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ل با ْ‬ ‫تك ّ‬ ‫ن ط َوَ ْ‬ ‫ن اْلـ ‪ ... ...‬ـَعمائ ُِر ؟ ! أي ْ َ‬ ‫دارٍ ! فأي ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫قايا ِ‬ ‫ذي ب َ َ‬ ‫وَهَ ِ‬
‫جعُ ذِك َْرى و َ‬ ‫َ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ن‬‫شا ْ‬ ‫قايا ت َُر ّ‬ ‫ت ‪ ... ...‬ب َ َ‬ ‫ل شيٍء َرأي ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ! فَ ِ‬ ‫عجب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫سنا ْ‬ ‫قنا وال ّ‬ ‫قايا ال َ‬ ‫ن بَ َ‬ ‫ت ‪ ... ...‬وأي ْ َ‬ ‫وار ْ‬ ‫قايا الّرجال ؟ ! ت َ َ‬ ‫ن بَ َ‬ ‫فَأي ْ َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫مةٍ كالبناِء ‪ ... ...‬ي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫عراها الُهدى والطعا ْ‬ ‫شد ّ ُ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ست َطلعُ َ‬ ‫َ‬
‫* * ‪* * ... * ...‬‬
‫الرياض‬
‫الخميس ‪ 3‬رجب ‪1414‬هـ‬
‫‪16/12/1993‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· ديوان عبر وعبرات ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دروس ‪ 11‬سبتمبر بأقلم محللين عالميين‬


‫)الشبكة السلمية(‬
‫يساهم في هذا الكتاب أربعة عشر باحًثا ‪ ،‬وتوزعت أبحاثه بين قسمين‬
‫رئيسيين ‪ :‬يخص الول منهما " المنظومة الدولية أمام المتحان " ‪ ،‬ويحمل‬
‫الثاني عنوان " منظورات إعادة التشكيلت القليمية "‪.‬‬
‫ل شك بأن العالم كله عامة ‪ ،‬والوليات المتحدة المريكية خاصة ‪ ،‬عاشوا‬
‫لحظة استثنائية يوم الحادي عشر من شهر سبتمبر الماضي ‪ .‬وتتفق جميع‬
‫التحليلت تقريًبا على القول بأن العلقات الدولية بعد هذا التاريخ ل بد وأن‬
‫تتأثر ‪ ،‬إلى هذه الدرجة أو تلك ‪ ،‬بما ستتركه هذه العتداءات في الذاكرة‬
‫الجماعية للمريكيين وقياداتهم ‪ ،‬ذلك أن الطريقة التي عاشت فيها أمريكا‬
‫هذه " الحداث ‪ /‬المأساة " بأبعادها الرمزية والعاطفية ‪ ،‬وأيضا السياسية ‪ ،‬ل‬
‫سابق لها ‪ ،‬وبالتالي سيكون لها وزنها في تحديد توجهات المستقبل ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن الراء المطروحة في هذا الكتاب تتراوح بين التأكيد على عمق تأثير‬
‫العتداءات على مسار العلقات الدولية كله ‪ ،‬وبين التركيز على القول بأن‬
‫الرهاب قد بلغ " مستوى أعلى " من الرهاب عبر وصوله إلى القوة العظم‬
‫على صعيد الفعل والفاعلية ‪ .‬ولكن‪ ،‬وفيما هو أبعد من هذا الرأي أو ذاك ‪ ،‬ل‬
‫شك بأن أسئلة جوهرية تنطرح أمام واشنطن بعد أن " اكتشفت مدى‬
‫هشاشة دفاعاتها ضد الرهاب ‪ ..‬وهي أسئلة تخص قدرتها على إيجاد الردود‬
‫المناسبة على التحديات المطروحة عليها‪.‬‬
‫" دروس ‪ 11‬سبتمبر " كتاب يدرس المساهمون فيه الرهانات التي يمكن أن‬
‫تترتب على العتداءات الرهابية التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن على‬
‫المدى القصير ‪ ،‬كما على المدى الطويل ‪ ..‬ويحاولون الجابة على بعض‬
‫التساؤلت المطروحة على الجميع مثل " ما هي ردود الفعل المحتملة‬
‫بالنسبة للقوى الدولية المختلفة الخرى ؟ " و" ماذا ستكون آثار اعتداءات‬
‫‪ 11‬سبتمبر على صعيد الشكاليات القليمية ‪ ،‬خاصة في بعض المناطق‬
‫الحساسة ‪ ،‬مثل الشرق الوسط وآسيا وروسيا ؟ وأسئلة أخرى حول وسائل‬
‫النضال الجديدة ضد الرهاب ‪ ،‬وحول السياسة الخارجية المريكية والرهانات‬
‫القتصادية ومستقبل القانون الدولي والشكال الجديدة للنزاعات المحتملة ؟‬
‫وماذا أيضا عن النظام الدولي الجديد والتوازنات ) أو أشكال اختلل التوازن (‬
‫الراهنة ؟‬
‫الملحظة الولى التي يتفق عليها المساهمون في هذا الكتاب تتمثل في‬
‫التأكيد على " الشحنة النفعالية " الكبيرة التي أثارتها اعتداءات ‪ 11‬سبتمبر‬
‫لنها استهدفت " القوة المريكية العظمى في الصميم " ولن العالم كله‬
‫عاش مسلسلها لحظة بلحظة على شاشات التلفزة ‪ .‬وإذا كان " باسكال‬
‫بونيفاس " يؤكد على " استثنائية " هذه اللحظة وأنها ذات أهمية كبيرة على‬
‫صعيد العلقات الدولية ‪ ،‬فإنه يقف في صف أولئك الذين يعتبرون أنه " من‬
‫التسرع الكبير أن يتم النظر لها على أنها مؤشر لقيام حرب عالمية ثالثة ‪ ،‬أو‬
‫حتى لبداية حقبة جديدة في العلقات الدولية " ‪.‬‬
‫أما الدروس الساسية التي يرى بها " باسكال بونيفاس " أهم ما ينبغي‬
‫التركيز عليه و" قراءة " الواقع على أساسه في فترة ما بعد ‪ 11‬سبتمبر‬
‫‪ ، 2001‬فيتمثل أولها في التأكيد على أن ما جرى في نيويورك وواشنطن " ل‬
‫يشكل قطيعة تاريخية " مثل تلك التي أحدثها مثل ً سقوط جدار برلين عام‬
‫‪ 1989‬والذي كان قد أدى بالفعل إلى قيام عالم مختلف إلى حد كبير ‪ ،‬بل‬
‫دا في السابق ‪ .‬ذلك أنه أنهى حقبة الستقطاب الثنائي‬ ‫جذرًيا ‪ ،‬عما كان سائ ً‬
‫الدولي الذي كان يشكل حجر الساس في العلقات الدولية طيلة أكثر من‬
‫سبعة عقود من الزمن ‪.‬‬
‫بالمقابل ل شك أن الكشف عن " نقطة ضعف القوة المريكية العظمى "‬
‫دا وأساسًيا‪ .‬مع ذلك لم تتأرجح موازين القوى العالمية بين‬ ‫يشكل عامل ً جدي ً‬
‫دا ‪ ،‬ولم يتغير كثيًرا وزن الصين أو أوروبا أو‬
‫القوى الكبرى إل بمقدار ضئيل ج ً‬
‫روسيا أو اليابان على " رقعة الشطرنج " الدولية ‪ ..‬وبالتالي ل تزال الوليات‬
‫المتحدة هي القوة المهيمنة عالمًيا ‪ .‬كما أن المشاكل الساسية المطروحة‬
‫على السياسة الدولية مثل مسيرة السلم في الشرق الوسط ‪ ،‬أو النضال‬
‫ضد عدم المساواة القتصادية أو حماية البيئة أو الحروب الهلية في‬
‫أفريقيا ‪ ، ...‬لم تزل قائمة " بانتظار الحلول " ‪ .‬وبالتالي قد يبدو من "‬
‫المبالغة " اعتبار تاريخ ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬بمثابة تاريخ ‪ /‬منعطف نحو حقبة‬
‫ما عما سبقها‪.‬‬ ‫مختلفة تما ً‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والدرس الثاني هو أن اعتداءات ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬ل تعني ولوج العالم‬


‫السبيل المؤدية إلى حرب عالمية ثالثة ‪ ،‬أو إلى حرب بين الحضارات ‪ ،‬مما‬
‫يتناقض مع أطروحات المفكر السياسي المريكي صموئيل هنتنجتون في‬
‫كتابه " تصادم الحضارات " المنشور عام ‪ .1993‬وهذا ما يمكن الستدلل‬
‫عليه من خلل موقف القادة الغربيين ‪ ،‬وقادة العالم العربي السلمي‬
‫الرافض لمثل هذه المقولة الخاصة بـ " صراع الحضارات " ‪ ،‬ذلك باستثناء‬
‫بعض المتطرفين من الجانبين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ودرس ثالث هو أن الوليات المتحدة المريكية ليست مستعصية على أن‬


‫يطاولها أحد ‪ .‬صحيح أن هذه هي المرة الولى ‪ -‬منذ عام ‪ 1812‬من تاريخ‬
‫تدخل المملكة المتحدة ) بريطانيا ( في واشنطن ‪ -‬التي يتم فيها ضرب‬
‫الوليات المتحدة ‪ ،‬وعلى أراضيها من قبل عدو خارجي ‪ .‬وقد كانت خسائرها‬
‫في يوم واحد ثلثة أضعاف ما عرفته أثناء هجوم اليابانيين أثناء الحرب‬
‫العالمية الثانية على قاعدة " بيرل هاربور " في المحيط الهادئ وثمن )‪(1/8‬‬
‫إجمالي الخسائر المريكية في الرواح طيلة الحرب الفيتنامية ‪.‬‬
‫إن الوليات المتحدة قد أدركت بأنها ‪ ،‬رغم أن إنفاقها على الميزانية‬
‫العسكرية يساوي ‪ %40‬من إجمالي النفاق العالمي في هذا الميدان ‪،‬‬
‫ليست بمنأى عن التعرض لـ " الصابة "‪ .‬كما ينبغي تذكر أنه منذ أن امتلك‬
‫قا( الصواريخ العابرة للقارات عام ‪ 1957‬كانت أمريكا‬ ‫السوفييت )ساب ً‬
‫معرضة للضرب وحيث ساد آنذاك " سلم الرعب ‪ :‬في ظل التدمير المتبادل‬
‫المؤكد " ‪.‬‬
‫ودرس رابع يكمن في القول بأن اكتشاف الوليات المتحدة المريكية لنقاط‬
‫ضعفها وإمكانيات تعرضها للصابة سوف يكون له آثار كبيرة على سياساتها ‪،‬‬
‫فإذا كان للعولمة نتائج " استراتيجية " مهمة ‪ ،‬فإن لها أيضا نتائج " مأساوية "‬
‫‪ ،‬بما في ذلك عليها هي أيضا ‪ .‬حيال هذا الواقع ‪ ،‬تتباين التحليلت بين‬
‫موقفين ‪ :‬فإما أن " تستنتج " الوليات المتحدة بأن العالم أكثر خطورة مما‬
‫كان المريكيون يعتقدون من قبل ‪ ،‬وبالتالي سوف يبحثون عن قدر أكبر من‬
‫الحماية عن تطوير " منظومة الدفاع الستراتيجي" وتعزيز النزعة العسكرية‪.‬‬
‫الحتمال الخر هو‪ ،‬على العكس ‪ ،‬يدرك المريكيون هشاشتهم مما يدفعهم‬
‫إلى أن يأخذوا باعتبارهم " ما ينتظره الخرون منهم " ويستجيبوا لتطلعاتهم ‪.‬‬
‫دا يعاني من نقاط ضعف يمكنه أن يغدو أكثر تعقل من قوة تعتقد‬ ‫ذلك " أن بل ً‬
‫بأن عليها أل تخشى شيًئا "‪ .‬هذا يعني أن ما حدث في ‪ 11‬سبتمبر ‪2001‬‬
‫يمكن أن يكون دافًعا لجعل السياسة المريكية أكثر حساسية ‪.‬‬
‫ويرى باسكال بونيفاس أن الوليات المتحدة المريكية قد تصرفت بقدر كبير‬
‫من الذكاء السياسي " حتى الن على القل " وأخذت باعتبارها " التعقيد‬
‫الستراتيجي " الكبير للسياق الدولي ‪ ،‬وأدركت بأنها ل تستطيع ‪ ،‬اعتماًدا على‬
‫قوتها فقط ‪ ،‬فرض حلولها على بقية العالم ‪ .‬باختصار وضعت جانًبا طريقتها‬
‫السابقة في التصرف ‪ ،‬والمتمثلة في سلوكية " الفيل داخل مخزن من‬
‫الفخار"‪ .‬إن ترجمة مثل هذا التوجه قد يسمح بالقول ‪ :‬إن العالم قد دخل‬
‫دا " ‪ .‬وهنا يتساءل باسكال بونيفاس ‪" :‬وإذا كان نزاع الشرق‬ ‫فعل ً "عصًرا جدي ً‬
‫الوسط هو باستمرار المصدر الكبر لحساس العرب بالكبت والظلم ‪ ،‬ألم‬
‫يحن إذن وقت ممارسة بعض الضغط على إسرائيل ؟ " ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ودرس خامس هو أنه ل يمكن الوصول إلى سلم وأمن عالميين في ظل‬
‫منظومة العولمة السائدة ‪ ،‬والتي تتسم بازدياد الهوة بين الكثر غنى والكثر‬
‫فقًرا في عالم اليوم ‪ .‬كما أن الزدهار مستحيل في محيط من البؤس‬
‫والعنف ‪ .‬هكذا يمكن لما يجري في أفغانستان أن يحظى بردود فعل داخل‬
‫المجتمع المريكي ذاته ‪ ،‬فالمواجهة غير متكافئة بين " الكثر غنى وقوة "‬
‫والكثر " بؤسا وهشاشة " ‪ .‬ذلك " أن جدار المال والتكنولوجيات يسمح‬
‫دا بين المعسكرين‬‫باجتيازه أكثر من الستار الحديدي ـ الذي كان سائ ً‬
‫الرأسمالي والشتراكي أثناء فترة الحرب الباردة " ‪.‬‬
‫ودرس سادس يكمن في اكتشاف أن " القوة يمكن أن تصبح عامل ضعف‬
‫إذا تم تصورها بنوع من المبالغة في القوة " ‪ .‬إن القوة تولد الحقوق كما‬
‫ضا ‪ ،‬والعالم الخارجي يغدو أكثر تطلًبا من قوة كبرى مما هو‬‫تولد الواجبات أي ً‬
‫من قوة أقل قدرة ‪ ..‬وإذا كانت أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬قد استهدفت‬
‫الوليات المتحدة وليس أوروبا فإن هذا يعود إلى أن الحقد الموجه حيال‬
‫أمريكا هو أكبر مما هو حيال القارة القديمة ‪ .‬والكثر عداء للنظام الدولي‬
‫الجديد يوجهون سخطهم للوليات المتحدة وليس لوروبا التي تبدو أقل قوة‬
‫وأكثر حساسية حيال تطلعات المم الخرى ‪ .‬هذا ل يعني أن أوروبا " محصنة‬
‫" ضد الرهاب ‪ ،‬وإنما عمليات ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬كانت " من حيث اتساعها‬
‫والرسالة المقصودة منها تستهدف بشكل مدروس الوليات المتحدة " ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ودرس سابع هو أن الجميع " ل يتصرفون بنفس الطريقة في القرية الكونية‬


‫" ‪ .‬وإذا كان النفعال " الدانة عما كان في العالم المتقدم حيال اعتداءات‬
‫‪ 11‬سبتمبر ‪ ،2001‬فإن بعض الصوات قد ارتفعت لتشير بأن مآسي أخرى‬
‫في العالم أدت إلى خسائر بشرية أكبر بمئات المرات ‪ ،‬لكنها لم تثر نفس‬
‫القدر من الستهجان والهتمام الدوليين ‪ .‬وشأن رواندة بليغ في هذا الصدد ‪،‬‬
‫إذ إن حوالي مليون شخص لقوا مصرعهم خلل حوالي شهرين من الزمن‬
‫خلل ربيع عام ‪ ..1994‬وكان الرئيس المريكي السابق بيل كلينتون نفسه قد‬
‫وصف المجازر الرواندية بأنها " أزمة إنسانية " ‪ .‬والصفة نفسها تم إطلقها‬
‫على المذابح في يوغسلفيا السابقة ‪ .‬بالتأكيد لم يكن هناك من خطر له أن‬
‫يصف ما أصاب " برجي مركز التجارة الخارجية " في نيويورك بأنه " أزمة‬
‫ما وتضامًنا دوليين لم تحلم رواندة بأجزاء‬‫إنسانية " ‪ .‬وبالطبع لقت أمريكا دع ً‬
‫يسيرة من مثلهما ‪.‬‬
‫التفسير الذي يتم تقديمه على مثل هذا " التمايز " يكمن في القول بأن‬
‫مواطني البلدان المتقدمة " تماهوا " بشكل سريع وكامل مع المريكيين ‪.‬‬
‫ويتم ضمن هذا الطار القول ببعض التباين في التعاطف مع المأساة‬
‫المريكية بين سكان ضواحي المدن وبين أبناء وسطها الكثر غنى وثروة‬
‫بشكل عام ‪ .‬والنخب هي التي أبدت استعداًدا للقول ‪ " :‬كلنا أمريكيون " مما‬
‫كان لدى عامة الناس ‪ .‬وضمن المقاييس نفسها كانت حساسية بلدان‬
‫الجنوب ‪ ،‬حيث يعاني السكان من مشاكل كبيرة لم تحرك ساكًنا لدى‬
‫الشمال الغني ‪ ،‬أقل هيجاًنا من بلدان العالم المتقدم ‪.‬‬
‫وإذا كان العراق هو البلد العربي والسلمي الوحيد الذي لم يعلن إدانته‬
‫لعتداءات ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬فإن " سكان البلدان السلمية لم يكونوا‬
‫مفرطي الحساسية حيال المأساة المريكية " ‪ .‬لكن يتم التأكيد هنا على "‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضرورة فهم بواعث مثل هذه المواقف " ‪ .‬وعلى أسئلة مثل ‪ " :‬كيف يمكن‬
‫تفسير إحساس العرب بالغبن ؟ " ‪ ،‬ولماذا توجه أغلبية السكان التهامات‬
‫للعالم الغربي ‪ ،‬وخاصة للوليات المتحدة المريكية بالنفاق وتبني سياسة‬
‫ما على مستوى الصورة التي نمتلكها عن‬ ‫المعيارين ؟ و" هل نحن دائ ً‬
‫أنفسنا ؟ " و" هل اتهامات الغطرسة الموجهة لنا هي دائما دون أساس ؟ " ‪،‬‬
‫على هذه السئلة كلها يرد " باسكال بونيفاس " بالقول ‪ :‬إن " النفعال‬
‫والتضامن ينبغي أل يمنعا التفكير والتأمل " ‪ .‬المطلوب هو فهم الحداث ‪.‬‬
‫دا " الصفح " أو " القبول بأية أسباب مخففة لما قام به‬ ‫و"فهم" ل يعني أب ً‬
‫المجرمون " الذين ينبغي أن ينالوا العقاب الذي يستحقونه ‪ .‬إن " الفهم "‬
‫يعني " إدراك آليات العمل " ‪ ،‬و" النفعال " مهما كانت درجة مشروعيته ‪ ،‬ل‬
‫ينبغي أن يكون الرد الوحيد على العتداءات " ‪ .‬ثم إن " الرهاب ليس عفويا‬
‫دا " وإنما هو " الثمرة المرة " لظواهر ومسارات سياسية ‪ " .‬والمرء ل‬ ‫أب ً‬
‫ُيخلق ارهابًيا‪ ،‬كما يريد البعض أن يدفعوا الخرين على العتقاد ‪ .‬إنه " يصبح‬
‫ضا القول ‪ :‬إنه ل علقة للنزاع العربي ـ‬ ‫إرهابًيا " ثم " إنه من الخطأ أي ً‬
‫السرائيلي بالعتداءات ‪ ،‬أو إن تسوية هذا النزاع ستؤدي إلى نهاية الرهاب ‪.‬‬
‫إن وضع الفلسطينيين هو أحد السباب ـ ليس السبب الوحيد ـ الذي يغذي‬
‫الرهاب " ‪ ،‬على حد تعبير باسكال يونيفاس ‪ ،‬ويؤكد مثل المساهمين الخرين‬
‫في الكتاب على أن المطلوب هو " عمل سياسي على المدى الطويل " ‪.‬‬
‫ودرس آخر لحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪ ،2001‬هو أن ما جرى وما ترتب عليه ينبغي‬
‫أن يؤدي إلى إعطاء السياسة المكانة التي تستحقها من جديد ‪ .‬وذلك من‬
‫خلل النظر إليها في إطار خطة عامة ‪ ،‬وليس تبًعا لهداف خاصة ل رابطة‬
‫ما " ‪ ،‬أو ربما إنه " قد ل يبقى‬
‫بينها ‪ .‬ثم إن " عدو عدوي ليس صديقي دائ ً‬
‫صديقي لمدة طويلة " ‪ .‬ألم تلعب أمريكا ورقة " طالبان " من أجل تأمين‬
‫مرور نفط آسيا الوسطى إلى باكستان ؟! وكانت قبل ذلك قد لعبت ورقة‬
‫المجاهدين الفغان ضد التحاد السوفييتي السابق ‪.‬‬
‫ودرس آخر هو أن أوروبا قد أظهرت تضامنها بالمعنى المزدوج للكلمة ‪.‬‬
‫ضا ضمن إطار بلدان التحاد‬ ‫تضامن مع الوليات المتحدة أول ً ‪ ،‬وتضامن أي ً‬
‫الوروبي الخمس عشرة ‪ ،‬إذ أظهر القادة الوروبيون التحليل نفسه‬
‫واستنبطوا النتائج نفسها حيال عمليات ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬الرهابية ‪ ،‬هذا‬
‫باستثناء " محزن وسخيف " واحد تمثل في موقف سيلفيو بيرلسكوني رئيس‬
‫وزراء إيطاليا ‪ ،‬عندما تحدث عن " تفوق الحضارة الغربية " بالمقارنة مع "‬
‫الحضارة السلمية "‪.‬‬
‫يشار إلى أن باسكال بونيفاس هو المشرف على إنجاز هذا العمل ‪ ،‬وهو‬
‫مدير المعهد الفرنسي للعلقات الدولية والستراتيجية‪ .‬سبق له أن نشر‬
‫العديد من الكتب في ميدان العلقات الدولية والستراتيجيات ‪ ،‬من بينها‬
‫كتاب " جيوستراتيجية كرة القدم " الذي قدمه " بيان الكتب " في أحد‬
‫أعداده السابقة ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫كما أشرف مؤخًرا على إصدار عدد من الكتب الجماعية ضمن إطار سلسلة‬
‫" الرهانات الستراتيجية " التي يتولى إدارتها ‪ ،‬ومن هذه الكتب " الخلق‬
‫والعلقات الدولية " ‪ ،‬و" المعرفة والعلقات الدولية " و" أوروبا والرياضة " ‪.‬‬
‫بيان الكتب ‪7/1/02‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫دروس الهجرة النبوية‬


‫المفتي‬
‫د ‪ .‬حامد بن عبد الله العلي‬
‫رقم الفتوى‬
‫‪14162‬‬
‫تاريخ الفتوى‬
‫‪ 7/1/1427‬هـ ‪05-02-2006 --‬‬
‫تصنيف الفتوى‬
‫السؤال‬
‫ما أهم الدروس المستفادة من الهجرة النبوية على صاحبها الصلة والسلم ؟‬
‫‪.‬‬
‫الجابة‬
‫روى البخاري حديث الهجرة الطويل من حديث عائشة رضي الله عنها ‪:‬‬
‫وفيه تجّهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر وهل ترجو ذلك بأبي أنت‬
‫قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه‬
‫وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر ‪.‬‬
‫قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي‬
‫بكر في نحر الظهيرة قال قائل لبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فداء له أبي وأمي‬
‫والله ما جاء به في هذه الساعة إل أمر قالت فجاء رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبي‬
‫بكر أخرج من عندك ‪.‬‬
‫فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال فإني قد أذن لي في‬
‫الخروج فقال أبو بكر الصحابة بأبي أنت يا رسول الله قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم نعم قال أبو بكر فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي‬
‫هاتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثمن ‪.‬‬
‫قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت‬
‫أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك‬
‫سميت ذات النطاقين قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو‬
‫بكر بغار في جبل ثور فكمنا فيه ثلث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر‬
‫وهو غلم شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة‬
‫كبائت فل يسمع أمرا يكتادان به إل وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط‬
‫الظلم ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها‬
‫عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما‬
‫ورضيفهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس ‪.‬‬
‫يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلث واستأجر رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وأبو بكر رجل من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هاديا‬
‫خريتا والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل‬
‫السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار‬
‫ثور بعد ثلث ليال براحلتيهما صبح ثلث وانطلق معهما عامر بن فهيرة‬
‫والدليل فأخذ بهم طريق السواحل ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما الدروس والعبر من الهجرة النبوية فهي كثيرة ومنها ‪:‬‬


‫‪1‬ـ درس في الصبر والصرار على الحق ‪.‬‬
‫‪2‬ـ درس في البذل والتضحية ‪.‬‬
‫‪3‬ـ درس في تقديم محبة الله ومراده على محبة المال والوطن والعشيرة ‪.‬‬
‫دم على ك ّ‬
‫ل‬ ‫‪4‬ـ درس في أن الولء لله تعالى والنتصار لدينه يجب أن ُيق ّ‬
‫ل ولء يزاحم الولء لله والنتصار لدينه ‪ ،‬هو نقض لليمان ‪.‬‬ ‫ولء ‪ ،‬بل ك ّ‬
‫ن التوحيد هو الوشيجة التي يجب أن يترابط بها المجتمع‬ ‫‪5‬ـ درس في أ ّ‬
‫ل الوشائج الخرى ‪ ،‬فالصحابة جمعت بينهم‬ ‫المسلم لغيره ‪ ،‬وُتقدم على ك ّ‬
‫ل شيء آخر ‪.‬‬ ‫رابطة التوحيد ففارقوا به ‪ ،‬ولها ‪ ،‬ك ّ‬
‫‪6‬ـ درس في التوكل على الله تعالى وحده ) لتحزن إن الله معنا (‪.‬‬
‫‪7‬ـ درس في أن الخذ بالسباب ‪ ،‬ل يعارض التوكل ‪ ،‬بل هو أمر مأمور به‬
‫شرعا ‪ ،‬وذلك بّين في تخطيط النبي صلى الله عليه وسلم للختباء في غار‬
‫ثور إلى آخر ما فعل من التدابير لتنجح خطة الهجرة ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ درس في أن التخطيط مطلوب ‪ ،‬ويدخل في هذا توزيع المهام ‪ ،‬ولهذا‬
‫وّزع النبي صلى الله عليه وسلم مهام ‪ ،‬مشروع الهجرة فجعل التموين‬
‫لسماء رضي الله عنه ‪ ،‬وفيه مشروعّية أن يكون للمرأة دور أيضا ‪،‬‬
‫وللستخبارات ‪ :‬عبد الله ‪ ،‬وللتغطية وتعمية العدو ‪ :‬عامر بن فهيرة ‪ ،‬ودليل‬
‫الطريق هو ‪ :‬عبد الله بن أريقط‪.‬‬
‫ة في موضعها من حسن التدبير ‪ ،‬في أمره صلى الله‬ ‫‪9‬ـ درس في أن السري ّ‬
‫عليه وسلم الصديق بكتم السر‪.‬‬
‫‪10‬ـ درس في حسن اختيار الصحبة في المهام الكبيرة وذلك ظاهر في‬
‫اختيار الصديق رضي الله عنه ‪.‬‬
‫‪11‬ـ درس في عظم فضل الصحابة لنهم فارقوا الولد ‪،‬والموال‪،‬‬
‫والعشيرة ‪ ،‬والوطان ‪ ،‬لله تعالى ‪.‬‬
‫‪12‬ـ درس في أن الدعوة تستلزم أحيانا تغيير البيئة لستكمال مسيرتها نحو‬
‫أهدافها العليا ‪.‬‬
‫‪13‬ـ درس في أن مكر أعداء الدين مهما عظم ‪ ،‬لن يبلغ إطفاء نور هذا الدين‬
‫‪.‬‬
‫‪14‬ـ درس في أنه يجب السعي للتمكين في الرض ‪،‬بإقامة الدولة المجاهدة‬
‫الحاكمة بالشريعة ‪ ،‬ولو لم يمكن ذلك إل بالهجرة وجبت ‪.‬‬
‫‪15‬ـ درس في أن هذا التمكين ل يحصل إل بالبتلء ‪.‬‬
‫ده الله باليات ‪.‬‬ ‫ن من صدق في نصر دين الله تعالى فسيؤي ّ‬ ‫‪16‬ـ درس في أ ّ‬
‫ن الدعوة تأخذ في مراحل قبل أن تصل منتهاها‪.‬‬ ‫‪17‬ـ درس في أ ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن الصراع بين الحق وبالباطل ‪ ،‬يمر بمراحل أولها بعث‬ ‫‪18‬ـ درس في أ ّ‬
‫الدعوة إلى الحق ‪ ،‬ثم النتشار وكسب النصار ‪ ،‬ثم المواجهة الحتمية مع‬
‫الباطل بالحجة والبيان ‪ ،‬ثم مواجهته بالقوة والسنان ‪ ،‬ثم التمكين لهل الحق‬
‫‪ ،‬ولبد من البتلء و المتحان في مرحلتي المواجهة قبل التمكين ‪.‬‬
‫‪19‬ـ درس في أن تسلط الكفار وعلوهم في بعض مراحل الصراع بين الحق‬
‫والباطل ‪ ،‬سنة ماضية‪ ،‬ل تضر أهل الحق ‪ ،‬ولتدل على هوانهم على الله‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫‪ 20‬ـ درس في أن الحقّ ‪ ،‬إنما ُينصر بأنصاره من الرجال ‪ ،‬ولهذا هاجر النبي‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم إلى أنصاره ‪ ،‬قال تعالى ) هو الذين يؤيدك بنصره‬
‫وبالمؤمنين ( ‪ ،‬ولهذا لبد من حسن اختيار النصار لدعوة الحق ‪ ،‬فإن وجدوا‬
‫في بيئة أخرى ‪ ،‬فليهاجر الداعي إليهم ‪.‬‬
‫‪ 21‬ـ درس في أن الله يجعل لمن يهاجر في سبيله مراغما في الرض وسعة‬
‫‪ ،‬ويفتح له أبواب الخير ‪ ،‬ما ينصر به دعوته ‪ ،‬مما لم يكن في حسبانه ‪.‬‬
‫والله أعلم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫دروس في الدجل السياسي جمال سلطان*‬


‫محاولة بعض القادة الغربيين الدفاع عن الرسوم البذيئة ‪ -‬بوضعها في إطار‬
‫حرية الرأي والتعبير؛ التي هي من قيم المجتمع الغربي؛ التي يحرص عليها ‪-‬‬
‫هي نوع من الدجل السياسي‪..‬‬
‫والوزير )ساراكوزي الدموي( ‪ -‬وزير داخلية فرنسا الذي صرح بدفاعه‬
‫الشاعري عن حرية التعبير مهما كان النقد الذي تحمله ‪ -‬هو نفسه الذي‬
‫حرض قبل عدة أشهر على إغلق قناة )المنار( الفضائية في فرنسا‪،‬‬
‫وحرمانها من البث عبر الراضي الفرنسية؛ بدعوى أنها تهين السامية‪،‬‬
‫وتحرض على الكراهية‪ ،‬ولم يذكر الوزير )ساراكوزي( يومها كلمة حرية الرأي‬
‫والتعبير مرة واحدة‪.‬‬
‫ولذلك عندما يدافع عن التحريض على الكراهية الموجهة للمسلمين؛ متشحا‬
‫برداء المدافع المجيد عن حرية الرأي والتعبير فل يسعنا إل أن نصف ذلك‬
‫بالدجل السياسي؛ وليذهب إلى غيرنا ليبيع له هذه الكاذيب‪..‬‬
‫أنت أول من حرض على حرية الرأي والتعبير‪ ،‬وأول من كمم أفواه‬
‫الصحفيين والعلميين في أوربا‪..‬‬
‫ليس هذا فقط؛ بل هو نفسه الوزير الذي قرر طرد أربعمائة إمام مسجد في‬
‫فرنسا؛ لن رأيهم وتعبيرهم لم يعجبه‪ ،‬واعتبره تحريضا على الكراهية‪..‬‬
‫فرنسا ليست وحدها التي فعلت ذلك؛ وإنما عواصم أوربية عديدة؛ فل معنى‬
‫لعطائنا دروسا في الكاذيب‪..‬‬
‫الصحفي الذي أهان السيد المسيح برسم كاريكاتيري حكم عليه بالسجن في‬
‫اليونان وليس في أفغانستان‪..‬‬
‫وسفراء التحاد الوربي هم الذين أهاجوا الدنيا في القاهرة عندما نشرت‬
‫صحيفة حزبية مصرية مقال فيه نقد لرواية )الهولوكوست(‪ ،‬والنفوذ اليهودي‬
‫في أوربا‪ ،‬ولم تهدأ ثورتهم إل بعد طرد رئيس التحرير‪ ،‬ونشر الصحيفة‬
‫المصرية اعتذارا في الصفحة الولى‪.‬‬
‫ولم يقم السادة الشرفاء في منظمة )مراسلون بل حدود( بأي تضامن مع‬
‫الصحفي المصري المسكين باسم الدفاع عن حرية الرأي والتعبير ‪ -‬كما‬
‫فعلوا مع البذيء الدينماركي ‪-‬؛ وإنما باركوا ِبصمتهم ذبح صحفي؛ لنه جرح‬
‫المشاعر اليهودية‪ ،‬ولم يجرح المشاعر المسلمة‪..‬‬
‫لستم مؤهلين أخلقيا لكي تعطونا دروسا في الحرية أيها السادة‪ ..‬وفي هذه‬
‫المسألة تحديدا ل يوجد في أي مجتمع شيء اسمه مطلق الحرية؛ وإنما هناك‬
‫موازنة الحرية والمسؤولية‪.‬‬
‫كما أن احتقار دين أو عرق هو عمل ضد النسانية‪..‬‬
‫ومنع ذلك إنما هو جزء من دستور البشرية اليوم قبل أي قانون لي دولة‪..‬‬
‫إننا جميعا ندافع عن الحرية‪ ،‬ونقاتل دونها؛ بل نحن أكثر من غيرنا اشتياقا‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إليها‪ ،‬وسعيا لها‪..‬‬


‫ولكن هذا الذي يحدث ل صلة له بالحرية أبدا؛ وإنما هو محض استفزاز‪،‬‬
‫وتعمد لهانة الدين السلمي‪..‬‬
‫والصحف التي تعاقبت على نشر الصور أرسلت رسالة واضحة‪) :‬هل أنتم‬
‫تتوجعون من هذه الصور؟؛ إذن سنزيدكم إيلما!(!!‪..‬‬
‫هذا تحريض سافر على الكراهية‪ ،‬والعنف‪ ،‬والتطرف؛ فالعنف ليس فقط‬
‫من يوفر له الرضية‪ ،‬والسباب‪ ،‬والمبررات‪،‬‬ ‫من يحمل السلح؛ وإنما م ّ‬ ‫م ّ‬
‫والمهيجات‪.‬‬
‫ولذلك أنا أحترم جدا البيان الذي أصدره )جاك سترو( ‪ -‬وزير الخارجية‬
‫البريطاني ‪ -‬عندما أدان مثل هذا العمل‪ ،‬واعتبر أنه ل يخدم النسانية‪،‬‬
‫والتفاهم بين الشعوب‪ ،‬ول يخدم قضية حرية التعبير ذاتها‪..‬‬
‫كما أعلن احترامي الكامل للصحافة البريطانية ‪ -‬المدرسة الولى للصحافة‬
‫في العالم ‪ -‬التي أبى عليها كبرياؤها المهني أن تهبط إلى مثل هذا السفاف‪،‬‬
‫أو تكون محرضة على العنف‪..‬‬
‫وأذكر في هذا السياق أن أحد المخرجين البريطانيين كان قد أنتج فيلما مهينا‬
‫عن السيد )المسيح(؛ اعترضت عليه الكنيسة النجيلية‪ ،‬وتم عرض الفيلم‬
‫على إحدى اللجان؛ فأكدت أنه مهين للسيد )المسيح( عليه السلم؛ فما كان‬
‫من الحكومة البريطانية إل أن أصدرت قرارا بمنع توزيع الفيلم‪ ..‬والقصة‬
‫شهيرة‪ ..‬وقد رفع المنتج قضيته إلى المحكمة الوربية لحقوق النسان؛‬
‫فانتهت المحكمة إلى تأييد موقف الحكومة البريطانية‪ ..‬ولم يتحفز أحد وقتها‬
‫للحديث عن حرية الرأي والتعبير!!‪.‬‬
‫إن الصحيفة اللمانية غير المحترمة التي أعادت في صفحتها الولى نشر‬
‫الصور البذيئة‪ ،‬وكتبت تحتها‪) :‬ل أحد فوق النقد‪ ،‬والسخرية في أوربا( أتحداها‬
‫أن تنشر رسما مماثل فيه صورة يهودي‪ ،‬أو أي رمز مقدس لدى اليهود‪ ،‬أو أن‬
‫تسخر من الرواية اليهودية )للهولوكست(‪ ،‬أوتكذبها!!‪..‬‬
‫من أجل هذه الحقائق كلها ل أحد في العالم السلمي اليوم مستعد لكي‬
‫يتفهم دجل الميديا الوربية‪ ،‬أو الكولونيل )ساراكوزي(‪ ،‬أو رئيس الوزراء‬
‫الدنماركي في التمسح بحرية الرأي والتعبير‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دروس في سورة يوسف‬


‫‪21/3/1425‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫ذكرت في مقال سابق أن من أسباب اختيار سورة يوسف‪ :‬الدروس والعبر‬
‫التي اشتملت عليها‪ ،‬وبخاصة مما تشتد حاجة الناس إليه في هذه الوقات‪،‬‬
‫ت‬
‫خوَت ِهِ آَيا ٌ‬‫ف وَإ ِ ْ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ُيو ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ولهذا قال الله _سبحانه وتعالى_ في أولها‪" :‬ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫عب َْرةٌ‬
‫م ِ‬
‫صهِ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن ِفي قَ َ‬ ‫قد ْ َ‬
‫كا َ‬ ‫ن" )يوسف‪ ،(7:‬ثم ختم في آخرها بقوله‪" :‬ل َ َ‬ ‫سائ ِِلي َ‬
‫ِلل ّ‬
‫فت ََرى" )يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(111‬وأشير فيما يلي‬ ‫ً‬
‫ديثا ي ُ ْ‬
‫ح ِ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ب َ‬
‫ِلوِلي اللَبا ِ‬
‫إلى بعض تلك الدروس والعبر التي احتوتها السورة‪ ،‬إشارات عابرة‪ ،‬وأسأل‬
‫الله أن ييسر بسطها في مقالت لحقة‪ ،‬فمن تلك الدروس ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬هذه السورة المكية ترسم المنهج الحق للداعية في الدعوة إلى الله‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صيَرةٍ‬ ‫عو إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ‬ ‫سِبيِلي أ َد ْ ُ‬ ‫ل هَذِهِ َ‬ ‫_تعالى_‪ ،‬كما قال الله _تعالى_‪" :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن" )يوسف‪ ،(108:‬والمة‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ما أَنا ِ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫أَنا وَ َ‬
‫اليوم قد بعدت عن عهد النبوة‪ ،‬فشاع في بعض جوانبها بعد عن المنهج‬
‫النبوي في كثير من المجتمعات السلمية‪ ،‬ولهذا الخلل المنهجي تأخر‬
‫النتصار وضعفت النتائج‪ ،‬وفي هذه السورة بيان واقعي عملي للمنهج النبوي‬
‫الذي إن أخذنا به لن نضل بعده أبدًا‪ ،‬مصداقا ً لقوله _صلى الله عليه وسلم_‪:‬‬
‫"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي")‪ ،(1‬ومن‬
‫هذه الدروس التي تبين هذه الحقيقة أن النجاة والسلمة والسعادة بمقدار‬
‫اللتزام بالكتاب والسنة‪ ،‬والرجوع إليهما‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن الدروس في هذه السورة التفاؤل العجيب الذي يبعث الجد والمل‬
‫في نفوس النبياء‪ ،‬يوسف _عليه السلم_ في كل مراحل حياته لم يفارقه‬
‫التفاؤل‪ ،‬وأبوه يعقوب _عليه السلم_ في أحلك وأشد ظروفه لم يفارقه‬
‫التفاؤل‪ ،‬حتى أنك تجده ‪-‬عليه السلم‪ -‬يخاطب بنيه في مدة حرجة‪ ،‬وذلك‬
‫مرا ً‬ ‫فسك ُم أ َ‬ ‫ل سول َت ل َك ُ َ‬
‫م أن ْ ُ ُ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫عندما جاؤوا بنبأ حجز أخيهم في مصر‪ ،‬فيقول‪" :‬ب َ ْ َ ّ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل عَسى الل ّ َ‬
‫م وَت َوَلى‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ه هُوَ ال ْعَِلي ُ‬ ‫ميعا ً إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َأت ِي َِني ب ِهِ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫صب ٌْر َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫م"‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ن فَهُوَ ك َ ِ‬ ‫حْز ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت عَي َْناه ُ ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫ف َواب ْي َ ّ‬ ‫س َ‬ ‫فى عََلى ُيو ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل َيا أ َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫)يوسف‪ ،(84 ،83:‬ومع أنه في تلك الحالة‪ ،‬ومع حرج الموقف‪ ،‬ومع تلك‬
‫حَرضا ً أ َوْ ت َ ُ‬ ‫حّتى ت َ ُ‬ ‫الظروف‪ ،‬ومع قول بنيه‪" :‬تالل ّه ت ْ ُ‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫فت َأ ت َذ ْك ُُر ُيو ُ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ن‬‫ِ ْ‬ ‫م‬ ‫سوا‬ ‫س‬
‫َ َ ّ ُ‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫بوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫َ َ ّ‬‫ن‬‫ب‬ ‫يا‬ ‫"‬ ‫لهم‪:‬‬ ‫يقول‬ ‫(‪.‬‬ ‫‪85‬‬ ‫ن" )يوسف‪ :‬من الية‬ ‫كي َ‬ ‫ن ال َْهال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫سوا‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫ي‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫ه‬ ‫خي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫س‬ ‫يو‬
‫ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ِ ُ‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ن" )يوسف‪.(87:‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫أمتنا تعيش هذه الونة ظروفا ً حرجة شديدة‪ ،‬فما أحوجها للتفاؤل‪ ،‬الذي‬
‫يدفعها للعمل من أجل تحقيق موعود الله لها‪ ،‬فإن المهزوم من هزمته نفسه‬
‫قبل أن يهزمه عدوه‪ ،‬وإذا دخل اليأس والقنوط على القلوب فشلت وخارت‬
‫واستسلمت لعدوها‪.‬‬
‫فلتأخذ من يعقوب درسًا‪ ،‬فيعقوب _عليه السلم_ لم يفارقه التفاؤل أبدا‪ً،‬‬
‫وكذلك كان يوسف _عليه السلم_ ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن الدروس في هذه السورة العظيمة نبذ ثلثة أمور مهلكة‪ ،‬نادت‬
‫السورة بمجموعها إلى قول‪ :‬ل في وجهها‪ ،‬هذه اللءات الثلثة التي نادت‬
‫السورة‪ ،‬هي‪ :‬ل تنازل‪ ،‬ل استعجال‪ ،‬ل يأس‪.‬‬
‫فيوسف ووالده _عليهما السلم_ لم يصاحبهم الستعجال ول اليأس ول‬
‫التنازل‪.‬‬
‫وهذه الثلثة إذا دخلت على الفرد أو المة أهلكتها‪.‬‬
‫ً‬
‫فالستعجال عاقبته وخيمة‪ ،‬ومن المقرر أن من استعجل شيئا قبل أوانه‬
‫عوقب بحرمانه‪ ..‬قضاًء‪ ..‬وواقعًا‪.‬‬
‫أما التنازل‪ ،‬فهو الداء الذي وقع فيه كثير من الناس‪ ،‬بل كثير من الجماعات‬
‫السلمية في عصرنا الحاضر مع الظالمين‪ ،‬فكان من الطبيعي أل يتحقق‬
‫النجاح المأمول‪.‬‬
‫وأما اليأس والتشاؤم فإذا دخل على النفوس أحبطها وأتعبها وأثقلها‪ ،‬ومن‬
‫كانت نفسه مضعضعة مهزوزة فكيف ينتصر على عدوه! إن خذلن النفس‬
‫لصاحبها من أول أسباب انتصار عدوها‪ ،‬وقد تمنع أقوام في حصون ودساكر‬
‫َ‬
‫م‬‫ن ب ُُيوت َهُ ْ‬ ‫خرُِبو َ‬ ‫ب يُ ْ‬ ‫م الّرعْ َ‬ ‫ف ِفي قُُلوب ِهِ ُ‬ ‫سُبوا وَقَذ َ َ‬ ‫حت َ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ث لَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫"فَأَتاهُ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صاِر" )الحشر‪ :‬من الية ‪.(2‬‬ ‫ن َفاعْت َب ُِروا َيا أوِلي اْلب ْ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫دي ال ْ ُ‬ ‫م وَأي ْ ِ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ب ِأي ْ ِ‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -4‬إن من أعظم أسباب عدم استجابة الناس‪ ،‬التذبذب والضطراب والتغير‬


‫في حياة الداعية‪ ،‬ومن دروس هذه السورة اضطراد منهج يوسف –عليه‬
‫السلم‪ -‬وعدم تذبذبه‪ ،‬من أول حياته‪ ،‬وحتى آخر لحظات عمره‪ ،‬فهو مضطرد‬
‫مستمر في منهج معتدل في سرائه وضرائه؛ في البئر‪ ،‬في السجن‪ ،‬في‬
‫الملك‪ ،‬وهو يرفع أبويه على العرش ويخروا له سجدًا‪ ،‬في كل أحواله التي‬
‫قصتها الصورة تلحظ اطرادا ً عجبًا‪ ،‬والدعاة وطلب العلم‪ ،‬بل المة كل المة‬
‫تحتاج إلى الستقامة والطراد على المنهج الصحيح‪ ،‬وبخاصة في هذه‬
‫الظروف التي تقلب فيها رياح الفتن أوجه القلوب وتصرفها‪.‬‬
‫‪ -5‬نجد أيضا ً في هذه السورة أهمية القصة وأثرها على حياة الداعي‬
‫والمدعو‪ ،‬وقد اشتملت سور القرآن على عدد من القصص كما بين الله في‬
‫ة" )يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(111‬وقال‪:‬‬ ‫عب َْر ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫صهِ ْ‬‫ص ِ‬ ‫ن ِفي قَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫هذه السورة "ل َ َ‬
‫ن" )يوسف‪ :‬من‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ك هَ َ‬‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ص عَل َي ْ َ‬
‫قْرآ َ‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫ص بِ َ‬‫ص ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ق ّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ح ُ‬
‫"ن َ ْ‬
‫الية ‪ ،(3‬فالحاجة ماسة باستخدام هذا السلوب القرآني من قبل الدعاة‬
‫وطلب العلم‪ ،‬وبعضهم يقلل من أهمية هذا السلوب من حيث ل يشعر‪ ،‬مع‬
‫أن القرآن أعطاه أهمية كبرى‪ ،‬فالقرآن مليء بقصص الولين وأخبار‬
‫الماضين‪.‬‬
‫‪ -6‬أيضا ً في هذه السورة دروس سلوكية وأخلقية وتربوية ونفسية مهمة‪،‬‬
‫وخذ في هذه العجالة على سبيل المثال نموذجا ً إلى أن يأتي موضع التفصيل؛‬
‫تأمل في هذه السورة الدعوة إلى عفة اللسان‪ ..‬تجد يوسف _عليه السلم_‬
‫قد قام داعية وأستاذا ً يلقي المحاضرات العملية في هذه القضية في كل‬
‫السورة‪ ،‬تأمل على سبيل المثال يوم أن جاء الرسول يأمر بإخراجه من‬
‫ل النسوة الّلِتي قَط ّع َ‬ ‫ك فا َ‬
‫ن"‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫ما َبا ُ ّ ْ َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سأل ْ ُ‬‫ْ‬ ‫جعْ إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫السجن‪ ،‬فأجابه‪" :‬اْر ِ‬
‫)يوسف‪ :‬من الية ‪ (50‬فلم يشر إلى امرأة العزيز‪ ،‬ولم يقل‪ :‬التي راودتني‪،‬‬
‫وإنما اكتفى بإشارة اقتضتها الحاجة إلى تبرئة مقامه‪.‬‬
‫ق‬
‫سرِ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫وعندما اتهم بالتهمة الباطلة‪ ،‬في قول إخوته كما حكى الله عنهم‪" :‬إ ِ ْ‬
‫ل" )يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(77‬لم يتول ردا ً أو إساءة بل‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خ لَ ُ‬ ‫سَرقَ أ َ ٌ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫شّر‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫كتم جوابه‪ ،‬وكظم غيظه وقال في نفسه ماحكاها الله بقوله‪" :‬أن ْت ُ ْ‬
‫كانًا" )يوسف‪ :‬من الية ‪.(77‬‬ ‫م َ‬‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫مكان َُ‬ ‫َ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫بير‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ا‬‫يخ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ا‬‫أب‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫"‬ ‫له‪:‬‬ ‫قالوا‬ ‫عندما‬ ‫ا‬‫أيض‬ ‫لسانه‬ ‫عفة‬ ‫ومن‬
‫خذ َ إ ِّل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ن َأ ُ‬ ‫مَعاذ َ الل ّهِ أ ْ‬ ‫ن" )يوسف‪ :‬من الية ‪ .(78‬قال‪َ " :‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫إ ِّنا ن ََرا َ‬
‫ه" )يوسف‪ :‬من الية ‪ .(79‬فلم يقل لن نأخذ إل‬ ‫عن ْد َ ُ‬ ‫مَتاعََنا ِ‬ ‫جد َْنا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫السارق ؛ لنه يعلم أن أخاه لم يسرق‪ ،‬ولذلك جاء بعبارة دقيقة‪ ،‬فقال‪ " :‬إ ِلّ‬
‫ه" فلم يصفه بما هو منه بريء‪.‬‬ ‫عن ْد َ ُ‬ ‫مَتاعََنا ِ‬ ‫جد َْنا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫‪ -7‬كذلك نجد في السورة قواعد وأصول في سياسة الشرعية التي نحن في‬
‫أمس الحاجة إليها في هذا العصر‪ ،‬نجد قواعد وأصول في الشورى‪ ،‬في‬
‫التخطيط‪ ،‬في بعد النظر‪ ،‬في العدل‪ ...‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ -8‬نجد في السورة أيضا ً قواعد وأصول في معالجة الزمات‪ ،‬على مستوى‬
‫الفرد وعلى مستوى المة‪ ،‬وأمتنا تمر بأزمات متنوعة‪ ،‬ومن أقوى الزمات‬
‫التي ورد ذكرها في السورة السبع الشداد والسبع التي فيها الخصب‪ ،‬وفي‬
‫أسلوب إدارته ‪ -‬عليه السلم ‪-‬للزمة التي مرت بمصر فوائد ينبغي أن نقف‬
‫معها‪.‬‬
‫‪ -9‬نجد أيضا في السورة منهاجا في الحكم على الرؤى‪ ،‬وبيان لبعض شأنها‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالسورة ذكرت الرؤيا في ثلث مواضع مبسوطة من جملة ستة في القرآن‪،‬‬


‫وقد قال _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬أيها الناس لم يبق من مبشرات النبوة إل ّ‬
‫الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له")‪ ، (2‬غير أنه وقع فيها –عند الناس‪-‬‬
‫من الخلل والخطأ ما ينبغي التنبيه عليه‪ ،‬فهناك من أنكر الرؤيا وقلل من‬
‫شأنها وقال كما قال أصحاب الملك‪ :‬أضغاث أحلم‪ ،‬وهناك من جعل الرؤيا‬
‫تشريعا ً _بكل أسف_ وآخرون وسط بين ذلك‪.‬‬
‫‪ -10‬نجد في السورة كذلك عاقبة المكر‪ ،‬وأنه يرجع على صاحبه‪ ،‬فإخوة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن" )يوسف‪:‬‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫مُعوا أ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ت ل َد َي ْهِ ْ‬
‫م إ ِذ ْ أ ْ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬
‫يوسف مكروا به "وَ َ‬
‫من الية ‪ (102‬من أجل إبعاده‪ ،‬فكيف كانت العاقبة؟ امرأة العزيز كادت‬
‫ومكرت‪ ،‬غلقت البواب‪ ،‬وأعتدت للنساء متكًأ‪ ،‬وادعت‪ ،‬فلمن كانت العاقبة؟‬
‫إن المكر يحاك الن على مستوى المم وعلى مستوى الفراد‪ ،‬وسورة‬
‫خي ُْر‬
‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬
‫ن وَي َ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫يوسف تقول لكل ماكر‪ :‬إياك إياك‪" ..‬وَي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ه" )فاطر‪:‬‬ ‫ئ إ ِل ب ِأهْل ِ ِ‬ ‫سي ّ ُ‬ ‫مكُر ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫حيقُ ال َ‬ ‫ن" )النفال‪ :‬من الية ‪َ" ،(30‬ول ي َ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ماك ِ ِ‬
‫من الية ‪ ..(43‬وفي ذلك طمأنة للمة وبيان لها بأن مكر أعدائها سيبور ويرتد‬
‫عليهم‪.‬‬
‫‪ -11‬كذلك نجد في سورة يوسف قصص التائبين المستغفرين‪ ،‬وأثر التوبة‬
‫والستغفار في الحياة‪ ،‬وقد تتبعت الدعوة إلى التوبة والستغفار في القرآن‬
‫فوجدت أنه ما من نبي إل أمر قومه بهما‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وجدت أن في الستغفار سهولة على اللسان‪ ،‬مع أنه من أخص الدعاء‬


‫ب‬ ‫َ‬
‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫عوِني أ ْ‬ ‫والدعاء هو العبادة كما في الحديث‪ ،‬وقال الله _تعالى_‪" :‬اد ْ ُ‬
‫ن" )غافر‪ :‬من‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬
‫م َدا ِ‬‫جهَن ّ َ‬ ‫خُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫سي َد ْ ُ‬
‫عَباد َِتي َ‬‫ن ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫الية ‪ ،(60‬فالتوبة والستغفار من السمات الظاهرة في سورة يوسف _عليه‬
‫السلم_‪.‬‬
‫‪ -12‬نجد في هذه السورة استثمار الفرص‪ ،‬وخاصة من قبل يوسف _عليه‬
‫السلم_ في السجن‪ ،‬قبل السجن‪ ،‬بعد السجن‪ ،‬وهو عزيز مصر‪ ،‬والمة‬
‫بحاجة إلى أن تستثمر الفرص استثمارا ً حقيقيا ً في موضعه‪.‬‬
‫ل" )يوسف‪ :‬من‬ ‫مي ٌ‬‫ج ِ‬‫صب ٌْر َ‬‫‪ -13‬نجد أيضا ً الصبر وعاقبته‪ ،‬وبيانا ً لبعض أنواعه "فَ َ‬
‫ق‬
‫ن ي َت ّ ِ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الية ‪ ،(18‬كما صبر يعقوب _عليه السلم_‪ ،‬وكما صبر يوسف‪" .‬إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن" )يوسف‪ :‬من الية ‪.(90‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬‫جَر ال ْ ُ‬
‫ضيعُ أ ْ‬‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬
‫وَي َ ْ‬
‫‪ -14‬وأخيرا ً نجد الحسان في سورة يوسف‪ ،‬والحسان أشمل مما يفهمه‬
‫كثير من الناس‪ ،‬بل كثير من الناس يفسر الحسان بمعنى قاصر‪ ،‬وهو إعطاء‬
‫المحتاج‪ ،‬أو التصدق على المحتاج‪ .‬غير أن الحسان في سورة يوسف‪ ،‬ورد‬
‫في قرابة خمسة مواضع‪ ،‬في كل مراحل حياته‪ ،‬فكان سببا ً من أسباب‬
‫السؤدد والقوة والتمكين‪.‬‬
‫هذه بعض الدروس التي اشتملت عليها السورة‪ ،‬ولعله يأتي بسطها تباعا‪ً،‬‬
‫فإن فيها بيان سبيل نجاة للمة‪ ،‬فحتى تخرج أمتنا من البلء الذي هي فيه‪،‬‬
‫ومن أجل أن يرتفع مستواها لكي تحقق النصر على أعدائها‪ ،‬لبد أن تأخذ‬
‫بالصول والمنطلقات التي أخذ بها يوسف _عليه السلم_ فحقق هذا النصر‬
‫العظيم‪ ،‬وأقول ختامًا‪ :‬ما من فرد أو مجموعة أو أمة أخذت بأسباب النتصار‬
‫التي أخذ بها يوسف _عليه السلم_ إل كانت عاقبتها حميدة‪ ،‬وتحقق له‬
‫النتصار العظيم في حياته الدنيا‪ ،‬وفي والخرة‪ ،‬والناس يتساءلون متى وكيف‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نحقق النصر؟ فأقول‪ :‬اقرؤوا هذه السورة وتأملوا هذه السورة‪ ،‬فإن فيها‬
‫جوابا ً يأتي بسطه _إن شاء الله_ أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا‪ ،‬وأن يرزقنا‬
‫منه العبرة والعظة‪ ،‬وأن يتحول ما نعلمه إلى واقع عملي في حياة المة‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫____________‬
‫)‪ (1‬رواه الحاكم في مستدركه ‪ 1/172‬برقم )‪ ،(319‬والبيهقي في )الكبرى‬
‫‪ ،(10/114‬والدراقطني في )السنن ‪ ،(4/245‬وغيرهم‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم ‪.1/348‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫دروس من أرض السراء‬


‫من أجواء المحنة والحصار‪ ،‬من ظروف الشدة‬
‫والحتلل‪ ،‬من بين صور الظلم والعدوان‪ ،‬من جوف المحنة تخرج المنحة‪ ،‬من‬
‫شدة الظلمة تشتعل أضواء المل‪ ،‬عندما نرجع بذاكرتنا إلى سيرة المصطفى‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ونقف مع الحدث الذي منذ انطلقه ووقعه أصبحت‬
‫صلتنا بهذه الرض صلة عقيدة وإيمان‪ ،‬وارتباطنا بها ارتباط دين وإسلم‪،‬‬
‫وعمقنا معها عمق تاريخ وحضارة‪ ،‬كيف جاءت تلكم الحادثة في السيرة‬
‫النبوية العطرة‪ ،‬لقد كانت فرجا ً من بعد كرب‪ ،‬وكانت فرحا ً من بعد حزن‪،‬‬
‫وكانت إكراما ً من بعد إجرام‪ ،‬وكانت قوة من بعد ضعف‪ ،‬وكانت نصرة من‬
‫السماء بعد خذلن الرض‪ ،‬لقد جاءت حادثة السراء في سيرة سيد الخلق‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بعد أن اشتد به أذى قريش إثر وفاة عمه أبي طالب‪،‬‬
‫وزاد الحزن عظمة واشتدادا بعد وفاة نصيرة المصطفى صلى الله عليه‬
‫وسلم وزوجه المخلصة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها‪ ،‬وبعد أن تكالبت‬
‫قوى الشر وتعاظمت صور الذى والعداء‪ ،‬جاءت هذه الرحلة إسراء من‬
‫المسجد الحرام إلى المسجد القصى‪ ،‬ومعراجا من الرض إلى السماء‪ ،‬لتبين‬
‫أمورا كثيرة وهو أنه يأتي من بعد كل شدة فرج‪ ،‬ومن بعد كل عسر يسر‪،‬‬
‫مادام القلب موصل بالله‪ ،‬والنهج ثابتا على صراط الله‪ ،‬ومادام اليقين راسخا‬
‫بأن كل قوى الرض مهما بلغت عظمتها لن تنال من المؤمن والمؤمنين‬
‫مبلغة إل بما يقدر الله عز وجل‪ ،‬يوم صدت وأوصدت في وجه سيدنا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم أبواب الرض فتحت له أبواب السماء‪ ،‬ويوم كانت‬
‫النذالة والخسة والدناءة من كفار قريش ومجرميها جاء العز والكرام‬
‫والحتفاء والتعظيم من ملئكة السماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ومن بقعة صغيرة في مكة المكرمة إلى آفاق واسعة امتدت عبر تلك‬
‫المسافة في لمح البصر لتخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المر سوف‬
‫يتسع وأن الحصار سوف ينتهي وأن القيود سوف تكسر وأن النصر سوف‬
‫تتيسر أسبابه‪ ،‬وأن أولئك القزام إما أن يسيروا مع تيار النصر واليمان وإما‬
‫أن يهزموا ويذلوا في الدنيا ويعاقبوا ويعذبوا في الخرة‪ ،‬وكان المر كما كان‬
‫وامتدت دولة السلم في غضون سنوات قليلة بشر بها النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بعد إسراءه ومعراجه وبعد هجرته وجهاده‪ ،‬وقال في حديثه الصحيح‪:‬‬
‫) اعدد ستا بعد موتي ‪ - ...‬وذكر أولها ‪ -:‬فتح بيت المقدس(‬
‫وفتحها الفاروق ودانت للسلم وازدانت بالسلم وعظمت باليمان وكانت‬
‫أنموذجا من نماذج التحرير السلمي الحق الذي حرر الشعوب من ربقة‬
‫ظالميها وقاهريها } سبحان الذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام إلى‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسجد القصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير { ‪.‬‬
‫وظلت تلك البركة‪ ،‬وظل مثل هذا المل مرتبطا ببيت المقدس وأكناف بيت‬
‫المقدس‪ ،‬دائما متصل إلى آخر الزمان‪ ،‬لتبقى البركة وليبقى الفتح والعز‬
‫والنصر وطيد الصلة بتلك البقاع ) ل تزال طائفة من أمتي على الحق‬
‫ظاهرين ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على‬
‫ذلك ( قيل ‪ :‬أين هم يا رسول الله ؟ قال ‪ ) :‬في بيت المقدس وأكناف بيت‬
‫المقدس (‬
‫كما ورد في رواية أحمد في مسنده‪.‬‬
‫وفي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصحيح ‪ ) :‬ل تقوم الساعة‬
‫حتى تقاتلون اليهود حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا‬
‫يهودي وراءي تعال فاقتله‪ ،‬إل شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود ( ‪.‬‬
‫أفي شك أنتم من وعد وحديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ألسنا نعرف أنها أي بلد الشام أرض المحشر والمنشر‪ ،‬من تلك الهجرة من‬
‫تلك الرحلة وإلى قيام الساعة يبقى الرتباط وثيقا باليمان واليقين والسلم‬
‫من منبعه الذي بدأ في مكة المكرمة‪ ،‬ومن قيام دولته التي كانت في مدينة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ثالث تلك البقاع في رحلة السراء‬
‫ليبقى هذا كله سياقا واحدا تحدثنا عنه غير مرة ‪.‬‬
‫ولعلي أنقلكم‪ ،‬يا معاشر المسلمين المتحررين الذين لستم واقعين تحت‬
‫الحتلل‪ ،‬يا معاشر المؤمنين المترفهين المتنعمين الذين ل تذوقون مرارة‬
‫الحصار‪ ،‬يا معاشر المسلمين الذين عندكم من الوقت والفراغ سعة للهو‬
‫والعبث ومتابعة المباريات ومشاهدة المسلسلت من تلك الرض بكل‬
‫قسوتها وشدتها أنقل لكم الدروس والعبر تعلموا في مدرسة أرض السراء‬
‫كما تعلمت المة وتتعلم من رحلة السراء ومن صاحب السراء والمعراج‬
‫عليه الصلة والسلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مشاهد فيها دروس قد تكون محزنة ومؤلمة لكنها تكشف عن تلك الصور‬
‫المشرقة الوضيئة‪ ،‬محزنة لنا ومؤلمة لنا لنها تكشف ضعفنا وتعري صورا من‬
‫خذلننا وتقصيرنا‪ ،‬لن قوة الحق تكشف الباطل‪ ،‬ولن نور اليمان يعري‬
‫ظلمة الكفر‪ ،‬ولن مواقف العزة تفضح صور الذلة‪ ،‬مشهد محزن مؤلم‬
‫لمرأة فلسطينية شابة لم تتجاوز العشرينات من عمرها‪ ،‬أين هي ؟ وهي‬
‫تعطينا الدرس من بيتها ؟ من أسرتها ؟ كل! بل من سجنها‪ ،‬تؤخذ مغلولة في‬
‫أصفادها من سجنها إلى المشفى‪ ،‬لماذا ؟ لنها آن وحان موعد ولدتها‪،‬‬
‫واليهود أصحاب الديمقراطية والحضارة المزعومة لم يفكوا عنها قيودها وهي‬
‫داخلة إلى عملية الولدة لم يسمحوا إلى بعد وساطات ومتابعات من‬
‫مؤسسة مانديل النسانية حتى سمحوا لمها بعد أيام من ولدتها أن تراها‬
‫وتقابلها‪ ،‬وأين هي اليوم؟ إنها وطفلها الرضيع داخل سجون اليهود الصهاينة‬
‫الغاصبين‪ ،‬وأين زوجها؟ سبقها بأكثر من عام إلى السجن وهو إلى يوم الناس‬
‫هذا فيه‪ ،‬وتأتي تلك المؤسسة وتعطينا الخبار أنها استطاعت الحصول على‬
‫إذن بأن يزور السجين زوجته السجينة ليرى ابنه السجين‪ ،‬ولو رأيتموها وهي‬
‫تتحدث في حديث واحد لوسائل العلم لطأطأتم جميعا رؤوسكم خجل وهي‬
‫تلبس جلبابها وتحافظ على حجابها وتتحدث بلسان اليقين واليمان‪ ،‬وببرد‬
‫الرضا بقضاء الله وقدره‪ ،‬والصبر على بلءه وتقديره سبحانه وتعالى‪ ،‬لننقل‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا ل إلى نسائنا بل إلى رجالنا قبل نسائنا‪ ،‬أين مثل هذا ؟ اليمان الثبات‬
‫الرضا بقضاء الله وقدره‪ ،‬الحتساب على البتلء رفع الرأس رغم كل هذه‬
‫الصور من العدوان والذلل‪ ،‬هل سمعتم بهذه الحادثة أحسب أن أكثركم لم‬
‫يسمع بها‪ ،‬هل رأيتم وسائل العلم تكررها علينا كما تكرر العلنات وتكرر‬
‫المشاهد وتكرر غير ذلك؟ هل رأيتم مقالت كثيرة تحدثت عن الحادثة؟ هل‬
‫رأيتم قصائد شعرية سجلتها‪ ،‬هل رأيتم شيئا من ذلك؟ بالنسبة لي لم أرى‬
‫شيئا مذكورا وكأننا قد عقدت ألسنتنا لننا عاجزون أن نقول كلما‪ ،‬حتى‬
‫الكلم نعجز عنه فضل عن الفعال القوية المشرفة‪ ،‬وأبقى بكم معاشر‬
‫الرجال في دوائر النساء‪ ،‬لنتعلم من النساء الصامدات المؤمنات المرابطات‬
‫الصابرات في داخل هذا الحصار‪ ،‬عجبا نرى وصورا يغطيها العلم الماجن‬
‫الداعر‪ ،‬الذي يظهر لنا في أكثر الوقات هز البطون وعري الفخاذ وغير ذلك‬
‫مما تعلمون‪ ،‬ولم تنقل لنا صور المشاهد التي ذهبت فيها جماهير من نساء‬
‫فلسطين إلى مقر السلطة الوطنية ليقلن نحن مع الحكومة في ثباتها على‬
‫مبدأها وليخرجن ذهبهن متبرعات لمقاومة الحصار‪ ،‬وأستحضر حينئذ درسا ً‬
‫عظيما ً تلقيناه من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم‪ ،‬في الحديث‬
‫المشهور يوم خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلة العيد فتوجه إلى‬
‫مصلى النساء وحثهن على الصدقة وأمر بلل أن يأخذ منهن الصدقات‪،‬‬
‫فجعلت المرأة تلقي بقرطها والخرى تلقي بحليها تثبيتا لهذا الدين واليمان‬
‫والسلم‪ ،‬جددت نساء فلسطين فعل نساء الصحابة رضوان الله عليهن‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫ورأينا صورا تسجلها بعض الجهات اليسيرة لتثبت الوقائع الحقيقية‪ ،‬مشاركة‬
‫النساء في اللجان الشعبية لكسر حصار فلسطين والتبرع بالذهب والحلي‪،‬‬
‫وأنقلكم من مشهد تفاعلي في أرض السراء لنرى كيف ينتقل الدرس‬
‫ويتعلمه آخرون ويطبقونه في حملة في أرض مصر الكنانة لتبرع عام لهل‬
‫فلسطين جاءت امرأة مازالت عروسا لم تنهي شهرها الول الذي يسمونه‬
‫شهر العسل وتبرعت بكل ذهبها وحليها الذي قدم لها مهرا وهدية في زواجها‪،‬‬
‫فأين نساءنا وأين رجالنا من مثل هذا؟ يا أهل السلم الذين تسكنون إلى‬
‫جوار الحرمين الشريفين ؟‬
‫ولعلي أواصل بكم المسير لعلمكم وأعلم نفسي ماذا تصنع نساء فلسطين‪،‬‬
‫إنهن يتلقين دورات فيما يسمى في التسويق القتصادي ليقمن بعمل منزلي‬
‫اقتصادي ويبعن المنتجات اليدوية ليكفين أسرهن وليثبتن أبناء شعبهن في‬
‫هذه المواجهة الجائرة التي اجتمعت فيها قوى البغي والكفر والطغيان‬
‫والظلم والقهر لتركع ل أقول أبناء فلسطين‪ ،‬ولكن كما قلت لتركع المة‬
‫السلمية في صور المرابطين في أرض السراء ‪.‬‬
‫وأسير بكم لن المر ما زال مستمرا‪ ،‬ولن الصور والدروس كثيرة يضيق‬
‫المقام عن ذكرها وحصرها‪ ،‬لنه كما جاء في هذا التقرير عن المرأة المسلمة‬
‫في فلسطين أن دورها يشكل الرضية لصمود المجتمع الفلسطيني في وجه‬
‫محاولت التركيع والذلل التي يشنها العداء على مختلف مسمياتهم ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وأنقلكم إلى صفحة نسائية ثالثة‪ ،‬وقد تعمدت ذلك لنرى القمة الشامخة‬
‫السابقة في أرض الرباط والجهاد‪ ،‬امرأة تعلمت هنا عندنا في مكة المكرمة‬
‫وحصلت على شهادة الدكتوراه العالية في علوم الشريعة السلمية وهي‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليوم وزيرة لشئون المرأة‪ ،‬ماذا تقول‪ :‬لو أنكم قرأتم مقالها وجوابها للسئلة‬
‫التي وجهت إليها لرأينا ما يسر الخاطر ويشرح الصدر ولكنه كذلك كما قلت‬
‫يجعلنا في مواجهة أمام أنفسنا وهي تقول‪" :‬إنها تشكر البلد الذي تعلمت فيه‬
‫ولم تكن تعده بلد مهجر بل بلدها لنه بلد السلم كله‪ ،‬وكذلكم بلد‬
‫المسلمين"‬
‫ثم عندما تسأل عن الحكومة والمنصب وغيرها فتقول‪ " :‬نحن لم نأتي‬
‫للمناصب لنتشرف بها‪ ،‬فهي أمانة ثقيلة ومسئولية عظيمة أشعر بها وكأن‬
‫جبال فوق ظهري‪ ،‬لن من يريد أن يعمل يشعر بعظم المانة " ‪.‬‬
‫كأننا ننظر إلى هذا ونعرف حقيقة ما نعلمه من ديننا عندما قال المصطفى‬
‫صلى الله عليه وسلم لبي ذر يحذره بطبعه وبما عرف عنه من سمته‬
‫وشخصيته بالتحذير من الولية والمارة‪ ،‬قال‪ ) :‬فإنها خزي وندامة يوم‬
‫القيامة إل من قام بحقها ( ‪.‬‬
‫وهكذا تأتينا الصور تترى وأنقلكم إلى صور أعظم‪ ،‬وربما هي بالنسبة لنا أكثر‬
‫إحراجًا‪ ،‬صورا ً رأيتها وعلمت أننا نحتاج إلى إحياء من موت‪ ،‬رأيت حملة بديعة‬
‫رائعة لم أرى مثلها‪ ،‬إنها حملة مسيرة أطفال فلسطين لكسر الحصار‪،‬‬
‫الصغار كل معه هذه الحصالة التي يضع فيها قروشا قليلة والجميل أن الذي‬
‫يتلقى منهم ذلك وهم مصطفون في طوابير طويلة‪ ،‬رجل طاعن في السن‬
‫ليس في شعر لحيته ورأسه شعرة سوداء‪ ،‬لننظر إلى هؤلء الطفال ما الذي‬
‫أخرجهم‪ ،‬وراءهم أمهات مربيات وآباء أبطال علموهم كيف يكونون مع دينهم‬
‫وإسلمهم وهم صغار‪.‬‬
‫أين نحن من مصاريف أبناءنا التي يشترون بها ما تعلمون‪ ،‬ويشترون بها من‬
‫اللعاب والحلويات وغيرها ما هم في غنى عنه بل ما يتلفونه في يومه وليلته‪،‬‬
‫وأين نحن من هذا كله‪ ،‬نحن الرجال ننحن أصحاب العمال نحن أصحاب‬
‫الموال نحن أصحاب كذا وكذا من نعم الله عز وجل التي ل تعد ول تحصى ‪.‬‬
‫وأنقلكم إلى صورة أوسع وأشمل استطلع للرأي قامت به مؤسسة‬
‫متخصصة تريد أن ترى رأي الجمهور من الشعب الفلسطيني في ظل هذه‬
‫الظروف العصيبة والحصار الجائر والظلم القاهر والتجويع أل إنساني‪ ،‬وإليكم‬
‫هذه النتائج قليل من كثير ‪ %84.6‬كان جوابهم ل للرضوخ ول للركوع لهذه‬
‫الهجمة الضارية الجائرة‪ %74.2 ،‬قالوا ل للستجابة للمطالب الدولية مقابل‬
‫إنهاء المقاطعة والحصار القتصادي‪ ،‬أنتم هنا أسمع منكم وتسمعون من‬
‫الناس تقولون ليتهم يلينون ليتهم يغيرون عقولهم المتصلبة حتى ل يموتوا‬
‫جوعا‪ ،‬وهم هناك في جوف الحصار يقولون ل لنهم يعرفون وعرفوا حقيقة‬
‫المعركة التي ربما لم نعرفها ولم نستشعرها حتى يومنا هذا وإل لكانت لنا‬
‫مواقف غير مواقف ما نحن عليها‪ ،‬على مستوى كل فرد وعلى مستوى كل‬
‫امرأة وعلى مستوى كل طفل وعلى مستوى كل أسرة وعلى مستوى كل‬
‫دولة وحكومة ومؤسسة ومجتمع في كل أنحاء البلد السلمية بل في كل‬
‫أرض يعيش فيها مسلم أو أقليات وجاليات إسلمية‪.‬‬
‫وأمضي بكم كذلك لتروا نسبة ‪ %59.6‬قالوا إنهم مع صمود حكومتهم وثباتها‬
‫على مبادئها وعدم تخليها عن خياراتها في مقاومة عدوها‪ ،‬هل ترون هذه‬
‫الحصاءات في دراسة ميدانية وفي شرائح عجيبة وجميلة ومؤثرة ومعبرة‬
‫ومحركة ومغيرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‪.‬‬
‫وكأن لسان حالهم يعبر امتثال أمر ربهم ‪ } :‬يا أيها الذين أمنوا اصبروا‬
‫وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون { ‪.‬‬
‫هم صابرون مصابرون ومرابطون وفي ثغور المواجهة صامدون وفي الصف‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الول من مواجهة المة كلها مع عدوها واقفون فأين نحن على أقل تقدير من‬
‫الوقوف معهم ولو بكلمة ولو بمال ولو بحديث نقوله في كل مجلس ونصدع‬
‫به في كل مكان ونبين هذه الحقائق التي تخفيها وسائل العلم التي نسأل‬
‫الله عز وجل لكل من كان فيها ويهدف إلى تعمية هذه الخبار أن يجازيه بما‬
‫يستحق‪ ،‬لم ل ننقل هذه الصور‪ ،‬أين هذه المعلومات؟ أين هي على صفحات‬
‫الصحف؟ أين هي على الشاشات التي كما قلت ل تنقل لنا إل هذا وذاك مما‬
‫تعلمون‪.‬‬
‫ولعلي أقول لكم أيضا إن المر أوسع من هذا وإننا إن كنا أمام مسئوليتنا‬
‫الحقيقة وأمام واجباتنا الشرعية فإننا سنجد أنفسنا محاصرين بهذه الواجبات‪،‬‬
‫خذوا ما شئتم من الحكام لفقهية والشرعية‪ ،‬فإنكم واجدون أنها توجب‬
‫عليكم وجبا شرعيا الوقوف بكل صور المكان ليس أقلها أن نقول إن الزكاة‬
‫في أصنافها الثمانية‪ :‬فقراء هم فقراء‪ ،‬مساكين هم مساكين‪ ،‬في الرقاب‬
‫الذين يعتقون السرى أو يفدون السرى هم كذلك‪ ،‬في سبيل الله هم‬
‫مجاهدون‪ ،‬ابن السبيل منهم اللف منقطعون‪ ،‬فأين أنتم ل أقول من نصرتهم‬
‫بل من أداء واجبكم‪ ،‬وذلك ما ينبغي أن ننتبه له ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وهنا أستحضر موقفا جميل في السيرة ورواه الترمذي في سننه وحسنه من‬
‫حديث مرثد بن أبي مرثد‪ ،‬رجل عرف بهذا السم من أصحاب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬أتعرفون ماذا كان يعمل‪ ،‬لم يكن مشهورا بإسلمه‪ ،‬كان‬
‫يدخل إلى مكة ومهمته الساسية أن يصل إلى المستضعفين من المسلمين‬
‫المؤمنين المقيدين المأسورين‪ ،‬فيسعى إلى فكاكهم ويحملها على ظهره‪،‬‬
‫ويخرج بهم من مكة سّرا ً وليل ً حتى يطلقهم فيهاجروا إلى المدينة‪.‬‬
‫لم ينتظر حتى يدفع مال ً لم ينتظر حتى تأتي هيئة المم المتحدة أو الصليب‬
‫الحمر‪ ،‬لقد قام بدوره مباشرة وسجلت قصته في سياق آخر في سنن‬
‫الترمذي كما ذكرت ؟‬
‫فأين من يصنع شيئا ً من ذلك ولو بأسلوب غير مباشر ل يعرض فيه نفسه‬
‫للخطر الذي يخافه أو يجبن عن التقدم لجله ‪.‬‬
‫وروى البخاري كذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أن النساء جئن‬
‫إليه فقلن يا رسول الله غلبن عليك الرجال فلو جعلت لنا يوما نأتيك‪ ،‬فجعل‬
‫لهن يوما فلقيهن ووعظهن عليه الصلة والسلم وأمرهن ونهاهن وكان فيما‬
‫قال لهن‪ ) :‬ما منكم امرأة تقدم ثلثة من ولدها إل كان لها حجابا من النار (‬
‫فقالت امرأة‪ :‬واثنين يا رسول الله قال‪ ) :‬واثنين (‬
‫هذه المرأة المسلمة المتربية في مدرسة النبوة إنما تلد البناء ليكونوا فداء‬
‫للسلم واليمان والدين‪ ،‬ليكونوا جنودا في جيش العزة والكرامة ل ليكونوا‬
‫شبابا ً يصيعون في الشوارع أو يلعبون في النوادي فحسب‪ ،‬إن المر أعظم‬
‫من أن نجد له شيئا ً عجيبا ً وفريدا ً في هذه المواقف ‪.‬‬
‫ولعلي أيضا أقف مع حديث رواه البخاري ليقص لنا صورا من حياة النساء في‬
‫عهد النبي صلى الله عليه وسلم عندما حث النبي النساء حتى الفتاة في‬
‫خدرها أن يخرجن ويشهدن العيد والفرح مع الناس وأن يعتزل الحيض منهن‬
‫المسجد فقالت امرأة يا رسول الله إحدانا ليس لها جلباب‪ - ،‬ليس لها لباس‬
‫يسترها حتى تخرج إلى هذا المشهد بحجابها الشرعي ‪ -‬فقال‪ ) :‬لتلبسها أختها‬
‫من جلبابها ( ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولعلنا نقول لنسائنا ولنفسنا ذلك ونحن نرى هذه الصور المشرقة المضيئة‬
‫من تلك الرض المباركة‪ ،‬فلعل بعض هذه الدروس أن تقع من نفوسنا موقعها‬
‫ول أريد مرة ثانية وثالثة وعاشرة أن يقول قائل‪ :‬ماذا نعمل لنني قلت‬
‫وكررت مرارا إن هذا السؤال يحمل في طياته كثيرا في كثير من الحيان‬
‫صورا من العجز والتماس العذر و المهرب لن من أراد أن يعمل فسيعمل‬
‫وسيجد الطريق ليعمل وسيبحث ماذا يعلم وسيجتهد في كيفية تحقيق أثر‬
‫عمله إن كان صادقا ً مخلصًا‪.‬‬
‫وإن من تقوى الله عز وجل نصرة دينه ووعده متحققا ً } إن تنصروا الله‬
‫ينصركم ويثبت أقدامكم { ‪ ،‬وإن من تقوى الله تحقيق أخوة اليمان } إنما‬
‫المؤمنون أخوة { ‪.‬‬
‫وإن أردت أن أسترسل معكم في دروس أرض السراء‪ ،‬فإنه حديث لن‬
‫ينتهي؛ ولعلي أقف وقفات مختصرة لنعود إليها من بعد في حديث آخر‪ ،‬صور‬
‫مهمة أكثر ربما أهمية مما ذكرت‪ ،‬المخلصون المجاهدون والشرفاء الطهار‬
‫من أهل فلسطين والفصائل الفلسطينية قالوا كلمة عظيمة أعلنوها واضحة‬
‫جلية مدوية في وسائل العلم‪ " :‬إننا جميعا ً في خندق واحد مع خيار شعبنا‬
‫ومع حكومتنا وسلطتنا ؛ لنكون صفا واحدا في وجه العدو‪ ،‬ل لختلف ول‬
‫لصراع داخلي " وما تسمعونه وترونه أو يقع من الحداث‪ ،‬إنما هو من الذناب‬
‫الذين هم أيضا أعلى مرتبة في دروس الخيانة والعمالة والذلة لعداء السلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬فإن الذين يحركون هذه العمال التي تثير الحزازات أو الفتن‬
‫والشقاق إنما هم يعملون لصالح العداء من الصهاينة المحتلين ومن وراءهم‬
‫من الغربيين‪ ،‬وهم معرفون عند أهل فلسطين ومعرفون أنهم يقبضون‬
‫أجورهم ورواتبهم والرشا التي تدفع لهم من العداء هؤلء سقطوا من أعين‬
‫الناس وهم بهذا‪ ،‬ساقطون من عين الله عز وجل‪ ،‬واقعون في دائرة عظيمة‬
‫من الخطر الدنيوي والعذاب الخروي إل أن يتغمدهم الله برحمة منه فيتوبوا‬
‫ويؤوبوا ويرجعوا إلى دينهم أول ثم إلى أهلهم وإخوانهم ونسائهم وأبناءهم‬
‫فإنهم يزايدون على كل ذلك ويبيعونه بثمن بخس من عرض الدنيا المغموس‬
‫بالذل والمهانة والعمالة والخيانة‪.‬‬
‫وصورة أخرى ربما شهدتموها في ملتقى علماء المسلمين في نصرة‬
‫فلسطين‪ ،‬صورة من تجديد التوحد بين أهل العلم وأهل الرباط لتقول المة‬
‫إنهم جميعا كما قال الله عز وجل } أمة واحدة {‬
‫ولعلنا نذكر في هذا قول الحق عز وجل } فلول نفر من كل فرقة منهم‬
‫طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم { ‪.‬‬
‫تلك طائفة العلم وثمة طائفة الجهاد والرباط‪ ،‬وقد ذكر أهل العلم كالخطابي‬
‫وغيره أن هاتان الفئتان تقومان بحماية المة تلك من عدوها المادي‬
‫العسكري وأولئك من عدوها الفكري والعقدي الذي يسعى إلى النخر في‬
‫عقيدتها والنحلل في سلوكها‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ورأينا كذلك من وراء ذلك صورا من المساندة التي تعلنها مثل هذه العمال‬
‫وكان لسان الحال الذي ينبغي أن نحققه نحن أن نقول لهل فلسطين لستم‬
‫وحدكم‪ ،‬وراءكم أمة إسلمية كاملة لنكم ل تدافعون عن أرض وتراب بل‬
‫تدافعون عن عقيدة وإيمان‪ ،‬لنكم ل تواجهون محتل غاصبا يريد أراضا بل‬
‫تواجهون صاحب عقيدة يريد للسلم وأهله إذلل وقهرا‪ ،‬فنحن معكم ولتقول‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المة كذلك إن علماءها وإن أبرارها وإن أشرافها مجتهدون وعاملون وكأننا‬
‫بهذه الصور من الصمود تجدد لنا أمل في أن تكون هذه المعركة وهذا التحدي‬
‫الكبير وهذا الحصائر الجائر هو أحد أعظم السباب في النهضة من بعد‬
‫الضعف وفي الذكرى من بعد الغفلة‪ ،‬وفي النشاط من بعد الكسل‪ ،‬وفي‬
‫إدراك المسئولية من بعد التفاهة والنشغال بسفساف المور‪.‬‬
‫وها نحن نسمع من يقول مؤكدا هذا المعنى مستمدا من الله عز وجل لن‬
‫محمدا صلى الله عليه وسلم يوم مات عمه ويوم ماتت زوجه ويوم تكالب‬
‫أعداءه وقبل ذلك كان قادما من الطائف لم يلجأ لشيء من أسباب الدنيا ول‬
‫لحد من أهل الرض ولكنه قال في نداءه الخاشع لربه ‪ ) :‬اللهم أشكو إليك‬
‫ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس إن لم يكن بك علي غضب فل‬
‫أبالي ولكن عافيتك أوسع لي ( ‪.‬‬
‫فنزل ملك الجبال ليقول لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬إن الله‬
‫أمرني أن ائتمر بأمرك فإن شئت أن أطبق عليهم الخشبين ‪-‬على أهل مكة‪-‬‬
‫فل يبقى منهم أحد لفعلت‪ ،‬فيقول سيد الرحماء صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل لعل‬
‫الله أن يخرج من أصلبهم من يوحد الله ويؤمن برسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ( ‪.‬‬
‫هكذا نجد صورة المحنة تتنزل بها قوة أعظم وهي قوة اللتجاء إلى الله‬
‫والستمداد منه سبحانه وتعالى‬
‫لم يزل مفتاح بيتي في يدي *** لم أزل أحضن ذكرى بلدي‬
‫ما عرفت اليأس يا جلد يوما *** هذه آلتك اشحذها وهذا جلدي‬
‫لم تزل روحي تحيى أمل *** وسياط القهر تشوي جسدي‬
‫منذ عرفت الله لم أضعف لمخلوق *** ول أرتي من غير ربي مددي‬
‫أيها القاتل يومي بؤ به *** أنت ل تقوى على قتل غدي‬
‫غد ٌ لنا والغد لمة السلم والنصر قادم من سعى فيه نال بركته وأجره ومن‬
‫تخلف عنه فهو المحروم فل تتخلفوا عن نصر دين الله‪ ،‬ول تتخلفوا عن إعزاز‬
‫دين الله ول تتخلفوا عن الوقوف أمام المجاهدين والمرابطين في وجه أعداء‬
‫الله ول تتخلوا عن أمتكم وعزتكم وكرامتكم وتاريخ أمتكم العريق‪.‬‬
‫أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده المؤمنين ‪ ،‬وأن يكتبنا في جنده‬
‫المجاهدين‪ ،‬وأن يجعلنا من ورثة جنة النعيم‪ ،‬وأن يجعلنا من المثبتين‬
‫الناصرين‪ ،‬لخواننا المؤمنين المرابطين في أرض فلسطين وفي كل مكان‬
‫من بلد الدنيا يا رب العالمين‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫دروس من الحداث ‪..‬حرب الخليج‬


‫فإن من الصول المستقرة في باب اليمان بالله عز وجل ‪ :‬اليمان بقضاء‬
‫الله وقدره ‪ ،‬وأن شيئا ً ل يحدث في هذا الكون صغيرا ً أو كبيرا ً إل بعلم الله‬
‫قد َرٍ { ]القمر‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناه ُ ب ِ َ‬ ‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬ ‫عز وجل وإرادته وخلقه له قال تعالى ‪ } :‬إّنا ك ُ ّ‬
‫ل َ‬
‫ست َط ٌَر { ]القمر ‪ . [53‬كما أن‬ ‫م ْ‬ ‫صِغيرٍ وك َِبيرٍ ّ‬ ‫‪ [49‬وقال جل شأنه‪ } :‬وك ُ ّ‬
‫ل َ‬
‫اليمان بالله سبحانه وقضائه وقدره وأسمائه وصفاته ‪ ،‬ل يحصل إل بأن يجزم‬
‫المسلم أن ما يكتبه الله عز وجل ويقدره في هذا الكون فمن ورائه حكمة‬
‫بالغة ولو ظهر للناظر أنه شر ومكروه ‪ .‬فالنسان بإدراكه المحدود في‬
‫الزمان والمكان ‪ ،‬ولن من طبيعته الجهل والظلم ‪ ،‬فإنه ل يمكن أن يدرك‬
‫مآلت المور وعواقبها ‪ ،‬ول يعلم بذلك إل العليم الحكيم خالق الشياء‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومقدرها وعالم الغيب‬


‫ب إل ّ‬ ‫ض الغَي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ت والْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬‫من ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫والشهادة ‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬قل ل ي َعْل ُ‬
‫شعرو َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]النمل ‪ ، [25‬وقال تعالى ‪ } :‬أل ي َعْل ُ‬ ‫ن ي ُب ْعَُثو َ‬‫ن أّيا َ‬ ‫ما ي َ ْ ُ ُ َ‬ ‫هو َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫من‬ ‫ب ِ‬ ‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫خِبيُر { ]الملك ‪ ، [14‬وقال تعالى ‪َ } :‬‬ ‫ف ال َ‬ ‫خل َقَ وهُوَ الل ّ ِ‬
‫طي ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫إ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ب‬‫ن‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫أن‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ول‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬
‫ّ‬ ‫ََْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َِ ٍ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫م ِ َ ٍ ِ‬
‫ة‬ ‫ب‬ ‫صي‬ ‫ّ‬
‫سيٌر { ]الحديد ‪ . [22‬إذ المر كذلك فل شك ول ريب أن ما حصل‬ ‫ي‬
‫ِ َ ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫من أحداث وشرور في أحداث الخليج ‪ ،‬إثر الجتياح العراقي للكويت ‪ ،‬لبد‬
‫وأن نخضعها للصول النفة الذكر ‪ ،‬وأن من حاد عن هذا المنهج فقد خسر‬
‫إيمانه بالله عز وجل أصل ً ‪ ،‬وانحاز إلى معسكر الكفر واللحاد الذين ل‬
‫يؤمنون بشيء من هذه الحقائق ‪ ،‬وإنما يفسرون أحداث التاريخ تفسيرا ً ماديا ً‬
‫معزول ً عن علم الله عز وجل وتقديره وحكمته البالغة فيما يخلق ‪ ،‬وعلى‬
‫ضوء ما سبق فإن الواجب على المسلم إزاء هذه الحداث أن يؤمن إيمانا‬
‫جازما ً أن ما قدره ‪ ،‬الله عز وجل في أحداث الخليج ‪ -‬وإن كانت موجعة‬
‫ومؤلمة ‪ -‬فإن من ورائها حكمة بالغة اقتضتها حكمة أحكم الحاكمين ‪،‬‬
‫والمرتبطة باسمه )الحكيم ( سبحانه وتعالى ‪ .‬ولقد ظهرت بعض الدروس‬
‫والحكم جلية من‬
‫خلل هذه الحداث المؤلمة ‪ ،‬مع أن ما خفي علينا في غيب الله عز وجل من‬
‫الحكم والمصالح أكثر ومن هذه الدروس التي ظهرت ما يلي ‪ :‬الدرس‬
‫الول ‪ :‬التعرف على سنة الله عز وجل في التغيير ‪ ،‬وهي التفسير السلمى‬
‫للحداث ‪ .‬إن ما حصل من أحداث في دولة الكويت وما ترتب على هذا‬
‫الحدث من أمور ومستجدات قد فتح أعينا ً عميا ً وأذانا ً صما ً على حقيقة‬
‫ما‬‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬
‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫مهمة ‪ ،‬وسنة ثابتة ل تتغير أل وهي ‪ } :‬إ ّ‬
‫م { ] الرعد ‪ . [ 11‬وأصبحنا والحمد لله نجد هذه الحقيقة على ألسن‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ب َِأن ُ‬
‫ن الله عليهم باليقظة بعد الغفلة ‪ ،‬رجال ً ونساًء وعوام‬ ‫كثير من الناس الذين م ّ‬
‫ومثقفين ‪ .‬وهذا بحد ذاته نعمة ومنحة ورحمة من الله عز وجل لم تكن‬
‫لتحصل لول قدر الله عز وجل لهذا الحدث ‪ .‬لقد كنا نعترف ونؤمن بهذه‬
‫الحقيقة قبل ذلك ولكنه إيمان ضعيف أما الن فقد تحول هذا اليمان إلى‬
‫صورة واقعية عملية ‪ ،‬صار الخبر فيها عيانا ً ‪ ،‬ول شك أن‬

‫)‪(1 /‬‬

‫اليمان بهذه السنة الثابتة وأثرها على النفوس سيكون أبلغ وأقوى من‬
‫اليمان بها قبل وقوعها ‪ ،‬وكما هو معروف أن الطرق على الحديد وهو ساخن‬
‫أقوى بكثير في تليينه وتأثره من الطرق عليه وهو بارد ‪ .‬كما أن رحمة الله‬
‫عز وجل وحكمته البالغة قد تجلت في هذا الحادث بأنه لم يترك الناس‬
‫ينحدرون وبعجلة سريعة إلى الفساد وهم غافلون عما ينتظرهم من الهوة‬
‫السحيقة التي هم قادمون عليها لو استمر انحدارهم ولم يأت ما يوقفهم‬
‫ويحد من انحدارهم ‪ ،‬ولذا فإن من رحمة الله عز وجل أنه يوقف الناس عن‬
‫فسادهم بالوسائل الشرعية للصلح ‪ ،‬فيقدر عليهم أحداثا ً مؤلمة تشدهم عن‬
‫المزيد من النحدار ‪ ،‬وتقف أمام تهالكهم على الفساد لعلهم يرجعون‬
‫ساد ُ ِفي الب َّر‬ ‫ف َ‬ ‫ويتوبون ويستيقظون من غفلتهم ‪ ،‬قال تعالى ‪ } :‬ظ َهََر ال َ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫جُعو َ‬ ‫مُلوا ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َْر ِ‬ ‫ذي عَ ِ‬‫ض ال َ ِ‬
‫قُهم ب َعْ َ‬
‫ذي َ‬
‫س ل ِي ُ ِ‬
‫دي الّنا ِ‬
‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ ب ِ َ‬
‫]الروم ‪ ، [14 :‬وهذه والله هي عين النعمة والرحمة وإن كان ظاهرها‬
‫التشريد والقتل وفقد الموال ‪ ،‬فإن كل هذه المصائب تهون وتصغر عند فقد‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدين وما يترتب عن ذلك من مفاسد كبيرة فيما لو استمرت عجلة الفساد‬
‫في انحدارها الشديد ولم يأت للناس ما يوقفهم ويهز رؤوسهم ليستيقظوا‬
‫ويتداركوا انفسهم من السقوط في هوة سحيقة هم يتجهون إليها ‪ ،‬لو لم‬
‫يوقفهم الله عز وجل بما يقدره من أحداث ‪ .‬وإن هذا الدرس العظيم ل‬
‫يدركه ول يستفيد منه إل المؤمن الذي يجعل من مثل هذه الحداث بابا ً إلى‬
‫التوبة ومحاسبة النفس والرجوع إلى الله عز وجل ‪ ،‬وتغيير الحوال ‪ .‬أما‬
‫المنافق والمادي والعلماني وغيرهم من أهل اللحاد والزندقة ‪ ،‬فل تراهم إل‬
‫ساخرين ومستهزئين من هذه المعاني العظيمة ‪ ،‬والصول اليمانية الثابتة ‪،‬‬
‫ول تزيدهم هذه المور إل كبرا ً ما هم ببالغيه ‪ ،‬ولن يزيدهم هذا إل رجسا ً إلى‬
‫قو ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫م َزاد َت ْ ُ‬ ‫ل أي ّك ُ ْ‬ ‫من ي َ ُ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫سوَرة ٌ فَ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أنزِل َ ْ‬ ‫رجسهم كما قال تعالى ‪ } :‬وإَذا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫ن * وأ ّ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬‫م يَ ْ‬‫مانا وهُ ْ‬ ‫م إي َ‬ ‫مُنوا فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال َ ِ‬ ‫مانا ً فَأ ّ‬ ‫هَذِهِ إي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن‬‫ن * أَول ي ََروْ َ‬ ‫م كافُِرو َ‬ ‫َ‬ ‫ماُتوا وهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫جسا إلى رِ ْ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ض فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫قُُلوب ِِهم ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]التوبة‬ ‫م ي َذ ّك ُّرو َ‬ ‫ن ول هُ ْ‬ ‫م ل ي َُتوُبو َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫مّرت َي ْ‬ ‫مّرةً أوْ َ‬ ‫عام ٍ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ِفي ك ُ ّ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫أن ّهُ ْ‬
‫ْ‬
‫ت‬‫س ْ‬ ‫كن قَ َ‬ ‫عوا ول َ ِ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫سَنا ت َ َ‬ ‫هم ب َأ ُ‬ ‫جاَء ُ‬ ‫ول إذ ْ َ‬ ‫‪ ، [126- 124‬وقال تعالى ‪ } :‬فَل َ ْ‬
‫ن { ]النعام ‪. [43‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫م وَزي ّ َ‬ ‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫ه‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫الدرس الثاني ‪ :‬تمييز الخبيث من الطيب ‪ :‬يقول الله تعالى ‪َ } :‬‬
‫ن الل ُّ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫بو َ‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬‫ميَز ال َ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬‫ما أنت ُ ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ِي َذ ََر ال ُ‬
‫ب { ]آل عمران ‪ ، [179‬إن من رحمة الله تعالى وحكمته‬ ‫م عََلى الغَي ْ ِ‬ ‫ل ِي ُط ْل ِعَك ُ ْ‬
‫البالغة أن يقدر أحداثا ً مؤلمة تتميز من خللها الصفوف ‪ ،‬وتتعرى فيها‬
‫النفوس ‪ ،‬فتظهر على حقيقتها للناس ‪ ،‬وهذا هو الذي ظهر من خلل هذه‬
‫الحداث ‪ ،‬حيث ظهرت حقائق مهمة ساهمت في توعية الناس والدعاة منهم‬
‫بصفة خاصة ‪ ،‬وذلك بحقيقة أعدائهم ‪ ،‬وتهافت راياتهم ‪ ،‬وانكشاف‬
‫مخططاتهم ‪ ،‬وادعاءاتهم الكاذبة التي كانوا يخدعون بها الناس ‪ ،‬وتعرت بذلك‬
‫دول وأفكار ودعوات ‪ ،‬بل إن النسان نفسه قد تعرى أمام نفسه ‪ ،‬وكشف‬
‫من خلل هذه الحداث حقائق من حوله ومن نفسه ما كانت لتعرف لو لم‬
‫يقدر الله عز وجل مثل هذه الحداث ‪ ،‬وإن هذه الثمرة الكبيرة من توعية‬
‫المسلمين بحقيقة أعدائهم وبحقيقة‬
‫ً‬
‫الفكار والنحل التي تتلطم من حولهم ما كانوا ليعرفوا عنها شيئا ‪ ،‬وبهذا‬
‫الكم الهائل من المعلومات لول تقدير الله سبحانه وتعالى لهذا الحدث ‪ .‬وقد‬
‫حقق الله عز وجل هذه الثمرة في أسابيع عدة ما كانت الدعوة السلمية‬
‫لتحصل عليها في عدة سنوات ‪ ،‬واليام حبلى بدروس وعبر جديدة ‪ ،‬أليس‬
‫هذا من رحمة الله وفضله ؟ بلى والله ‪ ،‬ول يعني هذا أننا نتمنى المصائب‬
‫والفتن ‪ ،‬معاذ الله ‪ ،‬فإن المسلم ل يدري ما تكون حاله حينئذ وقد نهانا‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن ذلك بقوله ‪ « :‬ول تتمنوا لقاء العدو‬
‫وإذا لقيتموه فاصبروا » متفق عليه ‪ .‬ولكن أردت الشارة هنا إلى ربط‬
‫الحداث بعلم الله عز وجل وحكمته البالغة ‪ ،‬وأن شيئا ً في هذا الكون ل يكون‬
‫إل بعلم الله عز وجل وحكمته البالغة ‪ ،‬ويريد الله عز وجل منه الخير‬
‫للمسلمين في الحال أو المآل ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الدرس الثالث ‪ :‬أهمية التوحيد والتربية عليه ‪ :‬لقد ظهر من خلل هذه‬
‫الحداث الهمية البالغة لتربية النفوس على عقيدة التوحيد الخالص ‪ ،‬ولقد‬
‫بدا من خلل الحداث أن هناك ضعفا ً شديدا ً في هذا الجانب المهم في حياة‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلم ‪ ،‬كما ظهر من خلل الحداث أن هذا الصل المهم من أصول اليمان‬
‫لم يأخذ حقه من التربية العلمية والعملية ‪ ،‬ولعل من أهم دروس هذا الحدث‬
‫أن يشعر المسلمون وأرباب التوجيه بضعف هذا الجانب ‪ ،‬وما كان ليعرف‬
‫هذا الخلل لول تقدير الله سبحانه وتعالى لهذه الحداث ‪.‬ومن مظاهر هذا‬
‫الضعف ما حصل من الرتباك الشديد في بعض المفاهيم‬
‫العقدية ‪ ،‬والتي تعتبر من الثوابت والصول التي ل تتزعزع ول تهتز ول تتغير‬
‫مهما تغيرت الحوال والزمان والمكنة ‪ ،‬ومن أهم هذه الصول التي اعتراها‬
‫الهتزاز ‪ :‬مفهوم الولء والبراء ‪ ،‬الولء لله عز وجل ولرسوله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬وللمؤمنين ‪ ،‬والبراءة والعداوة للكافرين والمشركين والمنافقين‬
‫بشتى مللهم وأفكارهم ‪ .‬أما أن يصبح العدو صديقا ً والصديق عدوا ً ‪ ،‬وأما أن‬
‫تبذل المحبة للكافر والعداوة للمسلم ‪ ،‬ويكون الميزان في الحب والعداوة‬
‫موازين الرض وموازين المصالح الشخصية ‪ ،‬فهذا كله مما ترفضه عقيدة‬
‫التوحيد الثابتة ‪ ،‬والتي تقوم الموالة والمعاداة على أساسها ‪ ،‬وهذا هو أصل‬
‫َ‬
‫ف‬‫م ت ََر ك َي ْ َ‬ ‫ل إله إل الله الكلمة الطيبة التي وصفها الله عز وجل بقوله ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫َ‬
‫ماِء *‬ ‫س َ‬ ‫ت وفَْرعَُها ِفي ال ّ‬ ‫صل َُها َثاب ِ ٌ‬ ‫جَرةٍ ط َي ّب َةٍ أ ْ‬ ‫ة كَ َ‬
‫ش َ‬ ‫ة ط َي ّب َ ً‬ ‫م ً‬ ‫مث َل ً ك َل ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫َ‬
‫ه { ]إبراهيم ‪ . [25-24‬وهي الكلمة التي من‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ت ُؤِْتي أكلَها كل ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن ِبإذ ِ‬ ‫حي ٍ‬
‫أجلها أرسل الرسل ‪ ،‬وأنزلت الكتب ‪ ،‬وجاهد من أجلها أنبياء الله عز وجل‬
‫كانت ل َك ُ ُ‬
‫م‬‫هي َ‬ ‫ة ِفي إب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬
‫سوَة ٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ودعاته الصادقين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬قَد ْ َ َ ْ‬
‫فْرَنا‬ ‫ن الل ّهِ ك َ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫م ّ‬ ‫مو ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫م إّنا ب َُرآُء ِ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ه إذ ْ َقاُلوا ل ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫حد َه ُ {‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ و ْ‬ ‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫ضاُء أَبدا ً َ‬ ‫داوَةُ وال ْب َغْ َ‬ ‫م العَ َ‬ ‫دا ب َي ْن ََنا وب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫م وب َ َ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫]الممتحنة ‪ ، [4‬أما ما سواها من المصالح الشخصية والموازين الرضية عدم‬
‫الثبات والروغان ‪ ،‬فالذي يحب وبعادي من أجل المصالح الدنيوية يدور مع‬
‫هذه المصالح حيث دارت ‪ ،‬فقد يعادي في الصباح من أحبه في المساء وقد‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫يوالي في المساء من عاداه في الصباح ‪ ،‬وصدق الله العظيم ‪ } :‬و َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما ل ََها ِ‬ ‫َ‬ ‫خِبيث َةٍ ك َ َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ت الل ُ‬ ‫من قََرارٍ * ي ُث َب ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ق الْر ِ‬ ‫من فَوْ ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫جت ُث ّ ْ‬ ‫خِبيث َةٍ ا ْ‬ ‫جَرةٍ َ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫فعَ ُ‬
‫ل‬ ‫ن وي َ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ه الظال ِ ِ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫خَرةِ وي ُ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وِفي ال ِ‬ ‫ت ِفي ال َ‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا ِبال َ‬ ‫آ َ‬
‫شاُء { ]إبراهيم ‪، [27-26‬‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫الل ُ‬
‫اللهم ثبتنا بقولك الثابت ول تضلنا مع الظالمين ‪ .‬ومما يؤيد الهتمام الشديد‬
‫بالتربية على التوحيد ‪ ،‬ما ظهر من النقص والضعف في توحيد التوكل‬
‫والستعانة والستغاثة وغيرها ‪ ،‬مما نتج عن هذا الضعف من الركون إلى غير‬
‫الله عز وجل من أعداء هذا الدين والثقة بما عندهم أكثر من الثقة فيما عند‬
‫الله عز وجل ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولجل كل ما سبق ظهر أن الحاجة ماسة جدا ً إلى مزيد من التربية على‬
‫العقيدة علما ً وعمل ً ‪ ،‬بأن نتعلم أركان التوحيد وما يضاده من الشرك القديم‬
‫والجديد ‪ ،‬وأن ل يستخفنا الذين ل يوقنون من أرباب السياسة والمصالح‬
‫الرضية فيستهوننا معهم وُيركبوننا في ركابهم ‪ ،‬بل يجب علينا الحذر الشديد‬
‫منهم ومن مكرهم ‪ ،‬وأن نقبل على ديننا نتعلمه ونعمل به وندعو إلى الله‬
‫ونصبر على الذى فيه ‪ ،‬وأن ل نستطيل الطريق أو الوقت الذي نمضيه في‬
‫تعلم التوحيد بكل متعلقاته كما يجب علينا أن نعي واقعنا ‪ ،‬وأن نربط ما‬
‫تعلمناه من دين السلم بقضايا عصرنا ومستجداته من الفكار والنحل التي‬
‫لم تكن موجودة عند أسلفنا ‪ ،‬وأن يكون للتربية الشاملة على التوحيد دورها‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في مواجهة الشرك المعاصر والتي تشن فيه العلمانية معارك طاحنة ضد‬
‫المسلمين بوسائل شتى أي أننا نربد منهجا ً دعويا ً يقوم على )سلفية المنهج‬
‫وعصرية المواجهة( ‪ ،‬ونقصد بالسلفية ‪ :‬العودة بأصول الفهم والستدلل إلى‬
‫الكتاب والسنة وقواعد الفهم المعتبرة لدى أصحاب رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬ومن تبعهم بإحسان ‪ ،‬وذلك لنتمكن من خلل هذا المنهج من‬
‫المواجهة السلفية المعاصرة لمشكلت عصرنا المتجددة ‪ ،‬حيث ل نقصد‬
‫بالسلفية ‪ :‬الوقوف فحسب عند القضايا العقدية التي واجه بها سلفنا الصالح‬
‫انحرافات عصرهم ‪ ،‬وكانت فريضة الوقت يومئذ ‪ ،‬ثم نتخلى عن المعارك‬
‫الطاحنة التي تديرها الجاهلية في المجتمعات المعاصرة حيث ضاعت‬
‫إسلمية الراية وإسلمية النظم ‪ .‬إن السلفية الحقة ل تقبل أن تستهدف‬
‫الدعوة في بض المواقع تحرير العقائد من شرك الموات والتمائم ‪ ،‬وتضرب‬
‫صفحا ً عن شرك الحياء والوضاع والنظم والتي ل تقل خطرا ً عن شرك‬
‫الصنام ‪ ،‬وكل الشركين خطير ‪ ،‬كما ل تقبل السلفية الحقة أن تحارب‬
‫التشبيه والتعطيل في صفات الله عز وجل وتقف عند ذلك ول تعلن الحرب‬
‫على تعطيل الشريعة وتحكيم القوانين الوضعية وفصل الدين عن الدولة ‪.‬‬
‫وإننا بهذا المنهج الشامل والسلفية المعاصرة نسلم وتسلم عقيدتنا الثابتة من‬
‫أي خلط أو اهتزاز كما هو الحاصل في هذه اليام ولكنها الفتن نعوذ بالله منها‬
‫ما ظهر وما بطن ‪ .‬وما أحسن ما كتبه الستاذ محمد قطب في كتابه القيم‬
‫)واقعنا المعاصر( حول أهمية التربية والرد على من يستطيل طريقها ويريد‬
‫قطف الثمرة قبل استكمالها فيقول ص ‪) : 486‬أما الذين يسألون إلى متى‬
‫نظل نربي دون أن )نعمل( ؟ فل نستطيع أن نعطيهم موعدا ً محددا ً فنقول‬
‫لهم ‪ :‬عشر سنوات من الن أو عشرين سنة من الن ! فهذا رجم بالغيب ل‬
‫يعتمد على دليل واضح ‪ ،‬إنما نستطيع أن نقول لهم نظل نربي حتى تتكون‬
‫القاعدة المطلوبة بالحجم المعقول ‪ ( ..‬ثم يستمر وفقه الله حول هذا‬
‫الموضوع إلى أن يقول ‪ .. ) :‬ونكتفي بثلثة أبعاد ننتقيها من بين أبعاد كثيرة‬
‫ومجالت عديدة لنها ذات أهمية خاصة وذلك بالنسبة لبناء القاعدة‬
‫ن{‪،‬‬ ‫مِتي ُ‬
‫قوّةِ ال َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه هُوَ الّرّزاقُ ُذو ال ُ‬ ‫المطلوبة ‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ } :‬إ ّ‬
‫ولو أنك سألت أي إنسان في الطريق من الذي يرزقك لقال لك على البديهة‬
‫‪ :‬الله ولكن انظر إلى هذا النسان إذا ضيق عليه في الرزق يقول ‪ :‬فلن يريد‬
‫قطع رزقي ! فما دللة هذه الكلمة ؟ دللتها أن تلك البديهة التي نطق بها لم‬
‫تكن « يقينا » قلبيا إنما كانت بديهة ذهنية فحسب وبديهة تستقر في وقت‬
‫السلم والمن ‪ ،‬ولكنها تهتز إذا تعرضت للشدة ‪ ،‬لنها ليست عميقة الجذور ‪.‬‬
‫فل يصلح لتلك العباء إل شخص قد استقر في قلبه إلى درجة اليقين أن الله‬
‫هو الرزاق ذو القوة المتين ‪ ،‬وأن الله هو المحي والمميت ‪ ،‬وأن الله هو‬
‫الضار والنافع ‪ ،‬وأن الله هو الذي المعطي والمانع وأن الله هو المسير ‪ ،‬وأن‬
‫الله هو الذي بيده كل شيء ‪ ..‬ترى كم جلسة ‪ ،‬كم درسا ‪ ،‬كم موعظة ‪ ،‬كم‬
‫توجيها يحتاج إليها النسان ليرسخ في قلبه إلى درجة اليقين إن الله هو الذي‬
‫يدبر وأن هذه المخلوقات البشرية التي يخالطها في حياته إن هي إل أدوات‬
‫لقدر الله ‪ ،‬وانها حين تضره فهي بشيء قد كتبه الله له ‪ ،‬فل يتوجه إل إلى‬
‫الله في سرائه وضرائه سواء ويعلم ‪ -‬يقينا ‪ -‬أن الخلق كلهم ل يملكون له ول‬
‫لنفسهم ضرا ً ول نفعًا( ‪ .‬الدرس الرابع ‪ :‬صحة الفهم وحسن القصد ودورهما‬
‫في درء الفتن ‪ :‬في أيام الفتن تضطرب الفهام وتحتار العقول أمام الشبهات‬
‫كما أن القلوب تضعف أمام الشهوات ول يعصم منها إل من عصمه الله‬
‫تعالى بعلم صحيح وفهم دقيق يدرأ بهما الشبهات ‪ ،‬وبدين وتقوى وصبر يدرا‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بها الشهوات ول يسلم من الفتن ورياحها إل من تحلى بهاتين الصفتين ‪:‬‬


‫الفهم الصحيح ‪ ،‬والقصد الصحيح ومن فقد أحدا ً من هاتين الصفتين فقد‬
‫عرض نفسه للفتن ولقد اتضح مظاهر فقد هذين المرين أو أحدهما في هذه‬
‫اليام أيام الحداث والفتن فسقط في هذه الفتن من سقط وهلك فيها من‬
‫هلك ول يتعدى أسباب السقوط هذين المرين النفي الذكر فبضعف اليقين‬
‫والبصيرة تسيطر الشبهات وبضعف التقوى وفساد المقصد تسيطر‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الشهوات ‪ .‬وصحة اليقين والفهم يتمان بأمرين اثنين ‪ :‬بالعلم بدين الله عز‬
‫وجل وأحكامه وشرعه ‪ ،‬وبالعلم بالواقع والفقه فيه وأبعاده ‪ ،‬فمن فرط في‬
‫أي من هذين العلمين والفهمين فسد فهمه وعرض نفسه للشبهات وأخذ‬
‫الباطل يحسبه حقا ً ‪ .‬أما من تحلى بالفهم بأحكام الله والفهم بالواقع ثم وقع‬
‫الول على الثاني فقد تمت له البصيرة ووصل إلى الحق ‪ .‬ولكن معرفة الحق‬
‫ل تكفي في النجاة من الفتن حتى ينضم إليها التقوى والصبر وحسن القصد‬
‫فينقاد إلى الحق الذي ظهر ويذعن له ‪ ،‬وإل لو كان‬
‫الصبر ضعيفا ً أو القصد فاسدا ً فإن المسلم يتعرض للفتن من باب الشهوات‬
‫فل يصبر على الحق والثبات عليه أمام المغريات والشهوات ‪ .‬ولقد ساق‬
‫المام ابن القيم ‪-‬رحمه الله تعالى‪ -‬هذه المعاني بأوضح عبارة وأدقها وأبلغها‬
‫حيث قال ‪-‬رحمه الله‪ -‬في كتابه القيم )أعلم الموقعين( في معرض شرحه‬
‫لخطاب عمر رضي الله عنه‪ -‬إلى أبي موسى الشعري رضي الله عنه‪ -‬في‬
‫القضاء فقال في شرحه لقول عمر ‪) :‬فافهم إذا أدلى إليك( ‪ :‬صحة الفهم‬
‫وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده ‪ ،‬بل ما أعطي‬
‫عبد عطاًء بعد السلم أفضل ول أجل منهما ‪ ،‬بل هما ساقا السلم وقيامه‬
‫عليهما ‪ ،‬وبهما يأمن ‪ ،‬العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم ‪،‬‬
‫وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم ‪ ،‬ويصير من المنعم عليهم الذين‬
‫حسنت فهومهم وقصودهم ‪ .‬وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن‬
‫نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلة ‪ .‬وصحة الفهم نور يقذفه الله‬
‫في قلب العبد يميز به الصحيح والفاسد ‪ ،‬والحق والباطل ‪ ،‬والهدى‬
‫والضلل ‪ ،‬والغي والرشاد ‪ ،‬ويمده حسن القصد وتحري الحق وتقوى الرب‬
‫في السر والعلنية ‪ ،‬ويقطع مادته اتباع الهوى وإيثار الدنيا ‪ ،‬وطلب محمدة‬
‫الخلق وترك التقوى ‪ .‬ول يتمكن المفتي ول الحاكم من الفتوى والحكم بالحق‬
‫إل بنوعين من الفهم ‪ :‬أحدهما ‪ :‬فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم‬
‫حقيقةما وقع بالقرائن والمارات والعلمات ‪ ،‬حتى يحيط به علما ً ‪ .‬النوع‬
‫الثاني ‪ :‬فهم الواجب في الواقع ‪ ،‬وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه‬
‫أو على لسان رسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في هذا الواقع ثم يطبق‬
‫أحدهما على الخر ‪ ،‬فمن بذل جهده واستفراغ وسعه في ذلك لم يعدم‬
‫أجرين أو أجرا ً ؛ فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة‬
‫حكم الله ورسوله ‪ .‬وبعد هذا الكلم المفيد من كلم المام ابن القيم ‪-‬رحمه‬
‫الله تعالى‪ ، -‬وبعد النظر الدقيق للمواقف المضطربة إزاء الحداث والفتن‬
‫هذه اليام ‪ ،‬وبعد خوض من خاض وهلك من هلك فيها إما بقلبه أو لسانه أو‬
‫يده ‪ ،‬يتبين لنا أن هناك خلل ً في منهاج الدعوة عند بعض الدعاة ‪ ،‬ونقصا ً في‬
‫التربية ‪ ،‬لعل من دروس هذه الحداث اكتشافنا لهذا الخلل حتى نتفاداه ‪،‬‬
‫ويمكن مما سبق تلخيص هذا الخلل في النقاط‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم التربية على طلب العلم الشرعي من مصادره الصحيحة وأصوله‬
‫المنضبطة ‪.‬‬
‫‪-2‬عدم التربية على طلب العلم والفقه بالواقع والوعي الصحيح بسبيل‬
‫المؤمنين فيه وبسبيل المجرمين ‪.‬‬
‫‪ -3‬هناك خلل في القلوب وفساد في القصود لبد من تداركه والهتمام‬
‫م الخرة والزهد‬ ‫بتزكية القلوب وتربيتها على الخلص لله عز وجل وإنشاء ه ّ‬
‫في الدنيا وعدم طلب محمدة الناس والتربية على الصبر والثبات أمام‬
‫الشهوات والمغريات ‪ .‬وعندما يتم التغلب على هذه النواع من الخلل ويربى‬
‫الناس عليها وعلى طلبها ‪ ،‬فإنه بإذن الله تتم العصمة من الفتن وأخطارها ‪،‬‬
‫فبالعلم بدين الله والعلم بالواقع نتقي الشبهات ونحسن القصد والخلص لله‬
‫عز وجل ‪ ،‬والصبر أمام المغريات نتقي الشهوات والله أعلم وبعد ‪ :‬فإن‬
‫الدروس والحكم كثيرة وكثيرة ‪ ،‬وليس مقصود البحث هذا هو التفصيل فيها ‪،‬‬
‫ولكن ذكرت بعض هذه العبر والحكم والمصالح من هذا الحادث المحيط بنا‬
‫هذه اليام ؛ لنتذكر من خلله أن لسماء الله عز وجل وصفاته لوازم‬
‫ومقتضيات ل يتم اليمان إل بها ‪ ،‬ومن هذه السماء الكريمة اسم الله‬
‫)الحكيم( ‪ ،‬والذي هو موضوع بحثنا في تفصيل لوازم هذا السم الجليل‬
‫والتعرف على العبوديات التي يضمنها ‪ ،‬والثار التي يتركها في القلب‬
‫والجوارح ‪ ،‬وما يلزم عليه من لوازم ومقتضيات ‪ ،‬ومنها ما تم استعراضه من‬
‫الدروس الماضية لحدث واحد مما يقضيه الله عز وجل ويقدره من بين‬
‫أحداث وأحداث كثيرة تصغر في حجمها وتكبر ولكنها كلها ل تخرج عن علم‬
‫الله عز وجل وتقديره ‪ ،‬ول تخرج عن حكمته البالغة وتيسيره ‪.‬‬
‫مجلة البيان ‪ :‬العدد ‪ 37 :‬التاريخ ‪ :‬رمضان‪1411/‬هـ ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫دروس من الحج‬
‫ن ي َهْدِ الل ُّ‬ ‫َ‬
‫ه فَل َ‬ ‫م ْ‬ ‫سنا‪َ ،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫شُرورِ أن ْ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُرهُ وَن َُعوذ ُ ب ِهِ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ن َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال َ‬
‫مدا ً‬ ‫َ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ض ّ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬ ‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫ن ل ِإل َ‬ ‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ل فل هادِيَ ل ُ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫لل ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ق‬
‫خل َ‬‫َ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ْ‬ ‫خل َ‬ ‫م الذي َ‬ ‫قوا َرب ّك ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ه ?يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫عَب ْد ُه ُ وََر ُ‬
‫ه‬
‫ن بِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ه الذي َتساَءلو َ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫ً‬
‫جال كِثيرا وَِنساًء‪ ،‬وات ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫من ُْهما رِ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جها‪ ،‬وَب َ ّ‬ ‫مْنها َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫قوا الل َّ‬
‫ه‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫لذي‬‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ها‬‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫[‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫النساء‪:‬‬ ‫ا?]‬ ‫ً‬ ‫قيب‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫َ َ ْ ْ َ ِ‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ ّ‬‫إ‬ ‫م‬ ‫رحا‬ ‫ْ‬ ‫وال‬
‫مون? ]آل عمران‪ ? .[102:‬يا أي َّها اّلذين‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ُْ ْ ُ ْ ِ ُ‬ ‫حق ّ ُ ِ ِ َ َ ُ ُ ّ ِ‬
‫إ‬ ‫ن‬ ‫ت‬‫مو‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫تقا‬ ‫َ‬
‫م‪،‬‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُْ‬ ‫فْر ل َك ُْ‬ ‫م‪ ،‬وي َغ ِْ‬ ‫عمال َك ُْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ح ل َك ُْ‬ ‫ل‬ ‫ص‬
‫ُ ْ ِ ْ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ديد‬ ‫س‬
‫َ ِ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫له‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫منوا‬ ‫آ َ‬
‫ظيمًا? ]الحزاب‪.[71:‬‬ ‫قد ْ َفاَز فَوَْزا ً عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫من أعظم العمال الصالحة التي يقوم بها المسلمون في عشر ذي الحجة‬
‫أداء مناسك الحج ‪ .‬إن مناسك الحج مشهد عظيم من مشاهد العبودية التي‬
‫يؤدي فيها المؤمنون عبوديتهم لربهم وخالقهم حيث جاؤوا من كل فج عميق‬
‫يرضون ربهم ‪ ،‬يرجون رحمته‪ ،‬ويخافون عذابه‪.‬‬
‫تلك الجموع التي تلتقي في مكة وما حولها تهتف فيها بالتوحيد والتكبير‬
‫والتسبيح والتلبية والتهليل )لبيك اللهم لبيك لبيك ل شريك لك لبيك إن الحمد‬
‫والنعمة لك والملك ل شريك لك(‪.‬‬
‫الهتاف ليس لبشر ول لشجر ول لحجر‪ ،‬إنما الهتاف فيها لرب الرض والسماء‬
‫ما‬‫م إ ِّل َ‬
‫َ‬
‫م اْلن َْعا ُ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫حل ّ ْ‬ ‫عند َ َرب ّهِ وَأ ُ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫خي ٌْر ل ّ ُ‬‫ت الل ّهِ فَهُوَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫حُر َ‬ ‫م ُ‬ ‫من ي ُعَظ ّ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫? ذ َل ِ َ‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاء ل ِل ّهِ غَي َْر‬ ‫َ‬


‫حن َ َ‬‫ل الّزورِ ُ‬ ‫جت َن ُِبوا قَوْ َ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫ن َاْلوَْثا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫جت َن ُِبوا الّر ْ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫ي ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫وي‬ ‫ه الط ّي ُْر أوْ ت َهْ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫خط َ ُ‬ ‫ماء فَت َ ْ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خّر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَك َأن ّ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫ن ب ِهِ وَ َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫وى‬ ‫ق َ‬
‫من ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م شَعائ َِر اللهِ فإ ِن َّها ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫من ي ُعَظ ْ‬ ‫َ‬
‫ق ذل ِك وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حي ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مكا ٍ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫ب ِهِ الّري ُ‬
‫ب?]الحج‪.[32-30:‬‬ ‫قُلو ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫تتجلى في فريضة الحج أنواع من العبودية القلبية والبدنية والمالية وتتجلى‬
‫في فريضة الحج حكم وأسرار على المسلمين أن يدرسوها ويفقهوها جيدا ً‬
‫وهي كثيرة جدًا‪ ،‬ومن ذلك الطواف حول الكعبة البيت الحرام وهو أول بيت‬
‫وضع للناس متعبدا ً لهم ‪ ،‬لم يبن قبله بيت للعبادة أقيم هذا البيت العتيق‬
‫ليكون قلعة للتوحيد ‪ ،‬ومثابة للموحدين ‪ ،‬وملتقى للمؤمنين المخلصين‪.‬‬
‫لقد شرف الله هذا البيت وحددت معالمه ووضعت دعائمه وعرفت حدوده‬
‫وأركانه‪ ،‬منذ قام إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم بالبناء ومنذ ذلك التاريخ‬
‫والبيت الحرام زاده الله تشريفا ً وتكريما ً يقصده الحجاج والزوار من كل أفق‬
‫ومن كل فج‪ ،‬يطيرون إليه كما تطير الحمائم إلى أوكارها‪ ،‬في أفئدتهم حنين‬
‫وفي قلوبهم مشاعر فياضة من الحب والرغبة لزيارة بيت الله العتيق‪.‬‬
‫أوجب الله على المسلمين في مشارق الرض ومغاربها وشمالها وجنوبها أن‬
‫يولوا وجوههم شطر هذا المسجد الحرام في كل صلة تقام في القارات كلها‬
‫وقد ثبت علميا ً أن مكة شرفها الله تقع في وسط الرض المعمورة‪ ،‬وكأن أم‬
‫القرى أم حقيقية وكأن المصلين حول الكعبة دائرة محدودة لكن هذه الدائرة‬
‫تتسع لتشمل الرض كلها وهي تتجه في صلواتها لله رب العالمين تجمعها‬
‫قبلة واحدة‪ .‬وليست المسألة كما يقول أعداء السلم بأن المسلمين يعبدون‬
‫الحجارة كل؛ فإن الحجر في الكعبة ل يضر ول ينفع ‪ ..‬ولكن هذا تنظيم فرضه‬
‫الله على عباده؛ ليوحد بين الوجوه والقلوب والصفوف‪ .‬وحقيقة البر إنما هو‬
‫في امتثال أمره تعالى واجتناب نهيه والوفاء بعهده ووعده كما قال تعالى‪? :‬‬
‫َ‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْب ِّر َ‬ ‫ب وَل َك ِ ّ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ق َوال ْ َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م قِب َ َ‬ ‫جوهَك ُ ْ‬ ‫س ال ْب ِّر أن ت ُوَّلوا ْ وُ ُ‬ ‫ل ّي ْ َ‬
‫قْرَبى‬ ‫حب ّهِ ذ َِوي ال ْ ُ‬ ‫ل عََلى ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َوآَتى ال ْ َ‬ ‫ب َوالن ّب ِّيي َ‬ ‫ملئ ِك َةِ َوال ْك َِتا ِ‬ ‫خرِ َوال ْ َ‬ ‫َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫َ‬
‫صلة َ َوآَتى‬ ‫م ال ّ‬ ‫ب وَأَقا َ‬ ‫ن وَِفي الّرَقاْ ِ‬ ‫سآئ ِِلي َ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ َ‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫َوال ْي ََتا َ‬
‫ن‬‫حي َ‬ ‫ضّراء وَ ِ‬ ‫ساء وال ّ‬ ‫ن ِفي ال ْب َأ َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫دوا ْ َوال ّ‬ ‫عاهَ ُ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫ن ب ِعَهْدِهِ ْ‬ ‫موُفو َ‬ ‫كاةَ َوال ْ ُ‬ ‫الّز َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ‬
‫ن?]البقرة‪.[177:‬‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫صد َُقوا وَأول َئ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫س أول َئ ِ َ‬ ‫الب َأ ِ‬
‫إن هذه المة السلمية مرتبطة بالنبياء والرسل عليهم الصلة والسلم الذين‬
‫وضعوا حجر الساس في هذا البيت العتيق ونهضوا به وأعلوا دعائمه‬
‫وتضرعوا إلى الله أن يجعلهم وذريتهم مسلمين له طائعين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫ل منا إن َ َ‬
‫ت‬‫ك أن َ‬ ‫قب ّ ْ ِ ّ ِ ّ‬ ‫ل َرب َّنا ت َ َ‬ ‫عي ُ‬ ‫ما ِ‬‫س َ‬ ‫ت وَإ ِ ْ‬ ‫ن ال ْب َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عد َ ِ‬‫وا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫م ال ْ َ‬‫هي ُ‬ ‫? وَإ ِذ ْ ي َْرفَعُ إ ِب َْرا ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك وَأرَِنا‬ ‫ةل َ‬ ‫م ً‬‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫ة ّ‬ ‫م ً‬‫من ذ ُّري ّت َِنا أ ّ‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫نل َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫جعَلَنا ُ‬ ‫م َرب َّنا َوا ْ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ال ّ‬
‫م ي َت ْلوُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫سول ً ّ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ث ِفيهِ ْ‬ ‫م َرب َّنا َواب ْعَ ْ‬ ‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ت الت ّ ّ‬ ‫ك أن َ‬ ‫ب عَلي َْنا إ ِن ّ َ‬ ‫سك ََنا وَت ُ ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫َ‬
‫م?‬ ‫كي‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫ز‬ ‫زي‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫أن‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫كي‬‫ّ‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫آ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ‬
‫]البقرة‪.[129-127:‬‬
‫لقد جعل الله قيادة البشرية للمة السلمية ‪ ،‬وفي هذا من التكريم‬
‫والتشريف للمسلمين عامة وللعرب على وجه الخصوص ما فيه؛ لنهم حملة‬
‫الرسالة الخاتمة التي جاء بها محمد رسول الله صاحب المامة العامة للناس‬
‫جميعا ً وصاحب الرسالة الخاتمة التي أكرم الله بها البشرية‪ .‬ولقد امتن الله‬
‫تعالى علينا بهذه النعمة حيث قال سبحانه‪ ?:‬ك َ َ‬
‫م‬‫منك ُ ْ‬ ‫سول ً ّ‬ ‫م َر ُ‬ ‫سل َْنا ِفيك ُ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫َ‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كوُنوا ْ‬ ‫م تَ ُ‬‫ما ل َ ْ‬
‫كم ّ‬‫م ُ‬‫ة وَي ُعَل ّ ُ‬‫م َ‬‫حك ْ َ‬‫ب َوال ْ ِ‬
‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫م وَي ُعَل ّ ُ‬
‫مك ُ ُ‬ ‫كيك ُ ْ‬ ‫ي َت ُْلو عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م آَيات َِنا وَي َُز ّ‬
‫ن ?]البقرة‪ [151:‬وهو تشريف وأي تشريف‪ ،‬فكما أن الله وجه الناس‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫إلى قبلتكم تشريفا ً لكم‪ ،‬فقد شرفكم الله بابتعاث النبي الخاتم عليه الصلة‬
‫والسلم منكم‪.‬‬
‫وأمام هذا التشريف فإن الواجب أن نحقق ما أراده الله منا من كثرة ذكره‬
‫شك ُُروا ْ ِلي وَل َ ت َك ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫فُرو ِ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫وشكره كما قال في نهاية الية ? َفاذ ْك ُُروِني أذ ْك ُْرك ُ ْ‬
‫?]البقرة‪ [152:‬فهل ذكر العرب دينهم الذي شرفهم الله به‪ ،‬وهل ذكروا‬
‫الكتاب العزيز الذي أنزله الله بلسانهم ‪ ،‬فنفذوا أحكامه وتوجيهاته هل أحلوا‬
‫حلله وحرموا حرامه وهل شكروا الله على هذه النعمة هل أطاعوا رسول‬
‫الله أم بدلوا نعمة الله كفرا ً وأحلوا قومهم دار البوار؟‬
‫إن الكعبة هي قبلة الرض يتوجهون إليها بصلواتهم ويطوفون حولها في‬
‫حجهم وعمرتهم‪ .‬والبيت المعمور هو قبلة أهل السماء وهو موازٍ للكعبة بل‬
‫هو فوقها فيلتقي أهل السماء وأهل الرض على عبادة الله رب العالمين وقد‬
‫خاب وخسر من استكبر عن عبادة الله‪.‬‬
‫ومن الدروس التي يستفيدها المسلم من فريضة الحج ما يقوم به الحاج من‬
‫السعي بين الصفا والمروة‪ ،‬يتذكر وهو يهرول بين الصفا والمروة قصة هاجر‬
‫أم إسماعيل وكيف كان يقينها وتوكلها على الله‪ ،‬فإن الناس غالبا ً ما يبنون‬
‫أمورهم على ماديات‪ ،‬فهم يثقون بما في أيديهم‪ ،‬أما ما في يد الله فإنه ل‬
‫يؤمن به إل القلون ‪ ،‬الرزق غيب ول يؤمن برزق الله إل أصحاب اليمان‬
‫الراسخ‪ .‬والنصر غيب‪ ،‬ول يؤمن بنصر الله إل أصحاب اليمان الصادق واليقين‬
‫الراسخ‪ .‬هذا النوع من اليمان واليقين قلما يوجد لكنه عدة المصلحين‪،‬‬
‫وذخيرة المؤمنين ‪ ،‬كلما اشتدت المحن وأظلم عليهم الليل‪ ،‬ولم يجدوا‬
‫بصيصا ً من نور اطمأنوا إلى أن فجرا ً سيجيء فهم ينتظرون بزوغه وشروقه‬
‫بكل ثقة ويقين‪ .‬تلمح هذه المعاني والدروس حين نجد نبي الله إبراهيم عليه‬
‫الصلة والسلم ينفذ أمر الله بأن يسكن هاجر وابنها الرضيع إسماعيل قريبا ً‬
‫من البيت العتيق بوادٍ غير ذي زرٍع‪ ،‬تركها إبراهيم هناك وانطلق مسلما ً المر‬
‫لله فقالت له هاجر حين رأته مغادرا ً في صمت‪ :‬آلله أمرك بهذا ‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قالت‪ :‬إذا ً ل يضيعنا الله!! وذهب إبراهيم‪ ،‬وبقيت الم برضيعها‪ .‬نفد الزاد‬
‫والماء‪ ،‬ول شيء هناك سوى السماء والرمال والجبال الصم‪ .‬وهنا يختبر‬
‫اليمان ويمحص إلى آخر لحظة‪ ،‬بدأ الرضيع يتلون من العطش‪ ،‬وبدأت الم‬
‫تحس بأن المستقبل يظلم أماها‪ ،‬وبدأت تجري يمينا ً وشمال ً ذلك الوادي بين‬
‫جبلي الصفا والمروة‪ ،‬ثم جاءها الفرج حيث جاء الملك وغمز بجناحه الرض‬
‫فتفجرت زمزم وشرب الرضيع‪ ،‬وشربت الم وبدأ الخير‪.‬‬
‫ً‬
‫هل كانت هاجر أم إسماعيل مع رضيعها تدرك أن ابنها سيكون نبيا وأن الله‬
‫سيجعل من ذريته نبيا ً خاتما ً هو محمد صلى الله عليه وسلم وأنه سيكون من‬
‫ذريته شعب كبير وسيكون من أثره رحمة وهداية وعلما ً وحضارة تظلل‬
‫الرض برحمتها وسناها‪ .‬ما كانت الم تدري شيئا ً عن هذا‪.‬‬
‫ومن هنا يجيء الختبار والبتلء وتقع المصائب والمحن ليستيقظ في نفوسنا‬
‫وفي حياتنا معاني التوكل على الله والثقة به واللجوء إلى كنفه‪ ،‬فمهما‬
‫اشتدت الخطوب وادلهمت المصائب والكروب‪ ،‬فإن نصر الله لعباده متحقق‬
‫ومضمون‪ .‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪ .‬فعلينا أن نثق بربنا وأن نعتصم بديننا‬
‫وأن نتوكل عليه وعلى الله فليتوكل المتوكلون‪.‬‬
‫من العمال الفاضلة التي يشترك فيها الحجاج والمعتمرون مشروعية‬
‫الضاحي‪ ،‬التي يتقربون بها إلى الله تعالى فإن هذه الضاحي سنة أبيكم‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل ل َِرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫إبراهيم ‪ ،‬ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال الله تعالى‪ ? :‬فَ َ‬
‫ص ّ‬
‫حْر ?]الكوثر‪ ، [ 2:‬وفي الحديث الذي أخرجه ابن ماجه والترمذي والحاكم‪:‬‬ ‫َوان ْ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫)ما عمل ابن آدم يوم النحر عمل ً أحب إلى الله من إراقة دم‪ ،‬وإنه لتأتي يوم‬
‫القيامة بأظلفها وقرونها وأشعارها‪ ،‬وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن‬
‫يقع على الرض فطيبوا بها أنفسكم( ‪.‬‬
‫والضحية تكون من بهيمة النعام‪ .‬إما من البل أو البقر أو الضأن أو المعز‬
‫على اختلف أصنافها‪ .‬وللضحية شروط ثلثة‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن تبلغ السن المعتبر شرعًا‪ ،‬وهو خمس سنين في البل وسنتان في‬
‫البقر وسنة كاملة في المعز ونصف سنة في الضأن‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن تكون سليمة من العيوب وهي العرجاء والمريضة ‪ ،‬والعوراء‪،‬‬
‫والهزيلة التي ل مخ فيها‪ ،‬فهذه ل يصح الضحية بها‪.‬‬
‫والشرط الثالث‪ :‬من شروط الضحية أن تقع في الوقت المحدد للضحية ‪:‬‬
‫وهو من بعد صلة العيد وحتى نهاية اليوم الثالث بعد العيد‪ ،‬فأيام الذبح أربعة‬
‫يوم العيد وثلثة أيام بعده‪.‬‬
‫ويجوز أن يشترك سبعة مضحون ببدنة أو بقرة فيكون لكل واحد منهم أضحية‬
‫ويقسمون لحمها أسباعًا‪ .‬والسنة أن يأكل النسان من هديه أو أضحيته‬
‫مَنافِعَ ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫دوا َ‬ ‫شهَ ُ‬‫ويهدي ويتصدق على الفقراء والمساكين ‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫مةِ اْلن َْعام ِ فَك ُُلوا‬ ‫َ‬
‫من ب َِهي َ‬ ‫ت عََلى َ‬
‫ما َرَزقَُهم ّ‬ ‫معُْلو َ‬
‫ما ٍ‬ ‫م الل ّهِ ِفي أّيام ٍ ّ‬ ‫س َ‬‫وَي َذ ْك ُُروا ا ْ‬
‫س ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫قيَر ?]الحج‪.[28:‬‬ ‫ف ِ‬ ‫موا ال َْبائ ِ َ‬‫من َْها وَأط ْعِ ُ‬‫ِ‬
‫فاجعلوا هذه اليام مناسبة لشكر الله تعالى وتكبيره وتعظيمه والحسان إلى‬
‫خلقه بصلة الرحام ومساعدة الفقراء والمساكين وإشاعة روح الخوة‬
‫والتسامح والتعاون على البر والتقوى وتعظيم شعائر الله‪.‬‬
‫راجعه‪ :‬عبد الحميد أحمد مرشد‪.‬‬
‫ي‪ :‬باب ثواب الضحية‪ :‬الحديث رقم‪(3126):‬‬ ‫سنن ابن ماجة‪ :‬كتاب الضاح ّ‬
‫شة رضي الله تعالى عنه‬ ‫عائ ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫)‪(3 /‬‬

‫دروس من العدوان اليهودي على لبنان ‪...‬‬


‫‪12/7/1427‬هـ ـ ‪8/8/2006‬م‬
‫الدرس الول‪ :‬يجب على كل دولة إسلمية وبخاصة العربية منها ‪ -‬لوجود‬
‫خطر العدو اليهودي في قلبها ‪ -‬أن تعد القوة التي تحمي شعبها من عدوها‬
‫الخارجي‪ ،‬إعدادا عقديا لرجالها و إعدادا عسكريا قتاليا بتدريبهم على كل‬
‫أنواع السلح الذي يجب توفير ما يرهب المعتدين‪ ،‬وتتحمل هذه الدول‬
‫مسئوليتها في ذلك حتى ل تسوغ لبعض رعاياها التصرفات العائدة على‬
‫وطنها بالضرر بسبب تقصيرها في حفظ أمن شعبها‪.‬‬
‫الدرس الثاني‪ :‬أكد عدوان اليهود على الشعب اللبناني‪ ،‬حقدهم ورغبتهم‬
‫عندما تتاح لهم الفرصة – التي قد يفتعلونها لي دولة ‪ -‬في تدمير أي بلد‬
‫عربي وكل مرافقه التي بنيت بجهود أهله وعرق جبينهم‪ ،‬وقتل شعبه قتل‬
‫جماعيا‪ ،‬بدون تفريق بين عسكريين ومدنيين بكل فئاتهم ]وفي حادثتي‪ :‬قانة‬
‫الثانية وقاع البقاع برهان[‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدرس الثالث‪ :‬أن هذه الحرب أثبتت للعالم كله‪ ،‬أن القوة العسكرية‬
‫اليهودية التي َأنَزلت الرعب في قلوب حكومات الشعوب السلمية وبخاصة‬
‫الدول العربية‪ ،‬وما كان يقال عن جيش هذه الدولة البغيضة‪ :‬إنه القوة التي ل‬
‫تقهر‪ ،‬أثبتت هذه الحرب التي طرفها الوحيد حزب صغير في بلد عربي صغير‪،‬‬
‫أن تلك الحكومات مصابة بمرض الهزيمة النفسية التي من أهم أسبابها فقد‬
‫العقيدة العسكرية المقدامة‪ ،‬وفقد الرادة القتالية الدفاعية‪ ،‬فضل عن إرادة‬
‫القتال الهجومي على اليهود لطردهم من الرض المباركة المحتلة‪.‬‬
‫الدرس الرابع‪ :‬أظهرت الحرب أن الشعوب السلمية‪ ،‬وبخاصة العربية منها ل‬
‫يمكن أن تقبل وجود السرطان اليهودي على أرضها‪ ،‬وأن هذه الشعوب ل بد‬
‫يوما من اليام أن تستأصل الشجرة اليهودية الخبيثة من جذورها وتحرقها‬
‫وتسفي رمادها في أمواج البحر‪ ،‬مهما اعترفت بهذه الدولة اليهودية‬
‫الحكومات العربية وعقدت معها المعاهدات ورفعت فوق أرض هذه المة‬
‫العلم اليهودية‪ ،‬فإن ذلك كله ل يعبر إل عن شلة تلك الحكومات ول يعبر عن‬
‫الشعوب السلمية‪ ،‬بدليل أن السفراء اليهود ل يشعرون بالطمئنان ول‬
‫يهنئون بالنوم إل بحماية كتائب من الجيوش العربية مدججة بالسلح في‬
‫عواصمها وراء حواجز خرسانية وأكياس ترابية‪.‬‬
‫فجميع فئات المة أعربت عن غضبها على هؤلء اليهود المحتلين‪ :‬علماء‬
‫ومفكرين وإعلميين وسياسيين وأدباء وفنانين‪ ،‬وطالبوا الحكومات العربية‬
‫التي اعترفت باليهود أن يطردوا سفراءهم ويقطعوا العلقات معهم‪.‬‬
‫الدرس الخامس‪ :‬أن الفئة القليلة التي تهتم بجودة التخطيط وقوة الرادة‬
‫واتخاذ السباب الممكنة لمقاومة العدو‪ ،‬وإعداد العدة الشاملة‪ :‬إعدادا‬
‫لرجالها وإيمانا بمبدئها – أّيا كان ذلك المبدأ – ودفاعا عنه وحماية له ولهله‬
‫ولرضه‪ ،‬وإعداد ما تستطيع من أنواع السلح المناسب للعصر‪ ،‬وتدريبا‬
‫لجنودها عليه تدريبا قتاليا متقنا‪ ،‬إن التخطيط وقوة الرادة واتخاذ السباب‬
‫وإعداد العدة‪ ،‬كل ذلك كفيل بنيل تلك الفئة نصيبها من النصر والغلبة على‬
‫عدوها‪ ،‬ومفاجأته مهما كانت قوته بما لم يكن في حسبانه‪.‬‬
‫ت أي فئة – ولو كانت عشرين دولة! ‪ -‬جودة التخطيط‪ ،‬وقوة الرادة‬ ‫قد ْ‬‫فإذا فَ َ‬
‫واتخاذ السباب لمقاومة العدو‪ ،‬والعدة الشاملة‪ ،‬كانت جديرة بتحطيم عدوها‬
‫لكل مقومات حياتها وحياة شعبها‪ ،‬ونالت من الذلل والهانة ما يجعلها تفقد‬
‫كرامتها وعزها ويجعلها من سقط المتاع‪ ،‬يعتدي عدوها على ضرورات حياتها‬
‫وحياة شعبها‪ ،‬من دين ونفس وعقل ومال ونسل وعرض‪.‬‬
‫الدرس السادس‪ :‬سبق أن رعب الدول العربية من العدو اليهودي‪ ،‬سببه‬
‫الهزيمة النفسية‪ ،‬وقد ينسبون ما أصيب به اليهود من خسائر من حزب صغير‬
‫إلى كونه حارب اليهود حرب عصابات‪ ،‬وليس حرب جيش نظامي‪ ،‬وفَْرقٌ بين‬
‫الحربين‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬ل عذر لهم في كون حرب هذا الحزب حرب عصابات‪ ،‬ففي إمكان‬
‫كل دولة عربية أن تنشئ بجانب جيشها النظامي عصابات أقوى من حزب‬
‫الله‪ ،‬لما تملك من إمكانات‪ ،‬وفي إمكان كل الدول العربية مجتمعة أن تنشئ‬
‫عصابات أقوى من تكوين كل دولة على حدة‪ ،‬لما تملك الدول مجتمعة من‬
‫إمكانات‪ ،‬فما الذي يمنعها من الجمع بين القسمين‪ :‬حرب الفدائيين‬
‫]العصابات[ والحرب النظامية‪.‬‬
‫الدرس السابع‪ :‬ل ينبغي لجماعة أو حزب حيازة سلح ثقيل مستقل عن‬
‫الدولة التي توجد بها تلك الجماعة أو ذلك الحزب‪ ،‬ول القدام على إعلن‬
‫حرب على عدو خارجي بعيدا عن تلك الدولة‪ ،‬لما في ذلك من إحداث فوضى‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخطر على عامة الشعب‪ ،‬هذا مع اعترافنا بأن ما حصل في هذه الحرب من‬
‫النكاية بعدونا اليهودي وكسر شوكته ومفاجأته بما لم يكن في حسبانه قد‬
‫سرنا وأثلج صدورنا‪ ،‬لنه بذلك أقام حجتين‪:‬‬
‫الحجة الولى‪ :‬إظهار أكذوبة "جيش العدو التي ل يقهر"‬
‫الحجة الثانية‪ :‬الهزيمة النفسية التي أصابت الحكومات العربية بالرعب‬
‫الوهمي من "الجيش الذي ل يقهر"!‬
‫الدرس الثامن‪ :‬للمقارنة بين حرب ‪1967‬م بين اليهود والدول العربية‬
‫المحيطة بهم‪ ،‬وحرب اليهود الحالية مع حزب صغير في بلد صغير‪ ،‬نرى‬
‫الفرق البعيد بين الحربين من عدة وجوه‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دة‪.‬‬‫دد والعُ ّ‬
‫الوجه الول‪ :‬عدم تكافؤ الفئتين المتحاربتين في العَ َ‬
‫الوجه الثاني‪ :‬في الزمن‪ ،‬فلم تدم حرب ‪ 67‬أكثر من ستة أيام بل أقل‪،‬‬
‫والحرب الحالية استمرت ما يقارب الشهر إلى اليوم‪12/7/1427 :‬هـ ـ‬
‫‪8/8/2006‬م‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬قلة خسائر حزب الله مقارنة بخسائر الدول العربية سنة ‪67‬‬
‫وقلة خسائر الحزب مقارنة بخسائر دولة اليهود التي أرعبت كل الدول‬
‫العربية‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬المساحات الشاسعة التي احتلها اليهود في حرب ‪ 67‬من‬
‫أراضي الدول الثلث‪ ،‬ول زال كثير منها محتل إلى الن‪ ،‬والراضي التي‬
‫أعيدت لهلها أعيدت تحت شروط يهودية مذلة‪ ،‬أما في الحرب الحالية فلم‬
‫يستطع اليهود السيطرة الكاملة على قرية صغيرة برغم ما عندهم من جيش‬
‫وسلح جوي وبري وبحري‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬أن الدول العربية في حرب ‪ 67‬لم يصلوا في إيذاء اليهود‬
‫إلى العمق الذي وصل إليه سلح حزب الله في الحرب الحالية‪.‬‬
‫الدرس التاسع‪ :‬أن العداء من اليهود والصليبيين جميعا‪ ،‬ل قدرة لهم على‬
‫الستمرار في احتلل الشعوب السلمية‪ ،‬وبخاصة العربية إذا ما وضعوا‬
‫أقدامهم على الرض والتقت صفوف جيوشهم بصفوف المجاهدين في هذه‬
‫الشعوب وجها لوجه‪ ،‬مهما عظمت قوة العداء وقلت قوة المجاهدين‪ ،‬وفي‬
‫كل من فلسطين و أفغانستان والعراق ولبنان برهان وفلسطين ساطع على‬
‫ما نقول‪.‬‬
‫ولهذا كان غالب وسائل المعتدين في العدوان على المسلمين يأتي من‬
‫القصف الجوي والبحري والبري البعيد المدى‪ ،‬مع محاولة عدم اللقاء المباشر‬
‫للمجاهدين‪ ،‬إل في حالت نادرة أظهرت لهم أنهم ليسوا أهل للقاء صف‬
‫المجاهدين‪.‬‬
‫فيجب على المسلمين من الذين تطأ أقدام عدوهم أي بلد من بلدانهم أن‬
‫يغتنموا فرصة وجود هذا العدو في الرض وأن يصبروا ويصابروا ويدفعوا عن‬
‫بلدهم وأنفسهم وأعراضهم ومقدساتهم ويطلبوا الشهادة في سبيل الله‬
‫ويطردوهم من أرضهم فالعدو يكره الموت وهم يجبونه ليفوزوا بالشهادة‬
‫ويحيوا حياة الشهداء‪.‬‬
‫ويجب ذلك أيضا على غير المسلمين دفاعا عن وتصديا لدحر الظالمين عن‬
‫أوطانهم‪ ،‬فأهل البلد الواحد يجب أن يلتحموا في دفع العدو عن بلدهم‪ ،‬لنهم‬
‫مظلومون والعدو ظالم‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدرس العاشر‪ :‬أن العدو الكبر المظاهر لليهود على المسلمين وبخاصة‬
‫الشعوب العربية‪ ،‬هي إدارة الدولة المريكية الصليبية‪ ،‬لنها مصرة على تقوية‬
‫الدولة اليهودية المحتلة بكل الوسائل‪ :‬السياسية والدبلوماسية والقتصادية‬
‫والعسكرية‪ ،‬وتثبيت أقدامها في قلب المة السلمية وتمكينها من السيطرة‬
‫الكاملة على هذه المة‪ ،‬بعد زيادة تمزيق هذه الدول وإضعافها‪ ،‬بل وتغيير‬
‫خارطتها تغييرا يجعلها خاضعة خضوعا كامل للبيت البيض وتل أبيب‪.‬‬
‫الدرس الحادي عشر‪ :‬العلم التام أن المنطقة ل يمكن أن تستقر ويستظل‬
‫أهلها بالمن‪ ،‬ما دام لليهود دولة في قلب الوطن السلمي‪ ،‬وأن المسلمين‬
‫مهما قدموا لهذا العدو من تنازلت فإنها ل تقنعه‪ ،‬بل يطلب المزيد من‬
‫التنازلت والمزيد من الهانات والذلل للشعوب ودولها‪ ،‬وكلما مر الوقت‬
‫ك دماء‪ ،‬فملقاة‬ ‫ازداد العدو ضراوة وازدادت المنطقة اضطرابا ودمارا وسف َ‬
‫العدو اليوم مهما عظمت ستكون أقل خسائر من ملقاته غدا‪ ،‬يؤيد ذلك ما‬
‫مضى من الوقت وتاريخ الحتلل اليهودي‪ ،‬وبخاصة أن دعم المريكان‬
‫وغيرهم من الدول الغربية يزداد‪.‬‬
‫الدرس الثاني عشر‪ :‬أن الدولة اليهودية في هذه الحرب حاولت التحرش‬
‫بسوريا‪ ،‬لتجرها إلى الحرب‪ ،‬من أجل أن توسع دائرة قصفها وتدميرها‬
‫للشعب السوري وسفك دمائه‪ ،‬لتدخل المزيد من الرعب في قلوب الحكام‬
‫العرب وشعوبهم‪ ،‬والهدف من ذلك إجبار بقية الدول العربية على العتراف‬
‫الرسمي بدولة الحتلل بشروطها التي تريد إملءها على العرب‪ ،‬ورفع علمها‬
‫في سماء كل عاصمة عربية‪.‬‬
‫الدرس الثالث عشر‪ :‬أن أعمال اليهود العسكرية الحاقدة تشرح شرحا عمليا‬
‫ما وصفهم الله تعالى به في القرآن‪ ،‬وما ثبت في السيرة النبوية والتاريخ‬
‫العام من تأصل الفساد والفساد في الرض في نفوس اليهود ومواقفهم من‬
‫منهج الله ورسله الذين أرسلهم الله بالدعوة إليه فكذبوا من كذبوا منهم‬
‫وقتلوا من قتلوا‪.‬‬
‫ولهذا يجب على الشعوب السلمية‪ ،‬أن يبينوا لطفالهم وشبابهم وأسرهم‬
‫عداوة اليهود لهم معتمدين على تدريسهم كتاب الله والسيرة النبوية والتاريخ‬
‫العام‪ ،‬وبخاصة أن غالب الحكومات في هذه الشعوب قد تقاعست عن هذا‬
‫البيان خضوعا للضغط المريكي اليهودي‪ ،‬بل غيرت مناهجها وحذفت ما يدعو‬
‫إلى جهاد المعتدين وتاريخ فلسطين وخريطته‪ ،‬وفساد اليهود الذي اشتملت‬
‫على بيانه تلك المناهج‪ ،‬لتنشأ أجيال المسلمين جاهلة بكل ذلك‪. .‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الدرس الرابع عشر‪ :‬أن ركون الدول العربية إلى بعض الدول الغربية‪ ،‬بسب‬
‫ما تصدره من تصريحات في مشروعات ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من‬
‫قبله العذاب‪ ،‬هذا الركون ل قيمة له ول ينبغي أن يكون له أي اعتبار‪ ،‬لن‬
‫بعض اللفاظ التي يطرب لها الحكام في تلك التصريحات وتبرزها بعض‬
‫وسائل العلم العربية على أنها مناصرة للعرب‪ ،‬سرعان ما تختفي تلك‬
‫اللفاظ ويعتمد بدل منها ما اعتمدته الدولتان‪ :‬اليهودية والمريكية‪ ،‬مشروع ما‬
‫سيقدم على مجلس ما يسمى بالمن اليوم برهان على ما نقول‪.‬‬
‫وننبه على أن المشروعات التي تقدمها دول الفيتو غير المريكية تكون نهايتها‬
‫التسليم للمشروعات المريكية بتعديلت توافقية خبيثة ماكرة‪ ،‬وأما‬
‫المشروعات المريكية‪ ،‬فإنها تبقى على حالها‪ ،‬ولو اقتضى المر الخروج على‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قرار الغلبية في مجلس المن والنفراد بتنفيذ المشروع المريكي‪ ،‬كما هو‬
‫الحال في الحرب العراقية‪.‬‬
‫الدرس الخامس عشر‪ :‬أن الدول العربية والدول الغربية‪ ،‬ستسارع – باسم‬
‫الدول المانحة – بتعمير ما خربه العدوان اليهودي على لبنان‪ ،‬وهذا أمر‬
‫مر بعد‬ ‫مطلوب ول بد منه‪ ،‬ولكن اليهود يمكن أن يعودوا لتدمير وتهديم ما عُ ّ‬
‫فترة قصيرة أو طويلة‪ ،‬والذي يحفظ العمران والمرافق هو إعداد العدة التي‬
‫م‬‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬ ‫ع ّ‬‫أمر الله بها فل يحمي البلدان ومرافقها إل ذلك‪} :‬وَأ َ ِ‬
‫مل‬ ‫ن ُدون ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬‫ِ‬ ‫خ‬
‫م َوآ َ‬ ‫ن ب ِهِ عَد ُوّ الل ّهِ وَعَد ُوّك ُ ْ‬
‫ل ت ُْرهُِبو َ‬ ‫ط ال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ن رَِبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قُوّةٍ وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ف إ ِلي ْك ُ ْ‬ ‫ل اللهِ ي ُوَ ّ‬ ‫سِبي ِ‬‫يٍء ِفي َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ما ُتنفِ ُ‬‫م وَ َ‬ ‫مهُ ْ‬‫ه ي َعْل ُ‬
‫م الل ُ‬ ‫مون َهُ ْ‬ ‫ت َعْل ُ‬
‫ن )‪] {(60‬النفال[‬ ‫مو َ‬ ‫ت ُظ ْل َ ُ‬
‫الدرس السادس عشر‪ :‬أن الشعوب السلمية أصيبت بالحباط من كبح‬
‫جماح اليهود المحتلين المعتدين‪ ،‬وأصبحت تلك الشعوب يائسة من وقوف أي‬
‫قوة في المنطقة ضد الدولة المحتلة أو حمايتها من عدوانها‪ ،‬ولو كانت أكثر‬
‫من عشرين دولة‪ ،‬فلما ظهر لها أن هذه الدولة العاتية قد وقف أمامها حزب‬
‫صغير في دولة صغيرة ما يقارب الشهر‪ ،‬انتعشت آمالها وجاشت عواطفها‬
‫وهتفت لقادة هذا الحزب‪ ،‬غير عابئة بعقيدته أو مذهبه‪ ،‬لن العمل اليجابي‬
‫الذي يظهر لعامة الناس هو الذي يؤثر فيها ويقنعها‪ ،‬وليست العقائد والمبادئ‬
‫الكامنة في قلوب أهلها‪.‬‬
‫ونحن ل نريد إثارة الخلف بين السنة والشيعة في هذا الوقت وفي هذه‬
‫الحرب‪ ،‬بل ندعو إلى اجتماع كل الطوائف اللبنانية مسلمين وغير مسلمين‪،‬‬
‫سنة وشيعة‪ ،‬أن يكونوا يدا واحدة ضد العدوان اليهودي‪ ،‬إل أننا نلفت نظر‬
‫عامة المسلمين مع تأييدهم للمقاومة اللبنانية‪ ،‬أل ينساقوا مع العواطف التي‬
‫قد تدعوهم إلى التشيع على جهل بما فيه‪ ،‬فبين أهل السنة والشيعة خلفات‬
‫شديدة في العقائد والصول‪ ،‬وليست في الفروع فقط كما يحاول إظهار ذلك‬
‫بعض علماء السنة والشيعة معا مع أن بعض علماء السنة على علم تام‬
‫بخطر عقيدة الشيعة‪ ،‬وليس المقام مقام الخوض فيها الن‪.‬‬
‫الدرس السابع عشر‪ :‬إثبات الشعب اللبناني بكل طوائفه وأحزابه على أنه‬
‫شعب شجاع مقدام‪ ،‬لتزعزعه العواصف ول تنسيه المصائب والحداث‬
‫العظام وقوفه صفا واحدا في وقت الزمات‪ ،‬وإنا لنأمل أن يستمر على هذه‬
‫الثبات وهذه الوحدة بعد انتهاء الحرب‪ ،‬فل بأس أن يحاسب حزب آخر‪،‬‬
‫وجماعة أخرى للوصول إلى ما يفيد الشعب مستقبل في تماسكه والنضواء‬
‫تحت علم واحد لدولة واحدة قوية‪ ،‬هي التي تقرر ما فيه مصلحة لجميع‬
‫طوائف الشعب وأحزابه‪ ،‬سلما وحربا‪.‬‬
‫ولكن يجب أن يجتنبوا بعد انتهاء الحرب النزاع المؤدي إلى الفرقة والتناحر‬
‫الشقاق‪ ،‬فإن ذلك يحقق أهم أهداف العدو‪ ،‬وما قوي العدو في المنطقة إل‬
‫باختلف الدول العربية واختلف أحزابها في الموقف منه‪ ،‬ولو قويت دولة‬
‫عربية واحدة وتماسك شعبها وحكومتها‪ ،‬لهزمت هذه الدولة الجنبية عن‬
‫المنطقة‪.‬‬
‫الدرس الثامن عشر‪ :‬إنه ليسرنا ما أظهره المسلمون في الشعوب السلمية‬
‫وغيرها من تعاطف وحماس ضد العدو اليهودي‪ ،‬وأنا أكرر كلمة "العدو‬
‫اليهودي" خلفا لنظرية بعض الكتاب السياسيين الذين يعتبرون الكلمة غير‬
‫مناسبة‪ ،‬لنا قد نصبح له أصدقاء كما حصل لبعض الدول العربية‪ ،‬أكرر ذلك‬
‫س‬
‫شد ّ الّنا ِ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫جد َ ّ‬ ‫معتمدا على قول الله الذي ل قيمة لقول مخلوق معه‪} :‬ل َت َ ِ‬
‫مُنوا ال ْي َُهوَد‪ [(82)]{...‬والشعوب السلمية ترفض صداقة‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫داوَة ً ل ِل ّ ِ‬ ‫عَ َ‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليهود‪ ،‬وإن صادقتهم بعض حكوماتها‪.‬‬


‫أقول‪ :‬إنه ليسرنا ما أظهره المسلمون في البلدان السلمية وغيرها من‬
‫جاكرتا شرقا إلى المغرب وكيبتاون ولندن ونيويورك غربا‪ ،‬ولكن الذي يصدق‬
‫تلك العواطف وذلك التعاطف هو العون المادي بجانب العون المعنوي‪،‬‬
‫والمقصود بالعون المادي هو جمع المال باستمرار وإمداد المجاهدين‬
‫لفلسطينيين به‪ ،‬ل ليبنوا ما هدمه اليهود من مساكنهم ومرافقهم فقط‪ ،‬فذلك‬
‫تقوم بكثير منه بعض الدول العربية‪ ،‬وكلما بنت شيئا منه عاد إليه اليهود‬
‫فهدموه‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولكن لتوفير السلح الذي ل يجدي غيره في المقاومة وإعانتها‪ ،‬وما وقفت‬
‫المقاومة في لبنان هذه المدة ضد الترسانة اليهودية إل أنها وجدت من يمدها‬
‫بالسلح‪ ،‬ولو وجد المجاهدون في فلسطين ما يوفر لهم عشر ما توفر‬
‫للمقاومة اللبنانية لرأينا العجب العجاب في العدو اليهودي المحتل‪ ،‬لن‬
‫المجاهدين في فلسطين يلتحمون وجها لوجه مع اليهود‪.‬‬
‫ول تعتذروا أيها المسلمون بعدم وسيلة إيصال المال والسلح إلى المجاهدين‬
‫الفلسطينيين‪ ،‬ويكفي أن تتصلوا بهم لتسألوهم‪ :‬كيف هي تلك السبيل؟‬
‫ونوا لجانا لجمع المال‬ ‫وعليكم إن كنتم صادقين في نصرتهم على اليهود أن ت ُك َ ّ‬
‫والبذل الصادق الذي يدعمهم‪ ،‬فليس ما نبذله للمجاهدين تبرعا بل هو فرض‪،‬‬
‫ينوب عن وقوفنا مباشرة في صفهم لقتال عدوهم‪.‬‬
‫الدرس التاسع عشر‪ :‬إننا نشكر الشعوب غير السلمية التي أظهرت تعاطفها‬
‫مع المظلومين في فلسطين ولبنان‪ ،‬ضد حكوماتها الظالمة في كل من‬
‫بريطانيا وأمريكا وفرنسا وفنزويل وجنوب أفريقيا‪ ،‬ونأمل في المزيد من‬
‫التأييد للمظلومين والتنديد بالظالمين ومطالبة الحكومات المؤيدة لليهود‬
‫بالكف عن ذلك أو الستقالة‪ ،‬لنها أصبحت ل تستحق القيام بمسئولياتها في‬
‫شعوبها‪.‬‬
‫كما نشكر رئيس فنزويل الذي سحب سفير بلده من الرض المحتلة احتجاجا‬
‫على العدوان اليهودي‪ ،‬ففعله ذلك يعتبر صفعة لدول عربية لم تفعل فعله‪،‬‬
‫مع أنها أولى بفعل أكثر من ذلك‪.‬‬
‫الدرس العشرون‪ :‬نكرر دعوتنا للشباب المتحمس الذي يغيظه ما يفعله‬
‫اليهود والنصارى الصليبيون في أوطان المة السلمية‪ ،‬نكرر دعوتنا لكم أل‬
‫يحملكم تحمسكم للقيام بقتل المسلمين في بلدانكم بالتفجيرات أو غيرها‪،‬‬
‫سواء كانوا مدنيين أو عسكريين‪ ،‬ونقول لكم‪ :‬إن ذلك ليس جهادا وقتلكم لهم‬
‫أو لنفسكم محرم‪ ،‬وميدان الشهادة ليس هنا‪ ،‬وإنما هناك‪:‬‬
‫‪http://www.al-rawdah.net/r.php?sub0=allbooks&sub1=a5_hadath&p=90‬‬
‫ندعو كافة المسلمين في الرض أن يكثروا الدعاء ليرفع الله عن عباده‬
‫المؤمنين والمظلومين والفتن والمحن‪ ،‬وأن يطمس الله على أموال‬
‫المعتدين من اليهود والنصارى ومن والهم‪ ،‬ويشد على قلوبهم لنهم مع‬
‫كفرهم استغلوا نعم الله وفضله عليهم في العدوان على عباده المؤمنين‪،‬‬
‫ل‬‫فك َّرروا دعاء موسى عليه السلم على فرعون الطاغي اللعين‪} :‬وََقا َ‬
‫ضّلوا‬ ‫ك آتيت فرعَون ومل َه زين ً َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا َرب َّنا ل ِي ُ ِ‬ ‫وال ً ِفي ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ة وَأ ْ‬ ‫سى َرب َّنا إ ِن ّ َ َ ْ َ ِ ْ ْ َ َ َ ُ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫مُنوا َ‬ ‫م فل ي ُؤْ ِ‬ ‫شد ُد ْ عَلى قلوب ِهِ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫س عَلى أ ْ‬
‫م ْ‬
‫سِبيل ِك َرب َّنا اط ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫م )‪] {(88‬يونس{‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب الِلي َ‬ ‫ي ََرْوا العَذا َ‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل‪ ،‬وسبحانك اللهم وبحمدك ل إله إل‬
‫أنت نستغفرك ونتوب عليك‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫دروس من الهجرة‬
‫َ‬
‫ه فَل َ‬ ‫ن ي َهْدِ الل ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سنا‪َ ،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫شُرورِ أن ْ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُرهُ وَن َُعوذ ُ ب ِهِ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ن َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال َ‬
‫مدا ً‬ ‫َ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ن ل ِإل َ‬ ‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ل َفل هادِيَ ل َ ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫ٍ َ َ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫س‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫َ ّ ُ‬‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫ا‬ ‫س‬‫ُ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬
‫ْ ُ ُ ََ ُ ُ‬‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ه‬
‫ن بِ ِ‬ ‫ه الذي َتساَءُلو َ‬ ‫قوا الل َّ‬ ‫جال ً ك َِثيرا ً وَِنساًء‪ ،‬وات ّ ُ‬ ‫من ُْهما رِ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جها‪ ،‬وَب َ ّ‬ ‫مْنها َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ّ‬
‫م َرِقيبا?] النساء‪? .[1:‬يا أي َّها الذي َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْك ُ ْ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مإ ّ‬ ‫والْرحا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫مون? ]آل عمران‪ ? .[102:‬يا أي َّها الذين‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬‫ن إ ِل ّ وأن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫حقّ ُتقات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‪،‬‬ ‫ُ‬
‫م ذ ُُنوب َك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فْر لك ْ‬ ‫م‪ ،‬وي َغْ ِ‬ ‫ُ‬
‫عمالك ْ‬ ‫َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ‬
‫ح لك ْ‬ ‫َ‬ ‫صل ِ ْ‬‫ديدا ي ُ ْ‬‫ً‬ ‫س ِ‬ ‫ً‬
‫قوا الله وَُقولوا قَوْل َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫منوا ات ّ ُ‬ ‫آ َ‬
‫ظيما? ]الحزاب‪.[71:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قد ْ َفاَز فَوَْزا عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫أيها المؤمنون في توديع عام واستقبال عام تتزاحم الذكريات والعبر‪ ،‬وتتجلى‬
‫في النفس اللوامة الحقائق والصور‪ ،‬حين تنظر إلى الماضي وتستشرف‬
‫المستقبل‪.‬‬
‫أيها الناس‪ :‬اتقوا الله تعالى وانظروا وتدبروا في هذه اليام والليالي‪ ،‬فإنها‬
‫مراحل تقطعونها إلى الدار الخرة‪ ،‬وكل يوم يمر بكم‪ ،‬فإنه يبعدكم من الدنيا‬
‫ويقربكم من الخرة‪ ،‬فطوبى لعبد اغتنم فرصة العمر الذي يقربه من ربه‬
‫وخالقه في فعل الطاعات والقربات واجتناب المعاصي والثام‪.‬‬
‫طوبى لعبد اتعظ بما في اليام والليالي من تقلبات المور والحوال‪ ،‬طوبى‬
‫لعبد استدل بتقلبها على أيام لله فيها من الحكم البالغة والسرار واستدل‬
‫ه الل ّي ْ َ‬
‫ل‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫بتلك الحداث والحوال على محدثها ومقلبها ومصرفها ? ي ُ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صاِر?]النور‪.[44:‬‬ ‫ك ل َعِب َْرة ً ّلوِْلي اْلب ْ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫َوالن َّهاَر إ ِ ّ‬
‫أيها المسلمون‪ :‬ألم تروا إلى هذه الشمس كيف تطلع كل يوم من مشرقها‬
‫وتغيب في مغربها‪ .‬وفي ذلك أعظم العظمة والعتبار‪ ،‬فإن طلوعها ثم غيابها‬
‫إيذان بأن هذه الدنيا ليست دار قرار ‪ ،‬وإنما هي ظهور ثم اختفاء وزوال ‪ ،‬ألم‬
‫تروا إلى الشهور كيف تهل علينا يبدوا فيها الهلل صغيرا ً ثم ينموا رويدا ً‬
‫رويدًا‪ ،‬حتى إذا تكامل نموه‪ ،‬أخذ بالنقص والضمحلل ‪ ،‬وهكذا عمر النسان‬
‫سواء ‪ ،‬فاعتبروا يا أولي البصار‪ :‬إذا تم شيء بدا نقصه ‪ ..‬ترقب زوال ً إذا قيل‬
‫تم ‪.‬‬
‫ألم تروا إلى هذه السنين والعوام كيف تنتهي وتتجدد فإذا دخل عام جديد‬
‫نظر النسان إلى آخره نظر البعيد‪ ،‬ثم تمر به اليام سراعا ً فينصرم العام‬
‫كلمح البصر‪ ،‬فإذا هو في آخر العام‪ ،‬وهكذا عمر النسان يتطلع إلى آخره‬
‫تطلع البعيد وينظر إلى الموت نظر الشاك المريب يؤمل النسان بطول‬
‫العمر‪ ،‬ويتسلى بالماني‪ ،‬فإذا بحبل المل قد انصرم وإذا بالموت قد هجم‬
‫ما‬ ‫ك َ‬ ‫حقّ ذ َل ِ َ‬ ‫ت ِبال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫سك َْرةُ ال ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاء ْ‬ ‫عليه ونزل وتحقق ما أخبر الله به ? وَ َ‬
‫د?]ق‪.[19:‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ه تَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ُ‬
‫أيها المسلمون لقد ودعنا عاما ً مضى وارتحل عنا بما فيه واستقبلنا عاما ً‬
‫جديدا ً فليحاسب كل منا نفسه ماذا قدم في العام الماضي؟ وبماذا سيستقبل‬
‫العام الجديد؟ لنتدارك ما فات من الزلل والتقصير بالتوبة والستغفار ولنعزم‬
‫في بقية أعمارنا على اليمان الصادق والعمل الصالح والنابة إلى الله فإننا‬
‫في زمن المكان‪ ،‬وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجل ً بقوله‪" :‬اغتنم‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خمسا ً قبل خمس‪ :‬شبابك قبل هرمك‪ ،‬وصحتك قبل سقمك‪ ،‬وغناك قبل‬
‫فقرك‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪ ،‬وحياتك قبل موتك")(‬
‫أيها المؤمنون يحتفل بعض الناس في بداية العام الهجري الجديد ويقيمون‬
‫الخطب والمناسبات واكتفوا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بالخفيف‬
‫من المظاهر والرسوم ول شك أن سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫بكل ما فيها من مواقف ووقائع جديرة بكل تدبر وتأمل يزيد في اليمان‬
‫ويزكي الخلق ويقوم السلوك‪.‬‬
‫إن الحب الصادق للرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يستدعي‬
‫عزما ً صادقا ً في الستمساك بالصول والحقائق التي جاء بها من عند الله‬
‫والعض عليها بالنواجذ‪ .‬إن الحب رخيصا ً حين يكون زعما ً وكلما ً ولكنه غال‬
‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫حّبو َ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ل ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫حين يكون عمل ً وجهادا ً وإقداما ً ? قُ ْ‬
‫م ?]آل عمران‪.[ 31:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَ ُ‬
‫فوٌر ّر ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه وَي َغْ ِ‬
‫أيها المؤمنون إن هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم معلم بارز في‬
‫سيرته المباركة المليئة بالعظات والدروس والعبر‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وإن من الدروس العظيمة التي ينبغي أن يعيها المسلمون وهم يمرون بأخطر‬
‫هجمة يهودية صليبية حيث يجندون العالم كله لستئصال السلم والقضاء‬
‫على المسلمين ومطاردتهم في كل أرض‪ .‬هذا الدرس هو أن هذا الدين الذي‬
‫أكرمنا الله به ورضيه لنا دينا ً هو السياج الحامي لكل حق في النفس‬
‫والموال والرض والحرية والكرامة‪ ،‬إذا حفظ الدين حفظت النفس وحفظ‬
‫المال والثروات ‪ ،‬بصدق العقيدة تحفظ الرض ويحفظ الهل‪.‬‬
‫أيها المؤمنون‪ :‬تهجر الوطان ويضحى بالنفوس والمهج والثروات من أجل‬
‫الحفاظ على اليمان بالله ورسوله‪ .‬إن درس الهجرة ليؤكد لنا بكل وضوح‬
‫وجلء أن التفريط في العقيدة مآله هلك النفوس وخراب الديار‪ .‬إذا فقد‬
‫الدين فلن يغني من بعده وطن‪ ،‬ول مال‪ ،‬ول أرض‪ .‬وإن من سنن الله الثابتة‬
‫أن القوى المعنوية هي الحافظة للقوى المادية‪ .‬العقيدة والخلق والتربية‬
‫القويمة هي الوسائل الصحيحة للحصول على المكاسب العليا والحفاظ‬
‫عليها‪ .‬إن الهجرة في غايتها فرار بالدين وتلمس لطرق النصر وأمل في‬
‫حصول الفرج وسعي إليه‪ .‬إن ترك الديار والوطان وهجرها والخروج منها فيه‬
‫دور والخراج منها قريبة من القتل كما قال‬ ‫مشقة على النفس‪ ،‬إن ترك ال ّ‬
‫تعالى‪:‬‬
‫ما فَعَُلوه ُ إ ِل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كم ّ‬ ‫من دَِيارِ ُ‬ ‫جوا ْ ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م أوِ ا ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن اقْت ُُلوا ْ أن ُ‬ ‫مأ ِ‬ ‫? وَل َوْ أّنا ك َت َب َْنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫م?]النساء‪.[66 :‬‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫قَِلي ٌ‬
‫ولكن الله تعالى وعد المجاهدين في ذاته والمهاجرين في سبيله بالنصر‬
‫جْر‬‫من ي َُها ِ‬ ‫والظفر في الدنيا والفوز والفلح في الخرة كما قال تعالى‪ ? :‬وَ َ‬
‫ه‬
‫من ب َي ْت ِ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫سعَ ً‬ ‫غما ً ك َِثيرا ً وَ َ‬ ‫مَرا َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ِ‬ ‫جد ْ ِفي ال َْر‬ ‫ل الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ِفي َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن الل ُ‬ ‫على اللهِ وَكا َ‬ ‫جُرهُ َ‬ ‫قد ْ وَقَعَ أ ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ه ال َ‬ ‫م ي ُد ْرِك ُ‬ ‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫جرا إ ِلى اللهِ وََر ُ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ُ‬
‫حيما ?]النساء‪.[100 :‬‬ ‫ً‬ ‫فورا ّر ِ‬ ‫ً‬ ‫غَ ُ‬
‫وقال عن المرتد عن دينه الذين الذي ل يصمدون أمام المحن والفتن‪ ? .‬ل َ‬
‫ن ?]النحل‪ [109 :‬وأثنى سبحانه وتعالى‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جر َ‬
‫سرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫خَرةِ هُ ُ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫على الثابتين على دينهم والقابضين عليه على الرغم من كل أجواء الفتن‬
‫دوا ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما فُت ُِنوا ْ ث ُ ّ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫جُروا ْ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ل ِل ّ ِ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫والمحن فقال‪ ? :‬ث ُ ّ‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دوا‬
‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م?]النحل‪ [110:‬وقال‪َ ? :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ها ل َغَ ُ‬ ‫من ب َعْدِ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫صب َُروا ْ إ ِ ّ‬ ‫وَ َ‬
‫ن?]العنكبوت‪.[ 69:‬‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫معَ ال ُ‬ ‫هل َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫َ‬
‫سب ُلَنا وَإ ِ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ِفيَنا لن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫وإن من دروس هذه الهجرة المباركة كذلك التي ينبغي أن يعيها المسلمون‬
‫جيدا ً هو أن الظلم والطغيان مهما اشتد وتناهى فإنه إلى انتهاء واندحار ‪ ،‬فل‬
‫يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الخر أن يستسلم للباطل أو أن يدب اليأس‬
‫والقنوط إلى نفسه‪ .‬وإنما عليه أن يصبر ويصابر وأن يأخذ بالسباب المتاحة‬
‫أمامه معتمدا ً في ذلك كله على ربه وخالقه لجئا ً إليه متوكل ً عليه مفوضا ً‬
‫المور كلها إليه جل وعل‪ .‬فإن من توكل على الله كفاه‪ ،‬ومن لذ به حماه‪،‬‬
‫ومن استنصر به نصره ووقاه وإن خذله أهل الرض أو كادوا به وفي هذه‬
‫المعاني يقول الله عز وجل منوها ً بهجرة نبيه صلى الله عليه وسلم وبصاحبه‬
‫فُروا ْ َثان ِ َ‬
‫ي‬ ‫ن كَ َ‬ ‫َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫ه إ ِذ ْ أ َ ْ‬‫صَرهُ الل ّ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫صُروهُ فَ َ‬ ‫وخليله أبو بكر‪ ? :‬إ ِل ّ َتن ُ‬
‫َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫معََنا فَأنَز َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫حب ِهِ ل َ ت َ ْ‬‫صا ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ِفي ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ‬ ‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬ ‫اث ْن َي ْ ِ‬
‫ة‬
‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فلى وَكل ِ َ‬ ‫س ْ‬‫فُروا ال ّ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬
‫ة ال ِ‬ ‫م َ‬‫ل كل ِ َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنود ٍ ل ْ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬‫س ِ‬ ‫َ‬
‫م ?]التوبة‪.[ 40:‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ي العُلَيا َوالل ُ‬‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫اللهِ هِ َ‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫أيها الناس ‪ :‬بادروا بالعمال الصالحة قبل أن تشغلوا‪ ،‬فإن فتنا كقطع الليل‬
‫المظلم تدع الحليم حيرانًا‪ ،‬يصبح الرجل فيها مؤمنا ً ويمسي كافرا ً ‪ ،‬ويمسي‬
‫مؤمنا ً ويصبح كافرا ً يبيع دينه بعرض من الدنيا ‪ ،‬لقد رأينا والله في زمننا من‬
‫يبيع دينه وعرضه ووطنه وبلده لليهود والنصارى بثمن بخس حقير قليل‪.‬‬
‫فعلى المسلم أن يتقي الله وأن يصبر ويثبت على دينه حتى يلقى الله‪..‬‬
‫واعلموا أن أمامكم أياما ً فاضلة كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يخصها‬
‫بصيام ويحث على صيامها ‪ ،‬إنها عاشوراء ويوم قبله أو يوم بعده مخالفة‬
‫لليهود‪ ،‬وفي هذا اليوم الغر العاشر من محرم أهلك الله فيه طاغية من‬
‫أعظم الطواغيت الذين ظهروا على مسرح الحياة إنه فرعون وجنده وأنجى‬
‫الله بني إسرائيل من العذاب المهين الذي عاشوه ردحا ً من الزمن ‪ ،‬وفي‬
‫القرآن الكريم بسط لقصة موسى عليه السلم مع فرعون وملئه‪ ..‬ثم كانت‬
‫النهاية التي تنتظر كل جبار عنيد يستعلي في الرض ويضطهد المستضعفين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وحين أراد الله أن يهلك الطغاة الجبابرة من فرعون وقومه أمر نبيه موسى‬
‫ر‬ ‫أن يخرج ببني إسرائيل ليل ً كما قال سبحانه‪ ? :‬وأ َوحينا إَلى موسى أ َ َ‬
‫س ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ َ َْ ِ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫م‬ ‫ذ‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫لء‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ؤ‬ ‫ري َ ِ ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ش ِ‬
‫حا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن فَأْر َ‬ ‫ب ِعَِباِدي إ ِن ّ ُ‬
‫ِ ْ ِ َ ٌ‬ ‫دائ ِ َِ‬‫م َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫مت ّب َُعو َ‬ ‫كم ّ‬
‫ن‬‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫من َ‬ ‫هم ّ‬ ‫جَنا ُ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ن فَأ ْ‬ ‫حاذُِرو َ‬ ‫ميعٌ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن وَإ ِّنا ل َ َ‬ ‫ظو َ‬ ‫م ل ََنا ل ََغائ ِ ُ‬ ‫ن وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫قَِليُلو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ن فَل َ ّ‬ ‫شرِِقي َ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫ل فَأت ْب َُعو ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ها ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ك وَأوَْرث َْنا َ‬ ‫ريم ٍ ك َذ َل ِ َ‬ ‫قام ٍ ك َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَك ُُنوزٍ وَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي َرّبي‬ ‫معِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ك َل إ ِ ّ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫كو َ‬ ‫مد َْر ُ‬ ‫سى إ ِّنا ل ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫مَعا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ت ََراءى ال ْ َ‬
‫فل َقَ فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬‫ل فِْر ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫حَر َفان َ‬ ‫ك ال ْب َ ْ‬ ‫صا َ‬ ‫رب ب ّعَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ض‬
‫نا ْ‬ ‫سى أ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫حي َْنا إ َِلى ُ‬ ‫ن فَأوْ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫سي َهْ ِ‬
‫َ‬
‫ن ث ُّ‬
‫م‬ ‫عي‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫من‬ ‫و‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫أن‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ظي‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫كال‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ُ‬‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫زيُز‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫هم ّ‬ ‫ن أ َك ْث َُر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ك َلي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫أ َغَْرقَْنا اْل َ‬
‫م?]الشعراء‪ [68-52:‬إنه يوم مشهود صامه نبي الله موسى ومن معه‬ ‫حي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫شكرا لله تعالى على هذه النعمة العظيمة نعمة إهلك المجرمين ونصر‬ ‫ً‬
‫المستضعفين‪ ،‬وصامه محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه شكرا ً لله‬
‫فصوموه أيها المؤمنون‪ .‬وأنيبوا إلى ربكم وسلوه أن يهلك فراعنة العصر من‬
‫اليهود والصليبيين والمنافقين المندسين في صفوف المسلمين الذين طغوا‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في البلد فأكثروا فيها الفساد‪ ،‬وكونوا أنتم مؤهلين للنصر والستجابة‬
‫بالستقامة على أمر الله واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪.‬‬
‫واعلموا أن البواب كلها موصدة ول نجاة للمسلمين اليوم إل بالرجوع إلى‬
‫الله وطرق بابه وصدق اللجوء إليه والضراعة والخلص هذا هو طريق‬
‫الخلص ل طريق غيره أبدًا‪.‬‬
‫راجعه‪ /‬عبد الحميد أحمد مرشد‪.‬‬
‫) المسندرك ‪ ،341 /4‬حديث رقم‪ ،7846 :‬وقال الحاكم‪ :‬صحيح على شرط‬
‫الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬وقال الذهبي في التلخيص‪ :‬على شرط البخاري‬
‫ومسلم‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫دروس من سورة الفاتحة‬


‫ن ي َهْدِ الل ُّ‬ ‫َ‬
‫ه فَل َ‬ ‫م ْ‬ ‫سنا‪َ ،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫شُرورِ أن ْ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُرهُ وَن َُعوذ ُ ب ِهِ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ن َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال َ‬
‫مدا ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫ن ل ِإل َ‬ ‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ل َفل هادِيَ ل ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬‫لل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫خل َ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫قك ْ‬ ‫خل َ‬ ‫م الذي َ‬ ‫قوا َرب ّك ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ه ?يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫عَب ْد ُه ُ وََر ُ‬
‫ه‬
‫ن بِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ه الذي َتساَءلو َ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫ً‬
‫جال كِثيرا وَِنساًء‪ ،‬وات ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫من ُْهما رِ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جها‪ ،‬وَب َ ّ‬ ‫مْنها َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ّ‬
‫م َرِقيبا?] النساء‪? .[1:‬يا أي َّها الذي َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ن عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مإ ّ‬ ‫والْرحا َ‬
‫مون? ]آل عمران‪ ? .[102:‬يا أي َّها اّلذين‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ُْ ْ ُ ْ ِ ُ‬ ‫حقّ ُتقات ِ ِ َ َ ُ ُ ّ ِ‬
‫إ‬ ‫ن‬ ‫ت‬‫مو‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫م‪،‬‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُْ‬ ‫فْر ل َك ُْ‬ ‫م‪ ،‬وي َغ ِْ‬ ‫عمال َك ُْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ح ل َك ُْ‬ ‫ل‬ ‫ص‬
‫ُ ْ ِ ْ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ديد‬ ‫س‬
‫َ ِ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫له‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫منوا‬ ‫آ َ‬
‫ظيمًا? ]الحزاب‪.[71:‬‬ ‫قد ْ َفاَز فَوَْزا ً عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫أما بعد‪ ،‬فيا أيها المؤمنون لقد عشنا مع سورة الفاتحة نستلهم منها ما فتح‬
‫الله به من معاني ودروس نلمح إليها إلماحا ً خفيفا ً ونشير إليها إشارات‬
‫مقتضبة‪ .‬وحسبنا أن ندرك ونتدبر كلم الله عز وجل ونحن نتوجه إليه‬
‫بالصلوات ‪ ،‬فإن ذلك أدعى للخشوع وأنفع للقلوب‪.‬‬
‫وإن للصلة معان نفسية يحس بها الذين هم في صلتهم خاشعون‪ ،‬إذ يحس‬
‫أحدهم أن نعم الله تغمره من فوقه ومن تحته ومن أمامه وخلفه وعن يمينه‬
‫وعن شماله فمن حقه عز وجل علينا أن نهتف من قلوبنا ونردد في صلواتنا ‪:‬‬
‫ن?]الفاتحة‪ ،[2:‬ومن حقه تعالى علينا‪ ،‬إذ يمهلنا‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ لل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬‫?ال ْ َ‬
‫نخطئ ونسرف ثم ل يعجل علينا العقوبة والحساب‪ ،‬من حقه عز وجل أن‬
‫م?]الفاتحة‪:‬‬ ‫حي ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫حم ِ‬ ‫نعرفه بأسمائه وصفاته ونتذكر ذلك حين نقول‪ ? :‬الّر ْ‬
‫‪ ،[3‬وإن ما يجب إن نتذكره ول ننساه أن نعلم يقينا ً أننا عائدون إليه‬
‫ن?]الفاتحة‪ [4:‬ثم بعد‬ ‫دي ِ‬ ‫ك ي َوْم ِ ال ّ‬ ‫مال ِ ِ‬ ‫وموقوفون بين يديه مجزيون بأعمالنا ? َ‬
‫ذلك نعاهده على أن نكون عبيدا ً له وحده مستعينين به وحده‪ ،‬متوجهين إليه‬
‫ن?]الفاتحة‪:‬‬ ‫ست َِعي ُ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وإ ِّيا َ‬ ‫ل شريك له حيث نعترف بذلك حين نقرأ ?إ ِّيا َ‬
‫‪.[5‬‬
‫ثم إنك أيها النسان مهما أوتيت من فطنة وذكاء‪ ،‬فإنك أفقر الخلق إلى هداية‬
‫الله لك وتوفيقه وإعانته لك‪.‬‬
‫إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده‬
‫إذا ً فاضرع أيها المسلم إلى الله أن يهديك ويوفقك ويهب لك الخير ويثبتك‬
‫على طريقه القويم وصراطه المستقيم‪ ،‬وأن يجعلك مع المنعم عليهم ممن‬
‫وفقهم وهداهم‪ ،‬مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك‬
‫رفيقًا‪ ،‬وأن يجنبك طريق المغضوب عليهم والضالين ممن تنكبوا الصراط‬
‫وانحرفوا عن الجادة‪ ،‬كل ذلك مطلوب ومرغوب‪ ،‬وهو موجود في قوله تعالى‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ط ال ّذي َ‬
‫غيرِ‬ ‫م َ‬ ‫ت عََليهِ ْ‬ ‫ن أنَعم َ‬ ‫ِ َ‬ ‫صَرا َ‬ ‫م ِ‬ ‫قي َ‬‫مست َ ِ‬ ‫ط ال ُ‬ ‫صَرا َ‬ ‫ل‪? :‬اهدَِنا ال ّ‬ ‫وأن تدعوه قائ ً‬
‫ن?]الفاتحة‪.[7-6:‬‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫م وَل َ ال ّ‬ ‫ب عََليهِ ْ‬ ‫ضو ِ‬ ‫مغ ُ‬ ‫ال َ‬
‫لقد قسم الله الخلق في هذه الية إلى ثلث فرق ‪ :‬قسم عرف الحق واتبعه‬
‫وعمل به وهؤلء هم الذين أنعم الله عليهم بالهداية والتوفيق والرشاد‬
‫والتسديد‪ ،‬وهم الذين زكوا أنفسهم بالعلم النافع والعمل الصالح فهم أهل‬
‫الستقامة على الصراط المستقيم‪.‬‬
‫وقسم عرفوا الحق ولكنهم لم يعملوا به ولم يتبعوه بل خالفوه واتبعوا‬
‫أهواءهم وشهواتهم وهؤلء هم المغضوب عليهم من اليهود ومن سار على‬
‫طريقهم وسلك مسالكهم في مخالفة الحق ومعاداته بعد معرفته ووضوحه‪.‬‬
‫هذا النوع من البشر ممن غضب الله عليهم وفي مقدمتهم اليهود يسلكون‬
‫دائما ً مسالك وعرة وطرقا ً شاقة في مخالفة الحق والصدود عنه‪ُ ،‬يعقدون‬
‫المور ويختلقون الزمات‪ ،‬ويتجلى هذا الفكر التأزيمي للمور في خلق اليهود‬
‫ة‬
‫قْري َ َ‬‫خُلوا ْ هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫أخزاهم الله ‪ ،‬أنظر إليهم وقد أمرهم الله بقوله‪ ? :‬وَإ ِذ ْ قُل َْنا اد ْ ُ‬
‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ة ن ّغْ ِ‬‫حط ّ ٌ‬ ‫جدا ً وَُقوُلوا ْ ِ‬‫س ّ‬ ‫ب ُ‬ ‫خُلوا ْ ال َْبا َ‬ ‫غدا ً َواد ْ ُ‬‫م َر َ‬ ‫شئ ْت ُ ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫من َْها َ‬‫فَك ُُلوا ْ ِ‬
‫ل ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ذي ِقي َ‬ ‫موا ْ قَوْل ً غَي َْر ال ّ ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫ن فَب َد ّ َ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬ ‫زيد ُ ال ْ ُ‬ ‫سن َ ِ‬
‫م وَ َ‬ ‫خ َ‬
‫طاَياك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ?]البقرة‪-58:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫ف ُ‬‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ماء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫جزا ّ‬ ‫موا رِ ْ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫فَأنَزلَنا عَلى ال ِ‬
‫‪ .[59‬فقد أمرهم بالدخول إلى بيت المقدس متواضعين خاضعين لله على‬
‫هيئة معينة من الركوع وأمرهم أن يقولوا كلمة حتى يحط الله عنهم ذنوبهم‬
‫وخطاياهم ولكن الفكر التأزيمي أبى إل أن يخالف ما أمر به ‪ ،‬لقد بدلوا ‪،‬‬
‫فدخلوا الباب يزحفون على أوراكهم وغيروا القول الذي أمروا به وحرفوه‬
‫فبدل أن يقولوا حطة قالوا حبة في شعرة أو شعرة والحاصل أنهم خالفوا ما‬
‫أمروا به من الفعل والقول‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وانظر إلى هؤلء المجرمين وقد أمرهم نبيهم موسى عليه السلم بذبح بقرة‬
‫ن‬ ‫قومه إن الل ّه يأ ْمرك ُ َ‬ ‫كيف أزموا المسألة وعقدوها‪ ? ..‬وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫مأ ْ‬ ‫َ َ ُ ُ ْ‬ ‫سى ل ِ َ ْ ِ ِ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬
‫ن َقاُلوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل أَ ُ‬ ‫خذ َُنا هُُزوا ً َقا َ‬ ‫قَرةً َقاُلوا ْ أ َت َت ّ ِ‬ ‫حوا ْ ب َ َ‬
‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ن أكو َ‬ ‫عوذ ُ ِباللهِ أ ْ‬ ‫ت َذ ْب َ ُ‬
‫ن‬
‫ن ب َي ْ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ْ‬
‫ض وَل ب ِكٌر عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قَرةٌ ل فارِ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ل إ ِن َّها ب َ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ي قا َ‬‫َ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫اد ْع ُ لَنا َرب ّك ي ُب َّين لَنا َ‬ ‫َ‬
‫قول إ ِن َّها‬ ‫ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما لوْن َُها قال إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن قالوا اد ْع ُ لَنا َرب ّك ي ُب َّين لَنا َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مرو َ‬ ‫ما ت ُؤْ َ‬ ‫ك َفافْعَُلوا ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ن‬ ‫ي إِ ّ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ك ي ُب َّين ل َّنا َ‬ ‫ن َقاُلوا ْ اد ْع ُ ل ََنا َرب ّ َ‬ ‫ري َ‬ ‫سّر الّناظ ِ ِ‬ ‫فَراء َفاقِعٌ ل ّوْن َُها ت َ ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫قَرة ٌ َ‬ ‫بَ َ‬
‫قَرة ٌ ل ّ ذ َُلو ٌ‬
‫ل‬ ‫ل إ ِن َّها ب َ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ِّ ُ‬‫ن‬‫إ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ت‬ ‫ه‬
‫ُ ُ َْ ُ َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫شاء‬ ‫َ‬ ‫إن‬ ‫َ‬
‫ال َ َ َ َ َ َ ْ َ َ ِ ّ ِ‬
‫نا‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ب‬
‫ت ِبال ْ َ‬ ‫ة ِفيَها َقاُلوا ْ ال َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫جئ ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة لّ ِ‬
‫شي َ َ‬ ‫م ٌ‬‫سل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ث ُ‬ ‫حْر َ‬ ‫قي ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ض وَل َ ت َ ْ‬ ‫ت ُِثيُر الْر َ‬
‫ن?]البقرة‪.[71-67:‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫كاُدوا ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فَذ َب َ ُ‬
‫أرأيت هذا التعنت والتكلف والتأزيم في أوامر الله إنهم لو تركوا ذلك التعقيد‬
‫وذبحوا بقرة من أي نوع لجزأتهم وقاموا بالواجب ولكنهم شددوا فشدد الله‬
‫عليهم‪ .‬إذ لم يجدوا هذه البقرة إل عند رجل رفض أن يبيعها إل بوزنها ذهبا ً‬
‫فذبحوها وما كادوا يفعلون‪ .‬إن هذا الفكر التأزيمي والتعقيدي للمور فكر‬
‫بقري‪ ،‬وقد نهانا الله عز وجل أن نسلك هذا المسلك الشائن الذي ل يريده‬
‫الله ول يرضاه ل في أمور ديننا أو دنيانا‪ .‬إن دين الله عز وجل سهل ميسر‬
‫واضح جلي يقوم على العلم بالحق ومعرفته واتباعه ‪ ،‬إن مظاهر الفكر‬
‫التأزيمي البقري الذي نراه في حياتنا يتمثل في هذه الزمات التي نعيشها‬
‫شعبا ً ودولة ‪ ،‬إن الدولة والشعب الجميع يعلمون حق العلم مظاهر‬
‫المشكلت وجذورها ويعلمون الحل السليم لها ولكنهم ل يعملون بشيء من‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك ‪ ،‬كلنا نتفق أن الفساد المالي والداري قد نخر أمتنا عقودا ً من السنين‬
‫ونعلم المفسدين والفاسدين ولكن ماذا عملنا لهم‪ ،‬إننا نؤزم المور ونتخبط‬
‫في التيه ونحن نعلم الطريق‪ .‬أليس هذا طريق من طرق المغضوب عليهم‬
‫ونحن نسأل الله عز وجل في كل ركعة أن يجنبنا طرائقهم ومسالكهم‪.‬‬
‫أما القسم الثالث فهم الضالون وهم الذين يجهلون الحق وبالتالي ل‬
‫يستطيعون السير عليه وإنما يسيرون في الغواية والضلل وهؤلء هم‬
‫النصارى ومن شابههم ممن يعبدون الله بغير معرفة ول دليل ول برهان وإنما‬
‫يتخبطون خبط عشواء يقلدون الباء والجداد ويتبعون التقاليد والعادات‪.‬‬
‫فيكبرون الصغائر ويهونون العظائم من العبادات والمور ولذا نجد أن الله عز‬
‫ب ل َ ت َغُْلوا ْ ِفي‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ل َيا أ َهْ َ‬ ‫وجل وصف النصارى بالضلل في قوله‪ ? :‬قُ ْ‬
‫ضّلوا ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ضلوا كِثيرا وَ َ‬ ‫ل وَأ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ضّلوا ِ‬
‫ْ‬ ‫واء قَوْم ٍ قَد ْ َ‬‫حقّ وَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ أهْ َ‬ ‫م غَي َْر ال ْ َ‬ ‫ِدين ِك ُ ْ‬
‫ل ?] المائدة‪.[77:‬‬ ‫سِبي ِ‬‫واء ال ّ‬ ‫س َ‬‫عن َ‬ ‫َ‬
‫وفي الترمذي وصحيح ابن حبان من حديث عدي بن حاتم قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" :-‬اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلل"‪.‬‬
‫عليك أيها المسلم بالعلم والعمل والبحث عن الحق والتمسك به كما علمنا‬
‫الله عز وجل في هذه السورة العظيمة‪ .‬حيث نثني عليه ونضرع إليه ونسأله‬
‫أن يهدينا الصراط المستقيم‪ ،‬وأن يجنبنا طرق المغضوب عليهم والضالين في‬
‫ط ال ّذي َ‬
‫ر‬ ‫م َ‬
‫غي ِ‬ ‫ت عََليهِ ْ‬ ‫ن أنَعم َ‬ ‫صَرا َ ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قي َ‬‫مست َ ِ‬ ‫صَرا َ‬
‫ط ال ُ‬ ‫دنا ال ّ‬ ‫قولنا ودعائنا ‪ ? :‬اه ِ‬
‫ن?]البقرة‪ .[7-6:‬ويسن لمن يقرأ فاتحة الكتاب‬ ‫ضاّلي َ‬‫م وَل َ ال ّ‬ ‫ب عََليهِ ْ‬ ‫ضو ِ‬ ‫مغ ُ‬ ‫ال َ‬
‫في الصلة أن يقول بعدها آمين ومعناه‪ :‬اللهم استجب ‪ ،‬ففي الحديث المتفق‬
‫على صحته عن أبي هريرة عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪" :‬إذا‬
‫أمن المام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملئكة غفر له ما تقدم من‬
‫ذنبه"‪.‬‬
‫ولمسلم أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪ ":‬إذا قال أحدكم في‬
‫الصلة آمين والملئكة في السماء آمين فوافقت أحداهما الخرى غفر له ما‬
‫تقدم من ذنبه"‪.‬‬
‫وفي الترمذي وأبي داود أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬إذا قال‬
‫ن? فقولوا‪ :‬آمين"‪.‬‬ ‫ضاّلي َ‬‫م وَل َ ال ّ‬ ‫ب عََليهِ ْ‬ ‫ضو ِ‬‫مغ ُ‬ ‫غيرِ ال َ‬ ‫م َ‬ ‫المام ? ‪ ...‬عََليهِ ْ‬
‫وأخرج المام أحمد وابن ماجه والبيهقي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله‬
‫عنها أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬ما حسدتكم اليهود على شيء‬
‫ما حسدتكم على السلم والتأمين"‪ .‬فأحبوا يا عباد الله هذه السورة الشافية‬
‫الكافية وتدبروا معانيها وأمنوا في آخرها ورحم الله من قال آمين‪.‬‬
‫ولكبد مقروحة من يبيعنيها كبدا ً ليست بذات قروح‬
‫إياها على الناس ل يشترونها ومن يشتري ذا علة بصحيح‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫نعم أيها المؤمنون إن قلوبنا وأكبادنا لتتقرح وتتفطر مما نرى ونسمع عن‬
‫أحوال مجتمعنا في جانبه السلوكي والخلقي‪ .‬هذا الجانب الذي طالما فاخرنا‬
‫به الخرين فمجتمعنا مجتمع محافظ على دينه وأخلقه وقيمه ومبادئه‪ .‬غير‬
‫أننا نلحظ زحفا ً أخلقيا ً وظلما ً قادما ً من الغرب الصليبي‪ ،‬يزاحم أخلقنا‬
‫ويمحوها محوًا‪ ،‬أل ترون أيها الناس بأن أخلقنا الرفيعة كالعدل والصدق‬
‫والمانة والعفة ‪ ،‬والتكافل والتعاون على البر والتقوى‪ ،‬والمر بالمعروف‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنهي عن المكر ‪ ،‬تنزوي وتتوارى من واقعنا لتحل محلها أخلق الظلم‬


‫والكذب والخيانة والغدر والعهر والفجور‪.‬‬
‫لقد تبلدت المشاعر وماتت الغيرة والشهامة عند كثير من الناس ‪ ..‬هذا الذي‬
‫يسمح لبنته أو أخته ومحارمه أن تغيب عن البيت ساعات وربما ليالي وأياما ً‬
‫في أنشطة مشبوهة دون حرج ول خجل ماذا نقول عنه؟ هذه العروض‬
‫لفتياتنا وبناتنا إلى ماذا تهدف وما الغرض من ذلك؟ومما يحز في النفس‬
‫ويملها كمدا ً أن تتحول بعض أماكن التربية والتعليم إلى أوكار للفساد‬
‫واقتناص للرذائل وترويج للنحلل‪.‬‬
‫أيها المؤمنون‪ :‬ل يخفى عليكم بأننا نعيش في زمن يتسم بالتنظيم‬
‫والتخطيط‪ ،‬فالذين ل يريدون الخير لهذه البلد يقننون للجريمة وينظمونها ‪،‬‬
‫إن الجرائم ليست عقوبة ولكنها جرائم منظمة في شكل عصابات ومافيات‬
‫تروج الخمور والمخدرات وتتاجر بالعراض وترتكب جرائم بشعة من الخطف‬
‫والغتصاب وارتكاب الزنا واللواط ‪ ،‬وحدثني أحد الغيورين على دينه وأمته‬
‫بأن عصابات تستغل ظروف الفقر والحاجة لبعض السر الفقيرة والجاهلة‬
‫فيأخذون منهم بناتهم باسم العمل ثم يمارسون ألوانا ً من الفجور في الداخل‬
‫والخارج‪.‬‬
‫ومعظم هذه النحرافات تتم من وراء الكواليس إذ أن المة بشكل عام ل‬
‫يزال الخير كامن فيها ‪ ،‬فإذا ما ظهر لها الفساد ومن يقف وراءه فإنها تغضب‬
‫وتثور وتنتصر لدينها وكرامتها ‪.‬‬
‫فتحية إكبار واعتزاز نقدمها للذين يغضبون لحرمات الله ويحافظون ويصونون‬
‫كرامة المة‪ .‬وإننا نطالب المسئولين في كافة المواقع أن يسارعوا في حسم‬
‫مادة الفساد والمفسدين‪ ،‬فإن التستر على الجرائم أو التهاون في تنفيذ‬
‫الحكام أمر له عواقب وخيمة قد ل يصيب الذين ظلموا فقط ولكنها ستكون‬
‫مدمرة وشاملة والعياذ بالله‪.‬‬
‫وأنتم أيها المؤمنون‪:‬‬
‫• احرصوا على أبنائكم وبناتكم وتعهدوهم بالتربية والتوجيه وحذار حذار من‬
‫الهمال والتقصير وترك الحبل على غاربه‪ ،‬فإنها مسئولية وأمانة في‬
‫أعناقكم‪.‬‬
‫• مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وتعقبوا المجرمين وتعاونوا على‬
‫مطاردتهم ومحاربتهم بالوسائل الرسمية والشعبية‪.‬‬
‫• اهجروا الدعة والكسل واللمبالة وكأن المر ل يعنيكم ‪ ،‬بل كونوا إيجابيين‬
‫متحركين متفاعلين مع دينكم وأخلقكم وأمتكم ‪ ،‬تحبون لله وتغضبون لله إذا‬
‫انتهكت حرماته ‪ ،‬فل ينجيكم من عقاب الله إل ذلك‪ .‬إن تنصروا الله ينصركم‬
‫وإن تطيعوه تهتدوا‪ ،‬وليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو‬
‫يصيبهم عذاب أليم‪.‬‬
‫راجعه‪ /‬عبد الحميد أحمد مرشد‬
‫)‪(1‬ـ سنن الترمذي ‪ ،2954 ،204 /5‬وصححه اللباني‪.‬‬
‫)‪(2‬ـ البخاري ‪ ،1/270‬حديث رقم ‪ ، 747‬ومسلم ‪ ،1/307‬حديث رقم‪.410 :‬‬
‫)‪(3‬ـ مسلم ‪ ،1/307‬حديث رقم‪.410 :‬‬
‫)‪(4‬ـ مسلم ‪ ،1/310‬حديث رقم‪.415 :‬‬
‫)‪(5‬ـ سنن ابن ماجة ‪ ،278 /1‬حديث رقم‪ ،856 :‬وصححه اللباني‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دروس من غزوة أحد )‪(1/2‬‬


‫إعداد ‪ -:‬علي البغدادي ‪7/7/1424‬‬
‫‪04/09/2003‬‬
‫أول‪ :‬اتخاذ القرار‬
‫بعد الهزيمة النكراء التي منيت بها قريش في بدر‪ ,‬أخذت روح الثأر تحركهم‬
‫للنتقام من المسلمين ‪ ..‬فقرروا أن ينفقوا ربح التجارة من القافلة التي‬
‫أفلتت من المسلمين في تجهيز جيش يوجه لغزو المدينة ودعوا الحابيش‬
‫وقبائل كنانة وتهامة للمشاركة في القتال ‪ ..‬فتجمع لهم ثلثة آلف مقاتل ‪..‬‬
‫عزموا على الطباق على المدينة على حين غرة من أهلها‪.‬‬
‫علم العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم – وكان يقيم‬
‫بمكة ويكتم إسلمه ويرسل للنبي صلى الله عليه وسلم أخبار ما يدور في‬
‫مكة‪ -‬بأمر الجيش‪ ,‬فأرسل رسالة عاجلة بالمر إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم مع رجل واشترط عليه أن يصل إلى المدينة في ثلثة أيام‪ ,‬فأدرك‬
‫الرجل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بقباء‪ ,‬فأعطاه الرسالة وقرأها له أبي‬
‫بن كعب‪ ,‬وطلب صلى الله عليه وسلم من أبي أن ل يخبر أحدا ‪ ..‬وأرسل‬
‫رجلين من أصحابه لرصد تحركات قريش ومعرفة المكان الذي وصلوا إليه‪.‬‬
‫ورأى رسول الله رؤيا فقال لصحابه ) إني قد رأيت والله خيرا‪ ,‬رأيت بقرا‬
‫لي تذبح‪ ,‬ورأيت في ذباب سيفي ثلما‪ ,‬ورأيت أني أدخلت يدي في درع‬
‫حصينة‪ ,‬وأني مردف كبشا( وأّول النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا بأن البقر‬
‫ناس من الصحابة يقتلون والثلم في ذباب السيف فهو رجل من أهل بيته‬
‫يقتل‪ ,‬وأما الكبش فإنه يقتل كبش القوم‪ ,‬والدرع الحصينة هي المدينة‪.‬‬
‫واجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة ليتشاوروا بالمر وينظروا ماذا‬
‫يصنعون ‪ ..‬وقد أرادها النبي صلى الله عليه وسلم حرب شوارع فكان يرى أل‬
‫يخرج المسلمون من المدينة ويتحصنوا بها فإن أقام المشركون في‬
‫معسكرهم أقاموا بشر مقام وإن دخلوا المدينة قاتلهم المسلمون على أفواه‬
‫الزقة‪ ,‬والنساء والطفال يرمونهم بالحجارة من فوق البيوت ‪ ..‬فالمشركون‬
‫كما علم النبي صلى الله عليه وسلم من عيونه يفوقون المسلمين عددا‬
‫وعدة وقد جاءوا والشر يتطاير من عيونهم تحركهم نوازع الثأر والنتقام‬
‫فالجدر هو التحصن بالمدينة التي يعرفونها جيدا وإقامة الكمائن ومشاركة‬
‫الجميع في القتال بما في ذلك النساء والطفال والشيوخ ‪ ..‬فيتشتت جيش‬
‫العدو في المدينة ويفقد ميزة التفوق العددي‪ ,‬ووافقه على ذلك جمع من كبار‬
‫الصحابة كما كان هذا رأي عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين الذي‬
‫استشاره الرسول صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله كنا نقاتل في‬
‫الجاهلية فيها‪ ,‬ونجعل النساء والذراري في الصياصي ونجعل معهم الحجارة‪,‬‬
‫والله لربما مكث الولدان شهرا ينقلون الحجارة إعدادا لعدونا‪ ,‬ونشبك‬
‫المدينة بالبنيان لتكون كالحصن من كل ناحية‪ ,‬وترمي المرأة والصبي من‬
‫فوق الصياصي والطام ونقاتل بأسيافنا في السكك‪ ,‬يا رسول الله إن مدينتنا‬
‫عذراء ما فضت علينا قط وما خرجنا إلى عدو قط إل أصاب منا وما دخل‬
‫علينا قط إل أصبناه‪ ,‬فدعهم يا رسول الله فإنهم إن أقاموا أقاموا بشر‬
‫محبس وإن رجعوا رجعوا خائبين مغلوبين لم ينالوا خيرا‪ ,‬يا رسول الله‬
‫أطعني في هذا المر واعلم أني ورثت هذا الرأي من أكابر قومي وأهل الرأي‬
‫منهم فهم كانوا أهل الحرب والتجربة‪.‬‬
‫وكان هناك رأي آخر توله شباب المدينة من كبار الصحابة وخاصة الذين‬
‫فاتهم القتال في بدر‪ ,‬قالوا )إنا نخشى يا رسول الله أن يظن عدونا أنا كرهنا‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخروج جبنا عن لقائهم فيكون هذا جرأة منهم علينا وقد كنت يوم بدر في‬
‫ثلث مائة رجل فظفرك الله عليهم ونحن اليوم بشر كثير وقد كنا نتمنى هذا‬
‫اليوم وندعو الله به فقد ساقه الله إلينا في ساحتنا(‪.‬‬
‫وقال مالك بن سنان‪ :‬يا رسول الله نحن والله بين إحدى الحسنيين إما أن‬
‫يظفرنا بهم أو يرزقنا الشهادة‪.‬‬
‫وقال حمزة‪ :‬والذي أنزل عليك الكتاب ل أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم‬
‫بسيفي هذا خارجا من المدينة‪.‬‬
‫وقال إياس بن أوس‪ :‬يا رسول الله نحن بنو عبد الشهل نرجو أن نذبح ويذبح‬
‫فينا فنصير إلى الجنة ويصيرون إلى النار مع أني يا رسول الله ل أحب أن‬
‫ترجع قريش فيقولون حصرنا محمدا في صياصي يثرب وآطامها فيكون هذا‬
‫جرأة لقريش‪.‬‬
‫وقال النعمان بن مالك‪ :‬يا رسول الله لم تحرمنا الجنة؟ فوالذي ل إله إل الله‬
‫لدخلنها‪ ,‬فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬بم؟ قال‪ :‬إني أحب الله‬
‫ورسوله ول أفر يوم الزحف‪ ,‬فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬صدقت‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن جحش‪ :‬اللهم إني أسألك أن ألقى العدو غدا‪ ,‬فيقتلوني‪ ,‬ثم‬
‫يبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني وتسألني فيم ذلك فأقول فيك‪.‬‬
‫وكان هذا رأي الغلبية الذي عارض رأي الرسول صلى الله عليه وسلم بكل‬
‫حرية‪ ..‬ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الرأي ولبس درعه‬
‫وحمل سلحه ‪ ..‬فشعر المسلمون الذين ألحوا بالخروج بالندم وقالوا‪:‬‬
‫استكرهنا رسول الله‪ ,‬وعرضوا عليه العودة إلى رأيه الول ‪ ..‬فأبى وقال‪:‬‬
‫) ما ينبغي لنبي إذا لبس لمة الحرب أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين‬
‫عدوه(‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تعتبر عملية اتخاذ القرار من أصعب العمليات التي تواجه القيادة في مسيرها‬
‫‪ ..‬بل إن عملية اتخاذ القرار في حقيقتها هي لب القيادة ‪ ..‬فالقائد الناجح هو‬
‫الذي ينجح في اتخاذ القرار المناسب من بين البدائل المطروحة‪ ,‬ونحن هنا‬
‫أمام عملية متفردة في كيفية اتخاذ القرار ‪ ..‬لقد كان أمام المسلمين خياران‬
‫‪ ..‬البقاء بالمدينة والتحصن بها ولهذا الخيار حيثياته ودوافعه ‪ ..‬وخيار الخروج‬
‫لملقاة العدو ولهذا الخيار أيضا حيثياته ودوافعه ‪ ..‬وكان على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أن يتخذ قراره في هذا الموقف العصيب‪.‬‬
‫والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا في هذه الحادثة درسا عظيما في‬
‫كيفية اتخاذ القرار‪ ,‬لقد اعتمد في اتخاذه لهذا القرار على جمع الحقائق‬
‫واستخدمها بتفكير منطقي واستشار أصحابه ثم جاء العزم بل تردد والتنفيذ‬
‫بل تراجع ‪..‬‬
‫وهذه هي آلية اتخاذ القرار عند الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪(1‬جمع الحقائق‬
‫وهي المادة الخام لتخاذ القرار ‪ ..‬ويتوقف نجاح القرار على وفرة الحقائق‬
‫ودقة المعلومات ‪ ..‬فكلما توفرت معلومات دقيقة كان القرار أقرب إلى‬
‫الرشد والصحة‪.‬‬
‫وقد رأينا حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على جمع المعلومات‬
‫وتحقيقها عن طريق الرسالة التي بعث بها عمه العباس‪ ,‬كما تبين ذلك من‬
‫إرساله لبعض أصحابه لستكشاف جيش المشركين ومعرفة مدى التقدم‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي وصلوا إليه في مسيرهم‪.‬‬


‫ومن بين الحقائق التي توفرت لديه الرؤيا التي رآها وأولها ورؤياه صلى الله‬
‫عليه وسلم حق‪.‬‬
‫‪(2‬التفكير المنطقي‬
‫وهي عملية تذكر الحقائق والحوادث ومعرفة مدى ارتباطها ببعض‪ ,‬وحتى‬
‫يكون التفكير منطقيا يجب أن يكون دقيقا وواضحا ويخلو من التناقض‬
‫والتداعي‪.‬‬
‫وكان للرأيين في مسألة خروج الجيش من المدينة أو البقاء فيها منطقهما‬
‫فالرأي الول كان منطقه أن المسلمين أقل عددا وأن البقاء في المدينة به‬
‫ميزة تشتيت جيش المشركين في أزقة المدينة‪ ,‬وإمكانية مشاركة كل‬
‫الطاقات بما فيها النساء والشيوخ والطفال في القتال‪ ,‬كما أن المسلمين‬
‫أكثر معرفة بطرق المدينة وأزقتها‪.‬‬
‫وكان منطق الرأي الخر هو أن المسلمين قد انتصروا في بدر وهم الن أكثر‬
‫عددا‪ ,‬وأن المسلمين سيفقدون هيبتهم بين العرب إذا قال المشركون أنهم‬
‫حصروا المسلمين في المدينة‪.‬‬
‫ولكل الرأيين منطقه حسب الحقائق التي يؤمن بها ‪ ..‬ويربط بينها‪ ,‬والطريقة‬
‫التي يفكر بها‪ ,‬والقابلية العقلية التي يتمتع بها‪ ,‬ولبد من أمر يحسم الخلف‪.‬‬
‫‪(3‬الشورى‬
‫وهي مبدأ أساسي من مبادئ السلم ‪ ..‬وقد رأينا كيف عبر كل فريق من‬
‫المسلمين بل والمنافقين عن آرائهم بكل حرية وشفافية ‪ ..‬وقد أقر الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم رأي الغلبية مع أنه كان يدرك أنه رأي خاطئ ‪ ..‬وفي‬
‫هذا إقرار لمبدأ الشورى وتربية عملية للمة على هذا المبدأ الذي كان يراه‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أهم من النتصار في‬
‫معركة‪ ,‬فل نبذ لمبدأ الشورى أبدا‪ ,‬حتى بوجود قيادة راشدة‪ ,‬وحتى لو كانت‬
‫المة ناشئة‪ ,‬وحتى لو كانت في ظروف المعركة‪ ,‬وحتى لو استغلها الطابور‬
‫الخامس‪.‬‬
‫وهذا يضع المة أمام مسئولياتها ويجعلها تتحمل نتائج قراراتها ول ينبغي‬
‫للقائد أن يستبد برأيه لن النتيجة عندها سيتحملها هو وحده أما إذا كان‬
‫القرار للمة فهي عندئذ ستتحمل النتائج سواء كانت محزنة أم مفرحة‪ ,‬فمن‬
‫يملك القرار يتحمل النتائج‪.‬‬
‫ول شيء يحفظ للمة وحدتها وللقائد هيبته أكثر من الشورى‪ ,‬وقد انسحب‬
‫عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش فيما بعد والجيش في طريقه‬
‫للمعركة ‪ ..‬وقال أطاعهم وعصاني ‪ ..‬هذا مع أن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قد أمضى رأي الغلبية فكيف كان المر لو أنه أصر على رأيه؟‬
‫وماذا كان سيحدث لو أصر الرسول صلى الله عليه وسلم على رأيه وهزم‬
‫المسلمون؟‬
‫صحيح أن هذه أسئلة افتراضية ولكن القائد عليه أن يقلب المور من جميع‬
‫الجوانب وهو يتخذ قراره‪.‬‬
‫ومع أن الشورى أدت إلى نتيجة سلبية وهي الهزيمة في أحد إل أن الله‬
‫سبحانه وتعالى أنزل بعد المعركة الية الكريمة ) فبما رحمة من الله لنت‬
‫لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم‬
‫وشاورهم في المر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين(‬
‫) آل عمران ‪( 159:‬‬
‫‪(4‬العزم‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن للمشورة والمناقشة وطرح الراء أوقاتها‪ ,‬وللتنفيذ والمضي والعمل‬


‫أوقاتها‪ ,‬وقد أخذ النقاش في المسألة الوقت اللزم واستقر الرأي على‬
‫الخروج ‪ ..‬فل ينبغي بعد ذلك العودة للنقاش مرة أخرى والتردد في اتخاذ‬
‫القرار طالما لم يجد جديد‪ ,‬وإل تميعت المور وتبلبلت الراء‪.‬‬
‫لقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الستمرار في الرأي المتفق‬
‫عليه هو الولى حتى وإن كان يعتقد بخطئه وهذا أفضل من التردد في القرار‬
‫المعتقد بصوابه‪.‬‬
‫فتخيل حجم الفوضى والبلبلة التي كانت ستحدث لو أن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم عاد وخلع لمته وقرر البقاء في المدينة !‬
‫ماذا سيكون أثر ذلك على وحدة الصف؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكيف سيستغل المنافقون والمرجفون هذه الواقعة؟ وكيف ستكون هيبة‬


‫القائد؟‬
‫لقد قرر المسلمون الخروج ‪ ..‬فعليهم أن يخرجوا ويتحملوا النتيجة‪ ,‬أما التردد‬
‫‪ ..‬نخرج أو ل نخرج فهذا خطره عظيم ول يليق بالرجال‪.‬‬
‫إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا‬
‫ولكن هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم مخطئا إذ لم يصر على رأيه‬
‫وهو يتوقع النتيجة؟‬
‫لقد كان القرار الصحيح ول شك هو رأي الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بالبقاء في المدينة والتحصن بها ‪ ..‬وهذا هو الدرس الذي استفاد منه‬
‫المسلمون فيما بعد في غزوة الخندق‪ ,‬ولكن القرار الرشيد أو السديد هو‬
‫الخروج لملقاة العدو‪.‬‬
‫وهنا نشير إلى الفرق بين القرار الرشيد والقرار الصحيح‪ ,‬فليس بالضرورة‬
‫أن يكون القرار الرشيد صحيحا ل يحتمل الخطأ ‪ ..‬ولكن القرار الرشيد هو‬
‫أحسن قرار في ظل الظروف القائمة بما يحقق الهداف المرجوة‪.‬‬
‫وهذا ما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم فاختار القرار المناسب ووضع‬
‫المة أمام مسئولياتها ول شك في أن النتائج النهائية وما تعلمه المسلمون‬
‫أهم من النتصار في معركة‪.‬‬
‫وما أحوجنا نحن المسلمين في هذا العصر إلى أن نتعلم كيف نتخذ قراراتنا‬
‫ونتحمل مسئولياتنا‪..‬فكم منيت المة بخسائر وويلت بسبب قرارات طائشة‬
‫أو متعجلة لم تأخذ حقها من الدراسة في ظل غياب الشورى وحرية‬
‫الرأي‪..‬ومتى يأتي اليوم الذي تملك فيه المة قرارها كما كانت تملكه في‬
‫زمن الرسول صلى الله عليه وسلم؟‬
‫ثانيا‪ :‬المعركة )‪(1‬‬
‫‪.1‬مسرح العمليات‬
‫منطقة صحراوية مستوية تبرز بها سلسلة جبال الحجاز كما يبرز بها جبلن‬
‫سلع وهو قليل الرتفاع‪ ,‬والثاني جبل أحد الذي نشب القتال‬ ‫أحدهما جبل َ‬
‫بالقرب منه‪ ,‬وهو يشرف على الرض التي اصطفت فيها قوات الطرفين وهو‬
‫جبل كثير المسالك والشعاب تقطعه عدة وديان وبه بعض الفجوات التي‬
‫تصلح لختفاء القناصة‪ ,‬كما تحيط بالمنطقة صخور بركانية يصعب القتال فيها‪.‬‬
‫إذن فأرض المعركة سهل مستو‪ ,‬وهو بهذا الوصف يصلح للقتال وجها لوجه‪,‬‬
‫وهو بذلك يفرض نوعية معينة من الجند‪ ,‬ذلك أن القتال في الرض‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المكشوفة يتطلب شجاعة وقوة وقدرة ورغبة في الجهاد أو الستشهاد‪ ,‬وهذه‬


‫الصفات كانت من علمات المسلمين المقاتلين‪.‬‬
‫وأرض المعركة يسيطر عليها جبل أحد‪ ,‬ذلك أنه منطقة مرتفعة تكشف‬
‫السهل أمامها‪ ,‬ومن هنا فإن الجانب الذي يسيطر على هذا الجبل يملك‬
‫السيطرة على أرض المعركة‪ ,‬ويكون موقفه أرجح وأقوى من الجانب الخر‪,‬‬
‫وهذا هو الدافع الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بالجبل‬
‫اهتماما بالغا فجعله تحت سيطرته وفي يد رجاله‪.‬‬
‫وقد لعب جبل أحد دورا خطيرا في هذه المعركة التي سميت باسمه‪ ,‬فقد‬
‫كانت كفة المعركة تميل إلى الجانب السلمي‪ ,‬والجبل تحت سيطرة‬
‫المسلمين‪ ,‬فلما فقدوا سيطرتهم عليه وانتقلت إلى قوى قريش رجحت كفة‬
‫هؤلء وصار النصر للمغلوب دون الغالب)‪.(2‬‬
‫وقد وصل المشركون قبل المسلمين إلى المكان وعسكروا بجانب أحد‪ ,‬ومع‬
‫ذلك لم يستفيدوا شيئا من هذا ولم يختاروا الموقع الستراتيجي الذي يلئمهم‬
‫‪ ..‬وقد يعود هذا إلى ضيق أفقهم العسكري فعرب الجاهلية لم يخوضوا حروبا‬
‫منظمة‪..‬‬
‫أما الرسول صلى الله عليه وسلم فكان يدرك المر جيدا لذلك سعى‬
‫للوصول إلى جبل أحد‪ ,‬وكان جيش المشركين يحول بينه وبين الجبل فسأل‬
‫عن طريق يؤدي بالجيش إلى هناك ويجتاز به تجمع المشركين‪ ,‬فدله أبو‬
‫خيثمة على طريق مختصر يمر في حرة بني حارثة‪ ,‬ولما مر الجيش في‬
‫طريقه بحائط لمربع الحارثي وكان رجل منافقا ضرير البصر‪ ,‬قام يحثي في‬
‫وجوههم التراب ويمنعهم من عبور الحائط ويتطاول على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فهم به بعض الصحابة ليقتلوه‪ ,‬فقال الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬ل تقتلوه فهذا العمى أعمى القلب أعمى البصر‪.‬‬
‫وقد استفاد المسلمون من عبورهم لهذا الطريق‪ ,‬فوصلوا بسرعة دون تعب‪,‬‬
‫ولم تر قريش عدد قواتهم‪ ,‬كما أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم زمام‬
‫المبادرة وفرض أرض المعركة التي تناسب جيشه‪.‬‬
‫‪.2‬التعبئة‬
‫استعد المشركون بجيش كبير بلغ ثلثة آلف مقاتل معهم مائتا فرس وثلثة‬
‫آلف بعير‪ ,‬وجعلوا القيادة لبي سفيان‪ ,‬وعلى الميمنة خالد بن الوليد وعلى‬
‫الميسرة عكرمة بن أبي جهل‪ ,‬وكان اللواء عند طلحة بن أبي طلحة من بني‬
‫عبد الدار‪ ,‬وعبأ المشركون جيشهم بأسلوب الصفوف الذي تعلموه من‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر‪.‬‬
‫أما في الجانب السلمي فقد استعد المسلمون وخرجوا للقتال بجيش قوامه‬
‫ألف مقاتل‪ ,‬وعندما وصل جيش المسلمين الشوط بين أحد والمدينة ‪ -‬بحيث‬
‫يرى الجيشان بعضهما‪ -‬انشق ابن سلول بثلث الجيش ‪ ..‬وقال‪ :‬أطاعهم‬
‫وعصاني‪ ,‬وما ندري علم نقتل أنفسنا أيها الناس ‪ ..‬فتبعه عبد الله بن عمرو‬
‫بن حرام وطلب منه الرجوع فقال‪ :‬لو نعلم أن هناك قتال لتبعناكم ‪ ..‬وأبى‬
‫أن يرجع فقال عبد الله‪ :‬أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله نبيكم عنكم‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فبقي من الجيش سبعمائة مقاتل واصل بهم الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫المسير حتى وصل إلى شعب أحد فعبأ الجيش صفوفا‪ ,‬وجعل على الميمنة‬
‫علي بن أبي طالب وعلى الميسرة المقداد بن عمرو‪ ,‬وفي القلب حمزة بن‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبد المطلب‪ ,‬ولبس الرسول صلى الله عليه وسلم درعين ظاهر بينهما‬
‫وأعطى اللواء لمصعب بن عمير من بني عبد الدار وكان العرف أنهم حملة‬
‫اللواء‪.‬‬
‫‪.3‬تكتيك المعركة‬
‫‪.1‬خطة أبي سفيان ‪:‬‬
‫المفاجأة‬
‫فقد كان يرغب بمفاجأة المسلمين في المدينة ويأخذهم على حين غرة دون‬
‫أن يعرفوا بتحركهم وبخروجهم ودون أن يستعدوا‪ ,‬ولكن يقظة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وأصحابه حالت دون المر ففشل هذا المخطط بعد أن علم‬
‫المسلمون بخبر التحرك بوسائل عدة منها رسالة العباس وجماعات‬
‫الستطلع التي أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم تستطلع خبر قريش )‪(3‬‬
‫وقد اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم موقفا مضادا ل تتحقق به‬
‫المفاجأة فقد أمر عليه السلم بتشكيل قوة حراسة من خمسين رجل قويا‬
‫وكلفها بحراسة المدينة وحمايتها حتى ل تباغت‪.‬‬
‫ولقد أدرك أبو سفيان أن أمر الجيش قد عرف‪ ,‬وأن الثر الذي كان ينشده‬
‫من المفاجأة قد زال‪ ,‬فالمسلمون قد عرفوا بمسيرهم وعددهم واتخذوا‬
‫لنفسهم الحيطة ومن هنا فقد فقد المل في إصابتهم الصابة التي كان‬
‫يرجوها عند خروجهم ولبد من تغيير الخطة‪ ,‬فقال لقومه‪) :‬احلف بالله إنهم‬
‫جاءوا محمدا فخبروه مسيرنا‪ ,‬وحذروه واخبروه بعددنا فهم الن يلزمون‬
‫صياصيهم فما إن نصب منهم شيئا في وجهنا(‪.‬‬
‫وفكر القوم ماذا يعملون؟ وكيف يتصرفون؟‬
‫وتأتي الجابة على لسان صفوان بن أمية‪) :‬إن لم يصحروا لنا )‪ (4‬عمدنا إلى‬
‫نخل الوس والخزرج فقطعناه‪ ,‬فتركناهم ول أموال لهم فل يجتبرونها أبدا‬
‫وإن صحروا إلينا فعددنا أكثر من عددهم وسلحنا أكثر من سلحهم ولنا خيل‬
‫ول خيل معهم ونحن نقاتل على وتر )ثأر( ول وتر لهم عندنا(‪.‬‬
‫شحذ الهمم والتذكير بالثأر‬
‫قال أبو سفيان لصحاب اللواء من بني عبد الدار تحريضا لهم‪) :‬يا بني عبد‬
‫الدار إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم‪ ,‬وإنما يؤتى الناس من‬
‫قبل راياتهم‪ ,‬إذا زالت زالوا‪ ,‬فإما أن تكفونا لواءنا‪ ,‬وإما أن تخلوا بيننا وبينه‬
‫فنكفيكموه( فهموا به وتواعدوه‪ ,‬وقالوا‪ :‬نحن نسلم إليك لواءنا ؟! ستعلم غدا‬
‫إذا التقينا كيف نصنع‪ .‬وهذا ما أراده أبو سفيان‪ ,‬وقد استبسل بنو عبد الدار‬
‫في حماية اللواء حتى أبيدوا‪.‬‬
‫واستصحب المشركون معهم النساء زيادة في التحميس للقتال‪ ,‬وقد أدت‬
‫هند زوج أبي سفيان ومعها النساء دورا مهما في التحريض ضد المسلمين‪.‬‬
‫العتماد على التخذيل والتفريق‬
‫أراد أبو سفيان أن يثير القلقل بين صفوف المسلمين عند اللقاء بقصد‬
‫تشتيت تجمعهم وبعثرة جهودهم وتفرقة قواتهم وبث الوهن بين صفوفهم‬
‫فيضعف شأنهم ويسهل بالتالي ضربهم‪.‬‬
‫ولقد فشل هذا التخطيط فعندما التقى الجمعان عرض أبو سفيان على‬
‫الوس والخزرج أن يتخلوا عن رسول الله وعن المهاجرين حتى ينصرف هو‬
‫ورجاله عنهم‪ ,‬فقال لهم‪ :‬يا معشر الوس والخزرج خلوا بيننا وبين بني عمنا‬
‫وننصرف عنكم‪ ,‬ولكن النصار رفضوا دعوته وأبوا أن يتخلوا عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين فهم مسلمون أول ورابطة‬
‫السلم هي الولى‪ ,‬كما أنهم أصحاب بيعة العقبة‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم قام أبو عامر الفاسق وهو السم الذي أطلقه عليه الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم وكان قبل ذلك يسمى الراهب ونادى قومه من الوس ‪ -‬وكان‬
‫قبل الهجرة كبيرا في قومه‪ -‬فقال‪ :‬يا معشر الوس أنا أبو عامر‪ ,‬وكان يأمل‬
‫في أن يخرجوا من صفوف المسلمين وينضموا إليه حين يعرفون أنه في‬
‫صفوف قريش‪ ,‬فقالوا له‪ :‬ول أنعم الله بك عينا يا فاسق‪ ,‬فلما سمع قولهم‬
‫قال‪ :‬لقد أصاب قومي بعدي شر‪.‬‬
‫تصفية القيادة‬
‫وقد تعاقد أربعة من قريش على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وهم‬
‫عبد الله بن شهاب وعتبة بن أبي وقاص وعمرو بن قمئة وأبي بن خلف‪ ,‬وقد‬
‫استطاعوا الوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإصابته إصابات‬
‫بليغة‪ ,‬ولكن قريشا فشلت في خطتها هذه فرغم إصابة الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ظل يؤدي دوره كقائد للمعركة وكمحارب مع جيشه‪.‬‬
‫ولقد نجح وحشي في قتل حمزة‪ ,‬وفي ذلك يقول وحشي إني لنظر إلى‬
‫حمزة يهد الناس بسيفه هدا‪ ,‬ما يقوم له شيء فوالله إني لتهيأ له أريده‬
‫وأتستر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني‪ ,‬إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى‪,‬‬
‫فلما رآه حمزة ضربه ضربة كأنما اختطف رأسه‪ ,‬فهززت حربتي حتى إذا‬
‫رضيت عنها دفعتها عليه‪ ,‬فوقعت في ثنته)‪ (5‬حتى خرجت من بين رجليه‪,‬‬
‫فأقبل نحوي‪ ,‬فغلب فوقع‪ ,‬فأمهلته حتى إذا مات‪ ,‬جئته فأخذت حربتي‪ ,‬ثم‬
‫تنحيت إلى المعسكر ولم يكن لي في شيء حاجة غيره‪ ,‬فقد ذهب وحشي‬
‫للغتيال ل للقتال)‪.(6‬‬
‫‪.2‬خطة الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫طبق الرسول صلى الله عليه وسلم في أحد مبدأ عسكريا وهو القتصاد في‬
‫القوة وهو يقوم على أساس استحالة الضرب بنفس القوة في كل مكان‪,‬‬
‫وعلى أساس عدم توريط جميع الجيش أو معظمه في الدفاع‪ ,‬بل إمساك‬
‫الجبهات الثانوية بقوات للتغطية يجري تعيين مقاديرها بالحد الدنى‬
‫الضروري‪ ,‬ول يبالغ في تقدير أعدادها على حساب قوات اللتحام التي تركز‬
‫هجومها على محاور معينة‪.‬‬
‫فاختار الرسول صلى الله عليه وسلم خمسين من الرماة ووضعهم على تل‬
‫مقابل لجبل أحد وولى أمرهم عبد الله بن جبير‪ ,‬وكان معلما يومها بثياب‬
‫بيض‪ ,‬وأمرهم أن يحتلوا الموقع ويحموا ظهور المسلمين‪ ,‬وأل يمكنوا العدو‬
‫من اقتحام الموقع‪ ,‬وأن يرموا الخيل بالنبل وأل يبرحوا مكانهم في حالة‬
‫النصر أو الهزيمة إل بتعليمات صريحة من القائد‪ ,‬وقال لهم وكأنه يتوقع ما‬
‫سيحدث‪ :‬إن رأيتمونا تخطفنا الطير فل تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل‬
‫لكم‪ ,‬وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم وهم قتلى فل تبرحوا مكانكم‪.‬‬
‫كما طلب صلى الله عليه وسلم من الزبير أن يراقب خالدا وأن يبقى بإزائه‪,‬‬
‫وطلب من جماعة أن يبقوا بإزاء خيل المشركين‪.‬‬
‫ولن المعضلة الساسية التي كانت تواجه المسلمين هي قلة عددهم قياسا‬
‫إلى عدد المشركين‪ ,‬جعل صلى الله عليه وسلم أبطال الصحابة والصناديد‬
‫في القوة الضاربة في مقدمة الجيش وذلك للتغلب على الكثرة العددية‬
‫لجيش العدو‪.‬‬
‫وتفاصيل خطته صلى الله عليه وسلم كالتالي‪:‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السيطرة على جبل أحد‬


‫لقد أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية هذا الجبل الستراتيجية‪,‬‬
‫فجعل ظهور أصحابه إليه بحيث يحميهم من خلفهم وجعل وجوههم إلى‬
‫المدينة يستقبلون الوادي ووضع الرماة على ميسرته حتى ل يتمكن‬
‫المشركون من السيطرة على الجبل‪ ,‬ولم يترك للمشركين أي ثغرة ينفذون‬
‫منها‪.‬‬
‫القوة الهجومية الضاربة‬
‫نظم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش في وضع القتال على هيئة‬
‫صفوف وجعل في مقدمة هذه الصفوف الشداء أصحاب البأس من جند‬
‫المؤمنين الذين أبلوا بلء حسنا في بدر‪ ,‬الذين يدكون صفوف المشركين‬
‫ويهدون رجالتهم ويفتحون الطريق لمن وراءهم‪ ,‬ويزيلون الرهبة من لقاء‬
‫المشركين‪.‬‬
‫القيادة المركزية‬
‫أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وحده الذي يعطي أمر القتال‬
‫ويحدد ساعة الصفر‪ ,‬وقد حاول المشركون استفزاز المسلمين‪ ,‬عندنا سرحوا‬
‫الظهر والكراع لترعى في زروع في أرض المسلمين‪ ,‬فأراد رجل أن يخرج‬
‫لمنعها ويقاتل‪ ,‬فمنعه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال‪ :‬ل يقاتلن أحد‬
‫منكم حتى نأمره بالقتال‪ ,‬وأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أن كلمة‬
‫التعارف بين المسلمين وهي كلمة السر في حروب اليوم أمت أمت‪.‬‬
‫كما أنه هو الذي يحدد الوقت المناسب لنزول الرماة من مواقعهم‪.‬‬
‫تحريض المسلمين على القتال‬
‫خطب الرسول صلى الله عليه وسلم خطبة حث فيها المسلمين على الصبر‬
‫عند اللقاء ‪ ..‬كما أخرج سيفه ونادى من يأخذ هذا السيف بحقه ‪ ..‬وذلك‬
‫تشجيعا للمسلمين على القتال وليبث فيهم التنافس الشريف‪.‬‬
‫ضمان الولء‬
‫رغم قلة عدد الجيش السلمي واحتياجه إلى الرجال إل أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم رفض ما عرضه عليه بعض النصار من الستعانة بحلفائهم‬
‫من اليهود‪ ,‬فقال‪ :‬ل حاجة لنا فيهم‪ ,‬وذلك مع أن المسلمين كانت بينهم وبين‬
‫اليهود معاهدة على النصرة‪ ,‬كما رد رسول الله مفرزة حسنة التسلح عندما‬
‫سأل عنها فعرف أنها من اليهود فقال‪ :‬إنا ل ننتصر بأهل الكفر على أهل‬
‫الشرك‪.‬‬
‫‪.4‬سير القتال‬
‫‪(1‬الصفحة الولى‬
‫قامت مفرزة يقودها أبو عامر الفاسق ‪ -‬كما ذكرنا سابقا‪ -‬ومعه خمسة عشر‬
‫رجل من مشركي الوس وعبيد مكة ببدء القتال وكان أبو عامر كبيرا في‬
‫قومه وكان يظن أن قومه سينضمون إليه حين يرونه ولكنهم صدوه فقاتلهم‬
‫قتال عنيفا وراضخهم بالحجارة‪.‬‬
‫حاول أبو عامر وعكرمة بن أبي جهل أن يلتفا على أجنحة المسلمين ‪..‬‬
‫ولكنهما فشل في ذلك لستناد المسلمين إلى جبل أحد وقام المسلمون‬
‫برشقهم بالحجارة حتى ردوهم‪.‬‬
‫تقدم رجل من المشركين راكبا جمل يدعو للمبارزة ‪ ..‬وكان رجل شديدا‬
‫شجاعا فأحجم عنه الناس حتى تقدم الزبير الذي وثب على الجمل واقتحم به‬
‫الرض وقتله ‪ ..‬فكبر المسلمون‪.‬‬
‫أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قائد الجيش‪ -‬المر بالهجوم‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشامل‪ ,‬فهتف حمزة في الجيش بكلمة التعارف أمت أمت واندفع إلى قلب‬
‫جيش المشركين يقاتل قتال الليوث المهتاجة ومعه أبطال المسلمين في‬
‫مقدمة الجيش يهدون صفوف المشركين هدا‪.‬‬
‫المعركة حول اللواء‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ركز المسلمون هجومهم على لواء المشركين الذي كان يحمله طلحة بن أبي‬
‫طلحة فقتله علي‪ ,‬فأخذ اللواء أخو طلحة عثمان فحمل عليه حمزة فقطع‬
‫يده وكتفه‪ ,‬فأخذ اللواء أخوهما أبو سعيد فرماه سعد فأصاب حنجرته‪ ,‬فحمله‬
‫مسافع بن طلحة الذي قتله علي فرماه عاصم بن ثابت فقتله‪ ,‬ثم حمل‬
‫اللواء أخو مسافع وهو الحرث بن طلحة فرماه عاصم فقتله‪ ,‬فحمل اللواء‬
‫أخوهما وهو كلب فقتله الزبير أو قزمان‪ ,‬فحمله أخوهم الجلس فقتله طلحة‬
‫بن عبيد الله‪ ,‬ثم حمل اللواء أرطأة بن شرحبيل فقتله علي أو حمزة‪ ,‬فحمله‬
‫شريح فقتله قزمان‪ ،‬ثم حمله أبو زيد بن عمرو فقتله قزمان أيضا‪ ,‬ولم يبق‬
‫أحد من بني عبد الدار فحمل اللواء صؤاب غلمهم وكان حبشيا فقاتل قتال‬
‫يفوق قتال أسياده حتى قطعت يده فبرك على اللواء يمسكه بعنقه حتى قتل‬
‫عليه قتله قزمان أو علي أو سعد‪ ,‬وبمقتل صؤاب سقط لواء المشركين ولم‬
‫يجرؤ أحد على حمله وتفرق شمل العدو‪.‬‬
‫وقتل في تلك الثناء أسد الله حمزة إل أن المسلمين بقوا مسيطرين على‬
‫الموقف‪.‬‬
‫تصدع قوات المشركين‬
‫بسقوط اللواء وبفعل الضربات الموجعة التي تلقاها المشركون تصدعت‬
‫قواتهم وبدءوا بالفرار وأخذ المسلمون يطاردونهم حتى أبعدوهم عن‬
‫معسكرهم‪ ,‬يقول الزبير‪ :‬والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة‬
‫وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل أو كثير‪.‬‬
‫وهنا ارتكب الرماة الغلطة الفظيعة فخالفوا أوامر رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وأوامر قائدهم عبد الله بن جبير ‪ -‬الذي أمرهم بالثبات في مواقعهم‪-‬‬
‫فتركوا مواقعهم ليجمعوا الغنائم‪.‬‬
‫‪(2‬الصفحة الثانية‬
‫المباغتة‬
‫أدرك خالد بعبقريته العسكرية خلو جبل الرماة من الرماة وكان قد حاول‬
‫مرارا اللتفاف ففشل فانتهز الفرصة وقام باللتفاف والنقضاض على من‬
‫بقي من الرماة وأبادهم ‪ ..‬وكر على مؤخرة المسلمين الذين اضطربت‬
‫صفوفهم من هول المباغتة‪ ,‬فبينما المسلمون قد شغلوا بالنهب والسر إذ‬
‫دخلت خيول المشركين تنادي فرسانها بشعارها يا للعزى يا لهبل‪ ,‬ووضعوا‬
‫السيوف في المسلمين وهم آمنون‪ ,‬وتفرق المسلمون في كل وجه‪ ,‬وتركوا‬
‫ما غنموا وخّلوا من أسروا واختلط المسلمون وصار يضرب بعضهم بعضا من‬
‫غير شعار أي دون أن يأتوا بما كانوا ينادون به في الحرب ليتعارفوا به في‬
‫ظلمة الليل وعند الختلط وهو أمت أمت مما أصابهم من الدهشة والحيرة‪,‬‬
‫ورأى المشركون الفارون ما حدث ولم يزل لواؤهم ملقى حتى أخذته امرأة‬
‫ورفعته لهم فاجتمعوا عنده وعادوا للقتال وأصبح الجيش السلمي مطوقا‬
‫بين فكي كماشة‪.‬‬
‫إشاعة مقتل النبي‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي هذه الجواء أشيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ذلك أن‬
‫ابن قمئة قتل مصعبا وهو يظن أنه النبي صلى الله عليه وسلم وصاح قتلت‬
‫محمدا ‪ ..‬وأثر هذا المر على كثير من المسلمين الذين كانوا يعتبرون‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم هو كل شيء بالنسبة لهم فمنهم من انسحب‬
‫إلى المدينة وهم قلة‪ ,‬ومنهم من أخذ يقاتل على غير هدى يذب عن نفسه‬
‫ومنهم من جلس يندب حظه ويقول قتل رسول الله‪ ,‬وقام البعض يحث‬
‫المسلمين على الموت على ما مات عليه الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫فرجع كثير من المسلمين ممن جلسوا يندبون حظهم‪.‬‬
‫صمود النبي والمعركة حوله‬
‫وفي هذه المعمعة أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع تسعة نفر من‬
‫أصحابه اثنين من المهاجرين وسبعة من النصار في مقر قيادته في مؤخرة‬
‫ي عباد الله وكان يريد بذلك أن‬ ‫الجيش‪ ,‬وكان يراقب ما يحدث وأخذ ينادي إل ّ‬
‫ينقذ جيشه المطوق ‪ ..‬واحتدم القتال حول الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى قتل النصار السبعة بين يديه واحدا واحدا‪ ,‬وبقي الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم مع القرشيين فقط وهما طلحة وسعد وقال لهما‪ :‬ما أنصفنا‬
‫أصحابنا‪ ,‬يقصد الذين لم يستجيبوا لندائه‪ ,‬وكانت أحرج لحظات واجهت‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته‪ ,‬واستبسل طلحة وسعد في الدفاع‬
‫عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي فيما بعد‪.‬‬
‫وركز المشركون حملتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون قتله‬
‫حتى خلصوا إليه فرماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة حتى وقع لشقه‬
‫فأصيبت رباعيته وهي السن التي تلي الناب وكلمت شفته السفلى‪ ,‬وضربه‬
‫عبد الله بن شهاب فشجه في جبهته فجعل الدم يسيل على وجهه الشريف‬
‫فأخذ يمسح الدم وهو يقول‪ :‬كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم‬
‫إلى ربهم‪ ,‬وأصاب ابن قمئة وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر فيها‪,‬‬
‫وضرب رسول الله على عاتقه فحماه الدرع ولكنه وقع من شدة الضربة في‬
‫حفرة من الحفر التي عملها أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم ل يعلمون‬
‫فأصيبت ركبتاه‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫حدث هذا كله في لحظات ثم أخذ المسلمون يفيئون إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فأخذ على بن أبي طالب بيد رسول الله ورفعه طلحة بن‬
‫عبيد الله حتى استوى قائما‪ ,‬ومص مالك بن سنان الدم عن وجه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫مس دمي دمه لم تصبه النار‪ ,‬ونزع أبو عبيدة بن الجراح إحدى الحلقتين من‬
‫وجه رسول الله فسقطت ثنيته ثم نزع الخرى فسقطت ثنيته الخرى فكان‬
‫ساقط الثنيتين‪.‬‬
‫واستطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه أن يشق الطريق إلى‬
‫جيشه المطوق‪.‬‬
‫النسحاب إلى أحد والتحصن فيه‬
‫وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جيشه المطوق وتجمع حوله ثلثون‬
‫من أصحابه كلهم يقول نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء وعليك‬
‫السلم غير مودع‪ ,‬وشكل الرسول صلى الله عليه وسلم بهؤلء قوة‬
‫استطاعت أن تكسر الطوق وتفتح طريقا إلى أحد وأخذ الجيش السلمي‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالنسحاب المنظم إلى جبل أحد واشتد المشركون في هجومهم واستبسل‬


‫المسلمون في حماية انسحاب الجيش حتى وصل إلى شعب أحد‪ ,‬وهناك‬
‫هجم أبي بن خلف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول يا كذاب‬
‫أين تفر فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة في عنقه‪.‬‬
‫المحاولة الخيرة‬
‫حاول المشركون القيام بهجوم أخير على المسلمين وهم في الشعب‬
‫وحاولوا صعود الجبل إل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إنهم ل ينبغي‬
‫لهم أن يعلونا‪ ,‬فقاتل عمر بن الخطاب في مفرزة ورشقوهم بالحجارة حتى‬
‫اضطروهم إلى النزول من الجبل‪ ,‬وكان هذا هو الهجوم الخير الذي قام به‬
‫المشركون ثم أدركهم التعب وأصبحوا غير قادرين على المواصلة فرضوا بما‬
‫حققوه وانسحبوا‪.‬‬
‫التثبت من انسحاب العدو‬
‫وكإجراء احترازي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب‬
‫وقال له‪ :‬اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وما يريدون‪ ,‬فإن كانوا قد‬
‫جنبوا الخيل وامتطوا البل فإنهم يريدون مكة‪ ,‬وإن ركبوا الخيل وساقوا البل‬
‫ن إليهم فيها ثم‬
‫فإنهم يريدون المدينة‪ ,‬والذي نفسي بيده لن أرادوها لسير ّ‬
‫لناجزّنهم‪.‬‬
‫قال علي فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا البل‬
‫واتجهوا إلى مكة)‪.(7‬‬
‫‪(3‬حمراء السد‬
‫وبعد عودة المسلمين إلى المدينة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫اليوم التالي بمناورة عسكرية لستعادة الهيبة فأمر كل من شارك في أحد‬
‫بالخروج ثانية‪ ,‬وحتى يعيد لهم ثقتهم بأنفسهم أمر أن ل يخرج معهم أحد لم‬
‫يشارك‪ ,‬وذلك بعد أن علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن قريشا قد‬
‫ندمت على عدم مواصلة القتال حتى القضاء عليه شخصيا ‪ ..‬فلملم‬
‫المسلمون جراحهم وخرجوا حتى وصلوا إلى حمراء السد فعسكروا هناك‪,‬‬
‫وأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحدثوا أصواتا وأن يوقدا نارا حتى‬
‫يشاهدوا من بعيد فأوقدوا خمسمائة نار‪ ,‬وقد أراد الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم بذلك أن يحقق نصرا سياسيا بعد نكسة أحد ويشعر العالم بأن‬
‫المسلمين ل يزالون قوة ضاربة وأن معنويات المسلمين ل تزال مرتفعة‬
‫ولكن هذه المناورة لم تكن مغامرة غير محسوبة العواقب‪ ,‬فقد كان الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم يعلم ما تعاني منه قواته من تعب وألم وجراح ‪ ..‬لذلك‬
‫قام بحركة سياسية محسوبة ‪ ..‬فدفع رجل من خزاعة هو أبو معبد الخزاعي‬
‫وكان مشركا ‪ -‬وكانت خزاعة قلوبها مع الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بمسلمها ومشركها‪ -‬للقيام بمهمة وهي تخذيل المشركين وثنيهم عن مهاجمة‬
‫المسلمين‪ ,‬فخرج معبد حتى لقي أبا سفيان وجيشه وقد أجمعوا على‬
‫استئصال شأفة المسلمين‪ ,‬فقال لهم معبد‪ :‬محمد خرج في أصحابه في جمع‬
‫لم أر مثله يتحرقون عليكم تحرقا‪ ,‬وقد اجتمع له من تخلف عنه في يومكم‪,‬‬
‫ثم أنشد شعرا يصف فيه حال جيش المسلمين وقوتهم‪ ,‬فثنى ذلك أبا سفيان‬
‫وجيشه عن عزمه وعادوا إلى مكة‪ ,‬ولكن أبا سفيان قبل أن يرحل أوعز إلى‬
‫إحدى القوافل التجارية المتجهة إلى المدينة أن تشيع أن جيش قريش يجمع‬
‫جموعه ليهاجم المسلمين‪ ,‬ففعلوا‪ ,‬ولما وصل الخبر إلى الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪ :‬حسبنا الله ونعم الوكيل‪ ,‬وقبل المسلمون التحدي ‪ ..‬وبقي‬
‫الجيش السلمي معسكرا في حمراء السد ثلثة أيام‪ ,‬يسمع بهم العرب‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويرون نيرانهم حتى اطمأن الرسول إلى زوال الخطر ثم رجع إلى المدينة‪.‬‬
‫‪.5‬جرائم الحرب‬
‫قام المشركون – بدافع الحقد‪ -‬بارتكاب أعمال وحشية في جثث المسلمين‬
‫يتنزه عنها النسان السوي فمثلوا بالجثث وشوهوها وبقروا البطون وضربوا‬
‫الوجوه‪ ,‬وحتى النسوة أخذن يجدعن النوف والذان ويصنعن منها القلئد‬
‫والخلخيل‪ ,‬وقد أثارت هذه العمال اشمئزاز بعض من كانوا معهم فاستنكروا‬
‫عليهم المر‪ ,‬وهذا ما دفع أبو سفيان في النهاية إلى أن يعلن عدم مسئوليته‬
‫عن هذه العمال رغم مشاركته شخصيا بذلك‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وكان منظر الجثث مريعا اغتاظ منه النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون‬
‫وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لما وقف أمام جثة حمزة‪ :‬ما وقفت‬
‫موقفا أغيظ إلي من هذا‪ ,‬لن أصاب بمثلك أبدا‪ .‬وقال المسلمون‪ :‬والله لئن‬
‫أظفرنا الله بهم يوما لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب‪ .‬فنزل قوله‬
‫تعالى )وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‪ ,‬ولئن صبرتم فهو خير‬
‫للصابرين( )النحل الية ‪ ( 126 :‬فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر‬
‫ونهى عن المثلة‪.‬‬
‫‪.6‬الرسول صلى الله عليه وسلم يقود المعركة‬
‫تجلت قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحد ‪ ..‬أول بمعرفته لما يدبر‬
‫له عدوه واتخاذه الخطط المضادة‪ ,‬ثم بفرضه ميدان المعركة الذي يناسبه‪,‬‬
‫ثم بتوزيعه لقواته بشكل ل يترك للعدو ثغرة ‪ ..‬وبإعطائه تعليمات واضحة‬
‫ومباشرة‪ ,‬وعندما حلت الهزيمة كان رابط الجأش واثقا من نفسه واستطاع‬
‫بصموده أن ينقذ الجيش من هلك محقق وأن يحسن اتخاذ القرار وينسحب‬
‫انسحابا منظما إلى بطن الجبل‪ ..‬ورغم حدوث المباغتة والفوضى في جيش‬
‫المسلمين إل أن نسبة الخسائر لم تتجاوز ‪ %10‬وهذا يعتبر معجزة في‬
‫العرف العسكري بالنسبة لجيش مطوق ل أسهل من إبادته‪ ,‬ففاقت عبقريته‬
‫صلى الله عليه وسلم العسكرية عبقرية خالد ‪ ..‬الذي يبدو أنه تأثر بطريقة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم في انسحابه المنظم فألهمه ذلك انسحابه‬
‫الرائع في مؤتة‪.‬‬
‫ولم يفكر الرسول صلى الله عليه وسلم بالفرار والنجاة بنفسه بل صمد‬
‫وقاوم وقاتل بنفسه مع جيشه‪ ,‬ورمى عن قوسه حتى أصبحت شظايا‪,‬‬
‫وتحمل ما تحمله جنوده وأصيب كما أصيبوا ‪ ..‬وكان هو المحرك لهم والنور‬
‫الذي يضيء طريقهم ‪ ..‬ولول وجوده معهم لنهار الجيش تماما ولكانت‬
‫الخسائر فادحة والهزيمة ساحقة‪.‬‬
‫ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم بمناورته في حمراء السد استعاد هيبة‬
‫المسلمين ورفع الروح المعنوية لجنوده وأثبت أن المسلمين ل يزالون‬
‫موجودين وقادرين على الدفاع عن أنفسهم‪ ,‬واستخدم في ذلك السلوب‬
‫الدعائي والسياسي دون إنهاك الجيش ودون أي خسارة‪ ,‬يقول اللواء الركن‬
‫مصطفى طلس‪ :‬إن عدد القادة في التاريخ الذين استطاعوا أن يسيطروا‬
‫على جيوشهم بعد الهزيمة يعد على أصابع اليد‪ ,‬لذلك فإن كبار القادة‬
‫العسكريين يحنون هاماتهم لعمل الرسول العربي في المناورة العسكرية‬
‫البارعة لحملة حمراء السد)‪ (1).(8‬الخرائط المنشورة منقولة من كتاب‬
‫غزوة أحد لشوقي أبي خليل‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬اللواء محمد فرج‪ ,‬العبقرية العسكرية لغزوات الرسول ص ‪350‬‬


‫)‪ (3‬وهنا نشير إلى اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالستخبارات‬
‫وجمع المعلومات وتحليلها وما يعرف اليوم بالنذار المبكر‪.‬‬
‫)‪ (4‬يخرجوا إلينا في الصحراء‬
‫)‪ (5‬تحت السرة‬
‫)‪ (6‬اللواء محمد فرج‪ ,‬العبقرية العسكرية لغزوات الرسول ص )‪(354-351‬‬
‫)‪ (7‬لمعرفة تفاصيل المعركة ينصح بالرجوع إلى الرحيق المختوم‪.‬‬
‫)‪ (8‬الرسول العربي وفن الحرب ص ‪173‬‬
‫دروس من غزوة أحد )‪(2/2‬‬
‫إعداد ‪ -:‬علي البغدادي ‪14/7/1424‬‬
‫‪11/09/2003‬‬
‫ثالثا‪ :‬صناعة الموت‪..‬هكذا أتقنها المسلمون‬
‫أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا مكتوبا في إحدى صفحتيه‪:‬‬
‫في الجبن عار وفي القبال مكرمة ‪... ...‬‬
‫والمرء بالجبن ل ينجو من القدر‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقام إليه رجال‪,‬‬
‫فأمسكه عنهم‪ ,‬ومن جملتهم علي رضي الله عنه قام ليأخذه‪ ,‬فقال‪ :‬اجلس‪,‬‬
‫وعمر رضي الله عنه‪ ,‬فأعرض عنه‪ ,‬والزبير رضي الله عنه‪ ,‬طلبه ثلث‬
‫مرات‪ ,‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه‪ ,‬حتى قام إليه أبو‬
‫خَرشة فقال‪ :‬وما حقه يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه‬ ‫سماك بن َ‬ ‫دجانة ِ‬
‫وسلم‪ :‬أن تضرب به العدو حتى ينحني‪ .‬فقال أبو دجانة‪ :‬أنا آخذه يا رسول‬
‫الله بحقه‪ ,‬فأعطاه إياه‪ .‬وكان أبو دجانة رجل شجاعا يختال عند الحرب‪ ,‬وكان‬
‫إذا أراد القتال‪ ,‬يخرج عصابة حمراء‪ ,‬يعلم بها عند الحرب يعتصب بها‪ ,‬فلما‬
‫أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك‬
‫فاعتصب بها‪ ,‬ثم جعل يتبختر بين الصفين‪ ,‬فقال صلى الله عليه وسلم حين‬
‫رأى أبا دجانة يتبختر‪ :‬إنها لمشية يبغضها الله إل في مثل هذا الموطن‪ ,‬فجعل‬
‫ل يلقى أحدا من المشركين إل قتله‪ ,‬ولم يزل يضرب العدو بالسيف حتى‬
‫انحنى وصار كأنه منجل‪.‬‬
‫وكان أحد المشركين قد شغل نفسه بالجهاز على جرحى المسلمين في‬
‫المعركة‪ ,‬قال كعب بن مالك‪ :‬وإذا رجل من المسلمين ينتظره وعليه لمته‬
‫فمضيت حتى كنت وراءه ثم قمت أقدر الكافر والمسلم ببصري فإذا الكافر‬
‫أفضلهما عدة وهيئة‪ ,‬فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا فضرب المسلم الكافر‬
‫على حبل عاتقه ضربة بالسيف فبلغت وركه وتفرق فرقتين ثم كشف‬
‫المسلم عن وجهه وقال كيف ترى يا كعب؟ أنا أبو دجانة‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل‪,‬‬
‫وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي‪ ,‬قتله وهو يظن أنه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فرجع إلى قريش فقال‪ :‬قتلت محمدا‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ولم يترك مصعب رضي الله عنه إل بردة من صوف‪ ,‬يقول عبد الرحمن بن‬
‫عوف‪ :‬إذا غطينا بها رجله خرج رأسه‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الذخر‪ .‬وكان مصعب قبل السلم‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فتى مكة الول جمال وشبابا ولباسا وعطرا‪.‬‬


‫‪#‬‬
‫ولم يشهد أنس بن النضر بدرا‪ ,‬فشق عليه ذلك‪ ,‬فلما كان يوم أحد قال‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ,‬إني غبت عن أول قتال وقع قاتلت فيه المشركين‪ ,‬والله لئن‬
‫أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع‪ ,‬فلما رأى تراجع المسلمين‬
‫قال‪ :‬اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلء‪ ,‬وأبرأ إليك مما فعل هؤلء‪ ,‬ولما‬
‫سمع قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬مر برجال من المهاجرين‬
‫والنصار وقد ألقوا بأيديهم‪ ,‬فقال ما يجلسكم؟ قالوا قتل رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬قال فماذا تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما‬
‫مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقبل المشركين‪ ,‬وقال‬
‫لسعد بن معاذ‪ :‬يا أبا عمرو أين؟ واها لريح الجنة‪ ,‬ورب الكعبة أجد ريحها دون‬
‫أحد‪ ,‬وقاتل رضي الله عنه حتى قتل‪ ,‬فوجد فيه بضع وثمانون جراحة‪ ,‬من بين‬
‫ضربة بسيف‪ ,‬أو طعنة برمح‪ ,‬أو رمية بسهم‪ ,‬ومثل به المشركون فما عرفته‬
‫أخته الربيع إل ببنانه‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وقال ثابت بن الدحداح‪ :‬يا معشر النصار إن كان محمد قد قتل فإن الله حي‬
‫ل يموت قاتلوا على دينكم فإن الله مظفركم وناصركم‪ ,‬فنهض إليه نفر من‬
‫النصار فحمل بهم على كتيبة فيها خالد وعمرو وعكرمة وضرار بن الخطاب‪,‬‬
‫فحمل عليه خالد بالرمح فقتله‪ ,‬وقتل من كان معه من النصار‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم من رجل يشري لنا‬
‫نفسه؟ فقام زياد بن السكن في نفر سبعة من النصار‪ ,‬فقاتلوا دون رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم رجل ثم رجل يقتلون دونه‪ ,‬حتى كان آخرهم زياد‬
‫بن السكن‪ ,‬فقاتل حتى أثبت‪ ,‬ثم فاءت منه فئة من المسلمين‪ ,‬فقاتلوا عنه‬
‫حتى أجهضوا عنه العدو‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أدنوه مني‪,‬‬
‫فأدنوه منه‪ ,‬فوسده قدمه‪ ,‬فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه‪ ,‬يقع النبل في‬
‫ظهره وهو منحن عليه ل يتحرك‪ ,‬حتى كثر فيه النبل‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وقيل لسعد‪ :‬يا سعد‪ ,‬هذا رسول الله يدعوك‪ ,‬فقال سعد‪ :‬وأين هو؟ فأشير‬
‫إليه صلى الله عليه وسلم‪ ,‬يقول سعد بن أبي وقاص‪ :‬فقمت وكأنه لم يصبن‬
‫شيء من الذى‪ ,‬وأجلسني أمامه‪ ,‬فجعلت أرمي وأقول‪ :‬اللهم سهمك فارم‬
‫به عدوك‪ ,‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ :‬اللهم استجب لسعد‪,‬‬
‫اللهم سدد رميته‪ ,‬وأجب دعوته‪ ,‬فكان سعد مجاب الدعوة‪ ,‬حتى إذا فرغ‬
‫النبل من كنانتي‪ ,‬نثر صلى الله عليه وسلم لي ما في كنانته‪ ,‬وانكشف الناس‬
‫عنه صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قال سعد‪ :‬لقد رأيتني والنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يناولني النبل ويقول‪ :‬ارم فداك أبي وأمي‪ ,‬حتى إنه ليناولني السهم ما‬
‫له نصل‪ ,‬فيقول‪ :‬ارم به‪ .‬وجاء أن سعدا رضي الله عنه رمى يوم أحد ألف‬
‫سهم ما منها سهم إل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ :‬ارم فداك‬
‫أبي وأمي‪ ,‬ففداه ذلك اليوم ألف مرة‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫ورمى أبو طلحة النصاري‪ ,‬وكان رجل راميا شديد الرمي‪ ,‬فنثر كنانته بين يدي‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وصار يقول‪ :‬نفسي لنفسك الفداء‪,‬‬
‫ووجهي لوجهك الوقاء‪ ,‬فلم يزل يرمي بها‪ ,‬وكان الرجل يمر بالجعبة من النبل‬
‫فيقول صلى الله عليه وسلم ‪ :‬انثرها لبي طلحة‪ ,‬وكسر ذلك اليوم قوسين‬
‫أو ثلثة‪ ,‬وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرف ليرى مواضع النبل‪,‬‬
‫فيقول له أبو طلحة‪ :‬يا نبي الله بأبي أنت وأمي‪ ,‬ل تشرف يصبك سهم من‬
‫سهام القوم‪ ,‬نحري دون نحرك‪ ,‬ويتطاول أبو طلحة بصدره ليقي رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وقاتل علي بن أبي طالب قتال شديدا‪ ,‬وحمل الراية بعد مصعب‪ ,‬وشد على‬
‫تجمعات الكفار ففرق شملهم‪ ,‬وسمع يوم أحد مناد في السماء يقول‪ :‬ل‬
‫سيف إل ذو الفقار ول فتى إل علي‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وأصيب عبد الرحمن بن عوف في فيه يومئذ فكسرت ثنيته‪ ,‬وجرح عشرين‬
‫جراحة أو أكثر‪ ,‬إصابة بعضها في رجله فعرج‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وقاتل طلحة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قتال شديدا وأصابه‬
‫سهم شل إصبعه حتى إن سعد بن أبي وقاص قال عنه‪ :‬يرحمه الله إنه كان‬
‫أعظمنا غناء عن رسول الله يوم أحد لزم النبي صلى الله عليه وسلم وكنا‬
‫نتفرق ونئوب إليه لقد رأيته يدور حول النبي صلى الله عليه وسلم يترس‬
‫بنفسه‪ ,‬وقال عنه صلى الله عليه وسلم‪ :‬من أحب أن ينظر إلى رجل من‬
‫أهل الجنة فلينظر إلى طلحة‪ .‬وقد تلقى وهو يقاتل المشركين ضربة قاسية‬
‫على رأسه من أحد المشركين‪ ,‬فنزف منه وأغمي عليه فقال الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم لبي بكر‪ :‬عليك بابن عمك فجاءه وراح ينضح الماء على‬
‫وجهه‪ ,‬ولما أفاق سأل ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ أجابه أبو‬
‫بكر‪ :‬خيرا‪ ,‬هو أرسلني فرد طلحة الحمد لله كل مصيبة بعده جلل‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وجرح تسعا وثلثين جرحا وقطعت أصابعه‪ ,‬وعن قيس بن أبي حازم قال‪:‬‬
‫رأيت يد طلحة الشلء‪ ,‬وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد‪ .‬وكان‬
‫أبو بكر إذا ذكر يوم أحد يقول‪ :‬ذلك اليوم كله لطلحة‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫قال حاطب بن أبي بلتعة لما رأيت ما فعل عتبة بن أبي وقاص برسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أين توجه عتبة‬
‫فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى حيث توجه فمضيت حتى ظفرت به‬
‫فضربته بالسيف فطرحت رأسه فنزلت وأخذت فرسه وسيفه وجئت به إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي‪ :‬رضي الله عنك رضي الله عنك‬
‫مرتين‪ .‬وقد كان سعد يتمنى أن يلقى أخاه فيقتله لكن حاطبا ظفر به قبله‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫واستأذن حنظلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه ‪ -‬أبي عامر‬
‫الفاسق‪ -‬فنهاه عن قتله‪ ,‬وخلل المعركة التقى حنظلة وأبو سفيان‪ ,‬فلما‬
‫استعله حنظلة‪ ,‬رآه شداد بن السود فضرب حنظلة فقتله‪ ,‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ) إن صاحبكم لتغسله الملئكة في صحاف الفضة بماء‬
‫المزن بين السماء والرض( فسألوا أهله بعد المعركة ما شأنه ؟ فقالت‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زوجه جميلة بنت أبي بن سلول أخت عبد الله بن أبي بن سلول ‪ -‬وكان ابتنى‬
‫بها تلك الليلة‪ -‬فرأت في النوم تلك الليلة كأن بابا في السماء فتح له فدخله‪,‬‬
‫ثم أغلق دونه‪ ,‬فعلمت أنه ميت من غده‪ ,‬فدعت رجال من قومها حين‬
‫أصبحت فأشهدتهم على الدخول بها خشية أن يكون في ذلك نزاع‪ ,‬وقالت‬
‫زوجه‪ :‬خرج وهو جنب سمع منادي الجهاد‪ ,‬فعجل عن الغسل إجابة للداعي‪,‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬لذلك غسلته الملئكة(‪ ,‬والتمس في‬
‫القتلى‪ ,‬فوجدوه يقطر رأسه ماء‪ ,‬وليس بقربه ماء تصديقا لما قاله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وذكر سعد بن أبي وقاص أنه هو وعبد الله بن جحش دعيا بدعوة فاستجيب‬
‫لهما‪ ,‬فدعا سعد أن يلقى فارسا من المشركين شديدا بأسه‪ ,‬شديدا حرده‪,‬‬
‫فيقتله ويأخذ سلبه فقال عبد الله‪ :‬آمين‪.‬‬
‫ثم استقبل عبد الله القبلة ورفع يديه إلى السماء وقال‪ :‬اللهم لقني اليوم‬
‫فارسا شديدا بأسه‪ ,‬شديدا حرده‪ ,‬يقتلني ويجدع أنفي وأذني فإذا لقيتك غدا‬
‫جدع أنفك وأذناك؟ فأقول فيك يا رب وفي رسولك‬ ‫تقول لي‪ :‬يا عبدي فيم ُ‬
‫فتقول لي‪ :‬صدقت‪ ,‬قل يا سعد آمين‪ ,‬قال سعد‪ :‬فقلت آمين‪ ,‬ثم مررت به‬
‫آخر النهار قتيل مجدوع النف والذنين‪ ,‬ولقيت أنا فارسا من المشركين‬
‫دع في الله‪.‬‬‫فقتلته‪ ,‬وأخذت سلبه‪ .‬وسمي عبد الله المج ّ‬
‫‪#‬‬
‫ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد‪ ,‬رفع اليمان بن جابر‬
‫وثابت بن وقش في الطام مع النساء والصبيان‪ ,‬فقال أحدهما لصاحبه‪ ,‬وهما‬
‫شيخان كبيران‪ :‬ما أبالك‪ ,‬ما تنتظر؟ فوالله ما بقي لواحد منا من عمره إل‬
‫ظمء حمار‪ ,‬إنما نحن هامة اليوم أو غدا‪ ,‬أفل نأخذ أسيافنا‪ ,‬ثم نلحق برسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله ؟ فأخذا‬
‫أسيافهما ثم خرجا‪ ,‬حتى دخل في الناس ولم يعلم بهما‪ .‬فأما ثابت فقتله‬
‫المشركون‪ ,‬وأما اليمان فاختلفت عليه أسياف المسلمين‪ ,‬فقتلوه وهم ل‬
‫يعرفونه‪ :‬فقال حذيفة‪ :‬أبي‪ ,‬فقالوا‪ :‬والله إن عرفناه‪ ,‬فقال حذيفة‪ :‬يغفر الله‬
‫لكم وهو أرحم الراحمين‪ ,‬فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه‪,‬‬
‫فتصدق حذيفة بديته على المسلمين‪ ,‬فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم خيرا‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وقال خيثمة – وكان ابنه قد استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم –‬
‫يوم بدر ‪ :‬لقد أخطأتني وقعة بدر‪ ,‬وكنت والله عليها حريصا‪ ,‬حتى ساهمت‬
‫ابني في الخروج‪ ,‬فخرج سهمه فرزق الشهادة‪ ,‬وقد رأيت البارحة ابني في‬
‫النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها يقول‪ :‬الحق بنا ترافقنا‬
‫في الجنة‪ ,‬فقد وجدت ما وعدني ربي حقا‪ .‬وقد والله يا رسول الله أصبحت‬
‫مشتاقا إلى مرافقته في الجنة‪ ,‬وقد كبرت سني ورق عظمي وأحببت لقاء‬
‫ربي‪ ,‬فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة‪ ,‬ومرافقة سعد في الجنة‪.‬‬
‫فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقتل بأحد شهيدا‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق‪ ,‬قال لما كان يوم أحد‪ :‬يا معشر يهود‪ ,‬والله‬
‫لقد علمتم إن نصر محمد عليكم لحق‪ ,‬قالوا‪ :‬إن اليوم يوم سبت‪ ,‬قال‪ :‬ل‬
‫سبت لكم‪ ,‬فأخذ سيفه وعدته وقال‪ :‬إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما‬
‫شاء‪ ,‬ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقاتل معه حتى قتل‪,‬‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬مخيريق خير يهود‪ .‬وجعل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أموال مخيريق ‪ -‬وكانت سبع حوائط ‪ -‬أوقافا بالمدينة‬
‫لله‪ ,‬فكانت أول وقف في السلم‪.‬‬
‫‪#‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫وكان الصيرم رجل يأبى السلم على قومه‪ ,‬فلما خرج رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم إلى أحد‪ ,‬شرح الله صدره للسلم فأسلم‪ ,‬ثم أخذ سيفه ورمحه‬
‫ولمته فغدا حتى دخل في عرض الناس‪ ,‬فقاتل حتى أثبتته الجراحة‪ ,‬فبينما‬
‫رجال من بني عبد الشهل يلتمسون قتلهم في المعركة إذ هم به‪ ,‬فقالوا‪:‬‬
‫والله إن هذا للصيرم‪ ,‬ما جاء به؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث‪,‬‬
‫فسألوه‪ :‬ما جاء بك يا أبا عمرو؟ أحدب على قومك؟ أم رغبة في السلم؟‬
‫قال‪ :‬بل رغبة في السلم‪ ,‬آمنت بالله ورسوله‪ ,‬وأسلمت‪ ,‬ثم أخذت سيفي‬
‫فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ثم قاتلت حتى أصابني ما‬
‫أصابني‪ ,‬ثم لم يلبث أن مات في أيديهم‪ ,‬فذكروه لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬إنه لمن أهل الجنة‪ .‬ولم يكن قد صلى قط‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وكان قزمان رجل ذا بأس وقوة‪ ,‬وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا‬
‫ذكر يقول‪ :‬إنه لمن أهل النار‪ .‬فلما كان يوم أحد قاتل قزمان قتال شديدا‪,‬‬
‫وكان يرمي النبال كأنها الرمال‪ ,‬ثم فعل بالسيف الفاعيل‪ ,‬ولما أخبر صلى‬
‫الله عليه وسلم بذلك قال‪ :‬إنه من أهل النار‪ ,‬فأعظم الناس ذلك‪ ,‬وأثبتته‬
‫الجراحة‪ ,‬فجعل رجال من المسلمين يقولون‪ :‬والله لقد ابتليت اليوم يا‬
‫قزمان فأبشر‪ ,‬فيقول‪ :‬بماذا أبشر‪ ,‬فوالله ما قاتلت إل على أحساب قومي‪,‬‬
‫ولول ذلك ما قاتلت‪ .‬فلما اشتدت عليه الجراحة‪ ,‬أخذ سهما من كنانته فقتل‬
‫به نفسه‪ .‬وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬إن الله يؤيد‬
‫هذا الدين بالرجل الفاجر‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وكان عمرو بن الجموح رجل أعرج شديد العرج‪ ,‬وكان له بنون أربعة مثل‬
‫السد‪ ,‬يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها‪ ,‬فلما‬
‫كان يوم أحد أرادوا حبسه‪ ,‬وقالوا له‪ :‬إن الله عز وجل قد عذرك‪ ,‬فأتى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬إن بني يريدون أن يحبسوني عن‬
‫الخروج معك‪ ,‬فوالله إني لرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة‪ .‬فقال صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬أما أنت فقد عذرك الله‪ ,‬فل جهاد عليك‪ ,‬وقال لبنيه‪ :‬ما‬
‫عليكم أن ل تمنعوه‪ ,‬لعل الله يرزقه الشهادة‪ ,‬فخرج معه وقد أخذ سلحه‬
‫وأقبل على القبلة وقال‪ :‬اللهم ارزقني الشهادة ول تردني خائبا على أهلي‪,‬‬
‫وقال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل‪ ,‬أمشي‬
‫برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬كأني‬
‫أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة‪ .‬واستشهد رضي الله عنه‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وقبل خروج الجيش من المدينة طلب عبد الله بن أم مكتوم العمى من‬
‫المسلمين أن يعطوه اللواء وقال‪) :‬أنا رجل أعمى‪ ،‬فسلموا لي اللواء‪ ،‬فإنه‬
‫إذا انهزم حامل اللواء انهزم الجيش‪ ،‬وأنا ما أدري من يقصدني بسيفه فما‬
‫أبرح( وهذا يدل على حرقته وحرصه على دينه واستشعاره لمسئوليته فهو‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يريد أن يطمئن إلى ثبات لواء المسلمين في المعركة وليضمن ذلك يريد أن‬
‫يقوم بالمهمة بنفسه‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وفي الطريق إلى أحد استعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشه‬
‫فوجد جمعا من الفتيان لم يتجاوزوا الرابعة عشرة من عمرهم خرجوا للجهاد‬
‫معه فردهم منهم عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد والبراء بن‬
‫عازب وزيد بن أرقم وأسيد بن ظهير وأبو سعيد الخدري ورافع بن خديج‬
‫وسمرة بن جندب‪ ,‬ثم أجاز رافعا لما قيل له إنه يجيد الرمي‪ ,‬وأصيب رافع‬
‫في ذلك اليوم بسهم فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬أنا أشهد له‬
‫يوم القيامة‪ ,‬وعندما أجازه قال سمرة لزوج أمه‪ :‬أجاز رافعا وردني وأنا‬
‫أصرعه‪ ,‬فتصارعا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرع سمرة رافعا‬
‫فأجازه‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وخرجت أم عمارة نسيبة بنت كعب أول النهار وهي تنظر ما يصنع الناس‪,‬‬
‫ومعها سقاء فيه ماء‪ ,‬فانتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وهو في‬
‫أصحابه والدولة والريح للمسلمين‪ ,‬فلما انهزم المسلمون‪ ,‬انحازت إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فقامت تباشر القتال‪ ,‬وتذب عنه بالسيف‪,‬‬
‫وترمي عن القوس‪ ,‬حتى خلصت الجراح إليها‪ ,‬ورئي على عاتقها جرح أجوف‬
‫له غور‪ ,‬فقيل من أصابك بهذا؟ قالت‪ :‬ابن قمئة أقمأه الله‪ ,‬لما ولى الناس‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول‪ :‬دلوني على محمد‪ ,‬فل‬
‫نجوت إن نجا‪ ,‬فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير‪ ,‬وأناس ممن ثبت مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فضربني هذه الضربة‪ ,‬ولكن فلقد ضربته‬
‫على ذلك ضربات‪ ,‬ولكن عدو الله كان عليه درعان‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫وكانت قد خرجت هي وزوجها زيد بن عاصم وابناها خبيب وعبد الله‪ ,‬ولما‬
‫جرح أحد ابنيها‪ ,‬وراح الدم ينزف منه بغزارة‪ ,‬سعت أمه إليه وربطت جرحه‬
‫بعصابة كانت قد أعدتها لمداواة الجرحى ثم قالت‪ :‬انهض يا بني فضارب‬
‫القوم‪ ,‬والرسول صلى الله عليه وسلم يناديها ومن يطيق ما تطيقين يا أم‬
‫عمارة؟ وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬رحمكم الله أهل‬
‫البيت‪ ,‬بارك الله فيكم أهل البيت( فقالت له أم عمارة‪ :‬ادع الله أن نرافقك‬
‫في الجنة‪ .‬فقال صلى الله عليه وسلم ‪) :‬اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة(‬
‫وعند ذلك قالت‪ :‬ما أبالي ما أصابني من أمر الدنيا‪ .‬وقال صلى الله عليه‬
‫وسلم في حقها‪ ) :‬ما التفت يمينا ول شمال يوم أحد إل ورأيتها تقاتل دوني (‬
‫‪#‬‬
‫وشاركت أم المؤمنين عائشة وأم سليم يوم أحد‪ ,‬يقول أنس بن مالك )رأيت‬
‫عائشة بنت أبي بكر وأم سليم )أم أنس( وإنهما لمشمرتان أرى خدم‬
‫سوقهما تنقزان )تحملن( القرب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم‪ ,‬ثم‬
‫ترجعان فتملنها ثم تجيئان‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫ومر صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار‪ ,‬وقد أصيب زوجها وأخوها‬
‫وأبوها ‪ -‬وفي رواية وابنها‪ -‬مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد‪ ,‬فلما‬
‫نعوا لها قالت‪ :‬فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا خيرا‪ ,‬هو‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بحمد الله كما تحبين‪ ,‬قالت‪ :‬أرونيه حتى أنظر إليه‪ ,‬فلما رأته قالت‪ :‬كل‬
‫مصيبة بعدك جلل‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫ولما انهزم المسلمون‪ ,‬انهزمت طائفة من المسلمين حتى دخلت المدينة‬
‫فلقيتهم أم أيمن فجعلت تحثو التراب في وجوههم‪ ,‬وتقول لبعضهم هاك‬
‫المغزل فاغزل به‪ ,‬وهلم سيفك أي اعطني سيفك‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫وفرغ الناس لقتلهم‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬من رجل ينظر‬
‫لي ما فعل سعد بن الربيع؟ في الحياء هو أو في الموات؟ فقال رجل من‬
‫النصار‪ :‬أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد‪ .‬فنادى في القتلى‪ :‬يا سعد‬
‫بن الربيع مرة بعد مرة‪ ,‬فلم يجب أحد‪ ,‬قال يا سعد إن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أمرني أن أنظر ما صنعت‪ ,‬فأجابه حينئذ بصوت ضعيف‪ ,‬فنظر‬
‫فوجده جريحا في القتلى وبه رمق‪ ,‬فقال له‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أمرني أن أنظر في الحياء أنت أم في الموات؟ قال سعد‪ :‬أنا في‬
‫الموات‪ ,‬فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلم‪ ,‬وقل له‪ :‬إن‬
‫سعد بن الربيع يقول لك‪ :‬جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته‪ ,‬وأبلغ‬
‫قومك عني السلم‪ ,‬وقل لهم‪ :‬إن سعد بن الربيع يقول لكم‪ :‬إنه ل عذر لكم‬
‫عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف‪ ,‬الله الله وما عاهدتم عليه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة‪ ,‬فوالله ما لكم عند الله عذر‪.‬‬
‫فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬رحمه الله‪ ,‬نصح لله ولرسوله حيا وميتا‪.‬‬
‫هذه النماذج من البطولة والفداء هي التي أحبت السلم فدافعت عنه بدمائها‬
‫وأرواحها حتى انتصر السلم ووصل إلينا كما وصل ولول تلكم النماذج الربانية‬
‫لما انتشر السلم ولما كنا مسلمين‪.‬‬
‫لقد أتقن المؤمنون صناعة الموت‪ ,‬ومن يتقن صناعة الموت توهب له الحياة‪,‬‬
‫وما ابتلي المؤمنون بشيء مثل البتلء بحب الدنيا وكراهية الموت‪ ,‬لقد رأينا‬
‫كيف شاركت المة كلها في الجهاد ‪ ..‬برجالها ونسائها ‪ ..‬وشيوخها وفتيانها ‪..‬‬
‫وأصحائها ومعاقيها ‪ ..‬وحتى غير المسلمين ممن انضوى تحت راية الدولة‬
‫السلمية‪ ,‬لقد كانت المة كلها مجاهدة‪ ,‬ولسنا بحاجة إلى التعليق على تلك‬
‫النماذج البطولية الخالدة إل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يوشك أن‬
‫تتداعي عليكم المم كما تتداعى الكلة إلى قصعتها قالوا أمن قلة نحن يومئذ‬
‫ن‬
‫يا رسول الله؟ قال‪ :‬بل أنتم يومئذ كثير‪ ،‬ولكنكم غثاء كغثاء السيل‪ ،‬ولينزع ّ‬
‫ن في قلوبكم الوهن‪ .‬قالوا وما‬ ‫الله من صدور عدوكم المهابة منكم‪ ،‬وليقذف ّ‬
‫الوهن؟ ‪ -‬أي ما سببه فإن معنى الوهن معروف وهو الضعف‪ -‬قال‪ :‬حب الدنيا‬
‫وكراهية الموت‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التربية القرآنية‬
‫لم تكن الهزيمة في أحد سببها خطأ فني ميداني بانصراف الرماة عن‬
‫مواقعهم فحسب ولكن كان السبب تربويا بالدرجة الولى متعلقا بمخالفة‬
‫أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم طمعا في عرض زائل من الدنيا‬
‫وبانصراف المسلمين من المعركة وهي في أشدها‪ ,‬وبالوهن الذي أصابهم‬
‫عندما أشيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل‪ ,‬والمسلمون‬
‫مطالبون بمجاهدة النفس البشرية وأطماعها وشهواتها‪ ,‬ومطالبون بتصحيح‬
‫مفاهيمهم وتصوراتهم حول الكون والحياة‪ ,‬المسلمون مطالبون بالنتصار في‬
‫معركة الضمير قبل النتصار في معركة الميدان‪ ,‬والقرآن الكريم نزل ليعالج‬
‫هذه المسائل التربوية‪ ,‬ويعلق على الحداث وهي ساخنة‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫فقد كانت آيات القرآن الكريم تتنزل مفرقة إثر كل حدث يمارسه‬
‫المسلمون‪ ,‬وعقب كل تجربة يخوضونها‪ ,‬تتنزل لكي تمتزج مع حيوية التجربة‬
‫المعاشة وواقعيتها وثقلها‪ ,‬حتى تغدو هذه اليات جزءا من كيان المسلم‬
‫متمثل في لحمه ودمه وعصبه ووجدانه‪ ,‬إنه الرتباط الشرطي الذي أشار إليه‬
‫علم النفس ‪ ..‬أن القيم والتعاليم إذا ارتبطت بحدث خطير له في النفس وقع‬
‫كبير سرعان ما تستقر في أعماق النفوس والقلوب والعقول‪(1),‬وقد أعطانا‬
‫القرآن هنا نموذجا فذا للتربية بالحداث والتربية بالتعقيب على الحداث‪.‬‬
‫أنزل الله سبحانه وتعالى في غزوة أحد ستين آية في سورة آل عمران ابتداء‬
‫من الية ‪ ,121‬وقد سئل عبد الرحمن بن عوف عن قصة يوم أحد فقال‪ :‬اقرأ‬
‫العشرين ومائة من آل عمران تجدها‪) :‬وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين‬
‫مقاعد للقتال(‪.‬‬
‫وهذه اليات تحوي العديد من التوجيهات والدروس المهمة التي يجب أن يأخذ‬
‫المسلمون منها العبرة‪ ,‬ويربوا أنفسهم وفقا لتعاليمها‪ ,‬وينظموا صفوفهم‬
‫على أساسها‪ ,‬هذه الدروس التي تعلمها المسلمون في أحد كانوا بحاجة إلى‬
‫أن يتعلموها وهم في بداية مسيرتهم الحضارية وهي أهم بكثير من النتصار‬
‫في معركة‪ ,‬وليبقى للمة الرصيد الذي ل يقدر بثمن‪.‬‬
‫ونحن سنعلق على بعض اليات الواردة في أحد مسترشدين بما كتبه الشهيد‬
‫سيد قطب حول هذه اليات)‪.(2‬‬
‫وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم‪ ,‬إذ همت‬
‫طائفتان منكم أن تفشل والله وليهما وعلى الله فليتوكل المتوكلون ) آل‬
‫عمران ‪( 122 ، 121‬‬
‫يبدأ القرآن الكريم بعرض القصة من أولها‪ ,‬ويذكر المسلمين بتوزيع الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم لهم على الماكن‪ ,‬وفي هذا إشارة إلى سبب الهزيمة‪,‬‬
‫ويذكر بحركة الضعف والفشل التي راودت قلوب المسلمين وذلك أن ابن‬
‫سلول لما انسحب بثلث الجيش‪ ,‬همت طائفتان بالفشل وهما بنو سلمة من‬
‫الخزرج وبنو حارثة من الوس وذلك عن ضعف ووهن ل عن شك في دينهما‪,‬‬
‫وقالوا بعد ذلك‪ :‬ما نحب أنا لم نهم بما هممنا به لتولي الله إيانا في ذلك‪.‬‬
‫ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون )آل عمران‬
‫‪(123‬‬
‫ويذكرهم القرآن ببدر للمقارنة وتأمل السباب والنتائج‪ ,‬ومعرفة أسباب‬
‫النصر والهزيمة‪ ,‬فلقد كانوا في بدر أقل عددا وأقل عدة وانتصروا رغم ذلك‪,‬‬
‫والقرآن يعيدهم بذلك للحقيقة وهي أن النصر من عند الله وحده‪.‬‬
‫لقد أيد الله المسلمين ببدر بالملئكة‪ ,‬كما أيدهم في غزوة الخندق بريح عاتية‬
‫وجهها سبحانه على الحزاب حتى انسحبوا‪ ,‬أما في أحد فلم ينزل أي مدد من‬
‫السماء وذلك لن سنة الله تقتضي أن يبذل المسلم جهده‪ ,‬ويأخذ بالسباب‬
‫حسب طاقته‪ ,‬ول يترك شيئا للصدفة‪ ,‬فإذا فعل ذلك نزل تأييد الله له‪ ,‬أما إذا‬
‫لم يفعل فنصر الله ل يتنزل إل بعد إعداد العدة حتى لو قتل المسلم نفسه‬
‫عبادة وصلة ودعاء ‪..‬‬
‫قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة‬
‫المكذبين‪ ,‬هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ول تهنوا ول تحزنوا وأنتم‬
‫العلون إن كنتم مؤمنين‪ ,‬إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك‬
‫اليام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله ل‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يحب الظالمين‪,‬وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين)آل عمران‪-137:‬‬


‫‪(141‬‬
‫لقد ظن المسلمون أنهم سينتصرون دائما لنهم مسلمون وحسب‪,‬‬
‫واستغربوا كيف تجري معهم المور على هذا النحو وهم المسلمون؟‬
‫وتساءلوا كيف نهزم ونحن حملة السلم؟ فيردهم القرآن إلى سنن الله في‬
‫الرض ‪ ..‬ويدعوهم إلى فهم هذه السنن والنواميس التي ل تتخلف‪ ,‬فهذه‬
‫السنن هي التي تحكم الحياة ‪ ..‬فكما وقعت في السابق فستقع دائما‪ ..‬وهي‪:‬‬
‫)‪ (1‬النصر من عند الله )‪ (2‬ل نصر لمن يعصي الله ورسوله )‪ (3‬مداولة‬
‫اليام بين الناس )‪ (4‬البتلء لتمحيص السرائر)‪ (5‬امتحان قوة الصبر على‬
‫الشدائد )‪ (6‬هلك المم الظالمة على مدار التاريخ )‪ (7‬المؤمنون هم‬
‫المنتصرون في النهاية )‪ (8‬كل شيء بسبب‪.‬‬
‫ومن خلل استعراض السنن‪ ,‬تشجع اليات على الحتمال والمواساة في‬
‫الشدة والتأسية على القرح ‪ ..‬الذي لم يصبهم وحدهم إنما أصاب أعداءهم‬
‫كذلك‪ ,‬وهم العلى ‪ ..‬عقيدة وهدفا‪ ,‬والهدى ‪ ..‬طريقة ومنهجا‪ ,‬والعاقبة في‬
‫النهاية لهم‪.‬‬
‫والله يربي بالبتلء بالشدة‪ ,‬بعد التربية بالبتلء بالرخاء‪ ,‬لنتعلم أسباب النصر‬
‫والهزيمة ولنزيد طاعة لله وتوكل عليه‪ ,‬يقول ابن القيم رحمه الله‪) :‬إن‬
‫النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانا وركونا إلى‬
‫العاجلة يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والخرة وذلك مرض‪ ،‬فإذا أراد‬
‫الله بها الرحمة والكرامة قيض لها من البتلء ما فيه دواء وشفاء لذلك‬
‫المرض(‪.‬‬
‫وعندما قابل أبو سفيان هرقل فيما بعد سأله هرقل عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال‪ :‬هل قاتلتموه؟ قال‪ :‬نعم‪ ,‬قال‪ :‬كيف الحرب بينكم؟ قال‪ :‬سجال‬
‫يدال علينا مرة وندال عليه أخرى‪ ,‬قال‪ :‬كذلك الرسل تبتلى ثم تكون العاقبة‬
‫لهم‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫وهذا بيان للناس كافة فهو نقلة بشرية بعيدة ‪ ..‬تجعل العرب أهل البداوة‬
‫ينظرون إلى التاريخ وعبره ويخططون للمستقبل وآفاقه ‪ ..‬ويربطون‬
‫الماضي بالحاضر والحاضر بالمستقبل‪.‬‬
‫وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على‬
‫أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين‬
‫) آل عمران ‪( 144 :‬‬
‫حين أشيع في المسلمين أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل‪ ,‬انكفأ‬
‫المسلمون وانقلبوا صاعدين إلى الجبل أو عائدين إلى المدينة أو جالسين‬
‫مذهولين‪ ,‬لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة لهم هو كل شيء‬
‫فلما سرت الشاعة أصيبوا بالذهول من هول هذا المر‪ ,‬إل فئة قليلة ثبتت‬
‫واختارت الموت على ما مات عليه الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫والمسلمون الذين يحبون نبيهم حبا لم تعرف البشرية له نظيرا ‪ ..‬ويفدونه‬
‫بحياتهم أن تشوكه شوكة‪ -‬وقد رأينا كيف دافع المسلمون عن نبيهم‪ -‬ومازال‬
‫المسلمون في كل مكان وزمان يحبون نبيهم بكل مشاعرهم وكيانهم‪,‬‬
‫مطلوب منهم أن يفرقوا بين شخص محمد صلى الله عليه وسلم والعقيدة‬
‫التي يبلغها للناس‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن البشر إلى فناء والعقيدة إلى بقاء ومنهج الله مستقل عن الذين يحملونه‬
‫من الرسل والدعاة ‪ ..‬والدعاة يجيئون ويذهبون وتبقى الدعوة على مر‬
‫الجيال والقرون‪.‬‬
‫ولقد أصيب المسلمون بمرض التجسيد )أو التشخيص( في أطوار كثيرة من‬
‫تاريخهم‪ ,‬وليس المرض خاصا بالمسلمين‪ ,‬فكل أمة معرضة لن يتوقف‬
‫نموها الفكري عند مرحلة معينة‪ ,‬فالنسان يتطور وينمو فكريا وفق مراحل‬
‫ثلث – كما يقول مالك بن نبي رحمه الله – مرحلة الشياء )الرتباط‬
‫بالحاجات المادية( ثم مرحلة الشخاص )البوين وعالم الشخاص المألوف‬
‫لديه(‪ ,‬ثم مرحلة الفكار )حين يرتبط بالمبادئ والقوانين(‪.‬‬
‫وهذا المرض خطير على فكر المة ونموها ‪ ..‬إذ إنه يكبل الفكر بالغلل فل‬
‫يتقدم‪ ,‬والعظم من ذلك أنه يعطي الفرصة للخصم للقضاء على العقائد‬
‫والفكار عن طريق تصفية )الب الروحي( أو إلصاق التهم به أو فضح نقائضه‬
‫‪ ..‬فتتحطم المة)‪.(3‬‬
‫والله سبحانه وتعالى هنا يعد المسلمين نفسيا وفكريا للنظر إلى ما بعد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فقد كان لوجوده معهم في هذه المعركة‬
‫وصموده أثر كبير في حماية الجيش من البادة‪ ,‬ولول وجوده لنهار الجيش‬
‫تماما‪ ,‬فهذا النبي القائد المعلم الذي ل مثيل له ليس بمخلد معكم‬
‫وسيغادركم يوما ‪ ..‬فماذا ستفعلون من غيره؟‬
‫يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا‬
‫خاسرين‪ ,‬بل الله مولكم وهو خير الناصرين ) آل عمران ‪( 150 :‬‬
‫انتهز الكفار والمنافقون واليهود الفرصة وأخذوا يشيعون الحباط والتشاؤم‬
‫والفرقة في صفوف المؤمنين وقالوا لو كان نبيا لنصره الله‪ ,‬وجو الهزيمة هو‬
‫الجو المناسب للدس والتشكيك والهمز واللمز‪ ,‬فيحذر الله من طاعة هؤلء‪,‬‬
‫ويحذر من الهزيمة الروحية بالركون إلى أهل الكفر والستماع إلى‬
‫وساوسهم‪ ,‬وهذا المر سيؤدي في النهاية إلى الكفر بعد اليمان والضلل بعد‬
‫الهدى‪ ,‬والمؤمن يجد في عقيدته وفي قيادته غناء عن مشورة أعداء دينه‪,‬‬
‫والله وحده هو الجهة التي يطلب المؤمنون منها النصرة والولية‪ ,‬ومن كان‬
‫الله موله فل حاجة له بأحد‪.‬‬
‫سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به‬
‫سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ) آل عمران ‪( 151 :‬‬
‫والوعد من الله الجليل القادر بإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا كفيل‬
‫وحده بنهاية المعركة‪ ,‬وهو وعد قائم في كل معركة يلتقي فيها الكفر باليمان‬
‫ولكن المهم أن توجد حقيقة اليمان في قلوب المؤمنين‪.‬‬
‫وكم من مرة وقف فيها الباطل مدججا بالسلح أمام الحق العزل‪ ,‬ومع ذلك‬
‫كان الباطل يحتشد احتشاد المرعوب ويرتجف من كل حركة وصوت‪ ,‬فأما إذا‬
‫أقدم الحق وهاجم فهو الذعر والفزع والشتات والضطراب‪.‬‬
‫ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في المر‬
‫وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد‬
‫الخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على‬
‫المؤمنين ) آل عمران ‪( 152 :‬‬
‫تذكير من الله سبحانه وتعالى بالنصر الذي تحقق في بداية المعركة‪ ,‬ثم‬
‫تقرير لحال الرماة عندما ضعف فريق منهم أمام إغراء الغنيمة ووقع التنازع‬
‫بينهم وبين من يريدون الطاعة المطلقة للرسول صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬
‫فريق يريد الدنيا وفريق يريد الخرة ‪ ..‬ول انتصار في معركة الميدان دون‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النتصار في معركة الضمير‪ ,‬إنها معركة الله ول ينصر الله فيها إل من خلصت‬
‫نفوسهم له‪ ,‬وهذا درس تعلمه المسلمون بعد أن ذاقوا حلوة النصر‪ ,‬وذاقوا‬
‫مرارة عصيان الرسول صلى الله عليه وسلم ليصبحوا بعد ذلك أشد حذرا‬
‫ويقظة من أسباب الشيطان‪.‬‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬ما كنت أرى أن أحدا من‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد ‪:‬‬
‫)منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الخرة(‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫وعفا عنكم لنكم تخطئون وتضعفون لكن في دائرة اليمان بالله والستسلم‬
‫له‪.‬‬
‫وقد أخذ القرآن هنا في اعتباره ‪ -‬وهو يربي المسلمين‪ -‬أن الهزيمة وحدها‬
‫كافية لتكون درسا لهم‪ ,‬فترفق بهم وقال (منكم من يريد الدنيا ومنكم من‬
‫يريد الخرة( أما في بدر فقال )تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة والله‬
‫عزيز حكيم‪ ,‬ولول كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم(‬
‫)النفال ‪ (68 ، 67 :‬فحساب المنتصر يختلف عن حساب المنكسر )‪ (4‬وهذه‬
‫لفتة تربوية مهمة‪.‬‬
‫إذ تصعدون ول تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما‬
‫بغم لكيل تحزنوا على ما فاتكم ول ما أصابكم والله خبير بما تعملون )آل‬
‫عمران ‪(153 :‬‬
‫ويصعد المسلمون إلى الجبل هربا في اضطراب ‪ ..‬ل يلتفت أحد منهم إلى‬
‫أحد‪ ,‬والرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم إليه فل يجيبون‪ ,‬وهنا يعمق‬
‫القرآن وقع الحادثة في نفوسهم ويثير الخجل والحياء من الفعل وأسبابه‪,‬‬
‫فأثابهم غما على الغم الذي تركوه في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل تكونوا كالذين كفروا وقالوا لخوانهم إذا ضربوا في‬
‫الرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة‬
‫في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير )آل عمران ‪(156‬‬
‫إن صاحب العقيدة مدرك للسنن ولقدر الله الذي يصيبه‪ ,‬وأن ما أصابه لم‬
‫يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه‪ ,‬ومجال التدبير والتقدير والرأي‬
‫والمشورة هو قبل القدام والحركة‪ ,‬أما إذا تحرك – بعد التدبير‪ -‬فهو راض‬
‫بما يقع من نتائج ول يتحسر على أنه لم يفعل كذا ليتقي كذا ‪ ..‬أما الفارغ من‬
‫العقيدة فهو أبدا في قلق بين لو ولول ويا ليت وواأسفاه !‬
‫وليس براجع ما فات مني ‪... ...‬‬
‫بـ )لهف( ول بـ )ليت(ول)لو اني(‬
‫فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك‬
‫فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في المر فإذا عزمت فتوكل على الله‬
‫إن الله يحب المتوكلين )آل عمران ‪(156‬‬
‫تحمس القوم للخروج ثم اضطربت صفوفهم‪ ,‬فرجع ثلث الجيش قبل‬
‫المعركة‪ ,‬وخالفوا بعد ذلك أمره‪ ,‬وضعفوا أمام الغنيمة‪ ,‬ووهنوا أمام إشاعة‬
‫مقتله‪ ,‬وانقلبوا على أعقابهم مهزومين‪ ,‬وأفردوه في النفر القليل‪ ,‬وتركوه‬
‫يثخن بالجراح وهو صامد يدعوهم في أخراهم وهم ل يلوون على أحد‪ ,‬فيتوجه‬
‫الله إليه صلى الله عليه وسلم يطيب قلبه ويذكره ويذكرهم بالنعمة التي هم‬
‫فيها المتمثلة في خلقه الكريم‪ ,‬ويستجيش كوامن الرحمة في قلبه لتغلب‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على ما أثاره تصرفهم فيه‪ ,‬ثم يدعوه أن يعفوا عنهم ويستغفر لهم وأن‬
‫يشاورهم في المر كما كان يشاورهم قبل المعركة‪ ,‬رغم ما أحدثته الشورى‬
‫من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف‪.‬‬
‫إن ينصركم الله فل غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده‬
‫وعلى الله فليتوكل المؤمنون)آل عمران ‪(160‬‬
‫على المسلم أن ينهض بالتكاليف ويبذل الجهد‪ ,‬ويتوكل بعد هذا كله على الله‬
‫ول يلتمس شيئا من عند غير الله فل قوة إل قوة الله ول قدرة إل قدرته‪,‬‬
‫وليس للمسلم إل أن يتوكل على الله وحده‪.‬‬
‫أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم‬
‫إن الله على كل شيء قدير )آل عمران ‪(165‬‬
‫لقد كتب الله على نفسه نصر أوليائه وأصحاب عقيدته وهذا بشرط كمال‬
‫اليمان في قلوبهم وسلوكهم وسنة الله ل تحابي أحدا‪.‬‬
‫وقد تساءل المسلمون كيف يغلبون وهم يجاهدون في سبيل الله‪ ,‬وأعداؤهم‬
‫هم المشركون أعداء الله‪ ,‬فيذكرهم الله أنكم قد انتصرتم في بدر وأصبتم‬
‫مثلي ما أصابوا منكم الن‪ ,‬وذلك حينما كنتم مستقيمين على أمر الله‬
‫ورسوله آخذين بأسباب النصر‪ ,‬صابرين صامدين‪ ,‬ولكن أنفسكم هي التي‬
‫ضعفت واستكانت لمر الدنيا وركنت إلى أن النصر قادم دون تعب‪ ,‬فراجعوا‬
‫أنفسكم وصححوا مسيرتكم‪.‬‬
‫وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين‪ ,‬وليعلم الذين‬
‫نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتال‬
‫لتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم لليمان يقولون بأفواههم ما ليس في‬
‫قلوبهم والله أعلم بما يكتمون )آل عمران ‪(167‬‬
‫عندما انسحب ابن سلول بثلث الجيش لحقهم عبد الله بن حرام وهو يقول‬
‫تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا فاحتجوا بأن القتال لن يقع‪ ,‬والله يفضح‬
‫هنا المنافقين ويعريهم على حقيقتهم‪ ,‬وقد كان من نتيجة المعركة التمييز‬
‫لول مرة بين المؤمنين الصادقين والمنافقين الذين دخلوا في السلم ظاهرا‬
‫بعد انتصار المسلمين ببدر‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وكانت عادة عبد الله بن أبي بن سلول إذا جلس رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يوم الجمعة على المنبر قام فقال‪ :‬أيها الناس هذا رسول الله بين‬
‫أظهركم أكرمكم الله تعالى به وأعزكم‪ ,‬فانصروه وعزروه واسمعوا له‬
‫وأطيعوا‪ ,‬ثم يجلس فبعد أحد أراد أن يفعل كذلك‪ ,‬فلما قام أخذ المسلمون‬
‫بثوبه من نواحيه وقالوا له‪ :‬اجلس عدو الله‪ ,‬والله لست لذلك بأهل وقد‬
‫صنعت ما صنعت‪ ,‬فخرج وهو يتخطى رقاب الناس‪ ,‬وهو يقول‪ :‬كأني إنما‬
‫قلت بجرا )سوءا(‪ ,‬وقال له بعض النصار‪ :‬ارجع يستغفر لك رسول الله‪,‬‬
‫فقال‪ :‬والله ما أبتغي أن يستغفر لي‪.‬‬
‫ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون‬
‫فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من‬
‫خلفهم أل خوف عليهم ول هم يحزنون‪ ,‬يستبشرون بنعمة من الله وفضل‬
‫وأن الله ل يضيع أجر المؤمنين )آل عمران ‪(171 – 169‬‬
‫إن هؤلء الذين قتلوا في سبيل الله وبعدوا عن أعينكم ليسوا بأموات بل‬
‫أحياء لهم كل خصائص الحياء‪ ,‬فهم يرزقون‪ ,‬وهم فرحون بما حصلوا عليه‪,‬‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مشغولون بما وراءهم من إخوانهم‪ ,‬مستبشرون لهم لما علموه من أجر‬


‫وفضل ‪ ..‬فهم لم ينفصلوا عن إخوانهم‪ ,‬فما الذي بقي من خصائص الحياة‬
‫غير متحقق‪ ,‬فل تتحسروا على فراقهم‪ ,‬بل افرحوا لما أصابهم‪ ,‬وهذا تصحيح‬
‫وتعديل كامل لمفهوم الموت والحياة لتسير عليه خطى المجاهدين إلى يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫وقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد وقال‪ :‬أنا شهيد‬
‫على هؤلء‪ ,‬إنه ما من جريح يجرح في الله إل ويبعثه الله يوم القيامة‪ ,‬يدمى‬
‫جرحه‪ ,‬اللون لون دم‪ ,‬والريح ريح مسك‪.‬‬
‫الذين استجابوا لله من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر‬
‫عظيم‪ ,‬الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم‬
‫إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل‪ ,‬فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم‬
‫يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم )آل عمران ‪-173‬‬
‫‪(174‬‬
‫لم يشأ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون آخر شعور للمسلمين هو‬
‫الشعور بالهزيمة‪ ,‬فاستنهضهم لمتابعة قريش ليشعرهم بأنهم مازالوا أقوياء‬
‫وأن خسارة معركة ليست نهاية المطاف وليستخرج الطاقات المكنونة عند‬
‫هؤلء المجهدين‪ ,‬فتحركوا ونفضوا عنهم الضعف والفشل‪ ,‬وأراد الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم أن يشعر المسلمين وأن يشعر الدنيا كلها أن هناك‬
‫حقيقة جديدة وجدت على الرض وهي أن هناك عقيدة هي كل شيء في‬
‫نفوس أصحابها‪ ,‬وهي أكبر من اللم والجراح‪ ,‬وأن المسلمين المتوكلين على‬
‫الله ل يرهبهم أن يحشد الكفر حشوده ما دام الله معهم‪ ,‬بل إن ذلك يزيدهم‬
‫إيمانا وتصديقا‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬هل تهزم المة المؤمنة؟‬
‫عندما أراد أبو سفيان النصراف بعد النتهاء من غزوة أحد وقف منتشيا‬
‫مفتخرا‪ ,‬مزهوا بنصره‪ ،‬وأخذ يسأل‪ :‬هل فيكم محمد؟ هل فيكم أبو بكر؟ هل‬
‫فيكم عمر؟ إدراكا منه أن هؤلء الثلثة هم الرموز الساسية للمة‪ ,‬فسكتوا‬
‫عنه حتى أجاب عمر بأنهم ل زالوا أحياء‪ ,‬فقال بأعلى صوته للفرقة المؤمنة‬
‫ليكسر من عزيمتهم‪:‬‬
‫أنعمت فعال‪ ،‬الحرب سجال‪ ،‬يوم بيوم بدر‪ ,‬يوم نساء ويوم نسر‪.‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أل تجيبونه؟‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله ما نقول؟‬
‫قال‪ :‬قولوا‪ :‬ل سواء‪ ،‬قتلنا في الجنة وقتلكم في النار‪.‬‬
‫والرسول صلى الله عليه وسلم يريد بذلك أن يشحذ من عزيمة المسلمين‬
‫ويقوي إرادتهم‪..‬‬
‫وهنا أراد أبو سفيان أن يحول النتصار العسكري المادي إلى انتصار عقدي‬
‫حضاري‪..‬‬
‫فهتف ‪ :‬اعل هبل‪ ,‬اعل هبل‪.‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أل تجيبونه؟‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله ما نقول؟‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪ :‬قولوا‪ :‬الله أعلى وأجل‪.‬‬
‫فقال أبو سفيان‪ :‬لنا العزى ول عزى لكم‪.‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أل تجيبونه؟ قولوا‪ :‬الله مولنا ول‬
‫مولى لكم‪.‬‬
‫وتحدى أبو سفيان المسلمين وقال‪ :‬موعدنا العام القادم‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقالوا‪ :‬هو بيننا وبينك موعد‪.‬‬


‫حدث هذا الحوار في وقت كان يفترض أن يكون فيه المسلمون في انكسار‬
‫وهوان وذلة‪ ,‬لكن خسارة تلك الجولة في سلسلة الصراع بين الحق والباطل‬
‫ل يمكن أن تنال من عزتهم ومن شموخهم بدينهم‪ ،‬ومن ثباتهم على مبادئهم‬
‫بل وفي وقوفهم وردهم على عدوهم ردا يوضح موقفهم وفكرهم‪..‬‬
‫فعجبا لهذا الضعيف المهزوم كيف يقف مستعليا بإيمانه‪ ,‬مفتخرا بمنهجه‪,‬‬
‫منتصرا بفكره !‬
‫لقد حاز المشركون من النصر على صورته ل حقيقته‪ ,‬لن النصر الحقيقي هو‬
‫النتصار على نفس المهزوم وعقله وقلبه‪ ,‬كما أن الهزيمة الحقيقية هي أن ل‬
‫يقوم المهزوم بواجبه في حال الهزيمة وأن يستسلم لمصيره‪ ,‬ويضعف أمام‬
‫خصمه‪ ,‬ويستعظم شأنه‪ ,‬ويرضى بالهوان‪ ,‬فيسيطر الخصم على قلبه وفكره‪,‬‬
‫ويقوده بكل سهولة‪ ,‬وهذا أخطر ما في الهزيمة‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫لقد تعلم المسلمون الدرس ومضوا في طريقهم نحو غايتهم بعد أن صقلتهم‬
‫تجربة أحد وقومت مسيرهم وصححت مفاهيمهم وزكت نفوسهم فقاموا‬
‫يبلغون دينهم وهم أصلب عودا وأشد قوة ‪ ..‬فإن الضربة التي ل تقصم ظهرك‬
‫تقويك‪ ,‬وقد بث رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجاله روح التفاؤل‬
‫والثقة والبشر فقال لهم‪) :‬لن ينالوا مثلها بعد اليوم حتى يفتح الله علينا(‪.‬‬
‫وتعرض المسلمون بعد أحد لمأساة ثانية في ذات الرجيع وفقدوا غدرا ستة‬
‫من خيار الصحابة الدعاة المعلمين الذين أرسلهم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بعد أن تظاهر الغادرون أنهم يريدون منه أن يرسل معهم من يعلم‬
‫قومهم السلم‪ ,‬وفي نفس الشهر الذي حدثت فيه تلك المأساة جاءهم من‬
‫يطلب ذات الطلب ولنفس السبب فلم يحجم المسلمون ولم تمنعهم قساوة‬
‫التجربة ومرارتها من تكرار المحاولة والتفكير بإيجابية نحو العمل البناء‪,‬‬
‫فالمقام مقام التضحية والفداء ل مقام الحيطة والحذر‪ ,‬فأرسلوا أربعين‬
‫صحابيا هذه المرة بعد أن اتخذوا احتياطهم ودخلوا في جوار رجل له هيبة بين‬
‫العرب‪ ,‬ولكن حدثت مأساة أخرى أكبر إذ فقدوا في هذه المرة الصحابة‬
‫الربعين غدرا أيضا في بئر معونة‪ .‬وبعد ذلك تعرض رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لمحاولة اغتيال من قبل يهود بني النضير‪.‬‬
‫ولم تمنع هذه المآسي المسلمين من تبليغ رسالة ربهم ونشر دعوتهم‬
‫وتحطيم العوائق التي تعترضهم رغم أنهم كانوا وحدهم في الميدان يواجهون‬
‫الدنيا كلها وقد تجرأ عليهم العراب والمنافقون واليهود والنصارى‪ ,‬فوجه‬
‫المسلمون ضربة قاصمة لبني النضير‪ ،‬وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫السرايا لتردع المتربصين وتؤدب الغادرين‪ ,‬ووصلت يد المسلمين الطويلة‬
‫إلى شمال الجزيرة في دومة الجندل لتوجه ضربتها‪ ,‬فاستعادوا هيبتهم‬
‫وانتقلوا من الهزيمة إلى النصر‪.‬‬
‫وفقه المسلمون اليات الكريمات التي نزلت في أحد جيدا حتى امتزجت‬
‫بدمائهم فنفذوا تعليماتها بحذافيرها وتلفوا جميع أخطائهم السابقة كما ظهر‬
‫أثر ذلك في غزوة الخندق‪.‬‬
‫ونحن المسلمين علينا أن ندرس أسباب الهزيمة في أحد جيدا‪..‬‬
‫نقارن بينها وبين ما نعايشه الن ‪..‬‬
‫وننظر كيف هزم المسلمون ؟‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهل أسباب الهزيمة هي نفسها دائما ؟‬


‫وكيف تجاوز المسلمون المحنة ؟‬
‫وما الذي فعله المسلمون كي ينتقلوا من الهزيمة إلى النصر؟‬
‫ولنتعلم من أحد‪:‬‬
‫‪(1 #‬أن القرارات المصيرية يجب أن تكون بيد المة ‪ ..‬هي التي تملكها وهي‬
‫التي تتحمل نتيجتها ‪ ..‬ويقتضي ذلك أن يسود جو من حرية الرأي وتبادل‬
‫الفكار والنقد البناء للوصول إلى القرارات الرشيدة ‪ ..‬ويستدعي ذلك‬
‫قيام الدولة على أساس شوري في كل نواحي الحياة‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫قيام مؤسسات للبحاث والدراسات تبحث عن الحقائق وتبينها لمتخذي‬
‫القرار‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫الستماع إلى أهل العلم والخبرة مهما كانت اتجاهاتهم‪.‬‬
‫‪(2‬اليقظة لمخططات أعداء المة وما يكيدون لنا‪ ,‬ولن كان هذا المر صعبا‬
‫في السابق ‪ ..‬فإنه لم يعد كذلك إذ إن العداء ل يتورعون عن نشر أهدافهم‬
‫ووسائلهم والعلن عنها ‪ ..‬وما علينا هو قراءة ما يكتبون والستماع لما‬
‫يقولون‪.‬‬
‫‪(3‬العمل على أن تمتلك المة أسباب القوة المادية القتصادية والتكنولوجية‬
‫والعسكرية ‪ ..‬لتكون رادعا يمنع الكائدين والحاقدين من تحقيق شرورهم‪.‬‬
‫‪(4‬الستعانة بالكفار ووجودهم بعتادهم وقواعدهم في بلدنا ‪ ..‬هو أمر محرم‬
‫وعار في جبين أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة وأن هؤلء القوم‬
‫حاقدون ل يؤمن غدرهم‪.‬‬
‫‪(5‬أن تسود الربانية وينتشر التدين في المة بنفس الروح التي سادت في‬
‫زمن الصحابة صلة قوية بالله‪ ,‬وتضحية من أجل السلم‪ ,‬وإحياء لنفسية‬
‫الجهاد‪ ,‬وحشدا لطاقات المة‪ ,‬وأن تعتبرالدنيا وسيلة إلى الخرة ل غاية بحد‬
‫ذاتها‪.‬‬
‫‪(6‬أن نبث روح الثقة في النفس والتفاؤل في المستقبل ‪ ..‬فتلك النكسات‬
‫التي تتعرض لها المة يجب أن ل تفت في عضدها وهي ليست نهاية المطاف‬
‫فالعاقبة للمتقين‪.‬‬
‫‪(7‬ل ننتظر نصرا ول تمكينا إل لمن استقام على أمر الله ‪ ..‬فإن الله سبحانه‬
‫ل يولي عهده الظالمين ول يهدي كيد الخائنين ول يصلح عمل المفسدين ‪..‬‬
‫ول نضفي شرعية على أي نظام ل يحتكم إلى السلم عقيدة وشريعة ومنهج‬
‫حياة‪.‬‬
‫‪(8‬ل يغير الله سننه في الكون من أجل المسلمين ‪ ..‬بل على المسلمين أن‬
‫يفقهوا تلك السنن جيدا ‪ ..‬ويغيروا ما بأنفسهم وفقا لها حتى يحوزوا على‬
‫نصر الله‪.‬‬
‫‪(9‬ل تنازل عن المبادئ ول عن الدور الحضاري للمة وأن نتمثل تلك‬
‫الشعارات التي رفعها المسلمون بعد المعركة ‪ ..‬الله أعلى وأجل ‪ ..‬الله‬
‫مولنا ول مولى لهم ‪ ..‬قتلنا في الجنة وقتلهم في النار‪.‬‬
‫‪(10‬الدعاء ‪ ..‬وقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد وقال‬
‫لصحابه‪ :‬استووا حتى اثني على ربي عز وجل‪ ,‬ثم دعا بدعاء جمع المعاني‬
‫السابقة كلها فقال‪:‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللهم لك الحمد كله‪ ,‬اللهم ل قابض لما بسطت ول باسط لما قبضت‪ ,‬ول‬
‫هادي لمن أضللت ول مضل لمن هديت‪ ,‬ول معطي لما منعت ول مانع لما‬
‫أعطيت‪ ,‬ول مقرب لما باعدت ولما مبعد لما قربت اللهم ابسط علينا من‬
‫بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك‪.‬‬
‫اللهم إني أسلك النعيم المقيم الذي ل يحول ول يزول‪ ,‬اللهم إني أسألك‬
‫النعيم يوم العََيلة والمن يوم الخوف‪.‬‬
‫اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا‪.‬‬
‫اللهم حبب إلينا اليمان وزينه في نفوسنا وكره إلينا الكفر والفسوق‬
‫والعصيان واجعلنا من الراشدين‪.‬‬
‫اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين والحقنا بالصالحين غير خزايا ول‬
‫مفتونين‪.‬‬
‫اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم‬
‫رجزك وعذابك‪.‬‬
‫اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب ‪ ..‬إله الحق‪.‬‬
‫ولندع أخيرا بدعاء العز بن عبد السلم‪:‬‬
‫اللهم أبرم لهذه المة أمر رشد ‪ ..‬يعز فيه أهل طاعتك ‪ ..‬ويذل فيه أهل‬
‫معصيتك ‪ ..‬ويحكم فيه بشريعتك‪.‬‬
‫المراجع‪:‬‬
‫‪.1‬أصول الدارة ‪/‬د‪.‬جميل أبو العينين‬
‫‪.2‬الجامع لحكام القرآن ‪/‬محمد بن أحمد القرطبي‬
‫‪.3‬الحرب ‪/‬العقيد محمد صفا‬
‫‪.4‬دراسة تحليلية لشخصية محمد صلى الله عليه وسلم‪ /‬د‪ .‬محمد رواس‬
‫قلعه جي‬
‫‪.5‬دراسة في السيرة ‪/‬د‪ .‬عماد الدين خليل‬
‫‪.6‬الرحيق المختوم‪ /‬صفي الرحمن المباركفوري‬
‫‪.7‬الرسول العربي وفن الحرب‪/‬العماد مصطفى طلس‬
‫‪.8‬الرسول القائد‪ /‬اللواء محمود شيت خطاب‬
‫‪.9‬زاد المعاد ‪/‬ابن القيم‬
‫‪.10‬السنن اللهية ‪/‬د‪ .‬عبد الكريم زيدان‬
‫‪.11‬السيرة الحلبية‪ /‬علي بن برهان الدين الحلبي‬
‫‪.12‬السيرة النبوية‪ /‬ابن هشام‬
‫‪.13‬العبقرية العسكرية لغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم ‪/‬اللواء محمد‬
‫فرج‬
‫‪.14‬غزوة أحد‪ /‬د‪ .‬شوقي أبو خليل‬
‫‪.15‬فقه السيرة ‪ /‬الشيخ محمد الغزالي‬
‫‪.16‬في ظلل القرآن ‪/‬سيد قطب‬
‫‪.17‬هدي السيرة النبوية في التغيير الجتماعي‪/‬حنان اللحام‬
‫)‪ (1‬عماد الدين خليل‪ ,‬دراسة في السيرة ص ‪167‬‬
‫)‪ (2‬ينصح بقراءة ما كتبه سيد قطب في الظلل حول هذه اليات ففيها فائدة‬
‫عظيمة‪.‬‬
‫)‪ (3‬حنان اللحام‪ ,‬هدي السيرة النبوية في التغيير الجتماعي ص ‪249‬‬
‫)‪ (4‬الغزالي‪ ,‬فقه السيرة ‪265‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دروس وعبر في تحويل القبلة‬


‫محمد مسعد ياقوت‪ -‬باحث تربوي‬
‫بلطيم كفر الشيخ‬
‫‪M_yakout2003@yahoo.com‬‬
‫‪http://www.ebdaaty.com/yakout‬‬
‫في شهر شعبان ـ من كل عام ـ نتذكر ذلك الحدث المجيد الذي محص الله‬
‫فيه الجيل الول من أتباع السلم ‪ ،‬في العام الثاني من الهجرة ‪ ..‬وفي هذا‬
‫الحدث من الدروس والعبر الكثير والكثير ‪ ..‬والمة السلمية في هذا العصر ؛‬
‫في أشد الحاجة إلى تتنسم رحيق هذا الحدث الكبير ‪ ،‬ولتأخذ منه فاصل ً من‬
‫الدروس والعبر والحلول؛ ما يعالج مشكلتها وما يدواي جراحها‪..‬‬
‫الدرس الول ‪ :‬في التربص اليهودي بالسلم ‪:‬‬
‫لقد شكك اليهود في صدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدولة السلمية‬
‫كاُنوا ْ‬
‫م ال ِّتي َ‬ ‫عن قِب ْل َت ِهِ ُ‬‫م َ‬‫ما وَل ّهُ ْ‬ ‫في طور النشاء والتأسيس ـ فقالوا ‪َ ) ..":‬‬
‫عَل َي َْها( ]البقرة ‪ ، [142 -‬لقد اشتاق الرجل إلى مولده ! ما لهؤلء تارة‬
‫يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا ‪ ،‬ما صرفهم عن قبلتهم التى كانوا عليها ‪..‬‬
‫إن كانت القبلة الولى حقا فقد تركها ‪،‬وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان‬
‫على باطل ‪ "..‬وهنا ندرك أصالة العدوان اليهود للسلم والمسلمين ‪ ..‬فقد‬
‫شنوا حربا ً إعلمية ضارية في أعقاب حدث تحويل القبلة ‪ .‬ولقد ُفتن ضعاف‬
‫اليمان كما ُفتن إخوانهم في حادث السراء والمعراج ‪ ..‬وإن المتأمل ليات‬
‫تحويل القبلة؛ وهي ترد شبهات اليهود؛ يتبين له مدى ضراوة الحرب العلمية‬
‫والفكرية التي شنها اليهود ‪..‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م الِتي كاُنوا عَلي َْها‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫عن قِب ْلت ِهِ ُ‬ ‫م َ‬‫ما وَل ّهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫قو ُ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫فَهآُء ِ‬ ‫س َ‬‫ل ال ّ‬ ‫سي َ ُ‬
‫قال تعالى‪َ ) :‬‬
‫م( ]سورة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُقل لل ّهِ ال ْ َ‬
‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬‫ط ّ‬
‫صَرا ٍ‬ ‫ى ِ‬ ‫شآُء إ ِل َ‬ ‫دي َ‬ ‫ب ي َهْ ِ‬‫مغْرِ ُ‬‫شرِقُ َوال َ‬
‫البقرة ‪ -‬الية‪ .. [142 :‬حتى إنهم شككوا في صلة المسلمين القديمة نحو‬
‫بيت المقدس ‪ ،‬ومن ثم أعلنوا أن المسلمين الذين ماتوا قبل تحويل القبلة‬
‫هّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫دخلوا النار؛ لنهم صلوا إلى القبلة الفاسدة ! فيرد الله قائل ً ‪ ) :‬وَ َ‬
‫م( ]‪ :‬البقرة ‪. [143-‬‬ ‫حي ٌ‬‫ف ّر ِ‬ ‫س ل ََرُءو ٌ‬‫ه ِبالّنا ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫مان َك ُ ْ‬‫ضيعَ ِإي َ‬ ‫ل ِي ُ ِ‬
‫وهكذا خاب وخسر من جرى يلهث في عصرنا خلف اليهود ‪ .‬وخاب وخسر‬
‫من تمسح باليهود في تطبيع ‪ ،‬أو ظن أن الحدائة تتصدق بكتاكيت !‬
‫الدرس الثاني ‪ :‬في وسطية المة ‪:‬‬
‫لقد أصل ورسخ هذا الحدث مبدأ وسطية هذه المة ‪ ،‬فقد جمعت بين قبلتين‬
‫عظيمتين ‪ ،‬قبلة إبراهيم وأتباعه ‪ ،‬وقبله موسى وإخوانه ‪ ..‬فأمة السلم‬
‫وسط في الشكل وفي المضمون‪ ،‬ل سيما في الشعائر ‪ ،‬ومن ثم قال الله‬
‫سطًا( ]سورة‪ :‬البقرة ‪ -‬الية‪:‬‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫ة وَ َ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫معلل ً ذلك الحدث ‪) :‬وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫‪.[143‬‬
‫نعم ‪ ،‬أمة وسطا ‪ :‬مجانبة للغلو والتقصير ‪ ،‬لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم‬ ‫ً‬
‫ول قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم ‪ ،‬وقد ُري عن النبي ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ ‪ ":‬خير المور أوسطها"‪ ،‬وقال علي ـ رضي الله عنه ـ ‪" :‬عليكم‬
‫بالنمط الوسط فإليه ينزل العالي‪ ،‬وإليه يرتفع النازل" ‪ ..‬ووسطية المة‬
‫السلمية وسطية شاملة ‪ ..‬فهي و سط في العتقاد والتصور‪ ،‬وسط في‬
‫العلقات والرتباطات ‪ ،‬وسط في أنظمتها ونظمها وتشريعاتها ‪..‬‬
‫وحري بالمسلمين أن يعودا إلى وسطيتهم التي شرفهم الله بها من أول‬
‫يوم ‪..‬‬
‫حري بمن استوردوا التشريعات والقوانين الوضعية العفنة أن يعودوا إلى‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سقوا المصلحين أن ينهلوا‬ ‫فروا المسلمين وف ّ‬ ‫وسطية السلم ‪ .‬وحري بمن ك ّ‬


‫من وسطية السلم ‪.‬‬
‫الدرس الثالث ‪ :‬في أستاذية المة السلمية ‪:‬‬
‫س( ]البقرة ‪[143 -‬‬ ‫َ‬ ‫كوُنوا ْ ُ‬
‫قال تعالى‪) :‬ل ّت َ ُ‬
‫دآَء عَلى الّنا ِ‬ ‫شهَ َ‬
‫قال سيد قطب ـ رحمه الله ‪ " :‬إنها المة الوسط التي تشهد على الناس‬
‫جميعا ‪ ,‬فتقيم بينهم العدل والقسط ; وتضع لهم الموازين والقيم ; وتبدي‬
‫فيهم رأيها فيكون هو الرأي المعتمد ; وتزن قيمهم وتصوراتهم وتقاليدهم‬
‫وشعاراتهم فتفصل في أمرها ‪ ,‬وتقول‪:‬هذا حق منها وهذا باطل"‬
‫إن أمة السلم ما بعثها الله إل لتقود ولتسوس البشرية إلى الحق ‪ ..‬ولذا‬
‫س( ‪ .‬وكانت هذه‬ ‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬‫خرِ َ‬‫مةٍ أ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬‫م َ‬‫استخلفها الله ومنحها الخيرية‪) :‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫المنحة الربانية مقابل تأدية المة لوظيفتها ومزاولتها لمهنتها ‪ ..‬ووظيفتها‬
‫ومهنتها هي سياسة الحضارات وقيادة المم بالمر بالمعروف والنهي عن‬
‫ن ِباللهِّ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْك َرِ وَت ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬
‫المنكر واليمان بالله ‪ ) :‬ت َأ ُ‬
‫( ]‪ :‬آل عمران ‪. [110 -‬‬
‫وواضح جلي من بنود هذا العقد ومن شروط تلك المنحة ؛ أن المة إذا تخلت‬
‫عن وظيفتها سلبها الله منحة الخيرية ‪ ..‬وأصيبت بالضعف والخور وتوالت‬
‫عليها الهزائم ‪ ،‬وأكلها الشرق والغرب ‪ ..‬فأحرى بنا أن نسترد أستاذيتنا‬
‫المسلوبة ومكانتنا الغائبة ‪ .‬وأحرى بالعامل في المصنع يشارك في استرداد‬
‫أستاذية المة‪ ،‬وأحرى بالتاجر والموظف والكاتب والواعظ أن يتحدوا في‬
‫إعادة مجد السلم ‪.‬‬
‫الدرس الرابع ‪ :‬في حتمية البتلء ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ى‬ ‫َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت عَل َي َْهآ إ ِل ّ ل ِن َعْل َ َ‬ ‫ة ال ِّتي ُ‬ ‫قب ْل َ َ‬


‫جعَل َْنا ال ْ ِ‬
‫ب عَل َ‬ ‫قل ِ ُ‬
‫من َين َ‬ ‫م ّ‬
‫ل ِ‬ ‫من ي َت ّب ِعُ الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫كن َ‬ ‫ما َ‬
‫)وَ َ‬
‫ه ( ]البقرة ‪ . [143 -‬إذ‬ ‫ّ‬
‫دى الل ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت لكِبيَرة ً إ ِل عَلى ال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قب َي ْهِ وَِإن كان َ ْ‬ ‫عَ ِ‬
‫المؤمن ـ لسيما وهو يمارس وظيفته في الدعوة إلى الله ـ لبد أن يبتلى ‪،‬‬
‫ن(‬ ‫م ل َ يُ ْ‬
‫فت َُنو َ‬ ‫قول ُوَا ْ آ َ‬
‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫س َأن ي ُت َْرك ُوَا ْ َأن ي َ ُ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬
‫ح ِ‬
‫َ‬
‫ولبد أن ُيمتحن )أ َ‬
‫]العنكبوت ‪ .. [2 -‬ولقد ابتلي المسلمون الوائل بهذا الحدث أيما ابتلء ‪.‬‬
‫فثبتوا ـ رضي الله عنهم ـ ما ضرتهم حرب اليهود العلمية ‪ ..‬ليضرب‬
‫الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ القدوة والسوة في مواجهة البتلء ‪ ،‬ولقد‬
‫ة بابتلء‬ ‫علمونا ـ رضي الله عنهم ـ الصبر على ألوان ومجالت البتلء ‪ ،‬بدي ً‬
‫السجن والحصار والتعذيب في رمضاء مكة ‪ ،‬وحتى الصبر على الترسانة‬
‫العلمية اليهودية ‪..‬‬
‫ولعل دعاة اليوم أن يتأملوا بعين طالب العلم إلى تراث الصحابة ‪ ،‬ولنستلهم‬
‫من صبر الصحابة الزاد على طريق الدعوة إلى الله ؛ لسيما في ظل نار‬
‫حكام الجور وجحيم أعداء السلم ‪.‬‬
‫الدرس الخامس ‪ :‬في سرعة الستجابة ‪:‬‬
‫كم كان هؤلء الصحابة ـ رضي الله عنه ـ في قمة التشريف لهذه الدعوة ؛‬
‫عندما جاءهم خبر تحويل القبلة ‪..‬انظر في صحيح البخاري عن البراء ‪ " :‬أن‬
‫النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ـ أو‬
‫سبعة عشر شهرا ـ ‪ ،‬وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت‪ ،‬وإنه صلى أول‬
‫صلة صلها العصر‪ ،‬وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى مع النبي ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ فمر على أهل المسجد وهم راكعون ‪ ،‬فقال أشهد‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالله‪ ،‬لقد صليت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل مكة ‪ ،‬فداروا كما هم‬
‫قبل البيت" لقد تحولوا وهو في هيئة الركوع من قبلة بيت المقدس إلى‬
‫اتجاه البيت الحرام ‪ ..‬لقد علمونا ـ رضي الله عنهم ـ كيف نستقبل أوامر‬
‫وتعاليم السلم ‪..‬‬
‫بهذه الثقة في النهج وبهذه الثقة في القائد قادوا وسادوا وساسوا الدنيا ‪..‬‬
‫يا قوم فما بالنا نحينا أوامر السلم وتعاليم القرآن‪ ،‬وشككنا في أحكام‬
‫الشريعة ‪ ..‬وتنسمنا فساء الغرب ‪ ،‬ونقبنا في مزابل العولمة ‪! ..‬‬
‫إلى متى هذه الجفوة والفجوة بين المسلمين ومنهجهم ؟ وإلى متى نستجيب‬
‫إلى كل أشباه الحلول ‪ ،‬ونرفض الحل السلمي ؟ وإلى متى نستجيب إلى‬
‫كل فكر إلى الفكر السلمي ؟‬
‫فالنتحول كما تحول الصحابة في حادث تحويل القبلة ‪ .‬نتحول بكل قوة وثقة‬
‫ورشاقة إلى منهج السلم بكلياته وجزئياته ‪ ،‬كما تحول الغر الميامين وهم‬
‫ركوع‬

‫)‪(2 /‬‬

‫دروس وعبر من قصة موسى وفرعون‬


‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي‬
‫له ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده‬
‫ن إ ِل ّ وََأنُتم‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ وَل َ ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ورسوله ‪َ? .‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ن ?] آل عمران ‪َ? [102 :‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫سا‬
‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫جا‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ما‬
‫ُ َ ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ث‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ها‬
‫ْ َ َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫وا‬
‫ٍ َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫نّ‬
‫م َرِقيب ًا?]النساء ‪ [1 :‬والصلة والسلم‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن عَلي ْك ْ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َوالْر َ‬ ‫ساءلو َ‬ ‫تَ َ‬
‫على سيدنا محمد أشرف النبياء والمرسلين ‪ ،‬الذي بلغ الرسالة‪ ،‬وأدى‬
‫المانة‪ ،‬ونصح المة‪ ،‬فجزاه الله خير ما جازى نبيا ً عن أمته ‪ .‬وبعد ‪:‬‬
‫َ‬
‫مث ْل َُها ِفي ال ْب َِلدِ‬ ‫خل َقْ ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫مادِ ال ِّتي ل َ ْ‬ ‫ت ال ْعِ َ‬ ‫م َذا ِ‬ ‫ك ب َِعاد ٍ إ َِر َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫ف فَعَ َ‬ ‫م ت ََر ك َي ْ َ‬ ‫? أل َ ْ‬
‫وا ِفي ال ْب َِلدِ‬ ‫ن ط َغَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِذي اْل َوَْتادِ ال ّ ِ‬ ‫وادِ وَفِْرعَوْ َ‬ ‫خَر ِبال ْ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫جاُبوا ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مود َ ال ّ ِ‬ ‫وَث َ ُ‬
‫صاِد?‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك لِبال ِ‬ ‫َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫سوْط عَ َ‬ ‫َ‬ ‫م َرب ّك َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ب عَلي ْهِ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬
‫ساد َ ف َ‬ ‫ف َ‬ ‫فَأ َكثُروا ِفيَها ال َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫]الفجر‪[14-6:‬‬
‫لقد رأينا كيف فعل الله عز وجل بعاد وثمود حين كفروا واستكبروا وظلموا‬
‫وطغوا وأفسدوا‪ ،‬وكيف كانت نهايتهم حيث دمرهم الله وأهلكهم وأخذهم أخذ‬
‫عزيز مقتدر‪.‬‬
‫أما فرعون الذي غدا اسمه علما ً على الطغيان والستبداد والتسلط‬
‫والستكبار ‪ ،‬فقد بسط القرآن الحديث عنه وبين سياسته وبرامجه وخططه‬
‫الجرامية الخاطئة في قهر الشعوب واستذللها‪ .‬وما أحوجنا اليوم إلى التدبر‬
‫والتأمل في هذه السياسات الجرامية الظالمة المتكررة في تاريخ البشرية‪،‬‬
‫ولكي نتعرف على طريق النجاة والخلص من الذل والستبداد والتسلط الذي‬
‫أصاب أمتنا من قبل أنفسها وذاتها وأعدائها‪.‬‬
‫إن قراءة القرآن ودراسته وتدبره والعمل به هو بداية الطريق للخلص من‬
‫الذل ‪ ،‬إننا حين ننظر في قصة فرعون وجبروته وبطشه وتنكيله وتقنينه‬
‫للفساد والجرام وفرض ذلك على الناس ‪ ..‬ثم موقف الشعب من ذلك ثم‬
‫كيف تكون النهايات إذا تأملنا ذلك بتدبر ووعي‪ ،‬سندرك جيدا ً فعل الله عز‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجل وتقديره في دك الظلم والطغيان وتدمير البغي والعدوان وهو في كمال‬


‫قوته وجبروته‪ ،‬وكيف ينصر الله المستضعفين الذين ل حول لهم ول قوة‪،‬‬
‫وكيف يمكن للمضطهدين والمعذبين‪.‬‬
‫وقبل أن يبعث الله نبيه موسى عليه السلم رسول ً إلى فرعون وقومه يخبرنا‬
‫تعالى في كتابه الكريم عن الجو الذي كان سائدا ً والذي كانت تدور فيه‬
‫الحداث والسياسات والظروف العصيبة التي كان يعيشها بنوا إسرائيل‪.‬‬
‫ن‬
‫مِبي ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫يقول الله عز وجل في سورة القصص‪ ? :‬طسم ت ِل ْ َ‬
‫ن عََل ِفي‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫حق ّ ل ِ َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫سى وَفِْرعَوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫من ن ّب َإ ِ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن َت ُْلوا عَل َي ْ َ‬
‫ة منهم يذ َب َ‬ ‫ف َ‬ ‫اْل َرض وجع َ َ‬
‫حِيي‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ح أب َْناءهُ ْ‬ ‫ف ً ّ ُْ ْ ُ ّ ُ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫شَيعا ً ي َ ْ‬ ‫ل أهْل ََها ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬
‫فوا ِفي‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ست ُ ْ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عَلى ال ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ريد ُ أن ن ّ ُ‬ ‫ن وَن ُ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬‫م ْ‬‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ساءهُ ْ‬ ‫نِ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ري فِْرعَوْ َ‬ ‫ض وَن ُ ِ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫مك َ‬ ‫ن وَن ُ َ‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫م ال َ‬ ‫جعَلهُ ُ‬ ‫ة وَن َ ْ‬‫م ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫جعَلهُ ْ‬ ‫ض وَن َ ْ‬ ‫الْر ِ‬
‫ن?]القصص‪.[6-1:‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫وَ َ‬
‫هذه السورة من السور المكية‪ ،‬نزلت والمسلمون في مكة قلة مستضعفة‬
‫والمشركون هم أصحاب الحول والطول والجاه والسلطان‪.‬‬
‫نزلت هذه السورة الكريمة لتقرر للمؤمنين أن المتصرف في هذا الكون‬
‫والمدبر لمره والمتصرف في شئون العباد إنما هو الله وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫الملك القدوس‪ ،‬وأن من آمن بربه وخالقه وتوكل عليه وعبده وحده ل شريك‬
‫له‪ ،‬فله الخير كله‪ ،‬والنصر والعاقبة له في الدنيا والخرة‪ ،‬ولو كان مجردا ً من‬
‫كل مظاهر القوة‪ .‬وأن من تجرد من اليمان‪ ،‬وكفر بالله‪ ،‬وحارب أنبيائه‬
‫ورسله‪ ،‬فل أمن له ول طمأنينة‪ ،‬ولو ساندته جميع القوى‪ .‬هذه الحقائق ل‬
‫ُ‬
‫يعيها ول يستفيد منها إل المؤمنون‪ ،‬ولهذا قال تعالى في هذه السورة‪ ? :‬ن َت ْلوا‬
‫ن ?] القصص‪ ،[3:‬ثم أخبر‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫حق ّ ل ِ َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫سى وَفِْرعَوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫من ن ّب َإ ِ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫شَيعا ً‬ ‫تعالى عن فرعون فقال‪ ? :‬إن فرعَون عََل في اْل َرض وجع َ َ‬
‫ل أهْل ََها ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ّ ِ ْ ْ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ة منهم يذ َب َ‬ ‫ف َ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ساءهُ ْ‬ ‫حِيي ن ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ح أب َْناءهُ ْ‬ ‫ف ً ّ ُْ ْ ُ ّ ُ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن ?] القصص‪.[4:‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫لقد كان فرعون مثل ً من أمثلة الستبداد وعنوانا ً للظلم واستعباد الناس‪،‬‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫وقدوة سيئة في الشر ولذلك قال الله في وصفه وأعوانه‪ ? :‬وَ َ‬
‫ن إ َِلى الّنارِ ‪ ]? ...‬القصص‪.[41:‬‬ ‫عو َ‬ ‫ي َد ْ ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن أول شيء أخبر الله به عن فرعون ‪ :‬أنه عل في الرض وتجاوز فيها الحد‬
‫وطغى وبغى‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أنه جعل أهلها شيعا ً وأحزابا ً يستعين ببعضهم على بعض‪ ،‬ويذل بكل‬
‫حزب ما عداه من الحزاب ويذلهم جميعهم بعضهم ببعض‪ ،‬ويأمنهم جميعا ً‬
‫بواسطة ذلك التحزب‪ ،‬الذي غرسه فيهم‪ ،‬حتى إذا تحرك حزب لمناوأته قام‬
‫حزب آخر ليدافع عنه‪ ،‬وعلى هذه السياسة الفرعونية سار المستعمرون‬
‫الذين احتلوا البلد السلمية‪ ،‬جعلوا أهلها شيعا ً وأحزابا ً سياسية‪ ،‬فشغلوا‬
‫المم عنهم ببعضهم ووجهوا دفة الجهاد والقتال إلى ناحية غير الناحية التي‬
‫تريدها المة وكما هو مشاهد اليوم في واقع المة السلمية‪.‬‬
‫ومن عجيب أمرهم أنهم يخلقون هذه الحزاب‪ ،‬ويغذون فيها الحزبية بأساليب‬
‫شيطانية‪ ،‬ثم مع ذلك يطالبونهم بالوحدة‪ .‬إن الوحدة ل تتم مادامت المة‬
‫واقعة تحت هيمنة أعدائها الذين يحرصون على تفتيت قوتها وتمزيق صفوفها‬
‫واختلف كلمتها‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكأ‪ ،‬فرعون كان إماما ً للمستعمرين الغاصبين للبلد السلمية ‪ ،‬يسيرون على‬
‫منواله يترسمون خطواته‪ .‬وستكون نهايتهم كنهاية إمامهم فرعون الذي أخذه‬
‫الله تعالى نكال الخرة والولى‪ .‬هؤلء الكفار الذين نالوا من المم‬
‫المستضعفة والفقيرة قرونًا‪ ،‬ستدور عليهم الدوائر ‪ ،‬وسيسقيهم الله الكأس‬
‫حاب ِ ِهم َفل‬ ‫ب أ َص‬ ‫موا ذ ُّنوبا ً ِ‬
‫مث ْ َ‬
‫ل ذ َُنو ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الذي تجرعه من قبلهم ? فَإ ِ ّ‬
‫ْ َ ِ‬
‫جُلون ?] الذاريات‪[59:‬‬ ‫ست َعْ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫والمر الثالث‪ :‬في سياسة فرعون وأخلقه أنه استضعف طائفة منهم‪ ،‬وهي‬
‫الطائفة التي استمرأت الذل والهوان وفقدت مناعتها الخلقية من الشجاعة‬
‫من ُْهم ?‬‫ة ّ‬‫ف ً‬ ‫ف َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫ضعِ ُ‬
‫ست َ ْ‬‫والباء‪ ،‬وكما نلحظ من التعبير القرآني أنه قال‪ ? :‬ي َ ْ‬
‫] القصص‪[4:‬ولم يقل يستضعفهم‪ ،‬لنعلم أن الذل والهوان إذا حل بقوم لم‬
‫يعمهم جميعًا‪ ،‬بل سيحل بطائفة منهم‪ ،‬وهكذا يفعل اليهود والنصارى‬
‫المستعمرون وأذنابهم ‪ ..‬يستضعفون طائفة من المة – ول تخلوا المة من‬
‫ضعفاء فيغرونها بالمال تارة‪ ،‬وبالمنصب تارة أخرى‪ ،‬ليضموها إليهم‪ ،‬حتى إذا‬
‫هبت المة تطالب بحقها وتثأر لدينها وكرامتها وتذود عن حياضها وحرماتها‪،‬‬
‫قامت لها تلك الطائفة فوقفت في سبيلها‪ ،‬وحالت بينها وبين ما تريد‪.‬‬
‫وهل بلء المسلمين بالمس واليوم في أنحاء المعمورة إل على يد طائفة‬
‫منهم‪ ،‬تناصر أعداء السلم وتتعاون معهم‪ ،‬وتقوم بدور الشرطي الحارس‬
‫للمستعمرين‪ ،‬وتنفذ خططهم الرامية إلى تعطيل شعائر السلم‪ ،‬وتخريب‬
‫دور العلم ونهب ثروات المة والعمل على تكريس التخلف والفقر حتى ل‬
‫تنهض المة‪ ،‬كل ذلك يتم عن طريق طائفة من أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا‬
‫استضعفها العداء ‪ ..‬ومن ضعفها وهوانها أنها قنعت بالسلطان الزائف‪.‬‬
‫والحكم المستعار ورضيت أن تعيش كما تعيش النعام بملء بطونها ل إرادة‬
‫لها ول كرامة ول اختيار‪ .‬فعلى المة أن تتفطن لتلك الطائفة‪ ،‬وأن تأخذ على‬
‫أيدي الظلمة وأن تقف في وجه الستبداد حتى ل يتسرب الضعف إلى فئات‬
‫ل‪ ،‬والعلج مستعصيًا‪ .‬وإن من صور الفساد‬ ‫وطوائف أخرى‪ ،‬فيصبح الداء عضا ً‬
‫والفساد في سياسة فرعون أنه جعل أهل مصر شيعا ً وطوائف وأحزابًا‪،‬‬
‫ووقع أشد الضطهاد والبغي على بني إسرائيل فقد كانوا يدينون بدين جدهم‬
‫إبراهيم وأبيهم يعقوب ومهما يكن قد وقع في عقيدتهم من انحراف وفساد‬
‫فقد بقي لهم أصل العتقاد بإله واحد‪ ،‬وإنكار ألوهية فرعون‪ ،‬والوثنية التي‬
‫كان عليها المصريون‪.‬‬
‫ولقد أحس الطاغية أن هناك خطرا ً على عرشه وملكه من وجود هذه‬
‫الطائفة في مملكته‪ ،‬ولم يكن يستطع أن يطردهم منها وهم جماعة كبيرة‬
‫تعد بمئات اللوف ‪ ،‬وإن فعل ذلك وأخرجهم فقد يكونون عليه مع الدول‬
‫المعادية له‪ ،‬فابتكر طريقة جهنمية خبيثة للقضاء على الخطر الذي يتوقعه‬
‫من هذه الطائفة‪ ،‬تتلخص في تسخيرهم في العمال الشاقة والخطرة‪،‬‬
‫واستذللهم وتعذيبهم بشتى أنواع التعذيب‪ .‬ثم أتبع ذلك كله بتذبيح الذكور من‬
‫أطفالهم عند ولدتهم‪ ،‬واستبقاء الناث كي ل يتكاثر عدد الرجال فيهم‪ .‬وبذلك‬
‫يضعف قوتهم بنقص عدد الذكور وزيادة الناث ‪ ،‬فوق ما يصبه عليهم من‬
‫نكال وأذى‪.‬‬
‫وهكذا فعل الفراعنة المستعمرون في القرن الماضي مع المسلمين حيث‬
‫كانوا يستخدمون وسائل عديدة من التهجير والتعقيم الجباري للمسلمين‬
‫والتطهير العرقي حتى ل يكثر عددهم في البلدان التي يهيمن فيها الفراعنة‬
‫في العصر الحديث ‪.‬‬
‫ل بالحوامل من بني إسرائيل قوابل مولدات يخبرنه‬ ‫وقد روي أن فرعون وك ّ َ‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمواليد بني إسرائيل‪ ،‬ليبادر بذبح الذكور فور ولدتهم حسب خطته الجهنمية‬
‫الخبيثة التي ل تستشعر رحمة بأطفال أبرياء ل ذنب لهم ول خطيئة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقد روي أن كاهنا ً من كهان فرعون قال له‪ :‬يولد في بني إسرائيل مولود‬
‫سّية‬ ‫ج ِ‬ ‫يذهب ملكك على يده‪ ،‬فاتخذ هذه السياسة الجائرة ‪ ،‬وذلك يبين لنا رِ ْ‬
‫وغاية حمقه إذ لو صدق الكاهن من أن ملكه سيذهب فما فائدة القتل وإن‬
‫كان كاذبا ً فما الفائدة من القتل أيضًا؟ لكنه الفساد والطغيان‪ ،‬كما قال‬
‫ف َ‬ ‫تعالى‪ ? :‬إن فرعَون عََل في اْل َرض وجع َ َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫ف ً‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫شَيعا ً ي َ ْ‬ ‫ل أهْل ََها ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ّ ِ ْ ْ َ‬
‫ن?] القصص‪ [4:‬وسترى‬ ‫ْ‬ ‫ه َ‬ ‫يذ َب َ‬
‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ساءهُ ْ‬ ‫حِيي ن ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ح أب َْناءهُ ْ‬ ‫ُ ّ ُ‬
‫قدرة الله ولطفه بالمستضعفين وانتقامه من المكذبين المجرمين‪ ،‬وفي كل‬
‫تلك السياسات الجهنمية والقبضة الحديدية مدة‪ ،‬فقد انتهى فرعون وذهب‬
‫إلى غير رجعة‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫أما بعد‪ ..‬فما أوتي المسلمون إل من قبل أنفسهم حين ركنوا إلى أعدائهم‬
‫ومالوا إليهم كل الميل مخدوعين بمعسول كلمهم‪،‬ومواعيدهم الخلبة البراقة‬
‫‪ ،‬بالمخادعة زرعوا اليهود في فلسطين وبالمخادعة والمكر مزقوا دول‬
‫المسلمين‪ ،‬وبمعسول القول والمواعيد الكاذبة أضاعوا حقوق المسلمين تارة‬
‫باسم السلم ونبذ العنف وتارة بمحاربة الرهاب والقضاء على التطرف‪.‬‬
‫وزعماء المسلمين يتابعونهم ويصدقونهم وينفذون لهم ما يريدون‪ ،‬ناسين‬
‫توجيهات الله لهم ‪ ،‬إننا حين نراجع القرآن الكريم نجده يرسم للمسلمين‬
‫استراتيجية المعركة مع أعدائهم في آيات كثيرة منها قول الله عز وجل‪َ ? :‬يا‬
‫ميعا ً ?] النساء‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬ ‫فُروا ْ َ‬ ‫ت أوِ ان ِ‬ ‫فُروا ْ ث َُبا ٍ‬ ‫م َفان ِ‬ ‫حذ َْرك ُ ْ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‪ ]? ...‬النساء‪[102:‬‬ ‫فُلو َ‬ ‫فُروا ْ ل َوْ ت َغْ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫‪ ...? .[71‬وَد ّ ال ّ ِ‬
‫إنها وصية الله لعباده أن يكونوا حذرين متيقظين من أعدائهم أجمعين فكأن‬
‫الية تقول تيقظوا واحترزوا من عدوكم ول تمكنوه من أنفسكم‪ .‬ولو أن‬
‫المسلمين ول سيما قادتهم وزعماؤهم أخذوا بهذا التوجيه الرباني لما تمكن‬
‫منهم عدوهم‪ .‬إن الله عز وجل يخبرنا عن أعدائنا ويبين لنا حقيقة حقدهم‬
‫وكرههم لنا في آيات كثيرة‪ ،‬ويوضح مرادهم منا وغايتهم‪.‬‬
‫أن بعض العلمانيين من أبناء جلدتنا ينظرون إلى القرآن على أنه كتاب تراث‬
‫قديم ل صلة له بالواقع السياسي‪ ،‬ول دخل له في صراع الحضارات ـ زعموا‬
‫وبئس ما زعموا ـ ‪.‬‬
‫إننا أيها المؤمنون ونحن نرى هذه الحملة المسعورة من قبل اليهود‬
‫والنصارى والوثنيين ‪ ،‬نسأل أنفسنا سؤال ً ماذا يريد هؤلء الكفار من‬
‫المسلمين؟ أتدرون ماذا يريدون أيها المسلمون؟‬
‫إنهم يريدون إخراج المسلمين من دينهم ‪ ،‬يستخدمون في سبيل ذلك كل‬
‫إمكاناتهم المادية والمعنوية‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬ود ك َِثير م َ‬
‫ب لَ ْ‬
‫و‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ٌ ّ ْ‬ ‫َ ّ‬
‫فارا ً ‪ ]?...‬البقرة‪ [109:‬وقال سبحانه‪ ?:‬وَلن‬
‫َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫من ب َعْد ِ ِإي َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ي َُرّدون َ ُ‬
‫م ?] البقرة‪ [120:‬وقال‪...? :‬‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ وَل َ الن ّ َ‬ ‫عن َ‬ ‫ضى َ‬ ‫ت َْر َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫من ي َْرت َدِد ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫عوا وَ َ‬ ‫َ‬
‫ست َطا ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫ُ‬
‫عن ِدين ِك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ى ي َُرّدوك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وَل َ ي ََزالو َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫قات ِلون َك ْ‬ ‫ن يُ َ‬
‫ك‬‫خَرةِ وَأوْل َئ ِ َ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫كافٌِر فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ت وَهُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ِدين ِهِ فَي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫م ي َكوُنوا‬ ‫ُ‬ ‫ن ?] البقرة‪ ،[217:‬وقال‪ِ ? :‬إن ي َث ْ َ‬ ‫َ‬
‫فوك ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫سوِء وَوَّدوا ل َوْ ت َك ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫طوا إل َيك ُ َ‬ ‫ل َك ُ َ‬
‫ن?‬ ‫فُرو َ‬ ‫سن َت َُهم ِبال ّ‬ ‫م وَأل ْ ِ‬ ‫م أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫س ُ ِ ْ ْ‬ ‫داء وَي َب ْ ُ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ْ‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫] الممتحنة‪.[2:‬‬
‫إنهم يريدون تعطيل السلم ‪ ،‬وما هذه الحرب المعلنة على أفغانستان إل‬
‫لنها خارجة عن فلكهم وسيطرتهم‪ ،‬فهي في حاجة إلى السلم بمفهوم‬
‫صليبي يهودي حتى يرضى عنهم الكفار‪.‬‬
‫إن اليهود والنصارى يريدون إلغاء التعليم الديني وتجفيف منابع السلم من‬
‫المدارس والمعاهد والجامعات‪.‬‬
‫إنهم يريدون إلغاء فريضة الجهاد والقتال ‪ ،‬هذه الفريضة المحكمة الباقية‬
‫والماضية إلى يوم القيامة ‪ ..‬إنهم في غاية الخوف والذعر من قيام‬
‫المسلمين بهذه الفريضة العظيمة التي هي ذروة سنام السلم وهي التي‬
‫تكسر شوكة الظالمين الطغاة وتردع المتكبرين‪.‬‬
‫إنهم يريدون منا أن نستبيح المحرمات مثل الزنا واللواط ‪ ،‬والربا والخمور‬
‫والقمار‪ ،‬وسائر ما حرمه الله ورسوله‪.‬‬
‫إنهم يريدون إفساد الخلق وتدمير المجتمعات وإشاعة الفوضى والنحلل‪.‬‬
‫إنهم يريدون الستيلء على ثرواتنا ونهب اقتصادنا وخيراتنا‪.‬‬
‫إنهم يعملون ليل نهار لضعافنا والحيلولة دون نهوضنا وقيامنا ‪ ،‬يريدون أن‬
‫نكون عالة عليهم في كل شيء‪ ،‬ل يسمحون لنا بالنتاج والتصنيع الحربي‬
‫المتطور‪ ،‬إنهم يتحكمون حتى في غذائنا وزراعتنا وتأمين أقواتنا‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إنهم يريدون أن نكون متفرقين مختلفين متناحرين ‪ ،‬إن أعداء الله يرصدون‬
‫الموال الضخمة ويقيمون التحالفات ويضعون الخطط لتنفيذ إرادتهم الخبيثة‬
‫في محاولة يائسة للقضاء على السلم وتدمير المسلمين وإطفاء نور الله‪،‬‬
‫إنهم يحاولون منذ ألف وأربعمائة وثلثين سنة ولكنهم يفشلون لنهم يريدون‬
‫ويأبى الله‪ ..‬والنتيجة محسومة سلفا ً ولكنه البتلء والختبار للبشر في هذه‬
‫الحياة ‪ ،‬أيها المسلمون تمسكوا بدينكم‪ ،‬وتعرفوا على خطط أعدائكم‪ ،‬وكونوا‬
‫على يقظة وحذر تام ‪ ،..‬واستعينوا بالله واصبروا‪.‬‬
‫تابع دروس وعبر من قصة موسى وفرعون‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي‬
‫له ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده‬
‫ن إ ِل ّ وََأنُتم‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ وَل َ ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ورسوله ‪َ ? .‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ن ?] آل عمران‪َ? [102:‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ذي‬‫ه ال ِّ‬ ‫قوا ْ الل َّ‬ ‫ساًء َوات ّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫جا‬ ‫ر‬ ‫ما‬
‫ِ ُْ َ ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫ج‬
‫َ ِ َْ َ ْ َ َ ََ‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫د‬
‫ٍ َ َ ٍ َ‬‫ح‬‫ِ‬ ‫وا‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫نّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م َرِقيًبا ?] النساء‪ [1:‬والصلة والسلم‬ ‫ن عَلي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َوالْر َ‬ ‫ساءلو َ‬ ‫تَ َ‬
‫على سيدنا محمد أشرف النبياء والمرسلين ‪ ،‬الذي بلغ الرسالة‪ ،‬وأدى‬
‫المانة‪ ،‬ونصح المة‪ ،‬فجزاه الله خير ما جازى نبيا ً عن أمته ‪ .‬وبعد ‪:‬‬
‫ف َ‬ ‫? إن فرعَون عََل في اْل َرض وجع َ َ‬
‫ح‬‫م ي ُذ َب ّ ُ‬‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫ف ً‬‫طائ ِ َ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫شَيعا ً ي َ ْ‬ ‫ل أهْل ََها ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ّ ِ ْ ْ َ‬
‫َ‬
‫ن عَلى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫ريد ُ أن ن ّ ُ‬ ‫ن)‪ (4‬وَن ُ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ساءهُ ْ‬ ‫حِيي ن ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫أب َْناءهُ ْ‬
‫فوا في اْل َرض ونجعل َه َ‬
‫ن ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫مك ّ َ‬ ‫ن)‪(5‬وَن ُ َ‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جعَل َهُ ُ‬ ‫ة وَن َ ْ‬ ‫م ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫ْ ِ ََ ْ َ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن?]القصص‪:‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫من ُْهم ّ‬ ‫ما ِ‬‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ري فِْرعَوْ َ‬ ‫ض وَن ُ ِ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫‪.[6-4‬‬
‫لقد كانت سياسة القبضة الحديدية التي كان يمارسها فرعون ورجال دولته‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضد الشعب المقهور المغلوب ‪ ،‬كافية في تقديرهم للقضاء على الضعفاء من‬
‫بني إسرائيل وأنه لن تقوم لهم قائمة ‪ ،‬فقد أهان فرعون الشعب السرائيلي‬
‫وأذله‪ ،‬وأخذ يذبح البناء ويستحيي النساء‪ ،‬ونسى ربه وخالقه وادعى إنه الرب‬
‫العلى‪ ،‬إنها الغاية في الطغيان والجبروت ‪ ..‬كانت هذه سياسة فرعون‬
‫وإرادته‪ .‬غير أن الله جل وعل أراد شيئا ً آخر أراد جل وعل أن يمن على أولئك‬
‫المستضعفين‪ ،‬الذين يتصرف فيهم الطاغية بما يشاء وبما يمليه عليه هواه‬
‫وطغيانه يذبح أبناءهم ويستحيي نسائهم‪ ،‬ويسومهم سوء العذاب والنكال‪.‬‬
‫وهو مع ذلك يحذرهم ويخافهم على نفسه وملكه‪ ،‬فيبعث العيون والرصاد ‪،‬‬
‫ويتعقب نسلهم من الذكور ليسلمهم إلى الجزارين لذبحهم واستئصالهم كما‬
‫تذبح الخرفان‪.‬‬
‫وما أشبه الليلة بالبارحة فها هم فراعنة العصر يستخدمون السياسات ذاتها‬
‫مع المة السلمية‪ ،‬إنهم يتخذون التدابير الوقائية لجهاض كل بارقة أمل‬
‫يرون أن المة من خللها يمكن أن تستيقظ أو تنهض من رقدتها وسباتها‪ .‬لقد‬
‫وضعوا لها كل المصائد والشباك ومكروا مكرهم وعند الله مكرهم ولكن الله‬
‫جل جلله إذا أراد شيئا ً فلن يكون إل ما أراد‪.‬‬
‫وفي قصة فرعون وموسى يتجلى امتنان الله على عباده المستضعفين على‬
‫الرغم من كل ذلك الستكبار والطغيان الذي كان يستهدفهم فقال تعالى‪? :‬‬
‫فوا في اْل َرض ونجعل َه َ‬ ‫َ‬
‫جعَل َهُ ُ‬
‫م‬ ‫ة وَن َ ْ‬ ‫م ً‬‫م أئ ِ ّ‬‫ْ ِ ََ ْ َ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ضعِ ُ‬
‫ست ُ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ن عََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ّ‬ ‫ريد ُ أن ن ّ ُ‬‫وَن ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬
‫من ُْهم ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬
‫ما َ‬‫ها َ‬
‫ن وَ َ‬
‫ري فِْرعَوْ َ‬
‫ض وَن ُ ِ‬‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫مك ّ َ‬ ‫ن وَن ُ َ‬
‫وارِِثي َ‬‫ال ْ َ‬
‫ن?]القصص‪.[6-5:‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬‫َ‬
‫ويريد الله أن يمن عليهم بهباته وعطاياه من غير تحديد‪ ،‬وأن يجعلهم أئمة‬
‫وقادة ل عبيدا ً ول تابعين‪ ،‬وأن يمكن لهم في الرض‪ ،‬بأن يجعلهم أئمة وولة‬
‫ويكون لهم السلطة والنفوذ ويجعلهم الوارثين لملك فرعون‪ ،‬وأن يملكهم من‬
‫ذلك كله فل يستطيع أحد أن يخرجهم‪ ،‬وليرى فرعون وهامان وجنودهما منهم‬
‫ما كانوا يحذرون ويخافون من ذهاب ملكهم وسلطانهم‪ ،‬وهلكهم على يد‬
‫مولود منهم هو موسى عليه السلم‪ ،‬وانظروا إلى تدبير الله ولطفه ‪ ،‬لقد ولد‬
‫موسى عليه السلم في ظل تلك الوضاع القاسية والسياسات الجائرة ‪ ،‬ولد‬
‫والخطر محدق به‪ ،‬والموت محيط به والسكاكين والشفار تنتظره لتحتز‬
‫رأسه‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وها هي أمه تقف حائرة فيه‪ ،‬خائفة عليه‪ ،‬تخشى أن يصل خبره إلى الطغاة‬
‫فيذبحونه‪ ،‬إنها عاجزة عن حمايته‪ ،‬عاجزة عن إخفائه في مكان ما ‪ ،‬إذ‬
‫الجواسيس والعيون في كل مكان‪ ،‬إنها تقف في وسط تلك المخاوف ضعيفة‬
‫عاجزة مسكينة‪ ،‬وفي ظل كل تلك الجواء يأتيها الفرج من الله وينقذها من‬
‫المخاوف ويلهمها أن تتصرف التصرف الذي قدره الله كما قال تعالى‪? :‬‬
‫َ‬ ‫وأ َوحينا إَلى أ ُم موسى أ َ َ‬
‫خاِفي‬ ‫م وََل ت َ َ‬
‫قيهِ ِفي ال ْي َ ّ‬
‫ت عَل َي ْهِ فَأل ْ ِ‬‫ف ِ‬
‫خ ْ‬‫ضِعيهِ فَإ َِذا ِ‬‫ن أْر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ُ َ‬ ‫َ ْ َ َْ ِ‬
‫ن?]القصص‪.[7 :‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬
‫علوه ُ ِ‬ ‫جا ِ‬
‫ك وَ َ‬ ‫َ‬ ‫وََل ت َ ْ‬
‫حَزِني إ ِّنا َراّدوه ُ إ ِلي ْ ِ‬
‫إذا خفت عليه وهو في حضنك ورعايتك فألقيه في اليم!! ول تخافي ول‬
‫تحزني‪ .‬لنه في رعاية الله وجواره ‪ ..‬إنه سبحانه إذا أراد يجعل النار بردا ً‬
‫وسلما ً ويجعل البحر ملجأ ً ومنامًا‪ ،‬ول يجرؤ فرعون الطاغية الجبار ول‬
‫طواغيت الرض وجبابرتها جميعا ً أن يمسوا من أراد الله له النجاة بسوء أو‬
‫مكروه‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإذا العناية لحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان‬


‫لقد كانت أم موسى خائفة عليه من فرعون وملئه وآله إل أن القدر دفع به‬
‫حَزنًا?]القصص‪:‬‬ ‫م عَد ُوّا ً وَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫ن ل ِي َ ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫هآ ُ‬ ‫قط َ ُ‬ ‫إليهم ‪ ،‬قال تعالى‪َ? :‬فال ْت َ َ‬
‫‪ .[8‬إنها قدرة الله عز وجل وإرادته وتدبيره تتحدى الطغيان والجبابرة‪ ،‬إنهم‬
‫يتتبعون الذكور من مواليد قوم موسى خوفا ً على ملكهم وذواتهم ‪ ..‬ويبثون‬
‫الجواسيس والعيون على قوم موسى كيل يفلت منهم طفل ذكر ‪ ..‬وإذا‬
‫بتدبير الله وقدره يلقي إليهم بل بحث ول كد بطفل ذكر‪ ،‬وأي طفل ‪ ،‬إنه‬
‫الطفل الذي سيكون على يديه هلكهم أجمعين‪ ،‬وعند فتح آل فرعون‬
‫الصندوق الذي كان فيه موسى عليه السلم وقعت عين امرأة فرعون على‬
‫الطفل موسى‪ ،‬وألقى الله محبته على قلبها‪ ،‬وأدركت أن زوجها سيقتله كما‬
‫قتل جميع أولد بني إسرائيل‪ ،‬فقالت له‪ :‬هذا الولد سيكون قرة عين لي ولك‪،‬‬
‫ل تقتله عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا‪ ،‬فوافقها فرعون على ذلك واستبقاه‬
‫لها‪ ،‬وهكذا نجى موسى من الهلك المحقق‪.‬‬
‫أما أمه فبعد أن ألقته في نهر النيل‪ ،‬أرسلت أخته تقتفي أثره فرأت أنه أخذ‬
‫وأدخل دار فرعون فأخبرت أمها بذلك‪ ،‬فطار عقلها لهذا النبأ من الخوف‬
‫والجزع وصار قلبها خاليا ً من كل شيء إل من ذكر موسى‪ ،‬وكادت للهفتها أن‬
‫تكشف سرها‪ ،‬وتظهر أمرها ‪ ،‬لول أن ثبت الله فؤادها وجعلها من المؤمنين‬
‫المطمئنين ‪ ،‬إلى وعده تعالى بإرجاعه إليها‪ .‬ثم إن آل فرعون جاؤوا لموسى‬
‫بالمراضع ولكنه عافهن جميعًا‪ ،‬فتقدمت أخته وعرضت عليهم أن تأتي لهم‬
‫بامرأة ترضعه‪ ،‬فقبلوا ذلك وبعثوها في طلب المرضعة‪ ،‬فجاءت بأمه‬
‫فاستأنس بها الوليد والتقم ثديها دون سائر المرضعات‪ ،‬وهكذا أيقنت أم‬
‫موسى أن وعد الله حق‪ ،‬حيث أرجع إليها وليدها لترضعه‪ ،‬وأجرى عليها رزقا ً‬
‫فرجعت به إلى بيتها قريرة العين مطمئنة الفؤاد‪.‬‬
‫وبعد النتهاء من فترة الرضاع أتت به إلى بيت فرعون وتولى البلط‬
‫الفرعوني تربيته وتنشئته في النعمة والرفاهية ‪ ..‬استمعوا إلى هذه اليات‬
‫الكريمات التي تتحدث عن قصة موسى عليه السلم ورعاية الله له منذ‬
‫َ‬ ‫ولدته قال تعالى‪? :‬وأ َوحينا إَلى أ ُم موسى أ َ َ‬
‫ه‬
‫قي ِ‬ ‫ت عَل َي ْهِ فَأل ِ‬
‫ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ضِعيهِ فَإ َِذا ِ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ُ َ‬ ‫َ ْ َ َْ ِ‬
‫هَ‬
‫قط ُ‬ ‫ن فالت َ َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫علوه ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫َ‬
‫حَزِني إ ِّنا َراّدوه ُ إ ِلي ْ ِ‬ ‫خاِفي وََل ت َ ْ‬ ‫م وََل ت َ َ‬ ‫ِفي ال ْي َ ّ‬
‫كاُنوا‬‫ما َ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫حَزنا ً إ ِ ّ‬ ‫م عَد ُوّا ً وَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫ن ل ِي َ ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫آ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فعََنا‬ ‫سى أن َين َ‬ ‫قت ُُلوه ُ عَ َ‬ ‫ك َل ت َ ْ‬ ‫ن ّلي وَل َ َ‬ ‫ت عَي ْ ٍ‬ ‫ن قُّر ُ‬ ‫ت فِْرعَوْ َ‬ ‫مَرأ ُ‬ ‫تا ْ‬ ‫ن وََقال َ ِ‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫َ‬
‫دي‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫د‬‫كا‬ ‫َ‬ ‫إن‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫رغ‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫ؤا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ح‬ ‫ب‬‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ع‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫لد‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ ُْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ّ ُ َ‬ ‫َ ُ ُ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫أ ْ َّ ِ ُ َ‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ت‬‫ن‬ ‫و‬
‫ت‬‫صَر ْ‬ ‫صيهِ فَب َ ُ‬ ‫خت ِهِ قُ ّ‬ ‫ت ِل ُ ْ‬ ‫ن وََقال َ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ب ِهِ ل َوَْل َأن ّرب َط َْنا عََلى قَل ْب َِها ل ِت َ ُ‬
‫قال َت هَ ْ َ‬
‫ل أد ُل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل فَ َ ْ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ضع َ ِ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ال ْ َ‬ ‫حّر ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫ب وَهُ ْ‬ ‫جن ُ ٍ‬‫عن ُ‬ ‫ب ِهِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قّر عَي ْن َُها‬ ‫ي تَ َ‬ ‫مهِ ك َ ْ‬ ‫ن فََرد َد َْناهُ إ ِلى أ ّ‬ ‫حو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه َنا ِ‬ ‫مل ُ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫ه لك ُ ْ‬ ‫فلون َ ُ‬ ‫ت ي َك ْ ُ‬ ‫ل ب َي ْ ٍ‬ ‫عََلى أهْ ِ‬
‫وَل تحزن ول ِتعل َم أ َن وعْد الل ّه حق ول َك َ‬
‫ن?]القصص‪.[13-7:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ِ َ ّ َ ِ ّ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َْ َ ّ َ َ‬
‫إن فيما قصه الله علينا من نبأ موسى وفرعون تحد ٍ صارخ للعقل المادي‬
‫الذي ينظر إلى السباب والحوادث كقوانين أبدية جامدة طبيعية ل سلطان‬
‫لحد عليها ‪ .‬إن فيها دعوة إلى اليمان بالله عز وجل وأنه تعالى الذي خلق‬
‫السباب وهو مالكها والمتصرف فيها كيف يشاء‪ .‬وإن معجزات النصر‬
‫وعجائب القدرة اللهية تتكرر‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أيها المؤمنون إن أخطر شيء تواجهه المة السلمية هو الخضوع‬


‫والستسلم والتشاؤم واليأس والشعور بأننا لم نخلق إل للخضوع والخنوع‪،‬‬
‫والعيش على هامش الحياة عالة على أعدائنا‪ .‬والتعامل مع الحوادث والشياء‬
‫تعامل ً ماديا ً صرفا ً ناسين الله جل جلله وفعله وبطشه وقدرته‪ ،‬ونصره‬
‫لوليائه متى ما آمنوا واستقاموا‪ ،‬وانتقامه من أعدائه‪.‬‬
‫إنها سنة مطردة وقانون مستمر ? ك َتب الل ّه َل َغْل ِب َ‬
‫ه قَوِ ّ‬
‫ي‬ ‫ن الل ّ َ‬‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫زيٌز?] المجادلة‪[21:‬‬ ‫عَ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫جند ََنا لهُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن وَإ ِ ّ‬‫صوُرو َ‬ ‫من ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫َ‬
‫م لهُ ُ‬ ‫ن إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬
‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫? وَل َ‬
‫ن?]الصافات‪.[173-171:‬‬ ‫ال َْغال ُِبو َ‬
‫نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وجعلنا به من المؤمنين العاملين‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫في كل زمن يظهر فراعنة يظلمون الناس ويستعبدونهم مستخدمين‬
‫سياسات الذل والقهر والستبداد مع الشعوب ‪ ..‬غير أنه في كل زمن يسلط‬
‫ل من ل يأبه‬ ‫الله على فرعونه من ينغص عليه عيشته ويقض مضجعه من قِب َ ِِ‬
‫له أيكترث به من الضعفاء والمقهورين‪.‬‬
‫إن فيما قصه الله علينا من نبأ موسى وفرعون تقرير لحرية الشعوب وحقها‬
‫في التخلص من استعباد القوياء المستكبرين لقد امتن الله على بني‬
‫إسرائيل عندما حررهم من ذل الستعباد الذي ذاقوا أهواله حينا ً من الدهر‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫فوا ِفي الْر ِ‬ ‫ضعِ ُ‬‫ست ُ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عََلى ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ريد ُ أن ن ّ ُ‬ ‫وذلك في َقوله سبحانه‪ ? :‬وَن ُ ِ‬
‫ن?]القصص‪ .[5:‬وفي هذا بيان وإعلن للبشرية‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫جعَل َهُ ُ‬ ‫ة وَن َ ْ‬‫م ً‬ ‫جعَل َهُ ْ‬
‫م أئ ِ ّ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫بأنه ليس من حق أمة أن تستضعف أمة غيرها وتستعبدها وتخضعها لقوتها‬
‫وسيطرتها وتستغل مواردها وثرواتها وتذيقها ألوانا ً من الظلم والبطش‪ ،‬فإذا‬
‫فعلت ذلك كان الله في عون المستضعفين الباحثين عن الحرية والكرامة ‪،‬‬
‫فينصرهم الله ويحررهم من ربقة الستعباد والطغيان ‪ ،‬والتاريخ يحمل في‬
‫طياته الدلة والبراهين الكثيرة على أمم تحررت من سيطرة المستبدين‬
‫الظالمين‪ .‬وكانت عاقبتهم وخيمة إذ انقض عليهم المستضعفون وانتقموا‬
‫منهم أشد انتقام‪.‬‬
‫إن الناس إذا رضوا بالظلم فإن الله يسلط عليهم الظلمة ويبقى الحال كذلك‬
‫ما بقي الناس راضين بحالهم ‪ ،‬حتى إذا ما شعروا بالذلة‪ ،‬وأحسوا بالعبودية‬
‫والقهر وبدؤوا يستنكرون ذلك‪ ،‬وصمموا وعزموا على الخلص منه ‪ ..‬هنالك‬
‫ن الله عليهم بنصره وتأييده ما كانوا أهل ً لذلك‪ ،‬فيجعلهم سادة بعد أن‬ ‫يم ّ‬
‫كانوا عبيدًا‪ ،‬وحاكمين بعد أن كانوا محكومين‪.‬‬
‫فبنوا إسرائيل الذين كان يستضعفهم فرعون قد مكن الله لهم في الرض‬
‫وأهلك عدوهم وأورثهم الملك والسلطان بعد رحلة طويلة من المعاناة‬
‫والجهد والبتلء‪.‬‬
‫ورسول الله ‪ r‬والقلة المؤمنة التي كانت معه في مكة كانوا يعانون ظلم‬
‫وطغيان وجبروت قريش ‪ ،‬غير أنه في نهاية المطاف مكن الله لدينه ونبيه‬
‫والمؤمنين فنصر عبده وأعز جنده وهزم الحزاب وحده‪.‬‬
‫ولقد مرت أمتنا السلمية في تاريخها الطويل بفترات ضعف وغثائية نال منها‬
‫أعداؤها لكنها سرعان ما تستعيد عافيتها‪ ،‬ويمن الله عليها بالعزة والنصر‪.‬‬
‫وفي تاريخنا المعاصر نماذج من الشعوب التي كانت مقهورة مستذلة‬
‫مستضعفة غير أنها هبت من رقدتها وانتفضت على الظلم والظالمين‪.‬‬
‫هؤلء الصليبيون الحاقدون الذين اتفقوا فيما بينهم على محاربة المسلمين‬
‫وإسقاط وحدتهم السياسية التي كانت تمثلها الخلفة العثمانية‪ ،‬واستيلئهم‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على بلدان العالم السلمي فيما عرف بالستعمار‪ ،‬وطبقوا في حق الشعوب‬


‫سياسات إجرامية فضيعة‪ ،‬إل أن المستضعفين من المسلمين هبوا لكفاح‬
‫المستعمرين وجهادهم حتى أخرجوهم من ديارهم ‪ ..‬صحيح أن‬
‫المستعمرين ‪ ..‬عملوا على إبقاء سياستهم وبرامجهم مهيمنة ‪ ..‬وحاولوا وضع‬
‫السلطة في أيدي عملئهم إل أنهم في غاية الخوف والقلق من المسلمين‬
‫يخشون سطوتهم‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ولقد تجسد الحقد اليهودي والصليبي في الدولة العبرية التي تعاونوا على‬
‫غرسها في قلب العالم السلمي وأمدوها بكل أسباب التفوق والبقاء من‬
‫المال والسلح ‪ ،‬حتى غدت دولة اليهود هي الدولة القوية المتطورة يرتجف‬
‫منها القادة والزعماء ويخشون سطوتها ‪ ،‬إنها قوة مادية ضخمة وترسانة‬
‫حديثة ومتطورة‪ ،‬إل أن الله عز وجل قيض لها من يقاومها ويراغمها !! من‬
‫الضعفاء من الطفال ولكنهم كبار في أعمالهم يواجهون الصواريخ والطائرات‬
‫وكافة السلحة بالحجارة ويدافعون عن الدين والمقدسات‪ .‬إن رجل ً مقعدا ً‬
‫مثل الشيخ أحمد ياسين يحسب له اليهود مال يحسبونه لكل زعماء الدول‬
‫العربية ‪ ..‬إن قدر الله غالب ‪ ،‬ومشيئته ماضية ‪ ،‬ل راد لقضائه ول مبدل‬
‫لكلماته ومهما طال الطريق وزادت المعاناة إل أن العاقبة والنهاية والمآل‬
‫للمتقين‪ .‬فها هي القوى العالمية تسعى ليقاف النتفاضة ولكنها تفشل لن‬
‫الله يريد ول راد لمره "أن يمن على الذين استضعفوا"‪ ،‬والتحاد السوفييتي‬
‫الذي كان يخيف الشرق والغرب أرأيتهم كيف مزقهم الله وكسر شوكتهم‬
‫وقضى على هيمنتهم إن مما ل شك فيه أن اعتداءهم على أفغانستان كان‬
‫من أهم عوامل إضعافهم وانتكاسهم على أيدي شعب أعزل إل من اليمان‬
‫والمقاومة والصمود في وجه الطغيان‪ .‬وها هي أمريكا اليوم تخرج بقضها‬
‫وقضيضها وأسلحتها ونفوذها لمحاربة المستضعفين واستخدام السياسة‬
‫الفرعونية في الذبح والتقتيل والقصف والتدمير خوفا ً وفزعا ً من قيام دولة‬
‫إسلمية تقضي على هيمنها وتزيل كبرياءها وغطرستها‪ .‬لقد قال أحد رؤساء‬
‫التحاد السوفييتي السابق بعد غزوهم لفغانستان‪:‬إنه الجرح الذي ل يندمل‬
‫وقد صدق وهو كذوب لقد كان جرحا ً قاتل ً ‪ ..‬وبناء على الستقراء والتتبع‬
‫لسنن الله في الطغاة الظالمين ‪ ..‬فإن أمريكا قد وقعت في الشراك‪،‬‬
‫وساقها الله بظلفها إلى حتفها‪ ،‬وسيرينا الله عاقبة أمرها وإن طال الزمن ‪،‬‬
‫فإن النزيف من الجرح الذي أصابها سيقضي عليها ‪ ،‬والله غالب على أمره‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫مد الدّرة‬ ‫مح ّ‬ ‫دّرة القصى ُ‬


‫وأبوه جمال الدّرة‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ف ! والرصاص حولي شديد ُ‬ ‫ك ‍! فَِإني ‪ ... ...‬خائ ٌ‬ ‫مني يا أبي إ ِل َي ْ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ُ‬
‫م و َيزيد ُ‬‫صهُ ْ‬ ‫صا ُ‬‫ب علينا َر َ‬
‫صـ ‪ ... ...‬ـ ّ‬ ‫مني ! و احمني ! فما زا َ‬
‫ل َين َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ُيفيد ُ‬‫ديك أيّ سلح ‪ ... ...‬ل ول في ي َدِيْ سل ٌ‬ ‫ل أرى في ي َ َ‬
‫حه والحشود ُ‬ ‫هـ ‪ ... ...‬ــوَ لديه سل ُ‬ ‫ً‬
‫كيف نلقى عدّونا عُّزل و ْ‬
‫ت ‪ ،‬حديد ُ‬ ‫ن عزمي ‪ ،‬كما علم َ‬ ‫ً‬
‫ت جبانا ‪ ... ...‬إ ّ‬ ‫س ُ‬‫مني ! ول ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫مني ! ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ُ‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ُ‬
‫ي والكتاب المجيد ُ‬ ‫مة َبناهارسول الّلـ ‪ ... ...‬ـه والوح ُ‬ ‫أنا من أ ّ‬
‫ت و فيه َوعيد‬ ‫فيه ‪ ... ...‬ن ُذ ٌُر وَ ل ْوَل َ ْ‬ ‫ب فَ ِ‬ ‫وان ُرعْ ٌ‬ ‫ن الهَ َ‬ ‫غيَر أ ّ‬
‫فضاِء الوعود ُ‬ ‫معَ ال َ‬ ‫ت َ‬ ‫حّيايَ آما ‪ ... ...‬ل وغاب َ ْ‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫ن ََزع الذل عن َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ل وجنوُد‬ ‫ت أم جحافِ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫فر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ش‬
‫ٌ‬ ‫وحو‬ ‫!‬ ‫ويحي‬ ‫!‬ ‫المجرمون‬ ‫هاهم‬
‫ف ورعود ُ‬ ‫ل ساٍح عواص ٌ‬ ‫ص ‪ ... ...‬ك ّ‬ ‫أقبلوا يا أبي ! و دّوى رصا ٌ‬
‫‪... * * * ... * ... * * * ...‬‬
‫ن أمره ما ُيريد ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قضي ِ‬ ‫ف يا ُبني ! صبرا ً ! فإن اللـ ‪ ... ...‬ـه ي ْ‬ ‫ّ‬ ‫ل تخ ْ‬
‫حماهُ َبعيد ُ‬ ‫جو ِ‬ ‫ن ن َْر ُ‬ ‫صْبرا ‪ ... ...‬ك ّ‬ ‫ً‬ ‫ي ‍! فَ َ‬
‫ً‬ ‫ل رك ٍ‬ ‫ن يا ُبن ّ‬ ‫دنا نح ُ‬ ‫ح َ‬ ‫و ْ‬
‫صرنا ‪ ... ...‬ل أرى ملجأ إليه َنعود ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫هنا ! و كي َ‬ ‫جئنا ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫كي َ‬
‫ده ملجأ الخا ‪ ... ...‬ئف يأوي إلى حماه الشريد ُ‬ ‫ح َ‬ ‫إّنه الله و ْ‬
‫‪... * * * ... * ... * * * ...‬‬
‫ى و وَُقود ُ‬ ‫ح ‪ ... ...‬فات ِك ناُره لظ ً‬ ‫ٌ‬ ‫سل ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫عجبا ً يا أبي َلدي ْهِ ْ‬
‫‪... * * * ... * ... * * * ...‬‬
‫سود ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫ت بنا ليا ٍ‬ ‫م داَر ْ‬ ‫ونا ‪ ... ...‬ث ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ي منه ! َر َ‬ ‫جّردونا ُبن ّ‬ ‫َ‬
‫‪... * * * ... * ... * * * ...‬‬
‫َ‬
‫ن الملياُر أوقد َنزيد ُ‬ ‫م في الـ ‪ ... ...‬أرض ‪ْ ،‬نح ُ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫مليي ُ‬ ‫ت لي يا أبي ‪َ :‬‬ ‫قل َ‬
‫ُ‬ ‫د‬ ‫نجي‬ ‫‪،‬أو‬ ‫فق‬ ‫ُ ِ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫أو‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫أب‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫هـ‬‫َ‬ ‫هل‬ ‫؟‬ ‫الرض‬ ‫في‬ ‫الرحام‬ ‫يرانا‬ ‫هل َ‬
‫ن الخوال ؟! أين الجدود ؟!‬ ‫َ‬
‫م ؟! ‪ ... ...‬وأي ْ َ‬ ‫أين إخواننا ؟! وأين بنو العَ ّ‬
‫‪... * * * ... * ... * * * ...‬‬
‫ت دّفا ‪ ... ...‬قٌ و دّوى نداؤه المفؤود ُ‬ ‫وتوالى الّرصاص ! و المو ُ‬
‫جٌر أو ُزُنود ُ‬ ‫ت ‪ ... ...‬أضلعٌ أو حنا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ف ظ َهْرِهِ واستغاث ْ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫شد ّه ُ َ‬ ‫َ‬
‫‪... * * * ... * ... * * * ...‬‬
‫ف و بيد ُ‬ ‫ه عَّنا فيا ٍ‬ ‫ب منه ِنداٌء ‪ ... ...‬و طوت ُ‬ ‫يا أبي ‪ !.‍.‬يا ‪ ! .. ..‬وغا َ‬
‫ب حقود ُ‬ ‫ي أبيه قل ٌ‬ ‫صة ورماه ‪ ... ...‬في ذراعَ ْ‬ ‫صا َ‬ ‫هر َ‬ ‫سك َت َت ْ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫شهيد ُ‬ ‫ب على الهوان َ‬ ‫معُ ‪ ... ...‬لهي ٌ‬ ‫مه ضمة الموّدع ! والد ْ‬ ‫ض ّ‬
‫ُ‬
‫صوََته الّنديّ حدود ُ‬ ‫خرى ‪ ... ...‬و طوى َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ةث ّ‬ ‫ص ٌ‬ ‫صا َ‬ ‫هر َ‬ ‫أسكتت ْ ُ‬
‫جديد ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل الّروابي دوِي ّا ‪ ... ...‬وصداه على الّزما ِ‬ ‫ً‬ ‫هك ّ‬ ‫جعَت ْ ُ‬ ‫ر ّ‬
‫جهود ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُدونها و نا َ‬ ‫ت ‪ ... ...‬أعْي ُ ٌ‬ ‫ف ْ‬ ‫ْ‬
‫ت فأغ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫غيَر أن الذا َ‬
‫حناَنه ويجود ُ‬ ‫سـ ‪ ... ...‬ـكب فيها َ‬ ‫ُ‬ ‫در ي َ ْ‬ ‫ة إلى الص ْ‬ ‫م ً‬ ‫ض ّ‬ ‫مه َ‬ ‫ض ّ‬
‫ه أمامه ممدوُد‬ ‫ٌ‬ ‫تي‬ ‫!‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ئ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫الضا‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫!‬ ‫الندي‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫الحنا‬
‫سدوُد‬ ‫َ ُ َ ْ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫أما‬ ‫ب‬‫ْ ٍ‬ ‫در‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ك‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫ء‬ ‫خل‬ ‫الضجيج‬ ‫مع‬ ‫ح‬
‫ٍ‬ ‫سا‬ ‫ك ّ‬
‫ل‬
‫ه دماؤه والوريد ُ‬ ‫ق من ُ‬ ‫شو ِ‬ ‫ت ‪ ... ...‬بال ّ‬ ‫جر ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫أفرغ َ الشوق فوقَ ُ‬
‫‪... * * * ... * ... * * * ...‬‬
‫ل لديه يجود ُ‬ ‫مق لم ي ََز ْ‬ ‫ب ! لكن ‪َ ... ...‬ر َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ل من رصاصهم ُ‬ ‫واب ُ‬
‫مه المشهود ُ‬ ‫مْنه عز ُ‬ ‫عداه ُ ‪ ... ...‬وارتخى ِ‬ ‫ف وارتخى سا ِ‬ ‫خل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل لل َ‬ ‫ما َ‬
‫م فائٌر و شوقٌ يزيد‬ ‫م فتاه ‪ ... ...‬ود ٌ‬ ‫م ! لو يستطيع ض ّ‬ ‫ه ّ‬
‫ة و كبود ُ‬ ‫ب و في ّ ٌ‬ ‫ه قلو ٌ‬ ‫مت ْ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ديـ ‪ ... ...‬ـه ! فَ َ‬ ‫ت الطفل من ي َ ْ‬ ‫أْفل َ‬
‫‪... * * * ... * ... * * * ...‬‬
‫ل الصموُد!‬ ‫ج ّ‬ ‫مِغيثا ! هوى ! فَ َ‬ ‫ً‬ ‫م الّنا ‪َ ... ...‬ر ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫قت َ ِ‬ ‫ي َتراه ُ ي َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫م َأب‬ ‫ك ْ‬
‫ب فأْردا ‪ ... ...‬ه ُ َ‬ ‫َ‬
‫ت من الرصاص َبدي ْد ُ‬ ‫شت ِي ْ ٌ‬ ‫ي تراه ُ ه ّ‬ ‫م أب ّ‬ ‫ك ْ‬
‫م و النجود ُ‬ ‫ح منه ُ‬ ‫وح السا ُ‬ ‫ل ‪ ... ...‬ف ّ‬ ‫ف ٍ‬ ‫هوى هناك و ط ِ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫صب ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ْ‬
‫ل ‪ ... ...‬وشيوٍخ إلى الميادين نودوا‬ ‫ب تواثبوا وكهو ٍ‬ ‫شبا ٍ‬ ‫كم َ‬
‫ت شُهود ُ‬ ‫ُ‬ ‫م تلَتقي و هَب ّ ْ‬ ‫منهُ ُ‬ ‫ف ‪ِ ... ...‬‬ ‫ت طيو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫م فهب ّ ْ‬ ‫صرعوا كله ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫جَتلي و يروُد‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫يا‬ ‫ح‬
‫ِ ْ ُ َ ّ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫طيف‬ ‫مون‬ ‫ّ‬ ‫يض‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫له‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قب‬ ‫أ ْ‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة من ِنداِئه وُيعيد ُ‬ ‫ب في معالم الغيب يجلو ‪ ... ...‬آي ً‬ ‫موْك ِ ٌ‬ ‫َ‬


‫جودوا‬ ‫جولةٍ هناك ! و ُ‬ ‫َ‬ ‫سا ‪ِ ... ...‬ح ! إلى َ‬ ‫ن قوموا إلى ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫منو َ‬‫أيها المؤْ ِ‬
‫‪... * * * ... * ... * * * ...‬‬
‫ت وحشوُد‬ ‫ّ ْ‬ ‫تح‬ ‫تف‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫قلو‬‫ُ‬ ‫ـــوم‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫اليـ‬ ‫حولك‬ ‫ن!‬ ‫طفل ! ل ت َهُ ْ‬ ‫أيها ال ّ‬
‫جٌر و زنود ُ‬ ‫ت حنا ِ‬ ‫ك هَّبوا ‪ ... ...‬وتداعَ ْ‬ ‫حوالي َ‬ ‫ن من َ‬ ‫المليي ُ‬
‫ن ‪ ... ...‬أقْعَد َْته عن الوفاء السدود ُ‬ ‫ب ولك ْ‬ ‫ي هناك ه ّ‬ ‫م وف ّ‬ ‫ك ْ‬
‫كود ُ‬ ‫ت يطول فيه الر ُ‬ ‫سَبا ٍ‬ ‫ومليين من حواليك غابوا ‪ ... ...‬في ُ‬
‫‪... * * * ... * ... * * * ...‬‬
‫ديد !‬ ‫ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫أّيها الط ّ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مةٍ وفت ْ ٌ‬ ‫ب ‪ ... ...‬وُرؤى أ ّ‬ ‫ة ط ِي ْ ٍ‬ ‫فح ُ‬
‫ت نَ ْ‬‫ل ! أن ْ َ‬
‫ن َفريد ُ !‬ ‫ح ٌ‬ ‫قريّ بها ! و ل ْ‬ ‫ى ‪ ... ...‬عَب ْ َ‬ ‫ت أنشود َةُ الّزمان ! و معن ً‬ ‫أن ْ َ‬
‫جن ّةٍ و خلود ُ‬ ‫شُره َرْوح َ‬ ‫سك ‪ ... ...‬ن َ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫حّياك ِ‬ ‫م َ‬ ‫جْرٍح على ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫ك ّ‬
‫ي يزيد ُ‬ ‫قه الغن ّ‬ ‫ً‬
‫مك الحّر ! يمل الفْقَ نورا ‪ ... ...‬لم يزل دف ُ‬ ‫َ‬ ‫دَ ُ‬
‫ي الّنجيد ُ‬ ‫جلى ‪ ... ...‬بين أنوارها الكم ّ‬ ‫مك الحّر ! قطرة منه ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫دَ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مة تعتلي ‪ 0‬الذرا و تسود ُ‬ ‫ي ‪ ... ...‬أ ّ‬ ‫حي ْ‬ ‫مك الحّر ! قطرة منه ت ُ ْ‬ ‫دَ ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ك الحّر ! قطَرة ٌ منه توفي ‪ ... ...‬بلهيب على البطاح يعود ُ‬ ‫م َ‬


‫دَ ُ‬
‫‪... * * * ... * ... * * * ...‬‬
‫عود‬
‫م و وُ ُ‬ ‫ت مزاع ٌ‬ ‫ت في الر ‪ ... ...‬ض وأهو ْ‬ ‫قط َ ْ‬‫س َ‬‫ت كلها َ‬ ‫الشعارا ُ‬
‫ن فيها الرعود ُ‬
‫ج ّ‬ ‫فزت ل ِوُُثو ٍ‬
‫ب ‪ ... ...‬بالمنايا و ُ‬ ‫و الليالي تح ّ‬
‫خ وسدود ُ‬ ‫ح الهوجاء تعصف بالر ‪ ... ...‬ض فتهوي شوام ٌ‬ ‫والريا ُ‬
‫ُ‬
‫ب دواهٍ َيشيب منها الوليد ُ‬ ‫متي ! أفيقي ففي الدر ‪ِ ... ...‬‬ ‫انهضي ! أ ّ‬
‫‪... * * * ... * ... * * * ...‬‬
‫الجمعة ‪ 9‬رجب ‪1421‬هـ‬
‫‪6/10/2000‬م‬
‫طبعة أولى ‪... ... ...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫دسائس اليهود وخياناتهم‬


‫ن ي َهْدِ الل ُّ‬ ‫َ‬
‫ه فَل َ‬ ‫م ْ‬ ‫سنا‪َ ،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫شُرورِ أن ْ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُرهُ وَن َُعوذ ُ ب ِهِ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ن َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال َ‬
‫مدا ً‬ ‫َ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬ ‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫ن ل ِإل َ‬ ‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ضل ِل فل هادِيَ ل ُ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫ضل ل ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫و‬
‫ٍ َ ِ َ ٍ َ َ َ‬‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫وا‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ْ ِ ْ َ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫َ ّ ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫ّ ُ ّ‬‫ا‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬
‫َْ ُ ُ ََ ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫ه‬ ‫ب‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫تسا‬ ‫َ‬ ‫الذي‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ء‪،‬‬‫ً‬ ‫نسا‬ ‫َِ‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫جا‬
‫ِ َ‬ ‫ر‬ ‫هما‬ ‫جها‪ ،‬وَ َ ّ ِ ْ ُ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ب‬ ‫مْنها َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫قوا‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ها‬
‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫[‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪:‬‬ ‫النساء‬ ‫ا?]‬ ‫ً‬ ‫قيب‬ ‫ر‬
‫ْ ْ َ ِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫كا‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ ّ‬‫إ‬ ‫م‬ ‫رحا‬ ‫ْ‬ ‫وال‬
‫مون? ]آل عمران‪ ? .[102 :‬يا أي َّها‬ ‫سل ُِ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫الل ّه حق تقات ِه ول تموتن إل ّ وأ َ‬
‫ُْ ْ ُ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ ُ ّ ِ‬ ‫َ َ ّ ُ‬
‫م‬‫فْر ل َك ُْ‬ ‫م‪ ،‬وي َغْ ِ‬ ‫عمال َك ُْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ح ل َك ُْ‬ ‫صل ِْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ديد‬ ‫ِ‬ ‫س‬‫َ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫له‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫منوا‬ ‫اّلذين آ َ‬
‫ظيمًا? ]الحزاب‪.[71:‬‬ ‫قد ْ َفاَز فَوَْزا ً عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪ ،‬وَ َ‬ ‫ذ ُُنوب َك ُ ْ‬
‫اليهود الذين يزّينهم إخوانهم من المنافقين الذين يسارعون فيهم‪ ،‬ويخادعون‬
‫أمتهم ودينهم وأوطانهم حين يكذبون ويفترون ويضعون السموم للسلم‬
‫وأهله ‪ ..‬حقيقة اليهود الذين يقدمون لنا اليوم على أنهم أصدقاء وباحثين عن‬
‫المن والسلم‪ ..‬هم في واقع الحال كتلة من الجرام واللؤم والغدر والخيانة‪،‬‬
‫هذه حقيقتهم كما وصفهم الله لنا في كتابه الكريم فقد أطنب القرآن الكريم‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في ذكر اليهود والنصارى أهل الكتاب ونبأنا من أن أخبارهم وأعمالهم الشيء‬
‫الكثير ول سيما فيما يتعلق بمعاملتهم للخرين من نقض العهود والمواثيق‬
‫وعدم اللتزام‪ ،‬مع الغدر والخيانة والكذب والفتراء والتحريف ‪ ،‬لقد نقضوا‬
‫ه‪ ]? ...‬البقرة‪:‬‬ ‫ميَثاقِ ِ‬ ‫من ب َعْد ِ ِ‬ ‫ن عَهْد َ الل ّهِ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬‫ن َين ُ‬ ‫ذي َ‬‫ميثاقهم مع الله فهم ? ال ّ ِ‬
‫‪ [27‬وهم الموغلون في الخيانة والغدر‪ ،‬قال الله عنهم كاشفا ً عن نفسياتهم‬
‫جعَل َْنا قُُلوب َهُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَ َ‬ ‫م َلعّناهُ ْ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬ ‫ضِهم ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ما ن َ ْ‬‫المنتنة وأخلقهم القبيحة‪ ? ..‬فَب ِ َ‬
‫ع‬ ‫ّ‬
‫ل ت َطل ِ ُ‬ ‫ْ‬
‫ما ذ ُك ُّروا ب ِهِ وَل َ ت ََزا ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ً‬
‫حظا ّ‬‫ّ‬ ‫ْ‬
‫سوا َ‬ ‫ضعِهِ وَن َ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫عن ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْك َل ِ َ‬‫حّرُفو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫سي َ ً‬‫َقا ِ‬
‫ن?‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫ص َ‬‫م َوا ْ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬ ‫م َفاعْ ُ‬ ‫من ْهُ ُ‬‫م إ ِل ّ قَِليل ً ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫خآئ ِن َةٍ ّ‬
‫ى َ‬ ‫َ‬
‫عَل َ‬
‫]المائدة‪.[13:‬‬
‫وصدق الله‪ ..‬وكذب المنافقون والعلمانيون والدجالون الذين يروجون لليهود‬
‫بيننا فهذه صفات اليهود التي ل تفارقهم‪ ،‬فلعنات الله تلحقهم‪ ،‬فهم‬
‫مطرودون بعيدون عن رحمة الله‪ ،‬قست قلوبهم وتحجرت فلم يعد فيها‬
‫مكان للخير ول للرحمة‪ ،‬قد خلت من المشاعر النسانية هذه حقيقة اليهود‬
‫مهما حاولوا مكرا ً وخديعة أن يظهروا خلف هذا المظهر من إبداء اللين في‬
‫القول‪ ،‬والنعومة في الملمس عند الكيد والتآمر وعند الغدر والخيانة لهذا حذر‬
‫ى‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الله نبيه صلى الله عليه وسلم من خيانتهم فقال‪ ...? :‬وَل َ ت ََزا ُ‬
‫ل ت َطل ِعُ عَل َ‬
‫م ‪] ?...‬المائدة‪.[13:‬‬ ‫من ْهُ ُ‬‫م إ ِل ّ قَِليل ً ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫خآئ ِن َةٍ ّ‬‫َ‬
‫إن خيانات اليهود شاملة لكل النواحي والجوانب فهم خائنون مع أنبيائهم‪،‬‬
‫وهم خائنون مع المسلمين وهم خائنون مع حلفائهم‪ ،‬خائنون مع الناس‬
‫جميعًا‪ .‬بإمكانك أن تطلع على خائنة منهم في كل مجال‪ ،‬خائنة في أقوالهم‪،‬‬
‫وخائنة في حركاتهم‪ ،‬وخائنة في أعمالهم‪ ،‬وخائنة في عهودهم ومواثيقهم‪.‬‬
‫جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا ً إلى المدينة المنورة فلما‬
‫استقر به المقام‪ ،‬وضع دستورا ً للمجتمع المدني الذي كان اليهود يشكلون‬
‫جزءا ً منه ‪ ،‬فأحسن صلى الله عليه وسلم معاملة اليهود ولم يؤذهم وصان‬
‫حقوقهم‪ ،‬وحقن دماءهم‪ ..‬ولكن يهود جبلوا على الغدر والخيانة‪ ،‬والساءة إلى‬
‫من أحسن إليهم ‪ ..‬فقد قابلوا هذه المعاملة الحسنة بإساءات متكررة‪ ،‬بل‬
‫عمدوا إلى محاولت عديدة لقتل النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهذا ليس‬
‫غريبا ً عليهم فهم الذين يتعاملون مع أنبياء الله ورسله بإحدى طريقين إما‬
‫ن?‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫ريقا ً ت َ ْ‬ ‫م وَفَ ِ‬ ‫ريقا ً ك َذ ّب ْت ُ ْ‬ ‫بتكذيبهم وإما بقتلهم كما قال تعالى عنهم‪ ? :‬فَ ِ‬
‫]البقرة‪ [ 87:‬فاليهود لم يكفوا عن إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ونقض المواثيق والعهود التي كانت تبرم بينهم وبين الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم والمؤمنين‪ ،‬ولم يألوا جهدا ً في الخيانة والمكر والدس‪.‬‬
‫ومن صور غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني النضير أرسلوا‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون منه أن يأتي إليهم في ثلثين‬
‫رجل ً من أصحابه وهم يحضرون ثلثين حبرا ً من أحبارهم ليلتقوا في مكان‬
‫حددوه للمناقشة والحوار فإن صدقك الحبار وآمنوا بك آمنا كلنا‪.‬‬
‫فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلثين رجل ً كما طلبوا وخرج إليه‬
‫ثلثون حبرا ً من اليهود حتى إذا برزوا قال بعضهم كيف تخلصون إليه ومعه‬
‫أصحابه كلهم يجب أن يموت قبله؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم كيف نفهم وتفهم ونحن ستون رج ً‬
‫ل‪،‬‬
‫أخرج إلينا في ثلثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلثة من علمائنا فليسمعوا‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منك فإن آمنوا بك آمنا كلنا وصدقناك‪ .‬وانتبدوا ثلثة منهم معهم الخناجر وقد‬
‫أزمعوا على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الله تعالى أطلع‬
‫نبيه على غدرهم وخيانتهم فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫المدينة وتركهم‪.‬‬
‫وفي السيرة النبوية أن بعضهم خل إلى بعض ورسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بجوار بيت أحدهم يتحدث معهم‪ .‬فقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على‬
‫مثل هذه الحالة‪ ،‬فمن رجل يعلوا على هذا البيت فيلقي صخرة عليه ويريحنا‬
‫منه‪ ،‬وانتدبوا لذلك أحدهم ‪ ..‬فصعد ليلقي عليه الصخرة كما قال وينفذ‬
‫ً‬
‫الجريمة ولكن الله أطلع نبيه على خيانة يهود وغدرهم فقام وخرج راجعا إلى‬
‫المدينة ثم غزاهم في اليوم الثاني وأدبهم وأجلهم عن المدينة‪.‬‬
‫وبقي الحقد هو الذي يغذيهم ويدفعهم فقد سلكوا طرقا ً عديدة كلها تنضح‬
‫خيانة وحقدا ً لمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد قاموا بعمل دس‬
‫حرضوا فيه أهل الشرك والوثنية على حرب النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫واستئصال السلم وأهله وحاولوا أن يضعوا السحر لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وسحره لبيد بن العصم اليهودي‪..‬‬
‫وحاولوا وضع السم للنبي صلى الله عليه وسلم في الطعام فقد كلفوا امرأة‬
‫منهم تقوم بهذه المهمة حيث أهدت شاة مشوية قد حشتها سما ً فأكل منها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل منها بعض الصحابة فمات ونجى الله‬
‫رسوله فجيء بالمرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن‬
‫سبب فعلتها فقالت أردت قتلك‪ ،‬فقال‪" :‬ما كان الله ليسلطك على ذلك‪,‬‬
‫ي‪ ،‬فقال بعض الصحابة أل نقتلها‪ ،‬قال ‪ :‬ل"‪.‬‬‫عل ّ‬
‫وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أكل من الشاة قال‪:‬‬
‫اجمعوا لي من ها هنا من اليهود ‪ .‬فجمعوا له ‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه‪ ،‬فقالوا نعم يا أبا القاسم‪،‬‬
‫فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبوكم؟ قالوا أبونا فلن‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬كذبتم بل أبوكم فلن" فقالوا‬
‫صدقت وبررت‪ .‬فقال ‪ :‬هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا‪:‬‬
‫نعم يا أبا القاسم‪ ،‬وإن كذبناك عرفت كما عرفته في أبينا‪ ،‬فقال لهم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬من أهل النار؟ فقالوا‪ :‬نكون فيها يسيرا ً ثم‬
‫تخلفونا فيها‪ ،‬فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬اخسئوا فيها والله‬
‫ل نخلفكم فيها أبدًا‪ ،‬ثم قال هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه؟‬
‫فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬هل جعلتم في هذه الشاة سمًا؟ فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬وما‬
‫حملكم على ذلك؟ فقالوا أردنا إن كنت كاذبا ً أن نستريح منك‪ ،‬وإن كنت نبيا ً‬
‫لم يضرك‪.‬‬
‫وما تزال هذه حالهم وهذه طبيعتهم في المجتمع السلمي على مدار التاريخ‪.‬‬
‫على الرغم من أن المجتمع السلمي هو المجتمع الوحيد الذي آواهم ‪ ،‬ورفع‬
‫عنهم الضطهاد ‪ ،‬وعاملهم بالحسنى‪ ،‬ومكن لهم من الحياة الرغيدة فيه‪،‬‬
‫ولكنهم كانوا دائما ً كما كانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم –‬
‫عقارب وحيات وثعالب وذئابا ً تضمر المكر والخيانة‪ ..‬ول يتوانون لحظة عن‬
‫المكر والغدر إن قدروا على التنكيل الظاهري بالمسلمين فعلوا ‪ ،‬وإل لجئوا‬
‫في حال ضعفهم إلى المؤامرات والدسائس ونصبوا الشباك للمسلمين‬
‫وأقاموا لهم المصائد‪ ،‬وتآمروا مع كل عدو للسلم والمسلمين‪ ،‬لينزلوا بهم‬
‫المصائب ويتحينون الفرص للنقضاض عليهم قساة جفاة ل يرحمون ول‬
‫يرعون فيهم عهدا ً ول ميثاقًا‪ ..‬هذه هي حقيقة اليهود الذين يحتفى بهم اليوم‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويستقبلون‪.‬‬
‫راجعه‪ /‬عبد الحميد أحمد مرشد‪.‬‬
‫صحيح مسلم‪ :‬كتاب السلم ‪ :‬باب السم‪ :‬الحديث رقم‪ (2190) :‬عن أنس‬
‫رضي الله تعالى عنه ‪.‬‬
‫م النبي صلى الله عليه‬
‫س ّ‬
‫صحيح البخاري‪ :‬كتاب الطب‪ :‬باب‪ :‬ما ُيذكر في َ‬
‫وسلم‪ :‬الحديث رقم‪(5441):‬عن أبي هر‬

‫)‪(2 /‬‬

‫دستور المستضعفين )‪(1/2‬‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين خليل ‪29/3/1426‬‬
‫‪08/05/2005‬‬
‫في مقابل الحملة الشاملة الحاسمة الرهيبة على ظاهرتي )الترف( و)الغنى‬
‫الفاحش( في التجربة الجتماعية‪ ،‬ما الذي يقدمه القرآن الكريم عن الفقر‬
‫والفقراء والمساكين والمعدمين؟ هل هي دعوة للتبرع لهم والحسان إليهم‬
‫فحسب؟ فأين إذن السلطة السلمية؟ وهل يمنع هذا السلوب )الدبي(‪،‬‬
‫دونما ضمانات تشريعية‪ ،‬ظهور وتضخم طبقة المترفين وتحول المال إلى‬
‫دولة بين الغنياء؟ ما الذي دفع القرآن الكريم إلى أن يعرض في عشرات‬
‫المواضيع مسألة )النفاق( على الفقراء‪ ،‬و)الحض( على إطعامهم‪ ،‬بكل ما‬
‫يتضمنه فعل )الحض( من قوة وفاعلية لتحقيق هذا الهدف‪ ،‬وهو إشباع‬
‫الجائعين وسد حاجاتهم الساسية؟ ومن أولى من السلطة المشرعة‬
‫والمنفذة‪ ،‬بالتخطيط لهذا المطلب الحيوي الخطير وتنفيذه في عالم الواقع ‪،‬‬
‫بما تمتلكه من قوة وفاعلية؟‬
‫صحيح أن )النفاق( الفردي و)الصدفة( الختيارية و)التكافل( الجتماعي‪،‬‬
‫وغيرها من فاعليات العطاء التي يمارسها المسلم إزاء إخوانه تمثل جزء‬
‫أساسيا ً من برنامج العدل الجتماعي في السلم وتغطي مساحة واسعة من‬
‫نداءات القرآن في هذا المجال‪ ،‬وتلعب دورا ً كبيرا ً في إحداث التوازن‬
‫والنسجام والتعاون والترابط بين أفراد المجتمع المسلم وفئاته‪ ،‬وتجتث‬
‫أدران الحقد والكراهية والشر لكي تزرع بدل ً منها علئق التكافل والمحبة‬
‫والخير … ل سيما في الفترات التي تغيب فيها السلطة‪ ،‬فيتعرض الفقراء‬
‫ن( ولكن‬ ‫والمعدمون للموت جوعًا‪ ،‬فتمتد إليهم اليد التي ل )تتبرع( و )تم ّ‬
‫تعطي وتواسي وتندمج وتتعاون لكي تنقذهم من هذا المصير المفجع‪.‬‬
‫أي منا لم يمارس بنفسه‪ ،‬أو يشاهد إخوانه ورفاقه المؤمنين‪ ،‬يحصون‬
‫أموالهم سنة بسنة لكي يقتطعوا منها حق )السائل( و)المحروم(‪ ،‬ويقدموها‬
‫طرحت فيه شعارات ومزايدات ما‬ ‫وزيادة دونما جلبة ول ضوضاء‪ ،‬في عصر ُ‬
‫زادت الفقراء والمعدمين إل جوعا ً ونصبًا؟!‬
‫ومع ذلك فل يعدو أن يكون هذا )العطاء(‪ ،‬على أهميته‪ ،‬مساحة محدودة‬
‫فحسب من المساحات الشاسعة لبرنامج العدل الجتماعي الذي رسم‬
‫القرآن والسنة خطوطه العريضة‪ ،‬ونفذ الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫والراشدون )رضي الله عنهم( مخططاته الفذة‪ ،‬وبنى الفقهاء والمجتهدون‬
‫على هذا وذاك مقولتهم ونظرياتهم العجيبة المتفردة‪.‬‬
‫وفي أكثر من ثلثين موضعا ً من القرآن الكريم ترد الدعوة لطعام الفقراء‬
‫والمساكين وسد حاجاتهم الساسية‪ ،‬وفي أكثر من أربعين موضعا ً يرد التأكيد‬
‫على فريضة الزكاة والصدقات وتقييم دافعيها والتنديد بمانعيها‪ ،‬وفي أكثر من‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبعين موضعا ً يترّدد ذكر النفاق وُتسّلط عليه الضواء من كافة زواياه‪ ،‬وفي‬
‫أكثر من موضع يجيء التأكيد على أن هذا العطاء ليس تبرعا ً ول من ّا ً ولكنه‬
‫ل)‪(1‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ َ‬ ‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َوال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬
‫قْرَبى َ‬ ‫ت َذا ال ْ ُ‬ ‫)حق( السائلين والمحرومين)َوآ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ْ َ ِِ ْ‬‫ل‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫في‬ ‫َ ِ‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫‪2‬‬ ‫م()‬ ‫رو‬ ‫ح‬
‫ِ ّ ِ ِ ََ َ ْ ُ ِ‬‫م‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫ئ‬ ‫سا‬ ‫لل‬ ‫(‬ ‫‪24‬‬ ‫م)‬ ‫معُْلو ٌ‬ ‫حق ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي أ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َوال ّ ِ‬
‫ه()‬ ‫صادِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫مَر َوآُتوا َ‬ ‫مرِهِ إ َِذا أث ْ َ‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م()‪) (3‬ك ُُلوا ِ‬ ‫حُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َوال ْ َ‬ ‫سائ ِ ِ‬ ‫حقّ ِلل ّ‬ ‫َ‬
‫‪.(4‬‬
‫وفي آيات أخرى يرد الحض على إشباع الجائعين وسد حاجاتهم الساسية‬
‫كجزء أصيل من متطلبات اليمان‪ ،‬كممارسة الصلة سواء بسواء‪ ،‬وان‬
‫ض( يخرج أصحابه من حظيرة الدين ويدمغهم بالكذب‬ ‫التوقف عن هذا )الح ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬
‫ض عَلى طَعام ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م)‪َ (2‬ول ي َ ُ‬ ‫ذي ي َد ُعّ الي َِتي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫ن)‪ (1‬فَذ َل ِ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ب ِبال ّ‬ ‫ذي ي ُك َذ ّ ُ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫)أَرأي ْ َ‬
‫م‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن)‪ (5‬ال ّ ِ‬ ‫هو َ‬ ‫سا ُ‬ ‫م َ‬ ‫صلت ِهِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن)‪ (4‬ال ّ ِ‬ ‫صّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫ن)‪ (3‬فَوَي ْ ٌ‬ ‫كي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫م)‪َ(33‬ول‬ ‫ظي ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ال ْعَ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن( )‪) (5‬إ ِن ّ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫من َُعو َ‬ ‫ن)‪ (6‬وَي َ ْ‬ ‫ي َُراُءو َ‬
‫م ِإل‬ ‫َ‬
‫م)‪َ(35‬ول طَعا ٌ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫هاهَُنا َ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ه الي َوْ َ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫َ‬
‫ن)‪ (34‬فَلي ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض عَلى طَعام ِ ال ِ‬
‫ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫يَ ُ‬
‫م)‪َ (17‬ول‬ ‫ن الي َِتي َ‬ ‫ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ْ‬
‫ن( )‪)(6‬كل َبل ل ت ُكرِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خاط ِئو َ‬ ‫ْ‬
‫ه ِإل ال َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن)‪(36‬ل ي َأكل ُ‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫ن ِغ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن( )‪.(7‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عَلى طَعام ِ ال ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫تَ َ‬
‫ً‬
‫ولن يكون )الحض(‪ ،‬ما دام قد اقترن باليمان‪ ،‬وأصبح وقفه وقفا لحركة‬
‫الدين نفسه‪ ،‬لن يكون بكلمات متثائبة ُتقال‪ ،‬أو بيد تدفع بقايا الطعام إلى‬
‫المساكين الذين يقفون وراء البواب خائفين متوسلين‪ .‬إنما )بالفعل( الدائم‬
‫والحركة المستمرة‪ ،‬وبالثورة إذا اقتضى المر لتحقيق هذا المطلب الساس‬
‫… تماما ً كما أن الصلة فعل دائم وحركة مستمرة‪ ،‬وإنها بمجرد تحولها إلى‬
‫الظل وإلى أن تغدو ممارسة جانبية‪ ،‬تدمغ صاحبها بالنفاق …‬
‫وهذا هو الذي دفع أبا بكر الصديق )رضي الله عنه( إلى أن يشهر السيف‬
‫ة(‪.‬‬ ‫كا ِ‬ ‫صلةِ َوالّز َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن فَّرقْ ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه لقاتلن ِ‬ ‫بوجه ما نعي الزكاة ويعلن )َوالل ّ ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن أحد أن كثرة ورود الفقراء والمساكين وأبناء السبيل في القرآن‬ ‫ول يتصوَر ّ‬
‫الكريم‪ ،‬يجيء بمثابة تأكيد لبدية ظاهرة )الفقر والحرمان( التي هي كما هو‬
‫معروف اجتماعيا ً مسألة )نسبية(‪ ،‬لن كثرة ورود الكفر والشرك‪ ،‬واللت‬
‫وهبل والعزى‪ ،‬ووأد البنات‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬وممارسة الربا أضعافا ً‬
‫مضاعفة‪ ،‬وشرب الخمر ولعب الميسر‪ ،‬وعبادة الناس‪ ،‬ل تحمل أية دللة على‬
‫أبديتها!! ثم إن القرآن الكريم ل يمكن أن يناقض نفسه فيدعو إلى تأييد‬
‫ظاهرة يشن هو نفسه الحملة عليها‪ ،‬ويصل بها في إحدى آياته إلى أن‬
‫قَر‬ ‫ف ْ‬‫م ال ْ َ‬ ‫يربطها بالشيطان وبما يأمر به ويدعو إليه من الفحشاء )ي َعِد ُك ُ ْ‬
‫م ِبال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫شاِء( )‪. (8‬‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫مُرك ُ ْ‬
‫وَي َأ ُ‬
‫***‬
‫وثمة آيات أخرى تصل بنا إلى آفاق أبعد في مسألة التوازن الجتماعي‪ ..‬الية‬
‫التي تطلب من المسلمين‪ ،‬دولة وجماعة‪ ،‬أن )يتحركوا( مقاتلين مجاهدين‬
‫لنقاذ المستضعفين في الرض من أيدي ظالميهم وجلديهم وتعطي الشارة‬
‫إلى أن )السيف( هو الحكم الخير عندما تعجز كل الساليب الخرى عن‬
‫وقف الظلم وتخليص البائسين … وان الجهاد تلك الثورة المسلحة هي‬
‫الحركة التي تنقل المقاتل المسلم الى كل ميدان يمارس فيه الظلم ضد‬
‫ن ِفي‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫م ل تُ َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫النسان‪ ،‬أيا ً كان شكل هذا الظلم وأيا ً كانت دوافعه‪) :‬وَ َ‬
‫قوُلو َ‬
‫ن َرب َّنا‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ساِء َوال ْوِل ْ َ‬
‫دا ِ‬ ‫ل َوالن ّ َ‬
‫جا ِ‬
‫ن الّر َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫في َ‬
‫ضعَ ِ‬
‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬‫ل الل ّهِ َوال ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫جَعل ل ََنا ِ‬ ‫ك وَل ِّيا َوا ْ‬ ‫ن ل َد ُن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَعل ل ََنا ِ‬ ‫ظال ِم ِ أهْل َُها َوا ْ‬ ‫قْري َةِ ال ّ‬ ‫ن هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خرِ ْ‬
‫صيًرا( )‪.(9‬‬ ‫ك نَ ِ‬ ‫ل َد ُن ْ َ‬
‫وهذه الية التي يطرحها القرآن ليتحرك المسلمون على ضوئها على‬
‫المستوى الجماعي‪ ،‬تقابلها آية أخرى تدعوهم إلى أن يتحركوا على المستوى‬
‫الفردي كذلك‪ ،‬وأن يقتحموا )العقبة(‪ ،‬هكذا‪ ،‬بكل ما يتضمنه )فعل( القتحام‬
‫ة)‬‫قب َ ُ‬ ‫ما ال ْعَ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ما أ َد َْرا َ‬ ‫من قوة وعنف وإرادة ل بد منها جميعا ً لجتياز الحاجز )وَ َ‬
‫َ‬
‫ة( )‪(10‬‬ ‫قَرب َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َذا َ‬ ‫ة)‪ (14‬ي َِتي ً‬ ‫سغَب َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِفي ي َوْم ٍ ِذي َ‬ ‫ة)‪ (13‬أوْ إ ِط َْعا ٌ‬ ‫ك َرقَب َ ٍ‬ ‫‪ (12‬فَ ّ‬
‫… تحرير المستعبدين وإطعام الجائعين‪ ،‬ذلك هو الهدف الذي يقتحم المؤمن‬
‫من أجله الحواجز بقوة وعنف وحزم وإرادة!!‬
‫والية التي تطرح نفسها كسؤال خطير أمام الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وأمام أي )مشرع( مسلم يجيء بعد الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ن؟ ( ويجيء الجواب الدائم غير الموقوت‪ ،‬بينا ً‬ ‫قو َ‬ ‫ماَذا ُينفِ ُ‬ ‫ك‪َ :‬‬ ‫سأ َُلون َ َ‬ ‫)وَي َ ْ‬
‫و( )‪!!(11‬‬ ‫ف َ‬ ‫ْ‬
‫ل‪ :‬العَ ْ‬ ‫صريحا‪) :‬قُ ْ‬ ‫ً‬
‫والعفو هنا هو كل ما زاد عن الحاجة … وسنتذكر هذا المبدأ الخطير في‬
‫التسوية الجتماعية عندما نستمع فيما بعد إلى إحدى كلمات الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ول بأس أن نوردها هنا ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم )من‬
‫كان معه فضل ظهر فليعد به على من ل ظهر له‪ ،‬ومن كان له فضل زاد‬
‫فليعد به على من ل زاد له …( ويقول شهود العيان‪ :‬إن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه ل حق لحد منا في‬
‫فضل(!!‬
‫ً‬
‫وهنالك الية التي )تأمر( المسلمين‪ :‬دولة ومشّرعا وجماعة‪ ،‬أل ّ يسمحوا‬
‫ً‬
‫لموالهم التي لكل فئة منهم حق معلوم فيها‪ ،‬والتي جعلها الله لهم سببا من‬
‫أسباب البقاء والنماء‪ ،‬أن تذهب إلى )السفهاء(‪ ،‬بهذا التعبير الصريح في‬
‫َ‬
‫ما( )‪ . (12‬واليات‬ ‫م قَِيا ً‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م ال ِّتي َ‬ ‫وال َك ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فَهاَء أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫تنديده )َول ت ُؤُْتوا ال ّ‬
‫التي تقطع الطريق على أية محاولة لطمس حقوق الناس في أموالهم لكي‬
‫يزداد أصحاب السلطة والواجدون غنى‪ ،‬والفقراء والمعدمون فقرًا‪ ،‬وتسم‬
‫هذه المحاولة التي يمكن أن تتم بألف أسلوب بالثم والعدوان والظلم‬
‫والجرام‪ ،‬أكثر من ذلك تسمها بقتل النفس‪ .‬وليس كفقدان العدل الجتماعي‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وال َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫معول ً ينزل على بنية المجتمعات فيفتتها ويدمرها ويمحوها )َول ت َأك ُُلوا أ ْ‬
‫قا م َ‬ ‫ْ‬
‫س ِبال ِث ْم ِ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫ري ً ِ ْ‬ ‫كام َِ ل ِت َأك ُُلوا فَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل وَت ُد ُْلوا ب َِها إ َِلى ال ْ ُ‬ ‫م ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ب َول‬ ‫ث ِبالط ّي ّ ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫م َول ت َت َب َد ُّلوا ال ْ َ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مى أ ْ‬ ‫ن( )‪َ) (13‬وآُتوا ال ْي ََتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫وَأن ْت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ل‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حوًبا ك َِبيًرا( )‪َ) (14‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫م إ َِلى أ ْ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ت َأك ُُلوا أ ْ‬
‫قت ُُلوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م َول ت َ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ض ِ‬ ‫ن ت ََرا ٍ‬ ‫جاَرة ً عَ ْ‬ ‫ن تِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫ل إ ِل ّ أ ْ‬ ‫م ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫وال َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ت َأك ُُلوا أ ْ‬
‫ف‬‫سو ْ َ‬ ‫ما فَ َ‬ ‫ك عُد َْواًنا وَظ ُل ْ ً‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما)‪(29‬وَ َ‬ ‫حي ً‬ ‫م َر ِ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َأن ُ‬
‫سيًرا( )‪. (15‬‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫صِليهِ َناًرا وَ َ‬ ‫نُ ْ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫والية التي تصب حمما ً من نار على طبقة )رجال الدين( من )الحبار‬
‫ل‪ ،‬وراحوا يدجلون على الناس‬‫والرهبان( الذين اشتروا بعقيدتهم ثمنا ً قلي ً‬
‫باسم الدين ليأكلوا أموالهم ويضخموا بها حجم كنوزهم من الذهب والفضة‪.‬‬
‫وكأن القرآن الكريم يفتح أعين المسلمين جيدًا‪ ،‬ويستفز وعيهم الدائم كي ل‬
‫يتيحوا لظاهرة هدامة كهذه أن تبرز في مجتمعهم وبين ظهرانيهم‪ ،‬مهما كانت‬
‫على درجة من الضآلة والخفاء‪ ،‬ويندد بكل من تحدثه نفسه بممارسة‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ .‬وهذا وغيره من السباب يفسر‬ ‫السلوب الذي مارسه الحبار والرهبان طوي ً‬
‫لنا انعدام ظهور المرتزقة بالدين في تاريخنا وظهور نقيض هذا تمامًا‪ ،‬رجال‬
‫الفكر السلمي وهم أشد الناس فقرا ً وتواضعا ً واندماجا ً في حياة الناس‬
‫العاديين‪ ،‬ورفضا ً لمواقع السلطة وإنكارا ً لغراء الذهب والفضة‪ .‬ليس هذا‬
‫فحسب‪ ،‬بل إن القرآن يوجه تحذيره الرهيب إلى المسلمين أنفسهم أل‬
‫يكنزوا الذهب والفضة‪ ،‬وأن ينفقوها في سبيل الله‪ ،‬وأنه بدون هذا وذاك‬
‫فسوف تنقلب عليهم وبال ً يوم الحساب … وأي مترف أو غني تستحيل حياته‬
‫ورون جوعًا‪ ،‬دون أن يتحرك بأمواله لوقف‬ ‫إلى تكديس للمال‪ ،‬والناس يتض ّ‬
‫ظاهرة الجوع والحرمان‪ ،‬فإن له أن يتصور أن هذا الخطاب موجه إليه‪ ،‬وأنه‬
‫غريب عن المجتمع السلمي الذي ينتمي إليه‪ ،‬بل إنه مارق عن قيمه‬
‫ل‬ ‫وا َ‬ ‫وأهدافه )يا أيها ال ّذين آمنوا إن ك َِثيرا من ال َحبار والرهْبان ل َيأ ْك ُُلو َ‬
‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ِ َ ّ َ ِ َ‬ ‫ً ِ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ ِ ّ‬
‫ة َول‬ ‫ض َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ْ‬
‫ب َوال ِ‬ ‫ن الذ ّهَ َ‬ ‫ن ي َكن ُِزو َ‬‫ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ َوال ِ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ل وَي َ ُ‬ ‫س ِبال َْباط ِ ِ‬
‫َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫مى عَلي َْها ِفي َناِر‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫م)‪(34‬ي َوْ َ‬ ‫م ب ِعَ َ‬ ‫ل اللهِ فَب َ ّ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫ب أِلي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫شْرهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قون ََها ِفي َ‬ ‫ُينفِ ُ‬
‫ذوقوا‬‫ُ‬ ‫مف ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م لن ُ‬ ‫َ‬
‫ما كن َْزت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫م وَظُهوُرهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫جُنوب ُهُ ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫جَباهُهُ ْ‬ ‫وى ب َِها ِ‬ ‫ْ‬
‫م فت ُك َ‬ ‫َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫َ‬
‫ْ‬
‫ن ِفي ال ِثم ِ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫م أي اليهود‪ :‬ي ُ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن( )‪) . (16‬وَت ََرى كِثيًرا ِ‬ ‫م ت َكن ُِزو َ‬‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ما كنت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م الّرّبان ِّيو َ‬ ‫ول ي َن َْهاهُ ُ‬ ‫ن)‪(62‬ل ْ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ت لب ِئ َ‬ ‫ح َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن وَأكل ِهِ ْ‬ ‫َوالعُد َْوا ِ‬
‫َ‬
‫ن( )‪.(17‬‬ ‫عو‬
‫ُ َ ْ َُ َ‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫س‬
‫ّ ْ َ ِ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫حَباُر َ ْ ْ ِ ِ ُ ِ َ َ ِ ِ ُ‬
‫ه‬‫ل‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ث‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫َوال َ ْ‬
‫وفي آيات أخرى من سورة الفجر يتكرر هذا التنديد بجمع المال وأكل التراث‬
‫ويرتبط جدليا ً بعدم إكرام اليتامى و)الحض( على إطعام الفقراء‪ ،‬مبتدئا ً بكلمة‬
‫ن عََلى‬ ‫ضو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫م)‪َ(17‬ول ت َ َ‬ ‫ن ال ْي َِتي َ‬ ‫مو َ‬ ‫كل َبل ل ت ُك ْرِ ُ‬ ‫الزجر القرآنية العنيفة‪ :‬كل !! ) َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما()‬ ‫ج ّ‬ ‫حّبا َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ما)‪(19‬وَت ُ ِ‬ ‫ث أك ْل ً ل ّ‬ ‫ن الت َّرا َ‬ ‫ن)‪(18‬وَت َأك ُُلو َ‬ ‫كي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ََعام ِ ال ْ ِ‬
‫‪ .(19‬ونحن ل نستطيع إل أن نلحظ السمة الجماعية المشتركة في فعل‬
‫)تحاضون(‪ ،‬والمفهوم الحركي الكامن في صيغة المبالغة‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬السراء ‪.26‬‬
‫)‪ (2‬المعارج ‪.25 – 24‬‬
‫)‪ (3‬الداريات ‪.19‬‬
‫)‪ (4‬النعام‪ ،‬بعض الية ‪.141‬‬
‫)‪ (5‬الماعون ‪.7 – 1‬‬
‫)‪ (6‬الحاقة ‪.37 – 33‬‬
‫)‪ (7‬الفجر ‪.18 – 17‬‬
‫)‪ (8‬البقرة ‪.268‬‬
‫)‪ (9‬النساء ‪.74‬‬
‫)‪ (10‬البلد ‪.16 – 11‬‬
‫)‪ (11‬البقرة ‪.219‬‬
‫)‪ (12‬النساء ‪.5‬‬
‫)‪ (13‬البقرة ‪.188‬‬
‫)‪ (14‬النساء ‪.2‬‬
‫)‪ (15‬النساء ‪.30 – 29‬‬
‫)‪ (16‬التوبة ‪.35 – 34‬‬
‫)‪ (17‬المائدة ‪.63 – 62‬‬
‫)‪ (18‬الفجر ‪.20 – 17‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دعاء السحر‬
‫محمد الخليلي‬
‫‪abuokashah@hotmail.com‬‬
‫دعاء ‪ii‬السحر‬
‫ودمع العيون‬
‫تذلل ‪ii‬إليه‬
‫وبين ‪ii‬يديه‬
‫وأد ّ ‪ii‬الجهاد‬
‫وجاف ‪ii‬الرقاد‬
‫ثيابا ‪ii‬فطّهر‬
‫وربك ‪ii‬كبر‬
‫فمهر ‪ii‬الحسان‬
‫وروح ‪ii‬الجنان‬
‫مل‬‫دع العين ‪ii‬ته ِ‬
‫وكّبر ‪ii‬وهلل‬
‫أعد ّالعتاد‬
‫لنيل ‪ii‬المراد‬
‫ل القيام‬ ‫وص ّ‬
‫ليرض السلم‬
‫لربك ‪ii‬فارغب‬
‫وزك ّ لتكسب‬
‫إذا ما ‪ii‬القمر‬
‫ل ‪ ...‬سهام ‪ii‬القدر‬‫أل قم ‪ii‬وص ّ‬
‫جلء الكرر‬
‫توكل عليه‬
‫أِنخ ‪ii‬وافتكر‬
‫لرب ‪ii‬العباد‬
‫وقم ‪ii‬فاعتبر‬
‫وقومك ‪ii‬أنذر‬
‫لكي ينتصر‬
‫وصك ‪ii‬المان‬
‫لمن ‪ii‬يصطبر‬
‫وخدا ‪ii‬تبلل‬
‫بجوف ‪ii‬السحر‬
‫ليوم ‪ii‬المعاد‬
‫بيوم ‪ii‬الحشر‬
‫ل ‪ii‬نام‬ ‫إذا الك ّ‬
‫دكر‬ ‫على الم ّ‬
‫ب‬‫ل وانص ْ‬ ‫مص ّ‬ ‫وق ْ‬
‫ليلة ‪ii‬القدر‬
‫سرى في ‪ii‬السحر‬
‫ف ‪ii‬الن ُ ُ‬
‫ذر‬ ‫وو ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دعاء‬
‫د‪.‬محمد إقبال‬
‫شعر‪ :‬الفيلسوف د‪ .‬محمد إقبال‬
‫ترجمة‪ :‬د‪.‬عبد الوهاب عزام‬
‫أنت في الكون كروح ‪ii‬مستسر ‪ ... ...‬روحنا أنت ‪ ،‬ومنا ‪ii‬تستتر‬
‫منك فيه نغمة عود ‪ii‬الحياه ‪ ... ...‬في هواك ‪ ،‬الموت محسود ‪ii‬الحياه‬
‫مر ذي الصدور ‪ii‬اليائسه‬ ‫ن القلوب ‪ii‬البائسه ‪ ... ...‬عد فع ّ‬ ‫عد فسك ّ ْ‬
‫ن العشق فينا ‪ii‬الخامدا‬ ‫عد فكلفنا الفعال الماجدا ‪ ... ...‬ألهب ّ‬
‫إننا نشكو تصاريف القضاء ‪ ... ...‬أنت تغلى السعر واليدي خلء) ‪( 2‬‬
‫عن فقير ل تحجب ذا ‪ii‬الجمال ‪ ... ...‬عشق سلمان امنحنا ‪ii‬وبلل‬
‫عين سهد لفؤاد ٍ قلق ‪ ... ...‬امنحّنا واضطراب ‪ii‬الزئبق‬
‫آية أظهر من الي ‪ii‬المبين ‪ ... ...‬لنرى أعناق قوم خاضعين)‪(3‬‬
‫أظهر البركان من ‪ii‬أعوادنا ‪ ... ...‬وامح غير الله في ‪ii‬نيراننا‬
‫كفنا ألقت بخيط ‪ii‬الوحدة ‪ ... ...‬كم ترى أمرنا من عقدة ؟) ‪( 4‬‬
‫قد مضينا كنجوم ‪ii‬حائرة ‪ ... ...‬إخوة لكن وجوه نافره‬
‫ب أخلقا) ‪( 5‬‬ ‫انظمن في السلك هذا ‪ii‬الورقا ‪ ... ...‬جددن سنة ح ّ‬
‫ابعثنا مثل ما كنا ‪ii‬لكا ‪ ... ...‬ائتمن فيما ترى ‪ii‬أحبابكا‬
‫منزل التسليم أبلغ ‪ii‬ركبنا ‪ ... ...‬عزم إبراهيم يسره ‪ii‬لنا‬
‫علمن العشق من أفعال " ل ‪ ... ... "ii‬رمز إل الله علم غافل) ‪( 6‬‬
‫* * ‪*ii* ... ... * * ii‬‬
‫أنا كالشمع لغيري أحرق ‪ ... ...‬وبدمعي كل حفل ‪ii‬يشرق‬
‫ب ! هذا الدمع نور في القلوب ‪ ... ...‬ذو هياج واضطراب ‪ii‬ونحيب‬ ‫ر ّ‬
‫أبذر الدمع فتنمو ‪ii‬شعل ‪ ... ...‬نار شقر الروض منها تنصل) ‪( 7‬‬
‫أمس في قلبي ‪ ،‬وعيناي ‪ii‬الغد ‪ ... ...‬أنا في الجمع فريد ٌ موحد) ‪( 8‬‬
‫ل أنني نعم ‪ii‬السمير ‪ ... ...‬ليس يدري أي سر في الضمير") ‪( 9‬‬ ‫" ظن ك ّ‬
‫أين يا رباه في الدنيا النديم ‪ ... ...‬نخل سيناء أنا ‪ ،‬أين الكليم ‪ii‬؟‬
‫ظالم نفسي فكم ‪ii‬عّنيتها ‪ ... ...‬شعل ً في صدرها ‪ii‬أذكيتها‬
‫شعل ً للحس تذرو ما به ‪ ... ...‬وتشب النار في أثوابه) ‪( 10‬‬
‫ُ‬
‫رق ما قد علما )‪(11‬‬ ‫وبها العقل جنونا ً ‪ii‬عّلما ‪ ... ...‬وبها أح ِ‬
‫قد علت من حرها شمس ‪ii‬السماء ‪ ... ...‬حولها للبرق طوق في ‪ii‬الفضاء‬
‫شعَُر‬‫ي نارا ً ‪ii‬يقطر ‪ ... ...‬شعل ً ينبت في ال َ‬ ‫كل عرق ف ّ‬
‫ً‬
‫بلبلي يلقط هذا الشررا ‪ ... ...‬فتراه نغما ‪ii‬مستعمرا‬
‫صدر عصري ما بقلب يؤهل ‪ ... ...‬نوح قيس حين يخلو المحمل) ‪( 12‬‬
‫يخفق الشمع وحيدا ً ‪ii‬ويله ‪ ... ...‬في فراش ل يرى أهل ً له) ‪( 13‬‬
‫جي مسعدا ً لي في ‪ii‬البشر ‪ ... ...‬ونجيا ً كم أرجي في ‪ii‬الدهر‬ ‫كم أر ّ‬
‫* * ‪*ii* ... ... * * ii‬‬
‫يا من النجم منه تستنير ! ‪ ... ...‬أرجعن نارك من روحي ‪ii‬الكسير‬
‫اسلبن نفسي ما أودعتها ‪ ... ...‬عطلن من نورها ‪ii‬مرآتها‬
‫ل ‪ii‬لبق ‪ ... ...‬هو مرآة لعشق ‪ii‬محرق‬ ‫خ ّ‬
‫أو فهب لي وجه ِ‬
‫* * ‪*ii* ... ... * * ii‬‬
‫يخفق الموج بموج في ‪ii‬العباب ‪ ... ...‬ل يسير الموج إل في ‪ii‬صحاب‬
‫ومع الكوكب يسري ‪ii‬الكوكب ‪ ... ...‬وعلى القمار يحنو ‪ii‬الغيهب‬
‫ومع الليل نهار أبدا ً ‪ ... ...‬ومسير اليوم يقتاد ‪ii‬غدا‬
‫نهرا ً ‪ ،‬أبصُر‪ ،‬يفنى في ‪ii‬نهر ‪ ... ...‬ونسيم الروض في عرف ‪ii‬الزهر‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن آهل من شربه ‪ ... ...‬راقص المجنون مجنونا ً ‪ii‬به‬ ‫رب حا ٍ‬


‫ً‬
‫أنت يا واحد ل شبه لكا ‪ ... ...‬عالما أنشأته من ‪ii‬أجلكا‬
‫وأنا مثل شقيقات ‪ii‬الفل ‪ ... ...‬مفرد ٌ ‪ ،‬في بهرة الجمع خل) ‪( 14‬‬
‫هب نجيا ً يا ولي النعمة ‪ ... ...‬محرما ً يدرك ما في ‪ii‬فطرتي‬
‫هب نجيا ً لقنا ذا ‪ii‬جنة ‪ ... ...‬ليس بالدنيا له من صلة) ‪( 15‬‬
‫روحه أودع من ‪ii‬أنايته ‪ ... ...‬وأرى في قلبه ‪ii‬مرآتيه‬
‫وأسويه بطيني ‪ii‬محكما ً‬
‫وأرى آزره والصنما ) ‪( 15‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫)‪ (1‬الخطاب لله تعالى ‪.‬‬
‫)‪ (2‬يعني تكلفنا واجبات عظيمة وليس في يدنا اليوم أسبابها ‪.‬‬
‫)‪ (3‬إشارة إلى الية ‪] :‬إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم‬
‫لها خاضعين[ ‪.‬‬
‫)‪ (4‬يعني أضاع المسلمون خيط التحاد فتعقدت أمورهم ‪.‬‬
‫)‪ (5‬الورق ورق الكتاب والسلك الخيط الذي يجمع به الورق ‪.‬‬
‫)‪ (6‬يريد النفي في كلمة التوحيد ‪ ،‬نفي ما سوى الله ‪ ،‬و " إل الله " هي‬
‫الثبات في هذه الكلمة ز‬
‫)‪ (7‬الشقر شقائق النعمان ‪ .‬وهي زهر أحمر يضرب به المثل في الحتراق‬
‫ولكن الشاعر يقول إن هذه النار الباردة تمحوها نار دموعي ‪.‬‬
‫)‪ (8‬قلبه متصل بذكرى الماضي ولكن عينيه تريان المستقبل وتطمحان‬
‫غليه ‪ .‬وهذا معنى يكرره إقبال‪.‬‬
‫)‪ (9‬البيت من فاتحة المثنوي لجلل الدين الرومي في وصف الناي ‪.‬‬
‫)‪ (10‬نار تحرق المحسوسات وتنفذ إلى البواطن ‪.‬‬
‫)‪ (11‬هذه النار نار العشق تخرج بالعقل عن حدوده الضيقة ‪ .‬وتحرق ما لقنه‬
‫الناس من علم انظر الكلم عن العشق والعقل في مقدمة ضرب الكليم ‪.‬‬
‫)‪ (12‬يبكي إقبال لخلو عصره من القلب كما يبكي المجنون لخلو المحمل‬
‫من ليلى ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫)‪ (13‬يعني أنه كالشمع ل يجد فراشا أهل لناره ‪ .‬ليس له أصحاب أو تلميذ‬
‫يفقهون عنه ما يقول ‪.‬‬
‫)‪ (14‬الشقيقات جمع شقيقة واحدة الشقائق التي تسمى شقائق النعمان ‪.‬‬
‫هو وحيد وإن كان في جماعة ‪.‬‬
‫)‪ (15‬يريد إقبال نجيا ً مجنونا ً ‪ .‬والجنون في لغة إقبال الهيام والقدام إلى غير‬
‫حد ‪.‬‬
‫)‪ (16‬يكون له ناحتا ً كآزر ويكون صنما ً له يتوجه إليه توجه العابد إلى الصنم ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دعاء‬
‫فؤاد المنشاوي‬
‫إلهي حارت اللباب ‪ii‬فينا‬
‫إذا مرض الفؤاد نموت ‪ii‬وهنا ً‬
‫وما كانت منازلنا ‪ii‬قبورا ً‬
‫وقد كانت مرابعنا ‪ii‬لخيل‬
‫فوهم اللت والعزى ‪ii‬تلشى‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونار الفرس قد دانت ‪ii‬لسعد‬


‫وسيف الله في اليرموك يروي‬
‫فلول الروم تخرج من ‪ii‬دمشق‬
‫بلد الشام تحيا في ‪ii‬نعيم‬
‫ومصر كنانة المختار ‪ii‬كانت‬
‫فألحقها بركب النور ‪ii‬حتى‬
‫فلو صدق اللسان لقال حقا ً‬
‫فأبدلنا الخيول برهن ‪ii‬شاة‬
‫نصرت الجمع في بدر ‪ii‬وكانوا‬
‫وراع الجيش في نادي ‪ii‬حنين‬
‫ونحن اليوم في كرب ‪ii‬عظيم‬
‫ففرج كربنا رحماك ‪ii‬ربي‬
‫وأيد نافرا ً للدين ‪ii‬واغفر‬
‫فمنك النصر والتأييد ‪ii‬فامنن ‪ ...‬ونحن اليوم قلب ‪ii‬المسلمينا‬
‫فل كنا إذا لم نحي ‪ii‬دينا‬
‫لحياء بلحد ‪ii‬دارسينا‬
‫نواصيها لخير ‪ii‬الفاتحينا‬
‫بفتح دك صرح ‪ii‬الجاهلينا‬
‫فأطفأها بخيل ‪ii‬السابقينا‬
‫حكايات تهز ‪ii‬العالمينا‬
‫ويبقى الهل فيها ‪ii‬آمنينا‬
‫بشرع الله خير ‪ii‬الفاصلينا‬
‫لعمرو من طراز ‪ii‬الولينا‬
‫أضاءت في سماء ‪ii‬العارفينا‬
‫ولو صدق الفؤاد لهام ‪ii‬فينا‬
‫وشل الذل والعار اليمينا‬
‫لعيرٍ ‪ -‬يا إلهي‪ii -‬طالبينا‬
‫فأنزلت الجنود ‪ii‬مثبتينا‬
‫بوهن الشاة نحيا ‪ii‬صاغرينا‬
‫وهدئ روع أهل ‪ii‬ضارعينا‬
‫لعباد بليل ‪ii‬ساجدينا‬
‫بفتح شامل ‪ii‬للمسلمينا‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دعاء‬
‫مواعظ و أذكار الدعاء من السنة‪:‬‬
‫ة‪ ،‬وقنا عذاب النار"اللهم أكثر‬
‫ة‪ ،‬وفي الخرة حسن ً‬ ‫"اللهم آتنا في الدنيا حسن ً‬
‫مالي‪ ،‬وولدي‪ ،‬وبارك لي فيما أعطيتني" اللهم إني أعوذ بك من العجز‬
‫والكسل‪ ،‬والجبن والهرم والبخل‪ ،‬وأعوذ بك من عذاب القبر‪ ،‬ومن فتنة‬
‫المحيا والممات‪ -‬اللهم إني أعوذ بك من جهد البلء‪ ،‬ودرك الشقاء‪ ،‬وسوء‬
‫ة أمري‪،‬‬‫القضاء‪ ،‬وشماتة العداء"‪" .‬اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصم ُ‬
‫وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي‪ ،‬وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي‪،‬‬
‫ة لي من كل‬ ‫ر‪ ،‬واجعل الموت راح ً‬
‫ل خي ٍ‬‫واجعل الحياة زيادة ً لي في ك ّ‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي‪،‬‬
‫شّر"اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والخرة"‪.‬رب أعني ول ُتعن عل ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫سر الهدى ِإل ّ‬ ‫ي‪ ،‬واهدني وي ّ‬ ‫كر عل ّ‬ ‫كر لي ول تم ُ‬ ‫ي‪ ،‬وام ُ‬ ‫وانصرني ول تنصر عل ّ‬
‫هابا‪ ،‬لك‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ب اجعلني لك شكارا‪ ،‬لك ذكارا‪ ،‬لك ر ّ‬ ‫ي‪ ،‬ر ّ‬ ‫وانصرني على من بغى عل ّ‬
‫ب تقبل توبتي‪ ،‬واغسل حوبتي‪ ،‬وأجب‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫ا‪،‬‬ ‫منيب‬ ‫مطواعًا‪ِ ،‬إليك مخبتا ً أّواها‬ ‫ِ‬
‫دد لساني‪ ،‬واسلل سخيمة قلبي "اللهم‬ ‫ّ‬ ‫وس‬ ‫قلبي‪،‬‬ ‫واهد‬ ‫حجتي‪،‬‬ ‫بت‬‫ّ‬ ‫وث‬ ‫دعوتي‪،‬‬
‫إنا نسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ونعوذ بك‬
‫من شر ما استعاذ منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأنت المستعان‪،‬‬
‫وعليك البلغ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله "اللهم إني أسألك الهدى‪ ،‬والُتقى‪،‬‬
‫والعفاف‪ ،‬والِغنى"‪.‬اللهم اهدني وسددني‪ ،‬اللهم إني أسألك الهدى‬
‫ول عافيتك‪ ،‬وفجاءة‬ ‫والسداد"‪".‬اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك‪ ،‬وتح ّ‬
‫نقمتك‪ ،‬وجميع سخطك""اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار‪،‬‬
‫وفتنة القبر‪ ،‬وعذاب القبر‪ ،‬وشر فتنة الغنى‪ ،‬وشر فتنة الفقر‪ ،‬اللهم إني أعوذ‬
‫ق‬
‫بك من شر فتنة المسيح الدجال‪ ،‬اللهم اغسل قلبي بماء الثلج والبرد‪ ،‬ون ّ‬
‫قيت الثوب البيض من الدنس‪ ،‬وباعد بيني وبين‬ ‫قلبي من الخطايا كما ن ّ‬
‫خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب‪ .‬اللهم ِإني أعوذ بك من الكسل‬
‫ت‪ ،‬ومن شّر ما لم‬ ‫والمأثم والمغرم"‪.‬اللهم إني أعوذ بك من شّر ما عمل ُ‬
‫أعمل"ل ِإله ِإل الله العظيم الحليم‪ ،‬ل ِإله ِإل الله رب العرش العظيم‪ ،‬ل ِإله‬
‫ب العرش الكريم"اللهم رحمتك أرجو‬ ‫ب الرض‪ ،‬ور ّ‬ ‫ب السماوات‪ ،‬ور ّ‬ ‫ِإل الله ر ّ‬
‫ن‪ ،‬وأصلح لي شأني كله‪ ،‬ل ِإله ِإل أنت"ل إله‬ ‫كلني إلى نفسي طرفة عي ٍ‬ ‫فل ت ِ‬
‫ِإل أنت سبحانك ِإني كنت من الظالمين"‪".‬اللهم مصّرف القلوب صّرف قلوبنا‬
‫مقّلب القلوب ثّبت قلبي على دينك"‪" .‬اللهم ِإني عبدك ابن‬ ‫على طاعتك"‪.‬يا ُ‬
‫ي قضاؤك‪ .‬أسألك‬ ‫لف ّ‬ ‫ي حكمك‪ ،‬عد ٌ‬ ‫ضف ّ‬ ‫عبدك‪ ،‬ابن أمتك‪ ،‬ناصيتي بيدك‪ ،‬ما ٍ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ميت به نفسك‪ ،‬أو أنزلته في كتابك‪ ،‬أو علمته أحدا من‬ ‫ل اسم هو لك س ّ‬ ‫بك ّ‬
‫خلقك‪ ،‬أو استأثرت به في علم الغيب عندك‪ ،‬أن تجعل القرآن ربيع قلبي‪،‬‬
‫حزني‪ ،‬وذهاب همي"‪" .‬اللهم ِإني أعوذ بك من العجز‪،‬‬ ‫ونور صدري‪ ،‬وجلء ُ‬
‫ت نفسي تقواها‪،‬‬ ‫والكسل‪ ،‬والجبن‪ ،‬والبخل‪ ،‬والهرم‪ ،‬وعذاب القبر‪ ،‬اللهم آ ِ‬
‫كاها‪ .‬أنت ولّيها ومولها‪ .‬اللهم ِإني أعوذ ُ بك من علم ٍ ل‬ ‫كها أنت خير من ز ّ‬ ‫وز ّ‬
‫س ل تشبع‪ ،‬ومن دعوةٍ ل ُيستجاب‬ ‫ينفع‪ ،‬ومن قلب ل يخشع‪ ،‬ومن نف ٍ‬
‫ّ‬
‫لها"اللهم أحسن عاقبتنا في المور كلها‪ ،‬وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب‬
‫الخرة"اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي‪ ،‬ومن شر بصري‪ ،‬ومن شر‬
‫لساني‪ ،‬ومن شر قلبي‪ ،‬ومن شر منيي"اللهم ِإني عبدك ابن عبدك‪ ،‬ابن‬
‫ل اسم‬ ‫ل في قضاؤك‪ .‬أسألك بك ّ‬ ‫ي حكمك‪ ،‬عد ٌ‬ ‫ضف ّ‬ ‫أمتك‪ ،‬ناصيتي بيدك‪ ،‬ما ٍ‬
‫ميت به نفسك‪ ،‬أو أنزلته في كتابك‪ ،‬أو عّلمته أحدا ً من خلقك‪ ،‬أو‬ ‫هو لك س ّ‬
‫استأثرت به في علم الغيب عندك‪ ،‬أن تجعل القرآن ربيع قلبي‪ ،‬ونور صدري‪،‬‬
‫ب ِإسرافيل‪ ،‬أعوذ‬ ‫حزني‪ ،‬وذهاب همي"اللهم رب جبرائيل‪ ،‬وميكائيل ور ّ‬ ‫وجلء ُ‬
‫بك من حّر النار ومن عذاب القبر"اللهم ألهمني رشدي‪ ،‬وأعذني من شر‬
‫نفسي "اللهم إني أسألك علما ً نافعًا‪ ،‬وأعوذ بك من علم ٍ ل ينفع"‪.‬اللهم إني‬
‫أعوذ بك من البرص‪ ،‬والجنون‪ ،‬والجذام‪ ،‬ومن سيء السقام"اللهم ِإني‬
‫ب المساكين‪ ،‬وأن تغفر لي‪،‬‬ ‫أسألك فعل الخيرات‪ ،‬وترك المنكرات‪ ،‬وح ّ‬
‫ب من‬ ‫ن‪ ،‬وأسألك حّبك‪ ،‬وح ّ‬ ‫وترحمني‪ ،‬وِإذا أردت فتنة قوم ٍ فتوّفني غير مفتو ٍ‬
‫ل ُيقربني إلى حبك"اللهم بعلمك الغيب‪ ،‬وقدرتك على‬ ‫ب عم ٍ‬
‫ُيحبك‪ ،‬وح ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الخلق‪ ،‬أحيني ما علمت الحياة خيرا لي‪ ،‬وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي‪،‬‬
‫اللهم ِإني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الّرضا‬
‫والغضب‪ ،‬وأسألك القصد في الغنى والفقر‪ ،‬وأسألك نعيما ً ل ينفد‪ ،‬وأسألك‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ل تنقطع‪ ،‬وأسألك الّرضا بعد القضاء‪ ،‬وأسألك برد العيش بعد‬ ‫قُّرة عي ٍ‬
‫ذة النظر إلى وجهك‪ ،‬والشوق ِإلى لقائك‪ ،‬في غير ضّراء‬ ‫الموت‪ ،‬وأسألك ل ّ‬
‫هداة ً مهتدين"‪.‬اللهم‬
‫ليمان‪ ،‬واجعلنا ُ‬‫ة‪ ،‬اللهم زّينا بزينة ا ِ‬‫مضل ٍ‬‫ة‪ ،‬ول فتنةٍ ُ‬ ‫مضّر ٍ‬
‫ُ‬
‫لسلم راقدًا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫با‬ ‫واحفظني‬ ‫ً‬
‫ا‪،‬‬ ‫قاعد‬ ‫لسلم‬ ‫ِ‬ ‫با‬ ‫واحفظني‬ ‫ً‬
‫ا‪،‬‬ ‫قائم‬ ‫لسلم‬ ‫ِ‬ ‫با‬ ‫احفظني‬
‫ل خيرٍ خزائنه بيدك‪،‬‬‫ول ُتشمت بي عدوا ً ول حاسدًا‪ .‬اللهم إني أسألك من ك ّ‬
‫ل شّر خزائنه بيدك"‪.‬اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به‬ ‫وأعوذ بك من ك ّ‬
‫بيننا وبين معاصيك‪،‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ون به علينا مصائب الدنيا‪،‬‬ ‫ومن طاعتك ما ُتبّلغنا به جّنتك‪ ،‬ومن اليقين ما ته ّ‬
‫واتنا ما أحييتنا‪ ،‬واجعلهم الوارث منا‪،‬‬ ‫اللهم مّتعنا بأسماعنا‪ ،‬وأبصارنا‪ ،‬وق ّ‬
‫واجعل ثأرنا على من ظلمنا‪ ،‬وانصرنا على من عادانا‪ ،‬ول تجعل مصيبتنا في‬
‫منا‪ ،‬ول مبلغ علمنا‪ ،‬ول تسّلط علينا من ل‬ ‫ديننا‪ ،‬ول تجعل الدنيا أكبر ه ّ‬
‫يرحمنا"‪.‬اللهم إني أعوذ بك من الجبن‪ ،‬وأعوذ بك من البخل‪ ،‬وأعوذ بك من‬
‫أن أرد ّ إلى أرذل العمر‪ ،‬وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر"اللهم لك‬
‫أسلمت‪ ،‬وبك آمنت‪ ،‬وعليك توكلت‪ ،‬وإليك أنبت وبك خاصمت‪ .‬اللهم إني‬
‫ي الذي ل يموت‪ ،‬والجن‬ ‫أعوذ بعزتك ل ِإله ِإل أنت أن ُتضّلني‪ .‬أنت الح ّ‬
‫والنس يموتون"اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك‪ ،‬وعزائم مغفرتك‪ ،‬والسلمة‬
‫ل بّر‪ ،‬والفوز بالجنة‪ ،‬والنجاة من النار"اللهم أعنا‬ ‫م‪ ،‬والغنيمة من ك ّ‬ ‫من ك ّ‬
‫ل إث ٍ‬
‫د‪ ،‬ونعيما ً‬ ‫حسن عبادتك"اللهم ِإني أسألك ِإيمانا ً ل يرت ّ‬ ‫شكرك‪ ،‬و ُ‬ ‫على ذكرك‪ ،‬و ُ‬
‫ل ينفد‪ ،‬ومرافقة محمد ٍ صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد"اللهم قني‬
‫شّر نفسي‪ ،‬واعزم لي على أرشد أمري‪ ،‬اللهم اغفر لي ما أسررت‪ ،‬وما‬
‫أعلنت‪ ،‬وما أخطأت‪ ،‬وما عمدت‪ ،‬وما علمت‪ ،‬وما جهلت"اللهم لك الحمد كله‪،‬‬
‫اللهم ل قابض لما بسطت‪ ،‬ول باسط لما قبضت‪ ،‬ول هادي لمن أضللت ول‬
‫ل لمن هديت‪ ،‬ول معطي لما منعت ول مانع لما أعطيت‪ ،‬ول مقّرب لما‬ ‫مض ّ‬
‫ُ‬
‫باعدت‪ ،‬ول مباعد لما قّربت‪ ،‬اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك‬
‫ورزقك‪ ،‬اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي ل يحول ول يزول‪ ،‬اللهم ِإني‬
‫أسألك النعيم يوم العيلة‪ ،‬والمن يوم الخوف‪ ،‬اللهم إني عائذ ٌ بك من شر ما‬
‫أعطيتنا وشّر ما منعتنا‪ ،‬اللهم حّبب إلينا اليمان وزينه في قلوبنا وكّره إلينا‬
‫الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين‪ ،‬اللهم توّفنا مسلمين‪ ،‬وأحينا‬
‫مسلمين‪ ،‬وألحقنا بالصالحين غير خزايا ول مفتونين‪ ،‬اللهم قاتل الكفرة الذين‬
‫دون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك‪ ،‬اللهم قاتل‬ ‫يكذبون رسلك ويص ّ‬
‫ي عند كبر‬ ‫ُ‬
‫ق‪.‬اللهم اجعل أوسع رزقك عل ّ‬ ‫الكفرة الذين أوتوا الكتاب‪ ،‬إله الح ّ‬
‫سني‪ ،‬وانقطاع عمري"اللهم اغفر لي ذنبي‪ ،‬ووسع لي في داري‪ ،‬وبارك لي‬
‫في رزقي"اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك‪ ،‬فِإنه ل يملكها إل أنت"اللهم‬
‫إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة‪ ،‬فإن جار البادية يتحول"اللهم‬
‫إني أعوذ بك من قلب ل يخشع‪ ،‬ومن دعاء ل ُيسمع‪ ،‬ومن نفس ل تشبع‪ ،‬ومن‬
‫علم ل ينفع‪ .‬أعوذ بك من هؤلء الربع"اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين‪،‬‬
‫وغلبة العدو‪ ،‬وشماتة العداء"اللهم اغفر لي‪ ،‬واهدني‪ ،‬وارزقني‪ ،‬وعافني‪،‬‬
‫أعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة"اللهم مّتعني بسمعي‪ ،‬وبصري‪،‬‬
‫واجعلهما الوارث مني‪ ،‬وانصرني على من يظلمني‪ ،‬وخذ منه بثأري"اللهم إني‬
‫مخزٍ ول فاضح"اللهم إني أعوذ‬ ‫ة‪ ،‬ومرد ّا ً غير ُ‬‫ة سوي ّ ً‬ ‫ة‪ ،‬وميت ً‬
‫ة نقي ً‬
‫أسألك عيش ً‬
‫بك من العجز‪ ،‬والكسل‪ ،‬والجبن‪ ،‬والبخل‪ ،‬والهرم‪ ،‬والقسوة‪ ،‬والغفلة‪،‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعيلة‪ ،‬والذلة‪ ،‬والمسكنة‪ ،‬وأعوذ بك من الفقر‪ ،‬والكفر‪ ،‬والفسوق‪،‬‬


‫والشقاق‪ ،‬والنفاق‪ ،‬والسمعة‪ ،‬والرياء‪ ،‬وأعوذ بك من الصمم‪ ،‬والبكم‪،‬‬
‫والجنون‪ ،‬والجذام‪ ،‬والبرص‪ ،‬وسيء السقام"اللهم إني أعوذ بك من الفقر‪،‬‬
‫والقلة‪ ،‬والذلة‪ ،‬وأعوذ بك من أن أظلم أو ُأظلم"اللهم ِإني أعوذ بك من‬
‫الّترّدي‪ ،‬والهدم‪ ،‬والغرق‪ ،‬والحرق‪ ،‬وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند‬
‫الموت‪ ،‬وأعوذ بك من أن أموت في سبيلك مدبرًا‪ ،‬وأعوذ بك أن أموت‬
‫لديغًا"اللهم إني أعوذ بك من الجوع‪ ،‬فِإنه بئس الضجيع‪ ،‬وأعوذ بك من‬
‫الخيانة‪ ،‬فِإنها بئست البطانة"اللهم إني أعوذ بك أن ُأشرك بك وأنا أعلم‪،‬‬
‫وأستغفرك لما ل أعلم"‪.‬اللهم انفعني بما عّلمتني‪ ،‬وعّلمني ما ينفعني‪ ،‬وزدني‬
‫علمًا"اللهم ِإني أسألك من الخير كله‪ :‬عاجله وآجله‪ ،‬ما علمت منه وما لم‬
‫أعلم‪ ،‬وأعوذ بك من الشّر كله عاجله وآجله‪ ،‬ما علمت منه وما لم أعلم‪.‬‬
‫اللهم ِإني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك‪ ،‬وأعوذ بك من شّر ما استعاذ‬
‫ل أو‬
‫بك منه عبدك ونبّيك‪ .‬اللهم إني أسألك الجنة‪ ،‬وما قّرب إليها من قو ٍ‬
‫ل‪ ،‬وأسألك أن تجعل‬ ‫ل أو عم ٍ‬ ‫ل‪ ،‬وأعوذ بك من النار وما قّرب إليها من قو ٍ‬ ‫عم ٍ‬
‫ه لي خيرااللهم إني أعوذ بك من منكرات الخلق‪ ،‬والعمال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ل قضاٍء قضيت ُ‬ ‫ك ّ‬
‫ب العفو فاعف عني"اللهم ارزقني حبك‪،‬‬ ‫م تح ّ‬
‫والهواء"اللهم إنك عفوّ كري ٌ‬
‫ب فاجعله قوة ً لي فيما‬ ‫أح‬ ‫وحب من ينفعني حبه عندك‪ ،‬اللهم ما رزقتني مما ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫ب"اللهم‬‫ّ‬ ‫تح‬ ‫فيما‬ ‫لي‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫فراغ‬ ‫فاجعله‬ ‫ب‬
‫ّ‬ ‫أح‬ ‫مما‬ ‫عني‬ ‫زويت‬ ‫ما‬ ‫اللهم‬ ‫تحب‪،‬‬
‫قى الثوب البيض من‬ ‫قني منها كما ُين ّ‬ ‫طهرني من الذنوب والخطايا‪ ،‬اللهم ن ّ‬
‫الدنس‪ ،‬اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد"اللهم إني أعوذ بك من‬
‫البخل‪ ،‬والجبن‪ ،‬وسوء العمر‪ ،‬وفتنة الصدر وعذاب القبر"‪.‬اللهم رب‬
‫السماوات ]السبع[ ورب الرض‪ ،‬ورب العرش العظيم‪ ،‬ربنا ورب كل شيٍء‪،‬‬
‫لنجيل والفرقان‪ ،‬أعوذ بك من شّر ك ّ‬
‫ل‬ ‫ب والنوى‪ ،‬ومنزل التوراة وا ِ‬ ‫فالق الح ّ‬
‫شيٍء أنت آخذ ٌ بناصيته‪ ،‬اللهم أنت الول‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فليس قبلك شيٌء‪ ،‬وأنت الخر فليس بعدك شيٌء‪ ،‬وأنت الظاهر فليس‬
‫فوقك شيٌء‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك شيٌء‪ ،‬اقض عنا الدين وأغننا من‬
‫جنا من‬‫الفقر"اللهم أّلف بين قلوبنا‪ ،‬وأصلح ذات بيننا‪ ،‬واهدنا سبل السلم‪ ،‬ون ّ‬
‫الظلمات إلى النور‪ ،‬وجّنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬وبارك لنا في‬
‫واب‬ ‫أسماعنا‪ ،‬وأبصارنا‪ ،‬وقلوبنا‪ ،‬وأزواجنا وذرياتنا‪ ،‬وُتب علينا ِإنك أنت الت ّ ّ‬
‫الرحيم‪ ،‬واجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك قابلين لها وأتممها‬
‫علينا"اللهم جنبني منكرات الخلق‪ ،‬والهواء‪ ،‬والعمال‪ ،‬والدواء"اللهم قّنعني‬
‫ر"اللهم حاسبني‬ ‫ي كل غائبةٍ لي بخي ٍ‬ ‫بما رزقتني‪ ،‬وبارك لي فيه‪ ،‬واخلف عل ّ‬
‫حسابا ً يسيرًا"اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء‪ ،‬ومن ليلة السوء‪ ،‬ومن‬
‫ساعة السوء‪ ،‬ومن صاحب السوء‪ ،‬ومن جار السوء في دار المقامة"اللهم‬
‫قهني في‬ ‫ت(‪" .‬اللهم ف ّ‬‫إني أسألك الجنة وأستجير بك من النار" )ثلث مرا ٍ‬
‫دين"اللهم اغفر لي خطيئتي‪ ،‬وجهلي‪ ،‬وِإسرافي في أمري‪ ،‬وما أنت أعلم به‬ ‫ال ّ‬
‫ل ذلك عندي"اللهم‬ ‫دي‪ ،‬وخطئي وعمدي‪ ،‬وك ّ‬ ‫مني‪ ،‬اللهم اغفر لي هزلي وج ّ‬
‫إني ظلمت نفسي ظلما ً كثيرًا‪ ،‬ول يغفر الذنوب إل أنت‪ .‬فاغفر لي مغفرةً‬
‫من عندك‪ ،‬وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم اللهم اغفر لي‪ ،‬وارحمني‪،‬‬
‫واهدني‪ ،‬وعافني‪ ،‬وارزقني"‪".‬واجبرني وارفعني اللهم زدنا ول تنقصنا‪،‬‬
‫وأكرمنا ول ُتهّنا‪ ،‬وأعطنا ول تحرمنا‪ ،‬وآثرنا ول تؤثر علينا‪ ،‬وأرضنا وأرض‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خُلقي"اللهم ثّبتني واجعلني هاديا ً‬ ‫عنا"اللهم أحسنت خلقي فأحسن ُ‬


‫مهدي ًّا"اللهم آتني الحكمة التي من ُأوتيها فقد ُأوتي خيرا ً كثيرا ً "اللهم صلّ‬
‫وسّلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بِإحسان إلى‬
‫يوم الدين‪".‬اللهم إني أسألك يا الله بأنك الواحد الحد‪ ،‬الصمد‪ ،‬الذي لم يلد‬
‫ولم ُيولد‪ ،‬ولم يكن له كفوا ً أحد‪ ،‬أن تغفر لي ذنوبي‪ ،‬إنك أنت الغفور‬
‫ن لك الحمد ل ِإله ِإل أنت ]وحدك ل شريك لك[‬ ‫الرحيم"اللهم إني أسألك بأ ّ‬
‫ي يا قّيوم‪ِ ،‬إني‬ ‫لكرام‪ ،‬يا ح ّ‬‫المّنان يا بديع السماوات والرض يا ذا الجلل وا ِ‬
‫أسألك الجنة وأعوذ بك من النار"اللهم إني أسأل علما ً نافعًا‪ ،‬ورزقا ً طيبا‪ً،‬‬
‫ل"اللهم إ ِّني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله ل ِإله ِإل أنت‪ ،‬الحد‪،‬‬ ‫وعمل ً متقب ّ ً‬
‫ب اغفر لي‪ ،‬وُتب‬ ‫ً‬
‫الصمد‪ ،‬الذي لم يلد‪ ،‬ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له كفوا أحد"ر ّ‬
‫واب الغفور"اللهم إني أسألك خير المسألة‪ ،‬وخير الدعاء‪،‬‬ ‫ي‪ِ ،‬إنك أنت الت ّ ّ‬ ‫عل ّ‬
‫وخير النجاح‪ ،‬وخير العمل‪ ،‬وخير الثواب‪ ،‬وخير الحياة‪ ،‬وخير الممات‪ ،‬وثّبتني‪،‬‬
‫قل موازيني‪ ،‬وحقق ِإيماني‪ ،‬وارفع درجاتي‪ ،‬وتقّبل صلتي‪ ،‬واغفر خطيئتي‪،‬‬ ‫وث ّ‬
‫وأسألك الدرجات الُعلى من الجنة‪ ،‬اللهم إني أسألك فواتح الخير‪ ،‬وخواتمه‪،‬‬
‫وجوامعه‪ ،‬وأوله‪ ،‬وظاهره‪ ،‬وباطنه‪ ،‬والدرجات العلى من الجنة آمين‪ .‬اللهم‬
‫إني أسألك خير ما آتي‪ ،‬وخير ما أفعل وخير ما أعمل‪ ،‬وخير ما بطن‪ ،‬وخير ما‬
‫ظهر‪ ،‬والدرجات العلى من الجنة آمين‪ .‬اللهم إني أسألك أن ترفع ذكري‪،‬‬
‫ور قلبي‪ ،‬وتغفر‬ ‫صن فرجي‪ ،‬وُتن ّ‬ ‫وتضع وزري‪ ،‬وتصلح أمري‪ ،‬وتطهر قلبي‪ ،‬وتح ّ‬
‫لي ذنبي‪ ،‬وأسألك الدرجات العلى من الجنة آمين‪ .‬اللهم إني أسألك أن تبارك‬
‫خُلقي‪،‬‬ ‫في نفسي‪ ،‬وفي سمعي‪ ،‬وفي بصري‪ ،‬وفي روحي‪ ،‬وفي خلقي‪ ،‬وفي ُ‬
‫وفي أهلي‪ ،‬وفي محياي‪ ،‬وفي مماتي‪ ،‬وفي عملي‪ ،‬فتقّبل حسناتي‪ ،‬وأسألك‬
‫الدرجات العلى من الجنة آمين"‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫دعاة الجن المؤمنون‬


‫محمد إسماعيل السيد أحمد‬
‫ن فَل ّ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ن ال ُ‬‫ْ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫فرا ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صَرفَْنا إ ِلي ْك ن َ َ‬ ‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬وَإ ِذ ْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مَنا‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (29‬قالوا َيا قوْ َ‬ ‫َ‬ ‫منذِِري َ‬ ‫مِهم ّ‬ ‫َ‬
‫وا إ ِلى قوْ ِ‬ ‫ي وَل ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ُ‬
‫ما ق ِ‬ ‫صُتوا فَل َ ّ‬ ‫ضُروهُ َقاُلوا أن ِ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ح ّ‬ ‫دي إ ِلى ال َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ي َهْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫دقا ل َ‬ ‫ص ّ‬‫م َ‬ ‫سى ُ‬ ‫مو َ‬ ‫من ب َعْد ِ ُ‬ ‫معَْنا ك َِتابا أنزِل ِ‬ ‫س ِ‬‫إ ِّنا َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫فْر لكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا ب ِهِ ي َغْ ِ‬ ‫ي اللهِ َوآ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫جيُبوا َدا ِ‬ ‫مَنا أ ِ‬ ‫َ‬
‫م)‪َ (30‬يا قوْ َ‬
‫َ‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ق ّ‬‫ري ٍ‬ ‫وَإ َِلى ط ِ‬
‫َ‬
‫ز‬
‫ج ٍ‬ ‫معْ ِ‬ ‫س بِ ُ‬ ‫ي الل ّهِ فَل َي ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ب َدا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫من ّل ي ُ ِ‬ ‫ب أِليم ٍ )‪ (31‬وَ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫جْر ُ‬‫م وَي ُ ِ‬ ‫ذ ُُنوب ِك ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن )‪{(32‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ّ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫من ُدون ِهِ أول َِياء أوْل َئ ِ َ‬ ‫ه ِ‬‫س لَ ُ‬ ‫ض وَل َي ْ َ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫معاني الكلمات‪:‬‬
‫صرفنا إليك‪ :‬وجهنا إليك‬
‫نفرا‪ :‬مجموعة‬
‫الجن‪ :‬عالم من مخلوقات الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬أجسامهم نارية الصل‪ ،‬لهم‬
‫خاصية التشكل والستتار‪ ،‬يروننا ول نراهم على خلقتهم الحقيقية‪ ،‬منهم‬
‫مؤمنون وأكثرهم كافرون‪ .‬وسموا جنا لستتارهم وعدم رؤيتنا لهم‪.‬‬
‫أنصتوا‪ :‬قال بعضهم لبعض اسكتوا واستمعوا‪.‬‬
‫ُ‬
‫م وانتهي من تلوته‪.‬‬ ‫ُقضي‪ :‬أت ِ ّ‬
‫ولوا‪ :‬رجعوا‪.‬‬
‫منذرين‪ :‬من النذار وهو التحذير والتخويف‪ ،‬وهنا تحتمل معنى التبليغ‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما بين يديه‪ :‬ما قبله من الكتب السماوية المنزلة على رسل الله‪.‬‬
‫داعي الله‪ :‬حامل الدعوة لتبليغها وهو النبي محمد‪.‬‬
‫جْركم‪ :‬أي يحميكم ويمنع عنكم العذاب‪.‬‬ ‫يُ ِ‬
‫فليس بمعجز‪ :‬ل يستطيع الهرب من بين يدي الله ‪ -‬عز وجل ‪.-‬‬
‫أولياء‪ :‬جمع ولي وهو النصير‪ ،‬أي ليس له نصراء يستطيعون تخليصه من‬
‫عذاب الله‪.‬‬
‫شرح اليات‪:‬‬
‫بينما كان رسول الله يتلو القرآن في خلوة بعيد عن المشركين‪ ،‬إذ وجه الله ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬إليه مجموعة من الجن‪ ،‬فلما سمعوه‪ ،‬قال بعضهم لبعض‪ :‬اسكتوا‬
‫نستمع و فجعلوا يستمعون‪.‬فلما انتهى رسول الله من التلوة‪ ،‬رجعوا على‬
‫قومهم لينذروهم‪ ،‬بعد أن مس اليمان شغاف قلوبهم وآمنوا به‪ ،‬فقالوا‬
‫لقومهم‪ :‬يا قومنا لقد سمعنا بضع آيات من كتاب جديد‪ ،‬أنزله الله من بعد‬
‫موسى فيه ما يصدق التوراة وما قبله من الكتب المنزلة من عند الله‪ ،‬وهذا‬
‫الكتاب يهدي إلى الحق ويدل على طريق الحياة الكريمة المستقيمة‪.‬فآمنوا‬
‫به‪ ،‬يغفر الله لكم من ذنوبكم ويقيكم من عذاب الله الليم الذي أعده‬
‫للكافرين‪.‬‬
‫ومن ل يستجيب لدعوة هذا النبي الكريم‪ ،‬فإن الله سيهلكه‪.‬‬
‫وإذا أراد الله إهلك من ل يستجيب لداعي الله‪ ،‬فلن يستطيع أحد حمايته‬
‫مهما بلغ شأنه‪ ،‬هو وهذا المعاند ومن يشد أزره وينصره فهم في ضلل بين‬
‫واضح ل جدال فيه‪.‬‬
‫نسأل الله اللطف والهداية لنا ولجميع المسلمين وان يثبتنا على الصراط‬
‫المستقيم‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫‪ http://www.motamani.com‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دعاة على أبواب جهنم‬


‫) العلمانيون ( المفسدون في الرض ‪...‬‬
‫الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلة والسلم‬
‫على اشرف النبياء والمرسلين الذي ما ترك من خير وإل ودل المة عليه وما‬
‫ترك من شر إل نهاها عنه وحذرها منه‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد روى البخاري في صحيحة عن أبي إدريس الخولني “ أنه سمع حذيفة‬
‫بن اليمان يقول‪ :‬كان الناس يسالون الرسول صلى الله عليه وسلم عن‬
‫الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يد ركني‪ ،‬فقلت يا رسول الله إنا كنا‬
‫في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير‪ ،‬فهل بعد هذا الخير من شر ؟ فقال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قلت‪ :‬وهل بعد ذلك الشر من خير ؟؟ قال‪ :‬نعم وفيه دخن قلت‪ :‬وما‬
‫دخنه ؟ قال‪ :‬قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر‪ ،‬قلت‪ :‬فهل بعد ذلك‬
‫الخير من شر ؟ قال‪ :‬نعم دعاة على أبواب جهنم‪ ،‬من أجابهم إليها قذفوه‬
‫فيها‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول الله صفهم لنا‪ ،‬قال هم من جلدتنا‪ ،‬ويتكلمون بألسنتنا‬
‫الحديث "‬
‫فهذا الحديث الشريف نور من نور النبوة يزيد في المؤمن إيمانه ويقوي يقينه‬
‫عندما يرى مصداق هذا الحديث في حياته‪ ،‬فالحبيب عليه الصلة والسلم‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عندما وصف لمته الدعاة على أبواب جهنم وصفهم غاية الوصف وأوضحه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا‪ ،‬فمعنى قوله هم من جلدتنا أي من‬
‫قومنا‪ ،‬ويتكلمون بألسنتنا‪ ،‬أي من أهل لساننا وهؤلء الدعاة ل يخلو منهم‬
‫زمان‪ ،‬ففي زماننا يتحقق هذا الوصف في زنادقة ملحدين هم ) العلمانيون (‬
‫دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها فهم من بني جلدتنا ) من بني‬
‫قومنا ( ويتكلمون بألسنتنا ) بلغتنا (‬
‫ولعل سئل يسأل منهم العلمانيون ؟‬
‫قبل أن نجيب عن العلمانيين علينا أن نعرف معنى العلمانية وكيف نشأت ؟‬
‫فالعلمانية هي معنى كلمة )‪ (secularism‬ومعناها‪ :‬ابتعد عن الدين‪ ،‬فل تبالي‬
‫بالدين ول العتبارات الدينية‪ ،‬وقد ظهرت كمذهب أو مصطلح يناهض‬
‫انحرافات الكنيسة في أوربا التي حرمت العلم والعلوم التجريبية كالطب‬
‫والهندسة والصناعة وغيرها من العلوم‬
‫فكانت العلمانية ردة فعل على الكنيسة‪ ،‬وذلك في ظل الثورة الفرنسية سنة‬
‫‪1789‬م‪ ،‬فكانت هذه بداية العلمانية في العالم‪ ،‬إذا العلمانيون هم فئة من‬
‫الناس همهم وغايتهم ومنهجهم إبعاد الدين عن الحياة وعن المجتمع‪ ) ،‬ما‬
‫لقيصر لقيصر وما لله لله ( فكانت العلمانية خيرا للشعوب الوربية من‬
‫انحرافات الكنيسة وجهلها وحربها على العلوم التجريبية‬
‫علمانيو العرب !!‬
‫فجاء ينو قومنا من العلمانيين وقاسوا ظلم الكنيسة بعدل السلم وجهل‬
‫الكنيسة بنور السلم‪ ،‬وصدق الله ـ سبحانه وتعالى ـ في وصف من هذه حاله‬
‫عندما انتكست فطرته وتبدلت مفاهيمه وصار أضل من الحيوان‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫" ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والنس لهم قلوب ل يفقهون بها ولهم‬
‫أعين ل يبصرون بها ولهم آذان ل يسمعون بها أولئك كالنعام بل هم أضل‬
‫أولئك هم الغافلون " سورة العراف الية ‪179‬‬
‫فالعلمانيون العرب لينهم أخذوا من الغرب ما يفيد أمتهم ولكنهم اخذوا كل‬
‫رذيلة ساقطة وصاروا معول هدم للدين والقيم والخلق‪ ،‬فجروا شعوبهم‬
‫للهلك والدمار قال الله تعالى " الم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا‬
‫وأحلوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها وبس القرار " سورة إبراهيم الية‬
‫‪28/29‬‬
‫كيف نعرف العلمانيين ؟‬
‫العلماني والعمانيون كالزنادقة يظهرون السلم عندما يضطرون ويحرجون‪،‬‬
‫ويبطنون الكفر واللحاد وقد يظهرون إذا حانت لهم الفرصة فحالهم كقول‬
‫الله تعالى " وإذا لقوا الذين امنوا قالوا ءامنا وإذا خلو إلى شياطينهم قالوا إنا‬
‫معكم إنما نحن مستهزئون " سورة البقرة الية‪14 :‬‬
‫أما في هذا الزمان فأصبح العلمانيون ل يتورعون عن إظهار زندقتهم‬
‫وفسادهم لهل السلم‪ ،‬وسبب ذلك ضعف أهل السلم وتخاذلهم عن نصرته‬
‫والذب عنه‪ “ ،‬فإلى الله المشتكى "‪ ،‬ورضي الله عن عمر عندما قال " أشكو‬
‫إلى الله جلد الكافر وعجز الثقة "‬
‫العلمانيون‪:‬‬
‫ل يجعلون للدين قيمة في حياتهم فل يحلون حلل ول يحرمون حراما‪ ،‬بل‬
‫شرعوا القوانين الشيطانية وسموها تعاليم وأنظمة ولوائح‪ ،‬كل ذلك ليبعدوا‬
‫الناس عن دين الله ـ سبحانه ـ فل يحكمون به ول يتحاكمون إليه‬
‫العلمانيون‪:‬‬
‫همهم وغايتهم خلخلة القيم الراسخة في المجتمع السلمي من الخوة‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والطهر والعفاف وحفظ العهود والتكافل وأحاسيس الجسد الواحد والمر‬


‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬واستبدلوا ذلك بالقطيعة والتفرق والباحية‬
‫ونشر الرذيلة في المجتمع السلمي‪ ،‬وتسخير ما في أيديهم من إذاعة‬
‫وتلفزيون ومجلت وجرائد وغيرها من الوسائل لتحقيق غاياتهم في أبناء‬
‫المجتمع المسلم‬
‫العلمانيون‪:‬‬
‫ولؤهم وانتمائهم في القاليم أو الوطن أو غيرها من الروابط الطاغوتية‬
‫الشيطانية فل حرج عليك أن توالي في ذلك كله‪ ،‬أما أن توالي وتعادي في‬
‫الله ـ سبحانه وتعالى ـ فتلك جريمة ل تغتفر في نظر هؤلء العلمانيين‪ ،‬ومن‬
‫شعاراتهم في ذلك‪ " :‬الدين لله والوطن للجميع "‬
‫العلمانيون‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يجعلون الدين وتعاليمه سخرية يتلعب بها كتابهم‪ ،‬بل ولربما أظهروا سنن‬
‫المصطفى عليه الصلة والسلم ـ كاللحية مثل ـ بصورة طرائف ) كركتير (‬
‫ليضحكوا الناس ولينفروهم عن السلم وهديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫قال الله تعالى " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * واذا مروا‬
‫بهم يتغامزون "‬
‫المطففين الية ‪29/30‬‬
‫ثمار العلمانية الخبيثة في الشعوب السلمية‬
‫العلمانية شجرة خبيثة نمت فأثمرت خبثا وفسادا في المجتمعات السلمية‬
‫قال الله تعالى‪ ":‬والذي خبث ل يخرج إل نكدا " العراف‪58 :‬‬
‫ومن ثمارها الخبيثة‪:‬‬
‫‪ /1‬تبديل حكم الله سبحانه وتعالى بحكم الطاغوت‪:‬‬
‫فأصبحت المحاكم القانونية الطاغوتية بدل المحاكم الشرعية وبذلك صارت‬
‫الدول العربية أكثر الدول العربية ضعفا ودمارا وتفككا‪ ،‬فساسها العداء حتى‬
‫أصحبت غريبة في ديارها حقيرة ل عزة لها‪ ،‬مأسورة بأيدي أعداءها‬
‫وصدق الشاعر‪:‬‬
‫وأي اغتراب بعد غربتنا التي * بها أضحت العداء فينا تحكم‬
‫واصدق منه قول الحبيب عليه الصلة والسلم واصفا حال المة في آخر‬
‫الزمان فقد روى المام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن ثوبان قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ":‬يوشك المم أن تداعى عليكم كما‬
‫تداعى الكلة إلى قصعتها فقال قائل‪ :‬ومن قلة نحن يؤمئذ قال‪ :‬بل أنتم كثير‬
‫ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم‬
‫وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل‪ :‬يا رسول الله وما الوهن ؟‬
‫فقال‪ :‬حب الدنيا وكراهية الموت " صحيح أبي داودلللباني‬
‫‪ /2‬فساد التعليم عند أكثر المجتمعات السلمية ومن مظاهر فساد التعليم‪:‬‬
‫أ ـ تقليص المواد الشرعية‪ ،‬وتقليل نصابها في الحياة الدراسية التعليمية‬
‫ب ـ منع تدريس النصوص التي تذكر أبناء المسلمين بعداوة اليهود والنصارى‬
‫للسلم وأهله ‪ .‬وطمس عقيدة الولء البراء في المناهج‬
‫ج ـ الختلط في التعليم بين الرجال والنساء‬
‫د ـ انتشار المدارس الجنبية " التنصيرية " في بلد المسلمين‬
‫‪ /3‬ظهور الباحية والفوضى الخلقية‪:‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن مظاهرها‪:‬‬
‫أ ( انتشار الجريمة بجميع صورها من زنا واغتصاب‪ ،‬وشذوذ جنسي‪ ،‬وسرقة‪،‬‬
‫وقتل وانتحار‪ ،‬والمتأمل لواقع المسلمين يجد ارتفاع نسبة الجرائم بشكل‬
‫يدعو إلى الستغراب‪ ،‬ول غرابة أن تجد السجون مليئة بل ضاقت بشباب‬
‫المسلمين " وإنا لله وإنا إليه راجعون "‬
‫ب ( ما صاحب هذه الجرائم من تفشي المراض الفتاكة بين الشباب من‬
‫اليدز والزهري وغيرها من المراض التي لم تكن قبل‬
‫ج( التفكك السري‪ :‬فارتفعت نسبة الطلق والخيانات الزوجية‪ ،‬فضاهت ما‬
‫يحدث في أوروبا وبلد الغرب‪ ،‬وهذا ل يستنكر مادام دعاة الختلط والباحية‬
‫من الزنادقة العلمانيين يعيثون في الرض فسادا في بلد المسلمين‬
‫د ( المخدرات التي انتشرت انتشارا عجيبا بين الفتيان والفتيات حتى كثرت‬
‫المستشفيات والمصحات‪ ،‬ودور النقاهة الخاصة لعلج متعاطي المخدرات‬
‫وباليتهم تذكروا قول الله تعالى " ومن أعرض عن ذكري فأن له معيشة‬
‫ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى " سورة طه‪ ،‬الية ‪124‬‬
‫* حكم العلمانيين في شريعة السلم‪:‬‬
‫العلمانيون كفرة مشركون مرتدون‪ ،‬وذلك لسباب كثيرة منها‪:‬‬
‫)‪ (1‬حكمهم بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى وذلك بالقوانين الطاغوتية قال‬
‫تعالى‪ ":‬ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " سورة المائدة‪:‬‬
‫‪ 44‬ولم يكتفوا بهذا بل سنوا القوانين الشيطانية وسموها بغير اسمها‬
‫كالنظمة واللوائح والتعاليم ليخادعوا بها الناس ويصرفوهم عن دين الله قال‬
‫الله تعالى " أن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم " سورة النساء ‪142‬‬
‫)‪ (2‬شركهم بالله ـ سبحانه وتعالى ـ إذ جعلوا حياتهم لغيره‪ ،‬وشعاراتهم في‬
‫ذلك كثير منها ما ذكرنا أنفا ـ " الدين لله والوطن للجميع " وشعار " لدين‬
‫في سياسة ول سياسة في دين " والله سبحانه وتعالى يقول‪ ":‬قل إن صلتي‬
‫ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " النعام ‪ 162‬فمن صرف حياته‬
‫لغير الله سبحانه وتعالى فقد كفر وأشرك وخرج من ملة السلم‬
‫)‪ (3‬استباحتهم ما حرم الله سبحانه وتعالى فاستباحوا الربا‪ ،‬والتبرج‪،‬‬
‫والسفور‪ ،‬ودعوا الناس إليها ودافعوا عنها وتصدوا لمن ينكرها أو يحذر منها‬
‫)‪ (4‬سخريتهم بتعاليم السلم وأهله‪ ،‬ورميهم بالتخلف والجمود والرجعية‬
‫والرهاب‬
‫فهل بعد هذا يشك عاقل بكفر هؤلء العلمانيين وشركهم ؟‬
‫الواجب على كل مسلم نحو العلمانيين‪:‬‬
‫أ ( الواجب على المسلمين إن كانوا رعاة أن يحصروهم ويقعدوا لهم كل‬
‫مرصد‪ ،‬ويقيموا عليهم حكم الله في المرتدين لقوله صلى الله عليه وسلم‪":‬‬
‫من بدل دينه فقتلوه " رواه البخاري وأي تبديل أعظم من تبديل العلمانيين‬
‫لدين الله سبحانه وتعالى‬
‫ب ( والواجب على المسلمين إن كانوا رعية أن يهتكوا ستر العلمانيين‪،‬‬
‫ويفضحوهم‪ ،‬ويبينوا شركهم وكفرهم‪ ،‬ويحذروا منهم‪ ،‬ول يخافوا في الله لومة‬
‫لئم قال الله تعالى‪ ":‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم‬
‫ومأوئهم جهنم ويئس المصير " التوبة ‪73‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللهم يارب جبريل وميكائيل فاطر السموات والرض أرنا في العلمانيين ومن‬
‫أعانهم وأيدهم عجائب قدرتك‪ ،‬اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ول تبق منهم‬
‫أحدا‬
‫وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على محمد وعلى‬
‫آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين‬
‫" وإذا قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا‬
‫قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون "‬
‫‪...‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫دعاة في البيوت‬
‫تناول الدرس أهمية البيت كمؤسسة موجودة في جميع المجتمعات‪ ،‬وذكر‬
‫عددا من الداب التي تبرز إهتمام السلم بالبيوت‪ ،‬ثم وجوب التوجه إلى‬
‫البيوت بالدعوة إلى الله تعالى‪ ،‬وذكر جملة من الواجبات تجاه بيوتنا بالشرح‬
‫والتفصيل مع ذكر نماذج من السنة وحياة الرعيل الول‪.‬‬
‫إن الحمد لله؛ نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ بالله من‬
‫شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله؛ فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل؛‬
‫فل هادى له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا‬
‫عبده ورسوله صلى الله عليه‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬وأتباعه إلى يوم الدين‬
‫وسلم تسليما ً كثيرا ً ‪ ،‬أما بعد ‪،،،‬‬
‫أهمية هذا الموضوع‬
‫أعتقد أن هذا الموضوع‪ -‬دعاة في البيوت‪ -‬من أخطر الموضوعات التي يجب‬
‫أن يتحدث عنه الخطباء والمحاضرون لسباب منها‪:‬‬
‫أول ً ‪:‬أن البيت الذي تأوي إليه السرة يحوي جميع شرائح المجتمع‪ ،‬ففيه‬
‫البوان والولد والصغار من الطفال‪ ،‬وفيه الذكور والناث‪ ،‬فهو عبارة عن‬
‫ون المجتمع‬ ‫مؤسسة متكاملة‪ ،‬وهذه المؤسسة في النهاية هي التي تك ّ‬
‫الكبر ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪:‬كثير من المجتمعات قد تفتقد بعض المؤسسات‪ :‬كالمدارس‪ ،‬أو أماكن‬
‫العمل‪ ،‬أو الصدقاء والقرناء‪ ،‬بل هناك مجتمعات كثيرة ل يوجد فيها حتى‬
‫المسجد ‪ ،‬لكن البيت من بداية الدنيا إلى اليوم‪ :‬ليوجد مجتمع ليس فيه‬
‫بيوت تأوي إليها السر‪ ،‬بغض النظر عن كون هذا مجتمع مسلم أو كافر‪ ،‬غنى‬
‫أو فقير‪ ،‬كبير أو صغير‪ ،‬فالسرة ‪ ،‬فالبيت موجود في كل مجتمع‪ ،‬ومؤسسة‬
‫بهذا النتشار و الشمول جديرة بأن نخصص لها جزءا ً من وقتنا للحديث عنها ‪.‬‬
‫عناية السلم بالبيوت‬
‫منذ نزل القرآن الكريم؛ نجد عناية السلم بالبيت كمؤسسة‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫خُلوا ب ُُيوًتا‬‫مُنوا َل ت َد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫‪ -1‬تحريم دخول المنزل إل بإذن أهله ‪َ { :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫موا عََلى أ َهْل َِها ]‪} [27‬سورة النور ‪ .‬معنى‬ ‫ْ‬
‫سل ّ ُ‬ ‫سوا وَت ُ َ‬‫ست َأن ِ ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫غَي َْر ب ُُيوت ِك ُ ْ‬
‫تستأنسوا ‪ :‬يعنى تستأذنوا ‪ :‬السلم عليكم‪ ،‬أ أدخل؟ ثلثًا‪ ،‬فإن أ َِذن لك‪ ،‬وإل‬
‫فارجع‪ ،‬ول يجوز لنسان أن يدخل بيتا ً إل بعد الستئذان‪ ،‬فإن أ ُِذن له‪ ،‬وإل‬
‫رجع‪ ،‬ولهذا فرض الستئذان؛ لحماية البيوت‪ ،‬وبيان كرامتها ‪.‬‬
‫‪ -2‬تحريم النظر بل إذن ‪ :‬حتى مجرد النظر حرمه السلم‪ ،‬ففي يوم من‬
‫ي‬
‫معَ الن ّب ِ ّ‬‫م وَ َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫جرِ الن ّب ِ ّ‬
‫ح َ‬ ‫حرٍ ِفي ُ‬ ‫ج ْ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫اليام اط ّل َعَ َر ُ‬
‫ج ٌ‬
‫ْ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫ه فَ َ‬ ‫س ُ‬‫ك ب ِهِ َرأ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫مد ًْرى ي َ ُ‬‫م ِ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -3‬إذا نظر بل إذن فعينه هدر ‪:‬‬


‫بل بلغ من عناية السلم بهذا المر أنه لو نظر إنسان في بيتك‪ ،‬وتيقنت هذا‪،‬‬
‫ففقأت عينه‪ ،‬فعينه هدر ل قيمة لها؛ لنه قد أهدر كرامتها حين استخدمها‬
‫فيما ل يجوز‪ ،‬وسمح لبصره بأن يتسلل إلى بيوت الخرين‪ ،‬فإن بيوت الناس‬
‫فيها عورات محفوظة معنوية‪ ،‬ومن أجل هذا وضع السلم هذا السياج‪.‬‬
‫‪ -4‬أهمية حق الجار‪ :‬التشريعات السلمية كثيرة في حقوق الجار‪ ،‬وجارك له‬
‫ري ُ‬
‫ل‬ ‫جب ْ ِ‬
‫صيِني ِ‬ ‫ل ُيو ِ‬ ‫ما َزا َ‬
‫حقوق عظيمة حتى قال الرسول عليه الصلة والسلم َ‬
‫َ‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي وابن‬ ‫سي ُوَّرث ُ ُ‬‫ه َ‬‫ت أن ّ ُ‬ ‫حّتى ظ َن َن ْ ُ‬ ‫جارِ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ماجه وأحمد ‪ .‬إلى هذا الحد كثرت الوصاية بالجار حتى توقع الرسول عليه‬
‫الصلة والسلم أن المر يؤول إلى أن الجار يصبح يرث مثل ما يرث الب‪،‬‬
‫والبن‪ ،‬و غيرهم ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -5‬صلة النافلة في البيت أفضل ‪ :‬ومن ذلك أيضا تجد أن الرسول عليه‬
‫السلم كان يأمر أصحابه بأن يصلوا في بيوتهم أحيانا ً يعنى صلة النافلة‪ ،‬فعَ ْ‬
‫ن‬
‫م وََل‬‫صَلت ِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫جعَُلوا ِفي ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫م أنه َقا َ‬
‫لا ْ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ها قُبوًرا[ رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه‬ ‫ُ‬ ‫ذو َ‬‫خ ُ‬ ‫ت َت ّ ِ‬
‫مْرِء ِفي ب َي ْت ِهِ إ ِلّ‬ ‫صَلةِ ال َْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضل َ‬ ‫وأحمد‪ .‬بل قال عليه السلم في الحديث الخر أف َ‬
‫ة[ رواه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي‬ ‫صَلةَ ال ْ َ‬
‫مك ُْتوب َ َ‬ ‫ال ّ‬
‫والدارمي ومالك وأحمد ‪ .‬فالنوافل يستحب أن يؤديها النسان في المنزل‬
‫لنها أبعد عن الرياء ‪ ...‬وحتى يراك أهل البيت‪ ،‬فيقتدوا بك في عملك‬
‫وعبادتك ‪...‬وحتى تطرد الشياطين عن هذه المنازل بذكر الله تعالى فيها‪،‬‬
‫وإقام الصلة‪ ،‬فإن هذه البيوت إذا أقيمت فيها الصلة أصبحت تشبه‬
‫المساجد‪ ،‬لكن إذا تركت الصلة فيها‪ ،‬فإنها تصبح كالقبور التي ل تجوز الصلة‬
‫فيها‪ ،‬فما بالك إذا تحولت البيوت إلى أماكن للفساد‪ ،‬والرذيلة‪ ،‬والنحلل‪،‬‬
‫وأصبح بها قنوات ونوافذ كثيرة توصل إلى البيت رياح الفساد‪ ،‬فحينئذ لتصبح‬
‫كالقبور فإن القبور ليس فيها هذا‪ ،‬بل تصبح أشبه ما تكون بالمواخير‪ ،‬وأماكن‬
‫الفساد‪ ،‬وبيوت الحرام‪.‬‬
‫وجوب التوجه إلى البيوت بالدعوة إلى الله تعالى‬
‫السلم جعل للبيوت هذه الكرامة‪ ،‬وهذه المكانة‪ ،‬ولو نجحنا في إقناع الناس‬
‫بالهتمام ببيوتهم‪ ،‬وتوجيه الدعوة إليها؛ فإننا سنحصل على نتائج مهمة منها ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أ – كثرة عدد الشباب الدعاة ‪ :‬سنجد ألوفا ً من الشباب يقومون بمهمة‬


‫الدعوة‪ ،‬وبدون مرتب أيضا ً إل من الله تعالى ‪.‬‬
‫ب‪ -‬تكوين الشباب القادرين على اقتحام البيوت دعوة لله ‪ :‬فبالدعوة‬
‫المنزلية تكون جندت دعاة يستطيعون أن يقتحموا البيوت‪ ،‬فالداعية قد‬
‫يخاطب الناس في المسجد‪ ،‬أو في المركز‪ ،‬أو في النادي لكن ل يستطيع أن‬
‫يقتحم بيوت الناس ليخاطبهم وهم في قعر بيوتهم‪ ،‬ولو فرض جدل ً أن داعية‬
‫استطاع أن يقتحم بيوت الناس؛ فإنه ل يملك من وسائل التأثير والقوة ما‬
‫يملكه الشاب‪ ،‬أو تملكه الفتاة في بيتها‪ ...‬ففي البيت أنت عنصر من عناصر‬
‫تكوين المنزل‪ :‬هذا أبوك‪ ،‬وهذه أمك‪ ،‬وهذا أخوك‪ ،‬وهذه أختك‪ ،‬وأحيانا هذه‬
‫زوجتك وهذا طفلك‪ ،‬وولدك‪ ،‬فأنت ترتبط معهم بوشائج وروابط قوية‬
‫وكبيرة ‪ ،‬تستطيع من خللها أن تفعل في هذا البيت ما ل يستطيع أن يفعله‬
‫غيرك في أي حال من الحوال ‪ ،‬ومن يتصور أن ينتظر مسلم في الدنيا أن‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يأتي دعاة يدخلوا بيته؛ ليصلحوا أخته‪ ،‬أو زوجته‪ ،‬أو أمه‪ ،‬أو أباه ‪ ...‬هذا ل‬
‫يتصور بحال من الحوال ‪.‬‬
‫إننا اليوم ولله الحمد نجد إقبال الناس على السلم بشكل غريب منقطع‬
‫النظير سرت له قلوب المؤمنين فأصبح حديثا ً على ألسنتهم كما قال الول ‪:‬‬
‫أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره هو المسك ما كررته يتضوع‬
‫فنحن كلما تحدثنا عن الصحوة‪ ،‬والقبال على السلم نفرح‪ ،‬ونعلن انتصار‬
‫السلم في هذا الزمان على أيدي أولئك القوم الذين آمنوا بربهم‪ ،‬وزادهم‬
‫الله تعالى هدى ‪ .‬أما أعداء هذا الدين‪ ،‬وهذه الصحوة‪ ،‬فهم يتحدثون حديث‬
‫المسعور الذي فوجئ بما لم يكن له به حساب ؛ حتى أصبحت مراكز القوى‬
‫الغربية تصدر التقارير بعد التقارير عن خطر هذه الصحوة وأهمية وكيفية‬
‫مواجهتها‪ .‬هذه الصحوة المباركة الكبيرة ل شك تجد في نفوس الكثير من‬
‫شبابها آمال ً وتطلعات كبيرة‪ ،‬فأي شاب تجده يحلم بانتصار السلم‪ ،‬وأن ترفع‬
‫راية السلم خفاقة في كل الرض‪ ،‬وأن يطرد اليهود من فلسطين‪ ،‬وأن تعود‬
‫بلد السلم المنكوبة المسلوبة‪ ،‬وأن نسر بتحكيم السلم في أنفسنا ودماءنا‬
‫وأموالنا وأعراضنا‪ ،‬وأن يقوم السلم من جديد كما قام أول مرة‪ ،‬ويكتسح‬
‫الدول الكافرة كما وعد الرسول صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫الخطوة الولى لهذا الهدف الكبير‬
‫هذه لشك آمال وطموحات وتطلعات عزيزة في نفس كل إنسان لكن‬
‫السؤال المهم هو ‪ :‬ما هي الخطوة الولى لهذا الهدف الكبير؟ هدف بناء‬
‫السلم ‪ ...‬نشر السلم في الدنيا كلها ‪ ...‬هناك مثل يقول‪ :‬رحلة ألف ميل‬
‫تبدأ بخطوة واحدة‪ ...‬فما هي هذه الخطوة الواحدة ؟ أقول‪ :‬الخطوة الواحدة‬
‫هي إيجاد الداعية في البيت‪ ،‬ومن المؤسف أن تجد بعض الشباب‪ ،‬والفتيات‬
‫الذين يطمعون في تغيير الدنيا عاجزين عن تغيير بيوتهم‪ ،‬فمن عجز عن حمل‬
‫هذه المانة القليلة كيف يستطيع أن يحمل المانة العظمى؟‬
‫نماذج من الرعيل الول ‪ :‬أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانت تنفعل‬
‫نفوسهم بأحلم وتطلعات انتصار السلم‪ :‬أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وبلل‬
‫وسلمان وعمار وصهيب يوم كانوا في مكة تحت التعذيب واليذاء والتكذيب‬
‫والسخرية كانوا يتوقعون ذلك اليوم الذي ترتفع فيه كلمة ل إله إل الله؛‬
‫ولذلك صبروا وصابروا ؛ حتى رزقهم الله تعالى النصر ؛ ومكن لهم في‬
‫الرض ‪ ،‬ولكن كانوا يعرفون أن انتصار السلم يمر من خلل بيوتهم‪ ،‬ولنأخذ‬
‫أمثلة على ذلك‪:‬‬
‫أبو بكر رضي الله عنه ‪:‬من أولده؟ أولده كانوا في ضمن قافلة السلم‬
‫‪..‬كانوا من المؤمنين بالرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والمجاهدين في سبيله‬
‫ودورهم في قضية الهجرة وبناته ليخفى‪.‬‬
‫عمر رضي الله عنه ‪ :‬من أولده ؟ ومن أكبرهم وأكثرهم شهرة ؟ عبد الله بن‬
‫عمر الذي رشح للخلفة رضى الله عنه بعد عهد الخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫على بن أبى طالب رضي الله عنه ‪ :‬من أولده؟ الحسن والحسين‪ ...‬وأمثالهم‬
‫من المؤمنين الصالحين الذين أراقوا دماءهم طاهرة زكية؛ لترتفع ل إله إل‬
‫الله‪.‬‬
‫الزبير رضي الله عنه ‪ :‬من أولده ؟ أولده عبد الله بن الزبير ‪ ....‬وأمثالهم‬
‫من الرجال الصالحين الصادقين الذين تربوا على السلم‪ ،‬وضحوا في سبيل‬
‫السلم ‪ ...‬وهكذا بقية بيوت الصحابة كان كل بيت محضنا ً للتربية ‪ ...‬كل‬
‫واحد من أصحاب الرسول عليه الصلة والسلم خّرج لنا مجموعة من‬
‫الشباب المؤمنين المجاهدين‪ ،‬ومن خلل هذه العداد التي تخرجت من‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ون جيش السلم‪ ،‬وتحقق انتصار السلم‪ ،‬وجاء وعد الله تعالى‬ ‫البيوت تك ّ‬
‫بالنصر والتمكين‪.‬‬
‫واجباتنا في البيوت‬
‫واجبات أساسية أريد أن أقف عندها ‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الواجب الول ‪ :‬القيام بحاجات البيت ‪ ،‬يجب أن يحرص الشاب الداعية‪،‬‬


‫والفتاة على أن يقوموا بالمصالح والحتياجات الدنيوية لهل البيت؛ لن‬
‫الشاب الصالح إذا تخلى عن دوره‪ ،‬جاء دور الشاب المنحرف‪ ،‬فأصبح هذا‬
‫الشاب المنحرف هو الذي يقوم بكل الحتياجات والمتطلبات‪ ،‬وبالتالي أصبح‬
‫الشاب المنحرف هو القّيم الحقيقي على البيت ‪ ...‬هو الشخصية المؤثرة‪ ،‬أما‬
‫الطيب‪ ،‬فليس له وزن‪ ،‬لماذا ؟ لنه لم يؤد دوره‪ ،‬وهذا من الخطاء التي يقع‬
‫فيها بعض الطيبين‪ ،‬فعليك أن تبذل من وقتك وجهدك ما يحقق لهل البيت‬
‫متطلباتهم ‪ ...‬وهكذا بالنسبة لبعض الخوات‪.‬‬
‫الواجب الثاني ‪:‬التوعية‪ ،‬والرشاد‪ ،‬والتعليم‪ ،‬فالقربون أولى بالمعروف‪،‬‬
‫شيرت َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن]‬ ‫ك اْلقَْرِبي َ‬ ‫والرسول صلى الله عليه وسلم قال له ربه‪{ :‬وَأنذِْر عَ ِ َ‬
‫ُ‬
‫ف َل أغِْني عَن ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مَنا ٍ‬ ‫‪ } [214‬سورة الشعراء ‪ .‬فجمعهم‪ ،‬وقال‪َ ] :‬يا ب َِني عَب ْد ِ َ‬
‫ة‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫ْ ََ َ ِ ّ ُ‬‫ص‬ ‫يا‬ ‫و‬ ‫ئا‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ب َل أ ُغِْني عَن ْ َ‬ ‫مط ّل ِ ِ‬ ‫ن عَب ْدِ ال ْ ُ‬ ‫س بْ َ‬ ‫شي ًْئا َيا عَّبا ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ما‬ ‫ني‬ ‫لي‬ ‫س‬
‫ِ َ ُ ِْ َ ُ َ ّ ٍ َ ِ ِ‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ط‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫يا‬ ‫و‬ ‫ً‬
‫ئا‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ َ َ ُ ِ‬
‫شي ًْئا[ رواه البخاري ومسلم والنسائي‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫شئ ْت من ماِلي َل أ ُ‬
‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ِ ِ ِ ْ َ‬
‫وأحمد والدارمي ‪ .‬فالقربون أحق‪ ،‬وأولى بأن توجه الدعوة إليهم‪ ،‬وغير‬
‫صحيح أن تدعو البعيد وبيتك نفسه فيه ألوان الفساد وصوره‪ .‬لبد أن تبدأ‬
‫بالبيت من خلل التوعية والتوجيه والتربية والرشاد عن طريق‪ :‬التعليم ‪:‬‬
‫اجعل عندك حلقة للتعليم في المنزل‪ ،‬ففي الحديث‪ :‬أن الرسول عليه‬
‫السلم خصص للنساء يوما ً معلومًا‪ ،‬فع َ‬
‫ت‬‫ل‪َ :‬قال َ ْ‬ ‫خد ْرِيّ َقا َ‬ ‫سِعيدٍ ال ْ ُ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫َ ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل لَنا ي َوْ ً‬ ‫َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ل َفا ْ‬ ‫جا ُ‬ ‫م غَل َب ََنا عَلي ْك الّر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ساُء ِللن ّب ِ ّ‬ ‫الن ّ َ‬
‫َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن‪َ ] :‬‬ ‫ل لهُ ّ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ن فَكا َ‬ ‫مَرهُ ّ‬ ‫ن وَأ َ‬ ‫ن ِفيهِ فَوَعَظهُ ّ‬ ‫قي َهُ ّ‬ ‫ما ل ِ‬ ‫ن ي َوْ ً‬ ‫سك فَوَعَد َهُ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫قال َت امرأةٌَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ث َلث َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الّنارِ [ ف َ ْ ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جاًبا ِ‬ ‫ح َ‬‫ن لَها ِ‬ ‫ها إ ِل كا َ‬ ‫ن وَلدِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫مَرأة ٌ ت ُ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫من ْك ّ‬ ‫ِ‬
‫ن[ رواه البخاري ومسلم وأحمد ‪ .‬ومن الملحظ في‬ ‫قال‪َ ]:‬واثن َت َي ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫نف َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪َ:‬واثن َت َي ْ ِ‬
‫الكلم الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أنه تكلم مع النساء‪ ،‬ومع أهل‬
‫البيت بالمور التي يحتاجونها‪ .‬إذن لبد أن تحرص على التوجيه والتربية في‬
‫البيت خاصة فيما يحتاجه أهل المنزل‪ .‬وصور التعليم كثيرة‪ :‬فيمكن أن تجعل‬
‫في البيت مكتبة صغيرة للكتب‪ ،‬وبجوارها مكتبة أخرى صوتية‪ ،‬وتجعل في‬
‫البيت درسًا‪ ،‬ولو في السبوع مرة‪.‬‬
‫الواجب الثالث ‪ :‬المر بالمعروف والنهى عن المنكر‪ ،‬وله أمثلة كثيرة‪ :‬فقد‬
‫مر النبي صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّم با َ‬
‫قي الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ل ات ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫عن ْد َ قَب ْرٍ فَ َ‬ ‫كي ِ‬ ‫مَرأةٍ ت َب ْ ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ ِّ ّ َ‬
‫ه‬
‫ل لَها‪ :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫قي َ‬ ‫ه فَ ِ‬ ‫م ت َعْرِفْ ُ‬ ‫َ‬
‫صيب َِتي وَل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ب بِ ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫م تُ َ‬ ‫كل ْ‬‫َ‬ ‫ك عَّني فَإ ِن ّ َ‬ ‫ت‪:‬إ ِلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري[ َقال ْ‬ ‫صب ِ ِ‬ ‫َوا ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جد ْ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫م‪ ،‬فَل ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ب الن ّب ِ ّ‬ ‫ت َبا َ‬ ‫م‪ ،‬فَأت َ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫مةِ الولى[ رواه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أعْرِفْك فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‪ ،‬فَ َ‬
‫صد ْ َ‬ ‫عن ْد َ ال ّ‬ ‫صب ُْر ِ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫قال ِن ّ َ‬ ‫ت‪ :‬ل ْ‬ ‫قال ْ‬ ‫واِبي َ‬ ‫عن ْد َه ُ ب َ ّ‬ ‫ِ‬
‫البخاري ومسلم وأبوداود وأحمد ‪ .‬فأمرها بالمعروف‪ :‬أول‪ :‬بالصبر والتقوى‪،‬‬ ‫ً‬
‫وأمرها ثانيًا‪ :‬بأنه كان يجب عليها أن تصبر عند الصدمة الولى حين سمعت‬
‫خبر موت ولدها‪ ...‬مثال آخر‪ :‬أ َتت امرَأة م َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل ال ْي َ َ‬
‫م‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ ْ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫قال أت ُؤَّدي َ‬ ‫َ‬ ‫بف َ‬ ‫َ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن غِليظَتا ِ‬ ‫َ‬ ‫سكَتا ِ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ل ََها ِفي ي َدِ اب ْن َت َِها َ‬ ‫م وَب ِن ْ ٌ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫ذا[ َقاَلتْ‪َ :‬ل َقا َ َ‬
‫مةِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫ما ي َوْ َ‬‫ل ب ِهِ َ‬ ‫ج ّ‬‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سوَّر ِ‬ ‫ن يُ َ‬‫كأ ْ‬ ‫سّر ِ‬ ‫ل أي َ ُ‬ ‫كاةَ هَ َ‬ ‫َز َ‬
‫َ‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ما إ َِلى َر ُ‬ ‫ما فَأل ْ َ‬
‫قت ْهُ َ‬ ‫خل َعَت ْهُ َ‬
‫ن َناٍر[ فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫واَري ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬
‫م ‪.‬رواه النسائي و أبوداود‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫سول ِهِ َ‬ ‫ّ‬
‫ما ل ِلهِ وَل َِر ُ‬‫ت‪ :‬هُ َ‬ ‫َ‬
‫قال ْ‬ ‫فَ َ‬
‫وأحمد‪ .‬إذن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يربي أصحابه على المر‬
‫كر نّبه‬ ‫بالمعروف والنهى عن المنكر بحيث إذا وجد أمرا ً مما ينكر أو ُيستن َ‬
‫عليه من خلل الوعظ والرشاد ‪ ،‬والتذكير بالله تعالى في المر والنهى‪،‬‬
‫ري[ ‪...‬الوعيد بالنار‬ ‫صب ِ ِ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫قي الل ّ َ‬ ‫والتذكير بالله في القصة السابقة ‪] :‬ات ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َناٍر[ إذن نحن‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫واَري ْ ِ‬‫س َ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ما ي َوْ َ‬‫ل ب ِهِ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سوَّر ِ‬ ‫ن يُ َ‬‫كأ ْ‬ ‫سّر ِ‬ ‫أي َ ُ‬
‫مطالبون بأن نحيى قلوب أهل البيت‪ ،‬ونربطها بالخوف من الله تعالى‪،‬‬
‫والطمع في رضوانه وجنته‪ ،‬وهذا أمر مبني على تحريك اليمان في النفوس‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الواجب الرابع‪:‬مراقبة أهل البيت ومحاسبتهم على الخطاء ‪ ،‬حتى الكبير‬


‫ممكن أن يسأل ويناقش‪ ،‬حتى الفتاة المتزوجة ‪ ،‬ل تقل ‪ :‬هي في عنق‬
‫زوجها‪ ،‬وفي ذمته بل يمكن أن يحاسبها أبوها ويسائلها‪,‬‬
‫ولهذا أمثلة‪:‬‬
‫ت[‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن أقب َل ِ‬ ‫قال لَها أي ْ َ‬ ‫هف َ‬ ‫ة اب ْن َت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م فاط ِ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫‪َ -1‬رأى َر ُ‬
‫َ‬
‫ت‪:‬‬ ‫دى[ َقال َ ْ‬ ‫م ال ْك ُ َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ل ب َل َغْ ِ‬ ‫ل فَهَ ْ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫جَناَزةِ هَ َ‬ ‫ن وََراِء َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ت‪ :‬أقْب َل ْ ُ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬‫سي ب ِي َدِهِ ل َوْ ب َل َغْ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫ل َوال ّ ِ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ك َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ف أب ْل ُغَُها وَقَد ْ َ‬ ‫َل وَك َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك[ رواه أبوداود والنسائي‬ ‫جد ّ أِبي ِ‬ ‫ها َ‬ ‫حّتى ي ََرا َ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ما َرأي ْ ِ‬ ‫دى َ‬ ‫م ال ْك ُ َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت[‪.‬‬ ‫ن أقْب َل ْ ِ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫سألها‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫فالنبي‬ ‫‪.‬‬ ‫وأحمد‬
‫صّلى‬ ‫ِ ّ َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫ت ل َي ْل َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ت‪ :‬ل َ ّ‬ ‫‪ -2‬قصة عائشة رضى الله عنها َقال َ ْ‬
‫عن ْد َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ضعَهُ َ‬ ‫خل َعَ ن َعْل َي ْهِ فَوَ َ‬ ‫ضعَ رَِداَءهُ وَ َ‬ ‫ب فَوَ َ‬ ‫قل َ َ‬ ‫دي ان ْ َ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫م ِفيَها ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ث إّل ريث َما ظ َ َ‬
‫ن‬‫نأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫م ي َل ْب َ ْ ِ َ ْ َ‬ ‫جعَ فَل َ ْ‬ ‫ضط َ َ‬ ‫شهِ َفا ْ‬ ‫ف إ َِزارِهِ عََلى فَِرا ِ‬ ‫ط ط ََر َ‬ ‫س َ‬ ‫جل َي ْهِ وَب َ َ‬ ‫رِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دا‬‫ه ُروَي ْ ً‬ ‫جافَ ُ‬ ‫مأ َ‬ ‫ج ثُ ّ‬ ‫خَر َ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫ح الَبا َ‬ ‫دا وَفَت َ َ‬ ‫ل ُروَي ْ ً‬ ‫دا َوان ْت َعَ َ‬ ‫خذ َ رَِداَءه ُ ُروَي ْ ً‬ ‫ت فَأ َ‬ ‫قَد ْ َرقَد ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت عَلى إ ِث ْرِ ِ‬
‫ه‬ ‫ق ُ‬ ‫م ان ْطل ْ‬ ‫ت إ َِزاِري ث ُ ّ‬ ‫قن ّعْ ُ‬ ‫ت وَت َ َ‬ ‫مْر ُ‬ ‫خت َ َ‬ ‫سي َوا ْ‬ ‫عي ِفي َرأ ِ‬ ‫ت دِْر ِ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف‬‫حَر َ‬ ‫م ان ْ َ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫م َرفَعَ ي َد َي ْهِ ث َل َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫م فَأطا َ‬ ‫قا َ‬ ‫قيعَ فَ َ‬ ‫جاَء الب َ ِ‬ ‫حّتى َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫قت ُ ُ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫تف َ‬ ‫ضْر ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ضَر فأ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ت فأ ْ‬ ‫ل فهَْروَل ُ‬ ‫ت فهَْروَ َ‬ ‫سَرعْ ُ‬ ‫سَرع َ فأ ْ‬ ‫ت فأ ْ‬ ‫حَرف ُ‬ ‫َفان ْ َ‬
‫َ‬
‫ة[‬ ‫شَيا َراب ِي َ ً‬ ‫ح ْ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ ُ‬ ‫ك َيا َ‬ ‫ما ل َ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ت فَد َ َ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫ضط َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫س إ ِّل أ ْ‬ ‫ت فَل َي ْ َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫فَد َ َ‬
‫َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو َ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫خِبيُر[ قُل ْ ُ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫خب َِرّني الل ّ ِ‬ ‫ريِني أوْ ل َي ُ ْ‬ ‫خب ِ ِ‬ ‫ل‪] :‬ل َت ُ ْ‬ ‫يَء َقا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ت َل َ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ت ن َعَ ْ‬ ‫مي[ قُل ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫تأ َ‬ ‫ذي َرأي ْ ُ‬ ‫واد ُ ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ل فَأن ْ ِ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫خب َْرت ُ ُ‬ ‫مي فَأ ْ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫ب ِأِبي أن ْ َ‬
‫َ‬ ‫فَل َهدِني في صدري ل َهدة ً أ َوجعتِني ث ُم َقا َ َ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ك‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ل أظ َن َن ْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬
‫ت‬ ‫ي‬‫حين رأ َ‬ ‫ني‬ ‫تا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ري‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ه[‬ ‫ُ‬
‫ِ َ َ ْ ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ ّ ِ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ْ َ َ ُ ِ ّ ُ َْ ْ ُ‬ ‫وََر ُ ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ضعْ ِ‬ ‫ك وَقَد ْ وَ َ‬ ‫ل عَل َي ْ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ك وَل َ ْ‬ ‫من ْ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫في ْت ُ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ه فَأ ْ‬ ‫جب ْت ُ ُ‬ ‫ك فَأ َ‬ ‫من ْ ِ‬ ‫فاهُ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫فََناَداِني فَأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫شي فَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َوْ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫شي ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن أوقِظ ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ت فَك َرِهْ ُ‬ ‫ن قَد ْ َرقَد ْ ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ك وَظ َن َن ْ ُ‬ ‫ث َِياب َ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مُر َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫م[ رواه النسائي وأحمد‪ .‬انظر‬ ‫فَر لهُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫قيِع فَت َ ْ‬ ‫ل الب َ ِ‬ ‫ي أهْ َ‬ ‫ن ت َأت ِ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ك ي َأ ُ‬ ‫إِ ّ‬
‫مسائلة الرسول عليه الصلة والسلم لعائشة‪ :‬لماذا؟ أين كنت؟ ما الذي‬
‫دفعك إلى الخروج؟ ثم انظر إنه يؤدبها‪ ،‬يضربها في صدرها ضربة توجعها‪...‬‬
‫والمقصود من هذه القصص‪ :‬أن الرسول عليه السلم كان يحاسب زوجاته‪،‬‬
‫من تحت أيديهم ‪...‬‬ ‫وبناته والخرين ويأمر الناس أن يحاسبوا َ‬
‫إذن أختم هذه المحاضرة بتلخيص لما ذكرته‬
‫أول‪:‬البيت مهم‪ ،‬ولو نجحنا في تجنيد الشباب ليكونوا دعاة في البيوت؛ لنجحنا‬
‫في تجنيد ألوفا ً مؤلفة يستطيعون أن يدخلوا إلى أعماق البيوت‪ ،‬ويؤثروا فيها‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثانيا‪ :‬وسائل التغيير والصلح في المنزل‪:‬‬


‫ل‪:‬أن يكون للشاب والفتاة شخصية قوية في البيت من خلل الخدمات‬ ‫أو ً‬
‫والصلحات والمشاركات‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬من خلل قنوات التوجيه والتوعية والرشاد والتعليم ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬من خلل الرقابة الصحيحة على المنزل‪ ،‬وعلى من فيه‪.‬‬
‫أسال الله عز وجل أن يوفقني وإياكم بأن نكون قائمين على بيوتنا فعل ً كما‬
‫يجب‪ ،‬مصلحين فيها‪ ،‬محققين للمانة التي حملنا الله تبارك وتعالى إياها‪،‬‬
‫وأستغفر الله تعالى لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب والله تعالى‬
‫أعلم‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله‬
‫وأصحابه أجمعين‪.‬‬
‫دعاة في البيوت‪ ،‬للشيخ سلمان بن فهد العودة‬
‫تناول الدرس أهمية البيت كمؤسسة موجودة في جميع المجتمعات‪ ،‬وذكر‬
‫عددا من الداب التي تبرز إهتمام السلم بالبيوت‪ ،‬ثم وجوب التوجه إلى‬
‫البيوت بالدعوة إلى الله تعالى‪ ،‬وذكر جملة من الواجبات تجاه بيوتنا بالشرح‬
‫والتفصيل مع ذكر نماذج من السنة وحياة الرعيل الول‪.‬‬
‫إن الحمد لله؛ نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ بالله من‬
‫شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله؛ فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل؛‬
‫فل هادى له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا‬
‫عبده ورسوله صلى الله عليه‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬وأتباعه إلى يوم الدين‬
‫وسلم تسليما ً كثيرا ً ‪ ،‬أما بعد ‪،،،‬‬
‫أهمية هذا الموضوع‬
‫أعتقد أن هذا الموضوع‪ -‬دعاة في البيوت‪ -‬من أخطر الموضوعات التي يجب‬
‫أن يتحدث عنه الخطباء والمحاضرون لسباب منها‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫أول ً ‪:‬أن البيت الذي تأوي إليه السرة يحوي جميع شرائح المجتمع‪ ،‬ففيه‬
‫البوان والولد والصغار من الطفال‪ ،‬وفيه الذكور والناث‪ ،‬فهو عبارة عن‬
‫ون المجتمع‬ ‫مؤسسة متكاملة‪ ،‬وهذه المؤسسة في النهاية هي التي تك ّ‬
‫الكبر ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪:‬كثير من المجتمعات قد تفتقد بعض المؤسسات‪ :‬كالمدارس‪ ،‬أو أماكن‬
‫العمل‪ ،‬أو الصدقاء والقرناء‪ ،‬بل هناك مجتمعات كثيرة ل يوجد فيها حتى‬
‫المسجد ‪ ،‬لكن البيت من بداية الدنيا إلى اليوم‪ :‬ليوجد مجتمع ليس فيه‬
‫بيوت تأوي إليها السر‪ ،‬بغض النظر عن كون هذا مجتمع مسلم أو كافر‪ ،‬غنى‬
‫أو فقير‪ ،‬كبير أو صغير‪ ،‬فالسرة ‪ ،‬فالبيت موجود في كل مجتمع‪ ،‬ومؤسسة‬
‫بهذا النتشار و الشمول جديرة بأن نخصص لها جزءا ً من وقتنا للحديث عنها ‪.‬‬
‫عناية السلم بالبيوت‬
‫منذ نزل القرآن الكريم؛ نجد عناية السلم بالبيت كمؤسسة‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫خُلوا ب ُُيوًتا‬
‫مُنوا َل ت َد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫‪ -1‬تحريم دخول المنزل إل بإذن أهله ‪َ { :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫موا عََلى أ َهْل َِها ]‪} [27‬سورة النور ‪ .‬معنى‬ ‫ْ‬
‫سل ّ ُ‬
‫سوا وَت ُ َ‬
‫ست َأن ِ ُ‬
‫حّتى ت َ ْ‬ ‫غَي َْر ب ُُيوت ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫تستأنسوا ‪ :‬يعنى تستأذنوا ‪ :‬السلم عليكم‪ ،‬أ أدخل؟ ثلثًا‪ ،‬فإن أِذن لك‪ ،‬وإل‬
‫فارجع‪ ،‬ول يجوز لنسان أن يدخل بيتا ً إل بعد الستئذان‪ ،‬فإن أ ُِذن له‪ ،‬وإل‬
‫رجع‪ ،‬ولهذا فرض الستئذان؛ لحماية البيوت‪ ،‬وبيان كرامتها ‪.‬‬
‫‪ -2‬تحريم النظر بل إذن ‪ :‬حتى مجرد النظر حرمه السلم‪ ،‬ففي يوم من‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي‬
‫معَ الن ّب ِ ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫جرِ الن ّب ِ ّ‬
‫ح َ‬‫حرٍ ِفي ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫ج ٌ‬ ‫اليام اط ّل َعَ َر ُ‬
‫ْ‬
‫ل‪ -3‬إذا نظر بل إذن فعينه هدر‬ ‫قا َ‬ ‫ه فَ َ‬
‫س ُ‬‫ك ب ِهِ َرأ َ‬‫ح ّ‬‫مد ًْرى ي َ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫‪ :‬بل بلغ من عناية السلم بهذا المر أنه لو نظر إنسان في بيتك‪ ،‬وتيقنت‬
‫هذا‪ ،‬ففقأت عينه‪ ،‬فعينه هدر ل قيمة لها؛ لنه قد أهدر كرامتها حين استخدمها‬
‫فيما ل يجوز‪ ،‬وسمح لبصره بأن يتسلل إلى بيوت الخرين‪ ،‬فإن بيوت الناس‬
‫فيها عورات محفوظة معنوية‪ ،‬ومن أجل هذا وضع السلم هذا السياج‪.‬‬
‫‪ -4‬أهمية حق الجار‪ :‬التشريعات السلمية كثيرة في حقوق الجار‪ ،‬وجارك له‬
‫ل‬‫ري ُ‬ ‫جب ْ ِ‬
‫صيِني ِ‬ ‫ل ُيو ِ‬ ‫ما َزا َ‬‫حقوق عظيمة حتى قال الرسول عليه الصلة والسلم َ‬
‫َ‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي وابن‬ ‫سي ُوَّرث ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ت أن ّ ُ‬ ‫حّتى ظ َن َن ْ ُ‬ ‫جارِ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ماجه وأحمد ‪ .‬إلى هذا الحد كثرت الوصاية بالجار حتى توقع الرسول عليه‬
‫الصلة والسلم أن المر يؤول إلى أن الجار يصبح يرث مثل ما يرث الب‪،‬‬
‫والبن‪ ،‬و غيرهم ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -5‬صلة النافلة في البيت أفضل ‪ :‬ومن ذلك أيضا تجد أن الرسول عليه‬
‫السلم كان يأمر أصحابه بأن يصلوا في بيوتهم أحيانا ً يعنى صلة النافلة‪ ،‬فعَ ْ‬
‫ن‬
‫م وََل‬ ‫صَلت ِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫جعَُلوا ِفي ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫لا ْ‬‫م أنه َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ها قُبوًرا[ رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه‬ ‫ُ‬ ‫ذو َ‬‫خ ُ‬ ‫ت َت ّ ِ‬
‫مْرِء ِفي ب َي ْت ِهِ إ ِّل‬ ‫صَلةِ ال َْ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ض‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫الخر‬ ‫الحديث‬ ‫في‬ ‫السلم‬ ‫عليه‬ ‫قال‬ ‫بل‬ ‫وأحمد‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة[ رواه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي‬ ‫مك ُْتوب َ َ‬‫صَلةَ ال ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫والدارمي ومالك وأحمد ‪ .‬فالنوافل يستحب أن يؤديها النسان في المنزل‬
‫لنها أبعد عن الرياء ‪ ...‬وحتى يراك أهل البيت‪ ،‬فيقتدوا بك في عملك‬
‫وعبادتك ‪...‬وحتى تطرد الشياطين عن هذه المنازل بذكر الله تعالى فيها‪،‬‬
‫وإقام الصلة‪ ،‬فإن هذه البيوت إذا أقيمت فيها الصلة أصبحت تشبه‬
‫المساجد‪ ،‬لكن إذا تركت الصلة فيها‪ ،‬فإنها تصبح كالقبور التي ل تجوز الصلة‬
‫فيها‪ ،‬فما بالك إذا تحولت البيوت إلى أماكن للفساد‪ ،‬والرذيلة‪ ،‬والنحلل‪،‬‬
‫وأصبح بها قنوات ونوافذ كثيرة توصل إلى البيت رياح الفساد‪ ،‬فحينئذ لتصبح‬
‫كالقبور فإن القبور ليس فيها هذا‪ ،‬بل تصبح أشبه ما تكون بالمواخير‪ ،‬وأماكن‬
‫الفساد‪ ،‬وبيوت الحرام‪.‬‬
‫وجوب التوجه إلى البيوت بالدعوة إلى الله تعالى‬
‫السلم جعل للبيوت هذه الكرامة‪ ،‬وهذه المكانة‪ ،‬ولو نجحنا في إقناع الناس‬
‫بالهتمام ببيوتهم‪ ،‬وتوجيه الدعوة إليها؛ فإننا سنحصل على نتائج مهمة منها ‪:‬‬
‫أ – كثرة عدد الشباب الدعاة ‪ :‬سنجد ألوفا ً من الشباب يقومون بمهمة‬
‫الدعوة‪ ،‬وبدون مرتب أيضا ً إل من الله تعالى ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ب‪ -‬تكوين الشباب القادرين على اقتحام البيوت دعوة لله ‪ :‬فبالدعوة‬
‫المنزلية تكون جندت دعاة يستطيعون أن يقتحموا البيوت‪ ،‬فالداعية قد‬
‫يخاطب الناس في المسجد‪ ،‬أو في المركز‪ ،‬أو في النادي لكن ل يستطيع أن‬
‫يقتحم بيوت الناس ليخاطبهم وهم في قعر بيوتهم‪ ،‬ولو فرض جدل ً أن داعية‬
‫استطاع أن يقتحم بيوت الناس؛ فإنه ل يملك من وسائل التأثير والقوة ما‬
‫يملكه الشاب‪ ،‬أو تملكه الفتاة في بيتها‪ ...‬ففي البيت أنت عنصر من عناصر‬
‫تكوين المنزل‪ :‬هذا أبوك‪ ،‬وهذه أمك‪ ،‬وهذا أخوك‪ ،‬وهذه أختك‪ ،‬وأحيانا هذه‬
‫زوجتك وهذا طفلك‪ ،‬وولدك‪ ،‬فأنت ترتبط معهم بوشائج وروابط قوية‬
‫وكبيرة ‪ ،‬تستطيع من خللها أن تفعل في هذا البيت ما ل يستطيع أن يفعله‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غيرك في أي حال من الحوال ‪ ،‬ومن يتصور أن ينتظر مسلم في الدنيا أن‬


‫يأتي دعاة يدخلوا بيته؛ ليصلحوا أخته‪ ،‬أو زوجته‪ ،‬أو أمه‪ ،‬أو أباه ‪ ...‬هذا ل‬
‫يتصور بحال من الحوال ‪.‬‬
‫إننا اليوم ولله الحمد نجد إقبال الناس على السلم بشكل غريب منقطع‬
‫النظير سرت له قلوب المؤمنين فأصبح حديثا ً على ألسنتهم كما قال الول ‪:‬‬
‫أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره هو المسك ما كررته يتضوع‬
‫فنحن كلما تحدثنا عن الصحوة‪ ،‬والقبال على السلم نفرح‪ ،‬ونعلن انتصار‬
‫السلم في هذا الزمان على أيدي أولئك القوم الذين آمنوا بربهم‪ ،‬وزادهم‬
‫الله تعالى هدى ‪ .‬أما أعداء هذا الدين‪ ،‬وهذه الصحوة‪ ،‬فهم يتحدثون حديث‬
‫المسعور الذي فوجئ بما لم يكن له به حساب ؛ حتى أصبحت مراكز القوى‬
‫الغربية تصدر التقارير بعد التقارير عن خطر هذه الصحوة وأهمية وكيفية‬
‫مواجهتها‪ .‬هذه الصحوة المباركة الكبيرة ل شك تجد في نفوس الكثير من‬
‫شبابها آمال ً وتطلعات كبيرة‪ ،‬فأي شاب تجده يحلم بانتصار السلم‪ ،‬وأن ترفع‬
‫راية السلم خفاقة في كل الرض‪ ،‬وأن يطرد اليهود من فلسطين‪ ،‬وأن تعود‬
‫بلد السلم المنكوبة المسلوبة‪ ،‬وأن نسر بتحكيم السلم في أنفسنا ودماءنا‬
‫وأموالنا وأعراضنا‪ ،‬وأن يقوم السلم من جديد كما قام أول مرة‪ ،‬ويكتسح‬
‫الدول الكافرة كما وعد الرسول صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫الخطوة الولى لهذا الهدف الكبير‬
‫هذه لشك آمال وطموحات وتطلعات عزيزة في نفس كل إنسان لكن‬
‫السؤال المهم هو ‪ :‬ما هي الخطوة الولى لهذا الهدف الكبير؟ هدف بناء‬
‫السلم ‪ ...‬نشر السلم في الدنيا كلها ‪ ...‬هناك مثل يقول‪ :‬رحلة ألف ميل‬
‫تبدأ بخطوة واحدة‪ ...‬فما هي هذه الخطوة الواحدة ؟ أقول‪ :‬الخطوة الواحدة‬
‫هي إيجاد الداعية في البيت‪ ،‬ومن المؤسف أن تجد بعض الشباب‪ ،‬والفتيات‬
‫الذين يطمعون في تغيير الدنيا عاجزين عن تغيير بيوتهم‪ ،‬فمن عجز عن حمل‬
‫هذه المانة القليلة كيف يستطيع أن يحمل المانة العظمى؟‬
‫نماذج من الرعيل الول ‪ :‬أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانت تنفعل‬
‫نفوسهم بأحلم وتطلعات انتصار السلم‪ :‬أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وبلل‬
‫وسلمان وعمار وصهيب يوم كانوا في مكة تحت التعذيب واليذاء والتكذيب‬
‫والسخرية كانوا يتوقعون ذلك اليوم الذي ترتفع فيه كلمة ل إله إل الله؛‬
‫ولذلك صبروا وصابروا ؛ حتى رزقهم الله تعالى النصر ؛ ومكن لهم في‬
‫الرض ‪ ،‬ولكن كانوا يعرفون أن انتصار السلم يمر من خلل بيوتهم‪ ،‬ولنأخذ‬
‫أمثلة على ذلك‪:‬‬
‫أبو بكر رضي الله عنه ‪:‬من أولده؟ أولده كانوا في ضمن قافلة السلم‬
‫‪..‬كانوا من المؤمنين بالرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والمجاهدين في سبيله‬
‫ودورهم في قضية الهجرة وبناته ليخفى‪.‬‬
‫عمر رضي الله عنه ‪ :‬من أولده ؟ ومن أكبرهم وأكثرهم شهرة ؟ عبد الله بن‬
‫عمر الذي رشح للخلفة رضى الله عنه بعد عهد الخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫على بن أبى طالب رضي الله عنه ‪ :‬من أولده؟ الحسن والحسين‪ ...‬وأمثالهم‬
‫من المؤمنين الصالحين الذين أراقوا دماءهم طاهرة زكية؛ لترتفع ل إله إل‬
‫الله‪.‬‬
‫الزبير رضي الله عنه ‪ :‬من أولده ؟ أولده عبد الله بن الزبير ‪ ....‬وأمثالهم‬
‫من الرجال الصالحين الصادقين الذين تربوا على السلم‪ ،‬وضحوا في سبيل‬
‫السلم ‪ ...‬وهكذا بقية بيوت الصحابة كان كل بيت محضنا ً للتربية ‪ ...‬كل‬
‫واحد من أصحاب الرسول عليه الصلة والسلم خّرج لنا مجموعة من‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشباب المؤمنين المجاهدين‪ ،‬ومن خلل هذه العداد التي تخرجت من‬
‫ون جيش السلم‪ ،‬وتحقق انتصار السلم‪ ،‬وجاء وعد الله تعالى‬ ‫البيوت تك ّ‬
‫بالنصر والتمكين‪.‬‬
‫واجباتنا في البيوت‬
‫واجبات أساسية أريد أن أقف عندها ‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الواجب الول ‪ :‬القيام بحاجات البيت ‪ ،‬يجب أن يحرص الشاب الداعية‪،‬‬


‫والفتاة على أن يقوموا بالمصالح والحتياجات الدنيوية لهل البيت؛ لن‬
‫الشاب الصالح إذا تخلى عن دوره‪ ،‬جاء دور الشاب المنحرف‪ ،‬فأصبح هذا‬
‫الشاب المنحرف هو الذي يقوم بكل الحتياجات والمتطلبات‪ ،‬وبالتالي أصبح‬
‫الشاب المنحرف هو القّيم الحقيقي على البيت ‪ ...‬هو الشخصية المؤثرة‪ ،‬أما‬
‫الطيب‪ ،‬فليس له وزن‪ ،‬لماذا ؟ لنه لم يؤد دوره‪ ،‬وهذا من الخطاء التي يقع‬
‫فيها بعض الطيبين‪ ،‬فعليك أن تبذل من وقتك وجهدك ما يحقق لهل البيت‬
‫متطلباتهم ‪ ...‬وهكذا بالنسبة لبعض الخوات‪.‬‬
‫الواجب الثاني ‪:‬التوعية‪ ،‬والرشاد‪ ،‬والتعليم‪ ،‬فالقربون أولى بالمعروف‪،‬‬
‫شيرت َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن]‬ ‫ك اْلقَْرِبي َ‬ ‫والرسول صلى الله عليه وسلم قال له ربه‪{ :‬وَأنذِْر عَ ِ َ‬
‫ُ‬
‫ف َل أغِْني عَن ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مَنا ٍ‬ ‫‪ } [214‬سورة الشعراء ‪ .‬فجمعهم‪ ،‬وقال‪َ ] :‬يا ب َِني عَب ْد ِ َ‬
‫ة‬
‫في ّ ُ‬ ‫ص ِ‬‫شي ًْئا وََيا َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ب َل أ ُغِْني عَن ْ َ‬ ‫مط ّل ِ ِ‬ ‫ن عَب ْدِ ال ْ ُ‬ ‫س بْ َ‬ ‫شي ًْئا َيا عَّبا ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ما‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫ط‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫يا‬ ‫و‬ ‫ً‬
‫ئا‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ِ َ ِْ َ ُ َ ّ ٍ َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ َ ُ ِ‬
‫شي ًْئا[ رواه البخاري ومسلم والنسائي‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫شئ ْت من ماِلي َل أ ُ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ِ ِ ْ َ‬
‫وأحمد والدارمي ‪ .‬فالقربون أحق‪ ،‬وأولى بأن توجه الدعوة إليهم‪ ،‬وغير‬
‫صحيح أن تدعو البعيد وبيتك نفسه فيه ألوان الفساد وصوره‪ .‬لبد أن تبدأ‬
‫بالبيت من خلل التوعية والتوجيه والتربية والرشاد عن طريق‪ :‬التعليم ‪:‬‬
‫اجعل عندك حلقة للتعليم في المنزل‪ ،‬ففي الحديث‪ :‬أن الرسول عليه‬
‫السلم خصص للنساء يوما ً معلومًا‪ ،‬فع َ‬
‫ت‬‫ل‪َ :‬قال َ ْ‬ ‫خد ْرِيّ َقا َ‬ ‫سِعيدٍ ال ْ ُ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫َ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل لَنا ي َوْ ً‬ ‫َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ل َفا ْ‬ ‫جا ُ‬ ‫م غَل َب ََنا عَلي ْك الّر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ساُء ِللن ّب ِ ّ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫ما قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪َ ] :‬‬ ‫ل لهُ ّ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ن فكا َ‬ ‫مَرهُ ّ‬ ‫ن وَأ َ‬ ‫ن ِفيهِ فوَعَظهُ ّ‬ ‫قي َهُ ّ‬ ‫ما ل ِ‬ ‫ن ي َوْ ً‬ ‫سك فوَعَد َهُ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫قال َت امرأةٌَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الّنارِ [ ف َ ْ ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جاًبا ِ‬ ‫ح َ‬‫ن لَها ِ‬ ‫ها إ ِل كا َ‬ ‫ن وَلدِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ثلث ً‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫مَرأة ٌ ت ُ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫من ْك ّ‬ ‫ِ‬
‫ن[ رواه البخاري ومسلم وأحمد ‪ .‬ومن الملحظ في‬ ‫قال‪َ ]:‬واثن َت َي ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫نف َ‬‫َ‬ ‫‪َ:‬واثن َت َي ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫الكلم الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أنه تكلم مع النساء‪ ،‬ومع أهل‬
‫البيت بالمور التي يحتاجونها‪ .‬إذن لبد أن تحرص على التوجيه والتربية في‬
‫البيت خاصة فيما يحتاجه أهل المنزل‪ .‬وصور التعليم كثيرة‪ :‬فيمكن أن تجعل‬
‫في البيت مكتبة صغيرة للكتب‪ ،‬وبجوارها مكتبة أخرى صوتية‪ ،‬وتجعل في‬
‫البيت درسًا‪ ،‬ولو في السبوع مرة‪.‬‬
‫الواجب الثالث ‪ :‬المر بالمعروف والنهى عن المنكر‪ ،‬وله أمثلة كثيرة‪ :‬فقد‬
‫مر النبي صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّم با َ‬
‫قي الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ل ات ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫عن ْد َ قَب ْرٍ فَ َ‬ ‫كي ِ‬ ‫مَرأةٍ ت َب ْ ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ ِّ ّ َ‬
‫ه‬
‫ل لَها‪ :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫قي َ‬ ‫ه فَ ِ‬ ‫م ت َعْرِفْ ُ‬ ‫َ‬
‫صيب َِتي وَل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ب بِ ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫م تُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‪:‬إ ِلي ْك عَّني فَإ ِن ّك ل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري[ َقال ْ‬ ‫صب ِ ِ‬ ‫َوا ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جد ْ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫م‪ ،‬فَل ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ب الن ّب ِ ّ‬ ‫ت َبا َ‬ ‫م‪ ،‬فَأت َ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫مةِ الولى[ رواه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م أعْرِفْك فَ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‪ ،‬فَ َ‬
‫صد ْ َ‬ ‫عن ْد َ ال ّ‬ ‫صب ُْر ِ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫قال ِن ّ َ‬ ‫ت‪ :‬ل ْ‬ ‫قال ْ‬ ‫واِبي َ‬ ‫عن ْد َه ُ ب َ ّ‬ ‫ِ‬
‫البخاري ومسلم وأبوداود وأحمد ‪ .‬فأمرها بالمعروف‪ :‬أول‪ :‬بالصبر والتقوى‪،‬‬‫ً‬
‫وأمرها ثانيًا‪ :‬بأنه كان يجب عليها أن تصبر عند الصدمة الولى حين سمعت‬
‫خبر موت ولدها‪ ...‬مثال آخر‪ :‬أ َتت امرَأة م َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْي َ َ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ ْ ْ َ‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫قا َ َ‬
‫ل أت ُؤَّدي َ‬
‫ن‬ ‫ب فَ َ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن غَِليظ ََتا ِ‬ ‫سك ََتا ِ‬ ‫م َ‬‫ت ل ََها ِفي ي َدِ اب ْن َت َِها َ‬ ‫م وَب ِن ْ ٌ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫ما ي َوْ َ‬ ‫ل ب ِهِ َ‬ ‫ج ّ‬‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سوَّر ِ‬ ‫ن يُ َ‬‫كأ ْ‬ ‫سّر ِ‬ ‫ل أي َ ُ‬ ‫ذا[ َقاَلتْ‪َ :‬ل َقا َ‬ ‫كاةَ هَ َ‬ ‫َز َ‬
‫َ‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ما إ َِلى َر ُ‬ ‫قت ْهُ َ‬ ‫ما فَأل ْ َ‬ ‫خل َعَت ْهُ َ‬
‫ن َناٍر[ فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫واَري ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬
‫م ‪.‬رواه النسائي و أبوداود‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ه‬‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬
‫ْ ُ َ ِ ِ ََِ ُ ِ ِ َ‬‫ل‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ت‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫فَ‬
‫وأحمد‪ .‬إذن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يربي أصحابه على المر‬
‫كر نّبه‬ ‫بالمعروف والنهى عن المنكر بحيث إذا وجد أمرا ً مما ينكر أو ُيستن َ‬
‫عليه من خلل الوعظ والرشاد ‪ ،‬والتذكير بالله تعالى في المر والنهى‪،‬‬
‫ري[ ‪...‬الوعيد بالنار‬ ‫صب ِ ِ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫قي الل ّ َ‬ ‫والتذكير بالله في القصة السابقة ‪] :‬ات ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َناٍر[ إذن نحن‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫واَري ْ ِ‬‫س َ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ما ي َوْ َ‬ ‫ل ب ِهِ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سوَّر ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫سّر ِ‬ ‫أي َ ُ‬
‫مطالبون بأن نحيى قلوب أهل البيت‪ ،‬ونربطها بالخوف من الله تعالى‪،‬‬
‫والطمع في رضوانه وجنته‪ ،‬وهذا أمر مبني على تحريك اليمان في النفوس‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫الواجب الرابع‪:‬مراقبة أهل البيت ومحاسبتهم على الخطاء ‪ ،‬حتى الكبير‬


‫ممكن أن يسأل ويناقش‪ ،‬حتى الفتاة المتزوجة ‪ ،‬ل تقل ‪ :‬هي في عنق‬
‫زوجها‪ ،‬وفي ذمته بل يمكن أن يحاسبها أبوها ويسائلها‪,‬‬
‫ولهذا أمثلة‪:‬‬
‫ت[‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫ل ل َها أ َين أ َ‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ط‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫سو‬ ‫َ‬
‫َ ِ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ِ َ َ ََْ ُ‬ ‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫‪َ -1‬رأى َر ُ‬
‫َ‬
‫ت‪:‬‬ ‫دى[ َقال َ ْ‬ ‫م ال ْك ُ َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ل ب َل َغْ ِ‬ ‫ل فَهَ ْ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫جَناَزةِ هَ َ‬ ‫ن وََراِء َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ت‪ :‬أقْب َل ْ ُ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬‫سي ب ِي َدِهِ ل َوْ ب َل َغْ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫ل َوال ّ ِ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ك َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ف أب ْل ُغَُها وَقَد ْ َ‬ ‫َل وَك َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك[ رواه أبوداود والنسائي‬ ‫جد ّ أِبي ِ‬ ‫ها َ‬ ‫حّتى ي ََرا َ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ما َرأي ْ ِ‬ ‫دى َ‬ ‫م ال ْك ُ َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت[‪.‬‬ ‫ن أقْب َل ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫سألها‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫فالنبي‬ ‫‪.‬‬ ‫وأحمد‬
‫صّلى‬ ‫ِ ّ َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ت‪ :‬ل َ ّ‬ ‫‪ -2‬قصة عائشة رضى الله عنها َقال َ ْ‬
‫عن ْد َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ضعَهُ َ‬ ‫خل َعَ ن َعْل َي ْهِ فَوَ َ‬ ‫ضعَ رَِداَءهُ وَ َ‬ ‫ب فَوَ َ‬ ‫قل َ َ‬ ‫دي ان ْ َ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫م ِفيَها ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫نأ ْ‬ ‫ما ظ َ ّ‬ ‫ث إ ِّل َري ْث َ َ‬ ‫م ي َل ْب َ ْ‬ ‫جعَ فَل َ ْ‬ ‫ضط َ َ‬ ‫شهِ َفا ْ‬ ‫ف إ َِزارِهِ عََلى فَِرا ِ‬ ‫ط ط ََر َ‬ ‫س َ‬
‫َ‬
‫جل َي ْهِ وَب َ َ‬ ‫رِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫دا‬‫ه ُروَي ْ ً‬ ‫جافَ ُ‬ ‫مأ َ‬ ‫ج ثُ ّ‬ ‫خَر َ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫ح الَبا َ‬ ‫دا وَفَت َ َ‬ ‫ل ُروَي ْ ً‬ ‫دا َوان ْت َعَ َ‬ ‫خذ َ رَِداَءه ُ ُروَي ْ ً‬ ‫ت فَأ َ‬ ‫قَد ْ َرقَد ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت عَلى إ ِث ْرِ ِ‬
‫ه‬ ‫ق ُ‬ ‫م ان ْطل ْ‬ ‫ت إ َِزاِري ث ُ ّ‬ ‫قن ّعْ ُ‬ ‫ت وَت َ َ‬ ‫مْر ُ‬ ‫خت َ َ‬ ‫سي َوا ْ‬ ‫عي ِفي َرأ ِ‬ ‫ت دِْر ِ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف‬‫حَر َ‬ ‫م ان ْ َ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫م َرفعَ ي َد َي ْهِ ث َل َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫م فأطا َ‬ ‫قا َ‬ ‫قيعَ ف َ‬ ‫جاَء الب َ ِ‬ ‫حّتى َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫قت ُ ُ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫تف َ‬ ‫ضْر ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ضَر فأ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ت فأ ْ‬ ‫ت فهَْروَل فهَْروَل ُ‬ ‫َ‬ ‫سَرعْ ُ‬ ‫سَرع َ فأ ْ‬ ‫ت فأ ْ‬ ‫حَرف ُ‬ ‫َفان ْ َ‬
‫َ‬
‫ة[‬ ‫شَيا َراب ِي َ ً‬ ‫ح ْ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ ُ‬ ‫ك َيا َ‬ ‫ما ل َ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ت فَد َ َ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫ضط َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫س إ ِّل أ ْ‬ ‫ت فَل َي ْ َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫فَد َ َ‬
‫َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو َ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫خِبيُر[ قُل ْ ُ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫خب َِرّني الل ّ ِ‬ ‫ريِني أوْ ل َي ُ ْ‬ ‫خب ِ ِ‬ ‫ل‪] :‬ل َت ُ ْ‬ ‫يَء َقا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ت َل َ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ت ن َعَ ْ‬ ‫مي[ قُل ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫تأ َ‬ ‫ذي َرأي ْ ُ‬ ‫واد ُ ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ل فَأن ْ ِ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫خب َْرت ُ ُ‬ ‫مي فَأ ْ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫ب ِأِبي أن ْ َ‬
‫َ‬ ‫فَل َهدِني في صدري ل َهدة ً أ َوجعتِني ث ُم َقا َ َ‬
‫ك‬‫ه عَل َي ْ ِ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ل أظ َن َن ْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬
‫ت‬ ‫ي‬‫حين رأ َ‬ ‫ني‬ ‫تا‬ ‫ل أَ‬ ‫َ‬ ‫ري‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ه[‬ ‫ُ‬
‫َ َ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ ّ ِ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ْ َ َ ُ ِ ّ ُ َْ ْ ُ‬ ‫وََر ُ ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ضعْ ِ‬ ‫ك وَقَد ْ وَ َ‬ ‫ل عَلي ْ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ك وَل ْ‬ ‫من ْ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫في ْت ُ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ه فَأ ْ‬ ‫جب ْت ُ ُ‬ ‫ك فَأ َ‬ ‫من ْ ِ‬ ‫فاهُ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫فََناَداِني فَأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫قا َ‬ ‫شي فَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َوْ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫شي ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن أوقِظ ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ت فَك َرِهْ ُ‬ ‫ن قَد ْ َرقَد ْ ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ك وَظ َن َن ْ ُ‬ ‫ث َِياب َ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مُر َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫م[ رواه النسائي وأحمد‪ .‬انظر‬ ‫فَر لهُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫قيِع فَت َ ْ‬ ‫ل الب َ ِ‬ ‫ي أهْ َ‬ ‫ن ت َأت ِ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ك ي َأ ُ‬ ‫إِ ّ‬
‫مسائلة الرسول عليه الصلة والسلم لعائشة‪ :‬لماذا؟ أين كنت؟ ما الذي‬
‫دفعك إلى الخروج؟ ثم انظر إنه يؤدبها‪ ،‬يضربها في صدرها ضربة توجعها‪...‬‬
‫والمقصود من هذه القصص‪ :‬أن الرسول عليه السلم كان يحاسب زوجاته‪،‬‬
‫من تحت أيديهم ‪...‬‬ ‫وبناته والخرين ويأمر الناس أن يحاسبوا َ‬
‫إذن أختم هذه المحاضرة بتلخيص لما ذكرته‬
‫أول‪:‬البيت مهم‪ ،‬ولو نجحنا في تجنيد الشباب ليكونوا دعاة في البيوت؛ لنجحنا‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في تجنيد ألوفا ً مؤلفة يستطيعون أن يدخلوا إلى أعماق البيوت‪ ،‬ويؤثروا فيها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وسائل التغيير والصلح في المنزل‪:‬‬
‫ل‪:‬أن يكون للشاب والفتاة شخصية قوية في البيت من خلل الخدمات‬ ‫أو ً‬
‫والصلحات والمشاركات‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬من خلل قنوات التوجيه والتوعية والرشاد والتعليم ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬من خلل الرقابة الصحيحة على المنزل‪ ،‬وعلى من فيه‪.‬‬
‫أسال الله عز وجل أن يوفقني وإياكم بأن نكون قائمين على بيوتنا فعل ً كما‬
‫يجب‪ ،‬مصلحين فيها‪ ،‬محققين للمانة التي حملنا الله تبارك وتعالى إياها‪،‬‬
‫وأستغفر الله تعالى لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب والله تعالى‬
‫أعلم‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله‬
‫وأصحابه أجمعين‪.‬‬
‫دعاة في البيوت‪ ،‬للشيخ سلمان بن فهد العودة‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪205‬‬

You might also like