You are on page 1of 210

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫المبحث الثالث مسائل تتعلق بصلة الغائب‪52 ... .‬‬


‫المسألة الولى‪ :‬حد المدة التي تصلى فيها صلة الغائب‪52 ... .‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬من هو الغائب الذي تصلى عليه صلة الغائب؟ ‪53 ...‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬إسقاط الفرض بصلة الغائب‪55 ... .‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬صلة الغائب على الشهداء‪57 ... .‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬صلة الغائب على أكثر من ميت غائب‪61 ... .‬‬
‫الخاتمة ‪62 ...‬‬
‫قائمة المراجع‪64 ... .‬‬
‫فهرس الموضوعات‪70 ... .‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫صلة الفجر‬
‫أخي الحبيب‬
‫صلة الفجر تشكو من قلة المصلين فيها مع أنها صلة مباركة مشهوده أقسم‬
‫الله بوقتها فقال ‪)) :‬والفجر وليال عشر((الفجر‬
‫وقال تعالى ‪)) :‬أقم الصلة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن‬
‫قرآن الفجر كان مشهودا ً ((السراء‬
‫أخي الحبيب ‪:‬‬
‫كم أجور ضيعتها يوم نمت عن صلة الفجر كم حسنات ضيعتها يوم سهوت‬
‫عن صلة الفجر أو أخرتها كم من كنوز فقدتها يوم تكاسلت عن صلة الفجر ‪.‬‬
‫‪ -1‬صلة الفجر تعدل قيام ليلة كاملة‪.‬‬
‫يقظة من قيام ‪ +‬إجابة للذان ‪ +‬صلة مع أهل اليمان = ثواب قيام ليلة‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ))من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف‬
‫الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله ((‪ .‬اخرجه مسلم‬
‫‪ - 2‬الحفظ في ذمة الله لمن صلى الفجر ‪.‬‬
‫فعن أبو ذر رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫))من صلى الصبح فهو في ذمة الله((رواه مسلم ‪.‬‬
‫نعم إنها ذمة الله ليست ذمة ملك من ملوك الدنيا إنها ذمة ملك الملوك ورب‬
‫الرباب وخالق الرض والسماوات ومن فيها ومن وصف نفسه فقال‬
‫)) والرض قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عما يشركون((الزمر‬
‫ذمة الله التي تحيط بالمؤمن بالحماية له في نفسه وولده ودينه وسائر أمره‬
‫فيحس بالطمأنينه في كنف الله وعهده وامانه في الدنيا والخرة ويشعر أن‬
‫عين الله ترعاه ‪.‬‬
‫وإذا العناية ل حظتك عيونها *** نم فالمخاوف كلهن أمان‬
‫فاستمسك بحبل الله معتصما *** فإنه الركن إن خانتك أركان‬
‫اللهم احفظنا بحفظك ورعايتك وكن لنا معينا ومؤيدا وناصرا ً وكافيا‬
‫كن من رجال الفجر‪ ,‬وأهل صلة الفجر‪ ,‬أولئك الذين ما إن سمعوا النداء‬
‫يدوي‪ ,‬الله أكبر‪ ,‬الله أكبر‪ ,‬الصلة خير من النوم‪ ,‬هّبوا وفزعوا وإن طاب‬
‫المنام‪ ,‬وتركوا الفرش وإن كانت وثيًرا‪ ,‬ملبين النداء‪ ,‬فخرج الواحد منهم إلى‬
‫بيت من بيوت الله تعالى وهو يقول‪)) :‬اللهم اجعل في قلبي نوًرا‪ ,‬وفي‬
‫لساني نوًرا‪ ,‬واجعل في سمعي نوًرا‪ ,‬واجعل في بصري نوًرا‪ ,‬واجعل من‬
‫خلفي نوًرا‪ ,‬ومن أمامي نوًرا‪ ,‬واجعل من فوقي نوًرا(( فما ظنك بمن خرج‬
‫لله في ذلك الوقت‪ ,‬لم تخرجه دنيا يصيبها‪ ,‬ول أموال يقترفها‪ ,‬أليس هو‬
‫أقرب إلى الجابة‪ ,‬في السعادة يعيشها حين ل ينفك النور عنه طرفة عين‪.‬‬
‫‪ -3‬صلة الفجر جماعة نور يوم القيامة‪:‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫))بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ((رواه‬
‫الترمذي وا بن ماجه‬
‫والنور على قدر الظلمة فمن كثر سيره في ظلم الليل إلى الصلة عظم‬
‫عم ضياءه يوم القيامة ‪.‬‬ ‫نوره و ّ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪)) :‬فيعطون نورهم على قدر أعمالهم‬
‫فمنهم من يغطي نوره مثل الجبل بين يديه ومنهم من يغطي فوق ذلك‬
‫ومنهم من يغطي نوره مثل النخلة بيمينه حتى يكون آخر من يغطي نوره‬
‫على إبهام قدمه يضيء مرة وينطفئ مرة ((‬
‫قال تعالى ‪)) :‬يوم ترى المؤمنين والمؤمنات نورهم يسعى بين أيديهم‬
‫وبإيمانهم ((الحديد‬
‫‪ -4‬دخول الجنة لمن يصلي الفجر في جماعة ‪:‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪)):‬من صلى البردين دخل الجنة (( والبردين هما‬
‫الفجر والعصر‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم )) لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس‬
‫وقبل غروبها ((‬
‫‪ -5‬تقرير مشرف يرفع لرب السماء عنك يا من تصلي الفجر جماعة ‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫))يتعاقبون فيكم ملئكة بالليل وملئكة بالنهار ويجتمعون في صلة الصبح‬
‫والعصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم كيف وجدتم عبادي‬
‫فيقولون تركناهم وهو يصلون وأتيناهم وهم يصلون ((‬
‫فيا عبد الله يا من تحافظ على صلة الفجر سيرفع اسمك إلى الملك جل‬
‫وعل‬
‫أل يكفيك فخرا وشرفا !!!؟؟‬
‫‪ -6‬قال صلى الله عليه وسلم ‪)) :‬ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ((‬
‫الله اكبر‬
‫إذا كان سنة الفجر خير من الدنيا وما فيها فكيف بأجر الفريضة ألله أكبر‬
‫سيكون أعظم وأشمل ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -7‬الرزق والبركة لمن صلى الفجر جماعة ‪ :‬هذا الوقت وقت البركة في‬
‫الرزق فإن النبي صلى الله عليه وسلم ))اللهم بارك لمتي في بكورها ((‬
‫اللهم زد في أرزاقنا وبارك لنا فيها ووفقنا للصلة في جماعة يارب العالمين ‪.‬‬
‫مة *** فتخيروا قبل الندامة وانتهوا‬‫يا قومنا هذي الفوائد ج ّ‬
‫مسكم ضمأ يقول نذيركم *** ل ذنب لي قلت للقوم استقوا‬ ‫إن ّ‬
‫عباد الله كما أن للمحافظ على صلة الفجر جماعة أجور وكنوز فإن لمن‬
‫ضيعها آثار مدمرة وعقوبات مخفية ‪:‬‬
‫أولها التصاف بصفات المنافقين ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪)) :‬وإذا قاموا إلى الصلة قاموا كسالى يراؤن الناس ول يذكرون‬
‫الله إل قليل ((‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬ليس صلة أثقل على المنافقين من صلة‬
‫العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لتوهما ولو حبوا ً (( رواة الشيخان عن‬
‫أبي هريرة ‪.‬‬
‫وها هو ابن مسعود يقول ‪ :‬لقد رايتنا وما يتخلف عن صلة الفجر إل منافق‬
‫معلوم النفاق ((‬
‫ويقول بن عمر ‪ :‬كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر أسأنا به الظن ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ /‬الويل والغي لمن ترك صلة الفجر ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال تعالى ‪ )) :‬فويل للمصلين الذين هم عن صلتهم ساهون ((‬


‫وقال عز وجل ‪ )) :‬فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلة واتبعوا الشهوات‬
‫فسوف يلقون غّيا (( مريم‬
‫أضاعوها فأخروها عن وقتها كسل ً وسهوا ونوما ً‬
‫وغي هو واد في جهنم تتعوذ منه النار في اليوم سبعين مرة ‪.‬‬
‫ثالثها ‪ :‬يبول الشيطان في أذنيه كما روى ان بن مسعود قال ذكر رجل عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬نام ليلة حتى أصبح قال ذاك رجل بال الشيطان‬
‫في أذنيه ‪.‬‬
‫وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشيطان قد استولى عليه‬
‫واستخف به حتى جعله مكانا ً للبول نعوذ بالله من ذلك ‪.‬‬
‫رابعها ‪:‬الخبث والكسل طوال اليوم لمن نام عن صلة الفجر ‪.‬‬
‫وبهذا روى مسلم ان النبي صلى الله قال)) يعقد الشيطان على قافية رأس‬
‫أحدكم إذا هو نام ثلث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فإن‬
‫استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت‬
‫عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس وإل أصبح خبيث النفس كسلن ((‬
‫ليس هذا فحسب بل وتعلن فضيحة على المل وتفوح معصية في ألرجاء ‪:‬‬
‫قال أحد التابعين ))إن الرجل ليذنب الذنب فيصبح وعليه مذلته ((‬
‫خامسها ‪ :‬كسر الرأس في القبر ويوم القيامة ‪:‬‬
‫فقد ثبت في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم رآى في رؤيا له ‪:‬‬
‫))أن رجل ً مستلقيا ً على قفاه وآخر قائم عليه بصخرة يهوي بها على رأسه‬
‫فيشد في رأسه فتتدهور الحجر فإذا ذهب ليأخذه فل يرجع حتى يعود رأسه‬
‫كما كان يفعل به مثل المرة الولى وهكذا حتى تقوم الساعة فقال صلى الله‬
‫عليه وسلم هذا جبريل ‪ ،‬قال هذا الذي يأخذ القرآن ويرفضه وينام عن الصلة‬
‫المكتوبة ((‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عباد الله كيف نأمل أن ينصرنا الله عز وجل وان يرزقنا ويهزم أعداءنا وان‬
‫يمكن لنا في الرض ونحن في تقصير وتفريط في حق الله ‪.‬‬
‫كيف نسمع نداءه في كل يوم حي على الصلة حي على الفلح الصلة خير‬
‫من النوم ونحن ل نستجيب ‪.‬‬
‫هل أمنا مكر الله ؟‬
‫هل نسينا وقوفنا بين يدي الله ‪.‬‬
‫فياعبد الله قم عن الفراش وانهض من نومك واستعن بالله رب العالمين‬
‫سادسها ‪ :‬يمنع الرزق وبركته‪:‬‬
‫قال ا بن القيم ‪:‬‬
‫))ونومة الصبح تمنع الرزق لنه وقت تقسم فيه الرزاق ((‬
‫رآى بن عباس ابنا ً له نائما نوم الصبح فقال له قم ا تنام في الساعة التي‬
‫تقسم فيها الرزاق ‪.‬‬
‫فيا عبد الله ل تفرط في الصلة عامة وصلة الفجر خاصة وشمر عن ساعد‬
‫الجد واستعن بالله‬
‫وهذه أمور تساعدك على اداء صلة الفجر في جماعة ‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬نم مبكرا ً واترك السمر ‪.‬‬
‫نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اخبرنا ان الجسم له حق علينا فإن اطالة‬
‫السهر له تأثير على صحة النسان فالنوم المبكر خير والكلم بعد صلة‬
‫العشاء ورد النهي عنه من نبينا صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح ال ما‬
‫استثناه الدليل من مسامرة الزوج زوجته والجلوس مع الضيف ومدارسة‬
‫العلم اما اذا خشي فوات صلة الفجر فل يجوز ‪.‬‬
‫وثانيها ‪ :‬احرص على آداب النوم كالنوم على طهارة وأداء ركعتي الوضوء‬
‫والمحافظة على أذكار النوم والضطجاع على الشق اليمن ووضع الكف‬
‫اليمن تحت الوجه وقراءة المعوذتين في الكفين ومسح ما أستطاع من‬
‫الجسد بهما وغير ذلك من الداب وادع الله أن يوفقك للقيام ‪.‬‬
‫ثالثها ابذر الخير تحصد الخير ‪ :‬فمن قام عقب أداء طاعة من صلة رحم أو بر‬
‫والدين و إحسان إلى جار أو صدقة سر‪ ,‬أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو‬
‫سعي في حاجة مسلم كافأه الله بأن يكون ممن يشهدون الفجر ‪.‬‬
‫ثالثها عدم الكثار من الكل والشرب‬
‫فأن كثرة الكل تولد ثقل في النوم بل حتى الطاعة تقل والخشوع يذهب لن‬
‫من اكل كثيرا شرب كثيرا فتعب كثيرا فنام كثيرا فغفل كثيرا فخسر كثيرا ‪.‬‬
‫ورابعها ‪ :‬ابتعد عن المعاصي في النهار كي تستطيع أن تقوم للصلة وذلك‬
‫بحفظ الجوارح عما ل يحل لها بالبعد عن النظر الحرام وكذلك اللسان‬
‫والسمع وسائر العضاء فمن نام على معصية ارتكبها من غيبة مسلم أو‬
‫خوض في باطل أو نظرة الى حرام أو خلف وعد أو اكل حرام عوقب‬
‫بالحرمان من شهود الفجر لن من أساء في ليله عوقب في نهاره ومن أساء‬
‫في نهاره عوقب في ليله ‪.‬‬
‫اسأل الله أن يوفقنا لطاعته وأن يبعدنا عن معصتيه‬
‫خامسها ل تنسى عاقبة الصبر فمن عرف حلوة الجر هانت عليه مرارة‬
‫الصبر والعاقل الفطن له في كل ما يرى حوله عبرة فمن سهر الليالي بلغ‬
‫المعالي ومن استأنس بالرقاد استوحش يوم المعاد ال إن سلعة الله غالية ال‬
‫إن سلعة الله الجنة‪.‬‬
‫اسأل الله أن يوفقنا لطاعته وأن يبعدنا عن معصت‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫صلة الكسوف‬
‫قال ابن عثيمين‪ :‬والكسوف والخسوف بمعنى واحد‪ ،‬يقال‪ :‬كسفت الشمس‪،‬‬
‫وخسفت‪ ،‬وكسف القمر وخسف‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬الكسوف للشمس‪،‬‬
‫والخسوف للقمر‪ ،‬ولعل هذا إذا اجتمعت الكلمتان فقيل‪ :‬كسوف وخسوف‪،‬‬
‫أما إذا انفردت كل واحدة عن الخرى فهما بمعنى واحد‪ ،‬ولهذا نظائر في‬
‫اللغة العربية‪ .‬والكسوف عّرفه الفقهاء بقولهم‪ :‬ذهاب ضوء أحد النيرين أو‬
‫بعضه‪ .‬والحقيقة أنه ل يذهب‪ ،‬وإنما ينحجب‪ ،‬ولهذا نقول‪ :‬التعبير الدقيق‬
‫للكسوف‪" :‬انحجاب ضوء أحد النيرين"‪ ،‬أي‪ :‬الشمس أو القمر "بسبب غير‬
‫معتاد"‪ .‬فسبب كسوف الشمس أن القمر يحول بينها وبين الرض فيحجبها‬
‫س عن‬ ‫عن الرض‪ ،‬إما كلها أو بعضها‪ ،‬لكن ل يمكن أن يحجب القمُر الشم َ‬
‫جميع الرض؛ لنه أصغر منها‪ ،‬حتى لو كسفها عن بقعة على قدر مساحة‬
‫القمر لم يحجبها عن البقعة الخرى؛ لنها أرفع منه بكثير‪ ،‬ولذلك ل يمكن أن‬
‫يكون الكسوف كليا ً في الشمس في جميع أقطار الدنيا أبدًا‪ ،‬إنما يكون في‬
‫موضع معين‪ ،‬مساحته بقدر مساحة القمر‪ .‬وإذا قلنا بهذا القول المحقق‬
‫ن سبب كسوف الشمس هو حيلولة القمر بينها وبين الرض تبّين‬ ‫المتيقن‪ :‬إ ّ‬
‫أنه ل يمكن الكسوف في اليوم السابع أو الثامن أو التاسع أو العاشر لبعد‬
‫القمر عن الشمس في هذه اليام‪ ،‬إنما يقرب منها في آخر الشهر‪ .‬ولهذا قال‬
‫شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬ل يمكن أن تكسف الشمس إل في التاسع والعشرين‬
‫أو الثلثين أو آخر الثامن والعشرين؛ لنه هو الذي يمكن أن يكون القمر فيه‬
‫قريبا ً من الشمس؛ فيحول بينها وبين الرض‪ .‬كذلك القمر سبب كسوفه‬
‫حيلولة الرض بينه وبين الشمس؛ لن القمر يستمد نوره من الشمس‬
‫كالمرآة أمام القنديل‪ .‬فالمرآة أمام القنديل يكون فيها إضاءة نور‪ ،‬لكن لو‬
‫ك‬‫أطفأت القنديل أصبحت ظلمة‪ ،‬ولهذا سمى الله القمر نورًا‪ ،‬فقال‪) :‬ت ََباَر َ‬
‫مِنيرًا(]‪ ، [1‬وقال‬ ‫مرا ً ُ‬ ‫سَراجا ً وَقَ َ‬ ‫ل ِفيَها ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ماِء ب ُُروجا ً وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ِفي ال ّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫سَراجًا( ]‪ ،[2‬وعلى هذا‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬‫ل ال ّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن ُنورا ً وَ َ‬ ‫مَر ِفيهِ ّ‬ ‫ق َ‬‫ل ال ْ َ‬‫جعَ َ‬‫تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫التقدير الواقعي ل يمكن أن يكسف القمر في الليلة العاشرة‪ ،‬أو الثامنة‪ ،‬أو‬
‫التاسعة‪ ،‬أو الحادية عشرة‪ ،‬أو السابعة عشرة‪ ،‬أو العشرين‪ ،‬أو الخامسة‬
‫والعشرين‪ ،‬أو السابعة والعشرين‪ ،‬فل يمكن أن يكسف إل في ليالي البدار‬
‫أي‪ :‬الرابعة عشرة‪ ،‬والخامسة عشرة؛ لنها هي الليالي التي يمكن أن تحول‬
‫الرض بينه وبين الشمس؛ لنه في جهة والشمس في جهة‪ ،‬فهو في جهة‬
‫الشرق‪ ،‬والشمس في جهة الغرب فيمكن أن تحول الرض بينهما وحينئذٍ‬
‫ة الل ّي ْ ِ‬
‫ل‬ ‫حوَْنا آي َ َ‬ ‫ن فَ َ‬
‫م َ‬ ‫ل َوالن َّهاَر آي َت َي ْ ِ‬ ‫جعَل َْنا الل ّي ْ َ‬ ‫ينكسف القمر‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫ن‬
‫سِني َ‬‫موا عَد َد َ ال ّ‬ ‫َ‬
‫م وَل ِت َعْل ُ‬ ‫ُ‬
‫ن َرب ّك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ضل ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫صَرة ً ل ِت َب ْت َُغوا ف ْ‬ ‫مب ْ ِ‬‫ة الن َّهارِ ُ‬ ‫جعَل َْنا آي َ َ‬ ‫وَ َ‬
‫صيل( )السراء‪ (12:‬فالشمس منيرة مبصرة‬ ‫ً‬ ‫ف ِ‬ ‫ْ‬
‫صلَناه ُ ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫يٍء ف ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ّ‬
‫ب وَكل َ‬‫ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫َوال ِ‬
‫ً‬
‫بنفسها‪ ،‬وآية الليل القمر ممحو ليس فيه نور‪ .‬إذا هذا هو سبب كسوف‬
‫الشمس والقمر‪ ،‬وبه نعرف أنه ل يصح التعبير بقولنا‪ :‬ذهاب ضوء الشمس‪.‬‬
‫لكن يمكن أن يصح التعبير في هذا بالنسبة للقمر؛ لنه إذا حالت الرض بينه‬
‫محى النور الذي فيه‪.‬‬ ‫وبين الشمس ذهب نوره؛ لن أصله جرم مظلم ا ّ‬
‫ويمكن أن نوجه كلم الفقهاء ‪ -‬رحمهم الله ‪ -‬بأنه ذهاب ضوء أحد النيرين‪،‬‬
‫باعتبار الرؤية‪ ،‬أي‪ :‬رؤية الناس؛ لن الناس ل يرون الحاجز بين جرم الشمس‬
‫أو جرم القمر وهم في الرض‪ ،‬بخلف ما لو انحجب ضوؤهما بغمام أو‬
‫سحاب‪ ،‬فهو معروف‪ .‬هذا السبب هو السبب الحسي‪ .‬لكن هناك سبب‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شرعي ل ُيعلم إل من طريق الوحي‪ ،‬ويجهله أكثر الفلكيين ومن سار على‬
‫منهاجهم‪ .‬والسبب الشرعي هو تخويف الله لعباده‪ ،‬كما ثبت ذلك عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ل‬
‫ينكسفان لموت أحد ول لحياته‪ ،‬وإنما يخوف الله بهما عباده"؛ ولهذا أمرنا‬
‫بالصلة والدعاء والذكر وغير ذلك كما سيأتي إن شاء الله‪ .‬فهذا السبب‬
‫الشرعي هو الذي يفيد العباد؛ ليرجعوا إلى الله‪ ،‬أما السبب الحسي فليس ذا‬
‫فائدة كبيرة‪ ،‬ولهذا لم يبينه النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولو كان فيه فائدة‬
‫كبيرة للناس لبّينه عن طريق الوحي؛ لن الله يعلم سبب الكسوف الحسي‪،‬‬
‫ولكن ل حاجة لنا به‪ ،‬ومثل هذه المور الحسية يكل الله أمر معرفتها إلى‬
‫الناس‪ ،‬وإلى تجاربهم حتى يدركوا ما أودع الله في هذا الكون من اليات‬
‫الباهرة بأنفسهم‪ .‬أما السباب الشرعية‪ ،‬أو المور الشرعية التي ل يمكن أن‬
‫تدركها العقول ول الحواس‪ ،‬فهي التي يبّينها الله للعباد‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬كيف‬
‫يجتمع السبب الحسي والشرعي‪ ،‬ويكون الحسي معلوما ً معروفا ً للناس قبل‬
‫أن يقع‪ ،‬والشرعي معلوم بطريق الوحي‪ ،‬فكيف يمكن أن نجمع بينهما؟‬
‫فالجواب‪ :‬أن ل تنافي بينهما؛ لن المور العظيمة كالخسف بالرض‪،‬‬
‫والزلزل‪ ،‬والصواعق‪ ،‬وشبهها التي يحس الناس بضررها‪ ،‬وأنها عقوبة‪ ،‬لها‬
‫أسباب طبيعية‪ ،‬يقدرها الله حتى تكون المسببات‪ ،‬وتكون الحكمة من ذلك‬
‫هي‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تخويف العباد‪ ،‬فالزلزل لها أسباب‪ ،‬والصواعق لها أسباب‪ ،‬والبراكين لها‬
‫أسباب‪ ،‬والعواصف لها أسباب‪ ،‬لكن يقدر الله هذه السباب من أجل استقامة‬
‫ت‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ ب ِ َ‬ ‫ف َ‬‫الناس على دين الله‪ .‬قال تعالى‪) :‬ظ َهََر ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن( )الروم‪ ،(41:‬ولكن‬ ‫جُعو َ‬ ‫مُلوا ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َْر ِ‬ ‫ض ال ّ ِ‬
‫ذي عَ ِ‬ ‫م ب َعْ َ‬
‫قهُ ْ‬
‫ذي َ‬
‫س ل ِي ُ ِ‬
‫دي الّنا ِ‬
‫أي ْ ِ‬
‫تضيق قلوب كثير من الناس عن الجمع بين السبب الحسي والسبب‬
‫الشرعي‪ ،‬وأكثر الناس أصحاب ظواهر ل يعتبرون إل بالشيء الظاهر‪ ،‬ولهذا‬
‫تجد الكسوف والخسوف لما علم الناس أسبابهما الحسية‪ ،‬ضعف أمرهما في‬
‫قلوب الناس‪ ،‬حتى كأنه صار أمرا ً عاديًا‪ ،‬ونحن نذكر قبل أن نعلم بهذه‬
‫المور‪ ،‬أنه إذا حصل الكسوف رعب الناس رعبا ً شديدًا‪ ،‬وصاروا يبكون بكاًء‬
‫شديدًا‪ ،‬ويذهبون إلى المساجد خائفين مذعورين‪ ،‬كما وقع ذلك للنبي عليه‬
‫الصلة والسلم؛ لما كسفت الشمس أول مرة في عهده‪ ،‬وكان ذلك بعد أن‬
‫ارتفعت بمقدار رمح بعد طلوعها وأظلمت الدنيا‪ ،‬ففزع الناس‪ ،‬وفزع النبي‬
‫عليه الصلة والسلم فزعا ً عظيما ً حتى إنه ُأدرك بردائه‪ ،‬أي‪ :‬من شدة فزعه‬
‫قام بالزار قاصدا ً المسجد حتى تبعوه بالرداء‪ ،‬فارتدى به‪ ،‬وجعل يجره‪ ،‬أي‪:‬‬
‫لم يستقر ليوازن الرداء من شدة فزعه‪ ،‬وأمر أن ينادى الصلة جامعة؛ من‬
‫أجل أن يجتمع الناس كلهم‪ .‬فاجتمعت المة من رجال ونساء‪ ،‬وصلى بهم‬
‫النبي عليه الصلة والسلم صلة ل نظير لها؛ لنها لية ل نظير لها‪ .‬آية شرعية‬
‫لية كونية‪ ،‬أطال فيها إطالة عظيمة‪ ،‬حتى إن بعض الصحابة ‪ -‬مع نشاطهم‬
‫وقوتهم ورغبتهم في الخير ‪ -‬تعبوا تعبا ً شديدا ً من طول قيامه عليه الصلة‬
‫ل‪ ،‬وكذلك السجود‪ ،‬فصلى صلة عظيمة‪ ،‬والناس‬ ‫والسلم‪ ،‬وركع ركوعا ً طوي ً‬
‫يبكون يفزعون إلى الله‪ ،‬وعرضت على النبي عليه الصلة والسلم الجنة‬
‫والنار في هذا المقام‪ ،‬يقول‪" :‬فلم أَر يوما ً قط أفظع من هذا اليوم"؛ حيث‬
‫عرضت النار عليه حتى صارت قريبة فتنحى عنها‪ ،‬أي‪ :‬رجع القهقهرى خوفا ً‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من لفحها‪ ،‬سبحان الله! فالمر عظيم! أمر الكسوف ليس بالمر الهين‪ ،‬كما‬
‫يتصوره الناس اليوم‪ ،‬وكما يصوره أعداء المسلمين حتى تبقى قلوب‬
‫المسلمين كالحجارة‪ ،‬أو أشد قسوة والعياذ بالله‪ .‬يكسف القمر أو الشمس‬
‫والناس في دنياهم‪ ،‬فالغاني تسمع‪ ،‬وكل شيء على ما هو عليه ل تجد إل‬
‫الشباب المقبل على دين الله أو بعض الشيوخ والعجائز‪ ،‬وإل فالناس‬
‫سادرون لهون‪ ،‬ولهذا ل يتعظ الناس بهذا الكسوف ل بالشمس ول بالقمر‬
‫مع أنه أمر هام‪ ،‬ويجب الهتمام به‬

‫)‪(2 /‬‬

‫صلة‪...‬‬
‫"شوق إلى الله‪"...‬‬
‫للستاذ محمود حسن إسماعيل‬
‫ت ُأزجي صلواتي‬‫َ‬ ‫ت جئ ُ‬ ‫عوا ِ‬ ‫ب الد َ‬ ‫مجي َ‬ ‫يا ُ‬
‫عيداني‪ ..‬وَتجثو نَغماتي‬ ‫شع ُ ِ‬ ‫ضارعا تخ َ‬ ‫ً‬
‫ل اللَهجات ‪..‬‬ ‫ك صباباتي بك ّ‬ ‫وتنادي َ‬
‫فتاتي‬ ‫وي ل َ‬ ‫ك النوُر َيط ِ‬ ‫ت‪ ،‬فمن َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن تل ّ‬ ‫إ ْ‬
‫همساتي‬ ‫س النوَر يغُْزو َ‬ ‫ُ‬
‫ح ّ‬ ‫تأ ِ‬ ‫أوْ تهامس ُ‬
‫وإذا أْدعو ‪ ..‬أرى النواَر ت ُْرِدي كِلماتي‬
‫ل شيء في حياتي‪..‬‬ ‫عو ك ّ‬ ‫ت‪ ،‬يد ُ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫وإذا أ ْ‬
‫ت‬ ‫حما ِ‬ ‫نشوةُ اليمان بحٌر زاخٌر بالر َ‬
‫ت‬‫ذبا ِ‬ ‫ضُر ال ْعَ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن في فضاء الن ّ ْ‬ ‫جنا ٌ‬ ‫و ِ‬
‫ت‬ ‫م فيها كطيورٍ ناِغما ِ‬ ‫ح الحل ُ‬ ‫تصد ُ‬
‫ت‬ ‫ن جاريا ِ‬ ‫ض الطهُر منها كُعيو ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وَيفي ُ‬
‫ة‪..‬‬ ‫ب الحيا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل أطيا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ح منها ك ّ‬ ‫ب الّرو ُ‬ ‫وت َعُ ّ‬
‫***‬
‫ت‬ ‫ضريرِ الظلما ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ب في لي ٍ‬ ‫ضار ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ذل َ‬
‫ت‬‫فرا ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫مّزقَ الشوْقُ حناياه ُ ِلطيف ال ْ َ‬
‫ة‬
‫ت بالَغدا ِ‬ ‫جن ّ ْ‬ ‫ب َلياليهِ و ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫غَن ّ ِ‬
‫ت‪..‬‬ ‫ساقيا ِ‬ ‫كهزيج ال ّ‬ ‫صداها َ‬ ‫ت في َ‬ ‫وتلش ْ‬
‫ت‬‫شا والن ّظرا ِ‬ ‫َ‬ ‫ف الح َ‬ ‫ملهو ُ‬ ‫ْ‬ ‫ئ للّنور َ‬ ‫ظام ٌ‬
‫ت!‬ ‫ّ َ ِ‬ ‫بوا‬ ‫ر‬ ‫لل‬ ‫دتها‬ ‫َ ْ َ‬ ‫و‬‫ع‬ ‫في‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫الطي‬ ‫ت‬ ‫أرأي َ‬
‫ت!‬ ‫خَلوا ِ‬ ‫ح في هَّبتها بال َ‬ ‫ت الّري َ‬ ‫أرأي َ‬
‫ت!‬‫سبا ِ‬ ‫ن من ُ‬ ‫ف ٍ‬ ‫وة ج ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م في ص ْ‬ ‫حل ْ َ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫أرأي َ‬
‫ت‪..‬‬ ‫جد ُ لُرؤيا عََرفا ِ‬ ‫ضه الوَ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫هكذا ين ْ ُ‬
‫ت!‬ ‫خطوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ض ال ُ‬ ‫واِلها ً يشتاق في واديهِ بع َ‬
‫ت‬ ‫صيا ِ‬ ‫ح ذ َّر الح َ‬ ‫ن الّرو ُ‬ ‫يتمّنى لو تكو ُ‬
‫ت‪..‬‬ ‫شُرفا ِ‬ ‫مسا حائما ِبال ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫س هَ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن الن ْ‬ ‫وتكو ُ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫فحا ِ‬ ‫سلما عُلوِيّ الن ّ َ‬ ‫ت‪َ ..‬‬ ‫أّيها البي ْ ُ‬
‫ت‬
‫حُرما ِ‬ ‫ي ال ُ‬ ‫هق ّ‬ ‫س شا ِ‬ ‫ن قُد ْ ٌ‬ ‫ك المْيمو ُ‬ ‫ت ُْرب ُ َ‬
‫ت‬‫سما ِ‬ ‫حور ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫مّر م ْ‬ ‫مّر عليهِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك ّ‬
‫ت‬ ‫ل الجها ِ‬ ‫س إلى باب ِك من ك ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هُرِع َ النا ُ‬
‫ت‬
‫ب نادما ِ‬ ‫قلو ٍ‬ ‫ُ‬ ‫فوا ب ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫حوا الد ّْنيا و َ‬ ‫طَر ُ‬
‫ت‬ ‫ن لله بأيد ٍ ضاِرعا ِ‬ ‫شو َ‬ ‫م ُ‬ ‫سرا ي ْ‬ ‫ً‬ ‫ح ّ‬ ‫ُ‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت‬‫مْعصيا ِ‬ ‫ت من عذاب ال َ‬ ‫صدورٍ حانيا ٍ‬ ‫و ُ‬


‫ت‬ ‫ْ‬
‫ت أسراُرها بالت ّلِبيا ِ‬ ‫ب جأَر ْ‬ ‫وقلو ٍ‬
‫ت‬ ‫سَبل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فون من ضياء الله دارت ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫و ُ‬
‫ت‬ ‫ِ ِ‬ ‫بدا‬ ‫عا‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫تائبا‬ ‫ت‬
‫ِ ٍ‬ ‫نتا‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫س‬
‫ٍ‬ ‫نفو‬ ‫وُ‬
‫ت‬
‫وى فانيا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ت في رحيق النورِ ن ْ‬ ‫ذائبا ٍ‬
‫من ْب َعَ الط ّْهر مناَر الكائنا ِ‬
‫ت‬ ‫ت َ‬ ‫عاشقا ٍ‬
‫ت‬‫ق‪ ،‬سّر الَرحما ِ‬ ‫فيعَ الح ّ‬ ‫دنيا‪ ،‬ش ِ‬ ‫سي ّد َ ال ّ‬
‫ت‬‫دوا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كنا ِبه ‪ ..‬آصالنا َوالغُ ُ‬ ‫ب بارِ ْ‬ ‫َر ّ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ث الشرقَ بُنورٍ منه ي َغُْزو الظلما ِ‬ ‫واْبع ِ‬
‫حياةِ ‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ت الخامد َ حي ّا ل ِل َ‬ ‫وُيعيد ُ المي ّ َ‬
‫ة‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ت به الغل ُ‬
‫سر الطَغا ِ‬ ‫ل في أ ْ‬ ‫َبعد ما شاب ْ‬
‫ة‬
‫ف الُعتا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه له نارا على ك ّ‬ ‫ً‬ ‫ض الل ُ‬ ‫قَي ّ َ‬
‫ت‬
‫قيود الغاشما ِ‬ ‫شّبها الحراُر في وجه ال ُ‬
‫ت ‪..‬‬ ‫ق الرفا ِ‬ ‫فتلشت في لظاها بين أطبا ِ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫صلة الرض بالسماء‬


‫محمد عمر دولة‬
‫لم تعرف الدنيا قوما ً يتآلفون مع الكون‪ ،‬ويتعارفون مع الناس بالموّدة‬
‫والعون‪ ،‬كما عرفت ذلك من المسلمين‪ .‬ولم تشهد البشرية رجال ً مؤمنين‬
‫يوفون بالعهد‪ ،‬ويرعون وحي السماء في السّراء والضّراء كما هو شأن‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ما اليهود‬‫ود بالخيانات‪ ،‬مشوّهٌ مثل تحريفهم للتوراة‪ ،‬أ ّ‬ ‫مس ّ‬
‫فتاريخ أهل الكتاب ُ‬
‫ما‬ ‫ً‬
‫ل أسفارا(‪ ،‬وأ ّ‬ ‫فقد غضب الله عليهم‪ ،‬حينما صاروا )كمثل الحمار يحم ُ‬
‫فظوا عليه من تعاليم المسيح ‪ -‬عليه السلم ‪،-‬‬ ‫النصارى فقد ضّيعوا ما اسُتح ِ‬
‫فضّلوا طريق التوحيد إلى متاهات الشرك بالله – تعالى ‪ .-‬وهكذا )كلما جاء‬
‫ذبوه(‪ ،‬وقد أخبرنا النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه‪) :‬يأتي‬ ‫ة رسوُلها ك ّ‬‫أم ً‬
‫النبي ومعه الرهط‪ ،‬ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلن‪ ،‬ويأتي النبي وليس‬
‫منا ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن نوحا ً ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬الذي‬ ‫معه أحد(! وأعل َ َ‬
‫ل له‪ :‬من يشهد لك؟ فيقول‪:‬‬ ‫)ما آمن معه إل قليل( يأتي يوم القيامة فُيقا ُ‬
‫محمد وأمته‪ .‬وفي حديث السراء نصيحة موسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬لهذه المة‬
‫في شأن الصلة‪ ،‬وسلم إبراهيم الخليل ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬على‬
‫ماكم‬ ‫المسلمين مصداقا ً لقول الله – تعالى ‪) :-‬ملة أبيكم إبراهيم هو س ّ‬
‫المسلمين من قبل(‪.‬‬
‫فما الذي أوجب هذه الستجابة لتلكم التوجيهات الربانية؟ إنه وعي هذه المة‬
‫بفلسفة الوجود – كما وّفقها الله لما اخت ُِلف فيه من الحق – وإدراكها لحقيقة‬
‫هذه الحياة‪ ،‬ومعانقتها للدور الرسالي المنوط بها في القيادة والشهادة‬
‫والدعوة الراشدة إلى العبادة‪.‬‬
‫ذكر القادم من‬ ‫والذي تتفتح بصيرته على صفحات الوفاء لهل السلم لل ّ‬
‫السماء‪ ،‬تتفّتق قريحته على أن استمداد الوعي إنما كان من الوحي‪،‬‬
‫ت في صدور‬ ‫ت بّينا ٌ‬ ‫واستلهام الصواب ليس إل ّ من تعاليم الكتاب )بل هو آيا ٌ‬
‫الذين أوتوا العلم(‪.‬‬
‫س ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في البخاري لحفيده هشام بن‬ ‫مل جواب أن ٍ‬ ‫ولك أن تتأ ّ‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زيد حين سأله عن حنين‪ ،‬قال هشام‪" :‬يا أبا حمزة! وأنت شاهد ٌ ذلك؟ قال‪:‬‬
‫ب‬ ‫ُ‬
‫حد وهو يذ ّ‬ ‫ب عنه؟!"‪ ،‬وقول أبي طلحة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في أ ُ‬ ‫وأين أغي ُ‬
‫م‬‫رف يصيبك سه ٌ‬ ‫عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" :-‬بأبي أنت وأمي‪ ،‬ل ُتش ِ‬
‫ديق ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في‬ ‫من سهام القوم‪ .‬نحري دون نحرك"‪ ،‬وقول الص ّ‬
‫دثوا‬‫ما قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) :-‬ل أدري ما ُتح ِ‬ ‫المو ّ‬
‫طأ ل ّ‬
‫بعدي( فبكى أبو بكرٍ ثم بكى‪ ،‬ثم قال‪" :‬أئنا لكائنون بعدك؟!"‪ ،‬وما موقف‬
‫عمر ‪ -‬رضي الله ‪ -‬عند وفاة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حتى خانته رجله‬
‫وة تعّلقه به‪.‬‬ ‫فلم تحمله إل ّ لشدة ارتباطه بالنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وق ّ‬
‫كيف وهو الذي قال للنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حينما أعرض عنه – كما‬
‫ض عني؟!"‪ ،‬كذلك‬ ‫ن حجر إلى أبي يعلى – "ما خيُر حياتي وأنت معرِ ٌ‬ ‫عزاه اب ُ‬
‫قول فاطمة ‪ -‬عليها السلم ‪" :-‬يا أنس! أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬التراب؟!"‪ ،‬وقولها‪" :‬ثم ساّرني فأخبرني أني‬
‫ت"‪.‬‬ ‫أول أهل بيته أتبُعه فضحك ُ‬
‫ّ‬
‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬المتخلفين عن تبوك‬ ‫وليت شعري هل عاقب النب ُ‬
‫حبت وضاقت عليهم‬ ‫بأكثر من مقاطعته لهم‪ .‬حتى )ضاقت عليهم الرض بما َر ُ‬
‫مها في محنة‬ ‫منا عائشة ‪ -‬رضي الله عنها ‪ -‬فقد أه ّ‬ ‫أنفسهم(‪ ،‬ورحم الله أ ّ‬
‫الفك أنها افتقدت حنان النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقالت – كما روى‬
‫رف من رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫البخاري ‪" :-‬يريُبني في وجعي أني ل أع ِ‬
‫ل الله‬‫ي رسو ُ‬ ‫وسلم ‪ -‬اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي‪ ،‬إنما يدخل عل ّ‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فيسّلم ثم يقول‪) :‬كيف تيكم؟(‪.‬‬
‫وقد كان هؤلء الرجال من مدرسة النبي محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫يحتسبون النظرة إلى وجه الكريم‪ ،‬والبسمة على شفتيه الشريفتين كما قال‬
‫عقبة بن عامر ‪ -‬رضي الله عنه ‪" :-‬فكانت آخر نظرةٍ نظرُتها إلى رسول الله‬
‫دث عن تخّلفه في‬ ‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،"-‬وقال كعب بن مالك وهو يح ّ‬
‫ضب"‪ .‬ولذلك كانوا – لله دّرهم –‬ ‫سم المغ َ‬ ‫سم تب ّ‬ ‫ت عليه تب ّ‬ ‫ما سلم ُ‬ ‫تبوك‪" :‬فل ّ‬
‫يفرحون بتضحيتهم بأرواحهم لجل رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كما‬
‫ما ط ُِعن يوم بئر معونة فإنه‪" :‬قال‬ ‫ملحان – خال أنس – ل ّ‬ ‫هو شأن حرام بن ِ‬
‫ب الكعبة"‪ ،‬ويحزنون إذا‬ ‫بالدم هكذا‪ ،‬فنضحه على وجهه‪ ،‬وقال‪ :‬فزت ور ّ‬
‫ت ل أجد ُ ما‬ ‫وك لتحملهم قل َ‬ ‫دثنا القرآن عن )الذين إذا ما أت ْ‬ ‫رموا كما ح ّ‬ ‫ح ِ‬
‫ُ‬
‫فقون(‪.‬‬ ‫ين‬
‫ُ ِ‬ ‫ما‬ ‫يجدوا‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫حزن‬ ‫الدمع‬ ‫من‬ ‫تفيض‬ ‫وأعينهم‬ ‫ّ‬
‫لوا‬ ‫تو‬ ‫عليه‬ ‫أحملكم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد كان النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم وهو معّلمهم – يعرف أنهم ل مغنم‬
‫لهم إل ّ صحبته‪ ،‬ول مطلب لهم إل ّ رؤية طلعته؛ ولذلك قال لهم يوم حنين‪:‬‬
‫)أول ترضون أن يرجع الناس بالغنائم – وفي روايةٍ بالشاة والبعير – إلى‬
‫بيوتهم‪ ،‬وترجعون برسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إلى بيوتكم؟(‪ .‬وقال‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) :-‬أعطي أقواما ً لما أرى في قلوبهم من الجزع‬
‫ل أقواما ً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير‪ ،‬فيهم‬ ‫والهلع‪ ،‬وأك ِ ُ‬
‫ن لي بكلمة رسول الله ‪ -‬صلى الله‬ ‫ُ‬
‫بأ ّ‬ ‫ح ّ‬
‫عمرو بن تغلب( قال عمرو‪" :‬فما أ ِ‬
‫حمر الّنعم"‪.‬‬
‫عليه وسلم ‪ُ -‬‬
‫سكون بالكتاب(‬ ‫دين‪ ،‬سببه أنهم‪ُ) :‬يم ّ‬‫هذا الرتباط الوثيق بين المسلمين وال ّ‬
‫ذلك الحبل المتين‪ ،‬ويّتبعون الرسول المين ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬؛ ولذلك‬
‫عّبر النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن هذا الرباط بـ )حلوة اليمان( خير‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذف في النار(‪،‬‬‫تعبير حيث قال‪) :‬يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن ُيق َ‬
‫ل – في حديث الوحي – أبا سفيان قبل إسلمه‪" :‬هل يرتد أحد ٌ‬ ‫وسأل هرق ُ‬
‫ة لدينه؟ قال‪ :‬ل"‪" ،‬قال‪ :‬كذلك اليمان إذا خالطت بشاشته‬ ‫منهم سخط ً‬
‫القلوب"‪.‬‬
‫فهذا الستشعار لقيم السماء هو الذي أثمر في قلوبهم ذاك الوفاء‪ .‬فصاروا‬
‫ف من‬‫سهم طائ ٌ‬ ‫مسون حنايا الوجدان )إذا م ّ‬ ‫يراقبون ثنايا النفس‪ ،‬ويتل ّ‬
‫كروا فإذا هم مبصرون(‪ ،‬حتى قيل لمرأةٍ مجذومةٍ نهاها عمر أن‬ ‫الشيطان تذ ّ‬
‫ك قد مات فاخرجي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫تطوف بالبيت – كما في الموطأ ‪" :-‬إن الذي كان قد نها ِ‬
‫ت لطيعه حيا ً واعصيه مّيتًا"‪ ،‬فقد خالطت الطاعة قلبها‪،‬‬ ‫فقالت‪ :‬ما كن ُ‬
‫م أيمن‪ ،‬حين زارها الشيخان ‪ -‬رضي‬ ‫وسارت بين لحمها وعظمها‪ .‬ورحم الله أ ّ‬
‫ما رأتهما بكت‪ .‬فأخبراها بأن ما عند الله خيٌر لرسول الله‪.‬‬ ‫الله عنهما ‪ ،-‬فل ّ‬
‫فقالت‪" :‬إنما أبكي لن الوحي قد انقطع من السماء‪ .‬فهّيجتهما على البكاء‪.‬‬
‫فطفقا يبكيان معها!‬
‫‪ http://www.meshkat.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ة الرحام أساس بناء الحياة‬ ‫صل ُ‬


‫ة‬
‫ّ ُ‬ ‫ب‬ ‫المح‬ ‫ده‬ ‫ُ‬ ‫تسو‬ ‫طف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫متعا‬ ‫ٍ‬ ‫م‬ ‫متراح‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫إسلم‬ ‫ع‬‫ٍ‬ ‫مجتم‬ ‫ِ‬ ‫ء‬‫بنا‬ ‫إلى‬ ‫السلم‬ ‫دف‬ ‫يه ِ‬
‫حدةُ المجتمع ‪ ،‬تسَعد‬ ‫ب الخيرِ والَعطاء‪ ،‬والسرة ُ وِ ْ‬ ‫من عليه ح ّ‬ ‫والخاء‪ ،‬ويهي ِ‬
‫ت ُبنيانها‪ ،‬فجاء‬ ‫عراها وتثبي ِ‬ ‫م بتوثيق ُ‬ ‫م السل ُ‬ ‫حم‪ ،‬اهت ّ‬ ‫بتقوى الله ورعايةِ الّر ِ‬
‫دوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ل وعل }َواعْب ُ ُ‬ ‫قها بعد َ توحيد الله وبّر الوالدين‪ ،‬قال ج ّ‬ ‫المر برعايةِ ح ّ‬
‫قْرَبى{ وقُرَِنت مع إفرادِ الله‬ ‫ْ‬
‫ذي ال ُ‬ ‫سانا وَب ِ ِ‬ ‫ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫كوا ب ِهِ َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫َول ت ُ ْ‬
‫وال ِد َي ْ ِ‬‫شْيئا وَِبال َ‬
‫صلةِ والّزكاة‪ ،‬فعن أبي أّيوب النصاريّ رضي الله عنه قال‪ :‬جاء‬ ‫بالعبادةِ وال ّ‬
‫ل يدخلني الجّنة‪ ،‬قال " تعبد الله ول تشرِ ُ‬
‫ك‬ ‫ي فقال‪ :‬أخِبرني بعم ٍ‬ ‫ل إلى النب ّ‬ ‫رج ٌ‬
‫ُ‬
‫مَرت‬ ‫ل الّرحم " ]متفق عليه[ وقد أ ِ‬ ‫ص ُ‬
‫ة‪ ،‬وت ِ‬ ‫م الصلة‪ ،‬وتؤتي الزكا َ‬ ‫به شيًئا‪ ،‬وتقي ُ‬
‫َ‬
‫لل‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ميَثاقَ ب َِني إ ِ ْ‬ ‫خذ َْنا ِ‬ ‫مها‪ ،‬قال سبحانه }وَإ ِذ ْ أ َ‬ ‫صلة أرحا ِ‬ ‫المم قبَلنا ب ِ‬
‫مد ٌ‬ ‫صلتها نبّينا مح ّ‬ ‫قْرَبى{ وَدعا إلى ِ‬ ‫سانا ً وَِذي ال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫ه وَِبال ْ َ‬ ‫ن إ ِل ّ الل ّ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ت َعْب ُ ُ‬
‫ت‬ ‫ي فدخل ُ‬ ‫ل بعثةِ النب ّ‬ ‫ة أوّ َ‬ ‫ّ‬
‫ت مك َ‬ ‫سة ‪ :‬قدم ُ‬ ‫ن عب َ َ‬ ‫مُرو ب ُ‬ ‫وته‪ ،‬قال عَ ْ‬ ‫مطلِع ُنب ّ‬ ‫في َ‬
‫سلني الله "‬ ‫َ‬ ‫ي ؟ قال " أر َ‬ ‫ي " قلت ‪ :‬وما نب ّ‬ ‫عليه فقلت‪ :‬ما أنت ؟ قال " نب ّ‬
‫حد الله " ]رواه‬ ‫م أرسلك ؟ قال " بصلةِ الرحام وكسرِ الوثان وأن ُيو ّ‬ ‫قلت ‪ :‬ب ِ َ‬
‫ي ما يقول لكم ؟ قال ‪ :‬يقول "‬ ‫ن عن النب ّ‬ ‫هرقل أبا سفيا ٍ‬ ‫الحاكم[ وسأل ِ‬
‫صدق والَعفاف‬ ‫ّ‬ ‫وال‬ ‫صلة‬ ‫ّ‬ ‫بال‬ ‫ويأمرنا‬ ‫"‬ ‫ً‬
‫ئا‬ ‫شي‬ ‫به‬ ‫تشركوا‬ ‫ول‬ ‫ده‬ ‫اعُبدوا الله وح َ‬
‫مه إلى المدينة‪،‬‬ ‫ل مقد ِ‬ ‫مر بها عليه الصلة والسلم أوّ َ‬ ‫صَلة ]متفق عليه[ وأ َ‬ ‫وال ّ‬
‫هبوا‬ ‫ل الناس إليه ـ أي‪ :‬ذ َ‬ ‫ة انجف َ‬ ‫ي المدين َ‬ ‫ما قدم النب ّ‬ ‫قال عبد الله بن سلم ‪ :‬ل ّ‬
‫سلم‬ ‫ل شيء سمعُته تكلم به أن قال " يا أّيها الناس ‪ ،‬أفشوا ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫إليه ـ فكان أوّ َ‬
‫صلوا بالليل والّناس ِنيام‪ ،‬تدخلوا الجّنة‬ ‫ّ‬ ‫م‪ ،‬و َ‬ ‫صلوا الرحا َ‬ ‫طعام ‪ ،‬و ِ‬ ‫‪ ،‬وأطِعموا ال ّ‬
‫ي قال أبو ذر‪ :‬أوصاني‬ ‫بسلم " ]رواه الترمذيّ وابن ماجه[ وهي وصّية النب ّ‬
‫ة ذوي القرَبى أمارةٌ‬ ‫صل ُ‬ ‫صلة الّرحم وإن أدب ََرت ]رواه الطبراني[ ف ِ‬ ‫خليِلي ب ِ‬
‫مه " ]متفق عليه[‬ ‫ح َ‬‫صل ر ِ‬ ‫من بالله واليوم ِ الخر فلي ِ‬ ‫على اليمان " من كان يؤ ِ‬
‫ن ِفى‬ ‫َ‬
‫مهم فقال عنهم }ل ي َْرقُُبو َ‬ ‫فاَر قريش على قطيعةِ رح ِ‬ ‫م الله ك ّ‬ ‫وقد ذ ّ‬
‫ة{‬ ‫م ً‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل وَل ذِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ُ‬
‫ل‬
‫ل وعل بوص ِ‬ ‫عد رّبنا ج ّ‬ ‫مه‪ ،‬وو َ‬ ‫ما من اس ِ‬ ‫ققَ لها اس ً‬ ‫م‪ ،‬وش َ‬ ‫*لقد خلق الله الرح َ‬
‫م وصله كل خير ولم يقطعه أحد‪ ،‬ومن ب ََتره‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫صله الرحي ُ‬ ‫من و َ‬ ‫من وصَلها‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مك ْرِم ٍ {‬ ‫من ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬


‫ه فَ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫من ي ُهِ ِ‬ ‫مد } وَ َ‬ ‫ش في ك َ َ‬ ‫الجّبار لم ُيعِله بشٌر وعا َ‬
‫حل أثر قاطِع‬ ‫ّ‬ ‫حل سريًعا كما يضم ِ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ل الّرحم طويل‪ ،‬فل يضم ِ‬ ‫والله ُيبقي أثَر واص ِ‬
‫ن أن‬ ‫ي عليه الصلة والسلم " قال الله للّرحم ‪ :‬أما ترضي َ‬ ‫الّرحم‪ ،‬قال النب ّ‬
‫ل من وصلك وأن أقطعَ من قطعك ؟ قالت ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬فذاك لك "‬ ‫أص َ‬
‫من وصلني ]وصله الله[ ومن‬ ‫م معّلقة بالعرش تقول ‪َ :‬‬ ‫]متفق عليه[ "والرح ُ‬
‫قطعني ]قطعه الله[ " ‪.‬‬
‫دهر‪ ،‬وترفع بأمرِ الله عن المرء الَبليا‪،‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ة الّرحم تدَفع بإذن الله نوائ َ‬ ‫*صل ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ف‬
‫ج ُ‬ ‫خلقَ { رجع بها تر ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫ما نزل على المصطفى } اقَْرأ ِبا ْ‬ ‫ل ّ‬
‫ملوني " فأخبَرها الخَبر‪ ،‬وقال " قد‬ ‫ة فقال ‪ " :‬ز ّ‬ ‫بوادُره حّتى دخل على خديج َ‬
‫ل‬‫دا إّنك لتص ُ‬ ‫ك الله أب ً‬ ‫سي " فقالت له‪ :‬كل ّ والله‪ ،‬ل يخزي َ‬ ‫ت على نف ِ‬ ‫خشي ُ‬
‫ضيف ]رواه البخاري[ ‪.‬‬ ‫م‪ ،‬وَتقري ال ّ‬ ‫سب المعدو َ‬ ‫ل ‪ ،‬وتك ِ‬ ‫َ‬
‫مل الك ّ‬ ‫الّرحم‪ ،‬وتح ِ‬
‫ة الُعمر‪ ،‬يقول‬ ‫ة للهل‪ ،‬وَبسط الّرزق‪ ،‬وبرك ُ‬ ‫ُ‬ ‫س ِبناء الحياة‪ ،‬محب ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫*صلةِ الّرحم أ ّ‬
‫سأة في الثر" ]رواه‬ ‫ل‪ ،‬من َ‬ ‫ة في الهل‪ ،‬مثراة في الما ِ‬ ‫صلة الّرحم محب ّ ٌ‬ ‫" ِ‬
‫سأ له في‬ ‫سط له في رزقه وُين َ‬ ‫ب أن ُيب َ‬ ‫أحمد[ وعند البخاريّ ومسلم " من أح ّ‬
‫ق‬‫ة الّرحم تكون سبًبا للتوفي ِ‬ ‫مه " قال ابن الّتين ‪ " :‬صل ُ‬ ‫صل رح َ‬ ‫أَثره فلي ِ‬
‫مت " ‪.‬‬ ‫ده الذكُر الجميل فكأّنه لم ي ُ‬ ‫ة‪ ،‬فيبقى بع َ‬ ‫والطاعةِ والصيانةِ عن المعصي ِ‬
‫من‬ ‫ِ‬ ‫"ما‬ ‫دينار‪:‬‬ ‫بن‬ ‫عمرو‬ ‫يقول‬ ‫العبادات‪،‬‬ ‫ص‬‫ّ‬ ‫أخ‬ ‫من‬ ‫* صلة الحرم عبادة ٌ جليلة ِ‬
‫جل في‬ ‫خطوةٍ إلى ذي الّرحم " ثواُبها مع ّ‬ ‫م أجًرا من َ‬ ‫طوةٍ بعد الفريضةِ أعظ ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬
‫جل ثواًبا‬ ‫ُ‬
‫ه فيه أعْ َ‬ ‫طيعَ الل ُ‬ ‫دخَر في الخرة ‪ ،‬قال " ليس شيء أ ِ‬ ‫مم ّ‬ ‫الدنيا ونعي ٌ‬
‫ق ذوي القرَبى موعود ٌ بالجّنة ‪،‬‬ ‫م بحقو ِ‬ ‫ي[ والقائ ُ‬ ‫صلةِ الرحم " ]رواه البيهق ّ‬ ‫من ِ‬
‫مقسط ‪ ،‬ورج ٌ‬
‫ل‬ ‫ن ُ‬ ‫ل الجنة ثلثة ‪ :‬ذو سلطا ٍ‬ ‫يقول عليه الصلة والسلم " أه ُ‬
‫دق "‬ ‫ي عفيف متص ّ‬ ‫ل غن ّ‬ ‫ل ذي ُقربى ومسلم ‪ ،‬ورج ٌ‬ ‫م رقيقُ القلب بك ّ‬ ‫رحي ٌ‬
‫]رواه مسلم[ ‪.‬‬
‫عرى القرابةِ وتزول العداوةُ‬ ‫وي الموّدة وتزيد ُ المحّبة وتتوّثق ُ‬ ‫*صلة الرحم تق َ‬
‫سعادة ‪.‬‬ ‫ل والشعور بال ّ‬ ‫ف والتواص ُ‬ ‫شحناء‪ ،‬فيها التعار ُ‬ ‫وال ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من‬ ‫ددة‪ ،‬ف ِ‬ ‫سرة وأبوابها متع ّ‬ ‫طرُقها مي ّ‬ ‫ن إلى القربين ُ‬ ‫صلة الّرحم والحسا ُ‬ ‫* ِ‬
‫ب في القول وطلقةٍ في‬ ‫معاملة ‪ ،‬إلى طي ٍ‬ ‫ن في ال ُ‬ ‫ّ‬
‫بشاشةٍ عند اللقاء ولي ٍ‬
‫ن‬
‫ة في الفراح ومواساةٌ في التراح‪ ،‬وإحسا ٌ‬ ‫صلت‪ ،‬مشارك ٌ‬ ‫تو ِ‬ ‫الوجه ‪ ،‬زيارا ٌ‬
‫ح لهم ‪ ،‬مساندةُ مكروِبهم‬ ‫ّ ُ‬ ‫نص‬ ‫وال‬ ‫حهم‬ ‫ُ‬ ‫نص‬ ‫‪،‬‬ ‫للمعروف‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫وبذ‬ ‫إلى المحتاج ‪،‬‬
‫مع‬ ‫مضاّرتهم‪ ،‬والمعنى الجا ِ‬ ‫ح عن عثراتهم ‪ ،‬وترك ُ‬ ‫وعيادةُ مريضهم‪ ،‬الصف ُ‬
‫ن الشّر ‪.‬‬ ‫نم َ‬ ‫كن من الخير‪ ،‬ودفعُ ما أمك َ‬ ‫ل ما أم َ‬ ‫لذلك كّله‪ :‬إيصا ُ‬
‫حسن‬ ‫تو ُ‬ ‫ب المنب َ ِ‬ ‫سعَةِ الُفق وطي ِ‬ ‫ة الّرحم أمارة ٌ على ك ََرم الّنفس و َ‬ ‫*صل ُ‬
‫ب عنهم لم‬ ‫من لم يذ ُ ّ‬ ‫ح لك‪ ،‬و َ‬ ‫ُ‬
‫صل ْ‬ ‫ح لهِله لم ي َ ْ‬ ‫ُ‬
‫صل ْ‬ ‫من لم ي َ ْ‬ ‫وفاء‪ ،‬ولهذا قيل‪َ :‬‬ ‫ال َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أنزِ َ‬
‫ل‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫ن ي َعْل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب البصيرة } أفَ َ‬ ‫دم عليها أولو الّتذكرةِ وأصحا ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ب عنك‪ ،‬ي ُ ْ‬ ‫يذ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫ب{ ‪.‬‬ ‫ما ي َت َذ َكُر أوْلوا اللَبا ِ‬ ‫مى إ ِن ّ َ‬ ‫ن هُوَ أعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ك َ‬ ‫ك ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬
‫ت َذا‬ ‫مسكين‪ ،‬قال عّز وج ّ‬ ‫َ‬
‫ل } َوآ ِ‬ ‫مَر الله بالّرأفة بهم كما نرأف بال ِ‬ ‫*الرحام أ َ‬
‫م على‬ ‫ل والعطاء مقد ّ ٌ‬ ‫قهم في البذ ِ‬ ‫ل{ح ّ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ َ‬ ‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ه َوال ِ‬ ‫ق ُ‬‫ح ّ‬‫قْرَبى َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ن قُ ْ‬ ‫ماَذا ُينفِ ُ‬ ‫سأُلون َ َ‬ ‫َ‬
‫خي ْ ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قت ُ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫ما أن َ‬ ‫ل َ‬ ‫قو َ‬ ‫ك َ‬ ‫مى والفقراء‪ ،‬قال سبحاَنه }ي َ ْ‬ ‫اليتا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل{ والسخاُء عليهم‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ ِ‬ ‫كي ِ‬‫سا ِ‬ ‫م َ‬‫مى َوال َ‬ ‫ن َوالي ََتا َ‬ ‫ن َوالقَْرِبي َ‬ ‫وال ِد َي ْ ِ‬‫فَل ِل ْ َ‬
‫ة على‬ ‫سلم " الصدق ُ‬ ‫صلة وال ّ‬ ‫ب العالمين‪ ،‬قال عليه ال ّ‬ ‫ف من ر ّ‬ ‫ب مضاع ٌ‬ ‫ثوا ٌ‬
‫من‬ ‫ُ‬
‫صلة " ]رواه الترمذي[ وأوّل َ‬ ‫ةو ِ‬ ‫المسكين صدقة‪ ،‬وعلى القريب صدق ٌ‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دق أبو طلحة رضي‬ ‫مسكَنة‪ ،‬تص ّ‬ ‫من ذوي ال َ‬ ‫من الصدقة هم القربون ِ‬ ‫طى ِ‬ ‫ُيع َ‬
‫مها أبو‬ ‫ي " أَرى أن تجعَلها في القربين " فقس َ‬ ‫الله عنه ببستاِنه ‪ ،‬فقال له النب ّ‬
‫ي الّنفس كريم‬ ‫ُ‬
‫مه ]متفق عليه[ فالباذل لهم سخ ّ‬ ‫طلحة على أقارِبه وبني ع ّ‬
‫ن إل ّ‬‫ٌ‬ ‫دي‬ ‫وعليه‬ ‫لي‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫قراب‬ ‫ذو‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫ما‬ ‫"‬ ‫الله‬ ‫رحمه‬ ‫ي‬
‫شَيم‪ ،‬يقول الشعب ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ت عنه دينه " ‪.‬‬ ‫وقضي ُ‬
‫من غيره قال سبحانه‬ ‫ص بالّرعاية والعنايةِ ِ‬ ‫*الجاُر من ذوي الرحام أخ ّ‬
‫ب{ فدعوُتهم وتوجيُههم‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ِبال َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬‫ب َوال ّ‬ ‫جن ُ ِ‬ ‫جارِ ال ْ ُ‬ ‫قْرَبى َوال ْ َ‬ ‫جارِ ِذي ال ْ ُ‬ ‫}َوال ْ َ‬
‫ك‬‫شيَرت َ َ‬ ‫َ‬ ‫رهم‪ ،‬قال ج ّ‬
‫ل وعل }وَأنذِْر عَ ِ‬ ‫م من غي ِ‬ ‫وإرشادهم وُنصحهم ألز ُ‬
‫َ‬
‫س‬
‫ن في الّتقديم ِ بخ ٌ‬ ‫ت مأمور به على أن ل يكو َ‬ ‫م ذوي القرابا ِ‬ ‫ن{ وإكرا ُ‬ ‫القَْرِبي َ‬
‫ن َذا قُْرَبى { ‪.‬‬ ‫كا َ‬ ‫م َفاعْدُِلوا وَل َوْ َ‬ ‫م لخرين‪ ،‬قال سبحانه }وَإ َِذا قُل ْت ُ ْ‬ ‫لحد ٍ أو هض ٌ‬
‫در‬
‫خلل‪ ،‬وتص ُ‬ ‫قعون في ال َ‬ ‫َ‬
‫حم غيُر معصومين‪ ،‬يتعّرضون للّزلل‪ ،‬وي َ‬ ‫ن ذوي الّر ِ‬ ‫*إ ّ‬
‫ب‬
‫در منهم شيٌء من ذلك فالَزم جان َ‬ ‫قعون في الكبيرة‪ ،‬فإن ب َ َ‬ ‫منهم الَهفوة‪ ،‬وي َ‬
‫عّزا‪،‬‬ ‫ّ‬
‫دا بعفو إل ِ‬ ‫شَيم المحسنين‪ ،‬وما زاد َ الله عب ً‬ ‫ن العفوَ من ِ‬ ‫العفوِ معهم‪ ،‬فإ ّ‬
‫عذَرهم إذا أخطؤوا‪ ،‬ولك في يوسف القدوة‬ ‫وقاِبل إساَءتهم بالحسان‪ ،‬واقبل ُ‬
‫ف ما فعلوا‪ ،‬وعندما اعتذروا قِبل‬ ‫ف مع يوس َ‬ ‫والسوة‪ ،‬فقد فعل إخوةُ يوس َ‬
‫ح الجميل‪ ،‬ولم يوّبخهم‪ ،‬بل دعا لهم وسأل الله‬ ‫فح عنهم الصف َ‬ ‫عذرهم وص َ‬
‫ن{‬ ‫مي‬ ‫ح‬ ‫را‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫غ‬‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ري‬‫ْ‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫}ل‬ ‫لهم‪،‬‬ ‫المغفرة َ‬
‫ْ َ ُ َ ْ َ ُ ّ ِ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ َ َ ْ ْ َ ْ َ َْ ِ ُ‬
‫ن الود ّ والخاء‬ ‫ج ِ‬ ‫ل العثرات‪ ،‬ت ْ‬ ‫لت‪ ،‬وأقِ ِ‬ ‫ف عن الّز ّ‬ ‫ت‪ ،‬واع ُ‬ ‫ض عن الهفوا ِ‬ ‫فغُ ّ‬
‫صلة الّرحم ولو‬ ‫ة والوفاء ‪ ،‬وداِوم على ِ‬ ‫ققُ فيك الشهام ُ‬ ‫ن والصفاء‪ ،‬وتتح ّ‬ ‫واللي َ‬
‫سن إليهم وإن أساؤوا‪ ،‬وَدع عنك‬ ‫قطعوا‪ ،‬وباِدر بالمغفرة وإن أخطؤوا‪ ،‬وأح ِ‬
‫كن جواد َ‬ ‫مك منهم‪ ،‬و ُ‬ ‫عتاَبك لهم في قطِع رح ِ‬ ‫ة القربين‪ ،‬ول تجَعل ِ‬ ‫محاسب َ‬
‫ح فإّنه من أسباب القطيعة‪ ،‬قال عليه‬ ‫ب الش ّ‬ ‫م العطاء‪ ،‬وجان ْ‬ ‫الّنفس كري َ‬
‫ح أهلك من كان قبلكم‪ ،‬أمرهم‬ ‫ن الش ّ‬ ‫ح‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫الصلة والسلم " إّياكم وال ّ‬
‫ظلم فظلموا‪ ،‬وأمرهم بالقطيعةِ فقطعوا " ]متفق‬ ‫خلوا‪ ،‬وأمرهم بال ّ‬ ‫بالُبخل فب ِ‬
‫ن بالحسان مكافأةٌ ومجازاة‪ ،‬ولكن الواص َ‬
‫ل‬ ‫ة الحسا ِ‬ ‫ن مقابل َ‬ ‫عليه[ واعلم أ ّ‬
‫س‬
‫ل عليه‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم " لي َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ل على صاحِبه‪ ،‬ول ي َُتف ّ‬ ‫ض ُ‬ ‫من َيتف ّ‬
‫صلها " ]رواه‬ ‫مه و َ‬ ‫من إذا قطَعت رح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الواص َ‬ ‫ل بالمكافئ‪ ،‬ولك ّ‬ ‫الواص ُ‬
‫حيريز‪ :‬ما حقّ الّرحم ؟ قال ‪ُ " :‬تسَتقَبل إذا‬ ‫م َ‬ ‫البخاري[ قيل لعبد الله بن ُ‬
‫ن لي‬ ‫َ‬
‫ي فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إ ّ‬ ‫ٌ‬
‫أقَبلت‪ ،‬وت ُت َْبع إذا أدَبرت " وجاء رجل إلى النب ّ‬
‫ي‪ ،‬وَأحِلم عليهم‬ ‫ّ‬ ‫إل‬ ‫يسيؤون‬ ‫سن إليهم و ُ‬
‫ُ‬
‫صلهم ويقطعونني‪ ،‬وأح ِ‬ ‫ةأ ِ‬ ‫قراب ً‬
‫ي‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم " لئن كان كما تقول فكأّنما‬ ‫ويجَهلون عل ّ‬
‫ت على ذلك " ]رواه مسلم[‬ ‫ل‪ ،‬ول يزال معك من الله ظهير ما دم َ‬ ‫م ّ‬ ‫فهم ال َ‬ ‫س ّ‬ ‫تُ ِ‬
‫‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ساك في‬ ‫ك على القرب ول ين َ‬ ‫مل ّ َ‬‫ط تزداد ُوثوًقا بالّرحم‪ ،‬وقريُبك ل ي َ َ‬ ‫*الرواب ُ‬
‫ب شّر وبلء‪ ،‬الّرابح فيها‬ ‫ل لك‪ ،‬ومعاداة القار ِ‬ ‫عّزه ُ عّز لك‪ ،‬وذ ُّله ذ ُ ّ‬ ‫الُبعد‪ِ ،‬‬
‫ذنوب‪ ،‬متوَعّد ٌ صاحُبها‬ ‫من كبائر ال ّ‬ ‫ة الّرحم ِ‬ ‫صر مهزوم‪ ،‬وقطيع ُ‬ ‫سر‪ ،‬والمنت ِ‬ ‫خا ِ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫بالّلعنةِ والثبور‪ ،‬قال تعالى }فَهَ ْ‬
‫دوا َ ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬
‫ف ِ‬ ‫ن تُ ْ‬
‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ن ت َوَلي ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫م إِ ْ‬ ‫سي ْت ُ ْ‬
‫ل عَ َ‬
‫م{‬ ‫صاَرهُ ْ‬‫مى أب ْ َ‬ ‫م وَأعْ َ‬ ‫مهُ ْ‬‫ص ّ‬ ‫ه فَأ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن ل َعَن َهُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫م * أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫حا َ‬
‫َ‬
‫قط ُّعوا أْر َ‬ ‫وَت ُ َ‬
‫ل العقوبة‪،‬‬ ‫ل الّنعمة وسوِء العاقبةِ وتعجي ِ‬ ‫ن بزوا ِ‬ ‫فالتدابُر بين ذِوي القرَبى مؤذِ ٌ‬
‫ة قاطع " ]رواه البخاري[ فعقوبُتها‬ ‫قال عليه الصلة والسلم " ل يدخل الجن ّ َ‬
‫َ‬
‫جل الله‬ ‫ب أجدر أن يع ّ‬ ‫من ذن ٍ‬ ‫ي " ما ِ‬ ‫ل الخرة‪ ،‬يقول النب ّ‬ ‫دنيا قب َ‬ ‫جلة في ال ّ‬ ‫مع ّ‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دخره له في الخرة من البغي ـ أي ‪ :‬الظلم‬ ‫دنيا مع ما ي ّ‬ ‫ة في ال ّ‬ ‫لصاحِبه العقوب َ‬


‫ـ وقطيعةِ الرحم " ]رواه الترمذي[‬
‫م‪،‬‬
‫م والغ ّ‬ ‫ة لله ّ‬ ‫مجلب ٌ‬‫َ‬ ‫ف والتفّرق‪ُ ،‬‬ ‫ضع ِ‬ ‫صغار وال ّ‬ ‫ب للذِّلة وال ّ‬ ‫*قطيعة الرحم سب ٌ‬
‫صدقٌ في الخاء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ول‬ ‫وفاء‪،‬‬ ‫منه‬ ‫جى‬ ‫ير‬
‫ُ َ‬ ‫ول‬ ‫مؤاخاة‪،‬‬ ‫على‬ ‫بت‬ ‫فقاطعُ الّرحم ل يث ُ‬
‫هر‬
‫قى من مظا ِ‬ ‫ت الحِتقار‪ ،‬مهما تل ّ‬ ‫حقٌ بنظرا ِ‬ ‫يشعر بقطيعةِ الله له‪ ،‬مل َ‬
‫من الجلوس مع‬ ‫حشون ِ‬ ‫التبجيل‪ ،‬لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يستو ِ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫ج على ك ّ‬ ‫ُ‬
‫ل قاطِع رحم ٍ ل َ‬ ‫طع الّرحم‪ ،‬يقول أبو هريرة رضي الله عنه ) أحّر ُ‬ ‫قا ِ‬
‫سا في حلقةٍ بعد َ الصبح‬ ‫قام من عندنا ( وكان ابن مسعود رضي الله عنه جال ً‬
‫ُ‬
‫ب‬ ‫ن أبوا َ‬ ‫ما قام عّنا فإّنا نريد ُ أن ندعوَ رّبنا‪ ،‬وإ ّ‬ ‫شد ُ الله قاطعَ رحم ٍ ل َ َ‬ ‫فقال ) أن ْ ِ‬
‫طع الّرحم ( ومن كان بينه وبين رحم ٍ له‬ ‫ن قا ِ‬ ‫ة ـ أي‪ :‬مغلقة ـ دو َ‬ ‫ج ٌ‬
‫مرت َ َ‬‫السماء ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{‬ ‫جُرهُ عَلى الل ِ‬ ‫ح فَأ ْ‬ ‫صل َ‬ ‫فا وَأ ْ‬ ‫ن عَ َ‬‫م ْ‬‫ف وليصفح }فَ َ‬ ‫صلة ‪ ،‬وليع ُ‬ ‫عداوة فليباِدر بال ّ‬
‫ن‬
‫ب الَدب مع ذوي القرَبى‪ ،‬فإ ّ‬ ‫صلة‪ ،‬والَزم جان َ‬ ‫خُلق تأثيًرا في ال ّ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫حس ِ‬ ‫نل ُ‬ ‫وإ ّ‬
‫ت الموّدة‬ ‫ب المحّبة وإثبا ِ‬ ‫سه‪ ،‬وللهدي ّةِ أثٌر في اجتل ِ‬ ‫فظ لساَنه أراح نف َ‬ ‫َ‬ ‫ح ِ‬‫من َ‬ ‫َ‬
‫ف القلوب ‪.‬‬ ‫ب الضغائن وتألي ِ‬ ‫وإذها ِ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫صلح الحديبية ) ذي القعدة ‪ ،‬سنة ‪ 6‬هجرية (‬


‫في ذي القعدة من العام السادس الهجري خرج الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم للعمرة في جمع من أصحابه يبلغ عددهم في ارجح الروايات ألف‬
‫وأربعمائة من المسلمين المهاجرين والنصار ومن لحق به من حلفائه العرب‬
‫وأخذ معه عليه الصلة والسلم سبعينة بهيمة من الهدي ‪ ،‬الغنام والضاحي‬
‫وقيل في ذلك أن عدد المسلمين كان سبعمائة فقط ‪ ،‬أي كل عشر ة لهم‬
‫هدي واحد ‪ ،‬وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم في المسيرة وقد أحرم مع‬
‫أصحابه ليأمن الناس ويعلموا أن مقصده زيارة بيت الله الحرام ‪ .‬التقى عليه‬
‫السلم برجل يسمى " بشر بن سفيان الكعبي " فقال له ‪ :‬يا رسول الله قد‬
‫علمت قريش بخروجك وخرجت برجالها وابلها وهم في مكان قرب مكة‬
‫ويتزعم فرسانهم خالد بن الوليد ‪ .‬فقال عليه السلم " يا ويح قريش لقد‬
‫أكلتهم الحرب ‪.‬‬
‫ثم طلب عليه الصلة والسلم من رجل من المسلمين أن يدله على طريق‬
‫غير طريق التي تقف فيها قريش ‪ .‬فسار الرجل في مقدمة المسلمين ‪،‬‬
‫يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه إلى طريق آخر غير طريق‬
‫قريش وكان طريقا وعرا أجهد المسلمين ‪ ،‬فلما رأى ذلك الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم طلب من أصحابه أن يستغفروا الله ويتوبوا إليه ‪ ،‬ولما شاهدت‬
‫قريش الغبار الذي يثره المسلمون قاصدين طريقا آخر عادوا إلى مكة‬
‫مسرعين خوفا من دخول المسلمين من وموضع آخر ‪ ،‬والتقى الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم في طريقه برجال من خزاعة وهي قبيلة عربية فلما سألوه‬
‫عن الذي جاء به اخبرهم عليه الصلة والسلم انه جاء لزيارة البيت ‪ .‬ولم‬
‫يقصد الحرب والقتال ‪ .‬عاد القوم إلى مكة يقولون للكفار ‪ .‬يا معشر‬
‫قريش !! إنكم استعجلتم في الحكم على محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬انه‬
‫لم يأت للقتال وانما جاء زائرا هذا البيت ‪ ..‬فاقسموا أل يدخل مكة عليهم أبدا‬
‫‪.‬‬
‫طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن‬
‫يذهب إلى مكة ليبلغ أشرافها هدف مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى مكة ‪ .‬فقال عمر رضي الله عنه " يا رسول الله إني أخاف قريش على‬
‫نفسي ‪ ،‬وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ‪ ،‬يقصد أهله وقبيلته‬
‫وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها " وأشار عمر أن يبعث‬
‫الرسول عثمان بدل منه قائل " انه رجل أعز مني ‪ .‬وكان اختيار عمر‬
‫صحيحا ‪ .‬لنه يعرف مكانة عثمان لديهم ‪ .‬وقوة أبناء عمومته في قريش‬
‫تجعلهم ل يفكرون في قتله ‪.‬‬
‫ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم على رأي صاحبه وخرج عثمان قاصدا‬
‫مكة ليفاوض أهلها على السماح بدخول المسلمين بقصد الطواف بالبيت‬
‫العتيق ‪ .‬ولما وصل عثمان إلى مشارف أم القرى ‪ ،‬لقيه رجل من أهله هو‬
‫أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وجعله في حمايته حتى وصل إلى زعيمهم‬
‫أبي سفيان وحوله أشراف قريش ‪ ،‬بلغهم رسالة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ .‬فأجابوه إن شئت أن تطوف بالبيت فطف ‪ . !..‬فقال لن افعل حتى‬
‫يطوف معي رسول الله ‪ .‬فاحتجزه الكفار في مكة ‪ .‬وبلغ المسلمين انهم‬
‫قتلوه ‪ ،‬فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على القتال حتى الموت ‪.‬‬
‫وسميت بيعة الرضوان لنها كانت تحت الشجرة ونزلت فيها اليات التالية‬
‫) سورة الفتح ‪ 18/19‬ثم جاءت أخبار عثمان من مكة بأنه لم يقتل ‪ ،‬وخبر‬
‫مقتله غير صحيح ‪ .‬وبعث الكفار رجل منهم وهو سهيل بن عمرو العامري ‪.‬‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفاوضه في الصلح وكان شرطهم‬
‫الول أن ل يدخل الرسول مكة هذا العام ‪ .‬وتفاوض سهيل مع الرسول طويل‬
‫ثم جرى بينهما الصلح ولما سمع عمر شروط الصلح وقف غاضبا يقول ‪ :‬يا‬
‫رسول الله الست برسول الله ‪ .‬قال عليه الصلة والسلم ‪ :‬بلى ‪ ..‬قال عمر‬
‫متسائل أو ليسوا بالمشركين ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ ..‬فأجاب عمر ‪ :‬فعلم نعطي‬
‫الدنية في ديننا ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أنا عبد الله ورسوله‬
‫ولن أخالف أمره ولن يضيعني ‪..‬‬
‫ثم دعا رسول الله علي بن أبي طالب ليكتب كتاب الصلح بين المسلمين‬
‫وقريش ‪ ،‬فقال عليه السلم ‪ :‬اكتب يا علي ‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم ‪..‬‬
‫فقال سهيل بن عمرو ‪ :‬ل أعرف هذا اكتب باسمك اللهم …‪ .‬فكتبها علي‬
‫رضي الله عنه …ثم اكمل الرسول يملي عليا ‪ )) ..‬هذا ما صالح عليه محمد‬
‫رسول الله سهيل بن عمرو (( ‪ .‬فقال سهيل لو شهدت انك رسول الله لم‬
‫أقاتلك ‪ ..‬ولكن اكتب اسمك واسم ابيك ‪ .‬فقال الرسول صلوات الله وسلمه‬
‫عليه ‪ :..‬اكتب يا علي )) هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن‬
‫عمرو (( ‪ .‬وأمله شروط الصلح كما يلي ‪ :‬أن تضع الحرب أوزارها بين‬
‫الفريقين لمدة عشر سنوات ‪ .‬أن يرد الرسول من يأتيه من قريش مسلما‬
‫بدون إذن وليه ‪..‬‬
‫ل تلتزم قريش برد من يأتي إليها من عند محمد ‪ .‬من أحب الدخول في عقد‬
‫قريش وعهدها فله ذلك ‪ ..‬ومن أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش‬
‫دخل فيه ‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا العام من غير عمرة ‪ ،‬على أن‬
‫يأتي في العام التالي فيدخل مكة مع أصحابه بعد أن تخرج منها قريش ويقيم‬
‫فيها ثلثة أيام وليس معهم من السلح إل السيوف ‪..‬‬
‫أحس المسلمون بخيبة أمل ورأوا أن الصلح فيه تساهل كبير من ناحيتهم‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتشددا من قريش ولذلك عندما أمرهم الرسول أن ينحروا ثم يحلقوا لم يقم‬


‫منهم أحد ‪ ،‬رغم أنه كرر ذلك ثلث مرات ‪ .‬حزن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ودخل على زوجته " أم سلمة " أم المؤمنين وذكر لها ما لقيه من‬
‫المسلمين فقالت ‪ :‬يا نبي الله أتحب أن يطيعوك فيما أردت ؟ إذن فاخرج ول‬
‫تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنتك ‪ ،‬وتدعوا حالقك فيحلق شعرك ‪ .‬ففعل عليه‬
‫الصلة والسلم بمشورة أم المؤمنين ‪ .‬فلما رأى المسلمون ذلك قاموا جميعا‬
‫ونحروا وصار بعضهم يحلق للخر ‪ .‬وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫حكيما ‪ ،‬في عقده صلح الحديبية ‪ ،‬فقد أمن شر قريش لمدة عشر سنوات‬
‫قادمة ‪ ،‬جعلته يتهيأ لنشر الدعوة خارج قريش ‪ ،‬وفي جميع أرجاء الجزيرة‬
‫العربية ‪ .‬وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في موكب صحابي‬
‫جليل ‪ ،‬فيه رضى بما قسم الله لهم ‪ .‬وفي طريق العودة نزلت سورة الفتح‬
‫التي بشرت الرسول بفتح قريب ‪ ،‬قال تعالى )) سورة الفتح ‪. 1،2،3‬‬
‫فاستبشر الصحابة بهذه البشرى العظيمة ‪ ،‬وسكنت قلوب المسلمين وراحوا‬
‫يستغفرون الله ‪ ،‬وكان عمر بن الخطاب يقول ‪ )) :‬مازلت أتصدق وأصوم‬
‫واصلي واعتق في الذي صنعت يومئذ ) يقصد يوم الصلح ( مخافة كلمي‬
‫الذي تكلمت به ‪ ،‬حتى رجوت أن يكون خيرا (( ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫صمام المان ‪3- 1‬‬


‫الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح‬
‫الخطبة الولى ‪:‬‬
‫أما بعد أيها الخوة المؤمنون‬
‫موضوعنا خطير‪ ،‬وأثره كبير‪ ،‬ونفعه إن تحقق عظيم‪ ،‬وضرره إن تخلف‬
‫جسيم‪ ،‬انتبهوا جيدا‪ ،‬وأصغوا بقلوبكم قبل آذانكم‪ ،‬مقالت أبتدئ بها هذا‬
‫الحديث لؤكد على أهمية والعظمة‪ ،‬قال الغزالي رحمه الله –عن موضوعنا‪:-‬‬
‫"هو القطب العظم في الدين‪ ،‬وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين‬
‫أجمعين‪ ،‬ولو طوي بساطه‪ ،‬وأهمل عمله‪ ،‬لتعطلت النبوة‪ ،‬واضمحلت الديانة‬
‫وعمت الفتنة وفشت الضللة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع‬
‫الخرق وخربت البلد وهلك العباد " ‪ .‬نسأل الله عز وجل السلمة ‪.‬‬
‫ويقول أبو بكر بن العربي أيضا ً في موضوعنا ‪" :‬هو ابتداء الدين والسلم وهو‬
‫انتهاءه " ‪.‬‬
‫ويقول القرطبي ‪" :‬هو فائدة الرسالة وخلفة النبوة " ‪.‬‬
‫ويقول النووي رحمه الله كذلك ‪" :‬هو باب عظيم به قوام المر وهلكه " ‪.‬‬
‫فهل جال بخاطركم ما هو هذا المر ؟ هل هو التوحيد وشهادة أن ل إله إل‬
‫الله وأن محمد رسول الله‪ ،‬كل ذلك يصدق عليها لكن هذا ل يخفى على‬
‫أحد ! هل هو فرائض العبادات كالصلة أو غيرها ‪ ،‬كذلك المر فيها عظيم !‬
‫غير أن العلم بها وافر‪ ،‬إنه أمر له كل هذه العظمة‪ ,‬ومع ذلك ل يكاد يلتفت‬
‫ل عراه‪ ،‬وتغيب‬ ‫الناس إلى أهميته‪ ،‬وزمنا بعد زمن‪ ،‬وعصرا ً بعد عصر تنح ّ‬
‫شمسه‪ ،‬وتذوي جذوته‪ ،‬والمر يشتد خطرا ً ويعظم ضررًا‪ ،‬وكثيرون ما زالوا‬
‫عنه غافلين وبه غير عارفين‪ ،‬وعنه غير سائلين ‪ ..‬هل أدركتم ما هو ؟‬
‫أحسب أن بعضا قد أدرك وربما كثيرون لم يدركوا ‪ ..‬إنه قطب الرحى صمام‬
‫المان ‪ ،‬خصيصة هذه المة‪ ،‬سمة الدين والعبودية الحقة ‪ ..‬إنه المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هل ُندرك أن له هذه العظمة ؟ هل ندرك لما قال أولئك العلماء الفذاذ هذه‬
‫المقالت ؟ لم يأتوا بها من عقولهم ول من بنات أفكارهم‪ ،‬جاءوا بها من نور‬
‫قرآنهم ومن هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومضات سريعة ننظر فيها إلى هذه الشعيرة في إسلمنا وقرآننا وهدي نبينا‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإن ما أذكره ما هو إل غيظ من فيض وقليل من كثير‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬حقيقة العبودية‪:‬‬
‫أكثر الناس يظنها في حفظ الصلة والمواظبة على الصيام ومتابعة الحج‬
‫والعمرة وإخراج الزكاة وليس وراء ذلك شيء‪ ،‬استمع لقول الحق سبحانه‬
‫وتعالى‪ } :‬الذين إن مكناهم في الرض أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا‬
‫بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة المور { ‪.‬‬
‫انظر إلى الوصاف المتعلقة بأهل اليمان ‪} :‬التائبون العابدون الحامدون‬
‫السائحون الراكعون الساجدون المرون بالمعروف والناهون عن المنكر‬
‫والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين {‬
‫الصفة ملزمة لحقيقة العبودية وأداء الركان والفرائض‪ ،‬قال ابن كثير في‬
‫تعليقه وتفسيره لهذه الية قال ‪" :‬ينفعون خلق الله ويرشدونهم إلى طاعة‬
‫الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر مع العلم بما ينبغي فعله ويجب‬
‫ل‪ ،‬فقاموا بعبادة‬‫تركه وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه علما ً وعم ً‬
‫الحق ونصح الخلق " ‪.‬‬
‫أمران متلزمان في دين السلم‪ ،‬ل تكمل العبودية إل بهما‪ ،‬عبودية الحق‬
‫ونصح الخلق‪.‬‬
‫واستمع كذلك إلى الوصية العظيمة التي جاءت بها آيات القرآن تعليما ً‬
‫وتوجيها ً وتذكيرا ً وتربية لنا‪ ،‬وصية لقمان ‪ } :‬يا بني أقم الصلة وأمر‬
‫بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم المور { ‪.‬‬
‫تأمل هذا التتابع في سائر اليات بعد ذكر الصلوات بعد سرد العبادات تأتي‬
‫هذه الشعيرة ظاهرة واضحة‪.‬‬
‫قال الرازي في تفسيره‪" :‬إذا أكملت نفسك بعبادة فكمل غيرك‪ ،‬فإن شغل‬
‫النبياء وورثتهم من العلماء هو أن يكملوا في أنفسهم ويكملوا غيرهم "‬
‫فهل نفقه ذلك من سمت عبوديتنا وحقيقة ربانيتنا ؟‬
‫ثانيا‪ :‬سبب الخيرية‪:‬‬
‫وكلنا يحفظ الية وكلنا يرددها } كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون‬
‫بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا‬
‫لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون{‬
‫تأمل هذا المعنى أيضا خيرية واضح نصها وسببها وتقديم المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر بالحتفاء به وبيان أهميته وتوكيده بتعقيبه بالمر الذي ل‬
‫خلف فيه وهو اليمان بالله عز وجل‪ ،‬روى ابن جرير في تفسيره عن قتادة‬
‫قال‪ :‬بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها رأى من الناس‬
‫رعة –أي نوعا من سوء الدب والطيش والسفه‪ -‬قال رأى من الناس رعة‬
‫فقرأ الية ‪} :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن‬
‫المنكر وتؤمنون بالله{ ‪ ،‬ثم قال‪" :‬من سره أن يكون من هذه المة فليؤدي‬
‫شرط الله فيها " ‪.‬‬
‫قال ابن كثير ‪ " :‬ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله جل‬
‫وعل بقوله‪} :‬كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه{ ثم قال‪ :‬ولما مدح الله في‬
‫هذه الية المة بهذه الصفات شرع بعد ذلك في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم‬
‫فقال‪} :‬ولو آمن أهل الكتاب{"‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فهل نفقه أيضا أن سر خيريتنا وتشريفنا وتفضيلنا وتقديمنا مربطه وأساسه‬


‫وقطب رحاه هو هذه الشعيرة‪ ،‬ومتى فقدناها فقدنا من الخيرية بقدر ما نفقد‬
‫منها أو نفرط فيها‪.‬‬
‫وهل نكاد اليوم نضع الصبع على الداء ونكشف بالنور موضع الخلل‪ ،‬فندرك‬
‫أن كثيرا مما أصابنا من هواننا وضعفنا وخلفنا وفرقتنا سببه تفريطنا في‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬سمة اليمان‬
‫شعيرة تفرق بين اليمان والنفاق جدير أن يعض عليها المؤمن بالنواجذ ‪ ،‬وأن‬
‫يقبض عليها بكلتا يديه ولو كانت كجمر متقد ؛ لئل يخرج من سمة اليمان إلى‬
‫وصف النفاق والعياذ بالله‪ ،‬الله جل وعل يقول‪} :‬والمؤمنون والمؤمنات‬
‫بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر{‬
‫تلك سمتهم بصيغة المضارع الدال على الستمرار‪ ،‬ولء يقتضي ذلك المر‬
‫والنهي‪ ،‬يقتضي النصح والتقويم والتكميل‪ ،‬وفي جهة مقابلة ‪} :‬والمنافقون‬
‫والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف{‬
‫كم نرى من صورة لهذا في واقع أمتنا‪ ،‬كم نرى به من لسان ناطق‪ ،‬كم نرى‬
‫فيه من مشهد حي عبر القنوات‪ ،‬وصور فاتنة آثمة على الصفحات‪ ،‬كم نرى‬
‫له من رواج قد غضت عنه العيون فكأنها ل ترى‪ ،‬وخرست عن إنكاره اللسن‬
‫فكأنها ل تنطق‪ ،‬وربما لم تشمئز منه القلوب ولم تنقبض منه النفوس‪ ،‬فكأنما‬
‫قد غاب عنها هذا الشعور حتى في داخلها‪ ،‬في سويداء قلوبها وأعماق‬
‫نفوسها ‪.‬‬
‫تأمل هذا وتأمل ما رواه المام أحمد في مسنده عن درة بنت أبي لهب‬
‫قالت‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقام رجل فقال‪ :‬يا‬
‫رسول الله من خير الناس‪ ،‬قال‪ ) :‬خير الناس أتقاهم لله وآمرهم بالمعروف‬
‫وأنكرهم للمنكر وأوصلهم للرحم ( أو كما قال صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال البيهقي رحمه الله في شعب اليمان‪" :‬إن الله جعل المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر فرق ما بين المؤمنين والمنافقين –ثم قال رحمه الله‪-‬‬
‫وثبت بذلك أن أخص أوصاف المؤمنين وأقواها دللة على صحة عقيدتهم‬
‫وسلمة سريرتهم هو المر بالمعروف والنهي عن المنكر "‪.‬‬
‫والبرهان الصادق على اليمان الراسخ واليقين العظيم‪ ،‬واليمان الصادق‬
‫الدال على الغيرة والحمية اليمانية‪ ،‬هو الكاشف عن حقيقة ما يستقر في‬
‫النفس والقلب من حب الله وحب أوامره وبغض من يبغض الله أو يعاديه أو‬
‫يعادي أوليائه وأحبابه ودعاته‪ ،‬تلك هي السمة الفارقة‪ ،‬فهل نزن أنفسنا‪ ،‬وهل‬
‫نعرف المعيار الذي قد نخرج به والعياذ بالله من سمة اليمان إلى وصف‬
‫النفاق‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أمر مهم ضابط الصلح والمان‬
‫إنه ل سلمة للمجتمعات ول استقامة لها‪ ،‬ول دوام لحسن وصلح أحوالها إل‬
‫بهذه الشعيرة }فلول كان من القرون من قبلكم أول بقية ينهون عن الفساد‬
‫في الرض إل قليل ممن أنجينا منهم{‬
‫آية عظيمة تخبرنا عن سر وسبب الفساد والنحلل الذي جرى عبر القرون‬
‫المتتابعة كيف انحلت واضمحلت الديانة؟ كيف ضعفت أنوار النبوة عبر‬
‫التاريخ رسول إثر رسول وأمة إثر أمة؟‬
‫}فلول كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الرض{‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لو كان في كل أمة بقية صالحة مصلحة ل تكتفي بصلح نفسها وعبادة ربها‬
‫بل تتجاوز ذلك إلى إصلح غيرها أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر لكان الحال‬
‫على غير الحال‪ ،‬ولكان الخير أوسع دائرة والصلح أظهر وضوحا مما هو المر‬
‫عليه‪.‬‬
‫وجاء الستثناء للبقية }إل قليل ً ممن أنجينا منهم{ تلك القلة التي تقوم بالمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر يصرف الله بها ما شاء من البلء‪ ،‬ويكون لها‬
‫ذلك السبب السعادة والنجاة في الدنيا والخرة بإذن الله عز وجل ‪.‬‬
‫قال السعدي في تفسير هذه الية‪ " :‬في هذا حث للمة أن يكون فيهم بقايا‬
‫مصلحون لما أفسد الناس‪ ،‬قائمون بدين الله يدعون من ضل إلى الهدى‬
‫ويصبرون منهم على الذى ويبصرونهم من العمى‪ ،‬وهذه الحالة أفضل حالة‬
‫يرغب فيها الراغبون وصاحبها يكون إماما في الدين إذا جعل عمله خالصا‬
‫لرب العالمين "‬
‫أتدرون ما شر انتشار أو كثرة الفساد‪ ،‬ألسنا نشكو اليوم أكثر شكوى مما كنا‬
‫نشكو منه بالمس‪ ،‬أتسمعون الحديث الصحيح المتفق عليه من قول أم‬
‫المؤمنين تسأل المصطفى صلى الله عليه وسلم‪ :‬أنهلك وفينا الصالحون ؟!‬
‫فأجاب بلسان النبوة الصادق الذي ل ينطق عن الهوى‪ ،‬قال ‪ ) :‬نعم‪ ،‬إذا كثر‬
‫الخبث(‬
‫وكلنا أو معظمنا يحفظ حديث السفينة‪ ،‬قوم في أعلها وقوم في أسفلها‪ ،‬إن‬
‫تركوا من في السفل يخرق غرقوا وهلكوا وهلكوا جميعا‪ ،‬وإن أخذوا على‬
‫يده نجوا ونجوا جميعا‪ ،‬ليس ثمة تصوير أبلغ من أثر ترك النهي عن المنكر‬
‫والمر بالمعروف ومآله الوخيم وعاقبته الجسيمة وضرره العميم من مثل هذا‬
‫الحديث النبوي العظيم‪.‬‬
‫وروى المام أحمد والطحاوي بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال‪ ) :‬إن الناس إذا رأوا المنكر ول يغيرونه أوشك الله أن يعمهم بعقابه (‬
‫‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وذلك أمر واضح ذكره العلماء وبينوه‪ ،‬قال ابن العربي رحمه الله في هذا‬
‫المعنى ‪ " :‬الذنوب منها ما يعجل الله عقوبته‪ ،‬ومنها ما يمهل الله به إلى‬
‫الخرة‪ ،‬والسكوت عن المنكر تتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الموال‬
‫والنفس والثمرات وركوب الذل من الظلمة للخلق " ‪.‬‬
‫وقال بلل بن سعد رحمه الله‪" :‬إن المعصية إذا خفيت لم تضر إل صاحبها‪،‬‬
‫وإذا أعلنت فلم تغير ضرت العامة "‬
‫وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال‪ " :‬إن الله ل يعذب العامة بذنب‬
‫الخاصة لكن إذا عمل المنكر جهارا استحقوا كلهم العقوبة " ‪.‬‬
‫هل نمضي ونزيد ؟!‬
‫أحسب في هذا كفاية لندرك عظمة هذا المر‪ ،‬هو قطب الرحى هو صمام‬
‫المان‪ ،‬هو سمت العبودية واليمان‪ ،‬هو مناط الخيرية والتقدم‪ ،‬هو الذي به‬
‫يكون لنا تقويم كل اعوجاج وتصويب كل خطأ واستدراك كل نقص‪ ،‬به نضيق‬
‫دائرة الفساد ونردم منابعها‪ ،‬به نجعل القلوب حية مشرقة مفرقة بين الحق‬
‫والباطل‪ ،‬يبقى لها ذلك السمت اليماني الذي ذكره النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فيما رواه الترمذي من حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه يوم قال‬
‫له سيد الخلق صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬استفت قلبك وإن أفتاك الناس‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأفتوك ( ‪.‬‬
‫وبين له الثم فقال‪ ) :‬الثم ما حك في القلب وتردد في الصدر وكرهت أن‬
‫يطلع عليه الناس (‬
‫أين هذه القلوب التي تشمئز وتنفر وتضيق وتتبرم بالمنكر إذا رأته أو سمعت‬
‫عنه‪ ،‬هل هي صاحبة الفرقان المذكور في قول الحق جل وعل ‪} :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم { ‪.‬‬
‫يجعل في قلوبكم من اليمان وشفافيته ونورانيته ما تميزون به بين الحق‬
‫والباطل والخير والشر‪ ،‬وإن لم يكن لكم عندكم فيه برهان أو دليل واضح أو‬
‫علم سابق ؛ لن النفس المؤمنة والقلب المشرق باليمان ينفر بطبعه بما‬
‫وقر فيه من كل معصية ومنكر‪ ،‬يضيق الصدر إذا فقد بعض الناس أموالهم‬
‫كما أسلفنا في السهم‪ ،‬تنزل الدمعة من أعين الناس إذا فقدوا حبيبا أو قريبا‬
‫أو حلت بهم نكبة‪ ،‬يعظم الهم ويتعاظم الغم إذا حصل كذا وكذا‪ ،‬فأين مثل‬
‫هذا أو شبهه إذا وقعت المنكرات وعمت ولم تجد لسانا بالمنكر ناطقا‪ ،‬ول يدا‬
‫له كاتبة أو مانعة‪ ،‬أين هذا من قلوبنا ونفوسنا‪ ،‬أليس ذلك جديرا بأن نقف‬
‫عنده وقفات‪ ،‬وإن ملنا المساجد بالصلوات‪ ،‬وإن أكثرنا من الصيام والتلوات‬
‫والدعوات ؛ فإن دين الله عز وجل شامل كامل‪ ،‬وإن هدي المصطفى صلى‬
‫الله عليه وسلم قد بين لنا أن من وقر اليمان في قلبه وتحقق بالعبادة في‬
‫حياته ل يملك إل أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر‪ ،‬ل يستقيم له حال ل‬
‫يطمئن له قلب‪ ،‬ل يلين له جنب إلى أن يرى الحق ظاهرا والمنكر متواريا‪،‬‬
‫فإذا تغير المر كان الحال على غير الحال‪ ،‬كلنا يدرك هذا المعنى وكلنا‬
‫مخاطب به وأول من يخاطب به ولة أمورنا من حكامنا وعلمائنا‪ ،‬وإن كان‬
‫ذلك ل يعفي آحادنا من المسئولية بأي حال من الحوال‪.‬‬
‫يقول الحق سبحانه وتعالى‪} :‬لول ينهاهم الربانيون والحبار عن قولهم الثم‬
‫وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون {‬
‫قال الضحاك رحمه الله في هذه الية‪" :‬ما في القرآن آية أخوف عندي منها‬
‫أننا ل ننهى"‬
‫}لول ينهاهم الربانيون والحبار عن قولهم الثم وأكلهم السحت لبئس ما‬
‫كانوا يصنعون{‬
‫قال‪ :‬إنها تخيفني‪ ،‬أولئك أحبار وربانيون وفي أمتنا علماء وأهل علم بكتاب‬
‫الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم مسؤولية عظيمة ‪.‬‬
‫نقل ابن جرير في تفسيره قوله بعدما ساق من أقوال السلف في هذه الية‬
‫قال‪:‬‬
‫"وكان العلماء يقولون ما في القرآن آية أشد توبيخا للعلماء من هذه الية ول‬
‫أخوف عليهم منها"‬
‫فإلى علمائنا وإلى دعاتنا نبض قلوبنا ونظرة عيوننا‪ ،‬وتعلق أبصارنا بدوركم‬
‫بقولكم بوقفاتكم بإحقاقكم للحق‪ ،‬بإعلئكم رايته‪ ،‬بثباتكم على الحق والمبدأ‪،‬‬
‫باستنصاركم بالله وعزتكم به وعدم خوفكم من الباطل وأهله مهما كانت‬
‫سطوتهم وقوتهم‪.‬‬
‫وإلينا جميعا كذلك‪ ،‬فإن النصوص الشرعية تخاطبنا فردا فردا‪ ،‬هل نريد‬
‫بالعبادات والطاعات أجرا وتكثيرا لحسناتنا ونريد تكفيرا لسيئاتنا ذلكم كذلك‬
‫في هذه الشعيرة العظيمة ) من دل على خير فله أجره وأجر من عمله إلى‬
‫يوم القيامة ل ينقص ذلك من أجورهم شيئا ( ‪.‬‬
‫)لئن يهدي الله بك رجل واحدا خير لك من حمر النعم( ‪.‬‬
‫ثم في المقابل في التكفير يأتي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم الذي قال فيه‪ ) :‬فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره‬
‫يكفرها الصيام والصلة والصدقة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وكلنا يعلم كذلك الدوائر المهمة التي نحتاج أن ننتبه لها‪ ،‬لعل قائل يقول‪:‬‬
‫مالك جئتنا بهذا الموضوع ولم تعظمه علينا وتجعله كعبء وحمل ثقيل بل‬
‫كجبال عظيمة فوق رؤوسنا أقول هذا سؤال تعرفون جوابه‪ ،‬فإننا نرى المنكر‬
‫يجوس خلل الديار‪ ،‬ويدخل إلى عقر بيوتنا‪ ،‬ويشيع بيننا‪ ،‬وفي هذه البلد بلد‬
‫الحرمين الشريفين التي لها كرامة عظيمة بما فيها من هذين البيتين‬
‫العظيمين والمدينتين المقدستين وما فيها من دستور ونظام حكم يدل في‬
‫كل حرف من حروفه وكلمة من كلماته على الستمساك بالشرع والكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وتنص أنظمتها كلها من حيث دللتها وصياغتها على التزام السلم‬
‫وعدم ارتكاب ما يخالفه‪ ،‬نرى في الواقع صورا كثيرة تزداد دوائرها وتتسع‬
‫وتتنوع صورها‪ ،‬وقد آلمني الكثير والكثير مما يرى ثم يزداد ثم يتعاظم‪ ،‬ثم‬
‫يتكرر ثم يستسلم الناس له‪ ،‬ول يرون بأسا به‪ ،‬ول يرون قدرة على إنكاره‬
‫وكأنه أمر ل مفر منه‪ ،‬وكأنه شيء قد عذر الناس بتركه وترك المر والنهي‬
‫عنه ‪.‬‬
‫جد ذلك لي مجلة جديدة عجيبة غريبة أن تصدر من ديارنا ول أقول هذا إثارة‬
‫وتعلمون أني ل أحب ول أجيد هذا الفن‪ ،‬ول أقوله تهجما على من وراءها أو‬
‫من يقوم بها‪ ،‬ولكنها مهمة وواجب المر بالمعروف والنهي على المنكر‪،‬‬
‫مجلة كل صورها على غلفها نساء كاشفات الشعر مزينات الوجوه باللوان‬
‫المختلفة وعنوانها الرئيس الموجود على صفحة غلفها ] النساء يغتصبن‬
‫الرجال[ ‪ ،‬وداخل العدد‪ ،‬أبحث عما يقولونه عن عقل المرأة وفكرها ودورها‬
‫وقدرتها على القيادة وغير ذلك مما يرددونه صباح مساء‪ ،‬فل أرى إل‬
‫موضوعات سخيفة وبعض القضايا التي فيها كثير وكثير من التهجم على‬
‫مجتمع هذه البلد‪ ،‬والتهجم ضمنا قد يكون واردا‪ ،‬أو يفهم عند من قد يفهمه‬
‫أنه يشتمل على ما يقوم به المجتمع من أسس الدين ودعائم الخلق وركائز‬
‫القيم‪ ،‬تصف لنا كاتبة أم فلن‪ ،‬وهي امرأة في بيتها وعندها خادمة وعندها‬
‫تسعة من البناء وعندها وعندها وعندها‪ ،‬وتصور تصويرا قبيحا لبيت كأنه من‬
‫بيوتنا وترى أن كثرة البناء وأن بعض الصور كلها من المور المذمومة‬
‫المرذولة ‪.‬‬
‫أقول أل يصدق أل يصح أل يسهل على كل أحد منا أن يكتب كلمات ويرسلها‬
‫ل الله عز وجل أن يشرح بها صدورهم علهم وكلهم من أهل‬ ‫إلى أولئك‪ ،‬ع ّ‬
‫السلم وفيهم بذرة الخير‪ ،‬علهم يرجعون إلى أنفسهم فيحاسبونها علنا على‬
‫أقل تقدير نقيم حجتنا ونبرئ ذمتنا‪ ،‬وليس في هذا الباب فحسب بل البواب‬
‫كثيرة‪ ،‬وقد اتسع الخرق على الراقع ‪ ..‬نسأل الله السلمة‪.‬‬
‫نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ علينا ديننا وإسلمنا وأخلقنا وقيمنا وأن ل‬
‫يؤاخذنا بفعل السفهاء منا إنه ولي ذلك والقادر عليه‪ ،‬أقول هذا القول‬
‫واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور‬
‫الرحيم‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫أما بعد معاشر الخوة المؤمنون ‪:‬‬
‫وأعملوا أن من أعظم دلئل التقوى المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولنفسي ولكم أبعث هذه الرسائل الثلث حتى ل تظنوا أن المر ليس متعلقا‬
‫بنا وأن المهمة ليست مرتبطة بأعناقنا بل أزيد المر عبئا على عبء وثقل‬
‫على ثقل‪ ،‬عل ذلك يدفعنا جميعا إلى أن نسعى إلى إبراء ذمتنا وعتق رقابنا‬
‫والقيام بواجبنا ‪.‬‬
‫احذر العذار‪ ،‬الكثيرة هي العذار التي يمكن أن نقولها لنبرر لنفسنا ترك‬
‫هذه الشعيرة العظيمة‪ ،‬ما عسى أن ينفع قولي وما فائدة كتابتي‪ ،‬وما المر‬
‫الذي يمكن أن يحصل لو قلت أو سكت‪ ،‬كلهما سيان‪ ،‬ليس المر كذلك‪ ،‬ل‬
‫تعذر بهذه العذار‪ ،‬لن الله عز وجل قد بين لنا ذلك‪ ،‬فقال في شأن قصة‬
‫أهل القرية وحيل أصحاب السبت } قالوا لم تعظون قوما الله مهلكم أو‬
‫معذبهم عذابا ً شديدا ً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم ينتهون{‬
‫ب كلمة تقع موقعا من قلب مرتكب لمعصية ومقترف لثم فيتذكر‬ ‫ل تدري ُر ّ‬
‫بها ويتعظ ويرجع‪ ،‬قال النووي رحمه الله‪" :‬قال العلماء رضي الله عنهم‪ :‬ول‬
‫يسقط عن المكلف المر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه ل يفيد في ظنه‬
‫بل يجب فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين والذي عليه المر والنهي ل القبول‪،‬‬
‫قال الله تعالى‪} :‬ما على الرسول إل البلغ{" ‪.‬‬
‫وثانية أرسلها وأحذر منها‪ ،‬مداهنة الشرار‪ ،‬كم نبتسم في وجوه الناس الذين‬
‫يرتكبون المنكرات وقد يكون ذلك حال ارتكابهم لها‪ ،‬وإن كنا مصدرين في‬
‫الناس أو مسموعي الكلمة‪ ،‬فإن ذلك تلبيس للحق بالباطل‪ ،‬كيف أرى مع من‬
‫يرتكب المنكر حال ارتكابه‪ ،‬دون أن يسمع قول في النكار ول فعل بهذا‬
‫النكار‪ ،‬ول مقاطعة على أقل تقدير لهذا المنكر‪ ،‬إنه أمر غير مقبول بحال‪،‬‬
‫لن الله سبحانه وتعالى قال‪} :‬وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم‬
‫آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فل تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث‬
‫غيره إنكم إذا مثلهم { ‪.‬‬
‫قال القرطبي‪" :‬دل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا صدر منهم‬
‫منكر لن من لم يحدث منه ذلك فقد رضي فعلهم "‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ثم قال في قوله‪} :‬إنكم إذا مثلهم{ "كل من جلس في مجلس معصية ولم‬
‫ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا‬
‫بالمعصية وقالوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم‬
‫حتى ل يكون من أهل هذه الية"‪.‬‬
‫وآخر هذه النذارات احذروا هدم آخر السوار‪ ،‬سور إنكار القلب وكلكم يعلم‬
‫حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أنه قال‪) :‬‬
‫من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع‬
‫فبقلبه وذلك أضعف اليمان ( ‪.‬‬
‫كلنا يحفظ كذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬عن حذيفة رضي الله‬
‫عنه ‪ُ ) :‬تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا ً عودا ً ‪ ،‬فأيما قلب أشربها‬
‫نكت فيه نكتة سوداء‪ ،‬وأيما قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تكون‬
‫القلوب على قلبين قلب أبيض ل تضره فتنة وقلب أسود مربادا ً كالكوز مجخيا ً‬
‫ل يعرف معروف ول ينكر منكرا إل ما أشرب من هواه( ‪.‬‬
‫وكذلكم نعرف حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه وهو حديث‬
‫طويل من حديث حذيفة‪ ) :‬ثم تخلف من بعدهم خلوف يقولون مال يفعلون‪،‬‬
‫ويفعلون ما ل يؤمرون‪ ،‬فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من اليمان حبة‬
‫خردل ( ‪.‬‬
‫فهل نريد أن نفقد حبة الخردل الخيرة من إيماننا‪ ،‬نسأل الله عز وجل‬
‫السلمة‪.‬‬
‫صور كثيرة وحديثنا في هذه الشعيرة وفي صمام اليمان موصول‪ ،‬نسأل الله‬
‫عز وجل أن يحفظ بلدنا من المنكرات ‪ ،‬وأن يشيع فيها الخيرات ‪ ،‬وأن يجعلنا‬
‫من الناطقين المرين بالمعروف والناهين عن المنكر والخذين بهذه الشعيرة‬
‫العظيمة ‪..‬‬
‫================‬
‫خطبة » صمام المان )‪« (2‬‬
‫د‪ .‬علي بن عمر بادحدح‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعد أيها الخوة المؤمنون‬
‫حديثنا موصول عن صمام المان الذي يحفظ اليمان ‪ ،‬ويقيم الدين‪ ،‬ويثبت‬
‫الصلح وينفي الشر ويدفع الضر بإذن الله عز وجل‪ ،‬الشعيرة العظمى‬
‫والقطب الكبر في ديننا العظيم المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪.‬‬
‫وقد سلف لنا حديث يكشف عن أهميته‪ ،‬ويبرز خطورة تركه‪ ،‬والحديث اليوم‬
‫مباشر إلينا‪ ،‬وموجه لكل واحد منا‪ ،‬كيف الطريق إلى القيام بهذه المهمة‪،‬‬
‫والخذ بهذه الشعيرة‪ ،‬والتحقق بهذه السمة اللزمة لكل مؤمن ومسلم‪ ،‬لننا‬
‫ل نريد أن نرسل الكلم على عواهله ول أن نصف ونسرد الدلة متتابعة في‬
‫الهمية أو الوجوب ثم ل يكون لنا من وراء ذلك عمل نقوم به ول مهمة‬
‫نتصدى لها ‪.‬‬
‫وما جاس المنكر خلل الديار وما دخل إلى عقر الدار‪ ،‬وما ظهرت أعلمه وما‬
‫كثرت أقلمه‪ ،‬إل يوم ضعف المرون بالمعروف والناهون عن المنكر أو قل‬
‫مت الذان ‪ ،‬وماتت‬ ‫عددهم ‪ ،‬فكأنما خرست اللسنة ‪ ،‬وعميت العين ‪ ،‬وص ّ‬
‫القلوب ‪ ..‬نسأل الله عز وجل السلمة ‪.‬‬
‫فلعلنا نشير هنا إلى المر المهم الول‪ ،‬وهو استشعار الغيرة اليمانية‪،‬‬
‫واستحضارها في القلب‪ ،‬تلك الغيرة التي تجعل القلب ينقبض والصدر يضيق‪،‬‬
‫والنفس تتحشرج إذا رأت المنكر أو سمعت به‪ ،‬إنها النفس المؤمنة الصافية‬
‫السامية‪ ،‬إنه القلب المؤمن المشرق الوضاء‪ ،‬الذي بمجرد سماعه أو رؤيته‬
‫للمنكر تتحرك فيه المشاعر اليمانية والغيرة السلمية‪ ،‬والحمية التي تدل‬
‫على التشبث بهذا الدين والتباع للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬
‫}ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له{‬
‫تعظيم حرمات الله يشتمل على معنيين‪:‬‬
‫أي تعظيم ما له حرمة وتقديس أن ينتهك أو أن يجترأ عليه‪ ،‬فل نقبل اجتراء‬
‫وانتهاكا ً لحرمة كتاب الله أو لحرمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫أو لحرمة ما ثبت من شرع الله عز وجل من الحكام القطعية الدالة عليها‬
‫آيات كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومثل ذلك في المعنى أيضا أن يكون هناك الغضب لوقوع تلك المنكرات‬
‫والمعاصي سواء كانت اجتراء على المعظم المحرم‪ ،‬أو كانت ارتكابا‬
‫للمعصية والحرام ‪.‬‬
‫قال السعدي في تفسيره } حرمات الله { ‪ " :‬كل ماله حرمة وأمر باحترامه‬
‫ولذلك قال تعظيمها إجللها بالقلب ومحبتها وتكميل العبودية فيها غير متهاون‬
‫ول متكاسل ول متثاقل " ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال ابن كثير رحمه الله ‪" :‬ومن يجتنب معاصيه ومحارمه ويكون ارتكابها‬
‫عظيما في نفسه فهو خير له عند ربه " ‪.‬‬
‫تلك هي الغيرة اليمانية ‪ ..‬ويعضد ذلك ما جاء في سياق اليات نفسها بعد‬
‫آيتين ‪} :‬ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب{‬
‫دليل القلب التقي النقي أنه يغضب إذا انتهكت محارم الله‪ ،‬وذلك ما ثبت من‬
‫حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫) إن الله يغار‪ ،‬وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه ( رواه البخاري ‪.‬‬
‫وفي رواية مسلم ) إن الله يغار وإن المؤمن يغار‪ ،‬وغيرة الله أن يأتي‬
‫المؤمن ما حرم الله ( ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وهذه مهمة عظيمة‪ ،‬ل يمكن أن ننبعث إلى إنكار المنكر وقلوبنا غير منكرة‬
‫له‪ ،‬ونفوسنا غير متبرمة به‪ ،‬وحزننا غير مخالط لنا لما لهذا المنكر من اعتداء‬
‫على حرمة الله‪ ،‬أو مخالفة لمر الله أو مضادة لهدي رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫وانتبهوا إلى هذه الصورة التي يذكرها لنا ابن القيم رحمه الله ؛ لنها صورة‬
‫خطيرة من وجدت فيه دلت على ضعف إيمانه وزعزعة يقينه وعلى ذهاب‬
‫الدللت الواضحة على حياة قلبه‪ ،‬قال رحمه الله ‪" :‬وأي دين وأي خير يرجى‬
‫فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع‪ ،‬ودينه يترك وسنة رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان " ثم قال‪ " :‬وهل‬
‫بلية الدين إل من هؤلء الذين إذا سلمت مآكلهم ورئاساتهم فل مبالة بما‬
‫جرى على الدين ‪ -‬ثم ذكر المر الخطير الذي ل بدلنا من النتباه له ‪ -‬وهؤلء‬
‫مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية‬
‫م‬
‫تكون وهم ل يشعرون ؛وهي موت القلب ؛ فإن القلب كلما كانت حياته أت ّ‬
‫كان غضبه لله ولرسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل " ‪.‬‬
‫مقياس تعرف بها نفسك ‪ ..‬هل تغضب لحرمات الله المنتهكة وللمعاصي‬
‫المنتشرة‪ ،‬أم أنه ل يضرك شيئ من ذلك‪ ،‬ول تلتفت إليه ول يسوئك في قليل‬
‫أو كثير‪ ،‬لكن كما قال هو في مقالته‪ :‬إذا أخذ شيء من مالك أو اعتدي على‬
‫شيء من حظ دنياك‪ ،‬غضبت وأرغبت وأزبدت وقمت وانتصرت بكل ما بيدك‬
‫من وسيلة ‪.‬‬
‫فأول أمر ل بد من أن نحرص على وجود فينا ‪ :‬استشعارنا لعظمة وأهمية‬
‫وضخامة دللة المر بالمعروف والنهي عن المنكر على اليمان والغيرة‬
‫والحمية اليمانية ؛ فإن أحييناها وأشعلنا جذوتها وجعلناها حية في قلوبنا‬
‫جارية مع دماءنا في عروقنا جائلة ‪ ،‬في خواطر عقولنا حاضرة ‪ ،‬في كلمات‬
‫ألسنتنا فحينئذ تكون البداية الصحيحة التي تدفع إلى إنكار المنكر ‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬المتابعة والموافقة والنتصار الحقيقي لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫إن المر العظم بالمعروف والناهي المثل للمنكر هو سيد الخلق عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬ومن عظيم صفته وسمته في هذا المر أن ذكرت صفته في‬
‫الكتب السابقة منصوصا عليها بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما نعلم‬
‫من قوله عز وجل ‪ } :‬الذين يتبعون الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوبا‬
‫عندهم في التوراة ‪. { ...‬‬
‫ما هي الوصاف ؟‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫}يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم‬


‫الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل التي كانت عليهم فالذين آمنوا به‬
‫وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون { ‪.‬‬
‫هذه سمة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وصفته في الكتب السابقة وصفته في‬
‫سيرته الحية الناطقة‬
‫قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره في هذه الية ‪" :‬هذه صفة الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة وهكذا كان حاله عليه الصلة‬
‫والسلم‪ ،‬ل يأمر إل بخير ول ينهى إل عن شر‪ ،‬ومن أهم ذلك وأعظمه ما بعثه‬
‫الله به من المر بعبادة الله وحده ل شريك له والنهي عن عبادة من سواه‬
‫كما أرسل به جميع الرسل قبله " ‪.‬‬
‫ثم ساق عن المام أحمد من رواية أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ ) :‬إذا سمعتم الحديث عني‬
‫تعرفه قلوبكم ‪ ،‬وتلين له أشعاركم وأبشاركم ‪ ،‬وترون أنه منكم قريب ‪ ،‬فأنا‬
‫أولكم به‪ ،‬وإذا سمعتم الحديث تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم‬
‫وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه( ‪ ،‬قال ابن كثير‪" :‬هذا حديث جيد‬
‫السناد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة " ‪.‬‬
‫ثم ساق عن علي رضي الله عنه قوله‪" :‬إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم حديثا تظنوا به الذي هو أهدى والذي هو أهنا والذي هو أنجى‬
‫والذي هو أتقى صلى الله عليه وسلم " ‪.‬‬
‫ما معنى هذا السياق الذي أورد فيه ابن كثير هذا الحدث وهذا الثر عن علي‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬هو سياق مهم ‪ ) :‬إذا سمعتم الحديث ( قلوبكم تحبه وتعرفه‬
‫تراه من الفضائل والقيم والخلق ومعالي المور ) ولنت له أشعاركم‬
‫وأبشاركم ( تأثرتم به ورأيتموه قريبا منكم‪ ،‬تحبونه وتحبون اتصافكم به )فأنا‬
‫أول كم به( فالرسول صلى الله عليه وسلم أولى من الناس أجمعين‪ ،‬بكل‬
‫خير وبكل فضل وبكل خلق وبكل معروف ‪.‬‬
‫)وإذا رأيتم أو سمعتم الحديث تنكره قلوبكم‪ ،‬وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم‪،‬‬
‫وترونه منكم بعيد( أي ترونه قبيحا تبرءون منه‪ ،‬وتجتنبونه وتحذرون منه‬
‫فاعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبعد الناس منه ‪.‬‬
‫وذلك يدلنا على السمت الذي ينبغي أن نحرص عليه وهو طريقنا إلى أداء‬
‫هذه الشعرية اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والتفاتا إلى المعنى‬
‫الحقيقي في اتباعه ونصرته لن الية في ختامها ‪ } :‬فالذين آمنوا به وعزروه‬
‫ونصروه {‬

‫)‪(6 /‬‬

‫أي الذين آمنوا به ووقروه واحترموه وعظموا قدره ومقامه ونصروه هم‬
‫أولئك الذين قاموا بتلك السمات‪ ،‬سمات المر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫وذكر الحلل الطيب والتحذير من الحرام الخبيث ونشر السماحة واليسر كما‬
‫كان عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫فإذا ً ثمة أمر مهم لكي ننطلق إلى هذه الشعيرة أن نعرف أن قائدنا وقدوتنا‬
‫هو سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وأن حقيقة انتسابنا إليه ومتابعتنا له‬
‫وانتصارنا وذبنا عن سنته مرتبط بإقامة هذه الشعيرة التي أقامها رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وثالث المور‪ :‬الخلص والتجرد لله عز وجل؛ فإن المزايدة أو الرغبة في‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لفت النظار أو بيان التقدم بين الناس مفاخرة أو مباهاة أو إظهارا للعلم أو‬
‫مباهاة به أو انتقاصا للناس أو ازدراء لهم أو ظنا بأن مرتكب المنكر والعياذ‬
‫بالله قد استوجب النار أو غير ذلك‪ ،‬كلها دللت ل تبعث على أداء المهمة‬
‫على الوجه الصحيح ول يتحقق منها الثر المرجو ؛ لن الخلص هو قوام كل‬
‫أمر هو الدافع الول هو المقصد العظم هو الذي تبتغي به وجه الله عز وجل‬
‫والدار الخرة‪ ،‬ل ترجو به منفعة الناس بل ول تخشى من هيبتهم كما سنذكر‬
‫هذا الخلص هو مفتاح وسر التأثير‪ ،‬ألسنا أحيانا نذكر الناس ونعظهم؟ ألسنا‬
‫نحذر من المنكر ونبين خطره‪ ،‬ألسنا نخاطب هذا وننصح ذاك‪ ،‬فما بال ذلك ل‬
‫يجدي نفعا ول يبدي أثرا‪ ،‬سر من أسرار عدم القبول‪ ،‬ليس في إعراض‬
‫الناس‪ ،‬وليس في جهلهم وليس في مكابرتهم بل سر في إخلص من أنكر‪،‬‬
‫إخلص من نصح‪ ،‬إخلص من ذكر ووعظ‪ ،‬لم يرد بذلك وجه الله‪ ،‬لم يكن‬
‫منطلقا بذلك من الغيرة على حرمات الله‪ ،‬له مصالح له أفكار‪ ،‬له مقاصد‬
‫أخرى‪ ،‬فل يصل حديثه إلى القلوب‪ ،‬ول يؤثر في النفوس‪ ،‬ول يقع به التغيير‬
‫في واقع العمل والحال ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال ابن النحاس رحمه الله في هذا المعنى كلما نفيسا‪ ،‬قال‪" :‬فمن أخلص‬
‫لله النية أثر كلمه في القلوب القاسية فلينها وفي اللسن الذربة فقيدها‬
‫وفي أيدي السلطة فعقلها‪ ،‬وأما زماننا هذا فقد قيد الطمع ألسن العلماء‬
‫فسكتوا ولم تساعد أقولهم أفعالهم ولو صدقوا الله لكان خيرا لهم " ‪.‬‬
‫يقوله ابن النحاس هذا القول منذ قرون مضت ليس منذ عشر سنوات أو‬
‫عشرين‪ ،‬يقول عن زمانه واختلل المر في أحوال علماءه‪ ،‬فكيف بحالنا‬
‫وأحوالنا‪ ،‬ثم يقول ابن القيم في هذا المعنى ‪:‬‬
‫"رأس التقوى والحسان خلوص النية في إقامة الحق والله سبحانه وتعالى ل‬
‫غالب له فمن كان معه ‪-‬أي معه الله عز وجل‪ -‬فمن الذي يغلبه‪ ،‬أو يناله‬
‫بسوء "‬
‫إن كان الله مع العبد فممن يخاف‪ ،‬وإن لم يكن معه فمن يرجو بمن يثق‬
‫ومن ينصره من بعده‪ ،‬فإن كنت قد قلت القول لله فأنت مستمد قوتك من‬
‫نصر الله ومن تأييد الله ول تخشى أحدا إل الله ويثبتك الله ‪ ،‬ويزيد في قلبك‬
‫الجرأة والشجاعة والثبات‪ ،‬وإن كنت لغير الله خفت كل أحد سواه وإن كان‬
‫مقصدك شيئا من مبتغى الدنيا فإنه ل أثرا لذلك ول نفع فيه وهذا أمر مهم‪.‬‬
‫ويتلوه أمر رابع وهو ‪ :‬الشجاعة والجرأة فإن الجبن والذل والخوف عقد‬
‫اللسنة فلم تعد تقول حقا‪ ،‬ولم تعد تنطق بخير‪ ،‬ولم تعد تنكر منكرا في‬
‫جملة أحوالها‪ ،‬وتلك الشجاعة من دلئل قوة اليمان ورسوخ اليقين‪ ،‬وتلك‬
‫الشجاعة من آثار القبول‪ ،‬وبعض الناس قد ل يفقه هذا‪ ،‬إن مرتكب المنكر‬
‫ل مخالفته لكتاب الله‬ ‫ل منكره ‪ ،‬وذ ّ‬
‫ل معصيته ‪ ،‬وذ ّ‬
‫ذليل في حقيقة المر بذ ّ‬
‫وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وفيه ذل أيضا من خشية فضحه بين‬
‫الناس في بعض الحوال ‪ ،‬وفيه ذل أيضا بتخويفه من العقوبة الخروية التي‬
‫يؤمن بها ‪ ،‬وإن غطى ذلك بانغماسه في تلك المعاصي والمنكرات‪ ،‬فإن‬
‫المنكر أقوى منه‪ ،‬وأشجع وأقدر على أن تقول الحق وأن تبينه‪ ،‬وكم من قائل‬
‫بالحق بجرأة مع إخلصه ومع استشعاره لعظمة هذه الشعيرة وغيرته وحميته‬
‫اليمانية قال قول لمن هو أقوى وأكثر سلطانا وجاها ومال فكان لقوله أثر‬
‫في خوف ذاك‪ ،‬وفي اعتذاره وعلى أقل شيء في استتاره وسكوته‪ ،‬غير أننا‬
‫عندما نرى الباطل منتفشا وربما يكون مرتكبه كما نقول قويا يداخلنا خوف‬
‫وخشية ل ينبغي أن تكون على تلك الصورة التي نرى كثيرا ً من شواهدها‬
‫وأمثلتها ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولعلنا هنا نشير إلى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬قام رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبا فقال‪ ) :‬أل ل يمنعن رجل هيبة‬
‫الناس أن يقول بالحق إذا علمه (‬
‫والحديث الشهر الكثر رواجا ً وحفظا بين الناس‪ ،‬حديث عبادة بن الصامت‬
‫رضي الله عنه‪ ):‬بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع‬
‫والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ‪ ،‬وعلى أثرة علينا وعلى أن ل‬
‫ننازع المر أهله ‪ ،‬وعلى المر بالمعروف والنهي عن المنكر ل تأخذنا في الله‬
‫لومة لئم ( ‪.‬‬
‫تلك البيعة التي بايعها النصار في أول السلم‪ ،‬قبل أن يكون جهاد وقبل أن‬
‫يشرع قتال‪ ،‬قالوها وبايعوا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫}يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم‬
‫ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ول‬
‫يخافون لومة لئم{‬
‫ومن هنا ندرك من أين تأتي هذه الشجاعة والقوة إنها من المر الول السابق‬
‫وهو الخلص لله عز وجل والثقة به ‪ ،‬والعتماد عليه واللتجاء إليه ‪ ،‬وحسن‬
‫الظن به ‪ ،‬والتماس الرجاء فيما عنده من الجر والثواب‪ ،‬ذلك يدفع المرء‬
‫إلى أن يكون على هذا المعنى وعلى هذا السمت المهم من سمات قيامه‬
‫بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬ولقد قالها ولقد فعلها النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم وكثير من أئمتنا وعلمائنا بل وآحاد‬
‫وأفراد المسلمين في كل عصر ومصر‪ ،‬وتكررت تلك الحوادث ولنا إليها عود‬
‫من بعد‪.‬‬
‫وفي هذا المقام نتمم بالسمة الخامسة‪ ،‬وهي العلم والحلم؛ فإن هذه‬
‫الشجاعة التي ذكرناها قد تصبح تهورا وحمقا‪ ،‬وقد تصل إلى مخالفة شرع‬
‫الله عز وجل ونحن قوم ل ننطلق من دوافع أنفسنا ومن ردود الفعال بل‬
‫نحن منضبطون بأفكار الشرع وبضوابط الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫ولذا ل بد من العلم بما يأمر به وبما ينهى عنه وليس شرط أن يكون عالما ً‬
‫بكل شيء أو من كبار العلماء ‪ ،‬لكن إن علم حكما ً ‪ ،‬وعلم وجوبه ‪ ،‬وعلم‬
‫الدليل عليه ‪ ،‬وكان من المور الظاهرة المعروفة من الواجبات والركان أو‬
‫من المحرمات المنهي عنها قطعا ً بل أدنى شك وبل أدنى اختلف فيها‪ ،‬فإن‬
‫المر حينئذ قد حق فيه العلم وصدق فيها وصف العلم به ‪ ،‬وهنا يجمع منع‬
‫العلم الحلم؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪) :‬ما كان الرفق في شيء‬
‫إل زانه وما نزع من شيء إل شانه ( ‪.‬‬
‫فإن الغضبة والحمية للنكار المنكر والشجاعة فيه ل تمنع‪ ،‬بل العلم والحلم‬
‫يوجب التدرج ويوجب ما نفقهه من قول الله عز وجل في خطابه جل وعل‬
‫لموسى وهارون عليهما الصلة والسلم عندما بعثا وأرسل إلى فرعون أطغى‬
‫أهل الرض‪ ،‬قال‪ } :‬فقول له قول ً لينا ً لعله يتذكر أو يخشى { ‪.‬‬
‫البدء كذلك والعلم فيه‪ ،‬العلم بالمصالح والمفاسد وأن ل ينكر منكرا ً صغيرا ً‬
‫يعلم أو يترتب عليه منكرا ً أكبر‪ ،‬وفيه تفصيلت وفروع مهمة ل بد من معرفتها‬
‫ول بد من اللمام بها لكننا ل نجعل ذلك ذريعة أن نترك المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬فإذا سئلنا لما قلنا نحن ل علم لنا‪ ،‬ول بد أن يكون المر‬
‫والناهي عالما‪ ،‬فيكون عالما بما يأمر عالما بما ينهى‪ ،‬فهل عندكم شك في‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن الخمر محرمة‪ ،‬وأن مرتكبها أو شاربها ينكر عليه والدليل على ذلك واضح‬
‫والحكم مستفيض ومثل ذلك في أمور الواجبات‪ ،‬هل ينكر أحد وجوب الصلة‬
‫أو جوب الزكاة أو جوب الصيام فتارك ذلك مما ينكر عليه ويذكر ويؤمر‬
‫بالمعروف‪ ،‬فأمور الدين المعلومة من الدين بالضرورة والحكام التي توافرت‬
‫أدلتها وعلم حالها وعرف ما يتصل بها في كلم أهل العلم وفي أحوال أمة‬
‫السلم‪ ،‬أمرها بين ظاهر‪ ،‬وكل ذلك مما يعيننا على الداء لهذه المهمة‬
‫والشعيرة‪ ،‬أسأل الله عز وجل أن يحيي الغيرة اليمانية في قلوبنا وأن يرزقنا‬
‫الخلص لربنا وأن يوفقنا للعمل على طاعته والنهي عن معصيته إنه ولي‬
‫ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫أقول هذا القول واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور‬
‫الرحيم‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫أما بعد معاشر الخوة المؤمنون ‪:‬‬
‫وإن من دلئل التقوى الغيرة على حرمات الله عز وجل وإنكار المنكر والمر‬
‫بالمعروف‪ ،‬ولعلنا نختم بأمر مهم فيما نحتاج إليه وهو أمر الطاعة والعصمة؛‬
‫فإن الحمية اليمانية والشجاعة والجرأة وغيرها ل تكون سببا إلى إثارة الفتنة‬
‫والبلبلة وإشاعة الفوضى وتجاوز الحدود وممارسة النكار بصور ل يسمح بها‬
‫الشرع‪ ،‬ومن أجل ذلك وأعظمه ترك السمع والطاعة لولي المر والخروج‬
‫عليه والظن بأن إنكار المنكرات طريقه مثل هذا‪ ،‬ويغيب هنا أمور ومسائل‬
‫كثيرة يضيق المقام عن حصرها‪ ،‬غير أني أشير إلى ربطنا بقضية العلم‪ ،‬وخير‬
‫الهدي هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأعظم من كان يغار على‬
‫حرمات الله وينكرها هو رسول الله عليه الصلة والسلم‪ ،‬وهو الذي قال لنا‬
‫في حديثه الصحيح‪ ) :‬من كره من أميره شيء فليصبر‪ ،‬فإنه من خرج عن‬
‫السلطان شبرا فمات‪ ،‬مات ميتة جاهلية ( رواه ابن عباس في صحيح‬
‫البخاري ‪.‬‬
‫وقال ابن بطال في هذا الحديث‪" :‬في الحديث بيان على ترك الخروج على‬
‫السلطان ولو جار‪ ،‬وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان والجهاد‬
‫معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين‬
‫الدهماء " ‪.‬‬
‫وقد قال عليه الصلة والسلم كما في صحيح مسلم من حديث عوف بن‬
‫مالك عنه عليه الصلة والسلم‪ ) :‬خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ‪،‬‬
‫ويصلون عليكم وتصلون عليهم ‪ -‬أي الدعاء بينكم متبادل‪ -‬وشرارا أئمتكم‬
‫الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ( ‪ ،‬فقال رجل ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬أفل ننابذهم بالسيوف‪ ،‬قال‪ ) :‬ل ما أقاموا فيكم الصلة وإذا رأيتم من‬
‫ولتكم شيئا ً تكرهونه فاكرهوا عمله ول تنزعوا يدا ً من طاعة (‬

‫)‪(8 /‬‬

‫هذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكل اندفاع طائش وكل‬
‫عمل خارج عن ضوابط الشرع؛ فإنه هو في ذاته منكر ويترتب عليه من‬
‫المنكرات ما هو أعظم ‪.‬‬
‫ومن هنا كان من اعتقاد أهل السنة والجماعة المحافظة على الطاعة‬
‫والعصمة والحرص عليها كما قال الطحاوي‪ " :‬ول نرى الخروج على أئمتنا‬
‫وولة أمورنا وإن جاروا‪ ،‬ول ندعوا عليهم ول ننزع يدا من طاعتهم‪ ،‬ونرى‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية‪ ،‬وندعوا لهم‬


‫بالصلح والستقامة " ‪.‬‬
‫ومثل هذا المعنى مهم وهو متمم لذلك ؛ فإن الدعوة إلى الغيرة اليمانية‬
‫والشجاعة والجرأة منضبط بمثل هذه المعاني في العلم‪ ،‬ولنا تتمة نوضح بها‬
‫كيف نطبق هذا عمليا ً ؛ فإنني أرى أن هذا المر ل بد فيه من استكمال‬
‫صورته وتحديد خطواته ورسم معالمه‪ ،‬لنه إذا تقاعسنا عنه فلم نعرف‬
‫أهميته ولم نعرف واجبنا كأفراد نحوه‪ ،‬ولم نعرف طريقته وآليته بقينا على ما‬
‫نحن عليه من التخلف والتقصير في هذه الشعيرة وجاء لنا وحل بنا وشاع فينا‬
‫من السوء والضر والشر ما يتعاظم بالتقصير في هذه الشعيرة ‪.‬‬
‫نسأل الله عز وجل السلمة والعافية ‪ ،‬وأن يحفظ علينا إيماننا وإسلمنا وأن‬
‫يقيم في مجتمعاتنا الدين واليمان والسلم والخلق والقيم الفاضلة ‪.‬‬
‫============‬
‫خطبة » صمام المان )‪« (3‬‬
‫د‪ .‬علي بن عمر بادحدح‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعد معاشر المؤمنين‬
‫حديثنا موصول عن صمام المان ‪ ،‬الذي تطمئن به وبإقامته النفوس‬
‫والقلوب‪ ،‬وتصلح الفعال والحوال‪ ،‬ويستقيم أمر الفراد والجماعات‪ ،‬المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر ‪..‬‬
‫وقد سلف لنا حديث عن أهميته وخطورته‪ ،‬وثنّينا بحديث يخصنا في التأهل له‬
‫والتهيؤ واتخاذ السباب لقامته‪ ،‬واليوم دعوة للجميع ل يستثنى منها أحد‪،‬‬
‫التحق بالقافلة‪ ،‬كن في ركب المرين بالمعروف والناهين عن المنكر‪ ،‬قال‬
‫الكيلني رحمه الله في هذا المعنى ‪:‬‬
‫"كان هو ‪ -‬يعني الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ -‬الداعي والدليل إلى رضوان‬
‫الله عز وجل‪ ،‬ولما اختاره الحق عز وجل أقام له من أمته من يخلفهم فيهم‪،‬‬
‫وهم آحاد أفراد من كل ألف ألف واحد يدلون الخلق ويصبرون على أذاهم مع‬
‫دوام النصح لهم " ‪.‬‬
‫فكن في هذه القافلة السائرة على خطى محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكن‬
‫في هذا الركب المتتبع لثار هدي المصطفى عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫وأصيح بنفسي وبكم إلى العمل قبل فوات الوان ‪ ،‬وقبل اتساع الخرق على‬
‫الراقع‪ ،‬وقبل انفراط العقد وعدم إمكان التسديد‪ ،‬فكلنا يدرك الصور كثيرة‬
‫التي تنذر بمخاطر عظيمة‪ ،‬ل أقول كثرة المنكرات‪ ،‬فكلكم يعلم كثرتها ويرى‬
‫انتشارها ويعرف تكررها ‪ ..‬بل أزيد فوق ذلك‪ ،‬قلة المنكرين‪ ،‬فل تكاد تسمع‬
‫لسانا بالحق ناطقا‪ ،‬ول قلما بالنكار كاتبا إل ما رحم الله‪ ،‬ويزداد المر‬
‫خطورة إذا رأينا إعلن المنكرات‪ ،‬فإنها ليست منتشرة ومستترة‪ ،‬بل في كثير‬
‫منها ظاهرة نراها على القنوات ونسمعها في الذاعات‪ ،‬ونبصرها على‬
‫صفحات الصحف والمجلت‪ ،‬ونسمعها في الجلسات والمنتديات‪ ،‬ونزيد في‬
‫هذه الخطورة زيادة وهي تهوين المنكرات؛ فإن قلت كيف هذه الصور للنساء‬
‫حاسرات الرؤوس مزينات الوجوه‪ ،‬قيل وهل ل زالت ترى في هذا خطرا‬
‫المر أعظم‪ ،‬ومثل هذا صار أمرا مألوفا أو صار أمرا ل ينكر عليه‪ ،‬أو صار‬
‫أمرا فيه وما فيه‪ ،‬هل ترى مذيعة الخبار وهي متزينة هل في ذلك من شيء‪،‬‬
‫لم ل زالت عقولكم محدودة ؟ أصبح المنكر الذي ل شك مطلقا في حرمته‬
‫ول خلف بين أهل العلم بين مجيز ومحرم أو غير ذلك‪ ،‬أصبح هينا سهل‬
‫يستغرب من إنكاره ويتعجب ممن يتعجب من وجوده ووروده‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم ننتقل إلى خطوة أعظم وأخطر وهي ‪ :‬تسويغ المنكرات‪ ،‬وإضفاء الشرعية‬
‫عليها؛ سواء كانت شرعية شرعية‪ ،‬أي من مدخل الختلف الذي يزعمونه‬
‫ويوسعونه ويجعلون ما ليس مختلفا ً فيه داخل في دائرة الختلف ‪ ،‬حتى صار‬
‫المرء يبحث عن أمر محرم ل شك في حرمته‪ ،‬ولربما يأتينا من يقول غدا ً‬
‫وهل في الخمر من حرمة مقطوع بها فيها أقوال وفيها اجتهادات‪ ،‬وربما كما‬
‫سمعنا من قبل‪ ،‬يأتي ذلك على الربا‪ ،‬ثم يأتي على الطوام الكبرى والكبائر‬
‫العظمى ‪ -‬والعياذ بالله ‪ -‬بل قد بلغ المر إلى أمور أخطر تمس العتقاد‬
‫وجوهر التوحيد وقيل فيه أقوال وفيه أراء وفيه غير ذلك‪.‬‬
‫وتسويغ آخر‪ ،‬هو التسويغ العالمي الممي العولمي؛ فنحن جزء من العالم‪ ،‬ما‬
‫حدث في العالم ويحدث فيه ل بد أن يحدث عندنا مثله‪ ،‬فإذا رقص العالم‬
‫يجب أن نرقص وإذا تعرى العالم يجب أن نتعرى حتى ل نكون شذوذا في هذا‬
‫العالم‪ ،‬وهذه من الفرية والفرى العظيمة‪ ،‬حتى يتجدد عندنا القول القرآني‬
‫الرباني‪ ،‬الذي وصف لنا حالة مشابهة في مجتمع فشا فيه منكر عظيم في‬
‫عهد لوط عليه السلم وفي قومه حتى قالوا للنفر القلة المتبعين للوط عليه‬
‫السلم‪ } :‬أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون{‬

‫)‪(9 /‬‬

‫لم يعد للطهار مكان‪ ،‬ينبغي أن يتدنسوا وأن يتلطخوا بأوحال المعاصي‬
‫والثام ليستجيبوا لدعوات العالمية والعولمة كما يزعمون‪ ،‬أو تلبيس وتسويغ‬
‫آخر‪ ،‬برؤى النفتاح‪ ،‬ورؤى استيعاب الناس وتأليف قلوبهم‪ ،‬ولست أدري كيف‬
‫يسوغ التأليف بما هو محرم مقطوع بحرمته‪ ،‬وقد رأينا وسمعنا الكثير من‬
‫ذلك‪ ،‬ولست أعيد القول لكنني أقول وقد صارت المور متجاوزة ‪ :‬كثرت‬
‫المنكرات وقد مرت بقلة المنكرين‪ ،‬ثم صارت في إعلنها ثم مرت بتهوينها‬
‫ثم انتهت إلى تسويغها‪ ،‬فمتى إذا ً يستيقظ النائمون ؟ ومتى يتنبه الغافلون ؟‬
‫ومتى يتحرك الغيورون ؟ ومتى ومتى ومتى مما تعلمون ‪ ..‬ومما نريد اليوم‬
‫أن نبسط القول فيه‪.‬‬
‫ل بد أن يتحرك الناس من أهل اليمان والسلم والغيرة ؛ وإل فإنهم يحكمون‬
‫على إيمانهم بالضعف والهزال ‪ ،‬وعلى غيرتهم بالذبول والزوال‪ ،‬وعلى‬
‫حميتهم بالنتقاص والنتقاض‪ ،‬وكأنهم لم يعودوا يمثلون إسلمهم ول يحيون‬
‫إيمانهم‪ ،‬ول يجددون انتصارهم‪ ،‬ونصرتهم واتباعهم لرسولهم صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ول يحيون ول يجددون سير أسلفهم‪ ،‬وتاريخهم المشرق الوضيء‪،‬‬
‫ولذا فأقول الحق بالقافلة‪ ،‬سر مع السائرين‪.‬‬
‫وهذه ومضات أبثها وأجعلها خطوات على الطريق‪ ،‬وقد أسلفت القول منذ‬
‫بداية حديثنا أننا سنواصل القول لننتقل من القول إلى العمل‪ ،‬ومن التنظير‬
‫إلى التفعيل ومن مجرد السماع والنفعال إلى التأثر والفعل‪ ،‬عوامل القوة‬
‫والنجاح‪ ،‬إذا سرنا في هذا الركب وإذا أخذنا هذه المهمة فكل شيء يعيننا‬
‫بإذن الله‪.‬‬
‫أول‪ :‬قوة الشرع الحاكمة‪ ،‬أنت ناطق بكتاب الله ل تحرم من عند نفسك‪ ،‬أنت‬
‫واعظ بكلمات الله ل تؤثر بأقوالك‪ ،‬أنت مجدد لغضبة وحمية رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ل تفتعل شيئا من عندك‪ ،‬فقد كان عليه الصلة والسلم‬
‫إذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه قائمة‪ ،‬كان يرى في وجهه التغير‬
‫والحمرار والغضب‪ ،‬إذا رأى المنكر وإذا رأى الفساد والنحراف ‪.‬‬
‫لما كان بعض أصحابه يوما في مجلس فاختلفوا في القرآن حتى عظم‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلفهم‪ ،‬خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكأنما فقئ في وجهه حب‬
‫الرمان أي من شدة احمراره وغضبه‪ ،‬قال ‪) :‬ل تختلفوا على كتاب ربكم فإذا‬
‫اختلفتم فقوموا عنه( أي ل تجعلوا ما هو سبب الئتلف سببا للختلف‪ ،‬وهذا‬
‫في أمر من المور فكيف بما هو أعظم من ذلك‪.‬‬
‫ثم معكم كذلك قوة النظمة المانعة‪ ،‬كل أنظمة هذه البلد المنصوص عليها‬
‫في العلم في التعليم في التجارة كلها مع السلم وباسم السلم‪ ،‬كلها‬
‫تقول وتنص أن ما يخالف السلم يعد مخالفا للنظام‪ ،‬فلماذا نفتقد الجرأة‬
‫ومعنا شرع الله ومعنا نظام البلد ونص نظامها‪ ،‬والقائمون بالمنكرات‬
‫مخالفون لنظمتها‪ ،‬الناشرون لهذه الصور في صحفنا ووسائل إعلمنا‬
‫مخالفون للنصوص المنصوص عليها في السياسة العلمية وأنظمة العلم‪،‬‬
‫كيف يكون المخالف جريئا ً ‪ ،‬وكيف يكون المطالب بالنظام خائفا أو مترددًا‪.‬‬
‫وممعنا كذلك قوة القيادة المؤكدة‪ ،‬هذه البلد قامت على تحالف وتآزر‬
‫وتعاضد بين الدعوة والدولة‪ ،‬منذ المام محمد بن سعود ومن كان معه المام‬
‫محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬ذاك رافع لراية الدين‪ ،‬وهذا مسدد ومعين وموافق‬
‫ومؤيد بسلح وقوة الدولة‪ ،‬ومازال ذلك ساريا ً إن شئت أن تعارض المنكرين‬
‫الواقعين في المنكر بأقوال الملك عبد العزيز وجدت له في الختلط وفي‬
‫النكار على السفور ما أنت حري بأن تقوله‪ ،‬إلى يوم الناس هذا وقائد بلدها‬
‫وهم يؤكدون أننا نلتزم العقيدة السلمية‪ ،‬وأننا نطبق الشريعة السلمية ‪،‬‬
‫م ل نقول إن هذه‬ ‫وأن سر كل ما هو عندنا من الخير إنما مرّده إلى ذلك‪ ،‬فل ِ َ‬
‫م ل نقول هذه القوال لمن يخالفون لنقول إنكم‬ ‫المنكرات تخالف قولكم ! ول ِ َ‬
‫أنتم الذين تخالفون ولة المر وتخالفون توجههم ونظام الدولة ؛ فضل ً عن‬
‫مخالفة شرع الله عز وجل ‪.‬‬
‫ومعنا كذلك قوة المرجعية المؤيدة‪ ،‬أهل العلم وكبار العلماء والمفتي وهيئة‬
‫كبار العلماء وهيئة المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ..‬كل أولئك من أهل‬
‫العلم مؤيدون لكل مسيرة إصلح ولكل راية ترفع المر بالمعروف والنهى‬
‫عن المنكر وفق السس والضوابط الشرعية فلم ل نكاتبهم ونخاطبهم ولم ل‬
‫نطلب أن تتحرك كل قوى المة في هذا التجاه‪.‬‬
‫أنتقل بعد هذا أيضا إلى صورة الخطوات العملية‪ ،‬وأبدأها بالخطوات مع‬
‫الفاعلين للمنكر‪ ،‬لم نتركهم للشيطان يستولي عليهم‪ ،‬لم نتركهم لضعف‬
‫أنفسهم يدنو بهم ويسهل بهم‪ ،‬لم نتركهم لهوائهم تلعب بهم وتأخذ بهم يمنة‬
‫ويسرة‪ ،‬لم ل نناصحهم مناصحة شفهية مباشرة لمن نعرف بالحكمة‬
‫بالموعظة الحسنة بالسر المناسب لحال كل واحد‪ ،‬لو فعلنا ذلك لو أن كل‬
‫مرتكب لمنكر في حيه وجد خمسة أو عشرة من الناس كلهم يقول له ‪ :‬اتق‬
‫الله إن هذا فيه حرام ‪ ..‬إن هذا يضرك في دنياك ‪ ..‬إن هذا سيكون له عقوبة‬
‫ووبال في أخراك ‪ ..‬هل ترونه ل يرتدع ؟!‬
‫}وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين{‬
‫}فقول له قول لينا لعله يتذكر أو يخشى{‬

‫)‪(10 /‬‬

‫قلوب مؤمنة فيها حياة وفيها روح‪ ،‬قد يكون ران عليها أثر المعصية‪ ،‬قد يكون‬
‫استولت عليها الشهوات لكنها ما زالت فيها جذوة اليمان وبذرة اليقين وحب‬
‫الخير والصلح‪ ،‬تتذكر وتتعظ‪ ،‬إن لم تكن قادرا على ذلك وحدك‪ ،‬فاصطحب‬
‫معك واحدا ً من الجيران أو من الخوان أو من المعارف‪ ،‬قم بهذه المهمة‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وحدك أو مع غيرك‪ ،‬قوموا بها أفرادا تتعاقبون يأتيه هذا اليوم وغدا يأتيه ذاك‪،‬‬
‫وبعد غد يأتيه ثالث حتى يشعر بأن الجميع ينصحونه ويردعونه‪ ،‬وكذلك ممكن‬
‫أن يكون ذلك في مجموعات متوالية‪ ،‬ثلثة يزورونه وأربعة يمرون به وخمسة‬
‫يقابلونه حتى يشعر أن كل من حوله يريدون له الخير ويحبون له أن يعزل‬
‫عن هذا الطريق الذي يعرضه لسخط الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ومن ذلك المكاتبة المباشرة حتى لمن ل تعرف‪ ،‬هل رأيت كاتبا ً كتب يوما ً‬
‫مقال ً فيه انحراف ‪ ،‬وفيه خطر ‪ ،‬وفيه دعوة إلى فساد‪ ،‬عنوانه مكتوب ‪..‬‬
‫اكتب له وإن كنت ل تعرفه ول يعرفك‪ ،‬انطق بالحق فلو أن كل واحدٍ صنع‬
‫ذلك منا لجاء لهذا الكاتب عشرات بل مئات بل ربما آلف الرسائل تقول له‬
‫إنك أخطأت‪ ،‬ربما يرجع‪ ،‬بل نأمل كذلك بنسبة كبيرة أن يغير رأيه أو أن‬
‫يتوازن أو أن ل يستمر في ذلك أو أن يخشى عاقبة أخراه أو أن يستحي أن‬
‫يكون شاذا بين الناس‪ ،‬لكنه إن كتب وجد من يؤيده وثاني يكتب مثله ول أحد‬
‫يكتب ول أحد يعترض؛ فإن مثل هذا ل شك أنه من السلبية والتخلي عن‬
‫المهمة العظيمة التي بتركها يقع الفساد والشر }والمؤمنون والمؤمنات‬
‫بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر { وفي تتمة اليات‬
‫}إل تفعلوه تكن فتنة في الرض وفساد كبير{ ‪.‬‬
‫إن لم يكن ولء على الطاعة وتبادل للمر بالمعروف والنهي عن المنكر في‬
‫داخل المة تفكك بنيانها وتصدعت قوتها‪ ،‬وأصبحت مهددة بأن يدوس العداء‬
‫في خلل ديارها‪ ،‬وأن يتسربوا وينتشروا في أوصالها‪ ،‬وأن يشيعوا الفساد‬
‫فكرا منحرفا وسلوكا منحرفا في أبناء أمتها ‪.‬‬
‫وهذه صوٌر مهمة ‪ ..‬اكتب لرئيس التحرير ‪ ،‬اكتب للكاتب ‪ ،‬اكتب لمدير تلك‬
‫القناة ‪ ،‬اكتب ولو كنت تظن أنه لن تكون هناك استجابة‪ ،‬لو أن كل كاتب‬
‫كتب دون النظر إلى الستجابة لوصلت الكتابات ‪ -‬كما قلت ‪ -‬إلى اللف بل‬
‫عشرات اللف‪ ،‬كم أعدادنا في كل مجتمع خير‪ ،‬كم الذين يملئون المساجد‬
‫هل يأتون المساجد ليسمعوا ثم يخرجوا دون أن تكون لهم مهمة تجاه دينهم‬
‫ول غيرة على حرمات ربهم ‪ ،‬ول انتصار لسنة رسولهم صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫إذا فهذه الصورة القبيحة التي ذكرت لكم عنها من كلم ابن القيم رحمه الله‪.‬‬
‫الخطوات مع المؤثرين‪:‬‬
‫فلنكتب ولنصل بأنفسنا كذلك إلى المسئولين من أكبر مسئول في الدولة‬
‫خادم الحرمين‪ ،‬يقول انصحوني ‪ ،‬ويقول قدموا لي ما تريدون ويعلن ذلك ‪..‬‬
‫م ل نصنع لم ل نكتب لم ل نصل بقدر مستطاعنا وبقدر من يستطيع منا‪،‬‬ ‫فل ِ َ‬
‫م‬
‫م ل نكتب إلى علماءنا وإلى المفتي وإلى الهيئات وإلى كل ذوي الرأي ! ل ِ َ‬ ‫لِ َ‬
‫م ل نكتب‬ ‫ل نكتب إلى أمراء المناطق ومسئولي وأمراء المحافظات ! ل ِ َ‬
‫لمسئولي الدائرة التي نعرف أن فيها مخالفة أو منكرا ً ! لو كل ذلك صنعناه‬
‫فهل يعيبنا ذلك أو هل نكون مخالفين لشيء ؟ كل ! قلنا كلمة حق بأسلوب‬
‫ورة بآيات القرآن الكريم‬ ‫مهذب و نصيحة محكمة مطعمة ومطرزة ومن ّ‬
‫وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال من أقوال قادة هذه البلد‬
‫ونصوص من النظمة المنصوص عليها في هذه البلد‪ ،‬إذا ً أقمنا الحجة ودعونا‬
‫إلى خير لعله أن يكون فيه كثير وكثير من الخير ‪.‬‬
‫الكتابة للقضاة وللوجهاء أيضا ً من التجار وأصحاب السمعة والسيرة الحسنة‬
‫في الناس ؛ فإن الناس ربما يسمعون لقولهم أكثر مما يسمعون لقولي‬
‫وقولك‪ ،‬وربما لو تكلم الوجيه مع المسئول عندما نصل إلى ذلك الوجيه‬
‫ونخبره عن أثر المنكرات‪ ،‬يكون المر فيه خير وتأثير ولو أن كل واحد وكل‬
‫مجموعة في حي فعلت ذلك لكان من وراء ذلك خير كثير ‪ ،‬ولجددنا سير‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أسلفنا؛ فقد كانوا ينتدبون لهذه المهمة ويحرك بعضهم بعضا فيها‪ ،‬ليس في‬
‫عصور متأخرة بل من العصور المتقدمة فهذا هشام بن حكيم رضي الله عنه‬
‫وأرضاه كان يأمر بالمعروف في رجال معه يصطحبهم يأخذهم معه‪ ،‬يسيرون‬
‫متعاضدين حتى يروا الناس أن للخير من يأمر به‪ ،‬وأن للمنكر من ينهى عنه‪،‬‬
‫وأن في المجتمع وفي المة أحرار أغيار ل يرضون أن ينتكس حال أمتنا وأن‬
‫تتأخر من بعد التقدم وأن ترجع إلى المعاصي بعد أن سبقت إلى الطاعات‬
‫وأن نؤكد ونستيقن أنه لن يصلح حال أمتنا إل بما صلح به حال أولها‪ ،‬استقامة‬
‫ل يعتريه انحراف )قل آمنت بالله ثم استقم(‬
‫وأمر بمعروف ونهي عن المنكر يتدارك كل خطأ وكل غفلة ونسيان ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫وهذا المحدث الزاهد عبد الرحيم البغدادي في بغداد في زمانه كان مما ذكره‬
‫الذهبي عنه أنه قال وله أتباع وأصحاب يتولون المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬وذكر ابن الجوزي عن ابن عقيل قوله رأينا في زماننا أبابكر القفالي‬
‫في أيام القائم ‪ -‬أي في أيام حكم الخليفة القائم بأمر الله‪ -‬قال‪" :‬كان إذا‬
‫نهض لنكار المنكر استتبع معه مشايخ ل يأكلون إل من صنعة أيديهم" أي‬
‫ليكونوا أحرارا في قول الحق‪.‬‬
‫ثم ماذا ؟ ثم يقوم بمهمة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬سواء كان‬
‫بالقول أو بالكتابة بالسلوب المناسب وتاريخنا مليء بذلك‪ ،‬فهذا الحسن‬
‫البصري رحمه الله يكتب إلى عمر بن عبد العزيز الخليفة المؤمن الزاهد‬
‫العادل فيذكره في رسالة طويلة‪:‬‬
‫"يا أمير المؤمنين إن المير العادل أب شفيق ‪ ..‬يا أمير المؤمنين إن المير‬
‫العادل كذا وكذا " ‪ ،‬ثم يختم له فيقول‪ " :‬وأذكرك يا أمير المؤمنين إذا بعثر‬
‫ما في القبور وحصل ما في الصدور‪ ،‬فالسرار ظاهرة والكتاب ل يغادر‬
‫صغيرة ول كبيرة إل أحصاها‪ ،‬فالن يا أمير المؤمنين وأنت في مهل قبل‬
‫حلول الجل وانقطاع المل‪ ،‬ل تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم‬
‫الجاهلين ول تسلك بهم سبيل الظالمين ول تسلط المستكبرين على‬
‫المستضعفين ؛ فإنهم ل يرقبون فيهم إل ً ول ذمة فتبوء بأوزارك وأوزارا مع‬
‫أوزارك وتحمل أثقالك وأثقال مع أثقالك‪ ،‬ول تنظر إلى قدرتك اليوم ولكن‬
‫انظر إلى قدرتك غدا وأنت مأسور في حبائل الموت وموقوف بين يدي الله‪،‬‬
‫في مجمع من الملئكة والنبيين والمرسلين وقد عنت الوجوه للحي القيوم‬
‫وقد خاب من حمل ظلما " ‪.‬‬
‫لو أن كل حاكم من حكامنا وجد من يكتب له ذلك‪ ،‬أفل يكون في هذا تأثيرا ً‬
‫في قلبه ونفسه ؟ أفل يكون له زجر عن المنكر إن كان واقعا في حكمه أو‬
‫بأمره أو بمعرفته ؟ أفل يكون على أقل تقدير مانعا له من الزيادة فيما قد‬
‫م ل نأخذ الخطوات العملية في هذا الجانب‬ ‫يكون في هذه المنكرات ‪ ..‬ل ِ َ‬
‫كذلك ؟!‬
‫وأنتقل إلى الخطوات العلمية وما أدراك ما العلم يوم يكون وسيلة إفساد‬
‫ويوم يكون وسيلة إصلح‪ ،‬إن كلمتي هذه تسمعونها أنتم‪ ،‬لكنها يوم تكتب في‬
‫صحيفة قد يقرؤها أضعاف أضعافكم‪ ،‬ولو أنها كانت مبثوثة في قناة لسمعها‬
‫أضعاف الضعاف‪ ،‬وكذلكم تكرر وتعاد ويزاد معناها ويأتي مثلها‪ ،‬فكلما كانت‬
‫الرسالة متكررة وبصور متنوعة أصبح تأثيرها عظيما‪.‬‬
‫وهذا الذي نراه في التأثير الفسادي‪ ،‬هذا الذي رأينا أثره في شبابنا الذين‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اجترءوا اليوم أن يروا امرأة تركب سيارة فيفتحونها وسط الطريق العام‬
‫ويخرجون منها المرأة ويأخذونها على مرأى من الناس‪ ،‬من يصدق أن مثل‬
‫هذا قد حدث وكتب في الصحف في بلدنا هذه‪ ،‬إنها الخطوات التي تبدأ قليل ً‬
‫ثم تعظم حتى تصبح سيل جارفا‪ ،‬كما قال القائل‪" :‬ومعظم النار من‬
‫مستصغر الشرر" ونعلم جميعا أن أول الغيث قطر ثم ينهمر‪.‬‬
‫هذه الخطوات العلمية نبدأها بالكتابة الصحفية كل من له قدرة أن يكتب‬
‫ليس لمجرد الرد على من أخطأ بل أن يكتب في أهمية المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬أن يكتب في خطورة المنكرات‪ ،‬أن يكتب أن كل منكر‬
‫يشيع فهو سبب في الخلل بالمن‪ ،‬سواء ما نرى من كثرة الجرائم أو انتشار‬
‫المخدرات أو غير ذلك من المور مبعثها ضعف المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر في المجتمع‪ ،‬لن المن ورجاله ل يستطيعون أن يقفوا فوق رأس كل‬
‫واحد أو يكون عند كل بيت دورية من الشرطة ما لم يكن زاجر ورادع في‬
‫قلب النسان بتربيته اليمانية السلمية وما لم يكن مذكر وواعظ بإحياء المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر في الحياء وأن يكون في كل حي مجموعة‬
‫تقوم بذلك‪ ،‬فإن كثيرا من هذا يضيع أثره‪.‬‬
‫ونحن نعلم اليوم كثرة هذه الجرائم‪ ،‬والعالم اليوم منذ عدة سنوات وعندنا‬
‫ينادي بما يسمى الشرطة المجتمعية‪ ،‬أن يكون المجتمع في كل ناحية منه‬
‫شرطة‪ ،‬أي تقوم بالتنبه للخطار ومراقبة النحرافات والتبليغ عنها أو النهي‬
‫عنها أو معالجتها‪ ،‬وذلك أمر مهم ومطلوب‪ ،‬إن لم تستطع فكاتب أو اكتب‬
‫إلى بعض الكتاب الخيرين الصالحين الذين ترى كتاباتهم‪ ،‬بلغهم عن خطورة‬
‫المنكرات‪ ،‬اذكر لهم بعض ما ترى فسوف يعالجون ذلك بأقلمهم‪ ،‬وسوف‬
‫يكتبون ما لعله يكون أجرك فيه أعظم من أجرهم‪ ،‬ويكون الثر له من بعد‬
‫خيرا عاما بإذنه عز وجل‪.‬‬
‫كاتب مقدمي البرامج الذين يقدمون برامج نبههم إلى القضايا التي يثيرونها‪،‬‬
‫اجعله بكتابتك يجعل حلقة عن السفور والتبرج وأخطاره‪ ،‬وحلقة عن‬
‫انحرافات الشباب المراهقين وأسبابها‪ ،‬وحلقة عن التقليد والتبعية التي يسير‬
‫فيها الشباب والشابات وراء أجيال ووراء مجتمعات غير مسلمة ول ملتزمة‬
‫ول تمت لنا بصلة‪ ،‬لعلنا إن فعلنا ذلك وجهنا على أقل تقدير بعض العلميين‬
‫ليكونوا أدوات في التنبيه على الخطار والدعوة على الصلح ‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫التواصل مع مراكز الدعوة والرشاد في كل حي مندوبية لهذه الدعوة لم ل‬


‫نصل إليها لم ل نأخذ منهم ما لديهم من المطبوعات فنوزعها‪ ،‬لم ل نخبرهم‬
‫ببعض المنكرات ونطلب منهم أن يعقدوا فيها الندوات والمحاضرات أو أن‬
‫يحرروا فيها تلك المطويات ونعمل على نشرها فإن ذلك أيضا فيه خير كثير‪.‬‬
‫مراكز الحياء الن في هذه المدينة والمحافظة في كل حي يبدأ الن إنشاء‬
‫مركزا ً يسمى مركز الحياء‪ ،‬لتقديم النشطة الجتماعية وتوعية الشباب ‪ ..‬ل ِ َ‬
‫م‬
‫مل‬ ‫ل نكون من خللها ندق نواقيس الخطر ونحذر من هذه المنكرات ‪ ..‬ل ِ َ‬
‫نجعل ما يسمى بالديوانيات في كل حي عند بعض وجهاء حي‪ ،‬عندما يجتمع‬
‫الناس على حديث وأنس وطعام وشراب أن يجعلوا هذه الموضوعات مثارة‬
‫في هذه المنتديات ليتنبه الغافلون‪ ،‬بعضكم معاشر الباء هنا ل تعرفون ما‬
‫يصنعه أبناءكم‪ ،‬ل تعرفون أمورا لم تتعاملوا معها‪ ،‬في النترنت والفضائيات‬
‫وغيرها‪ ،‬هؤلء البناء يعرفون ويتأثرون وأنتم ل تعلمون أنهم مخالفون‪ ،‬ربما‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تسمعون وتدركون ما تحتاجون به أن تنظروا إلى بيوتكم وأسركم‪ ،‬وأن‬


‫تتفقدوا أحوال أبناءكم وبناتكم‪ ،‬وأن تحرصوا على أن تؤدوا واجبكم ودوركم‬
‫في داخل بيوتكم‪ ،‬وهكذا‪ ..‬كثيرة هي الوسائل‪.‬‬
‫الجمعيات الخيرية جمعية البر التي تؤوي اللقطاء من البناء الذين خرجوا أو‬
‫نتجوا عن هذا النحراف‪ ،‬هي تعاني ويمكن أن تعطينا معلومات ويمكن أن‬
‫نتعاون معها في حملة نمنع بها مثل هذه المنكرات‪ ،‬والمر يطول والحديث‬
‫يعظم والوسائل تكثر والخطوات ل منتهى لها ولكن ندائي الذي أكرره الحق‬
‫بالقافلة قبل أن يفوت الوان‪.‬‬
‫نسأل الله عز وجل أن يحفظ علينا إيماننا وإسلمنا وأخلقنا ‪ ،‬وأن يقيم في‬
‫مجتمعاتنا المر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يجعلنا في هذا السبيل من‬
‫العاملين إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪.‬‬
‫أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور‬
‫الرحيم ‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫أما بعد معاشر الخوة المؤمنون ‪:‬‬
‫وإن من أعظم التقوى الغيرة لحرمات الله والنتصار لدين الله والمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫ومن الخطوات كذلك الخطوات الجتماعية التي يتواصل فيها الناس مع‬
‫الوجهاء ومع ذوي الكلمة المسموعة في كل حي وفي تلك الديوانيات كما‬
‫قلنا ‪ ،‬وفي العمل على التواصي مع الئمة والخطباء‪ ،‬زر إمام مسجدك وحيك‬
‫قل له اخطب في المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬حدثه عن بعض ما‬
‫يجري حتى يكون اللسان الناطق بذلك كثيرا ‪.‬‬
‫ولنأخذ كذلك سمة في كل حي إذا كان فيه مكان يمارس فيه شيء من‬
‫المنكر ننصحه ونعظه؛ فإن لم يتعظ فلنقاطعه‪ ،‬فلنقاطعه شراء ولنقاطعه‬
‫زيارة‪ ،‬ولنشعره بأننا سنكون كذلك من الذين يبلغون عنه الجهات المسئولة‬
‫عن مخالفته الجهات النظامية والشرعية قبل ذلك‪ ،‬لو فعلنا ذلك في ضوء‬
‫الضوابط التي قلناها وأذكر بها أن يكون لنا معرفة شرعية بالمنكر‪ ،‬وأنه منكر‬
‫محرم ول نرجم بالقول من عند أنفسنا‪ ،‬وأن نفرق كذلك بين دائرة المنكر‬
‫الذي ل خلف في إنكاره وحرمته وبين ما هو دائر في الجتهاد بين اجتهاد‬
‫معتبر عند العلماء ثم النضباط في الوسائل بالحدود المشروعة‪ ،‬فل عنف ول‬
‫عدوان ول تسلط ول شيء من ذلك‪ ،‬ثم أيضا بالعمل على الستعانة بأهل‬
‫العلم والدعوة بأن يكتبوا في هذه المور ويوضحوا لنا المعالم لنقوم بدورنا‬
‫ونؤدي واجبنا ‪.‬‬
‫ولعلي ‪ -‬وأنا أقول هذه الخطوات ‪ -‬أجعل لكم أمرا فيما بينكم وبين أنفسكم‪،‬‬
‫قد يزعجكم قليل ً ‪ ،‬وقد يحرجكم قليل ً ‪ ،‬لكنني أحسب أنه سينفعنا جميعًا‪،‬‬
‫ليكن لنا نوع من العزم والحزم مع أنفسنا أل تأتي الجمعة القادمة إل وقد قام‬
‫كل واحد منا بخطوة من هذه الخطوات‪ ،‬ذهب فنصح‪ ،‬أو كتب فوعظ أو جمع‬
‫الناس وطلب‪ ،‬أو أي أمر من هذه المور‪ ،‬لو أنك فعلت ثم بلغت غيرك‬
‫ليفعل‪ ،‬اجعل لنفسك وعلى نفسك أن ل يمر بك هذا السبوع إل وقد قمت‬
‫بخطوة عملية مباشرة في المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬انتصارا لدين‬
‫الله واتباعا ً لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وغيرة على هذا الدين وعلى‬
‫هذه البلد التي تضم الحرمين الشريفين ولنكن كما قلنا متسلحين بسلح‬
‫الشرع ونظام البلد وكلم قادتها ونصوص أنظمتها‪ ،‬وأقوال علماءها‪ ،‬فكل‬
‫ذلك مبذول وميسور والحجة قائمة ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نسأل الله عز وجل أن يعيننا على أن نبرئ ذمتنا ‪ ،‬وأن نؤدي واجبنا ‪ ،‬وأن ل‬
‫نكون من الشياطين الخرس الذين ل ينطقون بالحق إذا عرفوه ول ينكرون‬
‫المنكر إذا رأوه ‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫صناعة الترفيه‬
‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬علي بن عمر بادحدح‬
‫ة أعمالها وأبان لنا الخرةَ‬ ‫لقد أوضح الله تعالى لنا في كتابه الدنيا وحقيق َ‬
‫ة حياتها فقال‪) :‬وما الحياة الدنيا إل لهو ولعب وإن الداَر الخرة َ لهي‬ ‫وحقيق َ‬
‫ن لو كانوا يعلمون( إنما الدنيا لهو ولعب في جميع مراحله‪ُ ،‬تلهي الناس‬ ‫الحيوا ُ‬
‫وتشغَُلهم عن المنفعة الدائمةِ واللذة الحقيقةِ التي خلقوا من أجلها وهي‬
‫ب ولهو‬ ‫الخرةْ ولذِتها التي هي داُر الحيوان‪ ،‬وهذه الدنيا أكثُر أهلها في لع ٍ‬
‫ت‪ ،‬يقضون حياتهم فيها من أجل المتعة‬ ‫ل وغرورٍ وإضاعةِ أوقا ٍ‬ ‫وباط ٍ‬
‫ن هي إل حياتنا الدنيا ( ومع‬ ‫والستمتاع‪ ،‬حكايتهم فيها كالولين الذين قالوا‪ ) :‬إ ْ‬
‫ذلك فهي كالحلم تمر بهم سريعا‪..‬‬
‫ن لدائم ٍ‬‫ش ل يكو ُ‬ ‫أل إنما الدنيا كأحلم ِ نائم ** وما خيُر عي ٍ‬
‫تأمل إذا ما نلت بالمس لذة ً ** فأفنيتها هل أنت إل كحالم ِ‬
‫وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ ) :‬أل إن الدنيا ملعونة ملعون‬
‫ما فيها إل ذكُر الله وما واله وعالم أو متعلم ( فكل ما فيها مذموم إل ما كان‬
‫فيه ذكر لله تعالى أو ما يؤدي ويعين على ذكر الله‪ ،‬ولذلك فإن الذكياء من‬
‫الصالحين عرفوا حقيقتها وقيمتها‪ ،‬فثمنوها واستثمروها فيما يعود عليهم فيها‬
‫بالفائدة‪ ،‬فقد كانوا يحذرونها‪ ،‬وما كانوا يذمونها‪ ،‬ذم رجل الدنيا عند أمير‬
‫ن أبي طالب رضي الله عنه فقال له‪ :‬يا هذا ‪ !..‬الدنيا داُر‬ ‫يب ُ‬ ‫المؤمنين عل ُ‬
‫ى لمن تزود منها‪..‬‬ ‫صد ََقها‪ ،‬وداُر نجاة لمن فهم عنها‪ ،‬ودار غن ً‬ ‫ق لمن َ‬ ‫س ٍ‬‫ف ْ‬
‫مها ذما ** وإن دارت بك الدائرة‬ ‫ل ت ُت ْب ِِع الدنيا وأيا َ‬
‫من فضلها ** أن بها ُتستدرك الخرة‬ ‫من شرف الدنيا و ِ‬ ‫ِ‬
‫فالدنيا إذا بحسب ما يملؤها ويعيش فيها صاحبها من خير أو شر‪ ،‬وهي مع‬ ‫ً‬
‫ذلك مليئة باللهو واللعب والزينة‪ ،‬وقد حذرنا خالقها من أن نعيش فيها مبتغين‬
‫منها هذه الشياء فقال جل وعل‪) :‬اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة‬
‫ب باطل وفََر ٌ‬
‫ح‬ ‫وتفاخٌر بينكم وتكاثر في الموال والولد ( فهي في حقيقتها لع ٌ‬
‫ب كلعب الصبيان‪ ،‬ولهوٌ كلهو الشباب‪ ،‬وزينة كزينة النساء‪ ،‬وتفاخر‬ ‫زائل‪ ،‬لع ٌ‬
‫ة النقضاء كثيرةُ التقلب‪ ،‬إن‬ ‫كتفاخر الخوان ‪ ،‬وتكاثر كتكاُثر السلطان‪ ،‬سريع ُ‬
‫أضحكت قليل أبكت كثيرا‪ ،‬وإن أغنت في الحال أفقرت في المآل وهكذا‪،‬‬
‫فنا لما رأوها مليئة بالشهوات‬ ‫س ُ‬
‫ح العمال فيها ُ‬ ‫فنا صال َ‬ ‫ولقد اتخذ سل ُ‬
‫والملهيات‪ ،‬فأبحروا فيها إلى شاطئ السلمة شاطئ الخرة‪ ،‬وحققوا فيها‬
‫قول الله تعالى‪ ) :‬قل إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب‬
‫العالمين (‪.‬‬
‫ح القاضي رحمه الله على قوم يلعبون‪ ،‬قال‪ :‬ما لي أراكم تلعبون؟‬ ‫شري ٌ‬ ‫مّر ُ‬
‫ُ‬
‫قالوا‪ :‬فرغنا‪ ،‬قال‪ :‬ما بهذا أمر الفارغ‪ ،‬وقال عمر رضي الله عنه ‪ " :‬إني‬
‫لكره أن أرى أحدكم سبهلل ل في عمل الدنيا ول في عمل الخرة "‪.‬‬
‫إن الدنيا التي نعيش في ظللها اليوم صار فيها أنواع من اللهو والترفيه‬
‫ة‬
‫م الدنيويُ والصناع ُ‬ ‫والتسلية لم تخطر ببال أحد ممن سبقنا‪ ،‬وقد تقدم العل ُ‬
‫ووفرت للنسان مزيدا من الوقت والجهد بهذه اللت التي صارت تقوم‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالنيابة عن النسان في جميع شؤون أعماله الحياتية‪ ،‬حتى أصبح النسان‬


‫اليوم يختلف كثيرا عن إنسان المس في مطعمه ومشربه وملبسه ومركبه‬
‫ة التي تعيشها الدنيا اليوم‬ ‫ة الحديث َ‬
‫ولهوه وفي حياته كلها‪ ،‬إن هذه الصناع َ‬
‫قامت بتغيير نمط الحياة لدى النسان في زراعته وصناعته وحياته ووفرت‬
‫وقته بشكل كبير ما كان يحلم به إنسان المس‪ ،‬لكن السؤال الذي ينبغي أن‬
‫يطرح لُيعقل‪ ،‬أين ذهبت هذه الوقات الموّفرة التي وفرتها هذه الحضارة‬
‫المزدهرة في عالم النسان اليوم‪..‬؟‬
‫م اجتماع‬‫م لدى الغرب أسموه عل ُ‬ ‫لقد نشأ بعد الحرب العالمية الثانية عل ٌ‬
‫ة كثرةِ الفراغ الذي حصل عند الناس بسبب هذه‬ ‫الفراغ‪ ،‬وكان هذا العلم نتيج َ‬
‫الكفاءة والتنمية وزيادة الطاقة النتاجية والتقدم التقني‪ ،‬فكيف ملئوا هذا‬
‫الفراغ الذي كان يهدد إنسانيتهم في عالمهم؟ لقد ملئوه بأنواٍع من الترفيه‬
‫فق‬ ‫ت وشركات ورأس مال هائل‪ُ ،‬ين َ‬ ‫والتسلية الحديثة‪ ،‬وصار لجل ذلك صناعا ٌ‬
‫على التسلية والترفيه ‪ ..‬فهل التسلية والترفيه في عالمنا اليوم كتسليتهم؟‬
‫هل هذا الترفيه الذي نعيشه ويعيشه أبناؤنا اليوم هو ترفيه مذموم؟ إن سنة‬
‫الله في عالم النسان أن فعله متوسط بين عالم الملئكة وعالم الشياطين‪،‬‬
‫ل والنهار ل يفُترون ‪،‬‬ ‫كن الملئكة بالخير‪ ،‬يفعلون ما ُيؤمرون‪ ،‬يسبحون اللي َ‬ ‫م ّ‬‫ف ُ‬
‫م النسان متلونا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫عال‬ ‫جعل‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫يغفلون‪،‬‬ ‫فل‬ ‫والغواء‬ ‫بالشر‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫الشياطي‬ ‫كن‬‫ّ‬ ‫م‬
‫و ُ‬
‫وإليه أشار صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم بقوله‪" :‬ولكن يا حنظلة‬
‫ساعة وساعة" ففي ساعة الحقوق تؤدون حقوقَ ربكم‪ ،‬وفي ساعةِ الفتور‬
‫تقضون حظوظ أنفسكم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن للعبادة والذكر وأنواِع الطاعات‪ ،‬وساعة‬ ‫إذا ‪ ..‬هي ساعتان‪ ،‬ساعة تكو ُ‬
‫لقضاء حقوق النفس بالمباحات من الكل والشرب واللباس والنكاح والنوم‬
‫ونحوِ ذلك من رياضات النفس وملعبة الزوجة والبناء‪ ،‬فُتعطى النفس‬
‫حقوَقها ضمن المباح الذي أذن به الشرع‪ ،‬وقد كان عليه الصلة والسلم‬
‫يلعب الحسن والحسين ويداعبهما ويلعبهما‪ ،‬وكان يداري زوجاته ‪ ،‬ويداعب‬
‫أصحابه ويقولون‪ :‬إنك تداعبنا‪ ،‬قال‪ :‬إني لمزح ول أقول إل حقا‪ ،‬وإذن لعائشة‬
‫حرابهم‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫رضي الله عنها في النظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد ب ِ‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم يست ُُرني بردائه أنظر إلى ل ِعِْبهم ‪ ،‬بل لقد‬
‫ُأخذت عائشة رضي الله عنها من الرجوحة وكانت تلعب مع صواحب لها‬
‫لتحضيرها للعرس ‪ ،‬وقالت ‪ :‬كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه‬
‫مفلح رحمه الله تعالى‪":‬‬ ‫ن ُ‬ ‫وسلم وكانت لي صواحب يلعبن معي‪ ،‬قال ب ُ‬
‫والعاقل إذا خل بزوجاته وإيمائه ترك العقل في زاوية ‪ ،‬وداعب ومزاح وهازل‬
‫ليعطي النفس والزوجة حقهما‪ ،‬وإن خرج لطفاله خرج في صورة طفل"‬
‫فانظر إلى هذا اللهو واللعب للطفال والصغار حتى للمرأة حديثةِ السن‪ ،‬وقد‬
‫ب للبنات‪ ،‬والعلة في هذه الرخصة‪ :‬قال‬ ‫استثنى العلماء من الصور‪ :‬الل ُعَ َ‬
‫ع‬
‫ص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور‪ ،‬وأجاز العلماُء بي َ‬ ‫خ ّ‬‫العلماء‪ " :‬و ُ‬
‫رهن على أمر ب ُُيوِتهن وأولده" وكان الصحابة‬ ‫صغ ِ‬ ‫ب للبنات لتدريبهن من ِ‬ ‫الُلع ِ‬
‫ُيعطون الصغار الُلعب لتعوديهم على العبادة كما جاء في حديث الّربّيع بنت‬
‫م صبياننا‪ ،‬ونجعل لهم اللعبة‬ ‫معوذ‪ ،‬قالت‪ :‬كنا نصوم ] أي عاشوراء [ ونصوّ ُ‬
‫ن عند‬
‫من الِعهن‪ ،‬فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكو َ‬
‫الفطار ] رواه البخاري [‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬ك ُ‬


‫ل ما‬ ‫ومن الحاديث في هذا الباب ‪ :‬قو ُ‬
‫ل إل رمَيه بقوسه‪ ،‬وتأديَبه فرسه‪ ،‬وملعبَته أهله‪،‬‬ ‫م باط ٌ‬ ‫يلهوا به الرج ُ‬
‫ل المسل ُ‬
‫م باطل‬ ‫فإنهن من الحق " ] رواه الترمذي [ فكل ما يشتغل به الرج ُ‬
‫ل المسل ُ‬
‫ب فرسه لما فيه من‬ ‫ل ثواب له وإن كان من المباحات إل رمَيه بقوس أو تأدي َ‬
‫العانة على الجهاد‪ ،‬وملعبةِ الهل‪ ،‬لن المرأة بغير ممازحة ومداعبة وملعبة‬
‫ل تصلح معك‪ ،‬وليس المقصود أنه باطل أي محرم ‪ ..‬ل ‪ ..‬لكنه اللهو الذي‬
‫يؤجر فيه بخلف اللهو المباح الخر فإنه ل ُيؤجر عليه إل ما كان يعين على‬
‫ذكر الله تعالى أو محتسبا اللهو فيه لجل النشاط للعبادة كما قال معاذ بن‬
‫جبل لبي موسى الشعري رضي الله عنه ‪ " :‬أما أنا فأحتسب نومتي كما‬
‫أحتسب قومتي " وقال علي رضي الله عنه ‪ " :‬رّوحوا عن القلوب ساعة ‪،‬‬
‫مزني ‪ " :‬كان أصحاب‬ ‫فإنها إذا أكرهت عميت " وقال بكر بن عبد الله ال ُ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ ‪ ،‬فإذا كانت الحقائق كانوا هم‬
‫الرجال " ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لقد قفز النفاق على التسلية والترفيه قفزة عظيمة في هذا الزمن‪ ،‬فينما‬
‫مائة وواحد ٍ وخمسين تنفق‬ ‫كانت السرة في أوروبا في عام ألف وتسع ِ‬
‫ن دولرا على النشطة الترويحية‪ ،‬قفز هذا المبلغ بعده بعشرين سنة‬ ‫سبعي َ‬
‫ن وستين دولرا‪ ،‬ثم أصبحت صناعة الترفيه في العالم في ازدياد‬ ‫إلى مائتي ِ‬
‫وتضخم‪ ،‬وتنفق المنطقة العربية في الموسم الواحد قرابة العشرةَ مليارات‬
‫ن ملياَر دولرٍ سنويا في‬ ‫س وعشري َ‬ ‫دولرا‪ ،‬وينفق السياح العرب أكثر من خم ٍ‬
‫مراكز الترفيه‪ ،‬وهكذا تستقبل بعض مدن العالم المليين من الزوار للترفيه‬
‫حتى ُبني منتزه واحد بخمسةٍ وخمسين مليارا من الدولرات‪ ،‬وتم تطويُر‬
‫ف مليون دولر‪ ،‬وافُتتحت منتجعات‬ ‫حديقة عائلية واحدة بسبعة وعشرين ونص َ‬
‫ومنتزهات ومطاعم ومدن ترفيهية بمئات المليارات‪ ،‬ومرتبات بعض اللعبين‬
‫تصل إلى أكثر من خمسين مليون دولر في السنة الواحدة‪ ،‬بينما أشهر‬
‫الطباء والمهندسين والمفكرين والباحثين والمخترعين والعلماء والقضاة في‬
‫العالم ل يصل مرتبه السنوي إلى واحد بالمائة من هذا الرقم‪ ،‬كل هذا في‬
‫ن من البشر في العالم فقرا وجوعا‪ ،‬وتزداد‬ ‫الوقت الذي يموت فيه مليي ٌ‬
‫البطالة في العالم يوما بعد يوم إضافة إلى المية التي تنتشر بين شعوب‬
‫العالم في عالم مليء بالحضارة والمعرفة‪ ،‬إن هذه الجهزة الكثيرة التي‬
‫خرجت للناس في هذا الزمن من الستليت والدجتل والشاشات والفضائيات‬
‫واللعاب اللكترونية ومدن الترفيه العالمية لها أثرها العميق في نفوس‬
‫الناس وعقولهم‪ ،‬واستهلكت بعض الدول خمسين في المائة من مصنوعاتها‬
‫عرض في‬ ‫في المنطقة العربية في بلد واحد‪ ،‬وبيع من البليستيشن أول ما ُ‬
‫اليابان في الخمسة الشهر الولى أكثر من مليون جهاز‪ ،‬ويوجد في العالم‬
‫اليوم من هذه اللعبة أكثر من مائتين وخمسين مليون جهاز‪ ،‬في المنطقة‬
‫م‬
‫العربية وحدها أكثر من مليوني جهاز‪ ،‬لقد طالت صناعة الترفيه اليوم العال َ‬
‫كله‪ ،‬وصار الناس يرفهون عن أنفسهم بأشياء مختلطة ‪ ،‬بين المباح والمحرم‬
‫ت وجمع الطوابِع والترفيه بالسيارات ما بين تفحيط وتطعيس‪،‬‬ ‫كاقتناء الث َرِّيا ِ‬
‫ق‬
‫ت النارية والزوار ِ‬ ‫ت المائية والدراجا ِ‬‫وجمِع الطيور وتربيةِ الحمام‪ ،‬والرياضا ِ‬
‫ب الكرة بفنونها المختلفة‪ ،‬والترفيهِ بتسلق الجبال في مختلف‬ ‫البحرية ول ُعْ ِ‬
‫الماكن والصناعات اليدوية من التزيين والتطريز والترفيه باللعاب النارية‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ف‬
‫م الحدائق والزراعةِ والترفيه بالطرائ ِ‬ ‫وأنواِع سباق الحيوانات وكذا تصمي ُ‬
‫ت الورقية ونحو ذلك من الفنون المختلفة‪ ،‬وفي المقابل يوجد ترفيه‬ ‫والطائرا ِ‬
‫ن‬
‫عجيب كالترفيه بالغاني والصوتيات والفيديو كليب والمخدرات وأماك ِ‬
‫ب الفنجان‪ ،‬والترفيه بالتعري‬‫الشيشة والمقاهي وأبراِج الحظ والكهانةِ وقل ِ‬
‫الجماعي وحفلت ملكات الجمال والرقص وليالي الغنائي الحمراء ورؤية‬
‫القنوات المختلفة والسياحة ونحو ذلك من هذه المور‪ ،‬وهذا العدد ُ الضخم‬
‫من أفراد هذه الصناعة التي جعلت هذا النتشار في العالم‪ ،‬وانشغل الناس‬
‫ودخلوا في هذه الجوانب الترفيهية المختلفة‪ ،‬وعمت أنواع من المحرمات‬
‫والفساد العريض في الرض‪ ،‬وضاعت أوقات كثيرة كان الولى بها أن تقضى‬
‫فيما فيه فائدة‪ ،‬ونسي الناس ضوابط الترفيه في حياتهم والله المستعان ‪..‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إن المتفحص للترفيه والتسلية في عالم اليوم يجد أنها تفتقد ضوابطها‬
‫الشرعية مما حدا بكثير من خلق الله أن يوجهوا الترفيه والتسلية إلى الوجهة‬
‫التي يريدون ل إلى ما يريد الشرع‪ ،‬إن الضوابط الشرعية في التسلية‬
‫والترفيه ينبغي أن تتضمن أمورا منها‪ :‬أن ل تتضمن شيئا من الشرك والسحر‬
‫ونحو ذلك من أنواع الدجل والشعوذة كالتسلي بحظ البراج وقراءة الفنجان‬
‫وإتيان الكهان والعرافين‪ ،‬ومما يؤسف له أنه أقيمت قنوات فضائية تعنى بهذا‬
‫الجانب لنشر الشرك والسحر بين الناس‪ ،‬كما أنه ينبغي أن ل تشغل عن ذكر‬
‫الله وطاعته وامتثال أمره‪ ،‬فإن الله حرم الخمر والميسر لنهما يصدان عن‬
‫ذكر الله وعن الصلة ‪ ،‬فكل لعبة مباحة وكل تسلية بريئة تصد عن ذكر الله‬
‫وعن الصلة فهي محرمة وتزداد تحريما إن كانت محرمة‪ ،‬كما ينبغي أن يكون‬
‫الترفيه على قدر الحاجة حتى ل يتعلق القلب به‪ ،‬وفي دائرة إطار المباح‬
‫ومما شرعه الله‪ ،‬فإذا احتوت على أمور محرمة كالمعازف والموسيقى‬
‫وصور النساء وما أكثرها اليوم في وسائل الترفيه من الشاشات واللعاب‬
‫وغيرها فإنها حينئذ خرجت عن المباح‪ ،‬كما ينبغي أن ل تشتمل اللعاب على‬
‫صورٍ من ذوات الرواح ومن المجسمات وغيرها‪ ،‬فإن النبي صلى الله عليه‬
‫سلم لعن من صنعها وأمر بإتلفها‪ ،‬ويجب أن يكون الترفيه خاليا من القمار‬
‫والمراهنات ومن ذلك اللعب على المال‪ ،‬فأي لعبة قامة على مال فهي‬
‫مراهنة وقمار وميسر‪ ،‬ويشترط في اللعبة أن ل تشتمل على شيء ممن‬
‫شعارات الكفار الدالة على أديانهم وصلبانهم ‪ ،‬فإن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم كان يحك الصليب ويطمسه‪ ،‬والحذر الحذر من اللعاب التي تربي في‬
‫نفوس البناء العتزاز بالكفار وجيوشهم وأعلمهم وتحبيب شخصياتهم‬
‫وتقديس صلبانهم كجعل الصليب في اللعبة كوِنه يعطي اللعب صحة أو قوة‬
‫أو إنعاشا للروح ونحو ذلك‪ ،‬وأن ل تقوم على ابتزاز المسلمين وإهانتهم‬
‫وإهانة مقدساتهم مع خلوها من الترف والسراف‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم نهى لنا إضاعة المال ‪ ،‬عباد الله‪ :‬إن فهم الضوابط الشرعية في‬
‫اللعاب والترفيه والتسلية مهم لجل سلمتنا وسلمة أبنائنا ولجل أن يكون‬
‫ة بريئة وأن تكون الوقات التي ُتمضى فيها ل تقطع عن‬ ‫ب مباحا والتسلي ُ‬
‫اللع ُ‬
‫الله والدار الخرة ‪ ..‬اللهم إنا نسألك فعل الخيرات ‪ ،‬وترك المنكرات ‪ ،‬وحب‬
‫المساكين ‪ ،‬وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ‪ ،‬اللهم إنا‬
‫نسألك حبك ‪...‬‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫صناعة الفكرة‬
‫بقلم‪ :‬أحمد بن عبد المحسن العساف*‬
‫الكتابة المبهرة هي التي تحتوي على عنصرين مهمين هما‪ :‬الفكرة والبيان؛‬
‫وإذا ما تخلفت الفكرة فالكتابة مجرد زخارف لفظية ومحسنات وسجع قد‬
‫يطرب لها السامع ثم يملها بل ويمجها حين يعرضها على عقله فل يكاد يفهم‬
‫منها معنى أو مغزى‪ .‬وقد تكون الفكرة حاضرة لكن ينقصها البيان العذب‬
‫خِلق المرقع من الثياب‬ ‫والكلمات الفخمة فتكون كأجمل إنسان ل يجد غير ال َ‬
‫فل تنفعه ملمحه مادامت بل حلة تنجذب لها العيون وتنقاد لها النفوس؛ وكم‬
‫من حق ضاع بسوء التعبير وكم من باطل سرى بطلوة الكلم وحلو الحديث‪.‬‬
‫وكم من حق ضاع بسوء التعبير وكم من باطل سرى بطلوة الكلم وحلو‬
‫الحديث‬
‫أما تلك التي تفقد العنصرين معا ً فليست كتابة أصل ً ويصدق عليها وصف‬
‫الهذيان وهمهمات المجانيين وتكون كما قال ابن دقيق العيد بعد جلوسه إلى‬
‫الصوفي ابن سبعين‪" :‬جلست معه من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يتحدث‬
‫بكلم تفهم مفرداته ول تعقل مركباته"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد ابتلي الناس بمطبوعات ووسائل نشر تقذف يوميا أو أسبوعيا أو دوريا أو‬
‫غير ذلك مقالت ودراسات وكتبا ً يكاد يحلف قارئها يمينا ً مغلظة بين الركن‬
‫والمقام أنها كتبت بالقدم ل اليد أو أنها كتبت ساعة مس أو صرع أو خبل‬
‫منقطع أو متصل وما حل بنا هذا البلء المتناسل إل من شهوة الكلم وحب‬
‫التزيد وداء الغرور ومرض الشهرة ولو بشر حال وسوء مقال؛ وبالله الحفيظ‬
‫نستعيذ من الخذلن‪.‬‬
‫إن الفكرة عزيزة المنال صعبة البلوغ ول تتأت لي أحد ول تنقاد بسهولة‬
‫ويسر بل قد تتمنع على الفطاحلة الكبار والساطين العظام حتى يقول الكبير‬
‫المقدم فيهم‪ :‬ل أجد ما أقوله أو ل أستطيع التعبير عما يجيش في نفسي‬
‫وأضرابها من العبارات التي ل تخفى على من قرأ الكبار وقرأ لهم‪.‬‬
‫هناك مقالت ودراسات وكتب يكاد يحلف قارئها يمينا ً مغلظة بين الركن‬
‫والمقام أنها كتبت بالقدم ل اليد أو أنها كتبت ساعة مس أو صرع أو خبل‬
‫منقطع أو متصل‬
‫والفكرة إما أن تكون جديدة لم يسبق إليها فيكون صاحبها أول من جاء بها‪،‬‬
‫وقد تكون قديمة لكنها تطرح بطريقة جديدة أو من وجه لم يذكره أحد؛ وكم‬
‫ترك الول للخر‪ .‬ويتبادر كثيرا ً إلى الذهن سؤال مفاده‪:‬كيف نصنع الفكرة؟‬
‫لصناعة الفكرة عدة طرق منها‬
‫التفكير‪ :‬وهو أكبر مصنع لها؛ وبواسطته تتولد الفكار من الطرق التي بعده‬
‫فكلها يجتاز من خلله إلى العالم الخارجي‪.‬‬
‫الملحظة والتأمل‪ :‬وهما فرع من التفكير وإنما خصصتهما بالذكر لقربهما‬
‫وسهولة استخدامهما؛ وكم من شيء أو مشهد يمر بنا كثيرا ً ولو تأملناه‬
‫لظفرنا بفكرة أو خاطرة‪.‬‬
‫النصات‪ :‬حيث أن سماع أحاديث الناس منجم للفكار؛ ول يذهب بك الظن‬
‫بعيدًا؛ فلست أعني صنفا ً واحدا ً من البشر؛ بل كل من سنحت لك الفرصة أن‬
‫تستمع إليه _ دون تضييع الوقت _ فاستفد منه ولو كان طفل ً أو عاميا ً أو‬
‫ضعيف إدراك‪ ،‬وقد روي عن الجاحظ أنه كان يجلس لكل أحد مما جعل ذهنه‬
‫متوقدا ً متدفق الفكار عن أصناف الناس‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحداث الساعة‪ :‬وهي من أكثر المصادر استخداما ً من قبل المتحدثين‬


‫والكتاب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التخيل والفتراض‪ :‬ول بأس في ذلك إن شرعا أو عقل حتى لو كان المفترض‬
‫ممنوع الوقوع مستحيل ً بدللة غير آية من التنزيل الحكيم‪.‬‬
‫ملهِم ٍ للفكار حتى لو كنا‬ ‫الحوار والمناقشة خاصة عندما يكون مع شخص ُ‬
‫نخالفه تمامًا؛ ولقتناص الفكار من المتحدثين براعة قل من يجيدها وقليل‬
‫من المجيدين من ينسب أفكاره‪.‬‬
‫قال ابن دقيق العيد بعد جلوسه إلى الصوفي ابن سبعين‪":‬جلست معه من‬
‫ضحوة إلى قريب الظهر وهو يتحدث بكلم تفهم مفرداته ول تعقل مركباته"‬
‫استخدام الفكار المتداولة اختصارا ً أو زيادة أواستفسارا ً أو تعقيبا ً وهذا من‬
‫أسهل ما يكون‪.‬‬
‫الستفادة من الموروث الشعبي المحلي أو العالمي لتوليد الفكار‪ ،‬ويدخل‬
‫ضمن ذلك المثال والقصص‪ .‬وكذلك النظر في عادات الشعوب وأخلقهم‪.‬‬
‫ومن جملة تسخير الحيوان للنسان أن في طباعها ونظامها منبعا ً ل ينضب‬
‫للفكار ومن نظر في حياة الحيوان الكبرى للعلمة الدميري أو غيره تيقن من‬
‫ذلك‪.‬‬
‫القراءة‪ :‬ومهما قال الناس في الكتاب ولذة التنزه في عقول الرجال فلن‬
‫يوفوه حقه ول معشاره؛ وأجل وأكرم وأنفس ما يقرأ كتاب الله العزيز وسنة‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم كتب العلم فكل كتاب استيقن الواحد‬
‫منا فيه المنفعة أو أمن منه المضرة؛ ويحسن التنبيه إلى أنه ل يجوز السماح‬
‫للبوارق والقدحات الذهنية أن تجعل صاحبها مستسهل التقول على الله‬
‫ورسوله بغير علم؛ بل يجب الرجوع إلى التفاسير والشروحات السلفية كي ل‬
‫تزل قدم بعد ثبوتها‪.‬‬
‫وبعد ولدة الفكرة وصناعتها ينبغي التريث حتى تنضج على نار هادئة من‬
‫الفكر النير المتزن قبل نشرها؛ ثم يبحث صاحب الفكرة ما وسعه الجهد‬
‫وأسعفه الوقت عن فكرة مماثلة أو مناقضة لتجويد الصناعة وحمايتها من‬
‫العوارض؛ وإن حادث المفكر عقل ً يأنس إليه وروحا ً يشعر بطهارتها قبل‬
‫النشر فخير على خير‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وتبقى مسائل لبد من الشارة العاجلة إليها وهي‬


‫‪ .1‬هل الفكرة حسنة لك عند الله أم سيئة ؟‬
‫‪ .2‬هل تنفع فكرتك البلد والعباد ؟‬
‫‪ .3‬هل هذا هو التوقيت المناسب لعرض الفكرة ؟ وما هو المكان المناسب‬
‫لنشرها ؟‪.‬‬
‫‪ .4‬هل الفضل لك كثرة الفكار أم قلتها ؟‬
‫‪ .5‬سجل أفكارك كمشاريع مستقبلية إن ضاق عنها وقتك‪.‬‬
‫‪ .6‬للفكرة المبتكرة حق القدمية والسبق لكنها قد تواجه بمعارضة شديدة‬
‫فتنبه !‬
‫‪ .7‬ثمة فرق كبير بين الدرر الغرر وبين العجر البجر؛ فاختر لنفسك وفكرك ما‬
‫تحب‪.‬‬
‫وإذا فرغنا من صناعة الفكرة فل مناص من صياغة الفكرة على الوجه الذي‬
‫يجلو البهاء ويبين المحاسن؛ وكنت قد كتبت مقالة بعنوان "خطوات نحو‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة لقارئها على مزيد من إتقان الصياغة‬


‫الكتابة الراقية" وآمل أن تكون معين ً‬
‫بعد ضبط الصناعة لنحصل على أعلى درجات جودة المنتج الذي يمكث في‬
‫الرض وينفع الناس‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫صناعة الهوية‬
‫د‪.‬هيثم مناع‬
‫"من ذا الذي يستطيع أن يقول أن المستقبل لم يأت في النفس بعد‪ ،‬إذا كان‬
‫في النفس توقع المستقبل؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يقول أن الماضي ليس‬
‫حاضرا‪ ،‬إذا كان في الذاكرة ذكرى الماضي"‬
‫أوغستين‬
‫ثابت أم متحول‪ ،‬أساسي أم ثانوي‪ ،‬عنصر تقدم أم انكفاء على الذات‪ ،‬معطاء‬
‫كل مفهوم الهوية منذ آلف السنين‬ ‫أم مقيد‪ ،‬ديناميكي أم متكلس‪ ،‬فقد ش ّ‬
‫وحتى اليوم إشكالية غير قابلة للتجاوز في الوضع البشري‪ .‬المر الذي ل‬
‫يعني بحال عدم القدرة على عقلنة هذه الظاهرة أو تفكيك عناصر تواجدها‬
‫في المجتمعات البشرية‪ .‬مفهوم غامض ومعقد ومتشعب برز محركا للتحرر‪،‬‬
‫عامل وحدة للجماعة‪ ،‬وعنصر تمايز وتباعد لها عن الخر وهميا كان أو‬
‫حقيقيا‪ .‬هذا المكون "الثابت" في عتلة التغيير‪ ،‬كان أحيانا المنظم الساسي‬
‫لعادة بناء العلقات بين البشرية‪ ،‬وأحيان أخرى العائق الساس أمام‬
‫مسيرات التحول في تاريخ القوام والشعوب‪.‬‬
‫في واحد من أكثر نصوصه جرأة‪ ،‬يبدأ سيغموند فرويد دراسته "موسى‬
‫والتوحيد" بالقول‪:‬‬
‫ب النسان الذي يعتبره خير أبنائه ليست عملية يمكن‬ ‫"أن ننتزع من شع ٍ‬
‫القيام بها بخفة أو عن طيب خاطر‪ ،‬ولكن ل يمكن اللجوء مهما كانت الحالة‬
‫لرفض الحقيقة لحساب مصلحة قومية مفترضة‪ ،‬ولنا كل الحق في أن نعتبر‬
‫كشف جملة الظروف مكسبا لمعارفنا")‪.(1‬‬
‫كان فرويد قد توصل إلى فرضية تقول بأن المحرر والمشرع والنبي المرسل‬
‫لليهود لم يكن من العبرانيين وإنما مصريا‪ .‬وكان السؤال الرئيسي عند باحث‬
‫ناقش لسنوات مفهوم التميز والهوية‪ ،‬هل للحقيقة التاريخية أهمية عند‬
‫الباحث رغم البعد الرمزي والسطوري الضروري لكل هوية تاريخية؟‬
‫في القرن السادس قبل الميلد‪ ،‬كتب هيرقليطس "ل يسبح النسان في مياه‬
‫النهر مرتين"‪ ،‬لن كل شيء يتحرك‪ ،‬ليس بالمكان الحديث عن جواهر‬
‫خالدة‪ .‬بعد قرن على ذلك‪ ،‬بدأت معالم الخلف تتبلور أكثر فأكثر في‬
‫الفلسفة اليونانية القديمة مع بروز اتجاه يسميه كلود دوبار )‪ (2‬بالساسيين‪.‬‬
‫هذا التجاه‪ ،‬مهما كان تعريفه أو تصوره للهوية‪ ،‬يعتمد على اليمان بجواهر‪،‬‬
‫"وقائع أساسية"‪ ،‬مكونات أصلية غير قابلة للنقاش‪ ،‬جوهر سرمدي باستعارة‬
‫تعبير أفلطون‪ ،‬حاضر باستمرار أو "كائن" خالص‪ .‬إن الهوية للكائنات‬
‫الختبارية هي ما يبقى كما هو رغم كل المتغيرات‪ .‬هذه القدرة على البقاء‬
‫فوق حواجز الزمان وترهات المكان وعواقب اليام هي التي تمنح التشابه‬
‫قوة وجودية‪ .‬التصور الذي يمثله برمنيدس ‪ Parménide‬بمأثورته » ‪l’être est,‬‬
‫‪" .« le non-être n’est pas‬الكينونة خالدة‪ ،‬وما سواها ليس كذلك"‪.‬‬
‫ستختلف السماء والسباب والمقومات وستبقى هذه العملية التأملية للتمايز‬
‫والتشابه‪ ،‬العام والخاص‪ ،‬النحن والخر‪ ،‬العالمية والخصوصية‪ ،‬في صلب‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التكوينات الثقافية للبشرية‪ .‬ذلك باعتبارها أكثر من سؤال الهوية لوحده‪،‬‬


‫المؤجج الدائم لعادة اكتشاف النسان لنفسه أفرادا وجماعات‪ ..‬فكما كان‬
‫يقول الهراطقة في القرون الوسطى‪ ،‬من يقدم مائة دليل على وجود الله‬
‫لديه مائة شك‪.‬‬
‫ليست الغاية هنا كتابة تاريخ "الهويات"‪ ،‬بقدر ما هي استقراء المفهوم‬
‫ومكانته الخاصة والعامة في الزمنة الحديثة‪.‬‬
‫لعبت الشعائر دورا هاما في التمايز الثقافي للجماعات‪ .‬ورغم أن المسيحية‬
‫شكلت تراجعا في الشعائر الشرقية في تداخلها مع الوثنية الوربية وتأسيسها‬
‫لعالمية الدين وفكرة التقدم‪ ،‬فقد ارتبطت إنسانية النسان فيها بالعمادة ل‬
‫بالولدة‪ .‬المر الذي نجده عند العديد من المعتقدات الحيائية في إفريقيا‬
‫التي جعلت من وشمها الخاص بطاقة هوية تزرعها على الجسد‪ ..‬الرغبة في‬
‫شعيرة متميزة رافقت السيرورة الدائمة للختلط الطوعي أو الكراهي الذي‬
‫جعل من كل نقاء عرقي أو قبلي أو إثني مجرد أسطورة جميلة يرويها الباء‬
‫للبناء‪ .‬بهذا المعنى‪ ،‬لم تكن الهوية بنية مغلقة سكونية ثابتة‪ ،‬بل لم يكن‬
‫بوسع أية جماعة أن تنتمي للعالم دون أن يتغلغل العالم في مقوماتها‬
‫الداخلية وأن تدغدغ فضوله ببعض الخصائص الخلقة في وجودها‪ .‬لعل من‬
‫المثلة الكثر بلغة في التاريخ لعملية غسل الدم الدائمة للهوية‪ ،‬التجربة‬
‫السلمية‪ .‬فقد تحولت من دعوة دينية إلى دولة‪ -‬مدينة إلى إمبراطورية إلى‬
‫دين كوني‪ .‬ذلك بتعبيرات دينية هنا ودنيوية هناك‪ ،‬عبر عمليات انصهار‬
‫واندماج دائمة في الثقافة والحياة‪ .‬عمليات ولء وانتماء وتزاوج وتداخل‪ ،‬كان‬
‫العنصر المشترك الساسي بينها المرونة والقدرة على إعادة تمثل صورة‬
‫الذات‪ ،‬على القل في القرون الربعة الولى‪.‬‬
‫الكرامة الجديدة!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لم تكن معجزة أو نعمة إلهية‪ ،‬بل كلمة مشحونة بالمعاني السلبية والنتقاصية‬
‫هي التي ستتصدر سّلم المفاهيم الصاعدة مع الثورة الصناعية‪ ،‬لتصبح سريعا‬
‫كون‬‫مصدر الهواجس والتوترات وتعبيرات القلق في الحياة العملية للناس وت ّ‬
‫سّلم القيم الجديدة بآن‪ .‬العمل‪ ،‬هذه الكلمة ستنال بركات الصلح المسيحي‬
‫وهدير النضال النقابي والتوسع الرأسمالي وتصبح مصدر التأمل الفكري‬
‫والخلقي‪" .‬محددة القيم" عند آدم سميث‪ ،‬سبب الحياة الفضل عند‬
‫النساني فورستييه‪ ،‬العمل هو الجوهر عند تورغوت ‪ ، Turgot‬سيترجم هيغل‬
‫هذا التحول فلسفيا بالقول أن العمل لم يعد وضعا ماديا خارجا عن النسان‪،‬‬
‫ودون علقة بمصيره الفعلي‪ ،‬وإنما جوهر وجوده‪ .‬فريدريك إنجلز سيفسر‬
‫بالعمل نظرية داروين في تحول القرد إلى إنسان‪ .‬ومهما اختلفت المدارس‬
‫الفكرية الليبرالية والشتراكية‪ ،‬فقد شكل العمل قاسمها المشترك العلى‪.‬‬
‫بهذا المعنى‪ ،‬طرحت الحضارة الغربية العمل كقيمة عامة وعالمية‪ ،‬ل تتموضع‬
‫في دين أو دنيا‪ ،‬في مركز أو محيط‪ ،‬في لون أو عقيدة أو إيديولوجية‪ ،‬في‬
‫جنس أو كون‪ ..‬ومع إعادة تعريف العمل تمت إعادة تعريف الفراد وعلقتهم‬
‫بالجماعة والدولة‪.‬‬
‫دخلت الثقافة الغربية القوى فكرة الشخص باعتبارها نتيجة لمسار تغيرت‬
‫فيه أنماط التعرف على الذات مع التغيرات العميقة في التنظيم القتصادي‬
‫والسياسي والرمزي للعلقات الجتماعية‪ .‬بدأ هذا الشخص من جنس الرجال‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبيض اللون‪ ،‬أوربي المنشأ‪ ،‬مدني الحقوق في الدولة‪-‬المة كمشروع تاريخي‬


‫ترى فيه المم الوربية نفسها باعتبارها المركز‪ ،‬المصدر والمرجع السمى‬
‫للخر‪ .‬هذا الخر نادرا ما استحق مصطلح المة الذي تم حصره في الدول‬
‫كر بذلك تايلور في استعراضه لولدة مفهوم الثنية )‪) (3‬من‬ ‫"المتحضرة"‪ .‬يذ ّ‬
‫اليونانية فاللتينية ‪ (ethnos‬الذي تم توزيعه بكرم حاتمي على الشعوب‬
‫مَرة‪ .‬وفي حين تشكلت المم الوربية في عنف اقتصاد السوق‬ ‫المستع َ‬
‫والحروب‪ ،‬وجدت "الثنيات" الجنوبية نفسها في مركز الشك بين شيفرات‬
‫إن لم تكن دائما قابلة للفك والتفسير‪ ،‬فهي قابلة للتغيير ضمن علقاتها‬
‫بمكوناتها والمهيمن الدولي والجوار‪ .‬لكن مع صور تكّلس تظهر للسطح دور‬
‫إغلق تكوين متميز محدد‪ ،‬في عمليات السيطرة وإعادة السيطرة القتصادية‬
‫والسياسية واليديولوجية‪.‬‬
‫إل أن الحضارة الغربية التي غزت العالم بالبضاعة والمطبعة والمدفع‪ ،‬أو‬
‫لنقل الثورة الصناعية وعصر التنوير والستعمار بأشكاله المتتابعة‪ ،‬تعاملت‬
‫مع هويتها الخاصة باعتبارها الهوية‪ ،‬مع ثقافتها القومية باعتبارها الثقافة‬
‫النسانية‪ ،‬مع عمليات إنتاج المعرفة فيها باعتبارها المعرفة العالمية‪ .‬من هنا‬
‫تحولت أشكال تفسيرها لعالمها الخاص إلى صيغ قاصرة عند التعامل مع‬
‫عوالم أخرى‪ ،‬وتحولت أشكال النضال الفكري فيها إلى إيديولوجيات خارجها‪.‬‬
‫ليس هناك من ضرورة لتحميل أبو البقاء الكفوي والجرجاني ما لم يجل‬
‫بخاطرهما وهما يتحدثان عن "الهوية"‪ .‬ولعل الملحظات البرز في الكتابات‬
‫التاريخية السلمية‪ ،‬تلك التي يقدمها ابن خلدون في مقدمته عن دور‬
‫الوظيفة في أية علقة اتصال والتحام وتمايز‪ .‬سواء لغاية الغلبة والسلطان‬
‫والقهر أو بهدف الدفاع عن الذات‪.‬‬
‫جمع عصر التنوير في مشروعه التأسيسي بين الحقوق الطبيعية والعقد‬
‫الجتماعي والتحرر من السحر وإقرار تفوق النسان بالمعرفة‪ .‬قطيعة التنوير‬
‫مع التاريخ المسيحي الوربي وظلمات القرون الوسطى اعتمدت مبدأ نهاية‬
‫عصر النسان القاصر‪ .‬نصبت العقل أسطورة جديدة والمعرفة سلطة قادرة‬
‫على التعيش‪ ،‬ليس فقط من النتاج الفكري والمادي الخصب الذي أطلقت‬
‫عقاله الثورة البرجوازية‪-‬المدنية‪ ،‬بل ومن الظلم و"عنف التحيز" في العلقة‬
‫كر ميشيل فوكو‪ .‬سيحاول ماركس إعطاء القتصاد صالون‬ ‫مع الخر كما يذ ّ‬
‫الشرف في تفسيره للعالم‪" .‬المجتمع‪ ،‬يقول ماركس في مخطوطات‬
‫‪- ،1844‬كما يبدو لرجل القتصاد السياسي‪ -‬هو المجتمع المدني‪ ،‬الذي يكون‬
‫كل فرد فيه مجموعة من الحتياجات‪ ،‬ول يوجد بالنسبة للشخص الخر –كما‬
‫ل يوجد الخر بالنسبة له‪ -‬إل بقدر ما يصبح كل منهما وسيلة للخر‪ .‬فرجل‬
‫القتصاد السياسي ينتهي بكل شيء )تماما كما تفعل السياسة في حديثها‬
‫عن حقوق النسان( إلى النسان‪ ،‬أي إلى الفرد الذي يجرده من كل تحديد‬
‫حتى يصنفه كرأسمالي أو عامل‪ (4).".‬الطبقة هي التعبير الهم للهوية‪،‬‬
‫وصراع الطبقات هو المحدد الساسي في التاريخ‪ .‬القوانين الطبيعية للنتاج‬
‫الرأسمالي تعانق مجموع مظاهر المجتمع الحيوية‪ ،‬ولول مرة في التاريخ‬
‫يخضع كل المجتمع لتطور اقتصادي يكون وحدة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل تخلو كتابات ماركس من ازدراء واحتقار لشكال النتماء ما قبل الرأسمالية‬


‫ولو أنها لم تشكل موضوع دراسة له في ذاتها‪ .‬لنستحضر مثل هذا التعريج‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في إسهامه في نقد فلسفة الحق‪" :‬يا له من مشهد ! إن التقسيم الل متناهي‬
‫للمجتمع إلى مجموعة من العراق ‪ Rassen‬التي يعارض بعضها بعضا‬
‫بكراهياتها السخيفة‪ ،‬بضميرها المؤنب‪ ،‬بضحالتها الفظة‪ ،‬والتي بسبب‬
‫الموقف الملّبس والمشبوه لكل عرق إزاء الخر‪ ،‬يعاملها أسيادها‪ ،‬كلها وبل‬
‫تمييز‪ ،‬على أنها كائنات مسموح بوجودها‪ ،‬ولو أنهم يلبسون هذه المعاملة‬
‫أشكال مختلفة‪ .‬حتى واقع كون تلك العناصر مقهورة‪ ،‬محكومة‪ ،‬مقتناة‪ ،‬فإنها‬
‫مجبرة على اعتبار ذلك وإعلنه هبة من السماء!")‪(5‬‬
‫باعتباره النقلة الوربية ثورة جزئية‪ ،‬سياسية فحسب‪ ،‬في مقابل ثورة‬
‫البروليتاريا الجذرية والشاملة‪ ،‬وضع ماركس أسس المقاومة للنظام الجديد‬
‫من داخله وخارجه‪ ،‬فليس للطبقة العاملة وطن‪ ،‬ولن تستبدل طبقة بأخرى‬
‫بل ستؤرخ لنهاية التاريخ الطبقي وبداية التجمع الحر للفراد‪.‬‬
‫لم يجد ماكس فيبر عند ماركس ما يرد على أسئلة جوهرية تتعلق بتشكل‬
‫وتفتت الجماعات القديمة والجماعات المدنية الجديدة‪ .‬كما أنه لم يعثر على‬
‫ما يشفي غليله في تكون تجمعات المصلحة في الفصل التعسفي بين ما‬
‫سمته الماركسية التقليدية بالبنية التحتية والبنية الفوقية‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬يعتمد فيبر في قراءته لصيغ الفعل المفهوم بشكل عقلي أول‪ ،‬الصيغ‬
‫التي نسميها اليوم بالعضوية والتي استعمل لها تعبير ‪.Vergemeinschaftung‬‬
‫تلك التي تصف العلقات الجتماعية المؤسسة على المشاعر الذاتية )تقليدية‬
‫كانت أو عاطفية( للنتماء إلى صيغة جماعية‪ .‬وهي تشمل نمطين كبيرين‬
‫يتضمنان صيغتين للرابط الجتماعي‪ :‬الولى ترتكز على قوة التقاليد من‬
‫روابط تمر عبر النسب والميراث الثقافي‪ ،‬وتلك الناجمة عن التمايز الجماعي‬
‫والعاطفي حول شخصية كارزمية‪ ،‬حقيقية كانت أو وهمية‪.‬‬
‫ثانيا‪ ،‬الصيغ المجتمعية ‪ Vergesellschaftung‬التي تصف العلقات الجتماعية‬
‫المؤسسة على التوافق وتناسق المصالح بشكل عقلني كقيمة وكغاية‪ .‬وهي‬
‫تضم نمطين ‪ -1 :‬العلقة بالقيم وعقلنية الفضيلة‪ ،‬المر الذي يعني توافقا‬
‫عقلنيا في التزام مشترك‪ -2 .‬علقة مرتبطة بوسائل لغاية تفرض نفسها‬
‫بنفسها كالمصلحة القتصادية بالتبادل التجاري أو المنافسة من أجل أوضاع‬
‫معيشة أفضل والتجمع الطوعي للفراد للدفاع عن مصالحهم‪.‬‬
‫كما يوضح كلود دوبار‪ ،‬يتبنى ماكس فيبر أطروحة وجود عملية عقلنة تعطي‬
‫للشكل الثاني الغلبة على الول دون أن يلغيه‪ .‬في هذا النطاق‪ ،‬ل يمكن أن‬
‫نخرج من ماكس فيبر دون الحديث عن "الخلق البروتستنتية وروح رأس‬
‫المال"‪ ،‬عن زواج العقل والمصلحة بين الزهد الطهراني والمبادرة‬
‫الرأسمالية‪ :‬حين يصبح تضييع الوقت أولى الخطايا وأكثرها خطورة‪ ،‬ويشكل‬
‫العمل الغاية التي حددها الله للحياة‪ ..‬المهنة هي السبيل لخدمة الرب‪ ،‬ونجاح‬
‫الشركة علمة قيام بالواجب الديني‪ .(6)..‬لعل في هذا التحليل المبكر ما‬
‫سيعطي صموئيل هنتنغتون المادة الولية لقراءة متأخرة لهذه الظاهرة في‬
‫كتابه "من نحن" الذي سنتعرض له‪.‬‬
‫ستتناول مدارس التحليل النفسي عملية التمايز والهوية الشخصية في‬
‫المجتمع الغربي‪ .‬إل أن نوربرت إلياس سيأخذ حيزا هاما في تناول ظاهرة‬
‫الهوية في الثقافة الغربية المعاصرة‪.‬‬
‫يقوم تحليل إلياس على "هوية نحن‪-‬أنا"‪ .‬ل يوجد هوية أنا بدون هوية نحن‪،‬‬
‫والهوية ل تخرج عن عملية تاريخية وحضارية تنتقل بالبشرية من الهيمنة‬
‫الشمولية للنحن إلى حالة متقدمة للتفرد‪ .‬فالمجتمع يتكون من ممارساتنا‬
‫وعلقاتنا المتبادلة‪ ،‬وإن لم تكن هذه العلقات "حرة"‪ ،‬فهي ليست قوى‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طبيعية‪ .‬ل يوجد الفرد إل في مجتمع‪ ،‬ويتوقف التفرد على نمط التنظيم‬
‫الجتماعي‪ .‬لذا يجب القطع مع منطق الجواهر المعزولة والنتقال لتأمل حول‬
‫العلقات والوظائف‪" .‬سيرورة الحضارة" هي التعبير الذي سيعبر معه إلياس‬
‫عما يسميه "سيرورة التفريد" التي تنتقل بالبشر من الشكال الولى لتمايز‬
‫الجماعات على أساس روابط الدم والدين واللغة والتقاليد‪ .‬وإن تبدو‬
‫معطيات ما قبل الحضارة الغربية المعاصرة غير واضحة المعالم والدللت‪،‬‬
‫فحسب إلياس مركزة السلطة في دول من نمط جديد يفترض احتكار العنف‬
‫الشرعي وجمع الضرائب من قبل أمراء صاروا رؤساء دول‪ .‬سيجعلهم‬
‫يبتكرون المراقبة الذاتية على النفس كوسيلة تضمن سلطانهم‪ .‬بحيث‬
‫ترافقت العملية السياسية بتحولت نفسية بالغة الهمية‪ :‬الحصر الداخلي‬
‫المتصاعد للعواطف والتحول من العدوانية الموجهة للخارج إلى دفع موجه‬
‫نحو الداخل‪ .‬ويعود التشكل البطيء للنا النفسية كموضوع أخلقي إلى‬
‫الصعوبات التي رافقت تشكل الدولة الحديثة‪ .‬هنا يجري الحديث عن المركزة‬
‫السياسية والتعقيد في الوضاع الجتماعية والكثافة المادية والخلقية في‬
‫المجتمع باعتبارها جزء ل يتجزأ من ولدة معتقدات جديدة فلسفية ودينية‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لقد فرضت الدولة‪-‬المة نفسها بالتدريج كصيغة غالبة للنحن المجتمعية في‬
‫أوربة‪ .‬وتمتع صعود الفكرة القومية بشرعية متصاعدة للهوية القومية‬
‫باعتبارها الصيغة السائدة للهوية منذ القرن الثامن عشر حتى القرن الماضي‪.‬‬
‫لم تتشكل عملية "الوعي" القومي دون مخاضات مؤلمة في السيف‬
‫والوعي‪ .‬إل أنها وبقدر ما كانت تتبلور في إيديولوجيات بقدر تركت الباب‬
‫مفتوحا أمام كل تعبيرات التطرف‪ .‬فباسم القومية الكثر "نقاء" وعنفا‬
‫وشمولية سترتكب جرائم ضد النسانية بشكل ل سابق له في التكثيف‬
‫المكاني والزماني في حربين كونيتين‪ .‬إل أن مسيرة الدول منذ منظمة المم‬
‫المتحدة تتوجه نحو )نحن( معولمة‪ .‬النسانية كانتماء مشترك‪ ،‬مترافقة بتعزيز‬
‫المطالب الثنية والقومية والدولنية والعتقادية‪) :‬نحن( محلية منظمة في‬
‫دولة شرعية أو جماعة ثقافية‪ .‬و)أنا‪-‬بالجمع( تتميز عبر جماعتها الثقافية أو‬
‫المحلية‪ .‬يبقى أن مصدر الخوف يكمن في تلك الستمرارية الضمنية‪ ،‬في‬
‫الثقافة الغربية لتمثل النحن والخر في منظومة تمايز وتفاضل تشكل‬
‫بالضرورة عنصرا في تعزيز أشكال النتماء المحلية باعتبارها وسائل دفاع‬
‫ذاتية‪ .‬نوربرت إلياس يتناول هذه المشكلة في كلمة "المتحضر" في التاريخ‬
‫الوربي‪:‬‬
‫"نحن من جهة‪ ،‬البرابرة من جهة أخرى )قبل المسيح(‪،‬‬
‫المسيحيون من جهة‪ ،‬الوثنيون من جهة أخرى )قبل الهرطقة الدينية(‪،‬‬
‫المتحضرون من جهة‪ ،‬وغير المتحضرين من جهة أخرى )منذ ‪،(1530‬‬
‫الحداثيون من جهة‪ ،‬والتقليديون القدامى من جهة أخرى )منذ ‪،(1830‬‬
‫الجماعة تحمي نفسها دائما بنوع من التفوق الذاتي في تحديدها"‪.‬‬
‫عودة إلى المنسيين‬
‫القبيلة‪ ،‬الثنية‪ ،‬الدولة والدين كلها كانت عوامل فبركة وإنتاج لهويات امتلكت‬
‫قوة التواجد على اختلف المتداد في الزمان والمكان‪ .‬ول يمكن الحديث‬
‫عنها باعتبارها أنماط صافية للجماعات البشرية‪ .‬فالهوية أيضا سيرورة‬
‫وبالتالي أزمات‪ .‬تتكون الهوية عبر أزمات وليس العكس‪ ،‬كونها حركة تتكون‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبر الزمات‪ .‬بالتالي‪ ،‬ورغم أن أساسها المفهومي قائم على الثبات‪ ،‬فهي‬
‫في تغير دائم‪ ،‬سريع‪ ،‬أم بطيء‪ ،‬بعوامل ذاتية أو خارجية ل يهم‪ .‬المهم هو أن‬
‫عمق أي شعور بالهوية قضية نسبية في المطلق‪ .‬وفكرة الجمود في الهوية‪،‬‬
‫التي قادت اليسار التقليدي للخوض في مواجهة نظرية وسياسية بين الحرية‬
‫والهوية‪ ،‬المواطنة والنتماء‪ ،‬النحن والخر‪ ،‬هي ابنة أحكام مسبقة وثنائيات‬
‫تحتضر لم يعد لها من معنى إل لتفسير واقع إيديولوجي نمطي صنعه المثقف‬
‫والسياسي‪.‬‬
‫في حين تشكلت الهوية القومية في عملية إعادة تكون داخلية للدولة‬
‫والمجتمع‪ ،‬كانت الهوية القومية في العالم العربي وليدة ظروف أزمة‪ ،‬بل‬
‫لنقل بدقة أكثر حالة اغتصاب‪ .‬لقد جرت محاولة القطيعة مع النموذج‬
‫العثماني في ترجيح للمفهوم الغربي ل في تشجيع لمكانية استنباط محلية‬
‫تنجم عن فك الستعصاء التاريخي‪ .‬لنأخذ مثل الجنسية والنقابات والمحاكم‪،‬‬
‫لم يجر هضم كاف لهذه المؤسسات في مجتمعاتنا‪ ،‬وبالتالي بقيت بعيدة عن‬
‫الحساس الشعبي ومصطنعة بالنسبة للكثيرين‪ .‬كما ولم يمتنع البعض عن‬
‫رهن وجودها والتخلص منها بالمستعمر مهما كانت محاسنها‪ .‬بدون كمال‬
‫أتاتورك قطعت مجتمعاتنا مع العديد من الهياكل التاريخية من فوق حتى في‬
‫غياب كوادر مؤهلة لذلك‪ .‬المر الذي يذكرني بأحزاب معاصرة ومنظمات غير‬
‫حكومية تتحدث عن انتخابات ومراقبة انتخابات وليس لديها العدد الكافي‬
‫لمراكز القتراع في مدينة واحدة‪ ،‬وتطالب بسلطة البروليتاريا في بلد لم‬
‫يدخله التصنيع بعد‪ .‬المر الذي خلق فجوة بين المؤسسة الحديثة والمجتمع‪.‬‬
‫باعتبار هذه المؤسسات ل تلتقي في القراءة العفوية الولية مع مصالح‬
‫الناس‪.‬‬
‫هذه الفوضى في الهوية والمؤسسات والنتقال بين حقبتين ونمطي إنتاج‬
‫مختلفين خلقت فراغا هائل في التكوين السياسي للبشر‪ .‬من ذلك استفاد‬
‫جيل كامل استطاع التنفس في ظل الليبرالية الستعمارية التي أعطت‬
‫الناس هامشا سياسيا وثقافيا سمح لهم بالتأهيل الذاتي والتكوين المعرفي‬
‫بشكل يفوق بكثير تأهيل جيل حالة الطوارئ الذي عرفناه‪ .‬المر الذي وّفر‬
‫تدارك فجوات كبرى في طموح كبير لكسب معركة الزمن والبلوغ الضروري‬
‫لبناء مستقبل مختلف‪ .‬إل أن دولة الستقلل القطرية جاءت وليدة عوامل‬
‫تعسفية أو بمحض الصدفة‪ ،‬كما يقول محمد حافظ يعقوب )‪ .(7‬وصار‬
‫السؤال المركزي‪ :‬كيف يمكن بلورة هوية سياسية وثقافية ضمن حدود‬
‫خضعت إما لرادة موظفين من الدرجة الثانية في الدارة الستعمارية أو‬
‫نتيجة لموازين قوى رجحت هذا التجاه أو ذاك؟ وحده الشعور الجماعي‬
‫للمجتمع السياسي الجديد بالنتماء إلى قضية كبيرة واحدة كان وراء التماسك‬
‫الضروري لنجاز الستقلل الول‪ ،‬أو التخلص من نفس القيود وتجاوز نفس‬
‫الشكالية )الستعمار المباشر(‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لذا لم يكن الرعيل الول ابن ما يسمى بالنهضة وحسب‪ ،‬بل ابن الهوية الكبر‬
‫التي تسمح بالطلل على العالم والعيش بالبعد النساني‪ ،‬أو على القل‬
‫الكوني‪ .‬هذا الرعيل أسس لحركة وطنية دينها العلم تعتبر معركتها في‬
‫اللحمة الوطنية‪ ،‬أي قبول مكونات المجتمع السياسي كافة‪ ،‬وبرنامجها في‬
‫فتح المدارس وتعلم الناس ومكافحة الهيمنة الخارجية‪ .‬لم يحمل جيل‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلة على‬ ‫الستقلل مكارم هذا الجيل عندما جعل من الدولة الوطنية المف ّ‬
‫مقاس مستعمريها دولة تدخلية في مواجهة مفتوحة مع المجتمع‪ ،‬وبالتالي‬
‫في موقع معاد بالضرورة للمة‪ .‬عندما لم يعد بالمكان تحقيق الشرعية‬
‫السياسية من تحت‪ ،‬صار بإمكان التجمعات الحاكمة الجديدة الذهاب بعيدا‬
‫في فرض تصورها مع قناعة واعية أو غير واعية تعتبر أن الوصول إلى‬
‫السلطة يسمح لها بإعادة فبركة الهوية السياسية للناس على أنموذجها‬
‫المسخ‪.‬‬
‫تبحث الهوية السياسية عن عناصر ارتكاز لها في الهوية الثقافية‪ .‬ليس لن‬
‫الهوية الثقافية هي المعبر عن مصالح الجماعة‪ ،‬ولكن لنها أصبحت في‬
‫الصراع غير المتكافئ على السيطرة والهيمنة في العالم‪ .‬الوسيلة الكثر‬
‫اقتصادا لبلورة برنامج متميز للجماعة‪ ،‬برنامج يختصر كل مسافات البتكار‬
‫السياسي والتجربة والخطأ والطرق المجهولة المآل‪ .‬لكن حامل هذه الثقافة‬
‫وهذه الهوية هو ابن القرن الواحد والعشرين‪ ،‬وليس من أهل الكهف‪.‬‬
‫وبالتالي فهو يحمل في أعماقه كل معالم الصراع بين التكاء المريح على‬
‫عنجهية الخطبة‪ ،‬والمواجهة الفعلية مع عنجهية القوة‪ ،‬النكفاء على الذات‬
‫وضرورة إعادة مناقشة مكونات الذات‪ ،‬قوة التعبئة التي تمنحها الهوية‬
‫الثقافية ومحدوديتها في تعبئة القوة في الحياة العملية‪ .‬لذا يمكن القول أن‬
‫الهوية السياسية الدافع والغرض هوية متحركة متعددة المشارب قادرة على‬
‫التجدد بشكل أسرع من الهوية الثقافية‪ .‬وهي ابنة أوضاع أكثر منها ابنة ذاكرة‬
‫جماعية وفردية ضرورية الستحضار‪ .‬من هنا شكلت أشكال النتماء السياسي‬
‫الترجمة الكثر صدقا لمعطيات العصر‪ ،‬مهما كانت المرجعية الثقافية‬
‫والرمزية لها‪ .‬المثلة على هذا ل حصر لها‪ ،‬ولعل أكثرها بلغة مفهوم التنظيم‬
‫اللينيني عند حسن البنا‪ ،‬الهوية القومية الغربية في التجاهات القومية‬
‫العربية‪ ،‬استنساخ النموذج الستاليني في نظرية الدولة عند المودودي‪ .‬ليس‬
‫فرج الحلو بل مصطفى السباعي من قال "ل أعتقد أن الشتراكية "موضة"‬
‫ستزول‪ ،‬بل هي نزعة إنسانية تتجلى في تعاليم النبياء ومحاولت المصلحين‬
‫منذ أقدم العصور"‪ .‬من يستطيع إغفال التقاطعات المركزية بين الحزب‬
‫القومي القائد والحزب الثوري وحزب الله المخّلص في زمن حالت الطوارئ‬
‫التي أنجبت إيديولوجيات الطوارئ؟ أين البعد التقدمي لليبرالية العربية في‬
‫بداية القرن العشرين كمشروع اجتماعي وسياسي تحرري من أفول‬
‫التعبيرات الليبرالية العربية بعد قرن باعتبارها الترجمة المينة للجري الذليل‬
‫النفس والروح وراء أفول المنابع؟‬
‫النتماء القومي في الخمسينات‪ ،‬كان يعني التخندق في أتون حركة التحرر‬
‫الوطني التي تجاوزت الثقافة القومية والعتقادية‪ .‬أما أن تكون شابا ماركسيا‬
‫في العالم الثالث في ‪ 1968‬فهذا يعني فيما يعني أن تكون ابن عصرك‪ .‬أن‬
‫تكون إسلميا في الحقبة نفسها يعني أن ترد على عصرك وظروفك‪ .‬الجيل‬
‫الذي تل تلك الحقبة‪ ،‬اجتمع عنده النتماء السلمي والنتماء للمحيط والرد‬
‫على العصر قبل أن يضع صلب عينيه‪ ،‬من دروس الواقع ومقتضيات الحياة‪،‬‬
‫أن النتماء للعصر ل يتعارض بشكل جوهري مع النتماء للسلم‪ .‬لذا حطم‬
‫الكومبيوتر في أيام الثورة اليرانية الولى ثم عاد ينظم دورات تعليمية في‬
‫التكنولوجيا الحديثة وصول لحوار الحضارات‪ ...‬في الجبهة العلمانية‪ ،‬كان‬
‫هناك أغلبية تصر على القول أن العلمانية هي الكل‪ ،‬السلمية هي‬
‫الستقصاء‪ .‬في كتابه‪" ،‬مؤمنون أو مواطنون" يحاول محمد حربي التأكيد‬
‫على هذا المعطى‪ :‬المواطنة ل تمنع اليمان‪ ،‬اليمان يقيدها‪ ..‬الواقع كان‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مختلفا تماما‪ ،‬العلمانية الستئصالية همشت بل نبذت اليمان‪ .‬أما السلم‬


‫السياسي بتياره العريض فقد تعلم من ضربات الواقع معنى التحرر من فكرة‬
‫الحزب الواحد المخلص القائد التي أشعره القمع وخصمه السياسي‬
‫واليديولوجي ليس فقط بهزالتها‪ ،‬بل بالقرف منها‪ .‬بهذا المعنى كان التعسف‬
‫الذي عانى منه مدرسة للتسامح وإعادة اكتشاف الذات وقبول الخر‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫في حين لم ير عدد من المثقفين في السماح للحجاب في بعض الدول‬


‫الوربية إل الحراج الذي تسببه لدول كتركيا وتونس‪ ،‬كان علمانيون‬
‫وإسلميون رافضون للنظام التسلطي في تونس والميراث العسكري في‬
‫تركيا يروجون أكثر فأكثر لفكرة حرية الختيار في السفور والحجاب في تركيا‬
‫كما في إيران‪ .‬بدأت إذن بالتشكل معالم سياسية لهوية أكثر تماسكا ترى في‬
‫المواجهة الدائمة بين المواطنة واليمان حربا أهلية في الكلمة والواقع‪ .‬ولعل‬
‫هذه الثغرة في النتاج المشوه لحالت الطوارئ تترك المل في إمكانية وضع‬
‫حد لليات تدنيس الوعي‪.‬‬
‫الهوية‪) ،‬بالمعنى الجمودي والساكن والمتمترس وراء حجاب العقل والرافض‬
‫للثقافة باعتبارها محرك التجديد المجتمعي والفعل الذي يسمح بإعادة إنتاج‬
‫وابتكار الذات(‪ ،‬لم تعد سوى أنشودة الحماس في لحظات العتداء على‬
‫شرف المة‪ .‬الحركة‪ ،‬التغيير والقدرة على استنباط صورة الغد يحدثنا عنها‬
‫"المثقف" محمد خاتمي بالقول‪" :‬التراث‪ ،‬كما هي الحضارة‪ ،‬شأن بشري‬
‫يستحق التغيير وإن آمنا بأبعاد ثابتة في مجال حياة النسان المعنوية والعقلية‬
‫والرادية‪ ،‬فإنه يجب القول‪ ،‬بأن جانبا مهما‪ ،‬إن لم نقل جميعه‪ ،‬مما نصطلح‬
‫عليه بالتراث‪ ،‬هو نتاج بشري متأثر بالظروف الجتماعية والتاريخية‬
‫للمجتمعات‪ ،‬وبالتالي فهو عرضة للتغيير وليس مقدسا وخالدا")‪ .(8‬ل يختلف‬
‫هذا الطرح كثيرا عن مأثورة عصام العطار‪" :‬كيف نقبل الجمود‪ ،‬بل كيف‬
‫يمكن الجمود في عالم تتجدد معلوماته ومعطياته ومطالبه ووسائله‪..‬‬
‫باستمرار لبد لنا من التجدد الدائم والبداع المتواصل والجهاد المضني في‬
‫كل مجال‪ ..‬وإل فقدنا حياتنا ووجودنا الفاعل المؤثر وأزاحنا الركب البشري‬
‫عن طريقه وقذف بنا إلى هامش الهامش أو هوة التاريخ‪ .‬فذهبنا جفاء كما‬
‫يذهب الزبد وغثاء السيل ومحينا من لوحة الحاضر والمستقبل وتحولنا إلى‬
‫ذكرى من ذكريات الماضي البعيد")‪.(9‬‬
‫يبقى من الضروري التذكير بأن الناس يرفضون الشعور بأنهم في أزمة‪ ،‬لن‬
‫الهوية عند غالبية البشر أيضا عنصر اطمئنان بامتياز ‪ ،Par excellence‬ل‬
‫بالعقل‪ .‬ويمكن القول بأريحية أن هناك من يعيش ويموت دون أن يشعر بأنه‬
‫في أزمة‪ ،‬كالنسان الذي ينام أقل من حاجته الفيزيولوجية في اليوم ول‬
‫يشعر بالصابة بأي نوع من الرق‪ .‬ففي عالم أصبح الخوف فيه إستراتيجية‬
‫هيمنة وسيطرة للقوة العظم‪ ،‬يمكن القول أن البحث عن عناصر اطمئنان‬
‫ذاتية تصبح الملذ الضروري للضعف‪ .‬لكن هذا الملذ يحمل كل التناقضات‬
‫التي دفعت بالجماعة إلى التراجع نحو عناصر يمكن التعرف عليها بسهولة‬
‫والطمئنان لها بعفوية‪.‬‬
‫هناك أيضا إشكالية كبيرة تواكب ولدة وحالت إنضاج واحتضار الهويات‪..‬‬
‫فكل محاولة دمج لمجموعة من الهويات القادمة من ثقافات متفرقة‬
‫ومتباعدة وتحويلها إلى هوية واحدة‪ ،‬هذه المشاريع المحددة سلفا لرسم‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معالم هوية جديدة‪ ،‬تحمل كل مخاطر القمع الجتماعي والثقافي والنفسي‬


‫بشكل مباشر أو غير مباشر‪ .‬إنها تزرع في اللوعي صدمة الكراه التي تجعل‬
‫احتمال ولدة كائن مسخ‪ ،‬ذي هوية مضطربة وغامضة‪ ،‬باعتبار أن الهوية‬
‫قط‪ .‬إل أن هذا السيناريو المنطقي ليس‬ ‫تخلق على امتداد زمني يقيم وُيس ِ‬
‫حتمية واحدة‪ .‬فقد تتجدد أشكال النتماء وتتصارع إلى أن تصل إلى تعريف‬
‫واضح ومحدد لهويته الثقافية والقومية التي تعبر عن مصالح أغلبية اقتصادية‬
‫واجتماعية وثقافية في زمن ومكان محددين‪ .‬كما يمكن أن تكون مجرد‬
‫وسيلة دفاع مؤقتة ومحلية في معركة الدفاع عن حقوق جماعية أو فردية‪.‬‬
‫وإما العكس‪ ،‬أي استغلل جماعات بشرية أخرى وأوضاع محددة‪.‬‬
‫مداعبة العنصرية‬
‫في كتابه ‪ (Who Are We? (11‬يدخل صموئيل هنتنغتون عالم الهوية من بابه‬
‫الضيق‪ .‬ولعله في هذا الكتاب يقوم أكثر بعملية تحليل ذاتي ‪autoanalyse‬‬
‫بالمعنى النفسي‪ ،‬أكثر منه تحليل أكاديمي بالمعنى الجامعي الذي حاول‬
‫إضفاءه على أطروحاته حول النظام السياسي وتغيير المجتمعات‪ ،‬أزمة‬
‫الديمقراطية وأخيرا‪ ،‬صراع الحضارات‪ .‬فمن جهة‪ ،‬يحاول التربع على كرسي‬
‫التفوق المريكي بعد الحرب الباردة‪ ،‬ومن جهة ثانية‪ ،‬يتقمص أكثر أشكال‬
‫التعبير عن الهوية انغلقا‪ .‬وكأنه يريد عبر ما يقول أن يعكس موضوعة ابن‬
‫خلدون خالقا حالة ولع للغالب بتقليد أسوأ ردود الفعل عند المغلوب‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫يعود هنتنغتون إلى فكرة دافع عنها منذ ‪ 1968‬تقوم على الطابع الخاص‬
‫والمتميز للتجربة المريكية الذي يصعب تكراره أو استنساخه ‪ " :‬ليس‬
‫للتجربة المريكية أن تقدم الكثير للدول السائرة في طريق الحداثة‪ ،‬لم تكن‬
‫الثورة المريكية ثورة اجتماعية كما هو حال الفرنسية والروسية والصينية‪،‬‬
‫المكسيكية أو الكوبية‪ ،‬كانت مجرد حرب استقلل‪ .‬ولم تكن حرب استقلل‬
‫يقودها السكان الصليون‪ ،‬بل الفاتحين الجانب‪ ،‬حرب المستوطنين ضد‬
‫بلدهم الصلي‪ .(12) ".‬هذه الفكرة يتابعها في رفضه لعتبار الوليات‬
‫المتحدة مجتمع من المهاجرين متعدد العراق والثنيات والثقافات‪ .‬ليعود‬
‫للتأكيد على أن السس التي قامت عليها الوليات المتحدة هي مشروع‬
‫المستوطنين النجلو بروتستانت الذين ألبسوا الدولة ومؤسساتها وثقافتها‬
‫السائدة ركائز أساسية أولها الرجل البيض‪ ،‬ثانيها الثقافة النجلو بروتستانتية‬
‫والدين المسيحي البروتستنتي والثنية النجليزية‪ .‬هذه الركائز تعززت حتى‬
‫نهاية القرن التاسع عشر بالحروب الجبارية التي خاضتها الوليات المتحدة‬
‫ضد الهنود الحمر والمستعمرين الوربيين والحرب الباردة‪ .‬كون العداء للخر‬
‫كان أحد قدمي التجربة المريكية وكل محاولة لتشكيل هوية الجماعة‪ .‬باعتبار‬
‫أن القدم الثانية تقوم على مبادئ الحرية والمساواة والديمقراطية النيابية‬
‫واحترام الحقوق والحريات الدينية والمدنية وسيادة حكم القانون كعنصر‬
‫قطيعة وتمايز عن الثقافة القطاعية في أوربة والتي كانت سببا رحيلهم‬
‫الواسع والنهائي‪.‬‬
‫لقد شكلت هذه الثقافة بمقوماتها الربعة عنصر استقطاب ودمج للجماعات‬
‫الخرى القل حجما‪ .‬إل أن التقدم في وسائل التصال والمواصلت أعاد بناء‬
‫الجسور بين المهاجرين الجدد وبلدانهم وثقافاتهم الصلية‪ .‬المر الذي يقف‬
‫عائقا دون اندماج سريع ويهدد بقاء الهوية المريكية واستمرارها‪ .‬كما أن‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تكوين هويات فوق قومية مع العولمة وزيادة نفوذ "الليبراليين اليساريين"‬


‫ذوي الثقافة التعددية يساعد على نمو هويات فرعية على رأسها اللتينيين‬
‫المريكيين والفارقة السود‪.‬‬
‫في كل هذا‪ ،‬هنتنغتون منسجم مع فكرة يدافع عنها منذ أكثر من عقد زمني‪،‬‬
‫ل مكان‬ ‫سسية تح ّ‬‫ن العوامل التنية والدينية واللغوية والتاريخية والمؤ ّ‬
‫تقول أ ّ‬
‫اليديولوجيات السياسية كعناصر أساسية في هوّية الشعوب والدول‪ .‬وفي‬
‫ددون هوّيتهم أكثر فأكثر من خلل عضوّيتهم‬ ‫مختلف أنحاء العالم بدأ الناس يح ّ‬
‫ول‬ ‫في مجموعات إتنية أو طوائف دينية أو مجموعات لغوّية أو تاريخية‪ .‬تتح ّ‬
‫ول‬ ‫ن السياسة العالمية تتح ّ‬ ‫السياسة المحّلية إلى سياسة التنّيات في حين أ ّ‬
‫إلى سياسة الحضارات التي هي أوسع مجموعات ثقافية يتماهى الناس معها‪.‬‬
‫هذه الفكرة ل بد لها من ترجمة محلية‪ ،‬لن الصراع الحضاري للوليات‬
‫المتحدة مع غير الغربي ل يغير شيئا في أن هذا الصراع يبدأ من المجتمع‬
‫المريكي نفسه وعبر مكوناته‪.‬‬
‫وكما يختصر علء بيومي )‪ ،(13‬يعتبر هنتنغتون أن التحديات السابقة يمكن أن‬
‫تؤدي إلى واحدة من التبعات الربعة التالية على الهوية الميركية في‬
‫المستقبل‪:‬‬
‫أول‪ :‬فقدان الهوية الميركية وتحول أميركا إلى مجتمع متعدد الثقافات‬
‫والديان مع الحفاظ على القيم السياسية الساسية‪ .‬ويرى هنتنغتون أن هذا‬
‫السيناريو يفضله كثير من الليبراليين الميركيين‪ ،‬لكنه سيناريو مثالي يصعب‬
‫تحققه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحول أميركا إلى بلد ثنائي الهوية )إنجليزي‪-‬إسباني( بفعل زيادة أعداد‬
‫ونفوذ الهجرات اللتينية الميركية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ثورة الميركيين البيض لقمع الهويات الخرى‪ .‬ويرى هنتنغتون أن هذا‬
‫السيناريو احتمال قائم يدرس إمكانات وقوعه ودوافعه بالتفصيل خلل‬
‫الفصل قبل الخير من كتابه‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬إعادة تأكيد الهوية الميركية من قبل الجميع والنظر لميركا كبلد‬
‫مسيحي تعيش به أقليات أخرى تتبع القيم النغلو‪-‬بروتستانتينية والتراث‬
‫الوروبي والعقيدة السياسية الميركية كأساس لوحدة كافة الميركيين‪.‬‬
‫هنا يعود بنا هنتنغتون لتفوق النموذج الصل وضرورة تعزيزه بالتبشير‬
‫المسيحي‪ ،‬تطويع اللتيني والفريقي المسيحي ودمجه‪ ،‬وإحياء فكرة العدو‬
‫الذي حدد لونه منذ الثورة اليرانية حين قال‪" :‬الثورة اليرانية يمكن أن تعتبر‬
‫حربا معلنة بين الحضارتين السلمية والغربية‪ .‬وماذا نشهد اليوم‪ ،‬صدام بين‬
‫السلم والغرب يقود العالم نحو غياب الستقرار")‪.(14‬‬
‫ل ندري بماذا تختلف أطروحات هنتنغتون عن الخطاب العنصري في‬
‫عشرينات وثلثينات أوربة‪ .‬الفارق ربما كان في القدرة القتصادية والعسكرية‬
‫للوليات المتحدة على حماية أطروحات السيطرة من داخل الوليات‬
‫المتحدة‪ .‬باعتبارها سيناريوهات في إعادة فبركة الهوية المريكية والتعبئة‬
‫لحرب وقائية محتملة ضد الخر‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫يبقى من الممتع‪ ،‬وقد اعتدنا قراءة نصوص مناهضي العولمة التقدميين‪ ،‬أن‬
‫نتوقف عند هذه القراءة المناهضة من موقع محافظ ينصح فيها هنتنغتون‬
‫ب عن وهم العولمة‪ ،‬وأن‬ ‫قومه بالقول‪" :‬إن الوقت قد حان لكي يتخلي الغر ً‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مي قوة حضارية انسجامها وحيويتها في مواجهة حضارات العالم‪ .‬هذا المر‬ ‫ين ّ‬
‫يتطلب وحدة الغرب بقيادة الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬ورسم حدود العالم‬
‫الغربي في إطار التجانس الثقافي )‪.(15‬‬
‫تعدد النتماء في ثنائية النصياع والتمرد‬
‫عمقت السيرورة المجتمعية الغربية والثقافة الغربية مفهوم الحقوق الفردية‬
‫ومفهوم الشخص‪ .‬وأصبح من السئلة الساسية المطروحة كيف يكون‬
‫النسان في الوقت نفسه مختلفا عن كل الشخاص‪ ،‬مشابها لشخاص معينين‬
‫ومشابها لكل البشر؟ لعل طرح هذه السئلة من منظار متعدد الميادين‬
‫ومواقع متعددة الثقافات سيكون له انعكاسات إيجابية أكيدة على تقدم‬
‫مبادئ حقوق النسان ووسائل النضال من أجلها‪.‬‬
‫فمن العدمية برأينا الحديث عن عالم الزي الموحد واللغة الموحدة والمطعم‬
‫الواحد والفن الوحيد النغم باسم العالمية مهما كانت خصائلها‪ .‬خاصة عندما‬
‫ينبع هذا الحديث من اعتبار أنموذج للثقافة القومية التعبير عن الثقافة‬
‫العالمية‪ ،‬كما تحاول مراكز السلطة في الوليات المتحدة اليوم أن تفرض‬
‫على الناس‪ .‬دراسة النفس والفرد تظهر إلى أي مدى يختلف الفراد‪،‬‬
‫وبالتالي صعوبة معالجة المرض نفسه بالضرورة بالطريقة نفسها عند‬
‫شخصين من بيئة واحدة‪ .‬فكيف الحال في اختلف البيئة والمحيط الجتماعي‬
‫والفضاء الثقافي؟ كذلك‪ ،‬إن الندماج القسري في نمط ثقافي استعلئي‬
‫يعزز إنتاج النصياع الداخلي والعبودية الخارجية‪ .‬ما الذي يفسر وجود هذا‬
‫العدد الكبير من الجنود الذين يقبلون اللتحاق بالمجهول منذ حرب ‪1914‬‬
‫إلى حرب العراق؟ كيف تعيد مراكز القرار في الغرب إنتاج أشكال الطاعة‬
‫بحيث‪ ،‬كما يذكر ميشيل فوكو‪ ،‬تكمن الفضيحة في جنوح النصياع وليس‬
‫فقط في جنوحات السلطة‪ .‬من هنا الملحظة الجوهرية لناعوم شومسكي‬
‫في رفضه لهيمنة النمط الحادي‪" :‬كلما أصبح العالم الجتماعي أكثر حرية‬
‫وتنوعا‪ ،‬غدت وظيفة غرس الخنوع أكثر تعقيدا‪ ،‬وباتت مشكلة حل ألغاز آليات‬
‫غسيل الدماغ أكثر انطواء على التحدي"‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬دفاعنا عن مبادئ عالمية لحقوق النسان ينطلق‪ :‬أول‪ ،‬من مبدأ قبول‬
‫الفروق المرئية وغير المرئية في الثقافات‪ ،‬سواء كان المر يتعلق بمحتوى‬
‫الثقافة أو بمناهج تناقلها من جيل لخر أو مدى قدرتها على الغتناء في‬
‫الزمان والمكان والتفاعل مع الخرين‪ .‬ثانيا‪ ،‬من الحرص على رفض توظيف‬
‫ما يعرف بالعالمية أو الخصوصية سواء بسواء لية غايات ترجح القوة على‬
‫روح العدالة‪ ،‬وتحجم الحقوق لحساب المصالح أو اليديولوجيات)‪ .(16‬ثالثا‪،‬‬
‫التذكير باستمرار بأن مضمون الفكرة النسانية غير مستقر‪ ،‬وهو دائم‬
‫التحول‪ ،‬كما هي مخاضات انعتاق الوعي‪ .‬فكل مشروع حضاري يطرح تصوره‬
‫للعالم ويطرح أيضا مثاله للعدل‪.‬‬
‫فصل من كتاب المفكر العربي هيثم مناع الجديد‪ :‬أبحاث نقدية في حقوق‬
‫النسان‪ ،‬يصدر في سبتمبر ‪ 2005‬عن دار الهالي والمؤسسة العربية‬
‫الوربية للنشر واللجنة العربية لحقوق النسان‬
‫ملحظات‬
‫‪Sigmund Freud, L’Homme Moïse et la religion monothéiste, folio essais, (1‬‬
‫‪.Paris, traduit par Cornélius Heim, P.63‬‬
‫‪.Claude Dubar, La crise des identités, Puf, Paris, P.2 (2‬‬
‫‪A. C. Taylor, Ethnie, in : Pierre Bonte - Michel Izard, Dictionnaire de (3‬‬
‫‪.l’ethnologie et de l’anthropologie, Puf, P. 243‬‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ (4‬كارل ماركس‪ ،‬مخطوطات كارل ماركس‪ ،‬ترجمة محمد مستجير‬


‫مصطفى‪ ،‬دار الثقافة الجديدة‪ ،‬مصر‪ ،1974 ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ (5‬كارل ماركس‪ ،‬إسهام في نقد فلسفة الحقوق عند هيجل‪ ،‬مقدمة‪ ،‬راجع‬
‫الترجمة هيثم مناع‪ ،‬منشورات الجمل‪ ،1986 ،‬كولن‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪Max Weber, L’éthique protestante et l’esprit du capitalisme, Paris, Plon, (6‬‬
‫‪.1964, voir : pp. 207-249‬‬
‫‪ (7‬محمد حافظ يعقوب وهيثم مناع )حوار(‪ ،‬مقاربات‪ ،‬العدد ‪، 3-2‬شتاء وربيع‬
‫‪ ،2001‬ص ‪.69‬‬
‫‪ (8‬محمد خاتمي‪ ،‬مطالعات في الدين والسلم والعصر‪ ،‬دار الجديد‪ ،‬طبعة‬
‫ثالثة‪.1999 ،‬‬
‫‪ (9‬عصام العطار‪ ،‬كلمات‪ ،‬الدار السلمية للعلم‪ ،‬بون‪ ،1999 ،‬ص ‪.285‬‬
‫‪ (10‬نعوم شومسكي‪ ،‬ردع الديمقراطية‪ ،‬ترجمة فاضل جتكر‪ ،‬مؤسسة‬
‫عيبال‪ ،‬نيقوسيا‪ ،‬ص ‪.369‬‬
‫‪Samuel Huntington, Who Are We?: The Challenges to America's (11‬‬
‫‪.National Identity‬‬
‫‪Serge Halimi, Quand Samuel Huntington célèbrait Lénine, Le monde (12‬‬
‫‪.diplomatique, déc. 2003, P.17‬‬
‫‪ (13‬علء بيومي‪ ،‬من نحن‪ ،‬تحديات الهوية الوطنية المريكية‪ ،‬عرض الكتب‪،‬‬
‫الجزيرة نت‪.‬‬
‫‪Samuel P. Huntington, The West: Unique, Not Universal, Foreign (14‬‬
‫‪Affairs, November/December 1996‬‬
‫مقطع سبق وترجمه د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان التويجري في دراسته‪ :‬الحفاظ‬
‫على الهوية والثقافة السلمية‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪ (15‬هيثم مناع‪ ،‬موسوعة المعان في حقوق النسان‪ ،‬الخصوصيات الحضارية‬


‫وعالمية حقوق النسان‪ ،‬الهالي‪ ،‬أوراب‪ ،‬اللجنة العربية لحقوق النسان‪،‬‬
‫باريس‪ ،‬دمشق‪ ،2002 ،‬ص ‪.160‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫صور بل ملمح ‪..‬‬


‫د‪ .‬أميمة بنت أحمد الجلهمة ‪2/3/1426‬‬
‫‪11/04/2005‬‬
‫مّنا المعتدل‪ ،‬ومنهم المعتدل‪ !..‬منا المنصف‪ ،‬ومنهم المنصف‪ ! ..‬هكذا نرى‬
‫أنفسنا‪ ..‬وهكذا يرون أنفسهم‪ !..‬والنقاش في الحيثّيات المتعلقة باعتماد‬
‫دد من هو المنصف‪ ،‬ومن هو دون ذلك يطول ويتشعب‪،‬‬ ‫ي يح ّ‬‫مقياس عالم ّ‬
‫م المعالم‪ ،‬مهما حاولنا‪ ،‬وجاهدنا للوصول إليه‪،‬‬ ‫ولن ينتهي بنا إلى اتفاق تا ّ‬
‫در علينا نحن البشر‪ ،‬هذه حقيقة علينا‬ ‫فالختلف أمر بشريّ ُفطرنا عليه‪ ،‬وقُ ّ‬
‫صر لنصل إلى أهدافنا كأمة مسلمة ترفع شعار ل اله‬ ‫التعامل معها بتعقل وتب ّ‬
‫إل الله محمد رسول الله‪ ،‬قال سبحانه‪) :‬ولو شاء ربك لجعل الناس أمة‬
‫واحدة ول يزالون مختلفين( ]هود‪ [118:‬كما قال تعالى‪) :‬ولو شاء الله‬
‫لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مرجعكم جميعا ً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون( ]المائدة‪.[48:‬‬


‫ن هذا الختلف الذي نقّره ول ننكره‪ ،‬ل يعفينا من تبيان حقيقة معتقدنا‬ ‫إ ّ‬
‫دد السبل‬ ‫وه‪ ،‬ول الدفاع عن معطياته اللهّية‪ ،‬ول يعفينا من حوار مح ّ‬ ‫وسم ّ‬
‫ي‪ ،‬يكون‬ ‫ّ‬ ‫نسب‬ ‫ولو‬ ‫اتفاق‬ ‫نقطة‬ ‫إلى‬ ‫نصل‬ ‫القل‪-‬‬ ‫‪-‬وعلى‬ ‫بذلك‬ ‫فلعنا‬ ‫والهداف؛‬
‫أساس علقات إنسانّية مثمرة‪ ،‬فديننا السلمي عالمي النزعة والهدف‪ ،‬وما‬
‫وه هو بفعل أيدينا‪ ..‬إهمال ً وتجاهل ً ورفضا ً لذلك الخر‪ ،‬الذي بادر‬ ‫أصابه من تش ّ‬
‫ن‬‫وهة عن حقيقة دي ٍ‬ ‫‪-‬وبشغف وحتى قبل إبداء السباب‪ -‬لرسم صور مش ّ‬
‫خم نقاط‬ ‫م‪ ،‬وإنسانه المتميز في تطّلعاته وآفاقه المستقبلّية‪ ،‬ض ّ‬ ‫ي سا ٍ‬‫إسلم ٍ‬
‫ضعف قد تواجدت بفعل بعضنا‪ ،‬غافل ً عن زوايا رائعة لمن اتخذ السلم‬
‫دستورا ً وفكرًا‪ ..‬فعل ذلك وقد أمسك بزمام الحياة المادّية بمعظم أبعادها‪.‬‬
‫وق ل لشيء‬ ‫ن أنه متف ّ‬ ‫ن ذلك كله ل يعني الخنوع والجري في سياق من يظ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫إل لنه يملك أدوات مادّية يحاول بها تحريك العالم‪ ،‬مهمل بدوره حقّ الخر‬
‫في الختلف‪ ،‬فارضا ً فكره‪ ،‬معلنا ً العولمة‪ ،‬التي يرى أنها لن تكون مجدية إل‬
‫سكه بخصائصه الذاتّية سواء كانت‬ ‫إذا اكتست بمفاهيمه‪ ،‬منكرا ً على الخر تم ّ‬
‫دينّية أو وطنّية‪ ،‬سياسّية منها أم اقتصادّية أم اجتماعّية‪.‬‬
‫ي تجاه الخر ل يعني الذلل والقبول بتطاول‬ ‫كما أن اعترافنا بالتقصير النسب ّ‬
‫ل لها‪ ،‬أو ترّفع عن مواجهاتها‬ ‫نفوس ُفطرت على الساءة سواء لمن استذ ّ‬
‫دث ول‬ ‫صراخ وعويل ل يغني من الحقّ شيئًا‪ ،‬أما من صمد أمام تيارها فح ّ‬ ‫ب ُ‬
‫ك عداء دائم‪ ،‬فكيف له أن يصمد أمام‬ ‫حرج‪ ،‬فقد وقع بهذا الصمود على ص ّ‬
‫من عد ّ نفسه سّيد العالم بل منازع‪..‬؟!‬
‫ي من عنصرّية‬ ‫ن غيرنا معف ّ‬ ‫ً‬
‫وإن كنا اعترفنا بهذا التقصير فل يعني ذلك أيضا أ ّ‬
‫مقيتة معترف بها من قبل أهلها‪ ،‬ومحاَرب لجلها‪ ،‬فرفضهم للخر أشد ّ ظلمة‬
‫ضت اليوم عن عنصرّية أولئك‪،‬‬ ‫لرفض بعضنا‪ ،‬وإن كانت النظار قد غُ ّ‬
‫فالتضخيم كان من نصيب من ينتسبون لهذا الدين دون منازع‪.‬‬
‫سى‪ -‬ضعف بعضنا تجاه الخر‪ ،‬وأنا في حقيقة‬ ‫في الونة الخيرة تابعت –وبأ ً‬
‫المر ل أفهم مرد ّ هذا الضعف وأساسه‪ ،‬فهم يتباهون بالعلن أن الخر كامل‬
‫بالجملة ونحن المتقهقرون بالجملة‪ ،‬والمضحك في هؤلء أن الجهل ثم الجهل‬
‫ثم الجهل وراء قناعتهم تلك‪.‬‬
‫هلوا لصدار أمثال هذه الطروحات المضحكة‪ ،‬بعد حفظهم لعدد بسيط‬ ‫فقد تأ ّ‬
‫من المصطلحات الفلسفية القديمة منها والحديثة‪ ،‬والتي في جملتها غامضة‪،‬‬
‫دثوا بما ل‬ ‫وبالكاد يفهمها الخاصة فكيف بالعامة؟! لقد اعتقدوا أنهم كّلما تح ّ‬
‫وقهم‪ ،‬وأنهم بهذا أوجدوا لنفسهم مكانا ً مع‬ ‫ل ذلك على تفّردهم وتف ّ‬ ‫ُيفَهم د ّ‬
‫أولئك!‬
‫ً‬
‫الحقّ معهم فقد أوجدوا لهم مكانا هناك‪ ،‬ولكنه مكان يوازي وضع الكائنات‬
‫الطفيلّية التي تقتات على جهد غيرها‪ ،‬بغض النظر عن موافقة الخرين لهذا‬
‫التطفل من رفضه‪..‬سيبقون مرفوضين طفيلّيين‪ ،‬ولو لم يظهر العالم لهم‬
‫ذلك‪..‬سيبقون كاليتام ‪..‬ل بل كالخدام على موائد اللئام‪.‬‬
‫إن عقدة النقص في هذه الفئة هو المحرك الساسي لفكرها وحديثها وقلمها‪،‬‬
‫فهي تعتمد للصاق نفسها بمجتمعات مغايرة ظنا ً منها أنها بذلك تعلن ولء‬
‫الطاعة‪ ،‬وأنها ستصل بهذا الخنوع لمرحلة الرضا التام من سيدها المطاع‪.‬‬
‫دعون أنكم تطالبون به ينبع من الداخل ل‬ ‫ولهؤلء أقول ‪ ..‬الصلح الذي ت ّ‬
‫بتوصيات خارجّية‪ ،‬فوصفة الصلح الغربّية ل ولن تجدي نفعا‪ً.‬‬
‫من ينافسه‪،‬‬ ‫ولهؤلء أقول ‪ ..‬الخر الذي تدورون في فلكه قد ل يرضى ع ّ‬
‫ولكنه ل يملك أمام ثباته إل أن يحترمه‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأخيرا ً أقول لهم‪ :‬لقد ضاعت دروبكم؛ فل أنتم لهؤلء ول لولئك‪ ،‬ول لغيرهم‪..‬‬
‫أنتم صورة بل مل‬

‫)‪(1 /‬‬

‫________________________________________‬
‫صور من عداء المشركين للدعوة‬
‫رئيسي ‪:‬الدعوة ‪:‬‬
‫ً‬
‫وقف المشركون من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم موقفا ل يتغير‬
‫في جوهره وهدفه‪ ،‬فهو العداء المستحكم‪ ،‬والسعي الحثيث إلى قتل الدعوة‬
‫في مراحلها المختلفة‪ ،‬إل أن هذا الهدف قد ظهر في صور متعددة تتخذ‬
‫مرحلّية جلية في العداء‪ .‬وسنلقي الضوء على أهم تلك الصور‪ ،‬ونشير إلى‬
‫المرحلية التي سلكها المشركون في العداء‪ ،‬معرجا ً على موقف أهل الحق ‪-‬‬
‫متمثلين في رسول الله وصحبه ‪ -‬من هذه الصور المختلفة‪.‬‬
‫‪ -1‬مرحلة عدم الكتراث بالدعوة‪:‬‬
‫مد ّث ُّر]‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة منذ أن نزل عليه‪َ }:‬يا أي َّها ال ُ‬
‫م فَأ َن ْذِْر]‪]{[2‬سورة المدثر[ وكانت دعوته في بادىء المر سرية‪ ،‬فقد‬ ‫‪[1‬قُ ْ‬
‫كان يتخير من يتوسم فيه القبول فيسّر له بأمر الدعوة‪ ،‬وهكذا خفي على‬
‫المشركين الكثير من أتباع الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ولكنهم لم يخف‬
‫عليهم أن للرسول دعوة إل أن الرسول‪ -‬وهو في بداية أمره‪ -‬لم يواجه قومه‬
‫بتسفيه ما هم عليه‪ ،‬فلم ينشأ عندهم الشعور القوي بالخطر من دعوته‪،‬‬
‫فكان من أثر ذلك أنهم لم يكترثوا بأمره‪.‬‬
‫جاء في سيرة ابن هشام‪' :‬فلما نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه‬
‫بالسلم‪ ،‬وصدع به كما أمره الله لم يبعد عنه قومه ولم يردوا عليه‪ ،‬حتى‬
‫ذكر آلهتهم وعابها‪ ،‬فلما فعل ذلك أعظموه‪ ،‬وناكروه‪ ،‬وأجمعوا خلفه‬
‫وعداوته' ]تهذيب سيرة ابن هشام ‪.[55 /‬‬
‫وهكذا المر دائمًا‪ ،‬عندما ل يشعر أهل الباطل بأن في دعوة الحق خطرا ً‬
‫عليهم‪ ،‬فإنهم ل يبدون اكتراثا ً بأمرهم‪ -‬وإن كانوا ل يخفون بغضهم وكراهيتهم‬
‫واستهزاءهم بالحق وأهله‪ -‬ولكن أنى لدعوة أن تنتشر ويظهر أمرها‪ ،‬وتقوم‬
‫بالمانة المنوطة بها‪ ،‬وهي تستر ركنا ً عظيما ً من أركانها وهو الكفر‬
‫بالطاغوت‪ -‬قد يكون هذا ممكنا في حق فرد‪ ،‬ولكنه ل يكون في حق دعوة‬
‫بأكملها‪. -‬‬
‫‪ - 2‬المحاولت غير المباشرة لسكات الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ولما أعلن الرسول كفره بآلهتهم‪ ،‬وتسفيه معتقداتهم‪ ،‬حاول المشركون أن‬
‫ينهوا المر بمحاولة إسكاته عن القيام بدعوته‪ ،‬وذلك عن طريق عمه أبى‬
‫طالب‪ ،‬فمن ذلك طلبهم منه في المرة الولى أن يكف ابن أخيه عنهم‪ ،‬أو‬
‫ل‪].‬التهذيب ‪.[55 /‬‬ ‫يتركهم ليروا أمرهم فيه‪ ،‬فردهم أبو طالب ردا ً جمي ً‬
‫ولما لم تثن تلك المحاولة الرسول عن عزمه حاولوا مرة أخرى بلهجة أشد‪.‬‬
‫]التهذيب ‪ [ 56 /‬وكان جواب الرسول صريحا ً وقاطعا ً في أنه ل أمل في ثنيه‬
‫عن دعوته‪] :‬والله ما أنا بأقدر أن أدع ما بعثت به من أن يشعل أحدكم من‬
‫هذه الشمس شعلة من نار[ ]التعليق على فقه السيرة ‪.[110 /‬‬
‫‪ - 3‬صياغة التهامات لتضليل العامة‪:‬‬
‫ولما أيقنت قريش أنها ل تستطيع ثني الرسول عن الصدع بدعوته‪ ،‬حولت‬
‫ل جهودها إلى إنشاء مناعة عند عامة العرب ضد اليمان به‪ ،‬أو حتى‬ ‫ج ّ‬
‫ُ‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستماع إليه‪ ،‬فاجتمعت قريش قبل موسم الحج بزعامة الوليد بن المغيرة‬
‫لصياغة التهامات المناسبة لصد الوفود عن الستماع إلى الرسول 'فقال‬
‫لهم‪ :‬يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم‪ ،‬وإن وفود العرب ستقدم‬
‫عليكم فيه‪ ،‬وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا‪ ،‬فأجمعوا فيه رأيا ً واحدًا‪ ،‬ول‬
‫تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا‪ ،‬ويرد قولكم بعضه بعضًا']التهذيب ‪. [57 /‬‬
‫فتقلبت أقوالهم بين ساحر وكاهن وشاعر‪ ،‬ثم استقر رأيهم على اتهامه‬
‫في‬‫م لَ ِ‬‫بالسحر‪ ،‬وإن كانوا في الحقيقة لم يستقروا على اتهام واحد‪ }:‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫ف]‪]{[8‬سورة الذاريات[‪ .‬وكان من مشيئة الله أن جعل من تلك‬ ‫خت َل ِ ٍ‬
‫م ْ‬ ‫قَوْ ٍ‬
‫ل ُ‬
‫التهامات والتحذيرات دعاية للدعوة‪' :‬وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فانتشر ذكره في بلد العرب كلها'‬
‫]التهذيب ‪.[58 /‬‬
‫‪ - 4‬مرحلة التعذيب لفتنة المؤمنين‪:‬‬
‫ولما لم تفلح تلك المحاولت في صد الناس عن اليمان بالدين الجديد‪،‬‬
‫تواصى المشركون فيما بينهم بالتفنن في التعذيب لرد من آمن بمحمد عن‬
‫دينه‪ ،‬وقد لخص كبيرهم أبو جهل مخططهم في ذلك‪' :‬وكان أبو جهل‬
‫الفاسق‪ ..‬إذا سمع بالرجل قد أسلم له شرف ومنعة أّنبه وأخزاه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ن رأيك‪ ،‬ولنضعن‬ ‫تركت دين أبيك وهو خير منك لنسفهن حلمك‪ ،‬ولنفي ّل َ ّ‬
‫شرفك‪ ،‬وإن كان تاجرا ً قال‪ :‬والله لنكسدن تجارتك ولنهلكن مالك‪ ،‬وإن كان‬
‫ضعيفا ً أغرى به']التهذيب ‪.[72 ،71 /‬‬
‫وبدأت مرحلة التعذيب الرهيب كفعل أبى جهل بآل ياسر‪ ،‬وأمية بن خلف‬
‫ببلل‪ ،‬ويكفي في تصوير شدة هذا التعذيب ما يرويه سعيد بن جبير قال‪ :‬قلت‬
‫لعبد الله بن عباس‪ :‬أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم ؟ قال‪ :‬نعم والله‪،‬‬
‫إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي‬
‫جالسا ً من شدة الضر الذي نزل به‪ ،‬حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة‪ ،‬حتى‬
‫يقولوا له‪ :‬اللت والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول نعم‪ ،‬افتداء منهم مما‬
‫يبلغون من جهده' ]التهذيب ‪.[72 /‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولقد أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك المرحلة شيء من الذى‪،‬‬
‫كالذي فعله به عقبة بن أبى معيط حين وضع سل جزور على رأسه وهو‬
‫ساجد‪ ،‬وعندما اجتمع عليه المشركون حول الكعبة ففرقهم أبو بكر عنه‪.‬‬
‫والحقيقة أن التعذيب لم ينته عند مرحلة معينة‪ ،‬بل استمر طوي ً‬
‫ل‪ ،‬إل أن‬
‫الهدف منه في المرحلة الولى والدعوة في طفولتها كان المحاولة في رد‬
‫التباع القلئل عن دينهم‪ ،‬وتخويف غيرهم من الدخول في الدين‪ ،‬لكن بعد أن‬
‫قويت شوكة الدعوة كان التعذيب لمجرد النتقام‪ ،‬ولتنفيس الغيظ والحنق‬
‫الذي في نفوس المشركين‪ ،‬أو للخذ بشيء من ثاراتهم من المسلمين‪ ،‬ومن‬
‫ذلك ما فعله المشركون بخبيب حين صلبوه‪.‬‬
‫ولبد لنا هنا من وقفة عند أثر هذه المرحلة على أتباع الدعوة‪ ،‬وعلى سير‬
‫الدعوة نفسها‪:‬‬
‫‪ -1‬أخرجت تلك البتلءات نماذج عظيمة في الثبات على دين الله‪ ،‬والتضحية‬
‫في سبيل العقيدة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -2‬وكان فيها تربية صلبة للصحاب أعدتهم رجال لتلك الدعوة‪ ،‬فوق ما‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ارتفعت به درجاتهم عند الله‪.‬‬


‫‪ -3‬وزادت من الترابط بين أتباع الدين الجديد‪.‬‬
‫‪ -4‬وأدت إلى شيء من تعاطف العامة من المشركين مع هؤلء‬
‫المستضعفين‪.‬‬
‫وهذه وغيرها مكاسب عظيمة للدعوة‪ ،‬كان البتلء سببا ً مباشرا ً لها‪.‬‬
‫ووقفة أخرى مع موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يرى أتباعه‬
‫يعذبون‪:‬‬
‫لقد أبدى الرسول شفقة حانية على أتباعه من المعذبين‪ ،‬فكان يثبتهم على‬
‫مصابهم‪ ،‬ويعدهم الجنة‪ ،‬وكان يبحث عن كل ما من شأنه أن يخفف المصاب‬
‫عن أتباعه من حلول عملية‪ ،‬فكان يأمر من أسلم من الضعفاء‪ ،‬أو ممن‬
‫يخشى عليه الفتنة أن يكتم إسلمه عن أهله‪ ،‬ويأمر بعض من يأتيه من قبائل‬
‫العرب مسلما ً أن يعود إلى قبيلته؛ لنه ل سند له بمكة‪ .‬ولما علم أن في‬
‫الحبشة ملكا ً ل يظلم أمرهم بالهجرة إليه فرارا ً بدينهم‪.‬‬
‫إذن‪ :‬كان الرسول يرفع من معنوياتهم‪ ،‬ويذكرهم بالجر والثواب‪ ،‬ويؤكد نصر‬
‫الله إياهم بعد حين‪ ،‬وفي نفس الوقت كان يبحث لهم عن حلول عملية‬
‫تخفف من وقع الفتنة عليهم‪ ..‬إن التعاطف والسعي لتخفيف وطأة التعذيب‬
‫على المسلمين أمر مطلوب‪ ،‬وواجب على القيادة المسلمة تجاه أتباعها‪ ،‬أما‬
‫التخلي عن شيء من المنهج‪ -‬ول أقول السلوب‪ -‬تفاديا ً للمواجهة‪ ،‬واتقاًء‬
‫لبطش الجاهليين؛ فأمر ل يرضاه الله‪ ،‬وقد عصم منه رسوله‪ ،‬وللسف فقد‬
‫سقط في هذا المزلق بعض المخلصين بدافع إخلصهم وشفقتهم على‬
‫إخوانهم‪ .‬ول يجوز لحد مهما بلغت به الفتنة أن يهادن في دين الله‪ ،‬أو يحرف‬
‫في منهجه‪.‬‬
‫إن بعضهم‪-‬وقد شق عليهم ما نزل ببعض إخوانهم‪ -‬قد بدءوا يبدون التميع‪،‬‬
‫ويبدون التفاوض مع الجاهلية‪ ،‬بمبادئهم لتخفيف الوطأة على إخوانهم‪ .‬وبدأوا‬
‫ينطلقون من منطلق‪' :‬كفانا أشلء ودماء' وبدأ منهجهم يتكيف مع هذا‬
‫المنطلق في جوهره وليس في أسلوبه فقط‪ .‬إن أشلء إخواننا ودماءهم‬
‫غالية على كل مسلم غيور‪ ،‬ولكننا أيقنا أنها الثمن الذي أراده الله للنصر‬
‫وللجنة‪.‬‬
‫إن الدعوة التي اشتدت عليها الفتنة‪ ،‬فبدأت تغير من منهجها؛ قد سقطت في‬
‫كوا‬ ‫ن ي ُت َْر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سأ ْ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫البتلء الذي جعله الله سنة في الدعوات‪ }:‬الم]‪[1‬أ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م فَل َي َعْل َ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬‫ذي َ‬‫قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬ ‫ن]‪[2‬وَل َ َ‬ ‫فت َُنو َ‬‫م َل ي ُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫أ ْ‬
‫خُلوا‬ ‫كاذبين]‪]{[3‬سورة العنكبوت[‪ } .‬أ َم حسبت َ‬
‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ْ‬ ‫ن ال ْ َ ِ ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫صد َُقوا وَل َي َعْل َ َ‬
‫ال ْ َجنة ول َما يأ ْ‬
‫ضّراُء وَُزل ْزُِلوا‬ ‫َ ّ‬ ‫وال‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫سا‬ ‫أ‬‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ْ ِ ْ ْ ْ َ ّ ُْ ُ َ َ‬‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ْ َ‬‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ ّ َ َ ّ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ب]‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر اللهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صُر اللهِ أل إ ِ ّ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل َوال ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫‪]{[214‬سورة البقرة[‪.‬‬
‫إن التربية التي ترسخ في النفوس أن البتلء سنة الله في الدعوات‪ ،‬مهمة‬
‫جدًا‪:‬‬
‫مهمة للقادة حتى ل يسقطوا في البتلء‪ ،‬ويحرفوا المنهج تفاديا ً لهم‪ ،‬فيضلوا‬
‫ويضلوا‪.‬‬
‫مهم للتباع حتى يثبتوا بتثبيت الله لهم عند البتلء‪ ،‬وحتى ل يتسبب ابتلؤهم‬
‫في صب جام غضبهم ولعنتهم على إخوانهم وعلى منهجهم؛ لنه بزعمهم‬
‫السبب فيما وقعوا فيه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن أي مسلم غيور‪ ،‬لتذهب نفسه حزنا ً وهما ً على ما يصيب إخوانه في‬
‫العقيدة‪ ،‬وهو مطالب بأن يبذل وسعه في سبيل التخفيف عنهم‪ -‬وإن كان ما‬
‫نقدمه حقيقة قليل جدًا‪ ،‬وذلك لتراكم الظلم من كل جهة‪ ،‬ولبخل بعضنا‬
‫وقعودهم عن بذل كل إمكاناتهم وقدراتهم في سبيل نصرة إخوانهم‪ -‬ولكن ل‬
‫يجوز لنا أن يجرفنا الهم والحزن إلى التخلي عن شيء من منهجنا تفاديا ً‬
‫للمواجهة‪ ،‬وفي موقف رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من خباب رضي‬
‫الله عنه وهو يأتيه شاكيا ً عند الكعبة تثبيت لتلك السنة في نفوس أصحابه‬
‫بضرب المثل بما لقاه أسلفهم من المؤمنين‪ ،‬ثم ثبته بتأكيد نصر الله لهم‬
‫َ‬
‫سد ٌ ب ُْرد َةً‬ ‫مت َوَ ّ‬ ‫م وَهُوَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫ولو بعد حين‪ ،‬يقول خباب‪ :‬أت َي ْ ُ‬
‫ل الل ّهِ أ ََل‬ ‫سو َ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫قل ْ ُ‬
‫شد ّة ً فَ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫قيَنا ِ‬ ‫ل ال ْك َعْب َةِ وَقَد ْ ل َ ِ‬ ‫وَهُوَ ِفي ظ ِ ّ‬
‫ط‬
‫شا ِ‬ ‫م َ‬ ‫شط ب ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫م لي ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن قَب ْلك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ كا َ‬ ‫َ‬
‫ل‪] :‬ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫جهُ ُ‬ ‫مّر وَ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫قعَد َ وَهُوَ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫عو الل ّ َ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫ض ُ‬ ‫ن ِدين ِهِ وَُيو َ‬ ‫َ‬
‫ه ذ َل ِك عَ ْ‬ ‫صرِفُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ص ٍ‬‫حم ٍ أوْ عَ َ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مهِ ِ‬ ‫عظا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ُدو َ‬ ‫ديد ِ َ‬ ‫ح ِ‬‫ال ْ َ‬
‫ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِدين ِهِ وَل َي ُت ِ ّ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ه ذ َل ِ َ‬ ‫صرِفُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫شقّ ِباث ْن َي ْ ِ‬ ‫سهِ فَي ُ َ‬ ‫ق َرأ ِ‬ ‫فرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُر عََلى َ‬ ‫من ْ َ‬‫ال ْ ِ‬
‫َ‬
‫ه َزاد َ‬ ‫ف إ ِّل الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ضَر َ‬‫ح ْ‬ ‫صن َْعاَء إ َِلى َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫سيَر الّراك ِ ُ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫مَر َ‬ ‫ذا اْل ْ‬ ‫هَ َ‬
‫ه[ رواه البخاري‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ب عَلى غن َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن َوالذ ّئ َ‬ ‫ب ََيا ٌ‬
‫وكذلك خرج بأصحابه مثخنا ً بالجراحات يوم ُأحد‪ ،‬وذهب منهم سبعون شهيدا ً‬
‫من خيرة الصحابة‪ ،‬وهو عدد ليس بقليل في ذلك الوقت من عمر الدعوة‪،‬‬
‫لقد كانوا عشر جيش المسلمين‪ ،‬فماذا كان من الرسول بعد هذا البلء‬
‫المبين ؟‬
‫يقول ابن إسحاق‪':‬قدم على رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بعد أحد‬
‫رهط من عضل والقارة فقالوا‪ :‬يا رسول الله إن فينا إسلما ً فابعث معنا نفرا ً‬
‫من أصحابك يفقهوننا في الدين‪ ،‬ويقرئوننا القرآن‪ ،‬ويعلموننا شرائع السلم‪،‬‬
‫فبعث رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬معهم نفرا من أصحابه' ]التهذيب‪/‬‬
‫‪.[194‬‬
‫ثم كان ما كان من هذيل في يوم الرجيع‪ ،‬إذ قتل وفد رسول الله جميعهم‪،‬‬
‫وكانوا ستة كما عدهم ابن إسحاق‪.‬‬
‫ثم ماذا ؟ ثم بعث رسول الله أصحاب بئر معونة على رأس أربعة أشهر من‬
‫ُأحد ]التهذيب‪ [200/‬وقتل فيه أربعون صحابيا ً من خيار المسلمين غدرا ً‬
‫وخيانة‪ .‬بلء على إثر بلء‪ ،‬ولكن الدعوة مستمرة‪ ،‬والمنهج محفوظ‪ ،‬يختار الله‬
‫من يشاء من المخلصين إلى جواره‪ ،‬وتبقى بقية القافلة في سيرها إلى الله‬
‫كما أمرها الله‪.‬‬
‫‪ - 5‬مطاردة الفارين بدينهم خارج الحدود‪:‬‬
‫'فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلء‪ ،‬وما‬
‫هو فيه من العافية‪ ،‬بمكانه من الله‪ ،‬ومن عمه أبى طالب‪ ،‬وأنه ل يقدر على‬
‫أن يمنعهم مما هم فيه من البلء قال لهم لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن‬
‫بها ملكا ً ل يظلم عنده أحد‪ ،‬وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا ً مما‬
‫أنتم فيه[ فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة‪ ،‬وفرارا ً إلى الله بدينهم' ]التهذيب ‪/‬‬
‫‪.[72‬‬
‫ولكن طغاة قريش لم يطب لهم العيش‪ ،‬وهم يرون أتباع الدعوة‪ ،‬وقد أصابوا‬
‫دارا ً وقرارا ً عند ملك الحبشة‪ ،‬فكان ما كان من مؤامرات حتى يخرجوهم من‬
‫دارهم التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها‪.‬‬
‫وكان من رحمة الله بعباده المؤمنين‪ ،‬ومن حمايته لدعوته وحفظه لها أن رد‬
‫وفد قريش خائبًا‪ ،‬وجعل للمسلمين من عدل النجاشي ملجأ‪ ،‬وإن لم يكن‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على دين السلم في بادىء المر‪.‬‬


‫وهذه الصورة بكل جوانبها ل تزال تكرر نفسها‪..‬يضطهد المسلمون في‬
‫أرضهم‪ ،‬فيفرون بدينهم منها‪ ،‬ويحاول الطغاة أن يتبعوهم بأذاهم حيث ما‬
‫كانوا‪ ،‬فتدرك المؤمنين رحمة الله فييسر لهم من السباب ما يحفظهم من‬
‫الذى‪.‬‬
‫‪ -6‬المفاوضات ]الغراءات[ المادية‪:‬‬
‫ولما لم تفلح كل تلك المحاولت مرة أخرى في قتل الدعوة‪ ،‬أو حتى في‬
‫إيقاف انتشارها الواسع‪ ،‬وعندما قوي أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫واشتد أمرهم بإسلم حمزة وعمر وغيرهما‪ ،‬لجأ الطغاة إلى محاولت لغراء‬
‫الرسول بأمور الدنيا‪ ،‬كي يتنازل عن دعوته‪ .‬ومثال تلك المحاولت‪ :‬مفاوضة‬
‫عتبة بن ربيعة أرسلته قريش مندوبا ً عنها ليعرض على الرسول الملك والجاه‬
‫والمال كي يكف عن دعوته‪.‬‬
‫ل الدعوة وشراء الدعاة‪ ،‬فيتم بذلك‬‫ول تزال تلك الوسيلة تستخدم لش ّ‬
‫احتواءهم وتسييرهم إلى الوجهة التي يراد لهم السير فيها‪ ،‬وكم من داعية لم‬
‫يسقط بالترهيب والتهذيب سقط بالغراء والترغيب‪.‬‬
‫‪ - 7‬المفاوضات الدينية والسعي وراء التنازلت‪:‬‬
‫وتمثل تلك المرحلة أخبث وأخطر ما تفتق عنه تخطيط الطغاة ومكرهم‪ .‬إن‬
‫أهل الباطل ليس لهم منهج ثابت محدد يلتزمون به‪ ،‬وإنما يدورون مع‬
‫مصالحهم حيث دارت‪ ،‬ومصلحتهم العظمى كما يرونها في عداء الحق‬
‫والسعي لطفاء نور الله‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ومن هنا‪ :‬فإن أهل الباطل ل يجدون غضاضة ول صعوبة في أن يعترفوا‬


‫بشيء من الحق‪ ،‬ويتفاوضوا مع أهله إذا كان في ذلك قضاء على الحق وأهله‬
‫ولو بعد حين‪.‬‬
‫أما أهل الحق فموقفهم مختلف تماما‪ ،‬إنهم ل ينطلقون من مصالح معينة‪ ،‬إن‬ ‫ً‬
‫لهم منهجا ً ثابتا ً محددا ً أنزله الله إليهم‪ ،‬وأمرهم باتباعه‪ ،‬وحذرهم من‬
‫مخالفته‪ ،‬وقضيتهم في جوهرها إنما هي استمساك بهذا المنهج الثابت‪،‬‬
‫ومحافظة عليه‪ ،‬والذب عنه حتى الموت‪.‬‬
‫ومن هنا‪ :‬فإنهم ليس لهم من المر شيء‪ ،‬ول يملكون أن يتنازلوا عن شيء‬
‫من هذا المنهج لي هدف كان‪ ،‬إذ أن منهجهم هو قضيتهم‪ ،‬ومصلحتهم في‬
‫العض عليه بالنواجذ‪ ،‬وتحقيق أي هدف في الحياة الدنيا‪ -‬ولو بدا ساميا ً عند‬
‫البعض‪ -‬ل يجوز أن يتم بالتنازل عن شيء من المنهج‪.‬‬
‫ن]‪{[9‬‬ ‫وتدبروا في موقف أهل الباطل من التنازلت‪ }:‬وَّدوا ل َوْ ت ُد ْهِ ُ‬
‫ن فَي ُد ْهُِنو َ‬
‫]سورة القلم[ ‪ .‬إن لديهم الستعداد للمداهنة‪ ،‬ول مانع لديهم من التنازلت‬
‫عن شيء من باطلهم في مقابل تنازل أهل الحق عن شيء من حقهم‪ ،‬يقول‬
‫ابن كثير في تفسير سورة الكافرون‪' :‬قيل إنهم‪-‬أي كفار قريش‪ -‬من جهلهم‬
‫دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة‪ ،‬ويعبدون‬
‫معبوده سنة‪ ،‬فأنزل الله هذه السورة فأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها‬
‫َ‬
‫ن]‪]{[2‬سورة الكافرون[ '‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫أن يتبرأ من دينهم بالكلية فقال‪َ }:‬ل أعْب ُد ُ َ‬
‫ما ت َعْب ُ ُ‬
‫إنه ل فرق البتة بين أن يعبد المشركون آلهتهم أبد الدهر‪ ،‬أو يعبدوها سنة‪،‬‬
‫ويعبدوا الله سنة بعدها‪ ،‬كله باطل‪ ،‬وما يضير المشركين أن يقدموا مثل هذا‬
‫التنازل‪ ،‬وهم بذلك يكسبون العتراف الصريح من أهل الحق بشرعية ما عليه‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أهل الباطل‪.‬‬
‫ولكنه فرق أبعد مما بين السماء والرض‪ ،‬بين أن يعبد المسلمون الله كل‬
‫عام‪ ،‬أو يعبدوه عامًا‪ ،‬ويعبدون آلهة المشركين عاما ً بعده‪ ،‬إن الصورة الولى‬
‫هي الحق‪ ،‬والثانية باطل من جملة الباطل وشتان بين الحق والباطل‪.‬‬
‫وماذا يكسب المسلمون من مثل هذا التنازل؟ اعتراف أهل الباطل بحق أهل‬
‫الحق في الوجود؟! وماذا يعني لو تم ذلك؟ هل حققنا قضيتنا؟ وكيف نحقق‬
‫الكفر بالطاغوت وهو قرين اليمان بالله ونحن نقدم مثل هذه التنازلت؟!‬
‫ك لَ َ‬ ‫َ‬
‫ت ت َْرك َ ُ‬
‫ن‬ ‫قد ْ ك ِد ْ َ‬ ‫وثبت الله رسوله أمام هذا الكيد الجديد‪ }:‬وَل َوَْل أ ْ‬
‫ن ث َب ّت َْنا َ‬
‫شي ًْئا قَِليًل]‪]{[74‬سورة السراء[ وعّلمنا الموقف الذي نقفه من هذا‬ ‫إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م َ‬
‫الكيد‪ ،‬وحذرنا من المداهنة في دين الله‪ ،‬بل جعل من أصول ديننا معاداة‬
‫الكافرين‪ ،‬وبغضهم والبراءة منهم‪ ،‬حتى يقطع كل سبيل إلى الجلوس معهم‬
‫لتقريب وجهات النظر !!‬
‫‪ -8‬المواجهة المسلحة‪:‬‬
‫ولما رد الله الذين كفروا بغيظهم في كل مناسبة‪ ،‬ورعى دعوته حتى شّبت‬
‫س المشركون بخطر الدعوة على وجودهم‪ ،‬كانت‬ ‫وقوي عودها‪ ،‬وأح ّ‬
‫المواجهات المسلحة‪-‬ولبد أن تكون‪ -‬فكانت بدر‪ ،‬ثم أحد والخندق‪ ،‬وغيرها‬
‫من السرايا والغزوات‪ ،‬ثم كان يوم الفتح الكبر‪ ،‬فتح مكة‪ .‬وصدق الله وعده‬
‫للمؤمنين وهم بمكة يعذبون‪ ،‬أو وهم في الحبشة يطاردون‪ ،‬أنه ناصرهم على‬
‫الكافرين‪.‬‬
‫هذه أبرز صور العداء التي واجهتها الدعوة الولى‪ ،‬ول يملك المسلم الذي‬
‫ه‪]...‬‬ ‫َ‬
‫وا ب ِ ِ‬
‫ص ْ‬
‫وا َ‬ ‫يعيش في هذا العصر وهو يراجع تلك الصور إل أن يتساءل‪ }:‬أت َ َ‬
‫‪]{[53‬سورة الذاريات[‪ ..‬إن المحاولت هي ذاتها‪ -‬وإن أصبحت في كثير من‬
‫الحيان أعنف وأشد خطرا ً على الدعوة‪ ،‬لزدياد كيد العدو من جهة‪ ،‬ولضعف‬
‫إيمان المسلمين من جهة أخرى‪.-‬‬
‫من مقالة‪':‬صور من عداء المشركين للدعوة' للشيخ‪/‬معن عبد القادر‬
‫من‪ ]:‬مجلة البيان عدد ‪ - 23‬جمادى الولى ‪ 1410‬ه‪ 1989 -‬م[ ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫صور من عيشته ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬


‫َ‬
‫سنا ومن‬ ‫ف ِ‬ ‫شُرورِ أن ْ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُرهُ وَن َُعوذ ُ ب ِهِ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ نحمده ون َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال َ‬
‫ن‬ ‫أ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫وأ‬ ‫ه‪،‬‬ ‫َ‬
‫ِ َ ُ‬‫ل‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ها‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ي‬
‫ُ َ َ ْ ُ ْ ِ‬‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ض‬
‫ُ ِ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫َ ْ َْ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫أعمالنا‪،‬‬ ‫سيئات‬
‫م اّلذي‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫قوا َرب ّك ُُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ّ ُ‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫سو‬
‫ْ ُ ُ ََ ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫مد‬ ‫شهَد ُ أ ّ ُ َ ّ‬
‫ح‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ل ِإل َ‬
‫جال ً ك َِثيرا ً وَِنساًء‪،‬‬ ‫من ُْهما رِ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جها‪ ،‬وَب َ ّ‬ ‫مْنها َزوْ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬
‫َ‬
‫م َرِقيبًا? ]النساء‪:‬‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مإ ّ‬ ‫ن ب ِهِ والْرحا َ‬ ‫ه الذي َتساَءُلو َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫وات ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مون?‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن إ ِل ّ وأن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫حقّ ُتقات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪ ? .[1‬يا أي َّها الذي َ‬
‫ح‬
‫صل ِ ْ‬ ‫ً‬
‫ديدا ي ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫قوا الله وَُقولوا قَوْل ً َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫منوا ات ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫]آل عمران‪ ? .[102 :‬يا أي َّها الذين آ َ‬
‫قد ْ َفاَز فَوَْزا ً‬ ‫ه فَ َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪ ،‬وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫م‪ ،‬وي َغْ ِ‬ ‫عمال َك ُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ظيمًا? ]الحزاب‪.[71:‬وبعد‪:‬‬ ‫عَ ِ‬
‫فقد كان صحابة رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يمرون بظروف‬
‫اقتصادية صعبة ‪ ،‬وعلى الرغم من كل تلك الظروف الصعبة التي كانوا‬
‫يعيشونها‪ ،‬فقد آمنوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله رضي الله‬
‫عنهم وأرضاهم ‪.‬‬
‫واسمحوا لي أن أنقل لكم صورة من صور العيش التي كان يعيشها رسول‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وبعض أصحابه الكرام ‪ ،‬فهذا أبو هريرة ‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪-‬يروي قصته فيقول‪" :‬والله الذي ل إله إل هو إن كنت ل أعتمد‬
‫بكبدي على الرض من الجوع ‪ ،‬وإن كنت لشد الحجر على بطني من الجوع ‪،‬‬
‫ولقد قعدت يوما ً على طريقهم الذي يخرجون منه ‪ ،‬فمر بي النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬فتبسم حين رآني ‪ ،‬وعرف ما في وجهي وما في نفسي‪،‬‬
‫ثم قال‪" :‬أباهر! قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله ‪ ،‬قال‪" :‬إلحق"‪ ،‬ومضى فاتبعته‪،‬‬
‫فدخل فوجد لبنا ً في قدح‪ ،‬فقال‪" :‬من أين هذا اللبن؟" قالوا‪ :‬أهداه لك فل ٌ‬
‫ن‬
‫أو فلنة‪ ،‬قال "أباهر" قلت ‪ :‬لبيك يا رسول الله ‪ ،‬قال‪" :‬إلحق إلى أهل الصفة‬
‫فادعهم لي"‪ .‬قال‪ :‬وأهل الصفة أضياف السلم ‪ ،‬ل يأوون على أهل ول مال‬
‫ول على أحد‪ ،‬وكان إذا أتته صدقة بعثها إليهم ولم يتناول منها شيئًا‪.‬وإذا أتته‬
‫هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها‪ ،‬فساءني ذلك ‪ ،‬فقلت‪ :‬وما هذا‬
‫اللبن في أهل الصفة ؟! كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها‪،‬‬
‫فإذا جاؤوا أمرني فكنت أنا أعطيهم ‪ ،‬وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ؟‬
‫ولم يكن من طاعة الله ومن طاعة رسوله بد ٌ ‪ ،‬فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا‬
‫واستأذنوا ‪ ،‬فُأذن لهم ‪ ،‬وأخذوا مجالسهم من البيت‪ ،‬قال‪" :‬يا أبا هر"‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫لبيك يا رسول الله‪ ،‬قال‪" :‬خذ فأعطهم‪ ،‬فأخذت القدح ‪ ،‬فجعلت أعطيه‬
‫الرجل فيشرب حتى يروى ‪ ،‬ثم يرد علي القدح فأعطيه الخر فيشرب حتى‬
‫يروى‪ ،‬ثم يرد علي القدح‪ ،‬حتى انتهيت إلى النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫وقد روي القوم كلهم‪ ،‬فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬يا أبا هر"‪ ،‬قلت ‪ :‬لبيك يا رسول الله‪ ،‬قال‪" :‬بقيت أنا وأنت"‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫صدقت يا رسول الله‪ ،‬قال‪" :‬أقعد فاشرب" ‪ ،‬فقعدت فشربت‪ ،‬فقال‪" :‬‬
‫إشرب‪ ،‬فشربت‪ ،‬فما يزال يقول ‪" :‬اشرب" حتى قلت ‪ :‬ل والذي بعثك بالحق‬
‫ل أجد له مسلكًا‪ ،‬قال‪" :‬فأرني"‪ ،‬فأعطيته القدح فحمد الله تعالى وسمى‬
‫وشرب الفضلة" ‪.‬‬
‫هكذا كانت حياة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهو سيد الخلق قلة‬
‫وبساطة في العيش بل جوعا ً وشظفا ً فما شبع ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من‬
‫الطعام ‪ ،‬ومات ودرعه مرهونة في آصع من شعير‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث معجزة من معجزات رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫حيث أن اللبن الذي كان لشخص قد شرب منه العشرات من أهل الصفة ‪،‬‬
‫كل واحد يشرب حتى يشبع دون أن ينقص ‪ ..‬إنها معجزة كبيرة أيد الله بها‬
‫نبيه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وأكرم بها أصحابه‪.‬‬
‫ثم إننا نرى قوة الصبر والتحمل وعزة النفس التي كان يتحلى بها أصحاب‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬فعلى الرغم مما كان يعانيه أبو هريرة‬
‫‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬من جوع لم يبح لنفسه أن يتسول أو يتخذ المسألة مهنة له‬
‫‪ ..‬إنها أخلق حميدة وصفات عظيمة كان يمتاز بها العرب بشكل عام حتى أن‬
‫أحدهم في الجاهلية كان يقول ‪:‬‬
‫َُ‬
‫مطال الجوع حتى أميته‬ ‫م ِ‬
‫أِدي ُ‬
‫وأضرب عنه الذكر صفحا ً فأذه ُ‬
‫ل‬
‫وأستف ترب الرض كيل يرى له‬
‫ل‬‫على من الطول امرء متطو ُ‬
‫وإن مدت اليدي إلى الزاد لم أكن‬
‫بأعجلهم إذ أجشعُ القوم ِ أعج ُ‬
‫ل‬
‫ِ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن الظروف الصعبة التي يمر بها النسان في معاشه تجعله يتطلع دائما ً إلى‬
‫الغنى وحب الخير‪ ..‬والخروج من الفقر والحاجة ‪ ..‬والصحابة الكرام رضوان‬
‫الله عليهم كانوا يسرون إذا فتح الله عليهم من الدنيا ويستبشرون‪ ،‬إنها‬
‫فطرة موجودة في النفس البشرية تحب المال وتتشوف إليه وتتطلع ‪ ..‬ل‬
‫سيما إذا كان الفقر والحاجة قائمة ‪ ..‬ولقد كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يتعهد أصحابه بالتربية والتوجيه ويربطهم بالله والدار الخرة‬
‫باستمرار ويقول‪ ":‬اللهم ل عيش إل عيش الخرة" ‪ ،‬وفي سنة من السنوات‬
‫بعث رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه‬
‫إلى البحرين يأتي بجزيتها‪ ،‬وكان ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قد صالح أهل‬
‫مر عليهم العلء بن الحضرمي‪ ،‬فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين‪،‬‬ ‫البحرين وأ ّ‬
‫فسمعت النصار بقدومه‪ ،‬فوافوا صلة الصبح مع رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ، -‬فلما انصرف تعرضوا له‪ ،‬فتبسم رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬حين رآهم وقال‪" :‬أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنه جاء‬
‫بشيء؟" قالوا‪ :‬أجل يا رسول الله ‪ ،‬قال‪" :‬فابشروا وأملوا ما يسركم‪ ،‬فوالله‬
‫ما الفقر أخشى عليكم‪ ،‬ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما‬
‫بسطت على من كان قبلكم‪ ،‬فتنافسوها كما تنافسوها‪ ،‬فتهلككم كما‬
‫أهلكتهم"‪ .‬لقد خشي رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬على أصحابه‬
‫وأمته زهرة الدنيا والتنافس فيها لن المال مرغوب والنسان يريد جمع أكثر‬
‫شيء منه والنفراد به والمغالبة عليه فتقع من ثم العداوات والصراعات‬
‫والقتتال وكل ذلك يؤدي إلى الهلك ولقد وقعت المة فيما تخوف منه رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وإن مشكلتنا التي أهلكتنا وألقت بيننا العداوة‬
‫والبغضاء ما هي إل بسبب التنافس على حطام هذه الحياة وجمعها ومنعها‬
‫والمغالبة عليها والثرة بها‪.‬‬
‫رجال المال والعمال الكبار يهيمنون على كل شيء ويحتكرون ويمنعون حق‬
‫الله إل القليل النادر منهم ‪ ..‬فيكرههم الناس ويبغضونهم‪ ،‬الحكام اليوم في‬
‫أكثر بلد العروبة والسلم يحتكرون المناصب ويحتكرون التجارة ويعملون‬
‫بجشع وتسابق محموم مع آجالهم للسيطرة على السياسة والمال ‪ ..‬وغالبا ً‬
‫ما يجمعون المليارات من أقوات الشعوب في البنوك الغربية ثم يذهبون من‬
‫الدنيا ويخرجون منها محملين بأوزار وتبعات فل نفعوا أمتهم ول هم انتفعوا‬
‫بما نهبوه وسرقوه‪ ،‬سلوا شاه إيران ماذا فعل بأرصدته؟! وشاوشسكوا‪،‬‬
‫وموياتوا ‪ ..‬وسوهارتوا ‪ ..‬وكم في العرب من مثلهم يسيرون في الطريق ذاته‬
‫ل يعتبرون ول يتنبهون لنهم سكروا بحب الدنيا فل يصحون إل في معسكر‬
‫الموتى مع الهالكين‪.‬‬
‫التنافس في الدنيا والتسابق المحموم في جمع حطامها هو الذي قوض ديننا‬
‫ودنيانا ‪ ..‬هو الذي غير النفوس‪ .‬من أجل التنافس فيها فقدنا المن‬
‫والستقرار ‪ ..‬وتفرقت السر وتخاصم الجيران ‪ ..‬وفسد القضاء وخرب‬
‫التعليم وضاعت المانة وانتشر كل بلء ومصيبة بسبب هذه الدنيا التي‬
‫نتنافس فيها ونتقاتل عليها ‪ ..‬ثم نذهب جميعا ً ونتركها خلفنا فل سلم لنا ديننا‬
‫ول استطعنا أن نحصل على دنيانا وأن نبقيها ‪ ،‬بل ل بد وأن تتركنا أو نتركها‬
‫َ‬
‫م ال ْ َ‬
‫حَياةُ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬
‫حقّ َفل ت َغُّرن ّك ُ ُ‬ ‫س إِ ّ‬
‫هما أمران لبد منهما‪َ ? .‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫م ِبالل ّهِ ال ْغَُروُر?]فاطر‪.[5:‬‬‫الد ّن َْيا َول ي َغُّرن ّك ُ ْ‬
‫مما لشك فيه أن قلوبنا في غفلة وغمرة ‪ ..‬وبها قساوة وقد ذكر العلماء‬
‫رحمة الله عليهم وصفة علجية للقلوب إذا غفلت أو قست ‪ ،‬فعلى أصحابها‬
‫أن يعالجوها بأربعة أمور‪:‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القلع عما هي عليه ومجالسة الصالحين وحضور مجالس العلم والذكر‬


‫والوعظ والتذكير ‪ ..‬ومعرفة سيرة الصالحين فإن ذلك مما يلين القلوب‬
‫وينفعها‪.‬‬
‫ذكر الموت والكثار من ذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات ‪ ،‬فإن تذكر‬
‫الموت يردع عن المعاصي‪ ،‬ويلين القلب القاسي‪ ،‬ويذهب الفرح بالدنيا‬
‫ويهون المصائب فيها‪.‬‬
‫مشاهدة المحتضرين وأحوالهم ‪ ..‬وكيف يخرجون من الحياة راغمين ‪ .‬وها‬
‫نحن في هذا العصر نشاهد الحوادث التي تودي بحياة البشر وتنقلهم من‬
‫عالمهم إلى عالم الخرة ‪ ،‬وسواء أكانوا في الجو أم على وجه الرض أم في‬
‫قاع المحيطات ‪ ..‬إن التأمل الواعي لمصارع الناس ‪ ..‬يفطم النفس المارة‪.‬‬
‫ويبعث على العمل الصالح ويزيد من الجتهاد‪.‬‬
‫زيارة القبور الزيارة الشرعية ‪ ،‬والتفكر في أحوالها‪ ،‬قال ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" -‬كنت نهيتكم عن زيارة القبور ‪ ،‬فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكر‬
‫الخرة"‬
‫روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه خرج على المقبرة فلما‬
‫أشرف عليها قال‪ :‬يا أهل القبور أخبرونا أو نخبركم‪ ،‬أما خبٌر من قبلنا‪ :‬فالمال‬
‫قد اقتسم‪ ،‬والنساء قد تزوجن‪ ،‬والمساكن قد سكنها قوم غيركم‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫أما والله لو استطاعوا لقالوا ‪ :‬لم نرى زادا ً خيرا ً من التقوى‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فيا أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا ‪ ،‬تأهبوا‬
‫للعرض الكبر على ربكم فيومئذ تعرضون ل تخفى منكم خافية ‪ ،‬وصلوا‬
‫وسلموا على نبيكم ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.-‬‬
‫صحيح البخاري باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه‬
‫وتخليهم من الدنيا برقم ‪6087‬‬
‫صحيح البخاري باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أصلح النصار‬
‫والمهاجرة برقم ‪.3584‬‬
‫البحرين‪ :‬هو ما بين البصرة وهجر ‪ ..‬وهي تمتد الن من البصرة في العراق‬
‫مرورا ً بالكويت وحتى الحساء في المملكة العربية السعودية‪ .‬وقد أرسل‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬العلء إلى المنذر بن ساوى عامل الفرس‬
‫على البحرين يدعوه إلى السلم فأسلم‪ ،‬وصالح مجوس تلك البلد على‬
‫الجزية‪.‬‬
‫صحيح البخاري باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها برقم ‪. 6061‬‬
‫وصحيح مسلم كتاب الزهد والرقائق برقم ‪... 2961‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫صور من نعيم أهل الجنة ‪... ... ...‬‬


‫إن حال أهل الجنة في الجنة كله نعيم دائم ‪ ،‬وإنما اخترنا بعض صور النعيم‬
‫لبيان جزء من كل ‪..‬‬
‫الصورة الولى ‪ :‬حال المؤمن مع أزواجه في الجنة‬
‫ذكر ابن القيم في كتابه بستان الواعظين حال المؤمن مع أزواجه في الجنة‪:‬‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنه ‪ :‬وذلك أن ولي الله في الجنة على سرير ‪،‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والسرير ارتفاعه خمسمائة عام وهو قول الله عز وجل } وفرش‬


‫مرفوعة { ‪ ،‬قال والسرير من ياقوت أحمر وله جناحان من زمرد أخضر ‪،‬‬
‫وعلى السرير سبعون فراشا حشوها النور ‪ ،‬وظواهرها السندس ‪ ،‬وبطائنها‬
‫من إستبرق ‪ ،‬ولو دلى أعلها فراشا ما وصل إلى آخرها مقدار أربعين عاما ‪،‬‬
‫وعلى السرير أريكة وهي الحجلة وهي من لؤلؤة عليها سبعون سترا من نور‬
‫وذلك قوله عز وجل } هم وأزواجهم في ظلل على الرائك متكئون { يعني‬
‫ظلل الشجار ‪ ،‬على الرائك يعني السرة في الحجال ‪ ،‬فبينما هو معانقها ل‬
‫تمل منه ول يمل منها والمعانقة أربعين عاما فإذا رفع رأسه فإذا هو بأخرى‬
‫متطلعة عليه تناديه ‪ :‬يا ولي الله أما لنا فيك من دولة ؟ فيقول حبيبتي من‬
‫أنت ؟ فتقول أنا من اللواتي قال الله فيهن } ولدينا مزيد { ‪ ،‬قال فيطير‬
‫سريره ‪ ،‬أو قال كرسي من ذهب له جناحان فإذا رآها فهي تضعف على‬
‫الولى بمائة ألف جزء من النور فيعانقها مقدار أربعين عاما ل تمل منه ول‬
‫يمل منها ‪ ،‬فإذا رقع رأسه رأى نورا ساطعا في داره ‪ ،‬فيعجب فيقول سبحان‬
‫الله أملك كريم زارنا ‪ ،‬أم ربنا أشرف علينا ؟ فيقول الملك وهو على كرسي‬
‫من نور بينه وبين الملك سبعون عاما ‪ ،‬والملك في حجبته في الملئكة ‪ :‬لم‬
‫يزرك ملك ولم يشرف عليه ربك عز وجل ‪ ،‬فيقول ما هذا النور ؟‬
‫فيقول الملك لزوجتك الدنيوية وهي معك في الجنة ‪ ،‬وأنها طلعت ورأتك‬
‫معانقا لهذه فتبسمت فهذا النور الساطع الذي تراه في دارك هو نور ثناياها ‪،‬‬
‫فيرفع رأسه إليها فتقول ‪ :‬يا ولي الله أما لنا فيك من دولة ؟ فيقول ‪ :‬حبيبتي‬
‫من أنت ؟ فتقول له يا ولي الله أما أنا فمن اللواتي قال الله عز وجل فيهن‬
‫} فل تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين { الية ‪ .‬قال فيطير سريره‬
‫إليها فإذا لقيها فهي تضعف عن هذه الخرى بمائة ألف جزء من النور لن‬
‫هذه صلت وصامت وعبدت الله عز وجل ‪ ،‬فهي إذا دخلت الجنة أفضل من‬
‫نساء الجنة ‪ ،‬لن أولئك أنبتن نباتا ‪ ،‬فيعانق هذه مقدار أربعين عاما ل تمل‬
‫منه ول يمل منها ‪ ،‬ثم إنها تقوم بين يديه وخلخلها من يواقيت ‪ ،‬فإذا وطئت‬
‫يسمع من خلخلها صفير طل طير في الجنة ‪ ،‬فإذا مس كفها كان ألين من‬
‫المخ ويشم من كفها رائحة كل طيب في الجنة وعليها سبعون حلة من نور‬
‫لو نشر الرداء منها لضاء ما بين المشرق والمغرب ‪ ،‬خلقت من نور والحلل‬
‫عليها أسورة من ذهب وأسورة من فضة وأسورة من لؤلؤ ‪ ،‬وتلك الحلل أرق‬
‫من نسج العنكبوت وهو أخف عليها من النقش‪ ،‬وأنه يرى مخ ساقها من‬
‫صفائها ورقتها من وراء العظم واللحم والجلد ‪ ،‬والحلل مكتوب على ذراعها‬
‫اليمين بالنور } الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن { ‪.‬‬
‫ومكتوب على كبدها بالنور حبيبي أنا لك ل أريد بك بدل ‪ ،‬وكبدها مرآته ‪ ،‬وهي‬
‫على صفاء الياقوت وحسن المرجان وبياض البيض المكنون } عربا أترابا {‬
‫العرب العاشقات لزواجهن ‪ ،‬والتراب بنات خمس وعشرين سنة ‪ ،‬مفلجة لو‬
‫ضحكت لضاء نور ثناياها ولو سمع الخلئق منطقها لفتتن كل بر وفاجر ‪،‬‬
‫فهي قائمة بين يديه فساقها يضعف على قدميها بمائة ألف جزء من النور ‪،‬‬
‫وفخذها يضعف على ساقها بمائة ألف جزء من النور ‪ ،‬وعجزها ‪ ،‬وعجزها‬
‫يضعف على فخذها بمائة ألف جزء من النور ‪ ،‬وبطنها يضعف على عجزها‬
‫بمائة ألف جزء من النور ‪ ،‬وصدرها يضعف على بطنها بمائة ألف جزء من‬
‫النور ‪ ،‬ووجهها يضعف على نحرها بمائة ألف جزء من النور ‪ ،‬ولو تفلت في‬
‫بحار الدنيا لعذبت كلها‪ ،‬ولو اطلعت من سقف بيتها إلى الدنيا لخفى نورها‬
‫نور الشمس والقمر ‪ ،‬عليها تاج من ياقوت أحمر مكلل بالدر والمرجان على‬
‫يمينها مائة ألف قرن من قرون شعرها‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وتلك القرون قرن من نور وقرن من ياقوت وقرن من لؤلؤ وقرن من زبرجد‬
‫وقرن من مرجان وقرن من در مكلل بالزمرد الخضر والحمر‪ ،‬مفضض‬
‫بألوان الجوهر موشح بألوان الرياحين ليس في الجنة طيب إل وهو تحت‬
‫شعرها ‪ ،‬الواحدة تضيء مسيرة أربعين عاما ‪ ،‬وعلى يسارها مثل ذلك ‪،‬‬
‫وعلى مؤخرها مائة ألف ذؤابة من ذوائب شعرها ‪ ،‬فتلك القرون والذوائب‬
‫إلى نحرها ثم تتدلى إلى عجرتها ثم تتدلى إلى قدميها حتى تجره بالمسك ‪،‬‬
‫وعن يمينها مائة ألف وصيفة كل قرن بيد وصيفة ‪ ،‬وعن يسارها مثل ذلك‬
‫ومن ورائها مائة ألف وصيفة آخذة بذؤابة من ذوائب شعرها ‪ ،‬ومن بين يديها‬
‫مائة ألف وصيفة معهن مجامر من در فيها بخور من غير نار ويذهب ريحه في‬
‫الجنة مسيرة مائة عام ‪ ،‬حولها ولدان مخلدون شباب ل يموتون كأنهن اللؤلؤ‬
‫المنثور كثرة‪ ،‬فهي فهي قائمة بين يدي ولي الله ترى إعجابه وسروره بها‬
‫وهي مسرورة وعاشقة له ‪ ،‬فتقول له يا ولي الله لتزدادن غبطة وسرورا ‪،‬‬
‫فتمشي بين يديه بمائة ألف لون من المشي في كل مشية تجلى في سبعين‬
‫حلة من النور وأن الماشطة معها فإذا مشت تتمايل وتنعطف وتتكاسر وتدور‬
‫‪ ،‬وتبتهج بذلك وتبتسم فإذا مالت مالت القرون من الشعر معها ومالت‬
‫الذوائب ومالت الوصفان معها ‪ ،‬فإذا دارت درن معها ‪ ،‬فإذا أقبلت أقبلن معها‬
‫‪ ،‬خلقها الرحمن تبارك وتعالى خلقة إذا أقبلت فهي مقابله وإذا ولت فهي‬
‫مقبلة الوجه ل تفارق وجهه ول تغيب عنه‪ ،‬ويرى كل شيء منها ‪ ،‬إذا جلست‬
‫بعد مائة ألف لون من المشي خرجت عجزتها من السرير وتدلي قرونها‬
‫وذوائبها فيضطرب ولي الله لول أن الله قضى أن ل موت فيها لمات طربا ‪،‬‬
‫فلول أن الله تبارك وتعالى قدرها له ما استطاع أن ينظر إليها مخافة أن‬
‫يذهب بصره فتقول له يا ولي الله تمتع فل موت فيها‪.‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬فرش أهل الجنة‬
‫أعدت قصور الجنة وأماكن الجلوس في حدائقها وبساتينها بألوان فاخرة‬
‫رائعة من الفرش للجلوس والتكاء ونحو ذلك ‪ ،‬فالسرر كثيرة راقية ‪،‬‬
‫والفرش عظيمة القدر بطائنها من الستبرق ‪ ،‬فما بالك بظاهرها ‪ ،‬وهناك‬
‫ترى النمارق مصفوفة على نحر يسر الخاطر ‪ ،‬ويبهج النفس ‪ ،‬والزرابي‬
‫مبثوثة على شكل منسق متكامل ‪ ،‬قال تعال } فيها سرر مرفوعة * وأكواب‬
‫موضوعة * ونمارق مصفوفة * وزرابي مبثوثة { ‪ ،‬وقال تعالى ‪ } :‬متكئين‬
‫على فرش بطائنها من إستبرق ( ‪ ،‬وقال تعالى ‪ } :‬متكئين على سرر‬
‫مصفوفة وزوجناهم بحور عين { وقال تعالى } ثلة من الولين ‪ ،‬وقليل من‬
‫الخرين ‪ ،‬على سرر موضونة ‪ ،‬متكيئن عليها متقابلين { ‪ ،‬واتكاؤهم عليها‬
‫على هذا النحو من النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة حين يجتمعون كما أخبر‬
‫الله تعالى ‪ } :‬ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين { ‪،‬‬
‫وقال } متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان {‬
‫والمراد بالنمارق ‪ :‬المخاد والوسائد المساند ‪ ،‬والزرابي ‪ :‬البسط ‪،‬‬
‫والعبقري ‪ :‬البسط الجياد ‪ ،‬والرفرف‪ :‬رياض الجنة ‪ ،‬وقيل نوع من الثياب ‪،‬‬
‫والرائك‪ :‬السرر‪.‬‬
‫الصورة الثالثة ‪ :‬خدم أهل الجنة‬
‫يخدم أهل الجنة ولدان ينشئهم الله لخدمتهم ‪ ،‬يكونون في غاية الجمال‬
‫والكمال ‪ ،‬كما قال تعالى ‪} :‬يطوف عليهم ولدان مخلدون ‪ ،‬بأكواب وأباريق‬
‫وكأس من معين { وقال ‪} :‬ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حسبتهم لؤلؤا منثورا {‬


‫قال ابن كثير رحمه الله تعالى ‪ " :‬يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من‬
‫ولدان أهل الجنة ‪ -‬مخلدون ‪ -‬أي على حالة واحدة مخلدون عليها ‪ ،‬ل يتغيرون‬
‫عنها ‪ ،‬ل تزيد أعمارهم عن تلك السن ‪ ،‬ومن فسرهم بأنهم مخرصون‪ ،‬في‬
‫آذانهم القرطة فإنما عبر عن المعنى‪ ،‬لن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون‬
‫الكبير ‪ ،‬وقوله تعالى } لؤلؤا منثورا ً { أي إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء‬
‫حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم‬
‫حسبتهم لؤلؤا منثورا ‪ ،‬ول يكون في التشبيه أحسن من هذا ‪ ،‬ول في المنظر‬
‫أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن‬
‫الصورة الرابعة ‪ :‬سوق أهل الجنة‬
‫روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب‬
‫ريح الشمال‪ ،‬فتحثوا في وجوههم وثيابهم ‪ ،‬فيزدادون حسنا وجمال‪ ،‬فيرجعون‬
‫إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمال ‪ ،‬فيقول لهم أهلوهم ‪ :‬والله لقد ازددتم‬
‫بعدنا حسنا وجمال‪ ،‬فيقولون والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمال (‬
‫قال النووي في شرحه لهذا الحديث " المراد بالسوق مجمع لهم يجتمعون‬
‫كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق‪ ،‬ومعنى يأتونها كل جمعة أي أسبوع ‪،‬‬
‫وليس هناك حقيقة أسبوع ‪ ،‬لفقد الشمس والليل والنهار ‪ ،‬وخص ريح الجنة‬
‫بالشمال لنها ريح المطر عند العرب ‪ ،‬كانت تهب من جهة الشام ‪ ،‬وبها يأتي‬
‫سحاب المطر ‪ ،‬وكانوا يرجون السحابة الشامية ‪ ،‬وجاءت في الحديث تسمية‬
‫هذه الريح المثيرة ‪ ،‬أي المحركة ‪ ،‬لنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسك‬
‫أرض الجنة وغيره من نعيمها " ‪.‬‬
‫الصورة الخامسة ‪ :‬اجتماع أهل الجنة وأحاديثهم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يزور أهل الجنة بعضهم بعضا ‪ ،‬ويجتمعون في مجالس طيبة يتحدثون‬


‫ن الله به عليهم من دخول الجنة ‪،‬‬‫ويذكرون ما كان منهم في الدنيا ‪ ،‬وما م ّ‬
‫قال تعالى واصفا ذلك } ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر‬
‫متقابلين { ‪ ،‬وأخبر تعالى عن لون من ألوان الحاديث التي يتحدثون بها في‬
‫مجتمعاتهم } وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا‬
‫ن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه‬ ‫مشفقين * فم ّ‬
‫هو البر الرحيم { ‪ ،‬ومن ذلك تذكرهم أهل الشر الذين كانوا يشككون أهل‬
‫اليمان ويدعونهم إلى الكفران } فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قال‬
‫قائل منهم إني كان لي قرين * يقول أءنك لمن المصدقين * أءذا كنا ترابا‬
‫وعظاما أءنا لمدينون * قال هل أنتم مطلعون * فاطلع فرآه في سواء‬
‫الجحيم * قال تالله إن كدت لتردين * ولول نعمة ربي لكنت من المحضرين *‬
‫أفما نحن بميتين * إل موتتنا الولى وما نحن بمعذبين * إن هذا لهو الفوز‬
‫العظيم * لمثل هذا فليعمل العاملون {‬
‫الصورة السادسة ‪ :‬التسبيح والتكبير‬
‫الجنة دار جزاء وإنعام ‪ ،‬ل دار تكليف واختبار ‪ ،‬وقد يشكل على هذا ما رواه‬
‫البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم في صفة أول زمرة تدخل الجنة ‪ ،‬قال في آخره ) يسبحون الله بكرة‬
‫وعشيا ( ول إشكال في ذلك إن شاء الله تعالى ‪ ،‬لن هذا ليس من باب‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التكليف ‪ ،‬قال ابن حجر في شرحه للحديث‪ " :‬قال القرطبي هذا التسبيح‬
‫ليس عن تكليف وإلزام ! وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله‬
‫)يلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس ( ووجه التسبيه أن تنفس‬
‫النسان ل كلفة عليه فيه‪ ،‬ول بد منه ‪ ،‬فجعل تنفسهم تسبيحا ‪ ،‬وسببه أن‬
‫قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه ‪ ،‬وامتلت بحبه ‪ ،‬ومن أحب شيئا أكثر‬
‫منه " ‪.‬‬
‫وقد قرر شيخ السلم ابن تيمية أن هذا التسبيح والتكبير لون من ألوان‬
‫النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة ويتلذذون به ‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬موقع إسلميات‬
‫‪...‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫صورة المسلمين والعرب في العالم‬


‫‪1/2‬‬
‫إعداد‪ :‬خلود العيدان * منيرة الدهش ‪11/3/1426‬‬
‫‪20/04/2005‬‬
‫لماذا )صورة المسلمين والعرب في العالم( كانت قضيتنا الولى؟!‬
‫إن حماسنا للبحث في هذه القضية‪..‬‬
‫كان للجابة عن تساؤلت تشغل فكر الفرد المسلم العربي تجاه‪..‬‬
‫صورته‪ ،‬حقيقته‪ ،‬هويته‪ ،‬ولماذا هو مشوه في عيني الخر؟‬
‫وتساؤلت شتى تمل سماء الفكر العربي )الغض( في هذه المرحلة الحرجة‬
‫من تاريخه‪.‬‬
‫ً‬
‫كما أن حقيقة أن )ل دخان بل نار( تلح بشدة للبحث عن الحقيقة أيا كان‬
‫مذاقها‪.‬‬
‫ً‬
‫فإن كان بهتانا فلم الستمرار‪..‬ولم لم نوقفه؟‬
‫وإن كان حقيقة فإلى متى؟ ولماذا ل نشرع بالتغيير‪.‬‬
‫ورغم هذه المقدمة المشحونة بعلمات الستفهام‪..‬‬
‫إل أن عذوبة الفهم القرآني لبجديات البحث في هذا الكون تمنحنا هدوًء‬
‫ونفسا ً عميقا ً لنشرع في قضيتنا‪..‬‬
‫فلنتأمل الية الـ)‪ (16‬من سورة )لقمان(‪:‬‬
‫)يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات‬
‫أو في الرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير(‬
‫ولك أن تعلو وتسمو بجمالية المعنى و)تتأمل( لـ)ـتفهم( ما الذي يجري في‬
‫زمن اختلطت فيه )الحقائق(؟!‬
‫لنشرع البواب المغلقة‪:‬‬
‫لقد وضعنا بين أعيننا الهدف السمى الذي يحركنا كشباب مسلم عربي‬
‫والمسؤولية التي أوجدتنا على هذه الرض‪..‬فوجدنا أن‪..‬‬
‫)معرفتنا للخر تمنحنا أفقا ً أوسع لمكانية )فهمه( فـ)تفهيمه(‪ ،‬ولمعرفة واقعنا‬
‫لـ)ـتغييره(‪(..‬‬
‫كان اختيارنا لهذه القضية من واقع )الزمة( التي يمر بها عالمنا السلمي‬
‫والعربي لعلنا نكون إحدى المفاتيح لبواب مستقبل إسلمي عربي مختلف‪.‬‬
‫ما سبب التأخير؟ وهل عقارب الساعة في حساباتنا!‬
‫لشك أننا نصحو ونغفو ونحن نرى صورنا مجسدة في شاشات التلفزة أو‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تشبعها أراء المحللين )التلفزيونيين( ركل ً وضربا ً إن صح التعبير‪..‬إن رد الفعل‬


‫الذي )أضحى( طبيعيًا! هو المسارعة في )إلقاء القبض( على جهاز التحكم‬
‫و)اتخاذ القرار( بتغيير القناة لـ)ـيسجل( التاريخ النجاز العظم لتلك )اليد‬
‫الناعمة(!‬
‫إن التأخير في إنقاذ صورتنا السلمية والعربية في عيني الخر لشك تحمل‬
‫أسباب عدة قد يكون أهمها‪:‬‬
‫القناعة بمبدأ )أن ما باليد حيلة(! ويصاحبها أن )هم( من فعلوا وأخطئوا و‪،،،‬‬
‫بغض النظر إن كان )هم( عائدة على الخر أو المسؤول‪.‬‬
‫نحن هنا ل نغفل الطرف الثاني أيا ً كان ولكن أنحمله كل العبء؟!!‬
‫* تحت المجهر و بعدسة الخر كيف نبدو!‬
‫نظر الوروبيون إلى حياة المسلمين الخلقية نظرة مزدوجة‪ ،‬إذ نظروا إلى‬
‫حجاب المرأة المسلمة كتعبير عن "السرية والقهر" والفصل بين الرجل‬
‫والمرأة‪ ،‬وفي نفس الوقت نظروا إليه على أنه مصدر "فجور واستباحة‬
‫أخلقية مستترة" خلف الحواجز والسوار‪.‬‬
‫وقد انتقلت هذه الصورة المشوهة كما يرى )جون إسبوزيتو( أستاذ دراسات‬
‫الديان والعلقات الدولية بجامعة جورج تاون الميركية في كتاب "التهديد‬
‫السلمي‪ ..‬حقيقة أم أسطورة؟" الصادر عام ‪ ..1992‬انتقلت إلى بعض أهم‬
‫قادة الصلح الفكري والديني في أوروبا وعلى رأسهم زعيم حركة الصلح‬
‫البروتستانتي مارتن لوثر الذي نظر إلى السلم على أنه‪:‬‬
‫"حركة عنيفة تخدم أعداء المسيح ل يمكن جلبها للمسيحية لنها مغلقة أمام‬
‫المنطق‪ ،‬ولكن يمكن فقط مقاومتها بالسيف"‪.‬‬
‫كما يقول المستعرب الياباني )نوبوآكي نوتوهارا( في كتابه )العرب وجهة‬
‫نظر يابانية(‪:‬‬
‫"سافرت إلى البلدان العربية وكنت قد تجاوزت الثلثين من عمري ورأيت‬
‫وقرأت وتحدثت إلى الناس في كل مكان نزلت فيه‪.‬لقد عاينت بنفسي غياب‬
‫العدالة الجتماعية وتهميش المواطن واذلله وانتشار القمع بشكل ليليق‬
‫بالنسان‪.‬وغياب كل أنواع الحرية كحرية الرأي السلوك والمعتقد وغيرها‪.‬‬
‫كما عرفت عن قرب كيف يضحي المجتمع بالفراد الموهوبين والفراد‬
‫المخلصين‪،‬ورأيت كيف يغلب على سلوك الناس عدم الشعور بالمسؤولية‬
‫تجاه المجتمع وتجاه الوطن"‪.‬‬
‫المفاهيم السلمية عالميًا‪:‬‬
‫اعتمد البناء المفاهيمي للسلم عالميا ً على وجود مكثف في الخطاب‬
‫العلمي لـ)ـتصنيفات( على شاكلة "الرهاب السلمي"‪" ،‬المحاربين‬
‫السلميين"‪" ،‬الرهابيين السلميين"‪" ،‬الديكتاتور السلمي"‪" ،‬الهجمات‬
‫السلمية"‪ ،‬و"الرهاب السلمي المتشدد"‪"،‬الظاهرة السلمية"‪.‬‬
‫كما جاء في تعريف العربي أبان المرحلة الستينيات والسبعينيات في‬
‫القاموس المريكي المسمى روجيت ثيساورس ‪ Roget Thesaurus‬بكونه‬
‫"جلف‪ ،‬نذل‪ ،‬أخرق‪ ،‬مخادع‪ ،‬ساذج"‪ .‬ولم تحذف هذه النعوت القبيحة إل بعد‬
‫جهود وضغوط بذلتها المنظمات العربية في أمريكا‪.‬‬
‫***‬
‫الصورة ‪ ،‬اللوان‪ ،‬الظلل ‪) ،،،‬نحن والخر( وما الذي قيل؟!‬
‫* على المسلمين أن يتوصلوا إلى حل لشكاليات كثيرة داخلية قبل أن‬
‫يطالبوننا بصورة أكثر توازنا‪.‬‬
‫) ناثان كاردلس رئيس تحرير خدمة لوس انجلوس تايمز المريكية(‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* إنه لم تشوه سمعة جماعة دينية أو ثقافية أو قومية ويحط من قدرها‬


‫بشكل مركز ومنظم كما حدث للعرب‪.‬‬
‫)نيكولس فون هوفمان الصحفي بجريدة "واشنطن بوست"(‬

‫)‪(1 /‬‬

‫*‪ :‬إن المنطقة العربية ليست راكدة‪ ،‬إنها مكان حيوي‪ .‬وأمر آخر عن هذه‬
‫المنطقة إذا نسينا‪ ،‬لقد اجتزنا ثورات‪ ،‬لقد مررنا بثورة الكومنولث والثورة‬
‫الصناعية لقد اجتاز الغرب صدمات هائلة قبل أن يصل لما هو عليه اليوم‪،‬‬
‫فهل من المتوقع أن يصبح المسلمون بعصا سحرية مستنيرين في غضون‬
‫سنوات قلئل؟‬
‫)حمزة يوسف عمل مستشارا للبيت البيض وللجامعة العربية للشؤون‬
‫السلمية‪ ،‬وهو مؤسس معهد الزيتونة في كاليفورنيا‪ ،‬وهو أمريكي المولد‬
‫واعتنق السلم(‬
‫*من المستحيل أن نتوقع أي تقدم أخلقي وفكري ومادي أينما يسود‬
‫المحمديون‪.‬‬
‫)الرئيس الميركي ثيودور روزفلت(‬
‫*إذا كان السلم قد عانى من جاهلية العرب ربع قرن ‪ ،‬فقد ظل يعاني من‬
‫جاهلية الغرب قرونا ً طوال َ !‬
‫وقد تأثر العلميون الغربيون بشكل فاضح بالروح العدائية التي نفخها‬
‫المستشرقون ومعظمهم من اليهود‪.‬‬
‫مدا ً ولم أخسر المسيح"(‬ ‫) كتاب " ربحت مح ّ‬
‫* هناك من يريد تشويه صورة السلم ونحن‪ ،‬رجال الدين‪ ،‬علينا مسؤولية‬
‫تصحيح ذلك‪...‬إن المثقفين المسلمين أخفقوا في المساهمة بشكل ملحوظ‬
‫في العلوم وغيرها من الميادين في القرنين الماضيين‪.‬‬
‫) جورج كيري كبير أساقفة الكنيسة النجليكانية (‬
‫* أنه لبد أن نعمل في الداخل السلمي‪ ،‬كما لبد علينا أيضا أن نعمل في‬
‫الخارج لنه لم يعد هناك حواجز وفواصل بين الداخل والخارج‪.‬‬
‫)د‪/‬علي جمعة مفتي الديار المصرية(‬
‫* المسلمون القدامى كانوا يتعاملون مع الغرب من منطلق الندية والقدرة‬
‫على النتقاد والنتقاء‪ ،‬بعكس الفنانين والمثقفين قبل الثورة الذين تعاملوا مع‬
‫الغرب من منطلق الحساس بالدونية‪.‬‬
‫)تقول ذيبا مير حسيني‪/‬مخرجة إيرانية(‬
‫* أكد ) ناثان كاردلس رئيس تحرير خدمة لوس انجلوس تايمز المريكية(‪:‬‬
‫أنه كصحفي أمريكي ليملك من معلومات عن السلم إل ما ينقله الصحفيون‬
‫والساسة المسلمون أنفسهم!‬
‫* إن الصحفي الغربي اعتاد علي التفكير بمنطق السياسة والجتماع و ليس‬
‫التفكير بمنطق الدين و العقيدة كما اعتاد العلمي العربي والمسلم ‪.‬‬
‫) خوسيه لويس برسبال من راديو كووب السباني(‬
‫* توجد مساحة ضخمة في وسائل العلم الغربية تهاجم السلم والمسلمين‬
‫وتسخر منهم‪ ،‬وتصف “الرهاب” بأنه إسلمي‪ ،‬في حين أنها ل تصفه بأنه‬
‫مسيحي أو يهودي أو بوذي‪.‬‬
‫)د‪/‬علي جمعة مفتي الديار المصرية(‬
‫* لقد كانت هناك عنصرية ضد المسلمين هنا)فرنسا( من قبل غير أنها زادت‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سوءا بسبب الخلط اليوم بين السلم والمسلمين والرهاب‪ .‬إن الجدل الدائر‬
‫حول حظر الحجاب في المدارس يتذرع بعلمانية المجتمع‪ ،‬بينما في الواقع‬
‫هو يتشكك بالسلم‪.‬‬
‫)يوسف معمري من المجلس السلمي لمارسيليا )بفرنسا(‬
‫* لدينا بلهاء في الغرب يزعمون أن المسلمين شياطين وبالمثل لدينا بلهاء‬
‫بين المسلمين يزعمون أن الغرب شيطان‪.‬أنا آسف‪.‬‬
‫البشر كلنا فينا الخير والشر‪ .‬هناك أشخاص طيبون في الغرب وهناك‬
‫أشخاص طيبون في العالم السلمي ‪ -‬وهناك أشرار في الغرب وهناك أشرار‬
‫في العالم السلمي‪ ،‬ومعظم الناس فيهم خليط من الخير والشر يعتمل‬
‫داخلهم‪ .‬إننا ل نعيش في القرون الوسطى‪ .‬حينما يخرج مليون بريطاني في‬
‫مظاهرات ويقولون ل تخوضوا الحرب باسمنا ويعتصمون وقوفا وجلوسا في‬
‫البرد القارس لخمس ساعات‪ ،‬رأيت ذلك في هايد بارك‪ ،‬ل يمكنك أن تقول‬
‫هؤلء صليبيون ول يمكنك أيضا أن تبرر تفجير منازلهم‪ ،‬إنهم أشخاص خيرون‬
‫يعبأون فع َ‬
‫ل‪.‬‬
‫)حمزة يوسف عمل مستشارا للبيت البيض وللجامعة العربية للشؤون‬
‫السلمية‪ ،‬وهو مؤسس معهد الزيتونة في كاليفورنيا‪ ،‬وهو أمريكي المولد‬
‫واعتنق السلم(‬
‫*إن العقل المسلم قد أغفل السنن اللهية الكونية والسباب الطبيعية‬
‫المباشرة لحدوث الشياء والتوصل للنتائج وقد أعفى نفسه من التدقيق في‬
‫اتباع كل سبب بعينه لما يريد أن يتوصل إليه )متوهمًا( أن الله سبحانه وتعالى‬
‫سيحقق له كل شئ بإرادته وهو متقاعس ل لشئ إل لكونه مسلما ً وهذا فهم‬
‫خاطئ لحقيقة الدين‪.‬‬
‫)د‪/‬محمد جابر النصاري(‬
‫*أن نظرة الغرب الحديثة للسلم ولدت في فترة كانت علقة أوروبا بالسلم‬
‫فيها علقة خوف وقلق‪ ،‬مما دفع الوروبيين لتعريف السلم تعريفا "ضيقا‬
‫كاريكاتوريا" كدين يملؤه "العنف والشهوة" يقوم على "الجهاد العنيف" في‬
‫الحياة الدنيا و"الملذات الحسية الموعودة" في الخرة‪.‬‬
‫) دانيال فيتكس ‪-‬وهو أستاذ آداب بجامعة ولية فلوريدا الميركية(‬
‫* أن معرفة الغرب للسلم في هذه المرحلة كانت بغرض السيطرة عليه‬
‫وليس فهمه‪ ،‬وأن عمليه المعرفة هذه تمت بشكل منظم نسبيا تعاونت فيه‬
‫مؤسسات الفكر والمعرفة الوروبية تعاونا وثيقا مع مؤسسات الستعمار‬
‫الوروبية الرسمية بهدف مدها بالمعرفة اللزمة للسيطرة على المجتمعات‬
‫المستعمرة‪.‬‬
‫) إدوارد سعيد(‬
‫*أن "فهم مواجهات أميركا مع الشرق الوسط بعد عام ‪ 1945‬يتطلب فهم‬
‫الخلفية الثقافية والصور النمطية العنصرية التي يعتقد بها غالبية الميركيين"‬
‫تجاه الشرق الوسط والعالم السلمي‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫)دوغلس ليتل في كتاب "الستشراق الميركي‪ ..‬أميركا والشرق الوسط‬


‫منذ ‪ "1945‬الصادر عام ‪(2002‬‬
‫* وبعد الحرب العالمية الثانية والهولوكوست خفت موجة العداء للسامية إلى‬
‫حد ما –في أميركا‪ -‬بعدما بدأ الميركيون في النظر إلى اليهود على أنهم‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"غربيون" بينما استمروا في النظر إلى المسلمين على أنهم "شياطين"‬


‫و"إرهابيون معادون للغرب"‪.‬‬
‫)دوغلس ليتل في كتاب "الستشراق الميركي‪ ..‬أميركا والشرق الوسط‬
‫منذ ‪ "1945‬الصادر عام ‪(2002‬‬
‫* هناك جرائم ل نتحمل مسؤوليتها مباشرة ‪ ،‬أي لم نشارك فيها‪ ،‬ولكن ل بد‬
‫أن نتحمل مسؤوليتها‪...‬لذلك فالعالم مسؤول عن الجريمة التي ارتكبت بحق‬
‫الشعب الفلسطيني(‬
‫)المستعرب الياباني نوبوأكي نوتوهارا(‬
‫* إننا نجني اليوم الثمار المرة للهمال العربي و السلمي‪.‬‬
‫)د‪ /‬عبد القادر طاش رئيس تحرير صحيفة البلد السعودية سابقا(ً‬
‫سجل التاريخ عربيا ً كان أم غربي فهل نقرأ‪:‬‬
‫‪ -‬نيغاتيف الصورة‪:‬‬
‫وضح ديفد بلنكس ومايكل فراستو في مقدمة كتاب لهما صدر عام ‪1999‬‬
‫عن "رؤية الغرب للسلم في العصور الوسطى"‪،‬‬
‫فيقول الكاتبان‪:‬‬
‫) إن الوروبيين في تلك الفترة كانوا محاصرين بحضارة أكثر قوة وتقدما‬
‫وهي حضارة السلم‪ ،‬وأنهم فشلوا في هزيمة هذه الحضارة خلل الحروب‬
‫الصليبية كما رفضوا فهمها‪ ،‬لكنهم شعروا دائما بتهديدها الحضاري والديني‬
‫لهم‪ ،‬لذا لعب السلم دورا أساسيا في تشكيل الهوية الوروبية ومن ثم‬
‫الغربية الحديثة‪(.‬‬
‫ويرى المؤلفان )أن السلم لعب دورا شبهاه "بنيغاتيف الصورة" في تشكيل‬
‫رؤية الوروبي المسيحي المثالية لنفسه‪ ،‬إذ عمد الوروبيون إلى تشويه‬
‫صورة منافسيهم )المسلمين( كأسلوب لتقوية صورتهم الذاتية عن أنفسهم‬
‫وبناء ثقتهم في مواجهة عدو أكثر قوة وتحضرا(‪.‬‬
‫‪ -‬لم يكن لفهمه!‪:‬‬
‫يرى إدوارد سعيد في سلسلة من مؤلفاته على رأسها "الستشراق" الصادر‬
‫عام ‪ 1978‬أن معرفة الغرب للسلم في هذه المرحلة كانت بغرض‬
‫السيطرة عليه وليس فهمه‪ ،‬وأن عمليه المعرفة هذه تمت بشكل منظم‬
‫نسبيا تعاونت فيه مؤسسات الفكر والمعرفة الوروبية تعاونا وثيقا مع‬
‫مؤسسات الستعمار الوروبية الرسمية بهدف مدها بالمعرفة اللزمة‬
‫للسيطرة على المجتمعات المستعمرة‪.‬‬
‫وخلل هذه المرحلة نظر الغرب إلى الشرق ‪-‬بما في ذلك العالم السلمي–‬
‫بأسلوب أصبح الن نموذجا يدرس عن التشويه المتعمد الذي يمكن أن تقوم‬
‫به حضارة ما لصورة حضارة أخرى‪ .‬ومن أهم عناصر هذا السلوب ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬النظر إلى الشرقي أو إلى المسلم على أنه الخر المستقل تماما عن النا‬
‫أو الذات الوروبية‪.‬‬
‫‪ .2‬تنظيم علقة الوروبي مع الخر عبر سلسلة من الثنائيات الفكرية يضع كل‬
‫منها الخر الشرقي أو المسلم في مقابل النا الوروبي على طرفي نقيض‬
‫في مختلف جوانب الحياة‪ ،‬فمثل تم النظر إلى الشرقي على أنه متخلف‬
‫وحشي في مقابل الغربي المتقدم المتحضر‪ ،‬أو على أنه جاهل فقير في‬
‫مواجهة الغربي المتعلم الثري‪ ،‬أو على أنه داكن ضعيف في مقابل الغربي‬
‫البيض القوي‪.‬‬
‫‪ .3‬وقفت المؤسسات الستعمارية خلف التقسيم الثنائي السابق لدعمه‬
‫سياسيا واقتصاديا وثقافيا على أرض الواقع من خلل مساعيها لربط الشرق‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪-‬بما في ذلك العالم السلمي‪ -‬بأوروبا من خلل روابط مؤسساتية استعمارية‬


‫تضمن بقاء الشرق الطرف الضعف على طول الخط في علقته‬
‫بالمبراطوريات الوروبية‪ .‬ولذا سعى الستعمار لتكريس استغلله واستنزافه‬
‫القتصادي للشرق‪ ،‬وإضعاف اللغات والديان والثقافات الشرقية الصلية‪،‬‬
‫ومحاربة ظهور الحركات السياسية والجتماعية الوطنية في الشرق والعالم‬
‫السلمي على مدار عقود الستعمار‪.‬‬
‫‪ .4‬وقف الغرب موقفا منزعجا ومتشددا وأحيانا انتقاميا تجاه الجماعات‬
‫الشرقية أو المسلمة التي خرجت عن التقسيم الثنائي السابق وحاولت‬
‫امتلك أدوات القوة الغربية مثل اللغة وقوة القتصاد وفهم السياسة والقانون‬
‫وأساليب العمل العلمي للتقريب بين مواقف المجتمعات الشرقية‬
‫المستضعفة والغرب المستعمر‪.‬‬
‫‪ .5‬النظرة السابقة لعبت دورا مزدوجا خطيرا في تشكيل صورة السلم‬
‫والمسلمين لدى الغرب‪ :‬الول تشويه هذه الصورة‪ ،‬والثاني تبرير الستعمار‬
‫الوروبي واستنزاف أوروبا المنظم لثروات الشرق والعالم السلمي تحت‬
‫عنوان تحريره ومساعدته على الرقي والتحضر‪).‬وهل يذكرنا هذا بعراقنا‬
‫الحالي!(‬
‫‪ -‬هل شاركنا في التشويه؟!‬
‫إن وضعنا كفتي ميزان معتدلة بين أعيننا فسنرى في مقابل كل تقدم من‬
‫طرفهم تراجع من طرفنا ل مواجهة سريعة ونبذ لتلك الخطاء التي أودت‬
‫بصورتنا عالميًا‪..‬‬
‫وكما قال الستاذ علء بيومي مدير الشؤون العربية بمجلس العلقات‬
‫السلمية الميركية )كير(‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫)إن الخلفية الثقافية والحضارية لصورة السلم في الوليات المتحدة ليست‬


‫السبب الوحيد لما يشوب علقة أميركا بالعالم السلمي في الفترة الحالية‬
‫من توتر‪ ،‬فهناك عوامل أخرى عديدة تساهم في ذلك من بينها التصرفات‬
‫المشينة التي تقوم بها بعض الطراف المسلمة أو الميركية ضد الطرف‬
‫الخر‪ ،‬وتراث الفكار النمطية السلبية التي يمتلكها كل طرف عن الخر‪،‬‬
‫ودور المصالح المادية في إشعال الخلف بين الطرفين‪(.‬‬
‫***‬
‫الجاليات السلمية والعربية )هناك( ما الذي يجري؟!‬
‫الجاليات المسلمة في العالم ما بين السلب واليجاب‪:‬‬
‫‪ -‬يبدو أن هناك حاليا ً عوامل تتحكم في التعامل السلبي للغرب مع الجاليات‬
‫السلمية وأبنائها ـ رغم تفاوت ذلك من دولة إلى أخرى ـ ويمكن الشارة إلى‬
‫بعضها فيما يلي ‪:‬‬
‫*من يدفع الثمن؟‬
‫إن الحكم المسبق على السلم؛ والعتماد على الروايات الشاذة لدعم‬
‫الفكار الخاطئة التي تجعل السلم في موضع الدانة كل ذلك عمل على‬
‫تكريس تلك الصورة القاتمة التي نراها اليوم‪.‬‬
‫والتي يدفع ثمنها الجاليات المسلمة خارج نطاق العالم السلمي‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن بعض الدول الوروبية قد خطت خطوات مهمة باعترافها‬
‫بالسلم‪ ،‬وتم بالفعل في بعض الدول الخرى إعطاء حقوق مدنية للمهاجرين‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإنه ل تزال هناك عراقيل ومعوقات كثيرة لتطبيق ذلك في باقي دول العالم‪.‬‬
‫كما أن هناك استمرارا ً في اعتبار بعض المظاهر السلمية‪ ،‬كالحجاب مث ً‬
‫ل‪،‬‬
‫رمزا ً للتعصب والتحجر الفكري‪ ،‬وهناك من يرفض السماح بدراسة المحجبات‬
‫بدعوى الحفاظ على مبادئ علمانية المدرسة الوروبية‪.‬‬
‫كما أن نظرات الخر تحاصره في كل مكان‪ ،‬وفي بعض الحيان تقترن‬
‫بالذلل والكراهية والعنصرية المكشوفة‪.‬‬
‫* أشقائنا في مواجهة الخر‪..‬في أي التجاهات يسيرون؟!‬
‫‪ -‬الثار المترتبة على التوجه العلمي الشديد اللهجة تجاه المسلمين‪:‬‬
‫إن طريقة نقل وسائل العلم العالمية للحداث التي تجري في العالم‬
‫السلمي وخصوصا ً متابعتها لبعض الخلفات والحروب‪ ،‬تخلف آثارا ً واضحة‬
‫على تعامل الخر مع المسلمين هناك‪.‬‬
‫فغالبا ً ما يعيش العالم اليوم تحت تأثير كابوس الخوف الذي يثيره اهتمام‬
‫العلم الغربي بظاهرة التشدد والتطرف المرتبط بـ)ـالسلم( ووصفها بأنها‬
‫أخطر ما يتهدد قيم الغرب المعاصر‪.‬‬
‫‪ -‬الثار المترتبة على صورة العربي المسلم في المناهج الدراسية في العالم‪:‬‬
‫العربي المسلم خارج حدود أرضه مغترب شاء أم أبى‪..‬فالغربة حقيقة ل مفر‬
‫منها‪..‬‬
‫إل أن هذا الحساس الذي يصاحبها ل يمنع من أن ذلك الفرد يمارس حياته‬
‫بكافة مناشطها‪..‬ينجح ويخفق‪..‬‬
‫ينتمي للمكان‪،‬يألف الصحبة‪ ،‬يحسن السباحة في محيطه الجديد‪،‬يجلس‬
‫بجانب الخر على ذات المقعد ويتلقى التعليم نفسه‪ .‬ويسمع ويقرأ صورته‬
‫بأعينهم‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فالنظرة له من قبل مجتمعه المدرسي لشك تترك أثرا عميقا يتدخل في‬
‫انتمائه ومغالطات في تكوين هويته السلمية والعربية بل ربما تجاوزت ذلك‬
‫في تذبذب قناعته تجاه دينه وهويته‪.‬‬
‫* دور الجالية السلمية في الساءة إلى صورة السلم في العالم ‪:‬‬
‫وهنا ل بد من التأكيد على أنه تحت تأثير الغربة والتهميش ساهم بعض أفراد‬
‫الجالية المسلمة أنفسهم في الساءة إلى صورة السلم بالغرب‪.‬‬
‫ويمكن الشارة إلى أهم السلبيات في هذا الباب ‪:‬‬
‫ـ استغلل العاطفة الدينية القوية لدى الشباب الذين يبحثون عن انتمائهم‪،‬‬
‫لثارة مشاعر التعصب والتطرف لديهم‪.‬‬
‫ـ تعدد المرجعيات الدينية التي تتجاذب بعض القيادات السلمية وتؤدي إلى‬
‫صراعات وقلقل ل تخدم في شيء صورة السلم بالغرب‪.‬‬
‫ـ استغلل المناخ الملئم للعمل السياسي بالغرب‪ ،‬وتسخير السلم لخدمة‬
‫أهداف سياسية ومصلحية زائلة‪.‬‬
‫*ماذا عن الصورة اليجابية التي رسموها هناك؟!‬
‫قطعا ً هناك نماذج يفخر لصداها كل نبض مسلم عربي‪..‬‬
‫وهي السند الذي مازالت صورتنا في العالم تحاول الستناد عليه‪..‬‬
‫ولكن علينا تدعيم ذلك )السند( لكيل يحترق )الغصن( الذي سنزرع بفضله إن‬
‫شاء خالقنا‪..‬‬
‫مروجا ً إسلمية وعربية يتغنى بمرآها العالم أجمع‪..‬‬
‫إن دعمنا لشقائنا وتواصلنا معهم لشك يمهد الطرق للوصول للهدف‪.‬‬
‫***‬
‫)نحن( في مناهجهم!‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)المصـ(ـدر‪)،‬المصـ(ـداقية‪..‬‬
‫كلمتان اجتماعهما مطلب في توثيق المعلومات التي تقدم في المناهج‬
‫الدراسية أيا ً كانت الرض ولكنهما أضحيا مجرد كلمتين تربطهما بدايات‬
‫الحروف فحسب‪!.‬‬
‫أين؟!‬
‫هذا ما يتضح في بعض المناهج لدول مختلفة حول العالم‪..‬‬
‫ولنكن أكثر وضوحا ً فالسلم‪،‬المسلمين والمجتمعات العربية مادة تفتقد‬
‫للمصدر )الموثوق( في تلك المناهج‪..‬‬
‫لماذا؟!‬
‫)من جانبهم(‪:‬‬
‫تشكل كتب المستشرقين رغم إغفالها للحياد العلمي المصدر الرئيسي إن لم‬
‫يكن الرسمي في إعداد المناهج خارج نطاق العالم السلمي والعربي على‬
‫أفضل تقدير!‬
‫ً‬
‫ويمتد بنا إدوارد سعيد إلى جذور الستشراق قائل في كتابه "الستشراق"‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫) أن معرفة الغرب للسلم في هذه المرحلة كانت بغرض السيطرة عليه‬


‫وليس فهمه‪ ،‬وأن عمليه المعرفة هذه تمت بشكل منظم نسبيا تعاونت فيه‬
‫مؤسسات الفكر والمعرفة الوروبية تعاونا وثيقا مع مؤسسات الستعمار‬
‫الوروبية الرسمية بهدف مدها بالمعرفة اللزمة للسيطرة على المجتمعات‬
‫المستعمرة‪(.‬‬
‫)من جانبنا(‪:‬‬
‫أين هي المراجع السلمية التي تحاور الطرف الخر؟!‬
‫وأين المسلمين أصحاب )القلم‪،‬الفكر‪،‬التأريخ والحقيقة( ليمنحوا العالم‬
‫مصدرا ً )أصي ً‬
‫ل(‪.‬‬
‫وليضيفوا بلون التوثيق بريق الحقيقة في صورة السلم بين دفتي كتاب‪.‬‬
‫ولن نغفل عن أن المناهج العربية تحظى بنصيب السد بالقصور الشديد في‬
‫إعداد الفرد لفهم الخر‪.‬‬
‫وللحقيقة أيضا ً جانب‪:‬‬
‫إن صورة السلم في المناهج حول العالم تتفاوت بين اعتدال وبين تشويه‬
‫بين حقيقة وبين افتراء تبعا لعوامل شتى منها ضعف الجالية السلمية ومدى‬
‫قوة اللوبي الصهيوني داخلها ول شك مصالح الدولة أول ً وأخيرًا!‬
‫جولة مع )صورتنا( في المناهج الدراسية حول العالم ‪:‬‬
‫*البرازيل‪:‬‬
‫يوجد في المناهج الدراسية ما يقارب من أربع إلى خمس صفحات تقدم‬
‫معلومات خاصة عن السلم ‪.‬‬
‫يركزون فيها على قضايا المرأة وإجبارها على الزواج من قبل ولي أمرها و‬
‫تحكمه في مهرها‪.‬‬
‫حتى إن بعض الكتب تتحدث عن أن المرأة في السلم ليست بشرا!‬
‫و ل يوجد لها روح وبعضها يتحدث عن مكة وأن الذي بناها هو محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم وبعض من صناديد العرب!‬
‫وخصص كتاب الدب البرازيلي للصف السادس درسا كامل عن السلم‬
‫بعنوان " السلم اليوم" "ص ‪ "132‬ومن أهم ما قالوه عن السلم في هذا‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدرس‪:‬‬
‫"إن السلم دين مهم على الرض العربية ‪...‬وإن المسلمين ليسوا من العرب‬
‫فقط فهناك مسلمون في آسيا وأوروبا وأفريقيا ومصر وباكستان وتركيا‪.‬‬
‫والسلم الذي أسسه محمد هو الكثر انتشارا في العالم اليوم"‪.‬‬
‫وهنا تتضح الرؤية لساسيات الفهم للسلم في المناهج البرازيلية ولكن لبد‬
‫من أخطاء تيكمها المصدر الغير موثوق كما يحكمها الفهم الخاطئ لحيثيات‬
‫المعلومة وإن كانت صحيحة‪.‬‬
‫فمن أهم المسائل التي يحتج عليها الغرب –كما يقول الكتاب‪:-‬‬
‫التعصب والمعاملة السيئة للمرأة مثل‪ :‬إجبارها على الحجاب‪.‬‬
‫منعها من المشاركة مع أي نشاط مع الجانب من الرجال‪.‬‬
‫في حالة السفر يحتجن إلى الذن من الب أو الزوج‪.‬‬
‫يستعملن مداخل مخصصة لهن في البيوت‪.‬‬
‫عند المرض يجب عليهن الذهاب إلى طبيبة‪.‬‬
‫معرضات للرجم في حالة الزنا‪.‬‬
‫وهذه المعاملة التي تعامل بها المرأة – كما يقول الكتاب‪ -‬تستحق الثورة‬
‫لنها تجرح الحقوق الساسية للنسان ول نستطيع أن نقول أن هذه المعاملة‬
‫موجودة في كل البلد السلمية‪.‬‬
‫*كوريا‪:‬‬
‫تتسم المناهج الكورية باعتدال الصورة إلى حد كبير‪..‬وتعرض المناهج‬
‫الدراسية أصل السلم وكيف بدأت الدعوة السلمية على يد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم "محمد"‪.‬‬
‫وتعرض الحداث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث اختار العرب‬
‫خليفة لهم من أتباعه ويتمتع الخليفة بسلطات سياسية ودينيه قويه ومدد‬
‫واسع من النفوذ السلمي من خلل قتال غير المسلمين ومن خلل‬
‫الفتوحات السلمية ‪.‬‬
‫ولم يجبر المسلمون أي خاضع لهم )ضحية( على تغيير ديانته مادام التزم‬
‫بدفع الجزية ) الضرائب(‪.‬‬
‫بشكل عام معظم الكوريين ل يعرفون السلم على النحو الصحيح‪..‬‬
‫يعرفون أن المسلمين يؤمنون بالله وإن لم يعرفوا معنى كلمة " الله" ويعتقد‬
‫الكوريون أن "الله" إله مختلف‪ ..‬والمسيحيون منهم يعتقدون أن محمد‬
‫مؤسس دين السلم!ول يعرفون حتى كلمة"رسول الله"‪ .‬ويعتقدون أن‬
‫المسيح هو الرب وممثل الرب باعتباره في رأيهم ابن الله‪..‬‬
‫والبعض يفهم السلم على أنه‪ " :‬يد ترفع القرآن وأخرى تمسك السيف"‪(!)..‬‬
‫ألمانيا‪:‬‬
‫‪Kursbuch Religion,Neuausgabe 7/8, Verlag Moritz Diesterweg Verlag,‬‬
‫‪ Frankfurt ammain, 1991‬أحد كتب مادة التربية الدينية المقررة على الصفين‬
‫السابع والثامن في إحدى الوليات اللمانية‪..‬‬
‫يعرض السلم على أن " كل مسلم مكلف بمقاتلة أعداء السلم‪ ،‬الذين ل‬
‫ينصاعون للقرآن‪ ،‬تبعا لمبدأ الجهاد ‪ ،‬حتى تكون كلمة الله هي العليا‪ ،‬وحتى‬
‫يمكن تحقيق الهدف السياسي المتمثل في جمع المسلمين العرب في دولة‬
‫واحدة"‬
‫ومن المعلومات الساذجة اعتبار أن "أهداف الحج هي تقبيل الحجر السود‬
‫والحق في ارتداء عمامة خضراء أو حمل لقب حاج كما أن موسم الحج ينتهي‬
‫بوجبة فاخرة في مكان تدعى ) ميكا("!‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي كتاب آخر اسمه‪Lesehefie Ethik, Wertc und Normen, Philossophie :‬‬
‫‪Islam; Prof. Dr. Dr.Peter Antes und Manfred Popperl, Ernst Klett Verlag,‬‬
‫‪.Stuttgart, 1.Aufl., 1990‬‬
‫نرى الكاتب يسوق في ص ‪ 10‬حوارا في منتهى السخف بين ألماني وبين‬
‫شابة تركية عفيفة ترتدي الحجاب وتلتزم بخلق السلم‪ ،‬يحاول فيه اللماني‬
‫إقناعها بأن الحجاب دليل على التخلف‪ ،‬وقمع الرجل للمرأة‪ ،‬وأنه يحرمها من‬
‫الذهاب إلى السينما وحياة الشباب‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫والكتاب ينسب إلى طائفة الحمدية التي يعتبرها إحدى طوائف السلم‪،‬كما‬
‫يتوجب اليمان " برسل الله كلهم‪ ،‬نوح وإبراهيم‪ ،‬وموسى وعيسى وبوذا‬
‫وكريشنا ومحمد"؟!‬
‫وأخيرا نجد في كتاب‪Kursbuch Religion 7/8, Lehreband Cawer Verlag, :‬‬
‫‪.Stuttgart, Dicsterweg Verlag, Frankfurt a. M., 1999‬‬
‫وهو يختلف عن غيره‪ ،‬لنه كتاب المعلم‪ ،‬بحيث نتعرف على ما يجب على‬
‫المعلم تحقيقه في الدرس‪ ،‬لنجد تأكيد فكرة انتشرت أخيرا في ألمانيا‪ ،‬وهي‬
‫" ل وجود لسلم واحد‪ ،‬بل هناك أنماط كثيرة لهذا الدين‪ ،‬تختلف عن بعضها‬
‫البعض بشدة"‪ .‬وتحذير المعلم من تأكيد أن "إلهنا وإلهكم واحد" لن‬
‫المسلمين ل يقبلون بذلك‪ ،‬ويعتبرون هذا القول إهانة للذات اللهية؟‬
‫وزعم –الكتاب‪ -‬أن للشيخ في المسجد مكانة ل تسمح لحد أن يعترض على‬
‫تفسيره لليات القرآنية!‬
‫وأشار إلى أهميه الصلة بالقول" إن محمدا طالما شدد على ذلك بقوله‬
‫أقيموا الصلة في القرآن"‬
‫وهنا يتضح لنا الخلط إن لم يكن التجاهل بأن القرآن ليس من عند الله‬
‫)سبحانه وتعالى(!‬
‫روسيا‪:‬‬
‫كان العرض السوفيتي للتاريخ وللمسلمين قريب من الموضوعية خاصة في‬
‫تناوله للصراع الفلسطيني السرائيلي‪ ،‬ولكن حين انتهى العهد السوفيتي‬
‫أصبح العلم روسيا تحت سيطرة شبه كاملة للوبي الصهيوني ونجد هذه‬
‫الصورة جلية في المناهج الدراسية والتربوية في المدارس الروسية‪،‬‬
‫وخصوصا في كتب التاريخ‪ ،‬وبالرغم من وجود مؤرخين و مربيين حافظوا‬
‫على قدر من الموضوعية إل أن الغلبة كانت للتيار المنحاز الذي غدت كلمة‬
‫"عربي" أو "مسلم" صنوا للتخلف والتزمت وممارسة العنف والرهاب‪.‬‬
‫ويقر مكسيم براندت مؤلف كتاب " تاريخ القرون الوسطى" للصف السادس‬
‫بأهمية رسالة التوحيد ودورها في نقل العرب من حال الجاهلية ودركها إلى‬
‫حال زاهرة لحقا‪ .‬إل أن كتاب يكاترينا اغيبالوفا وغريغوري دونسكوي عن‬
‫المرحلة ذاتها يحفل بالمغالطات وإخفاء الحقائق ‪ .‬إذ أن المؤلفين يحاولن‬
‫) ص ‪ (73-72‬اعتماد مبدأ "التبسيط الفتراضي" إن صح التعبير فيقولن‪ :‬إن‬
‫السلم " يعد المؤمنين بالشبع والمرح" في الجنة ويتوعد الكفار بـ " نار‬
‫جهنم" ‪ ،‬وفي مكان آخر يزعمان " أن السلم يدعو إلى محاربة أبناء الديانات‬
‫الخرى" من دون كلمة واحدة كما ورد في القرآن عن احترام أهل الكتاب‪.‬‬
‫ويزعم الكاتبان أن أهل السنة يختلفون عن الشيعة في كونهم" يعتقدون‬
‫بوجود كتابين مقدسين هما القرآن والسنة"‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويحمل المؤلف العرب مسؤولية " السعي لتدمير دولة إسرائيل" ويرى أن‬
‫سعت‬ ‫ذلك سببا لندلع حرب ‪1948‬م التي قال ‪ :‬إن إسرائيل في أثرها " و ّ‬
‫بعض الشيء أراضيها!!" فالتلميذ سيعتقد أن الحديث يدور عن بضعة دونمات‬
‫تم "غنمها" عقابا للعرب " المعتدين" ويظل جاهل بان إسرائيل كادت‬
‫تضاعف مساحة الرض التي تحتلها‪.‬‬
‫وهكذا تتكون ملمح صورة العربي‪ :‬الثري المتخلف والجاهل البعيد عن‬
‫المدينة والطارئ على الحضارة‪ ،‬وتزداد الصورة قتامة عند مقارنتها بخصوم‬
‫العرب من المستعمرين البريطانيين والفرنسيين الذين سعوا إلى "تمدين"‬
‫المنطقة ولكنهم جوبهوا بـ" الجحود"‪.‬‬
‫الهند‪:‬‬
‫أصدرت منظمة ‪) R.S.S‬منظمة الخدمات القومية الهندوسية المتطرفة( عدة‬
‫مؤلفات منها‪:‬‬
‫"سيدات المغول"‪" ،‬تراث الحكم المسلم" و "نظم الحكم السلمي"‪ .‬وكانت‬
‫عامرة بالمغالطات!‬
‫وأضحت هذه المؤلفات مصدرا أساسيا لواضعي المناهج الدراسية للمدارس‬
‫الحكومية من قبل الوزارة أو المجلس القومي للبحث والتربية‪.‬‬
‫ومن النماذج التي تعكس صورة العرب والمسلمين في تلك الكتب ‪:‬‬
‫‪ -‬كتاب باللغة الهندية ذكر أن الرسول ‪-‬محمد صلى الله عليه وسلم‪ -‬حينما‬
‫بعث كان عمره ‪ 48‬سنة‪ ،‬والكلمات والنصائح التي كان يوجهها الرسول إلى‬
‫أتباعه سجلوها ثم جعلوها صحيفة سموها "القرآن"‬
‫‪ -‬وفي كتاب التاريخ لتعليم الثانوية‪ ،‬جاء فيه أن محمدا –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬فر من مكة إلى المدينة‬
‫خوفا‪ ،‬فجعله )فرارا( وليس هجرة‪ ،‬وتلك إهانة وخسة‪.‬‬
‫‪ -‬وورد في كتاب آخر في التاريخ لتعليم المتوسط‪ :‬أن السلطان أورنك زيب‬
‫)الذي عده الستاذ علي الطنطاوي رحمه الله خامس الخلفاء الراشدين( جاء‬
‫بأعمال معادية للهنادك‪ .‬واتهموه بأنه قطع جسم أحد البراهمة "كوكل" إربا‬
‫إربا‪ ،‬و أجبر أسرته لعتناق السلم!‬
‫وكذلك أمر بقتل زعيم السيخ "كو بند سنكه" لنه رفض أن يدخل السلم!‬
‫وأصدر أمره بأن يبلط ابناه بالجدران لعدم اعتناقهما السلم‪.‬‬
‫وبسبب هذه الساءة إلى الشعب الهندي عامة والمسلمين خاصة‪ ،‬اجتمع‬
‫المفكرون وأعضاء هيئة التدريس في المدارس والكليات والجامعات وأيدهم‬
‫رجال الدين والمحركات الثقافية والتعليمية من المسلمين والبوذيين‬
‫والمسيحيين والسيخ وغيرهم‪ ،‬وقدموا احتجاجهم الشديد وأصدروا قرارات‬
‫رفعوها إلى وزارة التعليم والحكومة‪ ،‬ولم يعودوا إل بالوعود بالتفكير!‬
‫إيطاليا‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫تقول الدكتورة كورسيللي‪ -‬والتي قضت فترة تقترب من عشرين عاما في‬
‫تدريس المناهج المقررة على الطلب اليطاليين في المدرسة اليطالية‬
‫بالقاهرة‪ -‬عن صورة الشخصية العربية‪" :‬إنها بصفة عامة تقدم بشكل سيء‪،‬‬
‫وأن النطباع العام الذي يمكن أن يخرج به الطالب من المناهج المدرسية هو‬
‫أن العربي شخص متخلف حضاريا‪ ،‬وبعيد كل البعد عن أنماط التفكير‬
‫الحديثة"‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتضيف أن المناهج الثابتة مثل التاريخ والجغرافيا‪ ،‬فهي تحتاج إلى تحديث‪،‬‬
‫فل تزال هذه الكتب تتحدث عن الصحراء وسكانها من البدو والحياة البدائية‬
‫التي يعيشونها‪ ،‬متجاهلة ما طرأ على هذه الحياة من تقدم في جميع‬
‫المجالت‪ ،‬وخصوصا في مجالت يعمل فيها اليطاليون أنفسهم‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫البترول والكيماويات‪.‬‬
‫وتقول‪ :‬يمكن أن نلحظ تقدما في المعالجة الغربية للمجتمع العربي‪ ،‬فمن‬
‫قبل كان ينظر إليه من المنظور القتصادي فقط‪ ،‬باعتباره رجل بترول ثريا‬
‫ماليا متخلفا فكريا وحضاريا‪ ،‬أما الن فهناك اتجاه لفهم التكوين الثقافي‬
‫العربي ولدراسة اللغة العربية‪ ،‬وهناك أقسام للغة العربية في الجامعات‬
‫الوروبية حاليا‪ ،‬كما أن هناك جماعات من منظمات ومدارس وكليات تأتي‬
‫لدراسة اللغة العربية في البلد العربية‪ .‬وكل هذا يصب في محاولة فهم‬
‫العرب على نحو أفضل‪ .‬ويمكن القول إن الثقافة أصبحت قبل القتصاد‬
‫كمنظور للرؤية الوروبية للعرب حاليا‪.‬‬
‫أسبانيا‪:‬‬
‫في مناهج التعليم الساسي القديم في أسبانيا‪ ،‬كان يعرف السلم بما يلي‪:‬‬
‫"هو الدين الذي ابتدعه محمد‪ ،‬يسمح بتعدد الزواج ويأمر بقتل غير‬
‫المسلمين‪ ،‬ويحرم الخمر والخنزير‪ ،‬لن محمدا كان ثمل ذات يوم فعضه‬
‫الخنزير‪ ،‬ولما استفاق حرم الخمر والخنزير معا"‬
‫من أكثر المثلة بشاعة حينها ما ورد في قاموس ‪Tcsoro de la Lengua‬‬
‫‪Castellana‬‬
‫يعرف القرآن بما يلي‪" :‬هو ذاك الكتاب اللعين المليء بالسخافات الذي ألفه‬
‫محمد بمساعدة الريسي الكافر يحيى النطاكي وعالم الرياضيات اليهودي‬
‫أشكول! وهذا ما يجمع عليه المؤرخون الذين تناولوا حياة ذاك الشرير‬
‫الفاسد المسمى )محمد("‪.‬‬
‫وحدث التغير والتصحيح الذي لم يصل بعد لبقية مناهج العالم‪..‬‬
‫حيث كانت المناهج المدرسية القديمة تذكر أن القرآن ‪":‬ل ُ يعرف على وجه‬
‫الدقة إن كان محمد مؤلفه أو ناقله"‪،‬وأن "النسخة المعتمدة هي من عمل‬
‫سكرتيره زيد بن ثابت"‪.‬‬
‫أما الن فإن المناهج الحديثة تتحدث عن القرآن الكريم بموضوعية من حيث‬
‫إنه كتاب المسلمين المقدس‪ ،‬وعن بدء الوحي‪ ،‬وجمع القرآن‪ ،‬وتقسيم‬
‫نزوله‪....‬‬
‫لم تعد الوصاف القذعية ترى في كتب المناهج الدراسية عن محمد –صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬مثل‪" :‬المجنون‪ ،‬الذي ظن أنه تلقى وحيا من السماء‪،‬‬
‫والذي ألف القرآن" بل حلت محلها أوصاف جديدة مثل‪" :‬الداعي إلى المثل‬
‫الخلقية‪ ،‬الذي أوجد مدرسة متوافقة مع العقلية العربية"‪.‬‬
‫‪ -‬أما بالنسبة للجهاد‪ ،‬فقد قيل‪" :‬الحرب المقدسة هي أهم ما يأمر به الدين‬
‫المحمدي"‪ ،‬فما زال التعريف للجهاد هو المر الوحيد الذي لم ينله تطوير‬
‫المناهج الدراسية السبانية‪ ،‬وسبب ذلك هو أن العقلية الغربية تفرق بين‬
‫الدين والدولة‪ ،‬فالدولة من حقها شن الحروب‪ ،‬أما الدين فل‪.‬‬
‫فرنسا‪:‬‬
‫ل تفرق نصوص الكتب المدرسية في كتب القراءة الفرنسية في المرحلة‬
‫البتدائية بين مفردتي‪" :‬البدو" و"العرب" وتستخدمها بغير تمييز للدللة على‬
‫الشخصيات نفسها‪ .‬وتتسم شخصيات "العرب"أو"البدو" في القصص بطابع‬
‫الدونية إذا كانوا تابعين‪ ،‬أو بطابع عدائي إذا نجحوا في الهرب من نطاق نفوذ‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشخصيات الفرنسية‪ .‬ويبدو نقص الشخصيات العربية أو البدوية خلقيا‬


‫وعقليا واقتصاديا ومهنيا حينما يتم مقارنتهم بصفات أو أدوار لشخصيات‬
‫فرنسية في هذه القصص أو الكتب‪.‬‬
‫إن الصورة التي يمكن استخلصها للعرب من تحليل كتب القراءة للمرحلة‬
‫البتدائية تولد لدى التلميذ صورة مزيفة عن الخرين وعن أنفسهم‪ ،‬فهي‬
‫توحي للتلميذ الفرنسيين اقتباسا من الماضي بإحساس التفوق الطبيعي‪ ،‬كما‬
‫توحي للتلميذ من ذوي الصل العربي بإحساس سلبي ناشئ عن تحقير‬
‫شأنهم وتشويه صورتهم‪.‬‬
‫وتصف كتب التاريخ الفرنسية أداء أوائل البطال الوطنيين الفرنسيين‬
‫بالدفاعي البطولي المنتصر‪ ،‬بينما تميز العرب بمجموعة من الفعال المعبرة‬
‫عن التوسع أو العدوان‪.‬‬
‫أما كتب التاريخ الفرنسية للمرحلة الثانوية‪ ،‬فتتفق على تقديم مضمون‬
‫الوحي السلمي والمبادئ الساسية للسلم‪ ،‬وتخصص لها مكانا مهما‪ ،‬ولكن‬
‫ل يذهب أي كتاب إلى أبعد من هذا التقديم الشكلي للدين السلمي‬
‫ويجدر الشارة إلى أن الكتب المدرسية للجمهورية الفرنسية الثالثة )‪-1870‬‬
‫‪ 1914‬م( كانت تصف السلم بأنه "دين مسخ ابتكره محمد الذي ادعى أنه‬
‫نبي"‪ ,‬لكن الكتب المدرسية الحالية تبدي احتراما أكبر للسلم وتقدمه على‬
‫اعتبار أنه دين توحيدي عالمي‪.‬‬
‫أمريكا‪:‬‬
‫رصدت اللجنة العربية لمكافحة التمييز )‪ (ADC‬مجموعة من الصور النمطية‬
‫السلبية الموجودة داخل مناهج التعليم المريكية عن المسلمين والعرب‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وقد قسمت اللجنة صور المسلمين والعرب النمطية السلبية إلى سبع‬
‫مجموعات رئيسة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬أول‪ :‬الصور النمطية العامة‪ ،‬وتصف هذه المجموعة العرب جميعا بأنهم‬
‫"راكبو جمال"‪" ،‬يضعون نشافات على رؤوسهم"‪" ،‬عبيد الرمال"‪" ،‬كل‬
‫العرب مسلمون وكل المسلمين عرب"‪" ،‬القبيلة"‪" ،‬البدو"‪" ،‬الواحة"‪،‬‬
‫"الجمال"‪" ،‬الصحراء"‪" ،‬الحريم"‪" ،‬الشيخ"‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا‪ :‬صور نمطية عن العالم العربي‪ ،‬وتصور هذه المجموعة العالم العربي‬
‫على أنه "ساحة تنافس يعيش فيها البطال الغربيون مغامراتهم العاطفية"‪،‬‬
‫"ألف ليلة وليلة"‪" ،‬الجن"‪" ،‬البساط السحري"‪" ،‬الميرات"‪" ،‬وزير شرير‬
‫ظالم"‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثا‪ :‬صورة نمطية عن المسلمين‪ ،‬وتصور هذه المجموعة المسلمين على‬
‫أنهم "سفاحون"‪" ،‬إرهابيون"‪" ،‬محاربون"‪" ،‬مضطهدون للمرأة"‪" ،‬الجهاد"‪،‬‬
‫"الحرب المقدسة"‪.‬‬
‫‪ -‬رابعا‪ :‬صور نمطية عن الفلسطينيين‪ ،‬وتصور هذه المجموعة الفلسطينيين‬
‫على أنهم "يحاولون تدمير إسرائيل وإغراقها في البحر"‪" ،‬مفجرو طائرات"‪،‬‬
‫"إرهابيون"‪.‬‬
‫‪ -‬خامسا‪ :‬صورة العرب الصالحين‪ ،‬وهؤلء ينظر إليهم على أنهم "شخصيات‬
‫ثانوية دونية"‪" ،‬سلبيون"‪" ،‬قلما يكونون أبطال"‪.‬‬
‫‪ -‬سادسا‪ :‬صورة الرجل العربي‪ ،‬وينظر له على أنه "شيخ بترول"‪" ،‬ثري‬
‫جدا"‪" ،‬مسرف"‪" ،‬يريد شراء أمريكا بماله"‪" ،‬طماعون"‪" ،‬غير متعلمين"‪،‬‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"غير أمناء"‪" ،‬ديكتاتور"‪" ،‬فاسد"‪" ،‬عنيف"‪" ،‬بربري"‪" ،‬يكره اليهود‬


‫والمريكيين"‪" ،‬غير عقلني"‪" ،‬عصبي المزاج"‪" ،‬يخطف النساء والشقراوات‬
‫الغربيات"!‪.‬‬
‫‪ -‬سابعا‪ :‬صورة المرأة العربية‪ ،‬وينظر لها على أنها "مضطهدة من الرجال‬
‫العرب والمسلمين"‪" ،‬حريم مترفات"‪" ،‬راقصات عاريات"‪" ،‬سيدات جميلت‬
‫يقعن في حب الرجل الغربي الذي ينقذهن من شر الرجل العربي"!‪،‬‬
‫"أسيرات منازل"‪" ،‬سلبيات"‪" ،‬غير متعلمات"‪" ،‬بل وجوه ول شخصيات ول‬
‫أصوات"!‪.‬‬
‫ولكن تناول هذه الصورة النمطية ل يكفي وحده لتقديم صورة منصفة عن‬
‫الجهود التي تبذلها المنظمات المريكية المختلفة‪ ،‬الخاصة منها والحكومية‬
‫لمكافحة تحيز المناهج التعليمية المريكية ضد أبناء الجماعات العرقية‬
‫والدينية المختلفة بما في ذلك المسلمون والعرب‪ .‬فمن الواضح أن في‬
‫الوليات المتحدة حركة كبيرة وناجحة لمكافحة التمييز ونشر التعددية‬
‫الثقافية‪.‬‬
‫وقد اكتسبت هذه الحركة زخما جديدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر‬
‫خصوصا فيما يتعلق بتعاملها مع قضايا التحيز ضد المسلمين والعرب في‬
‫مناهج التعليم المريكية‪ .‬ويمكن رصد هذا الزخم على مستويين أساسيين‪،‬‬
‫أولهما‪ :‬اهتمام بعض أكبر المنظمات التعليمية المريكية بتطوير أبحاث‬
‫ومناهج وبرامج دراسية تعالج مشكلة التحيز ضد المسلمين والعرب في‬
‫المناهج التعليمية المريكية بعد أحداث سبتمبر ‪ 2001‬م‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬اهتمام المؤسسات التعليمية المريكية المختلفة على شتى‬
‫المستويات اهتماما كبيرا بدراسة أحداث الحادي عشر من سبتمبر من حيث‬
‫أسبابها وأبعادها وآثارها‪ ،‬إلى الحد الذي دفع جامعة مثل جامعة كاليفورنيا في‬
‫لوس أنجلوس ))‪ UCLA‬إلى وضع ‪ 49‬مادة بحثية متعلقة بهجمات سبتمبر‪،‬‬
‫المر الذي أدى إلى زيادة اهتمام هذه المؤسسات بتدريس المواد التعليمية‬
‫التي تتناول المسلمين والعرب والسلم والعالم السلمي‪.‬‬
‫تقول الباحثة مارفين وينجفيلد والباحث بشرى كارمان في دراسة لهما‬
‫بعنوان "المعلمون المريكيون والصور النمطية عن العرب"‪:‬‬
‫يتعلم الطلب المسلمون والعرب في المدارس المريكية العديد من الفكار‬
‫اليجابية عن تاريخ وثقافة جماعات أخرى عديدة‪ ،‬ولكنهم يفتقدون هذه‬
‫الخبرة التعليمية اليجابية عند الحديث عن الحضارتين العربية والمسلمة‪.‬‬
‫وقد وجه إدوارد سعيد نقدا واسعا للمؤسسات الكاديمية الميركية فيما يتعلق‬
‫بأسلوب دراستها للسلم في كتابه "تغطية السلم‪ ..‬كيف يحدد العلم‬
‫والخبراء رؤيتنا لبقية العالم؟" الصادر عام ‪ ،1997‬إذ يقول إن برامج دراسات‬
‫السلم بالجامعات الميركية تحددها في الغالب "الضغوط المعاصرة الملحة"‬
‫المسيطرة على العلقة بين الوليات المتحدة والعالم السلمي‪ ،‬كما يهيمن‬
‫عليها عدد من الفكار العامة المنعزلة عن الواقع وعما يدور في العلوم‬
‫الجتماعية الميركية الخرى‪.‬‬
‫ويرى سعيد أن الوضاع السابقة جعلت من "المقبول أن يقال عن السلم‬
‫)بالجامعات الميركية( ما ل يقبل قوله عن اليهودية أو عن السيويين أو عن‬
‫الفارقة‪ ،‬وجعلت من الممكن أن تكتب دراسات )أميركية( عن التاريخ‬
‫والمجتمعات السلمية تتجاهل جميع المبادرات الكبرى في نظريات التفسير‬
‫الجتماعي"‪.‬‬
‫اسرائيل‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قبل أن نقوم بتقديم بعض من الكتب المقررة‪،‬أردنا أن نورد بعضا مما جاء‬
‫في كتاب )المرتكزات والقيم التربوية الصهيونية(‪:‬‬
‫‪ -‬اعتبار فلسطين والهضبة السورية )الجولن( أرضا يهودية‪ ،‬والقطار العربية‬
‫المحيطة بها دول أجنبية‪ ،‬ل علقة لها بفلسطين قوميا‪ ،‬وعقائديا‪ ،‬وتاريخيا‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪ -‬اعتبار العرب ‪-‬أصحاب الرض الشرعيين‪ -‬محتلين في قلب وطنهم‬


‫فلسطين‪ ،‬واعتبار الفتح السلمي احتلل‪ ،‬وغزوا تاريخيا للرض التي تعتبر في‬
‫نظر اليهود ملكا لهم‪.‬‬
‫‪ -‬تعمد إغفال التاريخ العربي‪ ،‬والعربي السلمي في فلسطين في مختلف‬
‫العصور‪.‬‬
‫‪ -‬الدعاء المتواصل بوجود أرض وممتلكات لليهود خارج حدود فلسطين‪ ،‬في‬
‫حوران وجنوب الجولن وفي الردن‪.‬‬
‫‪ -‬تحميل العالم بأسره مسؤولية ما جرى لليهود دون تمييز‪.‬‬
‫‪ -‬اعتبار سائر المعابد والكنائس والمساجد أماكن أثرية يهودية‪ ،‬بنى‬
‫المسلمون والمسيحيون دور عبادتهم ومؤسساتهم على أنقاضها‪ ،‬زاعمين أن‬
‫الحرم المقدس الشريف أقيم على أنقاض هيكل سليمان‪.‬‬
‫وفي إطار هذه المرتكزات‪ ،‬والهداف التي وضعها المؤلف –بتكليف من‬
‫وزارة المعارف والثقافة السرائيلية‪ -‬قام عدد من المؤلفين السرائيليين‬
‫بوضع الكتب الدراسية لمختلف المراحل‪ .‬نورد بعضا منها‪ ،‬ومما جاء فيها‪:‬‬
‫كتاب‪ :‬هذا موطني‪ ،‬تأليف‪ /‬ش‪ .‬شكيد‪:‬‬
‫كل ما مر بالقدس ليس سوى غزوات عابرة حتى سعدت بعودتنا لتصبح‬
‫عاصمة إسرائيل مرة أخرى‪.‬‬
‫شرق الردن جزء من أرض إسرائيل‪.‬‬
‫عن طريق استخدام القوة‪ ،‬يتعلم العرب بسرعة كيف يحترمون الحارس‬
‫اليهودي‪.‬‬
‫وأيضا كتاب‪ :‬وقائع شعب إسرائيل من ظهور السلم حتى استقلل الوليات‬
‫المتحدة‪ ،‬تأليف‪ /‬ب‪.‬أحياه ‪ -‬و‪ -‬م‪.‬هرفاز‪:‬‬
‫وهذا الكتاب مقرر للصف السابع ابتدائي‪ .‬ويبرز فيه الحقد على السلم‪،‬‬
‫وتزوير التاريخ العربي‪ ،‬وتنتشر فيه المغالطات الصارخة‪.‬‬
‫مثل‪:‬‬
‫اعتبار السلم دين المحاربين‪ ،‬والزعم بأن اليهود قد أثروا في العرب‪ ،‬وأن‬
‫اليمان الذي جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم‪ -‬إنما كان استلهاما من‬
‫اليهود‪ .‬ويزعمون أن الرسول حاول اجتذاب اليهود إليه‪ ،‬فأمر أتباعه أن‬
‫يتوجهوا في صلتهم إلى القدس‪ ،‬وأن يصوموا يوم الغفران‪ ،‬وأن اليهود قابلوا‬
‫ذلك بالسخرية‪ ،‬وعندما أدرك أنهم بعيدون عنه‪ ،‬غير موقفه تجاههم‪ ،‬وأخذ‬
‫يقسو عليهم‪ ،‬وألغى صوم يوم الغفران‪ ،‬وعين صوما آخر يستمر شهرا يدعى‬
‫رمضان‪ ،‬كما غير القبلة من القدس إلى مكة‪!!!.‬‬
‫وكتاب‪ :‬علم التربية المدنية‪ ،‬تأليف‪ /‬شالوم أبخر‪ ،‬لطلب المدارس الثانوية‪.‬‬
‫والذي ورد فيه الكثير من الفتراءات على العرب‪ ،‬بهدف ترسيخ العداوة‬
‫والحقد في نفوس الطلب اليهود‪ .‬ومن ذلك‪:‬‬
‫العرب يعدون لحرب إبادة ضد إسرائيل بحيث يقذفون بالسكان اليهود في‬
‫البحر‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أغراض العرب الظاهرة والمعلن عنها ليس فقط احتلل المنطقة السرائيلية‪،‬‬
‫بل أيضا البادة الشاملة للستيطان اليهودي‪ ،‬لذلك فإن القتل الجماعي‬
‫)المحتمل( الذي تتعرض له إسرائيل ل مثيل له في أي مكان آخر في العالم‪.‬‬
‫كما تدخل قصص الطفال للطلبة اليهود ضمن الحرب النفسية التي تقوم بها‬
‫السلطات الصهيونية لتقوية نفوس أبنائها‪ ،‬وتعزيز موقفها وغرس روح العداء‬
‫والتفوق والستعلء في نفوس الطفال‪.‬‬
‫لذا فقد عمدت السلطات السرائيلية إلى إصدار سلسل من القصص‬
‫لتحقيق غايتها‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬سلسلة قصص "داني دين"‪ .‬وهو شخصية أسطورية‪ ،‬خارقة‪ ،‬متفوقة‬
‫قادرة على هزيمة العرب مهما كانت قدرتهم العسكرية‪.‬‬
‫وقد سأل البروفيسور )اديركوهين –أستاذ آداب الطفال بجامعة تل أبيب(‬
‫بعض الطفال السرائيليين عن نوايا العرب تجاههم‪ ،‬فجاءت غالبية العبارات‬
‫كالتالي "العرب يريدون قتلنا واحتلل مدننا وإلقاءنا في البحر" وهي العبارات‬
‫التي انعكست وظيفيا في سلوك الطفال السرائيليين في تعبيرهم عن‬
‫الرغبة في التخلص من وجود العرب في فلسطين باعتباره وجودا لجانب‬
‫خطيرين يجب التخلص منهم‪ ،‬أول إثباتا للحق اليهودي في الرض‪ ،‬وثانيا‬
‫لتجنب الخطر العربي‪.‬‬
‫صورة المسلمين والعرب في العالم ‪2/2‬‬
‫إعداد‪ :‬خلود العيدان * منيرة الدهش ‪11/3/1426‬‬
‫‪20/04/2005‬‬
‫)نحن( في إعلمهم حقيقة‪،،‬أم‪،،‬خدعة!‬
‫)العلم(‪..‬‬
‫القوة العظمى في هذا العصر‪..‬‬
‫هي العصا )الغير سحرية( التي تصل النقطة العليا بالسفلى من الكرة‬
‫الرضية‪..‬‬
‫وهي التي تدير دفة الحوار دون طاولة مستديرة‪..‬‬
‫هي حرب و سلم ‪ ..‬حقيقة وخدعة ‪..‬‬
‫هي فرصة العض عليها )واجب( لنها لغة الزمن الذي نعيشه‪..‬‬
‫الصورة بل ألوان بل خلفية لبد ناقصة‪.‬‬
‫أضحى قتل المعلمين والكّتاب والصحفيين والفنانين أفعال ً إسلمية تكتسب‬
‫شرعيتها من هذا الدين وتعبر عن الكراهية للقيم الغربية!‪..‬‬
‫هذا بالضبط ما يتصوره بعض محرروا الصحف العالمية‪..‬‬
‫وحينما يصف الصحفي الكتابة‪،‬البداع‪،‬التعليم أوالفن في المجتمعات‬
‫السلمية فهو يصورها قيما ً غربية‬
‫تنتمي للنظام الغربي الذي يحاربه السلميون‪..‬ول يمكن اعتبارها جزًء من‬
‫الثقافة المحلية أو نظام القيم المحلي‪..‬‬
‫كما يمكن ملحظة أن السلم من خلل تغطية أخباره في العلم العالمي قد‬
‫م تحويله إلى )نظام من الرموز( ‪ Signs‬تتكرر بشكل مستمر من أشخاص‬ ‫ت ّ‬
‫ذوي لحى طويلة وكّثة ونساء محجبات وأيد ٍ مرفوعة غالًبا تمسك بشعارات‬
‫الجهاد أو الشهادة أو الموت للشيطان وجماهير متعصبة جامحة‪.‬‬
‫مؤامرة العربي على نفسه‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقيقة ترصدها الستاذة غادة الخضير الكاتبة والمحاضرة في قسم علم‬


‫النفس بجامعة الملك سعود في قولها‪:‬‬
‫)إن انشغال العلم العربي بقضايا "المؤامرة الغربية" وتركيزهم عليها في‬
‫حين أن المؤامرة الحقيقية إن وجدت فهي مؤامرة العربي على نفسه بعدم‬
‫دفاعه عن ذلك التشويه الذي يتعرض له ويخطط لتحسين صورته في العلم‬
‫الغربي(‪.‬‬
‫كما أضافت‪:‬‬
‫)إن العلم الغربي من وجهة نظري إعلم مفصول عن شعبه أي ليس‬
‫بالضرورة أن ما ينقل يعبر عن الشارع الغربي والذي هو بدوره جاهل بالخر‬
‫العربي إل في ضوء الوجبة العلمية التي تقدم له ؛ خاصة وانه قد نصل في‬
‫تفكيرنا إلى أن الهجمة ضد العرب هي هجمة اتحادية بين وسائل العلم‬
‫الغربي والشارع الغربي وهذا في رائي غير صحيح إذ أن العقل الغربي‬
‫يستجيب للخدعة العلمية شأنه شأن غيره من العقول مما يجعله يستقبل‬
‫الصورة المرئية أو المسموعة أو المقروءة عن العرب وفقا للطريقة التي‬
‫تقدم بها أي أن الغرب مخدوع بأعلمه اكثر من انخداع العرب بتلك الصورة‬
‫المتكاملة عن الشارع الغربي ووسائل إعلمه(‪.‬‬
‫‪ -‬نحن في عناوينهم‪:‬‬
‫الصحافة العالمية وإن أخذنا الصحافة البريطانية على وجه التمثيل ل‬
‫التخصيص‪..‬‬
‫ساهمت في بناء صلة وثيقة بين كل ماهو )إسلمي( وبين )أفكار(و)أفعال(‬
‫العنف والرهاب واحتقار حياة النسان وحقوقه ولسيما المرأة والقليات‪..‬‬
‫ونظرة سريعة لعناوين بعض الصحف البريطانية كفيلة يتوضيح مدى ترسيخ‬
‫هذه الصلة في ذهن القارئ‪..‬‬
‫"المسلمون البريطانيون يرسلون إلى معسكرات تدريب إسلمية"‪.‬‬
‫"إيطاليا تشدد من إجراءات المن بعد تحذير بعمل إرهابي إسلمي"‪.‬‬
‫"كلينتون يرأس قمة ضد الرهاب السلمي"‪.‬‬
‫"فرنسا تخشى من عملية إرهابية إسلمية طويلة"‪.‬‬
‫"متعصبون إسلميون يقتلون بريطانّيا في إطار حملة إرهابية"‪.‬‬
‫"المسلمون المتطرفون يتحدون الرؤية الوروبية العلمانية للدولة"‪.‬‬
‫جدلية الموضوعية والتحيز و )تأطير السلم(‪:‬‬
‫هل العلم الغربي موضوعي في تصويره للسلم!‬
‫إن الصحافة في الغرب غالًبا متهمة بتقديم صور ذهنية متحيزة عن السلم‬
‫والمجتمعات السلمية‪..‬‬
‫وغالبا ً من يرفع أيادي التظلم ويقف مستنكرا هو المسلم ذاته‪..‬‬
‫ً‬
‫ولكن البعض يرفعها )تمتة( بينه وبين ذاته ول يشرع في العمل لتصويب‬
‫الصورة!‬
‫إن الصورة والحرف التي تعتمد عليها الصحافة الغربية بإمكانها تقريب‬
‫العدسة تصغيرها‪،‬تعظيمها‪،‬وحتى التحكم بألوانها‪..‬‬
‫ما نسبية وترتبط بنظام مفاهيمي معين وقيم ثقافية‪،‬‬ ‫لذلك فالموضوعية دائ ً‬
‫ضا ل‬
‫دا‪ ،‬فإن فكرة الموضوعية أي ً‬ ‫ً‬
‫غير أنه مثلما تثير فكرة التحيز جدل شدي ً‬
‫تخلو من بعض المشكلت‪ ،‬حيث ل يستطيع أحد من العاملين بأجهزة العلم‬
‫الغربية ادعاء الموضعية فيما يكتب عن السلم؛ لن الموضوعية‪ -‬كما أوضح‬
‫كثير من الدارسين‪ -‬تنتفي حينما يكون هناك صراع أو خلف بين النظم‬
‫والمفاهيم والقيم الثقافية السائدة في مجتمعين مختلفين‪ .‬الموضوعية إذن‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفق ذلك المنظور تصبح "فعل سياسيا" لممارسة السلطة على الخرين‪.‬‬
‫وإذا كانت الموضوعية برأيهم مثار خلف فماذا عن التأطير!‬
‫ً‬
‫إن الطار الذي يحمل السلم والمسلمين بداخله يكاد يكون جامدا بل هو‬
‫كذلك‪..‬‬
‫ل يحمل مرونة لتوضيح أن ذاك جانب وحتى هذا الجانب يملك مسببات‬
‫وتبعات ل يظهرها الطار‪!.‬‬
‫*يفهموننا من خللهم‪..‬‬
‫إن بدايات الظهور السلمي في العلم الغربي كان مركًبا أساسّيا في البناء‬
‫المفاهيمي للصورة النمطية للسلم في أجهزة العلم البريطانية‪ ،‬حيث تم‬
‫تصوير المسلمين وكأنهم يمثلون كل ما هو معاكس للغرب‪ ،‬وبالفعل فإن‬
‫بعض الكتابات الغربية – وحتى السلمية في بعض الحيان ‪ -‬أدت إلى التركيز‬
‫المطلق على أبنية مفاهيمية وقيم ثقافية لكل من الجانبين حينما تبنت النسق‬
‫الغربي على أنه الطار المفاهيمي الوحيد الذي يمكن من خلله فهم الوجود‬
‫السلمي والخبار عنه‪.‬‬
‫إذا ً أضحى العلم الغربي هو المصدر العلمي لفهم السلم‪..‬‬
‫وهذا ما أوضحه )نوبوأكي نوتوهارا( في كتابه )العرب وجهة نظر يابانية( حيث‬
‫قال‪:‬‬
‫)نحن فهمنا بالتدريج‪،‬الن أصبحت المور واضحة‪،‬في البداية كررنا ماقاله‬
‫الستشراق الغربي لم يكن عندنا مصدر آخر للمعلومات‪.‬أحسسنا أنهم ل‬
‫يقولون الحقيقة أحيانًا‪.‬والقضية الفلسطينية مثال ممتاز على ذلك‪،‬لقد فهمنا‬
‫متأخرين هذا صحيح ولكننا فهمنا‪.‬‬
‫حتى الصحافة عندنا كانت تقدم القضية الفلسطينية لليابانيين نقل ً عن العلم‬
‫المريكي والوروبي أما الن تغيرت الصورة الصحفيون أنفسهم فهموا أن‬
‫ذلك العلم ليقول الحقيقة ‪ .. ..‬لقد فهمنا أن علينا أن نستقبل الكتابات‬
‫الغربية بحذر وتدقيق وحيطة‪.‬يوجد صحفي ياباني معروف درس في إسرائيل‬
‫وعاد مؤيدا ً للقضية الفلسطينية لنه رأى بنفسه التناقض بين ما تقوله وسائل‬
‫العلم السرائيلي وبين الواقع‪.‬انتهى(‬
‫و العلم الغربي بذلك قدم الرضية التي تم فوقها بناء صورة للسلم‬
‫أصبحت في حكم التقديس‬
‫أو موثوقا ً بصحتها على حد قول )إدوارد سعيد(‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ول بد من العتراف بحقيقة أن الغرب قد احتل بالفعل مكانة سائدة في‬


‫)الخطاب السلمي( غير أن بعض التقارير الصحافية الغربية ‪ -‬بل وبعض‬
‫الكتابات السلمية ‪ -‬قدمت تصويًرا للوجود السلمي فقط من خلل علقته‬
‫بالغرب والهيمنة الغربية وكأنه مضاد للقيم الثقافية الغربية!‬
‫ما من حسابات هؤلء الك ُّتاب أن فهم ودراسة المجتمعات‬ ‫وقد أسقط تما ً‬
‫السلمية ل بد وأن يتم في إطار منظومة من العلقات وليس عنصر واحد‬
‫مهما كانت قوته!‬
‫* الغرب والل غرب‪)..‬ثنائية السلم والغرب(‪:‬‬
‫إن الخطاب العلمي حول السلميين كان يجنح لستخدام ثنائيات السلم‬
‫والغرب‪.‬‬
‫ويصور هاتين الفئتين على أنهما نقيضين!وكأن العالم تم تقسيمه إلى غرب‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و)ل( غرب‪.‬‬
‫وفي حال أن الـ)ـل( مضافة لعالمنا السلمي فلبد أن )الصل( مجرد من‬
‫الل‪!.‬‬
‫ضا بين الحداثة التي يمثل الغرب خلصتها‬ ‫ً‬ ‫تناق‬ ‫هناك‬ ‫أن‬ ‫نجد‬ ‫وبالتالي‬
‫بالحضارة والديمقراطية والعقلنية والحرية‪ ،‬وبين اللحداثة التي تمثل‬
‫البربرية واللعقلنية والعبودية‪.‬‬
‫*الراء تعبر عن كاتبها أم ماذا؟!‬
‫ً‬
‫رأي الكاتب واتجاه القلم حق شرعي أيا كانت الديانة‪.‬‬
‫وفي المقابل فإن هذا الحق يحفظ للكاتب رأيه كما يحفظ للقضية حق‬
‫المناعة ضد التحيز والمغالة‪.‬‬
‫وهنا نأتي لـ اللب الذي لم نمنح فيه حتى حق القشور!‬
‫فالتقارير الصحافية التي تتناول السلم والمسلمين ل تقدم على أنها تقارير‬
‫تحوي وجهات نظر سياسية تمثل كاتب المقال أو أنها قد تحوي ‪ -‬أحياًنا في‬
‫طياتها ‪ -‬آراء متحيزة‪ ،‬إل أنها تقدم وكأنها الحقيقة بذاتها ل تشوبها شائبة أو‬
‫جهل بحقيقتها أو حتى عدم إلمام بحيثيات المجتمع السلمي‪.‬‬
‫وهنا ليس الدفاع منبرنا بل مطالبة فقط بمنبر منصف أيا ً كانت أخطاء‬
‫الخطباء‪.‬‬
‫أيا ً كان الكاتب فرد أم جهة فرأيه نظرة ل قاعدة معممة‪..‬‬
‫وهنا يشير دوغلس ليتل في كتاب "الستشراق الميركي‪ ..‬أميركا والشرق‬
‫الوسط منذ ‪ "1945‬عن دور العلم الميركي في دعم رؤية أميركا‬
‫الستشراقية تجاه السلم والمسلمين‪.‬فيقول‪ :‬أن من أبرز وجوه هذا الدعم‬
‫حرص وسائل العلم الميركي –كمجلة ناشيونال جيوغرافيك الميركية‬
‫العريقة‪ -‬على تصوير مظاهر التقدم والزدهار في إسرائيل وما تتمتع به من‬
‫طرق سريعة واسعة ومنشآت حديثة تشبه نظيرتها الميركية‪ ،‬وفتيات‬
‫صغيرات يزرعن الزهور في حدائق منازلهن‪ ،‬في الوقت الذي تم فيه التأكيد‬
‫في صور العرب على سباقات الخيول وحياة الصحراء والطرق الفقيرة‬
‫والمباني المتهدمة والعجائز الفقراء المستضعفين أو المسلحين المتهورين‪.‬‬
‫كما يقول يوسف معمري من المجلس السلمي لمارسيليا )بفرنسا(‪:‬‬
‫أن التلفزيون والصحف الفرنسية غالبا ما تنقل رؤية من جانب واحد ول‬
‫تعطي للسياسيين وزعماء الدين المسلمين مساحة كافية للعراب عن‬
‫رأيهم‪.‬‬
‫*الفصل بين الخبر والنطاق الجتماعي!‬
‫أصبح أحد معالم التغطية الخبارية العالمية هو الجنوح لتحقيق الفصل بين‬
‫الحقائق الخبارية والنطاق الجتماعي والسياسي والقتصادي الذي وقعت‬
‫فيه‪ ،‬والذي أدى لظهورها بالساس والذي ل يمكن فهم تلك الظواهر فهما‬
‫حا إل من خلله‪.‬‬ ‫صحي ً‬
‫حيث يحتوي التقرير الخباري على أخبار غير متوازنة‪ :‬فبينما يشير إلى‬
‫حوادث عنف ل يتحدث عن السباب التي أدت لوقوع تلك الحوادث‪ .‬وهذا‬
‫الجراء من شأنه أن يقدم خطاًبا إعلمّيا خارج سياقه التاريخي حينما ينظر‬
‫إلى تلك الهجمات وهذا العنف على أنه جزء من الموروث السلمي ل يحتاج‬
‫إلى تفسير أو أن يوضع في نسقه التاريخي والسياسي الذي أدى لظهوره‪،‬‬
‫وبالتالي يصبح كون هذا العنف أو تلك الهجمات أو احتقار المرأة وحق الحياة‬
‫إسلمّيا أمًرا بديهّيا‪ .‬العنف إذن – كما تبرزه الصحف العالمية ‪ -‬يرتكب لن‬
‫هذه الجماعات مسلمة تعتنق السلم‪ ،‬وبالتالي يتم الخبار عن العنف وكأنه‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أمر محتم لتحقيق النظام السلمي‪.‬‬


‫)إشكالية المصدر إلى متى(‪:‬‬
‫في أعينهم‪ :‬المرأة و )الحياء( السلمي الذي توفاها!‬
‫هناك ميل واضح نحو تقديم تساؤلت حول نواحي معينة في السلم ‪ -‬ول‬
‫سيما فيما يتعلق بالمرأة – وهذه التساؤلت كانت ومازالت سائدة في كثير‬
‫من التقارير الخبارية والمقابلت‪..‬‬
‫وهذا مانريده‪..‬نريد الفهم العمق للسلم بأبنائه ومجتمعاته ولكن يكمن لب‬
‫المشكلة في )المصدر(‪..‬‬
‫الذي لطالما كان حائل ً دون الحقيقة‪.‬‬
‫وهذا ما يتجلى في إحدى التقارير التي تناولت موضوع وضع المرأة في مصر‬
‫في ظل ما أسمته المحررة بـ الصعود المتنامي للمد السلمي‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫تبدأ الجملة الفتتاحية بالمقال على هيئة اقتباسه على لسان إحدى ناشطات‬
‫حقوق النسان في مصر والتي عرفت في المقال على أنها )قبطية(‪ ،‬وتقول‬
‫بأنها "تألمت بشدة لما آل إليه حال النساء في مصر؛ فبينما كانت نساء مصر‬
‫في وقت من الوقات رائدات الحركة النسائية في العالم العربي أصبحن‬
‫متخلفات بفضل موجات )الحياء السلمي("‪ .‬وتنتهي القتباسة على مدى‬
‫التقرير‪ ،‬حيث تم تصوير السلم – من خلل كلمات هذه الناشطة وسيدتين‬
‫أخرتين من المدافعات عن حقوق النسوة – على أنه السبب الرئيسي وراء‬
‫إقصاء المرأة من العمل العام ومعاملتها كمخلوق من الدرجة الثانية‪.‬‬
‫ور السلم على أنه دين النسوة ذوي الخلفية الريفية المحافظة‪ ،‬وليس‬ ‫ص ّ‬
‫و ُ‬
‫النساء اللئى ينتمين إلى الوساط المتحررة المثقفة؛ ومن خلل التركيز على‬
‫)الحياء السلمي( تم تصوير السلم وكأنه العامل الوحيد الذي أدى لضطهاد‬
‫الفتيات القبطيات وأزال حقوق المرأة وأن النساء اللئى يطالبن بتلك‬
‫ما تحت طائلة التهديد!‬
‫الحقوق يقعن دائ ً‬
‫هذه التقارير مثيرة للمخاوف؛ لنها ورغم حرص المحرر أو المحررة على‬
‫التحدث إلى عناصر ومصادر محلية‪ ،‬إل أنها وعلى الرغم من ذلك ل تقدم‬
‫تقارير محايدة حينما تقوم بإقصاء الرأي السائد‪.‬‬
‫وهو في مثل هذا التقرير الذي يتطلب رأي النساء المسلمات اللئى يدور‬
‫حولهن المقال في المقام الول‪.‬‬
‫ولك أن تلحظ أنه اختار ناشطة حقوق إنسان قبطية للتحدث عن الضطهاد‬
‫الذي تواجهه المرأة من جّراء الحياء السلمي‪.‬‬
‫ل بد أن نلحظ إذن كيف أن هناك مشكلة متعلقة بالمصادر التي توجد في‬
‫تلك القصص الخبارية‪ ،‬حيث تجنح معظم هذه التقارير إلى التحدث إلى أولئك‬
‫الذين )يشبهوننا( أي يشبهون الغرب ‪..Those who are like us‬‬
‫وهذا يثير قضية المصادر التي ُتستخدم عند الكتابة عن السلم‪ ،‬وهنا يمكن‬
‫ملحظة ميل العديد من الصحفيين للتحدث إما إلى أصوات متطرفة تدعم‬
‫مغّرَبة"‬
‫صورة الدين المعروفة كدين عنف وتطرف‪ ،‬أو مصادر محلية ولكنها " ُ‬
‫تقدم على أنها ضحية هذا التطرف والعنف وتعاني من غضبة السلميين‬
‫وغالًبا ما تكون هذه الفئات إما النساء أو القليات‪.‬‬
‫الفن السابع العالمي عدد فردي ل )ينصف(‪:‬‬
‫)إن السينما المريكية لديها دائما صورة نمطية للعالم السلمي ولشخوصه‪،‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لم تحاول أن تغيرها بل سعت عبر تاريخها الطويل لتؤكد على الصفات‬
‫السلبية في الشخصية العربية والسلمية من حيث طبيعة التكوين النفسي‬
‫لهذه الشخصيات‪.‬‬
‫فهي إما خبيثة‪ ،‬أو ماكرة‪ ،‬غير مؤتمنة‪ ،‬ل يمكن الوثوق بها‪ ،‬قذرة‪ ،‬حسية‬
‫وغرائزية!(‬
‫تغيير مؤقت!لماذا؟!‬
‫)وقد تكون هناك بعض الفلم التي حاولت أن تقدم صورة شخصية العربي‬
‫بشكل مختلف‪ ،‬إل أن هذا الختلف كان يرتبط بظروف وملبسات سياسية‬
‫في هذه الفترة‪ .‬مثل فيلم "المحارب ‪ "13‬والذي قدم العربي بشخصية‬
‫مساعدة فاعلة وهذا كان مرتبطا بفترة حرب الخليج الثانية "غزو الكويت"‬
‫وفيلم آخر وهو "روبن هوت" والذي قدم العربي كعالم وكمحارب شريف‪.‬‬
‫وأيضا كان يرتبط بتلك الفترة وذلك من أجل تمرير عملية المساندة ما بين‬
‫القوات العربية والسلمية للوليات المتحدة المريكية في حربها ضد العراق‪.‬‬
‫وهناك أيضا أفلم كثيرة ستظهر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر واحتلل‬
‫أفغانستان واحتلل العراق‪ ،‬لتؤكد على الشر الكامن والمتأصل في الشخصية‬
‫العربية والسلمية‪( .‬‬
‫هذا ما قاله الستاذ علء عبدالعزيز المدرس المساعد بالمعهد العالي للسينما‬
‫في مصر‪.‬‬
‫*هل السلم حقا ً ظاهرة!‬
‫وإن يكن‪..‬فعلينا أن نعي‪..‬والوعي هنا ليس )فعل ً مضارعًا(‪..‬‬
‫بقدر ماهو مطلب لفهم )قواعد( الخر و)نحوه(‪ ،‬و)صرفه( نحو الحقيقة‪.‬‬
‫فعلينا أن نعي أن السلم لم يعد في نظرهم أو لنقل البعض حضارة أو دين!‬
‫بل هو ظاهرة تستحق استرعاء انتباه المراقب‪ -‬وهو هنا الصحفي وصّناع‬
‫السياسة الخارجية‪-‬‬
‫عا عالمّيا يحتل مرتبة ذات أولوية في الجندة‬ ‫وبذلك أصبح السلم موضو ً‬
‫السياسية الغربية‪.‬‬
‫إذا ً فالظاهرة حسبما هو معروف تبدأ‪ ،‬تنتشر‪،‬تصعد‪،‬تنحدر‪،،،‬تنتهي!‬
‫وهي يقينا ً بإيماننا بضعفنا وبقوتنا لن تنتهي‪.‬‬
‫***‬
‫الرهاب و السلم هل هما وجهان لعملة واحدة!‬
‫الجلي والواضح مدى الختلف بيننا وبينهم في التعريف بـ)ـالرهاب( ومن ثم‬
‫العتراف به ‪..‬‬
‫فمن النظرة الغربية المسوقة عالميا ً عرف الرهاب كونه كل تهديد للمدنية‬
‫والمدنيين‪.‬‬
‫وما بين اتفاقنا الولي مع رأيهم وبين رفضنا تطويع التعريف لهدافهم فنحن‬
‫اتفقنا في التعريف واختلفنا بالعتراف‪ .‬والمؤكد أن التفاوت في تطبيق‬
‫طرفي المعتقد يخل بمصداقيته ومن ثم باعتناقه‪.‬‬
‫إن ردود الفعل في العالم السلمي والعربي تجاه هكذا )تهمة(‪..‬‬
‫لم تنتظر حتى )تثبت الدانة( فهناك من اقتنع بأن الرهاب إسلمي!‬
‫وهناك من لم يعد يملك القدرة على التمييز بين عمليات المقاومة وما بين‬
‫العمليات العشوائية!‬
‫وهناك من يقرأ هذه السطر ويتساءل معنا ويبحث عن الجابات بل ويضعها‪..‬‬
‫‪ -‬في عيونهم‪:‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫الرهاب أضحى أمرا ً فطريا ً في السلم‪!..‬‬


‫م تقديمها وكأنها‬ ‫كما أن التوصيفات التي تم إلصاقها بالنظام السلمي قد ت ّ‬
‫من طبيعة هذا النظام أو كأنها أمور فطرية ل تحتاج إلى تفسير أعمق من‬
‫كونها واقع!‬
‫عا لتوصيف السلم هو إطار)الزمة(‪ ،‬التي تم‬ ‫إن أكثر الطارات شيو ً‬
‫اختصارها في فئات العنف والرهاب والتطرف وكراهية الغرب‪.‬‬
‫مثل هذا الطار يعطي أهمية أكثر للضحايا البرياء للعنف الذي يرتكبه‬
‫المسلمون العرب ضد السرائيليين‪ -‬دون الشارة إلى العكس!‬
‫‪ -‬السلموفوبيا‪:‬‬
‫يتعرض كتاب )السلم والمسلمون في العلم البريطاني‪-‬المؤلف‪ :‬إليزابيث‬
‫بوول(‬
‫في أكثر من موضع لمسألة السلموفوبيا )أي الخوف من السلم( والعلم‪,‬‬
‫وكيف يتم تضخيمها والنفخ فيها‪ .‬فالمشكلة هنا تكمن في أن العلم يبحث‬
‫عن الثارة ويتابعها‪ ,‬ويبحث في أدق تفاصيل القصص المتعلقة بها‪.‬‬
‫ويؤدي هذا عادة وفي خضم التنافس على الحصول على الخبر المثير إلى‬
‫انحدار في المعايير المهنية ومستوى التحري والتدقيق مما يضخم من الخبار‬
‫الهامشية‪ ,‬ويعطي أهمية فائقة لفراد وجهات غير ممثلة للتيار العرض من‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫لكن النتيجة هي أن أصوات أولئك الفراد‪ ,‬نظرا لتطرفها وأحيانا غرائبيتها‪,‬‬
‫تنتشر انتشارا كاسحا‪ ,‬وتكاد توحي بأنها التي تمثل الصوت الكثر سماعا في‬
‫أوساط المسلمين‪ .‬لهذا فإن العلم والصوات المتطرفة في أوساط الجالية‬
‫المسلمة يتقاسمان المسؤولية في إثارة الخوف من السلم وتشويه صورته‬
‫العامة ووصمه بـ)ـالرهاب(‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا قاله قادة اليمين عن )السـ(ـلم وماذا عن ارتباطه بالر) هاب(‪:‬‬
‫فرفض فرانكلين غرام وصف السلم بأنه "دين مسالم"‪،‬‬
‫ووصف جيري فالويل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بأنه "إرهابي"‪،‬‬
‫وقال بات روبرتسون إن الرهابيين ل "يحرفون السلم!! إنهم يطبقون ما‬
‫في السلم"‪.‬‬
‫‪ -‬الكم والكيف‪:‬‬
‫كتب إدوارد سعيد يوم ‪ 2‬أغسطس‪/‬آب ‪ 2003‬في جريدة ذي غارديان‬
‫البريطانية يقول "قد أتمنى أن أقول إن الفهم العام للشرق الوسط وللعرب‬
‫وللسلم في أميركا قد تحسن )بعد ‪ ،(11/9‬ولكنه في الحقيقة لم يتحسن"‪،‬‬
‫وأضاف أن رفوف المكتبات الميركية بعد ‪ 11‬سبتمبر‪/‬أيلول امتلت بكتب‬
‫عن السلم ولكنها كتب سيئة "مليئة بعناوين رئيسية صارخة عن السلم‬
‫والرهاب والتهديد العربي والخطر السلمي"‪.‬‬
‫لكسر القالب وجبر الكسور لبد أن نعي ‪:‬‬
‫أن اللجوء إلى التطرف أو العنف هو ظاهرة نفسية اجتماعية يمكن أن نجدها‬
‫في كل المجتمعات شرقية كانت أو غربية‪ ،‬وقد تكون مرتبطة بالدين أو‬
‫مستقلة عنه‪ ،‬وبالتالي ل يمكن بأي حال من الحوال ربط السلم بالتطرف‬
‫كما تتوهمه العقلية الغربية المتحاملة على السلم‪.‬‬
‫***‬
‫)نحن( ونبض الشارعين الغربي والعربي‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ماذا يقول الشارع الغربي و العربي تجاه قضيتنا؟‬


‫وهل رؤيتهم للواقع تفوق رؤية أصحاب القرار؟!‬
‫هل العربي المغترب يحمل بين حناياه شوق لرض أكثر خصوبة ونماء‪..‬‬
‫وألم لواقع يعلوه الجفاف‪!..‬‬
‫ومن منهم يرغب في القتراب من الخر؟! أم كلهما يفكر في دربه‬
‫فحسب؟!‬
‫تساؤلت عدة اختزلناها في لقاءات هنا وهناك‪..‬‬
‫فما الذي قيل؟!!!‬
‫أجرت )أبجد حياة( لقاءات عدة‪..‬‬
‫وقد منحنا )جيراد خريت( رئيس وحدة التحكم بالمراض المعدية‬
‫)هولندي(‪..‬هذه الجابات‪:‬‬
‫‪ -‬فيم تفكر حينما تسمع كلمة )إسلم(؟ بالحروب والمجاعات!‬
‫‪ -‬ماهي أبرز أخطاء العرب والمسلمين برأيك؟ عدم قبول الخر‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعتقد أن تصرفات المسلمين في هذا العصر تمثل السلم الصحيح؟‬
‫أعتقد ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬من يلجأ للعنف هل هو السلم أم المسلمين ؟ ولماذا برأيك؟‬
‫ل أفهم الفرق بين السلم والمسلمين لكن العنف موجود بالدين السلمي ‪.‬‬
‫‪ -‬هل تسعى للبحث عن معلومات حول السلم؟ وما هي مصادرك؟‬
‫التلفزيون و الكتاب‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعتقد أن السلم ظلم المرأة؟ ما الذي دفعك لهذا العتقاد؟ نعم هناك‬
‫الكثير من الخبار شبه اليومية عن قصص من المسلمين داخل المجتمع‬
‫الهولندي وأحيانا ً تصل لحد القتل‪..‬‬
‫أما )جون هيبي( باحث الوراثة الجزئية )بريطاني( فكان هذا نصيبنا من‬
‫إجاباته‪:‬‬
‫‪ -‬فيم تفكر حينما تسمع كلمة )إسلم(؟ العراق‬
‫‪ -‬هل تعتقد أن تصرفات المسلمين في هذا العصر تمثل السلم الصحيح؟ إذا‬
‫قلت لي ما هو السلم الصحيح أستطيع أن أجيبك‪.‬‬
‫‪ -‬من يلجأ للعنف هل هو السلم أم المسلمين ؟ ولماذا برأيك؟ السلم دين‬
‫يعتمد على القسوة ولذا فإن من أفكار السلم قتل غير المسلمين‪..‬والسلم‬
‫ل يقبل الغير‪.‬‬
‫‪ -‬ما رأيك بالصراع السرائيلي الفلسطيني؟ من أعقد القضايا الموجودة على‬
‫وجه الرض وأعتقد أن كل الطرفين محقين ولهم أخطائهم‪.‬‬
‫‪ -‬هل تسعى للبحث عن معلومات حول السلم؟ وما هي مصادرك؟ل أسعى‬
‫لها ولكن ل أتحاشاها‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعتقد أن السلم ظلم المرأة؟ ما الذي دفعك لهذا العتقاد؟ نعم‬
‫السلم والمسيحية واليهودية وجميع الديان ظلمت المرأة فهل تستطيع أن‬
‫تذكر لي امرأة تمثل دين!‬
‫‪ -‬من هي أبرز شخصية يرتبط اسمها في ذاكرتك مع السلم؟ الله‪).‬سبحانه‬
‫وتعالى(‬

‫)‪(13 /‬‬

‫وأما )لي( فني شبكات‪ ) ..‬المريكي( فقد قال حينما سألناه‪:‬‬


‫‪ -‬فيم تفكر حينما تسمع كلمة )إسلم(؟ السلم يمثل التاريخ وجزء كبير من‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العالم‪.‬‬
‫‪ -‬من يلجأ للعنف هل هو السلم أم المسلمين ؟ ولماذا برأيك؟ أعتقد أنهم‬
‫المسلمين لنهم يشعرون بالظلم‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعتقد أن السلم ظلم المرأة؟ ما الذي دفعك لهذا العتقاد؟ يبدو أنه‬
‫يقيد حريتها‪.‬‬
‫‪ -‬من هي أبرز شخصية يرتبط اسمها في ذاكرتك مع السلم؟ ابن لدن‪.‬‬
‫وكان لـ)دوبرا( أخصائية الحياء الدقيقة )هولندية( رأي آخر‪:‬‬
‫‪ -‬ماهي أبرز أخطاء العرب والمسلمين برأيك؟ ل توجد أخطاء معينة إنما‬
‫الخطاء توجد مع النسان‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعتقدين أن تصرفات المسلمين في هذا العصر تمثل السلم الصحيح؟‬
‫نعم أعتقد ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ما رأيك بالصراع السرائيلي الفلسطيني؟ صراع فيه ظلم من الجانبين‬
‫‪ -‬هل تسعين الى الحوار مع المسلمين ومناقشة القضايا العالمية معهم؟‬
‫ليس بالتحديد ولكن إذا أتت الفرصة أحب أن أطلع على الثقافات الخرى‪.‬‬
‫‪ -‬هل تسعين للبحث عن معلومات حول السلم؟ وماهي مصادرك؟ أغلب‬
‫مصادري البرامج الدينية عن القليات‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعتقدين أن السلم ظلم المرأة؟ ما الذي دفعك لهذا العتقاد؟ نعم‬
‫تستطيع أن ترى شكل المرأة والحجاب والزواج‪.‬‬
‫‪ -‬من هي أبرز شخصية يرتبط اسمها في ذاكرتك مع السلم؟ الله‪).‬سبحانه‬
‫وتعالى(‬
‫أما )دين مانس( المريكي فقد أجاب حينما سألناه‪:‬‬
‫‪ -‬فيم تفكر حينما تسمع كلمة )إسلم(؟‬
‫أول ما يرد لذهني هو )الرهاب(‪.‬‬
‫ماهي أبرز أخطاء العرب والمسلمين برأيك؟‬
‫أنهم متخلفين اقتصاديا ً وتعليميًا‪.‬‬
‫‪ -‬من يلجأ للعنف هل هو السلم أم المسلمين ؟ ولماذا برأيك؟‬
‫أعتقد أنه السلم ‪ ،‬فالكتاب المقدس ذكر كثيرا ً من اليات عن الجهاد‪.‬‬
‫‪ -‬ما رأيك بالصراع السرائيلي الفلسطيني؟‬
‫أعتقد أن الفلسطينين غير جادين بشأن السلم‪.‬‬
‫‪ -‬هل تؤمن بأن الصورة التي يظهر بها العرب والمسلمين في السينما‬
‫المريكية هي الصورة الحقيقية؟‬
‫أنا لست من السذاجة بحيث يغسل دماغي إل أنني أعتقد أن الفلم لها‬
‫أساس من الواقع‪.‬‬
‫وعن )جيمس( نيويورك – أمريكا فكانت هذه إجابته‪:‬‬
‫‪ -‬فيم تفكر حينما تسمع كلمة )إسلم(؟‬
‫دين عظيم‪.‬‬
‫‪ -‬من يلجأ للعنف هل هو السلم أم المسلمين ؟ ولماذا برأيك؟‬
‫أعتقد أن المسلمين يناقشون مآسيهم بالطريقة الخطأ‪.‬‬
‫‪ -‬ما رأيك بالصراع السرائيلي الفلسطيني؟‬
‫أعتقد أن على الجميع أن يكونوا شديدي الهتمام بهذا الموضوع‪ ،‬فهذا مهم‬
‫للسلم في وقتنا الحالي‪.‬‬
‫كما أرى أن المريكيين غير قادرين على المساك بزمام المور وغير فعالين‬
‫في إيجاد الحلول لهذه القضية‪.‬‬
‫هل تسعى للبحث عن معلومات حول السلم؟ وماهي مصادرك؟‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أرغب بمعرفة المزيد‪،‬حتى الن فمعظم مصادري التلفاز والصحف‪.‬‬


‫ولكني أخشى أل أحصل على الصورة الكاملة من خللهما‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعتقد أن السلم ظلم المرأة؟ ما الذي دفعك لهذا العتقاد؟‬
‫هذا ما يبدو من الخارج‪ ،،‬ولكن على المرء أن يعرف المزيد حول ذلك ليعلق‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪-‬من هي أبرز شخصية يرتبط اسمها في ذاكرتك مع السلم؟‬
‫هذا سؤال صعب ‪ ،‬فل أعرف أحدًا!‬
‫وأما د‪)/‬ألكس فان بلكم( رئيس وحدة المراض المعدية والبكتيريا )هولندي(‪:‬‬
‫‪ -‬ما هي أبرز أخطاء العرب والمسلمين برأيك؟ التخلف العلمي و الدكتاتورية‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعتقد أن تصرفات المسلمين في هذا العصر تمثل السلم الصحيح؟‬
‫هل يوجد إسلم آخر ل نعرفه‪.‬‬
‫‪ -‬من يلجأ للعنف هل هو السلم أم المسلمين ؟ ولماذا برأيك؟ ل أفهم‬
‫الفرق بين الثنين‪.‬‬
‫‪ -‬هل تسعى للبحث عن معلومات حول السلم؟ وما هي مصادرك؟‬
‫النترنت‪-‬الكتاب‪-‬العلم‪-‬الصدقاء‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعتقد أن السلم ظلم المرأة؟ ما الذي دفعك لهذا العتقاد؟أعتقد ذلك‬
‫فإجبار المرأة على إخفاء الوجه فيه ظلم‪.‬‬
‫‪ -‬هل تؤمن بأن الصورة التي يظهر بها العرب والمسلمين في السينما‬
‫المريكية هي الصورة الحقيقية؟ ل‪.‬‬
‫وكان لـ)جم( مهندس )أمريكي( رأيا ً مختلفًا‪:‬‬
‫‪ -‬فيم تفكر حينما تسمع كلمة )إسلم(؟ دين قوي‪.‬‬
‫‪ -‬ماهي أبرز أخطاء العرب والمسلمين برأيك؟ التعلق بالتاريخ‬
‫‪ -‬من يلجأ للعنف هل هو السلم أم المسلمين ؟ ولماذا برأيك؟ السلم لديه‬
‫آراء قوية حول الجهاد‪.‬‬
‫‪ -‬ما رأيك بالصراع السرائيلي الفلسطيني؟ الصراع طال أمده بسبب الحمق‬
‫وغياب القيادة الرشيدة عند الجانبين‪.‬‬
‫‪ -‬هل تسعى الى الحوار مع المسلمين ومناقشة القضايا العالمية معهم؟ أحب‬
‫أن أتعرف على السلم أكثر‪.‬‬
‫‪ -‬من هي أبرز شخصية يرتبط اسمها في ذاكرتك مع السلم؟ كريم‬
‫عبدالجبار )لعب كرة سلة أمريكي مسلم(‪.‬‬
‫كما أجاب على أسئلتنا )آرد هوردس( أخصائي التحكم بالمراض المعدية‬
‫)هولندي(‬
‫‪ -‬ماهي أبرز أخطاء العرب والمسلمين برأيك؟ عدم التسامح والحكومات‬
‫الديكتاتورية‪.‬‬
‫‪ -‬من يلجأ للعنف هل هو السلم أم المسلمين ؟ ولماذا برأيك؟ في كل‬
‫الديان هناك من يفسر على أهوائه‪.‬‬
‫‪ -‬ما رأيك بالصراع السرائيلي الفلسطيني؟ إحدى الصراعات الذي يأخذ طابع‬
‫الدين والمقصود به الرض‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪ -‬هل تؤمن بأن الصورة التي يظهر بها العرب والمسلمين في السينما‬
‫المريكية هي الصورة الحقيقية؟‬
‫ل أؤمن بالسينما المريكية إطلقا‪ً.‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬من هي أبرز شخصية يرتبط اسمها في ذاكرتك مع السلم؟ محمد‪.‬‬


‫وأخيرا ً مع )ريموند هاموند( المريكي وإجابات مغايرة‪:‬‬
‫فيم تفكر حينما تسمع كلمة )إسلم(؟‬
‫مكة‪.‬‬
‫‪ -‬من يلجأ للعنف هل هو السلم أم المسلمين ؟ ولماذا برأيك؟‬
‫ل أعتقد أنه السلم ‪ ،‬فبعض المسلمين يستغلون السلم لتعزيز قضيتهم‪.‬‬
‫ما رأيك بالصراع السرائيلي الفلسطيني؟‬
‫أعتقد بأنه من المهم للعالم أجمع أن يجلس كل الطرفين لتوطيد العلقات‬
‫والخذ والعطاء فيما بينهم‪.‬‬
‫‪ -‬هل تسعى الى الحوار مع المسلمين ومناقشة القضايا العالمية معهم؟‬
‫أنا تواق للفرصة الملئمة لذلك‪.‬‬
‫‪ -‬هل تسعى للبحث عن معلومات حول السلم؟ وماهي مصادرك؟‬
‫نعم‪ ،‬مؤكدا ً أتمنى معرفة المزيد‪.‬والقليل الذي أعلمه مصدره نقا شاتي مع‬
‫أصدقائي المسلمين‬
‫‪ -‬هل تعتقد أن السلم ظلم المرأة؟ ما الذي دفعك لهذا العتقاد؟‬
‫كل على الطلق‪ ،‬فأعتقد أن المرأة المسلمة لديها العديد من‬
‫المميزات‪..‬وتبدو أكثر سعادة واقتناع من المرأة الغربية في كثير من‬
‫المجالت‪.‬‬
‫‪ -‬من هي أبرز شخصية يرتبط اسمها في ذاكرتك مع السلم؟‬
‫لويس فرخان‪.‬‬
‫وقد علق د‪/‬وليد عبدالله مغترب عربي مسلم واختصاصي وراثة جزئية بهولندا‬
‫على هذه الجابات قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫في البداية يجب التفريق بين الجابات المستقاة من أوروبا والخرى من‬
‫أمريكا وإن كنا نميل في تعاملنا اليومي إلى تسميتهم بـ)الغرب(‪.‬‬
‫فالنظرة الوروبية تختلف عن النظرة المريكية لسباب واضحة ولكن دعونا‬
‫نعود إلى التاريخ لمحاولة فهم هذه الفروق‪.‬فعلقات المسلمين واحتكاكهم مع‬
‫الوربيين بدأ مع بداية السلم وخاصة في الحروب مع الروم‪.‬‬
‫وكانت نقطة اللتقاء الثاني عبر الحملت الصليبية وما تل ذلك من عمليات‬
‫الستشراق‪ ،‬ويضاف إلى البعد التاريخي القرب الجغرافي حيث لعب دورا ً‬
‫أساسيا ً في معرفة الوربيين وتعرفهم على المسلمين والعرب‪.‬‬
‫أما على الجانب الخر فإن المريكيين عرف عنهم العزلة والجهل بالخر حتى‬
‫أن جيرانهم المكسيكيين يشكون جهلهم بهم وبالطبع ل نستطيع التعميم بكل‬
‫الحوال وإل بذلك كررنا خطأهم في رسم صورة المسلمين والعرب‪.‬‬
‫لذلك يجب أل نستغرب إذا وجدنا فروقا ً بين المجتمعين ويجب أن يكون‬
‫التعامل معهما مختلف‪.‬‬
‫أما عن النقطة الثانية والجديرة بالهتمام فهي ورود اسم )الله( كشخصية‬
‫إسلمية وفي اعتقادي أن السبب يعود إلى تأثير الديانة المسيحية فإن عيسى‬
‫في حياته الدنيوية كان إنسانا ً )إله( وقد يكون هذا ما أوجد لبسا ً لديهم وهنا‬
‫تتضح أهمية المعرفة بالخر لكيل تختلط النوايا وتطلق التهم من الجانبين‬
‫دون أن يعي كل منهم ماهو عليه الطرف الخر‪.‬‬
‫أما عن اعتقادهم أن المسألة الفلسطينية مسألة تحل بتقسيم الرض بين‬
‫اليهود والمسلمين )العرب( فقد يكون هذا هو الحل المثل من وجهة نظر‬
‫إنسان بعيد عن القضية وهذه أبسط الحلول لرضاء الطرفين!‬
‫فل نغفل أن النسان بطبعه يميل للصلح والصلح إذا كان طرفا ً غير مشارك‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإذا أردنا الحديث عن ورود أسماء أخرى كشخصية إسلمية فهو بلشك تأثير‬
‫مرحلي من أثر العلم الغربي القوي على النسان المعاصر وخاصة الوروبي‬
‫والمريكي وكان هذا واضحا ً في إجاباتهم عن مصدر معلوماتهم عن السلم‪.‬‬
‫وأخيرا ً هذه وجهة نظر أشخاص بعينهم دون أن تكون تمثل المجتمع كام ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ولكن هذه محاولة لقراءة ومعرفة أسباب الختلف والبحث عن نقاط اللتقاء‬
‫بين الطرفين‪.‬‬
‫كما علقت د‪ /‬حنان عطاالله الختصاصية وأستاذة علم النفس في جامعة‬
‫الملك سعود قائلة‪:‬‬
‫ً‬
‫إن الجوبة مؤسفة وإن كانت تعكس واقعنا المؤلم‪،‬وجميل جدا أن نرى رأي‬
‫الخر فينا لننا كشعوب مازلنا نتغنى ونتفاخر بأننا أفضل الشعوب وحان‬
‫الوقت لنعرف أين نحن من المم‪.‬‬
‫لقد فات علينا التقييم الذاتي ولبد من صحوة قد تأتي‪:‬‬
‫‪ -‬إما من الذات‪.‬‬
‫‪ -‬وإما من الخر‪.‬‬
‫إن الصورة التي تتضح في الجابات صورة غير صحيحة عن الدين السلمي‪.‬‬
‫كدين يدعو إلى )التسامح( وإلى )تقبل الخر(‪.‬‬
‫إننا نملك الكثير من المشاكل في التعامل مع الخر المختلف عنا لشك‪.‬‬
‫كما أننا أضحينا أمة تعيش على الغير ل تملك حتى أحقية صنع سلحها الذي‬
‫تحارب به صانعها!‬
‫إن المحاربة الحقيقية تأتي عن طريق البداع والتقدم العلمي ل العنف‬
‫والقتل‪.‬‬
‫إننا مجتمعات تعاني من )بارانويا الضطهاد( إن صح التعبير وطالما أننا نعاني‬
‫من هذا المرض الجتماعي النفسي الخطير فإننا سنشير للغرب بأصابع‬
‫التهام وبالتالي سنظل مشلولي الرادة وسنقول كما قال إدوارد سعيد‬
‫)الحسناء النائمة(‪.‬‬
‫لقد حان الوقت أن ندرك أن هناك أديان أخرى متعددة وأن )السلم( وإن‬
‫كان هو الفضل فليس هو الوحيد‪.‬‬
‫وذاك المعنى تجسده الية القرآنية )لكم دينكم ولي دين(‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وأذكر مثال ً من واقعي يجسد الضعف لدينا في قبول الخر حيث لي صديقة‬
‫أمريكية قضت في المملكة العربية السعودية قرابة الـ ‪ 10‬سنوات ولكنها‬
‫ذكرت لي وبحسرة‪:‬‬
‫أنها لم تتعرف على الشعب السعودي وقالت أعتقد أنكم شعب )غير‬
‫صدوق(‪!...‬‬
‫وقامت ‪ ((bbc‬بإجراء استطلع يتصدره السؤال التالي‪:‬‬
‫)ماذا ينبغي برأيك على المسلمين القيام به لتحسين صورتهم في أوروبا؟(‬
‫وإليكم مقتطفات من هذه الجابات‪:‬‬
‫*عثمان)السعودية(‪ :‬سؤال بسيط‪ :‬هل هذه النظرة السلبية كانت قبل ‪11‬‬
‫سبتمبر أم بعدها؟ النظرة النمطية للنسان العربي والمسلم موجودة منذ‬
‫أبعد الزمان وتغيرت صعودا ً وارتفاعا في دروبه‪ ،‬ولنا أن نقرأ في أدبيات‬
‫العصور الوسطى ليظهر لنا كيف كان يتم حشد الوربيين للجهاد المقدس ضد‬
‫الكفار‪ .‬أعتقد نحن بحاجة أن نحسن صورتنا أمام أنفسنا ل أمام غيرنا‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫*أحمد سيد أبوعطية)مصر(‪ :‬من موقع عملي في القطاع السياحي في مصر‬


‫لحظت فعل النظرة السطحية التي ينظر إليها الوروبيون إلى السلم! إنهم‬
‫ينظرون إلى السلم على أنه من صنع العرب! بمعنى أن العرب هم من‬
‫وضعوا قواعد السلم ويمشون عليها منذ أكثر من ‪ 1400‬عام!! بل وسألني‬
‫أحدهم‪ :‬لماذا ل تغيرون قواعد السلم ليصبح أكثر تحضرا؟! فكانت إجابتي‬
‫له‪ :‬كيف تغير ما تعتقد أنه ليس من صنعك ول من صنع البشر!‬
‫*أحمد نوفل)مصر(‪ :‬الوروبيون ل يعلمون الكثير عن عالمنا والسبب في ذلك‬
‫هو أننا ل نسعى إلى التصال بهم وإيضاح الصورة لهم‪ .‬والعقلية الوروبية‬
‫سلسة ويمكنها الستماع والفهم بشرط مخاطبتهم بالطريقة التي تناسب‬
‫تكوين عقليتهم‪ ،‬لكن للسف ونتيجة للقصور الثقافي في مجتمعاتنا فإن‬
‫القادرين على التعامل مع الوروبيين قلة نادرة وغالبا هم مقهورون في‬
‫أوطانهم‪.‬‬
‫*أحمد صليحة )نيويورك(‪ :‬ليس من المهم أن نحسن صورتنا أمام الغرب‪ ،‬بل‬
‫المهم أن نتحول إلى طرف فاعل منتج للحضارة والعلم والمعرفة مثل‬
‫أشقائنا في الصين والهند الن ‪،‬وحينئذ سوف نكسب احترام العالم بأكمله‬
‫دون أن نضيع مليما واحدا على الدعاية الفارغة‪.‬‬
‫* ريني موفق)بغداد(‪ :‬أنا مسيحي من العراق وما يحدث الن من تشويه‬
‫صورة السلم حدث قبل ألف عام تقريبا عندما كانت الحروب الصليبية )التي‬
‫كانت عارا على المسيحيين( تقتل وتفتك وتغزو البلدان باسم الله‪ .‬هذا يحدث‬
‫الن ولكن من قبل متطرفين إسلميين يشوهون الدين السلمي‪ .‬فإذا كنت‬
‫أوروبيا وأرى على التلفاز خمسة مسلحين يمسكون القرآن بيد ويمسكون‬
‫السيف بيد أخرى ويقطعون رأس إنسان‪ ،‬ماذا تتوقعون مني أن أقول ؟‬
‫* توفيق عباس)مصر( إن تخلف المسلمين في جميع المجالت جعل الغربيين‬
‫ل يحفلون بحضارتهم أو معتقداتهم أو علومهم وخاصة الدينية منها‪،‬كما أن قلة‬
‫الهجرة العكسية من أوروبا إلى بلد المسلمين واقتصرت على المختصين‬
‫والمهتمين فقط بعلوم المسلمين‪.‬‬
‫*سعود الذويخ)الكويت(‪:‬إن تلك النظرة للمسلمين‪ ،‬تنم عن السطحية التي‬
‫يتمتع بها نظر الوروبيين إلى السلم‪ ،‬ويعذرون في ذلك لن المسلمين لم‬
‫يقوموا بواجبهم نحو إعطاء الصورة الحقيقية للسلم‪.‬‬
‫*ليلى)دمشق(‪ :‬لغياب العرب إعلميا بالضافة إلى الصورة المشوهة التي‬
‫يتلقاها الطفل الغربي في كتب التاريخ وأفلم الكرتون عن البربرية السلمية‬
‫ووجود عدد من المسلمين في الغرب من الذين يكفرون بقيمهم و يتبارون‬
‫في التبرؤ من تاريخهم كأسهل طريق للحصول على إقامة‪.‬‬
‫أما الجابات على السؤال التالي فجاءت كما يلي‪:‬‬
‫هل ترى أن الدول السلمية تتحمل جزءا من المسؤولية عن توتر العلقات‬
‫مع الدول الغربية‪ ،‬أم أنك تحمل الغرب فقط مسؤولية هذا التوتر؟‬
‫*يحيى حسين)الكويت( هنالك عدة أسباب لهذه الفجوة‪:‬‬
‫ل‪:‬الجاليات السلمية المتمكنة هناك لم تنجح ل باحتواء الدوائر الحكومية‬ ‫أو ً‬
‫الغربية كما فعل اللوبي الصهيوني ول تحييدهم على القل ول إيصال المفهوم‬
‫السلمي الصحيح‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ل يوجد ارتباط أو أي تنسيق وثيق بين الحكومات العربية والجاليات‬
‫السلمية بدول الغرب للتشاور بل بكل السف ربما يتم النظر إليهم كجهات‬
‫معارضة ‪.‬‬
‫*مالك أبومالك )لبنان(‪:‬انه صراع بين من يريد أن يكتشف النجوم وبين من‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دهّا‪..‬‬
‫يريد أن يكتفي بع ّ‬
‫*حارث العظمي)بغداد( عشت أنا شخصيا خلل السبعينات والثمانينات في‬
‫بريطانيا كممثل للجالية العربية والسلمية في اتحاد الطلبة البريطاني حيث‬
‫كانت العلقة بين الطلبة المسلمين وبقية الجاليات الوربية المتنوعة في ذلك‬
‫التحاد على أروع ما يكون‪ .‬أما اليوم فنرى الصورة مختلفة تماما‪ .‬فالطالب‬
‫العربي ينظر إليه بعين الريبة والحذر‪ ،‬والزائر العربي والمسلم يعامل‬
‫بأسلوب غير لئق في المطارات الوربية ومنذ لحظة الوصول!‬
‫*صلح الفضلي)الكويت(‪ :‬اعتقد آن المشكلة تكمن في العلم من الطرفين‪،‬‬
‫يغذيها بعض المثقفين‪ .‬فالغرب يصورون العرب على أنهم قتلة إرهابيين‬
‫والمثقفين العرب يصورون الغرب علة أنه ارض فساد و مجون‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫*أبوعلي)بغداد( علينا مواجهة أنفسنا بصراحة والبحث عن عيوبنا‪ .‬أن محاولة‬


‫إلقاء اللوم الكبر على الجانب الخر ليس بصحيح‪.‬‬
‫*أحمد سعودي في )بريطانيا( اعتقد أن أسباب هذا التوتر هي عدم فهم‬
‫ثقافة البعض للخر وعدم احترام خصوصيات الشعوب‪ .‬طبعا العلم قد‬
‫يساعد في توسيع الخلف وقد يجمع بين أطراف الصراع‪.‬‬
‫*محمد عادل)القاهرة(‪ :‬لمن يريد أن يعرف كيف يتم ردم الهوة بين العالم‬
‫السلمي والغرب يمكنه أن يجد الجابة الشافية لدى الصينيين‪ .‬فرغم كونهم‬
‫العملق القادم ورغم قوتهم‪ ،‬فقد احتلوا العالم وغزوا كل بيت فيه بمنتجاتهم‬
‫عالية الكفاءة زهيدة الثمن‪.‬‬
‫*نصيرة سعودي جزائرية تقطن فرنسا‪":‬نشعر وكأن أصابع التهام تسدد لنا‪،‬‬
‫ملون بشكل ما‬ ‫فالمسلمون الذين يعيشون هنا في فرنسا يشعرون وكأنهم ُيح ّ‬
‫مسؤولية مناخ عدم المن الذي يسود أنحاء كثيرة من الغرب الن"‪.‬‬
‫وتقول "إذا سمعت ما يقوله الفرنسيون في مارسيليا حينما يختلون إلى‬
‫بعضهم البعض عن العرب فستجد عبارات عنصرية‪،‬ومن الصعب جدا العثور‬
‫على وظيفة إذا كان اسمك عربيا‪"..‬‬
‫ومن نبض الشارع إلى رؤية الدراسات والبحاث‪..‬‬
‫فقد أجرى باحثون أستراليون دراسة تعتمد على استطلع شمل خمسة آلف‬
‫أسترالي وكانت النتيجة تفيد بأن )هناك مشاعر قوية مضادة للمسلمين في‬
‫أستراليا(‪.‬‬
‫وتصف الدراسة المسلمين بأنهم أحد أكثر الجماعات الدينية والعرقية‬
‫)تهميشا(‪ ،‬مع وجود الكثير من الستراليين ممن يؤمنون بأن المسلمين‬
‫وجميع القادمين من الشرق الوسط ل يصلحون للعيش في أستراليا!‬
‫وقال أكثر من نصف الذين شملهم الستطلع إنهم ل يرغبون بزواج قريب أو‬
‫قريبة لهم بمسلم أو مسلمة‪.‬‬
‫ويلقي الدكتور)كيفين دان( من جامعة ساوث ويلز الذي سيعرض نتائج البحث‬
‫في مؤتمر حول الهجرة يعقد في سيدني باللئمة على طريقة وسائل العلم‬
‫في تقديم المسلمين وكراهية الغرب للسلم‪.‬‬
‫وقال إن المسلمين يواجهون آراء جامدة تتهمهم بالموقف السلبي من المرأة‬
‫والتمييز بين الجنسين‪.‬‬
‫كما أوضحت دراسة قام بها معهد العلقات الدولية اللماني ان الصورة التي‬
‫يحملها أغلب الوروبيين عن المجتمعات السلمية سلبية الى حد كبير‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وطرح المعهد سؤال وهو "ماذا تفكر عندما تسمع كلمة اسلم؟" على عينة‬
‫تمثل أفرادا ً ينتمون إلى مختلف الشرائح الجتماعية‪ ،‬وكانت إجابات نحو ثلثة‬
‫أرباع المشاركين أن السلم يعني النسبة لهم قمع المرأة والتطرف‬
‫والرهاب‪،‬ولم يقدم إل نحو ربع المشاركين إجابات تعكس رؤية افضل‬
‫للسلم‪.‬‬
‫وأوضح باحثون أوروبيون وعرب في ندوة عقدت بمعرض فرانكفورت الدولي‬
‫للكتاب لبحث هذا الموضوع ان هناك نظرة سطحية شائعة عن السلم في‬
‫أوروبا ل تشتمل على جوانب حضارية وإنسانية كثيرة في السلم‪.‬‬
‫كما قالت وفود نساء مسلمات في مؤتمر عالمي حول المرأة والسلم في‬
‫مدينة قرطبة السبانية إنهن تعبن من تصويرهن طوال الوقت في صورة‬
‫الضعيفات مسلوبات الحق‪.‬‬
‫وقلن إن قرار ارتداء الحجاب أو غطاء الرأس يصور دائما على أنه مركز‬
‫اهتمامهن في حين أن لديهن في الواقع عدة موضوعات أخرى هي التي‬
‫تشغل بالهن‪.‬‬
‫‪،،،،،،‬‬
‫مشاهدات وجهود لتصحيح الصورة وبناء الجسور‬
‫إننا هنا نطل عبر نافذة صغيرة على )بعض( الجهود التي ساهمت وما تزال‬
‫تقدم للصورة السلمية والعربية في العالم بصمات تعلن عن وجود حقيقي‬
‫متزن وفعال في فكر الخر عنا‪..‬‬
‫* جهود فردية في ألمانيا لتصحيح صورة السلم‪..‬‬
‫يقول )أحمد زايد( أستاذ بقسم الدعوة السلمية بكلية أصول الدين بجامعة‬
‫الزهر الشريف‪: :‬‬
‫هناك جهود للتصحيح‪ ،‬لكنها فردية‪ ،‬فقد رأيت مثل مسلمين فى )ألمانيا(‬
‫يسعون للوصول إلى كل الماكن لتصحيح صورة السلم ‪-‬حتى فى الكنيسة‪-‬‬
‫وهناك يقومون بعرض السلم والتعريف بحقيقته‪ ،‬وهذا هو محور تركيز‬
‫المسلمين الن‪ ..‬هناك أيضا يتاح للمسلمين الذهاب إلى المدارس غير‬
‫السلمية لعرض السلم‪ ،‬ويحدث هذا فى أمريكا بشكل كبير‪ ،‬ومن التجارب‬
‫أيضا ما رأيته فى المركز السلمى فى ألمانيا الذى يقوم بإصدار نشرات‬
‫توزع على الفراد فى الماكن الحكومية لعرض السلم‪.‬‬
‫* رحلة‪:‬‬
‫)رحلة( برنامج تلفزيوني قدمه الستاذ )حمزة يوسف( الذي يعمل مستشارا‬
‫للبيت البيض وللجامعة العربية للشؤون السلمية‪ ،‬وهو مؤسس معهد‬
‫الزيتونة في كاليفورنيا‪ ،‬كما أنه أمريكي المولد واعتنق السلم‪.‬‬
‫و يصاحبه مجموعة من الشباب المسلم العربي‪..‬‬
‫يتضمن البرنامج جولت في أمريكاوكان خط سيرهم يمر نيوميكسيكو‪،‬‬
‫فيلديلفيا‪ ،‬بوسطن‪ ،‬نيويورك‪ ،‬واشنطن‪ ،‬شيكاغو‪ ،‬سان فرنسيسكو يلتقون‬
‫فيها بالمسلم وغير المسلم مسيحيا ً كان أم يهوديًا‪.‬‬
‫وكانت من أهم أهدافهم في البرنامج معرفة آراء الشعب المريكي عما‬
‫يحدث في العراق‪ ،‬وعن رأيهم في السلم والمسلمين‪ .‬وهنا تابعنا عن كثب‬
‫رأي الخر فينا ورأينا نماذج المسلمين الرائعة هناك‪..‬‬
‫كانت رحلة جسرا ً جديدا ً يمتد إلى هناك يحمل معه وإلينا )جهدا( يتسحق‬
‫ً‬
‫التقدير‪.‬‬
‫* مجلس العلقات السلمية المريكية )كير(‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫يعتبر اكبر منظمات الحقوق المسلمة المريكية ولـ)كير( ‪ 29‬مكتبا وفرعا‬


‫اقليميا وتهدف الى زيادة فهم المجتمع المريكي للسلم وتشجيع الحوار‬
‫وحماية الحريات المدنية وتقويه المسلمين المريكيين وبناء التحالفات المعنيه‬
‫بنشر العدالة‪.‬‬
‫قامت المؤسسة بنشر معلومات تعزز قوى المسلمين المريكيين وتزيد من‬
‫وعيهم السياسي والحقوقي والعلمي‪ ،‬كما استخدمت كير قوة قواعدها‬
‫الجماهيرية لمواجهة الفكار التي تثير الخوف من السلم والمسلمين‪.‬‬
‫ول نغفل أن جهودها تتركز في منطقة مهمة في خريطة العالم‪.‬‬
‫سنورد )قطرات( من بحرهم هنا ‪..‬‬
‫قامت )كير(بحملة علقات عامة وجماهيرية واسعة لتوعية الرأي العام‬
‫المريكي بأخطاء وأضرار فيلم )الحصار( الذي أنتجته شركة أفلم )‪20th‬‬
‫‪ (Century Fox‬والذي يصور المسلمين والعرب كخطر حقيقي على المجتمع‬
‫المريكي‪ ،‬فالفيلم الذي تم تصويره في " بروكلين" بمدينة " نيويورك" يحكي‬
‫عن مؤامرة تفجيرية ينوي المسلمون القيام بها مما كان سببا لقيام الجيش‬
‫المريكي بإعلن حالة طوارئ عسكرية وتنظيم معسكرات اعتقال جماعية‬
‫ضد المسلمين والعرب المريكيين!‬
‫وبدل من تنظيم حملت الحتجاج التقى مسئولو كير بمنتجي الفيلم لمناقشة‬
‫مخاوف كير من النتيجة السلبية المحتملة التي قد يتركها الفيلم على مسلمي‬
‫أمريكا وعلى الرأي العام المريكي ورؤيته للسلم وللمسلمين‪ ،‬واستجابة‬
‫لتحليلت كير حول الفيلم وافقت شركة )‪ (20th Century Fox‬على إدخال‬
‫بعض التعديلت الطفيفة على مشاهد معينة‪ ،‬ولكنها رفضت إعادة النظر في‬
‫الحبكة الدرامية للفيلم‪ ،‬فقد ادعت الشركة أن الفيلم يناهض فكرة الخوف‬
‫من السلم ويعارض مبدأ انتهاك الحكومة للحقوق الدستورية‪ ،‬لذا رفض‬
‫مسئولو كير هذه المبررات‪ .‬وطالبوا المسلمين المريكيين بتنظيم مظاهرات‬
‫سليمة أمام دور العرض السينمائي التي عرضت الفيلم لتوزيع معلومات عن‬
‫السلم ولتوزيع تحليلت للفيلم وأضراره‪ ،‬ونال هذا التحرك اليجابي إعجاب‬
‫المراقبين‪ ،‬كما سجلت العديد من وكالت الخبار أن مبيعات الفيلم خسرت‬
‫‪ 20‬مليون دولرا أمريكيا‪.‬‬
‫كما أننا ل نستطيع إغفال ما انتشر من مشاعر عداء ضد المسلمين على‬
‫شبكة النترنت عام ‪ ،1998‬وبالتعاون مع شركة ‪ AOL‬ساعدت كير في‬
‫إيقاف موقع إنترنت حاول تقليد القرآن‪ ،‬وقالت شركة ‪ AOL‬إن الموقع يخرق‬
‫قواعد الخدمة التي توفرها لكونه صمم بشكل واضح لليذاء والتشهير‪.‬‬
‫وفي حادثة هامة أعلنت كل من كير وشركة ‪ Nike‬للمنتجات الرياضية قرارا‬
‫بشأن قضية حازت على اهتمام شعبي وإعلمي واسع‪ ،‬إذ صممت الشركة‬
‫خطئا شعارا على أحد أحذيتها الرياضية يشبه لفظ الجللة " الله" باللغة‬
‫العربية‬
‫وبعد مفاوضات استطاعت كير وشركة " نايكي" حل الخلف بينهما بوضع‬
‫شروط ثنائية وافق عليها الطرفان‪ ،‬وتضمن التفاق أن تقوم شركة " نايكي"‬
‫بالعتذار على التصميم المسيء وبسحبه من السواق العالمية‪ ،‬وكذلك قيام‬
‫نايكي بإدخال التعديلت الدارية المناسبة التي تضمن عدم وقوع إدارة‬
‫التصميم بها في مشاكل مشابهة في المستقبل‪.‬‬
‫وقد أصبحت قضية ‪ Nike‬من القضايا الشهيرة في وسائل العلم المريكية‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى أنها باتت تدرس في كلية التجارة والعمال بجامعة "جورج واشنطن"‪،‬‬
‫كما ظهرت في العديد من الكتب الدراسية المريكية الخاصة بعلم التسويق‪.‬‬
‫إن هذه المثلة لم تكن إل نماذج للعديد من النقاط المضيئة في طريقهم‬
‫والمحاولت )العملية( لتصحيح صورة العرب والمسلمين في أمريكا‪..‬فهل‬
‫نتابعهم؟ ندعمهم؟ نمد لهم يد العون في الغربة؟!‬
‫‪Http://www.cair-net.org‬‬
‫* اهتمام الغرب بالسينما اليرانية مؤشر مدخل للتصحيح!‬
‫تقول )ذيبا مير حسيني( التي حصل فيلمها الول والوحيد‪ ،‬الطلق على‬
‫الطريقة اليرانية‪ ،‬على عدد من الجوائز‪ ،‬أخذت مكانها بين نحو ثلثمئة جائزة‬
‫حصدتها إيران في السنوات العشر الخيرة في حديث لها مع بي بي سي‬
‫أونلين‪.‬‬
‫) إن السبب يكمن في أن السينما اليرانية تقدم صورة مناقضة ومخالفة‬
‫للصورة التي يحملها الغرب في مخيلته للجمهورية السلمية وللسلم بصورة‬
‫عامة‪ .‬فالفلم اليرانية تعكس مجتمعا إنسانيا لبعد الحدود مليئا بالفلسفة‬
‫والعمق والتناغم الشعري‪ ،‬كما أن بها بعض القيم التي يقدرها الغرب‪(.‬‬
‫سبب آخر كما تقول ذيبا هو أن السينما اليرانية تقدم أفلما مختلفة عن‬
‫نوعية الفلم التي تنتجها هوليود‪ ،‬أفلما غنية بالمشاعر النسانية وتعطي‬
‫لمحة عن مجتمع مختلف مغلق أمام الغرب منذ عشرين عاما‪..‬‬
‫وهنا إن كان المجتمع اليراني منغلقا ً منذ عشرين عاما ً فماذا عن مجتعاتنا‬
‫السلمية ككل التي أغلقت في )إيطار(‬
‫يحتاج قوة إعلمية لكسره!‬
‫ومن أين تأتي قوة العمل إل من قوة )الفراد( بعد خالقهم‪...‬‬
‫وحينما تصطف النقاط تصبح خطًا‪...‬وإن شئنا فقد يكون مستقيما ً أيضا‪ً.‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫ومن الجانب الخر كيتي زيجلمانز‪ ،‬وهي أستاذة بجامعة ليدن الهولندية ومن‬
‫المهتمين بالسينما اليرانية‪ .‬تقول‪ :‬السينما اليرانية بها غموض غريب وإثارة‪،‬‬
‫كما أنني كمشاهدة غربية ل أستطيع المساك بالمعنى الذي يريد المخرج‬
‫التعبير عنه‪ ،‬صحيح أنني أدركه من الناحية المعنوية لكن ل يمكنني وضع يدي‬
‫عليه أو لمسه ‪..‬‬
‫‪،،،،،‬‬
‫معا ً لحلول )عملية(‬
‫إن تصحيح صورة السلم في العالم وتخليصها من كل ما يشوبها‪.‬‬
‫هو من المهام المستعجلة المطروحة بل )الملزم( بها المسلمون؛ لنه ل‬
‫يمكن لهذه الفجوة بين المجتمع المسلم العربي والخر أن تستمر في‬
‫التعمق لدرجة يصعب معها التحكم في الوضاع العامة والستقرار الجتماعي‬
‫والتعايش بين المسلمين وغيرهم في العالم‪ ،‬كما أن الدين السلمي )طهر(‬
‫يتحتم علينا تبيان حقيقته رغم أنف أخطاء أبنائه‪..‬‬
‫إن الستبصار بحقيقة المشكلة وأسبابها‪..‬‬
‫سواء كانت السباب من أحد الطرفين أو كلهما هو البداية )الصحية( للعلج‬
‫المثل‪.‬‬
‫ويذكر المستعرب الياباني )نوبوآكي نوتوهارا( في كتابه )العرب وجهة نظر‬
‫يابانية( أثناء رحلته للعالم العربي أنه كانت ترافقه أسئلة بسيطة وصعبة على‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حد قوله هي‪:‬‬


‫" لماذا ليستفيد العرب من تجاربهم؟‪....‬نحن نعرف أن تصحيح الخطاء يحتاج‬
‫إلى وقت قصير أو طويل‪ .‬فلكل شئ وقت ولكن السؤال هو‪:‬كم يحتاج‬
‫العرب من الوقت لكي يستفيدوا من تجاربهم ويصححوا أخطائهم‪ ،‬ويضعوا‬
‫أنفسهم على الطريق السليم؟ "‬
‫هل بإمكاننا فقط أن نثير تساؤله في نفوسنا ومن ثم نشرع بخطى متفائلة‬
‫نحو )بعض( الحلول‪:‬‬
‫*تجديد الخطاب العلمي السلمي والعربي‪:‬‬
‫اللغة إن لم تكن حاجز فهي ثغرة وإن لم تكن ثغرة فهي مطلب‪..‬‬
‫أيا ً كانت ماهيتها فهي )ضرورة(‪..‬‬
‫وهناك ضرورة للعتراف بقصور)شديد( في الخطاب العلمي العربي‬
‫والسلمي الموجه نحو الخر‪.‬‬
‫إن العالم الفضائي العربي مغمض العينين ليس بالضرورة أن يغمضها أحدهم‬
‫فقد تكون هي ل تريد أن )ترى(!‬
‫وهنا علينا أن ندعم الوعي بضرورة )البصار( و)الستبصار( بحقيقة برامجنا‪،‬‬
‫حواراتنا وحتى مسلسلتنا‪..‬‬
‫هل الترجمة المكتوبة لمادتنا العلمية وعرضها في القنوات العالمية‬
‫)معضلة(‪..‬‬
‫وهل تنفيذ برامج بلغتهم وبمضموننا مهمة مستحيلة!‬
‫وهل أجبرنا على استخدام )مصطلحات( فرضت علينا‪.‬‬
‫وهل مازلنا نفكر هل )الساندوتش( شاطر ومشطور وبينهما طازج كما أراده‬
‫مجمع اللغة العربية!‬
‫*الحوار‪:‬‬
‫إن الحوار وبناء جسور الثقة والتفاهم يمنح )الفهم( الذي نسعى له لتكتمل‬
‫الصورة الناقصة في ذهن كل منهما‪ .‬كما أنه يعزز التوجهات اليجابية بين‬
‫الطرفين‪.‬‬
‫في حين تكون القطيعة ومحاربة التوجهات الدينية‪ ،‬والخوف من السلم‪،‬‬
‫والقناعة المعممة بأن الغربي فاسد ومتآمر غير مبررة وليست مقبولة ثقافيا ً‬
‫ودينيًا!‬
‫إن فتح حوار حضاري وثقافي وديني حقيقي بين الديانات والحضارات بين‬
‫السلم والغرب‪ ،‬دون أي استعلء‪ ،‬ومع العتراف المتبادل بالمساهمات‬
‫المشرقة التي قدمها كل منهما في إطار بناء الحضارة النسانية؛ والقتناع‬
‫المتبادل بأن المشروع الحضاري المعاصر يحتاج للمساهمات الغربية‪ ،‬كما‬
‫يحتاج أيضا ً للمساهمات الرائدة للسلم حضاريا ً وثقافيا ً وأخلقيًا‪.‬‬
‫ول يمكن لهذا الحوار الحضاري أن يحقق أهدافه وطموحاته المتوقعة ما لم‬
‫تراجع وسائل العلم والتصال الغربية سياسة فرض إقتران وهمي بين‬
‫السلم والرهاب‪ ،‬كلما تعلق المر بحادث أو أزمة طارئة‪.‬‬
‫وحتى يفتح المسلمون ذهنهم للخر دون النسلخ عن مبادئهم‪،‬كما أن عليهم‬
‫أن يكونوا المصدر الفاعل ل المدافع فحسب‪.‬‬
‫*لماذا ننتظر من )يدافع( ‪ ..‬فيم نملك سلحا ً آخر لظهار الحقائق؟!‬
‫إن تشكيل العرب والمسلمين في )العالم( ‪ -‬هيئات وأفراد ‪ -‬قوى ضاغطة‬
‫ترفع صوتها مدافعة عن صورتها وهويتها بدل من انتظار آن يبادر الخر‬
‫بالدفاع عنها أو بمهاجمتها ضرورة حتمية‪..‬‬
‫وضرورة عدم النتظار ل تعني أل نمد أيدينا مصافحة للخر الذي يسعى‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للتصحيح والمبادرة لظهار الحقيقة‪..‬‬


‫فهناك منهم من يدعم قضايانا ويشارك في محو التشويه الذي يعكر صفو‬
‫ملمحنا السلمية‪.‬‬
‫*)الكتابـ(ـات‪:‬‬
‫دعا )د‪ /‬عبد القادر طاش رئيس تحرير صحيفة البلد السعودية سابقًا( إلى‬
‫"ضرورة صناعة صورة بديلة جديدة ربما كان الغرب بعد أحداث سبتمبر‬
‫أيلول يبحث عنها‪ .‬وهو ما يشهد عليه القبال الكبير على )الكتابات( التي‬
‫تتحدث عن السلم في المرحلة الراهنة‪".‬‬
‫كتاب أم كتابات أيا ً كانت‪..‬‬
‫في صحفنا و صحفهم‪..‬لنسمعهم صوتا ً مسلما ً و عربي‪..‬‬
‫مضمونها‪،‬إقناعه‪،‬قوته وأول ً وأخيرا ً )صدقه( هو المفتاح الذي سيفك الكثير‬
‫من الطلسم التي تجهل حقيقة السلم والمسلمين‪.‬‬
‫* نملك )قيمًا( يفتقدها كثر فلنبدع فيما لدينا‪:‬‬
‫إننا نملك مجتمعا ً يحوي قيما ً شتى وأبعادا ً مختلفة وثقافة إسلمية نراها في‬
‫دقائق المور إن أردنا تصفية العدسة التي ننظر بها لمجتمعنا‪.‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫وعليه فإن التدقيق فيما حولنا يعطينا شارات ومداخل لمنح الخر الفضل بل‬
‫لمنح أنفسنا فرصة تنفس الهواء النقي في مجتعاتنا السلمية والعربية‪.‬‬
‫كما أن كل ذا )تخصص( يملك الكثير والكثير في مجال تخصصه‪..‬‬
‫خيرات الرض‪،‬خيرات الفكر‪،‬خيرات اليد النسانية معول ً أو قلما ً جميعها‬
‫عناصر نملكها فمتى التنفيذ؟‬
‫*الخلفات المذهبية ماذا تفعل هناك؟!‬
‫مشكلة الخلفات بين المسلمين خارج العالم السلمي تأتى نتيجة نقلهم‬
‫أخطائهم الجتماعية والفكرية من بلدهم إلى البلدان الجديدة التي نزحوا‬
‫إليها‪ ،‬وذلك فضل عن الخلفات المذهبية فى فهم الدين السلمى ومقاصده‬
‫والتركيز على الخلفات الفقهية في الفروع!‬
‫إن )طريقة( الجدل المذهبي لدينا قضية بحد ذاتها‪..‬وما ويزيد المر صعوبة أن‬
‫حرية التعبير التي ُتمنح لهم هناك ُتستغل لتمتد الخلفات‪..‬وتكن حينها أخطاء‬
‫)المسلمين( طاغية على حقيقة )السلم(‪..‬‬
‫وبذلك نشارك في ظلم ديننا وأنفسنا ونظرة الخر لنا الذي ل يملك إل ما‬
‫يرى وما يروى‪.‬‬
‫‪.‬إذا تجاوزنا عن إشكالية المصدر وأخطاء النقل المشوه‪.‬‬
‫[علينا أن نراعي أننا )نمثل( السلم وليس مذهب فحسب]‪.‬‬
‫* هل يتعلم المسلمون مما يجري شيئًا؟‬
‫تعلم المسلمون دروسا ً بعد الحادثة المفجعة في )أوكلهوما(‪ ،‬وعرفوا أن‬
‫سبب اضطهادهم هو شبهة تعميم تورط المسلمين في حوادث الرهاب‪،‬‬
‫وتنفسوا الصعداء حينما انكشفت هوية الفاعل‪ ،‬وبذلك تزعزعت الفرضيات‬
‫الخاطئة والشائعة عند عامة الغربيين‪ ،‬عن تحميل المسلمين مسؤولية العنف‬
‫في العالم‪.‬‬
‫وفي نفس الوقت كشفت حادثة أوكلهوما‪ ،‬المخاطر الحقيقية التي يتعرض‬
‫لها المسلمون بسبب هذه الشبهة‪ .‬ولو لم يتم إلقاء القبض على الجاني‬
‫بفترة زمنية قصيرة‪ ،‬لدفع المسلمون ثمنا فادحا لهذه الشبهة وبمرات‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مضاعفة‪ ،‬كما يدفعونها الن بعد أحداث نيويورك وواشنطن‪.‬‬


‫إن ما جرى وما يجري مؤشر بل جرس )نداء( ل )إنذار( لضرورة العمل في‬
‫إيجاد مخرج من الدائرة التي تحيط بالمسلمين‪.‬‬
‫إن )الجهد( ل يضيع‪..‬ولكن هل بدأنا ببذل الجهود حقًا‪..‬؟‬
‫إن كانت الجابة بل‪..‬فإلى متى‪..‬‬
‫وإن كانت الجابة بنعم‪...‬فلنبحث عمن يعمل ولندعم )معنويًا‪ ،‬ماديًا( بدل من‬
‫أن نتسابق في التصويت على الفضائيات العربية!‬
‫* هل نحن ترجمة للخر‪:‬‬
‫العلم ليس عبارة عن مجموعة واحدة متجانسة‪ ،‬فتغطية العلم البريطاني‬
‫لحدث ما أو موضوع إسلمي‪ ،‬يختلف عن تغطية الذاعات الفرنسية وكليهما‬
‫يختلفان عن العلم اليطالي أو النرويجي أو المريكي لنفس الحدث‪ ،‬كل‬
‫حسب توجهاته وسياسة كل دولة‪.‬‬
‫فلماذا إعلمنا ترجمة للخر وليس ترجمة لنا ليفهمنا الخر‪!.‬‬
‫*الفهم لواقعنا )واجب شرعي(‪:‬‬
‫)الصورة لن تتحسن طالما لزالت هناك رؤى خاطئة للنفس وبالتالي‬
‫للمجتمع خاصة مع المسافة المتناقضة بين )الرؤية الذاتية( والتي تعتمد على‬
‫القراءة الخاطئة للذات وبين )الرؤية المجتمعية( التي تعتمد على الرؤية‬
‫النقدوية للمجتمع بمعنى أن الفرد الذي ل ينتقد ذاته أو سلوكه هو ذاته الذي‬
‫قد يجتهد في نقد مجتمعه بتناقض ملحوظ‪،‬إن الوقوف على هذا التناقض‬
‫بقراءة واعية كفيل بالمساهمة في تحسين الصورة( هذا ما ذكرته الستاذة‬
‫غادة الخضير الكاتبة والمحاضرة في قسم علم النفس بجامعة الملك سعود‬
‫لـ)ـأبجد حياة( حول مدى إمكانية العقل العربي السلمي في فهم واقعه‬
‫المعاصر‪.‬‬
‫ً‬
‫وهنا نحن نبحث تلك الرؤية لدى الخر علها )محفزا( لدراك الحقائق‪.‬‬
‫*الجاليات المسلمة سفراؤنا في العالم‪:‬‬
‫إن واجب الدفاع عن السلم وتحسين صورته في الغرب‪ ،‬يفرض على‬
‫الجاليات المسلمة في أوربا العمل على‪:‬‬
‫‪ -‬ترشيد الصحوة السلمية وتوجيه شبابها المؤمن نحو منهج الدعوة إلى الله‬
‫بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬والمرتكزة على مبدأ العتدال والحوار والوئام‬
‫دون مغالة أو تشدد أو تعصب‪.‬‬
‫وذلك تحقيقا ً لقوله تعالى‪:‬‬
‫} وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول‬
‫عليكم شهيدًا{‪.‬‬
‫ي خال من كل ما يمكنه أن يضّر‬ ‫ساك ُن ِ ّ‬
‫‪ -‬العمل ليجاد مناخ اجتماعي ت َ َ‬
‫مه الستقرار‬ ‫بالعلقات الطيبة بين الجاليات المسلمة وغيرها‪ ،‬مناخ يع ّ‬
‫والطمأنينة والتعاون‪ .‬غير أن على الجالية المسلمة المدعوة لمراعاة قوانين‬
‫البلد التي تعمل فيها‪ ،‬وتستفيد في إطار أنظمتها التشريعية والقانونية‬
‫وعوائدها وظروفها‪ ،‬أن تعمل على تحصين هويتها السلمية وعقيدتها الدينية‬
‫ومقوماتها المتميزة وحقوقها الجتماعية المشروعة‪.‬‬
‫‪ -‬العمل أيضا ً لتكثيف الجهود وتنسيقها بين كل العناصر المسلمة وقادة الرأي‬
‫في العالم‪ ،‬وذلك في إطار العمل السلمي المشترك‪ ،‬ومحاولة التخلي عن‬
‫أسباب الخلفات والصراعات التي ل تفيد السلم والمسلمين‪ ،‬وذلك عمل ً‬
‫بقول الله عز وجل } واعتصموا بحبل الله جميعا ً ول تفرقوا {‪.‬‬
‫‪ -‬التواصل )المستمر( مع المؤسسات السلمية والعربية داخل المجتمع‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغربي لستقاء الجديد و)الصح( عن عالمهم ولدعم الجهود المبذولة‬


‫والمشاركة في تغيير الصورة‪.‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫*استطلعات )الرأي( العامة أولى الخطى نحو التصحيح‪:‬‬


‫وذكر لـ)أبجد حياة( د‪ /‬وليد عبدالله اختصاصي وراثة جزئية‪:‬‬
‫)أن فهم الفرد العربي المسلم لصورته لدى الخر لن يكون إل بإجراء‬
‫استطلعات رأي عامة وشاملة من مصادر مختلفة لبدء مسيرة التغيير بنظرة‬
‫الخر عن السلم والمسلمين‪(.‬‬
‫وهنا يتضح مطلب علمي منظم وتغيير )حقيقي( حتى في أسلوب العلج الذي‬
‫يستخدمه المجتمع السلمي العربي لتصحيح صورته‪.‬‬
‫*الطفل ‪ ..‬لبنة الجيل الجديد‪:‬‬
‫نفتقد الرسوم المتحركة ذات الطابع الخلقي الناضج‪.‬‬
‫والتي ترسم للطفل العربي المسلم النموذج الذي يتطلع و)يعمل( لجله‪..‬‬
‫الطاقات الشابة التي يتمتع بها العالم السلمي والعربي لبد تحمل بين‬
‫حناياها‪..‬‬
‫حلما ً يستحق التنفيذ‪..‬‬
‫*الرسائل الموجهة للصحف وماذا يقول )القصيبي(‪:‬‬
‫ذكر د‪/‬غازي القصيبي في كتابه )حياة في الدارة (‪:‬‬
‫)أن هناك مكتب متخصص في إعداد [رسائل موجهة للصحف] في لوس‬
‫أنجلوس وفي كل مدينة أمريكية‪.‬‬
‫وبوسع كل متعاطف مع إسرائيل يرى مقال ً ل يعجبه عن اسرائيل أن يرسل‬
‫المقال إلى المكتب‪،‬وفي خلل ‪ 48‬ساعة يصله رد جاهز بالرقام والتواريخ‬
‫وماعليه إل توقيعه وإرساله إلى الصحيفة المعنية‪.‬‬
‫هذا مايفسر لنا أنه يستحيل أن ينشر أي مقال ضد اسرائيل في أي صحيفة‬
‫أمريكية دون أن تصل هذه الصحيفة عدة ردود )عقلنية( تعترض على‬
‫المقال‪.‬‬
‫كثير من العرب يكتبون رسائل إلى الصحف ولكنهم يكتبونها بطريقة انفعالية‬
‫تحول بينها وبين النشر‪ ،‬أو تسئ إلى القضية أكثر مما تخدمها إذا نشرت‪.‬‬
‫كتابة الرسائل إلى الصحف فن قائم بذاته‪،‬لعلقة له بالبلغة‪ ،‬ول بعدالة‬
‫القضية(‪.‬‬
‫هل نحتاج هكذا مكتب؟! أم هل نملك إنشاء مكتب مماثل؟!‬
‫وهل إنشاءه ضرب من المستحيل!‬

‫)‪(21 /‬‬

‫صورة قلمية لرجل القلب‬


‫بقلم‪ :‬م‪ .‬فتح الله كولن‬
‫رجل القلب بأفقه وعقيدته وتصرفاته يمثل بطولة الروح والمعنى‪ ،‬وإن عمقه‬
‫وسعته ليس من ناحية المعلومات التي اكتسبها‪ ،‬بل بغني قلبه وصفاء روحه‬
‫وقربه من الحق تعالى‪ .‬فقيمة المعارف المطروحة أمامه كعلوم هي بمقدار‬
‫ما تكون سببا في إرشاد النسان إلى الحقيقة‪ ،‬أي أن المعلومات التي ل‬
‫تساعدنا على فهم حقيقة الوجود والشياء والنسان‪ ،‬والمعارف النظرية التي‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل تملك فوائد عملية ل تملك قيمة عنده‪.‬‬


‫صاحب القلب الحي يكون مبرجا ً للحياة القلبية والروحية‪ ،‬وعازما على البقاء‬
‫ً‬
‫بعيدا ً عن كل التلوثات المادية منها والمعنوية‪ ،‬وحذرا ً على الدوام من كل‬
‫الرغبات الجسدية‪ ،‬ويقظا ً ومستعدا ً للكفاح ضد مشاعر الحسد والنفور‬
‫والكراهية والنانية والشهوات‪ ...‬كل ذلك ضمن خلق من التواضع والبساطة‪.‬‬
‫يبذل قصارى جهده في كل وقت لمد يد العون لتجلية الحق وإظهاره‪ ...‬هو‬
‫عنوان اليثار الذي يشتعل شوقا ً لكي ينقل إلى الخرين ما أحس به وشعر به‬
‫في عالم الملك والملكوت‪ ...‬صابر ووقور‪ ،‬وبدل ً من الكلم كثير‪ ،‬أو الضجيج‬
‫الكبير تراه يعيش حسب عقيدته وإيمانه‪ ...‬هو رجل حركة ودعوة وإيمان‬
‫وقدوة حسنة لغيره بطراز معيشته وأسلوب حياته‪ ...‬هو في حركة دائبة ل‬
‫تعرف الفتور‪ ...‬يعّلم غيره آداب التوجه إلى الله والفرار إليه‪ ...‬لو سبرت‬
‫أغواره رأيت نارا ً تتأجج فيها‪ ...‬وهو عندما يحترق ل يشكو ول يظهر أي غم‪ ،‬أو‬
‫حزن‪ ،‬ول يفكر في إظهار أي لعج من لواعج اللم لغيره‪ ...‬يحترق بهدوء‬
‫ويدفئ أرواح كل من يلجأ إليه‪ ،‬وينفث فيها الحرارة‪.‬‬
‫هناك على الدوام أفق بعيد في هدف رجل القلب‪ ...‬هو رجل اليمان المرتبط‬
‫برضا الحق تعالى‪ ،‬الدائم السير‪ ،‬يقطع المسافات تلو المسافات مثل جواد‬
‫أصيل ل يعرف الفتور حتى يبلغ هدفه ومبتغاه‪ ،‬دون أن يفكر في شيء من‬
‫حطام الدنيا‪.‬‬
‫هو رجل الحقيقة الذي ل يفكر في قعوده وقيامه وفي حركته وسكونه إل في‬
‫الحق وكيف يقيمه في الدنيا وينشره‪ .‬وهو مستعد بكل رحابة صدر للخلي‬
‫عن كل رغباته ومطالبه في هذا السبيل‪ ...‬يفتح صدره للجميع‪ ...‬يحتضن‬
‫الجميع بشفقة‪ ،‬ويظهر في المجتمع على الدوام بصورة الملك الذي يفتح‬
‫جناح الحماية والصيانة‪ ،‬ومع هذا فل ينتظر من غير الله تعالى شيئًا‪ ...‬يحاول‬
‫في جميع تصرفاته وسلوكه أن يكون منسجما ً مع الجميع‪ .‬ل يشاكس أحدا ً ول‬
‫يضمر عداوة لحد‪ .‬ومع وجود وجهات نظر خاصة به في بعض الحيان حسب‬
‫مهنته ومشربه‪ ،‬إل أنه ل يدخل في أي منافسة أو احتكاك مع أحد‪ ،‬بل على‬
‫العكس يحب كل من يقدم خدمة لدينه ووطنه وأمته‪ .‬ويؤيد ويصفق لكل‬
‫صاحب عمل إيجابي‪ ،‬ويبذل عناية خاصة في هذا التأييد لكي يبقى موقرا ً‬
‫لمنزلتهم ولوجهات نظرهم‪.‬‬
‫رجل القلب يبذل في جميع ما يقوم به من فعاليات وما يبذل من جهود‬
‫اهتماما ً خاصا ً بتوفيق الله تعالى وعنايته ورعاية‪ ...‬ويبحث على الدوام عن‬
‫السبل التي توصله ليكون أهل لمثل هذه الرعاية والعناية‪ .‬لذا فهو يبذل عناية‬
‫خاصة للوحدة وللجماعة التي ذكر القرآن الكريم أنها وسيلة لجلب عناية الله‪.‬‬
‫وهو يسارع لعمل مشترك مع كل من يمشي في صراط مستقيم‪ ،‬بل والكثر‬
‫من هذا نراه يسلك طريقا ً ما على الرغم منه في ضمن هذا الطار من‬
‫سياسة الوفاق التي ينتهجها‪ ،‬وهو يعلم أن الرحمة في التحاد‪ ،‬وأنه ل يمكن‬
‫تحقيق أي شيء بالخلف والفرقة‪ ،‬لذا يحاول أن يجمع جهود كل من حوله‬
‫ليكون قريبا ً من شآبيب رحمة الله وعنايته‪.‬‬
‫رجل القلب هو عاشق الحق تعالى والمتلهف لنيل رضاه‪ ،‬لذا نراه يربط جميع‬
‫حركاته وسكناته في كل امر وفي كل ظرف وحين برضاه تعالى ويبدي‬
‫حرصا ً في هذا الصدد ولو أدى به إلى الموت‪ ،‬وهو مستعد لن يضحى بكل‬
‫شئ للوصول إلى هذا الهدف‪ ...‬مستعد للتخلي عن أي أمر دنيوي وأخروي‪.‬‬
‫ل يوجد في عالم رجل القلب ادعاءات أمثال‪" :‬أنا عملت" أو "أنا الذي‬
‫أنجزت" أو "أنا الذي نجحت"‪ ،‬فهو يفرح بكل إنجاز عمله آخرون وكأنه هو‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي أنجزه ويعد نجاحات الخرين نجاحا ً له ويتبعهم تاركا ً لهم شرف الريادة‬
‫ومرتبتها‪ .‬بل يقوم بأكثر من هذا‪ ،‬فهو يرى أن الخرين سيكونون أكثر لياقة‬
‫ونجاحًا‪ ،‬لذا يهيء لهم جوا ً أكثر أمانا ً وراحة في أداء خدماتهم وجهودهم‪ ،‬ثم‬
‫يتأخر خطوة إلى الوراء لكي يكون فردا ً عاديا ً ضمن الفراد الخرين‪.‬‬
‫ونظرا ً لكون رجل القلب مشغول ً بعيوبه ومجاهدا ً لنفسه‪ ،‬لذا ل ينشغل بعيوب‬
‫الخرين ونقائصهم‪ ،‬بل ول يجد فرصة للنشغال‪ .‬ول يكتفي بعدم تعقب أخطاء‬
‫الخرين وعيوبهم‪ ،‬بل يعطي مثال ً جيدا ً للنسان الفاضل فيحاول توجيههم إلى‬
‫آفاق أرحب بالبتسامة‪ ،‬ويدرأ بالحسنة السيئة‪ ،‬ول يفكر بإيذاء أي شخص وإن‬
‫تعرض خمسين مرة للذى‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يرى رجل القلب أن قضاء عمره في محور اليمان وإطاره الكامل وتزيينه‬
‫بالخلص القضية الولى عنده‪ .‬وهو رجل حقيقة تراه قد نذر جميع أفكاره‬
‫ومشاعره وسلوكه في سبيل رضا الله تعالى‪ ،‬بحيث لو ُأعطيت له الدنيا وما‬
‫وراءها لما استطعت زحزحته عن هدفه‪ ،‬بل حتى لو ُأعطيت الجنات لما‬
‫انحرف عن وجهته وعن طريقه‪.‬‬
‫ل يدخل رجل القلب في أي منافسة مع الذين يشاطرونه فكره وطريقه‪ ،‬ول‬
‫يشعر نحوهم بأي حسد‪ ...‬على العكس يحاول ازالة عيوبهم وتكملة‬
‫نواقصهم‪ ،‬ويتصرف تجاههم تصرف عضو الجسد نحو سائر العضاء‪ ...‬أي‬
‫يتصرف بروح اليثار تجاه رفقائه في الدرب‪ ،‬في جميع المور المادية‬
‫والمعنوية من مقام أو منصب أو منزلة أو شهرة أو نفوذ‪ ،‬ويدفع بهم إلى‬
‫الصفوف المامية بينما يتراجع هو إلى الوراء‪ ،‬ليكون دل ّل ً على نجاحهم‬
‫ومصفقا ً لقابلياتهم وتوفيقهم وفرحا ً بهم فرح من يحتفل بالعيد‪.‬‬
‫ومع أن رجل القلب يبقى مرتبطا ً بمنهجه في العمل وحسب اجتهاده ومزاجه‬
‫ومذاقه إل أنه يبقى على الدوام محترما ً أفكار ومناهج الخرين وموقرا ً لهم‪،‬‬
‫ويكون مستعدا ً للعيش المشترك معهم‪ ،‬ول يفتر عن البحث عن طرق‬
‫التعاون المشترك مع من يقاسمهم الفكر نفسه‪ ...‬يبحث عن طرق التعاون‬
‫والمشاركة هذه ويطور معهم مشاريع العمل المشترك واضعا ً كلمة "نحن"‬
‫بدل ً عن "أنا"‪ .‬بل يكون مستعدا ً للتضحية بسعادته برحابة صدر في سبيل‬
‫إسعاد الخرين دون أن ينتظر من أحد جزاًء ول شكورًا‪ ،‬بل يعد مثل هذا‬
‫النتطار دناءة وسقوطا ً يترفع عنه‪ ،‬لذا نراه يبتعد عنه‪ ،‬ويهرب منه مثلما‬
‫يهرب من العقارب والثعابين‪ ،‬ويهرب من الرغبة في الصيت والشهرة‪،‬‬
‫ويحاول أن يكون منسيًا‪.‬‬
‫ل يعتدي رجل القلب على أحد‪ ،‬ول يقابل العتداء بالعتداء‪ ،‬ول يفقد اعتداله‬
‫حتى في أحرج الظروف‪ ،‬ول يتوانى أبدا ً من القيام بكل تبعات رجل القلب‪،‬‬
‫فهو يقابل الساءة بالحسان دوما ً لنه يعد القيام بالساءة من عمل الشرار‪،‬‬
‫لذا يتصرف كمثال لرجل الحسان‪.‬‬
‫يعيش رجل القلب خط القرب من الله )أي الولية( في ظل القرآن والسنة‪،‬‬
‫وفي إطار من شعور التقوى والعزم والحسان‪ .‬وهو حذر على الدوام من‬
‫المشاعر التي تميت القلب كالنانية والغرور وحب الشهرة‪ .‬وهو يعزو إلى‬
‫الله تعالى كل ما ينسبونه إليه وكل ما يقوم به من أعمال الخير ويقول‪" :‬كل‬
‫شيء منه" فيرجع كل شئ إلى صاحبه‪ ،‬وتراه يتحرج من كلمة "أنا" ويفضل‬
‫عليها كلمة "نحن" في كل ما يتعلق بالرادة النسانية‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل يخاف رجل القلب من أي أحد‪ ،‬ول يضطرب ول يرتبك أمام أي حدث‪ ،‬بل‬
‫يستند إلى الله ويتوكل عليه‪ ،‬ويتشبث بالسعي فيصل إلى التوفيق‪ ،‬ول يتراجع‬
‫أبدا ً عما يعتقد أنه حق‪.‬‬
‫ل يحمل رجل القلب ضغينة نحو أحد‪ ،‬ول سيما ممن ارتبطوا بالله تعالى‬
‫وساروا في طريقه‪ .‬وعندما يرى أصدقاء دربه ضمن عمل سيء فل يبتعد‬
‫عنهم‪ ،‬ول يشهر بهم‪ ،‬ول يخجلهم‪ ،‬بل ربما يحاسب نفسه ويرى أن معرفته‬
‫بأي سقطة من سقطات أصدقائه ربما كانت عيبا ً له‪.‬‬
‫يحذر رجل القلب من أي سوء ظن بالمؤمنين في التصرفات القابلة للتفسير‬
‫المعقول بل يحسن الظن بهم في كل ما يرى ويسمع‪ ،‬ول ينزحلق إلى ظنون‬
‫سلبية‪.‬‬
‫يعلم رجل القلب وهو يقوم بكل فعالياته وحركاته بأن هذه الدنيا ليست بدار‬
‫جزاء‪ ،‬بل دار خدمة‪ .‬لذا يؤدي ما عليه من مسؤوليات وخدمات ضمن نظام‬
‫دقيق جدًا‪ ،‬ويعد النشغال بالنتيجة شيئا ً ينافي التوقير لله تعالى‪ .‬وهو يعد ّ‬
‫خدمته للدين ولليمان وللنسانية أكبر وظيفة له في طريق الحصول على‬
‫رضا الله تعالى‪ .‬ومهما أنجز من أعمال كبيرة فل يجعل لنفسه أي نصيب‬
‫مادي أو معنوي ول يفكر في هذا أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ل يقع رجل القلب في اليأس أبدا ً وإن انفرط نظامه الذي بناه‪ ،‬ول يهتز أبدا ً‬
‫حتى وإن وقف الناس أجمعون ضده‪ .‬بل يقوم أمام جميع المصاعب وهو يصر‬
‫على أسنانه متحمل ً "هذه الدنيا ليست بدار زعل بل دار تحمل" يصبر ويبحث‬
‫عن طرق بديلة لحل المشاكل التي تعترض طريقه ول يفتر عزمه ول إقدامه‬
‫حتى في أحلك الظروف‪ ،‬بل يقوم بإنتاج إستراتيجيات مختلفة‪.‬‬
‫كر بأنه في أيامنا هذه التي تستهان فيها القيم النسانية‪،‬‬ ‫وختاما ً نقول ونذ ّ‬
‫وتتراجع فيها الفكار الدينية‪ ،‬ويطغى فيها في جميع الرجاء ضجيج الفارغين‬
‫واللهين فإننا في حاجة إلى أمثال هؤلء من رجال القلب كحاجتنا إلى الهواء‬
‫والماء‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ما أشبه الليلة بالبارحة‬


‫شتر في الندلس‬ ‫حادثة ب َْرب َ ْ‬
‫صورة لبشاعة الصليبيين وتخاذل المسلمين‬
‫د‪ .‬محمد بن إبراهيم أباالخيل أستاذ مساعد في كلية العلوم العربية‬
‫والجتماعية جامعة المام محمد بن سعود السلمية بالقصيم ‪26/8/1423‬‬
‫‪11/11/2001‬‬
‫تدهورت أوضاع المسلمين في الندلس إبان القرن الخامس الهجري ‪/‬‬
‫الحادي عشر الميلدي ‪ ،‬وكان مسلسل التدهور قد ابتدأ بالفتنة بين بني أمية‬
‫) حكام البلد ( أنفسهم من جانب وبينهم وبين غيرهم من جانب آخر ‪ .‬ثم‬
‫انقسمت البلد الندلسية شيعا ً وأحزابا ً ‪ ،‬فصارت السلطة فيها تتوزع بين أكثر‬
‫من عشرين دويلة صغارها لم يكن سلطانها يتجاوز بعض الحصون أو القرى ‪.‬‬
‫وقد ًأطلق على هذا العصر من التاريخ الندلسي عصر دول الطوائف ‪.‬‬
‫والمتأمل في أحوال تلك الدويلت يجد بين حكامها ـ رغم كثرة أعدادهم ـ‬
‫سمات مشتركة ‪ ،‬من أبرزها افتقاد أكثريتهم إلى الشرعية في حكم الراضي‬
‫التي يسيطرون عليها ‪ ،‬والقتتال العنيف بينهم في سبيل بسط النفوذ على‬
‫أكبر قدر ممكن من البلد ‪ ،‬كذلك التناحر على الحكم في داخل الدويلة‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الواحدة بين أفراد السر الحاكمة ‪ ،‬ومنها الستعانة باليهود والنصارى سواء‬
‫في شؤون الحكم والدارة ‪ ،‬أو في ضرب إخوانهم المسلمين ‪ .‬وقد عم أرجاء‬
‫الندلس في ظل سيطرة هؤلء الحكام فساد عريض على كافة المستويات‬
‫السياسية والدارية والقتصادية والجتماعية ‪.‬‬
‫بينما كان المسلمون في الندلس يعيشون هذه الوضاع المؤسية إذ تعرضت‬
‫بلدهم في طرفها الشمالي الشرقي المسمى الثغر العلى الندلسي لحملة‬
‫صليبية غاشمة شارك فيها عدد من القوى النصرانية ‪ ،‬وكان ذلك في منتصف‬
‫القرن الخامس الهجري ‪ .‬حيث أن النورمان الذين اعتنقوا النصرانية حديثا ً‬
‫انطلقوا من موطنهم الجديد نورماندي ـ الواقع في الشمال الغربي من‬
‫فرنسا ـ نحو الندلس بقيادة زعيمهم جيوم دي مونري ‪ ،‬وذلك بنصيحة ثم‬
‫تشجيع من بابا روما في ذلك الوقت أسكندر الثاني الذي كان يعرف هذا‬
‫القائد النورماني جيدا ً قبل هذه الحملة بسبب قدومه إلى إيطاليا وخدمته‬
‫للبابوية حينا ً من الزمن ‪ .‬وفي طريق الحملة إلى الندلس التحقت بها جموع‬
‫من الفرسان الفرنسيين ‪ ،‬ثم نزل الجميع في مملكة قطلونيا النصرانية‬
‫الكائنة في أقصى الشمال الشرقي من بلد الندلس ‪ ،‬ول ُيعلم إن كانوا‬
‫اخترقوا البلد الفرنسية ودخلوا قطلونيا من جبال البرتات الفاصلة بين فرنسا‬
‫وإسبانيا أم أنهم قدموا عن طريق البحر المتوسط ‪ ،‬وسواء كان هذا أو ذاك‬
‫فالحاصل أن قطلونيا النصرانية أذنت لهم بالنزول في أرضيها ‪ ،‬ثم سمحت‬
‫لهم بالعبور من خللها للهجوم على بلد المسلمين ‪ ،‬ول يستبعد أن يكون‬
‫بعض القطلونيين انضموا إليهم ‪.‬‬
‫وواضح مما سبق الصبغة الصليبية التي اكتست هذه الحملة ‪ ،‬فهي انطلقت‬
‫من قاعدة نصرانية ‪ ،‬وشارك فيها أكثر من بلد نصراني سواء بالجنود أو‬
‫بالسماح لها بالعبور من خلل أراضيه ‪ ،‬وفوق ذلك دور بابا روما في الشارة‬
‫بها وتشجيع قادتها ‪.‬‬
‫ً‬
‫تحرك هؤلء النصارى الصليبيون الذين بلغ تعدادهم زهاء أربعين ألفا من‬
‫قطلونيا غربا ً بجنوب صوب بلد المسلمين فحلوا في الثغر العلى الندلسي ‪،‬‬
‫قة فنازلوها أياما ً ‪ ،‬ولما لم ينالوا منها مأربا ً بارحوها‬ ‫وقصدوا أول ً مدينة وَ ْ‬
‫ش َ‬
‫شتر الواقعة إلى الشمال الشرقي‬ ‫وساروا شرقا ً حتى نزلوا على مدينة ب َْرب َ ْ‬
‫من مدينة سرقسطة قاعدة الثغر العلى ‪ ،‬وكانت يومئذ من أمنع القواعد‬
‫السلمية في الشمال الندلسي ‪ ،‬فضربوا حولها الحصار وذلك في جمادى‬
‫الخرة سنة ‪ 456‬هـ ‪ 1046 /‬م ‪ .‬ولقد كان من المنتظر أن يهب ملوك‬
‫الطوائف جميعا ً لدفع هذا الحصار الصليبي عن بربشتر ‪ ،‬دع عنك حكام الثغر‬
‫العلى الذين تقع عليهم مسؤولية الدفاع عنها بالدرجة الولى ‪ .‬لكن ـ‬
‫ياللسف ـ لم يتحرك هؤلء ول أولئك فتركوا المدينة تواجه الهجوم الصليبي‬
‫لوحدها ‪ ،‬ومن المحزن أن هذه المدينة كانت تابعة للمظفر يوسف بن‬
‫سليمان بن هود ‪ ،‬وكان على عداء صارخ مع أخيه المقتدر أحمد بن سليمان‬
‫بن هود منذ وفاة والدهما سليمان ‪ ،‬فلم يستطع المظفر انجادهما ‪ ،‬ولم‬
‫يتحرك أخوه المقتدر لنجدتها مع قدرته على ذلك ‪ ،‬ولم يكن من سبب يمنعه‬
‫من نجدتها سوى أنها كانت من أملك أخيه ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حاصر العدو المدينة ‪ ،‬وصمد المسلمون فيها ‪ ،‬وكان بعض المقاتلين منهم‬
‫يخرجون من آن لخر ويشتبكون معه في معارك شديدة ثم يرتدون إلى‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الداخل كرة أخرى ‪ .‬إل أن استمرار الحصار أربعين يوما ً أحدث في المدينة‬
‫ضيقا ً شديدا ً ‪ ،‬وقلت القوات فيها ‪ ،‬ثم حدث من جراء ذلك تنازع وخلف بين‬
‫أهلها ‪ ،‬فعلم النصارى بما جرى فشددوا قبضتهم ‪ ،‬وضاعفوا عدوانهم عليها‬
‫حتى تمكنوا بعد قتال عنيف من اقتحام السوار الخارجية للمدينة ‪ ،‬وقد دافع‬
‫المسلمون عن أنفسهم أشد دفاع ‪ ،‬وقتلوا من المهاجمين نحو خمسمائة ‪ ،‬ثم‬
‫انحازوا إلى المدينة الداخلية للتحصن بها ‪ ،‬والدفاع عن أنفسهم ‪ ،‬وبينما كانوا‬
‫دم أحد الخونة‬ ‫معتصمين فيها وقد عقدوا العزم على المقاومة لخر رمق إذ ق ّ‬
‫المنافقين للعداء معلومة في غاية الهمية تتعلق بأحد أسرار المدينة الذي‬
‫بمعرفته يستطيعون إنهاء المقاومة السلمية فيها بأقصر زمن ‪ ،‬حيث دلهم‬
‫على مجرى ) سرب ( الماء الرضي الذي يمدها بالماء ‪ ،‬فقاموا على الفور‬
‫بهدمه ‪ ،‬فانقطع الماء عن المحصورين ‪ .‬وهذا المنافق الذي قدم تلك‬
‫المعلومة للعدو يكثر وجوده حين تحل بالمة السلمية أزمات ‪ ،‬أو تصاب‬
‫بمحن ‪ ،‬فمثل هذا الصنف مذبذب في ولئه دائما ً بين المسلمين وعدوهم ‪،‬‬
‫فإن كانت الدائرة للمسلمين كان في صفهم ‪ ،‬وادعى أنه مخلص لقضيتهم ‪،‬‬
‫وإن رأى العداء في سبيلهم إلى النصر والغلبة انحاز في ولئه وهواه إليهم‬
‫لما يمني نفسه من السلمة من القتل ‪ ،‬والمكافأة على ما بذله من خدمة‬
‫لهم ‪.‬‬
‫على أي حال اشتد الظمأ بالمسلمين المحاصرين ‪ ،‬وبدا شبح الموت قريبا ً‬
‫منهم ‪ ،‬فبعثوا إلى قائد الجحافل الصليبية جيوم دي مونري يطلبون منه‬
‫المان على أنفسهم وأولدهم مقابل تسليم المدينة وترك ما بها من أموال‬
‫وأمتعة ‪ ،‬فرفض طلبهم ‪ ،‬وتابع هؤلء المعتدون الحصار حتى تمكنوا من‬
‫اقتحام المدينة عنوة بعد مواجهات عنيفة مع المسلمين ‪ ،‬فدخلوها دخول‬
‫الوحوش المفترسة ‪ ،‬فاستباحوا المدينة بمن فيها وبما فيها ‪ ،‬وقتلوا وسبوا‬
‫اللوف من أهلها ‪ .‬ثم أعلن القائد الصليبي المان ‪ ،‬ولما رأى كثرة الجموع‬
‫الخارجة من المدينة في ظل المان الذي قطعه لهم هاله ذلك فأمر‬
‫بالتخفيف منهم ‪ ،‬فأطيح أرضا ً بستة آلف منهم ‪ .‬وقد مات كثير من الشيوخ‬
‫والنساء والطفال بسبب العطش ثم الزحام عند الخروج من المدينة ‪ ،‬كما‬
‫امتنع نحو سبعمائة في قصبة المدينة ) قلعتها ( فمات معظمهم عطشا ً ‪.‬‬
‫أن اقتحام مدينة بربشتر وذبح أهلها بهذه الكيفية يقدم صورة جلية لما تعتمل‬
‫به قلوب النصارى المتعصبين من تعطش لدماء المسلمين ‪ ،‬فهم لم يقبلوا‬
‫منهم تسليم المدينة وكل ما يملكون من أموال ومتاع حين عرضوا عليهم‬
‫ذلك مقابل خروجهم فقط بأنفسهم وأولدهم بل أصروا أن يعملوا السيف في‬
‫رقابهم حتى بعد إعطائهم المان ‪ ،‬فدماء المسلمين عندهم أرخص الدماء ‪.‬‬
‫وهم كإخوانهم من الكفار إذا ظهروا على المسلمين ل يرقبون فيهم إل ً ول‬
‫ذمة ‪ .‬ومثل هذه الصورة نراها تكرر عبر التاريخ في حقل الصراع بين‬
‫المسلمين والنصارى حتى عصرنا الشاهد ‪ ،‬وليس ببعيد عنا ما قام ويقوم به‬
‫النصارى وإخوانهم اليهود في البوسنة والهرسك وكوسوفا وفلسطين‬
‫والشيشان وغيرها من بلد المسلمين الممتحنة ‪.‬‬
‫على أن هؤلء الصليبيين الذين اقتحموا مدينة بربشتر لم يكتفوا بالقتل‬
‫والسلب والسر والتعذيب فحسب بل ارتكبوا في حق أهلها المسلمين عمل ً‬
‫شنيعا ً ل يقدم عليها إل أخس الجنود وأنذلهم ‪ ،‬حين قاموا بهتك العراض‬
‫بطرق فضيعة ومؤذية ‪ .‬وندع المؤرخ ابن حيان الندلسي ) ت ‪ 469‬هـ ( الذي‬
‫عاصر الحدث وعايشه ـ يصف طرفا ً مما جرى لهل بربشتر المسلمين ‪،‬‬
‫حيث يقول )) ولما برز من بقي من أهل المدينة عنها إلى فناء بابها بعد من‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خفف منهم بالقتل ‪ ،‬وهلك بالزحمة ‪ ،‬ظلوا قياما ً ذاهلين منتظرين لنزول‬
‫القضاء بهم ‪ ،‬نودي فيهم بأن يرجع كل ذي دار إلى داره ووطنه بأهله وولده ‪،‬‬
‫وأزعجوا لذلك ‪ ،‬فنالهم من الزدحام قريبا ً مما نالهم في خروجهم عنها ‪ ،‬فلما‬
‫استقروا فيها مع عيالهم وذرياتهم اقتسمهم المشركون بأمر سلطانهم قسمة‬
‫قرروها بينهم ‪ ،‬فكل من صارت في حصته دار حازها ‪ ،‬وحاز ما فيها من أهل‬
‫سلط عليه من أرباب الدور بحسب‬ ‫وولد ومال ‪ ،‬يحكم كل علج منهم في من ُ‬
‫ما يبتليه الله به منهم ‪ ،‬يأخذ كل ما أظهره عليه من نشب ‪ ،‬ويقرره على ما‬
‫أخفاه عنه ‪ ،‬يعذبه أنواعا ً من العذاب حتى يبلغ نفسه عذرها منه ‪ ،‬فربما‬
‫زهقت نفس المسلم دون ذلك فاستراح ‪ ،‬وربما أنظره أجله إلى أسوأ من‬
‫سراهم وبناتهم‬ ‫َ‬
‫حرم أ ْ‬
‫ذلك ‪ ،‬فإن عداة الله كانوا يومئذ يتولعون بهتك ُ‬
‫بحضرتهم وعلى أعينهم إبلغا ً في تعذيب قلوبهم ‪ ،‬يغشون الثيب ‪ ،‬ويفتضون‬
‫سخنة عينه ‪ ،‬فعينه‬‫البكر ‪ ،‬وزوج تلك وأبو هذه موثق بقيد إساره ‪ ،‬ناظر إلى ُ‬
‫تدمع ‪ ،‬ونفسه تقطع ‪ 000‬فبلغ الكفرة فيهم يومئذ ما ل تلحقه الصفة على‬
‫الحقيقة (( )‪. (1‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولنا أن نتساءل عن موقف المة خاصة في بلد الندلس مما حصل لهل هذه‬
‫المدينة الندلسية البائسة ‪ .‬لعل أصدق من يعبر عن ذلك ابن حيان النف‬
‫الذكر الذي عايش الحدث ‪ ،‬وتجرع آلمه ‪ ،‬وعاش في غضون تلك اليام ‪،‬‬
‫فخبر واقعها ‪ ،‬ودقق في أحداثها ‪ ،‬واطلع على حال أهلها من حكام‬
‫ومحكومين ‪ ،‬يقول ابن حيان واصفا ً حال المة تلك اليام الذي وقع فيها ذلك‬
‫الحدث )) فمثل دهرنا هذا ‪ :‬فرس بهيم الشية ‪ ،‬ما أن يباهى بقرحة فضل ً عن‬
‫غرة ‪ ،‬قد غربل أهليه أشد غربلة ‪ ،‬فسفسف أخلقهم ‪ ،‬واجتث‬ ‫شدوخ ُ‬
‫أعراقهم ‪ ،‬وسفه أحلمهم ‪ ،‬وخّبث ضمائرهم ‪ ،‬فاحتوى عليهم الجهل ‪،‬‬
‫واقتطعهم الّزيف ‪ ،‬وأركستهم الذنوب ‪ ،‬ووصمتهم العيوب ‪ ،‬فليسوا في سبيل‬
‫الرشد بأتقياء ‪ ،‬ول على معاني الغي بأقوياء ‪ ،‬شاُُء من الناس هامل ‪ ،‬يعللون‬
‫أنفسهم بالباطل ‪ .‬من أدل الدلئل على جهلهم بشانهم اغترارهم بزمانهم ‪،‬‬
‫وبعادهم عن طاعة خالقهم ‪ ،‬ورفضهم وصية رسوله نبيهم عليه السلم ‪،‬‬
‫وذهولهم عن النظر في عاقبة أمرهم ‪ ،‬وغفلتهم عن سد ثغرهم (( ‪ .‬ثم يوضح‬
‫أثر هذا الواقع الذي كانت المة الندلسية تعيشه في ضعفها أمام أعدائها‬
‫النصارى بقوله )) حتى لظل عدوهم الساعي لطفاء نورهم يتبجح عراص‬
‫ديارهم ‪ ،‬ويستقرىء بسائط بقاعهم ‪ ،‬يقطع كل يوم طرفا ً منهم ‪ ،‬ويبيد‬
‫أمة (( ‪ .‬وأخيرا ً يرسم بقلمه البليغ رد الفعل المباشر لمن بأيديهم السلطة‬
‫والتأثير في الندلس ـ وقتذاك ـ على أحداث العتداء النصراني الصليبي على‬
‫أهل مدينة بربشتر فيقول )) ومن لدينا وحوالينا من أهل كلمتنا صموت عن‬
‫ذكرهم ‪ ،‬لهاة عن بثهم ‪ .‬ما إن ُيسمع عندنا بمسجد من مساجدنا ‪ ،‬أو محفل‬
‫من محافلنا مذكر بهم ‪ ،‬أو داع لهم فضل ً عن نافر إليهم ‪ ،‬أو مواس لهم ‪،‬‬
‫حتى كأنهم ليسوا منا ‪ ،‬أو كأن فتقهم ليس بمفض إلينا ‪ ،‬وقد بخلنا عليهم‬
‫بالدعاء بخلنا عليهم بالَغناء ‪ ،‬عجائب مغربة ‪ ،‬فاتت التقدير ‪ ،‬وعرضت‬
‫للتغيير ‪ ،‬فلله عاقبة المور ‪ ،‬وإليه المصير (( ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على أن المة السلمية في كل زمان ومكان مهما بلغ بها الضعف والهوان‬
‫فإن روح الجهاد والفداء ‪ ،‬ومعاني الخير والصلح باقية فيها ‪ ،‬ما أن تهزها‬
‫الحداث والدواهي حتى تسري في كيانها تلك الروح والمعاني وإن اختلفت‬
‫درجة الستجابة من بلد إلى بلد ‪ ،‬ومن قوم إلى آخرين ‪ .‬وفي مأساة بربشتر‬
‫السالفة الذكر لما حدث لها ما حدث هب رجال من طلبة العلم والعلماء في‬
‫الندلس ينكرون على الناس وحكامهم تبلد إحساسهم تجاه محنة إخوانهم‬
‫في تلك المدينة البائسة ‪ ،‬ويقرعونهم على موقفهم المتخاذل أمام النصارى‬
‫الصليبيين ‪ ،‬ويطالبونهم بالقيام بمسؤوليتهم في إزالة ذلك العدوان الغاشم‬
‫كل بحسب موقعه وطاقته ‪ .‬فبجانب ما سقناه آنفا ً من كلم ابن حيان‬
‫السابق الذكر الذي كان يتضمن في وقته إنكارا ً للتخاذل السلمي ‪،‬‬
‫واستنهاضا ً للهمم ـ فقد كتب أبو محمد عبد الله بن عبد البر ) ت ‪ 458‬هـ (‬
‫] وهو ولد أبي عمر بن عبد البر ‪ :‬المحدث والفقيه الندلسي المشهور‬
‫المتوفى ‪ 463‬هـ [ رسالة إلى المة جعلها على ألسنة أهل بربشتر يصفون‬
‫ما جرى لهم من محنة وكرب وشدة ووحشية على أيدي المهاجمين الصليبيين‬
‫‪ ،‬ثم ضمنها تحذيرا ً للمسلمين في الندلس حكاما ً ومحكومين أن يكون الدور‬
‫عليهم بعد ذلك إن لم يقوموا بواجبهم من النجدة والنصرة ‪ ،‬فمما قاله على‬
‫لسان البربشتريين بعد شرحه للمعاناة التي عاشوها ‪ )) ،‬فلو شهدتم ـ معشر‬
‫المسلمين ـ ذلك لطارت أكبادكم جزعا ً ‪ ،‬وتقطعت قلوبكم قطعا ً ‪ ،‬واستعذبتم‬
‫ت أسيافكم أغمادها ‪ ،‬وجفت أجفانكم‬ ‫طعم المنايا لموضع تلك الرزايا ‪ ،‬ولهجر ْ‬
‫رقادها ‪ ،‬امتعاضا ً لعبدة الرحمن ‪ ،‬وحفظة القرآن ‪ ،‬وضعفة النساء والولدان ‪،‬‬
‫وانتقاما ً من عبدة الطغيان ‪ ،‬وحملة الصلبان ‪ 000‬وقد ندب الله مسلمي‬
‫عباده إلى الجهاد في غير ما آية من الكتاب ‪ 000‬والرواية عنه عليه السلم‬
‫في فضل الجهاد ‪ 000‬أشهر من أن تذكر ‪ 000‬فالله الله في إجابة داعينا ‪،‬‬
‫وتلبية منادينا ‪ ،‬قبل أن ُتصدع صفاتنا كصدع الزجاج ‪ ،‬فهناك ل ينفع العلج (( ‪.‬‬
‫وبعد التأكيد على أن سبب ضعف المسلمين أمام العدو هو اقتراف الذنوب‬
‫والبعد عن دين الله يعود إلى القول )) فالحذر الحذر ! فإنه رأس النظر من‬
‫بركان تطاير منه شرر ملهب ‪ ،‬وطوفان تساقط من َقطر مرهب ‪ ،‬قلما يؤمن‬
‫من هذا إحراق ‪ ،‬ومن ذلك إغراق ‪ ،‬فتنبهوا قبل أن ُتنبهوا ‪ ،‬وقاتلوا في‬
‫أطرافهم قبل أن يقاتلوكم في أكنافكم ‪ ،‬وجاهدوهم في ثغورهم قبل أن‬
‫يجاهدوكم في دوركم ‪ ،‬ففينا متعظ لمن اتعظ ‪ ،‬وعبرة لمن اعتبر ‪ ،‬فانظروا‬
‫إلى ثغورنا كيف تهتضم ‪ ،‬وإلى أطرافنا كيف تخترم ‪ 000‬ودماؤنا مطلولة ‪،‬‬
‫وحدودنا مفلولة ‪ ،‬وأنتم عنا لهون ‪ ،‬في غمرة ساهون ‪ ،‬وكأنا لسنا منكم ‪ ،‬ول‬
‫جنن نحوكم منصوبة ‪ 000‬وأنه إن استلبت‬ ‫نحن سداد دونكم مضروبة ‪ ،‬و ُ‬
‫الطراف لم تتعذر النصاف ‪ ،‬والبعض للبعض سبب ‪ ،‬والرأس من الذنب ‪،‬‬
‫غير أنا دنونا وبعدتم ‪ ،‬وشقينا وسعدتم ‪ ،‬ورأينا وسمعتم ‪ ،‬وليس الخبر كالعيان‬
‫‪ ،‬ول الظن كالعرفان ‪ ،‬ولقد آن أن يبصر العمى ‪ ،‬وينشط الكسلن ‪،‬‬
‫ويستيقظ النومان ‪ ،‬ويشجع الجبان (( ‪.‬‬
‫وهناك من المفكرين الندلسيين من وجه اللوم إلى حكام بأعيانهم على‬
‫تقصيرهم في حق المسلمين المضطهدين في مدينة بربشتر المنكوبة ‪،‬‬
‫لكونهم أقوى حكام ذلك الزمان في بلدهم ‪ ،‬ومن هؤلء أبو حفص عمر بن‬
‫الحسن الهوزني ) ت ‪ 460‬هـ ( الذي كتب رسالة خاصة إلى المعتضد عباد‬
‫بن محمد بن عباد الذي كان يحكم غربي الندلس ‪ ،‬وكان من أكابر حكام‬
‫الطوائف ‪ ،‬فمما جاء في رسالته تلك قوله عن وقع الحادثة البربشترية في‬
‫النفوس )) كأن الجميع في رقدة أهل الكهف ‪ ،‬أو على وعد صادق من‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصرف والكشف ‪ ،‬وأنى لمثلها بالدفاع عن الحريم (( ‪ .‬وبعد أن يشير إلى‬


‫عجز المسلمين وخورهم ‪ ،‬وقعودهم عن الجهاد ‪ ،‬يصف طريقة مسلمي‬
‫الندلس في تعاملهم مع مخططات العدو التي راح ينفذها في بلدهم ‪،‬‬
‫فيقول )) إن حاربوا موضعا ً أرسلناه ‪ ،‬أو انتسفوا قطرا ً سوغناه ‪ ،‬وإن هذا‬
‫المر له ما بعده (( ‪ .‬ثم إنه نبه المعتضد إلى حقيقة بينة لمن نظر وتدبر في‬
‫شأن الندلس فقال في شعر ‪:‬‬
‫خرق ول غرب للدنيا إذا لم يكن شرق‬ ‫أعباد ضاق الذرع واتسع ال َ‬
‫فهو يلفت النظار إلى أن احتلل العدو أرض المسلمين في شرقي البلد ‪،‬‬
‫إنما هو في حقيقة المر فقدان لغربي البلد أيضا ً التي يحكمها المعتضد ‪ ،‬لن‬
‫بلد المسلمين واحدة ‪،‬ولن العدو لن يهدأ له بال ‪ ،‬أو يقر له قرار حتى يلحق‬
‫غربي البلد بشرقيها ‪.‬‬
‫ولقد أثمرت الدعوة إلى الجهاد بعد تسعة أشهر من العدوان الصليبي على‬
‫المسلمين في بربشتر ‪ ،‬فتداعى لها كثيرون ‪ ،‬حيث قدرت بعض المصادر‬
‫أعدادهم بنحو ستة آلف مجاهد ‪ ،‬وقد تقدمهم المقتدر بن هود الذي كان من‬
‫قبل قد تخاذل عن نجدة بربشتر والدفاع عنها ‪ ،‬كما شاركهم المعتضد بن‬
‫عباد أيضا ً الذي يعد من كبار ملوك دويلت الطوائف ‪ ،‬وقد تمخضت هذه‬
‫الحملة الجهادية عن هزيمة لبقايا النصارى المعتدين ‪ ،‬ومحو أثرهم من مدينة‬
‫بربشتر ‪.‬‬
‫أهم المصادر والمراجع‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ابن بسام ‪ :‬الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ‪.‬‬


‫البكري ‪ :‬جغرافية الندلس ) من كتابه المسالك والممالك ( ‪.‬‬
‫المقري ‪ :‬نفح الطيب من غصن الندلس الرطيب ‪.‬‬
‫محمد عبد الله عنان ‪ :‬دول الطوائف في الندلس ‪.‬‬
‫عبد الرحمن الحجي ‪ :‬التاريخ الندلسي ‪.‬‬
‫)‪ (1‬ابن بسام ‪ :‬الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ‪ ،‬ق ‪ ، 3‬م ‪ ، 1‬ص ‪– 183‬‬
‫‪. 184‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ة‬
‫ن تيمي َ‬
‫ب شيِخ السلم ِ اب ِ‬ ‫صوٌر من احتسا ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫الحمد ُ للهِ وبعد ُ ؛‬
‫م رباني شهد له العداُء قبل الصدقاِء بعلمه‬ ‫ة عال ٌ‬ ‫ن تيمي َ‬
‫خ السلم ِ اب ُ‬ ‫شي ُ‬
‫ه‬ ‫ُ‬
‫ب ‪ ...‬ألفت في سيرت ِ‬ ‫وعمله ‪ ،‬بحٌر في العلم ِ ‪ ...‬في الدعوةِ ‪ ...‬في الحتسا ِ‬
‫ن‬
‫خصصت رسائل علمية في فنو ٍ‬ ‫ت‪،‬و ُ‬ ‫ه في الجامعا ِ‬ ‫حققت كتب ُ‬ ‫ت‪،‬و ُ‬ ‫المؤلفا ُ‬
‫مختلفةٍ من علومه ‪ ،‬رد ّ على الفلسفةِ والمبتدعةِ واليهود ِ والنصارى ‪ ،‬عاش‬
‫ب‪،‬‬ ‫ة ‪ ،‬كان جبل ً شامخا ً في الحتسا ِ‬ ‫ت البدع ُ‬ ‫ة ‪ ،‬وغلب ِ‬ ‫ن عزت فيه السن ُ‬ ‫في زم ٍ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ك الظرو ِ‬ ‫ف وأحل ِ‬ ‫ب المواق ِ‬ ‫ة لئم ٍ ‪ ،‬شجاعٌ في أصع ِ‬ ‫ل يخشى في اللهِ لوم َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫س مباشرا ‪ ،‬متحسسا لمشكلتهم ‪ ،‬حريصا عليهم ‪ ،‬لم يكن‬ ‫ً‬
‫ه بالنا ِ‬ ‫كان اتصال ُ‬
‫منقطعا ً عنهم ‪.‬‬
‫ه‪-‬‬ ‫ه الل ُ‬
‫ة ‪ -‬رحم ُ‬‫ن تيمي َ‬‫ب حياةِ شيِخ السلم ِ اب ِ‬ ‫دعونا نأخذ ُ جانبا ً واحدا ً من جوان ِ‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب ‪ ،‬ليتبين أننا لم نتجاوزِ الحد ّ في الثناِء عليه ‪ ،‬مع اعتقادنا‬ ‫ب الحتسا ِ‬ ‫وهو جان ُ‬
‫ق‪،‬‬ ‫م رباني بح ٍ‬ ‫ه عال ٌ‬ ‫ه ‪ ،‬ولكن ُ‬ ‫الجازم أنه بشٌر يقعُ منه الخطأ ‪ ،‬ول ندعي عصمت ُ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ة واسع ً‬ ‫ه رحم ً‬ ‫ه الل ُ‬ ‫س بعلمهِ وعملهِ ‪ ،‬فرحم ُ‬ ‫ش بين النا ِ‬ ‫كان يعي ُ‬
‫س إنكارا ً على البدِع‬ ‫ِ‬ ‫النا‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫أش‬ ‫من‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫تيمي‬ ‫ن‬
‫ِ ُ‬ ‫اب‬ ‫م‬ ‫السل‬ ‫ُ‬
‫خ‬ ‫شي‬ ‫كان‬ ‫‪:‬‬ ‫الولى‬ ‫الصورة ُ‬
‫ب في‬ ‫ك ‪ ،‬فكان يحتس ُ‬ ‫ة ما يوقعُ المة في الشر ِ‬ ‫التي تقعُ في مجتمعهِ ‪ ،‬وخاص ً‬
‫ه ويخرج للنكارِ ‪ ،‬وهكذا‬ ‫إنكارها ‪ ،‬فمن حين سماعه بمنكرٍ ظاهرٍ يستخيُر الل َ‬
‫ش هموم المةِ ؟!‬ ‫ن العلماُء في المةِ ‪ ،‬فما فائدة ُ العالم ِ إذا كان ل يعي ُ‬ ‫يكو ُ‬
‫ة خلل سبعة قرون '' ) ص‬ ‫ن تيمي َ‬ ‫جاء في '' الجامِع لسيرةِ شيِخ السلم ِ اب ِ‬
‫ة وتفرد به وذلك في تكسير الحجاِر‬ ‫ن تيمي َ‬ ‫ل فيما قام به اب ُ‬ ‫‪ ، ( 134‬تحت فص ٍ‬
‫ع‬
‫لخادم ِ شيِخ السلم ِ إبراهيم بن أحمد الغياني ما نصه ‪ '' :‬فبلغ الشيخ أن جمي َ‬
‫ب‬
‫ق الذي داخل ) البا ِ‬ ‫م َ ّ‬
‫خل ِ‬ ‫س عند العمودِ ال ُ‬ ‫ما ذكر من البدِع يتعمدها النا ُ‬
‫ه في‬ ‫ب النافدانيين ( ‪ .‬فشد ّ عليه وقام ‪ ،‬واستخار الل َ‬ ‫الصغيرِ ( الذي عند ) در ِ‬
‫ه‬
‫ن عبد ُ الل ِ‬ ‫ف الدي ِ‬ ‫م القدوةُ شر ُ‬ ‫خ الما ُ‬ ‫الخروِج إلى كسرهِ ‪ ،‬فحدثني أخوه ُ الشي ُ‬
‫ج لكسرِ العمودِ‬ ‫خ يخر ُ‬ ‫س أن الشي َ‬ ‫ة قال ‪ :‬فخرجنا لكسرهِ فسمع النا ُ‬ ‫ن تيمي َ‬ ‫اب ُ‬
‫ن‬ ‫ق ؛ فاجتمع معنا خلقٌ كثيٌر ‪ .‬قال ‪ :‬فلما خرجنا نحوه ‪ ،‬وشاع في البلدا ِ‬ ‫ّ‬
‫خل ِ‬ ‫م َ‬‫ال ُ‬
‫ت‬‫ن في البلدِ ‪ ،‬وضج ِ‬ ‫خلقَ ‪ ،‬صاح الشيطا ُ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة طالعٌ ليسكر العمود َ ال ُ‬ ‫ن تيمي َ‬ ‫‪ :‬اب ُ‬
‫ن الفيجةِ تطلعُ '' ‪ ،‬وهذا‬ ‫ُ‬ ‫عي‬ ‫بقيت‬ ‫ما‬ ‫''‬ ‫‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫يقو‬ ‫هذا‬ ‫‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫مختلف‬ ‫ل‬‫ٍ‬ ‫بأقوا‬ ‫س‬‫النا ُ‬
‫ن‬ ‫ل ‪ '' :‬ما بقي اب ُ‬ ‫ل المطُر ‪ ،‬ول يثمُر الشجُر '' ‪ ،‬وهذا يقو ُ‬ ‫ل ‪ '' :‬ما ينز ُ‬ ‫يقو ُ‬
‫ل شيئا ً غير هذا ‪.‬‬ ‫ح بعد أن تعّرض لهذا '' ‪ ،‬وكل من يقو ُ‬ ‫ة يفل ُ‬ ‫تيمي َ‬
‫س‪،‬‬ ‫ب النا ِ‬ ‫ن ‪ :‬فما وصلنا إلى عنده إل وقد رجع عنا غال ُ‬ ‫ف الدي ِ‬ ‫خ شر ُ‬ ‫قال الشي ُ‬
‫ض‬
‫ب كسرهِ بع ُ‬ ‫ت ‪ ،‬أو ينقطعُ بسب ِ‬ ‫ة من الفا ِ‬ ‫خشية أن ينالهم في أنفسهم آف ٌ‬
‫ت‪.‬‬ ‫الخيرا ِ‬
‫جارين ‪ '' :‬دونكم هذا الصنم '' فما جسر‬ ‫قال ‪ :‬فتقدمنا إليه ‪ ،‬وصحنا على الح ّ‬
‫ت أنا والشيخ المعاول منهم ‪ ،‬وضربنا فيه ‪،‬‬ ‫م إليه ‪ .‬قال فأخذ ُ‬ ‫أحد ٌ منهم يتقد ُ‬
‫هوًقا '' [ السراء ‪] . 81 :‬‬ ‫ن َز ُ‬ ‫ل كا َ‬ ‫َ‬ ‫ن الَباط ِ َ‬‫ْ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ْ‬
‫حقّ وََزهَقَ الَباط ِ ُ‬ ‫جاَء ال ْ َ‬ ‫وقلنا ‪َ '' :‬‬
‫ب‬ ‫س فيه بالضر ِ‬ ‫ن نحن فداه ُ ‪ .‬وتابعنا النا ُ‬ ‫وقلنا ‪ :‬إن أصاب أحدا منه شيٌء نكو ُ‬ ‫ً‬
‫ورة ‪ ،‬طول كل صنم‬ ‫سدة مص ّ‬ ‫ه صنمين حجارة مج ّ‬ ‫حتى كسرناه ُ ‪ ،‬فوجدنا خلف ُ‬
‫نحو شبر ونصف ‪.‬‬
‫خ النووي ‪ '' :‬اللهم أقم لدينك رجل ً‬ ‫ف الدين ‪ :‬قال الشي ُ‬ ‫خ شر ُ‬ ‫وقال الشي ُ‬
‫ت‬‫ِ‬ ‫كراما‬ ‫من‬ ‫فهذا‬ ‫''‬ ‫جيرون‬ ‫في‬ ‫الذي‬ ‫القبر‬ ‫ويخرب‬ ‫‪،‬‬ ‫ق‬ ‫ّ‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫د‬‫العمو‬ ‫يكسر‬
‫س‬
‫الشيِخ محيى الدين ) أي النووي ( ‪ .‬فكسرناهُ ولله الحمد ُ ‪ ،‬وما أصاب النا ُ‬
‫من ذلك إل الخيَر ‪ .‬والحمد ُ للهِ وحده ُ '' ‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫ب‬‫ه ‪ -‬في الحتسا ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ة ‪ -‬رحم ُ‬ ‫ن تيمي َ‬ ‫ة بحاجةٍ لعلماء مثل شيِخ السلم ِ اب ِ‬ ‫فالم ُ‬
‫م الذي ل‬ ‫ك ‪ ،‬والعال ُ‬ ‫ت الظاهرةِ ‪ ،‬والتي توقعُ الناس في الشر ِ‬ ‫على المنكرا ِ‬
‫ك ؟!‬ ‫ك ‪ ،‬فمتى يتحر ُ‬ ‫م بوقوِع المةِ في الشر ِ‬ ‫ك ول يهت ُ‬ ‫يتحر ُ‬
‫ه‪،-‬‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ة ‪ -‬رحم ُ‬ ‫ن تيمي َ‬ ‫ب شيِخ السلم ِ اب ِ‬ ‫ش مع صورٍ من احتسا ِ‬ ‫لزلنا نعي ُ‬
‫ه‪-‬‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ة ‪ -‬رحم ُ‬ ‫ن تيمي َ‬ ‫ً‬
‫ف شيِخ السلم ِ اب ِ‬ ‫والصورة ُ التي معنا كانت سببا لتألي ِ‬
‫ه عليه وسلم ‪، -‬‬ ‫ل ‪ -‬صلى الل ُ‬ ‫ل على شاتم ِ الرسو ِ‬ ‫كتاب '' الصارم ِ المسلو ِ‬
‫سافا ً '' ‪ ،‬وكان نصرانيا ً‬ ‫ل يدعى '' عَ ّ‬ ‫ب رج ٍ‬ ‫ه بسب ِ‬ ‫وكان تأليف ُ‬
‫ل ‪ ،‬وماجرى لشيِخ السلم ِ ‪-‬‬ ‫ة بالتفصي ِ‬ ‫ن كثيرٍ يروي لنا الواقع َ‬ ‫م اب َ‬ ‫ك الما َ‬ ‫أتر ُ‬
‫ه ‪ -‬بسببها ‪ ،‬وكيف كان احتسابه ؟‬ ‫ه الل ُ‬ ‫رحم ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ف‬
‫سا ٍ‬ ‫ة عَ ّ‬ ‫ن كثيرٍ في '' البدايةِ والنهايةِ '' )‪ '' : (336 - 13/335‬واقع ُ‬ ‫قال اب ُ‬
‫ل حوران ] ‪ ،‬قد‬ ‫ن من جب ِ‬ ‫ل السويداء [ مكا ٌ‬ ‫ُ‬
‫النصراني ‪ :‬كان هذا الرجل من أه ِ‬
‫ه عليه وسلم ‪ ، -‬وقد استجار‬ ‫ي ‪ -‬صلى الل ُ‬ ‫ب النب ّ‬ ‫هس ّ‬ ‫ة أن ُ‬ ‫شهد عليه جماع ٌ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫اب‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫الدي‬ ‫تقي‬ ‫ُ‬
‫خ‬ ‫الشي‬ ‫فاجتمع‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫عل‬ ‫آل‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫أمي‬ ‫حجى‬ ‫ن‬‫َ ِ‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫أحم‬ ‫ن‬‫ساف هذا باب ِ‬ ‫عَ ّ‬
‫ث ‪ ،‬فدخل على الميرِ عز‬ ‫خ دارِ الحدي ِ‬ ‫ن الفارقي شي ُ‬ ‫ن الدي ِ‬ ‫خ زي ُ‬ ‫ة ‪ ،‬والشي ُ‬ ‫تيمي َ‬
‫ب السلطنةِ فكلماهُ في أمرهِ فأجابهما إلى ذلك ‪،‬‬ ‫ن أيبك الحموي نائ ِ‬ ‫الدي ِ‬
‫س‬
‫س ‪ ،‬فرأى النا ُ‬ ‫وأرسل ليحضرهُ فخرجا من عنده ومعهما خلقٌ كثيٌر من النا ِ‬
‫ل‬‫ب فسبوه ُ وشتموه ُ ‪ .‬فقال ذلك الرج ُ‬ ‫ل من العر ِ‬ ‫دم ‪ ،‬ومعه رج ٌ‬ ‫عسافا ً حين قَ ِ‬
‫س بالحجارةِ ‪،‬‬ ‫البدوي ‪ '' :‬هو خيٌر منكم '' ‪ -‬يعني النصراني ‪ -‬فرجمهما النا ُ‬
‫ة‬
‫ن تيمي َ‬ ‫ب فطلب الشيخين اب َ‬ ‫ة فأرسل النائ ُ‬ ‫ة قوي ٌ‬ ‫وأصابت عسافا ً ووقعت خبط ٌ‬
‫والفارقي فضربهما بين يديهِ ‪ ،‬ورسم عليهما في العذراوية ‪ ،‬وقدم النصراني‬
‫ه‪.‬‬
‫حقن دم ُ‬ ‫س بسببهِ ‪ ،‬وأثبت بينه وبين الشهودِ عداوة ً ‪ ،‬ف ُ‬ ‫عقد مجل ٌ‬ ‫فأسلم ‪ ،‬و ُ‬
‫ثم استدعى بالشيخين فأرضاهما وأطلقهما ‪ ،‬ولحق النصراني بعد ذلك ببلدِ‬
‫ل اللهِ ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪، -‬‬ ‫ه قريبا ً من مدينةِ رسو ِ‬ ‫الحجازِ ‪ ،‬فاتفق قتل ُ‬
‫ة‬
‫ة في هذه الواقع ِ‬ ‫ن تيمي َ‬ ‫ن اب ُ‬‫ي الدي ِ‬ ‫خ تق ّ‬ ‫ن أخيهِ هنالك ‪ ،‬وصنف الشي ُ‬ ‫ه اب ُ‬ ‫قتل ُ‬
‫ه '' الصارم المسلول على ساب الرسول '' ‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬ ‫كتاب ُ‬
‫سافا ً النصراني )‪'' : (13/360‬‬ ‫َ ّ‬ ‫ع‬ ‫أجار‬ ‫الذي‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫عاقب‬ ‫عن‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫كثي‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫اب‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫أيض‬ ‫وقال‬
‫ن‬
‫َ َ‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫عسا‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫بأ‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫الخب‬ ‫جاء‬ ‫الول‬ ‫ربيع‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫أواخ‬ ‫في‬ ‫‪:‬‬ ‫‪-‬‬ ‫هـ‬ ‫‪694‬‬ ‫سنة‬ ‫وفيها ‪ -‬أي ‪:‬‬
‫ل ُقتل‬ ‫أحمد بن حجى ‪ ،‬الذي كان قد أجار ذلك النصراني الذي سب الرسو َ‬
‫س بذلك '' ‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬ ‫ففرح النا ُ‬
‫ف النصراني ألف‬ ‫سا ٍ‬ ‫ه ‪ -‬على عَ ّ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ب شيِخ السلم ِ ‪ -‬رحم ُ‬ ‫ب احتسا ِ‬ ‫فبسب ِ‬
‫ه‪-‬‬ ‫ه الل ُ‬ ‫خ السلم ِ ‪ -‬رحم ُ‬ ‫ه '' الصارم المسلول '' ‪ ،‬والذي عالج فيه شي ُ‬ ‫كتاب ُ‬
‫ه عليه وسلم ‪، -‬‬ ‫ل ‪ -‬صلى الل ُ‬ ‫م شاتم ِ الرسو ِ‬ ‫مسائل عدة من أهمها ‪ :‬حك ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ل سواء كان مسلما أو كافرا ‪ ،‬وُيعد ّ‬ ‫ه ‪ -‬أن الساب ُيقت ُ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ورجح ‪ -‬رحم ُ‬
‫ً‬
‫ب المصنفةِ في المسألةِ ‪ ،‬ومرجعا ل يستغني عنه من‬ ‫ب من أهم الكت ِ‬ ‫الكتا ُ‬
‫ه عليه وسلم ‪. -‬‬ ‫ل ‪ -‬صلى الل ُ‬ ‫أراد التحقيقَ في شتم ِ الرسو ِ‬
‫ص البزار في '' العلم ِ العليةِ '' ) ص ‪ ( 22‬عن‬ ‫س لبي حف ٍ‬ ‫م بكلم ٍ نفي ٍ‬ ‫وأخت ُ‬
‫ه ‪ -‬ومنها '' الصارم المسلول ''‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ة ‪ -‬رحم ُ‬ ‫ن تيمي َ‬ ‫ت شيِخ السلم اب ِ‬ ‫مصنفا ِ‬
‫ب صغارا وكبارا ‪ ،‬وذكر فيها ما احتاج إلى ذكرهِ من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فقال ‪ '' :‬صّنف عدة َ كت ٍ‬
‫ل الصحابةِ وأسماِء المحدثين والمؤلفين ومؤلفاتهم ‪،‬‬ ‫الحاديث والثارِ وأقوا ِ‬
‫ب‬‫ل شيٍء من ذلك إلى ناقليه وقائليه بأسمائهم ‪ ،‬وذكر أسماَء الكت ِ‬ ‫وعزا ك ّ‬
‫التي ذكر فيها ‪ ،‬وفي أي موضٍع فيها ‪ ،‬كل ذلك بديهة من حفظهِ لنه لم يكن‬
‫ل ول‬ ‫ه ‪ ،‬وُنقبت واعُتبرت ‪ ،‬فلم يوجد بحمد الله خل ٌ‬ ‫ب يطالع ُ‬ ‫عنده حينئذ ٍ كتا ٌ‬
‫تغييٌر ‪ ،‬ومن جملتها كتاب '' الصارم المسلول على شاتم ِ الرسول '' ‪ ،‬وهذا‬
‫ه به '' ‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬ ‫ل الذي خصه الل ُ‬ ‫من الفض ِ‬
‫كتبه‬
‫عَْبد الله بن محمد ُزقَْيل‬ ‫ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫صوني عفافك‬
‫إلى تلك التي خرجت من بيتها متبرجة تجر حجابها و تقود سيارتها و تقول‬
‫حرروني ""؟‬
‫خرجت تقود العالمين ‪..‬إلى الهلك مدى الدهور‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نادت بتحرير النساء ‪...‬من التدين و الطهور‬


‫ظنت بأن الدين مات ‪..‬وما تبقى من غيور‬
‫كذبت لعمرو الله ‪..‬أن دمائنا ‪..‬تغلي تفور‬
‫والله لن تضعفي الحجاب‪..‬و طرفنا فينا يدور‬
‫لن تستطيعي مسه حتى نوارى في القبور‬
‫أرواحنا تفدي الحجاب قلوبنا ‪ ..‬بل و النحور‬
‫عودي لرشدك يا رشيدة ‪..‬قلبي هذي المور‬
‫قد أحكمت خطط الثعالب كحلت عين الصقور‬
‫لم يبق لليوم السعيد سوى الخروج من الخدور‬
‫فستخرج الحرباء كاشفة لهاتيك الشعور‬
‫و السلحفاة تزينت ‪..‬و الخنفساء بها عطور‬
‫و أتاننا تجري و يجري خلفها جحش نفور‬
‫والقرد قهقه ضاحكا و التيس يغمره السرور‬
‫و الذئب يقضي وطره و كذلك الكلب العقور‬
‫و اللذة الحمراء ترفل ل عقود ول مهور‬
‫و كأننا في غابة ‪ ..‬الظلم فيها والشرور‬
‫و كأنك الخفاش ‪..‬يهرب خائفا من كل نور‬
‫ممن اردت تحررا ‪..‬امن الرسول ‪..‬أم الغفور‬
‫إياك من خبث الثعالب قولهم كذب وزور‬
‫يا أختنا ‪..‬توبي لربك‪..‬واذرفي الدمع الغزير‬
‫أوما تريدين الجنان ‪..‬ول الظلل ‪..‬ول القصور‬
‫أوما تريدين السيادة ‪ ..‬بين ولدان ‪ ..‬وحور‬
‫أختاه‪ ..‬فلتحمي حجابك ‪ ..‬واختفي خلف الستور‬
‫صوني عفافك يا عفيفة ‪ ..‬واتركي أهل السفور‬
‫ل تسمعي قول الخلعة ‪ ..‬و الميوعة والفجور‬
‫فستذكرين نصيحتي ‪ ..‬يوم السماء غدا تمور‬
‫يوم يصرخ ظالم‪ :‬يا ويلتاه ‪..‬ويا ثبور‬
‫أبو حسان‬

‫)‪(1 /‬‬

‫صياغة القوة‬
‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪2/7/1427‬‬
‫‪27/07/2006‬‬
‫لشك أن الوعي المسلم يمر بمرحلة عصيبة في هذه اليام دون أن يرى‬
‫سبيل ً عملًيا للخروج من الزمة‪ .‬في فلسطين شعب بأكمله يعاني من الجوع‬
‫والذي والقهر والقتل اليومي وصعوبة الحركة وكسب الرزق‪ ..‬ويتعرض لبنان‬
‫ضا‬
‫للتدمير الشامل حيث يتم حرق كل شيء وتهجير الناس‪ ،‬وتعريضهم أي ً‬
‫ب‬‫ود كثير من العرب أن يأكلوا من خضاره وفاكهته! ه ّ‬
‫للجوع في بلد تع ّ‬
‫المسلمون كما يفعلون في كل مرة‪ :‬مظاهرات في كل مكان‪ ،‬وهتافات‬
‫ج بكلم المحللين السياسيين‪ ...‬والنتيجة‪:‬‬
‫واحتجاجات واتهامات‪ ،‬وفضائيات تع ّ‬
‫جمع شيء من المال لمواساة بعض المنكوبين‪ .‬لكن اليهود حاصروا الشعبين‪،‬‬
‫ومنعوا دخول أي شيء‪ .‬وقد اجتمعت أموال جيدة لدى جامعة الدول العربية‪،‬‬
‫وهي عاجزة عن إدخالها إلى المحتاجين إليها داخل فلسطين!! وضع صْعب‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للغاية‪ ،‬ومعظم الناس عاجزون عن فهمه واستيعابه‪ ،‬وعاجزون عن عمل‬


‫شيء يشفي الصدور‪ ،‬ويخفف من الكروب‪ .‬لعلي هنا أضع بعض العلمات في‬
‫محيط هذه الحالة المأساوية‪ ،‬وذلك عبر النقاط التية‪:‬‬
‫‪ (1‬هناك حقيقة قديمة وراسخة‪ ،‬نقول‪ :‬حين يصطدم طرفان‪ ،‬فإن كل واحد‬
‫منهما يستخدم أعظم ما لديه من قوة ونفوذ في سبيل تحقيق الغلبة‪ ،‬وفي‬
‫ظل تحالف الغرب مع اليهود وسكوت قسم من العالم على ما يجري يجد‬
‫القسم الثالث –وهم العرب والمسلمون‪ -‬أنفسهم عاجزين عن عمل أي‬
‫شيء‪ .‬هذه الحقيقة يجب أن تكون واضحة تمام الوضوح‪ ،‬فالرادع الخلقي‬
‫اليوم في أضعف حالته‪ ،‬واليهود يخافون من أن يسجل أعداؤهم أي نصر‬
‫حقيقي عليهم؛ لن هذا يعني تصدع المجتمع اليهودي‪ ،‬وربما انهياره‪ ،‬لن‬
‫معظم أبناء ذلك المجتمع من جنسيات أخرى‪ ،‬وباستطاعتهم العودة إلى‬
‫أوطانهم الصلية في أي وقت‪ ،‬ولهذا فإن قادة اليهود في فلسطين يتبعون‬
‫مع أعدائهم سياسة‪" :‬اسحق الذبابة بالمطرقة"‪ ،‬وهذا ما يفعلونه اليوم في‬
‫فلسطين ولبنان‪.‬‬
‫‪ (2‬الزمات ل توجد مشكلت جديدة‪ ،‬بمقدار ما تعّبر عن مشكلت قديمة‪ ،‬أي‬
‫نتيجة مشكلت متراكمة‪ ،‬كما أنها تجلو للناظرين ما كان خافًيا عليهم من‬
‫أمرهم‪ ،‬حين تأتي موجة شديدة من الحر‪ ،‬فإن بعض مرضى القلب يموتون؛‬
‫لنهم ل يتحملون تلك الموجة‪ ،‬وليس لنها أوجدت لديهم مشكلة جديدة‪،‬‬
‫ما‬
‫وهكذا نحن اليوم‪ .‬حين نشرت بعض الصحف في الدنمارك وغيرها رسو ً‬
‫ب العالم السلمي عن بكرة أبيه‪،‬‬ ‫تسيء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ه ّ‬
‫وأظهر من نبل المشاعر ومن الولء شيًئا مشرًفا وباهًرا‪ ،‬وحدثت مقاطعة‬
‫واسعة للدنمارك‪ ،‬والن هدأت العاصفة –وهذا طبيعي‪ -‬ولم يبق منها إل‬
‫العمال التي تم تأسيسها من أجل المستقبل أو من أجل مواجهة أزمة جديدة‬
‫حين نتعرض لزمة خطيرة نتساءل‪ :‬أنحن فقراء أم أغنياء؟ أنحن مترابطون‬
‫أم متفرقون؟ أنحن أقوياء أم ضعفاء؟ أنحن أعزة أم أذلة؟‪ ....‬وتأتي أجوبة ل‬
‫حصر لها‪ ،‬وكثير منها متناقض‪ .‬والجواب هو‪ :‬أننا فقراء وأغنياء في آن واحد‪،‬‬
‫ضا‪ ...‬وهنا تخطر في بالي المقولة الذائعة في بعض‬ ‫كما أننا أقوياء وضعفاء أي ً‬
‫الوساط الشعبية‪ ،‬عن المزارع والفلح‪ ،‬وحالهما في الفقر والغنى‪ ،‬يقول‬
‫الناس‪ :‬الفلح يعيش فقيًرا‪ ،‬ويموت غنًيا‪ .‬وهم يشيرون بذلك إلى أن الفلح‬
‫ضا‪ ،‬قد تساوي المليين‪ ،‬لكنه يعيش على الكفاف بسبب أن الرض‬ ‫يمتلك أر ً‬
‫ل تعطي من النتاج ما يتناسب مع قيمتها المرتفعة‪ .‬هل ذلك الفلح فقير؟‬
‫نعم لنه –حسب الظاهر‪ -‬مرتبك في تدبير قوت يومه‪ .‬هل هو غني؟ نعم لنه‬
‫ح إعطاؤه من الزكاة؟ قد يقول الفقيه‪:‬‬ ‫ضا تساوي الكثير‪ .‬هل يص ّ‬ ‫يملك أر ً‬
‫مادام ل يملك النصاب‪ ،‬فإنه يصح إعطاؤه منها‪ .‬والرض التي في حوزته هي‬
‫ما‪ ،‬وهذا هو وضع الكثير‬ ‫بمثابة المصنع‪ ،‬أو عتاد المهنيين‪ ...‬هذا هو وضعنا تما ً‬
‫من دول العالم النامي‪ .‬وعلى مدار التاريخ كانت الدول التي تعاني من‬
‫التخلف تملك المكانات والثروات والمواد الخام‪ ،‬لكنها تجد نفسها عاجزة عن‬
‫استغللها على النحو المثل‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ (3‬هل نستطيع بعد هذا أن نقول‪ :‬إن المشكلة التي تعاني منها أمة السلم ل‬
‫تتمثل في أنها ل تملك المعطيات‪ ،‬بل تتمثل في أنها ل تملك إدارة المعطيات‬
‫التي في حوزتها؟ وهل نستطيع القول‪ :‬إن زماننا ل يعبأ كثيًرا بالقوة الكامنة‪،‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول ُيعد ّ ذلك شيًئا خطيًرا‪ ،‬وإنما يهتم بما تملكه المم من أدوات وأساليب‬
‫سا‪ ،‬وذلك لن‬ ‫تستخدمها في إخراج تلك القوة من مكمنها لتصبح شيًئا ملمو ً‬
‫سا ليس في إيجاد ما ليس موجوًدا‪ ،‬وإنما في‬ ‫التقدم الحضاري يتمثل أسا ً‬
‫الستفادة من الموجود عن طريق التصنيع والتطوير والتوجيه والتركيز‪ ...‬وإن‬
‫قارة إفريقية تقدم ألف دليل على صحة ما نقول‪ ،‬كما تقدم دول محدودة‬
‫فا آخر‬
‫الثروات والمكانات مثل اليابان وسنغافورة واليهود في فلسطين أل ً‬
‫ف وقبل كل شيء عند‬ ‫من الدلة على ذلك‪ .‬إذن نحن في حاجة إلى أن نك ّ‬
‫ضا‬
‫التحدث عن المكانات الهائلة التي ل نعرف كيف نستفيد منها‪ ،‬ونّتجه عو ً‬
‫عن ذلك إلى الحديث عن كيفية الستفادة من تلك المكانات في خدمة‬
‫وجودنا وقضايانا وحل مشكلتنا‪ ،‬وإذا لم نفعل ذلك‪ ،‬نستشعر بالمزيد من خيبة‬
‫المل والمزيد من مرارة الذل والنكسار‪.‬‬
‫صياغة القوة ‪2‬‬
‫د‪ .‬عبدالكريم بكار ‪16/7/1427‬‬
‫‪10/08/2006‬‬
‫ن هناك أشياء ل‬ ‫ن من سنن الله ‪-‬تعالى‪ -‬في الخلق أ ّ‬ ‫شيء مهم أن نعتقد أ ّ‬
‫ضا ل ُتحصى‬ ‫ُتحصى تحتاج إلى صياغة‪ ،‬وإلى إعادة صياغة‪ ،‬وأشياء كثيرة أي ً‬
‫دانا كي نخرجها في‬ ‫تحتاج إلى تأهيل وإلى إعادة تأهيل‪ .‬كل مادة خام تتح ّ‬
‫وله إلى خيوط‪ ،‬فإذا صار خيو ً‬
‫طا‪،‬‬ ‫دى من يح ّ‬‫شكل ينتفع به الناس‪ .‬القطن يتح ّ‬
‫دي‪ ،‬ونسجناها‪،‬‬ ‫ولها إلى قماش‪ ،‬فإذا قبلنا التح ّ‬ ‫دى من يح ّ‬ ‫أخذت الخيوط تتح ّ‬
‫ولوه إلى ثياب تدفع عنا‬ ‫دى الخياطين ليح ّ‬
‫شا‪ ،‬صار القماش يتح ّ‬ ‫وصارت قما ً‬
‫د‪،‬‬
‫سن مظهرنا‪ ،‬كما تستر عوراتنا‪ ،‬هكذا كلما نجحنا في تح ّ‬ ‫الحر والبرد‪ ،‬وتح ّ‬
‫وجدنا تحد ًّيا آخر ينتظرنا‪ ،‬ومع كل نجاح نرتقي‪ ،‬ونتقدم‪ ،‬ونتخلص من عبء‬
‫كل مصدر استفزاز لولي اللباب‪ .‬هل تريد أن تعرف‬ ‫المواد الخام التي تش ّ‬
‫الفارق بين المم القوية والمم الضعيفة؟ إذا كنت تريد ذلك‪ ،‬فانظر إلى ما‬
‫درونه ويستوردونه‪ :‬المم القوية تستورد المواد الخام‪ ،‬وتصّنعها‪ ،‬ثم‬ ‫يص ّ‬
‫درها في شكل سلع ومنتجات باهظة الثمن‪ ،‬يشترون المواد الخام‬ ‫تص ّ‬
‫بالقنطار‪ ،‬ويبيعونها في شكل حبوب ومعلبات صغيرة وقطع دقيقة ومتقنة‪...‬‬
‫در‬
‫أما الدول الضعيفة والخذة في النمو‪ ،‬فإنها على العكس من ذلك؛ إنها تص ّ‬
‫المواد الخام‪ ،‬وتستورد السلع واللت والتجهيزات‪ ...‬أي أنها تستورد ما‬
‫درته بسبب عجزها عن تصنيعه‪.‬‬ ‫ص ّ‬
‫الفرد المسلم هو القوة الهائلة الساسية التي تحتاج إلى إعادة صياغة‪ ،‬أي‬
‫يحتاج إلى تحويل من قوة كامنة إلى قوة ملموسة وفاعلة ومؤثرة‪ ،‬إعادة‬
‫صياغة الفرد تستلزم الكثير من العمل‪ ،‬لكن يمكن أن نذكر بعض الملمح‬
‫الساسية في هذا الشأن‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -1‬النسان الحر هو النسان القوي؛ لن الحرية تسمح له بأن يبرع وينطلق‬


‫ويتعلم‪ ،‬ويعبر‪ ،‬ويتحمل المسؤولية‪ ،‬ومع أن معظم المسلمين في الرض‬
‫يعانون من قدر من القهر والذلل والكبت ‪-‬على درجات مختلفة‪ -‬إل أن كلمة‬
‫)الحرية( تخيفنا أكثر مما تخيفنا كلمات )الظلم( و)العسف( و )الكراه(‬
‫و)الستبداد( لماذا هذه الوضعية؟ ل أريد أن أدخل في متاهات صغيرة وفي‬
‫تحليلت جزئية؛ لكن ربما كان ذلك؛ لن كثيرين من أهل الغيرة يخشون من‬
‫أن تؤدي الحرية إلى الفوضى وانتشار اللحاد والفساد والعري وكل أشكال‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النحلل‪ .‬وهذا اعتراف صريح أو اهتمام بأن البيوت والمدارس ل تربي‪ ،‬وبأن‬
‫الضمير والوازع الشخصي لدى الشباب‪ ،‬هو ما بين ضعيف ومعدوم‪ ،‬وأن ما‬
‫نراه من النضباط في الشوارع والماكن العامة ل يعدو أن يكون الوجه الجيد‬
‫من العملية‪ ،‬أما الوجه الرديء‪ ،‬فهو قابع في البيوت‪ ،‬حيث ل خوف من نقد‬
‫حا‪ ،‬فهذا يعني أننا نعاني‬ ‫الناس ول من عقاب الله ‪-‬تعالى‪ -‬وإذا كان هذا صحي ً‬
‫من نوع من السرطان القاتل الذي يدفع بصاحبه إلى مرحلة )اللعودة( من‬
‫غير أن يشعر بأي ألم!! ل أحد يسعد بأن يفهم الناس الحرية على أنها‬
‫الفوضى‪ ،‬أو الخروج على الخلق والقيم والفضائل والثوابت‪ ،‬إنما المراد بأن‬
‫يكون الصل في سلوكات الناس وتصّرفاتهم وعلقاتهم وتعبيراتهم ومواقفهم‬
‫واختياراتهم هو الجواز‪ ،‬كما قالت القاعدة الفقهية الشهيرة‪" :‬الصل في‬
‫الشياء الباحة"‪ ،‬فإذا منع مانع شرعي واضح ومتفق عليه‪ ،‬أو كان تصرف‬
‫الناس يضر بمصلحة وطنية عليا وواضحة‪ ،‬فإن على الدولة والمجتمع أن‬
‫جه يستلزم الكثير‬ ‫يتعاونا على منع ذلك التصرف‪ .‬ل شك أن اعتماد هذا التو ّ‬
‫من التطبيقات الجديدة والتغييرات المهمة‪ ،‬ول شك أن بعض الناس سوف‬
‫يستغلون مناخ الحرية استغلل ً سيئًا‪ ،‬لكن الضرار ستظل أقل بكثير من‬
‫شعور الناس بالختناق وبالقيود الثقيلة‪ ،‬التي تجّردهم من روح المبادرة‬
‫ولهم إلى أناس‬ ‫مل المسؤولية‪ ،‬وتضعف لديهم الرقابة الشخصية‪ ،‬وتح ّ‬ ‫وتح ّ‬
‫خائفين حذرين‪ ،‬يتجّرعون الهموم‪ ،‬كما يصبحون عبارة عن كائنات استهلكية‬
‫بامتياز! والنتيجة طبعا ً مجتمعات ضعيفة وأمة مستخذية! إنك فعل ً ل تستطيع‬
‫أن تبني مجتمعا ً أقوى من مجموع أفراده‪ ،‬تماما ً كما أنك ل تستطيع أن تبني‬
‫شة جدارا ً صلبًا‪ .‬لنعد إلى التربية في البيوت من أجل تأسيس‬ ‫من لبنات ه ّ‬
‫شخصية )الطفل الحر( من خلل اعتماد أسلوب الرفق واللطف والحوار في‬
‫التربية‪ ،‬ومن خلل معاملة الطفل على أنه كائن محترم‪ ،‬والعمل على أن‬
‫يكون رجل ً كريما ً ومسؤول ً وعزيزا ً وصادقا ً وأبيًا‪ ..‬في المستقبل‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يمكن للفرد أن يكون قويا ً أو بداية مشروع لمة قوية وعزيزة إذا كان‬
‫ل‪ .‬نعم من لديه علم قد يكون قويًا‪ ،‬وقد يكون ضعيفًا‪ ،‬لكن الجاهل ل‬ ‫جاه ً‬
‫يكون إل ضعيفًا‪ .‬نحن في هذه المسألة نعاني من مشكلة ذات رؤوس ثلثة‬
‫هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬إعراض معظم الناشئة عن القراءة‪ ،‬ونفورهم من الكتاب‪ ،‬وانصرافهم عن‬
‫كل اهتماما ً معرفيًا‪.‬‬ ‫كل ما يش ّ‬
‫ب‪ -‬ضعف أكثر المؤسسات التعليمية في كل المراحل؛ ول سيما الجامعية‪.‬‬
‫وع الكافي في المعاهد والكليات العليا بما يلي حاجات‬ ‫ج‪ -‬عدم وجود التن ّ‬
‫الشباب الراغب في إكمال دراسته‪ ،‬وبما يتلءم مع رغباتهم وظروفهم‪.‬‬
‫وهذه المشكلة جعلت الرتقاء بنوعية الوظائف والمهن التي يشغلها الجيل‬
‫الجديد أمرا ً صعبًا‪ ،‬مع أن من الصعب اليوم الرتقاء بأمة من المم من غير‬
‫جعل نسبة عالية من الوظائف على صلة بالمعارف المتقدمة والتقنية‬
‫الدقيقة‪ .‬الفرد القوي فرد حّر ملتزم ومتعلم ومتدرب‪ ،‬وإذا استطعنا أن‬
‫نحدث اختراقا ً على هذين الصعيدين‪ ،‬فإن لنا أن نتفاءل بولدة أمة قوية‬
‫وعزيزة‪.‬‬
‫وة )‪(3‬‬ ‫صياغة الق ّ‬‫ِ‬
‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪30/7/1427‬‬
‫‪24/08/2006‬‬
‫ْ‬
‫المواهب الفطرية والقدرات الخلقية التي زّود بها البارئ ‪-‬عز وجل‪ -‬بني‬
‫البشر تكاد تكون ثابتة على مدى التاريخ‪ .‬وقد ظل الناس في كل زمان‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومكان يحاولون الستفادة من تلك القدرات وتوظيفها وصقلها‪ ...‬لكن يبدو أن‬
‫عا من النجاح النسبي والمحدود‪ .‬وربما أمكننا‬ ‫ما تحقق نو ً‬
‫محاولتهم كانت دائ ً‬
‫القول‪ :‬إن الناس كانوا يستفيدون من قدراتهم الكامنة على مقدار حاجتهم‬
‫وعلى مقدار تطور وعيهم ومعارفهم؛ ولذا فإن استغللنا اليوم لطاقاتنا ُيعد ّ –‬
‫في الجملة وعلى نحو عام‪ -‬ممتاًزا إذا ما قسناه إلى ما كان السابقون‬
‫يفعلونه‪ ،‬وهذا ل يحتاج إلى برهان‪ .‬السؤال الذي أطرحه‪ ،‬وأحاول الجابة عنه‬
‫هو‪:‬‬
‫ما أكثر الشياء تأثيًرا في تحويل القوى والقدرات الكامنة لتصبح مكونات‬
‫قوية وظاهرة في أسلوب حياة جديدة؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الجواب فيما أظن يكمن في شيئين‪ :‬المكان الذي يعيش فيه النسان‪،‬‬
‫والمهنة أو الوظيفة التي يكسب منها رزقه‪ .‬وقبل أن أشرع في شرح هذين‬
‫المرين أود أن أقول‪ :‬إننا هنا ل نتكلم عن حالت فردية أو شاذة‪ ،‬وإنما نتكلم‬
‫عن ظواهر ومعطيات ووضعيات عامة فقد نجد في البيئة المثقفة والراقية‬
‫صا‬
‫عناصر في منتهى السوء‪ ،‬كما أننا قد نجد في أماكن العمل المعقدة أشخا ً‬
‫غير مؤهلين‪ ،‬أو يفكرون بطريقة رديئة‪ ،‬أو يعملون على نحو تخريبي‪...‬‬
‫مكان العيش‪:‬‬
‫نعني بمكان العيش هنا تلك السلسلة من الدوائر التي ينفتح بعضها على‬
‫بعض‪ ،‬وتؤثر على نحو ما في صياغة روح النسان ومشاعره وأفكاره وأخلقه‬
‫وعاداته‪ ...‬والتي تتمثل في السرة والحي والقرية والمدينة والدولة والقليم‪.‬‬
‫إن أضيق الدوائر هي القوى تأثيًرا‪ ،‬وهي السرة ثم الوسع‪ ،‬فالوسع‪ .‬لكن‬
‫ضا‪ :‬إن المرء يتأثر في بعض جوانب حياته بالمدرسة‬ ‫ينبغي أن ُيقال أي ً‬
‫والجامعة التي يدرس فيها‪ ،‬وذلك على مستوى طرق التفكير وفهم الحياة‬
‫والتطلع إلى المستقبل‪ .‬إن للسرة الدور الكبر في رسم الخطوط العميقة‬
‫صا‬
‫في شخصية الطفل‪ ،‬لكن قيامها بذلك الدور على نحو يجعل منه شخ ً‬
‫وا تربوًيا يختلف كثيًرا عن الجواء السائدة‬
‫متميًزا‪ ،‬يحتاج منها إلى أن توفر ج ً‬
‫لدى معظم السر السلمية اليوم‪ .‬وأود ّ في هذا السياق أن أبدي الملحوظات‬
‫التية‪:‬‬
‫‪ -1‬إن أول ما تحتاجه السرة المسلمة من أجل تنشئة جيل جديد هو العتقاد‬
‫بأن التربية الناجحة ل تتحقق من غير اكتساب معرفة تربوية جيدة‪ ،‬فقد ُأصْبنا‬
‫في الزمنة الغابرة بأفدح الضرار حين اعتقدنا أن تربية النسان تتم على نحو‬
‫تلقائي وفطري كما تتم تربية الحيوان في البراري‪ ،‬ولذلك فإن معظم الباء‬
‫والمهات يبذلون الكثير من المال والجهد من أجل تهيئة أنفسهم لستقبال‬
‫المواليد الجدد‪ ،‬ويملك الكثيرون منهم العزيمة لنجاب عشرة من الولد دون‬
‫أن يخطر في بالهم شراء كتاب في التربية‪ ،‬أو سماع محاضرة أو شريط‬
‫)كاسيت(‪ ،‬أو سؤال خبير من أجل معرفة الطرق والساليب التربوية‬
‫الصحيحة‪ ،‬ومعرفة نوعية القيم والمفاهيم التي ينبغي زرعها في نفوس‬
‫الطفال وعقولهم! لهذا فإن نشر الثقافة التربوية الجيدة يشكل أولوية كبرى‬
‫على صعيد صياغة قوة المة‪.‬‬
‫‪ -2‬ينظر كثيرون منا إلى التربية على أنها عملية تعليمية‪ ،‬فهم يعتقدون أنهم‬
‫ضحوا للطفل الخطأ من الصواب‪ ،‬فإن سلوكه سوف يتغير؛ لن مشكلته‬ ‫إذا و ّ‬
‫كانت الجهل بذلك‪ ،‬وهذا غير صحيح؛ فالتربية في جوهرها عبارة عن تفاعل‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصغار مع المعطيات الراسخة في بيئتهم‪ ،‬وليست عملية تلقين يقوم بها‬


‫الكبار‪ ،‬أو عملية استفادة معرفية ينجزها الصغار‪ .‬الطفال يتفاعلون مع‬
‫اتجاهاتنا ومشاعرنا وسلوكاتنا‪ ،‬ومع أسلوبنا في الحياة‪ .‬ولعلي أقّرب المسألة‬
‫مت‬ ‫عن طريق هذا المثال‪ :‬لو كان أمامي نبتتان محتاجتان إلى الماء‪ ،‬وق ْ‬
‫بسقي إحداهما دون أن أتكلم‪ ،‬أما الثانية فناشدتها أن ترتوي‪ ،‬وأن تكبر‬
‫وتنمو‪ ،‬وحدثتها عن فوائد الماء وضرورة النتعاش‪ ...‬ما النتيجة المتوقعة‬
‫لذلك؟ النتيجة معروفة‪ ،‬وهي نمو الولى وذبول الثانية‪ .‬وذلك لن الشجار ل‬
‫تتفاعل مع النصائح كيل تيبس وتموت‪ ،‬وإنما تتفاعل مع الماء العذب‪ .‬هكذا‬
‫الطفال يحتاجون إلى بيئة يتشربون مفاهيمها وقيمها وعاداتها الكريمة‬
‫والعظيمة‪ ،‬ول يغني عنها فصاحة الفصحاء ول علم العلماء‪ .‬ماذا يعني هذا‬
‫الكلم؟ إنه ل يعني سوى شيء واحد هو‪ :‬أن التربية الجيدة تحتاج إلى بيئة‬
‫جيدة‪ ،‬والبيئة الجيدة تتطلب مربين جيدين‪ .‬وأعتقد أن علينا إيقاف التداعيات‬
‫والحالت المترتبة على سوء أوضاعنا السلوكية عن طريق عقد العزم على‬
‫شيء جوهري وعظيم‪ ،‬هو أن نجتهد ونحن نربي أبناءنا في تهذيب أنفسنا‬
‫وإصلح أوضاعنا السرية‪ .‬إن الذي نحتاجه ليس اللتزام بآداب الشريعة‬
‫الغراء والوقوف عند حدود الله ‪-‬تعالى‪ -‬فحسب‪ ،‬وإنما توفير البيئة السرية‬
‫المدرسية التي تساعد الصغار على اكتشاف أنفسهم واستثمار نقاط التفوق‬
‫خُلق التضحية والعطاء‬ ‫لديهم‪،‬كما توّلد في نفوسهم روح المل والمبادرة و ُ‬
‫والمثابرة‪.‬‬
‫إن الطريق إلى إخراج المة من حالة )الوهن( التي أشار إليها حديث‬
‫حا‪ ،‬لكن نحتاج من أجل المسير فيه إلى الخلص والصدق‬ ‫)القصعة( صار واض ً‬
‫والعزيمة‪ ،‬وإلى شيء من المعرفة بمتطلبات العيش في زمان كزماننا‪.‬‬
‫للحديث بقية‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫صيام التطوع وفضائله‬


‫مكتب الدعوة و الرشاد بسلطانة‬
‫إن الحمد لله نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستهديه‪ ،‬ونتوب إليه‪ ،‬ونشهد أن ل إله إل‬
‫الله وحده ل شريك له‪ ،‬ونشهد أن محمدا ً رسول الله‪ .‬ونصلى ونسلم على‬
‫معلم البشرية الخير محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم‬
‫تسليما كثيرًا‪.‬‬
‫أخي وأختى في الله‪..‬‬
‫أحييكم بتحية أهل الجنة‪...‬‬
‫سلم عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد ‪،،‬‬
‫عاَدى ِلي وَل ِّيا فَقَد ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫فعن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ت عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ما افْت ََر ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ِ‬ ‫ب إ ِل ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫يٍء أ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫دي ب ِ َ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬
‫ي عَب ْ ِ‬ ‫قّر َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬
‫حْر ِ‬ ‫آذ َن ْت ُ ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫ه ال ِ‬ ‫معَ ُ‬
‫س ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ه كن ْ ُ‬ ‫حب َب ْت ُ ُ‬ ‫ه فَإ َِذا أ ْ‬ ‫حب ّ ُ‬‫حّتى أ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وافِ ِ‬‫ي ِبالن ّ َ‬ ‫ب إ ِل ّ‬ ‫قّر ُ‬ ‫دي ي َت َ َ‬ ‫ل عَب ْ ِ‬ ‫ي ََزا ُ‬
‫شي ب َِها‬ ‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫ه الِتي ي َ ْ‬ ‫جل ُ‬‫َ‬ ‫ش ب َِها وَرِ ْ‬ ‫ّ‬
‫صُر ب ِهِ وَي َد َهُ الِتي ي َب ْط ِ ُ‬ ‫ذي ي ُب ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫صَرهُ ال ِ‬ ‫معُ ب ِ َهِ وَب َ َ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه { ]رواه البخاري[‪.‬‬ ‫عيذ َن ّ ُ‬ ‫ست ََعاذ َِني ل ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ه وَلئ ِ ْ‬ ‫سألِني لعْط ِي َن ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫هذا حديث جليل‪ ،‬فيه أن من سعى في نوافل العابادات تقربا إلى الله الرحيم‬
‫أحبه الله‪ ،‬وقربه منه‪ ،‬ووفقه في سمعه وبصره‪ ،‬وكان الله معه‪ ،‬يحيب دعاءه‬
‫ويعيذه‪ ،‬مما يخاف ويحذر‪ ،‬وكفى بالله حسيبا‪ ،‬والصيام من أحب العمال إلى‬
‫م فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫صوْ َ‬‫ه إ ِّل ال ّ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫ل اب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫الله‪ ،‬قال تعالى في الحديث القدسي ‪ } :‬ك ُ ّ‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫شهوته وط َعامه م َ‬ ‫َ َ‬
‫جِلي { ]رواه مسلم[‪.‬‬ ‫نأ ْ‬ ‫زي ب ِهِ ؛ ي َد َع ُ َ ْ َ َ ُ َ َ َ ُ ِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ِلي وَأَنا أ ْ‬
‫فمن صام يوما تطوعا حاز الدرجات العلى‪ ،‬وأحبه الرحمن‪ ،‬والستمرار على‬
‫ذلك جالب للجر الجزيل والتوفيق العظيم‪.‬‬
‫وصوم التطوع أنواع‬
‫‪ -1‬صيام يوم وفطر يوم وهوأفضل صيام التطوع‪.‬‬
‫عن عبدالله بن عمروابن العاص – رضي الله عنهما – أن رسول الله قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫}إ َ‬
‫صَلة ُ َداوُد َ عَلي ْهِ‬
‫َ‬ ‫صَلةِ إ َِلى الل ّهِ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َداوُد َ وَأ َ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫صَيام ِ إ َِلى الل ّهِ ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ما‬‫ُ ُ ْ ً‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫صو‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫ُ َ ُ ُ َ ُ َ‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬
‫ِ َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ص‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫لم‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ما { ]متفق عليه[‪.‬‬ ‫فط ُِر ي َوْ ً‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫‪ -2‬صيام ثلث أيام من كل شهر )أي ثلث أيام والفضل أن تكون أيام‬
‫البيض(‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫صَيام ِ‬ ‫ث بِ ِ‬ ‫م ب ِث َل ٍ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫خِليِلي َ‬ ‫صاِني َ‬ ‫عن أبي هريرة – – قال‪ } :‬أوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أْرقُد َ { ]متفق‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن أوت َِر قَب ْ َ‬ ‫حى وَأ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫شهْرٍ وََرك ْعَت َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ََلث َةِ أّيام ٍ ِ‬
‫عليه[‪.‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مُرَنا أ ْ‬ ‫م ي َأ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫عن ابن ملحان – – قال‪ } :‬كا َ‬
‫ةَ‬
‫ن كهَي ْئ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س عَشَرة َ قال وَقال هُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫خ ْ‬ ‫شَرةَ وَأ َْرب َعَ عَشَرة َ وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ث عَ ْ‬ ‫ض ث ََل َ‬ ‫م ال ِْبي َ‬ ‫صو َ‬ ‫نَ ُ‬
‫الد ّهْرِ { ]رواه أبوداود[‪.‬‬
‫‪ -3‬صيام التسعة الولى من ذي الحجة وآخرها يوم عرفة‪.‬‬
‫َ‬
‫ن أّيام ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال ‪ :‬قال رسول الله ‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شرِ َقاُلوا َيا‬ ‫م ال ْعَ ْ‬ ‫ن هَذِهِ اْلّيام ِ ي َعِْني أّيا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب إ َِلى الل ّهِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ح ِفيَها أ َ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫ل اللهِ إ ِل َر ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫جَهاد ُ ِفي َ‬ ‫ْ‬
‫ل وَل ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ل اللهِ َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫جَهاد ُ ِفي َ‬ ‫ْ‬
‫ل اللهِ وَل ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫يٍء { ]رواه أبوداود[‪.‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جع ْ ِ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫َ‬
‫مال ِهِ فَل ْ‬ ‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ج ب ِن َ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫َ‬
‫‪ -4‬صيام يوم عرفة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫سئ ِ َ‬
‫صوْم ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫عن أبي قتادة – – قال‪ُ } :‬‬
‫ة { ]رواه مسلم[‪.‬‬ ‫ة َوالَباقِي َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ضي َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ة ال َ‬ ‫ْ‬ ‫سن َ َ‬ ‫فُر ال ّ‬ ‫ل ي ُك َ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ي َوْم ِ عََرفَ َ‬
‫‪ -5‬صيام العاشر من محرم‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫عن أبي قتادة – – أن رسول الله ‪ } ،‬وَ ُ‬
‫ة { ]رواه مسلم[‪.‬‬ ‫ضي َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ة ال َ‬‫ْ‬ ‫سن َ َ‬ ‫فُر ال ّ‬ ‫ل ي ُك َ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫شوَراَء فَ َ‬ ‫عا ُ‬‫صوْم ِ ي َوْم ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫صيام التاسع والعاشر من محرم‪.‬‬
‫ت إ َِلى‬ ‫ِ ْ َِ ُ‬ ‫قي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫قال‬ ‫قال‪:‬‬ ‫–‬ ‫عنهما‬ ‫عن ابن عباس – رضي الله‬
‫َ‬
‫سعَ { ]رواه مسلم[‪ .‬قوله قابل ‪ :‬العام المقبل‪.‬‬ ‫ن الّتا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫صو َ‬ ‫ل َل ُ‬ ‫َقاب ِ ٍ‬
‫‪ -6‬صيام الثنين والخميس‪.‬‬
‫َ‬
‫م اِلث ْن َي ْ ِ‬
‫ن‬ ‫ل ي َوْ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ض اْلعْ َ‬ ‫هريرة – – عن رسول الله قال‪ } :‬ت ُعَْر ُ‬ ‫عن أبي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م { ]رواه الترمذي وقال حديث‬ ‫صائ ِ ٌ‬ ‫مِلي وَأَنا َ‬ ‫ض عَ َ‬ ‫ن ي ُعَْر َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫س فَأ ِ‬ ‫مي ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫حسن[‪.‬‬
‫‪ -7‬صيام ست من شوال‪.‬‬
‫ن ثُ ّ‬
‫م‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫م َر َ‬ ‫صا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عن أبي أيوب – رضي اللع عنه – أن رسول الله قال‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫صَيام ِ الد ّهْرِ { ]رواه مسلم[‪.‬‬ ‫ن كَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ش ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سّتا ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫أت ْب َعَ ُ‬
‫خصال الخير سبب في الدخول الجنة‬

‫)‪(1 /‬‬
‫عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬م َ‬
‫ما َقا َ‬
‫ل‬ ‫صائ ِ ً‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬
‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ح ِ‬‫صب َ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ه أ ََنا َقا َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ض َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جَناَزة ً قال أُبوب َكرٍ َر ِ‬ ‫م َ‬ ‫م الي َوْ َ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫ن ت َب ِعَ ِ‬ ‫ل فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ه عَن ْ ُ‬ ‫أُبوب َك ْرٍ َر ِ‬
‫ض َ‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه أ ََنا‬
‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ل أُبوب َك ْرٍ َر ِ‬
‫ل فَمن أ َط ْعم منك ُم ال ْيوم مسكينا َقا َ َ‬
‫َ َ ِ ْ ْ َ ْ َ ِ ْ ِ ً‬ ‫ه أَنا َقا َ َ ْ‬
‫الل ّه عَن َ‬
‫ُ ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫سولُ‬ ‫قال َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ه أَنا ف َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ضا قال أُبوب َكرٍ َر ِ‬ ‫َ‬ ‫ري ً‬ ‫م ِ‬ ‫م َ‬ ‫م الي َوْ َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫عاد َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ة { ]رواه‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ئ إ ِّل د َ َ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫ن ِفي ا ْ‬ ‫معْ َ‬ ‫جت َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫مسلم[‪.‬‬
‫فضل تفطير الصائم‬
‫ما‬ ‫صائ ِ ً‬ ‫ن فَط َّر َ‬ ‫م ْ‬ ‫عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي قال‪َ } :‬‬
‫قص م َ‬ ‫َ‬ ‫كان ل َه مث ْ ُ َ‬
‫شي ًْئا { ]رواه الترمذي‬ ‫صائ ِم ِ َ‬ ‫جرِ ال ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ه َل ي َن ْ ُ ُ ِ ْ‬ ‫جرِهِ غَي َْر أن ّ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ َ ُ ِ‬
‫وقال حديث حسن صحيح[‪.‬‬
‫فضل السحور‬
‫ة { ]متفق‬ ‫َ‬
‫حورِ ب ََرك ً‬ ‫س ُ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫حُروا فَإ ِ ّ‬ ‫س ّ‬ ‫عن أنس قال‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬ت َ َ‬
‫عليه[‪.‬‬
‫وعن ابن عمر – رضي اللع عنهما – قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬إن الله‬
‫وملئكته يصلون على المتسحرين { ]رواه ابن حبان في صحيحه‪ ،‬والطبراني‬
‫في الوسط‪ ،‬وأبونعيم في الحلية‪ ،‬والحديث صحيح[‪.‬‬
‫بعض فضائل وفوائد الصيام‬
‫إن للصيام فضائل وفوائد نذكر منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬للصائمين باب ل يدخل منه أحد غيرهم‪.‬‬
‫ن‬‫ه الّرّيا ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫جن ّةِ َباًبا ي ُ َ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫عن سهل بن سعد – – عن النبي قال‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مةِ َل ي َد ْ ُ‬
‫ن‬
‫ل أي ْ َ‬ ‫قا ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫حد ٌ غَي ُْرهُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خ ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫صائ ِ ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حد ٌ { ]متفق‬ ‫هأ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫م ي َد ْ ُ‬ ‫م أغْل ِقَ فَل َ ْ‬ ‫خُرهُ ْ‬ ‫لآ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ه فَإ َِذا د َ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ن فَي َد ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫صائ ِ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫عليه[‪.‬‬
‫‪ -2‬رائحة فم الصئم أطيب عند الله من ريح المسك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫خُلو ُ‬ ‫مد ٍ ب ِي َدِهِ ل َ ُ‬
‫م‬
‫عن ْد َ اللهِ ي َوْ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫صائ ِم ِ أطي َ ُ‬ ‫ف فَم ِ ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫قال النبي ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ك { ]متفق عليه[‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِريِح ال ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫‪ -3‬له فرحة عند فطره‪.‬‬
‫ف‬
‫ضاعَ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫ل اب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫ُ‬
‫عن أبي هريرة ‪ – -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬ك ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ة عَ ْ َ‬
‫ه‬‫م فإ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫صو ْ َ‬ ‫ل إ ِل ال ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ف َقا َ‬ ‫ضعْ ٍ‬ ‫ماَئة ِ‬ ‫سْبع ِ‬ ‫مَثال َِها إ َِلى َ‬ ‫شُر أ ْ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ن فَْر َ‬ ‫حَتا ِ‬ ‫صائ ِم ِ فَْر َ‬ ‫جِلي ِلل ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ه وَط ََعا َ‬ ‫شهْوَت َ ُ‬ ‫زي ب ِهِ ي َد َع ُ َ‬ ‫ج ِ‬‫ِلي وَأَنا أ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك{‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِريِح ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ْد َ اللهِ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ف ِفيهِ أطي َ ُ‬ ‫خلو ُ‬ ‫قاِء َرب ّهِ وَل ُ‬ ‫عن ْد َ ل ِ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ح ٌ‬‫فِط ْرِهِ وَفَْر َ‬
‫]رواه مسلم[‪.‬‬
‫‪ -4‬أن الصوم يهذب النفس ويدربها على الجوع والعطش والصبر‪ ،‬وكذلك‬
‫الحساس بأحوال إخواننا المسلمين اللذين ل يجدون ما يأكلون ول ما‬
‫يشربون‪.‬‬
‫‪ -5‬إن الصائم ينوي بصومه احتساب الجر عند الله على الصبر بالصيام‪ ،‬قال‬
‫ب ]الزمر‪.[10:‬‬ ‫تعالى‪ :‬إنما يوّفى الصابرو َ‬
‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫هم ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ّ ُِ َ‬ ‫ِّ َ ُ َ‬
‫‪ -6‬للصائم عند فطره دعوة ل ترد‪.‬‬
‫الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة‬
‫عن عبدالله بن عمروبن العاص – رضي الله عنهما – قال‪ :‬قال رسول الله ‪:‬‬
‫ل الصيا َ‬
‫ه‬‫من َعْت ُ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫م أيْ َر ّ‬ ‫ّ َ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫مةِ ي َ ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ن ل ِل ْعَب ْد ِ ي َوْ َ‬ ‫فَعا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫م َوال ْ ُ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫} ال ّ‬
‫ل‬‫م ِباللي ْ ِ‬‫ّ‬ ‫ه الن ّوْ َ‬ ‫من َعْت ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫فعِْني ِفيهِ وَي َ ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫ت ِبالن َّهارِ فَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫الط َّعا َ‬
‫ن { ]رواه المام أحمد[‪.‬‬ ‫فَعا ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ل فَي ُ َ‬ ‫فعِْني ِفيهِ َقا َ‬ ‫ش ّ‬ ‫فَ َ‬
‫فهنيئا لمن تقرب إلى الله بفعل النوافل وخشع قلبه ولنت جوارحه لله‬
‫فالجر الجنة وما أعظمه من أجر‪ ،‬فهيا إلى روضات الجنات بالخلص وعبادة‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله والتقرب إليه ولنهتم بأمر الصيام – صيام النوافل – فهوأعظم العبادات‬
‫أجرا‪ ،‬وفقنا الله للصالحات‪ .‬وصلل الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫صيام رمضان فضله مع بيان أحكام مهمة تخفى على بعض الناس‬
‫عبدالعزيز بن عبدالله بن باز‬
‫دار الوطن‬
‫من عبد العزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من المسلمين‪ ،‬سلك الله بي‬
‫وبهم سبيل أهل اليمان‪ ،‬ووفقني وإياهم للفقه في السنة والقرآن‪ .‬آمين‪.‬‬
‫سلم الله عليكم ورحمة الله وبركاته‪:‬‬
‫أما بعد‪ :‬فهذه نصيحة موجزة تتعلق بفضل صيام رمضان وقيامه‪ ،‬وفضل‬
‫المسابقة فيه بالعمال الصالحة‪ ،‬مع بيان أحكام مهمة قد تخفى على بعض‬
‫الناس‪.‬‬
‫ثبت عن رسول الله أنه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان‪ ،‬ويخبرهم‬
‫عليه الصلة والسلم أنه شهر ُتفتح فيه أبواب الرحمة وأبواب الجنة‪ ،‬وتغلق‬
‫فيه أبواب جهنم‪ ،‬وتغل فيه الشياطين‪.‬‬
‫يقول ‪ } :‬إذا كانت أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها‬
‫باب‪ ،‬وغلقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب‪ ،‬وصفدت الشياطين‪ ،‬وينادي‬
‫مناٍد‪ :‬يا باغي الخير أقبل‪ ،‬ويا باغي الشر أقصر‪ ،‬ولله عتقاء من النار وذلك‬
‫كل ليلة {‪.‬‬
‫ويقول عليه الصلة والسلم‪ } :‬جاءكم شهر رمضان شهر بركة‪ ،‬يغشاكم الله‬
‫فيه‪ ،‬فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء‪ ،‬ينظر الله إلى تنافسكم‬
‫فيه فيباهي بكم ملئكته‪ ،‬فأروا الله من أنفسكم خيرًا‪ ،‬فإن الشقي من حرم‬
‫فيه رحمة الله {‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويقول عليه الصلة والسلم‪ } :‬من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما‬
‫تقدم من ذنبه‪ ،‬ومن قام رمضان إيمانا ً واحتسابا ً غفر له ما تقدم من ذنبه‪،‬‬
‫ومن قام ليلة القدرة إيمانا ً واحتسابا ً غفر له ما تقدم من ذنبه {‪.‬‬
‫ويقول عليه الصلة والسلم‪ } :‬يقول الله عز وجل‪ :‬كل عمل ابن آدم له‬
‫الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إل الصيام فإنه لي وأنا أجزي به‪،‬‬
‫ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي‪ ،‬للصائم فرحتان‪ :‬فرحة عند فطره‬
‫وفرحة عند لقاء ربه‪ ،‬ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك {‪.‬‬
‫والحاديث في فضل صيام رمضان وقيامه وفضل جنس الصوم كثيرة‪.‬‬
‫فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذه الفرصة وهي ما من الله به عليه من إدراك‬
‫شهر رمضان؛ فيسارع إلى الطاعات‪ ،‬ويحذر السيئات‪ ،‬ويجتهد في أداء ما‬
‫افترض الله عليه ول سيما الصلوات الخمس‪ ،‬فإنها عمود السلم‪ ،‬وهي‬
‫أعظم الفرائض بعد الشهادتين‪ .‬فالواجب على كل مسلم ومسلمة المحافظة‬
‫عليها وأداؤها في أوقاتها بخشوع وطمأنينة‪.‬‬
‫ومن أهم واجباتها في حق الرجال‪ :‬أداؤها في الجماعة في بيوت الله التي‬
‫أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه كما قال عز وجل‪ :‬وأقيموا الصلة وآتوا‬
‫الزكاة واركعوا مع الراكعين ]البقرة‪ ،[43:‬وقال تعالى‪ :‬حافظوا على‬
‫الصلوات والصلة الوسطى وقوموا لله قانتين ]البقرة‪ ،[238:‬وقال عز وجل‪:‬‬
‫قد أفلج المؤمنون‪ ،‬الذين هم في صلتهم خاشعون إلى أن قال عز وجل‪:‬‬
‫والذين هم على صلواتهم يحافظون‪ ،‬أولئك هم الوارثون‪ ،‬الذين يرثون‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفردوس هم فيها خالدون ]المؤمنون‪1:‬ـ ‪ ،[11‬وقال النبي ‪ } :‬العهد الذي‬


‫بيننا وبينهم الصلة‪ ،‬فمن تركها فقد كفر {‪.‬‬
‫وأهم الفرائض بعد الصلة‪ :‬أداء الزكاة كما قال عز وجل‪ :‬وما أمروا إل‬
‫ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة وذلك دين‬
‫القيمة ]البينة‪ ،[5:‬وقال تعالى‪ :‬وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول‬
‫لعلكم ترحمون ]النور‪.[56:‬‬
‫وقد دل كتاب الله العظيم وسنة رسوله الكريم على أن من لم يؤد زكاة ماله‬
‫يعذب به يوم القيامة‪.‬‬
‫وأهم المور بعد الصلة والزكاة‪ :‬صيام رمضان‪ ،‬وهو أحد أركان السلم‬
‫الخمسة المذكورة في قول النبي ‪ } :‬بني السلم على خمس‪ :‬شهادة أن ل‬
‫إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله ‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصم‬
‫رمضان‪ ،‬وحج البيت { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫ويجب على المسلم أن يصون صيامه وقيامه عما حرم الله عليه من القوال‬
‫والعمال؛ لن المقصود بالصيام هو طاعة الله سبحانه‪ ،‬وتعظيم حرماته‪،‬‬
‫وجهاد النفس على مخالفة هواها في طاعة مولها‪ ،‬وتعويدها الصبر عما حرم‬
‫الله‪ ،‬وليس المقصود مجرد ترك الطعام والشراب وسائر المفطرات‪ ،‬ولهذا‬
‫جنة‪ ،‬فإذا كان يوم صوم أحدكم فل‬ ‫صح عن رسول الله أنه قال‪ } :‬الصيام ُ‬
‫يرفث ول يصخب‪ ،‬فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم {‪ .‬وصح عنه أنه‬
‫قال‪ } :‬من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع‬
‫طعامه وشرابه {‪.‬‬
‫فعلم بهذه النصوص وغيرها أن الواجب على الصائم الحذر من كل ما حرم‬
‫الله عليه‪ ،‬والمحافظة على كل ما أوجب الله عليه‪ ،‬وبذلك يرجى له المغفرة‬
‫والعتق من النار وقبول الصيام والقيام‪.‬‬
‫وهناك أمور قد تخفى على بعض الناس‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫منها‪ :‬أن الواجب على المسلم أن يصوم إيمانا ً واحتسابًا‪ ،‬ل رياء و ل سمعة‬
‫ول تقليدا ً للناس أو متابعة لهله أو أهل بلده‪ ،‬بل الواجب عليه أن يكون‬
‫الحامل له على الصوم هو إيمانه بأن الله قد فرض عليه ذلك‪ ،‬واحتسابه‬
‫الجر عند ربه في ذلك‪ ،‬وهكذا قيام رمضان يجب أن يفعله المسلم إيمانا ً‬
‫واحتسابا ً ل لسبب آخر‪ ،‬ولهذا قال عليه الصلة والسلم‪ } :‬من صام رمضان‬
‫إيمانا ً واحتسابا ً غفر له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬ومن قام رمضان إيمانا ً واحتسابا ً‬
‫غفر له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬ومن قام ليلة القدرة إيمانا ً واحتسابا ً غفر له ما‬
‫تقدم من ذنبه {‪.‬‬
‫ومن المور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس‪ :‬ما قد يعرض للصائم من‬
‫جراح أو رعاف أو قيء أو ذهاب الماء أو البنزين إلى حلقه بغير اختياره‪ ،‬فكل‬
‫هذه المور ل تفسد الصوم‪ ،‬لكن من تعمد القيء فسد صومه‪ ،‬لقول النبي ‪:‬‬
‫} من ذرعه القيء فل قضاء عليه‪ ،‬ومن استقاء فعليه القضاء {‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬ما قد يعرض للصائم من تأخير غسل الجنابة إلى طلوع الفجر‪ ،‬وما‬
‫يعرض لبعض النساء من تأخير غسل الحيض أو النفاس إلى طلوع الفجر‪،‬‬
‫فإذا رأت الطهر قبل الفجر فإنه يلزمها الصوم‪ ،‬ول مانع من تأخيرها الغسل‬
‫إلى ما بعد طلوع الفجر‪ ،‬ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس‪ ،‬بل يجب‬
‫عليها أن تغتسل وتصلي الفجر قبل طلوع الشمس‪ ،‬وهكذا الجنب ليس له‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس‪ ،‬بل يجب عليه أن يغتسل ويصلي‬
‫الفجر قبل طلوع الشمس‪ ،‬ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك‬
‫صلة الفجر مع الجماعة‪.‬‬
‫ومن المور التي ل تفسد الصوم‪ :‬تحليل الدم‪ ،‬وضرب البر غير التي يقصد‬
‫بها التغذية‪ ،‬لكن تأخير ذلك إلى الليل أولى وأحوط إذا تيسر ذلك؛ بقول النبي‬
‫‪ } :‬دع مايريبك إلى مال يريبك {‪ .‬وقوله عليه الصلة والسلم‪ } :‬من اتقى‬
‫الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه {‪.‬‬
‫ومن المور التي يخفى حكمها على بعض الناس‪ :‬عدم الطمئنان في الصلة‬
‫سواء كانت فريضة أو نافلة‪ ،‬وقد دلت الحاديث الصحيحة عن رسول الله‬
‫على أن الطمئنان ركن من أركان الصلة ل تصح الصلة بدونه‪ ،‬وهي الركود‬
‫في الصلة والخشوع فيها وعدم العجلة حتى يرجع كل فقار إلى مكانه‪ ،‬وكثير‬
‫من الناس يصلي في رمضان صلة التراويح صلة ل يعقلها ول يطمئن فيها بل‬
‫ينقرها نقرًا‪ ،‬وهذه الصلة على هذا الوجه باطلة‪ ،‬وصاحبها آثم غير مأجور‪.‬‬
‫ومن المور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس‪ :‬ظن بعضهم أن التراويح‬
‫ل يجوز نقصها عن عشرين ركعة‪ ،‬وظن بعضهم أنه ل يجوز أن يزاد فيها على‬
‫إحدى عشرة ركعة أو ثلث عشرة ركعة‪ ،‬وهذا كله ظن في غير محله‪ ،‬بل هو‬
‫خطأ مخالف للدلة‪.‬‬
‫وقد دلت الحاديث الصحيحة عن رسول الله على أن صلة الليل موسع فيها‪،‬‬
‫فليس فيها حد محدود ل تجوز مخالفته‪ ،‬بل ثبت عنه أنه كان يصلي من الليل‬
‫إحدى عشرة ركعة‪ ،‬وربما صلى ثلث عشرة ركعة‪ ،‬وربما صلى أقل من ذلك‬
‫في رمضان وفي غيره‪ ،‬ولما سئل عن صلة الليل قال‪ } :‬مثنى مثنى‪ ،‬فإذا‬
‫خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫ولم يحدد ركعات معينة ل في رمضان ول في غيره‪ ،‬ولهذا صلى الصحابة في‬
‫عهد عمر في بعض الحيان ثلثا ً وعشرين ركعة‪ ،‬وفي بعضها إحدى عشرة‬
‫ركعة‪ ،‬كل ذلك ثبت عن عمر وعن الصحابة في عهده‪.‬‬
‫وكان بعض السلف يصلي في رمضان ستا ً وثلثين ركعة ويوتر بثلث‪،‬‬
‫وبعضهم يصلي إحدى وأربعين‪ ،‬ذكر ذلك عنهم شيخ السلم ابن تيمية وغيره‬
‫من أهل العلم‪ ،‬كما ذكر رحمة الله عليه أن المر في ذلك واسع‪ ،‬وذكر أيضا ً‬
‫أن الفضل لمن أطال القراءة و الركوع والسجود أن يقلل العدد‪ ،‬ومن خفف‬
‫القراءة والركوع والسجود زاد في العدد‪ .‬هذا معنى كلمه‪ .‬رحمه الله‪.‬‬
‫ومن تأمل سنته علم أن الفضل في هذا كله هو صلة إحدى عشرة ركعة أو‬
‫ثلث عشرة ركعة في رمضان وغيره؛ لكون ذلك هو الموافق لفعل النبي في‬
‫غالب أحواله؛ ولنه أرفق بالمصلين وأقرب إلى الخشوع والطمأنينة‪ ،‬ومن زاد‬
‫فل حرج ول كراهية كما سبق‪.‬‬
‫والفضل لمن صلى مع المام في قيام رمضان أل ينصرف إل مع المام ؛‬
‫لقول النبي ‪ } :‬إن الرجل إذا قام مع المام حتى ينصرف كتب الله له قيام‬
‫ليلة {‪.‬‬
‫ويشرع لجميع المسلمين الجتهاد في أنواع العبادة في هذا الشهر الكريم‬
‫من‪ :‬صلة النافلة‪ ،‬وقراءة القرآن بالتدبر و التعقل‪ ،‬والكثار من التسبيح‪،‬‬
‫والتهليل‪ ،‬والتحميد‪ ،‬والتكبير‪ ،‬والستغفار‪ ،‬والدعوات الشرعية‪ ،‬والمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والدعوة إلى الله عز وجل‪ ،‬ومواساة الفقراء‬
‫والمساكين‪ ،‬والجتهاد في بر الوالدين‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬وإكرام الجار‪ ،‬وعيادة‬
‫المريض‪ ،‬وغير ذلك من أنواع الخير؛ لقوله في الحديث السابق‪ } :‬ينظر الله‬
‫إلى تنافسكم فيه‪ ،‬فيباهي بكم ملئكته‪ ،‬فأروا الله من أنفسكم خيرًا‪ ،‬فإن‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشقي من حرم فيه رحمة الله {‪ .‬ولما روي عنه عليه الصلة والسلم أنه‬
‫قال‪ } :‬من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كمن أدى فريضة فيما سواه‪،‬‬
‫ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه {‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولقوله عليه الصلة والسلم في الحديث الصحيح‪ } :‬عمرة في رمضان تعدل‬


‫حجة { أو قال‪ } :‬حجة معي {‪.‬‬
‫والحاديث والثار الدالة على شرعية المسابقة والمنافسة في أنواع الخير‬
‫في هذا الشهر الكريم كثيرة‪.‬‬
‫والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين لكل ما فيه رضاه‪ ،‬وأن يتقبل‬
‫صيامنا وقيامنا‪ ،‬ويصلح أحوالنا‪ ،‬ويعيذنا جميعا ً من مضلت الفتن‪ ،‬كما نسأله‬
‫سبحانه أن يصلح قادة المسلمين‪ ،‬ويجمع كلمتهم على الحق‪ ،‬إنه ولي ذلك‬
‫والقادر عليه‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫صيام يوم السبت‬


‫الكاتب‪ :‬الستاذ صفوان مرشد‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رب العالمين القائل ?وفوق كل ذي علم عليم ?‪ ,‬والصلة والسلم‬
‫على خاتم المرسلين وآله وصحبه أجمعين القائل"من يرد الله به خيرا ً يفقه‬
‫في الدين "وبعد ‪:‬‬
‫فقد أشكل على بعض الناس فهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم "ل‬
‫تصوموا يوم السبت إل فيما افترض عليكم "‪ ،‬بعدما سمع في أيام العشرـ‬
‫غب في اغتنامها بالعمال الصالحة ومنها‬ ‫المباركات ـ من ذي الحجة‪،‬المر ّ‬
‫ً‬
‫الصوم ‪ ،‬من ينهاه عن صيام يوم السبت في أيام العشر مستدل له بهذا‬
‫الحديث ‪ ،‬فلزم الوقوف على الحديث لمعرفة أقوال أهل العلم فيه من جهة‬
‫سنده ومتنه‪ ،‬وبيان فقه الرواية والدراية بإيجاز لهذا الحديث الذي قال عنه‬
‫ابن القيم في تهذيبه لسنن أبي داود ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫"وقد أشكل هذا الحديث على الناس قديما وحديثا"‪.‬‬
‫المبحث الولـ" فقه الرواية للحديث " ‪:‬‬
‫أ( مظان الحديث ‪:‬‬
‫قال المام الترمذي رحمه الله ‪:‬‬
‫ن‬
‫زيد َ عن خال ِدِ ب ِ‬ ‫ب عن ث َوْرِ ب ِ‬
‫ن يَ ِ‬ ‫ن حبي ٍ‬‫نب ُ‬ ‫فَيا ُ‬ ‫س ْ‬ ‫سعَد َة َ حدثنا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬‫مي ْد ُ ب ُ‬ ‫ح َ‬‫حدثنا ُ‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن رسو َ‬ ‫خت ِهِ أ ّ‬ ‫سرٍ عن أ ْ‬ ‫ن بُ ْ‬ ‫ن عن عبدِ الله ب ِ‬ ‫دا َ‬‫معْ َ‬‫َ‬
‫حد ُك ُْ‬
‫م‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫ج‬‫ي‬
‫ْ َ ِ ْ َ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫فإن‬ ‫م‪،‬‬
‫ْ ْ‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫الله‬ ‫ض‬
‫َ َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫فيما‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ّ ْ‬‫س‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫و‬
‫َ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫موا‬ ‫صو‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫"ل‬ ‫قال‬
‫ه"‪ .‬قال أبو عيسى )الترمذي(‪:‬هذا حديث‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ض‬
‫ُ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫عو‬‫ُ‬ ‫أو‬ ‫عن َب َةٍ‬
‫حاَء ِ‬ ‫ِإل ل ِ َ‬
‫حسن ‪.‬‬
‫وأخرج الحديث المام أحمد في المسند‪ ،‬وأبو داود في سننه وقال عنه‪ :‬هذا‬
‫الحديث منسوخ‪ ،‬وأخرجه النسائي وحكم عليه بالضطراب‪ ،‬وصححه الحاكم‬
‫وقال على شرط البخاري وأقره الذهبي‪ ،‬قال العراقي‪:‬بل رواه أصحاب‬
‫السنن جميعًا‪ ،‬كما ذكر ذلك المناوي في الفيض‪ ،‬والبادي في عون المعبود‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب(أقوال الشراح‪:‬‬
‫• جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود للبادي )كتاب الصوم ‪،‬باب‬
‫النهي أن يخص يوم السبت بصوم ( ‪:‬‬
‫قال المنذري‪ :‬قال أبو داود‪ :‬هذا الحديث منسوخ‪ ،‬وأخرجه الترمذي والنسائي‬
‫وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن هذا آخر كلمه وقيل إن الصماء أخت‬
‫بسر‪ .‬وروي هذا الحديث من حديث عبد الله بن بسر عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ومن حديث أبيه بسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫من حديث الصماء عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وقال النسائي‪ :‬هذه أحاديث مضطربة انتهى كلم‬
‫المنذري‪ :‬والحديث أخرجه أحمد والدارمي وصححه الحاكم على شرط‬
‫البخاري وقال النووي‪ :‬صححه الئمة )قال أبو داود‪ :‬هذا الحديث منسوخ(‪:‬‬
‫ذهب إلى نسخه المؤلف‪.‬‬
‫وقد طعن في هذا الحديث جماعة من الئمة منهم مالك بن أنس وابن شهاب‬
‫الزهري والوزاعي والنسائي‪ ،‬فل تغتر بتحسين الترمذي وتصحيح الحاكم‪ ،‬وإن‬
‫ثبت تحسينه فل يعارض حديث جويرية بنت الحارث الذي اتفق عليه‬
‫الشيخان‪.‬‬
‫وقال ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود ‪:‬‬
‫فيما نقله عن أبي بكر ابن الثرم)ضمن كلم طويل ذكره عند شرحه‬
‫للحديث‪ ،‬نذكر جملة منه في فقه الدراية للحديث إن شاء الله تعالى (‪:‬‬
‫قال أبو عبد الله)يعني أحمد ابن حنبل(‪ :‬يحيى بن سعيد ينفيه‪ ،‬أبى أن يحدثني‬
‫به‪ ،‬وقد كان سمعه من ثور‪ ،‬قال‪ :‬فسمعته من أبى عاصم‪......‬‬
‫فقد فهم الثرم من كلم أبى عبد الله أنه توقف عن الخذ بالحديث‪ ،‬وأنه‬
‫رخص في صومه‪ ،‬حيث ذكر الحديث الذي يحتج به في الكراهة‪ .‬وذكر أن‬
‫المام علل حديث يحيى بن سعيد‪ ،‬وكان ينفيه‪ ،‬وأبى أن يحدث به‪ ،‬فهذا‬
‫تضعيف للحديث‪......‬‬
‫فدل على أن الحديث غير محفوظ وأنه شاذ‪ .‬وقد قال أبو داود قال مالك‪:‬‬
‫هذا كذب‪.‬‬
‫وذكر بإسناده عن الزهري‪ :‬أنه كان إذا ذكر له النهي عن صيام يوم السبت‪،‬‬
‫يقول‪ :‬هذا حديث حمصي‪.‬‬
‫وعن الوزاعي قال‪ :‬ما زلت كاتما ً له حتى رأيته انتشر‪ ،‬يعني حديث ابن بسر‬
‫هذا‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ ،‬منهم أبو داود‪ :‬هذا حديث منسوخ‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ ،‬وهم أكثر أصحاب أحمد‪ :‬محكم‪ ،‬وأخذوا به في كراهية إفراده‬
‫بالصوم‪ ،‬وأخذوا بسائر الحاديث في صومه مع ما يليه‪.‬‬
‫• وجاء في تحفة الحوذي شرح سنن الترمذي للمباركفوري ‪:‬‬
‫)كتاب الصوم ـ باب ما جاء في صوم يوم السبت (‬
‫قوله‪) :‬هذا حديث حسن( وصححه الحاكم على شرط البخاري وقال النووي‪:‬‬
‫صححه الئمة‪ ،‬كذا في المرقاة‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال أبو داود في السنن‪ :‬هذا الحديث منسوخ انتهى‪ .‬وقال فيه أيضا‪ :‬قال‬
‫مالك‪ :‬هذا كذب انتهى‪.‬‬
‫وقال المنذري‪ :‬وروى هذا الحديث من حديث عبد الله بن بسر ومن حديث‬
‫أبيه بسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن حديث الصماء عن‬
‫عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال النسائي‪ :‬هذه أحاديث مضطربة انتهى كلم المنذري‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقال الحافظ في التلخيص‪ :‬قال الحاكم‪ :‬وله معارض بإسناد صحيح‪ ،‬ثم روى‬
‫عن كريب أن ناسا ً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوه إلى‬
‫أم سلمة أسألها عن اليام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر‬
‫لها صياما ً فقالت يوم السبت والحد‪ ،‬فرجعت إليهم فقاموا بأجمعهم إليها‬
‫فسألوها فقالت‪ :‬صدق‪ ،‬وكان يقول‪:‬إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أريد أن‬
‫أخالفهم( ورواه النسائي والبيهقي وابن حبان‪.‬‬
‫وروى الترمذي من حديث عائشة قالت‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يصوم من الشهر السبت والحد والثنين الخ انتهى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد جمع بين هذه الحاديث بأن النهي متوجه إلى الفراد والصوم باعتبار‬
‫انضمام ما قبله أو ما بعده‪ ،‬ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم قد أذن لمن‬
‫صام الجمعة أن يصوم يوم السبت بعدها‪ ،‬والجمع مهما أمكن أولى من‬
‫النسخ‪ .‬وأما علة الضطراب فيمكن أن تدفع بما ذكره الحافظ في التلخيص ‪.‬‬
‫وأما قول مالك إن هذا الحديث كذب فلم يتبين لي وجه كذبه والله تعالى‬
‫أعلم ‪..‬‬
‫• وقال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير ‪:‬‬
‫الحديث رقم)‪ :(9818‬وأعل بأن له معارضا ً بسند صحيح وبقول مالك هذا‬
‫الخبر كذب وبقول النسائي مضطرب فقيل هكذا أو قيل عبد الّله بن بسر‬
‫وقيل عنه عن أبيه وقيل عنه عن الصماء وقيل عنهما عن عائشة وانتصر له‬
‫وأجيب ووقع اضطراب في الجواب عن الضطراب‬
‫قال ابن حجر‪ :‬وبالجملة فهذا التلون في حديث واحد بسند واحد مع اتحاد‬
‫المخرج يوهن روايته ويضعف ضبطه إل أن يكون من الحفاظ المكثرين‬
‫المعروفين بجمع الطرق وهنا ليس كذلك وزعم أبو داود نسخه ورجح‬
‫واعترض‪.‬‬
‫• وجاء في سبل السلم ‪):‬كتاب الصيام ـ باب صوم التطوع وما نهي عن‬
‫صومه (‬
‫بعد ذكرالحديث بسنده ‪...‬‬
‫)رواه الخمسة ورجاله ثقات إل أنه مضطرب وقد أنكره مالك وقال أبو داود‪:‬‬
‫هو منسوخ(‪.‬‬
‫قال ابن المير الصنعاني ‪:‬‬
‫"أما الضطراب فلنه رواه عبد الله بن بسر عن أخته الصماء‪ ،‬وقيل عن عبد‬
‫الله‪ ،‬وليس فيه ذكر أخته‪ ،‬قيل‪ :‬وليست هذه بعلة قادحة فإنه صحابي‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫عن أبيه بسر‪ ،‬وقيل‪ :‬عن الصماء عن عائشة‪ ،‬قال النسائي‪ :‬هذا حديث‬
‫مضطرب‪ ،‬قال المصنف‪ :‬يحتمل أن يكون عند عبد الله عن أبيه وعن أخته‬
‫بواسطة‪ ،‬وهذه طريقة صحيحة‪ ،‬وقد رجح عبد الحق الطريق الولى وتبع في‬
‫ذلك الدارقطني لكن هذا التلون في الحديث الواحد بإسناد واحد مع اتحاد‬
‫المخرج يوهن الرواية وينبيء بقلة الضبط إل أن يكون من الحفاظ المكثرين‬
‫المعروفين بجمع طرق الحديث فل يكون ذلك دال على قلة الضبط وليس‬
‫المر هنا كذلك بل اختلف فيه على الراوي أيضا ً عن عبد الله بن بسر‪ .‬وأما‬
‫إنكار مالك له فإنه قال أبو داود عن مالك إنه قال هذا كذب‪ ،‬أما قول أبي‬
‫داود‪ :‬إنه منسوخ‪ ،‬فلعله أراد أن ناسخه قوله‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وع َ ُ‬
‫سلم أ ْ‬
‫كثُر ما‬ ‫صلى الله عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬
‫سو َ‬‫نر ُ‬ ‫ة رضي الله عنها أ ّ‬ ‫سل َ َ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ْ‬
‫ل‪" :‬إنهما ْيوما عيدٍ‬ ‫قو ُ‬‫ني ُ‬
‫د‪ .‬وكا َ‬‫م الح ِ‬ ‫ت وَْيو ُ‬‫سب ْ ِ‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫و‬‫َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫اليا‬ ‫من‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫صو‬‫كان ُ‬
‫َ‬ ‫ي‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة وهذا‬‫م َ‬ ‫َ‬ ‫للمشركين وَأنا ُأريد أ َ ُ‬


‫خزي ْ َ‬
‫ن ُ‬
‫ه اب ُ‬
‫ي وصحح ُ‬ ‫ه النسائ ّ‬
‫ن أخالفهم" أخرج ُ‬ ‫ْ‬
‫اللف ُ‬
‫ظ له‪.‬‬
‫ولعلك أخي القارئ قد وقفت على أقوال هؤلء الئمة‪ ،‬فيما يتعلق بسند هذا‬
‫الحديث‪ ،‬وتبين لك اختلفهم في قبول الحديث من عدمه‪ ،‬بسبب مخالفة‬
‫ظاهر هذا الحديث لحاديث أصح منه سندا وأقوى متنا ‪ ،‬مما جعل كثيرا من‬
‫الئمة يرده بعلل مختلفة كالضطراب‪ ،‬أو النسخ‪ ،‬أو الكذب‪.‬‬
‫من قَِبل سنده من الئمة ودفع الضطراب عن سنده ‪ ،‬أّول معناه لكي‬ ‫و َ‬
‫يندفع التعارض بين ظواهر النصوص الشرعية التي يعارضها ظاهر هذا‬
‫الحديث المتكلم في سنده كما رأيت‪...‬‬
‫فخلصة القول فيه ما أورده الحافظ ابن حجر ونقله بمعناه وزاد عليه المام‬
‫ابن المير الصنعاني‪،‬وكذلك ما أورده الشيخ اللباني في إرواء الغليل ج‪4/‬صـ‬
‫‪118‬ـ ‪ 125‬فقف عليه وتأمله رعاك الله وفقهنا وإياك في دينه واستعملنا‬
‫جميعا في طاعته‪..‬وعمل بقول من ذهب إلى تصحيح الحديث فنقف على‬
‫فهم العلماء لهذا النص‪..‬‬
‫المبحث الثاني” فقه الدراية للحديث” ‪:‬‬
‫• قال المباركفوري في تحفة الحوذي ‪:‬‬
‫)قوله‪) :‬ل تصوموا يوم السبت (أي وحده )إل فيما افترض عليكم( بصيغة‬
‫المجهول‪.‬‬
‫قال الطيبي‪ :‬قالوا النهي عن الفراد كما في الجمعة والمقصود مخالفة‬
‫اليهود فيهما‪ ،‬والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور‪.‬‬
‫وما افترض يتناول المكتوب والمنذور وقضاء الفوائت وصوم الكفارة‪ ،‬وفي‬
‫معناه ما وافق سنة مؤكدة كعرفة وعاشوراء أو وافق وردًا‪ .‬وزاد ابن الملك‪:‬‬
‫وعشرة ذي الحجة أو في خير الصيام صيام داود فإن النهي عن شدة‬
‫الهتمام والعناية به حق كأنه يراه واجبا ً كما تفعله اليهود‪.‬‬
‫قال القاري‪ :‬فعلى هذا يكون النهي للتحريم‪ ،‬وأما على غير هذا الوجه فهو‬
‫للتنزيه بمجرد المشابهة‪.‬‬
‫• قال البادي في عون المعبود‪ ،‬شرح سنن أبي داود في كتاب الصيام‪.‬‬
‫باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫)ل تصوموا يوم السبت(‪ :‬أي وحده )إل فيما افترض(‪ :‬بصيغة المجهول‬
‫)عليكم(‪ :‬أي ولو بالنذر‪ .‬قال الطيبي‪ :‬واتفق الجمهور على أن هذا النهي‬
‫والنهي عن إفراد الجمعة نهي تنزيه ل تحريم‪.‬‬
‫• قال المام ِ المناوي في فيض القدير‪ ،‬شرح الجامع الصغير‪:‬‬
‫‪) - 9818‬ل تصوموا يوم السبت إل في فريضة( لفظ رواية الترمذي والحاكم‬
‫إل فيما افترض عليكم أي ل تقصدوا صومه بعينه إل في الفرض فإن قصد‬
‫صومه بعينه بحيث لم يجب عليه إل يوم السبت كمن أسلم ولم يبق من‬
‫الشهر إل يوم السبت فإنه يصومه وحده‪.‬‬
‫)‪ ......‬وهذا النهي للتنزيه ل للتحريم والمعنى فيه إفراده كما في الجمعة‬
‫بدليل حديث صيام يوم السبت ل لك ول عليك وهذا شأن المباح والدليل على‬
‫أن المراد إفراده بالصوم حديث عائشة أنه كان يصوم شعبان كله وقوله إل‬
‫في فريضة يحتمل أن يراد ما فرض بأصل الشرع كرمضان ل بالتزام كنذر‬
‫ويحتمل العموم وقد اختلف في صوم السبت فقال الشافعية‪ :‬يكره إفراده‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بصوم ما لم يوافق عادته أو نذره ونقل نحوه عن الحنفية وقال مالك‪ :‬ل يكره‬
‫وقال أحمد‪ :‬هذا الحديث على ما فيه يعارضه حديث أم سلمة حين سئلت أي‬
‫اليام كان رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أكثر صياما ً لها قالت السبت‬
‫والحد‪ ،‬وحديث)نهى عن صوم الجمعة إل بيوم قبله أو يوم بعده( فالذي بعده‬
‫السبت‪ ،‬وأمر بصوم المحرم وفيه السبت‪.‬‬
‫• قال ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود‪:‬‬
‫)فقال أبو بكر الثرم‪ :‬سمعت أبا عبد الله يسأل عن صيام يوم السبت يفرد‬
‫به؟‬
‫فقال أما صيام يوم السبت يفرد به‪ :‬فقد جاء فيه ذلك الحديث‪ ،‬حديث‬
‫الصماء‪ ،‬يعني حديث ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر‬
‫عن أخته الصماء عن النبي صلى الله عليه وسلم "ل تصوموا يوم السبت إل‬
‫فيما افترض عليكم"‪.....‬‬
‫قال الثرم‪ :‬حجة أبى عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت‪ :‬أن‬
‫الحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر‪ .‬منها‪ :‬حديث أم سلمة‪ ،‬حين‬
‫سئلت‪" :‬أي اليام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما ً لها؟‬
‫فقالت‪ :‬السبت والحد")أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وزاد فيه "ويقول ـ‬
‫يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ هما يوما عيد للمشركين فأحب أن‬
‫أخالفهم "رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وصححه ابن حبان‪(.‬‬
‫ومنها حديث جويرية‪" :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة‪:‬‬
‫أصمت أمس؟ قالت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬أتريدين أن تصومي غدًا؟" فالغد‪ :‬هو يوم‬
‫السبت‪ .‬وحديث أبى هريرة" نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬إل مقرونا ً بيوم قبله أو يوم بعده" فاليوم الذي بعده‪ :‬هو يوم السبت‪.‬‬
‫وقال‪" :‬من صام رمضان وأتبعه بست من شوال" وقد يكون فيها السبت‪.‬‬
‫وأمر بصيام اليام البيض‪ ،‬وقد يكون فيها السبت‪ ،‬ومثل هذا كثير فقد فهم‬
‫الثرم من كلم أبى عبد الله أنه توقف عن الخذ بالحديث‪ ،‬وأنه رخص في‬
‫صومه‪ ،‬حيث ذكر الحديث الذي يحتج به في الكراهة‪ .‬وذكر أن المام علل‬
‫حديث يحيى بن سعيد‪ ،‬وكان ينفيه‪ ،‬وأبى أن يحدث به‪ ،‬فهذا تضعيف للحديث‪.‬‬
‫واحتج الثرم بما ذكر في النصوص المتواترة على صوم يوم السبت‪ ،‬يعني ان‬
‫يقال‪ :‬يمكن حمل النصوص الدالة على صومه على ما إذا صامه مع غيره‪.‬‬
‫وحديث النهي على صومه وحده وعلى هذا تتفق النصوص‪.‬وهذه طريقة‬
‫جيدة‪ ....‬ثم أطال المام ابن القيم في مناقشات وردود حول الحديث وثبوته‬
‫من عدم ثبوته حتى قالـ ‪:‬‬
‫وعلى هذا‪ :‬فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم "ل تصوموا يوم السبت"‬
‫أي ل تقصدوا صومه بعينه إل في الفرض‪ ،‬فإن الرجل يقصد صومه بعينه‪،‬‬
‫بحيث لو لم يجب عليه إل صوم يوم السبت كمن أسلم ولم يبق من الشهر‬
‫إل يوم السبت‪ ،‬فإنه يصومه وحده‪.‬‬
‫وأيضا ً فقصده بعينه في الفرض ل يكره‪ ،‬بخلف قصده بعينه في النفل‪ ،‬فإنه‬
‫يكره‪ .‬ول تزول الكراهة إل بضم غيره إليه‪ ،‬أو موافقته عادة‪ .‬فالمزيل‬
‫للكراهة في الفرض مجرد كونه فرضًا‪ ،‬ل المقارنة بينه وبين غيره‪ .‬وأما في‬
‫النفل فالمزيل للكراهة ضم غيره إليه‪ ،‬أو موافقته عادة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫• وقال ابن المير الصنعاني في سبل السلم شرح بلوغ المرام في‪ ):‬كتاب‬
‫الصيام باب صوم التطوع وما ُنهي عن صومه‪(.‬‬
‫قال المام بعد إيراده للحديث وبيانه لقوال أهل الحديث في سنده ـ والتي‬
‫سبق الشارة إليها في المبحث السابق ـ‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سّلم أ َ ْ‬
‫كثُر ما‬ ‫صّلى الله عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬
‫سو َ‬‫نر ُ‬ ‫ة رضي الله عنها أ ّ‬ ‫م َ‬‫سل َ َ‬
‫م َ‬
‫وع َ ُ‬
‫نأ ّ‬ ‫ْ‬
‫قول‪" :‬إنهما ْيوما عيدٍ‬ ‫ُ‬ ‫ني ُ‬ ‫د‪ .‬وكا َ‬
‫م الح ِ‬ ‫ت وَْيو ُ‬ ‫سب ْ ِ‬
‫م ال ّ‬ ‫م من اليام ِ ي َوْ ُ‬ ‫صو ُ‬‫كان ي َ ُ‬
‫ة وهذا‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خزي ْ َ‬‫ن ُ‬‫ه اب ُ‬ ‫ي وصحح ُ‬ ‫ه النسائ ّ‬ ‫ن أخالفهم" أخرج ُ‬ ‫للمشركين وأنا أريد أ ْ‬
‫ظ له‪.‬‬ ‫اللف ُ‬
‫سّلم يحب‬ ‫صّلى الله عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫فالنهي عن صومه كان أول المر حيث كان َ‬
‫سّلم مخالفتهم كما‬ ‫صّلى الله عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫موافقة أهل الكتاب‪ ،‬ثم كان آخر آمره َ‬
‫صرح به الحديث نفسه‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقيل بل النهي كان عن إفراده بالصوم إل أنه صام ما قبله أو ما بعده‪.‬‬


‫صّلى الله عَلي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫وأخرج الترمذي من حديث عائشة قالت‪" :‬كان رسول الله َ‬
‫سّلم يصوم من الشهر السبت والحد والثنين ومن الشهر الخر الثلثاء‬ ‫وَ َ‬
‫والربعاء والخميس" وحديث الكتاب دال على استحباب صوم السبت والحد‬
‫مخالفة لهل الكتاب‪ ،‬وظاهره صوم كل على النفراد والجتماع‪.‬اهـ‬
‫وفي نهاية المبحث نجد أن فهم هذا الحديث عند العلماء الثبات والمحققين‬
‫من الئمة العلم ممن احتج بالحديث وقبله للستدلل‪ ،‬ليكاد يخرج عن أحد‬
‫ثلثة أقوال ينحصر فيها الفقه السوي لهذا الحرف من السنة المطهرة وبيانه‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬جواز قصد يوم السبت بالصيام مع يوم قبله أو يوم بعده بل كراهة وكذلك‬
‫فيما كان فريضة أو في معناها من السنن المؤكدة كاليام البيض والعشر من‬
‫ذي الحجة والنوافل المستحبة والوراد الخاصة بأهلها من العباد والزهاد‪ ،‬وهذا‬
‫عمل بحديث أم سلمة وجويرية رضي الله عنهما‪ ،‬وفي ذلك مخالفة لليهود‬
‫بصيام يوم عيدهم‬
‫قال ابن القيم رحمه الله ‪:‬‬
‫)فقد يقال‪ :‬مخالفتهم فيه يكون بالصوم ل بالفطر‪ ،‬فالصوم فيه تحقيق‬
‫للمخالفة‪ ،‬ويدل على ذلك‪ :‬ما رواه المام أحمد والنسائي وغيرهما من حديث‬
‫كريب مولى ابن عباس قال "أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة أسألها‪ :‬أي اليام كان النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أكثرها صيامًا؟ فقالت‪ :‬كان يصوم السبت ويوم الحد أكثر ما‬
‫يصوم من اليام ويقول‪ :‬إنهما يوما عيد للمشركين‪ ،‬فأنا أحب أن أخالفهم"‬
‫وصححه بعض الحفاظ‪ .‬فهذا نص في استحباب صوم يوم عيدهم لجل‬
‫مخالفتهم‪،‬وليخفى النهي الشرعي عن صيام أيام العيد عند المسلمين(‬
‫‪ .2‬وكراهة إفراده بالصيام‪ ،‬كراهة تنزيهٍ عند الجمهور من أهل العلم كما سبق‬
‫بيانه‪ ،‬جمعا بين الدلة ‪.‬‬
‫‪ .3‬جواز إفراده بالصيام من غير كراهة كما ذهب إليه مالك رحمه الله ‪،‬فيما‬
‫نقله عنه المناوي في فيض القدير‪...‬‬
‫هذا ما تيسر بفضل الله وعونه جمعه موجزا في هذه المسألة "حكم صيام‬
‫در للحديث عنها من‬ ‫يوم السبت ضمن أيام العشر من ذي الحجة "والتي تص ّ‬
‫لم يستجمع أقوال أهل العلم فيها‪ ،‬فأسأل الله السداد في القول والعمل‬
‫والتوفيق في الحال والمآل‪...‬‬
‫_____________________________________________________________‬
‫_____‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في كتابه ‪" :‬تلخيص الحبير في تخريج‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحاديث الرافعي الكبير" )‪: (217-2/216‬‬


‫حديث ‪) :‬ل تصوموا يوم السبت إل فيما افترض عليكم( أحمد وأصحاب‬
‫السنن وابن حبان والحاكم‪ .‬والطبراني والبيهقي ‪ ،‬من حديث عبدالله بن بسر‬
‫عن أخته الصماء‪ ,‬وصححه ابن السكن ‪ .‬وروى الحاكم عن الزهري أنه كان‬
‫إذا ذكر له الحديث قال ‪ :‬هذا حديث حمصي ‪ ،‬وعن الوزاعي قال ‪ :‬ما زلت‬
‫له كاتما ً حتى رأيته قد اشتهر ‪ ،‬وقال أبو داود في "السنن" ‪ :‬قال مالك‪ :‬هذا‬
‫الحديث كذب ‪ :‬قال الحاكم ‪ :‬وله معارض بإسناد صحيح‪ ،‬ثم روي عن كريب‬
‫أن ناسا ً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوه إلى أم سلمة‬
‫أسألها عن اليام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لها صياما ً ‪،‬‬
‫فقالت ‪ :‬يوم السبت والحد‪ ،‬فرجعت إليهم فقاموا بأجمعهم إليها فسألوها ‪،‬‬
‫فقالت ‪ :‬صدق ‪ ،‬وكان يقول ‪ :‬إنهما يوما عيد للمشركين ‪ ،‬فأنا أريد أن‬
‫أخالفهم‪ ،‬ورواه النسائي والبيهقي وابن حبان‪ ،‬وروى الترمذي من حديث‬
‫عائشة قالت‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر ‪:‬‬
‫السبت ‪ ،‬والحد والثنين ‪ ،‬ومن الشهر الخر‪ :‬الثلثاء والربعاء والخميس‪.‬‬
‫)تنبيه( قد أعل حديث الصماء بالمعارضة المذكورة ‪ ،‬وأعل أيضا ً باضطراب ‪،‬‬
‫فقيل هكذا‪ ,‬وقيل ‪ :‬عن عبدالله بن بسر وليس فيه عن أخته الصماء ‪ ،‬وهذه‬
‫رواية ابن حبان‪ ،‬وليست بعلة قادحة ‪ ،‬فإنه أيضا ً صحابي ‪ ،‬وقيل ‪ :‬عنه عن‬
‫أبيه بسر‪ ،‬وقيل ‪ :‬عنه عن الصماء عن عائشة‪ ،‬قال النسائي ‪ :‬هذا حديث‬
‫مضطرب‪ ،‬قلت ‪ :‬ويحتمل أن يكون عند عبدالله عن أبيه‪ .‬وعن أخته ‪ ،‬وعند‬
‫أخته بواسطة ‪ ،‬وهذه طريقة من صححه‪ ،‬ورجح عبدالحق الرواية الولى ‪،‬‬
‫وتبع في ذلك الدارقطني ‪ ،‬لكن هذا التلون في الحديث الواحد بالسناد‬
‫الواحد مع اتحاد المخرج‪ ،‬يوهن راويه وينبيء بقلة ضبطه ‪ ،‬إل أن يكون من‬
‫الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث‪ ،‬فل يكون ذلك دال ً على‬
‫قلة ضبطه‪ ،‬وليس المر هنا كذا ‪ ،‬بل اختلف فيه أيضا ً على الراوي عن‬
‫عبدالله بن بسر أيضا ً ‪ ،‬وادعى أبو داود ‪ :‬أن هذا منسوخ ‪ ،‬ول يتبين وجه‬
‫النسخ فيه ‪ ،‬قلت ‪ :‬يمكن أن يكون أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم كان‬
‫يحب موافقة أهل الكتاب في أول المر ‪ ،‬ثم في آخر أمره قال ‪ :‬خالفوهم ‪،‬‬
‫فالنهي عن صوم يوم السبت يوافق الحالة الولى ‪ ،‬وصيامه إياه يوافق الحالة‬
‫الثانية ‪ ،‬وهذه صورة النسخ والله أعلم‪.‬‬
‫كالدارقطني ‪ ،‬وتبعه عبد الحق الشبيلي وقال الشيخ اللباني‪ :‬وما رجحه هذا‬
‫المام)يعني عبد الحق( هو الصواب إن شاء الله تعالى لما ذكرنا‬

‫)‪(4 /‬‬

‫صيد البنكين‪ ،‬وما يترتب عليه‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ أ‪.‬د‪.‬عبد الله قادري الهدل‬
‫في فلسطين بنكان‪ :‬أحدهما فلسطيني‪ ،‬والخر يهودي‪:‬‬
‫فما رصيد كل منهما؟‬
‫رصيد البنك الفلسطيني يتكون من صندوقين‪:‬‬
‫الصندوق الول‪ :‬الحركة الجهادية التي تتبناها الفصائل الفلسطينية الرافضة‬
‫للحتلل اليهودي‪ ،‬وأساس هذا الرصيد العزم المصمم على قتال العدو بما‬
‫يتاح لصحابها‪ ،‬وعلى رأس ذلك اليمان بالحق والعدل لهلهما وهم الشعب‬
‫الفلسطيني صاحب الرض والمقدسات‪.‬‬
‫والتوكل على الله الذي وعد أهل الحق المجاهدين بالنصر على أعدائهم‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعتدين‪ ،‬مهما طال الزمن‪ ،‬كما دلت على ذلك التجارب التي كانت نتيجتها‬
‫في مصلحة أهل الرض المجاهدين للدفاع عن حقهم المشروع‪ ،‬وفي شمال‬
‫أفريقيا القريب العهد وفي الشرق والغرب من بلدان العالم دلي قريب‪ ،‬على‬
‫تحريرها من المحتلين‪.‬‬
‫كما في الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا‪ ،‬وغيرها من البلدان‬
‫الفريقية‪ ،‬وكما في اليمن الجنوبي سابقا والهند وشرق وجنوب شرق آسيا‪،‬‬
‫وفي فيتنام لذلك مثال‪.‬‬
‫فما احتل معتد قوي بلدا ضعيفة وصمم أهلها على طرده إل كان النصر‬
‫العسكري حليفهم‪ ،‬مهما ترتبت على ذلك من آثار‪.‬‬
‫وقد أثبتت الحركة الجهادية أنها رصيد هائل بالنسبة للشعب الفلسطيني‪ ،‬مع‬
‫ما أصابتها من محن وابتلءات‪ ،‬فقد أصاب عدوها من الخسائر في النفس‬
‫والقتصاد والهلع ما لم يكن في حسبان الموازنة المادية بين ما يملك العدو‬
‫من المال والقتصاد والجيش والسلح والدعم الخارجي بكل ألوانه‪.‬‬
‫ولو أن هذه الحركة نالت من إخوانها في الدين ما يزيد من صمودها‪ ،‬لكان‬
‫لها شأن أعظم مما نراه الن من وقوفها الصلب أمام عدوها‪ ،‬برغم ضعفها‬
‫المادي‪.‬‬
‫الصندوق الثاني‪ :‬لبنك الشعب الفلسطيني‪ :‬الحل السياسي‪ ،‬ول نريد أن‬
‫نطيل الكلم‪ ،‬عن إفلس هذا الصندوق‪ ،‬والتجارب المستمرة من فترة طويلة‬
‫كافية لثبات إفلسه‪ ،‬وإن أبى أهل هذا الصندوق العتراف بإفلسه‪.‬‬
‫وليسنا نرى له في ظرفنا المنظور أي دعم من قريب أو من بعيد‪ ،‬يمده‬
‫برصيد يخرجه من إفلسه‪.‬‬
‫البنك الثاني‪ :‬اليهودي‪ ،‬وهو ذو أرصدة مادية هائلة‪:‬‬
‫نذكر منها الصناديق التية‪:‬‬
‫الصندوق الول‪ :‬القوة المادية‪ ،‬وهي شاملة للمال والقتصاد‪ ،‬والجيش‬
‫المدرب والسلح الفتاك والصناعة والزراعة المحميتين بقوة السلح‪.‬‬
‫الصندوق الثاني‪ :‬المستوطنات التي تخللت المناطق الفلسطينية‪ ،‬ومدنها‬
‫وجعلت تلك المناطق والمدن في في حصار مستمر من المستوطنين ومن‬
‫الجيش الذي يقوم بحمايتها‪.‬‬
‫الصندوق الثالث‪ :‬القبضة الحديدية على مدينة القدس بالذات والصرار على‬
‫جعلها العاصمة البدية للدولة اليهودية‪ ،‬كما يصرحون بذلك‪ ،‬وقد استجابت‬
‫بعض دول العالم لنقل سفاراتها وقنصلياتها إلى هذه المدينة‪ ،‬لتكتسب بذلك‬
‫شرعية دولية‪ ،‬وقد وعدت الدارة المريكية بنقل سفارتها إليها في وقت‬
‫قريب‪.‬‬
‫وأقل ما يمكن أن يناله الشطر الشرقي من هذه المدينة من الموقف‬
‫الدولي‪ ،‬هو العتراف بكونها مدينة دولية‪ ،‬كما صرحت بذلك بعض الدول‪،‬‬
‫وبخاصة المركز النصراني دولة الفاتيكان‪ ،‬ول غرابة أن نجد في النهاية من‬
‫يعترف بذلك من الدول العربية‪ ،‬إذا رأوا بعض المفاوضين الفلسطينيين‬
‫مستعدين للتسليم بذلك‪ ،‬ونحن ل ندري ما يجري في الخفاء بين الجهزة‬
‫المنية التي تسيطر على المفاوضات الفلسطينية اليهودية‪.‬‬
‫الصندوق الرابع‪ :‬المسجد القصى المهدد صراحة من قبل المتشددين اليهود‬
‫الذين يريدون هدمه‪ ،‬وإقامة الهيكل المزعوم مكانه‪ ،‬والدولة اليهودية‪ ،‬تظهر‬
‫للعالم إعلميا أنها تصدهم عن مرادهم‪ ،‬ولكنها في واقع المر هي أخطر عليه‬
‫من غيرها‪ ،‬لما تقوم به من خداع لهدمه بالحفريات تحته‪ ،‬بحجة البحث عن‬
‫بقايا هيكلها المزعوم‪ ،‬كما أن تحرشها بمقدساته واضح وما الحركة الجهادية‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخيرة إل ثمرة من ثمرات تدنيس رئيس الحومة الحالية له‪.‬‬


‫وسبق ما عمله اليهودي السترالي من حرق المسجد القصى سنة ‪1969‬م‬
‫الذي قطعت الدولة اليهودية عن رجاله الذين اجتهدوا في إطفاء الحريق‬
‫الماء وهو دليل على تواطؤها مع المعتدي الذي ادعت أنه مختل العقل‪ ،‬وما‬
‫يعاملون به المسلمين الفلسطينيين من منعهم من الصلة فيه معروف!‬
‫الصندوق الخامس‪ :‬السرى الذين يقارب عددهم عشرة آلف شخص من‬
‫بينهم نساء وأطفال وشيوخ‪ ،‬وهم معرضون لبشع أنواع التعذيب النفسي‬
‫والجسدي‪.‬‬
‫الصندوق السادس‪ :‬المواقع المنية التي يطلقون عليها‪ :‬الستراتيجية‪ ،‬وهي‬
‫الهضاب والماكن المرتفعة في أي منطقة في الراضي الفلسطينية‪ ،‬فهم‬
‫مصرون على عدم التخلي عنها للفلسطينيين‪ ،‬بحجة أنها تؤثر عليهم أمنيا‪،‬‬
‫لن مدنهم التي داخل الخط الخضر كما يسمونه‪ ،‬تكون في متناول سلح‬
‫المجاهدين الفلسطينيين‪.‬‬
‫الصندوق السابع‪ :‬السيطرة على كل الحدود الفلسطينية برا وبحرا وجوا‪،‬‬
‫بحيث ل يملك الفلسطينيون منافذها‪ ،‬بحجة الخوف من إدخال الفلسطينيين‬
‫سلحا مهربا قد يعود عليهم بالوبال مستقبل‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الصندوق الثامن‪ :‬منع عودة اللجئين إلى ديارهم‪ ،‬سواء منهم من هو في‬
‫مخيمات داخل فلسطين‪ ،‬أو من في البلدان الخرى‪.‬‬
‫الصندوق التاسع‪ :‬استئصال المناهج الثقافية و من مدارس الفلسطينيين‬
‫وجامعاتهم‪ ،‬إذا كانت تتعارض مع معتقداتهم‪ ،‬ولو كانت آيات من كتاب الله‪،‬‬
‫فكل ما في التاريخ من الشئون الدينية والسياسية والجغرافية‪ ،‬وما يذكره‬
‫القرآن عنهم يجب حذفه وإل فل صلح ول مهادنة‪ ،‬وهذا ليس خاصا بفلسطين‪،‬‬
‫بل أي دولة عربية أو إسلمية ترغب في العلقات الدبلوماسية مع اليهود‪،‬‬
‫يجب أن تتعهد بتجهيل أبنائها بتاريخ السلم وجغرافيته مع اليهود‪ ،‬وقد تم ذلك‬
‫مع بعض الدول العربية‪.‬‬
‫الصندوق العاشر‪ :‬الدعم المادي الجنبي بالمال والقتصاد والدبلوماسية‬
‫والعلم والسلح وغير ذلك‪ ،‬مع منع أي دعم قد يؤثر على اليهود من البلدان‬
‫الجنبية عندهم ومنها الشعوب السلمية والعربية‪.‬‬
‫الصندوق الحادي عشر‪ :‬تنازع المسلمين‪ ،‬ومنهم الدول العربية الذي هو من‬
‫أمضى السلحة يعتمد عليه اليهود‪ ،‬فإن قوتهم في الحقيقة تكمن في التنازع‬
‫والتفرق‪ ،‬ولو اجتمعت كلمتهم على الحق وظاهر بعضهم بعضا‪ ،‬لما هيمن‬
‫اليهود هذه الهيمنة‪ ،‬ولو وقفت جميع الدول الجنبية ضدهم‪:‬‬
‫))ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم((‬
‫الصندوق الثاني عشر‪ - :‬وقد ل يكون الخير – الجانب الستخباري اليهودي‪،‬‬
‫وقوة علقاته بالستخبارات الجنبية العالمية‪ ،‬ومنها بعض الستخبارات العربية‬
‫التي تتعاون معها على أبناء جلتها‪ ،‬وفي ذلك ما فيه من العدوان العربي على‬
‫العربي‪ ،‬وقد رأينا هذا في الجواسيس الفلسطينيين الذين يدلون المعتدين‬
‫اليهود على قادة الجهاد‪ ،‬أو القادة السياسيين الفلسطينيين‪ ،‬كما حصل للشيخ‬
‫أحمد ياسين ورفاقه‪ ،‬ويحيى عياش وجنوده‪ ،‬وسيأتي الكلم على ما يترتب‬
‫على الرصيدين‪.‬‬
‫ما يترتب على رصيد البنكين‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يظهر من الرصيدين أن البنك الفلسطيني ليس له من رصيد ما عدا صندوق‬


‫الحركة الجهادية‪ ،‬القوي معنويا‪ ،‬الضعيف ماديا‪ ،‬وأن البنك اليهودي ذو رصيد‬
‫مادي ضخم‪ ،‬مع استمرار نقصه في الرصيد المعنوي‪.‬‬
‫والذي يترتب على ذلك‪ ،‬أن اليهود يرعبهم رصيد هذا الصندوق الذي هو أشد‬
‫عليهم من أي رصيد آخر‪ ،‬وإن كانت الرصدة الخرى لها أهمية عظيمة في‬
‫تنمية هذا الرصيد ومده بالقوة والستمرار‪ ،‬ولهذا حاولوا هم وأعوانهم ‪-‬‬
‫وبخاصة الدارة المريكية – القضاء عليه وعلى أهله خشية من استفحاله إلى‬
‫درجة يصعب عليهم الخلص منه‪ ،‬فلجئوا إلى ما هو أخف ضررا عليهم‪ ،‬مع‬
‫كراهيتهم له وترفعهم عليه‪.‬‬
‫وليس هددهم من ذلك الوصول إلى مصالحة حقيقية مع الفلسطينيين‪ ،‬تترتب‬
‫عليها قيام دولة مستقلة على جزء يرضى به المفاوضون من رجال السلطة‬
‫ومن يتبعها من الشعب‪ ،‬بحيث تكون ذات سيادة كاملة بحدودها الرضية التي‬
‫تصلهم بجيرانهم من الدول العربية‪ ،‬وحدودهم البحرية‪ ،‬وسيطرتها على‬
‫مجالها الجوي‪ ،‬وتكوين حكومة مستقلة عن دولة اليهود‪ ،‬بما في ذلك وزارة‬
‫الخارجية ذات‪ ،‬ووزارة الدفاع اللتين تتمكنان من تسيير عملهما كسائر الدول‬
‫في العالم‪ ،‬من عقد معاهدات واتفاقات‪ ،‬وشراء أسلحة دفاعية تحتاج إليها أي‬
‫دولة مستقلة‪.‬‬
‫ليس هدفهم من المفاوضات ما ذكر‪ ،‬بل هدفهم منح المفاوضين حكما ذاتيا‬
‫يديرون به شئونهم المدنية‪ ،‬كأي بلدية من بلديات اليهود في أرض ما يسمى‬
‫بالخط الخضر بل أقل‪.‬‬
‫وهذا الهدف ل تختلف فيه الحزاب اليهودية‪ ،‬ما يطلق عليهم بعض العرب‬
‫"المعتدلين" أو "الحمائم" كحزب العمل‪ ،‬أو ما يطلقون عليهم "المتشددين‪،‬‬
‫أو "الصقور" كحزب "الليكود" والجماعات المسماة بـ"المتدينة" فكلهم‬
‫صقور بل وحوش على الشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫وهم يصرحون بذلك وهو مبدأ ثابت في المبادئ الصهيونية‪ ،‬ومن أصرح من‬
‫أظهر ذلك رئيس الوزراء اليهودي السبق )نتنياهو( في كتابه )بلدة تحت‬
‫الشمس(‬
‫ولنذكر من الكتاب جمل قصيرة من الكتاب‪:‬‬
‫قال‪] - :‬لقد أدى انهيار دولة التحاد السوفييتي التي كانت تدعم الدكتاتوريين‬
‫العرب ‪ ،‬وهزيمة العراق )والن احتلله( في حرب الخليج‪ ،‬إلى خلق ظروف‬
‫دولية مريحة لتحقيق الهدف السرائيلي‪-‬أي تحقيق تسويات سلمية مع‬
‫العرب‪ ،‬ل تسلب من إسرائيل مكاسبها في حري اليام الستة‪.‬‬
‫وعلى أساس هذا المفهوم شرعت إسرائيل لول مرة في مفاوضات مع كل‬
‫جيرانها في مؤتمر السلم الذي عقد في مدريد عام ‪1991‬م[ )صفحة‪(54 :‬‬
‫ثم قال مؤكدا بعض الثوابت الصهيونية‪:‬‬
‫‪]-‬إن تنازل إسرائيل عن المبادئ الصهيونية‪ ،‬يعتبر تنازل عن مصدر حياتها‪،‬‬
‫وعندئذ تبدأ بالذبول[ )صفحة‪(54 :‬‬
‫]كان جبل صهيون في قلب مدينة القدس‪-‬في نظر هرتسل ونورداو‪-‬يمثل‬
‫رمز إقامة الدولة اليهودية‪ ...‬ولهذا أطلق على حركتهما اسم "صهيونية[‬
‫)صفحة‪(69 :‬‬
‫‪]-‬إن فكرة عودة صهيون هي على أية حال‪ ،‬جزء ل يتجزأ من سر بقاء‬
‫الشعب اليهودي‪ ،‬وكانت القوة المحركة في ولدة دولة إسرائيل‪ ،‬وهي‬
‫المفتاح لستمرار بقائها[ )صفحة‪(90 :‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم قال مؤكدا ً أن الدولة التي أقاموها ويريدون استكمالها ذات أركان ثلثة‬
‫تعتبر مقومات لها‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪]-‬يعتقد أبناء العالم الغربي‪ ،‬بشكل عام أن اليهودية شأنها شأن المسيحية‪،‬‬
‫مجرد دين‪ ،‬لذا فهي ل تشمل وعيا قوميا‪ ،‬لكن اليهودية منذ بدايتها كانت دينا‬
‫وقومية معا‪ ....‬وفي أرض الشتات زادت أهمية هذه الزدواجية في اليهودية‪[.‬‬
‫]فبعد أن فقد اليهود أرضهم وحكومتهم ولغتهم‪ ،‬ووزعوا في أنحاء العالم‪،‬‬
‫أصبح الدين الداة الرئيسة للمحافظة على هويتهم وطموحاتهم القومية‪،‬‬
‫وداخل هذه الداة سكب اليهود أحلم العودة إلى صهيون‪ ،‬وتجميع الشتات‬
‫في أرض إسرائيل‪) [.‬صفحة ‪( 90‬‬
‫‪]-‬في ‪1821‬م دعا المبشر ليفي برسونس بقوله‪" :‬إذا دمرت المبراطورية‬
‫العثمانية‪ ،‬فإن معجزة فقط يمكنها أن تمنع عودة اليهود الفورية إلى أرضهم‬
‫من كافة أقطار العالم[ )صفحة ‪(77‬‬
‫ثم قال مؤكدا أن اليهود أهل الحق في أرض فلسطين‪ ،‬وليس أهل فلسطين‪:‬‬
‫‪]-‬وإذا كان المبدأ هو أن صاحب القوة هو صاحب الحق‪ ،‬فهذا يعني أن الممثل‬
‫الخير هو صاحب الحق‪ ،‬وبناء على هذا التعريف فإن إسرائيل هي صاحبة‬
‫الحق والسيادة على أرض إسرائيل[ )صفحة ‪(83‬‬
‫ويقول عن المواقع التي يعتبرها مناطق أمنية ل يمكن التفريط فيه‪:‬‬
‫]لكم هي مهمة محطات النذار المبكر التي أقامتها إسرائيل على قمم جبال‬
‫نابلس وهضبة الجولن‪ ،‬فقد أقيمت هذه القواعد على ارتفاعات توفر إمكانية‬
‫مراقبة تحركات الجيش السوري وكل جيش عربي يتحرك داخل الراضي‬
‫الردنية‪ ،‬وكذلك النشاطات الجوية في هاتين الدولتين‪[.‬‬
‫]ولو أن دولة معادية نجحت في السيطرة على هذه المرتفعات لصبح الوضع‬
‫معكوسا‪ ،‬سيكون باستطاعة العرب مراقبة كل ما يجري على السهل‬
‫الساحلي والجليل ولصبحت إسرائيل عمياء وفاقدة لجزء كبير من قدرتها‬
‫على تحقيق النذار المبكر‪ ،‬لذا فإن لهذه المحطات أهمية حاسمة‪ ،‬ول بديل‬
‫لها في حالة الستعداد لمواجهة هجوم عراقي أو سوري )كان الجيش‬
‫العراقي يؤرق اليهود‪ ،‬ولذا دمره أولياؤهم ومن ظاهرهم‪ ،‬ويطمعون في‬
‫تدمير الجيش السوري([‬
‫]ولو كانت هذه المواقع في جبال نابلس والجولن بأيدي العرب خلل حرب‬
‫الخليج ]يقصد احتلل الكويت[ لكانت محطات النذار هذه تزود صدام حسين‬
‫بكل ما يجري في الجيش السرائيلي‪ .‬إن الردن نقلت إلى العراق معلومات‬
‫استخبارية بصورة دائمة طيلة أيام الحرب[‪.‬‬
‫وبين في موضع آخر أرض فلسطين إنما هي أرض يهودية‪ ،‬وكذلك الردن هي‬
‫في الصل أرض يهودية‪ ،‬ويكفي الفلسطينيين أن يسكنوا في الردن‪ ،‬قال‪:‬‬
‫]لقد تم في فرساي التعهد لليهود بإقامة دولة فلسطين‪ ،‬وشمل الوطن‬
‫القومي آنذاك ضفتي نهر الردن‪[.‬‬
‫]هذه المنطقة التي تسمى أرض إسرائيل النتدابية التي كلفت بريطانيا عام‬
‫‪ 1920‬أن تقيم فيها وطنا لليهود‪ ،‬شملت أراضي دولتي الردن وإسرائيل‬
‫اليوم‪) [....‬ص ‪(67‬‬
‫وقال عن الحكم الذي يجب أن يناله عرب فلسطين أن إدارة بشر وليس‬
‫ملك أرض‪ ،‬وفي مناطق خاصة يعينها اليهود‪،‬ـ قال‪:‬‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]ولكي تحافظ إسرائيل على مصالحها هذه‪ ،‬يجب أن توضح بصورة ل تقبل‬
‫التأويل أن الحكم الذاتي في الضفة الغربية يجب أن يكون حكما ذاتيا فقط‪،‬‬
‫وليس دولة عربية جديدة‪ ،‬ويجب أن تركز إدارة الحكم الذاتي الفلسطيني‬
‫في الضفة الغربية على مجوعة ألوية‪ ،‬يكون أهمها‪ :‬جنين‪ ،‬نابلس‬
‫والخليل‪....‬وستضم هذه اللوية الغلبية العظمى من السكان العرب في‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬وباستثناء مواضيع حيوية‪ ،‬مثل المن وأراضي الدولة والمياه‬
‫التي يجب أن تبقى بأيدي السلطة المركزية لسرائيلية‪) [...‬ص ‪(418‬‬
‫ويقول عن القدس التي تشمل المسجد القصى وما يحيط به‪:‬‬
‫]‪...‬وأخيرا على إسرائيل أن تبدأ فورا باتخاذ إجراءات كفيلة بضمان وحدة‬
‫القدس تحت السيادة السرائيلية‪ ،‬إذ أن إعادة تقسيم المدينة وجعل الجزء‬
‫الشرقي منها عاصمة فلسطين في المرحلة الولى من مشروع المراحل‬
‫يعتبر هدفا لكافة الحركات الفلسطينية‪[....‬‬
‫ويقول عن عودة اللجئين الفلسطينيين التي يطالب بها المفاوضون منهم‪:‬‬
‫]ويجب عليها ]أي إسرائيل[ العودة إلى مبدأ توطين اللجئين الفلسطينيين‬
‫في الماكن التي يتواجدون فيها حاليا‪ ،‬في لبنان‪ ،‬سوريا‪ ،‬والردن‪ ،‬وغيرها‪،‬‬
‫وإذا لم تصر إسرائيل على تطبيق هذه المبادئ ستجد نفسها في غضون بضع‬
‫سنوات‪ ،‬تواجه طلبا عربيا بالعودة إلى مشروع التقسيم لعام ‪ 1947‬بغية حل‬
‫المشكلة السكانية التي ستنشأ في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة‪[...‬‬
‫وهو يصر في مواطن كثيرة من الكتاب‪ ،‬على أن قوة اليهود العسكرية‬
‫الرادعة للعرب هي الوحيدة التي ستضمن لها البقاء‪ ،‬وليس السلم مع الدول‬
‫العربية‪ ،‬لنها دكتاتورية‪ ،‬والسلم إنما يتحقق مع الدول الديمقراطية‪ ،‬قال‪:‬‬
‫]‪ ...‬فالسلم بين الدول الديمقراطية‪ ،‬هو حالة انسجام بين شعوب وجماعات‬
‫تعتمد على قيم ثقافية مشتركة‪ ،‬يكون أمن كافة الطراف معتمدا بوجودها‬
‫على هذه الشراكة في القيم‪.‬‬
‫في حين أن سلم الدكتاتوريات هو سلم الردع‪ ،‬وهو الوضع التي ل تكون فيه‬
‫حرب‪ ،‬حتى لو لم يسده أي انسجام‪– ....‬إلى أن قال‪ :-‬ولهذا فإن الدعاء بأن‬
‫المن الحقيقي هو السلم‪ ،‬هو قول باطل ل قيمة له‪) [...‬ص ‪(314 ،313‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقال في مكان آخر‪ ...] :‬إن من يحرم من حمل السيف‪ ،‬سرعان ما ينسى‬
‫كيفية استخدامه‪ ،‬ويبدأ استعداده النفسي للمقاومة يتلشى‪) [...‬ص ‪(430‬‬
‫ومع إلحاحه على قوة دولته‪ ،‬يصر على وجوب منع العرب من هذه القوة‪،‬‬
‫ليتمكن اليهود من السيطرة على الدول العربية كلها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫]‪ ...‬وفي المقابل فإن سياسة تزويد أسلحة غربية إلى النظمة العربية‬
‫المعتدلة‪ ،‬تخلق ترسانة ضخمة من السلحة المدمرة يستخدمها المتعصبون‬
‫في المستقبل الذين قد يطيحون في يوم ما بالحكام الحاليين على غرار ما‬
‫فعل القذافي بالملك إدريس الموالي للغر‪) [.....‬ص ‪(309‬‬
‫]قلت‪ :‬وماذا فعل القذافي غير الستسلم الكامل للغر![‬
‫وبعد فمن الصعب أن ألخص للقارئ أكثر مما ذكر فالكتاب يقارب ‪500‬‬
‫صفحة وفيه من التهديد والوعيد للفلسطينيين وللدول العربية كلها ما يدل‬
‫على أن اليهود ل يريدون سلما‪ ،‬وأن ادعوه إعلميا لينالوا المزيد من الدعم‬
‫الغربي‪ ،‬وبخاصة المريكي‪.‬‬
‫وسبق قول‪] :‬ولهذا فإن الدعاء بأن المن الحقيقي هو السلم‪ ،‬هو قول باطل‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل قيمة له‪[...‬‬
‫وماذا ترى عند الفلسطينيين من رصيد يستطيعون أن ينالوا به "سلم‬
‫الشجعان" غير قوة اليمان و صواريخ القسام والصبر والمصابرة‪ ،‬واتخاذ‬
‫الحكم الشرعي‪ ،‬وهو الجهاد عند بالممكن عند القدرة‪ ،‬والمهادنة عند العجز‪.‬‬
‫حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين‪.‬‬
‫وليعلم القارئ أن نتنياهو هو صاحب كتاب استئصال الرهاب الذي ألفه قبل‬
‫أحداث نيويورك‪ ،‬وكأنه يصف ما سيقع في أمريكا وما تتبعه من آثار مدمرة‬
‫في العالم السلمي‪ ،‬وهو من أشد اليهود تطرفا ضد العرب والمسلمين‪ ،‬وقد‬
‫يخلف صنوه في الشدة والتطرف رئيس الوزراء الحالي "شارون"‬

‫)‪(4 /‬‬

‫صيفك المثمر‬
‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬علي بن عمر بادحدح‬
‫إن من أمثلة العرب المشهورة » الصيف ضيعت اللبن « وهو مثل يدل على‬
‫تضييع الفرصة المتاحة ‪ ،‬وإهدار المكانيات المتوفرة ‪ ،‬وحينئذ ل ينفع الندم ‪،‬‬
‫وربما نجد أن أحوال أبنائنا في الصيف يصدق فيها هذا المثل ‪.‬‬
‫إن فترة الصيف تتوقف فيها الدراسة النظامية في المدارس والمعاهد‬
‫والجامعات ‪ ،‬ويأخذ أكثر الموظفين إجازاتهم من أعمالهم خللها ‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإن عدد الذين ل يرتبطون بمهمات إلزامية محددة كبير ‪ ،‬فإذا أضفنا المدة‬
‫والساعات المتاحة لوصلنا إلى مليين بل عشرات ومئات المليين من‬
‫الساعات ‪ .‬والسؤال الكبير ‪ :‬ما هي ثمرة هذه الساعات الطوال والطاقات‬
‫الكثيرة والعداد الغفيرة ؟!‬
‫وإذا كانت النتيجة لشيء أو كانت نتائج محدودة فإننا نقول لجميع هؤلء‬
‫وللمجتمع كله ‪ » :‬الصيف ضيعت اللبن «‬
‫إننا ‪ -‬وللسف الشديد ‪ -‬نمارس دورا ً فكريا وثقافيا مثبطا عن النجاز ‪ ،‬ومعيقا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عن الستثمار ‪ ،‬فهذه الفترة نسميها عطلة " وهي كلمة تدل على التعطيل‬
‫والعطالة ‪.‬‬
‫وهي ‪ -‬في اللغة ‪ -‬الخلو عن الشيء ‪ ،‬وهناك اسم آخر وهو » الجازة «‬
‫وأصل معناها محمود ودللتها تعني النتهاء من الشيء والحصول على ثمرته ‪،‬‬
‫فالجازة في علم من العلوم تعني النتهاء من تعلمه والتمكن في فنونه ‪ ،‬غير‬
‫أنها ‪ -‬فيما يتداوله الناس ‪ -‬تستخدم بمعنى قريب من الول ‪ ،‬بمعنى أنها‬
‫إجازة تم النتهاء فيها من الدراسة أو العمل و لشيء بعدها فهي فراغ بل‬
‫عمل ‪ ،‬ووقت بل إنتاج ‪ ،‬وطاقة بل استثمار ‪ ،‬وهذا ‪ -‬بالطبع ‪ -‬ليس حال‬
‫الجميع بل هناك المغتنمون لوقاتهم ‪ ،‬العاملون على تطوير ذواتهم وتحقيق‬
‫آمالهم ‪ ،‬ثم إننا نشهد ‪ -‬بحمد الله ‪ -‬في أمتنا بوادر نهضة وحيوية ‪ ،‬ونرى‬
‫معالم حركة وإيجابية ‪ ،‬وتتجلى صور ذلك في مؤسسات وأنشطة وميادين‬
‫مختلفة ‪ ،‬وهي ‪ -‬من فضل الله ‪ -‬كثيرة ومتميزة بل مبدعة ومتجددة ‪.‬‬
‫إن العاقل البصير ل بد أن يدرك أن العمر محسوب في الجازة وغيرها } إن‬
‫السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول ً { بل إن الوعي والجد‬
‫يوجبان اعتبار الصيف فرصة لنجاز مالم يمكن إنجازه مع وجود المهمات‬
‫والمشاغل الخرى ‪ ،‬ولذا ل بد من مبادرة ذاتية وهمة نفسية وممارسة عملية‬
‫‪ ،‬من خلل تلبية الميول والهوايات ‪ ،‬وبرمجة الفكار والمشروعات مع تحقيق‬
‫الراحة المنشطة والترفيه المحرك ؛ فإن الراحة إنما تكون لعطاء الطاقة‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمزيد من استئناف العمل بهمة أكبر وطاقة أفضل ‪.‬‬


‫وها نحن نقدم لك صيغة مبتكرة شعارها » صيفك المثمر « تعطيك خيارات‬
‫متنوعة في عدة مجالت نافعة ‪ ،‬ونجعل لك على كل نشاط درجات محددة‬
‫والنتيجة الكاملة ) ‪ 100‬درجة ( ‪ ،‬فاغتنم فرصة التنوع واهتبل جدة الفكار ‪،‬‬
‫واشحذ همتك ‪ ،‬وبادر بالختيار ‪ ،‬وحدد المسار ‪ ،‬ونظم الوقات ‪ ،‬وحقق‬
‫المنجزات ‪.‬‬
‫وإضافة إلى هذا البرنامج المقترح المبتكر نفتح لك صفحة كاملة عنوانها »‬
‫صيفك على كيفك « لتجد فيها معلومات عن النشطة والبرامج والمحاضرات‬
‫والدورات فضل عن المواد المسموعة والمقروءة التي تعينك على حسن‬
‫الستثمار للخروج بأفضل الثمار ‪.‬‬
‫‪ ::‬البرنامج ‪::‬‬
‫تواريخ مهمة من التقويم الدراسي‪:‬‬
‫بداية اختبار الفصل الدراسي الثاني ‪ ...‬السبت ‪29/4/1427‬هـ الموافق‬
‫‪27/5/2006‬م‬
‫بداية إجازة نهاية العام للطلب ‪ ...‬الربعاء ‪11/5/1427‬هـ الموافق‬
‫‪7/6/2006‬م‬
‫بداية إجازة نهاية العام للمعلمين ‪ ...‬الربعاء ‪18/5/1427‬هـ الموافق‬
‫‪14/6/2006‬م‬
‫تاريخ عودة المعلمين ‪ ...‬السبت ‪25/7/1427‬هـ الموافق ‪19/8/2006‬م‬
‫بداية اختبارات الدور الثاني ‪ ...‬الثنين ‪27/7/1427‬هـ الموافق ‪21/8/2006‬م‬
‫بداية الدراسة للفصل الدراسي الول ‪ ...‬السبت ‪16/8/1427‬هـ الموافق‬
‫‪9/9/2006‬م‬
‫مع قرب موسم الجازة الصيفية تكثر التطلعات وتزيد الهتمامات لستثمار‬
‫الجازة بما يعود على المرء بالنفع والفائدة‪ ،‬فهي فرصة حقيقية لتحقيق‬
‫الطموحات في ظل الجازة من الواجبات الوظيفية اليومية‪ ،‬وقد تكون فرصة‬
‫لنجاز الكثير من المشروعات على مختلف المستويات سواًء كانت فردية أو‬
‫أسرية أو غيرها‪ .‬ومع قدوم صيف ‪1427‬هـ قد تكون الفرصة سانحة لتعويد‬
‫النفس على الذاتية كشعار لهذا الصيف امتدادا ً لبرامج أنجزها الفرد في‬
‫فترات سابقة‪ ،‬ومع تنوع الحاجات يقع المرء في حيرة من أمره لتحديد‬
‫الولويات وتحقيق الحاجات‪.‬‬
‫الهداف‪:‬‬
‫‪ -1‬إقامة واستمرار الروابط اليجابية النافعة علميا ً وتربويًا‪.‬‬
‫‪ -2‬التزود الثقافي المنهجي والمحافظة على الحد الدنى المأمول‪.‬‬
‫‪ -3‬الجتهاد على استضافة أهل العلم والخبرة في لقاءات مطولة‪.‬‬
‫‪ -4‬الستثمار اليجابي للجازة ترفيها ً وتربويا ً واجتماعيا ً للزوجة والبناء‬
‫والقارب‪.‬‬
‫‪ -5‬تطوير المهارات وصقل المواهب وتنمية الذات من خلل برامج الصيف‪.‬‬
‫البرنامج المقترح‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يمكنك أن تستفيد من البرنامج التالي فقد صمم بأسلوب التقييم الذاتي مع‬
‫تنوع البرامج وكثرة الخيارات التي تحقق الطموحات‪ ،‬وكل ما عليك فعله‬
‫اختيار البرامج وفق ما هو محدد في النقاط التالية مع إعطاء نفسك الفرصة‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لتقويم منجزاتك خلل فترة الجازة الصيفية‪ ،‬فهي تجربة قابلة للتطوير بما‬
‫ينفع ويفيد‪.‬‬
‫محور اللقاءات وتبادل الخبرات‪:‬‬
‫‪ o‬عقد لقاءات الستفادة من الوقت وتبادل الخبرات وبحد أدنى )‪ (3‬لقاءات‬
‫مطولة ويمكن فيها استضافة )‪ 9‬نقاط(‬
‫‪ o‬الشخصيات ذات التأثير اليماني لسماع الموعظة منها‪ 3) .‬ساعات(‬
‫‪ o‬أصحاب الخبرة الدعوية للستماع إلي تجاربهم الدعوية‪ 3) .‬ساعات(‬
‫‪ o‬أصحاب الخبرة في قضية من قضايا المسلمين لك بها اهتمام‪ 3) .‬ساعات(‬
‫اختر أحد البرنامجين التاليين‪ 11) :‬نقطة(‬
‫‪ o‬تدوين إحدى تجاربك الناجحة بأسلوب المشاريع ليستفيد منها الخرون ‪.‬‬
‫‪ o‬تصميم برنامج مقترح في المجال العلمي أو الدعوي أو التربوي أو‬
‫الجتماعي كمبادرة للتخطيط والبداع المستقبلي‪.‬‬
‫محور البرامج الجتماعية والدعوية‪:‬‬
‫• المشاركة الفاعلة بأحد البرامج التالية‪ 16) :‬نقطة(‬
‫‪ o‬برامج الصيف الطلبية )‪ 20‬ساعة عمل(‬
‫‪ o‬برامج مراكز الحياء )‪ 20‬ساعة عمل(‬
‫‪ o‬برامج المؤسسات الخيرية أو الدعوية )‪ 20‬ساعة عمل(‬
‫• تفعيل برنامج صلة الرحام والزيارات العائلية لذوي القرابة وبحد أدنى )‪(4‬‬
‫زيارات )‪ 4‬نقاط(‬
‫محور التنمية البشرية والذاتية‪:‬‬
‫• حضور أحد المسيات التدريبية ذات العلقة بالمحور )‪ 4‬نقاط(‬
‫• قراءة كتاب من القطع المتوسط وبما ل يقل عن ) ‪ ( 100‬صفحة في أحد‬
‫مجالت التنمية الذاتية )‪ 6‬نقاط(‬
‫• تعلم إحدى المهارات الذاتية من خلل المشاركة في برنامج تدريبي وبحد‬
‫أدنى )‪ (12‬ساعة تدريبية )‪ 10‬نقاط(‬
‫محور الترفيه والسياحة‪:‬‬
‫• حضور أحد المسيات الترفيهية أو الحفلت الختامية للبرامج الصيفية أو‬
‫الجماهيرية ‪ 4) .‬نقاط(‬
‫• تعلم أو ممارسة أحد النشطة الرياضية ‪ 6) .‬نقاط(‬
‫محور الزوجة والولد )اختر ‪ 3‬برامج(‪:‬‬
‫• رحلة إيمانية إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة لمدة ل تقل عن يوم‬
‫كامل ‪ 10) .‬نقاط(‬
‫• رحلة عائلية سياحية لمدة ل تقل عن أسبوع ‪ 10) .‬نقاط(‬
‫• تفعيل برامج النزهات العائلية القصيرة وبحد أدنى ) ‪ ( 4‬نزهات ‪10) .‬‬
‫نقاط(‬
‫• مسابقة تشجيعية ذات حوافز بين الولد في أحد الجوانب المفيدة ‪10) .‬‬
‫نقاط(‬
‫• حفل تكريم الولد بمناسبة ختام العام الدراسي وتوزيع الهدايا ‪10) .‬‬
‫نقاط(‬
‫• إلحاق الزوجة والولد في البرامج والنوادي الصيفية ‪ 10) .‬نقاط(‬
‫تقييم النجاز‬
‫عند نهاية الجازة ل بد لك من تقييم نفسك والوقوف على انجازاتها الصيفية‬
‫ولك أن تكافئ نفسك بإنجازاتها اليجابية‪ ،‬ولك الستفادة من المؤشر التالي‪:‬‬
‫‪ 90‬نقطة فأكثر ‪ ...‬مكافأة عالية المستوى‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ 80‬نقطة إلى أقل من ‪ 90‬نقطة ‪ ...‬مكافأة متوسطة المستوى‬


‫‪ 70‬نقطة إلى أقل من ‪ 80‬نقطة ‪ ...‬مكافأة ضعيفة المستوى‬
‫أقل من ‪ 70‬نقطة ‪ ...‬فرصة لتقويم النفس للصيف القادم‬
‫وأخيرا ً ‪:‬‬
‫نقدم لك باقة متنوعة من البرامج والنشطة والفكار والمقترحات المختلفة‬
‫التي تفيدك في برمجة باقي برامجك خلل الجازة الصيفية فل تبخل على‬
‫نفسك بها وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬برامج مراكز الدعوة والرشاد والمكاتب التعاونية مثل ‪ :‬الدورة‬
‫العلمية‪،‬المخيمات‪،‬المحاضرات‪،‬القوافل الدعوية للقرى‪.‬‬
‫‪ -2‬برامج الهيئات الخيرية الداخلية والخارجية مثل الندوة العالمية للشباب‬
‫السلمي وهيئة الغاثة السلمية‪.‬‬
‫‪ -3‬برامج المهرجانات الصيفية والتي تقام بالتنسيق مع الهيئة العليا للسياحة‪.‬‬
‫‪ -4‬برامج التدريب في مختلف المجالت والتي تقام في الصيف من خلل‬
‫الغرف التجارية ومراكز ومعاهد التدريب‪.‬‬
‫‪ -5‬برامج التدريب والتوظيف الصيفي بالتنسيق مع مكتب العمل لطلب‬
‫المرحلة الثانوية‪.‬‬
‫‪ -6‬برامج التقوية في المواد الدراسية للطلب والتي تقيمها المدارس خلل‬
‫فترة الصيف وبرامج تعلم اللغة النجليزية‪.‬‬
‫‪ -7‬برامج سماع الشرطة ومشاهدة البرامج المفيدة والقراءة النافعة‬
‫والستفادة من النترنت‪.‬‬
‫‪ -8‬برامج الخدمة الجتماعية والعامة داخل الحياء مثل مساعدة الضعفاء‬
‫والفقراء ورعاية اليتام‪.‬‬
‫‪ -9‬برامج العمال المنزلية والصيانة‪.‬‬
‫‪ -10‬برامج الحفظ والتمكين والمراجعة للقرآن الكريم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ف من نوع آخر‬ ‫صي ٌ‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬علي بن عمر بادحدح‬
‫"صيف من نوع آخر" موضوع حديثنا‪ ،‬ونحن في أوائل هذا الصيف وإجازته‬
‫الممتدة لشهر متعاقبة‪ ،‬ولعل أظهر وأبرز ما في الصيف من الناحية الحسية‬
‫الملموسة‪ ،‬حّره الشديد الذي يفزع منه الناس إلى الهواء البارد من‬
‫المكيفات‪ ،‬أو إلى السفر إلى بلد فيها اعتدال من الطقس‪ ،‬ول شك أنه لو‬
‫تأملنا وأردنا أن ننتقل إلى صور أخرى ونمط آخر فإن ثمة ما سيدعونا إلى‬
‫كر والتدبر‪ ،‬سنرى ما يجعلنا نعيد حساباتنا‪ ،‬ونصحح مساراتنا‪،‬‬ ‫التأمل والتف ّ‬
‫ونجمع ونطرح أرقامنا‪ ،‬حر شديد أنتقل بكم إلى صيف آخر كان فيه سيد‬
‫الخلق صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكانت معه الكوكبة المشرقة المنيرة من‬
‫أصحابه رضوان الله عليهم‪ ،‬وكان الوقت في شدة حر الصيف‪ ،‬في مدينة‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬حين يشتد الصيف يحين أوان نضج الثمار‪،‬‬
‫ويكون المر الذي يقعد الناس إلى الرض ويجذبهم إلى الزرع‪ ،‬ويربطهم إلى‬
‫التجارة‪ ،‬وإلى نعم الله عز وجل‪ ،‬وهناك في هذه الظروف والملبسات‪ ،‬كان‬
‫خروج النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد في أبعد شقة وأطول مسافة‪ ،‬وفي‬
‫أشد أوقات العام حرا وحرارة‪ ،‬وفي أكثر الظروف المادية صعوبة وضراوة‪،‬‬
‫وهنا نجم النفاق المخذل‪ ،‬والضعف الظاهر‪ ،‬فقال المنافقون قولتهم‪} :‬وقالوا‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل تنفروا في الحر‪ ،‬قل نار جهنم أشد حرًا{ ‪.‬‬


‫انظروا إلى ذلك الصيف كيف كان الخروج من حّره إلى حر أشد في مواجهة‬
‫أعظم قوة توجهت إليها جيوش النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬انظروا إلى‬
‫التصوير الذي يرويه لنا أبو خيثمة رضي الله عنه عندما تجهز المسلمون‬
‫وبدءوا في النطلق والمسير‪ ،‬في أول الصيف‪ ،‬وكان هو له زوجتان‪ ،‬وعندهم‬
‫بستان‪ ،‬وقد دنت القطاف وتدلت العذاق‪ ،‬واستوت ثمار النخيل‪ ،‬وإذا به‬
‫يتأخر في التجهز‪ ،‬وإذا بالجواذب تشغله عن النطلق‪ ،‬وإذا بمراعاة الزرع‬
‫والثمار يجعله يسوف في تلك الوقات حتى جاء يوم قد اشتد حره وأقبل أبو‬
‫خيثمة إلى بستانه‪ ،‬وإذا كل امرأة من امرأتيه قد هيأت له ماء باردا ورشت له‬
‫عريشا من الشجر المخضر المظلل‪ ،‬وقف ينظر إلى ذلك وهنا جاءت‬
‫المفاضلة بين صيف وصيف‪ ،‬وبين حال وحال‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في الضح –أي في شدة الحر‪-‬‬
‫مجاهدين في سبيل الله وأبو خيثمة مع زوجتيه في الماء البارد‪ ،‬والله ل أدخل‬
‫حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم " ‪.‬‬
‫انتصر إيمانه وانتصر صيفه الذي وجهه لمته ودينه وغايته ورسالته والذي‬
‫شعر فيه بدوره في هذه المة في مواجهة المخاطر والصعوبات‪ ،‬فخرج يلحق‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وجاءته البشارة من بعد بما أثنى به عليه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وفي أجواء هذه المعركة والغزوة العظيمة تنزلت‬
‫آيات كثيرة شغلت مساحة واسعة من سورة التوبة } وقالوا ل تنفروا في‬
‫الحر قل نار جهنم أشد حرا ً { ‪ } ..‬يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم‬
‫انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الخرة فما‬
‫متاع الحياة الدنيا في الخرة إل قليل { ‪.‬‬
‫تأمل هذه الصورة القرآنية البليغة وهي تعبر عن الجواذب الرضية المقعدة‬
‫عن النطلقة اليمانية السماوية‪ ،‬وهي تصور لنا ذلك في أحداث السيرة كما‬
‫في قصة هذا الصحابي الجليل‪.‬‬
‫ونرى حينئذ صورا كثيرة من صيفنا هذا بحره ل في المكيفات ول في أجواء‬
‫السياحات‪ ،‬بل هناك في أرض السراء تتجدد مرة أخرى صور صيف من‬
‫المواجهة لعداء الله والثبات على دين الله‪ ،‬والعلء والعزاز لدين الله‪،‬‬
‫وصور تجدد لنا ذلك الموقف وتلك الصور‪ ،‬كأنما تحي فينا هذه المعاني‪ ،‬صيف‬
‫مواجهة واستمرار مجابهة ومضي على جهاد ومقاومة في ظل ظروف صعبة‬
‫مجتمعة في كل ما يمكن أن يبلغ بها الغاية العظمى في شدتها وقسوتها‬
‫وضراوتها‪ ،‬غير أنها بإذن الله عز وجل لم تنل من إيمانهم ويقينهم وثباتهم‪،‬‬
‫ليجددوا لنا تلك الصورة ولنسمع مرة أخرى من يقول ل تنفروا في الحر‪،‬‬
‫ومن يقول أو يصور لنا تلك الصورة }أثاقلتم إلى الرض{ ‪.‬‬
‫ويوم نرى تلك الجواذب وهي تتخطف الناس يمنة ويسرة في هذه الصورة‬
‫نرى صيفا ً ‪ -‬كما قلت ‪ -‬من نوع آخر ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولعلي أنتقل بكم كذلك إلى صورة صيفية أخرى‪ ،‬صور الشواطئ وما أدراك‬
‫ما الشواطئ التي تمتلئ في بقاع الرض إل ما رحم الله ! تمتلئ‬
‫بالمصطافين ونرى ذلك في بلد إسلمية وغير إسلمية‪ ،‬ونرى ما يقولونه من‬
‫راحة واستجمام‪ ،‬ونرى معه ما في ذلك من عري وفسق وما فيه كذلك من‬
‫حفلت ماجنة وعورات مكشوفة وغير ذلك‪ ،‬ويقترن هذا مع الصيف بل‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويدعى إليه ويروج له ويرغب فيه ويتكرر ذلك لنرى مرة أخرى صيفا آخر في‬
‫الواقع‪ ،‬وشواطئ أخرى في الواقع‪ ،‬شاطئ غزة حدثتكم أحداث المس‬
‫القريب واليام الماضية‪ ،‬كيف هو مشتعل ل بحر الصيف بل بنيران القذائف‪،‬‬
‫كلكم ربما سمع أو شاهد الطفلة هدى‪ ،‬وهي ترى أباها وأسرتها تموت بين‬
‫يديها على تلك الشواطئ التي لم تكن راحة واستجمام؛ بل كانت في صورة‬
‫أخرى تمثل صورة قصف وإجرام‪ ،‬وبغي وظلم‪ ،‬وصور مؤلمة محزنة‪ ،‬كأن‬
‫الذين يعيشون على الشواطئ الخرى لم يسمعوا بها‪ ،‬أو ل يريدون أن‬
‫يذكرهم أحد بها ليبقوا في غفلتهم أو متعتهم أو لهوهم كما يشاءون‪ ،‬ولكني‬
‫أحدث نفسي وأحدثكم بلسان تلك الطفلة قائلة‪:‬‬
‫يا من مررتم فوق جرحي‬
‫فوق أشلئي‬
‫كأني لست من باقي البشر‬
‫شكرا لكم‬
‫يا من رأيتم ما أعاني‬
‫في حصاري واحتضاري‬
‫ثم نمتم تحت أنغام القمر‬
‫ماذا جنيت لكي أعيش على العذاب‬
‫ونداء جرحي في عواصف صمتكم صوت وغاب‬
‫قد كنت أحسب أنكم مني‬
‫ولكن ليس مني من سباني‬
‫ليس مني من بكاني في ثواني‬
‫ثم عاد للوسائد والماني‬
‫ل بد أن نستحضر المقارنة‪ ،‬ل لنجرم أو نحرم الراحة أو المتعة المباحة‪ ،‬ولكن‬
‫لنعيش آلم وآمال أمتنا ولنعيش واقع عصرنا‪ ،‬ولندرك الحقائق والسهام‬
‫المصوبة نحو أمتنا‪ ،‬وليس ذلك فحسب بل لنتذكر أيضا آيات ربنا وأحاديث‬
‫نبينا صلى الله عليه وسلم ‪} :‬وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إل‬
‫على قوم بينكم وبينهم ميثاق { ‪.‬‬
‫ونستحضر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬المسلم أخو المسلم ل‬
‫يظلمه ول يخذله ول يسلمه ( ‪.‬‬
‫أسلمناهم للعدو وبقينا نتفرج‪ ،‬بل ونهّرج‪ ،‬بل ونستعد لمتع هنا وهناك تتوالى‬
‫صورها المختلفة وأنماطها المتعددة‪ ،‬أنتقل بكم مرة أخرى إلى صورة ثالثة‪،‬‬
‫صورة النفاق المالي في الصيف وما أدراك ما الصيف‪ ،‬خذوا هذه الرقام‬
‫حديثة عهد منشورة في هذا اليوم عن صيف العام الذي مضى في بلدنا هذه‪،‬‬
‫ومرة أخرى ليس من تحريم ول تجريم ولكن انظروا للمقارنة والعتبار‪ ،‬تقول‬
‫إحصائية الهيئة العليا‪:‬‬
‫"إن مجمل ما كان في الصيف الماضي داخل البلد شكل ثلثين مليون رحلة‬
‫جوية واستؤجرت فيها مائة وستة وتسعون مليون ليلة وكان إجمال المبالغ‬
‫التي أنفقت واحد وثلثون مليار ريال‪ ،‬وأما في السياحة الخارجية فكانت نحو‬
‫أربعين مليون رحلة وخمسة وخمسون مليون ليلة وشكلت في مصاريفها‬
‫أربعة عشر مليار ريال‪ ،‬والمجموع خمسة وأربعون مليار ريال أنفقت "‬
‫وأكرر رابعة وخامسة ‪ :‬ليس من تجريم ول تحريم‪ ،‬لكني أقول احسبوا واحدا‬
‫بالمائة من هذا الرقم فستجدونه يشكل أربعمائة وخمسون مليون ريال‪ ،‬ولو‬
‫قلتم عشرة بالمائة لكانت أربعة مليارات ونصف مليار مليون ريال‪ ،‬فلعلي‬
‫أقول لكل أحد ينفق قليل أو كثيرا‪ ،‬احسب هذه النسبة واحد بالمائة أو عشرة‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالمائة‪ ،‬كلما أنفقت مائة أخرج مقابلها ريال أو عشرة ريالت اجعلها لمن‬
‫يعيشون الصيف في حال أخرى غير حالك‪ ،‬لنجسد الصورة المثلى لحقيقة‬
‫اليمان والخوة اليمانية والرابطة السلمية } إنما المؤمنون إخوة { ‪.‬‬
‫والصورة البديعة الرائعة المشرقة التي لم يسجل التاريخ لها مثيل ً ‪:‬‬
‫}والذين تبوؤوا الدار واليمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ول يجدون‬
‫في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة‬
‫ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون{ ‪.‬‬
‫صنعها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ملحمة خالدة وصفحات ناصعة‬
‫من اليثار الذي اقتسموا فيه أموالهم‪ ،‬الذي فتحوا فيه دورهم‪ ،‬التي شكلت‬
‫أعظم امتزاج روحي معنوي ومادي حسي جعل كل مسلم أخا حقيقيا لخيه‬
‫المسلم حتى في آخر رمق من رمق الحياة وتلك الخوة تتجدد وتتجذر في‬
‫واقع المسلمين يوم كانوا بإيمانهم وبدينهم مستمسكين‪ ،‬أفليس حقا علينا‬
‫في صيفنا هذا أن نعطي مثل هذه النسبة؟! ل أقول ل تنفق ول تذهب‪ ،‬ولكن‬
‫أقول‪ :‬ل تنس ول تغفل‪ ،‬إن القذائف المرسلة إلى هناك ل تنال من إخواننا‬
‫فحسب‪ ،‬إنها تنال من كرامتنا وعزتنا ومكانة أمتنا‪ ،‬بل في الحقيقة تنال من‬
‫حقائق ثباتنا على ديننا وتمثيلنا لسلمنا‪ ،‬وهي التي يمكن أن تكون معادلة كما‬
‫أشرت من قبل مرارا تغير الواقع تغييرا جذريا بمقاييس اليمان‪} ،‬كم من‬
‫فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله{ ‪} ،‬وما ذلك على الله بعزيز { ‪.‬‬
‫والتاريخ يجدد نفسه‪ ،‬والسنن الربانية الماضية ل تتغير ول تتبدل } ولن تجد‬
‫لسنة الله تحويل { ‪ } ،‬ولن تجد لسنة الله تبديل { ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وألتفت في مجال النفاق كذلك‪ ،‬إلى النفاق في حفلت الزواج التي تمتلئ‬
‫بها أيام وليالي الصيف من أوله إلى آخره‪ ،‬ولست أملك إحصائية لكن الرقام‬
‫أكثر مما ذكرناه في هذه الحوال‪ ،‬ومرة أخرى ما عسى أن ينقص من فرحنا‬
‫ومن سعادتنا لو وفرنا قليل من المال بدل من الطعام الذي يلقى في أماكن‬
‫النفايات‪ ،‬بدل من المباهاة والمفاخرة والمظاهر الكاذبة‪ ،‬بدل من الموال‬
‫التي تصرف في غير محلها‪ ،‬وهناك من يتضور جوعا‪ ،‬أو يموت من مرض من‬
‫إخواننا قريب منا هنا أو هناك‪ ،‬ولعلي أعيد تجديد الصيف مرة أخرى في‬
‫الصيف الخر في يوم تبوك الذي أسلفنا الحديث عنه سابقا‪ ،‬يوم جاء عثمان‬
‫رضي الله عنه وتكفل وحده بتجهيز جيش كامل سمي إذ ذاك جيش العسرة‪،‬‬
‫لنه جاء والمسلمون في قلة ذات يد وعدم قدرة على تجهيز أنفسهم بأدنى‬
‫الوسائل والمكانات فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان القولة الشهيرة‬
‫التي لو تأملنا فيها لكان كل واحد من وبالخص كل ثري من أثريائنا يتمنى لو‬
‫ينفق ماله كله لينال مثل هذه الشهادة النبوية ‪ ) :‬ما ضر عثمان ما فعل بعد‬
‫اليوم ( ‪.‬‬
‫قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجسد لنا الحقيقة التي ينبغي أن‬
‫نقارن فيها دائما وأبدا‪ ،‬وفي رواية الترمذي قصة الشيخين الجليلين‬
‫والصحابيين الكبيرين العظيمين أبي بكر وعمر ‪..‬‬
‫يوم دعا النبي إلى النفاق فقال عمر اليوم أسبق أبا بكر فأخذ شطر ماله‬
‫كله‪ ،‬وجاء به إلى النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬قال‪ :‬فوافيت مقدم أبي بكر‪،‬‬
‫ورسول الله يقول‪ :‬ماذا أبقيت لهلك يا أبا بكر‪ ،‬فيقول‪ :‬أبقيت لهم الله‬
‫ورسوله‪ ،‬فيقول عمر‪ :‬والله ل أرزأك شيئا بعد اليوم يا أبا بكر ‪..‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فليتذكر الذين يتسابقون في النفاق الذي يقرب أحيانا من حد السفه في تلك‬


‫العراس فليتذكروا المنافسة الصحيحة التي تسجل لهم في صحائف‬
‫الحسنات‪ ،‬والتي تذخر لهم في العرصات يوم القيامة‪:‬‬
‫}يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب سليم{ ‪.‬‬
‫كثيرة هي صور الصيف وكثيرة هي صور من صيف في نوع آخر قد ل‬
‫نستطيع أن ننتقل إليه قد ل نجدد أو نعجز الن أن نجدد صورة عثمان أو‬
‫نحقق منافسة أبي بكر وعمر‪ ،‬لكنا نقول فتشبهوا بالصالحين إن لم تكونوا‬
‫مثلهم‪ ،‬على الله عز وجل أن يدركنا برحمته‪ ،‬ولو لم نستطع فعل شيء فل‬
‫أقل من أن نشعر بوخز الضمير وضيق الصدور وشيء من حزن وألم‪ ،‬ونحن‬
‫بين أبنائنا وأزواجنا وفي نعمة ربنا ووفرة أموالنا ورغد عيشنا‪ ،‬وكثرة رزقنا‪،‬‬
‫فأين نحن في ذلك كله من شكر نعم ربنا وأداء واجبنا نحو إخواننا‪ ،‬ليس في‬
‫أرض فلسطين فحسب بل في كل مكان ‪.‬‬
‫ولعلي أمضي هنا وهناك فآتي بكثير وكثير‪ ،‬وأستحضر معكم حديث‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬من بات آمنا في سربه‪ ،‬معافى في‬
‫بدنه‪ ،‬عنده قوت يومه‪ ،‬فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ( ‪.‬‬
‫وكأني بكل واحد منا يصدق فيه هذا الحديث بحمد الله ونعمته‪ ،‬أمان في‬
‫السرب‪ ،‬ومعافاة في البدن‪ ،‬ووفرة في الرزق‪ ،‬فالدنيا كلها مجتمعة‪ ،‬وأي‬
‫شيء سنفعل لو جاءتنا أضعاف مضاعفة من هذه الدنيا‪ ،‬هل سيأكل أحد أكثر‬
‫من معدته‪ ،‬وهل سينام في أكثر من طول جسمه‪ ،‬ماذا سيصنع بالمال؟ من‬
‫الذي سيأخذ شيئا من المال معه إلى قبره؟ ليحسن من حاله‪ ،‬أو ليكيف‬
‫أجواءه أو لينير ظلمته أو ليبدد وحشته‪ ،‬كلنا يوقن بأن شيئا لن يكون من‬
‫ذلك‪ ،‬فأين هذا اليقين من واقع الحياة‪ ،‬وأين هذه المقارنات التي نقارن فيها‬
‫مع سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام وتاريخ أمتنا بل وواقعها‬
‫المعاصر المشرف في كثير من بقاعها وكثير من رجالتها‪ ،‬أفليس حري بنا‬
‫أن نبحث عن صيف من نوع آخر ؟‬
‫أحسب أني أثرت السؤال وأثرت الشجى والشجن‪ ،‬وذلك ما أحسب أنه هدف‬
‫الحديث لعله يعتمل في النفوس وفي العقول ما يدفعنا إلى تغير في‬
‫السلوك‪.‬‬
‫ولست بذاكر هذه الصور في صيف آخر في الجوانب التي فيها بعض ما قد‬
‫ينتقد أو يعاب ويذام ‪ ،‬بل كذلك أنتقل في إيجاز سريع إلى بعض ما يمدح‬
‫ويثنى عليه ويدعى إليه‪ ،‬أنتقل إلى الدورات القرآنية وإلى حلق القرآن في‬
‫المساجد‪ ،‬وأقول اجعلوا كذلك صيفكم صيفا آخر‪ ،‬اجمعوا مع القرآن تدبر‬
‫آياته ومعانيه } أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها { ‪.‬‬
‫والله وضح الغاية من هذا الكتاب فقال ‪ } :‬ليدبروا آياته { ‪.‬‬
‫واجعلوا ما يمر بكم من اليات يرسم صورة الواقع الحي متحركا فإن القرآن‬
‫هو روح الحياة وهو نورها الذي نبصر به الطريق } وكذلك أوحينا إليك روحا‬
‫من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من‬
‫نشاء { ‪.‬‬
‫والله يقول كذلك ‪:‬‬
‫}أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نوارا يمشي به في الناس كمن مثله في‬
‫الظلمات ليس بخارج منها { ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحيوا بالقرآن القلوب وذكروا به العقول وقوموا به السلوك واجعلوا منه‬


‫محركا جديدا يبعث فينا روح عزة ربما ضعفت وروح يقين ربما تزعزع أو‬
‫تضعضع‪ ،‬واجعلوا ذلك صيفا آخر ل نقتصر فيه على التلوة ول التجويد ول‬
‫الحفظ ول المراجعة والتمكين‪ ،‬بل نتجاوزه إلى التدبر والتأمل و العمل‬
‫والحياة والتأثر والدعوة حتى نحقق ذلك الوصف أو نتشبه به يوم أوجزته أم‬
‫المؤمنين عائشة في وصف سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ) كان خلقه‬
‫القرآن ( ‪.‬‬
‫وأنتقل إلى دورات علمية شرعية‪ ،‬فأقول إن علم الشرع ليس مجرد مسائل‬
‫تحفظ وإنما هو كما قال الحق عز وجل ‪ } :‬إنما يخشى الله من عباده‬
‫العلماء {‬
‫وعندما سئل الشعبي عن العالم قال ‪ " :‬إنما العالم من يخشى " ‪.‬‬
‫فنريد أن نجعل هذه العلوم علوما مؤثرة مغيرة تجعلنا نعيش هذا الدين‬
‫ونعيش لجل هذا الدين‪ ،‬ونعيش مع أنصار وأتباع هذا الدين العظيم‪ ،‬الذي‬
‫امتن الله به علينا‪ ،‬ونعرف قدر العلم وفضله وتدبره وتأمله كما قال الحق‬
‫سبحانه وتعالى‪} :‬وتلك المثال نضربها للناس وما يعقلها إل العالمون{‬
‫أصحاب العلم ليسوا أصحاب محفوظات‪ ،‬أصحاب بصيرة تذكر وتنير الطريق‬
‫وتحمل الراية وتتقدم الصفوف كما كان الئمة كلهم‪ ،‬كما كان الصحابة قبلهم‬
‫كما كان العلماء إثرهم‪ ،‬كما هو تاريخ أمتنا في منظومتها الخالدة التليدة‬
‫الفريدة ‪ ،‬ولو مشينا لوجدنا ذلك كذلك في كل شيء‪ ،‬في كل مركز صيفي‬
‫أقيموا شيئا يعرف بأحوال المسلمين عموما وفي فلسطين خصوصا‪ ،‬اربطوا‬
‫أنفسكم بأمتكم‪ ،‬اجعلوا محور حياتكم في أعمالكم كلها‪ ،‬يرتبط بهذا المحور‬
‫العظيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬
‫نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه ردا ً جميل ً‬

‫)‪(4 /‬‬

‫كذب‬‫صدق‪ ..‬و‪َ ..‬‬


‫ِ‬
‫عن أدب الدين والدنيا للماوردي‬
‫كلمتان تدلن على حالين متباعدتين إحداهما عن الخرى ُبعد السماء عن‬
‫الرض‪ ،‬فقد قال النبي صلى اله عليه وسلم لحفيده الحسن بن علي رضي‬
‫الله عنهما‪:‬‬
‫"دع ما يريبك إلى مال يريبك‪ ،‬فإن الكذب ريبة‪ ،‬والصدق طمأنينة"‬
‫قال تعالى‪:‬‬
‫)يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين(‪.‬‬
‫ومدح إبراهيم وإدريس عليهما السلم بكثرة صدقهما فقال‪:‬‬
‫)واذكر في الكتاب إبراهيم أنه كلن صديقا ً نبيًا(‪.‬‬
‫)واذكر في الكتاب إدريس أنه كان صديقا ً نبيًا‪ ،‬ورفعناه مكانا ً عليا(‪.‬‬
‫وقال تعالى في ذم الكذب‪:‬‬
‫)ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين( آل عمران )‪.(16‬‬
‫ن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين( النور )‪.(7‬‬ ‫فقال‪) :‬والخامسة أ ّ‬
‫ومن الذي يكذب؟‬
‫)إنما يفتري الكذب ل يؤمنون بآيات الله( النحل )‪.(105‬‬
‫وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى‪:‬‬
‫)ول تلبسوا الحق بالباطل(‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل تخلطوا الصدق بالكذب‪.‬‬


‫ذاب لص‪ ،‬لنه يسرق عقلك‪.‬‬ ‫وقال أحد الحكماء‪ :‬الك ّ‬
‫وقال أحدهم‪ :‬صدق اللسان أول السعادة‪ ،‬والخرس خير من الكذب‪.‬‬
‫ومدح أحدهم الصدق فقال‪ :‬ل سيف كالحق‪ ،‬ول عون كالصدق‪.‬‬
‫وذم أحد الشعراء الكذب فقال‪:‬‬
‫ب للمروءة والجمال‬ ‫ت فيه بأذه َ‬ ‫وما شيٌء إذا ف ّ‬
‫كر َ‬
‫من الكذب الذي ل خير فيه وأبعد َ بالبهاء من الرجال‬
‫مهين ذليل‪.‬‬ ‫كن‪ :‬الصادق مصون جليل‪ ،‬والكاذب َ‬ ‫وقال بليغ متم ّ‬
‫ً‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم موضحا الصدق ومآله‪ ،‬والكذب ومهلكه‪:‬‬
‫أ – إن الصدق يهدي إلى البر‬
‫ب – وإن البر يهدي إلى الجنة‬
‫ج – وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا‪ً.‬‬
‫أ – وإن الكذب يهدي إلى الفجور‬
‫ب – وإن الفجور يهدي إلى النار‬
‫ج – وإن الرجل ليكذب حتى ُيكتب عند الله كذابا"‪.‬‬
‫والصدق جماع كل خير وأصل كل فضيلة‪ ،‬فمنه ينتج الحب والمودة والثقة‬
‫والصواب‪ ،‬وراحة البال والمن‪.‬‬
‫والكذب جماع كل شر وأصل كل ذم لسوء عواقبه‪ ،‬وخبث نتائجه‪ ،‬فعنه تصدر‬
‫النميمة التي هي أصل البغضاء‪ ،‬والبغضاء تؤول إلى العداوة‪ ،‬وليس مع‬
‫ل صديقه‪.‬‬ ‫ل صدقه ق ّ‬ ‫العداوة أمن ول راحة‪ ،‬ولذلك قيل‪ :‬من ق ّ‬
‫وللصدق أسباب ودواع منها‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ – 1‬العقل‪ :‬الذي يرى الكذب قبحا ينبغي تجنبه‪ ،‬فهو ل يجلب نفعا‪ ،‬ول يدفع‬
‫ضرًا‪ ،‬والعقل يدعو إلى فعل ما كان مستحسنًا‪ ،‬ويمنع من إتيان ما كان‬
‫مستقبحًا‪ ،‬وليست مبالغات الشعراء المؤدية إلى الكذب الصراح استحسانا ً‬
‫للكذب إل أنها معبرة عن لطيفة‪ ،‬كقول المتنبي‪:‬‬
‫كفى بجسمي نحول ً أنني رجل لول مخاطبتي إياك لم ترني‬
‫ولي مع الكذب والصدق في الشعر مواقف نذكرها لحقا ً إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫‪ – 2‬الدين‪ :‬الذي أمر بالصدق‪ ،‬وحظر الكذب‪ ،‬وإن جّر الكذب نفعا ً أو دفع‬
‫ضرًا‪ ،‬فحبل الكذب قصير والصدق أولى أن يتبع‪ ،‬ولئن كان الكذب ينجي‬
‫صدقُ أنجى وأبقى‪ .‬والحياة في الدين والشرع ينبغي أن تقوم على‬ ‫أحيانًا‪ ،‬لل ْ‬
‫الصدق‪ ،‬والصدق وحده‪.‬‬
‫شمال من أعظم الشمائل)‪ (1‬تمنع صاحبها من الكذب وتبعثه‬ ‫‪ – 3‬المروءة‪ِ :‬‬
‫على الصدق‪ ،‬وتنهاه عن الدنّية والعمال القبيحة‪ ،‬وتهيب به أن يفعل ما‬
‫يكسبه الذكر الحسن‪.‬‬
‫قال عبد يغوث‪:‬‬
‫ألم تعلما أن الملمة نفعها قليل‪ ،‬وما لومي أخي من شماليا‬
‫وقال عمرو بن الشريد أخو الخنساء‪:‬‬
‫ن ليس إهداُء الخنى من شماليا‬ ‫م أني قد أصابوا كريمتي وأ ْ‬ ‫أبى الشت َ‬
‫‪ – 4‬حب الشتهار بالصدق حتى ل ي َُرد ّ عليه القول‪ ،‬ول يلحقه ندم‪ ،‬وقد قال‬
‫أحد الحكماء‪:‬‬
‫ليكن مرجعك إلى الحق‪ ،‬ومنزعك إلى الصدق‪ ،‬فالحق أقوى معين‪ ،‬والصدق‬
‫أفضل قرين‪.‬‬
‫وقال بليغ‪ :‬ل تقل ما تندم عليه‪ ،‬فإنه مثلبة‪.‬‬
‫وقال أحد الشعراء فأحسن‪:‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت معتاد ُ‬ ‫ود َ‬
‫ظ به إن اللسان لما ع ّ‬ ‫عود ّ لسانك قول الصدق تح َ‬
‫موكل بتقاضي ما سننت له في الخير والشر‪ ،‬فانظر كيف ترتاد‬
‫وقال أحدهم‪:‬‬
‫ب في أفعالنا أفعى لنا‬ ‫ُ‬ ‫والكذ‬ ‫لنا‬ ‫أقوى‬ ‫أقوالنا‬ ‫فالصدق في‬
‫وللكذب أسباب ودواٍع منها‪:‬‬
‫خص لنفسه‬ ‫‪ – 1‬اجتلب النفع واستدفاع الضر‪ :‬فيرى الكذب أسلم وأغنم‪ ،‬فير ّ‬
‫فيه اغترارا ً بالخدع‪ ،‬وتعّلقا ً بالطمع‪.‬‬
‫ويعتاد الكاذب أن يكذب على الرغم من ُبعد أمله لخوف يمل نفسه الضعيفة‪،‬‬
‫ولكن هذا قبيح‪ ،‬والقبيح ل يكون حسنا ً والشر ل يصير خيرًا‪ ،‬وليس ُيجنى من‬
‫الشوك العنب‪ ،‬ول من الحنظل الّرطب‪ .‬وقد روي عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال‪:‬‬
‫"تحّروا الصدق‪ ،‬وإن رأيتم أن فيه التهلكة‪ ،‬فإن فيه النجاة‪ ،‬وتجنبوا الكذب‪،‬‬
‫ن فيه النجاة‪ ،‬فإن فيه التهلكة"‪.‬‬ ‫وإن رأيتم أ ّ‬
‫وما أبلغ قول الفاروق رضي الله عنه إذ قال‪:‬‬
‫ّ‬
‫ي من أن يرفعني الكذب‪ ،‬وقلما‬ ‫لن يضعني)‪ (2‬الصدق‪ ،‬وقّلما وضع‪ ،‬أح ّ‬
‫ب إل ّ‬
‫يفعل‪.‬‬
‫وقال حكيم‪ :‬الصدق منجيك وإن خفته‪ ،‬والكذب مرديك وإن أمنته‪.‬‬
‫وقال الجاحظ‪ :‬الصدق والوفاء توأمان‪ ،‬والصبر والحلم توأمان‪ ،‬فيهن تمام كل‬
‫دين‪ ،‬وصلح طل دنيا‪ ،‬وأضادهن سبب كل ُفرقة‪ ،‬وأصل كل فساد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫‪ – 2‬أن يؤثر أن يكون حديثه مستعذبًا‪ ،‬وكلمه مستظرفًا‪ ،‬فل يجد صدقا ً‬
‫يعذب‪ ،‬ول حديثا ً يستظرف‪ ،‬فيستحلي الكذب الذي ليست غرائبه معوزة‪ ،‬ول‬
‫ظرائفه معجزة‪ ،‬وهذا أسوأ حال ً من الول‪ ،‬لنه يصدر عن مهانة النفس‬
‫مة‪ ،‬وقد قال الجاحظ‪:‬‬ ‫ودناءة اله ّ‬
‫"لم يكذب أحد قط إل لصغر قدر نفسه عنده"‪.‬‬
‫وقال ابن المقفع‪:‬‬
‫"ل تتهاون بإرسال الكذبة من الهزل‪ ،‬فإنها تسرع إلى إبطال الحق"‪.‬‬
‫ن الصل في ذلك‬ ‫ول يدخل ما قاله النقاد في الشعر‪ :‬أعذب الشعر أكذبه‪ .‬لك ّ‬
‫البيت المشهور‪:‬‬
‫ت ُيقال إذا أنشدَته صدقا ً‬
‫ٌ‬ ‫بي‬ ‫قائله‬ ‫أنت‬ ‫ت‬
‫وإن أعذب بي ٍ‬
‫في من عدّوه‪ ،‬فيسمه بقبائح يخترعها عليه‪،‬‬ ‫‪ – 3‬أن يقصد بالكذب التش ّ‬
‫ويصفه بفضائح ينسبها إليه‪ ،‬ويرى أن معّرة الكذب غنم‪ ،‬وأن إرسالها في‬
‫م‪ ،‬وهذا أسوأ حال ً من النوعين الولين لنه جمع بين الكذب‬ ‫العدو سهم وس ّ‬
‫والمعّر‪ ،‬والشّر المضر‪ ،‬وعلى هذا ورد الشرع برد ّ شهادة العدو على عدّوه‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬إن شمائلي لتمنعني أن أقول في عدّوي ما ليس فيه‪.‬‬
‫قال الشاعر في هذا‪:‬‬
‫ذب‬ ‫ل مهذب ولو انه خصمي وأرحم كل غير مه ّ‬ ‫بك ّ‬ ‫وأح ّ‬
‫ب الذّية من طباع العقرب‬ ‫يأبى فؤادي أن يميل إلى الذى ح ّ‬
‫‪ – 4‬أن يكون الكذب سجّية من سجاياه‪ ،‬حين تترادف عليه دواعي الكذب‪،‬‬
‫عسر عليه‪ ،‬فصارت‬ ‫فيألفها ويدمنها‪ ،‬وينقاد إليها‪ ،‬ولو رام مجانبة الكذب‪َ ،‬‬
‫العادة طبعا ً فيه‪.‬‬
‫وقد قيل لكذوب‪ :‬أل تصدق؟‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال‪ :‬إذا ً أنا ذو وجهين‪.‬‬


‫سَر فطامه‪.‬‬ ‫وقالت الحكماء‪ :‬من استحلى الكذب عَ ُ‬
‫وقالوا‪ :‬ل يلزم الكذاب شيء إل غلب عليه‪.‬‬
‫ذاب‪:‬‬ ‫إمارات الك ّ‬
‫ذاب بصفته هذه قبل أن تخبره لما يظهر عليه من أمور تدمغه‬ ‫وقد تعرف الك ّ‬
‫بالكذب ابتداًء منها‪:‬‬
‫أ – أن نور اليمان بعيد عن وجهه‪ ،‬وسيماء المذلة متمكنة فيه‪.‬‬
‫ب – أنك إذا لقنته أمرا ً وطلبت إليه أن يعيده عليك‪ ،‬لم يجد حرجا في أن‬
‫ً‬
‫يزيد‪ ،‬ويختلق‪.‬‬
‫ج – وأنك إذا رددت عليه قوله‪ ،‬حصر وارتبك وغابت عنه نصرة المحتجين‬
‫وبرهان الصادقين‪.‬‬
‫دثك‪ ،‬وقد قال علي رضي الله عنه‪:‬‬ ‫د – أنه سريع التشكك إذا شككته بما ح ّ‬
‫سراب"‪.‬‬ ‫ذاب كال ّ‬ ‫"الك ّ‬
‫م من‬‫هـ – وقالت الحكماء في ريبة الكذابين وضعف موقفهم‪ :‬العينان أن ّ‬
‫اللسان‪.‬‬
‫وقال بعض الدباء‪ :‬الوجوه مرايا تريك أسرار البرايا‪.‬‬
‫وقال الشاعر يوضح ذلك‪:‬‬
‫تريك أعينهم ما في صدورهم إن العيون يؤدي سّرها النظر‬
‫وإذا اتسم أحدهم بالكذب وعرف فيه‪ ،‬نسبن إليه شوارد الكذب المجهولة‪،‬‬
‫وأضيفت إلى أكاذيبه زيادات مفتعلة حتى يصير الكاذب مكذوبا ً عليه‪ ،‬وهذا‬
‫من مساخير القدر‪ ،‬فيجمع بين إثم الكذب ومضرة الكذب عليه‪ .‬وقال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ض ما ُيحكى عليه‬ ‫ب الكذوب من البلّية بع ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬
‫َ‬
‫ت بكذبه من غيره ُنسبت إليه‬ ‫فإذا سمع َ‬
‫دقه أحد وإن‬ ‫ذب حتى ل يص ّ‬ ‫ثم إنه إن تحّرى الصدق اتهم‪ ،‬وإن جانب الكذب ك ّ‬
‫صدق‪ ،‬ول يستنكر سامعوه كذبه لما اعتادوه عليه‪.‬‬
‫خص فيه‪:‬‬ ‫كذب مر ّ‬
‫وقد وردت السنة بإرخاص الكذب في‪:‬‬
‫أ – الحرب‪ :‬فالقيادة تنشر بعض المعلومات الكاذبة تضلل بها العدو‪ ،‬وقد روي‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم "الحرب خدعة"‪.‬‬
‫ب – إصلح ذات البين على وجه التورية والتأويل دون التصريح به‪ .‬فإن السنة‬
‫ل ترد بإباحة الكذب لما فيه من التنفير إنما عن طريق التلميح والتعريض‪،‬‬
‫وقد قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ن في المعاريض لمندوحة عن الكذب"‪.‬‬ ‫"وإ ّ‬
‫وعلى هذا فقد سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعّرفه بنفسه‬
‫وأبي بكر قبيل غزوة بدر‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"نحن من ماء"‪.‬‬
‫فظن السائل أنه عنى قبيلة فقال‪ :‬من ماء؟ أية ماء؟‬
‫وأراد النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬الماء الذي ُيخلق منه النسان‪ ،‬فصدق‬
‫وأخفى الحقيقة‪.‬‬
‫وكان أبو بكر يمشي خلف النبي صلى الله عليه وسلم في هجرتهما من مكة‬
‫إلى المدينة‪ ،‬فتلقاه العرب وهم يعرفونه ول يعرفون رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫‪ -‬يا أبا بكر من هذا؟‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقال‪ :‬هاد ٍ يهديني السبيل‪.‬‬


‫فظنوا أنه يعني هداية الطريق‪ ،‬وهو يريد هداية سبيل الخير والسلم‪ ،‬فصدق‬
‫في قوله‪ ،‬ووّرى عن مراده‪.‬‬
‫وقال الفاروق عمر رضي الله عنه‪:‬‬
‫ف الرجل عن الكذب"‬ ‫"إن في المعاريض ما يكفي أن يع ّ‬
‫وقال بعض أهل التأويل في قوله تعالى‪) :‬ول تؤاخذني بما نسيت( أنه لم‬
‫ينس‪ ،‬ولكنه من معاريض الكلم‪.‬‬
‫وقال ابن سيرين‪ :‬الكلم أوسع من أن ُيصّرح فيه بالكذب‪.‬‬
‫بعض الصدق المضر‪:‬‬
‫ل نعجب من هذا العنوان‪ ،‬فبعض الصدق يقوم مقام الكذب في القبح‬
‫والسوء‪ ،‬ويزيد عليه في الذى والمضّرة‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫‪ – 1‬الغيبة‪ :‬فإنها خيانة‪ ،‬وهناك ستر‪ ،‬يحدثان عن حسد وغدر‪ ،‬وضعف في‬
‫الدين‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫)ول يغتب بعضكم بعضا‪ ،‬أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه(‪.‬‬
‫وروي أن امرأتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا‪ ،‬وجعلتا‬
‫تغتابان الناس‪ ،‬فأخبر الرسول )صلى الله عليه وسلم( بذلك فقال‪:‬‬
‫حّرم عليهما"‪.‬‬
‫ل لهما‪ ،‬وأفطرتا على ما ُ‬ ‫"صامتا على ما ُأح ّ‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ب عن لحم أخيه بظهر الغيب‪ ،‬كان حقا ً على الله عز وجل أن يحّرم‬ ‫"من ذ ّ‬
‫لحمه على النار"‪.‬‬
‫وقال عدي بن حاتم‪:‬‬
‫الغيبة رعي اللئام‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكان الحسن البصري رحمه الله يقول‪:‬‬


‫"الغيبة فاكهة النساء‪ ،‬ولو أنه‪ ،‬رحمه الله‪ ،‬رآنا الن لقال‪ :‬إن الرجال والنساء‬
‫في الغيبة سواء‪.‬‬
‫ً‬
‫ل أحدا يغتابك‪.‬‬ ‫والحياة َدين ووفاء‪ ،‬فمن اغتبته له حرمة ولع ّ‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ل تلتمس من مساوي الناس ما ستروا فيهتك الله سترا من مساويكا‬
‫ب أحدا ً منهم بما فيكا‬‫واذكر محاسن ما فيهم إذا ُذكروا ول ت َعِ ْ‬
‫وقد قيل‪ :‬ل ُتبد من العيوب‪ ،‬ما ستره علم الغيوب‪.‬‬
‫وما أشد قولهم‪ :‬اللئيم إذا غاب عاب‪ ،‬وإذا حضر اغتاب‪.‬‬
‫‪ – 2‬النميمة‪ :‬وهي أن تجمع إلى مذمة الغيبة رداءة وشرًا‪ ،‬وتضم إلى لؤمها‬
‫دناءة وغدرًا‪ ،‬ثم تؤول إلى تقاطع المتواصلين وتباعد المتقاربين‪ ،‬وتباغض‬
‫المتحابين‪.‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"أل أخبركم بشراركم؟‬
‫قالوا‪ :‬بلى يا رسول الله‪.‬‬
‫شاؤون بالنميمة‪ ،‬المفسدون بين الحبة‪ ،‬الباغون العيوب"‪.‬‬ ‫قال‪ :‬الم ّ‬
‫وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ل شّغار‪ ،‬ملعون كل‬ ‫"ملعون ذو الوجهين‪ ،‬ملعون ذو اللسانين‪ ،‬ملعون ك ّ‬
‫قّتات‪ ،‬ملعون كل منان")‪.(3‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقالوا في الحكم‪ :‬النميمة سيف قاتل‪.‬‬


‫ش ماش شّر من واش‪.‬‬ ‫وقال أحد الدباء‪ :‬لم يم ِ‬
‫‪ – 3‬السعاية‪ :‬وهي شر الثلثة لنها تجمع إلى مذمة الغيبة‪ ،‬ولؤم النميمة‪،‬‬
‫التغرير بالنفوس والموال‪ ،‬والقدح في المنازل والحوال‪ .‬قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫لع")‪.(4‬‬ ‫"الجنة ل يدخلها ديوث ول ق ّ‬
‫قال أحد الحكماء‪ :‬الساعي تراه بين منزلتين قبيحتين‪ .‬إما أن يكون صدق فقد‬
‫خان المانة‪ ،‬وإما أن يكون كذب‪ ،‬فقد خالف المروءة‪.‬‬
‫وقال أحد الحكماء كذلك‪ :‬الصدق يزين الناس كلهم إل الساعي فإنه آثم‬
‫مذموم وإن صدق‪.‬‬
‫وقال أحدهم‪ :‬النميمة دناءة‪ ،‬والسعاية رداءة‪ ،‬وهما رأس الغدر وأساس‬
‫سُبلهما‪ ،‬واجتنب أهلهما‪.‬‬ ‫الشر‪ ،‬فتجّنب ُ‬
‫وسعى رجل في رجل عند السكندر فقال‪:‬‬
‫أتحب أن نقبل منك ما تقول فيه على أن نقبل منه ما يقوله فيك؟‬
‫قال‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال السكندر‪:‬‬
‫ف الشر عنك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يك‬ ‫الشر‪،‬‬ ‫ف عنه‬ ‫فك ّ‬
‫ن في بلدك ساعيا ً‬ ‫وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلم أ ّ‬
‫ت أخبرك‪ ،‬وهو في أرضك‪.‬‬ ‫ولس ُ‬
‫فقال‪ :‬يا رب‪ ،‬دّلني عليه حتى أخرجه‪.‬‬
‫م؟!‬‫فقال‪ :‬يا موسى‪ ،‬أكره النميمة وأن ّ‬
‫الهوامش‬
‫شمال‪ :‬الخلق وجمعها شمائل‪.‬‬ ‫)‪ (1‬ال ّ‬
‫)‪ (2‬وضع من قدره‪ :‬خفضه‪.‬‬
‫مام‪.‬‬ ‫)‪ (3‬السّغار‪ :‬المحّرش بين الناس‪ ،‬يلقي بينهم العداوة ‪ ،‬والقّتات‪ :‬الن ّ‬
‫ن به‪.‬‬ ‫والمّنان‪ :‬يصنع الخير ويم ّ‬
‫واد‪.‬‬
‫)‪ (4‬الديوث‪ :‬ل غيرة له على النساء‪ ،‬وهو الق ّ‬
‫ماز‬
‫واد‪ ،‬والنّباش‪ ،‬والغ ّ‬ ‫القلع‪ :‬الساعي يقع في الناس عند الحكام‪ ،‬وقيل الق ّ‬
‫)‪(3 /‬‬

‫صد ْقُ الوََفاِء‬ ‫ِ‬


‫ما كان‬
‫ة‬
‫صل ٍ‬
‫لله من وُد ّ ومن ِ‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫صول‬ ‫َ‬ ‫صل َةٍ ‪َ ... ...‬يظ ّ‬
‫مو ْ ُ‬ ‫مةِ الّيام ِ َ‬ ‫ح َ‬
‫ل في َز ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن وُد ّ و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما كان ِلله ِ‬
‫هدىً قد كان مأمول‬ ‫وفاِء ِبه ‪ ... ...‬ي ُْغني الحياة َ ُ‬ ‫ق ال َ‬‫صد ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬
‫ل رّيا َ‬‫يظ ّ‬
‫مر تجميل‬ ‫مد ّ العُ ْ‬ ‫حياة ُ ي َ ُ‬ ‫ح روضُته ‪ ... ...‬هذي ال َ‬ ‫وا ُ‬ ‫كأّنه الّزهَُر الف ّ‬
‫ً‬
‫حلى أمانيه تقديرا وتفعيل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جم َ‬ ‫َ‬
‫ل الُعمَر في ب ِّر الوفاِء وما ‪ ... ...‬أ ْ‬ ‫ما أ ْ‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫ً‬
‫ب ‪ِ ... ...‬إذا ت َغَي َّر تقطيعا وتْبديل‬ ‫ج ٌ‬ ‫وما يكون ل ِغَْير الله ل عَ َ‬
‫خْير ت َْعليل‬ ‫شّر ول ي َْرتضي لل َ‬ ‫ن ‪َ ... ...‬‬ ‫م ْ‬‫ح ِ‬ ‫فت َ ُ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ل الظ ّ‬ ‫مث ْ ُ‬‫سد الود ّ ِ‬ ‫ل ُيف ِ‬
‫ضليل‬ ‫ً‬ ‫جهْل وين ُ‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ي َظ َ ّ‬
‫شر ِإفسادا وت َ ْ‬ ‫ب الرضا غضبا ‪َ ... ...‬‬ ‫ل ُيغل ِقُ أبوا َ‬
‫جيل‬
‫ن ما ن َب ِْنيه ت َعْ ِ‬ ‫م الظ ّ‬ ‫ن رضا ً ‪ ... ...‬وي َهْدِ ُ‬ ‫سني َ‬ ‫جهْدِ ال ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ُب َْنى المود ّة ُ ِ‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الهوى َقيل‬ ‫ها ظ ّ‬ ‫ملؤُ ُ‬ ‫قا ً وي ْ‬ ‫س من ُنور الُهدى َأمل ً ‪ ... ...‬ح ّ‬ ‫شرِقُ الّنف ُ‬ ‫وت ُ ْ‬
‫ً‬
‫حويرا و تأِويل‬ ‫مضطربا ‪ " ... ...‬بالقيل والقال " ت َ ْ‬ ‫ً‬ ‫صد ُْر المرِء ُ‬ ‫ن َ‬ ‫َيظل بالظ ّ‬ ‫ّ‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫جلوّا ً ومأمول‬ ‫م‬
‫ّ َ ْ‬ ‫د‬ ‫الو‬ ‫ُ‬
‫ظ‬ ‫ويحف‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ب‬
‫َِ ٍ‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫من‬ ‫ر‬
‫ّ ِ‬ ‫صد‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ن ما‬ ‫جلو الت ّب َي ّ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ج النصح تجهيل‬ ‫ن نه َ‬ ‫حسب الظ ّ‬ ‫ج وََفا ‪ ... ...‬وي َ ْ‬ ‫ح بين الناس ن َهْ َ‬ ‫ي َْبني الّتقى الّنص َ‬
‫ويل‬ ‫فوا ً وإحسانا ً وتن ْ ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫صل ً ‪ِ ... ...‬برا ً و َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ل الوُد ّ ُ‬ ‫حب ْ ُ‬ ‫صِح َ‬ ‫ل ِبالن ّ ْ‬ ‫يظ َ ّ‬
‫ن يجمعهم ‪ ... ...‬صدقُ الُهدى ووفاًء كان مبذول ً‬ ‫كا َ‬ ‫ن قَد ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مّزق الظ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ْ‬
‫مب ُْتول‬ ‫ل وعاد الحْبل َ‬ ‫م ليا ٍ‬ ‫ت ‪ ... ...‬ب ِهِ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫ختل َ‬ ‫صوُر الّيام وا ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ب ِهِ ْ‬ ‫حال ْ‬ ‫َ‬
‫شْبهةٍ ‪،‬ت َْنفي الَقاويل‬ ‫ن ب َي ّن َةٍ ‪ ... ...‬ترد ّ من ُ‬ ‫ن ُدو َ‬ ‫َ‬
‫صدقُ ظ ٌ‬ ‫وكيف ي َ ْ‬
‫ب بيانا ليس مجهول ً‬ ‫ً‬ ‫ه ‪ ... ...‬لنا الكتا ُ‬ ‫ن ب َي ّن َ ُ‬‫ليما ُ‬ ‫دين وا ِ‬ ‫هذا هو ال ّ‬
‫م بها ُبشرى وتْهليل‬ ‫سَرى الّنسي ُ‬ ‫ي ‪ ،‬أْنداُء الظلل وقَد ْ ‪َ ... ...‬‬ ‫ّ‬ ‫ن ‪ ،‬وْيح َ‬ ‫فأي ْ َ‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫ة تزويرا ً وتهويل ً‬ ‫خفي الحقيق َ‬ ‫ن الفساد ِ وقد ‪ ... ...‬ت ُ ْ‬ ‫تلقي النميم ُ َ‬
‫ة ألوا َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن تقتيل َ‬ ‫قُتل النسا َ‬ ‫قطعُ من ‪ ... ...‬وشائٍج ! ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫س ! تَ ْ‬ ‫ن الشّر بين النا ِ‬ ‫ت َُزي ّ َ‬
‫س تشتيتا وتضليل‬ ‫ً‬ ‫ب وفِْري َت ِهِ ‪ ... ...‬تفّرقَ النا ُ‬ ‫مْغتا ٍ‬ ‫ما بين ِغْيبةِ ُ‬
‫مْيتا ومأكول‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫تل ْ‬ ‫َ‬
‫ة ب ِهِم ِ ‪ ... ...‬فَبا َ‬ ‫صول ٌ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫تمّزقت ِرح ٌ‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫قة أو ي َْنفي الباطيل‬ ‫ى ‪ُ ... ...‬يدني الحقي ْ‬ ‫ب ُتق ً‬ ‫ن با ُ‬ ‫ن الظ ّ‬ ‫س ُ‬‫ح ْ‬ ‫من الله ! ُ‬ ‫ن ُْعمى ِ‬
‫حناِء ت َْنزيل‬ ‫َ‬
‫ل الحقّ في ال ْ‬ ‫خافيةٍ ‪ ... ...‬وي ُن ْزِ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫جلو ك ُ ّ‬ ‫صدقُ ي َ ْ‬ ‫وإ ِّنه ال ّ‬
‫مْبذول‬ ‫ن َ‬ ‫معَ اليما ِ‬ ‫ل َ‬ ‫دا ‪ ... ...‬عَْزما ً ي َظ َ ّ‬ ‫فوٌ في النفوس ب َ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫حو َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫صدقٌ ون ُ ْ‬
‫ً‬
‫عرى ‪ ... ...‬عَهْد ٍ توث ّقَ تكريما وتفضيل‬ ‫س في السلم غَْير ُ‬ ‫ط الّنا َ‬ ‫ل َيرب ْ ُ‬
‫حْبل الوفا جيل‬ ‫مد ّ على َ‬ ‫ى ‪ ... ...‬جيل ً ي َ ُ‬ ‫س ُتق ً‬ ‫ه الّنفو ُ‬ ‫دت ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫عَهْدٍ مع الله َ‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫‪ ... ...‬الحد‬
‫‪ 5‬رجب ‪1425‬هـ‬
‫‪ 21‬أغسطس ‪2004‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ي‬‫صناعة الوعي الوطن ّ‬ ‫ِ‬


‫د‪ .‬مسفر بن علي القحطاني * ‪1/7/1425‬‬
‫‪17/08/2004‬‬
‫ازدهرت صناعة المشاريع الصلحّية في أغلب القطار السلمّية نتيجة‬
‫جع نموّ هذه‬‫داخلّية المتفاوتة التي تمّر بها مجتمعاتهم ‪ ,‬وش ّ‬ ‫مات ال ّ‬ ‫للَز َ‬
‫وة العولمة ونفوذها‬‫الصناعة ما يتوّقع استيراده من مشاريع إصلحّية قادمة بق ّ‬
‫ي؛ مما سُيغرق المجتمع بالمنتجات الجنبّية وُيضعف كل ما هو‬ ‫السياس ّ‬
‫ي ‪ ,‬ولو كان العرض كثيًرا فالطلب قليل‪ ،‬والوهج المستورد سُيعمي‬ ‫محل ّ‬
‫ل والقرار ‪..‬‬‫عيون الكثير من أهل الح ّ‬
‫ن قبول الحلول المستوردة بخيرها وشرها مسخ لهُوِّية الوطن وخطر على‬ ‫إ ّ‬
‫عظم المر وصعوبته‬ ‫مل في تجاِرب المم والحضارات يدرك ِ‬ ‫مستقبله ‪ ,‬والمتأ ّ‬
‫ل من أولئك القلئل الذين أبصروا هذا الخطر‬ ‫على ثقافة وفكر المجتمع ؛ ولع ّ‬
‫ن يضع الحلول‬ ‫ي مالك بن نبي إذ يقول‪":‬ل يجوز لحد أ ْ‬ ‫كر السلم ّ‬ ‫المف ّ‬
‫ن تنسجم أفكاره‬ ‫مته ومركزها ‪ ،‬بل يجب عليه أ ْ‬ ‫والمناهج مغفل ً مكان أ ّ‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫مته ‪ ,‬أما أ ْ‬ ‫وعواطفه وأقواله وخطواته مع ما تقتضيه المرحلة التي فيها أ ّ‬
‫ن في ذلك تضييًعا للجهد ومضاعفة‬ ‫شرق أو الغرب فإ ّ‬ ‫يستورد حلول ً من ال ّ‬
‫ل تقليد في هذا الميدان جهل وانتحار ‪..‬‬ ‫داء ‪ ,‬إذ ْ ك ّ‬ ‫لل ّ‬
‫ي وتعميقه في‬ ‫ّ‬ ‫الوطن‬ ‫الوعي‬ ‫إحياء‬ ‫مات‬ ‫َ َ‬‫ز‬ ‫ال‬ ‫هذه‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ظ‬ ‫في‬ ‫المهم‬ ‫من‬ ‫كان‬ ‫ولهذا‬
‫مة ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫وال‬ ‫للفرد‬ ‫ية‬‫ّ‬ ‫والوقائ‬ ‫ية‬ ‫ّ‬ ‫العلج‬ ‫م دروع الّتحصين‬ ‫النفوس؛ فهو أّول وأه ّ‬
‫ومات التي تعين على‬ ‫ن نثير الهتمام ببعض المق ّ‬ ‫ولعّلنا في هذه الُعجالة أ ْ‬
‫ي في المجتمع ‪..‬منها ‪:‬‬ ‫تعميق الوعي الوطن ّ‬
‫‪ -1‬ضرورة ترسيخ الهدف العظم للنسان وتبيين حقيقة الوجود في الحياة‬
‫بشكل قويّ وواضح في قلوب الناس وعقولهم لتسري آثاره في واقعهم‬
‫ي من الوجود هو عبادة الله عز وجل‪ ،‬كما أخبر الله‬ ‫وحياتهم ‪ .‬والهدف الحقيق ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫زيُز‬
‫مل وَهُوَ العَ ِ‬ ‫ً‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬‫مأ ْ‬ ‫ُ‬
‫م أي ّك ْ‬ ‫ُ‬
‫حَياة َ ل ِي َب ْلوَك ْ‬ ‫ت َوال َ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫خل َقَ ال ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى بقوله‪( :‬ال ّ ِ‬
‫فوُر( ]الملك‪[2:‬‬ ‫ال ْغَ ُ‬
‫ن( )الذاريات‪(56:‬‬ ‫دو ِ‬ ‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َواْل ِن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫ل أنشطة الحياة وسيلة لكسب رضوان الله عز وجل ‪,‬والنجاح‬ ‫فجعل الله ك ّ‬
‫دن في عقول الناس‬ ‫سخ جذور التم ّ‬ ‫في هذا البتلء العظيم‪ ،‬هو الذي ير ّ‬
‫وقلوبهم وسلوكهم ويدفعهم إلى العطاء المتواصل‪ ،‬ويزيد من شعورهم نحو‬
‫الوصول إلى درجة الشهود الحضاريّ على المم والمجتمعات )وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬
‫س ‪] (...‬البقرة‪ :‬من الية ‪[143‬‬ ‫َ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫سطا ً ل ِت َ ُ‬ ‫جعل ْناك ُ ُ‬
‫داَء عَلى الّنا ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫م ً‬
‫مأ ّ‬ ‫َ َ َ ْ‬
‫دات‬ ‫ّ‬ ‫فالمع‬ ‫واضطراب؛‬ ‫معاناة‬ ‫في‬ ‫يعيش‬ ‫الرض‬ ‫بقاع‬ ‫من‬ ‫كثير‬ ‫في‬ ‫والنسان‬
‫وشة وغامضة‬ ‫ن أهداف هذه الحركة المحمومة مش ّ‬ ‫الحضارّية باتت كاملة لك ّ‬
‫مل في حال‬ ‫صحيحة‪ .‬والمتأ ّ‬ ‫جِبل عليه النسان بفطرته ال ّ‬ ‫ول تلمس ما ُ‬
‫ي قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ينظر بوضوح عظم‬ ‫المجتمع العرب ّ‬
‫التخلف والنحطاط في المجالت المادّية والحضارّية‪ ،‬ولذلك انعدم ذكرهم‬
‫في مسيرة التاريخ البشريّ إل بعد بعثته صلى الله عليه وسلم فكانت إيذاًنا‬
‫مة من أرقى المم وأقواها حضوًرا في العالم‬ ‫بانبعاث حضاريّ شامل‪ ،‬ومولد أ ّ‬
‫ديار ولكن السبب العظيم في هذا‬ ‫ديار هي ال ّ‬ ‫كله‪..‬فالناس هم الناس وال ّ‬
‫ي الذي أنزله الله على رسوله صلى الله‬ ‫ول العجيب هو ذلك الوحي الله ّ‬ ‫التح ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب َول‬ ‫ما الك َِتا ُ‬ ‫ت ت َد ِْري َ‬ ‫ما كن ْ َ‬ ‫مرَِنا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حي َْنا إ ِلي ْك ُروحا ِ‬ ‫عليه وسلم (وَكذ َل ِك أوْ َ‬
‫عَبادَِنا‪] (...‬الشورى‪ :‬من الية‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي ب ِهِ َ‬ ‫جعَل َْناه ُ ُنورا ن َهْ ِ‬
‫ً‬ ‫ن َ‬‫ن وَل َك ِ ْ‬
‫ما ُ‬‫لي َ‬‫اِْ‬
‫‪ [52‬لقد كان ذلك الوحي – كما جاء في الية‪ -‬الروح التي بعثت ذلك الجسد‬
‫الخاوي من الحركة والحياة والنور الذي أضاء الظلمات وبدد ّ حيرة الجاهلّية‪.‬‬
‫ويصور لنا أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه ذلك التغّير العجيب في القوم ما‬
‫أذهل الذئب وأثار عجبه ‪ .‬يقول رضي الله عنه"عدا الذئب على شاة فأخذها‬
‫فطلبه الراعي فانتزعها منه‪ ،‬فأقعى الذئب على ذنبه‪ .‬فقال‪ :‬أل تتقي الله ؟‬
‫ي ؟ فقال الّراعي‪ :‬يا عجبي ذئب يكلمني كلم‬ ‫تنزع مني رزقا ً ساقه الله إل ّ‬
‫النس! فقال الذئب‪ :‬أل أخبرك بأعجب من ذلك ؟ محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق‪(...‬‬
‫ن العرب ل يحصل لهم‬ ‫ولهذا يقول ابن خلدون في مقدمته " فصل في أ ّ‬
‫دين على الجملة‬ ‫وة‪ ،‬أو ِولية‪ ،‬أو أثر عظيم من ال ّ‬ ‫الملك إل بصبغة دينّية من نب ّ‬
‫")‪. (1‬‬
‫قق نتائجه ويؤتي ثماره إذا‬ ‫ن يح ّ‬ ‫ي ل يمكن أ ْ‬ ‫فالوعي الحضاريّ والتقدم المدن ّ‬
‫ي‪ ،‬إًذا هو الفاعل الحقيق ّ‬
‫ي‬ ‫ي واليمان القلب ّ‬ ‫سمو الروح ّ‬ ‫كان منعزل ً عن ال ّ‬
‫ي للفراد نحو العمل والنتاج والنجاز‬ ‫للمدينة الراقية والمحّرك الساس ّ‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضح لدوارهم وواجباتهم‬ ‫والتقان المبدع ‪ ,‬وهو المن ّ‬


‫ظم لعلقات الفراد‪ ،‬والمو ّ‬
‫بمنتهى العدل والنصاف‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يقول مالك بن نبي ‪ ":‬الحضارة ل تنبعث –كما هو ملحظ‪ -‬إل بالعقيدة‬


‫ن نبحث في حضارة من الحضارات عن أصلها الديني الذي‬ ‫الدينّية ‪ ,‬وينبغي أ ْ‬
‫ن يجد التأريخ في البوذّية بذور‬ ‫بعثها ‪ ,‬ولعّله ليس من الغلو في شيء أ ْ‬
‫الحضارة البوذّية وفي البرهمّية نواة الحضارة البرهمّية‪ .‬فالحضارة ل تظهر‬
‫مة من المم إل في صورة وحي يهبط من السماء ‪ ,‬يكون للناس شرعة‬ ‫في أ ّ‬
‫ي‬
‫جا‪ ,‬أو هي –على القل‪ -‬تقوم أسسها في توجيه الناس نحو معبود غيب ّ‬ ‫ومنها ً‬
‫در للنسان أل تشرق عليه شمس الحضارة إل حيث‬ ‫بالمعنى العام ‪ ,‬فكأّنما ق ّ‬
‫دا عن حقبته ‪ ,‬إذ ْ حينما يكتشف‬ ‫يمتد ّ نظره إلى ما وراء حياته الرضية‪ ،‬أو بعي ً‬
‫حقيقة حياته الكاملة ‪ ,‬يكتشف معها أسمى معاني الشياء التي تهيمن على‬
‫عبقريته وتتفاعل معها ‪.‬‬
‫ومن هنا يستطيع المؤمن إدراك الحقيقة الساطعة التي يفسرها التأريخ في‬
‫الفقرة التي وردت في أحد الكتب المنّزلة القديمة‪.‬‬
‫‪ -2‬أهمية تعميق الحساس بروح النتماء لهذا الوطن الذي كّرمه الله عز‬
‫ن جعله مهبط الرسالة الخاتمة‪ ،‬ومئرز السلم‪ ،‬وقبلة المسلمين‪،‬‬ ‫وجل بأ ْ‬
‫ومشعل هدايةٍ ونورٍ للناس أجمعين‪ .‬فالمحافظة على أمنه واستقراره ورقّيه‬
‫دى ذلك إلى‬ ‫وتقدمه ل يخص أفراد الوطن فحسب بل المنفعة والفائدة تتع ّ‬
‫مل‪.‬‬ ‫ي لمن تأ ّ‬ ‫ي ل يقل عن وجوبه الوطن ّ‬ ‫سائر بلد المسلمين ‪ ,‬ووجوبه الشرع ّ‬
‫مق هذا الحساس للنتماء في نفوس الفراد إل بقدر الّثقة المتبادلة‬ ‫ول يتع ّ‬
‫سسات الدولة المختلفة ) السياسّية‬ ‫ققة بينهم وبين مؤ ّ‬ ‫والمنفعة المتح ّ‬
‫والقتصادّية والجتماعّية وغيرها( وعندما يحس الفرد بالدونّية والهانة‬
‫والستغفال ويحرم حقوقه المشروعة ينعكس ذلك على أدائه لواجباته‬
‫المناطة به‪ ،‬وينقلب تفكيره واهتمامه نحو الفردّية المطلقة التي تخدم‬
‫مصالحة الخاصة‪ ،‬ولو أضّرت بالخرين‪ ،‬وأنانّية مفرطة يأنف بها عن التضحية‬
‫لوطنه أو التعاون مع الخرين‪ ،‬ولو زدنا من تكريس أنواع العقوبة لهم لما‬
‫ظلل الوطن؛ فروح النتماء للوطن‬ ‫دا عن ِ‬‫زادهم إل نفوًرا واستكباًرا أو بع ً‬
‫مس‬ ‫تأتي تلقائّيا‪ ،‬وتدخل نفسه من غير استئذان نتيجة شعور الفرد بتل ّ‬
‫ماته‪.‬‬
‫المجتمع حاجاته‪ ،‬ومعالجة مشكلته‪ ،‬والوقوف معه في أَز َ‬
‫ظم المجتمع‬ ‫ن وجود النظمة والقوانين التي تحكم حياة الفراد‪ ،‬وتن ّ‬ ‫‪ -3‬إ ّ‬
‫دا لمبادئ المجتمع في‬ ‫دم المجتمع ورقّيه؛ لّنها تكون تجسي ً‬ ‫شرط في تق ّ‬
‫ما من‬ ‫ل محتر ً‬ ‫دنة يظ ّ‬ ‫الحقوق والواجبات ‪ .‬ولذلك تجده في المجتمعات المتم ّ‬
‫ل‪ .‬كما كان عليه العهد في صدر السلم‪.‬‬ ‫الك ّ‬
‫ن القانون يكون أداة لتأمين مصالح الجهات‬ ‫ّ‬
‫ما في المجتمعات المتخلفة فإ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫النافذة ولذلك فإّنه ل يلقى التقدير من أحد‪ ،‬و ل يشايعه إل المستفيدون منه‪،‬‬
‫ي وسبًبا من‬ ‫ولهذا يصبح تطبيق القانون مظهًرا من مظاهر النهيار الجتماع ّ‬
‫أسباب الهلك؛ لنه يصبح أداة ظلم وإفساد‪ .‬وإلى هذا أشار صلى الله عليه‬
‫مته بقوله ‪ " :‬إّنما أهلك الذين كانوا قبلكم أّنهم كانوا إذا سرق‬ ‫وسلم محذًرا أ ّ‬
‫د"‬
‫فيهم القويّ تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الح ّ‬
‫ومعظم مجتمعات الرض محكومة اليوم بقوانين ودساتير‪ ،‬ولدى حكوماتها‬
‫ن المجتمعات التي ليس لها من المدنّية سوى‬ ‫ي عتيد‪ ..‬لك ّ‬ ‫نظام قضائ ّ‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن لديها بجوار كل قانون‬ ‫ي( حيث إ ّ‬ ‫القشور‪ ،‬مصابة بداء ) الزدواج القانون ّ‬
‫مكتوب قانوًنا غير مكتوب ‪ ..‬وهذا الخير هو الوجه‪ ،‬والقانون المكتوب هو‬
‫ما مع من يدفع أكثر أو ُيخيف أكثر‪(2).‬‬ ‫القناع‪ ،‬والحق دائ ً‬
‫ضرورات لحماية‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫يعتبر‬ ‫عليه‬ ‫والجزاء‬ ‫ردع‬‫ّ‬ ‫وال‬ ‫ي‬
‫ن التنظيم القانون ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ضر‬
‫ن العقوبات في قوانين التح ّ‬ ‫المجتمع من تمّرد أو تهاون بعض أفراده ؛ لك ّ‬
‫دا ولكّنها قد تحميه ‪ ,‬والناظر في آيات الحدود والعقوبات‬ ‫ل تنشئ مجتمًعا أب ً‬
‫كل خمس آيات القرآن الكريم ‪ ,‬أما الباقي فهو يستهدف بناء‬ ‫يجد أّنها ل تش ّ‬
‫النسان من الداخل بتنمية وعيه بمراقبة ذاته وتقويم سلوكه ‪.‬‬
‫ي يتطّلب استعداًدا حقيقّيا من كل‬ ‫مناخ الذي ُيصنع فيه الوعي الوطن ّ‬ ‫‪-4‬ال ُ‬
‫الفئات العرقّية‪ ،‬والطبقات الجتماعّية‪ ،‬وأصحاب الفكار والّثقافات للتنازل‬
‫ي العام‬‫عن جزء من خصوصّياتهم الفكرّية والجتماعّية ؛لصالح الطار الوطن ّ‬
‫الذي ُيراد للجميع الندماج فيه ‪ .‬وهذا الحساس بالخرين والّتضحية من‬
‫ي‬
‫مل في الثر السلم ّ‬ ‫ي في الحياة المدنّية ‪..‬والمتأ ّ‬‫م درجات الّرق ّ‬ ‫أجلهم أه ّ‬
‫الذي مّر على الجزيرة العربّية المتصارعة على النفوذ والمتقاتلة على أتفه‬
‫ن السلم جمع شتاتهم ودمجهم على اختلفهم وتباينهم في‬ ‫السباب ليجد أ ّ‬
‫فترة يسيرة وفي هُوِّية حضارِّية واحدة ينتمي لها طيف واسع من البشر‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن نتعلم من الحشرات شيًئا من الّتضحية والتفاني من أجل الخرين‬ ‫ول بأس أ ْ‬


‫؛ فمثل ً وظيفة الملكة في مجتمع الّنحل وضع البيض ومصدر غذائها هو ما‬
‫صة في رأسها ! وللجماعة الواحدة‬ ‫حلت العاملت من غدد خا ّ‬ ‫تفرزه لها الن ّ َ‬
‫حلت‬ ‫ما الن ّ َ‬ ‫ملكة واحدة ‪ ،‬فهي ل تشكو من مشكلة انقسام القيادات !‪ ..‬أ ّ‬
‫مد الخلّية ‪ ،‬وهن يقمن بمعظم العمل‪ ،‬فعلى الّرغم من‬ ‫العاملت فهن عُ ُ‬
‫ن يتولين تربية الصغار وإطعامهم‪ ،‬وتنظيف‬ ‫ّ‬ ‫ن )عاقرات( إل أّنه ّ‬ ‫كونه ّ‬
‫ن ل تقوى‬ ‫ن الجهود الهائلة التي يبذلنها تجعل أجسامه ّ‬ ‫المستعمرة وتهويتها‪ ..‬إ ّ‬
‫سط عمر الواحدة منهن قرابة ستة‬ ‫ن متو ّ‬ ‫على الستمرار في الحياة‪ ،‬ولذا فإ ّ‬
‫ذكور مع أّنها تموت بعد عملّية التلقيح مباشرة ‪ ،‬إل أّنها تقدم‬ ‫أسابيع فقط‪ ،‬وال ّ‬
‫عليه‪ ،‬وكأّنها تفدي النوع بحياتها‪.‬‬
‫ما‪ :‬ل قيمة لحياتي عند تعرض سلمة الجماعة‬ ‫ن شعار الّنحل المرفوع دائ ً‬ ‫إ ّ‬
‫مة السلم‪.‬‬ ‫شهداء في أ ّ‬ ‫للخطر وهذا هو شعار ال ّ‬
‫سسات التربوّية‬ ‫ّ‬ ‫المؤ‬ ‫دور‬ ‫تفعيل‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫الحضار‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫الوطن‬ ‫م مقومات الوعي‬ ‫من أه ّ‬
‫والتعليمّية والعلمّية في رفع مستوى الوعي لدى الفراد والمجتمع‪.‬‬
‫ن الّتخطيط الهادف الواعي المتكامل لصياغة شخصّية الفرد وبناء الوعي‬ ‫إ ّ‬
‫سساتنا التعليمّية والتربوّية في كل‬ ‫ن تقوم به مؤ ّ‬ ‫الحضاريّ لديه هو ما يجب أ ْ‬
‫مراحلها التعليمّية؛ فالمدارس والجامعات والسر والمناهج الدراسّية‬
‫ن يسهموا في هذا‬ ‫ل أولئك يجب أ ْ‬ ‫والمعلمون والخطباء وأئمة المساجد ‪ ..‬ك ّ‬
‫ملوا فَ َ‬
‫سي ََرى‬ ‫ُ‬ ‫ل اعْ َ‬‫المشروع العظيم‪ .‬ويتكاتفوا في تحقيقه تحت شعار‪() :‬وَقُ ِ‬
‫ن العلم‬ ‫ن‪] ( ...‬التوبة‪ :‬من الية ‪ [105‬كما أ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه َوال ْ ُ‬
‫سول ُ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫مل َك ُ ْ‬‫ه عَ َ‬‫الل ّ ُ‬
‫دم المم أو تخّلفها‪،‬‬ ‫يعتبر في العصر الحاضر من أهم وأخطر الوسائل في تق ّ‬
‫ما حضارِّية رائدة يترفع بها عن البتذال والثارة‬ ‫وما لم يحمل مبادئ وقي ً‬
‫ومحاكاة الغير بعمى وقّلة بصيرة وإل فإّنه وسيلة هدم سريع مهما كان البناء‬
‫دا والبناة كث ًُرا‪.‬‬ ‫عتي ً‬
‫أكتفي بهذا الشارات السريعة والعرض الموجز للمقومات الحضارّية لتعميق‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طى‬‫ن ت ُغَ ّ‬
‫سسات المجتمع‪ ،‬و هي أكثر من أ ْ‬ ‫ي لدى الفراد ومؤ ّ‬ ‫الوعي الوطن ّ‬
‫م من ذلك يكمن في قناعة الفرد بوجوب‬ ‫ن اله ّ‬‫في هذه العجالة ‪ ..‬وأعتقد أ ّ‬
‫ّ‬
‫المبادرة للعمل المنتج والنسياب في خطط المجتمع التنموّية ‪ .‬ولعل ما يثور‬
‫ذهن والنفس من تساؤلت وإشكالّيات هي في حد ّ ذاتها وسيلة ليقاظ‬ ‫في ال ّ‬
‫دم في أنفسنا‬ ‫ن ترشد إلى البناء‪ ،‬وتشعل قناديل النهضة والتق ّ‬ ‫الوعي لعّلها أ ْ‬
‫دراسات السلمّية والعربّية بجامعة الملك فهد‬ ‫ومجتمعنا‪ *.‬رئيس قسم ال ّ‬
‫للبترول والمعادن‬
‫‪1‬ـ مقدمة ابن خلدون ‪1/160‬‬
‫‪ -2‬انظر‪ :‬تجديد الوعي ص ‪128‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪...‬‬
‫ضبط النفس‬
‫رئيسي ‪:‬أخلق ‪:‬‬
‫ً‬
‫يتناول الدرس موضوعا من الموضوعات المهمة جدا‪ ،‬وبخاصة في زمن الفتن‬
‫التي تكاثرت على المسلمين وهو ضبط النفس‪ ،‬وما معناه ‪ ،‬والنصوص التي‬
‫تدعو إلى ذلك‪،‬و السباب والدواعي المضادة لضبط النفس‪،‬و وسائل ضبط‬
‫النفس‪،‬و ثمار ضبط النفس‪ ،‬ثم وقفات مهمة ‪.‬‬
‫الحمد لله‪ ،‬وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا‪،‬‬
‫وبعد‪ ،،،‬فهذا الموضوع من الموضوعات المهمة جدًا‪ ،‬وبخاصة في زمن الفتن‬
‫التي تكاثرت على المسلمين‪ .‬ضبط النفس‪ :‬نحن في أمس الحاجة إليه سواء‬
‫على المستوى الخاص‪ :‬في داخل بيوتنا‪ ،‬ومع أقاربنا وأهلينا وجيراننا‬
‫وأصحابنا‪ ،‬وكذلك نحن بحاجة إليه على المستوى الدعوة إلى الله‪..‬نحن‬
‫بأمس الحاجة إليه وبخاصة في هذه اليام التي نلحظ فيها كثرة الفتن‪ ،‬وكثرة‬
‫مراحل الستدراج‪ ،‬وينصب الفخ لكثير من الدعاة‪ ،‬فقد يقع‪ ،‬وقد يقعون فيما‬
‫ينسب لهم من أعدائهم‪ ،‬فمن أجل بيان خطورة هذا المر نقف مع هذا‬
‫الموضوع المهم ‪.‬‬
‫معنى ضبط النفس‪ :‬هو بمعنى‪ :‬كظم الغيظ‪ ،‬ولذلك أثنى الله على الكاظمين‬
‫ت‬ ‫وا ُ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬‫ضَها ال ّ‬‫جن ّةٍ عَْر ُ‬
‫م وَ َ‬‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةٍ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫عوا إ َِلى َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫الغيظ فقال‪ {:‬وَ َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ضّراِء َوالكاظ ِ ِ‬ ‫سّراِء َوال ّ‬‫ن ِفي ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي ُن ْفِ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن]‪[133‬ال ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ت ل ِل ْ ُ‬ ‫ض أُ ِ‬
‫عد ّ ْ‬
‫َ‬
‫َواْلْر ُ‬
‫ن]‪] }[134‬سورة آل عمران[‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫س َوالل ّ ُ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ظ َوال َْعاِفي َ‬‫ال ْغَي ْ َ‬
‫فالمتقين هنا من صفاتهم أنهم يكظمون الغيظ‪ ،‬فكظم الغيظ وهو أحد معاني‬
‫ضبط النفس‪ ،‬جنة عرضها السماوات والرض‪ ،‬ولو لم يأتنا إل هذه الية؛‬
‫لكفانا بها فضل ً وشرفًا‪.‬‬
‫قال القرطبي في معناه‪':‬كظم الغيظ رده في الجوف‪ ،‬يقال‪ :‬كظم غيظه أي‪:‬‬
‫سكت عليه‪ ،‬ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه بعدوه'‪ .‬فكظم الغيظ هو منعه‬
‫من أن يقع‪.‬‬
‫? فنستطيع أن نعرف ضبط النفس بالكلمات التالية‪':‬هو منعها من التصرف‬
‫خطأ في المواقف الطارئة‪ ،‬والمفاجئة التي تتطلب قدرا ً من الشجاعة‪،‬‬
‫والحكمة‪ ،‬وحسن التصرف'‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد أوضحت أن بين كظم الغيظ‪ ،‬وضبط النفس؛ ترادفا وتشابها‪ ،‬فالذي‬
‫يضبط نفسه هو الذي يكظم غيظه‪ ،‬وهو الذي يحبس غضبه‪.‬‬
‫وقد ورد أحاديث كثيرة فيها بيان فضل كظم الغيظ‪ ،‬وبالتالي ضبط النفس‪،‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومنها‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عاهُ‬‫فذ َه ُ د َ َ‬‫ن ي ُن َ ّ‬
‫قدُِر عَلى أ ْ‬ ‫م غي ْظا وَهُوَ ي َ ْ‬ ‫ن كظ َ‬ ‫م ْ‬‫م‪َ ]:‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫? وََقال َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫شاَء[ رواه‬ ‫حورِ َ‬ ‫خي َّره ُ ِفي أيّ ال ْ ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫مةِ َ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫ق ي َوْ َ‬ ‫ه عََلى ُرُءوس ال ْ َ َ‬
‫خلئ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫أبوداود والترمذي وابن ماجة وأحمد‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫جْرعَ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ ِ‬
‫جًرا ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جْرعَةٍ أعْظ َ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م‪َ ]:‬‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫? وََقا َ‬
‫ه[ رواه ابن ماجة ‪.‬وكما أسلفت أن الحاديث‬ ‫جهِ الل ّ ِ‬ ‫مَها عَب ْد ٌ اب ْت َِغاَء وَ ْ‬ ‫ظ ك َظ َ َ‬ ‫غَي ْ ٍ‬
‫في هذا الباب كثيرة جدا‪ً.‬‬
‫مظاهر عدم ضبط النفس‪ :‬كيف نعرف أن هذا النسان لم يضبط نفسه؟‬
‫هناك مظاهر‪ ،‬ودللت‪ ،‬أذكر هنا أبرزها‪:‬‬
‫سرعة الغضب والنفعال‪ ،‬والتأثر‪ :‬وحدوث ردود أفعال لم تدرس عواقبها‪،‬‬
‫نسمع أحيانا أن هناك تصرفات تحدث كرد فعل لم تدرس عواقبها‪ ،‬وهذه هي‬
‫التي قلت قبل قليل أنها تجر علينا الويلت‪.‬‬
‫مثًل‪ :‬قد يؤذى أحد الدعاة‪ ،‬ويطلب منا في هذا المقام أن ننصر أخانا‪ ،‬لكن ما‬
‫الذي يحدث بسبب الحماس والنفعال‪ ،‬وبسبب عدم ضبط النفس ؟ قد‬
‫يتصرف البعض تصرفات تجر إلى ويلت‪ ،‬وتجر إلى مصائب‪ ،‬وتجر إلى أمور‬
‫ل تحمد عقباها‪ ،‬وهذا أيها الخوة يحتاج منا إلى نظر وتبصر‪ ..‬وحينما أشير إلى‬
‫ذلك ل لكونها واقعة‪ ،‬ولكنني أتحدث عنها لكي ل تقع؛ لن معالجة المرض‬
‫قبل وقوعه أولى من معالجته بعد وقوعه‪.‬‬
‫? لنأخذ مثًل واحدًا‪ :‬عند مسجد من المساجد جاء رجال المن لمنع بيع‬
‫أشرطة التسجيل عند المسجد‪ ،‬وبسبب النفعال تحمس بعض الحضور‪ ،‬ووقع‬
‫احتكاك بين رجال المن‪ ،‬وبين هؤلء الشباب الذين ل نشك في حماسهم‬
‫وخيرهم وصدقهم‪ ،‬ولكن ماذا تكون النتيجة؟‬
‫هل هذا التصرف منهم قد منعَ اتخاذ مثل هذه القرارات؟ ل‪ ..‬بل زاد المر‬
‫سوًءا‪ ،‬وجر على هؤلء الشباب أموًرا نحن في غنى عنها‪ .‬هناك وسائل‬
‫مشروعة نسلكها للغاء مثل هذه القرارات‪ ،‬ولكن أن نستفز بمثل هذه‬
‫المور‪ ،‬هذا ما يريده ويتمناه ويسعى إليه العداء‪ ،‬فردود الفعال غير‬
‫المدروسة‪ ،‬يكون لها من الثار كما وقع في بلد كثيرة ما ل يخفى على‬
‫أمثالكم‪.‬‬
‫إطلق اللسان‪ :‬بالسب‪ ،‬أو الشتم‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬وكم من البيوت خربت؛ لن‬
‫الزوج ل يتمكن من ضبط لسانه‪ ،‬فيقع الطلق‪ ،‬تتصرف المرأة تصرفا ً خاطئًا‪،‬‬
‫ق‬
‫وقد تثير زوجها بانفعال أو غيره‪ ،‬فأقرب ما يتجه إليه الزوج هو أن يطل َ‬
‫لسانه بالطلق‪ ،‬وأمر الطلق ليس بالمر الهين‪ ،‬وكم جاء للعلماء من يقول‪:‬‬
‫إنني كنت مغضبًا‪ ،‬وطلقت وأنا ل أشعر‪.‬‬
‫نعم المرأة تخطئ‪ ،‬والمرأة ضعيفة‪ ،‬لكن كيف نقابل هذا المر؟ هل نقابله‬
‫بالضرب‪ ،‬أو بإطلق اللسان؟ ل‪ ..‬انتبهوا إلى هذه القصة؛ لنعرف كيف نقابل‬
‫مثل هذه الحداث التي تقع في البيوت‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫? كان الرسول صلى الله عليه وسلم عند عائشة‪ ،‬فأرسلت إحدى زوجاته‬
‫رضي الله عنهن جميعا ً طعاما ً للرسول صلى الله عليه وسلم قد أصلحته‬
‫بصحفة مع جارية لها‪ ،‬فلما جاءت بالطعام‪ ،‬والرسول عند عائشة‪ ،‬أخذت‬
‫الغيرة عائشة رضي الله عنها‪ -‬تأتي بطعام واليوم يومها والرسول عندها‪،‬‬
‫الغيرة شديدة بالنسبة للنساء‪ -‬فقامت عائشة وأخذت الصحفة وكسرتها‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وانتثر الطعام‪ ،‬فقام صلى الله عليه وسلم يجمع ما انتثر من الطعام ويقول‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م[ رواه البخاري وأبوداود والترمذي وابن ماجة‬ ‫مك ُ ْ‬
‫تأ ّ‬ ‫غاَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫مك ُ ْ‬‫تأ ّ‬ ‫] َ‬
‫غاَر ْ‬
‫والدارمي وأحمد‪ .‬وهو يبتسم‪ ،‬وأخذ صحفة جديدة‪ ،‬وأرسلها إلى أم المؤمنين‬
‫بدل ما كسر‪.‬‬
‫? الله أكبر‪ ..‬ما هذا السلوب! هل نتعامل مع زوجاتنا بهذا السلوب؟!هل‬
‫غضب صلى الله عليه وسلم وضربها؟!هل غضب وتكلم عليها ؟ هل غضب‪-‬‬
‫أقل شيء‪ -‬وخرج من عندها ؟‬
‫لم يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إنما قام هو يجمع ما انتثر من الطعام‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م[ ويعطي المرأة الخرى صحفة بدل‬ ‫مك ُ ْ‬
‫تأ ّ‬‫غاَر ْ‬‫م َ‬ ‫مك ُ ْ‬‫تأ ّ‬ ‫غاَر ْ‬ ‫ويقول‪َ ] :‬‬
‫الصحفة التي انكسرت‪ .‬هذا هو خلقه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذا هو الخلق‪.‬‬
‫وإذا غضبت فكن وقورا ً كاظما ً للغيظ تبصر ما تقول وتسمع‬
‫فكفى به شرفا ً تصبر ساعة يرضى بها عنك الله وترفع‬
‫السباب والدواعي المضادة لضبط النفس‪ :‬بعبارة أخرى‪ :‬ما هي العوامل‬
‫التي تثير النسان؟ الحقيقة أن هناك عدة أسباب تؤدي إلى كون النسان ل‬
‫يضبط نفسه‪ ،‬وكون النسان قد يغضب‪ ،‬ويثور‪ ،‬ويستفز‪ ،‬وهي أسباب عامة‬
‫وخاصة‪ ،‬وأذكر هنا أهم تلك السباب‪:‬‬
‫تحريش الشيطان ‪ :‬فالشيطان ينزغ في مثل هذه المواقف؛ لنه يريد أن‬
‫ُيوقع المرء في مثل هذه المهلكات من الستعجال‪ ،‬أو التصرفات التي ل‬
‫تحمد عقباها‪.‬‬
‫استفزاز المنافقين وأعداء الله‪ :‬وهذا يكون بمثل استفزازات النظمة‪،‬‬
‫والفراد سواء بالقول أو الفعل‪ ،‬فهناك استفزازات الن تجري في كثير من‬
‫البلد‪ ،‬يتولها منافقون‪ ،‬وعلمانيون‪ ،‬وتتولها أنظمة معادية للسلم؛ لتوقع‬
‫الدعاة في الفخ‪ ،‬لن المستعجلين منهم قد ل يصبروا‪ ،‬فيستعجلوا ويتحمسوا‪،‬‬
‫ول يضبطوا نفسهم‪.‬‬
‫الهانات والضربات الموجه للمسلمين‪ :‬وحقيقة أن المسلمين يعيشون في‬
‫وضع ل يحسدون عليه من الذل والمهانة‪ ،‬وهذا يحتاج إلى شيء من ضبط‬
‫النفس‪ ،‬والتبصر بالعواقب‪ ،‬والنظر في مآلت المور‪ ،‬وعدم جعل هذه‬
‫السباب العامة سببا ً لهذا المر‪ .‬ولو تأملنا كيف كان الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم في مكة‪ ،‬وكم مرة يقول الصحابة له‪ ':‬أنقبل الدنية في ديننا' والرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم يوجههم بالصبر وبضبط النفس‪ ،‬وعدم التحمس‬
‫والستعجال‪.‬‬
‫ارتفاع صوت الباطل وخفوت صوت الحق‪.‬‬
‫تخاذل بعض القادرين على نصرة دين الله من قول كلمة الحق‪ :‬فهناك من‬
‫القادرين من يستطيع أن يقول للظالم يا ظالم‪ ،‬من يستطيع أن ينصر الدعاة‪،‬‬
‫من يستطيع أن يقف مع المستضعفين في مشارق الرض ومغاربها‪ ،‬ولكنه‬
‫يسكت ويتخاذل‪ ،‬فما الذي يحدث عندها؟ يأتي بعض الشباب ويتحمسون‪ ،‬ول‬
‫يستطيعون الصبر‪ ،‬ول التحمل؛ فيتصرفون بعض التصرفات التي تكون نتائجها‬
‫غير محمودة‪.‬‬
‫إفشاء وتشجيع الفساد بجميع الوسائل وحمايته‪ :‬فهذا سبب من السباب التي‬
‫قد تؤدي إلى عدم ضبط النفس‪ ،‬وإلى الستعجال‪ ،‬أو إلى التصرفات التي قد‬
‫ل تحمد عواقبها‪.‬‬
‫مضايقة الدعوة والدعاة‪ ،‬مع تشجيع وحماية الضد‪.‬‬
‫الراجيف والشاعات‪ :‬وخاصة أن البعض يتعجلون بتصديق هذه الشاعات‪،‬‬
‫وهناك أيدي مغرضة تريد اليقاع بطلب العلم‪ ،‬وبالشباب‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحداث المتلحقة في العالم السلمي‪ :‬من التعذيب والذى والمتهان كما‬


‫في فلسطين وغيرها‪ ،‬يجعل بعض الناس قد ل يتحمل‪ ،‬وقد ينفجر‪ ،‬وقد‬
‫يتصرف تصرفات غير محمودة العواقب‪.‬‬
‫الطبائع الفردية‪ :‬فالناس يختلفون‪ ،‬فهناك من أعطاه الله سعة في الصدر‪،‬‬
‫وتحمًل وقدرة على ضبط النفس‪ ،‬وهناك آخرون سريعو الغضب‪ ،‬سريعو‬
‫الثورة‪ ،‬فأي سبب يقع في بيته قد يطلق معه زوجته‪ ،‬قد يسيء إلى ابنه‪ ،‬وقد‬
‫يتعدى هذا المر إلى ما يتعلق بأمور المسلمين العامة‪ ،‬فبسبب طبيعته‬
‫المتعجلة‪ ،‬وبسبب طبيعته الشخصية التي ل تتحمل قد يجني على المسلمين‬
‫ما ل يحمد عقباه‪.‬‬
‫وسائل ضبط النفس‪:‬‬
‫العلم حصن حصين‪ :‬يمنع من التصرفات الهوجاء‪ ،‬وإليكم الدليل‪َ {:‬رب ّهِ قُ ْ‬
‫ل‬
‫ن]‪] }[9‬سورة الزمر[‪ .‬ولنا في‬ ‫ن َل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫وي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫هَ ْ‬
‫ل يَ ْ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة‪ ،‬انظروا كيف كان يتصرف في‬
‫الشدائد‪ ،‬والملمات‪.‬‬
‫كيف كان إذا استفز‪ -‬ولطالما استفز صلى الله عليه وسلم‪ -‬ولم يقبل‬
‫الستفزاز‪.‬‬
‫ثم انظروا إلى أولئك الذين تحدث منهم ردود أفعال وغضب؛ ستجدون أن‬
‫أقل نسبة في هذا هم العلماء‪ .‬فالعلم شرف‪ ،‬وحصانة‪ ،‬ومانع من الوقوع في‬
‫مثل هذه المور‪ ..‬العلم بعاقبة عدم كظم الغيظ‪ ،‬وبعاقبة كظم الغيظ أيضًا‪،‬‬
‫العلم بفضل كظم الغيظ‪ ،‬إذا عندما نتعلم‪ ،‬هذا يكون مساعدا ً لنا‪،‬‬
‫فالعلم حصانة من الوقوع في الغضب‪ ،‬أو آثاره‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬
‫ة فَ َ ُ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫تحري الحكمة‪{ :‬ي ُؤِْتي ال ْ ِ‬
‫خي ًْرا‬‫ي َ‬ ‫قد ْ أوت ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ن ي ُؤْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب]‪] }[269‬سورة البقرة[‪ .‬والحكمة هي فعل ما‬ ‫ما ي َذ ّك ُّر إ ِّل أوُلو اْلل َْبا ِ‬ ‫ك َِثيًرا وَ َ‬
‫ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي‪ ،‬فضبط النفس هو الحكمة‪ ،‬فهذا‬
‫الذي نريده‪ :‬أن تفعل ما ينبغي‪ ،‬في الوقت الذي ينبغي‪ ،‬وكما ينبغي‪ .‬فمن‬
‫ع‬
‫م َ‬‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تحرى الحكمة هدي إليها‪َ {:‬وال ّ ِ‬
‫ن]‪] }[69‬سورة العنكبوت[‪ .‬فإذا كنت تتحرى الحكمة في أفعالك‪،‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وفي تصرفاتك‪ ،‬فستوفق إليها‪.‬‬
‫رجاحة العقل‪ :‬مما يمنع من التصرفات التي ل تحسب نتائجها‪ :‬رجاحة العقل‬
‫ن عَْزم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫قوا فَإ ِ ّ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫والرزانة‪ ،‬ولذلك يقول الله جل وعل‪ {:‬وَإ ِ ْ‬
‫ُ‬
‫س‬‫م‪]:‬ل َي ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫موِر]‪] }[186‬سورة آل عمران[ ‪ .‬ويقول َ‬ ‫اْل ُ‬
‫ب[ رواه البخاري‬ ‫ض ِ‬ ‫عن ْد َ ال ْغَ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫ديد ُ ال ّ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫صَرعَةِ إ ِن ّ َ‬ ‫ديد ُ ِبال ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ومسلم ومالك وأحمد‪ .‬فالعقل أيها الخوة مرآة ومانع من الوقوع في‬
‫المحظور‪.‬‬
‫ما‬‫ن بِ َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ؤا َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ضبط اللسان‪ :‬لما قال معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ':‬وَإ ِّنا ل ُ‬
‫ل‪ ]:‬ث َكل َت َ ُ‬
‫م‬
‫جوهِهِ ْ‬ ‫س ِفي الّنارِ عََلى وُ ُ‬ ‫ب الّنا َ‬ ‫ل ي َك ُ ّ‬ ‫مَعاذ ُ وَهَ ْ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫م َ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ه' َقا َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ن َت َك َل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م[ رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد‪ .‬وَعَ ْ‬ ‫سن َت ِهِ ْ‬ ‫صائ ِد ُ أل ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫خرِهِ ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫أوْ عََلى َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫زيد بن أ َسل َم عَ َ‬
‫و‬
‫ق وَهُ َ‬ ‫دي َ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫ل عََلى أِبي ب َك ْرٍ ال ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ب دَ َ‬ ‫طا ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مَر ب ْ َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ن أِبيهِ أ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ِ ْ ِ ْ َ‬
‫ن هَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه لك' فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه فَ َ‬
‫ذا أوَْرد َِني‬ ‫ر‪ ':‬إ ِ ّ‬ ‫ل أُبو ب َك ٍ‬ ‫فَر الل ُ‬ ‫هغ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُر‪َ ':‬‬ ‫ه عُ َ‬ ‫لل ُ‬ ‫سان َ ُ‬ ‫جب ِذ ُ ل ِ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫وارَِد'‬ ‫م َ‬ ‫ذا أوَْرد َِني ال َ‬ ‫وارَِد' رواه مالك‪ .‬أبو بكر الصديق يقول عن لسانه‪' :‬هَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ماذا نقول نحن عن ألسنتنا؟!‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالمحافظة على اللسان وضبط اللسان مما يمنع من التصرفات التي ل تحمد‬
‫عقباها‪.‬‬
‫يصاب الفتى من عثرة بلسانهوليس يصاب المرء من عثرة الرجل‬
‫فعثرته في القول تذهب رأسه وعثرته بالرجل تبرأ على مهل‬
‫فالمحافظة على اللسان وضبط اللسان سبب لضبط النفس بل هو جزء من‬
‫ضبط النفس‪.‬‬
‫التجرد لله جل وعل‪ :‬وهذا سبب أوجهه لحبتي من الدعاة وطلب العلم بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬وللمرين بالمعروف والناهين عن المنكر‪،‬وللقائمين بحدود الله‪..‬‬
‫التجرد من حظوظ النفس‪ ،‬فعند التأمل قد يكون الغضب ليس لله‪ ،‬كيف؟‬
‫كم من الناس يغضبون‪ ،‬ثم يتصرفون‪ ،‬ثم يقولون‪ :‬غضبنا لله‪ ،‬ولو درسنا‬
‫المسألة دراسة حقيقة مجردة لثبت لنا أنه في الحقيقة لم يكن الغضب لله‪،‬‬
‫ل‪ :‬قد تأتي لنسان‪ ،‬فتقول له‪:‬‬ ‫بمعنى أنه قد يكون أصل الغضب لله نعم‪ ..‬مث ً‬
‫قم للصلة جزاك الله خيرا‪ ،‬فيتلفظ عليك بكلمات‪ ،‬فقد ل تحتمل أعصابك‪،‬‬
‫فتتصرف إما بالضرب‪ ،‬أو بالشتم‪ ،‬أو بغير ذلك‪ ..‬نعم يحدث هذا‪ ،‬وعندما يقال‬
‫لك‪ :‬لماذا هذا التصرف؟ تقول إنني غضبت لله‪ ..‬تأمل أخي‪ ..‬أأنت غضبت‬
‫لله‪ ،‬أم غضبت لنفسك؟!‬
‫كثير من الناس يقع في هذا البلء‪ ،‬وقد غضب لنفسه‪ ،‬ولم يغضب لله ‪ ،‬صحيح‬
‫أنه كان يأمر بالمعروف‪ ،‬صحيح أنه كان ينهى عن المنكر‪ ،‬وكان أمره‬
‫بالمعروف ونهيه عن المنكر لله‪ ،‬لكن ما حدث بعد ذلك من ثورة‪ ،‬وغضب‪،‬‬
‫وتعد ٍ لم يكن لله‪ ،‬ولكن لن هذا الشخص أساء إليك؛ فغضبت لنفسك‪.‬‬
‫فالتجرد من حظوظ النفس وهو أمر ل يقدر عليه إل من أعطاه الله قوة‬
‫َ‬
‫ك‬‫ذي ب َي ْن َ َ‬ ‫ن فَإ َِذا ال ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ة اد ْفَعْ ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫سي ّئ َ ُ‬‫ة وََل ال ّ‬ ‫سن َ ُ‬‫ح َ‬‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫وعزمًا‪ {:‬وََل ت َ ْ‬
‫ها إ ِّل ُذو‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬ ‫صب َُروا وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها إ ِّل ال ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫م]‪[34‬وَ َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫ي َ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫داوَة ٌ ك َأن ّ ُ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫وَب َي ْن َ ُ‬
‫م]‪]} [35‬سورة فصلت[‪ .‬فالنتجرد لله‪ ،‬وليكن غضبنا لله ل لنفسنا‪،‬‬ ‫ح ّ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫َ‬
‫ولو تأملنا وأخذنا المور بهدوء‪ ،‬وناقشنا أنفسنا بعد ذلك؛ لوجدنا أن الغضب‬
‫الذي كثيرا ً ما يحدث وليكن غضبا ً لله‪ ،‬وإنما هو لحظ النفس‪ .‬إذًا‪ :‬فالتجرد‬
‫من حظ النفس يعين على ضبط النفس ‪.‬‬
‫التربية الجادة وحسن الخلق‪ :‬التربية على التحمل‪ ،‬ربوا أبناءكم‪ ،‬ربوا‬
‫تلميذكم على تحمل الساءة من الخرين‪ ،‬إننا ل نستغرب الساءة من‬
‫صّلى‬ ‫ل الل ّ ِ َ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫الخرين‪ ،‬ولكننا نستغرب ردود الفعال من الصالحين‪ .‬يقول َر ُ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫خال ِ ِ‬ ‫حَها وَ َ‬ ‫م ُ‬‫ة تَ ْ‬‫سن َ َ‬‫ح َ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫سي ّئ َ َ‬‫ت وَأت ْب ِعْ ال ّ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫حي ْث ُ َ‬‫ق الل ّهِ َ‬ ‫م‪ ]:‬ات ّ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن[ رواه الترمذي والدارمي وأحمد‪ .‬فالتربية الجادة‪ ،‬والتربية‬ ‫س بِ ُ ُ‬
‫س ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫الّنا َ‬
‫الصالحة تؤدي بإذن الله إلى ضبط النفس‪.‬‬
‫والرسول صلى الله عليه وسلم كان يشجع أصحابه على ضبط النفس‪َ ،‬قا َ‬
‫ل‬
‫ة[ رواه مسلم‬ ‫م َواْل ََنا ُ‬ ‫حل ْ ُ‬‫ه ال ْ ِ‬ ‫ما الل ّ ُ‬‫حب ّهُ َ‬‫ن يُ ِ‬ ‫خ ْ َ‬
‫صلت َي ْ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫س‪]:‬إ ِ ّ‬ ‫قي ْ ِ‬ ‫ج عَب ْدِ ال ْ َ‬‫ش ّ‬ ‫ِل َ َ‬
‫والترمذي وابن ماجة‪ .‬كان صلى الله عليه وسلم يربي على الحلم ‪ ،‬والتربية‬
‫على التصرف في الزمات مما يساعد على التخلص من هذا البلء‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫معرفة مآلت المور‪ :‬من أعظم السباب التي تمنع من التصرفات الخاطئة؛‬
‫معرفة عواقب المور‪ ،‬وإتقان قاعدة المصالح والمفاسد‪ ،‬الله جل وعل يقول‬
‫م]‬ ‫ه عَد ًْوا ب ِغَي ْرِ ِ ْ‬
‫سّبوا الل ّ َ‬
‫ن الل ّهِ فَي َ ُ‬ ‫سّبوا ال ّ ِ‬
‫للصحابة‪ {:‬وََل ت َ ُ‬
‫عل ٍ‬ ‫ن ُدو ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫عو َ‬
‫ن ي َد ْ ُ‬
‫ذي َ‬
‫‪]} [108‬سورة النعام[ ‪ .‬إذا كان سب الصنام سيؤدي إلى سب الله جل‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعل‪ ،‬فل تسبوا الصنام‪ ..‬والرسول صلى الله عليه وسلم جاء ليحطم‬
‫الصنام‪ ،‬ومع ذلك نجد أن الله ينهى الصحابة من أن يسبوا الصنام‪ ،‬لماذا؟‬
‫لن سب الصنام يؤدي إلى أن المشركين يسبون الله ‪ .‬فالمعرفة بمآلت‬
‫المور‪ ،‬ومعرفة النتائج أمور مهمة جدًا‪ ،‬فقد يأخذنا النفعال بتصرف أهل‬
‫السوء تصرفات هوجاء‪ ،‬ومع زحمة النفعال والغضب والغيرة على دين الله‪،‬‬
‫وعلى محارم الله؛ قد نتصرف ول نعرف ماذا سيترتب على ذك‪ ،‬ونحن يجب‬
‫أن نكون أكثر حكمة‪ .‬فإذا رأيتم منكرا ً ل نقول ل تغيروه‪ -‬كل وحاشا‪ -‬ولكن‬
‫ضبط العصاب مطلب شرعي لنعرف كيف نتصرف‪.‬‬
‫ه الله بالحلم وتدريب النفس على ذلك‪ ،‬وإنما العلم بالتعلم‪ ،‬والحلم‬ ‫?إذًا‪ :‬الل َ‬
‫ن‬ ‫بالتحلم‪ ،‬وقدوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ..‬عَ َ‬
‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ ِ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫م وَعَل َي ْهِ ب ُْرد ٌ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫شي َ‬ ‫م ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ل‪ ':‬ك ُن ْ ُ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫ح َ‬ ‫ف َ‬‫ص ْ‬ ‫ح أوْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ت َ‬ ‫حّتى َرأي ْ ُ‬ ‫جب ْذ َة ً َ‬ ‫جب َذ َه ُ َ‬ ‫ي فَ َ‬ ‫ه أعَْراب ِ ّ‬ ‫شي َةِ فَأد َْرك ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫ي غَِليظ ال َ‬ ‫جَران ِ ّ‬ ‫نَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ة‬
‫شد ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة الب ُْردِ ِ‬ ‫شي َ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫ت ب َِها َ‬ ‫م قَد ْ أث َّر ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ق َر ُ‬ ‫عُن ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫حك ث ُ ّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ت إ ِلي ْهِ ف َ‬ ‫ف َ‬ ‫عن ْد َك فالت َ َ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ل اللهِ ال ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مد ُ أعْط ِِني ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل َيا ُ‬ ‫قا َ‬ ‫جب ْذ َت ِهِ ف َ‬ ‫َ‬
‫ه ب ِعَطاٍء' رواه البخاري ومسلم وأحمد‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَر ل ُ‬ ‫أ َ‬
‫ب له مائة ألف ل يسألونه فيما‬ ‫? الحنف‪ ،‬سيد قومه‪ ،‬يقال أنه إذا غضب غض َ‬
‫غضب‪ ،‬لكن متى يغضب الحنف؟ قيل له ممن تعلمت الحلم؟ قال تعلمته من‬
‫قيس بن عاصم حيث كان يوما ً جالسا ً مع أصحابه في مجلسه‪ ،‬فجاءوا له‬
‫برجل مقيد يرسف بالحديد‪ ،‬وقالوا له‪ :‬هذا أبن أخيك قتل ابنك‪ .‬فالتفت إلى‬
‫أبن أخيه وقال‪ :‬يا ابن أخي أقتلت ابن عمك وأسأت إلى رحمك‪ ،‬وأثمت‬
‫نفسك‪ .‬ثم التفت إلى ابنه‪ ،‬وقال‪ :‬قم أطلق سراح ابن عمك‪ ،‬وأدي الدية إلى‬
‫أمك‪ ،‬وجهز أخاك ثم آذنا بعد ذلك‪ ،‬واستمر في مجلسه‪.‬‬
‫?ميمون بن مهران‪:‬كان جالسا مع أصحاب في مجلسه‪ ،‬فجاءت الجارية‬
‫تحمل مرقة حارة لتقدمها لهم‪ ،‬فعثرت وسقطت المرقة على ميمون بن‬
‫مهران‪ ،‬فغضب غضبا ً شديدًا‪ ،‬وكاد أن يعاقبها‪ ،‬فقالت له‪ :‬حسبك‪ ،‬ألم تسمع‬
‫ظ ‪ }[134]...‬فكظم غيظه‪.‬قالت‪{:‬‬ ‫ن ال ْغَي ْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬ ‫إلى قوله تعالى‪َ {:‬وال ْ َ‬
‫ب‬
‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫س‪ }[134]...‬قال قد عفوت عنك‪ .‬قالت‪َ {:‬والل ّ ُ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫َوال َْعاِفي َ‬
‫ن]‪] }[134‬سورة آل عمران[ فأعتقها ‪.‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫العراض عن الجاهلين‪ :‬وهذا مما يساعد على ضبط النفس‪ ،‬يقول جل‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن]‪] }[199‬سورة‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ض عَ‬ ‫ف وَأعْرِ ْ‬ ‫مْر ِبال ْعُْر ِ‬ ‫فوَ وَأ ُ‬ ‫خذِ ال ْعَ ْ‬ ‫وعل‪ُ {:‬‬
‫ض هَوًْنا وَإ َِذا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫شو َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ن عَلى الْر ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عَباد ُ الّر ْ‬ ‫العراف[‪ .‬ويقول‪ {:‬وَ ِ‬
‫ن َل‬ ‫ذي َ‬ ‫ما]‪] }[63‬سورة الفرقان[‪ .‬ويقول‪َ {:‬وال ّ ِ‬ ‫سَل ً‬ ‫ن َقاُلوا َ‬ ‫جاهُِلو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫خاط َب َهُ ُ‬ ‫َ‬
‫ما]‪] }[72‬سورة الفرقان[‪.‬‬ ‫مّروا ك َِرا ً‬ ‫مّروا ِبالل ّغْوِ َ‬ ‫ن الّزوَر وَإ َِذا َ‬ ‫دو َ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمت قلت ل يعنيني‬
‫فالعراض عن الجاهلين منهج يؤدي إلى ضبط النفس‪.‬‬
‫ّ‬
‫ة اد ْفَعْ ِبالِتي‬ ‫سي ّئ َ ُ‬ ‫ة وَل ال ّ‬ ‫َ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫دفع السيئة بالحسنة‪ :‬يقول تعالى‪ {:‬وََل ت َ ْ‬
‫ها إ ِّل‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬ ‫م]‪[34‬وَ َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫ي َ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫داوَة ٌ ك َأن ّ ُ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ك وَب َي ْن َ ُ‬ ‫ذي ب َي ْن َ َ‬ ‫ن فَإ َِذا ال ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫هِ َ‬
‫ن ن َْزغٌ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ما ي َن َْزغَن ّك ِ‬ ‫م]‪[35‬وَإ ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ها إ ِل ُذو َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ظي ٍ‬ ‫حظ عَ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل ّ‬ ‫صب َُروا وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫م]‪] }[36‬سورة فصلت[‪ .‬ويقول َر ُ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫َفا ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حَها‬ ‫م ُ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫سن َ َ‬
‫ح َ‬ ‫ة ال َ‬ ‫سي ّئ َ َ‬ ‫ت وَأت ْب ِعْ ال ّ‬ ‫ما كن ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫حي ْث ُ َ‬ ‫ق اللهِ َ‬ ‫م‪ ]:‬ات ّ ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن[ رواه الترمذي والدارمي وأحمد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫س ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫س بِ ُ‬ ‫ق الّنا َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫وَ َ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستشارة ‪ :‬مما يعين على ضبط النفس الستشارة فيما يجب اتخاذه من‬
‫م‬
‫ت لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن الل ّهِ ل ِن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َر ْ‬ ‫المواقف الطارئة‪ ،‬والمفاجئة‪ ،‬والستعداد لذلك {فَب ِ َ‬
‫فْر ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬ ‫ك َفاعْ ُ‬ ‫حوْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب َلن ْ َ‬ ‫قل ْ ِ‬ ‫ظ ال ْ َ‬ ‫ظا غَِلي َ‬ ‫ت فَ ّ‬ ‫وَل َوْ ك ُن ْ َ‬
‫َ‬
‫ن]‬ ‫مت َوَك ِّلي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ت فَت َوَك ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مرِ فَإ َِذا عََز ْ‬ ‫م ِفي اْل ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫‪] }[159‬سورة آل عمران[‪ .‬فنتشاور عن الحدث قبل وقوعه‪ ،‬فإذا وقع وإذا‬
‫نحن قد قلبنا النظر‪ ،‬وإذا نحن قد استشار بعضنا بعضا‪ ،‬فنعرف كيف نتصرف‪،‬‬
‫أما إذا أقدمنا دون استشارة‪ ،‬فقد يكون أحدنا يرى الحسن خطأ‪ ،‬والخطأ‬
‫َ‬
‫دي‬ ‫شاُء وَي َهْ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سًنا فَإ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫مل ِهِ فََرآه ُ َ‬ ‫سوُء عَ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن ُزي ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حسن‪ {:‬أفَ َ‬
‫ن]‪[8‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ب نَ ْ‬ ‫شاُء فََل ت َذ ْهَ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫} ]سورة فاطر[‪.‬‬
‫ن‬‫شي ًْئا إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬ ‫قوا َل ي َ ُ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫الصبر والتقوى‪ :‬يقول تعالى‪ {:‬وَإ ِ ْ‬
‫صب ُِروا‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ط]‪] }[120‬سورة آل عمران[‪ .‬ويقول‪ { :‬وَإ ِ ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ُ‬
‫موِر]‪] }[186‬سورة آل عمران[‪ .‬فالصبر من‬ ‫ن عَْزم ِ اْل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫قوا فَإ ِ ّ‬ ‫وَت َت ّ ُ‬
‫أعظم العلج في مسألة ضبط النفس‪.‬‬
‫اللتزام بما ورد في الشرع الذهاب الغضب‪ :‬وهي وسيلة عظيمة تجمع عدة‬
‫وسائل‪ ،‬فموضوع ضبط النفس يعني مدافعة الغضب‪ ،‬فكيف يدفع الواحد منا‬
‫غضبه؟‬
‫فمثل إذا غضب الواحد منا على زوجته أو على ابنه‪ ،‬أو على أقاربه‪ ،‬أو أثاره‬
‫الغضب على أمر من أمور الشرع‪ ،‬فكيف يذهب هذا الغضب؟ أذكر أبرز‬
‫الوسائل التي نستطيع أن ندفع بها الغضب‪ ،‬وقد وردت في ذلك أحاديث‬
‫كثيرة منها‪:‬‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫سا َ‬ ‫جال ِ ً‬ ‫ت َ‬ ‫ل‪ :‬ك ُن ْ ُ‬ ‫صَرد ٍ َقا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫َ‬ ‫? الستعاذة بالله من الشيطان‪ :‬فَعَ ْ‬
‫ن َب ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬ ‫ن ُ‬
‫ت‬‫خ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َوان ْت َ َ‬ ‫جهُ ُ‬ ‫مّر وَ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫حد ُهُ َ‬ ‫ن فَأ َ‬ ‫ست َّبا ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫جَل ِ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ب عَن ْ ُ‬ ‫ة لوْ َقالَها ذ َهَ َ‬ ‫م ً‬ ‫م كل ِ َ‬ ‫م‪ ]:‬إ ِّني لعْل ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫أوَْدا ُ‬
‫د[ رواه البخاري‬ ‫ج ُ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ب عَن ْ ُ‬ ‫ن ذ َهَ َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫عوذ ُ ِبالل ّهِ ِ‬ ‫ل أَ ُ‬ ‫جد ُ ل َوْ َقا َ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫َ‬
‫ومسلم وأبوداود وأحمد‪ .‬إذا التعوذ من الشيطان وسيلة مهمة من وسائل‬
‫ضبط النفس‪.‬‬
‫هّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫? السكوت‪:‬إذا غضبت إياك والكلمة‪ ،‬أخرج واترك الموضع‪ ،‬قال َ‬
‫َ‬
‫ت[ رواه أحمد ‪.‬‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م فَل ْي َ ْ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫بأ َ‬ ‫ض َ‬ ‫م‪]:‬إ َِذا غَ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫ب‬ ‫ض َ‬ ‫م‪ ]:‬إ َِذا غَ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫?السكون وتغيير الحالة التي هو عليها‪َ :‬قا َ‬
‫َ‬
‫ع[ رواه أبوداود‬ ‫ج ْ‬ ‫ضط َ ِ‬ ‫ب وَإ ِّل فَل ْي َ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ه ال ْغَ َ‬ ‫ب عَن ْ ُ‬ ‫ن ذ َهَ َ‬ ‫س فَإ ِ ْ‬ ‫جل ِ ْ‬ ‫م فَل ْي َ ْ‬ ‫م وَهُوَ َقائ ِ ٌ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫وأحمد ‪.‬‬
‫? الدعاء‪ :‬وهو من أعظم ما يضبط النفس‪ ،‬فالدعاء سلح‪ ،‬أن يلح النسان‬
‫على الله بالدعاء أن يرزقه حلما ً وعلما ً ويقينا ً وثباتًا‪ ،‬نعم خاصة الثبات‪ ،‬ادعوا‬
‫الله أن يثبت أقدامكم‪ ...‬هذه أبرز وسائل ضبط النفس‪.‬‬
‫ثمار ضبط النفس‪:‬‬
‫ضّراِء‬ ‫سّراِء َوال ّ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫?التصاف بصفة من صفات المتقين‪ { :‬ال ِ‬
‫ن]‪] }[134‬سورة‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬ ‫ظ َوال َْعاِفي َ‬ ‫ن ال ْغَي ْ َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬
‫آل عمران[‪.‬‬
‫?تفويت الفرص على العداء‪ ،‬وحماية الصحوة من المتربصين‪:‬والله إن‬
‫العداء يتربصون‪ ،‬ويتمنون أن يقع من شباب الصحوة‪ ،‬ومن طلب العلم‬
‫تصرفات تكون مبررا ً لليقاع بهم‪ ،‬ففوتوا الفرصة عليهم‪ ،‬فإن من أعظم ثمار‬
‫ضبط النفس تفويت الفرصة على العداء‪.‬‬
‫?تجنيب النفس الحسرة والندامة‪ :‬وكم من الناس في السجون يتحسرون‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على نزوة حصلت‪ ،‬كم من الرجال في داخل بيوتهم يتأثرون ويتحسرون على‬
‫خراب بيوتهم‪.‬‬
‫? القدوة الصالحة‪ :‬طفل خرج في يوم من اليام مع مجموعة من الدعاة‪،‬‬
‫فلما وصلوا إلى القرية التي ذهبوا إليها قالوا‪ :‬كل منا يذهب إلى شارع‪،‬‬
‫ويطرق البيوت على أهل هذه البلدة‪ ،‬ويقول‪ :‬إن إخوانا ً لكم قد جاءوا‬
‫لزيارتكم‪ ،‬وهم سيلقون درسا ً في المسجد الفلني‪ ..‬هذا الطفل ذهب وطرق‬
‫باب أحد الناس‪ ،‬فخرج عليه صاحب البيت‪ ،‬وربما كان نائمًا‪ ،‬أو مشغو ً‬
‫ل‪ ،‬أو‬
‫لسبب من السباب‪ ،‬فلما خرج قال للطفل‪ :‬لماذا طرقت الباب‪ ،‬قال نحن‬
‫إخوان لكم جئنا من مدينة كذا‪ ،‬ونريد أن نزوركم‪ ،‬وأن تحضروا معنا بعض‬
‫الدروس‪ ،‬قال‪ :‬أمن أجل هذا تطرق الباب‪ ،‬ثم بصق في وجهه بغضب‪ .‬فما‬
‫كان من هذا الطفل إل أن مسح البصاق في وجهه وهو يقول‪ :‬الحمد لله الذي‬
‫أوذيت في سبيله‪ ،‬ثم انصرف‪.‬‬
‫هذا الرجل وقف مشدوهًا‪ ،‬فما كان منه إل أن لحق بالطفل وقال له‪ :‬قف يا‬
‫بني‪ ،‬لقد أخطأت عليك‪ ،‬أين إخوانك فأنتم ضيوف علينا‪ ،‬وأريد أن تسامحني‪،‬‬
‫ثم ذهب معه إليهم‪ ،‬وجلس معهم وأكرمهم‪ ..‬أرأيتم القدوة الصالحة‪ ،‬نحتاج‬
‫إلى قدوات لضبط النفس‪.‬‬
‫أخيرًا‪ ..‬وقفات مهمة‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫? الوقفة الولى‪:‬اعلموا أن عدم ضبط النفس مظهر ضعف ل مظهر قوة‪،‬‬


‫يعني إذا جاء إليك إنسان‪ ،‬وقال‪ :‬إن فلنا ً شتمنى‪ ،‬أو تصرف كذا‪ ،‬وأني‬
‫ضربته‪ ،‬فل تقل له أنه بطل‪ ،‬أبدا ً فهو بالحقيقة ضعيف‪ ،‬ليس الشديد‬
‫بالصرعة‪ ،‬إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب‪ .‬يقول المام أحمد‬
‫رحمه الله مبينا هذه المسألة‪':‬الصدع بالحق عظيم يحتاج إلى قوة وإخلص‪،‬‬
‫فالمخلص بل قوة يعجز عن القيام به‪ ،‬والقوي بل إخلص يخذل‪ ،‬فمن قام‬
‫ديق‪ ،‬ومن ضعف فل أقل من التألم والنكار بالقلب‪ ،‬وليس‬ ‫بهما كامًل فهو ص ّ‬
‫بعد ذلك إيمان'‪ .‬إذًا‪ :‬عد ضبط النفس مظهر ضعف ل مظهر قوة‪.‬‬
‫?الوقفة الثانية‪:‬هناك فرق عظيم بين ضبط النفس وبين الذل‪ ،‬فقد يقول‬
‫قائل‪ :‬أن المعنى أن كل ما جاءنا نصبر عليه‪ ،‬وهذا يؤدي بنا إلى الذل‬
‫والضعف‪ ..‬أقول‪ :‬ل‪.‬‬
‫فرق بين الذل وبين ضبط النفس‪ :‬ضبط النفس هو تحمل الذى في سبيل‬
‫الله‪ ،‬من أجل الله‪ ،‬ومن أجل دعوته‪.‬‬
‫ضبط النفس‪ :‬هو تحمل الذى‪ ،‬والنظر في مآلت المور‪..‬ضبط النفس هو‬
‫مراعاة قواعد المصالح والمفاسد‪.‬‬
‫فإذا كان تصرفك سيجر علينا مصيبة أعظم فل‪ ،‬وبارك الله فيك‪ ،‬أما إن كنت‬
‫قادرًا‪ ،‬ولن يترتب على ذلك مفسدة‪ ،‬فأقدم وبارك الله فيك‪ ،‬إن كنت صاحب‬
‫سلطة فأدب هؤلء‪.‬‬
‫أما الذل‪ :‬فهو تحمل الذى والهانة من أجل مصلحة النفس‪ ،‬كثير من الناس‬
‫يتحمل الذى والهانة من أجل مصلحة نفسه‪ ،‬يخشى على وظيفته‪ ،‬أو يخشى‬
‫أن يسجن‪ ،‬أو يخشى من أي أذى شخصي‪ ..‬وهذا هو الذل‪ .‬هؤلء هم الذين‬
‫يتربون على الذل‪ ،‬أما أن تتحمل في سبيل الله‪ ،‬فالرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قد وضع السلى على رأسه الكريمة فما حركه‪ ،‬وصبر صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬بل شجوا رأسه وصبر صلى الله عليه وسلم‪ ..‬فيجب أن نفرق بين‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضبط النفس وبين الذل حتى ل يقع وهم‪ ،‬أو يتصور أحد منكم أن هناك خلط‬
‫ن ]‪] }[54‬سورة‬ ‫ري َ‬ ‫عّزةٍ عََلى ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ن أَ ِ‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫َ‬
‫بين المرين‪ {..‬أذِل ّةٍ عََلى ال ْ ُ‬
‫المائدة[ ‪ .‬ل نحن ل نقبل بالذل‪ ..‬ول نرضى به أبدًا‪ ..‬ولكن هناك فرق بين‬
‫المرين‪ ،‬فلتنتبهوا‪.‬‬
‫?الوقفة الخيرة‪ :‬الغضب من أجل الله إذا انتهكت محارمه مطلوب شرعًا‪،‬‬
‫ولكن بضوابطه الشرعية‪ ،‬ضوابط المصلحة والمفسدة ‪ .‬فالرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم الرحيم الحليم قد غضب غضبا ً شديدًا‪:‬‬
‫َ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬
‫قد َرِ وَك َأن ّ َ‬
‫ما‬ ‫مو َ‬ ‫س ي َت َك َل ّ ُ‬
‫ت ي َوْم ٍ َوالّنا ُ‬ ‫م َذا َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫خَر َ‬‫عندما َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ف ّ َ‬
‫ب‬‫ن ك َِتا َ‬‫ضرُِبو َ‬
‫م تَ ْ‬‫ما لك ُ ْ‬ ‫م‪َ ]:‬‬ ‫ل لهُ ْ‬ ‫ب فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن الغَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ب الّر ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫جهِهِ َ‬ ‫قأ ِفي وَ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫م[ رواه ابن ماجة وأحمد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن قَب ْلك ْ‬ ‫ن كا َ‬‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫َ‬
‫ذا هَل َ‬ ‫ض ب ِهَ َ‬ ‫ّ‬
‫ه ب ِب َعْ ٍ‬‫ض ُ‬
‫اللهِ ب َعْ َ‬
‫وعندما بلغه أن معاذا كان يطيل الصلة في الناس غضب صلى الله عليه‬ ‫ً‬
‫ت[ رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبوداود‬ ‫وسلم وقال‪]:‬يا معاذ ُ أ َفَتا َ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫ّ ٌ‬ ‫َ ُ َ‬
‫وابن ماجة والدارمي وأحمد ‪.‬‬
‫وعندما دخل على عائشة ووجد في غرفتها صور‪ ..‬غضب صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫إذًا‪ :‬الغضب لله في ضوابطه الشرعية‪ ،‬وإذا لم يؤدي إلى مفسدة أعظم‪،‬‬
‫وضبط بهذه الضوابط فهو مطلوب‪ ،‬والذي ل يغضب لله ل خير فيه‪ ..‬وأسال‬
‫الله أن ينفعنا بما علمنا‪ ،‬وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وصحبه وسلم‪.‬‬
‫من محاضرة‪':‬ضبط النفس' للشيخ‪/‬ناصر العمر‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ضد ّ الستبداد ولكن ‪..‬‬


‫محمد أبو رمان ‪13/6/1427‬‬
‫‪09/07/2006‬‬
‫عدة أسباب رئيسة تكمن وراء العودة الفكرية الجديدة إلى عصر النهضة‬
‫ن تراث هذا العصر تعّرض للهمال قرابة قرن من الزمن‬ ‫العربي؛ الول أ ّ‬
‫بسبب الظروف التاريخية والسياسية السابقة )مرحلة الستقلل الوطني‬
‫والحرب الباردة(‪ ،‬فحدثت "قطيعة" معرفية وفكرية معه‪ ،‬مما حال دون‬
‫ن هذا "التراث" على‬ ‫تحقيق الفادة المطلوبة منه والبناء عليه‪ ،‬والثاني أ ّ‬
‫الرغم من مرور قرن على أكثره‪ ،‬إل ّ أنه ل يزال حي ّا ً يبحث في العلل والدواء‬
‫ن الفكر الذي‬ ‫التي لم تتخّلص منها المة )المجتمعات العربية( إلى اليوم‪ ،‬بل إ ّ‬
‫جاء بعد هذا العصر‪ ،‬لم يْرقَ ‪ -‬في مجمله ‪ -‬إلى العمق والتأصيل والتحليق‬
‫ما الثالث فلن‬ ‫الذي ميز عصر النهضة وتساؤلته ومناظراته الهائلة‪ ،‬أ ّ‬
‫الظروف العامة الحالية أعادتنا مرة أخرى إلى سؤال الصلح والنهضة‪ ،‬بعد‬
‫أن غلب سؤال الهوية والصراع على السلطة فترة طويلة من الزمن‪ ،‬وبعد‬
‫وحت بنا الدعوات اليديولوجية بين الشرق والغرب ومن ثم أعادتنا إلى‬ ‫أن ط ّ‬
‫حيث بدأنا‪ ..‬أي عصر النهضة‪.‬‬
‫ن "عصر النهضة" حمل رؤية أو مدرسة واحدة‪ ،‬فثمة مدارس‬ ‫هذا ل يعني أ ّ‬
‫واتجاهات ومقاربات متعددة لكل منها مقولتها ورؤيتها في التنمية والنهوض‬
‫ن "المشكل السياسي" هو الساس إل ّ‬ ‫والتغيير‪ .‬فمع تأكيد رواد النهضة على أ ّ‬
‫م من خلل العمل‬ ‫أنهم لم يتفقوا على إستراتيجية النهوض والتغيير‪ ،‬هل تت ّ‬
‫السياسي العام أم القتصادي أم التربية والتعليم والثقافة والصلح الديني‪..‬؟‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في هذا السياق يمكن الحديث عن مدرستين رئيستين بين مدارس فكر‬
‫النهضة؛ مدرسة "طبائع الستبداد" عند الشيخ )عبد الرحمن الكواكبي(‬
‫ومدرسة "المستبد العادل" عند )المام محمد عبده(‪ .‬وإن كان الحتفاء اليوم‬
‫بالرجلين في أوساط فكرية وثقافية عربية وإسلمية كبيرًا‪ ،‬بخاصة في‬
‫السنتين الخيرتين اللتين شهدتا مرور قرن على وفاتهما )محمد عبده ‪،1905‬‬
‫ن المقارنة بين المدرستين بحاجة إلى توضيح وقراءة‬ ‫الكواكبي ‪ ،(1902‬إل ّ أ ّ‬
‫منهجية أدق‪.‬‬
‫ففي حين يقدم الكواكبي مرافعة تاريخية رائعة ضد الستبداد وخطورته فإنه‬
‫ل يجيب عن السؤال الهم‪ :‬كيف الخلص من الستبداد؟ بقدر ما يرصد‬
‫ما‬ ‫ويحلل تداعيات وآثار الستبداد‪ ،‬ويربط بين الستبداد الديني والسياسي‪ ،‬أ ّ‬
‫ن وراء "المشكل السياسي" أزمة ثقافية واجتماعية‬ ‫محمد عبده فيرى أ ّ‬
‫ّ‬
‫ن إصلح السلطة ل يمكن إل بإصلح المة والمجتمعات‪ ،‬التي‬ ‫كبيرة‪ ،‬وأ ّ‬
‫وصلت إلى حالة من الجمود والتأخر والضحالة المعرفية والفكرية؛ إذ صارت‬
‫ترفض دعوات الصلح وتشكك فيها‪ ،‬فإصلح المة مقدمة لصلح السلطة‪.‬‬
‫في هذا السياق يتحدث المام محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا عن دور‬
‫العلماء والمثقفين والكتاب في الصلح الديني والثقافي والجتماعي‪ ،‬وعن‬
‫دور الجمعيات والمؤسسات الجتماعية وعن التربية والتعليم‪ ،‬وهي مهمة‬
‫صعبة وشاقة وطويلة المد‪ ،‬يسهل ويساعد على الوصول إليها وجود حاكم‬
‫قوي عادل صالح يضع من السياسات الضرورية‪ ،‬ويجسر بين المراحل‬
‫المطلوبة التي تصل من خللها المة إلى حالة النهوض والعتماد على الذات‬
‫والخروج من حقبة الستبداد إلى الحرية والحياة المؤسسية‪.‬‬
‫إذن؛ "المستبد العادل" عند الشيخ محمد عبده ورشيد رضا هو فكرة‬
‫"وظيفية مؤقتة" خلل مرحلة معينة‪ ،‬وصول ً إلى متطلب النهوض‪ ،‬بهدف‬
‫تسريع عملية الصلح والنهضة‪ .‬ربما يشرح هذه الفكرة بدرجة أكبر رشيد‬
‫رضا الذي وإن كان يقر بأن الشورى "ملزمة" ليست "محمدة اختيارية" إل ّ‬
‫ن الحكومات انعكاس‬ ‫أنه يرى أنها ترتبط بمدى"استعداد المة"‪ ،‬ويرى أ ّ‬
‫للوسط الذي تتحرك فيه‪ ،‬وهو المجتمعات "فإذا ارتقت الشعوب ارتقت‬
‫الحكومات"‪ .‬فوفقا ً لهذا العتبار يمكن التمييز بين نوعين من المجتمعات‪،‬‬
‫وبالتالي الحكومات؛ الول استبدادي تكون فيه المجتمعات أقرب إلى حالة‬
‫"الطفولية" غير قادرة على تحديد المسافات والمصالح‪ ،‬وتكون فيه السلطة‬
‫"آلة محللة" لكل اجتماع إل الجتماع لتأييدها‪ ،‬وتفتقد المجتمعات لـ"روح‬
‫الحياة"‪ ،‬أما الحالة الثانية فهي السلطة المقيدة‪ ،‬وتكون فيها المجتمعات على‬
‫ق تدرك مصالحها وعلقتها بالحاكم مبنية على‬ ‫مستوى حضاري وثقافي را ٍ‬
‫عقد اجتماعي‪ ،‬وتنظر إلى الحكام على "أنهم أفراد من الرعية تستأجرهم‬
‫بمالها‪ ،‬للقيام بأعمال مخصوصة"‪ .‬ومصدر قوة المجتمعات في هذه الحالة هو‬
‫قوة أفرادها المتمثلة بقوة الفكر والرادة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن رشيد رضا يستبطن‬ ‫من الواضح تماما ً بالمقارنة بين النموذجين السابقين أ ّ‬
‫في النمط الول )الستبدادي( مآلت الواقع العربي في حينه‪ ،‬وفي الثاني‬
‫ل من التعليم‬
‫الواقع الغربي والوروبي‪ ،‬وما وصل إليه من مستوى عا ٍ‬
‫والسياسة والتنظيم المؤسسي مقارنة بالواقع العربي‪ .‬وهنا يطرح السؤال‬
‫الجوهري‪ :‬إذا كانت المجتمعات العربية لم تبلغ بعد درجة من العلم والتطور‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثقافي والقتصادي والسياسي ما يؤهلها للحفاظ على مصالحها وانتزاع‬


‫سر المرحلة حتى تصل إلى المرحلة السياسية‬ ‫حقوقها‪ ،‬فكيف ُتدار؟ وكيف ُتج ّ‬
‫المطلوبة؟‬
‫نجد الجواب عن السؤال السابق في مقالة لرشيد رضا بعنوان "الصلح‬
‫والسعاد على قدر الستعداد"؛ إذ يرى أنه في مثل هذه الحالة ل مانع من‬
‫التسليم بوجود القائد الداعي للصلح‪ ،‬المستبد العادل‪ ،‬الذي يسوق الناس‬
‫إلى النهضة والعلياء سوقًا‪ ،‬لكونه يحكم "أمة خاملة ورعية جاهلة فيحملها‬
‫بالقهر واللزام على ما ُيطلب وُيرام"‪ ،‬فإذا ما عجز هذا الحاكم عن "تغيير‬
‫سرائر الناس‪ ،‬فإنه ل يعجز عن التصرف في ظواهرهم"‪.‬‬
‫من رحم الولع بالصلح والنهضة والتغيير ولدت فكرة "المستبد العادل" لدى‬
‫الشيخ محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا‪ ،‬في سياق عدم الهلية‬
‫الجتماعية والثقافية آنذاك للوصول إلى الخلص من "طبائع الستبداد"‪ .‬إل ّ‬
‫أن تجربتنا السياسية الممتدة منذ ذلك التاريخ إلى اليوم أثبتت أن "المستبد‬
‫العادل" الصلحي ليس موجودًا‪ ،‬وأن الحاضر دوما ً هي "طبائع الستبداد"‪.‬‬
‫ما يئس نفر من السياسيين والمثقفين العرب من "الستبداد"‪ ،‬ومن عدم‬ ‫ول ّ‬
‫ن "الحتلل الجديد" يمكن أن‬ ‫قدرة "الداخل" على الخلص منه‪ ،‬نظروا إلى أ ّ‬
‫ل‪ ،‬ولو في البداية‪ ،‬للتخلص من "طبائع الستبداد"‪ -‬وهي نظرة‬ ‫يوفر مدخ ً‬
‫قاصرة بالتأكيد‪ -‬فإذا ِبنا أمام نموذج أسوأ )في العراق( يتمثل بالحرب الهلية‬
‫والرهاب وتدمير البنية الجتماعية والثقافية المدنية لصالح انتماءات أولية‪،‬‬
‫لتعود المناظرة الفكرية العربية اليوم مرة أخرى إلى السؤال‪ :‬كيف الخلص‬
‫من "طبائع الستبداد" دون البحث عن "مستبد عادل‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ضرب الحبيب ليس كأكل الزبيب !!‬


‫د ‪ .‬حياة بنت سعيد با أخضر ‪23/12/1425‬‬
‫‪03/02/2005‬‬
‫ضرب الزوجات ظاهرة تعني تصعير الخد للخلق السلمية وإدارة الظهر‬
‫للحقوق المشروعة والمفروضة على الزوج‪ ،‬وعندما نريد أن نطرحها على‬
‫بساط البحث؛ فإننا نقول لهذا الزوج بهدوء وتذكير بإسلمه وإثارة لمشاعر‬
‫المودة والرحمة التي زرعها الله تعالى في قلبه فطرة نحو زوجته‪ ،‬وقبل ذلك‬
‫وبعده إيقاظه من غفلته بأن الله تعالى القادر يبصره في كل وقته ويحيط به‬
‫علما وأنه توعدنا بقوله )فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال‬
‫ذرة شرا يره( ]الزلزلة آية ‪.[7‬‬
‫فمن المنطق السابق نقول للزوج‪:‬‬
‫* · إن الرجولة الحقيقية تكون في ضبط غضبك وسيطرتك على انفعالتك‪،‬‬
‫وليس في ضعف شخصيتك حتى على نفسك فتغدو بركانا ً ثائرا ً يأكل الخضر‬
‫واليابس‪ ,‬يقول تعالى‪) :‬ول تستوي الحسنة ول السيئة ادفع بالتي هي أحسن‬
‫فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( ]فصلت آية ‪ ,[34‬ويقول صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند‬
‫الغضب"‬
‫* إن المسلم الحقيقي يتعبد لله بفعل أوامره واجتناب نواهيه بذل وخضوع‬
‫ومحبة فيقرأ قوله تعالى‪) :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا‬
‫لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون(‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]الروم ‪ ،[21‬وقوله تعالى‪ ) :‬وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى‬


‫أن تكرهوا شيئا ً ويجعل الله فيه خيرا ً كثيرًا( ]النساء ‪ ،[19‬ويقرأ قوله صلى‬
‫الله عليه وسلم "خياركم خياركم لنسائهم" ]صحيح سنن ابن ماجه رضي الله‬
‫عنه وقال عنه اللباني‪ :‬صحيح[‪ ،‬وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن‬
‫عمرو بن العاص‪" :‬يا عبد الله ألم أخبرك أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟‬
‫قلت‪ :‬بلى يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬فل تفعل‪ ،‬صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك‬
‫عليك حقا ً وإن لعينيك عليك حقا ً وإن لزوجك عليك حقًا" وقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪:‬من كان يؤمن بالله واليوم الخر فل يؤذي جاره واستوصوا‬
‫بالنساء خيرا ً فإنهن خلقن من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعله‬
‫فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرًا(‬
‫صحيح البخاري كتاب النكاح ‪.‬‬
‫* بعد قراءة الزوج المسلم لهذه النصوص المقدسة سيعرف معنى الزواج‬
‫وحقيقة الزوج المسلم الذي يحفظ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في‬
‫النساء عموما ً وزوجته خصوصًا‪ ،‬ويجاهد نفسه ليكون ممن زكاهم الرسول‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بأنهم من خيار الناس ويظل يأمل في كل خير يعقبه‬
‫من حسن معاملته لزوجته فينعم بحياة سعيدة كلها آمال لغد أفضل وأيام‬
‫قادمة تحمل الخير والمودة والرحمة والحب‪.‬‬
‫* نقول للزوج المسلم الذي يضرب زوجته‪ :‬أترضاه لمك ؟ أترضاه لختك ؟‬
‫أترضاه لبنتك ؟ أترضاه لخالتك؟ فكيف ترضاه لمن تعاشرها؟‬
‫* أيها الزوج المسلم اقرأ هذه الحاديث التي تحمل أكثر من دللة يقول‬
‫الحبيب الرحيم بأمته صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل يجلد أحدكم امرأته جلد العبد‬
‫ثم يجامعها آخر اليوم" ]صحيح البخاري كتاب النكاح[‪ ،‬وعن عائشة رضي الله‬
‫عنها قالت‪ :‬ما ضرب رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬خادما ً له ول امرأة‬
‫ول ضرب بيده شيئًا" ]صحيح سنن ابن ماجه كتاب النكاح[‪ .‬وأول دللة له‬
‫بيان حجم بشاعة هذا الفعل بتشبيه المرأة بالعبد مع البون الشاسع بينهما‬
‫في حقيقتهما البشرية ومنزلة كل منهما في المنزل‪ .‬فهل زوجتك كالعبد؟‬
‫وحتى العبد ل يجلد؛ بل نهى عن جلده وإيذائه فهل زوجتك أقل قيمة منه؟!‬
‫ثم ما تظهر بشاعة هذا الفعل أكثر بكونه يضاجعها آخر اليوم وكأنها قطعة‬
‫حجر خالية من المشاعر والعواطف‪ ،‬يقلبها كيفما يشاء فكيف يستلذ‬
‫بمعاشرتها؟ وكيف يطمع في تجاوبها؟ وكيف ينجب منها الولد؟‬
‫وأشد هذه العلمات المخالفة الصريحة للرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫وكفى به ذنبا ً عظيمًا‪.‬‬
‫* أيها الزوج المسلم إذا كان الطفل الصغير ل يضرب إل إذا بلغ العشر وعلى‬
‫أمر عظيم هو ترك الصلة فكيف تضرب أمه على خصومة بينكما قد يضحك‬
‫منها صغاركما؟ وحتى ضرب الصغير أو الضرب عموما له شروطه وآدابه فهل‬
‫قرأتها ووعيتها؟‬
‫* أيها الزوج المسلم‪ ،‬ماذا بقي للزواج إن قام على الضرب والهانة؟ وماذا‬
‫كر؛ فقد تكون أول من‬ ‫يحدث في مجتمعنا المسلم ثم في أجيالنا ونسائنا؟ ف ّ‬
‫يشعل النار التي تحطم كل ما سبق وعقاب الله في انتظارك‪.‬‬
‫* أيها الزوج المسلم إن لجأت إلى الضرب الذي أباحه الله لك؛ فهل هذا هو‬
‫العلج الثالث بعد فشل العلجين السابقين تماما ً وهما‪ :‬الوعظ والهجر في‬
‫المضجع؟ وبالتالي يمنع أن يكون الضرب تعذيبا ً للنتقام والتشفي أو إهانة‬
‫للذلل والتحقير والقهر والرغام على معيشة ل ترضاها؛ بل يكون ضرب‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تأديب مصحوبا ً بعاطفة المؤدب المربي ول يكون له موضع في حالة الوفاق‬


‫بين الزوجين وإنما هو لمواجهة خطر الفساد والتصدع‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫* تذكر أيها الزوج المسلم خاتمة الية التي تبيح ضرب الزوجات ضربا ً غير‬
‫مبرح حيث يقول العليم بنا سبحانه‪) :‬فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيل ً إن‬
‫الله كان عليا ً كبيرًا(؛ فهو أكبر سبحانه من كل شيء والعلي والعلى سواء‪:‬‬
‫علو الذات‪ ,‬أو علو القدر‪ ,‬أو علو قهر‪ ،‬عظيم الذات والصفات‪ ,‬فل تنسيك‬
‫قوتك البدنية كل هذا‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ضرب المتهم عند التحقيق!‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪...‬‬
‫التاريخ ‪18/12/1426 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫أعمل في إحدى مراكز الشرطة كمحقق في مختلف القضايا الجنائية‬
‫والسؤال ما هو حكم استخدام الضرب بشكل عام وفي الحالت التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا كان الضرب لنتزاع العتراف من شخص مشهور بالفساد مع وجود‬
‫قرائن عديدة على ارتكابه لذلك الجرم إذا كان في إنكاره ضياع للحق العام‬
‫أو الحقوق الخاصة‪.‬‬
‫‪ -2‬ما حكم الضرب للتأديب كتأديب عاق الوالدين أو من يقومون بأذية الناس‬
‫والجيران في حالة انتهاء القضية دون وصولها للشرع‪.‬‬
‫‪ -3‬بعض الباء يطلبون إيقاف أبنائهم وتعريضهم للضرب من قبل الشرطة‬
‫لتأديبهم على عصيانهم لهم دون الرفع عنهم للوجه الشرعي‪.‬‬
‫‪ -4‬ضرب الشخاص الذين يحاولون النقاص من قيمه المن ورجال المن‬
‫بالتلفظ عليهم بحضرة الناس‪.‬‬
‫‪ -5‬لوحظ تعدد القضايا لبعض الشخاص الذين ينتهي موضوعهم في نفس‬
‫اليوم في القضايا الجنائية إذا لم يتعرضوا للضرب المبرح‪ ،‬كما لوحظ أنهم‬
‫يفهمون ذلك على أنه ضعف في إجراءات الشرطة‪ ،‬كما لوحظ أن من يتم‬
‫عقابهم بالضرب حال ل تتم مشاهدتهم في قضايا أخرى أو مشابهة للقضايا‬
‫التي قبض عليهم فيها باستثناء أرباب السوابق‪.‬‬
‫‪ -6‬هل يدخل من يقوم بضرب الناس من رجال الشرطة في القضايا الجنائية‬
‫في حديث رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فيما معناه‪" :‬صنفان من أهل‬
‫النار لم أرهما"‪...‬وذكر منهما‪" :‬رجال يحملون سياطا كأذناب البقر يضربون‬
‫بها الناس"‪ .‬آمل الفادة بشيء من التفصيل‪ ،‬أثابكم الله‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد الله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فالحالت )‪ (5 ،3، 2 ،1‬في السؤال متشابهة‪ :‬فأقول‪ :‬إن قيام المسئول‬
‫بضرب الجاني أو المعتدي المنتهك لحق من حقوق الله أو حقوق العباد أو‬
‫كان الضرب لنتزاع العتراف من شخص اشتهر بالفساد أو له سوابق من‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك – فالضرب لهؤلء وأمثالهم جائز شرعًا‪ .‬وثبت في السنن أن النبي –‬


‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬حبس في تهمة‪ .‬سنن أبي داود )‪ ،(3630‬وجامع‬
‫الترمذي )‪ ،(1417‬وسنن النسائي )‪ .(4875‬وفي غزوة بدر ظفر المسلمون‬
‫برجلين على الماء فجأوا بهما إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬وهو‬
‫يصلي –ورجوا أن يكونا من جيش أبي سفيان وهما يقولن‪ :‬نحن سقاة‬
‫قريش‪ .‬فكانوا إذا ضربوهما قال‪ :‬نحن لبي سفيان وإذا تركوهما قال‪ :‬نحن‬
‫سقاة قريش فلما سلم رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬من صلته قال‪:‬‬
‫"إذا صدقاكم ضربتموهما‪ ،‬وإذا كذباكم تركتموهما"‪ .‬السيرة النبوية لبن‬
‫هشام )‪ ،(164-3/163‬وتاريخ الطبري )‪ ،(2/28‬والثقات لبن حبان )‪-1/160‬‬
‫‪.(161‬‬
‫وهذا منه صلى الله عليه وسلم إقرار على الضرب التهمة وإنما أنكر على‬
‫أصحابه استمرار الضرب بسبب بعد اعتراف المتهم‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن الضرب في هذه الحوال )‪ (1،2،3،5‬في السؤال فيما ل‬
‫يتوقف الحكم فيها على الدعوى )الخصومة( وإنما على الحسبة فقط وعامة‬
‫الجزاءات المعمول بها عند الشرط هي في الصل من باب الحتساب وعلى‬
‫الضابط وهو يقوم بضرب المتهم المشهور بالفساد أو من له سوابق فيه أن‬
‫قا‪.‬‬
‫يتذكر أنه يقوم مقام المحتسب فل يظلم ول يحابي قريًبا أو صدي ً‬
‫أما الحالة الرابعة في السؤال وهي التأديب بالضرب لمن يحاولون النتقاص‬
‫من المن أو رجاله عن طريق التلفظ بما ل يليق‪ .‬ففي هذه الحالة ل يجوز‬
‫ساب المنتهك بالضرب ونحوه فإن هذا من باب التشفي والنتقام‬ ‫لك تأديب ال ّ‬
‫ل غير‪ ،‬وحظوظ النفس أسرع ما يدخل إليها الشيطان فتحصل مفسدة أعظم‬
‫وأكبر مما تلفظ به عليك‪.‬‬
‫أما الحالة السادسة في السؤال وهي السؤال عن دخول الضابط المحقق‬
‫في حديث مسلم المذكور فل يدخل المحقق بضرب المتهم –إذا كان مأذونا ً‬
‫له وكان محتسبا ً ل يزيد عن قدر الحاجة ول ينتقم لنفسه أو زميله وصديقه‪.‬‬
‫وإذا اختلت هذه الشروط والوصاف فهو داخل في الوعيد في هذا‪ .‬وقد‬
‫صدقت معجزة الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬في هذا الحديث حيث ترى‬
‫كثيرا من الشرط في العالم السلمي يظلمون الناس فيضربون أبشارهم‬
‫وربما اعتدوا على أموالهم وأعراضهم ‪ .‬ول حول ول قوة إل بالله العلي‬
‫العظي‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪...‬‬
‫ضريبة الغلمان‬
‫مفكرة السلم ‪ :‬لقد تعرض تاريخ الدولة العثمانية لحملت شرسة وخبيثة من‬
‫ي المة‪ ,‬فلقد هالهم‬ ‫جانب المستشرقين الوروبيين وأذيالهم من علمان ّ‬
‫دا أن‬
‫الفتوحات الهائلة التي حققها العثمانيون بالجبهة الوربية ولم ينسوا أب ً‬
‫العثمانيين فقد فتحو القسطنطينية وأسقطوا مملكة الصليب المقدسة هناك‪,‬‬
‫ما والعثمانيين‬
‫دا ضد المسلمين عمو ً‬ ‫دا وغل ً وحس ً‬
‫وامتلت صدورهم حق ً‬
‫صا‪ ,‬وكان زعماء النصارى من قساوسة ورهبان وملوك ينفخون في أور‬ ‫خصو ً‬
‫هذه الحقاد والضغائن ويستعينوا على ذلك بالباطيل والكاذيب والتهم‬
‫الظالمة في حق العثمانيين‪ ,‬فكانوا يصفونهم بالبرابرة والهمجيين والوحشيين‬
‫والقراصنة إلى غير ذلك من التهامات التي راجت وملت كتب التاريخ‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وساعدت على انتشارها وترويجها القلم اليهودية الخبيثة والمحافل‬


‫الماسونية‪ ,‬وإلى هذا الحد فليس مستغرًبا أن ترى مثل هذه العداوة وهي‬
‫ك ال ْي َُهود ُ َول‬
‫ضى عَن ْ َ‬ ‫عداوة طبيعية أخبرنا عنها المولى جل وعل‪} :‬وَل َ ْ‬
‫ن ت َْر َ‬
‫قا أن نرى من‬ ‫مل ّت َُهم{ ]البقرة‪ ,[120 :‬ولكن المحزن ح ً‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬
‫صاَرى َ‬
‫الن ّ َ‬
‫مؤرخي المسلمين والعرب من يجاري المستشرقين في أهوائهم وينقل عنهم‬
‫أباطيلهم ويضمنها في كتب ويوافقهم على تلك الكاذيب والتهم كأنها حق‬
‫ثابت ل ريب فيه‪ ,‬وهذه الباطيل التي تسربت إلى كتبنا التي كتبها أبناء‬
‫المسلمين بأيديهم لبد أن تمحى من التاريخ‪.‬‬
‫جيش النكشارية‪:‬‬
‫عندما تولى السلطان 'أورخان بن عثمان' الحكم في الدولة العثمانية عهد‬
‫دا للجيش العثماني عرف‬ ‫ما جدي ً‬ ‫إلى تأسيس جيش إسلمي جديد وأدخل نظا ً‬
‫بالنكشارية‪ ,‬وكان هذا الجيش الجديد هو رأس الحربة الشديد في كل‬
‫صا‪ ,‬ولقد‬ ‫الفتوحات السلمية‪ ،‬وكان لهم أيادٍ بيضاء على الجبهة الوربية خصو ً‬
‫زعم معظم المؤرخين الوروبيين أن جيش النكشارية هذا قد تكون من خلل‬
‫ما يعرف بنظام 'الدقشرية' وقد زعموا أن هذا النظام مستقى من شرع الله‬
‫وما يطلق عليه اسم 'ضريبة الغلمان' وقد قالوا عن هذه الضريبة أنها تبيح‬
‫خمس عدد أطفال وغلمان أي مدينة نصرانية يفتحونها‬ ‫للمسلمين انتزاع ُ‬
‫خمس الغنائم‪ ،‬التي هي حصة بيت مال المسلمين ومن هؤلء‬ ‫باعتبارهم ُ‬
‫المؤرخين الذين روجوا تلك الكذوبة والفرية 'كارل بروكلمان' و'جب'‬
‫و'جيبونز' و'سوموفيل'‪ ,‬ومن المؤسف أن هذه الفرية قد نقلها المؤرخون‬
‫المسلمون دون تبين أو تبصر منهم على الرغم من إخلص العديد منهم‬
‫وكفاءتهم المعهودة ومنهم 'محمد فريد وجدي' في كتابه 'الدولة العلية'‬
‫و'محمد كرد علي' في كتابه 'خطط الشام' والدكتور 'علي حسون' في كتابه‬
‫'تاريخ الدولة العثمانية' وغيرهم‪.‬‬
‫والحق الذي ل مرية فيه أن النكشارية هؤلء تكونوا كنتيجة أخلقية‬
‫واجتماعية لهتمام العثمانيين بالمشردين واليتامى من أطفال النصارى الذين‬
‫تركتهم الحروب المستمرة بل أب أو أم أو كلهما‪ ,‬فلقد كانت هناك أعداًدا‬
‫هائلة من هؤلء الطفال يهيمون على وجوههم في الطرقات أعقاب الحروب‬
‫الضخمة بين المسلمين والنصارى فاحتضنهم المسلمون العثمانيون وأشرفوا‬
‫على تربيتهم تربية إسلمية خالصة على اليمان والجهاد‪ ,‬ولم يجبر هؤلء على‬
‫الدخول في السلم كما يروج المستشرقون‪ ,‬فل يوجد في ديننا ول شريعتنا‬
‫ما يعرف بضريبة الغلمان هذه المزعومة الباطلة‪ ,‬كما أن الحقيقة التاريخية‬
‫الخرى أن جيش النكشارية لم يكن مكوًنا من أطفال النصارى فقط‪ ,‬بل إن‬
‫جزًءا كبيًرا منه مكوًنا من أبناء المسلمين الذين أرادوا طريق الجندية‬
‫والجهاد‪.‬‬
‫دا وأن ننقي كتبنا منها ول نأخذ الكلم‬ ‫فيجب علينا أن ننتبه لهذه الباطيل جي ً‬
‫على عواهنه هكذا دون تمحيص وبحث؛ لن أعداء السلم يضربون في هذه‬
‫المة بكل سهم ممكن واليقظة والتفطن هما خير سلح لمواجهة تلك‬
‫الباطي‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ضع نفسك مكان أخيك‬


‫عبد العزيز الجلّيل‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا‬
‫محمد وآله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫مر‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬حدثني‬ ‫معْ َ‬
‫روى الذهبي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في السير عن عقيل‪ ،‬و َ‬
‫ور بن مخرمة أخبره أنه وفد على معاوية‪ ،‬فقضى حاجته‪ ،‬ثم‬ ‫س َ‬‫عروة أن الم ْ‬
‫خل به‪ ،‬فقال‪ :‬يا مسور! ما فعل طعُنك على الئمة؟ قال‪ :‬دعنا من هذا‬
‫ي‪ .‬قال مسور‪:‬‬ ‫وأحسن‪ .‬قال‪ :‬ل‪ ،‬والله‪ ،‬لتكلمني بذات نفسك بالذي تعيب عل ّ‬
‫فلم أترك شيئا ً أعيبه عليه إل بينت له‪ ،‬فقال‪ :‬ل أبرأ من الذنب‪ ،‬فهل تعُد ّ لنا يا‬
‫مسور ما نلي من الصلح في أمر العامة؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬أم تعُد ّ‬
‫الذنوب‪ ،‬وتترك الحسان؟ قال‪ :‬ما ُتذكر إل الذنوب‪ ،‬قال معاوية‪ :‬فإنا نعترف‬
‫لله بكل ذنب أذنبناه؛ فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن ُتهلك إن‬
‫لم ُتغفر؟ قال‪ :‬نعم! قال‪ :‬فما يجعلك الله برجاء المغفرة أحقّ مني؛ فوالله‬
‫ما أ َِلي من الصلح أكثر مما تلي‪ ،‬ولكن والله ل أخّير بين أمرين‪ :‬بين الله‬
‫وبين غيره‪ ،‬إل اخترت الله على ما سواه‪ ،‬وإني لعلى دين ُيقَبل فيه العمل‬
‫ويجزى فيه بالحسنات‪ ،‬ويجزى فيه بالذنوب إل أن يعفو الله عنها‪ .‬قال‪:‬‬
‫فخصمني‪ .‬قال عروة‪ :‬فلم أسمع المسور ذكر معاوية إل صلى عليه‪.‬‬
‫من هذا الحوار الجميل المؤدب بين صحابيين جليلين من أصحاب النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قد كان في نفس كل منهما شيء على الخر نستنبط‬
‫أمرا ً مهما ً في التربية ومعالجة الخطاء لو سرنا عليه في عتاب بعضنا لبعض‬
‫لختفت كثير من مفسدات الخوة وذات البين‪ ،‬ولسلمت القلوب المخلصة‬
‫حن والحقاد والشحناء والهواء‪.‬‬ ‫من ال َ‬
‫وهذا السلوب التربوي المعني هنا مأخوذ من الحوار السابق؛ وذلك لما ذكر‬
‫المسور بن مخرمة لمعاوية ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬كل ما يعرفه من أخطاء‬
‫معاوية‪ .‬قال له معاوية ‪ -‬رضي الله عنه ‪ :-‬فهل لك يا مسور ذنوب في‬
‫فر؟ قال‪ :‬نعم! فقال معاوية‪ :‬فما يجعلك‬ ‫خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم ُتغ َ‬
‫برجاء المغفرة أحق مني؛ فوالله ما أِلي من الصلح أكثر مما تلي‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫فهذا هو الشاهد من هذا الحوار المناسب لهذه المقالة المعنون لها بـ)ضع‬
‫نفسك مكان أخيك(‪.‬‬
‫وعندما يمارس الواحد منا هذا السلوب التربوي في عتابه للناس ومعالجة‬
‫أخطائهم فإن الوئام واللفة ستحل محل الفرقة والشحناء والبغضاء‪ ،‬وهذا‬
‫السلوب ينفع مع مختلف طبقات الناس وشرائحهم كما يتضح ذلك من‬
‫الصور التية‪:‬‬
‫• ما يكثر من الخلفات العائلية في كثير من البيوت‪ ،‬وذلك بين الزوج‬
‫وزوجته‪ ،‬أو بين الوالد وولده‪ ،‬أو بين الخ وأخيه‪ ،‬أو بين الرجل وقرابته‪ ،‬حيث‬
‫تؤدي كثير من هذه الخلفات بفعل الممارسات الخاطئة لعلج الخطأ‪،‬‬
‫والسلوب الغالط للعتاب إلى نهايات مؤسفة قد تكون طلقا ً أو قطيعة أو‬
‫ظلما ً أو عدوانًا‪.‬‬
‫بينما لو ُأخذ بالساليب الشرعية لمعالجة الخطأ‪ ،‬ومن بينها هذا الذي طبقه‬
‫معاوية ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬وعبرت عنه بمصطلح )ضع نفسك مكانه(‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لو طبق هذا السلوب مع الساليب الشرعية الخرى‪ ،‬واختفت حظوظ‬
‫النفس لساد الوئام‪ ،‬ووضع الخطأ في حجمه الطبيعي‪ ،‬وأمكن محاصرته‬
‫وعلجه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فمثل ً لو أن زوجة أخطأت بحق زوجها أو في بيتها خطأ معينا‪ ،‬وتأكد الزوج‬
‫من ذلك فإن مما يخفف غضب الزوج وشدة عتابه لزوجته أن يبحث عن‬
‫الملبسات التي أحاطت بالزوجة حتى وقعت فيما وقعت فيه من الخطأ‪ ،‬ثم‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يضع نفسه مكان زوجته عندما أحاطت بها هذه الملبسات‪ ،‬فماذا عساه أن‬
‫يعمل؟ ثم ينظر إلى توجهات عقل المرأة وطبيعتها‪ ،‬ثم يحاسب نفسه فيما لو‬
‫وقع في نفس الخطأ الذي وقعت فيه زوجته هل محاسبته ومعاتبته لنفسه‬
‫بنفس القوة والنقد الذي يوجهه إلى زوجته؟ إن كل هذه التساؤلت ستقلل‬
‫من حجم الخطأ‪ ،‬وتدفع الزوج إلى معالجته معالجة شرعية تتسم بالعدل‬
‫والتأني والرغبة في الصلح‪ ،‬وليس لمجرد التشفي وتنفيس الغيظ‪.‬‬
‫ول يعني هذا التغاضي عن الخطاء وتسويغها وعدم إصلحها ل‪ ،‬ولكن‬
‫المقصود معالجتها بعدل وإنصاف‪ ،‬ووضع النفس مكان من صدر منه الخطأ‬
‫والملبسات التي أحاطت بصاحب الخطأ حتى توضع المور في حجمها‬
‫الطبيعي من غير تهويل وتضخيم‪.‬‬
‫ومثل هذا يقال للزوجة في معالجتها لخطأ زوجها‪ ،‬وللوالد مع ولده‪ ،‬والقريب‬
‫مع قريبه‪ ،‬وكذلك ما يحصل بين عامة الناس وأصحاب المهن المشتركة من‬
‫خلفات وأخطاء‪.‬‬
‫• ما يحصل من بعض الخطاء التي يقع فيها بعض العلماء أو طلبة العلم أو‬
‫الدعاة التي ينجم عنها – لغياب المعالجة الشرعية العادلة – كثير من العدوان‬
‫والشحناء والغيبة والحقاد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولو أننا طبقنا هذا السلوب المشار إليه آنفا ً في معالجة الخطأ‪ ،‬ووضع الناقد‬
‫نفسه مكان صاحب الخطأ وبحث عن الملبسات التي أحاطت به في خطئه‬
‫لتطامن الناقد‪ ،‬وعذر صاحب الخطأ إن وجد له عذرًا‪ ،‬أو أنه يضع خطأه في‬
‫حجمه الطبيعي من غير تضخيم وتهويل‪ ،‬وكذلك لو حاسب الناقد نفسه فيما‬
‫لو صدر منه الخطأ الذي صدر من العالم أو الداعية الفلني‪ ،‬فهل مؤاخذته‬
‫لنفسه بنفس القوة التي يوجهها لغيره؟ لن مثل هذه المحاسبة تعد من‬
‫أسباب التطامن والنصاف‪ ،‬وكما قال معاوية للمسور ‪ -‬رضي الله عنهما ‪-‬‬
‫عندما عّرفه ببعض أخطائه قال له‪ :‬فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك‬
‫تخشى أن تهلك إن لم ُتغفر؟ قال‪ :‬نعم!‬
‫فكذلك الدعاة وأهل العلم في معالجتهم لخطاء بعضهم‪ ،‬فلو أن الناقد انتبه‬
‫لنفسه وما هي عليه من الخطاء والذنوب لكان في ذلك من التطامن‬
‫والتواضع مع صاحب الخطأ ما يجعل الناقد يضع الخطأ في حجمه المعقول‪،‬‬
‫ويعامل صاحب الخطأ في حجمه المعقول‪ ،‬ويعامل صاحب الخطأ بالعدل‬
‫والمحبة والصلح بعيدا ً عن حظوظ النفس والهواء؛ فإذا انضاف إلى ذلك‬
‫وجود الخير الكثير والصلح عند الشخص المنتقد صار هذا أيضا ً من دواعي‬
‫اضمحلل خطئه في بحر حسناته‪.‬‬
‫وهذا ما أشار إليه معاوية ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بقوله للمسور ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪ :-‬فوالله ما ألي من الصلح أكثر ما تلي‪.‬‬
‫ول يعني هذا – كما تقدم – تمرير الخطاء وتسويغها‪ ،‬وإنما يعني معالجتها‬
‫معالجة عادلة تضع الخطأ في مكانه الطبيعي‪ ،‬فل ُتنسى حسنات المخطئ‬
‫كما ل ينسى الناقد أن له عليه ذنوبا ً كما على غيره‪ ،‬والسعيد من لم تشغله‬
‫عيوب الناس عن عيوب نفسه‪.‬‬
‫• ما يصدر من أهل البتلء كالمرضى والفقراء والمسجونين والمهمومين‬
‫والمحزونين وغيرهم من المواقف التي يعدها أهل الرخاء والعافية مواقف‬
‫خاطئة؛ لكن ما أن تطبق القاعدة المشار إليها آنفا ً في معالجة الخطأ‪ ،‬وهي‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ى في دينه ودنياه نفسه مكان‬ ‫قاعدة )ضع نفسك مكانه( فيضع من هو معاف ً‬
‫المبتلى‪ ،‬ويحاول أن يتصور الظروف التي تحيط بصاحب المصيبة إل كان‬
‫لذلك أثره على النظرة إلى هذه المواقف التي يعدها خاطئة؛ فإما أن يظهر‬
‫له أنه معذور بسبب الملبسات التي أحاطت به كما قيل‪ :‬ويل للشجي من‬
‫الخلي‪ ،‬والشاهد يرى ما ل يرى الغائب؛ أو أنه يظهر له الخطأ في حجمه‬
‫الطبيعي‪ ،‬فيعالجه معالجة من يعرف ملبساته وأسبابه التي أدت إلى ضعف‬
‫المصاب وقيامه بمواقف خاطئة تقدر بقدرها‪ ،‬وتعالج معالجة من يعرف‬
‫ضعف النسان أمام القدار المؤلمة إل من رحم الله ‪ -‬تعالى ‪ ،-‬ول يدري‬
‫المعافى لو كان مكان المصاب ماذا عساه أن يفعل؟ نسأل الله ‪ -‬عز وجل ‪-‬‬
‫الثبات والعافية‪.‬‬
‫• كما تنفع هذه القاعدة في مساعدة المحتاجين والملهوفين ممن تعوزهم‬
‫م‪ ،‬أو إغاثة ملهوف قد انقطعت به‬ ‫الحاجة إلى المال أو الجاه‪ ،‬أو تفريج ه ّ‬
‫السبل‪ ،‬أو جائع أو عطشان‪ ،‬أو غريب تائه عن الطريق‪ ،‬أو مسافر قد تعطلت‬
‫راحلته‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ذلك أن النسان عندما يضع نفسه مكان أصحاب هذه الحاجات‪ ،‬وبتصور حجم‬
‫المعاناة التي يعانيها الملهوف والمكروب والجائع والمنقطع‪ ...‬إلخ‪ .‬كما يتصور‬
‫أيضا ً وقع العانة لهؤلء في نفوسهم وأثرها علهم وأجرها عند الله ‪ -‬عز وجل‬
‫ب لقضاء حاجات الملهوفين والمحتاجين‪.‬‬ ‫‪ -‬كل ذلك مما يجعل النسان يه ّ‬
‫ول يظهر التفاعل مع حاجات المحتاجين كما يظهر عند من مرت به حاجة من‬
‫الحاجات في حياته كمرض احتاج فيه إلى من يواسيه ويقوم برعايته فيه‪ ،‬أو‬
‫فقير احتاج إلى من يساعده ويهتم بحالته فيه‪ ،‬أو انقطعت به دابته أو سيارته‬
‫فاحتاج من يصلحها له ويساعده على مواصلة الطريق‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫إن كل من مرت به حاجة من الحاجات ثم عافاه الله منها‪ ،‬ورأى بعد ذلك من‬
‫وقع فيما وقع فيه من الحاجة فإن هذا من أكبر الدوافع التي تدفع إلى‬
‫مساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف؛ لنه قد وضع نفسه مكان المحتاج‪ ،‬وتصور‬
‫الظرف الذي يمر به المحتاج وأنه قد مر عليه مثله‪.‬‬
‫إن هذه القاعدة تنفع مع كل ذي كبد رطبة وليست مع النسان وحده‪ ،‬وإذا‬
‫أخلص العبد في إعانته للمحتاج وأراد وجه الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فإن الله –‬
‫سبحانه – يشكر له صنيعه ويجازيه عليه الجنة؛ فعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله‬
‫عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪":‬بينما رجل يمشي‬
‫بطريق اشتد عليه العطش‪ ،‬فوجد بئرا ً فنزل فيه فشرب‪ ،‬ثم خرج؛ فإذا كلب‬
‫يلهث‪ ،‬يأكل الثرى من العطش‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬لقد بلغ هذا الكلب من العطش‬
‫مثل الذي بلغ مني‪ ،‬فنزل البئر فمل خفه ماًء‪ ،‬ثم أمسكه بفيه حتى رقي‪،‬‬
‫فسقى الكلب‪ ،‬فشكر الله له فغفر له‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الله! إن لنا في‬
‫البهائم أجرًا؟ قال‪ :‬في كل كبد رطبة أجر"‪.‬‬
‫وكما يظهر من هذا الحديث نلحظ أن الرجل الذي سقى الكلب قد طبق‬
‫القاعدة التي نحن بصددها وهي )ضع نفسك مكانه(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فهل يعني هذا المر أولئك الذين ل يبالون بحاجات المحتاجين‪ ،‬ول بإغاثة‬
‫الملهوفين المكروبين؟ وهل ّ حمدوا الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وشكروه على العافية‪،‬‬
‫ووضعوا أنفسهم مكان المحتاجين ومعاناتهم؟ فإن الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬قادر على‬
‫أن يعافي غيرهم ويبتليهم‪ .‬نسأل الله العافية والسلمة‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ضع نفسك مكانه‬


‫روى الذهبي رحمه الله في السير عن عقيل ‪ ،‬ومعمر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬حدثني‬
‫أن المسور بن مخرمة أخبره أنه وفد على معاوية ‪ ،‬فقضى حاجته ‪ ،‬ثم خل به‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬يا مسور ! ما فعل طعنك على الئمة ؟ قال ‪ :‬دعنا من هذا‬
‫ي‪ .‬قال مسور‪:‬‬ ‫وأحسن ‪ .‬قال‪ :‬ل والله ‪ ،‬لتكلمني بذات نفسك بالذي تعيب عل ّ‬
‫فلم أترك شيئا ً أعيبه عليه إل بينت له ‪ .‬فقال ‪ :‬ل أبرأ من الذنب ‪ .‬فهل تعُد ّ لنا‬
‫يا مسور ما نلي من الصلح في أمر العامة فإن الحسنة بعشر أمثالها ‪ ،‬أم‬
‫تعد الذنوب وتترك الحسان؟ قال ‪ :‬ما تذكر إل الذنوب ‪ .‬قال معاوية ‪ :‬فإننا‬
‫نعترف لله بكل ذنب أذنبناه ‪ ،‬فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن‬
‫تهلكك إن لم تغفر ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فما يجعلك الله برجاء المغفرة أحق‬
‫مني ‪ ،‬فو الله ما ألي من الصلح أكثر مما تلي ‪ ،‬ولكن والله ل أخير بين‬
‫أمرين بين الله وبين غيره إل اخترت الله على ما سواه ‪ ،‬وإني لعلى دين‬
‫يقبل فيه العمل ويجزى فيه بالحسنات ‪ ،‬ويجزى فيه بالذنوب إل أن يعفو الله‬
‫عنها قال‪ :‬فخصمني قال عروة فلم أسمع المسور ذكر معاوية إل صلى‬
‫عليه)]‪. ([1‬‬
‫من هذا الحوار الجميل المؤدب بين صحابيين جليلين من أصحاب النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قد كان في نفس كل منهما شيء على الخر نستنبط‬
‫أمرا ً مهما ً في التربية ومعالجة الخطاء لو سرنا عليه في عتاب بعضنا لبعض‬
‫لختفت كثير من مفسدات الخوة وذات البين ولسلمت القلوب المخلصة من‬
‫الحن والحقاد والشحناء والهواء ‪.‬‬
‫وهذا السلوب التربوي المعني هنا مأخوذ من الحوار السابق وذلك لما ذكر‬
‫المسور بن مخرمة لمعاوية رضي الله عنه كل ما يعرفه من أخطاء معاوية ‪.‬‬
‫قال له معاوية ? ‪ :‬فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن‬
‫لم تغفر ؟ قال ‪ :‬نعم‪ ،‬فقال معاوية ‪ :‬فما يجعلك الله برجاء المغفرة أحق‬
‫مني فو الله ما ألي من الصلح أكثر مما تلي ‪ ..‬إلخ ‪.‬‬
‫فهذا هو الشاهد من هذا الحوار المناسب لهذه المقالة المعنون لها بـ)ضع‬
‫نفسك مكانه ( ‪.‬‬
‫وعندما يمارس الواحد منا هذا السلوب التربوي في عتابه للناس ومعالجة‬
‫أخطائهم ]‪. [2‬‬
‫فإن الوئام واللفة ستحل محل الفرقة والشحناء والبغضاء وهذا السلوب‬
‫ينفع مع مختلف طبقات الناس وشرائحهم كما يتضح ذلك من الصور التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬ما يكثر من الخلفات العائلية في كثير من البيوت وذلك بين الزوج‬
‫وزوجته ‪ ،‬أو بين الوالد وولده ‪ ،‬أو بين الخ وأخيه ‪ ،‬أو بين الرجل وقرابته ‪،‬‬
‫حيث تؤدي كثير من هذه الخلفات بفعل الممارسات الخاطئة لعلج الخطأ‬
‫والسلوب الغالظ للعتاب إلى نهايات مؤسفة قد تكون طلقا ً أو قطيعة‬
‫وهجرانا ً أو ظلما ً وعدوانا ً ‪.‬‬
‫بينما لو أخذ بالساليب الشرعية لمعالجة الخطأ ومن بينها هذا الذي طبقه‬
‫معاوية ? وعبرت عنه بمصطلح )ضع نفسك مكانه( ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬لو طبق هذا السلوب مع الساليب الشرعية الخرى واختفت حظوظ‬
‫النفس لساد الوئام ووضع الخطأ في حجمه الطبيعي وأمكن محاصرته‬
‫وعلجه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فمثل ً لو أن الزوجة أخطأت على زوجها أو في بيتها خطأ معينا وتأكد الزوج‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من ذلك فإن مما يخفف غضب الزوج وشدة عتابه لزوجته أن يبحث عن‬
‫الملبسات التي أحاطت بالزوجة حتى وقعت فيما وقعت فيه من الخطأ ثم‬
‫يضع نفسه مكان زوجته عندما أحاطت بها هذه الملبسات فماذا عساه أن‬
‫يعمل‪.‬‬
‫ثم ينظر إلى ضعف عقل المرأة وطبيعتها ‪ ،‬ثم يحاسب نفسه فيما لو وقع في‬
‫نفس الخطأ الذي وقعت‬
‫فيه زوجته هل محاسبته ومعاتبته لنفسه بنفس القوة والنقد الذي يوجهه إلى‬
‫زوجته‪ ،‬إن كل هذه التساؤلت ستقلل من حجم الخطأ وتدفع الزوج إلى‬
‫معالجته معالجة شرعية تتسم بالعدل والتأني والرغبة في الصلح وليس‬
‫مجرد التشفي وتنفيس الغيظ‪.‬‬
‫ول يعمي هذا التغاضي عن الخطاء وتبريرها وعدم إصلحها كل‪ .‬ولكن‬
‫المقصود معالجتها بعدل وإنصاف ووضع النفس مكان من صدر منه الخطأ‬
‫والملبسات التي أحاطت بصاحب الخطأ حتى توضع المور في حجمها‬
‫الطبيعي من غير تهويل وتضخيم ‪.‬‬
‫ومثل هذا يقال للزوجة في معالجتها لخطأ زوجها‪ ،‬وللوالد مع ولده والقريب‬
‫مع قريبه وكذلك ما يحصل بين عامة الناس وأصحاب المهن المشتركة من‬
‫خلفات وأخطاء‪.‬‬
‫‪ -‬ما يحصل من بعض الخطاء التي يقع فيها بعض العلماء أو طلبة العلم أو‬
‫الدعاة والتي ينجم عنها لغياب المعالجة الشرعية العادلة كثير من العدوان‬
‫والشحناء والغيبة والحقاد ‪.‬‬
‫ً‬
‫ولو أننا طبقنا هذا السلوب المشار إليه آنفا في معالجة الخطأ ‪ ،‬ووضع الناقد‬
‫نفسه مكان صاحب الخطأ وبحث عن الملبسات التي أحاطت به في خطئه‬
‫لتطامن النقد وعذر صاحب الخطأ إن وجد له عذرا ً أو أنه يضع خطأه في‬
‫حجمه الطبيعي من غير تضخيم وتهويل ‪،‬‬
‫وكذلك لو حاسب الناقد نفسه فيما لو صدر منه الخطأ الذي صدر من العالم‬
‫أو الداعية الفلني فهل مؤاخذته لنفسه بنفس القوة التي يوجهها لغيره ؟ لن‬
‫مثل هذه المحاسبة تعد من أسباب التطامن والنصاف ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وكما قال معاوية للمسور رضي الله عنهما عندما عرفه ببعض أخطائه قال له‬
‫‪ :‬فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم تغفر ؟ قال ‪:‬‬
‫نعم ‪.‬‬
‫فكذلك الدعاة وأهل العلم في معالجتهم لخطاء بعضهم ‪ ،‬فلو أن الناقد انتبه‬
‫لنفسه وما هي عليه من الخطاء والذنوب لكان في ذلك من التطامن‬
‫والتواضع مع صاحب الخطأ ما يجعل الناقد يضع الخطأ في حجمه المعقول‬
‫ويعامل صاحب الخطأ بالعدل والمحبة والصلح بعيدا ً عن حظوظ النفس‬
‫والهواء ‪ ،‬فإذا أضيف إلى ذلك وجود الخير الكثير والصلح عند الشخص‬
‫المتقد صار أيضا ً من دواعي اضمحلل خطئه في بحر حسناته ‪.‬‬
‫وهذا ما أشار إليه معاوية ? بقوله للمسور ? ‪ :‬فو الله ما ألي من الصلح أكثر‬
‫مما تلي ‪.‬‬
‫ول يعني هذا تمرير الخطاء وتبريرها وإنما يعني معالجتها معالجة عادلة تضع‬
‫الخطأ في مكانه الطبيعي ول تنسى حسنات المخطئ كما ل ينسى الناصح‬
‫أن له عليه ذنوبا ً كما على غيره‪ ،‬والسعيد من لم تشغله‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عيوب الناس عن عيوب نفسه ‪.‬‬


‫‪ -‬ما يصدر من أهل البتلء كالمرضى والفقراء والمسجونين والمهمومين‬
‫والمحزونين وغيرهم من المواقف التي يعدها أهل الرخاء والعافية مواقف‬
‫خاطئة لكن ما إن تطبق القاعدة المشار إليها آنفا ً في معالجة الخطأ وهي‬
‫قاعدة ) ضع نفسك مكانه ( فيضع من هو معافى في دينه ودنياه نفسه مكان‬
‫المبتلى ويحاول أن يتصور الظروف التي تحيط بصاحب المصيبة إل ول بد أن‬
‫يكون لذلك أثر على النظرة إلى هذه المواقف التي يعتبرها خاطئة فإما أن‬
‫يظهر له أنه معذور بسبب الملبسات التي أحاطت به فكما قيل ويل للشجي‬
‫من الخلي ‪ ،‬والشاهد يرى ما ل يرى الغائب ‪ ،‬أو أنه يظهر له الخطأ في‬
‫حجمه الطبيعي فيعالجه معالجة من يعرف ملبساته وأسبابه التي أدت إلى‬
‫ضعف المصاب وقيامه بمواقف خاطئة تقدر بقدرها وتعالج معالجة من يعرف‬
‫ضعف النسان أمام القدار المؤلمة إل من رحم الله تعالى ‪ ،‬ول يدري‬
‫المعافى لو كان مكان المصاب ماذا عساه أن يفعل ‪.‬‬
‫نسأل الله عز وجل الثبات والعافية ‪.‬‬
‫‪ -‬كما تنفع هذه القاعدة في مساعدة المحتاجين والملهوفين ممن تعوزهم‬
‫الحاجة إلى المال أو الجاه أو تفريج هم أو إغاثة ملهوف قد انقطعت به‬
‫السبل أو جائع أو عطشان أو غريب تائه عن الطريق أو‬
‫مسافر قد تعطلت دابته‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫ذلك أن النسان عندما يضع نفسه مكان أصحاب هذه الحاجات ويتصور حجم‬
‫المعاناة التي يعانيها الملهوف والمكروب والجائع والمنقطع‪ ..‬إلخ ‪ .‬كما يتصور‬
‫أيضا ً وقع العانة لهؤلء في نفوسهم وأثرها عليهم وأجرها عند الله عز وجل ‪،‬‬
‫كل ذلك مما يجعل النسان يهب لقضاء حاجات الملهوفين والمحتاجين ‪.‬‬
‫ول يظهر التفاعل مع حاجات المحتاجين كما يظهر عند من مرت به حاجة من‬
‫الحاجات في حياته كمرض احتاج فيه إلى من يواسيه ويقوم برعايته فيه أو‬
‫فقير احتاج فيه من يساعده ويهتم بحاله فيه أو انقطعت به دابته أو سيارته‬
‫فاحتاج من يصلحها له ويساعده على مواصلة الطريق ‪ ..‬الخ ‪.‬‬
‫إن كل من مرت به حاجة من الحاجات ثم عافاه الله منها ورأى بعد ذلك من‬
‫وقع فيما وقع فيه من الحاجة فإن هذا من أكبر الدوافع التي تدفع إلى‬
‫مساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف لنه قد وضع نفسه مكان المحتاج وتصور‬
‫الظرف الذي يمر به المحتاج وأنه قد مر عليه مثله ‪.‬‬
‫وإن هذه القاعدة تنفع مع كل ذي كبد رطبة وليست مع النسان وحده ‪ ،‬وإذا‬
‫أخلص العبد في إعانته للمحتاج وأراد وجه الله عز وجل فإن الله سبحانه‬
‫يشكر له صنيعه ويجازيه عليه الجنة ‪،‬‬
‫فعن أبي هريرة ? أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ )) :‬بينما‬
‫رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش ‪ ،‬فوجد بئرا ً فنزل فيه فشرب ‪ ،‬ثم‬
‫خرج ‪ ،‬فإذا كلب يلهث ‪ ،‬يأكل الثرى من العطش ‪ ،‬فقال الرجل ‪ :‬لقد بلغ هذا‬
‫الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني ‪ ،‬فنزل البئر فمل خفه ماًء ثم‬
‫أمسكه بفيه حتى رقي ‪ ،‬فسقى الكلب ‪ ،‬فشكر الله له فغفر له ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول الله إن لنا في البهائم أجرا ً ؟ قال ‪ :‬في كل كبد رطبة أجر ((]‪. [3‬‬
‫وكما يظهر من هذا الحديث نلحظ أن الرجل الذي سقى الكلب قد طبق‬
‫القاعدة التي نحن بصددها وهي )ضع نفسك مكانه( ‪.‬‬
‫فهل يعي هذا المر أولئك الذين ل يبالون بحاجات المحتاجين ول بإغاثة‬
‫الملهوفين المكروبين ؟ وهل حمدوا الله عز وجل وشكروه على العافية‬
‫ووضعوا أنفسهم مكان المحتاجين ومعاناتهم ؟ فإن الله عز وجل قادر على‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن يعافي غيرهم ويبتليهم ‪.‬‬


‫نسأل الله العافية والسلمة ‪.‬‬
‫______________‬
‫]‪ [1‬سير أعلم النبلء ‪. 151 / 3‬‬
‫]‪ [2‬والمقصود بالخطاء هنا تلك التي تحصل من النسان بحكم ضعفه وتغلب‬
‫هواه عليه أحيانا ً وتكون فلتة منه وليست إصرارا ً ومكابرة وعنادا ً ‪.‬‬
‫]‪ [3‬البخاري ‪ ، 31 / 5 :‬مسلم ) ‪. ( 2244‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ضع يدك على قلبك ؟؟‬


‫الكاتب ‪ :‬أبو عبد الله‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫هل جربت ذلك يومًا؟‬
‫أن تضع يدك على قلبك وتفكر كيف أن هذه القطعة العجيبة من جسمك‬
‫تعمل على مدار الساعة دون توقف إنه تعمل يوميا ً ‪ .‬أثناء يقظتك وأثناء‬
‫نومك أيضا ً ‪ .‬وتغّير من سرعتها أوتومتيكيا ً طبقا ً لحتياجات جسمك وستظل‬
‫تعمل كذلك على مدى اليام والشهور والسنين حتى الدقيقة الخيرة من‬
‫حياتك ‪ .‬دون أن تأخذ إجازة ولو لحظةٍ واحدة ‪...‬‬
‫هل فكرت يوما ً فيما لو كان أمر تشغيل هذه القطعة وتنظيم عملها موكول ً‬
‫إليك ‪ .‬مثل ً عن طريق عضلةٍ ما يمكن ضغطها باليد ‪.‬‬
‫ما الذي يمكن أن يحدث؟‬
‫طبعا ً ‪ ،‬ببساطة ‪ ،‬ستفشل في تشغيلها وستموت بعد ساعات فأنت ستتعب‬
‫قبل ذلك ‪ ،‬وتحتاج أن تغير النبض باستمرار ثم إنك تحتاج أن تنام وقبل كل‬
‫شيء ‪ ،‬أنت تحتاج إلى أن تكون متفرغا ً لهذا العمل لن أيّ غفلة ستكلفك‬
‫حياتك وبالتالي لن تستطيع أن تسعى في طلب رزق أو دراسة أو عمل ‪.‬‬
‫إن جهاز القلب هذا هو جهاز واحد فقط ‪ ،‬من عشرات الجهزة الموجودة في‬
‫جسم النسان ‪ ،‬والتي تقوم بما تعجز عنه مئات المصانع التي يديرها البشر ‪،‬‬
‫فهناك جهاز للتبريد في جلد ابن آدم ‪ ،‬وجهاز للتنفس لستخلص الوكسجين ‪،‬‬
‫والكبد تعمل باستمرار لتنقية الدم من السموم ‪ ،‬وأجهزة أخرى وأخرى كثيرة‬
‫‪ ،‬والتي بدونها لم يكن يمكن ليّ إنسان البقاء حيا ً ‪.‬‬
‫فتأمل ‪...‬‬
‫أيها المسلم في عظيم نعمة الله علينا ‪ ،‬حيث جعل هذه الجهزة تعمل‬
‫لوحدها دون تدخل منا ‪ ،‬وهذه من اليات والنعم التي هي في جسمنا فحسب‬
‫‪ ،‬قال ربنا عز وجل ) وفي أنفسكم أفل تبصرون ( ؟؟ ‪.‬‬
‫فكيف بنعم الله الظاهرة الخرى علينا من مأكل ومشرب وملبس وأمان ؟‬
‫وكيف بالنعم الخرى التي ل نراها ؟ بل كيف بأعظم نعمة على الطلق ‪،‬‬
‫وهي إنعام الله علينا بنعمة السلم والهداية ؟ والتي حرمها كثير من البشر ‪،‬‬
‫خلقوا عليها إل للقيام بهذه النعمة ‪.‬‬ ‫مع أنهم ما خلقوا بالهيئة المعجزة التي ُ‬
‫إن المتأمل في نعم الله ل يمكنه أن يخرج إل‬
‫بنتيجة واحدة ‪...‬‬
‫هي أن إنعام الله علينا وفضله يشملنا في كل لحظة من لحظات حياتنا ‪،‬‬
‫وفي كل حركتنا وسكناتنا ‪.‬‬
‫حقا ً ) وإن تعدوا نعمة الله ل تحصوها ( !! فهو سبحانه كما أخبر قد ) أسبغ‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ( ‪.‬‬


‫أليس من حق الله علينا بعد كل تلك النعم أن ُيطاع فل ُيعصى ‪ ،‬وأن ُيشكر‬
‫فل ُيكفر ؟‬
‫) كذلك نصرف اليات لقوم يشكرون (‬
‫) وهو الذي أنشأ لكم السمع والبصار والفئدة قليل ً ما تشكرون (‬
‫) فكلوا مما رزقكم الله حلل ً طيبا ً واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون (‬
‫فالعجب كل العجب لمن يعلم أن كل ما عنده من النعم هي من الله ‪ ،‬ثم هو‬
‫ل يستحي من الستعانة بها على ما نهى الله عنه !!‬
‫والشكر إنما يكون بامتثال أوامر الله عز وجل ‪ ،‬واجتناب نواهية ‪ ،‬فشكر‬
‫الجوارح يكون بأن يستعملها النسان في ما يرضي الله ‪ ،‬وليس فيما يغضبه ‪.‬‬
‫فالعين ل تنظر إلى ما حرم الله من الصور والعورات ‪.‬‬
‫والذن ل تسمع ما حرم الله من الغناء والباطل ‪.‬‬
‫واللسان ل يقول ما يغضب الله من الغيبة والفحش ‪.‬‬
‫ل وقوة ‪ ،‬فإنه يجب توظيفها فيما‬ ‫وهكذا سائر النعم الخرى من صحةٍ وما ٍ‬
‫يرضي الله من صنوف الطاعات كالصلة والصدقة وأعمال الخير والحسان‬
‫إلى الخلق وغير ذلك ‪.‬‬
‫ولن الشكر هو من أعظم القربات إلى الله ‪ ،‬فقد كان من أشد الطاعات‬
‫على عدو الله إبليس الذي أقسم أن يصرف جهده في جعل الناس ل‬
‫يشكرون ربهم فقال ‪ ) :‬ثم لتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم‬
‫وعن شمائلهم ول تجد أكثرهم شاكرين ( ‪.‬‬
‫إذا ً فعلينا أن نحذر من أن نكون مع أكثر الناس الغافلين الذين ل يشكرون‬
‫الله ‪ ،‬والذين حالهم كما قال الله ‪ ) ..‬ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا ً من الجن‬
‫نل‬‫ن ل يبصرون بها ولهم آذا ٌ‬ ‫ب ل يفقهون بها ولهم أعي ٌ‬ ‫والنس لهم قلو ٌ‬
‫يسمعون بها أولئك كالنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ( ‪.‬‬
‫ولنحرص أن نكون مع القليل الذين قال الله فيهم ) وقليل من عبادي‬
‫الشكور ( ‪..‬‬
‫ولنأخذ بوصية ربنا عزوجل ) بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ( كما أخذ بها‬
‫سئل‬ ‫نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقام الليل حتى تفطرت قدماه ‪ ،‬فلما ُ‬
‫‪ :‬أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال ‪ " :‬أفل أكون‬
‫عبدا ً شكوًرا ؟ " ‪.‬‬
‫فماذا نقول نحن المقصرين الذين ل يزال الله ينعم علينا ويرزقنا ويلطف بنا‬
‫مع أننا نعصية بالليل والنهار ؟‬
‫أفل نكون ‪...‬‬
‫عبادا ً شاكرين !!‬
‫عبادا ً شاكرين !!‬
‫عبادا ً شاكرين !!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ضعف أو تلشي اللتزام‬


‫يتناول الدرس مرض تراجع اللتزام‪ ،‬وعلمات ذلك‪ ،‬ثم ماهي أسباب تلشي‬
‫أو ضعف اللتزام‪ ،‬وما هي آثار ذلك على العاملين في الدعوة وعلى الدعوة‬
‫نفسها‪ ،‬ثم ذكر علج ضعف أو تلشي اللتزام ‪.‬‬
‫مفهوم ضعف أو تلشي اللتزام في اصطلح العلماء ‪ ,‬والدعاة ‪:‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هو‪ :‬التقصير أو عدم الوفاء بما يتعهد به المسلم‪ ،‬أويوجبه على نفسه من‬
‫الصالحات‪ ،‬حين يرضى بالله رًبا‪ ،‬وبالسلم ديًنا‪ ،‬وبمحمد صلى الله عليه‬
‫ل‪ ،‬بل حين يرضى أن يكون في صفوف الدعاة‪ ،‬وضمن قافلة‬ ‫وسلم نبًيا ورسو ً‬
‫العاملين من أجل التمكين لمنهج الله في الرض‪.‬‬
‫مظاهر ضعف أو تلشي اللتزام‪:‬‬
‫عدم الدقة‪ ،‬أو عدم النضباط في الحديث‪ ،‬أو الموعد‪.‬‬
‫إصدار الحكام دون تثبت أو تبين‪.‬‬
‫الفجور في الخصومة‪ ،‬أو عدم رعاية أدب الخلف‪.‬‬
‫الصغاء للشاعات والراجيف‪.‬‬
‫نبذ الطاعات إل فيما يوافق هوى النفس‪.‬‬
‫عدم النهوض بالبيت من الهل والولد إلى المستوى المنشود‪.‬‬
‫عدم رعاية الداب‪ ،‬أو السلوكيات الجتماعية‪.‬‬
‫عدم التضحية سواء بالنفس‪ ،‬أو بالمال‪ ،‬أو بهما مًعا‪.‬‬
‫عدم الدقة‪ ،‬أو عدم النضباط في الحركة‪.‬‬
‫إهمال النفس من التنقية والتزكية‪.‬‬
‫هب‪.‬‬ ‫ن‪ ،‬أو ترّو‪ ،‬أو تأ ّ‬ ‫استعجال النصر دون تأ ّ‬
‫الجتهاد فيما ل مجال فيه للجتهاد‪.‬‬
‫عدم الثبات أمام مطامع الحياة الدنيا‪ ،‬وعند المحن‪ ،‬والشدائد‪.‬‬
‫إهدار حقوق الخوة‪.‬‬
‫التدخل فيما ل يعني‪.‬‬
‫أسباب ضعف أو تلشي اللتزام‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم الفهم أو عدم الدراك لبعاد ومعالم اللتزام‪ :‬ذلك أن عدم الفهم‪ ،‬أو‬
‫عدم الدراك لبعاد ومعالم أي أمر من المور يؤدي إلى رفضه‪ ،‬بل ومعاداته‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه]‬ ‫م ت َأِويل ُ ُ‬ ‫ما ي َأت ِهِ ْ‬ ‫مهِ وَل َ ّ‬ ‫طوا ب ِعِل ْ ِ‬ ‫حي ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ل ك َذ ُّبوا ب ِ َ‬ ‫كما قال الله عز وجل‪ { :‬ب َ ْ‬
‫‪] }[39‬سورة يونس[‪.‬‬
‫وعليه فإن عدم الفهم‪ ،‬أو الفهم مع عدم الدراك القلبي لبعاد ومعالم‬
‫ما بصاحبه إلى التقصير‪ ،‬أو عدم الوفاء بما يقتضيه‬ ‫اللتزام‪ ،‬سينتهي حت ً‬
‫الدخول في صفوف المسلمين‪ ،‬بل في صفوف الدعاة والعاملين‪.‬‬
‫ولعل ذلك هو السر في افتتاح آي التنزيل بالدعوة إلى الفهم‪ ،‬والفهم الصحيح‬
‫م ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ق]‬ ‫ن عَل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫خل َقَ اْل ِن ْ َ‬ ‫ق]‪َ [1‬‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫والواعي المستنير‪ {:‬اقَْرأ ِبا ْ‬
‫‪[2‬اقْرأ ْ ورب ّ َ َ‬
‫م]‪[5‬‬ ‫م ي َعْل َ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سا َ‬ ‫م اْل ِن ْ َ‬ ‫م]‪[4‬عَل ّ َ‬ ‫قل ِ‬
‫م ِبال ْ َ َ‬ ‫ذي عَل ّ َ‬ ‫م]‪[3‬ال ّ ِ‬ ‫ك اْلك َْر ُ‬ ‫َ ََ‬
‫} ]سورة العلق[‪.‬‬
‫‪ -2‬الوسط ضعيف اللتزام أو غير الملتزم ‪ :‬وقد تلقي القدار بالمسلم في‬
‫وسط ضعيف اللتزام‪ ،‬أو غير ملتزم بالمرة‪ ،‬فيأخذ في القتداء والتأسي‪ ،‬أو‬
‫المحاكاة والمشابهة‪ ،‬ل سيما إذا كان هذا الوسط ممن يقتدى أو يتأسى به‪،‬‬
‫وتكون النتيجة ضعف أو تلشي اللتزام‪.‬‬
‫ولعل هذا السبب يكشف لنا عن السر في تأكيد السلم على السوة والقدوة‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ساَء الن ّب ِ ّ‬ ‫مه للسوة وللقدوة السيئة‪ ،‬إذ يقول سبحانه‪َ { :‬يان ِ َ‬ ‫الطيبة‪ ،‬وذ ّ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ذ َل ِك عَلى الل ِ‬ ‫َ‬ ‫ن وَكا َ‬ ‫ِ‬ ‫في ْ‬
‫ضعْ َ‬‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ف لَها العَ َ‬ ‫ضاعَ ْ‬ ‫مب َي ّن َةٍ ي ُ َ‬ ‫شةٍ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫من ْك ُ ّ‬
‫ن بِ َ‬ ‫ت ِ‬‫ي َأ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫جَر َ‬ ‫حا ن ُؤْت َِها أ ْ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫سول ِهِ وَت َعْ َ‬ ‫ن ل ِل ّهِ وََر ُ‬ ‫من ْك ُ ّ‬‫ت ِ‬ ‫قن ُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سيًرا]‪[30‬وَ َ‬ ‫يَ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما]‪] }[31‬سورة الحزاب[‪ .‬فيضاعف سبحانه له ّ‬ ‫ري ً‬ ‫وَأعْت َد َْنا لَها رِْزقا ك ِ‬
‫العقاب على السيئة‪ ،‬والثواب على الحسنة‪ ،‬بسبب جو الطهر والعفاف الذي‬
‫يعشن فيه‪ ،‬والذي يساعد على الطاعة والتقوى‪ ،‬وبسبب أن غيرهن يقتدي‬
‫ن عقاب معصيتهن‪ ،‬وعقاب معصية من اقتدى بهن‪ ،‬وكذلك‬ ‫ن‪ ،‬فيكون عليه ّ‬ ‫به ّ‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ثواب طاعتهن‪ ،‬وثواب طاعة من اقتدى بهن‪ ،‬جزاًء وفاًقا‪ ،‬ل سيما‬ ‫يكون له ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫نل ُ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫دى كا َ‬ ‫عا إ ِلى هُ ً‬ ‫َ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م قال‪َ ] :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫وقد جاء عن النبي َ‬
‫ةَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اْل َجر مث ْ ُ ُ‬
‫ضلل ٍ‬ ‫عا إ ِلى َ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م شي ْئا وَ َ‬ ‫جورِهِ ْ‬ ‫نأ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ذل ِك ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ه ل ي َن ْ ُ‬ ‫ن ت َب ِعَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جورِ َ‬ ‫لأ ُ‬ ‫ْ ِ ِ‬
‫شي ًْئا[ رواه‬ ‫م َ‬ ‫ه‬
‫ِ ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ثا‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬
‫ِ ْ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ُ ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ص‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬
‫َْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬
‫ِ َ ْ ََِ ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ثا‬‫َ‬ ‫آ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫ن عَل َ ْ ِ ِ ْ ِ ِ ِ‬
‫م‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ث‬‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ل َرب ّ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫مسلم‪.‬والدعوة كما تكون بالقول تكون بالسلوك‪{ :‬اد ْع ُ إ َِلى َ‬
‫خ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫طا ِ‬ ‫مَر ب ْ َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ة]‪] }[125‬سورة النحل[‪.‬ورد أ ّ‬ ‫سن َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عظ َةِ ال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫مةِ َوال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ِبال ْ ِ‬
‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫صُبو ً‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬‫ما هَ َ‬ ‫مُر‪َ ] :‬‬ ‫ل عُ َ‬ ‫حرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫غا وَهُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عُب َي ْدِ اللهِ ث َوًْبا َ‬ ‫ِ‬ ‫ة بْ‬ ‫ح َ‬ ‫َرأى عَلى طل َ‬
‫َ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫مد ٌَر فَ َ‬ ‫ما هُوَ َ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ميَر ال ْ ُ‬ ‫حةُ‪َ :‬يا أ ِ‬ ‫ل ط َل ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫؟ فَ َ‬ ‫حة ُ‬ ‫صُبوغ ُ َيا ط َل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫الث ّوْ ُ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫جاهِل َرأى هَ َ‬ ‫جل َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫س فَلوْ أ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫دي ب ِك ُ ْ‬ ‫قت َ ِ‬‫ة يَ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫م أي َّها الّرهْط أئ ِ ّ‬ ‫مُر‪ :‬إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫عُ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫س الث َّيا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬ ‫الث ّوْ َ‬
‫حَرام ِ‬ ‫ة ِفي ال ِ ْ‬ ‫صب ّغَ َ‬‫م َ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ن ي َلب َ ُ‬ ‫ن عُب َي ْدِ اللهِ كا َ‬ ‫ة بْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن طل َ‬ ‫ل‪ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫بل َ‬
‫ة[ رواه مالك ‪.‬‬ ‫صب ّغَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ن هَذِهِ الث َّيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شي ًْئا ِ‬ ‫ُ‬
‫سوا أي َّها الّرهْط َ‬ ‫فََل ت َل ْب َ ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -3‬ضعف اليمان‪:‬وقد يكون ضعف اليمان‪ ،‬ونزول مستواه في نفس‬


‫المسلم‪ ،‬هو السبب في ضعف أو تلشي اللتزام‪ ،‬ذلك أن اليمان هو مصدر‬
‫صر‪،‬‬ ‫الطاقات المتجددة‪ ،‬بل هو الحارس والحامي لصاحبه من أن يهمل أو يق ّ‬
‫م‪ -‬لمن قال له‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫أو يصّر على الخطاء؛ إذ يقول الن ّب ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫قيِني[ رواه‬ ‫س‬
‫ََ ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫بي‬ ‫ر‬ ‫ني‬ ‫م‬
‫ِ ُ ُ ِ ُ ِ َ ّ‬‫ع‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫ني‬ ‫مث ْل َك ُ ْ ِ ّ‬
‫إ‬ ‫م‬ ‫ت ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ل[ ‪ ] : -‬إ ِّني ل َ ْ‬ ‫ص ُ‬‫وا ِ‬ ‫ك تُ َ‬ ‫] إ ِن ّ َ‬
‫البخاري ومسلم‪ .‬فقد بّين جمهور علماء المسلمين المراد من هذا الكلم‬
‫قيِني[ مجاز من لزم الطعام والشراب‪،‬‬ ‫س ِ‬ ‫مِني َرّبي وَي َ ْ‬ ‫قائلين‪' :‬قوله‪] :‬ي ُط ْعِ ُ‬
‫ي ما يسد‬ ‫وهو القوة‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬يعطيني قوة الكل والشارب‪ ،‬ويفيض عل ّ‬
‫مسد ّ الطعام والشراب‪ ،‬ويقوي على أنواع الطاعة‪ ،‬من غير ضعف في القوة‪،‬‬
‫ول كلل في الحساس ‪ . '...‬وقال ابن حجر‪':‬ويحتمل أن يكون المراد بقوله‪:‬‬
‫قيِني[ أي‪ :‬يشغلني بالتفكر في عظمته والتملي‬ ‫س ِ‬‫مِني َرّبي وَي َ ْ‬ ‫]ي ُط ْعِ ُ‬
‫بمشاهدته‪ ،‬والتغذي بمعارفه‪ ،‬وقّرة العين بمحّبته‪ ،‬والستغراق في مناجاته‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫والقبال عليه عن الطعام والشراب'‪ .‬وعن أِبي هَُري َْرةَ َر ِ‬
‫ن وََل‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ي َْزِني وَهُوَ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ل‪َ ] :‬ل ي َْزِني الّزاِني ِ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫و‬
‫سرِقُ وَهُ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫سارِقُ ِ‬ ‫سرِقُ ال ّ‬ ‫ن وَل ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫شَرب َُها وَهُوَ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫مَر ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن[ رواه البخاري ومسلم والترمذي والدارمي وأحمد ‪ .‬ولهذا ل بد من‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫تعاهد اليمان وتجديده‪ ،‬فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‪:‬قال‬
‫م‪ ] :‬إن اليمان ليخلق في جوف أحدكم كما‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫رسول الله َ‬
‫يخلق الثوب‪ ،‬فسلوا الله تعالى أن يجدد اليمان في قلوبكم[ رواه الطبراني‬
‫صّلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫والحاكم‪ ،‬وقال الهيثمي‪ :‬إسناده حسن‪.‬وفي حديث أِبي هَُري َْرة َ أ ّ‬
‫جد ّد ُ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫ل الل ّهِ وَك َي ْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫م[ ِقي َ‬ ‫مان َك ُ ْ‬ ‫جد ُّدوا ِإي َ‬ ‫ل‪َ ] :‬‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه[ روا أحمد‪ ،‬وقال الهيثمي‪:‬‬ ‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫ل ل إ ِل َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ ] :‬أك ْث ُِروا ِ‬ ‫مان ََنا؟ َقا َ‬ ‫ِإي َ‬
‫إسناده جيد‪.‬‬
‫‪ -4‬إقبال الدنيا والتعلق بها‪ :‬وقد يكون إقبال الدنيا ببريقها وزخارفها من‬
‫المال والولد‪ ،‬والشهادات والوظائف‪ ،‬والمركز والجاه‪ ،‬وتعلق القلب بها‪ ،‬هو‬
‫ه‬
‫ل الل ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫السبب في ضعف أو تلشي اللتزام‪ ،‬يقول الله عز وجل‪َ { :‬‬
‫ْ‬
‫ه]‪] }[4‬سورة الحزاب[ وعليه فإذا أقبلت الدنيا‪،‬‬ ‫جوْفِ ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫من قَلَبي ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ل َِر ُ‬
‫وكان الشتغال والتعلق بها؛ لم يبق هناك وقت‪ ،‬ول طاقة‪ ،‬ول فكر يساعد‬
‫على اللتزام‪ ،‬واللتزام الدقيق‪ ،‬وحينئذ يكون ضعف أوتلشي اللتزام‪ .‬ولعل‬
‫هذا هوسر تحذير السلم الشديد من القبال على الدنيا‪ ،‬والتعلق بها‪ ،‬إذ يقول‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه‬
‫كم ِبالل ِ‬ ‫حَياة ُ الد ّن َْيا َول ي َغُّرن ّ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حقّ فَل َ ت َغُّرن ّك ُ ُ‬ ‫ن وَعْد َ اللهِ َ‬ ‫الله عز وجل‪{:‬إ ِ ّ‬
‫ال ْغَُروُر]‪] }[33‬سورة لقمان[‪.‬‬
‫والل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م‪...] :‬فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ف َقا َ‬ ‫ن عَوْ ٍ‬ ‫مَرو َ ب ْ ِ‬ ‫عن عَ ْ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫شى‬ ‫َ‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ني‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫شى‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫ق َ ْ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ف ْ‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫َّْ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ْ ُْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ْ َ ِّ‬ ‫َ‬
‫م[ رواه‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫سو‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ها‬ ‫سو‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ َ ْ ُْ ْ‬ ‫َ ََ ُ َ َُْ ِ‬ ‫َ ْ ْ ََ ُ َ‬ ‫َ ْ‬
‫البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬
‫م‪] :‬ان ْظ ُُروا إ َِلى‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫ن ل ت َْزد َُروا ن ِعْ َ‬ ‫جد َُر أ ْ‬ ‫م فَهُوَ أ ْ‬ ‫ن هُوَ فَوْقَك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَل ت َن ْظُروا إ ِلى َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫بي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫وأحمد‬ ‫مسلم‬ ‫رواه‬ ‫م[‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫عا‬ ‫م‬ ‫بو‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬
‫ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ة‬
‫ص ِ‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬
‫ْ ِ َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ر‬‫ّ‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬
‫ِ َ‬ ‫ر‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫دي‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫]‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ش[‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫شي‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫وا‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫إن أ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ َِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫رواه البخاري وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ -5‬المحن والشدائد ‪:‬وقد تكون المحن والشدائد في داخل الصف‪ ،‬أو من‬
‫خارجه‪ ،‬هي السبب في ضعف أو تلشي اللتزام‪ ،‬ذلك أن المحنة‪ ،‬أو الشدة‬
‫عندما تنزل بالنسان‪ ،‬فإنها تزلزل كيانه‪ ،‬وتكاد تعصف به إل من رحم الله‪،‬‬
‫لسيما إذا كان نزولها خالًيا من الترقب والستعداد‪ ،‬ومعرفة طريق الخلص‪،‬‬
‫وسبيل المواجهة‪ ،‬وحينئذ يشغل بها عن دوره الحقيقي‪ ،‬ورسالته السامية‪،‬‬
‫ويكون ضعف أو تلشي اللتزام‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولعل هذا هو سر حديث السلم المتكرر عن المحن والشدائد‪ ،‬وكيفية‬


‫ف‬‫خو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫التعامل معها‪ ،‬إذ يقول الحق تبارك وتعالى‪ {:‬وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن]‪[155‬ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫شرِ ال ّ‬ ‫ت وَب َ ّ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫س َوالث ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل َواْل َن ْ ُ‬
‫ف‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ٍ‬ ‫جوِع وَن َ ْ‬
‫ق‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫ت‬‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬‫م َ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن]‪ُ[156‬أول َئ ِ َ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ة َقاُلوا إ ِّنا ل ِل ّهِ وَإ ِّنا إ ِل َي ْهِ َرا ِ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫إ َِذا أ َ‬
‫ُ‬
‫ن]‪]} [157‬سورة البقرة[ وقال‪ {:‬ل َت ُب ْل َوُ ّ‬
‫ن‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ة وَأول َئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا الك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫معُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م وَلت َ ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِفي أ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موِر]‪}[186‬‬ ‫ن عَْزم ِ ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِك ِ‬ ‫قوا فَإ ِ ّ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫شَركوا أًذى كِثيًرا وَإ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م وَأوُذوا ِفي‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫جُروا وَأ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫]سورة آل عمران[ وقال‪َ {:‬فال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫سِبيِلي وََقات َُلوا وَقُت ُِلوا َل ُك َ ّ‬
‫حت َِها‬‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬ ‫م وََلد ْ ِ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَن ْهُ ْ‬ ‫فَر ّ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب]‪] }[195‬سورة آل‬ ‫وا ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الث َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عن ْد َه ُ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫عن ْد ِ اللهِ َوالل ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫واًبا ِ‬ ‫اْلن َْهاُر ث َ‬
‫َ‬
‫عمران[‪.‬‬
‫َ‬ ‫ست َل ْ َ‬
‫حّتى‬ ‫صب ُِروا َ‬ ‫دي أث ََرة ً َفا ْ‬ ‫ن ب َعْ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م‪ ] :‬إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫وَقا َ‬
‫م‬‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ض[ رواه البخاري ‪ .‬وعَ ْ‬ ‫حو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عد ُك ُ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫قوِْني وَ َ‬ ‫ت َل ْ َ‬
‫َ‬
‫ن وََل أًذى وََل غَ ّ‬
‫م‬ ‫حْز ٍ‬ ‫م وََل ُ‬ ‫ب وََل هَ ّ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ب وََل وَ َ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫صي ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ل‪َ ]:‬‬ ‫َقا َ‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم‬ ‫خطاَيا ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ب َِها ِ‬ ‫ّ‬
‫فَر الل ُ‬ ‫ّ‬
‫شاك َُها إ ِل ك َ ّ‬ ‫شوْك َةِ ي ُ َ‬ ‫حّتى ال ّ‬ ‫َ‬
‫والترمذي وأحمد‪.‬‬
‫‪ -6‬كثرة العباء مع طول مشاق الطريق‪ :‬وقد تكون كثرة العباء مع طول‬
‫ومشاق الطريق هي السبب في ضعف أو تلشي اللتزام‪ ،‬ذلك أن النسان‬
‫مل عبًئا فوق طاقته‪ ،‬فإنه سيأتي عليه لحظة يسقط بعضه أو‬ ‫طاقة‪ ،‬وإذا ح ّ‬
‫كله عن كاهله‪ ،‬لسّيما إذا كانت الطريق طويلة‪ ،‬وبها كثير من العقبات‬
‫وة‪ ،‬و الجماعة إذ هي‬ ‫والمعوقات‪ ،‬ولعل ذلك هو سر دعوة السلم إلى الخ ّ‬
‫التي تشارك في حمل العباء‪ ،‬وتجاوز طول ومشاق الطريق‪ ،‬يقول الحق‬
‫ة‪] }[10]...‬سورة الحجرات[ و يقول سبحانه‪{ :‬‬ ‫خو َ ٌ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫سبحانه‪ {:‬إ ِن ّ َ‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ن]‪[54‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م]‪] } [29‬سورة الفتح[ ويقول سبحانه‪ {:‬أذِل ّةٍ عََلى ال ْ ُ‬ ‫ماُء ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ُر َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫هاُرو َ‬ ‫ن أهِْلي]‪َ [29‬‬ ‫م ْ‬ ‫جعَل ِلي وَِزيًرا ِ‬ ‫} ]سورة المائدة[ ويقول سبحانه‪َ { :‬وا ْ‬
‫ري]‪] }[32‬سورة طه[‪ ،‬وَقالَ‬ ‫شرك ْه في أمَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ِ‬
‫ْ ِ‬ ‫شد ُد ْ ب ِهِ أْزِري]‪[31‬وَأ ْ ِ ُ ِ‬ ‫خي]‪[30‬ا ْ‬
‫ضا‬ ‫ه ب َعْ ً‬ ‫ض ُ‬ ‫شد ّ ب َعْ ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كال ْب ُن َْيا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م‪]:‬ال ْ ُ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ل‬ ‫مث َ ُ‬ ‫ه[رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي‪ .‬و َقا َ‬ ‫َ‬ ‫شب ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ل‪َ ]:‬‬ ‫صاب ِعِ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ك ب َي ْ َ‬
‫و‬
‫ض ٌ‬ ‫ه عُ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫كى ِ‬ ‫شت َ َ‬ ‫سد ِ إ َِذا ا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فهِ ْ‬ ‫م وَت ََعاط ُ ِ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م وَت ََرا ُ‬ ‫واد ّهِ ْ‬ ‫ن ِفي ت َ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مى[ رواه االبخاري ومسلم وأحمد‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫سهَرِ َوال ُ‬ ‫سد ِ ِبال ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ْ‬
‫سائ ُِر ال َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫عى ل ُ‬ ‫دا َ‬ ‫تَ َ‬
‫‪ -7‬البوان‪ :‬ذلك أن بعض الباء قد تحمله عاطفة الحب لولده‪ ،‬على الحيلولة‬
‫بين الولد واللتزام لسّيما في هذا العصر الذي صار فيه اللتزام بالسلم‪ ،‬بل‬
‫واللتزام بالدعاة والعاملين لدين الله تهمة‪ ،‬وتهمة خطيرة تقود صاحبها إلى‬
‫السجون والمعتقلت‪ ،‬أو النفي والتشريد في الرض‪ ،‬بل الموت أو القتل‪،‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن ل ِن َ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ناسين أو متناسين‪ :‬أن الجال بيد الله لبيد البشير‪ {:‬وَ َ‬
‫جًل]‪]}[145‬سورة آل عمران[ وأن الله وحده هو‬ ‫مؤ َ ّ‬ ‫ن الل ّهِ ك َِتاًبا ُ‬ ‫ت إ ِّل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫تَ ُ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫مو ُ‬ ‫ض تَ ُ‬ ‫س ب ِأيّ أْر ٍ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ما ت َد ِْري ن َ ْ‬ ‫الذي يعلم نهاية هذه الجال { وَ َ‬
‫هّ‬
‫خَر الل ُ‬ ‫ن ي ُؤَ ّ‬ ‫َ‬
‫خِبيٌر]‪] }[34‬سورة لقمان[‪ ،‬وأن أجل الله إذا جاء ل يؤخر‪ {:‬وَل ْ‬ ‫َ‬
‫وَ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪] }[11‬سورة المنافقون[ { قل ل ْ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫جلَها َوالل ُ‬ ‫جاَء أ َ‬ ‫سا إ ِذا َ‬ ‫ف ً‬ ‫نَ ْ‬
‫م]‪] }[154‬سورة‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫َ َ ِ ِ ِ ْ‬ ‫ضا‬ ‫م‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫ْ ِ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫ِ َ ِ َ َ ِْ ُ‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ُُ ِ ْ ََ َ‬‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫يو‬ ‫ب‬ ‫في‬ ‫ك ُن ْ ُ ْ ِ‬
‫م‬ ‫ت‬
‫َ‬
‫ة]‪[78‬‬ ‫شي ّد َ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫م ِفي ب ُُروٍج ُ‬ ‫ت وَل َوْ ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫موْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫كوُنوا ي ُد ْرِك ُك ُ ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫آل عمران[ { أي ْن َ َ‬
‫} ]سورة النساء[‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بل ناسين أو متناسين‪ :‬أن موسى عليه السلم الذي ألقي في اليم‪ ،‬وهو‬
‫جاه الله‪ ،‬وكان هلك فرعون طاغية مصر على‬ ‫صغير ل حول له ول قوة‪ ،‬ن ّ‬
‫م وَلَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قيهِ ِفي الي َ ّ‬ ‫ت عَلي ْهِ فَأل ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ضِعيهِ فَإ َِذا ِ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫حي َْنا إ َِلى أ ّ‬ ‫يديه‪ {:‬وَأوْ َ‬
‫ه َءا ُ‬
‫ل‬ ‫قط َ ُ‬ ‫ن]‪َ[7‬فال ْت َ َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عُلوه ُ ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫حَزِني إ ِّنا َراّدوه ُ إ ِل َي ْ ِ‬ ‫خاِفي وََل ت َ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫ن]‬‫خاط ِِئي َ‬ ‫ما كاُنوا َ‬ ‫َ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫حَزًنا إ ِ ّ‬ ‫م عَد ُّوا وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن لهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن ل ِي َكو َ‬ ‫فِْرعَوْ َ‬
‫‪] }[8‬سورة القصص[ وأن يوسف عليه السلم الذي ألقي من قبل في‬
‫الجب‪ ،‬أنجاه الله‪ ،‬ومكن له في الرض يتبوأ منها حيث يشاء‪ ،‬وقال لخوته‬
‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ق وَي َ ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ه عَل َي َْنا إ ِن ّ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫خي قَد ْ َ‬ ‫ذا أ َ ِ‬ ‫ف وَهَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫َ‬
‫في النهاية‪ {:‬أَنا ُيو ُ‬
‫َ‬
‫ن]‪] }[90‬سورة يوسف[‪.‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫‪ -8‬الستجابة للوساوس والشبهات الشيطانية‪ :‬ذلك أن الشيطان قاعد‬
‫للنسان‪ -‬لسّيما المسلم‪ -‬بالمرصاد‪ ،‬يوسوس بإلقاء الشبهات والباطيل كي‬
‫يصرفه عن طريق الله‪ ،‬أو على القل يجعل سيره في هذه الطريق محفوًفا‬
‫بالتضييع والتفريط‪ ،‬وحين يستجيب المسلم إلى هذه الوساوس‪ ،‬وتلك‬
‫الشبهات‪ ،‬يبتلى بضعف أو تلشي اللتزام‪ ،‬ولعل هذا هو السر في دوام تحذير‬
‫السلم لنا من الشيطان الرجيم ووسوسته فل نسمع لها‪ ،‬ول نستجيب‪:‬‬
‫ج‬
‫خَر َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫فت ِن َن ّك ُ ُ‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫يقول الحق سبحانه وتعالى‪َ {:‬ياب َِني َءاد َ َ‬
‫َ‬
‫ما‪] }[27]...‬سورة‬ ‫وآت ِهِ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ما ل ِي ُرِي َهُ َ‬ ‫سهُ َ‬ ‫ما ل َِبا َ‬ ‫جن ّةِ ي َن ْزِع ُ عَن ْهُ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫أب َوَي ْك ُ ْ‬
‫م عَد ُّو‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط ُ َ‬ ‫العراف[‪ .‬ويقول الله تعالى‪َ{:‬ول ت َت ّب ُِعوا ُ‬
‫س‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬
‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫شّر الوَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن]‪] }[218‬سورة البقرة[‪.‬ويقول الله تعالى‪ِ {:‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ُ‬
‫س]‪] }[6‬سورة‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫جن ّةِ َوالّنا ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫س]‪ِ [5‬‬ ‫دورِ الّنا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫س ِفي ُ‬ ‫سو ِ ُ‬ ‫ذي ي ُوَ ْ‬ ‫س]‪[4‬ال ِ‬ ‫خّنا ِ‬ ‫ال َ‬
‫الناس[‪.‬‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ن أِبي فاك ِهٍ قال‪َ :‬‬ ‫سب َْرة َ ب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وع َ ْ‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قا َ‬
‫ل‬ ‫سَلم ِ فَ َ‬ ‫ق اْل ِ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ه ب ِط َ ِ‬ ‫قعَد َ ل َ ُ‬ ‫م ب ِأ َط ُْرقِهِ فَ َ‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫ن قَعَد َ ِلب ْ ِ‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ل‪ ] :‬إ ِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ري ِ‬ ‫ه ب ِط ِ‬ ‫م قعَد َ ل ُ‬ ‫مث ّ‬ ‫سل َ‬ ‫صاه ُ فأ ْ‬ ‫ن آَبائ ِك َوآَباِء أِبيك فعَ َ‬ ‫م وَت َذ َُر ِدين َك وَِدي َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫فَر ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫مث ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جرِ ك َ‬ ‫مَها ِ‬ ‫مثل ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫ماَءك وَإ ِن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ضك و َ َ‬ ‫َ‬ ‫جُر وَت َد َع ُ أْر َ‬ ‫قال ت َُها ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جَرةِ ف َ‬ ‫ال ْهِ ْ‬
‫جهْد ُ‬ ‫جاهِد ُ فَهُوَ َ‬ ‫ل تُ َ‬ ‫قا َ‬ ‫جَهاد ِ فَ َ‬ ‫ق ال ْ ِ‬ ‫ري ِ‬ ‫ه ب ِط َ ِ‬ ‫م قَعَد َ ل َ ُ‬ ‫جَر ث ُ ّ‬ ‫صاه ُ فََها َ‬ ‫ل فَعَ َ‬ ‫ِفي الط ّوَ ِ‬
‫َ‬
‫د[‬ ‫جاهَ َ‬ ‫صاه ُ فَ َ‬ ‫ل فَعَ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ق َ‬ ‫مْرأة ُ وَي ُ ْ‬ ‫ح ال ْ َ‬ ‫ل فَت ُن ْك َ ُ‬ ‫قت َ ُ‬ ‫ل فَت ُ ْ‬ ‫قات ِ ُ‬ ‫ل فَت ُ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫قا عََلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫ن فَعَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪ ] :‬فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قُت ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ج ّ‬
‫خل ُ‬ ‫ن ي ُد ْ ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫قا عَلى اللهِ عَّز وَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ه ال َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ن ي ُد ْ ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫عَّز وَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َداب ّت ُ ُ‬ ‫صت ْ ُ‬ ‫ة أوْ وَقَ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ه ال َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ن ي ُد ْ ِ‬ ‫قا عَلى اللهِ أ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن غَرِقَ َ‬ ‫ة وَإ ِ ْ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ة[ رواه أحمد والنسائي‪.‬‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫ن ي ُد ْ ِ‬ ‫عََلى الل ّهِ أ ْ‬
‫ل‪ ،‬أو‬ ‫‪ -9‬عدم المتابعة من الخرين‪ :‬ذلك أن النسان إذا شعر أن هناك إهما ً‬
‫عدم متابعة له من الخرين‪ ،‬فإن همته تفتر‪ ،‬وعزيمته تضعف‪ ،‬أما إذا كانت‬
‫المتابعة المتمثلة في المساءلة والمجازاة‪ ،‬فإن الهمة تعلو‪ ،‬والرادة تقوى‪،‬‬
‫م الشديدة‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫والعزيمة تشتد‪ ،‬ولعل هذا هو سر متابعة النبي َ‬
‫لصحابه في كل تصرفاتهم وسلوكياتهم‪ ،‬وحسبنا هنا هذه الصورة من‬
‫المتابعة‪:‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫من ْك ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صب َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ قال‪ :‬قال َر ُ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫ل أ َبو بك ْر رضي الل ّه عَنه أ َ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬
‫َ ْ َِ َ ِ ْ ْ َ ْ َ‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫]‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫نا‬ ‫ُ ْ ُ َ‬ ‫ُ َ ٍ َ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ما[‬ ‫ال ْي َ ْ َ َ ِ ً‬
‫ئ‬ ‫صا‬ ‫م‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كيًنا[‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أط ْعَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ ] :‬فَ َ‬ ‫ه أَنا َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ل أُبو ب َك ْرٍ َر ِ‬ ‫ة[ َقا َ‬ ‫جَناَز ً‬ ‫َ‬
‫ل أُبو‬ ‫َ‬ ‫ضا[ َقا َ‬ ‫ري‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫عا‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫]‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫بو‬ ‫ل أَ‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫َ ِ ْ ْ َ ْ َ َ ِ ً‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ْ ُ َ‬ ‫ُ َ ٍ َ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫معْ َ‬ ‫جت َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ه أَنا فَ َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ب َك ْرٍ َر ِ‬
‫ة[ رواه مسلم‪.‬‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ئ إ ِل د َ َ‬ ‫ّ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫ِفي ا ْ‬
‫‪ -10‬الغفلة عن عواقب ضعف أو تلشي اللتزام ‪ :‬ذلك أن من غفل عن‬
‫العواقب الخطيرة لمر ما‪ ،‬تعاطى هذا المر مع تقصير فيه‪ ،‬أو أهمله وألغاه‬
‫من حسابه بالمرة‪ ،‬ول يفيق ول ينتبه إل حين نزول العواقب؛ فيندم حيث ل‬
‫ينفع الندم‪ ،‬ويتمنى حين ل تفيد الماني‪.‬‬
‫آثار ضعف وتلشي اللتزام‪:‬‬
‫آثاره على العاملين‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -1‬الحيلولة دون العبودية الحقة‪ :‬ذلك أن من كان ضعيف أو عديم اللتزام‪،‬‬


‫فإنه يفسح المجال أمام الشر ليستشري والباطل لينتشر‪ ،‬حتى يصل إليه‬
‫وإلى ذويه‪ ،‬وحينئذ يحال بينه وبين أبسط قواعد اللتزام السلمي‪ ،‬كالشعائر‬
‫التعبدية مثل ً ‪.‬‬
‫‪ -2‬فقد ثقة الناس‪:‬وهذا أمر بدهي‪ ،‬فإن الناس ل يتأثرون بالكلمات قدر ما‬
‫يتأثرون بالسلوكيات‪ ،‬حتى قيل‪':‬عمل رجل في ألف رجل‪ ،‬خير من قول ألف‬
‫رجل في رجل'‪ ،‬وعليه فإن من كان ضعيف أو عديم اللتزام؛ يسحب الناس‬
‫ثقتهم منه‪ ،‬وحينئذ يخسر كثيًرا‪ ،‬وتكون هذه الخسارة في الدنيا قبل الخرة‪،‬‬
‫ما استهانوا بأمر اللتزام‪ ،‬فعاقبهم الله بضياع‬ ‫وكم قرأنا وسمعنا وشاهدنا أقوا ً‬
‫ثقة الناس‪ ،‬وجّر ذلك عليهم خسراًنا مبيًنا حتى في وظائفهم‪ ،‬ودنياهم‪،‬‬
‫ومصالحهم الشخصية‪.‬‬
‫‪ -3‬القلق والضطراب النفسي‪:‬ذلك أن ضعيف أو عديم اللتزم إنما هو عاص‬
‫لله‪ ،‬وللمعصية آثار ضارة أشدها القلق والضطراب النفسي‪ ،‬ولعل ذلك هو‬
‫المفهوم من‪:‬‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه]‪] }[11‬سورة التغابن[ ‪.‬‬ ‫ن ِبالل ّهِ ي َهْد ِ قَل ْب َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قوله تعالى‪ {:‬وَ َ‬
‫ضن ْكا]‪] }[124‬سورة‬ ‫ً‬ ‫مِعي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة َ‬ ‫ش ً‬ ‫ه َ‬ ‫نل ُ‬ ‫ري فإ ِ ّ‬ ‫عن ذِك ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله تعالى‪{:‬وَ َ‬
‫طه[‪.‬‬
‫دا]‪] }[17‬سورة‬ ‫ع‬ ‫ص‬ ‫با‬ ‫َ‬
‫ذا‬
‫ِ ِ َ ّ ِ َ ْ ُ َ ً َ َ ً‬‫ع‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ذ‬ ‫عن‬ ‫ض‬
‫َ َ ّْ ِ ْ َ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫و‬‫تعالى‪{:‬‬ ‫وقوله‬
‫الجن[‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ب ِذِك ْرِ اللهِ أل َ ب ِذِك ْرِ اللهِ ت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫ن قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مُنوا وَت َط ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله تعالى‪{:‬ال ّ ِ‬
‫قُلوب]‪] }[28‬سورة الرعد[‪.‬‬ ‫ال ْ ُ‬
‫هم‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫م ُ‬
‫َ‬
‫م ال ْ‬ ‫ك ل َهُ ُ‬ ‫مان َُهم ب ِظ ُل ْم ٍ أ ُوَْلئ َ‬ ‫سوا ِإي َ‬ ‫م ي َل ْب ِ ُ‬ ‫مُنوا وَل َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله تعالى‪{:‬ال ّ ِ‬
‫ن]‪] }[82‬سورة النعام[‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫ّ‬
‫‪ -4‬الحرمان من الجر والمثوبة؛ بل وتحمل الوزار‪:‬ذلك أن ضعيف‪ ،‬أو عديم‬
‫اللتزام ضيع على نفسه بذلك الجر‪ ،‬وحرمها من المثوبة‪ ،‬بل وعرضها لتحمل‬
‫أوزار الذين اقتدوا به‪ ،‬في ضعفه أو عدم التزامه ففتنوا وضاعوا‪ ،‬قال‬
‫ْ‬ ‫تعالى‪{:‬ل ِيحمُلوا أ َوزارهُم عََلى ظ ُهورهم وم َ‬
‫علم ٍ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫ضّلون َهُ ْ‬‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن أوَْزارِ ال ّ ِ‬ ‫ُ َ ِ ْ َ ِ ْ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن]‪] }[25‬سورة النحل[‪.‬‬ ‫ما ي َزُِرو َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫أل َ َ‬
‫آثاره على العمل السلمي‪:‬‬
‫‪ -1‬فتح المجال لمحاولة اختراق هذا العمل لضربه‪ ،‬أو على القل تطويقه‬
‫وإجهاضه‪.‬‬
‫‪ -2‬قلة‪ ،‬أو انعدام كسب النصار والمؤيدين‪.‬‬
‫‪ -3‬منح أعداء الله فرصة التحرش بالعمل السلمي لتشويه صورته في عيون‬
‫العامة‪.‬‬
‫ه‬
‫صُروا الل َ‬ ‫مُنوا ِإن َتن ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫‪ -4‬الحرمان من المدد الرباني‪:‬قال تعالى‪َ{:‬يأي َّها ال ِ‬
‫َ‬
‫م]‪] }[7‬سورة محمد[‪.‬‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬‫صْرك ُ ْ‬ ‫ي َن ْ ُ‬
‫علج ضعف أو تلشي اللتزام‪:‬‬
‫‪ -1‬الدراك الذهني بل والقلبي لبعاد ومعالم اللتزام‪ :‬بحيث يخالط هذا‬
‫الدراك الحاسيس والمشاعر‪ ،‬بل والخواطر‪ ،‬ويصير سجية للنفس‪ ،‬تفرح‬
‫وتستريح حين تتمثله في داخلها وفي واقع الحياة‪ ،‬وتحزن وتضيق إذا هي‬
‫قصرت في هذا التمثيل‪.‬‬
‫‪ -2‬التأكيد على دقة اللتزام من ذوي السوة والقدوة‪ :‬حتى يكون ذلك دافًعا‬
‫لمن دونهم على القتداء والتأسي‪ ،‬أو على القل المحاكاة والمشابهة‪.‬‬
‫‪ -3‬الحرص على تجديد اليمان وتقويته في النفس‪ :‬فإن ذلك يولد طاقات‬
‫وإمكانات؛ تعين على اللتزام‪ ،‬وأبعد من ذلك يكون الحارس والمين‪ ،‬لئل‬
‫يكون تقصير أو إهمال‪.‬‬
‫‪ -4‬الفهم الواعي الدقيق لحقيقة الدنيا والخرة‪ :‬وعلقة كل منها بالخرى‪،‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫صيب َ َ‬‫س نَ ِ‬ ‫خَرةَ وَل َ ت َن ْ َ‬ ‫داَر ال ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫ما آَتا َ‬ ‫على نحو قوله تعالى‪َ{:‬واب ْت َِغ ِفي َ‬
‫الد ّن َْيا]‪] }[77‬سورة القصص[‪.‬‬
‫‪ -5‬إدراك أن طريق الهجرة والفرار إلى الله طريق كلها أشواك وصعاب‬
‫فيجب الستعداد لها‪.‬‬
‫‪ -6‬حمل ما تقدر النفس على القيام به‪ :‬حتى ل تضعف‪ ،‬أو تنقطع عن ركب‬
‫سعََها]‪[286‬‬ ‫سا إ ِل ّ وُ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ُ‬ ‫العاملين المجاهدين‪ ،‬قال تعالى‪{:‬ل َ ي ُك َل ّ ُ‬
‫ها]‪] }[7‬سورة الطلق[‪.‬‬ ‫ما آَتا َ‬ ‫سا إل ّ َ‬ ‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ُ‬ ‫} ]سورة البقرة[‪{ .‬ل َ ي ُك َل ّ ُ‬
‫‪ -7‬التحذير المستمر من كيد الشيطان ووسوسته‪ :‬مع بيان سبيل النجاة من‬
‫هذه المكايد‪ ،‬وتلك الوساوس‪.‬‬
‫‪ -8‬الوقوف على سير وأخبار من عرفوا بدقة وكمال اللتزام‪ :‬والتاريخ‬
‫السلمي مملوء بذلك من النافع المفيد ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -9‬الحرص على لزوم الجماعة‪ :‬وعدم النفكاك عنها لحظة واحدة‪ ،‬إذ فيها‬
‫يكون التناصح‪ ،‬والتواصي بالحق‪ ،‬والتواصي بالصبر‪ ،‬والتعاون‪ ،‬وتجديد‬
‫النشاط‪ ،‬وإعلء الهمة‪ ،‬وغير ذلك مما يعد في الحقيقة جوهر ومضمون‬
‫اللتزام‪.‬‬
‫‪ -10‬الستعانة التامة بالله عز وجل‪ :‬فإنه سبحانه يعين من لجأ إليه‪ ،‬واستعان‬
‫به‪ ،‬ولذ بحماه‪.‬‬
‫ما للوقوف على جوانب الضعف والخلل فيها‪ :‬ثم‬ ‫‪ -11‬محاسبة النفس دو ً‬
‫تلفي ذلك بالتوبة والقلع عن الخطأ‪ ،‬وجبره بأنواع من الكفارات كالصدقة‬
‫والصوم‪ ،‬والكثار من النوافل‪.‬‬
‫‪ -12‬الحسان إلى البوين في المعاملة‪ ،‬مع لفت نظرهما بأدب ورقة إلى أن‬
‫الجال بيد الله‪ :‬وأن ما شاء الله كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وأنه لن تموت‬
‫نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ -13‬التذكر الدائم بفوائد وثمرات اللتزام وعواقب ومضار إهداره‪ ،‬أو التخلي‬
‫عنه‪ :‬فإن هذا التذكير له دور كبير في عودة النفس إلى صوابها‪ ،‬ونهوضها من‬
‫جديد‪.‬‬
‫‪ -14‬المعايشة المستمرة لكتاب الله عز وجل‪ :‬فإنه بيان دقيق لحقيقة‬
‫ومضمون اللتزام‪ ،‬ول ِم ل يكون كذلك‪ ،‬وهو حكم الله‪{ :‬وم َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن]‪] [50‬سورة المائدة[‪.‬‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ما ل ِ َ‬ ‫حك ْ ً‬ ‫ُ‬
‫‪ -15‬المسارعة بالنتفاع بالنعم التية من الوقت‪ ،‬والصحة‪ ،‬والمال‪ ،‬والعلم‪،‬‬
‫َ‬ ‫والشباب‪ ،‬وغير ذلك قبل زوالها‪ :‬فع َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرة َ أ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سًيا أوْ ِغًنى‬ ‫من ْ ِ‬ ‫قًرا ُ‬ ‫ن إ ِل فَ ْ‬ ‫ل ت َن ْت َظ ُِرو َ‬ ‫سب ًْعا هَ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل‪َ ] :‬بادُِروا ِباْلعْ َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫غائ ِ ٍ‬ ‫شّر َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫جا َ‬ ‫جهًِزا أوْ الد ّ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫موًْتا ُ‬ ‫دا أوْ َ‬ ‫فن ّ ً‬ ‫م َ‬ ‫ما ُ‬ ‫دا أوْ هََر ً‬ ‫س ً‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ضا ُ‬ ‫مَر ً‬ ‫مط ْغًِيا أوْ َ‬ ‫ُ‬
‫مّر [ رواه الترمذي ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫هى‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫سا‬ ‫فال‬ ‫َ‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫سا‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ينتظ َر أ َ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫ف َ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫م‪ :‬عن ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -16‬المعايشة الدائمة لسنة وسيرة النبي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫شهَد َ ب َد ًْرا إ ِّل أ َّني َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫سي ْ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ت أَنا وَأِبي ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر ْ‬ ‫من َعَِني أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ال ْي َ َ‬ ‫ب ْ َِ‬
‫ريد ُ إ ِلّ‬ ‫ما ن ُ ِ‬ ‫ريد ُه ُ َ‬ ‫ما ن ُ ِ‬ ‫قلَنا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دا ف ُ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ُ‬
‫ش قالوا إ ِن ّك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خذ ََنا ك ّ‬ ‫فَأ َ‬
‫فاُر قَري ْ ٍ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قات ِ ُ‬ ‫دين َةِ وََل ن ُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ص َرِفَ ّ‬ ‫ه ل َن َن ْ َ‬ ‫ميَثاقَ ُ‬ ‫مّنا عَهْد َ الل ّهِ وَ ِ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ة فَأ َ‬ ‫دين َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫في‬ ‫صرَِفا ن َ ِ‬ ‫ل‪] :‬ان ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫خب ََر فَ َ‬ ‫خب َْرَناهُ ال ْ َ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫فَأت َي َْنا َر ُ‬
‫م[ رواه مسلم وأحمد ‪.‬‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ست َِعي ُ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫م ب ِعَهْدِهِ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫من كتاب‪ :‬آفات على الطريق للدكتور‪ /‬السيد محمد نوح ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ضعف التأصيل وتأصيل الضعف‬


‫إن الدعوة إلى الله عز وجل عبادة عظيمة من أعظم العبادات التي يحبها‬
‫الله عز وجل وُيتقرب بها إليه سبحانه ولكن شأنها شأن العبادات الخرى التي‬
‫يشترط في قبولها عند الله تعالى أن يكون فيها إخلص ومتابعة لما جاء به‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬و َ‬
‫شَرعه لمته ؛ وهذا هو مفهوم التأصيل ‪.‬‬
‫والناظر في واقع الدعوة اليوم وما أثمرته من صحوة عامة وعودة إلى الدين‬
‫والخير ومقارعة الفساد وأهله ليحمد الله عز وجل على هذه النعمة‬
‫العظيمة ‪ ،‬ويشكر القائمين على هذه الدعوة من علماء وطلب علم ودعاة‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل في مهمته ‪ ،‬وحسب ما قدم ‪ .‬ومع هذا الخير‬ ‫وموجهين ومحسنين ؛ ك ٌ‬


‫العظيم الذي ل يماري فيه عاقل محب للخير ؛ فإن هناك أمرين خطيرين‬
‫ينبغي أن ينتبه إليهما الدعاة المخلصون ؛ لنهما طالما كانا من معاول الهدم‬
‫للدعوات الصحيحة ‪ ،‬أو كانا أداتي نخر وإفساد للدعوات الناشئة في بنائها ‪.‬‬
‫وهذان المران هما ‪:‬‬
‫‪ 1‬ضعف التأصيل ‪ 2 .‬تأصيل الضعف ‪.‬‬
‫والمقصود بضعف التأصيل ‪ :‬النطلق في أمور الدعوة ومناهجها وأساليبها‬
‫دون الرجوع إلى أصول الشريعة وما كان عليه الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬وأصحابه الكرام رضي الله عنهم ‪ ،‬ودون الهتمام بالمستند الشرعي‬
‫والدليل العلمي لمنطلقات الدعوة ومناهجها ‪ ،‬والكتفاء بآراء الرجال ‪،‬‬
‫والتقليد العمى دون تمحيص هذه الراء ‪ ،‬وهل هي توافق مقاصد الشريعة‬
‫وأصول السيرة النبوية الطاهرة أم ل ؟ ! إن تربية النشء على قدسية أقوال‬
‫فلن من الناس ‪ ،‬وأنها الحق الذي ل مرية فيه نهج خاطئ منحرف ‪ ،‬ومثال‬
‫واضح لضعف التأصيل أو انعدامه ‪.‬‬
‫كما أن ربط الصحة والخطأ في أمور الدعوة بالعقل والذوق ورغبات الناس‬
‫هي الخرى مثال لضعف التأصيل ‪ .‬والمثلة كثيرة وليس المقام مقام تفصيل‬
‫لها ‪ ..‬والمقصود ‪ :‬أن ضعف التأصيل ظاهرة خطيرة ‪ُ ،‬ترى دائما ً وتظهر في‬
‫أزمنة الجهل بالشريعة ‪ ،‬وضعف العلم الشرعي ‪ ،‬وترك الخذ بالدليل الصحيح‬
‫‪ ،‬والستعاضة عن ذلك بآراء الرجال وعقولهم وأهوائهم ‪ .‬وعلج هذا النحراف‬
‫يكون في ربط الدعوة ومناهجها بالدليل ومقاصد الشريعة وقواعدها ‪ ،‬وإحياء‬
‫العلم الشرعي بين الناس ‪ ،‬وأن ل عصمة إل للرسول صلى الله عليه وسلم؛‬
‫وكل من عداه يؤخذ من قوله ويرد ‪ .‬وإحقاقا ً للحق فإن كثيرا ً من الدعوات‬
‫اليوم ولله الحمد قد ثّبتت منهج التأصيل والرجوع إلى ما كان عليه سلف‬
‫المة والهتمام بالدليل ؛ وما ذاك إل بسبب انتشار العلم وكثرة طلبه‬
‫والتفافهم على العلماء ؛ وهذا يبشر بالخير إن شاء الله تعالى وإن كان‬
‫التأصيل الشامل يحتاج إلى جهد كبير ‪ ،‬وتعاون عظيم بين العلماء والدعاة في‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫أما المر الثاني فهو تأصيل الضعف ‪ :‬والمقصود بتأصيل الضعف هنا ‪ :‬هو أن‬
‫يقع النسان في ضعف أو خطأ ‪ ،‬وعوضا ً عن العتراف بهذا الضعف ‪،‬‬
‫ومحاولة النهوض منه ومعالجته ‪ ..‬تراه يتكلف الستدلل لضعفه هذا ببعض‬
‫الدلة الشرعية التي ل تصلح للستدلل ‪ ،‬وقصده من هذا أن يظهر بمظهر‬
‫المتقيد بالشرع ‪ ،‬وأنه ينطلق في مواقفه من أصول شرعية ‪ ،‬ولتوضيح هذه‬
‫المسألة أضرب المثلة‬
‫التية ‪:‬‬
‫وغ كتم الحق بالخوف على النفس من الفتنة ‪ ،‬أو بالخوف‬ ‫‪ -1‬هناك من يس ّ‬
‫على الناس من تبعات قول الحق وما يجر عليهم من المفاسد والفتن ؛ فإن‬
‫عرف عنه التقوى والخلص والعلم بمقاصد‬ ‫كان من يقول هذا القول قد ُ‬
‫الشريعة ؛ فإنه والحالة هذه مسؤول عما يقول وهو إن شاء الله تعالى مأجور‬
‫صل ضعفه‬ ‫على اجتهاده ‪ ،‬وليس هو ممن يلبس الحق بالباطل ‪ ،‬أو ممن يؤ ّ‬
‫وغه بمسوغات شرعية ‪ .‬أما إن كان صاحب هذا القول ممن عرف عنه‬ ‫ويس ّ‬
‫ً‬
‫قلة الدين واللهث وراء الدنيا ‪ ،‬وعرف عنه كتم الحق خوفا على دنيا فانية ‪ ،‬أو‬
‫طمعا ً في متاع زائل فإن موقفه والحالة هذه ُيعد صورة من صور تأصيل‬
‫الضعف ‪ ،‬ولبس الحق بالباطل ؛ حيث أظهر طمعه وخوفه في صورة الحرص‬
‫على مقاصد الشريعة ومراعاة المصالح والمفاسد ‪ .‬والله سبحانه هو المطلع‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على ما في القلوب وهو ع ّ‬


‫لم الغيوب ‪.‬‬
‫‪ -2‬من المعلوم أن المر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول‬
‫الشريعة ل تقوم إل به ‪ ،‬ولكن قد يتركه بعض الناس في بعض الظروف ‪ :‬إما‬
‫لمسوغ شرعي كتخلف بعض شروطه ‪ ،‬أو لضعف وتخاذل مع بقاء هذه‬
‫ول المر بالمعروف والنهي عن‬ ‫الشعيرة على أصلها في النفوس ‪ ،‬أما لو تح ّ‬
‫المنكر مع مرور الوقت وكثرة المنكرات وضعف اليمان إلى أن يصبح‬
‫ك المر والنهي هو الصل الذي يبحث له عن المسوغات‬ ‫ت وتر ُ‬
‫السكو ُ‬
‫الشرعية كدرء الفتنة ونحوها ‪ ،‬ثم يتحول المر والنهي إلى حالة استثنائية ل‬
‫خم لتصبح أقرب إلى التعجيز منها إلى‬ ‫يقام به إل عند توفر الشروط التي ُتض ّ‬
‫المكان إذا آل المر إلى هذه الحالة فإنه عين اللبس ‪ ،‬وهو تأصيل الضعف ؛‬
‫حيث انعكس المر فأصبح السكوت والضعف عن هذه الشعيرة العظيمة هو‬
‫الصل ‪ ،‬وما خالفه من المر والنهي هو المستثنى ‪ ،‬ونعوذ‬
‫بالله من الخذلن ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -3‬من المعلوم أن البراءة من المشركين والكفار أصل عظيم من أصول‬


‫العقيدة ‪ ،‬ل يصح إيمان العبد إل بها ‪ ،‬وقد يمر بالمسلم وقت ل يستطيع أن‬
‫يجاهر بعدائه للكفار ‪ ،‬وقد يداريهم في الظاهر ؛ لكن قلبه ممتلئ ببغضهم‬
‫والبراءة منهم ؛ لكن الخطير في هذا المر أن يستمرئ الناس مداراة الكفار‬
‫ول المر إلى مداهنة وموالة ‪ ،‬وحتى يؤول في النهاية‬ ‫في كل حين حتى يتح ّ‬
‫صل المداهنة الناشئة عن ضعف اليمان وحب الدنيا ووهن‬ ‫إلى أن تؤ ّ‬
‫العزيمة ‪ ،‬وتصبح هي الصل ‪ ،‬وما خالفها طارئ وجزئي ل ُتعاَرض به ‪ ،‬كمن‬
‫صل اليوم التسامح الديني وتقارب الديان بحجة المصلحة الشرعية ونبذ‬ ‫يؤ ّ‬
‫التعصب ‪ .‬ومثله ما يراد للمة السلمية في السنوات الخيرة من استسلم‬
‫ول الجهاد‬ ‫مهين مع شرذمة الخليقة وأعداء الرسل اليهود الغاصبين ؛ حيث تح ّ‬
‫في سبيل الله تعالى ومعاداة اليهود والنصارى إلى أمر مستغرب ؛ بل‬
‫ومستنكر أحيانا ً ‪ ،‬وأصبح التنازل عن هذا كله هو الصل الذي ل يجوز خرمه ‪.‬‬
‫كما أصبح التعايش السلمي واحترام حدود العدو والسلم الدائم معه واحترام‬
‫دعاة هي الصول التي ل ُيسمح بالتنازل عنها والخروج‬ ‫الشرعية الدولية الم ّ‬
‫عليها ‪ .‬وقد أدى هذا المر إلى أن يوجد في بعض بلد المسلمين من يحشد‬
‫الدلة والشبهات لتأصيل هذا الخنوع ‪ ،‬وإضفاء الشرعية للسلم الدائم مع‬
‫اليهود ‪ .‬وهل بعد ذلك مثال أوضح من هذا في تأصيل الضعف والهزيمة‬
‫والهوان ؟ !‬
‫مجلة البيان ‪ :‬العدد ‪ (137) :‬التاريخ ‪ :‬محرم ‪1420 /‬هـ ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ضمان العارية‬
‫راشد بن فهد آل حفيظ)*( ‪15/4/1425‬‬
‫‪03/06/2004‬‬
‫المقدمة‬
‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده وبعد ‪:‬‬
‫فإن ضمان العارية من المسائل المهمة التي اختلف فيها الفقهاء ‪ -‬رحمهم‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سة لمعرفة الراجح من المرجوح من أقوالهم ‪،‬‬ ‫الله ‪ -‬وحيث إن الحاجة ما ّ‬


‫والتحقيق في ذلك ‪ ،‬لذا فقد أحببت أن أكتب هذا البحث عن هذه المسألة ‪،‬‬
‫وقد رتبته على النحو التالي ‪:‬‬
‫ــ التمهيد والمراد بمفردات العنوان ‪ :‬وفيه مبحثان ‪-:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬تعريف الضمان لغة واصطلحا ً ‪ ،‬وفيه مطلبان ‪:‬‬
‫ة‪.‬‬‫المطلب الول ‪ :‬تعريف الضمان لغ ً‬
‫ً‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬تعريف الضمان اصطلحا ‪.‬‬
‫ً‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تعريف العارية لغة واصطلحا ‪ ،‬وفيه مطلبان ‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬تعريف العارية لغة ‪.‬‬
‫ً‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬تعريف العارية اصطلحا ‪.‬‬
‫ــ الفصل الول‪ :‬حكم العارية وأركانها ‪ ،‬وشروطها ‪ ،‬وفيه ثلثة مباحث ‪:‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬حكم العارية ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬أركان العارية ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬شروط العارية ‪ ،‬وفيه أربعة مطالب ‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬شروط المعير ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬شروط المستعير ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬شروط المستعار )العين المعارة(‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬شروط الصيغة ‪.‬‬
‫ــ الفصل الثاني ‪ :‬ضمان العارية وما يتعلق به ‪ ،‬وفيه أربعة مباحث ‪:‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬ضمان تلف العارية بالستعمال بالمعروف ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬ضمان تلف العارية إذا كان بغير تعد أو تفريط ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬الختلف في دعوى التلف بالتعدي والتفريط ‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬الختلف في دعوى الرد ‪.‬‬
‫ـ الخاتمة ‪ :‬وفيها أهم النتائج ‪.‬‬
‫التمهيد‬
‫التعريف بمفردات موضوع البحث‬
‫المبحث الول‬
‫ً‬
‫تعريف الضمان لغة واصطلحا ‪.‬‬
‫المطلب الول‬
‫تعريف الضمان لغة ‪.‬‬
‫ُيطلق الضمان في اللغة على معان منها ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬الكفالة واللتزام )‪.(1‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الغرم )‪.(2‬‬
‫المطلب الثاني ‪:‬‬
‫تعريف الضمان اصطلحا ً‬
‫استعمل الفقهاء لفظ الضمان بمعنيين ‪:‬‬
‫المعنى الول ‪-:‬وهو الذي يهمنا ــ الغرامة ‪ ،‬فقد قالوا ‪ :‬هو ) عبارة عن رد‬
‫مثل الهالك إن كان مثلي ّا ً أو قيمته إن كان قيما ً ()‪(3‬‬
‫أو هو ‪ )) :‬إعطاء مثل الشيء إن كان من المثليات وقيمته إن كان من‬
‫القيميات( )‪(4‬‬
‫المعنى الثاني‪ -:‬ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق ‪.‬‬
‫أو هو ‪ :‬ضم ذمة الضامن إلى ذمة الصيل في المطالبة ‪.‬‬
‫أو هو ‪ :‬شغل ذمة أخرى بالحق ‪.‬‬
‫أو هو ‪ :‬التزام حق ثابت بذمة الغير )‪(5‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫تعريف العارية لغة واصطلحا ً‬
‫المطلب الول‬
‫تعريف العارية لغة ‪.‬‬
‫)) العارية مشددة وقد تخفف ‪ ،‬والعارة ‪ :‬ما تداولوه بينهم ‪ ،‬والجمع ‪:‬‬
‫)عواري( مشددة ومخففه ‪ ..،‬وعاره يعوره ويعيره ‪ :‬أخذه وذهب به أو‬
‫أتلفه ((‪.(6) .‬‬
‫وقيل العارية بالتشديد كأنها منسوبة إلى العار‪ ،‬لن طلبها عار وعيب ‪.‬‬
‫والعارة ‪ :‬مثل العارية ‪.‬‬
‫يقال يتعورون العواري بينهم ‪.‬‬
‫واستعاره ثوبا ً فأعاره إياه ‪ ،‬ومنه قولهم ‪ :‬كير مستعار ‪.‬‬
‫وقد قيل مستعار بمعنى متعاور أو متداول )‪(7‬‬
‫وتعاورنا العواري تعاورا ً إذا أعار بعضكم بعضا ً وتعورنا تعورا ‪:‬‬
‫ً‬
‫إذا كنت أنت المستعير ‪ ،‬وتعاورنا فلنا ً ضربا ً إذا ضربته مرة ثم صاحبك ثم‬
‫الخر‪.‬‬
‫وقيل التعاور والعتوار أن يكون هذا مكان هذا وهذا مكان هذا )‪.(8‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫تعريف العارية اصطلحا ً‬
‫لقد عّرف الفقهاء العارة اصطلحا ً بما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬تعريف الحنفية ‪:‬‬
‫للحنفية عدة تعاريف منها ‪:‬‬
‫التعريف الول ‪ ) :‬تمليك المنافع بغير عوض ()‪(9‬‬
‫التعريف الثاني ‪ ) :‬إباحة النتفاع بملك الغير ( )‪.(10‬‬
‫التعريف الثالث ‪ ) :‬هبة المنافع ( )‪(11‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬تعريف المالكية ‪:‬‬
‫عرفها بعضهم بما يلي ‪-:‬‬
‫التعريف الول ‪ ) :‬تمليك منافع العين بغير عوض ()‪(12‬‬
‫التعريف الثاني ‪ ) :‬تمليك منفعة مؤقتة بل عوض ( )‪.(13‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬تعريف الشافعية ‪:‬‬
‫عرفها بعضهم بما يلي ‪:‬‬
‫التعريف الول ‪ ) :‬هبة المنافع مع استيفاء ملك الرقبة ( )‪.(14‬‬
‫التعريف الثاني ‪ ) :‬إباحة النتفاع بما يحل النتفاع به مع بقاء عينه ليرده ()‬
‫‪(15‬‬
‫تعريف الحنابلة ‪ :‬للحنابلة عدة تعاريف منها ما يلي ‪-:‬‬
‫التعريف الول ‪ ) :‬إباحة النتفاع بعين من أعيان المال ( )‪.(16‬‬
‫التعريف الثاني‪ ) :‬إباحة المنافع بغير عوض ( )‪(17‬‬
‫التعريف الثالث‪) :‬إباحة النتفاع بما يحل النتفاع به مع بقاء عينه ليردها على‬
‫مالكها ()‪.(18‬‬
‫التعريف الرابع ‪ ) :‬إباحة نفع عين تبقى بعد استيفائها ()‪.(19‬‬
‫التعريف الخامس ‪ ) :‬هبة المنافع ()‪(20‬‬
‫ً‬
‫التعريف السادس ‪ ) :‬العين المأخوذة للنتفاع بها مطلقا بل عوض ()‪.(21‬‬
‫وإذا نظرنا إلى هذه التعريفات وجدنا بينها اتفاقا ً في المعنى‪ ،‬وأن الفقهاء‬
‫عرفوها بمصدرها وهو العارة‪ ،‬وعليه فيمكننا أن نعرف العارة بما يلي‪:‬‬
‫إباحة النتفاع مدة بما يحل النتفاع به مع بقاء عينه بل عوض ‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفصل الول‬
‫حكم العارية وأركانها وشروطها‬
‫)المبحث الول (‬
‫حكم العارية‬

‫)‪(1 /‬‬

‫العارية مستحبة عند عامة الفقهاء ‪ ،‬وقد حكى ذلك إجماعا ً )‪ . (22‬قال تعالى‪:‬‬
‫))وتعاونوا على البر والتقوى(( )‪ (23‬وقال تعالى ‪ )) :‬وأحسنوا إن الله يحب‬
‫المحسنين (( )‪.(24‬‬
‫وقيل ‪ :‬تجب مع غنى المالك ‪ ،‬وهو رواية عن المام أحمد‪ ،‬اختارها شيخ‬
‫السلم ابن تيمية)‪.(25‬‬
‫قال شيخ السلم ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫)والصحيح وجوب بذل ذلك )‪ (26‬مجانا إذا كان صاحبها مستغنيا عن تلك‬
‫المنفعة وعوضها ‪ ،‬كما دل عليه الكتاب والسنة ‪(27) (..... ،‬‬
‫)المبحث الثاني (‬
‫أركان العارية‬
‫أختلف الفقهاء في بيان أركان العارية على قولين ‪:‬‬
‫القول الول ‪ :‬أن أركان العارية أربعة وهي ‪:‬‬
‫المعير ‪ ،‬والمستعير ‪ ،‬والشي المستعار ‪ ،‬والصيغة ‪.‬‬
‫وإليه ذهب جمهور الفقهاء ـ المالكية )‪ ، (28‬الشافعية )‪ (29‬الحنابلة)‪.(30‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن أركان العارية هو ‪ :‬اليجاب من المعير ‪.‬‬
‫وإليه ذهب الحنفية )‪(31‬‬
‫) المبحث الثالث (‬
‫شروط العارية‬
‫المطلب الول ‪:‬‬
‫شروط المعير‬
‫يشترط للمعير ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن يكون عاقل ً ‪ ،‬فل يصح العارة من المجنون والصبي الذي ل يعقل )‬
‫‪. (32‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن يكون صحيح التبرع فل تصح العارة من محجور عليه ‪ ،‬من مجنون‬
‫أو سفيه أو مفلس )‪. (33‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أن يكون مختارا ً ‪ ،‬فل تصح من مكره )‪.(34‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬أن يكون مالكا ً للعارية إما لرقبتها ‪ ،‬وإما لمنفعتها )‪. (35‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫شروط المستعير‬
‫يشترط للمستعير ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن يكون ممن يصح التبرع عليه ‪ ،‬فل تصح العارة للدواب ‪ ،‬ول‬
‫للجمادات ‪ ،‬ول إعارة مسلم أو مصحف لكافر ‪ ،‬وكذا ل يجوز إعارة السلح‬
‫لمن يقاتل به المسلمين وما في معنى ذلك )‪. (36‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن يكون معينا ً فل تصح العارة لغير معين كقوله ‪ :‬أعرت أحدكم )‬
‫‪. (37‬‬
‫ً‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أن يكون مختارا )‪. (38‬‬
‫ً‬
‫)المطلب الثالث (‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شروط المستعار‬
‫يشترط للمستعار ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن يكون مما ينتفع به مع بقاء عينه كالدور ‪ ،‬والعقار ‪ ،‬والحيوان ‪،‬‬
‫والعبيد ‪ ،‬والثياب ‪ ،‬والحلي ‪ ،‬فل تصح إعارة طعام لكل ‪ ،‬أو شمعة لوقود )‬
‫‪.(39‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن تكون منفعته مباحة ‪ ،‬فتحرم إعارة الجارية للستمتاع بها‪ ،‬والناء‬
‫لشرب الخمر ‪ ،‬والسلح لقتل مسلم )‪.(40‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫شروط الصيغة‬
‫والمقصود بها اليجاب من المعير والقبول من المستعير ‪ ،‬فهل يشترط لذلك‬
‫صيغة مخصوصة ؟ قولن للفقهاء ‪:‬‬
‫القول الول ‪ :‬أنها تنعقد بألفاظ خاصة ‪ ،‬كأعترتك هذا أو أعرتك منفعته ‪ .‬وإليه‬
‫ذهب الحنفية )‪ ،(41‬والشافعية )‪.(42‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن العارية تنعقد بكل لفظ أو فعل دل عليها ‪.‬‬
‫وإليه ذهب المالكية )‪ ، (43‬والشافعية )‪ (44‬في قول ‪ ،‬والحنابلة )‪. (45‬‬
‫وهذا هو القول الراجح ‪ ،‬لعدم ورود الدليل على تخصيص صورة معينة لنعقاد‬
‫العارية ‪.‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫ضمان العارية ‪ ،‬وما يتعلق به‬
‫)المبحث الول (‬
‫ضمان تلف العارية بالستعمال بالمعروف‪.‬‬
‫ل الجماع على عدم ضمان تلف العارية بالستعمال بالمعروف )‪،(46‬‬ ‫ق َ‬‫لقد ن ُ ِ‬
‫ولكن في هذا النقل نظر ؛ لن الخلف قد وقع في هذه المسألة على‬
‫قولين ‪:‬‬
‫القول الول ‪ :‬أن المستعير ل يضمنه ‪.‬‬
‫وإليه ذهب الحنفية )‪ ،(47‬والمالكية )‪ ،(48‬والشافعية)‪ ، (49‬والحنابلة )‪. (50‬‬
‫وعللوا لذلك بما يلي ‪:‬‬
‫مَنه’‪ ،‬فل يجب ضمانه ‪ ،‬كالمنافع ‪ ،‬وكما لو أذن‬ ‫ض ّ‬
‫) أن الذن في الستعمال ت َ َ‬
‫في إتلفها صريحا ً ()‪.(51‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن المستعير يضمنه ‪.‬‬
‫وهو وجه عند الشافعية )‪ ،(52‬والحنابلة )‪.(53‬‬
‫وعللوا لذلك بما يلي ‪:‬‬
‫أنها عين مضمونة)‪.(54‬‬
‫ويمكن مناقشته بما يلي ‪-:‬‬
‫أن العارية أمانة غير مضمونه إل بالتعدي أو التفريط وعليه فل تضمن إذا‬
‫تلفت بالستعمال بالمعروف‪.‬‬
‫الترجيح ‪:‬‬
‫والراجح هو القول الول – بل شك – لكون العارية أمانة غير مضمونه إل‬
‫بالتعدي أو التفريط ‪.‬‬
‫)المبحث الثاني(‬
‫ضمان تلف العارية إذا كان بغير تعد أو تفريط‬
‫قال تعالى ‪ } :‬إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها {)‪(55‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬أد ّ المانة إلى من ائتمنك ()‪.(56‬‬
‫فرد المانة واجب ‪ ،‬ومن لزمه حفظها وعدم استخدامها إل فيما أذن فيه )‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.(57‬‬
‫فيجب على المستعير حفظ العارية وعدم استخدامها إل فيما أذن فيه ‪ ،‬فإن‬
‫تعدى أو فرط في ذلك فتلفت العارية فمن ضمانه بالتفاق )‪.(58‬‬
‫أما إذا لم يتعد ّ ولم يفرط فقد اختلف الفقهاء في ذلك على خمسة أقوال ‪:‬‬
‫القول الول ‪ -:‬أنه ل يضمن إل بالتعدي أو التفريط ‪.‬‬
‫وإليه ذهب الحنفية )‪ (59‬والظاهرية )‪ ،(60‬وبعض الحنابلة )‪ ، (61‬واختاره‬
‫العلمة ابن القيم)‪ ،(62‬والشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب )‪،(63‬‬
‫والشيخ عبد الرحمن بن قاسم)‪.(64‬‬
‫واستدلوا لذلك بما يلي ‪-:‬‬
‫الدليل الول ‪-:‬‬
‫قوله تعالى ‪ } :‬إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها {)‪.(65‬‬
‫وجه الستدلل ‪:‬‬
‫أن الواجب في المانة ردها وأداؤها ‪ ،‬ل ضمانها – إل بالتعدي أو التفريط –‬
‫والعارية أمانة ‪ ،‬لنها قبضت بأذن صاحبها ‪ ،‬فل تضمن إل بالتعدي أو التفريط )‬
‫‪(66‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬ليس على المستعير غير المغل ضمان ()‪.(67‬‬
‫وجه الستدلل ‪ :‬أن الحديث صريح في نفي الضمان عن المستعير المين‬
‫الذي لم يخن ‪.‬‬
‫ونوقش ‪ :‬بأن الحديث ضعيف)‪(68‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أنه يضمن مطلقا ً ‪ ،‬وإليه ذهب الشافعية )‪ ،(69‬والحنابلة )‬
‫‪.(70‬‬
‫واستدلوا لذلك بما يلي ‪-:‬‬
‫الدليل الول ‪-:‬‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬في حديث صفوان ) بل عارية مضمونة ()‪.(71‬‬
‫وجه الستدلل ‪:‬‬
‫ً‬
‫أن الحديث صريح في تضمين المستعير مطلقا ‪.‬‬
‫ونوقش بما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن هذا الحديث ضعيف )‪(72‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن المقصود بالضمان في الحديث ضمان الرد ل ضمان التلف ‪،‬وذلك‬
‫لما يلي ‪:‬‬
‫‪. 1‬أن في لفظ الحديث الخر ‪ )):‬بل عارية مؤداة (( )‪ ،(73‬فهذا يبين أن‬
‫قوله ‪)) :‬مضمونة(( المراد به ‪ :‬المضمونة بالداء ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن صفوان لم يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن تلفها ‪ ،‬وإنما سأله‬
‫‪ :‬هل تأخذها مني أخذ غصب تحول بيني وبينها ؟‬
‫فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‪)) :‬ل بل عارية مؤداة (( ‪.‬‬
‫ولو كان سأله عن تلفها وقال ‪ :‬أخاف أن تذهب ‪ ،‬لناسب أن يقول ‪ :‬أنا‬
‫ضامن لها إن تلفت ‪.‬‬
‫‪ . 3‬أنه صلى الله عليه وسلم جعل الضمان صفة لها نفسها ‪ ،‬ولو كان ضمان‬
‫تلف لكان الضمان لبدلها ‪ ،‬فلما وقع الضمان على ذاتها دل على أنه ضمان‬
‫أداء )‪.(74‬‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ‪:‬‬


‫ميه‪ )) :‬بل عارية‬
‫وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان أبن أ ُ‬
‫مضمونه (( )‪ (75‬ليس معناه أنها تضمن إذا تلفت ‪ ،‬وإنما معناه أن على‬
‫المستعير أداءها ‪ ،‬كقوله – صلى الله عليه وسلم – )) على اليد ما أخذت‬
‫حتى تؤديه (()‪(77) . (76‬‬
‫الدليل الثاني ‪ :‬قوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬على اليد ما أخذت حتى‬
‫تؤديه ( )‪.(78‬‬
‫وجه الستدلل ‪ :‬أن على المستعير أداء العارية ومن لزم ذلك حفظها‬
‫وضمانها إذا تلفت ‪.‬‬
‫ونوقش بما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن هذا الحديث ضعيف )‪.(79‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن ضمان العارية التي تلفت بغير تعد أو تفريط مستثنى من الحديث ‪،‬‬
‫لنها أمانة قبضت بإذن مالكها ‪ ،‬فل تضمن إل بالتعدي أو التفريط ‪ ،‬كسائر‬
‫المانات ‪.‬‬
‫قال ابن حزم في المحلى ‪:172 / 9‬‬
‫منوا بذلك المرهون‬ ‫))يلزمهم إذا حملوا هذا اللفظ على الضمان أن ُيض ّ‬
‫والودائع ‪ ،‬لنها مما قبضت اليد((‬
‫وعللوا لذلك بما يلي ‪:‬‬
‫أنه أخذ ملك غيره ‪ ،‬لنفع نفسه ‪ ،‬ولم يؤذن له في التلف ‪ ،‬فكان ضامنًا)‬
‫‪.(80‬‬
‫ُ‬
‫ونوقش ‪ :‬بأن يد المستعير يد أمانة ‪ ،‬قد أذن له في الستعمال والنتفاع ‪ ،‬وما‬
‫حصل للمأذون فيه بغير تعد أو تفريط ‪ ،‬فليس بمضمون ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫أنه ل يضمن في كل شيء ظاهر ل يغاب عليه)‪ (81‬وما ل فيضمن ‪ ،‬وإلية‬
‫ذهب المالكية )‪(82‬‬
‫وحملوا قوله – صلى الله عليه وسلم – ‪ ) :‬بل عارية مضمونه ()‪ (83‬على‬
‫الشيء الخفي ‪ ،‬الذي ل يظهر ‪.‬‬
‫وحملوا قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ ) :‬ليس على المستعير غير المغل‬
‫ضمان ()‪ (84‬على الشيء الظاهر ‪ ،‬الذي ل يغاب عليه‪.‬‬
‫ونوقش ‪ :‬بأن الدلة متفقة في الدللة على عدم تضمين المستعير إل بالتعدي‬
‫أو التفريط ‪ ،‬وليس بينها تعارض في ذلك حتى نلجأ إلى هذا الحمل ‪،‬‬
‫والتوسط الذي ل دليل عليه )‪.(85‬‬
‫القول الرابع ‪ :‬أنه يضمن إل إذا شرط نفي الضمان ‪ ،‬وهذا إحدى الروايتين‬
‫عن المام أحمد)‪.(86‬‬
‫واستدلوا لذلك بما يلي ‪:‬‬
‫قوله – صلى الله عليه وسلم – ‪ ) :‬المسلمون على شروطهم ()‪.(87‬‬
‫وجه الستدلل ‪:‬‬
‫أن الحديث صريح في لزوم الشروط ‪ ،‬وعليه فإذا شرط المستعير عدم‬
‫الضمان فإنه يسقط ‪ ،‬وما ل فل ‪.‬‬
‫ً‬
‫ونوقش من قبل القائلين بالضمان مطلقا ‪:‬‬
‫بأن الشروط لزمه ‪ ،‬إل إذا خالفت مقتضى العقد‪ ،‬ومقتضى عقد العارية‬
‫الضمان ‪ ،‬وعليه فالشرط باطل )‪.(88‬‬
‫وعلل له بما يلي ‪:‬‬
‫) أنه لو أذن في إتلفها لم يجب ضمانها ‪ ،‬فكذلك إذا أسقط عنه ضمانها ()‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.(89‬‬
‫ً‬
‫ونوقش من قبل القائلين بالضمان مطلقا ‪:‬‬
‫ً‬
‫) بأن التلف فعل يصح الذن فيه ويسقط حكمه ‪ ،‬إذ لينعقد موجبا للضمان‬
‫مع الذن فيه ‪ ،‬وإسقاط الضمان ههنا نفي للحكم مع وجود سببه ‪ ،‬وليس ذلك‬
‫للمالك ‪ ،‬ول يملك الذن فيه ()‪.(90‬‬
‫القول الخامس‪ :‬أنه ل يضمن إل بالشرط ‪.‬‬
‫وهذا رواية عن المام أحمد)‪ ، (91‬اختارها أبو حفص العكبري )‪ ،(92‬وشيخ‬
‫السلم ابن تيميه)‪ ،(93‬وتلميذه صاحب الفائق ) ابن قاضي الجبل ()‪، (94‬‬
‫والشيخ عبد الرحمن بن سعدي)‪. (95‬‬
‫واستدلوا لذلك بما يلي ‪:‬‬
‫قوله – صلى الله عليه وسلم – ‪ ) :‬المسلمون على شروطهم ( )‪.(96‬‬
‫وجه الستدلل ‪:‬‬
‫أن الحديث صريح في لزوم الشرط ‪ ،‬وعليه فإذا شرط الضمان على‬
‫المستعير ضمن ‪ ،‬وما ل فل ‪.‬‬
‫ونوقش ‪ :‬من قبل القائلين بعدم الضمان ‪.‬‬
‫بأن الشرط لزمة إل إذا خالفت مقتضى العقد ‪ ،‬ومقتضى عقد العارية عدم‬
‫ضمان المستعير ‪ ،‬إل بالتعدي أو التفريط ؛ لنه أمين فل يضمن كسائر المناء‬
‫‪ ،‬حتى ولو شرط عليه الضمان )‪.(98‬‬
‫الترجيح ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أرجح القوال في نظري القول بعدم التضمين إل بالتعدي أو التفريط ‪ ،‬ثم‬


‫شرط ؛ لقوة دليلهما وتعليلهما ‪ ،‬إل أن القرب منهما‬ ‫يليه القول بالتضمين إذا ُ ِ‬
‫– والله أعلم – القول بعدم الضمان إل بالتعدي أو التفريط ؛ لن العارية أمانة‬
‫حصلت بيد المستعير على وجه مأذون فيه ‪ ،‬فيده يد أمانة ‪ ،‬وإذا كان كذلك‬
‫فل ضمان على المين ‪ ،‬فكما أن المستأجر إذا شرط عليه الضمان مطلقا ً‬
‫فالشرط باطل غير صحيح فكذلك المستعير ‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫الختلف في دعوى التلف بالتعدي والتفريط من عدمها‬
‫إذا أختلف المعير والمستعير في دعوى تلف العارية ‪ ،‬هل كان بالتعدي و‬
‫التفريط أم ل ؟‬
‫فل يخلو من حالين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬أن يكون بسبب الستعمال بالمعروف ‪ ،‬وحينئذ ٍ فالقول قول‬
‫المستعير بالتفاق)‪.(98‬‬
‫الثانية ‪:‬أن يكون بسبب آخر غير ذلك ‪ ،‬وحينئذ ٍ فقد حصل خلف بين القائلين‬
‫بعدم الضمان إل بالتعدي أو التفريط من جهة ‪ ،‬وبين القائلين بعدم ضمان‬
‫الشيء الظاهر من جهة أخرى ‪ ،‬وذلك على قولين ‪:‬‬
‫القول الول ‪:‬‬
‫أن القول قول المستعير ‪ ،‬وإليه ذهب الحنفية )‪(98‬‬
‫وعللوا ذلك بما يلي ‪:‬‬
‫أن المستعير أمين يده يد أمانة ‪ ،‬وعليه فيقبل قوله كسائر المناء )‪.(100‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أن القول قول المستعير في الشيء الظاهر‪ ،‬الذي ل يغاب عليه وما ل فل ‪،‬‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإليه ذهب المالكية)‪.(101‬‬


‫وعللوا ذلك بما يلي ‪:‬‬
‫أن قوله فيما ل يغاب عليه يوافق الظاهر ‪ ،‬فيقبل ‪ ،‬أما قوله فيما يغاب‬
‫عليه ‪ ،‬وهو الشيء الخفي فيخالف الظاهر ‪ ،‬فل يقبل )‪.(102‬‬
‫الترجيح ‪:‬‬
‫الراجح هو القول الول ‪ ،‬لن المستعير أمين ‪ ،‬فيقبل قوله ‪ ،‬كسائر المناء ‪.‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫الختلف في دعوى الرد‬
‫إذا اختلف المعير والمستعير في رد العارية فمن يكون القول قوله ؟‬
‫لقد اختلف الفقهاء في ذلك على ثلثة أقوال ‪:‬‬
‫القول الول ‪ :‬أن القول قول المستعير ‪ ،‬وإليه ذهب الحنفية )‪.(103‬‬
‫وعللوا لذلك بما يلي ‪:‬‬
‫أن المستعير أمين ‪ ،‬وكل أمين ادعى إيصال المانة إلى مستحقها قبل قوله )‬
‫‪.(104‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن القول قول المعير ‪ ،‬وإليه ذهب الشافعية )‪، (105‬‬
‫والحنابلة )‪.(106‬‬
‫وعللوا لذلك بما يلي ‪:‬‬
‫أن المستعير مدع ‪ ،‬والمعير منكر ‪ ،‬فكان القول قوله ‪ ،‬لن الصل عدم الرد ‪،‬‬
‫ولن المستعير قبض العارية لحض نفسه )‪.(107‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن القول قول المستعير في الشيء الظاهر الذي ل يغاب‬
‫عليه ‪ ،‬ومال فل ‪ ،‬وإليه ذهب المالكية )‪.(108‬‬
‫وعللوا لذلك بما يلي ‪:‬‬
‫أن المستعير أمين فيقبل قوله فيما ل يغاب عليه وهو الشيء الظاهر ‪،‬أما ما‬
‫يغاب عليه وهو الشيء الخفي فل يقبل قوله فيه لنه خلف الظاهر )‪.(109‬‬
‫الترجيح ‪ :‬الراجح هو القول الثاني ‪ ،‬لن المستعير وإن كان أمينا ً إل أنه قد‬
‫قبض العارية لحض نفسه فل يقبل قوله ‪ ،‬إل ببينة ‪ ،‬أو قرينة قوية ‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫في خاتمة هذا البحث ‪ ،‬أحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات ‪ ،‬وأسأله –‬
‫سبحانه – أن يجعل هذا البحث في ميزان حسناتي وأن يجعله عمل ً صالحا ً‬
‫مقبو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وأسأله – جل شأنه – أن يغفر لي ولوالدي ‪ ،‬ولعلماء هذه المة ‪ ،‬ولجميع‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫ثم إن هذه الخاتمة تلخيص لهم النتائج التي توصلت إليها ‪ ،‬وهي كما يلي ‪-:‬‬
‫)‪ (1‬أن المقصود بضمان العارية رد مثلها إن كان لها مثل ‪ ،‬أو قيمتها إن لم‬
‫يكن مثل ‪.‬‬
‫)‪ (2‬أن العارية هي ‪ :‬إباحة النتفاع مدة بما يحل النتفاع به مع بقاء عينه بل‬
‫عوض ‪.‬‬
‫)‪ (3‬أن العارية مستحبة بإجماع العلماء‪ ،‬وقد تجب مع غنى المالك وضرورة‬
‫المستعير وحاجته إليها ‪.‬‬
‫)‪ (4‬أن أركان العارية ‪ :‬المعير ‪ ،‬والمستعير ‪ ،‬والشيء المستعار ‪ ،‬والصيغة ‪.‬‬
‫)‪ (5‬أن شروط المعير هي ‪ :‬العقل ‪ ،‬وصحة التبرع ‪ ،‬والختيار ‪ ،‬والملك ‪.‬‬
‫)‪ (6‬أن شروط المستعير هي ‪ :‬أن يكون معينا ً ‪ ،‬وممن يصح التبرع عليه ‪،‬‬
‫وأن يكون مختارا ً ‪.‬‬
‫)‪ (7‬أن شروط المستعار هي ‪ :‬أن يكون مما ينتفع به مع بقاء عينه ‪ ،‬وأن‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تكون منفعته مباحة ‪.‬‬


‫)‪ (8‬أنه ل يشترط للعارية صيغة مخصوصة‪ ،‬بل تنعقد بكل لفظ أو فعل دل‬
‫عليها ‪.‬‬
‫)‪ (9‬أن من لزم أداء العارية حفظها ‪ ،‬وعدم استخدامها إل بالمعروف ‪.‬‬
‫)‪ (10‬أن تلف العارية بالستعمال بالمعروف غير مضمون ‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫الجماهير‪.‬‬
‫)‪ (11‬أن العارية مضمونه بالتعدي أو التفريط بالتفاق ‪.‬‬
‫)‪ (12‬أن العارية أمانة ل تضمن إل بالتعدي أو التفريط فقط ‪ ،‬حتى ولو شرط‬
‫الضمان ‪.‬‬
‫)‪ (13‬أن قوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) -:‬بل عارية مضمونه ( ‪ ،‬المراد به‬
‫مضمونه بالرد والداء لضمان التلف ‪.‬‬
‫)‪ (14‬أن القول قول المستعير ‪ ،‬في دعوى التلف بالتعدي أو التفريط من‬
‫عدمهما ‪ ،‬لنه أمين ‪.‬‬
‫)‪ (15‬أن القول قول المعير ‪ ،‬في دعوى رد العارية من عدمه ‪.‬‬
‫)*( القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة‬
‫)‪ (1‬انظر لسان العرب ‪ ، 257 / 13‬ومختار الصحاح ص ‪ ، 384‬والمصباح‬
‫المنير ‪ 2/364‬ـ ‪. 365‬‬
‫)‪ (2‬انظر المصادر السابقة ‪.‬‬
‫)‪ (3‬غمز عيون البصائر شرح الشباه والنظائر ‪. 2/210‬‬
‫)‪ (4‬مجلة الحكام العد ليه مادة رقم ‪ 415‬وانظر معجم لغة الفقهاء ص ‪256‬‬
‫‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫)‪ (5‬انظر التعريفات للجرجاني ص ‪ ، 138 – 137‬ومعجم لغة الفقهاء ص‬


‫‪. 256‬‬
‫)‪ (6‬القاموس المحيط ص ‪.1310‬‬
‫)‪ (7‬الصحاح ‪0 761 / 2‬‬
‫)‪ (8‬لسان العرب ‪. 619 / 4‬‬
‫)‪ (9‬البحر الرائق ‪. 280 / 7‬‬
‫)‪ (10‬الهداية شرح بداية المبتدي ‪ ، 3 / 9‬والختيار ‪. 55 / 3‬‬
‫)‪ (11‬الختيار ‪. 55 /3‬‬
‫)‪ (12‬القوانين الفقهية ص ‪ . 245‬ومنح الجليل ‪. 49 / 7‬‬
‫)‪ (13‬منح الجليل ‪ ، 49 / 7‬والشرح الصغير ‪. 205 / 2‬‬
‫)‪ (14‬الحاوي ‪. 116 / 7‬‬
‫)‪ (15‬غاية البيان ص ‪. 296‬‬
‫)‪ (16‬المغني ‪. 340 / 7‬‬
‫)‪ (17‬الفصاح ‪. 21 / 2‬‬
‫)‪ (18‬المبدع ‪. 137 / 5‬‬
‫)‪ (19‬زاد المستقنع بحاشية الروض لبن قاسم ‪. 359 / 5‬‬
‫)‪ (20‬المبدع ‪ ، 137 / 5‬والنصاف ‪. 65 / 15‬‬
‫)‪ (21‬منتهى الدارات بشرحه دقائق أولى النهي ‪. 391 / 2‬‬
‫)‪ (22‬انظر المجموع ‪ ، 200 / 14‬والمغني ‪. 340 / 7‬‬
‫)‪ (23‬سورة المائدة الية رقم ‪. (2) :‬‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (24‬سورة البقرة الية رقم )‪. (195‬‬


‫)‪ (25‬انظر الفروع ‪ ، 469 / 4‬والختيارات الفقهية ص ‪ 158‬ومجموع فتاوى‬
‫شيخ السلم ابن تيميه ‪. 98 / 28‬‬
‫)‪ (26‬أي إعادة القدر والدلو والثوب ‪ ،‬الفأس ‪ .‬انظر مجموع الفتاوى ‪/ 28‬‬
‫‪. 98‬‬
‫)‪ (27‬مجموع فتاوى شيخ السلم ‪. 98 / 28‬‬
‫)‪ (28‬انظر الشرح الصغير ‪ ، 205 / 2‬والقوانين ص ‪. 245‬‬
‫)‪ (29‬انظر روضة الطالبين ‪ ، 426‬مغني المحتاج ‪. 264 / 2‬‬
‫)‪ (30‬انظر كشاف القناع ‪ ، 62 / 4‬ودقائق أولى النهي شرح منتهى الرادات‬
‫‪. 392 / 2‬‬
‫)‪ (31‬انظر بدائع الصانع ‪. 372 / 8‬‬
‫)‪ (32‬انظر بدائع الصنائع ‪ ، 372 / 8‬والمغني ‪. 345 / 7‬‬
‫)‪ (33‬انظر الشرح الصغير ‪ ، 205 / 2‬وروضة الطالبين ‪ ، 426 / 4‬ومغني‬
‫المحتاج ‪ ، 246 / 2‬والفروع ‪ ، 264 / 4‬وكشاف القناع ‪. 63 / 4‬‬
‫)‪ (34‬انظر نهاية المحتاج ‪ ، 118 / 5‬ومغني المحتاج ‪. 246 / 2‬‬
‫)‪ (35‬انظر بداية المجتهد ‪ ، 129 / 4‬والقوانين صـ ‪ 245‬ـــ ‪ ،‬وروضة‬
‫الطالبين ‪. 426 / 4‬‬
‫)‪ (36‬انظر القوانين الفقهية صـ ‪ 245‬ــ ‪ ،‬وروضة الطالبين ‪، 426 / 4‬‬
‫وكشاف القناع ‪ ، 63 / 4‬والفروع ‪. 469 / 4‬‬
‫)‪ (37‬انظر نهاية المحتاج ‪. 118 / 5‬‬
‫)‪ (38‬انظر المصادر السابقة ‪.‬‬
‫)‪ (39‬انظر بدائع الصنائع ‪ ، 372 / 8‬وبداية المجتهد ‪ ، 129 / 4‬والقوانين ص‬
‫‪ ، 245‬وروضة الطالبين ‪ ، 426 / 4‬والمغني ‪ ، 345 / 7‬والنصاف ‪. 65 / 15‬‬
‫)‪ (40‬انظر بداية المجتهد ‪ ، 129 / 4‬والقوانين ص ‪ ، 245‬وروضة الطالبين ‪4‬‬
‫‪ ، 426 /‬والمغني ‪ ، 345 / 7‬والنصاف ‪ ، 67 / 15‬والفروع ‪. 469 / 4‬‬
‫)‪ (41‬انظر فتح القدير ‪ ، 6 / 9‬والبحر الرائق ‪. 280 / 7‬‬
‫)‪ (42‬انظر مغنى المحتاج ‪ ، 266 / 2‬ونهاية المحتاج ‪. 124 / 5‬‬
‫)‪ (43‬بداية المجتهد ‪ ، 129 / 4‬والشرح الصغير ‪ ، 206 / 2‬والقوانين ص‬
‫‪. 245‬‬
‫)‪ (44‬انظر مغني المحتاج ‪. 266 / 2‬‬
‫)‪ (45‬انظر المغني ‪ ، 345 / 7‬وكشاف القناع ‪. 62 / 4‬‬
‫)‪ (46‬انضر بدائع الصنائع ‪ ،378 / 8‬والعناية شرح الهداية ‪ ، 8 / 9‬والمجموع‬
‫‪. 205 / 14‬‬
‫)‪ (47‬انظر فتح القدير ‪ ، 9 / 9‬والعناية شرح الهداية ‪. 8 / 9‬‬
‫)‪ (48‬انظر الكافي لبن عبد البر ‪ 809 / 2‬ـ ‪ ، 810‬وبداية المجتهد ‪. 132 / 4‬‬
‫)‪ (49‬انظر روضة الطالبين ‪ ، 432 /4‬وفتح العزيز ‪. 219 / 11‬‬
‫)‪ (50‬انظر الفروع ‪ ، 474 / 4‬والنصاف ‪. 93 / 15‬‬
‫)‪ (51‬المغني ‪ ، 343 /7‬والشرح الكبير ‪. 93 / 15‬‬
‫)‪ (52‬انظر روضة الطالبين ‪ 432 / 4‬وفتح العزيز ‪. 219 / 11‬‬
‫)‪ (53‬انظر المغني ‪ ، 343 / 7‬والشرح الكبير ‪ ، 93 / 15‬والنصاف ‪/ 15‬‬
‫‪. 93‬‬
‫)‪ (54‬انظر المغني ‪ ، 343 / 7‬والشرح الكبير ‪. 93 / 15‬‬
‫)‪ (55‬سورة النساء الية رقم ‪. 58‬‬
‫)‪ (56‬أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب البيوع ‪ ،‬باب في الرجل يأخذ حقه من تحت‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يده ‪ ،‬برقم ) ‪ ،516 / 3(3535‬والحديث صححه اللباني في الرواء ‪/ 5‬‬


‫‪ ، 381‬وانظر تلخيص الحبير ‪. 209 / 3‬‬
‫)‪ (57‬انظر الجامع لحكام القرآن ‪ ، 546 / 5‬والمغني ‪. 342 / 7‬‬
‫)‪ (58‬انظر القناع لبن المنذر ‪ ، 406 / 2‬ومراتب الجماع لبن حزم ص‬
‫‪ ، 95‬والكافي لبن عبد البر ‪ ، 808 /2‬والمغني ‪ ، 341 / 7‬والمحلي ‪169 / 9‬‬
‫‪ ،‬ومجموع فتاوي شيخ السلم ‪. 316 ، 314 ، 313 / 30‬‬
‫)‪ (59‬انظر بدائع الصنائع ‪ ،378 / 8‬والهداية ‪. 7 / 6‬‬
‫)‪ (60‬انظر المحلى ‪. 186 / 9‬‬
‫)‪ (61‬انظر الفروع ‪ ، 474 / 4‬والنصاف ‪ ، 92 / 15‬ومجموع فتاوي شيخ‬
‫السلم ابن تيمية ‪ 314 / 30‬وزاد المعاد ‪. 482 / 3‬‬
‫)‪ (62‬انظر زاد المعاد ‪ ، 482 /3‬وإعلم الموقعين ‪ ، 451 / 3‬والفروع ‪/ 4‬‬
‫‪ ، 474‬والنصاف ‪. 90 / 15‬‬
‫)‪ (63‬انظر الدرر السنية ‪ ، 38 / 6‬والحكام شرح أصول الحكام ‪. 295 / 3‬‬
‫)‪ (64‬انظر الحكام شرح أصول الحكام ‪. 295 / 3‬‬
‫)‪ (65‬سورة النساء الية رقم ‪. (58) :‬‬
‫)‪ (66‬انظر الكافي لبن عبد البر ‪ ، 808 / 2‬والمغني ‪ 341 / 7‬ـ ‪ ، 342‬وزاد‬
‫المعاد ‪. 482 / 3‬‬
‫)‪ (67‬أخرجه البيهقي في سننه ‪ ،6/91‬كتاب البيوع ‪ ،‬باب من قال ل يغرم ‪،‬‬
‫والدار قطني في سننه ‪3/41‬كتاب البيوع ‪ ،‬وفي إسناده ضعيفان هما ‪ :‬عمرو‬
‫بن عبد الجبار وعبيده بن حسان ‪ .‬انظر سنن الدار قطني ‪ ، 41 / 3‬وتلخيص‬
‫الحبير ‪. 210 / 3‬‬
‫)‪ (68‬انظر سنن الدار قطني ‪ ، 41 / 3‬وتلخيص الحبير ‪ 210 / 3‬والمغني ‪/ 1‬‬
‫‪. 240‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫)‪ (69‬انظر المجموع ‪ ، 205 / 14‬وروضة الطالبين ‪. 431 / 4‬‬


‫)‪ (70‬انظر المغني ‪ ، 342 / 7‬والفروع ‪ ، 474 / 4‬والنصاف ‪. 89 / 15‬‬
‫)‪ (71‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب البيوع ‪ ،‬باب في تضمين العارية‪ ،‬برقم ) ‪، 3562‬‬
‫‪ ، 527 ، 526 / 3 ( 3564 ، 3563‬والحديث صحيح ‪ ،‬صححه اللباني في‬
‫الرواء ‪ ، 346 /5‬وانظر تلخيص الحبير ‪ 116 / 3‬ـ ‪. 117‬‬
‫)‪ (72‬انظر تلخيص الحبير ‪ ، 117 / 3‬وإرواء الغليل ‪ 344 / 5‬ـ ‪. 346‬‬
‫والمحلى ‪. 168 / 9‬‬
‫)‪ (73‬أخرجه أبوداود‪ ،‬في كتاب البيوع ‪ ،‬باب في تضمين العارية‪ ،‬برقم )‬
‫‪ . 528 / 3 (35666‬والحديث صحيح ‪ ،‬صححه اللباني في الرواء ‪، 348 / 5‬‬
‫وحسنه محمد صبحي في تحقيقه لبداية المجتهد ‪ 130 / 3‬وانظر تلخيص‬
‫الحبير ‪ 116 / 3‬ـ ‪. 117‬‬
‫ً‬
‫)‪ (74‬زاد المعاد ‪ 482 / 3‬بتصريف يسير جدا ‪.‬‬
‫)‪ (75‬تقدم تخريجه ‪ .‬هامش رقم )‪(71‬‬
‫)‪ (76‬أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب البيوع ‪ ،‬باب تضمين العارية ‪ ،‬برقم ) ‪(3561‬‬
‫‪ ، 526 / 3‬والترمذي ‪ ،‬في أبواب البيوع باب ما جاء في العارية مؤادة برقم)‬
‫‪ (1266‬وقال الترمذي حديث حسن صحيح‪ ،‬وضعفه اللباني في الرواء ‪/ 5‬‬
‫‪ ،348‬وانظر تلخيص الحبير ‪. 117 /3‬‬
‫)‪ (77‬المختارات الجلية ص ‪. 159‬‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (78‬تقدم تخريجه ‪.‬هامش)‪. (76‬‬


‫)‪ (79‬انظر أرواء الغليل ‪ ، 348 / 5‬والمحلى ‪. 172 / 9‬‬
‫)‪ (80‬انظر المغني ‪. 342 / 7‬‬
‫)‪ (81‬الشيء الظاهر كالحريق وأخذ السيل وخراب الدار ‪ ،‬والشيء الخفي‬
‫كدعوى سرقة الجواهر والحلي ‪.‬‬
‫)‪ (82‬انظر الكافي لبن عبد البر ‪ ، 808 / 2‬وبداية المجتهد ‪. 130 / 4‬‬
‫)‪ (83‬تقدم تخريجه ‪ ،‬هامش )‪. (71‬‬
‫)‪ (84‬تقدم تخريجه ‪ ،‬هامش )‪. (67‬‬
‫)‪ (85‬انظر المحلى ‪. 169 / 9‬‬
‫)‪ (86‬انظر المغني ‪ ، 342 / 7‬والفروع ‪ ، 470 / 4‬والنصاف ‪. 92 / 15‬‬
‫)‪ (87‬أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب القضية ‪ ،‬باب في الصلح ‪ ،‬برقم ) ‪( 3594‬‬
‫‪ 16، / 4‬والحديث صححه اللباني ‪ ،‬في الرواء ‪. 142 / 5‬‬
‫)‪ (88‬انظر المغني ‪. 342 / 7‬‬
‫)‪ (89‬المغني ‪. 342 / 7‬‬
‫)‪ (90‬المغني ‪. 343 / 7‬‬
‫)‪ (91‬انظر الفروع ‪ ، 474 / 4‬والنصاف ‪. 92 / 15‬‬
‫)‪ (92‬انظر الفروع ‪ ، 474 / 4‬والنصاف ‪. 92 / 15‬‬
‫)‪ (93‬انظر الختيارات الفقهية ص ‪ ، 158‬والفروع ‪ ، 474 / 4‬والنصاف ‪/ 15‬‬
‫‪. 92‬‬
‫)‪ (94‬انظر النصاف ‪. 92 / 15‬‬
‫)‪ (95‬انظر المختارات الجلية ص ‪. 159‬‬
‫)‪ (96‬تقدم تخريجه هامش )‪.(87‬‬
‫)‪ (97‬انظر الكافي ‪ 808 / 2‬ـ ‪ ، 809‬وبداية المجتهد ‪. 132 / 4‬‬
‫)‪ (98‬انظر تنوير البصار ‪ ، 545 / 12‬والدر المختار ‪ ، 545 / 12‬والكافي ‪/ 2‬‬
‫‪ ، 810‬بداية المجتهد ‪ ، 132 / 4‬والمهذب ‪ ، 205 / 14‬ومغنى المحتاج ‪/ 2‬‬
‫‪ ، 273‬والنصاف ‪ ، 95 / 15‬والمبدع ‪. 146 / 5‬‬
‫)‪ (99‬انظر تنوير البصار ‪ ، 545 / 12‬والدر المختار ‪. 545 / 12‬‬
‫)‪ (100‬انظر المصدرين السابقين ‪.‬‬
‫)‪ (101‬انظر الكافي لبن عبد البر ‪ ، 808 / 2‬وبداية المجتهد ‪، 130 / 4‬‬
‫والقوانين ص ‪. 246‬‬
‫)‪ (102‬انظر المصادر السابقة ‪ ،‬وزاد المعاد ‪ ، 482 / 3‬وإعلم الموقعين ‪/ 3‬‬
‫‪. 452‬‬
‫)‪ (103‬انظر تنوير النصار ‪ ، 545 / 12‬والدر المختار ‪ ، 545 / 12 .‬ورد‬
‫المحتار ) حاشية ابن عابدين ( ‪ 550 / 12‬ـ ‪. 553‬‬
‫)‪ (104‬انظر تنوير البصار ‪545 / 12‬‬
‫)‪ (105‬انظر مغني المحتاج ‪ ، 273 / 2‬والمهذب ‪. 205 / 14‬‬
‫)‪ (106‬انظر الفروع ‪ ، 476 / 4‬والروض المربع ‪. 374 / 5‬‬
‫)‪ (107‬انظر الروض حاشية ابن قاسم ‪. 374 ، 373 / 5‬‬
‫)‪ (108‬انظر الكافي ‪ ، 808 / 2‬وبداية المجتهد ‪ 130 / 4‬والقوانين ص ‪. 446‬‬
‫)‪ (109‬انظر الكافي ‪ ، 808 / 2‬وبداية المجتهد ‪ 130 / 4‬والقوانين ص ‪. 446‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضوء على قصة تأسيس جامعة دارالعلوم ‪ /‬ديوبند )الهند(‬


‫بقلم ‪ :‬د‪ .‬محمود حافظ عبد الرب ميرزا‬
‫جامعة "جواهرلل نهرو" دهلي الجديدة‬
‫عندما بدأت نيران ثورة التحرير الهندية عام ‪1857‬م تلتهب في مدينة دهلي‬
‫فإن العلماء الذين قاموا فيما بعد بتأسيس دارالعلوم ديوبند‪ ،‬كانوا ينتظرون‬
‫فرصة للقيام بدور عام في سبيل الحصول على الستقلل من براثن‬
‫الستعمار الجنبي الغاشم‪ ،‬فانتهزوا هذه الفرصة الثمينة وبدأوا الخوض في‬
‫غمارها ‪.‬‬
‫اجتمع هؤلء العلماء ومنهم "الحافظ ضامن"‪ ،‬و"الحاج إمداد الله"‪ ،‬و"مولنا‬
‫محمد" وغيرهم وبحثوا سبل قيامهم بثورة مباغتة ضد النجليز؛ ولكن بعض‬
‫العلماء كانوا ل يؤيدون المشاركة في هذه الثورة لعدم وجود أسلحة تعادل ما‬
‫في حوزة القوات النجليزية‪ ،‬ونظًرا لذلك تم استدعاء "مولنا محمد قاسم‬
‫النانوتوي"‪ ،‬و"مولنا رشيد أحمد الغنغوهي" اللذين حاول حل هذه القضية‬
‫متبعين ومقتدين بأسوة رسول الله الكريم‪ ،‬فاستعدا للخوض في ميادين‬
‫الحرب ضد النجليز‪ ،‬وتجمع المجاهدون حولهما من كل ناحية وجمعوا كل‬
‫السلحة الموجودة لديهم ‪.‬‬
‫وبدأت عملياتهم الحربية والقتالية من مدينة "تانه بون" التابعة لمظفرنغر‬
‫القريبة من ديوبند‪ ،‬وبفضله تعالى استطاعوا الستيلء عليها من أيدي‬
‫البريطانيين‪ ،‬وأقاموا فيها الحكم السلمي‪ .‬وانتشرت هذه النباء في جميع‬
‫بقاء الهند فتحركت القوات النجليزية التي كانت في مدينة "سهارنبور" إلى‬
‫مدينة "شاملي"‪ ،‬وعلم العلماء ذلك ففكروا كثيًرا في طريقة مقاومة هؤلء‬
‫الجنود التي تمتلك أحدث أنواع السلحة والمدافع‪ ،‬وليس في حوزتهم سوى‬
‫المدافع والبنادق القديمة‪ .‬وخطرت على بال "مولنا رشيد أحمد الغنغوهي"‬
‫فكرة رهيبة حاول أن يغامر بها‪ ،‬فقام هو وأتباعه الذين لم يكن يزيد عددهم‬
‫دا بالختفاء وراء الشجار في انتظار مرور هذه‬ ‫على أكثر من أربعين مجاه ً‬
‫القوة البريطانية الزاحفة فانقضوا عليهم وأطلقوا عليهم الرصاص‪ ،‬ففر‬
‫النجليز تاركين مدافعهم وأسلحتهم ليستولي عليها "مولنا رشيد أحمد"‬
‫وجنوده وحملها إلى "الحاج إمداد الله"‪ ،‬فأثار هذا العمل الجريء شعلة‬
‫الحماس في نفوس المجاهدين ‪.‬‬
‫فتقدم المجاهدون نحو مدينة شاملي وقاموا بفتحها بعد معركة حامية‬
‫الوطيس جرت بينهم وبين القوات النجليزية‪ ،‬فرفرفت رأية السلم في بقاع‬
‫شهِد َ في هذه المعركة قائد ُ المسيرة "الحافظ محمد‬ ‫ضا‪ .‬واست ُ ْ‬
‫شاملي أي ً‬
‫ضامن"‪ .‬ورغم ذلك فإن أنباء النتصارات قد شدت من أزر الناس فاجتمعوا‬
‫حول هؤلء المجاهدون بصورة جماعية ‪ .‬ولكن أنباء سيطرة النجليز على‬
‫ما في إحباط روح المجاهدين فقل عددهم‪ ،‬ولم‬ ‫مدينة دهلي لعبت دوًرا ها ً‬
‫يجدوا حل غير إلقاء السلح أمام أعداءهم‪ ،‬الذين كانوا يبحثون عنهم‬
‫ويطاردونهم للنتقام منهم‪ ،‬فهاجر "مولنا إمداد الله" إلى مكة المكرمة‪،‬‬
‫وألقي القبض على "مولنا رشيد أحمد الغنغوهي" فظل في السجن فترة‬
‫تزيد على ستة أشهر وأختفى "مولنا محمد قاسم النانوتوي" حتى صدر‬
‫قانون العفو العام ‪.‬‬
‫وبعد أن استطاعت الحكومة البريطانية أن تسيطر على حركة التحرير‬
‫الهندية عام ‪1857‬م بدأ العلماء يفكرون وبكل جدية عن أفضل حل لهذه‬
‫الزمة فاتفقوا على ضرورة العمل على إنقاذ أبناء المسلمين من النحلل في‬
‫الثقافة الغربية والتأثر بحضارتهم وعملياتهم التبشيرية‪ ،‬وأدركوا ضرورة‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللجوء إلى تربيتهم تربية إسلمية بفتح مراكز دينية خاصة لهم كبديل للخوض‬
‫ج إمداد الله"‬
‫مباشرة في الحروب ضد البريطانيين‪ ،‬فقامت جماعة نحو "الحا ّ‬
‫بالهجرة إلى مكة المكرمة وقامت جماعة أخرى بقيادة "مولنا محمد قاسم‬
‫النانوتوي"‪ ،‬و"مولنا رشيد أحمد الغنغوهي"‪ ،‬وبعض العلماء الخرين باللجوء‬
‫إلى ديوبند عام ‪1862‬م والقيام بفتح مدرسة دينية باسم "دارالعلوم ‪ /‬ديوبند"‬
‫للحفاظ على المبادئ السلمية السمحة ‪.‬‬
‫لقد شهد مسلمو الهند بعد انتهاء حكومتهم التي امتدت قرابة ‪ 800‬سنة‪،‬‬
‫ونتائج ثورة التحرير الهندية عام ‪1857‬م المؤلمة تأخرهم في جميع مراحل‬
‫ما بأن هذه النتائج الوخيمة التي شهدها المسلمون في الهند كانت‬ ‫الحياة‪ ،‬عل ً‬
‫نتيجة لبتعادهم عن السلم وتعاليمه السمحة تدريجًيا حيث أن البريطانيين‬
‫قد نزعوا الحكومة الهندية من المسلمين‪ ،‬لذا كانوا يعتبرونهم أعداءهم‬
‫الصليين‪ ،‬ونتيجة لذلك كانوا يتخذون جميع تلك السياسات التي كانت تضيف‬
‫العار والذل والهوان إلى سمعة مسلمي الهند ‪ ،‬واعتبروهم قواًدا وزعماء‬
‫لثورة التحرير الهندية عام ‪1857‬م حيث حاولوا ما في وسعهم أن يقضوا‬
‫على هذا الدين العريق في هذه البلد بكل طرق ووسائل‪ ،‬فبدأوا يتدخلون في‬
‫شؤونهم الدينية أيضا ويقومون بفتح مدارس على نمط المدارس الغربية ‪.‬‬
‫يقول هنتر ‪:‬‬
‫"لم يكن في مناهج تعليمنا أية مساحة لتعليم الدين السلمي‪ ،‬فقد كنا نخالف‬
‫جميع مصالح المسلمين")‪.(1‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وتم مصادرة جميع الوقاف السلمية التي كانت تقوم بتولي مهمة رعاية‬
‫المدارس السلمية في الهند منذ القدم‪ .‬حيث كانت الحكومة النجليزية‬
‫تحاول نشر المسيحية في أبناء البلد بشتى الطرق حتى تسلم من ظهور أية‬
‫اعتراضات على حكومتها من الناحية الدينية واتبعت خطة تعليمية سهلت‬
‫مهمة التنصير حيث استخدمت الكنيسة والمدارس وسيلة للتنصير الجماعي‪.‬‬
‫ولكن رغم جميع تلك التيارات المعادية للسلم في الهند‪ ،‬إل أن الله تعالى‬
‫كان يريد أن يبقى نور السلم في الهند ساطًعا‪ ،‬فأحس بعض علماء‬
‫المسلمين بانهيار القيم الخلقية وابتعاد مسلمي الهند التدريجي عن تعاليم‬
‫الدين‪ ،‬فرفعوا لواء الصلح والحركة السلمية في الهند ووصلوا إلى النتيجة‬
‫بضرورة بناء المدارس السلمية لصيانة مسلمي البلد من جميع أنواع‬
‫الجتياح الغربي المتمثل في نشر تعاليم المسيحية ‪ ،‬والبدء بالعمال‬
‫التبشيرية في أرجاء البلد المعمورة‪ .‬كما أن خوف المسلمين وقلقهم على‬
‫دينهم من الحكومة البريطانية بعد فشل حركة التحرير الهندية عام ‪1857‬م‬
‫لنها بدأت تقوم بفتح مدارس حديثة غربية وتقوم بتشجيع المبشرين لبادة‬
‫الدين الحنيف ومصادرة جميع الوقاف التي كانت تعتمد عليها المدارس‬
‫السلمية‪ ،‬بدأ يشعرهم بضرورة فتح مدارس تعتمد على عامة الشعب‪،‬‬
‫فخاض بعض العلماء الذين اشتركوا في حركة التحرير الهندية عام ‪1857‬م‬
‫في هذا الميدان العملي لتربية أبناء المسلمين والحتفاظ عليهم من النحلل‬
‫في الحضارة الغربية‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة تم اتباع طريقة خاصة للسير بموجبها متمثلة في إيقاظ‬
‫المشاعر الدينية في أبناء البلد‪ ،‬والقيام بفتح مدرسة دينية حتى يتم الحفاظ‬
‫على الدين السلمي من النتشار والضياع‪ ،‬ومن أبرز الذين قاموا بتأييد هذه‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفكرة هم "مولنا محمد قاسم النانوتوي" ورفقاؤه وخاصة "مولنا ذوالفقار‬


‫صلوا‬ ‫علي"‪ ،‬و"مولنا فضل الرحمن"‪ ،‬و"الحاج السيد محمد عابد حسين" وتو ّ‬
‫إلى ضرورة فتح مدرسة دينية في قرية ديوبند بدل ً من مدينة دهلي‪(2).‬‬
‫ونظًرا للجهود المتواصلة التي بذلها هؤلء العلماء تم افتتاح جامعة دارالعلوم‬
‫عام ‪1867‬م بدون أي رسميات أو احتفاليات‪ ،‬وبدأت الدراسة في مسجد‬
‫صغير ي ُعَْرف بمسجد "تشته" بطالب واحد اسمه "محمود الحسن" وأستاذ‬
‫واحد هو "مل قاري محمود" تحت شجرة رمان في فناء المسجد عام‬
‫‪1867‬م تحت إشراف العارف بالله "مولنا رشيد أحمد الغنغوهي")‪.(3‬‬
‫وبدأت هذه المدرسة تتخطى مراحل التقدم والزدهار بشكل تدريجي حتى‬
‫أصبحت ُتعَرف بأزهر الهند في جميع أنحاء العالم‪ .‬يقول العلمة أبوالحسن‬
‫الندوي‪:‬‬
‫"إن جامعة ديوبند ليست جامعة دينية فقط‪ ،‬جاز تسميتها بأزهر الهند من كل‬
‫وجه بل هي تفوق الجامع الزهر بمصر من بعض الوجوه والنواحي")‪.(4‬‬
‫علما ً بأنه قبل استيلء الستعمار النجليزي على البلد كانت المدارس‬
‫السلمية في الهند تعتمد بشكل كلي على ما كان يوقف لها من قبل المراء‬
‫والملوك والحكام المسلمين أو القطاعيين الكبار؛ حيث كانوا يتولون جميع‬
‫نفقات تلك المدارس وميزانياتها السنوية إل أنه بعد أن سيطرت الحكومة‬
‫النجليزية على زمام البلد قامت بمصادرة هذه الوقاف والراضي بهدف‬
‫تجفيف منابع الفكر السلمي والتعليم الديني للمسلمين في البلد‪ .‬فاعتمدت‬
‫هذه الجامعة بشكل كلي على جمع التبرعات من جميع شعوب البلد وأهاليها‪.‬‬
‫وبذلك كانوا على اتصال دائم مع جميع قطاعات المسلمين في هذه البلد‪.‬‬
‫وقد اعترف قادة النجليز في الهند بأن استيلءهم على الوقاف السلمية‬
‫حرم المسلمين معاهدهم التعليمية التي تم إنشاؤها بجانب المساجد ‪.‬‬
‫وأصبحت هذه الجامعة بمثابة منبع يتجه إليه الطلب من جميع أرجاء البلد‬
‫وكذلك بعض الطلب من خارجها لينالوا قسطهم من التعليم‪ .‬وبما أن هذه‬
‫الجامعة كانت بعيدة عن المجال السياسي في بداية أمرها إل أنه عندما بدأ‬
‫"السر سيد أحمد خان" يقوم بمناشدة المسلمين بعدم النضمام إلى حزب‬
‫المؤتمر القومي الهندي الذي كان يعارض الحكم الستعماري ‪ ،‬فإن العلماء‬
‫قاموا بإصدار الفتاوى التي تم التوقيع عليها من قبل أكثر من مائة عالم‬
‫تتضمن حث المسلمين على ضرورة تأييدهم لخوانهم الهندوس والشتراك‬
‫معهم في حركة تحرير البلد‪ ،‬وكان "مولنا رشيد أحمد الغنغوهي"‪ ،‬و"مولنا‬
‫محمود حسن رئيس دارالعلوم" ديوبند‪ ،‬و"مولنا عبد العزيز لدهيانوي"‪،‬‬
‫و"مولنا محمد لدهيانوي"‪ ،‬و"مولنا لطف الله على كرهي" وغيرهم من‬
‫المؤيدين والموقعين على هذه الفتاوى)‪.(5‬‬
‫كما أن المدارس الدينية التي أنشأها العلماء بعد فشل حركة التحرير الهندية‬
‫عام ‪1857‬م تعتبر بمثابة إشعاع لفكرة الجهاد وإشعالها في قلوب المسلمين‬
‫حتى بدأ النجليز يشعرون بالخوف والرعب من تلك المراكز ويرتعدون من‬
‫اعتناق المسلمين لفكرة الجهاد ؛ فيبذلون قصارى جهدهم للقضاء عليها ‪ ،‬إل‬
‫أن الشعب المسلم بدأ يحتضن تلك المدارس لتظل قائمة تقوم بتأدية‬
‫رسالتها على أحسن وجه ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صا‬
‫سا فكرًيا خال ً‬‫كما أن الساس الذي قامت عليه هذه الجامعة ُيعتبُر أسا ً‬
‫يتمثل في كون هذه الجامعة تنزل منزلة دعوة تاريخية لصلح العقائد‪ ،‬ونشر‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وحركة لصيانة الثروة السلمية‪ ،‬والحتفاظ بالثقافة‬
‫السلمية‪ ،‬والمسلمين في هذه البلد‪ .‬وتم اختيار هذه الدعوة والحركة‬
‫كصورة مدرسة بخصوص ظروف البلد وأحوال المسلمين في الهند آنذاك ؛‬
‫حيث ورث مؤسس هذه المدرسة هذه الصورة للدعوة السلمية والحركة‬
‫الصلحية من الشيخ "الشاه ولي الله الدهلوي" وأسرته‪.‬‬
‫يقول العلمة الندوي‪:‬‬
‫"ومن سمات العلماء المتخرجين في هذه المدارس الدينية البارزة أنهم كانوا‬
‫طليعة المناضلين لتحرير البلد وإجلء المستعمرين من مركز القيادة في هذه‬
‫الحركة الشعبية القوية‪ ،‬ومنهم انبثقت فكرة النضال ضد الحتلل في الحقيقة‬
‫‪ .‬وقد قاد كثير منهم حركة المقاومة الفعالة والثورات المسلحة بمقدرة‬
‫دا ومنهم من شنق ومنهم من نفي إلى جزائر‬ ‫وشجاعة ‪ ،‬فمنهم من قُِتل شهي ً‬
‫"أندمان" وإلى منفى جزيرة "مالطا"‪ ،‬ومنهم من قضى شطًرا من حياته في‬
‫السجون والمعتقلت في داخل البلد ‪ .‬وتاريخ حركة التحرير والستقلل‬
‫مقترن بتاريخ العلماء والشخصيات الدينية في الهند ‪ ،‬متداخل فيه بحيث‬
‫ليمكن فصل أحدهما عن الخر")‪.(6‬‬
‫وقد قال الدكتور أكبر رحماني في كتابة "من عليكره إلى ديوبند" عن جامعة‬
‫دارالعلوم ‪ /‬ديوبند‪:‬‬
‫"إن ديوبند تعتبر قرية مشهورة واقعة في مديرية "سهارنبور" وهي مركز هام‬
‫للدين والدب ومن أهم شهرتها هي جامعة دار العلوم ديوبند ؛ حيث أن طلب‬
‫هذه المدرسة منتشرون في جميع بقاع العالم ‪ .‬وهي جامعة قديمة تأسست‬
‫في أيام الحكومة البريطانية لتكون درعا ً محافظا ً للسلم والحضارة‬
‫السلمية من النحطاط في أيدي المستعمرين‪ ،‬وقد قدم هؤلء العلماء‬
‫تضحيات كبيرة لتحرير البلد من أيديهم ؛ فنالوا نصيبهم من الذى والتعذيب‬
‫وذاقوا ويلت السجن والنفي؛ فهي ليست جامعة بل هي حركة دينية‬
‫وسياسية تهتم بأمور الدين والسلم وما يتعلق بالمور السياسية")‪.(7‬‬
‫يعرف بأن دارالعلوم ‪ /‬ديوبند كانت في بداية أمرها ل تهتم إل بالتدريس‬
‫ونشاطات البحث والمناظرة فقط ‪ ،‬ولم تبدأ بالهتمام بالمور السياسية إل‬
‫في القرن العشرين ؛ ولكن يجب علينا أن نعرف بأن الجيش يجب أن يتلقى‬
‫جميع فنون الحرب ومبادئه وأسسه ؛ لكي يتقن أساليب الحرب ويصبح‬
‫دا للخوض في غماره ؛ حيث ليجب إرسال جيش بدون تجهيزه وتمرينه‬ ‫مستع ً‬
‫فمثل ما ظهرت حركة "الشاه ولي الله الدهلوي" و"عبد العزيز الدهلوي"‬
‫التي قامت بتجهيز وإعداد حركة "سيد أحمد الشهيد" للخوض في الحرب ضد‬
‫المستعمرين بكل قوة ونشاط ظهر أثر حركة "محمد قاسم النانوتوي"‬
‫و"رشيد أحمد الغنغوهي" في بداية القرن العشرين على شكل حركة‬
‫الكتاتيب الحريرية بقيادة "شيخ الهند محمود الحسن" وجمعية علماء الهند ‪.‬‬
‫فكما يعلم الجميع بأن جامعة "دارالعلوم‪ /‬ديوبند" هي أقدم مؤسسة تعليمية‬
‫إسلمية في الهند‪ ،‬وهي معروفة بإسهامها في حركة تحرير البلد من براثن‬
‫الستعمار النجليزي الغاشم مساهمة فعالة‪ ،‬وكان لها دور بارز ومتميز في‬
‫إثارة حركة التحرير‪ ،‬وإثارة الحقد والكراهية في نفوس الشعب الهندي ضد‬
‫النجليز‪ .‬ولتزال هذه الجامعة تؤدي خدمات جليلة لخلق جو النسجام والوئام‬
‫فيما بين سكان البلد‪ ،‬وإصلح المجتمع الهندي بشكل عام والمجتمع المسلم‬
‫بشكل خاص عن مظاهر الفساد والدمار وفشو الرشوة والمنكرات‪ ،‬والسعي‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لتبادر المودة واللفة فيما بين المواطنين من المسلمين والهندوس سواء‬


‫بسواء‪ .‬كما أن لها فضل ً كبيًرا في نشر العلوم السلمية والتوعية السلمية‬
‫وإعداد الدعاة الصالحين والحتفاظ بالتراث السلمي والعلوم الدينية والعقائد‬
‫السلمية والشعائر الدينية السمحة ومتابعة المسيرة الصلحية في أحسن‬
‫قا بمثابة نهضة حضارية عظيمة للمسلمين ‪ .‬وكان أبناء هذه‬‫تقويم ‪ ،‬لتعد ح ً‬
‫قا مسؤوليتهم تجاه المة ؛ فقاموا بدور مثالي في قيادة‬
‫الجامعة يدركون ح ً‬
‫الحركات السلمية وإنقاذ الشعب المسلم من الجاهلية والشرك‪.‬‬
‫***‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫)‪ (1‬سيد محبوب رضوي‪ ،‬تاريخ دارالعلوم ديوبند الجزء الول ص ‪.139‬‬
‫)‪ (2‬سيد محبوب رضوي ‪ ،‬تاريخ العلوم ديوبند ‪ ،‬الجزء الول ص ‪.119‬‬
‫)‪ (3‬عبد المنعم النمر ‪ ،‬كفاح المسلمين في تحرير الهند ص ‪.38‬‬
‫)‪ (4‬محمد عبيد الله السعدي القاسمي‪ ،‬دارالعلوم ديوبند ص ‪.89‬‬
‫)‪ (5‬د‪ .‬محمد هاشم قدواي‪ ،‬جديد هندوستان كى سياسي أور سماجي أفكار‬
‫ص ‪.386‬‬
‫)‪ (6‬محمد عبيد الله السعدي القاسمي‪ ،‬دارالعلوم ديوبند ص ‪.65‬‬
‫)‪ (7‬د‪ .‬أكبر رحماني‪ ،‬عليكره سى ديوبند تك تعليمي سفر نامه ص ‪.112‬‬
‫***‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ضوء من الحجرات‬
‫عبد الله بن عبد الرحمن العيادة ‪27/8/1426‬‬
‫‪01/10/2005‬‬
‫النفس في هذه الحياة تسير عبر طريق شائك‪ ،‬ول تدري كيف ومتى ستكون‬
‫النهاية؟ وكل منا يطمح إلى النهاية السعيدة الرابحة‪ -‬حسب وجهة نظره‬
‫بالطبع‪ -‬وتختلف الوجهات والفكار حسب الشخاص‪ ،‬ولكن كيف نصل إلى‬
‫النهاية الحتمية الحقيقية الواضحة المعالم‪ ،‬والرابحة‪ ،‬التي تجعل المرء منا‬
‫يفوز ويربح؟ لنك ترى كل ً يقول‪ :‬الطريق الذي أسلكه هو الطريق الحقيقي‪،‬‬
‫فيتيه كثير من البشر عبر أودية التبعية من خلل الفكار المطروحة‪ ،‬فتحصل‬
‫النزاعات والخلفات‪ ،‬وقد تصل أحيانا ً إلى الحروب المدمرة‪ ،‬لتسويق الفكرة‬
‫التي يراها هي الصائبة‪ ،‬فهل هذا الفعل صائب؟‬
‫وكيف نصل إلى الجابة الصحيحة المقنعة؟‬
‫ل نريد أن ندخل في متاهات التعريفات‪ ،‬أو القناعات‪ ،‬ولكن لعلنا نختصر‬
‫الطريق عليك أيها القارئ‪ ،‬لنصل وإياك إلى ساحل الحقيقة التي تجعلك‬
‫تطمئن إلى أن الطريق الذي تسلكه هو الطريق الصحيح المن‪ ،‬وهو النهاية‬
‫السعيدة بإذن الله‪ ..‬ولكي نقتنع سويًا‪ ،‬علينا أن نجعل العقل هو الذي يتخذ‬
‫القرار النهائي في هذه المسألة‪.‬‬
‫إذا ً أين نجد خبر الحقيقة المطلقة التي ل يعتريها الشك أو القصور أو التكرار‬
‫أو الخلل‪..‬؟ لو طرحت هذه الفكرة على أي مسلم لقال لك بدون ترّدد‪ :‬إنها‬
‫موجودة في القرآن الكريم‪ ،‬الذي هو كلم الله‪ ،‬وهذه هي الجابة المنطقية‬
‫المتوقعة البديهية؛ لن المسلم ل يمكن أن يقول غير هذا‪ ،‬ولو قال غير ذلك‪،‬‬
‫لوجد خلل ً في معتقده وثوابته‪.‬‬
‫ل الطريق واستقى علمه الناقص من أناس‬ ‫ولكن ذلك المعاند الجاحد الذي ض ّ‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ناقصين مثله‪ ،‬فصارت ظلمات بعضها فوق بعض‪ ،‬من الظلمة ل يكاد يرى‬
‫طريقة فتاه‪ ،‬فكيف نقنعه‪..‬؟ أو الذي ل يعترف بالقرآن‪ ،‬كيف نوصل إليه أن‬
‫الحقيقة موجودة بين دفتيه وبكل دقة؟ المر يسير وسهل بإذن الله‪.‬‬
‫دقه‪..‬؟‬
‫ّ‬ ‫تص‬ ‫دث حسبما أخبر به‪ ،‬أل‬ ‫ُيقال له‪ :‬الذي تجد فيه خبرا ً مستقبليا ً ويح ّ‬
‫ض يذكره كما يوجد في مكتباتكم‪ ،‬أو يصف‬ ‫والذي تجد فيه ذكرى عن خبر ما ٍ‬
‫شخصا ً أنتم تعظمونه‪ ،‬بأوصافه الحقيقية التي أخفيتموها أنتم‪ ،‬أحسن من‬
‫وصفكم له؟ أو يذكر معلومة طبية مذهلة‪ ،‬ل ُترى إل عبر المجاهر الطبية‬
‫المتقدمة‪ ،‬قبل مئات السنين‪ ،‬ثم تأتي الخبار الطبية من المختبرات‪ ،‬وتعلن‬
‫أنها مطابقة تماما ً لهذه الخبار‪ ،‬مثل رحلة خلق النسان منذ وصول تلك‬
‫القطرة إلى رحم النثى‪ ،‬حتى خروجها إلى الدنيا‪ ،‬أو يورد ذكر معلومة فلكية‪،‬‬
‫أو جغرافية‪ ،‬ثم يأتي العلم الحديث ويعلن اكتشافها‪ ،‬ستجد هذا يسلم لك‪،‬‬
‫وإن لم يفعل‪ ،‬فهو معاند‪ ،‬ل يرغب في معرفة الحقيقة‪ ،‬فهذا دعك منه‪ ،‬ول‬
‫ترهق نفسك في الدخول معه في متاهات الجدال العقيم‪ ،‬الذي ل يلد إل‬
‫التعب والنصب؛ لنه قد أطلق الحكم مسبقًا‪.‬‬
‫فإذا كنا نرغب في أن ننعم بالطمأنينة والراحة والفوز فعلينا أن نتعلم فن‬
‫السباحة المعرفية‪ ،‬ونلج إلى نهر هذا الكتاب العظيم‪ ،‬وسنرى أننا نبلغ القمة‬
‫في حياتنا الن‪ ،‬وهو مطلب يلح كل الخلق على بلوغه‪ ،‬ثم بعد ذلك في الحياة‬
‫الثانية بعدما نرحل عن مسرح هذه الحياة‪ ،‬إلى الحياة التي نؤمن بها‪ ،‬وهي‬
‫ول فيه‪ ،‬ولكن يختلف الناس في النهايات‪ ،‬كما‬ ‫المستقر البدي‪ ،‬الذي ل تح ّ‬
‫ذكر ذلك في هذا الكتاب العظيم‪ ،‬الذي أوجد كل شيء‪ ،‬وهو قادر على كل‬
‫شيء‪):‬فريق في الجنة وفريق في السعير( أرأيت التقسيم؟ وكيف سينقسم‬
‫الخلق إلى فريقين‪..‬؟ فهل عندك تخيل الن‪ :‬كيف سيكون الموقف‪..‬؟ وما‬
‫هي رغبتك أنت‪..‬؟‬
‫إذا ً سأحاول أن أبحر معك في رحلة‪ ،‬عبر قارب التأمل‪ ،‬إلى شاطئ إحدى‬
‫سوره‪ ،‬لعلنا أن نتذوق من ثمراتها‪ ،‬ما يجعلنا نعيش حياة هادئة‪ ،‬عبر الطريق‬
‫الذي يرسمه لنا سبحانه‪ ،‬فإذا جاءت اللحظة الحاسمة المباغتة فإذا بنا قد‬
‫أخذنا حذرنا‪ ،‬لعلنا ننجو‪ ،‬ونكون من الفريق الذي يكون مستقره )فريق في‬
‫الجنة‪ (..‬إذا ً هذه السورة هي سورة الحجرات‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حينما يبحر المرء مع هذه السورة العظيمة الكريمة‪ ،‬في هذا البحر الزاخر‬
‫الذي يشع نورا ً وإشراقا ً وجمال ً من جميع جوانبه‪ ،‬انظر إلى العماق الممتدة‬
‫دك الرغبة إلى أن تصل إلى أعماقه؟ فإذا نظرت إلى جمال‬ ‫أمامك‪ ،‬أل تش ّ‬
‫هذه السورة أخذتك الدهشة من روعتها وبيانها‪ ،‬وإذا نظرت إلى آياتها عاد‬
‫إليك الطرف حسيرًا‪ ،‬بعدما انبهر بتكامل صورها وبيانها‪ ،‬فمهما قلنا في هذا‬
‫البيان فقولنا يظل ناقصًا‪ ،‬وقوتنا تبقى عاجزة أن تصل إلى ذرات إبداعاتها‪.‬‬
‫كيف ل‪ ،‬وهي كلم من بيده القدرة والعجاز‪ ،‬الذي إذا أراد أمرا ً قال له‪ :‬كن‬
‫فيكون‪ ،‬في أقل من لمح البصر‪ ..‬ونحن سنبحر على مركب صغير‪ ،‬لنقطف‬
‫من ثمارها اليانعة وننهل من عذب مائها‪ ،‬ونحوز من جواهرها وأصدافها‪،‬‬
‫ونقف مع بعض معانيها لتكون علمات تضيء الطريق للسالكين‪ ،‬الذين بلغ‬
‫بهم الهم مبلغه‪ ،‬وضاقت عليهم الدنيا بما رحبت؛ فلو تأملوا ما فيها من‬
‫المال‪ ،‬والحلول لما ُوجد متعب يشكو على وجه الرض‪ ،‬لذلك سأعرض عليك‬
‫ن الله بها علينا‪ ،‬وهي تأملت وخواطر‬ ‫هذه التأملت عبر هذه الوقفات التي م ّ‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سانحة‪ ،‬فتح الله بها من عنده‪ ،‬بمّنه وكرمه‪ ،‬فما كان فيها من حق ووافق‬
‫المعنى‪ ،‬فهو من توفيق الله وحده‪ ،‬وليس لي منها أي جهد‪ ،‬وما كان فيها من‬
‫خلل أو جانب الصواب فهو من تقصيري وسوء فهمي‪ ،‬والله ورسوله منه براء‬
‫ولكن حسبي أني مجتهد‪ ،‬يرغب في تأمل هذا البحر الزاخر بالجواهر‬
‫والصداف‪ ،‬ولهذه الرحلة حكاية عجيبة‪ ،‬فما هي هذه الحكاية ومن هو يا ترى‬
‫السبب؟‬
‫أخي الكريم‪ ..‬سأعرض عليك هذه التأملت‪ .‬على مدار حلقات متتابعة‪،‬‬
‫أسبوعية‪ ..‬بإذن الله عبر هذا الموقع المبارك‪ ،‬فالله أسأل أن يجعل ذلك في‬
‫ميزان حسناتنا يوم ُنعرض عليه‪ ،‬ونحن نتشبث بأي أمل لعلنا ننجو من هول‬
‫المطلع‪ ،‬وأملنا في رحمة أرحم الراحمين‪ ،‬التي وسعت كل شيء‪.‬‬
‫د‪ .‬خديجة كانت السبب‬
‫عبدالله بن عبدالرحمن العيادة ‪10/9/1426‬‬
‫‪13/10/2005‬‬
‫أحيانا ً ينساق النسان إلى الخير‪ ،‬من حيث ل يدري أو يحتسب‪ ،‬وقد يكون‬
‫غافل ً عن أمر يريده فيأتيه وهو لم يطلبه‪ ،‬فإذا دخل في غماره إذا بالمعاني‬
‫العذبة تنساب‪ ،‬وتتدفق كنهر يجري في منحدر محاط بالوديان والشجار‬
‫الكثيفة‪ ،‬ذات الثمار اليانعة‪ ،‬فذاق طعمها‪ ،‬بعدما أبحر مع نهرها‪.‬‬
‫لذلك ما أعظم هذا الدين وأروعه! فهو يكرم من ينتسب إليه‪ ،‬بعد موته‬
‫وفراقه للدنيا‪ ،‬مثل تكريمه وهو على قيد الحياة‪ ،‬وذلك بأن ُيجري له الخير‬
‫والجر على العمل الذي يقوم به في حال حياته‪ ،‬إذا كان هذا العمل من‬
‫العمل المتعدي نفعه إلى الخرين‪ ،‬ومن أعظم العمال التي يتعدى نفعها إلى‬
‫غيرنا الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وهي رسالة النبياء عليهم وعلى نبينا‬
‫أفضل الصلة والتسليم‪ ،‬ومن يسلك هذا الطريق يحز على الجر العظيم‪،‬‬
‫دخرا ً له يوم ُيعرض على ربه‪ ،‬ومصداق ذلك قول‬ ‫الذي يجده في صحائفه م ّ‬
‫نبينا محمد صلى الله عليه وسلم‪" :‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إل من ثلث‪،‬‬
‫صدقة جارية أو علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم من حديث‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫ومن كان السبب في كتابة هذه الكلمات التي أمامك‪ ،‬هو الذي دعاني لذكر‬
‫هذه المقدمة‪ ،‬إنها امرأة لها حكاية عجيبة‪ ،‬فهذه امرأة تحمل رسالة‬
‫الدكتوراه‪ ،‬وهي الدكتورة خديجة عبد الماجد عبد العظيم حسان‪ ،‬أستاذ‬
‫مساعد في كلية التربية للبنات بجدة‪ ،‬القسام الدبية‪ ،‬قسم علم النفس‬
‫نذرت نفسها ومؤهلها وعلمها لخدمة دينها والدعوة إليه‪ ،‬فقد وظفت كل‬
‫إمكانياتها لذلك‪ ،‬فانطلقت دعوتها لبنات جنسها من المسلمات؛ فقد أخذت‬
‫على عاتقها الدفاع عن قضايا المرأة المسلمة‪ ،‬وما ُيحاك ضدها من‬
‫مؤامرات‪ ،‬فكانت ترصد وتتابع ما يصدر في وسائل العلم‪ ،‬وما ُيقرر في‬
‫المؤتمرات المشبوهة عن المرأة‪ ،‬فكانت تكتب وتلقي المحاضرات‪ ،‬ولم‬
‫يقعدها المرض عن ذلك‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ي لول مرة بالهاتف‪ ،‬وبعد أن‬‫وسبب معرفتي بجهودها‪ ،‬فقد اتصلت عل ّ‬


‫عّرفت عن نفسها‪ ،‬قالت‪ :‬إنها مشتركة في موقع على شبكة النترنت‪ ،‬وهذا‬
‫الموقع أخذ على عاتقه الدعوة إلى الله‪ ،‬وطلبت مني المشاركة في الكتابة‬
‫في هذا الموقع‪ ،‬ثم اقترحت اقتراحًا‪ ،‬ومفاد هذا القتراح أن المجتمع اليوم‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعيش شبه أزمة في الخلق والتعامل وحتى السلوك‪ ،‬ول بد من التصدي‬


‫لهذه الزمة‪ ،‬والكتابة عنها‪ ،‬وإنارة الطريق للناس‪ ،‬فاقترحت أن أقوم بالكتابة‬
‫والبحار‪ ،‬عبر سورة الحجرات‪ ،‬لتأمل المعاني التي فيها لمعالجة هذه‬
‫الظواهر‪ ،‬من السلوكيات المنتشرة اليوم‪ ،‬ويحصل بسببها عداوات كثيرة‪،‬‬
‫فسبحان الله وقع هذا القتراح في نفسي‪ ،‬وأحسست أن الله سبحانه وتعالى‬
‫سيلهمني ويرشدني إلى الصواب‪ ،‬فطلبت منه العون والسداد سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬فشرعت في الكتابة‪ ،‬ووجدت أن الطريق سالكة‪ ،‬والمعاني تتدفق‬
‫كالنهر يجري‪ ،‬وهو من توفيق الله وحده لي‪ ،‬مصداقا ً لقوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫ن الله سبحانه‬ ‫م ّ‬
‫ر( )القمر‪ .(17:‬و َ‬‫مد ّك ِ ٍ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬‫ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬
‫قْرآ َ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬‫) وَل َ َ‬
‫وتعالى بمّنه وكرمه وتوفيقه وتيسيره بالبدء بهذه التأملت غرة شهر رجب‬
‫عام ‪1423‬هـ‪ ،‬وتم النتهاء من هذه التأملت لهذه السورة المباركة مساء يوم‬
‫الجمعة الموافق ‪23/1/1426‬هـ‪.‬‬
‫ولكن حصل شيء لم يكن في تقديرنا فقد انتقلت صاحبة الفكرة إلى جوار‬
‫ربها قبل النتهاء من التأملت لهذه السورة‪ ،‬فأسأل الله العظيم‪ ،‬رب العرش‬
‫الكريم‪ ،‬أن يجزيها خير الجزاء‪ ،‬ويجري لها الجر والثواب‪ ،‬على ما قامت به‬
‫من جهد في الدعوة إلى الله‪ ،‬ونحسبها ‪-‬والله حسيبها‪ -‬من المجاهدات‪ ،‬ومن‬
‫در الله عليها‪ ،‬وُأصيبت بمرض تليف الكبد‪ ،‬وهو‬ ‫الصابرات على البلء‪ ،‬فقد ق ّ‬
‫المرض الذي ُقبضت فيه‪ ،‬وقد صحبت زوجتي لزيارتها في المستشفى‬
‫الجامعي بجامعة الملك عبد العزيز في مدينة جدة‪ ،‬وعند دخول زوجتي عليها‬
‫استأذنتها قائلة‪ :‬لعل زوجي يقرأ عليك شيئا ً من القرآن‪ ،‬فرفضت الفكرة‬
‫قائلة‪ :‬بل أنا أقرأ على نفسي‪ ،‬لني مضطرة‪ ،‬والله سبحانه وتعالى يجيب‬
‫المضطر إذا دعاه‪ ،‬ويختار لعبده ما يراه سبحانه وتعالى ويريده؛ فل راد ّ‬
‫لحكمه‪ ،‬فلقيت وجه ربها سبحانه وتعالى مساء يوم الربعاء الموافق‬
‫‪16/3/1426‬هـ‪.‬‬
‫فرحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته‪ ،‬ووالدينا والمسلمين‬
‫أجمعين‪..‬‬
‫ّ‬
‫وأذكرك يا من تقرأ هذه التأملت‪ ،‬أل تنساها‪ ،‬ول تنسانا من دعوة في ظهر‬
‫الغيب‪ ،‬عسى الله أن يرحمنا‪ ،‬ويتقبل منا‪ ،‬وأسأله سبحانه أن يفتح علينا‬
‫ويلهمنا‪ ،‬إنه سبحانه هو ولينا‪ ،‬فنعم المولى ونعم النصير‪ ،‬وصلى الله على نبينا‬
‫محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪..‬‬
‫مدخل تعريفي‪..‬‬
‫هذه السورة اسمها سورة الحجرات لورود هذه المفردة )الحجرات( في ثنايا‬
‫النص الكامل‪ ،‬ولهذه الحجرات قصة سنقف عندها في مكانها‪..‬‬
‫رقم هذه السورة في المصحف )‪ (94‬ورقم صفحاتها )‪ (515‬وعدد آياتها )‬
‫‪ (18‬آية‪ ،‬والسورة التي قبلها‪ ،‬سورة الفتح والسورة التي بعدها‪ ،‬سورة ق‪.‬‬
‫نزلت هذه السورة في المدينة النبوية‪ ،‬أي في العهد المدني‪ ،‬وهذا له دللة‬
‫معينة‪ ،‬فهي من السور ذات الرموز البنائية التربوية التعاملية التي تحتاجها‬
‫المة‪.‬‬
‫والمتأمل للسور المدنية‪ ،‬يجدها هكذا‪ ،‬فبعد النتهاء من البناء العقدي‪،‬‬
‫للنفوس في المرحلة المكية‪ ،‬وصار لديها استعداد لتقبل وتنفيذ أمر الله‪ ،‬بكل‬
‫طواعية وتلقائية وانقيادية؛ لن ذرات اليمان قد امتزجت مع خليا الدم في‬
‫عروق المؤمنين‪ ،‬فصاروا أداة لينة في تقبل التكاليف التي أمر بها رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وصار لديهم استعداد للتضحية‪ ،‬والدليل أنهم قدموا‬
‫أرواحهم رخيصة في سبيل من آمنوا به سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لهذا صار ل بد من اكتمال المشروع السلمي‪ ،‬خلل المرحلة الثانية منه‪،‬‬


‫وهي المرحلة المدنية‪ ،‬فلقد تم البناء الول في المرحلة المكية‪ ،‬وهي ترسيخ‬
‫أسس هذا الدين‪ ،‬وهو التجرد من شوائب التبعية‪ ،‬للقبيلة والسياد‪ ،‬والسجود‬
‫للصنام إلى صرف السجود والخضوع‪ ،‬لرب واحد‪ ،‬بدل ً من الرباب بكل‬
‫عفوية ومحبة وخوف ورجاء وتلقائية واندفاع‪.‬‬
‫فصاروا بعد هذا بحاجة ماسة إلى البناء الخر‪ ،‬وهو البناء التعاملي؛ لن هذا‬
‫الدين وأتباعه ينتظرهم دور خطير على مسرح الحياة‪ ،‬لنقاذ البشرية من‬
‫دياجير الظلمات‪ ،‬وإخراجهم إلى ساحات النور والهدى‪ ،‬فل بد أن ُيعد هؤلء‬
‫العداد المتكامل لحمل المشعل‪ ،‬ويقدموا الصورة الحقيقية لهذا الدين كما‬
‫أراده الله أن يكون‪.‬‬
‫إلى هنا نصل إلى نهاية هذه الحلقة‪ ،‬إلى اللقاء في الحلقة الثالثة إن شاء‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪..‬‬
‫ضوء من الحجرات )‪(3‬‬
‫عبد الله بن عبد الرحمن العيادة ‪26/9/1426‬‬
‫‪29/10/2005‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أحيانا ً ُتساق للخير بدون مقدمات‪ ،‬ففي يوم الخميس الموافق ‪4/4/1426‬هـ‬
‫ظمته الجامعة السلمية بالمدينة النبوية‪،‬‬ ‫ذهبت لزيارة معرض الكتاب‪ ،‬الذي ن ّ‬
‫على ساكنها أفضل الصلة والتسليم‪ ،‬وبينما كنت أتجول في أقسام المعرض‪،‬‬
‫صص لبيع أشرطة )الكاسيت(‪ ،‬فوقع بصري على‬ ‫خ ّ‬
‫استوقفني جناح ُ‬
‫)ألبومات( من عدة أشرطة‪ ،‬مكتوب عليها اسم الشيخ العالم الداعية عطية‬
‫بن محمد سالم رحمه الله رحمة واسعة‪ ،‬ولشدة محبتي لهذا العالم‪ -‬فقد‬
‫عرفته من خلل تلك الدروس الرائعة‪ ،‬التي كان يلقيها في رحاب المسجد‬
‫النبوي الشريف‪ ،‬وكانت ُتنقل عبر أثير إذاعة القرآن الكريم‪ ،‬من المملكة‬
‫العربية السعودية‪ -‬اشتريت مجموعة من هذه )اللبومات(‪ ،‬وكان من ضمن‬
‫المجموعة التي اشتريت‪ ،‬قصة السراء والمعراج‪ ،‬فقلت لعلي استمع لهذه‬
‫القصة وأنا عائد يوم الجمعة‪ ،‬فكان كذلك‪.‬‬
‫عندما سرت متوجًها إلى القصيم عبر الطريق السريع‪ ،‬وضعت أول شريط‬
‫في المجموعة‪ ،‬وبدأ نهر العلم يتدفق‪ ،‬من خلل حديث الشيخ الرائع‪ ،‬والشيخ‬
‫قد فارق هذه الدنيا بجسده‪ ،‬ولكن بقي منه هذا العلم‪ ،‬فقلت في نفسي‪،‬‬
‫صدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬عندما ذكر ما الذي يبقى للميت‬
‫بعد موته ينفعه‪ ،‬وذكر "أوعلم ُينتفع به"‪ ،‬فوجدت هذا عملًيا؛ فلهجنا للشيخ‬
‫طر أسماعنا بالحديث عن رسول الله –صلى‬ ‫بالدعاء أنا ومن معي‪ ،‬بعدما ع ّ‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬ثم استمر الشيخ بالحديث عن قصة السراء والمعراج‪ ،‬وبدأ‬
‫يمهد للحديث‪ ،‬وهذا فن ل يجيده إل قليل من العلماء‪ ،‬وهو التمهيد للفكرة‬
‫بتوطئة مقنعة للمتلقي‪ ،‬وهذه نجح الشيخ فيها بدرجة امتياز –ومن أراد التأكد‬
‫فليستمع إلى تلك الشرطة‪ -‬وهي موجودة في مكتبة المسجد النبوي‬
‫الشريف‪.‬‬
‫تطّرق الشيخ إلى سورة النحل؛ لنها السورة التي وردت قصة السراء في‬
‫مي بهذه الحادثة التي اخترقت‬ ‫صدرها‪ ،‬ونالت هذه السورة شرف التس ّ‬
‫المعقول وغير المعقول‪ ،‬لتحدث شرخا ً في عقول الحيارى الذين تاهوا في‬
‫لحجج الجهالة؛ إذ ل يصدقون إل ما تراه عيونهم‪ ،‬أو تحسه عقولهم‪،‬أو تسمعه‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫آذانهم‪ ،‬فهؤلء على عيونهم غشاوة‪ ،‬وفي آذانهم صمم مستحكم‪ ،‬أما أذهانهم‬
‫فهي الجرداء الخالية من مادة الذكاء والتفكير السليم‪ ،‬و الرجل الذي نال‬
‫صديق‪ ،‬لم يكن بحاجة إلى أي دليل ليصدق هذه الحادثة‪ ،‬فقط قال‬ ‫لقب ال ّ‬
‫بكل بساطة ويقين‪ :‬إن كان محمد –صلى الله عليه وسلم‪ -‬قد قاله فقد صدق‬
‫قبه الصادق المصدوق‬ ‫–الله أكبر‪ ، -‬هنا تكون العظمة والقوة والتحدي‪ ،‬لذلك ل ّ‬
‫ما عليه‪ ،‬إلى يوم القيامة؛ لن الله سبحانه وتعالى قد‬ ‫صديق‪ ،‬ليظل هذا عل ً‬ ‫بال ّ‬
‫مل قول الحق‬ ‫أثبت ذلك في كتابه‪ ،‬وجعله قرآًنا ُيتلى إلى يوم القيامة‪ ،‬وتأ ّ‬
‫ه‪] (...‬الزمر‪ [33 :‬هما رسول الله‬ ‫صد ّقَ ب ِ ِ‬
‫ق وَ َ‬
‫صد ْ ِ‬
‫جاَء ِبال ّ‬‫ذي َ‬‫تبارك وتعالى‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫–صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأبو بكر –رضي الله عنه‪ -‬لتخلد بعد ذلك هذه الحادثة‬
‫على مر التاريخ‪ .‬وبينما كنت غارقًا‪ ،‬وسارحا ً في بحر الخيال‪ ،‬وأنا أعود‬
‫بالذاكرة مع الشيخ إلى مواطن حياة المصطفى‪ ،‬وإذا به يعود بي إلى واقعي‬
‫بلحظة خاطفة لم أحسب لها حساب‪ ،‬فما الذي حدث؟‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قال الشيخ‪ :‬إن لسورة السراء علقة منطقية بسورة النحل؛ فسرقتني هذه‬
‫ملي؛ لنها أحدثت عندي شيًئا‪ ،‬يهمني كثيًرا‪ ،‬وهي‬
‫العبارة من إنصاتي وتأ ّ‬
‫سورة الحجرات‪ ،‬فقلت مخاطًبا نفسي المندهشة‪ :‬ترى هل لسورة الحجرات‬
‫علقة منطقية بسورة الفتح التي تأتي قبلها في الترتيب في المصحف‪ ،‬هذه‬
‫الخواطر مرت والشيخ مسترسل في حديثه العذب‪ ،‬فذكر أن سور القرآن‬
‫بينها ترابط منطقي عجيب‪ ،‬ليس فيه خلل أو تناقض‪ ،‬ويعطيك دليل ً على‬
‫من قال هذا القرآن –سبحانه وتعالى‪ -‬ثم ضرب الشيخ مثال ً لهذا‬‫عظمة َ‬
‫الترابط بين سورتي الفيل وقريش‪ ،‬وأنا ل أزال أفكر بسورتي –الحجرات‪-‬‬
‫لتأتي المفاجأة التي أعادتني إلى واقعي‪ ،‬لستيقظ على صوت الشيخ مرة‬
‫أخرى‪ ،‬وهو يذكر سورة الحجرات بالنص‪ ،‬وإن لها علقة منطقية بسورة‬
‫الفتح‪ ،‬فذهلت من هذه المفاجأة التي لم أحسب حسابها؛ لنها كانت مجرد‬
‫خاطرة مرت بالذهن ليس إل ‪ ....‬ليسترسل الشيخ بعد ذلك في الحديث عن‬
‫هذه العلقة بين سورتي الحجرات والفتح‪ ،‬وخص بالحديث صلح الحديبية‪،‬‬
‫والحداث المصاحبة له والحداث التي جاءت من بعده‪ ،‬الذي هو موضوع‬
‫سورة الفتح‪ ،‬وما حصل من المكاسب العظيمة التي نتجت عن هذا التفاق‪،‬‬
‫ثم ذكر الشيخ ما حصل من بعض الصحابة –رضي الله عن الجميع‪ -‬منهم عمر‬
‫–رضي الله عنه‪ -‬من استثفال لتلك الشروط التعسفية‪ ،‬من قريش على‬
‫رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬المر الذي جعل "سهل" ‪-‬مندوب قريش‪-‬‬
‫يتحدث نيابة عنهم‪ ،‬برفض العتراف برسول الله –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫وقوله‪ :‬لو كنا نقر بها ما منعناك من الدخول‪ ،‬ولكن قال‪ :‬محمد بن عبد الله‪،‬‬
‫وقبوله لها‪ ،‬عليه الصلة والسلم‪ ،‬ثم يأمر علًيا –رضي الله عنه‪ -‬بمسحها‪ ،‬ثم‬
‫يقول علًيا‪ :‬ل أمسح اسمك يا رسول الله‪ ،‬فيأخذ الصحيفة ويمسحها هو‪ ،‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬ثم ما حصل من الصحابة من عدم الستجابة لرسول الله –‬
‫ورتها‬‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬عندما أمرهم بالحلق‪ .‬هذه الحداث الجسيمة ص ّ‬
‫هذه السورة العظيمة‪ ،‬وخّلدت ذكرها‪ ،‬إلى يوم القيامة‪ ،‬ثم يأتي المقطع‬
‫الخير منها بصورة مفاجئة للقارئ‪ ،‬لتثبت أمًرا مهمًا‪ ،‬قد استفاض عند كفار‬
‫قريش‪ ،‬أنهم استطاعوا أن يملوا عليه شروطهم‪ ،‬مع التخلي عن صفته التي‬
‫ينادي بها‪ ،‬وهي الرسالة‪ ،‬ويقبل هو –عليه الصلة والسلم‪ -‬ذلك لمر يريده‬
‫الله‪ ،‬فيأتي هذا المقطع ليقطع على كفار قريش فرحتهم‪ ،‬وهو إعادة اللقب‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دا‪ ،‬فكأنه أخذ الديمومة التي ل تقبل‬ ‫إلى صاحبه بأمر إلهي‪ ،‬ل يمكن إلغاؤه أب ً‬
‫الجدل أو النقاش‪) ،‬محمد الذي رفضتم العتراف برسالته‪ ،‬دونكم الحقيقة‬
‫)محمد رسول الله( رغما ً عن أنوفكم‪ ،‬ثم يكمل المقطع الرائع بوصف أروع‪،‬‬
‫لبقية الثلة التي كانت مع محمد رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬لتنتهي‬
‫ضا على كل من‬ ‫السورة بنهاية على هذا الوصف الجميل‪ ،‬ليقطع الطريق أي ً‬
‫ول له نفسه المساس بسمعة هؤلء البطال الذين تحّلقوا حول رسول‬ ‫تس ّ‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬‫مد ٌ َر ُ‬
‫ح ّ‬
‫م َ‬‫الله –صلى الله عليه وسلم‪-‬حيث قال الحق تبارك وتعالى‪ُ ) :‬‬
‫ه‪](...‬الفتح‪ :‬من الية ‪ ، [29‬ولكن بقي هناك أمر آخر‪ ،‬وهو ذلك‬ ‫معَ ُ‬‫ن َ‬
‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫العتراض الذي حدث من بعض الصحابة نتيجة الحرص الشديد على مصلحة‬
‫ضا على أمر الله‪ -‬حاشاهم ذلك‪ -‬هذا العتراض لم‬ ‫الدعوة الفتية‪ ،‬وليس اعترا ً‬
‫يهمل أو ُيغفل عنه‪ ،‬ولكن من النسب أن يذكر هنا بل ينقل إلى مكان آخر‬
‫ضا لتفويت الفرصة على قريش بعدم التشفي‪ ،‬ومن أجل أل ّ‬ ‫دا‪ ،‬أي ً‬ ‫قريب ج ً‬
‫ُينسى من قبل الصحابة رضوان الله عليهم‪ ،‬ويأخذ طابع الشمولية‪ ،‬إذا كان‬
‫في مكان آخر‪ ،‬فكان من المنطقي أن ُيذكر في أقرب سورة مجاورة لسورة‬
‫الحدث –الفتح‪ -‬فجعل ذكر العتاب والتحذير في صدر سورة الحجرات‪ ،‬حيث‬
‫افتتحت السورة بهذا المقطع الرائع الجميل "نداء ثم تحذير" تأمل الروعة‬
‫َ‬
‫ه‪ (...‬تذكر ماذا‬ ‫ي الل ّهِ وََر ُ‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ن ي َد َ ِ‬
‫موا ب َي ْ َ‬‫قد ّ ُ‬
‫مُنوا ل ت ُ َ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫والتناسق‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫قال عمر –رضي الله عنه‪.. -‬؟ وماذا قال علي –رضي الله عنه‪ ..-‬؟ هنا عاتب‬
‫قا وأسبغ عليهم صفة اليمان‪ ،‬مع التحذير بعدم التقدم‬ ‫الله الصحابة عتاًبا رقي ً‬
‫بين يدي الله ورسوله‪ ،‬وهو خطاب عام لجميع المة‪ ،‬فلبد من النقياد‬
‫والتسليم والستجابة لمر الله ورسوله‪.‬‬
‫هنا تتضح لك العلقة المنطقية بين السورتين‪ ،‬وهو المر الذي فاجأني به‬
‫الشيخ عطية –رحمه الله‪ -‬واستفدته منه‪ ،‬لذلك أحببت أن ألحقه بهذه‬
‫الصفحات‪ ،‬لتعم الفائدة فرحم الله الشيخ عطية محمد سالم رحمة واسعة‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬ولها علقة‬ ‫وسورتنا التي نحن بصدد البحار في نهرها‪ ،‬لها سبب نزول أي ً‬
‫منطقية بسورة الفتح‪ ،‬كما قرأت‪.‬‬
‫وسيكون موضوع حديثنا في الحلقة القادمة –إن شاء الله‪ -‬وصلى الله على‬
‫نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن‪.‬‬
‫ضوء من الحجرات )‪(4‬‬
‫عبد الله بن عبد الرحمن العيادة ‪22/10/1426‬‬
‫‪24/11/2005‬‬
‫بداية الرحلة‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫قبل أن نبحر في مركبنا باتجاه سواحلها الرائعة‪ ،‬تعالوا نقف مع سبب‬


‫نزولها‪ ..‬لهذه السورة المباركة‪ ،‬سبب للنزول‪ ،‬ومعظم آيات القرآن لها‬
‫أسباب نزول إما للجابة عن سؤال‪ ،‬أو تقرير حكم‪ ،‬بعد حدث‪ ،‬فمن ذلك صدر‬
‫ظهار‪ ،‬بعد موقف من أحد الصحابة‪ ،‬وسورة‬ ‫سورة المجادلة تقرر فيها حكم ال ّ‬
‫الكهف إجابة عن سؤال لبعض المشركين‪ ،‬عندما سألوا رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬بعض السئلة فجاءت السورة إجابة عن هذه الستفسارات‪،‬‬
‫وقصة الفك في سورة النور‪ ،‬عندما رمى ذلك المنافق الّفاك‪ ،‬أم المؤمنين‬
‫الصديقة بنت الصديق الطاهرة المطهرة‪ ،‬رماها بالزنا‪ ،‬في تلك القصة‬
‫المحزنة‪ ،‬والتي صارت بعد ذلك وسام عز وشرف ورفعة لعائشة ‪-‬رضي الله‬

‫‪208‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنها وعن أبيها‪ -‬إلى يوم القيامة‪ ،‬عندما أنزل الله سبحانه وتعالى ميثاق‬
‫عفافها‪ ،‬وطهرها‪ ،‬قرآنا ً ُيتلى إلى يوم القيامة‪ ،‬أما هذه السورة فهي من النوع‬
‫الول جاءت بعد حدث‪ ،‬وهو رفع الصوت في مجلس رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬فنزل القرآن ليضع القاعدة العامة في التعامل مع رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عند الحديث معه‪ ،‬وكذلك لها علقة منطقية بالسورة‬
‫التي قبلها‪ ،‬وهي سورة الفتح‪ ،‬والحداث التي حصلت وقت صلح الحديبية‪،‬‬
‫وتأخر بعض الصحابة عن تنفيذ أمر رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫والقصة معروفة‪ ،‬فجاء هذا العتاب‪ ،‬وجاء المر بكيفية التخاطب مع رسول‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬والنقياد لما يأمر به‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومما ُروي في أسباب النزول ما رواه أهل التفاسير‪ ،‬ومنهم البغوي‪ ،‬وابن‬
‫كثير رحمهما الله‪..‬‬
‫أخبر عبد الله بن الزبير ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬قال‪ :‬قدم ركب من بني تميم‪،‬‬
‫على النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقال أبو بكر‪ :‬أمر القعقاع معبد بن‬
‫زرارة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬بل القرع بن حابس‪ ،‬قال أبو بكر ما أردت إل خلفي‪ ،‬قال‬
‫عمر‪ :‬ما أردت خلفك‪ ،‬فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك )َيا أ َي َّها‬
‫ه‪](...‬الحجرات‪ :‬من الية ‪ [1‬حتى‬ ‫ي الل ّهِ وََر ُ‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ن ي َد َ ِ‬
‫موا ب َي ْ َ‬
‫قد ّ ُ‬‫مُنوا ل ت ُ َ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫انقضت‪ ،‬وهنا وقفة‪ ،‬هذه الرواية من هذا الوجه تثبت أن أبا بكر وعمر‬
‫مؤمنين )يا أيها الذين آمنوا( لحظ الخطاب‪ ،‬مناداة باليمان "والله أعلم"‪،‬‬
‫ن وََراِء‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬‫ن ي َُناُدون َ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وقد أخرج هذه الرواية البخاري في التفسير باب )إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن( ]الحجرات‪ .[4:‬وفي المغازي‪ ،‬العتصام بالكتاب‬ ‫قُلو َ‬‫م ل ي َعْ ِ‬ ‫ت أك ْث َُرهُ ْ‬
‫جَرا ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ح ُ‬
‫والسنة‪ ،‬ذكر ذلك المام البغوي في تفسيره‪.‬‬
‫الرواية الخرى‪ :‬عن طريق أنس بن مالك رضي الله عنه‪ :‬كما وردت في‬
‫تفسير ابن كثير والبغوي قال‪ :‬لما نزلت هذه الية )يا أيها الذين آمنوا ل‬
‫ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‪ (...‬الية‪ ،‬جلس ثابت بن قيس ‪-‬رضي الله‬
‫عنه‪ -‬في بيته وقال‪ :‬أنا من أهل النار‪ ،‬واحتبس عن النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال‪ :‬يا أبا عمر‪ ،‬ما‬
‫شأن ثابت‪ ،‬أشتكى؟ فقال سعد‪ :‬إنه لجاري وما علمت له شكوى‪ ،‬قال‪ :‬فأتاه‬
‫سعد‪ ،‬فذكر له قول رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقال ثابت‪ُ :‬أنزلت‬
‫هذه الية‪ ،‬ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا ً على رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬فأنا من أهل النار‪ ،‬فذكر ذلك سعد للنبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫فقال‪ :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من أهل الجنة‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى أنه لما نزلت هذه الية‪ ،‬قعد ثابت بن قيس في الطريق‬
‫يبكي‪ ،‬فمر به عاصم بن عدي فقال‪ :‬ما يبكيك يا ثابت؟ فقال‪ :‬هذه الية‬
‫أتخوف أن تكون نزلت في‪ ،‬وأنا رفيع الصوت أخاف أن يحبط عملي‪ ،‬وأن‬
‫أكون من أهل النار‪ ،‬فمضى عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وغلب ثابتا البكاء‪ ،‬فأتى امرأته جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول‪ ،‬فقال‬
‫لها‪ :‬إذا دخلت بين فرسي فشدي علي الضبة بمسمار‪ ،‬وقال‪ :‬ل أخرج حتى‬
‫يتوفاني الله أو يرضى عني رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فأتى عاصم‪،‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره‪ ،‬فقال له‪ :‬اذهب فادعه‪ ،‬فجاء‬
‫عاصم إلى المكان الذي رآه فلم يجده فجاء إلى أهله فوجده في بيت‬
‫الفرس‪ ،‬فقال له‪ :‬إن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يدعوك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اكسر الضبة فكسرها فأتيا رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقال رسول‬
‫وف أن‬ ‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬ما يبكيك يا ثابت؟ فقال‪ :‬أنا صيت وأتخ ّ‬
‫تكون هذه الية نزلت في‪ ،‬فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬أما‬

‫‪209‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ترضى أن تعيش حميدا ً وُتقتل شهيدا ً وتدخل الجنة؟ فقال‪ :‬رضيت ببشرى‬
‫الله ورسوله‪ ،‬ول أرفع صوتي أبدا ً على رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫فأنزل الله )إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله‪ (...‬الية‪ ،‬وهذه شهادة‬
‫من الصادق المصدوق ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لهذا الصحابي‪ ،‬ثابت بن قيس‬
‫أنه من أهل الجنة عندما خشي أن تكون هذه الية نزلت فيه‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪210‬‬

You might also like