You are on page 1of 211

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫‪(6‬التواضع ‪ ،‬وعدم التعالي ‪ ،‬وبشاشة الوجه‪ ،‬والتسيير والتسهيل على الناس‬


‫والمراجعين‪ ،‬وقضاء حوائجهم‪ ،‬والحساس بهم وإشعارهم بأنك ممتن لهم‬
‫لنك تخدمهم ‪ :‬مجموعة من أخلقيات المهنة التي تعتبر شروطا ً أساسية‬
‫لحامل المسؤولية ‪ ،‬المدرك بأنها فعل ً أمانة عظيمة‪.‬‬
‫هل تعرف طبيعة نمطك الداري؟‬
‫هناك خمسة نظريات تطرقت إلى إكتشاف السلوك لدى البشر بشكل عام‬
‫هي ‪:‬‬
‫‪-1‬نظرية الهتمام بالعمل والعاملين‬
‫‪-2‬نظرية التوجيه والدعم‬
‫‪-3‬نظرية الفاعلية والكفاءة‬
‫‪-4‬نظرية السرعة والمرونة‬
‫‪-5‬نظرية النظم الدارية‬
‫إن الدراسات العلمية في مجال الدارة تؤكد أن هناك عنصرين يحكمان‬
‫النموط القيادي في العمل الداري وهما ‪ :‬الهتمام بالعمل والهتمام‬
‫بالعلقات مع الفراد‪.‬‬
‫وإن هناك تفاوت في حجم التركيز على أحد هذين العنصرين أو كليهما ‪،‬‬
‫وعلى العموم ل يخرج النمط الداري عن أحد هذه النماط الخمسة ‪ ،‬وهي‬
‫على النحو التالي ‪:‬‬
‫)‪ (1‬الداري الرسمي ) المتفاني ( ‪:‬‬
‫وهو ذلك الشخص الذي يولي اهتماما كبيرا ً بالعمل ‪ ،‬ويمكن أن نجمل‬
‫مواصفاته بأنه ‪ :‬مصمم‪ ،‬متحدي‪ ،‬واثق من نفسه ‪ ،‬مشغول ومحرك ويحدد‬
‫مهام الخرين ‪ ،‬يحدد مسؤولياتهم ومعاييرهم ‪ ،‬يعتمد على نفسه ‪ ،‬مشغول ‪،‬‬
‫طموح ‪ ،‬يعتمد الساليب الرقابية ‪ ،‬والعمل عنده أول ً وقبل كل شيء ‪ ،‬دؤوب‬
‫يهتم بالقرار الذي يعكس مصلحة العمل ‪ ،‬كثيرا ً ما يتحمل نتائج قراراته ‪ ،‬ل‬
‫مكان للحالت الخاصة لديه ‪ ،‬يرى أن حله هو الحل الوحيد والمثل ‪ ،‬يميل‬
‫إلى التفكير في الموضوعات بشكل صارم وجازم ‪ ،‬فالمسائل عنده واضحة‬
‫ومحسومة‪ ،‬ويعتقد أن تشكيل اللجان إضاعة للوقت والجهد معًا‪.‬‬
‫)‪ (2‬الداري الجتماعي ) المتعاطف ( ‪ :‬وهو ذلك الشخص الذي يولي اهتما ً‬
‫كبيرا ً للعلقات مع الفراد ويمكن أن نجمل مواصفاته بأنه ‪ :‬يهتم بالناس أول ً‬
‫وقبل كل شيء ‪ ،‬يهتم بالتطور الفردي ‪ ،‬غير رسمي هادئ ل يشعر الناس‬
‫به ‪ ،‬محادثاته طويلة ‪ ،‬عاطفي صديق ‪ ،‬يقبل الناس كما هم ويساعد على‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تكوين مناخ مأمون للعمل ‪ ،‬تفكيره يقرب إلى أن يكون متأثرا ً جدا ً بالقرارات‬
‫التي يتقبلها الناس ‪ ،‬وتتمشى مع آرائهم ‪ ،‬ولذا فهو ينظر إلى اللجان على أنها‬
‫فرصة ممتازة للحوار والمناقشة‪.‬‬
‫)‪ (3‬الداري السلبي ) النعزالي ( ‪ :‬وهو ذلك الشخص الذي ل يولي اهتماما ً‬
‫كبيرا ً بالعمل بالعلقات مع الفراد ويمكن أن نجمل مواصفاته بأنه ‪ :‬حذر‪،‬‬
‫محافظ ‪ ،‬منظم ‪ ،‬يفضل العمال الورقية يبحث عن السوابق ‪ ،‬يهتم‬
‫بالجراءات ‪ ،‬دقيق ‪ ،‬صبور ‪ ،‬هادئ ‪ ،‬متواضع ‪ ،‬ويحب أن يتم العمل على أتم‬
‫وجه ‪ ،‬يعتقد أن أفضل حل لية مشكلة هو تجنبها ‪ ،‬يميل إلى الحلول الروتينية‬
‫للمشاكل ‪ ،‬يرفع المشكلة إلى رئيسه المباشر لحلها ‪ ،‬لديه استعداد لتقبل ما‬
‫يملى عليه من قرارات‪.‬‬
‫)‪ (4‬الداري المتأرجح ) الموفق ( ‪ :‬وهو ذلك الشخص الذي يتأرجح بين‬
‫الهتمام بالعلقات مرة ‪ ،‬والهتمام بالعمل مرة أخرى ويمكن أن نجمل‬
‫مواصفاته بين الجتماعي والرسمي‪ .‬يقف في المنتصف ‪ ،‬ل يحبذ الخلف في‬
‫الرأي ‪ ،‬يهتم باشراك الخرين بشكل صوري ‪ ،‬يتخذ قرارا ً يسعده هو ول يزعج‬
‫غيره ‪ ،‬يرى أن أفضل حل هو " رضى الجميع "‪.‬‬
‫)‪ (5‬الداري المتكامل ) الفّعال( ‪ :‬هو ذلك الشخص الذي يولي اهتماما ً كبيرا ً‬
‫بالعمل وبالعلقات مع الفراد على السواء ويمكن أن نجمل مواصفاته بأنه ‪:‬‬
‫يستمد سلطاته من الهداف والمال والمثل العليا للمؤسسة‪ ،‬يربط الفراد‬
‫بالمؤسسة‪ ،‬يحب العمل الجماعي‪ ،‬وتخفيض الختلفات في السلطات ‪،‬‬
‫يفضل الهداف والمسؤوليات المشتركة ‪ ،‬ويهتم بأساليب التغيير ‪ ،‬وهو كثير‬
‫التفكير والتحليل للمشكلة المطروحة ‪ ،‬دقيق في مناقشته وتعقيباته ‪ ،‬يهتم‬
‫بالمشكلة وبصاحبها سواء بسواء‪ ،‬يقدم اقتراحات بناءة لحل مشكلة ما‪ ،‬يميل‬
‫إلى أن يكون حله نهائيًا‪.‬‬
‫كيف تنمي قدرتك على حل المشاكل‬
‫أهمية تنمية القدرة على حل المشاكل‪ :‬إن تنمية قدرتك على حل المشاكل‬
‫عملية مفيدة من عدة نواٍح ‪ ،‬إذ أنك ستصبح قادرا ً على أن ‪:‬‬
‫? تتنبأ بمشاكل محددة ‪ ،‬و تتخذ إجراء وقائيا ً ‪.‬‬
‫? تحل المشاكل بسرعة وبجهد أقل ‪.‬‬
‫? تقّلل من التوتر ‪.‬‬
‫مي أداءك في العمل وعلقاتك مع الزملء ‪.‬‬ ‫? تن ّ‬
‫? تصنع فرصا ً وتستغلها ‪.‬‬
‫? تحل المشاكل الكثر إلحاحا ً ‪.‬‬
‫? تمارس السيطرة أكثر على النواحي الرئيسة أو الحيوية في حياتك‪.‬‬
‫? تحقق مزيدا ً من الرضا الشخصي ‪.‬‬
‫الفصل الول‪ :‬المشاكل وكيفية حلها‬
‫قرآن كريم عملية حل المشكلة عملية حل المشكلة تتم على خمس عمليات‬
‫رئيسة ‪ ،‬و هي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬تمييز المشكلة وتحليلها‬
‫ب مناسبة‬ ‫يمكن أن تمر المشاكل دون أن نلحظها ما لم نستخدم أسالي ً‬
‫لكتشافها ‪ ،‬وعندما يتم اكتشافها فإننا نحتاج إلى إعطائها إسما ً أو تعريفا ً‬
‫مؤقتا ً لمساعدتنا في تركيز بحثنا عن مزيد من المعلومات المتصلة بها ‪ ،‬ومن‬
‫خلل هذه المعلومات يمكننا أن نعد وصفا ً أو تعريفا ً صحيحا ً لها ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬تحليل المشكلة‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫نحتاج إلى فهم المشكلة قبل أن نبحث عن حلول لها ‪ ،‬ومالم يتم ذلك فإن‬
‫الجهود اللحقة التي سنبذلها لحلها يمكن أن تقودنا في التجاه الخطأ ‪،‬‬
‫وتتضمن عملية تحليل المشكلة جمع كل المعلومات ذات الصلة بها ‪ ،‬وتمثيلها‬
‫بطريقة ذات معنى لكي يتسنى لنا رؤية العلقات بين المعلومات المختلفة ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬وضع حلول ممكنة‬
‫يتضمن وضع الحلول الممكنة تحليل المشكلة للتأكد من فهمها تماما ً ‪ ،‬ومن‬
‫ثم وضع خطط عمل لمعالجة أية معوقات تعترض تحقيق الهدف ‪ ،‬ويتم‬
‫تطوير الحلول العملية من خلل عملية دمج وتعديل الفكار ‪ ،‬وهناك العديد‬
‫من الساليب المتوفرة للمساعدة في إنجاز هذه العملية ‪ ،‬ويجب أن تتذكر‬
‫أنه كلما كان لديك عدد أكبر من الفكار لتعمل عليها كانت فرصتك ليجاد حل‬
‫فاعل أفضل ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬تقييم الحلول‬
‫إذا كانت هناك مجموعة من الحلول المحتملة للمشكلة ؛ فعليك أن تقّيم كل ً‬
‫منها على حدة مقارنا ً بين نتائجها المحتملة ‪ ،‬ولهذا فإنك تحتاج إلى أن ‪:‬‬
‫? تحدد صفات النتيجة المطلوبة بما في ذلك القيود التي يجب أن تراعيها ‪.‬‬
‫? تطرح الحلول التي ل تراعي القيود المفروضة ‪.‬‬
‫? تقّيم الحلول المتبقية بالنسبة للنتيجة المطلوبة ‪.‬‬
‫? تقّيم المخاطر المرتبطة بالحل الفضل ‪.‬‬
‫? تقرر الحل الذي ستنفذه ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬تنفيذ الحل الذي اخترته‬
‫يتطلب تنفيذ الحل خطة تحتوي أمورا ً مهمة منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬الجراءات المطلوبة لتحقيق الهدف ‪.‬‬
‫‪ -2‬المقاييس الزمنية ‪.‬‬
‫‪ -3‬المصادر اللزمة ‪.‬‬
‫‪ -4‬تتضمن الخطة أيضا ً طرقا ً للتقليل من المخاطر إلى أدنى حد ممكن ولمنع‬
‫الخطاء ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -5‬تتضمن أيضا إجراءات علجية في حالة عدم سير أية مرحلة على النحو‬
‫المخطط لها ‪.‬‬
‫وأثناء التقدم في عملية التنفيذ تفقد باستمرار الجراءات المتخذة ‪ ،‬وقارنها‬
‫بالنتيجة المتوقعة ‪ ،‬وأي انحراف عن المعيار المتوقع يجب أن يعالج بصورة‬
‫سريعة ‪.‬‬
‫وعندما يستكمل التنفيذ تتم مراجعة مدى النجاح الكلي للحل ‪ ،‬وقد تكون‬
‫هناك حاجة لمزيد من الجراءات إذا لم يتم تحقيق الهدف ‪.‬‬
‫قرآن كريم الفشل في حل المشاكل بفعالية‬
‫تشمل السباب التي تجعل الفراد سيفشلون في إيجاد حلول فاعلة ما يلي ‪:‬‬
‫? عدم اتباع المنهجية ‪.‬‬
‫? عدم اللتزام بحل المشكلة ‪.‬‬
‫? إساءة تفسير المشكلة ‪.‬‬
‫? الفتقار إلى معرفة بأساليب ) تقنيات ( وعمليات حل المشكلة ‪.‬‬
‫? عدم القدرة على استخدام الساليب بفعالية ‪.‬‬
‫? عدم استخدام السلوب المناسب لمشكلة معينة ‪.‬‬
‫? عدم كفاية المعلومات ‪ ،‬أو عدم صحتها ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫? عدم القدرة على دمج التفكير التحليل بالتفكير البداعي ‪.‬‬


‫? عدم القدرة على ضمان التنفيذ الفاعل ‪.‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬المعوقات النفسية للحل الفاعل للمشكلة‬
‫أول ً ‪ :‬الدراك ‪ :‬هناك معوقات قد تظهر عندما ل ندرك المشكلة ‪ ،‬أو‬
‫المعلومات اللزمة لحلها بشكل صحيح‪ ،‬وتشمل هذه الصعوبات ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬رؤية ما نتوقع أن نراه فقط ‪ ،‬بحيث نغفل عن احتمالية رؤية الغير للحل‬
‫الصحيح للمشكلة ‪ ،‬والذي غاب عن نظرنا ‪.‬‬
‫‪ .2‬عدم إدراك المشكلة بشكل فاعل ‪ ،‬حيث نميل إلى التسرع في حل‬
‫المشكلة بناء على ما نلحظه من أشياء واضحة فحسب دون بذل الجهد إلى‬
‫ما هو أكثر من ذلك ‪ ،‬مما يؤدي إلى نقص في المعلومات ‪ ،‬المر الذي يؤدي‬
‫بنا عدم الفهم الصحيح للعلقة بين الجزاء المختلفة للمشكلة ‪.‬‬
‫‪ .3‬تنميط ) قولبة ( المشاكل بمعنى استخدام مسميات غير مناسبة ‪ ،‬فعلى‬
‫سبيل المثال ربما يكون هناك أكثر من سبب لعدم استلم شيك من عميل‬
‫يتأخر غالبا ً في السداد ‪ ،‬فلربما يكون السبب عدم إصدار فاتورة له‪ ،‬أو أن‬
‫قد في البريد ‪ ، ...‬وعليه من‬ ‫الفاتورة لم تصل ‪ ،‬أو ربما يكون شيك العميل فُ ِ‬
‫الخطأ أن نساوي تلقائيا ً عدم الستلم بعدم الدفع ‪.‬‬
‫‪ .4‬عدم رؤية المشكلة طبقا ً لبعادها الحقيقية ‪ ،‬فنقوم بالعتماد على‬
‫المعلومات الجزئية ‪ ،‬ونهمل المعلومات الكلية التي تجّلي لنا حجم المشكلة‬
‫وأبعادها ‪.‬‬
‫وسوف تساعدك الخطوات البسيطة التالية من رؤيتك للصورة كاملة ‪ ،‬وهذه‬
‫الخطوات هي ‪:‬‬
‫ضع أنظمة وإجراءات تنبهك إلى المشاكل والفرص المحتملة ‪.‬‬
‫ل تعتمد على مقاييس غير واضحة وفردية ‪.‬‬
‫دد المشاكل وحلها بدقة متأكدا ً من جمع كل المعلومات ذات الصلة ‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫تأكد إن كنت استخدمت معلومات غير صحيحة ‪ ،‬أو وضعت افتراضات بشأن‬
‫ماله صلة بالمشكلة وما ليس له صلة بها ‪.‬‬
‫اطلب وجهات نظر الشخاص الخرين ‪.‬‬
‫استخدم التمثيل البياني للمشاكل لتوضيح العلقة بين الجوانب المختلفة‬
‫للمشكلة ‪.‬‬
‫راجع بانتظام الوضع الحالي ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬التعبير‬
‫يمكن أن تشمل الصعوبات المتعلقة بالتعبير ما يلي ‪:‬‬
‫? عدم القدرة على التعبير عن الفكار بشكل مناسب ‪.‬‬
‫? استخدام اللغة الخاطئة في العمل على حل المشكلة ‪.‬‬
‫? عدم المعرفة بتطبيقات اللغة ‪.‬‬
‫ونستطيع أن نتخذ بعض الخطوات لتحسين قدراتنا التعبيرية فمثل ً يمكنك أن ‪:‬‬
‫‪ .1‬تحدد أي اللغات التي ستساعدك على الرجح في حل مشكلة معينة ‪.‬‬
‫‪ .2‬اطلب مساعدة خبراء في المشاكل التي تنطوي بالضرورة على لغة‬
‫لست طليقا ً فيها ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ .3‬حاول استخدام لغات أخرى عدا اللغات المعيارية كأن تستخدم مثل ً لغة‬
‫بصرية بدل لغة الكلمات ‪ ،‬أو أن تستخدم لغة الجداول بدل بيانات الخام ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .4‬تتأكد من تكّيفك مع مستوى فهم الجمهور ‪ ،‬وأن تستخدم معه لغة مناسبة‬
‫عند شرحك لفكار معينة‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬النفعال ) العاطفة (‬
‫يمكن أن يسبب لنا تكويننا النفعالي صعوبات عندما يتعارض مع احتياجات‬
‫حل المشكلة ‪ ،‬ونضرب بعض المثلة على ذلك‪:‬‬
‫? الخوف من ارتكاب أخطاء أو الظهور بمظهر الغبي أمام الناس وخاصة لو‬
‫كانوا من الزملء ‪ ،‬ونتيجة لذلك فإننا نميل إلى وضع أهداف سهلة متجنبين‬
‫خطر الفشل ‪.‬‬
‫? عدم الصبر ‪ ،‬حيث أن رغبتنا في التقليل من القلق من خلل إضفاء نظام‬
‫على الموقف ‪ ،‬أو رغبتنا في كسب تقدير من خلل إحراز النجاح يمكن أن‬
‫يجعل صبرنا ينفد أثناء حل المشكلة ‪ ،‬والعاقبتان الرئيسيتان المترتبتان على‬
‫ذلك هما ‪ :‬الميل إلى التشبث بأي حل معروض دون إجراء تحليل كاف‬
‫للمشكلة ‪ ،‬والميل إلى رفض الحلول أو الفكار غير المألوفة بشكل غريزي‬
‫تقريبا ً ‪.‬‬
‫? تجنب القلق أو التوتر ‪ ،‬فمثل ً يكره بعض الشخاص التغيير بشدة ؛ لنه‬
‫ينطوي على عدم اطمئنان يمكن أن يهددهم ‪.‬‬
‫? الخوف من المجازفة ‪.‬‬
‫وهناك الكثير من الخطوات العملية التي يمكنك أن تتخذها من أجل الحد من‬
‫آثار النفعال منها ‪:‬‬
‫‪ .1‬افحص بشكل تحليلي الفكار والساليب الموجودة ‪.‬‬
‫‪ .2‬تقبل الحقيقة ‪ ،‬وهي بأنك متى ما كنت تسعى إلى طرق جديدة وأداء‬
‫أفضل لشيء ما ؛ فإنه لبد من حصول أخطاء ‪.‬‬
‫‪ .3‬تذكر بأن العديد من الشخاص يلقوا السخرية والستهزاء على جهودهم‬
‫عرفوا بعد ذلك باختراعات عظيمة ‪.‬‬ ‫وحلولهم ‪ ،‬ثم ُ‬
‫‪ .4‬إذا كنت مازلت تخشى الظهور بمظهر الغبي حاول أن تطبق أفكارك‬
‫عمليا ً قبل أن تعرضها على الخرين ‪ ،‬أو ضع حججا ً منطقية لثبات أنها ستنجح‬
‫‪.‬‬
‫‪ .5‬إذا كنت تكره التغيير تخيل تطبيق أمنياتك على الواقع لترى الفوائد التي‬
‫ستجنيها منه ‪.‬‬
‫‪ .6‬اتبع منحا ً منهجيا ً صارما ً للسيطرة على التعجل أو على نفاد الصبر ‪.‬‬
‫‪ .7‬قلل من التوتر من خلل معالجة المشاكل بخطوات تمكنك من أن تديرها‬
‫بشكل أفضل ‪ ،‬وإن لزم المر اطرح المشكلة جانبا َ لفترة مؤقتة ‪ ،‬ثم عد إليها‬
‫فيما بعد‪.‬‬
‫‪ .8‬إذا لم ترغب بالمجازفة حدد النتائج غير المحمودة المحتملة ‪ ،‬ثم ابحث‬
‫عن طرق للحد ما أمكن من خطر حدوثها ‪.‬‬
‫‪ .9‬إذا ظهر بأن مشكلة ما غير مثيرة للتحدي تخيل أقصى ما يمكنك أن تجنيه‬
‫من فائدة إذا ما استخدمت معها حل ً جديدًا‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬التفكير‬
‫إن لدينا قدرات للتفكير ‪ ،‬ولكن المصدر الرئيسي للمعوقات التي تعترض حل‬
‫مشاكلنا هو الكيفية التي نستخدم فيها القدرات ‪ ،‬وتشمل هذه المعوقات ما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫? الفتقار إلى المعرفة أو المهارة في عملية حل المشكلة ‪.‬‬
‫? عدم كفاية التفكير البداعي ‪.‬‬
‫? الفتقار إلى المرونة في التفكير ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫? الفتقار إلى المنهجية في عملية التفكير‪.‬‬


‫إن التدرب يزيد من سهولة استخدامنا للتفكير المرن أثناء حل المشكلة غير‬
‫أن الستراتيجيات التالية يمكن أن تفيدنا أيضًا‪:‬‬
‫‪ -1‬كن منهجيا ً واعمل بشكل منظم ‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر في الطريقة الفضل لكل مشكلة ‪.‬‬
‫‪ -3‬تدرب على استخدام الوسائل المساعدة المتنوعة لحل المشاكل ‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا لم تفهم لغة المشكلة أو إذا لم تملك المعرفة المناسبة لها اعمل مع‬
‫شخص آخر لديه هذه المعرفة ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫علم الطغيان والفساد"‬


‫)الذين طغوا في البلد‪ ،‬فأكثروا فيها الفساد‪،‬‬
‫ب عليهم ربك سوط عذاب‪ ،‬إن ربك لبالمرصاد(‬ ‫فص ّ‬
‫إبراهيم غرايبة ‪3/1/1426‬‬
‫‪12/02/2005‬‬
‫عني الفكر‬ ‫يحفل تاريخ البشرية بنماذج من الطغيان والستبداد‪ ،‬وقد ُ‬
‫ً‬
‫النساني بهذه الظاهرة‪ ،‬وألف عبد الرحمن الكواكبي مبكرا كتابه المشهور‬
‫"طبائع الستبداد‪ ،‬ومصارع الستعباد" وتعرض للظاهرة أيضا ً معظم‬
‫المؤرخين والعلماء العرب كما في "سلوك المالك في تدبير الممالك" "لبن‬
‫أبي الربيع" و "الحكام السلطانية" "للماوردي" ومن المفكرين المعاصرين‬
‫الذين تناولوا هذا العلم د‪ .‬حسين مؤنس في "بشوات وسوبر باشوات"‬
‫وحسن حنفي "الجذور التاريخية لزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا‬
‫المعاصر"‪.‬‬
‫ومن أشهر الكتب في الفكر الغربي كتاب "المير" لميكافيلي و "الدكتاتورية"‬
‫لـ "ديفرجيه موريس"‪.‬‬
‫كيف يظهر الطاغية؟ وما مبّررات وجوده؟ وما الدعائم التي يستند إليها في‬
‫حكمه؟ ربما يكون أهم كتاب عربي شغل بهذه السئلة هو كتاب "الطاغية"‬
‫للدكتور إمام عبد الفتاح إمام الذي نشر ضمن سلسلة عالم المعرفة‪.‬‬
‫والسلطة ضرورة بشرية وقديما ً قال الشاعر‪:‬‬
‫ل يصلح الناس فوضى ل سراة َ لهم ‪... ...‬‬
‫جّهالهم سادوا‬
‫ول سراةَ إذا ُ‬
‫س ومجازر وفظائع‬ ‫ولكن هذه الضرورة قادت في كثير من الحيان إلى مآ ٍ‬
‫مرعبة‪.‬‬
‫جلت منذ أرسطو وأفلطون حتى مفكري‬ ‫س ّ‬
‫واستقرت للطغاة وسائل مألوفة ُ‬
‫ومؤرخي العصر الحاضر ومنها‪:‬‬
‫ل والهوان‪.‬‬‫‪ -1‬تدمير روح المواطنين‪ ،‬وزرع الشك بينهم وترويضهم على الذ ّ‬
‫‪ -2‬القضاء على القياديين والذكياء‪ ،‬ويسمي أفلطون هذه الطريقة‬
‫"التطهير"‪.‬‬
‫‪ -3‬حجب ما يعمل على تنوير النفوس أو يبث الشجاعة والثقة بالنفس‪.‬‬
‫‪ -4‬منع المواطنين من التجمع والتعارف والعمل المشترك‪.‬‬
‫سس عليهم والتدخل في شؤونهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬السراف في الرقابة على الناس والتج ّ‬
‫‪ -6‬إفساد أخلق الناس وتشجيع الرذيلة‪.‬‬
‫‪ -7‬إفقار الرعايا وإشغالهم بقوت يومهم‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويختار الطغاة الفاسدين من البشر لمساعدتهم في الدارة والحكم؛ لنهم‬


‫أكثر استعدادا ً ورغبة لتنفيذ رغبات الطغاة‪ ،‬ول يحب الطاغية رجل ً ذا كرامة‪،‬‬
‫ويقّرب الغرباء‪ ،‬وهي وسائل ذكرها جميعها أرسطو الفيلسوف اليوناني‪ ،‬وهي‬
‫معروفة ومتداولة‪ ،‬والغريب أن أرسطو نصح تلميذه وصديقه السكندر الحاكم‬
‫اليوناني المشهور أن يعامل الشرقيين معاملة العبيد‪ ،‬وأن يعامل اليونانيين‬
‫معاملة الحرار‪ ،‬ويبدو أنها فلسفة مستمرة حتى اليوم في الغرب؛ حيث‬
‫تستطيع الدول والقيادات الغربية أن تجمع بين ديمقراطية غربية وتشجيع‬
‫ودعم للطغيان والدكتاتورية في العالم‪.‬‬
‫ويجد الطغاة دائما ً من يبرر أعمالهم ويزّينها على شاكلة قول ابن هانئ‬
‫الندلسي للحاكم الفاطمي المعز‪:‬‬
‫ما شئت ل ما شاءت القداُر ‪... ...‬‬
‫م فأنت الواحد القّهاُر‬ ‫فاحك ْ‬
‫مد ٌ ‪... ...‬‬ ‫ي مح ّ‬
‫وكأنما أنت النب ّ‬
‫وكأنما أنصارك النصاُر‬
‫ول يمكن أن يدوم الطغيان لول مناصرة فئة له‪ ،‬وتزيين أعماله للناس‬
‫ودفعهم لقبولها وتأييدها‪ ،‬ول يعبأ الطغاة برضا الناس ولكن بخضوعهم؛ لن‬
‫لسان حالهم ل يهمني أن يكرهني تسعة مواطنين من عشرة إذا كان العاشر‬
‫وحده مسلحًا‪ ،‬ويذكر "العبادي" في تاريخ الفاطميين أن المعز عندما دخل‬
‫القاهرة وخطب في الناس سألوه عن حسبه ونسبه‪ ،‬فأخرج من جيبه دنانير‬
‫ذهبية‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حسبي‪ ،‬وأخرج سيفه من غمده‪ ،‬وقال‪ :‬وهذا نسبي‪.‬‬
‫وينسحب أثر الطغيان على الفكر والعلم والدب‪ ،‬ويحتاج ابن المقفع إلى‬
‫وقفة خاصة‪ ،‬فهو صاحب مكانة رفيعة في الدب والثقافة‪ ،‬وقد ترجم كثيرا ً‬
‫من كتب أرسطو ولكن كتابه "رسالة الصحابة" وهو رؤية في الحكم والدارة‬
‫تدعو إلى العدل والشورى‪ ،‬وفي "البداية والنهاية" أن والي البصرة للمنصور‬
‫سفيان بن حبيب دعا ابن المقفع إلى مقصورته‪ ،‬وقال له‪ :‬والله لقتلّنك ِقتلة‬
‫ذكرها الّركبان‪ ،‬وأخذ يقطع من جسمه أجزاء ويضع كل قطعة في‬ ‫يسير ب ِ‬
‫النار‪ ،‬وهو يراها تحترق حتى مات‪.‬‬
‫ّ‬
‫ون‪ ،‬ويقل البداع والتفكير؛ لنه يصبح‬ ‫وتختفي الحقائق والمعلومات أو تل ّ‬
‫مهلكة‪ ،‬ولبي العلء المعري صورة شعرّية في ذلك‪:‬‬
‫جلوا صارما ً وتلوا باطل ً‬
‫وقالوا‪ :‬صدقنا‪ ،‬فقلنا‪ :‬نعم‬
‫وفي صحيح مسلم في باب الفتن عن المستورد القرشي ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أن‬
‫الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬تقوم الساعة والروم أكثر الناس‪.‬‬
‫فقال عمرو بن العاص ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬للمستورد‪ :‬أحقٌ ما تقول‪ :‬قال‪ :‬أقول‬
‫ما سمعته عن رسول الله‪ .‬فقال عمرو‪ :‬ذلك أن فيهم أربع خصال‪ :‬إنهم أشد‬
‫الناس كرا ً بعد فّر‪ ،‬وأسرعهم فيئا ً بعد مصيبة‪ ،‬وأكثرهم حلما ً عند غضب‪،‬‬
‫وخيرهم لعاجز وضعيف وامرأة خامسة حسنة جميلة‪ ،‬وأمنعهم من ظلم‬
‫الملوك"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولكن الطغيان والفساد ليسا مقصورين على الحكومات والعمل الرسمي‪ ،‬بل‬
‫إنهما في كثير من الحيان في القطاع الهلي والخاص يفوقان العمل‬
‫الحكومي‪ ،‬ففي العمل الحكومي من النظمة والقوانين والمؤسسات ما‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يفترض أنه يمنع الفساد أو يحاصره‪ ،‬ولكن غياب مثل هذه النظمة في‬
‫الشركات والحزاب والجماعات والجمعيات الخيرية يجعل الفساد والظلم‬
‫مقّننا ً أو مبّررا ً أو ل يمكن العتراض عليه‪ ،‬وما نراه من تزوير ومناصب وهمية‬
‫وفصل تعسفي واختيار منحاز‪ ،‬وأكل السحت وحقوق الناس والمساهمين‬
‫وافتعال السباب لنيل المكافآت الضافية مما يجري في الشركات‬
‫سسات الحكومّية‪.‬‬ ‫والجمعيات يفوق المؤ ّ‬
‫إن الخطوة الولى في الحرب مع الفساد هي الحرية وكرامة الناس والرقابة‬
‫الشعبية والعلمية على المؤسسات العامة والخاصة‪ ،‬وبغير ذلك فسيبقى‬
‫كنا ً ولو حسنت النوايا‪ ،‬وتحققت الرغبات الصادقة‬
‫سسا ً متم ّ‬
‫الفساد متمأ ِ‬
‫لمكافحته‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫علماء سودانيون يطالبون باستتابة الترابي بعد تصريحاته الخيرة و دعوات‬


‫لمحاكمته قضائيا الخرطوم ‪14/03/1427‬‬
‫الترابي وتصريحاته الخيرة ‪,‬دعوي قضائية ضده‬
‫بعد إصداره فتاوى شاذة ومثيرة للجدل اتهم علماء سودانيون المين العام‬
‫للمؤتمر الشعبي حسن الترابي بـ"الزندقة والردة والخروج عن الملة"‪.‬‬
‫وطالب العلماء بعقد جلسة لستتابة الترابي لعودته إلى السلم وتبرؤه من‬
‫فتواه بجواز إمامة المرأة للرجال في الصلة وزواج المسلمة من غير‬
‫المسلم نصرانيا أو يهوديا وإنكاره وجود نصوص من القرآن والسنة تمنع ذلك‪.‬‬
‫وأضافوا أن أفكار الترابي ليست جديدة‪ ,‬لكنها تأتي في وقت تحتاج فيه المة‬
‫للتوحد ل للتفرقة‪ ,‬محذرين في الوقت ذاته عامة الناس من اتباعه وذلك‬
‫بالبعد عنه ومفارقته‪.‬‬
‫من جانبه قال الشيخ يوسف الكودة إن المتتبع لنهج الترابي في تناوله‬
‫للقضايا الفقهية يجد أنه مخالف مخالفة صريحة‪ ,‬قائل "إذا أخطأ العالم أو‬
‫المجتهد فليس ذلك بغريب عليه‪ ,‬ويمكن أن يراجع‪ ,‬لكن ما هو مرفوض أن‬
‫يجتمع الشر كله في هذا العمل بإنكار ما هو في الدين"‪.‬‬
‫وأكد الكودة أن ما أفتى به الترابي ل علقة له بالجتهاد الشرعي‪ ,‬معتبر كل‬
‫تلك الفتاوى بأنها "باطلة" لنها ناشئة عن باطل وأنه ل مكان لتخرصات‬
‫الترابي وأقواله الغريبة عن المة‪.‬‬
‫وأشار الشيخ علء الدين الزاكي المين العام للرابطة الشرعية للعلماء و‬
‫الدعاة في السوادن إلى أن الترابي أصبح "ينتهج نهج المعتزلة وهو يقدم‬
‫العقل على النصوص لذلك يجب أن يواجه مواجهة شرعية‪ ,‬إما التوبة وإما‬
‫يحاكم محاكمة عادلة باعتباره أصبح عبئا ثقيل على الدعوة في السودان ويثير‬
‫ما يرتضيه النصارى من تخرصات"‪.‬‬
‫هذا و قد قال الشيخ محمد عبد الكريم عضو الرابطة الشرعية للعلماء و‬
‫الدعاة في تصريح خاص للمشكاة أن مجموعة من العلماء تدرس الن رفع‬
‫قضية ضد الترابي و إتهامه بالردة ‪ ,‬و الدعوة إلى محاكمته على غرار محمود‬
‫محمد طه ‪.‬‬
‫و قال أن الدعوى لن تقتصر على أقواله الجديدة بل القديمة أيضا مثل‬
‫إعتباره أن اليهود و النصارى ليسوا كفار ملة ‪ ,‬و أن حواء خلقت قبل آدم و‬
‫أن اليمان بنظرية دارون حول أصل النسان ل يتنافى مع السلم و غير ذلك‬
‫من القضايا المخالفة لجماع المسلمين ‪ .‬وكان الترابي مؤخرا قد افتي بجواز‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زواج المرأة المسلمة من الرجل الكتابي مسيحيا كان او يهوديا ‪ ،‬ووصف‬


‫القول بحرمة ذلك بانه مجرد اقاويل وتخرصات واوهام وتضليل ‪ ،‬الهدف منها‬
‫جر المراة الي الوراء‪.‬‬
‫واعتبر الترابي الحجاب للنساء يعني الستار وهو الخمار لتغطية الصدر وجزء‬
‫من محاسن المراة‪ ،‬ول يعني تكميم النساء ‪ ،‬بناء علي الفهم الخاطئ‬
‫لمقاصد الدين واليات التي نزلت بخصوص الحجاب والخمار ان منع زواج‬
‫المراة المسلمة من غير المسلم‪ ،‬ليس من الشرع في شيء والسلم لم‬
‫يحرمه ول توجد آية او حديث يحرم زواج المسلمة من الكتابي مطلقا ال أنه‬
‫زعم ان الحرمة التي كانت موجودة‪ ،‬كانت مرتبطة بالحرب والقتال بين‬
‫المسلمين وغيرهم وتزول بزوال السبب‪.‬‬
‫واضاف الترابي في ندوة بعنوان دور المراة في تأسيس الحكم الراشد‬
‫اقيمت بدار حزب المة جناح مبارك الفاضل انه يقدم السانيد لما افتي به‪،‬‬
‫وقال ان التخرصات والباطيل التي تمنع زواج المراة المسلمة من الكتابي‪،‬‬
‫ل اساس لها من الدين‪ ،‬ول تقوم علي ساق من الشرع الحنيف ‪ ،‬واضاف وما‬
‫تلك ال مجرد اوهام وتضليل وخداع للعقول‪ ،‬السلم منها براء ‪.‬‬
‫وعضد الترابي اقواله السابقة التي جوزت امامة المراة للرجل في الصلة‪،‬‬
‫وقال ان من حق المراة المسلمة‪ ،‬ان تؤم الرجال وتتقدم الصفوف للصلة‪،‬‬
‫اذا كانت اكثر علما وفقها في الدين من الرجال وابان انه من حقها ذلك‪.‬‬
‫ومضي الترابي الي القول ان شهادة المراة تساوي شهادة الرجل تماما‬
‫وتوازيه بناء علي هذا المر‪ ،‬بل احيانا تكون افضل منه واعلم واقوي منه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫علماء وأمناء‬
‫د‪ .‬فيصل بن سعود الحليبي ‪23/10/1425‬‬
‫‪06/12/2004‬‬
‫خر الله لها من يكتشف أن لها حياة‬ ‫من بين مليين القلوب تتميز قلوب‪ ،‬يس ّ‬
‫ليست كحياة الخرين‪ ،‬فيرعاها بالبذر الطيب والسقي الهنيء‪ ،‬حتى إذا ذاقت‬
‫ست بإشراقة نوره‪ ،‬وتنّعمت بنعيم سعادته‪ ،‬أقبلت عليه‬ ‫طعم العلم‪ ،‬وأح ّ‬
‫كخيل عادية‪ ،‬ل تلوي على شيء سواه‪ ،‬نهمة تشعر بعطش شديد ل يروي‬
‫ظمأها إل المزيد من معارفه وأسراره‪ ،‬أولئك هم العلماء‪ ،‬ورثة النبياء كما‬
‫م ي ُوَّرُثوا ِديَناًرا وََل‬ ‫ة اْل َن ْبَياِء‪ ،‬وإ ّ َ‬
‫ن اْلن ْب َِياَء ل َ ْ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ماَء وََرث َ ُ‬ ‫ن ال ْعُل َ َ‬ ‫وصفهم النبي فقال‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫ح ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظ َواِفر( رواه ابن ماجه وصححه‬ ‫خذ َ ب ِ َ‬
‫ذه أ َ‬ ‫خ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م فَ َ‬‫ما‪ ،‬وَّرُثوا ال ْعِل ْ َ‬
‫دِْرهَ ً‬
‫اللباني‪.‬‬
‫إنه عمر مديد‪ ،‬قضاه غيرهم في المتع والملذات‪ ،‬وقضوه بين أوراق الكتب‬
‫والمحابر‪ ،‬وأفناه غيرهم في التجارة واللهو‪ ،‬وقضوه في صفوف الحلق أمام‬
‫المشايخ وأهل العلم‪ ،‬حتى رست سفينتهم على سواحل العطاء‪ ،‬فما توقفت‬
‫ولت سنوات طلبهم إلى تضحيات‬ ‫لهم همة‪ ،‬ول لنت لهم عزيمة‪ ،‬بل تح ّ‬
‫بالوقت والصحة والمال‪ ،‬يبذلون ذلك كله بنفس راضية سخية رفيقة لكل‬
‫طالب أو سائل‪.‬‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫س َ‬‫ح ِ‬‫غير أن العلم أمانة‪ ،‬وأداء المانة إيمان‪ ،‬واليمان محل امتحان وفتنة‪) ،‬أ َ‬
‫الناس أ َن يتر ُ َ‬
‫ن(‪].‬العنكبوت‪.[2:‬‬ ‫فت َُنو َ‬‫م ل يُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫كوا أ ْ‬ ‫ّ ُ ْ َُْ‬
‫ولم يكن العالم الحق إل مبتلى‪ ،‬تغدو عليه البتلءات وتروح‪ ،‬وإنها لقنطرة‬
‫دق‪ ،‬ويخيب فيها الكاذبون!!‬ ‫ص َ‬ ‫خطرة يجتازها من َ‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلة المال ‪..‬وطأة المرض ‪..‬وجور السلطان ‪..‬وإلحاح العامة والجهال‪..‬هذا نزر‬
‫من الفتن‪ ،‬وإن بدا قليل ً إل أن له لسعا ً كلسع العقارب ل سيما على قل ٍ‬
‫ب‬
‫عاش في ظلل العلم وأكناف الدروس‪.‬‬
‫أما قلة المال‪ ،‬فما أجمل حديث ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ عن فتنته على‬
‫العلماء حيث قال‪" :‬رأيت نفًرا ممن أفنى أوائل عمره وريعان شبابه في‬
‫طلب العلم‪ ،‬صبر على أنواع الذى‪ ،‬وهجر فنون الراحات‪ ،‬أنفقه من الجهل‬
‫ورذيلته‪ ،‬وطلًبا للعلم وفضيلته‪ ،‬فلما نال منه طرًفا رفعه عن مراتب أرباب‬
‫ل ما ينشده من‬ ‫شه أو ق ّ‬ ‫الدنيا ومن ل علم له إل بالعاجل‪ ،‬ضاق به معا ُ‬
‫حظوظ‪ ،‬فسافر في البلد يطلب من الرذال‪ ،‬ويتواضع للسفلة وأهل الدناءة‬
‫كاس وغيرهم‪.‬‬ ‫والم ّ‬
‫فخاطبت بعضهم وقلت‪ :‬ويحك أين تلك النفة التي سهرت لجلها‪ ،‬وأظمأت‬
‫نهارك بسببها‪ ،‬فلما ارتفعت عدت إلى أسفل سافلين؟ أ فما بقي عندك ذرة‬
‫من النفة تنبو به عن مقامات الرذال؟ ول معك يسيٌر من العلم يسير بك عن‬
‫مناخ الهوى؟ ول حصلت بالعلم قوة تجذب بها زمام النفس عن مراعي‬
‫السوء؟‬
‫ن لي أن سهرك وتعبك كأنهما لنيل الدنيا!!" صيد الخاطر ‪. 157 :‬‬ ‫على أنه يبي ُ‬
‫وأما وطأة المرض‪ ،‬فما كان لهم بال أن يعطوا لجسامهم راحتها لكي تنفك‬
‫من أوصابها‪ ،‬بل إنهم يتقلدون قول المام يحيى بن أبي كثير ـ رحمه الله ـ ‪:‬‬
‫"ل ُيستطاع العلم براحة الجسم"‪.‬‬
‫وإنك لتشعر بوضوح أن المرض أو حتى العاقة الدائمة ل يعنيان للعالم‬
‫دا من الطموح وعلو الهمة واستنفاد القوة‪ ،‬قال إسماعيل بن‬ ‫الرباني إل مزي ً‬
‫أمية ـ رحمه الله ـ ‪ " :‬كان عطاء بن أبي رباح يطيل الصمت‪ ،‬فإذا تكلم خّيل‬
‫ل ‪ ،‬أعرج ‪،‬‬ ‫إلينا أنه مؤيد ـ أي من الله ـ ‪ ،‬وكان أسود ‪ ،‬أعور ‪ ،‬أفطس ‪ ،‬أش ّ‬
‫مي! ففي جسمه ستة عيوب‪ ،‬ولكنه كان ركًنا من أركان العلم والدين‬ ‫ثم عَ ِ‬
‫فا ـأي زيادة ـ على سبعين حجة"‪.‬‬ ‫ج ني ّ ً‬‫والصلح والقدوة ‪،‬وكان ثقة فقيًها ‪،‬ح ّ‬
‫تاريخ السلم للذهبي ‪.4/279‬‬
‫ً‬
‫ولقد ضرب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ مثال رائًعا في‬
‫جا معاصًرا للعالم القدوة‪ ،‬فمع‬ ‫تجاوز بلء المرض‪ ،‬حتى جعل الله منه أنموذ ً‬
‫عمى بصره‪ ،‬إل أنه كان نافذ البصيرة‪ ،‬ل يكل من العطاء‪ ،‬ول يمل من كثرة‬
‫السؤال‪ ،‬ول تزيده سفاهة السائلين إل أناة ورفقا ً بهم‪ ،‬دؤوب العمل‪ ،‬تشغله‬
‫محن المسلمين‪ ،‬وتفرحه انتصاراتهم‪.‬‬
‫أما جور السلطان‪ ،‬فليس لتجاوز فتنته سبيل لدى العالم إل كلمة الحق كما‬
‫قال النبي‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫"إن م َ‬
‫جاِئرٍ" رواه الترمذي وقال‬ ‫ن َ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫عن ْد َ ُ‬ ‫ل ِ‬‫ة عَد ْ ٍ‬ ‫جَهادِ ك َل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫ن أعْظم ِ ال ِ‬ ‫ِ ّ ِ ْ‬
‫حديث حسن غريب‪.‬‬
‫من؟‬ ‫ْ‬
‫ة‪ ،‬قُلَنا‪ :‬ل ِ َ‬‫ح ُ‬
‫صي َ‬
‫ن الن ّ ِ‬‫دي ُ‬
‫وكلمة الحق هي النصيحة التي قال فيها النبي‪" :‬ال ّ‬
‫َ‬
‫م" رواه مسلم‪.‬‬ ‫مت ِهِ ْ‬
‫عا ّ‬
‫ن وَ َ‬‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫مةِ ال ْ ُ‬‫سول ِهِ وَِلئ ِ ّ‬ ‫ل ‪ :‬ل ِل ّهِ وَل ِك َِتاب ِهِ وَل َِر ُ‬‫َقا َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهي ل تعني سوء الخطاب‪ ،‬أو ِغَلظ الحديث‪ ،‬بل إن لها بالرفق واللين صلة‬
‫صا حينما ترتبط بإرادة الصلح الحقيقي‪ ،‬وبسط اليمان والمان‬ ‫وثيقة وخصو ً‬
‫بين الناس‪ ،‬دون قصد التعالي والتباهي بالبحث عن الخطاء والتشهير‬
‫كام‪ ،‬فالله تعال يوصي نبيه موسى وهو في طريقه إلى دعوة أعتى حاكم‬ ‫بالح ّ‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ه ي َت َذ َك ُّر أوْ‬ ‫ه قَوًْل ل َي ًّنا ل َعَل ّ ُ‬ ‫قوَل ل َ ُ‬‫ه ط ََغى فَ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬‫فيقول سبحانه‪) :‬اذ ْهََبا إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫ل َل ت َ َ‬ ‫ن ي َط َْغى َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خا ُ َ‬
‫خاَفا إ ِن ِّني‬ ‫ط عَل َي َْنا أوْ أ ْ‬ ‫فُر َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫فأ ْ‬ ‫شى َقاَل َرب َّنا إ ِن َّنا ن َ َ‬ ‫خ َ‬
‫يَ ْ‬
‫معُ وَأَرى(]طه‪ ، [46-43:‬ولحظ كيف كان هذا السلوب اللهي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫س َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫معَك َ‬ ‫َ‬
‫ما مباشًرا بمعية الرحمن سبحانه التي تصحب الدعاة الصادقين‬ ‫ً‬ ‫دع‬ ‫ما‬
‫ً‬ ‫مدعو‬
‫والناصحين المخلصين‪.‬‬
‫فا حينما جاءه من‬ ‫فا طري ً‬ ‫ومن هنا كان لهارون الرشيد ـ رحمه الله ـ موق ً‬
‫يعظه وقد أغلظ عليه في الوعظ والتذكير فقال له الرشيد‪ " :‬يا هذا‪ ،‬إن الله‬
‫تبارك وتعالى قد أمر من هو خيٌر منك بإلنة القول لمن هو شٌر مني‪ ،‬قال‬
‫لنبيه موسى عليه الصلة والسلم إذ أرسله إلى فرعون‪" :‬فقول له قول ً لينا ً‬
‫لعله يتذكر أو يخشى(‪.‬‬
‫در في العلماء علمهم‪،‬‬ ‫وصدقني ـ أيها القارئ الكريم ـ إن الحاكم المسلم يق ّ‬
‫ل فيهم هيبتهم ماداموا يسيرون على سمتهم الوقور‪ ،‬ويتكلمون على‬ ‫ويج ّ‬
‫لسان مصالح الشعوب‪ ،‬حتى ولو خالفوه في مبادئه أو في بعض تصرفاته‪،‬‬
‫ما وتقديرا!!‬ ‫وحتى لو سجنهم أو كممهم إل أن لهم في قلبه تعظي ً‬
‫وتأمل موقف غازان التتري مع شيخ السلم ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حينما‬
‫وقف بين يديه يناصحه ويناشده الرجوع إلى الحق فإنه قال له بلسان المة ل‬
‫بلسان الطامع في رضاه أو في التقرب منه‪" :‬أنت تزعم أنك مسلم ومعك‬
‫قاض وإمام وشيخ ومؤذنون على ما بلغنا‪ ،‬فغزوتنا وبلغت بلدنا ‪ ..‬على ماذا ؟‬
‫وأبوك وجدك كانا كافرين‪ ،‬وما غزوا بلد المسلمين بعد أن عاهدونا‪ ،‬وأنت‬
‫ت فما وفيت!!‬ ‫عاهدت فغدرت‪ ،‬وقل َ‬
‫ما فأكلوا إل ابن تيمية‪ ،‬فقيل له‪ :‬أل تأكل ؟‬ ‫فقّرب غازان إلى الوفد طعا ً‬
‫فقال‪ :‬كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتم من أغنام الناس وطبختموه بما‬
‫قطعتم من أشجار الناس؟ وغازان مصٍغ لما يقول ‪ ،‬شاخص إليه ل يعرض‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫عنه‪ ،‬وإن غازان من شدة ما أوقع في قلبه من الهيبة والمحبة‪ ،‬سأل ‪َ :‬‬
‫هذا الشيخ ؟ إني لم أر مثله‪ ،‬ول أثبت قلًبا منه‪ ،‬فُأخبر بحاله‪ ،‬وما هو عليه من‬
‫العلم والعمل‪ ،‬ثم طلب منه غازان الدعاء‪ ،‬فقال الشيخ يدعو‪ :‬اللهم إن كان‬
‫عبدك هذا إنما يقاتل لتكون كلمتك العليا‪ ،‬وليكون الدين كله لك‪ ،‬فانصره‬
‫وأيده‪ ،‬وملكه البلد والعباد‪ ،‬وإن كان قد قام رياء وسمعة‪ ،‬وطلًبا للدنيا‪،‬‬
‫ولتكون كلمته هي العليا‪ ،‬وليذل السلم وأهله‪ ،‬فاخذله وزلزله ودمره واقطع‬
‫دابره‪ ،‬وغازان يرفع يديه يؤمن على دعائه!!"‬
‫وفتنة العالم بالسلطان عظيمة ول شك‪ ،‬ذلك حينما يهيل عليه الموال‪ ،‬ويرفع‬
‫له المناصب‪ ،‬ويبسط له الوجه‪ ،‬ويمنيه بالجاه‪ ،‬ويقضي له الدين والحوائج‪،‬‬
‫حتى إذا تكاثرت عليه العطايا حجب عنه نور العلم‪ ،‬واستوحش منه الناس‪،‬‬
‫ونظر إليه الحاكم نظرة التحقير لما يرى منه من التذلل لجل حوائجه‪ ،‬قال‬
‫ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ ‪" :‬حضرنا بعض أغذية أرباب الموال‪ ،‬فرأيت‬
‫العلماء أذل الناس عندهم؛ فالعلماء يتواضعون ويذلون لموضع طمعهم فيهم‪،‬‬
‫وهم ل يحفلون بهم لما يعلمونه من احتياجهم إليهم" صيد الخاطر ‪.194 :‬‬
‫ن النصح‬ ‫والناظر بعين الصلح يجد أن العالم الناصح لبد أن يتعلم ف ّ‬
‫للسلطين دون التقرب إليهم فهو أنفع له ولمته من قدرته على نقدهم بين‬
‫ة السوء‪،‬‬ ‫سهم بطان ُ‬ ‫العامة؛ أو البعد عنهم من غير نصح أو توجيه‪ ،‬فتلتهم مجال َ‬
‫فل ُترحم حينها العوام ول الخواص‪.‬‬
‫أما فتنة إلحاح العامة على العالم‪ ،‬فل تقل تأثيًرا اليوم عن سلطة الحاكم‬
‫وجبروته‪ ،‬فإن قامت للعامة همة وحماس أوقدوا في العالم نار التحّرك‬
‫واستطالة الحديث‪ ،‬يحصرونه في زاوية ضيقة من الذهاب عليه والياب‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والجدل والستعجال‪ ،‬حتى يفعل أو يقول ما لو تأمل فيه بعد ذلك ما قال ول‬
‫فعل!!‬
‫ما وعتاًبا للعالم‬
‫م بالمة ول ما يدور فيها كانوا أكثر لو ً‬‫وإن لم يكن للعامة ه ٌ‬
‫على ما قال أو فعل‪ ،‬أو أمر أو أنكر!!‬
‫وهنا تأتي حكمة العالم الحكيم‪ ،‬ل تزيده ضجة الناس من حوله إل خوًفا من‬
‫الله أن يقول ما ل يرضيه وإن أسخط الناس‪ ،‬ول ينتظر منهم أن يتجمهروا‬
‫حوله حتى يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر‪ ،‬وإنما زاُده في ذلك كله العلم‬
‫والحكمة والناة والعزيمة والنصح الخالص للمسلمين‪.‬‬
‫يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ ‪" :‬سمعت شيخ السلم ابن تيمية ـ رحمه الله ـ‬
‫يقول‪ :‬مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر‪،‬‬
‫فأنكر عليهم من كان معي‪ ،‬فقلت له ‪ :‬إنما حرم الله الخمر لنها تصد عن‬
‫ذكر الله وعن الصلة‪ ،‬وهؤلء تصدهم الخمرة عن قتل النفوس وسبي الذرية‬
‫وأخذ الموال‪ ،‬فدعهم"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومن ذلك ما ذكره ابن كثير ـ رحمه الله ـ بقول‪" :‬لقد تكلم الناس في كيفية‬
‫قتال هؤلء التتار من أي قبيل هو؟ فإنهم يظهرون السلم وليسوا بغاة على‬
‫المام‪ ،‬فإنهم لم يكونوا في طاعته فخالفوه‪.‬‬
‫ي‬
‫فقال الشيخ تقي الدين ‪ :‬هؤلء من جنس الخوارج الذين خرجوا على عل ّ‬
‫ومعاوية ورأوا أنهم أحق بالمر منهما‪ ،‬وهؤلء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق‬
‫من المسلمين‪ ،‬ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون من المعاصي‬
‫والظلم‪ ،‬وهم متلبسون ما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة‪ ،‬فتفطن العلماء‬
‫والناس لذلك" البداية والنهاية ‪.14/24‬‬
‫إنها أمانة العلم فحسب‪ ،‬ثقل في الدنيا‪ ،‬ومحاسبة في الخرة‪ ،‬وسبيل‬
‫بالعطاء إلى الغفران‪ ،‬وطريق بالكتمان إلى الخسران‪ ،‬تصان بالورع‪ ،‬وتزكو‬
‫بالتواضع‪ ،‬وتبقى بالصبر مدى الزمان‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫ن أوُتوا العِل َ‬ ‫ذي َ‬‫م َوال ِ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬
‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فسبحان الله القائل ‪ ) :‬ي َْرفَعْ الل ّ ُ‬
‫ت(‪.‬‬ ‫جا ٍ‬‫د ََر َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ب لت ُب َي ّن ُن ّ ُ‬ ‫ن أوُتوا الك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬
‫ميثاقَ ال ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ُ‬ ‫وسبحانه عز من قائل عليم‪) :‬وَإ ِذ ْ أ َ‬
‫ما‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مًنا قِليل فب ِئ َ‬ ‫َ‬
‫شت ََرْوا ب ِهِ ث َ‬‫م َوا ْ‬ ‫ذوه ُ وََراَء ظ ُُهورِهِ ْ‬ ‫ه فَن َب َ ُ‬ ‫س وََل ت َك ْت ُ ُ‬
‫مون َ ُ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫ن(]آل عمران‪.[187:‬‬ ‫شت َ ُ َ‬
‫رو‬ ‫يَ ْ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫علمتني الحياة‬
‫للشاعر‪ :‬أنور العطار‬
‫نعيم التأني‬
‫مّني‬
‫مت َ َ‬
‫ة ال ُ‬
‫ن التأّني شد ّ ما كان غاي َ‬ ‫علمتني الحياةُ أ ّ‬
‫ة الدهرِ مني‬ ‫ت حكم َ‬‫ت أيّ زاد ٍ من الصبر وقّرب ُ‬ ‫فتزّود ُ‬
‫ن‬
‫ب بين رجم ٍ وظ ّ‬ ‫ً‬
‫ن عجول أد َعُ الغي َ‬ ‫ت أختاُر أن أكو َ‬ ‫لس ُ‬
‫ً‬
‫سمي لن تكون يوما لغيري فلعوّد ْ نفسي نعيم التأّني‬ ‫قِ َ‬
‫الهوى طف ٌ‬
‫ل‬
‫ن الهوى على الدهرِ طف ُ‬
‫ل‬ ‫ن وأ ّ‬‫ة ألوا ٌ‬
‫ن الطفول َ‬ ‫عّلمتني أ ّ‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة شغ ُ‬
‫ل‬ ‫ت فالفضيح ُ‬ ‫ح وإن ُبح َ‬ ‫ت التباري َ‬ ‫ت الهوى كتم َ‬ ‫ن كتم َ‬‫إ ْ‬
‫ن وذلّ‬‫ب الهوى هوا ٌ‬ ‫َ‬
‫ت الضاليل ودر ُ‬ ‫أو أطعت الهوى أطع َ‬
‫س َيردع ُ عذل‬‫كنههِ الساةُ فما ينجي حذاٌر ولي َ‬ ‫حار في ُ‬
‫الوجود صراعٌ‬
‫ن الوجود َ صراع ُ ل ُيجيد ُ الصراعَ إل شجاعُ‬ ‫عّلمتني أ ّ‬
‫س كّرةٌ واندفاعُ‬ ‫ب وللنف ِ‬ ‫ت غايتي غير هّيا ٍ‬ ‫حم ُ‬
‫فتق ّ‬
‫ة وارتياع‬‫ن ملُء جنبيهِ رهب ٌ‬ ‫ح جبا ٌ‬‫إنما يحذُر الكفا َ‬
‫سرى والزماع‬ ‫ه ال ّ‬
‫م ُ‬
‫نه ّ‬ ‫م ْ‬
‫مو َ‬‫ه الحز ُ‬ ‫شجاعُ من دأب ُ‬ ‫وال ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫علمنة رمضان‬
‫المصدر‪/‬المؤلف‪ :‬خالد محمد الغيث‬
‫لقد اختص الله سبحانه وتعالى شهر رمضان دون سائر الشهور بنزول القرآن‬
‫ت‬
‫س وَب َي َّنا ٍ‬ ‫ن هُ ً ّ‬
‫دى للّنا ِ‬ ‫قْرآ ُ‬‫ل ِفيهِ ال ْ ُ‬ ‫ذي أ ُن ْزِ َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫ضا َ‬‫م َ‬
‫شهُْر َر َ‬ ‫الكريم‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫ه‪.‬‬‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شهَْر فلي َ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫منك ُ‬ ‫شهِد َ ِ‬‫من َ‬ ‫َ‬
‫نف َ‬ ‫دى َوال ْ ُ‬
‫فْرَقا ِ‬ ‫ن ال ْهُ َ‬
‫م َ‬
‫ّ‬
‫كما اختصه سبحانه وتعالى بليلة عظيمة الشأن‪ ،‬شريفة القدر‪ ،‬أل وهي ليلة‬
‫خير م َ‬
‫شهْرٍ ‪.‬‬ ‫ف َ‬ ‫ن أل ْ ِ‬ ‫قد ْرِ َ ْ ٌ ّ ْ‬ ‫ة ال ْ َ‬‫القدر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ل َي ْل َ ُ‬
‫وفي هذا الشهر الكريم‪ ،‬وفي السنة الثانية من الهجرة النبوية المباركة انتصر‬
‫حدين بقيادة رسول الله على المشركين‬ ‫الله سبحانه وتعالى لعباده المو ّ‬
‫المعاندين في معركة من معارك العقيدة‪ ،‬أل وهي غزوة بدر الكبرى التي‬
‫فرق الله فيها بين الحق والباطل‪.‬‬
‫كذلك فقد شهد هذا الشهر تحرير قبلة المسلمين من براثن الشرك‪ ،‬بعد أن‬
‫أِذن رب العزة والجلل لنبينا محمد بفتح أم القرى في السنة الثامنة من‬
‫الهجرة النبوية‪.‬‬
‫هذه المنزلة العظيمة لشهر رمضان جعلت رسول الله في شوق دائم إليه‪،‬‬
‫فكان يدعو الله في كل عام أن يبلغه إياه ويقول‪ } :‬اللهم بارك لنا في رجب‬
‫وشعبان‪ ،‬وبّلغنا رمضان {‪.‬‬
‫وعلى هذا النهج من الشوق والتوقير لشهر رمضان سار صحابة رسول الله ‪،‬‬
‫ومن جاء بعدهم من التابعين وسلف المة الصالح‪.‬‬
‫لقد ارتبط شهر رمضان في ذاكرة المة المسلمة بالعزة والكرامة‪ ،‬ابتداًء من‬
‫غزوة بدر الكبرى‪ ،‬التي أرادها الله سبحانه وتعالى أن تكون في أول رمضان‬
‫يصومه المسلمون‪ ،‬لذا فقد حرص أعداء المة المسلمة في هذا العصر على‬
‫تفتيت هذا الرتباط الحيوي الذي يجمع المسلمين بهذا الشهر الكريم‪ ،‬وراحوا‬
‫يعملون من أجل ذلك على محورين‪:‬‬
‫ً‬
‫الول‪ :‬العمل على جعل شهر رمضان بالنسبة للمة المسلمة شهرا للمآسي‬
‫والنكبات‪ ،‬وهذا مشاهد في البلدان السلمية مثل‪ :‬فلسطين‪ ،‬والعراق‪،‬‬
‫وأفغانستان‪ ،‬والشيشان‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬السير بخطوات حثيثة نحو علمنة شهر رمضان‪ ،‬وذلك من خلل تفريغ‬
‫هذا الشهر الكريم من محتواه الذي أراده الله سبحانه وتعالى‪ ،‬فبدل ً من أن‬
‫يكون رمضان محطة إيمانية‪ ،‬ووقفة للمحاسبة والمراجعة‪ ،‬نجده تحول بفعل‬
‫وسائل العلم إلى شهر من شهور ألف ليلة وليلة‪ ،‬ليس على مستوى‬
‫الطعام والشراب فقط‪ ،‬بل على مستوى العفة والفضيلة التي تنحر من‬
‫الوريد إلى الوريد في القنوات الفضائية العربية‪ ،‬حيث تحول معظمها إلى‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أندية ليلية‪ ،‬راحت تتفنن في محاربة الله ورسوله ‪ ،‬تحت مسمى السهرات‬
‫الرمضانية‪ ،‬والخيام الرمضانية‪ ،‬ولسان حالها يقول‪ :‬يا باغي الشر أقبل‪ ،‬ويا‬
‫باغي الخير أقصر‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن المحزن في هذه القضية أن علمنة رمضان‪،‬‬
‫والمؤامرة عليه تتم بأموال رجال العمال المسلمين‪ ،‬الذين يملكون معظم‬
‫تلك القنوات الفضائية‪ ،‬فهل هذا هو جزاء إحسان الله إليهم؟! أم يريدون أن‬
‫ه‬‫ك الل ّ ُ‬
‫مآ آَتا َ‬ ‫يكونوا مثل قارون الذي كفر بأنعم الله؟! قال تعالى‪َ :‬واب ْت َِغ ِفي َ‬
‫َ‬ ‫ك من الدنيا وأ َحسن ك َ َ‬
‫ك وَل َ ت َب ِْغ‬‫ه إ ِلي ْ َ‬‫ن الل ّ ُ‬
‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫مآ أ ْ‬
‫َ‬ ‫َّْ َ ْ ِ‬ ‫صيب َ َ ِ َ‬ ‫خَرةَ وَل َ َتن َ‬
‫س نَ ِ‬ ‫داَر ال ِ‬
‫ال ّ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫دي َ‬
‫س ِ‬
‫ف ِ‬
‫م ْ‬
‫ب ال ُ‬
‫ح ّ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ض إِ ّ‬
‫ساد َ ِفي الْر ِ‬ ‫ف َ‬
‫وختاما ً أيها القارئ الكريم فإنه ينبغي علينا أن نحمي صيامنا وقيامنا من‬
‫صدون للسرة‬ ‫قراصنة الجر والثواب‪ ،‬في تلك القنوات الفضائية‪ ،‬الذين يتر ّ‬
‫المسلمة في كل ليلة من ليالي رمضان‪ ،‬وليكن شعارنا جميعًا‪:‬‬
‫حييت يا شهر العبادة والتقى حييت يا شهر البطولة والفدى حييت يا شهر‬
‫المكارم والندى‬
‫هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫علموا منزلة القرآن فكان من أهم أولوياتهم في رمضان‬


‫غيب كثير من الصالحين عن مخالطة‬ ‫في زمن غابت فيه القدوة الصالحة‪ ،‬و ُ‬
‫الناس‪ ،‬وتصدرت موجات الفساد وأهله وصار المفسدون هم قدوات‬
‫المسلمين‪ ،‬يحن المسلم إلى السلف الصالح‪ ،‬ليتزود من سيرتهم‪ ،‬ويسلك‬
‫نهجهم في السير إلى الله‪.‬‬
‫ورحم الله المام مالك فقد كان يستأذن أصحابه بعد انتهاء درس العلم‬
‫ليجلس مع الصحابة ساعة‪ ،‬فيدارس كتبهم ويقرأ قصصهم‪ ،‬فينطبع في نفسه‬
‫تلك القدوة التي لم يقدر له أن يعيش معهم‪ ،‬فإن حرم معاشرتهم حية‪،‬‬
‫فسيرتهم زاد له على الطريق‪.‬‬
‫وقد كان الصحابة يدركون أن من أهم أهداف المسلم في رمضان‪ ..‬تكفير‬
‫الذنوب‪ ،‬ولهذا كانوا يستقبلونه بهذا المعنى‪ ،‬كما ورد عن عمر أنه كان يقول‪:‬‬
‫"مرحبا ً بمطّهرنا من الذنوب"‪.‬‬
‫وكانوا يكثرون من الدعاء بالمغفرة‪ ،‬فقد كان عبد الله بن عمر رضي الله‬
‫عنهما إذا أفطر يقول‪" :‬اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن‬
‫تغفر لي"‪.‬‬
‫مع القرآن‪ :‬ولقد أولى الصحابة رضوان الله عليهم القرآن الكريم اهتماما ً‬
‫خاصا ً في رمضان‪ ،‬فكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن مرة‬
‫كل يوم‪.‬‬
‫ولم يكن حال القرآن مع الصحابة في رمضان مجرد قراءة‪ ،‬بل كانت الخشية‬
‫غالبة عليهم في قراءتهم‪ ،‬فقد أخرج البيهقي عن أبي هريرة قال‪ :‬لما نزلت‬
‫أفمن هذا الحديث تعجبون )‪ (59‬وتضحكون ول تبكون )‪) (60‬النجم(‪ ،‬فبكى‬
‫أهل الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم‪ ،‬فلما سمع رسول الله بكاءهم‬
‫بكى معهم فبكينا ببكائه‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يلج‬
‫النار رجل بكى من خشية الله"‪ .‬فانظر بكاء أهل الصفة من الصحابة وتأثرهم‬
‫بقراءة القرآن‪ ،‬وذلك أنه جرى على قلوبهم‪ ،‬قبل أن يجري على ألسنتهم‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكان ابن عمر رضي الله عنهما كثير البكاء عند قراءة القرآن‪ ،‬فقد ورد أنه‬
‫قرأ سورة المطففين حتى بلغ يوم يقوم الناس لرب العالمين )‪(6‬‬
‫"المطففين" فبكى حتى خر من البكاء‪.‬‬
‫كما كان الصحابة يطيلون صلتي التراويح والقيام‪ ،‬ل يقرؤون بآية أو آيتين كما‬
‫يصنع بعض المسلمين‪ ،‬فقد ورد عن السائب ابن يزيد قال‪" :‬أمر عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه أَبي بن كعب وتميم الداري رضي الله عنهما أن‬
‫يقوما للناس في رمضان‪ ،‬فكان القارئ يقرأ بالمئين‪ ،‬حتى كنا نعتمد على‬
‫العصي من طول القيام‪ ،‬وما كنا ننصرف إل ّ في فروع الفجر"‪.‬‬
‫دون من يقرأ سورة البقرة في اثنتي عشرة ركعة من‬ ‫بل كان الصحابة يع ّ‬
‫المخففين‪ ،‬فعن عبد الرحمن بن هُْرمز قال‪" :‬ما أدركت الناس إل ّ وهم‬
‫يلعنون الكفرة في شهر رمضان‪ ،‬قال‪ :‬فكان القراء يقومون بسورة البقرة‬
‫في ثماني ركعات‪ ،‬فإذا قام بها القراء في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه‬
‫قد خفف عنهم‪".‬‬
‫وكان الصحابة يقومون الليل حتى يقترب الفجر‪ ،‬وما يكاد أحدهم ينتهي من‬
‫السحر حتى يؤّذن للفجر‪ ،‬فعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله‬
‫عنهما قال‪ :‬سمعت أبي يقول‪" :‬كنا ننصرف في رمضان من القيام‪،‬‬
‫فيستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر"‪.‬‬
‫الخلوة للعبادة‪ :‬ورد عن نافع مولى ابن عمر أنه قال‪" :‬كان ابن عمر رضي‬
‫الله عنهما يقوم في بيته في شهر رمضان‪ ،‬فإذا انصرف الناس من المسجد‬
‫أخذ إداوةً من ماٍء ثم يخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم‬
‫ل يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح"‪.‬‬
‫وكان بعض الصحابة يختم القرآن كل سبع ليال‪ ،‬في التراويح‪ ،‬فقد ورد عن‬
‫حدير قال‪" :‬كان أبو مجلز يقوم بالحي في رمضان يختم في كل‬ ‫عمران ابن ُ‬
‫سبع"‪.‬‬
‫النساء والشيوخ‪ :‬بل كان القوم يحرصون على طول القيام مع كبر سنهم‪،‬‬
‫ولم يكن هذا مانعهم من أن يطيلوا‪ ،‬فقد ورد عن سعيد بن عامر عن أسماء‬
‫بن عبيد قال‪" :‬دخلنا على أبي رجاء العطاردي‪ ،‬قال سعيد‪ :‬زعموا أّنه كان بلغ‬
‫ة حتى يضعوني في مقام‬ ‫ثلثين ومائة‪ ،‬فقال‪ :‬يأتوني فيحملوني كأني قُ ّ‬
‫ف ٌ‬
‫المام فأقرأ بهم الثلثين آية‪ ،‬وأحسبه قد قال‪ :‬أربعين آية في كل ركعة يعني‬
‫في رمضان"‪ ،‬بل ورد أن أبا رجاء كان يختم بالناس القرآن في قيام رمضان‬
‫كل عشرة أيام‪.‬‬
‫ولم يكن النساء أقل نصيبا ً في صلة التراويح من الرجال‪ ،‬فيروي أبو أمية‬
‫الثقفي عن عرفجة أن عليا ً كان يأمر الناس بالقيام في رمضان‪ ،‬فيجعل‬
‫للرجال إمامًا‪ ،‬وللنساء إمامًا‪ ،‬قال‪ :‬فأمرني فأممت النساء‪.‬‬
‫الفطار مع الفقراء‪ :‬وكان الصحابة ل يكثرون من الطعام في الفطار‪ ،‬وكان‬
‫بعضهم يحب أن يفطر مع المساكين‪ ،‬مواساة لهم‪ ،‬فكان ابن عمر رضي لله‬
‫عنهما ل يفطر إل ّ معهم‪ ،‬وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه‪ ،‬أخذ نصيبه‬
‫ة‪،‬‬
‫فن َ ِ‬
‫من الطعام وقام‪ ،‬فأعطاه إياه‪ ،‬فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الج ْ‬
‫فيصبح صائما ً ولم يأكل شيئًا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫العشر الواخر‪ :‬أما في العشر الواخر‪ ،‬فكانوا يجتهدون اجتهادا ً منقطع‬


‫النظير‪ ،‬اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬رغبة في بلوغ ليلة القدر‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المباركة‪ ،‬التي كانوا يستعدون لها استعدادا ً خاصًا‪ ،‬فكان بعضهم يغتسل‬
‫ويتطيب في ليلة السابع والعشرين‪ ،‬التي رجح بعض العلماء أنها ليلة القدر‪،‬‬
‫فيقضونها بين صلة وذكر‪ ،‬وقيام وقراءة قرآن‪ ،‬ودعاء وتضرع لله تعالى‪،‬‬
‫سائلينه أن يعتق رقابهم من النار‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫علو الهمة صعود للقمة‬


‫علو الهمة هو الباعث على الفعل‪ ،‬وتوصف بعلو أو سفول همتك فاحفظها‪،‬‬
‫فإن الهمة مقدمة الشياء ‪ ،‬فمن صلحت له همته وصدق فيها‪ ،‬صلح له ما‬
‫وراء ذلك من العمال‬
‫الهمة عمل قلبي‪،‬‬
‫والقلب ل سلطان عليه لغير صاحبه‪ ،‬وكما أن الطائر يطير بجناحيه‪ ،‬كذلك‬
‫ة من القيود التي تكبل‬ ‫يطير المرء بهمته‪ ،‬فتحلق به إلى أعلى الفاق ‪ ،‬طليق ًً‬
‫الجساد‬
‫وبعلو الهمة ينال النسان ما ل يناله بالثروة ويدرك بها ما ل يدركه بالمناصب‬
‫والمناصب عادية والثروة زائلة وعلو الهمة ثروة نفسية باقية ما بقي النسان‬
‫وتظل آثارها باقية‬
‫بعد موت النسان انظر إلى من هو فوقك في الكمال وثق بنفسك قبل‬
‫المسير وإذا سرت فضع قدمك بثبات وأنقله بحزم وستجد اللذة عند أول قدم‬
‫تضعها وستفوز بعد قليل بالغاية ‪ ,‬وسوف تعترضك في الطريق أشباح وأوهام‬
‫يسميها العامة من الناس مصاعب فل تعرها التفاتا ً فإن السلم لبد له‬
‫المدارج تقدم ولو خطوة فإنها تمهد سبيل الخطوة الثانية ولتقف في سيرك‪.‬‬
‫م بحسنة‪ ،‬فلم يعملها‪ ،‬كتبها الله عنده‬ ‫قال صلى الله عليه وسلم‪ ":‬من ه ّ‬
‫حسنة كاملة " رواه البخاري‬
‫ّ‬
‫ق ‪ ،‬بلغه الله‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬من سأل الله الشهادة بصد ٍ‬
‫منازل الشهداء‪ ،‬وإن مات على فراشه " رواه مسلم‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم فيمن تجهز للجهاد‪ ،‬ثم أدركه الموت‪ " :‬قد أوقع‬
‫الله أجره على قدر نيته " رواه المام أحمد وغيره‬
‫ئ تكون له صلة بليل‪ ،‬فغلبه عليها‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ما من امر ٍ‬
‫ة عليه " رواه النسائي وأبو داود‬ ‫كتب له أجر صلته‪ ،‬وكان نومه صدق ً‬ ‫نوم ‪ ،‬إل ُ‬
‫وقد يتفوق المؤمن بهمته العالية كما بّين ذلك الصادق المصدوق صلى الله‬
‫عليه وسلم في قوله‪:‬‬
‫" سبق درهم مائة ألف "‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬كيف يسبق درهم مائة ألف‬
‫قال‪ ":‬رجل كان له درهمان ‪ ،‬فأخذ أحدهما ‪ ،‬فتصدق به ‪ ،‬وآخر له مال كثير ‪،‬‬
‫فأخذ من عَْرضها مائة ألف "رواه أحمد وغيره ‪.‬‬
‫إن عالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته‪ ،‬وتحقيق‬
‫بغيته‪ ،‬لنه يعلم أن المكارم منوطة بالمكاره‪ ،‬وأن المصالح والخيرات‪ ،‬و‬
‫اللذات و الكمالت كلها ل تنال إل بحظ من المشقة‪ ،‬ول ُيعبر إليها إل على‬
‫جسر من التعب‬
‫ت بالراحة الكبرى فلم أرها *** ُتنال إل على جسر من التعب‬ ‫صر ُ‬
‫بَ ُ‬
‫كثيرون أولئك الذين يفهمون من علو الهمة معنى العظمة وعلو الهمة هو‬
‫طموح النسان إلى شريف العمال والخلق وهما لرقي الفرد ورقي المة‬
‫أساس ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عالي الهمة ُيرى منطلقا ً بثقة وقوة وإقدام نحو غايته التي حددها على بصيرة‬
‫وعلم ‪ ،‬فيقتحم الهوال‪ ،‬ويستهين الصعاب سأل يوما الممكن المستحيل ‪:‬‬
‫أين أجدك قال ‪:‬أنا موجود في عالم كل خامل ومتكاسل ‪.‬‬
‫ة الله الغالية لم يلتفت إلى لوم لئم‪ ،‬ومضى يكدح في‬ ‫من أراد الجنة سلع َ‬
‫السعي لها‬
‫قال تعالى‪ ) :‬ومن أراد الخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان‬
‫سعيهم مشكورا (‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬من خاف أدلج‪ ،‬ومن أدلج بلغ المنزل‪ ،‬أل إن‬
‫سلعة الله غالية‪ ،‬أل إن سلعة الله الجنة "‬
‫الثقه بالله ‪..‬وانه ل مستحيل مع وجود الله فمن علو الهمة‬
‫قال تعالى "فإذا عزمت فتوكل على الله "‬
‫علو الهمة‬
‫أن تتذكر دوما أنك مسلم‪.....‬وأن هناك من تلجأ إليه ولن يخذلك أبدا وهو الله‬
‫المسلم يندم على ساعة مرت به في الدنيا لم يعمرها بذكر الله عز وجل ‪،‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إل على‬
‫ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها "‬
‫يا كبير الهمة ‪ :‬ل يضرك التفرد ‪ ،‬فإن طرق العل قليلة اليناس‬
‫فعالي الهمة يرقى في مدارج الكمال بحيث صار ل يأبه بقلة السالكين‪ ،‬و‬
‫وحشة الطريق لنه يحصل مع كل مرتبة يرتقي إليها من النس بالله ما يزيل‬
‫هذه الوحشة ‪ ،‬و إل انقطع به السبيل‬
‫عالي الهمة ل يرضى بالدون ول يرضيه إل معالي المور ‪.‬‬
‫إن عالي الهمة يعلم أنه إذا لم يزد شيئا في الدنيا فسوف يكون زائدا عليها ‪،‬‬
‫ومن ثم فهو ل يرضى بأن يحتل هامش الحياة ‪ ،‬بل لبد أن يكون في صلبها‬
‫ومتنها عضوا مؤثرا ‪.‬‬
‫إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا * ولم أقتبس علما فما هو من عمري‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن كبير الهمة نوع من البشر تتحدى همته ما يراه مستحيل ‪ ،‬وينجز ما ينوء به‬
‫العصبة أولو القوة ‪ ،‬ويقتحم الصعاب والهوال ل يلوي على شيء له همم ل‬
‫منتهى لكبارها وهمته الصغرى أجل من الدهر إن كبير الهمة ل يعتد بما له‬
‫قنيةٍ مستردة ‪ ،‬بل همه قنية مؤبدة ‪،‬‬ ‫فناء ‪ ،‬ول يرضى بحياة مستعارة ‪ ،‬ول ب ُ‬
‫وحياة مخلدة ‪ ،‬فهو ل يزال يحلق في سماء المعالي ‪ ،‬و ل ينتهي تحليقه دون‬
‫عليين ‪ ،‬فهي غايته العظمى ‪ ،‬وهمه السمى وعالي الهمة يعرف قدر نفسه ‪،‬‬
‫في غير كبر ‪ ،‬و ل عجب ‪ ،‬ول غرور ‪ ،‬وإذا عرف المرء قدر نفسه ‪ ،‬صانها عن‬
‫الرذائل ‪ ،‬وحفظها من أن تهان ‪ ،‬ونزهها عن دنايا المور ‪ ،‬و سفاسفها في‬
‫السر والعلن ‪ ،‬وجنبها مواطن الذل بأن يحملها ما ل تطيق أو يضعها فيما ل‬
‫يليق بقدرها ‪ ،‬فتبقى نفسه في حصن حصين ‪ ،‬وعز منيع ل تعطى الدنية ‪ ،‬و ل‬
‫ترضى بالنقص ‪ ،‬ول تقنع بالدون ‪.‬‬
‫فكبير الهمة يبني مجده بشرف نفسه ‪ ،‬ل اتكال على حسبه ونسبه ‪ ،‬و ل‬
‫يضيره أل يكون ذا نسب ‪ ،‬فحسبه همته شرفا ونسبا ‪.‬‬
‫إن نصوص القرآن والسنة حثت المؤمنين على ارتياد معالي المور ‪،‬‬
‫والتسابق في الخيرات ‪ ،‬وتحذيرهم من سقوط الهمة ‪ ،‬وتنوعت أساليب‬
‫القرآن في ذلك‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فمنها ‪ :‬أبشع صورة لدنو الهمة‬


‫"واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من‬
‫الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الرض واتبع هواه فمثله كمثل‬
‫الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا‬
‫فاقصص القصص لعلهم يتفكرون "‬
‫ومنها‪ :‬ثناؤه سبحانه على أصحاب الهمم العالية وفي طليعتهم النبياء‬
‫والمرسلون‬
‫وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫) فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ( ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنه عبر سبحانه عن أوليائه الذين كبرت همتهم بوصف الرجال في‬
‫مواطن البأس والجلد والعزيمة والثبات على الطاعة ‪ ،‬والقوة في دين الله‬
‫) فيه رجال يحبون أن يطهروا والله يحب المطهرين ( ‪.‬‬
‫) يسبح له فيها بالغدو والصال رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر الله و‬
‫إقام الصلة وإيتاء الزكاة (‬
‫) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه‬
‫ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل (‬
‫***********‬
‫كبر الهمة يجلب لك بإذن الله خيرا كثيرا ً ‪ ،‬ويجري في عروقك دم الشهامة‬
‫والركض في ميدان العلم والعمل ‪ ،‬فل ترى واقفا إل على أبواب الفضائل ‪،‬‬
‫ول باسطا يديك إل لمهمات المور ‪.‬‬
‫در ما ت ََتعّنى ‪ ،‬تنا ُ‬
‫ل ما تتمّنى‬ ‫ق ْ‬
‫ب َ‬
‫إن التحلي بكبر الهمة يسلب منك سفاسف المال والعمال ‪ ،‬ويجتث منك‬
‫شجرة الذل والهوان‬
‫في النية‪.‬‬‫العلم يصعد بالهمة ‪ ،‬ويرفع طالبه عن حضيض التقليد‪ ،‬وُيص ّ‬
‫ما واحدًا‪ ..‬قال تعالى‪ ) :‬ومن أراد الخرة‬ ‫* إرادة الخرة‪ ،‬وجعل الهموم ه ّ‬
‫وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ( ‪.‬‬
‫َ‬
‫مه الخرة‪ ،‬جمع الله له شمله‪،‬‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬من كانت ه ّ‬
‫مه الدنيا‪ ،‬فّرق الله‬ ‫وجعل غناه في قلبه‪ ،‬وأتته الدنيا راغمة‪ ،‬ومن كانت ه ّ‬
‫عليه أمره‪ ،‬وجعل فقره بين عينيه‪ ،‬ولم يأته من الدنيا إل ما كتب الله له( من‬
‫حديث زيد ابن ثابت ‪.‬‬
‫أصحاب الهمة العالية هم الذين يقوون على البذل في سبيل المقصد‬
‫العلى ‪ ،‬و يبدلون أفكار العالم ‪ ،‬ويغيرون مجرى الحياة بجهادهم وتضحياتهم‪،‬‬
‫م فهم القلة التي تنقذ الموقف‪ ،‬وهم الصفوة التي تباشر مهمة‬ ‫ومن ث َ ّ‬
‫النتشال السريع من وحل الوهن‪ ،‬و وحقارة الحباط‪.‬‬
‫‪...............‬‬
‫استشعر فى قلبك مرافقة الرعيل الول من الذين أنعم الله عليهم من‬
‫النبيين والصديقين والشهداء ول تحزن لقلة الصديق والرفيق‪.‬‬
‫‪..........‬‬
‫ً‬
‫سط عنده *** يبغي المغامر عاليا وجليل‬ ‫هذا زمان ل تو ّ‬
‫ل *** ليس التوسط للنبوغ سبيل‬ ‫كن سابقا ً فيه أو ابق بمعز ٍ‬
‫‪..........‬‬
‫إن أمتك المسلمة تترقب منك جذبة إسلمية توقد في قلبها مصباح الهمة في‬
‫ديجور هذه الغفلة المدلهمة‪ ،‬وتنتظر منك صيحة محمدية تغرس بذرة المل ‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في بيداء اليأس‪ ،‬وعلى قدرأهل العزم تأتى العزائم‬


‫أحزان قلبي ل تزول *** حتى أبشر بالقبول‬
‫وأرى كتابي باليمين ***وتسرعيني بالرسول‬
‫فعلو الهمه صعود للقمة‬
‫أل إن سلعة الله غالية أل إن سلعة الله الجنة‬

‫)‪(2 /‬‬

‫علوم الشريعة في الجامعات الواقع والفاق )*(‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين خليل ‪6/6/1427‬‬
‫‪02/07/2006‬‬
‫]‪[1‬‬
‫يمكن أن تكون البداية‪ :‬الحالة النفسية والجتماعية والوظيفية لطلبة علوم‬
‫الشريعة وخّريجيها في القرنين الخيرين بوجه التقريب‪ ،‬مقارنة بالحالة نفسها‬
‫في عصور ازدهار الحضارة السلمية‪.‬‬
‫كان المعني بالعلوم الشرعية‪ ،‬أو الفقيه‪ ،‬يقود الحياة‪ ،‬ثم ما لبث أن انسحب‬
‫إلى هامش الحياة‪ ،‬فأصبحت تقوده بضغط الضرورات النفسية والجتماعية‬
‫والوظيفية‪.‬‬
‫وكان يملك عقل ً ابتكاريا ً متوّقدًا‪ ،‬يقدر في لحظة على تكييف هذه المفردة أو‬
‫تلك وفق مقاصد الشريعة‪ ،‬فيعين على تمكين الخبرة السلمية من التواصل‬
‫والستمرار باللتحام بالحياة‪ ،‬ثم ما لبث أن فقد هذا التألق‪ ،‬أو تعمد أن‬
‫يطفئه استجابة لحالة اجتماعية يحكمها تقليد السابقين واتباع خطى الباء‬
‫والجداد‪ ،‬وتعّين على نسج خيوطها الكالحة ضغوط السلطة الستعمارية‬
‫)الخارجية( تارة‪ ،‬والمحلية )الداخلية( تارة أخرى‪ ،‬وهي الضغوط التي‬
‫استهدفت عزل الشريعة عن الحياة‪ ،‬ونسف الجسور المقامة بين الطرفين‪،‬‬
‫بما فيها "الفقيه" الذي ُأريد له أل ّ يشارك في عملية التغيير أو الصياغة أو‬
‫إعادة تعديل الوقفة‪ ،‬وأن يتحول إلى واعظ‪ ،‬أو خطيب جمعة تقليدي‪ ،‬أو‬
‫مدّرس دين ولغة عربية يتلقى في معظم الحوال أجره الشهري من‬
‫الحكومات‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذ ْ تعمد أن يكون الجر زهيدا ل يكاد يسد ّ الرمق‪ ،‬وكان العالم أو الفقيه غير‬
‫قادر على أي حرفة إضافية تعينه على الرتقاء بمستواه المعاشي صوب الحد‬
‫ويته المعقولة‪ ،‬انعكس ذلك كله عليه ‪ ،‬فأصبح مسحوقا ً ‪ ،‬ممتهنا ً‬ ‫الدنى من س ّ‬
‫‪ ،‬ضعيفا ً ل يملك في معظم الحيان " الشخصية " السرة القوية المؤثرة‬
‫التي تمكنه من أداء دوره المطلوب‪.‬‬
‫لقد رأينا جميعا ً هذا بأم أعيننا ‪ ..‬ثمة حالت استثنائية بكل تأكيد‪ ،‬ولكنه‬
‫الستثناء الذي يعزز القاعدة ول ينفيها‪.‬‬
‫يحدثنا الستاذ )محمد قطب( في كتابه )واقعنا المعاصر( عن اللعبة التي‬
‫مارستها السلطات الستعمارية في مصر مع خريجي الشريعة واللغة العربية‬
‫)كنموذج لما جرى في معظم ديار المسلمين يومها(‪ .‬وكيف أعانها عليها‪،‬‬
‫بمرور الوقت‪ ،‬قوم آخرون من سكنة ديار المسلمين أنفسهم والمحسوبين‬
‫عليهم‪ ،‬وآل المر إلى أن يصير "العالم" أو مدرس الشريعة والعربية‪،‬‬
‫أضحوكة بين الناس‪ُ ،‬يتسّلى بها حتى في عروض السينما والذاعة والتلفاز‪.‬‬
‫"تولى المستر دنلوب ـ القسيس الذي عينه كرومر مستشارا ً لوزارة‬
‫المعارف ـ مهام منصبه ‪ ،‬وكان في يده السلطة الفعلية الكاملة في وزارة‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعارف المصرية السلمية )وحين يكون القسيس على رأس السلطة في‬
‫وزارة التعليم‪ ،‬فما الذي ُيتوقع أن يكون من أمر التعليم ؟(‬
‫"جاء دنلوب ليضرب الزهر ـ موطن الخطر على كنيسة المسيح ـ ولكن بغير‬
‫حماقة نابليون التي كانت سببا ً في استثارة المسلمين‪.‬‬
‫" ترك دنلوب الزهر على ما هو عليه لم يتعرض له على الطلق‪ ،‬ولكنه ـ‬
‫على السلوب البطيء الكيد المفعول ـ فتح مدارس جديدة تعلم )العلوم‬
‫الدنيوية( ول تعّلم الدين إل ّ تعليما ً هامشيا ً هو في ذاته جزء من خطة إخراج‬
‫المسلمين من السلم‪.‬‬
‫" ‪ ...‬لقد كان المتخرج من هذه المدارس ـ بعد أربع سنوات فقط ـ ُيعّين فور‬
‫تخرجه في دواوين الحكومة )براتب ذي قوة شرائية عالية( أما خريج الزهر‬
‫الذي يقضي في الدراسة عشرين سنة من عمره في بعض الحيان فل يجد‬
‫ل‪ ،‬وإن وجد عمل ً في إقامة الشعائر في المسجد فبمائة وعشرين قرشا‪ً،‬‬ ‫عم ً‬
‫تكفي للحياة نعم ‪ ،‬ولكنها حياة ذليلة ضئيلة بالنسبة لخريج المدرسة البتدائية‬
‫الذي يعمل في الديوان!‬
‫ً‬
‫" لقد كان النتساب إلى الزهر فيما مضى شرفا تتسابق إليه السر ‪ ..‬أما‬
‫في عهد دنلوب فلم يعد يذهب إلى الزهر إل الفقراء الذين يعجزون عن دفع‬
‫مصروفات المدارس الحديثة ‪ ،‬وفي الوقت ذاته ينالون جزاء فقرهم ضياعا ً‬
‫في المجتمع وهوانا ً فيه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫" ‪ ..‬أما المناهج التي وضعها دنلوب في مدارسه )فقد استهدفت اغتيال‬
‫وتشويه اللغة العربية والدين والتاريخ ( إذ كان الراتب الذي يتقاضاه‬
‫المدرسون من أصحاب المؤهلت العليا اثني عشر جنيهًا‪ ،‬إل مدرس اللغة‬
‫العربية وحده يتقاضى أربعة جنيهات‪ .‬وكان لهذا الوضع انعكاساته ول شك في‬
‫داخل المدرسة أو في المجتمع على اتساعه‪ .‬فأما في داخل المدرسة فلم‬
‫يعد مدرس اللغة العربية هو المقدم بل أصبح في ذيل القافلة يتقدمه‬
‫المدرسون جميعا ً ـ بل حتى فراش المدرسة أحيانا ً ـ ومن ثم لم تعد له كلمة‬
‫في المدرسة ‪ ،‬فل هو ُيستشار في شؤونها‪ ،‬ول هو يشارك في شيء من‬
‫إدارتها‪ ،‬ولم يعد له كذلك عند التلميذ احترام ‪ ..‬بينما يحظى مدرس‬
‫النجليزية بالذات بأكبر قدر من التوقير والحترام ‪ ..‬أما في المجتمع فهو أشد‬
‫ضياعا ً منه في المدرسة ـ بسبب انحدار راتبه ـ ويصبح مادة دائمة للسخرية‬
‫يتحدث الناس عن جهله وتخلفه وضيق أفقه وفقره وانحطاط مستواه‬
‫الجتماعي والفكري ‪ ..‬وحين يصبح مدرس اللغة العربية في هذا الوضع‬
‫المهين الذي ل يبعث على الحترام فإن وضعه يؤثر حتما ً على المادة التي‬
‫يدّرسها‪ .‬وقد كان هذا هو الهدف المقصود من وراء ذلك التدبير الخبيث‪.‬‬
‫" ‪ ..‬أما درس الدين في مناهج دنلوب فل يقل سوءا ً إن لم يكن السوأ‪.‬‬
‫فمدرس الدين هو نفسه مدرس اللغة العربية الذي وضعه دنلوب في ذلك‬
‫الوضع المزري المهين ‪ ،‬ولكن يزيد عليه أن أكبر المدرسين سنا ً هو الذي‬
‫يوكل إليه تدريس الدين ‪ ..‬وزيد على ذلك أن حصة الدين توضع في نهاية‬
‫الجدول المدرسي ‪ ..‬فيتلقاها التلميذ وهم في حالة الضجر والعياء ‪..‬‬
‫ينتظرون دق الجرس لينفلتوا إلى الشوارع والبيوت‪ ،‬ويتلقونه من مدرس‬
‫ن يسعل‪ ،‬ويتفل ويتحرك في تراٍخ ظاهر‪ ،‬فيقترن درس الدين في‬ ‫عجوز فا ٍ‬
‫نفوسهم بالعجز والفناء والضجر والرغبة في النفلت‪ ،‬فوق أنه درس ميت‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في طريقة تدريسه‪ ،‬فهو مجموعة من النصوص ُتلقى لُتحفظ حفظا ً‬


‫وُتستظهر‪ ،‬بل حركة ول حياة ول روح!‬
‫" ‪ ..‬ولكي تعلم أنها خطة مقصودة لتنفير التلميذ من الدين‪ ،‬فلتعلم أن الدين‬
‫في المدارس التبشيرية التي يؤمها التلميذ المسلمون ل يقتصر على درس‬
‫الدين المسيحي ) الذي تخصص له الساعات الولى وُيحاط بالنشاط والفرح‬
‫والبهجة( بل هو روح ُتلقى إلى التلميذ في كل مناسبة‪ ،‬في أثناء الدروس‬
‫واللعب والوقوف في الصف والنصراف من المدرسة‪ ،‬ومن ثم يكون ذا أثر‬
‫عميق في نفوس التلميذ‪ ،‬ول يكون درس الدين المتخصص رقعة في الثوب‬
‫متنافرة معه‪ ،‬وغير متناسقة )كما هو الحال مع الدين السلمي( بل قطعة‬
‫طبيعية مع نسيج الثوب متناسقة معه ومزينة له‪.‬‬
‫" وزيادة في النكاية لدرس الدين )السلمي( فقد وضعه المنهج الدنلوبي‬
‫ضمن المواد الضافية التي ُتحذف في جدول الصيف المختصر الذي يقتصر‬
‫ذف منه الدين والرسم والشغال اليدوية واللعاب‬ ‫على المواد الرئيسية‪ ،‬فُيح َ‬
‫الرياضية‪ ،‬وهكذا يصبح في حس التلميذ مادة هامشية ليس لها اعتبار"‪.‬‬
‫في محاضرة عن " قيمة التاريخ " ألقيتها في الموصل قبل عدة سنوات‬
‫أشرت إلى ما يمكن اعتباره إحساسا ً بالنقص "مركب نقص" يعاني منه طلبة‬
‫أقسام التاريخ تجاه الفروع المعرفية الخرى‪ :‬إنسانية وصرفة وتطبيقية‪ ،‬بينما‬
‫نجد هؤلء الطلبة في جامعات العالم المتقدم يتمتعون بأعلى وتائر الثقة‬
‫والطموح والعتقاد بأنهم يمضون للتخصص في واحد من أكثر فروع المعرفة‬
‫النسانية أهمية وفاعلية‪ ،‬ونحن نعرف جيدا ً كيف أن العديد من قادة الغرب‬
‫وساسته ومفكريه والمهيمنين على مفاصل الحياة الحساسة فيه هم من‬
‫خريجي التاريخ‪.‬‬
‫الحالة نفسها تنطبق ـ بدرجة أو أخرى ـ على طلبة علوم الشريعة‪ ،‬بل إننا قد‬
‫نجد بعضهم ينحدر باتجاه وضعية من الحساس بالمتهان النفسي والجتماعي‬
‫لم يأذن بهما الله ورسوله لعلماء هذه المة ودارسي علومها الشرعية‪.‬‬
‫وقد يقتضي المر أن نقف لحظات عند مسألة )الزي( التي ُأرغم طلبة العلوم‬
‫الشرعية وخريجوها على البقاء تحت معطفه‪ ،‬في مساحات واسعة من‬
‫عالمنا السلمي الفسيح‪.‬‬
‫ً‬
‫والزي المتميز‪ ،‬إذا أردنا الحق‪ ،‬سلح ذو حدين‪ ،‬قد يكون إيجابيا في حالة‪،‬‬
‫وقد ينقلب إلى النقائض السلبية في حالة أخرى ‪ ..‬وفقهاؤنا زمن فاعليتهم ما‬
‫كانوا يتميزون بلباس خاص‪ ،‬اللهم إل بجزئيات متفرقة‪ ،‬قد تتعلق بالعمامة‬
‫حينًا‪ ،‬وبالرداء حينا ً آخر‪ ،‬ولكنهم في كل الحوال ما كان يفصلهم عن‬
‫مجتمعهم زي محدد بتفاصيله كافة‪ ،‬يجعلهم فئة متميزة بين الناس ‪ ..‬كانوا‬
‫ملتحمين مع الحياة والناس في كل شيء‪ ،‬بما في ذلك تقاليد الملبس‬
‫والزياء‪ ،‬وهم ـ يومها ـ حتى لو تميزوا بهذه‪ ،‬فإن تمّيزهم ما كان يحول بينهم‬
‫وبين الندماج في شبكة العلقات الجتماعية حيث تنمحي فواصل "التغريب"‬
‫بينهم وبين سائر الناس‪.‬‬
‫أما في القرون الخيرة فإن الفقيه‪ ،‬وقد أريد له أن ينسحب من الحياة‪ ،‬أن‬
‫يبعد‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أكثر فأكثر عن اللتحام الفّعال بالمجتمع‪ ،‬فإن تميزه على مستوى اللباس‬
‫يصير رمزا ً للعزلة والتغرب‪ ،‬فإذا ما انضاف إليه ضعف القدرة المالية على‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحسينه وتجميله والضطرار ـ بالتالي ـ للتعامل معه بعيدا ً عن المطالب‬


‫الجمالية‪ ،‬كما هو الحال لدى علماء الطوائف الخرى‪ ،‬أدركنا كيف يصير الزي‬
‫ـ أحيانا ً ـ حلقة أخرى من حلقات اللعبة الماكرة التي ُأريد لها أن تمضي‬
‫بعلمائنا إلى هدفها المرسوم‪ ÷،‬فتزيدهم دمارا ً نفسيا ً واجتماعيا ً وتفقدهم ـ‬
‫بالتالي ـ أي قدر من الحترام وأي قدرة جادة على التغيير أو تسلم مواقع‬
‫قيادية فاعلة‪.‬‬
‫نحن ـ إذن ـ قبالة حالة نفسية ـ اجتماعية ـ وظيفية تتطلب العلج والتجاوز‬
‫وإيجاد البدائل المناسبة لعالم متغير ‪ ..‬عالم تشاء إرادة الله سبحانه الذي ل‬
‫راد ّ لقضائه أن تشتعل فيه على مدى البصر‪ ،‬في مشارق الرض ومغاربها‪،‬‬
‫قناديل الصحوة السلمية المباركة التي تتطلب ترشيدًا‪ ،‬من أجل أل ّ تنعطف‬
‫دد ل يشكمه‬ ‫بها السبل وتضل الطريق بين الفراط والتفريط ‪ ..‬بين تش ّ‬
‫ويعيده إلى الجادة إل ّ العلم الشرعي المنضبط الصحيح‪ ،‬وتسّيب ل يكفه عن‬
‫هل والرتجال الكيفي إل العلم الشرعي المنضبط الصحيح‪ .‬وفي الحالتين‬ ‫التر ّ‬
‫لبد من عودة الفقيه‪ ،‬أو العالم‪ ،‬إلى قلب الحياة وتسلمه كرة أخرى مواقع‬
‫الريادة والقيادة ‪ ..‬لبد من التحقق بأقصى وتائر الفاعلية والتألق من أجل‬
‫تحقيق الهدف الملح‪ ،‬قبل أن يفلت الزمام وتتشرذم الصحوة المدهشة‪،‬‬
‫ونفقد جميعا ً القدرة على توظيفها تاريخيا ً من أجل تنفيذ المشروع الحضاري‬
‫السلمي الذي آن له أن ينزل إلى الحياة لكي يجيب ـ كما يقول جارودي ـ‬
‫على كل السئلة الكبيرة التي تؤّرق النسان في العصر الراهن‪ ،‬ويقدم البديل‬
‫المناسب بعد انهيار جل النظم واليديولوجيات الشمولية الوضعية التي لم‬
‫تعرف الله‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا كان الستعمار يوما ـ قد مارس دوره الماكر في لعبة تجهيل العالم‬
‫وإفقاره‬
‫ً‬
‫وتعجيزه وتغريبه‪ ،‬ومضى أكثر لكي يعزله تماما عن الحياة و "يفصله" على‬
‫درون‪ ،‬فإن هذا‬ ‫در بها المتن ّ‬
‫الصورة التي يريد فما يلبث أن يصير "حالة" يتن ّ‬
‫"المؤثر" السيء قد غادر بلدنا في نهاية المر‪ ،‬فلسنا ملزمين بالستمرار‬
‫على تقاليده‪ ،‬ولبد من التداعي لتعديل الوقفة الجانحة التي صنعناها بأيدينا ـ‬
‫أول ً ـ ما في هذا شك ‪ ،‬ثم جاء الستعمار لكي يزيدها انحرافا ً وجنوحًا‪.‬‬
‫]‪[2‬‬
‫ابتداًء لبد من إعادة النظر في مسألة وجود كليات أو معاهد للشريعة منعزلة‬
‫عن السياقات الكاديمية‪ .‬أل يمكن ـ مثل ً ـ أن تخترق "موضوعات" أو‬
‫"مفردات" علوم الشريعة سائر الكليات والمعاهد المعنية بالعلوم النسانية‪،‬‬
‫أو أن تؤسس أقساما ً أو فروعا ً لها في تلك الكليات والمعاهد لكسر العزلة‪،‬‬
‫وتحقيق التحام أكثر بين مقاصد الشريعة وبين سائر المعارف النسانية‪:‬‬
‫كالدارة والقتصاد‪ ،‬والقانون والسياسة‪ ،‬والنفس والجتماع ‪ ،‬والجغرافيا‬
‫والتاريخ ‪،‬‬
‫واللغة والداب والفنون ‪ ..‬فيكون هذا فرصة مناسبة للتحقق أكثر فأكثر‬
‫بإسلمية المعرفة‪ ،‬أو على القل‪ ،‬تنفيذ بداية صحيحة قد تؤول‪ ،‬مهما طال‬
‫خاة‬
‫الوقت‪ ،‬إلى نتائجها المنطقية المتو ّ‬
‫في التعامل مع سائر المفردات المعرفية‪ ،‬في شتى التخصصات‪ ،‬من خلل‬
‫الثوابت السلمية نفسها؟‬
‫قد يعترض على هذا بضرورة أن يكون هناك ـ في نسيج النشطة الجامعية ـ‬
‫مؤسسات أكاديمية مستقلة لعلوم الشريعة‪ ،‬من أجل تخريج المتخصصين في‬
‫هذا الفرع المعرفي بالذات الذي قد تلحق به‪ ،‬قدر ما يسمح به المجال‪،‬‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موضوعات معرفية أخرى‪ ،‬في هذا الحقل أو ذاك‪ ،‬ولكن تبقى مهمة هذه‬
‫المؤسسات منح الشهادة في علوم الشريعة وليس في أية علوم أخرى‪.‬‬
‫وهذا حق‪ ،‬وهو ضرورة من ضرورات التخصص العلمي‪ ،‬ولكن هل يمنع هذا‬
‫من تنفيذ صيغة مضافة تتمثل في مغادرة العلوم الشرعية لمؤسساتها‬
‫التخصصية والتحامها مع الفروع والقسام والمعاهد والكليات النسانية‪ ،‬بل‬
‫حين‪ :‬أولهما‪ :‬ذلك الذي‬
‫وحتى العلمية الصرفة والتطبيقية‪ ،‬لتحقيق هدفين مل ّ‬
‫أشرنا إليه قبل لحظات من محاولة وضع التأسيسات الولى لسلمية‬
‫المعرفة التي لن تتحقق ما لم يتم اللقاء بين النمطين المعرفيين‪ ،‬فيصير‬
‫الوحي والوجود معًا‪ ،‬مصدرين لصياغة المفردات ؟‬
‫وثانيهما‪ :‬كسر حاجز العزلة بين علوم الشريعة والحياة‪ ،‬وإعادة الدم إلى‬
‫شرايينها المتصلبة‪ ،‬ومنحها الحيوية والمرونة التي تمكنها من التموضع في‬
‫قلب العصر ل بعيدا ً عنه‪.‬‬
‫قد يعترض ـ أيضا ً ـ بالقول‪ :‬إن ساعات الفروع والقسام النسانية ل تسمح‬
‫باستضافة العلوم الشرعية‪ ،‬أو بأن مادة " الثقافة السلمية " أصبحت البديل‬
‫المناسب للقاء بين الطرفين‪.‬‬
‫وهذا حق كذلك‪ ،‬لكن تبقى هنالك تساؤلت في هذا السياق قد تخطئ وقد‬
‫تصيب‪ :‬إن‬

‫)‪(3 /‬‬

‫"ساعات" الفروع والقسام النسانية ليست قدرا ً نهائيا ً ل فكاك منه‪ ،‬ولطالما‬
‫جرى تكييفها واستبدالها وإعادة جدولتها في العديد من الكليات لتحقيق غرض‬
‫أشد إلحاحًا‪ ،‬ومن ثم فإنه ليس مستحيل ً ـ إذا كنا جادين في إيجاد مواقع‬
‫مناسبة لعلوم الشريعة في الكليات النسانية ـ أن نعيد الترتيب فيما يعطي‬
‫لهذه العلوم الفرصة المناسبة في خارطة الموضوعات المقررة على مدى‬
‫سنوات الدراسة الجامعية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبالنسبة للثقافة السلمية فانها حققت ول ريب قدرا طيبا لدى استضافتها‬
‫في المعاهد والكليات المختلفة‪ ،‬ولكنه ـ على أي حال ـ ليس القدر المطلوب‪،‬‬
‫لنها لم تتجاوز ـ في معظم الحيان ـ ساعة أو ساعتين أو ثلثًا‪ ،‬في السبوع‪،‬‬
‫ل تكاد تغطي سوى جوانب محدودة من فكر السلم وثقافته‪ ،‬فضل ً عن‬
‫معارفه الشرعية‪ ،‬ويتم فيها التعامل ركضًا‪ ،‬على سطح الظواهر والمفردات‪،‬‬
‫دونما أيّ قدر من التعمق واليغال‪ .‬ويتخرج طالب القانون أو السياسة أو‬
‫الدارة أو القتصاد أو الداب‪ ..‬إلى آخره وهو ل يملك عن السلم سوى‬
‫شذرات وقطوف وخطوط عامة في أحسن الحوال‪.‬‬
‫إن مادة "الثقافة السلمية" ضرورية لتكوين بعض الطر الفكرية الصيلة في‬
‫عقل الطالب الجامعي‪ ،‬لكن هذا وحده ل يكفي إذا أردنا ان يكون القانوني‬
‫والقتصادي والداري والمؤرخ والديب متوافقين في نبضهم ومعرفتهم‬
‫وأنشطتهم التخصصية مع مطالب هذا الدين ومقاصد شريعته‪.‬‬
‫قد يكون هذا حلم‪ ،‬أو هدف بعيد المنال‪ ،‬ولكن العمال الكبيرة تبدأ دائما ً‬
‫بالحلم ‪ ..‬بالطموح إلى الهداف البعيدة ‪ ..‬ورحلة اللف ميل ـ كما يقول‬
‫المثل ـ تبدأ بخطوة واحدة‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬فإن على المعاهد والكليات المعنية بعلوم الشريعة‪ ،‬أن‬
‫تتقبل بدورها استضافة أكبر قدر ممكن من موضوعات المعرفة النسانية‬
‫المذكورة‪ ،‬من أجل تمكين طلبة هذه المعاهد والكليات من المعارف‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعاصرة في أحدث كشوفها ومعطياتها‪ ،‬ومنحهم الخلفيات الكافية عنها‪،‬‬


‫خض ول ريب عن جملة نتائج‪ ،‬منها ـ على سبيل المثال ـ‬ ‫المر الذي يتم ّ‬
‫العانة على إزالة حواجز العزلة والتغريب بين الشريعة والمعرفة‪ ،‬وبينها وبين‬
‫الحياة‪.‬‬
‫ومنها جعل خريجي هذه المؤسسات أكثر حيوية وقدرة على الخطاب‪،‬‬
‫ووضعهم‪ ،‬بتمكينهم من معارف العصر‪ ،‬في قلب العصر‪ ،‬قديرين على النقد‬
‫والمقارنة والتمحيص ‪ ..‬قديرين ـ أيضا ً ـ على إيصال مطالب المعرفة‬
‫قق بمقاصدها‪ ،‬في ضوء تناقضات وإحباطات المعطيات‬ ‫الشرعية‪ ،‬والتح ّ‬
‫المعرفية الوضعية‪ ،‬وعلى إسهام أكثر فعالية في صياغة المشروع الحضاري‬
‫السلمي البديل‪.‬‬
‫ان هذا سيقدم ـ بدوره ـ ثمرة أخرى ‪ ..‬تجاوز الحساس بالنقص الذي أشرنا‬
‫إليه‪ ،‬والذي هيمن على أجيال المعنيين بالعلوم الشرعية عبر القرنين‬
‫الخيرين‪ ،‬والتحقق بالثقة والعتزاز بالذات‪ ،‬في وتائرها المعقولة التي تتجاوز‬
‫بهؤلء الخريجين حالت العقم والشلل وعدم القدرة على البداع والحسان‬
‫والبتكار‪.‬‬
‫لقد آن الوان لتجاوز الستسلم لتقاليد منهجية قادمة من عصور عتيقة هي‬
‫غير‬
‫عصرنا‪ ،‬محملة بموضوعات ومفردات لم تعد تصلح للقرن الحادي والعشرين‪،‬‬
‫واستبدالها بمناهج أكثر مرونة‪ ،‬تملك القدرة على استضافة واستيعاب‬
‫كن المتعاملين معها من تجاوز العزلة والتغرب‬ ‫المعارف الحديثة‪ ،‬وتم ّ‬
‫والنقطاع‪ ،‬إلى تنفيذ حوار فّعال مع تحديات العصر وهمومه المعرفية‬
‫والثقافية‪ ،‬والعانة ـ بالتالي ـ على بلورة وصياغة المشروع الحضاري‬
‫المرتجى‪.‬‬
‫وفي السياق نفسه ُيستحسن أن نكون حذرين من النسياق وراء التقسيمات‬
‫التقليدية لجدادنا أنفسهم‪ ،‬وهم يتحدثون عن علوم "نقلية" وأخرى "عقلية"‪،‬‬
‫وكأن هناك جدارا ً فاصل ً بين العلمين‪.‬‬
‫ويتساءل المرء‪ :‬ألم يدخل السلم لكي يصوغ العلوم العقلية‪ ،‬ويتوغل في‬
‫جزئياتها ومسالكها برؤيته المتميزة وتحليله الخاص؟ ويتساءل ـ كذلك ـ‪ :‬ألم‬
‫تكن العلوم النقلية نفسها عقلية بمعنى من المعاني‪ ،‬أي بكونها استجابة‬
‫ناجحة متفردة لمطالب العقل البشري في هذا الفرع المعرفي أو ذاك؟‬
‫إننا بحاجة إلى التريث قليل ً ونحن نتعامل مع التقسيمات والمصطلحات‪ ،‬وأن‬
‫نتجاوز الكثير منها ـ إذا اقتضى المر ـ لكي ننحت ونصوغ مفرداتنا المنسجمة‬
‫ورؤيتنا العقدية المتميزة‪.‬‬
‫إن الحلقات السلمية ل تزال تعاني من ثنائية يمكن لمؤسسات علوم‬
‫الشريعة أن تعين على تجاوزها‪ :‬ففي أحد الطرفين يقف إسلميون‬
‫متمرسون بالمعرفة المعاصرة‪ ،‬ول يكادون يعرفون شيئا ً عن علوم الشريعة‪،‬‬
‫وفي الطرف الخر يقف إسلميون متمرسون بعلوم الشريعة‪ ،‬ولكنهم ل‬
‫يكادون يعرفون شيئا ً عن العلوم والمعارف الحديثة‪.‬‬
‫والخندق عميق‪ ،‬والهوة محزنة ول ريب‪ ،‬والنتائج السيئة لهذا النفصال‪ ،‬أو‬
‫الثنائية‪ ،‬تنسحب على مساحات واسعة من الجهد السلمي المعاصر الذي‬
‫يلتحم بالحياة الثقافية والمعرفية دونما عمق فقهي‪ ،‬أو يمضي باليغال في‬
‫هذا العمق حينا ً آخر‪ ،‬بعيدا ً عن مجرى الصراع الفكري المتشكل قبالته صباح‬
‫مساء‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ولقد أوقعت هذه الثنائية‪ ،‬الطرفين‪ ،‬في "مطبات" عديدة‪ ،‬قد يقود تراكمها‬
‫إلى تشكل إرث من الخطاء التي يصعب تداركها ما لم نسارع بإيجاد الحل‬
‫المناسب ‪ ..‬بالتحقق بتقارب بين الطرفين من خلل بذل جهود استثنائية‬
‫والتفاق على منهج أكثر توازنا ً يضع في حساباته قطبي المسالة ‪ ..‬حيث‬
‫يصير التعامل الكاديمي مع علوم الشريعة فرصة طيبة لتحقيق الوفاق‪.‬‬
‫]‪[3‬‬
‫وما من ريب في أن فقه الحياة التي أراد لنا هذا الدين أن نعيد صياغتها وفق‬
‫مقاصده‪ ،‬وأن نمسك بزمام قيادتها كي ل يعبث بمقدراتها المضّلون عن‬
‫سبيل الله‪ ،‬ويميل بها الذين يتبعون الشهوات والهواء والظنون الميل العظيم‬
‫ذر منه كتاب الله‪ ..‬إن فقه الحياة هذا ليس حالة بسيطة ذات وجه‬ ‫الذي ح ّ‬
‫واحد‪ ،‬وإنما هو حالة مركبة ذات وجوه شتى‪ .‬فهناك الفقه الشرعي الذي‬
‫يتعامل مع الجزئيات والكليات‪ ،‬أي مع مفردات الشريعة في هذا الجانب أو‬
‫ذاك‪ ،‬ومع مقاصدها الكبرى التي تجعل المعطيات الفقهية تصب في هدفها‬
‫الكبير ذي الفضاء الواسع سعة الحياة نفسها‪.‬‬
‫هناك الفقه الدعوي الذي يمنح الناس في كل زمان ومكان القناعة بأحقية‬
‫هذه الشريعة في حكم الحياة وقيادتها‪.‬‬
‫وهناك ‪ ،‬فضل ً عن هذا وذاك‪ ،‬الفقه الحضاري الذي يعيد تشكيل الحياة وفق‬
‫مقاصد الشريعة في ضوء إدراكه لقوانين الحركة التاريخية‪ ،‬وسنن الله في‬
‫الخلق والعالم والوجود‪ ،‬وعلى هدى رؤية مقارنة نافذة لخرائط العالم‬
‫الحضارية‪ ،‬من أجل صياغة مشروعه الحضاري المتميز والتحقق في الوقت‬
‫نفسه بصيغ مناسبة في التعامل مع الحضارات الخرى أخذا ً وعطاء‪.‬‬
‫إن الفقه الحضاري‪ ،‬كما أنه عمل في التاريخ للبحث عن أصول وقوانين‬
‫التشكل الحضاري‪ ،‬فهو عمل في صميم العصر‪ ،‬وتطلع للمشاركة في المصير‬
‫البشري من خلل صياغة المشروع الحضاري البديل الذي يستمد حيثياته‬
‫ويتلقى توجيهاته من مقاصد الشريعة وآلياتها الفقهية‪ ،‬والذي يجاهد من أجل‬
‫التجذر في الرض والنتشار فيها بقوة الفقه الدعوي وآلياته الفاعلة‪.‬‬
‫والن‪ ،‬فإن إحدى مشاكل المناهج الجامعية بصدد علوم الشريعة أنها تعطي‬
‫طلبها الفقه الشرعي‪ ،‬وتمضي معهم في الفقه الدعوي إلى منتصف‬
‫الطريق‪ ،‬ولكنها ل تكاد تعطيهم شيئا ً عن الفقه الحضاري‪ .‬فها هي ذي الحلقة‬
‫الضعيفة في "عقل" خريجي المعاهد الشرعية والتي تساعد بدورها على‬
‫حفر الخنادق وتعميق الهوة بين الشريعة والحياة‪ ،‬وتعين على تأكيد تلك‬
‫الثنائية المقيتة التي عزلت‪ ،‬ول تزال حشود الخريجين عن الدخول في نسيج‬
‫الحياة‪ ،‬وإعادة صياغتها‪ ،‬فضل ً عن تسلم مراكز القيادة فيها والشهادة عليها‪.‬‬
‫ومما يرتبط بهذا‪ ،‬ذلك الغموض الملحوظ‪ ،‬وعدم التحديد بصدد المصطلح‬
‫الحضاري‪ ،‬فإن المثقف المسلم‪ ،‬والمتخصص في العلوم الشرعية على‬
‫السواء‪ ،‬ل يكاد يفقه شيئا ً عن مفردات كالحضارة والمدنية والعمران والثقافة‬
‫والمعرفة والنظم والفكر والعلوم والداب والفنون ‪ ..‬إلى آخره ‪..‬‬
‫ويزيد المر إرباكا ً ذلك الخطأ المنهجي الذي يهيمن على طرائق تدريس‬
‫الحضارة السلمية في معظم معاهد وجامعات البلدان العربية والسلمية‪،‬‬
‫حيث تفكك هذه الحضارة إلى سياقات منفصلة كالنظم‪ ،‬والفكر‪ ،‬والعلوم‪،‬‬
‫والنشاط القتصادي أو العمراني ‪ ..‬إلى آخره‪ ،‬تعطي كل منها في سنة أو‬
‫بعض سنة‪ ،‬بحيث إن الطالب يتخرج وهو ل يكاد يفقه شيئا ً عن الملمح‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الساسية للحضارة السلمية‪ ،‬وشروط تشكلها ونموها‪ ،‬وعوامل انكماشها‬


‫وجمودها‪ ،‬وانهيارها في نهاية المر‪.‬‬
‫ً‬
‫إن تقطيع جسد هذه الحضارة‪ ،‬وتقديمها للطالب مزقا وتفاريق‪ ،‬سيفقدها‬
‫شخصيتها المتميزة وملمحها المتفردة التي تمنحها الخصوصية بين‬
‫الحضارات‪ ،‬فتصير مجرد أنشطة ثقافية أو معرفية أو مدنية في هذا المجال‬
‫أو ذاك‪ ،‬قد تتميز ببعض الخصائص‪ ،‬لكنها ل تعكس التصور النهائي لرؤية‬
‫المنتمين إليها للحياة والعالم والوجود‪ .‬وهكذا تصير دراسة الحضارة السلمية‬
‫وغات الجزية‪ ،‬ودفاعا ً عن موقف السلم‬ ‫ـ في نهاية المر ـ لهاثا ً وراء مبس ّ‬
‫من فرضها على أهل الكتاب‪ ،‬وركضا ً وراء قوائم الضرائب "الل شرعية"‬
‫ول في السواق لمعاقبة المخالفين‪ ..‬كما تصير‬ ‫ومتابعة للمحتسب‪ ،‬وهو يتج ّ‬
‫استعراضا ً وصفيا ً صرفا ً لمنظومة الدواوين التي ل أول لها‪ ،‬ول آخر‪ ،‬وللصراع‬
‫على منصب الوزارة‪ ،‬وللترتيبات المنية والعسكرية للشرطة والجيش‪ .‬كما‬
‫تغدو ـ في السياق العلمي ـ تصنيفا ً فجا ً للعلوم النقلية والعقلية‪ ،‬وإحصاًء رتيبا ً‬
‫للمدونات التي كتبها الجداد‪ ..‬وفي سياق العمران يلقن الطلب وصفا ً ماديا ً‬
‫ممل ً لمفردات الريازة وقياساتها وأحجامها بعيدا ً عن الخلفيات الرؤيوية التي‬
‫وضعت لمساتها عليها وقدمتها للعالم‪ ،‬وهي تحمل خطابا ً معماريا ً عز نظيره‬
‫بين الثقافات‪.‬‬
‫ويتخرج الطالب الجامعي‪ ،‬وهو ل يكاد يملك معرفة معمقة بخصائص حضارته‬

‫)‪(5 /‬‬

‫السلمية‪ ،‬وبالمكونات التي تميزها عن الحضارات الخرى‪ ،‬فضل ً عن أنه‬


‫يتخرج وهو ل يملك العتزاز بهذه الحضارة‪ ،‬بما أن النشاط التدريسي في‬
‫التاريخ والحضارة ينطوي ـ بالضرورة ـ على بعد تربوي‪ ،‬لكن هذا البعد يتفكك‬
‫ويغيب من خلل الخطيئة المنهجية التي ل تكاد تمنح الطالب أي ملمح يجعله‬
‫يتشبث بتراثه الحضاري‪ ،‬باعتباره أقرب إلى مطامح النسان ومهماته‬
‫الساسية في العالم‪ .‬بل إننا قد نصل في نهاية المر إلى نتائج معاكسة تتمثل‬
‫في رفض حشود الخريجين لتراثهم الحضاري‪ ،‬وإنكاره‪ ،‬وإعلن التمرد عليه‪،‬‬
‫والندفاع ـ في المقابل ـ باتجاه إغراءات الحضارات الخرى وإغواء بريقها‬
‫الظاهري الخادع‪ ،‬وبخاصة الحضارة الغربية‪ .‬وبهذا يصير تدريس الحضارة‬
‫السلمية سلحا ً نشهره ضد أنفسنا لتدمير الثقة بمقومات حضارتنا وبقدرتها‬
‫على الستعادة والفاعلية في صميم العصر‪ ،‬وفي مشاركاتها المحتملة في‬
‫صياغة المصير‪ ،‬كما يؤكد العديد من المفكرين والباحثين والمستشرقين‬
‫الغربيين‪ .‬وللسف فإن هؤلء القادمين من خارج دائرة السلم كانوا أكثر‬
‫قدرة‪ ،‬بسبب من رؤيتهم المنهجية الشمولية‪ ،‬على متابعة خصائص الحضارة‬
‫السلمية وصيرورتها والتأشير على عناصر تميزها وتفوقها‪ ،‬وهم الذين أكدوا‬
‫على أن بصمات السلم ونسقه )الموحد( يمضيان لكي يطبعا كل خلية من‬
‫خليا هذه الحضارة‪ ،‬ويشكل كل صغيرة أو كبيرة في معمارها الواسع‬
‫المتشعب‪.‬‬
‫وما من شك في أن العقل الغربي تفوق علينا في منهج الدراسة الحضارية‪،‬‬
‫كواحدة من حلقات تفوقه الراهن‪ ،‬وليست محاولة المؤرخ البريطاني‬
‫المعاصر )أرنولد توينبي( في مؤلفه المعروف )دراسة في التاريخ( بعيدة عن‬
‫الذهان‪ .‬إنه يتعامل مع الحضارات البضع وعشرين التي درسها عبر استقرائه‬
‫للتاريخ البشري كما لو كانت كل واحدة منها تحمل شخصية متميزة‪ ،‬وملمح‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫متفردة‪ ،‬وخصوصيات تفرقها عن الحضارات الخرى‪ ،‬ونسغا ً يجري في‬


‫عروقها هو غيره في الحضارات الخرى‪.‬‬
‫ونحن اليوم؛ إذ ندرس حضارتنا في المعاهد والجامعات بأمس الحاجة إلى‬
‫منهج قريب من هذا‪ ،‬يسعى لن يتعامل مع هذه الحضارة كشخصية أو تكوين‬
‫متميز‪ :‬بدءا ً وصيرورة ونموا ً وانكماشا ً وفناء‪ .‬فإذا تذكرنا أن حضارتنا هذه لم‬
‫م شتاتها بطريقة ميكانيكية من هذه الحضارة أو‬ ‫تتشكل من العدم‪ ،‬ولم تل ّ‬
‫تلك فتكون عالة عليها‪ ،‬وأنها إنما نشأت بتأثيرات إسلمية‪ ،‬ووفق شبكة‬
‫ونت في رحم إسلمي‪،‬‬ ‫شروط وتأسيسات محددة صاغها هذا الدين‪ ،‬وأنها تك ّ‬
‫وليس في أي رحم آخر‪ ،‬وأن بصمات كتاب الله وسنة رسوله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬على حجيراتها وخلياها ونبضها من المور التي ل يكاد ينكرها‬
‫باحث جاد‪ ..‬إذا عرفنا هذا كله أدركنا كم تكون جنايتنا على طلبتنا بتقديم هذه‬
‫الحضارة مزقا ً وتفاريق‪ ،‬وبنوع من فك الرتباط الساذج أو الخبيث الذي يتعمد‬
‫التعامل معها‪ ،‬كما لو لم يكن للتأثيرات السلمية في تكوينها أي حضور‬
‫مى بالعلوم النقلية المعتقلة في المصنفات‬ ‫ملحوظ‪ ،‬اللهم إل ّ في خانة ما ُيس ّ‬
‫العتيقة والبعيدة عن تشكيل الحياة والنزول إلى المؤسسة والشارع‬
‫والمدرسة والبيت‪.‬‬
‫إن تحديات الحضارة الغربية المعاصرة‪ ،‬ومطالب المشروع الحضاري البديل‪،‬‬
‫يقتضيان ـ كما ألمحنا ـ إجابة كونية بمستوى المشكلة‪ ،‬ولن يكون ذلك دون‬
‫المزيد من اليغال في حلقة الفقه الحضاري المتجذر في التاريخ والعقيدة‬
‫على السواء‪.‬‬
‫إن مبدأ )التوحيد( المحرر‪ ،‬الذي هو نسغ حضارتنا وجوهرها ومغزاها‪،‬‬
‫والقاسم المشترك لمفرداتها كافة‪ ،‬يقف قبالة كل الصنميات والطاغوتيات‬
‫والحتميات التاريخية والمادية التي حكمت العقل والوجدان الغربي طوي ً‬
‫ل‪،‬‬
‫والذي يجد نفسه اللحظة‪ ،‬مسوقا ً لن يبحث عن الجواب‪ ..‬عن صيغة للتحرر‬
‫من الضغوط والخروج من المأزق ‪ ..‬وأيضا ً للتحقق بالتوازن الضائع في حياته‬
‫بين المادة والروح‪ ،‬والذي لن يعثر عليه إل في إطار هذا الدين‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫إن الفقه الحضاري يستدعي دراسة علمية منهجية متأنية لتاريخنا الحضاري‬
‫من أجل استمداد مؤشرات العمل في الحاضر والمستقبل‪ ،‬وهي ـ كما هو‬
‫واضح ـ ليست مسألة ترفيه‪ ،‬ول حتى أكاديمية صرفة‪ ،‬وإنما هي مسألة‬
‫)حيوية( بكل معنى الكلمة‪ ،‬لن حلقة كهذه معنية باستخلص البدائل التي‬
‫يمكن أن نتقدم بها إلى العالم في سياق مشروع حضاري يشارك في صياغة‬
‫المستقبل‪ .‬فضل ً عن أن فقها ً كهذا يمنحنا صورة عن مصداقية تحول الشريعة‬
‫وتأسيساتها التصورية والعتقادية إلى واقع تاريخي متحقق في الزمن‬
‫والمكان‪ ،‬أي في التاريخ‪ ،‬كما أنه سيعرفنا على عوامل النهيار الحضاري التي‬
‫ساقتنا إلى المواقع المتخلفة في خارطة العالم‪ ،‬عندما أخذ أجدادنا يقلدون‬
‫بدل ً من أن يبدعوا‪ ،‬وعندما هيمنت الروح الرجائية التي فصلت اليمان عن‬
‫مقتضياته العملية‪ ،‬وعندما ساد الستبداد السياسي والظلم الجتماعي‪،‬‬
‫وعندما لم تلتفت القيادات السلمية المتأخرة ـ كالمماليك والعثمانيين ‪..‬‬
‫ودول الطوائف ـ إلى مغزى إلحاح القرآن الكريم على التحقق بالقوة‪ ،‬ولم‬
‫تول الهتمام الكافي لتحديات التكنولوجيا‪ ،‬وبخاصة تكنولوجيا السلح ‪ ..‬إلى‬
‫آخره ‪..‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولطالما دّرسنا طلبتنا بإسهاب حينًا‪ ،‬وإيجاز حينا ً آخر‪ ،‬عوامل سقوط هذه‬
‫الدولة أو تلك من دول السلم كالمويين والعباسيين والفاطميين‬
‫والعثمانيين‪ ..‬إلى آخره ‪ ..‬لكننا لم نحاول ـ إل نادرا ً ـ أن نقف طويل عند‬
‫ً‬
‫ظاهرة انهيار الحضارة السلمية نفسها ـ في سياقها التاريخي ـ بعيدا عن‬
‫الطر السياسية المحددة‪ ،‬لمتابعة عوامل الشلل المتشعبة والتأشير عليها‬
‫بقدر من العمق والوضوح‪ ،‬فيما يمكن أن يقدم لنا خبرة بالغة الهمية تتمثل‬
‫في إمكان النهوض من جديد في ضوء فهم وإدراك العوامل التي قادتنا عبر‬
‫قرون طويلة‪ ،‬إلى التدهور والنهيار‪ ..‬إننا إذا استطعنا أن نحدد السباب‪،‬‬
‫وتمكنا ـ بعدها ـ من استجاشة قدراتنا اليمانية وتحفيز نقاط الرتكاز في‬
‫تصورنا‪ ،‬من أجل تجاوز هذه السباب‪ ،‬نكون قد وضعنا خطواتنا في الطريق‬
‫الصحيح‪ ،‬وعرفنا كيف ننسج حيثيات المشروع الحضاري في ضوء وعي كهذا‬
‫يسعى للمضي إلى الهدف بأكبر قدر من التحرر من عوامل الشد والعاقة‬
‫والتعطيل‪.‬‬
‫إن هذه الحلقة تحمل ـ ول ريب ـ أهميتها الكاديمية في سياق دراسة‬
‫الحضارات‪ ،‬ولكنها في تجربتنا المعاصرة‪ ،‬تحمل ـ فوق هذا ـ قيمة مضافة‬
‫لنها ستعيننا على بناء مشروعنا الحضاري بأكبر قدر من الوعي والستبصار‪،‬‬
‫وإن معاهدنا وأقسامنا المعنية بعلوم الشريعة لهي المنوطة ـ أكثر من غيرها‬
‫بناًء على ذلك كله ـ بالتأصيل السلمي‬
‫للدراسة الحضارية وبصياغة منهج ملئم لتحقيق ذلك‪ ،‬قبالة محاولت‬
‫الدارسين من خارج دائرة السلم‪ ،‬سواء كانوا مستشرقين أو مسيحيين أو‬
‫ماديين‪ ،‬وبالفادة منها في الوقت نفسه ‪ ..‬وإن هذا لن يتأتى إل بإعطاء‬
‫المساحة المناسبة للدراسات التاريخية والحضارية في هذه المعاهد‬
‫والقسام‪.‬‬
‫]‪[4‬‬
‫هناك ـ بكل تأكيد ـ نقص في محاولة توظيف بعض الحلقات الجامعية للرتفاع‬
‫بوتائر العمل إلى مستويات أعلى‪.‬‬
‫بعض هذه الحلقات قد وظف بالفعل ولكن في حدوده الدنيا وبصيغ مترعة‬
‫بالشروخ والخطاء )وربما الكسل العقلي(‪ ،‬وحلقات أخرى لم تمسها يد في‬
‫هذه الجامعة أو تلك‪ .‬وفي كلتا الحالتين فإن المطلوب هو الفادة من كل‬
‫الفرص المتاحة لتخرج عالم الشريعة القدر أكاديميا ً والكثر فاعلية وقدرة‬
‫على البتكار والعطاء‪.‬‬
‫هناك ـ على سبيل المثال ـ )البحث الخاص( أو )بحث التخرج( الذي يكّلف به‬
‫طلبة المرحلة الخيرة من البكالوريوس )الليسانس( على مدى عام دراسي‬
‫بأكمله‪ ،‬ويشرف عليه ـ في الغالب ـ أستاذ المادة القرب في تخصصه‬
‫الدقيق‪ ،‬إلى الموضوع مجال البحث‪.‬‬
‫إن البحث الخاص هذا‪ ،‬فرصة جيدة‪ ،‬في حالة الختيار الجيد لموضوعاته‪،‬‬
‫لتحقيق تلحم أكثر مع المعرفة المعاصرة والحياة‪ ،‬ولجعل علوم الشريعة‬
‫تغادر رفوف المكتبات العتيقة‪ ،‬وتنفض عنها التراب‪ ،‬تتحرك وتنبض وتتنفس‬
‫في قلب العصر‪ ،‬مقدمة الشاهد "العلمي" على قدرتها التي ل يأسرها زمن‬
‫أو مكان‪ ،‬على متابعة المتغيرات والشهادة عليها‪.‬‬
‫والمسألة قد ل تكلف كثيرًا‪ ،‬فبمجرد أن يبذل الستاذ جهدا مخلصا لترتيب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منظومة من موضوعات البحث الخاص في بدء كل عام دراسي‪ ،‬وتوزيعها‬
‫على طلبة المرحلة المنتهية وفق توجهاتهم ورغباتهم وقدراتهم المعرفية قدر‬
‫المكان‪ ،‬ثم متابعة عملهم أول ً بأول‪ ،‬من أجل أن تأتي بحوثهم بشكل أكثر‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫احكاما ً وإبداعًا‪ ،‬بمجرد أن يتحقق هذا وذاك‪ ،‬فإن حصيلة طيبة قد تتمخض‬
‫عنه متمثلة بحشود من البحوث التي تمّرن خريج العلوم الشرعية على‬
‫البحث‪ ،‬وتمنحه الدربة المنهجية الكافية‪ ،‬والتي تقدم ـ في الوقت نفسه ـ‬
‫نوّيات أو مشاريع بحوث قد ترفد المكتبة السلمية أو تعدها بمزيد من‬
‫العطاء‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫والذي يحدث ـ في كثير من الحيان ـ اعتبار البحث الخاص‪ ،‬مفردة اعتيادية‬


‫في مناهج المعاهد والكليات‪ ،‬كأية مفردة أخرى‪ ،‬قد ل تقتضي وقفة خاصة أو‬
‫جهدا ً مضافا ً أو اهتماما ً كبيرًا‪ ،‬وبالتالي فان التعامل معها سيتحرك عند‬
‫سفوحه الدنيا‪ ،‬فل يبدع ول يعلم ول يبتكر ول يضيف جديدًا‪ .‬بل قد تنعكس‬
‫الحالة أحيانا ً لما هو أسوأ من هذا وهي تأكيد عقلية التقليد والجترار‪ ،‬والتعلق‬
‫بتقاليد عصور تجاوزها التاريخ‪ ،‬بل ـ ربما ـ تعميق "النفرة" في نفسية الطالب‬
‫إزاء كل ما يتعلق بعلوم الشريعة واندفاعه ـ في المقابل ـ صوب ما يعتبره‬
‫تحققا ً أكثر مع الحياة التي يعيشها بعقله ووجدانه بعيدا ً عن مطالب الشريعة‬
‫ومقتضياتها‪.‬‬
‫وبموازاة هذا‪ ،‬وفي حلقة تالية‪ ،‬أكثر أهمية‪ ،‬لم يحسن التعامل مع مرحلة‬
‫)الدراسات العليا ‪ :‬الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه( ولم توظف هذه‬
‫الفرصة الفريدة للتعامل مع موضوعات غير تقليدية تعين على تحقيق الهدف‬
‫المنشود‪.‬‬
‫وها هنا أيضا ً يتحتم "الحسان" في اختيار الموضوعات المناسبة لهذه‬
‫الرسائل‪ ،‬وتوضيح مسوغاتها‪ ،‬وترتيب خططها‪ ،‬بما يجعل الطالب أقدر على‬
‫التعامل معها وفق منهج أكثر دقة وإحكامًا‪.‬‬
‫ويتذكر المرء في هذا السياق ما فعلته وتفعله مؤسسة )كالمعهد العالمي‬
‫للفكر السلمي( من وضع منظومة بحوث للدراسات العليا‪ :‬بعناوينها‪،‬‬
‫ومفرداتها‪ ،‬وخططها‪ ،‬ومسوغاتها‪ ،‬ومستوياتها الكاديمية‪ ،‬بين أيدي الباحثين‪،‬‬
‫ليس هذا فحسب‪ ،‬بل العانة ـ أحيانا ً ـ على اختيارها وتنفيذها‪ ،‬ونشرها في‬
‫نهاية المر من أجل دعم أهداف المعهد وتوجهاته المعرفية‪.‬‬
‫) نشرت مجلة المسلم المعاصر ـ في القاهرة ـ في بعض أعدادها لوحات‬
‫بهذه الموضوعات(‪.‬‬
‫فل يكفي ـ في هذه المرحلة ـ أن نترك الطالب يختار موضوعه‪ ،‬فقد يكون‬
‫هذا الموضوع تكرارا ً لما سبق وإن عولج أكثر من مرة‪ ،‬وقد يكون غير‬
‫مناسب‪ ،‬كمشروع عمل لمرحلة الماجستير أو الدكتوراه ‪ ،‬وقد يأتي ـ وهذا‬
‫هو الهم ـ بنتائج معاكسة قد تدفع الطالب‪ ،‬والقاريء معًا‪ ،‬إلى تأكيد العزلة‬
‫والنفصام بين الشريعة والحياة‪.‬‬
‫ول يتطلب المر أكثر من بذل اهتمام أكبر في مسألة الختيار‪ ،‬وأن يدخل‬
‫الساتذة المشرفون الذين يفترض فيهم الخلص والعلم والجدية في مجال‬
‫تخصصهم‪ ،‬بشكل أكثر فاعلية في إعانة الطالب على العثور على الموضوع‬
‫ل‬
‫المناسب‪ ،‬والخذ بيده قدر المكان‪ ،‬من أجل تنفيذ رسالة ذات مستوى عا ٍ‬
‫من الداء منهجا ً ومضمونًا‪.‬‬
‫هناك ضرورة تنمية الخبرات التدريسية لطلبة الشريعة‪ ،‬قبيل تخرجهم‪،‬‬
‫وتعميق‬
‫قدرتهم على الخطاب السلمي‪ ،‬من خلل الدورات التدريبية‪ ،‬والستفادة من‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علوم النفس والتربية وأصول التدريس‪ ،‬ومنحهم الفرصة " التطبيقية "‬
‫المناسبة في التدريس في المتوسطات والثانويات‪ ،‬أسوة بما تفعله كليات‬
‫التربية التي تبذل جهدا ً "مضافًا" على المطالب الكاديمية‪ ،‬من خلل منح‬
‫طلبتها المعرفة والخبرة والليات التي تمكنهم من أن يكونوا "مدّرسين"‬
‫أكفاء‪ .‬وقد ينضاف إلى الخبرة التدريسية بالنسبة لطلبة العلوم الشرعية‪،‬‬
‫الخبرة الخطابية التي يمكن أن تحفز وتمنح الدربة الكافية من خلل فرص‬
‫التطبيق عبر سني الدراسة الجامعية‪.‬‬
‫هناك ـ أيضا ً ـ ضرورة تحفيز كليات الشريعة ومعاهدها على صياغة وتنفيذ‬
‫برامج عمل مؤسسية تضعها في قلب العصر‪ ،‬وتزيد من فاعليتها وتدفعها‬
‫إدارة وأساتذة وخريجين إلى المواقع القيادية المؤثرة في المجتمع‪.‬‬
‫لقد أخذ هذا التقليد‪ ،‬الذي يتحرك تحت شعار "الجامعة والمجتمع"‪ ،‬ينتشر‬
‫أكثر فأكثر على مستوى العديد من الكليات والقسام العلمية عبر العقود‬
‫الخيرة‪ ،‬فصرنا نجد مكاتب أو مؤسسات استشارية في هذا القسم أو ذاك‬
‫من كليات الهندسة‪ ،‬أو العلوم‪ ،‬أو الطب‪ ،‬أو الزراعة‪ ،‬أو القانون‪ ،‬أو الدارة‪،‬‬
‫أو القتصاد‪ ،‬أو السياسة‪ ،‬أو حتى التربية والداب‪ .‬وأصبحت هذه المكاتب‬
‫تحقق ـ بمرور الوقت ـ أكثر من هدف‪ .‬ففضل ً عن اللتحام أكثر بالمجتمع‬
‫والحياة‪ ،‬وفضل ً عن منح الفرصة للكفاءات الميدانية للتنفيذ‪ ،‬والضافة‪،‬‬
‫والكتشاف والبداع‪ ،‬فإن هذه الممارسات تجيء بمثابة فرصة مضافة لتعميق‬
‫القدرات التخصصية والمعرفية للتدريسيين‪ ،‬وربما لطلبتهم كذلك‪ .‬هذا إلى أن‬
‫ممارسات كهذه تدّر دخل ً موفورا ً يعين القسام والكليات‪ ،‬والدارة الجامعية‬
‫في نهاية المر‪ ،‬على توظيف هذا المردود لمزيد من العطاء والبداع‪.‬‬
‫لماذا تظل معاهد الشريعة وكلياتها‪ ،‬في معظم الحيان‪ ،‬بمعزل عن هذا كله‪،‬‬
‫في الوقت الذي يتحتم أن تكون الكثر إفادة من هذه التجربة بسبب من‬
‫كثرة القنوات التي تصل بينها وبين المجتمع الذي طالما انتظر الشارة من‬
‫علمائه وفقهائه لكي يعدلوا وقفته هنا‪ ،‬ويعينوه على المضي هناك وفق أكثر‬
‫الصيغ التزاما ً بمطالب هذا الدين؟‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ل يسمح المجال للستفاضة‪ ،‬فلبد ـ إذن ـ من الكتفاء بالتأشير على بعض‬


‫الحلقات الممكنة في ممارسة كهذه من مثل‪ :‬النشر‪ ،‬مشاريع التأليف‬
‫المشترك‪ ،‬التحقيق والفهرسة‪ ،‬العمال الموسوعية‪ ،‬الحلقات الدراسية‪،‬‬
‫الندوات والمؤتمرات‪ ،‬النتاج الفني والعلمي‪ ،‬إقامة الجسور وتوسيع التعامل‬
‫مع المؤسسات المعنية بالمعرفة السلمية‪ ،‬المشاركة الفعالة في أنشطة‬
‫أسلمة المعرفة وصياغة حيثيات المشروع الحضاري‪.‬‬
‫سأقف لحظات عند إحدى الحلقات كمقترح للعمل يمنح كليات الشريعة‬
‫ومعاهدها فرصة ميدانية للتحقق‪ ،‬ويدفعها باتجاه مزيد من اللتحام بالحياة‬
‫الجتماعية وبالواقع اليومي لجماهير المسلمين‪.‬‬
‫يتضمن المقترح إصدار دورية أو سلسلة كتب مّيسرة في الفقه تعالج‬
‫المسائل المعاصرة والمستجدة‪ ،‬فضل ً عن القضايا الثابتة‪ ،‬وتعتمد أسلوبا ً‬
‫حديثا ً في اللغة ونهجا ً يسعى لتوحيد المواقف في الحالت الخلفية الحادة‬
‫حير المسلم وتربكه‪.‬‬‫التي ت ّ‬
‫إن المسلم المعاصر عندما تجابهه معضلة ما يلجأ إلى هذا الكتاب الفقهي أو‬
‫ذاك‪ ،‬وقد يطلب العون في أبواب المجلت المعروفة بـ "فتاوى فقهية" لكنه‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل يلبث أن يجد نفسه بين الحين والحين إزاء لغة سقيمة في الخطاب‬
‫الفقهي‪ ،‬وإجابات أو مواقف شتى وليست إجابة واحدة أو موقفا ً محددا فيقع‬
‫ً‬
‫في دائرة الحيرة والرباك‪.‬‬
‫إنها اللغة السقيمة القادمة من القرون الوسطى‪ ،‬والخلفيات التي قد تصل‬
‫حد التناقض الكامل‪ ،‬بحيث أنها ترجع بالمسلم ـ أحيانا ً ـ إلى نقطة الصفر كرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫يمكن تسمية المحاولة المقترحة بالمورد أو الدليل الفقهي للمسلم المعاصر‪،‬‬
‫أو المنهاج الفقهي‪ ،‬أو كتاب الجيب الفقهي لمفردات المسلم اليومية ‪ ..‬أو‬
‫غيرها من التسميات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المهم أن تبذل مؤسسات التعليم المعنية بالعلوم الشرعية جهدا حيويا في‬
‫تقديم البدائل الفقهية الواضحة المحددة لعدد من مفردات الحياة والسلوك‪،‬‬
‫وبخاصة تلك القضايا الملحة التي‬
‫لم يصدر فيها بعد رأي واضح محدد )من مثل شروط الزكاة في زمن تحول‬
‫النشاط‬
‫المالي والقتصادي إلى شبكة معقدة من المعطيات التي تنطوي على‬
‫عشرات الحالت‪ ،‬وهي جميعا ً تنتظر الجواب الفقهي ‪ ..‬ومن مثل قضايا‬
‫الزواج والحوال الشخصية‪ ،‬والتعليم والعمل الوظيفي‪ ،‬وعمل المرأة‬
‫والمساحة المتاحة لها للتحرك في الحياة العامة‪ ،‬وشروط الحجاب ‪..‬‬
‫إلى آخره ‪.(..‬‬
‫إن المحاولة ترتبط ول شك بمسألة فتح باب الجتهاد أو توسيع قنواته؛ فلبد ـ‬
‫أول ً ـ من تنفيذ جهد عملي وآخر دراسي لضاءة هذه المسألة‪ ،‬وقد يجيء‬
‫الدليل المقترح محاولة عملية لختبار إمكان تحقيق تغطية فقهية لهم‬
‫المستجدات‪.‬‬
‫وُيستحسن من أجل نجاح المحاولة أن يقتصر الدليل‪ ،‬أول المر‪ ،‬على مسائل‬
‫محددة‪ ،‬وربما مسألة واحدة كالزكاة لكي تكون أشبه بجهد تجريبي لغرض‬
‫اختبار مدى نجاحه وانتشاره‪ ،‬وبعدها يمكن التحول لصدار جزء آخر يعالج‬
‫مسألة أخرى كقضية الزواج‪ ،‬أو العمل الوظيفي‪ ،‬أو دور المرأة ‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫على المستوى الفني يمكن أن ينفذ المشروع بصيغة دورية أو مجلة فصلية‬
‫تمضي أعدادها لتغطية المفردات الملحة واحدة إثر أخرى‪ ،‬أو بصيغة كتاب‬
‫ذي أجزاء متتالية يختص كل جزء بموضوع ما‪ ،‬ويتم توزيع المفردات على عدد‬
‫من خيرة الفقهاء الذين يجمعون بين اللمام بالعلوم الشرعية وبين النفتاح‬
‫على الثقافة المعاصرة وتحدياتها‪.‬‬
‫ويمكن ـ كذلك ـ من أجل كسب الوقت ولغراض إعلمية‪ ،‬فتح ملف في واحد‬
‫أو أكثر من المجلت السلمية المعنية بالموضوع‪ ،‬تطرح فيه ـ أي في الملف‬
‫ـ كل المسائل المنهجية والفكرية والفنية التي يتطلبها المشروع‪ ،‬وقد تمضي‬
‫المجلة للبدء في معالجة إحدى المفردات ووضع الحلول الفقهية لجوانبها‬
‫ول إلى مفردة أخرى‪ ،‬لكي تتشكل في نهاية المر بدايات جادة‬ ‫كافة ثم التح ّ‬
‫للدليل المقترح‪.‬‬
‫وقد يكون في سياق جهد كهذا‪ ،‬القيام بمحاولة ببليوغرافية لحصر وفهرسة‬
‫جل الجهود الدراسية التي عالجت المسائل الفقهية من خلل رسائل‬
‫الدراسات العليا‪ ،‬أو بشكل مستقل‪ ..‬في المؤلفات المستقلة‪ ،‬أو على‬
‫صفحات الدوريات المتخصصة‪ ،‬أو في إصدارات المؤسسات الشرعية‬
‫والفقهية والقضائية والتشريعية ‪..‬‬
‫وقد يكون مهما ً ـ كذلك ـ وضع منظومة من الموضوعات الملحة مع‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسوغات والخطط البحثية التفصيلية المرسومة بعناية‪ ،‬لكي تكون بمثابة‬


‫حقل للختيار بالنسبة لطلبة الدراسات العليا )الدبلوم والماجستير‬
‫والدكتوراه(‪ ،‬ويستحسن توزيع كراريس مستقلة بهذه الموضوعات‬
‫ومسوغاتها وخططها على المعاهد والجامعات والمؤسسات المعنية‬
‫بالدراسات العليا في مجال الفقه والعلوم الشرعية‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫إن معضلت العصر الحديث ومستجداته تمثل تحديا ً ملحا ً للعقل المسلم‪،‬‬
‫وهي بمثابة اختبار لقدرته على الفاعلية في صميم العصر من خلل اعتماد‬
‫وتحكيم الصول السلمية‪ :‬القرآن والسنة والسوابق الفقهية‪ ،‬وأن الستجابة‬
‫لهذا التحدي ل تحقق فقط إجابة على العديد من السئلة الملحة في معترك‬
‫الحياة‪ ،‬وإنما تؤكد ـ على المستويين العقدي والحضاري ـ قدرة هذا الدين‬
‫على إعادة صياغة الحياة في كل زمن ومكان وفق تصوراته المتميزة‪ ،‬وهي‬
‫مسألة ترتبط ـ مرة أخرى ـ أشد الرتباط بالمشروع الحضاري الذي يتوخاه‬
‫المسلم الجاد بمواجهة‪ ،‬أو كبدي ‪ ،‬عن كل الخفاقات التي شهدتها القرون‬
‫الخيرة بسبب من الممارسات السلمية الخاطئة نفسها‪ ،‬أو بتأثير من‬
‫ضغوط الغير‪ ،‬وغزوه الفكري‪ ،‬والحضاري بوجه عام‪.‬‬
‫إن الجتهاد جزء أصيل من اللتزام‪ ،‬فالمسلم ـ فردا ً وجماعة ـ ل يكفيه أن‬
‫يصلي ويصوم ويحج إلى بيت الله الحرام ‪ ..‬ول يكفيه أن ينفذ مقولت عقيدته‬
‫وشريعته في واقع حياته اليومي ‪ ..‬ل يكفيه أن يثور ويقاتل ويستشهد ‪ ..‬هذه‬
‫كلها جوانب من التزامه بالعقيدة التي آثر النتماء إليها‪ ،‬ولكن ثمة ما ل يقل‬
‫عنها أهمية‪ ،‬وإن كان من قبيل )فرض الكفاية( الذي قد تتحمل تنفيذه هذه‬
‫الجماعة أو تلك من المسلمين‪ :‬حمل المعطيات السلمية بالفعل الجتهادي‬
‫إلى آفاق الزمن والمكان ‪ ..‬تحكيمها في صيرورة الحركة التاريخية ‪ ..‬وضعها‬
‫في مركز الشاهد على كل صغيرة وكبيرة ‪ ..‬تمكينها من ممارسة إلزامها‬
‫الدائم في كل تجربة وكل مرحلة ‪ ..‬جعل‬
‫ّ‬
‫)السلمية( الحكم والهادي والموجه والدليل الذي يعلم ويرشد ‪ ..‬بل يبني‬
‫ويصوغ بالمادة السلمية الصيلة كل ما يقوم على ساحة الحياة من عمارات‬
‫ومؤسسات‪ ،‬وكل ما يمارس فيها من أنشطة وفاعليات ‪..‬‬
‫حتى مدننا وشوارعنا ودورنا وأماكن ترفيهنا‪ ،‬يتحتم أن )نجتهد( في أن تكون‬
‫امتدادا ً لرؤيتنا السلمية‪ ،‬لفكرنا ووجداننا اليماني‪ ،‬وذوقنا الذي يميل دائما ً‬
‫إلى أن يربط المنظور بالغيب‪ ،‬والتراب بالحركة‪ ،‬والرض بالسماء‪.‬‬
‫وإذا كانت المنائر الممتدة إلى السماء إشارة على قدرة الفنان المسلم على‬
‫تصميم المفردة المعمارية التي تعّبر عن تصوره للعالم والحياة والوجود‪ ،‬فإن‬
‫حياتنا المعاصرة كلها يتحتم إن تنبثق فيها )الشارات( التي تجتهد أن تحمل‬
‫دللتها على كل ما هو إسلمي‪ ،‬وأن يتغلغل اللتزام الديني في سداها‬
‫ولحمتها‪ ،‬ويكون نولها الذي يمنح نسيجها هذا الشكل أو ذاك‪.‬‬
‫إن الجتهاد هو ـ بشكل من الشكال ـ حماية للتشريع السلمي من التيبس‬
‫والتسيب‪ ،‬وهذه مسألة بديهية‪ ،‬ولكن ثقل الواقع كاد يطمس عليها‪ .‬إننا منذ‬
‫قرون ل نمارس الجتهاد ‪ ..‬فكأننا قد اخترنا أسلوب العمل بصيغة بديهية‬
‫مضادة ل يمكن قبولها‪ :‬ترك الممارسة السلمية تصاب بتصلب الشرايين أو‬
‫بالرخاوة والتوسع والنفلت‪.‬‬
‫إن السلم حركة باتجاه )التوافق( مع سنن الوجود والعالم‪ ،‬وإيقاع الكون‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والطبيعة‪ ،‬فأحرى به أن يكون متحققا ً بالوفاق مع نفسه‪ ،‬أي بعبارة أدق‪ :‬أن‬
‫يكون كل تعبير إسلمي‪ ،‬في هذا الجانب أو ذاك من الحياة‪ ،‬وإزاء هذه‬
‫القضية أو تلك من قضايا الوجود والعالم‪ ،‬يحمل إيقاعه المتوحد مع سائر‬
‫التعابير عن الجوانب الخرى من الحياة والقضايا المتنوعة في الوجود‪.‬‬
‫نسيج وحده‪ ،‬هكذا يجب أن ينزل الفعل السلمي المتفرد‪ ،‬المتميز‪ ،‬إلى‬
‫العالم ‪ ..‬إيقاع متوحد‪ ،‬وتوافق منظور‪ ،‬وتناغم شامل بين كل جزئيات الفعل‬
‫وأطرافه‪ .‬فإن لم يعن الفعل الجتهادي على تحقيق هذا التوحد والتوافق‬
‫والتناغم بين المعطيات والتعابير السلمية وبينها وبين العالم‪ ،‬فمن يتولى‬
‫هذه المهمة؟ أل يخشى أن يؤول المر بالممارسة إلى التشتت والتصادم‬
‫والتغاير‪ ،‬فتفقد شخصيتها وسماتها؟‬
‫إن الجتهاد ـ بهذا المعنى ـ تنفيذ لمهمة مزدوجة‪ :‬الحفاظ على هندسة‬
‫السلم نفسه‪ ،‬من جهة‪ ،‬وتحقيق انطباقه على الواقع التاريخي ـ من جهة‬
‫أخرى ـ أي على بعدي الزمن والمكان‪ .‬ولن يكون ذلك إل لصالح النسان‬
‫ومكانته المتفردة في العالم‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫قد يقول قائل‪ :‬إن جهدا ً كبيرا ً كالموسوعة الفقهية التي نفذت أقسام منها‬
‫في الكويت عبر العقود الخيرة‪ ،‬يمكن أن يكون كفاًء لمطلب كهذا‪ .‬والجواب‬
‫أن عمل ً كذاك يمكن أن ينحو منحى أكاديميا ً ينطوي على المعطيات الفقهية‬
‫بمفرداتها كافة‪ ،‬ويشكل على المستوى الكمي ثقل ً كبيرًا‪ ،‬قد يبعد به ـ بشكل‬
‫أو آخر ـ عن أن يكون دليل عمل يومي )عملي( يعين المسلم بيسر وسهولة‬
‫على وضع اليد على الجوبة المناسبة لمعضلت حياته اليومية‪ ،‬فضل ً عن أن‬
‫المطلوب بالدرجة الولى ليس حصرا ً للمعطى الفقهي على إطلقه‪ ،‬وإنما‬
‫متابعة للمستجدات على وجه الخصوص ‪ ..‬لتعقيدات الحياة الجديدة ‪..‬‬
‫للمطالب المتراكمة التي تزداد ثقل ً يوما ً بعد يوم‪ ..‬للمتغيرات القتصادية‬
‫والجتماعية والثقافية والتقنية التي ل تكاد تستقر على حال إل لتتجاوزه إلى‬
‫صيغ أخرى‪ .‬إن متابعة كهذه ضرورية حتى على مستوى وسائل الترفيه التي‬
‫تشكل إحدى انفجارات العصر‪ ،‬والتي تتطلب أكثر من فتوى تنير سبل‬
‫التعامل معها دونما إفراط ول تفريط‪ ،‬وبعيدا ً عن حدي العزلة والندماج‬
‫اللذين يقودان الممارسة السلمية إلى الشلل أو الجنوح‪.‬‬
‫ثمة ـ فضل ً عن هذا وذاك ـ ضرورة إغناء الخبرات المعرفية والتخصصية‬
‫لساتذة علوم الشريعة من خلل التوسع في تنفيذ نظام الساتذة الزائرين‪،‬‬
‫ذهابا ً وإيابا ً )أي استدعاء أساتذة من أقسام وكليات أخرى للقاء محاضرات‬
‫في أروقة الشريعة‪ ،‬وإرسال أساتذة الشريعة إلى القسام والكليات الخرى‬
‫للحتكاك ببيئات تدريسية ومعرفية متنوعة(‪ ،‬وهذا سيمنح التدريسيين والطلبة‬
‫معا ً خبرات أكثر تنوعا ً وخصبا ً على مستوى الداء التدريسي من جهة‪ ،‬وإغناء‬
‫التخصص وتعميقه من جهة أخرى‪.‬‬
‫هذا التبادل المعرفي لن يكون بالضرورة في سياق العلوم الشرعية وحدها‪،‬‬
‫بل ُيفضل أن يخرج إلى نطاق العلوم النسانية عامة‪ ،‬لتحقيق ما سبق وأن‬
‫ألمحت إليه هذه الورقات من ضرورة تنفيذ حوار فّعال بين علوم الشريعة‬
‫وسائر العلوم النسانية لتحقيق التحام أكثر بمطالب العصر ومقتضياته‪،‬‬
‫واستجابة أشد فاعلية وتنوعا ً وخصبا ً لمشاكله وتحدياته‪.‬‬
‫ولبد ـ أخيرا ً ـ من الشارة إلى تجربة الجامعات والمعاهد السلمية التي‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بدأت منذ فترة ليست بالبعيدة‪ ،‬في هذا البلد أو ذاك‪ ،‬في تنفيذ مناهج أكثر‬
‫حداثة في التعامل مع‬
‫علوم الشريعة وتدريسها‪ ،‬فكسرت طوق العزلة‪ ،‬والتحمت أكثر بمطالب‬
‫العصر وقدرت على توظيف معارفه وتقنياته لتقريب أهدافها‪ ،‬وحققت الوفاق‬
‫الضائع بين المعرفة الشرعية والمعرفة النسانية‪ ،‬وسعت ـ ول تزال ـ لقامة‬
‫الجسور المقطوعة بين الفقيه والمفكر من أجل أن تضع الفقيه في قلب‬
‫الحياة‪ ،‬وتمنح المفكر المسلم خبرة بالمعرفة الشرعية تعينه على التأصيل‬
‫وتحميه من غوائل الرتجال والجنوح‪.‬‬
‫ل يستطيع المرء أن يكون مبالغا ً في التفاؤل‪ ،‬ولكن رحلة اللف ميل ـ كما‬
‫يقول المثل ـ تبدأ بخطوة واحدة‪ ،‬ويكفي هذه الجامعات أنها وضعت خطواتها‬
‫ذت شيئا ً من المأمول‪ ،‬وهو كثير‪ ،‬ولكن ما ل ُيدرك‬ ‫الولى على الطريق ونف ّ‬
‫كّله ل ُيترك جّله‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن جامعات كهذه تمثل فرصة للستفادة من الخبرة قد‬
‫تعين‬
‫سائر المعاهد والجامعات الخرى‪ ،‬إذا أحسنت التعامل معها وأقامت بينها‬
‫وبينها الجسور‪ ،‬على تعديل وقفتها الخاطئة وإغناء خبراتها التدريسية‬
‫والكاديمية‪ ،‬وتمكينها في نهاية المر من تجاوز عزلتها‪ ،‬والنزول إلى قلب‬
‫الحياة للعانة على إعادة صياغتها بما يريده الله سبحانه ورسوله صلى الله‬
‫ضاعون وأرباب الظنون والمصالح‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬ل بما يرسمه لها الكهنة والو ّ‬
‫والهواء‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫دم إلى مؤتمر ) علوم الشريعة في الجامعات‪ :‬الواقع والطموح(‬ ‫)*( بحث مق ّ‬
‫الذي عقده المعهد العالمي‬
‫للفكر السلمي وجمعية الدراسات والبحوث السلمية والجامعات الردنية‬
‫في عمان في الفترة ما بين‬
‫‪ 23‬ـ ‪ 25‬آب ‪ 1994‬م‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫على أبواب الجنة‬


‫ما بين الحين والحين يتطلع المؤمن إلى ما يعلي همته ويحفزه على العمال‬
‫الصالحة ويشد أوتار الثبات في قلبه‪....‬‬
‫ولذلك كانت هذه اللقاءات ‪.....‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬قال تعالى‪:‬‬
‫]أعددت لعبادي الصالحين مال عين رأت‪ ,‬ول أذن سمعت‪ ,‬ول خطر على‬
‫قلب بشر[‬
‫واقرؤوا إن شئتم‪:‬‬
‫} ]فل تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون[ {‬
‫]السجدة ‪] [17‬البخاري ومسلم[‪.‬‬
‫لقد عرفنا الله الجنة‪ ..‬ترغيبا ً فيها‪ ..‬وبين لنا بعضا من نعيمها وأخفى عنا‬
‫ً‬
‫بعضًا‪ ,‬زيادة في الترغيب والتشويق‪ .‬لذلك فإن نعيم الجنة مهما وصف‪ ,‬ل‬
‫تدركه العقول لن فيها من الخير مال يخطر على بال ول يعرفه أحد‪.‬‬
‫ولكن قبل أن نبدأ لبد لنا من وقفة مع أنفسنا نحن ونسأل أنفسنا بعض‬
‫السئلة ‪....‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫*هل نحن من المشتاقين إلى دخول الجنة ؟؟؟‬


‫*هل فقط ما نعرفه عن الجنة هو وجود الحور العين والكل والشرب ؟؟ أم‬
‫أننا نعرف تفاصيل أكثر ؟؟‬
‫أخي الحبيب ‪......‬‬
‫إذا كنت تريد أن تتغير وأن تكون الجنة بالفعل هي هدفك الول فهيا بنا معا‬
‫في هذه الرحلة المباركة ولكن تأكد أول من ربط حزام التركيز والقلع عن‬
‫الغفلة والتأكد من حسن الرفقة‪..‬‬
‫فهذه شروط القلع في رحلتنا ‪...‬‬
‫هيا بنا !!!!!!!!!!!‬
‫تعال أخي نطرق أبواب الجنة لنسيح بفكرنا في ملكوت الله فيها وما أودع‬
‫فيها من السرار‪ .‬قال تعالى‪ } :‬حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها { ]الزمر‬
‫‪[ 73‬‬
‫ولن نمر على هذه الية مرور الكرام فنحن على شرطنا من ربط حزام‬
‫التركيز‪...‬‬
‫تأمل معي أخي الحبيب لماذا قال الله تعالى في هذه الية ] وفتحت أبوابها [‬
‫وعندما تكلم عن جهنم قال ] فتحت أبوابها [ ؟؟؟؟‬
‫والله إنها للفتة رائعة من المام ابن القيم رحمه الله‪ ,‬اقرأ أخي الحبيب ما‬
‫قاله ذلك العالم الرباني‪-:‬‬
‫] 'وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها'‬
‫وقال في صفة النار حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها بغير واو [‬
‫إلى أن قال رحمه الله‪:‬‬
‫] هذا أبلغ في الموضعين فإن الملئكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة‬
‫حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم فيفجأهم العذاب بغتة فحين انتهوا‬
‫إليها فتحت أبوابها بل مهلة فإن هذا شأن الجزاء المرتب على الشرط أن‬
‫يكون عقيبه فإنها دار الهانة والخزي فلم يستأذن لهم في دخولها ويطلب‬
‫إلى خزنتها أن يمكنوهم من الدخول‪.‬‬
‫وأما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه فإذا انتهوا إليها‬
‫صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم‬
‫ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع‬
‫الدللة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول أنا لها فيأتي إلى تحت العرش‬
‫ويخر ساجدا لربه فيدعوه ما شاء الله أن يدعوه ثم يأذن له في رفع رأسه‬
‫وان يسأله حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح أبوابها فيشفعه ويفتحها‬
‫تعظيما لخطرها وإظهارا لمنزلة رسوله وكرامته عليه‪[.‬‬
‫ثم قال بعدها‪ ]...‬وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور‬
‫مما يقدر بخلف ذلك لئل يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من‬
‫شاء فجنة الله غالية بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والخطار مال‬
‫تنال إل به‪[.‬‬
‫انظر إلى مدى التشويق الذي يكون فيه المؤمنون يوم القيامة !!!‬
‫أنا أتخيل شعورهم ] جعلني الله وإياك منهم [‪ ,‬فبعد الهوال والشدائد التي‬
‫رآها المؤمنون على العاصين يوم القيامة ومن قبلها الفتن والشهوات التي‬
‫صبروا عليها في الدنيا‪ ,‬يكون شوقهم إلى رؤية ما أعده الله لهم من النعيم‬
‫قد أصبح كبيرا جدا ولكن كلما زاد الشوق كلما زادت لذة اللقاء فأراد الله‬
‫تعالى أن يكون شوق المؤمنين في أعلى مستوى له فجعلهم يقفون أمام‬
‫أبوابها لفترة وأفكارهم تتلحق في عقولهم وهم يشعرون أنهم أصبحوا قاب‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قوسين أو أدنى من رؤية ما وعدهم ربهم في الدنيا فبعد أن يشفع النبي‬


‫صلى الله عليه وسلم إلى ربه يأذن الله له فيفتحها الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬إن ما بين المصراعين في الجنة‬
‫مسيرة أربعين سنة‪ ,‬يزاحم عليها كازدحام البل وردت لخمس ظمأ [[‪.‬‬
‫]السلسلة الصحيحة لللباني[‪.‬‬
‫يا الله !!!‬
‫هل تتخيل اتساع الباب ؟ مسيرة أربعين عاما أي أنك من المستحيل أن ترى‬
‫آخره‪ ...‬يتزاحم عليها أهلها كما لو أتيت بجمال تم تعطيشها لمدة خمسة أيام‬
‫ثم أوردتها الماء ترى كيف سيكون حالها كذا أهل الجنة في شوقهم إليها‪.‬‬
‫وبعد الدخول لن يغلق عليك الباب‪ .....‬هل تعلم لماذا ؟‬
‫سيخبرك بذلك ابن القيم رحمه الله حيث يقول‪:‬‬
‫]وتأمل قوله سبحانه 'جنات عدن مفتحة لهم البواب متكئين فيها يدعون فيها‬
‫بفاكهة كثيرة وشراب' كيف تجد تحته معنى بديعا وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم‬
‫تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما هي‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأيضا فإن في تفتيح البواب لهم إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم‬
‫وتبوئهم في الجنة حيث شاؤوا ودخول الملئكة عليهم كل وقت بالتحف‬
‫واللطاف من ربهم ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت‪.‬‬
‫وأيضا إشارة إلى أنها دار أمن ل يحتاجون فيها إلى غلق البواب كما كانوا‬
‫يحتجون إلى ذلك في الدنيا [‪.‬‬
‫والن ندعك تختار أي البواب تحب أن تدخل منها إلى الجنة‪..‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ]] :‬من أنفق زوجين في سبيل الله‬
‫نودي في الجنة‪ :‬يا عبد الله هذا خير‪.‬فمن كان من أهل الصلة دعي من باب‬
‫الصلة‪ ,‬ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد‪ ,‬ومن كان من أهل‬
‫الصدقة دعي من باب الصدقة‪ ,‬ومن كان من أهل الصيام دعي من باب‬
‫الريان‪ ,‬فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬ما على أحد من هذه البواب من‬
‫ضرورة‪ ,‬فهل يدعى أحد من هذه البواب ؟ قال‪ :‬نعم ! وأرجو أن تكون‬
‫منهم [[‪] .‬البخاري و مسلم [‬
‫هيا اختر الباب الذي تود الدخول منه ويا حبذا لو كنت رفيقا لبي بكر يوم‬
‫القيامة‪...‬‬
‫هل رأيت أخي الحبيب مدى حرص الله عز وجل على تهيئة الجنة لعباده‬
‫الصالحين وتشويقهم إليها حتى قبل الدخول ؟؟؟‬
‫ألم يرق قلبك بعد أيها الحبيب ؟؟‬
‫أل تشتاق إلى دخول هذه الجنة ورؤية هذا النعيم ؟؟؟‬
‫أكاد ألمح تساؤلك الن‬
‫كل هذا في البواب ؟؟؟؟ فكيف تكون الجنة من الداخل ؟؟؟‬
‫تابع معنا لتعرف ‪.........‬‬
‫وإلى حين اللقاء ندعوه سبحانه أن يجمعنا على أبواب الجنة اللهم آمين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على أشرف الخلق أجمعين نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلة وأزكى‬
‫التسليم‪.‬‬
‫وبعد‪....‬‬
‫فقبل أن أشرع في ذكر السبل التي تعين على النهوض باللغة العربية‬
‫والرتقاء بها فإنه ينبغي علينا أن ندرك أهمية هذه اللغة ومكانتها المرموقة‬
‫خاصة وأنها هي اللغة التي أنزل الله بها كتابه الكريم وهي اللغة التي ندين‬
‫بها الله عز وجل ونتقرب إليه بما شرع لنا بها‪ .‬فإن نهضنا بها فإننا في‬
‫الحقيقة ننهض بديننا ونعتز به وإن تركناها ولم نسعى للنهوض بها فإننا في‬
‫رض عن ديننا ونعّرضه للعداء يتربصون به وينالون منه‪,‬فاللغة‬ ‫الحقيقة نعْ ِ‬
‫والدين أمران لغنى لحدهما عن الخر‪ .‬ومن هنا رعى العلماء هذه اللغة‬
‫واهتموا بها وألفوا فيها الكتب وحثوا على تعلمها وتعليمها‪.‬‬
‫وسوف أسوق لكم بعد هذه المقدمة المختصرة بعض النقاط التي تعين على‬
‫النهوض باللغة العربية وبعدها أذكر لكم بعض النماذج التي تبين اهتمام‬
‫السلف باللغة العربية والحث عليها والنهوض بها‪:‬‬
‫‪ .1‬يجب علينا أن نذكي في نفوس الناس أهمية هذه اللغة ومكانتها وأنه‬
‫لغنى لنا عنها كما يجب أن نعتز بها ل بغيرها من اللغات كما هو الحاصل عند‬
‫بعض الناس مع السف‪.‬‬
‫‪ .2‬علينا أن نعلم أن اللغة بحر ول تكفي السباحة فيه بل أن نغوص في‬
‫مكنونه ونستخرج منه المعاني الجميلة والبديعة التي تصنعه وتلبسه لباس‬
‫جذابًا‪.‬‬
‫‪ .3‬علينا أن نقلل قدر المستطاع من اللهجة العامية وخاصة في كتاباتنا‬
‫ومقابلتنا وأن نحاول التجديد في استعمال الكلمات العربية خاصة وأن بعضها‬
‫له عدة ألفاظ بمعنى واحد وهذه ميزة تساعدنا على التجديد في استخدامها‪.‬‬
‫‪ .4‬دراسة الشعر الجاهلي والوقوف على خصائصه‪),‬فلقد استوعب الشعر‬
‫العربي الجاهلي كل خصائص الصل العربي وأحاط بأكثر المادة اللغوية في‬
‫لغة العرب استعمل العرب في أشعارهم الثروة اللفظية الهائلة في فنهم‬
‫الشعري فكان الشعر الجاهلي فنا ً مستوفيا ً أسباب النضج اللغوي والكمال‬
‫الفني(}‪ .{1‬ومن هنا ندرك السر في توصية الصحابة والسلف بالعناية‬
‫بالشعر الجاهلي‪.‬‬
‫‪ .5‬محاولة التخلص من اللفاظ الدخيلة على اللغة العربية والتي تأثر بها‬
‫بعض الكّتاب فأصبحوا يكثرون منها حتى صارت معروفة في كتاباتهم ولو‬
‫أنهم بحثوا في اللغة العربية لوجدوا ما يغنيهم عنها‪,‬خاصة وأن العامة من‬
‫الناس قد يعتقدون أنها من اللغة العربية فيشكل عليهم بحثها والتعرف على‬
‫معناها‪.‬‬
‫‪ .6‬قراءة المعاجم في اللغة حتى يكون لدى الشخص ملكة لغوية قوية ترده‬
‫عن الوقوع في الخطاء اللغوية‪.‬‬
‫‪ .7‬تبيين الخطاء اللغوية الشائعة والتشهير بها وتصحيحها كي يتجنب الناس‬
‫الوقوع فيها‪.‬‬
‫* بعض النماذج التي تبين اهتمام السلف باللغة العربية والحث عليها‬
‫والنهوض بها‪:‬‬
‫‪ .1‬فمن ذلك )ما جاء عن يحيى بن عتيق قال قلت للحسن يا أباسعيد الرجل‬
‫يتعلم اللغة العربية يلتمس بها حسن المنطق ويقيم بها قراءته‪,‬قال الحسن يا‬
‫ي بوجهها فيهلك بها(}‪.{2‬‬ ‫ابن أخي فتعلمها فإن الرجل يقرأ الية فيعْ َ‬
‫‪ .2‬قال الشاطبي) من أراد تفهم القرآن فمن جهة لسان العرب يفهم ول‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة(}‪.{3‬‬


‫‪ .3‬وقال ابن عباس رضي الله عنه‪) :‬الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا‬
‫الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فلتمسنا‬
‫ذلك(‪ .‬وفي رواية قال‪) :‬إذا سألتموني عن غريب القرآن فلتمسوه في الشعر‬
‫فإن الشعر ديوان العرب(}‪.{4‬‬
‫‪ .4‬قال عمر رضي الله عنه‪) :‬أيها الناس تمسكوا بديوان شعركم في‬
‫جاهليتكم فإن فيه تفسير كتابكم(}‪.{5‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫}‪ {1‬أصول التفسير وقواعده للعك )‪(141‬‬
‫}‪ {2‬التقان في علوم القرآن )‪(1/179‬‬
‫}‪ {3‬الموفقات في أصول الشريعة للشاطبي )‪(2/64‬‬
‫}‪ {4‬التقان في علوم القرآن )‪(1/120‬‬
‫}‪ {5‬الموافقات للشافعي )‪(2/88‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫على الفكر السلمي أن يتحرر من سارتر وفرويد ودوركايم‬


‫الستاذ أنور الجندي‬
‫استطاع فرويد أن يخدع الفكر البشري أكثر من سبعين عاما ً قبل أن تكتشف‬
‫هويته‪ .‬وبالرغم مما أوردته بروتوكولت صهيون من إشارة إلى انه – هو‬
‫وماركس – من مخططات اليهودية العالمية‪ ،‬فقد ظل كثير من الرازحين‬
‫تحت أحمال التبعية الفكرية الوافدة ينظرون إليه في تقدير كبير وخاصة‬
‫أولئك الذين احترفوا تدريس مادة علم النفس في الجامعات وفي البلد‬
‫العربية كان سلمة موسى في مقدمة من دعا إلى هذا الفكر وظل يكتب عنه‬
‫يوما ً بعد يوم ل على أنه نظريات أو فروض وإنما على أنه حقائق علمية‬
‫وصلت مكان الكمال المطلق وجرت على اللسنة كلمات‪ :‬مركب النقص‬
‫والعقل الباطن وغيرها من مصطلحات حتى جاء الوقت الذي استطاع علماء‬
‫النفس أنفسهم أن يضعوا الحقائق كاملة بين أيدي المثقفين والباحثين عندما‬
‫أعلن المتخصصون منهم أن ما أورده فرويد من أصول لنظريته جرت مجرى‬
‫العلم الصحيح ما هي إل أصول الفلسفة التمودية الصهيونية اليهودية مجددة‬
‫ومصاغة في قالب علمي براق استطاع أن يخدع الكثيرين وقد كشف الدكتور‬
‫صبري جرجس في كتابه )التراث التلموي الفرويدي( عن هذه المؤامرة‬
‫الخادعة‪ ،‬أما سلمة موسى فلم يكن عالما ً متخصصا ً بقدر ما كان مروجا ً‬
‫للفكر الغربي الصهيوني في عشرات من النظريات والفكار التي دعا إليها‬
‫ورددها في مؤلفاته )وسوف يأتي الوقت الذي نحصي هذه الشبهات( بل إن‬
‫الدكتور صبري جرجس بوصفه مسيحيا ً – يرى مدى الخطر الذي يحيط‬
‫بعقيدته من جراء استسلمه لزيوف الفكر التلمودي اليهودي الذي قام أساسا ً‬
‫لضرب المسيحية الغربية وتدميرها والذي استغل كلمات )نيتشة( ورينان‬
‫ً‬
‫وأوجست وماركس وفرويد وسارتر ضد الدين والتي كانت موجهة أساسا إلى‬
‫المسيحية الغربية وحدها باعتبارها "الموقف" العقلي لمرحلة من الفكر‬
‫الغربي إزاء العقيدة القائمة في مجتمعه‪ .‬ومن هنا كانت حملة الدكتور صبري‬
‫جرجس الذي لم يكن يكتشف هذا الخطر لول أن بعض مؤرخي اليهود أعلنوا‬
‫أن فكر فرويد هو من صميم مذهبهم التلمودي الذي يقوم على أساس إثارة‬
‫روح التحلل والفسا‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في حياة فرويد نفسه ما يوحي بأنه كان صديقا ً )لهرتزل( الذي حمل لواء‬
‫الدعوة إلى الصهيونية والذي كان على رأس مجموعة الحاخامات الثلثمائة‬
‫في بازل عام ‪ 1892‬م ومعهم صحائف )بروتوكولت صهيون( التي أشارت‬
‫إلى هذا المخطط والتي ل يزال كثير من الذين يكتبون بالعبرية يدافعون عن‬
‫الصهيونية وينفسون نسبة هذه البروتوكولت إليها )ول ريب أن كل دعاة‬
‫الفصل بين اليهودية والصهيونية وهؤلء المدافعين باسم التحقيق العلمي‬
‫المضلل إنما هم من أتباع الماركسية التي هي وليدة الصهيونية أساسا ً والتي‬
‫تحاول أن تحافظ على هذه العلقة السرية(‪.‬‬
‫ولقد كان علينا نحن العرب والمسلمين أن نتحرر من مفاهيم فرويد الذي لم‬
‫يتوقف عند التحليل النفسي )وله فيه آراء صائبة مستمدة من الفكر‬
‫السلمي أساسًا( ولكنه مضى حتى وضع أيدلوجية كاملة شملت الدب والفن‬
‫والمجتمع والعقائد جميعًا‪ ،‬وحاولت في أهم ما رمت إليه إلى التركيز على‬
‫الفصل بين العتقاد والعمل‪ ،‬أو بين العلم والسلوك وذلك بالقول بأنه هناك‬
‫عقل باطن منفصل عن العقل الظاهر‪ ،‬وفي ذلك محاولة خطيرة للخلل‬
‫بحقيقة أساسية في تكوين النسان وهي الترابط بين المعرفة والرادة‪ ،‬وتعد‬
‫هذه النظرية ضربة موجهة إلى الفطرة وإلى اليقين النفسي الذي جاءت به‬
‫الديان هذا بالضافة إلى مؤامرته تحت اسم الجنس‪ ،‬ولعل هذا التجاه كله‬
‫هو نتاج من التوزيع الدقيق للدوار في مسألة الصراع الفكري‪ ،‬فحيث كانت‬
‫آراء ماركس في أساسها من مخططات التلمودية اليهودية مصاغة في قالب‬
‫اقتصادي عصري‪ ،‬فإن هنا يتمثل الجانب الجتماعي وبذلك يسيطر الفكر‬
‫اليهودي التلمودي على الفكر البشري كله في مجالت القتصاد والجتماع‬
‫والنفس والخلق ومنها يمتد إلى الدب والفن ول يبقى شيء بعد ذلك صالحا ً‬
‫لن تقال فيه كلمة حق‪.‬‬
‫كل هذا الذي نقول يعد الن من البديهيات التي ليست في حاجة إلى إعادة‪،‬‬
‫ولكنا نريد أن نرى إلى أي حد واصل البحث طريقه في الكشف عن زيف‬
‫فرويد‪.‬‬
‫هذا كتاب جديد تأليف بول روزن أستاذ علم النفس بجامعة هاروفارد تحت‬
‫عنوان )قصة فرويد وتايزك( يزيح فيه فيكتور تايزك معاصر فرويد وأحد رواد‬
‫علم النفس حقائق خطيرة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويكشف عن مدى أحقاد فرويد التي ساقها حربا ً شعواء ضد هذا الباحث نتيجة‬
‫غيرته منه‪ ،‬وفي سبيل عرقلة جهوده وأبحاثه في حقل علم النفس مما دفع‬
‫به )دفع بتايزك( في النهاية إلى النتحار بإطلق الرصاص على نفسه في ‪3‬‬
‫يوليو ‪ 1919‬م وكان قد رحل إلى فينا لدراسة علم النفس‪ ،‬وقدر لبحاثه‬
‫الرواج والنتشار‪ ،‬مما لفت نظر فرويد وقد كشف المؤلف عن غيرة وحسد‬
‫فرويد من تايزك لنبوغه وأصالة أبحاثه‪ ،‬حتى أنه رفض معالجته عندما اشتدت‬
‫أزمته النفسية وحين أوكل علجه إلى تلميذه فرويد )هيلبي ديتش( بل إن‬
‫فرويد وصل إلى حد تهديد تلميذته ومنعها من مساعدته مما دفعه في نهاية‬
‫المر إلى نوع من اليأس القاتل بإطلقه الرصاص على نفسه‪.‬‬
‫وفي فرنسا صدر كتاب عن فرويد بقلم )لوس إيرا جراي( التي تنتمي إلى‬
‫المدرسة الفرويدية ‪ ،‬والكتاب اسمه )المنظار الطبي للمرأة الخرى( وقد‬
‫أحدث ضجة كبرى رغم أن مؤلفته قد طردت بسببه من الجامعة لحظت‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المؤلفة أن فرويد عندما يتكلم عن المرأة يضيع عقله ويشتد شريط تحليله‬
‫ومنطقيته فهو يشعر دائما ً أنه السيد‪ ،‬وهو عندما يتكلم عن المرأة يتجه إلى‬
‫الرجال على أساس أن المرأة ل يجب عليها معرفة شيء من أمورها حين‬
‫يناقش الرجال الموضوع وأن مشكلة النوثة تهم الرجال ولكنه بالنسبة‬
‫للمرأة الموجودة معهم‪ ،‬وترى المؤلفة أن المرأة عند فرويد لغز عجز الرجال‬
‫عن اكتشافه‪ .‬وبذلك بقيت المرأة بمثابة )الرض الموحشة( في علم النفس‬
‫وتحاول المؤلفة أن تصل من هذا إلى أن فرويد بالرغم من كل ما يحاول‬
‫إعلنه من استقامة البحث ل يرى في المرة كائنا ً إنسانيًا‪ ،‬وأنه لم يأت بجديد‬
‫سوى أنه صقل تحاليل أفلطون‪ ،‬وتقول المؤلفة أنه ربما كان فرويد مريضا ً‬
‫ويعاني عقدة إزاء المرأة‪ .‬وتقول أن تحويل المرأة إلى لغز عند فرودي يعتبر‬
‫سلبا ً لطابعها النساني وتحويل ً لها إلى شيء خارجي‪.‬‬
‫وعندنا أن رأي فرويد مستمد أيضا ً من مفهوم التلمود‪ ،‬فهو يحاول أن يصورها‬
‫على أنها أداة جنسية للمتعة‪ ،‬ولذلك فهو ينكر إنسانيتها واستقللها ويرى فيها‬
‫رأي الفسلفات القديمة التي تحتقر المرأة‪.‬‬
‫‪ -4‬عالج فيلكس وجاناري في كتابهما )إنني أوديب( نظريات فرويد وأشارا‬
‫إلى أن فرويد هو مفتاح المبراطورية البروسية‪ ،‬وأن علم النفس التحليلي‬
‫الذي أسسه فيما بعد‪ .‬كما أشار بنيامين نيلسون في كتابه فرويد والقرن‬
‫العشرين إلى أن فلسفة فرويد مادية صرفة‪ ،‬تنكر الروحانية والحرية‪ ،‬وأنه‬
‫يعد الحالت النفسية العليا كاللهام الشعري والحب الصوفي مجرد تحويلت‬
‫وأقنعة للغريزة الجنسية‪.‬‬
‫وأن رأي فرويد في قصور النسان دون الوصول إلى الكمال لم يستمده من‬
‫المسيحية بل من دارون وأن فرويد قد اعتمد على أساطير قديمة كالمأساة‬
‫اليونانية في عقدة أوديب وعقدة الكترا والصراع بين إيروس إله الحب‬
‫والحياة وثاناسوس إله الموت‪ ،‬وأنه غارق في فكرة الخطيئة الولى‪.‬‬
‫ول ريب أن هذه الحقائق التي لم يكتشفها الفكر الوروبي إل أخيرا ً كانت‬
‫واضحة في عقل الباحثين المسلمين منذ اليوم الول لنظزرهم في فكر‬
‫فرويد‪ ،‬بل إن كتاب النسان بين المادية والسلم الذي كتبه مؤلفه في سن‬
‫باكرى وهو يدرس في قسم الفسلسفة وعلم النفس في كلية الداب ما زال‬
‫حتى الن بالرغم من مضي أكثر من ربع قرن على ظهوره واضح الدللة في‬
‫عجز نظرية فرويد عن فهم النفس النسانية‪ ،‬وأن معطيات القرآن والسنة‬
‫النبوية والفكر السلمي في هذا المجال بالغة القوة والحيوية والصدق‪.‬‬
‫ولكن الفكر الغربي لم يتنبه إل أخيرا ً لفساد نظرية فرويد يعرف أن أي نقد‬
‫لها اليوم ل قيمة له لنها قد تغلغلت تغلغل ً كامل ً في كل أعمال الدب والفن‬
‫والقصة والمسرحية حتى لم يعد هناك تراجع في أثر هذه النظرية التي‬
‫أرادت تدمير الفكر الغربي المسيحي ورده إلى الوثنيات والساطير‬
‫والخرافات‪.‬‬
‫ونحن نعرف أن فرويد حين بدأ مع )ادلرويونج( في أوائل هذا القرن كان‬
‫عنيفا ً في فرض اتجاهه بالتفسير الجنسي الذي خالفه فيه صاحباه وانفصل‬
‫عنه كما اختلف مه جيمس حين التقى به في أمريكا بعد ذلك‪ ،‬وأنه لم يبق‬
‫معه إل اليهود‪ :‬رانك وجونز وبريل‪.‬‬
‫ولكن إذا كان فرويد على خطأ – وهو على خطأ معارض للفطرة والعلم‬
‫والعقل في دعواه – فلماذا أتيح له هذا النفوذ الخطير وهذا الدوى المدوى‪،‬‬
‫لم يكن ذلك لوجه العلم وحده‪ ،‬ولم يكن ذلك طبيعيًا‪ ،‬ولكنه كان بقوة من‬
‫الدفع اليهودي الصهيوني المسيطر على النظريات والمذاهب‪ ،‬القادر على‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فرض ما يشاء منها ومن قبل كان والس قد سبق دارون وكان أقرب منه‬
‫إلى الفطرة والعلم الصحيح ومع ذلك فقد دوى صوت دارون لنه اتخذ‬
‫منطلقا ً إلى النظرية المادية وإلى فرض نظرية التطور الجتماعي المطلق‬
‫وكانت نظريته قاصرة على مجال البيولوجيا وحدها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكذلك كان المر بالنسبة لفرويد مه أدلرويونج‪ ،‬فقد قال بأن العامل الجنسي‬
‫ليس هو المصدر الوحد للتصرف النساني ولكنه واحد من عوامل كثيرة منها‬
‫تأكيد الذات ومركب النقص‪ ،‬ولكن دعوى التحدي بالجنس وحده كمصدر‬
‫لتصرفات النسان هي التي شاعت وذاعت‪.‬‬
‫ونحن نجد النظرية تسقط اليوم سقوطا ً علميا شديدا‪ ،‬ولكن أصحاب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الفلسفة المادية يحاولون تمديدها بربطها بالماركسية من ناحية‪ ،‬وبالدعوة‬
‫إلى ما يطلق عليه الثورة الجنسية وبربطها بالوجودية وهذا ما سنتحدث عنه‬
‫بعد‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬سارتر‪:‬‬
‫إن أي نظرية يتقدم بها فيلسوف أو مصلح تتمثل فيها حقائق هامة‪:‬‬
‫ل‪ :‬إن هذه النظرية هي فرضية افترضها هذا الفيلسوف بناء على نظرته‬ ‫أو ً‬
‫إلى المور‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إنها نظرية تتصل اتصال ً تاما ً بالتحديات الخاصة بشخصية هذا الفيلسوف‬
‫وبيئته وعصره ومجتمعه وظروف معينة قائمة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إن النسان على أعلى درجة من التفكير والنظر ل يستطيع أن يخرج‬
‫عن أبعاد وجوده البشري والعقلي والنفسي ول يستطيع أن يشرع للمجتمع‬
‫النساني كله‪.‬‬
‫ومن ثم فإن كل ما يقدمه الفكر البشري هو فرض يقبل الخطأ والصواب‪،‬‬
‫ويصلح لمجتمع ول يصلح لخر‪ ،‬وينفع في عصر ول ينفع في جميع العصور‪،‬‬
‫ولقد اعتورت النظريات والمناهج أسباب القصور وحل بها النقص واحتاجت‬
‫إلى الضافة والحذف على مدى قريب من ظهورها وذهب بعضها وأنطوى‬
‫عجزا ً وفسادا ً وليس أدل على ذلك من ناحية أخرى على نحو يوحي بإنقاذ‬
‫المراكب الغارقة‪ ،‬العصر الذي اضطربت وعجزت في بيئاتها الخاصة‬
‫واضطرب أصحابها إلى تعديلها بالضافة والحذف ومحاولة الربط بين‬
‫الوجودية والماركسية من ناحية وبين الفرويدية والماركسية من ناحية أخرى‬
‫على نحو يومي بإنقاذ المراكب الغارقة‪ ،‬وعلى بعد ما بين اليديولوجيات‬
‫الثلث من تناقض واختلف‪.‬‬
‫ونحن نعرف أن الوجودية "صيحة أزمة" تعالت في فرنسا بعد انهيارها في‬
‫الحرب العالمية الثانية حين هوت تحت سنابك خيل اللمان صريعة النحلل‬
‫الخلقي‪ .‬فجاءت الوجودية التي دعا إليها سارتر ليطلق للشباب أمر التهالك‬
‫على الشهوات تحديا ً للخطر الماحق الذي يعيش تحته العالم‪ ،‬وبعد أن أفقدت‬
‫الحرب أمم أوروبا زهرة شبابها التي تجاوزت المائة مليون‪ .‬ولقد كانت‬
‫وجودية سارتر وجودية ملحدة نابعة من الفكر المادي وإن حاولت أن توجد‬
‫للنسان منطلقا ً عاصفا ً حيث جردته من مسئوليته الفردية وإلزامه الخلقي‬
‫وأحالت ذلك كله على المجتمع‪.‬‬
‫ومن ثم أنطلقت تلك الصورة المدمرة في كل أنحاء العالم توحي بالتفكك‬
‫والتحلل والتمزق والضياع‪ .‬ولقد صدق جاك بيرك حين قال أن الوجودية‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظاهرة زمنية عابرة لن يلبث النسان أن يتخطاها‪ ،‬وهي ليست روحا ً "وأنا ل‬
‫أستنتج منها نتيجة متشائمة بل واقعا ً يجب أن يعترف به" وهي في تقديرنا‬
‫علمة على دخول أزمة النسان المعاصر في مرحلة النحدار‪ ،‬ودخول أوروبا‬
‫والغرب والفكر الغربي كله مرحلة التمزق الذي فرضته عليه الفسلفة‬
‫المادية التي قادها فلسفة اليهود التلموديين‪ ،‬وإن كانت ل تخلو من تمثل‬
‫أخطر ما أطلقته التعبيرات المسيحية حول نظرية "الخطيئة الصلية" ذلك‬
‫السوط الذي ما زال يلهب ظهور الفريقين ويسوقهم إلى الدمار النفسي‪.‬‬
‫ول ريب أن فلسفة سارتر الوجودية الملحدة هي بديل "اليمان" الذي عجز‬
‫الغرب عن الحصول عليه عجزا ً مطلقًا‪ ،‬ول ريب أن البشرية حين انطلقت‬
‫لترسم لنفسها طريقا ً بعيدا ً عن طريق الله فإنها ستظل تائهة في مضارب‬
‫الصحراء‪ ،‬وما دام النسان قد شرع لنفسه ورفض السس التي قدرها الحق‬
‫تبارك وتعالى لينظم المجتمع البشري فإنه ليس هناك قواعد ما يمكن أن‬
‫تفرق بين الحق والباطل ذلك تداخلت أهواؤه ومطامعه وشهواته‪ ،‬وأصبحت‬
‫المور كلها نسبية وليس لها ضوابط أو حدود أو قيم ثابتة راسخة تحاكم إليها‪،‬‬
‫أو ليس هناك من نقطة بداية ونقطة نهاية وإنما يصبح الكون دائرا ً في دوامة‬
‫ل نهاية لها ول غاية منها وقد جهل النسان سر وجوده وهدفه في الحياة‬
‫ورسالته في الرض ومسئوليته وجزاءه وحسابه وتلك هي الحيرة التي تذوب‬
‫فيها البشرية نفسها اليوم بعد أن خالفت عن منهج الله‪ .‬ومن ثم تصبح حياة‬
‫النسا نليس بها طعم‪ ،‬حياة القلق والتمزق واللم والحساس بالغثيان‬
‫والضياع‪ ،‬ذلك أنها فقدت المعنى الذي وضعه الحق تبارك وتعالى لها‪ ،‬والذي‬
‫هو سر الحياة نفسها‪ ،‬المل واليمان والهدف والمسئولية والرسالة التي وجد‬
‫النسان من أجلها في الحياة‪.‬‬
‫إن الوجودية تثور على مفاهيم سحق النسان التي تقدمها الماركسية ولكنها‬
‫مع السف تسحق قلب النسان ول تراه إل من وجهة النظر المادية الصرفة‪:‬‬
‫وهم حين ينكرون أن يصبح النسان ترسا ً في آلة‪ ،‬يحيلونه إلى شعور بالضياع‬
‫والفراغ‪ ،‬ويفرغونه من معناه الجتماعي ويجعلونه أنانيا ً ل هم له إل مطامعه‬
‫التي تقوده إليها غرائزه كالحيوان في الغابة‪.‬‬
‫ول تزال الوجودية تدفع أهلها من قيد إلى قيد ومن تمزق إلى مزيد من‬
‫التمزق نراه الن في الهيبية والخنافس‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وحين يقولون أن الوجودية تحرر النسان نجد كتابات أهلها ل تحمل إل اليأس‬
‫القائم‪ :‬فهم يقولون عن أنفسهم أنهم جيل بل أمل‪ ،‬بل عمق‪ ،‬بل مستقبل وأن‬
‫عمقهم هو الهاوية‪ ،‬وحبهم هو الوحشية‪ ،‬وحياتهم علب من الورق فراغة‬
‫وقابلة للتمزق‪ ،‬وليست الوجودية إل تعبيرا ً عن هذا الهوان أين هذا من‬
‫السلم الذي يقدم للبشرية المل وللنفس النسانية السكينة واليمان‪ ،‬حيث‬
‫يرفض اليأس والقلق والشك والحقد‪ ،‬وهو ل يترك الناس صرعى في‬
‫أوهامهم‪ ،‬ولكنه يقدم لهم الترياق‪ ،‬يقدم لهم العون‪ ،‬يطلب لهم المبررات‪،‬‬
‫ويفتح لهم الفاق التي تخفف الشهوات‪ ،‬ويحررهم من قيود الحيوان‪ ،‬ويراوح‬
‫بينهم دين السماء والروح والمعنويات‪ ،‬هو ل يحرمهم رغائبهم الجسدجية‬
‫ولكنه يبني فيهم الروح والعقل‪.‬‬
‫إن أخطر ما تقدمه الوجودية التشاؤم وهو طابع عام لكل معطيات الفكر‬
‫الغربي البشري‪ ،‬الضال عن اليمان بالله والروح والمعنويات‪ .‬إن مصدر‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التشاؤم في الفكر الغربي هو عدم القتناع العقلي لوراثة البشر جميعا ً لما‬
‫يطلق عليه الخطيئة الصلية" هذه التي ينكرها السلم إنكارا ً كامل ً ول يرى‬
‫أن إنسانا ً مسئول ً عن خطأ الخر‪ ،‬أل تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للنسان‬
‫إل ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الوفى‪.‬‬
‫ومن خلل أيديولوجية الخطيئة الصلية السوداوية المتشائمة تنشر على‬
‫أوسع نطاق في الفكر الغربي نظرة "ل معقولية الحياة" وعبث الوجود‪ ،‬ثم‬
‫جاءت الوجودية لتكون أعلى مراتب التشاؤم‪.‬‬
‫وهذه كلها أفكار غريبة عنا كل الغرابة مختلفة عن طوابع الفكر السلمي‬
‫والمجتمع السلمي‪ ،‬ول تتصل بسبب إلى ثقافتنا أو قيمنا أو عقائدنا وهي‬
‫توحي بأن الفكر الغربي والمجتمع الغربي يمر بمرحلة انهيار كامل يتمثل في‬
‫السرة والفكر والمجتمع‪ .‬وأن طوابع المادية الخالصة قد صرعته تمامًا‪ ،‬وأن‬
‫إنكاره للروح والدين والخلق واليمان بالله قد دمره تمامًا‪.‬‬
‫ولذلك فهي تبدو غريبة عنا دخيلة علينا متناقضة مع جوهر النسان‪ ،‬ومع‬
‫فطرته وأغرب ما فيها أنها حين تعتز بحق الفرد في الوجود – وهو مفهوم‬
‫إسلمي‪ ،‬فإنها تغطي عن أعظم معطيات النسان والركن الركين في وجوده‬
‫على الرض ولبس المسئولية الفردية واللتزام الخلقي الذي يحاسب على‬
‫أساسه ويقرر جزاؤه‪ .‬ول ريب أن إفسادها يتمثل في أنها ترى أن النسان‬
‫يكون نفسه مستقل ً عن الدين والتقاليد والمجتمع‪ ،‬وأن الزواج نظام عتيق‪،‬‬
‫وأن الطلق ل يبقي بإرادة الزوج فضل ً عن إنكارها "قوامة الرجل" ودعوتها‬
‫إلى حرية الصداقة‪ ،‬وإسقاط الدين كله من حساب الحياة‪ .‬وهي لنها تعارض‬
‫الفطرة النسانية لم تجد قدرة على البقاء وتساقطت جوانبها‪ ،‬إل من تلك‬
‫النزوات التي يقوم بها المنحرفون ول ريب أن المفاهيم الوجودية كلها إنما‬
‫هي تعبير فكري ونفسي وأخلقي عن الفراغ الروحي المخيف‪.‬‬
‫ذلك أن رفض فكرة اللتزام‪ ،‬وفكرة الرقيب النفسي "الضمير" وفكرة‬
‫الفضيلة وفكرة الخير‪ ،‬وفكرة اليثار وفكرة العدل وفكرة المسئولية إنما‬
‫تجرد النسان من كل قدراته ومعطياته التي تجعله قادرا ً على أداء دوره‬
‫الحق في الحياة وأن أخطر ما تدعو إليه الوجودبية هو "أنانية" الفرد في‬
‫مواجهة المجتمع بإنكاؤ دوؤه في العطاء والبذل والنفاق والعطاء للخرين‪،‬‬
‫ومن فسادها قولها أن اليثار يعني أن يصبح النسان مجرد أدارة للخرين‪،‬‬
‫بينما يدعو السلم إلى أن اليمان هو انتقال النسان من النانية إلى الغيرية‪.‬‬
‫ول ريب أن موقف سارتر من اللوهية موقف أشد عنفا ً وخطرا ً مما يقول به‬
‫الملحدون أو المشركون‪ ،‬فهو يضع الذات اللهية في مقام التزاحم مع‬
‫النسان وأن وجود أحدهما يلغي وجود الخر تعالى الله عما يقولون علوا ً‬
‫كبيرًا‪ ،‬والنسان ليس في الحقيقة إل خلق الله وعبده وفضل من فيض فضله‬
‫وعطائه‪.‬‬
‫وإذا قيل أن الوجودية تحمل مفهوم الحرية‪ ،‬فإنما هي الحرية بمفهوم تحرير‬
‫النسان من مسئوليته وإطلق أهوائه إلى أبعد مدى وكيف تستقيم أمر‬
‫نظرية تدعي أنها علمية حين تنكر وجود الحق تبارك وتعالى وكيف يمكن أن‬
‫تعلل وجود العالم‪ ،‬وكيف يمكن القول مع الوجودية بأن العالم وجد بل داع‬
‫ويمضي لغير غاية ونحن نقرأ قول الله تبارك وتعالى )أفحسبتم أنما خلقناكم‬
‫عبثا ً وأنكم إلينا ل ترجعون(‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول ريب أن الفرد هو موضوع هام شغل الفلسفة وأصحاب اليديولوجيات‬


‫ولكن أهم ما هنالك‪ :‬هو مسئوليته وموقفه من الجماعة‪ ،‬وتلك هي القضايا‬
‫التي تتلعب بها أهواء الفكر البشري‪ ،‬وحين تراه سيدا ً مؤلها‪ ،‬وحين تراه‬
‫حيوانا ً وحين تراع ترسا ً في آلة‪ ،‬وقد برأ السلم من ذلك كله ووضعه في‬
‫موضعه الحق‪ ،‬واعترف برغائبه المادية وأشواقه الروحية جميعًا‪ ،‬فليس الفرد‬
‫مؤلها ول معبودا ًً ول حيوانا ً ولكنه من أعظم ما خلق الله لو استقام على‬
‫الطريقة واهتدى إلى الحق‪ ،‬وقد حدد السلم موقفه من ربه ومن الكون‬
‫ومن المجتمع وحدد مسئوليته ورسالته وجزاءه‪ ،‬وعلقته بالدنيا وبالخرة‬
‫وبالوجود كله‪ ،‬على نحو تعجز كل الفلسفات والمذاهب عن الوصول إليه‪ ،‬أما‬
‫الغرب فإنه حين أنكر اللوهية والدين والوحي فإنه ذهب وراء الهواء كل‬
‫مذهب في سبيل مفهوم للحياة وللنسان‪.‬‬
‫ولكن السلم وهو وحي الله ورسالة السماء كان أصدق من كل هذه‬
‫المذاهب واليديولوجيات وأقربها إلى الفطرة وأبعدها عن الغلو والضطراب‪،‬‬
‫ومن ثم فهو أصلح المناهج للبشرية على مدى العصور وعلى اختلف البيئات‬
‫لنه قدم الشريعة المحكمة الخالدة القائمة على إطار ثابت مع القدرة على‬
‫التغير والحركة والتطور‪ ،‬رابطا ً بين العقل والقلب‪ ،‬والروح والمادة‪ ،‬والدين‬
‫والعلم‪ ،‬والدنيا والخرة‪.‬‬
‫ولقد سقطت الوجودية وتجاوزها الزمن لنها خالفت الفطرة‪ ،‬ولم تستطع أن‬
‫ترضي العقل‪ ،‬ولم تعترف بالروح‪ ،‬فهي تجعل النسان في عزلة عن الجماعة‬
‫أنانيا ً غاية النانية أول ً وتجعله يستطيب أبرز القبيح من جوانب الطبيعة‬
‫النسانية؛ ثانيًا‪ ،‬وتجعله يفصل نفسه عن ربه وعن السماء وعن الدين ويتنكر‬
‫لكل القيم الخالدة؛ ثالثا ً ولنه يؤوس قنوط قلق ممزق ل يجد قرارة ول راحة‬
‫ول طمأنينة ول أمنه النفسي‪ ،‬بينما السلم هو ما عكس هذا كله‪ ،‬نورا ً وهدى‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬دوركايم‪:‬‬
‫منذ سنوات ومن خلل الضباب المخيم على آفاق الفكر السلمي ارتفعت‬
‫صيحة صاعقة ثم سرعان ما انطفأت وساد الصمت بعدها‪ .‬كان صاحب هذه‬
‫الصيحة هو أستاذ العلوم الجتماعية في إحدى الجامعات العربية‪ ،‬قال الدكتور‬
‫عاطف غيث‪ :‬إن علم الجتماع الذي يدرس بجامعاتنا بصورته ومادته الحالية‬
‫أداة انهزامية في مجتمعنا العربي‪ .‬إن مدعم علم الجتماع الذي نعتمد على‬
‫نظرياته في جامعاتنا هو العالم اليهودي الفرنسي إميل دوركايم الذي حاول‬
‫مع من ردد آراءه أمثال "ماكس فيبر" اللماني "وظفر" اليطالي‪ ،‬أن‬
‫يطمسوا فعالية النسان ويجعلوه عبدا ً لمصير مجهول‪ ،‬وحاولوا كذلك أن‬
‫يميعوا حركة التاريخ ويبعدوا الحداث التاريخية عن مضمون الواقع المعاصر‬
‫حتى ل يتعرف الباحث على حقيقة مسيرة التاريخ نحو هدفه الذي لبد منه‬
‫وهو ضرورة تحرير المجتمع النساني من القيود التي كبلته قرونا ً عديدة‪.‬‬
‫ودوركايم هو صاحب الفكار التي تعوق النزعات الحرة كلها ويقف حائل ً أمام‬
‫تخطيط النسان لمستقبله‪.‬‬
‫إن خطر علم الجتماع يتضح عندما تعلم أن موضوعه الرئيسي هو دراسة بناء‬
‫المجتمع وعوامل تغييره وهو ما نعتبره أساس معركة النضال للخلص من‬
‫الثغرات التي خلفها الستغلل والستعمار في المجتمع العربي‪.‬‬
‫ولشك أن علم الجتماع الذي يدرس الن في جامعاتنا بوضعه الحالي عاجز‬
‫تماما ً عن متابعة التغيرات فهما ً أو تقويما ً ولذلك فإن بناء قيم جديدة وصناعة‬
‫جيل جديد‪ ،‬ل يمكن أن يحظى من علم الجتماع بوضعه الحالي بأدنى اهتمام‬
‫وهو بوضعه الحالي أداة لتحويل النظار عن أوجه النضال الجتماعي‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والقتصادي‪ .‬ولذلك فإننا نعتبر نقله دون تغيير إلى بلدنا يعتبر أداة إنهزامية‬
‫يجب القصاء عليها‪.‬‬
‫هذه هي الصيحة التي استعلنت منذ عشر سنوات ثم سرعان ما انطوت‪:‬‬
‫صيحة ل تقف عند علم الجتماع وحده ولكنها ستصل بعدد من العلوم التي‬
‫ندرسها في جامعاتنا وهي في ذاتها علوم وافدة ونظريات أجنبية صممت‬
‫على مقاييس مجتمعات أخرى في الشرق أو في الغرب وسيطر عليها‬
‫فلسفة لهم اتجاهات واضحة وأهداف صريحة ويجرون في موكب "الصهيونية‬
‫وأهداف بروتوكولت صهيون التي يقودها دوركايم وليفي بريل وغيره من‬
‫اليهود ولكن المر يتصل بعلوم الخلق والنفس والتربية والعلوم السياسية‬
‫والتاريخ والفن‪ ...‬ففي كل مجالت هذه العلوم تجد نظريات وافدة تقتضي‬
‫المانة بعلمائنا أن يعرضوها على أنها ليست العلم العالمي كما يدعون‬
‫ويقولون أو أنها نتائج أعلى العقول البشرية فليس المر كذلك في الحقيقة‪،‬‬
‫ولكنها نظريات وفروض وضعها مجموعة من الباحثين والفلسفة في ضوء‬
‫عاملين خطيرين‪:‬‬
‫العامل الول‪ :‬عامل البيئة الغربية التي صنعتها عوامل ثقافية ودينية‬
‫واجتماعية معينة‪.‬‬
‫والعامل الثاني‪ :‬عامل العصر المعين الذي يقع في منتصف القرن العشرين‬
‫الميلدي‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وفيما قبل ذلك بعقد أو عقدين من الزمان كانت هناك مواهب أخرى وحلقات‬
‫متصلة بذلك الزمن‪ ،‬كما كانت هناك مذاهب فلسفية مختلفة ول تزال في‬
‫ألمانيا لها طابعها الوجودي وفي فرنسا لها طابعها الماركسي وفي أمريكا لها‬
‫طابعها البرجماتي وهكذا‪.‬‬
‫فكيف يصح في الذهان أن تنقل هذه المذاهب إلى مجتمع كالمجتمع العربي‬
‫السلمي الذي يعيش عقيدته وآدابه وأخلقه ومفاهيمه وطباعاته الخاصة‬
‫التي ما زالت تستمد جذورها من القرآن والتوحيد والشريعة السلمية‪،‬‬
‫بالرغم من مرحلة الضطراب التي فرضتها ظروف الستعمار والغزو‬
‫الثقافي‪ ،‬كيف يمكن أن ننقل هذه المناهج فتدرس في الجامعات على أنها‬
‫علوم مقررة وأن فروضها ونظرياتها تعلم على أنها حقائق نهائية‪.‬‬
‫وكيف يمكن لمجتمع ناهض مختلف عن المجتمعات الغربية التي استكملت‬
‫وجودها‪ ،‬وتعيش الن مرحلة الرفاهية والستهلك وقد وضعت نظرياتها في‬
‫ظل هذه الوضاع كيف يمكن أن تطابق هذه النظريات مجتمعنا وكيف‬
‫تستطيع أن تعطيه‪ ،‬وهذه العقلية العربية السلمية التي تقوم على مفهوم‬
‫اليمان بالله وإرادة الفرد واللتزام الخلقي والمسئولية والجزاء كيف‬
‫يستطيع أن يتعامل مع نظريات تقوم على الجبرية وتحاول أن تصور المجتمع‬
‫بصورة الصراع وأن تقيم التناقضات أساسا ً بينما تقوم المجتمعات العربية‬
‫السلمية على التقاء العناصر والجزاء في كل متكامل‪ ،‬دون صراع بينها أو‬
‫جبرية‪.‬‬
‫ذلك هو الخطر الذي يصل إلينا‪ ،‬ل عن طريق الفكر المفتوح حتى نناقشه‬
‫ونكشف عن زيفه‪ ،‬ولكن عن طريق الجامعة فإذا هو من المسلمات في‬
‫عقول أبنائنا بينما هو في الحقيقة ليس كذلك في نظر أصحابه الذين طالما‬
‫غيروا لن الزمن ل يدعهم في راحة‪ ،‬إن ما ذهب إليه – دوركايم – في مذهبه‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجتماعي الذي يضمه كتابه "قواعد المنهج في علم الجتماع" ليس إل‬
‫نظرية وفرضية بناها عقله في ضوء تحديات كثيرة منها التحديات العامة‬
‫ومنها التحديات الخاصة ولكل فيلسوف من ظروفه الخاصة ظل وأثر على‬
‫آرائه ل ريب في ذلك‪ .‬أما التحديات العامة فذلك أن دوركايم هو ربيب الثقافة‬
‫ل‪ ،‬ومفهومه معارض‬ ‫الماركسية أو المذهب الماركسي والنظرية المادية أص ً‬
‫تماما ً لكل القيم الساسية التي جاءت بها الفطرة‪ ،‬أو صاغتها الديان في‬
‫منهجها الرباني القائم على الفطرة‪ ،‬وهو في كل دعاواه يأخذ الطرف الثاني‬
‫المعارض فإذا أعانت الديان أن الدين فطرة وأن السرة فطرة أعلن هو‬
‫عكس ذلك تماما ً فقال أن الجريمة هي الفطرة‪ ،‬ولكن الدين والسرة ليسا‬
‫من الفطرة في شيء‪.‬‬
‫وهو في كل ما يدعو إليه تابع للمدرسة التي بدأها سنبسر وكانت وهو تابع‬
‫في نفس للوقت للمدرسة التي بدأها ماركس في التفسير المادي للتاريخ‪،‬‬
‫فهو واحد من كبار الدعاة إلى إنكار الفرد ومسئوليته ودوره وإلعاء شأن‬
‫الظاهرة الجتماعية وتحميلها كل النتائج على النحو الذي يؤدي إلى أخطر‬
‫الثار التي يترتب عليها إنكار مسئولية الفرد والتزامه الخلقي وجزاؤه‪.‬‬
‫ومن شأن هذا أن يبرر للفراد تصرفاتهم ويحررهم من التبعية ويلقيها كلها‬
‫على المجتمع ول ريب أن هذا التجاه معارض معارضة جوهرية لمفهوم الدين‬
‫الحق ولقاعدة أساسية من قواعد اليمان بالله التي يقوم عليها المجتمع‬
‫العربي السلمي‪.‬‬
‫يقول دوركايم‪ :‬إن الفرد ل قيمة له ول معنى للتشبث بالحرية الفردية‪ ،‬وإنما‬
‫القيم كلها للمجتمع الذي يخلق الديان والعقائد والقيم الروحية وكلها عبث ل‬
‫قيمة لها‪.‬‬
‫وهو في هذا يحاول إرساء قاعدة فاسدة تتعارض مع الفطرة البشرية ترمي‬
‫إلى القول بأن التحلل والنحلل أمر حتمي‪.‬‬
‫وأهم ما يريد دوركايم أن يصل إليه هو‪:‬‬
‫ل‪ :‬إقامة فكرة التطور التي تلغي مفهوم السلم القائم على إطار من‬ ‫أو ً‬
‫الثوابت في داخله حركة وتغيير‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدعوة إلى فكرة القهر الخارجي الذي يقهر الفرد على غير رغبة منه‬
‫وذلك ليلغي مفهوم السلم القائم على الرادة الفردية والمسئولية الفردية‬
‫والجزاء الفردي‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تفسير النسان وفق مذاهب المادة وعالم الحيوان وذلك في مواجهة‬
‫مفهوم السلم الذي يكرم النسان ويجعل له منهجا ً خاصا ً لفهمه يختلف عن‬
‫المادة وعن الحيوان‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إنكاره القواعد الخلقية وثبات القيم الخلقية وهو ما يقرره السلم‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬إنكار فطرة الدين والسرة والزواج وفي ذلك معارضة لصول أصيلة‬
‫من النظام النساني‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬ل يعترف دوركايم بأن الحياة البشرية يمكن أن تفسر عن كريق‬
‫نفسية الفرد وطبيعته وكيانه الفردي وإنما يفسرها العقل الجمعي وهذا الرأي‬
‫معارض مع مفهوم السلم الذي يقرر أن كل إنسان مسئول عن نفسه‬
‫مسئولية خاصة‪ .‬وأن تعلله بفساد المجتمع أو اضطرابه ل ينجيه من الجزاء‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬نحي القداسة عن الدين والخلق والسرة والتشكيك في قيمها وهو‬
‫يدعو إلى تحطيم الدين لنه قد يعوق التطور‪ ،‬وليس فطرة إنسانية وتحطيم‬
‫قيود الخلق لنها ل وجود لها في ذاتها‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫هذه هي النظرة المادية الخالصة التي تقوم عليها مفاهيم علم الجتماع كما‬
‫دعا دوركايم وكما يدرس الن في الجامعات العربية حيث ينشئ أجيال ً تقوم‬
‫عقليتها على أساس النظرة المادية الخالصة إلى النسان‪ ،‬وحيث ننظر‬
‫بسخرية إلى الخلق والدين والسرة‪ ،‬وترى أن هذا الذي تدرسه هو الحقائق‬
‫العلمية والمسلمات التي ل مرد لها‪ ،‬بينما هي ل تعرف وجه الحقيقة بالنسبة‬
‫لمفهوم السلم الحق بينما هي ل تعرف وجه الحقيقة بالنسبة لمفهوم‬
‫السلم الحق الذي هو فطرة الله التي فطر النسان عليها‪ ،‬والمفهوم الصيل‬
‫الذي يقرر أن النسان روح وجسد وعقل وقلب وأنه ل يمكن تفسيره عن‬
‫طريق المذاهب المادية التي تعامله كالحيوان أو التجريبية التي تعامله‬
‫كالمادة الصماء‪.‬‬
‫ول ريب أن نظرية دوركايم في علم الجتماع حين تلتقي بنظرية فرويد في‬
‫علم النفس ونظرية ماركس في القتصاد من شأنها أن تشكل إنسانا ً‬
‫مضطربا ً مزعزع الوجدان‪ ،‬واليهود الثلثة هم القادة المسيطرون على هذا‬
‫الفكر العربي الذي يفرض الن على أنه هو الفكر العالمي‪ .‬بينما تختفي‬
‫مفاهيم السلم في النفس والخلق والجتماع وتتضاءل ول تعرض حتى على‬
‫أنها وجهة نظر أخرى بل لعل شبابنا في الجامعات يرى أنه ليس هناك مفهوم‬
‫إسلمي هو أعمق وأصدق وأكثر أصالة من هذا المفهوم الذي يقوم عليه‬
‫مجتمعات الغرب والذي به وصلت إلى الزمة الطاحنة المستحكمة التي‬
‫يعانيها الن من تخلخل المجتمع إلى اضطراب السرة التي تمزق النفس‬
‫البشرية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وبينما يجد المسلمون عندهم منهجا صادقا متكامل تترقبه البشرية كلها‬
‫وتتطله إليه‪ ،‬ويجد كل مطلع شمس من يؤمن به من أهل الغرب‪ ،‬فإن العرب‬
‫والمسلمين محجوبون تماما ً عن منهجهم هذا في مدارسهم وجامعاتهم‪ ،‬ولقد‬
‫كان من الضروري أن يكون للعرب والمسلمين منهجهم الجتماعي الصيل‬
‫المستمر من فكرهم وعقائدهم وبيئتهم‪ ،‬ومنهم خرج مؤسس علم الجتماع‬
‫الذي يعترف الغربيون بريادته وأثره وهذا ما قاله الدكتور غيث ما هي‬
‫الحقيقة التي تختفي وراء ترك علمائنا لواجب البحث والتألف في علم كعلم‬
‫الجتماع الذي نشأ عندنا وترديد النظريات الجنبية بكل علتها‪ .‬لقد كان من‬
‫الضروري أن يقوم علم اجتماع عربي إسلمي في بلدنا على أساس يختلف‬
‫عما علمه الغرب لبنائنا وهناك فارق بين منطق العلم وحقائق العلم "إن‬
‫منطق العلم ومنهجه ل يختلف عليه اثنان مهما كان لونهما وأيديولوجيتهما‬
‫ولكن تفسير الحقائق وإبراز بعضها وإغفال بعضها الخر‪ ،‬واستخراج نتائج‬
‫متميزة هو الذي يجب "أن نتنبه إليه تمامًا"‪.‬‬
‫إن أخطر ما يفرضه منهج دوركايم في علم الجتماع هو "إن إرادة النسان‬
‫ليست بالنطلق الذي يمكنه من تغيير المجتمع وأن الفراد وهم ورثة النظام‬
‫الجتماعي ليسوا إل صورا ً متشابهة متكررة كما أن إطار الدراسة فيه يدور‬
‫حول مجموعة من المسلمات" هذه المسلمات الباطلة الزائفة التي ل يقرها‬
‫الفكر السلمي‪.‬‬
‫ويقول الدكتور غيث‪ :‬إن الرد على دوركايم ومن قبله أوجست كونت يقوم‬
‫على أساس أنهما في تفسيرهما للعوامل الموجهة لحركة التاريخ والمجتمع‬
‫النساني يغفلن عمدا ً الصراع الذي خاضه النسان المغلوب على أمره ضد‬
‫طغيان العبودية‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل ريب أن دوركايم ومعه زملؤه اليهود‪ ،‬قد صدروا في مذهبهم عن هدف‬


‫واضح وجريا ً في نطاق واضح بدأه ماركس‪ ،‬وأكمل شطره فرويد‪ ،‬وجاء‬
‫دوركايم ليحكم الحلقة ول ننسى في هذا ما كتبه الستاذ محمد قطب في‬
‫كتابه "التطور في حياة البشرية" فإنه بل ريب قد كشف وجوها ً كثيرة‬
‫وخلفات خافية مما يريده مفسرو البروتوكولت من أهداف وغايات بالبشرية‪.‬‬
‫وليس هناك انتصار أكبر من أن نظرياتهم وفروضهم تدرس الن على أنها‬
‫)حقائق العلم( والجديد في هذا المر أن الجزائر قد حاولت في مؤتمر علم‬
‫الجتماع الذي عقد بها عام ‪ 1974‬م أن تدعو إلى إنشاء علم اجتماع عربي‬
‫والتحرر من منهج علم الجتماع الوافد الستعماري الطابع وقد دعا عدد من‬
‫علماء الجزائر إلى‪:‬‬
‫"الرجوع إلى الصالة"‬
‫باعتباره أحد الحلول المطروحة الن‪ ...‬غير أن المر ما زال في حاجة إلى‬
‫نظرة إسلمية تكشف عن جوهر مفهوم علم الجتماع السلمي ولذلك فإني‬
‫أتوجه إلى الدكتور علي عبد الواحد وافي راجيا ً أن يدلي بدلوه في هذه‬
‫القضية التي تعد إحدى معضلت الفكر السلمي المعاصر وبوصفه من رجال‬
‫الفكر السلمي وممن درسوا علم الجتماع الفرنسي‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫إن التحديات التي تواجه المسلمين اليوم عن طريق العلوم الجتماعية‬


‫والنفسية والخلقية هي من أخطر التحديات لنها تمثل في الحقيقة يد‬
‫الصهيونية التلمودية الطائلة في داخل عقولنا وفكرنا ومجتمعنا في حاجة إلى‬
‫أن نتحرر عقليا ً من هذه المدرسة التي صاغتها بروتوكولت صهيون وغزت بها‬
‫الفكر العربي المعاصر الذي ما زال يقاوم ونحن أولى بأن نكسر هذه القيود‬
‫ونحرر فكرنا ومجتمعنا من مذاهب هدامة أثبتت فشلها وزيفها في بيئاتها وما‬
‫أحق أن نكشف عن مفاهيمنا الصلية وأن ندعو النسانية إليها فإنها ستتطلع‬
‫الن إلى ضوء كاشف لن يأتيها إل من عالم السلم‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫على المدى البعيد )‪(1‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪10/10/1424‬‬
‫‪04/12/2003‬‬
‫كنت قد تحدثت في مقالين سابقين عما يجب عمله في كل الحوال‬
‫والظروف إيمانا ً مني بأن هناك شيئا ً ما يمكن القيام به من أجل نجاح العبد‬
‫وفلحه في أمور دنياه وآخرته‪ .‬وأود في هذا المقال وما يليه من مقالت أن‬
‫أتحدث عن نوعية الوسط أو البيئة التي يجب العمل على المدى الطويل من‬
‫أجل بنائها؛ كي يتوفر للنسان المسلم الجو الملئم لفضل عطاء وأفضل‬
‫إنجاز ممكن‪ .‬والحقيقة أن أية أمة ل تستطيع استنفار طاقاتها والسيطرة‬
‫على أوقاتها على وجه مقبول من غير رؤية )استراتيجية( لماهية البيئة التي‬
‫يجب أن تحيا فيها أجيالها القادمة‪ .‬ونحن بوصفنا أمة مسلمة لها منهجيتها‬
‫ورؤيتها وتطلعاتها الخاصة‪ ،‬نعتقد على نحو جازم أن كل أشكال التنمية وكل‬
‫أشكال التغيير والتطوير يجب أن تستهدف شيئا ً واحدا ً هو توفير بيئة تساعد‬
‫النسان المسلم على القيام بأمر الله ‪-‬تعالى‪ -‬على أفضل وجه ممكن‪ ،‬وهذه‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرؤية نهائية وواضحة‪ ،‬وهي مستمدة من مجموعة العقائد والمفاهيم الكبرى‬


‫التي نحملها‪ ،‬وهي رؤية متفردة‪ ،‬ليست لي أمة من أمم الرض اليوم‪ ،‬وهي‬
‫إحدى سنن الله علينا‪.‬‬
‫إذا كان من غير الممكن ‪-‬في عالم السباب‪ -‬توقع حصول مستقبل مغاير‬
‫مغايرة كبيرة للواقع؛ فإن علنا – إذا ما أردنا تكوين البيئة التي نريد – أن‬
‫شد القرارات اليومية التي نتخذها في كل صعيد وعلى المستويات‬ ‫سن ونر ّ‬‫نح ّ‬
‫كافة؛ إذ إن تشييد البنيات الثقافية والخلقية والجتماعية يحتاج إلى أزمنة‬
‫متطاولة وهو ل يتم على النحو الصحيح إل من خلل العمل الحكيم والجذري‬
‫والمتدرج‪.‬‬
‫البيئة تعني مجموعة المفاهيم والخلقيات والتقاليد والظروف والمعطيات‬
‫والنظم المتوفرة والسائدة في بلد من البلدان ‪.‬‬
‫وإن البيئة ذات دوائر متسعة منفتحة‪ ،‬والدائرة الضيق بالنسبة إلى كل واحد‬
‫منا هي الكثر تأثيرا ً في حياته؛ فالم هي أكثر من يؤثر في الطفل ثم السرة‬
‫عامة‪ ،‬ثم القرباء وأهل الحي وهكذا‪...‬‬
‫ون من ألوف الخيوط والشعيرات‬ ‫والبيئة من وجه آخر أشبه بحبل غليظ مك ّ‬
‫الدقيقة‪ ،‬وكل عدد من تلك الخيوط والشعيرات ينتمي إلى مجال من‬
‫المجالت الروحية والمعنوية والمادية‪ .‬وقد دخل في نسيج ذلك الحبل في‬
‫ون ثقافة المة والوضاع العامة التي تحيا فيها‪ .‬وهناك‬ ‫مرحلة من مراحل تك ّ‬
‫تقريب للفكرة وإشارة إلى بعض تلك الخيوط والشعيرات في عدد من‬
‫سلمى من الناس‬ ‫الحاديث النبوية‪ ،‬منها قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬كل ُ‬
‫عليه صدقة‪ ،‬كل يوم تطلع في الشمس تعدل بين الثنين صدقة‪ ،‬و تعين‬
‫الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة‪ ،‬والكلمة الطيبة‬
‫صدقة‪ ،‬وبكل خطوة تمشيها إلى الصلة صدقة‪ ،‬وتميط الذى عن الطريق‬
‫صدقة"‪ ،‬وقوله ‪ " :‬اليمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة‪ ،‬فأفضلها‬
‫قول‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬وأدناها إماطة الذى عن الطريق‪ ،‬والحياء شعبة من‬
‫اليمان" وقوله‪" :‬كل معروف صدقة"‪.‬‬
‫ً‬
‫إن قول الله – جل وعل –‪) :‬فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل‬
‫مثقال ذرة شرا ً يره( يدل على رؤية الناس لجزاء أعمالهم في الخرة‪،‬‬
‫ويمكن أن نهتدي به في القول‪ :‬إن ما يفعله الناس من خير وصلح ومعروف‬
‫وتنمية جيدة – إن كل ذلك يرونه في نوعية الوضاع والظروف العامة التي‬
‫يعيشون فيها‪ ،‬والتي ستعيش فيها ذراريهم من بعدهم؛ كما أنهم جميعا ً‬
‫سيرون آثار ما يصدر عنهم من شرور وآثام وأخطاء وخطايا على شكل‬
‫صعوبات ومشكلت ومعوقات في وجه الحياة الطيبة التي يسعون إليها‪.‬‬
‫وإني أعترف هنا ‪-‬وقبل كل شيء‪ -‬أنني ل أملك المكانية الذهنية ول المعرفة‬
‫الكافية لرسم ملمح خطة شاملة وبعيدة المدى تستهدف توفير بيئة تساعد‬
‫الفرد المسلم والدولة المسلمة على النهوض بأعباء الستخلف في الرض‪،‬‬
‫لكني سأبذل جهدي في وضع بعض النقاط على بعض الحروف الكبيرة‪ ،‬ومن‬
‫الله ‪ -‬تعالى‪ -‬الحول والطول‪.‬‬
‫جه الدعاة والمصلحون لدينا اهتمامهم إلى نوعية البيئة التي يحتاج‬ ‫‪-1‬قلما و ّ‬
‫إليها المسلم كي يحيا زمانه بفاعلية ودرجة من الراحة في إطار العقيدة‬
‫والقيم والداب التي يؤمن بها‪ ،‬فقد كان الهتمام – وما زال‪ -‬بما يجب قوله أو‬
‫بشروط الداعية الناجح دون النظر إلى الشروط التي تجعل المدعوين أقرب‬
‫إلى التفاعل والستجابة مع أن تأثير الظروف والمعطيات السائدة في توفير‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خيارات الحركة‪ ،‬وفي حفز الناس على تحديد اتجاهاتهم ومواقفهم تأثير هائل‪،‬‬
‫وأكبر بكثير مما نظن‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن الفرق بين البيئة المعاكسة والبيئة المواتية للستقامة والرشاد والعطاء‬
‫كالفرق بين من يسبح عكس التيار‪ ،‬ومن يسبح مع التيار؛ حين نطلب من‬
‫شاب أن يبدع ويصبح باحثا ً متميزا ً في فرع من فروع العلم‪ ،‬ونجد أنه يعيش‬
‫مع خمسة من إخوته في حجرة واحدة‪ ،‬وليس معه ثمن مرجع يشتريه‪ ،‬ول‬
‫تكاليف تجربه يجريها‪ ،‬كما أنه ليس في البلد الذي يقيم فيه مكتبة عامة ول‬
‫مركز تدريب ول جمعية خيرية تمد يد العون في شيء‪ ..‬حين نطلب ذلك؛‬
‫فإن الستجابة ستكون في منتهى الصعوبة‪ ،‬وستكون في معظم الحيان‬
‫هزيلة‪ ،‬وسيكون المستجيبون من الشباب للتحفيز على البحث والبداع قلة‬
‫قليلة‪ ،‬أما الباقون فإنهم سيرضخون للظروف وسيرضون بأقل القليل من‬
‫النجاز‪ .‬وهذا ما هو حاصل فعل ً الن في كل أنحاء العالم‪ ،‬وفي كل مجالت‬
‫طمة والهشة والجاهلة تحطم قوى من يعيش فيها‪،‬‬ ‫الحياة‪ .‬البيئات المح ّ‬
‫وتحطم تطلعاته وطموحاته‪ ،‬وتجعل آفاقه محدودة‪ .‬ولهذه القاعدة شذوذات‬
‫ملموسة ‪ ،‬لكن الذي يمنح الحياة ملمحها ليست المور الشاذة والنادرة وإنما‬
‫المور الغالبة والكثيرة‪.‬‬
‫إن بلدا ً صغيرا ً مثل هولندا أو بلجيكا يسجل من براءات الختراع ما يعادل‬
‫نصف ما يسجله العالم السلمي بطوله وعرضه!‪ ،‬وإن براءات الختراع التي‬
‫تسجل في )إسرائيل( سنويا ً يزيد على ما يسجل في الوطن العربي ذي‬
‫الثلثمائة مليون!!‪ ،‬وإن ما تنشره جامعة )هارفارد( من بحوث سنويا ً يعادل ما‬
‫تنشره كل الجامعات العربية مجتمعة!!‪.‬‬
‫‪-2‬إذا تأملنا في ردود أفعال المة على جملة النحرافات التي كانت تحدث‬
‫درة – كنا نعالج‬
‫فيها لوجدنا أننا على مدار التاريخ – مع استثناءات مق ّ‬
‫ن المزيد من النظم والقوانين التي تقّيد حركة‬‫مشكلتنا بوسيلتين؛ هما‪ :‬س ّ‬
‫الناس وتحد ّ من اندفاعاتهم‪ ،‬وقد عّبر عن هذا عمر بن عبد العزيز ‪-‬رحمه‬
‫الله‪ -‬حين قال‪ " :‬يحدث للناس من القضية على مقدار ما ُيحدثون من‬
‫الفجور" أي يحدث نوع من التشديد في القضية والجزاءات على مقدار ما‬
‫يصدر منهم من تصاعد في النحراف‪.‬‬
‫والوسيلة الثانية هي‪) :‬القوة( بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى‪ ،‬وقد أشار‬
‫إلى ذلك عثمان – رضي الله عنه – حين أطلق مقولته الشهيرة‪" :‬إن الله يزع‬
‫بالسلطان ما ل يزع بالقرآن"‪ ،‬ولو أن أبا بكر – رضي الله عنه– قال ذلك لما‬
‫ُقبل منه ولما كان دقيقًا؛ لن الردع في زمانه كان بالقرآن )وهو ما نعبر عنه‬
‫اليوم بالثقافة( أكثر من الردع بالسلطان )وهو ما نعبر عنه القوة(‪ ،‬ومع‬
‫اضمحلل دور الثقافة والوازع الداخلي كان اللجوء إلى استخدام الشدة في‬
‫إدارة الحياة العامة يتعاظم وينتشر‪ ،‬وقد نقل ابن حجر في فتح الباري عن‬
‫الشعبي قوله‪ " :‬كان عمر فمن بعده إذا أخذوا العاصي أقاموه للناس ونزعوا‬
‫عمامته‪ ،‬فلما كان زياد ضرب في الجنايات بالسياط‪ ،‬ثم زاد مصعب بن الزبير‬
‫ف الجاني بمسمار‪ ،‬فلما قدم‬ ‫حلق اللحية‪ ،‬فلما كان بشر بن مروان سمر ك ّ‬
‫الحجاج قال‪ :‬هذا كله لعب فقتل بالسيف"‪.‬‬
‫النتيجة النهائية لهذه وتلك هي إخراج المسلم الخائف والخانع والسلبي‬
‫والمعة وإخراج المجتمع الذي ُيظهر ضروبا ً من المتثال للنظم السارية في‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوقت الذي يضمر فيها روح التمرد والتبرم‪ ،‬كما يضمر الكثير من السلوكات‬
‫والعمال السيئة‪ .‬ومع إيماننا بأنه ل يمكن لمجتمع أن يعيش من غير نظم‬
‫وقوانين توجه الحركة الجتماعية وتشكل المرجعية الخلقية والتنظيمية‬
‫للناس‪ ،‬ومع إيماننا بأن الدولة مهما كانت عادلة وفاضلة وناجحة ل تستغني‬
‫عن استخدام شيء من السلطة والقوة؛ إل أن علينا أن ندرك أن هذا‬
‫السلوب في معالجة الخطاء ليس هو السلوب الصحيح من وجهة النظر‬
‫السلمية‪ ،‬ول هو بالسلوب العملي والمنتج والملئم لبلوغ الهداف التي‬
‫نسعى إليها‪.‬‬
‫على المدى البعيد لبد من العمل على توسيع مجال عمل )الثقافة( في تحديد‬
‫مسارات المجتمع وفي كبحه عن النحراف والرذيلة ‪ .‬فجوهر اليمان‬
‫والسلم ل يقوم على الكراه ول على المتثال للضغط الخارجي‪ ،‬وإنما يقوم‬
‫على الختيار والمبادرة الشخصية والشعور بالمسؤولية‪ .‬والدولة الفاضلة هي‬
‫التي تدير شؤون مجتمعها بأقل قدر من القوانين ومن أدوات القهر والكراه‪،‬‬
‫والفضيلة ل تكون لذلك إل بتعشق الناس لها واستعدادهم للتضحية من أجلها‪.‬‬
‫إن كثرة السجون وتصاعد الرقابة الصارمة‪ ،‬وسن المزيد من القوانين؛ هو‬
‫دليل على قصور التنشئة الجتماعية‪ ،‬كما أنه دليل على ضعف اليمان‬
‫وأدبيات التدين السائد في تشكيل مواقف الناس وسلوكاتهم‪ ،‬ودليل على‬
‫ضعف جاذبية الدولة في كسب ولء الناس وتجاوبهم‪ .‬وقد آن الوان للتفكير‬
‫العميق والعمل الجاد من أجل تشكيل بيئة يمتنع فيها الناس عن النحراف‬
‫والفساد بدافع من إيمانهم وخوفهم من الله –تعالى‪ -‬وليس بدافع من خوف‬
‫الدولة أو كلم الناس‪ .‬ومداخل مثل هذا التجاه واضحة لدى أهل البصيرة‬
‫والخبرة‬
‫على المدى البعيد )‪(2‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪24/10/1424‬‬
‫‪18/12/2003‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن وضع المة في بيئة تساعدها على تحسين إنتاجيتها وتحرير طاقاتها‬
‫واكتشاف إمكاناتها الحضارية الكامنة؛ يتطلب أن نعطي لمسائل المن‬
‫والستقرار والسلم والوئام الجتماعي ج ّ‬
‫ل اهتمامنا وعنايتنا‪.‬‬
‫حين يضطرب حبل المن فإن الفرصة تصبح متاحة لظهور كل أشكال‬
‫التوحش والهمجية التي اختفت تحت قشرة رقيقة من طلء الحضارة‪ .‬وقد‬
‫دلت شواهد التاريخ ومعطيات الواقع أن أشد الحاجات إلحاحا ً تتمثل في‬
‫اهتداء الناس إلى طريقة ناجعة لدارة العنف والتوتر الذي ينشأ نتيجة تصادم‬
‫رغباتهم ومصالحهم؛ حيث إن اجتماع الناس بعضهم مع بعض على مقدار ما‬
‫يوفر من المباهج والمسرات والمشاعر الحميمة يوفر إمكانات التناحر‬
‫والتحارب‪.‬‬
‫حاجة الناس إلى أن يتعايشوا في إطار نظم وقوانين توضح مبادئ حقوقهم‬
‫سة؛ لكن هذه الحاجة ل يمكن تلبيتها في أجواء الحرب‬ ‫وواجباتهم حاجة ما ّ‬
‫الهلية والتطاحن الجتماعي‪.‬‬
‫ً‬
‫إن القانون السائد مهما كان غير عادل وغير مكتمل فإنه يظل خيرا من‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوضعيات التي ل يحكم فيها أي قانون حيث يتحول المجتمع إلى غابة ليس‬
‫رس ومفتَرس وظالم ومظلوم!‪.‬‬ ‫فيها إل مفت ِ‬
‫ليست إدارة العنف داخل المجتمعات بالمر السلس واليسير‪ ،‬فهذه القضية‬
‫دّوخت العالم من أدناه إلى أقصاه‪ ،‬والتقدم الذي تحقق على صعيدها نسبي‬
‫ض في معظم الحالت‪ ،‬ولعلي أقف مع هذه المسألة الوقفات‬ ‫وغير مر ٍ‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪-1‬هناك تشوق إنساني عميق إلى ما يمكن أن نسميه )تحقيق الذات( حيث‬
‫يتطلع النسان إلى أن يؤكد لنفسه وللخرين قدرته على القيادة والتأثير‬
‫واستحقاقه للريادة والتسامي نحو المعالي‪ .‬وهو في سبيل ذلك مستعد‬
‫للتضحية والبذل كما أنه مستعد عند الحاجة لتجاوز كل المبادئ والقيم؛ بل‬
‫ارتكاب الجرائم إذا اقتضت الضرورة ذلك!‪ .‬النشطة الروحية والدبية‬
‫والتطوعية والجتماعية تساعد المرء على تحقيق ذاته والكشف عن إمكاناته؛‬
‫فهذا يحقق ما يتطلع إليه عن طريق تأسيس رابطة‪ ،‬وذاك يحققه عن طريق‬
‫رئاسة جمعية‪ ،‬وثالث يحققه عن طريق النخراط في حركة لحماية البيئة‬
‫وهكذا‪ ،..‬لكن بما أن كل جماعي يؤسس لسلطة جديدة‪ ،‬ويثير حساسية‬
‫معينة لدى بعض الجهات؛ فإن هناك رغبة قوية في ابتعاد الناس عن كل‬
‫النشطة الجماعية والحرة مهما كانت نبيلة الهداف وعظيمة الفوائد والنتائج‪.‬‬
‫ومن هنا فإن انسداد الفاق أمام النشطة المشار إليها أو تضييقها وانحسارها‬
‫إلى حد كبير؛ دفع بالناس إلى أن يجعلوا تحقيق ذواتهم يتم عن طريق جمع‬
‫الموال والثروات واقتناص الوجاهة وإظهار السيطرة عن طريق التفنن في‬
‫إنفاقها واستخدامها‪ .‬وبما أن المعروض من )المال( هو دائما ً أقل من‬
‫المطلوب –حيث ل يمل فم ابن آدم إل التراب‪ -‬فإن منافسة ضارية قد‬
‫اشتعلت في كل مكان من ديار المسلمين وعلى كل المستويات‪ ،‬وعلى مدار‬
‫التاريخ كانت المنافسة متصلة بانحطاط المدنية وسوء الخلق‪ ،‬حيث يدفع‬
‫الحرص على جمع المزيد من المال نحو الكذب والغش والخداع والرشوة‬
‫ت تلتقي بأشخاص كثيرين ل ترى‬ ‫والتضحية بالكرامة وارتهان الذات‪ ..‬وقد صر َ‬
‫فيهم أبدا ً ما يدل على أنهم يرجون الله والدار الخرة‪ ،‬أو يقيمون أي اعتبار‬
‫لمبادئ السلم وقيمه! وفقدت الحياة بذلك أجمل معانيها!‪ .‬إن إطلق‬
‫النشطة الروحية والدبية والتطوعية المختلفة والتحفيز عليها وتيسير سبلها‪،‬‬
‫يخفف إلى حد كبير من الطلب على المال‪ ،‬ويخفف بالتالي من حدة التعانف‬
‫الهلي والتوتر الجتماعي‪.‬‬
‫وأعتقد أن علينا أن نبتكر في إيجاد الطر والوعية والنظم التي تتيح للناس‬
‫الشعور بتحقيق الذات وإشباع التطلعات على نحو ل يتصل بالمال أو أي‬
‫اعتبار آخر‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪-2‬لن يتحقق السلم في مجتمعاتنا ول المن ول الستقرار ول الشعور‬


‫بالنتماء للوطن ما لم يسد العدل وتكافؤ الفرص ونفاذ القوانين عل الناس‬
‫دون استثناء ودون اعتبار خصوصية لي كان‪ .‬والحقيقة أن السلم عانى‬
‫طويل ً مع العرب ومع كل المجتمعات التي تقوم فيها الروابط على أساس‬
‫م المسيطر خلل تاريخنا الطويل – على المستوى‬ ‫العرف والنسب؛ وكان اله ّ‬
‫السياسي والقانوني‪ -‬هو نقل المجتمعات السلمية من مرحلة القبيلة إلى‬
‫مرحلة الدولة‪ ،‬أي من مرحلة الولءات والتكتلت وتبادل المنافع على أساس‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الولدة ومعطيات التاريخ إلى مرحلة الخضوع للحكام الشرعية والقوانين‬


‫والنظم السارية‪ .‬ويجب أن نعترف أنه لم تسجل اختراقات ذات شأن على‬
‫هذا الصعيد‪ .‬وعلى نحو عام فإن النجاحات كانت محدودة جدا ً وهذا الخفاق‬
‫في النتقال من مرحلة الدولة كان السبب الجوهري وراء كثير من الفتن‬
‫والثورات التي كانت تجتاح المة في العديد من فتراتها التاريخية‪ .‬وهو نفسه‬
‫السبب الكامن خلف سلبية النسان المسلم عامة والعربي خاصة تجاه‬
‫المخاطر المحدقة التي تتعرض لها بعض الوطان السلمية إلى درجة أن‬
‫يقوم الناس ويحتجوا في الغرب ضد ممارسة حكوماتهم تجاهنا‪ ،‬ونحن‬
‫سادرون غافلون ومنهمكون في همومنا الشخصية‪ ،‬وكأن المر ل يعنينا من‬
‫قريب أو بعيد!!‪.‬‬
‫م ذلك‬ ‫حين سرقت امرأة من بني مخزوم – فخذ ٌ من أنبل أفخاذ قريش‪ -‬أه ّ‬
‫قريشًا‪ :‬كيف ُتقطع يد ُ مخزومية ؟! وقالوا‪ :‬من يكّلم رسول الله – صلى الله‬
‫ب رسول الله؟ فكّلمه أسامة في ذلك‪،‬‬ ‫عليه وسلم – إل أسامة بن زيد ح ّ‬
‫فقال الرسول‪ " :‬أتشفع في حد من حدود الله ؟! ثم قام – عليه الصلة‬
‫والسلم – خطيبا ً في الناس ليعلن لهم مبدأ من أهم المبادئ التي تقوم عليها‬
‫المم والحضارات العظيمة حيث قال‪ " :‬إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا‬
‫سرق فيهم الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد!‪ .‬وأيم‬
‫الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"‪.‬‬
‫دمنا نموذجا ً واحدا ً ثابتا ً وشامل ً في مسألة تكافؤ الفرص‬
‫ربما نكون قد ق ّ‬
‫وإشاعة العدل والتعامل على أساس الكفاءة الشخصية وليس على أي‬
‫أساس آخر؛ ذلك النموذج هو ما يتم في تشكيل المنتخبات الوطنية التي تمثل‬
‫بلد المسلمين في اللعاب الرياضية الدولية‪ .‬هنا يتم تحري الكفأ والليق دون‬
‫حساسيات ودون حسابات خاصة ودون اعتبار لمنافع جانبية؛ في العم‬
‫الغلب‪ .‬وأنت تلحظ ما يثيره هذا السلوك الجيد من حمية الناس وحماستهم‬
‫وتعاطفهم حيث ينقلب الشخص غير المكترث بذهاب وطن إلى إنسان‬
‫دق بسبب دخول كرة فريقه الوطني في‬ ‫مشتعل حماسا ً إلى درجة ل ُتص ّ‬
‫شباك مرمى المنافس!‪ ،‬وإني ل أشك أن الناس سوف يتفاعلون ويبذلون‬
‫ويهّبون تجاه كل المسائل الكبرى إذا شعروا أن المور تجري فيها على ما‬
‫ينبغي‪ ،‬ووجدوا الطار الذي يعبرون من خلله عن ذلك؛ فالخير متأصل في‬
‫النفوس والولء لمة السلم وللمجتمع السلمي ضارب أطنابه في أعماق‬
‫شخصية المسلم‪.‬‬
‫الوطنية في جوهرها شعور بشرف النتماء لبقعة من الرض تحكمها نظم‬
‫وقوانين واحدة‪ ،‬ويجمع الناس الذين يعيشون عليها اللتزام بمبادئ وقيم‬
‫موحدة‪ ،‬والسعي إلى أهداف متقاربة ول معنى للنتماء إلى أرض ل تتوفر‬
‫مني من‬ ‫فيها هذه المعاني‪ .‬وقد قال أحدهم ‪ :‬لماذا أدافع عن وطن لم يؤ ّ‬
‫خوف‪ ،‬ولم ُيطعمني من جوع‪ ،‬ولم يساعدني على ارتجاع حقي المغتصب؟!‪.‬‬
‫‪-3‬يتطلب استتباب المن والشعور بالسلم والستقرار إحساس الناس بأن‬
‫لهم نوعا ً من المشاركة في إدارة الشأن العام‪ .‬أما في المور اللصيقة بهم؛‬
‫فل ُيتخذ قرار دون موافقة أغلبيتهم عليه‪ .‬وإن قول ا لله – جل وعل‪-‬‬
‫) وأمرهم شورى بينهم( يوضح أن بعد الشورى ليس سياسيا ً فحسب؛ وإنما‬
‫لها أبعاد أخرى‪ :‬أخلقية وتربوية واجتماعية‪.‬‬
‫على المستوى السياسي من المهم جدا ً أن يعرف الناس أنهم من خلل‬
‫الشورى يستطيعون تحقيق وليتهم على أنفسهم ‪ ،‬ويستطيعون أن يثقوا أنهم‬
‫إذا ابتلوا بحكومة سيئة‪ ،‬فإنهم قادرون على التخلص منها من غير إراقة دماء‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو تخريب للمرافق والممتلكات العامة؛ فالسلم الجتماعي ل يأتي من خلل‬


‫الدعوة إليه‪ ،‬وإنما من خلل فتح طرق للتغيير والتطوير والتحسين‪ ،‬تبتعد عن‬
‫التآمر والقتل والتخريب‪ .‬إننا أحيانا ً نمتنع عن استشارة الناس خوفا ً من أن‬
‫در ومعتبر‬ ‫يأتوا بعناصر سيئة تسيء للدين والمصلحة العامة‪ ،‬وهذا الخوف مق ّ‬
‫وقد يحدث هذا فعل ً في بعض الحيان ولسيما في البدايات أو عند فساد‬
‫التربية‪ ،‬لكن هذا ل يشكل القاعدة‪ ،‬فالولء للدين وللصلح والكفاءة قوي جدا ً‬
‫في المة؛ وفي المكان وضع ضوابط تحد من مخاطر هذا المر‪ .‬وعلى كل‬
‫حال فلن نستطيع أبدا ً العثور على صيغة في إدارة العنف وتسيير الشأن‬
‫العام‪ ،‬تخلو من السلبيات أو الخطاء‪ .‬ول بد في سبيل أن تنال بعض الشياء‬
‫من أن تخسر أشياء أخرى‪ .‬هذا هو حال النسان الذي يجد نفسه أبدا ً عاجزا ً‬
‫عن الصدور عن رؤى كلية وبناء تنظيمات وترتيبات كاملة‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫سة حتى ننهض ونتخلص من أشكال العنف إلى أن نجعل‬ ‫إننا في حاجة ما ّ‬
‫الشورى تقليدا ً محترما في بيوتنا ومدارسنا ودوائرنا ومؤسساتنا وكل مناشط‬
‫ً‬
‫حياتنا؛ فالقضايا الكبرى تظل قضايا خاسرة ما لم تتصد المة لحملها‬
‫والمساهمة في إنجاحها‪ .‬وكل حمل يتم خارج رحم المة هو أشبه بالحمل‬
‫الكاذب‪ .‬لكن المة غير مستعدة للتضحية ما لم تشعر أنها تشارك في صنع‬
‫القرار‪ ،‬وأنها ليست عبارة عن أدوات للتنفيذ فقط‪ .‬وعلى علمائنا ومفكرينا‬
‫وخبراء التشريع والقانون فينا أن يبدعوا في إيجاد صيغ تنظيمية تجعل‬
‫الشورى أسلوب حياة‪ ،‬كما تجعل منها أداة للصلح والرتقاء في إطار‬
‫الصول والثوابت التي نؤمن بها‪.‬‬
‫‪-4‬إنني أتساءل دائمًا‪ :‬هل يمكن للمن والنظام والسلم والستقرار والتعايش‬
‫السلمي أن يتم في أي مجتمع من المجتمعات دون وجود تنظيم جيد للنقد‬
‫والمعارضة وتضارب الرؤى والراء والتجاهات؟‬
‫ليس من المقبول في اعتبار العقل والشرع أن يقول من شاء ما شاء دون‬
‫ن لهم‬ ‫خوف المساءلة القضائية عن صحة ما يقول‪ ،‬ول أن يفعل الناس ما يع ّ‬
‫ولو كان ضارا ً بالمصلحة العامة‪ .‬كما أنه ليس من المقبول أن تكمم الفواه‪،‬‬
‫فل يتمكن أي أحد من إبداء وجهة نظره في شأن عام‪ ،‬مهما كان رأيه سديدا ً‬
‫جع الناس على ممارسة النقد من خلل معاتبة‬ ‫ورشيدًا‪ ،‬فالقرآن الكريم ش ّ‬
‫النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬على بعض اجتهاداته ومعاتبة الصحابة –‬
‫رضوان الله عليهم‪ -‬على بعض ما وقع منهم؛ حيث ُيعد التستر على الخطاء‬
‫أكبر مشجع على تكرارها واستمرارها‪ ،‬وحيث ُيعد ّ النقد والبحث عن أشكال‬
‫القصور وأنواع الخطاء والخطايا من أفضل الوسائل المساعدة على الصلح‬
‫وتخليص الناس من كثير من المشكلت والزمات ومحاصرة المفاسد‬
‫والشرور‪.‬‬
‫إن تراثنا الفقهي لم يستوف التنظير والتعقيد لضوابط النقد والمعارضة‬
‫وتضارب الراء على نحو يغنينا عن النظر والجتهاد‪ ،‬بل إن كثيرا ً من التفاصيل‬
‫والحيثيات ما زالت غامضة‪ ،‬وأعتقد أن كثيرا ً من الضطرابات الهوجاء‬
‫والزمات الخانقة التي مرت بها المة كان بسبب التطرف في التعامل مع‬
‫هذه المسألة؛ فالحريصون على بقاء كل شيء على ما هو عليه مهما كان‬
‫غير ملئم وغير صحيح ضيقوا أبواب النقد إلى حد إسكات الناس عن قول أي‬
‫شيء‪ .‬والذين كانوا يشكون من سوء الحوال كانوا يريدون قلب كل شيء‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رأسا ً على عقب بعيدا ً عن الرفق والتدرج والمجادلة بالتي هي أحسن‪ .‬وقد‬
‫آن الوان لن تتلحم الصفوف‪ ،‬وتتشابك اليدي بين الجميع ومن كل‬
‫ن‬
‫المستويات والمجالت من أجل العمل الدؤوب على إرساء التقاليد وس ّ‬
‫القوانين وتشييد المؤسسات وإبداع الفكار التي تنشر المن والسلم وحب‬
‫النظام واللتزام بالحكام الشرعية والعراف الصالحة والقوانين السارية‪،‬‬
‫وتساعد في الوقت نفسه على نبذ التعانف والتقاتل واللجوء إلى القوة بكل‬
‫ما تعنيه هذه الكلمة من معنى‪.‬‬
‫على المدى البعيد ‪3‬‬
‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪9/11/1424‬‬
‫‪01/01/2004‬‬
‫فإن لدى كثير من أهل الخير حساسية خاصة نحو الحديث عن القتصاد‬
‫والتنمية والزيادة السكانية والبطالة؛ فهم يشعرون أن الهتمام بهذه المور ل‬
‫يخلو من نزوع نحو الدنيوية والمادية‪ ،‬وإعطاء العتبارات المعيشية أكثر مما‬
‫تستحق من العناية والنتباه‪ .‬وفي تصوري أن هذه الحساسية لم تعد سائغة‬
‫اليوم‪ ،‬فأنا مع اعتقادي بضرورة توخي الحذر من الوقوع في شرك الحسابات‬
‫والعتبارات المادية البحتة بعيدا ً عن المبادئ والهداف السلمية إل أنني‬
‫أعتقد أن من شأن التقدم الحضاري أن يضعف إرادة المقاومة لدى الناس‬
‫تجاه المغريات‪ ،‬ومن ثم فإنهم ُيظهرون المزيد من الستجابة لضغوط البيئة‬
‫ومتطلبات العيش‪ ،‬وكثيرا ً ما يكون ذلك على حساب مبادئهم وقيمهم؛ مما‬
‫يعني أن تحسين شروط العيش إلى حدود مقبولة‪ ،‬سيساعد الناس على أن‬
‫يحققوا مصالحهم في إطار مبادئهم وأخلقياتهم؛ والعكس صحيح‪.‬‬
‫إن كثيرا ً من سقم التفكير وتخلف الخطط والمناهج الصلحية يأتي من خلل‬
‫النغلق وصرف الهتمام عن التطورات المتسارعة فيما يتعلق بحاجات‬
‫الناس وضرورات وجودهم‪ ،‬ومن خلل عدم الكتراث بالتحولت في ذائقتهم‬
‫الثقافية ونظرتهم إلى الضغوط والمرفهات والحقوق والواجبات‪ ،‬وإن مفتاح‬
‫فهم كل ذلك يكمن في شيء واحد هو النفتاح على الواقع والتأمل في‬
‫تداعياته وإحالته واتجاهاته؛ إذ ما فتئ فهم الواقع واستكشافه بإيجابية مصدرا ً‬
‫لتطوير الذهنية وتوجيه المعرفة ومصدرا ً لعادة ترتيب الولويات‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ل بد من هذه اللحظة وعلى المدى البعيد من العمل على إيجاد تنمية‬


‫اقتصادية تكافئ الزيادة السكانية في العالم السلمي‪ .‬ومن المهم أن ندرك‬
‫أن كل المم التي اعتمدت في معيشتها على الزراعة والرعي خلل القرنين‬
‫الماضيين تواجه مشكلت اقتصادية متفاقمة؛ فالناس يزيدون‪ ،‬لكن الرض ل‬
‫تزيد‪ ،‬فهي مع كل جيل تشهد نقلة في التفتت والتضاؤل؛ وعلى سبيل المثال‬
‫فإذا قلنا‪ :‬إن زيدا ً من الناس يملك مئة فدان من الرض‪ ،‬وله خمسة من‬
‫سم ليكون لكل واحد عشرون فدانًا‪ .‬فإذا توفي‬ ‫الولد‪ ،‬فإنه بعد وفاته ستق ّ‬
‫ً‬
‫أولئك الخمسة‪ ،‬وترك كل واحد منهم أيضا خمسة )فيكون المجموع خمسة‬
‫وعشرين ولدًا( فإن نصيب الواحد منهم سيكون أربعة أفدنة‪ .‬فإذا قلنا إن‬
‫أولئك الخمسة والعشرين من الحفاد توفوا‪ ،‬وترك كل واحد منهم أيضا ً‬
‫خمسة من الولد‪ ،‬فإن عددهم سيكون مئة وخمسة وعشرين‪ ،‬وسيكون‬
‫نصيب الواحد منهم من تلك الرض ‪ %80‬من الفدان‪ .‬وعليه أن يأكل من هذا‬
‫القدر الضئيل وأن يبيع على نحو يمكنه من شراء كل حاجاته المتسعة ودفع‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تكاليف تعليم أبنائه وتطبيبهم وكسوتهم‪ ،‬حيث إن العولمة تدفع الحكومات‬


‫نحو التخلص من كل الخدمات المجانية التي تقدمها؛ ليواجه كل واحد مصيره‬
‫على نحو منفرد!‪.‬‬
‫وهكذا فعبر قرن من الزمان تنخفض حصة الشخص من الرض إلى أقل من‬
‫‪ !%1‬وليس هذا من صنع الخيال‪ ،‬بل هو الواقع المشهور والملموس وليس‬
‫ل؛ فالرضي المخصصة للرعي هي‬ ‫الذين يعملون في الرعي بأحسن حا ً‬
‫الخرى تتفتت وتزدحم فيها الماشية‪ ،‬ويزحف عليها العمران‪ ،‬ويقل عطاؤها‬
‫بسبب تراجع كمية المطار في معظم أنحاء الوطن العربي‪.‬‬
‫إن نسبة الزيادة السكانية في العالم السلمي بشكل عام مرتفعة إذا ما‬
‫قسناها بما لدى الدول الخرى‪ ،‬فعلى سبيل المثال يزيد السكان في الدول‬
‫العربية سنويا ً بنسبة ‪ %3‬في الحد الوسط على حين أن الزيادة في بريطانيا‬
‫تبلغ ‪ %.1‬وفي فرنسا ‪ . %.6‬أما بلد مثل روسيا؛ فإنه يعاني من نقص في‬
‫السكان يصل إلى نحو مليون إنسان في السنة‪ ،‬وينقص عدد سكان ألمانيا‬
‫نحوا ً من مئة ألف شخص في السنة‪ .‬وحتى نعرف حجم الزيادة السكانية‪،‬‬
‫وتطورها السريع؛ فإن من المفيد أن نعلم أن إجمالي سكان الوطن العربي‬
‫كان عام ‪1400‬هـ نحو من ‪ 160‬مليون نسمة‪ .‬ويتوقع أن يكون وصل عام‬
‫‪1420‬هـ إلى ‪ 300‬مليون نسمة‪ ،‬وإن بلدا ً مثل الجزائر يتضاعف سكانه كل‬
‫‪ 25‬سنة‪ ،‬ومن المتوقع أن يرتفع إلى ‪ 285‬مليون نسمة خلل قرن!‪.‬‬
‫ويجب أن نأخذ بعين العتبار أن الشعوب السلمية شعوب فتّية‪ ،‬حيث إن‬
‫حوالي نصف السكان هم من الطفال والشبال دون سن الخامسة عشرة‪.‬‬
‫وهذا يعني أن لدينا أعدادا ً هائلة تحتاج إلى تربية وتعليم واستيعاب نفسي‬
‫واجتماعي‪ ،‬ثم إلى فرص عمل وخدمات عامة كثيرة‪.‬‬
‫ليست الزيادة السكانية في حد ذاتها مشكلة ‪ ..‬على العكس إنها ميزة؛ حيث‬
‫ل يمكن اليوم لدولة أن تصبح دولة عظمى إذا لم يصل سكانها إلى الخمسين‬
‫مليونا ً على القل ‪ .‬لكن علينا أن ندرك من وجه آخر أن الزدحام على موارد‬
‫محدودة وعدم القدرة على تأمين الحد الدنى من الحاجات الضرورية‪ ،‬وتأمين‬
‫تعليم وتدريب جيدين؛ سيجعل من هذه العداد الغفيرة من الفتيان والشباب‬
‫أشبه بجيش جرار لم يتلقّ من التدريب ولم يجد من التنظيم ول من التسليح‬
‫ما يكفيه؛ إنه في هذه الحالة يصبح هدفا ً سهل ً للعدو‪ ،‬إنه يصبح أرقاما ً غير‬
‫ذات معنى‪ ،‬وبعض العنصريين من الغربيين يقولون باستخفاف‪ :‬إن في العالم‬
‫خمسة مليارات من البشر‪ ،‬منهم مليار – أي أبناء العالم الصناعي‪ -‬مواطنون‬
‫والباقون سكان‪.‬‬
‫في حديث القصعة وصف واضح للكثرة العددية الفاقدة للكيف والمضمون‪.‬‬
‫فقد قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬يوشك أن تداعى عليكم المم كما تداعى‬
‫الكلة إلى قصعتها‪ .‬قالوا‪ :‬أو من قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟! قال‪ :‬ل‪ .‬أنتم‬
‫يومئذ ٍ كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل‪."...‬‬
‫إذا ً مشكلة المسلمين في آخر الزمان ليست مشكلة )كم( ولكن مشكلة‬
‫)كيف( و )نوعية(‪.‬‬
‫عدم وجود تنمية جيدة في معظم أنحاء العالم السلمي دفع بأبنائنا وإخواننا‬
‫إلى الهجرة إلى الغرب‪ ،‬حيث يشتغل معظمهم في مهن وضيعة يترفع‬
‫الوروبي عن العمل فيها‪ .‬وهناك يضيع نصف الجيل الثاني ومعظم الجيل‬
‫الثالث‪ ،‬حيث النسلخ شبه الكامل عن العقيدة والهوية‪ .‬وعيش أبنائهم في‬
‫الغرب على هامش المجتمع‪ ،‬دفع بهم إلى الجريمة والرذيلة وإدمان‬
‫المخدرات‪ ،‬فصاروا يشكلون نسبة مخيفة من نزلء السجون هناك!‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كل نوعا ً من التعبير القانوني عن الضيق‬


‫جه فرنسا إلى منع الحجاب يش ّ‬ ‫وتو ّ‬
‫ً‬
‫من جاليات باتت تشكل عبئا على المجتمع‪ ،‬وهي بادرة خطيرة‪ ،‬وربما تحدو‬
‫دول غربية أخرى حذوها‪ ،‬ويصبح الملتزمون من المسلمين في الغرب في‬
‫وضعية أشبه بوضعية من وجد نفسه بين المطرقة والسندان‪.‬‬
‫ومن واجبنا جميعا ً أن نحول دون ذلك بكل وسيلة ممكنة‪.‬‬
‫ل أريد أن أتحدث أكثر من هذا عن الحاجة إلى تنمية اقتصادية تعتمد على‬
‫كز على نقطتين هنا‪:‬‬‫أسس ومنطلقات جديدة‪ ،‬وإنما أحب أن أر ّ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الولى‪:‬حتى يتحسن وضع فرص العمل‪ ،‬وحتى تفتح حقول جديدة لكسب‬
‫الرزق‪ ،‬فإنه ل بد من الرتقاء بالتعليم وتشجيع الناس على أن يتخذوا من‬
‫التدريب المنهجي مدخل ً لكتساب المهارات وتنمية الشخصية‪.‬‬
‫إن التعليم في معظم أنحاء العالم السلمي يعد بالمعايير العالمية قاصرا ً عن‬
‫سة بالطلب‪ ،‬وأسلوب التدريس مبني‬ ‫الوفاء بحاجات العصر؛ فالفصول مكد ّ‬
‫على أن يقوم المدرس بكل شيء‪ ،‬ويظل الطالب في موقع المتفرج وليس‬
‫المشارك والمتفاعل‪ .‬والتجهيزات المدرسية معدومة أو عند حدها الدنى‪.‬‬
‫والهم من هذا وذاك فقد المدرسين والطلب للحماسة المطلوبة لنجاح‬
‫العمل التعليمي ‪ .‬ول يختلف التعليم الجامعي في هذا كثيرا ً عن التعليم‬
‫الساسي‪ ،‬مع استثناءات قليلة‪.‬‬
‫ول شك أن هناك الكثير من القتراحات والحلول المطروحة للنهوض بالتعليم‪،‬‬
‫لكن ستظل المور تزداد سوًءا ما لم تحدث تحولت جذرية في أوضاع‬
‫المدارس وفي العلقة بين البيت والمدرسة‪ .‬وقد آن الوان ليساهم الباء في‬
‫تأمين تعليم جيد لبنائهم من خلل تشكيل عدد كبير من مجالس التعليم في‬
‫الحياء والقرى‪ ،‬ويكون لها صلحيات واسعة جدا ً في بحث أوضاع المدارس‬
‫وتوجيهها ومحاولة النهوض بها‪ ،‬ول بد من الن فصاعدا ً من أن يخصص كل‬
‫واحد منا جزءا ً من ميزانيته الخاصة لمؤازرة المدارس في القيام برسالتها‬
‫من خلل التوسع في مبانيها وتدعيم مختبراتها وتجهيزاتها المختلفة‪.‬‬
‫التعليم الجيد وحده هو الذي يوجد في نفس الطالب الولء لمدرسته ومن‬
‫خللها لوطنه وأمته‪ .‬والتعليم السيئ يجعل الطالب زاهدا ً في كل ذلك‪ ،‬وإلى‬
‫جانب تطوير التعليم ل بد من إرساء تقاليد ثقافية تمجد التدريب على‬
‫اكتساب المهارات والطرق الجديدة في إدارة العمال وتنفيذ المهام‪،‬‬
‫فالتطور السريع الحاصل الن في كل مجالت الحياة سيجعل كل ما لدى‬
‫الواحد منا من مفاهيم وخبرات ومهارات محدود مدة الصلحية‪ ،‬حيث تتسارع‬
‫إليه الشيخوخة‪ ،‬وهو ما يزال في طور الصبا‪ .‬وقد أدركت المم المتقدمة‪،‬‬
‫وصارت تنفق بسخاء بالغ على التدريب انطلقا ً من هذه الحقيقة‪ .‬إن مجمل‬
‫ما تنفقه اليابان على التدريب يزيد على ‪ 80‬مليار دولر في السنة ‪ .‬أما‬
‫الوليات المتحدة فإنها تنفق ما يتراوح بين ‪ 120‬مليار دولر و ‪ 180‬مليار‪ .‬ول‬
‫بد من الن فصاعدا ً من أن نسلك كل سبيل لقناع الناس بأهمية التدريب‬
‫لدخول سوق العمل ثم الستمرار فيه‪ .‬ول بد أن يكون واضحا ً في العقود‬
‫الجديدة تحديد ما ستقدمه المؤسسة أو الشركة أو المصنع أو الجامعة من‬
‫تدريب وتعليم لمن سيعمل فيها‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬من المهم أن ندرك أننا في زمان فريد‪ ،‬بات ارتقاء النسان فيه‬
‫منوطا ً إلى حد بعيد بنوعية المهنة التي يعمل والتخصص الذي تعمق فيه‪،‬‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سن وعي‬ ‫فنظرا ً للتنظيم والتصنيف المتنامي للعمال والمهن‪ ،‬ونظرا ً لتح ّ‬
‫الناس بواجباتهم الوظيفية‪ ،‬صار الناس يبذلون جهودا ً كبرى للوفاء بمتطلبات‬
‫الوظيفة والمهنة‪ ،‬وما تفرضه من تعليم وتدريب وتنظيم للحياة الشخصية‪.‬‬
‫ه‬
‫ٍ‬ ‫توج‬ ‫ونستفيد من هذا أن تحسين البيئة ورفع مستوى الناس يتطلب تأسيس‬
‫كز‪ .‬ولك أن‬ ‫إلى العمال المتصلة بالمعرفة الرفيعة والجهد الذهني المر ّ‬
‫تقارن بين العاملين في القطاعات المهنية التي ل تتطلب أي جهد ذهني أو‬
‫معرفة راقية مثل قطاع بيع التجزئة وقطاع الزراعة وقطاع النشاء‪ ...‬وبين‬
‫العاملين في قطاع التعليم الجامعي والبحث العلمي وتقنية المعلومات‬
‫والتدريب‪ ...‬وستجد صدق ما أريد توضيحه‪.‬‬
‫إن المجال الواعد اليوم هو مجال )تقنية المعلومات( وكل ما يتصل بمجال‬
‫الحاسب اللي وتطبيقاته المتسعة‪ ،‬وهذا المجال بات اليوم القطاع الصناعي‬
‫الول حيث تزيد قيمة العمال فيه على )التريليون( دولر‪ .‬ونحن أمة غنية‬
‫بالموارد البشرية‪ .‬وهذا المجال يحتاج أساسا ً إلى العنصر البشري المتعلم‬
‫وإلى البيئة المنظمة تنظيما ً جيدًا‪ .‬ول يحتاج هذا وذاك إلى أموال طائلة‪.‬‬
‫إن العالم كله اليوم يخوض سباقا ً محموما ً نحو ترسيخ أقدامه في هذا‬
‫المجال‪ ،‬وقد وضعت بريطانيا خطة لتطوير البلد تقنيًا‪ ،‬قيمتها خمسون مليار‬
‫جنيهًا‪ .‬وعلى ضخامتها فقد ذكر أحد الباحثين أنها غير كافية وجاءت متأخرة !‪.‬‬
‫ووصفت إحدى المنظمات الدولية الدول العربية بأنها جائعة معلوماتًيا على‬
‫مة معلوماتًيا‪ .‬وقد أضحت )إسرائيل(‬ ‫حين أنها وصفت )إسرائيل( بأنها دولة ن َهِ َ‬
‫اليوم الدولة الولى في أمن المعلومات‪ ،‬وهي تصدر منتجات معلوماتية إلى‬
‫أوروبا وأمريكا والصين في غاية التطور والتعقيد‪ ،‬وتقبض أثمانا ً عالية لها‪.‬‬
‫إن من المهم جدا ً أل نتأخر أكثر مما حدث عن الستثمار في قطاع‬
‫المعلومات والتقنية المتقدمة من أجل الرتقاء بالمسلم المعاصر ومن أجل‬
‫إيجاد فرص عمل للجيال الجديدة في مجال هو السرع نموا ً بين مجالت‬
‫العمل المختلفة‪ .‬وإذا لم نفعل ذلك فإن العداد المتزايدة من هؤلء الذين‬
‫تدفع بهم الرحام سوف تتحول إلى قنابل موقوتة تدمر نفسها وبيئتها في آن‬
‫واحد‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ومسؤولية التقدم في هذا الشأن ملقاة على عاتق السرة والمدرسة والدولة‬
‫ورجال العمال‪ .‬وعلى كل راشد فينا أن يحاول مساعدة نفسه والرتقاء‬
‫بذاته حيث أعرض الخرون عن مساعدته ‪.‬‬
‫على المدى البعيد )‪(4/4‬‬
‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪23/11/1424‬‬
‫‪15/01/2004‬‬
‫فقد كان مالك بن نبي – رحمه الله‪ -‬لحظ أن المجتمعات السلمية تعاني‬
‫من )فرط تسييس(‪ ،‬حيث إن هناك ميل ً عارما ً إلى مطالبة الدول بأن تقوم‬
‫بكل شيء على حين يظل معظم الناس غافلين عاطلين‪ .‬وملحظته – في‬
‫ظني‪ -‬في مكانها حيث إن كثيرا ً من الصلحيين على اختلف مشاربهم‬
‫يركزون باستمرار على ما على الحكومات أن تقوم به من إصلح نفسها‪،‬‬
‫وإصلح غيرها‪ ،‬على حين أن كثيرا ً منهم لم يستطيعوا المساهمة العملية في‬
‫نهضة المة؛ وكأن اعتقادنا بأن كلم المرء جزء من عمله‪ ،‬جعلنا نظن أننا‬
‫بالخطب الرنانة والمقالت البليغة والكتب ذوات المئين من الصفحات‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نستطيع أن نحل مشكلتنا المستطيلة في الزمان والمستعرضة في المكان!‪.‬‬


‫في البداية أحب أن أؤكد أن من المهم أن يشتغل بعض الناس في العمل‬
‫السياسي من خلل نشر الوعي بطبيعة هذا المجال ومن خلل ممارسة النقد‬
‫ون أبدا ً من‬‫ودخول النتخابات وتشكيل الحزاب؛ إنني لست ضد هذا‪ ،‬ول أه ّ‬
‫شأنه‪ ،‬ولكن الشيء الذي ل أرى أنه صواب هو الظن بأنه حين تقوم دولة‬
‫حسب المواصفات المطلوبة سوف نتخلص من كثير الزمات والمشكلت‬
‫الموجودة‪.‬‬
‫ً‬
‫إن هذا أحد أكثر الوهام انتشارا‪ .‬وكثير من الجماعات السلمية المشتغلة‬
‫بالسياسة علقت كل توازنها على الحكومة العظيمة التي ستشكلها في‬
‫المستقبل حين تصل إلى الحكم‪ .‬وبما أن المجال السياسي‪ ،‬ل يتسع لكل‬
‫الناس‪ ،‬ول يستطيع كثيرون العمل فيه‪ ،‬فإن أعدادا ً كبيرة من شبابها عاطلون‬
‫عن أي عمل دعوي أو اجتماعي نافع!‪.‬‬
‫وجود الدولة في الصل شيء مكروه من النفوس؛ لنها تمثل سلطة وقوة‪،‬‬
‫وهي ‪ -‬على المستوى الوظيفي – أميل إلى أن تكون كابحة وضابطة أكثر من‬
‫صلحة‪ .‬وإذا استطاعت الدولة حماية النظم السارية‬ ‫م ْ‬
‫أن تكون بانية أو ُ‬
‫وتطبيقها دون تحيز إلى جانب دعم استقللية القضاء وتسهيل حركة الفرد مع‬
‫حد مقبول من المرافق العامة؛ فإنها تكون قد قامت بأشياء عظيمة جدًا‪.‬‬
‫ومعظم دول العالم ما زالت تخفق في تحقيق ذلك‪.‬‬
‫العمل الساسي الذي ي ُن َْتظر من الجميع المساهمة فيه هو العمل الجتماعي‬
‫‪ -‬بأوسع ما تحمله هذه الكلمة من دللة –‪ .‬في العالم اليوم قطاع يسمونه‬
‫)القطاع الثالث( أو )القطاع اللربحي( إنه شيء غير القطاع العام الذي تكون‬
‫مؤسساته ملكا ً للدولة وغير القطاع الخاص المملوك للفراد‪ ،‬إنه القطاع‬
‫الذي تملكه المة‪ .‬مهام هذا القطاع أوسع بكثير مما نتصوره وإن المم من‬
‫كل كرة أخرى على طريق‬ ‫خلله تستدرك على قصور النظم المختلفة‪ ،‬إنه يش ّ‬
‫العدالة الجتماعية وإيصال الحقوق لصحابها‪ .‬إن أنشطته تغطي حاجات‬
‫أولئك الناس الذين ل يقع الهتمام بهم تحت مسؤولية أي وزارة أو مؤسسة‬
‫حكومية‪ ،‬وإنه يهتم بالقضايا التي ل تهتم بها أي جهة حكومية‪ .‬وأستطيع أن‬
‫أقول دون أن أشعر بالحرج‪ :‬إن اتساع هذا القطاع يدل على نحوٍ قاطع على‬
‫خيرية المجتمع وتضامنه وفاعليته واستحقاقه باسم )مجتمع(‪ .‬وعلى مقدار‬
‫ضيق هذا القطاع وضعفه يكون ضعف المجتمع وتفككه وخموله‪ .‬وقد ل‬
‫يستحق لسم )مجتمع( ويكون جديرا ً باسم )تجمع(!‬
‫إن ما ينشر من إحصاءات عن هذا القطاع يدل دللة واضحة على أن العالم‬
‫الصناعي يتمتع بمجتمعات غنية بالمؤسسات والنشطة اللربحية‪ .‬وقد‬
‫استطاع هذا القطاع أن يجمع من الناس في الوليات المتحدة المريكية عام‬
‫)‪ (2002‬مبلغا ً قدره )‪ (212‬مليار دولر‪ .‬وهو رقم فلكي ل يمكن جمع نصفه‬
‫أو ثلثه في أي دولة من العالم‪ .‬في أمريكا مليون ونصف مؤسسة لربحية‬
‫وثلثة وعشرون ألف مؤسسة وقفية‪ .‬وفي فرنسا ستمئة ألف مؤسسة‬
‫لربحية‪ .‬وفي )إسرائيل( ثلثون ألف مؤسسة ل ربحية ويستوعب القطاع‬
‫اللربحي ‪ %11‬من القوة العاملة هناك في العالم الغربي لكل ثلثمائة‬
‫شخص تقريبا ً مؤسسة لربحية من نوع ما وعندنا في العالم العربي ل يحصل‬
‫الـ )‪ (5000‬شخص على أكثر من مؤسسة‪ ،‬أي إن الفارق يتمثل في خمسة‬
‫عشر ضعفًا‪ .‬ويجب أن نأخذ بعين العتبار إلى جانب هذا أن الذين يحتاجون‬
‫إلى العون في مجتمعاتنا أكثر بكثير من المحتاجين في مجتمعاتهم‪.‬‬
‫إن هناك أشياء مشتركة بين المم‪ ،‬وهناك أيضا ً خصوصيات لكل أمة‪ .‬إن‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المجتمعات السلمية بحاجة إلى الكثير الكثير من المؤسسات اللربحية‬


‫وسأذكر منها هنا نماذج فقط‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪ -‬مؤسسات ومشروعات لدعم اللتزام والمحافظة على الخلق والوقوف‬


‫في وجه التحلل الخلقي عن طريق التصال المباشر والحوار مع الناس‬
‫ووضع لوحات في الطرق وإعلنات في الصحف‪ .‬بل إن القطاع اللربحي‬
‫يحتاج في الحقيقية إلى فضائية وإذاعات خاصة حتى نؤصل حب العمل‬
‫الخيري في نفوس الناس‪ .‬أضف إلى هذا تأسيس جمعيات لمحاربة العادات‬
‫السيئة مثل الدمان على التدخين والخمور والمخدرات ومثل عادات‬
‫السراف والتبذير في المأكل والمشرب والملبس والمسكن وإرشاد الناس‬
‫إلى بعض الطرق القتصادية في كل ذلك‪ ،‬كما هو الشأن في كثير من الدول‪.‬‬
‫‪ -‬مؤسسات للهتمام بالسرة وتوجيهها في مسائل التربية ومساعدتها على‬
‫حل المشكلت التي تواجهها وتوفير مرشدين تربويين ومرشدات تربويات‬
‫لصلح العلقات السرية وتنمية وعي الناس بأهمية التضامن السري‪،‬‬
‫وتوضيح مسؤولية كل طرف في ذلك‪ ،‬ونشر عدد كبير من الكتيبات‬
‫والنشرات التي تعلم الناس أصول التربية الجيدة‪ ،‬كما توضح لهم الخطاء‬
‫التربوية التي يقعون فيها‪.‬‬
‫‪ -‬مؤسسات وجمعيات وروابط لدعم العلم والتعليم‪ ،‬حيث إن الدول ما عادت‬
‫تستطيع توفير ما يكفي من المدارس والتجهيزات المدرسية لهذه العداد‬
‫المتدفقة من الطفال والفتيان‪ .‬والتعليم الخاص الحالي هو أقل في كثير من‬
‫الحيان من المستوى المطلوب‪ ،‬وهو إلى جانب ذلك ينشر الطبقية‬
‫الجتماعية والمعرفية‪ ،‬فأبناء الغنياء يجدون مدارس ممتازة لنهم قادرون‬
‫على الدفع‪ ،‬وأبناء الفقراء ل يجدون في بعض الحيان حتى المدارس السيئة‪.‬‬
‫وبعض الدول السلمية – مثل باكستان‪ -‬لم تستطع إلى الن إصدار تشريعات‬
‫لجعل التعليم البتدائي إلزاميا ً بسبب عدم قدرة الدولة على توفير المدارس‬
‫الكافية‪ .‬وهناك دول ل تستطيع توفير الكتب المدرسية لبنائها – كما هو‬
‫الشأن في بلد عديدة مثل إندونيسيا – وهكذا‪..‬‬
‫قد آن الوان ليقوم الناس بدعم التعليم الحكومي والمساهمة في توجيه‬
‫أنشطته وممارسة نوع من الرقابة عليه بما يخدم التقدم العلمي في البلد‪.‬‬
‫كما آن الوان لتأسيس عدد كبير من المدارس الخيرية التي يجد فيها أبناء‬
‫الفقراء فرصا ً للتعلم‪ .‬وفي بعض الدول – مثل تركيا‪ -‬أنشئت مجالس كثيرة‬
‫جدا ً لدعم التعليم الجامعي وتوفير منح للطلب الفقراء‪ ،‬حيث إن الجامعات‬
‫الحكومية ل تستوعب سوى ‪ %10‬من المحتاجين للتعليم الجامعي‪.‬‬
‫إن من المهم أن تنظم حملت واسعة من أجل قيام الثرياء بتأسيس شبكات‬
‫من المدارس والمعاهد العلمية والتقنية لبناء الفقراء والمعدمين والنفاق‬
‫عليها عوضا ً عن تبذير المال في السياحة في الغرب أو إنفاقه على مظاهر‬
‫كاذبة ل تزيد صاحبها إل خبال ً وسأمًا!‪.‬‬
‫‪ -‬في المة اليوم مظالم كثيرة‪ ،‬ول يكاد يخلو مجلس من المجالس من ذكر‬
‫مظلمة من المظالم! وقد صارت مهمة المحامين في كثير من الدول‬
‫السلمية‪ -‬مع السف الشديد‪ -‬طمس الحقيقة وإضاعة الحقوق والعمل على‬
‫تأجيل المحاكمات إلى ما ل نهاية وتسربت الرشوة إلى سلك القضاء مع‬
‫استثناءات مقدرة! إن هذه الوضعية تستلزم قيام مؤسسات وروابط‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومنظمات لنصرة الضعيف ورفع الظلم عن المظلوم ومؤازرة المضطهد‬


‫وفضح أشكال الحيف‪ .‬وقد أثنى – صلى الله عليه وسلم‪ -‬على حلف الفضول‬
‫الذي أقامته قريش في الجاهلية‪ ،‬وحضره – عليه الصلة والسلم‪ -‬وقال‪" :‬‬
‫دست‬ ‫ولو دعيت إلى مثله لجبت"‪ .‬وقال أيضا ً في حديث صحيح‪ " :‬إنه ل قُ ّ‬
‫أمة ل يأخذ الضعيف حقه فيها غير متعتع"‪.‬‬
‫إن التعليم والقضاء يشكلن محورين أساسين في حياة أي أمة وإن في‬
‫فسادهما فساد الحياة كلها‪ ،‬فعلينا أن نصلح من شأنهما قدر الستطاعة ولن‬
‫يكون ذلك إل من خلل توفير رقابة شعبية واسعة‪ ،‬ولن تكون تلك الرقابة‬
‫فعالة إذا لم تنظم وتؤطر على نحو جيد‪.‬‬
‫‪ -‬المية في العالم السلمي ضاربة أطنابها‪ ،‬ومازال المعدل الوسطي لها‬
‫يدور في فلك الـ)‪ (%40‬وهذا شيء مخيف في زماننا فقد احتفلت اليابان‬
‫بتعليم آخر أمي في أواخر القرن التاسع عشر‪ .‬ولدينا أناس يعرفون القراءة‬
‫والكتابة لكنهم ل يقرؤون‪ .‬وكما قال أحدهم‪ :‬ما الفرق بين المي وبين من‬
‫يحسن القراءة والكتابة لكنه ل يقرأ؟! إن حالة القراءة وطلب العلم والحرص‬
‫على معرفة الجديد في حالة من التردي المستمر في عالمنا السلمي‪.‬‬
‫والكتاب يفقد في كل يوم جزءا ً من أرضه لصالح ما يمكن أن نسميه )اللهو‬
‫المطلي بالمعرفة( وهذا يلقي علينا مسؤولية هائلة‪ .‬إني أفترض أن يكون‬
‫لدينا في كل حي من الحياء مكتبة عامة يضعها أحد الثرياء في زاوية من‬
‫داره ليرتادها أهل الحي وتكون مكانا ً للتقائهم ومناقشة أمور حيهم‪ .‬وأتعشم‬
‫أن يكون هناك برامج لدعم الكتاب الجيد وأن يكون هناك من حانات للقراءة‬
‫ومكتبات متنقلة لنشر العلم وإعارة الكتاب‪ .‬وقد سبقتنا دول كثيرة إلى هذا‪،‬‬
‫ولم يعد لدينا وقت لضاعته‪ .‬إن من غير شغف حقيقي بالعلم واتخاذه أساسا ً‬
‫للتطوير لن نستطيع أن نتجاوز الوضاع الصعبة التي نعيش فيها‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪ -‬العولمة تشجع الحكومات على أن تنفض يديها من كل الخدمات المجانية‬


‫والرخيصة التي تقدمها‪ ،‬ومنها )العلج الصحي(‪ .‬والخدمات الصحية الحكومية‬
‫في كثير من بلدان العالم السلمي في حالة من التدهور حيث يلجأ الناس‬
‫إلى الطب الخاص‪ ،‬وهناك تجد أشكال ً من التحايل والبتزاز مما يوجب قيام‬
‫مؤسسات طبية ل ربحية يعمل فيها الخيار من الطباء وتتقاضى أجورا ً تكفي‬
‫فقط لتشغيلها‪ .‬وقد قامت تجارب رائدة في بعض البلدان السلمية في هذا‬
‫المجال‪ ،‬إنها تقدم أفضل علج‪ ،‬لكن بسعر ل يزيد على ‪ %30‬مما لدى غيرها‪.‬‬
‫إني أتصور أن يكون هناك جمعيات للعناية بأصحاب المراض المزمنة‬
‫والمستعصية وجمعيات لتوفير الدواء لمن ل يجد ثمنه وجمعيات لدعم‬
‫المستشفيات الحكومية بالجهزة وهكذا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ول أريد هنا أن أتحدث عن قضية الفقر لنني سأفرد لها حديثا خاصا في‬
‫المستقبل بإذن الله‪.‬‬
‫ً‬
‫إن العمل الخيري التطوعي يستهدف أول الرتقاء بنفوس فئة كبيرة من‬
‫المجتمع وربطهم بالله – تعالى‪ -‬وهذه الفئة هي العاملون والمحتسبون في‬
‫المجال اللربحي‪ .‬ويستهدف ثانيا ً سد حاجات العناصر الضعيفة في المجتمع‪،‬‬
‫وهي في عالمنا السلمي كثيرة جدا ً بل تشكل النسبة الكبر من الناس‪.‬‬
‫وسنظل نعيش على هامش العالم ما لم نبدع في إيجاد الحلول للمشكلت‬
‫التي جاءت بها الحضارة المعاصرة ‪ .‬والله ولي التوفيق‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫على المنادين بتغيير المسميات الشرعية التوبة إلى الله‬


‫صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان‬
‫>‪TD/‬‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‪ ،‬ومن واله وبعد‪.‬‬
‫فقد خلق الله الخلق لعبادته وفطرهم على توحيده وطاعته‪ ":‬ولكن اختلفوا‬
‫فمنهم من آمن ومنهم من كفر"‪ " ،‬هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم‬
‫مؤمن" فالله أراد لهم بإرادته الدينية اليمان والخير وأراد لهم الشيطان‬
‫ودعاة السوء الكفر والشر‪ .‬قال تعالى‪ " :‬يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن‬
‫الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم‪ ،‬والله يريد أن يتوب عليكم‬
‫ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميل ً عظيمًا"‪.‬‬
‫ولذلك أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وأقام الحجج فمن الناس من قبل‬
‫الحق ودخل اليمان طائعا ً مختارا ً ومن الناس من رفض قبول الحق ودخل‬
‫في الكفر طائعا ً مختارًا‪.‬‬
‫وقد وضع الله فوارق بين المؤمنين والكفار في الدنيا والخرة ونهى عن‬
‫التسوية بين الفريقين وجعل لكل فريق جزاء وأحكاما ً في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ووضع لكل فريق اسما ً مميزا ً كالمؤمن والكافر والبر والفاجر والمشرك‬
‫والموحد والفاسق والمنافق والمطيع والعاصي‪ .‬ونهى عن التسوية بين‬
‫المتخلفين في هذه السماء والسلوكيات فقال سبحانه‪ " :‬أم حسب الذين‬
‫اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات" وقال تعالى "‬
‫أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الرض أم نجعل‬
‫المتقين كالفجار"‪ .‬يعني ل نجعلهم سواء‪ .‬لن ذلك ل يليق بعدل الله‪ .‬وأمر‬
‫المؤمنين بالبراءة من الكفار والمشركين ولو كانوا من أقاربهم‪ .‬قال تعالى"‬
‫قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين آمنوا معه إذ قالوا لقومهم إنا‬
‫براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة‬
‫والبغضاء أبدا ً حتى تؤمنوا بالله وحده" ـ وهذا أصل من أصول اليمان والدين‬
‫متقرر في الكتاب والسنة وكتب العقيدة الصحيحة ل يماري فيه مسلم ـ‬
‫ولكننا في هذه اليام صرنا نقرأ في بعض الصحف نقل ً عما دار في مؤتمر‬
‫الحوار الوطني محاولة واقتراحا ً من بعض المشاركين ـ نرجو أن تكون تلك‬
‫المحاولة والقتراح صادرين عن جهل‪ .‬وذلك كما نشر في بعض الصحف أن‬
‫يترك لفظ الكافر ويستبدل بلفظ مسلم وغير مسلم‪ ،‬أو يقال المسلم والخر‪.‬‬
‫وهل معنى ذلك أن نترك ما ورد في القرآن والسنة وكتب العقيدة السلمية‬
‫من لفظ الكفر والشرك والكفار والمشركين فيكون هذا استدراكا ً على‬
‫الكتاب والسنة فيكون هذا من المحادة لله ولرسوله؟‪ .‬ومن تغيير الحقائق‬
‫الشرعية فنكون من الدين حرفوا كتاب ربهم وسنة نبيهم ثم ما هو الدافع‬
‫لذلك؟ هل هو إرضاء الكفار‪ ،‬فالكفار لن يرضوا عنا حتى نترك ديننا‪ .‬قال‬
‫تعالى" ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم" وقال تعالى "‬
‫ول يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" " ودوا لو‬
‫تكفرون كما كفروا فتكونون سواء" ‪ ،‬ثم إنه ل يجوز لنا إرضاء الكفار‬
‫والتماس مودتهم لنا وهم أعداء لله ولرسوله‪ .‬قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا‬
‫ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من‬
‫الحق"‪ .‬وإن كان مراد هؤلء المنادين بتغيير هذه المسميات الشرعية التلطف‬
‫مع الكفار وحسن التعامل معهم فهذا ل يكون على حساب تغيير المسميات‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشرعية بل يكون ذلك بما شرعه الله نحوهم وذلك بالمور التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ دعوتهم إلى السلم الذي هو دين الله الذي شرعه للناس كافة ـ قال‬
‫تعالى" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي‬
‫أحسن" فنحن ندعوهم لصالحهم وسعادتهم في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ عقد الصلح معهم إذا طلبوا ذلك قال تعالى" وإن جنحوا للسلم فاجنح لها‬
‫وتوكل على الله إنه هو السميع العليم" وكذلك إذا احتاج المسلمون إلى عقد‬
‫الصلح معهم وكان في ذلك مصلحة للمسلمين‪ .‬كما صالح النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم الكفار في الحديبية‪ .‬وبموجب الصلح يتم التمثيل الدبلوماسي‬
‫بينهم وبين المسلمين‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ عدم العتداء عليهم بغير حق قال تعالى" ول يجرمنكم شنآن قوم على‬
‫أن ل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الحسان إلى من أحسن منهم إلى المسلمين فلم يقاتلوا المسلمين ولم‬
‫يخرجوهم من ديارهم‪ .‬قال تعالى" ل ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في‬
‫الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب‬
‫المقسطين"‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ التعامل معهم في المنافع المباحة من تبادل التجارة وتبادل الخبرات‬
‫النافعة والستفادة من علومهم الدنيوية والمفيدة لنا في حياتنا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪6‬ـ الوفاء بالعهود معهم واحترام دماء المعاهدين وأموالهم وحقوقهم ـ لن‬
‫لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين‪ .‬قال تعالى" فما استقاموا لكم‬
‫فاستقيموا لهم" وقال تعالى " ول تقتلوا النفس التي حرم الله إل بالحق"‪.‬‬
‫والنفس التي حرم الله هي نفس المسلم ونفس المعاهد‪ .‬ومن قتل معاهدا ً‬
‫متعمدا ً فقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل معاهدا ً لم يرح‬
‫رائحة الجنة‪ .‬وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين سنة" رواه البخاري‪ .‬ومن‬
‫قتل معاهدا ً خطأ فهو كمن قتل مؤمنا ً خطأ عليه الدية والكفارة‪ .‬قال تعالى"‬
‫وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة‬
‫مؤمنة"‪.‬‬
‫وأخيرا ً ـ إنني أنصح هؤلء المنادين بتغيير المسميات الشرعية أن يتوبوا إلى‬
‫الله وأل يدخلوا في شيء ل يحسنونه وليس هو من اختصاصهم لنه من‬
‫القول على الله بغير علم وقد قال تعالى" ول تقف ما ليس لك به علم"‬
‫وقال تعالى" قل إنما حرم ربي الفواحش والثم والبغي بغير الحق وأن‬
‫تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ً وأن تقولوا على الله ما ل تعلمون"‬
‫فجعل القول عليه بغير علم فوق الشرك لخطورة ذلك ـ إذا كان هؤلء‬
‫يعترفون بالتخصصات وعدم دخول المرء فيما ليس هو من تخصصه ـ فكما ل‬
‫يتدخلون في الطب مثل ً لنه ليس من تخصصهم فلماذا يتدخلون في أمور‬
‫الشرع بل وفي أخطر أمور الشرع ـ وهو العقيدة وليس من تخصصهم؟ ما‬
‫أردت بهذا إل النصيحة والبيان ‪ .‬والله ولي التوفيق‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬
‫الشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان‬
‫عضو هيئة كبار العلماء‬
‫الوطن ‪ :‬الخميس ‪ 23‬جمادى الولى ‪1426‬هـ الموافق ‪ 30‬يونيو ‪2005‬م‬
‫العدد )‪(1735‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫على باب القيامة !‬


‫شعر ‪ :‬أحمد مطر‬
‫قهُر‬ ‫من قَْهريَ ال َ‬ ‫َبكى ِ‬
‫مّر‬ ‫من َفمي ال ُ‬ ‫فق َ ِ‬ ‫وأش َ‬
‫فسي‬ ‫مُر في ن َ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ل ال َ‬ ‫َوسا َ‬
‫جمُر !‬ ‫ه ال َ‬ ‫س ُ‬ ‫فأحَرقَ َنف َ‬
‫مّني‬ ‫خل ِي ّةٍ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ب ِك ُ ّ‬
‫ة‬‫محرقَ ٌ‬ ‫جوْرِ َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫له ِ‬
‫مّروا ‪.‬‬ ‫ُ َ‬ ‫هنا‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫تزمج‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫بلوا‬ ‫َ‬ ‫على‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫دوم‬ ‫ٌِ َ‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫وإ‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫شكوا‬ ‫فمي‬ ‫َ‬ ‫م َ ُ ْ‬
‫ق‬ ‫ر‬ ‫تط‬ ‫لَ ْ‬
‫صب ُْر !‬ ‫صْبريَ ال ّ‬ ‫من َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م َيست َ ِ‬ ‫َلو ل َ ْ‬
‫ه أَبدا ً‬ ‫م ُ‬ ‫ت ألو ُ‬ ‫وََلس ُ‬
‫عذُر !‬ ‫خيان َةٍ ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫فَُر ّ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫مت ِ ِ‬ ‫حك َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ذ َقْ َ‬ ‫أُيسل ِ ُ‬
‫ي َيلهو ِبها ِغّر ؟!‬ ‫ل ِك َ ْ‬
‫جَنى ب َذ ٍْر‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ل في َ‬ ‫أيأ ُ‬
‫خُر ؟!‬ ‫ص ْ‬ ‫حقول ِهِ َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ُترا ُ‬
‫ُ‬
‫صبَر أن ُيبلي‬ ‫أعيذ ُ ال ّ‬
‫مثلي‬ ‫ة َقلبهِ ِ‬ ‫ُذبال َ َ‬
‫جُر !‬ ‫ه فَ ْ‬ ‫ل مال َ ُ‬ ‫ل ِل َي ْ ٍ‬
‫سوَةَ اللم ِ ‪:‬‬ ‫ل قَ ْ‬ ‫ُأشاِغ ُ‬
‫ضي ُْر ‪..‬‬ ‫ل َ‬
‫متي َيوما ً‬ ‫ُ‬
‫ستصحو أ ّ‬ ‫َ‬
‫حوَِتها هُوَ الن ّذ ُْر ‪.‬‬ ‫ص‬
‫ُ َ َ ْ‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫مري‬ ‫وَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫ك َدورةُ الّيام ِ ‪:‬‬ ‫فََتضح ُ‬
‫مُر ؟!‬ ‫ك العُ ْ‬ ‫عند َ َ‬ ‫سَيبلغُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫هرا َ‬ ‫ً‬ ‫م دَ ْ‬ ‫كَ ْ‬
‫ك ‪..‬‬ ‫أ َدِْر عَي َْني َ‬
‫شٌر ؟‬ ‫من َترى ب َ َ‬ ‫هل في َ‬ ‫َ‬
‫شُر ؟‬ ‫ل في ما َترى ب ِ ْ‬ ‫وَهَ ْ‬
‫حاذٍ‬ ‫ش ّ‬ ‫ِبلد ُك هذهِ أطماُر َ‬ ‫َ‬
‫صُر ‪.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫فها ِرقاع ٌ ما َلها َ‬ ‫ُتؤل ّ ُ‬
‫ت أمَرها إ ِب ٌَر‬ ‫ت َوَل ّ ْ‬
‫ف َرّقاٍع‬ ‫َتدوُر ب ِك َ ّ‬
‫َيدوُر بأمرِهِ المُر ‪.‬‬
‫م أّنها قُط ُْر ‍‬ ‫من ُرقعَةٍ إل ّ َ َ ُ ُ‬
‫ع‬ ‫تز‬ ‫و‬ ‫وما ِ‬
‫ب‬ ‫ح على ُرت َ ٍ‬ ‫مطرو ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫شع ُ‬ ‫وفيها ال ّ‬
‫ب‬‫سب َ ٍ‬ ‫ِبل َ‬
‫ب‬ ‫شعَ ٍ‬ ‫م إلى ُ‬ ‫مقسو ٌ‬ ‫و َ‬
‫مَرها َزيد ٌ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ل َِيضرِ َ‬
‫مرو !‬ ‫دها عَ ْ‬ ‫ب َزي ْ َ‬ ‫وََيضرِ َ‬
‫ن الصفاِر‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مليي ٌ‬ ‫َ‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حُر ‪..‬‬ ‫طها الب َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫َيغَرقُ وَ ْ‬


‫فُر !‬ ‫ص ْ‬ ‫مِعها ‪ِ :‬‬ ‫ج ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ص ُ‬ ‫َوحا ِ‬
‫صد ْرِ أبياتي‬ ‫ألوذ ُ ب ِ َ‬
‫مُعني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مُعها وأط ِ‬ ‫وأط ِ‬
‫ن أ َت ِّيها التي‬ ‫بأ ّ‬
‫مكُر‬ ‫م ما َبنى ال َ‬ ‫سَيهدِ ُ‬ ‫َ‬
‫معْت َّر ‪.‬‬ ‫ٌ َ َ ُ‬ ‫ر‬ ‫يثو‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫با‬ ‫فَ َ َ‬
‫ر‬ ‫يثأ‬
‫ن سماءها ل ب ُد ّ أن تبكي‬ ‫َوأ ّ‬
‫ك للّثرى ث َغُْر ‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫ل َِيض َ‬
‫موتى‬ ‫ل ‪ :‬اصب ِْر على ال َ‬ ‫َتقو ُ‬
‫شُر ‪.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫إلى أن َيبدأ ال َ‬
‫عصا موسى‬ ‫عندي َ‬ ‫فل ِ‬
‫حُر ‪.‬‬ ‫س ْ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ِول في طوْ ِ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫من ْ ٍ‬ ‫س َ‬ ‫ك ك ُّلها أطباقُ أ ْ‬ ‫سماؤ َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫فل َرعْد ٌ ول َبرقٌ ول قطُر ‪.‬‬
‫ت‬‫فل ْ ٍ‬ ‫س َ‬ ‫ك ك ُّلها أطباقُ أ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫َوأر ُ‬
‫طيُر ‪.‬‬ ‫جٌر ولماٌء ول َ‬ ‫فل َ َ‬ ‫ش‬
‫؟!‬ ‫شعُر ‍‬ ‫َفماذا َيصن َعُ ال ّ‬
‫موتى‬ ‫د َِع ال َ‬
‫ن إذ َيبدو‬ ‫دف ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ل ب ِهَ ّ‬ ‫ول ُتشغَ ْ‬
‫ك أن ُّهم ك ُث ُْر ‪..‬‬ ‫ل ِعَي ْن ِ َ‬
‫ك ك ُلها قَب ُْر !‬ ‫ّ‬ ‫بلد ُ َ‬
‫ت إيماني‬ ‫فر َ‬ ‫قد ك ّ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫ب عن َذنبي‬ ‫شع ُ‬ ‫مّرةً يا َ‬ ‫فْر َ‬ ‫فَك َ ّ‬
‫كفُر !‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫عسى أن ُيؤ ِ‬ ‫َ‬
‫ت آمالي‬ ‫خّيب َ‬ ‫وََقد َ‬
‫خي َْبتي َيوما ً‬ ‫ب َ‬ ‫خي ّ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫شعُر ‪:‬‬ ‫شعرِ ماذا َيصن َعُ ال ّ‬ ‫ل ِلل ّ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫عصا موسى ‪..‬‬ ‫عن َ‬ ‫ل َ‬ ‫أَنسأ ُ‬
‫م ؟!‬ ‫وَط َوْع ُ َيميِننا قَل َ ٌ‬
‫حارٍ ‪..‬‬ ‫س ّ‬ ‫حَر َ‬ ‫س ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫أَنطل ُ ُ‬
‫حبُر ؟!‬ ‫ملُء َدواِتنا ِ‬ ‫وَ ِ‬
‫ن‬‫م ٌ‬‫شعرِ ل َيجتاُزه ُ َز َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َزما ُ‬
‫سّر ‪.‬‬ ‫ه ِ‬ ‫ُ‬
‫س ُيحيط ُ‬ ‫شعرِ لي َ‬ ‫سّر ال ّ‬ ‫وَ ِ‬
‫ت‬ ‫عباَرةٍ عَب ََر ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫فَُر ّ‬
‫فُر !‬ ‫س ْ‬ ‫مِلها ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫وضاقَ ب ِ َ‬
‫ت‬ ‫ب هُن َي ْهَةٍ هان َ ْ‬ ‫وَُر ّ‬
‫وفي أحشاِئها د َهُْر !‬
‫دنيا‬‫قصيد َةِ ُتخلقُ ال ّ‬‫َ‬ ‫ق ال َ‬ ‫دى َ ْ‬ ‫لَ َ‬
‫ُ‬ ‫خل ِ‬
‫شُر !‬ ‫قصيد َةِ َيبدأ الن ّ ْ‬ ‫شرِ ال َ‬ ‫وفي ن َ ْ‬
‫حّر‬ ‫هنا ُ‬ ‫سَينب َعُ ها ُ‬ ‫َ‬
‫حّر‬ ‫هنا ُ‬ ‫ض ها ُ‬ ‫وَينب ِ ُ‬
‫حّر ‪.‬‬ ‫هنا ُ‬ ‫وَيسطعُ ها ُ‬ ‫َ‬
‫ة الحرارِ كالسحاِر‬ ‫وَُتشرِقُ ث ُل ّ ُ‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل بالظفاِر‬‫جدارِ الل ّي ْ ِ‬ ‫فُر في ِ‬ ‫َتح ِ‬


‫فُر ‪.‬‬ ‫ح ْ‬
‫ت ال َ‬ ‫حّتى ُيبهَ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ق ُبرقِعها‬
‫من أعما ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ة الفا ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فََتطلعُ طلعَ ُ‬
‫مِعها ‪:‬‬ ‫ك أد ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض ْ‬‫ف ِ‬ ‫وََيهت ِ ُ‬
‫جُر !‬ ‫ف ْ‬‫سلما ً ‪ ..‬أّيها ال َ‬ ‫َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫على بصيرة )‪(2-1‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫إذا تأملت واقع الدعوة المعاصرة في العالم السلمي‪ ،‬وجدت أن بعض‬
‫قيادات الدعاة حقا ً –وللسف‪ -‬ليسو من أهل البصيرة‪ ،‬أعني البصيرة التي‬
‫تخولهم قيادة شأن دعوة شاملة‪ ،‬وذلك خطر عظيم إذ هو تنكب لطريق‬
‫َ‬
‫عو إ ِلى‬‫سِبيِلي أ َد ْ ُ‬‫ل هَذِهِ َ‬‫محمد _صلى الله عليه وسلم_‪ ،‬قال الله _تعالى_‪" :‬قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن"‬‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬‫م ْ‬
‫ن ال ُ‬
‫م َ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬
‫ما أَنا ِ‬ ‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬
‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬
‫م ِ‬ ‫الل ّهِ عََلى ب َ ِ‬
‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬
‫]يوسف‪ [108:‬وقد اختلف المفسرون _رحمهم الله_ في قوله‪" :‬ومن‬
‫اتبعني" على أي شيء عطفه‪ ،‬فقال بعضهم على قوله‪) :‬أنا( فعلى هذا أتباعه‬
‫هم أهل البصيرة فيما جاء به من العلماء دون من عداهم‪ ،‬وقيل بل هو عطف‬
‫على الضمير المستتر في قوله‪) :‬أدعو(‪ ،‬وعلى هذا كان أتباعه هم الدعاة إلى‬
‫الله‪ ،‬قال ابن القيم _رحمه الله_‪ " :‬والتحقيق أن العطف يتضمن المعنيين‬
‫فأتباعه هم أهل البصيرة الذين يدعون إلى الله")‪ ،(1‬وهذا هو الصواب‪.‬‬
‫ك بهم طريق محمد _صلى الله‬ ‫وعلى هذا فلبد أن يكون قائد ُ الناس السال ُ‬
‫عليه وسلم_ لبد أن يكون من أهل الدعوة والبصيرة‪ ،‬بل لبد أن يكون سالك‬
‫كل سبيل داع إليها من أهل البصيرة بها‪ ،‬ولو أن رجل ً مبتدئا ً في الطب أسند‬
‫إليه بعضهم مهمة الشراف على طاقم ضخم من المختصين وغيرهم‪ ،‬لعد‬
‫ذلك ضلل ً وضربا ً من توسيد المر إلى غير أهله‪ ،‬مع أن للرجل بصيرة ببعض‬
‫الطب! وعلم بمبادئه‪ ،‬ومع ذلك ل يوصف‪ :‬بأنه على بصيرة تخوله الشراف‬
‫على ذلك الجم الغفير من المختصين وغيرهم‪ ،‬وكذلك واقع الدعوة اليوم‪،‬‬
‫مب َّرزين‪ ،‬بل من قيادات العمل‬ ‫فإنك إن نظرت وجدت كثيرا ً من الدعاة ال ُ‬
‫السلمي من لم تكتمل لديهم البصيرة‪ ،‬بل ليست عندهم البصيرة الشرعية‬
‫التي تؤهلهم للقيام بما هيئوا له‪ ،‬فهم ما تخصصوا في علم الشرعية وليس‬
‫لهم مجلس علماء أعلى يصدرون عنه ويأتمرون بأمره‪ ،‬كشأن كثير من أهل‬
‫الستبداد المتحكمين‪ ،‬نعم قد يكون ذلك الرجل متخصصا ً في أمور أخرى‪،‬‬
‫وهو على خير وهدى وصلح‪ ،‬ولكن مثله ليس أهل ً لن يقود العمل السلمي؟‬
‫أويليق بطبيب حاذق أن يرأس فريقا ً من المهندسين؟ وهل يناسب أن يرأس‬
‫فريقا ً من الجّراحين مهندس؟ وهل يحق لتربوي أن يرأس فريقا ً من‬
‫المتخصصين في الرياضيات الدقيقة أو في الفيزياء؟ عقلء الناس كلهم‬
‫يدركون أن هذا ليليق وإن كان فثم خلل‪ ،‬فكيف يسوغ إذا ً أن يكون على‬
‫رأس العمل السلمي والدعوة إلى الله _جل وعل_ أناس ليسو من طلب‬
‫العلم المتخصصين؟‬
‫ولعل هذا سبب من أهم أسباب تأخر العمل السلمي‪ ،‬بل –وللسف‪ -‬فشل‬
‫العمل السلمي في كثيرٍ من بلد المسلمين‪ ،‬فإذا تأملت حالهم وجدت الذين‬
‫جهونه ويقومون بأمره ويتصدون لمعضلته فيشيخون‪ ،‬أو‬ ‫يرأسون العمل ويو ّ‬
‫يمنح لهم لقب الستاذية‪ ،‬بل قد يكون لهم حق الطاعة في نظام الجماعة أو‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المؤسسة‪ ،‬إذا نظرت وجدتهم ليسو أهل ً لذلك‪ ،‬مع أنهم قد يكونون أخيارا ً‬
‫صالحين‪ ،‬يحبون السلم‪ ،‬يبذلون الغالي والنفيس من أجل رفعه‪ ،‬وكل هذا‬
‫حسن‪ ،‬ولكنه ل يكفي إذا لم يكن صاحبه على مستوى من العلم الشرعي‬
‫يؤهله لقيادة العمل‪ ،‬وياللعجب! كيف يسترذل الناس أن يقود الطباء طبيب‬
‫ة‬
‫ط متقدم ورتب ً‬ ‫غير متخصص‪ ،‬ول يسوغ عندهم أن يقود العسكريين إل ضاب ٌ‬
‫س‪ ،‬فإذا جاء أمر الدين وسياسة‬ ‫ومكانة‪ ،‬ويأبون إل ّ أن يقود المهندسين مهند ٌ‬
‫الناس به ودعوتهم إليه رضوا باتخاذ رؤوس جهال! وعلى أحسن الحوال‬
‫ليسوا علماء‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد جبت الرض وسافرت فرأيت في كثير من بلد المسلمين أناسا يقودون‬
‫العمل السلمي وهم ليسوا أهل ً لذلك وللسف‪ ،‬فإن وجدت لهم مجالس‬
‫شرعية شورية وجدت فيها نفس العلة‪ ،‬وقل أن تجد فيهم العالم‪ ،‬فإذا وجد –‬
‫ودنه خرط القتاد‪ -‬وجدت دوره استشاري ورأيه غير ملزم‪ ،‬فهل حقا ً تصدى‬
‫أولء للدعوة إلى الله؟ قد يقول لي قائل‪ :‬ربما لم يجدوا إل هذا‪ ،‬فليس‬
‫عندهم عالم‪ ،‬وإن لم يكن إل ذاك فلشك أن من السياسة الشرعية تقديم‬
‫الكفأ فالكفأ حسب الحاجة والطاقة والمكان –كما قرر شيخ السلم في‬
‫كتابه العظيم )السياسة الشرعية( بيد أنه يقال‪ :‬أحقا ً ل يمكن هؤلء الظفر‬
‫بمتخصص واحد في العلم الشرعي؟ لئن كان الجواب بنعم فإن في تلك‬
‫الدعوة لشكال‪ ،‬ولو فرض جدل ً أنه ما بها بأس ولكنه اندراس العلم في‬
‫بلدهم أفل يمكنهم أن يبعثوا نفرا ً ليتفقهوا في الدين خلل خمس أو عشر‬
‫سنين ثم يجيئون لقيادة العمل‪.‬‬
‫ل ليس من أهل العلم الشرعي يقود‬ ‫إنني ل أجد مسوغا ً ظاهرا ً لن يبقى رج ٌ‬
‫العمل والدعوة في بلد عشرين أو ثلثين سنة أبدًا‪ ،‬ولينبغي أن يسوغ ذلك‬
‫مطلقًا‪ ،‬وكيف يسوغ أمر عاقبته وخيمة على الدعوة‪ ،‬هل يجوز لنا أن نتعامى‬
‫عن الخطاء التي تعرض في عملهم ولكم تأخرت بسببها الدعوة؟ وتلك نتيجة‬
‫بدهية فلو أن رجل ً متخصصا ً في الرياضيات قاد فريقا ً من الطباء في عملية‬
‫جراحية يوجه هذا ويأمر ذاك‪ ،‬أو يرتجى بعدها شفاء؟‬
‫ن وقد ساق طُبه ‪... ...‬‬ ‫أقول لنعما ٍ‬
‫ن الرض‬ ‫نفوسا ً نفيسا ٍ‬
‫ت إلى باط ِ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ‪... ...‬‬


‫حنانيك بعض الشر أهون من بعض!‬
‫وأيا ً ما كان قصد نعمان هذا فلعلك توافقني فإن الخذ على يده واجب‪ ،‬وإن‬
‫أبى فالضرب عليها بمطرقة من حديد لزم‪ ،‬وكذلك الحال مع من يعدهم‬
‫البعض مفكرين وعقلء فيضعون فيهم ثقتهم ثم تأت الباقعة من أحدهم إذا‬
‫تحدث في الدين فيشط كل الشطط ويشذ كل الشذوذ‪ ،‬يخالف الجماع‬
‫والمعقول ويأتي بأقوال منكرة في بدائه عقول طلب علم الشريعة‪ ،‬فذلك‬
‫يشير إلى وحدة الديان‪ ،‬وهذا يصرح بجواز زوج النصراني الكافر أو الوثني‬
‫من المسلمة‪ ،‬وثالث ينكر حد الردة‪ ،‬ورابع وخامس _وللسف_ يجدون لهم‬
‫بعد ذلك أنصارا ً وأعوانا ً ومنتسبين ومحبين‪ ،‬وهكذا يستشري الضلل والضلل‬
‫في جسد تلك الدعوة‪ ،‬وتلك العاقبة التي ينبغي أن تنتظر إذا اتخذ الناس‬
‫رؤوسا ً جه ً‬
‫ل‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬
‫_____________‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ( الصواعق المرسلة ‪.1/155‬‬


‫‪----‬‬
‫المحرر ‪:‬‬
‫ورد للموقع بعض السئلة من عدد من القراء فيما يتعلق بمقال فضيلة‬
‫المشرف العام‪ ،‬المنشور في الموقع أعله ‪ ،‬وقد عرضت السئلة على فضيلة‬
‫المشرف العام فتفضل بالجابة على بعضها كما يلي ‪:‬‬
‫السؤال )‪:(1‬‬
‫في تفسيركم )لولي المر( قدمتم العلماء على المراء في قولكم هم‬
‫العلماء والمراء‪ ،‬فهل لذلك معنى؟‬
‫ومامعنى طاعة المراء تبع لطاعة العلماء؟‬
‫الجواب )‪:(1‬‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬
‫ل وَإ ِلى أوِلي ال ْ‬‫سو ِ‬
‫ما يتعلق بتفسيري لقوله سبحانه )وَلوْ َرّدوه ُ إ ِلى الّر ُ‬
‫م ()النساء‪ :‬من الية ‪ (83‬بأنهم العلماء والمراء‪ ،‬و أن طاعة المراء تبع‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ِ‬
‫من‬ ‫لطاعة العلماء ‪ ،‬فهذا ليس من قولي بل هو قول جمع من سلف المة وم ّ‬
‫صّرح بذلك شيخ السلم حيث قدم العلماء على المراء كما في الفتاوى‬
‫‪ 3/250‬ونصه )) وقد قال الئمة‪ :‬أن أولي المر صنفان‪ ،‬العلماء والمراء‪،‬‬
‫دم العلماء هنا مرتين‬ ‫وهذا يدخل فيه مشايخ الدين وملوك المسلمين(( فقد ق ّ‬
‫ونسبه للئمة أيضا ً فأين الخطأ الذي وقعت فيه وقد سبقني هؤلء الئمة ؟‬
‫وأما قولي‪ :‬وطاعة المراء تبع لطاعة العلماء فهو قول المام ابن القيم –‬
‫رحمه الله – كما في إعلم الموقعين ‪ 1/8‬ونصه‪ )) :‬والتحقيق أن المراء إنما‬
‫يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم‪ ،‬فطاعتهم تبع لطاعة العلماء‪ ،‬إلى أن قال –‬
‫فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فطاعة‬
‫المراء تبع لطاعة العلماء((‪ .‬فأين الخطأ هنا‪ ،‬وقد نسبت القول لصاحبه في‬
‫المقال المذكور؟‬
‫السؤال )‪:(2‬‬
‫هل هناك علقة بهذا التفسير وبين ما أطلقه الخميني من القول بولية‬
‫الفقيه؟‬
‫الجواب )‪:(2‬‬
‫ولية الفقيه لها دللتها المعروفة عند الرافضة وهي أنهم جعلوا الولية للفقيه‬
‫وحده‪ ،‬على منهج منحرف‪ ،‬ينتهي بهم إلى الدعوة إلى الخروج على الحكام‬
‫كما عند المعتزلة في أصل المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬ويريدون به‬
‫الخروج على الحكام والئمة ‪.‬‬
‫وهذا يختلف تمام الختلف عن مبدأ المامة عند أهل السنة ‪ ،‬و الذي طبقه‬
‫الصحابة ومن بعدهم‪ ،‬وجدده المامان محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب‬
‫– رحمهما الله – ‪ ،‬وفيه أن لكل جهة اختصاصها‪ ،‬فليبغي أحد على الخر‪،‬‬
‫فالمراء والحكام يرجعون إلى العلماء فيما يشكل عليها من أمر الشرع‪ ،‬وما‬
‫يقرره العلماء يلتزم به المراء‪ ،‬لن العلماء هم الموقعون عن رب العالمين‪.‬‬
‫وكذلك العلماء يوصون المة ويلزمونها بالسمع والطاعة للحكام بالمعروف‪،‬‬
‫ويحرمون الخروج على الولة مالم يروا كفرا ً بواحا ً عندهم فيه من الله‬
‫برهان‪ ،‬وليس كما يدعو إليه الرافضة والمعتزلة‪.‬‬
‫كما أن العلماء هم السد ّ المنيع ضد الفتن‪ ،‬يتعاونون مع الحكام في مواجهتها‬
‫ووأدها ‪ ،‬وحماية المجتمع منها‪.‬‬
‫وبهذا تتكامل المسيرة‪ ،‬وتنعم المة بالمن والمان ليبغي أحد على أحد‪،‬‬
‫ولكل حقوقه وعليه واجباته سواء كان عالما ً أو حاكما ً أو فردا ً من أفراد‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المة‪.‬‬
‫السؤال )‪:(3‬‬
‫هل قامت دولة إسلمية بهذا المفهوم الذي ذكرتم في هذا المقال؟‬
‫الجواب)‪:(3‬‬
‫وهل يصح في الذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل ؟‬
‫ماذا تقول عن دولة الخلفاء الراشدين؟ وعن مراحل مشرقة في دولتي بني‬
‫أمية وبني العباس وما بعدهما من الدول السلمية ؟‬
‫بل ماذا تقول عن الدولة التي أقامها المامان محمد بن سعود ومحمد بن‬
‫عبدالوهاب وسار عليها أبناؤهم من بعد ‪ ،‬كما هو مبسوط في الدرر السنية‬
‫وغيرها من كتب مؤرخي تلك الفترات ؟‬
‫السؤال )‪:(4‬‬
‫ما الفرق بين الدعوة إلى الدولة الدينية والدولة المدنية؟‬
‫الجواب )‪:(4‬‬
‫إن رفض الدولة الدينية والدعوة لدولة مدنية هو دعوة صريحة للعلمانية‪ ،‬ومن‬
‫دعى إلى دولة مدنية ولم يصرح برفض الدولة الدينية قلنا عنه أن كلمه‬
‫مجمل يحتاج إلى تفسير ‪ .‬ومن المعروف أن الدولة المدنية عند الغرب هي‬
‫الدولة )اللدينية(‪ ،‬أي الدولة العلمانية ‪.‬‬
‫وأما من يدعو في مجتمعنا إلى دولة )مدنية( رافضا ً الدولة الدينية فهو في‬
‫الحقيقة يدعو إلى القضاء على هذه الدولة واستبدالها بدولة أخرى‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وختاما ً فإني أوضح أن المقال الذي أثار هذه السئلة ليس فيه أي حديث عن‬
‫دولة دينية ول غيرها‪ ،‬وإنما هو مقال في الدعوة إلى الله‪ ،‬وهو موجه لمعالجة‬
‫مشكلة تعاني منها الدعوة والدعاة على مستوى الجمعيات والجماعات‬
‫السلمية في العالم‪ ،‬ومسألة إقصاء العلماء ينطبق على الدول التي اتخذت‬
‫العلمانية منهجا ً في الحكم‪ ،‬وليس على الدول السلمية‪ ،‬حيث إن علقة‬
‫الحكام بالعلماء واضحة والتشاور‪ ،‬والمناصحة قائمة بينهما‪ .‬مع استمرار‬
‫محاولة العداء للساءة إلى هذه العلقة والحد ّ منها‪ ،‬أسأل الله أن تبوء هذه‬
‫َ‬
‫مرِهِ وَل َك ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ب عََلى أ ْ‬ ‫المحاولت بالفشل وأل يحقق لهم مايتمنون )َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬
‫غال ِ ٌ‬
‫َ‬
‫ن()يوسف‪ :‬من الية ‪.(21‬‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫أك ْث ََر الّنا ِ‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،،،‬‬
‫على بصيرة )‪(2-2‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫‪24/4/1427‬‬
‫ً‬
‫لعل ما مضى بيانه من استهجان تصدر غير المختص شأنا ينبغي أن يشرف‬
‫عليه فيه أصحاب الختصاص‪ ،‬لعله أمر باد لبادي الرأي وبدائه العقول إن‬
‫تعلق بالمحسوسات‪ ،‬فالتجربة برهان‪ ،‬وعودا ً إلى صاحبنا نعمان لعلك إن‬
‫رأيت نعمانا ً يقتل مريضا ً بدواء‪ ،‬فسوف تحول دونه ودون قتل من تحب‬
‫بالدواء الذي صرفه لنفس الداء‪ .‬غير أن أهل الختصاص يدركون للوهلة‬
‫الولى أن الدواء الذي قتل به الول مهلكة ما كان ينبغي أن تورد‪ .‬وهكذا أهل‬
‫العلم المعنيين بالدعوة يدركون للوهلة الولى أن بعض القيادات لن توصل‬
‫الناس في دعوتهم إلى واقع إسلمي صحيح‪ ،‬ولكن لعموم الجهل‪ ،‬وخفوت‬
‫أضواء الشريعة‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ُيقضى على المرء في أيام محنته ‪... ...‬‬


‫حتى يرى حسنا ً ما ليس بالحسن‬
‫ولو أننا أعدنا المور إلى نصابها وجعلنا قيادة العمل السلمي للمتخصصين‬
‫فيه‪ ،‬ولو عن طريق مجالس شورى تكون هي الفاصلة حقا ً لحصل خير كثير‪،‬‬
‫وإذا تأملت حال المجددين الذين خرجوا بالمة عن ظلمات مدلهمة‪ ،‬على مر‬
‫خمسة عشر قرنا ً هجريًا‪ ،‬لوجدت من أبرز صفاتهم البصيرة في الدين‪ ،‬فكيف‬
‫يرتجى تجديد من جاهل أو من جماعة يقودها جاهل بالشرع‪ ،‬إن مثل هؤلء‬
‫ليخشى عليهم من تبديل الدين‪.‬‬
‫وهذا الواقع في كثير من دعاة العالم السلمي ل يختلف عن واقع الرياسة‪،‬‬
‫وما تأخرت أحوال المسلمين وتقهقروا إلى ما هم عليه الن شيئا ً فشيئا ً إل ّ‬
‫ل‪ ،‬أقصوا أمر العلماء شيئا ً فشيئًا‪ ،‬وإل ّ فالصل‬ ‫بعد أن تولى أمرهم رؤوسا ً جها ً‬
‫أن يقدم العالم لقيادة المة إذا توافرت فيه بقية صفات القيادة‪ ،‬كما قدم‬
‫الخلفاء الراشدون على غيرهم‪ ،‬فإن تعذر فل أقل من أن يكون هناك مجلس‬
‫شورى شرعي يكون هو المر الناهي‪ ،‬هذا هو الصل الذي لما تخلف تخلف‬
‫أهل السلم عبر عقود‪ ،‬بيد أن الولية العامة لها أعمال ومهمات تختلف عن‬
‫قيادة العمل السلمي‪ ،‬فإن من تحمل أعباء صياغة مجتمع صياغة إسلمية‬
‫وتصدر لهذا لزمه أن يعرف السلم حق المعرفة أو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وأخيرا ً حول هذا الموضع تثار شبهة حاصلها أنه ل رجال دين في السلم‪ ،‬بل‬
‫المهندس والطبيب وغيرهما ينبغي أن يكونوا رجال دين‪ .‬وهذه المقولة‪،‬‬
‫أعني‪) :‬ل رجال دين في السلم(‪ ،‬ليست آية ولحديثا ً شريفًا‪ ،‬فإن كانت حقا‪،‬‬
‫فما معناه؟‬
‫إن قصد بها‪ :‬كل المسلمين ملزمين بالدين والتشريع وليس ثم طائفة بعينها‬
‫هي المختصة بأحكامه الملزمة باتباع تشريعاته فهذا حق‪ ،‬ول يحق لمن يدخل‬
‫في ما لم يحط بعلمه‪ ،‬أو يتولى قياد ما ل يحسنه‪ ،‬أن يتشدق بهذه العبارة‪.‬‬
‫وإن قصد بها‪ :‬أن أحكام السلم ليست حجرا ً محجورا ً في المسجد والمصلى‪،‬‬
‫فهذا حق ول يحق لجاهل أن يحتج بها في تقحمه أمرا ً لم يحط بعلمه‪.‬‬
‫أما إن قصد بها‪ :‬أن سياسة الناس بالشريعة في السلم‪ ،‬وكذا علم الحلل‬
‫والحرام والعتقاد كل مباح يأكل منه كل بهيم‪ ،‬ويتصرف فيه كل راع لقطيع‪،‬‬
‫ويتحدث فيه كل لسان عرف الكلم‪ ،‬فاللهم ل بل يقال بهذا العتبار وبملء‬
‫الفم‪ :‬نعم في السلم وللسلم رجال دين‪ .‬ألم يقل الله _تعالى_‪" :‬وَإ َِذا‬
‫ُ‬
‫ل وَإ َِلى أوِلي‬ ‫ف أ ََذا ُ‬ ‫ن أ َوِ ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫جاَءهُ َ‬
‫سو ِ‬ ‫عوا ب ِهِ وَل َوْ َرّدوه ُ إ َِلى الّر ُ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن اْل ْ‬‫م َ‬‫مٌر ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬‫و‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫طو‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْ ْ ََ ْ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ِ ُْ ْ َ ْ‬ ‫ا ْ ِ ِ ُْ ْ َ ِ َ ُ ِ َ َ ْ َِْ‬
‫ب‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ل‬
‫ل" ]النساء‪ ،[83:‬وألوا المر هم العلماء والمراء‪،‬‬ ‫ن إ ِّل قَِلي ً‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫َلت ّب َعْت ُ ُ‬
‫وطاعة المراء تبع لطاعة العلماء‪ ،‬قال المام ابن القيم‪" :‬والتحقيق أن‬
‫المراء إنما يطاعون إذ أمروا بمقتضى العلم فطاعتهم تبع لطاعة العلماء فإن‬
‫الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم فكما أن طاعة العلماء تبع‬
‫لطاعة الرسول فطاعة المراء تبع لطاعة العلماء")‪ ،(1‬أليس العلماء هم‬
‫ورثة النبياء‪ ،‬أليسوا بمنزلة نجوم السماء؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ونحن ل نقول بأن من شرط العالم أن يتخرج من كلية الشريعة أو أصول‬


‫الدين‪ ،‬وإن كان هذا هو الغالب وفقا ً لما أمله واقع الناس اليوم‪ ،‬بل إن بعض‬
‫من يتخرج من الكليات الشرعية ليس أهل ً لن يعد في عداد أهل العلم‪ ،‬وإن‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحرز الدرجات‪ ،‬فضل ً عن أن يرشح قائدًا‪ ،‬وقد رأيت بعض أصحاب تلك‬
‫الدرجات يتحدث ويفتي فيأتي بالعجاب والطامات‪ ،‬فتذكرت قول ربيعة‪:‬‬
‫لبعض من يفتي هاهنا أحق بالسجن من السراق‪ ،‬وصدق من قال‪:‬‬
‫كل )دكتور( بصير بفنه ‪... ...‬‬ ‫وما ُ‬
‫ول كل أستاذ جدير بأن يدري‬
‫وليس لزاما ً أن يكون مؤهل ً ‪... ...‬‬
‫فتى أحرز اللقاب أو صال في النشر‬
‫ً‬
‫وقد يخرج أفراد عن الصل فتجد طبيبا ما ألهاه التكسب بطبه‪ ،‬ول ألهاه عن‬
‫العلم‪ ،‬فبرز في علوم الشريعة وصار أهل ً للفتاء في نوازلها‪ ،‬بعد أن تخرج‬
‫على العلماء‪ ،‬ولزم حلقهم سنيين عددًا‪ ،‬ولئن كان هذا في خريجي الشريعة‬
‫قليل‪ ،‬فوجوده في غيرهم أقل من القليل‪ ،‬غير أنا ل نمنع ممكنًا‪ ،‬ول نحجر‬
‫واسعًا‪ ،‬ولكن من لك بالطبيب الذي درس العلم وحذق فيه ثم تصدر لقيادة‬
‫الدعوة‪.‬‬
‫هذه خواطر‪ ،‬والله أسأل أن يصلح أحوال المسلمين‪ ،‬ويعلي كتابه وسنة‬
‫رسوله وعباده الصالحين‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحابته أجمعين‪.‬‬
‫______________‬
‫)‪ (1‬إعلم الموقعين ‪.1/10‬‬
‫‪------‬‬
‫المحرر ‪:‬‬
‫ورد للموقع بعض السئلة من عدد من القراء فيما يتعلق بمقال فضيلة‬
‫المشرف العام‪ ،‬المنشور في الموقع أعله ‪ ،‬وقد عرضت السئلة على فضيلة‬
‫المشرف العام فتفضل بالجابة على بعضها كما يلي ‪:‬‬
‫السؤال )‪:(1‬‬
‫في تفسيركم )لولي المر( قدمتم العلماء على المراء في قولكم هم‬
‫العلماء والمراء‪ ،‬فهل لذلك معنى؟‬
‫ومامعنى طاعة المراء تبع لطاعة العلماء؟‬
‫الجواب )‪:(1‬‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬
‫ل وَإ ِلى أوِلي ال ْ‬‫سو ِ‬
‫ما يتعلق بتفسيري لقوله سبحانه )وَلوْ َرّدوه ُ إ ِلى الّر ُ‬
‫م ()النساء‪ :‬من الية ‪ (83‬بأنهم العلماء والمراء‪ ،‬و أن طاعة المراء تبع‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ِ‬
‫من‬‫ّ‬ ‫وم‬ ‫المة‬ ‫سلف‬ ‫من‬ ‫جمع‬ ‫قول‬ ‫هو‬ ‫بل‬ ‫قولي‬ ‫من‬ ‫ليس‬ ‫فهذا‬ ‫‪،‬‬ ‫العلماء‬ ‫لطاعة‬
‫صّرح بذلك شيخ السلم حيث قدم العلماء على المراء كما في الفتاوى‬
‫‪ 3/250‬ونصه )) وقد قال الئمة‪ :‬أن أولي المر صنفان‪ ،‬العلماء والمراء‪،‬‬
‫دم العلماء هنا مرتين‬ ‫وهذا يدخل فيه مشايخ الدين وملوك المسلمين(( فقد ق ّ‬
‫ونسبه للئمة أيضا ً فأين الخطأ الذي وقعت فيه وقد سبقني هؤلء الئمة ؟‬
‫وأما قولي‪ :‬وطاعة المراء تبع لطاعة العلماء فهو قول المام ابن القيم –‬
‫رحمه الله – كما في إعلم الموقعين ‪ 1/8‬ونصه‪ )) :‬والتحقيق أن المراء إنما‬
‫يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم‪ ،‬فطاعتهم تبع لطاعة العلماء‪ ،‬إلى أن قال –‬
‫فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فطاعة‬
‫المراء تبع لطاعة العلماء((‪ .‬فأين الخطأ هنا‪ ،‬وقد نسبت القول لصاحبه في‬
‫المقال المذكور؟‬
‫السؤال )‪:(2‬‬
‫هل هناك علقة بهذا التفسير وبين ما أطلقه الخميني من القول بولية‬
‫الفقيه؟‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجواب )‪:(2‬‬
‫ولية الفقيه لها دللتها المعروفة عند الرافضة وهي أنهم جعلوا الولية للفقيه‬
‫وحده‪ ،‬على منهج منحرف‪ ،‬ينتهي بهم إلى الدعوة إلى الخروج على الحكام‬
‫كما عند المعتزلة في أصل المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬ويريدون به‬
‫الخروج على الحكام والئمة ‪.‬‬
‫وهذا يختلف تمام الختلف عن مبدأ المامة عند أهل السنة ‪ ،‬و الذي طبقه‬
‫الصحابة ومن بعدهم‪ ،‬وجدده المامان محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب‬
‫– رحمهما الله – ‪ ،‬وفيه أن لكل جهة اختصاصها‪ ،‬فليبغي أحد على الخر‪،‬‬
‫فالمراء والحكام يرجعون إلى العلماء فيما يشكل عليها من أمر الشرع‪ ،‬وما‬
‫يقرره العلماء يلتزم به المراء‪ ،‬لن العلماء هم الموقعون عن رب العالمين‪.‬‬
‫وكذلك العلماء يوصون المة ويلزمونها بالسمع والطاعة للحكام بالمعروف‪،‬‬
‫ويحرمون الخروج على الولة مالم يروا كفرا ً بواحا ً عندهم فيه من الله‬
‫برهان‪ ،‬وليس كما يدعو إليه الرافضة والمعتزلة‪.‬‬
‫كما أن العلماء هم السد ّ المنيع ضد الفتن‪ ،‬يتعاونون مع الحكام في مواجهتها‬
‫ووأدها ‪ ،‬وحماية المجتمع منها‪.‬‬
‫وبهذا تتكامل المسيرة‪ ،‬وتنعم المة بالمن والمان ليبغي أحد على أحد‪،‬‬
‫ولكل حقوقه وعليه واجباته سواء كان عالما ً أو حاكما ً أو فردا ً من أفراد‬
‫المة‪.‬‬
‫السؤال )‪:(3‬‬
‫هل قامت دولة إسلمية بهذا المفهوم الذي ذكرتم في هذا المقال؟‬
‫الجواب)‪:(3‬‬
‫وهل يصح في الذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل ؟‬
‫ماذا تقول عن دولة الخلفاء الراشدين؟ وعن مراحل مشرقة في دولتي بني‬
‫أمية وبني العباس وما بعدهما من الدول السلمية ؟‬
‫بل ماذا تقول عن الدولة التي أقامها المامان محمد بن سعود ومحمد بن‬
‫عبدالوهاب وسار عليها أبناؤهم من بعد ‪ ،‬كما هو مبسوط في الدرر السنية‬
‫وغيرها من كتب مؤرخي تلك الفترات ؟‬
‫السؤال )‪:(4‬‬
‫ما الفرق بين الدعوة إلى الدولة الدينية والدولة المدنية؟‬
‫الجواب )‪:(4‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إن رفض الدولة الدينية والدعوة لدولة مدنية هو دعوة صريحة للعلمانية‪ ،‬ومن‬
‫دعى إلى دولة مدنية ولم يصرح برفض الدولة الدينية قلنا عنه أن كلمه‬
‫مجمل يحتاج إلى تفسير ‪ .‬ومن المعروف أن الدولة المدنية عند الغرب هي‬
‫الدولة )اللدينية(‪ ،‬أي الدولة العلمانية ‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما من يدعو في مجتمعنا إلى دولة )مدنية( رافضا الدولة الدينية فهو في‬
‫الحقيقة يدعو إلى القضاء على هذه الدولة واستبدالها بدولة أخرى‪.‬‬
‫وختاما ً فإني أوضح أن المقال الذي أثار هذه السئلة ليس فيه أي حديث عن‬
‫دولة دينية ول غيرها‪ ،‬وإنما هو مقال في الدعوة إلى الله‪ ،‬وهو موجه لمعالجة‬
‫مشكلة تعاني منها الدعوة والدعاة على مستوى الجمعيات والجماعات‬
‫السلمية في العالم‪ ،‬ومسألة إقصاء العلماء ينطبق على الدول التي اتخذت‬
‫العلمانية منهجا ً في الحكم‪ ،‬وليس على الدول السلمية‪ ،‬حيث إن علقة‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحكام بالعلماء واضحة والتشاور‪ ،‬والمناصحة قائمة بينهما‪ .‬مع استمرار‬


‫محاولة العداء للساءة إلى هذه العلقة والحد ّ منها‪ ،‬أسأل الله أن تبوء هذه‬
‫َ‬
‫مرِهِ وَل َك ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ب عََلى أ ْ‬ ‫المحاولت بالفشل وأل يحقق لهم مايتمنون )َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬
‫غال ِ ٌ‬
‫َ‬
‫ن()يوسف‪ :‬من الية ‪.(21‬‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫أك ْث ََر الّنا ِ‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،،،‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫على بن أبى طالب رضي الله عنه (‬


‫ي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ‪ .‬أمه فاطمة بنت أسد بن‬ ‫هوعل ّ‬
‫ّ‬
‫هاشم ‪ .‬وهوابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وزوج ابنته فاطمة‬
‫الزهراء ‪ .‬رزق منها ثلثة من الذكور هم‪ :‬الحسن‪ ،‬والحسين‪ ،‬ومحسن وبنتين‬
‫هما ‪ :‬زينب وأم كلثوم ‪.‬‬
‫ولد في مكة سنة ‪ 601‬م‪ ،‬وهوأّول من أسلم من الصبيان ولم يسجد لصنم‪.‬‬
‫يميل إلى القصر ‪ ،‬آدم ‪ ،‬أصلع مبيض الرأس ‪ ،‬طويل الرقبة‪ ،‬ثقيل العينين في‬
‫دعج وسعة ‪ ،‬حسن الوجه ‪ ،‬واضح البشاشة ‪ ،‬عريض المنكبين‪ ،‬ضخم‬
‫العضلة ‪ ،‬ضخم الذراع ‪ ،‬تمّتع بقوة بالغة ‪ ،‬فربما رفع الفارس بيده فجلد به‬
‫الرض غير جاهد ‪ .‬وقد اشتهر عنه انه لم يصارع أحدا ً إل صرعه ‪ .‬ولم يبارز‬
‫أحدا ً إل قتله ‪.‬‬
‫ل يهاب الموت ‪ .‬فقد اجترأ وهوفتى ناشىء على عمروبن ود فارس الجزيرة‬
‫العربية الذي كان يقوم بألف رجل ‪ .‬وكان ذلك يوم وقعة الخندق أوالحزاب ‪،‬‬
‫حين خرج عمرومقنعا بالحديد ينادي جيش المسلمين ‪" :‬من يبارز؟ " فصاح‬
‫علي ‪ " :‬أنا يا رسول الله " فقال له الرسول " اجلس انه عمرو" ‪ .‬وفي‬
‫ن عليا قتله ‪.‬‬
‫النهاية أذن له الرسول ‪ ،‬فنظر إليه عمروفاستصغره ‪ ،‬لك ّ‬
‫كان أول صبي من الناس آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معه‬
‫وصدق بما جاءه من الله تعالى ‪ :‬علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن‬
‫هاشم ‪ -‬رضوان الله وسلمه عليه ‪ -‬وهويومئذ ابن عشر سنين ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني عبد الله بن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد بن جبر بن أبي‬
‫الحجاج قال كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب ‪ ،‬ومما صنع الله له‬
‫وأراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبوطالب ذا عيال‬
‫كثير فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬للعباس عمه وكان من أيسر‬
‫بني هاشم ‪:‬‬
‫يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه‬
‫الزمة فانطلق بنا إليه فلنخفف عنه من عياله آخذ من بنيه رجل ‪ ،‬وتأخذ أنت‬
‫رجل ‪ ،‬فنكلهما عنه فقال العباس نعم فانطلقا ‪ ،‬حتى أتيا أبا طالب فقال له إنا‬
‫نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما‬
‫أبوطالب إذا تركتما لي عقيل ‪ ،‬فاصنعا ما شئتما‬
‫فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ‪ ،‬فضمه إليه وأخذ العباس جعفرا‬
‫فضمه إليه فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله‬
‫تبارك وتعالى نبيا ‪ ،‬فاتبعه علي رضي الله عنه وآمن به وصدقه ولم يزل‬
‫جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه ‪.‬‬
‫وذكر أن أول ذكر آمن بالله علي ‪ -‬رضي الله عنه – وقيل‪ :‬أول من أسلم‬
‫أبوبكر ولكن ذلك ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬من الرجال لن عليا كان حين أسلم صبيا لم‬
‫يدرك ول يختلف أن خديجة هي أول من آمن بالله وصدق رسوله وكان علي‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أصغر من جعفر بعشر سنين وجعفر أصغر من عقيل بعشر سنين وعقيل‬
‫أصغر من طالب بعشر سنين وكلهم أسلم إل طالبا اختطفته الجن ‪ ،‬فذهب‬
‫ولم يعلم بإسلمه‪.‬‬
‫وأم علي فاطمة بنت أسد بن هاشم وقد أسلمت‬
‫** اشترك في جميع الغزوات عدا تبوك ‪ .‬وامتاز بكونه شاعرا ً وخطيبا ً بارعا ً‬
‫ويعد ّ من الخلفاء الراشدين الصالحين ‪.‬‬
‫في سنة ‪ 661‬استشهد رضي الله عنه على يد خارجي يدعى عبد الرحمن بن‬
‫ملجم ‪.‬‬
‫مما ل شك فيه أنه لقى الويلت أثناء حكمه من جميع الطراف ‪ .‬وقد‬
‫عرف عنه من وشجاعة الستمرار والثبوت ‪.‬‬ ‫استطاع بما ُ‬
‫ن أهل العراق خذلوه ‪ ،‬والخوارج اغتالوه ‪.‬‬ ‫لك ّ‬
‫ي )‪ 661‬م(‬
‫استشهاد المام عل ّ‬
‫ي بن أبي طالب ومعاوية‬ ‫اجتمع ثلثة رجال من الخوارج واّتفقوا على قتل عل ّ‬
‫بن أبي سفيان وعمروبن العاص ‪ .‬وقد أخذ عبد الرحمن بن ملجم على عاتقه‬
‫ي‪.‬‬‫قتل عل ّ‬
‫دخل بن ملجم المسجد في بزوغ الفجر وجعل يكرر الية ‪" :‬ومن الناس من‬
‫ن أن الرجل ينسى نفسه‬ ‫ي وظ ّ‬
‫يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله "‪ ،‬فاقبل عل ّ‬
‫ي ناحية عبد الرحمن بن‬ ‫فيها ‪ ،‬فقال ‪" :‬والله رؤوف بالعباد " ثم انصرف عل ّ‬
‫ملجم ‪ ،‬وعندها ضربه بالسيف المسموم على رأسه ‪ .‬فقال علي ‪ " :‬احبسوه‬
‫ت فاقتلوه ول تمّثلوا‬ ‫ثلثا ً وأطعموه واسقوه ‪ ،‬فإن أعش أَر فيه رأيي ‪ ،‬وإن م ّ‬
‫ي مات من الضربة ‪ ،‬فأخذه عبد الله بن جعفر فقطع يديه‬ ‫ن المام عل ّ‬ ‫به "‪ .‬لك ّ‬
‫ورجليه ثم قطع لسانه وضرب عنقه ‪.‬‬
‫أما الخارجي الثاني الحرث بن عبد الله التميمي الذي أخذ على عاتقه قتل‬
‫معاوية ‪ ،‬فلم يجد إلى ذلك سبيل ‪.‬‬
‫أما الخارجي الثالث عمروبن بكير التميمي فنوى قتل عمروبن العاص لكن‬
‫لسوء حظه وحسن حظ عمروبن العاص ‪ ،‬انه أرسل مكانه للصلة رجل ً يقال‬
‫له خارجة فضربه الخارجي وقتله‪.‬‬
‫ورغم كونه خليفة ‪ ،‬وهوالذي يدير شؤون الدولة السلمية إل انه عاش فقيرا ً‬
‫ومات فقيرا ً ‪ ،‬ولم يترك إل ثلثمائة درهم ‪.‬‬
‫مزاعم الشيعة في علي‬
‫وتعتقد طائفة من الشيعة أن علي ّا ً معصوم عن الكبائر والصغائر ‪ ،‬وأن فيه‬
‫جزءا لله اّتحد بعبده ‪ ،‬وأنه يعلم الغيب‪ .‬وقد شابهوا النصارى في ذلك‪.‬‬
‫‪ .‬سئل شيخ السلم قدس الله روحه ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هل صح عند أحد من أهل العلم والحديث أومن ُيقتدى به في دين السلم أن‬
‫أمير المؤمنين " علي بن أبي طالب " ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬إذا أنا مت‬
‫فأركبوني فوق ناقتي وسيبوني فأينما بركت ادفنوني ‪ ،‬فسارت ولم يعلم أحد‬
‫قبره ؟ فهل صح ذلك أم ل ؟‬
‫وهل عرف أحد من أهل العلم أين دفن أم ل ؟‬
‫وما كان سبب قتله ؟‬
‫وفي أي وقت كان ؟‬
‫ومن قتله ؟‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن قتل الحسين ؟‬


‫وما كان سبب قتله ؟‬
‫وهل صح أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم سبوا ؟ وأنهم أركبوا على‬
‫البل عراة ولم يكن عليهم ما يسترهم فخلق الله تعالى للبل التي كانوا‬
‫عليها سنامين استتروا بها ؟‬
‫وأن الحسين لما قطع رأسه داروا به في جميع البلد وأنه حمل إلى دمشق‬
‫وحمل إلى مصر ودفن بها ؟ وأن يزيد بن معاوية هوالذي فعل هذا بأهل‬
‫البيت فهل صح ذلك أم ل ؟‬
‫وهل قائل هذه المقالت مبتدع بها في دين الله ؟‬
‫وما الذي يجب عليه إذا تحدث بهذا بين الناس ؟‬
‫وهل إذا أنكر هذا عليه منكر هل يسمى آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر أم ل‬
‫؟‬
‫أفتونا مأجورين وبينوا لنا بيانا شافيا؟‬
‫فأجاب ‪:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫أما ما ذكر من توصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫إذا مات أركب فوق دابته وتسيب ويدفن حيث تبرك وأنه فعل ذلك به ; فهذا‬
‫كذب مختلق باتفاق أهل العلم ‪.‬‬
‫لم يوص علي بشيء من ذلك ول فعل به شيء من ذلك ولم يذكر هذا أحد‬
‫من المعروفين بالعلم والعدل وإنما يقول ذلك من ينقل عن بعض الكذابين ‪.‬‬
‫ول يحل أن ُيفعل هذا بأحد من موتى المسلمين ول يحل لحد أن يوصي بذلك‬
‫بل هذا مثلة بالميت ول فائدة في هذا الفعل; فإنه إن كان المقصود تعمية‬
‫قبره فل بد إذا بركت الناقة من أن يحفر له قبر ويدفن فيه وحينئذ يمكن أن‬
‫يحفر له قبر ويدفن به بدون هذه المثلة القبيحة وهو أن يترك ميتا على ظهر‬
‫دابة تسير في البرية ‪.‬‬
‫*وقد تنازع العلماء في " موضع قبره " ‪.‬‬
‫والمعروف عند أهل العلم أنه دفن بقصر المارة بالكوفة; وأنه أخفي قبره‬
‫لئل ينبشه الخوارج الذين كانوا يكفرونه ويستحلون قتله; فإن الذي قتله واحد‬
‫من الخوارج وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي‪ ،‬وكان قد تعاهد هو وآخران‬
‫على قتل علي وقتل معاوية وقتل عمرو بن العاص; فإنهم يكفرون هؤلء‬
‫كلهم وكل من ل يوافقهم على أهوائهم ‪.‬‬
‫*وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بذمهم؛ خرج مسلم‬
‫في صحيحه حديثهم من عشرة أوجه وخرجه البخاري من عدة أوجه وخرجه‬
‫أصحاب السنن والمساند من أكثر من ذلك ‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم فيهم ‪ " :‬يحقر أحدكم صلته مع صلتهم وصيامه‬
‫مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم ; يقرءون القرآن ل يجاوز حناجرهم يمرقون‬
‫من السلم كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لقتلنهم قتل عاد ‪-‬‬
‫وفي رواية ‪ -‬أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند‬
‫الله يوم القيامة يقتلون أهل السلم " ‪.‬‬
‫وهؤلء اتفق الصحابة ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬على قتالهم لكن الذي باشر قتالهم‬
‫وأمر به علي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬كما في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬تمرق مارقة على حين فرقة من الناس تقتلهم‬
‫أولى الطائفتين بالحق " فقتلهم علي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بالنهروان وكانوا قد‬
‫اجتمعوا في مكان يقال له ‪ " :‬حروراء " ولهذا يقال لهم الحرورية ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأرسل إليهم ابن عباس فناظرهم حتى رجع منهم نحو نصفهم ثم إن الباقين‬
‫قتلوا " عبد الله بن خباب " وأغاروا على سرح المسلمين فأمر علي الناس‬
‫بالخروج إلى قتالهم وروى لهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم وذكر‬
‫العلمة التي فيهم‪ :‬أن فيهم رجل مخدج اليدين ناقص اليد على ثديه مثل‬
‫البضعة من اللحم تدردر ‪ .‬ولما قتلوا وجد فيهم هذا المنعوت ‪.‬‬
‫فلما اتفق الخوارج ‪ -‬الثلثة ‪ -‬على قتل أمراء المسلمين الثلثة ‪:‬‬
‫قتل عبد الرحمن بن ملجم " عليا " رضي الله عنه يوم الجمعة سابع عشر‬
‫شهر رمضان عام أربعين اختبأ له فحين خرج لصلة الفجر ضربه ; وكانت‬
‫السنة أن الخلفاء ونوابهم المراء الذين هم ملوك المسلمين هم الذين‬
‫يصلون بالمسلمين الصلوات الخمس والجمع والعيدين والستسقاء‬
‫والكسوف ونحو ذلك كالجنائز ‪ ،‬فأمير الحرب هو أمير الصلة الذي هو‬
‫إمامها ‪.‬‬
‫وأما الذي أراد قتل " معاوية " فقالوا ‪ :‬إنه جرحه ‪ ،‬فقال الطبيب ‪ :‬إنه يمكن‬
‫علجك لكن ل يبقى لك نسل ‪.‬‬
‫ويقال إنه من حينئذ اتخذ معاوية المقصورة في المسجد واقتدى به المراء‬
‫ليصلوا فيها هم وحاشيتهم خوفا من وثوب بعض الناس على أمير المؤمنين‬
‫وقتله وإن كان قد فعل فيها مع ذلك ما ل يسوغ وكره من كره الصلة في‬
‫نحو هذه المقاصير ‪.‬‬
‫وأما الذي أراد قتل " عمرو بن العاص " فإن عمرا كان قد استخلف ذلك‬
‫اليوم رجل ‪ -‬اسمه خارجة ‪ -‬فظن الخارجي أنه عمرو فقتله فلما تبين له‬
‫قال ‪ :‬أردت عمرا وأراد الله خارجة فصارت مثل ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فقيل إنهم كتموا قبر " علي " وقبر " معاوية " وقبر " عمرو" خوفا عليهم‬
‫من الخوارج؛ ولهذا دفنوا معاوية داخل الحائط القبلي من المسجد الجامع‬
‫في قصر المارة الذي كان يقال له الخضراء وهو الذي تسميه العامة قبر "‬
‫هود " ‪.‬‬
‫وهود باتفاق العلماء لم يجئ إلى دمشق‪ ،‬بل قبره ببلد اليمن حيث بعث;‬
‫وقيل بمكة حيث هاجر ; ولم يقل أحد ‪ :‬إنه بدمشق ‪.‬‬
‫وأما " معاوية " الذي هو خارج " باب الصغير " فإنه معاوية بن يزيد الذي‬
‫تولى نحو أربعين يوما وكان فيه زهد ودين ‪ ،‬فعلي دفن هناك وعفا قبره‬
‫فلذلك لم يظهر قبره ‪.‬‬
‫وأما المشهد الذي بالنجف فأهل المعرفة متفقون على أنه ليس بقبر علي‬
‫بل قيل إنه قبر المغيرة بن شعبة ولم يكن أحد يذكر أن هذا قبر علي ول‬
‫يقصده أحد أكثر من ثلثمائة سنة ; مع كثرة المسلمين ‪ :‬من أهل البيت‬
‫والشيعة وغيرهم وحكمهم بالكوفة ‪.‬‬
‫وإنما اتخذوا ذلك مشهدا في ملك بني بويه ‪ -‬العاجم ‪ -‬بعد موت علي بأكثر‬
‫من ثلثمائة سنة ورووا حكاية فيها ‪ :‬أن الرشيد كان يأتي إلى تلك وأشياء ل‬
‫تقوم بها حجة ‪.‬‬
‫**مقتل الحسين رضي الله عنه‬
‫والحسين ‪ -‬رضي الله عنه ; ولعن من قتله ورضي بقتله ‪ -‬قتل يوم عاشوراء‬
‫عام إحدى وستين ‪.‬‬
‫وكان الذي حض على قتله الشمر بن ذي الجوشن صار يكتب في ذلك إلى‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نائب السلطان على العراق عبيد الله بن زياد ; وعبيد الله هذا أمر ‪ -‬بمقاتلة‬
‫الحسين ‪ -‬نائبه عمر بن سعد بن أبي وقاص بعد أن طلب الحسين منهم ما‬
‫طلبه آحاد المسلمين لم يجئ معه مقاتلة ; فطلب منهم أن يدعوه إلى أن‬
‫يرجع إلى المدينة أو يرسلوه إلى يزيد بن عمه أو يذهب إلى الثغر يقاتل‬
‫الكفار فامتنعوا إل أن يستأسر لهم أو يقاتلوه فقاتلوه حتى قتلوه وطائفة من‬
‫أهل بيته وغيرهم ‪.‬‬
‫ثم حملوا ثقله وأهله إلى يزيد بن معاوية إلى دمشق ولم يكن يزيد أمرهم‬
‫بقتله‪ ،‬ول ظهر منه سرور بذلك ورضي به بل قال كلما فيه ذم لهم ‪.‬‬
‫حيث نقل عنه أنه قال ‪ ) :‬لقد كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل‬
‫الحسين ( ‪.‬‬
‫وقال ‪ ) :‬لعن الله ابن مرجانة ‪ -‬يعني عبيد الله بن زياد ‪ -‬والله لو كان بينه‬
‫وبين الحسين رحم لما قتله ( ‪ -‬يريد بذلك الطعن في استلحاقه؛ حيث كان‬
‫أبوه زياد استلحق حتى كان ينتسب إلى أبي سفيان صخر بن حرب – وبنو‬
‫أمية وبنو هاشم كلهما بنو عبد مناف ‪.‬‬
‫وروي أنه لما قدم على يزيد ثقل الحسين وأهله ظهر في داره البكاء‬
‫والصراخ لذلك وأنه أكرم أهله وأنزلهم منزل حسنا‪ ،‬وخير ابنه عليا بين أن‬
‫يقيم عنده وبين أن يذهب إلى المدينة فاختار المدينة ‪ .‬والمكان الذي يقال له‬
‫سجن علي بن الحسين بجامع دمشق باطل ل أصل له‪ .‬لكنه مع هذا لم يقم‬
‫حد الله على من قتل الحسين رضي الله عنه‪ ،‬ول انتصر له بل قتل أعوانه‬
‫لقامة ملكه‬
‫مواقف الناس من يزيد بن معاوية‬
‫ول ريب أن " يزيد " تفاوت الناس فيه فطائفة تجعله كافرا ; بل تجعله هو‬
‫وأباه كافرين ; بل يكفرون مع ذلك أبا بكر وعمر ويكفرون عثمان وجمهور‬
‫المهاجرين والنصار وهؤلء الرافضة من أجهل خلق الله وأضلهم وأعظمهم‬
‫كذبا على الله عز وجل ورسوله والصحابة والقرابة وغيرهم ; فكذبهم على‬
‫يزيد مثل كذبهم على أبي بكر وعمر وعثمان ; بل كذبهم على يزيد أهون‬
‫بكثير ‪.‬‬
‫وطائفة تجعله من أئمة الهدى وخلفاء العدل وصالح المؤمنين وقد يجعله‬
‫بعضهم من الصحابة وبعضهم يجعله نبيا ‪ .‬وهذا أيضا من أبين الجهل‬
‫والضلل ; وأقبح الكذب والمحال بل كان ملكا من ملوك المسلمين له‬
‫حسنات وسيئات والقول فيه كالقول في أمثاله من الملوك‪ .‬وقد بسطنا‬
‫القول في هذا في غير هذا الموضع ‪.‬‬
‫نقد بعض الروايات المتعلقة بيزيد ومقتل الحسين رضي الله عنه ومكان دفنه‬
‫وأما الحسين ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬فقتل بكربلء قريب من الفرات ودفن جسده‬
‫حيث قتل وحمل رأسه إلى قدام عبيد الله بن زياد بالكوفة هذا الذي رواه‬
‫البخاري في صحيحه وغيره من الئمة ‪.‬‬
‫وأما حمله إلى الشام إلى يزيد ‪ ،‬فقد روي ذلك من وجوه منقطعة لم يثبت‬
‫شيء منها بل في الروايات ما يدل على أنها من الكذب المختلق ‪.‬‬
‫فإنه يذكر فيها أن " يزيد " جعل ينكت بالقضيب على ثناياه ; وأن بعض‬
‫الصحابة الذين حضروه ‪ -‬كأنس بن مالك وأبي برزة ‪ -‬أنكر ذلك وهذا تلبيس ‪.‬‬
‫فإن الذي جعل ينكت بالقضيب إنما كان عبيد الله بن زياد ; هكذا في الصحيح‬
‫والمساند ‪.‬‬
‫وإنما جعلوا مكان عبيد الله بن زياد " يزيد " ‪.‬‬
‫وعبيد الله ل ريب أنه أمر بقتله وحمل الرأس إلى بين يديه ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم إن ابن زياد قتل بعد ذلك لجل ذلك ومما يوضح ذلك أن الصحابة‬
‫المذكورين كأنس وأبي برزة لم يكونوا بالشام وإنما كانوا بالعراق حينئذ وإنما‬
‫الكذابون جهال بما يستدل به على كذبهم ‪.‬‬
‫وأما حمله إلى مصر فباطل باتفاق الناس وقد اتفق العلماء كلهم على أن‬
‫هذا المشهد الذي بقاهرة مصر الذي يقال له " مشهد الحسين " باطل ليس‬
‫فيه رأس الحسين ول شيء منه ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وإنما أحدث في أواخر دولة " بني عبيد الله بن القداح " الذين كانوا ملوكا‬
‫بالديار المصرية مائتي عام إلى أن انقرضت دولتهم في أيام " نور الدين‬
‫محمود " وكانوا يقولون إنهم من أولد فاطمة ويدعون الشرف وأهل العلم‬
‫بالنسب يقولون ليس لهم نسب صحيح‪.‬‬
‫فأما مذاهبهم وعقائدهم فكانت منكرة باتفاق أهل العلم بدين السلم وكانوا‬
‫يظهرون التشيع وكان كثير من كبرائهم وأتباعهم يبطنون مذهب القرامطة‬
‫الباطنية وهومن أخبث مذاهب أهل الرض أفسد من اليهود والنصارى ولهذا‬
‫كان عامة من انضم إليهم أهل الزندقة والنفاق والبدع المتفلسفة والمباحية‬
‫والرافضة وأشباه هؤلء ممن ل يستريب أهل العلم واليمان في أنه ليس من‬
‫أهل العلم واليمان ‪.‬‬
‫فأحدث هذا " المشهد " في المائة الخامسة نقل من عسقلن ‪.‬‬
‫وعقيب ذلك بقليل انقرضت دولة الذين ابتدعوه بموت العاضد آخر ملوكهم ‪.‬‬
‫والذي رجحه أهل العلم في موضع رأس الحسين بن علي ‪ -‬رضي الله عنهما‬
‫‪ -‬هوما ذكره الزبير بن بكار في كتاب " أنساب قريش " والزبير بن بكار‬
‫هومن أعلم الناس وأوثقهم في مثل هذا ذكر أن الرأس حمل إلى المدينة‬
‫النبوية ودفن هناك وهذا مناسب ‪.‬‬
‫فإن هناك قبر أخيه الحسن وعم أبيه العباس وابنه علي وأمثالهم ‪.‬‬
‫قال أبو الخطاب بن دحية ‪ -‬الذي كان يقال له ‪ " :‬ذوالنسبين بين دحية‬
‫والحسين " في كتاب " العلم المشهور في فضل اليام والشهور " ‪ -‬لما ذكر‬
‫ما ذكره الزبير بن بكار عن محمد بن الحسن أنه قدم برأس الحسين وبنو‬
‫أمية مجتمعون عند عمرو بن سعيد فسمعوا الصياح‬
‫فقالوا ‪ :‬ما هذا ؟‬
‫فقيل ‪ :‬نساء بني هاشم يبكين حين رأين رأس الحسين بن علي‬
‫قال ‪ :‬وأتى برأس الحسين بن علي فدخل به على عمرو فقال ‪ :‬والله لوددت‬
‫أن أمير المؤمنين لم يبعث به إلي ‪.‬‬
‫قال ابن دحية ‪ :‬فهذا الثر يدل أن الرأس حمل إلى المدينة ولم يصح فيه‬
‫سواه والزبير أعلم أهل النسب وأفضل العلماء بهذا السبب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وما ذكر من أنه في عسقلن في مشهد هناك فشيء باطل ل يقبله من‬
‫معه أدنى مسكة من العقل والدراك فإن بني أمية ‪ -‬مع ما أظهروه من القتل‬
‫والعداوة والحقاد ‪ -‬ل يتصور أن يبنوا على الرأس مشهدا للزيارة ‪.‬‬
‫هذا ; وأما ما افتعله " بنوعبيد " في أيام إدبارهم وحلول بوارهم وتعجيل‬
‫دمارهم ; في أيام الملقب " بالقاسم عيسى بن الظافر " وهو الذي عقد له‬
‫بالخلفة وهو ابن خمس سنين وأيام لنه ولد يوم الجمعة الحادي من المحرم‬
‫سنة أربع وأربعين وخمسمائة وبويع له صبيحة قتل أبيه الظافر يوم الخميس‬
‫سلخ المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة وله من العمر ما قدمنا فل تجوز‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عقوده ول عهوده ‪.‬‬


‫وتوفي وله من العمر إحدى عشرة سنة وستة أشهر وأيام لنه توفي لليلة‬
‫الجمعة لثلث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين وخمسمائة‬
‫فافتعل في أيامه بناء المشهد المحدث بالقاهرة ودخول الرأس مع المشهدي‬
‫العسقلني أمام الناس ليتوطن في قلوب العامة ما أورد من المور الظاهرة‬
‫وذلك شيء افتعل قصدا أونصب غرضا وقضوا ما في نفوسهم لستجلب‬
‫العامة عرضا والذي بناه " طلئع بن رزيك " الرافضي ‪.‬‬
‫وقد ذكره جميع من ألف في مقتل الحسين أن الرأس المكرم ما غرب قط‬
‫وهذا الذي ذكره أبو الخطاب بن دحية في أمر هذا المشهد وأنه مكذوب‬
‫مفترى هوأمر متفق عليه عند أهل العلم‪.‬‬
‫والكلم في هذا الباب وأشباهه متسع فإنه بسبب مقتل عثمان ومقتل‬
‫الحسين وأمثالهما جرت فتن كثيرة ; وأكاذيب وأهواء ; ووقع فيها طوائف من‬
‫المتقدمين والمتأخرين وكذب على أمير المؤمنين عثمان وأمير المؤمنين‬
‫علي بن أبي طالب أنواع من الكاذيب يكذب بعضها شيعتهم ونحوهم ويكذب‬
‫بعضها مبغضوهم ل سيما بعد مقتل عثمان فإنه عظم الكذب والهواء ‪.‬‬
‫وقيل في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مقالت من الجانبين ; علي‬
‫بريء منها ‪.‬‬
‫وصارت البدع والهواء والكذب تزداد حتى حدث أمور يطول شرحها ‪ ,‬مثل ما‬
‫ابتدعه كثير من المتأخرين يوم عاشورا فقوم يجعلونه مأتما يظهرون فيه‬
‫النياحة والجزع وتعذيب النفوس وظلم البهائم وسب من مات من أولياء الله‬
‫والكذب على أهل البيت وغير ذلك من المنكرات المنهي عنها بكتاب الله‬
‫وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق المسلمين ‪.‬‬
‫والحسين رضي الله عنه أكرمه الله تعالى بالشهادة في هذا اليوم وأهان‬
‫بذلك من قتله أو أعان على قتله أو رضي بقتله وله أسوة حسنة بمن سبقه‬
‫من الشهداء ‪.‬‬
‫فإنه وأخوه سيدا شباب أهل الجنة وكانا قد تربيا في عز السلم لم ينال من‬
‫الهجرة والجهاد والصبر على الذى في الله ما ناله أهل بيته فأكرمهما الله‬
‫تعالى بالشهادة تكميل لكرامتهما ورفعا لدرجاتهما وقتله مصيبة عظيمة ‪.‬‬
‫والله سبحانه قد شرع السترجاع عند المصيبة بقوله تعالى ‪ ) :‬وبشر‬
‫الصابرين ‪ ،‬الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ‪ ،‬أولئك‬
‫عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ( ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬ما من مسلم‬
‫يصاب بمصيبة فيقول ‪ :‬إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي‬
‫واخلف لي خيرا منها إل آجره الله في مصيبته واخلف له خيرا منها " ‪.‬‬
‫ومن أحسن ما يذكر هنا أنه قد روى المام أحمد وابن ماجه عن فاطمة بنت‬
‫الحسين عن أبيها الحسين ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت‬
‫فيحدث عندها استرجاعا كتب الله له مثلها يوم أصيب " هذا حديث رواه عن‬
‫الحسين ابنته فاطمة التي شهدت مصرعه ‪.‬‬
‫وقد علم أن المصيبة بالحسين تذكر مع تقادم العهد فكان في محاسن‬
‫السلم أن بلغ هوهذه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهوأنه كلما‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذكرت هذه المصيبة يسترجع لها فيكون للنسان من الجر مثل الجر يوم‬
‫أصيب بها المسلمون ‪.‬‬
‫وأما من فعل مع تقادم العهد بها ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم عند‬
‫حدثان العهد بالمصيبة فعقوبته أشد مثل لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء‬
‫بدعوى الجاهلية ‪.‬‬
‫والثار في ذلك متعددة ‪.‬‬
‫وليس الكذب في هذا المشهد وحده ; بل المشاهد المضافة إلى النبياء‬
‫وغيرهم كذب ‪.‬‬
‫مثل القبر الذي يقال له " قبر نوح " قريب من بعلبك في سفح جبل لبنان ‪.‬‬
‫ومثل القبر الذي في قبلة مسجد جامع دمشق الذي يقال له " قبر هود "‬
‫فإنما هوقبر معاوية بن أبي سفيان ‪.‬‬
‫ومثل القبر الذي في شرقي دمشق الذي يقال له " قبر أبي بن كعب " فإن‬
‫أبيا لم يقدم دمشق باتفاق العلماء ‪.‬‬
‫وكذلك ما يذكر في دمشق من قبور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وإنما‬
‫توفين بالمدينة النبوية ‪.‬‬
‫وكذلك ما يذكر في مصر من قبر " علي بن الحسين " أو" جعفر الصادق "‬
‫أو نحو ذلك هو كذب باتفاق أهل العلم ‪.‬‬
‫فإن علي بن الحسين وجعفرا الصادق إنما توفيا بالمدينة وقد قال عبد العزيز‬
‫الكناني ‪ - :‬الحديث المعروف ‪ -‬ليس في قبور النبياء ما ثبت إل قبر " نبينا "‬
‫قال غيره ‪ :‬وقبر " الخليل " أيضا ‪.‬‬
‫سبب الضطراب في تحديد بعض أمكنة القبور‬
‫وسبب اضطراب أهل العلم بأمر القبور أن ضبط ذلك ليس من الدين فإن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن تتخذ القبور مساجد فلما لم يكن‬
‫معرفة ذلك من الدين لم يجب ضبطه ‪.‬‬
‫فأما العلم الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه مضبوط‬
‫ومحروس كما قال تعالى ‪ ) :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ( ‪.‬‬
‫وفي الصحاح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬ل تزال طائفة من أمتي‬
‫ظاهرين على الحق ل يضرهم من خالفهم ول من خذلهم حتى تقوم الساعة‬
‫"‪.‬‬
‫وأصل هذا الكذب هو الضلل والبتداع والشرك فإن الضلل ظنوا أن شد‬
‫الرحال إلى هذه المشاهد ; والصلة عندها والدعاء والنذر لها وتقبيلها‬
‫واستلمها وغير ذلك من أعمال البر والدين حتى رأيت كتابا كبيرا قد صنفه‬
‫بعض أئمة الرافضة " محمد بن النعمان " الملقب بالشيخ المفيد شيخ‬
‫الملقب بالمرتضى وأبي جعفر الطوسي سماه " الحج إلى زيارة المشاهد "‬
‫ذكر فيه من الثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وزيارة هذه‬
‫المشاهد والحج إليها ما لم يذكر مثله في الحج إلى بيت الله الحرام ‪.‬‬
‫وعامة ما ذكره من أوضح الكذب وأبين البهتان حتى أني رأيت في ذلك من‬
‫الكذب والبهتان أكثر مما رأيته من الكذب في كثير من كتب اليهود والنصارى‬
‫‪.‬‬
‫وهذا إنما ابتدعه وافتراه في الصل قوم من المنافقين والزنادقة ; ليصدوا به‬
‫الناس عن سبيل الله ‪ ،‬ويفسدوا عليهم دين السلم وابتدعوا لهم أصل‬
‫الشرك المضاد لخلص الدين لله كما ذكره ابن عباس وغيره من السلف في‬
‫قوله تعالى عن قوم نوح ‪ ) :‬وقالوا ل تذرن آلهتكم ول تذرن ودا ول سواعا ول‬
‫يغوث ويعوق ونسرا ‪ ،‬وقد أضلوا كثيرا ( ‪ ،‬قالوا ‪ :‬هذه أسماء قوم صالحين‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كانوا في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ‪.‬‬
‫وقد ذكر ذلك البخاري في صحيحه وبسطه وبينه في أول كتابه في قصص‬
‫النبياء وغيرها ‪.‬‬
‫أول من ابتدع القول بعصمة علي والنص عليه‬
‫وأول من ابتدع القول بالعصمة لعلي وبالنص عليه في الخلفة هو رأس هؤلء‬
‫المنافقين " عبد الله بن سبأ " الذي كان يهوديا فأظهر السلم وأراد فساد‬
‫دين السلم كما أفسد بولص دين النصارى وقد أراد أمير المؤمنين علي بن‬
‫أبي طالب قتل هذا لما بلغه أنه يسب أبا بكر وعمر حتى هرب منه كما أن‬
‫عليا حرق الغالية الذين ادعوا فيه اللهية وقال في المفضلة ‪ :‬ل أوتى بأحد‬
‫يفضلني على أبي بكر وعمر إل جلدته جلد المفتري‪.‬‬
‫فهؤلء الضالون المفترون أتباع الزنادقة المنافقون يعطلون شعار السلم‬
‫وقيام عموده وأعظمه سنن الهدى التي سنها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ; بمثل هذا الفك والبهتان فل يصلون جمعة ول جماعة ‪.‬‬
‫ومن يعتقد هذا فقد يسوي بين المشاهد والمساجد حتى يجعل العبادة‬
‫كالصلة والدعاء والقراءة والذكر وغير ذلك مشروعا عند المقابر كما هو‬
‫مشروع في المساجد ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وربما فضل بحاله أو بقاله العبادة عند القبور والمشاهد على العبادة في‬
‫بيوت الله التي هي المساجد حتى تجد أحدهم إذا أراد الجتهاد في الدعاء‬
‫والتوبة ونحو ذلك قصد قبر من يعظمه كشيخه أو غير شيخه فيجتهد عنده‬
‫في الدعاء والتضرع والخشوع والرقة ما ل يفعله مثله في المساجد ول في‬
‫السحار ول في سجوده لله الواحد القهار ‪.‬‬
‫وقد آل المر بكثير من جهالهم إلى أن صاروا يدعون الموتى ويستغيثون بهم‬
‫كما تستغيث النصارى بالمسيح وأمه ‪.‬‬
‫فيطلبون من الموات تفريج الكربات وتيسير الطلبات والنصر على العداء‬
‫ورفع المصائب والبلء وأمثال ذلك مما ل يقدر عليه إل رب الرض والسماء‬
‫حتى أن أحدهم إذا أراد الحج لم يكن أكثر همه الفرض الذي فرضه الله عليه‬
‫وهو حج بيت الله الحرام وهو شعار الحنيفية ملة إبراهيم إمام أهل دين الله‬
‫بل يقصد المدينة ‪.‬‬
‫ول يقصد ما رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم من الصلة في مسجده‬
‫حيث قال في الحديث الصحيح ‪" :‬صلة في مسجدي هذا خير من ألف صلة‬
‫فيما سواه إل المسجد الحرام"‪.‬‬
‫ول يهتم بما أمر الله به من الصلة والسلم على رسوله حيث كان ومن‬
‫طاعة أمره واتباع سنته وتعزيره وتوقيره وهو أن يكون أحب إليه من أهله‬
‫وماله والناس أجمعين بل أن يكون أحب إليه من نفسه ‪.‬‬
‫بل يقصد من زيارة قبره أو قبر غيره ما لم يأمر الله به ورسوله ول فعله‬
‫أصحابه ول استحسنه أئمة الدين‪.‬‬
‫وربما كان مقصوده بالحج من زيارة قبره أكثر من مقصوده بالحج ‪.‬‬
‫وربما سوى بين القصدين ‪.‬‬
‫وكل هذا ضلل عن الدين باتفاق المسلمين ‪.‬‬
‫النهي عن السفر لزيارة قبر هو رأي جمهور العلماء‬
‫بل نفس السفر لزيارة قبر من القبور ‪ -‬قبر نبي أو غيره ‪ -‬منهي عنه عند‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جمهور العلماء حتى أنهم ل يجوزون قصد الصلة فيه بناء على أنه سفر‬
‫معصية لقوله الثابت في الصحيحين ‪ " :‬ل تشد الرحال إل إلى ثلثة مساجد ‪:‬‬
‫المسجد الحرام والمسجد القصى ومسجدي هذا " وهو أعلم الناس بمثل‬
‫هذه المسألة ‪.‬‬
‫وكل حديث يروى في زيارة القبر فهو ضعيف بل موضوع بل قد كره مالك‬
‫وغيره من أئمة المدينة أن يقول القائل ‪ :‬زرت قبر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫وإنما المسنون السلم عليه إذا أتى قبره صلى الله عليه وسلم وكما كان‬
‫الصحابة والتابعون يفعلون إذا أتوا قبره ; كما هو مذكور في غير هذا الموضع‬
‫‪.‬‬
‫ومن ذلك الطواف بغير الكعبة وقد اتفق المسلمون على أنه ل يشرع‬
‫الطواف إل بالبيت المعمور فل يجوز الطواف بصخرة بيت المقدس ول‬
‫بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم ول بالقبة التي في جبل عرفات ول غير‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وكذلك اتفق المسلمون على أنه ل يشرع الستلم ول التقبيل إل للركنين‬
‫اليمانيين ; فالحجر السود يستلم ويقبل واليماني يستلم‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنه يقبل‬
‫وهو ضعيف ‪.‬‬
‫وأما غير ذلك فل يشرع استلمه ول تقبيله ; كجوانب البيت والركنين‬
‫الشاميين ; ومقام إبراهيم والصخرة والحجرة النبوية وسائر قبور النبياء‬
‫والصالحين ‪.‬‬
‫وهذا باب واسع قد نبهنا بما كتبناه على سبيل الهدى في هذا المر الفارق‬
‫بين أهل التوحيد الحنفاء أهل ملة إبراهيم المتبعين لدين الله الذي بعث به‬
‫رسله وأنزل به كتبه وبين من لبس الحق بالباطل وشاب الحنيفية بالشراك ‪.‬‬
‫والله سبحانه وتعالى أعلم ‪.‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪ 498 / 4‬فما بعدها بتصرف يسير‬

‫)‪(6 /‬‬

‫على بوابة الوحي‬


‫‪ ...‬المعجزة الخالدة‬
‫المقدمة ‪:‬‬
‫أحمدك يا رب حمد مقر بربوبيتك ‪ ،‬معترف بألوهيتك ‪ ،‬متعبد بأسمائك ‪ ،‬أنت‬
‫الول فليس قبلك شئ ‪ ،‬وأنت الخر فليس بعدك شيء ‪ ،‬وأنت الظاهر فليس‬
‫فوقك شئ ‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك شيء ‪ ،‬وأنت الحي القيوم الذي ل‬
‫يموت والنس والجن يموتون ‪ ،‬أشهد أنك أنت الله الذي ل إله إل هو الواحد‬
‫الحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ‪ .‬وأشهد أن‬
‫محمد عبدك ورسولك وصفيك وخليلك ‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم تسليما ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ ،‬فإن القرآن هو معجزة محمد عليه الصلة والسلم التي بعث بها ‪،‬‬
‫وهي معجزة دائمة باقية دوام السلم وبقاء الحق ‪.‬‬
‫والقرآن أسمى وأجل من أن يمدحه بشر ؛ لنه كلم رب البشر ‪ ،‬وأعلى‬
‫وأعظم من أن يثني عليه مخلوق ؛ لنه تنزيل من الخالق ‪ ،‬وإن أحسن‬
‫الوقات وأسعد اللحظات حين يعيش العبد مع آياته البينات تاليا متدبرا خاشعا‬
‫‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد أحسن علماء المة في تفسير كتاب الله ‪ ،‬فمنهم من قصد اللغة في‬
‫القرآن فشرح اللفظ وبسط القول فيه ‪ ،‬ومنهم من قصد الثار وما ورد في‬
‫الية من أحاديث وأخبار فجمع وأوعى ‪ ،‬ومنهم من أراد مقاصد الكلم وفقه‬
‫كتاب الله فاستنبط من الية ما فتح به الفتاح العليم‬
‫والناس كل له مذهب في قراءته ومطالعته ؛ فما يعجب ذاك ؛ لنه قد علم‬
‫كل أناس مشربهم ‪ ،‬ثم أنهم ل يصبرون على طعام واحد ول يدومون على‬
‫حال واحدة ‪ ،‬فمهما كتب كاتب من القرآن وجد لما كتبه محبين ومعجبين ‪،‬‬
‫وقد استعنت الله في كتابة ما أستطيعه من معان تظهر لي عند تلوة كتابه‬
‫لو لم أستفد من كتابتها إل أنها كانت سببا لتدبيري القرآن والتأمل في حكمه‬
‫ومواعظه وقصصه وأخباره وأحكامه وأمثاله لكان ذلك من أجل فائدة‬
‫واحسن عائدة ‪ ،‬وقد حرصت على أن يكون ما كتبته وعظا لمن قرأه ولمن‬
‫سمعه ‪ ،‬وتربية لمن طالعه وتأمله ‪ ،‬وجانبت الفنون التي ذكرها المفسرون‬
‫في تفاسيرهم ؛ كالمسائل اللغوية والنحوية ‪ ،‬وفروع الفقه ‪ ،‬وجمع الثار‬
‫الوارد في الية بل حاولت التسهيل والتقريب مع ربط أحوال الناس بالقرآن‬
‫في كل أحوالهم وفي شؤون حياتهم ‪ ،‬وربما بسطت الكلم عن الية كمعان‬
‫ظهرت لي ل يجمل إغفالها ‪.‬‬
‫ولك أن تعتبر ما كتبته من التفسير الوعظي الدبي التربوي الذي يعتمد على‬
‫السلوب الخطابي ليكون صالحا إن شاء الله للخطيب على المنبر ‪ ،‬وللوعظ‬
‫في محاضراته ‪ ،‬وللمعلم في دروسه ‪ ،‬ولعل من عنده أدنى باللغة العربية أو‬
‫أثاره من علم يفهم ما أكتبه ويعي ما أمليه ؛ فالمقصود بهذا الكلم جمهور‬
‫الناس وإنما كانت الشريعة في عمومها للغالب والجمهور وجانبت الغريب‬
‫والشاذ من القوال وإيراد الخلف في تفسير الية وحشر أقوال المفسرين ‪،‬‬
‫وكل هذا مفروغ منه فيما كتبته المة من قبل ‪ ،‬فنحن بحاجة إلى إلهاب‬
‫العاطفة ‪ ،‬واستثارة الهمة ‪ ،‬ومخاطبة الوجدان في زمن غلبت فيه المادة‬
‫والخلود إلى الرض ‪ ،‬والتهافت على الشهوات ‪ ،‬والوقوع في المنهيات ‪،‬‬
‫والعزوف عن العلم ‪ ،‬والعراض عن الفقه في الدين ‪ ،‬فكان من المهم توجيه‬
‫الرسائل الخطابية الوعظية التربوية ‪ ،‬وقد تكون في ثنايا التفسير او في‬
‫غصون شروح الحديث ؛ لن السلوب العلمي التقريري قد تم والحمد لله‬
‫وكثرت كتبه وتعددت مصنفاته ‪.‬‬
‫وأسأل الله باسمه العظم الذي وأسأل الله باسمه العظم الذي إذا سئل به‬
‫أعطى وإذا دعي به أجاب أن يقبله مني وأن ينفعني به ومن قرأه أو سمعه‬
‫إن ربي على كل شيء قدير ‪.‬‬
‫ه(‬ ‫ما ي َن ْب َِغي ل َ ُ‬ ‫شعَْر وَ َ‬ ‫ما عَل ّ ْ‬
‫مَناه ُ ال ّ‬ ‫)وَ َ‬
‫ليس من مواهبه الشعر ول من طبيعته ‪ ،‬وليس عنده وقت لتهوك الشعراء‬
‫ووله الدباء ‪ ،‬وليس لديه خيال شارد يقتص سوارح الفكار ‪ ،‬بل جاء برسالة‬
‫جليلة ووفد بوحي عظيم ‪ ،‬وأن محمد صلى الله عليه وسلم ليس شاعر‬
‫يضرب الخماس بالسداس ‪ ،‬ويهيم في أودية الخيال ‪ ،‬بل هو نبي معصوم ‪،‬‬
‫كل كلمة منه دين ‪ ،‬وكل جملة منه سنة ؛ لنه جاء لصلح العالم ‪ ،‬وليس‬
‫لدغدغة العواطف وملعبة المشاعر كما يفعل الشعراء ‪ ،‬فليس عنده فراغ‬
‫في العمر لنظم بنيات الفكار ‪ ،‬ول لطراب الجمهور ‪ ،‬والحق مقصده ‪،‬‬
‫ل(‬‫ما هُوَ ِبال ْهَْز ِ‬ ‫ص ٌ‬
‫ل )‪ (13‬وَ َ‬ ‫ل فَ ْ‬ ‫قو ْ ٌ‬ ‫ه لَ َ‬‫والصلح أمنيته ‪) :‬إ ِن ّ ُ‬
‫ولم يكن صلى الله عليه وسلم شاعر ؛ لن الشعر ل ينبني على الحقائق ‪ ،‬ول‬
‫يقوم على البرهان ‪ ،‬فالشعر مزيج من الخيال والهيام والغرام والوله والكذب‬
‫والزيف ‪ ،‬وصان الله رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وما ينبغي لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يقول الشعر ‪ ،‬فما جاء لتسلية‬
‫الناس ول لمدح الملوك ‪ ،‬ووصف الديار والبكاء على الثار ‪ ،‬بل أتي ـ بنفسي‬
‫هو ـ لغسل الضمير من أوضار الشرك ‪ ،‬وتطهير الروح من دنس الوثينة ‪،‬‬
‫وعمارة الكون باليمان ‪ ،‬فأنفاسه تعد ‪ ،‬وثواني عمره تحسب ؛ لن مهمته ل‬
‫تحمل التأخير فهو مبعوث من الخالق إلى الخلق برسالة محمدية عنوانها ل‬
‫إله إل الله محمد رسول الله ‪ .‬العاطفية والتسليات لهو تعطيل لهذه الرسالة‬
‫عن أداء مهمتها وتفريغ لها من محتواها الجلي العامر ‪.‬‬
‫إن مع محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أجمل من الشعر ‪ ،‬وأبهى من‬
‫الدب ‪ ،‬وأحسن من الحسن ‪ ،‬أل هو هذا الكتاب الباهر المعجز الذي أسكت‬
‫الشعراء ‪ ،‬وأفحم الدباء ‪ ،‬وأذهل العلماء ‪ ،‬وحير العرب العرباء ‪:‬‬
‫إذا تغلغل فكر المرء في طرف‬
‫من حسنه غرقت فيه خواطره‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قص عَل َي َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬
‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫قْرآ َ‬
‫ذا ال ُ‬ ‫حي َْنا إ ِلي ْ َ‬
‫ك هَ َ‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫ص بِ َ‬
‫ص ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬‫ح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن نَ ُ ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫)ن َ ْ‬
‫ن(‬ ‫ن الَغافِِلي َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫قَب ْل ِهِ ل ِ‬
‫نحن نقص عليك فدع قصص غيرنا ‪ ،‬ول تلفت إلى قصص سوانا ؛ لن قصصنا‬
‫هو الحق الصريح والعلم الصحيح ‪ ،‬قصص تسكب في النفس نهرا من النور ‪،‬‬
‫وفي الضمير وابل من الرشد ‪ ،‬قصص ليس كقصص البشر الذي يعتريه‬
‫ضعف النقل ‪ ،‬أو شذوذ الغرابة ‪ ،‬أو جموح الخيال ‪ ،‬أو مخالفة المعهود ‪،‬‬
‫ومناقضة سنة الكون ‪.‬‬
‫يروى في بعض الثار أن الصحابة قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬لو قصصت علينا ‪،‬‬
‫ص ( وقالوا ‪ :‬لو حدثتنا فأنزل ‪:‬‬ ‫ص‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قص عَل َي َ َ‬
‫ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن نَ ُ ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫فأنزل الله ‪) :‬ن َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫)الل ّه نز َ َ‬
‫س قد ْ‬ ‫ديث( وقالوا ‪ :‬لو وعظتنا ‪ ،‬فأنزل ‪َ) :‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ُ َّ‬
‫م(‪.‬‬ ‫ن َرب ّك ُْ‬ ‫م َ ْ ِ ٌ ِ ْ‬
‫م‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫جاَءت ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫إن في عالم المعرفة اليوم آلف القصص بكل لغات البشر ‪ ،‬ولكنها عرضة‬
‫للتحريف والتزييف والزيادة والنقص ‪ ،‬ثم إنها ليست قطعية في ثبوتها ول‬
‫دقيقة في نقلها مع ما يكتنفها من تهويل وتضخيم وتكلف وافتعال ‪ ،‬فبعضها ل‬
‫حقيقة لها إل في عقول مصنفيها ‪ ،‬وبعضها له أصل ولكنه أضيف إليه أضعافا‬
‫مضاعفة من المبالغة حتى مسخ الصل وشوه ‪ ،‬وبعضها ثابت لكن قدم‬
‫بأسلوب فاتر وعرض بعرض مشلول ‪.‬‬
‫أما هذه القصة وأمثالها من قصص القرآن فيكفيها سموا وجلل ورفعة أن‬
‫الله هو الذي يقصها على عبده المصطفى وحبيبه المجتبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫ص عَلي ْك ( تنبيه على التجاه إلى مصدر المعرفة ومنبع‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫وفي قوله ‪) :‬ن َ ْ‬
‫الحقيقة ‪ ،‬والمسلم يتلقى علمه وثقافته من هذا الكتاب الجليل الذي ل يأتيه‬
‫الباطل من بين يديه ول من خافه تنزيل من حكيم حميد ‪ .‬وما أدري كيف‬
‫يصلح شأن أمة تستورد قصصها من مروجي المكر ‪ ،‬وساسة الخداع ‪،‬‬
‫وسماسرة الرذيلة ‪ ،‬وكيف يهتدي جيلها وهو يطاله زبد تلك القلم الكافرة‬
‫بربها ‪ ،‬العاقة لفطرتها ‪ ،‬المتنكرة لمبادئها ؟ ‍!‬
‫ولن نقص عليك قصصا فحسب بل أحسن القصص ‪ ،‬ويرى بعض أهل العلم‬
‫أن أحسن القصص هنا هي قصص القرآن كله ‪ ،‬فقصصه بالنسبة لعامة‬
‫القصص أحسن قصص وأوثقها وأجملها وأكملها ‪.‬‬
‫ومن أهل العلم من قال ‪ :‬بل المقصود بأحسن القصص قصة يوسف ؛ لنها‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مذكورة في السياق المقدم لها بهذا الحتفال والتنبيه ‪.‬‬


‫وإن قصة يوسف أحسن قصة بالنسبة لما يماثلها في غرضها ومعناها ‪ ،‬بل‬
‫كل قصة في القرآن أحسن وأجل من مثيلتها في غير القرآن ‪ ،‬وقصة يوسف‬
‫أحسن قصة ‪ ،‬لن فيها مقاصد الهداية ومعاني الصلح وأسرار الفلح ما‬
‫يفوق الوصف ‪.‬‬
‫فقصص الناس إما قصة بطولية تهيج النفس الغضبية على العتداء وطلب‬
‫الثأر وحب النتقام بل ضوابط ول أصول ‪ ،‬وإما قصة غرامية تشعل الغريزة‬
‫وتحرك كوامن الشهوة بل رادع من تقوى ‪ ،‬ول وازع من عفاف ‪ ،‬ول حجاب‬
‫من صيانة ‪ ،‬وإما قصة غابرة بل ثقة من ناقل ‪ ،‬ول اطمئنان إلى صدق ‪ ،‬ول‬
‫مراعاة للحقيقة ‪.‬‬
‫قصة يوسف فيها دروس تربوية ترتقي بالنفس في سلم الفضيلة ‪ ،‬وتصعد‬
‫بالروح في معارج الكمال ‪.‬‬
‫في القصة كيف تكون خاتمة من آمن بالله ‪ ،‬وصدق معه ‪ ،‬وأخلص له ‪ ،‬وصبر‬
‫على أمره ‪ ،‬ودعا إليه ‪ ،‬وجاهد في سبيله ‪ .‬وفي القصة نهاية المكر ‪ ،‬وعاقبة‬
‫الكيد المحرم ‪ ،‬والحسد المؤذي ‪ ،‬وفيها انتظار الفرج وحسن الظن بالله ‪،‬‬
‫والفأل الحسن والستكانة إلى موعوده ‪ ،‬والرضا بأمره ‪ ،‬والسكون إلى‬
‫اختياره ‪ ،‬والطمئنان إلى جميل صنعه ‪.‬‬
‫وفيها جلل التقوى ‪ ،‬وجمال العفة ‪ ،‬وحسن مراقبة الله ‪ ،‬وإيثار طاعته‬
‫والنتصار على النفس المارة بالهوى الجارف والشباب المجنح ‪.‬‬
‫في قصة يوسف رؤيا تفسر ‪ ،‬وأحلم تعبر النبي صلي الله عليه وسلم وأمثال‬
‫تضرب ‪ ،‬وعظات تطرق ودروس تلقى ‪.‬‬
‫في القصة قميص يلطخ بدم ‪ ،‬وقميص يقد من دبر ‪ ،‬وقميص يلقى على‬
‫العمى فيرتد بصيرا ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫في القصة رجل يتهم بامرأة ‪ ،‬ورجل يتهم بسرقة ‪ ،‬وذئب يتهم بقتل ‪ ،‬وفيها‬
‫طفل يصارع الحياة ‪ ،‬وإخوة يغلبهم الحسد ‪ ،‬وأب يبرح به حب ابنه ‪ ،‬وبئر‬
‫يلقى فيها غلم ‪ ،‬وقافلة تبيع العبيد ‪ ،‬وملك يغفل أمور القصر ‪ ،‬وامرأة يغفلها‬
‫هواها ‪ ،‬وزنزانة تستقبل داعية ‪ ،‬وشيخ كبير يذهب البكاء ببصره ‪ ،‬وقافلة تعبر‬
‫الصحراء لطلب المعاش ‪ ،‬وصواع الملك يختفي ‪ ،‬ومحاكمة وشهود ‪،‬‬
‫ومفاجآت ليست في الحسبان ‪.‬‬
‫كل موقف يختم بحبكة ‪ ،‬وكل مشهد ينتهي بقفلة ‪ ،‬وكل رحلة فيها عبرة ‪.‬‬
‫وفي القصة آهات ودموع ‪ ،‬وتفجع وشكوى ‪ ،‬واتهامات وحقائق ‪ ،‬ومكائد‬
‫ودسائس ‪ ،‬وإهباطات وانتصارات ‪ ،‬وفيها وحشة غائب ‪ ،‬وفرحة لقاء ‪ ،‬وحزن‬
‫وفرقة ‪ ،‬وسرور اجتماع ‪ ،‬وإسمال فقر ‪ ،‬وهالة ملك ‪ ،‬ونفس أمارة ‪ ،‬ونفس‬
‫مطمئنة ‪ ،‬نبوة وسلطان ‪ ،‬وحرية ورق ‪ ،‬ونساء وخدم ‪ ،‬حاشية ومستشارون ‪،‬‬
‫وشباب وشيوخ ‪ ،‬بيع وشراء ‪.‬‬
‫قميص من عالم اللباس ‪ ،‬وامرأة في دنيا النساء ‪ ،‬وذئب وسبع بقرات في‬
‫ارض الحيوان ‪ ،‬وصواع من قسم الواني ‪.‬‬
‫طفل يقفده أهله ‪ ،‬ويكيده إخوانه ‪ ،‬ويبكيه أبوه ‪ ،‬ثم يباع في سوق الرقيق ‪،‬‬
‫ثم يدخل الخدمة في القصر ‪ ،‬ثم يعيش النكبة في السجن ‪ ،‬ثم ينعم بالملك ‪،‬‬
‫ثم يحضى بجمع الشمل وتمام المر وكمال المنية ‪ ،‬ثم يموت ‪.‬‬
‫المشاهد تلحقك أينما اتجهت ‪ ،‬الصور تمل ناظريك حيثما التفت ‪ ،‬يثب قلبك‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع كل مشهد ‪ ،‬ويقفز مع كل حركة ‪.‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَر‬ ‫ْ‬
‫س َوالقَ َ‬
‫م َ‬
‫ش ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شَر كوْكبا َوال ّ‬
‫حد َ ع َ َ‬
‫تأ َ‬ ‫ت إ ِّني َرأي ْ ُ‬‫ف َل َِبيهِ َيا أب َ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫)إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل ُيو ُ‬
‫ن(‬ ‫َ‬
‫دي َ‬ ‫ج ِ‬
‫سا ِ‬
‫م ِلي َ‬ ‫َرأي ْت ُهُ ْ‬
‫كل ما سبق توطئه وتمهيد للقصة ‪ ،‬وتهيئة لها ولفت انتباه قبل إيرادها‬
‫وسردها ‪.‬‬
‫وتبدأ القصة الشائقة الماتعة الرائعة بل حواش ثقيلة وبل تفاصيل مملة ‪.‬‬
‫تبدأ ويوسف في عهد الصبا وسن الطفولة ‪ ،‬يستفيق ذات يوم من نومه وقد‬
‫رأى رؤيا عجيبة ليقصها على أبيه النبي يعقوب عليه السلم ‪.‬‬
‫رأى يوسف أحد عشر نجما مع الشمس والقمر يسجدان له ‪ .‬وعرف يعقوب‬
‫التأويل ؛ لن النبوة في قلبه ‪ ،‬ولم يشرح ليوسف الرؤيا لمصلحة رءاها ‪ ،‬بل‬
‫وجد أن الهم من ذلك وصيته له بكتمها وعدم إفشائها وترك نشرها على‬
‫إخواته ؛ لنها سوف تثير عليه حسدا دفينا وعداوة متربصة وانتقاما مؤذيا ‪.‬‬
‫وفي الية لطف الب مع ابنه وحنانه عليه ‪ ،‬وتوجيهه إلى ما ينفعه ‪ ،‬وتحذيره‬
‫عما يسوءه ‪ ،‬ونجابة يوسف وذكائه مع صغره ‪ ،‬وعرض الرؤيا على العالم إذا‬
‫كانت من المبشرات ‪ ،‬وترك تفسير الرؤيا إذا كان في ذلك مصلحة ‪ ،‬وكتم‬
‫السر إذا حصل بإفشائه ضرر وعليه الثر ‪ )) :‬استعينوا على قضاء حوائجكم‬
‫بالكتمان ‪ ،‬فإن كل ذي نعمة محسود (( ‪ ،‬والحذر من القران ‪ ،‬وستر النعم‬
‫إذا خشي من إظهارها عدوان عليها ‪ ،‬وأن الشمس والقمر والنجوم في‬
‫المنام عظماء أو علماء أو زعماء ‪ ،‬وفيه تفسير الرؤيا قد تتأخر سنوات‬
‫عديدة وأزمانا مديدة ثم تقع بإذن الله ‪.‬‬
‫وإنما قال رايتهم لي ساجدين ‪ ،‬بالجمع للعقلء ‪ ،‬ولم يقل ساجدات ؛ لنه لما‬
‫نسب إليها السجود وهو وصف لمن يعقل ألحقها بالعقلء وهذه رؤيا ليست‬
‫عادية ‪ ،‬بل تنبئ عن مستقبل زاهر ليوسف ‪ ،‬وسوف يكون له مع التاريخ‬
‫صولة ومع الدهر دولة ‪ ،‬ومع اليام جولة ‪ ،‬سوف بصل إلى تحقيق هذه الرؤيا‬
‫لكن عبر طريق ملؤه الشوك والضنى والمشقة والبلوى والدموع والشكوى‬
‫والفراق والفجيعة والمكر والكيد والحبس والقيد والذى والتشويه والمتحان‬
‫والصبر كما قال أبو الطيب ‪:‬‬
‫جزى الله المسير إليك خيرا‬
‫وإن ترك المطايا كالمزاد‬
‫سوف تقع هذه الرؤيا كفلق الصبح ‪ ،‬ولكنها لن تقدم بين عشية وضحاها‬
‫وعلى طبق من ذهب ‪ ،‬لن المنازل العالية والمراتب الجليلة ل يوصل إليها إل‬
‫بجهود شاقة وتكاليف باهظة وتضحيات هائلة ؛ لن السنة اقتضت ذلك‬
‫والحكمة نصت على ذلك ليكون العطاء لذيذا ‪ ،‬والهبة غالية ‪ ،‬والثمن ضخما‬
‫راقيا ‪.‬‬
‫ل يدرك المجد إل سيد فطن‬
‫بما يشق على السادات فعال‬
‫لول المشقة ساد الناس كلهم‬
‫الجود يفقر والقدام قتال‬

‫)‪(3 /‬‬
‫وفي الوحي المقدس ‪) :‬أ َحسب الناس أ َن يتر ُ َ‬
‫مل‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬‫قوُلوا آ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كوا أ ْ‬ ‫ّ ُ ْ ُْ ْ َ‬ ‫َ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فتنون( )أ َم حسبت َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن قب ْل ِك ْ‬ ‫م ْ‬
‫وا ِ‬
‫خل ْ‬ ‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫مث َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ما ي َأت ِك ْ‬
‫ة وَل ّ‬ ‫خُلوا ال َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬ ‫يُ ْ َ ُ َ‬
‫مَتى‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬‫مُنوا َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫سول َوال ِ‬ ‫قول الّر ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ضّراُء وَُزلزِلوا َ‬ ‫ساُء َوال ّ‬
‫م الب َأ َ‬
‫ست ْهُ ُ‬
‫م ّ‬
‫َ‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ب( ل والله ل يصل واصل إلى الولية الكبرى‬ ‫ري ٌ‬‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬‫ن نَ ْ‬‫صُر الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫نَ ْ‬
‫والسعادة العظمى والعبودية الحقة إل بجهد مبذول ‪ ،‬وعرق مسفوح ‪ ،‬ودم‬
‫مسفوك وعرض يمزقه الحسد ‪ ،‬وسمعه يشوهها الجناة ‪ ،‬وقلب يبلغ الحنجرة‬
‫من التهديد والوعيد ‪ ،‬وكبد حرى تشوى على جمر النتظار ‪ ،‬وقلب مفجوع‬
‫بويلت المواقف ‪ ،‬وأهوال تشيب لها رؤوس الولدان ‪ ،‬وحتى يختطف النصر‬
‫بجدارة ‪ ،‬ويؤخذ الكتاب بقوة ‪ ،‬وينال المجد بتضحية ‪ ،‬وتقطف الثمرة‬
‫باستحقاق ‪ ،‬وتعطى الجائزة بتأهيل ‪ ،‬فآدم يأكل الشجرة ويهبط ويندم ويتوب‬
‫وينكسر ثم يجتبى ويعلو ويكرم ‪ ،‬ونوح ينوح من عقوق البن ‪ ،‬وشقاق‬
‫المرأة ‪ ،‬ومحاربة قومه ‪ ،‬وموسى يتجرع الغصص ‪ ،‬ويقف تلك المواقف التي‬
‫يهتز لها الكيان ويرتجف من هولها الجنان مع تهم وإيذاء ‪ ،‬وصد ومنازلة ‪،‬‬
‫وحروب وإعراض وإرجاف ‪.‬‬
‫وإبراهيم يعيش حياته جهادا في سبيل الله مع تكذيب والده ‪ ،‬والمر بذبح ابنه‬
‫‪ ،‬وإعراض قومه ‪ ،‬ووضعه في النار وملبسة الشدائد ‪ ،‬والمرور بالنكبات‬
‫والمصائب ‪.‬‬
‫وعيسى يذوق طعم الفتراء المر ‪ ،‬والذى المعتمد ‪ ،‬والفقر المضنى ‪.‬‬
‫ثم تختم قائمة النبياء وصحيفة الرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فتجمع‬
‫له هذه النكايات جميعا ليكون أعلى الكل كعبا ‪ ،‬وأثبتهم قدما ‪ ،‬وأسعدهم‬
‫حظا ‪ ،‬فيموت أبوه وهو حمل ‪ ،‬ثم يتبعه جده وهو طفل ‪ ،‬ثم يلحقه عمه في‬
‫زمن الضعف ‪ ،‬ثم تتلوه خديجة زمن النصر ‪ ،‬ثم يطرد من مكة طردا ‪ ،‬ويشرد‬
‫تشريدا مع الضرب بالحجارة ‪ ،‬ووضع السلى على الرأس ‪ ،‬مع قاموس من‬
‫الشتائم بوصفه بالجنون وقتل الصحاب ‪ ،‬وموت البناء ‪ ،‬وقذف الزوجة ‪،‬‬
‫ومصاولة اليهود ‪ ،‬وتكذيب النصارى ‪ ،‬ومحاربة المشركين ‪ ،‬وتربص‬
‫المنافقين ‪ ،‬وصلف العراب ‪ ،‬وتيه الملوك ‪ ،‬وبطر الغنياء ‪ ،‬مع مراراة‬
‫الفقر ‪ ،‬وجدب المعيشة ‪ ،‬وعوز الحاجة ‪ ،‬وحرارة الجوع ‪ ،‬ومعاناة قلة ذات‬
‫اليد ‪ ،‬فالمرض عليه يضاعف ‪ ،‬فهو يوعك كما يوعك رجلن منا ‪ ،‬شج وجهه‬
‫وكسرت ثنيته وجرح في جسمه ‪ ،‬ثم كان الله معه في كل ذلك ففاز بالزلفى‬
‫ونال حسنى العقبى ‪ ،‬بل وصل أشرف المقامات وأجل الرتب ‪.‬‬
‫ويوسف هنا تبدأ معاناته من هذه الرؤيا ‪ ،‬ويستقبل رحلة طويلة ‪ ،‬وشفرا‬
‫قاصدا بهذه الرؤيا ‪ ،‬لتتحول الحلم إلى حقائق في حياته ‪ ،‬وتصبح الرؤيا‬
‫قضايا مصيرية في مستقبله ‪.‬‬
‫ونواصل مع يوسف سجل حياته ‪ ،‬ودفتر عمره وذكرياته ؛ لنرى ماذا سوف‬
‫يقع ‪ ،‬وما هي النهاية ‪.‬‬
‫ن(‬‫ست َِعي ُ‬
‫ك نَ ْ‬‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬
‫)إ ِّيا َ‬
‫هذا عقد بين المسلم وربه ‪ ،‬وميثاق بين العبد وموله ‪ ،‬أن يصرف العبد كل‬
‫عبادته الله ـ عز وجل ـ ول يشرك معه غيره ‪ ،‬وأن ل يستعين إل بربه جل في‬
‫عله ‪ ،‬فمن العبادة والمسألة والطلب ‪ ،‬ومن الله العون والتأييد ‪ ،‬وهذه الية‬
‫ما سأل (( وهي ملخص دعوة النبياء وموجز رسالة الرسل عليهم السلم ‪.‬‬
‫ومعاني القرآن مجموعة في هذه الية ‪ ،‬فالله أوجب على الخلق ‪ ،‬وهو أن‬
‫يعبدوه ول يشركوا به شيئا ‪ ،‬وأوجب على نفسه لهم حقا إذا فعلوا ذلك وهو ل‬
‫يعذبهم ‪.‬‬
‫والعبادة التي يريدها الله من الخلق هي ‪ :‬فعل كل ما أوجب الله ورسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم من القوال والفعال الظاهرة والخفية ‪ ،‬واجتناب ما‬
‫نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك ‪ ،‬والستعانة طلب‬
‫العون من الله في كل أمر ل يستطيع عليه المخلوق ول يقدر عليه إل الخالق‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،‬ولذلك قال عليه الصلة والسلم لبن عباس ‪ )) :‬إذا سألت فاسأل الله ‪،‬‬
‫وإذا استعنت فاستعن بالله (( ‪.‬‬
‫ن( وثيقة مقدسة يعلنها المسلم في كل ركعة من‬ ‫ست َِعي ُ‬‫ك نَ ْ‬‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬‫)إ ِّيا َ‬
‫صلته فريضة كانت أو نافلة ليذكر نفسه دائما بهذا العهد العظيم ‪ ،‬الذي من‬
‫أجله خلق النسان ‪ ،‬ومن أجله أرسلت الرسل ونزلت الكتب ‪ ،‬وقام سوق‬
‫الجنة وسوق النار ‪ ،‬ومد الصراط ‪ ،‬ونصب الميزان ‪ ،‬وبعث الخلق من قبورهم‬
‫‪ ،‬وحصل ما في صدورهم ‪ ،‬وعرضت عليهم صحفهم ‪ ،‬وأقيم عليهم شاهد من‬
‫أنفسهم ‪.‬‬
‫ن( هي قضية الخلف بين المسلمين والمشركين ‪،‬‬ ‫ست َِعي ُ‬‫ك نَ ْ‬‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬‫)إ ِّيا َ‬
‫وهي معاني ل إله إل الله ‪ ،‬ومن أجلها وقع القتال بين أولياء الله واعدائه ‪،‬‬
‫وحصلت الحروب بين حزب الشيطان ‪ ،‬فما بعث الرسل عليهم السلم إل من‬
‫أجل أن يعبد الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وما سألت دماء الشهداء إل ليوحد الله‬
‫ويفرد بالعبادة ويختص بالتوجيه دونما سواه جل في عله ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ن( سعادة أبدية ونجاة سرمدية بها يتم الصلح وينال‬ ‫ست َِعي ُ‬‫ك نَ ْ‬‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬‫)إ ِّيا َ‬
‫الفلح وتسهل المور وتدفع الشرور ‪،‬ول ينال رضي الله ورحمته وعفوه‬
‫ومغفرته وعونه وهدايته وتسديده إل بإياك نعبد وإياك نستعين ‪ .‬ول تحصل‬
‫النعم ول تدفع النقم ول يحصن من المتالف ويسلم من الصوارف ويحفظ من‬
‫الكوارث والفتن والمحن إل بإياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬وهي عاصمة لمن قام‬
‫بحقوقها من الزلل والتخبط العقدي والهوج الفكري والضلل العلمي والسفه‬
‫الخلقي والنحطاط السلوكي والشطط العلمي؛ لن في إياك نعبد وإياك‬
‫نستعين عناية ربانية ورعاية إلهية‪ ،‬وولية إيمانية‪ ،‬وبركة القرآن‪.‬‬
‫وهي أعظم فتح يفتح به علي النسان‪ ،‬فيكرم ويجتبي من عالم الطين‪،‬‬
‫ويصطفي من دنيا النحلل والتمزق والضطراب والضياع والنحراف والذل‬
‫والخنوع والخيبة ‪ ،‬فيرتقي هذا النسان بإياك نعبد وإياك نستعين مكرما ً في‬
‫معرج القبول عند ربه‪ .‬وفي سلم الوصول إلي موله ‪ ،‬وفي درجات الفوز‬
‫إلي خالقه ‪ ،‬وهذا أعظم مجد وأجل رفعة وأحسن منزلة وأشرف رتبة‪ ،‬ويهون‬
‫معها المجد الدنيوي الموقت المنقطع الزائل الفاني من منصب أو جاه أو‬
‫مال أو ولد أو شهرة‪ ،‬فيصبح المسلم بهذه الكلمة عزيز الجانب‪ ،‬قوي الركن‪،‬‬
‫عامر القلب‪ ،‬مطمئن النفس‪ ،‬منشرح الصدر‪،‬منبلج الخاطر نير البصيرة‪ ،‬لنه‬
‫اتصل بالله‪ ،‬ودخل في نسب العبودية‪ ،‬ولبس تاج الخدمة للحد الصمد‪،‬‬
‫ن(‬‫ست َِعي ُ‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫وحمل راية الولية‪ ،‬وتشرف بالنضواء تحت علم (إ ِّيا َ‬
‫ن( صلة بين الرض والسماء‪ ،‬وبين الضعف والقوة‪،‬‬ ‫ست َِعي ُ‬‫ك نَ ْ‬‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬‫)إ ِّيا َ‬
‫والفقر والغني‪ ،‬والبقاء والفناء‪ ،‬وصلة بين العبد الضعيف الفاني وبين الله‬
‫القوي الغني الحي القيوم‪ ،‬فيها يحرر النسان من الرق للطاغوت‪ ،‬والعبودية‬
‫للوثن والستسلم للشهوات‪ ،‬والوقوع في براثن الغواية‪ ،‬والسقوط في‬
‫مهالك الردى‪ ،‬وبها يغسل النسان من رجس الشرك ونجاسة الجاهلية‪،‬‬
‫وخبث الكفر وأدران الفسق‪ ،‬وأوساخ المعصية ‪ ،‬وبها يطهر ضمير العبد من‬
‫الخواء ‪ ،‬وقلبه من النفاق‪ ،‬وعمله من الرياء‪ ،‬ولسانه من الكذب ‪ ،‬وعينه من‬
‫الخيانة‪ ،‬ونفسه من الظلم‪ ،‬فيصبح بإياك نعبد وإياك نستعين عبدا ً لله مخلصا ً‬
‫مبرا ً من الشرك نقيا ً من الوثنية ‪ ،‬معصوما ً من نزغات الشيطان محفوظا ً من‬
‫فتنة الشهوات والشبهات‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م(‬
‫قي َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ط ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫صَرا َ‬
‫)اهْدَِنا ال ّ‬
‫إن العبد أحوج ما يكون لطلب الهداية من ربه؛ لن العبد وحده ل يستطيع أن‬
‫يهتدي ول يملك مفتاح الهداية ول يعرف طريقها ول يجيد هذا ول يميز بين‬
‫الحق والباطل والرشد والغي ما لم يهده ربه سواء السبيل فالذي يملك‬
‫الهداية هو الله وحده ل هادي لمن اضل ول مضل لمن هدى‪ .‬وهو يهدي من‬
‫يشاء رحمة وكرما ً ‪ .‬ويضل من يشاء قضاء مبرما ً سبق علمه أنه ل يهتدي‪.‬‬
‫فوجب علي العبد أن يهلج بهذا الدعاء في كل ركعة من صلته لتصبح‬
‫المسألة حية في ضميره‪ ،‬سارية في دمه ‪ ،‬ماثلة نصب عينه‪ ،‬ليتذكر دائما ً‬
‫نعمة الهداية إلي صراط الله المستقيم‪ ،‬وهي أجل نعمة تسدى للعبد ‪،‬‬
‫وأعظم مكرمة تمنح لهذا المخلوق‪ ،‬والهداية معرفة الحق الذي بعث به محمد‬
‫صلي الله عليه وسلم‪ .‬والعمل به والموت عليه والبذل لجله والتضحية في‬
‫سبيله والجهاد لدوام هذا الحق وخلوده وانتصاره وعلوه وعزته‪.‬‬
‫والصراط المستقيم هو طريق الله الواضح المبين الموصل إلي رضوانه‬
‫وطاعته ومغفرته وجنته‪ ،‬وهو طريق بينه الله ودل عليه الرسل‪ ،‬وشهدت‬
‫باستقامة الكتب‪ ،‬ووافقت علي السير فيه الفطرة‪ ،‬ومضي عليه موكب‬
‫الولياء‪ ،‬وضوعت به دماء الشهداء‪ ،‬وهو طريق واحد ل ثاني له‪ .‬فريد ل مثيل‬
‫له متميز ل شبيه له‪ ،‬وهو مستقيم أقرب موصل إلي الفوز والفلح والنجاة‪،‬‬
‫واسهل معبر إلي المن والسكينة والطمئنان ‪ ،‬وايسر جسر إلي الرضوان‬
‫والتوفيق‪ ،‬كل المسالك سواه مضطربة‪ ،‬كل الطرق ما عداه معوجة ‪ ،‬كل‬
‫السبل غيره متلوية‪ ،‬وهذا الصراط المستقيم ل يهدي إليه إل ول يدل عليه إل‬
‫الرسل وأتباعهم ‪ ،‬ول يسلكه إل من سبقت له الحسنى‪ ،‬ول يحيد عنه إل من‬
‫حقت عليه الغواية ‪ ،‬وكتبت عليه اللعنة ‪ ،‬وحاقت به الخطيئة ‪ ،‬وأوبقة شيطانه‬
‫ونفسه وهواه‪.‬‬
‫وهذا الصراط المستقيم مجمل وتفصيل ‪ ،‬اما مجمله فهداية عامة لكل من‬
‫سار علي هذا الصراط ومضي في هذا الطريق يريد النجاة من غضب الله‬
‫ولفوز برضوانه‪ ،‬ومفصل هذا الصراط استقامة ل التفات فيها‪ ،‬وقيام تفاصيل‬
‫الدين وشعائر الملة‪ ،‬وبذل النفس والنفيس لعلء كلمة الله وصرف العمر‬
‫كله في العبودية‪ ،‬وإنفاق ساعات الزمن وأنفاس الوقت في مراسيم الطاعة‬
‫صلة وصياما ً وزكاة وحجا ً وجهادا ً وإنابة ومحبة وخشية وتوبة ورهبة ورغبة‪،‬‬
‫مع المحافظة علي سنن المعصوم‪ ،‬والتحلي بأخلق القدوة الحسنة والتأسي‬
‫بصفات المام العظم صلي الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وهذا الصراط المستقيم محطاته ومعالمه ومنازله موصوفة في كتاب الله‬


‫العظيم وسنة النبي الكريم‪ .‬بل إن الرسالة كلها والشريعة أجمعها شرح لهذا‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬والوحي اوله وآخره توضيح وبسط لهذا الصراط‬
‫المستقيم‪ ،‬والله جل في عله علي صراط مستقيم ‪ ،‬والرسول النبي المي‬
‫يهدي إلي صراط مستقيم‪ .‬والقرآن الكتاب المعجزة يهدي إلي الصراط‬
‫المستقيم‪.‬‬
‫فجملة أهدنا الصراط المستقيم كلية من كليات الشريعة‪ ،‬وقاعدة من قواعد‬
‫اليمان‪ ،‬واصل من أصول الدين‪ ،‬ولهذه الية وإخواتها عظم قدر سورة‬
‫الفاتحة‪ ،‬فكانت من السبع المثاني‪ ،‬والشافية والكافية وأم القرآن‪ ،‬وافتتح بها‬
‫المصحف‪ ،‬وفرضت في الصلة ‪ ،‬وجمعت فيها الملة‪ ،‬وشفت بإذن الله من‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المراض‪.‬‬
‫فكم من لديغ للشيطان ذاق ترياقها فتعافي ‪ ،‬وكم من جريح من أسهم‬
‫الغواية عب من تميزها فتشافي‪ ،‬اللهم أهدنا صراطك المستقيم حتى نعبره‬
‫إليك لنلقاك وأنت راض عنا‪ ،‬محسن إلينا‪ ،‬لطيف بنا‪ ،‬إنك تهدي من تشاء غلي‬
‫صراط مستقيم‪.‬‬
‫شان ِئ َ َ‬
‫ك(‬ ‫ن َ‬ ‫قوله‪) :‬إ ِ ّ‬
‫هجوم أدبي كاسح‪ ،‬وتهديه رباني ماحق ساحق‪ ،‬لعداء محمد صلي الله عليه‬
‫وسلم وخصومه ومبغضيه‪ ،‬وهذا ذب عن شخصه الكريم ‪ ،‬ودفاع عن مقامه‬
‫العظيم‪ ،‬فإذا كان المدافع الحامي والناصر هو الله فلتقر عينه صلي الله عليه‬
‫وسلم بهذا النصر والدفاع والولية‪ ،‬وشانئه صلي الله عليه وسلم ل يكون إل‬
‫كافرا ً ماردا ً حقيرا ً خسيسًا؛ لنه ما أبغضه إل بعد ما أصابه بخذلن ‪ ،‬وكتب‬
‫عليه الخسران‪ ،‬وأراد له الهوان‪،‬وإل فإنسان مثل الرسول صلي الله عليه‬
‫وسلم يوجب النقل والعقل حبه‪ ،‬إذ لو كان الطهر جسدا ً كان جسده صلي‬
‫الله عليه وسلم ولو كان النبل والسمو صورة لكان صورته بأبي هو وأمي‪،‬‬
‫فهو منتهي الفضيلة‪ ،‬وغاية الخصال الجميلة‪ ،‬والمستحق للوسيلة ‪ ،‬وصاحب‬
‫الدرجة العالية الرفيعة الجليلة‪ ،‬فكان الواجب علي من عنده ذرة رأي‪،‬‬
‫وبصيص من نور ‪ ،‬إذا كان يحترم عقله أن يحب المام العظيم لما جمع الله‬
‫فيه من الفضائل ‪ ،‬ولما حازه من مناقب‪ ،‬ولكن واحسرتاه‪ ،‬علي تلك العقول‬
‫العفنة‪ ،‬والنفوس المتدثرة بجلباب الخزي‪ ،‬القابعة في سراديب البغي‪،‬‬
‫الراتعة في مهاوي الرذيلة ‪ ،‬كيف عادته مع كماله البشري‪ ،‬ومقامه السامي‪،‬‬
‫فكأنه المقصود بقول الشاعر‪:‬‬
‫أعادي علي ما يوجب الحب للفتي‬
‫وأهدأ والفكار في تجول‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫إذا محاسني التي أدل بها‬
‫كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر‬
‫) هُوَ اْل َب ْت َُر(‬
‫أي مقطوع البركة والنفع والثر ‪ ،‬فكل من عاداك ل خير فيه ول منفعة من‬
‫وراءه‪ ،‬أما أنت فأنت المبارك أينما كنت‪ ،‬اليمن معك‪ ،‬السعادة موكبك ‪،‬‬
‫الرضا راحلتك‪ ،‬البركة تحفك‪ ،‬السكينة تغشاك‪ ،‬الرحمة تتنزل عليك‪ ،‬الهدي‬
‫حيثما كنت‪ ،‬النور أينما يممت‪ ،‬وأعداؤه صلي الله عليه وسلم قالوا‪ :‬إنه أبتر ل‬
‫نسل له ول ولد‪ ،‬فجاء الجواب مرغما ً لتلك النوف ‪ ،‬واضعا ً لتلك الرؤوس‪،‬‬
‫محبطا ً لتلك النفوس‪ ،‬فكأنه يقول لهم‪ :‬كيف يكون أبتر وقد أصلح الله علي‬
‫يديه المم‪ ،‬وهدي بنوره الشعوب‪ ،‬وأخرج برسالته الناس من الظلمات إلي‬
‫النور؟‬
‫كيف يكون أبتر والعالم أشرق علي أنواره‪ ،‬والكون استيقظ علي دعوته‪،‬‬
‫والدنيا استبشرت بقدومه؟‬
‫كيف يكون أبتر والمساجد تردد بالوحي الذي جاء به‪ ،‬والحديث الذي تكلم به‪،‬‬
‫والمآذن تعلن مبادئه‪ ،‬والمنابر تذيع تعاليمه‪ ،‬والجامعات تدرس وثيقته‬
‫الربانية؟‬
‫كيف يكون ابتر والخلفاء الراشدون نهلوا من علمه‪ ،‬والشهداء اقتبسوا من‬
‫شجاعته‪ ،‬والعلماء شربوا من معين نبوته‪ ،‬والولياء استضاؤا بنور وليته؟‬
‫كيف يكون أبتر وقد طبق ميراثه المعمورة‪ ،‬وهزت دعوته الرض‪ ،‬ودخلت‬
‫كلمته كل بيت‪ ،‬فذكره مرفوع‪ ،‬وفضله غير مدفوع‪ ،‬ووزره موضوع‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كيف يكون أبتر وكلما قرأ قارئ كتاب الله فلمحمد صلي الله عليه وسلم مثل‬
‫أجره ؛ لنه هو الذي دل علي علي الخير ن وكلما صليل مصل فله مثل اجر‬
‫صلته؛ لنه هو الذي علمنا الصلة؛ )) صلوا كما رأيتموني اصلي(( وكلما حج‬
‫حاج فله صلي الله عليه وسلم مثل حجه‪ :‬لنه عرفنا تلك المناسك‪ :‬خذو عني‬
‫مناسككم((‪.‬‬
‫بل البتر الذي عاداه وحاربه وهجر سنته وأعرض عن هداه‪.‬‬
‫فهذا الذي ثقطع الله من الرض بركته‪ ،‬وعطل نفعه‪ ،‬واطفا نوره وطبع علي‬
‫قلبه‪ ،‬وشتت شمله‪ ،‬وهتك ستره‪ ،‬فكلمه لغو من القول ‪ ،‬وزور من الحديث‬
‫وعمله رجس مردود عليه‪ ،‬واثره فاسد‪ ،‬وسعيه في تباب‪.‬‬
‫وانظر لكل من ناصب هذا الرسول الكرم صلي الله عليه وسلم العداء‪ ،‬أو‬
‫أعرض عن شرعه أو شيء مما بعث به كيف يصيبه من الخذلن والمقت‬
‫والسخط والهوان بقدر إعراضه ومحاربته وعدائه‪.‬‬
‫فالملحد مقلوب الرادة ‪ ،‬مطموس البصيرة‪ ،‬مخذول تائه منبوذ‪ ،‬والمبتدع‬
‫زائغ ضال منحرف‪ ،‬والفاسق مظلم القلب في حجب المعصية‪ ،‬وفي أقبية‬
‫النحراف‪.‬‬
‫ولك أن تري سموه صلي الله عليه وسلم وعلو قدره ومن تبعه يوم تري‬
‫الناس وحملة حديثه وآثاره وهم في مجد خالد من الثر الطيب‪ ،‬والذكر‬
‫الحسن‪ ،‬والثناء العاطر من حسن المصير‪ ،‬وجميل المنقلب‪ ،‬وطيب القامة‬
‫في مقعد صدق عند مليك مقتدر‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ثم انظر للفلسفة المعرضين عن السنة مع ما هم فيه من الشبه والقلق‬


‫والحيرة والضطراب والندم والسف علي تصرم العمر في الضياع وذهاب‬
‫الزمن في اللغو وشتات القلب في أودية الوهام‪.‬‬
‫فهذا المام المعصوم صلي الله عليه وسلم معه النجاة ‪ ،‬وسنته سفينة نوح‬
‫من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلكن وهو الذي يدور معه الحق حيثما‬
‫دار‪ ،‬وكلمه حجة علي كل متكلم من البشر من بعده‪ ،‬وليس لحد من الناس‬
‫حجة علي كلمه‪ ،‬وكلنا راد ومردود عليه إل هو صلي الله عليه وسلم ‪ :‬لنه ل‬
‫ينطق عن الهوى‪ .‬إن هو إل وحي يوحي‪ .‬زكي الله سمعه وبصره وقلبه‪ ،‬ونفي‬
‫عنه الضلل وحصنه من الغي‪ ،‬وسلمه من الهوي‪ ،‬وحماه من الزيغ ‪ ،‬وصانه‬
‫من النحراف وعصمة من الفتنة‪ ،‬فكل قلب لم يبصر نوره فهو قلب مغضوب‬
‫عليه‪ ،‬وكل أرض لم تشرق عليها شمسه فهي أرض مشؤومة‪ ،‬وكل نفس لم‬
‫ترحب بهداه فهي نفس ملعونة ‪ ،‬فهو المعصوم من الخطأ ‪ ،‬المبرأ من العيب‬
‫‪ ،‬السليم من الحيف ‪ ،‬النقي من الدنس ‪ ،‬المنزه عن موارد التهم ‪ .‬على قوله‬
‫توزن القوال ‪ ،‬وعلى فعله تقاس الفعال ‪ ،‬وعلى حاله تعرض الحوال ‪.‬‬
‫وقد قصد الكفار بقولهم ‪ :‬إنه أبتر ـ عليه الصلة والسلم ـ أنه ل ولد له ‪ ،‬فإذا‬
‫مات انقطع عقبه ‪ ،‬والبتر عند العرب هو من ل نسل له ول عقب ‪ ،‬فرد الله‬
‫عليهم وأخبر أن من عاداه هو البتر حقيقة ‪.‬‬
‫وفي هذه السورة ثلثة آيات ‪ :‬فالولى عن الله عز وجل وعطائه لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والثانية للرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والواجب‬
‫عليه في مقابلة هذا العطاء وهي الصلة والنحر ‪ ،‬والثالثة لعدائه صلى الله‬
‫عليه وسلم وهو البتر والقطع من الخير والبركة والنفع ‪.‬‬
‫فالولى عطية والثانية واجب عليه ‪ ،‬والثالثة دفاع عنه ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي السورة تكريم الله لرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وإثبات الكوثر له‬
‫كما صحت به الحاديث أيضا ‪ ،‬والدفاع عنه وجواز سب الكفار وشتمه وزجره‬
‫ليرتدع ‪.‬‬
‫ك الل ُّ‬
‫ه(‬ ‫سب ُ َ‬ ‫َ‬
‫)َيا أي َّها ّ ِ ّ َ ْ‬
‫ح‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫ال‬
‫حسبك الله يكفيك من كل ما أهمك فيحفظك في الزمات ‪ ،‬ويرعاك في‬
‫الملمات ‪ ،‬ويحميك في المدلهمات ‪ ،‬فل تخش ول تخف ول تحزن ول تقلق ‪.‬‬
‫فمن تخاف ونحن معك ‪ ،‬ومن تخشى ولدينا نصرك ‪ ،‬ومن ترهب وعندنا عزك‬
‫فيكفيك ‪ :‬أن حسبك الله ‪.‬‬
‫حسبك الله فهو ناصرك على كل عدو ‪ ،‬ومظهرك على كل خصم ‪ ،‬ومؤيدك‬
‫في كل أمر ‪ ،‬يعطيك إذا سألت ‪ ،‬ويغفر لك إذا استغفرت ‪ ،‬ويزيدك إذا‬
‫شكرت ‪ ،‬ويذكرك إذا ذكرت ‪ ،‬وينصرك إذا حاربت ‪ ،‬ويوفقك إذا حكمت ‪.‬‬
‫حسبك الله فيمنحك العز بل عشيرة ‪ ،‬والغنى بل مال ‪ ،‬والحفظ بل حرس ‪،‬‬
‫فأنت المظفر لن الله حسبك ‪ ،‬وأنت المنصور لن الله حسبك ‪ ،‬وأنت‬
‫الموفق لن الله حسبك ‪ ،‬فل تخاف من عين حاسد ول من كيد كائد ‪ ،‬ول من‬
‫مكر ماكر ‪ ،‬ول من خبث كافر ‪ ،‬ول من حيلة فاجر ؛ لن الله حسبك إذا‬
‫سمعت صولة الباطل ‪ ،‬ودعاية الشر ‪ ،‬وجلبة الخصوم ‪ ،‬ووعيد اليهود ‪،‬‬
‫وتربص المنافقين ‪ ،‬وشماتة الحاسدين ‪ ،‬فاثبت لن حسبك الله ‪ ،‬إذا ولى‬
‫الزمان ‪ ،‬وجفا الخوان وأعرض القريب ‪ ،‬وشمت العدو ‪ ،‬وضعفت النفس ‪،‬‬
‫وأبطأ الفرج ‪ ،‬فاثبت لن حسبك الله ‪ .‬إذا داهمتك المصائب ‪ ،‬ونازلتك‬
‫الخطوب ‪ ،‬وحفت بك المكاره ‪ ،‬وأحاطت بك الكوارث فاثبت لن حسبك‬
‫الله ‪ ،‬ل تلتفت إلى أحد من الناس ‪ ،‬ول تدعو أحد من البشر ول تتجه لكائن‬
‫من كان غير الله ؛ لن حسبك الله ‪.‬‬
‫إذا ألم بك مرض ‪ ،‬وأرهقك دين ‪ ،‬وأحل بك فقر ‪ ،‬أو عرضت لك حاجة فل‬
‫تحزن ؛ لن حسبك الله ‪ .‬إذا أبطأ النصر ‪ ،‬وتأخر الفتح ‪ ،‬واشتد الكرب ‪ ،‬وثقل‬
‫الحمل ‪ ،‬وادلهم الخطب فل تحزن ؛ لن حسبك الله ‪ ،‬أنت محفوظ لنك‬
‫بأعيننا ‪ ،‬وأنت عبدنا المجتبى ونبينا المصطفى ‪.‬‬
‫حسبك الله يا محمد ‪ ،‬فهو الذي شرح لك صدرك ‪ ،‬ووضع عنك وزرك ‪ ،‬ورفع‬
‫ذكرك ‪ ،‬وأصلح أمرك ‪ ،‬وأعلى قدرك ‪ ،‬أغناك من الفقر ‪ ،‬وهداك من‬
‫الضللة ‪ ،‬أمنك من الخوف ‪ ،‬أعزك بعد الذلة ‪ ،‬أيدك بعد الضعف ‪.‬‬
‫حسبك الله يا محمد ‪ ،‬فهو الذي حفظك في الغار ‪ ،‬ونصرك في بدر ‪ ،‬وثبتك‬
‫في أحد ‪ ،‬وفتح لك مكة ‪ ،‬وأعزك في كل موطن ‪ ،‬وأعانك في كل موقف ‪.‬‬
‫معََنا(‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ن إِ ّ‬‫حَز ْ‬
‫) ل تَ ْ‬
‫هذه الكلمة الجميلة الشجاعة قالها صلى الله عليه وسلم وهو في الغار مع‬
‫صاحبه أبي بكر الصديق وقد أحاط بهم الكفار قالها قوية في حزم ‪ ،‬صادقة‬
‫في عزم ‪ ،‬صارمة في جزم ‪ :‬ل تحزن إن الله معنا ‪ ،‬فما دام الله معنا فلم‬
‫الحزن ‪ ،‬ولم الخوف ولم القلق ؟ اسكن ‪ ،‬اثبت ‪ ،‬اهدأ ‪ ،‬اطمئن ؛ لن الله‬
‫معنا ‪.‬‬
‫ل نغلب ‪ ،‬ل نهزم ‪ ،‬ل نضل ‪ ،‬ل نضيع ‪ ،‬ل نيأس ‪ ،‬ل نقنط ؛ لن الله معنا ‪،‬‬
‫النصر حليفنا ‪ ،‬الفرج رفيقنا ‪ ،‬الفتح صاحبنا ‪ ،‬الفوز غايتنا ‪ ،‬الفلح نهايتنا ؛ لن‬
‫الله معنا ‪.‬‬
‫لو وقفت الدنيا كل الدنيا في وجوهنا ‪ ،‬لو حاربنا البشر كل البشر ‪ ،‬ونازلنا كل‬
‫من على وجه الرض فل تحزن لن الله معنا ‪.‬‬
‫من أقوى منا قلبا ‪ ،‬من أهدى منا نهجا ‪ ،‬من أجل منا مبدأ ‪ ،‬من أحسن منا‬
‫مسيرة ‪ ،‬من أرفع منا قدرا ‪ ،‬لن الله معنا ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ما اضعف عدونا ‪ ،‬ما أذل خصمنا ‪ ،‬ما أحقر من حاربنا ‪ ،‬ما أجبن من قاتلنا‬
‫لن الله معنا ‪.‬‬
‫لن نقصد بشرا ‪ ،‬لن نلتجئ إلى عبد ‪ ،‬لن ندعو إنسانا ‪ ،‬لن نخاف مخلوقا لن‬
‫الله معنا ‪.‬‬
‫نحن أقوى عدة ‪ ،‬وأمضى سلحا ‪ ،‬وأثبت جنابا ‪ ،‬وأقوم نهجا ؛ لن الله معنا ‪.‬‬
‫نحن الكثرون الكرمون العلون العزون المنصورون ؛ لن الله معنا ‪.‬‬
‫يا أبا بكر اهجر همك ‪ ،‬وأرح غمك ‪ ،‬واطرد حزنك ‪ ،‬وأزل يأسك ؛ لن الله معنا‬
‫‪.‬‬
‫يا أبا بكر ‪ ،‬ارفع رأسك ‪ ،‬وهدئ من روعك ‪ ،‬وأرح قلبك لن الله معنا ‪.‬‬
‫يا أبا بكر ‪ ،‬أبشر بالفوز ‪ ،‬وانتظر النصر وترقب الفتح ؛ لن الله معنا ‪.‬‬
‫غدا سوف تعلو رسالتنا ‪ ،‬وتظهر دعوتنا ‪ ،‬وتسمع كلمتنا ؛ لن الله معنا ‪.‬‬
‫غدا سوف نسمع أهل الرض روعة الذان ‪ ،‬وكلم الرحمن ‪ ،‬ونغمة القرآن ؛‬
‫لن الله معنا ‪.‬‬
‫غدا سوف نخرج النسانية ‪ ،‬ونحرر البشرية من عبودية الوثنية ؛ لن الله معنا‬
‫‪.‬‬
‫هذه كلمات قالها رسولنا صلى الله عليه وسلم لبي بكر الصديق وهما في‬
‫الغار وقد أحاط بهما الكفار من كل ناحية ‪ ،‬وطوقهم الموت من كل مكان ‪،‬‬
‫وأغلقت البواب إل باب واحد ‪ ،‬وقطعت الحبال إل حبل واحد ‪ ،‬وعز الصديق‬
‫والقريب ‪ ،‬وغاب الصاحب والحبيب ‪ ،‬وعجزت السرة والقبيلة ‪ ،‬وبقي الواحد‬
‫ه‬‫ن الل ّ َ‬‫ن إِ ّ‬
‫حَز ْ‬
‫الحد الفرد الصمد ‪ ،‬حينها قالها عليه الصلة والسلم ‪ ) :‬ل ت َ ْ‬
‫معََنا( ‪.‬‬
‫َ‬
‫ل تحزن إن الله معنا ‪ ،‬إذا معنا الركن الذي ل يضام ‪ ،‬والقوة التي ل ترام ‪،‬‬
‫والعزة التي ل تغلب ‪ ،‬وما دام الله معنا فممن نخاف وممن تخشى وممن‬
‫ترهب ؟ فهو القوي العزيز ‪ ،‬وهم الضعفاء الذلء ‪ ،‬ما دام الله معنا فل تأسف‬
‫على قلة من عدد ‪ ،‬أو عوز من عتاد ‪ ،‬أو فقر من مال ‪ ،‬أو تخاذل من أنصار ‪،‬‬
‫إن الله معنا وكفى ‪ ،‬معنا بحفظه ورعايته ‪ ،‬بقوته وجبرته ‪ ،‬بكفايته وعنايته ‪،‬‬
‫بدفاعه وبطشه ‪ ،‬فل تحزن إذا تلها الخادم يهدد الناس بقوته سيده من ملوك‬
‫الرض فيخافون ويذعنون ‪ ،‬فكيف برب الناس ملك الناس إله الناس ‪ ،‬أ\إن‬
‫أعظم كلمة في الخطب وأشرف جملة في الكرب هي هذه الكلمة الصادقة‬
‫الساطعة ‪ :‬ل تحزن إن الله معنا ‪.‬‬
‫وسر هذه الكلمة في مدلولها وعظمتها في معناها يوم تذكر معية ـ الله عز‬
‫وجل ـ وهو الذي بيده مقاليد الحكم ‪ ،‬ورقاب العباد ‪ ،‬ومقادير الخلق ‪ ،‬وأرزق‬
‫الكائنات ‪ ،‬وهذه الكلمة في زمانها الذي قيلت فيه وفي جوها المخيف‬
‫المرعب وفي مكانها المزلزل المذهل لها طعم آخر وقصة أخرى ‪ ،‬لقد جاءت‬
‫في لحظة طوق فيها على المعصوم وصاحبه في الغار ‪ ،‬وأغلق الباب وأحاط‬
‫العداء بكل جانب ‪ ،‬وسلوا سيوف الموت ‪ ،‬يريدون أشرف مهجة خلقت ‪،‬‬
‫وأزكى نفس وجدت ‪ ،‬وأطهر روح خلقت ‪ ،‬فما الحيلة ؟‬
‫الحيلة رفع ملف القضية وأوراق الفاجعة وسجل الكارثة إلى من على العرش‬
‫استوى ‪ ،‬ليقضي فيها بما يشاء ‪ ،‬ولكن صاحب الرسالة ذا القلب المشرق‬
‫الفياض أرسل لصاحبه أبي بكر رسالة رقيقة هادئة باسمه حانيه نصها‪ :‬ل‬
‫تحزن إن الله معنا‪ ،‬فصار الحزن سرورا ً والهم فرجًا‪ ،‬والغم راحة ‪ ،‬والكرب‬
‫فرجًا‪ ،‬والهزيمة نصرا ً عزيزًا‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت علي‬


‫خير البرية لم تنسج ولم تحم‬
‫عناية الله أغنت من مضاعفة‬
‫من الدروع وعن عال من الطم‬
‫معََنا(‪ ،‬يحتاجها المسلم كل ىن‪ :‬فإذا تكاثف همك‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫وكلمة ) ل ت َ ْ‬
‫معََنا(وإذا ركبك‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬‫ن إِ ّ‬
‫حَز ْ‬
‫وكثر غمك وتضاعف حزنك فقل لقبلك‪ ( :‬ل ت َ ْ‬
‫معََنا(‪،‬‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬
‫ن إِ ّ‬
‫حَز ْ‬ ‫الدين‪ ،‬واضناك الفقر‪ ،‬وشواك العدم‪ ،‬فقل لقبلك‪ ( :‬ل ت َ ْ‬
‫وإذا هزتك الزمان‪ ،‬وطوقتك الحوادث‪ ،‬وحلت بك الكربات‪ ،‬فقل لقلبك‪ :‬إن‬
‫الله معنا‪.‬‬
‫م(‬ ‫ُ‬ ‫ك ل َعَلى ُ‬
‫َ‬ ‫)وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬
‫والله إنك لعظيم الخلق ‪ ،‬كريم السجايا‪ ،‬مهذب الطبع‪ ،‬نقي الفطرة‪ ،‬طيب‬
‫الخصال‪ ،‬عظيم الخلل‪.‬‬
‫والله إنك جم الحياء‪ ،‬حي العاطفة‪ ،‬جميل السيرة‪ ،‬طاهر السريرة‪ ،‬نقي‬
‫الضمير‪ ،‬عفيف الجيب‪ ،‬سليم الصدر‪.‬‬
‫والله إنك قمة الفضائل‪ ،‬ومنبع الجلود ومطلع الخير وغاية الحسان‪ ،‬ونهاية ما‬
‫يصبو إليه النسان‪ ،‬وذروة ما تتوق إليه النفس وتمح إليه الرواح‪.‬‬
‫م( يظلمونك ‪ ،‬يؤذونك فتغفر‪ ،‬يشتمومك فتحلم ‪،‬‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬ ‫)وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬
‫يسبونك فتعفو‪ ،‬يجفونك فتصفح‪ ،‬تعطي من منعك‪ ،‬تصل من قطعك‪ ،‬تعفو‬
‫عمن ظلمك‪.‬‬
‫م( ‪ ..‬يحبك الملك والملوك‪ ،‬والصغير والكبير ‪ ،‬والرجل‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬ ‫)وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬
‫والمرأة ‪ ،‬والغني والفقير‪ ،‬والقريب والبعيد؛ لنك ملكت القلوب بعطفك‪،‬‬
‫وأسرت الرواح بفضلك‪ ،‬وطوقت العناق بكرمك‪ ،‬وسبيت النفس بجودك‪،‬‬
‫وكسبت الناس بعطفك‪.‬‬
‫م( هذبك الوحي‪ ،‬وعلمك جبريل ‪ ،‬وهداك ربك‪،‬‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬ ‫)وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬
‫وصاحبتك العناية‪ ،‬ورافقتك الرعاية‪ ،‬وحالفك التوفيق‪.‬‬
‫م( البسمة علي محياك‪ ،‬البشر علي طلعتك‪ ،‬النور علي‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬ ‫)وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬
‫جبينك‪ ،‬الحب في قلبك‪ ،‬الجود في يدك‪ ،‬البركة فيك‪،‬والفوز معك‪.‬‬
‫من زار بابك لم تبرح جوارحه‬
‫تروي أحاديث ما أوليت من منن‬
‫فالعين عن قرة والكف عن صلة‬
‫والقلب عن جابر والسمع عن حسن‬

‫)‪(8 /‬‬

‫م( ل تكذب ولو أن السيف علي راسك‪ ،‬ول تخون ولو‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬ ‫)وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬
‫حزنت الدنيا‪ ،‬ول تغدر ولو أعطيت الملك؛ لنك نبي معصوم ‪ ،‬وإمام قدوة‪،‬‬
‫وإسوة حسنة‪.‬‬
‫م( صادق ولو قابلتك المنايا ‪ ،‬شجاع ولو قاتلتك السود‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ك ل َعََلى ُ‬‫)وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬
‫جواد ولو سئلت كل ما تملك‪ ،‬فأنت المثال الراقي والرمز السامي‪ ،‬وأنت‬
‫الصفوة المجتبي‪ ،‬والنبي المختار‪ ،‬والرسول المصطفي‪.‬‬
‫م( سبقت العالم ديانة وأمانة وصيانة ورزانة‪ ،‬وتفوقت‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬ ‫)وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬
‫علي الكل علما ً وحلما ً وكرما ً وشجاعة وتضحية‪ ،‬وعلوت علي الجميع صبرا ً‬
‫وثباتا ً وعلما ً وعمل ً وصلحا ً واستقامة‪.‬‬
‫م( الطهر أنت‪ ،‬والصدق ما تقوله‪ ،‬والحق ما تدعو إليه‪،‬‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬ ‫)وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعدل ما تحكم به‪ ،‬والهدي ما أنت عليه‪ ،‬لو كان الصلح رجل ً لكان في‬
‫ثباتك‪ ،‬ولو كان البر إنسانا ً لكان في هيكلك‪ ،‬ولو أن الفضيلة بشر لحل فيك‪.‬‬
‫م( آذوك ـ بأبي أنت ـ وشتموك ـ فديتك ـ وأخرجوك‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬ ‫)وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬
‫وقاتلوك وكذبوك ـ بنفسي أنت ـ ثم ناديت‪ :‬اللهم أغفر لقومي فإنهم ل‬
‫يعلمون‪ ،‬جرحوك وأدموا عقبيك‪ ،‬وشجوا رأسك‪ ،‬وكسروا ثنيتك‪ ،‬وقتلوا‬
‫أصحابك‪ ،‬ثم قلت‪ :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء‪.‬‬
‫إن كنت احببيت بعد الله مثلك في‬
‫بدو وحضر ومن عرب ومن عجم‬
‫فل اشتفي ناظري من منظر حسن‬
‫ول تفوه بالقول السديد فمي‬
‫ن(‬ ‫مةِ َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫جُنو ٍ‬ ‫م ْ‬‫ك بِ َ‬ ‫ت ب ِن ِعْ َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫) َ‬
‫لست مجنونا كما قال أعداؤك ‪ ،‬لكن عندك دواء المجانين‪ ،‬فالمجنون‬ ‫ً‬
‫الطائش السفيه التافه من خالفك وعصاك وحاربك وجفاك‪ ،‬والمخذول‬
‫الحمق من عصاك ‪ ،‬والتائه المأفون من نادك‪ ،‬والمغبون الخاسر من اختار‬
‫سبيل ً غير سبيلك‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وأتمهم‬ ‫ن( وكيف يكون ذلك وأنت أكملهم عق ً‬ ‫مةِ َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫جُنو ٍ‬ ‫م ْ‬‫ك بِ َ‬ ‫ت ب ِن ِعْ َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫) َ‬
‫رشدا ً ‪ ،‬واسدهم رأيًا‪ ،‬وأعظمهم حكمة‪ ،‬ويهدي العقل‪ ،‬وينير الطريق‪.‬‬
‫لست مجنونا ً لنك علي هدى من الله‪ ،‬وعلي نور من ربك‪ ،‬وعلي ثقة من‬
‫منهجك‪ ،‬وعلي بينة من دينك‪ ،‬وعلي رشد من دعوتك‪ ،‬صانك الله من الجنون‪،‬‬
‫بل عندك كل العقل‪ ،‬وأكمل الرشد‪ ،‬وأتم الرأي‪ ،‬وأحسن البصيرة‪ ،‬فأنت الذي‬
‫يهتدي بك العقلء‪ ،‬ويستضيء بحكمتك الحكماء‪ ،‬ويقتدي بك الراشدون‬
‫المهديون‪.‬‬
‫إذا نحن أولجنا وأنت إمامنا‬
‫كفى بالمطايا طيب ذكراك هاديا‬
‫ً‬
‫كذب وأفتري من وصفك بالجنون وقد ملت الرض حكمة‪ ،‬والدنيا رشدا ‪،‬‬
‫ل‪ ،‬فأين يوجد الرشد إل عندك‪ ،‬وأين تكون الحكمة إل لديك‪ ،‬وأين‬ ‫والعالم عد ً‬
‫تحل البركة إل معك‪.‬‬
‫ً‬
‫أنت أعقل العقلء ‪ ،‬وأفضل النبلء‪ ،‬وأجل الحكماء‪ ،‬كيف يكون مجنونا وقد‬
‫قدم للبشرية أحسن تراث علي وجه الرض‪ ،‬وأهدي للعالم أجل تركة عرفها‬
‫الناس‪ ،‬وأعطي الكون أبرك رسالة عرفها العقلء‪.‬‬
‫أخوك عيسي دعا ميتا فقام له‬
‫وأنت أحييت أجيال ً من الرمم‬
‫م(‬
‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫دي إ َِلى ِ‬ ‫ك ل َت َهْ ِ‬ ‫) وَإ ِن ّ َ‬
‫أنت يا محمد مهنتك الهداية ‪ ،‬ووظيفتك الدللة‪ ،‬وعملك الصلح ‪ ،‬أنت تهدي‬
‫إلي صراط مستقيم؛ لنك تزيل الشبهات‪ ،‬وتطرد الغواية‪ ،‬وتذهب الضللة‪،‬‬
‫وتمحو الباطل‪ ،‬وتشيد الحق‪ ،‬والعدل والخير‪.‬‬
‫م(‪ ،‬فمن أراد السعادة فليتعبك‪ ،‬ومن أحب‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫دي إ َِلى ِ‬ ‫ك ل َت َهْ ِ‬ ‫) وَإ ِن ّ َ‬
‫الفلح فليقتد بك‪ ،‬ومن رغب في النجاة فليهتد بهداك‪.‬‬
‫أحسن صلة صلتك‪ ،‬وأتم صيام صيامك‪ ،‬وأكمل حج حجتك‪ ،‬وأزكي صدقة‬
‫صدقتك‪ ،‬وأعظم ذكر ذكرك لربك‪.‬‬
‫م( من ركب سفينة هدايتك نجا‪ ،‬من دخل دار‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫دي إ َِلى ِ‬ ‫ك ل َت َهْ ِ‬ ‫) وَإ ِن ّ َ‬
‫دعوتك أمن‪ ،‬من تمسك بحبل رسالتك سلم‪ ،‬فمن تبعك ما ذل وما ضل وما‬
‫قل‪ ،‬وكيف يذل والعز معك‪ ،‬وكيف يضل وكل الهداية لديك‪ ،‬وكيف يزيل‬
‫والرشد كله عندك‪ ،‬وكيف يقل والله مؤيدك وناصرك وحافظك‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م( لنك وافقت الفطرة‪ ،‬وجئت بحنيفية‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬‫صَرا ٍ‬ ‫دي إ َِلى ِ‬ ‫ك ل َت َهْ ِ‬‫) وَإ ِن ّ َ‬
‫سمحة‪ ،‬وشريعة غراء‪ ،‬وملة كاملة‪ ،‬ودين تام‪.‬‬
‫هديت العقل من الزيغ ‪ ،‬وطهرت القلب من الربية‪ ،‬وغسلت الضمير من‬
‫الخيانة‪ ،‬وأخرجت المة من الظلم‪ ،‬وحررت البشر من الطاغوت‪.‬‬
‫م( فكلمك هدى‪ ،‬وحالك وفعلك هدى‪،‬‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬‫صَرا ٍ‬ ‫دي إ َِلى ِ‬ ‫ك ل َت َهْ ِ‬‫) وَإ ِن ّ َ‬
‫ومذهبك هدى‪ ،‬فأنت الهادي إلي الله علي طريق الخير لكل البشر‪ ،‬الداعي‬
‫إلي الجنة‪.‬‬
‫ن َرّبك(‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما أن ْزِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ل ب َلغْ َ‬ ‫)َيا أي َّها الّر ُ‬
‫أد الرسالة كاملة كما سمعتها كاملة‪ ،‬بلغها تامة مثلما حملتها تامة‪ ،‬ل تنقص‬
‫حرفا ً ول تحذف كلمة‪ ،‬ول تغفل جملة‪.‬‬
‫بلغ ما أنزل إليك فهي أمانة في عنقك سوف تسأل عنها‪ ،‬فبلغها بنصها‬
‫وروحها ومضمونها‪.‬‬
‫بلغ ما أنزل إليك من الوحي العظيم‪ ،‬والهدي المستقيم‪ ،‬والشريعة المطهرة‪،‬‬
‫فأنت مبلغ فحسب؛ ل تزد في الرسالة حرفًا‪ ،‬ل تضف من عندك علي المتن‪،‬‬
‫ل تدخل شيئا ً في المضمون ‪ ،‬لنك مرسل فحسب‪ ،‬مبعوث ليس إل‪ ،‬مكلف‬
‫ببلغ‪ ،‬مسؤول من مهمة‪ ،‬مثلما سمعت بلغ‪ ،‬ومثلما حملت فأد‪.‬‬
‫بلغ ما أنزل إليك‪ ،‬عرف من عرف وأنكر من أنكر‪ ،‬استجاب من أستجاب‬
‫وأعرض من أعرض‪ ،‬وأقبل من أقبل‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫بلغ ما أنزل إليك‪ ،‬بلغ الكل‪ ،‬وادع الجميع‪ ،‬وانصح الكبراء‬


‫والمستضعفين‪،‬السادة والعبيد‪ ،‬النس والجن‪ ،‬الرجال والنساء‪ ،‬الغنياء‬
‫والفقراء‪ ،‬الكبار والصغار‪.‬‬
‫بلغ ما أنزل إليك‪ ،‬فل ترهب العداء‪ ،‬ول تخف الخصوم‪ ،‬ول تخش الكفار‪ ،‬ول‬
‫يهولك سيف مصلت‪ ،‬أو رمح مشرع‪ ،‬أو منية كالحة‪ ،‬أو موت عابس‪ ،‬أو جيش‬
‫مدجج‪ ،‬أو حركة حامية‪.‬‬
‫بلغ ما أنزل إليك فل يغر بك مال‪ ،‬ول يعجبك منصب‪ ،‬ول يزدهيك جاه‪ ،‬ول‬
‫تغرك دنيا‪ ،‬ول يخدعك متاع‪ ،‬ول يردك تحرج‪.‬‬
‫وشب طفل الهدي المحبوب متشحا‬
‫بالخير مترزرا ً بالنور والنار‬
‫هي كفه شعلة تهدي وفي دمه‬
‫عقيدة تتحدى كل جبار‬
‫وفي ملمحه وعد وفي يده‬
‫عزائم صاغها من قدرة الباري‬
‫ه(‬ ‫َ‬
‫سالت َ ُ‬ ‫ما ب َل ّغْ َ‬
‫ت رِ َ‬ ‫ل فَ َ‬‫فعَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫) وَإ ِ ْ‬
‫ً‬
‫إذا لم تؤد الرسالة كاملة فكأنك ما فعلت شيئا‪ ،‬وإن لم توصلها تامة فكأنك‬
‫ما قمت بها حق القيام‪ ،‬ولو كتمت منها مقالة أو عطلت منها نصا ً أو أهمت‬
‫منها عبارة فما بلغت رسالة الله ما أديت أمانة الله‪ ،‬نريد منك أن تبلغ رسالتنا‬
‫للناس كما ألقيت عليك‪ ،‬وكما نزل بها جبريل ‪ ،‬وكما وعاها قلبك‪.‬‬
‫ن الّناس(‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬‫م َ‬‫ص ُ‬ ‫) َوالل ّ ُ‬
‫ه ي َعْ ِ‬
‫بلغ الرسالة كاملة ول تخف أحدًا‪،‬وكيف تخاف من أحد ونحن معك نحفظك‬
‫ونمنعك ونحميك ونذب عنك‪ ،‬لن يقتلك أحد لن الله يعصمك من الناس‪ ،‬ولن‬
‫يطفئ نورك أحد لن الله يعصمك من الناس‪ ،‬ولن يعطل مسيرتك بشر لن‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله يعصمك من الناس‪ ،‬وقل كلمتك صريحة شجاعة قوية‪ ،‬لن الله يعصمك‬
‫من الناس‪ ،‬اشرح دعوتك‪ ،‬وابسط رسالتك‪ ،‬وأرفع صوتك‪ ،‬وأعلن منهجك‪ ،‬وما‬
‫عليك؛ لن الله يعصمك من الناس‪.‬‬
‫كل قوة في الرض لن تستطيع إليك‪ ،‬كل جبروت في الدنيا ل يهزمك‪ ،‬كل‬
‫طاغية في المعمورة لن يقهرك‪ ،‬لن الله يعصمك من الناس‪.‬‬
‫ح لَ َ‬ ‫َ‬
‫صد َْر َ‬
‫ك(‬ ‫ك َ‬ ‫شَر ْ‬ ‫)أل َ ْ‬
‫م نَ ْ‬
‫أما شرحنا لك صدرك‪ ،‬فصار وسيعا ً فسيحا ً ل ضيق فيه ول حرج ول هم ول‬
‫غم ول حزن‪ .‬بل ملناه لك نورا ً وسرورا ً وحبورًا‪.‬‬
‫أما شرحنا لك صدرك ملناه حكمه ورحمه وإيمانا ً وبرا ً وإحسانًا‪.‬‬
‫شرحنا لك صدرك‪ ،‬فوسعت أخلق الناس‪ ،‬وعفوت عن تقصيرهم وصفحت‬
‫عن خطئهم‪ ،‬وسترت عيوبهم‪ ،‬وحملت علي سفيههم‪ ،‬وأعرضت عن جاهلهم‪،‬‬
‫ورحمت ضعيفهم‪.‬‬
‫شرحنا لك صدرك فكنت كالغيث جودا ً ‪ ،‬وكالبحر كرمًا‪ ،‬وكالنسيم لطفا‪ً،‬‬
‫تعطي السائل‪ ،‬وتمنح الراغب ‪ ،‬وتكرم القاصد ‪ ،‬وتجود علي المؤمل‪.‬‬
‫شرحنا لك صدرك فصار بردا ً وسلما ً يطفئ الكلمة الجافية ‪ ،‬ويبرد العبارة‬
‫الجارحة‪ ،‬فإذا ليعفو والحلم والصفح والغفران‪.‬‬
‫شرحنا لك صدرك فصبرت على جفاء العراب‪ ،‬ونيل السفهاء وعجرفة‬
‫الجبابرة‪ ،‬وتطاول التافهين‪ ،‬وإعراض المتكبرين‪ ،‬ومقت الحسدة‪ ،‬وسهام‬
‫الشامتين‪ ،‬وتهجم القرابة‪.‬‬
‫شرحنا لك صدرك فكنت بساما ً في الزمات‪ ،‬ضحاكا ً في الملمات‪ ،‬مسرورا ً‬
‫وأنت في عين العاصفة‪ ،‬مطمئنا ً وأنت في جفن الردى‪ ،‬تداهمك وأنت ساكن‪،‬‬
‫وتلتفت بك الحوادث وأنت ثابت؛ لنك مشروح الصدر ‪ ،‬عامر الفؤاد‪ ،‬حتى‬
‫النفس‪.‬‬
‫شرحنا لك صدرك فلم تكن فظا ً قاسيا ً غليظا ً جافيًا‪ ،‬بل كنت رحمة وسلما ً‬
‫وبرا ً وحنانا ً ولطفا ً ‪ ،‬فالحلم يطلب منك‪ ،‬والجود يتعلم من سيرتك‪ ،‬والعفو‬
‫يؤخذ من ديوانك‪.‬‬
‫ك وِْزَرك(َ‬ ‫ضعَْنا عَن ْ َ‬ ‫)وَوَ َ‬
‫حططنا عنك خطاياك‪ ،‬وغسلناك من آثار الذنوب‪.‬‬
‫فأنت مغفور لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر‪ ،‬وأنت الن نقي طاهر من كل‬
‫مكان وخطيئة‪ ،‬ذنبك مغفور‪ ،‬وسعيك مشكور‪ ،‬وعملك مبرور‪ ،‬وأنت في كل‬
‫شأن من شؤونك مأجور ن هنيئا ً لك هذا الغفران‪ ،‬وكوبي لك هذا الفوز‪ ،‬وقرة‬
‫عين لك هذا الفلح‪.‬‬
‫ض ظ َهَْر َ‬
‫ك(‬ ‫ق َ‬ ‫ذي أ َن ْ َ‬ ‫)ال ّ ِ‬
‫أثقل هذا الوزر كاهلك‪ ،‬واضني ظهرك حتى كاد ينقضه ويوهنه‪ ،‬فالن أذهبنا‬
‫هذا الثقل ن وأزلنا هذه التبعة‪ ،‬وأعفيناك من هذا الخطب‪ ،‬فاسعد بهذه‬
‫البشرى‪ ،‬وتقبل هذا العطاء‪ ،‬وافرح بهذا التفضيل‪.‬‬
‫ك(‬‫ك ذِك َْر َ‬ ‫)وََرفَعَْنا ل َ َ‬
‫ل اذكر إل تذكر معي‪ ،‬يقرن بذكري في الذان والصلة والخطب والمواعظ ‪،‬‬
‫فهل تريد شرفا ً فوق هذا؟‬
‫يذكرك كل مصل‪ ،‬وكل مسبح‪ ،‬وكل حاج ‪ ،‬وكل خطيب‪ ،‬فهل تطلب مجدا ً‬
‫أعلي من هذا؟‬
‫أنت مذكور في التوراة والنجيل‪ ،‬منوه باسمك في الصحف الولي والدواوين‬
‫السابقة‪ ،‬اسمك يشاد به في النوادي‪ ،‬ويتلي في الحواضر والبوادي‪ .‬ويمدح‬
‫في المحافل‪ ،‬ويكرر في المجامع‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك( فصار في الرض مسير الشمس‪ ،‬وعبر القارات عبور‬ ‫ك ذِك َْر َ‬ ‫)وََرفَعَْنا ل َ َ‬
‫الريح‪ ،‬وسافر في الدنيا سفر الضوء‪ ،‬فكل مدينة تدري بك‪ ،‬وكل بلد يسمع‬
‫بك‪ ،‬وكل قرية تسأل عنك‪.‬‬
‫ك( فصرت حديث الركب‪ ،‬وقصة السمر‪ ،‬وخبر المجالس‪،‬‬ ‫ك ذِك َْر َ‬ ‫)وََرفَعَْنا ل َ َ‬
‫وقضية القضايا‪ ،‬والنبأ العظيم في الحياة‪.‬‬
‫ك( فما نسي مع اليام‪ ،‬وما محي مع العوام‪ ،‬وما شطب من‬ ‫ك ذِك َْر َ‬ ‫)وََرفَعَْنا ل َ َ‬
‫قائمة الخلود‪ ،‬وما نسخ من ديوان التاريخ‪ ،‬وما أغفل العظماء ذاتك‪ ،‬فمن‬
‫ارتفع ذكره من العباد عندنا فبسبب اتباعك‪ ،‬ومن حفظ اسمه فبسبب‬
‫القتداء بك‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ذهبت آثار الدول وبقيت آثارك‪ ،‬ومحيت آثار السلطين وبقيت مآثرك‪ ،‬وزالت‬
‫أمجاد الملوك وخلد مجدك‪ ،‬فليس في البشر اشرح منك صدرًا‪ ،‬ول أرفع منك‬
‫ذكرًا‪ ،‬ول أعظم منك قدرًا‪ ،‬ول أحسن منك آثرًا‪ ،‬ول أجمل منك سيرًا‪.‬‬
‫إذا تشهد متشهد ذكرك معنا‪ ،‬وإذا تهجد سماك معنا‪ ،‬وإذا خطب خطيب نوه‬
‫بك معنا‪ ،‬فاحمد ربك لننا رفعنا لك ذكرك‪.‬‬
‫سرا(ً‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬
‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سرًا( )‪ (5‬إ ِ ّ‬‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫)فَإ ِ ّ‬
‫إذا ضاقت عليك السبل ‪ ،‬وبارت الحيل‪ ،‬وتقطعت الحبال‪ ،‬وضاق الحال فأعلم‬
‫ان الفرج قريب‪ ،‬وأن اليسر حاصل‪.‬‬
‫ل تحزن فإن بعد الفقر غني‪ ،‬وبعد المرض شفاء‪ ،‬وبعد البلوى عافية‪ ،‬وبعد‬
‫الضيق سعة‪ ،‬وبعد الشدة فرجًا‪.‬‬
‫سوف يصلك اليسر أنت وأتباعك فترزقون وتنصرون‪.‬‬
‫ً‬
‫إنها سنة ثابتة وقاعدة مضطردة ان مع كل عسر يسران بعد الليل فجر‬
‫صادق‪ ،‬وخلف جبل المشقة سهل الراحة‪ ،‬وراء صحراء الضيق روضة خضراء‬
‫من السعة‪ ،‬إذا اشتدت الحبل انقطع‪ ،‬وإذا اكتمل الخطب ارتفع‪ ،‬سوف يصل‬
‫الغائب ويشفي المريض‪ ،‬ويعافي المبتلي‪ ،‬ويفك المحبوس‪ ،‬ويغتني الفقير‪،‬‬
‫ويشبع الجائع‪ ،‬ويروى الظمآن‪ ،‬ويسر المهموم ‪ ،‬وسيجعل الله بعد عسر‬
‫يسرًا‪.‬‬
‫وهذه السورة نزلت عليه صلي الله عليه وسلم وهو في حال من الضيق‬
‫وتكالب العداء‪ ،‬واجتماع الخصوم‪ ،‬وإعراض الناس‪ ،‬وقلة الناصر وتعاظم‬
‫المكر‪ ،‬وكثرة الكيد‪ ،‬فكان لبد له من عزاء وسلوة وتطمين وترويح‪ ،‬فنزلت‬
‫هذه الكلمات المباركات له ولتباعه إلى يوم القيامة صادقا ً ن وبشري طيبة‪،‬‬
‫وجائزة متقلبة‪:‬‬
‫اشتدي أزمة تنفرجي‬
‫قد آذن ليلك بالبلج‬
‫ب(‬‫ص ْ‬‫ت َفان ْ َ‬ ‫)فَإ َِذا فََرغْ َ‬
‫إذا انتهيت من أعمالك الدنيوية وأشغالك الشخصية‪ ،‬فانصب لنا بالعبادة‬
‫وتوجه لنا بالطاعة‪ ،‬واكثر من ذكرنا ودعائنا‪.‬‬
‫إذا فرغت من الناس وقضاياهم وأسئلتهم فقم في محراب عظمتنا‪ ،‬وانطرح‬
‫علي بابنا‪ ،‬واقرب منا‪ ،‬ومرغ جبينك لنا‪ ،‬لتلقي الفوز والفلح والمن والنجاة‪.‬‬
‫إذا فرغت من الهل والولد والقريب والصاحب فجعل لك وقتا ً معنا ‪ ،‬ارفع‬
‫فيه سؤالك ‪ ،‬اعرض فيه حاجتك‪ ،‬أكثر فيه دعاءك‪ ،‬ادعنا وسبحنا واطلبنا‬
‫واستغفرنا واشكرنا واذكرنا‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إذا فرغت من الحكام والقضاء والموعظة والفتيا والتعليم والرشاد والجهاد‬


‫والنصيحة فتعال لتزداد من قوتنا قوة‪ ،‬ومن مددنا عونًا‪ ،‬ومن رزقنا زادًا‪ ،‬ومن‬
‫فتحنا بصيرة وذخيرة‪.‬‬
‫نحن أولي بك منك‪ ،‬وأحق من غيرنا‪ ،‬ويا له من توجيه له ولتباعه عليه الصلة‬
‫والسلم في صرف الفراغ في العبودية‪ ،‬ومل هذا الزمن بذكره وشكره جل‬
‫في عله ليحصل المقصود من الرضا والسكينة والفرج والعاقبة الحسنة‪،‬‬
‫وصلح الحال والمال‪ ،‬وعمارة الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ب(‬ ‫ك َفاْرغَ ْ‬ ‫)وَإ َِلى َرب ّ َ‬
‫إلى ربك وحده فارغب ن ول ترغب من غيره شيئًا‪ ،‬وإليه وحده فاتجه وعليه‬
‫فتوكل‪ ،‬وفيه فأمل ‪ ،‬فإن الرغبة والرهبة ل تكون إل إليه؛ لنه صاحب الثواب‬
‫لمن أطاعهن والعقاب لمن عصاه‪.‬‬
‫والرغائب الجليلة ل يملكها إل الله‪ ،‬فعنده مفاتح الخزائن‪ ،‬ومقاليد المور‪ ،‬فهو‬
‫أهل ان يدعي وان يسأل وأن يؤمل وأن يقصد جل في عله‪:‬‬
‫إليك وإل ل تشد الركائب‬
‫ومنك وإل فالمؤمل خائب‬
‫وفيك وإل فالغرام مضيع‬
‫وعنك وإل فالمحدث كاذب‬
‫وقد تنزلت هذه الكلمات على رسولنا صلي الله عليه وسلم في فترات‬
‫عصيبة‪ ،‬وفي لحظات حاسمة عاشها صلي الله عليه وسلم وتجرع غصصها‬
‫وحسا مرراتها‪.‬‬
‫مِبينا(ً‬ ‫ً‬
‫ك فَْتحا ُ‬ ‫حَنا ل َ َ‬ ‫)إ ِّنا فَت َ ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد فتحنا لك يا محمد فتحا بينا ظاهرا مباركا‪ ،‬فتحنا لك القلوب فغرست بها‬‫ً‬ ‫ً‬
‫اليمان‪ ،‬وفتحنا لك الضمائر فبينت فيها الفضيلة‪ ،‬وفتحنا لك الصدور فرفعت‬
‫فيها الحق‪ ،‬وفتحنا لك البلدان فنشرت بدعوتك القلوب الغلف والعيون‬
‫العمي‪ ،‬والذان الصم‪ ،‬واسمعنا رسالتك الثقلينز‬
‫فتحنا لك فتدفق العلم النافع من لسانك ‪،‬وفاض الهدى المبارك من قلبك‪،‬‬
‫وسح الجود من يمينك‪.‬‬
‫وفتحنا لك فحزت الغنائم وقسمتها‪ ،‬وجمعت الرزاق ووزعتها‪ ،‬وحصلت على‬
‫الموال وأنفقتها‪.‬‬
‫وفتحنا لك باب العلم وأنت المي الذي ما قرا وما كتب فصار العلماء ينهلون‬
‫ظيمًا(‪.‬‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْ َ‬
‫ك عَ ِ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض ُ‬ ‫م وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ن ت َعْل َ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ك َ‬‫م َ‬ ‫من بحار علمك؛ ( وَعَل ّ َ‬
‫وفتحنا لك القلع والمدن والقرى‪ ،‬فهيمن دينك‪ ،‬وارتفعت رايتك‪ ،‬وانتصرت‬
‫دعوتك‪ ،‬فأنت مفتوح عليك في كل خير وبر وإحسان ونصر وتوفيق‪.‬‬
‫وفتحنا لك خيبر فسدت اليهود‪ ،‬وأهنت إخوان الخنازير والقرود‪ ،‬ورفعت لك‬
‫البنود‪ ،‬وأطاعتك الجنود‪.‬‬
‫وفتحنا لك مكة‪ ،‬فرفعت بها كلمة الحق‪ ،‬وبنيت بها صرح الهدى‪ ،‬وطهرتها من‬
‫رجس الوثان ‪ ،‬ونجاسة الصنام‪ ،‬وعبث الزلم‪.‬‬
‫)َفاعْل َ َ‬
‫ه(‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ( فل تشرك معه في عبوديته أحدا‪ ،‬ول تدعو من‬ ‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫)َفاعْل َ ْ‬
‫دونه إلها ً ‪ ،‬بل تصرف له عبادتك‪ ،‬وتخلص له طاعتك‪ ،‬وتوحد قصدك له‬
‫ومسألتك ودعائك‪ .‬فإذا سألت فاسال الله ‪ .‬وإذا استعنت فأستعن بالله‪ ،‬فل‬
‫يستحق العبادة إل هو‪ ،‬ول يكشف الضر غيره‪ ،‬ول يجيب دعوة المضطر‬
‫سواه‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(11 /‬‬
‫)َفاعْل َ َ‬
‫ه ( هو أحق من شكر‪ ،‬وأعظم من ذكر‪ ،‬وأراف من‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ملك‪ ،‬وأجود من أعطي ‪ ،‬وأحلم من قدر‪ ،‬وأقوي من أخذ‪،‬وأجل من قصد‪،‬‬
‫وأكرم من ابتغي‪ ،‬فل إله يدعي سواه‪ ،‬ول رب يطاع غيره‪ ،‬فالواجب أن يعبد‬
‫وأن يوحد وأن يخاف وأن يطاع وان يرهب وأن يخشي وأن يحب‪.‬‬
‫)َفاعْل َ َ‬
‫ه ( المتفرد بالجمال والكمال والجلل خلق الخلق‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ليعبدوه‪ ،‬وأوجد النس والجن ليوحدوه‪ ،‬وأنشأ البرية ليطيعوه‪ ،‬فمن أطاعه‬
‫فاز برضوانه‪ ،‬ومن أحبه نال قربه‪ ،‬ومن خافه أمن عذاببه‪ ،‬ومن عظمه‬
‫أكرمه‪ ،‬ومن عصاه أدبه‪ ،‬ومن حاربه خذله‪،‬يذكر من ذكره‪ ،‬ويزيد من شكره‪،‬‬
‫ويذل من كفر ‪ ،‬له الحكم وإليه ترجعون‪.‬‬
‫)َفاعْل َ َ‬
‫ه (فأخلص له العبادة؛ لنه ل يقبل الشرك‪ ،‬وفوض‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫غليه المر؛ لنه الكافي القوي ‪ ،‬واسأله فهو الغني‪،‬وخف عذابه لنه شديد‪،‬‬
‫وأحذر أخذه لنه أليم‪ ،‬ول تتعدي حدوده لنه يغار‪ ،‬ول تحارب أولياءه لنه‬
‫ينتقم‪ ،‬واستغفره فهو واسع المغفرة‪ ،‬وأطمع من فضله لنه كريم‪ ،‬ولذ بجنابه‬
‫فهناك المن‪،‬وأدم ذكره لتنل محبته‪ ،‬والزم شكره لتحظي بالمزيد‪ ،‬وعظم‬
‫شعائره لتفوز بوليته‪ .‬وحارب أعداءه ليخلصك بنصره‪.‬‬
‫)َفاعْل َ َ‬
‫فْر ل ِذ َن ِْبك(‬
‫ست َغْ ِ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫هذه أعظم قضية في العالم‪ ،‬واكبر مسألة في الدنيا‪ ،‬وهي مسألة أن تعلم‬
‫وتقر وتعترف أنه ل إله إل الله فل تعبد غيره‪ ،‬ول توحد سواه‪.‬‬
‫إن الخلق خلقوا ليعلموا أن ل إله إل الله‪ ،‬وأن الكتب نزلت لتثبت ل إله إل‬
‫الله ‪،‬وإن الرسل بعثت لتدعو إلي ل إله إل الله‪ ،‬فقبل أن تعلم اعلم أنه ل إله‬
‫الله‪ ،‬وقبل أن تدعو حقق ل إله إل الله‪ ،‬وقبل أن تأمر وتنهي صحح ل إله إل‬
‫الله‪.‬‬
‫إن بداية الطريق لمن أراد الحياة الطيبة والعيش السعيد والخاتمة الحسنة‬
‫والخلود في الجنة لهي هذه الكلمة الرائدة الخالدة بكل ما تحتويه من معني‬
‫أراده الله عز وجل يوم فرض على العباد تحقيقها‪ .‬ولبد لهذه الكلمة من‬
‫اعتقاد جازم ل يخالطه شك‪ ،‬وحب صادق ل يكدره سخط‪ ،‬وصدق في قولها‬
‫ل يمازجه كذب‪ ،‬وعمل بمقتضاها ل يناقضه مخالفة‪ ،‬ودعوة إليها ل يصاحبها‬
‫فتور‪ ،‬وسلمة من كل ما يضادها أو يعارضها من شرك أو رياء أو بدعة ليكون‬
‫قائلها أسعد الناس بها في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫لقد نزلت هذه الية على الرسول النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم وهو‬
‫أول داعية ليكون القدوة للناس‪ ،‬والسود للبشر في معرفة سر هذه الرسالة‬
‫الخاتمة‪ ،‬ومعرفة مقصدها ومرادها‪.‬‬
‫إن موجزها تعريف الناس بكلمة ل إله إل الله‪ ،‬وكل قول وعمل واعتقاد في‬
‫الدين فإنه من هذه الكلمة انبثق‪ ،‬وإن هذه العبارة شعار فهي أصول الصول‪،‬‬
‫وبوابة الديانة‪ ،‬وطريق الفلح‪ ،‬ولن الله صاحب الكمال والجلل والجمال‬
‫والعظمة فحقنا أن نوحده بل إله إل الله‪ ،‬ولننا أهل الذنب والخطيئة والعيب‬
‫فْر ل ِذ َن ِْبك(‪ ،‬إن الله هو‬
‫ست َغْ ِ‬
‫والتقصير فعلينا بالستغفار ؛ ولهذا قال بعدها‪َ) :‬وا ْ‬
‫الخالق الرزاق وهو حقيق باللوهية والربوبية‪ ،‬وإن العبد مخلوق مرزوق‬
‫مطعوم محتاج‪ ،‬فحقه أن يستغفره فقط من سيئاته وخطاياه‪.‬‬
‫إن بين ل إله إل الله واستغفر صلة‪ ،‬كما بين الرب القوي الغني الماجد‬
‫الواحد الجواد‪ ،‬وبين العبد الضعيف الفقير المحتاج الفاني ‪ ،‬كل فضل وكل‬
‫نعمة وكل عطية فمن الله‪ ،‬فواجب علينا أن نقر له بل إله إل الله‪ ،‬وكل خلل‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وزلل وعلل فمنا فحق علينا قول‪ :‬استغفر الله‪.‬‬


‫إن العبد بين نعمة وذنب؛ ولهذا جاء في الحديث‪ )) :‬وأبوء بنعمتك على وابوء‬
‫بذنبي((‪ .‬فالنعمة من الله الذي ل إله إل هو‪ .‬والذنب من العبد منجاته في‬
‫التوحيد والستغفار‪.‬‬
‫إن التوحيد حق الله ل ينازعه أحد فيه؛ لنه واحد في ربوبيته واسمائه وصفاته‬
‫وأفعاله‪ ،‬والستغفار نجاة للعبد الذي غر شيطانه وخدعته نفسه وغلبه هواه‬
‫واشغلته دنياه فوقع في المعصية‪.‬‬
‫والن لك أن تعرف سر القتران اللطيف بين التوحيد والستغفار ‪ ،‬وهذا وارد‬
‫فُروه ُ ( ومثل‪) :‬ل‬ ‫موا إ ِل َي ْهِ َوا ْ‬
‫ست َغْ ِ‬ ‫قي ُ‬
‫ست َ ِ‬‫في عدة مواطن في القرآن مثل‪َ ( :‬فا ْ‬
‫ن ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪ ،‬وعند أبي يعلي في الحديث ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك إ ِّني ك ُن ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ت ُ‬ ‫ه إ ِّل أن ْ َ‬
‫إ ِل َ َ‬
‫)) أن الشيطان يقول‪ :‬أهلكت العباد بالذنوب وأهلكوني بل إله إل الله‬
‫والستغفار‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ق(‬
‫خل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سم ِ َرب ّك ال ِ‬ ‫)اقَْرأ ِبا ْ‬

‫)‪(12 /‬‬

‫تبدأ قصة النبوة بكلمة أقرأ يوم نزلت على رسولنا صلي الله عليه وسلم في‬
‫الغار‪ ،‬ومن بداية اقرأ بدأنا‪ ،‬بدأ تاريخنا ومجدنا وحياتنا‪ ،‬ومن تاريخ نزول اقرأ‬
‫بدأت مسيرتنا المقدسة‪ ،‬وتغير بها وجه الرض‪ ،‬وصفحة اليام ‪ ،‬ومعالم الدنيا‬
‫فتلك اللحظة هي أسعد لحظة في حياتنا نحن المسلمين‪ ،‬وهي اللحظة‬
‫الفاصلة بين الظلم والنور‪ ،‬والكفر واليمان‪ ،‬والجهل والعلم‪ ،‬واختيار اقرأ من‬
‫بين قاموس اللفاظ وديوان اللغة له سر عجيب ونبأ غريب‪ ،‬فلم يكن مكان‬
‫اقرأ غيرها من الكلمات ل أكتب ول ادع ول تكلم ول قل ول اخطب‪ ،‬إنما‬
‫اقرأ ‪ ،‬ويالها من كلمة جلية جميلة أصيلة‪.‬‬
‫ه إ ِلّ‬
‫ه ل إ ِل ََ‬ ‫اقرأ يا محمد قبل أن تدعو‪ ،‬واطلب العلم قبل أن تعمل )َفاعْل َم أنَ‬
‫ْ ّ ُ‬
‫فْر ل ِذ َن ِْبك(‬
‫ست َغْ ِ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫إن اقرأ منهج حياة ورسالة حية لكل حى تطالبه بتحصيل العلم النافع وطلب‬
‫المعرفة‪ ،‬وأن يطرد الجهل عن نفسه وأمته‪.‬‬
‫ً‬
‫وأين يقرأ ـ بأبي هو وأمي ـ وهو ما تعلم على شيخ ول رأي كتال ول حمل‬
‫قلمًا؟‬
‫يقرأ أول ً باسم ربه كلم ربه‪ ،‬فمصدره الول الوحي يتلوه غضا ً طريًا‪ ،‬ويقرأ‬
‫في كتاب الكون المفتوح ليري أسطر الحكمة تخطها أقلم القدرة ‪ ،‬فيقرأ ي‬
‫الشمس الساطع‪ ،‬والنجوم المعة‪ ،‬والجدول والغدير والتل الرابية ‪ ،‬والحديقة‬
‫والصحراء‪ ،‬والرض والسماء‪:‬‬
‫وكتابي الفضاء أقرأ فيه‬
‫صورا ً ما قرأتها في كتاب‬
‫وكلمة اقرأ تلك تدل على فضل العلم وعلو مكانته‪ ،‬وأنه أول منازل الشرف‬
‫والرفعة‪ ،‬وطريق السيادة والمجد‪ ،‬وبوابة السعادة والنجاح‪.‬‬
‫وكل سعادة وفلح فسببها العلم؛ فرسالته صلي الله عليه وسلم علمية‬
‫عملية؛ لنه بعث بالعم النافع والعمل الصالح‪ )) :‬مثل ما بعثني الله به من‬
‫الهدى والعلم كمثل الغيث((‪.‬‬
‫فاليهود عندهم علم بل عمل‪ ،‬فغضب عليهم‪ ،‬والنصارى لديهم عمل بل علم‪،‬‬
‫م َول‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ضو ِ‬ ‫فضلوا‪ ،‬فأمرنا بالستعاذة من سبيل الطائفتين‪ ( :‬غَي ْرِ ال ْ َ‬
‫مغْ ُ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ال ّ‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكلمة اقرأ رسالة موحية لها دللت وأبعاد واسرار‪ ،‬فهي إبقاء للهمة لتطلب‬
‫الهدي من مظانه‪ ،‬وتغوص في فهم الحياة‪ ،‬وتبحث عن الحقيقة ‪ ،‬وتكتشف‬
‫أسرار الكون‪ ،‬وتطالع اليات البينات في النسان والحيوان والجماد‪ ،‬وتسافر‬
‫مع البحث العميق والدراسة المتأنية والعمق المعرفي الذي يكشف عظمة‬
‫الخالق وقدرة البارى وحكمة الصانع جل في عله‪.‬‬
‫سطا ً (‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫ة وَ َ‬
‫م ً‬
‫مأ ّ‬‫)وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫أنتم المة الوسط‪ ،‬وأنتم وسط بين اليهود الذين قتلوا النبياء والنصارى الذين‬
‫عبدوهم‪ ،‬إذ إنكم أطعتموهم واتبعتموهم‪ ،‬وأنتم وسط في الزمان‪ ،‬ما جئتم‬
‫في أول الزمان فل تجارب ول تاريخ‪ ،‬وما جئتم في ذيل الدهر‪ ،‬بل سبقكم‬
‫أمم وجاء بعدكم أجيال‪ ،‬فاعتبرتم بالسابقين ‪ ،‬وأفدتم اللحقين‪.‬‬
‫ووسط أنتم في المكان‪ ،‬فلستم في زوايا الرض ول في أطراف الدنيا‪ ،‬بل‬
‫كنتم في قلب المعمورة‪ ،‬فدينكم شع من أم القرى لتوزعوا الهداية على‬
‫الناس‪ ،‬وأنتم وسط في الديانة فلم تعبدوا كل شئ من حجر وشجر ومدر كما‬
‫فعل المشركون‪ ،‬ولم ترفضوا العبودية جملة وتفصيل ً كما فعلت بعض المم‪،‬‬
‫بل عبدتم الواحد القهار ‪ ،‬ووحدتم العزيز الغفار‪.‬‬
‫ووسط أنتم في المعيشة ‪ ،‬فلم تفعلوا فعل اليهود في البذخ والسراف‬
‫والنهماك في اللذائذ وتصيد الشهوات‪ ،‬ولم تفعلوا فعل النصارى في‬
‫الرهبانية والنقطاع والتبتل وعذاب النفس‪ ،‬بل أعطيتم الجسم حظه والروح‬
‫حقها‪.‬‬
‫ووسط أنتم في الفنون فلم تفعلوا ما فعل فارس‪ ،‬إذ كانت حياتهم هوايات‬
‫وتسليات ‪ ،‬ول فعل الروم إذ جردوا حياتهم من كل ممتع بهيج‪ ،‬بل لكم‬
‫الجمال المباح والسحر الحلل من القوال والفعال ‪ ،‬والنافع المفيد من‬
‫مناهج الحياة‪.‬‬
‫وأنتم وسط في الخلق ‪ ،‬فلم تفعلوا فعل المم العدوانية المتوحشة الذين‬
‫بغوا وطغوا وفتكوا‪ ،‬ولم تنهجوا نهج من استسلم لخصمه وذل لعدوه وقال‪:‬‬
‫)) من ضربك على خدك اليمن فأدر له خدك اليسر‪ ،(( ،‬بل عندكم صفح‬
‫وحلم عمن يستحق‪ ،‬وتأديب وقصاص لمن يعتدي ‪ ،‬والكل له قدر‪.‬‬
‫وأنتم وسط في باب العلم فلم تجعلوا العلم مقصودا ً لذاته كما فعل اليونان‪،‬‬
‫ولم تهملوه وتضيعوه فعل المم البليدة التي غلب عليها الغباء؛ بل جعلتم‬
‫العلم وسيلة إلى كل فضيلة ‪ ،‬وطريقا ً إلى صلح الدنيا والخرة والفلح في‬
‫الدارين‪.‬‬
‫ووسط أنتم في العبادة فما أعرضتم عن النسك فعل الفجرة الجفاة‪ ،‬وما‬
‫شققتم على نفوسكم وعذبتم أرواحكم فعل أهل الصوامع الغلة؛ بل‬
‫اقتصدتم في العبادة مع الحسن‪ ،‬واعتدلتم في النسك مع الجودة‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ووسط أنتم في التفكير فما هممتم مع الخيال فعل الشعراء الذين هم في‬
‫أودية الوهم هائمون ‪ ،‬وما جمدتم جمود الفلسفة الذين قتلوا العواطف‬
‫وعطلوا المشاعر حتى جفت نفوسهم وقست قلوبهم ‪ ،‬بل أنتم مع الحقيقة‬
‫سائرون ‪ ،‬فجمعتم بين القوة والرحمة‪ ،‬والواقعية والجمال‪ ،‬والنص والمعني‪،‬‬
‫فأنتم وسط بين طرفين ‪ ،‬وحسنة بين سيئتين ‪ ،‬ونجاة بين مهلكين ‪ ،‬وقد وفق‬
‫الله أهل السنة والجماعة ما بين قدرية يقولون إن المر مستأنف ولم يسبق‬
‫قضاء من الله والجبرية الذين قالوا ل مشيئة للعبد وهو مجبور على كل فعل‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يفعله من طاعة ومصية‪ ،‬فأهل السنة اثبتوا علم الله وقضاءه ومشيئته وأثبتوا‬
‫للعبد مشيئة ‪ ،‬تحت مشيئة الله‪.‬‬
‫وهم وسط في باب الوعد الوعيد بين الخوارج الذين كفروا بالكبيرة والمرجئة‬
‫الذين قالوا ل تضر المعاصي مع اليمان‪.‬‬
‫فأهل السنة لم يكفروا أهل الكبائر وإنما فسوقهم وقالوا بنقص إيمانهم‪.‬‬
‫وهم وسط في باب السماء والصفات بين من نفاها وشبه الله بخلقه أو مثلة‬
‫بهم‪ ،‬فاثبتوا ما أثبته الله ورسوله من غير تكييف ول تمثيل ول تشبيه ول‬
‫صيُر( ‪.‬‬ ‫ميعُ ال ْب َ ِ‬
‫س ِ‬ ‫يٌء وَهُوَ ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫س كَ ِ‬
‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫تعطيل ) ل َي ْ َ‬
‫ووسط في باب حب أهل البيت بين النواصب الذين سبوهم والروافض الذين‬
‫غلوا فيهم وسبوا الصحابة لجلهم فأحبهم أهل السنة وتولوهم وأنزلوهم‬
‫المنزلة اللئقة بهم‪.‬‬
‫جبا(ً‬‫معَْنا قُْرآنا ً عَ َ‬‫س ِ‬
‫) إ ِّنا َ‬
‫ً‬
‫يقول الجن لما سمعوا القرآن ‪ :‬إنا سمعنا قرآنا عجبا‪ .‬عجيب!!حتى الجن‬
‫يتعجبون من القرآن ‪ ،‬ومن الذي ل يعجب من القرآن؟! ومن هو الحي‬
‫الناطق السميع البصير الذي ل يعجبه القرآن ويشجيه ويبكيه؟؟ ومن هو الذي‬
‫له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد ول يتأثر باقرآن؟! أما النس فقد عجبوا‬
‫كل العجب وذهب بهم العجاب كل مذهب‪ ،‬وقال قائلهم‪ :‬إن له حلوة وعليه‬
‫جبًا( فهو‬ ‫معَْنا قُْرآنا ً عَ َ‬
‫س ِ‬‫طلوة‪ ،‬وأما الجن فهم يصيحون صيحة المعترف‪ ) :‬إ ِّنا َ‬
‫العجب كله‪ ،‬والحسن أجمعه‪ ،‬في آياته ‪،‬ففيها من التناسق والتناغم والروعة‬
‫ما يفوق الوصف والعجب في سورة ‪ ،‬فلكل سورة مشهد وإيحاء ورسائل‬
‫غير الخرى‪ ،‬وعجيب في عرضه الذي يقتحم أسوار النفس‪ ،‬ويزلزل أماق‬
‫القلب‪ ،‬ويحتل مناطق التأثير‪ ،‬ويجتاح مستعمرات الضمير‪.‬‬
‫عجب لهذا القرآن ‪ ،‬نعيده نكرره نشرحه نتدارسه نحفظه ثم يبقي غضا ً راقيا ً‬
‫مشرقا ً جديدًا‪ ،‬عجبا ً لهذا كأنه يسوقنا إلى الخرة بجحافل من رعب‪ ،‬وكأنه‬
‫يحجزنا عن الثم والخطيئة بسياج من الهدي‪ ،‬وكأنه يبعثنا كل يوم من قبور‬
‫الهمال وأجداث النسيان ‪ ،‬عجب لهذا القرآن كلما لغونا ولهينا وسهرنا نادانا‬
‫من جديد‪ ،‬هلموا إلى الحق والجد والعمل‪ ،‬كلما ضعنا وتهنا وضللنا صاح بنا هنا‬
‫الطريق هنا الهدي هنا الفلح‪ ،‬كلما أذنبنا وأخطأنا دعانا أقبلوا على رب رحيم‬
‫وملك كريم وجواد حليم‪ ،‬كلما فترنا واكاسلنا وتراخينا هزنا يا ناس واصلوا‪ ،‬يا‬
‫قوم عجلوا وأبشروا واجتهدوا‪ ،‬كلما غضبنا وحزنا وضاقت السبل أمامنا صب‬
‫القرآن على قلوبنا سحب الرضوان والسكينة والمن ‪ ،‬صدق الجن‪ ( :‬إ ِّنا‬
‫جبًا( إنه ملم يشبع الروح‪ ،‬ويروي غليل النفس ويغسل أدران‬ ‫معَْنا قُْرآنا ً عَ َ‬
‫س ِ‬‫َ‬
‫الضمير‪ ،‬إنه أحسن الحديث صدقا ً ومتاعا ً وفخامة واصالة‪ ،‬إنه أحسن القصص‬
‫تسلية وتعزية وأسوة‪ ،‬إنه موعظة تردع عن الزلل وتحمي من النحراف‬
‫جبًا(‪.‬‬
‫معَْنا قُْرآنا ً عَ َ‬‫س ِ‬ ‫وتعصم من الذنب وصدق الجن ‪ ) :‬إ ِّنا َ‬
‫تسمع القصائد وتنصت للمحاضرات وتروعك الخطب تشجعك المواعظ ثم‬
‫تسمع القرآن فكأنك ما سمعت شيئا ً وما أعجبك شئ ‪ ،‬وما نهرك شئ‪ ،‬لنه‬
‫كتاب ل ريب فيه‪ ،‬يرشد من الحيرة‪ ،‬ويحفظ من الضلل ‪ ،‬ويعصم من الزيغ ‪،‬‬
‫فالقرآن حياة من الهناء والسعادة ‪ ،‬وعالم من البداع والجمال‪ ،‬وتاريخ من‬
‫الحداث والقضايا ‪ ،‬وسجل من الشرق والرفعة‪ ،‬وديوان من الخلود والنبل‪،‬‬
‫بل تاريخ أمة‪ ،‬وخطاب عالم‪ ،‬وكلم إله ‪ ،‬ومستقبل أجيل‪ ،‬وقضية معجزة‪ ،‬هو‬
‫حق يدفع باطل‪ ،‬ونور يكشف ظلمًا‪ ،‬وصدق ينهر كذبًا‪ ،‬وهدي يحارب ضل ً‬
‫ل‪،‬‬
‫جبًا(‪.‬‬
‫معَْنا قُْرآنا ً عَ َ‬‫س ِ‬ ‫وعدل يطارد ظلمًا‪ ،‬وصدق الجن‪ ( :‬إ ِّنا َ‬
‫ل يوم هو في َ ْ‬
‫ن(‬‫شأ ٍ‬ ‫) كُ ّ َ ْ ٍ ُ َ ِ‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مدح الله نفسه بهذا الوصف المتضمن قدرته جل في عله‪ ،‬وأنه ل يقع شئ‬
‫في العالم إل بإذنه ‪ ،‬فهو كل يوم في شأن ‪ ،‬يخفض ويرفع‪ ،‬يعطي ويمنع‪،‬‬
‫يقبض ويبسط‪ ،‬يولى ويخلع‪ ،‬ويقني ‪ ،‬يضحك ويبكي‪ ،‬يميت ويحيي‪ ،‬يهدي‬
‫ويضل‪ ،‬يعافي ويبتلي‪.‬‬
‫كل يوم هو في شأن؛ يعطي فقيرًا‪ ،‬يهدي حائرًا‪ ،‬يشافي مريضًا‪ ،‬يرد غائبًا‪،‬‬
‫ل‪ ،‬يشبع جائعًا‪ ،‬يسقي ظمآنًا‪.‬‬
‫يرشد ضا ً‬
‫كل يوم هو في شأن ؛ يسحق طاغيًا‪ ،‬يمزق باغيًا‪ ،‬يكبت فاجرًا‪ ،‬يهزم كافرا‪ً،‬‬
‫يخذل عدوا ً ‪ ،‬يرد معتديًا‪ ،‬ينصر وليًا‪ ،‬يحفظ صالحًا‪ ،‬ينجد ملهوفًا‪ ،‬يجيب داعيًا‪،‬‬
‫ل‪ ،‬يجبر كسيرًا‪ ،‬يعين مسكينًا‪ ،‬يرحم‬ ‫يحمي مظلومًا‪ ،‬يعطي سائ ً‬
‫ل‪ ،‬يمنح نائ ً‬
‫ل‪ ،‬ينصر حقًا‪.‬‬‫ميتًا‪ ،‬يعافي مصابًا‪ ،‬يدحض باط ً‬

‫)‪(14 /‬‬

‫كل يوم هو في شأن ؛ ينزل الغيث‪ ،‬يسوق الغمام‪ ،‬يجري الريح‪ ،‬يسخر البحر‪،‬‬
‫يزيد العابدين‪ ،‬يوفق الصالحين‪ ،‬يدل المجتهدين‪ ،‬ينصر المجاهدين‪ ،‬يؤمن‬
‫الخائفين ‪ ،‬يتوب على التائبين‪ ،‬يغفر للمسنغفرين‪.‬‬
‫كل يوم هو شأن؛ يولج الليل في النهار‪ ،‬يرسل البرق يكاد يذهب بالبصار‪،‬‬
‫يجري السفن في البحار‪ ،‬يحوط المسافرين من الخطار‪.‬‬
‫كل يوم هو في شأن؛ يكشف كربًا‪ ،‬يزيل خطبًا‪ ،‬يغفر ذنبًا‪ ،‬يحل ويبرم‪ ،‬يقدم‬
‫ويؤخر ‪ ،‬يثيب الطائع‪ ،‬يحلم على المقصر‪ ،‬يتجاوز عن المسئ ‪ ،‬يستر المذنب‪،‬‬
‫يمهل العاصي‪.‬‬
‫كل يوم هو في شأن؛ يفلق الحب والنوي‪ ،‬يعلم ما في الرحام‪ ،‬يكتب الجال‪،‬‬
‫يحصي العمال‪ ،‬ينزل الرزاق‪ ،‬يفك القيود‪ ،‬يطلق السري‪ ،‬يكلؤ من في البر‬
‫والبحر‪ ،‬يرعي المسافرين‪ ،‬يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور‪.‬‬
‫كل يوم هو في شأن؛ يطلع على ما في السرائر‪ ،‬يعلم ما في الضمائر ‪،‬‬
‫يجيب المضطر ‪ ،‬ينقذ من المخاطر‪ ،‬يعصم من المهالك‪ ،‬يهدي من الغي‪،‬‬
‫يبصر من العمي ‪ ،‬يرشد من الحيرة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كل يوم في شأن؛ يعزل ولة‪ ،‬يخلع ملوكا‪ ،‬يهلك دول‪ ،‬يبيد شعوبا‪ ،‬يأخذ‬
‫المتكبرين‪ ،‬يقصم المتجبرين‪.‬‬
‫وإن من ينظر في الكون نظرة المتبصر ويتفكر في المخلوقات وما يقع في‬
‫الرض من أعمال وحوادث يعجب من عظمة الملك الواحد الحد وسعه‬
‫اطلغه وبالغ علمه‪ ،‬جل في عله‪ ،‬فكل حركة معلومة‪ ،‬وكل لفظة محسوية‪،‬‬
‫وكل نقطة أو ورقة أو ثمرة محصية‪ ،‬عالم هائل من الحياة والموت‪ ،‬والغني‬
‫والفقر ‪ ،‬والصلح والفساد‪ ،‬والسلم الحرب‪ ،‬والهداية والغواية‪ ،‬والصحة‬
‫والمرض‪ ،‬كل ذلك بإذن الملك الحق الذي ل تخفي عليه خافية من أعمال‬
‫هذه الخليقة‪ ،‬فل يلتبس عليه أمر‪ ،‬ول تختلف عليه لغة‪ ،‬ول يعزب عن علمه‬
‫شيء ‪ ،‬ول تفوته حركة ‪ ،‬ول تند عن علمه كائنة‪ ،‬وقد وسع علمه كل شئ ‪،‬‬
‫وقد عم فضله وانتشر إحسانه‪.‬‬
‫إن العالم شركة صاخبة من البناء والنتاج والتزاوج والتولد والتفاق والخالف‬
‫والسلم والحرب‪ ،‬تصالح وتقاتل‪ ،‬تآلف وتباين‪ ،‬بيع وشراء‪ ،‬حل وترحال‪ ،‬يقظة‬
‫ونوم‪ ،‬حياة وموت‪ ،‬لكن المذهل أن ذلك بعلم الحد الصمد وبتقديره وتدبيره‬
‫واطلعه جل في عله‪,‬‬
‫ملئكة تكتب وسجلت تحصي وأقلم تخط ودواوين محفوظة‪ ،‬والرقيب‬
‫الحسيب على ذلك كله عالم الغيب والشهادة الذي ل تخفي عليه خافية‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مغُْلوَلة(‬ ‫ت ال ْي َُهود ُ ي َد ُ الل ّهِ َ‬ ‫)وََقال َ ِ‬


‫هذا قول إخوان القردة والخنازير النذال‪ ،‬يقولون يد الله مغلومة ‪ ،‬أي بخيلة )‬
‫َ‬
‫شاء( ‪ ،‬قاتلهم‬ ‫فقُ ك َي ْ َ‬
‫ف يَ َ‬ ‫سوط ََتا ِ‬
‫ن ي ُن ْ ِ‬ ‫مب ْ ُ‬ ‫داه ُ َ‬ ‫ما َقاُلوا ب َ ْ‬
‫ل يَ َ‬ ‫م وَل ُعُِنوا ب ِ َ‬ ‫ديهِ ْ‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫غُل ّ ْ‬
‫الله كيف تكون يد الجواد الماجد مغلولة‪ ،‬وكل نعمة قديمة أو حديثة‪ ،‬ظاهرة‬
‫ن‬
‫م َ‬‫مةٍ فَ ِ‬
‫ن ن ِعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ما ب ِك ُ ْ‬ ‫أو باطنة‪ ،‬جللية أو قليلة منه وحده جل في عله‪) :‬وَ َ‬
‫الّله( كيف تكون يده مغلولة؛ تعالي الله عن ذلك علوا ً كبيرًا‪ ،‬وهو الذي‬
‫صمدت إليه الكائنات ‪ ،‬وسألته المخلوقات مع اختلف اللغات‪ ،‬وتعدد اللهجات‬
‫‪ ،‬بشتى الحاجات‪ ،‬فأعطي الجميع ‪ ،‬ومنح الكل‪ ،‬وما نقصت خزائنه ول انتهي‬
‫فضله‪ ،‬يقول عز وجل‪ )) :‬يا عبادي‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم‬
‫قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما‬
‫عندي إل كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر((‪.‬‬
‫كيف تكون يده مغلولة وهو الذي يطعم كل مخلوق‪ ،‬ومن فضله يعيش كل‬
‫ض إ ِّل عََلى الل ّهِ رِْزقَُها (يطعم الطير في الهواء‪،‬‬ ‫َْ‬
‫ن َداب ّةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬‫ما ِ‬ ‫حي )وَ َ‬
‫والسمك في الماء‪ ،‬والوحش في البيداء‪ ،‬والدود في الطين‪ ،‬والليث في‬
‫ل يوم هو في َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫العرين‪( :‬ي َ‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫شأ ٍ‬ ‫ض كُ ّ َ ْ ٍ ُ َ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬
‫ه َ‬ ‫سأل ُ ُ‬‫َ ْ‬
‫عم فضله‪ ،‬وشمل نواله‪ ،‬وعظم كرمه‪ ،‬وظهر جوده‪ ،‬من جاد فمن جوده‬
‫يجود‪ ،‬عاش أعداؤه من فيض عطائه‪ ،‬وتقلب عبيده في نعمائه‪.‬‬
‫كيف تكون يده مغلولة وقد طبق العالم إحسانه‪ ،‬وعم الكون امتنانه‪،‬مل‬
‫الخزائن‪ ،‬واشبع البطون‪ ،‬فبابه مفتوح‪ ،‬وجوده يغدو ويروح ‪ ،‬وخيره ممنوح‪،‬‬
‫يعطي قبل السؤال‪ ،‬ول يغيض ما عنده النوال؛ لنه ذو الجلل والجمال‬
‫والكمال‪.‬‬
‫هل من رازق غيره؟ هل من معط سواه؟ هل من متفضل إل هو جل في‬
‫عله؟ وتأمل قود الرد على فرية اليهود وجزالة اللفظ وإشراق المعني‬
‫ة( ‪ ،‬فخصوا يدا ً واحده‪،‬‬ ‫مغُْلول َ ٌ‬ ‫وبراعة الحجة‪ ،‬فإنهم قالوا لعنهم الله‪ ( :‬ي َد ُ الل ّهِ َ‬
‫َ‬
‫داهُ ( فذكر‬ ‫ل يَ َ‬ ‫م ( ‪ ،‬فرد بالجمع ‪ ،‬ثم قال‪ ) :‬ب َ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬‫فرد عليهم بقوله‪ ) :‬غُل ّ ْ‬
‫اليدين الثنتين المباركتين‪ ،‬ثم وصفهما بأنهما مبسوطتان بالعطاء‪ ،‬ثم ذكر‬
‫شاُء( فتقدس اسمه ما‬ ‫ف يَ َ‬ ‫فقُ ك َي ْ َ‬ ‫كيفية العطاء وحال هذا السخاء فقال‪ ) :‬ي ُن ْ ِ‬
‫أكرمه‪ ،‬وتبارك في عله ما أحمله‪ ،‬وعز جاهه ما أعلمه‪.‬‬
‫وانظر إلى منهج القرآن كيف أورد الشبهة لقتضاب ثم رد عليها بإسهاب‪،‬‬
‫وأطنب في تفنيدها ودحضها حتى شفي القلب بهذا البيان الناصع‪ ،‬والبرهان‬
‫الساطع‪ ،‬بخلف ضعاف المجادلين فإنهم يتوسعون في عرض الشبهة‪ ،‬ثم‬
‫يردون عليها ردا ً ضعيفا ً فتبقي آثارها في القلب شبها ً وشكوكًان فتبارك الله‬
‫ما أحسن قيله‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وانظر إلي صديق المهيمن وكمال جبروته‪ ،‬فإنه أخبرنا بهذه المقولة الخاطئة‬
‫الهابطة من هؤلء الحقراء التافهين‪ ،‬وهي مقولة تتعرض لذلته المقدسة‬
‫ومقامه العظيم‪ ،‬ومع ذلك ذكرها صريحة مثلما قالوها‪ ،‬قاتلهم الله‪ .‬بخلف‬
‫البشر‪ ،‬فإنهم لضعفهم وعجزهم ل يذكرون ما يقال عنهم من شتم‪ ،‬وإن قالوا‬
‫فباستحياء وخجل على مذهب كاد المريب أن يقول خذوني‪ ،‬لكن الله عز‬
‫وجل لتفرده بكل وصف جميل لم يبال بهذا السقط من القول‪ ،‬والسخف من‬
‫الحديث‪ ،‬بل ذكره ليدحضه‪ ،‬واخبر به ليدفعه‪ ،‬وهو ما حدث في هذا الخطاب‬
‫الباهر العجيب‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سرًا(‬ ‫سرٍ ي ُ ْ‬ ‫ه ب َعْد َ عُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫) َ‬


‫هذا وعد من أصدق القائلين‪ ،‬وهي بشري لعباده المؤمنين‪ ،‬ان سنته الماضية‬
‫وحكنه القاضية‪ ،‬بأن العسر بعده يسر‪ ،‬فل يضيق المر ويشتد الكرب إل‬
‫ويتبعه يسر‪ ،‬فبشر كل مكروب ومنكوب بفجر صادق من الفرج يصادر فلول‬
‫الشدائد‪ ،‬وما أحسن هذه الية سلوة للمعذبين بسياط الظالمين‪ ،‬وعزاء‬
‫للمصابين‪ ،‬وبشري لهل البلء‪ ،‬وهذه الية هدية غالية لمن طرح في السجن‪،‬‬
‫وغلت يداه‪ ،‬وكبلت رجله‪ ،‬ليعلم أن فرجه قريب‪ ،‬وخروجه وشيك إلى عالم‬
‫الحرية والنطلق‪ ،‬وهي تحفة ثمينة لمن اقعده المرض‪ ،‬واضناه البلء‪ ،‬أنه‬
‫موعود بشفاء عاجل‪ ،‬وعافية قادمة ‪ ،‬فبعد الجوع شبع‪ ،‬وإثر التعب راحة‪،‬‬
‫وعقب السقم شفاء‪ ،‬وخاتمة الشدة رخاء‪ ،‬ونهاية الفقر غني‪ ،‬النهار يخلف‬
‫الليل‪ ،‬والنور يطوي الظلم‪ ،‬والماء يزحف على الجدب‪.‬‬
‫إذا امتدت الصحراء فوراءها رياض خضراء‪ ،‬وإذا اشتد الحبل انقطع ‪ ،‬إذا رأيت‬
‫السحب فاعلم أن الغيث الهنئ في جوانحها‪ ،‬وإذا هالك الظلم فتيقن أن‬
‫الصباح مقبل ل محالة‪.‬‬
‫إن العسر بعده يسران وليس يسر واحد‪ ،‬لتعلم أن مرارة المعاناة لها نهاية‪،‬‬
‫وشظف العيش إلى انقطاع ‪ ،‬وكبد الحياة إلى راحة ‪ ،‬لو أن الخوف دائم‬
‫لتقطعت النفوس حسرة‪ ،‬ولكن بعد أمن وسكينة‪ ،‬ولو أن الحزن مستمر‬
‫لزلزلت القلوب زالزالها ولكن يعقبة سرور وأنس‪ ،‬ولو أن اليأس مقيم‬
‫لسودت الحياة في العيون‪ ،‬لكن خلفه أمل فل تيأس من روح الله ول تقنط‬
‫من رحمة الله‪ ،‬ل تصارع الوهام‪ ،‬وتقاتل الوساس‪ ،‬بل انظر من بوابة الرجاء‬
‫لتري العالم المشهود‪ ،‬والحضرة المأنوسة‪ ،‬والسعادة القادمة‪ ،‬ولتري العناية‬
‫الربانية تغمرك واللطف اللهي يحوطك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫معََنا ( فاغسل همومك بنهر التوكل‪ ) ،‬وَعَلى اللهِ فَت َوَكلوا‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫) ل تَ ْ‬
‫ن( ‪ ،‬واحذر من تصديق وعد الفاك الثيم والشيطان الرجيم؛‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫لنه يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء‪ ،‬ولكن صدق موعد اصدق القائلين‪( :‬‬
‫م( ‪.‬‬
‫سعٌ عَِلي ٌ‬
‫ه َوا ِ‬‫ضل ً َوالل ّ ُ‬‫ه وَفَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫فَرةً ِ‬ ‫مغْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ه ي َعِد ُك ُ ْ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫فبشر آمالك بمستقبل زاه وغد مشرق وفجر باه جديد؛ لنه سبحانه ما ابتلك‬
‫ليهلك‪ ،‬وما أبدك ليخزيك؛ بل أراد أن يذكرك بسوط من ألم‪ ،‬وأن يوقظك من‬
‫غفلتك لوخزة من ندم‪ ،‬وينبهك من رقدتك بجرعة من سقم؛ لتتذكر بالمصيبة‬
‫النعمة‪ ،‬والبلء العافية ‪ ،‬وبالمرض الصحة‪ ،‬وبالسجن الحرية‪ ،‬وحكيم في‬
‫المسلكين‪ ،‬ول تدري بالصلح ‪ ،‬ول تعلم بالحسن‪ ،‬بل هو العلم الحكم‬
‫الحلم الرحم‪ ،‬جل في عله‪ ،‬فارض باخيتاره فاختياره‪ ،‬لك خير من اختيارك‬
‫لنفسك ‪ ،‬وعلمه بمصالحك أجل وأعظم من علمك؛ لنك عبد جاهل فقير‬
‫ضعيف‪ ،‬وهو عليم غني قوي ملك رحمن رحيم‪:‬‬
‫عسي فرج يكون عسي‬
‫نعلل نفسنا بعسى‬
‫فل تجزع إذا قابلـ‬
‫ـت هما ً يقطع النفسا‬
‫فأقرب ما يكون المر‬
‫ء من فرج إذا يئسا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫شح(‬ ‫س ال ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫ت الن ْ ُ‬ ‫ضَر ِ‬ ‫ح ِ‬‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صل ْ ُ‬‫) َوال ّ‬
‫القضية تقوم على أمرين إما حكم وإما صلح‪ ،‬فالحكم قضية عادلة وحكم‬
‫نافذ‪ ،‬وقد يترك في نفس أحد الخصمين اثرًا‪ ،‬فإن الحق ل يرضي الطرفين‬
‫كما قال الول‪:‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن نصف الناس أعداء لمن‬


‫ولي الحكام هذا إن عدل‬
‫ً‬
‫ولكن الصلح خير‪ ،‬فهو احسن أثرا‪ ،‬وأسلم عاقبة؛لنه يبني على كرم النفس‪،‬‬
‫وسماحة الطبع‪ ،‬فهو يأتي عفوا ً بل حكم صادر من أحد‪ ،‬بل من جودة السجية‪،‬‬
‫وحسن الخلل ‪ ،‬فالذي يسعي بالصلح مسدد معان محببوب؛ لنه يريد البناء‬
‫والخير‪ ،‬ولهذا قال شعيب‪ ( :‬إ ُ‬
‫ست َط َعْ ُ‬
‫ت (‪.‬‬ ‫ما ا ْ‬
‫ح َ‬ ‫ن أِريد ُ إ ِّل اْل ِ ْ‬
‫صل َ‬ ‫ِ ْ‬
‫عفا عن ظلمه في عرضه‪ ،‬فالصلح خير علي كل جهة أردت؛ لنه يندم على‬
‫الصلح أحد‪ ،‬إذ يعوض الله قابل الصلح سكينة وأمنًا‪ ،‬وبرد عفو ولذلة كرم‪،‬‬
‫يجدها في قلبه‪ ،‬لن المصالح كريم‪ ،‬والكريم واسع البطان‪ ،‬رحب الباع‪،‬‬
‫منشرح الصدر‪ ،‬بخلف رافض الصلح فإنه يعاقب بحرج في صدره‪ ،‬وضيق في‬
‫نفسه‪ ،‬جزاء وفاقا ً لعمله‪.‬‬
‫واعتبر هذا بالبخيل والجافي الغليظ واللحوح الشحيح‪ ،‬ففيه من جدب النفس‪،‬‬
‫وقحط الروح‪ ،‬وضيق الخلق‪ ،‬ما يفوق الوصف مجازاة لفعله الشنيع‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ح ( وهو‬ ‫س ال ّ‬ ‫ت اْل َن ْ ُ‬ ‫ُ‬


‫ش ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫ضَر ِ‬‫ح ِ‬‫وما أجمل هذا التعقيب الباهر الساطع‪ ) :‬وَأ ْ‬
‫تحذير للنفوس من هذا المرض الذي يصحبها ‪ ،‬ويغلب عليها فل تقبل صلحًا‪،‬‬
‫ول تعفو عن مظلمة‪ ،‬ول تتنازل عن حق‪ ،‬ول تعطي نوال ً إل من رحم الله‪،‬‬
‫ت( صورة حية لحضور شبح الجاثم القاتم‪ ،‬وكأنه‬ ‫ُ‬
‫ضَر ِ‬
‫ح ِ‬ ‫ولكن في قوله‪ ) :‬وَأ ْ‬
‫ليل مكفهر‪ ،‬حضر بأسماله السوداء ووجه العابس‪.‬‬
‫ثم ذكر النفس لنها مصدر الخير والشر‪ ،‬والجود والبخل‪ ،‬فمن حجث نفسه‬
‫بالمعروف قبل الصلح وسعي إلى المسامحة ‪ ،‬ومن بخلت نفسه وظنت‬
‫ضيقت على عباد الله‪ ،‬وسعت في استيفاء حقوقها بشراسة وعناد وفي‬
‫ح ( إشراق في العبارة؛ لن الشح غاية البخل ومنتهاه‪ ،‬وهو اشمل‬ ‫قوله‪) :‬ال ّ‬
‫ش ّ‬
‫من البخل الذي هو منع العطاء‪ ،‬وحبس التدفق‪ ،‬يزيد بترك العفو‪ ،‬ورفض‬
‫المسامحة‪ ،‬والسعي في المطالبة والمعاتبة والمضاربة حتى قال ابن تيمية‪:‬‬
‫المؤمن الصادق ل يضارب ول يعاقب ول يطالب‪ ،‬وإنما يمنع الصلح‪ ،‬قبول‬
‫شح النفس المارة‪ ،‬ولهذا حسن أن يزف في سياق الية‪ ،‬فمن نجا من شح‬
‫نفسه عاش صالحا ً مصلحًا‪ ،‬فصار كالغمامة أينما حلت هلت‪ ،‬فهو جواد عن‬
‫الخصومة‪ ،‬سهل عفو عند المنازع‪ ،‬يسير عند الجدال‪ ،‬صفوح عن المعاتبة‪،‬‬
‫بخلف الشيحيح فهو بخيل بنواله‪ ،‬ثقيل في مطالبه‪ ،‬عنيد في خلفه‪ ،‬شرس‬
‫ن(‪.‬‬‫حو َ‬
‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫سهِ فَُأول َئ ِ َ‬
‫ف ِ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫ن ُيوقَ ُ‬
‫ش ّ‬ ‫م ْ‬
‫في طباعه‪ ،‬وصدق الله‪ ( :‬وَ َ‬
‫ة(‬
‫مَز ٍ‬‫مَزةٍ ل ُ َ‬
‫ل هُ َ‬‫ل ل ِك ُ ّ‬
‫)وَي ْ ٌ‬
‫الهماز اللماز إنسان ساقط في مجال الشرف‪ ،‬منحط من رتبة القيم‪ ،‬منسي‬
‫في ديوان المثل السامية‪ ،‬لنه هماز للعراض ‪ ،‬لماز لعباد الله‪ ،‬وهو يهمز‬
‫بقوله‪ ،‬ويلمز بفعله‪ ،‬فعينه ويده تهمز‪ ،‬ولسانه يلمز‪ ،‬ويل لهذا بالوعيد من‬
‫عذاب شديد‪ ،‬من منال أكيد‪ ،‬ويل لهذا المتسلق على أكتاف البراء‪ ،‬القارض‬
‫لعراض الصالحين‪.‬‬
‫إن هذا الشرير همه فقط اقتناص المعائب ‪ ،‬وجمع المثالب فهو يفرح بالزلة‪،‬‬
‫وتسره السقطة ‪ ،‬وتعجبه الغلظة‪ ،‬فهو يذكر السيئات في الناس ولكنه يتسي‬
‫الحسنات‪ ،‬يستحضر الخطاء غير أنها تغيب عنه الصابات؛ لن نفسه المارة‬
‫مريضة‪:‬‬
‫ومن يك ذا فم مريض‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يجد مرا ً به الماء الزلل‬


‫ولن عين رشده بها رمد‪:‬‬
‫قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد‬
‫وينكر الفم كعم الماء من سقم‬
‫ل يفرح بالفضائل التي تحملها القلوب الطاهرة؛ لنه جحود حسود‪ ،‬ل يرتاح‬
‫للصفات الجميلة والمعاني المعاني الجلية في الناس؛ لن فعله سيئ وقلبه‬
‫اسود ولسلنه مر‪:‬‬
‫إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه‬
‫وصدق ما يعتاده من توهم‬
‫ويل لهذا الهمزة اللمزة من عذاب الله وغضبه‪ ،‬كيف يجور في حكمه‪ ،‬فهو‬
‫بالمرضاد لعباد الله‪ ،‬ينشر مساوئهم‪ ،‬يتكفه بمعائبهم‪ ،‬يفرح بزلتهم‪ ،‬يسعد‬
‫بعثراتهم ‪ ،‬وهو يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؛ لنه مخذول مهين‪،‬‬
‫ويضيق ذرعا ً بالوفياء النبلء والصالحين الخيار؛ لنه مارد اثيم‪ ،‬إن سلمة‬
‫القلب وعفة اللسان موهبة ربانية يغدقها الله على من يشاء من عباده‪ ،‬فتري‬
‫صاحبها سترا ً عفيفًا‪ ،‬طاهر السريرة‪ ،‬سليم الصدر‪ ،‬يثني على الجانب‬
‫المشرق في حياة الناس‪ ،‬تعجبه الخلل الحميدة‪ ،‬تفرحه الخصال الجميلة ‪،‬‬
‫يحمل إخوانه على السلمة ‪ ،‬ياتمس للعباد العذر ‪ ،‬يشيد بالمكارم‪ ،‬ويهمل ما‬
‫سوى ذلك‪ ،‬ليس عنده وقت لتشريح عباد الله على خشبة نقده‪ ،‬وما عنده‬
‫فراغ لحراق أوراق الصالحين بناره‪.‬‬
‫وإن من يتدبر هذه الية ينتابه خوف مزعج من عواقب إرسال اللسان في‬
‫العراض ‪ ،‬واغتياب عباد الله‪ ،‬وتتبع عوراتهم‪ ،‬وإنها علمة الفلس‪ ،‬ونهاية‬
‫الخذلن‪ ،‬وويل لمن هذا فعله‪ ،‬قاتله الله كيف نسي نفسهن وتقويم اعوجاجه‪،‬‬
‫وإصلح ما فسد من أخلقه ‪ ،‬وبناء ذاته‪ ،‬وذهب ‪ ،‬تبأ له ـ يتفحص ما ستر الله‬
‫من العباد ‪ ،‬ويكشف المغطي من سجايا الناس‪ ،‬فهو عدو للنجاح‪ ،‬حرب‬
‫للفضيلة‪ ،‬هدم لصروح المكارم‪ ،‬وويل لكل همزة لمزة‪.‬‬
‫ديثا ً ي ُ ْ‬
‫فت ََرى(‬ ‫ح ِ‬
‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫) َ‬
‫ً‬
‫كتاب الله ليس حديثا يفتري‪ ،‬فما نظمه شاعر‪ ،‬ول نفثه ساحر‪ ،‬ول تفوه به‬
‫كاهن‪ ،‬بل هو كلم الملك الحق المبين‪.‬‬
‫إن الحاديث المفتراة متروكة لساطين الراجيف‪ ،‬ودهاقنة الزور‪ ،‬وأبطال‬
‫الشائعات‪ ،‬وحملة الكذب‪ ،‬أما القرآن فهو الصدق كله‪ ،‬والحق أجمعه‪ ،‬لن‬
‫الله قاله‪ ،‬وجبريل حمله‪ ،‬ومحمد أداه ‪ ،‬تعالي الله وتقدس أن يكون كتابه‬
‫مفتري‪ ،‬فهو أصدق القائلين‪ ،‬يقول الحق وهو يهدي السبيل‪.‬‬
‫إن أهل الفتراء اصناف من البشر كتب الله عليهم الخذلن منهم دجال‬
‫مريب‪ ،‬يزرع الخرافات وينشر الكاذيب ليصرف قلوب الناس إليه‪ ،‬ومنهم‬
‫شاعر أفاك‪ ،‬يمدح بالباطل ويهجو الثوابت لينال الحظوة ويكسب المنزلة‪،‬‬
‫ومنهم كاهن فاجر ‪ ،‬يدعي علم الغيب ويزعم معرفة المستقبل ليروج بضاعته‬
‫المزجاة وكسبه الزائف على الخليفة‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫أما هذا القرآن الذي طرق العالم‪ ،‬وهز القلوب وأذهل العقول‪ ،‬واسكت‬
‫الفصحاء‪ ،‬فشأن آخر‪ ،‬إنه فيض من الحقيقة‪ ،‬ونهر من النور‪ ،‬أنزله الحكيم‬
‫الخبير تبيانا ً لكل شئ‪ ،‬فهو أحسن الحديث‪, ،‬احسن القصص‪ ،‬وأجل المواعظ‪،‬‬
‫واصدق الكلم‪ ،‬ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ؛ لنه نزل لهداية‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القلوب‪ ،‬وتطهير السرائر‪ ،‬وعمارة الضمائر‪ ،‬فهو معصوم من الفرية‪ ،‬محفوظ‬


‫من الكذب منزه من الزور‪.‬‬
‫إن الوحي المقدس محفوظ عن نسج الخيال‪ ،‬وتصوير الوهم‪ ،‬فل يدخله‬
‫الشك‪ ،‬ول يتطرق إليه الحتمال‪ ،‬ول يمازجه الهزل؛ لنه يقين في نقلهن‬
‫صادق في خبره‪ ،‬عادل في حكمه ‪ ،‬وتمت كلمة ربك صدقا ً وعد ً‬
‫ل‪.‬‬
‫إن على من أعرض عن القرآن واستبدله بأقوال البشر وخيالتهم واوهامهم‬
‫ان يتوب إلى ربه من هذا المسلك المشين‪ ،‬والمذهب البشع لنه استبدل‬
‫الذي هو أدني بالذي هو خير‪ ،‬فإذا لم تكن الحياة مع القرآن فمرحبا ً بالموت‪،‬‬
‫وإذا لم يكن العيش مع هذا الوحى فأهل ً بالمنية؛ لنه ليس بعد الحق إل‬
‫الضلل‪.‬‬
‫يكفي القرآن شرفا أنه حديث ل يفتري‪ ،‬ويكفي أحاديث السمر وروايات‬ ‫ً‬
‫البشر من حياة الفنانين أنها ترهات؛ لنها وهم بل صحة‪ ،‬وخيال بل حقيقة‪،‬‬
‫وظل بل صورة‪ ،‬فكان جزاؤها الهمال والضياع والخمول ‪ ،‬وكان حق القرآن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مك ُ ُ‬
‫ث‬ ‫س فَي َ ْ‬
‫فعُ الّنا َ‬
‫ما ي َن ْ َ‬
‫ما َ‬
‫فاًء وَأ ّ‬
‫ج َ‬
‫ب ُ‬ ‫ما الّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ‬
‫الخلود والبقاء والذيوع‪ ( :‬فَأ ّ‬
‫ِفي اْل َْرض()الرعد‪.(17 :‬‬
‫َ‬ ‫ل ل ِك ُ ّ َ‬
‫م(‬
‫ك أِثي ٍ‬‫ل أّفا ٍ‬ ‫)وَي ْ ٌ‬
‫الفاك هو الكاذب في قوله‪ :‬والثيم هو الفاجر في فعله من جمع هذين‬
‫الوصفين‬
‫استحق الخزي والويل ؛ لن من هذا فعله فهو غاو منحرف‪ ،‬فالكذب واختلف‬
‫القوال وقلب الحقائق والزور في الحديث‪ ،‬دليل على مهانة صاحبه وخسة‬
‫طبعه وحقارته‪.‬‬
‫والفجور وعدم مراعاة عهد الله وميثاقه وحفظ حدوده برهان على مرض‬
‫القلب وفساده‪.‬‬
‫وإن من أعظم الذنوب الكذب ‪ ،‬فهو اصل النفاق وماؤه ومادته ‪ ،‬ل أمان له‬
‫ول نور عليه‪ ،‬ول حجة معه؛ لنه زائف دجال ‪ ،‬والثيم منتهك للمحرمات‪ ،‬جرئ‬
‫على الحمي‪ ،‬ل يردعه دين ول تحميه قيم‪ ،‬وفساد الناس مرجعه إلى الكذب‬
‫في القوال‪ ،‬والفجور في الفعال‪ ،‬فالكذب ينتج الزور والفتراء والبهتان‬
‫واليمين الغموس مع ما يتبع ذلك من قلب الحقائق والتضليل على الناس‪،‬‬
‫واللعب بالحكام وتشويه الخبار‪ ،‬مع توليد الشائعات وتصوير الزيف الرخيص‪،‬‬
‫والفجور ينتج منه سفك الدماء ‪ ،‬وسلب الحقوق ‪ ،‬ونهب الموال ‪ ،‬وارتكاب‬
‫الفواحش‪ ،‬فعاد الفساد في العالم إلى هذين الوصفين الثيمين ‪ ،‬فحق على‬
‫من نصح نفسه وأراد نجاته من البوار أن ينقذ نفسه من مغية الكذب والفجور‬
‫بتحري الصدق واستحباب التقوي‪ ،‬ليحصل للعبد المان من خزي الدنيا‬
‫وعذاب الخرة‪ ،‬إن مواهب الدنيا من مال وولد ومنصب وجاه لن تنفع صاحبها‬
‫ما لم يركب قارب النجاة من الصدق مع الله‪ ،‬وردع النفس عن هواها ‪،‬‬
‫والقيام بأمر الله في القوال والعمال‪ ،‬ويكفي تهديدا ً ووعيدا ً قول جبار‬
‫َ‬ ‫ل ل ِك ُ ّ َ‬
‫م( ‪.‬‬
‫ك أِثي ٍ‬ ‫ل أّفا ٍ‬ ‫السماوات والرض‪( :‬وَي ْ ٌ‬
‫فما بعد هذا من زاجر وليس وراءه من واعظ‪ ،‬إن قائمة الكذبة والسحرة‬
‫والكهنة وشهود الزور تندرج تحت عنوان الفاك‪ ،‬وإن قائمة القتلة واللصوص‬
‫والزناة وأهل السكر والنهب تنضوي تحت كلمة اثيم ‪ ،‬فمن جمع الفك والثم‬
‫فقد جمع الخسران‪ ،‬وحق عليه البوار ‪ ،‬وكتب عليه الشقاء‪ ،‬جزاء قوله‬
‫الشنيع‪ ،‬وفعله الفظيع‪ ،‬وما ربك بظلم للعبيد‪.‬‬
‫َ‬
‫)أل َْهاك ُ ُ‬
‫م الت ّ َ‬
‫كاث ُُر(‬
‫اشغلكم تكاثركم بالموال والولد والشياء عن الستعداد للقاء المحتوم‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واليوم الموعود‪ ،‬واللتهاء بالتكثر عن المقصد خذلن‪ ،‬والشتغال بالوسائل‬


‫عن المقاصد إفلس ‪ ،‬فالتكاثر يكون بجمع المال وتكديسه وتخزينه‪ ،‬فل ينفق‬
‫في الحقوق ول تؤدي به الواجبات‪ ،‬فيكون الفقر الحاضر والشغل الدائم‪:‬‬
‫ومن ينفق الساعات في جمع ماله‬
‫مخافة فقر فالذي صنع الفقر‬
‫والتكاثر في الولد والعتداد بهم بطرا ً ورئاء الناس دون أثارة من صلح أو‬
‫سعي لرشد‪ ،‬والتكاثر بالنعم ترفا ً وبذخا ً وإسرافًا؛ لتكون من أعظم العوائق‬
‫عن الهداية والتزود بالصالحات‪ ،‬والتكاثر ضرب من السفة ومذهب من‬
‫الرعونة النبي صلي الله عليه وسلم يناسب عقول الصبيان وطموح الولدان‪،‬‬
‫والتكاثر بالعوامل بل ثمرة ‪ ،‬وتذوب في حفظها البدان بل نفع‪ ،‬لنها عطلت‬
‫عن المتثال‪ ،‬وفصلت عن النتفاع بها‪ ،‬والتكاثر من الملهيات والمسليات‬
‫والمغريات من شهوات ولذائذ وفنون وهوايات لتصبح الحياة بهيمية ساقطة‪،‬‬
‫والهم سالفة‪ ،‬والعمر اضحوكة ‪ ،‬والبقايا مهزلة‪:‬‬
‫من يهن يسهل الهوان عليه‬
‫ما لجرح بميت إيلم‬
‫إن المسؤول الذي ألهاه التكاثر بالوسمة والنياشين واللقاب لهو عابث يحفر‬
‫لنفسه قبرا ً في عالم الخذلن‪ ،‬والحباط ‪ ،‬وإن العالم الذي ألهاه التكاثر بجمع‬
‫الغرائب ‪ ،‬وحشد العجائب‪ ،‬والتطاول بمحصوله‪ ،‬والتباهي بمحفوظه‪ ،‬على‬
‫حساب العمل لهو خاسر أشغله ذلك عن مرتبة الربانية‪ ،‬ودرجة المامة‪.‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫وإن الكاتب الذي ألهاه تكاثر نتاجه‪ ،‬واشغله هذا السيلن‪ ،‬ونمو بريق الشهرة‪،‬‬
‫وخدعه زخرف المديح لهو كاتب مخذول‪ ،‬إن من قدم الصورة على‬
‫المضمون‪ ،‬والظاهر على النية والقصد ‪ ،‬والدنيا عن الخرة‪ ،‬والمخلوق على‬
‫الخالق لهو عبد ضال سعيه وخائب منقلبه‪.‬‬
‫إن ركعة خاشعة من عابد صادق أجل من ألف رجعة لعبد ساه له عابث‪ ،‬إن‬
‫قراءة آية بتدبر وتفهم خير من ختمة كاملة بل حضور ول تفكر‪ ،‬وإن مطالعة‬
‫صفحة بإمعان أعظم من سرد مجلدات مع شرود وذهول‪ ،‬وإن الحسن أحسن‬
‫مل ً ( وإن حوضا ً من ماء عذب أنفع من‬ ‫من الكثرة ( ل ِيبل ُوك ُم أ َيك ُ َ‬
‫ن عَ َ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫مأ ْ‬‫َْ َ ْ ّ ْ‬
‫بحر ماؤه مالح‪ ،‬وحسبك من القلدة ما أحاط بالعنق‪.‬‬
‫ك(‬‫ت لَ َ‬‫) هَي ْ َ‬
‫تقول امرأة العزيز ليوسف عليه السلم‪ :‬هيت لك‪ ،‬قال‪ :‬معاذ الله‪ ،‬وكلمة‬
‫هيت لك فيها من الجذب فيها من الجذب والغراء والفتنة ما يقود النفس‬
‫المارة للستجابة ‪ ،‬ولكن الله سلم وعصم ولطف‪.‬‬
‫ويا لمقام يوسف‪ ،‬وقوة يوسف‪ ،‬وصلبة عزيمته وجللة نفسه يوم هزم هذا‬
‫الغراء الفاتن بالكلمة الطاهرة الخالدة‪ ،‬معاذ الله ‪ ،‬وياليت كل مسلم إذا‬
‫ماجت أمامه الفتن وتعرضت له الغراءات أن يفزع إلى من‪ :‬معاذ الله‪ ،‬ليجد‬
‫الحفظ والصون والرعاية‪ ،‬ويحتاج المسلم كل وقت إلى عبارةك معاذ الله ‪،‬‬
‫ليجد الدنيا بزخرفتها وزينتها ناديه‪ :‬هيت لك‪ ،‬والمنصب ببريقه وطلئه يصيح‪:‬‬
‫هيت لك‪ ،‬والمال بهالته وصولته يقول‪ :‬هيت لك ‪ ،‬والمرأة بدللها وحسنها‬
‫وسحرها تعرض نفسها وتصيح‪ :‬هيت لك‪ ،‬فمن ليس عنده معاذ الله ماذا‬
‫؟!‬
‫يصنع ‍‬
‫وإن الفتنة التي تعرض لها يوسف لهي كبرى‪ ،‬وإن الغراء الذي لقيه لهو‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عجيب ‪ ،‬فهو ـ عليه السلم ـ شاب عزب غريب في الخلوة وفي أمن الناس؛‬
‫لنها زوجة الملك‪ ،‬ثم هي مترفة متزينة ذات منصب وجمال وشرف ومال‪،‬‬
‫وهي التي غلقت البواب ودعته إلى نفسها فاستعصم‪ ،‬ورأي برهان ربه‬
‫ونادي‪ :‬معاذ الله ‪ ،‬فكان النتصار على النفس المارة والهوي الغلب‪ ،‬فصار‬
‫يوسف مثل ً لكل عبد غلب هواه‪ ،‬خاف ربه‪ ،‬وحفظ كرامته‪ ،‬وصان عرضه‪.‬‬
‫ونحن في هذا العصر بأمس الحاجة إلى مبدأ ‪ :‬معاذ الله ‪ ،‬فالمرأة السافرة‪،‬‬
‫والشاشة الهابطة‪ ،‬والكلمة السافة‪ ،‬والمجلة الخليعة‪ ،‬والغنية الماجنة؛ كلها‬
‫تنادي هيت لك‪ ،‬وجليس السوء ‪ ،‬والصاحب الشرير‪ ،‬وداعية الزور‪ ،‬وشاعر‬
‫الفتنة؛ كلهم يصيحون هيت لك‪ ،‬فإن وفق الله وحصلت العناية‪ ،‬وحلت الرعاية‬
‫صاح القلب صيحة الوحداني‪ :‬معاذ الله‪.‬‬
‫إبليس يغريني ونفسي والهوي‬
‫ما حيلتي في هذه أو ذاكا‬
‫ولنا في التاريخ المحفوظ مطالعة في سير البرار‪ ،‬فمنهم من تعرضت له‬
‫السلطة ‪ ،‬ومنهم من دعته الوزارة‪ ،‬وثالث طلبه المال‪ ،‬ورابع طاردته‬
‫الشهوة‪ ،‬وآخر تعلقت به الدنيا‪ ،‬وكلهم فر وهو يقول‪ :‬معاذ الله؛ فكان جزاؤه‬
‫عوضا ً أغلي‪ ،‬ومنزل ً أعلي‪ ،‬وعطاء أحلى‪ ،‬ورفعة عند ملك الملوك الذي ملكه‬
‫ل يبلي‪ ،‬وخزائنه لتنفد ‪ ،‬وجاره ل يضام‪،‬في مقعد صدق عند مليك مقتدر‪.‬‬
‫م(‬ ‫)وإَذا رأ َيتهم تعجب َ َ‬
‫مهُ ْ‬
‫سا ُ‬
‫ج َ‬
‫كأ ْ‬ ‫َِ َ َُْ ْ ُْ ِ ُ‬
‫المنافقون يهتمون بالظاهر على حساب الباطن‪ ،‬أجسامهم روية‪ ،‬وقلوبهم‬
‫خاوية‪ ،‬ظاهر مغري‪ ،‬وباطن مخزي‪ ،‬في العلن رجال وفي الخفاء خفافيش‪،‬‬
‫ألسنة حالية ونفوس مريرة‪ ،‬فأول ما تشاهده منهم طلعات بهية‪ ،‬وهياكل‬
‫قوية‪ ،‬وعضلت مفتولة‪ ،‬وسواعد مشدودة ‪ ،‬شبع وسمن‪ ،‬ودعاوى عريضة‪،‬‬
‫وتمدح أجوف‪ ،‬ولكنهم يحملون هما ً ساقطًا‪ ،‬وعزائم منحطةن ونيات خبيثة‪،‬‬
‫ومرادات قبيحة‪ ،‬مرض ينخر في قلوبهم‪ ،‬وشك يعصف بنفوسهم‪ ،‬وخواء‬
‫يعشعش في ضمائرهم‪ ،‬أما ألسنتهم فهي اسواق لبضاعة الكذب‪ ،‬ومتاحف‬
‫للزور والبهتان‪ ،‬وأما قلوبهم فأطلل باليه أقام بها النفاق‪ ،‬وحل بها الكفر‪،‬‬
‫وملها الرجس‪.‬‬
‫إن المسألة ليست بالصور والهندام وجمال الشكال وبهاء الهياكل ‪ ،‬ولكن‬
‫المسألة مسألة قلوب تبصر النور‪ ،‬ونفوس تفيض بالخير‪ ،‬وسجايا تشع‬
‫بالفضيلة‪.‬‬
‫إن من يرتاب في أمر الله‪ ،‬ويشك في دينه‪ ،‬ويعرض عن عبادته ‪،‬ويحارب‬
‫رسله‪ ،‬ويعادي اولياءه‪ ،‬ويسخر من عباده لهو أولى الناس بالنبذ والذلل‬
‫والهانة ؛ لنه خبيث النفس‪ ،‬خائن الضمير‪ ،‬ميت الرادة‪.‬‬
‫إن هؤلء الذين تعجبك أجسامهم إذا قاموا إلى الصلة قاموا كسالى‪ ،‬ول‬
‫ل‪ ،‬ول ينفقون إل وهم كارهون‪ ،‬فهم اضعف شيء عن‬ ‫يذكرون الله إل قلي ً‬
‫الطاعات‪ ،‬وفعل الصالحات ‪ ،‬وأداء الواجبات‪ ،‬ولكنهم أقوياء في اقتطاف‬
‫الشهوات‪ ،‬وتصيد اللذائذ‪ ،‬وركوب المعاصي‪.‬‬
‫إن الله ل ينظر إلى صورنا ول إلى أجسامنا ‪ ،‬ولكنه ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا‪،‬‬
‫فل يغرك جسم ل قلب فيه‪ ،‬وهيكل ل روح فيه‪ ،‬وجثمان ليس به حياة‪:‬‬
‫ل باس بالقوم من طول ومن عظم‬
‫جسم البغال وأحلم العصافير‬
‫وعلينا النظر إلى الحقائق ومعادن الناس وأخلقهم وصفاتهم‪:‬‬
‫خذ بحد السيف واترك نصله‬
‫واعتبر فضل الفتي دون الحلل‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن الرجال ل يقومون بالثياب ‪ ،‬وإن العظماء ل يقاسون بالشبار‪ ،‬ول يوزنون‬
‫بالرطال‪ ،‬ولكن قيمتهم عملهم الصالح‪ ،‬وقياسهم أخلقهم الجميلة‪ ،‬ووزنهم‬
‫تاريخهم المشرق‪.‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫إن شعرة في رأس عبد الله بن مسعود؛ الصحابي خير من مليون رجل من‬
‫أمثال عبد الله بن أبي سلول؛ المنافق السمين البدين البطين‪ ،‬وإن ظفر بلل‬
‫بن رباح أفضل من جيش من أمثال أبي جهل الضخم الفخم المريد الرعديد‪،‬‬
‫لن المسألة مسألة إيمان وفقه وصلح وتقوى ل لحم ول عظم ول شحم ول‬
‫دم‪.‬‬
‫ن(‬
‫في َ‬‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫مط ّ‬ ‫ْ‬ ‫)وَي ْ ٌ‬
‫ل ل ِل ُ‬
‫المطففون صنف من الناس يستوفون حقوقهم من الناس ول يوفون الناس‬
‫مالهم بل يبخسونهمن فحقوقهم على الناس وافية كاملة‪ ،‬وحقوق الناس‬
‫عليهم ناقصة‪ ،‬إن كان الحكم لهم رضوا وقبلوا‪ ،‬وإن كان عليهم نفروا‬
‫وأعرضوا‪ ،‬لهم مكيلم في الحكام والقضية والحقوق‪ ،‬فهم ومن أحبوه‬
‫محقون دائمًا‪ ،‬مبرؤن أبدًا‪ ،‬أعرضهم محمية‪ ،‬واشياؤهم محفوظة‪ ،‬وأموالهم‬
‫محصنة‪ ،‬وسواهم مبطلون‪ ،‬متهمون ‪ ،‬ل حق لهم ول حفظ ول رعاية‪.‬‬
‫إن كالوا أو وزنوا لنفسهم فالزيادة لهم‪ ،‬وإن كالوا أو وزنوا لغيرهم فالنقص‬
‫لسواهم‪ ،‬إن حكموا في قضية فالحق معهم‪ ،‬وإن حكموا على غيرهم ظلموا‬
‫وجاروا‪ ،‬إن جادلوه دائمًا‪ ،‬فهو مبطل متعد ل دليل له ول حجة‪.‬‬
‫إن كتبوا التناريخ والسير فالثناء لهم‪ ،‬والمدح ينهال عليهم وعلى اشياعهم ‪،‬‬
‫والسب والنقص لمن خالفهم‪ ،‬العالم المقصر إذا احبوه فهو وحيد العصر‬
‫وفريد الدهر‪ ،‬والعالم المتقن المحقق إذا كرهوه فهو ضعيف واهم‪ ،‬الخطيب‬
‫الثقيل البارد من أصحابهم مفوه مصقع ‪ ،‬والخطيب البارع العجوبة إذا‬
‫خالفهم فهو ذو عي وبرود وسماجة ‪ ،‬الشاعر الهزيل من شيعتهم فذ باقعة‪،‬‬
‫والشاعر العبقري من أعدائهم متكلف متصنع‪ ،‬إن أحبوا سلطانا ً ظالما ً فهو‬
‫عندهم بركة العصر وريحانة الدنيا‪ ،‬وإن كرهوا سلطانا ً عادل ً فهو الغاشم‬
‫الظالم‪ ،‬أدلتهم صحيحة أبدا ً ضعيفة ساقطة ولو كانت قوية محكمة ‪ ،‬يرون‬
‫سيئاتهم هم حسنات ‪ ،‬ومناقب غيرهم مثالب‪ ،‬من مدحهم ولو بالباطل فهو‬
‫صادق وبالحق ناطق‪ ،‬ومن نقدهم ولو بالحق فهو كذاب آثم‪.‬‬
‫إن أخطأ أحدهم فهو مأجور‪ ،‬وذنبه مغفور ‪ ،‬وسعيه مشكور‪ ،‬وإن أصاب من‬
‫خالفهم فهو مأزور ل معذور‪ ،‬الورد في بستان من أبغضوه شوك‪ ،‬والحنظل‬
‫في حديقة من أحبوه ياسمين‪ ،‬إن يكن لهم الحق يأتوا مذعنين‪ ،‬وإن يكن‬
‫عليهم يتولوا عنه معرضين‪ ،‬يحكمون لنفسهم قبل سماع الدعوى وعرض‬
‫الحجة‪ ،‬ويحكمون عاى من سواهم قبل قيلم البينة وحضور الشهود‪ ،‬حبيبهم‬
‫إذا أخطأ قالوا‪ :‬التمس لخيك عذرًا‪ ،‬وعدوهم إن اصاب قالوا‪ :‬لن نستطيع‬
‫عليه صبرًا؛ )َأل يظ ُن ُأول َئ ِ َ َ‬
‫م( ‪.‬‬
‫ظي ٍ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬
‫ن ل ِي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫م َ‬
‫ك أن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ‬
‫ث(‬
‫حاِدي َ‬ ‫) فَجعل ْناهُ َ‬
‫مأ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬
‫لما أعرض أهل سبأ عن طاعة الله مزقهم كل ممزق‪ ،‬وقال‪ :‬فجعلناهم‬
‫أحاديث‪ ،‬وفي هذه العبارة من قوة السر وروعة البيان ما يهز النفس‪ ،‬فكأنه‬
‫حول هذه المة القوية إلى أحاديث فقط تدور في المجالس على السنة‬
‫السمار‪.‬‬
‫لك أن تعمم هذا المثل على كل أمة سادت ثم بادت‪ ،‬أما اصبحت اقوال تدار‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في المجالس‪ ،‬أما ذهبت قوتها‪ ،‬وسحق جبروتها‪ ،‬ومات ملوكها‪ ،‬ولم يبق إل‬
‫مجرد الخبر عنهم فحسب‪ ،‬أين الدول؟ أين الملوك؟! اين الجيوش؟! ذهبوا‬
‫ولم يبق من ميراثهم درهم ول دينار‪ ،‬وإن بقي من بيوتهم اللنس‪ ،‬فلم يفصل‬
‫في هلكهم وكيف دمروا وماذا بقي من بيوتهم ومتاعهم‪ ،‬وإنما طوي الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬ثم أخبرنا أنه ما بقي منهم إل الخبر عنهم‪ ،‬وإن حياة تنتهي إلى هذه‬
‫الخاتمة لحقيق أن يزهد فيها‪ ،‬وأن يرغب عنها‪.‬‬
‫فبينما تري المم دائبة في صنع وجودها ساعية في بناء حضارتها‪ ،‬وإذا بها‬
‫هباء منثور ليس في الوجود منهم إل كلمات تخبر عنهم‪ ،‬وهنا وقف أمام قدرة‬
‫القوي القهار وهو يأخذ أعداءه هذا الخذ في لمحة الطرف‪ ،‬ثم لم يبق منهم‬
‫باقية ‪ ،‬ولم يترك لهم اثرًا‪ ،‬ثم التفت إلى جمال عبارة القرآن واسرارها‪،‬‬
‫وسرح الطرف في هذا الحسن لتري العجاز في اليجاز‪ ،‬والقوة في السر‪،‬‬
‫والمتعة في التأثير‪ ،‬وانظر إلي الواقع‪ ،‬وأسأل نفسك أين الحضارات التي‬
‫ملت الرض‪ ،‬واين الدول التي طبقت الدنيا‪ ،‬تعيش الدول ألف سنة ثم تنتهي‬
‫فل يبقي من آثارها إل كلمات على شفاع السمار‪ ،‬وجمل على ألسنة الركبان‪:‬‬
‫أعندكم خبر عن أهل أندلس‬
‫فقد مضي بحديث القوم ركبان‬
‫ث( على حضارة تدمر ودمشق وبغداد والزهراء‬ ‫حاِدي َ‬ ‫اقرأ متن ) وجعل ْناهُ َ‬
‫مأ َ‬‫َ َ َ َ ْ‬
‫والحمراء وقرطبة وغرناطة‪ ،‬فإذا هي قاع صفصف‪ ،‬أين التيجان والسلطان‬
‫ل من عَل َيها َفان( ‪ ،‬إن من يتدبر‪ ) :‬فَجعل ْناهُ َ‬
‫ث ( يعلم‬‫حاِدي َ‬
‫مأ َ‬‫َ َ َ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫َْ‬ ‫والهليمان‪ ) :‬ك ُ ّ َ ْ‬
‫هوان الخليقة على الله‪ ،‬وتفاهة من حاد الله‪ ،‬وسخف من حاربهز‬
‫إن عدتهم وعتادهم وقوتهم ل تواجه من الله إل بكلمة‪ :‬كن؛ ليصبح الجميع‬
‫أحاديث تتلى في النوادي ‪ ،‬وقصصا ً تساق في المجامع‪ ،‬فل قصورهم حمتهم ‪،‬‬
‫ول جيوشهم منعتهم‪ ،‬ول أموالهم شغفت لهم‪.‬‬
‫س(‬
‫ف َ‬ ‫صب ِْح إ َِذا ت َن َ ّ‬
‫)َوال ّ‬

‫)‪(20 /‬‬

‫الصبح آية من آيات الله دالة على بديع صنعه وجميل خلقه‪ ،‬فالصبح له طلعة‬
‫بهية ووجه مشرق يشع بالجلل والحسن‪ ،‬ومن أراد أن يعرف جمال الصبح‬
‫فليتأمل قدومه بعد صلة الفجر كيف يدب دبيبا ً كالبرء في الجسم وكالمااء‬
‫في العود ‪ ،‬فإن الصبح يزحف بعد جحفل من الظلم فيطويه أمامه‪ ،‬فكأن‬
‫الكون وجه تتبلج أساريره‪ ،‬وتشرق قسماته‪ ،‬وترتسم على محياه بسماته‪ ،‬وما‬
‫أجمل الصبح‪ ،‬قيه يهب النسيم العليل‪ ،‬ويشع النور الهادئ ‪ ،‬والضوء الدافئ‪،‬‬
‫وتبدو الحياة‪ ،‬ويميس الزهر‪ ،‬ويندي الظل‪ ،‬وتتفتح الوراق‪ ،‬تفتح شفاه‬
‫المحبين عن أسئلة حائرة‪ ،‬وتتفتق الكمام تفتق عيون العاشقين عن أسرار‬
‫دفينة‪.‬‬
‫في الصباح رجع الصدي‪ ،‬وقطر الندي‪ ،‬وحفيت الهواء‪ ،‬وتمتمة الماء‪ ،‬وتغريد‬
‫الطيور‪ ،‬وسجع الحمام‪ ،‬وأنغام العندليب ‪ ،‬في الصبح يرتحل الفلح بمسحاته‬
‫إلى الحقل ‪ ،‬ويسوق البدوي أغنامه إلى المرعي‪ ،‬ويذهب الطالب إلى‬
‫مدرسته‪ ،‬والطبيب إلى عبادته‪ ،‬والبائع إلى حانوته‪ ،‬فالصبح أذان معلم بالحياة‬
‫‪ ،‬وإعلن بيوم جديد‪ ،‬وملذ مجيد‪ ،‬لنهار آخر من الجد والعمل والعطاء والنماء‪.‬‬
‫س( أما وقفت‬ ‫ف َ‬‫صب ِْح إ َِذا ت َن َ ّ‬
‫ولكن أما دعاك هذا اللفظ الشائق في قوله‪َ) :‬وال ّ‬
‫معه وقفه إجلل للبداع واحترام للبيان؟ كيف يتنفس الصبح؟ ! سؤال يجيب‬
‫عنه من قرأ حروف القدرة على صفحات الكائنات‪ ،‬والصبح يوم يتنفس كأنه‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محزون فقد أحبابه‪ ،‬فخرجت أنفاسه الحارة من أعماقه‪ ،‬أو كأنه مكبوت‬
‫يشكو آلمه‪ ،‬فانبعثت من حشاياه آهاتاه‪ ،‬أو كأنه مظلوم صهر الظلم قلبه‬
‫فانفجرت روح بزفراته‪ ،‬أو كأنه مسجون كبلت يداه وقيدت قدماه‪ ،‬فعبر‬
‫بلهيب توجعه عن معاناته‪.‬‬
‫وما أجمل أسلوب القرآن‪ ،‬ففي كل ذرة من اللفظ درة‪ ،‬ومن يدري لعل‬
‫الصبح تنفس بعد ليل طويل قاس من الظلم والهجر والقطيعة‪ ،‬ولعله تنفس‬
‫تنفس المسرور بلقاء أحبابه‪ ،‬السعيد برؤية اصحابه؛ لن الصبح مقبل عن نهر‬
‫جميل ‪ ،‬وحياة دائبة‪ ،‬وحركة نشيطة من الجد والبذل والتضحية ‪ ،‬والمقصود‬
‫أن هذا الصبح كان مكظوم النفاس‪ ،‬مكبوت الحشي‪ ،‬ثم حانت لحظة‬
‫النطلق فتنفس‪ ،‬وأنا أدعو سلطين البلغة ودهاقنة البيان وأرباب الفصاحة‬
‫س( ليذوقوا لذة الجمال‪ ،‬ومتعة‬ ‫ف َ‬ ‫صب ِْح إ َِذا ت َن َ ّ‬ ‫أن يقفوا خاشعين أمام )َوال ّ‬
‫الحسن‪ ،‬ليعلموا سر العجاز ‪ ،‬في هذا الكتاب المعجز الخالد‪ ،‬وليدخلوا ديوان‬
‫عظمة الخالق‪ ،‬ديوان قدرته ليروا جمال المقال‪ ،‬وبديع الفعال ‪ ،‬من ذي‬
‫الجلل والكرام‪.‬‬
‫قى(‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كوا أ َن ْ ُ‬
‫)َفل ت َُز ّ‬
‫م ِ‬‫م بِ َ‬
‫م هُوَ أعْل ُ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف َ‬
‫ل تمدحوا أنفسكم فعلمها عند اللطيف الخبير‪ ،‬ول تثنوا عليها فإن الناقد‬
‫بصير‪ ،‬وما أجهل النسان إذا زكي نفسه وشهد لها بالفضائل وبرأها من‬
‫الرذائل‪ ،‬وما اثقل كلمه وهو يستعرض على ربه وعلى الناس مناقبه ويسوق‬
‫محامده ويذكر حسناته‪.‬‬
‫إن الذي يزكي نفسه في محل التهمة وفي مقام الربية؛ لن النسان بطبعة‬
‫ظلوم جهول ‪ ،‬يحب نفسه ويعشق ذاته‪ ،‬ويعجب بصفاته ‪ ،‬فإذا نما هذا الطبع‬
‫وأعلنه في الناس كان دليل ً على قلة تقواه وضحالة معرفته‪ ،‬وأي شئ عند‬
‫النسان حتى يزكي نفسه وهو بين نعمة لم تشكر‪ ،‬أو ذنب لم يغفر ‪ ،‬أو عثرة‬
‫لم ظهر‪ ،‬أو زلة من ربه تستر؟‬
‫أفل يكفيه أن الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره قبل منه القليل‪ ،‬وغفر‬
‫له الذنب الجليل‪ ،‬واصلح خلله وستر زلله ‪ ،‬ثم يأتي هذا النسان بدعاوى‬
‫عريضة ونفس مريضة ليخبر ربه الذي يعلم السر وأخفي أنه ذو تقوى ‪ ،‬والله‬
‫أعلم بمن اتقي‪ ،‬فهو الذي ل تخفي عليه خافية‪.‬‬
‫وإن منطق الزور ولسان البهتان أوحي إلي إبليس اللعين بتزكية نفسه‬
‫ن( لتكون‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قت َ ُ‬ ‫ن َنارٍ وَ َ‬
‫م ْ‬
‫قت َِني ِ‬‫خل َ ْ‬‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫خي ٌْر ِ‬‫الشريرة ليقول لربه‪( :‬أ ََنا َ‬
‫هذه التزكية لعنة ما حقه وضربه ساحقة لهذا المريد العنيد‪ ،‬وإن الشهادة‬
‫مل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫مصْر( فاذله‬ ‫ك ِ‬ ‫س ِلي ُ‬ ‫الثمة للنفس سولت لفرعون الطاغية ليقول‪ ( :‬أل َي ْ َ‬
‫القوي العزيز‪ ،‬وأرغم أنفه في الطين‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ع لم ٍ‬ ‫ه عَلى ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ُ‬ ‫وإن التزكية المفتراة دفعت بقارون الثم ليفوه بفرية‪ ( :‬إ ِن ّ َ‬
‫دي ( أل فليصمت العيد الضعيف الهزيل‪ ،‬وليسكت المخلوق الفقير‪،‬‬ ‫عن ْ ِ‬
‫ِ‬
‫وليخجل العبد المسكين من ربه‪ ،‬وليهضم نفسه‪ ،‬فلول ستر الله لظهرت‬
‫الفضائح‪ ،‬ولول لطف الله لبدت القبائح‪ ،‬وإن من يتصدر النوادي ليخبر الناس‬
‫بنسبه الصيل لهو فاشل‪ ،‬ويحدثهم عن مجده الرفيع لهو أحمق ‪ ،‬ويزكي لهم‬
‫تقواه لهو مخدوع‪ ،‬ويذكرهم بمناقبة لهو مخذول‪.‬‬
‫لماذا ل يترك العبد تزكية نفسه لربه‪ ،‬فهو الذي يزكي من يشاء وقوله‬
‫؟!‬
‫الحق ‍‬
‫ولماذا ل يدع النسان أعماله تتحدث عنه ل أقواله‪ ،‬وإحسانه ل لسانه؟‬
‫وسوف يطهر زيف من مدح نفسه بالباطل‪ ،‬فالناس شهداء الله في الرض‪،‬‬
‫وألسنة الخلق أقلم الحق‪ ،‬وإن عبدا ً خلق من نطفة لجدير بأن يصمت‪ ،‬وإن‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مخلوقا ً يحمل فضلته لحقيق أن يسكت‪ ،‬ونعوذ بالله من لسان حى بالمديح‪،‬‬


‫وقلب ميت بالقبيح‪ ،‬ومن عجب ظاهر‪ ،‬وذنب خفي‪.‬‬
‫فيامن أخفيت على الناس العيوب‪ ،‬وسترت عن العيوب الذنوب‪ ،‬نسألك صلح‬
‫القلوب فإنك علم الغيوب‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫مةِ َرب ّ َ‬ ‫َ‬


‫ث(‬ ‫ك فَ َ‬
‫حد ّ ْ‬ ‫ما ب ِن ِعْ َ‬‫َ)أ ّ‬
‫تحدث عن جميلينا‪ ،‬أخبر الناس بأيادينا‪ ،‬أعلن نعمنا عليك‪ ،‬لن الجحود خطيئة‬
‫والتنكر سيئة ‪ ،‬وكتمان المعروف لؤم ‪ ،‬إن الله يحب من عبده أن يشكره‪،‬‬
‫وأن يثني عليه‪ ،‬وأن يعترف بما وصل من بره إليه؛ لن الله يحب المدح‪ ،‬فهو‬
‫أهل له‪ ،‬ويريد الحمد؛ لنه مستحق له‪.‬‬
‫ونعم الله تغمر العبد‪ ،‬فإذا قابلها العبد بالحمد والثناء علي مسديها‪ ،‬والمدح‬
‫والشكر لمهديها بورك فيها‪ ،‬وإذا تنكر لها العبد وجحدها وكتمها محقت وذهب‬
‫ت الل ّهِ ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫نفعها‪ ،‬والله يلوم الحااسدين من عباده فيقول‪( :‬ي َعْرُِفو َ‬
‫ن ن ِعْ َ‬
‫ي ُن ْك ُِرون ََها( فهم يعلمون أن مانح النعمة هو الله‪ ،‬ولكنهم لؤماء يتنكرون‬
‫للجميل‪ ،‬وينسون المعروف‪ ،‬وينسبون الفضل لغير أهله‪.‬‬
‫ورد في أثر ‪ )) :‬إن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها((‪ ،‬فقال أبو معاذ‬
‫الرازي معلقا ً على الثر‪ )) :‬يا عجبا ً ممن ل يري محسنا ً إل الله كيف ل يميل‬
‫إليه بالكلية((‪ ،‬وقال بعض السلف‪)) :‬ويحك يا ابن آدم والله لو كساك رجل‬
‫ثوبا ً لرأيت إحسانه وعرفت جميله فكيف بمن كل نعمة وصلتك فمن عنده‪،‬‬
‫وكل خير لك لديك فمن لدنه(( وقال المغيرة‪ )) :‬إن صاحب الكلب يحسن‬
‫إلى كلبه فل ينبحه ويحفظ له وده‪ ،‬فكيف بمن غيرك بنعمة((‪ ،‬وقالوا لعابد‬
‫في البصرة ‪ 0) :‬كيف أصبحت؟(( قال )) اصبحت في نعم غير مشكورة‬
‫وذنوب غير منسية((‪ .‬وفي حديث حسن أنه صلي الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫)) سمع سامع بفضل الله ونعمته علينا(( وقال رجل لملك بن دينار ‪ )) :‬أشكو‬
‫إليك ديونا ً لحقتني وحاجة لزمتني‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ويلك كأنك تشكو الله إلى‬
‫خلقه وله عندك نعم ما شكرت‪ ،‬وأياد طالما كفرت((‪.‬‬
‫وقال بعض الشعراء‪:‬‬
‫وإذا شكوت إلى العباد فإنما‬
‫تشكو الرحيم إلى الذي ل يرحم‬
‫وقال الحسن البصري لفرقد السبخي‪ )) :‬تعال تغدي معنا من هذا الخبيص؛‬
‫وهو طعام لذيذ ‪ ،‬فقال فرقد‪ :‬أنا ل أكل الخبيص لنني ل أدري شكره‪ ،‬فقال‬
‫الحسن‪ :‬قاتلك الله‪ ،‬وهل أديت شكر الماء البارد((‪.‬‬
‫وكان بعض العباد ينادي‪ )) :‬سبحان من أعطي الجزيل‪ ،‬ووهب الجليل‪ ،‬ورضي‬
‫بالقليل ‪ ،‬وستر القبيح من العمل((‪.‬‬
‫وقال رجل لحد الوعاظ‪ )) :‬هل تري لي شرب الماء البارد أو الحار؟ قال‪:‬‬
‫اشرب البارد؛ لنك إذا شربته أروي عرقك‪ ،‬وإذا شربت الماء الحار قلت‪:‬‬
‫الحمد لله بكزازة‪ ،‬أي‪ :‬بثقالة ومشقة‪.‬‬
‫وبالجملة ينبغي إظهار نعمة المنعم شريطة أن ل يكون من باب الزهو والرياء‬
‫والعجب‪ ،‬مع ملحظة عين الحاسد فإنها تصيب‪ ،‬وقد جعل الله لكل شئ‬
‫قدرًا‪.‬‬
‫ن(‬‫كوُنوا َرّبان ِّيي َ‬ ‫) ُ‬
‫تعلموا العلم النافع‪ ،‬واعلموا العمل الصالح ‪ ،‬وعلموا الناس الحكمة‪ ،‬واصبروا‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الذى في ذلك‪ ،‬فإذا فعلتم فأنتم ربانيون‪.‬‬


‫كونوا مصابيح الدجي‪ ،‬داعة الهدي‪ ،‬الزاجرين عن الردي‪ ،‬الناشرين للفضيلة‬
‫الناهين عن الرذيلة‪ ،‬المصلحين في الرض ‪ ،‬المحبوبين في السماء ‪ ،‬فإن‬
‫فعلتم فانتم ربانيون‪.‬‬
‫تواضعوا للعباد‪ ،‬ارحموا الناس‪ ،‬أشفقوا على الخليفة‪ ،‬عودوا المريض‪ ،‬فكوا‬
‫العاني‪ ،‬اطمعوا الجائع‪ ،‬أعطوا الفقير‪ ،‬امنحوا المسكين‪ ،‬انجدوا الملهوف‪،‬‬
‫انصروا المظلوم؛ فهذه أخلق الربانيين‪.‬‬
‫وما أشرف وأجل كلمة ربانيين‪ ،‬إنها لكلمة كبيرة في كبيرة في الفم‪ ،‬كبيرة‬
‫في السماء‪ ،‬كبيرة في الرض‪ ،‬إنها نسبة إلى رب الناس ‪ ،‬ورب كل شئ‪،‬‬
‫وهو نسب اصيل رفيع‪ ،‬فمن استكمل صفات الربانية وجمعها ووفاها وقدرها‬
‫حق قدرها فهو رباني‪ ،‬ويكفي العلماء العالمين الصادقين أن يقال لحدهم‬
‫رباني؛ فهي أعظم سيرة محترمة لهذا العالم الصادقين أن يقال لحدهم‬
‫رباني ؛ فهي أعظم سيرة محترمة لهذا العالم‪ ،‬وأجمل ترجمة خالدة لهذا‬
‫المام‪ ،‬فل ينسب إلى بلدة ولقبيلة وإنما ينسب إلى الله رب العالمين‪ :‬نسب‬
‫باذخ ومجد عظيم‪..‬وصفات أبهي من الصباح‪.‬‬
‫أما الرباني‪ ،‬فقال بعض السلف عنه‪ :‬هو الراغب في الخرة الزاهد في الدنيا‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬من إذا رايته ذكرت الله وإذا عاشرته تعرفت على الرسول صلي الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬من حبيبك في الله‪ ،‬وحثك على تقواه‪ ،‬وبصرك الطريق‪،‬‬
‫وردك عن الردى فهو رباني‪.‬‬
‫ولبد للرباني من إخلص ل يشوبه رياء‪ ،‬وزهد ل يكدره طمع‪ ،‬وصدق ل‬
‫يشوهه كذب‪ ،‬وسنة ل تعارضها بدعة‪ ،‬وعزيمة ل يوهنها ترخص‪ ،‬يخضع العقل‬
‫للنقل‪ ،‬ويطوع الهوى للوحي‪.‬‬
‫إن من الواجب على طلب العلم ورواد السنة وأتباع الرسول صلي الله عليه‬
‫وسلم أن يسمعوا بكل ما أوتوا من قوة إلى مرتبة الربانية ودرجة المامة‪،‬‬
‫ونيل شرف هذه النسبة‪ ،‬والله إن الرجل ليرفع رأسه إذا نسبوه لملك من‬
‫ملوك الرض‪ ،‬وإن منهم من يفتخر إذا ألحقوه بوزير أو أمير‪ ،‬أو ذكروا أنه من‬
‫سللة شاعر او جواد أو شجاع‪ ،‬فكيف ـ بالله ـ حال من نسب إلى مالك‬
‫الملك قيوم السماوات والرض رب العالمين‪ ،‬والله لو تقطعت القدام مشيا ً‬
‫في رضوانه‪ ،‬وتخددت الوجوه من الدموع من خشيته‪ ،‬وتقرحت الجفان من‬
‫الدموع عند ذكره‪ ،‬لكان كل ذلك سهل يسيرا ً في سبيله جل في عله‪.‬‬
‫حّبوَنه(‬
‫م وَي ُ ِ‬
‫حب ّهُ ْ‬
‫) يُ ِ‬

‫)‪(22 /‬‬

‫أخبر الله عن أوليائه الصادقين ‪ ،‬وعباده الصالحين‪ ،‬بأنه يحبهم ويحبونه‪ ،‬وهو‬
‫خبر تهش له نفس المؤمن‪ ،‬ويشتاق إليه قلب الولى‪ ،‬والعجيب قول‪ :‬يحبهم‬
‫فهو الذي خلقهم وأطعنهم وسقاهم وكفاهم وآواهم ثم أحبهم‪ ،‬وهو الذي‬
‫رباهم وهداهم وعلمهم وألهمهم وأرشدهم ثم أحبهم‪ ،‬وهو الذي أنزل عليهم‬
‫الكتاب‪ ،‬وأرسل إليهم الرسل‪ ،‬وبين لهم المحجة ‪ ،‬واوضح لهم الحجة‪ ،‬ثم‬
‫أحبهم‪ ،‬فيا له من فضل عظيم‪ ،‬وم عطاء جسيم‪.‬‬
‫حّبوَنه( فهذا عجيب أيضًا‪ ،‬فكيف ل يحبونه وقد أوجدهم من‬‫أما قوله عنهم‪) :‬ي ُ ِ‬
‫العدم‪ ،‬وأطمعهم من جوع‪ ،‬وآمنهم من خوف‪ ،‬وكساهم من عري؟‬
‫كيف ل يحبونه وهو الذي وهب لهم السماع والبصار‪ ،‬وحماهم من الخطار‪،‬‬
‫وحفظهم في سائر القطار؟‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكيف ل يحبونه وهو الذي وهب الموال والولد‪ ،‬وأغدق عليهم الرزاق‪،‬‬
‫وساق إليهم كل ما يطلبونه ومنحهم‪ ،‬كل مايسألونه‪ ،‬وأمنهم من كل يخافونه‬
‫كيف ل يحبونه وقد سخر لهم ما في البر والبحر‪ ،‬أرسل لهم السماء بالماء‪،‬‬
‫وشق لهم الرض بالنبات ‪ ،‬وجعل الرض بهم فراشا ً وذلول ً ومهادا ً ‪ ،‬والماء‬
‫بناء ‪ ،‬ورزقهم من الطيبات ‪ ،‬واصناف الثمرات‪ ،‬ومختلف المطعومات‪ ،‬وسائر‬
‫المشروبات؟‬
‫كيف ل يحبونه وهو الذي أنزل عليهم القرآن‪ ،‬وعلمهم البيان‪ ،‬وهداهم إلى‬
‫اليمان ‪ ،‬وحذرهم من كيد الشيطان‪.‬‬
‫حّبوَنه( فهو حب بحب أزكي من حب‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫حب ّهُ ْ‬
‫وما أجمل المقابلة بين قوله‪ ) :‬ي ُ ِ‬
‫الرب‪ ،‬فليت من له مقام في دنيا المحبين أن يتذوق هذه اللفظة المشرقة‪،‬‬
‫وأن ينقلها رسالة قوية لعشاق الفن محبي العيون السود‪ ،‬والخدود والقدود؛‬
‫ليعلموا أن حبهم منقوص هابط‪ ،‬وحياتهم ذازية ذابلة‪ ،‬وقلوبهم خاوية خربة‪،‬‬
‫ونفوسهم ظالمة ظامئة‪ ،‬وبصائرهم كسيفة كليلة‪ ،‬أما حب أولياء الله فهو‬
‫الحب الصادق الصائب الطيب الطاهر الزكي النافع‪.‬‬
‫حّبوَنه( ‪.‬‬
‫م وَي ُ ِ‬
‫حب ّهُ ْ‬
‫والله إن من أجل مطالب لقوي السوي وصوله إلى رتبة ) ي ُ ِ‬
‫وإن من أعظم العطايا وأشرف المواهب لهي عطية وموهبة‪ :‬يحبه ويحبونه‪،‬‬
‫كل حب غير حب الله مقطوع‪ ،‬وكل عمل غير عمل الله ضائع ‪ ،‬كل السعي‬
‫لغير مرضاته باطل‪ ،‬كل تعب في غير مرضاته عناء‪:‬‬
‫سهر الهيون لغير وجهك ضائع‬
‫ورضي النفوس بغير حبك باطل‬
‫فيا من خلق خلقا ً ثم رزقهم ثم هداهم ثم أحبهم اسألك أن تجعلنا من‬
‫أحبابك‪ ،‬وخالص عبيدك‪ ،‬وصالحي أوليائك؛ فإنك أهل للجابة‪ ،‬معروف‬
‫بالحسان ‪ ،‬مقصود لكل مطلوب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن(‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ك إ ِّني ك ُن ْ ُ‬
‫حان َ َ‬
‫سب ْ َ‬
‫ت ُ‬‫ه إ ِّل أن ْ َ‬
‫) ل إ ِل َ َ‬
‫هذه آية الفرج ما قالها عبد مكروب إل فرج الله عنه‪ ،‬بذلك صح الخبر‪ .‬وفيها‬
‫أسرار عظيمة ورسائل مهمة‪ ،‬لكن لمن له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد‪.‬‬
‫ففي هذه الية إقرار بالتوحيد‪ ،‬وإثبات للتنزيه‪ ،‬واعترف بالذنب‪ ،‬وهي أركان‬
‫ثلثة عليها تقوم العبودية وبها ينال ما عند الله من لطف ورحمة ورزق وهداية‬
‫‪ ،‬ولهذا فرج الله عن يونس عليه السلم لما قالها‪ ،‬ويفرج عن كل من قالها‬
‫ن( فركن التوحيد في‪ :‬ل‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫جي ال ْ ُ‬ ‫ك ن ُن ْ ِ‬‫من المؤمنين لقوله تعالي‪ ( :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫إله إل الله‪ ،‬وركن تقديس الرب وتنزيهه في‪ :‬سبحانك ‪ ،‬وركن العتراف‬
‫بالخطيئة في‪ :‬إني كنت من الظالمين‪.‬‬
‫فل إله أل أنت‪ ،‬اعتراف بألوهيته سبحانه وكماله وتفرده بكل وصف حسن‪،‬‬
‫وسبحانك نفي النقص والعيب عنه‪ ،‬إني كنت من الظالمين‪ ،‬اعتراف من العبد‬
‫بالتقصير والخطأ‪.‬‬
‫فكأن العبد نسب كل مدح وجود إلى ربه ونزهه عن كل شين‪ ،‬وقدح ل يليق‬
‫به‪ ،‬ثم اعترف هذا العبد بظلمة وعدوانه فكانت هذه الكلمة بحق من أغلى‬
‫الكلمات واثمنها في ميزان العبودية‪.‬‬
‫وما من عبد إل وتمر به كارثة‪ ،‬أو يلم به خطب‪ ،‬أو تقع عليه شدة‪ ،‬فإذا قال‬
‫هذه الكلمة بقلب حاضر خاشع مخبت أنقذه الله من كل ما أهمه‪ ،‬وفرج‬
‫غمه ‪ ،‬وأزال حزنه وكشف كربه‪.‬‬
‫والله عز وجل في كتبه وعلى ألسنة رسله أوجب توحيد على عباده‪ ،‬ونزه‬
‫نفسه‪ ،‬وأخبر بظلم العبد وكفرانه وتمرده‪ ،‬فجاءت هذه الية متضمنة هذه‬
‫المعاني في أحسن وأجمل خطاب وأزهي حلة‪ ،‬حى إن بعض الصالححين كان‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعكف بقلبه علي هذه الكلمة تردادا ً وتكرارا ً فيجد من النس والراحةوالمن‬
‫والنشراح ما يفوق الوصف‪ ،‬وقد شرحها شيخ السلم؛ فأحسن وأجاد‪،‬‬
‫ووردت في فضلها آثار‪ ،‬وكان يوصي بها الصالحون من أحبوا‪ ،‬ويكفي في‬
‫فضلها قوله صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬كلمة أخي ذي النون ما قالها مكروب‬
‫إل فرج الله عنه((‪.‬‬
‫فالواجب على العبد أن يعطي كل أصل من اصولها الثلثة ما يستحق‪ ،‬فاصل‬
‫القول اعتقاده‪ ،‬والعمل بمقتضاه والتبرء بما يضاده‪ ،‬واصل التنزيه عدم عدم‬
‫نسبة المشابهة والمماثلة له سبحانه بخلقه‪ ،‬أو وصفه بغير ما وصف به‬
‫نفسه‪ ،‬أو تحوير كلمه واللحاد في أسمائه وصفاته‪ ،‬وأصل العتراف‬
‫بالقتراف تحقير النفس‪ ،‬والنظر إليها بعين الزدراء والمقت‪ ،‬فإن هذا العمل‬
‫يقطع من المسافات ـ أعني احتقار ونفي العجب عنها ـ إلى الله ما ل يقطعه‬
‫صيام الهواجر‪ ،‬وقيام الليال ‪ ،‬وهذا مراد العبودية وبابها الكبر وسرها العظم‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫صيُر(‬ ‫ْ‬
‫ميعُ الب َ ِ‬
‫س ِ‬
‫يٌء وَهُوَ ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫) كَ ِ‬
‫مث ْل ِهِ َ‬

‫)‪(23 /‬‬

‫الله واحد أحد في ربوبيته والوهيته واسمائه وصفاته وأفعاله‪ ،‬ل يشبه‬
‫المخلوق ول يشبهه المخلوق‪ ،‬ل يماثله أحد‪ ،‬ليس في ذاته شئ من مخلوقاته‬
‫ول في مخلوقاته شئ من ذاته‪ ،‬متفرد سبحانه فليس له سمي يسمي‬
‫باسمه‪ ،‬ول يحق لحد أن يتصف بصفاته‪ ،‬ول يصح لمخلوق أن ينازعه‬
‫اللوهية ‪ ،‬او يساميه في الربوبية‪ ،‬أو يدعي لنفسه بعض صفات ربه جل في‬
‫عله‪ ،‬وإن أحسن وصف واصدقه ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله‬
‫صلي الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫فالواجب الوقوف علي هذا‪ ،‬فإنه ل يعلم ما يستحق من التعظيم والتقديس‬
‫والتنزيه إل هو سبحانه‪ ،‬واعلم الناس به من الخلق رسوله ومصطفاه صلي‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فمن أخذ وصف الله أو الخبر عنه غير الكتاب والسنة فقد‬
‫ضل سواء السبيل‪ ،‬وإنما أخطأ من أخطأ من الطوائف المبتدعة والفرق‬
‫المنحرفة لنهم تركوا الوحي وكلم المعصوم وحكموا عقولهم السخيفة‬
‫وآراهم الضعيفة في الغيبات؛ فأتي كلمهم فجا ً معوجا ً مضطربًا‪.‬‬
‫وهدي الله اتباع رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى قوله الحق واعتقاده ‪،‬‬
‫والله ل يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫هذه الية ترد على أهل التشبيه والتعطيل والتكييف والتمثيل من اشاعرة‬
‫وماتوريديه ومعتزلة وجهمية ‪ ،‬فهي ـ أي هذه الية ـ تنفي عن الله كل وصف‬
‫نفاه عن نفسه‪ ،‬وتثبيت كل صفة جميلة أثبتها الله لنفسه أو رسوله صلي الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ولما نفي المشابهة واللماثلة عاقب بإثبات صفة السمع والبصر‬
‫له سبحلنه ‪ ،‬لن النفي المحض ليس مدحا ً بل ينفي النقص ويثبت له‬
‫الكمال ‪ ،‬فليس في النفي نقص وليس في الثبات مشابهة أو مماثلة ‪ ،‬بل‬
‫في النفي تنزيه عن العيب ‪ ،‬وفي الثبات محجة بالجميل من الوصف‪ ،‬وهذه‬
‫الية هي عمدة أهل السنة في الرد على كل مبتدع ضال ومنحرف جاهل‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وذكر صفتين في المدح؛ لن صفات‬ ‫وانظر كيف عم النفي ليكون شام ً‬
‫مدحه كثيرة‪ ،‬ومنهج الوحي في وصف الله تعالي النفي المجمل إل ما اقتضته‬
‫الحاجة والثبات المفصل إل ما دعي إليه المقام فكل صفة لم يرد بها النقل‬
‫مردودة ‪ ،‬وكل مشابهة أو مماثلة في الصفة الواردة ممنوعة‪ ،‬وكل سلب‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للصفة الثابتة مرفوض؛ لن أهل الضلل أقسام‪ ،‬منهم من سلب الخالق كل‬
‫صفة؛ فجعله والجماد سواء‪ ،‬وهذا اعتداء‪ ،‬ومنهم من وصف الخالق بصفات‬
‫من عنده لم يأت بها النقل وهذا خطأ‪ ،‬ومنهم من أثبت البعض ونفي البعض‬
‫وهذا تحكم مرفوض‪ ،‬ومنهم من اثبت وشبه فزل وضل‪ ،‬ومنهم من اثبت‬
‫ومثل فجازف وجانب الصواب‪ ،‬وهدي الله أهل الحق إلى إتباع النقل والثر ‪،‬‬
‫فاصابوا واحسنوا والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫ب الّناِر(‬ ‫ذا َ‬ ‫ة وَقَِنا عَ َ‬ ‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫خَرةِ َ‬ ‫ة وَِفي اْل ِ‬ ‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫) َرب َّنا آت َِنا ِفي الد ّن َْيا َ‬
‫هذه من أعظم الدعوات إن لم تكن أعظمها‪ ،‬فإنها قد جمعت خيري الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬فحسنة الدنيا عامة شاملة‪ ،‬وأما حسنة الخرة فأرفع ذلك الفوز‬
‫برضوان الله ودخول جنته وجواره ومصاحبة أنبيائه ورسله وصالحي عباده‬
‫في دار كرامته‪ ،‬والوقاية من عذاب النار وغضب الجبار‪ ،‬وما في ذلك المشهد‬
‫من الخزي والعار‪ ،‬فصارت هذه الدعوة جامعة مانعة كافية شافية‪.‬‬
‫وفي الية أوضح برهان على أنه ل يهب السعادة إل الله عز وجل‪ ،‬ول يجلب‬
‫المحبوب ويصرف المرهوب إل هو‪ ،‬فمن أحسن فيما بينه وبين ربه كفاه ما‬
‫أهمه واضناه‪ ،‬واصلح باله واحسن حاله‪ ،‬ونجاه من أخذه الشديد وعذابه‬
‫الليم‪.‬‬
‫وفي الية تعليم للعباد بأن يدعوا ربهم بحوامع الدعاء المشتمل على كل نفع‪،‬‬
‫وعلى طلب دفع كل ضر‪ ،‬وأن العافية مع الشكر قد تفوق البلء مع الصبر‪،‬‬
‫وأن طلب السلمة من المصائب وارد‪ ،‬وأن خير الدنيا يطلب خير الخرة؛ من‬
‫متاع حسن ومال حلل‪ ،‬وطيب عيش ‪ ،‬وحلوة عمر‪ ،‬وفي الية أن وقاية العبد‬
‫من عذاب النار من أعظم ما يطلب من الله عز وجل ‪ ،‬كيف وما أبكي‬
‫؟!‬ ‫الصالحين ول أخاف الولياء ول أرق أهل الطاعة مثل تذكر عذاب النار ‍‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ما ِلل ّ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫خَزي ْت َ ُ‬ ‫قد ْ أ َ ْ‬ ‫ل الّناَر فَ َ‬ ‫خ ِ‬‫ن ت ُد ْ ِ‬
‫م ْ‬‫ك َ‬ ‫ولهذا قال سبحانه‪َ) :‬رب َّنا إ ِن ّ َ‬
‫قد ْ َفاز(‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫جن ّ َ‬
‫ل ال َ‬ ‫خ َ‬‫ن الّنارِ وَأد ْ ِ‬ ‫ح عَ ِ‬ ‫حزِ َ‬ ‫ن ُز ْ‬ ‫م ْ‬‫صاٍر( وقال في حقيقة الفوز‪ ) :‬فَ َ‬ ‫أن ْ َ‬
‫وانظر إلى جمال كلمة حسنة في الموضعين‪ ،‬فإن كل أمر محبوب مرغوب؛‬
‫ولهذا فل يقصر معناها على خير دون خير؛ لن هذا تحكم إل ما صح به الخبر‪،‬‬
‫وما علمنا ربنا أن ندعوه إل لنه سوف يجيبنا إذا سألناه كما قال الشاعر‪:‬‬
‫لو لم ترد نيل ما أرجو واطلبه‬
‫من جود كفك ما علمتني الطلبا‬
‫فقد أمرنا ربنا بالسؤال ووعدنا الجابة ‪ ،‬فليعلم تأثير الدعاء ونفعه العظيم‬
‫ومرودوه الكريم على العبد وليقصد العبد إلى الدعاء بالمأثور الوارد في‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬فهو المختار وهو الصح للعبد؛ لن الذي علمه العبد هو الذي‬
‫يعلم السر وأخفي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫جزِي َن ّهُ ْ‬ ‫ة وَلن َ ْ‬ ‫حَياة ً طي ّب َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫ن فَلن ُ ْ‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ‬ ‫صاِلحا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫) َ‬
‫ن(‬ ‫ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن َ‬‫س ِ‬‫ح َ‬
‫م ب ِأ ْ‬‫جَرهُ ْ‬ ‫أ ْ‬

‫)‪(24 /‬‬
‫الحياة الطيبة تنال بأمرين‪ :‬اليمان والعمل الصالح‪ ،‬فمن آمن وعمل صالحا ً‬
‫نال مرتين حياة سعيدة رغيدة‪ ،‬وجزاء كريما ً موفورا ً في الخرة‪.‬‬
‫ة( عجيبة ‪ ،‬فإنها فيها من الجمال والعموم ما تهش له‬ ‫حَياة ً ط َي ّب َ ً‬
‫ولكن كلمة ‪َ ) :‬‬
‫النفس‪ ،‬فكل أمن وسكينة وسرور وحبور وصحة وأمن وأنس وطمأنية مع‬
‫صلح البناء واستقامة الحال وحسن المنقلب والعافية من كل مكروه؛ فإنها‬
‫كلها من الحياة الطيبة‪ ،‬فمن أراد حياة طيبة بل إيمان ول عمل صالح فقد‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حاول المستحيل ‪ ،‬وطلب الممنوع‪.‬‬


‫وكيف ينال الحياة الطيبة من اساء المعاملة مع ربه الذي منه وحده تنال‬
‫الحياة الطيبة ‪ ،‬فإن كل خير وصلح اساسه التقوي‪ ،‬وإن كل شر وبلء سببه‬
‫ساد ُ‬‫ف َ‬ ‫المعاصي والثام‪ ،‬وهذا معلوم من نص الشرع‪ ،‬قال سبحانه‪( :‬ظ َهََر ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فو‬ ‫م وَي َعْ ُ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫س( وقال‪ ( :‬فَب ِ َ‬ ‫نا ِ‬ ‫دي ال ّ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ ب ِ َ‬
‫َ‬
‫م ( فمن حقق الصلين وهما افيمان‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ف ِ‬
‫عن ْد ِ أن ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل هُوَ ِ‬ ‫ر( وقال‪ ( :‬قُ ْ‬ ‫ن ك َِثي ٍ‬‫عَ ْ‬
‫والعمل الصالح سعد في الدارين وأفلح في الدنيا والخرة‪ ،‬وما أروع القسم‬
‫ه ( فهذا وعد أكيد وخبر جازم وبري محققة‪.‬‬ ‫في قوله جل في عله‪ ) :‬فَل َن ُ ْ‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬
‫ه ( ‪ ،‬ما أحسن اختيارها ‪ ،‬فالذي ل يحييه الله كأنه‬ ‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫وانظر إلى قوله‪ ) :‬فَل َن ُ ْ‬
‫ميت ولو عاش ‪ ،‬وهالك ولو عمر‪ ،‬وفي كلمة نحيينه من الجاذبية والسرار‬
‫والتشويق لهذه الحياة ما يأخذ اللب ويأسر القلب‪ ،‬وانظر كيف نكر الحياة‬
‫لتكون عامة كاملة‪ ،‬وهذا تنكير تعظيم‪ ،‬وتحت كلمة حياة من السرار‬
‫والمعاني ما يفوق الوصف‪ ،‬فإن هذه الحياة تشمل حياة القلب باليمان‬
‫والهدي‪ ،‬فل يموت أبدا ً يوم تموت القلوب‪ ،‬وحياة العقل بحسن الدراك‬
‫وصواب البصيرة وسداد الراي‪ ،‬وحياة الجسم بالعافية وحسن المعيشة‪،‬‬
‫والسلمة من الفات والنجاة من الكدر‪ ،‬والمن من المتالف‪.‬‬
‫أقسم وهو أصدق القائلين على أنه سوف يجزيهم بأحسن منه‪ ،‬ولم يقل‬
‫بحسن أو بخير او بجميل‪ ،‬بل قال بأحسن؛ بل قال بأحسن؛ لن في العمل‬
‫حسن واحسن ‪ ،‬فالله يجزيهم بأحسن عمل عملوه‪ ،‬وتقاس بقية العمال‬
‫على أحسنها ‪ ،‬فيثاب على أحسن صلة صلها في حياته‪ ،‬وتساوي بها بقية‬
‫الصلوات‪ ،‬وهكذا سائر العمال‪ ،‬وهذا من كرمه وجودة وتفضله جل في عله‪.‬‬
‫ثم أنظر إلى الجمع في الية بين الذكر والثي فيمن يعمل‪ ،‬واليمان والعمل‬
‫الصالح في العمل‪ ،‬والحياة الطيبة والجر الحسن في الثواب‪ ،‬فهي اثنان من‬
‫اصناف ثلثة ‪ ،‬فذكر الذكر والنثي؛ ليعلم الجنس‪ ،‬واليمان والعمل الصالح‬
‫يشمل اصول العمل والحياة الطيبة‪ ،‬والجر العظيم يستغرف كرامة الله‬
‫لعباده‪.‬‬
‫ب(‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قلو ُ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬
‫) أل ب ِذِكرِ اللهِ ت َط َ‬
‫تطمئن القلوب من خوفها فتسكن إلى موعود ربها مع الثقة به‪ ،‬وحسن‬
‫التوكل عليه‪ ،‬وصدق اللجوء إليه‪.‬‬
‫وتطمئن من حزنها فتجد المن من كل غم وهم وحزن‪ ،‬فتعيش راضية‬
‫مرضية؛ لنها بربها ومولها راضية‪.‬‬
‫وتطمئن من قلقها فتستقر بعد التذبذب ‪ ،‬وتهدأ بعد التمزق‪ ،‬وتثبت بعد‬
‫الضطراب‪.‬‬
‫وتطمئن من الشتات‪ ،‬فيجتمع شملها‪ ،‬ويتحد توجهها ‪ ،‬ويلم شعتها‪،‬وتنجو من‬
‫شتات أمرها‪.‬‬
‫وتطمئن من كيد شيطانها‪ ،‬وغلبة هواها‪ ،‬وتحرش أعدائها‪ ،‬وكيد خصومها‪،‬‬
‫وشرور أضدادها‪.‬‬
‫فليس للقلب دواء أنفع من ذكر الله‪ ،‬فمهما حصل القلب علي مطلوبه‬
‫ورغباته بدون ذكر الله فإن مصيره القلق والتمزق والفرق والخوف والغم‬
‫والهم والحزن والكدر والضطراب‪.‬‬
‫أبي الله أن يؤمن من عصاه‪ ،‬وأن يؤنس من خالفه‪ ،‬واتبع هواه‪ ،‬وكيف‬
‫يطمئن من بينه وبين الله وحشة وبينه وبين خالقه قطيعة‪ ،‬وكيف يأنس من‬
‫نسي موله‪ ،‬وأعرض عن كتابه‪ ،‬وأهمل أوامره‪ ،‬وتعدي حدوده‪.‬‬
‫إن طمأنينة القلب عي السعادة التي يسعي لها الكل‪ ،‬ويبحث عنها الجميع‪،‬‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فمنهم من خطبها عن طريق المال فجمع وأوعي‪ ،‬وحصل وكنز‪ ،‬فإذا المال‬
‫بل إيمان شقاء وإذا الحطام بل طاعة وباء‪ ،‬ومنهم من طلب السعادة عن‬
‫طريق المنصب فصب من أجله دمعة وعرقه ودمه‪ ،‬فلما توله بل إيمان كان‬
‫فيه حتفه وهلكه وخيبته‪ ،‬ومنهم من طلبها عن طريق اللهو من غناء وشعر‬
‫وهواية فما حصل عليها ول نالها‪ ،‬لنه عزلها عن عبودية ربه عز وجل‪.‬‬
‫فيا من تكاتفت سحب همومه اذكر الله لتسعد‪ ،‬ويا من أحاط به حزنه‬
‫وأقلقله همه اذكر الله لتأنس‪ ،‬ويا من طوقه كربه وزلزلة خطبه اذكر الله‬
‫لتأمن ‪ ،‬ويا من تشتت قلبه وذهب لبه اذكر الله لتهدأ ‪ ،‬ذكر الله دواء وشفاء‬
‫وهناء‪ ،‬وذكر غيره داء ووباء وشقاء‪ ،‬ويكفي الذكر فضل ً أن الله يذكر من‬
‫ذكره‪ ،‬ويكفي الذكر شرفا ً أنه العلم الوحيد الذي يبقي مع أهل الجنة‪ ،‬ويكفي‬
‫الذكر أجرا ً أنه أفضل عمل‪ ،‬الذكر حياة ولكن المبنج ل يحس‪ ،‬والمخدر ل‬
‫يشعر‪ ،‬والميت ل يتألم ‪ ،‬والذكر أمن وسكينة ولكن العاصى مفرط‪ ،‬والفاجر‬
‫هالك‪.‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫ن( رخاء ونداء وطلوة ‪ ،‬فكأن القلوب كالرض‪ ،‬فما سهل‬ ‫مئ ِ ّ‬‫وفي كلمة )ت َط ْ َ‬
‫منها فهو المطمئن‪ ،‬وما صعب وشق فهو القاسي الموحش المقفر‪ ،‬فليت‬
‫سحب الرضوان وغمام الرحمان تترك غيث الوحي على القلوب لتؤتي أكلها‬
‫َ‬
‫كل حين بإذن ربها من الذكر والشكر والنابة والمحبة والرهبة والرغبة‪) :‬أل َ ْ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫حقّ (‪.‬‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫ما ن ََز َ‬ ‫م ل ِذِك ْرِ الل ّهِ وَ َ‬‫شعَ قُُلوب ُهُ ْ‬
‫خ َ‬
‫ن تَ ْ‬‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ن ل ِل ّ ِ‬‫ي َأ ِ‬
‫ن وُد ًّا(‬‫م ُ‬‫ح َ‬
‫م الّر ْ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬
‫جعَ ُ‬‫سي َ ْ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫)إ ِ ّ‬
‫ً‬
‫يغرس لعباده الصالحين في القلوب محبة وودا فيسري حبهم في الرواح‪،‬‬
‫وتنطلق اللسنة بالثناء عليهم‪ ،‬ويوضع لهم القبول في الرض ‪ ،‬ومالك الحب‬
‫هو الله‪ ،‬ومفاتيح القلوب بيد الله‪ ،‬فإذا فتحها لمحبة عبد وجدت محبته‬
‫وحملت مودتته‪ ،‬إن حب الخليقة الصالحة دليل على حي الخالق جل في‬
‫عله‪ ،‬وإن القبول في الرض دليل على القبول في السماء ‪ ،‬والناس شهداء‬
‫لله كما صح به الحديث‪ ،‬فمن أحبوه وودوه واثنوا عليه خيرا ً فهو خير بار‬
‫راشد‪ ،‬ومن كرهوه ومقتوه وأبغضوه فهو شرير خاسر‪.‬‬
‫إن القلوب خزائن الرحمن‪ ،‬وإن ألسنتة الخلق أقلم الحق‪ ،‬وإن المؤمنين‬
‫شهود عدول على من أحبوه أو أبغضوه ‪ ،‬إن لمحبة التاس أسبابا ً ‪ ،‬ليحبوا من‬
‫أحبوه كصدق إيمانه بربه‪ ،‬وطهارة باطنه‪ ،‬ونقاء نفسه‪ ،‬وسلمة صدره‪ ،‬وقوة‬
‫إخلصه‪.‬‬
‫وإن لبغض الناس أسبابا ً ليبغضوا من أبغضوه ‪ :‬من نفاقه وفجوره واستهتاره‬
‫بحدود الله‪ ،‬وتنكره لدين ربه‪ ،‬وظلمة وجوره‪ ،‬وسواد قلبه‪ ،‬وفساد روحه ‪،‬‬
‫وخسة طبعه‪.‬‬
‫إن من يملك البدان ل يملك القلوب‪ ،‬وإن من تنافقه اللسن قد ل تحبه‬
‫الرواح‪ ،‬إن السوط والسيف والهيبة ل تجلب حبا ً ول تدفع كرهًا‪ ،‬وإنما الجالب‬
‫للمحبة والدافع للبغض رب العالمين‪ ،‬محبة العباد ل تشتري بالدرهم والدينار‪،‬‬
‫ول تعرض في السواق‪ ،‬ول ينادي عليها في المحافل ‪ ،‬إنها نعمة يهبها الله‬
‫من يشاء من عباده ‪،‬فتجد هؤلء المحبوببين محفوفين بالمحبة‪ ،‬مستقبلين‬
‫بالمودة‪ ،‬مغمورين بالثناء الحسن‪ ،‬إن حضروا حيتهم القلوب‪ ،‬وإن سافروا‬
‫شيعتهم الرواح‪ ،‬فلهم مساكن في نفوس العباد‪ ،‬ومنازل في قلوب الخلق ‪،‬‬
‫رحمة من ربك ولطفا ً من إلهك‪ ،‬صح في الحديث‪ )) :‬إن الله إذا احب عبدا ً‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دعاء جبريل فقال له‪ :‬إني احب فلنا ً فأحبه‪ ،‬فيحبه جبريل‪ ،‬ثم ينادي في أهل‬
‫السماء‪ :‬إن الله يحب فلنا ً فأحبوه‪ ،‬فيحبه أهل السماء‪ ،‬ثم يوضع له القبول‬
‫في الرض‪ ،‬وإذا أبغض عبدا ً قال لجبريل ‪ :‬إني أبغض فلنا ً فأبغضه‪ ،‬فيبغضه‪،‬‬
‫ثم ينادي أهل السماء‪ :‬إن الله يبغض فلنا ً فابغضوه ‪ ،‬ثم يوضع له البغض في‬
‫الرض((‪.،‬‬
‫إذا فالحب والبغض من عند الله‪ ،‬فمن أراد محبة في قلوب الخلق ومودة عند‬
‫المؤمنين فليطلبها ممن يملكها‪ ،‬جل في عله‪ ،‬بطاعته والذعان لمره‪ ،‬واتباع‬
‫رسوله‪ ،‬والهتداء بهدايته‪ ،‬وصدق النصح لعباده‪ ،‬وسلمة النية‪ ،‬وحسن الطوية‬
‫‪ ،‬وطهر الضمير‪ ،‬حينها فليبشر بحب الله له ومودة المؤمنين‪.‬‬
‫م(‬ ‫ن الن ّب َأ ِ ال ْعَ ِ‬
‫ظي ِ‬ ‫ساَءُلو َ‬
‫ن )‪(1‬عَ ِ‬ ‫م ي َت َ َ‬
‫َ) ّ‬
‫عن ماذا يتساءل هؤلء الناس ولماذا هم مختلفون ؟! إنهم يتساءلون عن‬
‫اليوم الخر الذي ما سمع الناس بمثله وما طرق العالم شبيهه‪ ،‬وهؤلء الكفار‬
‫المختلفون لهم أقوال فيه‪ ،‬ولكنه والله نبأ عظيم‪ ،‬وخبر ضخم‪ ،‬وقصة كبري ‪،‬‬
‫كيف ل يكون نبأ عظيما ً وفيه يتنزل الملك الجبار لفصل القضاء‪ ،‬وفيه ااطاير‬
‫الصحف ويوضع الميزان ‪ ،‬ويمد الصراط‪ ،‬وفيه تكور الشمس وتكدر النجوم‪،‬‬
‫وتسجر البحور ‪ ،‬وتسير الجبال‪ ،‬وتحشر الوحوش‪ ،‬وتعطل العشار‪ ،‬وتخرج‬
‫النفوس‪ ،‬وتضع كل ذات حمل حملها‪ ،‬وتذهل كل مرضعة عما أرضعت ‪ ،‬وتري‬
‫الناس سكاري وما هم بسكاري‪ ،‬ولكن عذاب اللله شديد‪.‬‬
‫والله سمي زلزلة الساعة شيئا ً عظيمًا‪ ،‬فل اعظم ول أدهي ول أشد منه‪،‬‬
‫فمثل لنفسك تلك المشاهد والصور والمواقف التي تجعل الولدان شيبًا‪،‬‬
‫وحضر قلبك لهذا المقام العظيم الذي سوف تعيشه لحظة بلحظة‪ ،‬وتراه رأي‬
‫العين‪ ،‬فل فدية ول خلة ول شفاعة إل لمن استحقها‪ ،‬واستشعر هول ما‬
‫سوف تشاهده وفظاعة ما تراه‪ ،‬فإن الرسل يسألون ماذا اجبتم؟ قالوا‪ :‬ل‬
‫علم لنا إنك أنت علم الغيوب؛ فكأنهم نسوا ماذا قال لهم قومهم من هول‬
‫المقام وفظاعة الموقف‪.‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫وتذكر يوم يطلب الوالد من ابنه ـ وقد رباه وغذاه وكساه ـ حسنة واحدة‬
‫فيأي ويمتنع ‪ ،‬ويقول ‪ :‬نفسي نفسي‪ ،‬وتأتي الم لوحيدها وتطلب من وليدها‪،‬‬
‫وقد حملته وأرضعته وتعاهدته‪ ،‬تطلب منه حسنة فيبخل بها على أمه وينادي‪:‬‬
‫نفسي ‪ ،‬نفسي‪ ،‬وتفكر في موقف كل رسول وهو‪ ،‬معصوم من اذلنب‪،‬‬
‫مقبول عند الرب‪ ،‬يصيح‪ :‬نفسي‪ ،‬نفسي‪ ،‬ذلك اليوم عسير‪ ،‬والخطب صعب‪،‬‬
‫والحاث جلل‪ ،‬والمشهد مذهل‪ ،‬والوصف يقصر‪ ،‬والبيان يعجز‪ ،‬واللسان يتعلثم‬
‫‪ ،‬والذاكرة تخون‪ ،‬ومن أراد معرفة ذاك اليوم فليطالع بقلب مخبت منيب‬
‫تائب ما ذكر الله عنه في كتابه ‪ ،‬وما وصفه رسول الله صلي الله عليه وسلم‬
‫بعد أن يخرج هذا العبد من قلبه كل شبهة تحجب الدليل ‪ ،‬وكل شهة تمنع‬
‫العتبار‪ ،‬فإن العجمماوات تصيح من هول يوم القيامة‪ ،‬وإن الجبال تنسف‬
‫لذلك اليوم ‪ ،‬وإن الرض تميد‪ ،‬وإن السماء تنشق‪ ،‬وإن القبور تبعثر‪ ،‬وكل‬
‫شئ يغير فاللهم سلم سلم‪ ،‬فإليك المشتكي‪ ،‬وعليك التكلن‪ ،‬وبك المستعان‪،‬‬
‫وأنت المستغاث‪ ،‬ول حول ول قوة إل بك‪.‬‬
‫َ‬
‫س(‬
‫دي الّنا ِ‬
‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ ب ِ َ‬ ‫)ظ َهََر ال ْ َ‬
‫ف َ‬
‫بذنوب العباد فسد الهواء‪ ،‬بخطايا الناس تكدر الماء‪ ،‬بسيئات بني آدم تعطلت‬
‫الرزاق ‪ ،‬كان آدم في الجنة فاكل من الشجرة‪ ،‬وأهبط إلى الرض لتبدأ رحلة‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصراع بين الخير والشر والحق والباطل‪ ،‬ولقد كانت الرض طاهرة حتى‬
‫لوثها قابيل بدم هابيل‪ ،‬وكانت الدنيا تستفيق على صوت التوحيد حتى‬
‫أزعجتها اصوات اللحاد من الحمقي النذال الذين يقول أحدهم‪ :‬أنا أحيي‬
‫واميت إلى آخر تلك القائمة الزائفة ااشوهاء من هؤلء الرقعاء السخفاء‪،‬‬
‫فكل خراب في العالم اساسه ظلم العباد‪ ، ،‬وكل دمار في الكون سببه جور‬
‫الناس على حد قول أبي طالب‪:‬‬
‫كلما أنبت الزمان قناة‬
‫ركب المرء في القناة سنانا‬
‫إن خطايا الخلق تظهر في عقوبات الله‪ ،‬يجدها النسان في الكون من‬
‫احتباس القطر‪ ،‬وهوج الريح‪ ،‬وقصف الرعد‪ ،‬وهيجان البحر‪ ،‬وغلء السعار‪،‬‬
‫وجور الحكام‪ ،‬وظلم القضاة‪ ،‬وشح الموارد‪ ،‬وحدب الديار‪ ،‬وفساد الثمار‪،‬‬
‫وذبول الشجار ‪ ،‬وتعكير الجو؛ لن الذنب مشؤوم ‪ ،‬والخطيئة عقيمة‪ ،‬والسيئة‬
‫قاتلة‪.‬‬
‫كيف تصلح الرض وقد أغضب من في السماء‪ ،‬كيف يسعد المخلوق وقد‬
‫خالف الخالق‪ ،‬كيف تقوم للناس حياة وواهب الحياة سبحانه يعصي ويتجاهل‬
‫أمره‪.‬‬
‫إن سنة الله في الدول والشعوب والناس ل تتبدل‪ ،‬فمع العدل والتقوى يسعد‬
‫الناس ‪ ،‬وتدور ا}زاق‪ ،‬وتتوفر القوات‪ ،‬وتقوم السواق‪ ،‬وتسكن الفتن‪ ،‬ويعم‬
‫المن‪ ،‬ومع الظلم والمعاصي يحصل الخلل في كل شأن من شؤون الحياة‪،‬‬
‫كما تقدم‪.‬‬
‫فانظر إلى عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين‪ ،‬فإنها‬
‫الفترة الزمنية الزاهية الذهبية في حياتنا‪ ،‬إنها غرة في جبين الدهر‪ ،‬ودرة في‬
‫تاج الزمان‪ ،‬وبدر في ليل العالم لما حصل في زمنهم من عزة للدين‪ ،‬وطاعة‬
‫لرب العالمين‪،‬وقيم بكل ما يرضي الله من قول وعمل واعتقاد‪.‬‬
‫ثم انظر إلى عصر الحجاج وأبي مسلم الخرساني والفاطميين والسماعلية‪،‬‬
‫وكل ظالم وزنديق ومارق وعدو لله‪ ،‬كيف سفكت الدماء‪ ،‬وهتكت العراض‪،‬‬
‫ونهبت الموال‪ ،‬وسلب المن‪ ،‬وضاعت المة‪ ،‬وعمت الفتنة‪ ،‬وتفاقم الحال‪،‬‬
‫وساءت المعيشة‪ ،‬وعمت البغضاء‪ ،‬وانتشر التقاطع‪ ،‬وظهر الخلف‪ ،‬وبرز‬
‫الشقاق‪ ،‬وبزغت البدع‪ ،‬وتواري العدل‪ ،‬وغرب الفلح وما ربك بظلم للعبيد‪.‬‬
‫م(‬‫سهِ ْ‬ ‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ِ) إ ِ ّ‬
‫من النفس يبدأ التغيير‪ ،‬إن خيرا ً فخير‪ ،‬وإن شرا ً فشر‪ ،‬البداية من داخل‬
‫العبد‪ ،‬من صلح حالة بقيت نعمته‪ ،‬ودامت عافيته‪ ،‬واستمر الهدي معه‪( :‬‬
‫سب ُل ََنا ( ومن فسد وأعرض حلت به النقمة‪،‬‬ ‫م ُ‬‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م(‪.‬‬ ‫غوا أَزاغَ الل ُ‬
‫ه قُلوب َهُ ْ‬ ‫ما َزا ُ‬‫وادبرت عنه النعمة‪ ،‬ونزل به الشقاء‪ ) :‬فَل ّ‬
‫من أراد ما عند الله من العناية والكفاية والهداية فعليه أن يشرح صدره‬
‫للحق الذي بعث به محمد صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬ويتقبله بقبول حسن‪،‬‬
‫ويجاهد في الله حق جهاده‪ ،‬كما هي تمام النصح لله والرسول وللمؤمنين ‪،‬‬
‫مع سلمة الباطن‪ ،‬والتقيد بتعاليم الشرع‪ ،‬وصدق الهجرة إلى الله‪ ،‬بتوحيده‬
‫وشكره وذكره وطاعته ‪ ،‬ومن تعرض لمقت الله وغضبه بتعطيل أمره‪،‬‬
‫وتفريغ نصوص وحيه من محتواها ‪ ،‬والدبار عن التقوي‪ ،‬والنحراف عن‬
‫الجادة‪ ،‬والزيغ عن الحق‪ ،‬والتفلت على حدود الله‪ ،‬فليبشر بعذاب واصبن‬
‫ونكد حاضر‪ ،‬وشقاء لزم وهم دائم؛ جزاء تنكره للحقيقة؛ وشططه في‬
‫سلوك الطريقة‪ ،‬وبغيه وعدوانه ول يظلم ربك أحدًا‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫هل يظن العبد أن الهداية سوف تطرق عليه بابه وتسأل عنه في مضجعه‪ ،‬كل‬
‫فالهداية يبحث عنها في مظانها في كتاب الله المشرق المغدق النير‪ ،‬في‬
‫السنة المطهرة النقية المباركة ‪ ،‬في الصف الول من بيوت الله حيث‬
‫النفحات هناك والعناية واللطف ‪ ،‬في خلع أسمال الباطل ‪ ،‬في التبرء من‬
‫المعتقدات الخاطئة‪ ،‬والشبهات المهلكة‪ ،‬والشهوات القاتلة‪ ،‬في العكوف‬
‫على الوحي كتابا ً وسنة ومدارسة وفهما ً وتدبرا ً وعمل ً ودعوة وجهادًا‪.‬‬
‫إن سلعة الله غالية ل يعرضها الباعة في أسواقهم‪ ،‬ول ينادي عليها التجار في‬
‫متاجرهم‪ ،‬إنها أغلي وأعلى من هذا المتهان‪ ،‬إنها ثمينة يستاهلها من طلبها‬
‫وحرص عليها وجاهد من أجلها‪ ،‬وبذل الغالي والرخيص لينالها‪ ،‬ودفع نومه‬
‫وعرقه ودمعه وروحه ثمنا ً لها‪ ،‬حينها تزف له أجمل ما تكون في أبهي حلل‬
‫وأزهي لباس وأعظم تاج‪.‬‬
‫لما غير بلل بن رباح العبد الفقير نفسه واستقبل الهدي؛ توج بتاج مؤذن‬
‫السلم ‪ ،‬وصاحب الرسول صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬وضيف الرحمن في‬
‫الفردوس‪.‬‬
‫ولما غير أبو جهل الوجيه المشهور ما في نفسه‪ ،‬وقلب بصيرته‪ ،‬وانسلخ من‬
‫فطرته؛ أهين وأرغم أنفه‪ ،‬وذاق المذلة‪ ،‬وأدركه الخزي عاجل ً وآج ً‬
‫ل‪.‬‬
‫إن علي العبد أن يبدأ هو برحلة النجاة وهجرة النقاذ ‪ ،‬ويركب في سفينة‬
‫الحق لئل يدركه طوفان الغضب فيغرق مع من غرق من المردة الملعونين‪.‬‬
‫َ‬
‫م(‬‫ي أقْوَ ُ‬ ‫دي ل ِل ِّتي هِ َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫قْرآ َ‬‫ذا ال ْ ُ‬
‫ن هَ َ‬ ‫)إ ِ ّ‬
‫هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم من المعتقدات والقوال والفعال والحوال‬
‫والخلق والداب والسير‪ ،‬فهو يدل علي الكمل والحسن دائمًا‪ ،‬فكلما‬
‫اشتبهت المور واختلطت الراء وماجت القلوب ‪ ،‬جاء القرآن بهداه وستاه‪،‬‬
‫فهدي إلى الرشد‪ ،‬ودل على التقي والسمي‪.‬‬
‫لماذا القرآن وحده يهدي للتي هي أقوم؛ لنه من فوق‪ ،‬وكتب البشر من‬
‫تحت‪ ،‬ولنه من السماء‪ ،‬ومذكرات العبيد من الرض‪ ،‬ولنه من رب العالمين‪،‬‬
‫أما هي فمن الطين‪ ،‬ولنه من عند الله‪ ،‬وآراهم من أفكارهم المضطربة‬
‫وقلوبهم الزائغة‪ ،‬فالذي أنزل القرآن هو الخالق‪ ،‬والذي صن ما يعارضه‬
‫مخلوق‪ ،‬وعظمة القرآن في أن من تكلم به أحكم الحاكمين‪ ،‬وأحسن‬
‫الخالقين‪ ،‬وخالق الناس أجمعين‪ ،‬فكيف ل يكون كلمه فوق كل كلم‪ ،‬وهداه‬
‫أعظم من كل هدي ؛ لنه عليم خبير بصير‪ ،‬ومن سواه جاهل غبي إل من‬
‫اهتدي بهداه‪ ،‬فبقدر اهتداء العبد بهذا النور يحصل له من سداد الرأي ونور‬
‫البصيرة على قدر ما بذل وطلب واستفاد‪.‬‬
‫فالقرآن يهدي للتي هي اقوم في المعتقدات‪ ،‬فهو يدعو للتوحيد الصحيح‪،‬‬
‫والدين الخالص‪ ،‬والعبادة المعتدلة‪ ،‬وهو يهدي للتي أقوم في الحكم‪ ،‬من‬
‫حيث العدل والنصاف ‪ ،‬ومراعاة الحقوق‪ ،‬والبعد عن الظلم والهضم والقهر‬
‫حق( وهو يهدي للتي هي أقوم في الخلق؛‬ ‫س ِبال ْ َ‬‫ن الّنا ِ‬‫م ب َي ْ َ‬‫حك ُ ْ‬‫والستبداد ( َفا ْ‬
‫فهو يدعو إلى طهر الضمير‪ ،‬وزكاء النفس‪ ،‬وسلمة الصدر‪ ،‬ونقاء اللسان ‪،‬‬
‫ْ‬
‫ف‬‫مْر ِبال ْعُْر ِ‬ ‫خذِ ال ْعَ ْ‬
‫فوَ وَأ ُ‬ ‫وعفاف الخلق‪ ،‬ومكارم الصفات‪ ،‬وأشرف الداب ‪ُ ( :‬‬
‫َ‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ض عَ ِ‬ ‫وَأعْرِ ْ‬
‫وهو يهدي للتي هي أقوم في البيع والشراء‪ ،‬وسائر العقود‪ ،‬وكافة المنافع ‪،‬‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫فل غش ول غرر ول نجش ول ربا حيلة ول خديعة ول غبن ول تدليس ( وَأ َ‬
‫م الّربا ( ‪.‬‬ ‫حّر َ‬‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬
‫الل ّ ُ‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهو يهدي للتي هي أقوم في المعيشة والكسب والنفاق والبذل‪ ،‬فل إسراف‬
‫قوا ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ن إ َِذا أ َن ْ َ‬
‫ف ُ‬ ‫ذي َ‬‫ول تقتير ‪ ،‬ول ول بذخ ول شح ول إمساك ول تضييع (َوال ّ ِ‬
‫وامًا(‪.‬‬ ‫ك قَ َ‬‫ن ذ َل ِ َ‬‫ن ب َي ْ َ‬ ‫قت ُُروا وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سرُِفوا وَل َ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫وهو يهدي للتي أقوم في الدعوة والصلح والتربية‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر‪ ،‬فل غلظة ول فظاظة ول مداهنة ول تمييع‪ ،‬بل حكمة ولين ورفق‬
‫م ِبال ِّتي‬ ‫جادِل ْهُ ْ‬ ‫سن َةِ وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫عظ َةِ ال ْ َ‬‫مو ْ ِ‬ ‫مةِ َوال ْ َ‬‫حك ْ َ‬‫ك ِبال ْ ِ‬
‫ل َرب ّ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ورشد وهدي‪( :‬اد ْع ُ إ َِلى َ‬
‫ن(‬ ‫َ‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫يأ ْ‬ ‫هِ َ‬
‫وهو يهدي للتي هي اقوم في الداب والفنون‪ ،‬فل تعد على الحدود‪ ،‬ول‬
‫استخفاف بالقيم‪ ،‬ول تلعب بالمبادئ ول جفاف وجمود وجحود ورهبانية‪،‬‬
‫وإنما جمال لحتشام‪ ،‬ومتعة بأدب‪ ،‬وذوق بعفاف‪ ،‬وحسن بالتزام‪َ( :‬يا أ َي َّها‬
‫ديدًا( ‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَُقوُلوا قَوْل ً َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫قوّةٍ (‬‫ب بِ ُ‬ ‫خذِ ال ْك َِتا َ‬ ‫حَيى ُ‬ ‫)َيا ي َ ْ‬
‫واجب على من أقبل على الدين أن يقبل عليه بهمة وحرص‪ ،‬وان يبذل جهده‬
‫في التمسك به وحمله بأمانة وإن تلقي المر بكسل وبرود برهان على موت‬
‫الهمة ودناءة النفس‪ ،‬إن الضعيف مضطهد‪ ،‬وإن القيام بشعائر الدين على‬
‫صورة من الترهل والهزال؛ دليل على عدم المحبة والقتناع‪.‬‬
‫إن الصلة المقبولة تحتاج إلى قوة في حضور القلب وخشوعه‪ ،‬واستحضار‬
‫النية‪ ،‬ومحاربة الوسوسة وواردات النفس‪ ،‬وإن التلوة الصحيحة تحتاج إلى‬
‫قوة من حيث حسن التدبر وجميل التأثر ومدافعة الشرود‪ ،‬وإت الدعوة إلى‬
‫الله تحتاج إلى قوة في جمال العرض‪ ،‬وبلغة الوعظ‪ ،‬والبداع في الخطاب‪،‬‬
‫م قَوْل ً ب َِليغًا( ‪.‬‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬‫م ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫م وَقُ ْ‬ ‫عظ ْهُ ْ‬ ‫والصدق في النصيحة‪ ( :‬وَ ِ‬

‫)‪(28 /‬‬

‫إن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ لن المؤمن‬
‫القوي قوة للدين‪ ،‬وهيبة للملة‪ ،‬فعطاؤه أكثر ‪ ،‬ونفعه أوفر ‪ ،‬الكلمة القوية‬
‫تهز القلب‪ ،‬وتهش لها النفس ‪ ،‬وتؤتي أكلها من الستجابة والمتابعة ‪ ،‬وإن‬
‫الحجة القوية تدفع الباطل وتدحض الشبهة‪ ،‬وإن الكتاب القوي يكسب الخلود‬
‫والذيوع‪ ،‬والنتشار‪.‬‬
‫القوي يصمد في الزمات ويثبت في المصائب‪ ،‬ويدافع عن مبادئه وينتصر‬
‫لدينه‪ ،‬والضعيف يغلب عند أقل الحوادث ‪ ،‬وينهار في ميدان الكفاح‪ ،‬فيؤتي‬
‫افسلم من قبله‪ ،‬ويدخل العدو من بوابته‪.‬‬
‫شبهة ل تردها قوة يقين تصبح كفرًا‪ ،‬وإلحاد ل يردعه إيمان يصير دينا ً‬
‫للمنحرفين ‪ ،‬وشهوة ل يدمغها قوة صبر تحول العبد إلى بهيمة وكسل‪.‬‬
‫ماذا ينفعنا مؤمن ضعيف كسول خامل؟ وماذا يجدي علينا جيل بائس محطم‬
‫غارق في الشهوات؟ وهل يصنع النصر على أيدي جبناء أغبياء‪ ،‬وهل يصاغ‬
‫النجاح بأماني كاذبة‪ ،‬ووعود خائبة‪ ،‬وظنون خداعة‪.‬‬
‫إن صلة الفجر ل تدرك إل بعزيمة ونشاط‪ ،‬وإل انهزمت النفس تحت مطارق‬
‫النوم والراحة؛ ولذلك صح أنه صلي الله عليه وسلم إذا سمع الصارخ وثب‬
‫ل‪ ،‬بلفظ وثب لتعي مدلولها وسرها‪.‬‬ ‫للصلة لي ً‬
‫لقد استعاذ عليه الصلة والسلم من العجز والكسل ‪ ،‬فالعجز في الرادة‪،‬‬
‫والكسل في الحرم‪ ،‬وهما مصدر كل فشل وإخفاق ‪ ،‬إن الله ثبط المنافقين‬
‫لنهم لو أرادوا الخروج لعدوا له عدة‪ ،‬ونصر الله المجاهدين ؛ لنهم صبروا‬
‫سب ُل ََنا ( ‪.‬‬
‫م ُ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬ ‫وثبتوا وتقدموا‪ ،‬وهذه سنة مطرودة ‪َ( :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول عمر بن الخطاب فاروق السلم‪ ) :‬اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر‬
‫وعجز الثقة(‪ ،‬ففاجر مصابر وتقي منهار مصيبة؛ لن الفاجر الفاتك النشيط‬
‫شيطان مريد‪ ،‬والتقي الخامل العاجز المقصر؛ جبان رعديد ‪ ،‬والسلم يريد‬
‫رجل ً قويا ً حازما ً بصيرًا‪:‬‬
‫ل يدرك المجد إل سيد فطن‬
‫لما يشق على السادات فعال‬
‫ل خامل جهلت كفاه ما بذلت‬
‫ول جبان بغير السيف سأل‬
‫لول المشقة ساد الناس كلهم‬
‫الجود يفقر والقدام قتال‬
‫نريد عالما ً ربانيا ً قويًا؛ لن الضعيف يغلبه الوهم وينتصر عليه الظن‪ ،‬ول يؤدي‬
‫المانة كما هي‪ ،‬ونريد فقيها ً قويا ً لن الضعيف ل تمييز عنده‪ ،‬ول برهان لديه‪،‬‬
‫ول فرقان يحمله‪.‬‬
‫ونريد مجاهدا ً قويا؛ لن الضعيف مسحوق مخذول يؤتي السلم من قبله‪،‬‬ ‫ً‬
‫فإذا اجتمع في العبد قوة وأمانة وتقوى وعزيمة ومراقبة وصرامة فهو الرجل‬
‫ْ‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫قوِيّ اْل َ ِ‬
‫مي ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫جْر َ‬ ‫ست َأ َ‬
‫نا ْ‬ ‫م ِ‬‫خي َْر َ‬
‫ن َ‬‫حقًا‪) :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫كم(‬ ‫س ُ‬
‫ف َ‬‫ن أن ْ ُ‬ ‫سو ْ َ‬‫س ِبال ْب ِّر وَت َن ْ َ‬‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫)أت َأ ُ‬
‫تعظون الناس ول تتعظون ‪ ،‬تنصحون الناس ول تنتصحون ‪ ،‬تأمرون‬
‫بالمعروف ول تأتونه‪ ،‬وتنهون عن المنكر وترتكبونه‪ ،‬قولكم جميل‪ ،‬وفعلكم‬
‫قبيح‪ ،‬النطق حسن‪ ،‬والفعل سيئ ‪ ،‬تزكزن الناس بكلمكم وأنفسكم مقفرة‬
‫من البر‪ ،‬موحشة من الهدي‪ ،‬يستنير الناس بوعظكم الخلب ونصحكم‬
‫الجذاب ‪ ،‬وأنتم في ظلمة المعصية واقفون‪ ،‬وفي ليل الخطايا حائرون‪ ،‬إن‬
‫من أعظم النكبات على دين الله إخفاق حملته ودعاته في العمل بتعاليمه‪،‬‬
‫حينها يصبح فعل هؤلء حجة قاطعة لكل مارق ‪ ،‬وبينه واضحة لكل منافق‬
‫يرتكب المعصية ‪ ،‬بدليل فعل هؤلء السيئ ‪ ،‬وترك الطاعة بدليل عمل هؤلء‬
‫الخاطئ ‪ ،‬فل يثق الجهلة بنصوص الشرع‪ ،‬لن أناسا ً ممن يحملون هذه‬
‫النصوص عطلوا العمل بها والهتداء بهديها والنتفاع ببركتها‪.‬‬
‫الطبيب إذا تناول السم أمام المريض كيف يثق فيه المريض أو ينتفع بدوائه‬
‫وعلجه؟‬
‫وغير تقي يأمر الناس بالتقي‬
‫طبيب يداوي الناس وهو عليل‬
‫الخياط إذا مزق الثوب فقد مصداقيته في الخياطة ‪ ،‬النجار إذا كسر الباب‬
‫خسر ثقة الناس في معرفته وحذقته‪ ،‬والدعاة إلى الحق والفضيلة إذا‬
‫ً‬
‫أهملوها وهجروها غسلت المة أيديها منهم‪ ،‬يصبح كلمهم الرنان رمادا تذروه‬
‫الرياح‪ ،‬يصبح وعظهم البليغ منقوشًا‪ ،‬تصبح كتاباتهم وتآليفهم ركاما ً من الزيف‬
‫والغش والبهرجة‪.‬‬
‫وحمل الرسالة بالذات أمناء على الملة‪ ،‬أوصياء على الجيل‪ ،‬حفاظ للمبادئ ‪،‬‬
‫فأي عثرة منهم ثلم في جدار الشريعة ‪ ،‬وحرج في جسم الديانة‪.‬‬
‫إن الربانية في العلم والدعوة ليست عمائم كالبراج‪ ،‬والكمام كالخراج‪،‬‬
‫والفتاوى معلبة جاهزة ترضي أهل الشأن‪ ،‬ويكسب من ورائها الدرهم‬
‫والدينار‪ ،‬والمنصب والعقار)) يؤتي بالرجل فيدور في النار فتندلق أقتابه كما‬
‫يدور الحمار برحاه‪ ،‬فيقول أهل النار؛ مالك يا فلن؛ ألست كنت تأمرنا‬
‫بالمعروف وتنهانا عن المنكر ‪ ،‬قال‪ :‬بلي ‪ ،‬كنت آمركم بالمعروف ول آتيه ‪،‬‬
‫وانهاكم عن المنكر وآتيه‪ ،‬هكذا وصف المعصوم صلي الله عليه وسلم هذه‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفئة ومصيرها عند الله عز وجل‪ ،‬وأحد الثلثة الذين تسعر بهم النار يوم‬
‫القيامة‪ ،‬قارئ قرأ القرآن ولم يعمل به‪.‬‬

‫)‪(29 /‬‬

‫إن حفظ المتون‪ ،‬وجمع الفنون‪ ،‬وإلقاء الخطب الرنانة‪ ،‬والجلجلة بالمواعظ‬
‫الطنانة‪ ،‬سهل يسير ‪ ،‬يجيده الجمع الغفير‪ ،‬ويقوم به الكثير‪ ،‬لكن تطبيق هذه‬
‫التعاليم والعمل بها‪ ،‬وتنفيذ أوامرها ‪ ،‬واجتناب نواهيها‪ ،‬والصدق في حملها‪،‬‬
‫ومراقبة الله في دللتها أمر شاق صعب متعب ل يقوم به إل ربانيون طهرت‬
‫أرواحهم ‪ ،‬زكت أخلقهم ‪ ،‬حسنت سيرتهم‪ ،‬وصفت سريرتهم‪:‬‬
‫يا أيها الرجل المعلم غيره‬
‫هل لنفسك كان ذا التعليم‬
‫أبدأ بنفسك فانهها عن غيها‬
‫فإذا انتهت عنه فأنت حكيم‬
‫يا أيها الدعاة إلي المبادئ المقدسة‪ ،‬يا حملة الرسالة ويا أمناء الكلمة‪ ،‬لم‬
‫تقولون ما ل تفعلون‪.‬؟! فقهاء في القول‪ ،‬جهلة في الفعل‪ ،‬أولياء على‬
‫المنبر‪ ،‬عتاة في الميادين‪.‬‬
‫إن دمعة من خاشع اصدق من مائة خطبة من واعظ‪ ،‬وإن قطرة من شهيد‬
‫أبلغ من مائة قصيدة حماسية من شاعر‪ ،‬وإن غضبه لله من عالم أوقع في‬
‫القلوب من مائة درس في النهي عن المنكر‪.‬‬
‫إن أعظم ما يفعله صاحب الدعوة أن يكون سراجا ً وهاجا ً بعلمه وصدقة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سِبي َ‬
‫ل‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ما أهْ ِ‬ ‫ما أَرى وَ َ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫ما أِريك ُ ْ‬ ‫وإخلصه وخلقه‪ ،‬إن فرعون قال‪َ ( :‬‬
‫شاِد( ويشهد الله أنه كاذب خبيث ماكر‪ ،‬والمنافقون قالوا‪ :‬نشهد إنك‬ ‫الّر َ‬
‫ن( والرعديد الجبان يقول‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫مل َ‬‫َ‬ ‫ه يَ ْ‬
‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫لرسول الله‪ ،‬فقال الله‪َ ( :‬والل ُ‬
‫في غزوة تبوك‪ )) :‬أئذن لى ول تفتني(( أي أخشي على نفسي الفتنة إذا‬
‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫طوا (‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫غزوت الروم من فتنة النساء‪ ،‬فيقول الله‪ ( :‬أل ِفي ال ْ ِ‬
‫فت ْن َةِ َ‬
‫إن مصيبة أحبار اليهود ومن شابههم من هذه المة أنهم تعجلوا ثواب علمهم‬
‫في دنياهم الفانية الزهيدة‪ ،‬ارضوا الناس بسخط الله فطوعوا النصوص‬
‫لشهواتهم ‪ ،‬ولووا أعناق الدلة لهوائهم‪ ،‬إن خدم الدليل مقاصدهم فهو ثابت‬
‫محكم صريح‪ ،‬إن عارض الدليل أغراضهم فهو محتمل مؤول له وجوه وله‬
‫ة‬
‫م ِزين َ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫معان أخري‪ ،‬إن وقعوا في ملذات الدنيا استدلوا بقوله‪( :‬قُ ْ‬
‫ه( إن تركوا المر والنهي والقيام لله ذكروا الحكمة والرفق واللين‪ ،‬إن‬ ‫الل ّ ِ‬
‫جعَل ِْني عََلى‬ ‫لا ْ‬ ‫سعوا للمناصب والجاه أوردوا قول يوسف عليه السلم‪َ( :‬قا َ‬
‫م( والله عز وجل ل يلعب عليه كما يلعب على‬ ‫في ٌ‬ ‫َْ‬
‫ظ عَِلي ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫ض إ ِّني َ‬
‫ن الْر ِ‬‫خَزائ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫الصبيان‪ ،‬ول يخادع كما يخادع الولدان‪ ،‬فهو العالم بالسرائر ‪ ،‬المطلع على ما‬
‫خائ ِن َ َ ْ َ‬
‫في‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫ة العْي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫في الضمائر‪ ،‬العليم بالنيات‪ ،‬الخبير بالخفيات‪( :‬ي َعْل َ ُ‬
‫دوُر( ‪.‬‬‫ص ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ويلكم من الله‪ :‬معكم كتاب من الله فيه الهدى والنور وأنتم تعلمون ما فيه‬
‫فهل زجركم علمكم بالكتاب عن فعلكم المشين؟! هل أثر فيكم هذا الكتاب‬
‫الذي تدرسونه لن العالم بحجة الله ليس كالجاهل بها‪ ،‬والمطلع على شرع‬
‫الله ليس كالغافل عنه‪.‬‬
‫إن العلماء إذا أعرضوا وفسدوا كانوا أكثر إساءة‪ ،‬واكبر معصية من الجاهل‬
‫الغر الذي ما استضاء بالعلم‪.‬‬
‫فيا من تعلم العلم وتلقن الحكمة ثم اعرض عن العمل إنما أنت شاهد على‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نفسك‪ ،‬ساع في هلكك؛ لن المنتظر والمأمول من صاحب العلم تقواه‬


‫لموله‪ ،‬وسعيه في رضا ربه ومحافظته على ما في الكتاب‪ ،‬ثم سألهم سؤال‬
‫َ‬
‫قُلو َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫توبيخ وتبكيت فقال‪ ( :‬أَفل ت َعْ ِ‬
‫أين العقول السليمة ؟ أين الراء السديدة؟ أخفقتم في النقل‪ ،‬أعرضتم عن‬
‫الكتاب ‪ ،‬وفسدتم في العقل فعرضتم أنفسكم للعذاب‪ ،‬إن العاقل يدله عقله‬
‫على الهدى ويجنبه الردي‪ ،‬وإن من اثر العذاب على الرجمة‪ ،‬والغواية على‬
‫الرشد لفاسد العقل‪ ،‬سيئ التدبير‪ ،‬غائب الرشد‪ ،‬ولو كان محنكا ً في أمور‬
‫الدنيا‪ ،‬داهية في طرق السياسية ‪ ،‬ماهرا ً في الكسب‪ ،‬ذكيا ً في المعيشة‪.‬‬
‫صاِد(‬ ‫ك ل َِبال ْ ِ‬
‫مْر َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫)إ ِ ّ‬
‫ك( إشعار بالرعاية‪ ،‬وسابق المنة‪ ،‬وقدم النعمة‪ ،‬فإن من رباك‬ ‫كلمة )َرب ّ َ‬
‫سيظهرك على من عاداك‪ ) ،‬وبالمرصاد( فيها من التخويف والتهويل ما يبهر‬
‫اللباب‪ ،‬ويخلع النفوس‪ ،‬فهو سبحانه يخفي مكره عن أعدائه حتى يترصدهم‬
‫فيأخذهم عى غرة‪ ،‬فإن عذابه بغته‪ ،‬وعقوبته فجأة‪ ،‬فخو بالمرصاد لعدائه‬
‫يبرمون وينكث ما أبرموا‪ ،‬يدبرون فيقتل ما دبروا‪ ،‬والراصد دائما ً أقدر على‬
‫البطش من المكشوف لعدوه‪ ،‬لن عنده من فنون الحيل وصنوف المباغتة‬
‫وأنواع المداهمة ما يبطل على الخصم حيلة‪ ،‬ويعمي سبله ‪ ،‬ويظهر خلله‪.‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫وقل لي بربك‪ :‬أي زلزال هذا التهديد لكل كافر رعديد إذا كان الله بالمرصاد ‪،‬‬
‫لقد أمر الله عباده أن يقعدوا لعدائه كل مرصد‪ ،‬وأخبر أنه أعد للجن المردة‬
‫صاِد( وهذه‬ ‫ك ل َِبال ْ ِ‬
‫مْر َ‬ ‫شهابا ً رصدًا‪ ،‬لكن لما وصف نفسه الجليلة قال‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ن َرب ّ َ‬
‫الكلمة تصلح عنوانا ً لكل موعظة‪ ،‬ينذر بها العصاة؛ لنها عامة مخيفة مرعبة‪،‬‬
‫فخو بالمرصاد لمن نقض العهد‪ ،‬وأخلف الوعد‪ ،‬وفجر في الخصومة‪ ،‬وخان‬
‫الميثاق ‪ ،‬وهو بالمرصاد لمن ترك الطاعة‪ ،‬وارتكب المعصية‪ ،‬وتعدي الحدود‪،‬‬
‫واقترف المحرمات‪ ،‬والله مرصد لعدائه ويحبك لهم نهاية البؤس‪ ،‬وخاتمة‬
‫الدمار وطريقة المصرع‪ ،‬وكيفية الخذ ‪ ،‬فل يلعب أحد على نفسه فينخدع‬
‫بحلم الرحمن الرحيم‪ ،‬فإنه يمهل ول يهمل ‪ ،‬وليعلم كل عبد أن ربه مطلع‬
‫على أعماله‪ ،‬عالم بأحواله‪ ،‬بصير بمآله‪.‬‬
‫إن أحمق الناس من غرته نفسه‪ ،‬وخدعه هواه‪ ،‬وزين له الشيطان طريق‬
‫المعصية حتى وقع في الفخ‪.‬‬
‫ه(‬ ‫ما أ َك ْ َ‬
‫فَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل اْل ِن ْ َ‬
‫سا ُ‬ ‫)قُت ِ َ‬
‫ما اشد تنكر هذا النسان لربه‪ ،‬وما ‘ظم جحوده لخالقه‪ ،‬خلقه ربه من العدم‬
‫فشك في وجود ربه‪ ،‬واطعمه من جوع فشكر غيره‪ ،‬وأمده بالقوة فعصي بها‬
‫موله‪ ،‬هذا النسان إن لم يهتد بهدي الله فهو كنود‪ ،‬يمرض فيشخع‪ ،‬فإذا‬
‫شفاه ربه نسي وتكبر‪ ،‬يفتقر فيخضع‪ ،‬فإذا أغناه الله طغي وبغي‪ ،‬يبتلي‬
‫فينكسر ويدعو‪ ،‬فإذا عافاه خالقه تجبر وعتي‪ ،‬عنده آلف النعم فيكتمها‬
‫ويطلب غيرها‪ ،‬لديه مئات المواهب فيجحدها ويسأل سواها‪ ،‬ثقيل على‬
‫الطاعة‪ ،‬خفيف إلى المعصية‪ ،‬بطي عند الوامر‪ ،‬سريع عند المناهي‪ ،‬قدري‬
‫في الطاعة ‪ ،‬جبري في المعصية ‪ ،‬يتلهف على المفقود‪ ،‬ول يشكر الله على‬
‫الموجود‪.‬‬
‫سماع الغاني أخف عليه من سماع المثاني‪ ،‬سهرة لهو أحب إليه من ساعة‬
‫مناجاة‪ ،‬رفقة البطالين اشهي لديه من صحبة الصالحين‪ ،‬يأكل الطعام ول‬
‫يشكر من أطعمه‪ ،‬ويشرب الشراب ول يحمد من سقاه‪ ،‬النعم تغمره من كل‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مكان وهو في شرود ونسيان‪ ،‬خلقه ربه فعبد سواه‪ ،‬وأمره ونهاه فاتبع هواه‪،‬‬
‫لو أهدي له مخلوق خميلة لشكرها‪ ،‬كل نعمة لديه من ربه قد كفرها‪ ،‬يحبر‬
‫القصائد في مدح العبيد‪ ،‬ول يمدح ذا العرش المجيد‪ ،‬يسطر المقامات في‬
‫الثناء على المخلوق الهزيل‪ ،‬ول يسطر مقامه في الثناء على العزيز الجليل‪،‬‬
‫يقف على أبواب البخلء‪ ،‬ول يقف على باب رب الرض والسماء‪ ،‬مع العلم‬
‫أنه ل يصله منهم ذرة إل بقدرة الملك الحق‪ ،‬وبمشيئة الغني الحميد‪ ،‬يمنحه‬
‫رب المال‪ ،‬فيقول ‪ :‬إنما أوتيته على علم عندي‪ ،‬يوليه ربع قطعة من ارضه‬
‫فيقول‪ :‬أليس لى ملك هذه الرض‪ ،‬بقوتي ملكت وبقدرتي حكمت‪ ،‬يهبه ربه‬
‫قوة العضاء وصحة الجسم فيركض مغرورا ً ويقترف الخطايا مسرورًا‪.‬‬
‫إذا كان له عند ربه مسألة ذل وتمسكن حتى ينالها‪ ،‬ثم يمر متكبرا ً جاحدًا‪ ،‬إذا‬
‫أصابته رزية بكي وشكي وتأوه‪ ،‬فإذا كشفها الله ذهب مختال ً فخورًا‪ ،‬إذا جاع‬
‫انكسرت نفسه‪ ،‬فإذا شبع سهي ولها ولغي‪ ،‬يأكل بل حمد‪ ،‬ويشرب بل شكر‪،‬‬
‫ويسكن بل ثناء‪ ،‬وين\تنعم بل اعتراف‪ ،‬يمن على ربه ركعات بل خشوع‪ ،‬وتلوة‬
‫بل تدبر‪ ،‬وصدقة بل نية‪ ،‬ول يحفظ لربه نعمة الحياة والرزق والمال والولد‪،‬‬
‫والعينين البصيرتين‪ ،‬والذنيين السميعتين ‪ ،‬والشفتين واللسان واليدين‪،‬‬
‫والنف والرجلين‪ ،‬تصب عليه النعم صبًا‪ ،‬وتنهمر عليه العطايا انهمارا ً وهو لئيم‬
‫مريد عنيد‪.‬‬
‫على من تلعب يا كفور‪ ،‬ومن تخادع يا مغرور‪ ،‬إن صلي سهي ‪ ،‬وإن قرأ لها‪،‬‬
‫وإن تكلم لغا‪ ،‬يأخذ ول يعطي ‪ ،‬يحفظ عدد النعم ووصفها ‪ ،‬وينسي شكرها‬
‫والثناء على من أهداها‪ ،‬جماع مناع طماع‪ ،‬إن مرض حسب أيام المرض‬
‫ولياليه وساعاته‪ ،‬وإن تعافي نسي شهور العافية وأعوامها‪ ،‬إذا أعطي درهما ً‬
‫فهو مثل أحد عنده‪ ،‬وإن أعطاه ربع قنطارا ً النبي صلي الله عليه وسلم ذهب‬
‫فهو ذرة في ميزانه‪ ،‬إل من آمن وشكر‪ ،‬واحسن وصبر‪ ،‬وأطاع وذكر‪.‬‬
‫ت َواْل َْرض(‬
‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬ ‫)الل ّ ُ‬
‫ه ُنوُر ال ّ‬

‫)‪(31 /‬‬

‫هذا اصدق مدح لربنا جل في عله‪ ،‬فالله نور هذا العالم‪ ،‬فكل نور يشع فمن‬
‫نوره جل في عله‪ ،‬فالقلوب في ظلمة حتى يصلها نور توحيده‪ ،‬والبصائر‬
‫معتمة حتى يطلع عليها نور هدايته‪ ،‬والعالم في دياجير الظلم حتى يشرق‬
‫عليها نور ربه‪ ،‬فالنفس النيرة إنما استنارت بنور الله لما عرفت شرعه‬
‫وأبصرت هذاه‪ ،‬والعقل النير إنما فتح عليه لما اصابه حظه من نور الله‪،‬‬
‫والكلمة السديدة إنما حسنت وجملت لما اضاءت بنور ربها ‪ ،‬والفعل الحسن‬
‫الراشد إنما صلح لن الله وهبه من نوره‪ ،‬والمجتمع المستنير إنما استقام‬
‫أمره لما أدركه نور من نور ربه ‪ ،‬فكل نور في العقول والنفوس والفئدة‬
‫فمن الملك الحق‪ ،‬فبنوره اشرقت السماء والرض‪ ،‬وصلح أمر الدنيا والخرة‪،‬‬
‫واستقام الحال‪ ،‬وطاب المآل ‪ ،‬وكتبه سبحانه نور يبصر بها العمي‪ ،‬ويهدي بها‬
‫الضلل‪ ،‬ويرشد بها أهل الغي‪ ،‬ورسله نور يبعثهم بالحق فينقذون بإذنه من‬
‫الهلك‪ ،‬ويردعون من الردى‪ ،‬وينجون من المعاطب‪ ،‬وصراطه المستقيم نور‬
‫به يهتدي المهتدون‪ ،‬وعليه يسير العابدون‪ ،‬وفيه يسلك الصاقون‪ ،‬ومن أهل‬
‫ت َواْل َْرض( قال ‪ :‬منورهما‬
‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫العلم من قال في قوله تعالي‪( :‬الل ّ ُ‬
‫ه ُنوُر ال ّ‬
‫يعني الشمس والقمر والكواكب ‪ ،‬ور تعارض‪ ،‬فكل نور معنوي‪ ،‬أو حي ظاهر‬
‫أو باطن فمن لدن لحكيم الخبير جل في عله‪.‬‬
‫فليطلب النور من عند الله فإن كل أرض ل يشرق عليها نوره فهي أرض‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ملعونة‪ ،‬وكل قلب ل يبصر نوره قلب غاو‪ ،‬وكل نفس لم تهتد بهداه نفس‬
‫خاوية‪ ،‬العالم إذا لم يهبه الله من نوره صار عالم سوء‪ ،‬وصاحب زور‪ ،‬وحامل‬
‫بهتان‪،‬والحاكم الذي حرمه الله نور غادر جبار‪ ،‬غشوم ظلوم ‪ ،‬وكل عبد حرم‬
‫نور ربه فقد تم خسرانه وعظم حرمانه‪.‬‬
‫أعظم حصائص القرآن أنه نور؛ لنه من عند الله جل في عله‪ ،‬فهو الذي‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫دي ب ِهِ َ‬ ‫جعَل َْناه ُ ُنورا ً ن َهْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫تكلم به وأوحاه‪ ،‬وفصل آياته‪ ،‬وأحكم بيناته‪ (ُ :‬وَل َك ِ ْ‬
‫عَبادَِنا( ومحمد صلي الله عليه وسلم نور؛ لن الله بعثه ووهبه من‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫نَ َ‬
‫عَبادَِنا( ومحمد‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫شاُء ِ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬‫دي ب ِهِ َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫جعَلَناه ُ ُنورا ن َهْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫نوره وهداه بهداه ُ( وَلك ِ ْ‬
‫صلي الله عليه وسلم نور؛ لن الله بعثه ووهبه من نوره وهداه بهداه )إ ِّنا‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫مِنيرا(‪.‬‬ ‫سَراجا ً ُ‬ ‫عيا ً إ َِلى الل ّهِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَ ِ‬‫ذيرا ً )‪ (45‬وََدا ِ‬ ‫شرا ً وَن َ ِ‬ ‫هدا ً وَ ُ‬
‫مب َ ّ‬ ‫شا ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫أْر َ‬
‫وبقدر اهتداء العبد ومتابعته وصدقه في طاعته يمنحه ربه نورا ً من نوره يبقي‬
‫معه حتى يصل به إلى جنات النعيم‪.‬‬
‫والمؤمنون لما صدقوا في العمل بالكتاب واتباع الرسول صلي الله عليه‬
‫وسلم جعل الله نورهم يسعي بين ايديهم جزاء وفاقًان ولما أعرض من‬
‫أعرض من أعداء الله حرمهم الله ذلك النور فبقوا في الظلمات فما لهم من‬
‫نور‪ ،‬فنور الفطرة مع نور الهداية‪ ،‬ونور الكتاب مع نور الرسول ‪ ،‬ونور‬
‫م‬ ‫َ‬
‫شاُء ( ) وَ َ ْ ْ‬
‫ل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه ل ُِنورِهِ َ‬ ‫دي الل ّ ُ‬‫البصيرة مع نور الحجة ( ُنوٌر عََلى ُنورٍ ي َهْ ِ‬
‫ن ُنوٍر(‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه ُنورا ً فَ َ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ل الل ّ ُ‬‫جعَ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫حقّ قَد ْرِهِ (‬ ‫ه َ‬ ‫ما قَد َُروا الل ّ َ‬ ‫)وَ َ‬
‫فقدرة عظيم ‪ ،‬ووجه كريم‪ ،‬وفضله واسع‪ ،‬وجوده شامل‪ ،‬ولكن العباد ما‬
‫قدروا الله حق قدره‪ ،‬خلق الخلق وتكفل بالرزق‪ ،‬وحفظ النفوس‪ ،‬واطلع‬
‫على السرائر ‪ ،‬وعلم النيات‪ ،‬ولكن الناس ما قدروه حق قدره‪.‬‬
‫عفا وكفا وشفا‪ ،‬وشفا‪ ،‬علم وحلم وحكم‪ ،‬أغني وقني وأعطي‪ ،‬ساد وجاد وهو‬
‫رفيع العماد‪ ،‬ولكن الخلق ما قدروه حق قدره‪.‬‬
‫الرض جميعا ً قبضته‪ ،‬والسماوات مطويات بيمينه‪ ،‬والكون ذرة في ملكه‪،‬‬
‫والخليقة فقيرة إليه‪ ،‬ولكنهم ما قدروا الله حق قدره‪.‬‬
‫من اشرك معه غيره‪ ،‬وعبد معه سواه‪ ،‬وادعي له ندًا‪ ،‬واخترع له مثيل‪ ،‬وجعل‬
‫ً‬
‫له شبيهًا‪ ،‬فما قدره حق قدره‪.‬‬
‫من أقسم بغيره‪ ،‬أو أعطي به وغدر‪ ،‬أو حلف به وفجر‪ ،‬وأخذ نعمه فما شكر‪،‬‬
‫ونسيه وما ذكر ‪ ،‬فما قدروه حق قدره‪.‬‬
‫من تعدي حدوده‪ ،‬وارتكب محرماته‪ ،‬واستهزأ بىياته‪ ،‬وألحد في اسمائه‬
‫وصفاته‪ ،‬فما قدره حق قدره‪.‬‬
‫من حارب أولياءه‪ ،‬وناصر أعداءه‪ ،‬وعصي أمره‪ ،‬وغمط بره‪ ،‬واستهان‬
‫لعظمته‪ ،‬فما قدره حق قدره‪.‬‬
‫من أعرض عن كتابه‪ ،‬وشاق رسوله‪ ،‬وكذب بلقائه‪ ،‬وتهاون بوعده ووعيده‪،‬‬
‫فما قدر الله حق قدره‪.‬‬
‫حق قدره أن يطاع فل يعصي‪ ،‬ويذكر فل ينسي‪ ،‬ويشكر فل يكفر‪ ،‬ويحب حبا ً‬
‫يملك على العبد كل حركة فيه‪.‬‬
‫حق قدره أن يفوض المر إليه‪ ،‬ويتوكل عليه‪ ،‬ويرضي بحكمه ‪ ،‬ويستسلم له‪،‬‬
‫وينقاد لموامره‪ ،‬ويذعن لقضائه‪.‬‬
‫حق قدره أن ل يخالف‪ ،‬ول يحارب‪ ،‬ول يمثل‪ ،‬ول يشبه‪ ،‬ول يكيف‪ ،‬ول تضرب‬
‫به المثال‪ ،‬وتصرف لغيره العمال‪.‬‬
‫حق قدره ان يقصد بالسعي‪ ،‬ويخلص له العمل‪ ،‬ويجرد له التعظيم‪ ،‬ويفرد‬
‫بالربوبية والولوهية والسماء والصفات‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حق قدره أن يرضي به وليا ً وربا ً وألها ً وحاكما ً وكفيل ً ووكيل ً وحسيبًا؛ لنه‬
‫وحده المتفرد المتوحد‪ ،‬وهو الحد الصمد ‪ ،‬الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له‬
‫كفوا ً أحد‪.‬‬
‫أشرك بع أعداؤه وحاربه خصومه‪ ،‬ونسبوا له الولد والصاحبة‪ ،‬وشبهوه بخلقه؛‬
‫لنهم ما قدروه حق قدره‪.‬‬

‫)‪(32 /‬‬

‫كذبوا رسله‪ ،‬وقتلوا أنبياءه‪ ،‬وآذوا أولياءه‪ ،‬وكفروا آلءه وعطلوا صفاته‬
‫واسماءه؛ لنهم ما قدروه حق قدره‪.‬‬
‫بارزوه بالمعاصي‪ ،‬واغضبوه بالذنوب ‪ ،‬قابلوه بالسيئات‪ ،‬وأتوه بالخطايا؛ لنهم‬
‫ما قدروه حق قدره‪.‬‬
‫هجروا المساجد‪ ،‬تركوا المصاحف‪ ،‬عطلوا الشريعة‪ ،‬أماتوا الدين‪ ،‬انتهكوا‬
‫المحرمات ‪ ،‬لنهم ما قدروه حق قدره‪.‬‬
‫كيف ل يقدر له حق قدره‪ ،‬وصفاته جليلة‪ ،‬وأسماؤه جميلة‪ ،‬ومنه كل نعمة‬
‫كثيرة أو قليلة‪.‬‬
‫كيف ل يقدر له حق قدره وهو الذي صور فأبدع‪ ،‬وخلق فأحسن‪ ،‬وأعطي‬
‫فأغني‪ ،‬وتولي فنصر‪.‬‬
‫كيف ل يقدر له حق قدره ومن نظر في مخلوقاته وتأمل مصنوعاته وتفكر‬
‫في موجوداته هاله ذلك وأدهشه وحيره‪ .‬فكيف ل يقدر من خلق وأوجد وبرأ‬
‫وصتع وصور‪ ،‬جل في عله‪ ،‬كيف ل يقدر من رفع السماء‪ ،‬وبسط الرض‪،‬‬
‫وأرسي الجبال ‪ ،‬واجري الماء‪ ،‬وسير الهواء‪ ،‬ومد الضياء ‪ ،‬وأوجد كل شئ كما‬
‫شاء‪ ،‬فهو صاحب الجميل ذو المنة له الملك وله الحمد وله الثناء الحسن‪.‬‬
‫إن من تقدير الله حق قدره طاعته فيما أمر‪ ،‬واجتناب ما نهي عنه وزجر‪،‬‬
‫وتصديقه فيما أخبر‪ ،‬والرضا بما قدر ‪ ،‬والشكر علي ما يسر‪ ،‬والحمد له على‬
‫أنه ستر وغفر‪ ،‬مع متابعة رسوله والعمل بكتابه‪ ،‬والقيام بطاعته وهجر‬
‫معاصيه‪ ،‬والرضا به ربًا‪ ،‬وبالسلم دينا ً ‪ ،‬وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيا ً‬
‫ورسو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وى(‬
‫ست َ َ‬
‫شا ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ُ َ‬
‫ن عَلى العَْر ِ‬ ‫ح َ‬
‫)الّر ْ‬
‫استوي استواء يليق بجللة ويتناسب مع كماله‪ ،‬ل يشبهه استواء المخلوق‬
‫الناقص القصير؛ لن الله أحد في ربوبيته وألوهيته واسمائه وصفاته وأفعاله‪،‬‬
‫فاستوي هنا بمعني عل وصعد‪ ،‬وانظر إلى عظمته في هذا الستواء فإنه‬
‫سبحانه وتعالي فوق فله علو الذات‪ ،‬وعلو القهر‪ ،‬وعلو القدر ‪ ،‬عل فقهر‪،‬‬
‫وحكم فقدر‪ ،‬واطلع فستر‪ ،‬وعلم فغفر ‪ ،‬وانظر إلى اسم الرحمن وما فيه‬
‫من صفة الرحمة العامة الشاملة‪ ،‬واختار عن هنا هذا السم؛ لن رحمته غلبت‬
‫غضبه‪ ،‬فهو رحمن بالدنيا والخرة‪ ،‬واستوي يدبر ملكه ويصرف خليقته‪ ،‬فهو‬
‫بائن من خلقه بذاته‪ ،‬ليس في ذاته شي من مخلوقاته وليس في مخلوقاته‬
‫شيء من ذاته‪ ،‬وهو بعلمه مع خلقه‪ ،‬وبحفظه مع أوليائه يعلم ويبصر‪ ،‬ويسمع‬
‫دبيب النملة السوداء‪ ،‬على الصخرة الصماء‪ ،‬في الليلة الظلماء‪ ،‬ويعلم ويري‬
‫حبة الخردل في الصخرة الملساء‪ ،‬ما تسقط من ورقة إل يعلمها‪ ،‬ول تلفظ‬
‫من همسة إل يسمعها ‪ ،‬وما تدب حركة إل يطلع عليها‪ ،‬يعلم السر وأخفي من‬
‫السر‪ ،‬ويعلم ما يكون وما هو كائن‪،‬وما لم يكن لو كان‪ ،‬كيف يكون‪.‬‬
‫على العرش استوي يخلق ويرزق‪ ،‬ويقضي ويحكم‪ ،‬ويقدم ويؤخر‪ ،‬ويعز ويذل‪،‬‬
‫ويولى ويعزل‪ ،‬ل يشغله شأن عن شأن‪ ،‬ول يحوله مكان ول يحد بزمان‪ ،‬أخذ‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالنواصي وملك الرقاب‪ ،‬نصر أولياءه‪ ،‬وسحق أعداءه‪ ،‬من أحبه قربه‪ ،‬ومن‬
‫حاربه خذله وأدبه‪ ،‬ترفع إليه المسائل ‪،‬وتصعد إليه الحاجات‪ ،‬وترفع له‬
‫العمال ‪ ،‬وتحصي لديه القوال ‪ ،‬وتكشف عنده الحوال‪ ،‬يحفظ من في البر‪،‬‬
‫ويرعي من في البحر‪ ،‬يطعم الجائع‪ ،‬ويسقي الظمآن‪ ،‬ويكسو العاري‪ ،‬وينجي‬
‫الملهوف ويعطي المسكين ‪ ،‬ويكشف الكرب‪ ،‬ويزيل الخطب‪ ،‬ويسهل المر‬
‫الصعب‪ ،‬ويغفر الذنب‪ ،‬ويقبل التوبة‪.‬‬
‫على العرش استوي‪ ،‬بني السماء ‪ ،‬وبسط الرض‪ ،‬وقدر الوقات‪ ،‬واوجد‬
‫المخلوقات‪ ،‬وبعدما طحي ودهي وأرسي الجبال‪ ،‬ومهد الفجاج‪ ،‬وأخرج الماء‬
‫والمرعي‪ ،‬ووهب الرزاق‪ ،‬وقدر الجال‪ ،‬وكتب المقادير‪ ،‬وأحصي كل شئ‬
‫عددًا‪ ،‬خلق الخلق بحسبان‪ ،‬أتقن صنعه‪ ،‬واحسن خلقه‪ ،‬وأبدع موجوداته‪،‬‬
‫واستوى على العرش ليتفرد بالملك وحده‪ ،‬وعلو القهر والقدر وحده‪ ،‬فليس‬
‫له شريك في ربوبيته‪ ،‬ول نديد في ألوهيته‪ ،‬ول شبيه أو مثيل في أسمائه‬
‫وصفاته‪ ،‬من نازعه الملك محقة‪ ،‬ومن نازعه الكبرياء والعظمة قصمه‪.‬‬
‫وانظر إشراقة الكلمات الثلث وجمالها وفخامتها وهي‪ :‬الرحمن‪ ،‬والعرش‪،‬‬
‫واستوى‪.‬‬
‫فالرحمن ‪ :‬إعلم لعباده برحمته مع فوة قهره وعلو قدره‪ ،‬ثم هي على صفة‬
‫المبالغة لعموم الرحمة وعظمتها‪ ،‬والعرش‪ :‬سرير الملك مع ما في هذه‬
‫الكلمة من عزة وجبروت وقوة وجلل‪ ،‬وكلمة استوي‪ :‬فيها من معاني العلو‬
‫والرفعة والشرف والسؤدد والمجد ما يفوق الوصاف‪ ،‬ويعجز العقول‪ ،‬ويحير‬
‫الفكار ‪ ،‬فسبحانه من ملك جبار‪ ،‬ومن عزيز غفار‪.‬‬
‫وسبحان ربك رب العزة عما يصفون* وسلم على المرسلين* والحمد لله‬
‫رب العالمين‪.‬‬

‫)‪(33 /‬‬

‫خطا أعرابي زمزم؟!‬ ‫على ُ‬


‫د‪ .‬مسفر بن علي القحطاني ‪10/12/1426‬‬
‫‪10/01/2006‬‬
‫روى المام ابن الجوزي حادثة وقعت أثناء الحج في زمانه؛ إذ بينما الحجاج‬
‫يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم قام أعرابي فحسر عن ثوبه‪،‬‬
‫ثم بال في البئر والناس ينظرون‪ ،‬فما كان من الحجاج إل أن انهالوا عليه‬
‫بالضرب حتى كاد يموت‪ ،‬وخّلصه الحرس منهم‪ ،‬وجاؤوا به إلى والي مكة‪،‬‬
‫م فعلت هذا؟ قال العرابي‪ :‬حتى يعرفني الناس‪،‬‬ ‫فقال له‪ :‬قّبحك الله‪ ،‬ل ِ َ‬
‫يقولون‪ :‬هذا فلن الذي بال في بئر زمزم!!‬
‫ومع شناعة هذا الفعل وغرابته في آن واحد إل أن هذا العرابي قد سطر‬
‫خَرق‪ ,‬وإل فما الداعي لهذه الفعلة‬ ‫اسمه في التأريخ رمزا ً للسخافة وال َ‬
‫الشنيعة إل الحرص الشديد على بلوغ المجد والشهرة‪ ،‬ولو كان بالدخول من‬
‫أحط البواب وأنتنها‪ ،‬خصوصا ً أن المر ل يحتاج إلى مال ُينفق أو جهد ُيبذل‪،‬‬
‫ولكنه البحث عما يثير اهتمام الناس بالغريب المحدث من القوال أو الفعال‪.‬‬
‫والناظر في حال الكثير من هواة الصعود الصاروخي إلى قمم الشهرة‬
‫والثارة والمتابعة العلمية يعمدون إلى الستفادة من مدرسة ذاك العرابي‪،‬‬
‫والعتبار بمنهجه البراغماتي في الدوس على القيم المحترمة‪ ،‬والمبادئ‬
‫المعتبرة‪ ،‬والفطر السليمة بغية أن يقول الناس‪ :‬هذه فعلة فلن المعروف‪ ،‬أو‬
‫من هنا مّر فلن المشهور‪ ،‬ول يبالي بعدها بالدعاء أو الشتم أو التأسف أو‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحوقلة أو غيرها من أساليب العجب والستغراب‪ .‬فالستهانة والذم قد تهون‬


‫أمام الذكر والمغالبة على حديث الناس‪.‬‬
‫سّنة يحتذي بها بعض من‬ ‫وفي عصرنا الراهن أصبح فعل العرابي في زمزم ُ‬
‫استحسن فكرته‪ ،‬بل ربما ظاهرة لدى جمهور من الصحفيين و الكتّاب‬
‫والروائيين فمع كثرة وسائل النشر التقليدية أو اللكترونية أصبح لفت النتباه‬
‫وإثارة الغبار على المعتاد فرصة أولئك الصاعدين لبلوغ الشهرة والوصول‬
‫إلى رغبات القراء الجامحة نحو المغّيب من المور والخارق للعادة والمخفي‬
‫من أحوال الناس‪.‬‬
‫وهذا ما لحظته في رواية لحدى الكاتبات المغمورات التي أتقنت درس‬
‫العرابي‪ ،‬وكتبت روايتها المستوحاة من عمق المستور داخل مجتمعها إلى‬
‫عمق المفضوح في أحداثها‪ ،‬مما جعلها الرواية الولى في المبيعات في عدد‬
‫من معارض الكتب‪ ،‬وهاهي توّقع الطبعة الثالثة من روايتها في أقل من أربعة‬
‫أشهر والتي يفوق عدد نسخها القادمة على عشرة آلف نسخة‪ ،‬ول أستبعد‬
‫شح في المستقبل القريب إلى عدد من الجوائز العالمية والدبية تليق‬ ‫أن ُتر ّ‬
‫بحجم العمل الظاهرة!!‬
‫و عالمنا العربي يحوي الكثير من المشاهد المكررة التي تؤكد نظرية التفوق‬
‫الهامشي للزبد والعلو الوقتي للدخان السود‪.‬‬
‫وكم آسى على حال ذاك العرابي الذي ذاق أشد الضربات وأبشع الوصاف‬
‫على فعلته في زمزم‪ ،‬بينما أبناء مدرسته ينالون أعلى الوسمة وأشرف‬
‫اللقاب أمام مرأى الجميع ومرارات أهل المكابدة في البحث والبداع في‬
‫الفن‪ ،‬لذا أتساءل أحيانا ً وبصمت معتاد‪ :‬هل مكمن الخلل في أذواقنا أم في‬
‫ملنا تبعة بولته النكدة في‬‫جل التاريخ نكبته وح ّ‬
‫قيمنا أم في العرابي الذي س ّ‬
‫مشارب الناس؟!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫على فراش الموت‬


‫لما احتضر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه حين وفاته قال ‪ :‬و جاءت‬
‫سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ‪.‬‬
‫و قال لعائشة ‪:‬‬
‫انظروا ثوبي هذين ‪ ,‬فإغسلوهما و كفنوني فيهما ‪ ,‬فإن الحي أولى بالجديد‬
‫من الميت ‪.‬‬
‫و لما حضرته الوفاة أوصى عمر رضي الله عنه قائل ‪:‬‬
‫إني أوصيك بوصية ‪ ,‬إن أنت قبلت عني ‪ :‬إن لله عز و جل حقا بالليل ل يقبله‬
‫بالنهار ‪ ,‬و إن لله حقا بالنهار ل يقبله بالليل ‪ ,‬و إنه ل يقبل النافلة حتى تؤدى‬
‫الفريضة ‪ ,‬و إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه في الخرة بإتباعهم الحق‬
‫في الدنيا ‪ ,‬و ثقلت ذلك عليهم ‪ ,‬و حق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيل‬
‫‪ ,‬و إنما خفت موازين من خفت موازينه في الخرة باتباعهم الباطل ‪ ,‬و خفته‬
‫عليهم في الدنيا و حق لميزان أن يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفا‪.‬‬
‫ولما طعن عمر‬
‫‪ ..‬جاء عبدالله بن عباس ‪ ,‬فقال ‪ : ..‬يا أمير المؤمنين ‪ ,‬أسلمت حين كفر‬
‫الناس ‪ ,‬و جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خذله الناس ‪ ,‬و‬
‫قتلت شهيدا و لم يختلف عليك اثنان ‪ ,‬و توفي رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم و هو عنك راض ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقال له ‪ :‬أعد مقالتك فأعاد عليه ‪ ,‬فقال ‪ :‬المغرور من غررتموه ‪ ,‬و الله لو‬
‫أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت لفتديت به من هول المطلع ‪.‬‬
‫و قال عبدالله بن عمر ‪ :‬كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات‬
‫فيه ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ضع رأسي على الرض ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬ما عليك كان على الرض أو كان على فخذي ؟!‬
‫فقال ‪ :‬ل أم لك ‪ ,‬ضعه على الرض ‪.‬‬
‫فقال عبدالله ‪ :‬فوضعته على الرض ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي عز و جل‪.‬‬
‫أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه و أرضاه‬
‫قال حين طعنه الغادرون و الدماء تسيل على لحيته ‪:‬‬
‫ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ‪.‬‬
‫اللهم إني أستعديك و أستعينك على جميع أموري و أسألك الصبر على‬
‫بليتي ‪.‬‬
‫ولما إستشهد فتشوا خزائنه فوجدوا فيها صندوقا مقفل ‪ .‬ففتحوه فوجدوا فيه‬
‫ورقة مكتوبا عليها )هذه وصية عثمان(‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫عثمان بن عفان يشهد أن ل إله إل الله و حده ل شريك له و أن محمدا عبده‬
‫و رسوله و أن الجنة حق ‪ .‬و أن الله يبعث من في القبور ليوم ل ريب فيه إن‬
‫الله ل يخلف الميعاد ‪ .‬عليها يحيا و عليها يموت و عليها يبعث إن شاء الله ‪.‬‬
‫أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه‬
‫بعد أن طعن علي رضي الله عنه‬
‫قال ‪ :‬ما فعل بضاربي ؟‬
‫قالو ‪ :‬أخذناه‬
‫قال ‪ :‬أطعموه من طعامي ‪ ,‬و اسقوه من شرابي ‪ ,‬فإن أنا عشت رأيت فيه‬
‫رأيي ‪ ,‬و إن أنا مت فاضربوه ضربة واحدة ل تزيدوه عليها ‪.‬‬
‫ثم أوصى الحسن أن يغسله و قال ‪ :‬ل تغالي في الكفن فإني سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه و سلم يقول ‪ :‬لتغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا‬
‫و أوصى ‪ :‬إمشوا بي بين المشيتين ل تسرعوا بي ‪ ,‬و ل تبطئوا ‪ ,‬فإن كان‬
‫خيرا عجلتموني إليه ‪ ,‬و إن كان شرا ألقيتموني عن أكتافكم ‪.‬‬
‫معاذ بن جبل رضي الله عنه و أرضاه‬
‫الصحابي الجليل معاذ بن جبل ‪ ..‬حين حضرته الوفاة ‪..‬‬
‫و جاءت ساعة الحتضار ‪ ..‬نادى ربه ‪ ...‬قائل ‪: ..‬‬
‫يا رب إنني كنت أخافك ‪ ,‬و أنا اليوم أرجوك ‪ ..‬اللهم إنك تعلم أنني ما كنت‬
‫أحب الدنيا لجري النهار ‪ ,‬و ل لغرس الشجار ‪ ..‬و إنما لظمأ الهواجر ‪ ,‬و‬
‫مكابدة الساعات ‪ ,‬و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق العلم ‪.‬‬
‫ثم فاضت روحه بعد أن قال ‪:‬ل إله إل الله ‪...‬‬
‫روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ‪ : ..‬نعم الرجل معاذ‬
‫بن جبل‬
‫و روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ‪ :‬أرحم الناس‬
‫بأمتي أبوبكر ‪ ....‬إلى أن قال ‪ ...‬و أعلمهم بالحلل و الحرام معاذ ‪.‬‬
‫بلل بن رباح رضي الله عنه و أرضاه‬
‫حينما أتى بلل الموت ‪ ..‬قالت زوجته ‪ :‬وا حزناه ‪..‬‬
‫فكشف الغطاء عن وجهه و هو في سكرات الموت ‪ ..‬و قال ‪ :‬ل تقولي‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واحزناه ‪ ,‬و قولي وا فرحاه‬


‫ثم قال ‪ :‬غدا نلقى الحبة ‪..‬محمدا و صحبه ‪.‬‬
‫أبو ذر الغفاري رضي الله عنه و أرضاه‬
‫لما حضرت أبا ذر الوفاة ‪ ..‬بكت زوجته ‪ ..‬فقال ‪ :‬ما يبكيك ؟‬
‫قالت ‪ :‬و كيف ل أبكي و أنت تموت بأرض فلة و ليس معنا ثوب يسعك‬
‫كفنا ‪...‬‬
‫فقال لها ‪ :‬ل تبكي و أبشري فقد سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول‬
‫لنفر أنا منهم ‪:‬ليموتن رجل منكم بفلة من الرض يشهده عصابة من‬
‫المؤمنين‬
‫و ليس من أولئك النفر أحد إل و مات في قرية و جماعة ‪ ,‬و أنا الذي أموت‬
‫بفلة ‪ ,‬و الله ما كذبت و ل كذبت فانظري الطريق‬
‫قالت ‪:‬أنى و قد ذهب الحاج و تقطعت الطريق‬
‫فقال انظري فإذا أنا برجال فألحت ثوبي فأسرعوا إلي فقالوا ‪ :‬ما لك يا أمة‬
‫الله ؟‬
‫قالت ‪ :‬امرؤ من المسلمين تكفونه ‪..‬‬
‫فقالوا ‪ :‬من هو ؟‬
‫قالت ‪ :‬أبو ذر‬
‫قالوا ‪ :‬صاحب رسول الله‬
‫ففدوه بأبائهم و أمهاتهم و دخلوا عليه فبشرهم و ذكر لهم الحديث‬
‫و قال ‪ :‬أنشدكم بالله ‪ ,‬ل يكفنني أحد كان أمير أو عريفا أو بريدا‬
‫فكل القوم كانوا نالوا من ذلك شيئا غير فتى من النصار فكفنه في ثوبين‬
‫لذلك الفتى‬

‫)‪(1 /‬‬

‫و صلى عليه عبدالله بن مسعود‬


‫فكان في ذلك القوم‬
‫رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫الصحابي الجليل أبوالدرداء رضي الله عنه و أرضاه‬
‫لما جاء أبا الدرداء الموت ‪ ...‬قال ‪:‬‬
‫أل رجل يعمل لمثل مصرعي هذا ؟‬
‫أل رجل يعمل لمثل يومي هذا ؟‬
‫أل رجل يعمل لمثل ساعتي هذه ؟‬
‫ثم قبض رحمه الله‪.‬‬
‫سلمان الفارسي رضي الله عنه و أرضاه‬
‫بكى سلمان الفارسي عند موته ‪ ,‬فقيل له ‪ :‬ما يبكيك ؟‬
‫فقال ‪ :‬عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكون زاد أحدنا كزاد‬
‫الراكب ‪ ,‬و حولي هذه الزواد ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬إنما كان حوله إجانة و جفنة و مطهرة !‬
‫الجانة ‪ :‬إناء يجمع فيه الماء‬
‫الجفنة ‪ :‬القصعة يوضع فيها الماء و الطعام‬
‫المطهرة ‪ :‬إناء يتطهر فيه‪.‬‬
‫الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه‬
‫لما حضر عبدالله بن مسعود الموت دعا إبنه فقال ‪ :‬يا عبدالرحمن بن‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبدالله بن مسعود ‪ ,‬إني أوصيك بخمس خصال ‪ ,‬فإحفظهن عني ‪:‬‬


‫أظهر اليأس للناس ‪ ,‬فإن ذلك غنى فاضل ‪.‬‬
‫و دع مطلب الحاجات إلى الناس ‪ ,‬فإن ذلك فقر حاضر ‪.‬‬
‫و دع ما تعتذر منه من المور ‪ ,‬و ل تعمل به ‪.‬‬
‫و إن إستطعت أل يأتي عليك يوم إل و أنت خير منك بالمس ‪ ,‬فافعل ‪.‬‬
‫و إذا صليت صلة فصل صلة مودع ‪ ,‬كأنك ل تصلي بعدها ‪.‬‬
‫الحسن بن علي سبط رسول الله و سيد شباب أهل الجنة رضي الله عنه‬
‫لما حضر الموت بالحسن بن علي رضي الله عنهما ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫أخرجوا فراشي إلى صحن الدار ‪ ,‬فأخرج فقال ‪:‬‬
‫اللهم إني أحتسب نفسي عندك ‪ ,‬فإني لم أصب بمثلها !‬
‫الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه‬
‫قال معاوية رضي الله عنه عند موته لمن حوله ‪ :‬أجلسوني ‪..‬‬
‫فأجلسوه ‪ ..‬فجلس يذكر الله ‪ , ..‬ثم بكى ‪ ..‬و قال ‪:‬‬
‫الن يا معاوية ‪ ..‬جئت تذكر ربك بعد النحطام و النهدام ‪ ,..‬أما كان هذا و‬
‫غض الشباب نضير ريان ؟!‬
‫ثم بكى و قال ‪:‬‬
‫يا رب ‪ ,‬يا رب ‪ ,‬ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي ‪ ..‬اللهم أقل العثرة و‬
‫اغفر الزلة ‪ ..‬و جد بحلمك على من لم يرج غيرك و ل وثق بأحد سواك ‪...‬‬
‫ثم فاضت رضي الله عنه‪.‬‬
‫الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه‬
‫حينما حضر عمرو بن العاص الموت ‪ ..‬بكى طويل ‪ ..‬و حول وجهه إلى الجدار‬
‫‪ ,‬فقال له إبنه ‪:‬ما يبكيك يا أبتاه ؟ أما بشرك رسول الله ‪....‬‬
‫فأقبل عمرو رضي الله عنه إليهم بوجهه و قال ‪ :‬إن أفضل ما نعد ‪ ...‬شهادة‬
‫أن ل إله إل الله ‪ ,‬و أن محمدا رسول الله ‪..‬‬
‫إني كنت على أطباق ثلث ‪..‬‬
‫لقد رأيتني و ما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه و سلم مني ‪ ,‬و ل‬
‫أحب إلى أن أكون قد استمكنت منه فقتلته ‪ ,‬فلو مت على تلك الحال لكنت‬
‫من أهل النار‪.....‬‬
‫فلما جعل الله السلم في قلبي ‪ ,‬أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت ‪:‬‬
‫إبسط يمينك فلبايعنك ‪ ,‬فبسط يمينه ‪ ,‬قال ‪ :‬فقضبت يدي ‪..‬‬
‫فقال ‪ :‬ما لك يا عمرو ؟‬
‫قلت ‪ :‬أردت أن أشترط‬
‫فقال ‪ :‬تشترط ماذا ؟‬
‫قلت ‪ :‬أن يغفر لي ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أما علمت أن السلم يهدم ما كان قبله ‪ ,‬و أن الهجرة تهدم ما كان‬
‫قبلها ‪ ,‬و أن الحج يهدم ما كان قبله ؟‬
‫و ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه و سلم و ل أحلى في‬
‫عيني منه ‪ ,‬و ما كنت أطيق أن أمل عيني منه إجلل له ‪ ,‬و لو قيل لي صفه‬
‫لما إستطعت أن أصفه ‪ ,‬لني لم أكن أمل عيني منه ‪,‬‬
‫و لو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ‪,‬‬
‫ثم ولينا أشياء ‪ ,‬ما أدري ما حالي فيها ؟‬
‫فإذا أنا مت فل تصحبني نائحة و ل نار ‪ ,‬فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب‬
‫سنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور و يقسم لحمها ‪ ,‬حتى أستأنس‬
‫بكم ‪ ,‬و أنظر ماذا أراجع به رسل ربي ؟‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصحابي الجليل أبو موسى الشعري‬


‫لما حضرت أبا موسى ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬الوفاة ‪ ,‬دعا فتيانه ‪ ,‬و قال لهم ‪:‬‬
‫إذهبوا فاحفروا لي و أعمقوا ‪...‬‬
‫ففعلوا ‪..‬‬
‫فقال ‪ :‬اجلسوا بي ‪ ,‬فو الذي نفسي بيده إنها لحدى المنزلتين ‪ ,‬إما ليوسعن‬
‫قبري حتى تكون كل زاوية أربعين ذراعا ‪ ,‬و ليفتحن لي باب من أبواب‬
‫الجنة ‪ ,‬فلنظرن إلى منزلي فيها و إلى أزواجي ‪ ,‬و إلى ما أعد الله عز و جل‬
‫لي فيها من النعيم ‪ ,‬ثم لنا أهدى إلى منزلي في الجنة مني اليوم إلى أهلي ‪,‬‬
‫و ليصيبني من روحها و ريحانها حتى أبعث ‪.‬‬
‫و إن كانت الخرى ليضيقن علي قبري حتى تختلف منه أضلعي ‪ ,‬حتى يكون‬
‫أضيق من كذا و كذا ‪ ,‬و ليفتحن لي باب من أبواب جهنم ‪ ,‬فلنظرن إلى‬
‫مقعدي و إلى ما أعد الله عز و جل فيها من السلسل و الغلل و القرناء ‪,‬‬
‫ثم لنا إلى مقعدي من جهنم لهدى مني اليوم إلى منزلي ‪ ,‬ثم ليصيبني من‬
‫سمومها و حميمها حتى أبعث ‪.‬‬
‫سعد بن الربيع رضي الله عنه‬
‫لما إنتهت غزوة أحد ‪ ..‬قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ :‬من يذهب‬
‫فينظر ماذا فعل سعد بن الربيع ؟‬
‫فدار رجل من الصحابة بين القتلى ‪ ..‬فأبصره سعد بن الربيع قبل أن تفيض‬
‫روحه ‪ ..‬فناداه ‪ : ..‬ماذا تفعل ؟‬
‫فقال ‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثني لنظر ماذا فعلت ؟‬
‫فقال سعد ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إقرأ على رسول الله صلى الله عليه و سلم مني السلم و أخبره أني ميت و‬
‫أني قد طعنت إثنتي عشرة طعنة و أنفذت في ‪ ,‬فأنا هالك ل محالة ‪ ,‬و إقرأ‬
‫على قومي من السلم و قل لهم ‪ ..‬يا قوم ‪ ..‬ل عذر لكم إن خلص إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم و فيكم عين تطرف ‪...‬‬
‫عبدالله بن عمر رضي الله عنهما‬
‫قال عبدالله بن عمر قبل أن تفيض روحه ‪:‬‬
‫ما آسى من الدنيا على شيء إل على ثلثة ‪:‬‬
‫ظمأ ا لهواجر ومكابدةالليل و مراوحة القدام بالقيام لله عز و جل ‪,‬‬
‫و أني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت‬
‫)و لعله يقصد الحجاج و من معه(‪.‬‬
‫عبادة بن الصامت رضي الله عنه و أرضاه‬
‫لما حضرت عبادة بن الصامت الوفاة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أخرجوا فراشي إلى الصحن‬
‫ثم قال ‪:‬‬
‫اجمعوا لي موالي و خدمي و جيراني و من كان يدخل علي‬
‫فجمعوا له ‪ ....‬فقال ‪:‬‬
‫إن يومي هذا ل أراه إل آخر يوم يأتي علي من الدنيا ‪ ،‬و أول ليلة من الخرة ‪،‬‬
‫و إنه ل أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء ‪ ،‬و هو والذي‬
‫نفس عبادة بيده ‪ ،‬القصاص يوم القيامة ‪ ،‬و أحرج على أحد منكم في نفسه‬
‫شيء من ذلك إل اقتص مني قبل أن تخرج نفسي ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقالوا ‪ :‬بل كنت والدا و كنت مؤدبا ‪.‬‬


‫فقال ‪ :‬أغفرتم لي ما كان من ذلك ؟‬
‫قالوا ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬اللهم اشهد ‪ ...‬أما الن فاحفظوا وصيتي ‪...‬‬
‫أحرج على كل إنسان منكم أن يبكي ‪ ،‬فإذا خرجت نفسي فتوضئوا فأحسنوا‬
‫الوضوء ‪ ،‬ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجدا فيصلي ثم يستغفر لعبادة و‬
‫لنفسه ‪ ،‬فإن الله عز و جل قال ‪ :‬و استعينوا بالصبر و الصلة و إنها لكبيرة إل‬
‫على الخاشعين ‪ ...‬ثم أسرعوا بي إلى حفرتي ‪ ،‬و ل تتبعوني بنار ‪.‬‬
‫المام الشافعي رضي الله عنه‬
‫دخل المزني على المام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه‬
‫فقال له ‪:‬كيف أصبحت يا أبا عبدالله ؟!‬
‫فقال الشافعي ‪:‬‬
‫أصبحت من الدنيا راحل‪ ,‬و للخوان مفارقا ‪ ,‬و لسوء عملي ملقيا ‪ ,‬و لكأس‬
‫المنية شاربا ‪ ,‬و على الله واردا ‪ ,‬و ل أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها ‪,‬‬
‫أم إلى النار فأعزيها ‪ ,‬ثم أنشأ يقول ‪:‬‬
‫و لما قسا قلبي و ضاقت مذاهبي‬
‫جعلت رجائي نحو عفوك سلما‬
‫تعاظمني ذنبي فلما قرنته‬
‫بعفوك ربي كان عفوك أعظما‬
‫فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل‬
‫تجود و تعفو منة و تكرما‬
‫الحسن البصري رضي الله عنه و أرضاه‬
‫حينما حضرت الحسن البصري المنية‬
‫حرك يديه و قال ‪:‬‬
‫هذه منزلة صبر و إستسلم !‬
‫عبدالله بن المبارك‬
‫العالم العابد الزاهد المجاهد عبدالله بن المبارك ‪ ,‬حينما جاءته الوفاة إشتدت‬
‫عليه سكرات الموت‬
‫ثم أفاق ‪ ..‬و رفع الغطاء عن وجهه و ابتسم قائل ‪:‬‬
‫لمثل هذا فليعمل العاملون ‪ ....‬ل إله إل الله ‪....‬‬
‫ثم فاضت روحه‪.‬‬
‫الفضيل بن عياض‬
‫العالم العابد الفضيل بن عياض الشهير بعابد الحرمين‬
‫لما حضرته الوفاة ‪ ,‬غشي عليه ‪ ,‬ثم أفاق و قال ‪:‬‬
‫وا بعد سفراه ‪...‬‬
‫وا قلة زاداه ‪!...‬‬
‫المام العالم محمد بن سيرين‬
‫روي أنه لما حضرت محمد بن سيرين الوفاة ‪ ,‬بكى ‪ ,‬فقيل له ‪ :‬ما يبكيك ؟‬
‫فقال ‪ :‬أبكي لتفريطي في اليام الخالية و قلة عملي للجنة العالية و ما‬
‫ينجيني من النار الحامية‪.‬‬
‫الخليفة العادل الزاهد عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه‬
‫لما حضر الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الموت قال لبنيه و كان مسلمة‬
‫بن عبدالملك حاضرا ‪:‬‬
‫يا بني ‪ ,‬إني قد تركت لكم خيرا كثيرا ل تمرون بأحد من المسلمين و أهل‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذمتهم إل رأو لكم حقا ‪.‬‬


‫يا بني ‪ ,‬إني قد خيرت بين أمرين ‪ ,‬إما أن تستغنوا و أدخل النار ‪ ,‬أو تفتقروا‬
‫و أدخل الجنة ‪ ,‬فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي ‪ ,‬قوموا عصمكم الله ‪...‬‬
‫قوموا رزقكم الله ‪...‬‬
‫قوموا عني ‪ ,‬فإني أرى خلقا ما يزدادون إل كثرة ‪ ,‬ما هم بجن و ل إنس ‪..‬‬
‫قال مسلمة ‪ :‬فقمنا و تركناه ‪ ,‬و تنحينا عنه ‪ ,‬و سمعنا قائل يقول ‪ :‬تلك الدار‬
‫الخرة نجعلها للذين ل يريدون علوا في الرض و ل فسادا و العاقبة للمتقين‬
‫ثم خفت الصوت ‪ ,‬فقمنا فدخلنا ‪ ,‬فإذا هو ميت مغمض مسجى !‬
‫الخليفة المأمون أمير المؤمنين رحمه الله‬
‫حينما حضر المأمون الموت قال ‪:‬‬
‫أنزلوني من على السرير‪.‬‬
‫فأنزلوه على الرض ‪...‬‬
‫فوضع خده على التراب و قال ‪:‬‬
‫يا من ل يزول ملكه ‪ ...‬إرحم من قد زال ملكه ‪! ...‬‬
‫أمير المؤمنين عبدالملك من مروان رحمه الله‬
‫يروى أن عبدالملك بن مروان لما أحس بالموت قال ‪ :‬ارفعوني على شرف ‪,‬‬
‫ففعل ذلك ‪ ,‬فتنسم الروح ‪ ,‬ثم قال ‪:‬‬
‫يا دنيا ما أطيبك !‬
‫إن طويلك لقصير ‪...‬‬
‫و إن كثيرك لحقير ‪...‬‬
‫و إن كنا منك لفي غرور ‪! ...‬‬
‫هشام بن عبدالملك رحمه الله‬
‫لما أحتضر هشام بن عبدالملك ‪ ,‬نظر إلى أهله يبكون حوله فقال ‪ :‬جاء‬
‫هشام إليكم بالدنيا و جئتم له بالبكاء ‪ ,‬ترك لكم ما جمع و تركتم له ما حمل ‪,‬‬
‫ما أعظم مصيبة هشام إن لم يرحمه الله ‪.‬‬
‫أمير المؤمنين الخليفة المعتصم رحمه الله‬
‫قال المعتصم عند موته ‪:‬‬
‫لو علمت أن عمري قصير هكذا ما فعلت ‪! ...‬‬
‫أمير المؤمنين الخليفة الزاهد المجاهد هارون الرشيد رحمه الله‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لما مرض هارون الرشيد و يئس الطباء من شفائه ‪ ...‬و أحس بدنو أجله ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬أحضروا لي أكفانا فأحضروا له ‪..‬فقال ‪:‬‬
‫احفروا لي قبرا ‪...‬‬
‫فحفروا له ‪ ...‬فنظر إلى القبر و قال ‪:‬‬
‫ما أغنى عني مالية ‪ ...‬هلك عني سلطانية ‪! ...‬‬
‫محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫الحمد لله الواحد العلم‬
‫و على النبي الكريم الصلة و السلم‬
‫أما بعد ‪..‬‬
‫فهذا ما تيسر جمعه من على فراش الموت ‪..‬‬
‫جمعتها تذكرة لنفسي أول و لخواني ‪ ..‬لنأخذ منها العظة ‪ ..‬و لنتذكر حقيقة‬
‫هذه الدنيا ‪...‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و خير ختام لهذه الحلقات ‪ ..‬اللحظات الخيرة على فراش موت النبي عليه‬
‫أفضل الصلة و أزكى السلم ‪...‬‬
‫في يوم الثنين الثاني عشر من ربيع الول للسنة الحادية عشرة للهجرة‬
‫كان المرض قد أشتد برسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬و سرت أنباء‬
‫مرضه بين أصحابه ‪ ،‬و بلغ منهم القلق مبلغه ‪ ،‬و كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم قد أوصى أن يكون أبو بكر إماما لهم ‪ ،‬حين أعجزه المرض عن‬
‫الحضور إلى الصلة ‪.‬‬
‫و في فجر ذلك اليوم و أبو بكر يصلي بالمسلمين ‪ ،‬لم يفاجئهم و هم يصلون‬
‫إل رسول الله و هو يكشف ستر حجرة عائشة ‪ ،‬و نظر إليهم و هم في‬
‫صفوف الصلة ‪ ،‬فتبسم مما رآه منهم فظن أبو بكر أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم يريد أن يخرج للصلة ‪ ،‬فأراد أن يعود ليصل الصفوف ‪ ،‬و هم‬
‫المسلمون أن يفتتنوا في صلتهم ‪ ،‬فرحا برسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬و أومأ إلى أبي بكر ليكمل‬
‫الصلة ‪ ،‬فجلس عن جانبه و صلى عن يساره ‪ .......‬و عاد رسول الله إلى‬
‫حجرته ‪ ،‬و فرح الناس بذلك أشد الفرح ‪ ،‬و ظن الناس أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم قد أفاق من وجعه ‪ ،‬و إستبشروا بذلك خيرا ‪...‬‬
‫و جاء الضحى ‪ ..‬و عاد الوجع لرسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬فدعا‬
‫فاطمة ‪ ..‬فقال لها سرا أنه سيقبض في وجعه هذا ‪ ..‬فبكت لذلك ‪، ..‬‬
‫فأخبرها أنها أول من يتبعه من أهله ‪ ،‬فضحكت ‪...‬‬
‫و إشتد الكرب برسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ..‬و بلغ منه مبلغه ‪...‬‬
‫فقالت فاطمة ‪ :‬واكرباه ‪ ...‬فرد عليها رسول الله قائل ‪ :‬ل كرب على أبيك‬
‫بعد اليوم‬
‫و أوصى رسول الله صلى الله عليه و سلم وصيته للمسلمين و هو على‬
‫فراش موته ‪ :‬الصلة الصلة ‪ ..‬و ما ملكت أيمانكم ‪ ......‬الصلة الصلة و ما‬
‫ملكت أيمانكم ‪ ....‬و كرر ذلك مرارا ‪......‬‬
‫و دخل عبد الرحمن بن أبي بكر و بيده السواك ‪ ،‬فنظر إليه رسول الله ‪،‬‬
‫قالت عائشة ‪ :‬آخذه لك ‪ ..‬؟ ‪ ،‬فأشار برأسه أن نعم ‪ ...‬فإشتد عليه ‪ ...‬فقالت‬
‫عائشة ‪ :‬ألينه لك ‪ ...‬فأشار برأسه أن نعم ‪ ...‬فلينته له ‪...‬‬
‫و جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل يديه في ركوة فيها ماء ‪،‬‬
‫فيمسح بالماء وجهه و هو يقول ‪ :‬ل إله إل الله ‪ ...‬إن للموت لسكرات ‪...‬‬
‫و في النهاية ‪ ...‬شخص بصر رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ...‬و تحركت‬
‫شفتاه قائل ‪ .... :‬مع الذين أنعمت عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و‬
‫الصالحين ‪ ،‬اللهم إغفر لي و إرحمني ‪ ...‬و ألحقني بالرفيق العلى اللهم‬
‫الرفيق العلى‬
‫اللهم الرفيق العلى‬
‫اللهم الرفيق العلى‬
‫و فاضت روح خير خلق الله ‪ ..‬فاضت أطهر روح خلقت إلى ربها ‪ ..‬فاضت‬
‫روح من أرسله الله رحمة للعالمين و صلى اللهم عليه و سلم تسليما‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫م _________________________ ‪ ... ...‬عََلى‬ ‫مكارِ ُ‬ ‫كرام ِ ال َ‬‫وَتأِتي عََلى قَد ْرِ ال ِ‬


‫َ‬
‫م _________________________ ‪1 ...‬‬ ‫ل الَعزم ِ َتأِتي الَعزائ ِ ُ‬ ‫قَد ْرِ أه ِ‬
‫م _________________________ ‪... ...‬‬‫ظيم ِ الَعظائ ِ ُ‬ ‫ن العَ ِ‬‫عي ِ‬ ‫وَتصُغر في َ‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صغاُرها _________________________ ‪2 ...‬‬ ‫صِغيرِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عي ِ‬ ‫م في َ‬ ‫وَتعظ ُ ُ‬


‫م _________________________ ‪... ...‬‬ ‫خضارِ ُ‬ ‫ش ال َ‬ ‫جيو ُ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫ت عن ُ‬ ‫جَز ْ‬ ‫وقد عَ َ‬
‫ه _________________________ ‪3 ...‬‬ ‫م ُ‬ ‫ش هَ ّ‬ ‫جي َ‬ ‫دولةِ ال َ‬ ‫َ‬ ‫ف ال َ‬ ‫سي ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ُيكل ّ ُ‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬وَيطلب‬ ‫ضراِغ ُ‬ ‫عيهِ ال َ‬ ‫ك ما ل ت َد ّ ِ‬ ‫وذل ِ َ‬
‫عند َ َنفسهِ _________________________ ‪4 ...‬‬ ‫س ما ِ‬ ‫عند َ النا ِ‬ ‫ِ‬
‫دي‬ ‫يف‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫_________________________‬ ‫م‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫قشا‬ ‫َ‬ ‫وال‬ ‫ثها‬ ‫ُ‬ ‫أحدا‬ ‫َ‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫نسو‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حه _________________________ ‪5 ...‬‬ ‫سل‬ ‫را‬ ‫عم‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫طي‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫أت‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ضّرها‬ ‫ُ‬ ‫ت َ‬
‫م _________________________ ‪َ ... ...‬وما َ‬ ‫قوائ ُِ‬ ‫ه وال َ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫أسيا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫ُ‬ ‫وقد‬
‫مخاِلب _________________________ ‪6 ...‬‬ ‫خل ْقٌ ب َِغيرِ َ‬ ‫َ‬
‫ث‬‫حد َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ال َ‬ ‫م _________________________ ‪ ... ...‬هَ ِ‬ ‫ن الَغمائ ِ ُ‬ ‫م أي الساقَِيي ِ‬ ‫وَتعل ُ‬
‫ف لوَنها _________________________ ‪7 ...‬‬ ‫َ‬ ‫حمراُء َتعرِ ُ‬ ‫ال َ‬
‫قتها‬ ‫س َ‬ ‫م _________________________ ‪َ ... ...‬‬ ‫ج ُ‬ ‫جما ِ‬ ‫َفلما َدنا منها سقتها ال َ‬
‫ل ُنزولهِ _________________________ ‪8 ...‬‬ ‫م الغُّر َقب َ‬ ‫الَغما ُ‬
‫م _________________________ ‪َ ... ...‬بناها‬ ‫مَتلط ِ ُ‬ ‫حولها ُ‬ ‫َ‬ ‫منايا َ‬ ‫ج ال َ‬ ‫مو ُ‬ ‫و َ‬
‫قنا _________________________ ‪9 ...‬‬ ‫قنا َيقَرع ُ ال َ‬ ‫فَأعلى وال َ‬ ‫َ‬
‫ن ِبها‬ ‫م _________________________ ‪َ ... ...‬وكا َ‬ ‫ث القت ََلى عََليها َتمائ ِ ُ‬ ‫جث َ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫و ِ‬
‫حت _________________________ ‪10 ...‬‬ ‫ب‬ ‫أص‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫جنو‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫مث‬
‫َ َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫م _________________________ ‪... ...‬‬ ‫ِ ُ‬ ‫غ‬ ‫را‬ ‫ر‬ ‫ده‬ ‫وال‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫بال‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫على‬
‫َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ريدة ُ َدهرٍ ساَقها فردْدتها _________________________ ‪11 ...‬‬ ‫طَ ِ‬
‫ت‬ ‫في ُ‬ ‫م _________________________ ‪ ... ...‬ت ُ ِ‬ ‫غوارِ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫خذ َ‬ ‫ن ِلما َيأ ُ‬ ‫وهُ ّ‬
‫ه _________________________ ‪12 ...‬‬ ‫َ‬ ‫اللياِلي ك ُ ّ‬
‫ل شيٍء أخذت َ ُ‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬إذا‬ ‫جواز ُ‬ ‫قى عَليهِ ال َ‬ ‫َ‬ ‫ل أن ُتل َ‬ ‫ضى َقب َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫عا _________________________ ‪13 ...‬‬ ‫مضارِ ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫فع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫وي‬ ‫ِ‬ ‫تن‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬
‫ف‬
‫م _________________________ ‪َ ... ...‬وكي َ‬ ‫س لها وَدعائ ُِ‬ ‫ٌ‬ ‫سا‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫طع ُ‬ ‫َوذا ال َ‬
‫مها _________________________ ‪14 ...‬‬ ‫هد َ‬ ‫س َ‬ ‫م والرو ُ‬ ‫جي الُرو ُ‬ ‫ت َُر ّ‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬وقد‬ ‫ش ظال ِ ُ‬ ‫م ول عا َ‬ ‫مظلو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ت َ‬ ‫فما ما َ‬
‫م _________________________ ‪15 ...‬‬ ‫حواك ِ ٌ‬ ‫منايا َ‬ ‫موها وال َ‬ ‫حاك َ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫جّرو َ‬ ‫ك يَ ُ‬ ‫م _________________________ ‪ ... ...‬أَتو َ‬ ‫ن َقوائ ِ ُ‬ ‫جياد ٍ ما ل َهُ ّ‬ ‫سَرْوا ب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ديد َ كأّنما _________________________ ‪16 ...‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ال َ‬
‫م _________________________ ‪ِ ... ...‬إذا ب ََرُقوا لم‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫ئ‬ ‫عما‬ ‫وال‬ ‫لها‬ ‫ِ ِ‬ ‫مث‬ ‫من‬ ‫م‬
‫ِثياب ُ ُ ُ‬ ‫ه‬
‫م _________________________ ‪17 ...‬‬ ‫منهُ ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف الِبي ُ‬ ‫ُتعَر ِ‬
‫س‬
‫مي ٌ‬ ‫خ ِ‬ ‫م _________________________ ‪َ ... ...‬‬ ‫ه زماز ُ‬ ‫جوزاِء من ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫وفي أذ ُ ِ‬
‫ه _________________________ ‪18 ...‬‬ ‫ف ُ‬ ‫ب َزح ُ‬ ‫ض والَغر ِ‬ ‫ق الر ِ‬ ‫شر ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ه‬
‫مع في ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫م _________________________ ‪ ... ...‬ت َ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ث ِإل الَترا ِ‬ ‫دا ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ال ُ‬ ‫فما ُيفهِ ُ‬
‫مةٍ _________________________ ‪19 ...‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن وأ ّ‬ ‫كل ِلس ٍ‬
‫ت‬ ‫ّ‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬فل ِلهِ َوق ٌ‬ ‫ضبارِ ُ‬ ‫م أو ُ‬ ‫فلم َيبقَ ِإل صار ٌ‬
‫ش ناُره ُ _________________________ ‪20 ...‬‬ ‫ب الغِ ّ‬ ‫ذوّ َ‬
‫قطع‬ ‫م _________________________ ‪ ... ...‬ت َ َ‬ ‫من ل ُيصادِ ُ‬ ‫فرسان َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫وفَّر م َ‬
‫قنا _________________________ ‪21 ...‬‬ ‫درع َ وال َ‬ ‫ما ل َيقطعُ ال ِ‬ ‫َ‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬وََقف َ‬
‫ت‬ ‫ن الّرَدى وَهْوَ نائ ِ ُ‬ ‫جف ِ‬ ‫ك في َ‬ ‫كَأن َ‬
‫ف _________________________ ‪22 ...‬‬ ‫ك ِلواقِ ٍ‬ ‫ش ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مو ِ‬ ‫َوما في ال َ‬
‫مّر ب ِكَ‬ ‫م _________________________ ‪ ... ...‬ت َ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ح وثغُْرك با ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ضا ٌ‬ ‫ك وَ ّ‬ ‫وَوجهُ َ‬
‫ا َ‬
‫ة _________________________ ‪23 ...‬‬ ‫زيم ً‬ ‫مى َهَ ِ‬ ‫ل ك َل ْ َ‬ ‫لبطا ُ‬
‫م _________________________ ‪... ...‬‬ ‫ت بالَغيب عال ِ ُ‬ ‫ل َقوم ٍ أن َ‬ ‫إلى قو ِ‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شجاعةِ والن َُهى _________________________ ‪24 ...‬‬ ‫مقداَر ال َ‬ ‫ت ِ‬ ‫تجاَوز َ‬


‫ت‬
‫مم َ‬ ‫ض َ‬ ‫م _________________________ ‪َ ... ...‬‬ ‫قوادِ ُ‬ ‫خواِفي تحَتها وال َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫مو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫ة _________________________ ‪25 ...‬‬ ‫م ً‬ ‫ض ّ‬‫ب َ‬ ‫قل ِ‬ ‫حيهم على ال َ‬ ‫جنا َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ضر‬
‫ِ َ ٍ‬ ‫ب‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫_________________________‬ ‫م‬
‫ِ ُ‬ ‫د‬ ‫قا‬ ‫ر‬
‫َ ُ‬‫نص‬ ‫وال‬ ‫ت‬‫ّ ِ‬‫با‬ ‫الل‬ ‫إلى‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫وصا‬ ‫َ‬
‫ب _________________________ ‪26 ...‬‬ ‫غائ‬ ‫ر‬ ‫نص‬ ‫وال‬ ‫ت‬ ‫الهاما‬ ‫تى‬ ‫َ‬
‫ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫أَ‬
‫ت‬‫قر َ‬ ‫ح َ‬
‫م _________________________ ‪َ ... ...‬‬ ‫ن السيف ِللُرمِح شات ِ ُ‬ ‫حتى كأ ّ‬ ‫و َ‬
‫حّتى طَرحَتها _________________________ ‪27 ...‬‬ ‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫الُرَدينّيا ِ‬
‫من‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬و َ‬ ‫صوارِ ُ‬ ‫ف ال َ‬ ‫خفا ُ‬ ‫ه الِبيض ال ِ‬ ‫ح ُ‬‫مفاتي ُ‬ ‫َ‬
‫ل فإّنما _________________________ ‪28 ...‬‬ ‫جِلي َ‬ ‫ح ال َ‬ ‫فت َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ط َل َ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫م _________________________ ‪... ...‬‬ ‫دراهِ ُ‬ ‫س ال َ‬ ‫كما ن ُِثرت َفوقَ ُ العَُرو ِ‬ ‫َ‬


‫ب ك ُل ّهِ _________________________ ‪29 ...‬‬ ‫حيدِ ِ‬ ‫م َفوقَ ال َ‬ ‫ن ََثرت َهُ ُ‬
‫م _________________________ ‪... ...‬‬ ‫ع ُ‬ ‫مطا ِ‬ ‫وكورِ ال َ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫حو َ‬ ‫وقد ك َث َُرت َ‬
‫وكوَر على الذ َّرى _________________________ ‪30 ...‬‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ك الخي ُ‬ ‫س بِ َ‬ ‫دو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫ن ِفرا ُ‬
‫خ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬ت َظ ّ‬ ‫صلدِ ُ‬ ‫ي الِعتاقُ ال ّ‬ ‫ماِتها وَهْ َ‬ ‫ب ِأ ّ‬
‫ك زرَتها _________________________ ‪31 ...‬‬ ‫فتِخ َأن َ‬ ‫ال ُ‬
‫م _________________________ ‪ِ ... ...‬إذا‬ ‫لراق‬ ‫شى في الصعيد ا َ‬ ‫ّ‬ ‫تم‬ ‫َ ََ‬ ‫ت‬ ‫كما‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫طوِنها _________________________ ‪32 ...‬‬ ‫شيَتها ب ِب ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫قت َ‬ ‫َزل ِ َ‬
‫َ‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬أِفي ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫وجهِ لئ ِ ُ‬ ‫لقدام ِ ِلل َ‬ ‫َقفاه ُ على ا ِ‬
‫م _________________________ ‪33 ...‬‬ ‫مقدِ ٌ‬ ‫دمسُتق ُ‬ ‫يوم ٍ ذا ال ّ‬
‫َ‬
‫كر‬ ‫م _________________________ ‪ ... ...‬أُين ِ‬ ‫ح اللُيوث البهائ ِ ُ‬ ‫ت ِري َ‬ ‫عرفَ ْ‬ ‫وقد َ‬
‫ذوَقه _________________________ ‪34 ...‬‬ ‫ح الليث حّتى ي َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ري َ‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬وقد‬ ‫َ‬
‫ت الميرِ الَغواش ُ‬ ‫حمل ُ‬ ‫صهرِ َ‬ ‫وبال ِ‬
‫ن صهرِهِ _________________________ ‪35 ...‬‬ ‫ه ِبابن ِهِ واب ِ‬ ‫جَعت ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ضى‬ ‫م َ‬ ‫م _________________________ ‪َ ... ...‬‬ ‫ص ُ‬ ‫معا ِ‬ ‫مُهم وال َ‬ ‫ما شغلتها ها ُ‬ ‫لِ َ‬
‫ب في َفوت ِهِ الظبى _________________________ ‪36 ...‬‬ ‫ُ‬ ‫َيشكُر الصحا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م _________________________ ‪... ...‬‬ ‫َ‬ ‫على أ َ َ‬
‫ج ُ‬ ‫ف أعا ِ‬ ‫سُيو ِ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ن أصوا َ‬ ‫ّ‬
‫مشرفي ّةِ فيهِم ِ _________________________ ‪37 ...‬‬ ‫ت ال َ‬ ‫صو َ‬ ‫م َ‬ ‫ويفهَ ُ‬
‫سّر بما‬ ‫م _________________________ ‪ ... ...‬ي ُ َ‬ ‫منك غان ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫مغنوما نجا ِ‬ ‫ً‬ ‫ن َ‬ ‫ولك ِ ّ‬
‫جهالةٍ _________________________ ‪38 ...‬‬ ‫َ‬ ‫عن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َأعطا‬
‫ت‬
‫م _________________________ ‪َ ... ...‬ولس َ‬ ‫ك هاز ُ‬ ‫شْر ِ‬ ‫حيد ُ ِلل ِ‬ ‫ك الّتو ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ول ِ‬
‫ره _________________________ ‪39 ...‬‬ ‫ظي ِ‬ ‫ما ل ِن َ ِ‬ ‫كا هازِ ً‬ ‫مِلي ً‬
‫ف‬
‫شّر ُ‬ ‫م _________________________ ‪ ... ...‬ت َ‬ ‫ص ُ‬ ‫دنيا ب ِهِ ل الَعوا ِ‬ ‫خُر ال ّ‬ ‫وَتفت ِ‬
‫ة _________________________ ‪40 ...‬‬ ‫ن ب ِهِ ل َربيع ٌ‬ ‫عدنا ٌ‬ ‫َ‬
‫حمد ُ فى‬ ‫ك ال َ‬ ‫َ‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬ل َ‬ ‫ي ناظ ِ ُ‬ ‫معطيه وإن ّ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫فإ ِن ّ َ‬
‫ه _________________________ ‪41 ...‬‬ ‫ي لفظ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الد ُّر الذي ل ِ َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬وإ ِّنى لَتعدو‬ ‫ت نادِ ُ‬ ‫م ول أن َ‬ ‫مو ٌ‬ ‫مذ ُ‬ ‫َفل أنا َ‬
‫وغى _________________________ ‪42 ...‬‬ ‫ك في ال َ‬ ‫عطايا َ‬ ‫بي َ‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬على‬ ‫مَعيهِ الَغماِغ ُ‬ ‫مس َ‬ ‫ت في ِ‬ ‫ِإذا وَقَعَ ْ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫رجل ِهِ _________________________ ‪43 ...‬‬ ‫ل ط َّيارٍ إليها ب ِ ِ‬ ‫كُ ّ‬
‫م _________________________ ‪ ... ...‬أل أّيها‬ ‫ص ُ‬ ‫ه عا ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ب ول ِ‬ ‫مرتا ٌ‬ ‫َول فيهِ ُ‬
‫مدا _________________________ ‪44 ...‬‬ ‫ً‬ ‫مغ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف الذي لي َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سي ُ‬ ‫ال ّ‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م _________________________ ‪ ... ...‬هَِنيئا‬ ‫ك سال ِ ُ‬‫لسلم ِ َأن َ‬ ‫ك وا ِ‬‫جي َ‬ ‫َورا ِ‬


‫مجدِ والعُلى _________________________ ‪45 ...‬‬ ‫َ‬ ‫ب الهام ِ وال َ‬ ‫ضر ِ‬ ‫لِ َ‬
‫َ‬
‫ك ما وَقى‬ ‫دي ِ‬
‫ح ّ‬
‫ن َ‬
‫قي الّرحم ُ‬ ‫َ‬
‫دى ب ِك داِئم ‪ ... ...‬وِلم ل ي َ ِ‬ ‫م العِ َ‬‫ه ها َ‬‫ق ُ‬‫وَتفِلي ُ‬
‫_________________________ ‪46 ...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫على قدر أهل العزم‬


‫شعر‪ :‬المتنبي‬
‫م‬
‫ل العزم ِ تأتي ‪ii‬العزائ ُ‬ ‫على قَد ْرِ أه ِ‬
‫ن الصغيرِ ‪ii‬صغاُرها‬ ‫م في عي ِ‬ ‫وت َعْظ ُ ُ‬
‫ه‬
‫م ُ‬‫ش ‪ii‬ه ّ‬ ‫ف الدولةِ الجي َ‬ ‫ف سي ُ‬ ‫ُيكل ّ ُ‬
‫س ما عند َ ‪ii‬نفسهِ‬ ‫ب عند َ النا ِ‬ ‫ويطل ُ‬
‫ف ‪ii‬لوَنها‬ ‫ث الحمراُء تعر ُ‬ ‫حد َ ُ‬
‫هل ال َ‬
‫ه‬
‫ل نزول ِ‬ ‫م الغُّر قب َ‬ ‫سقْتها الغما ُ‬
‫بناها فأعلى والقنا يقرع ُ ‪ii‬القنا‬
‫طريدةُ دهرٍ ساَقها ‪ii‬فرددَتها‬
‫ن الحديد َ ‪ii‬كأّنما‬ ‫ك يجّرو َ‬ ‫أتو َ‬
‫ض ‪ii‬منهم‬ ‫ف البي ُ‬ ‫إذا َبرقوا لم ُتعر ِ‬
‫م‬
‫مكار ُ‬ ‫َ‬
‫فه ‪ ...‬وتأتي على قد ْرِ الكرام ِ ‪ii‬ال َ‬‫ب زح ُ‬ ‫ض والغر ِ‬ ‫ق الر ِ‬ ‫س ِبشر ِ‬ ‫خمي ٌ‬
‫م‬
‫ن العظيم ِ الَعظائ ُ‬ ‫وَتصغُُر في عي ِ‬
‫م‬
‫ش ‪ii‬الخضارِ ُ‬ ‫ت عنه الجيو ُ‬ ‫وقد عجز ْ‬
‫م‬
‫ِ ُ‬ ‫غ‬ ‫الضرا‬ ‫‪ii‬‬ ‫ك مال ّ ِ‬
‫ه‬ ‫دعي‬ ‫ت‬ ‫وذل َ‬
‫م‬‫ن ‪ii‬الغمائ ُ‬ ‫م أيّ الساقيي ِ‬ ‫وتعل َ‬
‫م‬
‫سقْتها ‪ii‬الجماج ُ‬ ‫ما ذما منها َ‬ ‫فل ّ‬
‫م‬‫متلط ِ ُ‬ ‫ج المنايا حولها ُ‬ ‫ومو ُ‬
‫م‬
‫ي والدهُر ‪ii‬راغ ُ‬ ‫ن بالخط ّ‬ ‫على الدي ِ‬
‫م‬ ‫ن ‪ii‬قوائ ُ‬ ‫سَروا بجياد ٍ ما له ّ‬
‫م‬
‫ثياُبهم من مثلها ‪ii‬والعمائ ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن الجوزاِء منه ‪ii‬زمازِ ُ‬ ‫وفي أذ ِ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫على ماذا ينبغي أن يتأسس الحوار بين الشرق والغرب ؟‬


‫بقلم ‪ :‬الدكتور جمال رجب سيدبى‬
‫ظهرت أطروحات الحوار الحضاري بين المسلمين والغرب بشكل واضح في‬
‫الونة الخيرة خاصة إثر كتابات "فوكوياما" عن نهاية التاريخ‪ ،‬وأن النموذج‬
‫الغربي الليبرالي هو النموذج والمثال‪ ،‬والذي يجب محاكاته‪ ،‬أو أن يسود‬
‫العالم بأسره شرقه وغربه‪ ،‬شماله وجنوبه‪ ،‬وكتابات "صمويل هنتجتون"‪ ،‬عن‬
‫الصراع الحضاري‪ ،‬ويبدو أن هذه الكتابات تعاظمت بصورة جلية بنهاية الحرب‬
‫الباردة بين الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي‪.‬‬
‫ولقد تبنت المم المتحدة فكرة الحوار الحضاري واعتبرت عام ‪2001‬م عام‬
‫الحوار بين الحضارات ‪ ،‬وانطلقا ً من هذه الهمية على المستوى العالمي‪،‬‬
‫بهذه القضية‪ ،‬نحاول في هذه الورقة أن نطرح لساسيات الحوار بيننا وبين‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغرب من خلل الرؤية السلمية ‪.‬‬


‫‪ -1‬الحوار بين الحضارات مبدأ أصيل من مبادئ السلم‪:‬‬
‫لبد وأن نقرر بداية‪ ،‬أن الحوار بين النا والخر‪ ،‬من مبادئ السلم العظيمة‬
‫والتي أعلى من قدرها‪ ،‬وأن التعارف والتعاون بين الشعوب سمة أساسية‬
‫من سمات السلم الحنيف‪ ،‬وليس أدل على هذا من بلغة القرآن الكريم‪،‬‬
‫فلو نظرنا في سورة الحجرات‪ ،‬لوجدنا أن المولى تبارك وتعالى يقول‪َ? :‬يآ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وا? آية‬ ‫ل ل ِت ََعاَرفُ ْ‬
‫شعُوًْبا وّقََبائ ِ َ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن ذ َك َرٍ وّ أْنثاى وَ َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناك ُ ْ‬ ‫س إ ِّنا َ‬
‫أي َّها الّنا ُ‬
‫‪ ،13‬فأصل دعوة السلم هو اللتقاء بين المم والشعوب لمزيد من التفاعل‬
‫والتواصل الحضاري‪.‬‬
‫‪ -2‬الحوار الحضاري ليعني الذوبان في الخر‪:‬‬
‫الحوار الحضاري يعني في نظر الحضارة السلمية احترام ثقافة وخصوصية‬
‫الخر‪ ،‬وأن تعدد الحضارات ي ُعْت ََبر تعدد َ تنوع وتعاون ل تعدد صراع وتنابز؛ ومن‬
‫ثم فالحضارة السلمية عندما دان العالم لها بالقوة والسيادة‪ ،‬لم تسع إلى‬
‫ابتلع الخر أو فرض هيمنتها على الخرين‪ .‬بالعكس لو نظرنا إلى هذه‬
‫الحضارة لوجدنا أن أهم سماتها هو التواصل والتفاعل مع الحضارات‬
‫المجاورة‪ ،‬فلقد استفادت الحضارة السلمية من تراث الغريق والرومان‪،‬‬
‫فقد تم ترجمة مؤلفات أرسطو وطب أبقراط وهندسة أقليدس‪ ،‬ثم أبدع‬
‫العالم المسلم من قريحته الفكرية وأضاف إلى هذه الفكار أفكاًرا أخرى‬
‫وظهر طب ابن سينا ويتمثل ذلك في كتاب "القانون" في الطب‪ .‬لم تسع‬
‫الحضارة السلمية إلى ابتلع الحضارات المجاورة‪ ،‬أو الهيمنة على ثقافة‬
‫الخرين مثلما يعتقد فوكوياما أو غيره من الكتاب والمفكرين ‪.‬‬
‫أود أن أقول إن كل حضارة لها خصوصيتها الثقافية‪ ،‬فالحضارة السلمية نتاج‬
‫عقيدة التوحيد وما يترتب على هذه العقيدة من منظومة القيم الروحية‪،‬‬
‫والثقافة السلمية المترتبة عليها‪ ،‬أقول ليس معنى الحوار أن تطالبني‬
‫بالتخلي عن ثوابتي العقدية وقَِيمي الخلقية التي هي أخص خصائص‬
‫حضارتي‪ ،‬وحتى يكون الحوار حواًرا مثمًرا؛ فلبد وأن نحترم ثوابت الخر‬
‫وثقافته التي يؤمن بها‪ ،‬ومن هنا تكون أرضية الحوار أرضية بناءة لمزيد من‬
‫التلقي والتلقح بين الشعوب والحضارات ‪.‬‬
‫‪ -3‬القواسم المشتركة بيننا وبين الغرب لدعم الحوار الحضاري‪:‬‬
‫يبدو لي أن القواسم المشتركة بيننا وبين الغرب كثيرة‪ ،‬لتفعيل الحوار‬
‫الحضاري‪ ،‬وأول هذه القواسم ترسيخ مبدأ التعايش في سلم‪ ،‬فالسلم دين‬
‫السلم بأوسع معانيه‪ ،‬لن كلمة السلم تعني السلم‪ ،‬أو إسلم الوجه لله‬
‫وتحية السلم السلم‪ ،‬والسلم يدعو إلى السلم النفسي للفرد والمجتمع‪،‬‬
‫ومن هنا فإن التأكيد على هذه الحقيقة كمبدأ إسلمي أصيل‪ ،‬والتي دعانا إليها‬
‫الغرب في عصرنا الحديث من خلل منظمة المم المتحدة كأحد مبادئها‪،‬‬
‫أقول إن البشرية الن ترنو إلى تحقيق الهدف الذي أصبح بعيد المنال‬
‫"السلم"‪ .‬وحتى ليكون الكلم في حوار الحضارات مجرد أماني‪ ،‬فلبد أن‬
‫يكون المدخل الصحيح للحوار‪ ،‬أن ديننا يؤكد حقيقة "السلم" بمعناه الكامل‪،‬‬
‫ولو نظرنا إلى تاريخ السيرة العطرة في دولة المدينة‪ ،‬لوجدنا أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قد كتب ميثاق المدينة وهو عهد بين النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم والمسلمين واليهود‪ ،‬فقد حفظ النبي صلى الله عليه وسلم لليهود‬
‫حقوقهم كاملة‪" ،‬لهم ما لنا وعليهم ما علينا" ‪ ،‬لم ينظر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم على أنهم أقليات‪ ،‬بل نظر إليهم على أنهم مواطنون من الدرجة‬
‫الولى بلغة الفكر السياسي المعاصر‪ ،‬وهذا هو تاريخ حضارتنا في التعامل مع‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"قيمة التعايش" في سلم‪ .‬ومن هذا المنطلق فالسؤال المطروح للحوار هل‬
‫الغرب يطبق هذه القيمة في العالم المعاصر؟‬
‫‪ -4‬من القواسم المشتركة بيننا وبين الغرب‬
‫ضا التعاون بين المم والشعوب في كل المجالت اقتصادًيا وسياسًيا‬ ‫أي ً‬
‫واجتماعًيا‪ ،‬فالدعوة إلى تعزيز العلقات بين المم والشعوب تعزز الحوار‬
‫الحضاري‪ ،‬وتزيل كابوس "الخوف من الخر"‪ .‬وهذه النقطة )الخوف من‬
‫الخر( سأشير إليها في النقطة التالية بصورة واضحة ‪.‬‬
‫‪ -5‬ظهرت كتابات تعزز مفهوم النظر إلى السلم كعدو‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أو الخوف من ظهور الحضارة السلمية كبديل عن الحضارة الغربية مثل‬


‫كتابات "نيكسون" الفرصة السانحة والحق يقال إن السلم الحضاري في‬
‫وى‬ ‫ق َ‬ ‫صالح البشرية لنه ليود أن يفرض نفسه بالقوة بلغة موازين ال ُ‬
‫المعاصرة‪ ،‬وإنما تنظر الحضارة السلمية إلى مصلحة البشرية جمعاء‪،‬‬
‫وتحترم إنسانية النسان لكونه إنساًنا بصرف النظر عما يعتقد‪ .‬والسؤال‬
‫الذي نتحاور على أساسه هل الحضارة السلمية في أوج مجدها حاولت أن‬
‫كدان عكس ذلك‪ .‬ولبد أن‬ ‫تفرض نفسها بالقوة الهيمنة؟ إن التاريخ والواقع يؤ ّ‬
‫نتحاور على هذا المبدأ مع الغرب‪ ،‬لنه لو حدث ودارت اليام دورتها‪ ،‬وعادت‬
‫الحضارة السلمية إلى سابق عهدها في العصور الوسطى‪ ،‬فستكون في‬
‫صالح الغرب أول ً لن السلم علمنا أن نحترم النسان ونقدره لكونه إنساًنا‬
‫ر‬
‫ح ِ‬‫ي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬‫م فِ ْ‬‫مل َْناهُ ْ‬‫ح َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ي آد َ َ‬ ‫قد ْ ك َّر ْ‬
‫مَنا ب َن ِ ْ‬ ‫بصرف النظر عما "يعتقد" ?وَل َ َ‬
‫ل? السراء‪ :‬آية‬ ‫ضي ْ ً‬
‫ف ِ‬‫قَنا ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫على ك َث ِي ْرٍ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬
‫ت وَفَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫وََرَزقَْناهُ ْ‬
‫م ِ‬
‫‪. 70‬‬
‫‪ -6‬المسلمون والدور الحضاري لدعم الحوار ‪:‬‬
‫ما أقول إن الخلل من داخلنا‪ ،‬فمازال السلم الحضاري مغيًبا عن الوجود‪،‬‬ ‫دائ ً‬
‫ومازال المسلم تحكمه لغة النفعال ل لغة المنهج‪ ،‬ومن هنا فإن توضيح‬
‫صورة السلم الحضاري بتوازنه بين مطالب البدن وعالم الروح‪ ،‬نحن في‬
‫س أعداُء‬ ‫س الحاجة لتوضيح هذه الصورة للنسان الغربي‪ ،‬فكما يقال‪" :‬النا ُ‬ ‫أم ّ‬
‫ما جهلوا"‪ .‬ومن هنا فإن الصورة المزرية هي التي مازالت تعشعش في ذهن‬
‫وذاكرة العديد من الغربيين وتؤثر بشكل أو بآخر عليهم‪ ،‬وحتى يكون الحوار‬
‫حواًرا مثمًرا فلبد وأن نميط اللثام عن حقيقة السلم وبمعناه الحضاري‪.‬‬
‫ما‪ .‬وهذا الدور من أخطر‬ ‫السلم الفاعل في دنيا الناس حضارة وثقافة وعل ً‬
‫الدوار حتى نستطيع أن نقيم قاعدة ثابتة بيننا وبين الغرب بأن السلم‬
‫الحضاري يوم يسود فسيكون لنفعهم هم أنفسهم‪ ،‬ل أن يكون مرعًبا لهم‪،‬‬
‫والبون شاسع بين المفهومين‪ ،‬فالخوف النفسي عقدة الغرب من النموذج‬
‫البديل في المستقبل‪ ،‬يتمثل هذا في النسان الخضر أو "المسلم الحضاري"‪.‬‬
‫‪ -7‬الموضوعية أساس الحوار ‪:‬‬
‫لبد أن تكون قيمة "الموضوعية" هي أساس كل حوار بيننا وبين الغرب‪،‬‬
‫فليس من النصاف أن نتحاور مع غيرنا وتحكمنا أفكار محددة‪ ،‬وإن النظرة‬
‫ما‪:‬‬ ‫الحادية لمن أخطر المور في دنيا الحوار وقالها المام الشافعي قدي ً‬
‫ب يحتمل الخطأ ورأيُ غيري خطأ يحتمل الصواب"‪.‬‬ ‫"رأيي صوا ٌ‬
‫إن هذه القاعدة المنهجية لمن أخطر المور في الحوار الحضاري‪ ،‬والغرب‬
‫الن في حاجة إلى تأسيس حوار بناء‪ ،‬حوار يبنى ول يهدم‪ ،‬حوار يقيم مملكة‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العدل في الرض لسعادة النسان ‪.‬‬


‫‪ -8‬الحوار والمجادلة بالحسنى منهج قرآني فريد‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وا أ َهْ َ‬
‫ن إ ِل ّ‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬
‫يأ ْ‬ ‫ي هِ َ‬ ‫ّ‬
‫ب إ ِل ِبالت ِ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫جادِل ُ ْ‬ ‫يقول المولى تبارك وتعالى‪? :‬وَل َ ت ُ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫م َوالهَنا َوالهك ُ ْ‬‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬‫ل إ ِل َي َْنا وَأن ْزِ َ‬‫مّنا ِبال ّذِيْ أن ْزِ َ‬ ‫م وَقُوْل ُ ْ‬
‫وا آ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫وا ِ‬
‫م ْ‬‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ال ّذِي ْ َ‬
‫ن? العنكبوت‪ :‬آية ‪ ،46‬تدل الية على التعاون فيما‬ ‫مو ْ َ‬
‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َله ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫حد ٌ وّن َ ْ‬‫َوا ِ‬
‫اتفقنا عليه‪ ،‬واليمان باللوهية‪ ،‬وأن يعمد المتحاور إلى أحسن الساليب في‬
‫عرض الدعوة والحوار‪ ،‬وأن يختار من بينها‪ ،‬فليست الية مخيرة المحاور بين‬
‫الحسن والقبيح‪ ،‬وإنما آمرة إياه أن يختار الحسن بدل ً من الحسن‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على مدى احتفاء القرآن بمراعاة نفسية محاوريه‪ ،‬وهناك آيات قرآنية كثيرة‪،‬‬
‫ونكتفى بهذا النموذج ‪.‬‬
‫‪ -9‬حوار ل صراع ‪:‬‬
‫كما أشرت أطلق "صمويل هنتجتون"‪ ،‬صراع الحضارات‪ ،‬ولست أدري ما‬
‫الذي أدى إلى هذا الصراع‪ ،‬فعندما كانت الحضارة السلمية في أوج مجدها‪،‬‬
‫بحثت عن "التواصل" مع الشعوب المجاورة‪ ،‬ومن يستنطق التاريخ يجد‬
‫الكثير والكثير‪ ،‬فابن رشد السلمي أثر في المدرسة اللتينية في فلسفة‬
‫العصور الوسطى المسيحية واليهودية‪ ،‬دون أن يكون هدف هذه الحضارة‬
‫ابتلع الحضارات تحت مسمى العولمة تارة‪ ،‬والكوكبة تارة أخرى وغيرهما‬
‫من مسميات أخرى كثيرة ‪.‬‬
‫‪ -10‬التوازن بين الحضارات سنة كونية ‪:‬‬
‫داٍر?‪ ،‬وهذا القانون‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬‫ده ب ِ ِ‬‫عن ْ َ‬
‫يٌء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫من سنن الله في خلقه القانون ?وَك ُ ّ‬
‫ضا – فيما نعتقد – سير الدول والشعوب‬ ‫اللهي كما يحكم الحياة‪ ،‬يحكم أي ً‬
‫والحضارات‪ ،‬ولو حادت عنه لبادت هذه الحضارات‪ ،‬كما حدث للحضارات‬
‫السابقة‪ .‬ومن هنا فإن التأكيد على المبادئ الرئيسية التي تؤدي إلى التوازن‬
‫بين الحضارات والشعوب لبد وأن يكون سمة الحوار الحضاري‪ ،‬مثل مبدأ‬
‫حق الشعوب في تقرير المصير‪ ،‬وحل النزاعات الدولية بالطرق السلمية‪،‬‬
‫وعدم استخدام القوة لحل الصراع بين المم والشعوب‪ .‬وهذه المبادئ التي‬
‫فا – هي مبادئ‬ ‫دعت إليها عصبة المم في وقتنا الحديث – وكما أشرت آن ً‬
‫إسلمية‪ ،‬كما أنها تحقق التوازن بين الشعوب والحضارات‪ ،‬ولو حادت حضارة‬
‫من الحضارات عن هذه المبادئ لتعرضت للفول والحتضار‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أعتقد أن المبادئ والعناصر النفة تصلح لن تكون بمثابة مقدمة وأساس‬


‫للحوار الحضاري بين المسلمين والغرب‪ ،‬إذا أردنا أن يكون حواًرا حقيقًيا‪،‬‬
‫يفيد النسان أًيا كان لونه أو نوعه أو جنسه على أرجاء المعمورة ‪.‬‬
‫***‬

‫)‪(3 /‬‬

‫على مقاعد الدراسة‬


‫المحتويات‬
‫مقدمة‬
‫أهمية الدراسة للطالب‬
‫الطالب وأستاذه‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أدب الطالب مع أستاذه‬


‫حماية عرض الستاذ‬
‫التعامل مع خطأ الستاذ‬
‫الستفادة من الستاذ المتميز‬
‫الطالب والدراسة‪:‬‬
‫الخلص لله عز وجل‬
‫العتناء بالتخصص‬
‫الدراسة وتحصيل العلم الشرعي‬
‫الطالب والدعوة‬
‫القدوة ودورها في الدعوة‬
‫أهداف النشاط الدعوي في المدرسة‬
‫مقدمة‬
‫الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له ‪،‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم عبده ورسوله‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فهذا الموضوع يعني فئة خاصة وهم الطلب والدارسون‪ ،‬وهو يعين بدرجة‬
‫أخص الصالحين والخيار منهم الذين نأمل أن يؤدوا أدوارا محمودة؛ لنهم في‬
‫الغلب رواد هذه الدروس والمجالس‪.‬‬
‫أهمية الدراسة للطالب‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تأخذ الدراسة على الطالب حيزا كبيرا من وقته‪ ،‬فهو يقضي في اليوم قريبا‬
‫من ست ساعات داخل المدرسة‪ ،‬وهي تمثل ربع ساعات اليوم‪ ،‬وإذا حذفت‬
‫من اليوم ساعات للنوم ويعض ساعات الراحة والطعام ل تجد بعد ذلك إل‬
‫وقتا يسيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كما تأخذ الدراسة عليه وقتا طويل من عمره؛ فهو يحتاج على أقل الحوال‬
‫إلى ستة عشر عاما ً إذا أنهى المرحلة الجامعية‪ ،‬وهذه الدراسة تأتي في وقت‬
‫مهم من عمره‪ ،‬وقت زهرة وحيوية الشاب ووقت بناء شخصيته‪.‬‬
‫كما أن الدراسة تحدد توجه الشخص وتخصصه‪ ،‬وميدان عمله في المستقيل‪.‬‬
‫وهذا كله يحتم على الطالب أن يعتني بها ويستفيد منها‪.‬‬
‫الطالب وأستاذه ‪:‬‬
‫ثمة قضايا مهمة لبد أن يعتني بها الطالب في التعامل مع أستاذه‪ ،‬فالستاذ‬
‫يشكل عنصرا ً أساسّيا يتعامل معه الطالب في المدرسة‪ ،‬ومن هنا كان لبد‬
‫من ضوابط تحكم علقة الطالب بأستاذه ومنها ‪:‬‬
‫أدب الطالب مع أستاذه ‪:‬‬
‫ً‬
‫وقد اعتنى السلف بذلك كثيرا في كتبهم‪ ،‬بل إن بعضهم أفرد هذا الباب‬
‫بتصنيف خاص‪ ،‬وهو ما يعرف بآداب العالم والمتعلم‪ ،‬وعندما يتحدثون عن‬
‫آداب المتعلم فإنهم يفردون جزءا خاصا بآداب المتعلم مع شيخه ومع أستاذه‪.‬‬
‫والمأمول من شبابنا وطلبنا أن يعنوا بهذا المر فيقرؤوا ما سطره السلف‬
‫حول ما ينبغي أن يتأدب به الطالب مع شيخه وأستاذه‪ ،‬وأن يحرصوا قدر‬
‫المكان على التخلق بتلك الداب والتأدب بها‪.‬‬
‫وحين نقارن بين ما سطره السلف حول آداب الطالب مع شيخه ومع‬
‫أستاذه‪ ،‬وبين واقعنا اليوم نجد أن هناك مسافة شاسعة جدا‪.‬‬
‫وبإمكانكم الرجوع إلى ما سطر في ذلك‪ ،‬ولعل من أفضلها كتاب الحافظ ابن‬
‫جماعة وهو بعنوان )تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم( ‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولئن كان لدى الستاذ تقصير في التزامه وتدينه‪ ،‬أو في علمه وتخصصه‪ ،‬فهذا‬
‫ليسقط حقه من التوقير والتقدير‪.‬‬
‫إننا نجد اليوم عددا ً من يتولون التدريس قد ابتلي بمخالفات ظاهرة‪ ،‬ول شك‬
‫أن الستاذ أولى الناس بأن يكون قدوة صالحة للطلب‪ ،‬سواء بالتزامه‬
‫بالحكام الشرعية‪ ،‬أمام طلبه أوفي تعامله معهم فهو يدعوهم إلى حسن‬
‫الخلق بمقاله فل بد أن يدعوهم بفعله وحاله‪.‬‬
‫لكن هذا الستاذ الذي يرتكب بعض المخالفات ل ينظر إليك على أنك شاب‬
‫ملتزم مستقيم‪ ،‬وهو عاص ضال‪ ،‬ول أنك أنت أولى منه وأفضل منه‪ ،‬إنما‬
‫ينظر إليك على أنك لزلت طالبا صغير السن‪ ،‬ومهما كان عندك من‬
‫الستقامة والعلم والخير فأنت لزلت دونه‪.‬‬
‫وهو يفترض أنك مادمت مستقيما ً وصالحا ً فل بد أن تكون حسن الخلق‪ ،‬وأن‬
‫يرى منك معاملة الستاذ بما يليق به‪.‬‬
‫ومع حسن المعاملة فل بد من أن تحرص على أن تستفيد منه‪ ،‬فهو مهما كان‬
‫لديه من تقصير سواء فيما يتعلق بالمخالفات الشرعية‪ ،‬أو ضعف علمي‪ ،‬فهو‬
‫على كل حال أقدر منك علما وتجربة‪.‬‬
‫حماية عرض الستاذ‪:‬‬
‫مجالس الطلب كثيرا ً ماتمل بالسخرية من أساتذتهم‪ ،‬أو اغتيابهم والوقوع‬
‫في أعراضهم‪ ،‬ولئن كان هذا ممقوتا ً في حق سائر الناس‪ ،‬فهو في حق‬
‫المعلم أسوأ وأشد مقتًا‪ ،‬وحين تقع من طالب صالح ومستقيم فهي أشد‬
‫وأنكى‪.‬‬
‫فمن حق الستاذ البعد عن تناول عرضه‪ ،‬بل الذب عنه حين يخوض الطلب‬
‫في عرضه‪ ،‬عن أبي الدرداء –رضي الله عنه‪ -‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪ « :‬من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة»‪ ،‬فإذا كان‬
‫هذا في عرض أخيك فل شك أن أستاذك وشيخك له حق عليك‪.‬‬
‫والمر يحتاج إلى حكمة في تعامل الطالب مع زملئه‪ ،‬فحين تواجه زميلك‬
‫ً‬
‫الذي يقع في عرض أستاذه فقد ل يستجيب لك‪ ،‬لكن عندما تسلك أسلوبا فيه‬
‫حكمة‪ ،‬أما ما يفعله بعض الطلب بإبلغ الستاذ بمن يخوض في عرضه‪ ،‬فهو‬
‫غير مشروع‪ ،‬بل هو مدعاة لزيادة الشحناء وإثارة البغضاء التي جاء الشرع‬
‫بإزالتها بين المسلمين‪.‬‬
‫التعامل مع خطأ الستاذ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الستاذ بشر ليس معصومًا‪ ،‬فقد يقع في خطأ؛ فيستدل بحديث ضعيف‪ ،‬أو‬
‫يختار قول ً مرجوحًا‪ ،‬وقد يتحدث في موضوع معين لدى الطالب فيه معلومات‬
‫ليست لدى الستاذ؛ فحين يدرك الطالب خطأ أستاذه فهذا ل يعني أنه أعلم‬
‫منه ول أكثر إحاطة؛ فإن الهدهد قال لسليمان [أحطت بما لم تحط به وجئتك‬
‫من سبأ بنبأ يقين] فهل يعني هذا أن الهدهد أعلم من سليمان؟‬
‫إن بعض الطلبة يفرح بمثل هذه القضية ويقفز مباشرة في وجه أستاذه‬
‫ليقول له إن هذا الحديث ضعيف‪ ،‬أو هذا الكلم فيه كذا وكذا‪ ،‬أو سمعت كذا‬
‫وكذا‪ ،‬وهذا فيه شهوة خفية وحب للظهور أمام الناس‪ ،‬قد ل يشعر به صاحبه‪،‬‬
‫فيجب أن تسلك الحكمة في ذلك بتصحيح مثل هذا الخطأ بأسلوب مناسب؛‬
‫فمما يصعب على الستاذ أن يعترف بالخطأ أمام الطلب‪.‬‬
‫والطالب الحكيم يمكن أن يحدث أستاذه خارج الفصل‪ ،‬فيقول إني سمعت‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كذا وكذا وقرأت كذا وكذا‪ ،‬فكيف أوفق بين هذا وبين ما سمعته منك في‬
‫الدرس؟ وقد يأتي بالكتاب ويعطيه الستاذ ويقول أنا قرأت في هذا الكتاب‬
‫كذا وكذا‪ ،‬وأنت قلت غير هذا الكلم فكيف أوفق بين كلمك وكلم الكتاب؟‬
‫بل إنه في حالت كثيرة يفهم الطالب ما قرأه أو ماسمعه من أستاذه فهما ً‬
‫خاطئًا؛ فيخطئ أستاذه بناء على هذا الفهم‪.‬‬
‫وقد يقع الستاذ في مخالفة شرعية فالنكار عليه ليس كمثل عامة الناس‪،‬‬
‫بل يجب أن تسلك السلوب الذي ترى أنه فعل يؤدي المصلحة التي تريد أن‬
‫تصل إليها وتسعى إلى تحقيقها‪.‬‬
‫الستفادة من الستاذ المتميز‪:‬‬
‫قلما تجد مدرسة إل وفيها عدد من الساتذة المتميزين علمّيا ‪-‬بالنظر إلى‬
‫مستوى الطلب على القل‪ -‬ومن هنا أنا أوصي الشاب أن يحرص على أن‬
‫يستثمر هذه الفرصة؛ فوجوده مع الستاذ محدود‪ ،‬وتدريس هذا الستاذ له‬
‫مدة محدودة‪ ،‬فليحرص على أن يستفيد منه قدر المكان ولو حتى خارج‬
‫الفصل‪ ،‬بل يجدر به أن يقوي صلته مع هذا الستاذ ويحرص على الستفادة‬
‫منه سؤال واستشارة ومناقشة‪.‬‬
‫الطالب والدراسة‪:‬‬
‫ثمة قضايا لها أهميتها في صلة الطالب بدراسته‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫الخلص لله عز وجل‪:‬‬
‫ل يخلو الطالب من أن يكون يدرس دراسة شرعية‪ ،‬أو يدرس تخصصا ً آخر‬
‫غير شرعي‪ ،‬فإذا كان يدرس دراسة شرعية فهو يتعلم علما شرعيًا‪ ،‬فيتأكد‬
‫في حقه مراعاة النية الصالحة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬من تعلم‬
‫علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل ل يتعلمه إل ليصيب به عرضا من الدنيا‬
‫لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" ‪ .‬وحتى لو دخل الطالب ابتداء ونيته ليست‬
‫صالحة‪ ،‬فهذا ل يمنعه من أن يصحح نيته‪ ،‬والعلم الشرعي سبب لصلح‬
‫النسان في نفسه وصحة عبادته‪ ،‬وسبب لنفعه لعباد الله وإفادتهم ودعوتهم‪.‬‬
‫أما من ل يدرس دراسة شرعية فحري به أن تكون نيته تقديم الخير‬
‫للمسلمين ونفعهم فيما هو من تخصصه‪ ،‬فالمة تحتاج إلى الطاقات في كافة‬
‫التخصصات‪ ،‬وتحتاج إلى الناس الخيار في كل ميدان‪.‬‬
‫أما أولئك الذين يتجهون إلى هذه التخصصات لما ينتظرون من ورائها من‬
‫مكانة اجتماعية‪ ،‬أو عائد مادي مجز فهؤلء أصحاب أهداف قريبة قد رضوا‬
‫لنفسهم بالدون‪.‬‬
‫والخلص مع ما فيه من تصحيح العمل‪ ،‬وإقبال صاحبه عليه وتحقق الجر‬
‫والثواب له‪ ،‬فهو أمر قلبي ل يكلف صاحبه مزيدا ً من الجهد‪ ،‬فلو عقدت‬
‫مقارنة بين طالبين‪ :‬هذا مخلص لله وهذا غير مخلص‪ ،‬فكلهم سوف يحصل‬
‫على الشهادة والمزايا المالية التي يحصل عليها الخر‪.‬‬
‫والطالب الذي يستحضر النية الصالحة‪ ،‬منذ أن يخرج من منزله إلى أن يعود‬
‫إليه وهو في عمل صالح؛ فهو داخل تحت قول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪":‬من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع‪ ،‬ومن سلك‬
‫طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة" وكل ما يصيبه من‬
‫تعب ومن جهد في الستذكار والمتحانات فهو مأجور عليه‪.‬‬
‫العتناء بالتخصص‪:‬‬
‫إن الطالب الذي يستحضر النية الصالحة الخالصة لبد أن يعتني بتخصصه‪،‬‬
‫وأل تكون صلته به مقتصرة على مايتلقاه في مقاعد الدراسة؛ فينبغي أن‬
‫يظهر أثر ذلك في متابعته للكتب والدوريات والندوات والبرامج العلمية‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتعلقة بتخصصه؛ إذ بدون ذلك لن يستطيع أن يفيد المة من خلل هذا‬


‫التخصص‪.‬‬
‫وسواء في ذلك التخصصات غير الشرعية‪ ،‬أو التخصصات الشرعية‪ ،‬فليس‬
‫من التعامل السليم مع التخصص أن تجد مكتبة متخصص في الفقه وأصوله‬
‫لتختلف عن مكتبة متخصص في علوم القرآن‪.‬‬
‫الدراسة وتحصيل العلم الشرعي‪:‬‬
‫ثمة فهم سائد لدى طائفة من الطلب الذين يدرسون في التخصصات‬
‫الشرعية؛ فتجدهم يعتبرون طلب العلم فيما هو خارج إطار الدراسة‪ ،‬سواء‬
‫أكان من خلل القراءة والطلع‪ ،‬أم من خلل حضور الدروس والدورات‬
‫العلمية‪ ،‬ويترتب على ذلك إهمال للدراسة‪ ،‬التي يقضي فيها زبدة وقته‪،‬‬
‫ويتلقى من مختصين –مهما كانت خلفيتهم العلمية‪ -‬قضوا وقتا ً وجهدا ً في هذا‬
‫التخصص والتعامل معه‪.‬‬
‫ً‬
‫إن المقرر الذي يتلقاه الطالب على مقاعد الدراسة غالبا ما يكون قد أعد‬
‫بعناية‪ ،‬ويكمل فيه الطالب دراسة العلم –ولو بشكل مختصر‪ -‬ويمتحن فيه‪،‬‬
‫فيعيد قراءته ومراجعته واستذكاره‪.‬‬
‫الطالب والدعوة‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن مدارسنا اليوم لتكاد تخلو من عدد من الشباب الصالحين الذين يحملون‬
‫هم الدعوة ويدركون المسؤولية الملقاة على عاتقهم‪ ،‬والمفترض أن تكون‬
‫المدرسة هي الميدان الدعوي الول للطالب الذي يشعر بأنه يحمل مسؤولية‬
‫الدعوة‪ ،‬ومما يبرز أهمية الدور الدعوي في المدرسة‪:‬‬
‫أن الطالب يقضي في المدرسة عدة ساعات هي زبدة وقته‪ ،‬فإذا لم يقم‬
‫بالدعوة في هذا الميدان فأي ميدان سيكون أكثر إنتاجا ً فيه؟‬
‫كثرة عدد الطلب‪ ،‬فهو يعد في المدرسة والكلية الواحدة بالمئات‪ ،‬فحين‬
‫دا من‬‫نعتني بالدعوة في المدارس فسوف نتعامل مع قطاع عريض ج ّ‬
‫قطاعات المجتمع‪.‬‬
‫أن كثيرا ً من النشطة الدعوية تقدم لمن يقبل عليها كالدروس والمحاضرات‬
‫ونحوها‪ ،‬أما العمل في هذه الميادين فهو يستهدف إيصال الدعوة للجميع‪.‬‬
‫أن فئة الطلب من أكثر الفئات استجابة للدعوة وقابلية للتأثر‪ ،‬ومن ثم‬
‫فالنتائج المرجوة والمؤملة من هذا الميدان الدعوي أكثر من غيره من‬
‫الميادين‪.‬‬
‫أن هذه الفئة هي أهم فئات المجتمع‪ ،‬فالشباب أكثر طاقة وحيوية‪ ،‬وهم قادة‬
‫المجتمع في المستقبل‪ ،‬بخلف كبار السن ونحوهم‪.‬‬
‫أن هذه الفئة هم أقرب الناس إلى الشاب‪ ،‬فهو يعيش معهم ويخالطهم‬
‫ويجالسهم‪ ،‬لذا فدعوتهم أولى من دعوة غيرهم‪ ،‬والمسؤولية تجاههم آكد من‬
‫المسؤولية تجاه غيرهم‪ ،‬فالمدرس يقابل هؤلء مرتين أو أكثر في السبوع‬
‫الواحد‪ ،‬والطالب يعايشهم لسنوات عدة‪ ،‬ويقابلهم كل يوم وقتا ً ربما كان أكثر‬
‫مما يقابل والديه‪.‬‬
‫إن هذا هو الميدان الذي يطيقه الطالب ويحسنه‪ ،‬فكثير من المجالت‬
‫والنشطة الدعوية تتطلب قدرا ً من المكانات والطاقات قد لتتوفر له‪ ،‬أما‬
‫زملؤه في الدراسة فهم في سنه‪ ،‬ومستوى تفكيره‪ ،‬فلن يحتاج معهم لمزيد‬
‫من الجهد‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنه مما يؤسف له أن تنظر في حال بعض الشباب الذين كثيرا ً ما يسألون عن‬
‫الدعوة ويتحدثون عنها فتراه يزامل بعض الشباب ثلث سنوات أو تزيد‪ ،‬ومع‬
‫ذلك لم يسمع منه كلمة واحدة‪ .‬إن تملك دافعا وروحا تقودك إلى أن تحضر‬
‫المحاضرة‪ ،‬أو تشتري الكتاب‪ ،‬أو تتفاعل مع المسلمين في بورما ويوغسلفيا‬
‫والصومال وتسأل عن أخبارهم وتقرأ ما يتعلق بأمورهم وتتبرع لهم‪ ،‬هذه‬
‫الروح ل نريد أن نقضي عليها‪ ،‬لكن نريدها أن تسهم في أن تدفعك لدعوة‬
‫هذا الشاب الذي تراه كل يوم ومع ذلك لم تقدم له خيرا ً أليس هذا أولى‬
‫الناس بك؟‬
‫القدوة ودورها في الدعوة‪:‬‬
‫إن القدوة الصالحة تترك أثرها في الناس دون أن يتحرك لسانه بدعوتهم‬
‫وخطابهم‪ ،‬والشاب الذي يحمل مسؤولية الدعوة ينبغي أن يكون قدوة‬
‫لزملئه في عبادته فهو يصلي معهم في المدرسة فليروا منه الهتمام بالصلة‬
‫والعتناء بها فرضا ً ونافلة‪ ،‬وأن يكون قدوة في النضباط الشرعي فل تظهر‬
‫منه مخالفة أو مجاهرة بمعصية‪ ،‬وأن يكون الخلق والداب العامة فل يليق‬
‫أن تجد الطالب الصالح يقف أمام المكاتب الدارية معاقبا ً أو محاسبًا‪ ،‬وأن‬
‫يكون قدوة في التزان والسمت‪ ،‬فليكون مزاحه وعبثه كسائر الطلب‪ ،‬وأن‬
‫يكون قدوة في التحصيل الدراسي وتعامله مع أساتذته‪.‬‬
‫وما أجمل أن نجد أن الستاذ يفرح عندما يرى الطالب قد استقام لنه يعرف‬
‫أن هذا سينشأ عنه استقامة سلوكه‪ ،‬واجتهاده في دراسته‪ ،‬وما أجمل أن‬
‫يفرح الطلب حين يدخل عليهم شاب مستقيم لنهم يعرفون أنه يختلف عن‬
‫سائر الطلب فهو بشوش لطيف المعشر‪ ،‬بعيد عن المشاكسة والمشكلت‪،‬‬
‫يعينهم في قضاء حوائجهم ويخدمهم فيما يريدونه منه‪.‬‬
‫أهداف النشاط الدعوي في المدرسة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن الدعوة في المدرسة ينبغي أن تأخذ ميدانا ومجال أوسع من الدائرة‬
‫المحدودة التي يحصرها فيها البعض من الطلب‪ .‬ويمكن أن نحدد أهداف‬
‫النشاط الدعوي في المدارس فيما يلي‪:‬‬
‫أول‪ :‬زيادة المنتمين للصحوة ‪ ،‬من خلل العتناء بدعوة الشباب المحافظين‬
‫الذين يقتصر تدينهم الفطري على أنفسهم‪ ،‬أن يدعى هؤلء للمشاركة في‬
‫النشطة والبرامج العامة التي تؤهلهم لن يكونوا من جيل الصحوة وحملة‬
‫الدعوة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إصلح بعض من وقع في النحراف من الطلب ‪ ،‬فكثير منهم مهما كان‬
‫لديه من النحراف فهو يحمل القابلية للخير والستعداد للستجابة )ارجع إلى‬
‫محاضرة عوائق الستقامة(‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬نشر الخير ومظاهره بين عامة الطلب فالنشطة –ولو لم يكن لها أثر‬
‫مباشر في استجابة بعض الطلب‪ -‬فلها أثرها في إحياء الحس السلمي‬
‫وإيقاظه بين المدعوين‪ ،‬ولها أثرها في تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة‪،‬‬
‫ونشر الخير والعلم الشرعي‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إنكار المنكرات العامة‪ ،‬فهو واجب شرعي وفشو المنكرات والمجاهرة‬
‫بها له أثره الكبير على بقية الطلب‪ ،‬فكثير منهم يتعلم ألوالنا ً وصورا ً من‬
‫النحرافات من خلل ما يراه في المدرسة‪ .‬واعتناء الشباب الصالحين بإنكار‬
‫المنكرات له أثره في حمايتهم من التأثر بها‪ ،‬فالنسان مهما بلغ من التقوى‬
‫والصلح عرضة للتأثر‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وثمة وسائل عدة يملكها الشاب الصالح لنكار هذه المنكرات‪ ،‬منها النصيحة‬
‫الشخصية لصاحب المنكر‪ ،‬ومنها التوبيخ له أمام زملئه وبخاصة حين يكون‬
‫معلنا ً لمنكر فيه من الوقاحة والبشاعة‪ ،‬ومنها الستعانة ببعض الساتذة‬
‫الغيورين…‪.‬إلخ هذه الوسائل‪.‬‬
‫ولو تضافرت الجهود‪ ،‬وقام الغيورون بإنكار مايرونه من منكرات لختفى كثير‬
‫منها‪ ،‬وامتنع كثير من الطلب من المجاهرة بها وإعلنها‪.‬‬
‫وثمة أمور مما تعين على أن يحقق إنكار المنكر هدفه وغايته‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬ضرورة التثبت في الخبار عن المخالفات الشرعية‪ ،‬والبعد عن‬
‫التعجل والتسرع‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬الستشارة للزملء والساتذة فيما يقوم به الشاب من أنشطة ‪،‬‬
‫فحداثة تجربته تحوجه إلى الستعانة والسترشاد بتجارب من سبقه‪.‬‬
‫المر الثالث‪ :‬الثقة بالنفس وعدم احتقار الذات أو الشعور بعدم النجاز ‪،‬‬
‫فكثير من المهام الدعوية التي تراد من الشاب ل تتطلب قدرا ً كبيرا ً من‬
‫العلم والقدرة على التأثير‪ ،‬فهو في الغلب يدعو أقرانه وهم دونه في العلم‬
‫والثقافة والقدرات‪.‬‬
‫المر الرابع‪ :‬طول النفس وعدم الملل فالنتائج قد تأتي سريعة‪ ،‬بل إن دعوة‬
‫الشاب لحد زملئه قد ل يظهر أثرها إل بعد أن يتخرج الجميع من المدرسة‬
‫ويفترقون‪ ،‬وينسى الداعي ول ينسى المدعو‪.‬‬
‫هذه بعض الخواطر والمقترحات التي قد ل يكون فيها جديد لخواننا‪ ،‬لكنها‬
‫تذكير والذكرى تنفع المؤمنين‪.‬‬
‫أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لطاعته وأن يجنبنا وإياكم أسباب‬
‫معصيته وسخطه ويرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح؛ إنه سميع‬
‫مجيب‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫على هامش رسالة من البصرة إلى الشعب البريطاني"‬


‫د‪ .‬بدران الحسن ‪18/6/1426‬‬
‫‪24/07/2005‬‬
‫قبل البداية‪:‬وصلتني رسالة على بريدي اللكتروني فيها مقتطفات من بعثتها‬
‫عراقية اسمها )إيمان السعدون( إلى الشعب البريطاني بمناسبة ما حصل‬
‫من تفجيرات في لندن‪ ،‬وأودى بحياة كثير من المدنيين‪.‬‬
‫وقبل تناول الرسالة المعبرة أريد القول‪ :‬إن قتل المدنيين العزل بدون وجه‬
‫حق أمر محرم في ديننا كما هو محرم في شرائع الدنيا كلها‪ .‬وإننا نقاسم‬
‫المصابين أحزانهم‪ ،‬والذين فقدوا أحبتهم ويفقدونهم كل يوم في كل مكان‬
‫من العالم تعرضوا فيه للقتل والترهيب دون وجه حق‪ ،‬ودون أن يحملوا‬
‫السلح‪ ،‬بل باغتهم الترهيب والقتل دون سابق إنذار‪ ،‬وخاصة في فلسطين‬
‫على يد إرهاب الدولة الصهيونية‪ ،‬وفي العراق‪ ،‬وأفغانستان‪ ،‬وغيرها من‬
‫البلدان التي تتععرض لترهيب وبربرية الحضارة المعاصرة دون رحمة أو‬
‫شفقة أو تمييز بين المدني والعسكري‪ ،‬وخاصة أولئك الضحايا من النساء‬
‫والشيوخ والولدان الذين ل يجدون حيلة للحتماء من بطش الحتلل‪ ،‬أو‬
‫الفرار بأنفسهم‪ ،‬أو الدفاع في وجه من ل يعطي أدنى تقدير لنسانية‬
‫النسان‪.‬‬
‫والغريب في المر‪ ،‬أن ما يحدث من تقتيل للنسان والحيوان وتدمير للرض‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإفساد ما فيها في فلسطين والعراق وأفغانستان لم يجد بواكي له في‬


‫وسائل العلم العالمية والعربية والسلمية التي راحت تكثر من النحيب‬
‫والعويل على ما وقع في لندن‪ ،‬في الوقت الذي ُيقتل فيه أضعاف مضاعفة‬
‫في العراق وفلسطين وأفغانستان والشيشان ومندناو وفي إفريقيا وغيرها‬
‫من بقاع العالم على يد آلة الرعب والقتل المريكية والصهيونية خصوصا ً‬
‫والغربية عمومًا‪.‬‬
‫وهذا التمييز بين قيمة المدني العراقي وبين قيمة المدني البريطاني أو‬
‫المريكي أو الغربي عموما ً هو الرهاب الحقيقي؛ إذ إن المدني مدني بطبعه‬
‫وإنسانيته‪ ،‬وليس بعرقه أو دينه أو منطقته الجغرافية‪ ،‬وإل اختلت موازين‬
‫الحق والعدل‪ ،‬وفشا الظلم في تقييم المور والشياء‪ ،‬وهذا مؤذن بخراب‬
‫العمران كما قال ابن خلدون عليه رحمة الله‪ .‬وهذا ما نجد تعبيرا ً عنه في‬
‫رسالة السيدة )إيمان السعدون( من البصرة إلى الشعب البريطاني بمناسبة‬
‫حوادث تفجيرات لندن‪.‬‬
‫محتوى الرسالة البصرية إلى الشعب البريطاني‬
‫تقول الرسالة‪ :‬إني مرسلة هذه الرسالة إلى الشعب البريطاني‪ ،‬وبخاصة إلى‬
‫سكان مدينة لندن‪.‬‬
‫لمدة ساعات معدودة عشتم لحظات من القلق والرعب‪ .‬وفي تلك الساعات‬
‫فقدتم أفرادا ً من أسركم أوعائلتكم أو صديقا ً لكم‪ ،‬ونود أن نقول لكم بكل‬
‫شرف‪ ،‬بأننا نحزن جدا ً حين تقع أنفس بريئة ضحايا‪ .‬ول أستطيع أن أعبر لكم‬
‫عن مدى الجرح العميق الذي يصيبنا لما نرى الوجوم والخوف واللم على‬
‫وجوه الخرين؛ لننا عشنا هذه الحالة ولنزال نعيشها يوميا ً منذ أن قادت‬
‫دولتكم –بريطانيا‪ -‬والوليات المتحدة المريكية قوى التحالف في حملة‬
‫مهاجمة وغزو العراق واحتلله‪.‬‬
‫إن رئيس وزراء دولتكم‪ ،‬توني بلير قال‪ :‬إن الذين قاموا بتلك التفجيرات‬
‫قاموا بذلك باسم السلم‪ .‬ووزيرة الخارجية المريكية‪ ،‬كوندوليزا رايس‪،‬‬
‫وصفت التفجيرات بأنها عمل بربري‪ .‬كما أن مجلس المن الدولي اجتمع‬
‫وشجب بإجماع ذلك الحادث‪.‬‬
‫ن حوصر بلدي‬ ‫م ْ‬
‫ولكني بودي أن أسألك‪ ،‬أيها الشعب البريطاني الحر؛ باسم َ‬
‫من ُألقيت القنابل والسلحة المحرمة دوليا ً‬ ‫اثنتا عشرة سنة كاملة؟ وباسم َ‬
‫على مدن بلدي العراق؟ وباسم من قام الجيش البريطاني بقتل العراقيين‬
‫وتعذيبهم وانتهاك حرماتهم؟ هل كان ذلك باسمك؟ أم اسم الدين؟ أم‬
‫النسانية؟ أم الحرية؟ أم الديموقراطية؟‬
‫ماذا تقولون عن قتل أكثر من مليوني طفل؟ وماذا تقولون عن تلويث التراب‬
‫والماء باليورانيوم المشع والسلحة الفتاكة والعناصر الكيماوية الخرى؟ وماذا‬
‫ما حدث في سجن )أبو غريب(‪ ،‬وغوانتانامو والسجون والمعتقلت‬ ‫تقولون ع ّ‬
‫الخرى؟ وماذا تقولون عن تعذيب الرجال والنساء والولدان؟ وماذا تقولون‬
‫عن ربط القنابل بأجساد المساجين وتفجيرهم بها؟ وماذا تقولون عن طرق‬
‫التعذيب الجديدة التي استخدمت في تعذيب السجناء العراقيين؛ من قلع‬
‫الضافر‪ ،‬وفقء العين وقلعها‪ ،‬ووضع السجاير على جلودهم‪ ،‬وإحراق شعر‬
‫رؤوسهم؟ فهل يكون وصف "بربري" كافيا ً لوصف سلوك جنودكم في‬
‫العراق؟‬
‫هل من الممكن أن أسأل‪ :‬لماذا لم يشجب مجلس المن مجازر العامرية‬
‫والفلوجة وتلعفر ومدينة الصدر والنجف؟‬
‫ذب وُيشّرد‪ ،‬ولم يشجب‬ ‫لماذا وقف العالم يتفرج على شعبي ُيقتل وُيع ّ‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجرائم التي ارتكبت في حقنا؟ فهل أنتم بشر ونحن شيء آخر أقل من‬
‫ذلك؟ وهل تعتقدون أنكم أنتم فقط تتألمون‪ ،‬وتشعرون باللم بينما نحن ل‬
‫إحساس لنا؟‬
‫في الحقيقة نحن الكثر وعيا ً باللم الفظيع الذي يلم بالم التي فقدت ابنها أو‬
‫الب الذي فقد أسرته‪ .‬نعلم جيدا ً كم هو مؤلم أن يفقد أحد من يحب‪.‬‬
‫إنكم ل تعرفون شهداءنا‪ ،‬ولكن نحن نعرفهم‪ .‬ل تتذكرونهم أو تبكون من‬
‫أجلهم‪ ،‬ولكننا نفعل ذلك‪.‬‬
‫هل سمعتم بالطفلة حنان صالح مطرود؟ أو الطفل أحمد جابر كريم؟ أو‬
‫سعيد شبرم؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫نعم‪ .‬إن موتانا وقتلنا لهم أسماء أيضًا‪ .‬إن لهم وجوها ً وقصصا ً وذكريات‪ .‬لقد‬
‫كانوا بيننا ذات يوم‪ ،‬يضحكون ويلعبون‪ .‬كانت لهم أحلم مثلما لكم أحلم أنتم‬
‫أيضًا‪ .‬كان لهم غد ينتظرهم‪ ،‬ولكنهم اليوم يرقدون بيننا بل غد يوقظهم‪.‬‬
‫إننا ل نكره الشعب البريطاني ول شعوب العالم الخرى‪ .‬وهذه الحرب‬
‫ُفرضت علينا‪ ،‬ولكننا اليوم ندفع عن أنفسنا؛ لننا نريد أن نحيا على أرضنا‪-‬‬
‫أرض العراق الحر‪ -‬ونعيش كما نريد أن نعيش نحن‪ ،‬وليس كما تريد‬
‫حكومتكم أو حكومة الوليات المتحدة‪.‬‬
‫دع عائلت أولئك الذين ُقتلوا يعرفون أن مسؤولية أحداث تفجيرات الثلثاء‬
‫في لندن تقع على عاتق توني بلير وسياساته‪.‬‬
‫أوقفوا الحرب على شعبنا‪.‬‬
‫أوقفوا القتل اليومي الذي يمارسه جنودكم‪.‬‬
‫أنهوا احتللكم لرضنا‪.‬‬
‫توقيع‪ :‬إيمان السعدون‬
‫‪ 14‬يوليو ‪2005‬‬
‫وماذا بعد؟‬
‫ً‬
‫إن المتأمل في رسالة هذه السيدة العراقية يجدها تثير نقاطا كثيرة‪ ،‬تخاطب‬
‫ضمير الشعب البريطاني ومن ورائه المجتمعات الغربية كلها‪ ،‬تستثير فيها‬
‫التفكر في كثير من معاني الفوضى القيمية في العالم بفعل آليات التهويل‬
‫العلمي والسياسي الغربية‪ ،‬وتابعتها في العالم العربي والسلمي‪ ،‬وآليات‬
‫التهوين لما أصاب أمتنا من محن على أيدي قوات الغطرسة الصهيونية‬
‫والغربية وتابعتها ممثلة في أنظمة القهر والجبروت في العالم العربي خاصة‪.‬‬
‫كما أن الرسالة في حقيقتها موجهة للدارة المريكية التي حملت على عاتقها‬
‫برنامج إخضاع العالم لسطوتها‪ ،‬وتبعتها في ذلك أو ساندتها السياسة‬
‫الرسمية البريطانية‪ .‬وبعبارة أخرى فإن الزهو المريكي بعد النجاحات‬
‫العسكرية في العراق وأفغانستان وغيرها من مواقع العالم‪ ،‬والتفوق‬
‫المريكي في ميدان السلح والقتصاد والتقنية الحديثة زاد من طغيان إدارة‬
‫اليمين المسيحي المتصهين في الدارة المريكية‪ ،‬بل وأعمى بصرها عن‬
‫إدراك مآلت المور فيما يتعلق بعلقاتها بشعوب الرض قاطبة‪.‬‬
‫والملحظ‪ ،‬أنه بفعل غرور النفراد المريكي نشأ عرف أمريكي شاذ عن‬
‫المعايير النسانية التي توارثتها البشرية منذ قرون‪ ،‬ويقوم هذا العرف المنفرد‬
‫بصياغة مفردات السياسة الدولية بشكل يثير حقد العالم عموما‪ ،‬والمسلمين‬
‫بشكل خاص؛ ذلك أنه بالضافة إلى الظلم العام الذي تمارسه أمريكا على‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العالم‪ ،‬فإن هناك ظلما ً خاصا ً تسلطه على المسلمين بشكل لم يسبق له‬
‫مثيل من قبل في التاريخ‪.‬‬
‫فالمسلم المنتفض من أجل حقه في الوجود إرهابي‪ ،‬بينما الصهاينة شذاذ‬
‫الفاق الذين تجمعوا في أرض بيت المقدس ويعيثون فسادا ً وقتل ً هم في‬
‫نظر أمريكا مضطهدين‪ .‬والمحتلين لرض العراق وأفغانستان وغيرها يعدون‬
‫مقاتلين من أجل الحرية المستدامة‪ ،‬ولهم إعفاء كامل من المحاكم الدولية‬
‫عن أي جريمة ضد النسانية‪.‬‬
‫وإذا ُقتل يهودي أو حدث له أمر ما فإن ذلك معاداة للسامية‪ ،‬بينما آلف‬
‫الفلسطينيين الذين هم ساميون –بالعرف العلمي الغربي‪ -‬ل بواكي لهم‪ ،‬ول‬
‫ُيرفع من أجلهم شعار معاداة السامية‪ ،‬مع أن علماء الجناس والسللت‬
‫واللسانيات يرون أن العبري والعربي كليهما ساميان‪.‬‬
‫وإذا صنعت باكستان أو إيران أو العراق سلحا ً يمكن أن يمارس نوعا من‬
‫ً‬
‫التخويف وحماية النفس فإن ذلك محور الشر ونذير شؤم على أمن وسلم‬
‫العالم‪ ،‬أما إذا كانت الهند أوالكيان الصهيوني أو غيرها من الدول التي ل‬
‫يحكمها مسلمون فإن ذلك ُيضرب عنه صفحا ً في صحف وقنوات العالم ول‬
‫يسمع به أحد‪ ،‬ول يشكل خطرا ً على أمن وسلم العالم‪ .‬بل حتى كوريا التي‬
‫ددت وباشرت تصنيع السلح النووي لم ُتعامل بمعشار ما عومل به‬ ‫أعلنت وه ّ‬
‫العراق أو ليبيا أو مصر أو العراق أو السعودية‪.‬‬
‫إنه النفراد والغرور المريكي في العالم عامة وفي العالم السلمي خاصة‪،‬‬
‫والذي كلما طال أمده زاد رصيد نتائجه من الحقد على أمريكا وحلفائها التي‬
‫ترى أنها تؤدي دور "روما الجديدة" في مقابل "البرابرة الجدد" الذين هم‬
‫ود‪.‬‬
‫المسلمون في العرف المريكي المتصهين والنجيلي المته ّ‬
‫وحتى ل ُيقال إن كلمنا هذا كلم حاقد على أمريكا رائدة "الحضارة" والتقدم‬
‫و"العالم الحر"‪ ،‬فإن ما ذكرناه للقارئ الكريم في بداية هذا المقال يثبت‬
‫ويدعو إلى تأمل الحداث الخيرة‪ ،‬وما أدت إليه من زيادة الكراهية لمريكا‬
‫وحلفائها في العالم كله‪ ،‬وليس في العالم السلمي فحسب‪ ،‬وما ذلك إل‬
‫بسبب الخطاء الستراتيجية للدارة المريكية المتصهينة وتوابعها من‬
‫حكومات بريطانيا وغيرها المبنية على "عقيدة النفراد" والتسلط‪ ،‬وعلى‬
‫تبديل القيم والمفاهيم‪ ،‬وتحّيز معايير الكرامة النسانية‪ ،‬وازدواجية المكاييل‬
‫فيما يتعلق بحقوق النسان‪ ،‬ومفاهيم الرهاب‪ ،‬وتطبيقاتها المتحيزة‪ ،‬ونفاق‬
‫العلم وتحيزه وتهويله لشياء صغيرة وتهوينه لعظائم كثيرة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (‬


‫هو ابن عم النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ، -‬ولد قبل البعثة النبوية بعشر سنين‬
‫وأقام في بيت النبوة فكان أول من أجاب الى السلم من الصبيان ‪ ،‬هو أحد‬
‫العشرة المبشرين بالجنة ‪ ،‬وزوجته فاطمة الزهراء ابنة النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬ووالد الحسن والحسين سيدي شباب الجنة ‪.‬‬
‫الرسول يضمه إليه‬
‫كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وصدق بما‬
‫جاءه من الله تعالى ‪ :‬علي بن أبي طالب رضوان الله وسلمه عليه ‪ ،‬وهو‬
‫يومئذ ابن عشر سنين ‪ ،‬فقد أصابت قريشا ً أزمة شديدة ‪ ،‬وكان أبو طالب ذا‬
‫عيال كثير فقال الرسول الكريم للعباس عمه ‪ :‬يا عباس ‪ ،‬إن أخاك أبا طالب‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كثير العيال ‪ ،‬وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الزمة ‪ ،‬فانطلق بنا إليه‬
‫فلنخفف عنه من عياله ‪ ،‬آخذ من بنيه رجل وتأخذ أنت رجل فنكفهما عنه (‬
‫فقال العباس ‪ ):‬نعم (‪.‬‬
‫فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقال له ‪ ):‬إنا نريد أن نخفف من عيالك حتى‬
‫ينكشف عن الناس ما هم فيه ( فقال لهما أبو طالب ‪ ):‬إذا تركتما لي عقيل ً‬
‫فاصنعا ما شئتما ( فأخذ الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عليا ً فضمه إليه ‪،‬‬
‫وأخذ العباس جعفرا ً فضمه إليه ‪ ،‬فلم يزل علي مع رسول الله حتى بعثه الله‬
‫تبارك وتعالى نبيا ً ‪ ،‬فاتبعه علي ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬وآمن به وصدقه ‪ ،‬وكان‬
‫الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إذا حضرت الصلة خرج الى شعاب مكة ‪،‬‬
‫وخرج علي معه مستخفيا ً من أبيه وسائر قومه ‪ ،‬فيصليان الصلوات معا ‪،‬‬
‫فإذا أمسيا رجع‪.‬‬
‫منزلته من الرسول‬
‫ما آخى الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بين أصحابه قال لعلي ‪ ):‬أنت‬ ‫ل ّ‬
‫أخي ( وكان يكتب لرسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ، -‬وشهد الغزوات كلها‬
‫ما عدا غزوة تبوك حيث استخلفه الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في أهله‬
‫وقال له ‪ ):‬أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى (‪.‬‬
‫وكان مثال في الشجاعة و الفروسية ما بارز أحد ال صرعه ‪ ،‬وكان زاهدا في‬
‫الدنيا راغبا في الخرة قال فيه النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ): -‬من أحب عليا‬
‫فقد أحبني ‪ ،‬ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد أبغضني ‪ ،‬ومن‬
‫أبغضني فقد أبغض الله (‪.‬‬
‫دعاه الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وزوجته فاطمة وابنيه ) الحسن‬
‫والحسين ( وجّللهم بكساء وقال ‪ ):‬اللهم هؤلء أهل بيتي ‪ ،‬فأذهب عنهم‬
‫هم تطهيرا ً ( وذلك عندما نزلت الية الكريمة قال تعالى ‪ ):‬إّنما‬ ‫الرجس وطهّْر ُ‬
‫ل البيت ( ‪ ,‬كما قال ‪-‬عليه أفضل الصلة‬ ‫س أه َ‬
‫ب عنكم الّرج َ‬ ‫ه ل ِي ُذ ْهِ َ‬
‫ُيريد ُ الل ُ‬
‫مار وبلل (‪.‬‬
‫والسلم‪ ):-‬اشتاقت الجن ّةِ إلى ثلثة ‪ :‬إلى علي ‪ ،‬وع ّ‬
‫ليلة الهجرة‬
‫في ليلة الهجرة ‪ ،‬اجتمع رأي المشركين في دار الندوة على أن يقتلوا‬
‫الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في فراشه ‪ ،‬فأتى جبريل ‪-‬عليه السلم‪-‬‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقال ‪ ):‬ل تبيت هذه الليلة على فراشك‬
‫الذي كنت تبيت عليه ( فلما كانت عتمة من الليل اجتمع المشركون على بابه‬
‫يرصدونه متى ينام فيثبون عليه ‪ ،‬فلما رأى رسول الله مكانهم قال لعلي ‪:‬‬
‫ج ببردي هذا الحضرمي الخضر فنم فيه ‪ ،‬فإنه لن‬ ‫س ّ‬ ‫) نم على فراشي ‪ ،‬وت َ َ‬
‫ص إليك شيء تكرهه منهم (‪.‬‬ ‫خل ُ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ونام علي ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬تلك الليلة بفراش رسول الله ‪ ،‬واستطاع الرسول‬
‫‪-‬صلى الله عليه سلم‪ -‬من الخروج من الدار ومن مكة ‪ ،‬وفي الصباح تفاجأ‬
‫المشركون بعلي في فراش الرسول الكريم وأقام علي ‪-‬كّرم الله وجهه‪-‬‬
‫بمكة ثلث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫الودائع التي كانت عنده للناس ‪ ،‬حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله في‬
‫قباء‪.‬‬
‫أبو تراب‬
‫دخل علي على فاطمة ‪-‬رضي الله عنهما‪ ، -‬ثم خرج فاضطجع في المسجد ‪،‬‬
‫فقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ ): -‬أين ابن عمك ( قالت ‪ ):‬في‬
‫المسجد ( فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره ‪ ،‬وخلص التراب إلى‬
‫ظهره ‪ ،‬فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول ‪ ):‬اجلس يا أبا تراب ( مرتين‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يوم خيبر‬
‫ة غدا ً‬
‫ن الراي َ‬ ‫ُ‬
‫عطي ّ‬
‫في غزوة خيبر قال الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ): -‬ل ْ‬
‫رجل ً يحب الله ورسوله ‪ ،‬وُيحبه الله ورسوله ‪ ،‬يفتح الله عليه ‪ ،‬أو على يديه (‬
‫حت على يديه‪.‬‬ ‫معْ َ‬
‫طى وفُت ِ َ‬ ‫فكان رضي الله عنه هو ال ُ‬
‫خلفته‬
‫لما استشهد عثمان ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬سنة ) ‪ 35‬هـ ( بايعه الصحابة‬
‫والمهاجرين و النصار وأصبح رابع الخلفاء الراشدين ‪ ،‬يعمل جاهدا على‬
‫توحيد كلمة المسلمين واطفاء نار الفتنة ‪ ،‬وعزل الولة الذين كانوا مصدر‬
‫الشكوى‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ذهبت السيدة عائشة زوجة الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬الى مكة‬
‫المكرمة لتأدية العمرة في شهر محرم عام ‪ 36‬هجري ‪ ،‬ولما فرغت من ذلك‬
‫عادت الى المدينة ‪ ،‬وفي الطريق علمت باستشهاد عثمان واختيار علي بن‬
‫أبي طالب خليفة للمسلمين ‪ ،‬فعادت ثانية الى مكة حيث لحق بها طلحة بن‬
‫عبيد الله والزبير بن العوام ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬وطالب الثلثة الخليفة بتوقيع‬
‫القصاص على الذين شاركوا في الخروج على الخليفة عثمان ‪-‬رضي الله‬
‫عنه‪ ، -‬وكان من رأي الخليفة الجديد عدم التسرع في ذلك ‪ ،‬والنتظار حتى‬
‫تهدأ نفوس المسلمين ‪،‬وتستقر الوضاع في الدولة السلمية ‪ ،‬غير أنهم لم‬
‫يوافقوا على ذلك واستقر رأيهم على التوجه الى البصرة ‪ ،‬فساروا اليها مع‬
‫أتباعهم‪.‬‬
‫معركة الجمل‬
‫خرج الخليفة من المدينة المنورة على رأس قوة من المسلمين على أمل أن‬
‫يدرك السيدة عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ ، -‬ويعيدها ومن معها الى مكة المكرمة‬
‫‪ ،‬ولكنه لم يلحق بهم ‪ ،‬فعسكر بقواته في ) ذي قار ( قرب البصرة ‪ ،‬وجرت‬
‫محاولت للتفاهم بين الطرفين ولكن المر لم يتم ‪ ،‬ونشب القتال بينهم‬
‫وبذلك بدأت موقعة الجمل في شهر جمادي الخرة عام ‪ 36‬هجري ‪ ،‬وسميت‬
‫بذلك نسبة الى الجمل الذي كانت تركبه السيدة عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪-‬‬
‫خلل الموقعة ‪ ،‬التي انتهت بانتصار قوات الخليفة ‪ ،‬وقد أحسن علي ‪-‬رضي‬
‫الله عنه‪ -‬استقبال السيدة عائشة وأعادها الى المدينة المنورة معززة مكرمة‬
‫‪ ،‬بعد أن جهزها بكل ما تحتاج اليه ‪ ،‬ثم توجه بعد ذلك الى الكوفة في‬
‫العراق ‪ ،‬واستقر بها ‪ ،‬وبذلك أصبحت عاصمة الدولة السلمية‪.‬‬
‫مواجهة معاوية‬
‫قرر علي بن أبي طالب ‪-‬رضي الله عنه‪ ) -‬بعد توليه الخلفة ( عزل معاوية‬
‫بن أبي سفيان عن ولية الشام ‪ ،‬غير أن معاوية رفض ذلك ‪ ،‬كما امتنع عن‬
‫مبايعته بالخلفة ‪ ،‬وطالب بتسليم قتلة عثمان ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬ليقوم معاوية‬
‫باقامة الحد عليهم ‪ ،‬فأرسل الخليفة الى أهل الشام يدعوهم الى مبايعته ‪،‬‬
‫وحقن دماء المسلمين ‪ ،‬ولكنهم رفضوا فقرر المسير بقواته اليهم وحملهم‬
‫على الطاعة ‪ ،‬وعدم الخروج على جماعة المسلمين ‪ ،‬والتقت قوات‬
‫الطرفين عند ) صفين ( بالقرب من الضفة الغربية لنهر الفرات ‪ ،‬وبدأ بينهما‬
‫القتال يوم الربعاء )‪ 1‬صفر عام ‪ 37‬هجري (‪.‬‬
‫وحينما رأى معاوية أن تطور القتال يسير لصالح علي وجنده ‪ ،‬أمر جيشه‬
‫فرفعوا المصاحف على ألسنة الرماح ‪ ،‬وقد أدرك الخليفة خدعتهم وحذر‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جنوده منها وأمرهم بالستمرار في القتال ‪ ،‬لكن فريقا من رجاله ‪ ،‬اضطروه‬


‫للموافقة على وقف القتال وقبول التحكيم ‪ ،‬بينما رفضه فريق آخر وفي‬
‫رمضان عام ‪ 37‬هجري اجتمع عمر بن العاص ممثل عن معاوية وأهل‬
‫الشام ‪ ،‬وأبو موسى الشعري عن علي وأهل العراق ‪ ،‬واتفقا على أن‬
‫يتدارسا المر ويعودا للجتماع في شهر رمضان من نفس العام ‪ ،‬وعادت‬
‫قوات الطرفين الى دمشق والكوفة ‪ ،‬فلما حان الموعد المتفق عليه اجتمعا‬
‫ثانية ‪ ،‬وكانت نتيجة التحكيم لصالح معاوية‪.‬‬
‫الخوارج‬
‫أعلن فريق من جند علي رفضهم للتحكيم بعد أن اجبروا عليا ‪-‬رضي الله‬
‫عنه‪ -‬على قبوله ‪ ،‬وخرجوا على طاعته ‪ ،‬فعرفوا لذلك باسم الخوارج ‪ ،‬وكان‬
‫عددهم آنذاك حوالي اثني عشر ألفا ‪ ،‬حاربهم الخليفة وهزمهم في معركة‬
‫)النهروان( عام ‪ 38‬هجري ‪ ،‬وقضى على معظمهم ‪ ،‬ولكن تمكن بعضهم من‬
‫النجاة والهرب وأصبحوا منذ ذلك الحين مصدر كثير من القلقل في الدولة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫استشهاده‬
‫لم يسلم الخليفة من شر هؤلء الخوارج اذ اتفقوا فيما بينهم على قتل علي‬
‫ومعاوية وعمرو بن العاص في ليلة واحدة ‪ ،‬ظنا منهم أن ذلك يحسم الخلف‬
‫ويوحد كلمة المسلمين على خليفة جديد ترتضيه كل المة ‪ ،‬وحددوا لذلك‬
‫ثلثة من بينهم لتنفيذ ما اتفقوا عليه ‪ ،‬ونجح عبد الرحمن بن ملجم فيما كلف‬
‫به ‪ ،‬اذ تمكن من طعن علي ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬بالسيف وهو خارج لصلة الفجر‬
‫من يوم الجمعة الثامن عشر من رمضان عام أربعين هجرية بينما أخفق‬
‫الخران‪.‬‬
‫وعندما هجم المسلمون على ابن ملجم ليقتلوه نهاهم علي قائل ‪ ):‬ان أعش‬
‫فأنا أولى بدمه قصاصا أو عفوا ‪ ،‬وان مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب‬
‫العالمين ‪ ،‬ول تقتلوا بي سواه ‪ ،‬ان الله ل يحب المعتدين ( وحينما طلبوا منه‬
‫أن يستخلف عليهم وهو في لحظاته الخيرة قال لهم ‪ ):‬ل آمركم ول أنهاكم ‪،‬‬
‫أنتم بأموركم أبصر ( واختلف في مكان قبره وباستشهاده ‪-‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫انتهى عهد الخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫" من أحب عليا فقد أحبني ‪ ،‬ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد‬
‫أبغضني ‪ ،‬ومن أبغضني فقد أبغض الله " حديث شريف‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫علي محمد الصلبي مفخرة بحق‬


‫الشبكة‬
‫حين ُيذكر أهل العلم وأهل الهمم ‪ ،‬يبدأ طائر السعد والفرح بتحريك أجنحته‬
‫الربانية في حنايا النفس ؛ ذلك بأن ذكرهم ذكر لله تعالى ‪ ،‬وتذكير به ‪ ،‬فما‬
‫تلبث النفس أن تشعر بلذة هذا الطريق ‪ ،‬برغم صعوبته ‪ ،‬وتنتشي من‬
‫أخبارهم وسيرهم العطرة الزاكية ‪.‬‬
‫سّير تغني عن كثير من‬ ‫وهذا الذي قال عنه المام أبو حنيفة ‪ " :‬معرفة ال ِ‬
‫الفقه " ؛ لن هذه السير العطرة تحوي الفقه وزيادة ؛ ففيها التطبيق العملي‬
‫الواقعي للفقه ‪ ،‬وفيها العبر المتحركة النابضة التي تدل على إمكانية التطبيق‬
‫في أعلى نماذجه ‪.‬‬
‫منذ أن كان الخ الحبيب " علي الصلبي " يعيش في حدائق بنغازي العطرة ‪،‬‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان " يحلم " أن يكتب في التاريخ الليبي ‪ ،‬وظل هذا الحلم يسكن داخل‬
‫نفسه وروحه ‪ ،‬يتحرك كل آن وحين ‪ ،‬ولم تمنعه دارسته الشرعية في المدينة‬
‫المنورة ـ على صاحبها أزكى الصلة والسلم ـ من السعي لتحقيق هذا‬
‫الحلم ‪ ،‬فظل هو الطالب المجتهد الول دوما على دفعته ‪ ،‬ظل يبحث عن‬
‫حلمه وإمكانية تحقيقه ‪ ،‬يجلس مع أهل الختصاص ‪ ،‬ويشتري الكتب ويعكف‬
‫عليها ‪ ،‬ويتكلم مع كل من زاره من أهل البلد الطيب " ليبيا " عن هذا‬
‫المشروع الحلم ‪ ،‬بل يطالبونه بأن يحكي لهم عنه ‪ ،‬وأين وصل فيه ‪.‬‬
‫تفوق في جامعة المدينة المنورة بمرتبة شرف ‪ ،‬رفعت اسم بلده عاليا ‪،‬‬
‫ومن قبل اسم أمته الماجدة ‪ ،‬ثم حاز على الماجستير والدكتوراه من‬
‫السودان الشقيق ‪ ،‬كلهما في القرآن الكريم ودراساته ‪ ،‬إذ الخ الحبيب "‬
‫علي الصلبي " صاحب صلة " فريدة " بالقرآن الكريم ‪ ،‬حفظا وتلوة وفهما‬
‫وعشقا‪.‬‬
‫ومع هذه الدراسات الكاديمية بدأت الخطوات العملية في تحقيق الحلم ‪،‬‬
‫ليصبح حقيقة ماثلة للعيان ‪ ،‬بل ويتسع الحلم الجميل الواقعي أكبر مما كان‬
‫عليه أول المر ؛ فقد كان في أوله الكتابة في التاريخ الليبي ‪ ،‬ثم أضيف له‬
‫سير الخلفاء الراشدين وسيرة النبي عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وتاريخ الدول‬
‫السلمية وغيرها ‪.‬‬
‫إن الدكتور علي الصلبي ـ حفظه الله ـ يمتاز بقدرته وصبره على البحث‬
‫والتنقيب ‪ ،‬حتى إنني أزعم أن هذه الميزة تندر اليوم عند طلبة العلم اليوم ‪،‬‬
‫بل والعلماء ‪ ،‬وهذا واضح ومشهود له به من قبل القريب والبعيد والصديق‬
‫والحسود ‪ ،‬حتى أنك ترى أثر القلم في يده وقد ترك أثرا لمكانه في أصابعه‬
‫المباركة ‪.‬‬
‫لم ينل الدكتور علي الصلبي حقه في بيان جهوده من قبل أهل بلده لهذه‬
‫المجهودات الضخمة التي بذلها ‪ ،‬فعمله اليوم ليس قاصرا على ليبيا فقط ‪،‬‬
‫وإنما تعداها ليصل إلى الهتمام بالمة أجمع ؛ فقد انتشرت كتبه في كل‬
‫مكان ‪ ،‬وطبعت في أكثر من قطر ‪ ،‬وترجم بعضها إلى لغات أخرى ‪ ،‬ونالت‬
‫إحسان وثناء أهل العلم الفاضل ‪.‬‬
‫ففي المرحلة الولى عندما صدرت عدة كتب للدكتور علي الصلبي قال له‬
‫أحد علماء اليمن البارزين الربانيين ‪ ) :‬ليس عندنا في اليمن من هو في مثل‬
‫عمرك ويقدر يعمل ما عملت ! ( وهي كلمة لها وزنها من أهل اليمن ‪ ،‬في‬
‫حين كان يلقى الدكتور علي الكلمات المثبطة من بعض الحبة ! ‪ ،‬لكن الله‬
‫يخلق ما يشاء ويختار ‪.‬‬
‫ويقول أحد الساتذة البارزين من أهل العراق وقد أشرف على مئات‬
‫الرسائل الجامعية ‪ ،‬يقول للدكتور علي الصلبي ) لم اقرأ بحثا في سيرة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم كمثل كتابكم ( ! ول زلت أذكر الكثير من عبارات‬
‫التثبيط التي وصلت من البعض حول الكتابة في السيرة ‪ ،‬وأنه ما الذي سوف‬
‫يضيفه فيها؟‬
‫طبع اليوم من كتاب السيرة ) السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث (‬
‫أكثر من مائة وخمسون ألف نسخة " ‪ " 150.00‬من روسيا إلى العراق إلى‬
‫موريتانيا والجزائر والخليج ومصر و أدغال أفريقيا وغيرها ‪ ،‬وهذا من فضل‬
‫ب غير‬ ‫الله تعالى وحده ‪ ،‬وتقبل الناس الكتاب بقبول حسن ‪ ،‬في حين كت َ‬
‫الدكتور علي الصلبي الكثيرون في السيرة ‪ ،‬ول تزال بحوثهم طي النسيان ‪.‬‬
‫إن تحديد الهدف ‪ ،‬والعزيمة على المضي فيه ‪ ،‬وعدم اللتفات إلى غيره ‪،‬‬
‫وقلة الكتراث بعبارات التثبيط والتجريح ‪ ،‬والتضرع المستمر إلى الله بالقبول‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،‬وحسن النية في العمل ‪ ،‬كل أولئك كانت من أسباب النجاح للدكتور علي‬
‫الصلبي حفظه الله ‪.‬‬
‫إن الداعية الواعي الموقن بمشروعه عليه أن يستمر ويمضي في طريقه ل‬
‫يبالي ‪ ،‬ما دام على الهدى والهدي المستقيم ‪ ،‬وما دام يعمل لله بنية حسنة ‪،‬‬
‫ويراجع قلبه وإخلصه حينا بحين ‪.‬‬
‫يقول أحد المختصين في التاريخ عن كتاب ) سيرة أمير المؤمنين خامس‬
‫الخلفاء الراشدين الحسن بن علي بن أبي طالب‪ ،‬شخصيته وعصره ( يقول ‪:‬‬
‫" لم يكتب أحد من أهل السنة ول الشيعة كتابا في المام الحسن كمثل كتاب‬
‫الصلبي " ‪.‬‬
‫إن هذا بحق مفرخة للعلم والدعوة السلمية في كل مكان ‪.‬‬
‫عندما طبع كتاب المام علي بن أبي طالب ‪ ،‬قال بعض طلبة العلم " إن هذا‬
‫الكتاب سوف يولد مشكلة بين الشيعة والسنة في هذا الوقت ‪ ،‬وليس من‬
‫اللئق طبعه ! " وتمضي سنة الله ويطبع الكتاب وينتشر في كل العراق ‪ ،‬بل‬
‫وتتغير عقائد بعض الشيعة ليدخلوا في أهل السنة ! ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن من التجارب الحية التي يعلمنا إياها الدكتور علي الصلبي بأن المرء عليه‬
‫المضي في دربه من غير أن يلتفت ولو هنيهة للوراء ‪ ،‬وأن يكون متواضعا ‪،‬‬
‫حنون السجايا مع ما يلقاه من عنت وحسد ‪ ،‬فقد كان الخ الحبيب علي‬
‫الصلبي يرسل كتبه قبل الطبع لخوانه يأخذ رأيهم فيها ‪ ،‬برغم مشقات‬
‫البريد ‪ ،‬ومع ذلك ل يزال الخ الحبيب المتواضع ‪ ،‬طيب القلب ‪.‬‬
‫إن مشروع الدكتور علي الصلبي الضخم لن يقف عند التاريخ ‪ ،‬بل الطموح‬
‫أن يبدأ في تناول موضوعات مهمة في القرآن الكريم ‪ ،‬ونتمنى له التوفيق‬
‫والسداد والقبول فيها ‪ ،‬كما كان القبول للكتب التاريخية الضخمة ‪ ،‬وكل هذا‬
‫يصب في تربية الجيال المؤمنة في ليبيا الحبيبة وفي كل المة ‪ ،‬وقد ظهرت‬
‫بشائر تدل على التفاف الشباب المؤمن حول هذه الكتب ‪ ،‬واعتمادها من‬
‫قبل بعض المؤسسات التربوية في مناهجها ‪.‬‬
‫إننا في الشبكة لنفخر بأن نقدم لكل أهلنا هذه الشخصية العطرة الطيبة ‪،‬‬
‫ونعد بأن نوفر كل ما نقدر عليه من كتب الدكتور علي الصلبي على صفحات‬
‫الشبكة ‪ ،‬وبطرق مناسبة للجميع ‪ ،‬من بعد موافقة الدكتور علي الصلبي على‬
‫ذلك والحمد لله ‪.‬‬
‫إنها دعوة لكل شباب الصحوة في ليبيا الحبيبة للنهل من هذا المشروع‬
‫الضخم والستفادة منه ‪ ،‬والترويج له ‪ ،‬وأن تفخر الصحوة كلها ‪ ،‬وكل ليبي‬
‫سليم القلب بهذا الخ الدكتور ‪ ،‬وأن تنزله المكانة التي أنزله إياها أهل العلم‬
‫والفضل الحقيقيين ‪.‬‬
‫وهنيئا لل الصلبي وكل ليبيا وكل أمتنا بهذه المفخرة ‪ ،‬ونسأل الله له دوام‬
‫التوفيق والسداد ‪.‬‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫صلب ّ‬
‫علي محمد محمد ال ّ‬
‫بطاقة تعريف‬
‫· ـ ولد في مدينة بنغازي بليبيا عام ‪ 1383‬هـ‪1963 /‬م‪.‬‬
‫· ـ حصل على درجة الجازة العالية))الليسانس(( من كلية الدعوة وأصول‬
‫الدين من جامعة المدينة المنورة بتقدير ممتاز وكان الول على دفعته عام‬
‫‪1413/1414‬هـ الموافق ‪1992/1993‬م‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫· ـ نال درجة الماجستير من جامعة أم درمان السلمية كلية أصول الدين‬


‫قسم التفسير وعلوم القرآن عام ‪1417‬هـ‪1996/‬م‪.‬‬
‫· ـ نال درجة الدكتوراه في الدراسات السلمية بمؤلفه فقه التمكين في‬
‫القرآن الكريم‪ .‬جامعة أم درمان السلمية بالسودان عام ‪1999‬م‪.‬‬
‫· ـ صدرت له عدة كتب‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ عقيدة المسلمين في صفات رب العالمين‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الوسطية في القرآن الكريم‪.‬‬
‫سلسلة))صفحات من التاريخ السلمي في الشمال الفريقي((‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ صفحات من تاريخ ليبيا السلمي والشمال الفريقي‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ عصر الدولتين الموية والعباسية وظهور فكر الخوارج‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ الدولة العبيدية )الفاطمية( الرافضية‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ فقه التمكين عند دولة المرابطين‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ دولة الموحدين‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ فاتح القسطنطينية السلطان محمد الفاتح‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ فكر الخوارج والشيعة في ميزان أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ الحركة السنوسية في ليبيا‪.‬‬
‫) أ ( ـ المام محمد بن علي السنوسي ومنهجه في التأسيس‪.‬‬
‫) ب ( ـ محمد المهدي السنوسي‪ ،‬وأحمد الشريف‪.‬‬
‫) ج ( ـ إدريس السنوسي‪ ،‬وعمر مختار‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ فقه التمكين في القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ النشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق‪ ،‬شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪ 15‬ـ فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‪ ،‬شخصيته‬
‫وعصره‪.‬‬
‫‪ 16‬ـ تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان‪ ،‬شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪ ،‬شخصيته‬
‫وعصره‪.‬‬
‫‪ 18‬ـ سيرة أمير المؤمنين خامس الخلفاء الراشدين الحسن بن علي بن أبي‬
‫طالب‪ ،‬شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪ 19‬ـ الدولة الموية‪ ،‬عوامل الزدهار وتداعيات النهيار‪.‬‬
‫‪ 20‬ـ معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪ 21‬ـ عمر بن عبد العزيز معالم التجديد والصلح الراشدي على منهاج النبوة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عمار المساجد‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن‬
‫وله ‪.‬‬
‫* أيها الخ الراشد ‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪..‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فقد ذكر الله عمار المساجد فوصفهم باليمان النافع وبالقيام بالعمال‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصالحة التي أمها الصلة والزكاة وبخشية الله التي هي أصل كل خير فقال‬
‫تعالى ‪ } :‬إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الخر وأقام الصلة‬
‫وآتى الزكاة ولم يخش إل ّ الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين {‬
‫] التوبة ‪. [ 18 :‬‬
‫وحضورك إلى المسجد لداء الصلة مع الجماعة إنما هو عمارة لبيوت الله‬
‫والوصية لي ولك ‪ ،‬أن نحافظ على هذه الصلة مع الجماعة لتكون نورا ً‬
‫وبرهانا ً يوم القيامة ‪ ،‬ول تنس بالخص صلة الفجر فإن البعض من الناس‬
‫اليوم قد استهوتهم أنفسهم ‪ ،‬وضعف إيمانهم وقل ورعهم ‪ ،‬وماتت غيرتهم ‪،‬‬
‫فل يحرصون على حضور صلة الفجر مع الجماعة ويتذرعون بحجج وأعذار‬
‫هي أوهي من بيت العنكبوت ‪ ،‬وهم بصنيعهم هذا قد آثروا حب النفس وحب‬
‫النوم على محاب الله ورسوله } قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم‬
‫وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن‬
‫ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي‬
‫الله بأمره والله ل يهدي القوم الفاسقين { ] التوبة ‪. [ 24 :‬‬
‫* أخا السلم ‪:‬‬
‫أل أن تسعد ببشرى نبيك ‪- :‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وهو يقول فيما أخرجه‬
‫الترمذي وأبو داود وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه ‪ )) :‬بشر المشائين‬
‫في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة (( ‪ ..‬كسب آخر ‪ ،‬إلى جانب‬
‫النور التام لمن حافظ على صلة الفجر ‪ ،‬ولكنه ليس كسبا ً دنيويا بل هو أرفع‬
‫وأسمى من ذلك ‪ ،‬وهو الغاية التي يشمر لها المؤمنون ‪ ،‬ويتعبد من أجلها‬
‫العابدون ‪ ،‬إنها الجنة !!! وأي تجارة رابحة كالجنة !!! قال ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ )) : -‬من صلى البردين دخل الجنة (( أخرجه مسلم ‪ .‬أي من صلى‬
‫الفجر والعصر ‪.‬‬
‫فياله من فضل عظيم أن تدخل الجنة بسبب محافظتك على هاتين الصلتين‬
‫صلة الصبح والعصر ‪ ،‬ولكن ماذا في الجنة ؟ وماذا أعد لداخلها ؟ وما‬
‫صفاتهم ؟ إذا أردت أن تعلم هذا فاقرأ كتاب ربك وتدبر وتفهم ما فيه‬
‫فالوصف ل يحيط بما فيها } فل تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء‬
‫بما كانوا يعملون { ] السجدة ‪. [ 17 :‬‬
‫وليس هذا فحسب بل هناك ما هو أعلى من ذلك كله وهو لذة النظر إلى‬
‫وجه الله الكريم ‪ ،‬فقد ثبت في صحيح البخاري عن جرير بن عبدالله رضي‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ، -‬فنظر إلى القمر ليلة‬ ‫الله عنه قال ‪ :‬كنا عند النب ّ‬
‫‪-‬يعني البدر‪ -‬فقال ‪ )) :‬إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ل تضامون‬
‫في رؤيته فإن استطعتم أن ل تغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس وقبل‬
‫غروبها فافعلوا )) ثم قرأ ‪ } :‬وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل‬
‫غروبها { زاد المسلم ) يعني العصر والفجر(‪.‬‬
‫* قال العلماء ‪:‬‬
‫)) ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلتين عند ذكر الرؤية أن الصلة أفضل‬
‫الطاعات ‪ .‬وقد ثبت لهاتين الصلتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من‬
‫اجتماع الملئكة فيهما ورفع العمال وغير ذلك ‪ ،‬فهما أفضل الصلوات‬
‫فناسب أن يجازي المحافظ عليهما بأفضل العطايا وهو النظر إلى الله‬
‫تعالى (( اهـ ‪ .‬فتح )‪. (2/34‬‬
‫* وينبغي أن تعلم أخي المسلم ‪:‬‬
‫أن إيمان المرء يتمثل بحضور صلة الفجر حين يستيقظ النسان من فراشه‬
‫الناعم تاركا ً لذة النوم وراحة النفس طلبا لما عند الله ورغبة في أن يكون‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بقوله ‪ )) :‬من صلى‬ ‫في ذمة الله ‪ ،‬كما أخبر النب ّ‬
‫الصبح فهو في ذمة الله فل يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من‬
‫ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم (( ‪ ،‬أخرجه مسلم ‪ ،‬من‬
‫حديث جندب بن عبدالله ‪.‬‬
‫إن النفس الزكية الطاهرة تسارع إلى ربها لداء صلة الفجر مع الجماعة‬
‫فهي غالية الجر وصعبة المنال إل ّ لمن وفقه الله لذلك ‪.‬‬
‫وكثير من الناس اليوم إذا أووا إلى فرشهم للنوم غطوا في سبات عميق‬
‫وتحولوا إلى صرعى ضربات الشيطان وعقده الثلث ‪.‬‬
‫يقول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فيما أخرجه مسلم ‪ )) :‬يعقد الشيطان على‬
‫قافية رأس أحدكم ثلث عقد إذا نام بكل عقدة يضرب‪ :‬عليك ليل طويل‬
‫فارقد فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة وإذا تؤضأ انحلت عنه عقدتان فإذا‬
‫صلى انحلت العقد فاصبح نشيطا ً طيب النفس ‪ .‬وإل ّ أصبح خبيث النفس‬
‫كسلن (( من رواية أبي هريرة ‪.‬‬
‫*فانظر أي المسلم ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إلى عظيم المسئولية وأهميتها فهذا رسولنا وحبيبنا ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫يحذرنا من أن تصبح النفس خبيثة خاصة إذا نامت عن صلة الفجر فما بال‬
‫هذا التقصير فينا ؟!!! لماذا هذا التساهل عندنا؟!!!وكيف نأمل أن ينصرنا الله‬
‫عز وجل ‪ ،‬وأن يرزقنا ‪ ،‬ويهزم أعداءنا ‪ ،‬أن يمكن لنا في الرض ونحن في‬
‫تقصير وتفريط في حق الله ‪ .‬نسمع نداءه كل يوم حي على الصلة حي على‬
‫الفلح ‪ -‬الصلة خير من النوم ونحن ل نجيب ول نستجيب أي بعد عن الله بعد‬
‫هذا !!! هل أمنا مكر الله ؟ هل نسينا وقوفنا بين يدي الله ؟!!! والله لنوقفن‬
‫غدا ً عن من ل تخفى عليه خافية } ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول‬
‫مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم‬
‫أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون { ] النعام ‪:‬‬
‫‪. [ 94‬‬
‫* ل يا أخي ‪:‬‬
‫قم عن فراشك وانهض من نومك واستعن بالله رب العامين ول تتثاقل‬
‫نفسك عن صلة الفجر ‪ ،‬فإن أثقل الصلة على المنافقين صلة العشاء‬
‫وصلة الفجر ولو يعلمون ما فيهما من الجر لتوهما ولو حبوا ً ‪.‬‬
‫إن الواحد منا ليسر حينما يدخل المسجد لصلة الظهر أو المغرب أو العشاء‬
‫ويجد جموع المصلين في الصف والصفين والثلثة صغارا ً وكبارا ً ‪ ،‬فيحمد الله‬
‫ثم يأتي لصلة الفجر ول يجد إل ّ نصف العدد أو أقل من ذلك ‪ .‬أين ذهب‬
‫أولئك المصلون ؟!!! إنهم صرعى ضربات الشيطان بعقدة الثلث!!! يغطون‬
‫في سبات عميق فل حول ول قوة إل ّ بالله العلي العظيم ‪.‬‬
‫ولو قيل لحدهم ‪ :‬إن عملك يدعوك قبل الفجر بساعة لعد نفسه واستعد‬
‫وأخذ السباب حتى يستيقظ في الوقت المحدد بل لو أراد أحدنا أن يسافر‬
‫قبل أذان الفجر لحتاط لنفسه وأوصى أهله أن يوقظوه ‪.‬‬
‫لكنا ل نصنع هذا في صلة الفجر ‪.‬‬
‫فليتق الله امرؤ عرف الحق فلم يتبعه وإذا سمعت أذان الفجر يدوي في‬
‫أفواه الموحدين فانهض بنفس شجاعة إلى المسجد ‪ ،‬وكن من الذين يخافون‬
‫يوما تتقلب فيه القلوب والبصار ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* ثم اعلم يا أخا السلم ‪:‬‬


‫أنك إذا أرخيت العنان لنفسك وتخلفت عن صلة الفجر مع الجماعة عرضت‬
‫نفسك لسخط الله ومقته فانتبه لنفسك قبل أن يأتيك الموت بغتة وأنت ل‬
‫تدري وقبل } أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن‬
‫كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول‬
‫حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين { ] الزمر ‪- 56 :‬‬
‫‪. [ 58‬‬
‫والن قد جاءك النذير وتبين لك القول ‪ ،‬فأنقذ بنفسك من حجب الهوى إلى‬
‫سبيل الهدى وابحث عن الوسائل المعينة لحضور هذه الفريضة ‪.‬‬
‫* وهاكها باختصار ‪:‬‬
‫‪ -1‬إخلص النية لله تعالى والعزم الكيد على القيام للصلة عند النوم ‪.‬‬
‫‪ -2‬البتعاد عن السهر والتبكير بالنوم متى استطعت إلى ذلك ‪.‬‬
‫‪ -3‬الستعانة بمن يوقظك عند الصلة من أب أو أم أو أخ أو أخت أو زوجة أو‬
‫جار أو منبه ‪.‬‬
‫‪ -4‬الحرص على الطهارة وقراءة الوراد النبوية قبل النوم ‪.‬‬
‫فبادر إلى الصلة وأجب داعي الله ‪.‬‬
‫} ومن ل يجب داعي الله فليس بمعجز في الرض وليس له من دونه‬
‫أولياء ‪ { ..‬الية ] الحقاف ‪. [ 32 :‬‬
‫ألهمنا الله وإياك البر والرشاد ووفقنا للخير والسداد وسلك بنا وبك مسالك‬
‫الخيار البرار‪.‬‬
‫وأخيرا ً تذكر قول ربك } إن في ذلك لذكر لمن كان له قلب أو ألقى السمع‬
‫وهو شهيد { ] ق ‪. [ 37 :‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته )‪(1‬‬
‫_____________________________________________‬
‫)‪ (1‬كتبها عبدالله بن عبدالرحمن ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عمر المختار‪ ..‬الرواية الخالدة‬


‫فخر الدين محمود حسب الله*‬
‫مي الرسالة‬ ‫في البدء أقول شكرا ً للمخرج الراحل مصطفى العقاد صاحب فيل َ‬
‫وعمر المختار؛ فقد أدى رسالته على أكمل وجه‪ ،‬ثم رحل وهو يقول لنا إن‬
‫أمتنا بخير‪ ،‬وإن الخير سينتصر‪ ،‬وإن الظلم وإن طال فإن الفجر سيأتي يوما‬
‫يحمل البشرى‪ ،‬وإن أيدي الغدر التي اغتالته تقصر عن إعاقة رسالته‬
‫السامقة‪.‬‬
‫فشكرا عزيزي العقاد وإن لم تخرج لنا إل التحفتين الفنيتين )الرسالة‪ ،‬وعمر‬
‫المختار( فأنت أول من يعلم أن الرسالة وصلت‪ ،‬وستتواصل‪ ،‬وأن البطولة لم‬
‫يحن وقت موتها بعد‪.‬‬
‫ما يدفعني لكتابة ذلك هو أنني كلما فرغت أهرع لمشاهدة فيلم عمر المختار‪،‬‬
‫كلما شاهدته مرة أتوق لمشاهدته مرات ومرات؛ وذلك لنه يضرب بكل رقة‬
‫على الوتر الحساس في نفسي‪ ،‬وربما في نفس كل إنسان يتوق إلى الحرية‪،‬‬
‫والعدل‪ ،‬والكرامة‪ ،‬ومحاربة الستبداد والستغلل‪.‬‬
‫المختار شيخ يدرس القرآن للناشئة‪ ،‬ويمثل المرجعية الدينية لقومه‪ ،‬وعندما‬
‫دخل الغازي المستعمر ليبيا‪ ،‬وبدأ في انتهاك العراض والحرمات‪ ،‬وتعذيب‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العباد‪ ،‬وغيرها من مظاهر الستعمار جديده وقديمه ‪ -‬فالقوم سواء؛ ما دخلوا‬


‫بلدا إل وجعلوا أعزة أهلها أذلة؛ وما العراق وأفغانستان عنا ببعيد‬
‫إن مصطفى العقاد أراد أن يقول الكثير في فيلمه هذا؛ فتناول بعض القضايا‬
‫ب‪ ،‬تناولها على المستويين‬ ‫في صراحة‪ ،‬وترك البعض الخر لمن كان له ل ّ‬
‫الفردي والجماعي؛ فهو كأنما يقول‪ :‬لكي يكون الفرد الواحد منا أمة فعليه‬
‫الكثير؛ وليس له مقابل ذلك إل الخلود المعنوي‪.‬‬
‫تقول إحدى لقطات الفيلم‪ :‬إن المختار شيخ يدرس القرآن للناشئة‪ ،‬ويمثل‬
‫المرجعية الدينية لقومه‪ ،‬وعندما دخل الغازي المستعمر ليبيا‪ ،‬وبدأ في انتهاك‬
‫العراض والحرمات‪ ،‬وتعذيب العباد‪ ،‬وحرق المزارع‪ ،‬وتدمير العمران‪ ،‬وغيرها‬
‫من مظاهر الستعمار جديده وقديمه ‪ -‬فالقوم سواء؛ ما دخلوا بلدا إل وجعلوا‬
‫أعزة أهلها أذلة؛ وكذلك يفعلون؛ وما العراق وأفغانستان عنا ببعيد ‪ -‬عندها‬
‫هب الشيخ المختار لرد العدوان‪ ،‬ودحر الطغيان الذي جثم على الصدور؛‬
‫وهكذا نجد أن جميع حركات التحرر ضد المستعمر ‪ -‬منذ ذلك الزمن وإلى‬
‫اليوم ‪ -‬تستمد أفكارها وروحها من روح السلم‪ ،‬والشواهد على ذلك ل تحتاج‬
‫إلى إثبات!!‪ ..‬إن مشاهد الفيلم تحمل قيما ورؤى نحتاج لها دومًا‪:‬‬
‫‪ -‬أين زوجي؟!‪..‬‬
‫‪ -‬لقد جلبت لك كتابه‪ ..‬لم يلن لهم ظهره أبدا‪.‬‬
‫‪ -‬أيها الصغير! ما اسمك؟!‪ ..‬هذا لك!!‪ ..‬هذا كتابك الن!‪ ..‬قل لمك أن‬
‫تحفظه لك!!‪..‬‬
‫‪ -‬ل تدعيه يراك وأنت تبكين!!‪..‬‬
‫‪ -‬لماذا يا مختار يا عظيم؟!‪ ..‬أتريد أن يذكرنا الطفال أقوياء؛ واثقين؛ ل‬
‫بائسين؛ لنهم يوما سيستمرون في القتال؟!‪.‬‬
‫‪ -‬يقول المختار‪) :‬ل حق لمة في احتلل أمة أخرى(‪ ..‬رحمك الله يا مختار؛‬
‫إنها عبارة حق؛ خرجت من لسان ينطق بالحق؛ لرجل حق؛ أراد أن يعيد‬
‫الحق لمته‪.‬‬
‫وصف أموال الغرب التي يهرول إليها هؤلء لينالوا من نصيبهم جزاء خدمة‬
‫العمالة والرتزاق‪) :‬أموالكم تماما كأمجادكم ليست خالدة(‬
‫‪ -‬رحمك الله يا مختار؛ وأنت لم تر كيف يهرول بعض الناس تجاه الفانية؛‬
‫وينسون الباقية؛ ويبذلون في ذلك الغالي والرخيص؛ حتى وإن كان ذلك على‬
‫حساب العقيدة‪ ،‬والرض‪ ،‬والعرض‪ ..‬وصدقت حين وصفت أموال الغرب التي‬
‫يهرول إليها هؤلء لينالوا من نصيبهم جزاء خدمة العمالة والرتزاق‪) :‬أموالكم‬
‫تماما كأمجادكم ليست خالدة(‪) ..‬حبل عداوتكم يا جنرال كان يتدلى دائما‬
‫أمامي(‪ ..‬وليت المفاوضون منا يسمعون كلماتك‪) :‬أنتم لم تفاوضونا من أجل‬
‫السلم؛ بل أردتم كسب الوقت‪ ،‬وتنظيم الصفوف(‪ ..‬فما أشبه الليلة‬
‫بالبارحة!‪ ،‬وانظر بماذا اتهموه عند محاكمته‪) :‬عمر المختار! أنت متهم‬
‫بالتمرد والعصيان ضد الحكومة الشرعية بالبلد لمدة عشرين عاما(‪ ..‬إنها‬
‫حالتنا اليوم بالضبط‪ ..‬فقط الذي تغير هو هذه الجملة الطويلة لتصبح كلمة‬
‫واحدة تدق بها كل الرؤوس التي لم تنحن وهي )الرهاب(‪ ،‬ونطقت محكمة‬
‫العدل الدولية آنذاك بالعدام شنقا حتى الموت على المختار )الرهابي(‪،‬‬
‫وعندما تم شنقه قوبل ذلك بالزغاريد من النساء‪ ،‬والتهليل والتكبير من‬
‫الرجال؛ وهي مظاهر تصاحب استشهاد العظماء في أغلب الحيان )نحن لن‬
‫نستسلم؛ ننتصر أو نموت‪ ..‬أما أنا فحياتي ستظل أطول من حياة شانقي(‪.‬‬
‫‪ -‬إن العقاد أراد أن يقول في ختام الفيلم‪ :‬إن الرسالة التي حملها المختار‬
‫ومن هم قبله ستنتقل في هذه المة جيل ً بعد جيل؛ وذلك من خلل مشهد‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطفل الذي أخذ نظارة المختار‪ ،‬ولكن يبدو أنها وصلت إلينا معتمة‪ ،‬ومكسرة‬
‫الجزاء؛ ول تساعد في الرؤية التي افتقدناها ردحا من الزمن‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -‬الفيلم في مجمله مرافعة تاريخية رفيعة‪ ،‬ويبحث في تساؤلت لم تجد‬


‫الجابات الشافية بعد‪ ،‬وتقصي في حقائق صفات ل يحيد عنها الغرب مهما‬
‫ادعى من تقدم في العلقات والمفاهيم النسانية‪ ،‬ويوضح بجلء أن طمس‬
‫معالم الهوية للشعوب السلمية‪ ،‬ونهب واستغلل ثرواتها بمختلف المسميات‬
‫كان ول يزال يمثل الدافعية المحركة لعواطفهم غير البريئة باسم النسانية؛‬
‫فليتعظ أولئك النفر من أمتنا الذين يضعون أنفسهم تحت خدمتهم لتحقيق‬
‫أغراض آنية تمثل العمالة والمصالح الشخصية وجهها الحقيقي‪ ،‬وليكن لهم‬
‫في المختار وصحبه درس وعبرة؛ فالتاريخ ل يخلد الفراد لذواتهم؛ وإنما يخلد‬
‫ما حملوه من قيم ومعاني ضحوا في سبيلها )وعاشوا أطول مما عاش‬
‫جلدوهم(‪ ..‬هكذا نطقت كلمات الختام في وقائع الرواية التاريخية الخالدة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عمر المختار‬
‫شعر‪ :‬أحمد شوقي‬
‫ك في الرمال ‪ii‬لواَء‬ ‫كزوا ُرفات َ‬ ‫َر َ‬
‫ً‬
‫حهم نصبوا منارا من ‪ii‬د َم ٍ‬ ‫يا وي َ‬
‫ة في ‪ii‬غدٍ‬ ‫ما ضّر لو جعلوا العلق َ‬
‫ة‬
‫ح على المدى وضحي ّ ٌ‬ ‫ح يصي ُ‬ ‫جر ٌ‬ ‫ُ‬
‫يا أّيها السيف المجّرد ُ ‪ii‬بالفل‬
‫ل ‪ii‬مهن ّدٍ‬ ‫تلك الصحارى ِغمد ُ ك ّ‬
‫ة‬ ‫ُ‬
‫ب ‪ii‬أمي ّ ٍ‬ ‫وقبوُر موتى من شبا ِ‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ت على الطوى‬ ‫ت المبي َ‬ ‫ت فاختر َ‬ ‫خّير َ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫ت من الظما‬ ‫ن تمو َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ن الُبطول َ‬ ‫إ ّ‬
‫ه‬
‫مةِ اللهِ الكريم ِ وحفظ ِ‬ ‫في ذ ّ‬
‫ظما ً‬ ‫لم ُتبق منه رحى الوقائع ‪ii‬أع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫م‬ ‫ضيغ‬ ‫‪ii‬‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫بق‬ ‫أو‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫نس‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ك َُرفا ِ‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ع‬
‫ب! ‪ii‬أسام ٌ‬ ‫ب القري ُ‬ ‫يا أيها الشع ُ‬
‫ت‬
‫حّرم ْ‬ ‫ب ‪ii‬و َ‬ ‫خطو ُ‬ ‫َ‬
‫ت فاك ال ُ‬ ‫جم ْ‬ ‫م أل َ‬ ‫أ ْ‬
‫ح ‪ii‬مساَء‬
‫ض الوادي صبا َ‬
‫ق ‪ii‬خالد ٌ ‪ ...‬يستنه ُ‬ ‫ت با ٍ‬ ‫م وأن َ‬ ‫ب الزعي ُ‬ ‫َذه َ‬
‫ل الغد ِ ‪ii‬البغضاَء‬ ‫ُتوحي إلى جي ِ‬
‫ب مود ّة ً ‪ii‬وإخاُء‬ ‫ن الشعو ِ‬ ‫بي َ‬
‫ة الحمراَء‬ ‫س الحري ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫تتل ّ‬
‫مضاَء‬ ‫ن ‪َ ii‬‬ ‫ف على الَزما ِ‬ ‫يكسو السيو َ‬
‫ن في العدوّ ‪ii‬بلَء‬ ‫أبلى فأحس َ‬
‫م لم يبرحوا ‪ii‬أحياَء‬ ‫وكهولهِ ْ‬
‫* * ‪*ii‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ثراءَ‬ ‫ن جاها ً أو َتل ّ‬ ‫لم ت َب ْ ِ‬


‫ب ‪ii‬الماَء‬ ‫ة أن تعُ ّ‬ ‫س البطول ُ‬ ‫لي َ‬
‫سد َ ‪ii‬الصحراَء‬ ‫ةو ّ‬ ‫سد ٌ ب ُِبرق َ‬ ‫ج َ‬‫َ‬
‫ح دماَء‬ ‫ُ‬ ‫رما‬ ‫ال‬ ‫ق‬
‫ُْ ِ ّ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ولم‬ ‫تبلى‪،‬‬ ‫َ‬
‫ت ‪ii‬هََباَء‬ ‫ِ‬ ‫السافيا‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫ورا‬ ‫باتا‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫صوغ َ في "عمر" الشهيد ِ ‪ِii‬رثاَء؟!‬ ‫فأ ُ‬
‫ب ‪ii‬الصغاَء؟‬ ‫ك حين تخاط ُ‬ ‫أ َُذني َ‬
‫فانقد ْ رجالك واخترِ ‪ii‬الزعماَء‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عمر بن الخطاب أحد العشرة المبشرين بالجنة (‬


‫الفاروق أبو حفص ‪ ،‬عمر بن الخطاب بن ُنفيل بن عبد العّزى القرشي‬
‫العدوي ‪ ،‬ولد بعد عام الفيل بثلث عشرة سنة ) ‪ 40‬عام قبل الهجرة ( ‪،‬‬
‫عرف في شبابه بالشدة والقوة ‪ ،‬وكانت له مكانة رفيعة في قومه اذ كانت‬
‫له السفارة في الجاهلية فتبعثه قريش رسول اذا ما وقعت الحرب بينهم أو‬
‫بينهم و بين غيرهم وأصبح الصحابي العظيم الشجاع الحازم الحكيم العادل‬
‫صاحب الفتوحات وأول من لقب بأمير المؤمنين‪.‬‬
‫اسلمه‬
‫أسلم في السنة السادسة من البعثة النبوية المشرفة ‪ ،‬فقد كان الخباب بن‬
‫الرت يعلم القرآن لفاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندما فاجأهم‬
‫عمر بن الخطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع السلم‬
‫ورسوله ‪ ،‬لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة حتى صاح صيحته‬
‫المباركة ‪ ):‬دلوني على محمد (‪.‬‬
‫وسمع خباب كلمات عمر ‪ ،‬فخرج من مخبئه وصاح ‪ ):‬يا عمر والله إني لرجو‬
‫أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ، -‬فإني سمعته‬
‫بالمس يقول ‪ ):‬اللهم أيد السلم بأحب الرجلين إليك ‪ ،‬أبي الحكم بن هشام‬
‫‪ ،‬وعمر بن الخطاب ( فسأله عمر من فوره ‪ ):‬وأين أجد الرسول الن يا‬
‫خباب ؟( وأجاب خباب ‪ ):‬عند الصفا في دار الرقم بن أبي الرقم (‪.‬‬
‫ومضى عمر الى مصيره العظيم ففي دار الرقم خرج إليه الرسول ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال ‪ ):‬أما أنت منتهيا يا‬
‫عمر حتى ُينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ؟‬
‫اللهم هذا عمر بن الخطاب ‪ ،‬اللهم أعّز الدين بعمر بن الخطاب ( فقال‬
‫عمر ‪ ):‬أشهد أّنك رسول الله (‪.‬‬
‫وباسلمه ظهر السلم في مكة اذ قال للرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫والمسلمون في دار الرقم ‪ ):‬والذي بعثك بالحق لتخرجن ولنخرجن معك (‬
‫وخرج المسلمون ومعهم عمر ودخلوا المسجد الحرام وصلوا حول الكعبة‬
‫دون أن تجرؤ قريش على اعتراضهم أو منعهم ‪ ،‬لذلك سماه الرسول ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ) -‬الفاروق ( لن الله فرق بين الحق والباطل ‪.‬‬
‫لسان الحق‬
‫هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ‪ ،‬ومن علماء الصحابة وزهادهم ‪ ،‬وضع الله‬
‫الحق على لسانه اذ كان القرآن ينزل موافقا لرأيه ‪ ،‬يقول علي بن أبي‬
‫طالب ‪ ):‬إّنا كنا لنرى إن في القرآن كلما من كلمه ورأيا ً من رأيه ( كما قال‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبد الله بن عمر ‪ ):‬مانزل بالناس أمر فقالوا فيه وقال عمر ‪ ،‬إل نزل القرآن‬
‫بوفاق قول عمر (‪.‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ): -‬لقد كان فيما قبلكم من المم محدثون ‪ ،‬فإن يك في أمتي أحد‬
‫فإنه عمر ( و زاد زكرياء بن أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ):-‬لقد كان فيمن كان قبلكم‬
‫من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ‪ ،‬فإن يكن من أمتي‬
‫منهم أحد فعمر ( قال ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما‪ ):-‬من نبي ول محدث (‪.‬‬
‫قوة الحق‬
‫كان قويا في الحق ل يخشى فيه لومة لئم ‪ ،‬فقد استأذن عمر بن الخطاب‬
‫على رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وعنده نسوة من قريش ‪ ،‬يكلمنه‬
‫ويستكثرنه ‪ ،‬عالية أصواتهن على صوته ‪ ،‬فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن‬
‫فبادرن الحجاب ‪ ،‬فأذن له رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فدخل عمر‬
‫ورسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يضحك ‪ ،‬فقال عمر ‪ ):‬أضحك الله سنك‬
‫يا رسول الله ( فقال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ): -‬عجبت من هؤلء اللتي‬
‫كن عندي ‪ ،‬فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب ( فقال عمر ‪ ):‬فأنت أحق أن‬
‫يهبن يا رسول الله ( ثم قال عمر ‪ ):‬يا عدوات أنفسهن أتهبنني ول تهبن‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ (-‬فقلن ‪ ):‬نعم ‪ ،‬أنت أفظ وأغلظ من‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ (-‬فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ): -‬إيها يا ابن الخطاب ‪ ،‬والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا‬
‫فجا قط إل سلك فجا غير فجك (‪.‬‬
‫ومن شجاعته وهيبته أنه أعلن على مسامع قريش أنه مهاجر بينما كان‬
‫المسلمون يخرجون سرا ‪ ،‬وقال متحديا لهم ‪ ):‬من أراد أن تثكله أمه وييتم‬
‫ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي ( فلم يجرؤ أحد على الوقوف‬
‫في وجهه‪.‬‬
‫عمر في الحاديث النبوية‬
‫ُرويَ عن الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬العديد من الحاديث التي تبين‬
‫فضل عمر بن الخطاب نذكر منه ) إن الله سبحانه جعل الحق على لسان‬
‫ي لكان عمر‬ ‫عمر وقلبه ( ) الحق بعدي مع عمر حيث كان ( ) لو كان بعدي نب ّ‬
‫بن الخطاب ( ) إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إل خّر لوجهه ( ) ما في‬
‫السماء ملك إل وهو يوّقر عمر ‪ ،‬ول في الرض شيطان إل وهو يفرق من‬
‫عمر (‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ): -‬رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء‬
‫امرأةِ أبي طلحة وسمعت خشفا ً أمامي ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما هذا يا جبريل ؟ قال ‪:‬‬
‫هذا بلل ‪ ،‬ورأيت قصرا أبيض بفنائه جارية ‪ ،‬فقلت ‪ :‬لمن هذا القصر ؟ قالوا ‪:‬‬
‫لعمر بن الخطاب ‪ ،‬فأردت أن أدخله فأنظر إليه ‪ ،‬فذكرت غْيرتك ( فقال عمر‬
‫‪ ):‬بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار !(‪.‬‬
‫ن‪،‬‬‫وقال الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ): -‬بْينا أنا نائم إذ أتيت بقدح لب ٍ‬
‫ضلي‬‫فشربت منه حتى إّني لرى الريّ يجري في أظفاري ‪ ،‬ثم أعطيت ف ْ‬
‫عمر بن الخطاب ( قالوا ‪ ):‬فما أّولته يا رسول الله ؟( قال ‪ ):‬العلم (‬
‫قال الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ): -‬بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ص ‪ ،‬منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك ‪،‬‬ ‫ي وعليهم قم ٌ‬ ‫عل ّ‬
‫ي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجّره ( قالوا ‪ ):‬فما أّولته يا‬ ‫ض عل ّ‬‫وعُرِ َ‬
‫رسول الله ؟( قال ‪ ):‬الدين (‪.‬‬
‫خلفة عمر‬
‫رغب أبو بكر ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬في شخصية قوية قادرة على تحمل المسئولية‬
‫من بعده ‪ ،‬واتجه رأيه نحو عمر بن الخطاب فاستشار في ذلك عدد من‬
‫الصحابة مهاجرين وأنصارا فأثنوا عليه خيرا ومما قاله عثمان بن عفان ‪:‬‬
‫) اللهم علمي به أن سريرته أفضل من علنيته ‪ ،‬وأنه ليس فينا مثله ( وبناء‬
‫على تلك المشورة وحرصا على وحدة المسلمين ورعاية مصلحتهم‪.‬‬
‫أوصى أبو بكر الصديق بخلفة عمر من بعده ‪ ،‬وأوضح سبب اختياره قائل ‪:‬‬
‫)اللهم اني لم أرد بذلك ال صلحهم ‪ ،‬وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما‬
‫أنت أعلم ‪ ،‬واجتهدت لهم رأيا فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم ( ثم أخذ‬
‫البيعة العامة له بالمسجد اذ خاطب المسلمين قائل ‪):‬أترضون بمن أستخلف‬
‫عليكم ؟ فوالله ما آليت من جهد الرأي ‪ ،‬ول وليت ذا قربى ‪ ،‬واني قد‬
‫استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا ( فرد المسلمون ‪):‬سمعنا‬
‫وأطعنا( وبايعوه سنة ) ‪ 13‬هـ (‪.‬‬
‫انجازاته‬
‫استمرت خلفته عشر سنين تم فيها كثير من النجازات المهمة لهذا وصفه‬
‫ابن مسعود ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬فقال ‪ ):‬كان اسلم عمر فتحا ‪ ،‬وكانت هجرته‬
‫نصرا ‪ ،‬وكانت إمامته رحمه ‪ ،‬ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي الى البيت‬
‫حتى أسلم عمر ‪ ،‬فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا(‪.‬‬
‫فهو أول من جمع الناس لقيام رمضان في شهر رمضان سنة ) ‪ 14‬هـ ( ‪،‬‬
‫وأول من كتب التاريخ من الهجرة في شهر ربيع الول سنة ) ‪ 16‬هـ ( ‪ ،‬وأول‬
‫صر‬‫س في عمله ‪ ،‬يتفقد رعيته في الليل وهو واضع الخراج ‪ ،‬كما أنه م ّ‬ ‫من ع ّ‬
‫المصار ‪ ،‬واستقضى القضاة ‪ ،‬ودون الدواوين ‪ ،‬وفرض العطية ‪ ،‬وحج‬
‫جٍج متوالية ‪ ،‬وحج بأمهات المؤمنين في آخر حجة حجه‪ ,‬وهدم‬ ‫ح َ‬
‫بالناس عشر ِ‬
‫مسجد الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وزاد فيه ‪ ،‬وأدخل دار العباس بن عبد‬
‫ما كثر الناس بالمدينة ‪ ،‬وهو أول من ألقى‬ ‫سعه وبناه ل ّ‬ ‫المطلب فيما زاد ‪ ،‬وو ّ‬
‫الحصى في المسجد النبوي ‪ ،‬فقد كان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود‬
‫سط في مسجد‬ ‫نفضوا أيديهم ‪ ،‬فأمر عمر بالحصى فجيء به من العقيق ‪ ،‬فب ُ ِ‬
‫الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وعمر ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬هو أول من أخرج‬
‫اليهود وأجلهم من جزيرة العرب الى الشام ‪ ،‬وأخرج أهل نجران وأنزلهم‬
‫ناحية الكوفة‪.‬‬
‫الفتوحات السلمية‬
‫لقد فتح الله عليه في خلفته دمشق ثم القادسية حتى انتهى الفتح الى‬
‫حمص ‪ ،‬وجلولء والرقة والّرهاء وحّران ورأس العين والخابور ونصيبين‬
‫وعسقلن وطرابلس وما يليها من الساحل وبيت المقدس وب َْيسان واليرموك‬
‫ل لوطأته ملوك الفرس والروم‬ ‫س وقد ذ ّ‬‫والجابية والهواز والبربر والُبرل ُ ّ‬
‫عتاة العرب حتى قال بعضهم ‪ ):‬كانت دّرة عمر أهيب من سيف الحجاج (‪.‬‬ ‫و ُ‬
‫هَي ْب َِته و تواضعه‬
‫وبلغ ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬من هيبته أن الناس تركوا الجلوس في الفنية ‪ ،‬وكان‬
‫الصبيان إذا رأوه وهم يلعبون فّروا ‪ ،‬مع أنه لم يكن جّبارا ول متكّبرا ‪ ،‬بل كان‬
‫حاله بعد الولية كما كان قبلها بل زاد تواضعه ‪ ،‬وكان يسير منفردا من غير‬
‫جاب ‪ ،‬ولم يغّره المر ولم تبطره النعمة‪.‬‬ ‫ح ّ‬‫حرس ول ُ‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استشهاده‬
‫كان عمر ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬يتمنى الشهادة في سبيل الله ويدعو ربه لينال‬
‫شرفها ‪ ):‬اللهم أرزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك(‬
‫وفي ذات يوم وبينما كان يؤدي صلة الفجر بالمسجد طعنه أبو لؤلؤة‬
‫المجوسي ) غلما للمغيرة بن شعبة ( عدة طعنات في ظهره أدت الى‬
‫استشهاده ليلة الربعاء لثلث ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلث وعشرين‬
‫من الهجرة ولما علم قبل وفاته أن الذي طعنه ذلك المجوسي حمد الله‬
‫تعالى أن لم يقتله رجل سجد لله تعالى سجدة ودفن الى جوار الرسول‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأبي بكر الصديق ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬في الحجرة‬
‫النبوية الشريفة الموجودة الن في المسجد النبوي في المدينة المنورة‪.‬‬
‫" يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكافجا قط ال سلك‬
‫فجا غير فجك " حديث شريف‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫م البنين‬ ‫عمر بن الخطاب وأ ّ‬


‫شعر‪ :‬جورجي نخلة سعد‬
‫ة المتهّيبينا‬ ‫دى عمرٍ أمير المؤمنينا ِقفوا بي وقف َ‬ ‫ل َ‬
‫صُر عن مداها السابقونا‬ ‫ٍ ُ ّ‬‫يق‬ ‫ت‬ ‫باسقا‬ ‫مآثر‬ ‫ذو‬ ‫ك‬ ‫ٌ‬ ‫ملي‬
‫طر نشُر ذكراها القرونا‬ ‫دما ً ولكن ُيع ّ‬ ‫ت قِ ْ‬‫خوالد َ ما عف ْ‬
‫ن الملك يوما ً ليمنَعه الُعفاة َ البائسينا‬ ‫صولجا ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ولم ي ُ‬
‫معينا‬ ‫ت َ‬ ‫حماه ُ كأسراب الظباء رأ ْ‬ ‫فكانوا يقبلون على ِ‬
‫ض الليالي يدور على المنازل مستبينا‬ ‫وكان بنفسه بع َ‬
‫ً‬
‫ت بمدحه عقدا ثمينا‬ ‫دح لمكُرمةٍ فإني نظم ُ‬ ‫فمن ُيم َ‬
‫م َقمينا‬ ‫هك ُ‬ ‫س عنه أراه بانتبا ِ‬ ‫وهاكم ما روى العبا ُ‬
‫عبرة ً للحاكمينا‬ ‫ل صورة ً للبؤس فينا وُيملي ِ‬ ‫ُيمث ّ ُ‬
‫خدينا‬ ‫ت له بجولته َ‬ ‫ملك َوهنا فكن ُ‬‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫يقول‪ :‬لقد دعاني ال َ‬
‫ً‬
‫أفّزته محب ُّته لشعب يعّز عليه يوما أن يهونا‬
‫ت يفتقد ُ الشئونا‬ ‫ل قّر إلى الثل ِ‬ ‫سرى متنكرا ً واللي ُ‬
‫وف في الخيام عساه يلقى بمنزوياتها رهطا ً حزينا‬ ‫يط ّ‬
‫ولونا‬ ‫فمّر هناك بامرأةٍ عجوز حواليها صغاٌر ي ُعْ ِ‬
‫ل البنينا‬ ‫ف غلى عبثا ً لتعلي ِ‬ ‫وقِد ْرٍ أركزْته على أثا ٍ‬
‫ي ‪ ،‬ستأكلون وتشبعونا‬ ‫تقول –ودأُبها التنفيخ‪ -‬صبرا ً َبن ّ‬
‫ك ُيمعن ناظَريه بها حينا ً وبالولد حينا‬ ‫مل ُ‬ ‫ل ال َ‬ ‫فظ ّ‬
‫جس أن ُيريب به الظنونا‬ ‫ي حتى تو ّ‬ ‫وطال وقوُفه في الح ّ‬
‫ملوا البطونا‬ ‫ن حتى يرى الولد قد َ‬ ‫يمينا ً ليس يبغي البي َ‬
‫فخ في الوقود ويصرخونا‬ ‫وما زالوا كذلك بضعَ ساٍع ُتن ّ‬
‫ل‪ :‬ما تصنيعنا ؟‬ ‫ل َتصبرًا‪ ،‬ودنا إليها وحّيا قائ ً‬ ‫َفعي َ‬
‫م ل يأكلونا ؟‬ ‫ع! قال ‪ :‬ل ْ‬ ‫ك ينتحبون ؟ قالت‪ :‬جيا ٌ‬ ‫وما لبني ِ‬
‫م صبيتي الماَء السخينا؟‬ ‫ُ‬
‫ت ‪ -‬أأطع ُ‬ ‫ت – والمحاجُر دامعا ٌ‬ ‫أجاب ْ‬
‫ّ‬
‫ى وماٍء أحاول أنهم يتعللونا‬ ‫در غيُر حص ً‬ ‫ق ْ‬‫فما في ال ِ‬
‫س يهجعونا‬ ‫م متى ملوا انتظاري وساوَرهم نعا ٌ‬ ‫ّ‬ ‫لعله ُ‬
‫هونا‬ ‫ىو ُ‬ ‫ً‬
‫ت الصغاَر ضن ً‬ ‫ت رأيا وأورث ِ‬ ‫فقال لها‪ :‬لقد أخطأ ِ‬
‫م َلم تعرضي شكواك يوما على عمرٍ أميرِ المؤمنينا ؟‬ ‫ً‬ ‫فل ِ ْ‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن عمٌر ضنينا‬ ‫مّر العيش مما يجود‪ ،‬ولم يم ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫إذن لكفا ِ‬


‫س بنده ُ في العالمينا‬ ‫ّ‬
‫ت عمَر الَغوادي ون ُك َ‬ ‫فقالت‪ :‬ل سق ْ‬
‫ة والنينا!‬ ‫مقلتاه وتحميلي الخصاص َ‬ ‫ت بظلمي ُ‬ ‫لقد سمح ْ‬
‫دعيه وقال لها‪ :‬بربك َأخبرينا!‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫فراع َ فؤاَده‬
‫ل فينا‬ ‫ف عنا ولم يعبأ بما قد ح ّ‬ ‫فقالت‪ :‬قد أمال الط َْر َ‬
‫سه الراعي المينا؟‬ ‫مي نف َ‬ ‫ك يس ّ‬ ‫ل عن سوائمه ملي ٌ‬ ‫أيغف ُ‬
‫عليه أن يفّتش في الرعايا ويرتاد المزارعَ والحزونا‬
‫ل تنتظر المنونا‬ ‫ت اللي َ‬ ‫عساه أن يرى مثلي عجوزا ً تبي ُ‬
‫م من خزينته بشيء ُتعيل به بنيها المد َْنفينا‬ ‫فتنع َ‬
‫دقه على المسترِفدينا‬ ‫ً‬
‫ول يغنيه عند الله أجرا تص ّ‬
‫ولينا‬ ‫ف ُيمّنعه حياٌء فل يجري مع المتس ّ‬ ‫فكم عا ٍ‬
‫ف المحسنينا‬ ‫يكاد يموت من ظمأ وجوع ول يبغي أك ّ‬
‫ب في عداد الظالمينا‬ ‫ك تغاضى عن ذويه فُيحس ُ‬ ‫مل ِ ٌ‬ ‫إذا َ‬
‫سر‪ ،‬فانظرينا‬ ‫ت‪ ،‬فعن قليل نعود بما تي ّ‬ ‫فقال لها‪ :‬صدق ِ‬
‫َ‬
‫ن بنا إلى وطر حنينا‬ ‫محتذيا خطاه كأ ّ‬ ‫ً‬ ‫ت ُ‬ ‫وسار وسر ُ‬
‫ب وتقتفينا‬ ‫أكّر وراءه تحت الدياجي وتنبحنا الكل ُ‬
‫إلى بيت المئونة حيث أمسى هنالك ينبش الذ ََُر الدفينا‬
‫ن واحتمل الطحينا‬ ‫ت السم َ‬ ‫وما هو غير لمح الطرف حتى حمل ُ‬
‫فر عارضيه والجبينا‬ ‫وعدنا والدقيقُ عليه ُيذَرى فع ّ‬
‫ل المسافة مستكينا‬ ‫يكاد ينوء تحت الحمل لكن مشى طو َ‬
‫صفاةٍ لن تلينا‬ ‫ت على َ‬ ‫ت يدي عليه ضرب ُ‬ ‫كأني إذ عرض ُ‬
‫ت عني ذنوبي يوم يجَزى المذنبونا‬ ‫مل َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت‪ ،‬فما ُ‬ ‫فقال‪ :‬اصم ْ‬
‫ُ‬
‫سْر بي أمد ّ لكشف كربتهم يمينا‬ ‫س ِ‬ ‫إلى الولد يا عبا ُ‬
‫ورونا‬ ‫ن وهم من جوعهم يتض ّ‬ ‫ل لو ٍ‬ ‫ل يوم ك ّ‬ ‫لك ّ‬ ‫أنأك ُ‬
‫ونسرح في ربوع النس دوما وهم في كوخهم يتململونا‬ ‫ً‬
‫ونرقد ل نبالي بالبليا وهم لنبالها مستهدفونا‬
‫صداع ٌ لن َيبينا‬ ‫جفاني عند رؤيتهم ُرقادي وواصلني ُ‬ ‫َ‬
‫ف الغمر أوشك يحتوينا‬ ‫س أن الرض مادت وجو ُ‬ ‫ت أح ّ‬ ‫وكد ُ‬
‫مبينا‬‫خطايَ وأغسل العار ال ُ‬ ‫س أمحو َ‬ ‫إلى الولد يا عبا ُ‬
‫قَلل الرواسي كحمل ظلمةِ المستضعفينا‬ ‫م الله ما ال ُ‬ ‫فوَي ْ َ‬
‫ة شطونا‬ ‫خطى في السهل حتى طوينا منه قاحل ً‬ ‫وأزجَينا ال ُ‬
‫ت من التعب الجفونا‬ ‫فأدركنا العجوَز على قتاد ٍ وقد أغض ْ‬
‫درا ً وطينا‬ ‫ت ِقدُرها فوقَ الثافي فكان ثمالها ك َ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ج ّ‬‫و َ‬
‫س به السمونا‬ ‫ً‬
‫فأفرغها‪ ،‬وأفعمها دقيقا بيمناه‪ ،‬ود ّ‬
‫وكاد الوقد ُ تحت القدر يخبو فأولج في بقاياه غصونا‬
‫خريه والعيونا‬ ‫من َ‬ ‫ل َ‬‫ن تناو َ‬ ‫مكبا ً ل يثّبطه ُدخا ٌ‬ ‫ُ‬
‫خ تحريكا ً وغليا ً كأنك تشهد الطاهي الفطينا‬ ‫يجيد ُ الطب َ‬
‫فأنضجه ونحن بجانبيه أبى إصراُره أن يستعينا‬
‫وأسرع َ –والبشاشة ملء فيه‪ -‬بتلقيم الصغار الجائعينا‬
‫حنا أحد ٌ عليهم ول عرفوا سواه أبا ً حنونا‬ ‫َيتامى ما َ‬
‫م‪ ،‬والتزمي السكونا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ومال إلى العجوز فقال‪ :‬مهل أقلي اللو َ‬
‫سنذكر للمير بلك إّنا إلى عرش المارة منتمونا‬
‫جفنك واصبحينا‬ ‫سهد ٌ فنامي ملَء َ‬ ‫ك كآبة وطوىً و ُ‬ ‫كفا ِ‬
‫وكان غد ٌ لدى عمرٍ رهيبا ً عليها حيث أدَركت اليقينا‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت سهاما ً من التنديد بات بها طعينا‬ ‫ر‪ ،‬وقد رشق ْ‬ ‫دى عم ٍ‬ ‫ل َ‬


‫ّ‬
‫ت ‪-‬لشد ّةِ روعها‪ -‬أل تكونا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فيالك موقفا حرجا تمن ّ ْ‬
‫ّ‬
‫ت نفى عنها التأثَر والشجونا‬ ‫ولكن نالها منه التفا ٌ‬
‫دل شد ّة َ اليام لينا‬
‫ّ‬ ‫وب‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫اعتذا‬ ‫دها بعد‬‫ل ِرف َ‬‫فأجز َ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ت وهي تروي عنه عدل ً وإحسانا وفَْرط ٌتق ً‬
‫ى ودينا‬ ‫فراح ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ة من قديم مثال ً للملو ِ‬


‫ك الصالحينا‬ ‫كذا كان الخليف ُ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عمر بن عبد العزيز‬


‫‪1‬‬
‫د‪ .‬علي محمد الصلبي * ‪15/10/1426‬‬
‫‪17/11/2005‬‬
‫عهد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من الميلد إلى خلفته‪:‬‬
‫اسمه ولقبه وكنيته وأسرته‪:‬‬
‫هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد‬
‫لمة المجتهد الزاهد العابد‪ ،‬السيد‬ ‫شمس بن عبد مناف‪ ،‬المام الحافظ الع ّ‬
‫أمير المؤمنين حقا ً أبو حفص القرشي الموي المدني ثم المصري‪ ،‬الخليفة‬
‫خلق‪ ،‬كامل‬ ‫الزاهد الراشد أشج بني أمية )‪(2)،(1‬وكان حسن الخلق وال ُ‬
‫سمت‪ ،‬جّيد السياسة‪ ،‬حريصا ً على العدل بكل ممكن‪ ،‬وافر‬ ‫العقل‪ ،‬حسن ال ّ‬
‫العلم‪ ،‬فقيه النفس‪ ،‬طاهر الذكاء والفهم‪ ،‬أّواها ً منيبًا‪ ،‬قانتا ً لله حنيفًا‪ ،‬زاهدا ً‬
‫مع الخلفة‪ ،‬ناطقا ً بالحق مع قلة المعين‪ ،‬وكثرة المراء الظلمة الذين مّلوهُ‬
‫وكرهوا محاققته لهم‪ ،‬ونقصه ُأعطياتهم‪ ،‬وأخذه كثيرا ً مما في أيديهم‪ ،‬مما‬
‫ق‪ ،‬فمازالوا به حتى سقوه السم؛ فحصلت له الشهادة‬ ‫أخذوه بغير ح ّ‬
‫عد عند أهل العلم من الخلفاء الراشدين والعلماء العاملين )‪،(3‬‬ ‫والسعادة‪ ،‬و ُ‬
‫ً‬
‫وها)‪.(4‬‬
‫مف ّ‬ ‫ً‬
‫وكان رحمه الله فصيحا ُ‬
‫‪ 1‬ـ والده‪:‬‬
‫هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم‪ ،‬وكان من خيار أمراء بني أمية‪ ،‬شجاعا ً‬
‫كريما ً بقي أميرا ً لمصر أكثر من عشرين سنة‪ ،‬وكان من تمام ورعه وصلحه‬
‫أنه لما أراد الزواج قال لقّيمه‪ :‬اجمع لي أربعمائة دينار من طيب مالي‪ ،‬فإني‬
‫أريد أن أتزّوج إلى أهل بيت لهم صلح)‪ ،(5‬فتزوج أم عاصم بنت عاصم بن‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬وهي حفيدة أمير المؤمنين عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬وقيل اسمها ليلى )‪ ،(6‬كما أن زواجه من آل الخطاب ما كان ليتم‬
‫لول علمهم بحاله وحسن سيرته وخلقه‪ ،‬فقد كان حسن السيرة في شبابه‪،‬‬
‫فضل ً عن التزامه وحرصه على تحصيل العلم واهتمامه بالحديث النبوي‬
‫الشريف؛ فقد جلس إلى أبي هريرة وغيره من الصحابة وسمع منهم‪ ،‬وقد‬
‫واصل اهتمامه بالحديث بعد وليته مصر‪ ،‬فطلب من كثير بن مرة في الشام‬
‫أن يبعث إليه ما سمعه من حديث رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إل ما‬
‫كان من طريق أبي هريرة فإنه عنده )‪ ،(7‬وقد كان والد عمر بن عبد العزيز‬
‫واقة إلى معالي المور سواء قبل وليته مصر أو بعدها؛ فحين دخل‬ ‫ذا نفس ت ّ‬
‫مصر أيام شبابه تاقت نفسه إليها‪ ،‬وتمّنى وليته فنالها )‪(8‬ثم تاقت إلى الجود‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فصار أجود أمراء بني أمية وأسخاهم)‪ ،(9‬فكانت له ألف جفنة كل يوم ُتنصب‬
‫حول داره‪ ،‬وكانت له مائة جفنة ُيطاف بها على القبائل تحمل على العجل )‬
‫‪ ،(10‬ومن جوده كان يقول‪ :‬إذا أمكنني الرجل من نفسه حتى أضع معروفي‬
‫عنده فيده عندي أعظم من يدي عنده)‪ .(11‬وقد أكثر المؤرخون من الثناء‬
‫عليه لجوده‪ ،‬وهذا الجود كان ممتزجا ً باليقين بأن الله سبحانه وتعالى يخلف‬
‫على من يرزقه فيقول‪ :‬عجبا ً لمؤمن يؤمن أن الله يرزقه‪ ،‬ويخلف عليه كيف‬
‫يحبس ماله عن عظيم أجر وحسن ثناء‪ ،‬وكان ذا خشية من الله‪ ،‬ونستقري‬
‫هذه الخشية من قوله حين أدركه الموت‪ :‬وددت أني لم أكن شيئا ً مذكورًا‪،‬‬
‫ولوِددت أني أكون هذا الماء الجاري أو نبتة بأرض الحجاز )‪.(12‬‬
‫‪ 2‬ـ أمه‪ :‬أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬ووالدها‪،‬‬
‫عاصم بن عمر بن الخطاب‪ ،‬الفقيه‪ ،‬الشريف أبو عمرو القرشي العدوي ولد‬
‫دث عن أبيه‪ ،‬وأمه هي جميلة بنت ثابت بن أبي القلح‬ ‫في أيام النبوة‪ ،‬وح ّ‬
‫النصارّية‪ ،‬وكان طويل ً جسيمًا‪ ،‬وكان من نبلء الرجال‪ ،‬دّينا‪ ،‬خّيرًا‪ ،‬صالحا‪ً،‬‬
‫ُُ‬
‫مه‪ ،‬مات‬ ‫وكان بليغًا‪ ،‬فصيحًا‪ ،‬شاعرًا‪ ،‬وهو جد الخليفة عمر بن عبد العزيز ل ّ‬
‫سنة سبعين‪ ،‬فرثاه ابن عمر أخوه‪:‬‬
‫ن خّلفن عاصما ً ‪... ...‬‬ ‫فليت المنايا ك ُ ّ‬
‫فعشنا جميعا ً أو ذهبنا بنا معا ً )‪(13‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأما جدته لمه فقد كان لها موقف مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬فعن‬
‫عبد الله بن الزبير بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم قال‪ :‬بينما أنا وعمر بن‬
‫س )‪ ،(14‬بالمدينة إذ أعيا فاتكأ على جانب‬ ‫الخطاب ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬وهو ي َعُ ّ‬
‫جدار في جوف الليل‪ ،‬فإذا امرأة تقول لبنتها‪ :‬يا بنتاه‪ ،‬قومي إلى ذلك اللبن‬
‫فامذقيه بالماء‪ ،‬فقالت لها‪ :‬يا أمتاه‪ ،‬أو ما علمت ما كان من أمير المؤمنين‬
‫اليوم؟ قالت‪ :‬وما كان من عزمته يا بنية؟ قالت‪ :‬إنه أمر مناديًا‪ ،‬فنادى أن ل‬
‫ُيشاب اللبن بالماء‪ ،‬فقالت لها‪ :‬يا بنتاه‪ ،‬قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء فإنك‬
‫بموضع ل يراك عمر‪ ،‬ول منادي عمر! فقالت الصبية لمها‪ :‬يا أمتاه‪ ،‬والله ما‬
‫كنت لطيعه في المل وأعصيه في الخلء‪ ،‬وعمر يسمع كل ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫سه‪ ،‬فلما أصبحا قال‪ :‬يا‬ ‫أسلم عَّلم الباب‪ ،‬واعرف الموضع‪ ،‬ثم مضى في ع ّ‬
‫أسلم‪ ،‬امض إلى الموضع فانظر من القائلة‪ ،‬ومن المقول لها‪ ،‬وهل لهم من‬
‫بعل؟ فأتيت الموضع‪ ،‬فنظرت فإذا الجارية أّيم ل بعل لها‪ ،‬وإذا تيك أمها‪ ،‬وإذا‬
‫ليس بها رجل‪ ،‬فأتيت عمر فأخبرته‪ ،‬فدعا عمر ولده‪ ،‬فجمعهم‪ ،‬فقال‪ :‬هل‬
‫فيكم من يحتاج إلى امرأة أزّوجه‪ ..‬فقال عاصم‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬ل زوجة لي‬
‫فزّوجني‪ ،‬فبعث إلى الجارية‪ ،‬فزّوجها من عاصم فولدت لعاصم بنت ًَا‪ ،‬وولدت‬
‫البنت عمر بن عبد العزيز)‪ ،(15‬ويذكر أن عمر بن الخطاب رأى ذات ليلة‬
‫رؤيا‪ ،‬ويقول‪ :‬ليت شعري من ذو الشين)‪ (16‬من ولدي الذي يملؤها عد ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ملئت جورًا؟ )‪ ،(17‬وكان عبد الله بن عمر يقول‪ :‬إن آل الخطاب يرون‬ ‫كما ُ‬
‫أن بلل بن عبد الله بوجهه شامة فحسبوه المبشر الموعود حتى جاء الله‬
‫بعمر بن عبد العزيز)‪.(18‬‬
‫‪ 3‬ـ ولدته ومكانها‪61 :‬هـ‪ ،‬المدينة‪:‬‬
‫اختلف المؤرخون في سنة ولدته والراجح أنه ُولد عام ‪61‬هـ ‪ ،‬وهو قول أكثر‬
‫المؤرخين‪ ،‬ولنه يؤيد ما يذكر أنه توفي وعمره أربعون سنة؛ إذ ُتوفي عام‬
‫‪101‬هـ )‪ ،(19‬وتذكر بعض المصادر أنه ُولد بمصر‪ ،‬وهذا القول ضعيف؛ لن‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أباه عبد العزيز بن مروان بن الحكم إنما تولى مصر سنة خمس وستين‬
‫للهجرة‪ ،‬بعد استيلء مروان بن الحكم عليها من يد عامل عبد الله بن الزبير‬
‫رضي الله عنهما‪ ،‬فوّلى عليها ابنه عبد العزيز‪ ،‬ولم ُيعرف لعبد العزيز بن‬
‫مروان إقامة بمصر قبل ذلك‪ ،‬وإنما كانت إقامته وبني مروان في المدينة )‬
‫‪ ،(20‬وذكر الذهبي أنه ُولد بالمدينة زمن يزيد)‪.(21‬‬
‫‪ 4‬ـ أشج بني أمية‪:‬‬
‫قب بالشج‪ ،‬وكان ُيقال له‪ :‬أشج بني‬ ‫كان عمر بن عبد العزيز‪-‬رحمه الله‪ُ -‬يل ّ‬
‫ً‬
‫مروان‪ ،‬وذلك أن عمر بن عبد العزيز عندما كان صغيرا دخل إلى إصطبل أبيه‬
‫عندما كان واليا ً على مصر ليرى الخيل فضربه فرس في وجهه فشجه‪،‬‬
‫فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول‪ :‬إن كنت أشج بني أمية إنك إذا ً لسعيد )‬
‫‪ ،(22‬ولما رأى أخوه الصبغ الثر قال‪ :‬الله أكبر! هذا أشج بني مروان الذي‬
‫يملك‪ ،‬وكان عمر بن الخطاب ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬يقول‪ :‬إن من ولدي رجل ً‬
‫ل)‪ . (23‬وكان الفاروق قد رأى رؤيا تشير إلى ذلك‪،‬‬ ‫بوجهه أثر يمل الرض عد ً‬
‫وقد تكّررت هذه الرؤيا لغير الفاروق حتى أصبح المر مشهورا ً عند الناس‬
‫ج‬
‫بدليل ما قاله أبوه عندما رأى الدم في وجهه‪ ،‬وما قاله أخوه عندما رأى الش ّ‬
‫في وجهه كلهما تفاءل لعله أن يكون ذلك الشج الذي يمل الرض عدل ً )‬
‫‪.(24‬‬
‫‪ 5‬ـ إخوته‪:‬‬
‫كان لعبد العزيز بن مروان والد عمر بن عبد العزيز عشرة من الولد وهم‪:‬‬
‫عمر وأبو بكر ومحمد وعاصم وهؤلء أمهم ليلى بنت عاصم بن عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬وله من غيرها ستة وهم‪ :‬الصبغ وسهل وسهيل وأم الحكم وزّبان‬
‫وأم البنين)‪ ،(25‬وعاصم هو من ُتكّنى به والدته ليلى بنت عاصم بن عمر بن‬
‫الخطاب فكنيتها أم عاصم)‪. (26‬‬
‫‪ 6‬ـ أولده‪:‬‬
‫ً‬
‫كان لعمر بن عبد العزيز ‪-‬رحمه الله‪ -‬أربعة عشر ذكرا منهم‪ :‬عبد الملك وعبد‬
‫العزيز وعبد الله)‪ (27‬وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وبكر والوليد وموسى‬
‫وعاصم ويزيد وزبان وعبد الله وبنات ثلث‪ :‬أمينة‪ ،‬وأم عمار‪ ،‬وأم عبد الله‪،‬‬
‫وقد اختلفت الروايات عن عدد أولد وبنات عمر بن عبد العزيز‪ ،‬فبعض‬
‫الروايات تذكر أنهم أربعة عشر ذكرا ً كما ذكره ابن قتيبة‪ ،‬وبعض الروايات‬
‫تذكر أن عدد الذكور اثنا عشر‪ ،‬وعدد الناث ست كما ذكره ابن الجوزي)‬
‫‪(28‬والمتفق عليه من الذكور اثنا عشر‪ ،‬وحينما توفي عمر بن عبد العزيز لم‬
‫يترك لولده مال ً إل الشيء اليسير‪ ،‬وقد أصاب الذكر من أولده من التركة‬
‫تسعة عشر درهما ً فقط‪ ،‬بينما أصاب الذكر من أولد هشام بن عبد الملك‬
‫ألف ألف )مليون(‪ ،‬وما هي إل سنوات قليلة حتى كان أحد أبناء عمر بن عبد‬
‫العزيز يحمل على مائة فرس في سبيل الله في يوم واحد‪ ،‬وقد رأى بعض‬
‫الناس رجل ً من أولد هشام يتصدق عليه )‪ .(29‬فسبحان الله رب العالمين‪..‬‬
‫‪ 7‬ـ زوجاته‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ب على أخذ العلم‬‫نشأ عمر بالمدينة‪ ،‬وتخّلق بأخلق أهلها‪ ،‬وتأّثر بعلمائها‪ ،‬وأك ّ‬
‫من شيوخها‪ ،‬وكان يقعد مع مشايخ قريش‪ ،‬ويتجنب شبابهم‪ ،‬ومازال ذلك دأبه‬
‫حتى اشتهر‪ ،‬فلما مات أبوه أخذه عمه أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان‬
‫دمه على كثير منهم‪ ،‬وزّوجه‪ ،‬ابنته فاطمة بنت عبد الملك)‬ ‫فخلطه بولده‪ ،‬وق ّ‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ، (30‬وهي امرأة صالحة تأّثرت بعمر بن عبد العزيز‪ ،‬وآثرت ما عند الله على‬
‫متاع الدنيا‪ ،‬وهي التي قال فيها الشاعر‪:‬‬
‫بنت الخليفة والخليفة جدها ‪... ...‬‬
‫أخت الخلئف والخليفة زوجها‬
‫ومعنى هذا البيت أنها بنت الخليفة عبد الملك بن مروان‪ ،‬والخليفة جدها‬
‫مروان بن الحكم‪ ،‬وأخت الخلئف فهي أخت الخلفاء الوليد بن عبد الملك‬
‫وسليمان بن عبد الملك ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك‪ ،‬والخليفة‬
‫زوجها فهو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه‪ ،‬حتى قيل عنها‪ :‬ل نعرف امرأة‬
‫بهذه الصفة إلى يومنا هذا سواها)‪ . (31‬وقد ولدت لعمر بن عبد العزيز‬
‫إسحاق ويعقوب وموسى‪ ،‬ومن زوجاته لميس بنت علي بن الحارث‪ ،‬وقد‬
‫ولدت له عبد الله وبكر وأم عمار‪ ،‬ومن زوجاته أم عثمان بنت شعيب بن‬
‫ما أولده‪ :‬عبد الملك والوليد وعاصم ويزيد‬ ‫زيان‪ ،‬وقد ولدت له إبراهيم‪ .‬وأ ّ‬
‫وعبد الله وعبد العزيز وزيان وأمينة وأم عبد الله فأمهم‪ :‬أم ولد )‪.(32‬‬
‫‪ 8‬ـ صفاته الخلقية‪:‬‬
‫كان عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أسمر رقيق الوجه أحسنه‪ ،‬نحيف‬
‫الجسم حسن اللحية‪ ،‬غائر العينين بجبهته أثر نفحة دابة‪ ،‬وقد خطه الشيب )‬
‫ل‪ ،‬نحيفًا‪ ،‬وقيل‬
‫‪ ،(33‬وقيل في صفته‪ :‬أنه كان رجل ً أبيض دقيق الوجه‪ ،‬جمي ً‬
‫ل‪ ،‬نحيف الجسم‪ ،‬حسن‬ ‫في صفته‪ :‬إنه كان رجل ً أبيض دقيق الوجه‪ ،‬جمي ً‬
‫اللحية)‪.(34‬‬
‫ي ولد في مدينة بنغازي عام ‪1963‬م‪ ،‬حصل‬ ‫لب ّ‬‫ص ّ‬
‫*هو الشيخ علي محمد ال ّ‬
‫على درجة الجازة العالية)الليسانس( من كلية الدعوة وأصول الدين من‬
‫جامعة المدينة المنورة بتقدير ممتاز‪ ،‬وكان الول على دفعته عام‬
‫‪1992/1993‬م‪ ،‬نال درجة الماجستير من جامعة أم درمان السلمية كلية‬
‫أصول الدين قسم التفسير وعلوم القرآن عام ‪1417‬هـ‪1996/‬م‪ ،‬نال درجة‬
‫الدكتوراه في الدراسات السلمية بمؤلفه فقه التمكين في القرآن الكريم‬
‫من جامعة أم درمان السلمية بالسودان عام ‪1999‬م‪ ،‬صدر له ‪ 21‬مؤلفا ً‬
‫منها‪ :‬الوسطية في القرآن الكريم‪ ،‬صفحات من تاريخ ليبيا السلمي‬
‫والشمال الفريقي‪ ،‬الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط‪ ،‬فاتح‬
‫القسطنطينية السلطان محمد الفاتح‪ ،‬السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل‬
‫أحداث‪.‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ .1‬سير أعلم النبلء )‪.(5/144‬‬
‫‪ .2‬المصدر نفسه )‪.(5/114‬‬
‫‪ .3‬المصدر نفسه )‪.(5/120‬‬
‫‪ .4‬المصدر نفسه )‪.(5/136‬‬
‫‪ .5‬الطبقات الكبرى )‪ ،(5/331‬الجوانب التربوية في حياة الخليفة عمر بن‬
‫عبد العزيز‪ ،‬صـ ‪11‬‬
‫‪ .6‬عبد العزيز بن مروان وسيرته وأثره في أحداث العصر الموي صـ ‪.58‬‬
‫‪ .7‬سير أعلم النبلء )‪.(4/47‬‬
‫‪ .8‬الولة وكتاب القضاة للكندي صـ ‪.54‬‬
‫‪ .9‬معجز السلم‪ ،‬خالد محمد خالد صـ ‪.55‬‬
‫‪ .10‬الخطط للمقريزي )‪ ، (1/21‬بدائع الزهور )‪.(1/28‬‬
‫‪ .11‬عبد العزيز بن مروان صـ ‪. 55‬‬
‫‪ .12‬المصدر نفسه صـ ‪ 56‬نقل عن البداية والنهاية‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .13‬سير أعلم النبلء )‪. (4/97‬‬


‫‪ .14‬الُعس ‪ :‬تقص الليل عن أهل الريبة‪ ،‬معجم مقاييس اللغة )‪. (4/42‬‬
‫‪ .15‬سيرة عمر لبن الحكم صـ ‪ 19‬ـ ‪ ، 20‬سيرة عمر لبن الجوزية صـ ‪. 10‬‬
‫‪ .16‬الشين‪ :‬العلمة‪.‬‬
‫‪ .17‬سير أعلم النبلء )‪.(5/122‬‬
‫‪ .18‬المصدر نفسه )‪.(5/122‬‬
‫‪ .19‬البداية والنهاية )‪.(12/676‬‬
‫‪ .20‬الثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة )‪.(1/54‬‬
‫‪ .21‬تذكرة الحفاظ )‪ 1/118‬ـ ‪.(120‬‬
‫‪ .22‬البداية والنهاية نقل ً عن فقه عمر بن عبد العزيز )‪.(1/20‬‬
‫‪ .23‬المعارف لبن قتيبة صـ ‪.362‬‬
‫‪ .24‬فقه عمر بن عبد العزيز )‪ (1/20‬د‪.‬محمد شقير‪.‬‬
‫‪ .25‬المعارف لبن قتيبة صـ ‪.362‬‬
‫‪ .26‬فقه عمر بن عبد العزيز )‪.(1/22‬‬
‫‪ .27‬المصدر نفسه )‪.(1/23‬‬
‫‪ .28‬سيرة عمرة بن عبد العزيز لبن الجوزي صـ ‪ ، 338‬فقه عمر بن عبد‬
‫العزيز )‪.(1/24‬‬
‫‪ .29‬سيرة عمر بن عبد العزيز لبن الجوزي صـ ‪.338‬‬
‫‪ .30‬البداية والنهاية )‪.(12/680‬‬
‫‪ .31‬المصدر نفسه )‪.(12/680‬‬
‫‪ .32‬سيرة عمر بن عبد العزيز لبن الجوزي صـ ‪ 314‬ـ ‪.315‬‬
‫‪ .33‬الثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة )‪.(1/58‬‬
‫‪ .34‬الكتاب الجامع لسيرة عمر بن عبد العزيز )‪ (1/11‬الثار الواردة )‪.(1/58‬‬
‫)عمر بن عبد العزيز( ومعالم التجديد )‪(2‬‬
‫د‪ .‬علي محمد الصلبي ‪29/10/1426‬‬
‫‪01/12/2005‬‬
‫العوامل التي أثرت في تكوين شخصية عمر بن عبد العزيز‪:‬‬
‫ي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الواقع السر ّ‬
‫)‪(3 /‬‬

‫ب وعقل وهو غلم صغير كان‬ ‫نشأ عمر بن عبد العزيز في المدينة‪ ،‬فلما ش ّ‬
‫يأتي عبد الله بن عمر بن الخطاب لمكان أمه منه‪ ،‬ثم يرجع إلى أمه فيقول‪:‬‬
‫يا أمه‪ ،‬أنا أحب أن أكون مثل خالي ـ يريد عبد الله بن عمر ـ فتؤفف به ثم‬
‫تقول له‪ :‬أغرب أنت تكون مثل خالك‪ ،‬وتكرر عليه ذلك غير مرة‪ .‬فلما كبر‬
‫سار أبوه عبد العزيز بن مروان إلى مصر أميرا ً عليها‪ ،‬ثم كتب إلى زوجته أم‬
‫عاصم أن تقدم عليه وتقدم بولدها‪ ،‬فأتت عمها عبد الله بن عمر فأعلمته‬
‫بكتاب زوجها عبد العزيز إليها فقال لها‪ :‬يا ابنة أخي‪ ،‬هو زوجك فالحقي به‪،‬‬
‫فلما أرادت الخروج قال لها‪ :‬خلفي هذا الغلم عندنا ـ يريد عمر ـ فإنه‬
‫أشبهكم بنا أهل البيت‪ ،‬فخلفته عنده ولم تخالفه‪ ،‬فلما قدمت على عبد‬
‫العزيز اعترض ولده فإذا هو ل يرى عمر‪ ،‬قال لها‪ :‬وأين عمر؟ فأخبرته خبر‬
‫عبد الله‪ ،‬وما سألها من تخليفه عنده لشبهه بهم‪ ،‬فسّر بذلك عبد العزيز‪،‬‬
‫وكتب إلى أخيه عبد الملك يخبره بذلك‪ ،‬فكتب عبد الملك أن يجري عليه ألف‬
‫دينار في كل شهر‪ ،‬ثم قدم عمر على أبيه مسلما ً )‪ ،(35‬وهكذا تربى عمر‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رحمه الله تعالى بين أخواله بالمدينة من أسرة عمر بن الخطاب‪ ،‬ول شك أنه‬
‫تأثر بهم وبمجتمع الصحابة في المدينة )‪.(36‬‬
‫‪ 2‬ـ إقباله المبكر على طلب العلم وحفظ القرآن الكريم‪:‬‬
‫فقد ُرزق منذ صغره حب القبال على طلب العلم وحب المطالعة والمذاكرة‬
‫بين العلماء كما كان يحرص على ملزمة مجالس العلم في المدينة‪ ،‬وكانت‬
‫يومئذ منارة العلم والصلح زاخرة بالعلماء والفقهاء والصالحين‪ ،‬وتاقت نفسه‬
‫للعلم وهو صغير‪ ،‬وكان أول ما استبين من رشد عمر بن عبد العزيز حرصه‬
‫على العلم ورغبته في الدب )‪ ،(37‬وجمع عمر بن عبد العزيز القرآن وهو‬
‫صغير وساعده على ذلك صفاء نفسه وقدرته الكبيرة على الحفظ وتفّرغه‬
‫الكامل لطلب العلم والحفظ‪ .‬وقد تأثر كثيرا ً بالقرآن الكريم في نظرته لله‬
‫‪-‬عز وجل‪ -‬والحياة والكون والجنة والنار‪ ،‬والقضاء والقدر‪ ،‬وحقيقة الموت‪،‬‬
‫وكان يبكي لذكر الموت بالرغم من حداثة سنه‪ ،‬فبلغ ذلك أمه فأرسلت إليه‬
‫وقالت‪ :‬ما يبكيك؟ قال‪ :‬ذكرت الموت‪ .‬فبكت أمه حين بلغها ذلك )‪ ،(38‬وقد‬
‫عاش طيلة حياته مع كتاب الله ‪-‬عز وجل‪ -‬متدّبرا ً ومنفذا ً لوامره‪ ،‬ومن‬
‫مواقفه مع القرآن الكريم‪:‬‬
‫أ ـ عن ابن أبي ذيب‪ :‬قال‪ :‬حدثني من شهد عمر بن عبد العزيز وهو أمير‬
‫وا هَُنال ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن د َعَ ْ‬
‫قّرِني َ‬
‫م َ‬
‫قا ُ‬
‫ضي ّ ً‬ ‫م َ‬
‫كاًنا َ‬ ‫من َْها َ‬ ‫المدينة‪ ،‬وقرأ عنده رجل‪) :‬وَإ َِذا أ ُل ْ ُ‬
‫قوا ِ‬
‫ث ُُبوًرا( ]الفرقان ‪ ،‬الية ‪ .[13 :‬فبكى عمر حتى غلبه البكاء وعل نشيجه‪ ،‬فقام‬
‫من مجلسه فدخل بيته‪ ،‬وتفرق الناس)‪ .(39‬ومفهوم هذه الية‪ :‬إذا ُألقي‬
‫هؤلء المكذبون بالساعة من النار مكانا ً ضيقًا‪ُ ،‬قرنت أيديهم إلى أعناقهم في‬
‫ك ث ُُبوًرا(‪ .‬والثبور في هذا الموضوع دعا هؤلء القوم بالندم‬ ‫وا هَُنال ِ َ‬
‫الغلل )د َعَ ْ‬
‫على انصرافهم عن طاعة الله في الدنيا واليمان بما جاء به نبي الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬حتى استوجبوا العقوبة‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ما‬‫ب ـ وعن أبي مودود قال‪ :‬بلغني أن عمر بن عبد العزيز قرأ ذات يوم‪) :‬وَ َ‬
‫كون في َ ْ‬
‫ل إ ِّل ك ُّنا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ٍ‬
‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن وََل ت َعْ َ‬ ‫ن قُْرآ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ما ت َت ُْلو ِ‬ ‫ن وَ َ‬
‫شأ ٍ‬ ‫تَ ُ ُ ِ‬
‫شُهوًدا( ] يونس ‪ :‬الية ‪ .[61‬فبكى بكاًء شديدا ً حتى سمعه أهل الدار‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فجاءت فاطمة ـ زوجته ـ فجعلت تبكي لبكائه‪ ،‬وبكى أهل الدار لبكائهم‪ ،‬فجاء‬
‫عبد الملك‪ ،‬فدخل عليهم وهم على تلك الحال يبكون فقال‪ :‬يا أبه‪ ،‬ما يبكيك؟‬
‫قال‪ :‬خير يا بني‪ ،‬ود ّ أبوك أنه لم يعرف الدنيا ولم تعرفه‪ ،‬والله يا بني‪ ،‬لقد‬
‫خشيت أن أهلك‪ ،‬والله يا بني لقد خشيت أن أكون من أهل النار)‪.(41‬‬
‫ومعنى الية‪ :‬إن الله تعالى يخبر نبيه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أنه يعلم جميع‬
‫أحواله وأحوال أمته وجميع الخلئق في كل ساعة‪ ،‬وأوان ولحظة‪ ،‬وأنه ل‬
‫يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرة في حقارتها وصغرها في السماوات ول‬
‫ح‬
‫فات ِ ُ‬‫م َ‬ ‫عن ْد َه ُ َ‬
‫في الرض‪ ،‬ول أصغر منها ول أكبر إل في كتاب مبين كقوله‪) :‬وَ ِ‬
‫ن وََرقَةٍ إ ِلّ‬ ‫م ْ‬
‫ط ِ‬‫ق ُ‬‫س ُ‬‫ما ت َ ْ‬‫حرِ وَ َ‬‫ما ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مَها إ ِّل هُوَ وَي َعْل َ ُ‬ ‫ب َل ي َعْل َ ُ‬‫ال ْغَي ْ ِ‬
‫ن(‬ ‫س إ ِّل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ت اْل َْرض وََل َرط ْ ٍ َ‬ ‫حب ّةٍ ِفي ظ ُل ُ َ‬ ‫مَها وََل َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ب وَل َياب ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ما ِ‬
‫]النعام‪ :‬الية ‪ . [59‬فأخبر تعالى أنه يعلم حركة الشجار وغيرها من‬
‫ن َداب ّةٍ ِفي اْل َْرض وَلَ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫الجمادات‪ ،‬وكذلك الدواب السارحة في قوله‪) :‬وَ َ‬
‫ِ‬ ‫طائ ِر يطير بجناحيه إّل أ ُم َ‬
‫ما‬‫م( ]النعام‪ :‬الية ‪ ،[38‬وقال تعالى ‪) :‬وَ َ‬ ‫مَثال ُك ُ ْ‬‫مأ ْ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ ٍ َ ِ ُ ِ َ َ َ ْ ِ ِ‬
‫ض إ ِّل عََلى الل ّهِ رِْزقَُها( ]هود الية ‪ [6:‬وإذا كان هذا علمه‬ ‫َْ‬
‫ن َداب ّةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫بحركات هذه الشياء فكيف علمه بحركات المكلفين المأمورين بالعبادة؟ كما‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك ِفي‬ ‫قل ّب َ َ‬‫م * وَت َ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬‫حي َ‬‫ك ِ‬ ‫ذي ي ََرا َ‬‫حيم ِ * ال ّ ِ‬ ‫زيزِ الّر ِ‬ ‫ل عََلى ال ْعَ ِ‬ ‫قال تعالى‪) :‬وَت َوَك ّ ْ‬
‫ن( ]الشعراء ‪ :‬اليات ‪ ،[219 – 217‬ولهذا قال تعالى‪ :‬إذ تأخذون في‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ذلك الشيء نحن مشاهدون لكم راؤون سامعون )‪(42‬‬
‫ج ـ وعن عبد العلى بن أبي عبد الله العنزي قال‪ :‬رأيت عمر بن عبد العزيز‬
‫خرج يوم الجمعة في ثياب دسمة ووراءه حبشي يمشي فلما انتهى إلى‬
‫الناس رجع الحبشي‪ ،‬فكان عمر إذا انتهى إلى الرجلين قال‪ :‬هكذا رحمكما‬
‫ت(‪ ،‬فقال‪ :‬وما شأن‬ ‫س ك ُوَّر ْ‬
‫م ُ‬ ‫الله‪ ،‬حتى صعد المنبر‪ ،‬فخطب فقرأ‪) :‬إ َِذا ال ّ‬
‫ش ْ‬
‫ت * وَإ َِذا‬ ‫سعَّر ْ‬ ‫م ُ‬ ‫حي ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ْ‬
‫ت(‪ ،‬حتى انتهى إلى )وَإ َِذا ال َ‬ ‫م ان ْك َد ََر ْ‬ ‫جو ُ‬‫الشمس؟ )وَإ َِذا الن ّ ُ‬
‫ت( ]التكوير‪ :‬اليتان‪ [12 – 11 :‬فبكى وبكى أهل المسجد‪ ،‬وارتج‬ ‫ف ْ‬‫ة أ ُْزل ِ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫جن ّ ُ‬
‫المسجد بالبكاء حتى رأيت أن حيطان المسجد تبكي معه)‪ . (43‬وهذه‬
‫السورة جاء فيها الوصاف التي وصف بها يوم القيامة من الوصاف التي‬
‫تنزعج لها القلوب‪ ،‬وتشتد من أجلها الكروب‪ ،‬وترتعد الفرائص‪ ،‬وتعم‬
‫المخاوف‪ ،‬وتحث أولي اللباب للستعداد لذلك اليوم‪ ،‬وتزجرهم عن كل ما‬
‫يوجب اللوم‪ ،‬ولهذا قال بعض السلف‪ :‬من أراد أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه‬
‫ت(‪ .‬بل ثبت مرفوعا ً من حديث ابن‬ ‫س ك ُوَّر ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫رأي عين فليتدبر سورة)إ َِذا ال ّ‬
‫عمر ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬من‬
‫ت(‬ ‫س ك ُوَّر ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫سّره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ )إ َِذا ال ّ‬
‫ت( )‪.(45‬‬ ‫ق ْ‬‫ش ّ‬ ‫ماُء ان ْ َ‬‫س َ‬ ‫ت( )إ َِذا ال ّ‬ ‫فط ََر ْ‬ ‫ماُء ان ْ َ‬‫س َ‬‫)إ َِذا ال ّ‬
‫َ‬
‫م الت ّ َ‬
‫كاث ُُر(‬ ‫س ـ وعن ميمون بن مهران قال‪ :‬قرأ عمر بن عبد العزيز )أل َْهاك ُ ُ‬
‫قاب َِر( ما أرى المقابر إل زيارة‪ ،‬ولبد لمن‬ ‫م َ‬‫م ال ْ َ‬‫حّتى ُزْرت ُ ُ‬ ‫فبكى ثم قال‪َ ) :‬‬
‫يزورها أن يرجع إلى جنة أو إلى النار )‪ ،(46‬هذه بعض المواقف التي تبين‬
‫تأثير القرآن الكريم على شخصية عمر بن عبد العزيز‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الواقع الجتماعي‪:‬‬
‫إن البيئة الجتماعية المحيطة لها دور فعال ومهم في صناعة الرجال وبناء‬
‫شخصيتهم‪ ،‬فعمر بن عبد العزيز عاش في زمن ساد فيه مجتمع التقوى‬
‫والصلح والقبال على طلب العلم والعمل بالكتاب والسنة‪ ،‬فقد كان عدد من‬
‫الصحابة ل يزالون بالمدينة‪ ،‬فقد حدث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب‪،‬‬
‫والسائب بن يزيد‪ ،‬وسهل بن سعد‪ ،‬واستوهب منه قدحا ً شرب منه النبي‬
‫م أنس بن مالك‪ ،‬فقال‪ :‬ما رأيت أحدا ً أشبه صلة‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأ ّ‬
‫برسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من هذا الفتى)‪ ، (47‬فكان للقامة‬
‫بالمدينة آثار نفسية ومعان إيمانية‪ ،‬وتعلق روحي‪ ،‬وكان لذلك المجتمع قوة‬
‫التأثير في صياغة شخصية عمر بن عبد العزيز العلمية والتربوية )‪.(48‬‬
‫‪ 4‬ـ تربيته على أيدي كبار فقهاء المدينة وعلمائها‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫اختار عبد العزيز والد عمر صالح بن كيسان ليكون مربيا ً لعمر بن عبد العزيز‪،‬‬
‫فتولى صالح تأديبه وكان يلزم عمر الصلوات المفروضة في المسجد‪ ،‬فحدث‬
‫يوما ً أن تأخر عمر بن عبد العزيز عن الصلة مع الجماعة فقال صالح بن‬
‫جلتي)‪ (49‬تسكن شعري‪ ،‬فقال‪ :‬بلغ منك‬ ‫كيسان ما يشغلك؟ قال‪ :‬كانت مر ّ‬
‫حبك تسكين شعرك أن تؤثره على الصلة؟ فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك‪،‬‬
‫فبعث أبوه رسول ً فلم يكلمه حتى حلق رأسه )‪ ،(50‬وحرص على التشبه‬
‫فف القيام‪،‬‬
‫بصلة رسول الله أشد الحرص‪ ،‬فكان يتم الركوع والسجود ويخ ّ‬
‫والقعود وفي رواية صحيحة‪ :‬أّنه كان يسبح في الركوع والسجود عشرا ً عشرا ً‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما حج أبوه ومّر بالمدينة سأل صالح بن كيسان عن ابنه فقال‪ :‬ما‬ ‫)‪ ،(51‬ول ّ‬
‫خبرت أحدا الله أعظم في صدره من هذا الغلم )‪ ،(52‬ومن شيوخ عمر بن‬ ‫ً‬
‫عبد العزيز الذين تأثر بهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود‪ ،‬فقد كان‬
‫عمر يجله كثيرا ً ونهل من علمه وتأدب بأدبه وتردد عليه حتى وهو أمير‬
‫المدينة‪ ،‬ولقد عّبر عمر عن إعجابه بشيخه وكثرة التردد إلى مجلسه فقال‪:‬‬
‫ي من‬ ‫ب إل ّ‬ ‫س من العمى‪ :‬عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أح ّ‬ ‫مجل ٌ‬ ‫لَ َ‬
‫ألف دينار )‪ ،(53‬وكان يقول في أيام خلفته لمعرفته بما عند شيخه من علم‬
‫غزير‪ ،‬لو كان عبيد الله حيا ً ما صدرت إل عن رأيه‪ ،‬ولوددت أن لي بيوم واحد‬
‫من عبيد الله كذا وكذا)‪ ، (54‬وكان عبيد الله مفتي المدينة في زمانه‪ ،‬وأحد‬
‫الفقهاء السبعة ‪ ، 55‬قال عنه الزهري‪ :‬كان عبيد الله بن عبد الله بحرا ً من‬
‫بحور العلم )‪ ،(56‬وكان يقرض الشعر‪ ،‬فقد كتب إلى عمر بن عبد العزيز‬
‫هذه البيات‪:‬‬
‫بسم الذي ُأنزلت من عنده السوُر ‪... ...‬‬
‫ما بعد ُ يا عمُر‬
‫والحمد ُ لله أ ّ‬
‫إن كنت تعلم ما تأتي وما تذُر ‪... ...‬‬
‫فكن على حذر قد ينفعُ الحذُر‬
‫ض به ‪... ...‬‬‫َ‬ ‫وأر‬ ‫واصبْر على القدر المحتوم‬
‫وإن أتاك بما ل تشتهي القدُر‬
‫ش ُيسّر به ‪... ...‬‬ ‫فما صفا لمرئ عي ٌ‬
‫وه كدُر )‪(57‬‬ ‫إل سيتبعُ يوما ً صف َ‬
‫وقد توفي هذا العالم سنة ‪98‬هـ‪ ،‬وقيل ‪99‬هـ ‪(58).‬‬
‫ومن شيوخ عمر سعيد بن المسيب‪ ،‬وقد تحدثت عن سيرته في عهد عبد‬
‫الملك بن مروان‪ ،‬وكان سعيد ل يأتي أحدا ً من المراء غير عمر)‪ ، (59‬ومن‬
‫شيوخه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي قال فيه سعيد بن‬
‫المسيب‪ :‬كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به‪ ،‬وكان سالم أشبه ولد عبد‬
‫الله به )‪ ،(60‬وكان ابن عمر يحب ابنه سالم‪ ،‬وكان ُيلم في ذلك فكان يقول‪:‬‬
‫مهم ‪... ...‬‬‫يلومنني في سالم وألو ُ‬
‫ف سالم)‪(61‬‬ ‫ن والن ٍِ‬‫وجلدة ُ بين العي ِ‬
‫كانت أمه أم ولد‪ ،‬وقال فيه ابن أبي الزناد‪ :‬كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ‬
‫أمهات الولد حتى نشأ فيهم الغُّر السادة علي بن الحسين‪ ،‬والقاسم بن‬
‫قى وعبادة وورعًا‪،‬‬‫محمد‪ ،‬وسالم بن عبد الله ففاقوا أهل المدينة علما ً وت ً‬
‫فرغب الناس حينئذ في السراري )‪ ،(62‬وقال عنه المام مالك‪ :‬لم يكن أحد‬
‫في زمان سالم أشبه بمن مضى من الصالحين‪ ،‬في الزهد والفضل والعيش‬
‫منه‪ ،‬كان يلبس الثوب بدرهمين‪ ،‬ويشترى الشمال)‪ (63‬ليحملها‪ .‬قال‪ :‬فقال‬
‫سحنة‪ .‬أي شيء تأكل؟ قال‪:‬‬ ‫سليمان بن عبد الملك لسالم ورآه حسن ال ّ‬
‫الخبز والّزيت‪ ،‬وإذا وجدت اللحم‪ ،‬أكلته‪ .‬فقال له عمر‪ :‬أو تشتهيه؟ قال‪ :‬إذا‬
‫لم أشتهه تركته حتى أشتهيه )‪ ،(64‬وذات يوم دخل سالم بن عبد الله على‬
‫سليمان بن عبد الملك‪ ،‬وعلى سالم ثياب غليظة رّثة‪ ،‬فلم يزل سليمان‬
‫يرحب به‪ ،‬ويرفعه حتى أقعده معه على سريره‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز في‬
‫المجلس‪ ،‬فقال له رجل من ُأخريات الناس‪ :‬ما استطاع خالك أن يلبس ثيابا ً‬
‫فاخرة أحسن من هذه‪ ،‬يدخل فيها على أمير المؤمنين؟ وعلى المتكلم ثياب‬
‫سرّية‪ ،‬لها قيمة‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬ما رأيت هذه الثياب التي على خالي وضعته‬
‫في مكانك‪ ،‬ول رأيت ثيابا ً هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك )‪ (65‬وتربي‬
‫وتعلم عمر بن عبد العزيز على يدي كثير من العلماء والفقهاء وقد بلغ عدد‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شيوخ عمر بن عبد العزيز ثلثة وثلثين‪ ،‬ثمانية منهم من الصحابة وخمسة‬
‫وعشرون من التابعين )‪ ،(66‬فقد نهل من علمهم وتأدب بأدبهم ولزم‬
‫مجالسهم حتى ظهرت آثار هذه التربية المتينة في أخلقه وتصرفاته)‪(67‬‬
‫فامتاز بصلبة الشخصية والجدية في معالجة المور والحزم وإمعان الفكر‬
‫وإدامة النظر في القرآن‪ ،‬والرادة القوية والترفع عن الهزل والمزاح )‪،(68‬‬
‫هذه هي أهم العوامل التي أثرت في تكوين شخصيته‪ ،‬ومن الدروس‬
‫المستفادة هو أن العلماء الربانيين يقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة‪ ،‬وهي‬
‫الهتمام بأولد المراء والحكام وأهل الجاه والمال؛ ففي صلحهم خير عظيم‬
‫للمة السلمية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مكانته العلمية‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫اتفقت كلمة المترجمين له على أنه من أئمة زمانه‪ ،‬فقد أطلق عليه كل من‬
‫المامين‪ :‬مالك وسفيان بن عيينة وصف إمام )‪ ،(69‬وقال فيه مجاهد‪ :‬أتيناه‬
‫منا منه )‪ ،(70‬وقال ميمون بن مهران‪ :‬كان عمر بن‬ ‫نعلمه فما برحنا حتى تعل ّ‬
‫م العلماء )‪ ،(71‬قال فيه الذهبي‪ :‬كان إماما ً فقيها ً مجتهدا‪ً،‬‬
‫عبد العزيز معل ّ‬
‫عارفا ً بالسنن‪ ،‬كبير الشأن‪ ،‬حافظا‪ ،‬قانتا لله أّواها منيبا ُيعد في حسن السيرة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والقيام بالقسط مع جده لمه عمر‪ ،‬وفي الزهد مع الحسن البصري وفي‬
‫العلم مع الزهري)‪ ، (72‬وقد احتج الفقهاء والعلماء بقوله وفعله‪ ،‬ومن ذلك‬
‫رسالة المام الليث بن سعد إلى المام مالك بن أنس ‪-‬رضي الله عنهما‪-‬‬
‫وهي رسالة قصيرة وفيها يحتج الليث ـ مرارا ً ـ بصحة قوله‪ ،‬بقول عمر بن‬
‫عبد العزيز على مالك فيما ذهب إليه في بعض مسائله )‪ ،(73‬ويرد ذكر عمر‬
‫بن عبد العزيز في كتب الفقه للمذاهب الربعة المتبوعة على سبيل الحتجاج‬
‫بمذهبه‪ ،‬فاستدل الحنفية بصنيعه في كثير من المسائل وجعلوا له وصفا ً يتمّيز‬
‫ده لمه‪ :‬عمر بن الخطاب ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال القرشي في‬ ‫به عن ج ّ‬
‫الجواهر المضيئة‪ :‬فائدة يقول‪ :‬أصحابنا في كتبهم في مسائل الخلف‪ :‬وهو‬
‫قول عمر الصغير‪ .‬يريدون به عمر بن عبد العزيز المام الخليفة المشهور )‬
‫‪ ،(74‬ويكثر الشافعية من ذكره في كتبهم ولذلك ترجم له المام النووي‬
‫ترجمة حافلة في تهذيب السماء واللغات وقال في أولها‪ :‬تكرر في المختصر‬
‫والمهذب )‪ .(75‬وأما المالكية فيكثرون من ذكره في كتبهم أكثر من غيرهم‪،‬‬
‫ومالك إمام المذهب ذكر في )الموطأ( محتجا ً بفتواه وقوله في مواضع‬
‫عديدة في موطئه )‪ ،(76‬وأما الحنابلة فكذلك‪ ،‬يذكرونه كثيرًا‪ ،‬وعمر هو الذي‬
‫قال فيه المام أحمد‪ :‬ل أدري قول أحد من التابعين حجة إل قول عمر بن‬
‫عبد العزيز وكفاه هذا)‪ ، (77‬وكفانا قول المام أحمد أيضًا‪ :‬إذا رأيت الرجل‬
‫يحب عمر بن عبد العزيز ويذكر محاسنه وينشرها فاعلم أن من وراء ذلك‬
‫خيرا ً إن شاء الله )‪ ،(78‬ومن أراد أن يتبحر في علم عمر بن عبد العزيز‬
‫ويعرف مكانته العلمية‪ ،‬فليراجع الكتب التية‪ :‬الثار الواردة عن عمر بن عبد‬
‫العزيز في العقيدة للستاذ حياة محمد جبر والكتاب في مجلدين‪ ،‬وهي رسالة‬
‫علمية‪ ،‬وكذلك فقه عمر بن عبد العزيز للدكتور محمد سعد شقير في‬
‫مجلدين‪ ،‬وهي رسالة علمية نال بها المؤلف درجة الدكتوراه‪ ،‬وموسوعة فقه‬
‫عمر بن عبد العزيز لمحمد رواس قلعجي‪ ،‬وسوف نرى في بحثنا فقه عمر‬
‫بن عبد العزيز بإذن الله تعالى في العقائد والعبادات والسياسة الشرعية‪،‬‬
‫وإدارة الدولة‪ ،‬والنظم المالية والقضائية والدعوية وتقّيده بالكتاب والسنة‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والخلفاء الراشدين في خطواته وسكناته‪.‬‬


‫|‪|2|1‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ .35‬سيرة عمر لبن عبد الحكم صـ ‪ 24‬ـ ‪. 25‬‬
‫‪ .36‬الثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة )‪. (1/56‬‬
‫‪ .37‬البداية والنهاية )‪.(12/679‬‬
‫‪ .38‬البداية والنهاية )‪.(12/678‬‬
‫‪ .39‬الرقة والبكاء لبن أبي الدنيا رقم ‪. 83‬‬
‫‪ .40‬دموع القراء ‪ ،‬محمد شومان صـ ‪ 107‬نقل ً عن تفسير ابن جرير ‪.‬‬
‫‪ .41‬الرقة والبكاء لبن أبي الدنيا رقم ‪. 91‬‬
‫‪ .42‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪ .43‬دموع القراء صـ ‪. 112 ،111‬‬
‫‪ .44‬تفسير السعدي ‪.912‬‬
‫‪ .45‬أخرجه الترمذي رقم ‪ 3333‬والحاكم )‪ (4/576)،(2/515‬وصححه‬
‫ووافقه الذهبي واللباني في الصحيحة )‪.(3/70‬‬
‫‪ .46‬الرقة والبكاء لبن أبي الدنيا رقم ‪.425‬‬
‫‪ .47‬سير أعلم النبلء )‪. (5/114‬‬
‫‪ .48‬الجوانب التربوية في حياة عمر بن عبد العزيز صـ ‪. 23‬‬
‫‪ .49‬مرجلتي‪ :‬مسرحة شعري ‪.‬‬
‫‪ .50‬البداية والنهاية )‪. (12/678‬‬
‫‪ .51‬المصدر نفسه )‪. (12/682‬‬
‫‪ .52‬المصدر نفسه )‪. (12/678‬‬
‫‪ .53‬عمر بن عبد العزيز‪ ،‬عبد الستار الشيخ صـ ‪ ،59‬الطبقات)‪ (5/250‬تهذيب‬
‫التهذيب )‪.(7/22‬‬
‫‪ .54‬عمر بن عبد العزيز‪ ،‬عبد الستار الشيخ صـ ‪.59‬‬
‫‪ .55‬سير أعلم النبلء )‪.(4/475‬‬
‫‪ .56‬المصدر نفسه )‪.(4/477‬‬
‫‪ .57‬المصدر نفسه )‪.(4/477‬‬
‫‪ .58‬المصدر نفسه )‪.(479 ، 4/478‬‬
‫‪ .59‬الجوانب التربوية في حياة الخليفة عمر صـ ‪.25‬‬
‫‪ .60‬سير أعلم النبلء )‪.(4/459‬‬
‫‪ .61‬المصدر نفسه )‪.(4/460‬‬
‫‪ .62‬المصدر نفسه )‪.(4/460‬‬
‫‪ .63‬سير أعلم النبلء )‪.(4/460‬‬
‫‪ .64‬المصدر نفسه )‪.(4/460‬‬
‫‪ .65‬المصدر نفسه )‪.(4/461‬‬
‫‪ .66‬مسند أمير المؤمنين عمر صـ ‪.33‬‬
‫‪ .67‬الجوانب التربوية في حياة عمر بن عبد العزيز )‪. (1/67‬‬
‫‪ .68‬عمر بن عبد العزيز للزحيلي صـ ‪.30‬‬
‫‪ .69‬الثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز )‪.(1/67‬‬
‫‪ .70‬تهذيب التهذيب )‪ (7/405‬الثار الواردة )‪.(1/67‬‬
‫‪ .71‬تاريخ أبي زرعة صـ ‪ ، 255‬الثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في‬
‫العقيدة )‪.(1/67‬‬
‫‪ .72‬تذكرة الحفاظ صـ ‪ 118‬ـ ‪.119‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثار الواردة في عمر بن عبد العزيز في العقيدة )‪.(1/70‬‬ ‫‪.73‬‬


‫الجواهر المضيئة )‪ (4/552‬الثار الواردة )‪.(1/71‬‬ ‫‪.74‬‬
‫المختصر والمهذب من كتب الشافعية المشهورة‪.‬‬ ‫‪.75‬‬
‫انظر ‪ :‬الموطأ الرقام التية ‪. 614، 594 ، 592 ، 305 :‬‬ ‫‪.76‬‬
‫البداية والنهاية نقل ً عن الثار الواردة )‪.(1/72‬‬ ‫‪.77‬‬
‫سيرة عمر بن عبد العزيز لبن الجوزي صـ ‪.61‬‬ ‫‪.78‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫)عمر بن عبد العزيز( ومعالم التجديد )‪(3‬‬


‫والصلح الراشدي على منهاج الّنبوة‬
‫د‪ .‬علي محمد الصلبي ‪15/11/1426‬‬
‫‪17/12/2005‬‬
‫رابعًا‪ :‬عمر في عهد الوليد بن عبد الملك‪:‬‬
‫ُيعد ّ عمر بن عبد العزيز من العلماء الذين تميزوا بقربهم من الخلفاء‪ ،‬وكان‬
‫له أثر كبير في نصحهم وتوجيه سياستهم بالرأي والمشورة‪ ،‬ويحتل عمر بن‬
‫عبد العزيز مكانة متميزة في البيت الموي‪ ،‬فقد كان عبد الملك يجّله وُيعجب‬
‫بنباهته أثناء شبابه‪ ،‬مما جعله يقدمه على كثير من أبنائه‪ ،‬ويزوجه من ابنته‪،‬‬
‫ولكن لم يكن له مشاركات في عهد عبد الملك بسبب صغر سنه واشتغاله‬
‫بطلب العلم في المدينة‪ ،‬ومع ذلك فقد أورد ابن الجوزي أنه كتب إلى عبد‬
‫كره فيه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه وقد جاء فيها‪ :‬أما بعد‪:‬‬ ‫الملك كتابا ً يذ ّ‬
‫ل مسؤول عن رعيته ‪ 79‬حدثنا أنس بن مالك أنه سمع رسول‬ ‫فإنك راٍع‪ ،‬وك ٌ‬
‫ه إ ِلّ‬
‫ه َل إ ِل ََ‬ ‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقول‪ :‬كل راع مسؤول عن رعيته‪) .‬الل ُّ‬
‫هُو ل َيجمعنك ُم إَلى يوم ال ْقيامة َل ريب فيه ٍومن أ َ‬
‫ديًثا(‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫ح ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ص‬
‫َ ْ َ ِ ِ َ َ ْ ْ‬ ‫َ ْ ِ ِ َ َ ِ‬ ‫َ َ ْ َ َ ّ ْ ِ‬
‫]النساء‪.[87:‬‬
‫ّ‬
‫وُيقال بأن عمر بن عبد العزيز وله عمه عبد الملك خناصره لكي يتدرب على‬
‫العمال القيادية في وقت مبكر)‪ ،(1‬وقد قيل‪ :‬إن سليمان بن عبد الملك هو‬
‫الذي وله على خناصره‪ ،‬وهناك من رجح القول‪ ،‬وقد تأثر عمر بن عبد العزيز‬
‫لموت عمه وحزن عليه حزنا ً عظيمًا‪ ،‬وقد خاطب عمر ابن عمه مسلمة بن‬
‫عبد الملك فقال له‪ :‬يا مسلمة‪ ،‬إني حضرت أباك لما دفن‪ ،‬فحملتني عيني‬
‫عند قبره فرأيته قد أفضى إلى أمر من أمر الله‪ ،‬راعني وهالني‪ ،‬فعاهدت‬
‫الله أل ّ أعمل بمثل عمله إن ُوليت‪ ،‬وقد اجتهدت في ذلك)‪.(2‬‬
‫‪ 1‬ـ وليته على المدينة‪:‬‬
‫له الخليفة الوليد بن عبد الملك إمارة المدينة‬ ‫في ربيع الول من عام ‪87‬هـ و ّ‬
‫المنورة‪ ،‬ثم ضم إليه ولية الطائف سنة ‪91‬هـ وبذلك صار واليا ً على الحجاز‬
‫كلها‪ :‬واشترط عمر لتوليه المارة ثلثة شروط‪:‬‬
‫الشرط الول‪:‬‬
‫ً‬
‫أن يعمل في الناس بالحق والعدل‪ ،‬ول يظلم أحدا‪ ،‬ول يجور على أحد في‬
‫ل ما يرفع‬ ‫أخذ ما على الناس من حقوق لبيت المال‪ ،‬ويترتب على ذلك أن يق ّ‬
‫للخليفة من الموال من المدينة‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪:‬‬
‫أن يسمح له بالحج في أول سنة؛ لن عمر كان في ذلك الوقت لم يحج‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪:‬‬
‫أن يسمح له بالعطاء أن يخرجه للناس في المدينة‪ ،‬فوافق الوليد على هذه‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشروط‪ ،‬وباشر عمر بن عبد العزيز عمله بالمدينة‪ ،‬وفرح الناس به فرحا ً‬
‫شديدا ً )‪.(3‬‬
‫‪ 2‬ـ مجلس شورى عمر بن عبد العزيز‪ :‬مجلس فقهاء المدينة العشرة‬
‫كان من أبرز العمال التي قام بها عمر بن عبد العزيز تكوينه لمجلس‬
‫الشورى بالمدينة‪ ،‬فعندما جاء الناس للسلم على المير الجديد بالمدينة‬
‫وصلى‪ ،‬دعا عشرة من فقهاء المدينة‪ ،‬وهم عروة بن الزبير‪ ،‬وعبيد الله بن‬
‫عبد الله بن عتبة‪ ،‬وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‪ ،‬وأبو بكر‬
‫بن سليمان بن أبي خيثمة‪ ،‬وسليمان بن يسار‪ ،‬والقاسم بن محمد‪ ،‬وسالم بن‬
‫عبد الله بن عمر‪ ،‬وأخوه عبد الله بن عبد الله بن عمر‪ ،‬وعبد الله بن عامر‬
‫بن ربيعة وخارجة بن زيد بن ثابت‪ ،‬فدخلوا عليه‪ ،‬فجلسوا فحمد الله وأثنى‬
‫عليه بما هو أهله‪ ،‬ثم قال‪ :‬إني دعوتكم لمر تؤجرون عليه‪ ،‬وتكونون فيه‬
‫أعوانا ً على الحق‪ ،‬إني ل أريد أن أقطع أمرا ً إل برأيكم أو برأي من حضر‬
‫منكم‪ ،‬فإن رأيتم أحدا ً يتعدى‪ ،‬أو بلغكم عن عامل لي ظلمة‪ ،‬فأحّرج الله‬
‫على من بلغه ذلك إل أبلغني)‪ . (4‬لقد عرفت أن عمر بن الخطاب كان يجمع‬
‫المجلس للمر يطرأ‪ ،‬فيرى ضرورة الشورى فيه‪ ،‬أما عمر بن عبد العزيز‪،‬‬
‫دد صلحياته بأمرين‪:‬‬ ‫وهو سبط عمر بن الخطاب‪ ،‬فقد أحدث مجلسًا‪ ،‬ح ّ‬
‫أ ـ أنهم أصحاب الحق في تقرير الرأي‪ ،‬وأنه ل يقطع أمرا ً إل برأيهم‪ .‬وبذلك‬
‫يكون المير قد تخلى عن اختصاصاته إلى هذا المجلس‪ ،‬الذي نسميه )مجلس‬
‫العشرة(‪.‬‬
‫ب ـ أنه جعلهم مفتشين على العمال‪ ،‬ورقباء على تصرفاتهم‪ ،‬فإذا ما اتصل‬
‫بعلمهم أو بعلم أحدهم أن عامل ً ارتكب ظلمة‪ ،‬فعليهم أن يبلغوه‪ ،‬وإل فقد‬
‫استعدى الله على كاتم الحق‪ .‬ونلحظ كذلك على هذا التدبير أنه قد تضمن‬
‫أمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪:‬‬
‫ً‬
‫إن المير عمر بن عبد العزيز لم يخصص تعويضا لمجلس العشرة؛ لنهم كانوا‬
‫من أصحاب العطاء‪ ،‬وبما أنهم فقهاء‪ ،‬فما ندبهم إليه داخل في صلب‬
‫اختصاصهم‪.‬‬
‫الثاني‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫إن عمر افترض ـ غياب أحدهم عن الحضور لعذر من العذار‪ ،‬ولهذا لم‬
‫يشترط في تدبيره حضورهم كلهم‪ ،‬وإنما قال‪) :‬أو برأي من حضر منكم( )‬
‫‪ ،(4‬إن هذا المجلس كان ُيستشار في جميع المور دون استثناء )‪ ،(5‬ونستنتج‬
‫من هذه القصة أهمية العلماء الرّبانيين وعلو مكانتهم‪ ،‬وأنه يجب على صاحب‬
‫القرار أن يدنيهم ويقربهم منه‪ ،‬ويشاورهم في أمور الرعية‪ ،‬كما أنه على‬
‫العلماء أن يلتفوا حول الصالح من أصحاب القرار من أجل تحقيق أكبر قدر‬
‫ممكن للمصالح‪ ،‬وتقليل ما يمكن من المفاسد‪ ،‬كما أن عمر بن عبد العزيز‬
‫لم يختصر في شوراه على هؤلء فحسب‪ ،‬بل كان يستشير غيرهم من علماء‬
‫المدينة‪ ،‬كسعيد بن المسّيب‪ ،‬والزهري‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وكان ل يقضي في قضاء‬
‫حتى يسأل "سعيد"‪ ،‬وفي المدينة أظهر عمر عبد العزيز إجلله للعلماء‬
‫وإكباره لهم‪ ،‬وقد حدث أن أرسل ‪-‬رحمه الله تعالى‪ -‬رسول ً إلى سعيد بن‬
‫المسّيب يسأله عن مسألة‪ ،‬وكان سعيد ل يأتي أميرًا‪ ،‬ول خليفة‪ ،‬فأخطأ‬
‫الرسول فقال له‪ :‬المير يدعوك‪ ،‬فأخذ سعيد نعليه وقام إليه في وقته‪ ،‬فلما‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رآه عمر قال له‪ :‬عزمت عليك يا أبا محمد إل رجعت إلى مجلسك حتى‬
‫يسألك رسولنا عن حاجتنا‪ ،‬فإنا لم نرسله ليدعوك‪ ،‬ولكنه أخطأ‪ ،‬إنما أرسلناه‬
‫ليسألك )‪.(6‬‬
‫سع مسجد رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫المنورة‬ ‫المدينة‬ ‫على‬ ‫وفي إمارته‬
‫وسلم‪ -‬بأمر من الوليد بن عبد الملك‪ ،‬حتى جعله مائتي ذراع في مائتي ذراع‪،‬‬
‫زخرفه بأمر الوليد أيضًا‪ ،‬مع إنه ‪-‬رحمه الله تعالى‪ -‬كان يكره زخرفة‬
‫المساجد)‪ ،(7‬ويتضح من موقف عمر بن عبد العزيز هنا أنه قد يضطر الوالي‬
‫للتجاوب مع قرارات من هو أعلى منه حتى وإن كان غير مقتنع بها إذا قدر‬
‫أن المصلحة في ذلك أكبر من وجوه أخرى‪ .‬وفي إمارته على المدينة في‬
‫سنة ‪91‬هـ حج الخليفة الوليد بن عبد الملك فاستقبله عمر بن عبد العزيز‬
‫أحسن استقبال‪ ،‬وشاهد الوليد بأم عينيه الصلحات العظيمة التي حققها‬
‫عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة )‪.(8‬‬
‫‪ 3‬ـ الحادث المؤسف في ولية عمر‪:‬‬
‫دث عن النبي‬ ‫قال العلماء في السير‪ :‬كان خبيب بن عبد الله بن الزبير قد ح ّ‬
‫ً‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬إذا بلغ بنو أبي العاص)‪ (9‬ثلثين رجل اتخذوا‬
‫ل‪ ،‬ومال الله دول ً )‪ ،(10‬وهو حديث ضعيف‪ ،‬فبعث الوليد بن عبد‬ ‫عباد الله خو ً‬
‫الملك إلى عمر بن عبد العزيز ـ واليه على المدينة ـ يأمره بجلده مائة سوط‪،‬‬
‫وبحبسه‪ ،‬فجلده عمر مائة سوط‪ ،‬وبرد له ماًء في جّرة ثم صبه عليه في‬
‫غداة باردة فكّز)‪ ، (11‬فمات فيها‪ .‬وكان عمر قد أخرجه من السجن حين‬
‫اشتد وجعه‪ ،‬وندم على ما صنع منه وحزن عمر على موت خبيب‪ ،‬فقد روى‬
‫مصعب بن عبد الله عن مصعب بن عثمان أنهم نقلوا خبيبا ً إلى دار عمر بن‬
‫مصعب بن الزبير ببقيع الزبير‪ ،‬واجتمعوا عنده حتى مات‪ ،‬فبينما هم جلوس‪،‬‬
‫جى بثوبه‪ .‬وكان الماجشون‬ ‫إذ جاءهم الماجشون يستأذن عليهم وخبيب مس ّ‬
‫مع عمر بن عبد العزيز في وليته على المدينة‪ .‬فقال عبد الله بن عروة‪:‬‬
‫ائذنوا له‪ .‬فلما دخل قال‪ :‬كأن صاحبكم في مرية من موته اكشفوا له عنه‪،‬‬
‫فكشفوا عنه‪ ،‬فلما رآه الماجشون انصرف‪ .‬قال الماجشون‪ :‬فانتهيت إلى دار‬
‫مروان‪ ،‬فقرعت الباب ودخلت فوجدت عمر كالمرأة الماخض قائما ً وقاعدا ً‬
‫فقال لي‪ :‬ما وراءك فقلت‪ :‬مات الرجل‪ .‬فسقط على الرض فزعا ً ثم رفع‬
‫رأسه يسترجع فلم يزل يعرف فيه حتى مات‪ .‬واستعفى من المدينة‪ ،‬وامتنع‬
‫من الولية‪ .‬وكان كلما قيل له‪ :‬إنك قد صنعت كذا فأبشر فيقول‪ :‬كيف‬
‫بخبيب)‪ ،(12‬ولم يذكرها ويتصورها أمام عينه حتى مات )‪ ،(13‬ومن الدلة‬
‫على صلح عمر بن عبد العزيز وقت وليته على المدينة غير ما ذكر‪ :‬ما رواه‬
‫أبو عمر مولى أسماء بنت أبي بكر قال‪ :‬فأتيته في مجلسه الذي يصلي فيه‬
‫دث ابن أبي‬ ‫الفجر والمصحف في حجره‪ ،‬ودموعه تسيل على لحيته)‪ ،(14‬وح ّ‬
‫الزناد عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة إذا أراد‬
‫أن يجود بالشيء قال‪ :‬ابتغوا أهل بيت بهم حاجة)‪.(15‬‬
‫‪ 4‬ـ عظة مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز له‪:‬‬
‫حبس عمر رجل ً بالمدينة‪ ،‬وجاوز عمر في حبسه القدر الذي يستحقه فكلمه‬
‫مزاحم في إطلقه‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬ما أنا بمخرجه حتى أبلغ في الحيطة عليه‬
‫بما هو أكثر مما مّر‪ ،‬فقال‪ :‬مزاحم‪ :‬مغضبًا‪ .‬يا عمر بن عبد العزيز‪ ،‬إني‬
‫أحذرك ليلة تمخض بالقيامة‪ ،‬وفي صبيحتها تقوم الساعة يا عمر‪ :‬ولقد كدت‬
‫أنسى أسمك مما اسمع‪ :‬قال المير قال المير‪ .‬قال المير‪ ،‬قال عمر‪ :‬إن‬
‫أول من أيقظني لهذا الشأن مزاحم‪ ،‬فوالله ما هو إل أن قال ذلك‪ ،‬فكأنما‬
‫كشف عن وجهي غطاء)‪ .(16‬وهذه القصة تبين لنا أهمية الصديق الصالح‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كرك بالله حين الغفلة‪.‬‬‫المخلص الذي يذ ّ‬


‫جاج في خلفة الوليد‪:‬‬
‫‪ 5‬ـ بين عمر بن عبد العزيز والح ّ‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ذكر ابن الجوزي أن عمر بن عبد العزيز قد استعفى من المدينة كما مّر‬
‫زل عنها‪ ،‬ففي سنة ‪92‬هـ عقد الخليفة الوليد‬ ‫ذكره‪ ،‬ولكن ذكر غيره أنه عُ ِ‬
‫لواء الحج للحجاج بن يوسف الثقفي ليكون أميرا ً على الحج‪ ،‬ولما علم عمر‬
‫بن عبد العزيز بذلك‪ ،‬كتب رحمه الله تعالى إلى الخليفة يستعفيه أن يمّر عليه‬
‫جاج‪ ،‬ول‬
‫الحجاج بالمدينة المنورة؛ لن عمر بن عبد العزيز كان يكره الح ّ‬
‫يطيق أن يراه‪ ،‬لما هو عليه من الظلم‪ ،‬فامتثل الوليد لرغبة عمر‪ ،‬وكتب إلى‬
‫ي يستعفيني من ممرك عليه‪ ،‬فل‬ ‫جاج‪ :‬إن عمر بن عبد العزيز كتب إل ّ‬ ‫الح ّ‬
‫ح عن المدينة )‪ ،(17‬وقد كتب عمر بن عبد‬ ‫ّ‬
‫عليك أل تمر بمن كرهك فتن ّ‬
‫ل على المدينة إلى الوليد بن عبد الملك يخبره عما وصل إليه‬ ‫العزيز وهو وا ٍ‬
‫جاج وغشمه‪ ،‬مما‬ ‫حال العراق من الظلم والضيم والضيق بسبب ظلم الح ّ‬
‫ً‬
‫جاج يحاول النتقام من عمر لسيما وقد أصبح الحجاز ملذا للفارين‬ ‫جعل الح ّ‬
‫جاج إلى الوليد‪ :‬إن من قبلي من‬ ‫من عسف الحجاج وظلمه؛ إذ كتب الح ّ‬
‫مراق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق‪ ،‬ولجؤوا إلى المدينة‬
‫ومكة‪ ،‬وإن ذلك وهن‪ .‬فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حبان‪ ،‬وخالد بن عبد‬
‫الله القسري‪ ،‬وعزل عمر عبد العزيز )‪ .(18‬وقد كان ميل الوليد لسياسة‬
‫جاج واضحًا‪ ،‬وكان يظن بأن سياسة الشدة والعسف هي السبيل الوحيد‬ ‫الح ّ‬
‫لتوطيد أركان الدولة‪ ،‬وهذا ما حال بينه وبين الخذ بآراء عمر بن عبد العزيز‬
‫ونصائحه‪ ،‬وقد أثبتت الحداث فيما بعد أن ما كان يراه عمر أفضل مما كان‬
‫يسير عليه الوليد‪ ،‬وذلك بعد تولي عمر الخلفة وتطبيقه لما كان يشير به)‬
‫‪.(19‬‬
‫‪ 6‬ـ عودة عمر بن عبد العزيز إلى دمشق‪:‬‬
‫خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة المنورة‪ ،‬وهو يبكي ومعه خادمه مزاحم‪،‬‬
‫فالتفت إلى مزاحم وقال‪ :‬يا مزاحم‪ ،‬نخشى أن نكون من نفت المدينة )‪،(20‬‬
‫يشير بذلك إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أل وإن المدينة‬
‫كالكير يخرج الخبث‪ ،‬ل تقوم الساعة حتى تفني المدينة شرارها‪ ،‬كما ينفي‬
‫الكير خبث الحديد)‪ . (21‬وقال مزاحم‪ :‬ولما خرج عمر بن عبد العزيز من‬
‫المدينة نظرت فإذا القمر في الدبران )‪ (22‬ـ كأنه تشاءم من ذلك ـ فقال‪:‬‬
‫فكرهت أن أقول ذلك له فقلت‪ :‬أل تنظر إلى القمر ما أحسن استواءه في‬
‫هذه الليلة! فنظر عمر فإذا هو بالدبران فقال‪ :‬كأنك أردت أن تعلمني أن‬
‫القمر بالدبران‪ .‬يا مزاحم‪ :‬إنا ل نخرج بشمس ول بقمر‪ ،‬ولكن نخرج بالله‬
‫الواحد القهار)‪ ، (23‬وسار عمر حتى وصل السويداء‪ ،‬وكان له فيها بيت‬
‫ومزرعة‪ ،‬فنزل فيها فأقام مدة يرقب الوضاع عن بعد‪ ،‬ثم رأى أن مصلحة‬
‫المسلمين تقتضي أن تكون إقامته في دمشق‪ ،‬بجوار الخليفة‪ ،‬لعله بذلك‬
‫يستطيع أن يمنع ظلمًا‪ ،‬أو يشارك في إحقاق حق‪ ،‬فانتقل إلى دمشق فأقام‬
‫بها)‪ ،(24‬ولم يكن عمر بن عبد العزيز على وفاق تام مع الخليفة الوليد بن‬
‫عبد الملك‪ ،‬ولذلك فإن إقامته في دمشق بجوار الوليد لم تخل من مشاكل‪،‬‬
‫فالوليد يعتمد في تثبيت حكمه على ولة أقوياء قساة يهمهم إخضاع الناس‬
‫بالقوة‪ ،‬وإن رافق ذلك كثير من الظلم‪ ،‬بينما يرى عمر أن إقامة العدل بين‬
‫الناس كفيل باستقرار الملك وائتمارهم بأمر السلطان‪ ،‬فكان رحمه الله‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جاج ـ في‬
‫جاج بالعراق‪ ،‬ومحمد بن يوسف ـ أخ الح ّ‬
‫يقول‪ :‬الوليد بالشام والح ّ‬
‫اليمن‪ ،‬وعثمان بن حيان بالحجاز‪ ،‬وقرة بن شريك في مصر‪ ..،‬امتلت والله‬
‫الرض جورًا)‪.(25‬‬
‫‪ 7‬ـ نصح عمر للوليد بالحد من صلحيات عماله في القتل‪:‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫سلك عمر بن عبد العزيز بعض الطرق والوسائل لصلح هذا الوضع‪ ،‬فمن‬
‫ذلك نصحه للوليد بالحد من صلحيات عماله في القتل‪ ،‬وقد نجح في بادي‬
‫ل من القتل إل بعد علم الخليفة وموافقته‬ ‫المر في استصدار قرار يمنع أي وا ٍ‬
‫على ذلك‪ ،‬فيذكر ابن عبد الحكم أن عمر بن عبد العزيز دخل على الوليد بن‬
‫عبد الملك‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إن عندي نصيحة‪ ،‬فإذا خل لك عقلك‪،‬‬
‫واجتمع فهمك فسْلني عنها‪ ،‬قال‪ :‬ما يمنعك منها الن؟ قال‪ :‬أنت أعلم‪ ،‬إذا‬
‫اجتمع لك ما أقول فإنك أحق أن تفهم‪ ،‬فمكث أياما ً ثم قال‪ :‬يا غلم من‬
‫بالباب؟ فقيل له ناس وفيهم عمر بن عبد العزيز‪ ،‬فقال‪ :‬أدخله‪ ،‬فدخل عليه‬
‫فقال‪ :‬نصيحتك يا أبا حفص فقال عمر‪ :‬إنه ليس بعد الشرك إثم أعظم عند‬
‫الله من الدم‪ ،‬وإن عمالك يقتلون‪ ،‬ويكتبون‪ :‬إن ذنب فلن المقتول كذا وكذا‪،‬‬
‫وأنت المسؤول عنه والمأخوذ به‪ ،‬فاكتب إليهم أل يقتل أحد منهم أحدا ً حتى‬
‫يكتب بذنبه ثم يشهد عليه‪ ،‬ثم تأمر بأمرك على أمر قد وضح لك‪ .‬فقال‪ :‬بارك‬
‫ي بكتاب‪ ،‬فكتب إلى أمراء المصار‬ ‫الله فيك يا أبا حفص ومنع فقدك‪ .‬عل ّ‬
‫جاج فإنه أمضه‪ ،‬وشق عليه وأقلقه‪ .‬وظن أنه‬ ‫كلهم فلم يحرج من ذلك إل الح ّ‬
‫لم يكتب إلى أحد غيره‪ ،‬فبحث عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬من أين ذهبنا؟ أو من أشار‬
‫على أمير المؤمنين بهذا؟ فُأخبر أن عمر بن عبد العزيز هو الذي فعل ذلك‬
‫جاج أرسل إلى أعرابي‬ ‫فقال‪ :‬هيهات إن كان عمر فل نقض لمره‪ .‬ثم إن الح ّ‬
‫جاج ما تقول‬ ‫ف من بكر بن وائل‪ ،‬ثم قال له الح ّ‬ ‫حروري ـ من الخوارج ـ جا ٍ‬
‫في معاوية؟ فنال منه‪ .‬قال‪ :‬ما تقول في يزيد؟ فسّبه‪ .‬قال‪ :‬فما تقول في‬
‫جوَُرهم حين ولك‬ ‫عبد الملك؟ فظلمه‪ .‬قال‪ :‬فما تقول في الوليد؟ فقال‪ :‬أ ْ‬
‫جاج وافترصها منه )‪ ،(26‬ثم بعث به‬ ‫وهو يعلم عداءك وظلمك‪ .‬فسكت الح ّ‬
‫إلى الوليد وكتب إليه‪ :‬أنا أحوط لديني‪ ،‬وأرعى لما استرعيتني‪ ،‬وأحفظ له من‬
‫أن أقتل أحدا ً لم يستوجب ذلك‪ ،‬وقد بعثت إليك ببعض من كنت أقتل على‬
‫هذا الرأي فشأنك وإياه‪ .‬فدخل الحروري على الوليد وعنده أشراف أهل‬
‫ي؟ قال ظالم جّبار‪ .‬قال‪ :‬ما‬ ‫الشام وعمر فيهم‪ ،‬فقال له الوليد‪ :‬ما تقول ف ّ‬
‫ت‪ .‬قال فما تقول في معاوية؟ قال‪:‬‬ ‫تقول في عبد الملك؟ قال‪ :‬جّبار عا ٍ‬
‫ظالم‪ .‬قال الوليد لبن الريان‪ :‬اضرب عنقه فضرب عنقه‪ ،‬ثم قام فدخل‬
‫ي عمر‪ ،‬فرّده عليه‬ ‫منزله وخرج الناس من عنده فقال‪ :‬يا غلم‪ ،‬أردد ْ عل ّ‬
‫فقال‪ :‬يا أبا حفص ما تقول بهذا؟ أصبنا أم أخطأنا؟ فقال عمر‪ :‬ما أصبت‬
‫بقتله‪ ،‬ولغير ذلك كان أرشد وأصوب‪ ،‬كنت تسجنه حتى يراجع الله ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫أو تدركه منيته‪ ،‬فقال الوليد شتمني وشتم عبد الملك وهو حروري أفتستحل‬
‫ذلك؟ قال‪ :‬لعمري ما أستحله‪ ،‬لو كنت سجنته إن بدا لك أو تعفو عنه‪ ،‬فقام‬
‫الوليد مغضبًا‪ ،‬فقال ابن الريان لعمر‪ :‬يغفر الله لك يا أبا حفص‪ ،‬لقد راددت‬
‫أمير المؤمنين حتى ظننت أنه سيأمرني بضرب عنقك )‪ ،(27‬وهكذا احتار‬
‫جاج‬‫جاج على الوليد ليصرفه على الخذ برأي عمر في الحد من سرف الح ّ‬ ‫الح ّ‬
‫وأمثاله في القتل)‪. (28‬‬
‫‪ 8‬ـ رأي عمر بن عبد العزيز في التعامل مع الخوارج‪:‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فبالضافة إلى الموقف الذي مّر ذكره آنفا ً ـ في شأن الحروري الذي بعث به‬
‫ضح الموقف نفسه‪ ،‬فعن ابن شهاب أن عمر بن‬ ‫جاج ـ وردت روايات تو ّ‬ ‫الح ّ‬
‫ً‬
‫عبد العزيز أخبره أن الوليد أرسل إليه بالظهيرة‪ ،‬فوجده قاطبا بين عينيه‪،‬‬
‫قال‪ :‬فجلست وليس عنده إل ابن الريان‪ ،‬قائم بسيفه‪ ،‬فقال‪ :‬ما تقول فيمن‬
‫يسب الخلفاء؟ أترى أن يقتل؟ فسكت‪ ،‬فانتهرني‪ ،‬وقال‪ :‬مالك؟ فسكت‪،‬‬
‫ل يا أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكنه سب الخلفاء قلت‪:‬‬ ‫فعاد لمثلها‪ ،‬فقلت‪ :‬أقت َ َ‬
‫كل‪ ،‬فرفع رأسه إلى ابن الريان‪ ،‬فقال الوليد‪ :‬إنه فيهم لتائه‪.‬‬ ‫فإني أرى أن ين ّ‬
‫صحه الوليد عندما أراد خلع سليمان والبيعة لبنه‬ ‫‪9‬ـن ْ‬
‫ومن آخر مواقفه التي ذكرت لعمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد‬
‫الملك نصحه للوليد عندما أراد خلع سليمان والبيعة لبنه عبد العزيز من بعده‪،‬‬
‫فوقف عمر من ذلك موقفا ً حازمًا؛ إذ لم يستجب لمر الوليد في ذلك‪ ،‬وقال‬
‫حين أراده على ذلك‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إنما بايعنا لكما في عقدة واحدة‪،‬‬
‫فكيف نخلعه ونتركك‪ :‬فغضب الوليد على عمر‪ ،‬وحاول استخدام الشدة معه‬
‫لعله يوافقه على ما أراد‪ ،‬فيذكر أنه أغلق عليه الدار وطّين عليه الباب حتى‬
‫تدخلت أم البنين أخته وزوجة الوليد ففتح عنه بعد ثلث‪ ،‬وقد ذبل ومالت‬
‫عنقه)‪.(29‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ -1‬أثر الحياة السياسية صـ ‪.159‬‬
‫‪ -2‬الثار الواردة في عمر بن عبد العزيز )‪.(1/93‬‬
‫‪ -3‬السياسة القتصادية والمالية لعمر بن عبد العزيز بشير كمال عابدين صـ‬
‫‪.10‬‬
‫‪ -4‬فقه عمر بن عبد العزيز )‪ ،(1/63‬سيرة عمر بن عبد العزيز لبن الجوزي‬
‫صـ ‪ 41‬ـ ‪.42‬‬
‫‪ -5‬الطبقات )‪ (5/257‬موسوعة فقه عمر‪ ،‬قلعجي صـ ‪.548‬‬
‫‪ -6‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي )‪.(562 ، 1/561‬‬
‫‪ -7‬نظام الحكم في السلم بين النظرية والتطبيق صـ ‪.391‬‬
‫‪ -8‬سيرة عمر بن عبد العزيز ومناقبه صـ ‪ 23‬لبن عبد الحكم‪.‬‬
‫‪ -9‬تفسير القرطبي )‪ (12/267‬موسوعة فقه عمر بن عبد العزيز صـ ‪.20‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫‪ -10‬موسوعة فقه عمر بن عبد العزيز صـ ‪.20‬‬


‫‪ -11‬أبي العاص‪ :‬أي بنو العاص بني أمية الجد الثالث لكل من الوليد وعمر‬
‫بن عبد العزيز‪.‬‬
‫‪ -12‬الحديث رواه البيهقي في دلئل النبوة )‪ ،(6/507‬عن أبي سعيد وأبي‬
‫هريرة قال ابن كثير رحمه الله بعد ذكر طرق أخرى ورد بها هذا الحديث‪:‬‬
‫وهذه الطرق كلها ضعيفة‪ ،‬انظر البداية والنهاية نقل ً عن الثار الواردة عن‬
‫عمر بن عبد العزيز في العقيدة )‪.(1/98‬‬
‫‪ -13‬كّز الرجل‪ :‬فهو مكزوز أصابه داء الكزاز‪ ،‬وهو يبس وانقباض من البرد‪.‬‬
‫‪ -14‬سيرة عمر بن عبد العزيز لبن الجوزي صـ ‪.44 ،43‬‬
‫‪ -15‬المصدر نفسه صـ ‪.42‬‬
‫‪ -16‬المصدر نفسه صـ ‪.42‬‬
‫‪ -17‬المصدر نفسه صـ ‪ ،42‬الثار الواردة )‪.(1/66‬‬
‫‪ -18‬سيرة عمر بن عبد العزيز للجوزي صـ ‪.140‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -19‬سيرة عمر بن عبد العزيز ومناقبه‪ ،‬صـ ‪ 24‬لبن الحكم‪.‬‬


‫‪ - 20‬تاريخ الطبري )‪.(7/383‬‬
‫‪ -21‬أثر العلماء في الحياة السياسية صـ ‪.165‬‬
‫‪ -22‬سيرة عمر بن عبد العزيز ومناقبه صـ ‪ 27‬لبن الحكم‪.‬‬
‫‪ -23‬مسلم‪ ،‬ك الحج‪ ،‬باب‪ :‬المدينة تنفي شرارها‪.‬‬
‫‪ -24‬الدبران‪ :‬نجم بين الثريا والجوزاء ويقال له التابع والتويبع وهو من منازل‬
‫القمر سمي دبرانا ً لنه يدبر الثريا أي يتبعها‪.‬‬
‫‪ -25‬سيرة عمر بن عبد العزيز لبن عبد الحكم صـ ‪.27‬‬
‫‪ -26‬البداية والنهاية )‪.(12/683‬‬
‫‪ -27‬سيرة عمر بن عبد العزيز لبن عبد الحكم صـ ‪ ،146‬أثر العلماء في‬
‫الحياة السياسية صـ ‪.162‬‬
‫‪ - 28‬افترصها‪ :‬انتهزها‪.‬‬
‫‪ - 29‬سيرة عمر بن عبد العزيز لبن عبد الحكم صـ ‪ 119‬ـ ‪ 121‬أثر العلماء‬
‫في الحياة السياسية ‪.164‬‬
‫‪ -30‬أثر العلماء في الحياة السياسية صـ ‪.164‬‬
‫‪ -31‬سير أعلم النبلء )‪ (149 ،5/148‬أثر العلماء صـ ‪.167‬‬
‫عمر بن عبد العزيز ومعالم التجديد والصلح )‪(4‬‬
‫د‪ .‬علي محمد الصلبي ‪24/12/1426‬‬
‫‪24/01/2006‬‬
‫خامسًا‪ :‬عمر في عهد سليمان بن عبد الملك‪:‬‬
‫في عهد سليمان تهيأت الفرص لعمر بن عبد العزيز بقدر كبير فظهرت آثاره‬
‫في مختلف الجوانب‪ ،‬فبمجرد أن تولى سليمان الخلفة قّرب عمر بن عبد‬
‫العزيز‪ ،‬وأفسح له المجال واسعا ً حيث قال‪ :‬يا أبا حفص‪ ،‬إنا ولينا ما قد ترى‪،‬‬
‫مر به)‪ (1‬وجعله وزيرا ً‬ ‫ولم يكن بتدبيره علم‪ ،‬فما رأيت من مصلحة العامة ف ُ‬
‫ومستشارا ً ملزما ً له في إقامته أو سفره‪ ،‬وكان سليمان يرى أنه محتاج له‬
‫في كل صغيرة وكبيرة‪ ،‬فكان يقول‪ :‬ما هو إل أن يغيب عني هذا الرجل فما‬
‫أجد أحدا ً يفقه عني )‪ .(2‬وفي موضع آخر قال‪ :‬يا أبا حفص‪ ،‬ما اغتممت بأمر‬
‫ول أكربني أمر إل خطرت فيه على بالي )‪.(3‬‬
‫‪ 1‬ـ أسباب تقريب سليمان لعمر‪:‬‬
‫والذي دفع سليمان إلى إفساح المجال أمام عمر بهذه الصورة يعود في‬
‫نظري إلى عدة أسباب منها‪:‬‬
‫أ ـ شخصية سليمان بن عبد الملك‪ :‬إذ لم يكن مثل أخيه الوليد معجبا ً بنفسه‬
‫معتدا ً برأيه وواقعا ً تحت تأثير بعض ولته‪ ،‬بل كان سليمان على العكس من‬
‫ذلك غير معتد برأيه خاليا ً من التأثيرات الخرى عليه‪.‬‬
‫ب ـ قناعة سليمان بما يتمتع به عمر من نظرات وآراء صائبة‪.‬‬
‫جـ ـ موقف عمر من محاولة الوليد لخلع سليمان مما جعل سليمان يشكر‬
‫ذلك لعمر‪ ،‬وقد أشار لهذا الذهبي؛ إذ قال بعد عرضه لموقف عمر‪ :‬فلذلك‬
‫شكر سليمان عمر وأعطاه الخلفة بعده )‪.(4‬‬
‫‪ 2‬ـ تأثير عمر على سليمان في إصدار قرارات إصلحية‪:‬‬
‫فقد كان لعمر أثر كبير على سليمان في إصدار عدد من القرارات النافعة‬
‫جاج‪ ،‬وبعض الولة الخرين‪ ،‬كوالي مكة‪ ،‬خالد‬ ‫ومن أهمها‪ :‬عزل ولة الح ّ‬
‫القسري ووالي المدينة عثمان بن حيان ‪ ،114‬ومنها المر بإقامة الصلة في‬
‫وقتها‪ ،‬فأورد ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز‪ :‬أن الوليد بن عبد الملك‬
‫كان يؤخر الظهر والعصر‪ ،‬فلما ولي سليمان كتب إلى الناس ـ عن رأي عمر‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ـ أن الصلة كانت قد ُأميتت فأحيوها )‪ .(5‬وهناك أمور أخرى أجملها الذهبي‬


‫بقوله‪ :‬مع أمور جليلة كان يسمع من عمر فيها )‪.(6‬‬
‫‪ 3‬ـ إنكاره على سليمان بن عبد الملك في تحكيمه كتاب أبيه‪:‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫كّلم عمر بن عبد العزيز سليمان بن عبد الملك في ميراث بعض بنات عبد‬
‫العزيز من بني عبد الملك‪ ،‬فقال له سليمان بن عبد الملك‪ :‬إن عبد الملك‬
‫كتب في ذلك كتابا ً منعهن ذلك‪ ،‬فتركه يسيرا ً ثم راجعه فظن سليمان أنه‬
‫اتهمه فيما ذكر من رأي عبد الملك في ذلك المر فقال سليمان لغلمه‪ :‬ائتني‬
‫ت يا أمير المؤمنين؟ فقال‬ ‫بكتاب عبد الملك‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬أبا لمصحف دعو َ‬
‫أيوب بن سليمان‪ :‬ليوشكن أحدكم أن يتكلم الكلم ُتضرب فيه عنقه‪ ،‬فقال له‬
‫عمر‪ :‬إذا أفضى المر إليك فالذي دخل على المسلمين أعظم مما تذكر‪،‬‬
‫فزجر سليمان أيوب‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إن كان جهل فما حلمنا عنه)‪ . (7‬فهذا‬
‫موقف من مواقف الجرأة في قول الحق الذي ُيحمد لعمر حيث اعتبر‬
‫سليمان بن عبد الملك كتابة أبيه شرعا ً ل يمكن تغييره‪ ،‬فنبهه عمر إلى أن‬
‫الكتاب الذي ل ُينقض ول ُيغّير هو كتاب الله تعالى وحده‪ ،‬وهكذا يصل‬
‫الطغيان بضحاياه إلى تعظيم شأن الباء والجداد الذين وّرثوا ذلك المجد‬
‫الزائل لبنائهم إلى الحد الذي يعتبرون فيه قضاءهم شرعا ً نافذا ً من غير نظر‬
‫خ ولده‬ ‫في موافقته لحكم السلم أو مخالفته‪ ،‬وموقف يذكر لسليمان حيث وب ّ‬
‫الذي هدد عمر أن قال كلمة الحق‪ ،‬وهذا يدل على ما يتصف به سليمان من‬
‫سرعة الرجوع إلى الحق إذا تبين له)‪. (8‬‬
‫‪ 4‬ـ إنكاره على سليمان بن عبد الملك في النفاق‪:‬‬
‫ً‬
‫قدم سليمان بن عبد الملك المدينة فأعطى بها مال ً عظيما‪ ،‬فقال لعمر بن‬
‫عبد العزيز‪ :‬كيف رأيت ما فعلنا يا أبا حفص؟ قال‪ :‬رأيتك زدت أهل الغنى‬
‫غنى وتركت أهل الفقر بفقرهم )‪ .(9‬فهذا تقويم جيد من عمر بن عبد العزيز‬
‫لعمل سليمان بن عبد الملك‪ ،‬فقد كان سليمان لجهله بدقائق أحكام الشريعة‬
‫في مجال النفاق ـ يظن أنه بإنفاقه ذلك المال الكثير على الرعية قد عمل‬
‫صالحًا‪ ،‬فأفاده عمر بن عبد العزيز بأنه قد أخطأ حينما صرف ذلك المال لغير‬
‫مستحقيه‪ ،‬وحرم منه أهله )‪ ،(10‬فقد بين عمر رحمه الله أهمية التفريق بين‬
‫بذل الخير وصرفه لمستحقيه‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ حث عمر سليمان على رد المظالم‪:‬‬
‫خرج سليمان ومعه عمر إلى البوادي‪ ،‬فأصابه سحاب فيه برق وصواعق‪،‬‬
‫ففزع منه سليمان ومن معه‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إنما هذا صوت نعمة فكيف لو‬
‫سمعت صوت عذاب؟ فقال سليمان‪ :‬خذ هذه المائة ألف درهم وتصدق بها‪،‬‬
‫فقال عمر‪ :‬أو خير من ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬قوم‬
‫صحبوك في مظالم لم يصلوا إليك‪ ،‬فجلس سليمان فرد المظالم)‪، (11‬‬
‫ويظهر عند عمر وضوح فقه ترتيب الولويات فرد المظالم مقدم على بذل‬
‫الصدقات‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ أرى دنيا يأكل بعضها بعضا‪ً:‬‬
‫أقبل سليمان بن عبد الملك وهو أمير المؤمنين‪ ،‬ومعه عمر بن عبد العزيز‬
‫على معسكر سليمان‪ ،‬وفيه تلك الخيول والجمال والبغال والثقال والرجال‪،‬‬
‫فقال سليمان‪ :‬ما تقول يا عمر في هذا؟ قال‪ :‬أرى دنيا يأكل بعضها بعضًا‪،‬‬
‫وأنت المسؤول عن ذلك كله‪ .‬فلما اقتربوا من المعسكر‪ ،‬إذا غراب قد أخذ‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقمة في فيه من فسطاط سليمان وهو طائر بها ونعب نعبة )‪ ،(12‬فقال له‬
‫سليمان‪ :‬ما تقول في هذا يا عمر؟ فقال‪ :‬ل أدري‪ .‬فقال‪ :‬ما ظنك أنه يقول؟‬
‫قال‪ :‬كأنه يقول‪ :‬من أين جاءت؟ وأين ُيذهب بها؟ فقال له سليمان‪ :‬ما‬
‫أعجبك؟ فقال عمر‪ :‬أعجب مني من عرف الله فعصاه‪ ،‬ومن عرف الشيطان‬
‫فأطاعه )‪.(13‬‬
‫‪ 7‬ـ هم خصماؤك يوم القيامة‪:‬‬
‫لما وقف سليمان وعمر بعرفة جعل سليمان يعجب من كثرة الناس‪ ،‬فقال له‬
‫عمر‪ :‬هؤلء رعي ُّتك اليوم‪ ،،‬وأنت مسؤول عنهم غدا ً وفي رواية‪ :‬وهم‬
‫خصماؤك يوم القيامة‪ ،‬فبكى سليمان وقال‪ :‬بالله أستعين )‪.(14‬‬
‫‪ 8‬ـ زيد بن الحسن بن علي مع سليمان‪:‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫كان زيد بن الحسن بن علي قد أجاب الوليد بن عبد الملك في مسألة خلع‬
‫سليمان خوفا ً من الوليد‪ ،‬وكتب بموافقته من المدينة إلى الوليد‪ ،‬فلما‬
‫استخلف سليمان وجد الكتاب‪ ،‬فبعث إلى واليه على المدينة‪ ،‬أن يسأل زيدا ً‬
‫عن أمر الكتاب‪ ،‬فإن هو اعترف به فليبعث بذلك إليه‪ ،‬وإن أنكر عليه اليمين‬
‫أمام منبر رسول الله‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فلما بعث باعترافه إلى سليمان‬
‫كتب سليمان إلى والي المدينة أن يضربه مائة سوط ويمشيه حافيًا‪ ..‬فحبس‬
‫عمر الرسول وقال‪ :‬ل تخرج حتى أكلم أمير المؤمنين‪ ،‬فيما كتب في زيد بن‬
‫حسن بن علي أطيب نفسه فيترك هذا الكتاب‪ .‬فجلس الرسول‪ ،‬فمرض‬
‫سليمان‪ ،‬فقال للرسول‪ :‬ل تخرج‪ ،‬فإن أمير المؤمنين مريض‪ ،‬فلما توفي‬
‫سليمان‪ ،‬وأفضى المر إلى عمر دعا بالكتاب ومزقه )‪ .(15‬وظل عمر بن‬
‫عبد العزيز قريبا ً من سليمان طيلة مدة خلفته يحوطه بنصحه ويشاركه‬
‫مسؤولياته )‪ ،(16‬ويرى الدكتور يوسف العش أن سياسة عمر بن عبد العزيز‬
‫ومنطلقاتها بدأت منذ بداية خلفة سليمان‪ ،‬نعم إن سليمان كان يشتط حينا ً‬
‫في سياسته‪ ،‬فيتخذ تدابير لعل عمر ل يقرها‪ ،‬لكن عمر بن عبد العزيز كان‬
‫على الرغم من ذلك راجح القوة في خلفته وسياسة عمر لم تتغير‪ ،‬فهو في‬
‫دمشق مثله في المدينة‪ ،‬على أنه في دمشق يستطيع أن يفعل أكثر من‬
‫المدينة‪ ،‬والمر المهم عنده هو منع الجور )‪ ،(17‬والظلم والعسف‪ ،‬ونلحظ‬
‫أن عمر بن عبد العزيز تعامل مع سنة التدرج وفقه المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر في رد المظالم ومنعها‪ ،‬وعندما وصل للخلفة ازداد في إحقاق‬
‫العدل ومحاربة الظلم؛ لن الصلحيات المتاحة كانت أكبر‪ ،‬فهو نصح عمه عبد‬
‫كره بالخرة مع جبروته وظلمه‪ ،‬ولم يتقاعس في عهد ابن عمه‬ ‫الملك‪ ،‬وذ ّ‬
‫ُ‬
‫الوليد‪ ،‬وتقدم خطوات‪ ،‬ووُّفق حسب المكان في عهد سليمان‪ ،‬وأتيحت له‬
‫الفرصة في خلفته‪ ،‬وبالتالي ل نقول‪ :‬إن ما حدث لعمر على مستواه‬
‫الشخصي انقلب‪ ،‬وإنما النقلب في توظيف الدولة لخدمة الشريعة في كافة‬
‫شؤون الحياة‪ ،‬ولو كان على حساب العائلة الحاكمة‪ ،‬التي كانت لها‬
‫دها عمر بن عبد العزيز حقوقا ً للمة يجب‬ ‫مخصصاتها وصلحياتها‪ ،‬والتي ع ّ‬
‫ردها إلى بيت المال أو إلى أصحابها الصليين‪.‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ .1‬سير أعلم النبلء نقل عن أثر العلماء صـ ‪.168‬‬
‫‪ .2‬المعرفة والتاريخ للفسوي )‪.(1/598‬‬
‫‪ .3‬سيرة عمر بن عبد العزيز صـ ‪ 28‬لبن عبد الحكم‪ ،‬أثر العلماء صـ ‪.168‬‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .4‬سير أعلم النبلء )‪.(5/149‬‬


‫‪ .5‬أثر العلماء على الحياة السياسية صـ ‪.169‬‬
‫‪ .6‬تاريخ دمشق نقل ً عن أثر العلماء على الحياة السياسية صـ ‪.170‬‬
‫‪ .7‬سير أعلم النبلء )‪.(5/125‬‬
‫‪ .8‬سيرة عمر بن عبد العزيز لبن عبد الحكم صـ ‪.31‬‬
‫‪ .9‬التاريخ السلمي )‪.(31، 15/30‬‬
‫‪ .10‬سيرة عمر بن عبد العزيز لبن الحكم صـ ‪.131‬‬
‫‪ .11‬التاريخ السلمي )‪.(15/29‬‬
‫‪ .12‬سيرة عمر بن عبد العزيز صـ ‪ ،33‬أثر العلماء في الحياة السياسية صـ‬
‫‪.170‬‬
‫‪ .13‬نعب الغراب ‪ :‬صوت أو مد عنقه وحرك رأسه في صياحه‪.‬‬
‫‪ .14‬البداية والنهاية )‪.(12/685‬‬
‫‪ .15‬المصدر نفسه )‪.(12/685‬‬
‫‪ .16‬سيرة عمر بن عبد العزيز لبن عبد الحكم صـ ‪.104‬‬
‫‪ .17‬أثر العلماء في الحياة السياسية صـ ‪.173‬‬
‫‪ .18‬الدولة الموية ‪ ،‬يوسف العشي صـ ‪.254‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫عمر ورب عمر‬


‫الحمد لله ‪ ،‬كان على كل شيء حسيبا ‪ ،‬وكان الله على كل شيء رقيبا ‪ ،‬إن‬
‫الله كان بما تعملون خبيرا ‪ .‬أحمده سبحانه وأشكره ‪ ،‬وأتوب إليه وأستغفره‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬سميع بصير ‪ ،‬عليم خبير ‪ ،‬قوي‬
‫قدير ‪ ،‬علي كبير ‪ ،‬وكان الله بما تعملون بصيرا‬
‫‪.‬‬
‫قصة عجيبة ‪ ،‬تفاصيلها غريبة ‪ ،‬سطرتها كتب السير ‪ ،‬وصورتها عدسات‬
‫المؤرخين ‪ ،‬أنقلها لكم في بث غير مباشر ‪ ،‬من المدينة النبوية الشريفة ‪ ،‬في‬
‫تسجيل حي لثمرة جهاد حبيبنا وقرة أعيننا محمد بن عبدالله صلى الله عليه‬
‫وسلم في الدعوة إلى الله ‪ ،‬وإنقاذ من أطاعه من عذاب الله ‪ ،‬وتهذيب‬
‫نفوسهم ‪ ،‬وتزكيتها ‪ ،‬وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين ‪.‬‬
‫تلك الثمرة أينعت نفوسا تقية ‪ ،‬تسعى إلى العليا بكل ثبات ‪ ،‬تضحي بالدنيا‬
‫كلها لتنال مرادها رضوانا من الله ‪ ،‬وجنة عالية ‪ ،‬قطوفها دانية ‪.‬‬
‫ولهذا ‪ ،‬ومن أجل يقينها التام بل إله إل الله منهجا للحياة ‪ ،‬طبقت تلك الكلمة‬
‫تطبيقا ول أروع ‪ ،‬فغدت حياتها كلها لله ‪ ،‬كما أمرت بأمر نبيها ‪ :‬قل إن صلتي‬
‫ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ل شريك له ‪ .‬فكانت تلك النفوس‬
‫مسلمة حقا ‪ ،‬منقادة صدقا ‪ ،‬فجعلت دنياها الدنية مطية للخرة ‪ ،‬تنتظر أن‬
‫ينادي المنادي هلموا إلى الجنة التي كنتم توعدون ‪ .‬فصبرت ‪ ،‬وشكرت ‪،‬‬
‫وجاهدت ‪ ،‬وبذلت ‪ ،‬ودعت ‪ ،‬وبالمعروف أمرت وعن المنكر نهت ‪ ،‬وعن كل‬
‫ما يسخط مولها أعرضت ‪ ،‬وعلى كل ما يحبه أقبلت ‪ ،‬وقبل كل ذلك ومعه‬
‫تجردت وأخلصت ‪.‬‬
‫فلننتقل أخي الكريم إلى المدينة النبوية بأفكارنا ‪ ،‬وقلوبنا ‪ ،‬لنشاهد فصول‬
‫تلك القصة القصيرة جدا ‪ ،‬ولكنها مليئة عبرا وتذكيرا ‪.‬‬
‫تعال معي أخي الحبيب نقتبس نورا من سلفنا نهتدي به في ظلمات حياتنا‬
‫إلى الصراط المستقيم ‪ ،‬وننجو به من غياهب الفتن ومضلتها ‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فافتح ستارة قلبك ليدخل إليه ذلك النور ‪ ،‬فتزداد نورا على نور ‪ ،‬ومتع‬
‫ناظريك ‪ ،‬وأطرب سمعك بسير الصالحين ‪ ،‬لتسير مسيرتهم ‪ ،‬وتتبع سبيلهم‬
‫فتلتقي بهم في جنات ونهر ‪ ،‬في مقعد صدق عند مليك مقتدر ‪.‬‬
‫أيها الحبيب ‪ :‬تخيل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قبل أربعة عشر‬
‫قرنا ‪ ،‬وقد أرخى الليل سدوله ‪ ،‬وهجعت العيون ‪ ،‬إل قليل ‪ ،‬فأناس كانوا في‬
‫تلك اليام كثيرا ‪ ،‬وما أقلهم في أيامنا هذه ‪ ،‬كانوا قليل من الليل ما يهجعون ‪،‬‬
‫وبالسحار هم يستغفرون ‪.‬‬
‫إننا نستمع في هجعة الليل أما من ذلك البيت تقول لبنتها ‪ :‬يا ابنتاه قومي‬
‫إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء ‪ ،‬وهي بذلك تريد أن تكثر من اللبن ليكثر‬
‫ثمنه ‪ ،‬لن النتاج ل يكاد يغطي مصاريفهما ‪ ،‬ول يكفي حاجاتهما ‪ ،‬فغلبتها‬
‫نفسها ‪ ،‬ودعتها حاجتها إلى تلك الفعلة المحرمة أصل ‪ ،‬بنص رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم حيث قال ‪ :‬من غش فليس منا ‪ .‬وهي عادة البشرية ‪ ،‬تغفل‬
‫وتنسى ‪ ،‬ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ‪.‬‬
‫بيد أن البنت التي تربت على الصدق ‪ ،‬وغمر قلبها لباس التقوى تجيب أمها‬
‫بكل أدب ‪ ،‬مشعرة إياها أنها قد نسيت ‪ ،‬فهي تذكرها ‪ ،‬والذكرى تنفع‬
‫المؤمنين ‪ .‬قالت البنت ‪ :‬يا أمتاه ‪ ،‬أوما علمت بما كان من عزمة أمير‬
‫المؤمنين اليوم ؟ فقالت الم ‪ :‬وما كان من عزمته يا بنية ؟ قالت ‪ :‬إنه أمر‬
‫مناديه أن ل يشاب اللبن بالماء ‪ .‬فقالت لها ‪ :‬يا بنتاه قومي إلى اللبن‬
‫فامذقيه بالماء ‪ ،‬فإنك بموضع ل يراك عمر ‪ ،‬ول منادي عمر ‪ .‬فقالت الصبية‬
‫التقية ‪ :‬يا أمتاه ‪ ،‬والله ما كنت لطيعه في المل وأعصيه في الخل ‪ .‬وفي‬
‫رواية أخرى ‪ :‬قالت ‪ :‬إن كان عمر ل يرانا فإن رب عمر يرانا ‪.‬‬
‫أيها الحبة ‪ :‬كم في هذه الجملة من عبر ‪ ،‬كم فيها من حقائق ‪ ،‬كم فيها من‬
‫عظة ‪ ،‬لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ‪ ،‬فليتنا نقف عندها ‪،‬‬
‫ونفهم مرادها ‪ ،‬ونعمل بمدلولها ‪ ،‬ما كنت لطيعه في المل ‪ ،‬وأعصيه في‬
‫الخل ‪.‬‬
‫فسل نفسك أخي الحبيب هل تتعامل في حياتك على هذا الساس ؟ هل مل‬
‫قلبك هذا المبدأ العظيم ‪ ،‬وهو يترجم بكل واقعية إيمانية حقيقة أن الله على‬
‫كل شيء حسيب ‪ ،‬وعلى كل شيء رقيب ‪ ،‬وأن الله بكل شيء محيط ‪ ،‬يعلم‬
‫خائنة العين وما تخفي الصدور ‪ ،‬ما يكون من نجوى ثلثة إل هو رابعهم ول‬
‫خمسة إل هو سادسهم ول أدنى من ذلك ول أكثر إل هو معهم أينما كانوا ‪ ،‬ثم‬
‫ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ‪ ،‬إن الله بكل شيء عليم ‪.‬‬
‫بكل صدق ويقين ‪ ،‬بكل أمانة إن كان عمر ل يرانا ‪ ،‬فإن رب عمر يرانا ‪ .‬وضع‬
‫مكان عمر من شئت من المسئولين ‪ ،‬وولة المر وتفقد نفسك ‪ ،‬وحاسبها‬
‫على هذا المبدأ ‪ ،‬وسيتبين لك أنا في كثير من أمورنا ل نتعامل إل مع عمر ‪،‬‬
‫ول نقيم وزنا لرب عمر ‪ .‬وأنا نطيع في المل ونعصي في الخل ‪.‬‬
‫وخذ هذا المثال يوضح لك المقال ‪ ،‬أل ترون أن المعاكسات الهاتفية قد‬
‫اندثرت بعد خدمة كشف الرقم ؟ هل كان المعاكس أو المزعج يتعامل مع‬
‫عمر أم مع رب عمر ؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أل تلحظون أنه متى استتر خلف بطاقة مجهولة رجع إلى ما كان عليه ؟‬
‫فمتى غاب عنه عمر سعى ليفسد ولينتهك المحرمات ‪ ،‬ومتى ظن أنه في‬
‫محيط يراه فيه عمر ‪ ،‬أحجم وكان من الصالحين ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أيها الحبيب ‪ :‬متى تربط حزام المان في سيارتك ؟ ألست تربطه إذا دنوت‬
‫من نقطة التفتيش ‪ ،‬ثم ما تلبث أن تنزعه ؟ فهل تعاملت في ذلك مع عمر‬
‫أم مع رب عمر ؟‬
‫حين تغيب عن الرقيب في الطريق فتقود سيارتك متجاوزا كل حدود السرعة‬
‫‪ ،‬ثم يعطيك قوم مقابلون لك إشارة تنبيك أن هناك رقيبا يترصدك ‪ ،‬فمع من‬
‫تعاملت أنت ‪ ،‬ومن أشار إليك ؟ أكان التعامل منكما مع عمر أم مع رب‬
‫عمر ؟‬
‫ذلك المجرم الذي يهرب المخدرات ‪ ،‬أو المسكرات ‪ ،‬أو السلحة ‪ ،‬متجاوزا‬
‫بها الحدود ‪ ،‬مريدا إهلك المجتمع بسمومه ‪ ،‬أو بأسلحته هل كان رب عمر‬
‫في مخيلته وهو يحاول جاهدا مخادعة الحراس والمفتشين ؟‬
‫ذلك الموظف يسرق وقت دوامه كله ‪ ،‬أو بعضه ‪ ،‬بالعذار الكاذبة ‪ ،‬أو بتأخره‬
‫عن الحضور ‪ ،‬أو بتبكيره بالنصراف ‪ ،‬أترونه يراقب رب عمر أو يراقب‬
‫عمر ؟‬
‫إخوة الدين والعقيدة ‪ :‬إن جل خوفنا من عمر ‪ ،‬وليس من رب عمر ‪ ،‬ومن‬
‫هنا سوغ للكثيرين منا طرق التحايل ‪ ،‬والخداع والغش ‪ ،‬وعدم التنفيذ لما‬
‫ينظمه عمر ‪ ،‬فنطيعه في المل ‪ ،‬ونعصيه في الخل ‪.‬‬
‫ولو كنا نتعامل مع رب عمر لكانت حالنا غير حالنا ‪.‬‬
‫لو تعامل ذلك الشاب مع رب عمر ‪ ،‬لما ركب سيارته ‪ ،‬وعبأها بالمتفجرات‬
‫وبحث عن مدخل لتلك الدارة يريد أن تكون النكاية بالمسلمين أشد وقعا ‪،‬‬
‫وأكثر ألما ‪ ،‬وأوسع تأثيرا ‪ ،‬فلما عجز أو حيل بينه وبين ذلك رضي بالمتيسر‬
‫له من أذى ‪ ،‬هل تظنون ذلك الشاب كان يراقب عمر ‪ ،‬أم يراقب رب عمر ؟‬
‫حين تكون الشارة حمراء ‪ ،‬فتنظر يمنة ويسرة ‪ ،‬فل ترى عمر ‪ ،‬يمكنك أن‬
‫تقطعها إن كنت تراقب عمر ‪ ،‬ول يمكنك ذلك إذا راقبت رب عمر ‪.‬‬
‫حين تستخرج التأشيرات ‪ ،‬وتبيعها على المستفيد ‪ ،‬وتأخذ منه جهده وعرقه ‪،‬‬
‫وتتحايل على النظمة ‪ ،‬لتأكل مال العامل المسكين ‪ ،‬وتخالف النظمة التي‬
‫تلزمك باستقدام من تحتاج إليه فقط فأنت قد استترت من عمر ‪ ،‬وغفلت‬
‫عن رب عمر ‪.‬‬
‫نعم ‪ ،‬إن من الممكن ‪ ،‬بل والمتيسر جدا أن نكون في مكان ل يرانا فيه عمر‬
‫‪ ،‬ول منادي عمر ‪ ،‬ولكن أين ذلك المكان الذي نستطيع فيه أن نكون في غيبة‬
‫رب عمر ؟ أين ذلك المكان الذي يسترنا من عين رب عمر ؟ ومن رقابة رب‬
‫عمر ؟ وأين ذلك العذر الذي يغني عنا حين نقف بين يدي رب عمر ؟ بل‬
‫النسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ‪ .‬وما كنتم تستترون أن يشهد‬
‫عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم ولكن ظننتم أن الله ل يعلم كثيرا‬
‫مما تعملون ‪ ،‬وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من‬
‫الخاسرين ‪.‬‬
‫إخوة السلم ‪ :‬إن ديننا الذي نؤمن أنه دين ودولة ‪ ،‬يوجب علينا السمع‬
‫والطاعة لولة أمرنا في غير معصية الله ‪ ،‬ومعنى هذا طاعتهم في كل نظام‬
‫أو أمر ل يخالف شرع الله ‪ ،‬مهما كان صغيرا ‪ ،‬أو حقيرا أو كبيرا ‪.‬‬
‫ول تعتذر بكثرة المخالفين ‪ ،‬ول بمخالفة المسؤول نفسه لو خالف ‪ ،‬فأنت‬
‫ستسأل عن نفسك ‪ ،‬وعما جنته يداك ‪ ،‬ولن تسأل عن تقصير فلن أو عجز‬
‫فلن ‪ ،‬فحاسب نفسك أيها الحبيب قبل أن تلقى مولك ‪ ،‬عالم الغيب‬
‫والشهادة فينبئك بما كسبت يداك ‪ ،‬وما ربك بظلم للعبيد ‪.‬‬
‫ثم اعلم أن تلك الصبية التي امتل قلبها بالتقوى ‪ ،‬ولم تخن أمير المؤمنين ‪،‬‬
‫ول مناديه في حال كانت تستطيع أن تبرر خيانتها ‪ ،‬وأن تلبس صنيعها الدليل‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشرعي ‪ ،‬أو العذر البليسي ‪ ،‬لما أخلصت ‪ ،‬واتقت ‪ ،‬كان جزاؤها عاجل غير‬
‫آجل ‪ ،‬ول يعني هذا أن تنتظر الجزاء العاجل ‪ ،‬ولكن الموعد الجنة ‪ ،‬وإنما‬
‫وفق الله تلك الصبية لتقواه ‪ ،‬وجزاها بفضله لتكون لنا عبرة ‪ ،‬ونبراسا ‪ ،‬وحثا‬
‫لقتفاء أثرها ‪ ،‬والسير مثل سيرها ‪ ،‬والعمل بما عملت به وما عند الله خير‬
‫وأبقى ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لقد كان جزاء الصبية أن عمر لم يكن غائبا كما ظنت أمها ‪ ،‬بل كان حاضرا‬
‫يسمع ‪ ،‬وينصت لقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ ،‬يعس بالمدينة ‪،‬‬
‫وقد أخذ منه التعب مأخذه ‪ ،‬فاتكأ على جدار ذلك البيت الذي فيه الصبية قبل‬
‫أن تحاور أمها ‪ ،‬والليل في سكون تام ‪ ،‬يريد أن يأخذ قسطا من الراحة ‪،‬‬
‫وكانت بيوت المدينة كما تعلمون في ذلك الزمن صغيرة ‪ ،‬ل موانع للصوت أو‬
‫للحرارة فيها ‪ ،‬فلما وضع رأسه على الجدار سمع ما دار بين البنت وأمها من‬
‫حوار ‪ ،‬فلما انتهتا ‪ ،‬وقالت البنية مقالتها تلك ‪ ،‬وهو يسمع ‪ ،‬قال ‪ :‬يا أسلم ‪،‬‬
‫وهو راوي القصة ‪ ،‬علم الباب واعرف الموضع ‪ ،‬ثم مضى في عسسه ‪ ،‬فلما‬
‫أصبح قال ‪ :‬يا أسلم امض إلى ذلك الموضع فانظر من القائلة ‪ ،‬ومن المقول‬
‫لها ‪ ،‬وهل لهم من بعل ؟ فأتى أسلم الموضع فنظر ‪ ،‬فإذا الجارية أيم ل بعل‬
‫لها ‪ ،‬وإذا تيك أمها ‪ ،‬وإذا ليس لهم رجل ‪ ،‬فأتى عمر فأخبره ‪ ،‬فدعا عمر‬
‫ولده فجمعهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه ؟ ولو كان‬
‫بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه أحد منكم إلى هذه الجارية ‪ .‬فقال ابنه‬
‫عاصم ‪ :‬يا أبتاه ل زوجة لي فزوجني ‪ ،‬فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم ‪،‬‬
‫فولدت لعاصم بنتا ‪ ،‬وولدت البنت عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ‪.‬‬
‫فانظر يا من يهمك أمر المة ‪ ،‬وتسعى لصلح وإصلح المة ‪ ،‬وتشكو من‬
‫ضعف وهوان المة ‪ ،‬صلحك هو صلح المة ‪ ،‬أنت أول لبنات المة ‪ ،‬فل‬
‫تنتظر أحدا قبلك ‪ ،‬ول تصلح أحدا قبل صلح نفسك ‪ ،‬ول تلم أحدا غيرك ‪،‬‬
‫وثق تماما أن المة حتما ستصلح ‪ ،‬وتعز ‪ ،‬وتنهض ‪ ،‬فابدأ بنفسك ‪ ،‬داو جرحك‬
‫‪ ،‬قوم اعوجاجك ‪ ،‬راقب ربك في تصرفاتك ‪ ،‬في خلواتك ‪ ،‬في جميع‬
‫أحوالك ‪ ،‬ليكن خوفك من رب عمر ‪ ،‬ل من عمر ول من منادي عمر ‪ ،‬وإياك‬
‫أن تفعل في الخل ‪ ،‬ما تفاخر بتركه في المل ‪.‬‬
‫أخرج المام مسلم في صحيحه من حديث عياض بن حمار قول النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬أهل النار خمسة ‪ ،‬وذكر منهم ‪ :‬رجل ل يصبح ول يمسي إل‬
‫وهو يخادعك عن أهلك ومالك ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه الله تعالى ‪ :‬ما أخذ العبد ما حرم عليه إل من جهتين ‪:‬‬
‫إحداهما ‪ :‬سوء ظنه بربه ‪ ،‬وأنه لو أطاعه وآثره لم يعطه خيرا منه حلل ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬أن يكون عالما بذلك ‪ ،‬وأن من ترك لله شيئا أعاضه خيرا منه ‪،‬‬
‫ولكن تغلب شهوته صبره ‪ ،‬وهواه عقله ‪.‬‬
‫فالول من ضعف علمه ‪ ،‬والثاني من ضعف عقله وبصيرته ‪ .‬انتهى ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫عمر يحيى‬
‫)‪(1901-1979‬م‬
‫شاعر حماة وأديبها‪ ،‬أسهمت المدرسة والمجالس العلمية والدبية في تكوينه‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثقافي‪ ،‬شغف وهو في سن مبكرة بحفظ الشعر وروايته‪ ،‬وأقبل على كتب‬
‫اللغة والدب فكان جيد الحفظ والرواية لها‪ ،‬حتى أصبح مرجعا ً في ذلك‪.‬‬
‫ج على يديه جي ٌ‬
‫ل‬ ‫تنقل بين أقطار شتى‪ ،‬ودرس العربية سنوات طوال ً فتخّر َ‬
‫من الشباب ملك قيادة اللغة وأحب الدب‪ ،‬كما أنه عاش مع الحداث الوطنية‬
‫والقومية بنفسه وبشعره‪.‬‬
‫يغلب على شعره الموضوعات الوطنية والقومية والوجدانية‪ ،‬ويجمع فيه بين‬
‫الناة والطبع‪ ،‬وقوافيه تنثال قوية على ما فيها من صعوبة أو غرابة أحيانًا‪.‬‬
‫أقيمت له حفلة تكريم بحماة في الثامن من كانون الول سنة ‪ 1977‬وألقى‬
‫في نهايتها قصيدة طويلة نقتطف منها البيات التالية‪:‬‬
‫ه‬
‫بعد أن صارع الزمان ‪ii‬كيان ُ ْ‬
‫ه‬
‫جها ‪ii‬وجدان ُ ْ‬ ‫دى نسي َ‬ ‫وس ّ‬
‫فاد ّ كار الشباب هذا ‪ii‬أوانه‬
‫جّنانه‬‫يتملى بغرسه ‪َ ii‬‬
‫ي‪ ،‬ظالمًا‪ ،‬خاقانه‬ ‫وللح ّ‬
‫ه"‬ ‫جنان ُ ْ‬ ‫م" لعاشق ‪ii‬و" ِ‬ ‫هي "ن ُعْ ٌ‬
‫جبل ً تعجُز العدوّ ‪ii‬رعان ُ ْ‬
‫ه‬
‫ه‬‫متان ُ ْ‬‫بهواهم سهوُله ‪ii‬و ِ‬
‫ه‬
‫طران ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫باسم الثغر‪ ،‬مرهب ‪َ ii‬‬
‫قط‪ ،‬أو نما ‪ii‬طغيانه‬ ‫س ْ‬ ‫أبرق ال ّ‬
‫وتباهى بغدره ‪ii‬ث ُعُْلبانه‬
‫لن تضيعي‪ ،‬وفي الحمى ‪ii‬عقبانه‬
‫م موقفا ً يطيب ‪ii‬بيانه‬ ‫لك ُ‬
‫فتجلى عن سّره ‪ii‬إعلنه‬
‫ه‬
‫‪ -1 ...‬أتراها ترضي الوفا ‪ii‬ألحان ُ ْ‬
‫‪ -2‬صاغها قلبه المتيم ‪ii‬بالفن‬
‫ب مني فروعي‬ ‫م المشي ُ‬ ‫‪ -3‬إن ي َعُ ّ‬
‫‪ -4‬نغرس الذكريات في العمر كيما‬
‫ي‬
‫‪ -5‬حين كنا نعيش في دارة ‪ii‬الح ّ‬
‫ف‪ :‬تحيا ‪ii‬بلدي‬ ‫‪ -6‬وهوانا الّرّفا ُ‬
‫ً‬
‫‪ -7‬لم نهن للمغير يوما‪ii ،‬وكّنا‬
‫‪ -8‬موطني موطن الميامين‪ii ،‬تشدو‬
‫ن ‪ii‬بوجه‬ ‫ب يلقى المنو َ‬ ‫ل ن َد ْ ٍ‬ ‫‪ -9‬ك ّ‬
‫‪ -10‬ستعودين يا فلسطين ‪ii‬مهما‬
‫مَر ‪ii‬باٍغ‬ ‫‪ -11‬ل ُتراعي مهما تن ّ‬
‫‪ -12‬من طباع الحروب كّر ‪ii‬وفّر‬
‫‪ -13‬شهد الله أنني لست ‪ii‬أنسى‬
‫ب فيه ‪ii‬القوافي‬ ‫ت للمح ّ‬ ‫‪ -14‬أسلس ْ‬
‫ً‬
‫سداه‪ ،‬وهو ما يمد طول في النسيج‪.‬‬ ‫ب‪ :‬مد ّ َ‬ ‫دى الثو َ‬ ‫)‪ (2‬س ّ‬
‫ن‪ :‬أنف الجبل‪ ،‬ج رعان‪.‬‬ ‫)‪ (7‬الّر ْ ُ‬
‫ع‬
‫متان‪ :‬ج متن وهو ما ارتفع من الرض واستوى‪.‬‬ ‫)‪ (8‬ال ِ‬
‫)‪ (9‬الندب‪ :‬السريع الخفيف عند الحاجة‪.‬‬
‫قط‪ :‬الساقط من الناس‪.‬‬ ‫س ْ‬ ‫)‪ (10‬ال ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عمران بن حطان‬
‫سدوسي الشيباني‪ ،‬من شعراء الخوارج وخطبائهم‬ ‫ّ‬
‫هو عمران بن حطان ال ّ‬
‫في العصر الموي أيام الخليفة عبد الملك بن مروان‪ ،‬وربما كان أكبر شاعر‬
‫ظهر فيهم‪ ،‬وهو من قَعدة الخوارج‪ ،‬أي الذين لم يحملوا السلح في سبيل‬
‫دعوتهم‪ ،‬بل اقتصروا على التحريض بأشعارهم وأقوالهم‪.‬‬
‫عمان‪،‬‬
‫طارده الحجاج‪ ،‬والي العراق لعبد الملك‪ ،‬فهرب إلى الشام‪ ،‬ومنها إلى ُ‬
‫لجئا ً عند إحدى القبائل‪ ،‬حتى مات سنة ‪84‬هـ‪.‬‬
‫والبيات التالية رثى فيها أمير الخوارج أبا بلل‪ ،‬مرداس بن أدّية‪:‬‬
‫ل مني وإيجاس‬ ‫ت عن َوج ٍ‬ ‫‪ -‬أصبح ُ‬
‫ه‬
‫س ‪ii‬ومصَرع ِ‬ ‫مردا ٍ‬ ‫ّ‬
‫ن بكي ل ِ‬ ‫‪ - 2‬يا عي ُ‬
‫ً‬
‫‪ - 3‬ترك َْتني هائما‪ ،‬أبكي ‪ii‬لمرزئتي‬
‫ت ‪ii‬أعرفه‬ ‫من قد كن ُ‬ ‫ت بعدك َ‬ ‫‪ - 4‬أنكر ُ‬
‫س دار أّولها‬ ‫ت بكأ ٍ‬ ‫ما شرب َ‬ ‫‪-5‬إ ّ‬
‫جل ً‬‫ب ‪ii‬عَ ِ‬‫ذقها شار ٌ‬ ‫ل من لم ي َ ُ‬ ‫‪ - 6‬فك ّ‬
‫م جراٍح مالها ‪ii‬آسي‬‫ت أبكيك حينا ثم قد يئست ‪ ...‬أشكو كلو َ‬ ‫ً‬ ‫‪ - 7‬قد كن ُ‬
‫س‬
‫مردا ِ‬ ‫س‪ ،‬اجعلني ‪ii‬ك ِ‬ ‫ب مردا ٍ‬ ‫يا ر ّ‬
‫ش من بعدِ إيناس‬ ‫موح ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫في منز ٍ‬
‫س‪ii ،‬بالناس‬ ‫مردا ُ‬ ‫دك‪ ،‬يا ِ‬ ‫س َبع َ‬ ‫ما النا ُ‬
‫ة ‪ii‬الكاس‬ ‫جرع َ‬ ‫على القرون فذاقوا ُ‬
‫منها بأنفاس وردٍ بعد ‪ii‬أنفاس‬
‫نفسي‪ ،‬فما رد ّ عني عبرتي ‪ii‬ياسي‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫جس‪.‬‬ ‫)‪ (1‬اليجاس‪ :‬الشفاق والخوف‪ ،‬والفعل منه أو َ‬
‫)‪ (3‬المرزئة‪ :‬المصيبة العظيمة‪ .‬هائمًا‪ :‬حائرًا‪.‬‬
‫)‪ (4‬أنكرت الشيء‪ :‬أبغضته‪ ،‬لنه تغير إلى حال سيئة‪.‬‬
‫ن( الشرطية‪ ،‬و)ما( الزائدة‪ ،‬وجواب الشرط محذوف‬ ‫ما‪ :‬مركبة من )إ ْ‬ ‫)‪ (5‬إ ّ‬
‫تقديره‪ :‬فل تحزن‪ .‬والبيت التالي دليل عليه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عمق التدين في نفس النسان‪ ..‬آثار وملمح‬


‫* محمد مهدي الصفي‬
‫للوقف على هذا الموضوع ينبغي أن نفرق بين الفطرة والتقاليد والعراف‬
‫والعادات الجتماعية التي يتوارثها البناء عن الباء‪ ،‬لكي نعرف موضع هذا‬
‫الشعور والنزوع النفسي من الفطرة أو العادات والتقاليد الجتماعية‪.‬‬
‫فليس من شك أن للعادات والتقاليد والعراف الجتماعية دورا ً في حياة‬
‫النسان‪ ،‬وكثير من جوانب حياة النسان وسلوكه يخضع لسلطان العادات‬
‫والتقاليد والعراف الجتماعية‪.‬‬
‫أل أن من المهم أن نعرف أن سلطان العادات والتقاليد في حياة النسان ل‬
‫يمتد لكثر من قشر ظاهر من حياة النسان وسلوكه‪ ،‬ول يمتد إل لفترة‬
‫تطول أو تقصر من حياة النسان بينما يمتد سلطان الفطرة إلى أعمق البعاد‬
‫من حياة النسان وسلوكه وشخصيته‪ ،‬كما ينسحب على كل أجزاء تاريخ‬
‫النسان وفترات حياته‪.‬‬
‫فالحياة الزوجيةم ثل ً حاجة فطرية نابعة من أعماق نفس النسان تمتد على‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فترات حياة النسان جميعًا‪ ،‬ورغم كل التطورات الهائلة التي تعرضت لها‬
‫حياة النسانية‪ ،‬لم تختل هذه الظاهرة في حياة النسان‪.‬‬
‫وقد تتعرض هذه الظاهرة في حياة النسان لبعض الضعف لكنها تبقى ثابتة‬
‫في حياة النسان‪.‬‬
‫وقد يتفق أن فردا ً أو جماعة من الناس ل يرتبطون بالحياة الزوجية‪ ،‬إل أن‬
‫هذا السلوك الفردي ـ الشاذ ـ ل يؤثر في شمول هذه الظاهرة وعمقها في‬
‫حياة النسان‪.‬‬
‫أما العراف الجتماعية التي تتعارف عليها الجتماعات البشرية في اقامة‬
‫مراسيم الزوج فهي ظاهرة غير ثابتة في حياة النسان‪ ،‬تتعرض للتبدل‬
‫والتغير الدائم‪ ،‬وتختلف من مجتمع الى مجتمع آخر‪ ،‬ومن وقت الى وقت‬
‫آخر‪.‬‬
‫وبذلك فان هذه الظاهرة‪ ،‬بما يحيطها من أعراف‪ ،‬وتقاليد اجتماعية‪ ،‬تحتوي‬
‫على عنصرين‪ ،‬عنصر ثابت ل يتغير‪ ،‬وعنصر متغير خاضع للظروف والمؤثرات‬
‫الخارجية‪.‬‬
‫وليس من العسير التمييز بين هذين العنصرين في جوانب سلوك النسان‬
‫وحياته‪.‬‬
‫وبهذا التمييز نستطيع أن نفرق بين ما هو فطرة في حياة النسان وما هو‬
‫عرف أو عادة أو تقليد في حياته‪.‬‬
‫وفي ضوء من هذه التفرقة ل يصعب علينا معرفة ما لو كان التدين نزوعا ً‬
‫فطريا ً في شخصية النسان‪ ،‬أو يندرج تحت بعض هذه العراف والتقاليد‬
‫الجتماعية‪ ،‬التي تزول وتتغير من وقت الى وقت‪.‬‬
‫فان نظرة واحدة الى الرتباط الوثيق القائم بين الدين والنسان تكفي للقطع‬
‫بأن الدين ليس كما يقوله الماديون ظاهرة فوقية في حياة النسان‪ ،‬وإنما هو‬
‫حاجة نابعة من أعماق نفس النسان‪.‬‬
‫فلم يحدث في وقت من الوقات أن تخلى النسان عن الدين بشكل مطلق‪،‬‬
‫ولم يحدث في أمة من المم أن تخلت عن الدين بصورة كلية‪ ،‬مهما كان نوع‬
‫الدين وشكله‪.‬‬
‫والغريزة الدينية ـ كما في معجم لروس للقرن العشرين ـ مشتركة بينك ل‬
‫الجناس البشرية حتى أشدها همجية‪ ،‬وأقربها إلى الحياة الحيوانية‪ ،‬وأن‬
‫الهتمام بالمعنى اللهي‪ ،‬وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالية الخالدة‬
‫للنسان‪.‬‬
‫وكّلما توغلنا في تاريخ النسان نجد أن التدين يواكب تاريخ النسان بصور‬
‫مختلفة‪ ،‬وأن الذين يشكون في الدين‪ ،‬أو يلحدون بالله تعالى قلة نادرة في‬
‫كل أدوار التاريخ‪.‬‬
‫وكّلما تتقدم أعمال الحفر والتقنيب يعثر النسان على مزيد من آثار المعابد‬
‫التيك انت مشيدة في العصور الساحقة البعيدة‪ ،‬التي لم يتناولها التاريخ‬
‫المدّون‪.‬‬
‫وهذه الثار تكشف لنا عن عمق الدين في تاريخ النسان وحياته‪ ،‬وأن الدين‬
‫لم يكن حاجة فوقية وهامشية في حياة النسان‪.‬‬
‫يقول هنري برجسون‪) :‬لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم‬
‫وفنون وفلسفات‪ ،‬ولكنه لم توجد قط جماعة من غير ديانة(‪.‬‬
‫ويقول الدكتور )ماكس نوردوه( عن الشعور الديني‪ :‬هذا الحساس أصيل‬
‫يجده النسان غير المتمدين‪ ،‬كما يجده أعلى الناس تفكيرًا‪ ،‬وأعظمهم‬
‫حدسًان وستبقى الديانات ما بقيت النسانية‪ ،‬وستتطور بتطورها‪ ،‬وستجاوب‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دائما ً مع درجة الثقافة العقلية التي تبلغها الجماعةز‬


‫فالتدين‪ ،‬إذن‪ ،‬يمتد إلى أعماق تاريخ النسان وينسحب سلطانه عبر هذه‬
‫المساحة التأريخية الكبيرة إلى حياة النسان المعاصر‪.‬‬
‫ورغم التطورات الحضارية التي طرأت على حياة النسان‪ ،‬طيلة هذه الفترة‪،‬‬
‫لم يحدث أي ضمور في سلطان الدين في حياة النسان‪ ،‬إن لم يكن قد‬
‫تضاعف هذا السلطان‪ ،‬وازداد وعي النسان له‪ ،‬والتفافه حوله‪.‬‬
‫فل يزال اللحاد‪ ،‬ينحصر في أقلية من الناس في حياة النسان‪ ،‬ول يزال‬
‫التدين ينسحب على حياة أكثرية ساحقة من المجتمع البشري‪.‬‬
‫والغريزة الدينية‪ ،‬كما في معجم لروس‪ ،‬ل تختفي بل ل تضعف‪ ،‬ول تذبل إل‬
‫في فترات السراف في الحضارة وعند عدد قليل جدا ً من الفراد‪.‬‬
‫ول يزال تأثير الدين وسلطانه في حياة النسان‪ ،‬على هذا المتداد الطويل‬
‫من التأريخ أمتن ما يكون التأثير‪ ،‬وأقوى ما يكون السلطان‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والمكانة التي يحتلها الدين من نفس النسان المتدين ل تشبهها مكانة أخرى‪،‬‬
‫فهو يضحي في سبيل دينه بنفسه ويبذل ماله في هذا السبيل بكل سخاء‬
‫واخلص‪ ،‬ويدافع عن دينه كلما داهمه الخطر دفاع المخلصين‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نتحدث عن الثار العظيمة التي تركها التدين في حضارة‬
‫النسان وتأريخه لطال بنا الحديث‪ .‬فهذه المعابد الشامخة‪ ،‬والعادات والتقاليد‬
‫والعراف والتراث الديني الضخم كله يحكي عن قوة تأثير الدين وسلطانه‬
‫في حياة النسان‪.‬‬
‫وأمر كالدين‪ ،‬بهذا العمق والقوة والسلطان والشمول في حياة النسان ل‬
‫يمكن أن يكون حاجة فوقية في حياة النسان‪ ،‬وإنما يمتد بتأكيد إلى أعمق‬
‫أعماق فطرة النسان‪ ،‬والمكابرة في هذه الحقيقة مكابرة في البديهات‬
‫الواضحات‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عمل الدنيا ل ينافي عمل الخرة‬


‫رئيسي ‪:‬أخطاء ومخالفات ‪:‬الحد ‪ 23‬شوال ‪1425‬هـ ‪ 5 -‬ديسمبر ‪ 2004‬م‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين‪،‬‬
‫أما بعد‪،،،‬‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ر‬ ‫خى‬ ‫فآ‬‫َ‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫عنه‬ ‫الله‬ ‫رضي‬ ‫س‬ ‫عَ َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ َ َ‬ ‫ّ َْ َ ّ ْ َ ِ ْ َ َ ْ ٍ ِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫د‪:‬‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫بي‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫ع‬‫س‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ه‬
‫ُ َ ْ ٌ‬ ‫ْ َ ِ ّ‬ ‫ََْ ُ ََْ َ َ ْ ِ ْ ِ ّ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َيْ أ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مَرأَتا ِ‬ ‫حِتي ا ْ‬ ‫خذ ْه ُ وَت َ ْ‬ ‫ماِلي فَ ُ‬ ‫شط َْر َ‬ ‫مال َفان ْظ ُْر َ‬ ‫دين َةِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خي أَنا أك ْث َُر أهْ ِ‬
‫ك ِفي‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ن‪َ :‬باَر َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل عَب ْد ُ الّر ْ‬ ‫قا َ‬ ‫قَها فَ َ‬ ‫حّتى أ ُط َل ّ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ب إ ِل َي ْ َ‬ ‫ج ُ‬
‫َ‬
‫ما أعْ َ‬
‫َ‬
‫َفان ْظ ُْر أي ّهُ َ‬
‫شت ََرى وََباعَ‬ ‫ب َفا ْ‬ ‫ق فَذ َهَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ق فَد َّلوه ُ عََلى ال ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫ك د ُّلوِني عََلى ال ّ‬ ‫مال ِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫أ َهْل ِ َ‬
‫م َتاب َعَ ال ْغُد ُوّ –أي‪ :‬داوم‬ ‫شيٍء م َ‬
‫ن ] وفي رواية ‪ :‬ث ُ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫م‬
‫س ْ‬ ‫ط وَ َ‬ ‫ن أقِ ٍ‬ ‫جاَء ب ِ َ ْ ِ ْ‬ ‫ح فَ َ‬ ‫وََرب ِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫جاَء وَعَلي ْهِ َرد ْعُ‬ ‫ث فَ َ‬ ‫ن ي َلب َ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ث َ‬ ‫م لب ِ َ‬ ‫ذهاب إلى السوق للتجارة‪ -‬ث ُ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫م[‪ -‬أي ما‬ ‫مهْي َ ْ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪َ ] :‬‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫فَرا ٍ‬ ‫] أي أثر [ َزعْ َ‬
‫صد َقْت ََها[ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫مَرأة ً فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫قا َ‬ ‫شأنك‪ -‬فَ َ‬
‫واةٍ‬‫ن نَ َ‬ ‫ل‪ :‬وَْز َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ل‪َ ] :‬‬ ‫تا ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل اللهِ ت ََزوّ ْ‬ ‫ل َيا َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫قد ْ َرأي ْت ُِني وَلوْ َرفَعْ ُ‬ ‫ن‪ :‬فَل َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫ل عَب ْد ُ الّر ْ‬ ‫ة[ َقا َ‬ ‫شا ٍ‬ ‫م وَلوْ ب ِ َ‬ ‫ل‪] :‬أوْل ِ ْ‬ ‫ب َقا َ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة ‪ .‬رواه البخاري وأحمد‪-‬واللفظ له‪.-‬‬ ‫ض ً‬ ‫ب ذ َهًَبا أوْ فِ ّ‬ ‫صي َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫جو ْ ُ‬ ‫جًرا لَر َ‬ ‫ح َ‬‫َ‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في هذا الحديث‪:‬‬


‫‪ -1‬اشتغال بعض الصحابة بالتجارة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وتقريره على ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬وأن الكسب من التجارة ونحوها أولى من الكسب من الهبة ونحوها ‪.‬‬
‫‪ -3‬وترجيح الكتساب بنفسه بتجارة أو صناعة‪.‬‬
‫‪ -4‬وفيه مباشرة الكبار التجارة بأنفسهم مع وجود من يكفيهم ذلك من وكيل‬
‫وغيره ‪.‬‬
‫عدد من المسلمين المخلصين إذا نظروا في أمر السلم والدين‪ ،‬ثم التفتوا‬
‫ضا‪،‬‬‫إلى أمر دنياهم وأعمالهم ووظائفهم‪ ،‬وتجارتهم‪ ،‬ودراستهم؛ وجدوا تناق ً‬
‫ضا بين ما هم فيه من أمور الدنيا‪ ،‬وبين القرآن‬ ‫سوا بالثم‪ ،‬ورأوا تعار ً‬ ‫وأح ّ‬
‫والسنة ‪.‬‬
‫ور خاطئ‪ ،‬وقد يكون نتيجة لممارسة‬ ‫شعور‪ :‬قد يكون نتيجة لتص ّ‬ ‫وهذا ال ّ‬
‫خاطئة‪ ،‬وعمل محّرم‪ ،‬فالذين يعملون في المحّرمات‪ :‬وظيفة‪ ،‬وتجارة‪،‬‬
‫ودراسة؛ شعورهم بالتعارض حقيقي وصحيح‪ ،‬ويجب أن يحصل؛ لّنهم يعملون‬
‫في مجال محّرم مناف للدين‪ ،‬وتصير أمور دنياهم مخالفة لحكام دينهم‪،‬‬
‫فيجب على هؤلء ترك المحّرمات التي هم فيها واقعون ‪.‬‬
‫دين‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫جانب‬ ‫على‬ ‫الدنيا‬ ‫ومن المسلمين من يشعر بالتعارض؛ لّنه غّلب جانب‬
‫صلها؛‬ ‫وت عليها حسنات كثيرة لو ح ّ‬ ‫في الهتمام والعمل‪ ،‬فغبن نفسه‪ ،‬وف ّ‬
‫لرتفع عند الله في الخرة ‪.‬‬
‫ور لقضية طريق الدنيا‬ ‫ومن المسلمين من يرون التعارض لخطأ في التص ّ‬
‫ذبون‪،‬‬ ‫وطريق الدين‪ ،‬فهؤلء ينبغي أن ُيبصروا ويفقهوا؛ ليزول اللبس‪ ،‬فل يتع ّ‬
‫ويعملون وهم في راحة‪.‬‬
‫ن العبادة تتعارض مع الكتساب‬ ‫زعم خاطيء‪ :‬ويصّر البعض على زعم أ ّ‬
‫ن من أراد الخرة‪ ،‬فل بد ّ أن‬ ‫والعمل في الصناعة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬والزراعة‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن الصحابة لم يفتحوا البلدان إل بعد‬ ‫صُلح قلبه‪ ،‬وأ ّ‬ ‫يطّلق الدنيا طلًقا باّتا حتى ي َ ْ‬
‫ما للجهاد ‪.‬‬ ‫أن تركوا الدنيا‪ ،‬وتفّرغوا تما ً‬
‫سف ومنافاة لمصلحة النسان وفطرته التي فطره الله‬ ‫وهذا الكلم فيه تع ّ‬
‫عليها‪ ،‬وبعيد عن الحكمة والعقل السليم والواقع‪ ،‬وهو مغاير قبل ذلك كله‬
‫صحابة رضي الله عنهم‪ ،‬ولتبّين الموقف سننظر فيما جاءت به‬ ‫لحال ال ّ‬
‫الشريعة من الحكام في العمل الدنيوي والكسب أوًل ‪ ،‬وكيف طّبق الصحابة‬
‫ذلك في حياتهم ثانًيا‪.‬‬
‫أوًل‪ :‬حكم الشريعة في العمل الدنيوي‪:‬‬
‫ن الد ّن َْيا‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫صيب َ َ‬
‫س نَ ِ‬ ‫خَرةَ َول ت َن ْ َ‬ ‫داَر ال ِ‬‫ه ال ّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬‫ما ءاَتا َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ}:‬واب ْت َِغ ِفي َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وأ َحسن ك َ َ‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ض إِ ّ‬ ‫ساد َ ِفي الْر ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َول ت َب ِْغ ال َ‬ ‫ه إ ِلي ْ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫َ ْ ِ ْ َ‬
‫ن]‪ ]{[77‬سورة القصص[‪.‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ن الد ّن َْيا{ أي‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬‫صيب َ َ‬‫س نَ ِ‬‫خَرةَ َول ت َن ْ َ‬ ‫داَر ال ِ‬ ‫ه ال ّ‬‫ك الل ّ ُ‬ ‫ما ءاَتا َ‬ ‫وقوله‪َ }:‬واب ْت َِغ ِفي َ‬
‫استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل‪ ،‬والنعمة الطائلة في طاعة ربك‪،‬‬
‫والتقرب إليه بأنواع القربات التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والخرة‬
‫ن الد ّن َْيا{أي‪ :‬مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫صيب َ َ‬‫س نَ ِ‬ ‫}َول ت َن ْ َ‬
‫قا‪،‬‬ ‫قا‪ ،‬ولنفسك عليك ح ً‬ ‫والملبس والمساكن والمناكح؛ فإن لربك عليك ح ً‬
‫قا‪ ،‬فآت كل ذي حق حقه‪.‬‬ ‫قا‪ ،‬ولزورك عليك ح ً‬ ‫ولهلك عليك ح ً‬
‫وقال الحسن وقتادة‪ ':‬معناه‪ :‬ل تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلل‬
‫وطلبك إياه‪ ،‬ونظرك لعاقبة دنياك'‪ .‬فالكلم على هذا التأويل فيه بعض الرفق‬
‫به وإصلح المر الذي يشتهيه ‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ابن العربي‪:‬وأبدع ما فيه عندي قول قتادة‪:‬ول تنس نصيبك الحلل ‪ ،‬فهو‬
‫نصيبك من الدنيا ويا ما أحسن هذا ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وعن كعب بن عجرة قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا يا‬
‫رسول الله لو كان هذا في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل اللهِ وَإ ِ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫صَغاًرا فَهُوَ ِفي َ‬ ‫سَعى عََلى وَل َدِهِ ِ‬ ‫ج يَ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وسلم‪ ] :‬إ ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج‬
‫خَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ل اللهِ ‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن فَهُوَ ِفي َ‬ ‫ن ك َِبيَري َ ِ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وي ِ‬ ‫سَعى عَلى أب َ َ‬ ‫ج يَ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫َ‬
‫سَعى رَِياًء‬ ‫ج يَ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل اللهِ ‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فَها فَهُوَ ِفي َ‬ ‫سهِ ي ُعِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫سَعى عَلى ن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن[ رواه الطبراني والبيهقي في شعب‬ ‫شي ْطا ِ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫خَرةً فَهُوَ ِفي َ‬ ‫فا َ‬ ‫م َ‬ ‫وَ ُ‬
‫اليمان‪ -‬صحيح الجامع ‪.1428‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وع َ َ‬
‫ه‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل ْاللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ك َر ِ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫س بْ‬ ‫ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫ن أ َْو‬ ‫سا ٌ‬ ‫ه ط َي ٌْر أوْ إ ِن ْ َ‬
‫َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫عا فَي َأك ُ ُ‬ ‫سا أ َوْ ي َْزَرع ُ َزْر ً‬ ‫س غَْر ً‬ ‫سل ِم ٍ ي َغْرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫]‬ ‫م‪:‬‬ ‫َ‬ ‫سل ّ‬ ‫وَ َ‬
‫ة[ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫صد َق ٌ‬ ‫َ‬ ‫ه ب ِهِ َ‬ ‫نل ُ‬ ‫َ‬ ‫ة إ ِل كا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ب َِهي َ‬
‫ج وهو الّركن العظيم من أركان السلم أباح الشارع‬ ‫بل حتى في مواسم الح ّ‬
‫س‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫الحكيم التجارة فيه لعلمه بحاجات العباد وما ُيصلحهم‪ ،‬عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫َ ِ ْ ُ‬‫سل‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫جاهِل ِي ّةِ‬ ‫واًقا ِفي ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫جازِ أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَُذو ال ْ َ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ظ وَ َ‬ ‫كا ٌ‬ ‫ت عُ َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ل‪َ ':‬‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ضًل ِ‬ ‫ن ت َب ْت َُغوا فَ ْ‬ ‫حأ ْ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫س عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ه‪ }:‬ل َي ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جاَرةِ ِفيَها فَأن َْز َ‬ ‫ن الت ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫موا ِ‬ ‫ت َأث ّ ُ‬
‫ج' رواه البخاري‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫سم ِ ال ْ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م‪] { [198] ...‬سورة البقرة[‪.‬أي‪ِ:‬في َ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫ثانًيا‪ :‬المتزاج بين الدنيا والخرة في حياة الصحابة‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫جاٌر‬ ‫ت أَنا وَ َ‬ ‫مُر‪':‬ك ُن ْ ُ‬ ‫ل عُ َ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫س َقا َ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫‪ -1‬الزراعة وطلب العلم‪ :‬عَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫دين َةِ وَك ُّنا ن َت ََناوَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫واِلي ال َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َزي ْد ٍ وَهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ة بْ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫صارِ ِفي ب َِني أ َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِلي ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ما فَإ َِذا ن ََزل ُ‬ ‫ل ي َوْ ً‬ ‫ما وَأن ْزِ ُ‬ ‫ل ي َوْ ً‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم فَي َن ْزِ ُ‬ ‫ل عَلى الن ّب ِ ّ‬ ‫الن ُّزو َ‬
‫ل فَعَ َ‬ ‫ي أوْ غَي ْرِهِ وَإ َِذا ن ََز َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مث ْ َ‬
‫ل‬ ‫ل ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن الوَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خب َرِ ذ َل ِك الي َوْم ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫حد َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫ِ‬
‫ك'رواه البخاري‪ .‬وفيه‪ :‬أن طالب العلم يجعل لنفسه وقتا يتفرغ فيه لمر‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫معاشه وحال أهله ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫فاك ِهَ َ‬ ‫سن َةِ ال َ‬ ‫ل ِفي ال ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫سَتا ٌ‬ ‫ه بُ ْ‬ ‫نل ُ‬ ‫س رضي الله عنه كا َ‬ ‫وهذا أن َ ٌ‬
‫ك' رواه الترمذي وحسنه‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ال ْ ِ‬ ‫ه ِري ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫جيُء ِ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ن ِفيَها َري ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مرٍ َقا َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫قب َ َ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫‪ -2‬رعي الغنم‪:‬عَ ْ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ظ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫عي‬ ‫را‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫قو ُ‬
‫ُ‬ ‫ِّ ِ َ َ ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ٍ ِ‬ ‫ِ ْ َ ِ‬ ‫ج ُ َ ّ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ل‪] :‬ي َعْ َ‬ ‫وسلم ي َ ُ‬
‫م‬
‫قي ُ‬ ‫ن وَي ُ ِ‬ ‫ذا ي ُؤَذ ّ ُ‬ ‫دي هَ َ‬ ‫ل ان ْظ ُُروا إ َِلى عَب ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫صّلي فَي َ ُ‬ ‫صلةِ وَي ُ َ‬ ‫ِبال ّ‬
‫َ‬
‫جّنة[ رواه النسائي وأبو داود‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫خل ْت ُ ُ‬ ‫دي وَأد ْ َ‬ ‫ت ل ِعَب ْ ِ‬ ‫فْر ُ‬ ‫مّني قَد ْ غَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫خا ُ‬ ‫صلة َ ي َ َ‬ ‫ال ّ‬
‫وأحمد‪.‬‬
‫ع‪]{[275]...‬سورة البقرة[‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ه الب َي ْ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫‪ -3‬التجارة‪ :‬قال الله تعالى‪...}:‬وَأ َ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫دولية والنقل البحري‪}:‬إ ِ ّ‬ ‫وقال عن التجارة ال ّ‬
‫ت‬ ‫س‪...‬لَيا ٍ‬ ‫َ‬ ‫فعُ الّنا َ‬ ‫ما ي َن ْ َ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ري ِفي الب َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك الِتي ت َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫فل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل َوالن َّهارِ َوال ُ‬ ‫ف الل ّي ْ ِ‬ ‫خت َِل ِ‬ ‫َوا ْ‬
‫خَر‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫فلك ِفيهِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن]‪]{[164‬سورة البقرة[‪ .‬وقال تعالى‪...}:‬وَت ََرى ال ُ‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫ن]‪]{[12‬سورة فاطر[‪ .‬وقال البخاري رحمه‬ ‫شكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ُ‬
‫ضل ِهِ وَلعَلك ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِت َب ْت َُغوا ِ‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫جاَرةِ وَقَوْ ِ‬ ‫خُروِج ِفي الت ّ َ‬ ‫ْ‬
‫الله تعالى في 'صحيحه'‪َ ] :‬باب‪ :‬ال ُ‬
‫ه{ كتاب البيوع‪ :‬باب‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض َواب ْت َُغوا ِ‬ ‫ت ََعاَلى}َفان ْت َ ِ‬
‫شُروا ِفي الْر ِ‬
‫الخروج في التجارة[‬
‫قال ابن المنّير‪':‬غرض البخاري إجازة الحركات في التجارة ولو كانت بعيدة‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫م عَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫خلًفا لمن يتنطع ول يحضر السوق‪ .'...‬و ُ‬
‫َ‬
‫ه[ رواه أحمد‪.‬‬ ‫ل ب ِي َدِ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مب ُْروٌر وَعَ َ‬ ‫ل‪] :‬ب َي ْعٌ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ال ْك َ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫أفْ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫قّيات ' ِ‬ ‫موَفّ ِ‬ ‫كارٍ ِفي ' ال ْ ُ‬ ‫ج الّزب َْير ْبن ب َ ّ‬ ‫خَر َ‬ ‫ونقل ابن حجر رحمه الله‪':‬وَقَد ْ أ َ ْ‬
‫صَرى‬ ‫جًرا إ َِلى ب ِ َ‬ ‫ه َتا ِ‬ ‫ي الّله عَن ْ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ديق َر ِ‬ ‫ص ّ‬‫كر ال ّ‬ ‫ج أ َُبو ب َ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫ت' َ‬ ‫مة َقال َ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫م َ‬
‫ُ‬
‫ديث أ ّ‬ ‫ح ِ‬‫َ‬
‫صّلى‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫به‬ ‫ح‬ ‫كر‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫با‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ما‬ ‫‪,‬‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫له‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫لى‬‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫هد‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫في‬
‫ُ ّ ِ ُ َ َ ِ ِّ ّ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ِّ ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫كر‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫بي‬ ‫قرب أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫به‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫له‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫له‬‫ّ‬ ‫ال‬
‫ْ‬ ‫ْ ِ ِ َ‬ ‫ْ ِ َ َ َ ُ ّ‬ ‫َ َ َ َ ِّ ّ َ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫نا‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫و‬‫ذا أ َ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫'‬ ‫رة‬ ‫جا‬ ‫ت‬‫ال‬ ‫في‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫م ِ‬ ‫حب ّت ِهِ ْ‬‫م َ‬ ‫ك لِ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ك‬‫م َبارِ ْ‬ ‫م‪[ :‬الل ّهُ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫مدِيّ َقا َ‬ ‫خرٍ ال َْغا ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫َ‬ ‫م أوّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ها] َقا َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫ل الن َّهارِ وَكا َ‬ ‫شا ب َعَث َهُ ْ‬ ‫جي ْ ً‬ ‫ة أوْ َ‬ ‫سرِي ّ ً‬ ‫ث َ‬ ‫ن إ َِذا ب َعَ َ‬ ‫ل وَكا َ‬ ‫مِتي ِفي ب ُكورِ َ‬ ‫ل ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪ .‬رواه‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫ل الن َّهارِ فَأث َْرى وَك َث َُر َ‬ ‫م أوّ َ‬ ‫جاَرة ً ب َعَث َهُ ْ‬ ‫ث تِ َ‬ ‫ن إ َِذا ب َعَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫جًرا وَ َ‬ ‫جل َتا ِ‬ ‫خٌر َر ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫َ‬
‫الترمذي وأبوداود وابن ماجة والدارمي وأحمد‪.‬‬
‫م‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫وعن أبي هَُري َْرةَ َر ِ‬
‫ل أ َحدا فَيعطيه أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سأ َ َ ً ُ ْ ِ َ ُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر ل ُ‬ ‫ة عَلى ظهْرِهِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ً‬ ‫حْز َ‬ ‫م ُ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫بأ َ‬ ‫حت َط ِ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫]ل َ ْ‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫من َعَ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫فهذه الشريعة السلمية المباركة بمبادئها المبثوثة في القرآن والسّنة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ث‬‫ّ‬ ‫تح‬ ‫وبالتطبيق العملي لها من قَِبل النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأصحابه‪:‬‬
‫م البطالة والكسل ومد ّ اليد إلى الناس ‪.‬‬ ‫على العمل للدنيا والخرة‪ ،‬وتذ ّ‬
‫ن قضية الفصام بين طريق الدنيا وطريق الخرة جعلت عامل الحتساب‬ ‫إ ّ‬
‫يغيب عند الكثيرين الذين ضاقت عقولهم عن استيعاب أن ينوي النسان‬
‫ما كان يمكنهم تحصيله لو احتسبوا‬ ‫بعمله الدنيوي وجه الله‪ ،‬ففقدوا أجًرا عظي ً‬
‫الجر في أعمال دنيوية‪ ،‬وأرادوا بطعامهم ونومهم وإتيانهم اللذات المباحة‬
‫الدار الخرة‪':‬إني لحتسب نومتي كما احتسب قومتي'‪.‬‬
‫الضوابط الشرعية للعمال الدنيوية‪:‬‬
‫م فَن َظَرَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ش َ َ‬
‫عل ٌ‬ ‫صةٍ لَها أ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫صلى ِفي َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫إ َِلى أ ْ‬
‫جهْم ٍ‬ ‫صِتي هَذِهِ إ ِلى أِبي َ‬ ‫مي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ل‪] :‬اذ ْهَُبوا ب ِ َ‬ ‫صَر َ‬ ‫ما ان ْ َ‬ ‫مَها ن َظَرة ً فَل ّ‬ ‫عل ِ‬
‫صلِتي[ رواه البخاري‬ ‫ن‬ ‫جهْم ٍ فَإ ِن َّها أل ْهَت ِْني آن ِ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فا عَ‬ ‫جان ِي ّةِ أِبي َ‬ ‫وَأُتوِني ب ِأن ْب ِ َ‬
‫خا ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫فأ ْ‬ ‫صلةِ فَأ َ‬ ‫مَها وَأَنا ِفي ال ّ‬ ‫ت أن ْظ ُُر إ َِلى عَل َ ِ‬ ‫ل‪] :‬ك ُن ْ ُ‬ ‫ومسلم ‪ .‬وفي رواية َقا َ‬
‫فت ِن َِني[‪.‬‬ ‫تَ ْ‬
‫فالدنيا تشغل شغًل لبد ّ منه‪ ،‬والتفّرغ للعلم أو العبادة نادر‪ ،‬وكثيًرا ما يكون‬
‫دثنا عن ذلك أبو هَُري َْرة َ رضي الله عنه‬ ‫شاّقا حتى في العهد الول‪ ،‬ويح ّ‬
‫َ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ما‬ ‫ب الل ّهِ َ‬ ‫ن ِفي ك َِتا ِ‬ ‫ول آي ََتا ِ‬ ‫ن أك ْث ََر أُبو هَُري َْرةَ وَل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫س يَ ُ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫فيقول ‪ ':‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن ب َعْدِ‬ ‫م ْ‬ ‫دى ِ‬ ‫ت َوال ْهُ َ‬ ‫ن ال ْب َي َّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما أن َْزل َْنا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م ي َت ُْلو‪ }:‬إ ِ ّ‬ ‫ديًثا ث ُ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حد ّث ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫إ‬ ‫[‬ ‫‪159‬‬ ‫ن]‬ ‫نو‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬‫ُ‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫لل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫ّ‬
‫م]‪]{[160‬سورة‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫ك أ َتوب عَل َيهم وأ َ‬ ‫َ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫نوا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫حوا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َتاُبوا وَأ ْ‬
‫وان ََنا‬ ‫خ َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ق وَإ ِ ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫فقُ ِبال ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫شغَل ُهُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬ ‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وان ََنا ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫البقرة[‪ .‬إ ِ ّ‬
‫ل‬‫سو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َر ُ‬ ‫ن ي َلَز ُ‬ ‫ن أَبا هَُري َْرةَ كا َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِفي أ ْ‬ ‫م العَ َ‬ ‫شغَلهُ ْ‬ ‫صارِ كا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ما ل‬ ‫فظ َ‬ ‫ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫ضُرو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ل ي َ ْ‬ ‫ضُر َ‬ ‫ح ُ‬ ‫شب َِع ب َطن ِهِ وَي َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫اللهِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن'‪.‬‬ ‫ظو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ث عَ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن أَبا هَُري َْرةَ ي ُكث ُِر ال َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫قولو َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ه‪':‬إ ِن ّك ْ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ضا َر ِ‬ ‫ويقول أي ً‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صارِ ل‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ما َبا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫قولو َ‬ ‫م وَت َ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ث أِبي هَُري َْرةَ وَإ ِ ّ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ِ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫حد ّثو َ‬ ‫يُ َ‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّهِ‬ ‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ت أل َْز ُ‬ ‫ق وَك ُن ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫س َ‬
‫فقٌ ِبال ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫م َ‬ ‫شغَل ُهُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خوَِتي ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫سوا وَكا َ‬ ‫فظ إ َِذا ن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫شهَد ُ إ َِذا غاُبوا وَأ ْ‬ ‫ملِء ب َطِني فأ ْ‬ ‫م عَلى ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫كيًنا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرأ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫م وَكن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مل أ ْ‬ ‫صارِ عَ َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خوَِتي ِ‬ ‫ي َشغَل إ ِ ْ‬
‫م ِفي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫ِ َ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫سو‬ ‫َ ُ‬ ‫ر‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ن‬
‫ِ َ َْ َ ْ َ َ ْ‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫حي‬ ‫عي‬ ‫فةِ أ َ ِ‬ ‫ص ّ‬
‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫معَ إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫قال َِتي هَذِهِ ث ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي َ‬ ‫ض َ‬ ‫حّتى أقْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫حد ٌ ث َوْب َ ُ‬ ‫طأ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ي َب ْ ُ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫ه‪ ] :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫حد ّث ُ ُ‬ ‫ث يُ َ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫صّلى‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫َ ُ‬ ‫ر‬ ‫ضى‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫ّ َ ّ ِ‬‫تى‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫ُ َ ِ َ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ط‬ ‫س‬ ‫َ َ‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ل[‬ ‫قو‬ ‫أ‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫عى‬ ‫َ‬ ‫ثَ ْ َ ُ ِ َ‬
‫و‬ ‫إل‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫و‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫قالةِ َر ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫صد ِْري فَ َ‬ ‫َ‬
‫معْت َُها إ ِلى َ‬ ‫ج َ‬‫ه َ‬ ‫قالت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫يٍء‪ .‬رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫م ت ِل ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فمسألة التفّرغ هذه قد ل ُيطيقها في عصرنا إل من كان لديه إرث كبير‪ ،‬أو‬
‫عقار داّر ل يحتاج إلى مزيد متابعة‪ ،‬أو قريب ينفق‪ ،‬أو جهة خيرية تدعم وَتمدّ‪،‬‬
‫وق والنبوغ في العلم‪ -‬مثًل‪-‬لّنه كثير لو أعطيته كّلك أعطاك‬ ‫م للتف ّ‬ ‫وهذا مه ّ‬
‫ل الّناس‪ ،‬ول أكثرهم عندهم الهلية للنبوغ في العلم‪،‬‬ ‫م ليس ك ّ‬ ‫بعضه‪ ،‬ث ّ‬
‫م الغلب من الناس‪ :‬هل ُيمكن أن ُيمارس النسان‬ ‫ولنرجع للكلم على الع ّ‬
‫صة‪:‬‬ ‫أعماًل أخروية من خلل عمل دنيوي‪ :‬إليكم هذه الق ّ‬
‫عَ َ‬
‫ن‬
‫م َْ‬ ‫فلةٍ ِ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل‪ ] :‬ب َي َْنا َر ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ عَ ْ‬ ‫ْ‬
‫ب فَأفَْرغَ‬ ‫حا‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫حى‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫فل‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫دي‬ ‫ح‬ ‫ق‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫حا‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫تا‬ ‫و‬ ‫ص‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫َ‬
‫ّ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ََ ّ‬ ‫َ َ َ ٍ ْ ِ َ ِ َ‬ ‫َ ِ َ َ ًْ ِ‬ ‫ال ْ ِ‬ ‫ر‬
‫ك‬ ‫ن ت ِل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫شْر َ‬ ‫حّرةٍ ] الرض الصلبة ذات الحجارة السوداء [ فَإ َِذا َ‬ ‫ماءهُ ِفي َ‬ ‫َ‬
‫ماَء‬ ‫ه فَت َت َب ّعَ ال َْ‬ ‫ماَء ك ُل ُّ‬ ‫ك ال َْ‬ ‫ت ذ َل ِ َ‬ ‫ْ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫[‬ ‫الماء‬ ‫مسايل‬ ‫شراج‬ ‫ّ‬ ‫وال‬ ‫]‬ ‫ج‬ ‫را‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫ال‬
‫َ ِ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬
‫ْ َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫يا‬ ‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫حا‬ ‫َ ِ ْ َ‬ ‫س‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫ح‬
‫ُ َ ّ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫دي‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫قا‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫فَإ َِذا َر ُ‬
‫ج‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫ه َيا عَب ْد َ اللهِ ل ِ َ‬ ‫لل ُ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫حاب َةِ فَ َ‬ ‫س َ‬ ‫معَ ِفي ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫سم ِ ال ِ‬ ‫ن ِلل ْ‬ ‫ل ُفل ٌ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫س ُ‬ ‫ا ْ‬
‫ل‬‫قو ُ‬ ‫ماؤُهُ ي َ ُ‬ ‫ذي هَ َ‬ ‫ّ‬ ‫قا َ‬ ‫مي فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذا َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫س َ‬ ‫صوًْتا ِفي ال ّ‬ ‫ت َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل إ ِّني َ‬ ‫س ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫سألِني عَ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ذا فَإ ِّني أن ْظُر إ ِلى‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬
‫ت هَ َ‬ ‫ما إ ِذ ْ قُل َ‬ ‫ل‪ :‬أ ّ‬ ‫صن َعُ ِفيَها َقا َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫نل ْ‬ ‫ة ُفل َ ٍ‬ ‫ق َ‬ ‫دي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س ِ‬ ‫ا ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ه[ وفي رواية‪:‬‬ ‫عَياِلي ث ُلًثا وَأُرد ّ ِفيَها ث ُلث َ ُ‬ ‫ل أَنا وَ ِ‬ ‫صد ّقُ ب ِث ُلث ِهِ َوآك ُ‬ ‫من َْها فَأت َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ل[ رواه مسلم‪.‬‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫سا‬ ‫وال‬ ‫ن‬ ‫كي‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫]وأ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ففي هذا الحديث‪ :‬فضل الصدقة والحسان إلى المساكين وأبناء السبيل‪,‬‬
‫وفضل أكل النسان من كسبه‪ ,‬والنفاق على العيال ‪ .‬إذن‪ :‬من الخطأ أن‬
‫ما عن عمل الخرة‪ ،‬وأّنه ل ُيمكن‬ ‫ور أن العمل الدنيوي منفصل تما ً‬ ‫نتص ّ‬
‫خروي من خلل العمل الدنيوي‪.‬‬ ‫ُ‬
‫احتساب شيٍء أ ْ‬
‫شرع كانت وباًل على صاحبها‪،‬‬ ‫ولكن العمال الدنيوية إذا لم تنضبط بضوابط ال ّ‬
‫فما هي التوجيهات التي وردت في الشريعة بشأن هذا الموضوع ‪ ،‬إليكم‬
‫ضها‪:‬‬ ‫بع ُ‬
‫َ‬
‫ن الد ّن َْيا‬ ‫م‪] :‬أل إ ِ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫‪ -1‬اليمان بحقارة الدنيا وتفاهتها‪َ :‬قا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫م[ رواه الترمذي‬ ‫مت َعَل ٌ‬ ‫م أوْ ُ‬ ‫عال ِ ٌ‬ ‫ما َواله ُ وَ َ‬ ‫ما ِفيَها ِإل ذِك ُْر الل ّهِ وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ُْعو ٌ‬ ‫ة َ‬ ‫مل ُْعون َ ٌ‬ ‫َ‬
‫وابن ماجة‪.‬‬
‫ن‬‫مل ُْعو ٌ‬ ‫ة[ أي‪ :‬مبغوضة من الله لكونها مبعدة عن الله ] َ‬ ‫مل ُْعون َ ٌ‬ ‫فقوله‪ ] :‬الد ّن َْيا َ‬
‫ه[ أي أحبه الله من‬ ‫ما َوال ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ما ِفيَها[ أي مما يشغل عن الله ‪ِ ].‬إل ذِكُر اللهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫أعمال البر وأفعال القرب ‪.‬‬
‫‪ -2‬الزهد في الدنيا‪ ،‬وعدم تعّلق القلب بها‪ :‬كما قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪] :‬اْزهَد ْ ِفي الد ّن َْيا‪[...‬رواه ابن ماجة‪ .‬فإذا كانت الموال بمثابة الحمار‬
‫قا بالدنيا مع متاجرته وعمله‪ .‬وسئل المام أحمد‬ ‫الذي يركبه‪ ،‬فهذا ليس متعل ً‬
‫دا وعنده مائة ألف؟ قال‪ ':‬نعم بشرط أن ل يفرح إذا زادت‪،‬‬ ‫أيكون الرجل زاه ً‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول يحزن إذا نقصت'‪.‬‬


‫ع‬ ‫َ‬
‫جاَرة ٌ وَل ب َي ْ ٌ‬ ‫م تِ َ‬ ‫ْ‬
‫جال ل ت ُلِهيهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -3‬عدم النشغال بها عن الخرة‪ :‬قال تعالى‪}:‬رِ َ‬
‫مُنوا لَ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه‪] { [37] ...‬سورة النور[‪ .‬وقوله تعالى‪َ }:‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬‫أو‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ َ َ ْ َ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫ذ‬ ‫ن‬
‫ْ ُ ْ َ ْ ِ ِ‬‫ع‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫د‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ْ َ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫وا‬‫ت ُل ْهِ ْ ْ َ‬
‫م‬ ‫أ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬
‫ن]‪]{[9‬سورة المنافقون[‪ ، .‬يقول تعالى‪ :‬ل تشغلهم الدنيا وزخرفها‪،‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وزينتها‪ ،‬وملذ بيعها وربحها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم‪ ،‬والذين‬
‫يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم؛ لن ما عندهم ينفد‪،‬‬
‫وما عند الله باق‪.‬‬
‫ما من أهل السوق حيث نودي للصلة المكتوبة‬ ‫عن ابن مسعود أنه رأى قو ً‬
‫تركوا بياعتهم ونهضوا إلى الصلة‪ ،‬فقال عبد الله بن مسعود هؤلء من الذين‬
‫ه‪{[37]...‬‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّ ِ‬ ‫جاَرة ٌ وََل ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫م تِ َ‬‫ل َل ت ُل ِْهيهِ ْ‬‫جا ٌ‬ ‫ذكر الله في كتابه‪}:‬رِ َ‬
‫]سورة النور[‪ .‬وهكذا عن عبد الله بن عمر أنه كان في السوق‪ ،‬فأقيمت‬
‫الصلة‪ ،‬فأغلقوا حوانيتهم‪ ،‬ودخلوا المسجد‪ ،‬فقال ابن عمر‪ ':‬فيهم نزلت ‪:‬‬
‫ه‪]{[37]...‬سورة النور[‪ . '.‬وقال‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّ ِ‬ ‫جاَرة ٌ وََل ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫م تِ َ‬ ‫ل َل ت ُل ِْهيهِ ْ‬ ‫جا ٌ‬ ‫}رِ َ‬
‫مطر الوراق‪ ':‬كانوا يبيعون ويشترون‪ ،‬ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء‬
‫وميزانه في يده خفضه‪ ،‬وأقبل إلى الصلة'‪.‬‬
‫‪ -4‬القناعة‪:‬‬
‫حنو ُ‬
‫ط‬ ‫نصيبك مما تجمع الدهَر كّله رداءان ُتلوى فيهما و َ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫هي القناعة ل تبغي بها بدًل فيها النعيم وفيها راحة البدن‬
‫انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ك إ َِلى‬‫ن عَي ْن َي ْ َ‬ ‫‪ -5‬ترك محّرماتها‪ ،‬وعدم الفتتان بزخرفها‪ :‬قال تعالى‪}:‬وََل ت َ ُ‬


‫مد ّ ّ‬
‫َ‬
‫خي ٌْر‬ ‫ك َ‬‫م ِفيهِ وَرِْزقُ َرب ّ َ‬ ‫فت ِن َهُ ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا ل ِن َ ْ‬‫م َزهَْرةَ ال ْ َ‬‫من ْهُ ْ‬
‫جا ِ‬‫مت ّعَْنا ب ِهِ أْزَوا ً‬
‫ما َ‬ ‫َ‬
‫قى]‪]{[131‬سورة طه[‪.‬‬ ‫وَأ َب ْ َ‬
‫‪-6‬إخراج حقوق الله من ممتلكاتها‪ :‬تسليم حقّ المال‪ :‬زكاة المال والّزرع‪:‬‬
‫ه‪]{[141]...‬سورة النعام[‪ .‬النفقات الواجبة على‬ ‫صادِ ِ‬
‫ح َ‬ ‫م َ‬‫ه ي َوْ َ‬
‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬‫}‪َ...‬وآُتوا َ‬
‫هّ‬
‫ض الل َ‬ ‫قرِ ُ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن َذا ال ِ‬ ‫م ْ‬
‫الزوجة والولد والوالدين المحتاجين والصدقات‪َ }:‬‬
‫سًنا‪]{[245]...‬سورة البقرة[‪.‬‬ ‫ح َ‬
‫ضا َ‬ ‫قَْر ً‬
‫‪ -7‬اللتزام بالحكام الشرعية في الكتساب والنفاق‪ :‬وهي لما أباحت أنواع‬
‫داها في عمله الدنيوي؛‬ ‫دت حدوًدا من تع ّ‬ ‫المكاسب الطّيبة جعلت ضوابط‪ ،‬وح ّ‬
‫ما‪،‬‬ ‫م والوعيد‪ ،‬فمن ذلك‪ :‬أن ل يعمل محّر ً‬ ‫وقع في المحظور‪ ،‬ودخل في الذ ّ‬
‫ش ‪ ،‬ول يحتكر ‪.‬‬ ‫ول يبيعه كخمر‪ ،‬وخنزير‪ ،‬ول يغ ّ‬
‫دخول في‬ ‫شريعة كذلك بتحريم المضارة بالخرين‪ ،‬وتحريم ال ّ‬ ‫وجاءت ال ّ‬
‫الوظائف المحرمة‪ ،‬وتحريم بيع المحرمات‪ ،‬ومنع تأجيرها‪ ،‬واستيفاء الشروط‬
‫الشرعية في البيع‪ :‬كالتراضي‪ ،‬وتحديد الثمن‪ ،‬وأن ل يبيع ما ل يملك‪...‬وهكذا‪.‬‬
‫وعدم مخالفة ذلك‪ ،‬وعدم النفاق في المحرمات؛ ل شراًء ول استئجاًرا ‪.‬‬
‫‪ -8‬حسن القصد والنّية الحسنة‪ :‬بأن يقصد بتجارته وجه الله‪ ،‬ل الشر‪ ،‬ول‬
‫البطر‪ ،‬ول التفاخر‪ ،‬ول التكاثر‪ ،‬وأن يقصد إعفاف نفسه عن سؤال الناس‪،‬‬
‫ل من تلزمه نفقتهم من‬ ‫والستغناء عن الخلق‪ ،‬والنفاق على نفسه وأهله‪ ،‬وك ّ‬
‫صدقة‪ ،‬والنفاق في ك ّ‬
‫ل‬ ‫القارب‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬وأداء حقّ المال من الزكاة وال ّ‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب‪.‬‬‫ما يحّبه الر ّ‬


‫من‪':‬عمل الدنيا ل ينافي عمل الخرة'للشيخ‪ /‬محمد بن صالح المنجد‬

‫)‪(5 /‬‬

‫عمل الزوجات ‪ ...‬طفلك وبيتك في خطر‬


‫بشار دراغمة ومحمد جمال ‪28/3/1427‬‬
‫‪26/04/2006‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫السابعة صباحا‪ ،‬حالة استنفار كاملة في المنزل‪ ،‬طفل ل يزال نائما‪ ،‬والب‬
‫ارتفع صوته مطالبا ً زوجته بالسراع‪ ،‬وتلك الم تجبر طفلها ابن العوام الثلثة‬
‫على النهوض من نومه بعدما أمضى ثلثي ليله بصراخ وبكاء بسبب مرضه‬
‫ليوصله إلى حضانته قبل ذهابهما إلى عملهما‪ ،‬تلك هي نماذج من يوميات‬
‫الزوجة العاملة خارج المنزل في مجتمعنا‪ .‬فالكثير من المشاكل السرية كان‬
‫سببها عمل الزوجة‪ ،‬وتتراكم تلك المشاكل عندما يكون لدى تلك الزوجة‬
‫أطفال تضطر لوضعهم في الحضانات‪ ،‬ولدى المربيات بالجور أو عند‬
‫القارب والجيران مما يؤثر بشكل كبير على تربيتهم وسلوكهم وحتى عاداتهم‬
‫وتقاليدهم‪ .‬والكثير من حالت الطلق حدثت للسبب نفسه‪ ،‬فل طعام للغداء‬
‫ينتظر الزوج عند وصوله للبيت؛ لن الزوجة لم تصل بعد‪ ،‬وربما تتأخر ساعة‬
‫أو ساعتين عن موعد دوامها الرسمي بسبب ضغط العمل لديها‪ .‬ويتزامن كل‬
‫هذا في الوقت الذي يجمع فيه أخصائيو التربية وعلم الجتماع والنفس والدين‬
‫على أن عمل الزوجة إذا لم يكن مدروسا ً ووفقا ً لضوابط معينة والتزام كامل‬
‫فإنه سيكون حتما ً مدخل ً لمشكلت ل حدود لها‪.‬‬
‫طلق بعد شهرين من العمل‬
‫فرحت أمل كثيرا ً عندما وجدت لنفسها عمل ً في إحدى الشركات الكبرى بعد‬
‫دمت على مدار ستة أعوام طلبات للتوظيف‪ ،‬لكن دون فائدة‪ ،‬ولم يكن‬ ‫أن ق ّ‬
‫هدفها من العمل سوى مساعدة زوجها في متطلبات الحياة‪ .‬إل أن العمل‬
‫الذي وجدته انقلب نقمة عليها وعلى بيتها وزوجها‪ .‬وتروي أمل تلك الحكاية‬
‫بقولها‪" :‬فرحت كثيرا ً عندما حصلت على هذا العمل‪ ،‬فقد كان الراتب‬
‫الشهري مغريا ً جدًا‪ ،‬لكن ساعات الدوام طويلة جدًا‪ ،‬ول ينتهي عملي إل في‬
‫الثامنة مساء بينما ينهي زوجي عمله في الثانية بعد الظهر"‪.‬‬
‫وتوضح أمل ‪-‬وهي أم لطفلين اثنين‪ -‬أنها شعرت بصعوبات كبيرة في أولى‬
‫أيام العمل‪ ،‬ولم يعد بإمكانها التنسيق بين عملها ومتطلبات بيتها وطفليها‬
‫وزوجها‪ ،‬فكل يوم تعود وتجد زوجها ملقى على تلك الكنبة ينتظر طعام الغداء‬
‫الذي لن يتم تجهيزه قبل العاشرة مساء‪ ،‬وبعد تناول الطعام يذهب الثنان‬
‫للنوم بعد أن يكون قد أنهكهما التعب‪ .‬بينما الطفلن محمد وأسامة ل يزالن‬
‫مستيقظين‪ ،‬ول أحد يعلم متى سينامان‪.‬‬
‫وتضيف أمل‪" :‬لم أعد أجد فرصة للحديث مع زوجي في شؤون البيت‪ ،‬كما‬
‫أنني ‪-‬ومن شدة التعب‪ -‬لم أعد أرى أبنائي إل دقائق معدودة‪ ،‬ولم أعد‬
‫أتحدث معهم مطلقًا‪ ،‬وشعرت أن زوجي بدأ يمل من هذا الوضع‪ ،‬ولحظت‬
‫أن حالة من العصبية بقيت مرافقه له‪ ،‬وذلك بسبب وضع الطفال الذين لم‬
‫أعد أعرف ماذا يريدون‪ ،‬ولم أعد قادرة على تربيتهم‪ ،‬حتى إنني لم أعد‬
‫أعرف إذا ما كانوا أصحاء أم مرضى"‪.‬‬
‫أما مراد زوج أمل فإنه يتحدث بمرارة عما كان يحدث معه خلل فترة عمل‬
‫زوجته‪ .‬ويقول‪" :‬بسبب وضع الطفال في الحضانة فإنني بت أرى أطفالي‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتحدثون بكلمات نابية ول أخلقية‪ .‬لقد دهشت كثيرا ً عندما سمعت أحدهم‬
‫يشتم الخر بطريقة ل أريد ذكرها‪ ،‬وفي نفس الليلة طلبت من زوجتي أن‬
‫تترك عملها بشكل فوري‪ ،‬وتتفرغ لشؤون البيت وتربية الطفال بدل ً من‬
‫وضعهم في الحضانة إل أنها أخبرتني بأن عقدها مع الشركة مدته ثلث‬
‫سنوات‪ ،‬وأن هناك شرطا ً جزائيا ً على هذا العقد يشترط دفع مبلغ كبير جدا ً‬
‫إذا تركت العمل قبل انتهاء مدة العقد"‪.‬‬
‫مراد الذي وجد نفسه محاصرًا‪ ،‬وبات يعاني كل يوم من وضع بيته السرى لم‬
‫يقدر على الستمرار في تلك الحياة‪ ،‬فما كان منه إل تطليق زوجته بعد‬
‫شهرين فقط من عملها‪.‬‬
‫حن مّرتين‬ ‫زوجات عاملت ‪ ...‬نج ْ‬
‫ً‬
‫لم يكن عمل الزوجة عائقا أمام العديد من العائلت في تحقيق النجاح‪ ،‬فتلك‬
‫الزوجة التي اختارت لنفسها عمل ً في إحدى مدارس الناث كانت موفقة جدا ً‬
‫خصته أم‬ ‫في عملها‪ ،‬والتنسيق بين العمل وكافة شؤون بيتها‪ .‬هذا النموذج ل ّ‬
‫عامر من خلل مخطط كامل وضعته بالتنسيق مع زوجها‪ ،‬لكيل تحدث أي‬
‫مشاكل في المستقبل بسبب عملها‪ .‬وفي البداية اتفق الثنان على أن عمل‬
‫أم عامر يجب أن يكون في مدرسة للناث فقط‪ ،‬وينتهي دوامها في وقت‬
‫مبكر وقبل انتهاء عمل الزوج بثلث ساعات على القل‪ .‬وتضيف أم عامر‪" :‬‬
‫قّررنا وضع الطفال في الحضانة‪ ،‬واخترت حضانة أطفال قريبة جدا ً من‬
‫المدرسة التي أعمل بها‪ ،‬وصباحا ً كنت آخذ أطفالي معي‪ ،‬وأضعهم في‬
‫الحضانة‪ ،‬وأطمئن عليهم‪ ،‬وبين كل حصة وأخرى كنت أذهب لرؤيتهم‬
‫والحديث معهم مدة دقيقتين لكي أبقى على تواصل معهم"‪ .‬أم عامر حققت‬
‫نجاحها في عملها‪ ،‬وفي الوقت نفسه فقد نجحت في تربية أطفالها وإدارة‬
‫شؤون بيتها على أكمل وجه‪.‬‬
‫الحضانة تقود ابنك للعزلة‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الدكتور فيصل الزعنون أخصائي علم الجتماع يرى في حديثه مع شبكة‬


‫)السلم اليوم( بأن عمل النساء المتزوجات يؤثر بشكل مباشر على تربية‬
‫الطفال الصغار إذا لم تقم الم بدورها التربوي‪ ،‬وهي بحاجة إلى مضاعفة‬
‫جهدها في تربية الطفال وخصوصا ً في مثل هذه الفترة الحساسة للطفل؛ إذ‬
‫يكون البديل إما في دور الحضانة أو في رياض الطفال‪ ،‬أو أن تقوم الم‬
‫بإرسال الطفل إلى أحد أقاربها أو جاراتها‪ ،‬وهذا يؤثر على عملية التنشئة‪،‬‬
‫وبالتالي على التربية‪.‬‬
‫ومن ناحية اجتماعية يرى الدكتور الزعنون أن وضع الطفال في الحضانات‬
‫يؤدي إلى عزلة الطفل عن المجتمع‪ ،‬وهذا يخالف ما ُيعرف عن مجتمعاتنا‬
‫العربية التي تحتفظ بعلقات اجتماعية قوية بين أفرادها‪ ،‬أي أن مجتمعنا‬
‫اجتماعي بطبيعته‪ ،‬عكس المجتمعات الوروبية‪.‬‬
‫وأضاف الزعنون بأن أطفال النساء العاملت ل يتلقون التنشئة الصحية عندما‬
‫يكونون بعيدين عن أمهاتهم إذا كانت فترة العمل طويلة‪ ،‬ولكن على المرأة‬
‫أن تنسق وقتها لجل الهتمام ببيتها وزوجها‪.‬‬
‫وأضاف الزعنون‪" :‬يجب على الزوجين تنسيق الدوار من أجل تربية الطفال‬
‫بطريقة صحيحة لجل البعد عن حدوث مشاكل قد تؤدي في نهاية المطاف‬
‫إلى الطلق‪ ،‬وهي المشكلة التي يكون الطفال ضحيتها في الحقيقة؛ إذ يثبت‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علم الجتماع بأن عدم التفاهم بين الزوجين قد يؤدي إلى الطلق‪ ،‬وقد يكون‬
‫من هذه المشاكل عمل الزوجة نتيجة تأخرها إلى ساعات متأخرة خارج‬
‫البيت"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬عمل الزوجة بالدرجة الساسية على الطفال الصغار؛ لن هذه‬
‫ساسة لها تأثيراتها السلبية على الطفل"‪.‬‬‫المرحلة ُتعد ّ مرحلة اجتماعية ح ّ‬
‫الخوف من الخرين‬
‫عملك يجعل طفلك خائفا ً‬
‫الدكتور عبد عساف رئيس قسم علم النفس في جامعة النجاح الوطنية يؤكد‬
‫لـ)السلم اليوم( بأن هناك دراسات متباينة في علم النفس حول تأثيرات‬
‫عمل الزوجة على الطفال والبيت بشكل عام‪ ،‬منها ما يقول إن عمل الزوجة‬
‫ل يؤثر على الحالة النفسية للطفال‪ ،‬ودراسات أخرى تبين التأثير السلبي من‬
‫حيث عدم إعطاء الم الرعاية الكافية لطفالها‪ ،‬بحيث ل تشبع تلك الم‬
‫الحاجات النفسية لطفالها بسبب قضاء وقت طويل خارج البيت‪ ،‬ومن‬
‫الضروري النتباه إلى إشباع تلك الحاجات‪ ،‬وفي حال عدم إشباعها يؤدي ذلك‬
‫إلى مشاكل نفسية لدى الطفل‪ ،‬قد تسبب له الخوف وعدم القدرة على‬
‫التعامل مع الخرين‪.‬‬
‫وأضاف "عساف" بأن تغير طبيعة الوضع في المجتمعات العربية والظروف‬
‫القتصادية الصعبة يتطلب من المرأة أن تخرج للعمل بما يناسبها‪ ،‬ولكن يجب‬
‫ض‬‫أل ّ يكون ذلك على حساب الراحة النفسية للطفل؛ إذ إن حنان الم ل ُيعو ّ‬
‫في كل الحضانات المنتشرة داخل مجتمعاتنا‪ ،‬حيث تكون هناك نتائج سلبية‬
‫للحضانات إذا تعاملت الحضانات مع الطفال بطريقة خاطئة‪ ،‬ولكن في‬
‫المجمل هناك تناقض في نتائج دراسات علم النفس حول تأثيرات عمل‬
‫الزوجة على الطفال والبيت‪.‬‬
‫وتطرق "عساف" إلى ضرورة أن تكون الحضانات التي ُيرسل إليها الطفال‬
‫مؤهلة للتعامل النفسي معهم‪ ،‬بحيث تكون جزءا ً من المرحلة الساسية‬
‫للطفل قبل إرساله إلى المدرسة‪ ،‬وأنه ل مانع من عمل المرأة‪ ،‬ولكن عليها‬
‫تقديم المزيد من الهتمام لطفالها داخل البيت وخارجه؛ لتدارك المشاكل‬
‫النفسية التي يمكن أن تنتج عن عملها‪ ،‬وخصوصا ً إذا كانوا صغار السن‪.‬‬
‫وأضاف "عساف"‪" :‬هناك مسؤولية مباشرة ُتلقى على عاتق الزوج من خلل‬
‫قيامه بدور تكاملي مع زوجته‪ ،‬بتحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقه في‬
‫التربية التي ُتعد ّ أساسا ً في تربية الطفل من حيث تفهم وضع الزوجة‪ ،‬التي‬
‫تحتاج إلى العمل بسبب الظروف القتصادية لتحسين وضع العائلة‬
‫القتصادي‪ ،‬أو من أجل تحقيق ذاتها في المجتمع"‪.‬‬
‫السلم لم يمنع عمل المرأة‬
‫من جهته أكد الدكتور محمد حافظ الشريدة المحاضر في كلية الشريعة بأن‬
‫السلم لم يمنع المرأة من العمل‪ ،‬موضحا ً أن عليها أن تختار العمل‬
‫المناسب واللئق لها بعيدا ً عن الختلط والسفور‪ ،‬و بشرط أل ّ يؤثر عملها‬
‫خلقت من أجلها‪ ،‬وهي تربية الطفال وصناعة‬ ‫على الوظيفة الساسية التي ُ‬
‫البطال‪.‬‬
‫وأضاف "الشريدة"‪" :‬هناك نماذج وردت في السنة النبوية حول عمل المرأة‪،‬‬
‫ومنها رفيدة السلمية التي راقبت السواق بتكليف من عمر بين الخطاب‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬إضافة إلى مشاركة فعلية للصحابيات في المعارك‪ ،‬وديننا ل‬
‫يتعارض مع عمل الزوجة‪ ،‬ولكن بشرط الهتمام بالطفال وعدم إهمالهم‪،‬‬
‫وخصوصا ً عند إرسالهم إلى الحضانات أو أحد الجيران و القارب؛ إذ من‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قد الطفل جسميا ً وتعليميا ً ونفسيا ً بعد عودته من الحضانة"‪.‬‬


‫الواجب تف ّ‬
‫وقدم "الشريدة" نصائح دينية للنساء العاملت المتزوجات في أن تحرص‬
‫الزوجة على ملزمة البيت أكبر قدر ممكن من الوقت بهدف إعطاء الزوج‬
‫والطفال فرصة مناسبة تؤدي في النهاية إلى التآلف داخل البيت بين العائلة‬
‫الواحدة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وأضاف "الشريدة"‪" :‬ل تحصل ‪-‬بإذن الله تعالى‪ -‬أي مشاكل إذا تم كل شيء‬
‫على أساس التفاهم بين الزوج والزوجة‪ ،‬وإذا فهم كل منهم الخر وعرف‬
‫دوره‪ ،‬وفي حال حدث نوع من المشاكل بسبب عمل المرأة فيجب حلها‬
‫بالتفاهم داخل البيت‬
‫وليس خارجه"‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫عمل المرأة السياسي‬


‫‪22-6-2005‬‬
‫بقلم د‪ .‬عدنان علي رضا النحوي‬
‫"‪...‬مناقشة هادئة من الكاتب لما سبق وأن أفتى به الدكتور يوسف‬
‫القرضاوي بخصوص عمل المرأة السياسي وحدود ذلك في الشريعة‬
‫السلمية‪"...‬‬
‫َ‬
‫أشير إلى فتوى أخي الكريم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ‪ -‬هداه الله ‪، -‬‬
‫كما نشرتها مجلة البلغ الكويتية في عدديها )‪ (1638‬الحد ‪ 24‬صفر ‪1426‬هـ‬
‫الموافق ‪ 3‬أبريل ‪25‬م للسنة )‪ ، (36‬والعدد )‪ (1639‬الحد ‪1‬ربيع الول‬
‫‪1426‬هـ الموافق ‪ 1‬أبريل ‪25‬م ‪ ،‬حول عمل المرأة السياسي وحكم السلم‬
‫في ذلك ‪.‬‬
‫فّرق بين المرأة والرجل في‬ ‫لقد ابتدأ فضيلته كلمته بقوله ‪ " :‬فالسلم لم ي ُ َ‬
‫ممارسة الحقوق السياسية فهما على قدم سواء ‪ " .‬فهذا حكم عام مطلق‬
‫ص من الكتاب والسنة ‪ ،‬أو أنه يمثل ممارسة‬ ‫يكاد يوحي بأنه مستقى من ن ّ‬
‫ص العام المطلق على‬ ‫ن الن ّ‬‫وة ‪ .‬إ ِ ّ‬‫واضحة في التاريخ السلمي منذ عهد النب ّ‬
‫ح إل بتوافر‬‫هذه الصورة الجازمة التي أتت بها الفتوى دون أي قيود ‪ ،‬ل تص ّ‬
‫دة في المجتمع‬ ‫ص ثابت من الكتاب والسنة ‪ ،‬أو بتوافر ممارسة واقعية ممت ّ‬ ‫ن ّ‬
‫السلمي الملتزم بالكتاب والسنة ‪ ،‬والذي تكون فيه كلمة الله هي العليا ‪.‬‬
‫ص يجيز هذا الحكم العام المطلق‬ ‫ولكننا ل نجد في الكتاب والسّنة أيّ ن ّ‬
‫دة له في حياة‬ ‫الخالي من أي قيود ‪ ،‬ول نجد كذلك أيّ ممارسة عملّية ممت ّ‬
‫المسلمين والمجتمع السلمي الملتزم منذ عهد النبوة الخاتمة محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وحياة الخلفاء الراشدين ‪ ،‬وسائر فترات التاريخ التي التزم‬
‫ي صلى الله عليه وسلم لم يمارسن النشاط‬ ‫م ‪ .‬نساء النب ّ‬
‫فيها المجتمعُ السل َ‬
‫ي مساويات للرجال على قدم سواء ‪ ،‬ول نساء الخلفاء الراشدين ‪،‬‬ ‫السياس ّ‬
‫ول نساء العصور التي تلت ‪ ،‬ول نجد هذه الدعوة التي تطلقها فتوى فضيلته‬
‫إل في العصور الحديثة المتأخرة التي انحسر فيها تطبيق السلم ‪ ،‬وغزا‬
‫الفكر الغربي ديار المسلمين ‪.‬‬
‫وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا إلى زوجه أم سلمة ما حدث‬

‫‪208‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي استحسنه وأخذ به ‪ ،‬فهذه حالة‬ ‫من أصحابه في الحديبية ‪ ،‬فأشارت عليه برأ ٍ‬
‫طبيعية في جوّ السرة المسلمة أن ُيفرغ الرجل إلى زوجته بعض همومه ‪،‬‬
‫وأن يستشيرها في ذلك ‪ ،‬وأن يستمع إلى رأيها ‪ ،‬فإن وجد فيه خيرا ً أخذ به ‪،‬‬
‫وإن لم يجد ْ تركه ‪ .‬هذه حادثة نتعلم منها أدب الحياة الزوجّية في السلم ‪،‬‬
‫ونتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ونسائه في ذلك ‪ ،‬دون أن نعتبر‬
‫ذلك نشاطا ً سياسيا ً لنخرج منها بحكم عام مطلق ينطبق على جميع النساء‬
‫في جميع العصور والماكن في النشاط السياسي ‪.‬‬
‫ي‬
‫وأم سلمة بعد ذلك لم ُيعَرف عنها أنها شاركت في النشاط السياس ّ‬
‫مساوية للرجال على قدم سواء ‪ ،‬وكذلك سائر النساء لم يعرف عنهن هذه‬
‫ة للرجال في المجتمع المسلم ‪ .‬فهذه حادثة تكاد تكون‬ ‫المشاركة المساوي ً‬
‫فريدة ل تصلح لطلق حكم عام ‪.‬‬
‫وحين أنزل الله سبحانه وتعالى على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫ن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين‬ ‫ي قل لزواجك إن كنت ُ ّ‬ ‫قوله ) يا أيها النب ّ‬
‫ن سراحا جميل ‪ .‬وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الخرة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫سرحك ّ‬ ‫ن وأ ّ‬ ‫أمتعك ّ‬
‫فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا ً عظيما ً ( ‪ ،‬لم يكن المر أن نساء النبي‬
‫ي والمتع الدنيوية ‪ ،‬كما هو حال نساء الملوك‬ ‫يتطّلعن إلى الزينة والحل ّ‬
‫والرؤساء ‪.‬‬
‫ي‬
‫ن يدركن وهن في مدرسة النبوة أن السلم نهج آخر ‪ ،‬ولكن حياة النب ّ‬ ‫لقد ك ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم كان فيها شدة وتقشف وزهد لم يكن في سائر بيوت‬
‫ن من المؤمنات ‪ ،‬ل مستوى‬ ‫المؤمنين ‪ ،‬فأردن المساواة مع مستوى غيره ّ‬
‫الملوك والرؤساء ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وعندما ندرس هذه اليات وما يتعلق بنساء النب ّ‬
‫فإنما ندرسه ليس من منطلق الرغبات الدنيوية الظاهرة في حياة الملوك ‪،‬‬
‫ص عليها القرآن الكريم‬ ‫وإنما ندرسه منطلقين من القاعدة الرئيسة التي ن ّ‬
‫ن ُأمهات المؤمنين ‪ ،‬لهن هذه الحرمة العظيمة والمنزلة العظيمة ‪.‬‬ ‫من أنه ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫فجاءت هذه اليات الكريمة لتذكر المسلمين ونساء النب ّ‬
‫وسلم والنساء المؤمنات بعامة أن هناك نهجين مختلفين للحياة في ميزان‬
‫السلم ‪ :‬نهج الدار الخرة وما يشمله من قواعد وأسس ونظام ‪ ،‬ونهج الدنيا‬
‫وما يموج فيه من أهواء وشهوات ‪ .‬نهجان مختلفان ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫والر‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫الح‬ ‫ونهج‬ ‫نهجان قد مّيز الرحمن بينهما ****** نهج الضلل‬
‫قا ً على فَن َدِ‬‫ل يجمع الله نهج المؤمنين على ****** نهج الفساد ول ح ّ‬
‫عت أمهات المؤمنين هذا التذكير ‪ ،‬فاختْرن الله ورسوله والدار‬ ‫ولقد وَ َ‬
‫ن بذلك القدوة للنساء المؤمنات أبد الدهر ‪.‬‬ ‫الخرة ‪ ،‬ليك ُ ّ‬
‫صة بالنساء ‪ ،‬الطباع التي فطرن عليها‬ ‫ول يتعارض هذا مع بقاء الطباع الخا ّ‬
‫ذبها السلم ويصونها من النحراف ‪.‬‬ ‫يه ّ‬
‫ولقد خلق الله المرأة لتكون امرأة ً ‪ ،‬وخلق الرجل ليكون رجل ً ‪ ،‬وجعل‬
‫سبحانه وتعالى بحكمته تكوينا ً للمرأة في جسمها ونفسّيتها ‪ ،‬وجعل للرجل‬
‫تكوينا ً متميزا ً في جسمه ونفسّيته ‪ ،‬ومازال العلم يكتشف الفوارق التي تظهر‬
‫بين الرجال والنساء ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ت وحقوقا ً ‪ ،‬وللمرأة‬
‫وعلى ضوء ذلك ‪ ،‬جعل الله للرجل مسؤوليات وواجبا ٍ‬
‫مسؤوليات وواجبات وحقوقا ً ‪ ،‬لتكون المرأة شريكة للرجل ل مساوي ً‬
‫ة له ‪،‬‬

‫‪209‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل منهما بمسؤولياته‬ ‫حتى يتكامل العمل في المجتمع السلمي ‪ ،‬حين يوفي ك ّ‬


‫ل منهما حدوده كما بّينها الله لهم جميعا ً ‪.‬‬ ‫وقد عرف ك ّ‬
‫وهناك حقوق مشتركة بين الرجل والمرأة ‪ .‬فالبيت المسلم هو ميدان‬
‫ول الرجل ِإلى‬ ‫التعاون في ظلل الموّدة والسكن والرحمة ‪ ،‬دون أن يتح ّ‬
‫امرأة أو المرأة إلى رجل ‪.‬ومن حق المرأة أن تتعلم لن طلب العلم فريضة‬
‫على كل مسلم ‪ ،‬رجل ً كان أو امرأة "‪ :‬طلب العلم فريضة على كل مسلم‬
‫"‪.‬‬
‫قها وواجبها أن تكون مدرسة للنساء ‪ ،‬وطبيبة للنساء ‪ ،‬وفي كل نشاط‬ ‫ومن ح ّ‬
‫مارسته النساء المؤمنات في مجتمعات يحكمها منهاج الله وكلمة الله فيها‬
‫هي العليا ‪ ،‬دون أن يتشب ّْهن بالرجال ‪ :‬فعن ابن عباس رضي عنه عن‬
‫ن الله المتشّبهات من النساء بالرجال ‪،‬‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لع َ‬
‫والمتشّبهين من الرجال بالنساء " وعن عائشة رضي الله عنها عن الرسول‬
‫ة من النساء "‬ ‫جل َ‬
‫ن الله الّر ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬لع َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأمثلة كثيرة ل مجال لحصرها هنا تبّين أن للسلم نهجا مختلفا عن نهج‬
‫الشتراكية والعلمانية والديمقراطية ‪ ،‬وتبّين بالنصوص والتطبيق كما أسلفنا‬
‫أن المرأة ليست مساوية للرجل في النشاط السياسي في السلم ‪ ،‬إل إذا‬
‫وغات له في‬ ‫نزعنا إلى نهج آخر أخذت تدّوي به الدنيا ‪ ،‬وأخذنا نبحث عن مس ّ‬
‫دين الله ‪.‬‬
‫م المرأة متمّيزا ً بذلك من غيره طاعتها لزوجها ‪،‬‬ ‫ومن أهم ما أمر به السل ُ‬
‫ت آمرا ً أحدا ً أن يسجد‬ ‫حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬لو كن ُ‬
‫لغير الله لمرت المرأة أن تسجد لزوجها ‪ ،‬ول تؤّدي المرأة حقّ الله عّز وج ّ‬
‫ل‬
‫عليها كّله حتى تؤّدي حقّ زوجها عليها كله ‪ " ...‬إلى آخر الحديث‬
‫فعندما ندرس المرأة وحقوقها ومسؤولياتها في السلم فيجب أن ننطلق من‬
‫حماية السرة ورعاية الطفال وتربيتهم ‪ ،‬فالسرة والبيت المسلم هو ركن‬
‫المجتمع السلمي وأساسه ‪ ،‬وهو المدرسة الولى التي تبني للمة أجيالها ‪ ،‬ل‬
‫تتركهم للخادمات وغيرهن ‪.‬‬
‫وأعجب من حديث أخي الشيخ د ‪ .‬القرضاوي في حديثه وفتواه من أنه لم‬
‫يشر إلى السرة والبيت وواجب المرأة فيه ‪ ،‬وَأثر عمل المرأة السياسي‬
‫على جو السرة وحقوق الطفال وحق الزوج ‪.‬‬
‫ور الكامل المترابط لنشاط المرأة ‪ ،‬دون أن‬ ‫في السلم لبد من عرض التص ّ‬
‫كز عليه السلم ولم يبرزه ل‬ ‫كز على أمر لم ير ّ‬ ‫جْزءا ً وندع أجزاًء ‪ ،‬ونر ّ‬
‫نأخذ ُ‬
‫في نصوصه ول في ميدان الممارسة ‪.‬‬
‫فالحياة السلمية متكاملة مترابطة في نهج السلم ‪ ،‬ل تتناثر قطعا ً معزولة‬
‫بعضها عن بعض ‪.‬‬
‫ول يمنع شيء أن يخرج من بين النساء المؤمنات عالمات مبدعات‬
‫شاعرات ‪ ،‬مفتيات موهوبات ‪.‬‬
‫دده‬‫دد دور المرأة في السلم ‪ ،‬فالذي يح ّ‬ ‫ولكن هذا كله ليس هو الذي يح ّ‬
‫دة الواضحة ‪.‬‬‫شرع الله بنصوصه الواضحة دون تأويل وبالممارسة الممت ّ‬
‫والمرأة حين تكون عالمة أو فقيهة أو أديبة ‪ ،‬فهي أحرى أن تصبح اكثر‬
‫سكا ً بقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬ ‫تم ّ‬
‫)فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله(‬
‫قا ً أن الرجل الشيوعي جوربا تشوف ‪ ،‬أدرك خطورة‬ ‫ومما يثير العجب ح ّ‬
‫غياب المرأة عن بيتها وواجباتها فيه ‪ ،‬واجباتها التي ليس لها بديل ‪ .‬فلنستمع‬
‫إلى ما يقوله ‪:‬‬

‫‪210‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫" ولكن في غمرة مشكلتنا اليومّية الصعبة كدنا ننسى حقوق المرأة‬
‫ومتطلباتها المتمّيزة المختلفة بدورها أما ً ورّبة أسرة ‪ ،‬كما كدنا ننسى‬
‫وظيفتها التي ل بديل عنها مرّبية للطفال " ‪.‬‬
‫ويتابع فيقول ‪ ... " :‬فلم يعد لدى المرأة العاملة في البناء وفي النتاج وفي‬
‫قطاع الخدمات وحقل العلم والبداع ‪ ،‬ما يكفي من الوقت للهتمام بشؤون‬
‫الحياة اليومية ‪ ،‬كإدارة المنزل وتربية الطفال ‪ ،‬وحتى مجّرد الراحة‬
‫المنزلّية ‪ .‬وقد تبّين أن الكثير من المشكلت في سلوكية الفتيان والشباب ‪،‬‬
‫وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربوّية وحتى إنتاجية ‪ ،‬إنما يتعّلق بضعف‬
‫الروابط السرية والتهاون بالواجبات العائلية ‪" ...‬‬
‫في دراستهم للمجتمع وللصناعة والنتاج ‪ ،‬انطلقوا كما نرى ‪ ،‬ولو متأخرين ‪،‬‬
‫من البيت ‪ ،‬من السرة ‪ ،‬من دور المرأة في البيت ‪ ،‬الدور الذي ل بديل له ‪.‬‬
‫صل لنا السلم نظام حياتنا منطلقا ً من تحديد‬ ‫ونحن المسلمين ‪ ،‬وقد ف ّ‬
‫مسؤوليات الفرد ‪ ،‬الرجل والمرأة ‪ ،‬ثم البيت والسرة ‪ ،‬تركنا ذلك وقفزنا‬
‫لنبحث في حق المرأة أن تكون وزيرة أو عضوا ً في البرلمان أو رئيسة دولة ‪،‬‬
‫أو رئيسة شركة ‪ ،‬ونضع من َأجل ذلك قانونا عاما ً مطلقا ً دون قيود ‪" :‬‬
‫السلم لم يفّرق بين المرأة والرجل في ممارسة الحقوق السياسية ‪! " .‬‬
‫وحسُبنا تطبيق الصحابة والخلفاء الراشدين ‪ ،‬فهل كانت المرأة مساوية‬
‫للرجل في الحقوق السياسية ؟! أم أن الصحابة والخلفاء الراشدين أخطؤوا‬
‫ولم يدركوا هذه الحقوق فظلموا المرأة وحرموها من حقوقها ؟!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪211‬‬

You might also like