You are on page 1of 207

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫‪ -8‬تّغلب أصحاب الهواء‪ :‬فعند وجود الخلف بين أصحاب الحق من أهل‬
‫السنة والجماعة وتمزقهم‪ ،‬قد يحمل أصحاب البدع والهواء على التضافر‬
‫والتعاون للسعي في توسيع هوة الخلف‪ ،‬والتشكيك في نوايا وأهداف ومنهج‬
‫وسلوك هؤلء المتناحرين‪ ،‬واهتبال الفرصة في نشر أهوائهم وبدعهم‪،‬‬
‫وبالتالي يجدون لهم موضع قدم في التأثير على العامة‪ ،‬وإقصاء أصحاب‬
‫الحق عن مواقعهم في مجال الدعوة إلى الله ‪ ،‬وقيادة المة والخذ بأيديها‬
‫إلى مواطن الرشاد‪.‬‬
‫‪ -9‬إتاحة الفرصة للعداء‪ ،‬الذين يتربصون بالدعاة الدوائر‪ :‬بتشويه سمعتهم‪،‬‬
‫والعمل على توسيع دائرة الخلف‪ ،‬وإشعال نار الفتنة بين المختلفين‪ ،‬حتى‬
‫يصعب بعد ذلك الوئام والوفاق وحسن التفاهم‪ ،‬وردم الهوة‪ ،‬وتسود العداوة‬
‫والبغضاء بين الخوة بسبب أوهام‪ ،‬أو قضايا جزئية ل تستحق كل ذلك‪ ،‬وهناك‬
‫يدرك الجميع الندامة عند مآل المور إلى هذه الحال‪ ،‬والتي ل يحمد عقباها‪.‬‬
‫‪ -10‬الوزر الذي يتحمله كل من كان سببا ً في وقوع الفتن‪ ،‬والشقاق‬
‫والقطيعة‪ :‬وفساد ذات البين في صف أهل السنة والجماعة‪ ،‬و كذا حدوث ما‬
‫سبق ذكره من الثار السلبية التي تجر على المسلمين بلًء وشؤمًا‪.‬‬
‫رابًعا‪:‬حرص السلم على سلمة الصدور‪ ،‬والحفاظ على أخوة اليمان‪،‬‬
‫واجتماع الكلمة‪ ،‬ووحدة الصف‪ ،‬والتحذير مما يضادها‪:‬‬
‫وفيما يلي عرض بعض نصوص الوحيين الدالة على ذلك‪:‬‬
‫ميًعا وََل‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫‪ -1‬فمما جاء في الكتاب العزيز‪ :‬قوله تعالى‪َ }:‬واعْت َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة الل ّه عَل َيك ُم إذ ْ ك ُنت َ‬
‫م‬ ‫حت ُ ْ‬‫صب َ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫ن قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫داًء فَأل ّ َ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫ْ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫م َ‬ ‫فّرُقوا َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫تَ َ‬
‫واًنا‪]{[103]...‬سورة آل عمران[‪.‬‬ ‫خ َ‬ ‫مت ِهِ إ ِ ْ‬‫ب ِن ِعْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫ه لعَلك ُ ْ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫م َوات ّ ُ‬ ‫خوَي ْك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫حوا ب َي ْ َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫خوَة ٌ فَأ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤْ ِ‬‫ما ال ُ‬ ‫وقوله‪ }:‬إ ِن ّ َ‬
‫ن]‪]{[10‬سورة الحجرات[‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬‫ت ُْر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما‬
‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ْ‬ ‫م لوْ أن ْ َ‬ ‫ن قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫ن]‪[62‬وَأل َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫صرِهِ وَِبال ُ‬ ‫ذي أي ّد َك ب ِن َ ْ‬ ‫وقوله‪ }:‬هُوَ ال ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫م]‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ه أل َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م وَلك ِ ّ‬ ‫ن قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬‫ف َ‬ ‫ما أل ْ‬ ‫ميًعا َ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫‪]{[63‬سورة النفال[‪ .‬و في هذه الية إشارة إلى أن المؤمنين الذين نصر‬
‫بهم رسوله‪ ،‬وأعز بهم دينه‪ ،‬ما كان لهم ليفعلوا ذلك وهم على حالهم التي‬
‫كانوا عليها في الجاهلية من التناحر‪ ،‬والتباغض و العداوات المتناهية‪ ،‬فإن‬
‫الفرقة والشتات والتنازع ذريعة الفشل والخذلن وذهاب القوة‪.‬‬
‫‪ -2‬ومما ورد في السنة‪ :‬قول النبي عليه الصلة والسلم في حجة الوداع‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫م وَأعَْرا َ‬ ‫وال َك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫م وَأ ْ‬ ‫ماَءك ُ ْ‬ ‫ن دِ َ‬ ‫وذلك من آخر ما أوصى به أمته‪] :-‬فَإ ِ ّ‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ست َل ْ َ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫شهْرِك ُ ْ‬ ‫ذا ِفي َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ذا ِفي ب َل َدِك ُ ْ‬ ‫م هَ َ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫مةِ ي َوْ ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫م كَ ُ‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب ب َْعض‬ ‫م رِقا َ‬ ‫ضك ْ‬ ‫ب ب َعْ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ضلل ي َ ْ‬ ‫دي ُ‬ ‫جُعوا ب َعْ ِ‬ ‫م أل فل ت َْر ِ‬ ‫مال ِك ْ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سألك ْ‬ ‫فَي َ ْ‬
‫ٍ[رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫مُنوا‬‫حّتى ت ُؤ ِْ‬ ‫َ ّ َ َ‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫خ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫د‬
‫َِ ِ ِ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫سي‬ ‫َ ِ َ ِ‬‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫]‬ ‫م‪:‬‬ ‫ه عَل َي ْهِ َ َ َ‬
‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫وقوله َ‬
‫حاّبوا‪[...‬رواه مسلم‪ ،‬والترمذي‪-‬واللفظ له‪.-‬‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫وََل ت ُؤْ ِ‬
‫داب َُروا‬ ‫ضوا وََل ت َ َ‬ ‫شوا وََل ت ََباغَ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫دوا وََل ت ََنا َ‬ ‫س ُ‬ ‫حا َ‬ ‫م‪َ] :‬ل ت َ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫وقوله َ‬
‫سل ِم لَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ْ ِ‬ ‫خو ال ُ‬ ‫مأ ُ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫واًنا ال ُ‬ ‫خ َ‬ ‫عَباد َ اللهِ إ ِ ْ‬ ‫كوُنوا ِ‬ ‫ض وَ ُ‬ ‫م عَلى ب َي ِْع ب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫وََل ي َب ِعْ ب َعْ ُ‬
‫ت‪-‬‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫صد ْرِهِ ث ََل َ‬ ‫شيُر إ َِلى َ‬ ‫هاهَُنا‪-‬وَي ُ ِ‬ ‫وى َ‬ ‫ق َ‬ ‫قُرهُ الت ّ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه وََل ي َ ْ‬ ‫خذ ُل ُ ُ‬ ‫ه وََل ي َ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ي َظ ْل ِ ُ‬
‫سل ِم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سل ِم ِ عََلى ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خاهُ ال ْ ُ‬ ‫قَر أ َ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫بحسب امرئ من ال ّ َ‬
‫شّر أ ْ‬ ‫ِ َ ْ ِ ْ ِ ٍ ِ ْ‬
‫ه[ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ض ُ‬ ‫عْر ُ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م دَ ُ‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫س‬
‫مي ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ن وَي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫م اِلث ْن َي ْ ِ‬ ‫جن ّةِ ي َوْ َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫وا ُ‬ ‫ح أب ْ َ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫م‪] :‬ت ُ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫وقوله َ‬
‫حَناُء‬ ‫ش ْ‬ ‫خيهِ َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ه وَب َي ْ َ‬ ‫ت ب َي ْن َ ُ‬ ‫جل كان َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫شي ًْئا إ ِل َر ُ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شرِك ِباللهِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل عَب ْد ٍ ل ي ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫فُر ل ِك ّ‬ ‫فَي ُغْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا ُ‬ ‫فَي ُ َ‬
‫ن‬‫حا أن ْظ ُِروا هَذ َي ْ ِ‬ ‫صطل ِ َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حا أن ْظ ُِروا هَذ َي ْ ِ‬ ‫صطل ِ َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل أن ْظ ُِروا هَذ َي ْ ِ‬
‫حا[رواه مسلم‪.‬‬ ‫َ‬
‫صطل ِ َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫خيهِ َ‬ ‫ب ِل ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫حّتى ي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حد ُك ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م‪] :‬ل ي ُؤْ ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫وقوله َ‬
‫ه[رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل ِن َ ْ‬

‫)‪(4 /‬‬
‫لا ً‬
‫ن‬
‫موْط ِ ٍ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫سل ِ ً‬‫م ْ‬ ‫مَرأ ُ‬ ‫خذ ُ ُ ْ‬ ‫ئ يَ ْ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫وقوله َ‬
‫ن‬‫موْط ِ ٍ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫خذ َل َ ُ‬ ‫ضهِ إ ِّل َ‬ ‫عْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ِفيهِ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ه وَي ُن ْت َ َ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫حْر َ‬ ‫ك ِفيهِ ُ‬ ‫ت ُن ْت َهَ ُ‬
‫ن‬ ‫ً‬
‫م ْ‬ ‫ص ِفيهِ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن ي ُن ْت َ َ‬ ‫موْط ِ ٍ‬ ‫ما ِفي َ‬ ‫سل ِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫مَرأ ُ‬ ‫صُر ا ْ‬ ‫ئ ي َن ْ ُ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫صَرت َ ُ‬ ‫ب ِفيهِ ن ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫ه[رواه‬ ‫صَرت َ ُ‬ ‫ب ِفيهِ ن ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضهِ وَي ُن ْت َهَ ُ‬
‫موْط ِ ٍ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫صَرهُ الل ُ‬ ‫مت ِهِ إ ِل ن َ َ‬ ‫حْر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِفيهِ ِ‬ ‫عْر ِ‬ ‫ِ‬
‫أبوداود وأحمد‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫صل ِ‬ ‫صَيام ِ َوال ّ‬ ‫جةِ ال ّ‬ ‫ن د ََر َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ض َ‬ ‫م ب ِأفْ َ‬ ‫ُ‬
‫خب ُِرك ْ‬ ‫م‪] :‬أل أ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫وقوله َ‬
‫ي‬‫ن هِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ساد َ َذا ِ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ن فَإ ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ح َذا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة[ َقالوا‪ :‬ب َلى َقا َ‬ ‫ُ‬ ‫صد َقَ ِ‬
‫ت الب َي ْ ِ‬ ‫ت الب َي ْ ِ‬ ‫صل ُ‬ ‫ل‪َ ]:‬‬ ‫َوال ّ‬
‫ة[رواه الترمذي وأبوداود وأحمد‪.‬‬ ‫ق ُ‬
‫حال ِ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ومن ذا الذي ل تسعه نصوص الكتاب والسنة؟ ول يقف عند حدودها؟ ول‬
‫دعي‬ ‫يهتدي بهديها؟ وأيّ جماعة‪ ،‬أو دعوة قامت على غير هذا البنيان وهي ت ّ‬
‫لنفسها السير في الطريق إلى الله في حين أنها ل تقول في شأن هذه‬
‫النصوص وأمثالها‪ :‬سمعنا وأطعنا؟ ومتى تترفع النفوس عن دنايا المور‬
‫م‬‫وسفاسفها؟ ومتى تدرك بعين البصيرة واقع المسلمين اليوم؟ وتحمل ّ‬
‫ه‬
‫الخروج بها من المآزق والمحن التي تمر بها‪ ،‬بدل ً من تعميق الجراح ‪،‬وتوسيع‬
‫وة بين العاملين لدين الله‪ ،‬والتي تصرف الجهود إلى ساحات بعيدة عن‬ ‫اله ّ‬
‫ساحة المعركة؟‬
‫إن المتأمل في التشريعات الربانية على اختلف أنواعها‪ ،‬وسواء في مجال‬
‫اليمان أو العبادات أو المعاملت‪ ،‬يجد أن من أهم مقاصد الشريعة فيها هو‪:‬‬
‫تقوية روح الخوة اليمانية‪ ،‬والحفاظ عليها‪ ،‬والتحذير من كل ما يؤثر فيها‬
‫سلبًا‪ .‬فالمة السلمية تحمل عقيدة واحدة‪ ،‬وتمارس عبادات يستوي فيها‬
‫جميع الفراد‪ ،‬ومنها ما تمارس جماعة للرمز إلى وحدة المة‪ ،‬ولتذكير المة‬
‫دائما ً بما ينبغي أن تكون عليه من ألفة القلوب‪ ،‬ووحدة الصف‪ ،‬واجتماع‬
‫الكلمة‪ .‬كما أبطلت الشريعة كل معاملة تؤدي إلى البغضاء والشحناء‪ ،‬بل‬
‫حّرمتها وحذرت منها‪.‬‬
‫والعاملون في مجال التعليم والدعوة إلى الله سبحانه‪ ،‬هم أكثر الناس حاجة‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى إدراك هذه المعاني وتطبيقها في واقع حياتهم‪ ،‬حتى تتلشى كل أسباب‬
‫الفرقة والنزاع‪ ،‬وتتمثل فيهم القدوة الحسنة لسائر المسلمين‪ .‬وأسأل الله‬
‫تعالى التوفيق والسداد‪ ،‬وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم‪.‬‬
‫من بحث‪':‬عوامل الفتراق في العمل السلمي' د‪ .‬عبد الوهاب بن لطف‬
‫الديلمي‬

‫)‪(5 /‬‬

‫عوامل النحراف عن الدين‬


‫* مرتضى المطهري‬
‫البحث عن العوامل المؤدية للعراض عن الدين‪ ،‬بحث طويل؛ وهذا السؤال‪،‬‬
‫يطرح بالخصوص على أولئك المعتقدين بفطري الدين‪.‬‬
‫ً‬
‫وأنقل هنا عن كتاب )الله يتجلى في عصر العلم( حديثا حول هذا المجال؛‬
‫حيث تعرض )وولنز أوسكار لند برج(‪ ،‬في مقالته لعوامل النحراف؛ فذكر‬
‫عاملين‪:‬‬
‫يقول‪ :‬ويرجع فشل بعض العلماء‪ ،‬في فهمهم وقبولهم لما تدل عليه المبادئ‬
‫الساسية‪ ،‬التي تقوم عليها الطريقة العلمية من وجود الله واليمان به‪ ،‬إلى‬
‫أسباب عديدة نخص اثنين منها بالذكر‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يرجع إنكار وجود الله في بعض الحيان‪ ،‬إلى ما تتبعه بعض الجماعات أو‬
‫المنظمات اللحادية أو الدولة‪ :‬من سياسة معينة ترمي إلى شيوع اللحاد‪،‬‬
‫ومحاربة اليمان بالله‪ ،‬بسبب تعارض هذه العقيدة مع صالح هذه الجماعات‬
‫أو مبادئها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وحتى عندما تحرر عقول الناس من الخوف‪ ،‬فليس من السهل أن تتحرر‬
‫من التعصب والهواء؛ ففي جميع المنظمات الدينية المسيحية‪ُ ،‬تبذل‬
‫محاولت لجعل الناس يعتقدون منذ طفولتهم‪ ،‬في إله هو على صورة‬
‫خلق خليفة الله على الرض‪،‬‬ ‫النسان بدل ً من العتقاد بأن النسان قد ُ‬
‫وعندما تنمو العقول بعد ذلك‪ ،‬وتتدرب على استخدام الطريقة العلمية‪ ،‬فإن‬
‫تلك الصور التي تعلموها منذ الصغر‪ ،‬ل يمكن أن تنسجم مع أسلوبهم في‬
‫التفكير‪ ،‬أو مع أي منطق مقبول؛ وأخيرا ً عندما تفشل جميع المحاولت في‬
‫التوفيق بين تلك الفكار الدينية القديمة‪ ،‬وبين مقتضيات المنطق والتفكير‬
‫ة؛‬
‫العلمي‪ ،‬نجد هؤلء المفكرين يتخلصون من الصراع بنبذ فكرة الله كلي ّ ً‬
‫وعندما يصلون إلى هذه المرحلة‪ ،‬ويظنون أنهم قد تخلصوا من أوهام الدين‪،‬‬
‫وما ترتب عليها من نتائج نفسية‪ ،‬ل يحبون العودة إلى التفكير في هذه‬
‫الموضوعات؛ بل‪ ،‬يقاومون قبول أية فكرة جديدة تتصل بهذه الموضوعات‪،‬‬
‫وتدور حول وجود الله‪.‬‬
‫ً‬
‫إن هذين العاملين كانا سببا لنحراف الكثيرين عن الدين فإن الكثير‬
‫والمثقفين منهم بالخصوص قد انحرفوا‪ ،‬لتعرضهم على المفاهيم الدينية إبان‬
‫طفولتهم؛ من البوين اللذين ل يمتلكان معرفة صحيحة‪ ،‬حولها‪ ،‬أو بسبب‬
‫دعاة الدين الجهلء‪ ،‬الذين ل يملكون إل هذه التصورات الخاطئة والمشوهة‪،‬‬
‫بحيث ل تتلئم مع العقل والعلم والمنطق‪.‬‬
‫ومن الواضح أن النسان حين ينضج عقليًا‪ ،‬ويتعرف على المنجزات العلمية‪،‬‬
‫والمنطقية‪ ،‬فل يمكنه أني تقبل مثل هذه التصورات والمفاهيم المشوهة‪ ،‬غير‬
‫المعقولة وغير المنطقية‪ ،‬للمفاهيم الدينية؛ ومن هنا يندفعون للنحراف‪ ،‬أو‬
‫اللحاد؛ لنهم يعتقدون بأن اليمان بالله‪ ،‬يتحدد بهذه الصور المشوهة‪ ،‬التي‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عرفتها أذهانهم؛ لذلك ينكرون الله‪.‬‬


‫ولعل هذا هو الدافع‪ ،‬لنحراف الكثيرين من المثقفين عن الدين‪ ،‬وبالحقيقة‬
‫أنهم ل يرفضون المفاهيم الحقيقية لله والدين‪ ،‬بل مفاهيم أخرى‪.‬‬
‫وإن الكثير قد انحرفوا‪ ،‬نتيجة لليحاءات الغبية المشوهة للمهات‪ ،‬والباء‬
‫والمبلغين الجهلة؛ لذلك امتلت أذهانهم ـ في مجال المسائل الدينية ـ بالكثير‬
‫من التصورات‪ ،‬والمفاهيم الخاطئة؛ وهي التي دفعتهم إلى التشكيك في‬
‫الدين؛ بل إلى العراض عنه؛ ومن هنا يلزم علينا أن نبذل جهودا ً كثيرة‪ ،‬من‬
‫أجل عرض الصورة الصحيحة والحقيقية للصول‪ ،‬والمسائل الدينية‪.‬‬
‫ت مختلف الجهود‬ ‫ت شخصيا ً بهذه الحقيقة المرة‪ ،‬لذلك بذل ُ‬‫وقد أحسس ُ‬
‫والنشاطات‪ ،‬وبشتى الوسائل؛ من أجل توضيح المفاهيم والتصورات‬
‫ّ‬
‫السلمية الصيلة‪ ،‬بصورتها الحقيقية‪ ،‬غير المشوهة والمنحرفة‪ ،‬وقد دلت‬
‫تجاربي في هذا المجال‪ ،‬على أن هذا العمل كان ناجحا ً ومثمرا ً جدًا‪.‬‬
‫ولكن ل تنحصر عوامل النحراف في هذين العاملين‪ ،‬فهناك عوامل أخرى‬
‫نذكر بعضها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ من العوامل التي تؤدي لنحراف الناس وتنفرهم من الدين والله‪ ،‬وكل‬
‫القيم المعنوية‪ ،‬هو تلوث المحيط‪ ،‬بالوحال الشيطانية‪ ،‬وغرق الفراد‪،‬‬
‫وغيبوبتهم في عبادة اللذة‪ ،‬والشهوة‪ ،‬والهوى؛ حيث تحفل تلك البيئة‬
‫الجتماعية بكل ما ُيشعل لهيب الشهوة‪ ،‬والغرائز الحيوانية؛ ومن الواضح أن‬
‫الغيبوبة في الشهوات الحيوانية المنحطة‪ ،‬تتنافى وكل المشاعر السامية‪،‬‬
‫سواء كانت دينية أو أخلقية أو علمية أو فنية أو غيرها؛ فإنها‪ ،‬كلها ستموت‪،‬‬
‫وتنطفئ‪ ،‬نتيجة الحياة الحيوانية هذه‪.‬‬
‫فن عبد َ الشهوة‪ ،‬والغارق بأوحالها‪ ،‬كما ل يحس بالمشاعر الدينية الرفيعة؛‬
‫كذلك يفقد الحساس بالعزة والشرف‪ ،‬والسيادة‪ ،‬والرجولة‪ ،‬والشجاعة‪،‬‬
‫والتضحية؛ ويغدو أسيرا ً لشهواته المادية الحسية‪ ،‬ويضعف ويضمر إحساسه‬
‫بالمور المعنوية جميعها‪ ،‬سواء الدينية منها أو الخلقية أو العلمية أو الفنية‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫لذلك لو أرادت أمه‪ ،‬أن تقتل من المة الخرى‪ ،‬روح الدين‪ ،‬والخلق‪،‬‬
‫والشجاعة‪ ،‬والرجولة؛ عليها أن تغرقها بوسائل اللهو‪ ،‬وموائد الشهوة واللذة؛‬
‫وتجارب التاريخ تشهد على هذه الحقيقة المرة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وما حدث في الندلس السلمي‪ ،‬حين خرج من يد المسلمين‪ ،‬هو نموذج‬


‫لذلك‪ ،‬فقد وفر أعداء السلم لهم كل وسائل المتعة المحرمة‪ ،‬ومثيراتها؛ فقد‬
‫أوقفوا الحقول النظرة لصنع الخمرة‪ ،‬وغمروها بالحانات والفتيات‬
‫المنحرفات‪ ،‬اللواتي أخذن يخطرن بكل خلعة في شوارعها؛ فماتت روح‬
‫الدين والشرف؛ ونتيجة لذلك تمكن أعداء الدين من السيطرة على الندلس‪،‬‬
‫بكل سهولة‪ ،‬ونجحوا في إبادة المسلمين‪.‬‬
‫وقد استخدم الستعمار الغربي اليوم هذه الطريقة‪ ،‬وبصورة أكثر دقة في‬
‫البلد السلمية‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬فالغرق في الشهوات‪ ،‬يؤدي إلى ضمور الحساس الديني‪ ،‬وضعف‬
‫ة‪،‬‬
‫تأثيره؛ بل‪ ،‬وقد صرح القرآن الكريم بذلك؛ فانه لو صارت القلوب قاتم ً‬
‫مظلمة‪ ،‬وتكدرت وقسمت‪ ،‬فحينئذ ل يجد نور اليمان منفذا ً إليها؛ كما في‬
‫قوله تعالى‪) :‬إن الله ل يهدي القوم الفاسقين( المنافقون‪.6 /‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ 2‬ـ ان البعض ممن حملوا مسؤولية الرشاد للدين‪ ،‬لم يعرفوا واقع الدين‪،‬‬
‫وحقيقته ول أسلوب الدعوة إليه؛ فبدل ً من الدعوة إلى تعديل الغرائز‬
‫البشرية‪ ،‬وتوجيهها التوجيه الصحيح‪ ،‬نراهم يدعون لمحاربة الغرائز والميول‬
‫الفطرية البشرية‪ ،‬ويشيعون بأن الدين يعادي هذه الغرائز الفطرية‪ ،‬ويدعو‬
‫إلى القضاء عليها‪.‬‬
‫فإن للبشر رغبات‪ ،‬وغرائز‪ ،‬فطرية كثيرة‪ ،‬وكلها دخيلة في تكامل النسان‬
‫وسعادته‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فالرغبات لم ُتخلق عبثا ولغوا‪ ،‬حتى تقتل وتحارب‪ ،‬ويقضى عليها؛ كما هو‬
‫المر في أعضاء النسان الخارجية‪ ،‬فلم توضع عبثا ً في بدن النسان‪.‬‬
‫كذلك ميول النسان‪ ،‬فإن هناك الكثير من الميول الفطرية‪ ،‬أمثال حب‬
‫الستطلع والمعرفة‪ ،‬والرغبة في الثروة‪ ،‬والميل لتشكيل السرة؛ ومنها‬
‫الدافع الديني أيضًا‪.‬‬
‫ول ُيوجد بين هذه الميول صراع وقتال‪ ،‬ول تضاد وعداء حقيقي‪ ،‬وكل واحدة‬
‫منها لها نصيبها في مجال العمل؛ فإذا استعملت في حدودها المقررة لها‪،‬‬
‫وإذا منح لها نصيبها بعدالة‪ ،‬فسوف تعيش فيما بينها بسلم‪ ،‬وإنما يبدأ الصراع‬
‫بينها حين يعطي الفرد لحدها نصيبا ً أكثر‪ ،‬على حساب الميول الخرى‪،‬‬
‫فيشبعها أكثر من الحد المقرر لها‪.‬‬
‫ومن مميزات السلم أنه قد اعترف بجميع الميول الفطرية في النسان‪ ،‬ولم‬
‫يرفضها‪ ،‬ولم يمنح لحداها‪ ،‬سهما ً ونصيبا ً أكثر ما تستحقه‪.‬‬
‫وهذا هو معنى فطرية التعاليم والقوانين السلمية‪ ،‬أي تلحم هذه القوانين‪،‬‬
‫وعدم عدائها ومعارضتها للفطرة البشرية؛ أي كما أن اليمان والعبادة في‬
‫السلم‪ ،‬من أجل تربية وتنمية الحساس الفطري الكامن في النفس‬
‫النسانية‪ ،‬وكذلك التعاليم السلمية‪ ،‬فإنها متلئمة مع الفطرة البشرية‬
‫ومتلحمة معها‪.‬‬
‫دعون بأنهم‬ ‫ولكن بعض الفراد الذين يتظاهرون بالتقدس والزهد‪ ،‬والذين ي ّ‬
‫الدعاة إلى الدين‪ ،‬يحاربون كل شيء باسم الدين‪ ،‬ويرفعون هذا الشعار في‬
‫أحاديثهم وخطاباتهم‪ ،‬فهم يقولون‪ :‬لو أردت أن تصبح مؤمنًا‪ ،‬متدينا ً حقًا؛‬
‫فيجب أن تقتل في نفسك كل الميول والغرائز‪ :‬الميل للثروة‪ ،‬والغريزة‬
‫الجنسية‪ ،‬والرغبة في الزوجة والولد‪ ،‬والرغبة في المعرفة والستطلع‪،‬‬
‫والظهور‪ ،‬واقبع في غرفتك‪ ،‬منعزل ً بعيدا ً عن المجتمع؛ وعلى وفق هذا الرأي‪،‬‬
‫إذا أراد الفرد أن يستجيب للدافع الديني‪ ،‬فيلزم عليه أن يحارب الدوافع‬
‫والميول الخرى كلها‪.‬‬
‫ولكن لو فُِهم الزهد بأنه الهروب من المجتمع‪ ،‬والعزلة‪ ،‬وترك العمل؛ لو‬
‫عرف الدين أنه يحارب الغريزة الجنسية‪ ،‬وأنه يعتبرها أمرا ً قبيحًا‪ ،‬يجب على‬ ‫ُ‬
‫المتدين اجتيازها‪ ،‬وعدم الستجابة لها‪ ،‬والنسان الفضل‪ ،‬هو الذي يتجنب‬
‫المرأة طوال عمراه‪ ،‬وكذلك لو عرف عن الدين أنه عدو العلم‪ ،‬وأنه يحرض‬
‫على إحراق العلماء وقتلهم‪ ،‬والتنكيل بهم‪ ،‬وغيرها من الشائعات والتصورات‬
‫الخاطئة والمنحرفة عن الدين؛ نعم‪ ،‬هذه وغيرها‪ ،‬ستزرع في النفوس العداء‪،‬‬
‫لمثل هذا الدين‪.‬‬
‫فيلزم على دعاة الدين‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن يتعرفوا على التعاليم الدينية الصيلة‪ ،‬وأن يكونوا بأنفسهم من العلماء‬
‫والمحققين في المسائل الدينية‪ ،‬وأن ل يلقوا في أذهان الناس‪ ،‬تلك‬
‫التصورات والمفاهيم المنحرفة‪ ،‬وغير المعقولة‪ ،‬باسم الدين‪ ،‬حيث أن هذا‬
‫الفهم للدين يؤدي إلى النحراف عنه‪ ،‬وإلى الكثير من التيارات المعارضة له‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ 2‬ـ تطهير البيئة الجتماعية من الوحال التي تلوثها‪.‬‬


‫‪ 3‬ـ أن تكون لهم تلك الرؤية الواقعية للغرائز كلها‪ ،‬فل يحاربون الغرائز‬
‫الفطرية‪ ،‬باسم الدين‪ ،‬وآنذاك سترى بأن الناس )يدخلون في دين الله‬
‫أفواجًا( النصر‪.2 /‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عوامل النجاح‬
‫النجاح < "أنا" و "ألس"‬
‫________________________________________‬
‫في المس وبعد صلة العصر‪ ،‬أحسست بتعب وكسل يسري في جسدي‪،‬‬
‫فقررت أن أذهب هذا الكسل بالمشي‪ ،‬وفعل ً بدأت في المشي لكن بدون‬
‫تحديد وجهة معينة‪ ،‬وهذه المرة قصدت أن أسير بدون وجهة محددة حتى‬
‫أرى إلى أين أصل بهذه الطريقة‪.‬‬
‫سرت في طريقي ومررت على إحدى المدارس ثم سرت بالشارع المحاذي‬
‫لها حتى وصلت لمفترق الطرق وهنا بدأ عقلي بالتفكير في اتخاذ قرار اختيار‬
‫أحد الطرق‪ ،‬وبدأت أتردد بين هذا الطريق أو هذا‪ ،‬لم ل يكون هذا؟! وهكذا‬
‫استمرت الحيرة حتى قطعت الشك باتخاذ قرار في السير في طريق يشق‬
‫مكانه بين مجموعة من المنازل‪ ،‬وسرت حتى وصلت لحد المساجد وهناك‬
‫وجدت شخصين أعرفهما فسلمت عليهما وسألني‪ :‬إلى أين المسير؟ قلت‪ :‬ل‬
‫أدري‪ ،‬فضحكا واعتبرها مزحة مسلية في ذلك اليوم‪.‬‬
‫أكملت سيري حتى متى ما اكتفيت‪ ،‬قررت الرجوع إلى البيت‪ ،‬فرسم عقلي‬
‫بسرعة أقصر الطرق للعودة إلى البيت وفي دقائق وصلت لهدفي المنشود‪.‬‬
‫في قصة أليس في بلد العجائب حدث مشابه لهذا‪ ،‬إذ كانت تمشي أليس‬
‫ووصلت إلى مفترق الطرق‪ ،‬وعندها التقت بالقط الذي يختفي ويظهر بطرق‬
‫عجيبة فسألته‪:‬‬
‫• ‪ ...‬في أي طرق أسير؟‬
‫س! هذا يحدد على حسب المكان الذي تودين الذهاب له‪.‬‬ ‫• ‪ ...‬أل ‍‬
‫• ‪ ...‬ليس لي هدف معين للوصول له‪.‬‬
‫• ‪ ...‬إذا ً ل فرق في اختيار أحد الطرق‪ ،‬فكل الطرق تؤدي إلى اللهدف!‬
‫ما أريد إيصاله من خلل هذه القصة‪ ،‬أن أوضح بالمثال العملي‪ ،‬أن تحديد‬
‫الهداف ووضوح الطريق الذي ستسلكه لتحقيق الهداف عاملن مهمان‬
‫للوصول إلى النجاح‪ ،‬وأن عدم تحديد الهداف يؤدي إلى عدم وضوح الطريق‬
‫المؤدي لهذه الهداف‪ ،‬بل ويؤدي إلى التشتت وعدم التركيز وتضييع الوقت‬
‫في ما ل فائدة منه‪.‬‬
‫تأليف‪ :‬عبد الله المهيري‬
‫عوامل النجاح‬
‫________________________________________‬
‫النجاح‪ ،‬ذلك الشيء الذي يسعى إليه كل الناس‪ ،‬ويتسائل الناس كلهم‪ ،‬ما هو‬
‫النجاح؟ وكيف نصل إلى النجاح؟ ول توجد إجابات مباشرة لهذه السئلة‪ ،‬لن‬
‫النجاح له عوامل كثيرة ومختلفة تحدد كيف سيصل الفرد للنجاح‪ ،‬وتختلف‬
‫هذه العوامل باختلف الفراد والمجتمعات‪ ،‬لكن هناك عوامل كثيرة مشتركة‬
‫بين النجاح والناجحين‪ ،‬نستعرضها هنا بدون تفاصيل مطولة‪ ،‬وسنفصل في‬
‫كل نقطة في مواضيع لحقة‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجود رسالة للحياة‪ ،‬وهو عامل مشترك بين كل الناجحين والمتميزين‪،‬‬


‫والرسالة هي الغاية التي يريد الفرد تحقيقها في حياته‪ ،‬وهي أمر مستمر ول‬
‫ينتهي إل بموت الفرد‪ ،‬لذلك يعتبر النجاح رحلة مستمرة ل تتوقف‪ ،‬وهو في‬
‫مراحل يكون نجاح باهر وفي أحيان يكون فشل ً أو نجاحا ً باهتًا‪ ،‬والفرد الذي‬
‫وضع رسالة لحياته والتزم بها نجده أكثر حرصا ً على وقته وأكثر حرصا ً على‬
‫إنجاز أهدافه وترك إنجازات بارزة من بعد وفاته‪ .‬هذا هو العامل الول‬
‫المشترك بين الناجحين‪ ،‬وجود رسالة للحياة‪.‬‬
‫التخطيط وتحديد الهداف‪ ،‬وهذا أمر بديهي‪ ،‬لن من التزم برسالة يؤديها في‬
‫حياته سيضع أهدافا ً لتحقيق هذه الرسالة‪ ،‬وسيخطط ليحقق أهدافه بالتدريج‪،‬‬
‫والتخطيط للحياة قد يكون عبارة عن أهداف عامة وخطط تفصيلية وقد‬
‫يكون تخطيط مفصل لفترة معينة‪ ،‬والتخطيط يساعد النسان على التركيز‬
‫وعدم التشتت في أعمال جانبية ل تحقق أهدافه‪.‬‬
‫تنظيم الوقت أو إدارة الذات‪ ،‬وهو التخطيط اليومي‪ ،‬أي كيف سيقضي هذا‬
‫النسان يومه؟ وتنظيم الوقت هو الذي يحدد نجاح الفرد أو فشله في النهاية‪،‬‬
‫لن اليوم الناجح الذي استفاد منه الفرد يقرب إلى النجاح ويقرب من تحقيق‬
‫الهداف وإنجاز الرسالة‪ ،‬واليوم الذي لم يستفد منه ولم يستغله فسيأخره‬
‫عن تحقيق أهدافه وأداء رسالته‪ ،‬لذلك إدارة الذات واستغلل الوقت هو الذي‬
‫يحدد نجاحك وفشلك‪.‬‬
‫التعامل مع الخرين‪ ،‬وهو فن يجب ان يتعلمه كل شخص يود ان يحقق‬
‫اهدافه‪ ،‬فل نجاح من غير علقات ول نجاح من دون التعامل مع الخرين‬
‫والتعاون معهم‪ ،‬وسنفصل في أهمية العلقات وأهمية التعاون مع الخرين في‬
‫دروس مفصلة قريبا ً إن شاء الله‪.‬‬
‫التجديد والبداع‪ ،‬التجديد والبداع متلزمان‪ ،‬وهما أمران ضروريان لكل‬
‫شخص‪ ،‬إذ أن الروتين اليومي الممل يمتص من طاقة وحماسة النسان‪،‬‬
‫فلزم عليه ان يجدد حياته‪ ،‬يجددها من جوانبها الروحية والعقلية والنفسية‬
‫والجسدية‪ ،‬ولهذا تجد الناجحون يحرصون على تطوير أنفسهم من خلل عدة‬
‫وسائل‪ ،‬ويحرصون على تطوير وسائلهم لتحقيق أهدافهم‪.‬‬
‫هذه أهم العوامل المشتركة بين الناجحين‪ ،‬سنعمل على تفصيلها في مواضيع‬
‫قادمة‪.‬‬
‫تأليف‪ :‬عبد الله المهيري‬
‫خطوة رائعة نحو النجاح‬
‫________________________________________‬
‫أنت شخص متميز تبحث عن النجاح وأحداث تغيير فعال في حياتك وتسألني‬
‫كيف عرفت ذلك ؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أقول لك ‪ ..‬بسيطة ‪ ،‬إن النسان المتميز بحق عادة ما يبحث عن أساليب‬


‫تساعده على تغيير نفسه وحياته نحو الفضل وهذا هو الذي قادك إلى قراءة‬
‫هذه السطر ‪ ..‬يقول "انتوني روبينز" في كتابة الرائع "أيقظ العملق داخلك"‬
‫‪" :‬وتقول الحصائيات أن أقل من ‪ %10‬ممن يشترون كتابا ً ما هم فقد الذين‬
‫يتعدون في قراءتهم الفصل الول" والحقيقة أن هؤلء الذين ل يعرفون كيف‬
‫يستفيدون من الكتب التي يشترونها يهدرون ثروات جبارة يمكنها أن تغير‬
‫حياتهم ول شك أنك أخي القارئ أختي القارئة ليست ممن يميلون لخداع‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنفسهم بالستهتار بما يقرؤون ‪ ،‬وأنا على ثقة من أنك ستحاول الفادة مما‬
‫سنكتبه في هذه الصفحة عامة وفي هذه السطر خاصة والتي تتناول موضوع‬
‫النجاح في الحياة والتي نقتبس بعضها من كتاب "أيقظ العملق داخلك‬
‫‪ ."Awaken the Giant Within‬وبعض المراجع الخرى ‪.‬‬
‫وتسألني كيف استفيد مما تكتبين ؟ أقول لك حاول أن تقرأ هذا الموضوع‬
‫أكثر من مرة ثم لتكن معك مذكرة خاصة تنقل فيها كل جملة تشعر أنها تؤثر‬
‫فيك أو كل فكرة تجد أنه بالمكان تطبيقها ‪ ،‬ثم اشرع في التطبيق في الحال‬
‫‪ .‬كل يوم طبق فكرة أو أكثر وستذهل من النتيجة الرائعة التي ستصل إليها‬
‫بمشيئة الله تعالى بعد ستة أشهر من الن ‪ ،‬وأحب أن أكرر أن الذي ل يطبق‬
‫ل يحصل على نتيجة ‪ .‬يقول تعالى في كتابة ‪ ) :‬ان الله ل يغير ما بقوم حتى‬
‫يغيروا ما بأنفسهم ( ‪ ..‬إذن فزمام أمرك في يدك وكلما تقدمت البحوث في‬
‫مجال النفس النسانية كلما وجدناها تقترب من النصائح والحكم التي وردت‬
‫في القرآن الكريم خاصة وفي الكتب السماوية عامة وهذا ليس بالمر‬
‫المستغرب لن الذي خلق النسان والذي أنزل الكتب السماوية هو إله واحد‬
‫وكلما تطور النسان في عمله كلما اكتشف أكثر حكمة الحياة وعظمة‬
‫الخالق العظيم ‪ .‬ولكي يكون التغيير الذي ستحدثه في حياتك ذا قيمة حقيقة‬
‫فل بد أن يكون تغييرا دائما ً ومستمرا ً ‪ ،‬وكلنا خبرنا التغيير في لحظة من‬
‫لحظات حياتنا وربما شعرنا أحيانا بالحباط وخيبة المل فكثير من الناس‬
‫يحدثون بعض التغييرات في حياتهم وهم يشعرون بالخوف لماذا؟ لنهم‬
‫وبعقولهم الباطنة يعتقدون أن هذا التغيير لم يكون إل مؤقتا ً وسنضرب على‬
‫ذلك مثل ً ‪ :‬تجد أن أحد الشخاص الذين تعرفهم يعاني من وزن زائد وكلما‬
‫نوى أن يطبق نظاما ً غذائيا ً معينا ً لخفض وزنه الزائد تجده يؤجل موعد بدء‬
‫هذا النظام أو أن يستمر فيه لفترة ثم يوقفه والسر في ذلك يكمن في أن‬
‫هذا الشخص يدرك بعقله الباطن أن أي ألم سيتحمله من أجل إنقاص وزنه أو‬
‫أحداث أي تغيير في حياته سيعود عليه في النهاية بمردود قصير المد ‪،‬‬
‫وبتعبير آخر أنه يعلم داخل عقله اللوعي أنه سيعود مرة أخرى إلى حالة‬
‫زيادة الوزن التي كان عليها ‪.‬‬
‫ً‬
‫ويتحدث "روبينز" عن الكيفية التي بها غير حياته قائل ‪" :‬لقد اتبعت في‬
‫معظم سنوات حياتي ما أعتبره المبادئ المنظمة للتغيير الدائم" ‪.‬‬
‫سنحاول أن نتعلم أنا وأنت بإذن الله تعالى هذه المبادئ التي يمكنها أن تغير‬
‫حياتنا إلى الفضل وبشكل دائم ‪ .‬ولكن وفي هذه اللحظة بالتحديد سنحاول‬
‫أن نتعرف على واحد من أهم المبادئ للتغيير يمكننا أن نستخدمها في الحال‬
‫لكي نغير بها حياتنا ‪ .‬ورغم بساطة هذه المبادئ إل أنها قوية وفعالة للغاية‬
‫عندما تطبق بعناية ومهارة ‪ .‬وهذه المبادئ تفيد على المستوى الفردي‬
‫والجماعي بل والعالمي ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إذا أردت في يوم من اليام أن تحدث تغييرا حقيقيا في حياتك فأول شئ‬
‫عليك أن تفعله هو أن تعلي من مستوياتك أو تزيد من مقاييسك )‪To Raise‬‬
‫‪ (your Standards‬وسنوضح ذلك بعدة أمثلة ‪ ،‬على المستوى الصحي ل تكتف‬
‫بأن عندك مرض واحد بل ليكن المستوى الصحي الذي تحلم به هو أن تعالج‬
‫هذا المرض وتكتسب لياقة بدنية وتزيد من طاقتك ‪ ،‬وعلى المستوى الروحي‬
‫ل تكتفي بأنك تؤدي الفروض بل ابحث عن السنن والنوافل وتعمق في دينك‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أكثر وتقرب يوما ً بعد يوم الى الله تعالى ول تقل ) أنا بخير وهذا يكفيني (‬
‫فأنت لن تقف مكانك بل تأكد أنك إذا لم تتقدم فسوف تتأخر ‪ ،‬وعلى‬
‫المستوى السري ل تقل لنفسك ) حالتي معقولة ( بل حاول أن تبحث عن‬
‫سعادة أكثر احلم بمراكز أعظم لولدك وخطط لذلك من الن ‪ .‬أقوى مجال‬
‫في حياتك هو المجال الروحي وهذا وفقا لحدث البحوث النفسية لذا فإنك‬
‫إذا أحدثت تغييرا ً في باقي مجالت حياتك ( اجتماعي ‪ -‬صحي ‪ -‬نفسي ‪-‬‬
‫مهني ‪ -‬عقلي ( سيكون يسيرا ً للغاية وهذا ما يفسر لنا سر تحول العرب بعد‬
‫دخولهم السلم ‪ ،‬فبعد أن كانوا أناسا خاملي الذكر أصبحوا بالسلم قوة‬
‫جبارة تحكم العالم بالعدل والسلم وخرج منهم علماء في شتى مجالت‬
‫الحياة أناروا العالم بنور العلم الذي بهداه تقدم الغرب وصنعوا حضارتهم‬
‫الحالية التي ننبهر من روعتها رغم أنها وليدة حضارتنا السلمية والتي نجهل‬
‫قوتها الكامنة ‪ .‬أن أول شئ ينبغي عليك أن تغيره في نفسك هو الطلبات‬
‫التي تطلبها من نفسك اكتب كل الشياء التي ل تقبلها في حياتك سواء‬
‫بسواء من نفسك أو من الخرين ثم اسأل نفسك ) هل ما أعاني منه سببه‬
‫ي أم في غيري ( إذا كنت ممن يقولون دائما ً لنفسهم ) أنا ملك أنا ليست‬ ‫ف ّ‬
‫بي عيوب ( فرجاء ل تكمل معنا قراءة هذا الموضوع فهو ليس لك ‪ ،‬أما إذا‬
‫كنت ممن يعتقدون أنك بشر وكما أن لك مميزات فلك عيوب وأنت على‬
‫استعداد أن تمحو هذه العيوب وتقوي هذه الميزات فتستفيد بمشيئة الله‬
‫تعالى مما نكتب أقصى فائدة وستحقق نجاحات رائعة فقط اعرف نفسك‬
‫بصدق ووضوح وإذا ما تأكدت أن الخطأ بالفعل من الطرف الخر ففكر في‬
‫طريقة لطيفة لتغيير هذا الموقف الذي ل تحتمله ‪ ،‬كن أمينا مع نفسك‬
‫فلحظات المانة والصدق مع النفس ل ُتعدل بملء الرض ذهبا ثم اسأل‬
‫نفسك ما هي المور التي لن أستطيع أن أتحملها – أجب على الورق ‪ .‬ثم‬
‫أكتب كل الشياء التي تتمنى من أعماق قلبك أن تحققها ثم فكر في هؤلء‬
‫العظماء والنتائج الرائعة التي وصلوا إليها في حياتهم بعد أن أخذوا عهدا ً على‬
‫أنفسهم أن ل يقبلوا بأقل من المستوى الذي حلموا به ‪ .‬تأمل حياة العظماء‬
‫وعلى رأسهم رسل الله صلوات الله عليهم وسلمه ‪ .‬أدرس سيرة الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم والصحابيات رضوان الله عليهن ‪ ،‬تفكر في سيرة العلماء‬
‫من القادة والمصلحين من أهل الشرق والغرب ابن سينا وابن حيان‬
‫والفارابي وخالد بن الوليد وسيف الدين قطز وإسحاق نيوتن وإنيشتاين‬
‫وحسن البنا وإبراهام لينكولن وهيلين كيلر وماري كوري والمهاتما غاندي‬
‫وسويكيرو هونا وغيرهم من الناجحين الذين قرروا وبكل قوة أن يخطوا‬
‫خطوة إيجابية رائعة في حياتهم وهي أن يرفعوا من مقاييسهم فالقوة التي‬
‫توفرت لديهم متوفرة لك أيضا ستكون أيضا بين يديك فقط إذا كانت لديك‬
‫الشجاعة لكي تحصل عليها ‪ ،‬أن تغيير المنظمات والشركات والدول أو‬
‫العالم كله يبدأ بخطوة واحدة بسيطة وهي ) أن تغير نفسك ( ‪.‬‬
‫إعداد‪ :‬حنان عيسى عبد الظاهر ‪ -‬جريدة الشرق )القطرية(‬
‫الحياة مباراة كرة قدم‬
‫________________________________________‬
‫تخيل معي أنك في جالس في ملعب لكرة القدم‪ ،‬تنتظر مبارة بين فريقين‬
‫من أعرق الفرق في بلدك‪ ،‬وبدأت المبارة وبدأت الهجمات من الفريقين‬
‫وبدأ تسجيل الهداف‪ ،‬وتحمس الجمهور وراح يغني ويشدو‪ ،‬وكل يغني على‬
‫ليله!! أعني كل يشجع فريقه‪.‬‬
‫وفي خضم هذه الفوضى العامرة‪ ،‬فجأة!! وإذ بمجموعتين من الشباب‪ ،‬كل‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجموعة اتجهت صوب المرمى حملته وهربت به لخارج المعلب!! صار‬


‫الملعب من دون أهداف‪ ،‬في تصورك هل سيكمل اللعبين اللعب؟ وكيف‬
‫سيلعبون؟ ولي جهة يتجهون؟ بالتأكيد سيتوقفون‪ .‬لكن تصور لو أن الحكم‬
‫أصر على إكمال المباراة‪ ،‬تخيل معي كيف سيقضي اللعبين التسعين دقيقة‬
‫من وقت المبارة‪ ،‬ليس هناك أي هدف‪ ،‬واللعب عشوائي‪ ،‬والجمهور لن يبقى‬
‫في الملعب لمشاهدة مباراة من دون أهداف‪.‬‬
‫الحياة تتشابه مع المباراة تمامًا‪ ،‬فاللعب هو أنت‪ ،‬والمرمى يمثل أهدافك‬
‫في الحياة‪ ،‬وحدود الملعب هي الخلقيات والعادات والشارئع التي يجب‬
‫عليك أن ل تتجاوزها‪ ،‬والمدرب هو كل شخص يرشدك ويوجهك ويحاول أن‬
‫يفيدك في حياتك‪ ،‬والفريق الخصم يمثل العقبات التي تواجهك في الحياة‪،‬‬
‫واللعبين الذين معك في الفريق هم أصدقائك وكل شخص يسير معك في‬
‫مسيرة الحياة‪ ،‬والحكم هو الذي كل فرد يرشدك إلى أخطائك‪ ،‬وإذا أدخلت‬
‫الكرة في مرمى الخصم فقد حققت هدفك‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقبل دخولك المباراة يجب أن تخطط للوصولة إلى الهدف وتحقيق أعلى‬
‫نسبة من الهداف‪ ،‬وكذلك عليك أن تتدرب وتتمرن حتى تستعين بالتدريب‬
‫على المباراة‪.‬‬
‫إذا كانت المباراة وهي من أمور الدنيا تتطلب أهدافا ُ وتخطيطا ً واستعدادًا‪،‬‬
‫فكيف بالحياة عند المسلم‪ ،‬أليس هو الولى بالتخطيط والتمرين وتحديد‬
‫الهداف ثم السعي لتحقيق الهداف‪ ،‬والستعانة بالصدقاء لتحقيق هذه‬
‫الهداف‪ ،‬والستعانة بأشخص يمتلكون الحكمة حتى يرشدونه لتحقيق هذه‬
‫الهداف؟‬
‫تأليف‪ :‬عبد الله المهيري‬
‫كتابة الهداف خطوة أولى على طريق النجاح‬
‫________________________________________‬
‫لكي تحدد الهداف التي تهمك‪ ،‬والتي ستستخدمها في خطتك‪ ،‬قم بعمل‬
‫قائمة بكل شيء تتمنى أو تحلم بتحقيقه‪ ،‬في شتى مجالت حياتك‪ ،‬أيا كان‬
‫هذا الحلم صغيرا أم كبيرا‪ ،‬اكتبه على الورق‪ .‬فكتابتك لكل أهدافك على‬
‫الورق في هذه المرحلة ستوسع من أفق تفكيرك‪ .‬وفي هذه المرحلة ل‬
‫تحاول التفكير في الكيفية التي ستحقق بها هذه الهداف‪ ،‬وذلك لنك إن‬
‫قمت بالتفكير في كيفية إنجازها في هذه المرحلة المبكرة من وضع الخطط‬
‫والهداف ستقّلص وتقّيد اعتقادك بقدرتك على تحقيقها‪ .‬فهذه الهداف ل‬
‫تزال من وجهة نظرك بعيدة عن متناول يديك‪.‬‬
‫قد تتساءل في نفسك "لماذا إذن أكتب قائمة بأهدافي الحقيقية؟!" إن كانت‬
‫أهدافك تمّثل أهمية بالنسبة لك‪ ،‬عند كتابتك لها ستبدأ في رؤية فرص جديدة‬
‫في الحياة لم تكن تراها من قبل‪ ،‬وستجد نفسك منجذبا ل شعوريا تجاه هذه‬
‫الفرص‪ ،‬وستبدأ في تنمية قدراتك لكي تأخذك خطوة بخطوة نحن تحقيق‬
‫أحلمك‪ .‬لذلك ضع كل ما يخطر ببالك من أهداف على الورق‪.‬‬
‫وتأكد أنه لن تكون لديك الرغبة في تحقيق هذه الهداف إل إذا كان الخالق‬
‫سبحانه وتعالى قد منحك القوة لتحقيقها‪ ،‬وسيساعدك قيامك بتنظيم هذه‬
‫الهداف وتحديد الولويات منها على تحقيقها‪.‬‬
‫ستلحظ أنك في بعض الحيان لن تحقق هدفا بالطريقة التي خططت لها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي أحيان أخرى ستجد أن تجربتك لبعض الخطط البداعية واتخاذك بعض‬
‫الخطوات الفعلية تقودك في اتجاهات لم تتوقعها من قبل‪ ،‬وفي الغالب تكون‬
‫أعظم وأكثر نجاحا من تلك التي وضعتها في خططك‪ .‬وذلك لن الخطط‬
‫وضعت على أساس مقدرتك الحالية‪ ،‬وهذه المقدرة تتغير مع الوقت‪.‬‬
‫وعليك أيضا بالضافة لقائمة الهداف أن تضع قائمة بالحتياجات الخاصة‬
‫سن المطلوب لنجاز الهداف‪.‬‬ ‫والمهارات اللزمة لتحقيق التح ّ‬
‫فعلى سبيل المثال إن كنت راغبا في التعمق بدراسة أحد مجالت العلوم‬
‫المختلفة لكي تزيد من دخلك‪ ،‬لكن ل يوجد لديك الوقت الكافي لعمل ذلك‪.‬‬
‫ضع هدفا لنفسك بأن تلتحق بفصل للقراءة السريعة‪ ،‬أو أن تدرس مقرر عن‬
‫الذاكرة والتركيز‪ .‬وبالتالي سيكون بإمكانك أن تفعل الكثير في وقت قليل‪.‬‬
‫والن توكل على الله‪ ،‬واخطوا أول خطوة على طريق النجاح‪ ،‬وأسأل الله‬
‫تعالى أن يعينك ويوفقك‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫ترجمة بتصرف عن ‪Born to succeed – colin turner :‬‬
‫إعداد‪ :‬جريدة الشرق – القطرية‬
‫مقولت في النجاح‬
‫________________________________________‬
‫‪ ... .1‬الحياة إما أن تكون مغامرة جرئيه ‪ ...‬أو ل شيء ) هيلين كيلر (‬
‫‪ ... .2‬ليس هناك من هو أكثر بؤسا ً من المرء الذي أصبح الل قرار هو عادته‬
‫الوحيدة ) وليام جيمس (‬
‫‪ ... .3‬إذا لم تحاول أن تفعل شيء أبعد مما قد أتقنته ‪ ..‬فأنك ل تتقدم أبدا‬
‫)رونالد ‪.‬اسبورت (‬
‫‪ ... .4‬عندما أقوم ببناء فريق فأني أبحث دائما عن أناس يحبون الفوز ‪ ،‬وإذا‬
‫لم أعثر على أي منهم فأنني ابحث عن أناس يكرهون الهزيمة ) روس‬
‫بروت (‬
‫‪ ... .5‬إن أعظم اكتشاف لجيلي ‪ ،‬هو أن النسان يمكن أن يغير حياته ‪ ،‬إذا ما‬
‫استطاع أن يغير اتجاهاته العقلية ) وليام جيمس (‬
‫‪ ... .6‬إن المرء هو أصل كل ما يفعل ) ارسطو (‬
‫‪ ... .7‬يجب أن تثق بنفسك ‪ ..‬وإذا لم تثق بنفسك فمن ذا الذي سيثق‬
‫بك !!؟؟‬
‫‪ ... .8‬إن ما تحصل عليه من دون جهد أو ثمن ليس له قيمه ‪.‬‬
‫‪ ... .9‬إذا لم تفشل ‪ ،‬فلن تعمل بجد ‪.‬‬
‫‪ ... .10‬ما الفشل إل هزيمة مؤقتة تخلق لك فرص النجاح ‪.‬‬
‫‪ ... .11‬الهروب هو السبب الوحيد في الفشل ‪ ،‬لذا فإنك تفشل طالما لم‬
‫تتوقف عن المحاولة ‪.‬‬
‫‪ ... .12‬إن الجابة الوحيدة على الهزيمة هي النتصار ) ونستون تشرشل(‪.‬‬
‫‪ ... .13‬لعله من عجائب الحياة ‪،‬إنك إذا رفضت كل ما هو دون مستوى القمة‬
‫‪ ،‬فإنك دائما تصل إليها )سومرست موم (‬
‫‪ ... .14‬إن ما يسعى إليه النسان السامي يكمن في ذاته هو ‪ ،‬أما الدنيء‬
‫فيسعى لما لدى الخرين )كونفويشيوس (‬
‫‪ ... .15‬قد يتقبل الكثيرون النصح ‪ ،‬لكن الحكماء فقط هم الذين يستفيدون‬
‫منه ) بابليليوس سيرس (‬
‫‪ ... .16‬ليس هناك أي شي ضروري لتحقيق نجاح من أي نوع أكثر من‬
‫المثابرة ‪ ،‬لنه يتخطى كل شيء حتى الطبيعة ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ... .17‬عليك أن تفعل الشياء التي تعتقد أنه ليس باستطاعتك أن تفعلها ‪.‬‬
‫) روزفلت (‬
‫ً‬
‫‪ ... .18‬من يعش في خوف لن يكون حرا أبدا ) هوراس (‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ ... .19‬الرجل العظيم يكون مطمئنا ً ‪ ،‬يتحرر من القلق ‪ ،‬بينما الرجل ضيق‬
‫الفق فعادة ما يكون متوترا ً )كونفويشيوس (‬
‫‪ ... .20‬إن عينيك ليست سوى انعكاسا لفكارك ) د إبراهيم الفقي (‬
‫‪ ... .21‬إن التصال في العلقات النسانية يتشابه بالتنفس للنسان ‪ ،‬كلهما‬
‫يهدف إلى استمرار الحياة ) فرجينيا ساتير (‬
‫ً‬
‫‪ ... .22‬افعل الشيء الصحيح فأن ذلك سوف يجعل البعض ممتنا بينما‬
‫يندهش الباقون ) مارك توين (‬
‫‪ ... .23‬أن العالم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب ) رالف‬
‫و‪.‬أمرسون (‬
‫‪ ... .24‬إنسان بدون هدف كسفينة بدون دفة كلهما سوف ينتهي به المر‬
‫على الصخور ) توماس كارليل (‬
‫‪ ... .25‬ليست الهداف ضرورية لتحفيزنا فحسب ‪ ،‬بل هي أساسية فعل ً‬
‫لبقائنا على قيد الحياة )روبرت شولر(‬
‫‪ ... .26‬إن السعادة تكمن في متعه النجاز ونشوه المجهود المبدع ) روزفلت‬
‫(‬
‫‪ ... .27‬إن التجاه الذي يبدأ مع التعلم سوف يكون من شأنه أن يحدد حياه‬
‫المرء في المستقبل ) أفلطون (‬
‫‪ ... .28‬ليس هناك وصفا ً للقائد أعظم من أنه يساعد رجاله على التدريب‬
‫على القوه والفعالية والتأثير ‪ ).‬منسيوس (‬
‫‪ ... .29‬إن الكتشافات والنجازات العظيمة تحتاج إلى تعاون الكثير من‬
‫اليدي‬
‫‪ ... .30‬ومن يتهيب صعود الجبال * * * يعش أبد الدهر بين الحفر‬
‫‪ ... .31‬الوطنية ل تكفي وحدها … ينبغي أل نضمر حقدا أو مرارة تجاه أي‬
‫كان ‪.‬‬
‫‪ ... .32‬في كل المور يتوقف النجاح على تحضير سابق وبدون مثل هذا‬
‫التحضير لبد أن يكون هناك فشل‬
‫‪ ... .33‬إن قضاء سبع ساعات في التخطيط بأفكار وأهداف واضحة لهو‬
‫أحسن وأفضل نتيجة من قضاء سبع أيام بدون توجيه أو هدف‬
‫‪ ... .34‬الحكمة الحقيقية ليست في رؤيا ما هو أمام عينيك فحسب !! بل هو‬
‫التكهن ماذا سيحدث بالمستقبل‬
‫‪ ... .35‬اغرس اليوم شجره تنم في ظلها غدا ً‬
‫‪ ... .36‬عندما تعرض عليك مشكله أبعد نفسك عن التحيز والفكار‬
‫المسبقة ‪..‬وتعرف على حقائق الموقف ورتبها ثم اتخذ الموقف الذي يظهر‬
‫لك انه أكثر عدل ً وتمسك به ‪.‬‬
‫‪ ... .37‬يجب أن تكون عندنا مقبرة جاهزة لندفن فيها أخطاء الصدقاء ‪.‬‬
‫‪ ... .38‬مع كل حق مسؤولية ‪..‬فلماذا ل يذكر الناس إل حقوقهم ‪.‬؟؟‬
‫‪ ... .39‬خلق الله لنا يدين لنعطي بها فل يجب إذا أن نجعل من أنفسنا‬
‫صناديق للدخار وإنما قنوات ليعبرها الخير فيصل إلى غيرنا ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ... .40‬أعمالنا تحددنا بقدر ما نحدد نحن أعمالنا !!‬


‫‪ ... .41‬إن أرفع درجات الحكمة البشرية هي معرفة مسايرة الظروف وخلق‬
‫سكينه وهدوء داخليين على الرغم من العواصف الخارجية ‪.‬‬
‫‪ ... .42‬البحث يعلم النسان العتراف بخطئه والفتخار بهذه الحقيقة أكثر‬
‫من أن يحاول بكل قوته الدفاع عن شيء غير منطقي خوفا من العتراف‬
‫بالضعف بينما العتراف علمة القوة ‪.‬‬
‫‪ ... .43‬إن الخصال التي تجعل المدير ناجحا هي الجراءة على التفكير‬
‫والجراءة على العمل والجراءة على توقع الفشل ‪!!..‬‬
‫‪ ... .44‬قدرتك على حفظ اتزانك في الطوارئ ووسط الضطرابات وتجنب‬
‫الذعر هي العلمات الحقيقية للقيادة ‪.‬‬
‫غلب‬‫‪ ... .45‬الرئيس هو ذلك الرجل الذي يتحمل المسؤولية فهو ل يقول ُ‬
‫غلبت أنا …فهذا هو الرجل حقًا‪.‬‬ ‫رجالي إنما يقول ٌ‬
‫‪ ... .46‬نحن نعيب على الخرين أنهم يرتكبون نفس أخطائنا ‪!!!.‬‬
‫‪ ... .47‬امدح صديقك علنا ً … عاتبه سرا ً !!!!‬
‫‪ ... .48‬أول الشجرة ‪ )) ..‬النواة ((!!!‬
‫ً‬
‫‪ ... .49‬إذا نفذت عمل ً خطأ سوف تنفذه رديئا ‪.‬‬
‫‪ ... .50‬يستحيل إرضاء الناس في كل المور … ولذا فإن همنا الوحيد ينبغي‬
‫أن ينحصر في إرضاء ضمائرنا !‬
‫‪ ... .51‬الفضل أن تصل مبكرا ً ثلث ساعات من أن تتأخر دقيقه واحدة ‪.‬‬
‫‪ ... .52‬السيطرة ضارة إل سيطرتك على نفسك ‪!!..‬‬
‫‪ ... .53‬ل يقاس النجاح بالموقع الذي يتبوأه المرء في حياته ‪ ..‬بقدر ما يقاس‬
‫بالصعاب التي يتغلب عليها ‪!!..‬‬
‫‪ ... .54‬العبرة في عدد النجازات المحققة بغض النظر عن من الذي‬
‫حققها ‪!.‬‬
‫‪ ... .55‬من اكثر الخطاء التي يرتكبها النسان في حياته … كانت نتيجة‬
‫لمواقف كان من الواجب فيها أن يقول ل …فقال نعم !!!‬
‫‪ ... .56‬الصلح مصدر قوه فالرجل المستقيم الصدوق النافع قد ل يصبح‬
‫مشهورا ً أبدا ً … لكن يصير محترما ً ومحبوبا ً من جميع معارفه ‪ ..‬لنه أقام‬
‫أساسا ً متينا ً من النجاح وسوف يأخذ حقه من الحياة ‪.‬‬
‫‪ ... .57‬إن على المرء أن ل ينسى الجانب النساني في تعامله مع الخرين‬
‫سواء في حياته العملية أو الجتماعية ‪.‬‬
‫حملت المسؤولية لمن ل يستحقها فسوف يكشف عن خلقه‬ ‫‪ ... .58‬إذا ُ‬
‫الحقيقي دائمًا‪.‬‬
‫‪ ... .59‬إذا كنت تجد المتعة في عملك فسيجد الخرون المتعة في العمل‬
‫تحت إمرتك ‪.‬‬
‫‪ ... .60‬قد تكون أفضل الطرق أصعبها ولكن عليك دائما بإتباعها إذ العتياد‬
‫عليها سيجعل المور تبدو سهله ‪.‬‬
‫‪ ... .61‬عامل من أنت مسؤول عنهم كما تحب أن يعاملك من هو مسؤول‬
‫عنك ‪!!..‬‬
‫‪ ... .62‬تعود على العادات الحسنه وهي سوف تصنعك ‪!!..‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ... .63‬غالبا ما يكون النجاح حليف هؤلء الذين يعملون بجرأة‪ ،‬ونادرا ً ما‬
‫يكون حليف أولئك المترددين الذي يتهيبون المواقف ونتائجها‪) .‬جواهر لل‬
‫نهرو(‬
‫‪ ... .64‬ل يجب أن نحكم على ميزات الرجال بمؤهلتهم‪ ،‬ولكن باستخدامهم‬
‫لهذه المؤهلت‪.‬‬
‫‪ ... .65‬نحن نسقط لكي ننهض‪ ...‬ونهزم في المعارك لنحرر نصرا ً أروع‪..‬‬
‫تماما كما ننام لكي نصحوا أكثر قوةً ونشاطًا‪) .‬بروانبخ(‬
‫‪ ... .66‬الرجل الناجح هو الذي يظل يبحث عن عمل‪ ،‬بعد أن يجد وظيفة !!‬
‫‪ ... .67‬ينقسم الفاشلون إلى نصفين‪ :‬هؤلء الذين يفكرون ول يعملون‪،‬‬
‫وهؤلء الذين يعملون ول يفكرون أبدًا‪) .‬جون تشارلز سالك(‬
‫‪ ... .68‬ل يصل الناس إلى حديقة النجاح دون أن يمروا بمحطات التعب‬
‫والفشل واليأس‪ ،‬وصاحب الرادة القوية ل يطيل الوقوف في هذه‬
‫المحطات‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ... .69‬إننا ندفع ثمنا غاليا من جراء خوفنا من الفشل‪ .‬إنه عائق كبير للتطور‬
‫يعمل على تضييق أفق الشخصية ويحد من الستكشاف والتجريب‪ ،‬فل توجد‬
‫معرفة تخلو من صعوبة وتجربة من الخطأ والصواب ‪ ....‬وإذا أردت الستمرار‬
‫في المعرفة عليك أن تكون مستعدا ً طيلة حياتك لمواجهه خطورة الفشل‪.‬‬
‫)جون جاردينر(‬
‫‪ ... .70‬يلوم الناس ظروفهم على ما هم فيه من حال‪ ..‬ولكني ل أؤمن‬
‫بالظروف فالناجحون في هذه الدنيا أناس بحثوا عن الظروف التي يريدونها‬
‫فإذا لم يجدوها وضعوها بأنفسهم‪) .‬برنارد شو(‬
‫‪ ... .71‬جوهر الدارة هو قوه التنبؤ قبل حدوث الشياء )هنري فابول(‬
‫إعداد‪ :‬جنة‬

‫)‪(6 /‬‬

‫عوامل انهيار النظام المريكي‬


‫قراءة في كتاب ما بعد المبراطورية ليمانويل تود د‪ .‬بسطامي محمد خير*‬
‫مقدمة‬
‫من الحقائق اليقينية عند كل عاقل أن الدول دول ‪ ،‬والتاريخ دورات متعاقبة‬
‫مصداقا لقول الله تعالى ) وتلك اليام نداولها بين الناس ( ‪ ،‬وكم من دول‬
‫كثيرة وممالك عظيمة قامت وسادت ثم دالت وزالت ‪.‬‬
‫والقرآن ملئ بالشواهد التاريخية والتجارب البشرية الدالة على تحقق هذه‬
‫السنة اللهية في ظهور الدول وعلوها ثم ضعفها واضمحللها ‪ .‬ونحن نقرأ فيه‬
‫َ‬
‫جعَل َْنا ل ِ َ‬
‫مهْل ِك ِِهم‬ ‫موا ْ وَ َ‬ ‫ما ظ َل َ ُ‬ ‫م لَ ّ‬‫قَرى أهْل َك َْناهُ ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫مثل قول الله تعالى‪) :‬وَت ِل ْ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫مادِ الِتى ل ْ‬ ‫ت العِ َ‬ ‫م َذا ِ‬ ‫ك ب َِعادٍ إ َِر َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫ف فَعَ َ‬ ‫م ت ََر ك َي ْ َ‬ ‫دا( وقوله تعالى‪) :‬أل َ ْ‬ ‫ع ً‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ِذى ال ّ وَْتادِ‬ ‫واد ِ وَفِْرعَوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬
‫ّ َ ِ َ‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫بو‬
‫ُ‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫د‬‫مو‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫فى‬
‫ِ‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫يُ‬
‫َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫ب إِ ّ‬ ‫ذا ٍ‬‫سوْط عَ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ب عَلي ْهِ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ساد َ فَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن طغَوْا ِفى الب ِلد ِ فَأكث َُروا ِفيَها ال َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ِ‬
‫صاِد( ‪ .‬ولقد اهتم المؤرخون المسلمون بدراسة أسباب نشأة‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َرب ّك لِبال ِ‬ ‫َ‬
‫الدول وتأسيسها وعوامل ضعفها وهرمها ‪ ،‬من أولئك ابن خلدون في مقدمة‬
‫تاريخه المشهورة وتلميذه ابن الزرق في كتابه المعروف ‪ .‬ثم انتقل هذا‬
‫العلم إلى الغربيين ومن أشهر من كتب في ذلك من المعاصرين المؤرخ‬
‫النجليزي آرنولد توينبي الذي درس أكثر من ثلثين حضارة وحاول تحليل‬
‫عوامل نهضتها وسقوطها ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهناك دراسات كثيرة في هذا المجال ‪ ،‬ومن هذه الدراسات كتاب ذاع صيته‬
‫في الغرب وتصدر قائمة الكتب الكثر مبيعا لفترة طويلة ‪ ،‬وهو كتاب )ما بعد‬
‫المبراطورية عوامل إنهيار النظام المريكي ( ليمانويل تود الذي يتحدث عن‬
‫عوامل ضعف الوليات المتحدة المريكية ويتنبأ بانهيارها الوشيك ‪ .‬وتأتي‬
‫غرابة الكتاب ووجه العجب فيه أنه يأتي في وقت ل يكاد يخطر في بال أحد‬
‫أن هذا العملق القوي الضخم الذي قد وصل إلى أوج هيمنته على العالم‬
‫وسيطرته ونفوذه على البلد والشعوب ‪ ،‬يمكن أن يهوي ويسقط ‪.‬‬
‫ول شك أن نشأة الدولة المريكية الحديثة ونهضتها السريعة وسيادتها‬
‫وقيادتها للعالم ‪ ،‬أمر فريد ومتميز فقد اكتشفت أمريكا في الوقت الذي‬
‫بدأت فيه أوربا تقدمها الحديث في عصورها الوسطى ‪ ،‬واندفع إليها‬
‫المهاجرون من كل حدب وصوب ‪ ،‬تحركهم دوافع شتى من ابتغاء الرزق‬
‫والثراء ‪ ،‬وطلب العدل والحرية والفرار من الظلم والستبداد ‪ .‬ووجدوا فيها‬
‫أرضا بكرا وسهل ممهدا ترعرعت فيه افضل ما عرفه العقل الوربي من‬
‫أفكار ونظم ومخترعات ومكتشفات وتجمعت فيها الخبرات والثروات‪ .‬وحين‬
‫استقلت الدولة المريكية عن بريطانيا في العقود الخيرة من القرن الثامن‬
‫عشر الهجري ‪ ،‬بدأت تشق طريقها نحو الصعود حتى استوت على ساقها‬
‫واشتد ساعدها وصارت قوة عالمية عظمي علميا وعسكريا واقتصاديا‬
‫وسياسيا ‪ .‬وصار تأثيرها واضحا في صنع التاريخ المعاصر منذ الحرب العالمية‬
‫الولى ‪ ،‬وتبوأت مكانة القطب العظم منذ الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬وصارت‬
‫القطب الوحد منذ انهيار القطب السوفيتي قبل عشرين سنة ‪.‬‬
‫ورغم هذه القوة الظاهرة والهيمنة العالمية الفائقة لمريكا ‪ ،‬فإن سيل من‬
‫الكتب والبحوث بأيدي أمريكين وأوربيين بدأت تظهر معلنة بداية نهايتها ‪ ،‬ومع‬
‫اختلف منطلقات هذه الكتب ومناهجها واتجاهاتها إل أنها تخلص إلى نتيجة‬
‫واحدة هي أن أمريكا تسير نحو السقوط ‪.‬‬
‫ويعرض الكتاب الذي بين أيدينا في مقدمته بعض هذه الكتب ليبين أوجه‬
‫الختلف بينه وبينها ‪ .‬ويأتي في مقدمة هؤلء )أعداء أمريكا التقليديون( ‪،‬‬
‫ومن أمثلتهم المشهورة المفكر المريكي نعيم شومسكي ‪ ،‬وبقايا اليساريين‬
‫ومناهضي العولمة على اختلف مشاربهم وبلدانهم الذين يرون أن أمريكا‬
‫قوة خارقة لكنها شريرة بطبيعتها وتجتمع فيها سوءأت النظام الرأسمالى ‪،‬‬
‫ومهما ازدادت قوتها وتصاعدت فإن المتناقضات التي بداخلها ل بد أن تهوي‬
‫بها ‪ .‬ومن السماء البارزة في التنبؤ بضعف النظام المريكي وسيره نحو‬
‫الهبوط ‪ ،‬كتب ومقالت ظهرت في العقدين الماضيين من كتاب ومفكرين‬
‫من داخل المؤسسة الحاكمة في أمريكا ‪ ،‬منهم بول كينيدي وروبرت غيلبن‬
‫من زاوية اقتصادية ‪ ،‬و صموئيل هنتنغتون من زاوية ثقافية دينية ‪ ،‬وهنري‬
‫كسنجر وبريجينسكي من زاوية سياسية ‪ .‬وقد أجمع هؤلء على أن هيمنة‬
‫أمريكا العالمية قد بدات العد التنازلي ‪ ،‬ويصفونها بأنها امبراطورية تنهار ‪،‬‬
‫لنها ل تستطيع أن تصمد طويل أمام التنمية البشرية والقتصادية الصاعدة‬
‫لدول العالم الخرى ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومما يميز كتاب ما بعد المبراطورية الذي بين أيدينا ‪ ،‬أنه معتدل في بظرته‬
‫غير متحامل ‪ ،‬ول ينطلق من دوافع عاطفية أو تحيز سياسي ‪ ،‬بل يعتمد‬
‫التحليل العلمي القائم على الحصائيات وطرق البحث المتبعة في العلوم‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجتماعية ‪ .‬وهو ل يذهب في نظرته إلى التطرف الذي يحلم بزوال أمريكا‬
‫من خريطة العالم ‪ ،‬ولكنه يذهب إلى أنها ستصبح خلل عقود قليلة دولة‬
‫مشغولة بمشكلتها الداخلية وسوف يضعف دورها العالمي من الدولة‬
‫العظمى الوحيدة ‪ ،‬إلى دولة مماثلة لمكانة الدول الخرى إن لم تكن أقل‬
‫منها ‪ ،‬وسوف يكون المنافس القوى منها ما يسميه كتلة أوراسيا التي تشمل‬
‫أوربا وروسيا واليابان والصين ‪ .‬وفي نظر الكاتب أن أمريكا قد بلغت أوج‬
‫قوتها وعظمتها وشكلت إمبراطورية بمعنى الكلمة خلل الخمسين سنة‬
‫الممتدة من الحرب العالمية الثانية إلىعام ‪ ، 1990‬ولكنها خلل العقدين‬
‫الماضيين قد دخلت مرحلة ما بعد المبراطورية وأنها تسير نحو الهرم‬
‫والضعف بخطى حثيثة ‪ ،‬ولهذا جعل عنوان كتابه "ما بعد المبراطورية" ‪.‬‬
‫ومؤلف الكتاب هو إيمانويل تود ‪ ،‬فرنسي من أصول أمريكية ‪ ،‬درس العلوم‬
‫السياسية ونال الدكتوراة في التاريخ من جامعة كمبردج باتجلترا ‪ ،‬ويعمل‬
‫باحثا متخصصا في المعهد الوطنى للدراسات السكانية في باريس ‪ .‬وبهذا‬
‫تجمعت لدية خبرات في السياسة والتاريخ والدراسات السكانية ‪ .‬وقد ادهش‬
‫تود العالم عام ‪ 1976‬بكتاب عنوانه "السقوط الخير" تنبأ فيه بتضعضع‬
‫التحاد السوفيتي ‪ ،‬ليس بسبب الضغوط المريكية أو الوربية ‪ ،‬بل اعتمادا‬
‫على تحليل علمي مثل اتجاهات السكان في روسيا ‪ ،‬وخاصة معدلت وفيات‬
‫الطفال العالية آنذاك ‪ ،‬كمؤشر على تدني المستوى الصحي في الدولة ‪،‬‬
‫وعلى اتجاهات القتصاد المنخفضة في النتاج وغيره ‪ .‬وخلص أن هذا التعفن‬
‫الداخلى للتحاد السوفيتي سوف يعصف به في النهاية ‪ ،‬وأنه مهما بدا عملقا‬
‫في ظاهره إل أن فرعون في حقيقته عار تماما ‪ .‬ولم تمض سنوات حتى‬
‫صدقت نبؤة تود وانهار التحاد السوفيتي ‪ .‬وبمثل هذا التحليل يخلص تود إلى‬
‫أن أمريكا لن تظل على حالها وأنها ستسقط على الكثر قبل عام ‪. 2050‬‬
‫فما العوامل التي تجعله واثقا في استقرائه للمستقبل هكذا ؟‬
‫يرجع تود تقهقر قوة الوليات المتحدة إلى ثلثة عوامل أساسية‪ :‬عسكرية‬
‫واقتصادية وثقافية ‪ .‬ويدعي تود أن من المدهش حقا أن هذه الجوانب الثلثة‬
‫هي ذاتها التي تزهى بها أمريكا أمام العالم وتدعى أنها أسباب قوتها ‪ ،‬وتخيل‬
‫بها للناس أنها عملق ل يغالب ‪ .‬ولهذا فإن تود يصف ذلك بقوله أن أمريكا‬
‫بهذا الزخرف والزينة لشكلها الخارجي تتحول من شبه إمبراطورية حقيقية‬
‫في حقبة ازدهارها إلى ما قبل العقد الخير من القرن العشرين ‪ ،‬إلى‬
‫إمبراطورية مظهرية زائفة ‪ ،‬تبدو منتفخة ولكنها في حقيقتها واهية هشة‬
‫ومتآكلة ‪.‬‬
‫هل يصدق أحد أن أمريكا ضعيفة عسكريا؟ يورد تود بعض الحجج لدعم رأيه ‪.‬‬
‫مما ل شك فيه أن أمريكا تملك ترسانة ضخمة من العتاد الحربي ل يقارن‬
‫بأي دولة أخرى ول دول أوربا مجتمعة ‪ ،‬ولكنها فيما يبدو ليست لديها أية ثقة‬
‫في جنودها ومقدراتهم القتالية الرضية ‪ ،‬وقد كشفت الحروب الصغيرة‬
‫الخيرة التى خاضتها في الصومال ولبنان وخاصة فيتنام ‪ ،‬هذا الضعف‬
‫البشري الذي ل يبدو أنها تستطيع معالجته ‪ .‬ومن أجل النصر تستخدم تفوقها‬
‫الخارق في المجال الجوى والضرب بعيد المدى ‪ ،‬ول تهاجم إل دول ضعيفة ل‬
‫تستطيع حيلة ول تجد سبيل لصد عدوانها ‪ ،‬وتحشد لها مع هذا الحلفاء والتباع‬
‫من إجل هزيمتها بالرعب والخوف ‪ .‬وقد أضحى هذا السلوب المريكى في‬
‫القتال هو المفضل وهو ما استخدمته في إفغانستان وفي العراق رغم كثرة‬
‫عدد ضحاياه بين المدنيين ‪ ،‬وثمنه الباهظ وتكاليفه الخرافية إذ يحتاج لصنع‬
‫تقنية متطورة ومتقدمة تلحق خسائر فادحة بالعداء ول تستطيل يدهم‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للحاق الذى بها ‪ .‬وهكذا تضطر الوليات المتحدة لن تقدم نصيب السد من‬
‫ميزانيتها من أجل ترسانة سلحها ‪ ،‬وخاصة أن استراتجيتها العسكرية قد‬
‫فرضت عليها أن تنشر قواتها في بقاع متناثرة من المعمورة ‪ .‬وتبين‬
‫الحصائيات أن لمريكا قواعد عسكرية في أكثر من ثلثين بلد من ألمانيا في‬
‫وسط أوربا إلى اليابان في أقصى الشرق ‪ ،‬ومن دول شرق أوربا الشيوعية‬
‫السابقة إلى الشرق الوسط ‪ ،‬ومن أمريكا اللتينية إلى شرق آسيا ‪ .‬وينوء‬
‫القتصاد المريكي بهذا الحمل الثقيل العبء الضخم الذي ل يستطيع منه‬
‫فكاكا مما يزيد أزمته وورطته ‪ .‬ورغم تخفيض الصرف العسكري ما بين‬
‫عامي ‪ 1990‬و ‪ 1995‬إثر تعالي المعارضة الشعبية ‪ ،‬إل أن الصرف عاد إلى‬
‫مستويات عليا بعد ذلك ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أما وضع أمريكا القتصادي فهو من أقوى العوامل التي يعتمد عليها تود في‬
‫توقعه اضمحللها ‪ ،‬ويسوق لذلك عددا من المؤشرات الدالة على الضعف‬
‫والوهن ‪ .‬من ذلك العجز الكبير في الميزانية وفي حجم التبادل التجاري ‪ .‬إذ‬
‫أن أمريكا قد فتحت الباب دون قيود لستيراد البضائع من أوربا واليابان عمل‬
‫بسياسة السوق الحرة ‪ ،‬وقد أدى ذلك للضرار بالصناعة المحلية وتحولت‬
‫أمريكا تدريجيا من منتج إلى مستهلك نهم ل يشبع ‪ ،‬وقد كان نصيبها من‬
‫الناتج العالمي بعيد الحرب العالمية الثانية ‪ %40‬وقد صار الن ‪ %22‬تقريبا ‪,‬‬
‫وهو رقم يساوي ناتج التحاد الوربي ول يمنح الوليات المتحدة تفوقا كبيرا ‪.‬‬
‫واختل أيضا الميزان التجاري لصالح الدول المصدرة لمريكا ‪ ،‬حتى أضحى‬
‫العجز فيه في الفترة بين ‪ 2001 1991‬من خمسين بليون دولر الي ‪450‬‬
‫بليونا ‪ .‬ومن أجل تغطية هذا العجز في الميزانية وفي التبادل التجاري صارت‬
‫أمريكا حسب ما يصفها تود بالوعة تمتص الموال من أوربا واليابان دون أن‬
‫تستطيع تقديم منتوج بديل فقد زادت الموال المتدفقة إلى أمريكا من ‪88‬‬
‫بليون دولر في سنة ‪ 1990‬إلى ‪ 865‬بليون في سنة ‪ . 2001‬وهكذا أضحت‬
‫البلد غير قادرة على تغطية نفقات استهلكها ومعيشتها العالية ‪ ،‬وفي أمس‬
‫الحاجة للعالم الخارجي ‪ ،‬وعاد الهدف الرئيسى لسياستها الخارجية بسط‬
‫هيمنتها على العالم من أجل السيطرة على الموارد العالمية وخاصة‬
‫البترول ‪ .‬وبجانب هذه المشكلت فإن المجتمع المريكى تتجسد فيه سوءات‬
‫النظام الرأسمالي المتمثلة في الفوارق الطبقية وازدياد الفجوة بين الغنياء‬
‫والفقراء ‪.‬‬
‫وستكون النتيجة النهائية لهذا الضعف القتصادي زعزعة مكانة الدولر‬
‫كإحتياطي للنقد العالمي وانهيار سوق الوراق المالية انهيارا أسوأ بكثير مما‬
‫شهده العالم في أي وقت سايق وقد يؤدي ذلك إلى تعويم قيمة الدولر مما‬
‫سيكون عاقبته أن تقصم القشة ظهر البعير ‪.‬‬
‫أما في الجانب الثقافي فيرى تود أن أمريكا فقدت مبادئها التى أسهمت في‬
‫نهضتها من ديمقراطية وحرية ‪ ،‬وأصبح مجتمعها مفلسها من الناحية الخلقية‬
‫تسوده عدم المساواة القتصادية والعنف والعنصرية العرقية ‪ .‬ولقد أصبحت‬
‫الطبقة الرأسمالية الغنية والنخبة من المثقفين هي التى تقبض على زمام‬
‫الحكم ‪ ،‬وتلشى دور الطبقة الوسطى من المجتمع ‪ ،‬وتراجعت الديمقراطية‬
‫الشعبية وتحولت إلى فئوية وطغمة من القلية ‪ ،‬ورويدا ورويدا أخذ طابع‬
‫الستبداد يغلب عليها ومن أمثلة ذلك مصادرة الحريات العامة بحجة‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المحافظة على المن القومي ‪.‬‬


‫هذا الضعف الذي أصاب أمريكا جعلها تنهج سياسة تثير القلق في تعاملها مع‬
‫العالم ‪ ،‬فقد كانت أمريكا الب العالمي الذي يرعى الحريات ولكنها في نظر‬
‫تود قد أضحت الن المخرب العالمي الذي يضع العقبات أمام السلم العالمي‬
‫‪ .‬ويتساءل تود متعجبا أن أمريكا مثل باستطاعتها حل مشكلة الصراع العربي‬
‫السرائيلى ولكنها من الواضح ل تريد للمنطقة أن تستقر ‪ .‬ويصف تود‬
‫سياسة الوليات المتحدة الخارجية بأنها سياسة الرجل المجنون ‪ ،‬لن أمريكا‬
‫في حقيقة المر تمتلئا رعبا من أن يتخلى عنها العالم وهي في أشد الحاجة‬
‫إليه حتى لتوفير لقمة العيش لشعبها ‪ .‬ويقول )"ان الخوف من ان تصبح‬
‫الوليات المتحدة غير ذات فائدة‪ ،‬والخوف من العزلة التي تنتج عن هذا‬
‫الوضع‪ ،‬هما بالنسبة الى الوليات المتحدة اكثر من ظاهرة جديدة‪ .‬انهما‬
‫انقلب حقيقي لمركزها التاريخي( ‪.‬‬
‫ويتحدث تود عن بعض التصرفات التي تفسر هذه النفسية الخائفة من أن‬
‫يفلت العالم من بين يديها ‪ .‬فمن ذلك أن أمريكا يخدم أهدافها أن تشتعل‬
‫مناطف كثيرة في العالم ول تسعى لطفاء حريقها حتى يشعر العالم دوما‬
‫بحاجته إلى تدخلها العسكري الذي يتيح لها بسط نفودها وتقوية هيمنتها ‪.‬‬
‫وفي نفس السياق يقول تود أن المبالغة في تضخيم خطر الرهاب ما هو إل‬
‫أسطورة الغرض منها تسويغ الهيمنة وحشد العوان للوقوف بجانب أمريكا‬
‫حفاظا على المن العالمي الموهوم ‪ .‬ومن أجل إظهار القوة وترويع العالم‬
‫تقوم أمريكا بحروب ضد الضعفاء الذين ل حول لهم ول قوة بحجج واهية مثل‬
‫حرب أفغانستان والعراق ‪ ،‬حروب القصد منها الدعاية وإخفاء الضعف‬
‫المريكي الذي بدا العالم يكتشفه ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وفي حين أن أمريكا تتراجع سياسيا هكذا فإن كثيرا من دول العالم تزداد‬
‫نماء بفضل انتشار التعليم وانخفاض مستويات المية ‪ .‬وعلى وجه الخصوص‬
‫فإن المحاور المنافسة لمريكا تزداد قوة وتماسكا ‪ ،‬فأوربا واليابان والصين‬
‫وروسيا وايران كلها في صعود مستمر ‪ ،‬ول يمكنها أن تستمر في مجاملة‬
‫أمريكا على حساب مصالحها ولن تتحلى بالسماحة دوما مع الحماقات‬
‫المريكية ‪ ،‬وستجد نفسها مضطرة للوقوف ضدها ‪ .‬فقد سعت أمريكا في‬
‫سياستها تجاه روسيا مثل إلى غايتين لم يتحققا ‪ ،‬أولها كان تفتيت روسيا‬
‫وثانيهما إبعادها من أوربا ‪ ،‬لكن عودة روسيا للساحة العالمية بوعى ومهارة‬
‫جعل روسيا قادرة على تفويت الفرصة أمام تحرش أمريكا بآسيا الوسطى‬
‫والقتراب من أوربا بزيادة حجم تبادلها التجاري معها سبعة أضعاف تجارتها‬
‫مع أمريكا ‪ .‬ويبدو أن التقارب الوربي الروسي والياباني ‪ -‬أو مايسمية تود‬
‫الوروآسيوي – سيعيد التوازن المفقود على المستوى العالمي ‪ .‬وستكون‬
‫المحصلة النهائية أن تفقد أمريكا كثيرا من حلفائها وتتقلص امبراطوريتها ‪.‬‬
‫وستجد نفسها في عالم يشعر بأنها قد أضحت عبئا عليه دون أن تقدم له أي‬
‫نفع‪.‬‬
‫وفي الختام يتساءل تود ما ذا بوسع العالم أن يصنع من أجل تدبير حكيم‬
‫وإدارة عاقلة لصدمة انهيار أمريكا؟ ويدعي تود أن هذا التقويم الذي قدمه‬
‫في كتابه ليس الغرض منه تحقيق مغانم لشعب على شعب أو لدولة لدولة‬
‫إنما للتفاكر في خير البشرية والعالم ‪ .‬ومن أجل ذلك فهو يقترح أن يسعى‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العالم لتقوية المحاور المنافسة لمريكا من أجل بناء قوة سياسية جديدة‬
‫راشدة ‪ ،‬وينصح بزيادة التقارب بين العالم العربي والسلمي وأوربا واليابان ‪،‬‬
‫ويقول أنه بعكس ما تسعى إليه أمريكا فإن وجود توازن نووي قد يعيد‬
‫التوازن الدولى ‪ ،‬ومن السبل إلى ذلك أيضا إصلح المم المتحدة وجعلها قوة‬
‫أمن وسلم حقيقة ونقل بعض هيئاتها من أمريكا حتى ل تتركز في مكان‬
‫واحد ‪.‬‬
‫وقبل إنهاء هذا العرض تبقى كلمة أخيرة عن وضع العالم السلمي ودوره‬
‫في هذا التحول القادم ‪ .‬لم يتعرض تود لهذه القضية بتفصيل إذ أنه لم ير في‬
‫هذه المنطقة غير أنها تابع مثلها مثل كثير من مناطق العالم الضعيفة الخرى‬
‫‪ .‬ولكنه في معرض حديثه عن ظاهرة انتشار التعليم والحداثة في العالم‬
‫المتمثلة عنده في مؤشر انخفاض معدلت النجاب ‪ ،‬يلحظ ان السلم‬
‫يتراجع أمام هذا التطور والتحديث ‪ .‬ولعله من المناسب ان يذكر هنا أن‬
‫السودان قد انخفض فيه معدل النجاب من ‪ 6,6‬طفل للمرأة الواحدة في‬
‫عام ‪ 1981‬إلى ‪ 4,9‬طفل للمرأة الواحدة في ‪ ، 2001‬في حين نقص هذا‬
‫المعدل في إحدى عشرة دولة مسلمة إلى أقل من ثلثة أطفال للمرأة‬
‫الواحدة ‪ .‬ولكن يبدو أن الرجل قليل البضاعة في معرفته بالسلم وبالعالم‬
‫السلمي فهو يعيد مقولت المستشرقين عن هذه المنطقة ‪ .‬ومن المؤسف‬
‫أنه ل توجد دراسات علمية دقيقة تستكشف المستقبل السلمي ‪ ،‬لكن‬
‫بشارات كثيرة تدل على أن الصحوة السلمية رغم الصعاب والعقبات‬
‫الكثيرة في طريقها إل أنها تتقدم في طريق العلو والظهور ‪ ،‬ولعله يحسن‬
‫هنا أن نتمثل بأبيات من الشعر تقول‪:‬‬
‫والحمد لله أول وآخرا ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫عوامل ظهور الرجاء والتكفير‬


‫هاني بن عبد الله الجبير ‪7/5/1427‬‬
‫‪03/06/2006‬‬
‫ما بعد‪:‬‬ ‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده ‪ ،‬أ ّ‬
‫فل شك )أن معرفة أصول الشياء ومبادئها( واستطلع العوامل المؤدية إلى‬
‫نشأتها وظهورها )وأصل ما تولد فيها من أعظم العلوم نفًعا‪ ،‬إذ المرء ما لم‬
‫ما بحقائق الشياء يبقى في قلبه حسكة( )‪. (1‬‬ ‫يحط عل ً‬
‫وذلك أن استطلع هذه العوامل أساس علجها‪ ،‬ولذا كان )النظر في سبب‬
‫المرض ينبغي أن يقع أول ً ثم في المرض ثانًيا ثم في الدواء ثالًثا( )‪.(2‬‬
‫كما أن معرفتها طريق قطع مادتها لمنع تكرّرها‪ ،‬وقد قال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪) :‬ل يلدغ المؤمن من جحر مرتين( )‪.(3‬‬
‫وإن الناظر في هذين الفكرين المتضادين – فكر الرجاء‪ ،‬وفكر التكفير‬
‫المعاصرين – والباحث في عوامل نشأتهما وظهورهما لبد أن يعيدهما جميًعا‬
‫إلى سببين أصليين‪ ،‬ذكرهما الشاطبي فقال‪ ..) :‬الختلف الحاصل بين المة‬
‫له سببان ‪ ..‬أحدهما ل كسب للعباد فيه ‪ ،‬وهو الراجع إلى سابق القدر ‪،‬‬
‫والخر هو الكسبي ‪ ،‬وهو المقصود بالكلم( )‪.(4‬‬
‫فأما القدر فإن الله تعالى أراد –لحكمة عظيمة– أن ل يكون الناس كلهم أمة‬
‫واحدة‪ ،‬بل منهم الشقي والسعيد؛ كما قال تعالى‪" :‬ولو شاء ربك لجعل‬
‫الناس أمة واحدة ول يزالون مختلفين إل من رحم ربك ولذلك خلقهم"‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]سورة هود ‪ . [119 ، 118 :‬فأتباع الرسول المين هم المرحومون وهم‬


‫الفرقة الناجية ‪ ،‬ومن سواهم فهو من أهل الوعيد على اختلف درجاتهم)‪.(5‬‬
‫أما السباب الكسبّية فهي التي ستكون موضع تناولنا في هذه العجالة‬
‫الموجزة‪ ،‬بعد إيضاح مقدمتين‪:‬‬
‫المقدمة الولى‪ :‬الفكار ل تموت! ‪.‬‬
‫إن أية فكرة تطرأ على المجتمع فإنها تبقى مهما شاخت وأصابا الهرم‪ ،‬وهذا‬
‫مما ل ينكر‪ ،‬فإن الناظر في التاريخ السلمي ومذاهبه يجد أن التيارات‬
‫الفكرّية‪ ،‬تقوى حيًنا وتستفحل‪ ،‬وتخبو حيًنا وتضعف‪ ،‬ولكن ل تموت بل تبقى‬
‫ضعيفة حتى تجد من يثيرها‪ ،‬وهكذا فإن أي مذهب وجد في تاريخ المة فإنه ل‬
‫صا؛ وسواء‬ ‫ما أم ناق ً‬
‫يستغرب أن يظهر إذا وجد من يتبناه‪ ،‬سواء كان ظهوًرا تا ً‬
‫ظهر بصورته الولى أو بصورةٍ مختلفة‪.‬‬
‫والتجاه التكفيري والخراج من اليمان بفعل الكبائر‪ ،‬اتجاه له وجود في‬
‫التاريخ السلمي في مذهبي الخوارج والمعتزلة‪ ،‬وهو اتجاه بقي وإن كان‬
‫صر)‪.(6‬‬‫على ضعف إلى هذا العَ ْ‬
‫ً‬
‫كما أن مذهب الشيعة يعتمد على تكفير الغالي ممثل في تكفير الصحابة‬
‫وة في أماكن مختلفة‬ ‫رضي الله عنهم)‪ ،(7‬وهذا الفكر موجود في المة بق ّ‬
‫يمثله طوائف متعددة ‪.‬‬
‫وكما أن التكفير موجود ‪ ،‬فالرجاء أمره أظهر وأبين‪ ،‬فإنه انتشر في المة‬
‫في العصور المتأخرة انتشاًرا قوًيا ‪ ،‬وحسبك أن تعلم أن الشاعرة‬
‫والماتريدّية يتبنون هذا الفكر)‪ ،(8‬لتعلم بعد ذلك كم من المعاهد السلمية‬
‫الكبرى قد تبّنت هذا التجاه ‪.‬‬
‫المقدمة الثانية ‪ :‬تغيير الظاهر ل يغير الباطن ‪.‬‬
‫فإن من المعلوم أن العبرة بحقائق الشياء ومعانيها‪ ،‬وليس بصورها ومبانيها ‪،‬‬
‫س‬
‫ولذا كان مما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيشرب نا ٌ‬
‫من أمته الخمر يسمونها بغير اسمها)‪.(9‬‬
‫وهذا العصر شهد ظهوًرا للتكفير والرجاء‪ ،‬وقد ألبس ثياب منهج السلف ؛‬
‫فنسب إليه‪ ،‬واستدل بأقوالهم على إثباته‪ ،‬وادعى بأنه هو اعتقاد الفرقة‬
‫الناجية‪ ،‬وربما ترك من التجاه أفكاًرا معينة لتبرأ ساحة معتقده إذ ل يوافقهم‬
‫في هاتيك الفكار ‪.‬‬
‫مع أنه ل يلزم عند نسبة طائفة إلى اتجاه عقدي أن تتلقى جميع الفكار‬
‫بينهما بل العبرة في التفاق في أساس التجاه‪ ،‬ولذا لما عدد العلماء الفرق‬
‫ق أمات لها مع التفاوت بينها في الراء ‪.‬‬ ‫المبتدعة ردوها إلى فر ٍ‬
‫وما ذكر أبو الحسن الشعري المرجئة‪ ،‬ذكر اختلفهم في اليمان على اثنتي‬
‫عشرة فرقة)‪ .(10‬وكذلك لما شرع في مقالت الخوارج ذكر جماع رأيهم‪ ،‬ثم‬
‫اختلفهم بعد ذلك وتكفير بعضهم لبعض)‪!(11‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمّية رحمه الله‪ ...) :‬لن هؤلء وأمثالهم لم يكونوا‬
‫خبيرين بكلم السلف‪ ،‬بل ينصرون ما يظهر من أقوالهم بما تلقوه عن‬
‫المتكلمين من الجهمّية ونحوهم من أهل البدع‪ ،‬فيبقى الظاهر قول السلف‪،‬‬
‫والباطن قول الجمهّية الذين هم أفسد الناس مقالة في اليمان( )‪.(12‬‬
‫عوامل النشأة والظهور ‪:‬‬
‫أوّل ً ‪ :‬عدم التلقي عن أهل العلم الثبات ‪:‬‬
‫فبسبب انتشار التعليم وفشو الكتابة في هذا الزمن كثر التلقي والخذ من‬
‫كتب العلم مباشرة دون مشافهة العلماء‪ ،‬وترتب على ذلك خطأ كثير ‪ .‬كعدم‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهم المصطلحات الشرعية على الوجه المطلوب وعدم تحرير مسائل‬


‫النزاع ‪ ،‬وعدم التنبه لما في بعض الراء من غلط ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهذه المفاسد وغيرها جعلت السلف يمنعون من تلقي العلم ممن كانت‬
‫وسيلته التي استفاد بها العلم هي التلقي من الكتب‪ ،‬كما قال أبو زرعة‪) :‬ل‬
‫حفي( )‪ (13‬ولعلي أشير إلى مسألتين أجعلهما مثال ً لما يترتب‬ ‫ص ُ‬
‫يفتي الناس ُ‬
‫على الخذ عن الكتب من سوء الفهم‪ ،‬المسألة الولى‪ :‬عدم فهم الفرق بين‬
‫تولي الكافر الذي هو ناقض من نواقض السلم‪ ،‬وبين موالة الكافر الذي هو‬
‫معصية فقط‪.‬‬
‫والذي ترتب عليه التكفير بعموم‪ ،‬حصول المخالفة مع احتمال أن يكون‬
‫الفعل الظاهر هو المعصية وليس الكفر ‪ .‬ومثال ذلك فعل حاطب ابن أبي‬
‫شا بأمر مسير النبي صلى الله عليه‬ ‫بلتعة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬لما كاتب قري ً‬
‫وسلم والمسلمين إليهم‪ ،‬لفتح مكة‪ ،‬فهذا من موالة الكفار ‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون موالة لغرض من أغراض الدنيا ) وهو حفظ أهله وماله بمكة ( كما‬
‫يحتمل أن يكون موالًيا لهم في دينهم ولذا سأله النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عن فعله‪ ،‬فقال‪) :‬إني كنت امرًءا من قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من‬
‫معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة‪ ،‬فأحببت‬
‫دا يحمون قرابتي وما فعلت ذلك‬ ‫إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم ي ً‬
‫كفًرا( )‪ .(14‬وبذلك عرف أن فعله معصية وليس كفًرا‪ ،‬ولذا قال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم عنه )إنه شهد بدًرا ‪ ،‬وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر‬
‫فقال ‪ :‬اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم( ‪ .‬ولو كان كفًرا لحبط عمله وما نفعه‬
‫حضوره بدًرا)‪ (15‬كما قال تعالى‪" :‬لن أشركت ليحبطن عملك" ]سورة‬
‫الزمر‪.[65 :‬‬
‫فلما غفل من قرأ كلم أهل العلم عن التفريق بين ما يكون كفًرا‪ ،‬وما ل‬
‫يكون كذلك‪ ،‬وقع الغلط في هذا الباب ‪.‬‬
‫ن هذا‬‫المسألة الثانية ‪ :‬عدم معرفة المراد بأهل السنة والجماعة‪ ،‬فإ ّ‬
‫المصطلح يطلق بإزاء اعتقاد سلف هذه المة‪ ،‬الشاعرة والماتريدية على‬
‫عقيدتهم ‪ ،‬كما أنهم يطلقون على مذهبهم مذهب السلف‪ .‬فمثل ً في شرح‬
‫القاري على منظومة بدء المالي ‪ -‬وهي في اعتقاد الشاعرة ‪ -‬قال‪) :‬ليست‬
‫العبادات المفروضة محسوبة من اليمان‪ ،‬ول داخلة في أجزائه ‪ ..‬وهذا ما‬
‫عليه أكابر العلماء كأبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬وجمهور الشاعرة ومذهب مالك‪،‬‬
‫والشافعي‪ ،‬والوزاعي‪ ،‬وهو المنقول عن السلف‪ ،‬وكثير من المتكلمين ونقله‬
‫في شرح المقاصد عن جميع المحدثين ‪ ..‬ول ينتفي اليمان بانتفائها( )‪.(16‬‬
‫وقال ابن حجر في تعريفه لليمان‪) :‬فالسلف قالوا هو اعتقاد بالقلب‪ ،‬ونطق‬
‫ط في كماله‪..‬‬‫باللسان‪ ،‬وعمل بالركان‪ ،‬وأراد بذلك أن العمال شر ٌ‬
‫والمعتزلة قالوا‪ :‬هو العمل‪ ،‬والنطق‪ ،‬والعتقاد‪ .‬والفارق بينهم وبين السلف‬
‫طا في كماله( )‬ ‫طا في صحته؛ والسلف جعلوها شر ً‬ ‫أنهم جعلوا العمال شر ً‬
‫‪.(17‬‬
‫وفي كل ما سبق عدم تحرير لمسائل العتقاد على نهج السلف‪ ،‬بل هو على‬
‫طريقة المرجئة من تأخير العمل عن اليمان ‪ ،‬ومع ذلك فقد نسب للسلف‪.‬‬
‫وهو إما عدم فهم لمرادهم ‪ ،‬أو استعمال لهذا المصطلح في معنى آخر ‪ .‬وهو‬
‫ل مثال لما في الخذ من الكتب من إشكالّية سبّبت الخلط في باب‬ ‫على ك ُ ّ‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليمان ‪.‬‬
‫قال الشاطبي‪) :‬وإذا ثبت أنه لبد من أخذ العلم عن أهله ؛ فلذلك طريقان ‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬المشافهة ‪ ،‬وهي أنفع الطريقين وأسلمهما؛ للخاصّية التي جعلها الله‬
‫تعالى بين المعلم والمتعلم ‪ ،‬يشهدها كل من زاول العلم والعلماء؛ فكم من‬
‫مسألة يقرؤها المتعلم في كتاب ‪ ،‬ويحفظها ويردها على قلبه فل يفهمهما ‪،‬‬
‫فإذا ألقاها إليه المتعّلم فهمها بغتة ‪..‬‬
‫ضا نافع بشرطين ‪:‬‬ ‫الطريق الثاني ‪ :‬مطالعة كتب المصنفين وهو أي ً‬
‫الول‪ :‬أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب‪ ،‬ومعرفة‬
‫اصطلحات أهله‪ ،‬ما تيم له به النظر في الكتب وذلك يحصل بالطريق الول‪،‬‬
‫ومن مشافهة العلماء أو مما هو راجع إليه‪ ،‬وهو معنى قول من قال‪ :‬كان‬
‫العلم في صدور الرجال‪ ،‬ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال‪ .‬والكتب‬
‫وحدها ل تفيد الطالب منها شيًئا دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد والشوط‬
‫الخر‪ :‬أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم‪ ،‬فإنهم أقعد به من غيرهم‬
‫من المتأخرين‪.(18) (..‬‬
‫الثاني ‪ :‬المواقف المضاّدة‬
‫حا في ظهور الفكر الغالي‪ ،‬والتكفير‪ ،‬والرجاء‬ ‫فإن لردود الفعال دوًرا واض ً‬
‫في هذا العصر‪.‬‬
‫فأما فكر التكفير فإنه )يكاد معظم الذين حللوا ظاهرة الغلو لدى هذه‬
‫الجماعات‪ ،‬يتفقون على أن من أهم السباب التي دفعت بهؤلء إلى اتخاذ‬
‫هذا الموقف المتطرف‪ :‬الحرب التي تعّرض لها أتباع هذه الجماعات وما نتج‬
‫ما ومحكومين‪ ،‬فإن من شباب‬ ‫عنها من ردود فعل تجاه المجتمع حكا ً‬
‫الجماعات السلمية ‪ ،‬الذين كانوا يمثلون خيرة الشباب في المجتمع‬
‫المصري بدل من أن يجدوا العون لتحقيق آمالهم في حياة إسلمية كريمة‬
‫لفقت ضدهم التهم زوًرا وبهتاًنا‪ .‬ووجدوا أنفسهم في غياهب المعتقلت‬
‫وأصبحوا نهًبا لسياط الجلدين وآلت التعذيب‪ ،‬في الوقت الذي أطلقت فيه‬
‫أيادي أعداء السلم يعملون بكل حرية لهدم قيم السلم وتعاليمه( )‪.(19‬‬
‫بل ربما أخذت النساء رهائن ووضعن في السجون وعذبن حتى يعود الرجال‬
‫الهاربون)‪.(20‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ونتيجة لما سبق فقد شعر هؤلء بأن من قام بهذا العمل البشع ‪ ،‬زيادة على‬
‫تقصيره في تطبيق الشريعة ‪ ،‬وغيرها من أنواع المخالفات؛ ل يمكن أن يكون‬
‫ما وبذلك برز فكر التكفير قوًيا لدى بعض الفئات ‪.‬‬
‫مسل ً‬
‫ولما وجد هذا الفكر تصدى له أهل العلم بالبيان‪ ،‬إل أن المواقف النفعالية‬
‫والمناقشات العقلية‪ ،‬والمعارك الكلمية‪ ،‬ولدت رّدة فعل مقابلة‪ ،‬نتج عنها‬
‫التوسع في استخدام شرط الستحلل للتكفير‪ ،‬حتى اشترطوا في أعمال‬
‫الكفر الصريحة كإهانة المصحف‪ ،‬وسب الرسول‪ ،‬وإلغاء شريعة الله‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫ل يكفر فاعلها إل إذا كان مستحل ً بقلبه‪ ،‬وكل هذا بغرض التثبت في إطلق‬
‫الكفر! )‪(21‬‬
‫وحصروا الكفر بناء على ذلك في الجحود والستحلل)‪.(22‬‬
‫وقد صرح من يعتقد ذلك بأنه فعله )رًدا على الوالفين في تكفير المسلمين‪،‬‬
‫من الذين جعلوا مسألة تكفير الحكام من أصول مسائلهم الكبرى وفتنتهم‬
‫العظمى(‪ ،‬و)أن الحركيين السلميين بالغوا في تكفير العصاة والمخالفين‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صة حكام المسلمين( )‪.(23‬‬ ‫وبخا ّ‬


‫وهكذا كان لردود الفعال دور في ظهور الغلو في كل الجانبين المتقابلين ‪.‬‬
‫ثالًثا ‪ :‬عدم القدرة على التعامل مع الوضع الراهن‬
‫مة مثله‪ ،‬من هجر‬ ‫فإن في هذا المعصر من المشكلت ما لم يمد ّ على ال ّ‬
‫التحاكم لكتاب الله‪ ،‬واليغال في إيذاء الناصحين‪ ،‬وتكالب المم‪ ،‬والتصريح‬
‫بعداوة الدين من بعض من ينتمي إليه‪ ،‬وبأنه غير صالح للتطبيق‪ ،‬كل ذلك‬
‫على نحو غالب‪ ،‬ولهذا يفارق ما مضى على المة فإنها وإن وجد فيها النقص‬
‫والخطأ فإنها لم تشهده بشكل غالب إل في العصور المتأخر‪.‬‬
‫وقد ترتب على ذلك احتياج المة إلى فقيه النفس‪ ،‬القادر على التعامل مع‬
‫هذه المشكلت‪ ،‬وإبداء الحل الشرعي لها‪ ،‬الذي ل يحاول تسويغ الواقع على‬
‫حساب الدين‪ ،‬ول يغّيب نفسه عن تأمل ودراسة واقع المة والمجتمع‪.‬‬
‫وبدل ً من أن يخرج الفقيه المتمكن من الجتهاد في نوازل العصر‪ ،‬فقد شهد‬
‫دا لباب الجتهاد ‪ ،‬ومنًعا منه‪ ،‬بل صار القول‬ ‫القرنان الماضيان وما قبلهما س ً‬
‫بالجتهاد من الكبائر‪ ،‬بل ربما وصل حد الكفر‪ ،‬ولقد كان من التهم الموجهة‬
‫من خصوم الدعوة السلفية إلى علمائها دعوى الجتهاد! )‪(24‬‬
‫وفي محاولة التعامل مع الواقع – في ظل غياب الفقهاء المتمكنين – برز‬
‫التجاهان اتجاه لم يستطع التعامل مع الخطاء‪ ،‬فدعا إلى عزلة الناس‬
‫ومفاصلة المجتمع الجاهلي بمؤسساته ونظمه ‪ ،‬وحكم على المجتمعات‬
‫بالكفر لرضاها به وعدم قيامها )بالحد الدنى من السلم( )‪.(25‬‬
‫واتجاه آخر سوغ الواقع بكل أشكاله‪ ،‬وقرر أن من تكلم بالشهادتين فهو من‬
‫أهل السلم ‪ ،‬ولو فعل ما فعل من ضروب الكفر‪ ،‬والشرك‪ ،‬حتى نعلم أّنه‬
‫دا أو مستح ّ‬
‫ل‪.‬‬ ‫في قلبه جاح ً‬
‫م ل محالة أنه بقواعده العامة‪،‬‬ ‫والحقيقة أن من أيقن بالسلم وصدق به عال ٌ‬
‫ف لكل عيي‪ ،‬ومن أتقن أصوله وفهم مقاصده‪،‬‬ ‫ل لكل وضع ‪ ،‬شا ٍ‬ ‫وكلياته حا ّ‬
‫ّ‬
‫ما وحل إذا صدق النية‬ ‫لن يعجزه أن يجد لكل نازلة من النوازل من الشرع حك ً‬
‫ورزق التوفيق‪.‬‬
‫رابًعا ‪ :‬المقاصد السقيمة لدعياء العلم‬
‫ومن أبرز هذه المقاصد والتي دفعت إلى ظهور هذين التجاهين ‪ ،‬التعصب‬
‫للمشايخ ‪ ،‬ومحاولة تسويغ الواقع ‪ ،‬وعدم الرجوع للحق بعد تبينه‪ .‬والجامع‬
‫لكل ذلك أنه اتباعٌ للهوى‪.‬‬
‫واتباع الهوى اعتقاد ٌ يتبعه استدلل‪ ،‬ويتلوه تحريف لكل دليل مخالف ‪ ،‬بعكس‬
‫أهل الحق الذين يتبعون الدلة ثم ينقادون لها فيعتقدون بعدما يستدلون ‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪) :‬إن السلف كان اعتصامهم بالقرآن‪ ،‬واليمان‪ ،‬فلما حدث في‬
‫المة ما حدث من التفرق والختلف صار أهل التفريق والختلف شيًعا‪ ،‬صار‬
‫هؤلء عمدتهم في الباطن ليست على القرآن واليمان‪ ،‬ولكن على أصول‬
‫ابتدعها شيوخهم ‪ ،‬ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به ‪ ،‬وما خالفها‬
‫تأولوه ‪ ..‬والمقصود أن كثيًرا من المتأخرين لم يصيروا يعتمدون في دينهم ل‬
‫على القرآن‪ ،‬ول على اليمان الذي جاء به الرسول‪ ،‬بخلف السلف‪ ،‬فلهذا‬
‫دمناه( )‬ ‫ما وإيماًنا‪ ،‬وخطؤهم أخف‪ ،‬وصوابهم أكثر كما قَ ّ‬ ‫كان السلف أكمل عل ً‬
‫‪.(26‬‬
‫وقد يزيد من قوة تأثير هذا السبب أن يعرض العلماء )الربانيون( عن إيضاح‬
‫الحق وبيان الموقف الصحيح لي عذر‪.‬‬
‫سا‪ :‬عدم رد المتشابه للمحكم‬ ‫خام ً‬
‫فقد أخبر الله تعالى أن من آياته المتشابه‪ ،‬ومنها المحكم‪ ،‬وبّين سبيل مرضى‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القلوب من ابتاع المتشابه وعدم رده للمحكم‪ ،‬وفي المقابل يكون سبيل‬
‫الراسخين في العلم رد المتشابه إلى المحكم ‪.‬‬
‫والمتشابه‪ ،‬هو‪ :‬غير واضح الدللة مما له تصريف وتأويل فيمكن حمله على‬
‫المعنى الفاسد من حيث لفظه وتركيبه)‪ .(27‬قال تعالى‪" :‬هو الذي أنزل‬
‫عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخُر متشابهات فأما الذين‬
‫في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله" ]سورة‬
‫آل عمران‪.[7:‬‬
‫والواقع في من يتبنى مناهج مخالفة لهدي السلف أّنه يعمد إلى نص فيجعله‬
‫ه ما هو أرجح منه‪ ،‬أو يجعل ما‬ ‫ض ُ‬‫عاَر َ‬
‫عمدته وكأنه ل معارض له‪ ،‬كيف وقد َ‬
‫مة دون العكس‪.‬‬ ‫ورد في مسألة مخصوصة هو القاعدة العا ّ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫** ** **‬
‫وبعد! فما سبق وقفات يسيرة في هذا الموضوع الذي يستحق أن يتوسع فيه‬
‫أكثر والله الموفق ل إله إل هو ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬ما بين القوسين تضمين من مجموع الفتاوى ]‪ . [10/368‬والحسكة‪:‬‬
‫الشوكة ‪.‬‬
‫)‪ (2‬تضمين من زاد المعاد )‪. (4/8‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري )‪(6133‬؛ صحيح مسلم )‪ . (2998‬عن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه ‪.‬‬
‫)‪ (4‬العتصام )‪. (2/164‬‬
‫)‪ (5‬انظر‪ :‬تفصيل هذا المعنى في تفسير ابن كثير )‪ ( 2/466‬؛ مجموع‬
‫الفتاوى )‪(4/236‬؛ العتصام )‪.(2/170‬‬
‫ضا عن حركة الباضية وأماكن انتشارها في العالم‬ ‫)‪ (6‬انظر‪ :‬بحًثا مستفي ً‬
‫السلمي وشيًئا من أبرز آرائها في كتاب دراسة عن الفرق وتاريخ‬
‫المسلمين‪ .‬د‪ .‬أحمد محمد جلي ص ‪ 90‬وما بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (7‬نقل إحسان إلهي ظهير في كتابه السنة والشيعة ص ‪ 49‬عن الكشي في‬
‫كتابه رجال الشيعة ص ‪ 13 ، 12‬أن كل الصحابة ارتدوا بعد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم إل ثلثة‪ :‬المقداد بن السود‪ ،‬أبو ذر الغفاري‪ ،‬وسلمان الفارسي ‪.‬‬
‫)‪ (8‬فعند جمهور الشاعرة أن اليمان هو التصديق فقط ‪ ،‬وقيل ومعه إقرار‬
‫اللسان وعليه الماتريدية ولهم تفصيل ‪ .‬انظر‪ :‬شرح الطحاوية لعبد الغني‬
‫الميداني ص ‪98‬؛ نظم الفرائد في المسائل الخلفية بين الماتريدية‬
‫والشاعرة لشيخ زاده ص ‪. 225‬‬
‫)‪ (9‬سنن ابن ماجة )‪(3385‬؛ مسند أحمد )‪ (5/318‬عن عبادة بن الصامت ؛‬
‫سنن ابن ماجة )‪ (3384‬عن أبي أمامة ؛ صحيح ابن حبان )‪ (160 /15‬؛ سنن‬
‫أبي داود )‪(3688‬؛ مسند أحمد )‪ (5/432‬عن أبي مالك الشعري وله طرق‪.‬‬
‫)‪ (10‬مقالت السلميين )‪. (1/213‬‬
‫)‪ (11‬المصدر السابق )‪. (1/167‬‬
‫)‪ (12‬مجموع الفتاوى )‪.(7/143‬‬
‫حف‬‫ص ُ‬
‫)‪ (13‬الفقيه والمتفقه )‪ . (2/97‬والصحفي الذي أخذ علمه عن ال ُ‬
‫) وهي الكتب ( ‪.‬‬
‫)‪ (14‬صحيح البخاري )‪(4890‬؛ صحيح مسلم )‪. (161‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (15‬في كتاب ضوابط التكفير ص )‪ (294‬مزيد تفصيل ‪.‬‬


‫)‪ (16‬ص)‪ .(54‬دار إحياء الكتب العربية عام ‪1345‬هـ ‪.‬‬
‫)‪ (17‬فتح الباري )‪.(1/61‬‬
‫)‪ (18‬الموافقات )‪.(1/145‬‬
‫)‪ (19‬تضمين من كتاب دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين ص )‪(108‬‬
‫بتصرف ‪.‬‬
‫)‪ (20‬انظر‪ :‬التكفير جذوره أسبابه مبرراته‪ ،‬د‪ .‬نعمان السامرائي ص )‪.(44‬‬
‫)‪ (21‬انظر‪ :‬ظاهرة الرجاء في الفكر السلمي ص )‪.(391‬‬
‫)‪ (22‬صيحة نذير ص )‪.(39‬‬
‫)‪ (23‬الملحق ب لكتاب حقيقة الخلف بين السلفية الشرعية وأدعيائها ص‬
‫‪ . 161‬وهو المتضمن لنص توبة أحد المقصودين بفتوى اللجنة الدائمة للفتاء‬
‫رقم ‪ 20212‬في ‪7/2/1419‬هـ ‪.‬‬
‫دا من البحث في هذه المسألة في كتاب النحرافات العقدية‬ ‫)‪ (24‬انظر‪ :‬مزي ً‬
‫والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر لعلي بن بخيت الزهراني )‬
‫‪ 2/89‬فما بعدها( ‪.‬‬
‫)‪ (25‬البّينة ‪ .‬جمال سلطان ص )‪(50‬؛ )والحد الدنى( مبدأ لدى )جماعة‬
‫المسلمين( المعروفة بالتكفير والهجرة ‪ .‬بين المراد به في المرجع السابق‬
‫وانظر ‪ :‬ضوابط التكفير ‪ ،‬د‪ .‬عبد الله القرني ص )‪105‬وما بعدها( ‪.‬‬
‫)‪ (26‬مجموع الفتاوى )‪. (13/58‬‬
‫)‪ (27‬تفسير القرآن العظيم لبن كثير )‪ .(9 ، 3/7‬دار عالم الكتب ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫عوامل هزيمة المة ‪...‬‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫مما ل شك فيه أن هذه المة أمة منتصرة بنصر الله سبحانه لها ‪ ،‬وهي‬
‫ظاهرة على غيرها من المم ‪ ،‬ولن تفقد هذه المة خيريتها أو تنهزم انهزاما ً‬
‫مطلقا ً مهما أصابها الوهن وظن الكافر الحاقد أنها قد تودع منها ‪ ،‬أو لم يعد‬
‫يرجى برؤها ‪ ،‬وهذه حقيقة دلت عليها النصوص الشرعية من وجهين ‪:‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الول ‪ :‬وعد الله سبحانه لها بالنصر ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫من قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫فن ُّهم ِفي اْل َْر‬ ‫خل ِ َ‬‫ست َ ْ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫دون َِني‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ا‬‫من‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫خ‬
‫ُ ْ َ َُ ّ ُّ ّ َْ ِ َ ْ ِ ِ ْ ْ َْ ُ ُ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫هم‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ضى‬ ‫ت‬
‫ْ َ َ‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫وَل َي ُ َ َ ّ ُ ْ ِ َ ُ ُ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫م‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫ك‬ ‫م‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ك فَأوْل َئ ِ َ‬‫ُ‬
‫ن ( ‪ (55) .‬النور‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬
‫فا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫فَر ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫من ك َ َ‬ ‫شْيئا ً وَ َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫َل ي ُ ْ‬
‫ن ( ‪ (47) .‬النور و الحديث‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫وقال سبحانه ‪ ) :‬وَ َ‬
‫المتواتر الذي جاء عن واحد وعشرين صحابيا عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال ‪ ) :‬ل تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة ‪ ،‬ل يضرهم من‬
‫خذلهم ‪ ،‬ول من خافهم ‪ ،‬إل ما يصيبهم من اللواء ‪ ،‬حتى يأتي أمر الله ‪ ،‬وهم‬
‫ظاهرون على الناس ( ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬حفظ الله سبحانه لهذه المة وعدم تسلط الكافرين عليها ‪ ،‬قال‬
‫سِبيل ً ( ‪ (141) .‬النور وقال‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن عََلى ال ْ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫تعالى ‪) :‬وََلن ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل َ ُين َ‬ ‫م الد َُباَر ث ُ ّ‬ ‫م ي ُوَّلوك ُ ُ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م إ ِل ّ أًذى وَِإن ي ُ َ‬ ‫ضّروك ُ ْ‬ ‫سبحانه ‪َ) :‬لن ي َ ُ‬
‫)‪ (111‬آل عمران وفي الحديث عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬بعثت بين يدي الساعة بالسيف‬
‫حتى يعبد الله تعالى وحده ل شريك له‪ ،‬وجعل رزقي تحت ظل رمحي‪،‬‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجعل الذل والصغار على من خالف أمري‪ ،‬ومن تشبه بقوم فهو منهم (‬
‫‪.‬رواه المام أحمد في مسنده وأبو يعلى في مسنده والطبراني في الكبير‬
‫وصححه الذهبي واللباني ‪.‬‬
‫وهذه النصوص تدل على بقاء المة وعدم هلكها ‪،‬ونجاتها في الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫إل أن هذا البقاء وإن تحقق لها ‪ ،‬فل يعني أنها ستكون منتصرة تحت أي‬
‫ظرف إذ ل بد من التفريق بين بقائها وعدم هلكها ‪ ،‬وبين انتصارها وثباتها‬
‫على النصر ‪ ،‬إذ أتاها وعد الله بالنصر مقيدا ً بقيامها على طاعة ربها ونصر‬
‫زيٌز ( ‪(40) .‬‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬‫ن الل ّ َ‬‫صُره ُ إ ِ ّ‬
‫من َين ُ‬‫ه َ‬‫ن الل ّ ُ‬‫صَر ّ‬ ‫دينه قال تعالى ‪ ) :‬وَل ََين ُ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫صْرك ُ ْ‬
‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫ه َين ُ‬‫صُروا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ِإن َتن ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫الحج وقال سبحانه ‪َ ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫م‬‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬ ‫قوا ْ ل َ ي َ ُ‬
‫صب ُِروا ْ وَت َت ّ ُ‬‫م ( ‪ (7) .‬محمد وقال سبحانه ‪) :‬وَِإن ت َ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬‫أقْ َ‬
‫ط ( ‪ (120) .‬آل عمران وبهذا ُيعلم بأن نصر‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫الله لهذه المة منوط بأمرين ‪ : 1‬نصر المة لدينها ‪ : 2 .‬تحققها على التقوى‬
‫والصبر ‪ .‬فإن فقدت المة هذين المرين فستكون النتيجة انهزامها وتسلط‬
‫العداء عليها وقد أحببت في هذه العجالة أن ألقى الضوء على أبرز المور‬
‫التي إن وقعت فيها المة أذاقها الله سبحانه لباس الهزيمة والخزي ‪ ،‬ومنها‬
‫ما هو عام ‪ ،‬ومنها ما هو متفرع عن العام تم درجه تحت نقطة منفصلة‬
‫للتنبيه على خطورته ‪ ،‬وقد راعيت بذلك الترتيب وقد جاء وفق الجتهاد ل‬
‫النص والله سبحانه ولي التوفيق‬
‫أول ً ‪ :‬العراض عن ذكر الله تعالى ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن‬ ‫قال تعالى ‪ ) :‬ومن أ َظ ْل َم ممن ذ ُك ّر بآيات ربه ث ُ َ‬


‫م َ‬ ‫ض عَن َْها إ ِّنا ِ‬ ‫م أعَْر َ‬ ‫َ ِ َ ِ َ ّ ِ ّ‬ ‫ُ ِ ّ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫من ذ ُك َّر‬ ‫ُ ّ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫َ َ ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫سبحانه‬ ‫وقال‬ ‫السجدة‬ ‫(‬ ‫‪22‬‬ ‫)‬ ‫‪.‬‬ ‫(‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫مو‬ ‫ق ُ‬‫منت َ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ة َأن‬ ‫َ‬
‫م أ َك ِن ّ ً‬ ‫جعَل َْنا عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫داه ُ إ ِّنا َ‬ ‫ت يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫ي َ‬ ‫س َ‬ ‫ض عَن َْها وَن َ ِ‬ ‫ت َرب ّهِ فَأعَْر َ‬ ‫ِبآَيا ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫دوا ِإذا أَبدا ( ‪(57) .‬‬ ‫دى فَلن ي َهْت َ ُ‬ ‫م إ ِلى الهُ َ‬ ‫م وَْقرا وَِإن ت َد ْعُهُ ْ‬ ‫قُهوه ُ وَِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫يَ ْ‬
‫الكهف فالعراض عن ذكر الله سبحانه من أعظم الذنوب التي يستحق عليها‬
‫الناس عقاب الله سبحانه ‪ ،‬وقد بين الله سبحانه أن المعرضين عن الذكر من‬
‫أظلم الناس ‪ ،‬وقد قرنهم الله سبحانه بالمكذبين بدينه الكاذبين عليه ‪،‬‬
‫وبالصادين عن سبيله قال تعالى ‪) :‬ومن أ َظ ْل َم ممن افْترى عََلى الل ّه ك َذبا ً أوَ‬
‫ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ََ‬ ‫ُ ُِ ّ ِ‬ ‫َ َ ْ‬
‫وَ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ح إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ل أ ُوْ ِ‬
‫ه وَل ْ‬ ‫ما أَنزل الل ُ‬ ‫َ‬ ‫مثل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫سأنزِل ِ‬‫ُ‬ ‫من قال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يٌء وَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ُيو َ‬ ‫ي وَل َ ْ‬ ‫ي إ ِل َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫َقا َ‬
‫جوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خرِ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫طوا ْ أي ْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ة َبا ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن ِفي غَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ت ََرى إ ِذِ ال ّ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ن عََلى الل ّهِ غَي َْر ال ْ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ب ال ُْهو ِ‬ ‫ذا َ‬‫ن عَ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫َأن ُ‬
‫كنتم عَن آيات ِه تستك ْبرون ( ‪ (93) .‬النعام وقال سبحانه ‪) :‬وم َ‬
‫من‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ْ َ ِ َ ْ َ ُِ َ‬ ‫وَ ُ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م أن‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك َ‬ ‫خَراب َِها أوْل َئ ِ َ‬ ‫سَعى ِفي َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬‫جد َ الل ّهِ أن ي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫من َعَ َ‬ ‫ّ‬
‫م(‪).‬‬ ‫ٌ‬ ‫ظي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ٌ‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ْ ٌ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫يا‬ ‫ْ‬
‫ّ َ‬ ‫ن‬‫د‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ل‬
‫َ ُ ْ‬ ‫ن‬ ‫في‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫خآ‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫د‬
‫‪ (114‬البقرة ثم بين سبحانه أنه منتقم من المجرمين ‪ ،‬وهم المعرضون عن‬
‫الذكر ‪ ،‬ول ريب بأن المعرض عن الذكر ل ينتظر النصر من الله ‪ ،‬بل عليه أن‬
‫ينتظر انتقام الله سبحانه منه ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫فون عَ َ‬
‫م‬‫صيب َهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫م فِت ْن َ ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫مرِهِ أن ت ُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫خال ِ ُ َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬فَل ْي َ ْ‬
‫م ( ‪ (63) .‬النور وفي الحديث عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬بعثت بين يدي الساعة‬
‫بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده ل شريك له‪ ،‬وجعل رزقي تحت ظل‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رمحي‪ ،‬وجعل الذل والصغار على من خالف أمري‪ ،‬ومن تشبه بقوم فهو‬
‫منهم ( ‪.‬سبق تخريجه ‪ ،‬فمخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم من‬
‫اعظم ما يستحق عليه المسلمون العقاب من الله سبحانه ‪ ،‬وقد أوضحت‬
‫الية الكريمة أنه يترتب على كل من يخالف أمر الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم أن تصيبه فتنة ‪ ،‬أي في دينه كالبدعة أو الشرك وغير ذلك ‪ ،‬أو يصيبه‬
‫عذاب أليم ‪ ،‬كالقتل أو الحبس وما إلى ذلك ‪ ،‬كما أوضح الحديث الشريف أن‬
‫الذي يخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ُيجعل عليه الذل والصغار ‪،‬‬
‫فأي عقاب أعظم من ذلك ؟!‬
‫ثالثا ُ ‪ :‬مخالفة سبيل المؤمنين ‪:‬‬
‫ل‬ ‫دى وَي َت ّب ِعْ غَي َْر َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ه ال ْهُ َ‬
‫ن لَ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الّر ُ‬ ‫شاقِ ِ‬‫من ي ُ َ‬ ‫قال تعالى ‪ ) :‬وَ َ‬
‫صيرا ( ‪ (115) .‬النساء وهذه‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬‫ت َ‬ ‫ساء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫صل ِهِ َ‬ ‫ّ‬
‫ما ت َوَلى وَن ُ ْ‬ ‫ن ن ُوَل ّهِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫الية الكريمة تربط ما بين مشاققة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وإتباع‬
‫غير سبيل المؤمنين ‪،‬فكل من أتبع غير سبيل المؤمنين ‪ ،‬يكون قد شاق‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم لذا استحق الوعيد من الله سبحانه ‪،‬‬
‫والمقصود بسبيل المؤمنين سبيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ‪ ،‬ومن‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫تبعهم بإحسان ‪ ،‬وهم أهل السنة والجماعة ‪ ،‬قال سبحانه‪َ) :‬وال ّ‬
‫ّ‬ ‫صارِ َوال ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ال َوُّلو َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ُ َُْ ْ‬‫ن‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ي‬
‫ض َ‬ ‫ن ّر ِ‬ ‫سا ٍ‬‫ح َ‬ ‫هم ب ِإ ِ ْ‬ ‫ن ات ّب َُعو ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ن َوالن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬
‫فوُْز‬‫ك ال ْ َ‬ ‫ن ِفيَها أ ََبدا ً ذ َل ِ َ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫حت ََها ال َن َْهاُر َ‬
‫ري ت َ ْ‬ ‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫ه وَأعَد ّ ل َهُ ْ‬ ‫ضوا ْ عَن ْ ُ‬‫وََر ُ‬
‫م )‪ (100‬التوبة وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصور كما جاء في‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬
‫الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة‪ ،‬وتفرقت النصارى‬
‫على اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلث وسبعين فرقة وفي‬
‫رواية ‪ :‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬من الفرقة الناجية؟ قال ‪ :‬من كان على مثل ما‬
‫أنا عليه اليوم‪ ،‬وأصحابي‪ .‬وفي رواية ‪ :‬قال ‪ :‬هي الجماعة‪ . (.‬رواه أبو داود‪،‬‬
‫والترمذي‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬وهو حديث صحيح ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬ترك الجهاد في سبيل الله ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬
‫َ‬
‫ل الل ّهِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فُروا ْ ِفي َ‬ ‫م ان ِ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬‫م إ َِذا ِقي َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى ‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫م إ َِلى ال َْر‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا ِفي‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫خَرةِ فَ َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ِ‬ ‫ضيُتم ِبال ْ َ‬ ‫ض أَر ِ‬ ‫ِ‬ ‫اّثاقَل ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫م وَل َ‬ ‫وما ً غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَ ْ‬
‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫ذابا ً أِليما ً وَي َ ْ‬‫م عَ َ‬ ‫فُروا ْ ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬ ‫ل )‪ (38‬إ ِل ّ َتن ِ‬ ‫خَرةِ إ ِل ّ قَِلي ٌ‬ ‫ال ِ‬
‫ديٌر ( ‪ (39) .‬التوبة وفي الحديث الذي‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫شْيئا ً َوالل ّ ُ‬‫ضّروه ُ َ‬ ‫تَ ُ‬
‫رواه أبو داود عن ابن عمر قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول‪) :‬إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد‬
‫سلط الله عليكم ذل ً ل ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم(‪ .‬صححه‬
‫اللباني ‪ .‬فترك الجهاد في سبيل الله سبحانه إثم عظيم ‪ ،‬وخطر كبير يترتب‬
‫على المتخلفين عنه العذاب الليم والهلك ‪ ،‬فالعذاب الليم واضح من قوله‬
‫تعالى ‪) :‬يعذبكم عذابا ً أليما ( والهلك متضمن من قوله تعالى ‪ ) :‬ويستبدل‬
‫قوما ً غيركم ( ‪ .‬وأما الحديث فهو صريح بوقوع الذل على المتخاذلين ‪ ،‬وأن‬
‫رفع الذل عنهم منوط برجوعهم إلى دينهم وفي مقدمة أعمال الدين ‪ ،‬الجهاد‬
‫في سبيل الله ‪ ،‬وقد بينت النصوص أيضا ً أن نصر المؤمنين ‪ ،‬وهزيمة‬
‫الكافرين يكون من خلل الجهاد في سبيل الله سبحانه قال تعالى ‪َ) :‬قات ُِلوهُ ْ‬
‫م‬
‫يعذ ّبهم الل ّ َ‬
‫ن(‪).‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫دوَر قَوْم ٍ ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬‫م عَل َي ْهِ ْ‬‫صْرك ُ ْ‬ ‫م وََين ُ‬ ‫خزِهِ ْ‬ ‫م وَي ُ ْ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ه ب ِأي ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫َُ ُْ ُ‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ (14‬التوبة ‪ .‬وعليه فإن ترك الجهاد في سبيل الله من أعظم السباب التي‬
‫تؤدي إلى فشل المسلمين وضرب الذل عليهم ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪:‬‬
‫سى‬ ‫عي َ‬ ‫ن َداُوود َ وَ ِ‬‫سا ِ‬‫ل عََلى ل ِ َ‬ ‫سَراِئي َ‬
‫من ب َِني إ ِ ْ‬ ‫فُروا ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬ل ُعِ َ‬
‫منك َرٍ فَعَُلوهُ‬ ‫عن ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كاُنوا ْ ل َ ي َت ََناهَوْ َ‬
‫ن )‪َ (78‬‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْت َ ُ‬
‫صوا وّ َ‬ ‫ما عَ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬
‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫اب ْ ِ‬
‫ي الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض ِ‬ ‫ن ( ‪ (79) .‬المائدة وفي الحديث عن حذيفة َر ِ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ل َب ِئ ْ َ‬
‫سلم قال‪) :‬والذي نفسي بيده لتأمرن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ه عن النبي َ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫بالمعروف‪ ،‬ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم‬
‫تدعونه فل يستجاب لكم(‪ .‬رواه الّترمذيّ وقال حديث حسن ‪ .‬وعن النعمان‬
‫بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪):‬مثل القائم على حدود الله‬
‫والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم‬
‫أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم‬
‫فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما‬
‫أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ( ‪ .‬البخاري ‪.‬‬
‫فالية الكريمة تدل على أن بني إسرائيل لعنوا ‪ ،‬أي خرجوا من رحمة الله‬
‫سبحانه لتركهم المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬وما يقع على بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬يقع على غيرهم إذا أتوا بمثل ما أتى به بنو إسرائيل ‪ ،‬فالعبرة‬
‫بمعصية الله وليست متعلقة بقوم معينّين ‪ ،‬وأما الحديث فهو صريح الدللة‬
‫بأن من ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر يستحق العقاب من الله‬
‫سبحانه ‪ ،‬وعليه فإن تركت المة المر بالمعروف والنهي عن المنكر عاقبها‬
‫الله سبحانه ‪ ،‬ومن أنواع العقاب أنه يسلط أعداءها عليها ‪ .‬ويذلهم بسبب‬
‫ذنوبهم ‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬التمسك بالدنيا والعراض عن الطاعة ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫َ‬
‫ل الل ّهِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فُروا ْ ِفي َ‬ ‫م ان ِ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫م إ َِذا ِقي َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫قال تعالى ‪َ ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫م إ َِلى ال َْر‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا ِفي‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫خَرةِ فَ َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ِ‬ ‫ضيُتم ِبال ْ َ‬ ‫ض أَر ِ‬ ‫ِ‬ ‫اّثاقَل ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫م وَل َ‬ ‫وما ً غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَ ْ‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫ذابا ً أِليما ً وَي َ ْ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فُروا ْ ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬ ‫ل )‪ (38‬إ ِل ّ َتن ِ‬ ‫خَرةِ إ ِل ّ قَِلي ٌ‬ ‫ال ِ‬
‫ديٌر ( ‪ (39) .‬التوبة وقال سبحانه ‪ ) :‬قُلْ‬ ‫َ‬
‫يٍء ق ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ّ‬
‫ه عَلى كل َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شْيئا َوالل ُ‬ ‫ً‬ ‫ضّروه ُ َ‬ ‫تَ ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ها‬‫مو َ‬ ‫وال اقت ََرفت ُ ُ‬ ‫م َ‬‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرت ُك ْ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫جك ْ‬ ‫م وَأْزَوا ُ‬ ‫وان ُك ْ‬ ‫خ َ‬‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأب َْنآؤُك ْ‬ ‫ن آَباؤُك ْ‬ ‫ِإن كا َ‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫كم‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ها‬ ‫ن‬‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫د‬ ‫سا‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ِ ََ ُ ِ ِ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ِ ُ َْ َ ََْ َ ّ ِ ْ‬ ‫جاَرة ٌ َ ْ ْ َ‬
‫و‬ ‫ش‬ ‫خ‬‫ت‬ ‫وَت ِ َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫فا ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫مرِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫صوا ْ َ‬ ‫سِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُ‬ ‫جَهادٍ ِفي َ‬ ‫وَ ِ‬
‫( ‪ (24) .‬التوبة وفي الحديث عن عمرو بن عوف قال ‪ :‬أن رسول الّله صلى‬
‫الّله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح فقدم بمال من البحرين فسمعت‬
‫النصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلة الفجر مع رسول الّله صلى الّله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فلما صلى رسول الّله صلى الّله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له‬
‫فتبسم رسول الّله صلى الّله عليه وسلم حين رآهم ثم قال‪ ) :‬أظنكم سمعتم‬
‫أن أبا عبيدة قدم بشئ‪ .‬قالوا أجل يا رسول الّله‪ .‬قال فأبشروا أو أملوا ما‬
‫يسركم‪ ،‬فوالّله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا‬
‫عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما‬
‫أهلكتهم ( ‪ ..‬رواه الترمذي وقال هذا حديث صحيح‪ .‬وفي الحديث عن ثوبان‬
‫رضي الله تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬يوشك‬
‫أن تداعى عليكم المم من كل أفق كما تداعى الكلة إلى قصعتها‪ .‬قيل يا‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسول الله‪ :‬فمن قلة يومئذ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكنكم غثاء كغثاء السيل يجعل الوهن‬
‫في قلوبكم وينزع الرعب من قلوب عدوكم لحبكم الدنيا وكراهيتكم‬
‫الموت( ‪ .‬رواه أبو داود وغيره وصححه اللباني ‪ .‬فإن التمسك بالدنيا وتقديمه‬
‫على الدين سبب مباشر في وقوع الذل والهوان على المة ‪.‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬التفرق والختلف ‪:‬‬
‫َ‬
‫حك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ب ِري ُ‬‫شُلوا ْ وَت َذ ْهَ َ‬ ‫عوا ْ فَت َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه وَل َ ت ََناَز ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا ْ الل ّ َ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬وَأ ِ‬
‫كوُنوا ْ‬
‫ن ( ‪ (46) .‬النفال ‪ .‬وقال سبحانه ‪) :‬وَل َ ت َ ُ‬ ‫ري َ‬‫ِ‬ ‫صاب ِ‬‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬‫َوا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب‬
‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬‫ك لهُ ْ‬ ‫ت وَأوْلئ ِ َ‬ ‫م الب َي َّنا ُ‬ ‫جاءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫فوا ِ‬ ‫فّرُقوا َوا ْ‬
‫خت َل ُ‬ ‫ن تَ َ‬‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م ( ‪ (105) .‬آل عمران وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله تعالى‬ ‫ظي ٌ‬ ‫عَ ِ‬
‫عنه قال ‪ :‬سمعت رجل قرأ آية‪ ،‬سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫خلفها‪ ،‬فأخذت بيده‪ ،‬فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫) كلكما محسن‪ .‬قال شعبة ‪ :‬أظنه قال ‪ :‬ل تختلفوا‪ ،‬فإن من كان قبلكم‬
‫اختلفوا فهلكوا ( ‪ .‬البخاري ‪ .‬وهذا الخلف شامل لمور الدين والدنيا ‪ ،‬بل‬
‫الواجب على المسلمين أن يكونوا كالجسد الواحد معتصمين بحبل الله جمعيا ً‬
‫من غير تفرق أو اختلف ‪ ،‬وإل فإن مصيرهم إلى الهلك ‪.‬‬
‫ثامنا ً ‪ :‬العدواة والبغضاء ‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ضاء ِفي ال ْ َ‬ ‫طا َ‬


‫ر‬
‫م ِ‬
‫خ ْ‬ ‫داوَة َ َوال ْب َغْ َ‬
‫م ال ْعَ َ‬
‫ن أن ُيوقِعَ ب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫شي ْ َ ُ‬‫ريد ُ ال ّ‬
‫ما ي ُ ِ‬‫قال تعالى ‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ( ‪(91) .‬‬ ‫منت َُهو َ‬ ‫ل أنُتم ّ‬ ‫صل َةِ فَهَ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عن ذِك ْرِ اللهِ وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫صد ّك ُ ْ‬ ‫سرِ وَي َ ُ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬
‫المائدة وفي الحديث عن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬دب إليكم داء المم قبلكم الحسد‬
‫والبغضاء هي الحالقة‪ ،‬ل أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين‪ ،‬والذي نفسي‬
‫بيده ل تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ول تؤمنوا حتى تحابوا‪ ،‬أفل أنبئكم بما يثبت‬
‫ذلك لكم ‪ :‬أفشوا السلم بينكم ( ‪ .‬رواه الترمذي وحسنه اللباني ‪ .‬فالية‬
‫صريحة بأن الشيطان يريد أن تدب العداوة والبغضاء في المة ‪ ،‬وذلك‬
‫لفسادها الذي يترتب عليه هلكها ‪ ،‬والحديث واضح الدللة بان الحسد‬
‫والبغضاء مما يفسد على الناس دينهم فيستحقوا عليه العقاب ‪ ،‬وإن أعظم‬
‫ما يولد العداوة والبغضاء والتحاسد في المة ‪ :‬أول ً ‪ :‬الجدال في الدين فعن‬
‫رافع بن خديج أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ ) :‬يكون قوم‬
‫من أمتي يكفرون بالله وبالقرآن وهم ل يشعرون كما كفرت اليهود والنصارى‬
‫قال قلت جعلت فداك يا رسول الله وكيف ذاك قال يقرون ببعض القدر‬
‫ويكفرون ببعضه قال قلت ثم ما يقولون قال يقولون الخير من الله والشر‬
‫من إبليس فيقرون على ذلك كتاب الله ويكفرون بالقرآن بعد اليمان‬
‫والمعرفة فما يلقى أمتي منهم من العداوة والبغضاء والجدال أولئك زنادقة‬
‫هذه المة في زمانهم يكون ظلم السلطان فينالهم من ظلم وحيف وأثرة ثم‬
‫يبعث الله عز وجل طاعونا فيفني عامتهم ثم يكون الخسف فما أقل ما ينجو‬
‫منهم المؤمن يومئذ قليل فرحه شديد غمه ثم يكون المسخ فيمسخ الله عز‬
‫وجل عامة أولئك قردة وخنازير ثم يخرج الدجال على أثر ذلك قريبا ثم بكى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بكينا لبكائه قلنا ما يبكيك قال رحمة‬
‫لهم الشقياء لن فيهم المتعبد ومنهم المجتهد مع أنهم ليسوا بأول من سبق‬
‫إلى هذا القول وضاق بحمله ذرعا إن عامة من هلك من بني إسرائيل‬
‫بالتكذيب بالقدر قلت جعلت فداك يا رسول الله فقل لي كيف اليمان بالقدر‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال تؤمن بالله وحده وإنه ل يملك معه أحد ضرا ول نفعا وتؤمن بالجنة والنار‬
‫وتعلم أن الله عز وجل خالقهما قبل خلق الخلق ثم خلق خلقه فجعلهم من‬
‫شاء منهم للجنة ومن شاء منهم للنار ( رواه الطبراني في المعجم الكبير‬
‫الثاني ‪ :‬الحرص على الدنيا ‪ :‬فعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال‪ :‬لما‬
‫أتي عمر بكنوز كسرى قال له عبد الله بن أرقم الزهري‪ :‬أل تجعلها في بيت‬
‫المال؟ فقال عمر‪ :‬ل نجعلها في بيت المال حتى نقسمها‪ ،‬وبكي عمر‪ ،‬فقال‬
‫له عبد الرحمن بن عوف‪ :‬ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فوالله إن هذا ليوم‬
‫شكر ويوم سرور ويوم فرح‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إن هذا لم يعطه الله قوما قط إل‬
‫ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء ( ‪ .‬رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب‬
‫قسم الفيء والغنيمة ‪.‬‬
‫تاسعا ً ‪ :‬كثرة المعاصي ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ل هُوَ ِ‬ ‫ذا قُ ْ‬ ‫م أّنى هَ َ‬ ‫مث ْل َي َْها قُل ْت ُ ْ‬ ‫صب ُْتم ّ‬ ‫ة قَد ْ أ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬أوَل َ ّ‬
‫ديٌر ( ‪ (165) .‬آل عمران وقال سبحانه‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫عند ِ أ َن ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫سل َْناكَ‬ ‫ك وأرَ‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ َ‬ ‫ف ِ‬‫من ن ّ ْ‬ ‫سي ّئةٍ ف ِ‬ ‫من َ‬ ‫صاب َك ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن اللهِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫سن َةٍ ف ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫صاب َك ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫‪ّ ):‬‬
‫شِهيدا ( ‪ (79) .‬النساء وفي الحديث عن زينب بنت‬ ‫ً‬ ‫فى ِباللهِ َ‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫سول وَك َ‬ ‫ً‬ ‫س َر ُ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول‪:‬‬
‫)ل إله إل الله‪ ،‬ويل للعرب من شر اقترب‪ ،‬فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج‬
‫مثل هذه(‪ .‬وحلق بإصبعه البهام والتي تليها‪ ،‬قالت زينب بنت جحش‪ :‬فقلت‪:‬‬
‫يا رسول الله‪ ،‬أنهلك وفينا الصالحون؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬إذا كثر الخبث(‪ .‬متفق‬
‫عليه ‪ ،‬وما يحمل على المعصية الجهل ‪ ،‬والكبر وغير ذلك ‪ ،‬ومن أبرز‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫المعاصي التي إذا تفشت في المة هلكت الربا قال تعالى ‪َ) :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫فعَُلوا ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن )‪ (278‬فَِإن ل ّ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫كنُتم ّ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ب َ ِ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬ ‫آ َ‬
‫ن وَل َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َظل ِ ُ‬ ‫وال ِك ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م فَلك ْ‬ ‫سول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫ن اللهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫فَأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫خذ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ( ‪ (279) .‬البقرة وكذلك موالة الكافرين قال تعالى ‪) :‬ل ي َت ّ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ت ُظ ْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ك فَل َي ْ َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫من د ُوْ ِ‬ ‫ن أوْل َِياء ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كا َفِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫صيُر )‪(28‬‬ ‫م ِ‬ ‫ه وَإ َِلى الل ّهِ ال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬‫ه نَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حذ ُّرك ُ ُ‬ ‫قاة ً وَي ُ َ‬ ‫م تُ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قوا ْ ِ‬ ‫يٍء إ ِل ّ أن ت َت ّ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ِفي َ‬
‫آل عمران وغير ذلك من المعاصي التي حذر الله سبحانه المؤمنين من‬
‫الوقوع فيها لئل يهلكوا ‪.‬‬
‫عاشرا ً ‪ :‬المتناع عن فعل الخير ومن ذلك الصدقة ‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬
‫سن ُوَا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬وََأنفِ ُ‬
‫م إ َِلى الت ّهْل ُك َةِ وَأ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫قوا ْ ب ِأي ْ ِ‬
‫ديك ُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَل َ ت ُل ْ ُ‬ ‫قوا ْ ِفي َ‬
‫سِبي ِ‬
‫ن ( ‪ (195) .‬البقرة وقد جاء في سبب نزول هذه الية‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫الكريمة ما نقله القرطبي رحمه الله تعالى قال ‪ :‬روى البخاري عن حذيفة‪:‬‬
‫"وأنفقوا في سبيل الله ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال‪ :‬نزلت في النفقة‪.‬‬
‫وروى يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال‪ :‬غزونا القسطنطينية‪،‬‬
‫وعلى الجماعة عبدالرحمن بن الوليد‪ ،‬والروم ملصقو ظهورهم بحائط‬
‫المدينة‪ ،‬فحمل رجل على العدو‪ ،‬فقال الناس‪ :‬مه مه! ل إله إل الله‪ ،‬يلقي‬
‫بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب‪ :‬سبحان الله! أنزلت هذه الية فينا معاشر‬
‫النصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه‪ ،‬قلنا‪ :‬هلم نقيم في أموالنا ونصلحها‪،‬‬
‫فأنزل الله عز وجل‪" :‬وأنفقوا في سبيل الله" الية‪ .‬واللقاء باليد إلى التهلكة‬
‫أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد‪ .‬فلم يزل أبو أيوب مجاهدا في‬
‫سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية‪ ،‬فقبره هناك‪ .‬فأخبرنا أبو أيوب أن اللقاء‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫باليد إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله‪ ،‬وأن الية نزلت في ذلك‪.‬‬
‫وروي مثله عن حذيفة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك‪.‬‬
‫الحادي عشر ‪ :‬ترك الحكم بما أنزل الله سبحانه ‪:‬‬
‫ل‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ْ‬‫ل‬ ‫إ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ز‬ ‫قال تعالى ‪) :‬أ َل َم تر إَلى ال ّذين يزعُمون أ َنهم آمنوا ْ بما ُ‬
‫أن‬ ‫ِ َ َْ ُ َ ُّ ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ْ ََ َ ِ‬
‫د‬ ‫ري‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫غوت وقَد أ ُمروا ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫طا‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬
‫ِ ِ َُ ِ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ َ ْ ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن أني َت َ َ ُ‬
‫ك‬ ‫حا‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ك ي َُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ل الل ُّ‬
‫ه‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قي‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪60‬‬ ‫)‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫عيد‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫ن‬ ‫طا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫ف إَذا أ َ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ ََ ْ ِ‬ ‫َِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ ُ ْ َ‬
‫وإَلى الرسول رأ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫صاب َت ُْهم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪61‬‬ ‫)‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫دود‬ ‫ُ ُ‬ ‫ص‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫عن‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ َ ُ ّ َ‬‫دو‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ي‬
‫ّ ُ ِ َ ْ َ‬ ‫َِ‬
‫سانا ً وَت َوِْفيقا ً‬ ‫ح‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫فون بالل ّه إن أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ؤو‬ ‫ُ‬ ‫جآ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫دي‬ ‫ي‬ ‫ة بما قَدمت أ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ب‬ ‫صي‬ ‫م‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫قل‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫أو‬‫ُ‬ ‫(‬ ‫‪62‬‬ ‫)‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م قَوْل ً ب َِليغا ( ‪ (63) .‬النساء ففي هذه الية الكريمة يتضح أن‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ِفي أن ُ‬
‫المنافقين تقع عليهم المصائب بسبب إعراضهم عن الحكم بما أنزل الله‬
‫سبحانه ‪ ،‬وهذه المصائب تتمثل بالهزيمة والذل والتعذيب وغير ذلك ‪ ،‬وفي‬
‫الحديث عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ) :‬يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ‬
‫بالله أن تدركوهن‪ :‬لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إل فشا‬
‫فيهم الطاعون والوجاع التي لم تكن مضت في أسلفهم الذين مضوا‪ ،‬ولم‬
‫ينقصوا المكيال والميزان إل أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان‬
‫عليهم‪ ،‬ولم يمنعوا زكاة أموالهم إل منعوا القطر من السماء‪ ،‬ولول البهائم لم‬
‫يمطروا‪ ،‬ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إل سلط الله عليهم عدوهم من‬
‫غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم ‪،‬وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله عز‬
‫وجل ويتخيروا فيما أنزل الله إل جعل الله بأسهم بينهم(‪ .‬أخرجه ابن ماجه‬
‫كتاب الفتن وحسنه اللباني ‪ .‬وقد يؤخذ علي أن أخرت هذا المر عن غيره‬
‫رغم شيوعه وأهميته ‪ ،‬ولكن كما ذكرت فالمسألة ل تتعلق بالترتيب ‪ ،‬إنما‬
‫بذكر بعض السباب التي تستحق عليها المة الهزيمة إن وقعت فيها ‪ ،‬كما أنه‬
‫هنالك الكثير من المور إذا فعلتها المة عذبت ‪ ،‬ولكنها تدخل ضمنا ً تحت‬
‫عموم هذه السباب ‪،‬وأسأل الله تعالى أن يهدينا جمعيا ً للعمل بما يحبه‬
‫ويرضاه ‪،‬ويرزقنا اجتناب ما نستحق عليه العقاب منه ‪ ،‬كما أساله سبحانه أن‬
‫ينفعني وإخواني بهذه الرسالة الموجزة المختصرة ‪ ،‬وأن يجعلها في ميزان‬
‫حسناتي يوم الدين يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب سليم ‪،‬‬
‫ل اللهم وسلم على نبينا محمد بن عبد الله ن وعلى آله وصحبه ومن تبعه‬ ‫وص ِ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫وكتب ‪ :‬إبراهيم بن عبد العزيز‬
‫‪/ 2‬ربيع الول ‪ 1425/‬هـ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫عودة البن الضال‬


‫قه فلسفة العلم المحدثون والذي‬ ‫يوما ً بعد يوم يتزايد ويتسع التيار الذي ش ّ‬
‫يؤكد ـ أكثر فأكثر ـ التحام العلم باليمان‪.‬‬
‫إن معطياتهم تتميز بالرصانة وتتناول بالتحليل قدرة العلم البشري والفاق‬
‫التي تمكن من الوصول إلى بعضها ‪ ،‬ووقف إزاء بعضها الخر ناكصا ً ‪،‬‬
‫عاجزا ً ‪ ..‬وهم في سبرهم لغور العملية العقلنية للنجاز العلمي‪ ،‬ودراستها‬
‫بعمق وروية ‪ ،‬يقدمون للقارئ قناعات مدعمة بالدلة والكشوف ‪ ،‬ليس إلى‬
‫نكرانها من سبيل‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول‬ ‫دة الوهج المُعشي الذي كان يوما ً قد ح ّ‬ ‫فت فيه ح ّ‬‫إنهم أبناء العصر الذي خ ّ‬
‫ببريقه الوحشي جماعات العلماء والدارسين إلى عّباد خاشعين في محاريب‬
‫الوثنية العلمية‪.‬‬
‫يومذاك ما كان بمقدور أحد من الناس أن يقف قبالة )العلم( ناقدا ً معترضا ً ‪..‬‬
‫ما كان بمقدور أحد أن يشكك بقدرة هذا الصنم على أن يمد ّ إرادته إلى كل‬
‫مكان ‪ ،‬وأن يشمل برؤيته الموضوعية كل صغيرة وكبيرة ‪ ،‬فل ينال أحد من‬
‫نتائجه التي ل يأتيها الباطل من بين يديها ول من خلفها ‪ ..‬إن أحدنا ل يستطيع‬
‫أن يتحدى الشمس بنظرة ثابتة ‪ ،‬وإل ّ فقد قدرته على البصار ‪ ..‬كان العلم‬
‫هو هذه الشمس التي تسلب البصر ممن يختار أن يتحداها‪.‬‬
‫يومذاك كتب السير جيمس ستيفن )‪ 1884‬م( فصل ً يعتبر مثال ً للراء العلمية‬
‫في تلك الفترة ‪ ..‬قال‪» :‬إذا كانت الحياة النسانية في نشأتها قد استوفى‬
‫العلم وصفها ‪ ،‬فلست أرى بعد ذلك مادة باقية للدين ‪ ،‬إذ ما هي فائدته وما‬
‫هي الحاجة إليه؟ إننا نستطيع أن نسلك سبيلنا بغيره ‪ ،‬وإن تكن وجهة النظر‬
‫مما‬ ‫التي يفتحها العلم لنا ل تعطينا ما نعبده ‪ ،‬فهي كفيلة أن تعطينا كثيرا ً ّ‬
‫له ‪ ..‬إننا قادرون على أن نعيش عيشة حسنة بغير الديانة‪...‬‬ ‫نستمتع به ونتم ً‬
‫«‪.‬‬
‫لكن الزمن يمضي ومعطيات العلم الغزيرة تزداد تدّفقا ً وعطاء كأمواج‬
‫البحر ‪ ،‬يدفع بعضها بعضا ً ويضرب بعضها بعضا ً ‪ ..‬ويتبين يوما ً بعد يوم وعقدا ً‬
‫بعد عقد أن ما كان حقا ً بالمس غدا اليوم باطل ً ‪ ،‬وما هو مقبول اليوم ‪،‬‬
‫سيرفض في غد أو بعد غد‪ ..‬إن نتائج الجهد العلمي ليست سواء فبعضها‬
‫قاطع بصدقه كالسكين ‪ ،‬وبعضها الخر ـ وهو كثير ـ اجتهادات ونظريات ‪،‬‬
‫وبعضها الثالث ـ وهو أكثر من الكثير ـ ظنون وتخمينات ‪ ،‬وبعضها الرابع ـ وهو‬
‫سية وهوى‪.‬‬‫أكثرها ـ ميول وتحّزبات ونرج ّ‬
‫وبعدما انطوت قرون الوهج والبريق ـ الثامن عشر والتاسع عشر ومطالع‬
‫العشرين ـ جاء الوقت لكي يعاد النظر في مسألة حدود العلم وقدراته ‪..‬‬
‫دى للحكم رجال ينطلقون من باحة العلم نفسه‪ :‬المختبر ‪ ،‬لكي‬ ‫ولكي يتص ّ‬
‫يصدروا حكمهم فيكون أكثر منطقية وأشد إقناعا‪ً.‬‬
‫ويبقى العلم ـ بعد هذا كله ـ يدا ً واحدة ل تستطيع أن تمضي بالحياة قدما ً‬
‫حة إلى اليد الخرى ‪ ..‬يد الدين ‪ ..‬إذا ما‬ ‫صوب الكمال ‪ ..‬وتبقى الحاجة المل ّ‬
‫أرادت البشرية تحركا ً جادا ً صوب الحسن والرقى ‪ ..‬تحركا ً ل يضلله غرور ول‬
‫يحبطه اعتماد أعمى على اليد الواحدة‪ .‬هذا إذا لم نكن خاطئين ‪ ،‬والخطأ ـ‬
‫كما يقول السياسي الفرنسي العجوز تاليران ـ أكبر من الجريمة أحيانا ً ‪..‬‬
‫وذلك في تصور العلم والدين‪ :‬يدين ‪ ،‬قد تعملن بتواٍز‪ ..‬نعم‪ ..‬ولكنهما يدان‬
‫منفصلتان ‪ ..‬هذه يد يمنى وتلك يد يسرى‪ ..‬والحرى أن نقول بأنه التيار‬
‫الواحد الذي يلتقي فيه ويمتزج ويتداخل العلم والدين ‪ ،‬وتنمحي الثنائيات التي‬
‫جاءتنا من الغرب ‪ ،‬ولم نذق لها طعما ً في تجربتنا مع ديننا القّيم »السلم« ‪..‬‬
‫هنا حيث يكون الدين »علمًا« إلهيا ً شامل ً وحيث يغدو العلم عبادة و»دينًا«‪.‬‬
‫المرجع ‪ :‬مجلة المنار‪ ،‬العدد ‪ ،72‬رجب ‪1424‬هـ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عودة البعث ‪ ..‬إرهاب للشيعة أم حرب للمقاومة‬


‫أحمد فهمي‬
‫في ‪ 23‬مايو من العام الماضي أصدرت سلطات الحتلل المريكية في‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العراق قرارا بحل وزارة الدفاع العراقية ‪ ،‬وتسريح العاملين في الجيش ليجد‬
‫أكثر من ‪ 400‬ألف عسكري عراقي أنفسهم في الشارع ‪ ،‬كما شكلت "لجنة‬
‫اجتثاث " البعث وأوكلت رئاستها إلى أحمد الجلبي الشيعي زعيم المؤتمر‬
‫الوطني العراقي وأحد ألد أعداء حزب البعث ‪ ،‬ليتشرد حوالي ‪ 30‬ألف‬
‫عراقي أغلبيتهم الساحقة من السنة ومن بينهم المدرسون والعاملون في‬
‫الدارات الحكومية المختلفة وأساتذة الجامعات ‪ ،‬وكان من المقرر أن يتم‬
‫إبعاد عددا مماثل في الفترة القادمة ‪ ،‬ولكن فجأة قررت الدارة المريكية أن‬
‫تعدل عن قرارها وتعيد عشرات اللف من الذين تم إبعادهم ‪ ،‬وكانت الحجة‬
‫أن هناك ظلم وقع على هؤلء الذين لم يكن انتماؤهم إلى البعث أصيل بل‬
‫كانوا مجبرين عليه ‪ ..‬وهنا ثارت ثائرة الشيعة واعتبروا أن ذلك ردة عن‬
‫تعهدات أمريكية سابقة لهم ‪ ،‬وفقدت لجنة اجتثاث البعث نفوذها إلى حد كبير‬
‫‪ ،‬واختلفت التفسيرات لهذا القرار العجيب المفاجئ ‪ ،‬وطرحت احتمالت‬
‫مختلفة ‪ ،‬وفسرت الدارة المريكية القرار بأنه إجراء عادي لرفع الظلم عن‬
‫الذين تسبب بطء الجراءات في إبعادهم عن أعمالهم ‪ ،‬وأكدت أنها لن تسمح‬
‫بعودة الذين شاركوا في عمليات الغتيال أو التعذيب ‪ ،‬كما لن تسمح بعودة‬
‫فكر البعث وأيديولوجيته ‪ ..‬ونسلط الضوء في النقاط التالية على أهم‬
‫السباب الحقيقية التي دفعت المريكيين لتخاذ هذا القرار وعلى الحتمالت‬
‫المتوقعة في الفترة المقبلة ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬ل يمكن اعتماد التبسيط أو التصريحات المباشرة مدخل لفهم الداء‬
‫السياسي المريكي في العراق ‪ ،‬فالبعض يفسر هذا الداء من خلل‬
‫مفهومات مستقلة غير مرتبطة بالوقائع على الرض ‪ ،‬فيعتمد مثل على نظرية‬
‫المؤامرة ‪ ،‬أو على حقيقة التورط المريكي لكي يطلق أحكاما مسبقة على‬
‫مفردات السياسة المريكية في العراق ‪ ،‬وهذا منهج خاطئ لن يوصل إلى‬
‫نتائج صحيحة ‪ ،‬والصواب أن تقدر المور بقدرها ‪ ،‬وأن يفسر الداء المريكي‬
‫من خلل منظومة شاملة تتكون من عدة مفهومات تجمع ما سبق وغيره ‪،‬‬
‫وعلى ضوء ذلك نقول أن القرار المريكي بإعادة كوادر البعث السابقين لم‬
‫يكن من أجل رفع الظلم عنهم ‪،‬ولم يكن كذلك إجراءا عاديا بل هو قرار له ما‬
‫وراءه كما سنعرف لحقا ‪..‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تحدثنا في مقال سابق عن مفهوم " القرد وقطعة الجبن " في تفسير‬
‫التعامل المريكي مع إشكالية العلقة بين السنة والشيعة في العراق ‪ ،‬وأنها‬
‫تسعى دوما لكي يكون الميزان مائل لحد الطراف لكي تفسح المجال‬
‫لتراكم ضغوطات كبيرة مع الوقت تدفع في اتجاه اعتدال الميزان ‪ ،‬وهنا تبدأ‬
‫في اتخاذ قرارات تبدو لول وهلة أنها تصب في اتجاه المساواة بين الكفتين ‪،‬‬
‫ولكن عند التأمل يتبين أنها تسعى لمالة الكفة إلى الناحية الخرى ‪ ،‬فالسنة‬
‫وقع عليهم ظلم بين بسبب البعاد بدعوى النتماء البعثي ‪ ،‬وتعرض كثيرون‬
‫كم فيها الشيعة في رقاب السنة ‪،‬‬‫للنتقام بسبب هذه الدعاءات التي تح َ‬
‫وبعد سنة كاملة تأتي الدارة المريكية لتقول للشيعة ‪ :‬ها قد أشبعتم رغبة‬
‫النتقام ‪ ،‬فدعونا نفكر بطريقة أخرى ‪ ،‬ومن ثم تأمر بعودة البعثيين لكي يبدأ‬
‫الشيعة في البكاء واللطم حزنا على عودة البعثيين ‪ ،‬ووفق ذلك يمكن تفسير‬
‫تعيين سمير الصميدعي المنتمي إلى السنة وزيرا للداخلية بدل عن نوري‬
‫بدران الشيعي ‪ ،‬ومثل هذه الجراءات من شأنها أن تجعل العلقة بين السنة‬
‫والشيعة في حالة توتر دائم ‪..‬‬
‫ثالثا ‪ :‬كان المريكيون يغالون في دور البعثيين السابقين في المقاومة ‪ ،‬وقبل‬
‫اعتقال صدام حسين كان الناس يعتقدون أنه يدير المقاومة في جميع أنحاء‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العراق بالريموت كونترول ‪ ،‬ولكن بعد اعتقاله لم يبد على المقاومة أي تأثر‬
‫سواء بسبب توقفه عن القيادة المزعومة ‪ ،‬أو بسبب النتقام لعتقاله ‪ ،‬ومثل‬
‫ذلك ينطبق على أهم قادة البعث ‪ ،‬وبالتالي فإن الحديث عن دور مبالغ فيه‬
‫لحزب البعث في المقاومة غير صحيح ‪ ،‬وقبل القرار الخير بدا واضحا‬
‫الترويج لدور البعث في المقاومة ‪ ،‬وفي الفلوجة تحدثت تقارير عن‬
‫مفاوضات بين المقاومة السلمية والبعثية في المدينة وبين الحتلل ‪،‬‬
‫وتقارير أخرى ذكرت الزمات التي يثيرها البعثيون بسبب إبعادهم عن‬
‫العمل ‪ ،‬وفي لقاء عقد الجمعة الماضية في محافظة صلح الدين )‪ 200‬كلم‬
‫جنوب بغداد( مسقط رأس صدام حسين ‪ ،‬أكد رئيس إحدى العشائر السنية‬
‫في المحافظة للحاكم المريكي بول بريمر أنه ‪ " :‬في محافظة صلح الدين‬
‫هناك ‪ 6750‬بعثيا سابقا يسببون المشاكل‪ ،‬وإذا لم نعطهم أجورهم وإذا ما‬
‫قام أحد آخر بذلك فإننا نخشى أن نخسر سلطتنا عليهم مما سيجعلهم‬
‫ينضمون إلى معسكر المخربين " وحتى لو كان ذلك حقيقيا فإن الغرض منه‬
‫التشويش على المقاومة وإظهارها على أنها محاولت شغب يمكن استيعابها‬
‫ببعض الدولرات ‪ ،‬وليست حركة نضالية من أجل طرد المحتل ‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫رابعا ‪ :‬يقدم البعض تفسيرا آخر للقرار بأنه يهدف إلى تحجيم النفوذ الشيعي‬
‫المتنامي خاصة مع تداعيات أزمة الصدر ومحاولت بعض أعضاء مجلس‬
‫الحكم التهديد بالستقالة احتجاجا على أداء الحتلل ‪ ،‬ولذلك أبرز المريكيون‬
‫للشيعة سلح البعث – الذي يرهبونه – من جديد لترتبك حساباتهم ‪..‬‬
‫خامسا ‪ :‬اكتشف المريكيون أنه لبد من الجمع بين السنة والشيعة في‬
‫الجيش والشرطة بنسبة متساوية ‪ ،‬وذلك للطبيعة الطائفية المعقدة في‬
‫العراق ‪ ،‬وفي بعض الحيان ل يمكن الستعانة بقوات شيعية ضد السنة دون‬
‫أن يثير ذلك مشاكل كبيرة ‪ ،‬كما حدث في الفلوجة عندما أعلن انتفاض قنبر‬
‫المتحدث باسم أحمد الجلبي أن هناك قوات من ميلشيات أحزاب شيعية‬
‫تشارك مع المريكيين في حصار المدينة السنية ‪ ،‬وفي المقابل فقد يكون‬
‫من النسب أحيانا أخرى أن يستخدم السنة في ضرب الشيعة ‪ ،‬والشيعة في‬
‫ضرب السنة ‪ ،‬وقد ذكرت تقارير صحفية أن وزير الداخلية سمير الصميدعي‬
‫السني عزل ضباطا شيعة في وزارته واستبدل بهم ضباطا من السنة العرب‬
‫والكراد بسبب امتناع هؤلء عن المشاركة في قمع تيار الصدر ‪ ،‬فكان لبد‬
‫من عودة عدد كبير من العسكريين السابقين ‪ ,‬أو بعبارة أخرى لم يذكرها‬
‫أحد ‪ :‬عودة الكثير من كوادر المخابرات العراقية الكثر كفاءة للتعامل مع‬
‫المقاومة السنية ‪..‬‬
‫سادسا ‪ :‬تبين في الفترة السابقة بعد الحتلل أن الكوادر الشيعية عجزت‬
‫عن سد الفراغ الذي تركه استبعاد الكوادر السنية المعروفة بكفاءتها وتميزها‬
‫في شتى المجالت ‪ ،‬وقد أحدث ذلك ربكة في جميع المسارات والوزارات ‪،‬‬
‫وأصبح من المسلم به أن عودة المبعدين ضرورة ل مفر منها حتى يستقر‬
‫الحال نسبيا للمريكيين ‪ ،‬وحتى تنعم الدارات الحكومية في الفترة المقبلة‬
‫بعد ‪ 30‬يونيو بحالة من الهدوء ‪..‬‬
‫سابعا ‪ :‬تسعى سلطات الحتلل المريكية إلى إيجاد مجموعات عراقية‬
‫شبيهة بتلك التي كونتها لمحاربة صدام ‪ ،‬وهذه المجموعات سيصبح هدفها‬
‫الرئيس بعد سقوط صدام العمل على سد الفراغ القيادي والسياسي بين‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السنة لمنع الطموح السلمي من شغل هذا الفراغ ‪ ،‬وقد تحدثت مصادر‬
‫عراقية عن عودة ناشطين في حزب البعث إلى تنظيم صفوفهم ‪ ،‬وذكرت أن‬
‫هناك ثلث صحف على القل تصدر اليوم في العراق ناطقة أو شبه ناطقة‬
‫باسم حزب البعث‪ ,‬وهي مجهولة مصادر التمويل وتتمتع بانتشار ل بأس به‬
‫في عدد من مدن العراق‪ .‬ورأت أن للبعثيين "الجدد" طموحات سياسية على‬
‫ما يبدو‪ ,‬فهم يتحركون بواجهات جديدة بهدف إقناع المريكيين بالتعامل معهم‬
‫مع استمرارهم بإشهار العداء لهم ‪ ،‬وفي مقابل الكلم عن بداية قبول‬
‫المريكيين بمفاوضة شخصيات بعثية ‪ ,‬ترى المصادر المنية أن عودة البعث‬
‫مرتبطة إلى حد كبير بأدوار عدد من الدول المحيطة بالعراق ‪ ،‬ومن المتوقع‬
‫أن اجهزة الحتلل على صلة قوية بالعديد من القيادات العراقية التي ستظهر‬
‫في الوقت المناسب لكي تحتل مكانها في الهرم القيادي ‪ ،‬ولعلنا نذكر وزير‬
‫الدفاع العراقي الذي سلم نفسه إلى الحتلل وأطلق سراحه سريعا ونقلت‬
‫التقارير وقتها عن إعداده لدور مستقبلي في حكم العراق ‪ ..‬ومع هذه‬
‫الحتمالت السابقة فإن المجال يبقى مفتوحا لغيرها ‪ ،‬خاصة وأن هناك رؤية‬
‫أخرى تفسر الداء السياسي المريكي بأن ما يحكمه حاليا هو ‪ :‬التخبط‬
‫والتناقض في اتخاذ القرارت ‪ ،‬سواء على مستوى السيطرة الفعلية في‬
‫العراق ‪ ،‬أو على مستوى القيادات والمسؤولين في البنتاجون والخارجية‬
‫المريكية والبيت البيض‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عودة الغربة ‪...‬‬


‫الحمد لله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين‪ ،‬والصلة والسلم علي إمام‬
‫المتقين‪ ،‬وقائد الغر المحجلين‪ ،‬وعلى أصحابه وأهل بيته وأزواجه ومن اقتفى‬
‫أثرهم إلى يوم الدين‪.‬‬
‫فإن مما ل شك فيه أننا نعيش زمن غربة شديدة‪ ،‬وهذا أمر أخبرنا الرسول ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه سيقع بقوله في حديث أبي هريرة عند مسلم‪:‬‬
‫"بدأ السلم غريبا ً وسيعود غريبا ً كما بدأ‪ ،‬فطوبى للغرباء"‪ ،‬وقد تتبع الحافظ‬
‫ابن رجب طرق وروايات هذا الحديث في رسالته الثمينة )كشف الكربة في‬
‫وصف أهل الغربة(‪ ،‬ويمكن تلخيص الخصال التالية لهل الغربة‪:‬‬
‫‪ .1‬أهل الغربة هم النزاع من القبائل ) رواية أحمد وابن ماجة من حديث ابن‬
‫مسعود(‪ ،‬أي أنهم قلة قليلة جدا ً كما كان المسلمون في العهد المكي يسلم‬
‫الواحد والثنان من القبيلة المؤلفة من ألوف وقبائل ليس فيهم مسلم واحد‪.‬‬
‫‪ .2‬أهل الغربة يصلحون إذا فسد الناس )رواية الجري(‪.‬‬
‫‪ .3‬أهل الغربة يفرون بدينهم من الفتن‪.‬‬
‫‪ .4‬أهل الغربة يصلحون ما أفسد الناس من سنة الرسول – صلى اله عليه‬
‫وسلم ‪) -‬رواية الترمذي من حديث كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن‬
‫جده(‪.‬‬
‫‪ .5‬أهل الغربة قوم قليل‪ ،‬في ناس سوء كثير‪ ،‬من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم‬
‫)رواية أحمد والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو(‪.‬‬
‫‪ .6‬أهل الغربة فرارون بدينهم‪ ،‬يبعثهم الله مع عيسى ‪ -‬عليه السلم‪.-‬‬
‫وإن من الخطأ أن يظن الظان أن الغربة الثانية سببها قلة من ينتسبون إلى‬
‫السلم‪ ،‬بل هم كثير ولكنهم غثاء كغثاء السيل‪ ،‬أما أهل الغربة فهم الفئة‬
‫المتمسكة بالسنة عقيدة وعمل ً ومنهجًا‪ ،‬وهذا الذي فهمه المام الوزاعي من‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا الحديث حين قال‪ " :‬أما إنه ما يذهب السلم ولكن يذهب أهل السنة‪،‬‬
‫حتى ما يبقى في البلد منهم إل رجل واحد"‪ ،‬وكان الحسن البصري –رحمه‬
‫الله – يقول لصحابه‪" :‬يا أهل السنة‪ ،‬ترفقوا – رحمكم الله – فإنكم من أقل‬
‫الناس"‪ ،‬وكان سفيان الثوري –رحمه الله – يقول‪" :‬استوصوا بأهل السنة‬
‫فإنهم غرباء"‬
‫والسبب الرئيس لغربة الدين أمران‪ :‬الشهوات و الشبهات‪ .‬وقد خشي‬
‫الرسول –صلى الله عليه وسلم – على أمته منهما كما جاء في الحديث الذي‬
‫أخرجه المام أحمد عن أبي برزة "إنما أخشى عليكم الشهوات التي في‬
‫بطونكم و فروجكم ومضلت الفتن"‪ ،‬ولما فتحت كنوز كسرى على عمر بن‬
‫الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه – بكى‪ ،‬فقال‪ :‬إن هذا لم يفتح على قوم قط إل‬
‫جعل الله بأسهم بينهم‪ ،‬ولعله – رضي الله عنه – تذكر قول المصطفي –‬
‫عليه السلم–‪" :‬كيف أنتم إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم‪ .‬أي قوم‬
‫أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف‪ :‬نقول كما أمرنا الله‪ .‬قال‪ :‬أو غير ذلك؟‬
‫تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون" ]أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن‬
‫عمرو رضي الله عنهما[‪.‬‬
‫وعندما شبه النبي – صلى الله عليه وسلم – الغربة الثانية بالغربة الولي فإن‬
‫علينا أن نوازن بين المجتمعين )المجتمع المكي والمجتمع الراهن( لنستجلي‬
‫مواضع الشبه في الجوانب التالية‪:‬‬
‫قلة العدد‪:‬‬
‫كر الله به‬ ‫كان عدد الداخلين في السلم قليل )نزاع القبائل(‪ ،‬وهذا الذي ذ ّ‬
‫َ‬
‫ن ِفي‬‫فو َ‬‫ضعَ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬
‫ل ُ‬ ‫المؤمنين بعد تكوين المجتمع المدني "َواذ ْك ُُروا إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬
‫م قَِلي ٌ‬
‫خط ّ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫َْ‬
‫س" )النفال‪ :‬من الية ‪ ،(26‬وهذا هو حال‬ ‫فك ُ ُ‬
‫م الّنا ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ض تَ َ‬
‫الْر ِ‬
‫أهل السنة السائرين على منهاجهم إيمانا ً وعقيدة وسلوكا ً في هذا الزمان‬
‫فهم اليوم قليل ‪ -‬نسأل الله أن يجعلنا منهم‪.-‬‬
‫وجود الشهوات‪:‬‬
‫فقد كانت أبواب المغريات مفتوحة على مصراعيها للحيلولة دون وصول هذا‬
‫الدين في آذان أهل مكة ومن حولها‪ ،‬وسلكوا شتى وسائل الترغيب‬
‫والترهيب لصد الراغبين في دخول السلم أو لرغام الداخلين فيه للخروج‬
‫منه‪ ،‬وقد نال قائد الغرباء في المجتمع المكي رسول الله – صلى الله عليه‬
‫وسلم – من ذلك الكثير‪ ،‬وعرضوا عليه الملك والزوجة والمال‪ ،‬وعندما‬
‫استطاع محمد أن يطرب قلوب القوم بالوحي اللهي‪ ،‬سعي أولئك أن يطربوا‬
‫أسماعهم بالوحي الشيطاني وأحضروا القينات والمعازف‪.‬‬
‫أما الشهوات في غربتنا فحدث ول حرج‪ ،‬حتى أجلب إبليس وأعوانه من‬
‫شياطين النس علينا بخيله ورجله‪ ،‬وامتطي صهوة الثورة التقنية والتصالت‬
‫ليفتح أبواب الشهوات في غرفة النوم عند غياب الرقيب عبر القنوات‬
‫الفضائية ليلقي محاضراته وفي أكاديمياته وعلى الهواء مباشرة!‬
‫وجود الشبهات‪:‬‬
‫أثار كفار قريش شبهات كثيرة حول السلم والرسول –صلى الله عليه وسلم‬
‫– ووصفوه بأنه ساحر‪ ،‬وكاهن ومجنون‪ ،‬وأنه يفرق بين المرء وأحبته‪ ،‬وأن‬
‫الذي يأتيه شيطان ما يلبث أن يتركه‪ ،‬واستعانوا بعلماء سوء من يهود المدينة‬
‫لثراء شبهات حول الدعوة‪ ،‬حتى أنهم تحملوا كل المسؤوليات وأصدروا‬
‫وثيقة تأمين عجيبة "اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم"‪ ،‬ويحدثنا الصحابي أبو ذر‬
‫الغفاري أن أهل مكة حذروه من سماع كلم محمد حين قدم إليها قبل اعتناق‬
‫السلم حتى إنه وضع القطن في أذنيه!‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وتدور اليام ويعود السلم غريبا ً وتصاغ الشبهات العظام ويتولى كبرها أهل‬
‫الملل والديان ومن افتتن بهم من أبناء المسلمين اللذين شكلوا طابورا ً‬
‫خامسا ً يفتتون في عضد المة ويصطادون في الماء العكر‪ ،‬ورمي من التزم‬
‫بالسنة بالرهاب‪ ،‬وأعيد صياغة "عبادة رب محمد سنة على أن يعبد محمد‬
‫الصنام سنة" في قالب التسامح والتعايش ودين إبراهيم وحوار الديان‬
‫وطمس الكراهية ضد الديان‪ ،‬ومحو مفهوم الولء والبراء والجهاد‪ ،‬والتهكم‬
‫بسنن المصطفي ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وإخراج المرأة من نور العباءة السوداء إلى‬
‫ظلمة حضارة الرجل البيض!‬
‫من يعصهم أكثر ممن يطيعهم‪:‬‬
‫وهذا واضح في المجتمع المكي حتى أن الرسول – صلى الله عليه وسلم –‬
‫س َ‬
‫ك‬ ‫ف َ‬ ‫خع ٌ ن َ ْ‬‫ك َبا ِ‬ ‫انتابه شيء من اليأس فكان الله دائما ً يسليه في غربته "فَل َعَل ّ َ‬
‫َ‬
‫ن ك َب َُر‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫سفًا" )الكهف‪" ،(6:‬وَإ ِ ْ‬ ‫ثأ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ذا ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫مُنوا ب ِهَ َ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫عََلى آَثارِهِ ْ‬
‫م إِ ْ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫ماِء‬‫س َ‬‫سلما ِفي ال ّ‬ ‫ض أوْ ُ‬ ‫فقا ِفي الْر ِ‬ ‫ي نَ َ‬ ‫ن ت َب ْت َغِ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ست َطعْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م فَإ ِ ِ‬‫ضهُ ْ‬‫ك إ ِعَْرا ُ‬
‫ْ‬
‫ن"‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دى َفل ت َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫م عََلى ال ْهُ َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ج َ‬‫ه لَ َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫م ِبآي َةٍ وَل َوْ َ‬
‫فَت َأت ِي َهُ ْ‬
‫)النعام‪.(35:‬‬
‫أما في غربتنا فهو واضح أيضا‪ ،‬فإن علماء السنة اللذين يعرفون الحق‬ ‫ً‬
‫ويرحمون الخلق ل يسمع لنصائحهم ول يستجاب لمبادراتهم‪ ،‬ويطرق جميع‬
‫البواب للمشورة إل بابهم‪ ،‬وهل نقموا منهم إل أنهم سلكوا سبيل السلف في‬
‫نصح المة؟ وهل هم إل الدعاة لمنع خرق السفينة‪ ،‬ليس أدق من وصف‬
‫غربتنا من هذا الحديث الذي رواه الطبراني بإسناد فيه نظر من حديث أبي‬
‫أمامة مرفوعًا‪" :‬إن لكل شيء إقبال ً وإدبارًا‪ ،‬وإن من إقبال هذا الدين ما كنتم‬
‫عليه من العمى والجهالة وما بعثني الله به‪ ،‬وإن من إقبال هذا الدين أن تفقه‬
‫القبيلة بأسرها حتى ل يوجد فيها إل الفاسق والفاسقان فهما مقهوران‬
‫طهدا‪ ،‬وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو‬ ‫مَعا وقُهَرا واض ُ‬ ‫ذليلن‪ ،‬إن تكلما قُ ِ‬
‫ِ‬
‫القبيلة بأسرها حتى ل ُيرى فيها إل الفقيه والفقيهان فهما مقهوران ذليلن‪،‬‬
‫طهدا‪ ،‬فهما مقهوران‬ ‫إن تكلما فأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ُقمعا واض ُ‬
‫ذليلن ل يجدان على ذلك أعوانا ً ول أنصارًا"‪.‬‬
‫وتأمل كلم أحمد بن عاصم النطاكي ‪ -‬وكان من كبار العارفين في زمان أبي‬
‫سليمان الداراني ‪ -‬يقول‪ :‬إني أدركت من الزمنة زمانا ً عاد فيه السلم غريبا ً‬
‫ف الحق فيه غريبا ً كما بدأ‪ ،‬إن ترغب فيه إلى عالم وجدته‬ ‫كما بدأ‪ ،‬وعاد وص ُ‬
‫مفتونا ً بحب الدنيا‪ُ ،‬يحب التعظيم والرئاسة‪ ،‬وإن ترغب فيه إلى عابد وجدته‬
‫جاهل ً في عبادته مخدوعا ً صريعا ً غدره إبليس‪ ،‬وقد صعد به إلى أعلى درجة‬
‫من العبادة وهو جاهل بأدناها فكيف له بأعلها؟ وسائر ذلك من الرعاع‪ ،‬همج‬
‫عوج وذئاب مختلسة‪ ،‬وسباع ضارية وثعالب ضوار‪ ،‬هذا وصف عيون أهل‬
‫زمانك من حملة العلم والقرآن ودعاة الحكمة‪ .‬خرجه أبو نعيم في )الحلية(‪،‬‬
‫ل‪":‬فهذا وصف أهل زمانه‬ ‫وبعد أن أورد ابن رجب هذا الثر عقب عليه قائ ً‬
‫فكيف بما حدث بعده من العظائم والدواهي التي لم تخطر بباله ولم تدر في‬
‫خياله؟" ونحن نعقب على ذلك ونقول‪ :‬وكيف الحال إذا علم النطاكي‬
‫والحنبلي أن اليهود والنصارى يملون على المسلمين دينهم ويرسمون‬
‫الخطوط الحمراء التي يحظر على المسلمين تجاوزها حتى وهم في البلد‬
‫السلمية!! وكيف الحال إذا علما أن شيخا ً مقعدا ً أفني حياته نصرة للقصى‬
‫من براثن اليهود يغتال ثم ل يستنصر!!‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ث اليوم ما‬ ‫و تأمل أيها المغترب قول الحسن‪ :‬لو أن رجل ً من الصدر الول ب ُعِ َ‬
‫عرف من السلم شيئا ً إل هذه الصلة‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما والله لئن عاش إلى‬
‫المنكرات فرأى صاحب بدعة يدعو إلى بدعته أو صاحب دنيا يدعو إلى دنياه‬
‫فعصمه الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وقلبه يحن إلى السلف الصالح فيتبع آثارهم ويستن‬
‫بسنتهم ويتبع سبيلهم كان له أجر عظيم‪] .‬أخرجه الصبهاني[‬
‫ولعلنا في زمن الغربة نسلي أنفسنا بصفات أهل الغربة التي سطرها المام‬
‫علي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬ولعله قال هذه الكلمات في أواخر أيامه حين هجمت‬
‫عليه الهموم من كل جانب‪ ،‬فقوم فرطوا فيه حتى أخرجوه من دائرة السلم‬
‫دوه إلها ً من دون الله يقول ‪ -‬رضي الله‬ ‫وقوم أفرطوا في تعظيمه حتى ع ّ‬
‫عنه‪" :-‬والله هم القلون عددا ً والعظمون عند الله قدرا‪ ،‬يحفظ الله بهم‬
‫ً‬
‫جم‬‫حججه وبيناته حتى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم‪ ،‬هَ َ‬
‫بهم العلم على حقيقة البصيرة‪ ،‬وباشروا روح اليقين واستلنوا ما استوعره‬
‫المترفون‪ ،‬وأنسوا بما أستوحش منه الجاهلون‪ ،‬وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها‬
‫متعلقة بالمحل العلى‪ ،‬أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه‪ ،‬آه آه‬
‫شوقا ً إلى رؤيتهم" ]رواه أبو نعيم عن كميل بن زياد[‪.‬‬
‫عبد الباقي شرف السلم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عودة المغترب‬
‫عمر أبو ريشة‬
‫"زار الشاعر بلده الحبيب سورية‪ ،‬بعد اغتراب مديد‪ ،‬وكان يحسب أنه سوف‬
‫يلقى الحتفاء به والتكريم له‪ ،‬فغادر سورية بلده الحبيب‪ ،‬ونظم هذه القصيدة‬
‫الرائعة‪ ،‬وأوصى أل ت ُْنشر إل بعد وفاته‪".‬‬
‫ي وأبعدا‬ ‫ت منزَلها بوجهي موصدا ما كان أقربه إل ّ‬ ‫ألفي ُ‬
‫ي المشدوهِ قهقهة الصدى‬ ‫ت في سمعِ َ‬ ‫كّلت يداي على الرتاج‪ ،‬وعربد ْ‬
‫مجهدا‬ ‫ف به على غصص النوى وأعود َ عنه ُ‬ ‫ب أن أطو َ‬ ‫ت أحس ُ‬ ‫ما كن ُ‬
‫ت به المدى‬ ‫ت حدود َ دنيانا على أعتابه وكم اختصر ُ‬ ‫فكم اختزل ُ‬
‫ما بالها تصغي؟ ‪-‬وأحلف ِإنها تصغي‪ -‬وتأبى أن ترد ّ على الّندا؟‬
‫ت نجومي في مدار لحاظها؟ فتساوت الدنيا لديها موِردا ؟‬ ‫أَ َ‬
‫خب َ ْ‬
‫ليست بأول بدعة أوجدُتها وأضعُتها عبر الضللة والهدى‬
‫ََ‬ ‫وحملتها ذكرى ولم أ ُْر ِ‬
‫دها أم أسعدا؟‬ ‫ص لها عهدا ً ‪ ،‬أأشقى عه ُ‬ ‫خ ْ‬
‫ن بقاَءها وتعّهدا‬ ‫ل الحني ُ‬‫ف َ‬ ‫ت يدي ك َ ِ‬ ‫ف ما غرس ْ‬ ‫ت ‪ ..‬قطا ُ‬ ‫الذكريا ُ‬
‫ة الردى‬
‫ي غطرس َ‬ ‫ت على قدم ّ‬ ‫سرى ورم ْ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ت صع َ‬ ‫هي كل زادي هوّن َ ْ‬
‫ردا‬‫ست َب ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ف جراحها ُ‬ ‫ت نز َ‬ ‫ي فِهجُتها وشرب ْ ُ‬ ‫ت عل ّ‬ ‫خ ْ‬ ‫شم َ‬ ‫كم نعمةٍ َ‬
‫ت تحت صليبه متعّبدا‬ ‫ي الهوى فصلبُته وركع ُ‬ ‫فب َ‬ ‫وكم استخ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مدا‬ ‫م وأح َ‬ ‫ب لي في حالتيها أن أذ َ ّ‬ ‫ن وطا َ‬ ‫ي الظنو ُ‬ ‫تف ّ‬ ‫وتقاتل ْ‬
‫ي زاهدا في خوض غمرتها‪ ..‬ول مترددا‬ ‫ً‬ ‫ت الحياةَ فما رأتن َ‬ ‫جئ ُ‬
‫مقّيدا‬ ‫ت أن أمشي عليه ُ‬ ‫ت على الليالي ملعبي وأبي ُ‬ ‫إني فرض ُ‬
‫سّهدا‬ ‫م َ‬ ‫ضوَ الهموم على يديك ُ‬ ‫ّ‬
‫يا غربتي ‪ ..‬كم ليلةٍ قطعُْتها ن ِ ْ‬
‫عدا‬ ‫ت لي في كل أفق مو ِ‬ ‫أطمعِتني في كل حلم مترف وضرب ِ‬
‫ف المتمردا‬ ‫ت من كان منا العاص َ‬ ‫ح وما در ْ‬ ‫ل الريا َ‬ ‫ت أقتب ُ‬ ‫فوقف ُ‬
‫ت خد ّ النجم أن يتجعدا‬ ‫ل الغمام وربما أشفق ُ‬ ‫ت ‪ ..‬أنتع ُ‬ ‫ومضي ُ‬
‫ددا‬ ‫ي وج ّ‬ ‫ت ما أبله ف ّ‬ ‫قلي وحمل ُ‬ ‫ت تن ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ت في الّتيه ال ُ‬ ‫وأطل ُ‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت لياليها حكايات الندى‬ ‫ورجعت أستسقي السراب لسروة نسي ْ‬


‫ت مجدا أخلدا‬ ‫ً‬ ‫فكأنما المجد الذي خلدُته لم يكفني فأرد ُ‬
‫جّر أنفاسي عليه تنّهدا‬ ‫هل ُ‬ ‫ما أكرم الوتر الذي أسكت ّ ُ‬
‫ت به سمعَ الزمان فرّددا‬ ‫ْ‬ ‫ورم‬ ‫أناملي‬ ‫خ‬‫كم سلسلت فيه الشمو َ‬
‫جدا‬ ‫جعا ً وتو ّ‬ ‫ن على الشجون وصانها من أن تهون تر ّ‬ ‫خلع الفتو َ‬
‫أهفو إليه وما يزال غباُره متجمعا ً في صدره متلبدا‬
‫م المفردا‬ ‫أفديه بالباقي من السلوى إذا أرجعُته ذاك اليتي َ‬
‫فتي صوب الديار تهالكا وتجلدا‬ ‫ً‬ ‫ك طول تل ّ‬ ‫يا غربتي أشجا ِ‬
‫ددا؟‬‫ك من ّ‬ ‫ت من صخبي علي ِ‬ ‫ك معاتبا ؟ وملل ِ‬ ‫ً‬ ‫ت من نظري إلي ِ‬ ‫أت َِعب ِ‬
‫ذاك التجّني لم تطيقي حمله مني‪ ،‬ولم تتوقعي أن ينفدا‬
‫ك المتوددا‬ ‫أطلقِتني ‪ ..‬وتبعِتني‪ ..‬وأريِتني ملَء الدروب خيال ِ‬
‫ك سادر في موطني أزجي خطايَ على ثراهُ مشّردا‬ ‫أنا عند ظن ِ‬
‫ت أعراسي عليه‪ ،‬وعد َّدا‬ ‫ض من طرفي حياًء كلما عد ّد ْ ُ‬ ‫وأغ ّ‬
‫ً‬
‫ل نداءه وأشقّ موكَبهم فتّييا أمردا‬ ‫م تستبق الرجا ُ‬ ‫أيا َ‬
‫ت كل عجيبةٍ ‪ ،‬مجلوةٌ رصدا على هضباته متوعدا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وبنا ُ‬
‫س جباهََها قدمي ‪ ،‬وكم علمتها أن تحقدا‬ ‫مت ِْني أن تدو َ‬ ‫ّ‬
‫كم عل َ‬
‫مدا‬ ‫ّ‬ ‫وض‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬
‫ِِ ّ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ثخي‬ ‫حول‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫فالت‬ ‫جراحه‬ ‫بين‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫صبا‬ ‫ببرد‬ ‫ت‬
‫لعب ْ‬
‫سدا‬ ‫ح ّ‬ ‫تأبى البنوّةُ أن أقول وهبُته وتركت كل هبات غيري ُ‬
‫ن ‪ ،‬ول يمد ّ لنا يدا ؟‬ ‫ََ‬
‫مّر منه وصاحبايَ كهولتي والعنفوا ُ‬ ‫أأ ُ‬
‫مدا ؟‬ ‫م تع ّ‬ ‫أنا ما شكوت على اللقاء صدوَده عني‪ ،‬متى صد ّ الكري ُ‬
‫مدا‬ ‫تلك الذوائب من ل ِداتي دونه رمح تكسر أو حسا ُ‬
‫م أغ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جدا‬ ‫ت بناصيتيه أيدي عصبةٍ كانت على سود الليالي ه ّ‬ ‫أخذ ْ‬
‫ل عبد ٍ سيدا‬ ‫ن بها حدود مجونه فأقام منها ك ّ‬ ‫جاز الزما ُ‬
‫دها ما كان للجبناِء أن تتجّندا‬ ‫ل كانت جن َ‬ ‫تشقى العلى إن قي َ‬
‫ت إلى تعهيره‪ ،‬فاستشهدا‬ ‫عها فسع ْ‬ ‫ت إلى شرف الجهاد فرا َ‬ ‫نظر ْ‬
‫سدا‬ ‫ض السبيل ‪ ،‬لقيط ِهِ شاءت به الحقاد ُ أن تتج ّ‬ ‫ل مْنف ّ‬ ‫من ك ّ‬
‫ً‬
‫ن بذيل كل سماوةٍ وأراد ملعَبها كسيحا مقعدا‬ ‫عقد الجفو َ‬
‫صدا‬ ‫ة وأذل منطلقا ‪ ،‬وأنذل مق ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫العاجُز المقهوُر أقت َل حيل ً‬
‫ّ‬
‫سه ‪ ،‬وتقلدا‬ ‫نشر الخسيس من السلح أمامه واختار منه أخ ّ‬
‫ن عربدا‬ ‫ْ‬ ‫ولك‬ ‫خمرتهم‬ ‫وحبا إلى حرم الرجال‪ ،‬ولم يذ ُقْ من ُقد ِ‬
‫س‬
‫شدا‬ ‫من ْ ِ‬ ‫قي َم ِ الغوالي ُ‬ ‫ن في تزييف ما هتفوا به وارتد ّ بال ِ‬ ‫وافت َ ّ‬
‫ل باسم المكرمات مهّندا‬ ‫س ّ‬ ‫ي أروع ما يكون مظفرا ً إن ُ‬ ‫البغ ُ‬
‫مدا‬ ‫ك دمُعه وانظر إلى ما سال فوق أكفه ‪ ،‬وتج ّ‬ ‫ل يخدعن ّ َ‬
‫مى دماَء صريِعها إل وتكسو وجنتيه توّردا‬ ‫ح ّ‬‫ب ال ُ‬ ‫لم تشر ِ‬
‫سخا بالضلل مزّودا‬ ‫ً‬ ‫لم ْ‬ ‫وأزاحت اليام عنه نقابه فأط ّ‬
‫سدا‬ ‫ستأ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مـ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ترك الحصون إلى العدى متعثرا بفراره‪ ،‬وأتى ال ِ‬ ‫ً‬
‫مزبدا‬ ‫كينه في شدقه ولعاُبه يجري على ذكر الفريسة ُ‬ ‫س ّ‬
‫ل أفئدةً و أقسى أكُبدا‬ ‫ما كان هولكو ‪ ،‬ول أشباهه بأض ّ‬
‫ً‬
‫ة الوادي على ك ِْبر الحداد‪ُ ،‬تجيل طرفا أرمدا‬ ‫هذي حماة عروس ُ‬
‫ح أبي الفدا‬ ‫جْر ُ‬ ‫هذا صلح الدين يخفي جرحه عنها‪ ،‬ويسأل‪ :‬كيف ُ‬
‫ت عنده وأصاب منها ما أقام وأقعدا‬ ‫ت دنيا الفتح هان ْ‬ ‫سروا ْ‬
‫ت موقدا‬ ‫ج ْ‬ ‫ً‬
‫ف عن قذف المعابد باللظى فتناثرت ِرمما‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ما ع ّ‬
‫جدا‬ ‫س ّ‬ ‫ً‬
‫جدٍ فاجأهم‪ ،‬وما كانوا لغير الله يوما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫كم ُ‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ن ‪ ،‬وسادة منتدى‬ ‫جّلى أهِّلة غارة وغزاةَ ميدا ٍ‬ ‫عَرفَْته ُ‬
‫م ال ُ‬
‫ن‪ ،‬وربما شهق الخيا ُ‬
‫ل أمامه ‪ ،‬وترددا‬ ‫م‪ ..‬ما كذب الِعيا ُ‬ ‫يا شا ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ة كل أروعَ أصيدا؟‬ ‫شك وانطوت بالغدر راي ُ‬ ‫ت كيف اغتيل جي ُ‬ ‫أرأي ِ‬


‫ك وردا ً في النجوم لوردا‬ ‫ض موكب كل نسر لو رأى ل ُِعل ِ‬ ‫وانف ّ‬
‫منجدا؟‬ ‫س؟ من يسعى إليها ُ‬ ‫من للبقايا من تراث غاضب في القد ِ‬
‫ت ولم تدع فيها بناًء للشموس مشّيدا‬ ‫ت عليها الغاشيا ُ‬ ‫درج ْ‬
‫ت بأقداح المسيج غليلها ورمت بها‪ ،‬وهوت ُتذّري المزودا‬ ‫روّ ْ‬
‫ً‬
‫لمن الخيام على العراء تزاحمت وكست مناكَبه ِوشاحا أسودا ؟‬
‫شّهدا‬‫مرت بها غُب ُْر السنين ولم تزل نصبا ً على جرح الكرامة ُ‬
‫ن كشملهن تبددا‬ ‫ت بنات اليتم في أحضانها ورجاؤه ّ‬ ‫شاب ْ‬
‫حتدا‬ ‫م ِ‬ ‫ة وخؤولة طابت وعزت َ‬ ‫ومن الخليج إلى المحيط عموم ٌ‬
‫فدا‬‫كبُرها يرنو إلى الشرف الذبيح مص ّ‬ ‫وقفت تشد على الجراح و ِ‬
‫حدا‬ ‫ً‬
‫والحاكمون‪ ..‬الثأر راح مفّرقا ما بينهم‪ ،‬والعار جاء مو ّ‬
‫كم ملعب للتضحيات تواعدوا أن يقطعوه شائكا ً و ُ‬
‫معّبدا‬
‫حتى إذا الخطب استحّر تواكلوا وتهالكوا فوق الرائك أعُبدا‬
‫دهاء مؤيدا‬ ‫ل خنوعهم فجل َوْهُ نهجا ً بال ّ‬ ‫وتأنقوا في ستر ذ ّ‬
‫ف ولالنجيد المسعدا‬ ‫ب العيو َ‬ ‫م الـ ـند ْ َ‬ ‫أنا لم أكن يا شام أعرف فيه ُ‬
‫ه نادى على حرماتهم أن ُتوَردا‬ ‫ص ُ‬‫ه ورخي ُ‬ ‫ة‪ ..‬ذليل ُ ُ‬
‫ف الحيا ِ‬ ‫تر ُ‬
‫ودت وسرى إلى سلطانهم‪ ،‬فتهودا‬ ‫ونزا على أحلمهم فته ّ‬
‫يا شام‪ ..‬أوجعُ من وجومك زفرةٌ داريُتها‪ ،‬وأردُتها أن تخمدا‬
‫ت بما اّدخرت منايَ إلى غدٍ إني أخاف أرى مصارعها غدا‬ ‫زخر ْ‬
‫ه إل العلى والسؤددا‬ ‫ك ما روت صفحات ُ ُ‬ ‫ل يا عروس الدهر سفُر ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شى بالسنى من طامٍع أردي وطاٍغ ألحدا‬ ‫كم دون هيكلك المو ّ‬
‫ك ما انتهتا‪ ،‬وكب ُْرك ما ابتدا‬ ‫ة ويدا ِ‬ ‫حي ِي ّ ً‬ ‫وكم انثنت عنك الخطوب َ‬
‫ك الجموِح على الِعدا‬ ‫ن الشرق من سهرٍ على ميعادِ وثبت ِ‬ ‫ت عيو ُ‬ ‫جمد ْ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عورة المرأة أمام النساء‬


‫فضيلة الشيخ ‪/‬علي بن محمد الريشان ‪12/9/1423‬‬
‫‪27/11/2001‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبي الهدى والرحمة وسلم وبارك‬
‫عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد ‪:‬‬
‫فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله في الشيء الذي يجوز أن تظهره المرأة‬
‫أمام النساء من زينتها ‪ ،‬فبعض أهل العلم أجاز لها أن تظهر ما فوق السرة‬
‫وتحت الركبة أمام المرأة لدلة رأوا أنها تفيد جواز إظهار ذلك ‪ .‬وخالفهم‬
‫آخرون فمنعوا المرأة من إظهار ما زاد على ما جرت العادة – أعني عادة‬
‫نساء السلف الصالح – إظهاره في البيت وحال المهنة ‪.‬‬
‫ومعلوم أنه عند التنازع والختلف فإنه يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة قال‬
‫الله – عز وجل ‪ ) : -‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون‬
‫بالله واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل ( " النساء ‪. "59‬‬
‫فإلى أدلة الفريقين ثم ذكر الراجح بعون الله تعالى ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أدلة المانعين من إظهار ما زاد على ما يظهر عادة ‪:‬‬
‫الدليل الول ‪:‬‬
‫قال الله تعالى ‪) :‬وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن‬
‫ول يبدين زينتهن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ول يبدين‬
‫زينتهن إل لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو‬
‫إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو‬
‫التابعين غير أولي الربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات‬
‫النساء ول يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا‬
‫أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ( "النور ‪. " 31‬‬
‫قالوا ‪ :‬في الية المر بغض البصر عما ل يحل وحفظ الفرج عما حرم الله‪،‬‬
‫والنهي عن إبداء الزينة إل ما ظهر منها دون قصد ‪.‬‬
‫وفيها أيضا النهي عن إبداء وإظهار شيء من الزينة الخفية إل لزواجهن أو‬
‫آبائهن ‪ ..‬الخ ما ذكر في الية ‪ ،‬فهؤلء جاءت الية بإباحة إظهار شيء من‬
‫الزينة الخفية للمرأة مما جرى عرف من نزل عليهم القرآن بإظهاره‬
‫أمامهم ‪ ،‬وخص الزوج بعدم إخفاء شيء من الزينة الباطنة عنه لدلة أخرى ‪.‬‬
‫سر السلف الية بنحو ما قلنا فقد روى ابن جرير رحمه الله )‪: (307/9‬‬ ‫وقد ف ّ‬
‫من طريق عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنه قال ‪ ) :‬ول يبدين زينتهن إلى لبعولتهن ( إلى‬
‫قوله ) عورات النساء ( ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬الزينة التي تبديها لهؤلء قرطها وقلدتها وسوارها ‪ ،‬فأما خلخالها‬
‫وعضداها ونحرها وشعرها فإنه ل تبديه إل لزوجها ‪ ،‬وعند البيهقي فيه زيادة‬
‫انظر السنن الكبرى ) ‪ 7/152‬رقم ‪. (13537‬‬
‫وهذا ثابت عن ابن عباس رضي الله عنه وإعلله بضعف عبد الله بن صالح ل‬
‫شيء فعبد الله بن صالح ثبت في كتابه ‪ ،‬وهذه الرواية من كتاب وهي‬
‫صحيفة على بن أبي طلحة ‪ ،‬التي رواها عن عبد الله بن صالح جمع غفير من‬
‫أئمة أهل الحديث ‪.‬‬
‫أما النقطاع بين على بن أبي طلحة وابن عباس فقد عرفت فيه الواسطة‬
‫وهم الثبات من تلميذ ابن عباس رضي الله عنه عكرمة ومجاهد وسعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬وقد اعتمدها الئمة رحمهم الله ‪ ،‬فانظر ـ إن شئت ـ صحيح البخاري‬
‫وتفسير ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهم من أئمة السلف رحمهم الله‬
‫وإعلل بعض المتأخرين بالعلل السابقة المذكورة غفلة عن منهج السلف في‬
‫تعاملهم مع أمثال هذه الصحيفة ‪.‬‬
‫وروى رحمه الله أيضا من طريق ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة‬
‫في قوله تعالى ‪( :‬ول يبدين زينتهن إل لبعولتهن )الية ‪ .‬قال‪ :‬تبدي لهؤلء‬
‫الرأس ‪ .‬وإسناده صحيح ‪.‬‬
‫وروي عن إبراهيم النخعي رحمه الله من طريق سفيان عن منصور عن‬
‫طلحة عن إبراهيم قال ‪ :‬هذه ما فوق الذراع‪ .‬وهذا إسناد صحيح ‪ ،‬ومن‬
‫طريق أخرى قال ‪ :‬ما فوق الجيب ‪ .‬ولكن في سنده من ُيجهل‪.‬‬
‫وما جاء في تفسير ابن عباس رضي الله عنه وقتادة وإبراهيم وما قاله ابن‬
‫جرير رحم الله الجميع في تفسيره لهذه الية فيه تحديد للمواضع التي يجوز‬
‫خص بمزيد الطلع على الزينة‬ ‫للمرأة أن تبديها لمن ذكر في الية إل من ُ‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخفية لدلة أخرى وهو الزوج فقط ‪.‬‬


‫الدليل الثاني ‪:‬‬
‫ثبت في السنة من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪ " :‬المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها‬
‫الشيطان‪"...‬رواه الترمذي)‪ (117‬وابن خزيمة)‪ (1685‬وابن حبان )‬
‫‪ (5598،5599‬وغيرهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد أعل بالوقف ‪ ،‬ولكن الصحيح ثبوته مرفوعا كما رجحه جمع من الئمة‬
‫الحفاظ منهم الدارقطني رحمه الله وتفصيل هذا فيه طول ‪.‬‬
‫ففي هذا الحديث أن المرأة عورة ‪ ،‬والعورة ل يجوز إظهار شئ منها إل ما‬
‫ثبت جواز إظهاره بأدلة أخرى سيأتي ذكر شئ منها في موضعه إن شاء الله‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫الدليل الثالث ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫روى المام أحمد )‪ (22131،22129‬وغيره من حديث عبد الله بن محمد بن‬


‫عقيل عن ابن أسامة بن زيد أن أباه أسامة قال كساني رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي فكسوتها امرأتي‬
‫فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪":‬مالك لم تلبس القبطية ؟ "‬
‫قلت‪ :‬يا رسول الله كسوتها امرأتي‪ ،‬فقال لي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ":‬مرها فلتجعل تحتها ِغللة إني أخاف أن تصف حجم عظامها " ‪.‬‬
‫وهذا الحديث وإن كان من رواية ابن عقيل عن محمد بن أسامة بن زيد ‪،‬‬
‫والول وصف بسوء الحفظ خاصة لما كبر والثاني جهل حاله بعض الئمة‬
‫كالدارقطني رحمه الله ‪.‬‬
‫إل أن هناك من ثبت ابن عقيل من الئمة ‪ ،‬ونقل البخاري عن أحمد وإسحاق‬
‫والحميدي الحتجاج بحديثه‪ ،‬فحديثه محتج به ما لم يخالف ‪ ،‬ووثق محمد بن‬
‫أسامة بعض الئمة كابن سعد وابن حبان رحم الله الجميع ‪ ،‬وهذا الحديث‬
‫جدير بالثبوت ‪،‬ول سيما وأنه ليس في لفظه ما ُينكر ‪.‬‬
‫وله شاهد ضعيف من حديث دحية الكلبي رضي الله عنه رواه أبو داود )‬
‫‪ (4116‬و الحاكم والبيهقي من طريقه انظر سننه الكبرى )‪. (3261‬‬
‫وعليه فإن هذا الحديث يدل على النهي عن لبس الثياب الضيقة التي تصف‬
‫العضاء ومن المعلوم أن هذا النهي عام فيما يلبس داخل البيت وخارجه ‪،‬‬
‫وإن كان خارجه أشد ‪.‬‬
‫وأكثر ما يطرق المرأة في بيتها هم النساء فهن ممن منعت المرأة من لبس‬
‫ما يصف عظامها أمامهن فكيف يجوز لها إظهار وكشف ما فوق السرة ودون‬
‫الركبة ‪.‬‬
‫فائدة ‪:‬‬
‫بعض أهل العلم جعل تفسير حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه‬
‫مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬صنفان من‬
‫أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء‬
‫كاسيات عاريات مميلت مائلت رؤوسهم كأسنمة البخت المائلة ل يدخلن‬
‫الجنة ول يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " ‪ .‬فقال ‪ :‬إن‬
‫الكاسيات العاريات منهن من يلبس الثياب الضيقة التي تصف أعضاء الجسد‪.‬‬
‫الدليل الرابع ‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫روى البخاري رحمه الله في صحيحه )‪ (5240‬من حديث عبد الله بن مسعود‬
‫رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬ل تباشر‬
‫المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها " ‪ .‬وهذا النهي عن المباشرة‬
‫لنه قد يفضي إلى تطليق الواصفة أو الفتتان بالموصوفة ‪ ،‬كما أن فيه‬
‫إسقاطا ًً لمعنى الحجاب والمقصود منه ـ ينظر الفتح عند شرح الحافظ ابن‬
‫حجر رحمه الله لهذا الحديث ـ وإظهار ما لم تجر العادة وعرف النساء‬
‫بإظهاره من أقوى الوسائل للوقوع في هذا المحظور كما هو معلوم بداهة‪،‬‬
‫فيكون منع إظهار ما زاد على المعتاد من جهتين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬لنه من العورة كما سبق تقريره ‪ ،‬والثاني ‪ :‬لنه وسيلة للوقوع في‬
‫المحظور الذي جاء الحديث النبوي السابق ذكره بالزجر عنه ‪.‬‬
‫الدليل الخامس ‪:‬‬
‫روى مسلم رحمه الله في صحيحه ) ‪ (1/266‬من حديث أبي سعيد الخدري‬
‫رضي الله عنه قال ‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ل ينظر‬
‫الرجل إلى عورة الرجل ول المرأة إلى عورة المرأة ول يفضي الرجل إلى‬
‫الرجل في ثوب واحد ول تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد " وهو‬
‫عند أبي داود )‪ ، (4018‬الترمذي )‪. (2793‬وفي هذا الحديث النهي عن‬
‫النظر إلى عورة المرأة وهي ما سوى المظهر عرفا ً ولو لم يحصل الوصف‬
‫من الناظرة عن المنظور إليها ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أدلة القائلين بأن عورة المرأة من المرأة كعورة الرجل من الرجل ‪:‬‬
‫ذهب جمهرة من الفقهاء إلى أن عورة المرأة من المرأة كعورة الرجل من‬
‫الرجل وإلى أن للمرأة أن ترى من المرأة ما يجوز أن يراه الرجل من‬
‫الرجل‪،‬واستدلوا ـ كما يتبين بالستقراء والتتبع ـ لقولهم هذا بأدلة وهي ‪:‬‬
‫الدليل الول‪:‬‬
‫عن أبي أيوب النصاري رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪ " :‬ما فوق الركبتين من العورة وما أسفل من السرة من‬
‫العورة " رواه الدارقطني )‪ (879‬والبيهقي من طريقه )‪.(3237‬‬
‫قالوا ‪ :‬هذا الحديث نص صريح في تحديد العورة وهو عام للرجال والنساء‬
‫فليس في الحديث تحديد فيحمل على العموم ‪ .‬كما يشهد له الحديث التالي ‪.‬‬
‫الدليل الثاني ‪:‬‬
‫ما جاء من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪ ":‬علموا صبيانكم الصلة وأدبوهم عليها في عشر‬
‫وفرقوا بينهم في المضاجع ‪،‬وإذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فل ينظر‬
‫إلى عورتها والعورة ما بين السرة والركبة " رواه البيهقي )‪ . (3236‬ورواه‬
‫أبو داوود )‪ (4113‬بلفظ ‪ " :‬إذا زوج أحدكم عبده أمته ‪ ،‬فل ينظر إلى عورتها‬
‫" وجاء تفسير هذه اللفظة برواية أخرى وهي عند أبي داود )‪ (496‬أيضا َ ‪":‬‬
‫فل ينظر إلى ما فوق الركبة ودون السرة " ‪.‬‬
‫الدليل الثالث ‪:‬‬
‫عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ ":‬إنها‬
‫ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا ً يقال لها الحمامات فل يدخلنها‬
‫الرجال إل بالزر وامنعوها النساء إل مريضة أو نفساء "‬
‫رواه أبو داود )‪ ، (4007‬وابن ماجه )‪.(3854‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدليل الرابع ‪:‬‬


‫عن ابن عباس رضي الله عنه قال ‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫" احذروا بيتا ً يقال له الحمام " قالوا ‪ :‬يا رسول الله إنه يذهب الدرن وينفع‬
‫المريض قال ‪ " :‬فمن دخله فليستتر " ‪ .‬والحديث فيه جواز دخول الحمام‬
‫بشرط الستتار أي للعورة ‪ ،‬وليس في الحديث منع النساء من دخوله إل‬
‫بشرط وهو الستتار للعورة فقط ‪ ،‬فإذا ً الضرورة إلى انكشاف ما سوى‬
‫العورة متحققة فيما بينهن ‪ ،‬وسبق تحديد العورة في حديث أبي أيوب‬
‫وحديث عبد الله بن عمرو والذي جاء من طريق عمرو بن شعيب ‪.‬‬
‫الدليل الخامس ‪:‬‬
‫عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما كتبه إلى أبي عبيدة بن الجراح‬
‫رضي الله عنه ‪ ":‬بلغني أن نساًء من نساء المسلمين قبلك يدخلن الحمام مع‬
‫نساء مشركات فإنه عن ذلك أشد النهي فإنه ل يحل لمرأة تؤمن بالله‬
‫واليوم الخر أن يرى عورتها غير أهل دينها " ‪.‬‬
‫ففي هذا الثر عن عمر رضي الله عنه النص على إباحة رؤية العورة للنساء‬
‫المؤمنات فيما بينهن ويحمل على ما سوى العورة المغلظة ‪.‬‬
‫الدليل السادس ‪:‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ل ينظر الرجل إلى عورة الرجل ول المرأة إلى‬
‫عورة المرأة " ‪ .‬ففي هذا الحديث دليل على التساوي في حدود العورة‬
‫بدللة القتران والقياس ‪ ،‬وقد ثبت عندنا أن عورة الرجل من الرجل ما بين‬
‫السرة إلى الركبة فكذلك المرأة ‪.‬‬
‫الدليل السابع ‪:‬‬
‫إجماع أهل العلم على جواز قيام المرأة بتغسيل المرأة كما يغسل الرجل‬
‫الرجل ‪ ،‬فكما للرجل الطلع على ما فوق السرة ودون الركبة من الرجل‬
‫حيا ً و ميتا ً ‪ ،‬فيجوز إذن أن تظهر المرأة للمرأة ما فوق السرة ودون الركبة‬
‫لوجود المجانسة التي تبيح ذلك ‪ ،‬فالناظر والمنظور إليه كلهما من النساء ‪.‬‬
‫وردوا على من احتج عليهم بالية بأنها ل تفيد ما فهمه المانعون لن دللة‬
‫القتران ضعيفة ومن القرائن على ضعف مأخذ القائلين بها ذكر البعل في‬
‫الية ‪ ،‬فهي إذا ل تفيد التساوي فيما يجوز إظهاره ‪ ،‬بل غاية ما تفيده‬
‫اشتراكهم في المنع من اطلعهم على جزء من الزينة الخفية كل بحسبه ‪،‬‬
‫وللنساء الطلع على ماعدا ما بين السرة والركبة وإظهاره فيما بينهن للدلة‬
‫السابق ذكرها ‪.‬‬
‫اعتراض المانعين ‪:‬‬
‫وقد رد المانعون على أدلة هؤلء بأن هذه الدلة التي احتجوا بها تنقسم إلى‬
‫قسمين ‪ :‬قسم صريح غير صحيح ‪ ،‬وقسم صحيح غير صريح ‪ ،‬وتفصيل ذلك‬
‫فيما يلي ‪:‬‬
‫ً‬
‫أول ً ‪:‬حديث أبي أيوب النصاري رضي الله عنه والذي جعلوه نصا في تحديد‬
‫العورة لعموم الرجال والنساء ‪.‬‬
‫ل يصح البتة فقد رواه الدارقطني والبيهقي من طريق سعيد بن راشد عن‬
‫عباد بن كثير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي أيوب رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬وسعيد بن راشد وعباد بن كثير متروكان ‪ ،‬فسقط هذا الحديث ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪ ":‬علموا صبيانكم الصلة ‪ " ...‬الحديث جاء من طريق‬
‫الخليل بن مرة عن ليث بن أبي سليم عن عمرو بن شعيب به ‪ ،‬ول يصح‪،‬‬
‫فالخليل ضعيف‪ ،‬وليث مختلط لم يتميز حديثه ‪ ،‬فيكفي علة واحدة من هاتين‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلتين لرده‪.‬‬
‫ورواية أبي داود التي جاءت من طريق الوزاعي عن عمرو بن شعيب عن‬
‫أبيه عن جده بلفظ ‪ ":‬إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره ‪ ،‬فل ينظر إلى‬
‫عورتها "‪.‬‬
‫ورواه وكيع عن أبي حمزة الصيرفي داود بن سوار ـ فقلب اسمه ـ عن عمرو‬
‫بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ً بلفظ ‪ ":‬فل ينظر إلى ما فوق الركبة‬
‫ودون السرة " ‪.‬‬
‫فإن الرواة عن عمرو بن شعيب قد اضطربوا في هذا الحديث فجاء كما في‬
‫الروايات السابقة النهي عن النظر إلى عورة المة إذا زوجت ‪ ،‬وحددت فيما‬
‫بين السرة والركبة ‪.‬‬
‫وجاءت رواية أخرى من طريق النضر بن شميل عن أبي حمزة الصيرفي وهو‬
‫سوار بن داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ً ‪ " :‬وإذا زوج‬
‫أحدكم عبده أو أمته أو أجيره ‪ ،‬فل تنظر المة إلى شئ من عورته ‪ ،‬فإن ما‬
‫تحت سرته إلى ركبته من العورة " رواه الدارقطني وهي عند البيهقي‬
‫جميعها في سننه ‪ ،‬انظر )‪.(2/320‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وهذه الرواية فيها تحديد العورة للسيد وهو الرجل بخلف الرواية الولى ‪،‬‬
‫مما يدل على اضطراب الراوي في ضبط هذه اللفظة ول سيما الرواية‬
‫الخيرة فمدارها على أبي حمزة الصيرفي ومجمل أقوال الئمة فيه أن فيه‬
‫ضعفا ً ‪ ،‬فهذا الضطراب منه ‪ ،‬بل ذكر الدارقطني عنه أنه ل يتابع على رواياته‬
‫‪ ،‬وقد رواها بواسطة محمد بن جحادة الثقة عن عمرو بن شعيب كما عند‬
‫البيهقي )‪ ، (3235‬فهذه علة أخرى لروايته هذا الحديث ‪ ،‬لذلك قال البيهقي‬
‫رحمه الله كما في سننه الكبرى )‪(2/320‬بعد روايته لهذه اللفاظ ‪ ]:‬وهذه‬
‫الرواية إذا قرنت برواية الزواعي دلنا على أن المراد بالحديث نهي السيد‬
‫عن النظر إلى عورتها إذا زوجها وأن عورة المة ما بين السرة والركبة و‬
‫سائر طرق هذا الحديث يدل وبعضها ينص على أن المراد به نهي المة عن‬
‫النظر إلى عورة السيد بعد ما زوجت أو نهي الخادم من العبد الخير عن‬
‫النظر إلى عورة السيد بعدما بلغنا النكاح فيكون الخبر واردا ً في بيان مقدار‬
‫العورة من الرجل ل في بيان مقدارها من المة [ أ‪.‬هـ كلمه رحمه الله ‪.‬‬
‫وانظر ‪ :‬سنن البيهقي الحاديث)‬
‫‪. (3237،3236،3235،3234،3233،3224،3223،3219‬‬
‫كما أن هذا الحديث بألفاظه المختلفة لو صح فيه تحديد عورة المة ‪ ،‬ل‬
‫المرأة الحرة ‪ .‬والفرق في الستتار بين المة والحرة ل يخفى ‪ ،‬وهذا ثابت‬
‫بالدلة الصحيحة من سنته صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة رضي الله‬
‫عنهم ‪ ،‬مع العلم أن بعض أهل الحديث لم يثبت هذه الرواية ولم يعرج عليها‬
‫في تحديد عورة الرجل ‪.‬‬
‫وينظر كلم المام ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن )‪. (6/18‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا ً ‪ " :‬تفتح لكم أرض‬
‫العجم ‪ "...‬رواه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الفريقي‬
‫عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو به ‪ .‬وهذا ل يصح ‪ ،‬ففيه‬
‫الفريقي وضعفه أشهر من أن ُيعرف ‪ ،‬وشيخه عبد الرحمن بن رافع‬
‫مجهول ‪ .‬ولو صح فليس فيه رخصة إل لذوات الحاجة من النساء ‪ ،‬ول يلزم‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الدخول انكشاف العورات كما هو معلوم ‪.‬‬


‫رابعا ً ‪ :‬حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه مرفوعا ‪ " :‬احذروا بيتا يقال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫له الحمام ‪ "..‬رواه البزار )‪-211‬مختصر زوائده للحافظ ابن حجر ( فقال‪:‬‬
‫أخبرنا يوسف بن موسى أخبرنا يعلى بن عبيد أخبرنا سفيان الثوري عن ابن‬
‫طاووس عن طاووس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه ‪.‬‬
‫وظاهر هذا السناد الصحة ولذلك اغتر به بعض العلماء فصححه ‪ ،‬ولكن‬
‫الصواب فيه أنه مرسل كما رواه جمع من الحفاظ ‪.‬‬
‫قال البزار رحمه الله ‪ ) :‬رواه الناس عن طاووس مرسل ً ‪ ،‬ول نعلم أحدا ً‬
‫وصله إل يوسف عن يعلى عن الثوري ( أ‪.‬هـ كلمه ‪.‬‬
‫والذي يظهر أن الخطأ في وصله من يعلى بن عبيد روايه عن الثوري فهو‬
‫وإن كان ثقة ففي روايته عن الثوري ضعف ‪ ،‬وقد جاءت أحاديث أصح منه‬
‫إسنادا ً تعارضه والذي قبله منها ‪:‬‬
‫ما رواه أبو داود ) ‪ (2006‬والترمذي )‪ (2803‬من طريق أبي المليح الهذلي‬
‫أن نساء من أهل حمص أو من أهل الشام دخلن على عائشة فقالت‪ :‬أنتن‬
‫اللتي يدخلن نساءكن الحمامات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول ‪ ":‬ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إل هتكت الستر بينها‬
‫وبين ربها " وقد صحح هذا لحديث جمع من العلماء ‪ .‬وفي الباب أحاديث‬
‫أخرى عن جمع من الصحابة منهم ‪ :‬عمر وأبي أيوب وجابر النصاريين وعبد‬
‫الله بن عمرو وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم‬
‫جميعا ً انظر ‪ :‬مسند أحمد وسنن الترمذي وسنن النسائي ومستدرك الحاكم‬
‫وصحيح ابن حبان وغيرهم ‪ ،‬وبعضها يشهد لبعض كما قال بعض أهل العلم‪.‬‬
‫مع أن الحافظ الحازمي رحمه الله قال في كتابه العتبار )‪ ) : (187‬باب‬
‫النهي عن دخول الحمام ثم الذن فيه بعد ذلك‪ ..‬ـ ثم قال في آخره ـ‬
‫وأحاديث الحمام كلها معلولة ـ يعني المرفوعات ـ وإنما يصح فيها عن‬
‫الصحابة رضي الله عنهم ( أ‪.‬هـ كلمه ‪،‬وقد ضعفها كذلك الحافظ عبد الحق‬
‫الشبيلي كما في الحكام الوسطى له )‪.(1/244‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬ما جاء عن عمر رضي الله عنه فيما كتبه إلى أبي عبيدة رضي الله‬
‫عنه ‪ .‬فهذا الثر ل يصح ‪:‬‬
‫فقد رواه عبد الرزاق )‪ (1134‬عن ابن المبارك عن هشام بن الغاز عن عبادة‬
‫بن نسي ـ قال ابن العرابي ـ ‪ :‬وجدت في كتاب غيري عن قيس بن الحارث‬
‫قال ‪ :‬كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بلغني فذكره ‪.‬‬
‫ورواه عبد الرزاق أيضا ً )‪ (1136‬من طريق إسماعيل بن عياش عن هشام‬
‫بن الغاز عن عبادة بن نسي عن قيس بن الحارث قال ‪ :‬كتب عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة فذكره ‪.‬‬
‫ولكن رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغاز عن‬
‫عبادة بن نسي عن أبيه عن الحارث بن قيس قال كتب عمر بن الخطاب‬
‫رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه فذكره ‪ ،‬فزاد فيه عن أبيه ‪،‬‬
‫وجعله من رواية الحارث بن قيس ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ورواه سعيد بن منصور أيضا ً عن عيسى بن يونس عن هشام بن الغاز عن‬


‫عبادة بن نسي قال ‪ :‬كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‪ ...‬فذكره وانظر‬
‫البيهقي رقم ) ‪ . (13542‬ورواه ابن جرير رحمه الله كذلك عن عيسى بن‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يونس بمثله ‪ .‬ففي رواية ابن المبارك عند عبد الرزاق وعيسى بن يونس عند‬
‫سعيد بن منصور وابن جرير عن عبادة بن نسي مرسل ً ‪ .‬وزاد إسماعيل بن‬
‫عياش كما في رواية سعيد بن منصور عن عبادة عن أبيه عن الحارث بن‬
‫قيس ‪ ،‬ونسي والد عبادة مجهول ‪ .‬وانظر ‪ :‬مسند عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه لبن كثير رحمه الله )‪ (2/601‬و سنن البيهقي )‪(7/153‬وأسقطه في‬
‫رواية عبد الرزاق فيكون الثر منقطعا ً بين عبادة وقيس بن الحارث ‪ ،‬كما أنه‬
‫جعله من رواية الحارث بن قيس بدل قيس بن الحارث‪.‬‬
‫وهذا كله يدل على اضطراب إسماعيل في روايته لهذا الثر ‪ .‬بينما الثبات‬
‫رووه عن عبادة مرسل ً ‪ ،‬زد على ذلك الختلف الكثير في المتن وورود تلك‬
‫اللفظة المنكرة في بعض رواياته وهي ‪ ) :‬فإنه ل يحل لمرأة تؤمن بالله‬
‫واليوم الخر أن ينظر ـ وفي رواية أن يرى ـ عورتها إل أهل ملتها (‪.‬‬
‫والجميع ـ المانعون والمجيزون ـ متفقون على تحريم كشف العورة وتحريم‬
‫النظر إليها ‪ .‬فإن كان المقصود ما فوق السرة فهذا يؤيد قول من قال بأنه‬
‫عورة وإن كان المقصود ما بين السرة والركبة فالجميع على اتفاق إل من‬
‫شذ بأنه ل يحل إظهاره والنظر إليه إل لزوج أو سيد فكيف يجوز للمرأة أن‬
‫تطلع النساء على عورتها إذا كان المقصود المعنى الثاني وعلى كل حال‬
‫فهذه اللفظة ل تثبت ‪.‬‬
‫وقد صح عن عمر رضي الله عنه خلف ذلك ‪:‬‬
‫قال عبد الرزاق )‪ :(1133‬عن ابن جريح أخبرني سليمان بن موسى عن زياد‬
‫بن جارية حدثه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‪ :‬كان يكتب إلى الفاق ‪:‬‬
‫) ل يدخلن امرأة مسلمة الحمام إل من سقم وعلموا نساءكم سورة النور (‬
‫ففي هذا الثر إباحة دخوله للمسلمة المريضة لحاجة الستشفاء ‪ ،‬والتأكيد‬
‫على الستتار بقوله رضي الله عنه ‪ :‬وعلموا نساءكم سورة النور‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬ما ذكره المجيزون في احتجاجهم بحديث )أبي سعيد رضي الله عنه‬
‫مرفوعًا‪ " :‬ل ينظر الرجل إلى عورة الرجل ‪ ،‬ول تنظر المرأة إلى عورة‬
‫المرأة " وأخذهم القول بجواز إظهار ما فوق السرة ودون الركبة بدللة‬
‫القتران والقياس ‪ ،‬فيقال‪ :‬معلوم أن دللة القتران ضعيفة إل بقرائن‬
‫تؤيدها ‪ ،‬ومن العجيب أن المجيزين يأخذون بدللة القتران في هذا الحديث‬
‫رغم معارضته لنصوص أخرى كما تقدم في أدلة المانعين ‪ ،‬ول يأخذون بها‬
‫في الية الكريمة ‪ ):‬ول يبدين زينتهن إل لبعولتهن أو آبائهن ( الية ‪.‬‬
‫أما قياسهم فهو قياس مع الفارق " وليس الذكر كالنثى " قدرا ً وشرعا ً ‪ ،‬فل‬
‫يصح هذا القياس ‪،‬وأيضا ً فإن مقدار عورة الرجل مختلف فيه بين أهل العلم ‪،‬‬
‫فكيف يصح القياس على أصل مختلف فيه ‪.‬‬
‫وللفائدة ‪ :‬ينظر صحيح البخاري‪ /‬باب ما يذكر في الفخذ ) الفتح ‪،(1/530‬‬
‫وراجع سنن البيهقي)‪ .(2/321،329‬فإذا ذكر النهي في هذا الحديث عن‬
‫النظر إلى العورة في سياق واحد ل يدل على التساوي في مقدار العورة بين‬
‫الجنسين فكل بحسبه كما دل على ذلك النصوص الشرعية وعمل السلف‬
‫الصالح ‪.‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬احتجاجهم بإجماع العلماء على أن المرأة تغسل المرأة كما يغسل‬
‫الرجل الرجل ‪ .‬فهذا ل حجة فيه لن الغسل ليس فيه إباحة إطلق النظر‬
‫فضل ً عن أن يكون فيه جواز تعرية المرأة ‪ ،‬فيصح أن يكون الغسل من فوق‬
‫الثوب بل هذا هو المشروع‪ ،‬وهذا إذا قيل بالتساوي بين حالتي الحياة والموت‬
‫والية )ول يبدين زينتهن إل لبعولتهن ‪ (...‬تخاطب المرأة بالنهي عن إبداء‬
‫الزينة الخفية بالختيار إل لمن ذكر فيها ومن في حكمهم بالقدر المعروف‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شرعا ً وعرفا ً ‪ ،‬ولو قيل بجواز كشف ما فوق السرة لغير الزوج في حالة‬
‫ضرورة ‪ ،‬وما ظهر منها في حال الضرورة أو عدم التكليف فليس من هذا‬
‫الباب والله أعلم ‪.‬‬
‫ثامنا ً ‪ :‬ما ذكره المجيزون من ضعف دللة القتران في الية مرجوح ‪ ،‬فصحيح‬
‫أن دللة القتران قد تكون ضعيفة ول تدل على التساوي في الحكم إل بقرينة‬
‫وهذه القرينة موجودة لدى المانعين وهي أن جمهور السلف ـ وأخذ بها المام‬
‫أحمد رحمه الله كما في رواية عنه ـ قالوا ‪ :‬إن المقصود من قوله تعالى )أو‬
‫نسائهن( المسلمات أو ما ملكت أيمانهن ‪.‬‬
‫وأما غيرهن فل يحل للمرأة أن تبدي شيئا ً من زينتها التي أبيح لها واعتادت‬
‫إظهارها أمام النساء ‪ ،‬فالضافة هنا للختصاص ‪،‬وهذه القرينة وهي التفريق‬
‫بين المسلمة والكافرة تقوي قول من أخذ بدللة القتران في الية ‪ ،‬وعدم‬
‫خروج النساء منها واشتراكهن مع غيرهن ممن ذكر في الية في تحديد ما‬
‫يظهر لهم ‪.‬‬
‫القول الراجح‪:‬‬
‫وبعد استعراض أدلة الفريقين يتبين أن القول الراجح في هذه المسألة هو‬
‫قول المانعين من إظهار ما زاد على ما يظهر عادة وعرفا ً وعلى الختلف‬
‫بين الرجل والمرأة فيما هو من العورة يدل على ذلك عمل السلف الصالح‬
‫من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قد أبدى ساقيه أو فخذيه أمام بعض‬
‫أصحابه كما في حديث عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬وأبدى ساقيه كما في حديث‬
‫أبي موسى الشعري رضي الله عنه ‪ ،‬وثبت أن أصحابه رضي الله عنهم رأوا‬
‫بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم كما رأوا جنبه صلى الله عليه وسلم وقد‬
‫أثر فيه الحصير ‪،‬وكلها في الصحيح‪ ،‬ورأوا شعر بطنه وقد عله التراب كما‬
‫في قصة حفر الخندق ‪ ،‬كما ثبت حديث اغتسال سهل بن حنيف ورؤية عامر‬
‫بن ربيعة له وقد كشف عن جزء كبير من جسده كما في الموطأ‪.‬‬
‫أما المرأة مع محارمها والنساء فقد ثبت في الحاديث الصحيحة في رؤية‬
‫شئ من بدنها ـ الرأس والشعر والذان ونحوها ـ فتوافق تفسير ابن عباس‬
‫رضي الله عنه وقتادة رحمه الله للية مع عمل الرعيل الول رجال ً ونساًء‬
‫فقد ثبت في الصحيح قصة زواج عائشة رضي الله عنها وتمشيط النساء لها‬
‫وتزيينها للنبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وكذلك ثبت في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه في قصة زواجه من‬
‫الثيب وجوابه للنبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله وأنه أراد أن تقوم على‬
‫أخواته وتمشطهن فل بد حال التمشيط من رؤية الشعر والذان والرقبة ‪ ،‬ول‬
‫يجادل في هذا أحد ‪.‬‬
‫كما ثبت في صحيح البخاري أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما دخل على‬
‫أخته حفصة رضي الله عنها ونسواتها تنطف ‪ ،‬والنسوات ‪ :‬الضفائر ‪،‬‬
‫وتنطف ‪ :‬تقطر ماء ‪.‬‬
‫كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سلمة قال دخلت أنا وأخو عائشة‬
‫على عائشة رضي الله عنها فسألها أخوها عن غسل رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فدعت بإناء نحو من صاع فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا‬
‫وبينها حجاب ‪ .‬ففيه رؤية رأسها من قبل أخيها وابن أختها أبي سلمة لن أم‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خص الزوج من بين المذكورين‬ ‫كلثوم أختها أرضعته ‪ ،‬وغيرها من الحاديث و ُ‬


‫في الية ‪ ،‬فإنه ل يمنع من الطلع على كامل بدن امرأته كما ثبت في‬
‫الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬كنت أغتسل أنا ورسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد تختلف أيدينا فيه ‪،‬‬
‫فيبادرني حتى أقول دع لي ‪ ،‬دع لي ‪ ،‬قالت ‪ :‬وهما جنبان ‪ .‬وجاء عند ابن‬
‫حبان أن عطاء سأل عائشة رضي الله عنها عن الرجل ينظر إلى فرج‬
‫امرأته ‪ ،‬فذكرت هذا الحديث بمعناه ‪ .‬قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ‪:‬‬
‫) وهو نص في المسألة ( أ‪.‬هـ كلمه ‪.‬‬
‫كما ثبت عند المام أحمد وأبي داود والترمذي من حديث بهز بن حكيم‬
‫حدثني أبي عن جدي قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر‬
‫قال ‪ " :‬احفظ عورتك إل من زوجتك أو ما ملكت يمينك " فقال الرجل يكون‬
‫مع الرجل قال ‪ " :‬إن استطعت أل يراها أحد فافعل " قلت والرجل يكون‬
‫خاليا ً قال‪":‬فالله أحق أن يستحيا منه " ‪ ،‬ول يثبت حديث في منع الزوجين أو‬
‫أحدهما من رؤية عورة الخر ‪ ،‬ولم ينقل خبر بإسناد صحيح أو ضعيف فيما‬
‫أعلم ذكر فيه تكشف النساء وإظهارهن ـ عدا ما بين السرة والركبة ـ فيما‬
‫بينهن عندما يجتمعن فلو أعتقد السلف جواز ذلك والرخصة فيه لنقل ذلك‬
‫عنهم ولو عن بعضهم كما نقل غيره مما هو دونه ‪ ،‬فهذا يدل دللة واضحة‬
‫على ضعف قول من قال بجواز كشف ما عدا ما بين السرة إلى الركبة‬
‫للنساء فيما بينهن ‪ ،‬وأن هذا القول بني على أدلة صريحة لكنها ل تصح ‪ ،‬وأما‬
‫ما استدلوا به من الدلة الصحيحة فالمر بخلف ما ذهبوا إليه منها كما مر ‪.‬‬
‫وقبل أن نختم الكلم في هذه المسألة ‪ ،‬يحسن ذكر أن هناك قول ً ثالثا ً في‬
‫المسألة وهو أن عورة المرأة من المرأة كعورتها من الرجل الجنبي عنها ‪،‬‬
‫وهذا مذهب غريب مخالف للنصوص الثابتة التي ذكر بعضها ‪ ،‬ولم يعلم أحد‬
‫قال به سوى المام القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله في شرحه‬
‫الرسالة لبن أبي زيد القيرواني على ما نقله ابن القطان رحمه الله في كتابه‬
‫) أحكام النظر ( ‪ ،‬ول يعرف لهذا لقول دليل سوى ما رواه الحاكم رحمه الله‬
‫في مستدركه ) ‪ (5/253‬فقال ‪:‬‬
‫باب التشديد في كشف العورة ‪ ،‬ثم أخرج )‪ (7438‬بسنده من طريق إبراهيم‬
‫بن علي الرافعي حدثني علي بن عمر بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه‬
‫عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬عورة الرجل على‬
‫الرجل كعورة المرأة على الرجل ‪ ،‬وعورة المرأة على المرأة كعورة المرأة‬
‫على الرجل " ثم قال رحمه الله ‪ :‬هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه ‪.‬‬
‫فقال الذهبي متعقبا ً له ‪ :‬الرافعي ضعفوه أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫وفيه علة أخرى وهي جهالة علي بن عمر ‪ ،‬فل يعرف حاله ‪ ،‬وليس هو علي‬
‫بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الثقة فهذا آخر غيره ‪،‬‬
‫كما أن متنه غريب منكر ‪.‬‬
‫والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن‬
‫تبعه بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬
‫وث أيضا ً‬
‫عولمة الوباء والتل ّ‬
‫إبراهيم غرايبة ‪2/2/1426‬‬
‫‪12/03/2005‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تظهر دراسات وتقارير دولّية كثيرة جدا ً أن العولمة الرأسمالّية في حالتها‬


‫دد على نحو خطير الدول والمجتمعات والبيئة والكون‪،‬‬ ‫القائمة والسائدة ته ّ‬
‫ويصل حجم هذا التهديد إلى الكارثة والخطر‪ ،‬كما تكشف شبكات جماعات‬
‫المناهضة للعولمة الرأسمالّية عن معلومات مذهلة حول ما تلحقه النشطة‬
‫التابعة للعولمة الرأسمالّية من تدمير فظيع يلحق باقتصادات الدول‬
‫والمجتمعات‪ ،‬وثقافتها ونمط حياتها ومواردها‪ ،‬وأنظمتها الجتماعّية‬
‫والسياسية‪ ،‬والصحة والبيئة والهواء والنهار والرض والغابات والصحارى‬
‫والبحار والمحيطات والجزر وجوف الرض والموارد العالمّية‪.‬‬
‫فقد رافق العولمة القتصادّية والعلمّية موجات من الوبئة والمشكلت‬
‫البيئّية تسربت وانتشرت في العالم بنفس الليات والدوات التي فرضت‬
‫لتسهيل مرور السلع والموال‪ ،‬فقد كان للشركات الكبرى التي ُأطلق لها‬
‫العنان في أرجاء العالم دور كبير في تدمير البيئة في العالم ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫تدمير طبقة الوزون من خلل إنتاج مبيد "بروميد الميثيل" الذي يساهم في‬
‫تدمير طبقة الوزون‪ ،‬ول تزال هذه الشركات تقف حجرة عثرة أمام تطبيق‬
‫بنود بروتوكول مونتريال الخاصة بمنع إنتاج هذه المواد‪.‬‬
‫وتساهم منتجات أخرى أيضا للشركات الكبرى مثل المواد الكيماوية شديدة‬
‫مم الكائنات‬‫الخطورة‪ ،‬والتي ل تتحّلل طبيعيا ً في البيئة‪ ،‬و تؤدي إلى تس ّ‬
‫الحّية‪ ،‬والمخلفات المشعة‪ ،‬وتقوم كثير من النشطة التعدينّية والصناعّية‬
‫على إزالة الغابات‪.‬‬
‫وتأثرت الزراعة كغيرها من النشاطات الخرى‪ ،‬تأثرت بسياسات الرأسمالية‬
‫مطالبا ً بإنتاج مواد غذائية‬
‫التجارية والسوق المفتوح‪ ،‬فأصبح قطاع الزراعة ُ‬
‫بتكاليف منخفضة‪ ،‬وأهم مظاهر هذه العولمة في الزراعة ظهور الهندسة‬
‫الوراثّية‪.‬‬
‫وقد يبدو للوهلة الولى أن الهندسة الوراثّية ستساعد في تقليل تكلفة الغذاء‬
‫حر في الزراعة‪ ،‬ولكنها أخضعت‬ ‫ح المياه والتص ّ‬
‫وإتاحته للفقراء‪ ،‬ومقاومة ش ّ‬
‫الدول الفقيرة والنامية لتبعّية في إنتاج البذور‪ ،‬وقضت في الوقت نفسه على‬
‫ب"‬‫مى هذه الحالة ِ‬ ‫البذور التقليدّية التي كانت مستخدمة‪ ،‬حتى إن البعض س ّ‬
‫ي"‪.‬‬‫الستعمار الجين ّ‬
‫وعندما طرحت الشركات الوروبية والمريكية طعامها المعدل المعالج وراثيا ً‬
‫قوبلت الفكرة باستياء كبير وهجوم وصل في بريطانيا لحد الهجوم على‬
‫مزارع الطعام المعالج وإزالة النباتات من الرض‪ ،‬ونفس المصير لقته‬
‫الشركات المريكية التي دفعت مليين الدولرات لتطوير تلك البحاث‪،‬‬
‫ورفض المستهلكون تناول ذلك الطعام‪ ،‬وأعلن الطباء عن احتمالت إصابة‬
‫النسان بالخلل الجيني‪ ،‬وألزمت إدارة الطعام و الدواء المريكية الشركات‬
‫والمزارعين بعدة إجراءات توضيحّية قبل بيع ذلك الطعام‪.‬‬
‫وعندما أرادت تلك الشركات تصديره رفضته أوروبا طبعًا‪ ،‬وكذلك آسيا‪،‬‬
‫فكانت السوق المناسبة والملئمة لهذا النوع من الطعام هو أفريقيا الجائعة‪،‬‬
‫دم لهم الطعام كمعونات‬ ‫ولكن أفريقيا ل تملك ثمنا ً لي طعام‪ ،‬فلماذا ل ُيق ّ‬
‫إنسانية؟ وبذلك تضرب الشركات عصفورين بحجر واحد‪ ،‬فتطعم الجوعى‬
‫وتختبر طعامها اختبارا ً مباشرًا‪ ،‬و عن طريق غطاء شرعي هو المم المتحدة‬
‫التي تبحث عن أي جهة تقدم عونا ً لمئات اللف من الفارقة الذي يعانون‬
‫من المجاعة و أمراض سوء التغذية‪.‬‬
‫قدمت الوليات المتحدة المريكية للمم المتحدة كميات من الذرة ومنتجاتها‬
‫في شكل معونات بقيمة )‪ (111‬مليون دولر أمريكي‪ ،‬وكان ‪ %30‬منها عبارة‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن ذرة مهجنة وراثيًا‪ ،‬ووّزعتها الهيئة الدولية بالفعل على الجوعى في‬
‫السودان والكونغو وإثيوبيا والصومال وعدة دول أفريقية أخرى‪ ،‬ولم يكن لدى‬
‫برنامج الغذاء التابع للمم المتحدة التابع للمم المتحدة علم بها‪ ،‬بل لم‬
‫يناقش أحد المر‪.‬‬
‫وبنظرة على الوضع الصحي في العالم في زمن العولمة نكتشف الكثير من‬
‫الحقائق المؤلمة‪:‬‬
‫حوالي )‪ (11‬مليون طفل دون السن الخامسة يلقون حتفهم في البلدان‬
‫النامية‪.‬‬
‫أكثر من ‪ % 40‬من العبء العالمي الناتج عن المراض الذي يعود إلى‬
‫مخاطر البيئة يقع عل كاهل الطفال دون الخامسة‪.‬‬
‫ً‬
‫وفى ما يتراوح بين )‪ (6-5‬مليين شخص في البلدان النامية سنويا بسبب‬ ‫ُيت ّ‬
‫ّ‬
‫المراض المنقولة عن طريق المياه و تلوث الهواء‪.‬‬
‫تساهم الحوال البيئّية المتدنّية بنسبة ‪ % 25‬من كافة المراض التي يمكن‬
‫الوقاية منها في العالم اليوم‪.‬‬
‫ُأصيب أكثر من )‪ (60‬مليون شخص بفيروس نقص المناعة البشرية اليدز‪.‬‬
‫ل سنويا ً و يدفع )‪ (1.7‬مليون شخص حياتهم‬ ‫ُيصاب )‪ (8.8‬مليون شخص بالس ّ‬
‫ثمنا ً له‪.‬‬
‫خسائر الملريا في أفريقيا تتجاوز )‪ (13‬مليار دولر أمريكي‪.‬‬
‫س مباشر مع البشر‪.‬‬ ‫وانتشرت أيضا المراض التي تصيب الحيوانات ولها تما ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وتتسبب سبع دول صناعية في إطلق أكثر من ‪ %70‬من غاز ثاني أكسيد‬
‫الكربون في العالم‪ ،‬والوليات المتحدة التي تشكل أقل من ‪ %4‬من سكان‬
‫العالم تطلق أكثر من ‪ %25‬من الغازات المسببة لظاهرة الحتباس الحراري‪،‬‬
‫وهذا يحتاج إلى جهد عالمي لخفض إطلق الغازات المسببة للحتباس‬
‫الحراري‪ ،‬وكان بروتوكول )كيوتو( الذي رفضت الوليات المتحدة أن توقع‬
‫عليه التزاما ً دوليا ً عالميا ً لمعالجة سخونة الرض‪.‬‬
‫واستخدمت التقنية والرادة السياسية لتحويل طبيعة الراضي والشعوب في‬
‫طن‬‫النتاج‪ ،‬كما حدث في الصين على سبيل المثال ودول أخرى كثيرة‪ ،‬فتو ّ‬
‫جماعات الّرحل قسرًا‪ ،‬أو تزرع الصحراء بمحاصيل ل تناسبها‪ ،‬أو ُيعاد التنظيم‬
‫الجتماعي والسياسي لشعوب ومجتمعات درجت على إدارة نفسها بطريقة‬
‫مختلفة‪ ،‬وفقد الناس تقريبا ً المعرفة بنظم الزراعة والنتاج التقليدية‪،‬‬
‫واستخدمت التقنية الحديثة بطريقة غير مناسبة مثل السراف في استخدام‬
‫السمدة والمواد الكيماوية مما أّدى إلى مخاطر صحّية وبيئّية مكلفة‪ ،‬واعتبر‬
‫شّردوا أو فقدوا مواطنهم ومصادر رزقهم‪ ،‬بسبب السدود‬ ‫المليين الذين ُ‬
‫والمشروعات المختلفة مجرد أفراد تضاربت اهتماماتهم مع الحتياجات التي‬
‫حددتها الدولة للمجتمع القومي‪.‬‬
‫وع ثقافي وبيولوجي في العالم‬ ‫وفي جزيرة غينيا الجديدة‪ ،‬حيث يوجد أكبر تن ّ‬
‫أّدت مشروعات استخراج النفط والمعادن إلى حرمان الناس من أراضيهم‬
‫ول معظم السكان إلى‬ ‫ح ّ‬‫دون تعويض‪ ،‬وجرت صراعات مسلحة مدمرة‪ ،‬و ُ‬
‫ً‬
‫حالة بؤس اجتماعي واقتصادي‪ ،‬ولم يستفيدوا شيئا من مشروعات الذهب‬
‫وثت النهار بالسموم والكيماويات‪ ،‬وكذلك السهول‬ ‫والنحاس والنفط‪ ،‬وتل ّ‬
‫ضي على السماك والحياة البرّية من حيوانات ونباتات‬ ‫الزراعية والغابات‪ ،‬وقُ ِ‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مختلفة‪.‬‬
‫قدة في حياتهم؛ فقد‬ ‫وقد ُدفعت تعويضات نقدية للسكان أّدت إلى نتائج مع ّ‬
‫ولت إلى نمط استهلكي‪ ،‬وازدادت المهور والهجرة إلى المدن واستهلك‬ ‫تح ّ‬
‫الكحول‪ ..‬وتجاهلت الشركة التي تدير المناجم النتائج البيئية المدمرة‬
‫لمشروعاتها‪ ،‬واعتبرت أن التعويض النقدي يكفي لخراجها من المسؤولية‪.‬‬
‫وأظهرت تقارير منظمة الغذية والزراعة الدولّية أن العولمة والتحّرر‬
‫وث‪ ،‬وبخاصة من النشطة القائمة على قطع‬ ‫حر والتل ّ‬
‫القتصادي تزيد من التص ّ‬
‫الشجار‪ ،‬كما يحدث على نطاق واسع في المناطق الستوائية‪ ،‬والعتداء على‬
‫الراضي الزراعّية‪ ،‬ويمكن باّتباع سياسات عادلة أن تضبط عمليات تصنيع‬
‫وتجارة الخشاب دون الضرار بالقتصادات القائمة عليها‪.‬‬
‫وهذا غيض من فيض‪ ،‬فمتابعة الكتب والتقارير والدراسات حول أخطار‬
‫العولمة الرأسمالية والقتصادية تكاد تفوق قدرة الباحث المتخصص والمتفرغ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عيد الم‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‬
‫يلحظ المسلم كثرة العياد في هذه الزمنة‪ ،‬مثل "عيد مولد النبي‪ ،‬و"عيد‬
‫الشجرة "‪ ،‬و" عيد العمال"‪ ،‬و" عيد الحب"‪ ،‬وعيد "الجلوس " و " عيد الميلد‬
‫" …الخ وهكذا ‪ ،‬وكل هذا من اتباع اليهود والنصارى والمشركين‪ ،‬ول أصل‬
‫لهذا في الدين‪ ،‬وليس في السلم إل عيد الضحى وعيد الفطر‪.‬‬
‫عن أبي سعيد‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ " :‬لتتبعن‬
‫ب‬‫سنن من قبلكم شبرا ً بشبرٍ وذراعا ً بذراٍع‪ ،‬حتى لو سلكوا جحر ض ّ‬ ‫َ‬
‫لسلكتموه‪ ،‬قلنا‪ :‬يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال‪ :‬فمن !؟ "‪ ،‬رواه‬
‫البخاري ) ‪ ( 3269‬ومسلم ) ‪.( 2669‬‬
‫وعن أبي هريرة‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ " :‬ل‬
‫تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا ً بشبرٍ وذراعا ً بذراٍع‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال‪ :‬ومن الناس إل أولئك؟ "‪.‬رواه‬
‫البخاري ) ‪.( 6888‬‬
‫أخذ القرون‪ :‬المشي على سيرتهم‪.‬‬
‫وقد تابع جهلة هذه المة ومبتدعوها وزنادقتها المم السابقة من اليهود‬
‫والنصارى والفرس في عقائدهم ومناهجهم وأخلقهم وهيئاتهم‪ .‬ومن ذلك‬
‫اتباعهم في ابتداع " عيد الم " أو " عيد السرة "‪ ،‬وهو اليوم الذي ابتدعه‬
‫طل فيه الدوائر‪،‬‬ ‫ظما تع ّ‬‫النصارى تكريما ً – في زعمهم – للم‪ ،‬فصار يوما ً مع ّ‬
‫ويصل فيه الناس أمهاتهم ويبعثون لهن الهدايا والرسائل الرقيقة‪ ،‬فإذا انتهى‬
‫اليوم عادت المور لما كانت عليه من القطيعة والعقوق‪.‬‬
‫والعجيب من المسلمين أن يحتاجوا لمثل هذه المشابهة وقد أوجب الله‬
‫تعالى عليهم بر الم وحّرم عليهم عقوقها وجعل الجزاء على ذلك أرفع‬
‫الدرجات‪.‬‬
‫فما هو العيد؟‬
‫سمي العيد بهذا السم؛ لن لله تعالى فيه‬ ‫قال ابن عابدين – رحمه الله ‪ُ " :-‬‬
‫عوائد الحسان‪ ،‬أي‪ :‬أنواع الحسان العائدة على عباده في كل يوم‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الفطر بعد المنع عن الطعام‪ ،‬وصدقة الفطر‪ ،‬وإتمام الحج بطواف الزيارة‪،‬‬
‫ولحوم الضاحي‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬ولن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحبور "‪ " .‬حاشية ابن عابدين " ) ‪.( 165 / 2‬‬
‫عن أنس بن مالك قال كان لهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما‬
‫فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال‪ :‬كان لكم يومان تلعبون‬
‫فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيرا ً منهما‪ :‬يوم الفطر‪ ،‬ويوم الضحى‪.‬‬
‫رواه أبو داود ) ‪ ( 1134‬والنسائي ) ‪ ،( 1556‬وصححه الشيخ اللباني‪.‬‬
‫بر الم‬
‫ذي‬ ‫ً‬
‫سانا وَب ِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫كوا ب ِهِ َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ه َول ت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫شْيئا وَِبال َ‬ ‫دوا الل َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ } :‬واعْب ُ ُ‬
‫ب‬‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫جن ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫جارِ ال ُ‬ ‫ْ‬
‫قْرَبى َوال َ‬ ‫ْ‬
‫جارِ ِذي ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال َ‬ ‫كي‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫قْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫خورا ً‬‫خَتال ً فَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ب َواب ْ ِ‬ ‫جن ْ ِ‬
‫{ ] النساء ‪.[ 36 /‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ما ي َب ْلغَ ّ‬ ‫سانا إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫دوا ِإل إ ِّياه ُ وَِبال َ‬ ‫ضى َرب ّك أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫وقال تعالى‪ } :‬وَقَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما قَوْل ً‬ ‫ل لهُ َ‬ ‫ما وَقُ ْ‬ ‫ف َول ت َن ْهَْرهُ َ‬ ‫ما أ ّ‬ ‫ل لهُ َ‬ ‫ق ْ‬‫ما َفل ت َ ُ‬ ‫كلهُ َ‬ ‫ما أوْ ِ‬ ‫ك ال ْك ِب ََر أ َ‬
‫حد ُهُ َ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫ِ‬
‫ريما { ] السراء ‪.[ 23 /‬‬ ‫ً‬ ‫ك ِ‬‫َ‬
‫وعن أبي هريرة‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬جاء رجل إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال‪ :‬أمك‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثم من؟ قال‪ :‬ثم أمك‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟ قال‪ :‬ثم أمك‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟ قال‪:‬‬
‫ثم أبوك‪ .‬رواه البخاري )‪ (5626‬ومسلم )‪.(2548‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪:‬‬
‫قال ابن بطال‪ :‬مقتضاه أن يكون للم ثلثة أمثال ما للب من البر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع؛ فهذه تنفرد بها الم وتشقى‬
‫بها ثم تشارك الب في التربية‪ ،‬وقد وقعت الشارة إلى ذلك في قوله تعالى‬
‫ن وفصاله في عامين {‪،‬‬ ‫ً‬
‫} ووصينا النسان بوالديه حملته أمه وهنا على وه ٍ‬
‫وى بينهما في الوصاية‪ ،‬وخص الم بالمور الثلثة‪ ،‬قال القرطبي‪ :‬المراد‬ ‫فس ّ‬
‫دم في ذلك على حق‬ ‫أن الم تستحق على الولد الحظ الوفر من البر‪ ،‬وتق ّ‬
‫الب عند المزاحمة‪ ،‬وقال عياض‪ :‬وذهب الجمهور إلى أن الم تفضل في البر‬
‫على الب‪ ،‬وقيل‪ :‬يكون برهما سواء‪ ،‬ونقله بعضهم عن مالك والصواب‬
‫الول‪ ".‬فتح الباري " ) ‪.(402 / 10‬‬
‫غب في وصلها‪ ،‬حتى إن كانت مشركة‪ :‬فعن‬ ‫بل إن الشرع المطهر الحكيم ر ّ‬
‫مي وهي مشركة‬ ‫يأ ّ‬ ‫ت عل ّ‬ ‫أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت‪ :‬قدم ْ‬
‫ت رسول الله صلى الله‬ ‫ُ‬ ‫فاستفتي‬ ‫في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫صِلي‬ ‫مي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال‪ :‬نعم ِ‬ ‫يأ ّ‬ ‫ت عل ّ‬ ‫عليه وسلم قلت‪ :‬قدم ْ‬
‫مك‪ .‬رواه البخاري ) ‪.( 2477‬‬ ‫أ ّ‬
‫وإن المتتبع لحوال السرة عموما وللم خاصة في المجتمعات غير السلمية‬
‫ليسمع ويقرأ عجبًا‪ ،‬فل تكاد تجد أسرة متكاملة يصل أفرادها بعضهم بعضا ً‬
‫فضل عن لقاءات تحدث بينهم وفضل عن اجتماع دائم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومن النادر أن تجد أسرة كاملة تتسوق أو تمشي في الطرقات‪ .‬وعندما يصير‬
‫الب أو الم في حالة الك َِبر يسارع البار ! بهما إلى وضعهما في دور العجزة‬
‫والمسّنين‪ ،‬وقد ذهب بعض المسلمين إلى بعض تلك الدور وسأل عشرة من‬
‫المسّنين عن أمنيته‪ ،‬فكلهم قالوا‪ :‬الموت !! بسبب ما يعيشه الواحد منهم‬
‫من قهر وحزن وأسى على الحال التي وصل إليها وتخلى عنهم فلذات‬
‫أكبادهم في وقت أحوج ما يكون إليهم‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نبذة تاريخية‬
‫بدأ عيد الم عند الغريق في احتفالت عيد الربيع‪ ،‬وكانت هذه الحتفالت‬
‫مهداة إلى اللهة الم ديميتر‪ ،‬حسب أساطيرهم‪ ،‬فرحا بعودة ابنتها‬
‫برسيفوني‪ ،‬من عالم الخرة‪ ،‬بعد أن كان اختطفها هاديس‪ ،‬إله العالم‬
‫السفلي لنفسه‪ .‬وفي روما القديمة كان هناك احتفال مشابه لهذه الحتفالت‬
‫كان لعبادة أو تبجيل "سيبل" –أم أخرى لللهة‪ .‬وقد بدأت الخيرة حوالي‬
‫‪ 250‬سنة قبل ميلد السيد المسيح عليه السلم؛ وهذه الحتفالت الدينية عند‬
‫الرومان كانت تسمى "هيلريا" وتستمر لثلثة أيام من ‪ 15‬إلى ‪ 18‬مارس‪.‬‬
‫الحتفال بعيد الم‬
‫يختلف تاريخ الحتفال بعيد الم‪ ،‬وأسلوب الحتفال به‪ ،‬من دولة لخرى‪،‬‬
‫فالنرويج تقيمه في الحد الثاني من فبراير‪ ،‬أما في الرجنتين فهو يوم الحد‬
‫الثاني من أكتوبر‪ ،‬وفي لبنان يكون اليوم الول من فصل الربيع‪ ،‬وجنوب‬
‫أفريقيا تحتفل به يوم الحد الول من مايو‪.‬‬
‫أما في فرنسا والسويد فيكون الحتفال في يوم الحد الخير من مايو حيث‬
‫يجتمع أفراد السرة للعشاء معا ً ثم تقدم كيكة للم‪ .‬وقبلها بأيام يقوم‬
‫الصليب الحمر السويدي ببيع وردات صغيرة من البلستيك تقدم حصيلتها‬
‫للمهات اللتي يكن في عطلة لرعاية أطفالهن‪ .‬وفي اليابان يكون الحتفال‬
‫في يوم الحد الثاني من مايو مثل أمريكا الشمالية وفيه يتم عرض صور‬
‫رسمها أطفال بين السادسة والرابعة عشرة من عمرهم وتدخل ضمن‬
‫معرض متجول يحمل اسم "أمي" ويتم نقله كل ‪ 4‬سنوات يتجول المعرض‬
‫في عديد من الدول‪.‬‬
‫الحد في إنجلترا‬
‫وهو يوم شبيه باحتفالت عيد الم الحالية‪ ،‬ولكنه كان يسمى أحد المهات أو‬
‫أحد نصف الصوم‪ ،‬لنه كان ُيقام في فترة الصوم الكبير عندهم‪ ،‬والبعض‬
‫دلت‬‫يقول إن الحتفالت التي كانت تقام لعبادة وتكريم "سيبل" الرومانية ب ُ ّ‬
‫من قبل الكنيسة باحتفالت لتوقير وتبجيل مريم عليها السلم‪ ،‬وهذه العادة‬
‫ملين‬ ‫ث الفراد على زيارة الكنيسة التابعين لها والكنيسة الم مح ّ‬ ‫ح ّ‬
‫بدأت ب َ‬
‫بالقرابين‪ ،‬وفي عام ‪ 1600‬بدأ الشباب والشابات ذوو الحرف البسيطة‬
‫ملين بالهدايا‬
‫مح ّ‬
‫والخادمون في زيارة أمهاتهم في "أحد المهات" ُ‬
‫والمأكولت‪ ،‬هذا عن انجلترا‪ .‬أما في الوليات المتحدة المريكية فقد كانت آنا‬
‫جارفس )‪ (1948-1864‬هي صاحبة فكرة جعل يوم عيد الم إجازة رسمية‪،‬‬
‫فهي لم تتزوج قط وكانت شديدة الرتباط بوالدتها‪ ،‬وقد نذرت نفسها للدير‪،‬‬
‫وتدرس في مدرسة الحد التابعة للكنيسة النظامية "أندرو" في جرافتون‬
‫غرب فرجينيا‪ ،‬وبعد موت والدتها بسنتين بدأت حملة واسعة النطاق شملت‬
‫رجال العمال والوزراء ورجال الكونجرس؛ لعلن يوم عيد الم عطلة‬
‫رسمية في البلد‪ ،‬بحجة أن الطفال ل يقدرون ما تفعله المهات خلل‬
‫حياتهم‪ ،‬فعسى أن يزيد هذا اليوم من إحساس الطفال والبناء بالمهات‬
‫والباء‪ ،‬وتقوى الروابط العائلية المفقودة‪ .‬حرصت الكنيسة على تكريم آنا‬
‫جارفس في جرافتون غرب فرجينيا وفلدلفيا وبنسلفانيا في العاشر من مايو‬
‫‪ ،1908‬وكانت هذه بداية الحتفال بعيد الم في الوليات المتحدة‪.‬‬
‫صا البيض؛ بحجة أنه يعبر عن‬ ‫وكان القرنفل من ورود والدتها المفضلة وخصو ً‬
‫الطيبة والنقاء والتحمل الذي يتميز به حب الم‪ ،‬ومع مرور الوقت أصبح‬
‫القرنفل الحمر إشارة إلى أن الم على قيد الحياة‪ ،‬والبيض أن الم رحلت‬
‫عن الحياة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكان أول إعلن رسمي عن عيد الم في الوليات المتحدة غرب فرجينيا‬
‫ولية أوكلهوما سنة ‪ ،1910‬ومع عام ‪ 1911‬كانت كل الوليات المتحدة قد‬
‫احتفلت بهذا اليوم‪ ،‬وفي هذا الوقت دخلت الحتفالت كل ً من المكسيك‪،‬‬
‫وكندا‪ ،‬والصين‪ ،‬واليابان‪ ،‬وأمريكا اللتينية وأفريقيا‪ ،‬ثم وافق الكونجرس‬
‫المريكي رسمّيا على العلن عن الحتفال بيوم الم‪ ،‬في العاشر من مايو‬
‫سنة ‪ ،1913‬وقد اختير يوم الحد الول من شهر مايو للحتفال بعيد الم‪.‬‬
‫في العالم العربي‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بدأت فكرة الحتفال بعيد الم في مصر على يد الخوين "مصطفى وعلي‬
‫أمين" مؤسسي دار أخبار اليوم الصحفية‪ ،‬فقد وردت إلى علي أمين رسالة‬
‫من أم تشكو له جفاء أولدها وسوء معاملتهم لها‪ ،‬وتتألم من نكرانهم‬
‫للجميل‪ .‬وتصادف أن زارت إحدى المهات مصطفى أمين في مكتبه‪ ،‬وحكت‬
‫ملت وأولدها صغار‪ ،‬فلم تتزوج‪ ،‬وأوقفت‬ ‫له قصتها التي تتلخص في أنها تر ّ‬
‫حياتها على أولدها‪ ،‬تقوم بدور الب والم‪ ،‬وظلت ترعى أولدها بكل طاقتها‪،‬‬
‫حتى تخرجوا في الجامعة‪ ،‬وتزوجوا‪ ،‬واستقل كل منهم بحياته‪ ،‬ولم يعودوا‬
‫يزورونها إل على فترات متباعدة للغاية‪ ،‬فكتب مصطفى أمين وعلي أمين‬
‫في عمودهما الشهير "فكرة" يقترحان تخصيص يوم للم يكون بمثابة تذكرة‬
‫بفضلها‪ ،‬وأشارا إلى أن أهل الغرب يفعلون ذلك‪ ،‬وإلى أن السلم يحض على‬
‫الهتمام بالم‪ ،‬فانهالت الخطابات عليهما تشجع الفكرة‪ ،‬واقترح البعض أن‬
‫يخصص أسبوعا للم وليس مجرد يوم واحد‪ ،‬ورفض آخرون الفكرة بحجة أن‬
‫دا فقط‪ ،‬لكن أغلب القراء وافقوا على‬ ‫ما واح ً‬‫كل أيام السنة للم وليس يو ً‬
‫فكرة تخصيص يوم واحد‪ ،‬وشارك القراء في اختيار يوم ‪ 21‬مارس ليكون‬
‫دا للم‪ ،‬وهو أول أيام فصل الربيع؛ ليكون رمًزا للتفتح والصفاء والمشاعر‬ ‫عي ً‬
‫الجميلة‪ .‬واحتفلت مصر بأول عيد أم في ‪ 21‬مارس سنة ‪ .1956‬ومن مصر‬
‫خرجت الفكرة إلى البلد العربية الخرى‪ .‬واقترح البعض في وقت من‬
‫ضا‪ ،‬لكن هذه‬‫ما للب أي ً‬ ‫الوقات تسمية عيد الم بعيد السرة؛ ليكون تكري ً‬
‫صا من حق الم‪ ،‬أو أن‬ ‫الفكرة لم تلق قبول ً كبيًرا‪ ،‬واعتبر الناس ذلك انتقا ً‬
‫ما ُيخصص لها‪ .‬وحتى‬ ‫أصحاب فكرة عيد السرة "يستكثرون" على الم يو ً‬
‫الن تحتفل البلد العربية بهذا اليوم من خلل أجهزة العلم المختلفة‪ .‬ويتم‬
‫تكريم المهات المثاليات اللواتي عشن قصص كفاح عظيمة من أجل أبنائهن‬
‫في كل صعيد‪ .‬انتهى‬
‫ول عجب بعدها من معرفة أن أكثر من يحتفل بهذه العياد اليهود والنصارى‬
‫والمتشبهون بهم‪ ،‬وُيظهرون ذلك على أنه اهتمام بالمرأة والم‪ ،‬وتحتفل بعض‬
‫الندية الماسونية في العالم العربي بعيد الم كنوادي الروتاري والليونز‪.‬‬
‫وبالمناسبة فإن يوم عيد الم وهو ‪ 21‬مارس هو رأس السنة عند القباط‬
‫النصارى‪ ،‬وهو يوم عيد النيروز عند الفرس المجوس‪.‬‬
‫الحكم الشرعي في عيد الم‪:‬‬
‫السلم غني عما ابتدعه الخرون سواًء عيد الم أو غيره‪ ،‬وفي تشريعاته من‬
‫البر بالمهات ما يغني عن عيد الم المبتدع‪.‬‬
‫‪ .1‬قال علماء اللجنة الدائمة‪:‬‬
‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على رسوله وآله وصحبه‪ ..‬وبعد‪:‬‬
‫أول‪ :‬العيد اسم لما يعود من الجتماع على وجه معتاد إما بعود السنة أو‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشهر أو السبوع أو نحو ذلك فالعيد يجمع أمورا منها‪ :‬يوم عائد كيوم عيد‬
‫الفطر ويوم الجمعة‪ ،‬ومنها‪ :‬الجتماع في ذلك اليوم‪ ،‬ومنها‪ :‬العمال التي‬
‫يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات‪.‬ثانيا‪ :‬ما كان من ذلك مقصودا به‬
‫التنسك والتقرب أو التعظيم كسبا للجر‪ ،‬أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو‬
‫نحوهم من طوائف الكفار فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"‬
‫رواه البخاري ومسلم‪ ،‬مثال ذلك الحتفال بعيد المولد وعيد الم والعيد‬
‫الوطني‪ ،‬لما في الول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله‪ ،‬وكما في ذلك‬
‫التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة‪ ،‬ولما في الثاني والثالث من التشبه‬
‫بالكفار‪ ،‬وما كان المقصود منه تنظيم العمال مثل لمصلحة المة وضبط‬
‫أمورها كأسبوع المرور وتنظيم مواعيد الدراسة والجتماع بالموظفين للعمل‬
‫ونحو ذلك مما ل يفضي إلى التقرب به والعبادة والتعظيم بالصالة‪ ،‬فهو من‬
‫البدع العادية التي ل يشملها قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من أحدث في‬
‫امرنا هذا ما ليس منه فهو رد"‪ ،‬فل حرج فيه بل يكون مشروعًا‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء " فتاوى اللجنة الدائمة " ) ‪،59 / 3‬‬
‫‪.( 61‬‬
‫‪ .2‬وقالوا – أيضا ً ‪:-‬‬
‫ل يجوز الحتفال بما يسمى " عيد الم " ول نحوه من العياد المبتدعة لقول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد "‪،‬‬
‫وليس الحتفال بعيد الم من عمله صلى الله عليه وسلم ول من عمل‬
‫أصحابه رضي الله عنهم ول من عمل سلف المة‪ ،‬وإنما هو بدعة وتشبه‬
‫بالكفار‪.‬‬
‫" فتاوى اللجنة الدائمة " ) ‪.( 86 / 3‬‬
‫‪ .3‬وقال الشيخ عبد العزيز بن باز‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ت على ما نشرته صحيفة )الندوة( في عددها الصادر بتاريخ ‪/ 11 / 30‬‬ ‫اطلع ُ‬


‫‪ 1384‬هـ تحت عنوان )تكريم الم‪ ..‬وتكريم السرة( فألفيت الكاتب قد حبذ‬
‫من بعض الوجوه ما ابتدعه الغرب من تخصيص يوم في السنة يحتفل فيه‬
‫بالم وأ َوَْرد َ عليه شيئا غفل عنه المفكرون في إحداث هذا اليوم وهي ما ينال‬
‫الطفال الذين ابتلوا بفقد الم من الكآبة والحزن حينما يرون زملئهم‬
‫يحتفلون بتكريم أمهاتهم واقترح أن يكون الحتفال للسرة كلها واعتذر عن‬
‫عدم مجيء السلم بهذا العيد؛ لن الشريعة السلمية قد أوجبت تكريم الم‪.‬‬
‫ولقد أحسن الكاتب فيما اعتذر به عن السلم وفيما أورده من سيئة هذا‬
‫العيد التي قد غفل عنها من أحدثه ولكنه لم يشر إلى ما في البدع من‬
‫مخالفة صريح النصوص الواردة عن رسول السلم عليه أفضل الصلة‬
‫والسلم ول إلى ما في ذلك من الضرار ومشابهة المشركين والكفار فأردت‬
‫بهذه الكلمة الوجيزة أن أنبه الكاتب وغيره على ما في هذه البدعة وغيرها‬
‫مما أحدثه أعداء السلم والجاهلون به من البدع في الدين حتى شوهوا‬
‫سمعته ونفروا الناس منه وحصل بسبب ذلك من اللبس والفرقة ما ل يعلم‬
‫مدى ضرره وفساده إل الله سبحانه‪.‬‬
‫وقد ثبت في الحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التحذير من المحدثات في الدين وعن مشابهة أعداء الله من اليهود‬


‫والنصارى وغيرهم من المشركين مثل قوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬من‬
‫أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه وفي لفظ لمسلم "‬
‫من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد "‪ ،‬والمعنى‪:‬‬
‫فهو مردود على ما أحدثه وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم‬
‫الجمعة‪ " :‬أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة " خرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬ول ريب أن تخصيص يوم من السنة للحتفال بتكريم الم أو السرة‬
‫من محدثات المور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ول‬
‫صحابته المرضيون‪ ،‬فوجب تركه وتحذير الناس منه‪ ،‬والكتفاء بما شرعه الله‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫وقد سبق أن الكاتب أشار إلى أن الشريعة السلمية قد جاءت بتكريم الم‬
‫والتحريض على برها كل وقت وقد صدق في ذلك فالواجب على المسلمين‬
‫أن يكتفوا بما شرعه الله لهم من بر الوالدة وتعظيمها والحسان إليها‬
‫والسمع لها في المعروف كل وقت وأن يحذروا من محدثات المور التي‬
‫حذرهم الله منها والتي تفضي بهم إلى مشابهة أعداء الله والسير في ركابهم‬
‫واستحسان ما استحسنوه من البدع‪ ,‬وليس ذلك خاصا بالم بل قد شرع الله‬
‫للمسلمين بر الوالدين جميعا وتكريمهما والحسان إليهما وصلة جميع القرابة‬
‫وحذرهم سبحانه من العقوق والقطيعة وخص الم بمزيد العناية والبر؛ لن‬
‫عنايتها بالولد أكبر ما ينالها من المشقة في حمله وإرضاعه وتربيته أكثر قال‬
‫سانا ً { السراء‪/‬‬ ‫الله سبحانه‪ } :‬وقَضى رب َ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وال ِ ُد َي ْ ِ‬ ‫دوا ِإل إ ِّياه ُ وَِبال ْ َ‬ ‫ك أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫هنا عَلى وَهْ ٍ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫م ُ‬‫هأ ّ‬ ‫ملت ْ ُ‬ ‫ح َ‬‫وال ِد َي ْهِ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫سا َ‬ ‫صي َْنا الن ْ َ‬ ‫‪ ،23‬وقال تعالى‪ } :‬وَوَ ّ‬
‫عامي َ‬
‫صيُر { لقمان‪ ،14/‬وقال‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫َ‬
‫ك إ ِل ّ‬ ‫وال ِد َي ْ َ‬‫شكْر ِلي وَل ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ه ِفي َ َ ْ‬ ‫صال ُ ُ‬
‫وَفِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫م‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مك ْ‬ ‫حا َ‬ ‫ّ‬
‫قطُعوا أْر َ‬ ‫ض وَت ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫تعالى‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬
‫َ‬
‫ف ِ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫مأ ْ‬
‫َ‬
‫ن ت َوَلي ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫م إِ ْ‬ ‫سي ْت ُ ْ‬ ‫ل عَ َ‬
‫م { محمد‪.23 ،22/‬‬ ‫صاَرهُ ْ‬ ‫مى أب ْ َ‬ ‫م وَأعْ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ص ّ‬‫ه فَأ َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ن ل َعَن َهُ ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬أل أنبئكم بأكبر الكبائر؟‬
‫قالوا‪ :‬بلى يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬الشراك بالله‪ ،‬وعقوق الوالدين وكان متكئا‬
‫فجلس فقال‪ :‬أل وقول الزور أل وشهادة الزور‪ ،‬وسأله صلى الله عليه وسلم‬
‫رجل فقال‪ :‬يا رسول الله أي الناس أحق بحسن صحابتي؟ قال‪ :‬أمك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثم من؟ قال‪ :‬ثم أمك‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟ قال‪ :‬ثم أمك‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟ قال‪ :‬أبوك‬
‫ثم القرب فالقرب‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم " ل يدخل الجنة قاطع "‪ ،‬يعني‪ :‬قاطع رحم‪ ،‬وصح‬
‫عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬من أحب أن يبسط له في رزقه وُينسأ له‬
‫جله فليصل رحمه "‪ ،‬واليات والحاديث في بر الوالدين وصلة الرحم‬ ‫في أ َ‬
‫وبيان تأكيد حق الم كثيرة مشهورة وفيما ذكرنا منها كفاية ودللة على ما‬
‫ن تأملها دللة ظاهرة على وجوب إكرام الوالدين جميعا‬ ‫م ْ‬ ‫سواه وهي تدل َ‬
‫واحترامهما والحسان إليهما وإلى سائر القارب في جميع الوقات وترشد‬
‫إلى أن عقوق الوالدين وقطيعة الرحم من أقبح الصفات والكبائر التي توجب‬
‫النار وغضب الجبار نسأل الله العافية من ذلك‪.‬‬
‫وهذا أبلغ وأعظم مما أحدثه الغرب من تخصيص الم بالتكريم في يوم من‬
‫السنة فقط ثم إهمالها في بقية العام مع العراض عن حق الب وسائر‬
‫القارب ول يخفى على اللبيب ما يترتب على هذا الجراء من الفساد الكبير‬
‫مع كونه مخالفا لشرع أحكم الحاكمين وموجبا ً للوقوع فيما حذر منه رسوله‬
‫المين‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ويلتحق بهذا التخصيص والبتداع ما يفعله كثير من الناس من الحتفال‬


‫بالموالد وذكرى استقلل البلد أو العتلء على عرش الملك وأشباه ذلك فإن‬
‫هذه كلها من المحدثات التي قلد فيها كثير من المسلمين غيرهم من أعداء‬
‫الله وغفلوا عما جاء به الشرع المطهر من التحذير من ذلك والنهي عنه وهذا‬
‫مصداق الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال‪" :‬‬
‫سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب‬ ‫لتتبعن َ‬
‫لدخلتموه‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال‪ :‬فمن "‪،‬‬
‫وفي لفظ آخر‪ " :‬لتأخذن أمتي مأخذ المم قبلها شبرا ً بشبر وذراعا بذراع‪،‬‬
‫ً‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله فارس والروم؟ قال‪ :‬فمن؟ "‪ ،‬والمعنى فمن المراد إل‬
‫أولئك فقد وقع ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من‬
‫متابعة هذه المة إل من شاء الله منها لمن كان قبلهم من اليهود والنصارى‬
‫والمجوس وغيرهم من الكفرة في كثير من أخلقهم وأعمالهم حتى‬
‫استحكمت غربة السلم وصار هدي الكفار وما هم عليه من الخلق‬
‫والعمال أحسن عند الكثير من الناس مما جاء به السلم وحتى صار‬
‫المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة عند أكثر الخلق‬
‫بسبب الجهل والعراض عما جاء به السلم من الخلق الكريمة والعمال‬
‫الصالحة المستقيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون‬
‫ونسأل الله أن يوفق المسلمين للفقه في الدين وأن يصلح أحوالهم ويهدي‬
‫قادتهم وأن يوفق علماءنا وكتابنا لنشر محاسن ديننا والتحذير من البدع‬
‫والمحدثات التي تشوه سمعته وتنفر منه إنه على كل شيء قدير وصلى الله‬
‫وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن سلك سبيله واتبع سنته‬
‫إلى يوم الدين‪.‬‬
‫" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ) ‪.( 189 / 5‬‬
‫‪ .4‬وقال الشيخ صالح الفوزان‪:‬‬
‫ومن المور التي يجري تقليد الكفار فيها‪ :‬تقليدهم في أمور العبادات‪،‬‬
‫كتقليدهم في المور الشركية من البناء على القبور‪ ،‬وتشييد المشاهد عليها‬
‫والغلو فيها‪ .‬وقد قال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬لعنة الله على اليهود والنصارى‬
‫اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "‪ ،‬وأخبر أنهم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا‬
‫على قبره مسجدا‪ ،‬وصوروا فيه الصور‪ ،‬وإنهم شرار الخلق‪ ،‬وقد وقع في هذه‬
‫الدلة من الشرك الكبر بسبب الغلو في القبور ما هو معلوم لدى الخاص‬
‫والعام وسبب ذلك تقليد اليهود والنصارى‪.‬‬
‫ومن ذلك تقليدهم في العياد الشركية والبدعية كأعياد الموالد عند مولد‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وأعياد موالد الرؤساء والملوك‪ ،‬وقد تسمى‬
‫هذه العياد البدعية أو الشركية باليام أو السابيع – كاليوم الوطني للبلد‪،‬‬
‫ويوم الم وأسبوع النظافة – وغير ذلك من العياد اليومية والسبوعية‪ ،‬وكلها‬
‫وافدة على المسلمين من الكفار؛ وإل فليس في السلم إل عيدان‪ :‬عيد‬
‫الفطر وعيد الضحى‪ ،‬وما عداهما فهو بدعة وتقليد للكفار‪ ،‬فيجب على‬
‫المسلمين أن ينتبهوا لذلك ول يغتروا بكثرة من يفعله ممن ينتسب إلى‬
‫السلم وهو يجهل حقيقة السلم‪ ،‬فيقع في هذه المور عن جهل‪ ،‬أو ل يجهل‬
‫حقيقة السلم ولكنه يتعمد هذه المور‪ ،‬فالمصيبة حينئذ أشد‪ } ،‬لقد كان لكم‬
‫في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الخر وذكر الله‬
‫كثيرا ً { الحزاب‪.21/‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من خطبة " الحث على مخالفة الكفار"‬


‫‪ .5‬وقال شيخ السلم‪:‬‬
‫وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية‪ ،‬وبعض حكم ما شرع الله‬
‫لرسوله ] من [ مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة المور؛ لتكون المخالفة‬
‫أحسم لمادة الشر وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس‪ ،‬فينبغي للمسلم إذا‬
‫طلب منه أهله وأولده شيئا ً من ذلك أن يحيلهم على ما عند الله ورسوله‬
‫ويقضي لهم في عيد الله من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلى غيره فإن لم‬
‫يرضوا فل حول ول قوة إل بالله ومن أغضب أهله لله أرضاه الله وأرضاهم‪.‬‬
‫فليحذر العاقل من طاعة النساء في ذلك وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ما تركت بعدي فتنة أضر على‬
‫الرجال من النساء "‪ ،‬وأكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء‪ ،‬ففي‬
‫صحيح البخاري عن أبي بكرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬‬
‫ل أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "‪ ...‬وقد قال صلى الله عليه وسلم لمهات‬
‫المؤمنين لما راجعنه في تقديم أبي بكر‪ " :‬إنكن صواحب يوسف "‪ ،‬يريد أن‬
‫النساء من شأنهن مراجعة ذي اللب كما قال في الحديث الخر‪ " :‬ما رأيت‬
‫من ناقصات عقل ودين أغلب للب ذي اللب من إحداكن "‪.‬‬
‫قال بعض العلماء‪ :‬ينبغي للرجل أن يجتهد إلى الله في إصلح زوجته‪ ،‬وقد‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬من تشبه بقوم فهو منهم "‪.‬‬
‫" مجموع الفتاوى " ) ‪.( 326 – 324 / 25‬‬
‫‪ .6‬وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن حكم الحتفال بما‬
‫يسمى عيد الم؟‪.‬‬
‫فأجاب‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫إن كل العياد التي تخالف العياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة لم تكن‬
‫معروفة في عهد السلف الصالح وربما يكون منشؤها من غير المسلمين‬
‫أيضا؛ فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى‪ ،‬والعياد‬
‫الشرعية معروفة عند أهل السلم‪ ،‬وهي عيد الفطر‪ ،‬وعيد الضحى‪ ،‬وعيد‬
‫السبوع ) يوم الجمعة ( وليس في السلم أعياد سوى هذه العياد الثلثة‪،‬‬
‫وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة‬
‫الله سبحانه وتعالى‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا‬
‫هذا ما ليس منه فهو رد " أي‪ :‬مردود عليه غير مقبول عند الله وفي لفظ‪" :‬‬
‫من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد "‪ ،‬وإذا تبين ذلك فإنه ل يجوز في‬
‫العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الم‪ ،‬ل يجوز فيه إحداث شيء من‬
‫شعائر العيد‪ ،‬كإظهار الفرح والسرور‪ ،‬وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك‪ ،‬والواجب‬
‫على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله تعالى‬
‫لعباده فل يزيد فيه ول ينقص منه‪ ،‬والذي ينبغي للمسلم أيضا أل يكون إمعة‬
‫ون شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى حتى‬ ‫يتبع كل ناعق بل ينبغي أن ُيك ّ‬
‫ً‬
‫يكون متبوعا ل تابعا‪ ،‬وحتى يكون أسوة ل متأسيا؛ لن شريعة الله ‪ -‬والحمد‬
‫لله ‪ -‬كاملة من جميع الوجوه كما قال تعالى } اليوم أكملت لكم دينكم‬
‫وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا {‪ ،‬والم أحق من أن يحتفى‬
‫بها يوما ً واحدا ً في السنة‪ ،‬بل الم لها الحق على أولدها أن يرعوها‪ ،‬وأن‬
‫يعتنوا بها‪ ،‬وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومكان‪.‬‬
‫" فتاوى إسلمية " )‪ (124 / 1‬ومجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " )‪/ 2‬‬
‫‪.(302 ،301‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫عيد الم! نبذة تاريخية وحكمه عند أهل العلم ‪...‬‬


‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‬
‫تمهيد‬
‫فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقوع متابعة أمته للمم السابقة‬
‫من اليهود والنصارى والفرس ‪ ،‬وليس هذا – بل شك – من المدح لفعلهم هذا‬
‫بل هو من الذم والوعيد ‪ ،‬فعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله‬
‫سنن من قبلكم شبرا ً بشبرٍ وذراعا ً بذراٍع ‪ ،‬حتى‬ ‫عليه وسلم قال ‪ " :‬لتتبعن َ‬
‫ب لسلكتموه ‪ ،‬قلنا ‪ :‬يا رسول الله اليهود والنصارى ؟‬ ‫لو سلكوا جحر ض ّ‬
‫قال ‪ :‬فمن !؟ " ‪ ،‬رواه البخاري ) ‪ ( 3269‬ومسلم ) ‪. ( 2669‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬ل‬
‫تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا ً بشبرٍ وذراعا ً بذراٍع ‪،‬‬
‫فقيل ‪ :‬يا رسول الله كفارس والروم ؟ فقال ‪ :‬ومن الناس إل أولئك ؟ "‬
‫‪.‬رواه البخاري ) ‪. ( 6888‬‬
‫أخذ القرون ‪ :‬المشي على سيرتهم ‪.‬‬
‫وقد تابع جهلة هذه المة ومبتدعتها وزنادقتها المم السابقة من اليهود‬
‫والنصارى والفرس في عقائدهم ومناهجهم وأخلقهم وهيئاتهم ‪ ،‬ومما يهمنا –‬
‫الن – أن ننبه عليه في هذه اليام هو اتباعهم ومشابهتم في ابتداع " عيد الم‬
‫" أو " عيد السرة " ‪ ،‬وهو اليوم الذي ابتدعه النصارى تكريما ً – في زعمهم –‬
‫طل فيه الدوائر ويصل فيه الناس أمهاتهم ويبعثون‬ ‫ظما تع ّ‬ ‫للم ‪ ،‬فصار يوما ً مع ّ‬
‫لهن الهدايا والرسائل الرقيقة ‪ ،‬فإذا انتهى اليوم عادت المور لما كانت عليه‬
‫من القطيعة والعقوق ‪.‬‬
‫والعجيب من المسلمين أن يحتاجوا لمثل هذه المشابهة وقد أوجب الله‬
‫تعالى عليهم بر الم وحّرم عليهم عقوقها وجعل الجزاء على ذلك أرفع‬
‫الدرجات ‪.‬‬
‫تعريف العيد‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪:‬‬
‫فالعيد اسم لما يعود من الجتماع على وجه معتاد ‪ ،‬عائد ‪ :‬إما بعود السنة أو‬
‫بعود السبوع أو الشهر أو نحو ذلك " اقتضاء الصراط المستقيم " ) ‪441 / 1‬‬
‫(‪.‬‬
‫سمي العيد بهذا السم ؛ لن لله تعالى‬ ‫وقال ابن عابدين – رحمه الله ‪ُ " : -‬‬
‫فيه عوائد الحسان ‪ ،‬أي ‪ :‬أنواع الحسان العائدة على عباده في كل يوم ‪،‬‬
‫منها ‪ :‬الفطر بعد المنع عن الطعام ‪ ،‬وصدقة الفطر ‪ ،‬وإتمام الحج بطواف‬
‫الزيارة ‪ ،‬ولحوم الضاحي ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬ولن العادة فيه الفرح والسرور‬
‫والنشاط والحبور " ‪ " .‬حاشية ابن عابدين " ) ‪. ( 165 / 2‬‬
‫كم عيد في السلم ؟‬
‫يلحظ المسلم كثرة العياد عند المسلمين في هذه الزمنة ‪ ،‬مثل " عيد‬
‫الشجرة " ‪ ،‬و " عيد العمال " و " عيد الجلوس " و " عيد الميلد " …الخ‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهكذا في قائمة طويلة ‪ ،‬وكل هذا من اتباع اليهود والنصارى والمشركين ‪،‬‬
‫ول أصل لهذا في الدين ‪ ،‬وليس في السلم إل عيد الضحى وعيد الفطر ‪.‬‬
‫عن أنس بن مالك قال كان لهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما‬
‫فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال ‪ :‬كان لكم يومان تلعبون‬
‫فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيرا ً منهما ‪ :‬يوم الفطر ‪ ،‬ويوم الضحى ‪.‬‬
‫رواه أبو داود ) ‪ ( 1134‬والنسائي ) ‪ ، ( 1556‬وصححه الشيخ اللباني ‪.‬‬
‫بر الم‬
‫ذي‬ ‫ً‬
‫سانا وَب ِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫كوا ب ِهِ َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ه َول ت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫شْيئا وَِبال َ‬ ‫دوا الل َ‬ ‫قال الله تعالى ‪َ } :‬واعْب ُ ُ‬
‫ب‬‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫جن ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫جارِ ال ُ‬ ‫ْ‬
‫قْرَبى َوال َ‬ ‫ْ‬
‫جارِ ِذي ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال َ‬ ‫كي‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫قْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫خورا ً‬‫خَتال ً فَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ب َواب ْ ِ‬ ‫جن ْ ِ‬
‫{ ] النساء ‪. [ 36 /‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ما ي َب ْلغَ ّ‬ ‫سانا إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫دوا ِإل إ ِّياه ُ وَِبال َ‬ ‫ضى َرب ّك أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬وَقَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما قَوْل ً‬ ‫ل لهُ َ‬ ‫ما وَقُ ْ‬ ‫ف َول ت َن ْهَْرهُ َ‬ ‫ما أ ّ‬ ‫ل لهُ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما َفل ت َ ُ‬ ‫كلهُ َ‬ ‫ما أوْ ِ‬ ‫ك ال ْك ِب ََر أ َ‬
‫حد ُهُ َ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫ِ‬
‫ريما { ] السراء ‪. [ 23 /‬‬ ‫ً‬ ‫ك ِ‬‫َ‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال ‪ :‬أمك ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ثم من ؟ قال ‪ :‬ثم أمك ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم من ؟ قال ‪ :‬ثم أمك ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم‬
‫من ؟ قال ‪ :‬ثم أبوك ‪ .‬رواه البخاري ) ‪ ( 5626‬ومسلم ) ‪. ( 2548‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪:‬‬
‫قال ابن بطال ‪ :‬مقتضاه أن يكون للم ثلثة أمثال ما للب من البر ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع فهذه تنفرد بها الم وتشقى‬
‫بها ثم تشارك الب في التربية ‪ ،‬وقد وقعت الشارة إلى ذلك في قوله تعالى‬
‫ن وفصاله في عامين { ‪،‬‬ ‫ً‬
‫} ووصينا النسان بوالديه حملته أمه وهنا على وه ٍ‬
‫وى بينهما في الوصاية ‪ ،‬وخص الم بالمور الثلثة ‪ ،‬قال القرطبي ‪ :‬المراد‬ ‫فس ّ‬
‫دم في ذلك على حق‬ ‫أن الم تستحق على الولد الحظ الوفر من البر ‪ ،‬وتق ّ‬
‫الب عند المزاحمة ‪ ،‬وقال عياض ‪ :‬وذهب الجمهور إلى أن الم تفضل في‬
‫البر على الب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يكون برهما سواء ‪ ،‬ونقله بعضهم عن مالك‬
‫والصواب الول ‪.‬‬
‫" فتح الباري " ) ‪. ( 402 / 10‬‬
‫غب بوصلها ‪:‬‬ ‫بل وحتى الم المشركة فإن الشرع المطهر الحكيم ر ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مي وهي‬ ‫يأ ّ‬


‫ت عل ّ‬ ‫فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت ‪ :‬قدم ْ‬
‫ت رسول الله‬ ‫مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتي ُ‬
‫مي وهي راغبة أفأصل أمي ؟‬ ‫يأ ّ‬
‫ت عل ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم قلت ‪ :‬قدم ْ‬
‫مك ‪ .‬رواه البخاري ) ‪. ( 2477‬‬ ‫صِلي أ ّ‬
‫قال ‪ :‬نعم ِ‬
‫الم في بلد الكفر‬
‫إن المتتبع لحوال السرة عموما وللم خاصة في المجتمعات الغير إسلمية‬
‫ليسمع ويقرأ عجبا ً ‪ ،‬فل تكاد تجد أسرة متكاملة يصل أفرادها بعضهم بعضا ً‬
‫فضل عن لقاءات تحدث بينهم وفضل عن اجتماع دائم ‪.‬‬
‫وكما قال بعض المشاهدين لبلد الكفر ‪ :‬إنك قد تجد في السواق أو‬
‫الطرقات أما وابنها أو ابنتها ‪ ،‬أو أبا وابنه وابنته ‪ ،‬لكنه من النادر أن تجد‬
‫السرة كاملة تتسوق أو تمشي في الطرقات ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعندما يصير الب أو الم في حالة الك َِبر يسارع البار ! بهما إلى وضعهما في‬
‫دور العجزة والمسّنين ‪ ،‬وقد ذهب بعض المسلمين إلى بعض تلك الدور‬
‫وسأل عشرة من المسّنين عن أمنيته ‪ ،‬فكلهم قالوا ‪ :‬الموت !! وما ذلك إلى‬
‫بسبب ما يعيشه الواحد منهم من قهر وحزن وأسى على الحال التي وصل‬
‫الواحد منهم إليها وتخلى عنهم فلذات أكبادهم في وقت أحوج ما يكون‬
‫الواحد إليهم ‪.‬‬
‫وقت عيد الم عند الدول‬
‫الحتفال بعيد الم يختلف تاريخه من دولة لخرى ‪ ،‬وكذلك أسلوب الحتفال‬
‫به ‪ ،‬فالنرويج تقيمه في الحد الثاني من فبراير ‪ ،‬أما في الرجنتين فهو يوم‬
‫الحد الثاني من أكتوبر ‪ ،‬وفي لبنان يكون اليوم الول من فصل الربيع ‪،‬‬
‫وجنوب أفريقيا تحتفل به يوم الحد الول من مايو‪.‬‬
‫أما في فرنسا فيكون الحتفال أكثر بالعيد كعيد السرة في يوم الحد الخير‬
‫من مايو حيث يجتمع أفراد السرة للعشاء معا ً ثم تقدم كيكة للم‪.‬‬
‫والسويد أيضا عندها عطلة عيد السرة في الحد الخير من مايو وقبلها بأيام‬
‫يقوم الصليب الحمر السويدي ببيع وردات صغيرة من البلستيك تقدم‬
‫حصيلتها للمهات اللتي يكن في عطلة لرعاية أطفالهن ‪ .‬وفي اليابان يكون‬
‫الحتفال في يوم الحد الثاني من مايو مثل أمريكا الشمالية وفيه يتم عرض‬
‫صور رسمها أطفال بين السادسة والرابعة عشرة من عمرهم وتدخل ضمن‬
‫معرض متجول يحمل اسم "أمي" ويتم نقله كل ‪ 4‬سنوات يتجول المعرض‬
‫في عديد من الدول ‪.‬‬
‫عيد الم ‪ ،‬نبذة تاريخية‬
‫قال بعض الباحثين ‪:‬‬
‫يزعم بعض المؤرخين أن عيد الم كان قد بدأ عند الغريق في احتفالت عيد‬
‫الربيع‪ ،‬وكانت هذه الحتفالت مهداة إلى الله الم "ريا" زوجة "كرونس"‬
‫الله الب‪ ،‬وفي روما القديمة كان هناك احتفال مشابه لهذه الحتفالت كان‬
‫لعبادة أو تبجيل "سيبل" –أم أخرى لللهة‪ .‬وقد بدأت الخيرة حوالي ‪250‬‬
‫سنة قبل ميلد السيد المسيح عليه السلم؛ وهذه الحتفالت الدينية عند‬
‫الرومان كانت تسمى "هيلريا" وتستمر لثلثة أيام من ‪ 15‬إلى ‪ 18‬مارس ‪.‬‬
‫الحد في إنجلترا‬
‫وهو يوم شبيه باحتفالت عيد الم الحالية‪ ،‬ولكنه كان يسمى أحد المهات أو‬
‫أحد نصف الصوم‪ ،‬لنه كان ُيقام في فترة الصوم الكبير عندهم‪ ،‬والبعض‬
‫دلت‬‫يقول إن الحتفالت التي كانت تقام لعبادة وتكريم "سيبل" الرومانية ب ُ ّ‬
‫من قبل الكنيسة باحتفالت لتوقير وتبجيل مريم عليها السلم ‪ ،‬وهذه العادة‬
‫ملين‬ ‫ث الفراد على زيارة الكنيسة التابعين لها والكنيسة الم مح ّ‬ ‫ح ّ‬
‫بدأت ب َ‬
‫بالقرابين‪ ،‬وفي عام ‪ 1600‬بدأ الشباب والشابات ذوو الحرف البسيطة‬
‫ملين بالهدايا‬
‫مح ّ‬
‫والخادمون في زيارة أمهاتهم في "أحد المهات" ُ‬
‫والمأكولت‪ ،‬هذا عن انجلترا أما عن الوليات المتحدة المريكية فكانت هناك‬
‫قصة أخرى‪.‬‬
‫الوليات المتحدة‬
‫آنا‪.‬م‪.‬جارفس‪:(1948-1864) :‬‬
‫هي صاحبة فكرة ومشروع جعل يوم عيد الم إجازة رسمية في الوليات‬
‫المتحدة‪ ،‬فهي لم تتزوج قط وكانت شديدة الرتباط بوالدتها‪ ،‬وكانت ابنه‬
‫للدير‪ ،‬وتدرس في مدرسة الحد التابعة للكنيسة النظامية "أندرو" في‬
‫جرافتون غرب فرجينيا‪ ،‬وبعد موت والدتها بسنتين بدأت حملة واسعة النطاق‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شملت رجال العمال والوزراء ورجال الكونجرس؛ لعلن يوم عيد الم‬
‫عطلة رسمية في البلد‪ ،‬وكان لديها شعور أن الطفال ل يقدرون ما تفعله‬
‫المهات خلل حياتهم‪ ،‬وكانت تأمل أن يزيد هذا اليوم من إحساس الطفال‬
‫والبناء بالمهات والباء‪ ،‬وتقوى الروابط العائلية المفقودة‬
‫البداية‪:‬‬
‫قامت الكنيسة بتكريم النسة آنا جارفس في جرافتون غرب فرجينيا‬
‫وفلدلفيا وبنسلفانيا في العاشر من مايو ‪ ،1908‬وكانت هذه بداية الحتفال‬
‫بعيد الم في الوليات المتحدة ‪.‬‬
‫صا البيض ؛ لنه يعبر عن‬
‫وكان القرنفل من ورود والدتها المفضلة وخصو ً‬
‫الطيبة والنقاء والتحمل والذي يتميز به حب الم‪ ،‬ومع مرور الوقت أصبح‬
‫القرنفل الحمر إشارة إلى أن الم على قيد الحياة‪ ،‬والبيض أن الم رحلت‬
‫عن الحياة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وأول إعلن رسمي عن عيد الم في الوليات المتحدة كان غرب فرجينيا‬
‫ولية أوكلهوما سنة ‪ ،1910‬ومع عام ‪ 1911‬كانت كل الوليات المتحدة قد‬
‫احتفلت بهذا اليوم‪ ،‬ومع هذا الوقت كانت الحتفالت قد دخلت كل ً من‬
‫المكسيك‪ ،‬وكندا‪ ،‬والصين‪ ،‬واليابان‪ ،‬وأمريكا اللتينية وأفريقيا ‪ ،‬ثم وافق‬
‫الكونجرس المريكي رسمّيا على العلن عن الحتفال بيوم الم‪ ،‬وذلك في‬
‫العاشر من مايو سنة ‪ ،1913‬وقد اختير يوم الحد الول من شهر مايو‬
‫للحتفال بعيد الم ‪.‬‬
‫عيد الم العربي‬
‫بدأت فكرة الحتفال بعيد الم العربي في مصر على يد الخوين "مصطفى‬
‫وعلي أمين" مؤسسي دار أخبار اليوم الصحفية‪ ..‬فقد وردت إلى علي أمين‬
‫ذاته رسالة من أم تشكو له جفاء أولدها وسوء معاملتهم لها‪ ،‬وتتألم من‬
‫نكرانهم للجميل‪ ..‬وتصادف أن زارت إحدى المهات مصطفى أمين في‬
‫ملت وأولدها صغار‪ ،‬فلم‬ ‫مكتبه‪ ..‬وحكت له قصتها التي تتلخص في أنها تر ّ‬
‫تتزوج‪ ،‬وأوقفت حياتها على أولدها‪ ،‬تقوم بدور الب والم‪ ،‬وظلت ترعى‬
‫أولدها بكل طاقتها‪ ،‬حتى تخرجوا في الجامعة‪ ،‬وتزوجوا‪ ،‬واستقل كل منهم‬
‫بحياته‪ ،‬ولم يعودوا يزورونها إل على فترات متباعدة للغاية‪ ،‬فكتب مصطفى‬
‫أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير "فكرة" يقترحان تخصيص يوم للم‬
‫يكون بمثابة تذكرة بفضلها‪ ،‬وأشارا إلى أن الغرب يفعلون ذلك‪ ،‬وإلى أن‬
‫السلم يحض على الهتمام بالم‪ ،‬فانهالت الخطابات عليهما تشجع الفكرة‪،‬‬
‫واقترح البعض أن يخصص أسبوع للم وليس مجرد يوم واحد‪ ،‬ورفض آخرون‬
‫دا فقط‪ ،‬لكن أغلبية‬ ‫ما واح ً‬
‫الفكرة بحجة أن كل أيام السنة للم وليس يو ً‬
‫القراء وافقوا على فكرة تخصيص يوم واحد‪ ،‬وشارك القراء في اختيار يوم‬
‫دا للم‪ ،‬وهو أول أيام فصل الربيع؛ ليكون رمًزا للتفتح‬ ‫‪ 21‬مارس ليكون عي ً‬
‫والصفاء والمشاعر الجميلة‪ ..‬واحتفلت مصر بأول عيد أم في ‪ 21‬مارس سنة‬
‫‪1956‬م ‪ ..‬ومن مصر خرجت الفكرة إلى البلد العربية الخرى ‪ ..‬وقد اقترح‬
‫ما للب‬ ‫البعض في وقت من الوقات تسمية عيد الم بعيد السرة ليكون تكري ً‬
‫صا من حق‬ ‫ضا‪ ،‬لكن هذه الفكرة لم تلق قبول ً كبيًرا‪ ،‬واعتبر الناس ذلك انتقا ً‬‫أي ً‬
‫ما ُيخصص‬ ‫الم‪ ،‬أو أن أصحاب فكرة عيد السرة "يستكثرون" على الم يو ً‬
‫لها‪ ..‬وحتى الن تحتفل البلد العربية بهذا اليوم من خلل أجهزة العلم‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المختلفة‪ ..‬ويتم تكريم المهات المثاليات اللواتي عشن قصص كفاح عظيمة‬
‫من أجل أبنائهن في كل صعيد ‪ .‬انتهى‬
‫ول عجب بعدها من معرفة أن أكثر من يحتفل بهذه العياد اليهود والنصارى‬
‫والمتشبهون بهم ‪ ،‬وُيظهرون ذلك على أنه اهتمام بالمرأة والم وتحتفل بعض‬
‫الندية الماسونية في العالم العربي بعيد الم كنوادي الروتاري والليونز ‪.‬‬
‫وبالمناسبة فإن يوم عيد الم وهو ‪ 21‬مارس هو رأس السنة عند القباط‬
‫النصارى ‪ ،‬وهو يوم عيد النوروز عند الكراد ‪.‬‬
‫الموقف الشرعي من عيد الم ‪:‬‬
‫السلم غني عما ابتدعه الخرون سواًء عيد الم أو غيره ‪ ،‬وفي تشريعاته من‬
‫البر بالمهات ما يغني عن عيد الم المبتدع ‪.‬‬
‫فتاوى أهل العلم‬
‫‪ .1‬قال علماء اللجنة الدائمة ‪:‬‬
‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على رسوله وآله وصحبه ‪ ..‬وبعد ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬العيد اسم لما يعود من الجتماع على وجه معتاد إما بعود السنة أو‬
‫الشهر أو السبوع أو نحو ذلك فالعيد يجمع أمورا منها ‪ :‬يوم عائد كيوم عيد‬
‫الفطر ويوم الجمعة ‪ ،‬ومنها ‪ :‬الجتماع في ذلك اليوم ‪ ،‬ومنها ‪ :‬العمال التي‬
‫يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات ‪.‬ثانيا ‪ :‬ما كان من ذلك مقصودا‬
‫به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبا للجر ‪ ،‬أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية‬
‫أو نحوهم من طوائف الكفار فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم " من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد "‬
‫رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬مثال ذلك الحتفال بعيد المولد وعيد الم والعيد‬
‫الوطني لما في الول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله ‪ ،‬وكما في ذلك‬
‫التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة ‪ ،‬ولما في الثاني والثالث من التشبه‬
‫بالكفار ‪ ،‬وما كان المقصود منه تنظيم العمال مثل لمصلحة المة وضبط‬
‫أمورها كأسبوع المرور وتنظيم مواعيد الدراسة والجتماع بالموظفين للعمل‬
‫ونحو ذلك مما ل يفضي إلى التقرب به والعبادة والتعظيم بالصالة ‪ ،‬فهو من‬
‫البدع العادية التي ل يشملها قوله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬من أحدث في‬
‫امرنا هذا ما ليس منه فهو رد " فل حرج فيه بل يكون مشروعا ً ‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الفتاء‬
‫" فتاوى اللجنة الدائمة " ) ‪. ( 61 ، 59 / 3‬‬
‫‪ .2‬وقالوا – أيضا ً ‪: -‬‬
‫ل يجوز الحتفال بما يسمى " عيد الم " ول نحوه من العياد المبتدعة لقول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " ‪،‬‬
‫وليس الحتفال بعيد الم من عمله صلى الله عليه وسلم ول من عمل‬
‫أصحابه رضي الله عنهم ول من عمل سلف المة ‪ ،‬وإنما هو بدعة وتشبه‬
‫بالكفار ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫" فتاوى اللجنة الدائمة " ) ‪. ( 86 / 3‬‬


‫‪ .3‬وقال الشيخ عبد العزيز بن باز ‪:‬‬
‫ت على ما نشرته صحيفة )الندوة( في عددها الصادر بتاريخ ‪/ 11 / 30‬‬ ‫اطلع ُ‬
‫‪ 1384‬هـ تحت عنوان )تكريم الم‪ ..‬وتكريم السرة( فألفيت الكاتب قد حبذ‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من بعض الوجوه ما ابتدعه الغرب من تخصيص يوم في السنة يحتفل فيه‬
‫بالم وأ َوَْرد َ عليه شيئا غفل عنه المفكرون في إحداث هذا اليوم وهي ما ينال‬
‫الطفال الذين ابتلوا بفقد الم من الكآبة والحزن حينما يرون زملئهم‬
‫يحتفلون بتكريم أمهاتهم واقترح أن يكون الحتفال للسرة كلها واعتذر عن‬
‫عدم مجيء السلم بهذا العيد ؛ لن الشريعة السلمية قد أوجبت تكريم‬
‫الم ‪.‬‬
‫ولقد أحسن الكاتب فيما اعتذر به عن السلم وفيما أورده من سيئة هذا‬
‫العيد التي قد غفل عنها من أحدثه ولكنه لم يشر إلى ما في البدع من‬
‫مخالفة صريح النصوص الواردة عن رسول السلم عليه أفضل الصلة‬
‫والسلم ول إلى ما في ذلك من الضرار ومشابهة المشركين والكفار فأردت‬
‫بهذه الكلمة الوجيزة أن أنبه الكاتب وغيره على ما في هذه البدعة وغيرها‬
‫مما أحدثه أعداء السلم والجاهلون به من البدع في الدين حتى شوهوا‬
‫سمعته ونفروا الناس منه وحصل بسبب ذلك من اللبس والفرقة ما ل يعلم‬
‫مدى ضرره وفساده إل الله سبحانه‪.‬‬
‫وقد ثبت في الحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫التحذير من المحدثات في الدين وعن مشابهة أعداء الله من اليهود‬
‫والنصارى وغيرهم من المشركين مثل قوله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬من‬
‫أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه وفي لفظ لمسلم "‬
‫من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد " ‪ ،‬والمعنى ‪:‬‬
‫فهو مردود على ما أحدثه وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم‬
‫الجمعة ‪ " :‬أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة " خرجه مسلم في‬
‫صحيحه ‪ ،‬ول ريب أن تخصيص يوم من السنة للحتفال بتكريم الم أو السرة‬
‫من محدثات المور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ول‬
‫صحابته المرضيون ‪ ،‬فوجب تركه وتحذير الناس منه ‪ ،‬والكتفاء بما شرعه‬
‫الله ورسوله ‪.‬‬
‫وقد سبق أن الكاتب أشار إلى أن الشريعة السلمية قد جاءت بتكريم الم‬
‫والتحريض على برها كل وقت وقد صدق في ذلك فالواجب على المسلمين‬
‫أن يكتفوا بما شرعه الله لهم من بر الوالدة وتعظيمها والحسان إليها‬
‫والسمع لها في المعروف كل وقت وأن يحذروا من محدثات المور التي‬
‫حذرهم الله منها والتي تفضي بهم إلى مشابهة أعداء الله والسير في ركابهم‬
‫واستحسان ما استحسنوه من البدع‪ ,‬وليس ذلك خاصا بالم بل قد شرع الله‬
‫للمسلمين بر الوالدين جميعا وتكريمهما والحسان إليهما وصلة جميع القرابة‬
‫وحذرهم سبحانه من العقوق والقطيعة وخص الم بمزيد العناية والبر؛ لن‬
‫عنايتها بالولد أكبر ما ينالها من المشقة في حمله وإرضاعه وتربيته أكثر قال‬
‫سانا ً { السراء‪/‬‬ ‫الله سبحانه‪ } :‬وقَضى رب َ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬‫وال ِد َي ُ ْ ِ‬ ‫دوا ِإل إ ِّياه ُ وَِبال ْ َ‬ ‫ك أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫هنا عَلى وَهْ ٍ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫م ُ‬‫هأ ّ‬ ‫ملت ْ ُ‬ ‫ح َ‬
‫وال ِد َي ْهِ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫سا َ‬ ‫صي َْنا ال ِن ْ َ‬ ‫‪ ، 23‬وقال تعالى ‪ } :‬وَوَ ّ‬
‫عامي َ‬
‫صيُر { لقمان‪ ، 14/‬وقال‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وال ِد َي ْك إ ِل ّ‬ ‫شكْر ِلي وَل ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫نأ ِ‬ ‫صال ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه ِفي َ َ ْ ِ‬ ‫وَفِ َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مك ْ‬ ‫حا َ‬ ‫ّ‬
‫قطُعوا أْر َ‬ ‫ض وَت ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫تعالى ‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬
‫َ‬
‫ف ِ‬ ‫ن تُ ْ‬‫مأ ْ‬
‫َ‬
‫ن ت َوَلي ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫م إِ ْ‬‫سي ْت ُ ْ‬
‫ل عَ َ‬
‫م { محمد‪. 23 ، 22/‬‬ ‫صاَرهُ ْ‬ ‫مى أب ْ َ‬ ‫م وَأعْ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ه فَأ َ‬
‫ص ّ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ن ل َعَن َهُ ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬أل أنبئكم بأكبر الكبائر ؟‬
‫قالوا ‪ :‬بلى يا رسول الله ‪ ،‬قال ‪ :‬الشراك بالله ‪ ،‬وعقوق الوالدين وكان متكئا‬
‫فجلس فقال ‪ :‬أل وقول الزور أل وشهادة الزور ‪ ،‬وسأله صلى الله عليه‬
‫وسلم رجل فقال ‪ :‬يا رسول الله أي الناس أحق بحسن صحابتي ؟ قال ‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أمك ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم من ؟ قال ‪ :‬ثم أمك ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم من ؟ قال ‪ :‬ثم أمك ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ثم من ؟ قال ‪ :‬أبوك ثم القرب فالقرب ‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم " ل يدخل الجنة قاطع " ‪ ،‬يعني ‪ :‬قاطع رحم ‪،‬‬
‫وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ :‬من أحب أن يبسط له في رزقه‬
‫جله فليصل رحمه " ‪ ،‬واليات والحاديث في بر الوالدين وصلة‬ ‫وُينسأ له في أ َ‬
‫الرحم وبيان تأكيد حق الم كثيرة مشهورة وفيما ذكرنا منها كفاية ودللة على‬
‫ن تأملها دللة ظاهرة على وجوب إكرام الوالدين جميعا‬ ‫م ْ‬
‫ما سواه وهي تدل َ‬
‫واحترامهما والحسان إليهما وإلى سائر القارب في جميع الوقات وترشد‬
‫إلى أن عقوق الوالدين وقطيعة الرحم من أقبح الصفات والكبائر التي توجب‬
‫النار وغضب الجبار نسأل الله العافية من ذلك ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وهذا أبلغ وأعظم مما أحدثه الغرب من تخصيص الم بالتكريم في يوم من‬
‫السنة فقط ثم إهمالها في بقية العام مع العراض عن حق الب وسائر‬
‫القارب ول يخفى على اللبيب ما يترتب على هذا الجراء من الفساد الكبير‬
‫مع كونه مخالفا لشرع أحكم الحاكمين وموجبا ً للوقوع فيما حذر منه رسوله‬
‫المين ‪.‬‬
‫ويلتحق بهذا التخصيص والبتداع ما يفعله كثير من الناس من الحتفال‬
‫بالموالد وذكرى استقلل البلد أو العتلء على عرش الملك وأشباه ذلك فإن‬
‫هذه كلها من المحدثات التي قلد فيها كثير من المسلمين غيرهم من أعداء‬
‫الله وغفلوا عما جاء به الشرع المطهر من التحذير من ذلك والنهي عنه وهذا‬
‫مصداق الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال ‪" :‬‬
‫سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب‬ ‫لتتبعن َ‬
‫لدخلتموه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال ‪ :‬فمن " ‪،‬‬
‫وفي لفظ آخر‪ " :‬لتأخذن أمتي مأخذ المم قبلها شبرا ً بشبر وذراعا بذراع ‪،‬‬
‫ً‬
‫قالوا ‪ :‬يا رسول الله فارس والروم ؟ قال ‪ :‬فمن ؟ " ‪ ،‬والمعنى فمن المراد‬
‫إل أولئك فقد وقع ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من‬
‫متابعة هذه المة إل من شاء الله منها لمن كان قبلهم من اليهود والنصارى‬
‫والمجوس وغيرهم من الكفرة في كثير من أخلقهم وأعمالهم حتى‬
‫استحكمت غربة السلم وصار هدي الكفار وما هم عليه من الخلق‬
‫والعمال أحسن عند الكثير من الناس مما جاء به السلم وحتى صار‬
‫المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة عند أكثر الخلق‬
‫بسبب الجهل والعراض عما جاء به السلم من الخلق الكريمة والعمال‬
‫الصالحة المستقيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون‬
‫ونسأل الله أن يوفق المسلمين للفقه في الدين وأن يصلح أحوالهم ويهدي‬
‫قادتهم وأن يوفق علماءنا وكتابنا لنشر محاسن ديننا والتحذير من البدع‬
‫والمحدثات التي تشوه سمعته وتنفر منه إنه على كل شيء قدير وصلى الله‬
‫وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن سلك سبيله واتبع سنته‬
‫إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ) ‪. ( 189 / 5‬‬
‫‪ .4‬وقال الشيخ صالح الفوزان ‪:‬‬
‫ومن المور التي يجري تقليد الكفار فيها ‪ :‬تقليدهم في أمور العبادات ‪،‬‬
‫كتقليدهم في المور الشركية من البناء على القبور ‪ ،‬وتشييد المشاهد عليها‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والغلو فيها ‪ .‬وقد قال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬لعنة الله على اليهود‬
‫والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ‪ ،‬وأخبر أنهم إذا مات فيهم الرجل‬
‫الصالح بنوا على قبره مسجدا ‪ ،‬وصوروا فيه الصور ‪ ،‬وإنهم شرار الخلق ‪،‬‬
‫وقد وقع في هذه الدلة من الشرك الكبر بسبب الغلو في القبور ما هو‬
‫معلوم لدى الخاص والعام وسبب ذلك تقليد اليهود والنصارى ‪.‬‬
‫ومن ذلك تقليدهم في العياد الشركية والبدعية كأعياد الموالد عند مولد‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وأعياد موالد الرؤساء والملوك ‪ ،‬وقد تسمى‬
‫هذه العياد البدعية أو الشركية باليام أو السابيع – كاليوم الوطني للبلد ‪،‬‬
‫ويوم الم وأسبوع النظافة – وغير ذلك من العياد اليومية والسبوعية‪ ،‬وكلها‬
‫وافدة على المسلمين من الكفار ؛ وإل فليس في السلم إل عيدان‪ :‬عيد‬
‫الفطر وعيد الضحى ‪ ،‬وما عداهما فهو بدعة وتقليد للكفار ‪ ،‬فيجب على‬
‫المسلمين أن ينتبهوا لذلك ول يغتروا بكثرة من يفعله ممن ينتسب إلى‬
‫السلم وهو يجهل حقيقة السلم ‪ ،‬فيقع في هذه المور عن جهل ‪ ،‬أو ل‬
‫يجهل حقيقة السلم ولكنه يتعمد هذه المور ‪ ،‬فالمصيبة حينئذ أشد ‪ } ،‬لقد‬
‫كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الخر وذكر‬
‫الله كثيرا ً { الحزاب‪. 21/‬‬
‫من خطبة " الحث على مخالفة الكفار"‬
‫‪ .5‬وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن حكم الحتفال بما‬
‫يسمى عيد الم ؟‪.‬‬
‫فأجاب ‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫إن كل العياد التي تخالف العياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة لم تكن‬
‫معروفة في عهد السلف الصالح وربما يكون منشؤها من غير المسلمين‬
‫أيضا؛ فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬والعياد‬
‫الشرعية معروفة عند أهل السلم ‪ ،‬وهي عيد الفطر ‪ ،‬وعيد الضحى ‪ ،‬وعيد‬
‫السبوع ) يوم الجمعة ( وليس في السلم أعياد سوى هذه العياد الثلثة ‪،‬‬
‫وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة‬
‫الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أحدث في‬
‫أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أي ‪ :‬مردود عليه غير مقبول عند الله وفي‬
‫لفظ ‪ " :‬من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " ‪ ،‬وإذا تبين ذلك فإنه ل‬
‫يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الم ‪ ،‬ل يجوز فيه‬
‫إحداث شيء من شعائر العيد ‪ ،‬كإظهار الفرح والسرور ‪ ،‬وتقديم الهدايا وما‬
‫أشبه ذلك ‪ ،‬والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على‬
‫ما حده الله تعالى لعباده فل يزيد فيه ول ينقص منه ‪ ،‬والذي ينبغي للمسلم‬
‫ون شخصيته بمقتضى‬ ‫أيضا أل يكون إمعة يتبع كل ناعق بل ينبغي أن ُيك ّ‬
‫ً‬
‫شريعة الله تعالى حتى يكون متبوعا ل تابعا ‪ ،‬وحتى يكون أسوة ل متأسيا ؛‬
‫لن شريعة الله ‪ -‬والحمد لله ‪ -‬كاملة من جميع الوجوه كما قال تعالى‬
‫} اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا {‬
‫‪ ،‬والم أحق من أن يحتفى بها يوما ً واحدا ً في السنة ‪ ،‬بل الم لها الحق على‬
‫أولدها أن يرعوها ‪ ،‬وأن يعتنوا بها ‪ ،‬وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله‬
‫عز وجل في كل زمان ومكان ‪.‬‬
‫" فتاوى إسلمية " ) ‪ ( 124 / 1‬ومجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ) ‪/ 2‬‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪. ( 302 ، 301‬‬


‫‪ .6‬وقال شيخ السلم – في التعليق على موضوع مقارب ‪: -‬‬
‫وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية ‪ ،‬وبعض حكم ما شرع الله‬
‫لرسوله ] من [ مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة المور ؛ لتكون المخالفة‬
‫أحسم لمادة الشر وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس ‪ ،‬فينبغي للمسلم‬
‫إذا طلب منه أهله وأولده شيئا ً من ذلك أن يحيلهم على ما عند الله ورسوله‬
‫ويقضي لهم في عيد الله من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلى غيره فإن لم‬
‫يرضوا فل حول ول قوة إل بالله ومن أغضب أهله لله أرضاه الله وأرضاهم ‪.‬‬
‫فليحذر العاقل من طاعة النساء في ذلك وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ما تركت بعدي فتنة أضر‬
‫على الرجال من النساء " ‪ ،‬وأكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء ‪،‬‬
‫ففي صحيح البخاري عن أبي بكرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬ل أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " ‪ .. .‬وقد قال صلى الله عليه وسلم‬
‫لمهات المؤمنين لما راجعنه في تقديم أبي بكر ‪ " :‬إنكن صواحب يوسف " ‪،‬‬
‫يريد أن النساء من شأنهن مراجعة ذي اللب كما قال في الحديث الخر ‪" :‬‬
‫ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب ذي اللب من إحداكن " ‪.‬‬
‫قال بعض العلماء ‪ :‬ينبغي للرجل أن يجتهد إلى الله في إصلح زوجته ‪ ،‬وقد‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬من تشبه بقوم فهو منهم " ‪.‬‬
‫" مجموع الفتاوى " ) ‪. ( 326 – 324 / 25‬‬
‫والله أعلم ‪.‬‬
‫المصدر موقع السلم سؤال وجواب‬

‫)‪(6 /‬‬

‫عيد الم‬
‫إبراهيم بن محمد الحقيل ‪8/4/1427‬‬
‫‪06/05/2006‬‬
‫يقصد منه تكريم الم لمومتها‪ ،‬ويحتفل به في استراليا والمملكة المتحدة‬
‫والدول السكندنافية‪ ،‬وفي إنجلترا يراعى أن يوافق مع عيد ديني يسمى يوم‬
‫أحد المومة‪ ،‬والوليات المتحدة أكثر الدول احتفال ً به‪ ،‬واعترف به رسميا ً في‬
‫الغرب عام ‪1914‬م وهو في أمريكا في الثاني من مايو‪ ،‬ومن مراسيمه أن‬
‫يشجع الطفال في هذه الدول على إرسال بطاقات عيد الم البريدية‪ ،‬وتقديم‬
‫الهدايا علمة على الحب والحترام )‪ ،(1‬وقد تسرب هذا العيد إلى المسلمين‬
‫عبر بعض الهيئات والمنظمات الدولية والهلية حتى صار يعرف بيوم المومة‬
‫العالمي )‪. (2‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬الموسوعة العربية العالمية )‪.(16/707‬‬
‫)‪ (2‬لعل للغرب ما يسوغ اختراع هذا اليوم وأمثاله‪ ،‬إذ ل قيمة –في ظل‬
‫فلسفتهم المادية‪ -‬للروابط السرية عندهم‪ ،‬ول أهمية للقرابة‪ ،‬ول حق للم‬
‫التي حملت ثم ولدت ثم أرضعت وسهرت‪ ،‬فتحتاج أمهاتهم ولو يوما ً من‬
‫السنة يتذكرن فيه أولدهن ويرسلون إليهن الهدايا وبطاقات معايدة‪ ،‬ولكن‬
‫الذي ل يمكن فهمه وتفسيره إل على وجه التبعية البغيضة تقليد بعض أبناء‬
‫المسلمين لساتذتهم في الغرب وإحياء )يوم المومة( في ديار أهل السلم‪،‬‬
‫مع أن المسلمين ليسوا محتاجين يوما ً ول أسبوعا ً ول شهرا ً يكرمون فيه‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أمهاتهم؛ إذ إن دينهم يحتم عليهم بر والديهم العمر كله‪ ،‬ويجعل جزاء ذلك‬
‫الجنة؛ فما الداعي إلى نقل يوم المومة إلى ديار المسلمين؟‬
‫وقد نادى مؤخرا ً أحد العرب باختراع عيد للب كما للم عيد‪ ،‬وأجيب طلبه في‬
‫بلده وصار للب عيد رسمي معترف به!!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عيد المة الجتماعي ‪...‬‬


‫مصطفى صادق الرافعي ‪...‬‬
‫ما أشد حاجتنا نحن المسلمين إلى أن نفهم أعيادنا فهما جديدا‪ ،‬نتلقاها به‬
‫ونأخذها من ناحيته‪ ،‬فتجيء أياما سعيدة عاملة‪ ،‬تنبه فينا أوصافها القوية‪،‬‬
‫وتجدد نفوسنا بمعانيها‪ ،‬ل كما تجيء الن كالحة عاطلة ممسوحة من المعنى‪،‬‬
‫أكبر عملها تجديد الثياب‪ ،‬وتحديد الفراغ‪ ،‬وزيادة ابتسامة على النفاق‪...‬‬
‫فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في اليوم ل اليوم نفسه‪ ،‬وكما يفهم الناس‬
‫هذا المعنى يتلقون هذا اليوم؛ وكأن العيد في السلم هو عيد الفكرة العابدة‪،‬‬
‫فأصبح عيد الفكرة العابثة؛ وكانت عبادة الفكر جمعها المة في إرادة واحدة‬
‫على حقيقة عملية‪ ،‬فأصبح عبث الفكرة جمعها المة على تقليد بغير حقيقة؛‬
‫له مظهر المنفعة وليس له معناها‪.‬‬
‫كان العيد إثبات المة وجودها الروحاني في أجمل معانيه فأصبح إثبات المة‬
‫دها‪ ،‬فعاد يوم‬ ‫وجودها الحيواني في أكثر معانيه‪ ،‬وكان يوم استرواح من ج ّ‬
‫استراحة الضعف من ذّله‪ ،‬وكان يوم المبدأ‪ ،‬فرجع يوم المادة!‪.‬‬
‫ليس العيد إل إشعار هذه المة بأن فيها قوة تغيير اليام‪ ،‬ل إشعارها بأن‬
‫اليام تتغير؛ وليس العيد للمة إل يوما تعرض فيه جمال نظامها الجتماعي‪،‬‬
‫فيكون يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع‪ ،‬والكلمة الواحدة في ألسنة‬
‫الجميع؛ يوم الشعور بالقدرة على تغيير اليام‪ ،‬ل القدرة على تغيير الثياب‪..‬‬
‫كأنما العيد هو استراحة السلحة يوما في شعبها الحربي‪.‬‬
‫وليس العيد إل تعليم المة كيف تتسع روح الجوار وتمتد‪ ،‬حتى يرجع البلد‬
‫العظيم وكأنه لهله دار واحدة يتحقق فيها الخاء بمعناه العملي‪ ،‬وتظهر‬
‫فضيلة الخلص مستعلنة للجميع‪ ،‬ويهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا‬
‫القلوب المخلصة المحبة‪ ،‬وكأنما العيد هو إطلق روح السرة الواحدة في‬
‫المة كلها‪.‬‬
‫وليس العيد إل إظهار الذاتية الجميلة للشعب مهزوزة من نشاط الحياة‪ ،‬وإل‬
‫ذاتية للمم الضعيفة؛ ول نشاط للمم المستعبدة‪ ،‬فالعيد صوت القوة يهتف‬
‫بالمة‪ :‬اخرجي يوم أفراحك‪ ،‬اخرجي يوما كأيام النصر!‪.‬‬
‫وليس العيد إل إبراز الكتلة الجتماعية للمة متميزة بطابعها الشعبي‪،‬‬
‫مفصولة من الجانب‪ ،‬لبسة من عمل أيديها‪ ،‬معلنة بعيدها استقللين في‬
‫وجودها وصناعتها‪ ،‬ظاهرة بقوتين في إيمانها وطبيعتها‪ ،‬مبتهجة بفرحين في‬
‫ن العيد يوم يفرح الشعب كله بخصائصه‪.‬‬ ‫دورها وأسواقها‪ ،‬فكأ ّ‬
‫وليس العيد إل التقاء الكبار والصغار في معنى الفرح بالحياة الناجحة‬
‫المتقدمة في طريقها‪ ،‬وترك الصغار يلقون درسهم الطبيعي في حماسة‬
‫الفرح والبهجة‪ ،‬ويعلمون كبارهم كيف توضع المعاني في بعض اللفاظ التي‬
‫فرغت عندهم من معانيها‪ ،‬ويبصرونهم كيف ينبغي أن تعمل الصفات النسانية‬
‫منابذ* لمنابذه‪ ،‬فالعيد يوم تسلط‬ ‫في الجموع عمل الحليف لحليفه‪ ،‬ل عمل ال ُ‬
‫العنصر الحي على نفسية الشعب‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وليس العيد إل تعليم المة كيف توجه بقوتها حركة الزمن إلى معنى واحد‬
‫كلما شاءت؛ فقد وضع لها الدين هذه القاعدة لتخرج عليها المثلة‪ ،‬فتجعل‬
‫للوطن عيدا ماليا اقتصاديا تبتسم فيه الدراهم بعضها إلى بعض‪ ،‬وتخترع‬
‫للصناعة عيدها‪ ،‬وتوجد للعلم عيده‪ ،‬وتبتدع للفن مجالي زينته‪ ،‬وبالجملة‬
‫تنشئ لنفسها أياما تعمل عمل القادة العسكريين في قيادة الشعب‪ ،‬يقوده‬
‫كل يوم منها إلى معنى من معاني النصر‪.‬‬
‫هذه المعاني السياسية القوية هي التي من أجلها فرض العيد ميراثا دهريا‬
‫في السلم‪ ،‬ليستخرج أهل كل زمن من معاني زمنهم فيضيفوا إلى المثال‬
‫أمثلة مما يبدعه نشاط المة‪ ،‬ويحققه خيالها‪ ،‬وتقتضيه مصالحها‪.‬‬
‫وما أحسب الجمعة قد فرضت على المسلمين عيدا أسبوعيا يشترط فيه‬
‫الخطيب والمنبر والمسجد الجامع ـ إل تهيئة لذلك المعنى وإعدادا له؛ ففي‬
‫كل سبعة أيام مسلمة يوم يجيء فيشعر الناس معنى القائد الحربي للشعب‬
‫كله‪.‬‬
‫أل ليت المنابر السلمية ل يخطب عليها إل رجال فيهم أرواح المدافع‪ ،‬ل‬
‫رجال في أيديهم سيوف من خشب‪... .‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عيد الحب قصته‪ ،‬شعائره‪ ،‬حكمه‬


‫إبراهيم بن محمد الحقيل ‪14/1/1427‬‬
‫‪13/02/2006‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد‬
‫أن محمدا ً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه‬
‫والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد فإن الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬اختار لنا السلم دينا كما قال ‪ -‬تعالى ‪: -‬‬
‫)إن الدين عند الله السلم( )آل عمران‪ (19 :‬ولن يقبل الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬من‬
‫أحد دينا ً سواه كما قال ‪ -‬تعالى ‪) -‬ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه‬
‫وهو في الخرة من الخاسرين( )آل عمران‪(85 :‬وقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪)-‬والذي نفس محمد بيده ل يسمع بي يهودي ول نصراني ثم يموت‬
‫ولم يؤمن بالذي أرسلت به إل كان من أصحاب النار( )رواه مسلم ‪.(153‬‬
‫وجميع الديان الموجودة في هذا العصر سوى دين السلم أديان باطلة‪ ،‬ل‬
‫تقرب إلى الله ‪ -‬تعالى ‪ ،-‬بل إنها ل تزيد العبد إل بعدا منه ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪-‬‬
‫بحسب ما فيها من ضلل‪.‬‬
‫وقد أخبر النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬أن فئاما ً من أمته سيتبعون أعداء‬
‫الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬في بعض شعائرهم وعاداتهم‪ ،‬وذلك في حديث أبي سعيد‬
‫الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪) :‬لتتبعن‬
‫سنن من كان قبلكم شبرا ً بشبر وذراعا ً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب‬
‫تبعتموهم‪ ،‬قلنا يا رسول الله‪ :‬اليهود والنصارى‪ ،‬قال‪ :‬فمن؟! ( أخرجه‬
‫البخاري )‪ (732‬ومسلم )‪.(2669‬‬
‫وفي حديث ابن عمر ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬قال الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ : -‬ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثل ً بمثل حذو النعل‬
‫بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علنية كان في أمتي مثله( أخرجه‬
‫الحاكم )‪.(1/129‬‬
‫وقد وقع ما أخبر به النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وانتشر في الزمنة‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخيرة في كثير من البلد السلمية إذ اّتبع كثير من المسلمين أعداء الله ‪-‬‬
‫تعالى ‪ -‬في كثير من عاداتهم وسلوكياتهم وقلدوهم في بعض شعائرهم‪،‬‬
‫واحتفلوا بأعيادهم‪.‬‬
‫وكان ذلك نتيجة للفتح المادي‪ ،‬والتطور العمراني الذي فتح الله به على‬
‫البشرية‪ ،‬وكان قصب السبق فيه في الزمنة المتأخرة للبلد الغربية‬
‫النصرانية العلمانية‪ ،‬مما كان سببا ً في افتتان كثير من المسلمين بذلك‪ ،‬ل‬
‫سيما مع ضعف الديانة في القلوب‪ ،‬وفشو الجهل بأحكام الشريعة بين‬
‫الناس‪.‬‬
‫ً‬
‫وزاد المر سوءا النفتاح العلمي بين كافة الشعوب‪ ،‬حتى غدت شعائر‬
‫الكفار وعاداتهم تنقل مزخرفة مبهرجة بالصوت والصورة الحية من بلدهم‬
‫إلى بلد المسلمين عبر الفضائيات والشبكة العالمية ‪-‬النترنت‪ -‬فاغتر‬
‫بزخرفها كثير من المسلمين‪.‬‬
‫وفي السنوات الخيرة انتشرت ظاهرة بين كثير من شباب المسلمين ‪-‬ذكورا ً‬
‫وإناثًا‪ -‬ل تبشر بخير‪ ،‬تمثلت في تقليدهم للنصارى في الحتفال بعيد الحب‪.‬‬
‫مما كان داعيا ً لولي العلم والدعوة أن يبينوا شريعة الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬في ذلك‪.‬‬
‫نصيحة لله ورسوله ولئمة المسلمين وعامتهم ؛ حتى يكون المسلم على بّينة‬
‫من أمره ولئل يقع فيما يخل بعقيدته التي أنعم الله بها عليه‪.‬‬
‫وهذا عرض مختصر لصل هذا العيد ونشأته والمقصود منه‪ ،‬وما يجب على‬
‫المسلم تجاهه‪.‬‬
‫قصة عيد الحب‬
‫يعتبر عيد الحب من أعياد الرومان الوثنيين‪ ،‬إذ كانت الوثنية سائدة عند‬
‫الرومان قبل ما يزيد على سبعة عشر قرنًا‪ .‬وهو تعبير في المفهوم الوثني‬
‫الروماني عن الحب اللهي‪.‬‬
‫ولهذا العيد الوثني أساطير استمرت عند الرومان‪ ،‬وعند ورثتهم من النصارى‪،‬‬
‫ومن أشهر هذه الساطير‪ :‬أن الرومان كانوا يعتقدون أن )رومليوس(‬
‫مؤسس مدينة )روما( أرضعته ذات يوم ذئبة فأمدته بالقوة ورجاحة الفكر‪.‬‬
‫فكان الرومان يحتفلون بهذه الحادثة في منتصف شهر فبراير من كل عام‬
‫احتفال ً كبيرًا‪ ،‬وكان من مراسيمه أن يذبح فيه كلب وعنزة‪ ،‬ويدهن شابان‬
‫مفتول العضلت جسميهما بدم الكلب والعنزة‪ ،‬ثم يغسلن الدم باللبن‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك يسير موكب عظيم يكون الشابان في مقدمته يطوف الطرقات‪ .‬ومع‬
‫الشابين قطعتان من الجلد يلطخان بهما كل من صادفهما‪ ،‬وكان النساء‬
‫الروميات يتعرضن لتلك اللطمات مرحبات‪ ،‬لعتقادهن بأنها تمنع العقم‬
‫وتشفيه‪.‬‬
‫علقة القديس فالنتين بهذا العيد‪:‬‬
‫)القديس فالنتين( اسم التصق باثنين من قدامى ضحايا الكنيسة النصرانية‬
‫قيل‪ :‬إنهما اثنان‪ ،‬وقيل‪ :‬بل هو واحد توفي في روما إثر تعذيب القائد‬
‫القوطي )كلوديوس( له حوالي عام ‪296‬م‪ .‬وبنيت كنيسة في روما في‬
‫المكان الذي توفي فيه عام ‪350‬م تخليدا ً لذكراه‪.‬‬
‫ولما اعتنق الرومان النصرانية أبقوا على الحتفال بعيد الحب السابق ذكره‪،‬‬
‫لكن نقلوه من مفهومه الوثني )الحب اللهي( إلى مفهوم آخر يعبر عنه‬
‫بشهداء الحب‪ ،‬ممثل ً في القديس فالنتين الداعية إلى الحب والسلم الذي‬
‫استشهد في سبيل ذلك حسب زعمهم‪ .‬وسمي ‪ -‬أيضا ‪) -‬عيد العشاق( واعتبر‬
‫)القديس فالنتين( شفيع العشاق وراعيهم‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وكان من اعتقاداتهم الباطلة في هذا العيد أن تكتب أسماء الفتيات اللتي في‬
‫سن الزواج في لفافات صغيرة من الورق‪ ،‬وتوضع في طبق على منضدة‪،‬‬
‫ويدعى الشبان الذين يرغبون في الزواج ليخرج كل منهم ورقة‪ ،‬فيضع نفسه‬
‫في خدمة صاحبة السم المكتوب لمدة عام يختبر كل منهما خلق الخر‪ ،‬ثم‬
‫يتزوجان‪ ،‬أو يعيدان الكرة في العام التالي يوم العيد أيضًا‪.‬‬
‫وقد ثار رجال الدين النصراني على هذا التقليد‪ ،‬واعتبروه مفسدا ً لخلق‬
‫الشباب والشابات فتم إبطاله في إيطاليا التي كان مشهورا ً فيها‪ ،‬لنها مدينة‬
‫الرومان المقدسة ثم صارت معقل ً من معاقل النصارى‪ .‬ول يعلم على وجه‬
‫التحديد متى تم إحياؤه من جديد‪ .‬فالروايات النصرانية في ذلك مختلفة‪ ،‬لكن‬
‫تذكر بعض المصادر أن النجليز كانوا يحتفلون به منذ القرن الخامس عشر‬
‫الميلدي‪ .‬وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلديين انتشرت في‬
‫بعض البلد الغربية محلت تبيع كتبا ً صغيرة تسمى)كتاب الفالنتين( فيها بعض‬
‫الشعار الغرامية؛ ليختار منها من أراد أن يرسل إلى محبوبته بطاقة تهنئة‪،‬‬
‫وفيها مقترحات حول كيفية كتابة الرسائل الغرامية والعاطفية‪.‬‬
‫أسطورة ثانية‪:‬‬
‫تتلخص هذه السطورة في أن الرومان كانوا أيام وثنيتهم يحتفلون بعيد يدعى‬
‫)عيد لوبركيليا( وهو العيد الوثني المذكور في السطورة السابقة‪ ،‬وكانوا‬
‫يقدمون فيه القرابين لمعبوداتهم من دون الله ‪ -‬تعالى ‪ ،-‬ويعتقدون أن هذه‬
‫الوثان تحميهم من السوء‪ ،‬وتحمي مراعيهم من الذئاب‪.‬‬
‫فلما دخل الرومان في النصرانية بعد ظهورها‪ ،‬وحكم الرومان المبراطور‬
‫الروماني )كلوديوس الثاني( في القرن الثالث الميلدي منع جنوده من‬
‫الزواج؛ لن الزواج يشغلهم عن الحروب التي كان يخوضها‪ ،‬فتصدى لهذا‬
‫القرار )القديس فالنتين( وصار يجري عقود الزواج للجند سرًا‪ ،‬فعلم‬
‫المبراطور بذلك فزج به في السجن‪ ،‬وحكم عليه بالعدام‪.‬‬
‫أسطورة ثالثة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تتلخص هذه السطورة في أن المبراطور المذكور سابقا كان وثنيا وكان‬
‫)فالنتين( من دعاة النصرانية وحاول المبراطور إخراجه منها ليكون على‬
‫الدين الوثني الروماني‪ ،‬لكنه ثبت على دينه النصراني وأعدم في سبيل ذلك‬
‫في ‪ 14‬فبراير عام ‪270‬م ليلة العيد الوثني الروماني )لوبركيليا(‪.‬‬
‫فلما دخل الرومان في النصرانية أبقوا على العيد الوثني )لوبركيليا( لكنهم‬
‫ربطوه بيوم إعدام )فالنتين( إحياء لذكراه‪ ،‬لنه مات في سبيل الثبات على‬
‫النصرانية كما في هذه السطورة‪ ،‬أو مات في سبيل رعاية المحبين‬
‫وتزويجهم على ما تقتضيه السطورة الثانية‪.‬‬
‫شعائرهم في هذا العيد‪:‬‬
‫من أهم شعائرهم فيه‪:‬‬
‫‪ -1‬إظهار البهجة والسرور فيه كحالهم في العياد المهمة الخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬تبادل الورود الحمراء‪ ،‬وذلك تعبيرا ً عن الحب الذي كان عند الرومان حبا ً‬
‫إلهيا ً وثنيا ً لمعبوداتهم من دون الله ‪ -‬تعالى ‪ .-‬وعند النصارى عشقا ً بين‬
‫الحبيب ومحبوبته‪ ،‬ولذلك سمي عندهم بعيد العشاق‪.‬‬
‫‪ -3‬توزيع بطاقات التهنئة به‪ ،‬وفي بعضها صورة )كيوبيد( وهو طفل له جناحان‬
‫يحمل قوسا ً ونشابًا‪ .‬وهو إله الحب عند المة الرومانية الوثنية تعالى الله عن‬
‫إفكهم وشركهم علوا ً كبيرًا‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -4‬تبادل كلمات الحب والعشق والغرام في بطاقات التهنئة المتبادلة بينهم‬


‫عن طريق الشعر أو النثر أو الجمل القصيرة‪ ،‬وفي بعض بطاقات التهنئة‬
‫صور ضاحكة وأقوال هزلية‪ ،‬وكثيرا ً ما كان يكتب فيها عبارة )كن فالنتينيا(‬
‫وهذا يمثل المفهوم النصراني له بعد انتقاله من المفهوم الوثني‪.‬‬
‫‪ -5‬تقام في كثير من القطار النصرانية حفلت نهارية وسهرات مختلطة‬
‫راقصة‪ ،‬ويرسل كثير منهم هدايا منها‪ :‬الورود وصناديق الشوكولته إلى‬
‫أزواجهم وأصدقائهم ومن يحبونهم )انظر للمزيد من المعلومات حول‬
‫أساطيرهم فيه ‪ :‬الموسوعة العربية العالمية )‪ (17/203‬وموسوعة أغرب‬
‫العياد وأجب الحتفالت لسيد صديق عبد الفتاح )‪ ،(171 : 169‬وأعياد‬
‫الكفار وموقف المسلم منها للكاتب ص )‪.(37‬‬
‫الغرض من العرض السابق‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ليست الساطير المعروضة آنفا حول هذا العيد ورمزه )القديس فالنتين( مما‬
‫يهم العاقل فضل عن مسلم يوحد الله ‪ -‬تعالى ‪ ،-‬لن الساطير الوثنية عند‬
‫المتين الرومانية والنصرانية كثيرة جدا ً كما هو ظاهر لكل مطلع على كتبهم‬
‫وتواريخهم‪ ،‬لكن هذا العرض السابق لبعض هذه الساطير مقصود لبيان‬
‫حقيقة هذا العيد لمن اغتر به من جهلة المسلمين‪ ،‬فصاروا يحتفلون به تقليدا ً‬
‫للمة الضالة ‪ -‬النصرانية ‪ -‬حتى غدا كثير من المسلمين ‪ -‬مع السف ‪ -‬يخلط‬
‫بين الله والسطورة‪ ،‬والعقل والخرافة‪ ،‬ويأخذ كل ما جاء من الغرب‬
‫النصراني العلماني ولو كان أسطورة مسطورة في كتبهم‪ ،‬أو خرافة حكاها‬
‫رهبانهم‪ .‬وبلغ من جهل بعض من ينتسبون للسلم أن دعونا إلى لزوم أخذ‬
‫أساطير النصارى وخرافاتهم ما دمنا قد أخذنا سياراتهم وطياراتهم‬
‫وصناعاتهم‪ ،‬وهذا من الثمرات السيئة للتغريب والتقليد‪ ،‬الذي ل يميز صاحبه‬
‫بين ما ينفعه وما يضره‪ ،‬وهو دليل على تعطيل العقل الذي كرم الله به‬
‫النسان على سائر الحيوان‪ ،‬وعلى مخالفة الديانة التي تشرف المسلم‬
‫بالتزامها والدعوة إليها‪ ،‬كما هو دليل على الذوبان في الخر ‪ -‬الكافر ‪-‬‬
‫والنغماس في مستنقعاته الكفرية‪ ،‬وفقدان الشخصية والستقللية‪ ،‬وهو‬
‫عنوان الهزيمة النفسية‪ ،‬والولع في اتباع الغالب ماديا في خيره وشره وحلوه‬
‫ومره‪ ،‬وما يمدح من حضارته وما يعاب منها‪ ،‬دون تفريق ول تمييز‪ ،‬كما ينادي‬
‫بذلك كثير من العلمانيين المنهزمين مع أنفسهم‪ ،‬الخائنين لمتهم‪.‬‬
‫نظرات في الساطير السابقة ‪- :‬‬
‫من نظر إلى ما سبق عرضه من أساطير حول هذا العيد الوثني يتضح له ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن أصله عقيدة وثنية عند الرومان‪ ،‬يعبر عنها بالحب اللهي للوثن الذي‬
‫عبدوه من دون الله – تعالى‪ .-‬فمن احتفل به فهو يحتفل بمناسبة تعظم فيها‬
‫الوثان وتعبد من دون من يستحق العبادة وهو الخالق ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪،-‬‬
‫الذي حذرنا من الشرك ومن الطرق المفضية إليه فقال تعالى مخاطبا ً‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) -‬ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن‬
‫أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين‪ .‬بل الله فاعبد وكن من‬
‫الشاكرين( )الزمر‪ .(66 ،65 :‬وقضى – سبحانه ‪ -‬بأن من مات على الشرك‬
‫الكبر ل يجد ريح الجنة‪ ،‬بل هو مخلد في النار أبدا ً كما قال الله ‪ -‬تعالى ‪) -‬إن‬
‫الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضل ضلل ً بعيدا( )النساء‪ .(116 :‬وقال الله – تعالى ‪ -‬على لسان عيسى ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ -‬أنه قال لقومه )إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة‬
‫ومأواه النار وما للظالمين من أنصار( )المائدة‪ .(72 :‬فالواجب الحذر من‬
‫الشرك ومما يؤدي إليه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن نشأة هذا العيد عند الرومان مرتبطة بأساطير وخرافات ل يقبلها‬
‫العقل السوي فضل عن عقل مسلم يؤمن بالله ‪ -‬تعالى ‪ -‬وبرسله عليهم‬
‫الصلة والسلم‪.‬‬
‫فهل يقبل العقل السوي أن ذئبة أرضعت مؤسس مدينة روما وأمدته بالقوة‬
‫ورجاحة الفكر‪ ،‬على ما في هذه السطورة مما يخالف عقيدة المسلم لن‬
‫الذي يمد بالقوة ورجاحة الفكر هو الخالق ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬وليس لبن‬
‫ذئبة!!‬
‫وكذلك السطورة الخرى التي جاء فيها أن الرومان يقدمون في هذا العيد‬
‫القرابين لوثانهم التي يعبدونها من دون الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬اعتقادا ً منهم أن هذه‬
‫الوثان ترد السوء عنهم وتحمي مراعيهم من الذئاب‪ .‬فهذا ل يقبله عقل‬
‫سوي يعلم أن الوثان ل تضر ول تنفع علوة على ما فيه من الشرك الكبر‪.‬‬
‫فكيف يقبل عاقل على نفسه أن يحتفل بعيد ارتبط بهذه الساطير‬
‫والخرافات‪ ،‬فضل ً عن مسلم م ّ‬
‫ن الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬عليه بدين كامل وعقيدة‬
‫صحيحة؟!‬
‫ثالثًا‪ :‬أن من الشعائر البشعة لهذا العيد عند الرومان ذبح كلب وعنزة ودهن‬
‫شابين بدم الكلب والعنزة ثم غسل الدم باللبن…الخ فهذا مما تنفر منه‬
‫الفطر السوية ول تقبله العقول الصحيحة‪.‬‬
‫فكيف يحتفل من رزقه الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬فطرة سوية‪ ،‬وأعطاه عقل ً صحيحا‪ً،‬‬
‫وهداه لدين حق بهذا العيد الذي كانت تمارس فيه هذه الممارسات البشعة؟!‬
‫رابعًا‪ :‬أن ارتباط القديس )فالنتين( بهذا العيد ارتباط مختلف فيه وفي سببه‬
‫وقصته‪ ،‬بل إن بعض المصادر تشكك أصل ً في هذا القديس وتعتبره أسطورة‬
‫ل حقيقة لها‪ .‬وكان الجدر بالنصارى رفض هذا العيد الوثني الذي تبعوا فيه‬
‫المة الرومانية الوثنية‪ ،‬ل سيما وأن ارتباطه بقديس من قديسيهم أمر‬
‫مشكوك فيه!! فإذا عيب ذلك على النصارى الذين بدلوا دينهم وحرفوا كتبهم‪،‬‬
‫فمن الولى والكد أن يعاب على المسلم إذا احتفل به‪ .‬ثم لو ثبت أن هذا‬
‫العيد كان بمناسبة إعدام القديس فالنتين بسبب ثباته على النصرانية‪ ،‬فما لنا‬
‫وله‪ ،‬وما علقة المسلمين بذلك؟!‬

‫)‪(3 /‬‬

‫خامسا‪ :‬أن رجال الدين النصراني قد ثاروا على ما سببه هذا العيد من إفساد‬
‫لخلق الشباب والشابات فتم إبطاله في إيطاليا معقل النصارى الكاثوليك‪.‬‬
‫ثم أعيد بعد ذلك وانتشر في البلد الوربية‪ ،‬ومنها انتقل إلى كثير من بلد‬
‫المسلمين‪ .‬فإذا كان أئمة النصارى قد أنكروه في وقتهم لما سببه من فساد‬
‫لشعوبهم وهم ضالون فان الواجب على أولي العلم من المسلمين بيان‬
‫حقيقته‪ ،‬وحكم الحتفال به‪ ،‬كما يجب على عموم المسلمين إنكاره وعدم‬
‫قبوله‪ ،‬والنكار على من احتفل به أو نقله من النصارى إلى المسلمين‬
‫وأظهره في بلد السلم‪ .‬وذلك يحتمه واجب المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر والتواصي بالحق‪ ،‬إذ بيان الباطل وفضحه‪ ،‬والنهي عنه وإنكاره مما‬
‫يجب على عموم المسلمين كل حسب وسعه وطاقته‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لماذا ل نحتفل بهذا العيد؟!‬


‫كثير ممن يحتفلون بهذا العيد من المسلمين ل يؤمنون بالساطير والخرافات‬
‫المنسوجة حوله‪ ،‬سواء ما كان منها عند الرومان أو ما كان عند النصارى‪،‬‬
‫وأكثر من يحتفلون به من المسلمين ل يعلمون عن هذه الساطير شيئا‪ ،‬وإنما‬
‫دفعهم إلى هذا الحتفال تقليد لغيرهم أو شهوات ينالونها من جراء ذلك‪.‬‬
‫وقد يقول بعض من يحتفل به من المسلمين‪ :‬إن السلم دعا إلى المحبة‬
‫والسلم‪ ،‬وعيد الحب مناسبة لنشر المحبة بين المسلمين فما المانع من‬
‫الحتفال به؟!‬
‫وللجابة على ذلك أوجه عدة منها‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬أن العياد في السلم عبادات تقرب إلى الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬وهي‬
‫من الشعائر الدينية العظيمة‪ ،‬وليس في السلم ما يطلق عليه عيد إل عيد‬
‫الجمعة وعيد الفطر وعيد الضحى‪ .‬والعبادات توقيفية‪ ،‬فليس لحد من الناس‬
‫أن يضع عيدا ً لم يشرعه الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬ول رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.-‬‬
‫وبناًء عليه فإن الحتفال بعيد الحب أو بغيره من العياد المحدثة يعتبر ابتداعا ً‬
‫في الدين وزيادة في الشريعة‪ ،‬واستدراكا ً على الشارع ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪.-‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن الحتفال بعيد الحب فيه تشبه بالرومان الوثنيين ثم‬
‫بالنصارى الكتابيين فيما قلدوا فيه الرومان وليس هو من دينهم‪ .‬وإذا كان‬
‫يمنع من التشبه بالنصارى فيما هو من دينهم حقيقة إذا لم يكن من ديننا‬
‫فكيف بما أحدثوه في دينهم وقلدوا فيه عباد الوثان!!‬
‫وعموم التشبه بالكفار ‪ -‬وثنيين كانوا أم كتابيين ‪ -‬محرم سواء كان التشبه‬
‫بهم في عقائدهم وعباداتهم ‪-‬وهو أشد خطرا ً ‪ -‬أم فيما اختصوا به من‬
‫عاداتهم وأخلقهم وسلوكياتهم كما قرر ذلك علماء السلم استمدادا ً من‬
‫الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم ‪:‬‬
‫‪ -1‬فمن القرآن قول الله تعالى‪) :‬ول تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد‬
‫ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم( )آل عمران ‪ (105‬وقال تعالى‪) :‬‬
‫ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ول يكونوا‬
‫كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم المد فقست قلوبهم وكثير منهم‬
‫فاسقون( )الحديد ‪ (16‬فالله ‪ -‬تعالى ‪ -‬حذر المؤمنين من سلوك مسلك أهل‬
‫الكتاب ‪ -‬اليهود والنصارى ‪ -‬الذين غيروا دينهم‪ ،‬وحرفوا كتبهم‪ ،‬وابتدعوا ما لم‬
‫يشرع لهم‪ ،‬وتركوا ما أمرهم الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬به‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن السنة قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪)-‬من تشبه بقوم فهو‬
‫منهم( )أخرجه أحمد ‪ 3/50‬وأبو داود ‪ (5021‬قال شيخ السلم‪) :‬هذا الحديث‬
‫أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر‬
‫المتشبه بهم كما في قوله ‪ -‬تعالى ‪) -‬ومن يتولهم منكم فإنه منهم( )القتضاء‬
‫‪ (1/314‬وقال الصنعاني‪) :‬فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك‬
‫مثله كفر‪ ،‬فإن لم يعتقد ففيه خلف بين الفقهاء‪ :‬منهم من قال‪ :‬يكفر‪ ،‬وهو‬
‫ظاهر الحديث‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬ل يكفر ولكن يؤدب( )سبل السلم ‪(8/248‬‬
‫‪ -3‬وأما الجماع فقد نقل ابن تيمية أنه منعقد على حرمة التشبه بالكفار في‬
‫أعيادهم في وقت الصحابة ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬كما نقل ابن القيم اتفاق أهل‬
‫العلم على ذلك‪) .‬انظر القتضاء ‪ (1/454‬وأحكام أهل الذمة )‪(3/1245‬‬
‫والتشبه بالكفار فيما هو من دينهم ‪-‬كعيد الحب‪ -‬أخطر من التشبه بهم في‬
‫أزيائهم أو عاداتهم أو سلوكياتهم‪ ،‬لن دينهم إما مخترع وإما محرف‪ ،‬وما لم‬
‫يحرف منه فمنسوخ‪ ،‬فل شيء منه يقرب إلى الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬فإذا كان المر‬
‫كذلك فإن الحتفال بعيد الحب تشبه بعباد الوثان ‪-‬الرومان‪ -‬في عباداتهم‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للوثان‪ ،‬ثم بأهل الكتاب في أسطورة حول قديس عظموه وغلوا فيه‪.‬‬
‫وصرفوا له ما ل يجوز صرفه للبشر بأن جعلوا له عيدا ً يحتفلون به‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬أن المقصود من عيد الحب في هذا الزمن إشاعة المحبة بين‬
‫الناس كلهم مؤمنهم وكافرهم وهذا مما يخالف دين السلم فإن للكافر على‬
‫المسلم العدل معه‪ ،‬وعدم ظلمه‪ ،‬كما أن له إن لم يكن حربيا ً ولم يظاهر‬
‫الحربيين البر من المسلم إن كان ذا رحم عمل ً بقوله ‪ -‬تعالى ‪ ) -‬ل ينهاكم‬
‫الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم‬
‫وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين( )الممتحنة‪ .(8 :‬ول يلزم من‬
‫القسط مع الكافر وبره صرف المحبة والمودة له‪ ،‬بل الواجب كراهيته في‬
‫الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬لتلبسه بالكفر الذي ل يرضاه الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬كما قال ‪ -‬تعالى‬
‫‪) -‬ول يرضى لعباده الكفر( )الزمر‪.(7 :‬‬
‫وقد أوجب الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬عدم مودة الكافر في قوله سبحانه ‪) :‬ل تجد قوما ً‬
‫يؤمنون بالله واليوم الخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو‬
‫أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم( )المجادلة‪ (22 :‬قال شيخ السلم ابن تيمية‬
‫رحمه الله ‪ -‬تعالى ‪ ) -‬فأخبر سبحانه أنه ل يوجد مؤمن يواد كافًرا‪ ،‬فمن واد‬
‫الكفار فليس بمؤمن‪ ،‬والمشابهة الظاهرة مظنة المودة فتكون محرمة(‬
‫)القتضاء ‪ (1/490‬وقال أيضا‪) :‬المشابهة تورث المودة والمحبة والموالة في‬
‫الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر(‪.‬‬
‫ول يمكن أن تجتمع محبة الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬ومحبة ما يحبه مع محبة الكفر‬
‫وشعائره وأهله في قلب واحد‪ ،‬فمن أحب الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬كره الكفر وشعائره‬
‫وأهله‪.‬‬
‫الوجه الرابع ‪ :‬أن المحبة المقصودة في هذا العيد منذ أن أحياه النصارى هي‬
‫محبة العشق والغرام خارج إطار الزوجية‪.‬‬
‫ونتيجتها‪ :‬انتشار الزنى والفواحش‪ ،‬ولذلك حاربه رجال الدين النصراني في‬
‫وقت من الوقات وأبطلوه ثم أعيد مرة أخرى‪.‬‬
‫وأكثر شباب المسلمين يحتفلون به لجل الشهوات التي يحققها وليس‬
‫اعتقادا ً بخرافات الرومان والنصارى فيه‪ .‬ولكن ذلك ل ينفي عنهم صفة‬
‫التشبه بالكفار في شيء من دينهم‪ .‬وهذا فيه من الخطر على عقيدة المسلم‬
‫ما فيه‪ ،‬وقد يوصل صاحبه إلي الكفر إذا توافرت شروطه وانتفت موانعه‪.‬‬
‫ول يجوز لمسلم أن يبني علقات غرامية مع امرأة ل تحل له‪ ،‬وذلك بوابة‬
‫الزنى الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب‪.‬‬
‫فمن احتفل بعيد الحب من شباب المسلمين‪ ،‬وكان قصده تحصيل بعض‬
‫الشهوات أو إقامة علقات مع امرأة ل تحل له‪ ،‬فقد قصد كبيرة من كبائر‬
‫الذنوب‪ ،‬واتخذ وسيلة في الوصول إليها ما يعتبره العلماء كفرا ً وهو التشبه‬
‫بالكفار في شعيرة من شعائرهم‪.‬‬
‫موقف المسلم من عيد الحب‬
‫مما سبق عرضه في بيان أصل هذا العيد‪ ،‬وقصته‪ ،‬والمقصود منه‪ ،‬فإنه يمكن‬
‫تلخيص ما يجب على المسلم تجاهه في التي‪:‬‬
‫ل‪ :‬عدم الحتفال به‪ ،‬أو مشاركة المحتفلين به في احتفالهم‪ ،‬أو الحضور‬ ‫أو ً‬
‫معهم لما سبق عرضه من الدلة الدالة على تحريم التشبه بالكفار‪ .‬قال‬
‫الحافظ الذهبي ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪) :-‬فإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كانوا مختصين به فل يشركهم فيه مسلم كما ل يشاركهم في شرعتهم ول‬


‫قبلتهم‪ .‬أهـ )تشبه الخسيس بأهل الخميس‪ ،‬رسالة منشورة في مجلة‬
‫الحكمة )‪(4/193‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬عدم إعانة الكفار على احتفالهم به بإهداء أو طبع أدوات العيد‬
‫وشعاراته أو إعارة‪ ،‬لنه شعيرة من شعائر الكفر‪ ،‬فإعانتهم وإقرارهم عليه‬
‫إعانة على ظهور الكفر وعلوه وإقرار به‪ .‬والمسلم يمنعه دينه من إقرار‬
‫الكفر والعانة على ظهوره وعلوه‪ .‬ولذلك قال شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬‬
‫رحمه الله تعالى ‪) :-‬ل يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص‬
‫بأعيادهم ل من طعام ول لباس ول اغتسال ول إيقاد نيران ول تبطيل عادة‬
‫من معيشة أو عبادة أو غير ذلك‪ .‬ول يحل فعل وليمة ول الهداء ول البيع بما‬
‫يستعان به على ذلك لجل ذلك‪ ،‬ول تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي‬
‫في العياد ول إظهار الزينة‪ .‬وبالجملة‪ :‬ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء‬
‫من شعائرهم‪ ،‬بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر اليام( )مجموعة‬
‫الفتاوى ‪.(25/329‬‬
‫وقال ابن التركماني‪) :‬فيأثم المسلم بمجالسته لهم وبإعانته لهم بذبح وطبخ‬
‫وإعارة دابة يركبونها لمواسمهم وأعيادهم‪) (.‬اللمع في الحوادث والبدع‬
‫‪.(520-2/519‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عدم إعانة من احتفل به من المسلمين‪ ،‬بل الواجب النكار عليهم‪ ،‬لن‬
‫احتفال المسلمين بأعياد الكفار منكر يجب إنكاره‪ .‬قال شيخ السلم ‪ -‬رحمه‬
‫الله تعالى ‪) : -‬وكما ل نتشبه بهم في العياد‪ ،‬فل يعان المسلم بهم في ذلك‪،‬‬
‫بل ينهى عن ذلك‪ .‬فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب‬
‫دعوته‪ ،‬ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه العياد مخالفة للعادة في‬
‫سائر الوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته‪ ،‬خصوصا ً إن كانت الهدية مما‬
‫يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه‪ ،‬ول يبيع المسلم ما يستعين به‬
‫المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك‪ ،‬لن في‬
‫ذلك إعانة على المنكر( )القتضاء ‪.(520-2/519‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وبناًء على ما قرره شيخ السلم فإنه ل يجوز للتجار المسلمين أن يتاجروا‬
‫بهدايا عيد الحب من لباس معين أو ورود حمراء أو بطاقات تهنئة صممت‬
‫لجله أو غير ذلك‪ ،‬لن المتاجرة بها إعانة على المنكر الذي ل يرضاه الله ‪-‬‬
‫تعالى ‪ -‬ول رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.-‬‬
‫كما ل يحل لمن أهديت له هدية هذا العيد أن يقبلها؛ لن في قبولها إقرار لهذا‬
‫العيد‪.‬‬
‫دا للمسلمين‪ .‬وإذا هنئ‬ ‫رابعًا‪ :‬عدم تبادل التهاني بعيد الحب‪ ،‬لنه ليس عي ً‬
‫المسلم به فل يرد التهنئة‪ .‬قال ابن القيم ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪) :-‬وأما التهنئة‬
‫بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم‬
‫فيقول‪ :‬عيد مبارك عليك‪ ،‬أو تهنأ بهذا العيد ونحوه‪ ،‬فهذا إن سلم قائله من‬
‫الكفر فهو من المحرمات‪ ،‬وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب‪ ،‬بل ذلك‬
‫أعظم عند الله وأشد مقتا ً من التهنئة بشرب الخمر‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬وارتكاب‬
‫الفرج الحرام ونحوه‪ .‬وكثير ممن ل قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو ل يدري‬
‫قبح ما فعل‪ ،‬فمن هنأ عبدا ً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله‬
‫وسخطه( )أحكام أهل الذمة ‪.(442-1/441‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خامسًا‪ :‬توضيح حقيقة هذا العيد وأمثاله من أعياد الكفار لمن اغتر بها من‬
‫المسلمين‪ ،‬وبيان ضرورة تميز المسلم بدينه والمحافظة على عقيدته مما‬
‫يخل بها‪ ،‬وتذكيره بمخاطر التشبه بالكفار في شعائرهم الدينية كالعياد أو‬
‫بعاداتهم وسلوكياتهم‪ ،‬نصحا للمة وأداًء لواجب المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر الذي بإقامته صلح العباد والبلد‪ ،‬وحلول الخيرات‪ ،‬وارتفاع العقوبات‬
‫كما قال ‪ -‬تعالى ‪) -‬وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون()هود‪:‬‬
‫‪.(117‬‬
‫أسأل الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬أن يحفظ المسلمين من مضلت الفتن‪ ،‬وأن يقيهم‬
‫شرور أنفسهم ومكر أعدائهم إنه سميع مجيب‪ .‬وصلى الله وبارك على عبده‬
‫ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫عيد الحب‬
‫فتوى فضيلة الشيخ ‪ /‬محمد بن صالح العثيمين‬
‫السؤال ‪ :‬فقد انتشر في الونة الخيرة الحتفال بعيد الحب ‪ -‬خاصة بين‬
‫الطالبات ‪ -‬وهو عيد من أعياد النصارى ‪ ،‬ويكون الزي كامل ً باللون الحمر‬
‫الملبس والحذاء ويتبادلن الزهور الحمراء ‪ ..‬نأمل من فضيلتكم بيان حكم‬
‫الحتفال بمثل هذا العيد ‪ ،‬وما توجيهكم للمسلمين في مثل هذه المور ‪،‬‬
‫والله يحفظكم ويرعاكم ؟‬
‫الجواب ‪ :‬وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته ‪.‬‬
‫الحتفال بعيد الحب ل يجوز لوجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنه عيد بدعي ل أساس له في الشريعة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه المور التافهة المخالفة لهدي‬
‫السلف الصالح ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬فل يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء‬
‫من شعائر العيد سواء كان في المآكل أو المشارب أو الملبس أو التهادي أو‬
‫غير ذلك وعلىالمسلم أن يكون عزيزا ً بدينه وأن ليكون إمعه يتبع كل ناعق ‪.‬‬
‫أسأل الله تعالى أن يعيذ المسلمين من كل الفتن ما ظهر وما بطن وأن‬
‫يتولنا بتوليه وتوفيقه ‪.‬‬
‫كتبه ‪ /‬محمد الصالح العثيمين في ‪5/11/1420‬هـ ‪.‬‬
‫من مطوية ) رسالة ( دار القاسم الرياض ‪ 11442‬ص ب ‪ 6373‬هاتف‬
‫‪ 4775311‬فاكس ‪4774432‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عيد الغطاس )‪(1‬‬


‫إبراهيم بن محمد الحقيل ‪25/12/1425‬‬
‫‪05/02/2005‬‬
‫وهو يوم )‪ 19‬يناير( وعند القباط يوم )‪ 11‬من شهر طوبة( وأصله عندهم أن‬
‫يحيى بن زكريا –عليهما الصلة والسلم‪ -‬والمعروف عندهم بيوحنا المعمدان‬
‫مد المسيح ابن مريم –عليه الصلة والسلم‪ -‬في نهر الردن‪ ،‬وعندما غسله‬ ‫ع ّ‬
‫اتصلت به روح القدس‪ ،‬فصار النصارى لجل ذلك يغمسون أولدهم في الماء‬
‫في هذا اليوم وينزولون فيه بأجمعهم)‪.(2‬‬
‫وعلى هذا المفهوم تحتفل به الكنائس الرثوذكسية‪ ،‬وأما الكنائس الكاثوليكية‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والبروتستانتية فلهم مفهوم آخر في الحتفال به‪ ،‬وهو إحياء ذكر تقديس‬
‫الرضيع المسيح –عليه الصلة والسلم‪ -‬على يد الرجال الثلثة الذين قدموا‬
‫من الشرق‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬وأصل كلمة )غطاس( إغريقية وهي تعني الظهور‪ ،‬وهو مصطلح ديني‬
‫مشتق من ظهور كائن غير مرئي ‪ ،‬وقد جاء في التوراة أن الله –تعالى‪-‬‬
‫تجلى لموسى – عليه الصلة والسلم‪ -‬على هيئة أجمة محترقة ‪ ،‬تعالى الله‬
‫وا كبيًرا‪ .‬انظر‪ :‬الموسوعة العربية العالمية )‪(16/709‬‬ ‫عن قولهم عل ً‬
‫والموسوعة العربية الميسرة )‪.(2/1247‬‬
‫)‪ (2‬مجلة السلم‪ ،‬عدد )‪ ،(43‬ص)‪ ،(24‬وقد ذكر المسعودي في مروج‬
‫ما بمصر‪ ،‬يحضره آلف‬ ‫الذهب )‪ (1/357‬أن لهذا العيد –في وقته‪ -‬شأنا ً عظي ً‬
‫النصارى والمسلمين‪ ،‬ويغطسون في نهر النيل ويزعمون أنه أمان من‬
‫المرض ونشرة للدواء‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عيد الفلوجة‬
‫د‪ .‬لطف الله بن مل عبد العظيم خوجة ‪30/9/1426‬‬
‫‪02/11/2005‬‬
‫‪ -1‬عيد الفلوجة‬
‫العيد في الفلوجة هذا العام له مذاق خاص‪ ،‬يختلف عن أعياد البلد‪ ،‬التي فيها‬
‫العباد‪.!!..‬‬
‫عيد الفلوجة يحكي لنا أعياد قرى مهجورة‪ ..‬يحكي آثار بلدان أثرية تاريخية‬
‫بائدة‪.!!..‬‬
‫عيد الفلوجة شبح عيد‪ ،‬يأتي في غير وقته‪ ،‬يأتي في ليل مظلم‪ ،‬مخيف‪ ،‬ل‬
‫أحد يفرح به‪ ،‬ول أحد يتهيء له‪.!!..‬‬
‫عيد الفلوجة‪:‬‬
‫‪ -‬حزن‪ ،‬ل فرح‪..‬‬
‫‪ -‬كرب‪ ،‬ل فرج‪..‬‬
‫‪ -‬إبادة‪ ،‬ل حياة‪..‬‬
‫‪ -‬صواريخ وقنابل‪ ،‬ل حلوى وتهاني‪.!!..‬‬
‫بلد صغير من بلد السلم يحتضر تحت أسلحة الجرام القذرة‪ ،‬على أيدي من‬
‫حرم النسانية والكرامة‪ ،‬دع عنك العدالة والحرية‪ ..‬أيدٍ متلطخة بدماء بريئة‪:‬‬
‫طفل صغير‪ ،‬وفتاة يافعة‪ ،‬وامرأة ضعيفة‪ ،‬وشيخ فان‪.‬‬
‫تضرب ضرب الجبناء‪ ،‬في كل ناحية‪ ،‬دون تمييز‪ ،‬في كل بيت‪ ،‬وركن‪ ،‬وشارع‪،‬‬
‫غرضها تدمير المدينة بالكامل‪ ،‬بمن فيها من المسلمين‪ ،‬ألم تروهم في‬
‫الوسائل العلمية كيف يقصفون‪ ،‬وكيف يطلقون نيرانهم بصورة‬
‫عشوائية ‪..‬؟!!‪.‬‬
‫جثث الناس في الشوارع بالمئات‪ ،‬والجرحى بالمئات‪ ،‬وآباء ينظرون صغارهم‬
‫المصابين حتى الموت‪ ،‬فل مغيث‪ ،‬ول مسعف‪ ،‬ول قبور تؤوي‪ ،‬فالبلدة‬
‫محاصرة‪ ،‬مسجونة‪:‬‬
‫‪ -‬أبوابها‪ :‬القنابل المحرمة‪ ،‬والصواريخ المدمرة‪.‬‬
‫‪ -‬نوافذها الرصاص والغازات السامة‪.‬‬
‫والمسعفون ممنوعون من الدخول‪ ،‬بخلوا عليهم حتى بالقبور‪.!!..‬‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعلمييون ممنوعون من الدخول‪ ،‬فأين الحرية العلمية والديمقراطية‪،‬‬


‫التي ينادي بها‪..‬؟!!‪..‬‬
‫الحقيقة ل حرية ول ديمقراطية‪ ،‬إنما دكتاكتورية‪ ،‬وتسلط بالقوة‪ ،‬يتخفى وراء‬
‫الحرب على الرهاب‪.‬‬
‫فأين الذين يزينون هذه المبادئ‪ ،‬ويدعون إلى فتح البلد‪ ،‬والصدور لصحابها‪،‬‬
‫والترحيب بهم‪..‬؟!‪.‬‬
‫***‬
‫بيوت الله المعظمة‪ ،‬مساجد الله المحرمة‪ ،‬هدمت‪ ،‬وضربت‪ ،‬ودنست‪ ..‬ولو‬
‫حدث مثل هذا الجرم الكبير في وقت مضى‪ ،‬لهب المسلمون من كل الرض‬
‫لتطهير الرض‪ ،‬وتلقين المعتدي درسا يفهمه لجيال‪.‬‬
‫فإن امرأة مسلمة مأسورة عند الروم استغاثت بالمعتصم‪ ،‬الخليفة العباسي‪،‬‬
‫لما ضربها الحارس‪ ،‬فخرج المعتصم بجيش قاده بنفسه‪ ،‬ناذرا تخليصها‪ ،‬فما‬
‫رجع إل وفيا بنذره‪..‬‬
‫فأين مثال المعتصم اليوم ؟!!‪.‬‬
‫بل أين المسلمون‪ ،‬اليوم‪..‬؟‪.‬‬
‫إننا في حالة مزرية‪ ،‬وحق لنا أن نتوارى خجل مما نحن عليه‪ ،‬ولعل الله تعالى‬
‫أراد أن يذيقنا شيئا من العذاب‪ ،‬فنزع منا الفرحة بالعيد‪ ،‬وبالمال الذي بين‬
‫أيدينا‪ ،‬والترف الذي نعيش به‪ ،‬لما أعرضنا عن نصرة إخواننا‪.‬‬
‫***‬
‫مساكين هم أهل الفلوجة‪ ،‬وأطفال الفلوجة‪:‬‬
‫‪ -‬إنهم يرجون المان‪ ،‬ل يرجون حلوى العيد‪..‬‬
‫‪ -‬يرجون علج جرحاهم‪ ،‬ل التزين للعيد‪..‬‬
‫‪ -‬يرجون أكفانا وقبورا لموتاهم‪ ،‬ل ثيابا جديدة يلبسونها للعيد‪.‬‬
‫سمعنا استغاثتهم‪ ،‬لكننا قلنا لهم‪ :‬وما لكم تستغيثون بموتى‪..‬؟!!‪..‬‬
‫ابحثوا عن أحياء فاستغيثوا بهم‪ ،‬أجدى لكم‪..‬‬
‫‪ -‬فما ترجون من قعدة عجزة‪ ،‬أو شبه عجزة‪..‬؟!!‪.‬‬
‫‪ -‬ما ترجون من مترفين‪ ،‬لهين‪ ،‬ل هم إل بطونهم وفروجهم‪..‬‬
‫‪ -‬ما ترجون من قوم أمثلهم طريقة من إذا سمع بمصابكم تحوقل‪ ،‬واسترجع‪،‬‬
‫ورأى أنه أدى ما عليه‪..‬‬
‫‪ -‬ما ترجون ممن ل يدري بكم‪ ،‬ول يسمع بكم‪ ،‬ول يرى لكم عليه حقا ؟؟!!‪.‬‬
‫ارفعوا شكواكم إلى مولكم‪ ،‬الذي بيده كل شي‪ ،‬لكن نرجوكم أن تسألوه أن‬
‫يغير ما بنا من ذل وخور‪ ،‬فربما كان دعاؤكم أرجى للقبول‪ ،‬فنحن قد دعوناه‪،‬‬
‫ول ندري‪ ،‬فربما لم نعد أهل لن يستجاب لنا‪ ،‬مما بنا من البليا والرزايا‪ ،‬التي‬
‫ل تنتهي‪ ،‬بل كل يوم تنشأ وتستحدث‪.!!..‬‬
‫***‬
‫‪ -2‬دفع المعتدي مشروع‪.‬‬
‫بعض الناس يرجع باللوم على المجاهدين‪ ،‬أو المقاومين‪ ،‬وعنده أنه يجب ترك‬
‫المقاومة‪ ،‬حتى تسلم هذه البلدة‪ ،‬وغيرها من البلد المسلمة‪ ،‬من عدوان‬
‫همجي كهذا‪..‬؟؟!!‪.‬‬
‫لكن لو أخذنا بقوله هذا وطردناه‪ ،‬فيلزم منه ترك المقاومة أبدا‪ ،‬وكليا‪ ،‬مهما‬
‫احتل المعتدي بلدا من بلد المسلمين‪ ،‬حتى تسلم من الدمار‪ ،‬ولو فعل‬
‫المسلمون كذلك‪ ،‬فسلموا للعدو إذا شاء النزول ببلدهم‪ ،‬لصارت كل بلد‬
‫السلم‪ ،‬كلها مستعمرات لكافر محارب ظالم‪ ،‬ل يعرف عدل ول قسطا‪،‬‬
‫يفرض ما يشاء من قوانين ينتهك بها شريعة الله تعالى‪ ،‬ولعادت عهود‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستعمار تارة أخرى‪ ،‬فهل يقبل بهذا عاقل‪ ،‬فضل عن مسلم‪ ،‬مأمور بالجهاد‬
‫في سبيل الله تعالى أمرا واجبا‪ ،‬وفرضا لزما‪ ،‬يعاقب على تركه‪..‬؟!‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪:‬‬
‫‪" -‬وما لكم ل تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء‬
‫والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا‬
‫من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا * الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله‬
‫والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد‬
‫الشيطان كان ضعيفا"‪.‬‬
‫‪" -‬أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين‬
‫أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله ولول دفع الله الناس‬
‫بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله‬
‫كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫نعم لتصحيح أخطاء قد يقع فيها المقاومون المجاهدون‪ ،‬وبيان الحكم‬


‫الشرعي فيها‪ ،‬وهم غير منزهين من الخطأ‪ ،‬وربما انتسب إليهم من ليس‬
‫منهم‪ ،‬أما إلغاء دفع المحتل كليا‪ ،‬وإبطال جهاد المعتدي‪ ،‬فهذه ل ندري كيف‬
‫يمكن تقريرها شرعا‪..‬؟!!‪.‬‬
‫حتى قوانين البشر‪ ،‬وفطر البشر‪ ،‬وعقول البشر تنطق وتفصح بالقول‪ :‬أن‬
‫مقاومة المحتل‪ ،‬ودفعه للخروج من البلد أمر مشروع واجب‪ ،‬فرض‪ ،‬وأن كل‬
‫من توانى‪ ،‬وتخاذل بغير عذر فهو إما جبان‪ ،‬أو في صف العدو‪ .‬وشريعة الله‬
‫تعالى موافقة للفطر والعقول‪ ،‬والمنطق الصحيح‪.‬‬
‫وليعلم أن أي بلد يحتله الكافر‪ ،‬فيهب أهله للدفاع عنه‪ ،‬وفي سبيله يبلون‬
‫البلء الحسن‪ ،‬فذلك فأل خير للبلد الخرى‪ ،‬أن ل سبيل لهذا المحتل أن‬
‫يتمدد ناحيتهم باحتلل وعدوان‪ ،‬فإن الذي يغريه بأكل البلد والعباد هو‬
‫سكوتهم‪ ،‬ورضاهم‪ ،‬أما إذا وجد دفعا وجهاد ومقاومة‪ ،‬اضطر للرجوع‪ ،‬وكفى‬
‫شره‪.‬‬
‫***‬
‫‪ -3‬مثل الجسد الواحد‬
‫قال النبي الكرم‪ ،‬صلوات ربي وسلمه عليه‪:‬‬
‫‪) -‬مثل المؤمنين في‪ :‬توادهم‪ ،‬وتراحمهم‪ ،‬وتعاطفهم‪ .‬مثل الجسد الواحد‪ ،‬إذا‬
‫اشتكى منه عضو‪ ،‬تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى(‪ .‬متفق عليه من‬
‫حديث النعمان بن بشير‬
‫هكذا هم المؤمنون‪ ،‬وإل فليسوا بمؤمنين‪ :‬متوادين‪ ،‬متراحمين‪ ،‬متعاطفين‪،‬‬
‫متداعين سهرا ومرضا‪ .‬إذا اشتكى بعضهم‪ ..‬نعم ليسوا بمؤمنين إذا لم يكونوا‬
‫مثل ذلك‪ ،‬كذلك حكم النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فضرب للمؤمنين مثل‪،‬‬
‫كما ضرب لغيرهم مثل‪ ،‬فمثل المؤمنين هو‪ :‬التواد‪ ،‬والتراحم‪ ،‬والتعاطف‪،‬‬
‫والتداعي بالسهر والمرض‪ ،‬حيث تلم المصيبة ببعضهم‪.‬‬
‫فمثل المؤمنين مثل الجسد الواحد‪ ،‬فالجسد الواحد أعضاء‪ ،‬كل عضو متصل‬
‫بغيره بعروق‪ ،‬وأنسجة‪ ،‬وعظام‪ ،‬والدم يجري في جميعها عبر العروق‪ ،‬ينقل‬
‫إليها الحياة‪ ،‬والغذاء‪ ،‬ومعها الفراح واللم‪ ،‬فما يحل بعضو من ألم يسري‬
‫إلى العضاء‪ ،‬فتألم معه‪ ،‬وتسهر معه‪ ،‬وتطلب الدواء معه‪.‬‬
‫وأمة اليمان مثلها مثل هذا الجسد الواحد‪ ،‬والفرق‪ :‬أن ألم الجسد ينتقل عبر‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قنوات محسوسة‪ ،‬أما ما يلم بالمة من ألم فينتقل إلى بعضها عبر قناة‬
‫الروح‪ ،‬فأرواحهم المتآلفة‪ ،‬المتعارفة‪ ،‬يجري بينها الشعور والحساس‬
‫المتوافق‪ ،‬أكثر مما يجري بين أعضاء الجسد في بعض الحيان‪ ،‬فيألم بعضهم‬
‫للم بعض‪ ،‬ويحزن‪ ،‬ويكرب‪ ،‬ويغتم‪ ،‬ويغضب‪ ،‬ويسخط‪ ،‬ويقلق‪ ،‬ويضطرب‪،‬‬
‫ويمرض‪ ،‬ويسهر الليالي‪.‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪) -‬الرواح جنود مجندة‪ ،‬فما تعارف منها ائتلف‪ ،‬وما تناكر منها اختلف(‪.‬‬
‫وكما أن تداعي العضاء بالسهر والحمى دليل حيويتها‪ ،‬وصحتها‪ ،‬وحياتها‪،‬‬
‫فكذلك تداعي المة بالسهر والحمى لجل بعضها‪ ،‬فإن لم تتداع‪ ،‬ولم تسهر‪،‬‬
‫فهي ميتة‪ ،‬كجسد ميت‪ ،‬أو في أحسن أحوالها‪ :‬مريضة مرضا وبائيا‪.‬‬
‫***‬
‫وفي تداعي سائر العضاء لجل شكوى عضو‪ ،‬فائدة سوى بيان حياتها‬
‫وصحتها‪ ،‬هو‪ :‬اجتماعها‪ ،‬وتكاتفها في وجه العدو‪ ،‬الذي سبب الشكوى‪.‬‬
‫فتستنفر جميعها لنجدة المصاب‪ ،‬وتقوم جميعها بدفع هذا المعتدي‪ ،‬وحراسة‬
‫الثغور‪ ،‬وكف المتسللين‪ ،‬والقضاء على هذه الفتنة الطارئة‪ ،‬وهذه حقيقة‬
‫علمية يعرفها الطباء‪ ،‬أن الجزء المصاب يكون محط توجه جميع قوى‬
‫الجسد‪ ،‬لمنع انتشار الصابة‪ ،‬ولقتل كل القوى المهاجمة‪ ،‬حتى يعود الجزء‬
‫إلى صحته‪ ،‬ويعود المن والطمأنينة والسلمة للجسد‪.‬‬
‫كذلك أيضا تداعي المة لجل بعضها‪ ،‬دليل‪ :‬اجتماعها‪ ،‬وتكاتفها في وجه‬
‫العدو‪ ،‬الذي سبب الشكوى‪ .‬وفي ذلك النصر ل محالة‪ ،‬فما الهزيمة إل من‬
‫التفرق والتشرذم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪" -‬ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين"‪.‬‬
‫وقد عرف في حال الجسد‪ :‬أن تداعي أعضاءه حين الشكوى‪ .‬يتم بصورة‬
‫تلقائية‪ ،‬ل يملك المرء منعه‪ ،‬أو رفضه‪ ،‬أو إيقافه‪ ،‬غير أنه في حال فقدان‬
‫الحساس عند بعض العضاء‪ ،‬تحصل الغفلة عن الخطر‪ ،‬وهلك العضو من‬
‫ثم‪ ،‬حيث لم يفطن إلى ما حل به‪.‬‬
‫كذلك في حال المة‪ ،‬يحصل التداعي بصورة تلقائية‪ ،‬فالرواح تخاطب‬
‫الرواح‪ ،‬وتناديها شاكية‪ ،‬مستغيثة‪ ،‬فتسمعها‪ ،‬فتستجيب لها‪ ،‬فتنتصر لها بما‬
‫تستطيع‪ ،‬فإن حصل تراخ‪ ،‬وخمول‪ ،‬وبرود‪ ،‬فمرده فقدان الرواح حياتها‪،‬‬
‫وسريان الشلل إليها‪ ،‬وهذا بالضبط ما اعترى المة اليوم‪.!!..‬‬
‫***‬
‫‪ -4‬المة الساكتة‪.‬‬
‫فالمة اليوم خاملة‪ ،‬متراخية‪ ،‬باردة في نصرة إخوتها المظلومين‪،‬‬
‫المضطهدين‪ ،‬الذين احتلت بلدهم‪ ،‬وانتهكت حرماتهم‪ ،‬وما أكثرهم‪ ،‬وأبرز‬
‫مثال قريب‪ :‬مدينة الفلوجة‪ .‬هذه المدينة التي استحوذت على الخبار‪ ،‬منذ‬
‫العشر الواخر من رمضان‪ ،‬إلى العيد‪ ،‬وحتى نهاية السبوع الول من شوال‪،‬‬
‫بما حصل فيها من آلم تعجز عن حملها الجبال‪ ،‬لم نملك حيالها سوى أن‬
‫نحوقل‪ ،‬ونسترجع‪ ،‬وندعو على المعتدين المحتلين‪ ،‬ونحن في حيرة من‬
‫صمت المسلمين‪ ،‬إل قليل‪:‬‬
‫‪ -‬وكأنها ليست مدينة من مدن السلم‪.!!..‬‬
‫‪ -‬وكأنها خالية من الشيوخ‪ ،‬والنساء‪ ،‬والطفال‪.!!..‬‬
‫‪ -‬وكأنه لم يمت فيها أبرياء‪ ،‬ل ذنب لهم‪ ،‬إل أنهم لم يخرجوا منها‪ ،‬لسبب أو‬
‫غيره‪.!!..‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -‬وكأنه لم تهدم مساجدها‪ ،‬وتدنس بأقدام الصليبين‪ ،‬أعداء ملة السلم‪.!!..‬‬


‫‪ -‬وكأننا لم نر الجرحى يقتلون بدم بارد‪ ،‬وأمام عدسات التصوير‪ ،‬وعلى مرأى‬
‫من العالم أجمع‪!..‬‬
‫‪ -‬وكأننا لم نر المدينة‪ ،‬بيوتها مدمرة‪ ،‬والجثث تحت الجدران‪ ،‬وفي الشوارع‬
‫تنهشها الكلب‪.‬‬
‫ما عدنا أصحاب فعال‪ ،‬حتى القول بخلنا به‪ ،‬فلم يعد أحد يسمع لنا صوتا‪ ،‬ول‬
‫حتى همسا‪.!!..‬‬
‫لم نقول هذا؟‪..‬‬
‫ولم نطلب من المسلمين أن يفعلوا أو يقولوا‪ ..‬فيخرجوا من هذه السلبية‪،‬‬
‫واللمبالة‪ ،‬والصمت المخجل؟!!‪.‬‬
‫ما نقول ذلك إل‪:‬‬
‫‪ -‬لنرعى حق الله تعالى في إخواننا‪.‬‬
‫‪ -‬ولنكون مؤمنين حقا‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك لنحمي أنفسنا؛ فإن تداعي العضاء لجل عضو اشتكى‪ :‬يحميها من‬
‫انتشار البلوى وعمومها‪ .‬ونحن إذا نصرنا إخوة لنا حين يظلمون‪ :‬فنحن نحمي‬
‫أنفسنا أن يؤذينا هذا العدو‪ ،‬كما آذى واستباح حرمات إخواننا‪ ،‬هذه هي‬
‫الحقيقة‪:‬‬
‫‪ -‬فدفاعك عن أخيك‪ ،‬دفاعك عن نفسك‪ ،‬ودفاعه عنك‪ ،‬دفاعه عن نفسه‪.‬‬
‫وإذا احتل بلد من بلد المسلمين‪ ،‬فهب المسلمون لنصرتها‪ ،‬ودفع العدوان‬
‫عنها‪ ،‬فإن تلك النصرة ستحفظ بقية البلد‪ ،‬خاصة القريبة‪ ،‬من أن ينالها‬
‫عدوان هذا المعتدي؛ لنه حينئذ يشتغل بنفسه‪ ،‬فيعد خسائره‪ ،‬ويضمد جراحه‪،‬‬
‫ويدفن موتاه‪.‬‬
‫والنصرة ل يلزم أن تكون بالبدن‪ ،‬بل قد تكون باللسان بتأييدهم في جهادهم‪،‬‬
‫أو على القل العلن عن معارضة العدوان على الضعفاء من‪ :‬شيوخ‪،‬‬
‫وأطفال‪ ،‬ونساء‪ ،‬وجرحى‪ ،‬ومن ليس له يد في قتال‪ ،‬والقيام بذلك في أمام‬
‫أمم الرض‪ ،‬وفي المحافل‪ ،‬فإن للكلمة أثرها‪ ،‬لو استغلت‪.‬‬
‫وما وقع في الفلوجة عين الظلم‪ ،‬حيث قتل عن عمد وقصد‪ ،‬وأوذي من ليس‬
‫له ذنب إل أنه من أهل الفلوجة‪ ،‬ولو لم يكن له دور في قتال‪ :‬كالشيوخ‪،‬‬
‫والنساء‪ ،‬والجرحى‪ ،‬والطفال‪ .‬والكل شاهد ذلك‪ ،‬فالعدو كان يرمي من غير‬
‫تمييز‪..‬‬
‫ومهما اختلف المسلمون في العمال التي يقوم بها المقاومون للحتلل‪،‬‬
‫وطرق مقاومتهم‪ ،‬بين مجيز ومانع‪ ،‬فإن الذي ل يختلف عليه اثنان‪ :‬أن قتل‬
‫من لم يشارك في قتال‪ ،‬ول مقاومة‪ ،‬مثل الضعفة والعجزة‪ :‬جريمة‪ ،‬وعدوان‪.‬‬
‫ل تقره‪ ،‬شريعة‪ ،‬ول قانون وضعي‪ ،‬حتى المحاكم العسكرية في كل الدول ل‬
‫تقرها‪ ،‬وتعاقب عليها‪ .‬فلم إذن هذا السكوت على مثل هذا العتداء الثم؟!!‪..‬‬
‫إن اعتراض المعترضين على أعمال المقاومة‪ ،‬وأساليبها‪ ،‬ل يجوز بحال أن‬
‫يكون سببا في السكوت عن الظلم الواضح الواقع على هذه المدينة‪ ،‬التي‬
‫رحمها‪ ،‬وأشفق عليها لما حل بها‪ ،‬حتى غير المسلمين‪.!!..‬‬
‫***‬
‫‪ -‬عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)المسلم أخو المسلم‪ ،‬ل يظلمه‪ ،‬ول يسلمه‪ ،‬من كان في حاجة أخيه‪ ،‬كان‬
‫الله في حاجته‪ ،‬ومن فرج عن مسلم كربة‪ ،‬فرج الله عنه بها كربة من كرب‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يوم القيامة‪ ،‬ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة( متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬المسلم أخو المسلم‪ ،‬ليخونه‪ ،‬ول يكذبه‪ ،‬ول يخذله‪ ،‬كل المسلم‬
‫على المسلم حرام‪ :‬عرضه‪ ،‬وماله‪ ،‬ودمه‪ .‬التقوى ههنا‪ ،‬بحسب امرئ من‬
‫الشر‪ ،‬أن يحقر أخاه المسلم(‪ .‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬
‫‪ -‬وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬ل‬
‫يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه‪ ،‬ما يحب لنفسه(‪ .‬متفق عليه‬
‫‪ -‬وعنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬انصر أخاك ظالما أو‬
‫مظلوما( رواه البخاري‬
‫***‬
‫ل يظلمه‪ ..‬ل يسلمه‪ ..‬ل يخذله‪ ..‬ل يخونه‪ ..‬ل يكذبه‪ ..‬ل يحقره‪..‬‬
‫كل هذه محرمات بين المسلمين المؤمنين‪.‬‬
‫ينصره ظالما أو مظلوما‪ ..‬يحب له ما يحب لنفسه‪ ..‬يكون في حاجته‪..‬يفرج‬
‫كربته‪ ..‬يستره‪..‬‬
‫كل هذه واجبات بين المسلمين المؤمنين‪.‬‬
‫فانظر كيف يريد منا الله تعالى أن نكون‪ ..‬وانظر كيف نريد أن نكون‪:‬‬
‫تعرف قدر خضوعنا لله تعالى‪ ..‬وتسليمنا له جل شأنه‪ ..‬تقف على قدر ما‬
‫نحن عليه من إيمان‪.!!..‬‬
‫نعم‪ ..‬ل نقر الخطأ‪ ،‬فمن اعتدى وتجاوز الشريعة من المسلمين‪ ،‬ألزمناه‬
‫احترام الحدود‪ ،‬ومنعناه وكففناه‪ ،‬ولو كان مجاهدا‪ ،‬ولو كان داعية‪ ،‬ولو كان ذا‬
‫نية صالحا‪.‬‬
‫وعندما ندعو لنصرة إخواننا المستضعفين في الفلوجة وغيرها من بلد‬
‫السلم المظلومة‪ ،‬فتلك الدعوة ل تتضمن ختما بصواب كل ما يفعله‬
‫المجاهدون المقاومون للمحتل‪..‬كل‪ ،‬لكننا أمام عدوان تحت سمعنا وبصرنا‪،‬‬
‫وليس خلف ظهرنا‪ ،‬فنحن ندري به‪ ،‬ونسمع به‪ ،‬ونراه‪ ،‬وحينئذ واجب اليمان‬
‫يلزمنا أن ننصرهم‪ ،‬ونرفض ما يحدث لهم‪ ،‬فإنها إبادة بمعنى الكلمة‪ ،‬وليست‬
‫حربا متكافئة‪ ،‬والمحتل بمقدوره أن يجنب المدينة الدمار‪ ،‬وأن يجتنب قتل‬
‫الضعفاء البرياء‪ ،‬وذلك بمواجهة من تصدى لقتالهم وجها لوجه‪ ،‬فالمواجهة‬
‫المباشرة تقلل من الدمار‪ ،‬والقتل العشوائي‪ ،‬لكنه ل يفعل‪ ،‬مؤثرا سلمة‬
‫جنوده‪ ،‬معتمدا على ما معه من أسلحة‪ ،‬فيرمي في كل ناحية‪ ،‬وبكثافة كبيرة‪،‬‬
‫لعل إحداها تصيب هدفا‪.!!..‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وبذلك هو يتعمد‪ ،‬ول يبالي بقتل الضعفاء البرياء‪ ،‬وتدمير ممتلكاتهم‪ ،‬بأبشع‬
‫الطرق‪ ،‬وهذه هي الجريمة حقا‪ ،‬وهذا ما ل يسمع المسلمين السكوت عليه‪،‬‬
‫مهما اختلفوا في تفاصيل طرق جهاد المحتل‪.‬‬
‫وفي هذه الحوال ل ينفع الناس أن يقول كل‪ :‬نفسي‪ ،‬نفسي‪ .‬فالسنة في‬
‫المسلم يخذل المسلم‪ ،‬أو يسلمه معلومة‪ ،‬والنار إذا اشتعلت في دار لن‬
‫تقف عند حده‪.‬‬
‫إن من دواعي سكوت بعض المسلمين عن النصرة‪ :‬خشيتهم أن يوصموا‬
‫بالرهاب‪ ،‬أو بدعم الرهاب‪ .‬وهذه الخشية ل معنى لها‪ ،‬ول محل لها هنا‪،‬‬
‫فالعالم وشعوب العالم‪ ،‬بل حتى العدو المحل نفسه‪ ،‬يعلم أن قتل الذين ل‬
‫يحاربون من المستضعفين‪ ،‬وهدم الديار‪ :‬جريمة تحلل العقوبة‪ .‬ولذا شرع في‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محاكمة الجندي الذي قتل الجريح بدم بارد‪ ،‬ولو ظاهرا‪ ،!!..‬لن قانونه يمنع‬
‫من ذلك‪ ،‬ولنه هكذا هي قوانين الحرب في العالم‪.‬‬
‫إن على المسلم أل يخش إل الله تعالى‪ ،‬وأن يسعى في نصرة المسلمين في‬
‫كل مكان يحتل فيه العدو أرضهم‪ ،‬ويؤذيهم‪ ،‬وعليه أن يسعى في نصرة العّزل‬
‫وأولي الضعف‪.‬‬
‫***‬

‫)‪(4 /‬‬

‫عيد القيامة ويسمى عيد الفصح‬


‫إبراهيم بن محمد الحقيل ‪8/2/1427‬‬
‫‪08/03/2006‬‬
‫ما‬
‫وهو أهم أعياد النصارى السنوية ويسبقه الصوم الكبير الذي يدوم أربعين يو ً‬
‫قبل أحد الفصح )‪.(1‬‬
‫ويحتفل به عامة النصارى إلى اليوم في أول أحد بعد كمال الهلل من فصل‬
‫الربيع في الفترة ما بين )‪ 22‬مارس و ‪ 25‬إبريل( والكنائس الشرقية‬
‫الرثوذكسية تتأخر عن بقية النصارى في الحتفال به‪ ،‬وهو بشعائره وصيامه‬
‫وأيامه فصل كامل من السنة النصرانية )‪.(2‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬وهذا العيد يحتفلون في ذكراه بعودة المسيح –عليه السلم‪ -‬أو قيامته‬
‫بعد صلبه وهو بعد يومين من موته على حد زعمهم وهو خاتمة شرائع وشعائر‬
‫متنوعة هي‪:‬‬
‫ما قبل أحد الفصح‪ ،‬ويبدؤون الصوم‬ ‫أ ‪ -‬بداية الصوم الكبير وهو أربعون يو ً‬
‫بأربعاء يسمونه أربعاء الرماد؛ حيث يضعون الرماد على جباه الحاضرين‬
‫ويرددون )من التراب نبدأ وإليه نعود(‪.‬‬
‫ما تنتهي بعيد الخمسين أو العنصرة‪.‬‬ ‫ب – ثم بعده خمسون يو ً‬
‫ج – أسبوع اللم وهو آخر أسبوع في فترة الصوم‪ ،‬ويشير إلى الحداث التي‬
‫قادت إلى موت عيسى –عليه السلم‪ -‬وقيامته كما يزعمون‪.‬‬
‫د – أحد السعف وهو يوم الحد الذي يسبق الفصح‪ ،‬وهو إحياء ذكرى دخول‬
‫المسيح بيت المقدس ظافًرا‪.‬‬
‫هـ‪ -‬خميس العهد أو الصعود ويشير إلى العشاء الخير للمسيح واعتقاله‬
‫وسجنه‪.‬‬
‫و ‪ -‬الجمعة الحزينة وهي السابقة لعيد الفصح وتشير إلى موت المسيح على‬
‫الصليب؛ حسب زعمهم‪.‬‬
‫ز – سبت النور وهو الذي يسبق عيد الفصح‪ ،‬ويشير إلى موت المسيح‪ ،‬وهو‬
‫يوم النتظار وترقب قيام المسيح أحد عيد الفصح‪ .‬وتنتهي احتفالت عيد‬
‫الفصح بيوم الصعود أو خميس الصعود؛ حيث تتلى قصة رفع المسيح إلى‬
‫السماء في كل الكنائس‪ ،‬ولهم فيه احتفالت ومهرجانات باختلف المذاهب‬
‫والبلد النصرانية‪ ،‬ويسمون خميسه وجمعته السابقة له‪ :‬الخميس الكبير‪،‬‬
‫والجمعة الكبيرة‪ ،‬كما ذكر ذلك شيخ السلم ابن تيمية –رحمه الله تعالى‪-‬‬
‫ضا المر بالتباع‬
‫انظر اقتضاء الصراط المستقيم )‪ (1/473‬وانظر أي ً‬
‫للسيوطي )‪ .(141‬وهو الخميس المقصود برسالة الحافظ الذهبي –رحمه‬
‫الله تعالى‪) -‬تشبه الخسيس بأهل الخميس(‪ ،‬وهذا الخميس هو آخر يوم‬
‫ضا خميس المائدة أو عيد المائدة وهو المذكور في سورة‬ ‫صومهم ويسمونه أي ً‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مائ ِد َةً‬ ‫م َرب َّنا أ َن ْزِ ْ‬


‫ل عَل َي َْنا َ‬ ‫م الل ّهُ ّ‬
‫مْري َ َ‬‫ن َ‬‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬‫ل ِ‬ ‫المائدة في قوله –تعالى‪َ" :-‬قا َ‬
‫َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫عيدا ً ِل َوّل َِنا َوآ ِ‬
‫ن ل ََنا ِ‬ ‫ماِء ت َ ُ‬
‫ن"‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬ ‫ت َ‬ ‫ك َواْرُزقَْنا وَأن ْ َ‬ ‫ة ِ‬‫خرَِنا َوآي َ ً‬ ‫كو ُ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫ِ‬
‫]المائدة‪.[114:‬‬
‫=وكان لهم من العمال الغريبة في هذه العياد شيء كثير‪ ،‬ذكره كثير من ا‬
‫لمؤرخين‪ ،‬فمن ذلك‪ :‬جمع ورق الشجر وتنقيعه والغتسال به والكتحال‪،‬‬
‫وكان أقباط مصر يغتسلون في بعض أيامه في النيل ويزعمون أن في ذلك‬
‫رقية ونشرة‪ .‬ويوم الفصح عندهم هو يوم الفطر من صومهم الكبر‪،‬‬
‫ويزعمون أن المسيح –عليه السلم‪ -‬قام فيه بعد الصلبوت بثلثة أيام وخلص‬
‫آدم من الجحيم‪ ،‬إلى غير ذلك من خرافاتهم‪ .‬وقد ذكر الذهبي‪ :‬أن أهل حماة‬
‫يعطلون فيه أعمالهم لمدة ستة أيام‪ ،‬ويصبغون البيض‪ ،‬ويعملون الكعك‪،‬‬
‫وذكر ألواًنا من الفساد والختلط الذي يجري فيه آنذاك‪ ،‬وذكر أن المسلمين‬
‫يشاركون فيه وأن أعدادهم تفوق أعداد النصارى –والعياذ بالله‪ -‬انظر نخبة‬
‫الدهر )‪ (280‬والبدء والتاريخ للمقدسي )‪.(4/47‬‬
‫وذكر ابن الحاج‪ :‬أنهم يجاهرون بالفواحش والقمار ول أحد ينكر عليهم‪ .‬انظر‪:‬‬
‫المدخل )‪ :(1/390‬ولعل هذا ما دفع شيخ السلم ابن تيمية –رحمه الله‪ -‬إلى‬
‫إنكار ما رآه من المسلمين من تقليد النصارى في أعيادهم وشعائرهم؛ فإنه‬
‫ذكر شيًئا كثيًرا من ذلك في كتابه القيم القتضاء‪ ،‬وكذلك ألف الذهبي رسالته‬
‫آنفة الذكر‪.‬‬
‫ضا‪ :‬تاريخ ابن الوردي )‪ (1/80‬والكامل )‪(1/125‬‬ ‫)‪ (2‬انظر في هذا العيد أي ً‬
‫وتاريخ الطبري )‪ (1/735‬وتاريخ ابن خلدون )‪ (2/147‬ومجلة المشرق‬
‫الكاثوليكية عدد )‪ ،(4‬ص ‪ 253-241‬والموسوعة العربية العالمية )‪(16/709‬‬
‫والموسوعة العربية الميسرة )‪.(2/1247‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عيد النيروز‬
‫إبراهيم بن محمد الحقيل ‪8/2/1427‬‬
‫‪08/03/2006‬‬
‫ومعنى النيروز‪ :‬الجديد‪ ،‬وهو ستة أيام؛ حيث كانوا في عهد الكاسرة يقضون‬
‫حاجات الناس في اليام الخمسة الولى‪ ،‬وأما اليوم السادس فيجعلونه‬
‫لنفسهم وخواصهم ومجالس أنسهم‪ ،‬ويسمونه النيروز الكبير‪ ،‬وهو أعظم‬
‫أعيادهم)‪.(1‬‬
‫ضا البهائيون‪ ،‬وذلك في ختام صيامهم الذي مدته )‪(19‬‬ ‫ويحتفل بعيد النيروز أي ً‬
‫ما وذلك في )‪21‬آذار( )‪.(2‬‬ ‫يو ً‬
‫والنيروز أيضا ً أول يوم من السنة عند القبط ويسمى عندهم‪) :‬عيد شم‬
‫النسيم( ومدته عندهم ستة أيام أيضا ً تبدأ من )‪6‬حزيران( )‪ (3‬وقد مضى ذكر‬
‫شم النسيم عند الفراعنة فل يمنع أن يكون القباط أخذوه من تراث الفراعنة‬
‫وآثارهم‪ ،‬ول سيما أن الجميع في مصر‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫ضا‪ :‬تاريخ ابن الوردي )‪ (1/80‬والكامل )‪(1/125‬‬‫)‪ (1‬انظر في هذا العيد أي ً‬
‫وتاريخ الطبري )‪ (1/735‬وتاريخ ابن خلدون )‪ (2/147‬ومجلة المشرق‬
‫الكاثوليكية عدد )‪ ،(4‬ص ‪ 253-241‬والموسوعة العربية العالمية )‪(16/709‬‬
‫والموسوعة العربية الميسرة )‪.(2/1247‬‬
‫)‪ (2‬مجلة الزهر‪ ،‬عدد )‪ ،(10‬ص ‪ ،1485‬وذكر أصحاب الوائل أن أول من‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اتخذ النيروز حمشيد الملك‪ ،‬وفي زمانه بعث هود –عليه السلم‪ -‬وكان الدين‬
‫دد الدين وأظهر العدل‪ ،‬فسمي اليوم الذي‬ ‫قد تغّير‪ ،‬ولما ملك حمشيد ج ّ‬
‫جلس فيه على سرير الملك نيروًزا‪ ،‬فلما بلغ من عمره سبعمائة سنة ولم‬
‫يمرض ولم يوجعه رأسه تجبر وطغى‪ ،‬فاتخذ شكل ً على صورته وأرسلها إلى‬
‫الممالك ليعظموها‪ ،‬فتعّبدها العوام‪ ،‬واتخذوا على مثالها الصنام‪ ،‬فهجم عليه‬
‫الضحاك العلواني من العمالقة باليمن فقتله كما في التواريخ‪ .‬ومن الفرس‬
‫من يزعم أن النيروز هو اليوم الذي خلق الله فيه النور‪ .‬ويعتبر النيروز عيد‬
‫رأس السنة الفارسية الشمسية ويوافق الحادي والعشرين من شهر مارس‬
‫من السنة الميلدية‪ ،‬وكان من عادة عوامهم إيقاد النار في ليلته ورش الماء‬
‫في صبيحته‪ .‬انظر‪ :‬شرح ثلثيات مسند المام أحمد‪ ،‬للسفاريني )‪،(1/578‬‬
‫وحاشية الحلو والتركي على المغني لبن قدامة )‪.(4/428‬‬
‫)‪ (3‬موسوعة الديان والمذاهب المعاصرة )‪.(1/415‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عيد بأية حال عدت ياعيد!‬


‫‪2/10/1422‬‬
‫أ‪.‬د‪.‬ناصر بن سليمان العمر‪ -‬المشرف العام على موقع المسلم‬
‫وكل عيد ونحن وأنتم والمسلمون بخير‪. .‬‬
‫فيما مضى كنت بالعياد مسرورا ً فساءك العيد في أغمات مأسورا‬
‫ترى بناتك في الطمار جائعة يغزلن للناس مايملكن قطميرا‬
‫يطأن في الطين والقدام حافية كأنها لم تطأ مسكا وكافورا‬
‫تذكرت أبيات الصاحب بن عباد قبيل عيد هذا العام وأنا أقلب النظر في حال‬
‫المة يمنة ويسرة‪ ،‬وجراحات المسلمين ضاربة أطنابها شرقا ً وغربًا‪ ،‬وكأنه‬
‫اختزل لنا هذه الحال في تلك البيات التي تفيض أسى وحزنا ً‬
‫أنى اتجهت إلى السلم في بلد ** تجده كالطير مقصوصا ً جناحاه‬
‫ففي فلسطين ما ُيدمي القلب‪ ،‬وُيحدث السى‪ ،‬وبنو صهيون قد طغوا وبغوا‬
‫وتجبروا‪ ،‬وفي أفغانستان أهوال تشيب لها الولدان‪ ،‬فلم تنعم بالمن منذ أكثر‬
‫من عشرين عامًا‪ ،‬ابتداء بجرائم الروس وفظائعهم‪ ،‬وانتهاء بكبرياء الغرب‬
‫وغطرستهم‪ ،‬وتحزب الحزاب وتكالبهم ضد شعب بريء مستضعف قد أوهنته‬
‫الحروب‪ ،‬واشتدت عليه الخطوب‪ ،‬ولجأ إلى الله يشكو ظلم الظالمين‪،‬‬
‫وخذلن الجيران والمسلمين والمحبين‪ ،‬ول يزال في الشيشان جرح ينزف‪،‬‬
‫ودماء تسيل‪ ،‬وضاعت أصوات الثكالى وآهات المكلومين في زحمة هذه‬
‫المآسي واللم‪ ،‬حتى كدنا أن ننسى أن هناك مصيبة في بلد الشيشان‪ ،‬أما‬
‫كشمير والفليبين والرخبيل‪ ،‬فتشكو حالها إلى الله‪ ،‬فلم تعد أخبارها تثير‬
‫الحزن‪ ،‬أو جراحها تهز الوجدان‪ ،‬وذهبت صراخاتها أدراج الرياح‪.‬‬
‫رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم‬
‫ل مست أسماعهم لكنها لم تلمس نخوة المعتصم‬
‫بل إنني تذكرت وأنا أقلب النظر في مآسي المسلمين وجراحاتهم حديث‬
‫المصطفى ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهو‬
‫يذكر لنا القتال الذي سيجري مع الروم‪ ،‬وكان مما قاله في هذا الحديث‬
‫العظيم‪":‬يقتتلون مقتلة – إما قال‪ :‬ل يرى مثلها‪ ،‬وإما قال‪ :‬لم يرى مثلها‪،‬‬
‫حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتًا‪ ،‬ثم قال‪ :‬فبأي غنيمة‬
‫يفرح أو أي ميراث يقاسم" رواه مسلم‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تذكرت هذا الحديث وأنا أسمع أخبار المسلمين وأعداد القتلى بالمئات بل‬
‫باللف‪ ،‬فقلت‪ :‬بأي عيد نفرح أم بأي مناسبة نحتفل ؟ !‬
‫ومما زاد في الحزن والسى ما أسمعه من استعدادات كبرى تجرى للحتفال‬
‫بالعيد‪ ،‬وفيها من المآثم وكفر النعمة والختلط ما ل يخفى‪ ،‬والذين يشاركون‬
‫في هذه الحتفالت يقعون في جملة من الخطاء‪ ،‬ويرتكبون عددا ً من الذنوب‬
‫والثام‪ ،‬فكيف يكون شكر الله على نعمة هذا الشهر‪ ،‬وما أكرمنا به من‬
‫الصيام والقيام والعبادة‪ ،‬بمثل هذه السفاهة وخفة الحلم !‬
‫وكيف يحتفل الناس باللهو والعبث‪ ،‬وجراحات المسلمين تنزف‪ ،‬والعدو قد‬
‫ذر الله منه في كتابه "‬ ‫استباح الدماء والعراض‪ ،‬أل نخشى أن يح ّ‬
‫ل بنا ما ح ّ‬
‫وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول‬
‫فدمرناها تدميرا ً "‪.‬‬
‫أل نتذكر قوله – تعالى‪" :-‬وضرب الله مثل ً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها‬
‫رزقها رغدا ً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع‬
‫والخوف بما كانوا يصنعون "‪.‬‬
‫بينما دّلنا‪ -‬سبحانه‪ -‬كيف يكون شكره في ختام هذا الشهر الكريم " يريد الله‬
‫بكم اليسر ول يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكّبروا الله على ما هداكم‬
‫ولعلكم تشكرون "‪.‬‬
‫إن شكر الله وحمده‪ ،‬والثناء عليه يكون بالمحافظة على دينه‪ ،‬والخذ على‬
‫أيدي السفهاء‪ ،‬وقصرهم على الحق قصرًا‪ ،‬وأطرهم عليه أطرًا‪ ،‬ودعم الجهاد‬
‫ومساعدة المجاهدين الذين يجاهدون لعلء كلمة الله والدفاع عن شرعه‪،‬‬
‫ورد ّ كيد المعتدين في نحورهم من اليهود والنصارى‪ ،‬والمشركين‪،‬‬
‫والعلمانيين‪ ،‬ومن حالفهم من المنافقين والمهزومين‪.‬‬
‫تذكرت ونحن نستقبل هذا العيد المبارك ما شدا به محمود غنيم –رحمه الله‪-‬‬
‫في قصيدته الرائعة‪ ،‬فأشجاني وأثار كوامن في النفس مدفونة‪:‬‬
‫ما لي وللنجم يرعاني وأرعاه أمسى كلنا يعاف الغمض جفناه‬
‫لي فيك ياليل آهات أرددها أواه لو أجدت المحزون أواه‬
‫كم صّرفتنا يد كنا نصّرفها وبات يملكنا شعب ملكناه‬
‫ً‬
‫أنى اتجهت إلى السلم في بلد تجده كالطير مقصوصا جناحاه‬
‫ومع تلك المآسي والجراحات‪ ،‬فإن هناك المل المشرق‪ ،‬والمستقبل الباهر‬
‫‪-‬بإذن الله‪ -‬الذي يبشر بفتح عظيم وانتصار قادم‪ ،‬بدت بوادره تظهر في‬
‫زحمة اللم والحزان‪.‬‬
‫إن هذه الفواجع تحمل في رحمها نورا ً ساطعًا‪ ،‬وبشرى ل تخفى على ذي‬
‫عينين‪ ،‬ستنير ما بين المشرق والمغرب _بإذن الله_‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولقد أرشدنا ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وعلمنا كيف يكون التفاؤل في أقسى‬
‫الظروف والحوال‪ ،‬فهاهو ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهو يحدث عائشة ‪-‬رضي‬
‫الله عنها‪ -‬ويجيبها عن سؤالها‪ :‬هل مّر عليه يوم أشد من يوم أحد‪ ،‬فقال‪" :‬‬
‫لقد لقيت من قومك ‪-‬وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة‪ -‬إذ عرضت نفسي‬
‫على ابن عبد ياليل بن عبد كلل فلم يجبني إلى ما أردت‪ ،‬فانطلقت وأنا‬
‫مهموم على وجهي‪ ،‬فلم أستفق إل بـ )قرن الثعالب( فرفعت رأسي‪ ،‬فإذا أنا‬
‫بسحابة قد أظّلتني‪ ،‬فنظرت فإذا فيها جبريل‪ ،‬فناداني‪ ،‬فقال‪" :‬إن الله ‪-‬عز‬
‫وجل‪ -‬قد سمع قول قومك لك ‪ ،‬وما رّدوا عليك‪ ،‬وقد بعث إليك ملك الجبال‪،‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لتأمره بما شئت فيهم‪ ،‬قال‪ :‬فناداني ملك الجبال‪ ،‬وسّلم علي‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا‬
‫محمد‪ ،‬إن الله قد سمع قول قومك لك‪ ،‬وأنا ملك الجبال‪ ،‬وقد بعثني ربك‬
‫إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الخشبين؟ فقال‬
‫له الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" :-‬بل أرجو أن يخرج الله من أصلبهم‬
‫من يعبد الله وحده ل يشرك به شيئًا" رواه مسلم‪.‬‬
‫أي تفاؤل أعظم من هذا التفاؤل؟ يخرج هائما ً على وجهه من شدة ما يلقي‬
‫من قومه‪ ،‬ومع ذلك يقول لملك الجبال تلك المقالة‪ .‬إنها تدل على قوة‬
‫د‪ ،‬فلم‬‫ده ح ّ‬
‫إيمان‪ ،‬وثقة بالنصر‪ ،‬وبعد عن اليأس‪ ،‬وأمل مشرق‪ ،‬وتفاؤل ل يح ّ‬
‫تكن تلك الظروف المحيطة به ‪-‬مع ما فيها من آلم وأحزان‪ -‬لتحول بينه وبين‬
‫هذا المل‪ ،‬واستشراف المستقبل‪ ،‬وحسن الظن بالله‪.‬‬
‫إنه قد خرج عن الدائرة الضيقة التي يعيش فيها إلى الفق الرحب‪ ،‬والمل‬
‫الواسع‪ ،‬والتطلع إلى المستقبل بثقة ل تعرف اليأس والقنوط‪.‬‬
‫وتمضي السيرة تؤكد لنا هذا المنهج الذي يربي عليه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬أمته‪ ،‬فعندما جاء الصحابة يشكون له حالهم‪ ،‬وما يلقونه من قريش‪ ،‬كما‬
‫في حديث خباب‪ ،‬فيفاجئهم ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بمقولته الرائعة‪ ،‬التي‬
‫تنقلهم من هذا الضيق والعناء‪ ،‬إلى المستقبل الباهر‪ ،‬والفضاء الرحب‪،‬‬
‫ن الله هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء‬ ‫م ّ‬
‫والسيادة المطلقة "والله ليت ّ‬
‫ب على غنمه" ثم يختم ذلك بمقولة تدل‬ ‫إلى حضرموت ل يخاف إل الله والذئ َ‬
‫على إدراك عميق لطبيعة النفس البشرية "ولكّنكم تستعجلون"‪.‬‬
‫ل عليه قريش‪ ،‬ثم حدث لفرس‬ ‫أما قصة الهجرة عندما لحقه سراقة ليد ّ‬
‫سراقة ما حدث‪ ،‬وبعد أن أعطاهم المان وطلب الدعاء‪ ،‬إذا برسول الله ‪-‬‬
‫ل على ما تحمله نفسه ‪ -‬صلى الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول له كلما ً يد ّ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬من ثقة بالله‪ ،‬وتفاؤل ل يعرف الحدود‪ ،‬مع أنه قد خرج من‬
‫ب البلد إليه طريدا ً خائفا ً من قريش‪ ،‬ليس معه إل صاحبه ‪ -‬رضي الله عنه‬ ‫أح ّ‬
‫شر سراقة بأنه سيلبس سواري كسرى‪ ،‬إنه هنا ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫‪ -‬فإذا هو يب ّ‬
‫شر بسقوط مملكة من أعظم الدول والممالك في ذلك الزمان‪،‬‬ ‫وسلم ‪ -‬يب ّ‬
‫وهي مملكة فارس التي كانت تتقاسم مع الروم السلطة والملك‪.‬‬
‫إنه بون شاسع‪ ،‬وفرق عظيم بين الحال التي كان عليها وهو يقول لسراقة ما‬
‫شره به من فتح عظيم‪ ،‬ونصر لهذا الدين يتخطى الجزيرة إلى‬ ‫قال‪ ،‬وبين ما يب ّ‬
‫مملكة من أعظم الممالك في التاريخ وهكذا كان‪.‬‬
‫إن تربية النفس على التفاؤل في أعظم الظروف وأقسى الحوال‪ ،‬منهج ل‬
‫يستطيعه إل أفذاذ الرجال‪ ،‬والمتفائلون وحدهم هم الذين يصنعون التاريخ‪،‬‬
‫ويسودون المم‪ ،‬ويقودون الجيال‪.‬‬
‫أما اليائسون والمتشائمون‪ ،‬فلم يستطيعوا أن يبنوا الحياة السوية‪ ،‬والسعادة‬
‫شرون بها سواهم‪،‬‬ ‫الحقيقية في داخل ذواتهم‪ ،‬فكيف يصنعونها لغيرهم‪ ،‬أو يب ّ‬
‫وفاقد الشيء ل يعطيه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومكلف الشياء ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار‬
‫إننا بحاجة إلى أن نربى المة على التفاؤل اليجابي‪ ،‬الذي يساهم في تجاوز‬
‫المرحلة التي تمّر بها اليوم‪ ،‬مما يشد ّ من عضدها‪ ،‬ويثّبت أقدامها في مواجهة‬
‫أشرس العداء‪ ،‬وأقوى الخصوم؛ ليتحقق لها النصر‪ -‬بإذن الله‪.-‬‬
‫والتفاؤل اليجابي‪ ،‬هو التفاؤل الفّعال‪ ،‬المقرون بالعمل المتعدي حدود‬
‫الماني والحلم‪.‬‬
‫ّ‬
‫والتفاؤل اليجابي هو المتمشي مع السنن الكونية‪ ،‬أما الخوارق والكرامات‬
‫فليست لنا ول يطالب المسلم بالعتماد عليها‪ ،‬أو الركون إليها‪ ،‬وإنما نحن‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مطالبون بالخذ بالسباب‪ ،‬وفق المنهج الرباني‪،‬‬


‫ً‬
‫والتفاؤل اليجابي هو التفاؤل الواقعي الذي يّتخذ من الحاضر دليل على‬
‫المستقبل دون إفراط أو تفريط‪ ،‬أو غلوّ أو جفاء‪.‬‬
‫ي على الثقة بالله‪ ،‬واليمان بتحقق موعوده‪ ،‬متى‬ ‫والتفاؤل اليجابي هو المبن ّ‬
‫ما توافرت السباب‪ ،‬وزالت الموانع "ولو شاء الله لنتصر منهم ولكن ليبلو‬
‫بعضكم ببعض"‪.‬‬
‫شرات مال يستطيع جاحد أن ينكره‪،‬‬ ‫والمتأمل للواقع اليوم يرى من المب ّ‬
‫ويكفي من ذلك أن هذه المة أصبحت الشغل الشاغل للعالم يحسب لها‬
‫العدو ألف حساب‪ ،‬وما تحالف العالم اليوم بقيادة أمريكا ضد المسلمين‬
‫باسم )مكافحة الرهاب( إل دليل على قوة شأن المة‪ ،‬وأنها بدأت تسير نحو‬
‫طريق العزة والكرامة‪ ،‬والمجد والخلود‪ ،‬وصدق رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :-‬ولكنكم تستعجلون"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫مل معي هذه البشرى "لله المر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون‬ ‫وتأ ّ‬
‫بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم"‪.‬‬
‫ض على هذا النبراس العظيم " فاصبر إن وعد الله حق ول يستخفنك‬ ‫وع ّ‬
‫الذين ل يوقنون "‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫* مقال للشيخ نشر بتاريخ ‪ 2/10/1422‬في العديد من المواقع‬

‫)‪(3 /‬‬

‫عيد رأس السنة الميلدية‬


‫إبراهيم بن محمد الحقيل ‪7/12/1426‬‬
‫‪07/01/2006‬‬
‫وللحتفال به شأن عظيم في هذه الزمنة؛ حيث تحتفل به الدول النصرانية‬
‫وبعض الدول السلمية‪ ،‬وتنقل تلك الحتفالت بالصوت والصورة الحية من‬
‫شتى بقاع الرض‪ ،‬وتتصدر احتفالته الصفحات الولى من الصحف والمجلت‪،‬‬
‫وتستحوذ على معظم نشرات الخبار والبرامج التي تبث في الفضائيات‪،‬‬
‫وصار من الظواهر الملحوظة سفر كثير من المسلمين الذين ل تقام تلك‬
‫الحتفالت النصرانية في بلدهم إلى بلد النصارى لحضورها والستمتاع بما‬
‫فيها من شهوات محرمة غافلين عن إثم الرتكاس في شعائر الذين كفروا)‬
‫‪(1‬‬
‫________________________________________‬
‫للنصارى في ليلة رأس السنة )‪ 31‬ديسمبر( اعتقادات باطلة‪ ،‬وخرافات‬
‫كسائر أعيادهم المليئة بذلك‪ ،‬وهذه العتقادات تصدر عن صّناع الحضارة‬
‫الحديثة وممن يوصفون بأنهم متحضرون ممن يريد بعض من بني قومنا‬
‫اتباعهم حذو القذة بالقذة حتى في شعائرهم وخرافاتهم لكي نضمن مواقعنا‬
‫ف أهل التقدم والحضارة‪ ،‬وحتى يرضى عنها أصحاب البشرة‬ ‫في مصا ّ‬
‫البيضاء‪ ،‬والعيون الزرقاء!!‬
‫ومن اعتقاداتهم تلك ‪ :‬أن الذي يحتسي آخر كأس من قنينة الخمر بعد‬
‫منتصف تلك الليلة سيكون سعيد الحظ‪ ،‬وإذا كان عازًبا فسيكون أول من‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتزوج من بين رفاقة في تلك السهرة‪ ،‬ومن الشؤم دخول منزل ما يوم عيد‬
‫رأس السنة دون أن يحمل المرء هدية‪ ،‬وكنس الغبار إلى الخارج يوم رأس‬
‫السنة يكنس معه الحظ السعيد‪ ،‬وغسل الثياب والصحون في ذلك اليوم من‬
‫الشؤم‪ ،‬والحرص على بقاء النار مشتعلة طوال ليلة رأس السنة يحمل الحظ‬
‫السعيد‪ ...‬إلخ تلك الخرافات‪ .‬انظر‪ :‬مجلة الستجابة‪ ،‬عدد )‪ ،(4‬ص ‪.29‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عيد عاشوراء‬
‫إبراهيم بن محمد الحقيل ‪6/1/1427‬‬
‫‪05/02/2006‬‬
‫حيث اتخذه العبيديون يوم حزن ونوح ولطم وصراخ وبكاء وإنشاد للمراثي‬
‫وسب للصحابة –رضي الله عنهم‪ -‬وعطلوا فيه السواق‪ ،‬وكانوا يعدون فيه‬
‫ما يوضع عليه الخبز والعدس السود علمة للحداد‪ ،‬ولما زالت‬ ‫سما ً‬
‫طا عا ً‬
‫دولتهم وجاء بنو أيوب قلبوه موسم فرح وابتهاج)‪ ,(1‬وأصبح النواصب يتزينون‬
‫جا بقتل الحسين –رضي الله عنه‪.(2)-‬‬‫فيه ويوسعون على عيالهم ابتها ً‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬البداع في مضار البتداع )‪.(272-269‬‬
‫)‪ (2‬وضع كل فريق –من الروافض والنواصب‪ -‬من الحاديث المكذوبة ما يؤيد‬
‫به مذهبه‪ ،‬وقد نبه العلماء على تلك الحاديث‪ :‬كابن الجوزي في‬
‫الموضوعات‪ ،‬والسخاوي في المقاصد الحسنة‪ ،‬والمل علي قاري في السرار‬
‫المرفوعة‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬ولم يصح فيه إل أحاديث صيامه شكًرا لله –عز وجل‪-‬‬
‫على نجاة موسى –عليه الصلة والسلم‪ -‬وإغراق فرعون‪ ،‬وليس لهذا الصيام‬
‫علقة بما جرى من الفتنة التي قتل فيها الحسين –رضي الله عنه‪ -‬ومن زعم‬
‫ذب الحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي –صلى الله عليه‬ ‫خلف ذلك فقد ك ّ‬
‫وسلم‪ -‬في بيان سبب صيام عاشوراء‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عين جالوت الواقعة والمغزى‬


‫العصار‬
‫د‪ .‬عماد الدين خليل‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫في منتصف عام ‪ 758‬هـ )‪ 1260‬م( بعث هولكو من الشام برسله يحملون‬
‫رسالته المشهورة إلى سلطان مصر المملوكي‪ :‬سيف الدين قطز‪..‬‬
‫كان هولكو في قمة انتصاراته‪ ..‬وكان المغول قد اكتسحوا القوى السلمية‬
‫واحدة بعد الخرى‪ ،‬وهدموا متاريسها وجدرانها‪ ،‬وسووا الطريق أمام‬
‫جحافلهم المتقدمة غربًا‪ ..‬ما من قيادة إسلمية‪ ،‬من أواسط آسيا وحتى‬
‫أطراف سيناء‪ ،‬إل وأذعنت لهم طوعا ً أو كرهًا‪ ..‬وكان السيف الوثني المغولي‬
‫و‬
‫يعلو على السيوف‪ ،‬وكان الرأس الذي ل ينحني له ُيطاح به في الت ّ‬
‫ً‬
‫واللحظة‪ ..‬وحتى أولئك الذين اختاروا السلمة ولووا رؤوسهم عجزا عن‬
‫المجابهة وهروبا ً من الموت‪ ..‬وقعوا في مصيدة الموت التي كان المغول‬
‫يتفننون في نصبها وفي تعذيب خصومهم وهم يتقلبون في شباكها‪.‬‬
‫والذي حدث في بغداد معروف‪ ..‬ومعروف أيضا ً المصير المفجع الذي آلت‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إليه أكبر قوتين إسلميتين في المشرق‪ :‬الخوارزميون في بلد فارس وما‬


‫وراء النهر‪ ،‬والعباسيون في العراق‪..‬‬
‫سنوات عديدة والمطاردات الرهيبة ل تفتر بين المغول وبين السلطان‬
‫الخوارزمي الخير جلل الدين منكبرتي‪ ..‬وصراع الحياة والموت يعرض‬
‫مشاهده الدامية في مساحات واسعة من الرض‪ ،‬شهدت جهات ما وراء‬
‫النهر وشمالي الهند وبحر قزوين وشمالي العراق والجزيرة الفراتية‬
‫والناضول بعضا ً منها‪..‬‬
‫وعبثا ً حاول السلطان أن يتصل بالمراء المحليين من إخوانه المسلمين في‬
‫سبيل تشكيل جبهة إسلمية موحدة لمقاومة السيل الزاحف‪ ،‬لنه –هو‪ -‬عبر‬
‫سنوات حكمه الطويلة قد مارس خطيئة التمزيق والتفتيت وإشعال نار‬
‫الخصومة والعداء بين القيادات السلمية بعضها ضد بعض‪ ..‬وأخيرا ً استسلم‬
‫لليأس وتخلف عنه كثير من أنصاره‪ ،‬ووجد نفسه في قلة من أصحابه وحيدا ً‬
‫غريبًا‪ ،‬مطاَردا ً في جبال ديار بكر‪ ..‬ويذكر معاصروه كيف أن البكاء كان يغلب‬
‫عليه في الليل والنهار‪ ،‬وكيف أنه هرب إلى الخمر يختبئ وراء غيبوبتها من‬
‫شبح النهاية القريب‪ ..‬وما لبث أحد سكان المنطقة أن طعنه بسكين وقضى‬
‫عليه‪.‬‬
‫وأما العباسيون فأمرهم معروف‪ ..‬وما شهدته بغداد حاضرة المسلمين‬
‫الكبرى‪ ،‬غدا مثل ً يضرب على مداولة اليام بين الناس‪.‬‬
‫ولكن ما شأن المارات المحلية؟‬
‫لم يكن مصيرها –بطبيعة الحال‪ -‬بأحسن من مصير دول السلم الكبرى‪..‬‬
‫بعضها هادن ونافق ودعا إلى السلم وهو في مواقع الضعف والهوان‪ ،‬فلم‬
‫ينجه ذلك من سيوف المغول‪ ،‬وبعضها الخر وقف الوقفة التي تقتضيها كرامة‬
‫المسلم ولقي من صنوف الذى ما يشير إلى بشاعة الطرائق التي اعتمدها‬
‫المغول للقاء الرعب في قلوب الخصوم‪..‬‬
‫ل اليوبي أميُر ميافارقين في ديار بكر شّر قتلة‪ ،‬إذ كان المغول‬ ‫قُت ِ َ‬
‫ل الكام ُ‬
‫ً‬
‫يقطعون لحمه قطعا ويدفعون بها إلى فمه حتى مات‪ ،‬ثم قطعوا رأسه‬
‫وحملوه على رمح وطافوا به في بلد الشام‪ .‬وكان يتقدم الموكب مغنون‬
‫وطبالون‪ ،‬وأخيرا ً عّلق في شبكة بسور أحد أبواب دمشق‪ ،‬ويقال أنه بقي‬
‫هناك حتى تحرير المدينة من قبضة الغزاة‪.‬‬
‫ووضع الملك الصالح أمير الموصل في دهن ولباد وألقي في الشمس حتى‬
‫تحول الدهن إلى ديدان بعد أسبوع‪ ،‬فشرعت الديدان تأكل جسده حتى مات‬
‫على تلك الصورة البشعة بعد شهر‪ ..‬أما ابنه الذي كان طفل ً في الثالثة من‬
‫عمره فشقوه نصفين على ساحل نهر دجلة على مرأى من الناس‪ ..‬وغير‬
‫هؤلء كثيرون لقوا مصارع ل تقل شناعة وبؤسًا‪ ..‬وما جرى في مدن الجزيرة‬
‫الفراتية وشمالي الشام يعد واحدا ً مما شهدته الكثير من المدن والمارات‬
‫على مدى المشرق السلمي كله‪..‬‬
‫فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي السلم؟‬
‫والمؤرخ ابن الثير المتوفى عام ‪ 630‬هـ‪ ،‬وهو يستعرض وقائع عام ‪ 617‬هـ‬
‫م‬
‫ويسطر بدايات خروج المغول على بلد السلم‪ ،‬يتحدث عن الهول الذي أل ّ‬
‫بمعالم السلم‪ ،‬وقد كان في مطالعه يومها‪ ..‬فماذا لو طال العمر بالمؤرخ‬
‫المذكور وشهد أحداث العقود التالية‪ ..‬ومآسيها؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول الرجل‪« :‬لقد بقيت عدة سنين معرضا ً عن ذكر هذه الحادثة استعظاما ً‬
‫دم إليه رجل ً وأؤخر أخرى‪ ،‬فمن الذي يسهل عليه‬ ‫لها‪ ،‬كارها ً لذكرها‪ ،‬فأنا أق ّ‬
‫ت‬
‫أن يكتب نعي السلم والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيالي َ‬
‫دثني‬‫ت نسيا ً منسيًا‪ .‬إل أني ح ّ‬
‫أمي لم تلدني‪ ،‬وياليتني مت قبل حدوثها وكن ُ‬
‫جماعة من الصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف‪ ،‬ثم رأيت أن ترك ذلك ل‬
‫يجدي نفعًا‪ .‬فنقول‪ :‬هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى‬
‫صت المسلمين‪ ،‬فلو‬ ‫مت الخلئق وخ ّ‬ ‫التي عقمت اليام والليالي عن مثلها‪ ،‬ع ّ‬
‫ه سبحانه وتعالى آدم وإلى الن‪ ،‬لم يبتلوا‬ ‫قال قائل‪ :‬إن العالم منذ خلق الل ُ‬
‫بمثلها‪ ،‬لكان صادقًا‪ ،‬فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ول ما يدانيها‪ .‬ومن‬
‫أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بخت نصر ببني إسرائيل من القتل‪،‬‬
‫وتخريب البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلء الملعين من البلد التي‬
‫كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس‪ ..‬وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى من‬
‫قُِتلوا؟ فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل‪ ،‬ولعل الخلق‬
‫ل يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا‪ ..‬إنهم لم يبقوا‬
‫على أحد‪ ،‬بل قتلوا الرجال والنساء والطفال‪ ،‬وشقوا بطون الحوامل وقتلوا‬
‫الجنة‪ ،‬فإنا لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله العلي العظيم»‪.‬‬
‫النكسار من الداخل‬
‫كان الهجوم المغولي السريع الكاسح قد منح هؤلء المغيرين سلحا ً نفسيا ً‬
‫خطيرًا‪ :‬الرعب الذي كان ينقض على خصومهم من الداخل فيهزمهم قبل أن‬
‫تلتمع السيوف أمام عيونهم‪ ..‬إنه السيف الكثر حدة والذي كان يذبح فيه‬
‫القدرة على الحركة‪ ..‬لقد كان المسلمون يومها يعانون من شلل تام أو‬
‫نصفي أفقدهم الرجل التي يسيرون عليها واليدي التي يضربون بها‪ ..‬وهذه‬
‫الوقائع التي يرويها ابن الثير تكاد تكون تجسيدا ً «كاريكاتيريًا» مضحكا ً محزنا ً‬
‫للمر الذي آل إليه الكثيرون من أبناء عالم السلم‪.‬‬
‫يقول الرجل‪« :‬لقد حكي لي عن حكايات يكاد سامعها يكذب بها من الخوف‬
‫الذي ألقى الله سبحانه وتعالى في قلوب الناس منهم‪ ،‬حتى قيل إن الرجل‬
‫الواحد منهم كان يدخل القرية أو الدرب وبه جمع كثير من الناس‪ ،‬فل يزال‬
‫يقتلهم واحدا ً بعد واحد ٍ ل يتجاسر أحد أن يمد يده إلى ذلك الفارس‪ .‬ولقد‬
‫ل‪ ،‬ولم يكن مع التتري ما يقتله به‪ ،‬فقال له‪:‬‬ ‫بلغني أن إنسانا ً منهم أخذ رج ً‬
‫ضع رأسك على الرض ول تبرح‪ ،‬فوضع رأسه على الرض ومضى التتري‬
‫فأحضر سيفا ً وقتله به! وحكى لي رجل قال‪ :‬كنت أنا ومعي سبعة عشر رجل ً‬
‫في طريق‪ ،‬فجاءنا فارس من التتر وقال لنا حتى يكتف بعضنا بعضًا‪ ،‬فشرع‬
‫أصحابي يفعلون ما أمرهم‪ ،‬فقلت لهم‪ :‬هذا واحد فلم ل نقتله ونهرب؟‬
‫فقالوا‪ :‬نخاف أمرهم‪ .‬فقلت لهم‪ :‬هذا يريد قتلكم الساعة فنحن نقتله فلعل‬
‫الله يخلصنا‪ ،‬فوالله ما جسر أحد أن يفعل‪ ،‬فأخذت سكينا ً وقتلته‪ ،‬وهربنا‬
‫فنجونا»!!‬
‫التحدي‬
‫في هذه الظروف السياسية والنفسية‪ ،‬ومن خلل وهج السيوف التي تقطر‬
‫دما ً وأصداء المعارك التي أثار نقعها سيل ل أول له ول آخر من خيول الغزاة‬
‫بعث هولكو برسالته تلك إلى سلطان مصر المملوكي‪ :‬سيف الدين قطز‪..‬‬
‫وكان الطاغية يعرف جيدا ً خلفية الرعب والنهزام التي رسمتها العقود‬
‫الخيرة على مدى خارطة عالم السلم وفي أعماق نفوس أبنائه‪ ،‬فعرف‬
‫من ملك الملوك شرقا ً وغربًا‪ ،‬الخان العظم‪،‬‬ ‫كيف ينتقي كلماتها‪ ..‬قال‪ِ « :‬‬
‫باسمك اللهم باسط الرض ورافع السماء‪ ..‬يعلم الملك المظفر قطز وسائر‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها ومن العمال‪ ،‬إنا نحن‬
‫جند الله في أرضه‪ ،‬خلقنا من سخطه وسّلطنا على من حل به غضبه‪ ،‬فلكم‬
‫بجميع البلد معت ََبر‪ ،‬وعن عزمنا مزدجر‪ ،‬فاتعظوا بغيركم‪ ،‬وأسلموا إلينا أمركم‬
‫قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ‪ ..‬وقد سمعتم أننا قد‬
‫فتحنا البلد وطهرنا الرض من الفساد وقتلنا معظم العباد‪ ،‬فعليكم بالهرب‬
‫وعلينا الطلب‪ .‬فأي أرض تأويكم؟ وأي طريق تنجيكم؟ وأي بلد تحميكم؟ فما‬
‫لكم من سيوفنا خلص‪ ،‬ول من مهابتنا مناص‪ ،‬فخيولنا سوابق‪ ،‬وسهامنا‬
‫خوارق‪ ،‬وسيوفنا صواعق‪ ،‬وقلوبنا كالجبال‪ ،‬وعددنا كالرمال‪ ،‬فالحصون لدينا‬
‫ل تمنع‪ ،‬والعساكر لقتالنا ل تنفع‪ ،‬ودعاؤكم علينا ل ُيسمع‪ ..‬فمن طلب حربنا‬
‫ندم‪ ،‬ومن قصد أماننا سلم‪ ،‬فإن أنتم لشرطنا ولمرنا أطعتم‪ ،‬فلكم ما لنا‬
‫وعليكم ما علينا‪ ،‬وإن خالفتم هلكتم‪ .‬فل تهلكوا نفوسكم بأيديكم‪ ،‬فقد حذر‬
‫من أنذر‪ ..‬فل تطيلوا الخطاب‪ ،‬وأسرعوا برد الجواب قبل أن تضرب الحرب‬
‫نارها‪ ،‬وترمي نحوكم شرارها‪ ،‬فل تجدون منا جاها ً ول عزا ً ول كافيا ً ول حرزا‪ً،‬‬
‫وتدهون منا بأعظم داهية‪ ،‬وتصبح بلدكم منكم خالية‪ ،‬فقد أنصفناكم إذ‬
‫ذرناكم‪ ،‬فما بقي لنا مقصد سواكم»‪.‬‬ ‫راسلناكم‪ ،‬وأيقظناكم إذ ح ّ‬
‫فمن اختار الجهاد يصحبني!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫كان الرسالة بمثابة التحدي النهائي لخر قيادة إسلمية‪ ،‬وعلى ضوء الموقف‬
‫الذي ستقرر هذه القيادة اتخاذه سيتوقف مصير عالم السلم وحضارته التي‬
‫صنعها كدح القرون الطوال‪.‬‬
‫كل المؤشرات كانت تقود إلى الستسلم للتحدي والذعان لضروراته‪..‬‬
‫ولكن اليمان له منطق آخر‪ ..‬إنه ل يمنح القدرة على الحركة في ظروف‬
‫الشلل التام فحسب‪ ،‬ولكنه يهب بصيرة نافذة تخترق حجب العمى والظلم‬
‫لكي تطل على الفق الذي يشع ضياء‪..‬‬
‫وبالحركة القديرة والرؤية الصائبة تجابه القيادات الفذة تحديات التاريخ‬
‫ومحنه وويلته فتخرج منها ظافرة وتحقق بالستجابة قفزة نوعية في مجرى‬
‫الفعل والتحقق‪.‬‬
‫قرأ سيف الدين قطز الرسالة واستدعى أمراءه ليعرض المر عليهم‪ ..‬وجرى‬
‫هذا الحوار‪.‬‬
‫قطز‪ :‬ماذا ترتؤون؟‬
‫ناصر الدين قيمري‪ :‬إن هولكو‪ ،‬فضل ً عن أنه حفيد جنكيزخان‪ ،‬فإن شهرته‬
‫وهيبته في غنى عن الشرح والبيان‪ ،‬وإن البلد الممتدة من تخوم الصين إلى‬
‫باب مصر كلها في قبضته الن‪ ،‬فلو ذهبنا إليه نطلب المان فليس في ذلك‬
‫عيب وعار! ولكن تناول السم بخداع النفس واستقبال الموت أمران بعيدان‬
‫عن حكم العقل! إنه ليس النسان الذي يطمأن إليه‪ ،‬فهو ل يتورع عن احتزاز‬
‫الرؤوس وهو ل يفي بعهده وميثاقه‪ ،‬فإنه قتل فجأة الخليفة وعددا ً من المراء‬
‫بعد أن أعطاهم العهد والميثاق‪ ،‬فإذا ما سرنا إليه فسيكون مصيرنا هذا‬
‫السبيل!‬
‫قطز‪ :‬والحالة هذه‪ ،‬فإن كافة بلد ديار بكر وربيعة والشام ممتلئة بالمناحات‬
‫والفجائع‪ ،‬وأضحت البلد من بغداد حتى الروم خرابا ً يبابًا‪ ،‬وقضي على جميع‬
‫من فيها من حرث ونسل‪ ..‬فلو أننا تقدمنا لقتالهم وقمنا بمقاومتهم فسوف‬
‫تخرب مصر خرابا ً تاما ً كغيرها من البلد‪ ،‬وينبغي أن نختار مع هذه الجماعة‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي تريد بلدنا واحدا ً من ثلثة‪ :‬الصلح أو القتال أو الجلء عن الوطن‪ .‬أما‬
‫الجلء عن الوطن فأمر متعذر‪ ،‬ذلك لنه ل يمكن أن نجد لنا مفرا ً إل المغرب‪،‬‬
‫وبيننا وبينه مسافات بعيدة‪..‬‬
‫قيمري‪ :‬وليس هناك مصلحة أيضا ً في مصالحتهم إذ أنه ل يوثق بعهودهم!‬
‫عدد من المراء‪ :‬ليس لنا طاقة ول قدرة على مقاومتهم‪ ،‬فمر بما يقتضيه‬
‫رأيك‪..‬‬
‫ً‬
‫قطز‪ :‬إن الرأي عندي هو أن نتوجه جميعا إلى القتال‪ ،‬فإذا ظفرنا فهو المراد‪،‬‬
‫وإل فلن نكون ملومين أمام الخلق‪.‬‬
‫الظاهر بيبرس‪ :‬أرى أن نقتل الرسل ونقصد كتبغا –قائد المغول‪ -‬متضامنين‪،‬‬
‫زمنا فسنكون في كلتا الحالتين معذورين‪.‬‬ ‫فإن انتصرنا أو هُ ِ‬
‫أيد المراء كافة هذا الرأي‪ ..‬وكان على قطز أن يتخذ قراره‪ ..‬وقد اتخذه‬
‫ل‪ ..‬قتل الرسل وعلق رؤوسهم على باب زويلة أيامًا‪ ..‬ورفع رأسه متحديا ً‬ ‫فع ً‬
‫بمواجهة الطاغية‪ ،‬وأصدر أوامر بالتجهز للقتال «جهادا ً في سبيل الله ونصرة‬
‫لدين رسول الله صلى الله عليه وسلم»‪..‬‬
‫وإذ رأى ترددا ً وجبنا ً ونكوصا ً من عدد من المراء ألقى كلمته المؤثرة‪« :‬يا‬
‫أمراء المسلمين! لكم زمان تأكلون أموال بيت المال‪ ،‬وأنتم للغزاة كارهون‪،‬‬
‫وأنا متوجه‪ ،‬فمن اختار الجهاد يصحبني‪ ،‬ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته‪،‬‬
‫فإن الله مطلع عليه‪ ،‬وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين»‪..‬‬
‫وما كان للمراء جميعًا‪ ،‬إزاء قيادة مؤمنة كهذه‪ ،‬إل أن يخلعوا رداء العجز‬
‫والوهن ومحبة الدنيا‪ ..‬ويقفوا متحدين بمواجهة الفتنة التي إن لم تدفع بالدم‬
‫فإنها لن تكتفي لضرب الذين ظلموا منهم خاصة!‬
‫اليوم الفصل‬
‫انطلقت القوات السلمية بقيادة سيف الدين قطز واجتازت سيناء باتجاه‬
‫ة الطريق المحاذي للبحر‪ ،‬وتولى الظاهر بيبرس قيادة المقدمة‪.‬‬ ‫غزة سالك ً‬
‫ولم يكن في غزة سوى قوة صغيرة من المغول بقيادة بايدر الذي أرسل إلى‬
‫القائد المغولي كتبغا الذي أنابه هولكو لتمام الغزو غربًا‪ ،‬يخطره بحركة‬
‫الجيش السلمي‪ ،‬غير أن المسلمين اكتسحوا عساكره قبل أن تصل إليه‬
‫النجدة‪.‬‬
‫كان كتبغا في بعلبك‪ ،‬فتجهز علىالفور للمسير إلى وادي نهر الردن بعد أن‬
‫يتجاوز بحر الجليل‪ ،‬غير أن منعه اشتعال ثورة المسلمين في دمشق ضد‬
‫السلطة المغولية وأنصارها من النصارى المحليين حيث حطمت دورهم‬
‫وكنائسهم‪ ،‬واشتدت الحاجة إلى العساكر المغولية لعادة المن إلى نصابه‪.‬‬
‫وفي تلك الثناء كان قطز يواصل السير على الساحل الفلسطيني ثم انعطف‬
‫إلى الداخل ومضى شمال ً لتهديد مواصلت كتبغا إذا حدث وتقدم إلى‬
‫فلسطين‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫عبر كتبغا نهر الردن وتوجه صوب الجليل الشرقي‪ ،‬فبادر قطز على الفور‬
‫بالنعطاف بقواته باتجاه الجنوب الشرقي مجتازا ً الناصرة حيث وصل في‬
‫الرابع عشر من رمضان )المصادف الثاني من أيلول عام ‪1260‬م( إلى عين‬
‫جالوت‪ .‬وفي صبيحة اليوم التالي قدم الجيش المغولي تعززه كتائب كرجية‬
‫وأرمنية‪ ،‬دون أن يعلم أن جيش المماليك أضحى قريبا ً منه‪ .‬وكان قطز يعرف‬
‫جيدا ً تفوق جيشه في العدد على العدو ولذا أخفى قواته الرئيسية في التلل‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القريبة ولم يعرض للعدو إل المقدمة التي قادها بيبرس‪ .‬وما لبث كتبغا أن‬
‫وقع في الفخ إذ حمل بكل رجاله على القوات السلمية التي شهدها أمامه‪،‬‬
‫فأسرع بيبرس في تقهقره إلى التلل بعد أن اشتدت مطاردة كتبغا له‪ ،‬فلم‬
‫يلبث الجيش المغولي بأسره أن جرى تطويقه فجأة‪ ،‬وجرت بين الطرفين‬
‫معركة طاحنة‪ ،‬واضطربت قوات المماليك بعض الوقت‪ ،‬فدخل قطز المعركة‬
‫ض سوى بضع ساعات حتى بدأ تفوق المسلمين في‬ ‫لجمعهم‪ ،‬ولم تنق ِ‬
‫ً‬
‫الميدان‪ ،‬وسحقت زهرة القوات المغولية ووقع قائدهم نفسه أسيرا‪ .‬وبأسره‬
‫انتهت المعركة‪ ،‬إذ جرى حمله مقيدا ً بالغلل إلى السلطان حيث احتّز رأسه!‬
‫توجه السلطان قطز إلى دمشق بعد أيام قلئل من المعركة حيث استقبل‬
‫استقبال البطال وهرب نواب المغول منها بعد أكثر من سبعة أشهر من‬
‫خضوعها لسيطرتهم‪ ،‬وقام قائده الظاهر بيبرس بملحقة فلول العدو شمال ً‬
‫وتطهير البلد منهم‪ ،‬حيث قتل وأسر عددا ً كبيرًا‪ ،‬وتمكن خلل شهر واحد من‬
‫دخول حلب‪ ،‬المعقل الشمالي‪ ،‬وتخليصه من قبضة الغزاة‪ .‬وهكذا تم تحرير‬
‫بلد الشام وفلسطين من أقصاها إلى أقصاها‪ .‬ومع أن هولكو أرسل العساكر‬
‫لسترداد حلب فإنهم اضطروا للنسحاب بعد أربعين يوما ً أجروا أثناءها‬
‫المذابح في عدد كبير من المسلمين انتقاما ً لمصرع كتبغا‪ ،‬غير أن ذلك كان‬
‫كل ما استطاع هولكو أن يفعله للنتقام لقائده الشهير‪.‬‬
‫لقطات من المعركة‬
‫· تقدم الملك المظفر إلى سائر الولة بإزعاج الجناد في الخروج للسفر ومن‬
‫وجد منهم قد اختفى يضرب بالمقارع! فلما كان الليل ركب السلطان وحرك‬
‫أعلمه وقال‪ :‬أنا ألقى التتار بنفسي‪ .‬فلما رأى المراء مسير السلطان ساروا‬
‫على كره!‬
‫· أقسم المظفر لقادة الصليبيين في فلسطين أنه متى تبعه منهم فارس أو‬
‫راجل يريد أذى عسكر المسلمين رجع وقاتلهم قبل أن يلقى التتر!‬
‫معوا‪ ،‬وحضهم على قتال التتار وذكرهم بما‬ ‫· أمر الملك المظفر بالمراء فج ِ‬
‫وفهم من وقوع مثل ذلك‪،‬‬ ‫وقع بأهل القاليم من القتل والسبي والحريق‪ ،‬وخ ّ‬
‫ذرهم‬ ‫وحّثهم على استنقاذ الشام من التتر ونصرة السلم والمسلمين‪ ،‬وح ّ‬
‫عقوبة الله‪ ،‬فضجوا بالبكاء وتحالفوا على الجتهاد في قتال التتر ودفعهم عن‬
‫البلد‪.‬‬
‫· عندما اصطدم العسكران اضطرب جناح عسكر السلطان وانتقض طرف‬
‫منه فألقى الملك المظفر عند ذلك خوذته عن رأسه إلى الرض وصرخ بأعلى‬
‫صوته‪« :‬واإسلماه!» وحمل بنفسه وبمن معه حملة صادقة‪ ،‬فأّيده الله‬
‫بنصره‪..‬‬
‫· مّر العسكر في أثر التتر إلى قرب بيسان فرجع التتر والتقوا بالمسلمين‬
‫لقاء ثانيا ً أعظم من الول فهزمهم الله وقتل أكابرهم وعدة منهم‪ ،‬وكان قد‬
‫تزلزل المسلمون زلزال ً شديدا ً فصرخ السلطان صرخة عظيمة سمعه معظم‬
‫المعسكر وهو يقول‪« :‬واإسلماه!» ثلث مرات‪« :‬يا الله انصر عبدك قطز‬
‫على التتار!» فلما انكسر التتار الكسرة الثانية نزل السلطان عن فرسه‬
‫ومرغ وجهه على الرض وقبلها‪ ،‬وصلى ركعتين شكرا ً لله تعالى ثم ركب‪،‬‬
‫فأقبل العساكر وقد امتلت أيديهم بالمغانم!‬
‫· كتب السلطان إلى دمشق يبشر الناس بفتح الله وخذلنه التتر‪ ،‬وهو أول‬
‫كتاب ورد منه إلى دمشق‪ .‬فلما ورد الكتاب سّر الناس به سرورا ً كثيرا ً‬
‫وبادروا إلى دور النصارى الذي كانوا من أعوان التتار فنهبوها وخربوا ما‬
‫قدروا على تخريبه‪ ،‬وقتلوا عدة من النصارى واستتر باقيهم‪ ،‬وذلك أنهم في‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مدة استيلء التتر هموا مرارا ً بالثورة على المسلمين وخربوا مساجد ومآذن‬
‫كانت بجوار كنائسهم‪ ،‬وأعلنوا بضرب الناقوس وركبوا بالصليب وشربوا‬
‫شوه على المسلمين!‬ ‫الخمر في الطرقات ور ّ‬
‫· لما بلغ هولكو كسرة عسكرة وقتل نائبه كتبغا‪ ،‬عظم عليه فإنه لم يكسر له‬
‫عسكر قبل ذلك‪..‬‬
‫· ‪ ..‬وأتم الملك المظفر السير بالعسكر حتى دخل دمشق‪ ،‬وتضاعف شكر‬
‫المسلمين لله تعالى على هذا النصر العظيم‪ ،‬فإن القلوب كانت قد يئست‬
‫من النصرة على التتر لستيلئهم على معظم بلد السلم‪ ،‬فابتهجت الرعايا‬
‫بالنصرة عليهم وبقدوم الملك المظفر إلى الشام‪ .‬وفي يوم دخوله إلى‬
‫دمشق أمر بشنق جماعة من المنتسبين إلى التتر فشنقوا‪ ..‬وأنشد بعض‬
‫الشعراء‪:‬‬
‫ه‬
‫ض ِ‬
‫م بعد دحو ِ‬ ‫واستجد ّ السل ُ‬
‫هلك الكفُر في الشآم جميعا ً‬
‫ه‬
‫ض ِ‬ ‫رع سيف السلم ِ عند نهو ِ‬
‫بالمليك المظفر الملك الو‬
‫ه‬
‫فاعتززنا بسحره وببيض ِ‬
‫ملك جاءنا بعزم وحزم‬
‫ه‬
‫ض ِ‬
‫دائما مثل واجبات فرو ِ‬
‫أوجب الله شكر ذاك علينا‬
‫الرقام التي يريدها الله ورسوله‬
‫فليس من المبالغة القول بأن عين جالوت شهدت معركة حاسمة على‬
‫المستويات العسكرية والسياسية والعقيدية والحضارية عمومًا‪..‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ها هنا‪ ،‬في قلب فلسطين‪ ،‬وبعد ما يقرب من مضي قرن على معركة حطين‬
‫الفاصلة‪ ،‬أجرى التاريخ نزال ً ل يقل حسما ً بين قوتين متقابلتين‪ :‬السلم‬
‫والوثنية‪ ،‬التحضر والجاهلية‪ ،‬واللتزام بالقيم والنفلت منها‪ ..‬وكان انتصار‬
‫المسلمين يعني انتصار على الوثنية‪ ،‬والتحضر على الجاهلية‪ ،‬والقيم على‬
‫النفلت‪..‬‬
‫ومؤشرات الثقة بالنفس واليمان بالنصر والقدرة على تجاوز الهزائم‬
‫والنكسات والتي كادت تصل بالمسلمين إلى نقطة الصفر‪ ..‬جاءت هذه‬
‫المعركة المباركة لكي ترتفع بها ثانية صوب الرقام التي تليق بمكانة‬
‫المسلمين في العالم‪.‬‬
‫وها هنا –أيضًا‪ -‬نشهد المعادلة الواضحة التي ل تمنح جوابها العادل إل إذا‬
‫تجمع طرفاها في تكافؤ متقابل‪ :‬الخذ بالسباب‪ ،‬واليمان الواثق العميق بالله‬
‫وبعدالة القضية التي يجاهد المسلمون من أجلها‪ ..‬وبدون تحقق هذا التقابل‬
‫فلن يكون هناك نصر أو توفيق‪ ..‬ولن يحتاج المر إلى مزيد شواهد أو نقاش‪،‬‬
‫فإن مجرى التاريخ السلمي الطويل يعرض علينا عشرات بل مئات وألوفا ً‬
‫من الشواهد علىهذا الذي تعرضه علينا واقعة عين جالوت‪..‬‬
‫وهذه شهادة المؤرخ النجليزي المعاصر ستيفن رنسيمان في كتابه الحروب‬
‫الصليبية يقول‪« :‬تعتبر معركة عين جالوت من أهم المعارك الحاسمة في‬
‫التاريخ‪ ..‬ومن المحقق لو أن المغول عجلوا بإرسال جيش كبير عقب وقوع‬
‫الكارثة لتيسر تعويض الهزيمة‪ ،‬غير أن أحكام التاريخ حالت دون نقض ما‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اتخذ في عين جالوت من قرار‪ .‬فما أحرزه المماليك من انتصار أنقذ السلم‬
‫من أخطر تهديد تعرض له‪ .‬فلو أن المغول توغلوا إلى داخل مصر لما بقي‬
‫للمسلمين في العالم دولة كبيرة شرقي بلد المغرب‪ ،‬ومع أن المسلمين في‬
‫آسيا كانوا من وفرة العدد ما يمنع من استئصال شأفتهم‪ ،‬فإنهم لم يعودوا‬
‫يؤلفون العنصر الحاكم‪ .‬ولو انتصر كتبغا النصراني‪ ،‬لزداد عطف المغول على‬
‫النصارى ولصبح للنصارى السلطة لول مرة منذ سيادة النحل الكبيرة في‬
‫العصر السابق على السلم‪ .‬على أنه من العبث أن نفكر في المور التي قد‬
‫تحدث وقتئذ‪ ،‬فليس للمؤرخ إل أن يروي ما حدث فعل ً إذ أن معركة عين‬
‫جالوت جعلت سلطة المماليك بمصر القوة الساسية في الشرق الدنى في‬
‫القرنين التاليين‪ ،‬إلى أن قامت الدولة العثمانية‪ ..‬فما حدث من ازدياد قوة‬
‫العنصر السلمي وإضعاف العنصر النصراني لم يلبث أن أغوى المغول الذين‬
‫بقوا في غرب آسيا على اعتناق السلم‪ .‬وعجلت هذه المعركة بزوال‬
‫المارات الصليبية‪ ،‬لن المسلمين المظفرين‪ ،‬حسبما تنبأ مقدم طائفة‬
‫فرسان التيوتون‪ ،‬أضحوا حريصين على أن يتخلصوا نهائيا ً من أعداء الدين»‪.‬‬
‫ولم يشأ رنسيمان أن يشير إلى أن انتماء مغول غربي آسيا إلى السلم لم‬
‫يكن بسبب وجودهم في قلب أكثرية إسلمية فحسب‪ ،‬بل وهذا هو الهم‪ ،‬لما‬
‫يمتلكه السلم نفسه من قدرة ذاتية على الجذب والتأثير‪ ،‬وفاعلية دائمة في‬
‫التغلب على العناصر المناوئة الغريبة واحتوائها‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن المعركة الفاصلة حققت وحدة بين مصر والشام‬
‫كانت ذات قيمة استراتيجية كبيرة في صراع السلم ضد خصومه‬
‫التاريخيين‪ ..‬إذ أصبحت الدرع الذي يقي المسلمين هجمات المغول الشرسة‪،‬‬
‫ويمكن –في الوقت نفسه‪ -‬من مجابهة التحدي الصليبي ومحاولة استئصال‬
‫وجوده من الرض السلمية‪.‬‬
‫وليس ثمة غير الوحدة من طريق‬
‫إنها الوحدة نفسها التي سهر عماد الدين زنكي وابنه نور الدين محمود على‬
‫إقامتها‪ ،‬وجاء الناصر صلح الدين من بعدهما لكي يبني عليها انتصاراته‬
‫الحاسمة ضد الصليبيين الغزاة ويحرر القدس‪ ..‬وها هي معركة عين جالوت‬
‫تشد الصرة مرة أخرى وتمنح المسلمين الرضية التي سيتحركون عليها عبر‬
‫العقود القادمة لمجابهة الخصوم ودفعهم إلى إحدى اثنتين‪ :‬الذعان لكلمة‬
‫السلم أو العودة من حيث جاؤوا‪ ..‬لقد ملت المعركة الفراغ المخيف الذي‬
‫كان يمكن أن يتمخض عن سقوط الخلفة العباسية وتفتت السلجقة من‬
‫قبل‪ ،‬فأتاحت للقيادة المملوكية الشابة أن تعوض عالم السلم عما فقد َ‬
‫هناك‪..‬‬
‫‪ ..‬وهناك البعد الحضاري‬
‫وثمة من يقول بأن المعركة خدمت أوربا نفسها وحفظت مدنيتها‪ ،‬كما يرى‬
‫بروان وغيره‪ ،‬وهذا حق‪ ..‬فإن المغول كانوا يطمحون لغزوها وتخريبها‪ ،‬ولكن‬
‫دهم عن المضي‬ ‫تقليم أظافرهم في عين جالوت فضل ً عن عوامل أخرى ص ّ‬
‫في الطريق إلى نهايته‪.‬‬
‫هذا إلى أن المعركة حققت للحركة الحضارية السلمية القدرة على مواصلة‬
‫المسير‪ ،‬وعلى أن تتجاوز محنة الدمار والتخريب الذي شهدته بغداد‪ ..‬فها هي‬
‫ذي في مصر والشام والمغرب تنجز المزيد من العطاء وتتحقق بالبداع في‬
‫جوانب عديدة وساحات شتى‪ ..‬وليس كما يقال من أن عالم السلم دخل‬
‫عصر الظلمة بعد سقوط بغداد‪ ..‬وليس ابن خلدون وابن كثير وابن تيمية وأبو‬
‫الفدا والسيوطي والسخاوي وابن القيم والجزري‪ ..‬وغيرهم كثيرون‪ ،‬سوى‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مها‪..‬‬
‫إشارات على طريق هذا التحقق المبدع الذي شهدته حضارة السلم يو َ‬
‫آن الوان لكي نتعلم من التاريخ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫لقد شهد تاريخ السلم سلسلة متطاولة من المعارك الفاصلة‪ ،‬منذ وقعة بدر‬
‫كن لدعوته الناشئة في الرض‪..‬‬ ‫التي فرق الله بها بين الحق والباطل‪ ،‬وم ّ‬
‫وإلى أن يشاء الله‪ ..‬ولكن يبقى لمعركة عين جالوت ثقلها وأهميتها‬
‫وخصوصيتها‪ ..‬ذلك أنها جاءت وظلم العصار الوثني المتحالف مع الصليبية‬
‫دت علىالقوة بالقوة‪،‬‬ ‫يكاد يطبق على نور التوحيد ويطمس على ألقه‪ ..‬فر ّ‬
‫ً‬
‫وقارعت سيف الشيطان بسيف الله‪ ،‬وعلمت الناس عموما والناس خاصة‪،‬‬
‫بالنتصار الباهر الذي حققته‪ ،‬كيف يكون اليمان الجاد المعزز بالرؤية الواعية‬
‫والتخطيط المدروس‪ ،‬قديرا ً على تحقيق المعجزات‪..‬‬
‫واليوم وقوى الضلل‪ ،‬المادية والصهيونية والستعمارية الجديدة‪ ،‬تتجمع مرة‬
‫أخرى في محاولة شرسة للطباق على السلم عقيدة وشريعة وأمة‬
‫وحضارة ودو ً‬
‫ل‪..‬‬
‫فإن لم نتعلم من )عين جالوت( سوى حقيقة أنه باليمان والثقة والعزم‬
‫والتصميم‪ ،‬يمكن أن نجابه المحنة ونتفوق عليها‪ ..‬فكفى بذلك من كسب‬
‫تمنحنا إياه مطالعاتنا الجادة في التاريخ‪ ..‬وإنه قد آن الوان لكي نتعلم من‬
‫التاريخ‪..‬‬
‫مجلة المة‪ ،‬العدد التاسع‪ ،‬رمضان ‪ 1401‬هـ‬
‫**********************‬

‫)‪(6 /‬‬

‫بسم الّله الرحمن الرحيم‬


‫مة السلم راقدة في مستنقع الهمود والخنوع والهجمة‬ ‫لأ ّ‬ ‫إلى متى ستظ ّ‬
‫م العراق ودول‬
‫الستعمارية تنشب مخالبها في جسمها؟ بدأت بأفغانستان ث ّ‬
‫أخرى كثيرة على قائمة إجرامها وإرهابها‬
‫ك‬ ‫ت ل َي َا ِْلي ال ِفْ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ص َ‬ ‫عَ َ‬
‫الشاعر‪ :‬حسام هرشة‬
‫حال‬
‫موِخ رِ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫س ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫شد ُد ْ إ َِلى َ‬ ‫وا ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حب َالى‬ ‫شُرورِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫م ب ِأل َ‬ ‫ظ ُل َ ٌ‬
‫صال‬ ‫َ‬ ‫حد ُ َ‬ ‫ت ََترًا‪ ،‬ي ُوَ ّ‬
‫ها الوْ َ‬ ‫شّر َ‬
‫خاِلدا ً وَِبلل‬ ‫ب َ‬ ‫ل ُيحارِ ُ‬ ‫هُب َ ٌ‬
‫فحال‬ ‫ست ِ ْ‬ ‫جُنون ََها ا ْ‬ ‫قدا ً َيزيد ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ِ‬
‫م ت ََعاَلى‬ ‫ُ‬ ‫ظل‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ما‬ ‫م ْ ُ َ َ ْ َ‬
‫ه‬ ‫م‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫صال‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫سا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫زو‬ ‫َ َُ‬ ‫ي‬ ‫س‬
‫وال‬ ‫ح‬ ‫س م ال َ‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ل أَ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِفي‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ٍ ْ‬ ‫َ‬
‫وال‬ ‫َ‬
‫جّرعُ الهْ َ‬ ‫م العَِراقُ ي ُ َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫والى‬ ‫َ‬ ‫مَها ت َت َ َ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ل إ ِلى إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫د ُوَ ٌ‬
‫ماُرهُ الّزلَزال‬ ‫ْ‬ ‫فوقُ د َ َ‬ ‫شّر ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫جال‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ست ِعْ َ‬ ‫جد َهُ ا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ِإل أب َاد َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫خهِ أطلل‬ ‫مو ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫ضَياَء ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫جعَل َ ْ‬ ‫َ‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كال‬ ‫ل الِبلد ِ ن َ َ‬ ‫ت ب ِهِ ك ُ ّ‬ ‫ماد َ ْ‬ ‫َ‬


‫دال‬ ‫ست ِب ْ َ‬ ‫وي عَهْد ُهُ ا ْ‬ ‫ف وَي َهْ ِ‬ ‫حت ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫مهِ الذَيال‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫جّر ل ِظل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫إ ِفك ي َ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫فال‬ ‫ست ِغْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫شى ُ ْ ُ ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ت َغْ َ‬
‫ب أوْ أعَد ّ ن َِزال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت يَ ْ‬
‫شج ُ‬ ‫ن َبا َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ض وََبال؟‬ ‫في ُ‬ ‫شَرى ي َ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫جَرام ِ َفا ْ‬ ‫إ ْ‬
‫مال‬ ‫ست ِك ْ َ‬ ‫ها ا ْ‬ ‫شُرورِ َ‬ ‫د َوْل ِي ّةٍ ل ِ ُ‬
‫زيد ُ َدلل‬ ‫ست َ ِ‬ ‫قا ي َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ِ‬ ‫يْ َ‬
‫ها ِإيَغال‬ ‫سادِ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫مضي ب ِ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫فال‬ ‫م الط َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ح ُ‬ ‫جازٌِر ل ت َْر َ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫مل وَث َكالى‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ساَء أَرا ِ‬ ‫ت َذ َُر الن ّ َ‬
‫ل َوالفَْعال‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وا َ‬ ‫ست َوْرِد ُ القْ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫مال‬ ‫ش َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َفل ت َُرو ُ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫ب الي َ ِ‬ ‫صو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ضال‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ف ب ِهِ الَهوا ُ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَهْي َا ي َ ُ‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫وال‬ ‫م َ‬ ‫ب ال ْ‬ ‫سك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن وَت َ ْ‬ ‫وي الد ُّيو َ‬ ‫ت َط ْ ِ‬
‫جال‬ ‫س َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حُرو ُ‬ ‫قت ِفيهِ ال ُ‬ ‫ن ت َوَث ّ َْ‬ ‫ـا َ‬
‫فهِ إ ِن َْزال‬ ‫َ ِْ‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫في‬ ‫ق ْ ِ ِ ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫أ َل ْ َ‬
‫َ‬
‫مال‬ ‫ة وَك َ َ‬ ‫شَراقَ ً‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫حل ُ‬ ‫أ ْ‬
‫حال‬ ‫م َ‬ ‫حقُ ال ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حود َ وَت َ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫سِبي ال ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫دال‬ ‫ل الب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫ِفي ب َي ْعَةٍ ل ت َ ْ‬
‫جّهال‬ ‫س ال ُ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ل وَي ُ ْ‬ ‫زي ِ‬ ‫ن الهَ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫أ ْ‬
‫حال‬ ‫م َوالوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها َ‬ ‫حو الُزوَْر َوالوْ َ‬ ‫ـ ُ‬
‫ف ال ِْذلل‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ضوع َ َوتأن َ ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ت َأَبى ال ُ‬
‫سال‬ ‫سما إ ِْر َ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫فْر َ‬ ‫ت َن ْ ِ‬
‫حَبال‬ ‫ل ِ‬ ‫ضل ُ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫خا َ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫ض ي َهُ ْ‬ ‫ي ُعْرِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حال‬ ‫م َ‬ ‫م قُوّة ً وَ ِ‬ ‫ه أعْظ ُ‬ ‫َفالل ُ‬
‫ضللّ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫م ث ََبات ِ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت ُؤِْوي َ‬
‫شال‬ ‫ت أوْ َ‬ ‫َ‬
‫قَر ْ‬ ‫قهْ َ‬ ‫فيُر ت َ َ‬ ‫صد َقَ الن ّ ِ‬ ‫َ‬
‫حلل‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫صد ُ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫حْتما َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مال‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ث‬ ‫ََْ ُ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫نا‬ ‫ّ َ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ ّ‬ ‫ح‬
‫جُهم َأفلل‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫حي‬ ‫ذ ُعْ َ ُ ِ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ر‬
‫جال‬ ‫ة وَرِ َ‬ ‫ت هَي ْب َ ً‬ ‫َ‬
‫ض ت ُن ْب ِ ُ‬ ‫َوالْر ُ‬
‫جال‬ ‫صُر ال َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ت تُ َ‬ ‫حَيا ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫ما الت ّ ْ‬ ‫َ‬
‫مود ُ َوطال‬ ‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ِ ْ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ر‬‫بَ ْ َ‬ ‫د‬
‫ة وَقَِتال‬ ‫سال ً‬ ‫َ‬ ‫كي الِبلد َ ب َ َ‬ ‫ت ُذ ْ ِ‬
‫جَيال‬ ‫معُ ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ُنوُر ائ ِْتل ٍ‬
‫ج َ‬ ‫ف يَ ْ‬
‫قيد َة ً وِفَِعال‬ ‫س عَ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫حِيي الن ّ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫مَيال‬ ‫َ‬ ‫وي اللي ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ل َوال ْ‬ ‫سي َط ِ‬ ‫حْتما َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫حطم ال ْ‬
‫غلل‬ ‫قيد َةِ َ‬
‫ن العَ ِ‬ ‫ْ‬
‫قل ‪ -1 ... ...‬يا اب ْ َ‬ ‫ست ِ ْ‬ ‫مى ا ْ‬ ‫ح َ‬ ‫سو ال ِ‬ ‫عّزةٍ ت َك ُ‬ ‫أوْ ِ‬
‫ت‬ ‫داِء فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ ب َغَ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ج إ َِباَءك ِلل ِ‬ ‫سرِ ْ‬ ‫‪ -2‬أ ْ‬
‫ها‬ ‫َ‬
‫ف كي ْد ُ َ‬ ‫ك َيقذِ ُ‬ ‫ت لَياِلي الف ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ص َ‬ ‫‪ -3‬عَ َ‬
‫ها‬
‫جدِي ْد ٍ قاد َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فرٍ ِ‬ ‫نك ْ‬ ‫‪ -4‬أْوثا ُ‬
‫عْرقََها‬ ‫سلم ِ غَذ ّْوا ِ‬ ‫ب عََلى ال ِ ْ‬ ‫حْر ٌ‬ ‫‪َ -5‬‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ُ ُُ ْ‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ب‬ ‫‪ِ َ ّ ِ ْ َ َ ُ َ -6‬‬
‫با‬ ‫ت‬ ‫بال‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫با‬ ‫و‬ ‫بوا‬ ‫خا‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذي‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫مك ُْرهُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ئ ال ِ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن ي ُط ْ ِ‬ ‫‪ -7‬ل َ ْ‬


‫كا ال ِّتي‬ ‫ري َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ِبأ ْ‬ ‫ة ب ُعِث َ ْ‬ ‫‪َ -8‬نازِي ّ ٌ‬
‫ن والـ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مى الفَغا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ِفي ِ‬ ‫عاث ْ‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫‪ِ -9‬بال ْ‬
‫خَرى وَب َعْد َ غَدٍ تلي‬ ‫غدا ً إ َِلى أ ُ ْ‬ ‫‪ -10‬وَ َ‬
‫مط ْل َ ٌ‬
‫ق‬ ‫ل ُ‬ ‫حقٌ وَعَد ْ ٌ‬ ‫عَها َ‬ ‫شْر ِ‬ ‫‪ -11‬في َ‬
‫ه‬
‫عّز ِ‬ ‫دو ب ََيارِقُ ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫سل ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫‪َ -12‬‬
‫ة‬
‫ض هَي ْب َ ً‬ ‫س ت َْنب ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ل "ل" َوالن ّ ْ‬ ‫ن قَا َ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫‪َ -13‬‬
‫ه‬‫ح ُ‬ ‫سل ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫مَبا َ‬ ‫خد َْر ال ُ‬ ‫ن َفاَرقَ ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫‪َ -14‬‬
‫ه‬
‫ف بِ ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫حد ْ ي َعْ ِ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صي ُْر وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ذا ال َ‬ ‫‪ -15‬هَ َ‬
‫ه‬
‫شَرى ب ِ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ذي ا ْ‬ ‫جوْرِ ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫س ال َ‬ ‫جل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪َ -16‬يا َ‬
‫م ت َعُد ْ‬ ‫ت َول ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ت ث َِياب ُك َوافْت ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ -17‬ب َل ِي َ ْ‬
‫قود ُ قََراَرهُ‬ ‫ه تَ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫‪ -18‬ك ُ ّ‬
‫ف ط ََغى ِفي د َوْل َةِ اْلـ‬ ‫صل َ ٌ‬ ‫م ي ُب َد ْ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫‪ -19‬ل ِ َ‬
‫ة‬
‫ق ٍ‬ ‫ل وَِثي َ‬ ‫لك ّ‬ ‫ُ‬ ‫سَراِئي ُ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫‪ -20‬ت َغَْتا ُ‬
‫شـ‬ ‫عي ّةِ ال ّ‬ ‫شْر ِ‬ ‫صاَر ِفي َ‬ ‫‪ -21‬ط ُغَْيان َُها قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫جُنون َُها‬ ‫م وَ ُ‬ ‫م ت َن َ ْ‬ ‫جَرائ ِم ِ ل َ ْ‬ ‫ح ال َ‬ ‫‪ -22‬رِي ْ ُ‬
‫ل‬ ‫‪ -23‬قَت ْ َ َ ْ ِ ٌ َ َ ْ ُ َ َ ٍ‬
‫ناز‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫مي‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ٌ‬
‫ب ت َْزفُُر ِغل ْظ َ ً‬
‫ة‬ ‫ها ِ‬ ‫ن ال ِْر َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ح ٌ‬ ‫س ُ‬ ‫‪ُ -24‬‬
‫ى‬
‫م ً‬ ‫ة" د ُ َ‬ ‫سن ّد َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ش ٌ‬ ‫خ ُ‬ ‫منا " ُ‬ ‫كا ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫‪ُ -25‬‬
‫ت إ َِلى‬ ‫قل َ ْ‬ ‫ن نُ ِ‬ ‫شط َْرن ِْج إ ِ ْ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫‪ -26‬ك ََبيادِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫سوا‬ ‫ي ألب ِ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫م وَب ُك ْ ٌ‬ ‫ص ٌ‬ ‫‪ُ -27‬‬
‫جاَرةٌ‬ ‫ل تِ َ‬ ‫قو ِ‬ ‫مائ ِرِ َوالعُ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫‪ -28‬ب َي ْعُ ال َ‬
‫ن الّزمـ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫‪َ -29‬يا د َوْل َ َ‬
‫مي أ ّ‬ ‫شّر اعْل ِ‬
‫ة‬ ‫شي ّ ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ل ذ َْروَة ُ ب َغْي ِهِ وَ ْ‬ ‫ن ي َعْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫‪َ -30‬‬
‫هي‬ ‫شَهاد َةِ ت َْزد َ ِ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫‪ -31‬وَلت َْرقُِبي َز ْ‬ ‫ْ‬
‫قى الِتي‬ ‫ّ‬ ‫م ِبالعُْروَةِ الوُث ْ َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ُ -32‬‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ص َ‬ ‫ع ْ‬ ‫قيد َةِ ِ‬ ‫ن ِبالعَ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ف تَ َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫‪َ -33‬ز ْ‬
‫ة الـ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خَراف َ‬ ‫فل ُ‬ ‫‪ -34‬ي َطأ الد َّنى ب ِهُد َىً ي َ ُ‬
‫مـ‬ ‫ريعَةٍ غّراَء ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ل َ‬ ‫حَيا ب ِظ ِ ّ‬ ‫‪ -35‬ي َ ْ‬
‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫بي‬ ‫ُ‬
‫ِ ْ َ ً‬ ‫‪َ -36‬يا ّ َ ِ ْ ِ ُ ّ‬
‫ه‬ ‫م‬ ‫سل‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫أ‬
‫ه‬
‫مي ب ِ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ل اللهِ َفاعْت َ ِ‬ ‫حب ْ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫في ِ‬ ‫‪ -37‬ي َك ْ ِ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫جاَر ب ِهِ وَ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ي َعِّز َ‬ ‫حب ْ ٌ‬ ‫‪َ -38‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وة‬ ‫هو قُ ّ‬ ‫ن ي َْز ُ‬ ‫جا الب ُهَْتا ُ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫مهْ َ‬ ‫َ‬ ‫‪-39‬‬
‫ة‬
‫ظك لعْن َ ً‬‫َ‬ ‫ل غَي ْ ِ‬ ‫جي َ‬ ‫س ّ‬ ‫ري ِ‬ ‫مط ِِ‬ ‫وَل ْت ُْ‬ ‫‪-40‬‬
‫جهِي ّت َُها إ َِذا‬ ‫ظلم ِ وَعَن ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ط ُغَ ُ‬ ‫‪-41‬‬
‫ري‬ ‫صب ِ ِ‬ ‫فُر قَْهرا ً َفا ْ‬ ‫م الك ُ ْ‬ ‫ما اد ْل َهَ ّ‬ ‫مهْ َ‬ ‫َ‬ ‫‪-42‬‬
‫حى‬ ‫ض َ‬ ‫ب ب ِهِ ال ّ‬ ‫شَرئ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫صب َْرك ي َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫فَ‬ ‫‪-43‬‬
‫م‬
‫مهِ ْ‬ ‫َ‬
‫حرِ ظل ِ‬ ‫ك فَوْقَ ب َ ْ‬ ‫شَراعَ ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ُ‬ ‫‪-44‬‬
‫ُ‬
‫م الَباةِ َرَوافِد ٌ‬ ‫ري الوََفا وَد َ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫يَ ْ‬ ‫‪-45‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫معَد ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫جب ْ ٌ‬ ‫ماَر ُ‬ ‫ن ي ُْرفِد َ العْ َ‬ ‫لَ ْ‬ ‫‪-46‬‬
‫ة اب ْعَُثوا‬ ‫حرِث َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مَزةَ واب ْ ِ‬ ‫ح ْ‬‫ل َ‬ ‫جي َ‬ ‫َيا ِ‬ ‫‪-47‬‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فرِ اّلتي‬ ‫جذ ْوَةَ الظ ّ َ‬ ‫ل ب َد ٌْر َ‬ ‫ست َظ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫‪-48‬‬


‫ما‬
‫س َ‬‫ن وَقد ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مِبي ِ‬ ‫جرِ ال ُ‬
‫ْ‬
‫ف ْ‬
‫ضوا إ ِلى ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫َوا ْ‬ ‫‪-49‬‬
‫هُ‬ ‫َ‬
‫دقا غي ْث ُ‬ ‫ص ْ‬‫س ِ‬ ‫َ‬
‫صُروا ذا الب َأ ِ‬ ‫ست َن ْ ِ‬‫َوا ْ‬ ‫‪-50‬‬
‫ه‬ ‫ن‬
‫ِّ ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫طى‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ر‬‫قَد ْ ُ ْ ِ ُ ّ ْ ُ‬
‫ص‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ئ‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫‪-51‬‬
‫ة‬
‫شَهاد َ ٍ‬ ‫ن‪َ :‬‬ ‫سن َي َي ْ ِ‬
‫ح ْ‬ ‫دى ال ُ‬ ‫ح َ‬‫فْر بإ ِ ْ‬ ‫َفاظ ْ َ‬ ‫‪-52‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ب‬‫ح ّ‬
‫عي ْد ُ ال ُ‬
‫ِ‬
‫د ‪ .‬رقية بنت محمد المحارب ‪21/12/1424‬‬
‫‪12/02/2004‬‬
‫ضعَْتها على صدرها‪،‬‬ ‫جأت نورة صديقاتها صباح أحد اليام بوردة حمراء و َ‬ ‫َفا َ‬
‫حيث بادرنها بابتسامة أتبعنها بمسائلتها‪ :‬ما المناسبة ؟ أجابت ‪ :‬أل تعلمن أن‬
‫اليوم هو يوم الحب‪ ،‬وأن الناس يحتفلون به ويتبادلون التهاني ‪ ..‬إنه احتفال‬
‫بالحب‪ ،‬بالرومانسية‪ ،‬بالصدق‪ ،‬إنه يوم )فالنتاين( ومضت في فخر تحدثهن‬
‫عما رأت في تلك القناة الفضائية ‪ .‬لكن أمل _ وكانت تستمع باهتمام _‬
‫سألت نورة –متعجبة‪ :-‬ما معنى فالنتاين ؟ قالت ‪ :‬إن معناه الحب‬
‫)باللتينية( ‪ ..‬ضحكت أمل التي تميزت بالثقافة والطلع من هذا الجواب‬
‫وقالت‪ :‬تحتفلين بشيء ل تعرفين معناه ! ‪ .‬إن فالنتاين هذا قسيس نصراني‬
‫عاش في القرن الثالث الميلدي ‪ ،‬ومضت تقول لهن ما حدث لهذا القسيس‪،‬‬
‫وأن عيد الحب ما هو إل احتفال ديني خالص تخليدا لذكرى إحدى الشخصيات‬
‫النصرانية ‪ ..‬وتأسفت أمل على حال بعض بناتنا اللتي يتلقين ما يقال لهن‬
‫ويعملن به دون أي تفكير ‪.‬‬
‫قصة عيد الحب‪:‬‬
‫قالت أمل لصديقاتها‪ :‬إن الموسوعة الكاثوليكية ذكرت ثلث روايات حول‬
‫فالنتاين‪ ،‬ولكن أشهرها هو ما ذكرته بعض الكتب أن القسيس )فالنتاين( كان‬
‫يعيش في أواخر القرن الثالث الميلدي تحت حكم المبراطور الروماني‬
‫كلوديس الثاني‪ .‬وفي ‪ 14‬فبراير ‪27‬م قام هذا المبراطور بإعدام هذا‬
‫القسيس الذي عارض بعض أوامر المبراطور الروماني ‪ ..‬ولكن ما هو هذا‬
‫المر الذي عارضه القسيس ؟ قالت أمل‪ :‬لقد لحظ المبراطور أن هذا‬
‫القسيس يدعو إلى النصرانية فأمر باعتقاله ‪ ،‬وتزيد رواية أخرى أن‬
‫المبراطور لحظ أن العزاب أشد صبرا في الحرب من المتزوجين الذين‬
‫يرفضون الذهاب لجبهة المعركة ابتداء فأصدر أمرا بمنع عقد أي قران ‪ ،‬غير‬
‫أن القسيس فالنتاين عارض هذا المر واستمر يعقد الزوجات في كنيسته‬
‫جن ‪ .‬وفي السجن تعرف إلى ابنة لحد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سرا حتى ا ُ‬
‫مَر به فس ُ‬
‫مره وأ ِ‬‫شف أ ْ‬‫كت ِ‬
‫حراس السجن‪ ،‬وكانت مصابة بمرض‪ ،‬فطلب منه أبوها أن يشفيها فشفيت _‬
‫دم أرسل لها بطاقة‬ ‫حسب ما تقول الرواية _ ووقع في غرامها ‪ ،‬وقبل أن ي ُعْ َ‬
‫مكتوبا عليها ) من المخلص فالنتاين ( وذلك بعد أن تنصرت مع ‪ 46‬من‬
‫أقاربها ‪ ،‬وتذكر رواية ثالثة أن المسيحية لما انتشرت في أوروبا لفت نظر‬
‫بعض القساوسة طقس روماني في إحدى القرى الوروبية يتمثل في أن‬
‫شباب القرية يجتمعون منتصف فبراير من كل عام‪ ،‬ويكتبون أسماء بنات‬
‫القرية ويجعلونها في صندوق ثم يسحب كل شاب من هذا الصندوق‪ ،‬والتي‬
‫يخرج اسمها تكون عشيقته طوال السنة‪ ،‬حيث يرسل لها على الفور بطاقة‬
‫مكتوب عليها‪) :‬باسم اللهة الم أرسل لك هذه البطاقة ( ‪ .‬تستمر العلقة‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بينهما ثم يغيرها بعد مرور السنة !! وجد القساوسة أن هذا المر يرسخ‬
‫العقيدة الرومانية ووجدوا أن من الصعب إلغاء الطقس فقرروا ‪-‬بدل ً من‬
‫ذلك‪ -‬أن يغيروا العبارة التي يستخدمها الشباب من ) باسم اللهة الم ( إلى )‬
‫باسم القسيس فالنتاين ( وذلك كونه رمزا نصرانيا ومن خلله يتم ربط هؤلء‬
‫الشباب بالنصرانية ‪.‬‬
‫وتقول رواية أخرى ‪ :‬أن فالنتاين هذا سئل عن آلهة الرومان )عطارد( الذي‬
‫هو إله التجارة‪ ،‬والفصاحة‪ ،‬والمكر‪ ،‬واللصوصية‪ ،‬و)جويبتر( الذي هوكبير آلهة‬
‫الرومان‪ ،‬فأجاب أن هذه اللهة من صنع الناس‪ ،‬وأن الله الحق هو المسيح‬
‫عيسى‪ .‬قالت أمل ‪ :‬تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ‪ .‬وتابعت‬
‫أمل ‪ :‬يقول أحد القساوسة إن آباءنا وأمهاتنا يستغربون ما وصل إليه هذا‬
‫العيد الديني‪ ،‬حيث أصبحت بعض البطاقات تحتوي على صورة طفل بجناحين‬
‫جه نحوه سهم‪ .‬سألت أمل صديقاتها ‪ :‬أتدرون إلى ما‬ ‫يدور حول قلب وقد وُ ّ‬
‫ذا يعني هذا الرمز ؟ إن هذا الرمز يعد إله الحب عند الرومانيين !! وقالت‪:‬‬
‫ن حدوده بقلب يتوسطه صليب !‬ ‫إن أحد مواقع عيد الحب على النترنت َزي ّ َ‬
‫حكم الحتفال بعيد الحب‬
‫أضافت ماجدة إلى كلم أمل ما قرأته عن حكم الحتفال بأعياد اليهود‬
‫والنصارى فقالت‪ :‬في مجتمع يملؤه الحب الصادق ويسوده الحتساب في‬
‫العلقات السرية إلى حد كبير‪ ،‬بدأت تظهر عادات غريبة على فئة قليلة من‬
‫فتياتنا المؤمنات‪ ،‬وذلك بتأثير القنوات الفضائية‪ ،‬وحيث إن بعض الناس أصيب‬
‫مى التبعية سرعان‬ ‫ح ّ‬
‫بمرض التقليد‪ ،‬وخاصة لولئك الذين تفوقوا صناعيا‪ ،‬فإن ُ‬
‫ما تنتشر ل سيما في النساء قليلت الثقافة‪ ،‬وذلك من علمات النهزامية‪،‬‬
‫فيجدر بكل مثقفة لها شخصية متميزة أن تنتبه له _ أي التقليد ‪ -‬وأل تغتر‬
‫بحضارتها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دث أبو واقد ‪-‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لما‬ ‫ح ّ‬
‫خرج إلى خيبر مّر بشجرة للمشركين يقال لها )ذات أنواط( يعلقون عليها‬
‫أسلحتهم فقالوا ‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات انواط‪.‬‬
‫فقال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ):-‬سبحان الله‪ ،‬هذا كما قال قوم موسى ‪:‬‬
‫ن من كان قبلكم (‬ ‫سن َ َ‬
‫ن َ‬
‫اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ‪ ،‬والذي نفسي بيده لتركب ُ ّ‬
‫ب التقليد‪ ،‬وإن كان موجودا ً في‬ ‫أخرجه الترمذي‪ ،‬وقال حسن صحيح ‪.‬فح ّ‬
‫النفوس‪ ،‬إل انه ممقوت شرعا إذا كان المقّلد يخالفنا في اعتقاده وفكره‬
‫قدِي ّا ً أو تعّبديا أو يكون شعارا أو عادة ‪ ،‬ولما‬
‫خاصة فيما يكون التقليد فيه عَ َ‬
‫ضعف المسلمون في هذا الزمان ازدادت تبعيتهم لعدائهم‪ ،‬وراجت كثير من‬
‫المظاهر الغريبة سواء كانت أنماطا استهلكية أو تصرفات سلوكية‪ .‬ومن هذه‬
‫ب وهو إحياء للقسيس )فالنتاين( الذي ذكرت لنا‬ ‫المظاهر الهتمام بعيد الح ّ‬
‫أمل قصته‪ .‬وسواء اعتقد من يحتفل إحياء ذكرى فالنتاين فهو ل شك في‬
‫كفره‪ ،‬وأما إذا لم يقصد فهو قد وقع في منكر عظيم‪ .‬يقول ابن القيم ‪:‬‬
‫) وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالتفاق‪ ،‬مثل أن يهنئهم‬
‫بأعيادهم وصومهم فيقول‪ :‬عيد مبارك عليك ‪ ،‬أو تهنأ بهذا العيد ونحوه ‪ ،‬فهذا‬
‫إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات‪ ،‬وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده‬
‫للصليب‪ ،‬بل إن ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر‬
‫وقتل النفس ‪ ..‬وكثيٌر من ل قدر للدين عنده يقع في ذلك ول يدري قبح ما‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فعل‪ ،‬كمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر‪ ،‬فقد تعرض لمقت الله‬
‫وسخطه ( ا‪.‬هـ قالت أمل‪ :‬وما علقة هذا بالولء والبراء يا ماجدة ؟ أجابت‬
‫ماجدة‪ :‬لما كان من أصول اعتقاد السلف الصالح الولء والبراء وجب تحقيق‬
‫ب المؤمنين‪،‬‬ ‫هذا الصل لكل من يقول‪ :‬ل إله إل الله محمد رسول الله‪ ،‬فيح ّ‬
‫ويبغض الكافرين‪ ،‬ويعاديهم‪ ،‬ويشنئهم‪ ،‬ويخالفهم‪ ،‬ويعلم أن في ذلك من‬
‫المصلحة ما ل يحصى‪ ،‬كما أن في مشابهتهم من المفسدة أضعاف ذلك ‪.‬‬
‫وبالضافة إلى ذلك فإن مشابهة المسلمين لهم تشرح صدورهم وتدخل على‬
‫قلوبهم السرور‪ ،‬كما أن مشابهة الكفار توجب المحبة والموالة القلبية؛ لن‬
‫التي تحتفل وترى مارغريت أو هيلري يحتفلن بهذه المناسبة فل شك أن هذا‬
‫يسبب لديها نوعا ً من الرتياح وقد قال الله ‪-‬عز وجل‪ " :-‬يا أيها الذين آمنوا ل‬
‫تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه‬
‫منهم إن الله ل يهدي القوم الظالمين" ]المائدة ‪ [15:‬وقال –سبحانه‪ ":-‬ل‬
‫تجد قوما ً يؤمنون بالله واليوم الخر يواّدون من حاد الله ورسوله" ]المجادلة‪:‬‬
‫‪ [22‬وقال –سبحانه‪ " :-‬ول تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون‬
‫بالله واليوم الخر " ]النور ‪ [2:‬ومن مساوئ مشابهتهم تكثير لسوادهم‬
‫ونصرة لدينهم واتباع له والمسلم يقرأ في كل ركعة " اهدنا الصراط‬
‫المستقيم ‪ .‬صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين "‬
‫]الفاتحة ‪ [ 7 ، 6 :‬فكيف يسأل الله أن يهديه صراط المؤمنين ويجّنبه صراط‬
‫المغضوب عليهم ول الضالين‪ ،‬ثم يسلك سبيلهم مختارا راضيا‪ .‬وقد تقول‬
‫أختي الحبيبة‪ :‬إنها ل تشاركهم في معتقدهم‪ ،‬وإنما يبث هذا اليوم في أصحابه‬
‫معاني الحب والبهجة خصوصا ‪ ،‬وهذه غفلة وسطحية وقد تكلمت أمل عن‬
‫أصل هذا العيد‪ ،‬وكيف أصبح مناسبة حتى للشاذين والشاذات لتبادل الورود‬
‫في الغرب ‪ ،‬فكيف ترضى المسلمة العفيفة الطاهرة أن تتساوى مع حثلت‬
‫البشر ؟‬
‫والحتفال بهذا العيد ليس شيئا عاديا و أمرا عابرا ‪ ،‬ولكنه صورة من صور‬
‫استيراد القيم الغربية لطبيعة العلقة بين الرجل والمرأة ‪ ،‬ومعلوم أنهم ل‬
‫يعترفون بأي حدود تحمي المجتمع من ويلت التفلت الخلقي كما ينطق‬
‫بذلك واقعهم الجتماعي المنهار اليوم‪ .‬ولدينا البدائل ‪-‬بحمد الله‪ -‬ما ل نحتاج‬
‫إلى الجري وراء هؤلء وتقليدهم‪ ،‬لدينا –مثل‪ -‬المكانة العظيمة للم فنهديها‬
‫من وقت لخر‪ ،‬وكذلك الب‪ ،‬والخوة‪ ،‬والخوات‪ ،‬والزواج‪ ،‬ولكن في غير‬
‫وقت احتفال الكفار بها‪.‬‬
‫إن الهدية التي تعّبر عن المحبة أمر طيب ولكن أن تتربط باحتفالت نصرانية‬
‫وعادات غربية فهذا أمر يؤدي إلى التأثر بثقافتهم وطريقة حياتهم ‪.‬‬
‫وختمت ماجدة قولها‪ :‬إن بعض التجار يفرح بهذه المناسبة؛ لنها تنعش سوق‬
‫الورود وبطاقات المعايدة‪ ،‬وإذا كان ل يجوز مشابهة الكفار في أعيادهم‪،‬‬
‫فكذلك ل يجوز المعاونة في هذا المر ول تشجيعه بأي شكل من الشكال‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قالت نوره ‪-‬وهي تزيل الورد‪ :-‬إنني محتاجة إلى مثل هذه الصحبة الطيبة‬
‫التي تدلني على الخير وتحبني في الله‪ ،‬وأسأل الله أن يجعلها ممن قال‬
‫ي"‪.‬جعل‬‫ي‪ ،‬والمتباذلين ف ّ‬
‫ي‪ ،‬والمتزاورين ف ّ‬
‫فيهم‪ ":‬وجبت محبتي للمتحابّين ف ّ‬
‫ً‬
‫الله حياتنا مليئة بالمحبة والمودة الصادقة التي تكون عونا على دخول جنات‬
‫عرضها السماوات والرض أعدت للمتقين‪ ،‬وحفظ الله علينا شخصيتنا‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمية العظيمة وأصلح أحوال المسلمين‪ ،‬وصلى الله على نبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫فتوى فضيلة الشيخ‪ :‬محمد بن صالح العثيمين‬
‫سؤال‪:‬فقد انتشر في الونة الخيرة الحتفال بعيد الحب _خاصة بين‬
‫الطالبات _ وهو عيد من أعياد النصارى ‪ ،‬ويكون الزي كامل باللون الحمر‬
‫)الملبس والحذاء( ويتبادلن الزهور الحمراء ‪ ..‬نأمل من فضيلتكم بيان حكم‬
‫الحتفال بمثل هذا العيد ‪ ،‬وما توجيهكم للمسلمين في مثل هذه المور؟ والله‬
‫يحفظكم ويرعاكم‪.‬‬
‫جواب‪:‬الحتفال بعيد الحب ل يجوز؛ لوجوه ‪:‬‬
‫ي ل أساس له في الشريعة ‪.‬‬ ‫دع ّ‬
‫الول‪:‬أنه عيد ب ْ‬
‫الثاني ‪ :‬أنه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه المور التافهة المخالفة لهدي‬
‫السلف الصالح _ رضي الله عنهم _ فل يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء‬
‫من شعائر العيد سواء في المآكل أو المشارب أو الملبس‪ ،‬أو التهادي‪ ،‬أو‬
‫معة يتبع كل ناعق ‪.‬‬ ‫غير ذلك‪ ،‬وعلى المسلم أن يكون عزيزا ً بدينه وأل ّ يكون إ ّ‬
‫أسأل الله –تعالى‪ -‬أن يعيذ المسلمين من كل الفتن ما ظهر منها وما بطن‬
‫وأن يتولنا بتوليه وتوفيقه‪.‬‬
‫كتبه محمد الصالح العثيمين في ‪ 1420 /11 /5‬هـ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫غثاء اللسنة‬
‫يتناول الدرس آفات اللسان من حيث انتشارها مع كثرة إفسادها ويذكر الدلة‬
‫من القرآن والسنة على خطر اللسان ووجوب حفظه ومتى يتكلم المسلم‬
‫ومتى يسكت ثم يعرج على صور مشرقة من حفظ السلف للسنتهم‬
‫ومجاهدتهم لنفسهم ثم يذكر صورا عكسية في واقعنا وينتهي إلى ذكر‬
‫مفاسد إطلق اللسان وحصاده المر ‪.‬‬
‫إن الحمد لله؛ نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬
‫ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله؛ فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل؛ فل هادي له‪،‬‬
‫دا عبده ورسوله‪،‬‬ ‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محم ً‬
‫ما كثًيرا‪ ،‬أما بعد‪،،،‬‬
‫صلى الله عليه‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وأصحابه وسلم تسلي ً‬
‫غثاء اللسنة‪ :‬الُغثاء بالمد والضم‪ :‬ما يجيء فوق السيل‪ ،‬مما يحمله من الزبد‬
‫والوسخ وغيره‪ ،‬وغثاء اللسنة‪ :‬أراذل الناس وسقطهم‪ .‬والغث‪ :‬هو الرديء‬
‫من كل شيء‪ ،‬وغث حديث القوم‪ :‬فسد‪ ،‬وردأ‪ ،‬وغث فلن في حديثه‪ :‬إذا جاء‬
‫بكلم غث‪ ،‬لمعنى له‪.‬‬
‫وما أكثر الكلم الفاسد الذي يدور في مجالس المسلمين أًيا كانوا‪ :‬كباًرا أو‬
‫صغاًرا‪ ،‬رجال أو نساء‪ ،‬إن غثاء اللسنة اليوم يزكم النوف‪ ،‬ويصم الذان‪،‬‬
‫ويصيبك الغثيان والدوار وأنت تسمع حديث المجالس اليوم‪ ،‬لنقول ذلك في‬
‫مجالس العامة ودهماء الناس فقط بل‪ -‬وللسف وأقولها بكل أسى‪: -‬حتى‬
‫في مجالس الصالحين‪ ،‬وفي مجالس المعلمين والمتعلمين‪.‬‬
‫غثاء اللسنة‪ :‬في الكذب‪ ،‬والنفاق‪ ،‬والغش‪ ،‬والخداع‪ ...‬غثاء اللسنة‪ :‬في‬
‫الغيبة‪ ،‬والنميمة‪ ،‬والقيل‪ ،‬والقال‪ ...‬غثاء اللسنة‪ :‬في أعراض الصالحين‬
‫والمصلحين‪ ،‬والدعاة والعلماء‪ ،‬في الوقت الذي سلم فيه أعداء السلم من‬
‫اليهود والنصارى‪ ،‬والرافضة والمنافقين‪ ...‬غثاء اللسنة‪ :‬في التدليس‪،‬‬
‫والتلبيس‪ ،‬وتزييف الحقائق‪ ،‬وتقليب المور‪ ...‬غثاء اللسنة‪ :‬في التجريح‪،‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والهمز‪ ،‬واللمز‪ ،‬وسوء الظن‪ ...‬غثاء اللسنة‪ :‬في الدخول في المقاصد‬


‫والنيات‪ ،‬وفقه الباطن‪ ...‬غثاء اللسنة‪ :‬بكل ما تحمله هذه الكلمة من غثائية‬
‫وغثيان‪.‬‬
‫وما هي النتيجة؟ النتيجة‪ :‬بث الوهم‪ ،‬والفرقة‪ ،‬والخصام والنزاع بين‬
‫المسلمين‪ ،‬وقطع الطريق على العاملين‪ ،‬وإخماد العزائم بالقيل والقال ‪ .‬إنك‬
‫ما إن ترى الرجل حسن المظهر‪ ،‬وسيماه الخير‪ ،‬وقد تمسك بالسنة في‬
‫ظاهره؛ إل وتقع الهيبة في قلبك والحترام والتقدير في نفسك‪ ،‬وما أن‬
‫يتكلم‪ ،‬فيجرح فلنًا‪ ،‬ويعرض بعلن‪ ،‬وينتقص عمرًا‪ ،‬ويصنف زيدا ً إل وتنزع‬
‫قا ما يقول؟ نعم‪ ،‬وإن كان‬ ‫المهابة من قلبك‪ ،‬ويسقط من عينك‪ ...‬وإن كان ح ً‬
‫قا ما يقول‪ ،‬وإن كان صادًقا فيه‪ ،‬فل حاجة شرعية دعت لذلك‪ ،‬وإن دعت‬ ‫ح ً‬
‫تلك الحاجة‪ ،‬فبالضوابط الشرعية‪ ،‬وبالقواعد الحديثية‪ ،‬فإن لم تعلمها أيها الخ‬
‫الحبيب‪ ،‬وإن لم تعلميها أيتها المسلمة‪ ،‬فما نستطيع أن نقول إل‪ :‬أمسك‬
‫عليك لسانك ‪.‬‬
‫إن المصنفات في الجرح والتعديل مئات المجلدات‪ ،‬لكن اقرأ وتمعن‪ :‬كيف‬
‫كان الجرح فيها؟ فشتان بين الجرحين‪ ،‬لقد كان خوف الله عز وجل ميزانا ً‬
‫دقيقا ً للسنتهم رحمهم الله تعالى‪ ،‬وكان هدفهم هو تمييز صحيح السنة من‬
‫سقيمها ولكن ما هو الهدف اليوم؟ نعوذ بالله من الهوى والحسد‪ ،‬ومن‬
‫الشقاق والنفاق‪ ،‬ومساوئ الخلق ‪.‬‬
‫إلى متى‪ ،‬ونحن نجهل أو نتجاهل‪ ،‬أو نغفل أو نتغافل عن خطورة هذا‬
‫اللسان؟ مهما كان صلحك و عبادتك‪ ،‬وخيرك وعلمك‪ ،‬ومهما كانت نيتك‪،‬‬
‫فرحم الله ابن القيم يوم أن قال في' الجواب الكافي'‪ ':‬من العجب أن‬
‫النسان يهون عليه التحفظ والحتراز من أكل الحرام‪ ،‬والظلم‪ ،‬والسرقة‪،‬‬
‫وشرب الخمر‪ ،‬ومن النظر المحرم‪ ،‬وغير ذلك ويصعب عليه التحفظ من‬
‫حركة لسانه حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة‪ ،‬وهو يتكلم‬
‫بالكلمات من سخط الله ل يلقي لها بال؛ يذل بالكلمة الواحدة أبعد مما بين‬
‫ضا في الكتاب نفسه‪ ':‬إن العبد ليأتي‬ ‫المشرق والمغرب والعياذ بالله' وقال أي ً‬
‫يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال‪ ،‬فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها‪ ،‬ويأتي‬
‫بسيئات أمثال الجبال‪ ،‬فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله تعالى وما‬
‫اتصل به'‪.‬‬
‫وما أجمل هذا الكلم ولذلك أقول‪ :‬احذر لسانك‪ ،‬وانتبهي للسانك‪ ،‬واحبس‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪ :‬قُْلتُ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫مرٍ َقا َ‬ ‫عا ِ‬‫ن َ‬‫ة بْ ِ‬ ‫قب َ َ‬
‫ن عُ ْ‬ ‫لسانك‪ ،‬وأمسك عليك لسانك‪ ،‬فعَ ْ‬
‫ك عََلى َ‬ ‫َ‬
‫ك[‬‫طيئ َت ِ َ‬‫خ ِ‬ ‫ك َواب ْ ِ‬ ‫ك ب َي ْت ُ َ‬‫سعْ َ‬‫ك وَل ْي َ َ‬ ‫سان َ َ‬
‫ك لِ َ‬‫ك عَل َي ْ َ‬‫س ْ‬ ‫م ِ‬
‫ل‪ ] :‬أ ْ‬ ‫ة؟ َقا َ‬‫جا ُ‬‫ما الن ّ َ‬ ‫َ‬
‫رواه الترمذي وأحمد‪،‬وهو صحيح بشواهده ‪ .‬وأنا ل أدعوك للعزلة‪ ،‬وإنما‬
‫ق‬
‫م ت ُط ِ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫أقول‪ :‬أمسك عليك لسانك إل من خير كما في الحديث الخر‪ ] :‬فَإ ِ ْ‬
‫ر[ رواه أحمد وابن حبان‪ ،‬وهو صحيح كما‬ ‫خي ْ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫ك إ ِّل ِ‬
‫م ْ‬ ‫سان َ َ‬ ‫ك فَك ُ ّ‬
‫ف لِ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫سيأتي إن شاء الله‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وحفظ اللسان على الناس أشد من حفظ الدنانير والدراهم كما يقول محمد‬
‫بن واسع رحمه الله تعالى‪ ،‬ولن كثرة الكلم تذهب بالوقار‪ ،‬ومن كثر كلمه؛‬
‫كثر سقطه‪ ،‬ولننا نرى الناس أطلقوا العنان للسنتهم‪ ،‬فأصبح ذلك اللسان‬
‫حا لبث الفرقة والنزاع والخصام والشتائم‪ ،‬وفي مجالت الحياة كلها‪،‬‬
‫سل ً‬
‫وبين الرجال والنساء بحد سواء‪ ،‬ولكثرة الجلسات‪ ،‬ولن الكلم فاكهة لهذه‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجلسات كان لبد من وضع ضابط‪ ،‬ولبد من تحذير وتذكير للناس في مثل‬
‫هذه الجلسات ‪.‬‬
‫و ستسمع الكثير إن شاء الله من السباب التي جعلتني أختار مثل هذا‬
‫الموضوع من خلل هذه العناصر وهي‪ :‬خطر اللسان‪ :‬أدلة من الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬السلف الصالح مع اللسان‪ ،‬صور من الواقع‪ ،‬النتيجة النهائية‪.‬‬
‫أدلة خطر اللسان‪:‬‬
‫من الكتاب‪:‬‬
‫د]‪“} [18‬سورة ق” هذه‬ ‫ب عَِتي ٌ‬ ‫ل إ ِل لد َي ْهِ َرِقي ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن قَوْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫فظ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ما ي َل ِ‬ ‫قال تعالى‪َ {:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫قى‬ ‫ب أوْ أل َ‬ ‫ه قَل ٌ‬ ‫نل ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لذِك َْرى ل ِ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫الية هي الضابط الشرعي‪ {:‬إ ِ ّ‬
‫د]‪“ }[37‬سورة ق” أسمعت أيها المسكين؟! إنها رقابة‬ ‫شِهي ٌ‬ ‫معَ وَهُوَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ال ّ‬
‫س معدود‪ ،‬وكل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ف ٍ‬ ‫شديدة‪ ،‬دقيقة‪ ،‬رهيبة‪ ،‬تطبق عليك إطباقا كامل شامل‪،‬كل ن َ َ‬
‫هاجسة معلومة‪ ،‬وكل لفظ مكتوب‪ ،‬وكل حركة محسوبة في كل وقت‪ ،‬وفي‬
‫كل حال‪ ،‬وفي أي مكان‪ ،‬فقل ما شئت‪ ،‬وحدث بما شئت‪ ،‬وتكلم فيمن شئت‪،‬‬
‫قى‬ ‫ولكن اعلم أن هناك من يراقبك‪ ،‬ويعد عليك هذه اللفاظ‪ {:‬إ ِذ ْ ي َت َل َ ّ‬
‫ب‬‫ل إ ِّل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ‬ ‫ن قَوْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ما ي َل ْ ِ‬ ‫د]‪َ [17‬‬ ‫ل قَِعي ٌ‬ ‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫مي ِ‬ ‫ن ال ْي َ ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫قَيا ِ‬ ‫مت َل َ ّ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫د]‪“ }[18‬سورة ق” هذه اليات‪ ،‬والله إنها لتهز النفس هزًا‪ ،‬وترجها رجًا‪،‬‬ ‫عَِتي ٌ‬
‫ن‬‫ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ظ‬ ‫ف‬
‫َ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫عباس‪{:‬‬ ‫ابن‬ ‫قال‬ ‫وجل‪،‬‬ ‫عز‬ ‫الله‬ ‫من‬ ‫الخوف‬ ‫رعشة‬ ‫فيها‬ ‫وتثير‬
‫د]‪“ }[18‬سورة ق”‪ ] :‬يكتب كل ما تكلموا به من خير‬ ‫ب عَِتي ٌ‬ ‫ل إ ِّل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ‬ ‫قَوْ ٍ‬
‫وشر‪ ،‬حتى إنه ليكتب قوله‪ :‬أكلت‪ ،‬شربت‪ ،‬ذهبت‪ ،‬جئت‪ ،‬رأيت‪ ،‬حتى إذا كان‬
‫ض قوله وعمله‪ ،‬فأقر فيه ما كان من خير أو شر ‪،‬وألقي‬ ‫يوم الخميس عُرِ َ‬
‫سائره[ ‪.‬‬
‫ن]‬ ‫فعَلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪ [11‬ي َعْل ُ‬ ‫كات ِِبي َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن]‪[10‬ك َِرا ً‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫مل َ‬ ‫َ‬ ‫ن عَلي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى‪ {:‬وَإ ِ ّ‬
‫‪“ }[12‬سورة النفطار” هذه اليات تهز قلبك إن كان قلبا يخاف من الله عز‬ ‫ً‬
‫وجل ‪.‬‬
‫ملوا‬ ‫ُ‬ ‫حت َ َ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫سُبوا فَ َ‬ ‫ما اكت َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫قال تعالى‪َ {:‬وال ِ‬
‫مِبيًنا]‪“ } [58‬سورة الحزاب” ‪.‬‬ ‫ما ُ‬ ‫ب ُهَْتاًنا وَإ ِث ْ ً‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫ؤاد َ ك ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ْ‬
‫صَر َوال ُ‬ ‫معَ َوالب َ َ‬ ‫ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫عل ٌ‬ ‫ْ‬ ‫س لك ب ِهِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫قال تعالى‪ {:‬وَل ت َ ْ‬‫َ‬
‫سئول]‪“ }[36‬سورة السراء” ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن عَن ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ت ل ُعُِنوا ِفي الد ّن َْيا‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ت ال َْغافَِل ِ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى‪ {:‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ج‬
‫ِ َُُ ْ َ ْ ِ ِ ْ َ ْ ُ ُ ْ‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫دي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬
‫َ ْ َ َ َ ُ َ ِْ ْ‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫[‬ ‫‪23‬‬ ‫م]‬ ‫ٌ َ ِ ٌ‬ ‫ظي‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫م عَ‬ ‫خَرةِ وَل َهُ ْ‬ ‫َواْل ِ‬
‫ن]‪“ }[24‬سورة النور” ‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫صاِد]‪“ } [14‬سورة الفجر” ‪ .‬فربك راصد ومسجل‬ ‫مْر َ‬ ‫ك ل َِبال ْ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫وأخيرا‪ {:‬إ ِ ّ‬
‫لكلماتك‪ ،‬ول يضيع عند الله شيء ‪.‬‬
‫أما أنت أيها المؤمن‪ :‬يا من يقال ويدور عنك الحديث في المجالس‪ ،‬أما أنت‬
‫أيها المظلوم؛ فإن لك بهذه الية تأمينًا‪ ،‬فل تخف ول تجزع فإن ربك‬
‫لبالمرصاد‪ :‬لمن أطلقوا للسنتهم العنان في أعراض العباد‪ ،‬لبالمرصاد‬
‫للطغيان والشر والفساد‪ ،‬فل تجزع بعد ذلك أيها الخ الحبيب ‪.‬‬
‫من السنة‪:‬‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫مَزِني َقال‪َ :‬‬ ‫ْ‬
‫ث ال ُ‬ ‫حارِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫ن ب َِل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل بْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫ت‬ ‫ما ب َلغَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ت َب ْلغَ َ‬ ‫ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ما ي َظ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ن رِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫َ‬
‫م ِبالكل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م لي َت َكل ُ‬ ‫َ‬ ‫حد َك ْ‬ ‫ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫ل‪] :‬إ ِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫م ِبالكل ِ َ‬ ‫م لي َت َكل ُ‬ ‫حد َك ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫قاه ُ وَإ ِ ّ‬ ‫ه إ ِلى ي َوْم ِ ي َل َ‬ ‫وان َ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ه ب َِها رِ ْ‬ ‫هل ُ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫فَي َكت ُ ُ‬
‫خط َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِلى ي َوْم ِ‬ ‫س َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ب َِها َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ت فَي َك ْت ُ ُ‬ ‫ما ب َل َغَ ْ‬ ‫ن ت َب ْل ُغَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ما ي َظ ُ ّ‬ ‫ط الل ّهِ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ه[ رواه الترمذي وابن ماجه ومالك وأحمد ‪.‬وكان علقمة يقول‪ ':‬كم من‬ ‫قا ُ‬ ‫ي َل ْ َ‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كلم قد منعنيه حديث بلل بن الحارث' أي هذا الحديث؛لحرصهم رضي لله‬


‫عنهم وأرضاهم ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬
‫وع َ َ‬
‫ن ال ْعَب ْد َ‬ ‫ل‪ ] :‬إ ِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ أنه َ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل بها في النار أ َ‬
‫ب[ رواه‬ ‫ر‬
‫َ ِ ِ َ َ ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ما‬
‫ّ ِ َْ َ َ َْ َ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ل َي َت َك َ ُ ِ ِ َ ِ َ ْ ِ ِ َ ِ‬
‫ُ‬ ‫ز‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫البخاري‪ ،‬ومسلم واللفظ له‪ ،‬والترمذي ومالك وأحمد ‪ .‬أسألك العفو يا إلهي‪،‬‬
‫إن شغلنا الشاغل اليوم في مجالسنا هو بث الكلمات‪ ،‬ونشر الشائعات‪ ،‬وكم‬
‫من كلمة قصمت ظهر صاحبها وهو ل يعلم‪ .‬ول شك أن فساد المجالس‬
‫بسبب قلة العلم والطلع؛ إذ لو وجد هذا العلم لستغلت المجالس أحسن‬
‫استغلل‪ ،‬ولسمعت النكت العلمية‪ ،‬والفوائد الشرعية‪ ،‬والمسائل الفقهية بدل‬
‫عن القيل والقال‪ ،‬والغرائب والعجائب ولكن فاقد الشيء ل يعطيه وهذا أثر‬
‫من آثار الجهل الذي يتفشى اليوم بين كثير من الناس ‪.‬‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل ِ‬ ‫خب ُِرك ب ِ َ‬ ‫حديث معاذ‪،‬وفيه‪:‬قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ‪ ] :‬أل أ ْ‬
‫ْ‬ ‫ف عَل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ت‪َ :‬يا‬ ‫قل ُ‬ ‫ذا[ ف ُ‬‫َ‬ ‫ك هَ َ‬ ‫ل‪ ] :‬ك ُ ّ‬ ‫سان ِهِ َقا َ‬ ‫خذ َ ب ِل ِ َ‬ ‫ه‪ ،‬فَأ َ‬ ‫ي الل ّ ِ‬ ‫ت‪ :‬ب ََلى َيا ن َب ِ ّ‬ ‫ه[ قُل ْ ُ‬ ‫ك ك ُل ّ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ُ‬ ‫ل‪ ] :‬ث َك ِل َت ْ َ‬
‫ب‬‫ل ي َك ُ ّ‬ ‫مَعاذ ُ وَهَ ْ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫م َ‬ ‫كأ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ه؟ فَ َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ما ن َت َك َل ّ ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ؤا َ‬ ‫م َ‬ ‫ي الل ّهِ وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫ن َب ِ ّ‬
‫م[ رواه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سن َت ِهِ ْ‬ ‫صائ ِد ُ أل ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م إ ِل َ‬ ‫خرِهِ ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫م أوْ عَلى َ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫س ِفي الّنارِ عَلى وُ ُ‬ ‫الّنا َ‬
‫الترمذي وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ] :‬‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سعْدٍ عَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل بْ ِ‬ ‫سهْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫َ‬
‫ة[ رواه البخاري والترمذي‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ض َ‬ ‫جل َي ْهِ أ ْ‬ ‫ن رِ ْ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫حي َي ْهِ وَ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫ِلي َ‬
‫وأحمد ‪.‬‬
‫ما‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ت‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ْ‬
‫ل في آخره‪ :‬قُل ُ‬ ‫ي َقا َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ّ‬
‫ن عَب ْد ِ اللهِ الث ّ َ‬
‫َ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫فَيا َ‬ ‫س ْ‬ ‫وفي حديث ُ‬
‫ذا [ رواه الترمذي وابن‬ ‫ل‪ ] :‬هَ َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سهِ ث ُ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫خذ َ ب ِل ِ َ‬ ‫ي فَأ َ‬ ‫َ‬
‫ف عَل ّ‬ ‫خا ُ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫خو َ ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫ماجه وأحمد وأصله رواه مسلم ‪.‬‬
‫القاعدة الشرعية في الكلم والسكوت‪:‬‬
‫وجه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لمته تلك القاعدة الشرعية‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ‬ ‫م ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫والمعيار الدقيق‪ ،‬فقال َ‬
‫َ‬
‫ت[ رواه البخاري ومسلم وأحمد ‪ .‬قاعدة شرعية‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫خي ًْرا أوْ ل ِي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫خرِ فَل ْي َ ُ‬ ‫اْل ِ‬
‫تربوية‪ ،‬منهجية‪ ،‬ومعيار دقيق لك أيها المسلم ولك أيتها المسلمة يوم أن‬
‫خرِ [ ربى هذه القلوب باليوم‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سا‪َ ] :‬‬ ‫تجلس مجل ً‬
‫الخر ؛ ولن النفوس اليوم غفلت عن اليوم الخر‪ ،‬وتعلقت بالدنيا وشهواتها‬
‫ولذاتها؛ غفلت عن هذه القاعدة الشرعية النبوية‪ ،‬ونسيت الحساب والعذاب‬
‫في اليوم الخر‪ ،‬ونسيت الجنة والنار‪ ،‬أو غفلت عنها‪ ،‬وبالتالي انطلق اللسان‬
‫يفري في لحوم العباد فرًيا بدون ضوابط‪ ،‬ولخوف ول وجل ‪.‬‬
‫دا أن يؤذي المسلم إخوانه بلسانه‪ ،‬ولن‬ ‫لماذا هذه القاعدة؟ لنه ل يصح أب ً‬
‫المسلم الصادق‪ ،‬والمحب الناصح هو من سلم المسلمون من لسانه ويده‬
‫كما في حديث أبي موسى الشعري المتفق عليه‪ .‬والحاديث في الباب كثيرة‬
‫مستفيضة‪ ،‬وكم نحن بحاجة إلى من يردد هذه الحاديث على مسامع الناس‪،‬‬
‫كم نحن بحاجة أيها الخيار إلى من يردد على المسلمين والمسلمات أمثال‬
‫دا حتى تتذكر النفس فكلما أراد‬ ‫هذه الحاديث؛ ليتذكروها‪ ،‬وليفهموها جي ً‬
‫اللسان أن ينطلق بكلمة؛ يحسب لها حسابها قبل أن يخرج لسانه بهذه‬
‫الكلمات ‪.‬‬
‫أمثلة عملية من حفظ السلف للسنتهم‪:‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ه فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫جب ِذ ُ ل ِ َ‬
‫سان َ ُ‬ ‫ق وَهُوَ ي َ ْ‬
‫دي ِ‬ ‫ل عََلى أِبي ب َك ْرٍ ال ّ‬
‫ص ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ه دَ َ‬
‫ب أن ّ ُ‬ ‫خ ّ‬
‫طا ِ‬ ‫مَر ْبن ال ْ َ‬
‫ن عُ َ‬‫عَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫وارَِد[ رواه مالك‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ذا أوَْرد َِني ال َ‬ ‫ن هَ َ‬
‫ر‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال أُبو ب َك ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه لك ف َ‬ ‫فَر الل ُ‬ ‫َ‬
‫هغ َ‬ ‫م ْ‬
‫مُر‪َ ] :‬‬‫ه عُ َ‬‫لَ ُ‬
‫الرجل الول بعد النبياء والرسل رضي الله عنه‪ ،‬انظر لحرصه على لسانه ‪.‬‬
‫قال رجل رأيت ابن عباس آخذا ً بثمرة لسانه‪ ،‬وهو يقول‪ ] :‬ويحك ! قل خيًرا‬
‫تغنم‪ ،‬واسكت عن شر تسلم[ فقال له رجل‪ :‬يا ابن عباس مالي أراك آخذا ً‬
‫بثمرة لسانك‪ ،‬تقول كذا وكذا؟ قال ابن عباس بلغني أن العبد يوم القيامة‬
‫ليس هو على شيء أحنق منه على لسانه[ يعني ل يغضب على شيء من‬
‫جوارحه أشد من غضبه على لسانه ‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن أبي زكريا‪ ':‬عالجت الصمت عشرين سنة‪ ،‬فلم أقدر منه‬
‫على ما أريد' وكان ل يدع يغتاب في مجلسه أحد ويقول‪ ':‬إن ذكرتم الله‬
‫أعناكم‪ ،‬وإن ذكرتم الناس تركناكم' ‪.‬‬
‫ً‬
‫وعن جرير بن حازم قال‪ :‬ذكر ابن سيرين رجل‪ ،‬فقال‪ ':‬ذلك الرجل السود‪-‬‬
‫يريد أن يعّرفه‪ -‬ثم قال‪ ':‬أستغفر الله أراني قد اغتبته' ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قال إبراهيم التيمي‪ :‬أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عاما ً ما سمع‬
‫منه كلمة ت َُعاب ‪ .‬وقيل للربيع ‪:‬يا أبا يزيد أل تذم الناس؟ فقال‪ ':‬والله ما أنا‬
‫عن نفسي براض فأذم الناس‪ ،‬إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس‪،‬‬
‫وأمنوه على ذنوبهم' وصدق رحمه الله أل ترون أننا في مجالسنا نقول‪:‬‬
‫نخشى عذاب الله من فعل فلن‪ ،‬ونخاف من عذاب الله من قول علن‪ ،‬ول‬
‫نخشى من عذاب الله من أفعالنا وأقوالنا !!‬
‫صور من الواقع‪:‬‬
‫حديث العامة‪ :‬فلن فيه أخطاء‪ ،‬وفلن الخر فيه تقصير‪ ،‬والثالث فيه غفلة‬
‫والرابع ل يسلم من العيب الفلني ‪ ...‬وهكذا أقاموا أنفسهم لتقويم الخرين‪،‬‬
‫وجرحهم‪ ،‬ولمزهم ‪ .‬نسينا عيوبنا‪ ،‬وتقصيرنا‪ ،‬وغفلتنا‪ ،‬وكثرة أخطائنا‪ ،‬ولو‬
‫أعمل عاقل فكره في الجالسين أنفسهم؛ لوجد فيهم بذاءة في اللسان‪،‬‬
‫وسوًءا في المعاملة والخلق‪ ،‬فهو‪ :‬إن حدث كذب‪ ،‬أو وعد أخلف‪ ،‬أو باع‬
‫واشترى‪ ،‬فغش وخداع‪ ،‬وإن جاء للصلة نقرها نقر غراب ؛مقصر في‬
‫الفرائض‪ ،‬مهمل للنوافل‪ ،‬في وظيفته تأخر وهروب‪ ،‬وإهمال‪ ،‬وفي بيته‬
‫وسائل للفساد‪ ،‬وضياع للولد‪ ،‬وعقوق للرحام ‪...‬كل هذه النقائص‪،‬‬
‫والمصائب عميت عليه‪ ،‬فنسيها في نفسه‪ ،‬وذكرها في إخوانه؛ فلم يسلم منه‬
‫حتى ول الصالحون‪ ،‬المخلصون!! فيا أيها الخ‪ :‬والله إني عليك لمشفق‪ ،‬ولك‬
‫محب‪ ،‬فأمسك عليك لسانك‪ ،‬وكف عن أعراض الناس وإذا أردت أن تذكر‬
‫عيوب صاحبك فاذكر عيوبك كما قال ابن عباس‪ ،‬وقال أبو هريرة‪ ] :‬يبصر‬
‫أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه[ وقال عون بن عبد الله‪':‬‬
‫ما أحسب أحدا ً تفرغ لعيوب الناس إل من غفلة غفلها عن نفسه' وقال بكر‬
‫بن عبد الله المزني‪ ':‬إذا رأيتم الرجل مولًعا بعيوب الناس‪ ،‬ناسًيا لعيبه‪،‬‬
‫فاعلموا أنه قد مكر به'‪.‬‬
‫ما من الذى ودينك موفور وعرضك صين‬ ‫إذا رمت أن تحيا سلي ً‬
‫فل ينطقن منك اللسان بسوءة فكلك سوءات وللناس ألسن‬
‫وعينك إن أبدت إليك معائبا فدعها وقل يا عين للناس أعين‬
‫وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ودافع ولكن بالتي هي أحسن‬
‫صورة ثانية‪:‬جلسوا مجلسهم‪ ،‬فبدأ الحديث فذكروا زيدا ً وأن فيه‪ ،‬وفيه ثم‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ر‪ ،‬فأتقنوا فن الهمز واللمز‪ ،‬والعجيب أن معهم فلنا ً الصالح‬ ‫م ٍ‬ ‫ذكروا قول عَ ْ‬
‫العابد‪ ،‬والعجب أن من بينهم‪ :‬طالب العلم فلنا الناصح المين‪ ،‬والحمد لله‬ ‫ً‬
‫لم يتكلما‪ ،‬وسكتا‪ ،‬ولكنهما ما سلما؛ لن الساكت عن الحق شيطان أخرس‪،‬‬
‫ت‬ ‫ولن المستمع شريك للقائل ما لم يتبع المنهج الشرعي‪ :‬فع َ‬
‫ماَء ب ِن ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ب‬
‫ِ َ ِ‬‫غي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫حم ِ ِ ِ ِ‬
‫ه‬ ‫خي‬ ‫أ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ن ذَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ] :‬‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫عن الن ّب ِ ّ‬ ‫زيد َ َ‬ ‫يَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عن‬ ‫ن أِبي الد ّْرَداِء َ‬ ‫ن الّناِر[ رواه أحمد ‪ .‬وعَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن ي ُعْت ِ َ‬ ‫قا عََلى الل ّهِ أ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جهِ ِ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫خيهِ َرد ّ الل ُ‬ ‫ضأ ِ‬ ‫عْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن َرد ّ عَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ] :‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ة[ رواه أحمد والترمذي‪ ،‬والحديث حسن بشواهده ‪ .‬فيا أيها‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫الّناَر ي َوْ َ‬
‫المسلم إذا وُقِعَ في رجل وأنت في مل‪ ،‬فكن للرجل ناصرًا‪ ،‬وللقوم زاجرا‪ً،‬‬
‫ما وقل للمتحدث‪ :‬أمسك عليك لسانك‪ ،‬فإن‬ ‫ما أو مظلو ً‬ ‫وانصر أخاك ظال ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موهُ‬ ‫مي ًْتا فَكرِهْت ُ ُ‬ ‫خيهِ َ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫لل ْ‬ ‫ن ي َأك َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫حد ُك ْ‬ ‫بأ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫استجاب وإل فقم عنهم‪ {:‬أي ُ ِ‬
‫م]‪“ }[12‬سورة الحجرات” يقول ابن الجوزي‬ ‫حي ٌ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ه تَ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫َوات ّ ُ‬
‫في' تلبيس إبليس'‪ ':‬وكم من ساكت عن غيبة المسلمين إذا اغتيبوا عنده‪،‬‬
‫فرح قلبه‪ ،‬وهو آثم بذلك من ثلثة وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬الفرح‪ ،‬فإنه حصل بوجود هذه المعصية من المغتاب‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬لسروره بسلب المسلمين ‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أنه ل ينكر'‪.‬‬
‫ج ال ِْغيب َ َ‬
‫ة‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ويقول ابن تيميه رحمه الله في' الفتاوى' ‪' :28/237‬وَ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫عاد َة ً أ ْ‬ ‫س ِلي َ‬
‫َ‬ ‫ل ‪ :‬ل َي ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫صَلٍح فَي َ ُ‬ ‫ب دَِيان َةٍ وَ َ‬ ‫شّتى ‪َ .‬تاَرة ً ِفي َقال ِ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫وال ِ َ‬ ‫ِفي قَ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وال ِهِ ‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫خب ُِرك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ب ; وَإ ِن ّ َ‬ ‫ة وََل ال ْك َذِ َ‬ ‫ب ال ِْغيب َ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫خي ْرِ وََل أ ِ‬ ‫دا إّل ب ِ َ‬ ‫ح ً‬ ‫أذ ْك َُر أ َ‬
‫ل ‪ :‬وَالل ّه إنه مسكي َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ن ِفيهِ ك َْيت وَك َْيت ‪ .‬وَُرب ّ َ‬ ‫جي ّد ٌ ; وَل َك ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن أوْ َر ُ‬ ‫َ ِ ُّ ِ ْ ِ ٌ‬ ‫قو ُ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫جان ِب ِهِ ‪.‬‬ ‫م لِ َ‬ ‫ض ٌ‬ ‫ه وَهَ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست ِن ْ َ‬ ‫صد ُهُ ا ْ‬ ‫ما قَ ْ‬ ‫ه ; وَإ ِن ّ َ‬ ‫َ‬
‫فُر لَنا وَل ُ‬ ‫َ‬ ‫ه ي َغْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ه الل ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫عوَنا ِ‬ ‫دَ ُ‬
‫ن‬
‫عو َ‬ ‫خادِ ُ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫كك َ‬ ‫َ‬ ‫ه ب ِذ َل ِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫عو َ‬ ‫خادِ ُ‬ ‫صلٍح وَدَِيان َةٍ ي ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ب َ‬ ‫وال ِ َ‬ ‫ة ِفي قَ َ‬ ‫ن الِغيب َ َ‬ ‫ْ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شَباهِهِ ' ‪.‬‬ ‫ذا وَأ ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫واًنا كِثيَرة ً ِ‬ ‫م أل َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خلوًقا ; وَقَد ْ َرأي َْنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫صورة ثالثة‪:‬اتهام النيات والدخول في المقاصد‪:‬ويتبعه تبديع الخلق‪ ،‬وتصنيف‬
‫الناس‪ ،‬وتقسيمهم إلى أحزاب‪ ،‬وهم منها براء‪ ،‬وقد يتبع ذلك أيمان مغلظة‪،‬‬
‫وإقسام بأنه العليم بفلن‪ ،‬والخبير بأقواله!!‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فيا سبحان الله‪ :‬أفل شققت عن قلبه حتى تعلم قصده ومبتغاه؟ أين أنت من‬
‫ن‬
‫ب عَ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ن أ ُن َ ّ‬ ‫َ‬
‫مْر أ ْ‬ ‫م أو َ‬
‫قول القدوة الحبيب صلى الله عليه وسلم‪ ] :‬إني ل َ ُ‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫م[ رواه البخاري ومسلم ‪.‬ورحم الله ابن تيمية‬ ‫طون َهُ ْ‬ ‫شق ّ ب ُ ُ‬ ‫س وََل أ َ ُ‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫قُُلو ِ‬
‫ة‬
‫ما هُوَ ب ِد ْعَ ٌ‬ ‫ف قَد ْ َقاُلوا وَفَعَُلوا َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫ف َوال ْ َ‬ ‫سل َ ِ‬ ‫دي ال ّ‬ ‫جت َهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫يوم أن قال‪ ':‬وَك َِثيٌر ِ‬
‫فةٍ ظ َّنو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫ت فَهِ ُ‬ ‫ما ِلَيا ِ‬ ‫ة وَإ ِ ّ‬ ‫ح ً‬ ‫حي َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ها َ َ‬ ‫ضِعي َ‬ ‫ث َ‬ ‫حاِدي َ‬ ‫ما ِل َ‬ ‫ةإ ّ‬ ‫ه ب ِد ْعَ ٌ‬ ‫موا أن ّ ُ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫م ‪ .‬وَإ َِذا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ت َب ْلغْهُ ْ‬ ‫صل ْ‬ ‫صو ٌ‬ ‫سألةِ ن ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َرأوْه ُ وَِفي ال َ‬ ‫ما ل َِرأ ٍ‬ ‫من َْها وَإ ِ ّ‬ ‫م ي َُرد ْ ِ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ِ‬
‫خذ ْنا إن نسينا أوَ‬ ‫َ‬
‫ل ِفي قَوْل ِهِ ‪َ { :‬رب َّنا ل ت ُ َ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬ ‫ج ُ‬
‫ؤا ِ َ ْ َ ِ َ ْ‬ ‫ست َطاع َ د َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل َرب ّ ُ‬ ‫قى الّر ُ‬
‫ْ‬
‫ات ّ َ‬
‫ْ‬
‫ل ‪ ] :‬قَد ْ فَعَلت[ ''‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن الل َ‬ ‫حيِح أ ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫خطأَنا]‪“ } [286‬سورة البقرة” وَِفي ال ّ‬
‫الفتاوى' ‪. 19/292‬‬
‫فيا أخي الحبيب‪ :‬أمسك عليك لسانك‪ ،‬والزم الورع والتقى ومراقبة الله عز‬
‫ب‬‫عازِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫ن الب ََراِء ب ْ ِ‬ ‫وأشغل نفسك في طاعة الله‪ ،‬أنفع لك عند الله‪ ،‬فعَ ِ‬ ‫َ‬
‫وجل‪،‬‬
‫مِني‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ عَل ْ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َيا ر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ي إ ِلى الن ّب ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫جاَء أعَْراب ِ ّ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫َقا َ‬
‫ةَ‬ ‫قد أ ََعرضت ال ْمسألَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫َ ْ َ‬ ‫ةل َ ْ ْ َ ْ َ‬ ‫خطب َ َ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫صْر َ‬ ‫ت أق َ‬ ‫ن كن ْ َ‬ ‫ل‪ ] :‬لئ ِ ْ‬ ‫ةف َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خلِني ال َ‬ ‫مل ي ُد ْ ِ‬ ‫عَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حد َةٍ قال‪ ] :‬ل إ ِ ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫سَتا ب ِ َ‬ ‫سول اللهِ أوَلي ْ َ‬ ‫قال َيا َر ُ‬ ‫ة[ ف َ‬ ‫ة وَفك الّرقب َ َ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫أعْت ِقْ الن ّ َ‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة ال ْوَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ف‬
‫كو ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫من ْ َ‬ ‫قَها َوال ْ ِ‬ ‫عت ْ ِ‬ ‫ن ِفي ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ت ُِعي‬ ‫ك الّرقَب َةِ أ ْ‬ ‫قَها وَفَ ّ‬ ‫فّرد َ ب ِعِت ْ ِ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫مةِ أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫عت ْقَ الن ّ َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ق‬
‫س ِ‬ ‫جائ ِعَ َوا ْ‬ ‫م ال َ‬ ‫م ت ُط ِقْ ذ َل ِك فأطعِ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫حم ِ الظال ِم ِ فإ ِ ْ‬ ‫يُء عَلى ِذي الّر ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫َوال َ‬
‫ك إ ِلّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫سان َ َ‬‫ف لِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ت ُط ِقْ ذل ِك فك ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نل ْ‬ ‫َ‬
‫من ْكرِ فإ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫ف َوان ْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مْر ِبال َ‬ ‫ن وَأ ُ‬ ‫مآ َ‬ ‫الظ ّ ْ‬
‫خي ْرِ [‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫س‬‫ْ ّ ِ‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ف‬
‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫]‬ ‫آخر‪:‬‬ ‫حديث‬ ‫وفي‬ ‫‪.‬‬ ‫صحيح‬ ‫وهو‬ ‫حبان‬ ‫وابن‬ ‫أحمد‬ ‫رواه‬
‫ك[ رواه البخاري ومسلم وأحمد ‪ .‬فانظر لفضل‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك عََلى ن َ ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫صد َقَ ٌ‬ ‫فَإ ِن َّها َ‬
‫الله على عباده‪ :‬إن كفك شرك عن الناس؛ صدقة تكتب لك عند الله‪ ،‬فيا أيها‬
‫الكريم‪ :‬إن أبواب الخير كثيرة‪ ،‬وأعمال البر عديدة‪ ،‬فأشغل نفسك فيها‪ ،‬فإن‬
‫عجزت؛ فكف لسانك إل من خير‪ ،‬وإن أبيت إل أن تكون راصدا ً لقوال‬
‫الناس‪ ،‬حارسا ً للسنتهم‪ ،‬فقيها ً ببواطنهم؛ فحسبنا وحسبك الله ‪.‬‬
‫صورة رابعة‪ :‬إصدار الحكام بل تثبت‪ :‬سمع ذلك المتحدث‪ ،‬أو بعضا ً من‬
‫كلماته بدون إصغاء جيد المهم أنه فهم فحوى الكلم وعرف قصد المتكلم أو‬
‫هكذا زعم‪ -‬انتبهوا لهذه الصورة لنها تحصل لكثير منا‪ -‬أو قرأ ذلك الخبر‪ ،‬أو‬
‫الكتاب هاهو يلتهم السطر نظراته تتقافز بسرعة بين الكلمات التي تساقط‬
‫منها الكثير لفرط السرعة‪ ،‬المهم كما يزعم أنه فهم فكرة الكاتب وعرف‬
‫قصده‪ ،‬ثم انتقل إلى المجالس ليؤدي ما تحمله ويزكي علمه‪ ،‬هكذا سولت له‬
‫نفسه‪ ،‬فذكر حديث فلن وخبر علن‪ ،‬وأنه قال كذا وكذا‪ ،‬فشّرق وغّرب‪،‬‬
‫وأبعد وأقرب‪ ،‬فقلب القوال‪ ،‬وبدل الحوال‪ ،‬وما أوتي المسكين إل من سوء‬
‫فهمه‪ ،‬والتسرع في نقله‪ ،‬وكما قيل‪:‬‬
‫حا وآفته من الفهم السقيم‬ ‫وكم من عائب قول صحي ً‬
‫ولكن تأخذ الذهان منه على قدر القرائح والفهوم‬
‫صورة خامسة‪ :‬نغفل أو نتغافل‪ ،‬فنتكلم في المجالس ونذكر العشرات‬
‫كر‪ ،‬أو حذرنا غيور بأن هذه غيبة قلنا‪ :‬هذا حق‪ ،‬وما‬ ‫كرنا مذ ّ‬ ‫بأسمائهم‪ ،‬فإذا ذ ّ‬
‫قلنا فيه صحيح‪ ،‬وقد يسرد لك الدلة والبراهين على ما يقول فيزيد الطين‬
‫بلة‪ ...‬فيا سبحان الله! أليس النص واضحا ً وصريحا ً ؟ ألم يقل الصحابي‬
‫ما أ َُقو ُ‬
‫ل[‬ ‫خي َ‬ ‫ن ِفي أ َ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت إِ ْ‬
‫َ َ‬
‫لرسول الله صلي الله عليه وسلم‪ ] :‬أفََرأي ْ َ‬
‫ه‬
‫ن ِفي ِ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ه وَإ ِ ْ‬ ‫قد ْ اغْت َب ْت َ ُ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫ن ِفيهِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫قال َ‬ ‫فَ َ‬
‫ه[ رواه مسلم والترمذي وأبوداود وأحمد والدارمي ‪ .‬إذا ً فل مفر فإن‬ ‫قد ْ ب َهَت ّ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫كان ما ذكرته صحيحا فهذه هي الغيبة وإن كان ما ذكرته كذبا فهو ظلم‬
‫ن‬ ‫وبهتان‪ ،‬فكل المرين ليس لك خيار‪ ،‬فأمسك عليك لسانك‪ ،‬فَع َ‬
‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫َ َ ْ ُ ِ ْ ٍ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫بي‬ ‫ج ِ‬ ‫ما عُرِ َ‬ ‫م‪ ] :‬ل َ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ري ُ‬ ‫ب‬
‫َ ِ ْ ِ‬‫ج‬ ‫يا‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ؤ‬ ‫ه‬
‫ُ َ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫دو‬ ‫ص‬
‫َ ُ ُ َ ُ ْ َ ُ ُ َ ُ ْ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫جو‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫شو‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ٍ َ ُ‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫حا‬ ‫ن‬
‫ٌ ِ ْ ُ َ‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫أ‬ ‫لَ ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م[ رواه أبو داود‬ ‫ضهِ ْ‬ ‫ن ِفي أعَْرا ِ‬ ‫قُعو َ‬ ‫س وَي َ َ‬ ‫م الّنا ِ‬ ‫حو َ‬ ‫ن لُ ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل هَؤَُلِء ال ّ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫وأحمد‪ ،‬وإسناده صحيح ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ة‬
‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬
‫ويا أيتها المسلمة يا من في قلبك خوف من الله‪ ،‬انظري إلى قول َ‬
‫ذا ‪ -‬ت َعِْني‬ ‫ذا وَك َ َ‬ ‫ة كَ َ‬ ‫في ّ َ‬
‫ص ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫م‪َ :‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ت ِللن ّب ِ ّ‬ ‫ت‪ :‬قُل ْ ُ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫حك َي ْ ُ‬
‫ت‬ ‫ت‪ :‬وَ َ‬ ‫ه َقال َ ْ‬ ‫جت ْ ُ‬‫مَز َ‬ ‫حرِ ل َ َ‬ ‫ماِء ال ْب َ ْ‬ ‫ت بِ َ‬‫ج ْ‬ ‫مزِ َ‬ ‫ة ل َوْ ُ‬‫م ً‬‫ت ك َل ِ َ‬ ‫قد ْ قُل ْ ِ‬ ‫ل‪ ] :‬ل َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ة‪ -‬فَ َ‬ ‫صيَر ً‬ ‫قَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ذا[ رواه أبوداود‬ ‫َ‬
‫ذا وَك َ‬ ‫َ‬
‫ن ِلي ك َ‬ ‫ساًنا وَأ ّ‬ ‫ت إ ِن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ح كي ْ ُ‬ ‫ب أّني َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫قالَ‪َ :‬‬ ‫ساًنا فَ َ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه إ ِن ْ َ‬
‫والترمذي وأحمد‪.‬‬
‫إذًا‪ :‬ما بال نسائنا اليوم يجلسن في المجلس‪ ،‬فيعرضن لعشرات من النساء‬
‫وتلك فيها‪ ،‬والخرى فيها‪ ،‬وهكذا‪ ،‬أل يخشين الله عز وجل؟ أل يخفن يوم أن‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تقف المرأة أمام الله فيسألها عن قولها؟!‬


‫فلنحرص على أنفسنا‪ ،‬ول نزيد الطين بلة ونجمع على ذلك ذنوب الخرين في‬
‫غيبتهم‪ ،‬وتنقصهم‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬وليس معنى هذا السكوت عن الخطاء‪ ،‬أنني ل‬
‫أطالب أن نسكت عن أخطاء الخرين‪ ،‬أو حتى نتغاضى عن العصاة‬
‫والفاسقين والمجاهرين‪ ،‬وليس معنى ذلك أل نحذر منهم وأل نفضحهم ‪ ،‬ل‪،‬‬
‫لنسكت ولكن بالمنهج الشرعي‪ ،‬وبالقواعد العلمية كما جاءت عن سلفنا‬
‫الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين‪ ،‬ولكني على يقين أن أكثر ما يقال‬
‫في مجالسنا لمجرد التحدث‪ ،‬والتفكه‪ ،‬وربما الهوى‪ ،‬وأحقاد‪ ،‬وأضغان عافانا‬
‫دا قال خيًرا فغنم‪ ،‬أو سكت عن سوء فسلم‪.‬‬ ‫الله وإياكم منها ورحم الله عب ً‬
‫صورة سادسة‪ :‬كثير من الجلساء إذا ذكر له صديقه أثنى عليه‪ ،‬ولو كان يعلم‬
‫أنه ل يستحق ذلك الثناء‪ ،‬وإذا ذكر له خصمه ذمه‪ ،‬ولو كان يعلم أنه خلف ما‬
‫يقول‪ ،‬فيا أيها المؤمن أسألك بالله هل تستطيع أن تذكر العيوب الموجودة‬
‫في أقرب الناس إليك عند الحاجة الشرعية لذلك؟ اسأل نفسك‪ ،‬وهل‬
‫تستطيع أن تثني بصدق على إنسان تختلف معه في بعض المور؟ أنا ل أريد‬
‫الجابة‪ ،‬ولكن الواقع يشهد أن أكثر الناس يجورون على خصومهم؛ فيذمونهم‬
‫ضا على أصدقائهم؛ فيمدحونهم بما ليس فيهم‪ ،‬فيا‬ ‫بما ليس فيهم ويجورون أي ً‬
‫أيها المحب‪ :‬أنصف الناس‪ ،‬وأنصف نفسك‪ ،‬فإن غلب عليك الهوى‪ ،‬فأمسك‬
‫عليك لسانك ل أبا لك ‪.‬‬
‫صورة سابعة‪ :‬تناظر اثنان في مجلس أي‪ :‬تجادل وتناقشا فارتفعت أصواتهما‪،‬‬
‫وانتفخت أوداجهما‪ ،‬وتقاذفا بالسب والشتائم ‪ .‬فنقول لهما‪ :‬إن التشنج‬
‫والنفعال ليس هو السلوب المثل لنصرة الحق أبدًا‪ ،‬ولكن كم من هادئ‪،‬‬
‫عف اللسان‪ ،‬حليم‪ ،‬كاظم للغيظ أقدر على نصرة الحق من غيره‪ ،‬وقد قال‬
‫أبو عثمان بن المام الشافعي رحمة الله عليهما أجمعين‪ :‬ما سمعت أبي‬
‫يناظر أحدا ً قط‪ ،‬فرفع صوته ‪.‬‬
‫وبعض الخوة غفر الله للجميع يظن أنه من تمام غيرته على المنهج‪ ،‬وعظيم‬
‫نصرته للحق لبد أن يقطب جبينه‪ ،‬ويحمر عينيه‪ ،‬و يرفع صوته ‪،‬وتتسارع‬
‫أنفاسه‪ ،‬وهذا ل يصح أبدًا؛ إن اختلف الراء‪ ،‬ووجهات النظر ل يدعو إلى‬
‫الحقاد والضغان‪ ،‬فإن المرجو البحث عن الحق وطلبه‪ ،‬وليس التشفي‬
‫والنتقام فينطلق اللسان بالسباب والشتائم ومقاطعة الكلم‪ ،‬فما من الناس‬
‫أحد يكون لسانه منه على بال إل رأيت صلح ذلك في سائر عمله‪ ،‬وانظر‬
‫للدب الجم والخلق الرفيع عند الحوار والمناقشة قال عطاء بن أبي رباح‪':‬‬
‫إن الشاب ليتحدث بالحديث‪ ،‬فأسمع له كأني لم أسمعه‪ ،‬ولقد سمعته قبل‬
‫أن يولد' فهكذا يكون الدب عند الحوار وعند المناظرة ‪.‬‬
‫وأخيًرا‪ :‬إطلق العنان للسان في التحليل‪ ،‬والتحريم‪ ،‬والسخرية والستهزاء‬
‫بالدين‪ :‬وهذه من أخطر الصور التي نرى أنها تفشت اليوم في مجالس‬
‫المسلمين أيا ً كانوا رجال ً أو نساء ‪ ،‬صغاًرا أو كبارا ً ‪ ،‬وخاصة بين الشباب‪،‬‬
‫وبين العوام‪ ،‬وقد نهى الله عن المسارعة في إصدار التحليل والتحريم‬
‫حَل ٌ‬ ‫قوُلوا ل ِما تص ُ َ‬
‫فت َُروا‬
‫م ل ِت َ ْ‬
‫حَرا ٌ‬ ‫ل وَهَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ب هَ َ‬ ‫م ال ْك َذِ َ‬ ‫ف أل ْ ِ‬
‫سن َت ُك ُ ُ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫فقال‪ {:‬وََل ت َ ُ‬
‫ن]‪[116‬‬ ‫حو َ‬ ‫ب َل ي ُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ‬
‫ب إِ ّ‬
‫} “سورة النحل”وكان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم مع سعة‬
‫علمهم وفقههم ل يكثرون من إطلق عبارات التحليل والتحريم وهذا من شدة‬
‫ورعهم ومحاسبتهم لنفسهم‪ ،‬يقول المام مالك رحمة الله‪':‬لم يكن من أمر‬
‫الناس‪ ،‬ول من مضى من سلفنا ول أدركت أحدا ً أقتدي به يقول في شئ‪ :‬هذا‬
‫حلل وهذا حرام ما كانوا يجترئون على ذلك وإنما كانوا يقولون‪ :‬نكره هذا ‪،‬‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونرى هذا حسنا ً ونتقي هذا ول نرى هذا‪ ،‬ول يقولون حلل ول حرا ً‬
‫ما '‪.‬‬
‫النتيجة النهائية‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫سا‪ ،‬ثم أطلق للسانه العنان‪،‬‬ ‫ضياع الحسنات في الخرة‪ :‬إن من جلس مجل ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرة َ أ ّ‬ ‫فهذه علمة أكيدة على إفلسه في الدنيا والخرة‪ ،‬فَعَ ْ‬
‫الل ّه صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّم‪َ ] :‬قا َ َ‬
‫س ِفيَنا‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س [ َقاُلوا‪ :‬ال ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫فل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل أت َد ُْرو َ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫ْ‬ ‫فلس من أ ُمتي يأ ْ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫َ َ‬ ‫يا‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ ْ َ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫]‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫تا‬ ‫َ‬ ‫ن َل ْ َ ُ َ َ‬
‫م‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫تي‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ه‬‫سَنات ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن فَن ِي َ ْ‬ ‫سَنات ِهِ فَإ ِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫سَنات ِهِ وَهَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ذا فَي ُعْطى هَ َ‬ ‫َ‬ ‫ب هَ َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫هَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ِفي الّناِر[‬ ‫م طرِ َ‬ ‫ت عَلي ْهِ ث ُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫م فَطرِ َ‬ ‫خطاَياهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ما عَلي ْهِ أ ِ‬ ‫ضى َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫قَب ْ َ‬
‫َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل‪ ] :‬لت ُؤَد ّ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫رواه مسلم ‪ .‬وعَْنه أ ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قْرَناِء [‬ ‫شاةِ ال َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫حاِء ِ‬ ‫جل َ‬ ‫شاةِ ال َ‬ ‫قاد َ ِلل ّ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫مةِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫قوقَ إ َِلى أهْل َِها ي َوْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫رواه مسلم ‪ .‬حتى البهائم يفصل بينها يوم القيامة فاحفظ حسناتك فأنت‬
‫أحوج لها ‪.‬‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫سل ِ‬ ‫ن أِبي ب َْرَزةَ ال ْ‬ ‫الفضيحة وهتك ستره‪ :‬فالجزاء من جنس العمل‪ ،‬فعَ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫سان ِهِ وَل ْ‬ ‫ن ب ِل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫معْ َ‬ ‫م‪َ] :‬يا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫َقا َ‬
‫ع‬
‫ن ات ّب َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ن وََل ت َت ّب ُِعوا عَوَْرات ِهِ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َل ت َغَْتاُبوا ال ْ ُ‬ ‫ن قَل ْب َ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫لي َ‬ ‫لا ِْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫ه[ رواه أبو داود‬ ‫ه ِفي ب َي ْت ِ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ه عَوَْرت َ ُ‬ ‫ن ي َت ّب ِعْ الل ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ه عَوَْرت َ ُ‬ ‫م ي َت ّب ِعُ الل ّ ُ‬ ‫عَوَْرات ِهِ ْ‬
‫وأحمد‪ ،‬وهو صحيح بمجموع طرقه‪ .‬والواقع يشهد بذلك‪ :‬فكم فضح الله‬
‫حقيقة أولئك الذين آذوا إخوانهم بألسنتهم حتى عرفهم الناس وانكشف‬
‫أمرهم ‪.‬‬
‫يجتنبه الناس اتقاء شره‪ :‬ويحذرونه اتقاء فحشه‪ ،‬وإن جلس معهم في‬
‫مجالسهم‪ ،‬وإن ضحكوا‪ ،‬وإن جاملوه؛ فإنه اتقاًء لفحشه‪ ،‬ومن ذلك قول النبي‬
‫س أ َْو‬ ‫ه الّنا ُ‬ ‫ن ت ََرك َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫شّر الّنا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم لعائشة‪ ] :‬أ َيْ َ‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫ش ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫قاَء فُ ْ‬ ‫س ات ّ َ‬ ‫ه الّنا ُ‬ ‫وَد َعَ ُ‬
‫البلء موكل بالقول‪ :‬في ُب ْلى المتكلم بما كان يذكره في أخيه‪ ،‬فاحذر أيها‬ ‫َ‬
‫المسلم‪ ،‬واحذري أيتها المسلمة‪:‬أن تظهر الشماتة بأخ أو بأخت لك‪ ،‬فيعافيها‬
‫َ‬
‫قِع‬ ‫س َ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫ةَ ب ْ ِ‬ ‫ن َواث ِل َ َ‬ ‫الله‪ ،‬ثم يبتليك بما كان فيها؛ فالبلء موكل بالقول فروي عَ ْ‬
‫خيكَ‬ ‫ة ِل ِ‬ ‫مات َ َ‬ ‫ش َ‬ ‫م‪َ ] :‬ل ت ُظ ْهِْر ال ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫َقا َ‬
‫ب ‪ .‬وقال‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن غَ ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ل‪ :‬هَ َ‬ ‫ك[رواه الترمذي و َقا َ‬ ‫ه وَي َب ْت َِلي َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فَي َْر َ‬
‫إبراهيم التيمي‪ ':‬إني أجد نفسي تحدثني بالشيء فل يمنعني أن أتكلم به إل‬
‫مخافة أن أبتلى به' ‪ .‬وقال ابن مسعود‪ ] :‬البلء موكل بالقول ولو سخرت من‬
‫كلب لخشيت أن أحول كلبًا[ ‪ .‬وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى‬
‫آله وأصحابه وسلم تسليما ً كثيرا ً ‪.‬‬
‫من محاضرة‪ :‬غثاء اللسن للشيخ إبراهيم الدويش‬

‫)‪(7 /‬‬

‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن‬
‫ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ـ صلي الله‬
‫عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا‪ ،‬أما بعد أحبتي في الله السلم‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليكم ورحمة الله وبركاته وهذه ليلة الجمعة الموافق للعاشر من شهر الله‬
‫المحرم للعام السادس عشر بعد الربعمائة واللف للهجرة النبوية الشريفة‬
‫وفي هذا الجامع المبارك جامع الراجحي بمدينة <جدة> نلتقي وإياكم مع‬
‫موضوع بعنوان ‪:‬غثاء اللسنة والُغثاء بالمد والضم ما يجيء فوق السيل مما‬
‫يحمله من الزبد والوسخ وغيره وغثاء اللسنة أراذل الناس وسقطهم ‪،‬‬
‫والغث هو الرديء من كل شيء وغث حديث القوم فسد وردأ وغث فلن في‬
‫حديثه إذا جاء بكلم غث ل معني له وما أكثر الكلم الفاسد الذي يدور في‬
‫مجالس المسلمين أيا كانوا كبارا أو صغارا رجال أو نساء إن غثاء اللسنة‬
‫اليوم يزكم النوف ويصم الذان ويصيبك بالغثيان والدوار ويصيبك الغثيان‬
‫والدوار وأنت تسمع حديث المجالس اليوم ل نقول ذلك في مجالس العامة‬
‫ودهماء الناس فقط بل وللسف وأقولها بكل أسى حتى في مجالس‬
‫الصالحين وفي مجالس المعلمين والمتعلمين غثاء اللسنة في الكذب‬
‫والنفاق والغش والخداع غثاء اللسنة في الغيبة والنميمة والقيل والقال غثاء‬
‫اللسنة في أعراض الصالحين والمصلحين والدعاة والعلماء في الوقت الذي‬
‫سلم فيه أعداء السلم من اليهود والنصارى والرافضة والمنافقين غثاء‬
‫اللسنة في التدليس والتلبيس وتزييف الحقائق وتقليب المور غثاء اللسنة‬
‫في التجريح والهمز واللمز وسوء الظن غثاء اللسنة في الدخول في‬
‫المقاصد والنيات وفقه الباطن غثاء اللسنة بكل ما تحمله هذه الكلمة من‬
‫غثائية وغث وغثيث وغثيان وما هي النتيجة؟ النتيجة بث الوهم والفرقة‬
‫والخصام والنزاع بين المسلمين وقطع الطريق علي العاملين وإخماد العزائم‬
‫بالقيل والقال إنك ما إن ترى الرجل حسن المظهر وسيماه الخير وقد تمسك‬
‫بالسنة في ظاهره إل وتقع الهيبة في قلبك والحترام والتقدير في نفسك وما‬
‫أن يتكلم فيجرح فلنا ويعرض بعلن وينتقص عمرا ويصنف زيدا إل وتنزع‬
‫المهابة من قلبك ويسقط من عينك وإن كان حقا ما يقول نعم وإن كان حقا‬
‫ما يقول وإن كان صادقا فيه فل حاجة شرعية دعت لذلك وإن دعت تلك‬
‫الحاجة فبالضوابط الشرعية وبالقواعد الحديثية فإن لم تعلمها أيها الخ‬
‫الحبيب وإن لم تعلميها أيتها المسلمة فما نستطيع أن نقول إل أمسك عليك‬
‫لسانك إن للمصنفات في الجرح والتعديل أو إن المصنفات في الجرح‬
‫والتعديل مئات المجلدات لكن اقرأ فيها وتمعن فيها وكيف كان الجرح فيها‬
‫فشتان بين الجرحين لقد كان خوف الله عز وجل ميزان دقيق للسنتهم‬
‫رحمهم الله تعالى وكان هدفهم هو تمييز صحيح السنة من سقيمها ولكن ما‬
‫هو الهدف اليوم؟ نعوذ بالله من الهوى ومن الحسد ومن الشقاق والنفاق‬
‫ومساوئ الخلق أيها الخ الحبيب أيتها الخت المسلمة إلى متى ونحن نجهل‬
‫أو نتجاهل أو نغفل أو نتغافل عن خطورة هذا اللسان؟ مهما كان صلحك‬
‫ومهما كانت عبادتك ومهما كان خيرك ومهما كان علمك ومهما كانت نيتك‬
‫ومهما كان قصدك فرحم الله ]ابن القيم[ رحمة واسعة يوم أن قال في‬
‫الجواب الكافي‪ :‬من العجب أن النسان يهون عليه التحفظ والحتراز من أكل‬
‫الحرام والظلم والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغير ذلك‬
‫ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ويصعب عليه التحفظ من حركة‬
‫لسانه حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة وهو يتكلم بالكلمات‬
‫من سخط الله ل يلقي لها بال يذل بالكلمة الواحدة أبعد مما بين المشرق‬
‫والمغرب والعياذ بالله وقال أيضا في الكتاب نفسه‪ :‬إن العبد ليأتي يوم‬
‫القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها ويأتي بسيئات‬
‫أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله تعالى وما اتصل فيه‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما أجمل هذا الكلم ولذلك أقول أيها الخ الحبيب ويا أيتها الغالية‪ :‬احذر‬
‫لسانك وانتبهي للسانك واحبس لسانك وأمسك عليك لسانك أمسك عليك‬
‫لسانك هو جزء من حديث نبوي أخرجه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده‬
‫وابن المبارك و الطبراني وغيرهم من حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى‬
‫عنه قال قلت‪ :‬يا رسول الله ما النجاة؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫ظ "أمسك‬ ‫"أملك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك" وفي لف ٍ‬
‫عليك لسانك" والحديث صحيح بشواهده وأنا هنا ل أدعوك للعزلة وإنما أقول‬
‫أمسك عليك لسانك إل من خير كما في الحديث الخر "فإن لم تطق فكف‬
‫لسانك إل من خير" والحديث رواه ]أحمد[ و]ابن حبان[ وغيرهما وهو صحيح‬
‫كما سيأتي إن شاء الله وحفظ اللسان علي الناس أشد من حفظ الدنانير‬
‫والدراهم كما يقول ]محمد بن واسع[ رحمه الله تعالى ولن كثرة الكلم‬
‫تذهب بالوقار ومن كثر كلمه كثر سقطه ولننا نرى الناس أطلقوا العنان‬
‫للسنتهم فأصبح ذلك اللسان‬

‫)‪(1 /‬‬

‫سلحا لبث الفرقة والنزاع والخصام والشتائم وفي مجالت الحياة كلها وبين‬
‫الرجال والنساء بحد سواء ولكثرة الجلسات والدوريات والستراحات ولن‬
‫الكلم فاكهة لهذه الجلسات كان لبد من وضع ضابط ولبد من تحذير وتذكير‬
‫للناس في مثل هذه الجلسات ولنك ستسمع الكثير إن شاء الله تعالى من‬
‫السباب التي جعلتني أختار مثل هذا الموضوع من خلل هذه العناصر وهي‪:‬‬
‫خطر اللسان أدلة من الكتاب والسنة‪ ،‬السلف الصالح مع اللسان‪ ،‬صور من‬
‫الواقع‪ ،‬النتيجة النهائية ‪ ،‬واسمع قبل ذلك كلما جميل جدا للمام ]النووي[‬
‫رحمه الله تعالى في كتاب الذكار يوم أن قال‪ :‬فصل؛ اعلم أنه ينبغي لكل‬
‫مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلم إل كلما تظهر المصلحة فيه ومتى‬
‫استوى الكلم وتركه في المصلحة ‪ ،‬اسمع للفقه اسمع لفقههم رحمهم الله‬
‫تعالى ومتى استوى الكلم وتركه في المصلحة يعني كان قول الكلم أو تركه‬
‫المصلحة واحدة فالسنة المساك عنه لنه قد ينجر الكلم المباح إلى حرام أو‬
‫مكروه بل هذا كثير أو غالب في العادة والسلمة ل يعدلها شيء …انتهى‬
‫كلمه رحمه الله ‪ ،‬خطر اللسان أدلة من الكتاب والسنة هل قرأت القرآن‬
‫ل إل لديه رقيب عتيد( هل‬ ‫ومر بك قول الحق عز وجل )ما يلفظ من قو ٍ‬
‫تفكرت في هذه الية إنها الضابط الشرعي )لمن كان له قلب أو ألقى السمع‬
‫وهو شهيد( أسمعت أيها النسان أسمعت أيها المسكين إنها رقابة شديدة‬
‫دقيقة رهيبة تطبق عليك إطباقا كامل شامل ل تغفل من أمرك دقيقا ول جليل‬
‫س معدود وكل هاجسة معلومة وكل لفظ‬ ‫ف ٍ‬‫ول تفارقك كثيرا ول قليل كل ن َ َ‬
‫مكتوب وكل حركة محسوبة في كل وقت وفي كل حال وفي أي مكان عندها‬
‫قل ما شئت وحدث بما شئت وتكلم بمن شئت ولكن اعلم أن هناك من‬
‫يراقبك اعلم اعلم أن هناك من يسجل وأن هناك من يعد عليك هذه اللفاظ‬
‫)إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إل لديه‬
‫ك أنت أيتها المسلمة )ما‬
‫رقيب عتيد( إنها تعنيك أنت أيها النسان إنها تعني ِ‬
‫يلفظ من قول إل لديه رقيب عتيد( هذه اليات والله إنها لتهز النفس هزا‬
‫وترجها رجا وتثير فيها رعشة الخوف ‪ ،‬الخوف من الله عز وجل قال ابن‬
‫عباس‪) :‬ما يلفظ من قول إل لديه رقيب عتيد( قال‪ :‬يكتب كل ما تكلموا به‬
‫من خير وشر حتى إنه ليكتب قوله أكلت شربت أو قولك أكلت شربت ذهبت‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ض قوله وعمله فأقر فيه ما كان‬ ‫جئت رأيت حتى إذا كان يوم الخميس عُرِ َ‬
‫من خير أو شر وألقي سائره واسمع لليات من كتاب الله تقرع سمعك وتهز‬
‫قلبك إن كان قلبا مؤمنا يخاف من الله عز وجل )وإن عليكم لحافظين كراما‬
‫كاتبين يعلمون ما تفعلون( )إن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما‬
‫اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا( )ول تقف ما ليس لك به علم إن‬
‫السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول( )إن الذين يرمون‬
‫المحصنات الغافلت المؤمنات لعنوا في الدنيا والخرة ولهم عذاب عظيم‬
‫يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون( وأخيرا )إن ربك‬
‫لبالمرصاد( فربك راصد ومسجل لكلماتك ول يضيع عند الله شيء أما أنت‬
‫أيها المؤمن أما أنت يا من يقال عنك ويدور عنك الحديث في المجالس أما‬
‫أنت أيها المظلوم فإن لك بهذه الية تطمينا فل تخف ول تجزع فإن ربك‬
‫لبالمرصاد ‪ ،‬لبالمرصاد لمن أطلقوا للسنتهم العنان في أعراض العباد ‪،‬‬
‫لبالمرصاد للطغيان والشر والفساد فل تجزع بعد ذلك أيها الخ الحبيب‬
‫ولنزداد بينة في خطر هذا اللسان الذي بين لحييك فاسمع لهذه الحاديث‬
‫باختصار‪ ،‬فعن ]بلل بن الحارث المزني[ ـ رضي الله تعالى عنه وأرضاه ـ أن‬
‫رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ قال‪" :‬إن الرجل ليتكلم بالكلمة من‬
‫رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله بها رضوانه إلى يوم‬
‫يلقاه" اسمع ‪ :‬يكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه "وإن الرجل ليتكلم‬
‫بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه‬
‫إلى يوم القيامة" والعياذ بالله والحديث أخرجه ]البخاري[ في صحيحه وكان‬
‫]علقمة[ يقول‪ :‬كم من كلم قد منعنيه حديث بلل بن الحارث أي هذا‬
‫الحديث‪ ،‬اسمع لحرصهم ـ رضي لله عنهم وأرضاهم‪ :‬كم من كلم قد منعنيه‬
‫حديث بلل بن الحارث كما ذكر ذلك ]ابن كثير[ في تفسيره فأين أنت يا‬
‫علقمة من أولئك الذين يلقون الكلمات على عواهنها فل يحسبون لها حسابا‬
‫كم نلقي أيها الحبة وكم نلقى أيتها المسلمة من الكلمات تظن أنها ذهبت‬
‫أدراج الرياح وهي عند ربي في كتاب ل يضل ربي ول ينساه احسب لهذا‬
‫المر حسابه حتى تعلم أن كل كلمة مسجلة عليك أيها الخ الحبيب ‪ ،‬وعن‬
‫أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال‪ :‬سمعت رسول الله ـ صلي الله عليه‬
‫وسلم ـ يقول ‪" :‬إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد‬
‫ما بين المشرق" والحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما‪ ،‬وفي‬
‫رواية لمسلم‪" :‬إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد‬
‫ما بين المشرق والمغرب" أسألك العفو يا‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إلهي‪ ،‬إن شغلنا الشاغل اليوم في مجالسنا أيها الحبة هو بث الكلمات ونشر‬
‫الشائعات وكم من كلمة قصمت ظهر صاحبها وهو ل يعلم ول شك أن فساد‬
‫المجالس بسبب قلة العلم والطلع ‪ ،‬إذ لو وجد هذا العلم لستغلت‬
‫المجالس أحسن استغلل ولسمعت النكت العلمية والفوائد الشرعية‬
‫والمسائل الفقهية بدل عن القيل والقال والغرائب والعجائب ولكن فاقد‬
‫الشيء ل يعطيه وهذا أثر من آثار الجهل الذي يتفشى اليوم بين كثير من‬
‫الناس إسهال فكري‪ ،‬وإسهال كلمي أصاب كثيرا من مجالس المسلمين‬
‫اليوم إنك تجلس المجالس الكثيرة بل ربما لم يمر عليك يوم من اليام ول‬
‫ليلة من الليالي إل وجلست مجلسا فبماذا خرجت من هذه المجالس؟ ما هي‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النتيجة وما هي الثمرة من هذه المجالس التي جلستها أيها الخ الحبيب ل‬
‫شك أن هذا أثر من آثار الجهل الذي يتفشى في صفوف المسلمين اليوم‬
‫وقلة البركة حيث أصبح العلم مصدر رزق لكثير من الناس ولذلك تجد في‬
‫المجلس الواحد عشرات المدرسين والمتعلمين ومع ذلك يذهب المجلس‬
‫هباء بدون فائدة بل ربما ذهب والعياذ بالله بالثام وجمع السيئات وفي حديث‬
‫]معاذ[ الطويل قال رضي الله تعالى عنه ـ أو قال النبي ـ صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم ـ‪" :‬أل أخبرك بملك ذلك كله ؟ قال معاذ قلت‪ :‬بلى يا رسول الله‪،‬‬
‫فأخذ بلسانه ثم قال" انظر الوصية "فأخذ بلسانه ثم قال‪ :‬كف عليك هذا‪،‬‬
‫كف عليك هذا‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به" بعض‬
‫الناس قد يجهل أنه سيؤاخذ بكل كلمة تكلمها كانت خيرا أو شرا "وإنا‬
‫لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪ :‬ثكلتك أمك يا‬
‫معاذ‪ ،‬وهل يكب الناس في النار على وجوههم إل حصائد ألسنتهم" والحديث‬
‫أخرجه الترمذي في سننه وقال‪ :‬حديث حسن صحيح ‪ ،‬وفي حديث ]سهل بن‬
‫سعد[ رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال‪" :‬من‬
‫يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة" والحديث أخرجه‬
‫البخاري في صحيحه وفي آخر حديث ]سفيان بن عبد الله [ ـ رضي الله‬
‫تعالى عنه ـ قال في آخره "قال‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ما أخوف ما تخاف‬
‫علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال‪ :‬هذا" والحديث أخرجه مسلم في صحيحه‬
‫وأحمد في مسنده والترمذي في سننه‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪،‬‬
‫ثم يوجه المصطفي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لمته تلك القاعدة‬
‫الشرعية والمعيار الدقيق ولمن اختلطت عليه الوراق وليقطع الشك باليقين‬
‫وليسلم من الحيرة والتردد فيقول كما في حديث ]أبي هريرة[ ـ رضي الله‬
‫تعالى عنه ـ قال‪ :‬قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ "من كان‬
‫يؤمن بالله واليوم الخر فليقل خيرا أو ليصمت" قاعدة شرعية تربوية منهجية‬
‫نبوية ميزان معيار دقيق لك أيها المسلم ولك أيتها المسلمة يوم أن تجلس‬
‫مجلسا "من كان يؤمن بالله واليوم الخر" انظر للتربية ربى هذه القلوب‬
‫باليوم الخر "من كان يؤمن بالله واليوم الخر فليقل خيرا أو ليصمت" ولن‬
‫النفوس اليوم غفلت عن اليوم الخر وتعلقت بالدنيا وشهواتها ولذاتها غفلت‬
‫عن هذه القاعدة الشرعية النبوية ونسيت الحساب والعذاب في اليوم الخر‬
‫ونسيت الجنة والنار أو غفلت عنها وبالتالي انطلق اللسان يفري في لحوم‬
‫العباد فريا بدون ضوابط وبدون خوف ول وجل لماذا؟! لماذا هذه القاعدة؟‬
‫لنه ل يصح أبدا أن يؤذي المسلم إخوانه بلسانه ولن المسلم الصادق‬
‫والمحب الناصح هو من سلم المسلمون من لسانه ويده كما في حديث ]أبي‬
‫موسى الشعري[ المتفق عليه والحاديث في الباب كثيرة مستفيضة وكم‬
‫نحن بحاجة إلى من يردد هذه الحاديث على مسامع الناس كم نحن بحاجة‬
‫أيها الخيار يا طلبة العلم أيها الصالحون كم نحن بحاجة إلى أيتها الصالحات‬
‫إلى أيتها الخائفات القانتات العابدات الساجدات كم نحن بحاجة إلى من يردد‬
‫على المسلمين والمسلمات أمثال هذه الحاديث ليتذكروها وليعوها‬
‫وليفهموها جيدا حتى تتذكر النفس كلما أراد اللسان أن ينطلق في كلمة‬
‫يحسبها ‪ ،‬يحسب لها حسابها قبل أن يخرج لسانه بهذه الكلمات واسمع لرواة‬
‫هذه الحاديث من السلف الصالح ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ يوم أن‬
‫سمعوها علما وعمل وامتثال للمصادر الشرعية الكتاب والسنة وإليك الدلة‬
‫من حياتهم العملية ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ السلف الصالح مع اللسان ‪،‬‬
‫أسوق إليك أيها الخ الحبيب مواقف قليلة‪ ،‬قليلة جدا‪ ،‬كيف كان حال السلف‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصالح مع ألسنتهم؟ ذكر المام ]مالك[ في الموطأ عن ]عمر بن الخطاب[ ـ‬


‫رضي الله تعالى عنه وأرضاه ـ أنه دخل على ]أبي بكر الصديق[ وهو يجبذ‬
‫لسانه أي‪ :‬يجره بشدة وهو يجبذ لسانه فقال له عمر‪ :‬مه غفر الله لك فقال‬
‫أبو بكر‪ :‬إن هذا أوردني الموارد ‪ ،‬من القائل؟ الرجل الول بعد النبياء‬
‫والرسل ـ رضي الله تعالى عنه وأرضاه ـ القائل أبو بكر انظر لحرصه على‬
‫لسانه ـ رضي الله تعالى عنه وأرضاه ـ قال رجل رأيت ]ابن عباس [ آخذا‬
‫بثمرة لسانه وهو يقول أي ممسكا بلسانه وهو يقول‪ :‬ويحك قل خيرا تغنم‬
‫واسكت عن شر تسلم ‪ ،‬قال‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فقال له رجل‪ :‬يا ابن عباس مالي أراك آخذ بثمرة لسانك تقول كذا وكذا قال‬
‫ابن عباس‪ :‬بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيء أحنق منه على‬
‫لسانه ‪ ،‬يعني ل يغضب على شيء من جوارحه أشد من غضبه علي لسانه‬
‫والثر أخرجه ]ابن المبارك[ وأحمد و]أبو نعيم[ وأيضا أخرجه أحمد في كتاب‬
‫الزهد والمتن بمجموع طرقه حسن والله أعلم‪ ،‬وقال ]عبد الله بن أبي‬
‫زكريا[‪ :‬عالجت الصمت عشرين سنة ‪ ،‬انظر للحساب أنظر النفس‪ ،‬عالجت‬
‫الصمت عشرين سنة فلم أقدر منه على ما أريد ‪ ،‬وكان ل يدع يعاتب في‬
‫مجلسه أحد ويقول‪ :‬إن ذكرتم الله أعناكم وإن ذكرتم الناس تركناكم والثر‬
‫ذكره أبو نعيم في الحلية وكان ]طاووس بن كيسان[ ـ رضي الله تعالى عنه ـ‬
‫يعتذر من طول السكوت ويقول‪ :‬إني جربت لساني فوجدته لئيما *** هؤلء‬
‫هم رضي الله تعالى عنهم ـ فماذا نقول نحن على ألسنتنا وذكر ]هناد بن‬
‫السري[ في كتابه الزهد بسنده إلى الحسن أنه قال يخشون أن يكون قولنا‬
‫حميد الطويل غيبة ‪ ،‬حميد الطويل لنهم بينوه أو نسبوه لنه طويل حميد‬
‫الطويل يخشون أن يكون غيبة رحمة الله عليهم أجمعين وأخرج ]وكيع[ في‬
‫الزهد وأبو نعيم في الحلية من طريق ]جرير بن حازم[ قال‪ :‬ذكر ]ابن‬
‫سيرين[ رجل فقال‪ :‬ذلك الرجل السود‪ ،‬يريد أن يعرفه‪ ،‬ذلك الرجل السود‬
‫ثم قال أستغفر الله إني أراني قد اغتبته‪ ،‬وكان ]عبد الله بن وهب[ رحمه‬
‫الله يقول‪ :‬نذرت أني كلما اغتبت إنسانا انظر للمحاسبة مرة أخري نذرت‬
‫أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما فأجهدني يعني تعبت فكنت أغتاب‬
‫وأصوم فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم فمن حب الدراهم‬
‫تركت الغيبة جرب هذا كلما اغتبت إنسانا أو ذكرته بسوء ادفع ولو ريال‬
‫واحدا‪ ،‬الله العالم بحالنا الن سنجد أنه في آخر الشهر لم يبق من الراتب ول‬
‫ريال واحد لننا أعرف بأنفسنا أيها الحبة في مجالسنا والله والمستعان‪ ،‬قال‬
‫الذهبي معلقا في السير علي قول ]عبد الله بن وهب[ قال‪ :‬هكذا والله كان‬
‫العلماء وهذا هو ثمرة العلم النافع‪ ،‬قال ]النووي[ في الذكار‪ :‬بلغنا أن ]قس‬
‫بن ساعدة[‪ ،‬و]أكثم بن صيفي[ اجتمعا فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬كم وجدت في‬
‫ابن آدم من العيوب؟ فقال‪ :‬هي أكثر من أن تحصى والذي أحصيته ثمانية‬
‫آلف عيب ووجدت خصلة إن استعملتها سترت العيوب كلها خصلة إن‬
‫استعملتها سترت العيوب كلها كما قال‪ :‬ما هي؟ قال حفظ اللسان‪ ،‬قال‬
‫]إبراهيم التيمي[‪ :‬أخبرني من صحب ]الربيع بن خثيم[ عشرين عاما ما سمع‬
‫منه كلمة ت َُعاب ‪ ،‬الله المستعان‪ ،‬عشرين عاما ما سمع منه كلمة تعاب والثر‬
‫أخرجه وذكره ]ابن سعد[ في الطبقات وقيل له أي للربيع ‪:‬يا أبا يزيد أل تذم‬
‫الناس؟ فقال‪ :‬والله ما أنا عن نفسي براض فأذم الناس‪ ،‬إن الناس خافوا‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله علي ذنوب الناس وأمنوه على ذنوبهم‪ ،‬وصدق رحمه الله صدق أل ترون‬
‫أيها الحبة الن أننا في مجالسنا نقول‪ :‬نخشى عذاب الله من فعل فلن‪،‬‬
‫ونخاف من عذاب الله عز وجل من قول علن ول نخشى من عذاب الله عز‬
‫وجل من أفعالنا وأقوالنا هذا ظاهر في مجالسنا نتحدث ونقول والله نخشى‬
‫من عذاب الله من أفعال فلن وعلن ولكننا ننسى أن نخاف على أنفسنا من‬
‫عذاب الله من ذنوبنا وأفعالنا وأقوالنا ارجع لنفسك وانظر لعيوبها قبل أن‬
‫تنظر لعيوب الخرين وتتكلم فيهم وقال ]حماد بن زيد[ ‪:‬بلغني أن محمد ابن‬
‫واسع كان في مجلس فتكلم رجل فأكثر الكلم‪ ،‬فقال له محمد‪ :‬ما على‬
‫أحدهم لو سكت فتنقى وتوقى‪ ،‬أي اختار كلماته وحسب لها حسابها‬
‫من َّير[‪ :‬سمعت أبا عبد الله البخاري أمير المؤمنين صاحب‬‫وقال] بكر بن ُ‬
‫الصحيح ـ رضي الله تعالى عنه وأرضاه ـ يقول‪ :‬أرجو أن ألقي الله ول‬
‫يحاسبني أني اغتبت أحدا اسمع للثقة أرجو أن ألقى الله ول يحاسبني أني‬
‫اغتبت أحدا‪ ،‬والبخاري له كتب في الجرح والتعديل له مؤلفات في الجرح‬
‫والتعديل ويقول الذهبي في السير أيضا معلقا على قول البخاري هذا‪ :‬صدق‬
‫رحمه الله ومن نظر في كلمه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلم في‬
‫الناس وإنصافه فيمن يضعفه فإن أكثر ما يقول يعني أشد ما يقول البخاري‬
‫إذا أراد أن يجرح رجل يقول‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬سكتوا عنه‪ ،‬فيه نظر ونحو هذا‬
‫وقل أن يقول فلن كذاب أو كان يضع الحديث حتى إنه قال إذا قلت فلنا في‬
‫حديثه نظر فهو متهم واهن وهذا معنى قوله ل يحاسبني الله أني اغتبت أحدا‬
‫وهذا هو والله غاية الورع انتهى كلم الذهبي‪ ،‬هذه مواقف للسلف الصالح‬
‫رضوان الله تعالى عليهم مع اللسان والن تعال إلى صور من الواقع وهي‬
‫عبارة عن مواقف مبعثرة وأحداث متعددة تتكرر في مجالسنا كثيرا اخترت‬
‫منها عشرة مشاهد أسوقها إليك فأصغني سمعك وفهمك وأحسن الظن في‬
‫فلعلي ل أحسن التصوير أو ربما خانني التعبير وما أريد يعلم الله إل الصلح‬
‫ما استطعت وما توفيقي إل بالله ومن الصور المشاهدة في مجالسنا وأولى‬
‫هذه الصور حديث العامة أن فلنا فيه أخطاء وفلن الخر فيه تقصير والثالث‬
‫فيه غفلة والرابع ل يسلم من العيب الفلني وهكذا أقاموا أنفسهم‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لتقييم الخرين وجرحهم ولمزهم فيا سبحان الله نسينا أنفسنا نسينا عيوبنا‬
‫وتقصيرنا وغفلتنا وكثرة أخطائنا ولو أعمل عاقل فكره في الجالسين أنفسهم‬
‫لوجدوا فيهم بذاءة في اللسان وسوءا في المعاملة والخلق فهو إن حدث‬
‫كذب أو وعد أخلف أو باع واشترى فغش وخداع وإن جاء للصلة نقرها نقر‬
‫غراب ؛مقصر في الفرائض مهمل للنوافل في وظيفته تأخر وهروب وإهمال‬
‫واحتيال وفي بيته وسائل للفساد وضياع للولد وعقوق للرحام كل هذه‬
‫النقائص وهذه المصائب عميت عليه فنسيها في نفسه عميت عليه فنسيها‬
‫في نفسه وذكرها في إخوانه فلم يسلم منه حتى ول الصالحون المخلصون‬
‫فيا أيها الخ والله إني عليك لمشفق ولك محب فأمسك عليك لسانك وكف‬
‫عن أعراض الناس وإذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك كما قال‬
‫]ابن عباس[ وقال أبو هريرة‪ :‬يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى‬
‫الجبء في عينه وقال ]عون بن عبد الله[‪ :‬ما أحسب أحدا تفرغ لعيوب‬
‫الناس إل من غفلة غفلها عن نفسه وقال ]بكر بن عبد الله المزني[‪ :‬إذا‬
‫رأيتم الرجل مولعا بعيوب الناس ناسيا لعيبه فاعلموا أنه قد مكر به‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إذا رمت أن تحيا سليما من الذى‬


‫ودينك موفور وعرضك صين‬
‫فل ينطقن منك اللسان بسوءة‬
‫فكلك سوءات وللناس ألسن‬
‫وعينك إن أبدت إليك معائبا‬
‫فدعها وقل يا عين للناس أعين‬
‫وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ‪...‬‬
‫ودافع ولكن بالتي هي أحسن‬

‫)‪(5 /‬‬

‫صورة ثانية من الصور التي تقع في واقعنا ‪ ،‬جلسوا مجلسهم فبدأ الحديث‬
‫مرٍ فأتقنوا فن الهمز واللمز‬
‫فذكروا زيدا وأن فيه وفيه ثم ذكروا قول عَ ْ‬
‫والعجيب أن معهم فلنا الصالح العابد الزاهد القائم الصائم والعجب أن من‬
‫بينهم طالب العلم فلنا الناصح المين والحمد لله لم يتكلما وسكتا ولكنهما ما‬
‫سلما لن الساكت عن الحق شيطان أخرس‪ ،‬ولن المستمع شريك للقائل ما‬
‫لم يتبع المنهج الشرعي "من رد عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن‬
‫يعتقه من النار"من رد عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من‬
‫النار والحديث أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما من حديث ]أبي الدرداء[‬
‫والحديث حسن بشواهده فيا أيها المسلم إذا وُقِعَ في رجل وأنت في مل‬
‫فكن للرجل ناصرا وللقوم زاجرا وانصر أخاك ظالما أو مظلوما وقل‬
‫للمتحدث أمسك عليك لسانك فإن استجاب وإل فقم عنهم )أيحب أحدكم أن‬
‫يأكل لخم أخيه ميتا فكرهتموه( واسمع لكلم ]ابن الجوزي[ الجميل في‬
‫تلبيس إبليس قال رحمه الله‪ :‬وكم من ساكت عن غيبة المسلمين إذا اغتيبوا‬
‫عنده فرح قلبه وهو آثم بذلك من ثلثة وجوه أحدها‪ :‬الفرح فإنه حصل بوجود‬
‫هذه المعصية من المغتاب‪ ،‬والثاني‪ :‬لسروره بسلب المسلمين والثالث‪ :‬أنه ل‬
‫ينكر‪ ،‬انتهى كلمه رحمه الله‪ ،‬ويقول] ابن تيميه[ رحمه الله في الفتاوى في‬
‫الجزء الثامن والعشرين صفحة سبع وثلثين ومائتين يقول‪ :‬ومنهم من يخرج‬
‫الغيبة في قوالب شتى وانتبه لهذا الكلم النفيس الجميل ومنهم أي من‬
‫الناس من يخرج الغيبة في قوالب شتى تارة في قالب ديانة وصلح فيقول‪:‬‬
‫ليس لي عادة أن أذكر أحدا إل بخير ول أحب الغيبة ول الكذب وإنما أخبركم‬
‫بأحواله ويقول والله إنه مسكين أو رجل جيد ولكن فيه كيت وكيت أو ربما‬
‫يقول دعونا منه الله يغفر لنا وله وإنما قصده استنقاصه وهضما لجنابه‬
‫ويخرجون الغيبة في قوالب صلح وديانة يخادعون الله بذلك كما يخادعون‬
‫مخلوقا وقد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا وأشباهه انتهى كلمه رحمه الله ‪،‬‬
‫صورة ثالثة اتهام النيات والدخول في المقاصد من أخطر آفات اللسان يتبعه‬
‫تبديع الخلق وتصنيف الناس وتقسيمهم إلى أحزاب وهم منها براء وقد يتبع‬
‫ذلك أيمان مغلظة وأقسام وأحلف بأنه العليم بفلن والخبير بأقواله فيا‬
‫سبحان الله أفل شققت عن قلبه حتى تعلم قصده ومبتغاه؟ أين أنت من‬
‫قول القدوة الحبيب صلى الله عليه وسلم "إني لم أؤمر أنقب قلوب الناس‬
‫ول أشق بطونهم" والحديث أخرجه البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه‬
‫ورحم الله ابن تيميه يوم أن قال في الفتاوى في الجزء التاسع عشر صفحة‬
‫اثنين وتسعين ومائة قال‪ :‬وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا‬
‫ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة إما لحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة وإما‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليات فهموا منها ما لم يرد منها وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم‬
‫تبلغهم وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله‪) :‬ربنا ل تؤاخذنا إن‬
‫نسينا أو أخطأنا( وفي الصحيح قال‪ :‬قد فعلت‪ ،‬والحديث عند مسلم في كتاب‬
‫اليمان فيا أخي الحبيب أمسك عليك لسانك والزم الورع والتقى ومراقبة‬
‫الله عز وجل وأشغل نفسك في طاعة الله أنفع لك عند الله فعن البراء ـ‬
‫رضي الله تعالى عنه ـ قال‪" :‬جاء أعرابي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫ل يدخلني الجنة ـ انظر للحرص ـ دلني على عمل يدخلني‬ ‫فقال دلني على عم ٍ‬
‫الجنة قال صلى الله عليه وسلم أطعم الجائع‪ ،‬واسق الظمآن وأمر‬
‫بالمعروف وانه عن المنكر فإن لم تطق فكف لسانك إل من خير" والحديث‬
‫أخرجه أحمد وابن حبان وغيرهما وهو صحيح وعند مسلم قال‪" :‬تكف شرك‬
‫عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك" سبحان الله انظر لفضل الله عز‬
‫وجل علي عباده‪ ،‬إن كفك شرك عن الناس صدقة تكتب لك عند الله عز‬
‫وجل‪ ،‬فيا أيها الخ الكريم إن أبواب الخير كثيرة وأعمال البر عديدة فأشغل‬
‫نفسك فيها فإن عجزت فكف لسانك إل من خير وإن أبيت إل أن تكون‬
‫راصدا لقوال الناس حارسا للسنتهم فقيها ببواطنهم فحسبنا وحسبك الله ‪.‬‬
‫صورة أخري سمع ذلك المتحدث أو بعضا من كلماته بدون إصغاء جيد المهم‬
‫أنه فهم فحوى الكلم وعرف قصد المتكلم أو هكذا زعم‪ ،‬انتبهوا لهذه الصورة‬
‫لنها تحصل لكثير منا‪ ،‬سمع ذلك المتحدث أو بعضا من كلماته بدون إصغاء‬
‫جيد ‪ ،‬المهم كما يزعم أنه فهم فحوى الكلم وعرف قصد المتكلم أو هكذا‬
‫زعم‪ ،‬أو قرأ ذلك الخبر أو الكتاب ها هو يلتهم السطر نظراته تتقافز بسرعة‬
‫بين الكلمات التي تساقط منها الكثير لفرط السرعة ‪ ،‬المهم كما يزعم أنه‬
‫فهم فكرة الكاتب وعرف قصده‪ ،‬ثم انتقل إلى المجالس ليؤدي ما تحمله‬
‫ويزكي علمه‪ ،‬هكذا سولت له نفسه فذكر حديث فلن وخبر علن وأنه قال‬
‫كذا وكذا فشرق وغرب وأبعد وأقرب فقلب القوال وبدل الحوال وما أوتي‬
‫المسكين إل من سوء فهمه والتسرع في نقله أو في القراءة قول الخرين‬
‫ما لم يقولوا وقديما قيل‪ :‬وما آفة الخبار إل رواتها‬
‫وكم من عارف قول صحيحا‬
‫‪ ...‬وآفته من الفهم السقيم‬
‫ولكن تأخذ الذهان منه‬

‫)‪(6 /‬‬

‫على قدر القرائح والفهوم‬


‫صورة أخري إننا نغفل أو نتغافل فنتكلم في المجالس ونذكر العشرات‬
‫بأسمائهم فإذا ذكرنا مذكر أو حذرنا غيور بأن هذه غيبة قلنا‪ :‬هذا حق وما قلنا‬
‫فيه صحيح وقد يسرد لك الدلة والبراهين على ما يقول فيزيد الطين بلة فيا‬
‫سبحان الله أليس النص واضح وصريح ألم يقل الصحابي لرسول الله صلي‬
‫اله عليه وسلم‪" :‬أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال ـ أي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته‪ ،‬وإن لم يكن فيه فقد بهته"‬
‫والحديث أخرجه مسلم في صحيحه إذا ً فل مفر فإن كان ما ذكرته صحيحا‬
‫فهذه هي الغيبة وإن كان ما ذكرته كذبا فهو ظلم وبهتان فكل المرين ليس‬
‫لك خيار‪ ،‬فأمسك عليك لسانك‪ ،‬فعن ]أنس بن مالك[ ـ رضي الله عنه ـ قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‪" :‬لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار‬
‫من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت‪ :‬من هؤلء يا جبريل؟ قال‪:‬‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هؤلء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" والحديث أخرجه‬


‫أحمد في مسنده وأبو داود في سننه وإسناده صحيح ‪ ،‬وعن عائشة ـ رضي‬
‫الله تعالى عنها أنها ذكرت امرأة ـ اسمعي أيتها المسلمة اسمعي يا من في‬
‫قلبك خوف من الله عز وجل ـ عائشة رضي الله تعالى عنها ذكرت أنها‬
‫ذكرت امرأة فقالت‪ :‬أنها قصيرة‪ ،‬وفي رواية أنها أشارت إشارة أنها قصيرة‬
‫فقال النبي ـ صلي الله عليه وسلم‪" :‬اغتبتيها" وفي رواية قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬اغتبتها" والحديث أيضا عند أبي داود في سننه وعند أحمد في‬
‫مسنده وغيرهما وهو صحيح إذا ما بال نسائنا اليوم يجلسن في المجلس‬
‫فيعرضن لعشرات من النساء فلنة وعلنة وتلك فيها والخرى فيها وهكذا أل‬
‫يخشين الله عز وجل؟ أل يخفن يوم أن تقف المرأة أمام الله عز وجل‬
‫فيسألها عن قولها‪ ،‬يا سبحان الله ألهذا الحد وصلت الغفلة في نساء‬
‫المسلمين!!! أن يغفلن أن مثل هذا القول سيجزين عليه أمام الله سبحانه‬
‫وتعالى!!! تذكري وقوفك بين يدي الله عز وجل‪ ،‬احرصي أيتها المسلمة‬
‫لنحرص على أنفسنا إننا ابتلينا بقلة العمال الصالحة في مثل هذا الزمن‬
‫وابتلينا بكثرة الذنوب والتقصير في حق أنفسنا وفي حق ربنا أيها الحبة‬
‫فلماذا إذا ً نزيد الطين بلة ونجمع على ذلك ذنوب الخرين في غيبتهم‬
‫وتنقصهم وغير ذلك وليس معنى هذا السكوت عن الخطاء إنني ل أطالب أن‬
‫نسكت عن أخطاء الخرين أو حتى نتغاضى عن العصاة والفاسقين‬
‫والمجاهرين وليس معنى ذلك أل نحذر منهم وأل نفضحهم ‪ ،‬ل بل هذه أمور‬
‫كلها مطالبون فيها شرعا هذه مطالب شرعية ولكن بالمنهج الشرعي‪،‬‬
‫وبالقواعد العلمية كما جاءت عن سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم‬
‫أجمعين‪ ،‬ولكني على يقين أن أكثر ما يقال في مجالسنا لمجرد التحدث‬
‫والتفكه وربما الهوى وأحقاد وأضغان عافانا الله وإياكم منها ورحم الله عبدا‬
‫قال خيرا فغنم‪ ،‬أو سكت عن سوء فسلم‪ ،‬صورة أخرى قلت لبعض إخواني‬
‫الزم الدب وفارق الهوى والغضب أو أمسك عليك لسانك وابك على خطيئتك‬
‫وانظر لحالك وردد ما ذكرته لك على أمثالك وقد كنت سمعت منه قيل وقال‬
‫وجرحا وسلبا وهمزا ولمزا في أناس ما سمعنا عنهم إل خيرا وهم من أهل‬
‫الفضل فما رأيناهم إل يعملون الخير ويدعون له ويسعون للبر وينهون عن‬
‫الثم فما استجاب لي وما سمع مني فرأيت أن ألزم الصمت معهم وفيهم‬
‫ولهم وعليهم فأقبلت على واجباتي أيما إقبال‪ ،‬وأرحت قلبي من الحقاد‬
‫والغلل وذهني من الهواجس والفكار ثم جاء بعض الفضلء وقال‪ :‬يقولون‬
‫ب كلم‬ ‫ت إليهم ول تأذيت وقلت لهم‪ُ :‬ر ّ‬ ‫فيك كيت وكيت فيعلم الله ما التف ّ‬
‫ب سكوت أبلغ من كلم وعلمتني الحياة أن الصفح الجميل‬ ‫جوابه السكوت وُر ّ‬
‫من أحسن الشيم ‪.‬‬
‫قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم ‪...‬‬
‫‪ ...‬إن الجواب لباب الشر مفتاح‬
‫الصمت عن جاهل أو أحمق شرف ‪...‬‬
‫أيضا وفيه لصون العرض إصلح‬
‫سد َ تخشى وهي صامتة‬ ‫ُ‬
‫أما ترى ال ْ‬
‫والكلب يخشى لعمري وهو نباح‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونقل ] المام الشاطبي[ عن ]أبي حامد الغزالي[ رحمة الله عليهما كلما‬
‫متينا يغفل عنه بعض الناس فقال‪ :‬أكثر الجهالت إنما رسخت في قلوب‬
‫العوام بتعصب جهلة أهل الحق أظهروا الحق في معرض التحدي والذلل‬
‫ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير والزدراء فثارت من بواطنهم‬
‫دواعي المعاندة والمخالفة ورسخت في قلوبهم العتقادات الباطلة وتعذر‬
‫على العلماء المتلطفين محوها مع ظهور فسادها ‪ ،‬انتهى كلمه رحمه الله‬
‫من كتاب العتصام للشاطبي ‪ .‬صورة أخرى من صور الواقع مع اللسان في‬
‫مجالسنا اليوم جلس مع صاحب له أو أصحاب فتكلموا وخاضوا‪ ،‬ولم يكن لهم‬
‫من المر شيء إل أنه شريك في المجلس ومن باب المشاركة قالها كلمة أو‬
‫كليمات لم يحسب لها حسابها ولم يتبين خطرها‪ ،‬ظنها حديث مجالس‪ ،‬كان‬
‫يسمع لها حسابها ولم يتبين خطرها‪ ،‬ظنها حديث مجالس‪ ،‬كان يسمع ثم يهز‬
‫رأسه علمة للرضا ثم قالها‪ ،‬لم يظن أنه يزل بها في النار أبعد مما بين‬
‫المشرق والمغرب فعن أبي هريرة رضي الله عنه كما في الحديث الذي‬
‫أسلفناه أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول‪" :‬إن العبد ليتكلم بالكلمة‬
‫ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" اسمع‬
‫للنصوص الشرعية واستجب لها فإن فيها حياتك ونجاتك فقوله ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ‪ :‬ما يتبين أي‪ :‬ل يتأملها بخاطره ول يتفكر فيها ول في عواقبها‬
‫ول يظن أنها ستؤثر شيئا وهو من نحو قوله تعالى )ويحسبونه هينا وهو عند‬
‫الله عظيم( هكذا يلقي بعض الناس هذه الكلمات فيا أخي الكريم انتبه‬
‫للسانك‪ ،‬إن خطر اللسان عظيم وآفاته كثيرة فأمسك عليك لسانك‪ .‬صورة‬
‫أيضا أخرى كثير من الجلساء إذا ذكر له صديقه أثنى عليه ولو كان يعلم أنه ل‬
‫يستحق ذلك الثناء وإذا ذكر له خصمه ذمه ولو كان يعلم أنه خلف ما يقول‪،‬‬
‫فيا أيها المؤمن أسألك بالله هل تستطيع أن تذكر العيوب الموجودة في‬
‫أقرب الناس إليك عند الحاجة الشرعية لذلك؟ اسأل نفسك‪ ،‬وهل تستطيع‬
‫أن تثني بصدق على إنسان تختلف معه في بعض المور؟ أنا ل أريد الجابة‬
‫ولكن الواقع يشهد أن أكثر الناس يجورون على خصومهم فيذمونهم بما ليس‬
‫فيهم ويجورون أيضا على أصدقائهم فيمدحونهم بما ليس فيهم فإن من أثنى‬
‫عليك بما ليس فيك فقد ذمك‪ ،‬نعم لن الناس يطلبونها فيك فل يجدونها‬
‫فيذمونك على فقدها ل بل المر أدهى من ذلك وأشد فإن الحقيقة أنه كثيرا‬
‫ما تنسينا العيوب القليلة المحاسن الكثيرة وننسى القاعدة الشرعية إذا كان‬
‫الماء قُل َّتين لم يحمل الخبث أفل نتقى الله عند الجرح والتعديل وننزل الناس‬
‫منازلهم أليس قد أثنى صلى الله عليه وسلم على ]النجاشي[ ووصفه بأنه‬
‫ملك ل يظلم عنده أحد مع أنه حينها أي النجاشي كان كافرا ً لم يسلم ‪ ،‬فيا‬
‫أيها المحب أسمعت رعاك الله أنصف الناس وأنصف نفسك فإن غلب عليك‬
‫الهوى فأمسك عليك لسانك ل أبا لك ‪ .‬صورة أخرى تناظر اثنان في مجلس‬
‫أي تجادل ً وتناقشا ً فارتفعت أصواتهما وانتفخت أوداجهما وتقاذفا بالسب‬
‫والشتائم قلت‪ :‬إن التشنج والنفعال ليس هو السلوب المثل لنصرة الحق‬
‫أبدا ً هذه القاعدة في رأسك يا أيها الحبيب ‪ ..‬ولكن كم من هادئ عف اللسان‬
‫حليم كاظم للغيظ أقدر على نصرة الحق من غيره وقد قال ]أبو عثمان بن‬
‫المام الشافعي[ رحمة الله عليهما أجمعين ما سمعت أبي يناظر أحدا ً قط‬
‫فرفع صوته ولهذا كان المام الشافعي رحمة الله تعالى عليه يقول ‪:‬‬
‫إذا ما كنت ذا فضل وعلم‬
‫بما اختلف الوائل والواخر‬
‫فناظر من تناظر في سكون‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حليما ً ل تلح ول تكابر‬


‫يفيدك ما استفاد بل امتنان‬
‫من النكت اللطيفة والنوادر‬
‫وإياك واللجوج ومن يرائي‬
‫بأني قد غلبت ومن يفاخر‬
‫فإن الشر في جنبات هذا‬
‫يمني بالتقاطع والتدابر‬

‫)‪(8 /‬‬

‫فبعض الخوة غفر الله للجميع يظن أنه من تمام غيرته على المنهج وعظيم‬
‫نصرته للحق لبد أن يقطب جبينه ويحمر عينيه و يرفع صوته وتتسارع أنفاسه‬
‫وهذا ل يصح أبدا ً إن اختلف الراء ل يدعو إلى الحقاد والضغان إن اختلف‬
‫الراء ووجهات النظر ل يدعو إلى الحقاد والضغان فإن المرجو البحث عن‬
‫الحق وطلبه وليس التشفي والنتقام فينطلق اللسان بالسباب والشتائم‬
‫ومقاطعة الكلم‪ ،‬فما من الناس أحد يكون لسانه منه على بال إل رأيت صلح‬
‫ذلك في سائر عمله واسمع للدب الجم والخلق الرفيع عند الحوار والمناقشة‬
‫قال عطاء بن أبي رباح ‪ :‬إن الشاب ليتحدث بالحديث فأسمع له كأني لم‬
‫أسمعه ‪ ،‬ولقد سمعته قبل أن يولد ‪ ،‬سمعت هذا الكلم الذي يقوله قبل أن‬
‫يولد هذا الشخص الذي يتحدث ومع ذلك أسكت كأني لم أسمع الكلم إل‬
‫الساعة هكذا يكون الدب عند الحوار وعند المناظرة ‪ ،‬وأخيرا من أعظم‬
‫الصور في مجالسنا ومن أخطرها على كثير من الناس إطلق العنان للسان‬
‫في التحليل والتحريم والسخرية والستهزاء بالدين هذه من أخطر الصور‬
‫التي نرى أنها تفشت اليوم في مجالس المسلمين أيا ً كانوا رجال ً أو نساء ‪،‬‬
‫صغارا أو كبارا ً ‪ ،‬وخاصة بين الشباب وبين العوام قضية التحليل والتحريم‬
‫والسخرية والستهزاء بالدين ولذلك إنك تسمع وترى تسرع فئات من الناس‬
‫في إطلق ألفاظ التحليل والتحريم وقد نهى الله عز وجل عن ذلك ‪ ،‬ونهى‬
‫عن المسارعة في إصدار التحليل والتحريم فقال ‪) :‬ول تقولوا لما تصف‬
‫ألسنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين‬
‫يفترون على الله الكذب ل يفلحون( وكان السلف الصالح رضوان الله تعالى‬
‫عليهم مع سعة علمهم وفقههم ل يكثرون من إطلق عبارات التحليل‬
‫والتحريم وهذا من شدة ورعهم ومحاسبتهم لنفسهم يقول المام مالك‬
‫رحمة الله تعالى عليه‪ :‬لم يكن من أمر الناس ول من مضى من سلفنا ول‬
‫أدركت أحدا ً أقتدي به يقول في شئ ‪ :‬هذا حلل وهذا حرام ما كانوا يجترئون‬
‫على ذلك وإنما كانوا يقولون ‪ :‬نكره هذا ‪ ،‬ونرى هذا حسنا ً ونتقي هذا ول نرى‬
‫هذا ‪ ،‬ول يقولون حلل ول حراما ‪ .‬انتهى كلمه من جامع بيان العلم وفضله‬
‫أما نحن فنسمع عبارات التحليل والتحريم على كل لسان وخاصة من العامة‬
‫بدون علم ول ورع ول دليل مما أثار البلبلة عند الناس والتقول على الله بغير‬
‫علم بل والمصيبة أن بعض الناس يسخر ببعض أحكام الدين ويهزأ بالصالحين‬
‫والناصحين ربما سخر باللحية أو سخر بالثوب القصير أو سخر ببعض سنن‬
‫المرسلين والعياذ بالله هؤلء والله إنهم لعلى خطر عظيم ‪ ،‬ألم يسمع أمثال‬
‫هؤلء قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬وإن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين‬
‫فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب" ألم يسمع هؤلء قول‬
‫مَزة‪ :‬الط َّعان في الناس واللمز‬ ‫الحق عز وجل )ويل لكل همزة لمزة( الهُ َ‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي يأكل لحوم الناس‪ ،‬ألم يسمع هؤلء قول الحق عز وجل‪) :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ول نساء من نساء‬
‫عسى أن يكن خيرا ً منهن( ألم يسمع هؤلء لقول الحق عز وجل ‪ ) :‬ما يلفظ‬
‫من قول إل لديه رقيب عتيد ( سبحان الله غابت عليهم هذه النصوص من‬
‫القرآن والسنة ‪ ،‬غفلوا عن خطر ما يتقولونه في الليل والنهار في السخرية‬
‫والستهزاء بالدين ربما خرج بعضهم والعياذ بالله من الدين بسبب كلمة‬
‫يقولها وهو ل يشعر فحق على العاقل أن يكون عارفا ً بزمانه حافظا ً للسانه‬
‫مقبل ً على شأنه ‪ .‬النتيجة النهائية لطلق العنان للسان أقول يا أيها الحبيب‬
‫ويا أيتها المسلمة إنك أحوج ما تكون إلى العمل الصالح أحوج ما نكون إلى‬
‫العمل الصالح أيها الحبة أحوج ما نكون إلى الحسنات ‪،‬وأراك تحرص على‬
‫مجاهدة النفس لعلها أن تعينك على القيام بعمل صالح من صلة أو صيام أو‬
‫صدقة وقد تنتصر عليها وقد ل تنتصر وقد ل تنتصر وإن انتصرت وقمت‬
‫بالعمل فل يسلم من شوائب كثيرة مثل الرياء والنقص وحديث النفس‬
‫وغيرها من مفسدات العمال ومع ذلك كله فإني أراك تبذ هذه الحسنات في‬
‫المجالس أراك تبذ هذه الحسنات وتنثرها في المجالس والمنتديات ماذا‬
‫تراكم تقولون أيها الخيار تقولون في رجل أخرج من جيبه عشرات الريالت‬
‫ثم نثرها في المجلس وبددها ماذا تقولون عنه أهو عاقل أو مجنون ؟ إن من‬
‫جلس مجلسا ثم أطلق للسانه العنان فهذه علمة أكيدة على إفلسه في‬
‫الدنيا والخرة فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"أتدرون من المفلس ؟ قالوا‪ :‬المفلس فينا من ل درهم له ول متاع‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم‬
‫هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من‬
‫ضى ما عليه أ ُ ِ‬
‫خذ َ من‬ ‫ق َ‬
‫حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن ي ُ ْ‬
‫ت عليه ثم طرح في النار" والعياذ بالله ‪ ،‬والحديث أخرجه‬ ‫خطاياهم فَط ُرِ َ‬
‫ح ْ‬
‫مسلم في صحيحه وعن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ " :‬لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم‬

‫)‪(9 /‬‬

‫القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء" رواه مسلم حتى البهائم‬
‫يفصل بينها يوم القيامة فاحفظ حسناتك فأنت أحوج لها واسمع لفقه‬
‫]الحسن البصري[ رحمه الله يوم أن جاء رجل فقال له ‪ :‬إنك تغتابني فقال ‪:‬‬
‫ما بلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي ‪ ،‬وعن ]ابن المبارك[ رحمه الله‬
‫قال ‪ :‬لو كنت مغتابا ً أحدا ً لغتبت والدي لنهما أحق بحسناتي ‪ ،‬ففقها رضي‬
‫الله تعالى عنهما أن آفات اللسان تأتي على الحسنات وقد ل تبقي منها شيئا ً‬
‫فضياع الحسنات نتيجة أكيدة لطلق العنان للسان والعياذ بالله ‪ ،‬نتيجة ثانية‬
‫لطلق العنان للسان فضحه وبيان عواره وهتك أستاره ذلك الذي أطلق‬
‫لسانه وأصبح يتكلم بل ورع في المجالس والمنتديات وربما أصبح بذيء‬
‫اللسان والجزاء من جنس العمل فعن ]أبي برزة[ رضى الله تعالى عنه قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن‬
‫بقلبه ل تتبعوا عورات المسلمين ول عثراتهم فإنه من يتبع عثرات المسلمين‬
‫يتبع الله عثرته ومن يتبع الله عثرته يفضحه وإن كان في بيته" والحديث‬
‫أخرجه أبو داود وأحمد والبيهقي والحديث صحيح بمجموع طرقه والواقع‬
‫يشهد بذلك فكم فضح الله حقيقة أولئك الذين آذوا إخوانهم بألسنتهم حتى‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عرفهم الناس وانكشف أمرهم ‪ .‬أيضا ً من النتائج لطلق العنان للسان أنه‬
‫يعد من شرار الناس فيتجنبه الناس ويحذرونه اتقاء فحشه وإن ضحكوا له‬
‫وجاملوه هذه حقيقة نشاهدها في مجالسنا كثيرا ً أن من أطلق للسانه العنان‬
‫يعد من شرار الناس فلذلك تجد أن الناس يتجنبونه ويحرصون على البتعاد‬
‫عنه اتقاء فحشه وإن جلس معهم في مجالسهم وإن ضحكوا وإن جاملوه‬
‫فإنه اتقاًء لفحشه ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة ‪" :‬شر‬
‫الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه أو تركه الناس اتقاء شره" ‪،‬‬
‫والحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬من النتائج أيضا ً وهى أخيرة باختصار شديد البلء موكل بالقول في ُب ْلى‬
‫َ‬
‫المتكلم بما كان يذكره في أخيه واحذر أيها الخ الحبيب واحذري أيتها‬
‫المسلمة احذر أن تظهر الشماتة بأخ أو بأخت لك فيعافيها الله عز وجل ثم‬
‫يبتليك بما كان فيها فالبلء موكل بالقول فعن ]واصلة بن السمر[ رضي الله‬
‫عنه قال ‪" ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل تظهر الشماتة بأخيك‬
‫فيرحمه الله ويبتليك " والحديث أخرجه الترمذي في سنته وقل ‪ :‬حسن ‪،‬‬
‫وقال] إبراهيم التيمي[ إني أجد نفسي تحدثني بالشيء فل يمنعني أن أتكلم‬
‫به إل مخافة أن أبتلى به والثر عند ]وكيع[ في الزهد وقال ]ابن مسعود[ ‪:‬‬
‫البلء موكل بالقول ولو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا ً هذه نتائج‬
‫أربع باختصار من نتائج إطلق العنان للسان وأخيرا ً أقول أيها المسلم ويا أيتها‬
‫المسلمة في نهاية المطاف هذه شذرات حول اللسان حسبي أني اجتهدت‬
‫فيها فما كان فيها من صواب فمن الله عز وجل وما كان فيها من خطأ فمن‬
‫نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان وأسأل الله عز وجل أن يعفو وأن‬
‫يصفح عن هذا الخطأ وعن هذا التقصير ‪ ،‬أظن الجميع بحاجة ماسة للتذكير‬
‫فيها فالعاقل يحرص والغافل يتذكر والمبلي يحذر فيا أيها السامع ‪ ،‬يا أيها‬
‫السامع لهذه الكلمات كن أنت المستفيد الول من هذه الكلمات ثم اعلم أنك‬
‫تجالس كثيرا ً من الناس من أحبابك وخلنك وأصدقائك ول تخلو المجالس من‬
‫غثاء قل أو كثر فمن حقهم عليك أن يسمعوا مثل هذا الكلم ومن حقهم‬
‫عليك أن يذكروا بمثل هذه اليات وهذه الحاديث فإن القلب يغفل وأن‬
‫النفس تسلو فما أكثر الستراحات الن وما أكثر الجلسات وما أكثر‬
‫المنتديات فاسمع وأسمع فلمثل هذا كان الموضوع فاسمع و أسمع واستفد‬
‫وأفد والدال على الخير كفاعله أسأل الله عز وجل أن يجعله خالصا ً لوجهه‬
‫وأن ينفع به الجميع ووفقنا الله وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه اللهم طهر قلوبنا‬
‫من النفاق وأعيننا من الخيانة وألسنتنا من الكذب والمراء والجدال اللهم‬
‫طهر ألسنتنا من الغيبة والنميمة وجنبنا الوقوع في العراض اللهم جنبنا‬
‫الوقوع في العراض اللهم اجعل ألسنتنا حربا ً على أعدائك سلما لوليائك‬
‫اللهم إنا نسألك سكينة في النفس وانشراحا ً في الصدر اللهم اجعلنا من‬
‫الصالحين المصلحين اللهم انفعنا وانفع بنا اللهم اجعلنا من الصالحين‬
‫المصلحين ومن جندك المخلصين وانصر بنا الدين واجعل لنا لسان صدق في‬
‫الخرين سبحانك اللهم وبحمدك ونشهد أل إله إل أنت نستغفرك ونتوب إليك‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما ً‬
‫كثيرا ً ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غدر اليهود إلى أين يفضي بحماس؟‬


‫‪2/3/1425‬‬
‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله وكفى‪ ،‬والصلة والسلم على عباده الذين اصطفى‪ ،‬وبعد بالمس‬
‫اغتالت القوات السرائيلية الشيخ أحمد يس‪ ،‬وهاهي ذي اليوم تغتال الدكتور‬
‫عبدالعزيز الرنتيسي‪ ،‬ويتساءل كثيرون أترى مثل هذه الغتيالت تؤثر سلبيا ً‬
‫على مستقبل المقاومة‪ ،‬ونحو أي طريق تقودها؟‬
‫ولجواب ذلك لبد أن نتصور أمورا ً منها‪:‬‬
‫أن الشيخين قد غُّيبا في السجن سنين عددًا‪ ،‬فما أثر ذلك على النتفاضة ول‬
‫على حماس‪ ،‬بل استمرت عملياتها في تطور مطرد‪ ،‬من حيث نوعية‬
‫عرفت قبل‬ ‫العمليات‪ ،‬ومن جهة أدواتها وآلتها أيضًا‪ ،‬فصواريخ القسام مثل ً ما ُ‬
‫سجن الشيخ‪ ،‬ولزال مداها يتسع حينا ً بعد حين‪.‬‬
‫بالضافة إلى أن دعوة السلم ليست قائمة على أشخاص بأعيانهم‪ ،‬بل هي‬
‫دعوة أمة يحملها خلف عن سلف‪ ،‬فإن تولى أقوام قيض الله لها آخرين‪ ،‬وإن‬
‫خذلتها فئام قام لنصرتها الباقين‪ ،‬إذا سقط الشهيد مضرجا ً بدمائه‪ ..‬مد اللواء‬
‫إلى الشهيد الخر‪ ،‬ومن جملة حملة السلم الذائدين عن حياضه حملة راية‬
‫الجهاد في فلسطين‪ ،‬ولقد عرفت أرض فلسطين مجاهدين عددًا‪ ،‬منهم من‬
‫قضى نحبه ومنهم من ينتظر‪ ،‬ولم يزد ذلك الجهاد إل ّ قوة وصلبة‪.‬‬
‫كما أن عمليات الغتيالت‪ ،‬ستوطد في النفوس بغض الصهاينة واليهود أكثر‪،‬‬
‫وستصرف تردد بعض القاعدين عن اللحاق بركب المجاهدين والفدائيين‪،‬‬
‫ولعل العالم رأى كيف أن المدن الفلسطينية تخرج عن بكرة أبيها تشيع‬
‫الجنازة‪ ،‬وتردد الهتافات الغاضبة التي تنم عن حنق مل الصدور يوشك أن يجد‬
‫سبيل ً فيتنفس‪.‬‬
‫ثم إن كتائب القسام التي تمثل الجناح العسكري لحركة حماس‪ ،‬جهاز‬
‫منفصل عن الجهاز السياسي‪ ،‬تربط بين الشقين وحدة الهداف واتفاق‬
‫الرؤى‪ ،‬غير أن لكل جهاز أسلوب عمله وخصوصيته‪.‬‬
‫وأخيرا ً فإن العمل المؤسسي لينبغي أن ينهدم بغياب بعض أفراده‪،‬‬
‫فالمؤسسة جهاز متكامل‪ ،‬يسد بعض الناس فيها وظائف محددة وأعباء‬
‫معروفة‪ ،‬فإذا فقدوا لمرض أو سجن أو موت طبعي‪ ،‬كان من الطبعي أن‬
‫يختار العمل المؤسسي شخصا ً آخر يسد تلك الوظائف والمهام التي كان‬
‫يسدها سلفه‪ ،‬فلئن سقط في مواجهة العدو شهداء ثابتون على المبادئ‬
‫من قبلهم‪ ،‬ويستفيدون‬ ‫والدين‪ ،‬فسوف يخلفهم آخرون يطورون في أساليب َ‬
‫من تجارب من سبقهم‪ ،‬ويلحق بهم كل يوم ممن توقظه الحداث فئام‪ ،‬وإني‬ ‫ِ‬
‫لرجو أن تكون هذه الفعال نواقيس توقظ بها المة؛ لتهب من رقادها‪،‬‬
‫وتسترد بمجموعها عزتها التي سلبت‪.‬‬
‫وفي الحدث جوانب أخرى كلها تشعر بنتائج إيجابية –رغم عظم المصاب‪-‬‬
‫سوف يتمخض عنها اغتيال الشيخين‪ ،‬وهذا ما أرجوه لمستقبل المقاومة ‪ -‬إن‬
‫شاء الله‪.-‬‬
‫وهناك مسألة أخرى يتساءل عنها البعض فيقولون‪ :‬ما المبرر لن تتعدى‬
‫إسرائيل الخطوط الحمراء فتقدم على مثل هذه الحداث؟ مع أن المبرر‬
‫طوا إل َيك ُ َ‬ ‫كونوا ل َك ُ َ‬
‫م‬
‫م أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫س ُ ِ ْ ْ‬ ‫داء وَي َب ْ ُ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ْ‬ ‫م يَ ُ ُ‬ ‫فوك ُ ْ‬ ‫ق ُ‬‫واضح‪ ،‬الله يقول‪ِ" :‬إن ي َث ْ َ‬
‫سوِء وَوَّدوا ل َوْ ت َك ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل وَل ذِ ّ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٍ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن"‪" ،‬ل ي َْرقُبو َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ْ‬ ‫سن َت َُهم ِبال ّ‬‫وَأل ْ ِ‬
‫مُنوا ال ْي َُهوَد"‪ ،‬ماذا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫داوَة ً ل ِل ّ ِ‬‫س عَ َ‬‫شد ّ الّنا ِ‬‫ن أَ َ‬‫جد َ ّ‬‫ن"‪" ،‬ل َت َ ِ‬ ‫دو َ‬
‫معْت َ ُ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬
‫نتوقع من قتلة الرسل والنبياء؟ الذي يقرأ تاريخ اليهود منذ أرسل الله ‪-‬جل‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعل‪ -‬إليهم موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬يدرك أنه ل يوجد في تاريخهم شيء اسمه‬
‫خط أحمر‪ ،‬هم يقولون لله جل وعل ‪ -‬تعالى الله عما يقولون‪" : -‬وََقال َ ِ‬
‫ت‬
‫ن أ َغْن َِياُء"‪ ،‬وآذوا موسى‬ ‫ح ُ‬
‫قيٌر وَن َ ْ‬‫ه فَ ِ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ة"‪ ،‬ويقولون‪" :‬إ ِ ّ‬ ‫مغُْلول َ ٌ‬ ‫ال ْي َُهود ُ ي َد ُ الل ّهِ َ‬
‫‪-‬عليه السلم‪ -‬أذىً عجيبا ً وهو من بني جلدتهم‪ ،‬وقد أرسله الله ‪-‬جل وعل‪-‬‬
‫لنقاذهم حسا ً ومعنى‪ ،‬إنقاذهم من الضللة‪ ،‬وإنقاذهم من فرعون الذي كان‬
‫يسومهم سوء العذاب‪ ،‬ومع ذلك انظر ماذا فعلوا مع موسى‪ ،‬مرة يقولون‪:‬‬
‫ة" بعد انتقامهم من فرعون مباشرة انظر كيف‬ ‫م آل ِهَ ٌ‬‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ل ل ََنا إ َِلها ً ك َ َ‬
‫جعَ ْ‬
‫"ا ْ‬
‫يشكرون النعمة‪ ،‬وكذلك في آخر المسار يقولون لموسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬وهو‬
‫ت وََرب ّ َ‬
‫ك فَ َ‬ ‫َ‬
‫قاِتل‬ ‫يدعوهم إلى الجهاد والدخول إلى الرض المقدسة‪َ" :‬فاذ ْهَ ْ‬
‫ب أن ْ َ‬
‫ن" فل يوجد في تاريخ اليهود إل الخيانات والغدر‪ ،‬هذه هي‬ ‫دو َ‬ ‫هاهَُنا َقا ِ‬
‫ع ُ‬ ‫إ ِّنا َ‬
‫العقلية اليهودية‪ ،‬وبهذه العقلية يجب أن يتعامل مع اليهود‪ ،‬فإن طبيعتهم‬
‫َ‬
‫م" هكذا سيرتهم متكررة‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ريقٌ ِ‬ ‫دوا عَْهدا ً ن َب َذ َه ُ فَ ِ‬‫عاهَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫نقض العهود "أوَك ُل ّ َ‬
‫أبدًا‪ ،‬كلما وقع عهد وقع النقض‪ ،‬وكلما أطفأت نار حرب أشعلوها‪ ،‬ولكنهم‬
‫ينتظرون الفرصة التي يرونها مناسبة‪ ،‬فمتى ما تهيأت لهم ظروف دولية أو‬
‫إقليمية بادروا إلى ما تأمرهم به سجيتهم‪.‬‬
‫خاصة وأنهم يعلمون بأن المقاومة في تصاعد مستمر شاؤوا أم أبوا‪ ،‬وعملية‬
‫بهذا النوع قد يتعلقون بها لعادة التفاؤل إلى جندهم وقومهم في مواجهة‬
‫المقاومة المتصاعدة التي ما زالت تصيبهم بخيبة أمل يوما ً بعد يوم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد يكون لها اعتبارات سياسية ضيقة داخل بعض أحزابهم‪ ،‬ولكنها ‪ -‬بإذن‬
‫الله ‪ -‬ستعود عليهم بما لم يكونوا يحتسبون‪.‬‬
‫وختاما ً نصيحة أوجهها للمجاهدين في أرض فلسطين بأن يتقوا الله ‪-‬جل‬
‫وعل‪ -‬وأن يعلموا أن إعادة فلسطين ل تكون إل بالجهاد الحقيقي كما هو واقع‬
‫منهم ‪-‬جزاهم الله خيرًا‪-‬ولكني أدعوهم إلى أن يأخذوا من الحداث قوة دافعة‬
‫ل قوة قاهرة‪ ،‬وأيضا ً ليوقنوا أن الطريق طويل‪ ،‬ولكن في النهاية النتيجة‬
‫واضحة وظاهرة وهي النتصار الباهر ‪-‬بإذن الله‪ -‬فأدعوهم إلى رص‬
‫الصفوف‪ ،‬وتوحيد الكلمة‪ ،‬والصدق مع الله‪ ،‬وأن يكون الغرض من الجهاد هو‬
‫إعلء كلمة الله ودفع الظالمين‪ ،‬وليس أي مطلب آخر من نحو ما يعلنه‬
‫القوميون أو يعلنه ما يسمون بالوطنين من أهداف أرضية‪.‬‬
‫ه في إخلص‬ ‫َ‬ ‫الل‬ ‫فأحيانا ً قد تختلط على بعض المجاهدين هذه المعاني‪ ،‬فالل َ‬
‫ه‬
‫من قاَتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله‪ ،‬هذه هي‬ ‫النية لله‪َ ،‬‬
‫الحقيقة ل بد أن يكون القتال لعلء كلمة الله ‪-‬جل وعل‪ -‬لبد أن تكون الراية‬
‫خالصة لله ‪-‬جل وعل‪ -‬فبهذا سُينال النصر العاجل والجل ‪-‬بإذن الله‪ -‬وكل ما‬
‫يبعد عن ذلك فهو من معوقات الجهاد التي يجب أن يكون المجاهدون عامة‬
‫بعيدين عنها‪ ،‬ويجب أن يكون الخوة في فلسطين خاصة أشد بعدا ً عنها‪،‬‬
‫فالمة في مشارق الرض ومغاربها ترى في حماس والجهاد ونحوهما من‬
‫حملة راية الجهاد السلمي القدوة والسوة‪ ،‬فالله الله في حمل المانة‬
‫والقيام بها‪.‬‬
‫أسأل الله أن يوفق المجاهدين‪ ،‬وأن يسدد رميهم وسهامهم ورأيهم‪ ،‬وأن‬
‫يثبت أقدامهم‪ ،‬وأن يوحد كلمتهم‪ ،‬وأن يجمع صفوفهم‪ ،‬وأن ييسر لهم قيادات‬
‫تخلف هؤلء القادة‪ ،‬وفلسطين ‪-‬والحمد لله‪ -‬تذخر بعدد من الرجال البطال‬
‫الذين تخرجوا من مدرسة هذه الدعوة المباركة‪ ،‬ووهبوا أنفسهم لله ‪-‬جل‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعل‪ -‬فأسأل الله لهم الثبات والتوفيق والسداد والعون‪ ،‬وأن يجعلهم خير‬
‫خلف لخير سلف‪.‬‬
‫ً‬
‫والحمد لله أول ً وآخرا‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫غرابة محاولة الرسول صلى الله عليه وسلم التردي‬


‫د‪ .‬الشريف حاتم بن عارف العوني ‪18/2/1425‬‬
‫‪08/04/2004‬‬
‫م النبي عليه الصلة والسلم‬ ‫ورد إلى نافذة الفتاوى سؤال يتعلق بخبرِ ه ّ‬
‫بإلقاء نفسه من ذروة جبل وهو في صحيح البخاري فأجاب عنه فضيلة‬
‫الشيخ‪ /‬د‪ .‬الشريف حاتم بن عارف العوني ‪ -‬حفظه الله ‪ -‬وذكر أن القصة ل‬
‫تصح أصل ً وقد أظهر البخاري ضعفها‪.‬‬
‫ثم وردنا تعقيب من أحد قرائنا العزاء على هذه الفتوى مفاده " لعل النتحار‬
‫لم يكن حرم في ذلك الوقت؟ " فعرضنا هذا التعقيب على الشيخ المجيب؛‬
‫ضل بالجابة‪ .‬جزاه الله عنا خيرًا‪ ،‬فإليكم التعقيب والتوضيح‬ ‫فتف ّ‬
‫التعقيب‪:‬‬
‫فضيلة الشيخ‪ :‬السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫م الرسول بإلقاء نفسه من‬ ‫لماذا لم يذكر الدكتور حاتم أن المبرر في ه ّ‬
‫ما في ذلك الوقت؟ فمن المؤكد أن‬ ‫الجبل هو أن النتحار لم يكن محر ّ‬
‫الواقعة المذكورة كانت في بداية الوحي والرسالة في مكة المكرمة‪ ،‬أما‬
‫الحديث الشريف‪" :‬من قتل نفسه بحديدة‪ "....‬إلى آخر الحديث‪ ،‬فقد كان في‬
‫المدينة المنورة بعد الهجرة‪ ،‬وكما هي القاعدة فإن الحكام اللحقة تنسخ‬
‫الحكام السابقة‪ .‬أرجو إفادتي وتصحيح المعلومة إن كانت خطأ والنشر إن‬
‫كانت صوابًا‪ ،‬وجزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫*****‬
‫التوضيح‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن واله‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫فإن غرابة )أو نكارة( خبر محاولة النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن يتردى‬
‫من جبال مكة ليست من ِقبل أنه فقط قتل للنفس وانتحار‪ ،‬بل من عدة‬
‫جهات‪:‬‬
‫ك في كونه نبّيا بعد نزول‬‫ور أن النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ش ّ‬ ‫ل‪ :‬هل ُيتص ّ‬‫أو ً‬
‫الوحي عليه؟! فإن شك هو فمن ُبعث إليهم أولى بالشك!!!‬
‫ثانيًا‪ :‬أن النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬من حين علم أن ما جاءه من الوحي‬
‫يقتضي أن يتحمل أعباء الرسالة‪ ،‬فقد ألزمه ربه – عز وجل‪ -‬أن يستعد لذلك‬
‫للبلغ والدعوة العظمى‪ .‬فكيف يجوز له أن يتخلى عن أداء ما كلفه وشرفه‬
‫به ربه – عز وجل‪-‬؟! وما أجل وأعظم ذلك التكليف والتشريف!!!‪ ،‬ول شك‬
‫أن ت َْرك مهمة التبليغ بهذه الصورة من رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫أمر مستنكر جدًا‪ ،‬وقد عوقب نبي من النبياء لمر أقل من هذا‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪" :‬وذا النون إذ ذهب مغاضبا ً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الظلمات أن ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" ]النبياء‪،[87 :‬‬


‫وقال تعالى‪" :‬ول تكن كصاحب الحوت‪] "...‬القلم‪.[48 :‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن قتل النفس مما ارتكز في الفطر استقباحه‪ ،‬واتفقت عليه جميع‬
‫الديان والمذاهب والقوانين‪ ،‬فليس استقباح ذلك منوطا ً فقط بورود الشرع‬
‫به‪ .‬وإل فهل استجاز أحد ٌ من المسلمين قَْتل نفسه قبل ورود الشرع به‪ ،‬مع‬
‫ما كان ينالهم من الذى والتعذيب‪ ،‬بل كانوا يؤمرون بالصبر وعدم‬
‫الستعجال‪ .‬هذا والله أعلم‪ ،‬والحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫غراس السنابل‬
‫الشيخ ‪ /‬عبد الملك بن محمد القاسم‬
‫غراس السنابل ‪5-1‬‬
‫ت‬‫ماَوا ُ‬
‫س َ‬
‫ضَها ال ّ‬
‫جن ّةٍ عَْر ُ‬
‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫من ّرب ّك ْ‬ ‫فَرةٍ ّ‬
‫مغْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عوا إ ِلى َ‬
‫سارِ ُ‬
‫الحمد لله القائل‪ )) :‬وَ َ‬
‫ن (( )آل عمران‪.( 133:‬‬ ‫قي َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ض أُ ِ‬
‫عد ّ ْ‬
‫َ‬
‫َوالْر ُ‬
‫والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين‪ ،‬الذي بلغ الرسالة وأدى‬
‫المانة وجاهد في الله حق جهاده‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن الدعوة إلى الله من أهم المهمات وأوجب الواجبات‪ ،‬بها يستقيم أمر‬
‫الفرد ويصلح حال المجتمع‪ ،‬ولقد كان للمرأة المسلمة دور مبكر في الدعوة‬
‫إلى الله ونشر هذا الدين‪ ،‬فهي أم الرجال وصانعة البطال‪ ،‬ومربية الجيال‪،‬‬
‫لها من كنانة الخير سهام‪ ،‬وفي سبيل الدعوة موطن ومقام‪ ،‬بجهدها يشرق‬
‫أمل المة ويلوح فجره القريب‪.‬‬
‫وقد جمعت لها مائة وثلث وثمانين سنبلة‪ ،‬تقطف الخت المسلمة زهرتها‬
‫وتأخذ من رحيقها‪ ،‬فهي سنابل مخضرة‪ ،‬وأرض يانعة‪ ،‬غرستها أخت لها في‬
‫الله حتى آتت أكلها واستقام عودها‪.‬‬
‫إنها نماذج دعوية لعمل الحفيدات الصالحات‪ ،‬ممن يركضن للخرة ركضا‪،‬‬
‫ويسعين لها سعيا‪ ،‬فأردت بجمعها أن تكون دافعا ً إلى العمل‪ ،‬ومحركة للهمم‪،‬‬
‫واختصرتها في نقاط سريعة لتنوعها وكثرتها‪ ،‬واكتفيت بالشارة والتذكير‪.‬‬
‫وما كان لمثلي أن يستقصي الوسائل الدعوية للمرأة المسلمة‪ ،‬ولكنها‬
‫مساهمة يسيرة ومشاركة متواضعة‪.‬‬
‫وفي الطريق لخذ السنابل عقبات كثيرة‪ ،‬وصوارف عديدة‪.‬‬
‫وهي وإن كانت تعوق المسير لكنها ل تمنع السير‪ ،‬بها يتضاعف الجر وتزيد‬
‫المثوبة‪.‬‬
‫فألقي‪ -‬أيتها الخت المسلمة‪ -‬رداء الكسل‪ ،‬واستعيني بالله واستقبلي أيامك‬
‫بالعزيمة والصبر‪ ،‬فإن أمامك غراس الخرة‪ ،‬فأري الله منك خيرًا‪.‬‬
‫رزقني الله وإياك أصوب العمل وأخلصه‪ ،‬وجعل لنا من الجر أتمه وأكمله‪،‬‬
‫وبوأك ظلل الجنة‪ ،‬وحرم وجهك على النار‪ ،‬وجعل مثواك جنات عدن تجري‬
‫من تحتها النهار‪.‬‬
‫سنبلة العام‬
‫ة ونظر يسرةً يطاله العجب من حال العالم السلمي‪ .‬جراح‬ ‫* من التفت يمن ً‬
‫في كل مكان‪ ،‬وآلم وآهات في كل جسد مسلم‪.‬‬
‫كثيرة هي آمالنا‪ ،‬أن نعين المنكوب‪ ،‬ونعلم الجاهل‪ ،‬ونرعى الرملة‪ ،‬ونكفل‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليتيم‪ ،‬ولكنها تبقى أماني حتى تخرج إلى أرض الواقع قول ً وفع ً‬
‫ل‪.‬‬
‫نتساءل في أوقات كثيرة والحزن يمل القلوب‪ ،‬ماذا نفعل؟! وماذا نقدم؟!‬
‫إليك يا من طال تساؤلك‪ ،‬وكثرت أمانيك‪ ،‬باب مفتوح للخير‪ ،‬مشروعنا الول‪-‬‬
‫كما أسمو‪ -‬خطوة في درب الجهاد الطويل‪.‬‬
‫إنه مشروع دعوي يتكرر نهاية كل عام دراسي مرة واحدة‪ ،‬يتمثل في جمع‬
‫أوراق الدفاتر المدرسية الزائدة عن الحاجة والتي لم تستعمل‪ .‬وتجميعها‬
‫وإعادة تغليفها بالورق المقوى‪ ،‬ليصبح لدينا بعد تجميع الوراق دفتر جديد‬
‫صالح للستعمال‪.‬‬
‫في هذا المشروع البسيط ومن مدرسة واحدة في منطقة الدمام تم جمع‬
‫أكثر من ‪ 4500‬دفتر‬
‫نعم في عام واحد ومن مدرسة واحدة أربعة آلف وخمسمائة دفتر‪.‬‬
‫التكاليف محدودة جدا‪ ،‬دباسة وأوراق لصقة توضع فوق غلف الدفتر الجديد‪،‬‬
‫فيها معلومات عن السم والمدرسة‪ ،‬والصف إضافة إلى الغلف المقوى‬
‫الخارجي‪.‬‬
‫وقد قامت إحدى الهيئات الخيرية بإرسال هذه الدفاتر إلى أنحاء المسلمين‬
‫المحتاجين إليها‪.‬‬
‫إنه مشروع دفاتر طالب العلم‪ ،‬للحفاظ على أموال المسلمين من أن تلقى‬
‫في المخلفات وهي صالحة للستعمال‪ ،‬وبالمكان جمع بقايا الدوات المكتبية‬
‫الخرى‪ ،‬كالقلم والمساطر وغيرها‪ ،‬دعوة ممن بدأن العمل وسن سنة‬
‫حسنة‪.‬‬
‫مدي يدك واجعلها في أيدينا كل عام‪ ،‬وفي أيام معدودة تساهمين مساهمة‬
‫كبيرة في نشر العلم بين صفوف المسلمين‪ ،‬إنها أيام غالية‪.‬‬
‫ل تضيعيها في الماني والمنيات أيتها الحبيبة‪.‬‬
‫سنبلة مشرقة‬
‫ً‬
‫* منذ أحد عشر عاما كانت تلك الليلة ليلة مشرقة في حياتي‪ ،‬ل زلت أذكرها‬
‫جيدا ً حيث تحدثنا عن السراف والتبذير في مجتمعنا وهو مجال ملحظ‬
‫ومشاهد‪ ،‬ول نلقي لها با ً‬
‫ل‪.‬‬
‫كنا ثلث نساء فقط في تلك المسية الجميلة‪ ،‬ولمسنا الجرح المؤلم والنزف‬
‫الدائم لموالنا‪ ،‬عندها تشاورنا أن يكون لنا دور في خدمة هذا الدين العظيم‪،‬‬
‫هنا صممت إحدانا وبقيت أنا وأخت واحدة‪ ،‬انتهى الحديث‪ ،‬ومن ثم المجلس‬
‫وقررنا العمل على قدر استطاعتنا‪..‬‬
‫بدأنا بجمع مبالغ شهرية تصل إلى مائة ريال فقط‪ ،‬لم ينقص من أموالنا شيء‬
‫ول رأينا في ثيابنا قلة‪ ،‬استمر عملنا أشهرا ً متتابعة ونحن ندخر مائتي ريال‬
‫شهريا ً وندفعها لصالح العمال السلمية الخيرية‪ ،‬ثم يسر الله وتوسعت‬
‫الدائرة وكثر الخير‪ ،‬وبدأ الكثيرات يشاركننا في دفع هذا المبلغ الرمزي‪ ،‬مائة‬
‫ريال كل شهر‪ ،‬حتى وصل ما نجمعه إلى مبالغ كبيرة معظمها من المعارف‬
‫والقارب والجيران‪.‬‬
‫ً‬
‫بدأنا بإرسال رسائل إلى الخارج تحمل كتبا في العقيدة بمعدل إرسال‬
‫أسبوعي يقارب مائتي رسالة وأكثر من خمسين طردا ً كبيرًا‪ ،‬يحوي أمهات‬
‫الكتب إلى أنحاء العالم‪ ،‬واستمر عملنا طوال سنوات ماضية‪ .‬نرسل من‬
‫خللها العقيدة الصحيحة والعلم النافع إلى جميع أنحاء العالم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ورغم أن هذا هو عملنا لفترة طويلة ومستمرة‪ ،‬إل أنه تبقى لدينا خلل تلك‬
‫الفترة فائض مالي عن حاجة الرسال‪ ،‬فكان أن أنفقناه في مشاريع أخرى‬
‫عن طريق جهات خيرية معروفة‪ ،‬إنه مشروع بدأ بمائتي ريال‪ .‬ولكن ألقي‪-‬‬
‫أختي المسلمة‪ -‬نظرة إلى بعض الحصاد‪ ،‬حفر تسعة عشر بئرا ً عاديًا‪ ،‬وحفر‬
‫ثلثة آبار ارتوازية تكلفتها ستون ألف ريال‪ ،‬وبناء خمسة مساجد‪ ،‬وإرسال‬
‫ألوف من الكتب‪ ،‬إضافة إلى مبالغ مقطوعة تدفع لمساعدة إخواننا‬
‫المحتاجين في الصومال والبوسنة وغيرهما‪.‬‬
‫إنه مشروع صغير مائة ريال‪ ،‬حتى بارك الله فيها وجعلها تنمو وتنمو وتنمو‪.‬‬
‫سنبلة مباركة‬
‫* ريعان الشباب كفراشة تنبض بالحياة‪ ،‬لم يتجاوز عمرها السبعة عشر عاما‪ً،‬‬
‫تحمل هم الدعوة وهم المة‪ ،‬تتحرق شوقا ً لرفعة راية السلم‪ .‬همها منصرف‬
‫للدعوة‪ ،‬عيونها تتابع المحاضرات ومتى موعدها؟ ومن ستلقيها؟ أما حفظ‬
‫القرآن فقد انصرفت بكليتها نحو حفظه‪.‬‬
‫حركة ل تهدأ‪ ،‬فمن نصيحة رقيقة تهديها إلى إحدى زميلتها‪ ،‬إلى كلمة حلوة‬
‫تدعو فيها لحفظ القرآن في مصلى المدرسة‪ ،‬إلى قوة في إنكار المنكر‬
‫وعدم الصبر على رؤيته‪ ،‬أما المدرسات فلهن نصيب من دعوتها‪.‬‬
‫الله أكبر!! ل تراها إل تتقلب في أنواع العبادة‪.‬‬
‫يوما أهمها أن ترى مديرة المدرسة ل تلبس الجوارب‪ ،‬صعدت إليها وسلمت‬
‫في أدب رفيع‪ ،‬وشكرت المديرة على جهدها‪.‬‬
‫وقالت‪ :‬نحن ندعو لك بظهر الغيب وأنت القدوة والمربية والموجهة‪ ،‬ثم تبعت‬
‫ذلك ل أراك تلبسين الجوارب وأنت تعلمين أن القدم عورة‪ ،‬وخروجك‬
‫ودخولك مع البوابة الرسمية عبر أعين الرجال يا أستاذتي الفاضلة‪.‬‬
‫طأطأت مديرة المدرسة رأسها وهي تعلم صدق نصيحة الفتاة‪ ،‬فكان أن‬
‫قبلت وشكرت‪ ،‬وقالت في نفسها إن الكلمة الصادقة لها رنين ووقع في‬
‫النفس‪.‬‬
‫فرحت الطالبة وهي ترى المديرة تستجيب لله ولرسوله وتعود من قريب‪،‬‬
‫وحمدت الله على قبول النصيحة‪ ،‬ولكن هناك أمرا ً أهمها فكرت لمن تبثه‬
‫ولمن تقوله؟‪.‬‬
‫* فاجأت مدرسة العلوم الشرعية وهي قدوتها ومربيتها بسؤال عجيب‪ .‬يا‬
‫أستاذتي الفاضلة!! أين نصيب المستخدمات في المدرسة من الدروس‬
‫وحفظ القرآن والمواعظ‪ ،‬هيا لنبدأ معهن‪ ،‬قررت مع مدرستها أن تعلمهن‬
‫قصار السور ويدعين لحضور المحاضرات المدرسية‪ ،‬وبحثن عن داعية في‬
‫المدرسة صاحبة صبر وجلد وسعة بال وقلن لها‪ :‬هنا نساء في منزلة أمهاتنا‬
‫لمن نتركهن؟!‬
‫إنها فتاة السلم‪ ،‬مباركة أينما كانت‪ ،‬مباركة أينما حلت وارتحلت!!‬
‫غراس السنابل ‪5 -2‬‬
‫إلى تلك الصور المتميزة‪ ،‬والشراقات المتللئة على جبين حفيدة عائشة‬
‫وفاطمة وأسماء‪.‬‬
‫إلى الوجوه المضيئة التي تفخر بها أمة محمد‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ .-‬مائة‬
‫وثلث وثمانون سنبلة تتصاغر أمام تلك الخت العاملة الصامتة وهي تسارع‬
‫تتقي بيدها الوهن والضعف‪ ،‬وقطرات من العرق تجمل جبينها‪ ،‬ما كلت‬
‫قدمها‪ ،‬وما تعبت يدها ول فتر لسانها‪.‬‬
‫سنبلة الصحبة‬
‫* أثر الصحبة عجيب‪ ،‬تأمل قول الله تعالى في سورة الكهف عندما رفع‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ك َل ْب ُهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ث ََلث َ ٌ‬
‫ة ّراب ِعُهُ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬‫درجة الكلب برفقته للصالحين وذكره معهم‪َ )) :‬‬
‫م‬‫من ُهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ة وَثا ِ‬ ‫سب ْعَ ٌ‬‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫قولو َ‬ ‫جما ً ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫ب وَي َ ُ‬ ‫م ك َل ْب ُهُ ْ‬
‫م َر ْ‬ ‫سهُ ْ‬
‫سادِ ُ‬
‫ة َ‬
‫س ٌ‬
‫م َ‬
‫خ ْ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫م (( )الكهف‪.(22:‬‬ ‫ك َل ْب ُهُ ْ‬
‫أما هي فعندما توفيت صديقتها فقد جعلت عمرة ابنها الصغير عن هذه‬
‫الصديقة‪ ،‬أما الخرى فإن لسانها يلهج بالدعاء والرحمة لها‪.‬‬
‫* بدأنا طريق الهداية ونحن في المرحلة الجامعية‪ ،‬ثلث قريبات جمعتنا‬
‫القرابة‪ ،‬وزادت المقاعد الدراسية ذلك الحب والود‪ ،‬ثم تأصل كل ذلك محبة‬
‫في الله‪ ،‬بدأنا في جمع مبلغ بسيط من مرتباتنا في الجامعة‪ ،‬به نشتري بعض‬
‫الكتيبات والشرطة‪ ،‬وعلى الرغم من قلة هذا المبلغ إل أن الله بارك فيه‬
‫ليشمل ما نوزعه على جميع أقاربنا ومعارفنا‪ ،‬وبدأ ينضم إلينا بعض فتيات‬
‫العائلة حتى تيسرت أمورنا‪ ،‬ولم تعد المادة عائقا ً نحو شراء تلك الكتب‬
‫والشرطة‪.‬‬
‫* صاحبة طاعة وقيام ليل‪ ،‬ل تترك النوافل‪ ،‬وعندما تحدث زميلتها في‬
‫المدرسة الثانوية تحث فيهن روح العمل‪ ،‬هيا نصلي‪ ،‬متى نعمل إذا كبرنا‬
‫وأصبح الوقوف صعبًا‪ ،‬والركوع مشقة‪ ،‬والسجود بجهد‪ ،‬نحن في زمن النشاط‬
‫والقوة‪ ،‬هيا نعمل ونجد في الطاعة قبل أن يدركنا الموت أو تدب إلينا‬
‫المراض والسقام والوجاع‪ ،‬وقبل أن تكثر مسؤولياتنا من زوج وأبناء‪.‬‬
‫* ثلث زميلت في الجامعة تعاهدن على حفظ القرآن كامل‪ ،‬وكان بينهن‬
‫اتصال مستمر مساء كل يوم لتسميع ما حفظن‪ ،‬دقائق معدودة وفي نهاية‬
‫السبوع يكون التسميع لبعض اليات‪ ،‬من أول السورة ووسطها وآخرها‬
‫ليسترجعن ويتأكدن من حفظهن‪ ،‬كانت النتيجة من هذا الخير في شهر‬
‫ونصف حفظن سورة البقرة‪.‬‬
‫* طريق يومي تسلكه يتراوح بين عشر دقائق وخمس عشرة دقيقة‪ ،‬إنه‬
‫طريق الذهاب إلى الجامعة والعودة‪.‬‬
‫قررت أن تجعل هذا الوقت لقراءة كتيب نافع‪ ،‬ومراجعة قراءة ما حفظته من‬
‫كتاب الله‪ ،‬كثيرات يسلكن مثل هذا الطريق منذ سنوات ولكن دون فائدة‪.‬‬
‫سنبلة الحفيدة‬

‫)‪(2 /‬‬

‫* مدارس كثيرة بها خيرة المعلمات علما ً ودعوة ونشاطًا‪ ،‬أما هي عندما‬
‫عينت فإنها أرسلت إلى مدرسة تزخر بالمعلمات لكنهن نائمات‪ ،‬فل توجد‬
‫محاضرات ول دروس‪ ،‬في البداية بدأت في التودد إلى المدرسات‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫هن أهم عندي الن من الطالبات‪ ،‬لنهن داعيات خاملت آثرن الكسل‬
‫والدعة‪ ،‬فقط يحتجن إلى إيقاظ‪.‬‬
‫بدأت خطوات اليقاظ بالكتاب والشريط والهدية‪ ،‬حتى تحولت المدرسة إلى‬
‫شعلة نشاط ومركز دعوة‪ ،‬حمدت إحداهن الله وهي تردد كيف ضاعت مني‬
‫خمس سنوات يوميا ً أقف أمام الطالبات ولم أدعهن وأحدثهن‪ ،‬وأركز على‬
‫تربيتهن!! إنها الغفلة اليوم والحساب غدًا‪.‬‬
‫* شرعت المعلمة في بيان أضرار السفر والفساد والنحلل في بلد الكفر‪،‬‬
‫وعقبت بدعاء صادق‪ ،‬نسأل الله أن ل ندخلها ول نذهب إليها‪.‬‬
‫ت حمل هم الدعوة‪ :‬نعم يا‬ ‫ولم ينته الدعاء حتى تسلل من بين الصفوف صو ٌ‬
‫معلمة‪ ،‬نسأل الله عز وجل أل ندخلها إل فاتحين!! ل فض الله فوك وجعلك‬
‫وأبناءك من الفاتحين‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* تكد وتكدح للخرة‪ -‬والله‪ -‬إنها تركض للخرة ركضا‪ ،‬وتسعى إليها سعيًا‪،‬‬
‫فمن محاضرات إلى ندوات إلى نصائح‪ ،‬كل عمل خير لها فيه نصيب‪.‬‬
‫وفي نهاية كل شهر‪ -‬علمت إحدى المدرسات من زميلتها‪ -‬أنها ترسل راتبها‬
‫ل‪ ،‬وأقسمت لقد رأته‪ -‬برباطه‪ -‬ترسل به إلى‬ ‫كامل ً لعمال الخير‪ ،‬نعم كام ً‬
‫كفالة أيتام وطبع كتب وتجهيز غاز‪.‬‬
‫جعل الله مستقرك جنات عدن أيتها المؤمنة‪ ،‬ورفع درجتك‪ ،‬وأعلى منزلتك‪،‬‬
‫وكثر من أمثالك‪ ،‬ووالله لنت حفيدة عائشة وفاطمة‪.‬‬
‫* اجتمعت معلمات المدرسة وقررن الدخول في )جمعية( مع بعض‪ ،‬وكل‬
‫منهن تتحدث عما ستفعل بالمبلغ عندما تستلمه‪ ،‬أما هي فصامتة تنتظر ذلك‬
‫اليوم‪ ،‬حتى إذا استلمت المبلغ دفعت به لبناء مسجد لعله يصيبها الجر‬
‫والثواب‪.‬‬
‫سنبلة المرض‬
‫* مرضت وأدخلت المستشفى‪ ،‬وكان في ذلك خير كثير لها ولمن حولها‪،‬‬
‫تحولت غرفتها إلى خلية نحل ونشاط متصل‪ ،‬بدأت بتوزيع كتب على‬
‫الممرضات والطبيبات باللغات الجنبية واتبعتها الشرطة‪.‬‬
‫أما المريضات فحدث ول حرج عن عدد الكتب التي تم توزيعها حتى فاضت‬
‫وزادت‪ ،‬ووصلت إلى صالة انتظار النساء في الدور الرضي‪ .‬أما تلك المرأة‬
‫الكبيرة في السن وليس لها نصيب من العلم‪ ،‬فقد اشترت لها جهاز راديو‬
‫ل‪ ،‬ووضعت المؤشر على إذاعة القرآن الكريم‪ ،‬ثم تشاورت‬ ‫بمبلغ عشرين ريا ً‬
‫مع طبيبة داعية وقررن وضع أرفف في ممرات قسم النساء‪ ،‬ووضعن عليه‬
‫كتبا ً صغيرة غالبها موجه للنساء‪.‬‬
‫أما مدير المستشفى فقد وصلته قائمة طويلة بما رأت وما تقترح‪ ،‬ودونت‬
‫جميع ملحظاتها في تلك الرسالة‪.‬‬
‫عجبت الطبيبات من همتها ونشاطها‪ ،‬فهي تتفقد النساء في غرفهن‪ ،‬وتسأل‬
‫عن حاجتهن وما يردن‪.‬‬
‫* وعندما رأت الطبيبة امرأة ممن امتشقهن الشيطان‪ ،‬وهي تبرز مفاتنها‪،‬‬
‫وتحمل زهورا ً لتقدمها لقريبتها‪ ،‬سألت الطبيبة مريضتها‪ :‬من أين أتت عادة‬
‫الزهور‪ ،‬وكيف بدأنا نحرص على إحضارها لمرضانا رغم تكلفتها الباهظة‪.‬‬
‫قالت المريضة‪ :‬إنها التبعية والتقلب حتى في الزهور‪ ،‬نحن أمة نتبع التقليد‬
‫العمى‪ ،‬أرأيت في الصناعة لم نصنع قيد بعير‪ ،‬أما في الزهور والموضة‬
‫والزياء فحدث عن البحر ول حرج‪.‬‬
‫سنبلة في مخيم‬
‫* غالب اجتماعات أسرتنا اجتماعات كفقاعات الصابون ل فائدة منها‪.‬‬
‫بل إن الكثير منها فيها من الذنوب والمعاصي ما الله به عليم‪.‬‬
‫وعندما أخبرني زوجي أن العائلة قررت إقامة مخيم خارج مدينتنا نمضي فيه‬
‫أسبوعين كاملين‪ ،‬سمع أنه حرى من كبدي‪ ،‬والتفت إلي متعجبًا‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬ل تعجب‪ ،‬إننا سوف نمضي أسبوعين نبحر فيهما فوق المعاصي‬
‫والمنكرات‪ ،‬ندافع الذنوب مدافعة!!‬
‫شد من أزري وشحذ همتي وقال‪ :‬هل نتركهم للشيطان يستفزهم بخيله‬
‫ورجله؟ ليس لك البقاء‪ ،‬والله إنه باب دعوة مفتوح‪ ،‬اطلبي ما شئت‪.‬‬
‫ف من سيرة الرسول‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫هون المر علي واستحثني بذكر طر ٍ‬
‫وسلم ‪ -‬حتى بدأت أفكر وأفكر‪.‬‬
‫لم يستقر لي قرار حتى هاتفة داعية مجربة ما العمل؟‬
‫فأوصتني بالخلص وصدق النية‪ ،‬والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل‪ .‬ثم‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قالت‪ :‬سارعي إلى الهدايا التي تحبب إليك الصغار وتفرحهم‪ ،‬وهذا سينعكس‬
‫على الكبار‪ ،‬ول تنسي هدايا النساء الكبيرات من عباءات مريحة "وغطاء "‬
‫للوجه‪ ،‬ول تنسي سجادة للصلة لكل أم‪.‬‬
‫إبدائي بدعوة الكبيرات في السن وترقيق قلوبهن‪ ،‬ثم عرجي على صاحبات‬
‫القلوب الصافية والفطرة السليمة في الشابات وسترين‬
‫ما يفرحك‪ ،‬لك فرصة أسبوعين كاملين تدعين فيها إلى الله‪ ،‬متى تجدين في‬
‫خيمة واحدة مثل هذا العدد لمدة أسبوعين؟!‪.‬‬
‫ونحن نسير متجهين إلى المخيم أصابني فرح عجيب من حديثها‪ ،‬وإنها فرصة‬
‫لن تتكرر‪ ،‬وقررت الدعاء وبذل السباب‪ ،‬وجعلت اليام الولى للطفال من‬
‫توزيع الهدايا والمسابقات‪ ،‬وقص بعض قصص الصحابة والتابعين عليهم‪ ،‬ثم‬
‫بدأت في مساء كل ليلة بدرس لحفظ القرآن‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫كل ذلك تم أمام أعين الجميع‪ ،‬فسبحان من يسر وجعل حتى الشابات يقتربن‬
‫ليسمعن قصص الصحابة والتابعين!! وكانت المفاجأة أسبوع واحد فإذا بي‬
‫في وسط جو يمله الفرح والسرور‪ ،‬حتى بعض الشابات بدأن بقيام الليل مع‬
‫بداية السبوع الثاني‪.‬‬
‫انتهى المخيم وأملي كان دون ما تحقق‪ ،‬فلله الحمد والمنة!! بدأت العلقات‬
‫تقوى‪ ،‬وأصبح لنا اجتماع تحفه الرحمة وتتنزل فيه السكينة‪ ،‬شهور فإذا التأثير‬
‫ت في‬ ‫ينتقل إلى الباء والخوان‪ ،‬فأحمد الله عز وجل على توفيقه‪ ،‬ولو بقي ُ‬
‫ترددي وتخاذلي وخوفي لما تحقق من ذلك شيء‪ ،‬إنما هو إخلص وعمل‬
‫ودعوة‪.‬‬
‫كم من داعية وسط أسر تائهة‪ ،‬وكم من معلمة وسط جو لم يتغير منذ‬
‫سنوات‪ ،‬ولكن ماذا أعدت الخت للجابة غدًا؟! أين المانة؟ وأين الدعوة إلى‬
‫الله؟!‬

‫)‪(4 /‬‬

‫غرامات التأمينات الجتماعية‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬التأمين‬
‫التاريخ ‪1/6/1425 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫هل يجوز دفع غرامات عدم السداد للتأمينات الجتماعية‪ ،‬أو التأخير في‬
‫السداد؟ حيث تطلب التأمينات الجتماعية دفع المستحقات كاملة مع‬
‫الغرامات‪ ،‬ولكن حساب تلك الغرامات حساب مركب أي كل شهر تأخير‪ ،‬أو‬
‫عدم السداد يحسب مضاعفًا‪ ،‬ليس لدينا مانع بدفع المستحقات‪ ،‬ولكن‬
‫الغرامات قد تصل إلى ضعف المبلغ المستحق مرتين‪ .‬نأمل الجواب سريعًا‪،‬‬
‫وكيفية الرد على المؤسسات الخاصة بالتأمينات الجتماعية‪.‬‬
‫الجواب‬
‫قبل القول بجواز أو منع دفع الغرامة لعدم السداد أو تأخيره يجب أن ينظر‬
‫إلى واقع )التأمينات الجتماعية(‪ ،‬فإذا كانت تأخذ من النسان قسطا ً شهريا ً‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمدة معينة وبعد خدمته مدة معينة أو بلوغه سنا ً معينة؛ تدفع له مصلحة‬
‫التأمينات الجتماعية ربعه أو ثلثه قسطا ً شهريا ً من مجموع ما دفعه لها من‬
‫أقساط‪ ،‬أو أضافت إلى ذلك المجموع نسبة معينة –كما هو في نظام تقاعد‬
‫موظفي الدولة‪ -‬إذا كان واقع التأمينات الجتماعية مع منسوبيها كما ذكرنا فل‬
‫شيء فيه‪ ،‬والمعاملة صحيحة‪ ،‬ويجب على الفرد دفع المستحقات من‬
‫القساط المتخلفة دفعة واحدة أو على دفعات‪ .‬يقول الرسول –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬المسلمون على شروطهم إل شرطا ً حرم حلل أو أحل حراما"ً‬
‫رواه الترمذي)‪ ،(1352‬وغيره من حديث عمرو بن عوف –رضي الله عنه‪،-‬‬
‫ولعموم قول الله –سبحانه‪" :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"]المائدة‪،[1 :‬‬
‫أما أخذ غرامات مركبة عن كل شهر تأخر سداده ‪ ،‬فهو حرام ل يجوز‪ ،‬فهو‬
‫من الربا المحرم‪ ،‬وأكل لموال الناس بالباطل‪ ،‬ولو شرطته مصلحة التأمينات‬
‫فهو شرط باطل ل اعتبار له؛ لنه )أحل حرامًا( فل يجوز التعامل به‪ ،‬وفي‬
‫الحديث‪" :‬ما بال أقوام يشترطون شروطا ً ليست في كتاب الله كل شرط‬
‫ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط‪ "..‬رواه البخاري)‪،(2735‬‬
‫ومسلم)‪ (1504‬من حديث عائشة‪-‬رضي الله عنها‪ ,-‬وينبغي أن يتنبه إلى أن‬
‫اشتراط تلك الغرامة المركبة عند عدم السداد أو تأخيره –ليس من قبيل ما‬
‫يعرف بالشرط الجزائي؛ لن الشرط الجزائي المعتبر يكون في مصلحة‬
‫العقد ول يناقضه‪ ،‬أما الشرط المسئول عنه فهو مناقض ومناف لمقتضى‬
‫العقد؛ لن المصلحة شرطت على أل تلحقها خسارة‪ ،‬وعليه فهذا الشرط‬
‫فاسد‪ ،‬مثل له العلماء بقولهم‪" :‬كما لو اشترط أحد الطرفين أن الخسارة‬
‫عليه‪ ،‬أو ل يبيع أو يهب أو يتصدق‪ ،"..‬وإضافة لما سبق فإن اشتراط الغرامة‬
‫النقدية عند التأخير‪ ،‬أو عدم السداد للقساط النقدية أو بعضها –يجعل العقد‬
‫عقدا ً ربويا ً فيه الربا والنسيئة"‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن دفع القساط المتأخرة أمر واجب متعين‪ ،‬أما دفع الغرامة‬
‫مركبة أو بسيطة عند التأخير فحرام‪ ،‬ول يجوز دفعها بحال‪ ،‬ويتعين عليك‬
‫طلب إحالة الموضوع بينك وبين التأمينات إلى المحكمة الشرعية لتحكم‬
‫بينكم بحكم الله‪.‬‬
‫وفق الله الجميع إلى كل خير‪ ،‬آمين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫غربة‬
‫طار‬ ‫شعر‪ :‬عصام الع ّ‬
‫ق‬‫م لر ِ‬ ‫ل البهي َ‬ ‫ل اللي َ‬ ‫مرافقي وما أطو َ‬ ‫سهاد ُ ُ‬ ‫ل َليلي وال ّ‬ ‫تطاو َ‬
‫ق‬
‫ل شائ ِ‬ ‫ه شوقا ً إلى ك ّ‬ ‫ضى وُيرمض ُ‬ ‫ن على الغَ َ‬ ‫ه الحني ُ‬ ‫ب ُيقل ّب ُ ُ‬ ‫غري ٌ‬
‫ق‬‫سراد ِ‬ ‫م مديد ُ ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ل وظلله ه ّ‬ ‫ش منز ٌ‬ ‫ت به داٌر وأوح َ‬ ‫تناء ْ‬
‫ق؟!‬
‫ل معاد ٌ لتائ ِ‬ ‫شعري ه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ب الّنوى فيا لي َ‬ ‫ث على غار ِ‬ ‫ه أحدا ٌ‬ ‫وألقت ُ‬
‫ق‬ ‫كبره ُ ك ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ل راش ِ‬ ‫دى ِ‬ ‫جرحا و أسُهما وصبرا تح ّ‬ ‫م ُ‬ ‫تمّر به اليا ُ‬
‫ق‬‫دهرِ عند َ المآز ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫صفا ِ‬‫ن يزيد ُ اّتقادها على عَ َ‬ ‫ة إيما ٍ‬ ‫شعل َ‬ ‫و ُ‬
‫***‬
‫ق‬
‫ل سدٍ وعائ ِ‬ ‫ة تجوُز إليكم ك ّ‬ ‫مهوى الفؤادِ تحي ّ ً‬ ‫أحّبايَ يا َ‬
‫ق‬
‫ح جفني دافقٌ بعد َ داف ِ‬ ‫ح وقّر َ‬ ‫دني شوقٌ إليكم مبّر ٌ‬ ‫لقد ه ّ‬
‫ق‬
‫سَعوا بالبوائ ِ‬ ‫ب أعداٍء َ‬ ‫م تكال ُ‬ ‫ت عليك ُ‬ ‫وأّرقني في المظلما ِ‬
‫ق‬
‫ب الصاد ِ‬ ‫فمنهم عدوٌ كاشٌر عن عدائهِ ومنهم عدوٌ في ثيا ِ‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ق‬
‫مفار ِ‬ ‫ل العدوّ ال ُ‬ ‫م فع ُ‬ ‫ه فيك ُ‬ ‫هل ُ‬ ‫ب قرب ُ‬ ‫م الخط ِ‬ ‫ب أعظ ُ‬ ‫ومنهم قري ٌ‬
‫ق‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫دوان ِ‬ ‫ن قلبا و قالبا ولم َيطلبوا إل حقيَر ال ّ‬ ‫م رضا الرحم ِ‬ ‫أردت ْ‬
‫ق‬‫ي المزال ِ‬ ‫خف ّ‬ ‫م فيه َ‬ ‫م وجّنبك ْ‬ ‫خطاك ُ‬ ‫ب الجهادِ ُ‬ ‫فسد ّد َ في در ِ‬
‫***‬
‫كراما ً صادقا ً إثَر صاد ِ‬
‫ق‬ ‫ب الّثرى تهاوَْوا ِ‬ ‫م غي ّ َ‬ ‫ب منك ُ‬ ‫بروحي شبا ٌ‬
‫ق‬
‫شقائ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ب الحق لو َ‬ ‫ن در َ‬ ‫مهراقُ في ساحةِ الّتقى ُيلوّ ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫بروحي الد ّ ُ‬
‫ق‬ ‫م في ك ّ‬ ‫ي ذا َ‬ ‫ّ‬ ‫ي ذا َ‬
‫ل ساب ِ‬ ‫ك العز ُ‬ ‫م والّنهى بروح َ‬ ‫ك الطهُر والعل ُ‬ ‫بروح َ‬
‫ق‬ ‫عسفا بك ّ‬ ‫ً‬ ‫ي أسد ٌ كب ّ َ‬
‫ل المراف ِ‬ ‫خطوها وأوسَعها َ‬ ‫ي َ‬ ‫ل البغ ُ‬ ‫بروح َ‬
‫ق‬‫ن شاه ِ‬ ‫م يَر فيها غيَر أصيد َ صابرٍ ولم يَر فيها غيَر أرع َ‬ ‫فل ْ‬
‫ق‬ ‫ق المتضاي ِ‬ ‫صها في المأزِ ِ‬ ‫ه وأرخ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ي باعَ في الله نف َ‬ ‫وغيَر أب ّ‬
‫ي طرائقي‬ ‫ت عل ّ‬ ‫سد ّ ْ‬ ‫م وقد ُ‬ ‫مخلصا إليك ْ‬ ‫ً‬ ‫ي َ‬ ‫شجي ّا ل أرى ل َ‬ ‫ً‬ ‫ت َ‬ ‫وقف ُ‬
‫ملتم فوقَ عاتقي‬ ‫ح ّ‬ ‫ل ما ُ‬ ‫مهجتي وأحم ُ‬ ‫مب ُ‬ ‫ت أّني أفتديك ْ‬ ‫تمني ُ‬
‫ق‬ ‫ل ِفراقا ل يطو ُ‬ ‫ً‬ ‫م وصحبهِ و ع ّ‬
‫م ِ‬ ‫ل لوا ِ‬ ‫ذ" مّني السل ُ‬ ‫على "منق ٍ‬
‫ق‬
‫م يرضى خلئقا ودينا ووعيا في اسودادِ المفار ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ب كما السل ُ‬ ‫شبا ٌ‬
‫ق‬ ‫ُ‬
‫ح الخواف ِ‬ ‫م تأسو جرا َ‬ ‫ض على الوََرى وأيديه ُ‬ ‫م طهٌر يفي ُ‬ ‫قلوبه ُ‬
‫ق‬
‫ن وفي حومةِ الهيجاِء ناُر الصواع ِ‬ ‫م السلسل الصافي على كل مؤم ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ه ُ‬
‫ق‬‫ِ‬ ‫المفار‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫اشتبا‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫بنوره‬ ‫تهتدي‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫كواك‬ ‫الدنيا‬ ‫على‬ ‫لوا‬ ‫ّ‬ ‫أط‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫وساُدوا عليها مخَلصي َ‬
‫م يحملوا أغللها في العوات ِ‬ ‫م فل ْ‬ ‫ن لرّبه ْ‬
‫ق‬ ‫ن وفاس ِ‬ ‫ل وا ٍ‬ ‫هك ّ‬ ‫ه إذا حاد َ عن ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه نه َ‬ ‫ح الل ُ‬ ‫م ما أوض َ‬ ‫سبيُله ُ‬
‫ق‬
‫ة مار ِ‬ ‫م َيحذروا في اللهِ غضب َ‬ ‫ة لئم ٍ ول ْ‬ ‫م َيرهبوا في اللهِ لوم َ‬ ‫فل ْ‬
‫ق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫مناف ِ‬ ‫م يوما ثناُء ُ‬ ‫صبه ْ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫مساوم ٍ ول ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫م يوما ثوا ُ‬ ‫م ي ُطِبه ْ‬ ‫ول ْ‬
‫ق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫م ال ّ‬
‫ض الحقائ ِ‬ ‫ض بيا َ‬ ‫م بي ٌ‬ ‫مظهرا جباهُهُ ُ‬ ‫سرا و َ‬ ‫ب البريُز ِ‬ ‫ذه ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫ق‬
‫ف لبار ِ‬ ‫ق طي ٌ‬ ‫َ‬ ‫س على الفا ِ‬ ‫ن في َوقدةِ الظما ولي َ‬ ‫ّ‬ ‫م الّرّيا ُ‬ ‫حل ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫ق‬
‫سواب ِ‬ ‫ط صبَر ال ّ‬ ‫شو ِ‬ ‫ن ب ُعْد ُ ال ّ‬ ‫ل وأوهَ َ‬ ‫ب مأم ٌ‬ ‫ن خا َ‬ ‫ل المرجوّ إ ْ‬ ‫م الم ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫ق‬‫صلحا و نوُر اللهِ ملُء المشار ِ‬ ‫ً‬ ‫دنا َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫دنا ليس ِ‬ ‫م وال ّ‬ ‫كأني أراه ْ‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫صدعهِ وأعلوا لواَء الحقّ فوقَ الخلئ ِ‬ ‫ن من بعد ِ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫عمود َ ال ّ‬ ‫أقاموا َ‬
‫***‬
‫معاِنقي‬ ‫ت ُ‬ ‫سري ُ‬ ‫م أّنى َ‬ ‫خيالك ُ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب أهفو إليك ُ‬ ‫على الُبعد ِ يا أحبا ُ‬
‫م وما نقموا إل يقيني بخالقي‬ ‫سدود َ الظلم ِ بيني وبينك ْ‬ ‫أقاموا ُ‬
‫ق‬ ‫الحرائ‬ ‫ر‬ ‫جم‬ ‫ع‬ ‫الضل‬ ‫في‬ ‫د‬ ‫أكاب‬ ‫ذبا ً ُ‬ ‫ّ‬ ‫مع‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫قلب‬ ‫ن"‬ ‫"لبنا‬ ‫على‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فب ّ‬
‫ق‬‫ل الَبواس ِ‬ ‫ح حتى في ظل ِ‬ ‫ن مضجعٌ ول َرو َ‬ ‫ة حتى ولو ل َ‬ ‫فل راح ٌ‬
‫ُ‬
‫ق‬ ‫شراعُ لغار ِ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫ح كما ل َ‬ ‫منازل ً تلو ُ‬ ‫حدود ِ َ‬ ‫ف ال ُ‬ ‫ح من خل ِ‬ ‫ألم ُ‬
‫ق‬
‫جوْرِ خان ِ‬ ‫صخرِ في جوّ من ال َ‬ ‫م على ال ّ‬ ‫ن بينك ْ‬ ‫ة السج ِ‬ ‫ت حتى ضجع َ‬ ‫تمني ُ‬
‫ق‬‫ب وأشهى من طريّ الّنمار ِ‬ ‫َ‬ ‫م أح ّ‬ ‫ن ُقرَبك ْ‬ ‫ن كا َ‬ ‫نإ ْ‬ ‫ض السج ِ‬ ‫ة أر ِ‬ ‫صلب ُ‬ ‫َ‬
‫ح ل يغوُر بخافقي‬ ‫ك جر ٌ‬ ‫مصطفى( وذل َ‬ ‫ُ‬ ‫)‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫نعش‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫وجهي‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫ولم‬
‫مرافقي‬ ‫ِ ُ‬ ‫ن‬ ‫زما‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫طو‬ ‫على‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫فأن‬ ‫ٌ‬ ‫د‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫مو‬ ‫َ ّ ُ‬ ‫ي‬ ‫وف‬ ‫ال‬ ‫قلبي‬ ‫في‬ ‫ك‬ ‫مكان َ‬
‫ق‬
‫ي الكبادِ أيدي الطوار ِ‬‫ّ‬ ‫ت به غال َ‬ ‫ق وما رم ْ‬ ‫فرا ِ‬ ‫صبرا لل ِ‬ ‫ً‬ ‫أحّبايَ َ‬
‫ق‬‫ل واث ِ‬ ‫م وإني بنصرِ اللهِ أو ُ‬ ‫ن الّنصَر لبد ّ قاد ٌ‬ ‫أحّبايَ إ ْ‬
‫ق‬ ‫ل يوما ونلتقي مع الفجر يمحو ك ّ‬ ‫ً‬ ‫سنصدع ُ هذا اللي َ‬
‫ل داٍج وغاس ِ‬
‫ق‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫م العوائ ِ‬ ‫ددا ونبلغُ ما نرجوهُ رغ َ‬ ‫مس ّ‬ ‫عزما ُ‬ ‫وَنمضي على اليام ِ َ‬
‫ق‬
‫م الظواهرِ – زاه ِ‬ ‫ل – رغ َ‬ ‫علونا بفضلهِ ‪ -‬على باط ٍ‬ ‫فيعلو بنا حقّ – َ‬
‫ق‬ ‫ة وننشُر نوَر اللهِ في كل شار ِ‬ ‫ّ‬ ‫ونصنعُ بالسلم ِ ُدنيا كريم ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب؟!‬ ‫ب أنا أم زماني غري ُ‬ ‫غري ٌ‬


‫ب؟! ‪...‬‬ ‫ب أنا ! أم زماني غري ُ‬ ‫غري ٌ‬
‫ب‬ ‫ُ‬
‫‪ ...‬وحي َّر فكري السؤال العجي ُ‬
‫ل شعاٍع ‪...‬‬ ‫ف وك ّ‬ ‫ب ! وكي َ‬ ‫غري ٌ‬
‫ب؟‬
‫‪ ...‬سرى في السماء لعيني قري ُ‬
‫ل ‪...‬‬ ‫ل جما ٍ‬ ‫ب! وكيف وك ّ‬ ‫غري ٌ‬
‫ب؟‬ ‫‪ ...‬بهذا الوجود ِ لقلبي حبي ُ‬
‫وكيف أكون غريبا ً وحولي‬
‫‪...‬‬
‫ب؟‬ ‫ن وطي ُ‬ ‫‪ ...‬حبوٌر ونوٌر ولح ٌ‬
‫وعندي رجاٌء ‪..‬وفوقي سماٌء ‪...‬‬
‫ل‪ ،‬وشعٌر ‪،‬وفكٌر خصيب؟‬ ‫‪ ...‬تظ ّ‬
‫وكيف أكون غريبا وشمسي ‪...‬‬ ‫ً‬
‫ب؟‬‫‪ ...‬أقامت بطول المدى ل تغي ُ‬
‫ت ‪...‬‬ ‫ل البرايا معي ساجدا ٌ‬ ‫وك ّ‬
‫ب‬‫‪ِ ...‬لرّبي ُنلّبي ‪...‬له نستجي ُ‬
‫ت هذا الوجودِ تلّبي ‪...‬‬ ‫فذّرا ُ‬
‫ب‬‫ف الغيو ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫‪ ...‬وأسمُعها لو ت َ ِ‬
‫ب! ‪...‬‬ ‫ح سّرا ً بغير ذنو ٍ‬ ‫تسب ّ ُ‬
‫ب‬ ‫‪ ...‬أسّبح جهرا ً وك ُّلي ذنو ُ‬
‫ب؟! ‪...‬‬ ‫ب أنا! أم زماني غري ُ‬ ‫غري ٌ‬
‫ب‬‫ل العجي ُ‬ ‫‪ ...‬يحّيرني ذا السؤا ُ‬
‫ب! وكيف وهذي سبيلي ‪...‬‬ ‫غري ٌ‬
‫ب؟‬ ‫ه الدرو ُ‬ ‫‪ ...‬وغيري هوى‪،‬ضي ّعَت ْ ُ‬
‫ل ‪...‬‬ ‫وكيف ودربي ابتداه ُ الرسو ُ‬
‫ب؟‬ ‫ب‪،‬فتحيا القلو ُ‬ ‫‪ ...‬يقود القلو َ‬
‫ت أناجي إلهي ‪...‬‬ ‫ن سجد ُ‬ ‫أنا إ ْ‬
‫ب‬
‫ب ‪ ،‬وروحي تذو ُ‬ ‫‪ ...‬فؤادي يطي ُ‬
‫ً‬
‫ل النجاوى سعيدا ‪...‬‬ ‫أعيش بظ ّ‬
‫ب‬ ‫‪ ...‬فأدعو ‪،‬وأدعو ‪،‬ورّبي ُيجي ُ‬
‫ب ‪...‬‬ ‫ب‪ ،‬قري ُ‬ ‫ب‪ ،‬قري ٌ‬ ‫وربي قري ٌ‬
‫ب؟‬ ‫فكيف ُيقال‪ :‬بأني غري ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫غريزة الشهوة والمراهقة‬


‫ً‬
‫مفكرة السلم ‪ :‬إن المراهق والمراهقة يعيشان تحول عضويا وجسدًيا ل يعي‬
‫الكبار عنه إل القليل ‪ ،‬ومن ثم فإنهم ل يحسنون التعامل مع المراهق‬
‫والمراهقة ‪ ،‬ول يجيدون بناء العلقة معهم مما يؤدي إلى الكثير من الخطاء‬
‫التربوية والتوجيهية العلجية‪.‬‬
‫فجسد المراهق يواجه عملية تحول كاملة في وزن وحجمه وشكله‪ ،‬وأبرز‬
‫قضية تواجه المراهق هي قضية الشهوة والتي تعد من أخطر المنعطفات في‬
‫حياة المراهق‪.‬‬
‫ولقد كثر النقاش والجدال حول موضوع ما يسمى بالثقافة الجنسية ‪،‬‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وانقسم الناس في التعامل مع هذه الثقافة إلى مؤيد ومعارض‪ ،‬وخطورة‬


‫الكلم في هذا الموضوع أنه قد يكون مادة للثارة وتحريك كوامن النفوس‪،‬‬
‫صا الشباب‪.‬‬‫ونحن في غنى عن ذلك وخصو ً‬
‫إن تربية الفتيان والفتيات على آداب السلم منذ الصغر ضرورة ملحة ليقفوا‬
‫عند حدود الحلل والحرام ‪ ،‬فل تهاون ول تجاوز لهذه الحدود ‪ ,‬وقد وضع‬
‫السلم ضوابط تحد من انحرافات الشهوة وجعل هناك تدابير توصد باب‬
‫الغواية‪ ،‬وسن آداب الحجاب وغض البصر وآداب الستئذان ومنع الختلط ‪...‬‬
‫ولو اتبعت هذه الداب لحلت كثير من مشكلت المراهقين المتعلقة‬
‫بالشهوة ‪ ,‬وفي طريقنا ليجاد حلول لهذه المشكلت وطرق التربية الجنسية‬
‫الصحيحة نتوقف عند بعض النقاط الهامة‪:‬‬
‫‪1‬ـ السس والضوابط الشرعية للتربية الجنسية‪.‬‬
‫‪2‬ـ تربية الشباب والفتيات على التسامي والعفة‪.‬‬
‫‪3‬ـ حث الشباب من الجنسين على الزواج المبكر‪.‬‬
‫]‪ [1‬السس والضوابط الشرعية للتربية الجنسية‪:‬‬
‫سا وضوابط لصيانة الفرد والمجتمع على حد سواء ‪،‬‬ ‫لقد وضع السلم أس ً‬
‫وسن الحكام التي تبعد المرء عن النحراف‪ ،‬فحرم الختلط‪ ،‬وفرض‬
‫الحجاب‪ ،‬ودعا إلى غض البصر‪ ,‬ومن هذه الضوابط‪:‬‬
‫أ ـ البعد عن وسائل الثارة‪.‬‬
‫ب ـ لبس الحجاب بالنسبة للفتيات‪.‬‬
‫ج ـ منع الختلط بين الجنسين‪.‬‬
‫أـ البعد عن وسائل الثارة‪:‬‬
‫على الوالدين والقائمين على تربية المراهقين تجنيبهم كل ما يؤدي إلى‬
‫الثارة ‪ ،‬ومن ذلك قراءة القصص الخليعة ‪ ،‬والفلم الخارجة عن حدود الدب‬
‫‪ ،‬والمجلت التي تنشر الصور المثيرة في النوادي والشواطئ تحت اسم‬
‫التمدن والتحضر‪.‬‬
‫ب ـ لبس الحجاب بالنسبة للفتيات‪:‬‬
‫وفي ذلك منع للثارة فل يظهر من الفتاة شيء من حسن أو جمال ‪,‬‬
‫ولملبس الفتاة المسلمة صفات يعرفها الكثيرون وهي‪:‬‬
‫أن ل يصف الجسم ول يشف‪ ،‬وأل يشبه لباس الكافرات لن للمسلمة‬
‫شخصيتها المتميزة فل تجري وراء الموضة أو تقلد كل ناعق ‪ ,‬ول يشبه لباس‬
‫الفتاة المسلمة لباس الرجال كما جاء في الحديث الشريف‪]] :‬لعن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء‪ ،‬والمتشبهات من‬
‫النساء بالرجال[[‪.‬‬
‫ضا أن تتعطر الفتاة وتخرج من منزلها ‪ ،‬فعطر‬ ‫ومن المثيرات المحرمة أي ً‬
‫المرأة ل يكون إل لزوجها وبيتها ‪ ،‬وما كان الطيب للشارع أو للنادي شأن ما‬
‫تفعله الكثيرات من فتيات اليوم‪.‬‬
‫ح ـ منع الختلط بين الرجل والمرأة‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ]]ما تركت بعدي فتنة أضر على‬
‫الرجال من النساء[[‪] .‬متفق عليه‪ :‬مشكاة المصابيح‪ ،‬ح ‪ , [928/ 2‬وهو‬
‫بالتالي يؤكد على خطورة الختلط وأنه باب لما بعده‪.‬‬
‫ولقد حرم السلم الدخول على النساء غير المحارم لسد الذرائع الفتنة‬
‫ونزغات الشيطان ‪ ،‬فعن عمر رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪]] :‬ل يخلون أحدكم بامرأة‪ ،‬فإن الشيطان ثالثهما[[‪] .‬رواه أحمد‪:‬‬
‫‪/1‬ج ‪.[18‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضا عن مصافحة المرأة الجنبية لقول الرسول صلى الله‬ ‫وقد نهى السلم أي ً‬
‫عليه وسلم‪]] :‬لن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن‬
‫يمس امرأة ل تحل له[[‪] .‬الترغيب والترهيب للمنذري رقم ‪[3799‬‬
‫وهل نجني من الشوك العنب ؟‬
‫ماذا يجني المجتمع من الختلط؟‬
‫ل يخفى على أحد الثار المدمرة للختلط‪ ،‬وهل نجني من الختلط إل‬
‫الفضائح‪ ،‬وهتك العراض‪ ،‬وتدمير الخلق ‪ ,‬إن السلم يهدف إلى إقامة‬
‫مجتمع نظيف ل تهاج فيه الشهوات في كل لحظة‪.‬‬
‫هذا والنظرة الخائنة‪ ،‬والحركة المثيرة‪ ،‬والزينة المتبرجة‪ ،‬والجسم العاري‪،‬‬
‫كلها ل تصنع شيًئا إل أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون‪ ،‬وأن يفلت زمام‬
‫العصاب والرادة‪] .‬دستور السرة في ظلل القرآن ‪ ،‬ص ‪.[266‬‬
‫]‪ [2‬تربية الفتيان والفتيات على التسامي والعفة‪:‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬‫حّتى ي ُغْن ِي َهُ ُ‬ ‫ً‬
‫كاحا َ‬‫ن نِ َ‬
‫دو َ‬
‫ج ُ‬
‫ن ل يَ ِ‬ ‫ف ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫قال الله تعالى‪ } :‬وَل ْي َ ْ‬
‫ست َعْ ِ‬
‫ه{ ]النور‪ , [33 :‬وتربية الفتيات والفتيان على معاني العفة يستلزم‬ ‫فَ ْ‬
‫ضل ِ ِ‬
‫التقيد بآداب السلم وبالوسائل المؤدية إلي تهذيب النفس واتخاذ التدابير‬
‫التي ل توصل إلى إثارة هؤلء المراهقين والمراهقات‪.‬‬
‫ومن هذه التدابير‪:‬‬
‫غض البصر‪.‬‬
‫التقيد بآداب السلم‪.‬‬
‫البتعاد عن مخاطر التلفاز‪.‬‬
‫التورع عن الوقوع فيما حرم الله‪.‬‬
‫أ ـ غض البصر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫]] هو أدب نفسي رفيع ‪ ،‬ومحاولة للستعلء على الرغبة في الطلع على‬
‫المحاسن والمفاتن ‪ ،‬كما أن فيه إغلًقا للنافذة الولى من نوافذ الفتنة‬
‫والغواية‪ ،‬ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السهم المسموم [[‪] .‬في‬
‫ظلل القرآن‪.[2:25 :‬‬
‫هذا السهم الذي حذر منه الشرع فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال‪ ]] :‬النظرة سهم من سهام إبليس مسموم‪ ،‬من تركه مخافتي‬
‫أبدلته إيماًنا يجد حلوته في قلبه [[‪].‬أخرجه الطبراني بسنده عن عبدالله بن‬
‫مسعود رضي الله عنه[‬
‫فعلى الفتى والفتاة أن يغضا البصر عن المناظر المثيرة كالصور والكتابات‬
‫والمحادثات الجنسية ‪ ،‬وأحلم اليقظة ‪ ,‬يقول الشاعر‪:‬‬
‫كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر‬
‫ب ـ آداب الستئذان‪:‬‬
‫وهو أدب إسلمي أصيل سنه السلم لحفظ حرمة البيوت وتهذيًبا للنفوس ‪،‬‬
‫حتى ل تقع عين الداخل إليها على عوراتها أو عورات من فيها‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫سوا‬
‫ست َأن ِ ُ‬
‫حّتى ت َ ْ‬
‫م َ‬‫خُلوا ب ُُيوتا ً غَي َْر ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫مُنوا ل ت َد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن{ ]النور‪.[27:‬‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬‫م َ‬‫موا عََلى أهْل َِها ذ َل ِك ُ ْ‬
‫سل ّ ُ‬
‫وَت ُ َ‬
‫وهناك وجه آخر للستئذان وهو خاص بمن هم داخل البيت من الولد والبنات‬
‫في ثلثة أحوال‪ :‬قبل صلة الفجر‪ ،‬وفي وقت القيلولة ]الظهيرة[‪ ،‬ومن بعد‬
‫صلة العشاء‪ ،‬وعليهم أن يستأذنوا على أبويهم قبل الدخول عليهم لئل يقع‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البصر على شيء يثير كوامن النفس‪ ،‬وهذا هو أدب السلم الرفيع‪.‬‬
‫ج ـ البتعاد عن مخاطر التلفاز‪:‬‬
‫إن ما يقدم على شاشة التلفاز عملية تربوية لها أبعادها ومراميها ‪ ،‬وقد قامت‬
‫دراسات تظهر مدى فاعلية ما يقدم من صور العنف والجرائم على الشاشة‪.‬‬
‫وللسف فإن كثيًرا مما يعرض على شاشات التلفاز والدش ل يعبر عن الهوية‬
‫السلمية‪ ،‬بل على العكس من ذلك فإنه يعبر عن الهوية الغربية الباحية التي‬
‫تشجع على الفاحشة والثارة والختلط‪.‬‬
‫د ـ التورع عن الوقوع فيما حرم الله‪:‬‬
‫ل{ ]السراء‪[32:‬‬ ‫سِبي ً‬
‫ساَء َ‬
‫ة وَ َ‬
‫ش ً‬ ‫ن َفا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫قَرُبوا الّزَنى إ ِن ّ ُ‬
‫قال تعالى‪َ } :‬ول ت َ ْ‬
‫وقد نفر السلم من الفاحشة‪ ،‬وتوعد مرتكبيها بأشد العذاب في الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬وما اليدز ]نقص المناعة[ وغيره من المراض الجنسية والوجاع‬
‫قا للوعيد الذي أعده الله لمرتكب‬ ‫التي لم تكن في سالف المم إل تحقي ً‬
‫الفاحشة‪.‬‬
‫]] وهذا النحراف له تأثيره السلبي على سلوك المراهق النفسي‬
‫والجتماعي‪ ،‬بعد اكتمال النضج والتأهل للزواج‪ ،‬حيث تهتز الثقة في الجنس‬
‫الخر [[‪] .‬تربية المراهق بين السلم وعلم النفس ص ‪[457‬‬
‫إن السلم ل يستقذر الجنس ولكنه يضبطه في الحدود المشروعة التي‬
‫شرعها الله‪ ،‬ويدعو إليه عندئذ ويشجع عليه ]]تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم‬
‫المم يوم القيامة[[‪] .‬رواه عبد الرازق والبيهقي[‪.‬ومن ثم يضبطه ويجعله‬
‫مشاعر مودة ورحمة ل مجرد جسد بهيمي هائج‪].‬منهج التربية السلمية ‪:‬‬
‫محمد قطب‪ ،‬ج ‪.[2/220‬‬
‫]‪ [3‬الزواج المبكر‪:‬‬
‫إن حاجة الشباب والشابات إلى الزواج حاجة ملحة‪ ،‬وإشباع الغريزة الجنسية‬
‫مثل إشباع دافع الجوع والعطش‪ ،‬والزواج المبكر خير علج لمشكلت‬
‫المراهقين الجنسية إذا استطاعوا الباءة تحقيقا ً لحديث الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ]] :‬من استطاع منكم الباءة فليتزوج [[‪ ,‬وخير معين على‬
‫استجابتهم لمتطلبات التربية الجادة‪ ،‬والبعد عن نزغات الشياطين‪.‬‬
‫ففي الزواج سكن نفسي وإشباع غريزي‪ ،‬وإحساس بالنوع‪ ،‬وشعور بالتكامل‬
‫والنضج‪ ,‬بدل ً من معاكسة النساء وعمل سباقات السيارات واستعراضاتها‬
‫ومشاهدة الفلم الخليعة والتسكع‪.‬‬
‫فالزواج يعين على الستقامة ويكسر حدة الشهوة عند المراهقين‪ ،‬وإن لم‬
‫يحصل الزواج فقد وجه السلم الشباب إلى السمو بالغريزة وتوجيهها بما‬
‫يضبط السلوك وذلك يكون بالصوم‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬يا معشر‬
‫الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج‪،‬‬
‫ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء [[‪] .‬أخرجه البخاري ومسلم[‪.‬‬
‫كما أن تأخير الزواج مخالف للشرع مصادم للسنة الكونية والفطرة‬
‫النسانية‪ ،‬ويترتب على تأخيره آثار سيئة ومدمرة لنفس المراهق ومجتمعه‪.‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫أن التربية السلمية للمراهقين فيما يتعلق بقضية الشهوة الجنسية هي سد‬
‫كل الذرائع التي تهيج الشهوة في غير محلها فتصيب الشاب والشابة‬
‫باضطراب وآلم نفسيه وصرف هذه الطاقة إلى أهداف أخرى والتسامي‬
‫على ذلك إلى حينه‪ ،‬وعند توفر الظروف المناسبة نشجعهم على الزواج‬
‫المبكر‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫غزوة احد )السبت ‪ 15‬شوال السنة ‪3‬هـ ‪ 625/‬م‬


‫غزوة أحد زمنها في منتصف شوال من السنة الثالثة للهجرة مكانها سفح‬
‫جبل أحد الذي يقع في الشمال من المدينة ‪.‬‬
‫لم تهدأ قريش ولم ترتح بعد هزيمتها في بدر ‪ .‬لن الهزيمة التي لحقت بهم‬
‫في بدر كانت قاسية جدا عليهم ‪ ،‬وعقدوا العزم على النتقام من محمد‬
‫وأصحابه ‪ ،‬وأقسم أبو سفيان أل يترك الماء يمس جسده ما لم يثأر لهله‬
‫الذين قضى عليهم أبطال السلم في بدر‪ ،‬وتمكن في خلل عام أن يجمع‬
‫من قريش وحلفائها من ثقيف وقبائل كنانة وأهل تهامة و الحابيش ) أي غير‬
‫العرب الذين تحبشوا أي تجمعوا ( حوالي ثلثة آلف مقاتل بينهم سبعمائة‬
‫دارع ومائتي فرس وثلثة آلف بعير ‪ .‬وخرج معهم سبع عشرة امرأة تقودهن‬
‫هند بنت عتبة زوج أبي سفيان ‪ ،‬ومعهن الدفوف والطبول لتحريض الرجال‬
‫على القتال والثأر لقتلى بدر‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وكانت قوات المشركين قد تجمعت في أكمة )) عينين (( قرب جبل أحد‬


‫شمال المدينة ‪ ،‬وجعلوا خالد بن الوليد على الميمنة وعكرمة بن أبي جهل‬
‫على الميسرة ‪ ،‬ودفعوا اللواء الكبر إلى عبد العزى طلحة بن طلحة ‪ .‬ولما‬
‫سمع الرسول صلى الله عليه وسلم بقدوم هذا الجيش استشار أصحابه فيما‬
‫يفعل ‪ ،‬فأشار الشبان ومن لم يحضر بدرا عليه بالخروج لملقاة جيش العداء‬
‫‪ ،‬وأشار بعض الصحابة أن يتحصن المسلمون بالمدينة وان يتولوا الدفاع‬
‫عنها ‪ ،‬وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يميل إلى هذا التجاه لكن التجاه‬
‫الول حظي بتأييد أغلب المسلمين ‪ ،‬وعلى هذا خرج الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم على رأس ألف من أصحابه ثم انسحب منهم ثلثمائة يقودهم زعيم‬
‫المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول ‪ ،‬فبقي مع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫سبعمائة رجل ‪ ،‬اختار منهم خمسين راميا بقيادة عبد الله بن جبير و أوقفهم‬
‫على الجبل لحماية ظهر المسلمين من خالد بن الوليد وأتباعه ‪ .‬وبدأت‬
‫المعركة بالمبارزة كالعادة فخرج من قريش طلحة بن أبي طلحة فبرز له‬
‫علي فقتله ‪ ،‬فتبعه أخوه عثمان فصرعه حمزة ‪ ،‬فخرج أخوهما اسعد فقتله‬
‫علي فتقدم الخ الرابع مسافع فصرعه عاصم بن ثابت ‪ ،‬ثم التقى الطرفان‬
‫حيث أبلى المسلمون بلءا حسنا وخاصة أبو دجانة سماك بن خرشة وعلي‬
‫بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب الذي اعتبرته قريش عدوها الول‬
‫فحملته دم معظم قتلى بدر ‪ ،‬وكانت هند بنت عتبة وعدت العبد الحبشي‬
‫) وحشي ( بالعتق من الرق إن هو قتل حمزة وفعل تمكن من قتله لمهارته‬
‫في رمي السهام ومع ذلك انتصر المسلمون وهم قلة وتقهقر المشركون‬
‫وهم كثرة ‪ .‬ثم تحول سير المعركة لصالح المشركين الذين انتهزوا فرصة‬
‫انشغال المسلمين بجمع الغنائم ‪ ،‬وخاصة الرماة الذين خالفوا أوامر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فتركوا مواقعهم طمعا في المشاركة بجمع الغنائم ‪،‬‬
‫وبقي عبد الله بن جبير ومعه عشرة رماة فقط ‪ .‬فالتف خالد بن الوليد عليهم‬
‫من وراء الجبل وقتلهم جميعا ‪ ،‬وانكشف المسلمون فأصابهم العدو وكانت‬
‫محنة كبيرة أصيب فيها النبي صلى الله عليه وسلم في فكه وفمه ‪ .‬وازداد‬
‫المر صعوبة لما شاع مقتل النبي صلى الله عليه في المعركة فانسحب‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعض المسلمين إلى المدينة وتشتت البعض الخر في ميدان المعركة ‪ .‬ولكن‬
‫كعب بن مالك صاح بأعلى صوته ‪ :‬يا معشر المسلمين ‪ ،‬ابشروا هذا رسول‬
‫الله …‪ .‬فاندفع المسلمين فرحين بالنبأ السار ‪ ،‬وكانت المعركة توشك أن‬
‫تكون لصالح المشركين لول أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجاله‬
‫بالتجمع في موضع معين في أعلى جبل أحد ‪ ،‬حتى ل ينفرد بهم المشركون‬
‫ويقضون عليهم نهائيا ‪ ،‬فلم يستطع المشركون اللتفاف حولهم وكان التعب‬
‫قد أنهكهم ‪ .‬وأيقن أبو سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل في‬
‫المعركة فنادى المسلمين )) يوم بيوم ‪ ،‬والموعد العام المقبل ببدر (( فطلب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقول ‪:‬‬
‫)) نعم هو بيننا وبينكم موعد (( ‪ .‬وهكذا توقف القتال ‪ ،‬وانسحب المشركون‬
‫من المعركة مكتفين بهذا النصر المؤقت بعد أن قتل منهم ثلثة وعشرين‬
‫رجل فقط ‪ ،‬وقد مثلت قريش بقتلى المسلمين بطريقة وحشية فيها جدع‬
‫النوف وقطع الذان وبقر البطون ‪ .‬وكانت ذروة النتقام ما أقدمت به هند‬
‫بنت عتبة والتي اندفعت في حقد وكراهية ‪ ،‬وبقرت بطن حمزة بن عبد‬
‫المطلب ‪ ،‬وقيل أن وحشي بقر بطنه ‪ ،‬و أخرجت كبده تلوكها بأسنانها‬
‫ولفظتها ‪ .‬وأسفرت موقعة أحد عن هزيمة مؤقتة للمسلمين الذين عادوا إلى‬
‫المدينة بعد أن فقدوا اكثر من سبعين شهيدا دفنوا في أرض المعركة ‪ ،‬منهم‬
‫حمزة بن عبد المطلب ‪،‬عبد الله بن جحش‪ ،‬مصعب بن عمير‪ ،‬أوس بن‬
‫منذر ‪ ،‬اياس بن اوس ‪ ،‬سعد بن الربيع ‪ ،‬وغيرهم من خيرة الصحابة رضوان‬
‫الله عليهم جميعا ‪ .‬وفي طريق العودة ‪ ،‬وعند الروحاء على بعد ‪ 70‬كلم ‪،‬‬
‫أدرك المشركون الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه ‪ ،‬فقد كان يتوجب عليهم‬
‫قطف ثمرة النتصار بالقضاء نهائيا على المسلمين ‪ ،‬لذلك قرروا العودة واخذ‬
‫المسلمين على حين غرة وهم يبكون قتلهم ‪ .‬لكن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم كان قد فطن لما يقومون به ‪ ،‬وكان أذكى منهم و أسرع ففي اليوم‬
‫التالي عمد إلى تظاهرة عسكرية وصلت إلى بعد حوالي عشرة كيلومترات‬
‫من المدينة فاوهم المشركين بخروجه للثأر من وقعة أحد ‪ .‬لذلك عدلوا عن‬
‫قرارهم وعادوا إلى مكة المكرمة بعد أن انتظرهم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ثلثة أيام ورجع إلى المدينة بعد أن رفع معنويات المسلمين ‪ .‬وقد‬
‫استفاد المسلمون درسا من هذه الهزيمة فتعلموا أهمية طاعة أوامر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولن ينتصر أبدا من أراد ابتغاء عرض الدنيا ‪ .‬وبعد عام‬
‫على الهزيمة خرج النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين ونزل بدر في‬
‫شعبان ‪ 4/‬هـ ‪ 626 /‬م لملقاة المشركين بقيادة أبي سفيان حسب الموعد‬
‫بينهما ‪ .‬لكن أبا سفيان خاف وجبن بعد مسيرة يومين وتراجع بجيش فيه أكثر‬
‫من ألفي رجل إلى مكة المكرمة فانتظرهم المسلمون‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثمانية أيام ثم رجعوا إلى المدينة وقد ارتفعت معنوياتهم في بدر الثانية التي‬
‫محت آثار هزيمة أحد ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫غزوة الحزاب مواقف وعبر‬


‫الكاتب ‪ :‬عبدالملك القاسم‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعد غزوة أحد أظلت المدينة سحابة حزن لفقد الحبة شهداء في سبيل الله‪..‬‬
‫وخيم السكون حينا ً على الجزيرة العربية‪ .‬ولم يكن ذلك الهدوء الذي أظل‬
‫المدينة إل بداية لتحزب الحزاب من ملل الكفر والشرك‪ ،‬يتحينون الفرص‬
‫ويسابقون إلى العداوة! فل يهنأ لهم بال ول يقر لهم قرار حتى يكون معقل‬
‫م إ ِّل‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫موا ِ‬ ‫ق ُ‬‫ما ن َ َ‬ ‫السلم ومدينته تحت أيديهم يجوسون فيها تقتيل ً وإفسادًا‪ .‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ميدِ ]البروج‪.[10:‬‬ ‫ح ِ‬‫زيزِ ال ْ َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ ال ْعَ ِ‬ ‫أن ي ُؤْ ِ‬
‫في السنة الخامسة للهجرة خرجت شرذمة من اليهود نحو كفار مكة ليأنبوهم‬
‫ويحرضوهم على غزو المدينة‪ ،‬ومحاولة استئصال شأفة السلم‪ ،‬وقتل‬
‫محمد ‪ ،‬والتنكيل بأصحابة! ثم خرج الرهط يحمل الحقد والكراهية للمسلمين‬
‫نحو غطفان ليكتمل عقد الحزاب‪.‬‬
‫وتداعت الجموع وأقبل الشر بخيله ورجله‪ ،‬فخرجت من الجنوب قريش‬
‫وكنانة وأهل تهامة‪ ،‬ووافاهم بنو سليم وخرجت من الشرق قبائل غطفان‬
‫وكذلك خرجت بنو أسد‪ .‬واتجهت الحزاب الكافرة صوب المدينة حتى تجمع‬
‫حولها جيش عرمرم يبلغ عدده عشرة آلف مقاتل! جيش يزيد عدده على‬
‫سكان المدينة رجال ً ونساءًا‪ ،‬صغارا ً وكبارًا! في جوع منهم شديد‪ ،‬وبرد‬
‫وزمهرير‪ ،‬وعدة قليلة‪ ،‬وما عند الله خير وأبقى!‬
‫إجتمع الحزاب حول المدينة لسبب واحد ل غير وإن اختلفت اللسن وَل َ‬
‫عوا ْ ]البقرة‪.[217:‬‬ ‫ست َ َ‬
‫طا ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬‫عن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ى ي َُرّدوك ُ ْ‬ ‫حت ّ َ‬‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬
‫ن يُ َ‬‫ي ََزاُلو َ‬
‫وفي هذا الجو المكفهر والكرب الشديد إنقسم أهل المدينة إلى قسمين‪:‬‬
‫َ‬
‫ب َقاُلوا‬ ‫حَزا َ‬ ‫ن اْل َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما َرأى ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫قسم آمن بوعد الله وصدق بنصر رسالته وَل َ ّ‬
‫سِليما ً‬ ‫مانا وَت َ ْ‬‫ً‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل ِإي َ‬ ‫ما َزاد َهُ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ُ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫هَ َ‬
‫]الحزاب‪.[22:‬‬
‫فشدوا للقتال وقدموا المهج والرواح وبذلوا السباب بحفر الخندق وحراسة‬
‫المدينة ليل نهار مع ما أصابهم من الجوع والفاقه‪ ،‬فقد كان طعام الجيش‬
‫قليل ً من الشعير يخلط بدهن سنخ متغير الرائحة لقدمه‪ ،‬ويطبخ فيأكلونه رغم‬
‫طعمه الكرية ورائحته المنتنة لفرط الجوع‪ ،‬وأحيانا ً ل يجدون سوى التمر وقد‬
‫يلبثون ثلثة أيام ل يذوقون طعامًا! وكان أشد أمر عليهم نجم النفاق وفشل‬
‫الناس وعظم البلء واشتداد الخوف وخيف على الذراري والنساء فقد أحاطوا‬
‫كم من فَوقك ُم وم َ‬
‫م‬‫منك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ف َ‬‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ْ َ ِ ْ‬ ‫ؤو ُ ّ‬ ‫جا ُ‬‫بالجميع وادلهم الخطب بالمة إ ِذ ْ َ‬
‫]الحزاب‪ ،[10:‬وكان النبي في هذا الوقت العصيب يبشرهم بأمر عظيم! قال‬
‫البراء‪ :‬لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة ل تأخذ منها‬
‫المعاول‪ ،‬فاشتكينا ذلك لرسول ‪ ،‬فجاء وأخذ المعول فقال‪ } :‬بسم الله‪ ،‬ثم‬
‫ضرب ضربة‪ ،‬وقال‪ :‬الله كبر‪ ،‬أعطيت مفاتيح الشام‪ ،‬والله إني لنظر إلى‬
‫قصورها الحمر الساعة‪ ،‬ثم ضرب الثانية فقطع آخر‪ ،‬فقال‪ :‬الله كبر‪ ،‬أعطيت‬
‫فارس‪ ،‬والله إني لبصر قصر المدائن الن‪ ،‬ثم ضرب الثالثة فقال‪ :‬بسم الله‬
‫فقطع بقية الحجر‪ ،‬فقال‪ :‬الله أكبر أعطيت مفاتح اليمن‪ ،‬والله إني لبصر‬
‫صنعاء من مكاني {‪.‬‬
‫والنبي يبشر ويرفع من عزائم الصحابة وكان أحدهم من شدة الجوع يرفع‬
‫عن بطنه الحجر فرفع رسول الله عن بطنه الشريف حجرين!‬
‫وأما أهل النفاق وضعفاء النفوس ممن أّثر فيهم الرجاف فقد تزعزعت‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫قلوبهم وانخلعت صدورهم لرؤية الجموع والعدد والعدة وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫ه إ ِّل غُُرورا ً ]الحزاب‪.[13:‬‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫وقال المنافقون في ما بشر النبي من خزائن كسرى وقيصر‪ :‬كان محمد‬
‫يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر‪ ،‬وأحدنا اليوم ل يأمن على نفسه أن يذهب‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ْ‬
‫ي‬
‫م الن ّب ِ ّ‬
‫من ْهُ ُ‬ ‫ن فَ ِ‬
‫ريقٌ ّ‬ ‫إلى الغائط‪ ،‬وقالوا تنصل ً من الجهاد وهربا ً منه‪ :‬وَي َ ْ‬
‫ست َأذِ ُ‬
‫ن إ ِّل فَِرارا ً ]الحزاب‪.[113:‬‬ ‫دو َ‬
‫ري ُ‬
‫ي ب ِعَوَْرةٍ ِإن ي ُ ِ‬
‫ما هِ َ‬
‫ن ب ُُيوت ََنا عَوَْرة ٌ وَ َ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن إِ ّ‬ ‫يَ ُ‬
‫واشتغل النبي وأصحابه بمقارعة العدو وأخذ العدة وحفر الخندق حتى فاتت‬
‫المسلمين بعض الصلوات‪ ،‬ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب جاء يوم‬
‫الخندق فجعل يسب كفار قريش‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله! ما كدت أن أصلي‬
‫حتى كادت الشمس أن تغرب‪ ،‬فقال النبي ‪ } :‬والله ما صليت { وقد أهم‬
‫النبي فوات الصلة فدعا عليهم } مل الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا ً كما‬
‫شغلونا عن الصلة الوسطى حتى غابت الشمس {‪ ،‬وبقيت الساعات‬
‫العصيبة أياما وليال وزادها سوء نقض بني قريظة العهد مع الرسول فاكتمل‬
‫عقد الحزاب حول المدينة الصامدة! ولما بلغ رسول الله غدر بني قريظة‬
‫تقنع بثوبه واضطجع ومكث طويل حتى اشتد على الناس البلء ثم نهض‬
‫يقول‪ } :‬الله أكبر‪ ،‬أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره {! وسعى‬
‫النبي لمجابهة الظرف العصيب وأن يفرق جمعهم فأراد أن يصالح غطفان‬
‫على ثلث ثمار المدينة حتى ينصرفوا وتخف الوطأة على المسلمين فيلحقوا‬
‫بقريش الهزيمة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫واستشار سعد بن معاذ وسعد بن عباده رضي الله عنهما في المر‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫رسول الله؛ إن كان الله أمرك بهذا فسمعا ً لله وطاعة‪ ،‬وإن كان شيء تصنعه‬
‫لنا فل حاجة لنا فيه‪ ،‬لقد كنا نحن وهؤلء القوم على الشرك بالله وعبادة‬
‫الوثان وهم ل يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إل قرى أو بيعًا‪ ،‬فحين أكرمنا الله‬
‫بالسلم وهدانا له‪ ،‬وأعزنا بك تعطيهم أموالنا؟ والله ل نعطيهم إل السيف‪.‬‬
‫فصوب رأيهما وقال‪ } :‬إنما هو شيء أصنعه لكم‪ ،‬لما رأيت العرب قد رمتكم‬
‫عن قوس واحدة {‪.‬‬
‫وكان النبي في تلك اليام الصعبة يبعث الحرس إلى المدينة لئل تؤتى‬
‫الذراري والنساء على حين غّره! فالمر مهول والحزاب تسمع أصواتهم‪،‬‬
‫والنبال تصل إلى خيل المسلمين! وقد وصف الله عز وجل تلك الساعات‬
‫َ‬
‫صاُر‬‫ت اْلب ْ َ‬ ‫العصيبة بوصف عجيب كأن العين تراهم‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬وَإ ِذ ْ َزاغَ ْ‬
‫ن وَُزل ْزُِلوا‬
‫مُنو َ‬ ‫ي ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ الظ ُّنوَنا‪ ،‬هَُنال ِ َ‬
‫ك اب ْت ُل ِ َ‬ ‫جَر وَت َظ ُّنو َ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫حَنا ِ‬ ‫قُلو ُ‬
‫ت ال ْ ُ‬‫وَب َل َغَ ِ‬
‫ديدا ً ]الحزاب‪.[11 -10:‬‬ ‫ش ِ‬ ‫زِل َْزال ً َ‬
‫ولما أمر الله عز وجل بانجلء الغمة وتفريج الكربة صنع أمرا ً من عنده‪ ،‬خذل‬
‫به العدو وهزم جموعهم وفل حدهم‪ ،‬وساق نعيم بن مسعود للتفريق بينهم!‬
‫والنبي يرفع يديه إلى السماء } اللهم منزل الكتاب سريع الحساب‪ ،‬اهزم‬
‫الحزاب‪ ،‬اللهم اهزمهم وزلزلهم { وكان المسلمون يدعون ربهم "اللهم‬
‫استر عوراتنا وآمن روعاتنا"‪.‬‬
‫ً‬
‫فاستجاب الله الدعاء وبلغ المل وأذن بالنصر‪ ،‬و أرسل جنودا من الرعب‬
‫والريح قلبت قلوبهم وقدورهم‪ ،‬وقوضت قوتهم وخيامهم ودفنت رحالهم‬
‫وآمالهم‪ ،‬فلم تدع قدرا ً إل كفأتها ول طنبا ً إل قلعته! ول قلبا ً إل أهلعته‬
‫وأرعبته‪.‬‬
‫وبعد معركة الحزاب أزفت البشائر وأشرقت المدينة‪ ،‬بقول النبي ‪ } :‬الن‬
‫نغزوهم ول يغزوننا‪ ،‬نحن نسير إليهم {‪ ،‬وفي اجتماع الحزاب في أزمنة‬
‫متفرقة ومرات عديدة خلل العصور‪ ،‬حكمة بالغة في الرجوع إلى الله‪،‬‬
‫وصدق التوكل عليه‪ ،‬والنابة والذل وإظهار الحاجة‪ ،‬وبذل الغالي لهذا الدين‪،‬‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى‪ :‬يريدو َ‬
‫م ُنوَرهُ‬ ‫م وَي َأَبى الل ّ ُ‬
‫ه إ ِل ّ أن ي ُت ِ ّ‬ ‫ؤوا ْ ُنوَر الل ّهِ ب ِأفْ َ‬
‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أن ي ُط ْ ِ‬
‫ف ُ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫ن ]التوبة‪ .[32:‬قال ابن القيم رحمه الله‪" :‬ومن ظن إزالة‬ ‫وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ َ‬
‫كافُِرو َ‬
‫أهل الكفر على أهل السلم إزالة تامة فقد ظن بالله السوء"‪ .‬وعلى مر‬
‫العصور وتقلب الدهور قول الصادق } بشر هذه المة بالسناء والرفعة‬
‫صُروا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫والتمكين {‪ ،‬لكن المر مشروط بشروطه‪ ،‬ومقيد بقيوده ِإن َتن ُ‬
‫م ]محمد‪.[17:‬‬ ‫صْرك ُ ْ‬
‫َين ُ‬
‫عبدالملك القاسم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫غزوة الحزاب ‪ -‬مواقف وعبر‬


‫عبدالملك القاسم‬
‫دار القاسم‬
‫بعد غزوة أحد أظلت المدينة سحابة حزن لفقد الحبة شهداء في سبيل الله‪..‬‬
‫وخيم السكون حينا ً على الجزيرة العربية‪ .‬ولم يكق ذلك الهدوء الذي أظل‬
‫المدينة إل ً بداية لتحزب الحزاب من ملل الكفر والشرك‪ ،‬يتحينون الفرص‬
‫ويسابقون إلى العداوة! فل يهنأ لهم بال ول يقر لهم قرار حتى يكون معقل‬
‫السلم ومدينته تحت أيديهم يجوسون فيها تقتيل ً وافسادًا‪ .‬وما نقموا منهم إل‬
‫أن يؤمنوا بالله العزيز الحكيم ]البروج‪.[10:‬‬
‫في السنة الخامسة للهجرة خرجت شرذمة من اليهود نحو كفار مكة‬
‫ليألبوهم ويحرضوهم على غزو المدينة‪ ،‬ومحاولة استئصال شأفة السلم‪،‬‬
‫وقتل محمد ‪ ،‬والتنكيل بأصحابة! ثم خرج الرهط يحمل الحقد والكراهية‬
‫للمسلمين نحو غطفان ليكتمل عقد الحزاب‪.‬‬
‫وتداعت الجموع وأقبل الشر بخيله ورجله‪ ،‬فخرجت من الجنوب قريش‬
‫وكنانة وأهل تهامة‪ ،‬ووافاهم بنو سليم وخرجت من الشرق قبائل غطفان‬
‫وكذلك خرجت بنو أسد‪ .‬واتجهت الحزاب الكافرة صوب المدينة حتى تجمع‬
‫حولها جيش عرمرم يبلغ عدده عشرة آف مقاتل! جيش يزيد عدده على‬
‫سكان المدينة رجال ً ونساءًا‪ ،‬صغارا ً وكبارًا! في جوع منهم شديد‪ ،‬وبرد‬
‫وزمهرير‪ ،‬وعده قليلة‪ ،‬وما عند الله خير وأبقى!‬
‫اجتمع الحزاب حول المدينة لسبب واحد ل غير وإن اختلفت اللسن ول‬
‫يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن ديكنم إن استطاعوا ]البقرة‪.[217:‬‬
‫وفي هذا الجو المكفهر والكرب الشديد انقسم أهل المدينة إلى قسمين‪:‬‬
‫قسم آمن بوعد الله وصدق بنصر رسالته ولما رأى المؤمنون الحزاب قالوا‬
‫هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إل إيمانا وتسليما‬
‫]الحزاب‪.[22:‬‬
‫فشدوا للقتال وقدموا المهج والرواح وبذلوا السباب بحفر الخندق وحراسة‬
‫المدينة ليل نهار مع ما أصابهم من الجوع والفاقه‪ ،‬فقد كان طعام الجيش‬
‫قليل ً من الشعير يخلط بدهن سنخ متغير الرائحة لقدمه‪ ،‬ويطبخ فيأكلونه رغم‬
‫طعمه الكرية ورائحته المنتنة لفرط الجوع‪ ،‬وأحيانا ً ل يجدون سوى التمر وقد‬
‫يلبثون ثلثة أيام ل يذوقون طعامًا! وكان أشد أمر عليهم نجم النفاق وفشل‬
‫الناس وعظم البلء واشتداد الخوف وخيف على الذراري والنساء فقد أحاطوا‬
‫بالجميع وادلهم الحطب بالمة إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم‬
‫]الحزاب‪ ،[10:‬وكان النبي في هذا الوقت العصيب يبشرهم بأمر عظيم! قال‬
‫البراء‪ :‬لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة ل تأخذ منها‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعاول‪ ،‬فاشتكينا ذلك لرسول ‪ ،‬فجاء وأخذ المعول فقال‪ } :‬بسم الله‪ ،‬ثم‬
‫ضرب ضربة‪ ،‬وقال‪ :‬الله كبر‪ ،‬أعطيت مفاتيح الشام‪ ،‬والله إني لنظر إلى‬
‫قصورها الحمر الساعة‪ ،‬ثم ضرب الثانية فقطع آخر‪ ،‬فقال‪ :‬الله كبر‪ ،‬أعطيت‬
‫فارس‪ ،‬والله إني لبصر قصر المدائن الن‪ ،‬ثم ضرب الثالثة فقال‪ :‬بسم الله‬
‫فقطع بقية الحجر‪ ،‬فقال‪ :‬الله أكبر أعطيت مفاتح اليمن‪ ،‬والله إني لبصر‬
‫صنعاء من مكاني {‪.‬‬
‫والنبي يبشر ويرفع من عزائم الصحابة وكان أحدهم من شدة الجوع يرفع‬
‫عن بطنه الحجر فرفع رسول الله عن بطنه الشريف حجرين!‬
‫وأما أهل النفاق وضعفاء النفوس ممن أثر فيهم الرجاف فقد تزعزعت‬
‫قلوبهم وانخلعت صدورهم لرؤية الجموع والعدد والعدة وإذ يقول المنافقون‬
‫والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إل غرورا ]الحزاب‪.[13:‬‬
‫وقال المنافقون في ما بشر النبي من خزائن كسري وقيصر‪ :‬كان محمد‬
‫يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر‪ ،‬وأحدنا اليوم ل يأمن على نفسه أن يذهب‬
‫إلى الغائط‪ ،‬وقالوا تنصل ً من الجهاد وهربا ً منه‪ :‬ويستأذن فريق منهم النبي‬
‫يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إل فرارا ]الحزاب‪.[113:‬‬
‫واشتغل النبي وأصحابه بمقارعة العدو وأخذ العدة وحفر الخندق حتى فاتت‬
‫المسلمين بعض الصلوات‪ ،‬ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب جاء يوم‬
‫الخندق فجعل يسب كفار قريش‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله! ما كدت أن أصلي‬
‫حتى كادت الشمس أن تغرب‪ ،‬فقال النبي ‪ } :‬والله ما صليت { وقد أهم‬
‫النبي فوات الصلة فدعا عليهم } مل الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا ً كما‬
‫شغلونا عن الصلة الوسطى حتى غابت الشمس {‪ ،‬وبقيت الساعات‬
‫العصيبة أياما وليال وزادها سوء نقض بني قريظة العهد مع الرسول فاكتمل‬
‫عقد الحزاب حول المدينة الصامدة! ولم بلغ رسول اللع غدر بني قريظة‬
‫تقنع بثوبه واضطجع ومكث طويل حتى اشتد على الناس البلء ثم نهض‬
‫يقول‪ } :‬الله أكبر‪ ،‬أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره {! وسعى‬
‫النبي لمجابهة الظرف العصيب وأن يفرق جمعهم فأراد أن يصالح غطفان‬
‫على ثلث ثمار المدينة حتى ينصرفوا وتخف الوطأة على المسلمين فيلحقوا‬
‫بقريش الهزيمة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫واستشار سعد بن معاذ وسعد بن عباده رضي الله عنهما في المر‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫رسول الله؛ إن كان الله أمرك بهذا فسمعا ً بالله وطاعة‪ ،‬وإن كان شيء‬
‫تصنعه لنا فل حاجة لنا فيه‪ ،‬لقد كنا نحن وهؤلء القوم على الشرك بالله‬
‫وعبادة الوثان وهم ل يطعمون أن يأكلوا منها ثمرة إل قرى أو بيعًا‪ ،‬فحين‬
‫كرمنا الله بالسلم وهدانا له‪ ،‬وأعزنا بك تعطيهم أموالنا؟ والله ل نعطيهم إل‬
‫السيف‪ .‬فصوب رأيهما وقال‪ } :‬إنما هو شيء اصنعه لكم‪ ،‬لما رأيت العرب‬
‫قد رمتكم عن قوس واحدة {‪.‬‬
‫وكان النبي في تلك اليام الصعبة يبعث الحرس إلى المدينة لئل تؤتى‬
‫الذراري والنساء على حين غره! فالمر مهول والحزاب تسمع أصواتهم‪،‬‬
‫والنبال تصل إلى خيل المسلمين! وقد وصف الله عز وجل تلك الساعات‬
‫العصيبة بوصف عجيب كأن العين تراهم‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬وإذ زاغت البصار‬
‫وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا‪ ،‬هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا‬
‫زلزال ً شديدا ً ]الحزاب‪.[11 -10:‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولما أمر الله عز وجل بانجلء الغمة وتفريج الكربة صنع أمرا ً من عنده‪ ،‬خذل‬
‫به العدو وهزم جموعهم وفل حدهم‪ ،‬وساق نعيم بن مسعود للتفريق بينهم!‬
‫والنبي يرفع يديه إلى السماء } اللهم منزل الكتاب سريع الحساب‪ ،‬اهزم‬
‫الحزاب‪ ،‬اللهم اهزمهم وزلزلهم { وكان المسلمون يدعون ربهم "اللهم‬
‫استر عوراتنا وآمن روعاتنا"‪.‬‬
‫فاستجاب الله الدعاء وبلغ المل وأذن بالنصر‪ ،‬و أرسل جنودا من الرعب‬
‫والريح قلبت قلوبهم وقدورهم‪ ،‬وقوضت قوتهم وخيامهم ودفنت رحالهم‬
‫وآمالهم‪ ،‬فلم تدع قدرا ً إل كفأتها ول طنبا ً إل قلعته! ول قلبا ً إل أهلعته‬
‫وارعبته‪.‬‬
‫وبعد معركة الحزاب أزفت البشائر وأشرقت المدينة‪ ،‬بقول النبي ‪ } :‬الن‬
‫نغزوهم ول يغزوننا‪ ،‬نحن نسير إليهم {‪ ،‬وفي اجتماع الحزاب في أزمنة‬
‫متفرقة ومرات عديدة خلل العصور‪ ،‬حكمة بالغة في الرجوع إلى الله‪،‬‬
‫وصدق التوكل عليه‪ ،‬والنابة والذل وإظهار الحاجة‪ ،‬وبذل الغالي لهذا الدين‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إل أن يتم نوره‬
‫ولو كره الكافرون ]التوبة‪ .[32:‬قال ابن القيم رحمة الله‪" :‬ومن ظن إدالة‬
‫أهل الكفر على أهل السلم إدالة تامة فقد ظن بالله السوء"‪ .‬وعلى مر‬
‫العصور وتقلب الدهور قول الصادق } بشر هذه المة بالسناء والرفعة‬
‫والتمكين {‪ ،‬لكن المر مشروط بشروطه‪ ،‬ومقيد بقيوده إن تنصروا الله‬
‫ينصركم ]محمد‪.[17:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫غزوة الخندق او الحزاب ) شوال السنة ‪ 5‬هـ (‬


‫زمنها شوال من السنة الخامسة للهجرة‬
‫لماذا سميت غزوة الحزاب ؟ سميت كذلك لنه اجتمع فيها مجموعة من‬
‫الحزاب قصد القضاء على السلم والمسلمين في المدينة وكان يهود خيبر‬
‫وبخاصة بنو النضير الذين طردوا من المدينة هم الذين جمعوا وحزبوا‬
‫الحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬يروي ابن هشام انهم‬
‫خرجوا حتى قدموا مكة على قريش فدعوهم إلى حرب محمد وقالوا إنا‬
‫سنكون معكم عليه حتى نستأصله …‪..‬‬
‫ثم خرج هؤلء اليهود إلى غطفان وبني مرة و أشجع وأثاروهم كذلك‬
‫‪.‬فاستجاب أبو سفيان لدعوة اليهود وحشد لهذه الغزوة كل قواه ‪ ،‬وعمل لها‬
‫كل حيلة رجاء أن تنجح ‪ ،‬وتجمعت قوى الحزاب في جيش هائل لعل الجزيرة‬
‫العربية لم تشهده من قبل ‪ ،‬إذ كان عدده يربو على عشرة آلف مقاتل ‪.‬‬
‫واتخذ المسلمون في هذه الموقعة موقف الدفاع فبدا الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم يشاور أصحابه في المر وكان من بين أصحابه الذين سمع‬
‫مشورتهم عليه الصلة والسلم " سلمان الفارسي " الذي أشار عليه بحفر‬
‫خندقا عميقا واسعا شمال المدينة ويلتف حولها من الغرب إذ كانت الجهات‬
‫الخرى محصنة بالجبال والنخيل ‪ ،‬وبدأ المسلمون بحفر الخندق وشاركهم‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم في الحفر وبينما هم في ذلك الجهد والعمل‬
‫تقاعس المنافقون وتخاذلوا بحجة شعورهم بالرهاق ‪ ،‬واخذوا يتسللون‬
‫هاربين من العمل دون إذن الرسول صلى الله عليه وسلم ويذهبون إلى‬
‫بيوتهم بينما أبطال المسلمين منهمكين في الحفر وكانوا يسابقون بعضهم‬
‫بعضا في الحفر كسبا للجر وتنفيذا لمر الرسول صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وواجه سلمان الفارسي في حفره صخرة أراد كسرها لكنه لم يستطع تفتيتها‬
‫لصلبتها ‪ ،‬طلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتركها له فامسك أداة‬
‫الكسر وكبر وضرب الصخرة فانفلقت …‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد استغرق حفر الخندق عشرون يوما وفي رواية أخرى شهرا كامل ‪ .‬من‬
‫جانب آخر كان اليهود والمنافقين في المدينة يخوفون المسلمين ويضخمون‬
‫أنباء الحشود المشركة ويشيعون أنه ل أمل للمسلمين في الدفاع عن‬
‫المدينة وان كل قبائل العرب قد اتفقت للقضاء على السلم وقد وصلت بهم‬
‫الوقاحة أن بعض المنافقين قال ساخرا " لقد كان محمدا يعدنا بقصور صنعاء‬
‫وفارس وها نحن أحدنا ل يأمن على نفسه وهو يذهب لقضاء حاجته ! "" لقد‬
‫أثر ذلك تأثيرا كبيرا على نفسية المسلمين وبدأ الكثير منهم يخاف واشتد‬
‫عليهم المر فكانت قمة المحنة ‪.‬عند ذلك حاول عدو الله حي بن اخطب أن‬
‫يقوم بشيء فيه من الخبث والمكر ما يأثر على الجبهة الداخلية في المدينة‬
‫وذلك انه أتى كعب بن أسد وهو زعيم بني قريظة الذين عاهدوا الرسول أل‬
‫يحاربوا ضده ‪ ،‬فأراد هذا الخبيث أن يدخل حصن كعب فلما علم هذا الخير‬
‫قصده أوصد دونه أبواب الحصن ‪ ،‬ولكن عدو الله ظل يحاور كعب حتى فتح‬
‫له أبواب الحصن ومازال معه يثنيه عن العهد وكعب يقول " دعني وما أنا‬
‫عليه ‪ ..‬فاني لم أر من محمد إل صدقا ووفاءا ‪ .‬إل أن هذا الخبيث ظل معه‬
‫حتى نقض عهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ .‬فلم علم بذلك‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم وفدا يستكشف أخبارهم وكان‬
‫الوفد مكونا من سيد الوس في المدينة سعد بن معاذ وسيد الخزرج في‬
‫المدينة سعد بن عبادة والصحابي عبد الله بن رواحة ‪ .‬وعاد الوفد إلى‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم بالخبر المؤلم ‪ ،‬لقد نقض يهود بني قريظة‬
‫العهد ‪ ،‬وهكذا انضم بنوا قريضة إلى الحزاب ‪ .‬واشتد البلء والخوف فلتوازن‬
‫بين القوى ‪ ..‬الحزاب عشرة آلف مقاتل ‪ ،‬والمسلمون ثلثة آلف رجل ففي‬
‫هذا الوقت العصيب حاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخفف البلء عن‬
‫المسلمين بمفاوضة غطفان على ثلث ثمار المدينة مقابل رجوعهم ‪ ،‬وكتب‬
‫بذلك كتابا استشار فيه النصار ‪ ،‬أصحاب الرض والبساتين ‪ .‬فقال له سعد‬
‫بن معاذ " أمرا تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به لبد لنا من العمل به أم‬
‫شيئا تصنعه لنا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل شيء اصنعه‬
‫لكم ‪ ،‬والله ما اصنع ذلك إل أني رأيت العرب قد رمتكم بقوس واحد " فقال‬
‫سعد بن معاذ ‪ :‬يا رسول الله قد كنا وهؤلء على الشرك وعبادة الوثان ول‬
‫نعبد الله ول نعرفه وهم ل يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إل قرى أو بيعا !‬
‫أفحين أكرمنا الله بالسلم وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا !؟ والله‬
‫ما لنا بهذا حاجة ‪ ،‬والله ل نعطيهم إل السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ‪.‬‬
‫فقال عليه الصلة والسلم فأنت وذاك ‪ ،‬فتناول سعد بن معاذ صحيفة الصلح‬
‫المقترح فمزقها ‪ .‬أقام المسلمون داخل المدينة المحصنة وقريش وحلفاؤها‬
‫من الخارج ولم يكن هنالك قتال مباشر بين الجيشين وقد أثبتت فكرة‬
‫الخندق أنها فكرة عظيمة وكانت عامل مهما في منع الحزاب اقتحام‬
‫المدينة ‪ ،‬وقد حاول بعض فرسان قريش التسلل إلى المدينة عن طريق‬
‫مكان ضيق من الخندق ‪ ،‬ولكن فرسان المسلمين بقيادة علي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه تصدوا لهم وحالوا بينهم وبين ذلك وقتلوا منهم عددا كبيرا ‪ ،‬ثم‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قام رجل مسلم يخفي إسلمه يدعى نعيم ابن مسعود الشجعي وكان أحد‬
‫دهاة العرب بمكيدة بين فريقي الحلف المعادي للسلم قريش واليهود‬
‫ومشى بينهم بكلم ثبط همم بعضهم البعض فأوهن الله صفوفهم وبث‬
‫الفرقة بينهم ووقعت بينهم عداوة ‪ ،‬وعدم الثقة في الطرف الخر فاختلفوا‬
‫اختلفا شديدا وأرسل الله الملئكة يزلزلون الرض من تحت أقدامهم ويلقون‬
‫في قلوبهم الرعب ‪ .‬وهبت ريح شديدة اقتلعت الخيام وقلبت القدور وأطفأت‬
‫النيران وهربت الخيل في الصحراء ‪ .‬وهكذا رد الله كيد الكفار والمنافقين‬
‫واليهود ورد المشركين عن المدينة ‪ ،‬وكفى الله المؤمنين شر القتال وصدق‬
‫وعده وأعز جنده وهزم الحزاب وحده ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫غزوة بدر انتصار وقلب لموازين القوى‬


‫عبدالعزيز العبداللطيف ‪18/9/1424‬‬
‫‪12/11/2003‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحدثت معركة بدر الكبرى‪ ،‬تحويل كبيرا في مجريات الحداث داخل الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬كما غيرت كثيرا ً من المعالم الجتماعية والسياسية والعسكرية‬
‫والقتصادية‪ ،‬ولعل أبرز ما أحدثته بادئ ذي بدء‪ ،‬ذلك الشرح الكبير في‬
‫موازين القوى بين التجمعات السكانية والعشائر العربية‪ ،‬ولم يكن أحد من‬
‫سكان الجزيرة العربية يتوقع آنذاك أن تغير هذه المعركة مجريات المور‬
‫وأحداث الحياة‪ ،‬وكانت تسكن الجزيرة ‪ -‬بعد الهجرة بسنتين‪ -‬فئات مختلفة‬
‫توزعت بين الحواضر والبادية‪ ،‬كما اختلفت تحالفات تلك الفئات تبعا ً لعقائدها‪،‬‬
‫حيث انقسمت الجزيرة العربية بسكانها قسمين رئيسين‪ ،‬مجتمع الكفر‬
‫والضلل والجاهلية‪ ،‬ويشمل فئات متعددة‪ ،‬أبرزها مجتمع مكة الجاهلي‪ ،‬ثم‬
‫مجتمع العشائر والقبائل العربية التي تعيش في البادية‪ ،‬وهناك طائفة اليهود‬
‫التي كانت تقبع حول المدينة المنورة‪ ،‬وتعتبر هذه التجمعات هي أركان‬
‫المجتمع الكافر بين يدي غزوة بدر‪ ،‬وأما القسم الثاني من سكان الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬فهم المسلمون الذين اتخذوا المدينة المنورة سكنا ً لهم‪ ،‬وهم‬
‫المهاجرون والنصار‪ ،‬وسوف أتناول هنا أثر معركة بدر على كل فئة من هذه‬
‫الفئات‪.‬‬
‫غزوة بدر في مجتمع المدينة المسلم‬
‫ومجتمع المدينة مجتمع صغير‪ ،‬يجمع بين المهاجرين ‪ ،‬والوس والخزرج من‬
‫النصار‪ ،‬بايعوا الله ورسوله على اليمان والسلم والجهاد في سبيل الله‬
‫لعلء كلمته‪ ،‬وبعد انتهاء معركة بدر‪ ،‬أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫رجلين إلى المدينة؛ ليزفوا البشرى لهلها بنصر الله‪ ،‬وأحد هذين الرجلين من‬
‫النصار وهو عبدالله بن رواحه شاعر الدعوة‪ ،‬والخر زيد بن حارثة وهو من‬
‫المهاجرين‪ ،‬ولما غنم أهل المدينة بنصر إخوانهم في معركة اليمان والشرك‬
‫الفاصلة‪ ،‬خرج رؤوسهم يستبقون وصول رسول الله إلى المدينة‪ ،‬ولما وصل‬
‫الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إلى منطقة الروحاء‪ ،‬التقى كبار رجال‬
‫المدينة المسلمة‪ ،‬الذين قدموا له ولمن شهد بدرا ً معه تهانئ النصر فرحين‬
‫مستبشرين بنصر الله‪ ،‬وهذا موقف فيه كثير من الدللت‪ ،‬لقد وفد‬
‫المسلمون دون خوف أو هلع أو خشية‪ ،‬جاءوا مرفوعي الرأس بما منحهم‬
‫الله من نصر‪ ،‬وكانوا يعانون من الظلم والرهق والعناد الذي كانت تواجههم‬
‫به مجتمعات الكفر‪ ،‬فلقد رفعت غزوة بدر من معنويات المسلمين‪ ،‬فشد الله‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أزرهم بذلك‪ ،‬فازدادوا بذلك نصًرا فوق نصرهم‪ ،‬وأثناء تهنئة وفود المدينة‬
‫للرسول وصحبة‪ ،‬قال لهم أحد المقاتلين‪ ،‬وهو سلمه بن سلمة‪ ،‬ما الذي‬
‫تهنئوننا به؟ فوالله إن لقينا إل عجائز صلعا ً كالبدن‪ ،‬فتبسم رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬وقال‪ :‬يا ابن أخي‪ ،‬أولئك المل‪ ،‬وقد قصد ‪-‬رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬أنهم الشراف‪ ،‬وفي ذلك ما فيه من معاني العزة السلمية‪،‬‬
‫فوصف سلمة بن سلمة لصناديد المشركين أثناء القتال بأنهم عجائز صلع‬
‫كالبدن‪ ،‬يدل على مدى القوة التي منحها السلم العظيم لجنود بدر‪ ،‬بحيث‬
‫كان كل جندي يستصغر فراعين قريش‪ ،‬وكفارها العتاة‪ ،‬الذين أذاقوا ضعاف‬
‫المسلمين في مكة سوء العذاب‪ ،‬فقد كانوا هم الشراف‪ ،‬وكانوا يعاملون‬
‫المسلمين بأسوأ أشكال العنف والضطهاد‪.‬‬
‫أما موقف المتخلفين عن بدر من أهل المدينة المسلمين‪ ،‬فقد كان موقفا ً‬
‫مؤثرا ً جدًا‪ ،‬كيف ل؟ وهم ل يعرفون أن إخوانهم وقائدهم سوف يخوضون‬
‫هذه المعركة الفاصلة‪ ،‬التي انتصرت فيها القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة‬
‫المشركة‪ ،‬ولعل في قول الصحابي أسيد بن الخضير ما يبوح بذلك‪ ،‬ففي‬
‫الروجاء‪ ،‬كان أسيد مع وفود التهنئة‪ ،‬وقد خاطب الرسول صلى الله عليه‬
‫ل‪" :‬يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر‪ ،‬وأنا أظن أنك تلقى عدًوا‪،‬‬ ‫وسلم قائ ً‬
‫ولكن ظننت أنها عبر‪ ،‬ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت‪..‬‬
‫أما مجتمع المدينة فقد كان ينتظر نتائج المعركة على أحر من الجمر‪ ،‬ولما‬
‫وصلهم البشيران )ابن رواحه وابن حارثه( علت أصوات المسلمين بالتهليل‬
‫ذل المنافقون واليهود الذين كانوا يبشرون المسلمين بخسارة‬ ‫خ ِ‬
‫والتكبير‪ ،‬و ُ‬
‫محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وصحبه‪ ،‬وكان هؤلء يحاولون زرع الشكوك‬
‫وبث الرعب في صفوف المسلمين‪ ،‬إل أن خبر النصر أزعجهم‪ ،‬بينما عمت‬
‫البهجة والسرور نفوس المسلمين‪ ،‬وزالت عنهم الهواجس المزعجة‪ ،‬التي‬
‫انتابتهم نتيجة الشاعات الكاذبة‪ .‬والرجاف المقصود‪ ،‬الذي نظمه اليهود‬
‫والمنافقون‪ ،‬وهذا شأنهم في كل عصر وفي كل مكان‪ ،‬فهما فريقان متفقان‬
‫دائما ً على الكيد للمسلمين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولما دخل الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬المدينة استقبله أهلها استقبال ً‬
‫رائعًا‪ ،‬أما اليهود والمنافقون فقد اسودت وجوههم‪ ،‬واستبد بهم الخوف‬
‫والحقد في آن واحد بينما ارتفعت معنويات المسلمين‪ ،‬وعلت شوكتهم على‬
‫المشركين والمنافقين واليهود‪ ،‬وتسامع العرب في أرجاء الجزيرة بانتصار‬
‫القلة المؤمنة‪ ،‬على الكثرة الكافرة‪ ،‬فدخلت هيبة السلم والمسلمين في‬
‫قلوبهم‪ ،‬وكان لهذا أثر كبير في إيمان كثير من القبائل ودخولها في معاهدات‬
‫وأحلف مع المسلمين‪ ،‬بل ودخول بعضها في السلم فيما بعد‪.‬‬
‫صدى المعركة في مكة وآثارها على المشركين‬
‫قلنا إن معركة بدر انتهت بتغيير موازين القوى الروحية والسياسية‬
‫والعسكرية والجتماعية في الجزيرة العربية‪ ،‬وكان أن قفزت سمعة‬
‫المسلمين العسكرية والقتالية إلى الوج‪ ،‬فأصبحوا سادة الموقف‪ ،‬ول سيما‬
‫في منطقة المدينة وما يحيط بها‪ ،‬وبالمقابل‪ ،‬فإن سمعة قريش الكافرة‬
‫تدهورت سياسيا ً وعسكريا ً وما عادت لها هيبتها السابقة‪.‬‬
‫أما أخبار المعركة في مكة‪ ،‬فقد عم الذهول أرجاء مكة آنذاك‪ ،‬فعندما تلقى‬
‫المشركون النبأ لم يصدقوا المر بادئ ذي بدء‪ ،‬حيث كانوا يتهمون ناقلي‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخبار بالجنون‪ ،‬فما كان يخطر ببالهم أن ينتصر المسلمون‪ ،‬وما كانوا‬
‫يتصورون أن ألف مقاتل من خيرة شباب قريش وأمهر قادتها وأشجع‬
‫زعمائها سوف يولون الدبار أو يقتلون أو يصابون بما لم يعهدوه من الخسارة‬
‫والهزيمة‪ ،‬بل الهزيمة النكراء أمام ثلثمائة مقاتل من المسلمين‪ ،‬وكان أول‬
‫من وصل من بدر إلى مكة‪ ،‬الحيسمان بن أياس الخزامي‪ ،‬الذي كان أول‬
‫الفارين‪ ،‬وقد تجمع حوله الناس يسألونه عن نتيجة المعركة‪ ،‬فأبلغهم خبر‬
‫الهزيمة التي نزلت بجيش مكة‪ ،‬وبينما كان يعدد لهم بعض أسماء الصرعى‬
‫من زعماء مكة وقادتها وقف عليه صفوان بن أمية‪ ،‬وهو أحد زعماء‬
‫المشركين الذين لم يشهدوا بدرا ً فذهل وانقلب به الوعي‪ ،‬إل أن كبرياءه‬
‫وعتوه وعناده وبغضه للمسلمين آنذاك‪ ،‬حاد به عن تصديق المر‪ ،‬فعاد يكذب‬
‫الحيسمان وأخباره‪ ،‬وراح يؤكد لمن حضر من القرشيين أنه مجنون‪ ،‬ورغبة‬
‫منه في التأكيد الزائد التفت إلى المجتمعين وخاطبهم‪ :‬اسألوه‪ -‬يقصد‬
‫الحيسمان‪ -‬عني إن كان يعقل‪ ،‬فقال القوم للحيسمان‪ :‬ما فعل صفوان بن‬
‫أمية! فقال‪ :‬هو ذاك جالس في الحجر‪ ،‬وقد ازدادت دهشتهم حين قال لهم‪:‬‬
‫لقد رأيت أباه وأخاه حين قتل‪.‬‬
‫أما هذه النباء فقد اختلط فيها الحابل بالنابل في مكة‪ ،‬وأسقط في أيدي‬
‫الزعماء العتاة‪ ،‬الذين علت صيحات التشكيك من أفواههم‪ ،‬وهاج عامة‬
‫الناس‪ ،‬واختلطت أقوالهم وتحليلتهم للموقف وما عاد المرء منهم يعرف‬
‫صوابه لهول الصدمة وعنف الخبر‪ ،‬وقد زاد المر تأكيدا ً عليهم‪ ،‬مجيء ابن‬
‫سفيان بن الحارث‪ ،‬وهو أحد القادة المشركين الكبار‪ ،‬الذين قادوا المعركة‬
‫وأداروها‪ ،‬وترأسوا دفة القتال ضد المسلمين في المعركة‪ ،‬فبدأ أقواله بجميع‬
‫ما أخبرهم به الحيسمان‪ ،‬وأدلهم على هزيمة فرسان الشرك وجيوشه أمام‬
‫النصر الساحق للمسلمين القلة‪ ،‬وفي حديث الحارث لبي لهب ما يوضح‬
‫الموقف على لسان أحد القادة‪ ،‬فقد سأله أبو لهب عن خبر المعركة فأجابه‪،‬‬
‫"والله ما هو إل أن لقينا القوم‪ ،‬فمنحناهم أكتافنا يقلبوننا كيف شاؤوا‪ ،‬وأيم‬
‫الله – مع ذلك‪ -‬ما لمت الناس‪ ،‬لقينا رجال بيض على خيل يلقون‪ ،‬من بين‬
‫السماء والرض‪ ،‬والله ل يقوم لها شيء((‪.‬‬
‫وهكذا تأكد خبر الهزيمة‪ ،‬حيث عرف كل بيت في مكة بمصابه‪ ،‬وعرف‬
‫المقتولين منه‪ ،‬فقامت المناحات‪ ،‬إل أن زعماء مكة أصدروا أمًرا بأن ل ينوح‬
‫أحد على قتيل من قتلى هذه المعركة‪ ،‬وطلبوا من جميع الناس التزام‬
‫الصمت والسكوت مع إظهار الجلد‪ ،‬وقد دفعهم إلى ذلك رغبتهم في عدم‬
‫شمات المسلمين بهم‪ ،‬والحق أن نتيجة المعركة كانت فاجعة أليمة في مكة‪،‬‬
‫فلم يكد ينجو بيت هناك من مأتم على قتيل‪ ،‬ولقد بلغ المصاب أن بعض‬
‫الشراف والزعماء‪ ،‬فقد أكثر من قتيل من أسرته في هذه المعركة التي‬
‫أشعلها أبوجهل بدافع من كبريائه وخيلئه دون أن يكون لها مبرر في نظر‬
‫كثير من المشركين والقادة‪ ،‬ومن ذلك أن صفوان بن أمية فقد في هذه‬
‫المعركة أباه‪ ،‬كما فقد أخاه علًيا‪ ،‬أما أبو سفيان فقد فقد ابنه خنظله وأسر‬
‫ابنه الثاني عمرو‪ ،‬وقد طهت هذه المعركة حياة العتاة الكبار وعلى رأسهم‬
‫أبو جهل‪ ،‬الذي ما فتئ طيلة حياته يكيد للسلم والمسلمين فكان بذلك‬
‫فرعونا ً كبيرا ً يكيد للدعوة وللمسلمين‪ ،‬وعلى الرغم من أن المعركة حطمت‬
‫رؤوس طواغيت الشرك‪ ،‬إل أنهم لم يستكينوا‪ ،‬فبعد أن أفاقوا من هول‬
‫الصدمة‪ ،‬أخذوا يواصلون اجتماعاتهم وينظمون مؤتمراتهم‪ ،‬ويبحثون عن‬
‫السبل التي تمكنهم من غسل العار الذي حاق بهم‪ ،‬فقد ازدادوا حقدا ً على‬
‫رسول الله وازدادوا بغضا ً للمسلمين‪ ،‬فكان أن أعنلوا التعبئة العامة لخوض‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معركة الثأر‪ ،‬ومنعوا كل رجل في مكة من اعتناق السلم وحاربوه أشد ما‬
‫تكون الحرب‪.‬‬
‫موقف اليهود والمنافقين من المعركة وأثرها عليهم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكان هؤلء يسكنون المدينة‪ ،‬أما اليهود فكانوا معروفين‪ ،‬وأما المنافقون‬
‫فكانوا يتغلغلون في صفوف المسلمين‪ ،‬وكانوا جميعا ً يتمنون اندحار‬
‫المسلمين‪ ،‬بل إنهم كانوا يتوقعون هزيمة المسلمين القلة‪ ،‬ونصر المشركين‬
‫الكثر الشداء القوياء‪ ،‬وقد قام كل من اليهود والمنافقين بنتظيم حملة‬
‫ضخمة من الشائعات المرجفة‪ ،‬وذلك لبلبلة الفكار وخلخلة المسلمين‪ ،‬وكان‬
‫أن أشاعوا في المدينة بين المسلمين‪ ،‬خبر مقتل النبي عليه الصلة والسلم‪،‬‬
‫كما أشاعوا خبر هزيمة المسلمين‪ ،‬وتمزيق جيشهم منذ بدء المعركة‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من مجيء أخبار نصر المسلمين‪ ،‬واندحار جيش الكفر القرشي‪ ،‬فقد‬
‫حاول اليهود المنافقون تكذيب أخبار نصر جيش محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫واستمروا في إرجافهم وبث شائعاتهم‪ ،‬حتى إن أحد المنافقين‪ ،‬عندما شاهد‬
‫زيد بن حارثة يركب القصواء ناقة رسول الله هتف‪ :‬لقد قتل محمد‪ ،‬وهذه‬
‫ناقته نعرفها‪ ،‬وهذا زيد ل يدري ما يقول من الرعب‪ ،‬وجاء فل ً أي مهزومًا‪ .‬كما‬
‫ل‪ ،‬وكان لهذه الرجافات والشاعات المتلحقة‬ ‫قالت اليهود‪ :‬ما جاء زيد إل ف ً‬
‫التي تعاون اليهود والمنافقون على نشرها‪ ،‬بعض الثر في قلق المؤمنين في‬
‫المدينة‪ ،‬حيث ظلت فئة منهم تترقب عودة جيش المسلمين كامل ً لتقف‬
‫بنفسها على حقيقة النصر الذي كتبه الله للفئة المؤمنة‪.‬‬
‫إل أن رؤوس الكفر من اليهود والمنافقين صعقوا مرة واحدة لدى وصول‬
‫جيش رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إلى المدينة‪ ،‬فعلى الرغم من‬
‫استمرارهم بأساليب الرجاف والكيد‪ ،‬فإن حقيقة نصر المؤمنين سكنت‬
‫كيدهم الذي كادوه‪ ،‬فعندما شاهدوا طليعة الجيش المنتصر‪ ،‬رجعوا واتلفأوا‬
‫على أنفسهم خاسئين‪ ،‬وقد كادوا أن يتهموا أبصارهم عندما شاهدوا صناديد‬
‫قريش وأقوياءها أسرى في يد المسلمين‪ ،‬فقد دهشوا أشد دهشة عندما رأوا‬
‫سهيل بن عمرو‪ ،‬ونوفل بن الحارث‪ ،‬وعمرو بن أبي سفيان‪ ،‬والعباس بن عبد‬
‫المطلب‪ ،‬والوليد بن الوليد أسرى مكبلين يقودهم المسلمين كالنعاج‪ ،‬وقد‬
‫شدت أيديهم إلى الوراء يتعثرون في خطاهم كما تتعثر الدابة المكبلة‪ ،‬وقد‬
‫صار اليهود والمنافقون في حالة من الذعر والذلة ل توصف‪ ،‬وذلك عندما‬
‫دخل رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬المدينة منتصرًا‪ ،‬حيث استقبلته‬
‫المدينة استقبال ً رائعًا‪ ،‬مما زاد من إذلل وجود اليهود المنافقين الذين دأبوا‬
‫على الرجاف والمكيدة‪.‬‬
‫ً‬
‫فقد قلبت معركة بدر الموازين رأسا على عقب‪ ،‬فقد أصبحت السيطرة‬
‫للمسلمين‪ ،‬أما مشركو المدينة فقد خافوا على بعضهم‪ ،‬فما كان إل أن‬
‫تظاهروا بالسلم مع بقائهم على كفرهم‪ ،‬فازداد عدد المنافقين‪ ،‬وكان على‬
‫رأسهم المنافق الكبير عبدالله بن أبي بن سلول‪ ،‬فقد نصح أصحابه آنذاك أن‬
‫يعلنوا إسلمهم‪ ،‬وقد قال مشيرا ً إلى قوة المسلمين واشتداد شوكتهم‪) :‬هذا‬
‫أمر قد توجه‪ -‬أي استمر‪ -‬فل مطمع في إزالته‪ ،‬ثم أعلن ابن سلول إسلمه‪،‬‬
‫وتبعته أحزاب النفاق‪ ،‬حيث تظاهروا بالسلم خوفا ً على نفوسهم أو ً‬
‫ل‪،‬‬
‫وليكيدوا للسلم والمسلمين من داخل الصفوف المؤمنة‪ ،‬فظلوا يتربصون‬
‫الدوائر لسقاط الدعوة الجديدة‪ ،‬ولجأوا في محاربة الرسول وأصحابه إلى‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سلوك سبيل الدس والخيانة والخديعة‪ ،‬وصاروا يرسمون الخطط سرا ً لليقاع‬
‫بالنبي‪ ،‬وينتهزون الفرص لتفكيك وحدة أصحابه وإضعاف قوتهم‪.‬‬
‫ويضاف إلى هذا بعض اليهود‪ ،‬وهم الذين عاهدوا الرسول على عدم اليذاء‬
‫فخالفوا عهدهم‪ ،‬وأعلنوا سخطهم على الرسول وأصحابه بعد هذه المعركة‬
‫التي حاقت بالمشركين‪ ،‬فصاروا يحرضون أهل مكة على الفتك بالنبي‬
‫والقضاء على دعوته‪ ،‬وصاروا يقدمون لهم أيضا ً كل مساعدة‪ ،‬وضربوا بذلك‬
‫عهدهم الذي أعطوه للرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهكذا فقد أفقد النصر‬
‫الذي أحرزه المسلمون اليهود صوابهم‪ ،‬فاشتد حقدهم على السلم‪،‬‬
‫وتضاعف نشاطهم ضد الدعوة‪ ،‬إل أن المسلمين ابتعدوا عن الصدام مع‬
‫اليهود آنذاك‪ ،‬حتى تفاقم المر‪ ،‬واتسع الخلف بين المسلمين واليهود بسبب‬
‫ما كان يكيده هؤلء للسلم‪ ،‬مما اضطر رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫أن يقضي على بعضهم وأن يبعد القسم الخر عن المدينة‪ ،‬لتطهيرها من‬
‫فتنهم ودسائسهم ومؤامراتهم‪.‬‬
‫المعركة وأعراب الجزيرة العربية‬
‫عمت أخبار نصر المسلمين في بدر سائر الجزيرة العربية‪ ،‬وسمعت بها‬
‫عشار العراب المتفرقة حول الحواضر وفي البادية‪ ،‬وكان هؤلء يكنون‬
‫لقريش احتراما ً شديدًا‪ ،‬لذلك فقد أثرت فيهم أخبار النتصار السلمي في‬
‫بدر تأثيرا ً كبيرًا‪ ،‬فقد اضطرب كثير منهم وبخاصة العراب الذين يسكنون‬
‫قرب المدينة‪ ،‬عندما خافوا أن تشتد قبضة المسلمين‪ ،‬مما يحول بينهم وبين‬
‫مبدأ حياتهم القائمة على السلب والنهب‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فقد كانوا يعيشون على الغارة وسلب أرزاق الخرين‪ ،‬ويرى محمد أحمد‬
‫باشميل أن خوف العراب من الدعوة السلمية لم يكن موقفا ً عقائديًا‪ ،‬ذلك‬
‫أن "مسألة الكفر واليمان ليست ذات أهمية بالنسبة لهؤلء العراب‪ ،‬إذا‬
‫قيست بمسألة حرصهم وإصرارهم على إخضاع المنطقة لرماحهم‪ ،‬ينهبون‬
‫ويسلبون في ظلها‪ ،‬كما هي شرعة الجاهلية في جميع مناطق العراب"‪.‬‬
‫ويميز باشميل بين موقف مشركي مكة والعراب من الدعوة السلمية قائل‪ً:‬‬
‫"فباعث قلق العراب من انتصار المسلمين في هذه المعركة‪ ،‬وانتشار‬
‫نفوذهم‪ ،‬لم يكن باعثا ً سياسيا ً أو عقائديًا‪ ،‬وهذا عكس ما عليه أهل مكة الذين‬
‫يعتبرون أنفسهم حراس الوثنية وسدنة الكعبة‪ ،‬والزعماء الروحيين لجميع‬
‫المشركين في الجزيرة بحكم وجودهم في منطقة الحرم التي يعظمها ويحج‬
‫لها جميع الوثنيين على اختلفهم في تعدد اللهة التي يعبدون من دون الله‪،‬‬
‫كما أن قريشا ً كانت تعتبر من الناحية السياسية والعسكرية في الدرجة‬
‫الولى بالنسبة لجميع سكان الجزيرة‪ ،‬مما أعطاها مركز ممتازا ً بين جميع‬
‫قبائل العرب في كل من الميادين‪ ،‬ولهذا كان حقد قريش على محمد‪،‬‬
‫وبغضهم للسلم قائما ً على بواعث عقائدية وسياسية في الدرجة الولى‪،‬‬
‫ومن هنا صاروا أشد سكان الجزيرة حرصا ً على القضاء على محمد وقتل‬
‫دعوته على أن امتداد قوة المسلمين فيما بعد‪ ،‬كان سببا ً في دخول كثير من‬
‫القبائل في السلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهكذا نرى أن معركة بدر كانت حدا فاصل بين الكفر على اختلف اتجاهاته‪،‬‬
‫وبين اليمان الذي رسخ في القلوب‪ ،‬واستقر في العقول‪ ،‬فعقبت به الرواح‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نصرا ً مبينًا‪ ،‬فقد تغيرت موازين القوى لصالح المسلمين‪ ،‬واندحر الكفر‬
‫باندحار قريش وخيبة أمل اليهود والمنافقين‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫غزوة بدر الكبرى ) الجمعة ‪ 17‬رمضان السنة ‪ 2‬هـ ‪ 624 /‬م (‬


‫غزوة بدر ‪ .‬تاريخها ‪ 17‬رمضان ‪ .‬السنة الثانية هجرية‬
‫إن غزوة بدر كانت نتيجة طبيعية للهجرة إلى المدينة ‪،‬فقد أرادت قريش أن‬
‫تقتل محمدا وهو بمكة ‪ ،‬ولكن محمدا نجا من هذه المؤامرة بفضل الله‬
‫وهاجر إلى المدينة التي أصبحت مركزا إسلميا حرا طليقا‪ ،‬يهدد أوثان قريش‬
‫‪ ،‬بالضافة إلى تهديده لتجارتها الصاعدة والهابطة بين مكة والشام ‪ ،‬فأصرت‬
‫قريش أن تقضي على هذا المركز الجديد الذي يهدد حياتها الدينية‬
‫والقتصادية جميعا ‪ .‬فكانت غزوة بدر نتيجة هذه الفرازات ‪ ،‬ولكم وصف‬
‫لهذه المعركة التي غيرت كل مفاهيم القوة والتي من خللها وضعت‬
‫المسلمين في الطريق السليم والصحيح فاصبح يحسب لهم ألف حساب ‪.‬‬
‫قوات المسلمين ) ‪ ( 314‬رجل معهم فرسان وسبعون بعير قوات العدو )‬
‫‪ ( 950‬رجل معهم ) ‪ ( 200‬فرس وعدد كبير من البل سببها بغية الستيلء‬
‫على قافلة قريش التجارية القادمة من الشام بقيادة أبي سفيان والتي‬
‫يحميها ثلثون إلى أربعين رجل وهي تتكون من ألف بعير تقريبا ‪ .‬في المدينة‬
‫المنورة في يوم الثنين الثامن من رمضان سنة اثنتين هجرية الموافق ‪5‬‬
‫مارس ‪624‬م في هذا اليوم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫صحبة رجاله الذين بلغ عددهم ثلثمائة و أربعة عشر رجل ‪ ،‬وهناك عند‬
‫الصفراء توقف الرسول ‪،‬و بعث برجاله لستطلع بدر وإلى أي مكان وصلت‬
‫العير ) عير قريش ( وكان عليه الصلة والسلم مطمئنا على مدينته ومن‬
‫فيها لنه ترك فيها رجل صالحا تقيا ‪ ،‬إماما للناس في صلتهم هو عبد الله ابن‬
‫أم مكتوم ‪.‬‬
‫و أعطى عليه الصلة والسلم اللواء إلى أول سفرائه مصعب بن عمير‪ .‬في‬
‫الوقت نفسه الذي كانت فيه قافلة أبي سفيان تواجه مصاعب الطريق ‪ ،‬كان‬
‫المشهد في مكة قد بدأ يتهيأ لخطر قادم ‪ .‬فتجهزت قريش وخرجت في جمع‬
‫كبير من أشرافها وسادتها ‪ ،‬قاصدة مكان محمد لنقاد أموالها وتجارتها على‬
‫حد قولهم ‪ .‬استخدم أبو سفيان دهاءه وغير مجرى طريقه وسلم بقافلته ‪..‬‬
‫ولما نجا ورأى انه قد سلم من الخطر أرسل إلى قومه يقول ‪ :‬إنكم إنما‬
‫خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا ‪ .‬فقال أبو‬
‫جهل والله ل نرجع حتى نرد بدرا ) وكان بدر أحد مواسمهم …‪ .‬كل عام (‬
‫فنقيم عليه ثلثا فننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا‬
‫القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرتنا وجمعنا فل يزالون يهابوننا أبدا بعدها ‪.‬‬
‫لقد وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى واد ذفران ثم إلى الضافر ثم‬
‫بلد آخر لقد كان وصوله إلى بدر قبل قريش فاختار موضع يشرف على‬
‫منطقة القتال وبنى فيه العريش وقام بترتيب المسلمين بشكل صفوف وهو‬
‫أسلوب جديد لم تعرفه العرب من قبل ‪ ،‬لكن في الجهة المقابلة لم يكن‬
‫للمشركين قائد أو منظم يقودهم ‪ .‬أقبلت قريش فلما رآها الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم قال )) اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلئها وفخرها تحادك‬
‫وتكذب رسولك ‪ ،‬اللهم نصرك الذي وعدتني اللهم احنهم ) أهلكهم (‬
‫الغداة (( ‪.‬ثم اقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم ‪ ،‬فما شرب منهم رجل إل قتل مكانه ‪ .‬بدأت المعركة بمبارزة‬
‫ثلثة من المسلمين لثلثة من المشركين ‪ ،‬فبارز عبيدة بن الحارث عتبة بن‬
‫ربيعه وبارز حمزة شيبة بن ربيعه وبارز علي الوليد بن عتبة فتغلب‬
‫المسلمون على المشركين في هذه المبارزة ‪ ،‬بعدها اشتد القتال فكان‬
‫المسلمون يردوهم بوابل من السهام فارتبك المشركون فبدأو في التفكك‬
‫وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقود الصفوف بنفسه والتي أخذت‬
‫تقترب من صفوف المشركين التي فقدت قادتها وبدأت في التبعثر‬
‫والهروب ‪ ،‬أمر الرسول صلى الله عليه وسلم قواته أن تشد عليهم وبدأت‬
‫المطاردة التي انتهت بانتصار المسلمين على المشركين ‪ .‬فاخذ المسلمون‬
‫في جمع الغنائم والسرى ‪ ،‬فعاد عليه الصلة والسلم إلى المدينة مع موكب‬
‫الرجال حاملين لواء النصر على جبابرة مكة …‪ .‬وأئمة الكفر فيها ‪ .‬من نتائج‬
‫المعركة استشهاد أربعة عشر مسلما وقتل سبعون مشركا وأسر سبعون‬
‫آخرون كلف منهم المتعلمون بتعليم أطفال المسلمين مقابل إطلق سراحهم‬
‫‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫غزوة بني المصطلق ) شعبان السنة ‪ 6‬هـ (‬


‫بنو المصطلق هم فرع من خزيمة سموا بني المصطلق إذ كان جدهم رقيق‬
‫الصوت ‪ .‬ويروى في سبب هذه الغزوة أن الرسول صلى الله عليه تلقى نبأ‬
‫أن بني المصطلق يحرضون على قتله عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وان زعيمهم‬
‫الحارث بن ضرار هو خطيبهم في ذلك ‪ ،‬فلما تأكد الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم من الخبر‪ ،‬أسرع فاستعد لهم ونادى بالخروج إليهم ‪ ،‬وكان ذلك في‬
‫شعبان من السنة السادسة للهجرة ‪ ،‬وجعل لواء المهاجرين لبي بكر ولواء‬
‫النصار لسعد بن عبادة ‪ ،‬وزحف المسلمون ونزلوا على ماء بئر قريب من‬
‫بني المصطلق يقال له " المريسيع " فتقابل الجيشان ‪ ،‬ونادى عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه بأعلى صوته ‪ :‬قولوا ‪ " :‬ل اله إل الله تمنعوا بها‬
‫أنفسكم وأموالكم ‪ ،‬أحاط المسلمون ببني المصطلق ففر من‬
‫جاءو لمشاركة بني المصطلق في هذه المؤامرة ‪ ،‬ووقف بنو المصطلق‬
‫وحدهم في مواجهة المسلمين ‪ ،‬وجرى تراشق بالنبال ‪ ،‬وسرعان ما أحس‬
‫بنو المصطلق بأنهم ل يستطيعون الوقوف في وجه المسلمين وان الحرب‬
‫ستأكلهم وراح الحارث بن أبي ضرار زعيمهم يقول ‪ " :‬أتانا من ل قبل لنابه‬
‫عدة وعددا " وكان يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأصاب القوم‬
‫الرعب فاستسلموا فرفعوا أيديهم والقوا بأسلحتهم ‪ ،‬فأسر منهم سبعمائة‬
‫رجل ‪ ،‬وسبيت نسائهم وذريتهم ‪ ،‬وغنم المسلمون غنيمة كبيرة … ومما‬
‫يقوله الرواة في ذلك انهم غنموا ألفا من البل ‪ ،‬وخمسة آلف من الغنام ‪.‬‬
‫وعلى هذا فالحديث عن غزوة بني المصطلق حديث قصير لن الحرب لم‬
‫تكن شديدة ‪ ،‬ولكن لهذه الغزوة أهمية عظيمة في التاريخ ‪ ،‬إذ ارتبط بها‬
‫حادثان خطيران أولهما الفتنة التي أوشكت أن تحدث بين المهاجرين‬
‫والنصار ‪ ،‬والتي كان سببها راس النفاق في المدينة عبد الله بن أبي بن‬
‫سلول فأراد أن يستغل حادثة وقعت بين مهاجر وأنصاري ‪ ،‬ليشعل دعوة‬
‫الجاهلية ‪ ،‬لتعظم وتأكل صفوف المسلمين ‪ .‬الحادثة كانت بين رجل مهاجر‬
‫يسمى جهجاه بن مسعود من بني غفار أجير عمر بن الخطاب ‪ ،‬ورجل‬
‫أنصاري هو سنان بن وبر الجهني … تزاحم الرجلن على الماء فاقتتل ‪،‬‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فصرخ النصاري قائل ‪ :‬يا معشر النصار ‪ ،‬ونادى المهاجر ‪ :‬قائل يا معشر‬
‫المهاجرين … فلما سمع ذلك راس النفاق ابن أبي قال ‪ :‬لقد نافرونا وكاثرونا‬
‫في بلدنا …‪ ..‬واكمل ذلك المنافق يقول ‪ ..‬أما والله لو رجعنا إلى المدينة‬
‫ليخرجن العز منها الذل …‪ ..‬وكان زيد بن أرقم غلما صغيرا فسمع هذا‬
‫الحديث فبلغه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لقد حزن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم مما سمع ‪ ،‬وبينما هو في الموكب إذ التقى بأسيد بن‬
‫حضير وكان رجل من أتباع ابن أبي قبل إسلمه فقال له عليه الصلة والسلم‬
‫بعد أن رد تحيته ‪ ،‬أوما بلغك ما قال صاحبكم ؟ فقال عليه الصلة والسلم انه‬
‫قال ‪ :‬سيخرجن العز منها الذل ‪ .‬فاستغرب الرجل وقال ‪ :‬هو والله الذليل‬
‫وأنت العز …‪..‬‬
‫ثم أضاف أرفق به يا رسول الله ‪ ،‬فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه‬
‫لينظمون له الخرز ليتوجوه ملكا ‪ ،‬وانه ليرى أنك قد اسلبته ملكه ‪ .‬فكان‬
‫عقاب هذا المنافق أن نزل فيه قرآنا وهو القصاص منه ‪ ،‬وعلم ابن عبد الله‬
‫بن أبي نبأ ما اقره القرآن في أبيه ‪ ،‬فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يستأذنه في قتل أبيه ‪ ..‬أما الحادثة الثانية فهي حادثة الفك والتي‬
‫حملها رأس النفاق أيضا ابن سلول ‪ ،‬وقد تصدى القرآن الكريم لتبرئة السيدة‬
‫الفاضلة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وبنت أبا بكر الصديق رضي الله عنه ‪ ،‬من فوق سبع سموات ‪ .‬ومما‬
‫يتصل بهذه الغزوة زواجه صلى الله عليه وسلم من جويرية بنت الحارث بن‬
‫أبي ضرار ‪ ،‬وكيف كان هذا الزواج يمنا وبركة على أسيرات بني المصطلق‬
‫فاعتقهن المسلمون وهم يهتفون ‪ ،‬كيف نأسر أصهار رسول الله ؟ وأسلم‬
‫كثير من بني المصطلق وصفت النوايا وعم الوئام بين المسلمين جميعا ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫غزوة بني النضير ) ربيع الول السنة ‪4‬هـ ‪ 626/‬م (‬


‫من هم بني النضير ؟ بنو النضير قبيلة من قبائل اليهود في المدينة ‪ ،‬عاهدوا‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم العتداء وعدم نصر عدو له عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬يسكنون في ضاحية بأطراف المدينة بها خضرة ونخيل وماء‬
‫تسمى منطقة )) العوالي (( وظل عهدهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫أربع سنوات كاملة قبل أن تحدث هذه الغزوة ‪ .‬لما ضعفت شوكة اليهود بعد‬
‫جلء بني قينقاع عن المدينة النبوية ‪ ،‬أخذ بنو النضير ‪ ،‬يتعاونون مع مشركي‬
‫قريش بعد انتصار المسلمين في بدر ‪ ،‬فعندما أراد أبو سفيان الثار خرج في‬
‫مئتي رجل ‪ ،‬وأتى سلم بن مشكم وهو سيد بني النضير فاستقبله وسقاه‬
‫خمرا وتعاون معه ليذاء المسلمين ‪.‬ثم هجم أبو سفيان على بعض البيوت‬
‫وقتل رجلين من النصار ثم عاد إلى مكة المكرمة ‪ .‬ثم نقض بنو النضير العهد‬
‫ثانية عندما رفضوا الشتراك مع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد‬
‫بحجة أن القتال يدور يوم السبت وان العهد بينهم ينص على المشاركة في‬
‫الدفاع داخل المدينة وأحد خارجها ‪ ،‬في حين أعتبر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يوم أحد غزوة موجهة إلى المدينة ‪ .‬ثم توالت الحداث ضد مصلحة‬
‫المسلمين بعد هزيمة أحد يوم السبت ‪ 15‬شوال ‪ 3‬هـ ‪ 625 /‬م ‪ ،‬فاستهانت‬
‫القبائل بأمرهم وأخذت تكيد لهم ‪ ،‬فكانت حادثة الرجيع وهو ماء لقبيلة هذيل‬
‫تعرض فيه ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للقتل والسر ثم‬
‫كانت مجزرة بئر المعونة وهو بين أرض بني عامر وبني سليم في نجد ‪ ،‬في‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صفر سنة ‪ 4‬هـ ‪ ،‬حيث استشهد محمد بن المنذر بن عمر ومعه أربعين من‬
‫المسلمين على يد عامر بن الطفيل ومن ناصره من بني سليم ‪ ،‬ولم ينجوا‬
‫منهم سوى اثنان كعب بن زيد وعمرو بن أمية الضميري ‪ ،‬الذي قتل رجلين‬
‫من بني عامر أثناء عودته ‪ ،‬رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ضمن‬
‫لهما أمنهما ‪ .‬وكان بنو النضير حلفاء بني عامر ‪ ،‬لذلك خرج النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم معه عشرة من كبار الصحابة منهم أبو بكر الصديق وعمر بن‬
‫الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم إلى مقربة من قباء لدفع دية‬
‫الرجلين ‪ ،‬فحاول بنو النضير قتل النبي صلى الله عليه وسلم بان يلقي عمرو‬
‫بن جحاش صخرة عليه من على ظهر الجدار وهو جالس ‪ .‬لكن الله تعالى‬
‫فضح مؤامرتهم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى المدينة ‪ .‬فخرج‬
‫وكأنه يريد قضاء حاجة له ‪ ،‬فلم يفطن له أحد ‪ ،‬ثم تبعه أصحابه ثم أنذر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بني النضير بالجلء عن حصونهم ومزارعهم خلل‬
‫عشرة أيام فاستعد اليهود للرحيل ‪ ،‬لكن زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن‬
‫سلول العوفي وعدهم بالمساعدة بألفين من العرب وحثهم على الصمود لن‬
‫اخوتهم من بني قريظة لن يخذلوهم وكذلك حلفاؤهم من غطفان ‪ .‬رفض بنو‬
‫النضير النذار وأخذوا يستعدون للقتال فرمموا حصونهم و أمدوها بالسلح‬
‫وزودوها بمؤونة طعام تكفي اشهر طويلة ‪ .‬حاصر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يهود بني النضير في حصونهم لمدة عشرين يوما وأخذ يقطع نخيلهم‬
‫ويحرق بساتينهم ‪ ،‬ومنع مساعدة المنافق عبد الله بن أبي بن سلول‬
‫وحلفائهم من غطفان بعد أن رفض بنو قريظة نقض العهد معه ‪ .‬فأيقن بنو‬
‫النضير من سوء العاقبة وتملكهم الخوف والرعب وطلبوا منهم حقن دمائهم‬
‫مقابل الستسلم والجلء ‪ ،‬فأجابهم إلى طلبهم شرط أن يخرج كل ثلثة‬
‫منهم في بعير يحملون عليه ما شاءوا من دون السلح ‪ ،‬فخرجوا في ‪600‬‬
‫بعير فنزل بعضهم في خيبر بزعامة حي بن أخطب وسلم بن مشكم وكنانة‬
‫بن الربيع ‪ ،‬ورحل البعض الخر إلى أذرعات عند حدود بلد الشام ‪ .‬في أمر‬
‫فروا م َ‬ ‫ذي أ َ ْ‬
‫ب‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ج ال ّ ِ‬
‫خَر َ‬ ‫بني النضير يقول الله تعالى ‪)) :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫م َأن ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫صون ُُهم‬ ‫ح ُ‬‫م ُ‬ ‫جوا وَظ َّنوا أن ُّهم ّ‬
‫مان ِعَت ُهُ ْ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ما ظ ََننت ُ ْ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ح ْ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫م ِلوّ ِ‬ ‫من دَِيارِهِ ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫خرُِبو َ‬ ‫ب يُ ْ‬ ‫م الّرعْ َ‬ ‫ف ِفي قلوب ِهِ ُ‬ ‫سُبوا وَقذ َ َ‬ ‫حت َ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ثل ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫م الل ُ‬ ‫ن اللهِ فأَتاهُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صار (( ‪ .‬سورة الحشر‬ ‫ن فاعْت َب ُِروا َيا أوِلي الب ْ َ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫دي ال ُ‬ ‫م وَأي ْ ِ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ب ُُيوت َُهم ب ِأي ْ ِ‬
‫الية ‪ 2‬لقد خربوا بيوتهم بأيديهم ‪ ،‬وذلك يتعلق بعقيدتهم فكل يهودي يعلق‬
‫على نجاف داره صحيفة فيها وصية موسى لبني إسرائيل ‪ ،‬لذلك حملوها‬
‫معهم عند جلئهم ‪ ،‬وقيل أن ما حملوه معهم هو أخشاب بيوتهم وهي غالية‬
‫الثمن في شبه الجزيرة العربية ‪ .‬وظن بنو النضير أن هذا الجلء هو انتصار‬
‫لهم فخرجوا يرقصون في ابتهاج وسرور وقد تزينت نسائهم ويحملون‬
‫الدفوف والمزامير ‪ .‬وقد غنم المسلمون من يهود بني النضير ‪ 50‬درعا و ‪50‬‬
‫خوذة و ‪ 34‬سيفا ‪ ،‬عدا الراضي والبساتين التي قسمت على المهاجرين‬
‫حتى يصبحوا في غنى عن معونة النصار إخوانهم في السلم ‪ .‬وقيل أن‬
‫رجلين فقط من بني النضير أسلما فلم تمس أموالهما وهما يامين بن عمير‬
‫وأبو سعد بن وهب ‪ .‬كان إجلء بني النضير ضربة قاصمة لليهود الذين شعروا‬
‫بمرارة النزوح والهجرة ‪ ،‬ومع‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك لم يفطنوا للخطأ الكبير الذي ارتكبوه ‪،‬وهم أهل دين سماوي ‪ ،‬بتحالفهم‬
‫مع قريش أهل الوثنية ضد المسلمين وهم أهل دين سماوي مثلهم ‪ .‬والتوراة‬
‫عندهم توصي بالنفور من عبدة الوثان والصنام ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫غزوة بني قريظة ) السنة ‪ 5‬هـ (‬


‫غزوة بني قريظة السنة الخامسة الهجرية دخل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم المدينة صباح اليوم الذي فرغ فيه من غزوة الخندق ولم يكد يضع‬
‫السلح حتى آتاه جبريل عليه السلم في صورة رجل يلبس عمامة يركب‬
‫بغلة عليها سرج وقال له أو قد وضعت السلح يا رسول الله ؟ قال ‪ :‬نعم يا‬
‫جبريل فقال ‪ :‬جبريل ‪ :‬فما وضعت الملئكة السلح بعد ‪ ..‬إن الله عز وجل‬
‫يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فاني عامد إليهم فمزلزل بهم ((‬
‫بعدها أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال لهم من كان سامعا‬
‫مطيعا فل يصلين العصر إل ببني قريظة ‪ ،‬وسمع المسلمون واطاعو قول‬
‫نبيهم صلى الله عليه وسلم وتولى علي بن أبي طالب الراية بأمر من‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وانطلق الرجال في موكب المجاهدين فلقد‬
‫اطمأنوا بعد الخندق بأنهم لن تغزوهم قريش بعد اليوم بل هم سيغزون أعداء‬
‫السلم ويقاتلون أئمة الكفر في عقر دارهم هذا ما وعد به رسوله‬
‫المجاهدين من المسلمين مهاجرين وأنصارا ‪.‬‬
‫اقترب علي بن أبي طالب مع رجاله من حصون بني قريظة واستمع إلى‬
‫حديثهم خلف الحصون فسمع مقالة قبيحة بحق رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فعاد إليه ونصحه بان ل يقترب من الحصون فأدرك الرسول بثاقب‬
‫نظره سبب نصيحة علي وقال له أظنك سمعت منهم كلما مؤذيا لي ‪ .‬ولما‬
‫أجابه علي باليجاب قال له لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا ‪ .‬تقدم الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم من حصون بني قريضة فنادى عليهم )) هل أخزاكم‬
‫الله وانزل بكم نقمته ؟ (( قالوا ‪ :‬يا أبا القاسم ما كنت جهول ‪ ..‬ونزل‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم عند بئر تسمى بئر أنا وضرب المسلمون‬
‫حصارا حول حصون بني قريظة استمر خمسا وعشرين ليلة حتى شق عليهم‬
‫الحصار وأجهدهم وأصابهم الرعب والخوف من المسلمين ‪.‬‬
‫في هذه الظروف عرض عليهم زعيمهم كعب بن الشرف ذلك الغدار الماكر‬
‫الذي نقض كل العهود المتفق عليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عرض عليهم ثلثة حلول إما أن يدخلوا في السلم واما أن يقوموا بقتل‬
‫ذراريهم ونسائهم بأنفسهم ثم يقاتلون المسلمين حتى الموت واما تبييت‬
‫المسلمين ليلة السبت فان المسلمين قد أمنوا منهم فأبوا كل ذلك وأرسلوا‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليهم أحد أصحابه وهو أبو‬
‫لبابه وكان حليفا لهم في الجاهلية …‬
‫عندما جاءهم أبو لبابة قام إليه اليهود متوسلين وقدم إليه النساء والصبيان‬
‫يبكون فرقّ لهم وقالوا له يا أبا لبابة )) أترى أن ننزل على حكم محمد ؟‬
‫وكانوا ليعرفون نية الرسول صلى الله عليه وسلم (( ولذلك أجابهم أبو لبابة‬
‫على سؤالهم بإشارة من يده إلى حلقه موضحا لهم انه الذبح إن هم رضوا‬
‫بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ .‬وهنا أدرك أبو لبابة انه قد خان‬
‫الرسالة وأفشى سرا من السرار العسكرية فندم بعد أن شعر انه تعدى‬
‫حدوده وانطلق هائما على وجهه وربط نفسه إلى أحد أعمدة المسجد وقال‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل ابرح حتى يتوب الله علي مما صنعت وظل في مكانه حتى نزلت توبته إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلقه بيده الشريفة ‪ .‬لم يهدأ اليهود في‬
‫حصون بني قريظة فأرسلوا أحدهم وهو شاس بن قيس إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يعرض عليه أن ينزلوا على ما نزل عليه بنو النضير من‬
‫ترك الموال والخروج بالنساء والصبيان وما حملت البل إل الحلقة …‬
‫فرفض الرسول صلى الله عليه وسلم وتقرر بعد ذلك أن ينزل بنو قريظة‬
‫على حكم رسول الله عندها قال الوس ‪ :‬يا رسول الله إن بني قريظة هم‬
‫موالينا ‪ ..‬وكانوا حلفائهم قبل السلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ :‬أل ترضون يا معشر الوس أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا بلى ‪ .‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬فذلك سعد بن معاذ ‪ ،‬وكان سعد مصابا‬
‫يداوى من جرح بليغ أصابه في غزوة الخندق فاقبلوا عليه يقولون ‪ :‬يا أبا عمر‬
‫احسن في مواليك فإنما رسول الله ولك لتحسن فيهم …‪ .‬فأجابهم ‪ :‬لقد آن‬
‫لسعد أن ل تأخذه في الله لومة لئم …‪ .‬وهنا اعتدل سعد رضي الله عنه‬
‫واصدر الحكم الوحيد الذي أجراه الله على لسانه ولقد كان حكما عادل‬
‫أشفى صدور المؤمنين الذين عانوا من غدر اليهود …‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأشفى صدور المؤمنين الذين سيأتون من بعد سعد والى أن تقوم الساعة‬
‫لقد حكم فيهم سعد بان تقتل الرجال ‪ ،‬وتقسم الموال ‪ ،‬وتسبى الذراري‬
‫والنساء ‪ .‬وهنا قال له الرسول صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم‬
‫الله من فوق سبعة ارقعة ) سماوات ( ثم جيء بهم في بيت بنت الحارث‬
‫وتم حبسهم هناك إلي أن يحين تنفيذ حكم الله فيهم فحفر لهم خندق ثم أمر‬
‫بهم فضربت أعناقهم في تلك الخندق وقتل معهم يومئذ عدو الله حيي بن‬
‫اخطب وهو والد أم المؤمنين صفية بنت حيي التي تزوجها رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬قتل من رجال بني قريظة عدد يتراوح بين الستمائة‬
‫والسبعمائة وقتلت من نسائهم امرأة واحدة وذلك لنها قتلت أحد المسلمين‬
‫بطرح رحى عليه واسمه خلد بن سويد ‪ ،‬وكان ممن وقع للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم من السبي ريحانة بنت عمرو ولم تزل في ملكه حتى مات ‪.‬‬
‫وكان نصر الله عظيما ‪ .‬لقد انزل الله القصاص العادل باليهود جزاء لهم على‬
‫خيانتهم العهود وخاب ظن المنافقين الذين انكشف أمرهم في قوله تعالى ))‬
‫ه إ ِّل‬
‫سول ُ ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِِهم ّ‬
‫مَر ٌ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قو َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫مَنافِ ُ‬ ‫قو ُ‬
‫وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫غُُروًرا (( الية ‪ 12‬من سورة الحزاب بل وعدهم الكاذب وعهدهم المنقوض‬
‫ووعد الله ورسوله هو الصادق ‪ .‬وفي نهاية ذلك اليوم مات سعد بن معاذ‬
‫شهيدا متأثرا بجراحه من غزوة الخندق فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم )) اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ ((‬

‫)‪(2 /‬‬

‫غزوة بني قينقاع‬


‫في فرحة المسلمين بانتصارهم في بدر ‪ ،‬لم يستح أولئك اليهود أن يقولوا‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬ل يغرنك انك لقيت قوما ل علم لهم‬
‫بالحرب فأصبت منهم فرصة ‪ ،‬أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن‬
‫الناس !! (( وقد نزل الوحي ينذر هؤلء بسوء المنقلب ‪ )) :‬قل للذين كفروا‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ‪ .‬قد كان لكم آية في فئتين‬
‫التقتا فئة تقاتل في سبيل الله ‪ ،‬وأخرى كافرة ‪ ،‬يرونهم مثليهم رأي العين ‪،‬‬
‫والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لولي البصار (( كان اليهود في‬
‫المدينة يلعبون لعبة خطرة بين قبيلتي الوس والخزرج ‪ ،‬أهم قبائل المدينة ‪،‬‬
‫وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوة مباركة أيدها النصار الذين بايعوه‬
‫في بيعتي العقبة الولى والثانية ‪ .‬وكان أول عمل قام به عليه الصلة‬
‫والسلم بعد دخوله المدينة هو المؤاخاة بين قبيلتي الوس والخزرج ووضع‬
‫حدا للصراع الذي كان بينهما ‪ ،‬فعاشت المدينة في سلم وأمان مطمئنين‬
‫تحت راية السلم‬
‫واليهود كانوا مجموعة من الطوائف أغناهم بنو قينقاع ‪ ،‬لنهم كانوا يشتغلون‬
‫في صناعة الحلي والذهب والفضة ‪ ،‬وكانت أماكنهم التي يعيشون فيها‬
‫محصنة ‪ ،‬وهم بطبيعة الحال ل يحملون خيرا في أنفسهم للمسلمين ‪ ،‬بل‬
‫يحقدون عليهم ‪ ،‬فنزل في ذلك قرآنا يصف موقفهم هذا ‪ .‬قال تعالى ‪ )) :‬قد‬
‫بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر (( ‪ .‬وكان سبب الغزوة‬
‫لما حدث لتلك المرأة المسلمة زوج أحد المسلمين النصار ‪ ،‬التي كانت في‬
‫السوق فقصدت أحد الصاغة اليهود لشراء حلي لها ‪ ،‬وأثناء وجودها في محل‬
‫ذلك الصائغ اليهودي ‪ ،‬حاول بعض المستهترين من شباب اليهود رفع حجابها‬
‫ن والحديث إليها ‪ ،‬فتمنعت ونهرته ‪ .‬فقام صاحب المحل الصائغ اليهودي‬
‫بربط طرف ثوبها وعقده إلى ظهرها ‪ ،‬فلما وقفت ارتفع ثوبها وانكشفت‬
‫مؤخرتها ‪ .‬فاخذ اليهود يضحكون منها ويتندرون عليها فصاحت تستنجد من‬
‫يعينها عليهم ‪ .‬فتقدم رجل مسلم شهم رأى ما حدث لها ‪ ،‬فهجم على‬
‫اليهودي فقتله ‪ ،‬ولما حاول منعهم عنها وإخراجها من بينهم تكاثر عليه اليهود‬
‫وقتلوه ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وثار المسلمون لمقتل صاحبهم ونقض اليهود حلفهم مع الرسول ‪ ،‬وتظاهروا‬


‫لقتال المسلمين ‪ ،‬وكانوا أول يهود ينقضون عهدهم مع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ .‬لقد حاولوا هتك عرض امرأة مسلمة شريفة ‪ ،‬وقتلوا مسلما ثار‬
‫لشرف المسلمة ‪ ،‬وهاهم يستعدون لقتال المسلمين ‪ ،‬وهذا شأنهم في كل‬
‫العصور ‪ .‬ولما تنافر الفريقان واستنفر كل منهم أصحابه وأعوانه وصل الخبر‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فغضب عليه الصلة والسلم اشد‬
‫الغضب وقال )) ما على هذا أقررناهم (( ولما علم المسلمون بهذا الخبر‬
‫هبوا لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لتأديب هؤلء القوم وإخراجهم من‬
‫بلدة طيبة التي يسكنها افضل خلق الله وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لقتال هؤلء القوم الذين خانوا عهدهم‬
‫معه ‪ ،‬طاعة لمر الله تعالى الذي أعطاه الحق في ذلك من خلل الية‬
‫الكريمة التي تقول ‪ )) :‬وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن‬
‫الله ل يحب الخائنين (( ‪ .‬ولما أحسوا بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫إليهم ‪ ،‬احتموا في حصونهم المنيعة في انتظار مجيء المسلمين ‪ ،‬فارسل‬
‫إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إنذارا بالخروج من حصونهم ‪ ،‬وإل‬
‫قضي عليهم جميعا ‪ ،‬فجاء ردهم فيه من الفجور أكثر مما فيه من عدم‬
‫التبصر بما سيحدث لهم من جراء ذلك ‪.‬عند ذلك استعد الرسول واعد جنده‬
‫للقتال ‪ ..‬فحمل لواء المسلمين حمزة بن عبد المطلب وتم حصار الحصون‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكرر الرسول صلى الله عليه وسلم النذار مرة أخرى ‪ ,‬فجعلوا يساومون‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ويراوغون علهم يجدون فرصة للنقضاض على‬
‫المسلمين ‪ ،‬لكنهم في آخر المر اضطروا للستسلم والنزول عند رغبة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ .‬وجاء عبد الله بن أبي بن سلول الذي يميل‬
‫إليهم ويعتبرهم قومه وخاصته ‪ .‬جاء الى الرسول صلى الله عليه وسلم قائل‬
‫له ‪ :‬يا محمد احسن موالي ) أي أصحابه ( ‪ .‬ولما أبطأ الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم عليه بالجواب ادخل يده في جيب درع الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وتمادى في طلبه ‪ ،‬واثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى أغضبه ‪ ،‬وقال له ‪ :‬اتركني ‪ ،‬ولكن عدو الله قال له ‪ :‬أتقتل أربعمائة‬
‫حاسر ‪ ،‬وثلثمائة دارع ) يلبس الدرع ( قد منعوني وحموني من الحمر‬
‫والسود أي العجم والعرب … وتحصدهم في غداة واحدة ‪ .‬فلما ضاق به‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم نهره قائل ‪ )) :‬هم لك … خذهم ل بارك الله‬
‫فيهم …‪ (( .‬وتبرأ عبادة بن الصامت من عبد الله بن أبي بن سلول وكان هو‬
‫أيضا حليفهم فنزلت الية الكريمة ‪)) :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود‬
‫والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ‪ ،‬إن الله ل‬
‫يهدي القوم الظالمين (( ‪ :‬وخرجوا من المدينة مذلولين بدون سلح وعتاد ‪،‬‬
‫واستولى المسلمون على أموالهم وعتادهم وقسم الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم أموالهم بين المسلمين أخماسا ‪ ،‬واخذ له الخمس ‪ ،‬لينفقه على‬
‫الفقراء والمحتاجين ‪ .‬وهكذا خرجوا إلى بلد الشام تاركين خلفهم الرض‬
‫الطيبة التي أرادوا أن يدنسوها بخيانتهم ولم يكن دعاء الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم عبثا فقد هلكوا جميعا في بلد الشام خلل فترة وجيزة ‪ .‬انهم‬
‫اليهود أهل الغدر والخيانة أخزاهم الله في الدنيا والخرة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫غزوة حمراء السد‬


‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي‬
‫له ‪.‬‬
‫ً‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ّ وَأنُتم‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ وَل َ ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬‫ه َ‬‫قوا ْ الل ّ َ‬‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ورسوله ‪َ ? .‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ن ?] آل عمران ‪َ? [102 :‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ذي‬‫ه ال ِّ‬
‫قوا ْ الل َّ‬ ‫ساًء َوات ّ ُ‬ ‫َِ َ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫جا‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ها‬
‫َ ِ َْ َ ْ َ َ ََ ّ ِ ُْ َ ِ َ‬ ‫ج‬ ‫و‬‫ز‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫وا‬
‫ٍ َ ِ َ ٍ َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫نّ‬
‫َ‬
‫م َرِقيًبا? ]النساء‪ [1 :‬والصلة والسلم‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬‫ن ب ِهِ َوالْر َ‬ ‫ساءُلو َ‬ ‫تَ َ‬
‫على سيدنا محمد أشرف النبياء والمرسلين ‪ ،‬الذي بلغ الرسالة‪ ،‬وأدى‬
‫المانة‪ ،‬ونصح المة‪ ،‬فجزاه الله خير ما جازى نبيا ً عن أمته ‪ .‬وبعد ‪:‬‬
‫في أوقات الشدائد والزمات‪ ،‬يحتاج المؤمن إلى الصبر والثبات والخذ‬
‫بالسباب وصدق التوكل في العتماد على الله عز وجل‪ ،‬والستجابة لمره‬
‫وأمر رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬فإن ذلك من أعظم السلحة التي‬
‫يستطيع أن يواجه بها المؤمن انتفاخات الباطل وأراجيفه‪ ،‬ولقد أثنى الله على‬
‫المؤمنين من أصحاب رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬الذين أصيبوا‬
‫بالجراحات المؤلمة في غزوة أحد‪ ،‬نتيجة للتفريط ومخالفة أمر النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬ولكن لم تلن لهم قناة واستجابوا لطلب رسول الله حيث‬
‫حد أذن مؤذن‬ ‫ُ‬
‫دعاهم لملحقة الكفار ‪ ،‬وذلك أن المشركين لما انصرفوا من أ ُ‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في اليوم الثاني يستنفر أصحابه في‬
‫طلبهم‪ ،‬وقال ل يخرجن معنا أحد إل من حضر معنا بالمس‪ ،‬فسار معه مائتا‬
‫رجل بعضهم متألم من الجراح‪ ،‬ولكن تجلدا ً لصدقهم في متابعة رسول الله‬
‫حتى كان فيهم من يحمل أخاه بسبب الجراح استجابة لطلب رسول الله ‪،‬‬
‫فخرجوا حتى وصلوا حمراء السد‪ ،‬فأقاموا ثلثة أيام ومر برسول الله معبد‬
‫الخزاعي وكان مشركًا‪ ،‬وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم في حلف رسول‬
‫الله ناصحين له‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬أما والله لقد عز علينا ما أصابك‪ ،‬ولوددنا أن الله عافاك فيهم‬
‫‪ ،‬وتابع معبد طريقه حتى لقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء‪ ،‬وقد أجمعوا‬
‫الرجعة إلى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وقالوا‪ :‬ما حققنا شيئا ً حيث‬
‫كان الهدف استئصال الرسول وأصحابه‪ ،‬فلما رأى أبو سفيان معبد قال‪ :‬ما‬
‫وراءك يا معبد؟ قال محمد قد خرج في أصحابه في جمع لم أَر مثله قط‪ ،‬قد‬
‫اجتمع معه من كان تخلف عنه‪ ،‬وندموا على ما صنعوا‪ ،‬فيهم من الحنق‬
‫عليكم شيء لم أَر مثله قط‪ ،‬قال‪ :‬ويحك ما تقول‪ .‬قال‪ :‬والله ما أرى أن‬
‫ترتحل حتى ترى نواصي الخيل‪ ،‬فثنى ذلك أبا سفيان عن عزمه وفترت همته‪.‬‬
‫ومر بأبي سفيان ركب من عبد قيس فقال‪ :‬أين تريدون ‪ ،‬قالوا‪ :‬نريد المدينة‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ولم؟ قالوا‪ :‬نريد الميرة‪ ،‬قال ‪ :‬فهل أنتم مبلغون محمدا ً رسالة‪ ،‬وأحمل‬
‫لكم إبلكم هذه زبيبا ً بعكاظ‪ ،‬قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال أخبروه أنا أجمعنا السير إليه‬
‫وإلى أصحابه لستئصالهم‪ ،‬فمر الركب برسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫وهو بحمراء السد‪ ،‬فأخبروه بالذي قال أبو سفيان‪ ،‬فقالوا حسبنا الله ونعم‬
‫الوكيل‪.‬‬
‫من ب َعْدِ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ّ‬
‫جاُبوا ل ِلهِ َوالّر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫قال الله عز وجل في هذه الحداث‪ ? :‬ال ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قرح ل ِل ّذي َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫م الّنا ُ‬ ‫ل لهُ ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫قوا أ ْ‬ ‫م َوات ّ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫سُنوا ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫م ال ْ َ ْ ُ‬ ‫صاب َهُ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ع‬
‫ُ َ َ‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫مان‬ ‫إي‬
‫ْ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫زا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬‫ْ ْ‬‫ُ‬ ‫ه‬‫و‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫عو‬
‫ُ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إِ‬
‫هّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ض َ‬ ‫ْ‬
‫سوٌء َوات ّب َُعوا رِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫لل ْ‬ ‫ض ٍ‬‫ن اللهِ وَفَ ْ‬‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ّ‬ ‫ْ‬
‫قلُبوا ب ِن ِعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل َفان َ‬ ‫كي ُ‬ ‫ْ‬
‫الوَ ِ‬
‫م?]آل عمران‪.[174-172:‬‬ ‫ظي ٍ‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ه ُذو فَ ْ‬ ‫َوالل ّ ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من ب َعْدِ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫جاُبوا ْ ل ِل ّهِ َوالّر ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله عز وجل في هذه الحداث‪ ? :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫قرح ل ِل ّذي َ‬ ‫َ‬
‫س‬‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫قوا ْ أ ْ‬ ‫م َوات ّ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫سُنوا ْ ِ‬‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫م ال ْ َ ْ ُ‬ ‫صاب َهُ ُ‬‫ما أ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫ُ َِْ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ ْ َُ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫مان‬ ‫إي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫زا‬
‫ْ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫خ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫عو‬
‫إِ ّ ّ َ ْ َ َ ُ‬
‫م‬ ‫ج‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫وا َ‬ ‫ض َ‬‫سوٌء َوات ّب َُعوا ْ رِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل لّ ْ‬ ‫ض ٍ‬‫ن الل ّهِ وَفَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ّ‬ ‫قل َُبوا ْ ب ِن ِعْ َ‬ ‫ل َفان َ‬ ‫كي ُ‬ ‫ال ْوَ ِ‬
‫م?]آل عمران‪.[174-172:‬فلم يبالوا بإرجاف المشركين‬ ‫ظي ٍ‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ه ُذو فَ ْ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫وذلك لقوة إيمانهم ويقينهم بالله رب العالمين ‪ ،‬لقد استهانوا بجميع اللم‬
‫واسترخصوا النفوس في حب الله ورسوله وطاعتهما وكان تطلعهم إلى‬
‫الشهادة أوقر في نفوسهم من حب المال والحياة‪ ،‬فربط الله على قلوبهم‬
‫وحفهم برعايته وعنايته من أعدائهم‪ ،‬بفضله ورحمته حتى انقلبوا ولم‬
‫يمسسهم شيء ‪ ،‬إنه اليمان الذي يوجد الشجاعة ‪ ،‬ويفجر الطاقات الكامنة ‪:‬‬
‫مانا ً‬
‫م ِإي َ‬ ‫م فََزاد َهُ ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫مُعوا ْ ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫? ال ّ ِ‬
‫ل ?]آل عمران‪.[173:‬‬ ‫م ال ْوَ ِ‬
‫كي ُ‬ ‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫سب َُنا الل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫وََقاُلوا ْ َ‬
‫إن تجمع الكفار وإرجافهم ل يزيد المؤمنين إل إيمانا ً وتسليما ً في كل زمان‬
‫ومكان‪.‬‬
‫لقد انهزم المسلمون في أحد من قبل المشركين لحكم أرادها الله عز وجل‪،‬‬ ‫ُ‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد جرت العادة بأن الغالب يزداد قوة وشدة‪ ،‬وأن قلب المغلوب ينكسر‬
‫ويضعف ويحزن ‪ ،‬ولكن الله سبحانه قلب القضية رأسا ً على عقب ‪ ،‬أودع‬
‫قلوب الغالبين وهم الكفار المشركون الخوف والرعب والقلق ‪ ،‬قال‬
‫م ي ُن َّز ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ما ْ‬
‫ل‬ ‫كوا ْ ِبالل ّهِ َ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫شَر ُ‬ ‫فُروا ْ الّرعْ َ‬
‫ب بِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬
‫قي ِفي قُُلو ِ‬ ‫سن ُل ْ ِ‬
‫تعالى‪َ ? :‬‬
‫وى ال ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ?]آل عمران‪ .[151:‬إنه وعد‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م الّناُر وَب ِئ ْ َ‬
‫س َ‬ ‫مأَواهُ ُ‬ ‫طانا ً وَ َ‬
‫سل ْ َ‬
‫ب ِهِ ُ‬
‫مؤكد من الله الجليل القادر القاهر‪ ،‬بإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا‪،‬‬
‫وذلك كفيل بهزيمتهم ونصر المؤمنين عليهم‪.‬‬
‫وهذا الوعد الكريم قائم في كل معركة يلتقي فيها الكفر باليمان‪ .‬فما من‬
‫معركة يلقى فيها الذين كفروا الذين آمنوا حتى يخافوهم ويتحرك الرعب‬
‫الملقى من الله في قلوبهم‪ ،‬ولكن المهم أن توجد حقيقة اليمان في قلوب‬
‫المؤمنين ‪ ،‬حقيقة التوكل على الله وحده‪ ،‬والثقة بوعده‪ ،‬والتجرد من كل‬
‫شك في أن جند الله هم الغالبون‪ .‬وأن الذين كفروا غير معجزين في الرض‬
‫ول سابقين لله عز وجل لبد من التعامل مع وعد الله هذا مهما تكن ظواهر‬
‫المور تخالفه وتعارضه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إنه الخوف والرعب يلقيه الله في قلوب الذين كفروا دائما وأبدا ذلك لنهم ل‬
‫يستندون إل إلى ضعف وعجز وخواء‪ ،‬وإنا لنجد مصداق هذا الوعد ونراه بأم‬
‫أعيننا مرات ومرات‪ ،‬فكم من مرة يقف الباطل مدججا ً بالسلح أمام الحق‬
‫العزل‪ .‬ومع ذلك كان الباطل يحتشد احتشاد الخائف المرعوب ‪ ،‬ويرتجف‬
‫من كل حركة وصوت‪.‬‬
‫ها هي أعظم قوة مادية تهاجم أفقر شعب ‪ ..‬ثم قارنوا بين خوف القوياء‬
‫وخوف الضعفاء ‪ .‬مثلن بارزان اليوم في فلسطين وأفغانستان‪ .‬الذين‬
‫يمتلكون وسائل القتل والدمار من رعب شديد وخوف وهلع من شعوب ل‬
‫تملك من المقومات المادية شيئا ً سوى إيمانها بالحق ودفاعها عنه‪ .‬والكفار‬
‫في غاية الرعب والهلع من المسلمين‪ ،‬هذا ومعظم المسلمين سيما‬
‫زعماؤهم يغطون في سبات عميق‪ ،‬فكيف إذا نهض المسلمون وهاجموا‬
‫الكفر والظلم والطغيان وحملوا راية الجهاد‪.‬‬
‫إن من خصائص نبينا محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬التي أكرمه الله بها‬
‫وجعلها له ولمته أن نصر بالرعب مسيرة شهر يقذفه الله في قلوب العداء‪،‬‬
‫فهو سلح فتاك مدمر غير أنه ل يناله إل من رضي بالله ربا ً وبالسلم دينا ً‬
‫وبمحمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬نبيا ً ورسو ً‬
‫ل‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل ينال هذا السلح ‪ ،‬سلح إلقاء الرعب والخوف في قلوب الكفار إل من كان‬
‫س قَد ْ‬
‫ن الّنا َ‬
‫س إِ ّ‬‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬
‫ن َقا َ‬‫ذي َ‬ ‫على مثل ما كان عليه النبي وأصحابه‪ ? :‬ال ّ ِ‬
‫ل ?]آل‬‫كي ُ‬ ‫ْ‬
‫م الوَ ِ‬
‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫ّ‬
‫سب َُنا الل ُ‬
‫ح ْ‬ ‫مانا ً وََقاُلوا ْ َ‬ ‫م فََزاد َهُ ْ‬
‫م ِإي َ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫م َفا ْ‬
‫خ َ‬ ‫مُعوا ْ ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬‫َ‬
‫عمران‪.[173:‬فإن هذا القول مطابق لما وقر في قلوبهم من زيادة اليمان‬
‫ه ? يعني كافينا شر أعدائنا وكل‬ ‫سب َُنا الل ّ ُ‬
‫ح ْ‬‫والعتماد على الله‪ ،‬ولذلك قالوا‪َ ? :‬‬
‫ما يتطلبه واقع حياتنا‪ ،‬فنحن مطمئنون إلى إنجاز وعده بكل صدق ويقين وهو‬
‫ل ? الكافي لنا في كل مهمة ‪ ،‬لقد أودع الله تلك القلوب وهي‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬ ‫? ن ِعْ َ‬
‫مغلوبة في أحد أودع فيها القوة والحمية والصلبة والبسالة المنقطعة النظير‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وهذا يدل على أن البواعث والصوارف من الله‪ ،‬وأنه مقلب القلوب‪ ،‬فيجب‬
‫على المؤمنين اتباع رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يصدقوا في‬
‫التوكل على الله والعتماد عليه ويبذلوا ما في وسعهم لمجاهدة أعداء الله‪،‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإذا ادلهمت عليهم الخطوب وكثرت أراجيف العداء فليقولوا‪ :‬حسبنا الله‬
‫ونعم الوكيل‪ .‬فهي كلمة عظيمة ينبغي النطق بها في الشدائد والمهمات‪.‬‬
‫أخرج المام البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما‬
‫قال‪) :‬حسبنا الله ونعم الوكيل ‪ ،‬قالها إبراهيم عليه السلم حين ُألقي في‬
‫النار ‪ ،‬وقالها محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حين قالوا)إن الناس قد جمعوا‬
‫لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا ً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل((‪.‬‬
‫إن الخوف من العداء سببه الهزيمة النفسية وسبب قابليتها للذل والخذلن‪،‬‬
‫ولقد رأينا كيف عالج رسول الله نفسيات الصحابة بعد وقعة أحد حيث خرج‬
‫وأمرهم بالخروج لملحقة الكفار‪ ،‬ليمحو ما في ضمائر أصحابه من الشعور‬
‫بالهزيمة‪ ،‬وإنعاش لها بالنصر الحسي والمعنوي‪ ،‬وعلج روحي عظيم نافع‬
‫للم جراحاتهم‪ .‬وأودع في قلوبهم أن ما أصابهم هو امتحان وتجربة‪ ،‬وأنه‬
‫ليس نهاية المطاف‪ ،‬وإشعار لهم بضعف أعدائهم‪ ،‬حتى تتجدد فيهم القوة‬
‫والروح المعنوية ‪ ،‬ويعلموا أن ما أصابهم ل يعود ‪ ،‬وسيكونون هم المنصورين‬
‫دائما ً بإذن الله وعونه وتوفيقه‪ ،‬إذا حققوا مقتضيات اليمان دون قصور أو‬
‫خلل مع بذل طاقاتهم في سبيل الدعوة والجهاد وحمل راية اليمان والتوحيد‪،‬‬
‫وإنهم وإن عاقبهم الله على أخطائهم‪ ،‬فإن عقوبته تكون خير وبركة إذ فيها‬
‫الدروس والعظات والعبر ومعرفة سنن النصر والهزيمة‪ ،‬ولقد جعل الله‬
‫وقاية لعباده من الهزيمة النفسية حيث وضح لهم أسباب الخوف ليعرفوها‬
‫ويبتعدوا عنها غاية البعد فقد أبان سبحانه لنا بأن مصدر الخوف هو الشيطان‬
‫ن ِإن‬‫خاُفو ِ‬
‫م وَ َ‬ ‫ف أ َوْل َِياءهُ فَل َ ت َ َ‬
‫خاُفوهُ ْ‬ ‫خو ّ ُ‬
‫ن يُ َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫م ال ّ‬‫ما ذ َل ِك ُ ُ‬‫فقال سبحانه‪? :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن ?]آل عمران‪.[175:‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ُ‬
‫كنُتم ّ‬
‫بين الله سبب الخوف وعلة الهلع والفزع والجبن‪ ،‬وأن الشيطان هو الذي‬
‫يجند أولياءه من النس للتخذيل والرجاف‪ ،‬وإثارة الرعب تارة‪ ،‬وإنزاله عبر‬
‫برامج وفلسفات شيطانية وخطط إعلمية مضللة تارة أخرى‪ ،‬والغرض من‬
‫ذلك هو التخويف من الكفار والمنافقين‪ ،‬بتضخيم شأنهم وإلباسهم لباس‬
‫القوة في العدة والعدد‪ ،‬ويلقوا في روع الناس بأنهم ل يهزمون إلى غير ذلك‬
‫من أنواع التخويف والرهاب‪ ،‬وكل ذلك من فعل الشيطان وأولياءه‪ ،‬لن‬
‫خططهم وأهدافهم ل تنفذ ول تتحقق إل في ظل تضخم الشر وصولة الباطل‪،‬‬
‫ولهذا فإن الله سبحانه ينهي المؤمنين من أن يساورهم شيء من الخوف من‬
‫أولياء الشيطان ‪ ،‬فإن من يعرف الله ثم يخاف أولئك الشياطين ليس بمؤمن‬
‫ن ?]آل عمران‪.[175:‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬
‫كنُتم ّ‬ ‫ن ِإن ُ‬ ‫خاُفو ِ‬‫م وَ َ‬‫خاُفوهُ ْ‬ ‫‪ ،‬لقوله تعالى‪ ? :‬فَل َ ت َ َ‬
‫فالخوف منهم مناف لليمان‪ .‬فيجب على المؤمنين أن ل يخافوا الكفار‪ ،‬وأن‬
‫ل يعظم أمرهم عندهم مهما بلغوا من الكثرة والقوة‪ ،‬فإن القوة لله‪ ،‬فما‬
‫علينا إل أن نطيع الله حق الطاعة ونطيع رسوله‪ ،‬ونلجأ إليه سبحانه ‪،‬‬
‫ونستقيم على أمره‪ .‬إن فعلنا ذلك فإنه سبحانه متكفل لنا بالنصر والظفر ‪..‬‬
‫فإن تخويفات الشيطان ل تؤثر إل على أولياءه من المنافقين وفاقدي‬
‫اليمان‪.‬‬
‫ً‬
‫فالخوف محصور فيهم ل يصل إلى المؤمنين الصادقين أبدا ‪ ،‬إن معظم‬
‫المسلمين اليوم يعيشون غثائية متكررة‪ ،‬يسيطر عليها الجبن والخوف والهلع‪،‬‬
‫إن المنافقين والذين في قلوبهم مرض يسارعون في الكفار يخشونهم والله‬
‫أحق أن يخشوه‪ ،‬حتى في حالت حصول شيء من النصر على أيدي‬
‫المؤمنين يسعون بكل قوة ليقاف تلك النتصارات رضوخا ً إلى تخويف‬
‫الشيطان وأولياءه من شياطين النس‪ .‬إنهم يجندون أنفسهم مع الكفار لتنفيذ‬
‫سياساتهم وتطبيق مخططاتهم وإن كانت ضدهم وضد مصالحهم ‪ ،‬لكنه‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخوف من غير الله الذي يسوقهم إلى الكارثة والدمار‪ .‬وحجة المنافقين‬
‫خُلو قلوبهم من اليمان‬ ‫دائما ً وأبدا ً هي قولهم نخشى أن تصيبنا دائرة‪ .‬إ ّ‬
‫ن ُ‬
‫بالله وعدم معرفتهم بعظمة الله جعلهم يتخبطون كالذي يتخبطه الشيطان‬
‫من المس‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أيها المؤمنون ل علج لهذه المراض‪ ،‬أمراض الوهن والخوف والغثائية إل‬
‫باليمان والعداد ومقارعة العداء‪ ،‬مع اعتماد القلب على الله عز وجل‬
‫والركون إليه وصدق التوكل عليه‪ ،‬وإذا كان التوكل على الله مطلوب في كل‬
‫وقت وحين وفي كل المجالت في حياتنا ‪ ،‬إل أنه يتعين في مواطن كثيرة أمر‬
‫الله بها ورسوله والمؤمنين‪:‬‬
‫ه فَل َ‬ ‫م الل ُّ‬ ‫صْرك ُُ‬ ‫‪ -‬أمرنا أن نتوكل عليه إن أردنا النصر والفرج فقال‪ِ ? :‬إن َين ُ‬
‫ل‬‫من ب َعْدِهِ وَعََلى اللهِ فَلي َت َوَك ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫صُر ُ‬ ‫ذي َين ُ‬ ‫من َذا ال ّ ِ‬ ‫م فَ َ‬ ‫خذ ُل ْك ُ ْ‬ ‫م وَِإن ي َ ْ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫غال ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن?]آل عمران‪[160 :‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ -‬وإذا أعرضنا على العداء فليكن التوكل على الله هو رفيقنا ? ‪ ...‬فأعْرِ ْ‬
‫كيل ً ?]النساء‪[81 :‬‬ ‫فى ِبالل ّهِ وَ ِ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ وَك َ َ‬ ‫م وَت َوَك ّ ْ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫‪ -‬وإذا أعرض عنا الخلق وخذلونا فلنعتمد على الله عز وجل‪ ? ،‬فَإن ت َوَل ّوْا ْ‬
‫ِ‬
‫ت ‪] ?...‬التوبة‪[129 :‬‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬‫سب ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فَ ُ‬
‫‪ -‬وإذا نزلت قوافل القضاء والقدر فلنستقبلها بصدر رحب متوكلين على الله‬
‫ل‬‫موْل ََنا وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬ ‫ه ل ََنا هُوَ َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ما ك َت َ َ‬‫صيب ََنا إ ِل ّ َ‬ ‫تعالى‪ُ ? :‬قل ّلن ي ُ ِ‬
‫ن ?]التوبة‪[51 :‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫‪ -‬إذا خشينا بأس أعداء الله ووسوسة الشيطان فل نلتجئ إل إلى باب الله ?‬
‫ن ?] النحل‪[99 :‬‬ ‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬‫مُنوا ْ وَعََلى َرب ّهِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن عََلى ال ّ ِ‬ ‫طا ٌ‬‫سل ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫س لَ ُ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫‪ -‬إذا أيقنا أن الله هو الواحد القادر على كل شيء فل يكن اتكالنا واعتمادنا إل‬
‫ب?‬ ‫مَتا ِ‬ ‫ت وَإ ِل َي ْهِ َ‬‫ه إ ِل ّ هُوَ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬ ‫ل هُوَ َرّبي ل إ ِل َ َ‬ ‫عليه جل وعل‪ ... ? :‬قُ ْ‬
‫] الرعد‪.[30 :‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫غزوة خيبر ) المحرم ‪ ،‬السنة ‪ 7‬هـ (‬


‫كانت خيبر وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على مسافة ثمانين ميل‬
‫إلى الشمال من المدينة ‪ ،‬وقد كانت أرضا طيبة ذات نخيل رطب ومياه عذبة‬
‫جارية حتى قيل أن بها لليهود فقط في ذلك الحين أربعمائة نخلة ‪ .‬فقد كان‬
‫يهود خيبر من أقوى اليهود بأسا في شبه الجزيرة العربية وحصونهم كثيرة‬
‫ومنيعة فوق الصخور والجبال ‪ ،‬فلم يأمنهم الرسول صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫لنه بإمكان الروم والفرس الستعانة بهم للقضاء على المسلمين ‪ ،‬وأصبحت‬
‫خيبر أكثر المناطق عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في‬
‫المدينة ‪ ،‬فقد احتمى بها معظم اليهود الذين أجلهم المسلمون عن المدينة‬
‫وما جاورها ‪ ،‬فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرى في خيبر أنها من أكبر‬
‫العقبات الرئيسية التي تواجه الدعوة السلمية‬
‫وذلك بعدما تبين صعوبة تعايش المسلمين مع اليهود لكثرة خيانتهم وغدرهم‬
‫ونقضهم العهود ‪ ،‬فلم يكن بد من القضاء على هذا الخطر الداهم ‪ ،‬فهؤلء‬
‫اليهود هم الذين تسببوا في غزوة الحزاب ‪ ،‬والذين بدءوا يدبرون المؤامرات‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدنيئة للهجوم على المدينة بعد أن فشلوا في غزوة الحزاب ‪ ،‬ولذلك جهز‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه وأعد العدة للزحف على يهود خيبر‬
‫ووادي القرى وفدك وتيماء ‪ ،‬وهكذا انطلق الرسول ومعه ألف وستمائة‬
‫مقاتل ومائة فارس ممن كان راغبا في الجهاد في سرية تامة في محرم سنة‬
‫‪ 7‬هـ ‪ 629 /‬م فوصل خيبر بعد ثلثة أيام حيث فاجأ مزارعي خيبر وهم‬
‫خارجون من المزارع عند الصبح ‪ ،‬فولوا هاربين داخل حصونهم ‪ .‬ونزل‬
‫المسلمون في وادي الرجيع بين خيبر وأرض غطفان لمنع إمداد غطفان التي‬
‫تحركت لمساعدة يهود خيبر ‪ ،‬فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم بإرسال‬
‫بعض قواته للغارة على منازل غطفان التي عادت أدراجها لتحمي أهلها‬
‫ومالها ‪ .‬وكان اليهود بزعامة سلم بن مشكم وقد قسموا خيبر إلى ثلث‬
‫مناطق حصينة تتألف كل منها من بضعة حصون ‪ ،‬الولى نطاة ومن حصونها‬
‫الصعب بن معاذ وناعم والزبير وقد جعلوها مركزا للمقاتلين والذخائر ‪،‬‬
‫والثانية الكتيبة ومن حصونها القموص والوطيح والسللم ووضعوا فيها النساء‬
‫والطفال والموال ‪ ،‬والثالثة الشق ومن حصونه أبي والنزار ‪.‬بدأ القتال في‬
‫نطاة ‪ ،‬وكان سلم بن مشكم مريضا فتوفي ليخلفه الحارث بن أبي زينب‬
‫الذي قتل وهو يدافع عن حصن ناعم أول حصن سقط بيد المسلمين ‪ ،‬وكان‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بقطع أربعمائة من نخيل اليهود ليدخل‬
‫الرعب في نفوسهم ‪ ،‬وكانت حصون خيبر تسقط بعد قتال عنيف مستميت‬
‫من الطرفين ‪ .‬ثم سقط حصن الصعب بن معاذ ‪ ،‬فتراجع اليهود إلى حصن‬
‫الزبير وكان منيعا فلجا المسلمون إلى قطع المياه عنه بعد أن دلهم رجل‬
‫يهودي على ذلك ‪ ،‬فشق على اليهود المر فخرجوا للقتال ثم ولوا الدبار نحو‬
‫منطقة الشق ثم اتجه المسلمون نحو الشق ودخلوا حصن أبي ‪ ،‬ثم أمرهم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بمحاصرة منطقة الكتيبة فدخلوا حصن القموص‬
‫بعد حصار عشرين يوما ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وكان اليهود ينتقلون من حصن لخر حتى استقروا في آخر حصنين منيعين‬
‫وهما الوطيح والسللم ‪ .‬وبعد حصار استمر أربعة عشر يوما أدركوا أن‬
‫الهزيمة ستحل بهم فطلبوا حقن دمائهم على أن يقوموا برعاية الرض التي‬
‫كانت لهم مقابل نصف مردودها ‪ ،‬فقبل النبي صلى الله عليه وسلم شرط أن‬
‫يخرجهم المسلمون متى شاءوا‪ .‬وقد خمس النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫غنائم خيبر ووزعها على المسلمين ‪ ،‬وكان من بين الغنائم التي غنمها‬
‫المسلمون في خيبر صحائف متعددة من التوراة طلبها اليهود فأمر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بتسليمها لهم ‪ ،‬في حين أحرق الرومان الكتب‬
‫المقدسة وداسوها بأرجلهم عندما هزموا أورشليم سنة ‪ 70‬م ‪ ،‬كما احرق‬
‫المتعصبون من النصارى صحف التوراة أثناء حروب الضطهاد في الندلس ‪.‬‬
‫وكانت من بين السبايا صفية بنت حيي بن اخطب ‪ ،‬فاصطفاها النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم لنفسه وتزوجها بعد أن أسلمت واعتقها وجعل عتقها‬
‫صداقها ‪ .‬وحاولت زينب بنت الحارث وهي زوجة سلم بن مشكم قتل النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بان أهدته شاة مسمومة بتحريض من بعض قومها ‪،‬‬
‫وقد لك منها النبي صلى الله عليه وسلم مضغة فلم يستسغها ‪ ،‬وكان يرافقه‬
‫البشر بن البراء فاساغها ومات مسموما من أكلها ‪ .‬وقد اعترفت زينب بفعلها‬
‫لنها أرادت أن تستريح من النبي صلى الله عليه وسلم إن كان كاذبا أما إن‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان صادقا في نبوته فسيخبر بالمر ‪ ،‬وقد عفى عنها ‪ ،‬وقيل أمر بقتلها‬
‫فأطعموها من نفس لحم الشاة ‪ .‬عامل النبي صلى الله عليه وسلم يهود‬
‫خيبر معاملة حسنة تختلف عن معاملته لبني قينقاع وبني النضير وبني قريظة‬
‫‪ ،‬لن أراضي خيبر تحتاج إلى اليدي العاملة في الزراعة ‪ ،‬وهو بحاجة‬
‫للمسلمين في جيش الجهاد في سبيل الله تعالى ‪ .‬وبعد هذا النتصار العظيم‬
‫للمسلمين على يهود خيبر ‪ ،‬قبل يهود فدك في شمال خيبر بدفع نصف‬
‫ممتلكاتهم للرسول صلى الله عليه وسلم دون قتال ‪ ،‬فكانت فدك خالصة‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لنه كان يصرف ما يأتيه منها إلى أبناء‬
‫السبيل ‪ .‬أما يهود وادي القرى فامتنعوا وقاتلوا ‪ ،‬ثم استسلموا بعد أن قتل‬
‫منهم أحد عشر رجل ‪ ،‬فعوملوا مثل معاملة يهود خيبر حيث تركت الرض‬
‫والنخيل في أيديهم مقابل نصف المردود ‪ ،‬وخمس النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم غنائمهم بين المسلمين ‪ ،‬وكذلك حذا يهود تيماء حذو فدك ودفعوا‬
‫الجزية ‪ .‬وهكذا بسط الرسول صلى الله عليه وسلم شريعة السلم ونفوذها‬
‫على اليهود فتوجب عليهم دفع الجزية ‪ ،‬لنهم أهل كتاب وهم من أهل الذمة‪،‬‬
‫وتضعضعت شوكة اليهود وانكسرت ‪ ،‬بعد أن تلشى نفوذهم السياسي‬
‫والقتصادي في شبه الجزيرة العربية ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫غزوة ذات الرقاع ) السنة ‪4‬هـ (‬


‫لماذا سميت هذه الغزوة بغزوة ذات الرقاع ؟‬
‫لقد سميت هذه الغزوة بعدة أسماء منها غزوة بني ثعلبة نسبة لبني ثعلبة‬
‫الذين خرج الرسول صلى الله عليه وسلم لقتالهم ‪ ،‬وكانوا قد نقضوا عهدهم‬
‫مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وغزة بني أنمار ‪ ،‬وغزوة صلة الخوف‬
‫‪ ،‬لن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى فيها صلة الخوف ‪ ،‬وسميت غزوة‬
‫العاجيب لما شاهد فيها المسلمون من مواقف أثارت العجب ‪ ..‬بأحداثها‬
‫لكن الذي يهمنا هو اسم ذات الرقاع ففي رواية البخاري ‪ :‬روى أبو موسى‬
‫الشعري ‪ ،‬وهو من الصحابة الجلء أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في غزوة ذات الرقاع ‪ ،‬قال ‪ :‬خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة‬
‫ونحن ستة بيننا بعير نعتقبه ) أي نتبادل ركوبه ( فنقبت أقدامنا … ونقبت‬
‫قدماي ) أي جرحت ‪ ،‬وسال الدم منها ( وسقطت أظفاري ‪ ) ..‬وكان ذلك من‬
‫وعورة الرض في هذا المكان ( ‪.‬ويواصل أبو موسى حديثه فيقول ‪ :‬فكنا نلف‬
‫على أرجلنا الخرق ‪ ..‬ولما كنا نعصب على أرجلنا الخرق … سميت ذات‬
‫الرقاع من هذه الرواية نلحظ معاناة المسلمين في سبيل رفع راية السلم ‪،‬‬
‫فوعورة الرض‪ ..‬ومشقة السفر ‪ ..‬لم تمنعهم من ملحقة أعداء السلم‬
‫والجهاد في سبيل نشره ‪ .‬فقد كانت الحجار تضرب في أقدام أبي موسى‬
‫الشعري وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬وتسيل منها الدماء‬
‫ويعصبونها بخرق من القماش ‪ ..‬لوقف النزيف منها وبينما موكب الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم يسير نحو القبيلة إذ يفاجأ المسلمون بجمع غفير من‬
‫غطفان ‪ )) ،‬فتقارب الفريقان ولم يكن بينهما حرب وخاف الناس بعضهم‬
‫بعضا (( حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلة الخوف ‪.‬‬
‫ومما رأى الناس في غزوة ذات الرقاع انهم حينما شاهدوا القوم مجتمعين‬
‫وهم أهل غطفان تقارب الجمعان من خوف بعضهم بعض ‪ ..‬ظنا منهم أنها‬
‫الحرب ‪ .‬لكن لم تكن هناك حرب ول قتال ‪ .‬فرجع الرسول صلى الله عليه‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم إلى المدينة بصحابته في جمادى الولى من نفس العام ‪ ،‬وكفاهم الله‬
‫شر القتال‬

‫)‪(1 /‬‬

‫غزوة مؤتة تضحيات خالدة ومشاهد آسرة‬


‫&&توفيق علي‬
‫‪towfeekali@hotmail.com‬‬
‫رغم أن النبي } لم يشهدها إل أنها سميت بالغزوة‪ ،‬لهميتها في ترسيخ‬
‫دعائم الدولة السلمية وبث هيبتها في نفوس المناوئين والمنافقين ‪ ..‬فقد‬
‫صمد ثلثة آلف من المسلمين أمام مائتي ألف من الروم‪ ،‬وضرب القادة‬
‫المسلمون والمجاهدون كذلك دروسا ً رائعة في الثبات والرجولة والتضحية‬
‫فداًء ونصرة لهذا الدين‪ ..‬إنها غزوة مؤتة التي وقعت أحداثها في العام الثامن‬
‫للهجرة المباركة‪ .‬ومن المهم أن نشير بداية إلى أن التربية النبوية كانت‬
‫تتماشى مع التوجيهات القرآنية وتوجه القلوب والنظار إلى الجنة‪.‬‬
‫فمن التوجيهات القرآنية‪ :‬قوله تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على"‬
‫تجارة تنجيكم من عذاب أليم )‪ (10‬تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في‬
‫سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )‪ (11‬يغفر لكم‬
‫ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها النهار ومساكن طيبة في جنات عدن‬
‫ذلك الفوز العظيم )‪ (12‬وأخرى" تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر‬
‫المؤمنين )‪). (13‬الصف(‪.‬‬
‫ومن التوجيهات النبوية‪ 1 :‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪" :‬انطلق‬
‫رسول ص وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله ص ‪ :‬قوموا إلى جنة عرضها السموات والرض‪ ،‬قال عمير بن‬
‫الحمام‪ :‬بخ‪ .‬بخ‪ ،‬فقال‪ :‬رسول الله ص‪ :‬ما يحملك على قولك‪ :‬بخ‪.‬بخ؟ فقال‪:‬‬
‫ل والله يا رسول الله‪ ،‬إل رجاء أن أكون من أهلها‪ ،‬قال‪ :‬فإنك من أهلها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال‪ :‬لئن أنا حييت حتى آكل‬
‫تمراتي إنها لحياة طويلة فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل")‬
‫‪.(1‬‬
‫"إن فكرة الشهادة والمل برضوان الله ودخول الجنة قد أثبت التاريخ أنها‬
‫أقوى دافع في هذا الوجود للمواجهة والموت"‪(2).‬‬
‫وهذا ما ربى عليه رسول الله صحابته رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫كانت غزوة مؤتة وقوادها الثلث قد قدموا نماذج لحب الستشهاد وحب الجنة‬
‫عرس لكل منهم‪ ،‬فلنقف مع هذه‬ ‫والشوق إليها‪ ،‬وكأن يوم استشهادهم يوم ُ‬
‫الغزوة وقفات سريعة‪:‬‬
‫الوقفة الولى‪ :‬سبب الغزوة‬
‫كان رسول الله } قد بعث الحارث بن عمير الزدي بكتابه إلى عظيم بصرى‪،‬‬
‫فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني‪ ،‬وكان عامل ً على البلقاء من أرض‬
‫الشام من قبل قيصر‪ ،‬فأوثقه رباطا ً ثم قدمه فضرب عنقه‪ (3).‬لهذا السبب‬
‫جّيش النبي جيشا ً لغزو الروم‪.‬‬
‫إن الجماعة المسلمة ل بد أن تشعر الفرد بقيمته عند قيادته وأن الجيش كله‬
‫ُمستعد أن يخوض معركة للثأر له‪ ،‬وأنه ل يجوز أن يذهب دم الشهيد هدرًا‪.‬‬
‫وعلى الجنود أن يعوا أن ذلك مرهون بإمكانات الجماعة المسلمة؛ لن رسول‬
‫الله ص في مراحل الضعف كان يمر على آل ياسر ويقول لهم‪ :‬صبرا ً فإن‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موعدكم الجنة‪ ،‬ومأساة بئر معونة التي راح فيها سبعون من خيار المسلمين‬
‫لم يتمكن رسول الله ص من الثأر لهم‪.‬‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬وصية رسول الله للجيش المسلم‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال‪:‬‬
‫"بعث رسول الله ص المسلمين إلى مؤتة في جمادى الولى سنة ثمان‪،‬‬
‫واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال‪ :‬إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب‬
‫على الناس‪ ،‬فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس‪ ،‬فتجهز الناس‬
‫ثم تهيئوا للخروج‪ .‬وهم ثلثة آلف‪ ،‬فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء‬
‫رسول الله وسلموا عليهم‪ .‬فلما ودعوا عبدالله بن رواحة بكى‪ .‬فقالوا‪ :‬ما‬
‫يبكيك يابن رواحة؟ فقال‪ :‬أما والله ما بي حب الدنيا ول صبابة بكم‪ .‬ولكني‬
‫سمعت رسول الله ص يقرأ آية من كتاب الله عز وجل يذكر فيها النار وإن‬
‫منكم إل واردها كان على" ربك حتما مقضيا ‪) 71‬مريم(‪ .‬فلست أدري كيف‬
‫لي بالصدر بعد الورود! فقال المسلمون‪ :‬صحبكم الله وردكم إلينا صالحين‪.‬‬
‫فقال ابن رواحة‪:‬‬
‫لكنني أسأل الرحمن مغفرة‬
‫وضربة ذات قرع تقذف الزبدا‬
‫أو طعنة بيدي حران مجهزة‬
‫بحربة تنفذ الحشاء والكبدا‬
‫حتى يقولوا إذا مروا على جدثي‬
‫يا أرشد الله من غاز وقد رشدا‬
‫وشيعهم رسول الله ص إلى ثنية الوداع‪ ،‬ثم وقف وهم حوله وقال‪ :‬أوصيكم‬
‫بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرًا‪ ،‬اغزوا في سبيل الله فقاتلوا من‬
‫كفر بالله ل تغدروا ول تغلوا ول تقتلوا وليدًا‪ ...‬وستجدون رجال ً في الصوامع‬
‫معتزلين الناس فل تتعرضوا لهم‪ ،‬وستجدون آخرين في رؤوسهم مفاحص‬
‫المقصود عشعشة الشيطان بالكفر في رؤوسهم فاقلعوها بالسيوف‪ .‬ل تقُتلن‬
‫امرأة ول صغيرا ً ول كبيرا ً فانيا ً ول تغُرقن نخل ً ول تقلعن شجرا ً ول تهدموا‬
‫بيتًا)‪.(4‬‬
‫الوقفة الثالثة‪ :‬كيف واجه القادة عوامل الضعف النفسي؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ 1‬لما رأى المؤمنون جيش الروم خشوا من خوض هذه المغامرة "مائتا ألف‬
‫من الروم مقابل ثلثة آلف من المؤمنين"‪ ،‬وهنا انطلق القائد الشاعر بن‬
‫ل‪" :‬والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة‪ ،‬وما نقاتل‬ ‫رواحة قائ ً‬
‫الناس بعدد ول قوة ول كثرة‪ ،‬إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به‬
‫فانطلقوا‪ ،‬فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة"‪.‬‬
‫هكذا تكون القيادة المؤمنة مقدمة إذا تأخر الناس‪ ،‬ثابتة إذا تزعزع الناس‪،‬‬
‫قوية إذا ضعف الناس‪ ،‬منتصرة إذا انهزم الناس‪ ...‬فالناس يموتون أما هم‬
‫فيستشهدون‪.‬‬
‫‪ 2‬خلجات النفس‪ :‬فهذا بن رواحة رضي الله عنه راح يبرز خلجات نفسه بعد‬
‫استشهاد القائد الثاني )جعفر بن أبي طالب( ويقول في شعره‪:‬‬
‫أقسمت يا نفس لتنزلنه‬
‫لتنزلنه أو لتكرهنه‬
‫قد طال ما قد كنت مطمئنة‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مالي أراك تكرهين الجنة!‬


‫ثم تابع قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫يا نفس إل تقتلي تموتي‬
‫هذا حمام الموت قد لقيت‬
‫إن تفعلي فعلهما هديت‬
‫أو تعرضي عنهم فقد شقيت‬
‫ً‬
‫وانخرط في القتال حتى قضى شهيدا في سبيل الله‪.‬‬
‫‪ 3‬بعد استشهاد القادة الثلثة‪ ،‬كاد أن ُيباد الجيش‪ ،‬لول أن قيض الله سبحانه‬
‫وتعالى جنديا ً شجاعا ً ومقاتل ً مغوارًا‪ ،‬لم يأب القيادة نكوصا ً عن الموت‪ ،‬بل‬
‫شعورا ً بوجود الكفأ منه في الجماعة المسلمة وحمل الراية‪ ،‬هذا الجندي هو‬
‫الصحابي ثابت بن أقرم‪ ،‬حيث صاح‪ :‬يا للنصار‪ .‬فأتاه الناس من كل وجه وهم‬
‫قليل وهو يقول‪ :‬إلي أيها الناس‪ ،‬فلما نظر إلى خالد بن الوليد قال‪ :‬خذ اللواء‬
‫يا أبا سليمان! فقال‪ :‬ل آخذه‪ ،‬أنت أحق به‪ ،‬أنت رجل لك سن‪ ،‬وقد شهدت‬
‫بدرا ً قال ثابت‪ :‬خذه أيها الرجل‪ .‬فوالله ما أخذته إل لك فأخذه خالد‪(5)."..‬‬
‫"ونظرة إلى قيادة الجيش نجدها بين مولى وسفير وشاعر‪ ،‬ليؤكد لنا أن‬
‫طاقات السلم كلها في خدمة المعركة‪ .‬وأن وقودها في حالة الخطر هو كل‬
‫شباب السلم بكل طاقتهم وإمكاناتهم ومواهبهم‪ ،‬وتخصصاتهم‪ .‬وليس هناك‬
‫حد فاصل بين السياسي والجندي والقائد‪ ،‬فكل مسلم جندي في المعركة‬
‫مهما علت مرتبته واختلفت وظيفته‪ ،‬فل بد من تضافر جهود كل من العالم‪،‬‬
‫العسكري‪ ،‬العلمي‪ ،‬المفكر‪ ،‬المصلح‪ ،‬المربي‪ ،‬المزارع‪ ،‬الطبيب‪ ،‬المهندس‪،‬‬
‫الطفل‪ ،‬المرأة ثم توضع هذه الجهود في خندق واحد لتقضي على الباطل‬
‫وأهله ويعود للمة مجدها وعزها‪ ،‬ويكون لكل من هؤلء شرف الجهاد والدفاع‬
‫عن دين الله‪ :‬واعتصموا بحبل الله جميعا ول تفرقوا )آل عمران‪.(103 :‬‬
‫الوقفة الرابعة‪ :‬خالد بن الوليد )سيف الله المسلول(‬
‫إن السيرة تذكر أن الله سبحانه وتعالى وفق خالد بن الوليد وهزم الروم‬
‫هزيمة منكرة‪ ،‬بعد أن استعمل حيلة حربية بارعة في فت عضد الروم بتغيير‬
‫مواقع جيشه‪ .‬حتى استحق رضي الله عنه أعلى وسام في الجيش السلمي‬
‫لم ينله أحد بعده ول أحد قبله‪ ،‬أعلنه رسول الله ص على المنبر‪ .‬فقال‪:‬‬
‫"وأخذ الراية سيف من سيوف الله سله الله تعالى على المشركين‪ ،‬جعل‬
‫النصر على يديه"‪.‬‬
‫إنها لقفزة هائلة في الميدان العسكري من جندي مغمور إلى قائد فذ قلده‬
‫رسول الله ص هذا الوسام ومضى معه حتى لقي به العرب والفرس والروم‪،‬‬
‫فقال له قائد جيش الروم في اليرموك‪ :‬هل أنزل الله سيفا ً من السماء‬
‫فأعطاكه؛ فل تسله على قوم إل هزمتهم؟‬
‫على الجماعة المسلمة أن تتفحص في نفسها‪ ،‬وتبحث عن أفذاذ الرجال‬
‫مروا أو حالت‬‫الذين يعدل واحد منهم اللف بل المائة ألف‪ ،‬والذين غُ ِ‬
‫الظروف دون بروزهم وظهورهم‪.‬‬
‫وصدق رسول الله ص‪" :‬إن الله يغرس لهذا الدين بكلتا يديه وكلتا يديه يمين‬
‫سبحانه وتعالى"‪.‬‬
‫الوقفة الخامسة‪ :‬دور العلم السلمي ومعايشة الحداث التي تمر بها المة‬
‫كان المسجد آلة العلم في العصر النبوي‪ .‬لما التقى الناس بمؤتة جلس‬
‫كشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى‬ ‫رسول الله ص على المنبر‪ ،‬ف ُ‬
‫معركتهم فقال‪ :‬أخذ الراية زيد ابن حارثة فجاء الشيطان فحبب إليه الحياة‬
‫وكره إليه الموت وحبب إليه الدنيا فقال‪ :‬الن حين استحكم اليمان في‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلوب المؤمنين تحبب إلي الدنيا! فمضى قدما ً حتى استشهد‪ ،‬فصلى عليه‬
‫رسول الله ص وقال‪ :‬استغفروا له فقد دخل الجنة وهو شهيد‪ ،‬ولما قتل زيد‬
‫أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فكره إليه الموت ومناه‬
‫الدنيا‪ ،‬فقال‪ :‬الن حين استحكم اليمان في قلوب المؤمنين يمنيني الدنيا! ثم‬
‫مضى قدما ً حتى استشهد فصلى عليه رسول الله ص وقال‪ :‬استغفروا‬
‫لخيكم فإنه شهيد دخل الجنة وهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث‬
‫يشاء‪ ،‬ثم أخذ الراية عبدالله بن رواحة فاستشهد ثم دخل الجنة معترضا ً‬
‫فشق ذلك على النصار فقيل‪ :‬يا رسول الله‪ :‬ما اعترضه؟ لما أصابته الجراح‬
‫سري عن قومه‪.‬‬ ‫نكل فعاتب نفسه فتشجع واستشهد ودخل الجنة‪ ،‬ف ُ‬
‫وقال الواقدي‪ :‬حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه قال‪:‬‬
‫لما أخذ الراية خالد بن الوليد قال رسول الله ص‪ ::‬الن حمي الوطيس‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن معايشة المة في أحداثها‪ ،‬يعتبر من أولويات التربية‪ ،‬ومعايشة المة‬


‫للمعاني العظيمة مثل الستشهاد في سبيل الله‪ ،‬والتربية على الشوق للجنة‪،‬‬
‫وسؤال الله معالي المور كطلب الفردوس العلى‪ ،‬أيضا ً من أولويات التربية‬
‫في الوقت الحالي‪.‬‬
‫إن نقل الخبر الصادق‪ ،‬سواء عن طريق المنابر أو الذاعات المرئية‬
‫والمسموعة‪ ،‬والجرائد والمجلت يعتبر من أنواع الجهاد‪ ،‬بل يعتبر من قمة‬
‫الجهاد إذا ُنقل من أرض المعركة حيث الخطار والهوال الجسام‪ ،‬وحيث‬
‫التعرض للقتل‪.‬‬
‫الوقفة السادسة‪ :‬معايشة الطفال أحداث المة‬
‫كان أطفال المدينة على من اليقظة والوعي يضاهئون به يقظة ووعي أبطال‬
‫الرض‪:‬‬
‫‪ 1‬كانوا يقذفون الفصيل المنهزم بالحجارة ويقولون‪ :‬أنتم الفرار‪ ،‬ولم يخفف‬
‫من وطأة هذا الهجوم إل قول رسول الله ص لهم‪ :‬بل أنتم الكرارون إن شاء‬
‫الله‪.‬‬
‫‪ 2‬خرجوا يشتدون مع رسول الله يستقبلون الجيش المنتصر وعلى رأسه‬
‫خالد ابن الوليد سيف الله المسلول‪.‬‬
‫إن وصل الناشئ المسلم بأمته وبعالمه السلمي ليس مجرد عمل يؤدى‬
‫لذاته‪ ،‬وإنما هو عمل يجب أن يربى عليه الناشئ المسلم لغرس القيم التي‬
‫لبد منها لكي يمارس حياته النسانية‪ ،‬قادرا ً على تحقيق السعادة في معاشه‬
‫ومعاده‪ ،‬وهذه القيم هي‪:‬‬
‫‪ 1‬اللتزام بأخلق السلم‪.‬‬
‫‪ 2‬النتماء للسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬الولء لله ولرسوله وللمؤمنين)‪(6‬‬
‫"إن المة التي ُتحسن صناعة الموت‪ ،‬وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة‪،‬‬
‫يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الخرة‪ ،‬وما الوهن‬
‫الذي أذلنا إل حب الدنيا وكراهية الموت‪.‬‬
‫فلنعد ّ أنفسنا لعمل عظيم‪ ،‬ولنعمل للموتة الكريمة لنظفر بالسعادة الكاملة‪...‬‬
‫رزقنا الله وإياكم كرامة الستشهاد في سبيله‪ ...‬آمين‪.‬‬
‫الهوامش‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم ‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المنهج الحركي للسيرة النبوية‪ ،‬منير الغضبان‪.(98-3) ،‬‬ ‫)‪(2‬‬


‫الرحيق المختوم )‪.(435‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫إمتاع السماع )‪(345,346-1‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫امتاع السماع )‪.(348-1‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫تربية الناشيء المسلم‪ ،‬د‪ .‬علي عبدالحليم محمود‪ ،‬ص ‪.470‬‬ ‫)‪(6‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫غّزة وابن تيمية ‪ ..‬والنشيد الوطني الصهيوني !‬


‫‪08-7-2006‬‬
‫بقلم د‪ .‬سعد بن مطر العتيبي‬
‫"‪...‬ثم رأى العالم بالصوت والصورة كيف ُيجلب قوت الشعب للشعب‬
‫تهريبا ‪ ،‬عبر منفذ بري حدودي وحيد بين غزة ومصر ‪ ،‬في معاطف وزراَء في‬
‫حكومة شرعية !‪"...‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله ومن واله ‪ ..‬أما بعد ‪.‬‬
‫‪ (1‬فقبل ثمانية قرون تقريبا ‪ ،‬مّر العلمة المحقق أبو العباس أحمد بن عبد‬
‫الحليم ابن تيمية رحمه الله بغّزة ‪ ،‬وعقد في جامعها )لعله العمري( مجلسا‬
‫علميا كبيرا ‪ ،‬فتعلق أهل غّزة به ‪ ،‬وسأله أميرها المنصوري أن يضع له برنامج‬
‫عمل سياسي إسلمي ‪ ،‬فأجابه ابن تيمية رحمه الله إلى ذلك ‪ ،‬وحّرر له‬
‫مشروعا متكامل في هذا الشأن ‪ ،‬كتبه في ليلة واحدة ‪ ،‬وقدمه له صلة‬
‫الفجر ‪ ،‬واشتهر وانتشر تحت مسمى ‪) :‬السياسة الشرعية في إصلح الراعي‬
‫والرعية( ‪ ،‬وهو الكتاب القيم المعروف المشهور ‪ ،‬الذي ل تخلو منه مكتبة‬
‫طالب علم ‪.‬‬
‫كر في ذلك الثغر الذي يحمل رقما قياسيا‬ ‫تذكرت هذا العاِلم وقصته ‪ ،‬وأنا أف ّ‬
‫ّ‬
‫في الكثافة السكانية على مستوى العالم مع صغر مساحته ‪ ،‬وقلة موارده ‪،‬‬
‫ومحاصرة أهله ‪.‬‬
‫‪ (2‬وغزة تاريخ إسلمي عريق دونه الشيخ عثمان الطباع في ‪) :‬إتحاف العزة‬
‫في تاريخ غزة( ‪ .. ،‬وغّزة هي غّزة التي عرفناها من قبل في فتوحات‬
‫الفاروق رضي الله عنه ‪ ،‬ومرت بنا في ترجمة المام محمد بن إدريس‬
‫الشافعي الغزي ‪ ،‬أحد أئمة الفقه الربعة ‪ ،‬تلميذ المام مالك ‪ ،‬وشيخ المام‬
‫أحمد رحمهم الله ‪.‬‬
‫وإّني لتذكر غّزة بل فلسطين المحتلة كّلها ‪ ،‬كّلما قرأت أو سمعت أو تذكرت‬
‫آخر سورة آل عمران ‪ ،‬لّنها جمعت خصال ً نراها رأي العين في السرة‬
‫الفلسطينية الصابرة ‪ ،‬المصابرة ‪ ،‬المرابطة ‪ ،‬رجل وطفل وامرأة وعجوزا ‪...‬‬
‫غّزة التي تكاد تتجاوز حدود المعقول في صمودها واستبسال أهلها‬
‫وتضحياتهم ‪ ،‬بل تجاوزت حدود المألوف وقاربت تجاوز حدود المعقول ‪ ،‬حين‬
‫ن حوامل غّزة يساهمن في المقاومة بتبرعهن بنوع من الحماض‬ ‫نعلم أ ّ‬
‫البولية الخاصة بالحوامل ‪ ،‬لنها توفر لمصانع السلحة المحلية للمرابطين‬
‫مواد أولية ليدافعوا بها عنهن !!‬
‫‪ (3‬تذكرت غّزة وماضيها ‪ ،‬و تذكرت جميع الراضي المحتلة في فلسطين‬
‫والجولن ومزارع شبعا وغيرها ‪ ،‬ثم تذكرت دعوات التطبيع وما يصاحبها من‬
‫جهد مأزور فيما يشبه التمهيد لتطبيع المسلم عقديا من خلل القدح الجائر‬
‫والعتداء السافر على مسلمات العقيدة السلمية ‪ ،‬ودلئل النصوص القرآنية‬
‫ور المهين في‬ ‫خ َ‬
‫القطعية ‪ ...‬تذكرت تلك الجهود الخاسرة التي يتبّناها كّتاب ال َ‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فل ‪ ،‬للنيل من عقيدة الولء‬ ‫عالمنا العربي ‪ ،‬ما بين قاصد و جاهل ومستغ َ‬
‫للمؤمنين وكأّنما هو جهد في تذليل الصعوبات العقدية أمام الغزاة المحتلين‬
‫والصهاينة الغاصبين ‪ ،‬بوعي أو دون وعي لحقيقة المعركة ‪ ،‬التي يجسدها‬
‫علنا ً النشيد ُ الوطني للكيان الصهيوني ‪:‬‬
‫"طالما في القلب تكمن ‪ ..‬نفس يهودية تتوق ‪ ..‬وللمام نحو الشرق ‪ ..‬عين‬
‫مة‬‫تنظر إلى صهيون ‪ ..‬أملنا لم يضع بعد ‪ ..‬حلم عمره ألفا سنة ‪ ..‬أن نكون أ ّ‬
‫حّرة على أرضنا ‪ ..‬أرض صهيون والقدس ‪. "..‬‬
‫أقول هذا ‪ ،‬لّننا وجدنا من الكتاب العرب من يتعاطف مع جندي أسره‬
‫مقاومون شرعيون على أرضهم ‪ -‬وهو الحق الذي تكفله قواعد القانون‬
‫الدولي ‪ -‬تحت دعاوى الحرص على الفلسطينيين ‪ ،‬في حين أنني سمعت‬
‫بعضهم من قبل يردد جملة ‪" :‬إخواننا في فلسطين !! إخواننا في‬
‫فلسطين !!" على سبيل السخرية ‪ ..‬مستهجنا تعاطفنا مع إخواننا‬
‫عم ‪ ،‬وعدم‬ ‫المسلمين ‪ ،‬داعيا إلى التقوقع في ظل العولمة ونبذ الممية َز َ‬
‫ن الجندي اليهودي‬ ‫التدخل فيما وراء الحدود ‪ .‬فيا ترى هل يظن هؤلء أ ّ‬
‫المأسور ‪ ،‬دون الحدود أو يعلمون أنه وراءها ؟‬
‫‪ (4‬لقد كانت صناديق القتراع التي نادى بها دعاة الديمقراطية امتحانا صعبا‬
‫لهم ‪ ،‬فبعد عدد من النتائج غير المرضية لهم في عدد من البلدان ‪ ،‬حاولوا‬
‫تدجين المة إعلميا ثم طالبوا بوضع الصناديق لها مّرة بعد مّرة ‪ ،‬وكان مكان‬
‫مت ‪ :‬انتخابات المجلس‬ ‫اختبارهم الخير للمة ‪ ،‬هو أقسى مواقع معاناتها ‪ ،‬فت ّ‬
‫التشريعي في السلطة الفلسطينية ؛ وما إن ظهرت النتائج الولية حتى‬
‫تهامس الظلمة من الفرنج ‪ ،‬فلم نلبث أن سمعنا صراخ )الشرعية الدولية‬
‫وحقوق النسان( ‪ -‬التي طالما يطالبون خصومهم برعايتها ‪ ،‬في مثل حالة‬
‫الصين وكوريا الشمالية ‪ -‬سمعناها تصرخ في فلسطين تحت أقدام واضعيها ‪،‬‬
‫وتنتهك دون قدرتهم على تبرير منطقي لما يجري منهم تجاهها ‪ ،‬فحوصر‬
‫دمون صورة الحرص عليه في قالب‬ ‫الشعب الفلسطيني الذي كانوا يق ّ‬
‫)الديمقراطية( ‪ ،‬وبلغ المر بأدعياء الديمقراطية ‪ ،‬والمتباكين عل حقوق‬
‫النسان ‪ ،‬أن يتآمروا على الشعب الفلسطيني في مناطق السلطة بمنعه من‬
‫استلم أجرة عََرق الجبين ‪ ،‬التي يشتري بها ‪ -‬وليس منها ‪ -‬حليب المولود ‪،‬‬
‫وغذاء الطفل ‪ ،‬وقوت النسان ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لقد أزالت هذه النتخابات ‪ ،‬بقايا أوراق التوت عن سوءات دعاة الشرق‬
‫الوسط الكبير ‪ ،‬وبصقت في وجوه المبشرين برغده وعدالته وتفوق حقوق‬
‫ة منتخبة في‬ ‫النسان فيه ‪ .‬لم ل ؟ ألم ير الناس كيف حوصرت حكوم ٌ‬
‫ت جرت لتدارك النتيجة ولو‬ ‫انتخابات لم يشكك أحد في نزاهتها ‪ ،‬مع محاول ٍ‬
‫في اللحظة الخيرة ‪.‬‬
‫لقد شهد العالم كيف خلت ‪ -‬ولم تكن من قبل كذلك ‪ -‬خزينة المالية‬
‫ن أموال المة‬ ‫الفلسطينية قبيل تسليمها للحكومة المنتخبة بفواق ناقة ‪ ،‬وكأ ّ‬
‫ل عبث سياسي ‪ ...‬والمعان في‬ ‫وأرزاق الناس ‪ ،‬ومستحقات اليتامى مح ّ‬
‫الحصار بمنع البنوك من التعامل مع الحكومة المنتخبة ‪ -‬التي حصلت على‬
‫أصوات لم يحصل على مثلها المرشحون في أعرق الحزاب السياسية‬
‫الغربية ‪ -‬بعيد إعلن النتائج ‪.‬‬
‫ثم رأى العالم بالصوت والصورة كيف ُيجلب قوت الشعب للشعب تهريبا ‪،‬‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبر منفذ بري حدودي وحيد بين غزة ومصر ‪ ،‬في معاطف وزراَء في حكومة‬
‫ن هذا الظلم والجور والتعامل غير الحضاري ‪ -‬ذاته ‪ -‬ذكرني رسالة‬ ‫شرعية ! إ ّ‬
‫أبي العباس ابن تيمة رحمه الله إلى ملك قبرص التي يطالبه فيها بإطلق‬
‫سراح أسرى المسلمين ‪ ،‬ويحذره فيها من عقوبة الظلم وسنة الله في‬
‫الظالمين دول وأفرادا ‪.‬‬
‫دد ‪ ،‬ولنا في‬ ‫ن المة هزمت واستسلمت ‪ ،‬ولكن الوهم تب ّ‬ ‫ن الخصوم أ ّ‬ ‫‪ (5‬ظ ّ‬
‫التاريخ معتبر ‪ ،‬فلقد تيقنوا فيما بعد أّنهالم تمت وإّنما كانت مسترخية ‪ ،‬وربما‬
‫سنة من النوم ‪ ،‬تحت شعارات القومية العربية الزائفة ‪،‬‬ ‫كان منها من أخذته ِ‬
‫والشعارات الثورية الفارغة ‪ ،‬في ظاهرة صوتية لخصتها للجيل الذي لم‬
‫طى غباُر القصف آثار‬ ‫يشهدها ‪ ،‬تصريحات وزير العلم العراقي الذي غ ّ‬
‫دث عن الصد ّ والصمود إلى آخر‬ ‫أقدامه قبل أن يغادر بغداد هاربا وهو يتح ّ‬
‫نطفة دم ‪ ...‬لقد ُرك َِلت المة عام النكسة ‪ ،‬فاستيقظت وصحت ‪ ،‬واكتشفت‬
‫سّر هزيمتها الحديثة ثم سّر نصرها القديم الذي قامت عليه دولتها الولى وما‬
‫تلها من دول السلم ‪ ،‬وحتى هذه الحقاب المتأخرة التي تحالف فيها‬
‫المامان محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب رحمهما الله ‪ ،‬في دليل‬
‫ل هذا سّر التضايق من‬ ‫مادي ملموس على سبب النصر اللهي ؛ ولع ّ‬
‫الصحوة ‪ ،‬ومن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ‪ ،‬ومن قبلهما ابن تيمة‬
‫مة الفرنج ومساندي المغتصب ‪ ،‬يستشرفون‬ ‫ن ظ َل َ َ‬‫إّياه ‪ -‬رحمهم الله ‪ -‬وكأ ّ‬
‫آثار تراث هؤلء القادة وتجربتهم في مستقبل القضية ‪.‬‬
‫دع بهم أو وافقهم من بني جلدتنا ‪ ،‬يريدون من المة‬ ‫خ ِ‬‫ن ظلمة الفرنج ومن ُ‬ ‫إ ّ‬
‫أن تموت ل أن تغرق في النوم فقط ؛ ليسرحوا ويمرحوا خارج وحي الله ‪،‬‬
‫في ليبرالية مخزية ‪ ،‬ل تعرف دينا ولو كان السلم ‪ ،‬ول ثابتا ولو كان عقيدة‬
‫التوحيد ‪ ،‬ول أصل ً يقينيا ً منصوصا ولو كان الولء في أواسط الحجرات والبراء‬
‫ن من الّنوم نوما ً كهفيا ً يصحو فيه‬ ‫في أواخر المجاِدلة ‪ .‬وما علم هؤلء أ ّ‬
‫المضطهدون على زغاريد النصر ومباهج الحتفاء ‪.‬‬
‫ن من المؤسف أن نرى التطبيع العلمي في إعلم العرب والمسلمين‬ ‫‪ (6‬إ ّ‬
‫يسابق التطبيع السياسي في ظل أجواء ل تسمح لذي حياء أن يتكلم ‪ .‬ولكن‬
‫يا ترى ماذا يستطيع أن يقول دعاة التطبيع )الصلح الدائم الذي يتم بمقتضاه‬
‫الدخول في جملة من التفاقات متنوعة الجوانب بما في ذلك الجانب الثقافي‬
‫والقتصادي والمني وغيرها( مع هذا الكيان الصهيوني الغاصب المحتل ‪،‬‬
‫الذي لم يحترم شيخا ولم يرحم طفل ‪ ،‬ولم يقدر ‪ -‬ولو إنسانيا ‪ -‬وضع امرأة‬
‫حامل ! ليضعها وجنينها في عنابر قذرة ‪ ،‬خلف قضبان ظالمة ‪ ،‬ومعاملة‬
‫مت بعضهم عن الحديث في الحدث ‪،‬‬ ‫ص َ‬
‫م َ‬ ‫جائرة ‪ ..‬ما الذي يمكنهم قوله ‪ ،‬ول ِ َ‬
‫وانكفأ بعضهم على إثارة قضايا داخلية محسومة شرعا ونظاما ‪ ،‬وفعل‬
‫بعضهم السوأ بما تقدم ذكره ‪.‬‬
‫‪ (7‬وهنا ل يفوتني أن أهمس في آذان المخلصين من الدعاة والكتاب بأّننا‬
‫يجب أن ندرك الفرق بين الصلح مع اليهود في فلسطين بالمعنى القانوني‬
‫الدولي ‪ ،‬وبين ما قد يضطر إليه الخوة في الحكومة الفلسطينية الحالية من‬
‫الدخول في مفاوضات والوصول إلى اتفاق هدنة سواء كان ذلك في العاجل‬
‫ن الخوة في القيادة الفلسطينية الحالية ‪ -‬وهم ما بين‬ ‫أو الجل ‪ ،‬فلنفترض أ ّ‬
‫علماء و طلبة علم أو راّدون إليهم ‪ -‬سلكوا هذا المسلك ‪ ،‬فهل يسوغ التثريب‬
‫عليهم ‪ ،‬فضل عن تخوينهم والنيل منهم ؟ كل فثمة فرق بين مسألة الصلح‬
‫الدائم الذي أجمع العلماء على منعه العلماء السابقون ‪ ،‬واتفق على تجريمه‬
‫في قضية فلسطين العلماء المعاصرون ‪ ،‬وبين عقد هدنة مؤقتة أو مطلقة‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في نظر مصلحي ممن يملك آلة الجتهاد وتقدير المصلحة المرعية في‬
‫الشرع ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وبسبب الخلط في فهم هذه المسألة ‪ ،‬غلط بعض الناس على شيخنا‬
‫العلمة ‪ /‬عبد العزيز بن باز ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬حين نسبوا إليه جواز الصلح مع‬
‫اليهود بالمفهوم العرفي الدولي )الصلح المؤّبد( مع أّنه قد أوضح ما عناه‬
‫وبّينه بقوله ‪" :‬الصلح بين ولي أمر المسلمين في فلسطين وبين اليهود ل‬
‫يقتضي تمليك اليهود لما تحت أيديهم تمليكا أبديا ‪ ،‬وإنما يقتضي ذلك تمليكهم‬
‫تمليكا مؤقتا حتى تنتهي الهدنة المؤقتة ‪ ،‬أو يقوى المسلمون على إبعادهم‬
‫عن ديار المسلمين بالقوة في الهدنة المطلقة" ) مجلة البحوث السلمية ‪:‬‬
‫العدد )‪ (48‬ص ‪. ( 132-13 :‬‬
‫‪ (8‬قد يصاب بعض الناس من أهل الغيرة والحمية ‪ ،‬وخاصة الشباب بنوع من‬
‫الحباط أو اليأس وهم يشهدون هذا الحدث وأمثاله ‪ ،‬وحق لهم أن يتألموا ‪..‬‬
‫ت غير مشروعة ‪ ،‬ل يرجعون فيها لعالم‬ ‫ولكن ربما تصرف بعضهم تصرفا ٍ‬
‫معتبر ‪ ،‬ول سياسي حاذق ‪ .‬ولهؤلء يقال ‪ :‬السكينة السكينة ‪ ..‬يمكنكم أن‬
‫تصنعوا شيئا في نصرة المسلمين بطرق مشروعة مرجوة النفع مأمونة‬
‫العواقب ‪ ،‬إزاء ما يجري من حصار إخواننا في غزة على سبيل المثال ‪.‬‬
‫وإذا ما استبعدنا استخدام جميع الوسائل القانونية المعترف بها في سبيل‬
‫مطالبة العدو بالعدالة ‪ ،‬ومراعاة القوانين النسانية الموافقة للشرع ‪ ،‬على‬
‫المستوى الرسمي والمؤسسي في العالم العربي والسلمي ‪ -‬وهي أمور‬
‫ن بإمكاننا كأفراد أن نقوم بجهود نصرة شرعية قانونية‬ ‫يفقهها أهل الشأن ‪ -‬فإ ّ‬
‫مؤّثرة إن شاء الله تعالى ‪ ،‬ولو لم يكن فوريا ‪ .‬وهذه بعض المثلة للوسائل‬
‫المشروعة المتاحة أذكرها على سبيل التنبيه ل الحصر ‪:‬‬
‫فالمثال الول ‪ :‬الدعاء لخواننا في غّزة والقنوت لنازلتهم ‪ ،‬وقد أفتى بذلك‬
‫في هذه القضية بالذات سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد‬
‫الله آل الشيخ حفظه الله لكل من سأله ‪ ،‬واصفا ذلك بأّنه أيسر ما يمكننا‬
‫ن حاخامات يهود يدعون إلى‬ ‫تقديمه من نصرة ‪ .‬كيف وقد وجدنا في النباء أ ّ‬
‫الصلة من أجل تحرير جندي ظالم ‪ ،‬ويقومون على أرض مطار غزة في‬
‫محاولة لتثبيت الغزاة الغاصبين ‪ ،‬فما أهوننا إن لم نرفع أيدينا إلى الله عز‬
‫وجل نطلب منه الغوث لهلنا في غزة ‪ ،‬ونتضرع إليه طلبا للطفه سبحانه‬
‫بالجنة في بطون الحوامل ‪ ،‬والصغار في أحضان المهات ‪ ،‬والشيوخ في‬
‫زنازين الصهاينة ‪ ،‬والمصابين والمرضى في عنابر المشافي وغرف النعاش ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬الكشف العلمي للحقائق المتعلقة بأسرانا في فلسطين ‪ ،‬أعدادا ً‬
‫وأوضاعا ‪ ،‬وأحوال ‪ ،‬فليزر من يروم نصرة إخوتنا في فلسطين ‪ -‬على سبيل‬
‫ك منها للناس بعض ما‬ ‫المثال ‪ -‬مواقع السرى على الشبكة العالمية ‪ ،‬وليح ِ‬
‫يجد من معاناة امرأة أو طفل أسير أو شيخ قد بلغ من الكبر عتيا ! أو مولود‬
‫ق‬
‫فلسطيني ولد أسيرا في عنابر السجون الصهيونية الظالمة ! فربما ر ّ‬
‫ل فاتقى الله في ماله‬ ‫مؤمن فانتصر بالدعاء الذي قد ل يرد ‪ ،‬أو اطلع ذو ما ٍ‬
‫وبذل ‪ ،‬أو قرأ خصم فارعوى ورجع ‪ ،‬أو بلغ من هو أوعى من قاريء ‪ .‬ومثله‬
‫كشف الحقائق المتعلقة باللجئين الذين يحل محلهم ظلما وعدوانا قطعان‬
‫المستوطنين في المغتصبات الصهيونية الظالمة ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬إبراز كل ما يتعلق بجهود المقاطعة الشعبية وأسبابها المشروعة ‪،‬‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من خلل مواقع المقاطعة الشعبية للكيان الصهيوني على الشبكة العالمية‬
‫وغيرها ‪ ،‬ومنها مواقع عديدة معروفة ومليئة بالحقائق الميدانية ‪ ،‬والمزيد من‬
‫الفكار العملية المشروعة التي تحتاج إلى مزيد تفعيل ‪ ،‬لتساهم في بقاء‬
‫القضية السلمية حية في نفوس المة ‪ ،‬وتوعية الرأي العام العالمي بها من‬
‫خلل عرض كل جديد وتوضيحه مدعما بالوثائق والدلة ‪ .‬وعدم نسيان‬
‫الحقائق المتعلقة بالجهود الصهيونية في محاولة هدم المسجد القصى ‪ ،‬وما‬
‫يجري منهم تحته من أعمال حفر وتنقيب ‪ ،‬وخلخلة لمبانيه ‪ ،‬وامتهان لرضه ‪،‬‬
‫وتهديد بذلك على أيدي العصابات الصهيونية شديدة التطرف ‪ ،‬وكذا‬
‫محاولتهم السيئة في تغيير التركيبة السكانية في القدس المحتلة ‪ .‬الرابع ‪:‬‬
‫كشف خطوات التطبيع الظالم ‪ ،‬والفادة في ذلك من إحصائيات المواقع‬
‫الموثوقة التي أنشأتها المؤسسات السلمية والعربية في البلد التي تضرر‬
‫أهلها من التطبيع ‪ ،‬ولم يجنوا منه غير الفساد في القتصاد والزرع والنسل ‪،‬‬
‫وتيسير الختراق الصهيوني للبلد العربية والسلمية ومؤسساتها الحيوية‬
‫المهمة ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولنلق الضوء على خطوات التطبيع العلمي ‪ ،‬كترداد السماء والمصطلحات‬


‫العبرية ‪ ،‬مثل ‪) :‬حاجز إيريز( بدل معبر بيت حانون ؛ و)حائط المبكى( بدل‬
‫حائط البراق ؛ و)إيلت( بدل أم الرشراش ‪ ،‬و)أشكيلون( بدل عسقلن ‪،‬‬
‫و)تل أبيب( بدل تل الربيع ‪ ..‬و )الراضي الفلسطينية( بدل فلسطين ‪ ،‬إقرارا‬
‫ن ما تبقى حق ليهود ! و )إسرائيل( للشارة للكيان اليهودي‬
‫ضمنيا بأ ّ‬
‫ن هذا الجزء‬ ‫الصهيوني المحتل أو للراضي المحتلة عام ‪1948‬م ‪ ،‬واليحاء بأ ّ‬
‫المحتل صار حقا ً ليهود ‪ ،‬ل يجوز حتى التفاوض عليه ‪ ،‬بخلف الراضي‬
‫المحتلة عام ‪1967‬م فل زالت تستحق أن ُيتفاوض عليها !)ينظر للمزيد ‪:‬‬
‫مصطلحات يهودية احذروها ‪ -‬مركز بيت المقدس( ‪.‬‬
‫سرِ السرى الفلسطينيين وما يعانيه‬ ‫ُ‬
‫الرابع ‪ :‬المساهمة في إيصال طلبات أ َ‬
‫ن الله ينصر هذا الدين بالرجل‬ ‫المأسورون ‪ ،‬إلى منظمات حقوق النسان فإ ّ‬
‫الفاجر كما في الصحيح ‪ ،‬ومطالبة هذه المنظمات بالمزيد من الجهود في‬
‫سبيل إحسان معاملة السرى وإطلق سراحهم ‪ ،‬بيانا للحقيقة ‪ ،‬ومحاولة في‬
‫التأثير على الرأي العام العالمي ‪ ،‬وقطعا للطريق على تباكي الصهاينة أمامها‬
‫واستعطافهم لها من خلل قضايا نادرة أو مختلقة أو مدعومة بحبل من‬
‫الناس ‪ .‬وفي هذا مساندة للجهود الرسمية المخلصة ‪ ،‬كالذي جرى في‬
‫مجلس حقوق النسان في اليام الماضية القريبة ‪ ،‬حين تمكنت الدول‬
‫العربية والسلمية العضاء فيه من تمرير قرار يؤكد إعادة طرح موضوع‬
‫النتهاكات في الراضي العربية المحتلة على المجلس في المستقبل ‪،‬‬
‫وتنظيم دورة خاصة حول الموضوع ‪ ،‬من خلل التصويت الذي حسم الموقف‬
‫بعد تباكي اليهود وأعوانهم ‪ ،‬وقد اعترفت سويسرا موطن اتفاقيات جنيف‬
‫بانتهاك الكيان الصهيوني للقانون النساني بإنزال"عقاب جماعي"‬
‫بالفلسطينيين في غزة ‪ ،‬مع أنها صوتت ضد القرار السابق ‪.‬‬
‫هذه أمثلة لبعض المور التي يمكننا أن نقوم بها دون عناء بصورة مشروعة‬
‫مأمونة ‪ .‬نسأل الله عز وجل أن ينصر السلم والمسلمين ‪ ،‬وأن يوفق ولة‬
‫أمور المسلمين للقيام بكل ما يطيقون من جهد في نصرة الحق وأهله ‪،‬‬
‫ورفع الظلم عن إخواننا المسلمين في كل مكان ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجاهد يقول‪...‬‬
‫ل زلنا ندور في حلقة مفرغة وسنظل ندور حتى يستبدلنا الله بقوم غيرنا ثم‬
‫ل يكونوا مثلنا والله المستعان إذا كنا أعرضنا عن الحلول في كتاب ربنا وكلم‬
‫نبينا فتبا لنا ثم تب لنا أي حلول نرجوها عند الكفار أو عند الحكومات الكافرة‬
‫تلك الدويلت التي وضعتها بريطانيا وفرنسا وامريكا‬
‫إذا لم نزل ندندن على هذه الحلول تمرير قرار وشجب واستنكار والله أننا‬
‫نرتع في الذل والهوان لكنها كلمة واحدة نقولها وليقولها العلماء الراقدين‬
‫الغافلين وهي دعوة للجهاد في سبيل الله يقول النبي صلى الله عليه وسلم )‬
‫إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر واشتغلتم بالزرع وبالضيعة وتركتم‬
‫الجهاد سلط الله عليكم ذل ً ل يرفعه أو ل يضعه حتى ترجعوا إلى دينكم‬
‫رواه أبو داود )‪ ،(3462‬وأحمد في المسند )‪ (2/84‬عن ابن عمر‪ ،‬وذكره‬
‫اللباني في الصحيحة )‪.(11‬‬
‫ومن نظر إلى الحديث وجد الدواء الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫دين إنه الرجوع إلى الجهاد والقتال في سبيل الله والله إنني أرى من هذه‬
‫الظلمات بعضها فوق بعض اقتناع المسلمين بالجهاد على حد قول الشاعر‬
‫ب‬
‫السيف أصدق إنباًء من الكتب في حده الحد بين الجد واللع ِ‬
‫ب‬‫ِ‬ ‫العر‬ ‫لبيك صوتا ً زبطريا ً هرقت له ‪...‬كأس الكرى ورضاب الخّرد‬
‫أجبته معلنا ً بالسيف منصلتا ً ‪..‬‬
‫ب‬‫ولو أجبت بغير السيف لم تج ِ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫غفلنا عن الكراع فطمعوا في الذراع !!!‬


‫حطين‬
‫ما أصدق هذا المثل على واقعنا اليوم ‪ ..‬فتنازلتنا غير منتهية ‪ ..‬والمطلوب‬
‫منا أن نركع ‪ ..‬بل وننبطح لهذه اللعينة أمريكا فمن ديمقراطيتها المقيتة‬
‫المتمثلة باحتلل بلد المسلمين بدعاوى أوهى من بيت العنكبوت ومعاملتها‬
‫للسرى المنطلقة من عقلية رعاة البقر السادية إلى تلك الحذية المريكية‬
‫الكثيرة في طول البلد السلمية وعرضها من الخونة إلى إقحام نفسها في‬
‫أخص خصوصياتنا " التعليم و المناهج ‪ ،‬الجمعيات الخيرية ‪ ،‬المراكز الصيفية ‪،‬‬
‫الحلقات ‪ ،‬المرأة وقضاياها القرآن بنكهة أمريكية ‪ ،‬حقوق النسان ‪"...‬‬
‫وآخر هذه المهازل وليس لهم آخر حول اللغة العربية ‪ ،‬وحتى ل أطيل على‬
‫قارئ هذه السطور المقال ‪ -‬فأنا على يقين أن به من الحنق والغيظ ما بي ‪..‬‬
‫وأن الضغط أوشك أن يولد النفجار وعسى أن يكون قريبا ‪.. -‬‬
‫أترككم مع هذا المقال والذي ُنشر في مجلة الدعوة ‪ ..‬العدد ‪1955‬‬
‫ما أشبه الليلة بالبارحة !!‬
‫د‪ .‬محمد سالم‬
‫عندما بدأت هجمة الستعمار الغربي على الشرق السلمي مع بداية القرن‬
‫الثامن عشر ‪،‬‬
‫بعد أن ضعف شأن العرب والمسلمين ‪..‬‬
‫أراد المستعمرون هدم كل عوامل تماسك العرب المسلمين وكان أهم هذه‬
‫العوامل وحدة الدين واللغة ‪..‬‬
‫إل أنهم أخفقوا في هدم وحدة الدين عند المسلمين رغم محاولتهم المتتابعة‬
‫وبمختلف الوسائل والمكانيات‪..‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما عن محاولتهم لهدم وحدة اللغة فقد ظهرت الدعوة في أواخر عام‬
‫‪1881‬م إلى كتابة العلوم باللغة العامية‬
‫التي يتكلمها الناس في حياتهم العامة ‪..‬‬
‫وفي عام ‪1902‬م ألف القاضي " ولمور " أحد القضاة النجليز في مصر كتابا ً‬
‫أسماه " لغة القاهرة"‬
‫اقترح فيه كتابة اللغة العربية بالحروف اللتينية ‪..‬‬
‫ولكن سرعان ما انتبه الناس لما جاء في الكتاب بعدما أشادت به مجلة "‬
‫المقتطف " وراحت تروج لما جاء فيه ‪،‬‬
‫وردت الصحف المصرية على ذلك مشيرة إلى موضع الخطر من هذه الدعوة‬
‫التي ل تقصد إل محاربة السلم في لغته ‪..‬‬
‫وراح شاعر النيل حافظ إبراهيم يكتب قصيدته المشهورة التي يقول فيها‬
‫متحدثا بلسان العربية ‪:‬‬
‫ت حياتي‬ ‫ت قومي فاحتسب ُ‬ ‫ت حصاتي ونادي ُ‬ ‫ت لنفسي فاتهم ُ‬ ‫رجع ُ‬
‫ت فلم أجزع لقول عداتي‬ ‫رموني بعقم في الشباب وليتني عقم ُ‬
‫ت بناتي‬‫ما لم أجد لعرائسي رجال وأكفاًء وأد ُ‬ ‫ت ول ّ‬‫ولد ُ‬
‫ت‬
‫ي به وعظا ِ‬ ‫ت عن آ ٍ‬ ‫ة وما ضق ُ‬ ‫ت كتاب الله لفظا وغاي ً‬ ‫وسع ُ‬
‫ت‬‫ِ‬ ‫لمخترعا‬ ‫أسماء‬ ‫وتنسيق‬ ‫آلة‬ ‫وصف‬ ‫عن‬ ‫اليوم‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫أضي‬ ‫فكيف‬
‫ب ينادي بوأدي في ربيع حياتي‬ ‫أيطربكم من جانب الغرب ناع ٌ‬
‫ت‬‫ولو تزجرون الطير يوما عرفتم بما تحته من عثرة وشتا ِ‬
‫ة‬
‫أيهجرني قومي ‪ -‬عفا الله عنهم ‪ -‬إلى لغة لم تتصل بروا ِ‬
‫ت‬
‫ة الفرنج فيها كما سرى لعاب الفاعي في مسيل فرا ِ‬ ‫سرت لوث ُ‬
‫ولشك من أن حافظ إبراهيم نجح في التأثير على المستمع حين تحدث على‬
‫لسان اللغة مصورا حالها وما وصل إليه مآبها‪ ،‬وما دبر لها من مؤامرات تؤدي‬
‫إلى قتلها ‪.‬‬
‫كذلك نجح في مناداة اللغة لبنائها كي يتمسكوا بها ‪ ،‬وفي إقناعهم بقدرتها‬
‫على الوفاء بكل متطلبات العصر ‪ ،‬وهي التي وسعت كتاب الله ‪.‬‬
‫وفي عام ‪1926‬م دعا المهندس النجليزي " وليم ولكوكس " إلى هجر اللغة‬
‫العربية مشيرا إلى تركيا التي استبدلت بالحروف العربية الحروف اللتينية‬
‫بعد انهيار الخلفة العثمانية‪..‬‬
‫والغريب أن أحد أعضاء مجمع اللغة العربية في مصر التقط الخيط ‪ ،‬وراح‬
‫يقترح في سنة ‪1943‬م‬
‫كتابة العربية بالحروف اللتينية ‪..‬‬
‫ويتضح من ذلك أن المستعمرين منذ زمن وجدوا من هدم اللغة العربية هدما ً‬
‫لحدى الدعائم المهمة من تماسك الشعوب العربية‪..‬وتمسكهم بدينهم‬
‫السلمي‪ ،‬وأن من سار في ركب المستعمر كان ذلك تملقا ً للمستعمر‬
‫لمصلحة سياسية‪ ،‬وحقدا ً على كتاب الله ودينه‪..‬‬
‫وبعد أن سكتت تلك الدعوة زمنا ‪..‬‬
‫طالعتنا مؤخرا ً الدارة المريكية بإعداد مشروع هدفه تغيير شكل حروف‬
‫اللغة العربية واستبدال اللغة اللتينية بها تحت مسمى تحديث الثقافة‬
‫العربية‪ ..‬واعتبار هذا المشروع جزءا ً من خطة الصلح في المنطقة العربية‪..‬‬
‫ضمن إطار مشروع " الشرق الوسط الكبير " ‪..‬‬
‫مقدمو المشروع ‪ -‬وهم عدد من الخبراء المختصين ‪ -‬يقولون ‪:‬‬
‫إن الهدف من هذا المشروع هو تحقيق تفاهم أفضل‪ ،‬ولغة مشتركة بين اللغة‬
‫العربية وغيرها من اللغات الخرى‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويرى المشروع المريكي أن " المشكلة ليست في أن يقرأ غير العربي‬


‫النصوص والفكار والكتابات العربية باللغة اللتينية‬
‫ولكن الساس في هذا المشروع هو أن يتحدث العرب هذه اللغة الجديدة‬
‫ويطبقونها عمليا ً في كل كتاباتهم ‪..‬‬
‫حيث إن الهدف الرئيس من هذا المشروع هو أن يتم تطوير دراسة مادة‬
‫اللغة العربية في كل المدارس العربية والسلمية‪..‬‬
‫وأن يتم إلغاء المناهج القائمة حاليا ً في هذه المدارس التي تعتمد على دراسة‬
‫قواعد اللغة والصور الجمالية وإبداعاتها والكلمات والنصوص المتشابهة مثل‬
‫الشعر القديم الذي ينتهي بحروف واحدة ‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأحيانا ً فإن مناهج التعليم لهذه اللغة تتضمن توجيهات ومبادئ دينية قد ل‬
‫تتفق على بناء التواصل مع الخرين من غير العرب‪!! " ..‬‬
‫فما أشبه الليلة بالبارحة ‪!..‬‬
‫ويبدو أن الصدقاء المريكان ل يعلمون أن العربية تتميز عن اللتينية بعنصر‬
‫جوهري يدعها في مأمن من أن يجري عليها ما جرى على تلك ‪..‬‬
‫كتبت أصول هذا الدين‬ ‫وذلك أن العربية لغة دين سماوي ذي خطر ‪ ..‬وبها ُ‬
‫تشريعا ً وحكمة وثقافة‪..‬‬
‫مْعتمد المسلم ومرجعه في شؤونه الدينية‬ ‫وعلى رأس هذه الصول ‪ :‬القرآن ُ‬
‫وعقيدته الروحية ‪..‬‬
‫ُ‬
‫دس نص القرآن كما أنزل بالعربية الفصحى‪ ،‬فبقيت ملزمة له‪ ،‬تكاد‬ ‫وقد قُ ّ‬
‫دس معه نصوصها‪..‬‬ ‫ُتق ّ‬
‫ما كانت العقائد الدينية راسخة في القلوب‪ ،‬على الرغم مما يقال من أن‬ ‫ول ّ‬
‫تطور المدنية سيقضي على تأثير العقيدة‪ ،‬فإن العربية باقية بقاء السلم‪... ..‬‬
‫___________‬
‫لقد أوكل الله لهل الكتاب بحفظ كتبهم فضاعت ‪ ..‬وتكفل بحفظ كتابه فهو‬
‫محفوظ بإذن الله ‪..‬‬
‫ن"‬ ‫ُ‬
‫حافِظو َ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل ُ‬
‫َ‬ ‫ح ُ‬‫" إ ِّنا ن َ ْ‬
‫ولكن ما هو دور أبناء العربية تجاه هذه الحملة على العربية لجل فصلنا عن‬
‫مصادر التشريع والحضارة والتاريخ ؟!!‬
‫‪http://www.anashed.net/audio/shakwa/tahon_al_7yah.rm‬‬
‫______________________‬
‫حول القرآن المريكي الجديد !!!‬
‫بقلم د‪ .‬صلح عبد الفتاح الخالدي‬
‫صار كثير من المسلمين المتابعين على علم بالقرآن المريكي الجديد‬
‫»الفرقان الحق«‪ ،‬الذي ألفته لجنة أمريكية إسرائيلية‪ ،‬واعتمده أصحاب‬
‫القرار في أمريكا‪ ،‬والذي يراد له أن يكون هو القرآن المعتمد في الدول‬
‫العربية والسلمية‪ ،‬في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬ليحل محل القرآن الكريم‪،‬‬
‫الذي أنزله الله الحكيم!‬
‫وقد صدر الجزء الول من هذا القرآن المريكي في مطلع هذا العالم ‪2004‬‬
‫وينوون إصدار احد عشر جزءا ً تباعًا‪ ،‬أي أن »الفرقان الحق« ‪-‬كما أسموه‪-‬‬
‫مكون من اثني عشر جزءا ً ‪ ..‬وسيكتمل تأليفه خلل أربع سنوات‪ ،‬كما‬
‫يخططون‪..‬‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهم يحاربون به القرآن الكريم‪ ،‬ويهاجمون سوره وآياته‪ ،‬وأحكامه ومبادئه‬


‫وتشريعاته وتوجيهاته وأفكاره وحقائقه‪ ..‬صدر الجزء الول من »الفرقان‬
‫الحق« في مطلع هذا العالم‪ ،‬عن دارين للنشر في أمريكا هما‪ :‬واين برس‪،‬‬
‫وأوميجا‪ ،‬ويباع في المكتبات المختلفة هناك كما يباع على النترنت في موقع‬
‫»أمازون«‪..‬‬
‫والكتاب مكون من )‪ (366‬صفحة مقاس ‪20*15‬سم‪ ،‬وعدد سوره سبع‬
‫وسبعون سورة ومن أسماء تلك السور‪ :‬الفاتحة‪ ،‬المحبة‪ ،‬المسيح‪ ،‬الثالوث‪،‬‬
‫المارقين‪ ،‬الصلب‪ ،‬الزنا‪ ،‬الماكرين‪ ،‬الرعاة‪ ،‬النجيل‪ ،‬الساطير‪ ،‬الكافرين‪،‬‬
‫التنزيل‪ ،‬التحريف‪ ،‬الجنة‪ ،‬الضحى‪ ،‬العبس‪ ،‬الشهيد‪!!..‬‬
‫والكتاب مطبوع باللغة العربية واللغة النجليزية‪ ،‬وكتب مقدمته اثنان من‬
‫أعضاء اللجنة المكلفة بتأليفه‪ ،‬رمز لهما باسمي »الصفي والمهدي« والذي‬
‫سمى نفسه المهدي هو من اصل عربي فلسطيني‪ ،‬واسمه »الدكتور أنيس‬
‫سوروس« وصرح باسمه الحقيقي في موقع »أمازون« على النترنت‪ .‬بعد‬
‫يومين من أحداث )‪ 11‬سبتمبر ‪ (2001‬ألقى أنيس سوروس محاضرة حاقدة‬
‫في جامعة »هيوستن« دعا فيها إلى إبادة المسلمين‪ ،‬لن السلم دين إرهاب‬
‫وسفك دماء وان القرآن هو المصدر الول للرهاب‪ ،‬وانه يجب القضاء على‬
‫هذا القرآن للقضاء على الرهاب! واقترح على الحكومة المريكية طرد أي‬
‫مسلم من أمريكا‪ ،‬وتجميع كل المسلمين في منطقة الشرق الوسط‪ ،‬ثم‬
‫إبادتهم بالقنابل النووية‪ ،‬وطلب الدعاء إلى الله كل ليلة سبت لزالة السلم‬
‫والقرآن‪..‬وكانت محاضرته في الجامعة في غاية العنصرية والحقد والشتم‪،‬‬
‫مما اضطر رئيس الجامعة إلى العتذار عنها في اليوم التالي!!‬
‫وتقوم المنظمات اليهودية الكثيرة في أمريكا بالترويج للفرقان الحق‪ ،‬ونشره‬
‫وتوزيعه على مختلف المراكز هناك‪ ،‬وتوزيعه على مراكز مختارة منتقاة في‬
‫العالم العربي والسلمي‪ ،‬وإعطائه لشخصيات مختارة في هذا العالم‪ ،‬لكنهم‬
‫ل يريدون نشره على مستوى واسع في العالم العربي والسلمي في هذه‬
‫المرحلة على القل!‬
‫وقد ذكر وليد رباح رئيس تحرير صوت العروبة‪ ،‬التي تصدر في أمريكا‪ ،‬حادثة‬
‫جرت له في مطلع هذا العام‪ ،‬تتعلق بنشر ذلك »الفرقان الحق« حيث اتصل‬
‫به أمريكي عرف على نفسه بأنه »القسيس الياهو«)!!(‬
‫‪ -‬والياهو اسم يهودي وليس نصرانيًا‪ -‬وسلمه نسخة من »الفرقان الحق«‬
‫وطلب منه نشر سوره على صفحات جريدته »صوت العروبة« مقابل‬
‫مليونين من الدولرات‪ ،‬وهو مبلغ كبير قدمه رشوة له!! فأعلن وليد رباح‬
‫موافقته على النشر بشرط أن يوافق القسيس الياهو على الشتراك في‬
‫مناظرة حول القرآن و»الفرقان الحق« الذي يروجه‪ .‬يكون هو الطرف الول‬
‫فيها‪ ،‬ويكون الطرف الثاني أي شيخ يختاره هو من المشايخ العاملين مع‬
‫الجالية العربية والسلمية في أمريكا!! فانسحب الياهو غاضبا ً حسيرا ً لنه‬
‫يعلم نتيجة المناظرة مسبقًا!!‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقد خاطبت اللجنة المريكية السرائيلية بالفرقان الحق الذي ألفته العرب‬
‫والمسلمين‪ ،‬وقالت في مقدمته‪» :‬إلى المة العربية خاصة‪ ،‬والى العالم‬
‫السلمي عامة‪ :‬سلم لكم ورحمة من الله القادر على كل شيء‪ .‬يوجد في‬
‫أعماق النفس البشرية أشواق لليمان الخالص‪ .‬و السلم الداخلي‪ ،‬والحرية‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الروحية‪ ،‬والحياة البدية‪ ..‬وأننا نثق بالله الواحد الوحد بأن القراء‬
‫والمستمعين سيجدون الطريق لتلك الشواق من خلل »الفرقان الحق«!!‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫مقامات القرني‬
‫أنشأها ‪:‬‬
‫عائض بن عبد الله القرني ‪.‬‬
‫الهداء‬
‫جنا رسائلنا‬ ‫إلى رحابك دب ّ‬
‫تكاد ُتحرق من أشواقنا لهبا‬
‫يا قارئ الحرف أهديناك أحرفنا‬
‫وقبلها قد بعثنا الدمع منسكبا‬
‫شوقا ً إليك فهل ترضى محبتنا‬
‫دبا‬‫مهرا ً وإل بعثنا القلب واله َ‬
‫فغيرنا بمداد الحبر قد كتبوا‬
‫ومن دمانا كتبنا الشعر والخطبا‬
‫عنوان المؤلف‬
‫أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن‬
‫أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني‬
‫وفي ربى مكة تأريخ ملحمة‬
‫على ثراها بنينا العالم الثاني‬
‫في طيبة المصطفى عهدي وموعظتي‬
‫هناك ينسج تاريخي وعرفاني‬
‫بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا‬
‫بالرقمتين وبالفسطاط جيراني‬
‫النيل مائي ومن عمان تذكرتي‬
‫وفي الجزائر إخواني وتطواني‬
‫والوحي مدرستي الكبرى وغار حرا‬
‫بدايتي وبه قد شع قرآني‬
‫وثيقتي كتبت في اللوح وانهمرت‬
‫آياتاها فاقرؤوا يا قوم عنواني‬
‫فأينما ذكر اسم الله في بلدٍ‬
‫عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني‬
‫العنوان‬
‫حي الرحمانية – ص ‪ .‬ب ‪ – 379‬الرمز البريدي ‪11321‬‬
‫تليفون ‪ 4195398 :‬فاكس ‪4196663 :‬‬
‫جوال ‪055222000 :‬‬
‫مات‬ ‫مقدمة المقا َ‬
‫ها {‬ ‫سا َ‬‫مْر َ‬‫ها وَ ُ‬
‫جَرا َ‬
‫م ْ‬ ‫سم ِ الل ّهِ َ‬‫} ب ِا ِ ْ‬
‫ب صبح بنسمة‪،‬‬ ‫ي النعمة ‪ ،‬دافع النقمة ‪ ،‬ما غّرد طائر بنغمة ‪ ،‬وه ّ‬ ‫الحمد لله ول ّ‬
‫وتللت على ثغرٍ بسمة ‪ ،‬والصلة والسلم على من زّين ببيانه الكلم ‪ ،‬وأذهل‬
‫بفصاحته النام‪ ،‬وطرق بوعظه اليام ‪ ،‬سللة النجب ‪ ،‬وصفوة العرب‪ ،‬أج ّ‬
‫ل‬
‫من خطب ‪ ،‬صاحب الحسب والنسب ‪ ،‬محطم الصنام والنصب ‪ ،‬وعلى آله‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والصحاب ‪ ،‬ما لمع سراب ‪ ،‬وهمع سحاب ‪ ،‬وقرئ كتاب ‪ ،‬وبعد ‪:‬‬
‫ي الشيخ الريب ‪ ،‬والشاعر الديب ‪ ،‬الدكتور ‪ /‬أحمد بن علي‬ ‫فقد أشار عل ّ‬
‫القرني الستاذ بالجامعة السلمية بكتابة مقامات ‪ ،‬هي على الفضل‬
‫مات ‪.‬‬ ‫علمات ‪ ،‬فقلت له صاحب ذلك قد ْ مات ‪ ،‬ولم يبق إل حاسد وش ّ‬
‫ل لمثله مشتاق ‪ ،‬فإنه للقلوب‬ ‫شاق ‪ ،‬وقال ‪ :‬ك ّ‬ ‫فذكرني بشريط مصارع الع ّ‬
‫ترياق ‪ ،‬وليس لك عذر ولو التفت الساق بالساق ‪ ،‬وأحضر لي من حرصه‬
‫جلت تفكيري ‪ ،‬وقد اشتعل في ليل‬ ‫الدفاتر ‪ ،‬والخاطر قبل مجيئه فاتر ‪ ،‬فأ ّ‬
‫رأسي صبح نذيري ‪ ،‬وقد سبقني لهذا الهمداني والحريري ‪ ،‬ولكن على الله‬
‫ول ‪ ،‬وكما قال الول ‪:‬‬ ‫المع ّ‬
‫ولو قبل مبكاها بكيت صبابة‬
‫ت شفيت النفس قبل التندم ِ‬ ‫ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا ‪ ...‬لكن ُ‬
‫بكاها مكان الفضل للمتقد ّم ِ‬
‫وقد قلت لصاحبنا ل جرم أنك استسمنت ذا ورم ‪ ،‬وهذه سنة أهل الكرم ‪،‬‬
‫والخاطر شذر مذر ‪ ،‬من شجون ل تبقي ول تذر ‪ ،‬ول أقول بعدت علينا الشقة‬
‫‪ ،‬ولكن كما قال أبو الطيب ‪ :‬لول المشقة ‪ ،‬واعرف أن من البشر ‪ ،‬كشجرة‬
‫العشر ‪ ،‬أعدى من السوس ‪ ،‬وأشأم من البسوس ‪ ،‬يأتي على غرة ‪ ،‬ويبحث‬
‫جّرة ‪ ،‬ولو اعتذرت لنا عنده سبعين مرة ‪.‬‬ ‫عن العثرة ‪ ،‬ويقص ال ُ‬
‫فأقول للمادحين ‪ ،‬كونوا ناصحين ‪ ،‬وكما قيل فعين الرضا ‪ ،‬والمحب يمشي‬
‫على جمر الغضا ‪ ،‬وأقول للقادحين ‪ ،‬كونوا مازحين ‪ ،‬وتذكروا ‪ :‬وإذا أتتك‬
‫مذمتي ‪ ،‬واجعلوا الخطأ في ذمتي ‪ ،‬فقد شابت لمتي ‪ ،‬فإن عثر جواد بياني ‪،‬‬
‫سان ‪ ،‬وما صاحبت سحبان‬ ‫وتلعثم لساني ‪ ،‬فالعيب من زماني ‪ ،‬فما أدركت ح ّ‬
‫صّناع اللفاظ ‪ ،‬في سوق عكاظ ‪.‬‬ ‫‪ ،‬وما دخلت على النعمان ‪ ،‬وما لقيت ُ‬
‫ولكنني مع أقوام ‪ ،‬على الدب أيتام ‪ ،‬كلما لمع فيهم متكلم وظهر ‪ ،‬وقال إن‬
‫الله مبتليكم من البيان بنهر ‪ ،‬قالوا إنما يعلمه بشر ‪ ،‬ولول سواه ما اشتهر ‪،‬‬
‫دوا ‪ ،‬أو‬ ‫ج ّ‬‫دوا كما َ‬ ‫ج ّ‬
‫فيقول الحال ‪ :‬لكل عين قذى ‪ ،‬ولن يضروكم إل أذى ‪ ،‬ف ِ‬
‫سدوا ‪ .‬فكم نال الحساد صاحب الدب ‪ ،‬وأنه ليس له في‬ ‫سدوا المكان الذي َ‬ ‫ُ‬
‫البلغة نسب ‪ ،‬وما له في الفصاحة حسب ‪ ،‬وجاءوا على قميصه بدم كذب ‪.‬‬
‫وكم انبعث من أهل البلدة أشقاها ‪ ،‬فصاح بهم رسول البيان ناقة الله‬
‫وسقياها ‪ .‬وعسى عصا موسى البيان ‪ ،‬تكسر رأس فرعون الطغيان ‪.‬‬
‫وإذا ألقى قميص يوسف الملحة ‪ ،‬على بصر يعقوب الفصاحة ‪ ،‬نادى لسان‬
‫حال المتكلمين ‪ :‬ادخلوا مصر البداع آمنين ‪ .‬وقد طاولت بهذه المقامات‬
‫مات ‪ ،‬قلت ‪ :‬أعوذ‬ ‫مات وطا ّ‬ ‫قامات ‪ ،‬ولمست بها هامات ‪ ،‬وكلما قابلني ها ّ‬
‫مات ‪.‬‬‫بكلمات الله التا ّ‬
‫وسوف يقرؤها صاحب ورع بارد ‪ ،‬وذهن جامد فيتأفف ‪ ،‬ويتأسف ‪ ،‬ويقول‬
‫سف ‪ ،‬فأقول ‪ :‬ماذا بعشك يا حمامة فادرجي ‪ ،‬فقد جعلت‬ ‫الرجل تكّلف وتع ّ‬
‫ن هادم ‪ ،‬ومن راقب‬ ‫القلم واللسان أوسي وخزرجي ‪ ،‬وعلمت أنه مع كل با ٍ‬
‫الناس فهو النادم ‪ ،‬وقد عاب المخلوق الخالق فقال تعالى ‪ ) :‬يسبني ابن آدم‬
‫(‪.‬‬
‫وإذا أراد الله لعمل بشر أن ينتشر ‪ ،‬قيض الله له أهل خير وشر ‪ ،‬فصاحب‬
‫الخير له نصير ‪ ،‬وظهير ‪ ،‬وخفير ‪ ،‬ووزير ‪.‬‬
‫وصاحب الشر سّباب عّياب ‪ ،‬له من الحسد ناب ‪ ،‬وله من العداوة مخلب ‪.‬‬
‫وانظر إلى المعصوم ‪ ،‬كيف ابتلي بالخصوم ‪ ،‬شق الله له القمر ‪ ،‬فقالوا هذا‬
‫سحر مستمر ‪ ،‬ولما جمع قريشا ً وخطبها ‪ ،‬قالوا أساطير الولين اكتتبها ‪.‬‬
‫مات ‪ ،‬وأن يجعلها‬ ‫وأسأل الله أن يجعل هذه المقامات ‪ ،‬بكل فضل مل ّ‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالحسن رائعة ‪ ،‬وبالفضل ذائعة ‪ ،‬وبالبر شائعة ‪ ،‬وبالنس ماتعة ‪ ،‬وبالنور‬


‫ساطعة ‪ ،‬وبالجمال لمعة ‪ ،‬ولكل خير جامعة ‪ ،‬وعن كل سوء مانعة ‪ ،‬وللجدل‬
‫قاطعة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وجة بالفرائد ‪ ،‬مزدانة بالشوارد ‪ ،‬كالماء‬ ‫محلة بالفوائد ‪ ،‬مزينة بالقلئد ‪ ،‬مت ّ‬
‫الزلل لكل صادر ووارد ‪ ،‬تضمرها العقائد ‪ ،‬وتنشرها القصائد ‪ ،‬وصلى الله‬
‫وسلم على صفوة الحواضر والبوادي ‪ ،‬الذي تشرفت بذكره النوادي ‪ ،‬فهو‬
‫الهادي ‪ ،‬وإلى كل فضل منادي ‪ ،‬وعلى آله البررة ‪ ،‬والربعة الخيرة ‪ ،‬وبقية‬
‫العشرة ‪ ،‬وأهل الشجرة ‪.‬‬
‫مات‬ ‫بين يدي المقا َ‬
‫ري {‬ ‫َ‬ ‫با ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫م ِ‬
‫سْر ِلي أ ْ‬
‫صد ِْري )‪ (25‬وَي َ ّ‬ ‫ح ِلي َ‬
‫شَر ْ‬ ‫ل َر ّ‬
‫إلهي ‪ :‬أسألك بالسم العظم ‪ ،‬والوصف الكرم ‪ ،‬أن تنير لي الطريق المظلم‬
‫‪ .‬أسألك نعمة تدفع بها نقمة ‪ ،‬وعلما ً تؤيده رحمة ‪ ،‬وموهبة تقيدها حكمة ‪،‬‬
‫ل العثرة ‪،‬‬ ‫وأمل ً يدفع اليأس ‪ ،‬ورعاية ترد البأس ‪ ،‬اللهم ارحم العَْبرة ‪ ،‬وأق ِ‬
‫وأزل الحسرة ‪ ،‬واكشف عنا حجب الضللة ‪ ،‬وسحب الجهالة ‪ ،‬حتى نبصر‬
‫آيات عظمتك بعيون اليقين ‪ ،‬ونقرأ أسطر صنعك ببصائر الموحدين ‪ ،‬اللهم‬
‫أيدنا بعز سلطانك ‪ ،‬وأكرمنا بفهم برهانك ‪ ،‬أعوذ بك من زّلة ‪ ،‬توجب ذِّلة ‪،‬‬
‫وعثرة قدم ‪ ،‬توجب الندم ‪ ،‬ونسألك إخلص النية ‪ ،‬وكرم الطوية ‪ ،‬وندعوك‬
‫بلسان الضطرار ‪ ،‬أن تفتح لحكمتك منا السماع والبصار ‪ ،‬وأن تنير بوحيك‬
‫مظلم الفكار ‪ ،‬وما اسود من السرار ‪.‬‬
‫وبعد ‪ :‬فقد سبقني إلى هذا الفن أعلم ‪ ،‬لهم في الحكمة أقدام ‪ ،‬وفي حومة‬
‫البيان أعلم ‪ ،‬وفي طروس الفصاحة أقلم ‪ .‬فمنهم من خص بمقاماته‬
‫ث في الحب ‪ ،‬ورابعٌ في الطب ‪.‬‬ ‫ن في ذكر من ذهب ‪ ،‬وثال ٌ‬ ‫الدب ‪ ،‬وثا ٍ‬
‫سّرحت خطامه ‪ ،‬وأزحت لثامه ‪ ،‬ليكتب في‬ ‫أما أنا فأطلقت للقلم زمامه ‪ ،‬و َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فنون ‪ ،‬ويسيل في شجون ‪ ،‬ذاكرا من سلف ومن خلف ‪ ،‬آخذا من كل حكمة‬
‫بطرف ‪ ،‬وربما لمحت في المقال ‪ ،‬بعض الخيال ‪ ،‬فل ُتبد ِ لنا قسوة ‪ ،‬فلي في‬
‫ذلك أسوة ‪ ،‬فإن المم استنطقت الجمادات ‪ ،‬واستفهمت العجماوات ‪،‬‬
‫م الحيوانات ‪ ،‬وكّلمت الطلل ‪ ،‬ونسبت الحديث إلى الشجر‬ ‫ولت الكل َ‬ ‫وق ّ‬
‫ً‬
‫والتلل ‪ ،‬تعريضا وتلميحا‪ ،‬ونسبة وتصريحا ‪.‬‬
‫وللعجم من ذلك ما يبهر ‪ ،‬ككتب بزجر جمهر ‪ ،‬وللروم في ذلك تآليف ‪،‬‬
‫وللهنود في هذا الفن تصانيف ‪ ،‬ورأيت كتب اليونان ‪ ،‬وصاحب اليوان ‪،‬‬
‫والمانوية من أسلف اليابان ‪ ،‬كلها تنسب القول للحيوان ‪ ،‬وتضيف وتنقل‬
‫حب ّا ً للسلمة ‪ ،‬وخوفا ً من الندامة‬ ‫الخطاب بغير النسان ‪ُ ،‬‬
‫ثم جاء العرب ‪ ،‬رّواد الدب ‪ ،‬فأطربونا بكلم الحمام ‪ ،‬في الحب والغرام ‪،‬‬
‫حوار الطيار ‪ ،‬وإظهار‬ ‫ونقلوا في المالي ‪ ،‬عتاب الطلل البالي ‪ ،‬وأتحفونا ب ِ‬
‫أسرار الديار ‪ ،‬حتى أسندوا الخبار للشجار ‪.‬‬
‫فيا صاحب الدراية ‪ ،‬إن رأيت في هذه المقامات رواية ‪ ،‬فقد قصدت النفع ‪،‬‬
‫ومن استطاع أن ينفع أخاه فليفعل ‪ ،‬وقد أحلتك على ما سلف ‪ ،‬ومن أحيل‬
‫على مليء فليحتل‪.‬‬
‫وقد جانبت في هذه المقامات التجريح ‪ ،‬سواًء بالتلميح أو بالتصريح ‪ ،‬ودبجتها‬
‫بالثناء والمديح ‪ ،‬لن القول اللين ‪ ،‬والخلق الهين ‪ ،‬يجلب الود ‪ ،‬ويزيل الصد ‪،‬‬
‫طب شطط ‪ ،‬فهنا ملينة ل مداهنة ‪ ،‬وليس‬ ‫وكسر القلوب غلط ‪ ،‬وجرح المخا َ‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخبر كالمعاينة ‪ ،‬ومداراة ل مجاراة ‪ ،‬ولي في هذه المقامات رسائل ‪ ،‬ومن‬


‫العلم مسائل ‪.‬‬
‫وفيها عبر وسير ‪ ،‬وأشعار وأخبار ‪ ،‬وشجون وفنون ‪ ،‬وفكاهات وملطفات ‪،‬‬
‫ومشجيات ومبكيات ‪ ،‬ومحفوظات وعظات ‪ ،‬فل تحكم بمقامة على كل‬
‫المقامات ‪ ،‬بل طالع الجميع ليكون حكمك موات ‪ ،‬فإن الروض ألوان ‪،‬‬
‫والشجر صنوان وغير صنوان ‪ ،‬والتنويع مدعاة لثارة الذهن البارد ‪ ،‬ولن نصبر‬
‫على طعام واحد ‪.‬‬
‫وقد جانبت فيها الهمز ‪ ،‬والغمز واللمز ‪ ،‬فل مصلحة لنا في التعرض‬
‫للشخاص والجناس ‪ ،‬أو تتبع عثرات الناس ‪ ،‬بل نحن أحوج إلى جبر‬
‫القلوب ‪ ،‬ودفن العيوب ‪ ،‬لن مرد الكل إلى علم الغيوب ‪ .‬ومن وجد نقصا ً‬
‫فليعف عنا ‪ ،‬ومن غشنا فليس منا ‪.‬‬
‫خذها من القلب لو أن الدجى صبغت‬
‫ثيابه بسناها المشرق الغالي‬
‫لصار نورا ً كأن الشمس طلعته‬
‫سن إجللي‬ ‫ح ْ‬ ‫مضته في ُ‬ ‫والبدر وَ ْ‬
‫وقد قرأت هذه المقامات على علماء وأدباء ‪ ،‬وشعراء وفضلء ‪ ،‬طلبا ً‬
‫للستفادة ‪ ،‬وحرصا ً على الزيادة ‪ ،‬وقد استفدت من كل جمع ضم مجلسنا ‪،‬‬
‫ب كان يؤنسنا ‪ ،‬لن مشاورة الخيار ‪ ،‬تلقيح للفكار ‪ ،‬وفي‬ ‫وشاورت كل صاح ٍ‬
‫يوم الثلثاء ‪21/5/1420‬هـ اجتمعنا بشيخنا العلمة الفطين ‪ ،‬صاحب الدر‬
‫الثمين ‪ ،‬محمد الصالح بن عثيمين ‪ ،‬وكان اللقاء في الرياض ‪ ،‬والنس قد‬
‫فاض ‪ ،‬فقرأت عليه مقدمة المقامات ‪ ،‬فاستحسن ما أوردته من كلمات ‪ ،‬ثم‬
‫قرأت عليه المقامة النحوية ‪ ،‬وبها لطائف ندّية ‪ ،‬فأضاف بعض الضافات ‪،‬‬
‫وأتحفنا ببيت من المحفوظات ‪ .‬نقلته في تلك المقامة ‪ ،‬من ذلك العلمة ‪.‬‬
‫ملت ‪ ،‬من الفوز‬ ‫وعسى ربي أن ينفعني بما كتبت ‪ ،‬وأن يحقق لي ما أ ّ‬
‫برضوانه ‪ ،‬وسكنى جنانه ‪ ،‬فقد اتصف بالعفو وكتبه ‪ ،‬ورحمته سبقت غضبه ‪:‬‬
‫طرنا مع الشواق من لذة القتل‬ ‫سفكت منا الدماء بحبكم ‪ ...‬ل ِ‬ ‫ولو ُ‬
‫ة الّتوحيد‬ ‫م ُ‬
‫مقا َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{‬‫ه إ ِل الل ُ‬
‫ه ل إ ِل َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫} َفاعْل ْ‬
‫فيا عجبا ً كيف يعصى الله‬
‫وفي كل شيء له آية ‪ ...‬أم كيف يجحده الجاحد‬
‫تدل على أنه واحد‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التوحيد ‪ ،‬هو حق الله على العبيد ‪ ،‬وهو أول ما دعا إليه الرسل ‪ ،‬وبه كل‬
‫كتاب نزل ‪ ،‬وهو أصل الصول ‪ ،‬والطريق للوصول ‪ ،‬وبه عرف المعبود ‪،‬‬
‫وعمر الوجود ‪ ،‬ولجله أعدت الجنة والنار ‪ ،‬وسل السيف البتار ‪ ،‬وقوتل‬
‫الكفار ‪ ،‬ولقامته في الرض دعت النبياء ‪ ،‬وعلمت العلماء ‪ ،‬وقتل الشهداء ‪،‬‬
‫وهو أول مطلوب ‪ ،‬وأعظم محبوب ‪ ،‬وهو أشرف المقاصد ‪ ،‬وأعذب الموارد ‪،‬‬
‫وأجل العمال ‪ ،‬وأحسن القوال ‪ ،‬وهو أول البواب ‪ ،‬وبداية الكتاب ‪ ،‬وأعظم‬
‫القضايا ‪ ،‬وأهم الوصايا ‪ ،‬وخير زاد ‪ ،‬يحمله العباد ‪ ،‬ليوم التناد ‪ ،‬وهو قرة‬
‫عيون الموحدين ‪ ،‬وبهجة صدور العابدين ‪ ،‬وهو غاية المال ‪ ،‬وأنبل الخصال ‪،‬‬
‫بل هو أعظم الكفارات ‪ ،‬وأرفع الدرجات ‪ ،‬وأكبر الحسنات ‪ ،‬وهو منشور‬
‫الولية ‪ ،‬وتاج الرعاية ‪ ،‬والبداية والنهاية ‪ ،‬وهو الكسير الذي إذا وضع على‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جبال الخطايا أصبحت تذوب ‪ ،‬وصارت حسنات بعد أن كانت من الذنوب ‪.‬‬
‫وعلى هذا حديث )) يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الرض خطايا ثم جئتني ل‬
‫تشرك بي شيئا ً لتيتك بقرابها مغفرة (( ‪.‬‬
‫وهو الذي هز في طرفة عين قلوب السحرة ‪ .‬فقالوا بعزم ماض ‪ :‬اقض ما‬
‫أنت قاض ‪ ،‬والمرأة التي سقت الكلب ‪ ،‬فغفر لها الذنب ‪ ،‬كان معها توحيد‬
‫الرب ‪ ،‬والرجل الذي قتل مائة رجل ‪ ،‬وذهب إلى القرية على عجل ‪ ،‬فأدركه‬
‫الجل ‪ ،‬غفر له بالتوحيد عز وجل ‪ .‬والتوحيد كنز جليل ‪ ،‬في قلب الخليل ‪،‬‬
‫فقال لما شاهد الكرب الثقيل ‪ ،‬حسبنا الله ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫ديق في الغار ‪ ،‬لسيد البرار ‪ ،‬لو نظر أحدهما لرآنا ولسمعنا ‪،‬‬ ‫ولما قال الص ّ‬
‫معََنا { ‪ ،‬إنما قال ذلك بلسان الموحد ‪ ،‬وقد سدد‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬
‫ن إِ ّ‬ ‫قال ‪ } :‬ل َ ت َ ْ‬
‫حَز ْ‬
‫بتوفيق الله وأيد ‪.‬‬
‫وما فلق الله البحر للكليم ‪ ،‬إل لنه صاحب توحيد عظيم ‪ ،‬ونهج كريم ‪ ،‬ولو‬
‫وضعت السموات والرض في كفة الميزان ‪ ،‬ول إله إل الله في كفة لكان لها‬
‫جرتها ‪ ،‬ول إله‬‫الرجحان ‪ ،‬ولو كانت في حلقة حديد لفصمتها ‪ ،‬وفي صخرة لف ّ‬
‫إل الله مفتاح الجنان ‪ ،‬وله أسنان ‪ ،‬من الواجبات والركان ‪ ،‬وصاحبها ل يخلد‬
‫في النار ‪ ،‬ول يلحق بالكفار ‪ ،‬وقد قالوا لحد العلماء وقد سجن ‪ ،‬وفي سبيل‬
‫هذه الكلمة ذاق المحن ‪ ،‬قل كلمة التوحيد‪ ،‬قال من أجلها وضعت في الحديد‬
‫‪ ،‬وقالوا لحد الولياء وقد رفع على خشبة الموت ‪ ،‬وقرب منه الفوت ‪ ،‬قل ل‬
‫إله إل الله ول تغفل ‪ ،‬قال ‪ :‬من أجلها أقتل ‪.‬‬
‫وسمع أحد الصالحين رجل ً يقول ل إله إل الله ومد بها صوته فبكى وقال ‪:‬‬
‫وإني لتعروني لذكرك هزة‬
‫كما انتفض العصور بلله القطُر‬
‫وسمع أحد العلماء رجل ً يقول ‪ :‬ل إله إل الله ‪ ،‬قال ‪ :‬صدقت وبالحق نطقت ‪.‬‬
‫فيا أيها العباد خذوا من التوحيد قطرة ‪ ،‬وضعوه على الفطرة ‪ ،‬ووّلوا وجوهكم‬
‫شطره ‪ .‬ويا من أثقله الهم ‪ ،‬وأحاط به الغم ‪ ،‬وهزه اللم الجم ‪ ،‬قل ل إله إل‬
‫الله ‪.‬‬
‫ويا من أثقلته الديون ‪ ،‬أو غيبته الشجون ‪ ،‬وبات وهو محزون ‪ ،‬قل ل إله إل‬
‫الله ‪.‬‬
‫ويا من اشتد به الكرب ‪ ،‬وعله الخطب ‪ ،‬اذكر الرب ‪ ،‬وقل ل إله إل الله ‪.‬‬
‫هي أجمل الكلمات قلها كلما ‪ ...‬ضج الفؤاد وضاقت الزمان‬
‫اقرأها بعين الروح ‪ ،‬قبل أن تقرأها بعينك في اللوح ‪ ،‬واكتبها في سويداء‬
‫قلبك ‪ ،‬لتحملها إلى ربك ‪ ،‬وتتخلص من ذنبك ‪.‬‬
‫ولما قيل لفرعون ‪ ،‬قل ل إله إل الله ‪ ،‬تلعثم الحمار وتعثر ‪ ،‬فدس أنفه في‬
‫الطين وتدثر ‪ .‬وقيل لبي لهب قل ل إله إل الله ‪ ،‬قال الخسيس ‪ ،‬أبى علي‬
‫الجليس ‪ ،‬والخ الرئيس ‪ ،‬إبليس ‪ .‬تقيأ شاعر البعث المخذول ‪ ،‬ليقول ‪:‬‬
‫آمنت بالبعث ربا ً ل شريك له ‪ ...‬وبالعروبة دينا ً ما له ثاني‬
‫قلنا يا شاعر البعث ‪ ،‬وعزة ربي ليخزينك يوم البعث ‪ .‬يا شاعر الخمر‬
‫والحشيشة ‪ ،‬قد أرغم أنفك أبو ريشة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أمتي كم صنم مجدته ‪ ...‬لم يكن يحمل طهر الصنم ِ‬
‫من يأخذ تعاليمه من باريس ‪ ،‬حشر مع شيخه إبليس ‪.‬‬
‫يا مسكين ‪ ،‬تتعلم حروف الهجاء من بكين ‪ ،‬وتهجر رسالة نزل بها الروح‬
‫المين ‪ ،‬على سيد المرسلين ‪ ،‬من رب العالمين ‪.‬‬
‫يرضع الوليد حليب التوحيد ‪ ،‬حتى يأتيه الحليب الصناعي من مدريد ‪ ،‬ليرتد‬
‫المريد ‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صوت التوحيد يرتفع على كل صوت ‪ ،‬وقوته خير من كل قوت ‪ ،‬لخصه أبو‬
‫بكر فقال ‪ :‬من كان يعبد محمدا ً فإن محمدا ً قد مات ‪ ،‬ومن كان يعبد الله‬
‫فإن الله حي ل يموت‬
‫لول أن كلمة أحد ‪ ،‬في قلب بلل مثل جبل أحد ‪ ،‬ما صمد ‪.‬‬
‫ذاب ‪ ،‬ومداد جميل ‪ ،‬وكاتب جليل ‪ ،‬فكتابه‬ ‫التوحيد له كتاب ‪ ،‬وله قلم ج ّ‬
‫الكون وما فيه ‪ ،‬وقلمه قلبك النبيه ‪ ،‬ومداده دمعك المترقرق ‪ ،‬والكاتب‬
‫إيمانك المتدفق ‪.‬‬
‫التوحيد له رسالة أبدية ‪ ،‬ودعوة سرمدية ‪ ،‬ولصحابه إلى مستقرهم ممر ‪،‬‬
‫وبعد مرورهم مستقر ‪ .‬فرسالة التوحيد إفراد الباري باللوهيه ‪ ،‬والربوبيه ‪،‬‬
‫ودعوته اتباع سيد البشريه ‪ ،‬ورسول النسانيه ‪ .‬وممر أصحابه الصراط‬
‫المستقيم ‪ ،‬ومستقرهم جنات النعيم ‪.‬‬
‫للتوحيد منبر ‪ ،‬ومخبر ومظهر ‪ ،‬ومسك وعنبر ‪.‬‬
‫فمنبره القلب ‪ ،‬إذا أخلص للرب ‪ ،‬ومخبره النيات الصالحات ‪ ،‬ومظهره عمل‬
‫بالركان ‪ ،‬وخدمة للديان ‪ ،‬ومسكه الدعاء والذكار ‪ ،‬وعنبره التوبة والستغفار‬
‫‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫للتوحيد عين وبستان ‪ ،‬وحرس وسلطان ‪ ،‬وسيف وميدان ‪.‬‬


‫فعينه النصوص الواضحه ‪ ،‬وبستانه العمال الصالحه ‪ ،‬وحرسه الخوف‬
‫والرجاء ‪ ،‬وسلطانه واعظ الله في القلب صباح مساء ‪ ،‬وسيفه الجهاد ‪،‬‬
‫وميدانه حركات العباد ‪.‬‬
‫وللتوحيد قضاة وشهود ‪ ،‬وأعلم وجنود ‪ ،‬وحدود وقيود ‪.‬‬
‫فقضاته الرسل الكرام ‪ ،‬وشهوده العلماء العلم ‪ ،‬وأعلمه شعائر الدين ‪،‬‬
‫وجنوده فيلق من الموحدين ‪ ،‬وحدوده ما جاء به الخبر ‪ ،‬وصح به الثر ‪،‬‬
‫وقيوده ما ورد من شروط ‪ ،‬للتوحيد المضبوط ‪.‬‬
‫من دعائم التوحيد ‪ ،‬عدم صرف شيء من العبادة لغير المعبود ‪ ،‬وتحريم‬
‫تقديم شيء من لوازم اللوهية لغير الله مما في الوجود ‪ ،‬وركيزته إخلص‬
‫ليس فيه رياء ‪ ،‬وعلمته إخبات ليس معه ادعاء ‪.‬‬
‫مركبها ‪ ،‬ول تعبد الكواكب بل يعبد مكوكبها ‪ ،‬ول‬ ‫فل ُتعبد النجوم ولكن ُيعبد ُ‬
‫ُيؤّله حجر ‪ ،‬ول بشر ‪ ،‬ول شجر ‪ ،‬ول مدر ‪ ،‬بل يؤله من فجر من الحجر‬
‫ّ‬
‫الماء ‪ ،‬وأوجد الحياء ‪ ،‬وخلق الشجر كأنها أصابع الولياء ‪ ،‬فسبحان رب‬
‫الرض والسماء ‪.‬‬
‫لت والعّزا ‪ .‬قاتل الله هبل ‪،‬‬ ‫الوحي هز أبا جهل هّزا ‪ ،‬لنه يتهّزى ‪ ،‬وسجد ل ّ‬
‫ومن طاف حوله ورمل ‪ ،‬أو نذر له أيّ عمل ‪ ،‬يا من خاف على نفسه من‬
‫َ‬
‫خّر‬‫ما َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَك َأن ّ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫الحريق ‪ ،‬والدمار والتمزيق ‪ ،‬احذر من الشرك } وَ َ‬
‫َ‬
‫ق { إذا أخلصت‬ ‫حي ٍ‬ ‫س ِ‬‫ن َ‬ ‫كا ٍ‬‫م َ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫وي ب ِهِ الّري ُ‬ ‫ه الط ّي ُْر أوْ ت َهْ ِ‬ ‫خط َ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ماِء فَت َ ْ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫التوحيد جاءك النصر ‪ ،‬وادخر لك الجر ‪ ،‬ومحا عنك الوزر ‪.‬‬
‫سمع أحد العباد قارئا ً يتلوا } َفاعْل َ َ‬
‫ه { ‪ ،‬فقال أواه ‪ ،‬وارتفع‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬‫ه ل َ إ ِل َ َ‬
‫م أن ّ ُ‬
‫ْ‬
‫شهِد َ‬ ‫بكاه ‪ ،‬وكان أحد الملوك الصالحين ‪ ،‬يسمع أحد القراء يقرأ بتلحين } َ‬
‫الل ّه أ َنه ل إل َه إل هُو وال ْملئ ِك َ ُ ُ‬
‫زيُز‬ ‫ه ِإل هُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ط ل إ ِل َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما ِبال ْ ِ‬ ‫ة وَأوُْلوا ال ْعِل ْم ِ َقائ ِ ً‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ُ ّ ُ‬
‫م { فجلس يبكي ويقول وأنا أشهد مع الشاهدين ‪.‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬‫ال ْ َ‬
‫قال أبو معاذ الرازي ‪ ،‬لو تكلمت الحجار ‪ ،‬ونطقت الشجار ‪ ،‬وخطبت‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫الطيار‪ ،‬لقالت ل إله إل الله الملك القهار ‪ .‬ولما قال فرعون اللعين ‪ } :‬ف َ‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دى { ‪،‬‬ ‫ه ثُ ّ‬
‫م هَ َ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ق ُ‬ ‫يٍء َ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫طى ك ُ ّ‬ ‫ذي أ َعْ َ‬ ‫سى { قال ‪َ } :‬رب َّنا ال ّ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫َرب ّك ُ َ‬
‫ما َيا ُ‬
‫فكأنما لكمه بالجواب ‪ ،‬ولطمه بالخطاب ‪ .‬ولما قال إمام التوحيد للنمرود‬
‫ْ‬ ‫ه ي َأ ِْتي ِبال ّ‬
‫ب { ‪ ،‬بهت‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ْ‬ ‫ق فَأ ِ‬
‫ت ب َِها ِ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫العنيد } فَإ ِ ّ‬
‫ذب ‪ ،‬وهذا لظهور آيات التوحيد وقوة سلطانه ‪ ،‬وعزة أهله‬ ‫ذب ‪ ،‬وخسر وعُ ّ‬ ‫وك ُ ّ‬
‫وأعوانه ‪ ،‬وقد أمهر يحيى بن زكريا التوحيد رأسه ‪ ،‬وقدم حمزة لما غمره من‬
‫نور التوحيد رأسه ‪ ،‬ولما ذاقه جعفر ‪ ،‬تقطع وبالرمل تعفر ‪ ،‬وذبح الخلفاء‬
‫على بساطه ‪ ،‬وضرب الئمة على التوحيد بأيدي الظلم وسياطه ‪ ،‬ونحر‬
‫الشهداء على فراش التوحيد وبلطه ‪ ،‬وكم من موحد وضع في الزنزانة ‪ ،‬لما‬
‫أعلن إيمانه ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولما نطق حبيب بن زيد ‪ ،‬بكلمة التوحيد ‪ ،‬عند مسيلمة الكذاب العنيد ‪ .‬قطعه‬
‫ن ‪ ،‬ول قال له تأن ‪ ،‬بل اشتاق إلى الجنة وحن ‪ ،‬ولما ذهبوا‬ ‫َ‬
‫بالسيف فما أ ْ‬
‫بعبد الله بن حذافة إلى القدور ‪ ،‬والجثث فيها تدور ‪ ،‬والتوحيد في قلبه يمور ‪،‬‬
‫بكى وقال ‪ :‬يا ليت لي بعدد شعر رأسي أرواح ‪ ،‬لتذوق القتل في سبيل الله‬
‫والجراح ‪.‬‬
‫وضرب طلحة يوم أحد بالسيوف والرماح ‪ ،‬فما شكى ول صاح ‪ ،‬حتى سال‬
‫شلت يمينه ‪ ،‬ويبقى دينه ‪ ،‬لن التوحيد قرينه ‪ .‬وقاتل مصعب‬ ‫بالدم جبينه ‪ ،‬و ُ‬
‫حد المعبود ‪ .‬ولما حضر عبد الله بن‬ ‫سد اللحود ‪ ،‬لنه و ّ‬ ‫قتال السود ‪ ،‬حتى و ّ‬
‫جحش معركة أحد ‪ ،‬دعا واجتهد ‪ ،‬بكلم يبقى إلى البد ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهم هيئ‬
‫لي عدوا ً لك شديد حرده ‪ ،‬قوي بأسه ‪ ،‬فيقتلني فيك فيجدع أنفي ‪ ،‬ويبقر‬
‫بطني ‪ ،‬ويفقأ عيني ‪ ،‬ويقطع أذني ‪ ،‬فإذا لقيتك يا رب فقلت لي ‪ :‬يا عبد الله‬
‫لم فعل بك هذا ؟ قلت ‪ :‬فيك يا رب ‪ .‬فهل سمعت نشيدا ً كهذا النشيد ‪ ،‬وهل‬
‫أطربك قصيدا ً كهذا القصيد ‪ ،‬لنه من ديوان التوحيد ‪.‬‬
‫مه السد ثم‬ ‫وضع أحد ُ الظلمة أحد َ الولياء ‪ ،‬بين يدي السد ليتركه أشلء ‪ ،‬ش ّ‬
‫تركه وذهب ‪ ،‬قيل للولي ‪ :‬لماذا تركك ؟ قال ‪ :‬بسبب التوحيد وهو أعظم‬
‫سبب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فماذا كنت تفكر ؟ قال ‪ :‬كنت أفكر في سؤر السد هل هو‬
‫طاهر أم نجس يطهر ‪.‬‬
‫واعلم أن صدق التوحيد أقام بعض الولياء ‪ ،‬في الليلة الظلماء ‪ ،‬في ذروة‬
‫الشتاء ‪ ،‬يتوضأ بالماء ‪ ،‬ويقطع الليل بالصلة والدعاء ‪ ،‬والمناجاة والبكاء ‪،‬‬
‫وحرارة التوحيد أيقظت في الصالحين ‪ ،‬ذكر الله كل حين ‪ ،‬فلهم بالتسبيح‬
‫زجل وحنين ‪ ،‬وعزيمة التوحيد دفعت المنفقين ‪ ،‬وجعلتهم بأموالهم‬
‫متصدقين ‪ ،‬على الفقراء والمساكين ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إذا ناداك نوح التوحيد ‪ ،‬وقال اركب معنا أيها العبد الرشيد ‪ ،‬فل تفوتك سفينة‬
‫جد َ إبراهيم بن أدهم ورقة مكتوب فيها الله وقد سقطت‬ ‫الحميد المجيد ‪ ،‬وَ َ‬
‫في الطريق فبكى وحملها ‪ ،‬وطهرها وطيبها ‪ ،‬فطهر الله نفسه ‪ ،‬وطّيب‬
‫اسمه ‪ ،‬وقد أوصى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل ‪ ،‬أن يكون أول ما‬
‫يدعو إليه توحيد الله عز وجل ‪ .‬وكان يبدأ بالتوحيد خطبه ‪ ،‬ويخط به كتبه ‪،‬‬
‫ويدعو إليه ليل ً ونهارا ‪ ،‬وسرا ً وجهارا ‪.‬‬
‫مة اللهية‬ ‫المقا َ‬
‫َ‬
‫ه ِإل أَنا {‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه ل إ ِل َ‬
‫} إ ِن ِّني أَنا الل ُ‬
‫)) سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ((‬
‫تأمل في نبات الرض وانظر‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عيون من لجين شاخصات‬


‫على قضب الزبرجد شاهدات ‪ ...‬إلى آثار ما صنع المليك‬
‫بأحداق هي الذهب السبيك‬
‫بأن الله ليس له شريك‬
‫الله رحيم لطيف ‪ ،‬الله بيده المر والتصريف ‪ ،‬الله أعرف المعارف ل يحتاج‬
‫إلى تعريف ‪ ،‬ل إله إل الله ‪ ،‬ول نعبد إل إياه ‪ ،‬ول نرجو سواه ‪ ،‬عظيم‬
‫السلطان والجاه ‪ ،‬أفلح من دعاه ‪ ،‬وسعد من رجاه ‪ ،‬وفاز من توله ‪ ،‬سبحان‬
‫من خلق وهدى ‪ ،‬ولم يخلق الخلق سدى ‪ ،‬عظم سلطانه ‪ ،‬ارتفع ميزانه ‪،‬‬
‫وجمل إحسانه ‪ ،‬كثر امتنانه ‪.‬‬
‫إليك وإل ل تشد الركائب‬
‫ب‬‫وفيك وإل فالغرام مضّيع ‪ ...‬ومنك وإل فالمؤل خائ ُ‬
‫ب‬‫وعنك وإل فالمحدث كاذ ُ‬
‫علم الغيوب ‪ ،‬غفار الذنوب ‪ ،‬ستار العيوب ‪ ،‬كاشف الكروب ‪ ،‬ميسر‬
‫الخطوب ‪ ،‬مقدر المكتوب ‪ ،‬عظمت بركاته ‪ ،‬حسنت صفاته ‪ ،‬بهرت آياته ‪،‬‬
‫أعجزت بيناته ‪ ،‬أفحمت معجزاته ‪ ،‬جلت أسماؤه ‪ ،‬عمت آلؤه ‪ ،‬امتلت‬
‫بحمده أرضه وسماؤه ‪ ،‬كثرت نعماؤه ‪ ،‬حسن بلؤه ‪ .‬ما أحسن قيله ‪ ،‬ما‬
‫أجمل تفصيله ‪ ،‬ما أبهى تنزيله ‪ ،‬ما أسرع تسهيله ‪ ،‬ليس إل الخضوع له‬
‫وسيلة ‪ ،‬وليس لما يقضيه حيلة ‪.‬‬
‫قد كنت أشفق من دمعي على بصري‬
‫والله ما ذكرت نفسي معاهدكم ‪ ...‬فاليوم كل عزيز بعدكم هانا‬
‫إل رأيت دموع العين هتانا‬
‫يسقي ويطعم ‪ ،‬يقضي ويحكم ‪ ،‬ينسخ ويبرم ‪ ،‬يقصم ويفصم ‪ ،‬يهين ويكرم ‪،‬‬
‫يروي ويشبع ‪ ،‬يصل ويقطع ‪ ،‬يعطي ويمنع ‪ ،‬يخفض ويرفع ‪ ،‬يرى ويسمع ‪،‬‬
‫ينصر ويقمع ولّيه مأجور ‪ ،‬والسعي إليه مبرور ‪ ،‬والعمل له مشكور ‪ ،‬وحزبه‬
‫منصور ‪ ،‬وعدوه مدحور وخصمه مبتور ‪ ،‬يسحق الطغاة ‪ ،‬يمحق العصاة ‪،‬‬
‫يدمر العتاة ‪ ،‬يمزق من آذاه ‪.‬‬
‫سبحان من لو سجدنا بالجباه له‬
‫ر‬
‫لم نبلغ العشر من مقدار نعمته ‪ ...‬على لظى الجمر والمحمى من الب ِ‬
‫ر‬
‫ول العشير ولو عشر من العش ِ‬
‫من انتصر به ما ذل ‪ ،‬ومن اهتدى بهداه ما ضل ‪ ،‬ومن اتقاه ما ذل ‪ ،‬ومن‬
‫ه ‪ ،‬حسن جماله ‪،‬‬ ‫طلب غناه ما قل ‪ ،‬له الكبرياء والجبروت عز وجل ‪.‬تم كمال ُ‬
‫تقدس جلله ‪ ،‬كرمت أفعاله ‪ ،‬أصابت أقواله ‪ ،‬نصر أولياَئه ‪ ،‬خذل أعداَئه ‪،‬‬
‫قّرب أحبائه ‪ .‬اطلع فستر ‪ ،‬علم فغفر ‪ ،‬حلم بعد أن قدر ‪ ،‬زاد من شكر ‪ ،‬ذكر‬
‫من ذكر ‪ ،‬قصم من كفر ‪.‬‬
‫يا رب أول شيء قاله خلدي‬
‫فوالذي قد هدى قلبي لطاعته ‪ ...‬أني ذكرتك في سري وإعلني‬
‫لذهبن بوحي منك أحزاني‬ ‫ُ‬
‫لو أن القلم هي الشجر ‪ ،‬والمداد هو المطر ‪ ،‬والكتبة هم البشر ‪ ،‬ثم أثنى‬
‫عليه بالمدح من شكر ‪ ،‬لما بلغوا ذرة مما يستحقه جل في عله وقهر ‪ .‬اعمر‬
‫جنانك بحبه ‪ ،‬أصلح زمانك بقربه ‪ ،‬اشغل لسانك بمديحه ‪ ،‬احفظ وقتك‬
‫بتسبيحه ‪ .‬العزيز من حماه ‪ ،‬المحظوظ من اجتباه ‪ ،‬الغني من أغناه ‪ ،‬السعيد‬
‫من توله ‪ ،‬المحفوظ من رعاه ‪ .‬أرسل الرسل أفنى الدول ‪ ،‬هدى السبيل ‪،‬‬
‫أبرم الحيل ‪ ،‬غفر الزلل ‪ ،‬شفى العلل ‪ ،‬ستر الخلل ‪.‬‬
‫مهما كتبنا في علك قصائدا ً‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فلنت أعظم من مديحي كله ‪ ...‬بالدمع خطت أو دم الجفان‬


‫وأجل مما دار في الحسبان‬
‫في حبك عذب بلل بن رباح ‪ ،‬وفي سبيلك هانت الجراح ‪ ،‬لدى عبيدة بن‬
‫الجراح‪ ،‬ومن أجلك عرض مصعب صدره للرماح ‪ .‬ولعلء كلمتك قطعت يدا‬
‫جعفر ‪ ،‬وتجندل على التراب وتعفر ‪ ،‬ومزق عكرمة في حرب بني الصفر ‪.‬‬
‫دم نفسه ‪ ،‬وأحبك سعد بن‬ ‫أحبك حنظلة فترك عرسه ‪ ،‬وأهدى رأسه ‪ ،‬وق ّ‬
‫معاذ فاستعذب فيك البلء ‪ ،‬وجرت منه الدماء ‪ ،‬وشيعته الملئكة الكرماء ‪،‬‬
‫واهتز له العرش من فوق السماء ‪.‬‬
‫وأحبك حمزة سيد الشهداء ‪ ،‬فصال في الهيجاء ‪ ،‬ونازل العداء ‪ ،‬ثم سلم‬
‫روحه ثمنا ً للجنة هاء وهاء ‪ .‬من أجلك سهرت عيون المتهجدين ‪ ،‬وتعبت أقدام‬
‫العابدين ‪ ،‬وانحنت ظهور الساجدين ‪ ،‬وحلقت رؤوس الحجاج والمعتمرين ‪،‬‬
‫وجاعت بطون الصائمين ‪ ،‬وطارت نفوس المجاهدين ‪.‬‬
‫يا ربي حمدا ً ليس غيرك يحمد‬
‫أبواب كل ممّلك قد أوصدت ‪ ...‬يا من له كل الخلئق تصمد ُ‬
‫ورأيت بابك واسعا ً ل يوصد ُ‬
‫أقلم العلماء ‪ ،‬تكتب فيه الثناء ‪ ،‬صباح مساء ‪ ،‬الرماح في ساحة الجهاد ‪،‬‬
‫والسيوف الحداد ‪ ،‬ترفع اسمه على رؤوس الشهاد ‪ ،‬جل عن النداد والضداد‬
‫‪.‬‬
‫للمساجد دوي بذكره ‪ ،‬للطيور تغريد بشكره ‪ ،‬وللملئكة نزول بأمره ‪ ،‬حارت‬
‫الفكار في علو قدره ‪ ،‬وتمام قهره ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫من أجلك هاجر أبو بكر الصديق وترك عياله ‪ ،‬ولمرضاتك أنفق أمواله‬
‫وأعماله ‪ ،‬وفي محبتك قتل الفاروق ومزق ‪ ،‬وفي سبيلك دمه تدفق ‪ ،‬ومن‬
‫خشيتك دمعه ترقرق ‪ .‬ودفع عثمان أمواله لترضى ‪ ،‬فما ترك مال ً ول أرضا ‪،‬‬
‫ي رأسه لمرضاتك في المسجد وهو يتهجد ‪،‬‬ ‫دم عل ّ‬ ‫جعلها عندك قرضا ‪ .‬وق ّ‬
‫وفي بيتك يتعبد فما تردد ‪.‬‬
‫أرواحنا يا رب فوق أكفنا‬
‫لم نخش طاغوتا ً يحاربنا ولو‬
‫كنا نرى الصنام من ذهب ‪ ...‬نرجو ثوابك مغنما وجوارا‬
‫نصب المنايا حولنا أسوارا‬
‫فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا‬
‫تفردت بالبقاء ‪ ،‬وكتبت على غيرك الفناء ‪ ،‬لك العزة والكبرياء ‪ ،‬ولك أجل‬
‫الصفات وأحسن السماء ‪ .‬أنت عالم الغيب ‪ ،‬البريء من كل عيب ‪ ،‬تكتب‬
‫المقدور ‪ ،‬وتعلم ما في الصدور ‪ ،‬وتبعثر ما في القبور ‪ ،‬وأنت الحاكم يوم‬
‫النشور ‪ .‬ملكك عظيم ‪ ،‬جنابك كريم ‪ ،‬نهجك قويم ‪ ،‬أخذك أليم ‪ ،‬وأنت‬
‫الرحيم الحليم الكريم ‪.‬‬
‫من الذي سألك فما أعطيته ‪ ،‬والذي دعاك فما لبيته ‪ ،‬ومن الذي استنصرك‬
‫فما نصرته ‪ ،‬ومن الذي حاربك فما خذلته ‪ .‬ل عيب في أسمائك لنها حسنى ‪،‬‬
‫ل نقص في صفاتك لنها عليا ‪ .‬حي ل تموت ‪ ،‬حاضر ل تفوت ‪ ،‬ل تحتاج إلى‬
‫القوت ‪ ،‬لك الكبرياء والجبروت ‪ ،‬والعزة والملكوت ‪.‬‬
‫لو أن أنفاس العباد قصائد‬
‫صرت ‪ ...‬حفلت بمدحك في جلل علكا‬ ‫ما أدركت ما تستحق وق ّ‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن مجدك السما وحسن سناكا‬


‫صرت آمال القياصرة ‪ ،‬هدمت معاقل الجبابرة ‪،‬‬ ‫كسرت ظهور الكاسرة ‪ ،‬ق ّ‬
‫وأرديتهم في الحافرة ‪ .‬من أطاعك أكرمته ‪ ،‬من خالفك أّدبته ‪ ،‬من عاداك‬
‫سحقته ‪ ،‬من ناّدك محقته ‪ ،‬من صاّدك مّزقته ‪.‬‬
‫تصمد إليك الكائنات ‪ ،‬تعنو إليك المخلوقات ‪ ،‬تجيب الدعوات ‪ ،‬بشتى‬
‫اللغات ‪ ،‬وبمختلف اللهجات ‪ ،‬على تعدد الحاجات ‪ ،‬تفرج الكربات ‪ ،‬تظهر‬
‫اليات ‪ ،‬تعلم النيات وتظهر الخفيات ‪ ،‬تحيي الموات ‪ .‬دعاك الخليل وقد‬
‫وضع في المنجنيق ‪ ،‬وأوشك على الحريق ‪ ،‬ولم يجد لسواك طريق ‪ ،‬فلما‬
‫قال ‪ :‬حسبنا الله ونعم الوكيل ‪ ،‬صارت النار عليه بردا ً وسلما ً في ظل‬
‫ظليل ‪ ،‬بقدرتك يا جليل ‪ .‬وفلقت البحر للكليم ‪ ،‬وقد فر من فرعون الثيم ‪،‬‬
‫فمهدت له في الماء الطريق المستقيم ‪ .‬ودعاك المختار ‪ ،‬في الغار ‪ ،‬لما‬
‫أحاط به الكفار ‪ ،‬فحميته من الشرار ‪ ،‬وحفظته من الفجار ‪ .‬قريب تجيب كل‬
‫حبيب ‪.‬‬
‫ما أنت بالسبب الضعيف وإنما‬
‫مةٍ ‪ ...‬أنت القوي الواحد القهار‬
‫ما خاب من يرجوك عند مل ّ‬
‫صمدت إليك البدو والحضار‬
‫لو أن الثناء ‪ ،‬لرب الرض والسماء ‪ ،‬كتب بدماء الولياء ‪ ،‬على خدود الحياء ‪،‬‬
‫لقرأت في تلك الخدود ‪ ،‬صحائف من مدح المعبود ‪ ،‬صاحب الجود ‪ ،‬بل‬
‫حدود ‪.‬‬
‫ألسنة الخلق أقلم الحق ‪ ،‬فما لها ل تنطق بالصدق ‪ ،‬وتوحده بذاك النطق ‪ .‬ل‬
‫تمن عليه دمعة في محراب ‪ ،‬فقد مزق من أجله عمر بن الخطاب ‪ ،‬ما لك‬
‫إلى عبادتك الزهيدة تشير ‪ ،‬وقد نشر الولياء في حبه بالمناشير ‪.‬‬
‫فاز بلل لنه ردد أحد أحد ‪ ،‬ودخل رجل الجنة لنه أحب قل هو الله أحد ‪،‬‬
‫ومدح سبحانه نفسه فقال ‪ :‬الله الصمد ‪ ،‬ورد على المشركين فقال ‪ :‬لم يلد‬
‫ولم يولد ‪.‬‬
‫ً‬
‫سبحان من تحدى بالذباب المشركين ‪ ،‬وضرب العنكبوت مثل للضالين ‪ ،‬وذكر‬
‫خلقه للبعوض ِإزراًء بالكافرين ‪ ،‬وحمل الهدهد رسالة التوحيد فجاء بخبر يقين‬
‫‪ ،‬وأهلك ناقه أعداءه المعارضين ‪ .‬خلق البرار والفجار ‪ ،‬والمسلمين‬
‫والكفار ‪ ،‬والليل والنهار ‪ ،‬والجنة والنار ‪ ،‬وأنزل كل شيء بمقدار ‪ .‬في القرآن‬
‫برهانه ‪ ،‬في الكائنات امتنانه ‪ ،‬للمؤمنين إحسانه ‪ ،‬في الجنة رضوانه ‪ ،‬عم‬
‫الكون سلطانه ‪ ،‬اللهم يا ذا العرش المجيد ‪ ،‬أنت المبدئ المعيد ‪ ،‬أنت الفعال‬
‫لما تريد ‪ ،‬أنت ذا البطش الشديد ‪ ،‬ل ضد لك ول نديد ‪ ،‬كورت الليل والنهار ‪،‬‬
‫وجعلت النور في البصار ‪ ،‬وحببت العبادة إلى البرار ‪ ،‬وأجريت الماء في‬
‫الشجار ‪ ،‬أنت الملك الجبار ‪ ،‬والقوي القهار ‪ ،‬والعزيز الغفار ‪ ،‬أسألك‬
‫بالسماء التي بالسمو معروفة ‪ ،‬وأسألك بالصفات التي هي بالمجد‬
‫موصوفة ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫عن كل عيب تنزهت ‪ ،‬وعن كل نقص تقدست ‪ ،‬وعلى كل حال تباركت ‪،‬‬
‫وعن كل شين تعاليت ‪ ،‬منك المداد ‪ ،‬ومن لدنك الرشاد ‪ ،‬ومن عندك‬
‫الستعداد ‪ ،‬وعليك العتماد ‪ ،‬وإليك يلجأ العباد ‪ ،‬في النوازل الشداد ‪ .‬حبوت‬
‫ة وعدل ‪ ،‬ل يكون إل ما تريد‬
‫ة وفضل‪ ،‬ووسعت المخلوقات حكم ً‬ ‫الكائنات رحم ً‬
‫‪ ،‬تشكر فتزيد ‪ ،‬وتكفر فتبيد ‪ ،‬تفردت بالملك فقهرت ‪ ،‬وتوحدت بالربوبية‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقدرت‪ ،‬تزيد من شكرك ‪ ،‬وتذكر من ذكرك ‪ ،‬وتمحق من كفرك ‪ ،‬حارت في‬


‫حكمتك العقول ‪ ،‬وصارت من بديع صنعك في ذهول ‪ ،‬أدهشت بعجائب خلقك‬
‫اللباب ‪ ،‬وأذهلت الخلئق بالحكم والسباب ‪ ،‬باب جود عطائك مفتوح ‪،‬‬
‫ونوالك لمن أطاعك وعصاك ممنوح ‪ ،‬وهباتك لكل كائن تغدو وتروح ‪ .‬لك‬
‫السؤدد ‪ ،‬فمن ساد فبمجدك يسود ‪ ،‬وعندك الخزائن فمن جاد فمن جودك‬
‫يجود ‪ ،‬صمد أنت فإليك الخلئق تصمد ‪ ،‬مقصود أنت فإليك القلوب تقصد ‪،‬‬
‫تغلق البواب عن الطالبين إل بابك ‪ ،‬ويسدل كل حجاب عن الراغبين إل‬
‫حجابك ‪ ،‬خصصت نفسك بالبقاء فأهلكت من سواك ‪ ،‬وأفردت نفسك بالملك‬
‫فأهلكت من عداك‪ ،‬ل نعبد إل إياك ‪ ،‬ول نهتدي إل بهداك ‪ ،‬أقمت الحجة‬
‫فليس لمعترض كلم ‪ ،‬وأوضحت المحجة فليس لضال إمام ‪ .‬شرعت‬
‫الشرائع فكانت لك الحجة البالغة على الضلل ‪ ،‬وبينت السنن فما حاد عنها‬
‫إل الجهال ‪ ،‬نوعت العقوبة لمن عصاك ‪ ،‬وغايرت بين النكال لمن عاداك ‪،‬‬
‫جعلت أسباب حياته مماته ‪ ،‬علة ِإنطاقه ِإسكاته ‪ ،‬أحييت بالماء وبه قتلت ‪،‬‬
‫وأنعشت الرواح بالهواء وبه أمت ‪ ،‬أشهد أنك متوحد بالربوبية ‪ ،‬متفرد‬
‫باللوهية ‪ ،‬أنت الملك الحق المبين ‪ ،‬وأنت إله العالمين ‪ ،‬وكنف المستضعفين‬
‫‪ ،‬وأمل المساكين ‪ ،‬وقاصم الجبارين ‪ ،‬وقامع المستكبرين ‪.‬‬
‫ولما جعلت التوحيد شعاري ‪ ،‬مدحت ربي بأشعاري ‪ ،‬فقلت في مدح الباري ‪:‬‬
‫هذا أريج الزهر من بستانه‬
‫السحر من إخوانه والحب من‬
‫أنا ما رويت الشعر من روما‬
‫كل وما ساجلت من عمران‬
‫دع لمرئ القيس الغويّ ضلله‬
‫ضل الهداية شكسبير فما روى‬
‫لما دعوت الشعر جاء ملبيا‬
‫فعففت عن مدح النام ترفعا ً‬
‫ل سيف ذي يزن يتوج مدحتي‬
‫أو عاد أو شداد أو ذو منصب‬
‫ملك الملوك قصدته ومدحته‬
‫والله لو أن السماء صحيفة‬
‫والدوح أقلم وقد كتب الورى‬
‫لم يبلغوا ما يستحق وقصروا‬
‫لو تستجير الشمس فيه من الدجى‬
‫أو شاء منع البدر في أفلكه‬
‫حتى الحجارة فجرت من خوفه‬
‫وتصدعت شم الجبال لبأسه‬
‫وتفتح الزهر الندي بصنعه‬
‫والحوت قدسه بأجمل نغمة‬
‫حتى الضفادع في الغدير ترنمت‬
‫هذى النجوم عرائس في محفل‬
‫يا مسرح الحباب ضيعت الهوى‬
‫مجنون ليلى ما اهتدى لرحابه‬
‫أو ما قرا عنه وثيقة عهده‬
‫الشمس تسجد تحت عرش إلهنا ‪ ...‬شعر كأن الفجر في أجفانه‬
‫أخدانه والحسن من أعوانه‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما رتلت آي الحسن من لبنانه‬


‫أو حطان أو مجنونه أو قبانه‬
‫يلقي قفا نبك على شيطانه‬
‫إل نزيف الوهم من هذيانه‬
‫يسقى كؤوس الشعر من حسانه‬
‫ل تمدحن العبد في طغيانه‬
‫أو شكر نابغة على ذبيانه‬
‫ُينمى إلى عدنان أو قحطانه‬
‫فتراكض البداع في ميدانه‬
‫والمزن يمطرها على إبانه‬
‫مدح المهيمن في جللة شأنه‬
‫وزن الهباءة ضاع في ميزانه‬
‫لغدا الدجى والفجر من أكفانه‬
‫عن سيره لم يسرِ في حسبانه‬
‫والصخر خر له على أذقانه‬
‫والطلع خوفا ً شق من عيدانه‬
‫يزهو مع التسبيح في بستانه‬
‫لغة تبز الحسن من سحبانه‬
‫بقصائد التقديس في غدرانه‬
‫تملي حديث الحب في سلطانه‬
‫وضللت يا ابن الطين عن عنوانه‬
‫متهتكا ً عبثا ً مع م ّ‬
‫جانه‬
‫فيها حديث الصدق من قرآنه‬
‫والبدر رمز الحسن في أكوانه‬
‫والهدهد احتمل الرسالة غاضبا ً‬
‫غضبا ً على بلقيس تعبد شمسها‬
‫لوله نوح ما نجا يوم الردى‬
‫لما دعاه يونس لباه في ‪ ...‬يدعو إلى التوحيد من إيمانه‬
‫فسعى لنسف الملك من أركانه‬
‫في فلكه المشحون من طوفانه‬
‫قاع البحار يضج في حيتانه‬
‫اللهم صلى وسلم على نبيك خاتم المرسلين ‪ ،‬ورسول الناس أجمعين ‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه والتابعين ‪.‬‬
‫مة الّنبوّية‬‫المقا َ‬
‫ظيم ٍ {‬‫ق عَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫} وَإ ِن ّ َ‬
‫خل ٍ‬‫ك لَعلى ُ‬
‫صلى عليك الله يا علم الهدى‬
‫م‬
‫هتفت لك الرواح من أشواقها ‪ ...‬واستبشرت بقدومك اليا ُ‬
‫م‬
‫وازينت بحديثك القل ُ‬
‫م ‪ ،‬إذا ذكرته‬
‫مى ‪ ،‬وهو النبي العظيم في سورة ع ّ‬ ‫ما أحسن السم والمس ّ‬
‫هلت الدموع السواكب ‪ ،‬وإذا تذكرته أقبلت الذكريات من كل جانب ‪.‬‬
‫وكنت إذا ما اشتد ّ بي الشوق والجوى‬
‫ُ‬
‫م‬‫أعّلل نفسي بالتلقي وقربه ‪ ...‬وكادت عرى الصبر الجميل تفص ُ‬
‫وأوهمها لكّننها تتوهم‬
‫المتعبد في غار حراء ‪ ،‬صاحب الشريعة الغراء ‪ ،‬والملة السمحاء ‪ ،‬والحنيفية‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البيضاء ‪ ،‬وصاحب الشفاعة والسراء ‪ ،‬له المقام المحمود ‪ ،‬واللواء المعقود ‪،‬‬
‫والحوض المورود ‪ ،‬هو المذكور في التوراة والنجيل ‪ ،‬وصاحب الغرة‬
‫والتحجيل ‪ ،‬والمؤيد بجبريل ‪ ،‬خاتم النبياء ‪ ،‬وصاحب صفوة الولياء ‪ ،‬إمام‬
‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫ك ِإل َر ْ‬ ‫ما أْر َ‬
‫الصالحين ‪ ،‬وقدوة المفلحين } وَ َ‬
‫ظماُء‬‫السماوات شّيقات ِ‬
‫كلها لهفة إلى العَلم الها ‪ ...‬والفضا والنجوم والضواُء‬
‫دي وشوق لذاته واحتفاُء‬

‫)‪(7 /‬‬

‫تنظم في مدحه الشعار ‪ ،‬وتدبج فيه المقامات الكبار ‪ ،‬وتنقل في الثناء عليه‬
‫السير والخبار ‪ ،‬ثم يبقى كنزا ً محفوظا ً ل يوّفيه حقه الكلم ‪ ،‬وعلما ً شامخا ً ل‬
‫تنصفه القلم ‪ ،‬إذا تحدثنا عن غيره عصرنا الذكريات ‪ ،‬وبحثنا عن الكلمات ‪،‬‬
‫وإذا تحدثنا عنه تدفق الخاطر ‪ ،‬بكل حديث عاطر ‪ ،‬وجاش الفؤاد ‪ ،‬بالحب‬
‫والوداد ‪ ،‬ونسيت النفس همومها ‪ ،‬وأغفلت الروح غمومها ‪ ،‬وسبح العقل في‬
‫ملكوت الحب ‪ ،‬وطاف القلب بكعبة القرب ‪ ،‬هو الرمز لكل فضيلة ‪ ،‬وهو قبة‬
‫الفلك خصال جميلة ‪ ،‬وهو ذروة سنام المجد لكل خلل جليلة ‪.‬‬
‫ن كان أحببت بعد الله مثلك في‬ ‫إ ْ‬
‫ِ‬ ‫م‬‫عج‬ ‫وفي‬ ‫عرب‬ ‫وفي‬ ‫وحضر‬ ‫بدو‬ ‫‪...‬‬ ‫ن‬
‫ٍ‬ ‫حس‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬‫منظ‬ ‫من‬ ‫ناظري‬ ‫اشتفى‬ ‫فل‬
‫ول تفوه بالقول السديد فمي‬
‫مرحبا ً بالحبيب والريب والنجيب الذي إذا تحدثت عنه تزاحمت الذكريات ‪،‬‬
‫وتسابقت المشاهد والمقالت ‪.‬‬
‫صلى الله على ذاك القدوة ما أحله ‪ ،‬وسلم الله ذاك الوجه ما أبهاه ‪ ،‬وبارك‬
‫الله على ذاك السوة ما أكمله وأعله ‪ ،‬علم المة الصدق وكانت في صحراء‬
‫الكذب هائمة ‪ ،‬وأرشدها إلى الحق وكانت في ظلمات الباطل عائمة ‪ ،‬وقادها‬
‫إلى النور وكانت في دياجير الزور قائمة ‪.‬‬
‫وشب طفل الهدى المحبوب متشحا ً‬
‫بالخير متّزرا ً بالنور والنار‬
‫في كفه شعلة تهدي وفي دمه‬
‫عقيدة تتحدى كل جباِر‬
‫كانت المة قبله في سبات عميق ‪ ،‬وفي حضيض من الجهل سحيق ‪ ،‬فبعثه‬
‫الله على فترة من المرسلين ‪ ،‬وانقطاع من النبيين ‪ ،‬فأقام الله به الميزان ‪،‬‬
‫وأنزل عليه القرآن ‪ ،‬وفرق به الكفر والبهتان ‪ ،‬وحطمت به الوثان‬
‫ددون ويغلطون ‪ ،‬لكن‬ ‫والصلبان ‪ ،‬للمم رموز يخطئون ويصيبون ‪ ،‬ويس ّ‬
‫رسولنا صلى الله عليه وسلم معصوم من الزلل ‪ ،‬محفوظ من الخلل ‪ ،‬سليم‬
‫ن هو إل‬ ‫من العلل ‪ ،‬عصم قلبه من الزيغ والهوى ‪ ،‬فما ضل أبدا ً وما غوى ‪ ،‬إ ْ‬
‫وحي يوحى ‪.‬‬
‫للشعوب قادات لكنهم ليسوا بمعصومين ‪ ،‬ولهم سادات لكنهم ليسوا بالنبوة‬
‫موسومين ‪ ،‬أما قائدنا وسيدنا فمعصوم من النحراف ‪ ،‬محفوف بالعناية‬
‫واللطاف ‪.‬‬
‫ن أتدري من أبجله‬ ‫م ْ‬‫أثني على َ‬
‫أما علمت بمن أهديُته كلمي‬
‫ً‬
‫في أصدق الناس لفظا غير مّتهم ٍ‬
‫وأثبت الناس قلبا ً غير منتقم‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قصارى ما يطلبه سادات الدنيا قصور مشيدة ‪ ،‬وعساكر ترفع الولء مؤيدة‪،‬‬
‫وخيول مسومة في ملكهم مقيدة ‪ ،‬وقناطير مقنطرة في خزائنهم مخلدة ‪،‬‬
‫وخدم في راحتهم معبدة‪.‬‬
‫مد عليه الصلة والسلم فغاية مطلوبه ‪ ،‬ونهاية مرغوبه ‪ ،‬أن يعبد الله‬ ‫أما مح ّ‬
‫فل يشرك به معه أحد ‪ ،‬لنه فرد صمد ‪،‬لم يلد ولم يولد ‪ ،‬ولم يكن له كفوا ً‬
‫أحد ‪.‬‬
‫يسكن بيتا من الطين ‪ ،‬وأتباعه يجتاحون قصور كسرى وقيصر فاتحين ‪ ،‬يلبس‬ ‫ً‬
‫القميص المرقوع ‪ ،‬ويربط على بطنه حجرين من الجوع ‪ ،‬والمدائن تفتح‬
‫بدعوته ‪ ،‬والخزائن تقسم لمته ‪.‬‬
‫إن البرية يوم مبعث أحمد‬
‫بل كرم النسان حين اختار من‬
‫لبس المرقع وهو قائد أمة‬
‫دل حالها‬‫لما رآها الله تمشي نحوه ‪ ...‬نظر الله لها فب ّ‬
‫خير البرية نجمها وهللها‬
‫سرت أعلمها‬ ‫جبت الكنوز فك ّ‬
‫ل تبتغي إل رضاه سعى لها‬
‫ماذا أقول في النبي الرسول ؟ هل أقول للبدر حييت يا قمر السماء ؟ أم‬
‫أقول للشمس أهل ً يا كاشفة الظلماء ‪ ،‬أم أقول للسحاب سلمت يا حامل‬
‫الماء ؟‬
‫وع بالرضوان أعظمه‬ ‫يا من تض ّ‬
‫م‬
‫فطاب من طيب تلك القاع والك ُ‬
‫نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه‬
‫م‬
‫فيه العفاف وفيه الجود والكر ُ‬
‫اسلك معه حيثما سلك ‪ ،‬فإن سنته سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف‬
‫عنها هلك ‪ ،‬نزل بّز رسالته في غار حراء ‪ ،‬وبيع في المدينة ‪ ،‬وفصل في بدر ‪،‬‬
‫فلبسه كل مؤمن فيا سعادة من لبس ‪ ،‬ويا خسارة من خلعه فقد تعس‬
‫وانتكس ‪ ،‬إذا لم يكن الماء من نهر رسالته فل تشرب ‪ ،‬وإذا لم يكن الفرس‬
‫وما ً على علمته فل تركب ‪ ،‬بلل بن رباح صار باتباعه سيدا ً بل نسب ‪،‬‬ ‫مس ّ‬
‫ً‬
‫وماجدا بل حسب ‪ ،‬وغني ّا بل فضة ول ذهب ‪ ،‬أبو لهب عمه لما عصاه خسر‬ ‫ً‬
‫ب ‪ ،‬سيصلى نارا ً ذات لهب ‪.‬‬ ‫وت ّْ‬
‫الفرس والروم واليونان إن ذكروا‬
‫هم نمقوا لوحة بالرق هائمة ‪ ...‬فعند ذكرك أسمال على قزم‬
‫وأنت لوحك محفوظ من التهم ِ‬
‫وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ‪ ،‬وإنك لعلى خلق عظيم ‪ ،‬وإنك لعلى نهج‬
‫ل لن‬ ‫ل ‪ ،‬فما ض ّ‬ ‫ل ‪ ،‬وما ك ّْ‬
‫ل ‪ ،‬وما م ّْ‬
‫ل ‪ ،‬وما غ ّْ‬‫ل ‪ ،‬وما ذ ّْ‬ ‫ل ‪ ،‬وما ز ّْ‬‫قويم ‪ ،‬ما ض ّْ‬
‫ل لن العصمة ترعاه ‪ ،‬والله أيده‬ ‫الله هاديه‪ ،‬وجبريل يكلمه ويناديه ‪ ،‬وما ز ّ‬
‫ل لنه صاحب أمانة ‪،‬‬ ‫ل لن النصر حليفه ‪ ،‬والفوز رديفه ‪ ،‬وما غ ّ‬ ‫وهداه ‪ ،‬وما ذ ّ‬
‫ل لن‬ ‫ل لنه أعطي الصبر ‪ ،‬وشرح له الصدر ‪ ،‬وما ك ّ‬ ‫وصيانة ‪ ،‬وديانة‪ ،‬وما م ّ‬
‫له عزيمة ‪ ،‬وهمة كريمة ‪ ،‬ونفس طاهرة مستقيمة ‪.‬‬
‫كأنك في الكتاب وجدت لًء‬
‫محرمة عليك فل تح ّ‬
‫ل‬
‫إذا حضر الشتاء فأنت شمس‬
‫وإن حل المصيف فأنت ظ ّ‬
‫ل‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫صلى الله عليه وسلم ما كان أشرح صدره ‪ ،‬وأرفع ذكره ‪ ،‬وأعظم قدره ‪،‬‬
‫وأنفذ أمره ‪ ،‬وأعلى شرفه ‪ ،‬وأربح صفقه ‪ ،‬من آمن به وعرفه ‪ ،‬مع سعة‬
‫الفناء ‪ ،‬وعظم الناء ‪ ،‬وكرم الباء ‪ ،‬فهو محمد الممجد ‪ ،‬كريم المحتد ‪ ،‬سخي‬
‫اليد ‪ ،‬كأن اللسنة والقلوب ريضت على حبه ‪ ،‬وأنست بقربه ‪ ،‬فما تنعقد إل‬
‫على وده ‪ ،‬ول تنطق إل بحمده ‪ ،‬ول تسبح إل في بحر مجده ‪.‬‬
‫نور العرارة نوره ونسيمه‬
‫وعليه تاج محبة من ربه ‪ ...‬نشر الخزامى في اخضرار السي‬
‫ما صيغ من ذهب ول من ماسي‬
‫إن للفطر السليمة ‪ ،‬والقلوب المستقيمة ‪ ،‬حب لمنهاجه ‪ ،‬ورغبة عارمة‬
‫لسلوك فجاجه ‪ ،‬فهو القدوة المام ‪ ،‬الذي يهدى به من اتبع رضوانه سبل‬
‫السلم ‪.‬‬
‫صلى الله عليه وسلم علم اللسان الذكر ‪ ،‬والقلب الشكر ‪ ،‬والجسد الصبر ‪،‬‬
‫والنفس الطهر ‪ ،‬وعلم القادة النصاف ‪ ،‬والرعية العفاف ‪ ،‬وحبب للناس‬
‫عيش الكفاف ‪ ،‬صبر على الفقر ‪ ،‬لنه عاش فقيرا ‪ ،‬وصبر على جموع الغنى‬
‫لنه ملك ملكا ً كبيرا ‪ ،‬بعث بالرسالة ‪ ،‬وحكم بالعدالة ‪ ،‬وعلم من الجهالة ‪،‬‬
‫وهدى من الضللة ‪ ،‬ارتقى في درجات الكمال حتى بلغ الوسيلة ‪ ،‬وصعد في‬
‫سّلم الفضل حتى حاز كل فضيلة ‪.‬‬
‫أتاك رسول المكرمات مسلما ً‬
‫فأقبل يسعى في البساط فما درى ‪ ...‬يريد رسول الله أعظم متقي‬
‫إلى البحر يسعى أم إلى الشمس يرتقي‬
‫هذا هو النور المبارك يا من أبصر ‪ ،‬هذا هو الحجة القائمة يامن أدبر ‪ ،‬هذا‬
‫الذي أنذر وأعذر ‪ ،‬وبشر وحذر ‪ ،‬وسهل ويسر ‪ ،‬كانت الشهادة صعبة فسّهلها‬
‫من أتباعه مصعب ‪ ،‬فصار كل بطل بعده إلى حياضه يرغب ‪ ،‬ومن مورده‬
‫يشرب ‪ ،‬وكان الكذب قبله في كل طريق ‪ ،‬فأباده بالصديق ‪ ،‬من طلبه أبو‬
‫بكر الصديق ‪ ،‬وكان الظلم قبل أن يبعث متراكما ً كالسحاب ‪ ،‬فزحزحه‬
‫بالعدل من تلميذه عمر بن الخطاب ‪ ،‬وهو الذي ربى عثمان ذو النورين ‪،‬‬
‫وصاحب البيعتين ‪ ،‬واليمين والمتصدق بكل ماله مرتين ‪ ،‬وهو إمام علي‬
‫حيدره ‪ ،‬فكم من كافر عفّره ‪ ،‬وكم من محارب نحره ‪ ،‬وكم من لواء للباطل‬
‫كسره ‪ ،‬كأن المشركين أمامه حمر مستنفرة ‪ ،‬فرت من قسوره ‪.‬‬
‫إذا كان هذا الجيل أتباع نهجه‬
‫ضْر‬
‫ح َ‬
‫وقد حكموا السادات في البدو وال َ‬
‫فقل كيف كان المصطفى وهو رمزهم‬
‫قمْر‬ ‫مع نوره ل تذكر الشمس وال َ‬
‫كانت الدنيا في بلبل الفتنة نائمة ‪ ،‬في خسارة ل تعرف الربح ‪ ،‬وفي اللهو‬
‫هائمة ‪ ،‬فأّذن بلل بن رباح ‪ ،‬بحي على الفلح ‪ ،‬فاهتزت القلوب ‪ ،‬بتوحيد‬
‫لم الغيوب ‪ ،‬فطارت المهج تطلب الشهادة ‪ ،‬وسبحت الرواح في محراب‬ ‫ع ّ‬
‫العبادة ‪ ،‬وشهدت المعمورة لهم بالسيادة ‪.‬‬
‫كل المشارب غير النيل آسنة‬
‫وكل أرض سوى الزهراء قيعان‬
‫ل تنحر النفس إل عند خيمته‬
‫فالموت فوق بلط الحب رضوان‬
‫أرسله الله على الظلماء كشمس النهار ‪ ،‬وعلى الظمأ كالغيث المدرار ‪ ،‬فهز‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بسيوفه رؤوس المشركين هّزا ً ‪ ،‬لن في الرؤوس مسامير اللت والعزى ‪،‬‬
‫عظمت بدعوته المنن ‪ ،‬فإرساله إلينا أعظم مّنة ‪ ،‬وأحيا الله برسالته السنن ‪،‬‬
‫فأعظم طريق للنجاة إتباع تلك السنة ‪ .‬تعلم اليهود العلم فعطلوه عن‬
‫العمل ‪ ،‬ووقعوا في الزيغ والزلل ‪ ،‬وعمل النصارى بضلل ‪ ،‬فعملهم عليهم‬
‫وبال ‪ ،‬وبعث عليه الصلة والسلم بالعلم المفيد ‪ ،‬والعلم الصالح الرشيد ‪.‬‬
‫أخوك عيسى دعا مْيتا ً فقام له‬
‫وأنت أحييت أجيال ً من الرمم ِ‬
‫قحطان عدنان حازوا منك عّزتهم‬
‫بك التشرف للتاريخ ل بهم ِ‬
‫مة الكونية‬ ‫المقا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ُدون ِهِ {‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫ذي َ‬‫خلقَ ال ِ‬‫ماَذا َ‬ ‫خلقُ اللهِ فَأُروِني َ‬‫ذا َ‬‫} هَ َ‬
‫وكتابي الفضاء أقرؤ فيه‬
‫صورا ً تدهش العقول وحسن ‪ ...‬سورا ما قرأتها في كتابي‬
‫ً‬
‫ب‬
‫يسكب السحر في الصخور الصل ِ‬
‫سبحان من له في كل شيء آية ‪ ،‬ليس لملكه نهاية ‪ ،‬وليس لعظمته غاية ‪،‬‬
‫اقرأ آيات القدرة في صفحة الكون ‪ ،‬وطالع معجزة الخلق في الحركة‬
‫والسكون ‪ ،‬في الليل إذا عسعس ‪ ،‬والصبح إذا تنفس ‪ ،‬في السمك السارب ‪،‬‬
‫في النمل الدائب ‪ ،‬في هالة النور تنشر رداء السناء ‪ ،‬في الفضاء ‪ ،‬في النهار‬
‫يتماوج ‪ ،‬في البحر هائج مائج ‪ ،‬في النحل يلثم الزهار ‪ ،‬في الليل يعانق النهار‬
‫‪ ،‬في الدمع يترقرق ‪ ،‬في الدماء تتدفق ‪ ،‬في الزهر يتشقق ‪ ،‬في الدواب‬
‫السائمة ‪ ،‬في الوحوش الهائمة ‪ ،‬في الطيور الحائمة ‪ ،‬في الحيتان العائمة ‪،‬‬
‫في العود يشتد ‪ ،‬في الظل يمتد ‪ ،‬في الجبال ترتدي عمائم الثلوج ‪ ،‬في‬
‫القمر يهرول في البروج ‪ ،‬في الشمس تتبرج سافرة على العالم ‪ ،‬في النبت‬
‫ما بين نائم وقائم ‪.‬‬
‫في السرار تكنزها الضمائر ‪ ،‬في الخبار تختزنها السرائر‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫في الصخور كأنها تنتظر خبًرا من السماء فهي صامتة ‪ ،‬في الحجارة يكسرها‬
‫النسان بفأسه وهي ساكتة ‪ ،‬في الفجر يطلق من عباءته النور ‪ ،‬في الذهان‬
‫بالفكار تمور ‪ ،‬في الماء ينهمر من السماء ‪ ،‬ويغوص في الرمضاء ‪ُ ،‬يقِبل‬
‫بالخضرة والنماء ‪ ،‬ويدلف بالحياة للحياء‪ ،‬يهيج أحيانا ويهدر ‪ ،‬ويزحف ويدمر ‪،‬‬
‫ده الحدود ‪ ،‬ول ترّده السدود ‪ ،‬وعظمته سبحانه في خلق النسان ‪،‬‬ ‫ل تح ّ‬
‫جا من النور‪ ،‬وأنشأ في‬ ‫وتركيبه في أحسن كيان ‪ ،‬حيث جعل في العينين سرا ً‬
‫القلب بصيرة تدرك المور ‪ ،‬وخلق العقل يقود هذا الكائن ‪ ،‬ويوجهه وهو‬
‫ساكن ‪ ،‬في النبتة تشق طريقها إلى الفضاء ‪ ،‬وترفع رأسها إلى السماء ‪ ،‬في‬
‫العندليب يرتجل على الغصن كالخطيب ‪ ،‬في الحمام يشدو بأحسن النغام ‪،‬‬
‫يشكو الحب والهيام ‪ ،‬والعشق والغرام ‪ ،‬في الغراب يخبأ رزقه في الخراب ‪،‬‬
‫ويدفن خصمه في التراب ‪ ،‬في السد يطارد القنيصة ‪ ،‬ويمزق الفريسة ‪ .‬في‬
‫ن‪.‬‬‫ن ‪ ،‬في الزنبور يرِ ّ‬
‫ن ‪ ،‬والذباب يط ِ ّ‬‫النحل يئ ِ ّ‬
‫في عالم النبات ‪ ،‬آلف المذاقات ‪ ،‬ومئات الطعومات ‪ ،‬أخضر يعانق أحمر ‪،‬‬
‫وأصفر يضم أغبر ‪ ،‬في الوراق تميس في الطل ‪ ،‬في الحشرات تهرب إلى‬
‫ظل ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ن إلى وليدها ‪ ،‬وتشتاق إلى وحيدها ‪ ،‬في الليل يخلع ثيابه على‬ ‫ح ّ‬
‫في الناقة ت ِ‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفاق ‪ ،‬في الضباب يخّيم على الرض كالطباق ‪ ،‬في النار تحرق ‪ ،‬في الماء‬
‫يغرق ‪.‬‬
‫في الضياء يسطع ‪ ،‬في الضوء يلمع ‪ ،‬في العين تدمع ‪ ،‬في البرق يكاد يذهب‬
‫سناؤه بالبصار ‪ ،‬في الصواعق تقصف الصخور والشجار ‪ ،‬في الرعد يدّوي‬
‫فيمل العالم ضجيجا ‪ ،‬في الروض يفوح فيعبق به الجو أريجا ‪.‬‬
‫ن‬‫ج ٍ‬‫س ْ‬‫صر ‪ ،‬و ِ‬ ‫في أهل السلطان بين ولية وعزل ‪ ،‬وأسرٍ وقَْتل ‪ ،‬وهزيمةٍ ون َ ْ‬
‫صر ‪ ،‬في الموت يخترم النفوس ‪ ،‬ويسقط على الرؤوس ‪ ،‬ويأخذ الرئيس‬ ‫وق َ ْ‬
‫ّ‬
‫والمرؤوس ‪ ،‬ويبّز العريس والعروس ‪ ،‬ويهدم العمار ‪ ،‬ويعطل الفكار ‪،‬‬
‫ويخلي الديار ‪ ،‬ويدخل كل دار ‪.‬‬
‫في صنف من البشر ‪ ،‬يعيشون البطر ‪ ،‬له أموال كالجبال ‪ ،‬وآمال كأعمار‬
‫الجيال ‪ ،‬قصور تشاد ‪ ،‬كأنها لن تباد ‪ ،‬وحدائق غّناء ‪ ،‬وبساتين فيحاء ‪.‬‬
‫وفي صنف آخر فقير ‪ ،‬في دنياه حقير ‪ ،‬ل يملك الفتيل ول القطمير ‪ ،‬يبحث‬
‫عن الرغيف ‪ ،‬وينام على الرصيف ‪ ،‬ولقلبه من خوف الفقر رجيف ‪.‬‬
‫في أهل العافية يمرحون ‪ ،‬وفي نعيمهم يسرحون ‪ ،‬وبما أوتوا يفرحون ‪ .‬وفي‬
‫أهل البلء ‪ ،‬وفي أصحاب الضنك والشقاء ‪ ،‬في ظلمات المحيطات ‪ ،‬وفي‬
‫متاهات الغابات ‪ ،‬وفي مجاهل الفلوات ‪ .‬أرض تمتد بل بشر ‪ ،‬صحارٍ قاحلة‬
‫ليس فيها شجر ‪ ،‬وعوالم موحشة ما يسكنها بدو ول حضر ‪.‬‬
‫نجوم تسقط ‪ ،‬وكواكب تهبط ‪ ،‬ونيازك تلتهب ‪ ،‬ترمي بشرر ولهب ‪ ،‬مجّرات‬
‫سمّية ‪ ،‬ومنازل قمرّية ‪ ،‬حدائق بأثواب الحسن تسر الناظرين ‪ ،‬ومشاهد في‬
‫الكون جميلة تأخذ ألباب المبصرين ‪ ،‬رياض أنيقة تسرح فيها الغزلن ‪ ،‬باقات‬
‫من الورود بهيجة يلعب بها الولدان ‪.‬‬
‫ل في عالم يمرح ‪ ،‬شمس تجري كأنها تبحث عن‬ ‫ك يسبح ‪ ،‬وك ّ‬ ‫كل في فل ٍ‬
‫مفقود ‪ ،‬قبل أن تطلع تسجد للمعبود ‪ ،‬آية باهرة ‪ ،‬وحكمة ظاهرة ‪ ،‬في خلق‬
‫النسان ‪ ،‬ذلك الكيان ‪ ،‬الذي يحمل جامعات من السكنات والحركات ‪ ،‬فذهن‬
‫متوقد ‪ ،‬وقلب متجدد ‪ ،‬وخيال يطوي الزمان والمكان ‪ ،‬ويناقل النسان ‪ ،‬بين‬
‫ة لفظة ‪ ،‬وشركات في كل العضاء ‪،‬‬ ‫خوف وأمان ‪ ،‬وذاكرة حافظة ‪ ،‬وألسن ٌ‬
‫منها يجذب الهواء ‪ ،‬ويسحب الماء ‪ ،‬ويهضم الغذاء ‪ ،‬ويجلب الدواْء ‪ ،‬وُيذهب‬
‫سسات تشارك في بناء‬ ‫الداء ‪ ،‬ما بين دفٍع وضغط ‪ ،‬وإخراج وشفط ‪ ،‬ومؤ ّ‬
‫الجسم ‪ ،‬وفي قيام الرسم ‪ ،‬ليكون في أحسن تقويم ‪ ،‬وأكمل تنظيم ‪ ،‬في‬
‫الطير وهو يبحث عن طعامه ‪ ،‬ويعود إلى مستقّره ومنامه ‪ ،‬في الكائنات‬
‫وهي في صراع محموم ‪ ،‬وفي هموم وغموم ‪ ،‬لتحصل على رزقها المقسوم ‪،‬‬
‫طط‬ ‫خر ‪ ،‬ويخ ّ‬ ‫دم ويؤ ّ‬ ‫در ‪ ،‬ويق ّ‬ ‫وعيشها المعلوم ‪ ،‬في النسان وهو يف ّ‬
‫كر ويق ّ‬
‫وينظر ‪ ،‬في الجبال ‪ ،‬واقفة في هيبة وجلل ‪ ،‬في الروابي الخضراء آية في‬
‫الجمال ‪ ،‬في العافية والسقام ‪ ،‬في الحقيقة والحلم ‪ ،‬في اليقين والوهام ‪،‬‬
‫حجام ‪ ،‬في السحاب والسراب ‪ ،‬والضباب والرضاب‪.‬‬ ‫في القدام وال ِ‬
‫حّبها للبقاء ‪ ،‬ومدافعتها للعداء ‪ ،‬فهذا بمخلبه يصول ‪ ،‬وهذا‬ ‫في الحياء ‪ ،‬و ُ‬
‫مه يدفع ‪،‬‬ ‫س ّ‬‫بنابه يجول ‪ ،‬وهذا بمنقره يناضل ‪ ،‬وذاك بريشه يقاتل ‪ ،‬وآخر ب ُ‬
‫وغيره بجناحه يردع ‪ ،‬منهم من يطير ‪ ،‬ومنهم من يسير ‪ ،‬ومنهم من يسبح ‪،‬‬
‫ومنهم من يمرح ‪ ،‬ومنهم على رجلين ‪ ،‬ومنهم على يدين ‪ ،‬ومنهم من يطير‬
‫سف ‪ ،‬في التقاء‬ ‫ده ير ُ‬
‫بجناحين ‪ ،‬هذا يزحف ‪ ،‬وذاك يخطف ‪ ،‬وهذا في قي ْ ِ‬
‫الحباب والفراق ‪ ،‬في الضم والعناق ‪ ،‬في الركود والنطلق ‪.‬‬
‫في النجمة هائمة في صفحة السماء تبسم في حنادس الليل ‪ ،‬في البدر تفنيه‬
‫الليالي ويدركه المحاق كأنه قتيل ‪ ،‬في روعة الشراق ‪ ،‬وقد نشرت الشمس‬
‫حرها على الجبال ‪.‬‬ ‫س ْ‬ ‫ضفائرها ونثرت جدائلها على التلل ‪ ،‬وبّثت ِ‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫في الطبيب يشفي من الداء ‪ ،‬فإذا أدركه الفناء ‪ ،‬بار فيه الدواء ‪ ،‬وعجز في‬
‫علجه الطّباء ‪ ،‬في المريض ييأس من العافية ‪ ،‬وتحار فيه الدوية الظاهرة‬
‫والخافية ‪ ،‬ثم تدركه من الله عناية شافية ‪ ،‬ورحمة كافية ‪ ،‬في البراكين تثور‬
‫سم ُيصنع منه الدواء ‪ ،‬في الماء يكون‬ ‫بالدمار ‪ ،‬في الزلزل تهز الديار ‪ ،‬في ال ّ‬
‫سببا ً للفناء ‪ ،‬في الهواء يعصف فيدمر الشياء ‪ ،‬في الريح تكون رخاًء فتلقح‬
‫الثمار ‪ ،‬وتسوق المطار ‪ ،‬وتزجي السفن في البحار ‪ ،‬ثم تكون عاصفة هوجاء‬
‫‪ ،‬فتقتل الحياء ‪ ،‬وتنقل الوباء ‪ ،‬في النخل باسقات لها طلع نضيد ‪ ،‬في‬
‫ث ودم‪ ،‬في‬ ‫الجبال تثبت الرض وقد كادت تميد ‪ ،‬في اّللبن يخرج من بين فر ٍ‬
‫خلقت ‪ ،‬في السماء كيف‬ ‫جد من العدم ‪ ،‬في البل كيف ُ‬ ‫كل مخلوق كيف وُ ِ‬
‫طحت ‪ ،‬في الضحى إذا‬ ‫س ِ‬
‫ُرفعت ‪ ،‬في الجبال كيف نصبت ‪ ،‬في الرض كيف ُ‬
‫ارتفع ‪ ،‬في الغيث إذا همع ‪ ،‬في خلق النسان كيف ينكس ‪ ،‬وفي عمره كيف‬
‫ض ونفل ‪ ،‬في الطائر كيف‬ ‫مر فيعود كالطفل ‪ ،‬فل ُيفّرق بين فر ٍ‬ ‫يعكس ‪ ،‬يع ّ‬
‫قش ‪ ،‬ويبني الُعش ‪ ،‬ويختار عيضه ‪ ،‬ثم يضع بيضه ‪ ،‬في العجماوات‬ ‫يجمع ال َ‬
‫ما بين جائع وبطين ‪ ،‬في الدود تبحث عن طعامها في الطين ‪ ،‬في البلبل‬
‫يحبس في القفص فل يبيض ‪ ،‬ويعيش بجناح مهيض ‪ ،‬في الحّية وهي في‬
‫الصحراء ‪ ،‬تنصب جسمها كأنه عود للغراء ‪ ،‬فيقع عليها الهدهد ‪ ،‬يظنها عود‬
‫مجّرد ‪ ،‬فيكون طعامها ‪ ،‬بعد أن رأى قيامها ‪ ،‬في الثمرة تحمى بأشواك ‪،‬‬
‫كأنها أسلك ‪ ،‬في الطعمة ما بين حلو وحامض ‪ ،‬وقلوي وقابض‪ ،‬في الناس‬
‫ألف كواحد ‪ ،‬واحد كجيش حاشد ‪ ،‬في البشر ما بين عاقل حصيف‪ ،‬وطائش‬
‫سك ‪ ،‬وفاجر متهّتك ‪ ،‬في الرواح كيف تتآلف وتتخالف ‪،‬‬ ‫ي متن ّ‬
‫خفيف ‪ ،‬وتق ّ‬
‫ّ‬
‫في اختلف الصوات ‪ ،‬وتعدد اللهجات ‪ ،‬وتباين النغمات ‪ ،‬وكثرة اللغات ‪ ،‬في‬
‫الحر يكاد يذيب الحديد ‪ ،‬في البرد يحول الماء إلى جليد ‪ ،‬في الرض يعلوها‬
‫من الغيث ُبرد أخضر ‪ ،‬ويكسوها من القحط رداء أغبر ‪ ،‬في المعادن تذوب‬
‫بالنار ‪ ،‬فتسيل كأنها أنهار ‪ ،‬في السماء تتلّبد بالغيوم ‪ ،‬ولها وجوم ‪ ،‬كأن وجهها‬
‫وجه مهموم ‪ ،‬أو طلعة مغموم ‪ ،‬في الشمس تكسف ‪ ،‬في القمر يخسف ‪،‬‬
‫في كل ما ننكر ونعرف ‪ ،‬في كل مولود حين يوضع ‪ ،‬كيف يهتدي إلى الثدي‬
‫فيرضع ‪ ،‬إن عاش الحيوان في جو معتدل كساه بالشعر ‪ ،‬وإن عاش في برد‬
‫قارص غطاه بالوبر ‪ ،‬وإن عاش في الصحاري دثره بالصوف ‪ ،‬ليقاوم الحتوف‬
‫‪ ،‬حيوان الغاب يزوده بناب ‪ ،‬ويمنحه مخلب ‪ ،‬وطير العريش يقويه بريش‬
‫ليعيش ‪ ،‬ينبت في الصحراء شجرة جرداء ‪ ،‬تصبر لحرارة الرمضاء ‪ ،‬ووهج‬
‫البيداء ‪ ،‬ويزرع في البستان شجرة ذات رواء وأغصان ‪ ،‬ندية الفنان ‪ ،‬مختلفة‬
‫الطعوم واللوان ‪ ،‬جعل الصيد في البيد ‪ ،‬ليحمي نفسه من التهديد ‪ ،‬عّلم‬
‫العنكبوت ‪ ،‬كيف تبني البيوت ‪ ،‬وهدى النملة لّدخار القوت ‪ ،‬جعل فوق‬
‫العينين حاجبين ‪ ،‬ليحميهما من ضرر المعتدين ‪ ،‬وجعل أمامها رمشين ‪ ،‬لتكون‬
‫في حرز أمين ‪ ،‬وجعل فيهما ماء تغتسلن به كل حين ‪ ،‬يسلط الرياح على‬
‫السحاب ‪ ،‬فيقع التلقح والنجاب ‪ ،‬إن شاء جعل الهواء عليل ً ‪ ،‬يحمل نسيما ً‬
‫جميل ً ‪ ،‬وإن شاء جعله ريحا ً عاصفة ‪ ،‬مدمرة قاصفة ‪ ،‬سبحان من حكم‬
‫الكون بالقهر ‪ ،‬مع علو القدر ‪ ،‬ونفاذ المر ‪ ،‬له الملكوت والجبروت ‪ ،‬وهو حي‬
‫ل يموت ‪ ،‬أحسن كل شيء خلقه ‪ ،‬وتكفل بكل حي يوم رزقه ‪ ،‬أوجد الحب‬
‫وفلقه ‪ ،‬تسمى بأحسن السماء‪ ،‬واتصف بأجمل الصفات واللء ‪ ،‬عطاؤه أنفع‬
‫ل عن الشركاء ‪ ،‬نصر الولياء ‪ ،‬وكبت العداء ‪ ،‬عبادته فرض ‪،‬‬ ‫عطاء ‪ ،‬ج ّ‬
‫م السماء والرض ‪ ،‬يعلم الغيوب ‪ ،‬ويقدر‬ ‫والصدقة عنده قرض ‪ ،‬وسلطانه ع ّ‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المكتوب ‪ ،‬ويمحو الذنوب ‪ ،‬ويستر العيوب ‪ ،‬ويهدي القلوب ‪ ،‬وينقذ المكروب‬


‫‪ ،‬نعمه ل تعد ‪ ،‬ونقمه ل تصد ‪ ،‬وعظمته ل تحد ‪ ،‬وعطاياه ل ترد ‪ ،‬منصوٌر من‬
‫واله‪ ،‬سعيد ٌ من دعاه ‪ ،‬موّفق من رجاه ‪ ،‬مخذول من عصاه ‪ ،‬مدحور من‬
‫عاداه ‪.‬‬
‫من الذي قد استوى‬
‫ومن هو العظيم‬
‫ومن يجيب الداعي‬
‫ومن برى البرية‬
‫من أنزل الكتابا‬
‫من كسر الكاسرة‬
‫من علم النسانا‬
‫من أسدل الظلما‬
‫من أطعم الخليقة‬
‫الخير قد أسداه‬
‫والشر قد أباده‬
‫وهو عظيم القدرة‬
‫يفعل ما يريد‬
‫وهو المسمى بالصمد‬
‫يعرف باللء‬
‫فل تكيف في الصفة‬
‫ه‬
‫ول تجادل في ِ‬
‫وقل نعم سّلمنا‬
‫واتبع الرسول‬
‫وكن على نهج السلف‬
‫واحترم الصحابة‬
‫وكن تقي ّا ً واتبع‬
‫وعظم الحديثا‬
‫واطلب هديت علما‬
‫أوله التوحيد ُ‬
‫واجتنب الكلما‬
‫ومنطقا ً وفلسفة‬
‫واتبع الئمة‬
‫كالخلفاء الربعة‬
‫كذا أبو حنيفة‬
‫س‬‫ومالك بن أن ِ‬
‫مد ْ‬‫والشافعي مح ّ‬
‫وأحمد بن حنبل‬
‫وشيخنا سفيان‬
‫والبارع الوزاعي‬
‫وأحمد الحّراني‬
‫مد‬ ‫وبعده مح ّ‬
‫وهذه وصّية‬
‫موجزة لطيفة‬
‫نظمتها على عجل‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهو أحق من ذ ُ ِ‬
‫كر‬
‫أسأله التوفيقا‬
‫ة‬
‫وأشرف الصل ِ‬
‫ه‬
‫ِ‬ ‫وصحب‬ ‫المصطفى‬
‫‪ ...‬لملكه قد احتوى‬
‫والمنعم الكريم‬
‫لشرف المساعي‬
‫ووسع البّرية‬
‫وعلم الصوابا‬
‫من قصر القياصرة‬
‫علمه البيانا‬
‫ونشر الغماما‬
‫وأوضح الطريقة‬
‫والعبد قد هداه‬
‫والحق قد أعاده‬
‫ن قدره‬ ‫فقدر ّ‬
‫وبطشه شديد‬
‫فقل هو الله أحد‬
‫والوصف والسماء‬
‫وغّلط المكّيفة‬
‫ه‬
‫كمذهب السفي ِ‬
‫يا ربنا عّلمنا‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ول تكن جهول‬


‫واحذر أخي من الخلف‬
‫والل والقرابة‬
‫ول تطع أهل البدع‬
‫وسر له حثيًثا‬
‫حباك ربي الفهما‬
‫يعرفه العبيد ُ‬
‫والزور والثاما‬
‫فكل هاتيك سفه‬
‫فهم نجوم المة‬
‫أهل العل والمنفعة‬
‫علومه شريفة‬
‫س‬
‫في العلم كالمؤس ِ‬
‫في علمه مجود ْ‬
‫إمامنا المبجل‬
‫ن‬
‫بزهده مزدا ُ‬
‫ي‬
‫قد جد ّ في المساع ِ‬
‫العاِلم الرباني‬
‫من نجد جا يجدد‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبياتها محصّية‬
‫في لفظها خفيفة‬
‫في ربنا عز وجل‬
‫شك ِْر‬ ‫ل من ُ‬ ‫وهو أج ّ‬
‫والفهم والتحقيقا‬
‫ت‬‫لصاحب اليا ِ‬
‫آنسنا بحبه‬
‫مة الحديثّية‬ ‫المقا َ‬
‫حى {‬
‫ي ُيو َ‬
‫ح ٌ‬
‫ن هُوَ ِإل وَ ْ‬‫وى )‪ (3‬إ ِ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن الهَ َ‬ ‫ما ي َن ْط ِقُ عَ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫من زار بابك لم تبرح جوارحه‬
‫فالعين عن قرةٍ والكف عن صلة ‪ ...‬تروي أحاديث ما أوليت من منن‬
‫والقلب عن جابر والسمع عن حسن‬
‫جاءني عطاء الله السمرقندي ‪ ،‬فبات عندي ‪ ،‬وكان أحد المحدثين ‪ ،‬ويكره‬
‫دثين في الدين ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬أيها المام ‪ ،‬عليك السلم ‪ :‬الوقت حثيث ‪،‬‬ ‫ح ِ‬‫اُلم ْ‬
‫فحدثنا عن علم الحديث ‪ ،‬فتأّوه ثم قال ‪ :‬مات حفاظه ‪ ،‬فكادت تنسى‬
‫ه ‪ ، ،‬وأهل الحديث هم الركب الخيار ‪ ،‬أحباب المختار ‪ ،‬قوم تصدقوا‬ ‫ألفاظ ُ‬
‫بالعمار على الثار ‪ ،‬وقضوا الحياة في السفار ‪ ،‬لجمع كلم صفوة البرار ‪:‬‬
‫في كل يوم لنا في الرض مرتحل‬
‫نغدو بدار ونمسي بعد في دار‬
‫دوا في العزائم ‪ ،‬وتسلحوا بالصبر الدائم ‪ ،‬فلو رأيتهم وقد‬ ‫دوا العمائم ‪ ،‬وج ّ‬ ‫ش ّ‬
‫دد بن مسرهد ‪ ،‬أو رواه‬ ‫فتحوا الدفاتر ‪ ،‬وقربوا المحابر ‪ ،‬وكتبوا ‪ :‬حدثنا مس ّ‬
‫أحمد في المسند ‪ ،‬أو أخرجه البخاري ‪ ،‬وشرحه في فتح الباري ‪ ،‬لهانت‬
‫عندك الدنيا بما فيها ‪ ،‬وركبت سفينة الحديث وناديت باسم الله مجراها ‪.‬‬
‫ولقبلت على العلم والكتب ‪ ،‬وهجرت اللهو واللعب ‪ ،‬واللغو والطرب ‪.‬‬
‫يفوح من فم المحدث المسك التبتي ‪ ،‬لن عليه سيماء ) نضر الله ‪ ،‬امرأ ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سمع مني مقالتي ( أنفاس المحدثين تنضح بالطيب ‪ ،‬لنها حملت اسم‬
‫الحبيب ‪:‬‬
‫يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى‬‫ً‬
‫إليكم تلقى طيبكم فيطيب‬
‫بن‬
‫بنفسي ذاك المحدث إذا جلس على الكرسي ‪ ،‬وقد حف به الطلب ‪ ،‬ونشر‬
‫الكتاب ثم قال ‪ :‬حدثنا محمد بن شهاب ‪ ،‬عندها يرتحل قلبك ‪ ،‬ويكاد يطير‬
‫لبك ‪ ،‬شوقا ً لصاحب التركة ‪ ،‬لما جعل الله في كلمه من البركة ‪ .‬فتصبح‬
‫الدنيا رخيصة مرفوضة ‪ ،‬ل تساوي جناح بعوضة ‪ ،‬وتشتاق النفوس إلى‬
‫الجنة ‪ ،‬لما غشيتها أنوار السنة ‪.‬‬
‫ة‬
‫إني إذا احتوشتني ألف محبر ٍ‬
‫ً‬
‫نادت بحضرتي القلم معلنة ‪ ...‬يكتبن حدثني طورا وأخبرني‬
‫ن‬
‫تلك المكارم ل قعبان من لب ِ‬
‫أما أخبار المحدثين في السفار ‪ ،‬وقطع القفار ‪ ،‬وامتطاء البحار ‪ ،‬وركوب‬
‫الخطار ‪ ،‬فقد حفلت به السفار ‪ .‬ولكنهم في سفرهم يقرؤون كتاب الكون ‪،‬‬
‫في كل حركة وسكون ‪ ،‬فإن المحدث يجد المتعة في ارتحاله ‪ ،‬والبهجة في‬
‫انتقاله ‪ ،‬من ناد إلى ناد ‪ ،‬ومن جبل إلى واد ‪ ،‬فهو يعب من المناهل ‪ ،‬ويسرح‬
‫طرفه في المنازل ‪ ،‬ويطلق بصره إلى دساكر القطار وغياضها ‪ ،‬وحدائق‬
‫الديار ورياضها ‪ ،‬فيلمح عجائب البلدان ‪ ،‬ويتصفح غرائب الوطان ‪ ،‬ويأنس‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بنغم الطيور في كل بستان ‪ ،‬فهو في تنقل بين حيطان وغيطان ‪ ،‬ووديان‬


‫وأفنان وألوان ‪ ،‬تمر به الصور والمشاهد ‪ ،‬ويبيت في المساجد ‪ ،‬ويعب الماء‬
‫النمير ‪ ،‬من كل غدير ‪ ،‬له في كل بلدة أصحاب ‪ ،‬وله في كل قرية أحباب ‪.‬‬
‫يفترش الغبراء ‪ ،‬ويلتحف السماء ‪ ،‬سلم في سفره من أذى الجيران ‪،‬‬
‫وضوضاء الصبيان ‪ ،‬والثقيل من الخوان ‪ ،‬ينام على الثرا ‪ ،‬في العرا ‪ ،‬خارج‬
‫القرى ‪ ،‬مركوبه رجله ‪ ،‬وخادمه يداه ‪ ،‬البسمة ل تغادر محياه ‪:‬‬
‫ومشتت العزمات ل يأوي إلى‬
‫ن‬
‫ف النوى حتى كأن رحيله ‪ ...‬سكن ول أهل ول جيرا ِ‬ ‫أل ِ َ‬
‫ن‬‫للبين رحلته إلى الوطا ِ‬
‫قيل للفلسفة ‪ :‬من سندكم ؟ قالوا ‪ :‬ابن سينا عن سرجيس بن ماهان ‪ ،‬عن‬
‫أرسطاليس من اليونان ‪.‬‬
‫وقيل لعلماء الكلم ‪ :‬من سندكم ؟ قالوا ‪ :‬محمد بن الجهم من خراسان ‪،‬‬
‫عن الجهم بن صفوان ‪.‬‬
‫وقيل للمحدثين ‪ :‬من سندكم ؟ قالوا ‪ :‬طاووس بن كيسان ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫دث‬‫ترجمان القرآن ‪ ،‬عن الرسول سيد ولد عدنان ‪ ،‬عن الرحمن ‪ ،‬كان المح ّ‬
‫إذا وّدع أولده ‪ ،‬وترك بلده ‪ ،‬وحمل زاده ‪ ،‬يجد من راحة البال ‪ ،‬وطيب الحال‬
‫‪ ،‬ما يفوق فرحة أصحاب الموال ‪ ،‬وما يربو على سرور من ملك الرجال ‪.‬‬
‫إذا جمع بعضهم كلم الفلسفة ‪ ،‬أهل الزيغ والسفه ‪ ،‬الذي يورث الجدال‬
‫والمعاسفه ‪ ،‬جمع المحدثون كلم الذي ما ضل وما غوى ‪ ،‬وما ينطق عن‬
‫الهوى ‪ ،‬إن هو إل وحي يوحى ‪.‬‬
‫وإذا تفاخر أحدهم بجمع كلم علماء الكلم ‪ ،‬أهل الشقاق والخصام ‪ ،‬والفرقة‬
‫والخصام ‪ .‬تفاخر المحدثون بحديث خير النام ‪ ،‬أزكى من صلى وصام ‪ ،‬وحج‬
‫بالبيت الحرام ‪ .‬قال الشافعي ‪ :‬إذا رأيت محدثا فكأني رأيت أحد أصحاب‬
‫محمد ‪ ،‬قلت ‪ :‬لن نهجهم مسدد ‪ ،‬وعلمهم من الله مؤيد ‪.‬‬
‫وقد أطال ثنائي طول لبسه‬
‫إن الثناء على التنبال تنبال‬
‫سَندي من إيوان كسرى أنو شروان ‪ ،‬ول من الرومان ‪ ،‬ول من‬ ‫أنا ل أريد َ‬
‫اليونان‪ ،‬أريد سندي عن سفيان ‪ ،‬أو سليمان بن مهران ‪ ،‬أو سلمان عن‬
‫رسول النس والجان ‪.‬‬
‫تعلمني كلم الناس بل دليل ‪ ،‬ول تأصيل ‪ ،‬وتقول هذا كلم جميل ‪ ،‬وعندي‬
‫التنزيل ؟‬

‫)‪(12 /‬‬

‫قيل للحمار ‪ ،‬لماذا ل تجتر ؟ قال ‪ :‬أكره الكذب ‪.‬‬


‫وقيل للجمل لماذا ل ترقص ؟ قال ‪ :‬ل أعرف الطرب ‪.‬‬
‫وتعلمني الفلسفة والمنطق ‪ ،‬وأنا ما عندي وقت للعب ‪.‬‬
‫أريد أن أسمع في المجلس ‪ ،‬حدثنا سبعين مرة ‪ ،‬لتكتمل المسّرة ‪.‬‬
‫أهل الحديث هموا أهل النبي وإن‬
‫لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا‬
‫الحديث النبوي كلم ‪ ،‬لم يخمر في عقول فلسفة اليونان ‪ ،‬ولم يتعفن في‬
‫أدمغة فلن وفلن ‪ ،‬ولم يأت من أهواء أهل الطغيان ‪ .‬وإنما قاله من أتى‬
‫بالقرآن ‪ ،‬تقرأ استنباط أهل الفهوم ‪ ،‬وتطالع كتب أرباب العلوم ‪ ،‬ثم تتلو‬
‫حديث المعصوم ‪ ،‬فإذا ماء الوحي يترقرق في جنباته ‪ ،‬ورحيق العصمة يتدفق‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في قسماته ‪ ،‬فكان كل علم قرأته قبله نسي وانتهى ‪ ،‬لنه ل يقاوم كلما ً أتى‬
‫من عند سدرة المنتهى ‪.‬‬
‫السموات شيقات ظماء‬
‫لكلم من الرسول جميل ‪ ...‬والفضا والنجوم والنواء‬
‫تتلشى من نوره الضواء‬
‫ما أحسن الضم والعناق ‪ ،‬لجملة حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬كلما قلت أخبرنا علي بن‬
‫المديني ‪ ،‬حفظت ديني ‪ ،‬سهمي لكل مبتدع يسدد ‪ ،‬إذا قلت حدثنا مسدد بن‬
‫مسرهد ‪.‬‬
‫أشرقت أمامي المسالك ‪ ،‬كلما قرأت موطأ مالك ‪ ،‬سقيم الرادة العلمية له‬
‫علج ‪ ،‬عند مسلم بن الحجاج ‪ ،‬أْدمغُ كل منحرف بذي ‪ ،‬بسنن الترمذي ‪ ،‬أنا‬
‫في صباحي ومسائي ‪ ،‬أدعو للنسائي ‪.‬‬
‫هاجر المحدثون إلى الله لطلب كلم رسوله المين ‪ ،‬فوجدوا في أول‬
‫الطريق ثواب نية الصادقين ‪ ،‬ووجدوا في وسطه نضرة البهاء التي دعا بها‬
‫سيد المرسلين ‪ ،‬ووجدوا في آخر الطريق جنة عرضها السموات والرض‬
‫أعدت للمتقين ‪.‬‬
‫كل صاحب فن ‪ ،‬ينسب إلى صاحب ذاك الفن ‪ ،‬إل المحدثون فإنهم ينسبون ‪،‬‬
‫إلى من أتى بالسنن ‪ ،‬وأهدى لنا المتن ‪ ،‬وتنعمت بعلومه الفطن ‪.‬‬
‫ة‬
‫ما أروع الهمم الكبار لثل ٍ‬
‫ن‬‫معروفة بالبر والحسا ِ‬
‫ل‬‫يتصيدون كلم أكرم مرس ٍ‬
‫ن‬
‫ينفون عنه سبيكة البهتا ِ‬
‫سافر أحمد بن حنبل من بغداد إلى صنعاء ‪ ،‬يمتطي الرمضاء ‪ ،‬ويركب‬
‫الظلماء ‪ ،‬يترك الهل ‪ ،‬يدفعه الجبل إلى السهل ‪ ،‬تشيعه الدموع ‪ ،‬يرافقه‬
‫الجوع ‪ .‬لن الرجل مشتاق‪ ،‬وأحد العشاق ‪ ،‬لذاك الترياق ‪ ،‬من قوارير عبد‬
‫الرزاق ‪.‬‬
‫دخل مكحول القرى والبوادي ‪ ،‬وطاف على النوادي ‪ ،‬وعبر كل وادي ‪ ،‬يطلب‬
‫حديث النبي الهادي ‪ ،‬فصار ريحانة الشام ‪ ،‬وشيخ السلم ‪.‬‬
‫ومشى أبو حاتم ‪ ،‬ألف فرسخ على القدام ‪ ،‬لطلب حديث سيد النام ‪،‬‬
‫فأصبح بذلك أحد العلم ‪.‬‬
‫تهون خطانا للمحب فلو مشى‬
‫ق‬
‫إليكم فؤادي كان أبرد للشو ِ‬
‫المحدثون هم عسكر الرسالة ‪ ،‬وجنود البسالة ‪ ،‬ظهروا على البدع بكتائب‬
‫حدثنا ‪ ،‬وسحقوا الملحدة بجيوش أخبرنا ‪.‬‬
‫جال‬‫دثين للمحابر ‪ ،‬لخطب الد ّ‬ ‫لول كتابة الحديث في الدفاتر ‪ ،‬وحمل المح ّ‬
‫على المنابر‬
‫الله كم من أنف لمبتدع أرغم بصحيح البخاري ‪ ،‬وكم من صدر لمخالف ضاق‬
‫بفتح الباري ‪.‬‬
‫الحديث كسفينة نوح فيها من كل زوجين اثنين ‪ :‬رواية ودراية ‪ ،‬بداية ونهاية ‪،‬‬
‫متون وأسانيد ‪ ،‬صحاح ومسانيد ‪ ،‬تراجم ومعاجم ‪.‬‬
‫من ركب هذه السفينة نجا من غرق الضللة ‪ ،‬وسلم من بحر الجهالة ‪،‬‬
‫ووصل شاطئ الرسالة ‪.‬‬
‫انطلقت هذه السفينة من المدينة ‪ ،‬ربانها المصطفى ‪ ،‬والركاب الصحابة‬
‫الوفياء ‪ ،‬نحن على مائدة المحدثين أضياف ‪ ،‬فلعلنا نعد منهم ‪ ،‬لن المضاف‬
‫إليه يأخذ حكم المضاف ‪ ،‬لكل طائفة رئيس ‪ ،‬والمحدِّثون محمد ‪ -‬صلى الله‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم ‪ -‬رئيسهم ‪ ،‬وهم القوم ل يشقى بهم جليسهم ‪ ،‬ليتني خسرت‬
‫ذهبا ً مثل ثهلن ‪ ،‬بمجلس واحد مع سفيان ‪.‬‬
‫المحدثون بيوتهم المساجد ‪ ،‬وعصى التسيار التوكل ‪ ،‬وزادهم التقوى ‪،‬‬
‫وكلمهم حدثنا وأخبرنا ‪ ،‬ويريدون وجهه ‪ ،‬والمطلب الجنة ‪ ،‬والمقصد رضوان‬
‫الله ‪ ،‬والعمل الذب عن الملة ‪ ،‬والنسبة محمدّيون ‪.‬‬
‫هذه الطائفة ‪ )) :‬دعها فإن معها حذاؤها وسقاؤها ‪ ،‬ترد الماء وترعى الشجر‬
‫حتى يلقاها ربها ‪ ،‬في جنات ونهر ‪ ،‬في مقعد صدق عند مليك مقتدر (( ‪.‬‬
‫دثين ‪ ،‬ورحمة رب العالمين ‪ ،‬ورضوان عليهم في الخالدين ‪،‬‬ ‫سلم على المح ّ‬
‫وجمعنا بهم في الصالحين ‪ ،‬وإلى لقاء بعد حين ‪:‬‬
‫إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي‬
‫مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا‬
‫مة العلمّية‬
‫المقا َ‬
‫)) العلماء ورثة النبياء ((‬
‫جعلت المال فوق العلم جهل ً‬
‫وبينهما بنص الوحي بون ‪ ...‬لعمرك في القضية ما عدلتا‬
‫ستعمله إذا طه قرأتا‬

‫)‪(13 /‬‬

‫العلم أشرف مطلوب ‪ ،‬وأجل موهوب ‪ ،‬والعلماء ورثة النبياء ‪ ،‬وسادة الولياء‬
‫‪ ،‬والشهداء على اللوهية ‪ ،‬والدعاة إلى الربوبية ‪ ،‬تستغفر لهم حيتان الماء ‪،‬‬
‫ليتهم ل تقبل‬‫وطيور السماء ‪ ،‬وتدعو لهم النملة ‪ ،‬وتستغفر لهم النحلة ‪ ،‬وَ َ‬
‫العزل ‪ ،‬وأحكامهم ليس فيها هزل ‪ ،‬مجالسهم عبادة ‪ ،‬وكلمهم إفادة ‪،‬‬
‫يوقعون عن رب العالمين ‪ ،‬ويفضلون الناس أجمعين ‪ ،‬وكما ُيهتدى بالنجوم‬
‫في ظلم البر والبحر ‪ ،‬فهم منائر الرض يهتدى بهم في كل أمر ‪ ،‬العلم في‬
‫صدورهم ‪ ،‬والله يهدي بنورهم ‪ ،‬وينّزل عليهم الرضوان في قبورهم ‪ ،‬هم‬
‫حملة الوثيقة ‪ ،‬والشهداء على الخليقة ‪ ،‬كلمهم محفوظ منقول ‪ ،‬وحكمهم‬
‫ض مقبول ‪ ،‬بهم تصلح الديار ‪ ،‬وتعمر المصار ‪ ،‬ويكبت الشرار ‪ ،‬وهم عز‬ ‫ما ٍ‬
‫الدين ‪ ،‬وتاج الموحدين ‪ ،‬وصفوة العابدين ‪ ،‬هم أنصار الملة ‪ ،‬وأطباء العلة ‪،‬‬
‫يذودون عن حياض الشريعة ‪ ،‬ويزجرون عن المور الفظيعة ‪ ،‬وينهون عن‬
‫المعاصي الشنيعة ‪ ،‬هم خلفاء الرسول ‪ ،‬ثقات عدول ‪ ،‬ينفون عن الدين‬
‫تأويل المبطلين ‪ ،‬وتحريف الجاهلين ‪ ،‬وأقوال الكاذبين ‪ ،‬مذاكرتهم من أعظم‬
‫النوافل ‪ ،‬ومرافقتهم من أحسن الفضائل ‪ ،‬وهم زينة المحافل ‪ ،‬بهم تقام‬
‫الجماعات والجمع ‪ ،‬وبهم تقمع البدع ‪ ،‬هم الكواكب في ليل الجهل ‪ ،‬وهم‬
‫م واحد ‪ ،‬أشد على الشيطان من ألف عابد ‪،‬‬ ‫الغيث يعم الجبل والسهل ‪ ،‬عال ِ ٌ‬
‫لن العاِلم ُيدِرك الحيل ‪ ،‬ول تختلط عليه السبل ‪ ،‬يكشف الله به تلبيس‬
‫جال خسيس ‪ ،‬أحياء بعد موتهم ‪ ،‬موجودون بعد‬ ‫إبليس ‪ ،‬ويدفع الله بهم كل د ّ‬
‫فوتهم ‪ ،‬علمهم معهم في البيوت والسواق ‪ ،‬ويزيد بكثرة النفاق ‪ ،‬أقلمهم‬
‫قاضية ‪ ،‬على السيوف الماضية ‪ ،‬بصائرهم تنقب في مناجم النصوص ‪،‬‬
‫وعقولهم تركب الدر في الفصوص ‪ ،‬الناس يتقاسمون الدرهم والدينار ‪ ،‬وهم‬
‫يتوزعون ميراث النبي المختار ‪ ،‬لو صّلى العابد سبعين ركعة ‪ ،‬ما عادلت من‬
‫العالم دمعة ‪ ،‬فهم أهل العقول الصحيحة ‪ ،‬وأرباب النصيحة ‪.‬‬
‫أما العلم شرف الدهر ‪ ،‬ومجد العصر ‪ ،‬ذهب الملك بحراسه ‪ ،‬وبقيت بركة‬
‫سدوا الطين ‪ ،‬وخلد ذكر أهل العلم‬ ‫ي السلطين ‪ ،‬ووُ ّ‬ ‫العالم في أنفاسه ‪ ،‬فن ِ َ‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبدا‪ ،‬وبقي ثناؤهم سرمدا ‪ ،‬العلم أعلى من المال ‪ ،‬وأهيب من الرجال ‪ ،‬به‬
‫عُب ِد َ الدّيان ‪ ،‬وقام الميزان ‪ ،‬وبه نزل جبريل ‪ ،‬على صاحب الغرة‬
‫مّيز بين الحلل والحرام ‪ ،‬وبه ُوصلت‬ ‫والتحجيل‪،‬وبه عرفت شرائع السلم ‪ ،‬و ُ‬
‫ل نزاع وخصام ‪ ،‬وبالعلم قام صرح اليمان ‪ ،‬وارتفع حصن‬ ‫لك ّ‬ ‫ح ّ‬
‫الرحام ‪ ،‬و ُ‬
‫الحسان ‪ ،‬وبّينت العبادات ‪ ،‬وشرحت المعاملت ‪ ،‬وهو الذي جاء بالزواجر ‪،‬‬
‫قه الناس به الفرائض والنوافل ‪ ،‬والداب والفضائل‬ ‫عن الصغائر والكبائر ‪ ،‬وفَ ِ‬
‫ل به على الجنة ‪،‬‬ ‫كشف به وجه الفتن ‪ ،‬ود ُ ّ‬ ‫سنن ‪ ،‬و ُ‬ ‫‪ ،‬ونصبت به معالم ال ّ‬
‫ودعي به إلى السنة ‪ ،‬وهو الذي سحق الوثنية ‪ ،‬وهدم كيان الجاهلية ‪ ،‬ونهى‬
‫عن سبيل النار ‪ ،‬وموجبات العار ‪ ،‬ووسائل الدمار ‪ ،‬وبه حورب الكفرة ‪،‬‬
‫وطورد الفجرة ‪ ،‬وهو من العلل دواء ‪ ،‬والشكوك شفاء ‪ ،‬ينسف الشبهات ‪،‬‬
‫لم الغيوب ‪ ،‬وهو شرف‬ ‫ويحجب الشهوات ‪ ،‬ويصلح القلوب ‪ ،‬ويرضي ع ّ‬
‫وابة إلى المصالح ‪،‬‬ ‫الزمان ‪ ،‬وختم المان ‪ ،‬وهو حارس على الجوارح ‪ ،‬وب ّ‬
‫ود ‪ ،‬ولو‬‫جد مس ّ‬‫وصاحبه مهاب عند الملوك ‪ ،‬ولو كان صعلوك ‪ ،‬وحامله مم ّ‬
‫كان عبدا ً أسود ‪ ،‬يجلس به صاحبه على الكواكب‪ ،‬وتمشي معه المواكب ‪،‬‬
‫وتخدمه السادة ‪ ،‬وتهابه القادة ‪ ،‬وتكتب أقواله ‪ ،‬وتقتفى أعماله ‪ ،‬وتحترمه‬
‫مة ‪ ،‬مرفوع الهامة ‪ ،‬ظاهر الفخامة ‪،‬‬ ‫الخاصة والعامة ‪ ،‬ويدعى للمور العا ّ‬
‫عظيم في الصدور ‪ ،‬غني بل دور ول قصور ‪ ،‬الله ُبغيته ‪ ،‬والزهد حليته ‪،‬‬
‫كر بالله ‪ ،‬ل يعجبه إل‬ ‫مسامرته للعلم قيام ‪ ،‬وصمته عن الخنا صيام ‪ ،‬رؤيته ُتذ ّ‬
‫الذكر وما واله ‪ ،‬عرف الحقيقة ‪ ،‬وسلك الطريقة ‪ ،‬به تقام الحجة ‪ ،‬وتعرف‬
‫المحجة‪ ،‬وهو بطل المنابر‪ ،‬وأستاذ المحابر‪ ،‬والمحفوظ اسمه في الدفاتر ‪.‬‬
‫والعلم وسام ل يخلع ‪ ،‬وهو من الملك أرفع ‪ ،‬وهو إكليل على الهامة ‪ ،‬ونجاة‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬ينقذ صاحبه من ظلمات الشك والريبة ‪ ،‬ويخلصه من كل‬
‫مصيبة‪ ،‬وهو علج من الوسواس ‪ ،‬وفي الغربة رضا وإيناس ‪ ،‬وهو نعم‬
‫الجليس والنيس ‪ ،‬وهو المطلب النفيس ‪.‬‬
‫يغنيك عن المسومة من الخيل ‪ ،‬والباسقات من النخيل ‪ ،‬ويكفيك عن‬
‫طرة ‪.‬‬ ‫القناطير المقنطرة ‪ ،‬والدواوين المع ّ‬
‫وحسبك كفاية عن كل بناء ‪ ،‬وعن الحدائق الغناء ‪ ،‬والبساتين الفيحاء ‪ ،‬وهو‬
‫مْلك الذي من أعطيه فقد‬ ‫الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا ً كثيرا ً ‪ ،‬وال ُ‬
‫ي بل تجارة ‪ ،‬أمير بل إمارة ‪ ،‬قويّ بل‬ ‫أعطي ملكا ً كبيرا ‪ ،‬وصاحب العلم غن ّ‬
‫جنود ‪ ،‬والناس بالخير له شهود ‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪207‬‬

You might also like