You are on page 1of 204

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫وإن حساب هذا العنصر ول سيما بصورة تقريبية جدا ً قد أصبح ميسورا ً‬
‫بالوسائل والجهزة الحديثة والستعانة بأهل الخبرة ‪ .‬وهذا يدخل في عموم‬
‫البلوى وبهذا نيسر على الناس ونجنبهم الحرام دون أن نحرمهم من طريق‬
‫استثماري ل يجدون بديل ً له بسب صغر مدخراتهم مع ملحظة أن طريق‬
‫المشاركات الصغيرة التجارية والمضاربة قد أصبح شديد الخطورة بسب ندرة‬
‫المانة ‪-‬مع السف‪ -‬في هذا الزمان حيث أصبح الذي يضع ماله في يد غيره‬
‫لستثماره يدخل في مخاطرة كبيرة لفساد الذمم ويعرضه للتبخر ول سيما‬
‫أيضا ً أن كثيرا ً من المدخرين الصغار أيتام وأرامل ل يستطيعون العمل‬
‫بأنفسهم لنفسهم‪ .‬ولكل زمان حكمه وقد قرر الفقهاء في مناسبات كثيرة‬
‫أمورا ً استثنائية عللوها بفساد الزمان‪.‬‬
‫هذا وفي حالة توافر شركات مساهمة تسد الحاجة وتلتزم بعدم التعامل‬
‫بالربا أخذا ً وإعطاًء يجب على المسلمين عدم التعامل مع الشركات‬
‫المساهمة التي تقترض بالربا عند الحاجة وتودع أموالها بفائدة ‪ .‬المعاملت‬
‫المالية المعاصرة ص ‪.170‬‬
‫ويعلق صاحب الكتاب السابق على الفتوى المذكورة بقوله‪ :‬نستخلص من‬
‫هذه الفتوى عدة أمور‪:‬‬
‫‪ .1‬إن هذه الفتوى خاصة بالشركات الحيوية التي تؤدي خدمات عامة للناس‬
‫ويقع الناس في حرج ومشقة نتيجة انهيارها ول تعم جميع الشركات ويؤكد‬
‫هذا الدكتور عبد الله الكيلني في رسالته حيث يقول‪]:‬سألت الستاذ الزرقاء‬
‫حول موضوع الشركات المساهمة هل هي على إطلقها أو ل؟ فأجاب‪ :‬بأن‬
‫من مرفقا ً حيويا ً ضروريا ً أو حاجيا ً للمجتمع وكانت تتعامل‬
‫الشركة التي ل تؤ ّ‬
‫بالربا في ادخار أموالها فأفتي بحرمة الكتتاب بأسهمها لنه ل يضر المجتمع‬
‫انهيارها[ ‪.‬‬
‫‪ .2‬إن هذه الفتوى تستند إلى عدة أمور وهي‪:‬‬
‫أ‪ .‬سد حاجة حيوية عامة للمسلمين ل تستطيع رؤوس الموال الفردية ول‬
‫رؤوس أموال الدولة أن تقوم بها فتعين وجودها من خلل شركات المساهمة‬
‫التي قد تتعامل بالربا في إيداع أموالها والقتراض من المصارف‪.‬‬
‫ب‪ .‬تخريج المسألة على قاعدة )عموم البلوى ورفع الحرج عن الناس( ففي‬
‫حالة فساد الزمان وخراب الذمم يمكن أن يفتى الناس بالحكام الستثنائية‪،‬‬
‫فقد قرر الفقهاء عند فساد الزمان وشيوع الفسق وندرة العدالة قبول شهادة‬
‫غير العدل فتقبل شهادة المثل فالمثل لعموم البلوى كيل يتعطل القضاء إذا‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طلبت العدالة الكاملة في الشاهد‪.‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫ج‪ .‬سد حاجة فردية لصغار المساهمين الذين ل يجدون بديل استثماريا بسب‬
‫صغر مدخراتهم وعجزهم عن القيام بأنفسهم بالستثمار بالضافة إلى عدم‬
‫الثقة بكثير ممن يقومون بالمشاركات الخرى كالمضاربة لفساد ذممهم وقلة‬
‫المانة لديهم‪.‬‬
‫‪ .3‬الفتوى تمنع انتفاع صاحب السهم بالمال الحرام الذي دخل في عوائدها ‪،‬‬
‫وينبغي تقديره والتخلص منه بإعطائه للفقراء والمستحقين‪ .‬انظر كتاب‬
‫المعاملت المالية المعاصرة ص ‪.171‬‬
‫وخلصة المر أني ل أجيز لمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالربا أخذا ً‬
‫وإعطاًء ابتداًء‪.‬‬
‫ومن له أسهم في مثل هذه الشركات فإن أراد التقوى والورع فعليه أن يبيع‬
‫م‬ ‫أسهمه تلك وأن يخّلص رأس ماله من شوائب الربا‪ .‬قال تعالى‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن { سورة البقرة الية ‪.279‬‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬‫فَل َك ُ ْ‬
‫وإن اختار أحد ٌ الطريق الخر وأخذ بالرأي الثاني ‪ -‬وله حظ من النظر والفقه‬
‫‪ -‬فذلك شأنه‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫حكم السندات‬
‫السندات نوع من الوراق المالية التي يجري التعامل بها في السواق المالية‬
‫المعاصرة وتسمى أحيانا ً شهادات الستثمار وهي عبارة عن قرض طويل‬
‫الجل تتعهد الشركة المقترضة بموجبه أن تسدد قيمته في تواريخ محددة‪.‬‬
‫المعاملت المالية المعاصرة ص ‪.176‬‬
‫أو هو صك قابل للتداول يمثل قرضا ً يعقد عادة بواسطة الكتتاب العام‬
‫وتصدره الشركات أو الحكومات ويعتبر حامل سند الشركة دائنا ً للشركة‬
‫ويعطى حامل السند فائدة ثابتة سنويا ً وله الحق في استيفاء قيمته عند‬
‫حلول أجل معين‪ .‬مجلة مجمع الفقه السلمي العدد ‪ ،6‬جزء ‪ ،2‬ص ‪.1283‬‬
‫ويلحظ في تعريف السندات أن السند عبارة عن دين ثابت على الشركة‬
‫ويستوفي حامل السند فائدة ثابتة سواء ربحت الشركة أو خسرت‪ .‬وخلصة‬
‫المر أن السند عبارة عن قرض ربوي مهما اختلفت أسماؤه وتعددت‬
‫أوصافه‪.‬‬
‫وبناًء على أن السند قرض ربوي فيحرم التعامل بالسندات ما دامت تصدر‬
‫بفائدة ثابتة معينة لذا ل يجوز إصدار السندات ول تداولها والقول بتحريم‬
‫السندات واعتبارها من الربا المحرم هو مذهب أكثر العلماء والفقهاء‬
‫المعاصرين‪ .‬لن السند قرض على الشركة أو الجهة التي أصدرته لجل معين‬
‫وبفائدة معينة ثابتة ومشروطة وهذا هو ربا النسيئة بعينه الذي حرمته‬
‫الشريعة السلمية بالنصوص الصريحة في كتاب الله وسنة نبيه ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.-‬‬

‫)‪(54 /‬‬
‫ْ‬
‫خب ّط ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫قو ُ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬
‫ما ي َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن الّرَبا َل ي َ ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬‫قال الله تعالى‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫م َقاُلوا إ ِن ّ َ‬‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬‫س ذ َل ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬‫ال ّ‬
‫مُرهُ إ َِلى اللهِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف وَأ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬‫ن َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬‫عظ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫حّر َ‬‫وَ َ‬
‫ن { سورة البقرة الية ‪.275‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫عاد َ فأولئ ِك أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫وقد حاول بعض العلماء أن يخرج مسألة السندات على عقد المضاربة‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعروف في الفقه السلمي ولكن هذا التخريج غير صحيح مطلقا ً لن‬
‫السندات في حقيقتها قروض ربوية ولو سلمنا جدل ً بصحة تخريجها على‬
‫المضاربة الشرعية فهي مضاربة فقدت شروط صحتها شرعا ً كما قال‬
‫د‪.‬يوسف القرضاوي‪]:‬والخلصة أن شهادات الستثمار من فئة )أ( و )ب( إما‬
‫أنها من باب القرض بفائدة وهو المر الواضح بحسب قانون إنشائها أو من‬
‫باب المضاربة التي فقدت شروطها الشرعية ففقدت بذلك إذن الشرع فيها‬
‫فهي محرمة على كل الحتمالين[ فوائد البنوك هي الربا الحرام ص ‪.102‬‬
‫والقول بتحريم السندات هو القول الفصل في المسألة وهو ما قرره مجمع‬
‫الفقه السلمي الذي يضم عددا ً كبيرا ً من العلماء والفقهاء المعاصرين فقد‬
‫جاء في قرار المجمع ما يلي‪]:‬وبعد الطلع على أن السند شهادة يلتزم‬
‫المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة السمية عند الستحقاق مع دفع‬
‫فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة السمية للسند أو ترتيب نفع مشروط‬
‫سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغا ً مقطوعا ً أم حسما ً )خصمًا( قرر ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬إن السندات التي تمثل التزاما بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع‬ ‫ً‬
‫مشروط محرمة شرعا ً من حيث الصدار أو الشراء أو التداول لنها قروض‬
‫ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة ول أثر‬
‫لتسميتها شهادات أو صكوكا ً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية‬
‫الملتزم بها ربحا ً أو ريعا ً أو عمولة أو عائدًا‪.‬‬
‫‪ .2‬تحرم أيضا ً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضا ً يجري بيعها‬
‫بأقل من قيمتها السمية ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصما ً لهذه‬
‫السندات‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .3‬كما تحرم أيضا السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضا اشترط فيها نفع أو‬ ‫ً‬
‫زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم ل على التعيين فضل ً عن شبهة‬
‫القمار‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ .4‬من البدائل للسندات المحرمة ‪-‬إصدارا أو شراًء أو تداول‪ -‬السندات أو‬
‫الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين‬
‫بحيث ل يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع وإنما تكون لهم نسبة من ربح‬
‫هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ول ينالون هذا‬
‫ل‪ .‬ويمكن الستفادة في هذا من الصيغة التي تم‬ ‫الربح إل إذا تحقق فع ً‬
‫اعتمادها في القرار رقم ‪ 5‬للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات‬
‫المقارضة[ مجلة مجمع الفقه السلمي ‪. 1726-6/2/1725‬‬
‫م وغلب‬ ‫م وط ّ‬ ‫وختاما ً أقول إن تعامل الناس بالربا في هذا الزمان قد ع ّ‬
‫التعامل بالربا على أكثر معاملت الناس المعاصرة بسبب ارتباط الحياة‬
‫الحديثة بالبنوك الربوية وقد وقع مصداق حديث رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫ن ل يبقى أحد منهم إل أكل الربا‬ ‫ن على الناس زما ٌ‬ ‫وسلم ‪ -‬حيث قال‪ ):‬ليأتي ّ‬
‫ومن لم يأكله أصابه من غباره( رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة‪.‬‬
‫ومع انتشار التعامل بالربا في زماننا إل أن كثيرا ً من الناس يقدمون على‬
‫التعامل به مختارين غير مكرهين ول مضطرين وإلى هؤلء وغيرهم أسوق‬
‫بعض النصوص الشرعية التي تحرم الربا والتعامل به‪:‬‬
‫َ‬
‫ن الّرَبا‬‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ب َ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي ْ َ‬ ‫‪ .1‬يقول الله تعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م فَل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬‫م َ‬
‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫فعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن فَإ ِ ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫إِ ْ‬
‫ن { سورة البقرة اليتان ‪.277-276‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫ن وَل ت ُظل ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َظل ِ ُ‬ ‫وال ِك ْ‬‫م َ‬‫سأ ْ‬ ‫ُرُءو ُ‬
‫‪ .2‬عن جابر بن عبد الله ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ ):‬لعن الله آكل الربا ومؤكله‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكاتبه وشاهديه وقال‪ :‬هم سواء( رواه مسلم‪.‬‬


‫‪ .3‬وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ن؟ قال‪ :‬الشرك‬ ‫قال‪):‬اجتنبوا السبع الموبقات‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الله وما ه ّ‬
‫بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إل بالحق وأكل الربا وأكل مال‬
‫اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات( رواه‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .4‬وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان‬
‫الرجل أمه( رواه الحاكم وقال العلمة اللباني‪ :‬صحيح‪ .‬انظر سلسلة‬
‫الحاديث الصحيحة ‪.3/488‬‬
‫ً‬
‫‪ .5‬وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬الربا ثلثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن‬
‫ينكح الرجل أمه( رواه الحاكم وقال العلمة اللباني‪ :‬صحيح‪ .‬انظر صحيح‬
‫الجامع الصغير ‪.1/663‬‬

‫)‪(55 /‬‬

‫‪ .6‬وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند‬
‫الله من ستة وثلثين زنية( رواه أحمد والطبراني وقال العلمة اللباني‪:‬‬
‫صحيح‪ .‬انظر صحيح الجامع الصغير ‪ 1/636‬وغير ذلك من الحاديث‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫التخلص من الفوائد الربوية‬
‫إن الربا من أكبر المحرمات وقد قامت الدلة الصريحة من كتاب الله وسنة‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬على تحريمه كما سبق‪ ،‬والصل أنه يحرم‬
‫على المسلم أن يضع أمواله في البنوك الربوية ابتداء إل عند الضرورة فإذا‬
‫حصل ووضع أمواله في البنك الربوي وأعطاه البنك الربوي ما يسمونه‬
‫بالفائدة وهو الربا حقيقة وفعل ً فإن أمامه عدة احتمالت ليتصرف بهذا المال‬
‫كما قرر ذلك بعض الفقهاء المعاصرين‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن ينفق هذا المال على نفسه وعياله وفي شؤونه الخاصة‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬أن يترك هذا المال للبنك‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن يأخذ هذا المال ويتلفه ليتخلص منه‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن يأخذه ويصرفه في مصارف الخير المختلفة للفقراء والمساكين‬
‫والمؤسسات الخيرية‪.‬‬
‫هذه هي الحتمالت الربعة القائمة في هذه المسألة ونريد أن نناقشها واحدا ً‬
‫تلو الخر‪.‬‬
‫أما الخيار الول وهو أن يأخذ هذا المال الحرام ‪-‬الفائدة‪ -‬من البنك وينفقه‬
‫على نفسه وعياله وشؤونه الخاصة فهذا أمر محرم شرعا ً بنص كتاب الله‬
‫وسنة رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لنه إن أخذه وأنفقه على نفسه‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫ه الب َي ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬
‫وعياله يكون قد استحل الربا المحرم‪ ،‬يقول الله تعالى‪ } :‬وَأ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ب َ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫ن َءا َ‬ ‫م الّرَبا { ويقول أيضًا‪َ } :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حّر َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫الّرَبا إ ِ ْ‬
‫وأما الخيار الثاني الذي مفاده أن تترك الفائدة للبنوك فإنه مهما اعتبره بعض‬
‫الناس اقتضاء التقوى وموافقة حكم الشرع ومهما ترجح هذا الرأي لديهم ل‬
‫يشك في تحريم ذلك من له أدنى معرفة بنظام البنوك الربوية وخاصة بنوك‬
‫أوروبا وأميركا حيث تقوم هذه البنوك بتوزيع تلك الموال على جمعيات‬
‫معادية للسلم والمسلمين‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لذلك فإن إبقاء الفوائد للبنوك الربوية حرام ول يجوز شرعًا‪ ،‬قال د‪ .‬يوسف‬
‫القرضاوي‪]:‬والخلصة أن ترك الفوائد للبنوك وبخاصة الجنبي حرام بيقين‬
‫وقد صدر ذلك عن أكثر من مجمع وخصوصا ً مؤتمر المصارف السلمية‬
‫الثاني في الكويت[ فتاوى معاصرة ‪.2/410‬‬
‫وذكر أحد علماء الهند المعاصرين أن تلك الفوائد التي كان المسلمون‬
‫يتركونها للبنوك الربوية في الهند كانت تصرف على بناء الكنائس وعلى‬
‫إرساليات التبشير وغير ذلك ‪ .‬راجع قضايا فقهية معاصرة ص ‪.24‬‬
‫وأما الخيار الثالث وهو إتلف تلك الموال فل يقول به عاقل لن المال نعمة‬
‫من الله سبحانه وتعالى وليس بنجس بنفسه وإنما يخبث المال إذا كسبه‬
‫بطريق حرام فإتلفه إهدار لنعمة الله‪ ،‬قال الشيخ مصطفى الزرقا‪]:‬فالمال ل‬
‫ذنب له حتى نحكم عليه بالعدام فإتلفه إهدار لنعمة الله وهو عمل أخرق‬
‫والشريعة السلمية حكمة كلها لن شارعها حكيم[‪.‬‬
‫فإذا بطلت الخيارات الثلثة وبقي الخيار الرابع وهو أخذ المال من البنك‬
‫وتوزيعه على الفقراء والمساكين وجهات الخير الخرى وهذا شأن كل مال‬
‫حرام يحوزه المسلم فيجب عليه أن يتصدق به ‪ ،‬قال حجة السلم الغزالي‬
‫موضحا ً مسألة التصدق بالمال الحرام ما نصه‪ ]:‬فإن قيل‪ :‬ما دليل جواز‬
‫التصدق بما هو حرام وكيف يتصدق بما ل يملك؟ وقد ذهب جماعة إلى أن‬
‫ذلك غير جائز لنه حرام وحكى عن الفضيل أنه وقع في يده درهمان فلما‬
‫علم أنهما من غير وجههما رماهما بين الحجارة وقال‪ :‬ل أتصدق إل بالطيب‬
‫ول أرضي لغيري مال ً ل أرضاه لنفسي؟ فنقول‪ :‬نعم ذلك له وجه واحتمال‪،‬‬
‫وإنما اخترنا خلفه للخبر والثر والقياس‪.‬‬
‫أما الخبر‪ :‬فأمر رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بالتصدق بالشاة‬
‫المصلية التي قدمت فكلمته بأنها حرام إذ قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬
‫)أطعموها السارى( ‪ -‬قال الحافظ العراقي في تخريج هذا الحديث رواه‬
‫أحمد وإسناده جيد‪-‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ب َعْد ِ غلب ِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ض وَهُ ْ‬
‫م ِفي أد َْنى الْر ِ‬ ‫ت الّرو ُ‬
‫ولما نزل قوله تعالى‪ } :‬الم غل ِب َ ِ‬
‫ن { كذبه المشركون وقالوا للصحابة‪ :‬أل ترون ما يقول صاحبكم‬ ‫سي َغْل ُِبو َ‬
‫َ‬
‫يزعم أن الروم ستغلب فخاطرهم أبو بكر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بإذن رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فلما حقق الله صدقه وجاء أبو بكر ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪ -‬بما قامرهم به قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬هذا سحت فتصدق به وفرح‬
‫المؤمنون بنصر الله وكان قد نزل تحريم القمار بعد إذن رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬له في المخاطرة مع الكفار‪.‬‬

‫)‪(56 /‬‬

‫قال الحافظ العراقي‪ :‬حديث مخاطرة أبي بكر بإذنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْد ِ غَل َب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ض وَهُ ْ‬
‫م ِفي أد َْنى الْر ِ‬ ‫‪ -‬لما نزل قوله تعالى‪ } :‬الم غُل ِب َ ِ‬
‫ت الّرو ُ‬
‫ن { وفيه فقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬هذا سحت فتصدق به(‬ ‫سي َغْل ُِبو َ‬
‫َ‬
‫أخرجه البيهقي في دلئل النبوة من حديث ابن عباس وليس فيه إن ذلك كان‬
‫بإذنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬والحديث عند الترمذي وحسنه والحاكم‬
‫وصححه دون قوله أيضًا‪):‬هذا سحت فتصدق به(‪.‬‬
‫وأما الثر فإن ابن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬اشترى جارية فلم يظفر بمالكها‬
‫لينقده الثمن فطلبه كثيرا ً فلم يجده فتصدق بالثمن وقال‪ :‬اللهم هذا عنه إن‬
‫رضي وإل فالجر لي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسئل الحسن ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن توبة الغال ‪-‬من يأخذ من مال الغنيمة‬
‫قبل أن يقسم‪ -‬وما يؤخذ منه بعد تفرق الجيش فقال‪ :‬يتصدق به‪ .‬وروي أن‬
‫ل مائة دينار من الغنيمة ثم أتى أميره ليردها عليه‬ ‫ولت له نفسه فغ ّ‬ ‫رجل ً س ّ‬
‫فأبى أن يقبضها وقال له‪ :‬تفرق الناس‪ .‬فأتى معاوية فأبى أن يقبضها‪ .‬فأتى‬
‫دق بما يبقى فبلغ معاوية‬ ‫بعض الّنساك فقال‪ :‬ادفع خمسها إلى معاوية وتص ّ‬
‫قوله فتلهف إذ لم يخطر له ذلك‪ .‬وقد ذهب أحمد بن حنبل والحارث‬
‫المحاسبي وجماعة من الورعين إلى ذلك‪.‬‬
‫وأما القياس‪ :‬فهو أن يقال‪ :‬إن هذا المال مردد بين أن يضيع وبين أن يصرف‬
‫إلى خير إذ قد وقع اليأس من مالكه وبالضرورة يعلم أن صرفه إلى خير أولى‬
‫من إلقائه في البحر فإنا إن رميناه في البحر فقد فوتناه على أنفسنا وعلى‬
‫المالك ولم تحصل منه فائدة وإذا رميناه في يد فقير يدعو لمالكه حصل‬
‫للمالك بركة دعائه وحصل للفقير سد حاجته وحصول الجر للمالك بغير‬
‫اختياره في التصدق ل ينبغي أن ينكر فإن في الخبر الصحيح‪):‬إن للزارع‬
‫والغارس أجرا ً في كل ما يصيبه الناس من ثماره وزروعه( رواه البخاري‪.‬‬
‫وأما قول القائل‪ :‬ل نتصدق إل بالطيب فذلك إذا طلبنا الجر لنفسنا ونحن‬
‫الن نطلب الخلص من المظلمة ل الجر وترددنا بين التضييع وبين التصدق‬
‫ورجحنا جانب التصدق على جانب التضييع‪.‬‬
‫وقول القائل‪ :‬ل نرضى لغيرنا ما ل نرضاه لنفسنا فهو كذلك ولكنه علينا‬
‫حرام لستغنائنا عنه وللفقير حلل إذا حّله دليل الشرع وإذا اقتضت المصلحة‬
‫التحليل وجب التحليل وإذا حل فقد رضينا له الحلل‪.‬‬
‫ً‬
‫ونقول‪ :‬إن له أن يتصدق على نفسه وعياله إذا كان فقيرا أما عياله وأهله فل‬
‫يخفى لن الفقر ل ينتفي عنهم بكونهم من عياله وأهله بل هم أولى ولو‬
‫تصدق به على فقير لجاز وكذا إذا كان هو الفقير[ فتاوى معاصرة ‪- 2/412‬‬
‫‪.413‬‬
‫وبهذا يظهر لنا أن المصرف الوحيد لهذه الموال ‪-‬الفوائد‪ -‬هو التصدق بها‬
‫وقد قال بهذا القول عدد من الفقهاء المعاصرين في مؤتمر عقد سنة‬
‫‪1979‬م وشارك فيه عدد من العلماء المسلمين المعاصرين وهو قول سديد‬
‫وفقه حسن وبه أقول‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫حكم التعامل ببطاقات الئتمان )بطاقات الفيزا( وغيرها‬
‫إننا في فلسطين نعيش في ظل ظروف اقتصادية صعبة فرضت على كثير‬
‫من الناس أن يتعاملوا مع البنوك الربوية وكثير من المعاملت التجارية صارت‬
‫متوقفة على التعامل مع البنوك الربوية ومع ذلك فإني أنصح بعدم التعامل‬
‫مع البنوك الربوية إل في أضيق نطاق نظرا ً لخطورة الربا فهو من المحرمات‬
‫القطعية في كتاب الله وسنة رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ومن ذلك‬
‫التعامل بهذه البطاقات )الفيزا وغيرها( فينبغي أن يكون استعمالها في أضيق‬
‫نطاق لن البطاقات التي تصدرها البنوك الربوية تتضمن في الغالب شروطا ً‬
‫ربوية مثل فرض زيادة ربوية )فائدة( في حال تأخر حامل البطاقة عن‬
‫التسديد أو كشف حسابه في البنك المصدر للبطاقة‪ ،‬وكذلك فإن البنوك‬
‫ل عملّية سحب نقدي يجريها‬ ‫ة مقطوعة محددة على ك ّ‬ ‫الربوية تفرض نسب ً‬
‫مُنوا ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي ْ َ‬ ‫حامل البطاقة وهذا هو الربا المحرم قال الله تعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ب‬
‫حْر ٍ‬ ‫فعَُلوا ْ فأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن فَِإن ل ّ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬
‫ما ب َ ِ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫ات ّ ُ‬
‫ن وَِإن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مو َ‬ ‫ن وَل ت ُظل ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َظل ِ ُ‬ ‫وال ِك ْ‬ ‫م َ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرؤو ُ‬ ‫م فلك ْ‬ ‫سول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫ن اللهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ن{‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫كن‬ ‫إن‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫أن‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ظ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫ع‬ ‫ذو‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬
‫ُ ْ َْ ُ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ٌْ‬ ‫َ َ ّ‬ ‫َ ْ َ َ ٍ َ‬ ‫ُ ْ َ ٍ َ َِ ٌ ِ‬ ‫َ‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جاِبر بن عبد الله‬


‫ن َ‬
‫سورة البقرة اليتان ‪ .279 -278‬وصح في الحديث عَ ْ‬
‫رضي الله عنهما قال‪ ):‬لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم‬
‫سواء( رواه مسلم‪.‬‬

‫)‪(57 /‬‬

‫ومن المعلوم أن بطاقات الئتمان من المسائل الجديدة التي لم يعرفها الفقه‬


‫السلمي قديما ً وقد وفدت هذه المسألة من ضمن ما وفد على المسلمين‬
‫من مستلزمات الرأسمالية التي تقوم على نظام الربا )الفائدة( وقد درست‬
‫هذه القضية من مجامع فقهية وحلقات علمية ودراسات فردية ولكن بداية‬
‫أذكر أن شيخنا الستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان حفظه الله ورعاه‬
‫يرى أن تسمية البطاقات التي تصدرها البنوك من أمثال‪ :‬فيزا وماستر كارد‬
‫وأميريكان إكسبريس ببطاقات الئتمان تسمية غير صحيحة وليست معبرة‬
‫عن حقيقة هذه البطاقات فقد ذكر في كتابه البطاقات البنكية القراضية‬
‫والسحب المباشر من الرصيد أنه يجب تصحيح مصطلح بطاقات الئتمان وأن‬
‫المصطلح الصحيح هو‪ :‬بطاقات القراض والسحب المباشر من الرصيد‬
‫ليكون أبلغ في الكشف عن حقيقتها وأقسامها المتداولة‪ ،‬يدركه المثقف‬
‫والعامي‪ ،‬التاجر والمستهلك‪ ،‬من يحملها‪ ،‬ومن تقدم له‪ ،‬مصطلح ترسخ معناه‬
‫في أذهان الجميع‪ ،‬يعرفون آثاره ومسؤولياته‪ ،‬الحلل منه والحرام‪ ،‬معلومة‬
‫أحكامه من الدين بالضرورة‪ ،‬مسلم المبادئ والحكام‪ ،‬وليس من سبب يدعو‬
‫لهجره والعدول عنه[ البطاقات البنكية القراضية والسحب المباشر من‬
‫الرصيد ص ‪.31‬‬
‫درهُ‬‫مص ِ‬ ‫وقد عرف مجمع الفقه السلمي هذه البطاقة بأنها )مستند يعطيه ُ‬
‫لشخص طبيعي أو اعتباري بناًء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع أو‬
‫الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حال ً لتضمنه التزام المصدر‬
‫بالدفع ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف‪.‬‬
‫ولبطاقات الئتمان صور‪:‬‬
‫‪ -‬منها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف‬
‫وليس من حساب المصدر فتكون بذلك مغطاة‪ .‬ومنها ما يكون الدفع من‬
‫حساب المصدر ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع خلل فترة‬
‫محددة من تاريخ المطالبة‪ .‬ومنها ما ل يفرض فوائد‪.‬‬
‫‪ -‬وأكثرها يفرض رسما ً سنويا ً على حاملها ومنها ما ل يفرض فيه المصدر‬
‫رسما ً سنويًا(‪ .‬مجلة مجمع الفقه السلمي‪ ،‬العدد السابع الجزء الول ص‬
‫‪.717‬‬
‫وقد صدر قرار عن مجمع الفقه السلمي وضح فيه القواعد الساسية‬
‫للتعامل مع هذه البطاقات ونصه‪ ...:‬بعد إطلعه على البحوث الواردة إلى‬
‫المجمع بخصوص موضوع )بطاقات الئتمان غير المغطاة( وبعد استماعه إلى‬
‫المناقشات التي دارت حوله من الفقهاء والقتصاديين‪ ،‬ورجوعه إلى تعريف‬
‫بطاقة الئتمان في قراره رقم ‪ 63/1/7‬الذي يستفاد منه تعريف بطاقة‬
‫الئتمان غير المغطاة بأنه‪ :‬مستند يعطيه مصدُره )البنك المصدر( لشخص‬
‫طبيعي أو اعتباري )حامل البطاقة( بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء‬
‫السلع‪ ،‬أو الخدمات‪ ،‬ممن يعتمد المستند )التاجر( دون دفع الثمن حال ً‬
‫لتضمنه التزام المصدر بالدفع‪ ،‬ويكون الدفع من حساب المصدر‪ ،‬ثم يعود‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على حاملها في مواعيد دورية‪ ،‬وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع‬
‫الرصيد غير المدفوع بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة‪ ،‬وبعضها ل يفرض‬
‫فوائد‪.‬‬
‫ل‪ :‬ل يجوز إصدار بطاقة الئتمان غير المغطاة ول التعامل بها‪،‬‬ ‫قرر ما يلي‪:‬أو ً‬
‫إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية‪ ،‬حتى ولو كان طالب البطاقة عازما ً‬
‫على السداد ضمن فترة السماح المجاني‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شرط زيادة ربوية على‬
‫دين‪ .‬ويتفرع على ذلك‪:‬‬ ‫أصل ال ّ‬
‫ً‬
‫أ‪ .‬جواز أخذ مصدرها من العميل رسوما مقطوعة عند الصدار أو التجديد‪،‬‬
‫بصفتها أجرا ً فعليا ً على قدر الخدمات المقدمة منه‪.‬‬
‫ب‪ .‬جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه‪،‬‬
‫شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراضا ً من مصدرها‪ ،‬ول حرج‬
‫فيه شرعا ً إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية‪ ،‬ول يعد من قبيلها الرسوم‬
‫المقطوعة التي ل ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة‪ .‬وكل‬
‫زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لنها من الربا المحرم شرعا ً كما نص‬
‫على ذلك المجمع في قراره رقم ‪ (10/2) 13‬و ‪.(1/3) 13‬‬
‫رابعًا‪ :‬ل يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملت النقدية بالبطاقة غير‬
‫المغطاة[ انتهى قرار المجمع الفقهي‪.‬‬
‫إذا تقرر هذا فأعود لقضية استعمال هذه البطاقات في عملية صرف العملت‬
‫فأقول‪ :‬اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من‬
‫الجانبين في مجلس العقد قبل افتراقهما‪ .‬قال ابن المنذر‪]:‬أجمع كل من‬
‫نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن‬
‫الصرف فاسد[‪ .‬فلذلك يشترط في عملية بيع عملة بأخرى أن يتم تبادل‬
‫العملتين في مجلس العقد ول يجوز تأجيل قبض إحداهما وإن حصل التأجيل‬
‫فالعقد باطل ويدل على ذلك حديث الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬
‫)الذهب بالذهب مثل ً بمثل يدا ً بيد والفضة بالفضة مثل ً بمثل يدا ً بيد( رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬

‫)‪(58 /‬‬

‫وبما أن العملت الورقية تقوم مقام الذهب والفضة كما قاله كثير من علماء‬
‫العصر وهو القول الصحيح فإنه يشترط في بيع هذه العملت بغيرها من‬
‫العملت التقابض في مجلس العقد ول يجوز التأجيل وبناًء على ما تقدم فإذا‬
‫كان التاجر يمكنه قبض العملة بمجرد رجوعه إلى البنك المصدر للبطاقة‬
‫فيجوز استعمال البطاقات المذكورة في صرف العملت لن القيد في‬
‫الحساب مباشرة يقوم مقام القبض الفعلي وأما إذا لم يمكنه ذلك فيحرم‬
‫حينئذ استعمالها‪.‬‬
‫وخلصة المر أني أنصح بعدم التعامل مع البنوك الربوية بشكل عام وإذا‬
‫احتاج الشخص للتعامل معها فيكون ذلك في أضيق نطاق وإذا احتاج للتعامل‬
‫بالبطاقات فل بد من النتباه لمر هام وهو أن يكون حساب الشخص غير‬
‫مكشوف لدى البنك‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫حكم التعامل في السواق المالية )البورصة(‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سوق الوراق المالية المسماة بالبورصة تعني المكان الذي يلتقي فيه‬
‫المصرفيون وسماسرة الوراق المالية والتجار لجراء الصفقات التجارية في‬
‫السهم والسندات وحصص التأسيس‪.‬‬
‫وسوق الوراق المالية أمر حديث نسبيا ً في العالم السلمي حيث إنه من‬
‫نتاج الحضارة الرأسمالية وليس معنى ذلك أنه مرفوض شرعا ً وإنما ل بد من‬
‫وضع ضوابط شرعية معينة حتى يصح التعامل في السواق المالية ‪ ،‬وقد‬
‫وضع العلماء المعاصرون هذه القيود والضوابط للحالت التي يجوز التعامل‬
‫بها في السوق المالي‪.‬‬
‫وينبغي أول ً التذكير بأن الصل في باب المعاملت في الشريعة السلمية هو‬
‫الباحة وبناًء على ذلك ل يجوز منع أي معاملة إل بنص صريح من الشارع‬
‫الحكيم أو قياس صحيح عليه‪.‬‬
‫قودِ { سورة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا أوُْفوا ِبالعُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن َءا َ‬
‫ذي َ‬
‫ويدل على ذلك قوله تعالى‪َ } :‬ياأي َّها ال ِ‬
‫المائدة الية ‪.1‬‬
‫فالية الكريمة أوجبت الوفاء بالعقود من غير تعيين قال شيخ السلم ابن‬
‫تيمية‪]:‬والصل في هذا أنه ل يحرم على الناس من المعاملت التي يحتاجون‬
‫إليها إل ما دل الكتاب والسنة على تحريمه كما ل يشرع لهم من العبادات‬
‫التي يتقربون بها إلى الله إل ما دل الكتاب والسنة على شرعه إذ الدين ما‬
‫شرعه الله والحرام ما حرمه الله بخلف الذين ذمهم الله حيث حرموا من‬
‫دين الله ما لم يحرمه الله وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانا ً وشرعوا لهم‬
‫من الدين ما لم يأذن به الله‪ ،‬اللهم وفقنا لن نجعل الحلل ما حللته والحرام‬
‫ما حرمته والدين ما شرعته[ مجموع فتاوى شيخ السلم ‪.28/386‬‬
‫ويقول د‪ .‬يوسف القرضاوي‪]:‬إن الصل في المعاملت والعقود الذن والباحة‬
‫إل ما جاء نص صحيح الثبوت صريح الدللة يمنعه ويحرمه فيوقف عنده …‬
‫وهذا بخلف العبادات التي تقرر‪ :‬أن الصل فيها المنع حتى يجيء نص من‬
‫الشارع لئل يشرع الناس في الدين ما لم يأذن به الله فإذا كان الساس‬
‫الول للدين أل يعبد إل الله فإن الساس الثاني أل يعبد الله إل بما شرع‪.‬‬
‫وهذه التفرقة أساسية ومهمة فل يجوز أن يقال لعالم‪ :‬أين الدليل على إباحة‬
‫هذا العقد أو هذه المعاملة؟ إذ الدليل ليس على المبيح لنه جاء على الصل‬
‫حّرم‪ ،‬والدليل المحرم يجب أن يكون نصا ً ل شبهة فيه‬ ‫م ّ‬‫وإنما الدليل على ال ُ‬
‫كما هو اتجاه السلف الذين نقل عنهم شيخ السلم ابن تيمية أنهم ما كانوا‬
‫يطلقون الحرام إل على ما علم تحريمه جزمًا[ بيع المرابحة للقرضاوي ص‬
‫‪.13‬‬
‫ه ال ْب َي ْعَ { سورة‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫كما وأن الصل في البيع الحل لعموم قوله تعالى‪ } :‬وَأ َ‬
‫البقرة الية ‪. 275‬‬
‫إذا تقرر هذا فأعود إلى بيان حكم التعامل بالسواق المالية )البورصة(‬
‫فأقول‪ :‬تتعامل البورصة بالسهم والسندات بشكل عام‪ ،‬فأما السهم فهي‬
‫عبارة عن حصص الشركاء في الشركات المساهمة حيث إن رأسمال‬
‫م‪،‬‬‫الشركة المساهمة يقسم إلى أجزاء متساوية ي ُط َْلق على كل منها سه ٌ‬
‫فالسهم هو جزء من رأس مال الشركة وهو يمثل حق المساهم مقدرا ً‬
‫بالنقود لتحديد نصيبه في ربح الشركة أو خسارتها وكذلك تحديد مسؤولية‬
‫المساهم في الشركة‪.‬‬
‫والصل في الشركة المساهمة الجواز إذا كانت خالية من الربا والتعامل‬
‫المحرم فالمساهمون فيها يتحقق فيهم معنى الشركاء حيث إنهم يقدمون‬
‫أسهمهم حصصا ً في رأس المال فيشتركون في رأس المال ويقتسمون‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرباح والخسائر فيكونون شركاء بمجرد توقيع عقد الكتتاب في الشركة‬


‫فيعتبر ذلك إيجابا ً وقبول ً لن اليجاب والقبول ل يشترط فيهما التلفظ بل‬
‫يصحان بالكتابة وهؤلء الشركاء يوكلون مجلس إدارة الشركة بالقيام بالعمل‬
‫وهو توكيل صحيح‪ .‬والقول بمنع شركة المساهمة قول ضعيف ل دليل يؤيده‪.‬‬
‫انظر شركة المساهمة ص ‪ 303‬فما بعدها‪.‬‬
‫وأما السندات فهي عبارة عن قروض طويلة الجل تتعهد الشركة المقترضة‬
‫بموجبها أن تسدد قيمتها في تواريخ محددة مع فائدة متفق عليها‪ .‬المعاملت‬
‫المالية المعاصرة ص ‪.176‬‬
‫والصحيح من أقوال أهل العلم جواز التعامل بالسهم ضمن ضوابط معينة‬
‫وحرمة التعامل بالسندات لنها قروض ربوية‪.‬‬
‫وأما ضوابط التعامل بالسهم فهي‪:‬‬

‫)‪(59 /‬‬

‫ل‪ :‬أن تكون السهم صادرة من شركات ذات أغراض مشروعة بأن يكون‬ ‫أو ً‬
‫موضوع نشاطها حلل ً مباحا ً مثل الشركات النتاجية للسلع والخدمات كشركة‬
‫الكهرباء وشركة الدوية وغير ذلك‪ ،‬أما إذا كان موضوع نشاطها محرما ً‬
‫كشركات إنتاج الخمور أو شركات إنشاء البنوك الربوية فل يجوز امتلك‬
‫شيء من أسهمها وتداوله بين المسلمين كما تحرم أرباحها لن شراء السهم‬
‫من تلك الشركة من باب المشاركة في الثم والعدوان‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن تكون السهم صادرة عن شركة معروفة ومعلومة لدى الناس بحيث‬
‫تتضح سلمة تعاملها ونزاهته لذا ل يجوز التعامل بأسهم سلة شركات‬
‫مساهمة كما هو في الغرب دون أن يعرف المشتري للسهم حقيقة تلك‬
‫الشركات فمن الساليب الجديدة في الستثمار استثمار في سلة مشتركة‬
‫لشركات مساهمة أمريكية )‪ (Mutual Fund‬وكل سلة لها مدير مشرف عليها‬
‫ويديرها حسب تعليمات ودراسات تجريها شركة ‪":‬مريل لينش الستثمارية"‬
‫فالسهم التي يشتريها المستثمر في السلة المشتركة عرضة للربح‬
‫والخسارة ففي عام ‪ 1995‬حققت سلة "ميرل ليتس بيسك فاليو" أرباحا ً‬
‫بنسبة ‪ %18‬في ستة أشهر في حين أنها في عام ‪ 1990‬خسرت بنسبة‬
‫‪.%13‬‬
‫فبالرغم من أن الستثمار في هذه السلة عرضة للربح والخسارة إل أن هذا‬
‫السلوب من الستثمار ل يجوز لمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬عدم معرفة ماهية تلك الشركات التي تتضمنها تلك السلة فهي ل تخلو‬
‫من شركات مساهمة ذات أنشطة اقتصادية محرمة كشركات إنتاج الخمور أو‬
‫شركات البنوك الربوية التي حرم السلم التعامل بأسهمها‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬إن هذه السلت تقوم بأنشطة اقتصادية غير مشروعة كبيع دين بدين‬
‫على حساب الفائدة‪.‬‬
‫ولذلك ترفض المصارف السلمية التعامل مع تلك السلت واستثمار أموالها‬
‫عن طريقها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن ل يترتب على التعامل بها أي محظور شرعي كالربا والغرر والجهالة‬
‫وأكل أموال الناس بالباطل فل يجوز للمسلم قبول أسهم المتياز التي تعطي‬
‫له حق الحصول على ربح ثابت سواء أربحت الشركة أم خسرت لن هذا ربا‬
‫محرم شرعا ً ول يجوز للمسلم قبول أسهم التمتع التي تعطي صاحبها حق‬
‫الحصول على الرباح دون أن يكون شريكا ً في المال والعمل لن هذا أكل‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لموال الناس بالباطل‪ .‬المعاملت المالية المعاصرة ص ‪.173-169‬‬


‫وقد بحث مجمع الفقه السلمي في مؤتمره السابع التعامل مع السواق‬
‫المالية وقرر ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬السهم‪:‬‬‫] أو ً‬
‫‪ .1‬السهام في الشركات‪:‬‬
‫أ‪ .‬بما أن الصل في المعاملت الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات‬
‫أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز‪.‬‬
‫ب‪ .‬ل خلف في حرمة السهام في شركات غرضها الساسي محرم‬
‫كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها‪.‬‬
‫ً‬
‫ج‪ .‬الصل حرمة السهام في شركات تتعامل أحيانا بالمحرمات بالربا ونحوه‬
‫بالرغم من أن أنشطتها الساسية مشروعة‪.‬‬
‫التعامل بالسهم بطرق ربوية‪:‬‬
‫أ‪ .‬ل يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء‬
‫رهن السهم لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من العمال‬
‫المحرمة بالنص على لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه‪.‬‬
‫ب‪ .‬ل يجوز أيضا ً بيع سهم ل يملكه البائع وإنما يتلقى وعدا ً من السمسار‬
‫بإقراضه السهم في موعد التسليم لنه من بيع ما ل يملك البائع ويقوى المنع‬
‫إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفائدة للحصول على‬
‫مقابل القراض…[ مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 7‬ج ‪ 1‬ص ‪.717 -711‬‬
‫وأما التعامل بالسندات فهو محرم كما قلت لنها قروض ربوية بفوائد محددة‬
‫وقرر ذلك مجمع الفقه السلمي في دورته السادسة حيث جاء في قراره‪:‬‬
‫‪ .1‬إن السندات التي تمثل التزاما ً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع‬
‫مشروط محرمة شرعا ً من حيث الصدار أو الشراء أو التداول لنها قروض‬
‫ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أم عامة ترتبط بالدولة ول أثر‬
‫لتسميتها شهادات أو صكوكا ً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية‬
‫الملتزم بها ربحا ً أو ريعا ً أو عمولة أو عائدًا‪.‬‬
‫‪ .2‬تحرم أيضا ً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضا ً يجري بيعها‬
‫بأقل من قيمتها السمية ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها‬
‫حسمًا)خصمًا( لهذه السندات‪.‬‬
‫‪ .3‬كما تحرم أيضا ً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضا ً اشترط فيها نفع أو‬
‫زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم ل على التعيين فضل ً عن شبهة‬
‫القمار… [‪ .‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 6‬ج ‪ 2‬ص ‪.1726 - 1725‬‬

‫)‪(60 /‬‬

‫وبناء على كل ما تقدم فإنه ل يجوز شرعا ً تداول أسهم البنوك الربوية‬
‫وشركات التأمين وكل شركة تتعامل بالمحرمات كشركات إنتاج الخمور‬
‫ونحوها كما ل يجوز إجراء عمليات البيع الجلة لن هذا النوع من العمليات ل‬
‫يتم فيه تسليم المعقود عليه ل الثمن ول المثمن بل يشترط تأجيلها فهذه‬
‫العملية ل تجوز لن شرط صحة العقود أن يتم تسليم العوضين أو أحدهما ول‬
‫يجوز تأجيل الثنين حيث إنها تدخل في معنى بيع الكالئ بالكالئ فهذه‬
‫العمليات تدخل في القمار الممنوع لن البائع يضارب على هبوط السعر في‬
‫اليوم المحدد والمشتري يضارب على صعوده ومن يصدق توقعه يكسب‬
‫الفرق‪ .‬السواق المالية ص ‪.32‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪---‬‬
‫ّ‬
‫استلم الشيك الحال بمثابة قبض النقود‬
‫إن الصل في نظام المعاملت في الشريعة السلمية الباحة مع اللتزام‬
‫بالقواعد العامة الحاكمة لنظام المعاملت المالية الشرعية وإن التطور‬
‫الملموس الذي ظهر في باب المعاملت المالية يحتاج إلى دراسة وبحث‬
‫لصور المعاملت المالية الحديثة على ضوء القواعد الشرعية وينبغي التروي‬
‫في إصدار الحكام ودراستها دراسة عميقة ومن المعروف أن التعامل‬
‫بالشيكات صار من المور المشهورة والمعروفة والتي ل يستغني عنها الناس‬
‫في معاملتهم المالية والشيك عبارة عن أمر من العميل إلى المصرف ليدفع‬
‫إلى شخص ثالث المبلغ المدون في الشيك من حسابه الجاري في المصرف‪.‬‬
‫المصارف السلمية ص ‪. 314‬‬
‫والشيكات على أنواع وأشكال مختلفة ول يتسع المقام للحديث عن تفاصيل‬
‫ذلك ولكن سأذكر حكم استعمال الشيك في الصرف وهل يقوم استلم‬
‫الشيك مقام قبض المبلغ في الصرف لنه من المعلوم فقها ً أنه يشترط‬
‫لصحة عقد الصرف تقابض البدلين في المجلس فإذا ما تصارف اثنان أحدهما‬
‫لديه ألف دينار مثل ً ويريد أن يصرفها إلى دولرات فدفع الول اللف دينار‬
‫للصراف فأعطاه الصراف شيكا ً حال الجل بالدولرات التي تقابل الدنانير‬
‫فهل عملية الصرف هذه صحيحة أم ل؟‬
‫إذا نظرنا إلى حقيقة التعامل بالشيكات وأن منزلتها ل تقل عن منزلة التعامل‬
‫بالوراق النقدية وإذا اشترطنا في الشيك الحلول بمعنى أن يكتب تاريخ‬
‫الشيك في تاريخ المصارفة وأن يكون المبلغ المكتوب فيه محددا ً فإنه يجوز‬
‫استعمال الشيك في هذه الحالة ويعتبر استلم الشيك بمثابة قبض المبلغ‬
‫المدون فيه فقبض الشيك في هذه الحالة يقوم مقام قبض بدل الصرف ذاته‪.‬‬
‫يقول الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله‪]:‬فإذا نظرنا إلى أن الشيكات تعتبر‬
‫في نظر الناس وعرفهم وثقتهم بمثابة النقود الورقية وأنها يجري تداولها‬
‫بينهم كالنقود تظهيرا ً وتحويل ً وأنها محمية في قوانين جميع الدول من حيث‬
‫أن سحب الشيك على بنك ليس للساحب فيه رصيد يفي بقيمة الشيك‬
‫المسحوب يعتبر جريمة شديدة تعاقب عليها قوانين العقوبات في الدول‬
‫جميعًا‪ ،‬إذا نظرنا إلى هذه العتبارات يمكن القول معها بأن تسليم المصرف‬
‫الوسيط شيكا ً بقيمة ما قبض من طالب التحويل يعتبر بمثابة دفع بدل‬
‫الصرف في المجلس أي أن قبض ورقة الشيك كقبض مضمونه فيكون‬
‫الصرف قد استوفى شريطته الشرعية في التقابض[ أحكام صرف النقود‬
‫والعملت ص ‪.101‬‬
‫وبهذا يتضح لنا أن إعطاء شيك حال بمنزلة التقابض في المجلس فل مانع‬
‫من ذلك شرعا ً وأما أخذ العمولة على الشيكات المؤجلة كأن تكون قيمة‬
‫الشيك ألف دينار مثل ً وتاريخ الشيك بعد شهرين فيذهب حامل الشيك إلى‬
‫الصراف فيعطيه ‪ 950‬دينارا ً فأرى أن هذه الصورة ممنوعة شرعا ً لشتمالها‬
‫على الربا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وأما إذا كان الشيك حال فل مانع من أخذ العمولة عليه كما جرت عادة‬
‫المصارف والصرافين من خصم ‪ %1‬مثل ً على الشيك فهذه الصورة تخرج‬
‫على أنها وكالة والوكالة تجوز بأجر وبدون أجر فهذه العملية ظاهر فيها‬
‫الجواز شرعا ً لن العمولة التي يأخذها البنك هي أجرة له على التحصيل فهو‬
‫وض من قبل أصحاب هذه الوراق علما ً أن تحصيلها يتطلب جهدا ً‬ ‫وكيل مف ّ‬
‫كبيرا ً من البنك ويكلفه مصاريف انتقال المحصلين وإرسال الخطارات‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للمدينين والشعارات بسدادهم يقول الستاذ الهمشري‪]:‬وبالتأمل في مفهوم‬


‫كل من التحصيل للوراق التجارية والوكالة أستطيع أن أقرر أن عملية‬
‫التحصيل للوراق التجارية ل تخرج عن كونها عملية توكيل للبنك بأجر وإذا‬
‫أجزنا للمحامي الجر مقابل وكالته في الدفاع سواء أكسب القضية أم‬
‫خسرها فإن الوكيل ‪ -‬البنك ‪ -‬في عملية التحصيل للدين يستحق الجر سواء‬
‫دين في ميعاد‬‫تم التحصيل أم ل لنه قام بالوكالة وحقق المطالبة بسداد ال ّ‬
‫الستحقاق واتخذ كافة وسائل التحصيل الممكنة‪ [ ...‬البنوك السلمية ص‬
‫‪.138-137‬‬
‫وخلصة المر أنه يجوز صرف الشيكات الحالة مع دفع عمولة عليها كما هو‬
‫متعارف الن لدى البنوك والصرافين وأن هذه العمولة تخرج على أنها وكالة‬
‫بأجر‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫التعامل بالشيكات الجلة‬

‫)‪(61 /‬‬

‫التعامل بالشيكات من المور الجائزة شرعا ً ضمن الضوابط الشرعية لذلك‬


‫ومن أهم هذه الضوابط أنه ل يجوز بيع الشيكات المؤجلة بأقل من قيمتها لن‬
‫ذلك من الربا المحرم حيث إن بيع الشيك المؤجل بأقل من قيمته هو في‬
‫الحقيقة بيع دين بنقد مع التفاضل وعدم التقابض في المجلس وهذا ربا‬
‫النسيئة المحرم بالنصوص الشرعية وقد انعقد الجماع على ذلك‪ ،‬فعن أبي‬
‫سعيد الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪):-‬الذهب بالذهب والفضة بالفضة‪ ،‬والُبر بالُبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪،‬‬
‫والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ ،‬مثل ً بمثل‪ ،‬يدا ً بيد‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فقد‬
‫أربى‪ ،‬الخذ والمعطي فيه سواء( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫قال المام النووي‪]:‬قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬يدا ً بيد( حجة للعلماء‬
‫كافة في وجوب التقابض وإن اختلف الجنس[ شرح النووي على صحيح‬
‫مسلم ‪.4/199‬‬
‫وفي رواية أخرى للحديث السابق قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬ل تبيعوا‬
‫الذهب بالذهب إل مثل ً بمثل ول تشفوا بعضها على بعض ‪ -‬أي ل تزيدوا ‪ -‬ول‬
‫تبيعوا الورق ‪-‬الفضة‪ -‬بالورق إل مثل ً بمثل ول تشفوا بعضها على بعض ول‬
‫تبيعوا منها غائبا ً بناجز( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وقد اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من‬
‫المتعاقدين في مجلس العقد قبل افتراقهما ‪.‬قال ابن المنذر‪]:‬أجمع كل من‬
‫نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن‬
‫الصرف فاسد[ المغني ‪.4/41‬‬
‫ويمكن الستعاضة عن بيع الشيكات المؤجلة بأقل من قيمتها بأن يجعل‬
‫الشخص الذي بيده تلك الشيكات مبلغا ً من المال لمن يحصل لك تلك‬
‫الشيكات المؤجلة على أن يدفع له المبلغ المتفق عليه بعد أن يقوم بتحصيلها‬
‫وهذا ما يسمى الجعالة عند الفقهاء وهي تسمية مال معلوم لمن يعمل‬
‫للجاعل عمل ً مباحا ً انظر الموسوعة الفقهية ‪.15/208‬‬
‫وقد قال جمهور أهل العلم بصحة عقد الجعالة ويدل على جوازها قوله‬
‫م { سورة يوسف الية ‪.72‬‬ ‫عي ٌ‬‫ل ب َِعيرٍ وَأ ََنا ب ِهِ َز ِ‬
‫م ُ‬
‫ح ْ‬
‫جاَء ب ِهِ ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫تعالى‪ } :‬وَل ِ َ‬
‫ويدل على جوازها أيضا ما ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي‬ ‫ً‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عنه ‪ -‬قال‪):‬انطلق نفر من أصحاب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في‬
‫سفرة سافروها‪ ،‬حتى نزلوا على حي من أحياء العرب‪ ،‬فاستضافوهم‪ ،‬فأبوا‬
‫أن يضيفوهم‪ ،‬فل ُدِغ َ سيد ذلك الحي‪ ،‬فسعوا له بكل شيء ل ينفعه شيء‪،‬‬
‫فقال بعضهم‪ :‬لو أتيتم هؤلء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم‬
‫شيء‪ ،‬فأتوهم فقالوا‪ :‬يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ‪ ،‬وسعينا له بكل شيء ل‬
‫ينفعه‪ ،‬فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم‪ :‬نعم‪ ،‬والله إني لرقي‪،‬‬
‫ل‪ ،‬فصالحوهم‬ ‫جع ً‬‫ق حتى تجعلوا لنا ُ‬ ‫ولكن استضفناكم فلم تضيفونا‪ ،‬فما أنا برا ٍ‬
‫على قطيع من الغنم‪ ،‬فانطلق يتفل عليه‪ ،‬ويقرأ‪ :‬الحمد لله رب العالمين‪،‬‬
‫فكأنما أنشط من عقال‪ ،‬فانطلق يمشي وما به قَل ََبة – أي علة ‪ ،-‬فقال‬
‫فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬اقتسموا‪ ،‬فقال الذي‬
‫رقى‪ :‬ل تفعلوا حتى نأتي رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فنذكر له الذي‬
‫كان‪ ،‬فننظر ما يأمرنا‪ ،‬فقدموا على رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪،-‬‬
‫فذكروا له ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬وما يدريك أنها رقية؟‪ ،‬ثم قال‪ :‬قد أصبتم‪ ،‬اقتسموا‪،‬‬
‫واضربوا لي معكم سهمًا( رواه البخاري ومسلم‪ .‬وغير ذلك من الدلة‪.‬‬
‫ول بد من التنبيه على أن من شروط صحة الجعالة أن العامل ل يستحق شيئا ً‬
‫إل بعد إنجاز العمل المتفق عليه‪ .‬الموسوعة الفقهية ‪.15/209‬‬
‫‪---‬‬
‫بيع الشيكات المؤجلة بعملة أخرى‬
‫يقوم بعض الناس ببيع شيك مؤجل بالدولر مثل ً بعملة أخرى كالشيكل ولكنه‬
‫يقبض قيمة الشيك بالشيكل بأقل من سعر صرف الدولر مقابل الشيكل‬
‫وهذه العملية تعد نوعا ً من التحايل على الربا المحرم شرعا ً فإن بيع الشيك‬
‫بعملة أخرى هو من باب الصرف ويشترط فيه التقابض في المجلس وعليه‬
‫فل يجوز شرعا ً بيع الشيكات المؤجلة بأقل من قيمتها سواء كان ذلك بنفس‬
‫العملة المذكورة في الشيك أو بغيرها من العملت وسواء كان ذلك بقيمتها‬
‫أو بأقل من قيمتها‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫صرف العملة مع تأجيل القبض‬
‫إن بيع عملة بعملة أخرى يسمى عند الفقهاء عقد الصرف وقد اتفق أهل‬
‫العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من المتعاقدين في‬
‫المجلس قبل افتراقهما‪.‬‬
‫قال ابن المنذر‪]:‬أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا‬
‫افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد[‪.‬‬
‫فلذلك يشترط في عملية بيع عملة بأخرى أن يتم تبادل العملتين في‬
‫المجلس ول يجوز تأجيل قبض إحداهما وإن حصل التأجيل فالعقد باطل ويدل‬
‫على ذلك حديث الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬الذهب بالذهب مثل ً بمثل‬
‫يدا ً بيد والفضة بالفضة مثل ً بمثل يدا ً بيد( رواه مسلم‪.‬‬
‫وبما أن العملت الورقية تقوم مقام الذهب والفضة كما قال كثير من علماء‬
‫العصر فإنه يشترط في بيع هذه العملت بغيرها من العملت التقابض ول‬
‫يجوز التأجيل وبناء على ما تقدم ل يجوز أن يشتري شخص دولرات بشيكلت‬
‫مؤجلة الدفع‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫)‪(62 /‬‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حكم شراء الذهب بالشيكات وحكم بيع الذهب إلى أجل‬


‫إن شراء الذهب بالشيكات يعتبر من باب الصرف عند الفقهاء لن الذهب‬
‫يعتبر الصل في العملت ويشترط في عقد الصرف تقابض البدلين في‬
‫مجلس العقد ويحرم تأجيل أحدهما لما سبق في الحديث )الذهب بالذهب‬
‫والفضة بالفضة‪ ،‬والُبر بالُبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر والملح بالملح‪،‬‬
‫مثل ً بمثل‪ ،‬يدا ً بيد‪ (...‬ومن المعلوم أن الشيكات تقوم مقام النقد‪.‬‬
‫وبناًء على ما تقدم فإنه يجوز بيع وشراء الذهب بأنواعه وأشكاله المختلفة‬
‫بالشيكات بشرط أن تكون الشيكات حاّلة أي يستطيع الصائغ )البائع( صرفها‬
‫فورا ً وبشرط أن يتم استلم الذهب والشيك في مجلس العقد وأما إذا كانت‬
‫الشيكات مؤجلة أي كتب عليها تاريخ متأخر عن تاريخ شراء الذهب ولو بيوم‬
‫واحد فهذه المعاملة محرمة لنها أخلت بشرط التقابض في مجلس العقد‪.‬‬
‫وهنا ينبغي التذكير بأن مذهب جماهير أهل العلم أنه ل يجوز بيع حلي الذهب‬
‫دين كما يقول عامة الناس بل‬ ‫والفضة نسيئة أي مع تأخير قبض الثمن أو بال ّ‬
‫لبد من البيع نقدا ً مع التقابض في مجلس العقد وقد صح في الحديث عن‬
‫أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬ل تبيعوا الذهب بالذهب إل مثل ً‬
‫بمثل ول تشفوا بعضها على بعض ‪-‬أي ل تزيدوا‪ -‬ول تبيعوا الورق ‪-‬الفضة‪-‬‬
‫بالورق إل مثل ً بمثل ول تشفوا بعضها على بعض ول تبيعوا منها غائبا ً بناجز(‬
‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫قال المام النووي‪]:‬قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬ل تبيعوا الذهب بالذهب‬
‫ول الورق بالورق إل سواء بسواء(‪ ،‬قال العلماء‪ :‬هذا يتناول جميع أنواع‬
‫الذهب والورق من جيد ورديء وصحيح ومكسور وحلي وتبر وغير ذلك وسواء‬
‫الخالص والمخلوط بغيره وهذا كله مجمع عليه[ شرح النووي على صحيح‬
‫مسلم ‪.4/195‬‬
‫وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي‪):‬والجيد والرديء والتبر والمضروب‬
‫والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل‬
‫وهذا قول أكثر أهل العلم( المغني ‪.4/8‬‬
‫‪---‬‬
‫حكم بيع الحلي الذهبية القديمة بجديدة‬
‫كثير من النساء عندما يردن بيع الحلي الذهبية القديمة التي لديهن يذهبن إلى‬
‫الصائغ فيعطينه الذهب القديم ويأخذن ذهبا ً جديدا ً ويدفعن فرق السعر‪ ،‬إن‬
‫هذا البيع باطل ول يجوز شرعا ً لنه يشترط في بيع الذهب بالذهب أمران‬
‫أولهما اتحاد الوزن أي التساوي في الوزن والثاني التقابض في مجلس البيع‬
‫والشراء وفي الصورة المذكورة فإن الذهب الجديد لم يساو الذهب القديم‬
‫في الوزن حيث إنه تم دفع الفرق في السعر بينهما‪.‬‬
‫وحتى يكون هذا البيع صحيحا ً فإن المرأة تبيع الذهب القديم إلى الصائغ‬
‫بالسعر الذي يتم التفاق عليه وتقبض الثمن ثم تشتري منه ذهبا ً جديدا ً‬
‫بالسعر الذي يتم التفاق عليه والولى والفضل أن تبيع المرأة الذهب القديم‬
‫إلى الصائغ وتقبض الثمن ثم تذهب إلى السوق فتطلب حاجتها من الذهب‬
‫من غيره من الصاغة فهذا أحسن كما ذهب إليه المام أحمد‪ .‬المغني ‪.4/42‬‬
‫وقد صح في الحديث عن أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬ل تبيعوا‬
‫الذهب بالذهب إل مثل ً بمثل ول تشفوا بعضها على بعض ‪-‬أي ل تزيدوا‪ -‬ول‬
‫تبيعوا الورق ‪-‬الفضة‪ -‬بالورق إل مثل ً بمثل ول تشفوا بعضها على بعض ول‬
‫تبيعوا منها غائبا ً بناجز( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫قال المام النووي‪]:‬قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬ل تبيعوا الذهب بالذهب‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول الورق بالورق إل سواء بسواء(‪ ،‬قال العلماء‪ :‬هذا يتناول جميع أنواع‬
‫الذهب والورق من جيد ورديء وصحيح ومكسور وحلي وتبر وغير ذلك وسواء‬
‫الخالص والمخلوط بغيره وهذا كله مجمع عليه[ شرح النووي على صحيح‬
‫مسلم ‪.4/195‬‬
‫وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي‪]:‬والجيد والرديء والتبر والمضروب‬
‫والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل‬
‫وهذا قول أكثر أهل العلم[ المغني ‪.4/8‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪):-‬الذهب بالذهب وزنا ً بوزن مثل ً بمثل والفضة بالفضة وزنا ً بوزن مثل ً‬
‫بمثل فمن زاد أو استزاد فهو ربا( رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن فضالة بن عبيد ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال‪):‬ل تبيعوا الذهب بالذهب إل وزنا ً بوزن( رواه مسلم‪.‬‬
‫ويؤخذ من هذه الحاديث وغيرها أن الموال الربوية أي التي يجري فيها الربا‬
‫ل يجوز بيع بعضها ببعض إل إذا تساوى الوزن وتم القبض في مجلس العقد‪.‬‬
‫فل يصح بيع الرديء منها بالجيد مع اختلف الوزن وكذلك القديم بالجديد‬
‫ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬
‫)بعث أخا عدي النصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب ‪-‬أي جيد‪-‬‬
‫ل تمر خيبر هكذا؟ قال‪ :‬ل‬ ‫فقال له رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬أك ّ‬
‫والله يا رسول الله إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع ‪ -‬تمر رديء ‪،-‬‬
‫فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬ل تفعلوا ولكن مثل ً بمثل أو بيعوا‬
‫هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان( رواه مسلم‪.‬‬

‫)‪(63 /‬‬

‫وفي رواية أخرى عند مسلم‪ :‬فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬فل‬
‫تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا(‪.‬‬
‫ويدل على ذلك أيضا ً ما ثبت في الحديث عن أبي سعيد ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫قال‪):‬جاء بلل بتمر برني ‪ -‬تمر جيد ‪ -‬فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :-‬من أين هذا؟ فقال بلل‪ :‬تمر كان عندنا رديء فبعت منه صاعين‬
‫بصاع لمطعم النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ :-‬أوه عين الربا ل تفعل لكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع‬
‫آخر ثم اشتر به( رواه مسلم‪ .‬وفي رواية أخرى عند مسلم‪ :‬فقال رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬هذا الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من‬
‫هذا(‪.‬‬
‫وخلصة المر أن الصحيح أن يباع الذهب القديم بالنقود وبعد قبضها من‬
‫طؤ على العقدين‬ ‫الصائغ ُيشترى الذهب الجديد ول ينبغي أن يكون هنالك توا ُ‬
‫والفضل هو بيع القديم لصائغ وشراء الجديد من صائغ آخر‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫صرف دولرات من الفئة الكبيرة بدولرات من الفئة الصغيرة‬
‫ل يجوز شرعا ً بيع الفئة الصغيرة من الدولر المريكي بفئة كبيرة من الدولر‬
‫ل‪ ،‬لن العملت الورقية ‪-‬‬ ‫المريكي مع التفاضل سواء كان ذلك يدا ً بيد أو مؤج ً‬
‫النقود ‪ -‬تقوم مقام الذهب والفضة وبالتالي فإن الربا يجري فيها كما يجري‬
‫في الذهب والفضة فتأخذ النقود الورقية أحكام الذهب والفضة وبناًء عليه ل‬
‫يجوز بيع الجنس الواحد منها بعضه ببعض متفاضل ً سواء كان ذلك نسيئة أو‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يدا ً بيد لقول الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬الذهب بالذهب والفضة‬
‫بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثل ً بمث ٍ‬
‫ل‬
‫سواًء بسواٍء يدا ً بيد فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا ً‬
‫بيد( رواه مسلم‪.‬‬
‫وأرى أن يقوم الصراف بتبديل الفئات الصغيرة من الدولر بعملة أخرى بسعر‬
‫أقل من السعر الذي تبدل به الفئات الكبيرة من الدولر فهذه الصورة جائزة‬
‫ول بأس بها‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫الختلف بين البائع والمشتري بسبب هبوط قيمة العملة‬
‫إذا اشترى شخص سيارة مثل ً بمبلغ تسعين ألف شيكل ودفع بعض ثمنها‬
‫للبائع واتفقا على أن يسدد الباقي بعد شهرين ثم هبطت قيمة الشيكل فهل‬
‫للبائع أن يطالب بتسديد الثمن حسب سعر صرف الشيكل بالنسبة للدينار‬
‫في يوم الشراء؟‬
‫ل يجوز للبائع أن يطالب بتسديد ثمن السيارة حسب سعر صرف الشيكل‬
‫دين قد استقر في ذمة المشتري‬ ‫بالنسبة للدينار في يوم شراء السيارة لن ال ّ‬
‫وهو تسعون ألف شيكل فعلى المشتري أن يسدد الثمن الذي استقر في‬
‫ة أي تسعون ألف شيكل فقط‪.‬‬ ‫ذمته عددا ً ل قيم ً‬
‫وهذا مذهب أكثر الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وكثير من‬
‫دين إذا استقر في ذمة‬ ‫الفقهاء والعلماء المعاصرين حيث إنهم يرون أن ال ّ‬
‫المشتري بمقدار محدد فالواجب هو تسديد ذلك المقدار بدون زيادة أو‬
‫نقصان فالديون تقضى بأمثالها في حالة الرخص والغلء ول تقضى بقيمتها‬
‫جاء في المدونة‪]:‬كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا[‬
‫المدونة ‪.4/25‬‬
‫وقال أبو إسحاق الشيرازي‪]:‬ويجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل‬
‫لن مقتضى القرض رد المثل[ المهذب مع المجموع ‪.12/185‬‬
‫وقال الكاساني‪]:‬ولو لم تكسد ‪-‬النقود‪ -‬ولكنها رخصت قيمتها أو غلت ل‬
‫ينفسخ البيع بالجماع وعلى المشتري أن ينقد مثلها عددا ً ول يلتفت إلى‬
‫القيمة هاهنا[ بدائع الصنائع ‪.5/542‬‬
‫وقال الشيخ ابن عابدين في رسالته عن النقود‪ ...]:‬لن المام السبيجاني في‬
‫شرح الطحاوي قال‪ :‬وأجمعوا على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت‬
‫قيمتها أو رخصت فعليه مثل ما قبض من العدد[ رسالة تنبيه الرقود على‬
‫مسائل النقود ‪ 2/60‬ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين‪.‬‬
‫ويرى شيخ السلم ابن تيمية أيضا ً وجوب رد المثل بل زيادة‪ .‬مجموع الفتاوى‬
‫‪.29/535‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد بحث مجمع الفقه السلمي هذه المسألة بحثا مستفيضا وتوصل العلماء‬
‫المشاركون في المجمع إلى القرار التالي‪]:‬العبرة في وفاء الديون الثابتة‬
‫بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لن الديون تقضى بأمثالها فل يجوز ربط‬
‫الديون الثابتة في الذمة أيا ً كان مصدرها بمستوى السعار[ مجلة مجمع الفقه‬
‫السلمي عدد ‪ ،5‬ج ‪.3/2261‬‬
‫وقد يقول بعض الناس إن رد المثل في القرض والديون فيه ضرٌر للمقرض‬
‫والبائع فنقول لهم‪ :‬إن الضرر ل يزال بضرر مثله كما قرر ذلك الفقهاء‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫دين بعملة أخرى‬ ‫سداد ال ّ‬
‫ل يجوز لمن اقترض مبلغا ً بعملة معينة أن يتفق مع المقترض على سداد‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القرض بعملة أخرى‪ ،‬فإذا استدان شخص ألف دينار أردني فإن الواجب عليه‬
‫سداد ألف دينار أردني فقط‪ ،‬لنها هي الثابتة في ذمته‪.‬‬

‫)‪(64 /‬‬

‫دين بالذهب عند الستدانة ليتم السداد بالذهب‬ ‫وكذلك ل يجوز ربط قيمة ال ّ‬
‫يوم السداد لن اختلف العملة يفسح مجال ً للتفاضل مع التأجيل‪ ،‬فيصير‬
‫قرضا ً ربويا ً كما تدل على ذلك الحاديث النبوية على أن هذه المبادلة تصير‬
‫بيعا ً ممنوعًا‪ ،‬فالذهب بالفضة ل يجوز بيعهما بالجل لنه يصير حينئذٍ صرفا ً‬
‫ل‪ .‬انظر الجامع في أصول الربا ص ‪.283‬‬ ‫مؤج ً‬
‫دين‬‫دين على قضاء ال ّ‬ ‫إل أنه يجوز اتفاق الدائن والمدين في يوم سداد ال ّ‬
‫بعملة أخرى بسعر صرفها في يوم السداد‪ ،‬فمثل ً استدان شخص من آخر‬
‫مبلغ ألف دولر‪ ،‬على أن يسددها بعد سنة‪ ،‬ولما حان يوم السداد‪ ،‬اتفق‬
‫الدائن والمدين على أن يسدد المدين اللف دولر بقيمتها بالدينار الردني‬
‫م فيه السداد‪ ،‬فيجوز ذلك بشرط أن ل يبقى شيء‬ ‫بسعر اليوم الذي ت ّ‬
‫لحدهما في ذمة الخر‪.‬‬
‫وهذا مذهب جماعة من أهل العلم‪ ،‬ويدل عليه ما ورد في الحديث عن ابن‬
‫عمر رضي الله عنهما قال‪):‬كنت أبيع البل في البقيع‪ ،‬فأبيع بالدنانير وآخذ‬
‫بالدراهم‪ ،‬وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير‪ ،‬فأتيت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إني أبيع البل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ‬
‫بالدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير‪ ،‬فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :-‬ل بأس‪ ،‬إذا أخذتهما بسعر يومهما فافترقتما وليس بينكما شيء(‬
‫رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم‪ ،‬وصححه الحاكم‬
‫ووافقه الذهبي‪ ،‬وقال الشيخ الرناؤوط‪ :‬إسناده حسن على شرط مسلم‪.‬‬
‫ي دنانير‪،‬‬ ‫وعن يسار بن نمير قال‪):‬كان لي على رجل دراهم‪ ،‬فعرض عل ّ‬
‫فقلت‪ :‬ل آخذها حتى أسأل عمر‪ ،‬فسألته فقال‪ :‬إئت بها الصيارفة فاعرضها‬
‫فإذا قامت على سعر فإن شئت فخذها‪ ،‬وإن شئت فخذ دراهمك( ذكره ابن‬
‫حزم في المحلى‪.‬‬
‫]وقد قرر مجمع الفقه السلمي ما يلي بالنسبة إلى هذه المسألة‪:‬‬
‫دين الحاصل بعملة معينة ل يجوز التفاق على تسجيله في ذمة المدين‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ :‬ال ّ‬
‫بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب أو من عملة أخرى على معنى أن‬
‫دين بالذهب أو العملة الخرى المتفق على الداء بها‪.‬‬ ‫يلتزم المدين بأداء ال ّ‬
‫دين‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد – ل قبله – على أداء ال ّ‬
‫دين إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد ‪ .‬وكذلك‬ ‫بعملة مغايرة لعملة ال ّ‬
‫يجوز في الدين على أقساط بعملة معينة‪ ،‬التفاق يوم سداد أي قسط على‬
‫أدائه كامل ً بعملة مغايرة بسعر صرفها في ذلك اليوم ‪.‬‬
‫ويشترط في جميع الحوال أن ل يبقى في ذمة المدين شيء مما تمت عليه‬
‫المصارفة في الذمة[‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫دين إذا عجل المدين السداد‬ ‫الخصم من ال ّ‬
‫ً‬
‫إذا استدان شخص من آخر مبلغ عشرة آلف دينار مثل على أن يسددها بعد‬
‫دين قبل‬ ‫مت به حاجة لماله فطالب المدين أن يسدد ال ّ‬ ‫سنة ولكن الدائن أل ّ‬
‫حلول الجل بأربعة أشهر على أن يحسم له خمسمائة دينار فهل يجوز ذلك‬
‫أم ل؟‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تسمى هذه المسألة عند الفقهاء مسألة )ضع وتعجل( وهي مسألة خلفية‬
‫فذهب جمهور أهل العلم إلى منعها وقال آخرون بالجواز وهو منقول عن ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما وبه قال إبراهيم النخعي وابن سيرين وأبو ثور وهو‬
‫راوية عن المام أحمد ومنقول عن المام الشافعي وهو اختيار شيخ السلم‬
‫ابن تيمية وابن القيم وابن عابدين الحنفي وقال به جماعة من العلماء‬
‫المعاصرين كما سيأتي‪.‬‬
‫قال الشيخ ابن قدامة المقدسي‪]:‬إذا كان عليه دين مؤجل فقال لغريمه‪ :‬ضع‬
‫عني بعضه وأعجل لك بقيته لم يجز كرهه زيد بن ثابت وابن عمر والمقداد‬
‫وسعيد بن المسيب وسالم والحسن وحماد والحكم والشافعي ومالك‬
‫والثوري وهشيم وابن علية وإسحاق وأبو حنيفة وقال المقداد لرجلين فعل‬
‫ذلك كلكما قد آذن بحرب من الله ورسوله وروي عن ابن عباس‪ :‬أنه لم ير‬
‫به بأسا ً وروي ذلك عن النخعي وأبي ثور لنه آخذ لبعض حقه تارك لبعضه‬
‫دين حا ّ ً‬
‫ل[ المغني ‪.4/39‬‬ ‫فجاز كما لو كان ال ّ‬
‫وقال العلمة ابن القيم بعد أن ذكر القول بمنع )ضع وتعجل( قال‪]:‬والقول‬
‫الثاني أنه يجوز وهو قول ابن عباس وإحدى الروايتين عن المام أحمد حكاها‬
‫ابن أبي موسى وغيره واختاره شيخنا[ أي شيخ السلم ابن تيمية‪ .‬إعلم‬
‫الموقعين ‪.3/359‬‬
‫وقد احتج هذا الفريق من أهل العلم بما ورد في الحديث عن ابن عباس‬
‫ما أراد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يخرج‬ ‫رضي الله عنهما قال‪):‬ل ّ‬
‫بني النضير قالوا‪ :‬يا رسول الله إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم‬
‫تحل‪ ،‬فقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬ضعوا وتعجلوا( رواه الحاكم وقال هذا‬
‫حديث صحيح السناد‪ .‬المستدرك ‪.2/362‬‬
‫وأخرجه الطبراني في الكبير وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد‬
‫وثق كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد ‪ ،4/130‬ورواه البيهقي في السنن‬
‫الكبرى ‪ ،6/28‬وقال إنه ضعيف لضعف مسلم بن خالد الزنجي‪.‬‬
‫وروى البيهقي بإسناده‪]:‬أن ابن عباس كان ل يرى بأسا ً أن يقول أعجل لك‬
‫وتضع عني[ سنن البيهقي ‪.6/28‬‬

‫)‪(65 /‬‬

‫وتضعيف مسلم بن خالد الزنجي غير مسّلم قال الذهبي عنه‪]:‬المام فقيه‬
‫مكة[ ثم ذكر اختلف العلماء في توثيقه وتجريحه فقال‪]:‬قال يحيى بن معين‬
‫ليس به بأس‪ ،‬وقال البخاري‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬وقال أبو حاتم‪ :‬ل يحتج به‪ ،‬وقال‬
‫ابن عدي‪ :‬حسن الحديث أرجو أنه ل بأس به‪ ،‬وقال أبو داود‪ :‬ضعيف‪ .‬قلت‬
‫‪-‬أي الذهبي‪ :-‬بعض النقاد يرقي حديث مسلم إلى درجة الحسن[ سير أعلم‬
‫النبلء ‪.177-8/176‬‬
‫وسبق كلم الهيثمي أن مسلم بن خالد الزنجي قد وثق وهو شيخ المام‬
‫الشافعي وقد روى عنه المام الشافعي واحتج به!‬
‫قال ابن القيم بعد أن ساق الحديث‪]:‬قلت هو على شرط السنن وقد ضعفه‬
‫البيهقي وإسناده ثقات وإنما ضعف بمسلم بن خالد الزنجي وهو ثقة فقيه‬
‫روى عنه الشافعي واحتج به[ إغاثة اللهفان ‪ .2/13‬وبهذا يظهر لنا أن الحديث‬
‫صالح للحتجاج به‪.‬‬
‫وقال هذا الفريق من أهل العلم إن مسألة ضع وتعجل تعتبر من قبيل الصلح‬
‫وليس فيها مخالفة لقواعد الشرع وأصوله بل حكمة الشرع ومصالح‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المكلفين تقتضي أن المدين والدائن قد اتفقا وتراضيا على أن يتنازل الول‬


‫عن الجل والدائن عن بعض حقه فهو من قبيل الصلح والصلح جائٌز بين‬
‫ل‪ .‬الربا والمعاملت المصرفية ص‬ ‫ل حراما ً وحرم حل ً‬ ‫المسلمين إل صلحا ً أح ّ‬
‫‪.237‬‬
‫وأجاب العلمة ابن القيم عن دعوى أن مسألة ضع وتعجل من باب الربا‬
‫بقوله‪]:‬لن هذا عكس الربا فإن الربا يتضمن الزيادة في أحد العوضين في‬
‫مقابلة الجل وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط‬
‫الجل فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الجل فانتفع به كل‬
‫ة ول عرفا ً فإن الربا الزيادة وهي‬ ‫ة ول لغ ً‬ ‫واحد منهما ولم يكن هنا ربا ً ل حقيق ً‬
‫منتفية ههنا والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا ول يخفى الفرق‬
‫الواضح بين قوله‪ :‬إما أن تربي وإما أن تقضي‪ ،‬وبين قوله‪ :‬عجل لي وأهب‬
‫لك مائة‪ .‬فأين أحدهما من الخر؟ فل نص في تحريم ذلك ول إجماع ول‬
‫قياس صحيح[ إعلم الموقعين ‪.3/359‬‬
‫وقال ابن القيم أيضًا‪]:‬قالوا‪ :‬وهذا ضد الربا فإن ذلك يتضمن الزيادة في‬
‫دين وذلك إضرار محض بالغريم ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم‬ ‫الجل و ال ّ‬
‫دين وانتفاع صاحبه بما يتعجله فكلهما حصل له النتفاع من غير ضرر‬ ‫من ال ّ‬
‫دين‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫برب‬ ‫مختص‬ ‫ونفعه‬ ‫بالمدين‬ ‫لحق‬ ‫ضرره‬ ‫فإن‬ ‫عليه‬ ‫المجمع‬ ‫الربا‬ ‫بخلف‬
‫فهذا من الربا صورة ومعنى[ إغاثة اللهفان ‪.2/13‬‬
‫وقد أجاز مجمع الفقه السلمي مسألة ضع وتعجل عند بحثه لبيع التقسيط‬
‫دين المؤجل لجل تعجيله‬ ‫فقد جاء في قرار المجمع ما يلي‪]:‬الحطيطة من ال ّ‬
‫ً‬
‫سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين )ضع وتعجل( جائزة شرعا ل تدخل في‬
‫الربا المحرم إذا لم تكن بناًء على اتفاق مسبق وما دامت العلقة بين الدائن‬
‫والمدين ثنائية فإذا دخل طرف ثالث لم تجز لنها تأخذ عندئذ حكم حسم‬
‫الوراق التجارية[ مجلة مجمع الفقه السلمي ‪ .7/2/218‬كما وأجازت هذه‬
‫المسألة عدد من الهيئات العلمية الشرعية‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫ل يجوز الشتراط في القرض دفع غرامة مالية إذا تأخر المقترض في السداد‬
‫القرض الحسن مشروع بكتاب الله وسنة رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫فه ل َ َ‬
‫ضَعاًفا‬ ‫هأ ْ‬ ‫ع َ ُ ُ‬
‫ضا ِ‬‫سًنا فَي ُ َ‬
‫ح َ‬
‫ضا َ‬ ‫ض الل ّ َ‬
‫ه قَْر ً‬ ‫قرِ ُ‬ ‫ن َذا ال ّ ِ‬
‫ذي ي ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫‪ ،-‬فقد قال تعالى‪َ } :‬‬
‫ك َِثيَرة ً { سورة البقرة‪ .245/‬ووجه الدللة فيه‪ ،‬أن الله سبحانه وتعالى شبه‬
‫العمال الصالحة والنفاق في سبيل الله بالمال المقَرض‪ ،‬وشبه الجزاء‬
‫المضاعف على ذلك ببدل القرض شيئا ً ليأخذ عوضه‪ ،‬ومشروعية المشبه تدل‬
‫على مشروعية المشبه به‪ ،‬عقد القرض ص ‪. 13‬‬
‫وثبت في الحديث الصحيح‪ ،‬عن أبي رافع ‪ -‬رضي الله عنه ‪) -‬أن النبي ‪ -‬صلى‬
‫كرا ً ‪-‬أي جمل ً فتيًا‪ -‬فقدمت على الرسول‬ ‫الله عليه وسلم ‪ -‬استلف من رجل ب َ ْ‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إبل الصدقة‪ ،‬فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬لم أجد فيها إل خيارا ً رباعيا ً ‪ -‬أي جمل ً كبيرا ً ‪ ، -‬فقال‪:‬‬
‫أعطه‪ ،‬فإن خير الناس أحسنهم قضاًء( رواه مسلم‪.‬‬
‫غب فيه شرعا ويدخل ذلك في عموم‬ ‫ً‬ ‫وإقراض المعسر وتفريج كربه أمر مر ّ‬
‫فس عن مؤمن كربة من كرب‬ ‫قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من ن ّ‬
‫سر على معسر‪،‬‬ ‫فس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن ي ّ‬ ‫الدنيا‪ ،‬ن ّ‬
‫ً‬
‫سر الله عليه في الدنيا والخرة‪ ،‬ومن ستر مسلما‪ ،‬ستره الله في الدنيا‬ ‫ي ّ‬
‫والخرة‪ ،‬والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه( رواه مسلم‪.‬‬
‫رض أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى فقد جاء في الحديث عن ابن‬ ‫وللمق ِ‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مسعود أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬ما من مسلم يقرض مسلما ً‬
‫قرضا ً مرتين‪ ،‬إل كان كصدقة مرة( رواه ابن حبان في صحيحه وابن ماجة‬
‫والطبراني وهو حديث حسن‪.‬‬
‫ن القروض تقضى بأمثالها‪ ،‬ول يجوز شرعا ً الزيادة‬
‫وينبغي أن يعلم أ ّ‬
‫المشروطة في رد بدل القرض‪ ،‬وكل زيادة تعتبر من باب الربا‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن عبد البر‪]:‬وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسِلف‬
‫فهو ربا‪ ،‬ولو كانت قبضة من علف‪ ،‬وذلك حرام إن كان بشرط[‪.‬‬

‫)‪(66 /‬‬

‫وقال ابن المنذر‪]:‬أجمعوا على أن المسِلف إذا شرط على المستلف زيادة أو‬
‫هدية فأسلف على ذلك‪ ،‬إن أخذ الزيادة ربا[ الموسوعة الفقهية ‪.33/130‬‬
‫وهنا ل بد من التنبيه على بعض القضايا المهمة والمتعلقة بالقروض‪:‬‬
‫ل‪ :‬يحرم على الغني أن يماطل فيما وجب عليه من ّديون وكذلك من وجد‬ ‫أو ً‬
‫أداًء لحق عليه وإن كان فقيرا ً تحرم عليه المماطلة‪ ،‬وقد ثبت في الحديث‬
‫الصحيح عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪):-‬مطل الغني ظلم( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪]:‬والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر‪ ،‬والغني‬
‫مختلف في تعريفه ولكن المراد به هنا من قدر على الداء فأخره ولو كان‬
‫فقيرًا[ فتح الباري ‪.5/371‬‬
‫وقال الحافظ أيضًا‪]:‬وفي الحديث الزجر عن المطل‪ ،‬واختلف هل يعد فعله‬
‫سق[ فتح الباري ‪.5/372‬‬ ‫عمدا ً كبيرة أم ل؟ فالجمهور على أن فاعله يف ّ‬
‫ي الواجد‬
‫وكما جاء في الحديث أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬ل ّ‬
‫يحل عرضه وعقوبته( رواه أبو داود والنسائي وأحمد بإسناد حسن كما قال‬
‫الحافظ ابن حجر في فتح الباري ‪.5/459‬‬
‫وذكره المام البخاري تعليقا ً فقال‪]:‬باب لصاحب الحق مقال‪ ،‬ويذكر عن النبي‬
‫ً‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬لي الواجد يحل عرضه وعقوبته(‪.‬‬
‫قال سفيان‪) :‬يحل عرضه( تقول‪ :‬مطلتني‪ ،‬وعقوبته الحبس‪ ،‬والمراد بقوله‬
‫ي الواجد( أي مماطلة من يجد أداء الحقوق التي عليه‪ ،‬وقوله )يحل عرضه‬ ‫)ل ّ‬
‫وعقوبته( المراد به كما فسره سفيان أن يقول صاحب الحق‪ ،‬أو صاحب‬
‫دين‪ :‬مطلني فلن‪ ،‬وعقوبته أن يسجن‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫وأخيرا ً ينبغي أن أنبه إلى أن هذا الحكم إنما هو في حق الغني المماطل وأما‬
‫إذا كان المدين معسرا ً فإن الله سبحانه وتعالى طلب إنظاره إلى ميسرة‪،‬‬
‫سَرةٍ { سورة البقرة‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرة ٌ إ َِلى َ‬
‫مي ْ َ‬ ‫ن ُذو عُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫كما قال تعالى‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫الية ‪.280‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن ماطل المدين الموسر‪ ،‬فيحرم شرعا فرض أية غرامة مالية عليه‪،‬‬
‫ً‬
‫في حال التأخر عن السداد لن ذلك يعتبر من الربا‪ ،‬وهذا ما قرره أكثر‬
‫الفقهاء قديما ً وحديثًا‪ ،‬وأخذت به المجامع الفقهية المعتمدة‪ ،‬فقد جاء في‬
‫قرار مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم السلمي‪ ،‬بمكة المكرمة‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫]نظر المجمع الفقهي في موضوع السؤال التالي‪ ،‬إذا تأخر المدين عن سداد‬
‫دين في المدة المحددة‪ ،‬فهل للبنك الحق أن يفرض على المدين غرامة‬ ‫ال ّ‬
‫مالية‪ ،‬جزائية بنسبة معينة بسبب التأخر عن السداد في الموعد المحدد‬
‫بينهما؟‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجواب‪ :‬وبعد البحث والدراسة‪ ،‬قرر المجمع الفقهي بالجماع ما يلي‪ :‬إن‬
‫الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغا ً من المال‬
‫غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة‪ ،‬إذا تأخر عن السداد في الموعد‬
‫المحدد بينهما‪ ،‬فهو شرط أو فرض باطل‪ ،‬ول يجب الوفاء به‪ ،‬ول يحل سواءً‬
‫أكان الشارط هو المصرف أو غيره‪ ،‬لن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل‬
‫القرآن بتحريمه[‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬إن هذا الكلم يشجع المدينين على المماطلة وعدم الوفاء‬
‫دين‪ ،‬ونقول يمكن للمقرض أن يشترط على المدين أنه في حالة تأخره‬ ‫بال ّ‬
‫ل بقية القساط ويمكن اتخاذ أمور‬ ‫دين تح ّ‬
‫عن سداد قسط من أقساط ال ّ‬
‫أخرى ضد المدين المماطل كمطالبة الكفلء وغير ذلك‪ .‬وسيأتي تفصيل ذلك‬
‫لحقًا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ل يجوز شرعا ً ربط الديون بمستوى السعار أو جدول غلء المعيشة‪،‬‬
‫فقد قرر مجمع الفقه السلمي في دورته الخامسة ما يلي‪]:‬العبرة في وفاء‬
‫الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لن الديون تقضى بأمثالها‬
‫فل يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيا ً كان مصدرها بمستوى السعار[‬
‫مجلة مجمع الفقه السلمي‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬الجزء الثالث ص ‪.2261‬‬
‫‪---‬‬
‫ل يصح اشتراط عقدٍ آخر مع القرض‬
‫ل يجوز شرعا ً للمقرض أن يشترط أي عقد آخر مع القرض‪ ،‬كالبيع أو‬
‫الجارة‪ ،‬أو يشترط أن يقرضه المقترض‪ ،‬وهذا مذهب جمهور أهل العلم لما‬
‫ثبت في الحديث‪ ،‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬ل يحل سلف وبيع(‬
‫رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم‪ ،‬وقال الترمذي‪:‬‬
‫حديث حسن صحيح‪ ،‬وقال العلمة اللباني‪ :‬حسن‪ ،‬إرواء الغليل ‪.5/146‬‬
‫قال الشيخ مل علي القاري‪]:‬ل يحل سلف وبيع‪ ،‬أي معه يعني مع السلف‪،‬‬
‫بأن يكون أحدهما مشروطا ً في الخر‪.‬‬
‫قال القاضي رحمه الله‪]:‬السلف يطلق على السلم والقرض والمراد هنا‬
‫ل‪ :‬بعتك هذا‬ ‫شرط القرض‪ ...‬أي ل يحل بيع مع شرط سلف بأن يقول مث ً‬
‫الثوب بعشرة على أن تقرضني عشرة‪ ،‬نفي الحل اللزم للصحة ليدل على‬
‫الفساد من طريق الملزمة[ مرقاة المفاتيح ‪.6/89‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪]:‬معنى الحديث أن ل يجمع بين معاوضة وتبرع‬
‫لن ذلك التبرع إنما كان لجل المعاوضة ل تبرعا ً مطلقا ً فيصير جزءا ً من‬
‫العوض[ مجموع الفتاوى ‪.63 - 29/62‬‬

‫)‪(67 /‬‬

‫وقال الشيخ ابن القيم‪]:‬وأما السلف والبيع فلنه إذا أقرضه مئة إلى سنة‪ ،‬ثم‬
‫باعه ما يساوي خمسين بمائة‪ ،‬فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيادة في‬
‫القرض الذي موجبه رد ّ المثل ولول هذا البيع لما أقرضه‪ ،‬ولول عقد القرض‬
‫لما اشترى ذلك[ تهذيب سنن أبي داود ‪.296 - 9/295‬‬
‫‪---‬‬
‫دين‬ ‫المماطلة في سداد ال ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫دين تساهل كبيرا فتراهم‬ ‫ً‬
‫سف له أن كثيرا من الناس يتساهلون في ال ّ‬ ‫مما يؤ َ‬
‫يشترون البضاعة ويطلبون من البائع أن يمهلهم حتى استلم رواتبهم أو حتى‬
‫دين وقد تمضي‬ ‫وفون في سداد ال ّ‬ ‫نهاية الشهر أو نحو ذلك ثم يماطلون ويس ّ‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليهم الشهور والسنون وهم كذلك مع مقدرتهم على قضاء ديونهم‪ ،‬إن ما‬
‫يقوم به هؤلء الناس ما هو إل أكل لموال الناس بالباطل وقد قال الله‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬‫ل إ ِّل أ ْ‬ ‫م ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫وال َك ُ ْ‬
‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مُنوا َل ت َأك ُُلوا أ ْ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ما { سورة‬ ‫حي ً‬
‫م َر ِ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫قت ُُلوا أ َن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫م وََل ت َ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ض ِ‬ ‫ن ت ََرا ٍ‬ ‫جاَرة ً عَ ْ‬
‫تِ َ‬
‫النساء الية ‪.29‬‬
‫وقد حذر النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أمثال هؤلء الذين يأخذون أموال‬
‫الناس ويماطلون فيها فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬من أخذ أموال الناس يريد أداءها‬
‫أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلفها أتلفه الله( رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن عمران بن حصين ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬كانت ميمونة تدان فتكثر‬
‫دين وقد‬ ‫فقال لها أهلها في ذلك ولموها ووجدوا عليها فقالت‪ :‬ل أترك ال ّ‬
‫دان دينا ً‬ ‫سمعت خليلي وصفيي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول‪ :‬ما من أحد ي ّ‬
‫يعلم الله منه أنه يريد قضاءه إل أداه الله عنه في الدنيا( رواه النسائي وابن‬
‫ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح كما قال العلمة اللباني في صحيح ابن‬
‫ماجة ‪.2/52‬‬
‫وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫م دينار ول درهم(‬ ‫‪):-‬من مات وعليه دينار أو درهم قضي من حسناته ليس ث ّ‬
‫رواه ابن ماجة وصححه العلمة اللباني في صحيح سنن ابن ماجة ‪.2/53‬‬
‫وعن صهيب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫)أيما رجل يدين دينا ً وهو مجمع على أن ل يوفيه إياه لقي الله سارقًا( رواه‬
‫ابن ماجة والبيهقي وقال العلمة اللباني‪ :‬حسن صحيح‪ .‬المصدر السابق‬
‫‪.2/52‬‬
‫دين كما جاء في حديث‬ ‫وقد كان النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يتعوذ من ال ّ‬
‫أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬دخل رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من النصار يقال له أبو أمامة جالسا ً‬
‫فيه فقال‪ :‬يا أبا أمامة ما لي أراك جالسا ً في المسجد في غير وقت الصلة؟‬
‫قال‪ :‬هموم لزمتني وديون يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬أفل أعّلمك كلما ً إذا قلته‬
‫أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ فقال‪ :‬بلى يا رسول الله‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قل إذا أصبحت وأمسيت‪ :‬اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من‬
‫دين وقهر‬ ‫العجز والكسل وأعوذ بك من البخل والجبن وأعوذ بك من غلبة ال ّ‬
‫الرجال‪ .‬قال‪ :‬فقلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني( رواه‬
‫أبو داود‪.‬‬
‫دين وخاصة أن النسان قد يموت‬ ‫فل ينبغي لحد من الناس أن يتساهل في ال ّ‬
‫ّ‬
‫وهو مدين ويكون بذلك على خطرٍ عظيم لن نفس المؤمن تكون معلقة‬
‫بدينه‪ ،‬فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬نفس المؤمن معّلقة بدينه حتى يقضى عنه(‬
‫رواه أحمد والترمذي وقال‪ :‬حديث حسن‪ ،‬ورواه الحاكم وصححه ووافقه‬
‫الذهبي‪.‬‬
‫فناه وحّنطناه ثم‬ ‫سلناه وك ّ‬ ‫وعن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬توفي رجل فغ ّ‬
‫أتينا به رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يصلي عليه‪ ،‬فقلنا‪ :‬تصلي عليه؟‬
‫فخطا نحوه خطوة ثم قال‪ :‬أعليه دين؟ قلنا‪ :‬ديناران‪ ،‬فانصرف فتحملهما أبو‬
‫ي‪ ،‬فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله‬ ‫قتادة فأتيناه‪ ،‬فقال أبو قتادة‪ :‬الديناران عل ّ‬
‫عليه وسلم ‪ :-‬قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال‪ :‬نعم فصلى‬
‫عليه‪ ،‬ثم قال بعد ذلك بيوم‪ :‬ما فعل الديناران؟ قلت‪ :‬إنما مات أمس‪ ،‬فعاد‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إليه من الغد فقال‪ :‬قد قضيتهما‪ ،‬فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬
‫الن بّرْدت جلدته( رواه أحمد بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري في‬
‫الترغيب والترهيب ‪.2/591‬‬
‫من عليه دين‬ ‫ّ‬ ‫ع‬ ‫الصلة‬ ‫عن‬ ‫يمتنع‬ ‫‪-‬‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫وقد كان النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫حتى يقضى دينه فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪):-‬أن‬
‫دين‬‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان يؤتى بالرجل الميت عليه ال ّ‬
‫فيسأل‪ :‬هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صّلى عليه‪ ،‬وإل قال‪:‬‬
‫صلوا على صاحبكم‪ .‬فلما فتح الله عليه الفتوح قال‪ :‬أنا أولى بالمؤمنين من‬
‫ي قضاؤه ومن ترك مال ً فهو لورثته( رواه‬ ‫أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعل ّ‬
‫مسلم‪.‬‬

‫)‪(68 /‬‬

‫ويجب أن يعلم أن هؤلء الذين يتلعبون بأموال الناس ويماطلون في تسديد‬


‫دين محرمة مع القدرة على الداء فقد جاء في‬ ‫دين أن المماطلة في أداء ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫الحديث عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال‪):‬مطل الغني ظلم( متفق عليه‪.‬‬
‫قال المام النووي‪]:‬قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬مطل الغني ظلم( قال‬
‫القاضي وغيره‪ :‬المطل منع قضاء ما استحق أداؤه فمطل الغني ظلم‬
‫وحرام[ شرح النووي على صحيح مسلم ‪.175-4/174‬‬
‫دين واجب باتفاق بدللة الحاديث‬ ‫ومن المعلوم عند أهل العلم أن أداء ال ّ‬
‫الصحيحة الواردة في تحريم مال الغير كما قال القرطبي في تفسيره‬
‫‪.3/415‬‬
‫دين من أموال الميت فهو مقدم على الوصية وإن ذكرت‬ ‫ولهمية قضاء ال ّ‬
‫ن { سورة النساء‬ ‫َ‬
‫صى ب َِها أوْ د َي ْ ٍ‬ ‫صي ّةٍ ُيو َ‬ ‫ن ب َعْد ِ وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قبله في قول الله تعالى‪ِ } :‬‬
‫دين يقضى عن الميت قبل‬ ‫الية ‪ ،12‬وعلى هذا أكثر أهل العلم‪ .‬وكذلك فإن ال ّ‬
‫توزيع تركته‪.‬‬
‫وأخيرا ً أنبه الدائنين أن يوثقوا ديونهم ويكتبوها ويشهدوا على ذلك لن ذمم‬
‫دين إن لم يكن‬ ‫كثير من الناس قد خربت وفسدت وكثير من هؤلء ينكرون ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلى‬ ‫م ب ِد َي ْ ٍ‬ ‫داي َن ْت ُ ْ‬ ‫مُنوا إ َِذا ت َ َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫موثقا ً بالكتابة وقد قال الله تعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب كَ َ‬
‫ما‬ ‫ن ي َك ْت ُ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫كات ِ ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫ل وََل ي َأ َ‬ ‫ب ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫كات ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ب ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫مى َفاك ْت ُُبوه ُ وَل ْي َك ْت ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫أ َ‬
‫شي ًْئا‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ه وََل ي َب ْ َ‬ ‫ه َرب ّ ُ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫ْ‬
‫حقّ َوَلي َت ّ ِ‬ ‫ذي عَل َي ْهِ ال ْ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ب وَل ْي ُ ْ‬ ‫ه فَل ْي َك ْت ُ ْ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫عَل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫مل ِ ْ‬ ‫ل هُوَ فَل ْي ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫طيعُ أ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫فا أوْ َل ي َ ْ‬ ‫ضِعي ً‬ ‫فيًها أوْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫حقّ َ‬ ‫ذي عَل َي ْهِ ال ْ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ل‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن فََر ُ‬ ‫كوَنا َر ُ َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫جال ِك ُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ه ِبال ْعَد ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫ن رِ َ‬
‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫شِهيد َي ْ ِ‬ ‫شهِ ُ‬ ‫ل َوا ْ‬
‫َ‬
‫وَل ِي ّ ُ‬
‫خَرى‬ ‫ما اْل ْ‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ما فَت ُذ َك َّر إ ِ ْ‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫داِء أ ْ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضو ْ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫مَر ْأَتا ِ‬ ‫َوا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جل ِ ِ‬ ‫صِغيًرا أوْ ك َِبيًرا إ ِلى أ َ‬ ‫ن ت َك ْت ُُبوه ُ َ‬ ‫موا أ ْ‬ ‫سأ ُ‬ ‫عوا وَل ت َ ْ‬ ‫ما د ُ ُ‬ ‫داُء إ َِذا َ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وََل ي َأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ َل ِك ُ َ‬
‫جاَرةً‬ ‫ن تِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫شَهاد َةِ وَأد َْنى أّل ت َْرَتاُبوا إ ِّل أ ْ‬ ‫م ِلل ّ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَأقْوَ ُ‬ ‫ط ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م أقْ َ‬ ‫ْ‬
‫م وََل‬ ‫دوا إ َِذا ت ََباي َعْت ُْ‬ ‫شهِ ُ‬ ‫ها وَأ َ ْ‬ ‫ح أ َّل ت َك ْت ُُبو َ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫س عَل َي ْك ُْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ها‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫دي‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ض َ‬ ‫حا ِ‬ ‫َ‬
‫هّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫مك ُ‬ ‫ّ‬
‫ه وَي ُعَل ُ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫م َوات ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫سوقٌ ب ِك ْ‬ ‫ه فُ ُ‬ ‫فعَلوا فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫شِهيد ٌ وَإ ِ ْ‬ ‫ب وَل َ‬ ‫َ‬ ‫ضاّر كات ِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫يُ َ‬
‫م { سورة البقرة الية ‪.282‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه ب ِك ّ‬ ‫َوالل ُ‬‫ّ‬
‫‪---‬‬
‫عقد المضاربة‬
‫إذا اتفق شخص مع آخر على أن يدفع له مبلغا من المال ليتاجر له بأنواع‬ ‫ً‬
‫معينة من البضائع فهذا التفاق يعتبر عقد مضاربة عند الفقهاء ويسميه بعض‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلماء عقد قراض أيضًا‪ ،‬والمضاربة مشروعة عند أهل العلم وإن لم يرد‬
‫نص صحيح صريح من الكتاب والسنة في خصوصها قال الشيخ ابن حزم‪:‬‬
‫] كل أبواب الفقه ليس منها باب إل وله أصل في القرآن والسنة حاشا‬
‫القراض فما وجدنا له أصل ً فيهما البتة ولكنه إجماع صحيح مجرد[ نيل الوطار‬
‫‪ .5/301‬وقال ابن المنذر‪]:‬وأجمعوا على أن القراض بالدنانير والدراهم جائز[‬
‫الجماع ص ‪.58‬‬
‫وقد استدل العلماء على جواز المضاربة بأدلة عامة من كتاب الله وسنة‬
‫رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬واحتجوا ببعض الحاديث والثار في ذلك كما‬
‫سأبين‪.‬‬
‫قال الماوردي‪]:‬والصل في إحلل القراض وإباحته عموم قول الله عز وجل‪:‬‬
‫} ل َيس عَل َيك ُم جنا َ‬
‫م { سورة البقرة الية ‪،198‬‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫ضًل ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ت َب ْت َُغوا فَ ْ‬
‫حأ ْ‬‫ْ ْ ُ َ ٌ‬ ‫ْ َ‬
‫وفي القراض ابتغاء فضل وطلب نماء[ الحاوي الكبير ‪.7/305‬‬
‫وجاء عن حكيم بن حزام ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬صاحب رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪):-‬أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مال ً مقارضة يضرب له‬
‫به أن ل تجعل مالي في كبد رطبة ول تحمله في بحر ول تنزل به بطن مسيل‬
‫فإن فعلت شيئا ً من ذلك فقد ضمنت مالي( رواه البيهقي والدارقطني وقوى‬
‫الحافظ إسناده كما ذكر الشوكاني في نيل الوطار ‪.5/300‬‬

‫)‪(69 /‬‬

‫وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال‪):‬خرج عبد الله وعبيد الله ابنا‬
‫عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفل مّرا على أبي موسى‬
‫الشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسّهل ثم قال‪ :‬لو أقدر لكما على أمر‬
‫أنفعكما به لفعلت‪ ،‬ثم قال‪ :‬بلى هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى‬
‫أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعا ً من متاع العراق ثم تبيعانه‬
‫بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما فقال‪:‬‬
‫وددنا ذلك ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهم المال فلما قدما‬
‫باعا فأربحا فلما دفعا ذلك إلى عمر قال‪ :‬أكل الجيش أسلفه مثل ما‬
‫أسلفكما؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب‪ :‬ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما أديا‬
‫المال وربحه فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال‪ :‬ما ينبغي لك يا أمير‬
‫المؤمنين هذا لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه فقال عمر‪ :‬أدياه فسكت‬
‫عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر‪ :‬يا أمير المؤمنين لو‬
‫جعلته قراضا ً فقال عمر‪ :‬قد جعلته قراضا ً فأخذ عمر رأس المال ونصف‬
‫ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال( ورواه‬
‫الدارقطني أيضًا‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر وإسناده صحيح‪ ،‬نيل الوطار ‪،5/300‬‬
‫وانظر الستذكار ‪.21/120‬‬
‫وقد وردت آثار أخرى عن الصحابة كعلي وابن مسعود وابن عباس وجابر‬
‫وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين‪ ،‬قال الشوكاني‪]:‬فهذه الثار تدل على أن‬
‫المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير إجماعا ً منهم على الجواز[‬
‫نيل الوطار ‪.301-5/300‬‬
‫ويشترط لصحة المضاربة أن يكون نصيب كل من المتعاقدين من الربح‬
‫معلوما ً على أن يكون جزءا ً مشاعا ً كنسبة مئوية ‪ %10‬أو ‪ %15‬أو ‪%40‬‬
‫على حسب ما يتفقان‪ .‬قال ابن المنذر‪]:‬أجمع أهل العلم على أن للعامل أن‬
‫يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو يجمعان عليه بعد أن يكون‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك معلوما ً جزءا ً من أجزاء[ المغني ‪.5/23‬‬


‫ول يجوز أن يكون الربح مبلغا ً محددا ً فإن حصل ذلك أدى ذلك إلى فساد عقد‬
‫المضاربة‪.‬‬
‫ومن المور المهمة في عقد المضاربة أن الخسارة إن حصلت يتحملها‬
‫صاحب المال دون العامل لن العامل يخسر جهده وعمله‪ ،‬إل إذا كانت‬
‫ط محدد‪ ،‬فخالف العامل ذلك الشرط فإنه‬ ‫المضاربة مقيدة ومشروطة بشر ٍ‬
‫حينئذ ٍ يضمن‪ ،‬كأن يشترط صاحب المال على العامل أل يتاجر بالسيارات‬
‫ل‪ ،‬فتاجر العامل بالسيارات فخسر فحينئذٍ فإن العامل ضامن لنه خالف‬ ‫مث ً‬
‫الشرط الذي اتفق عليه‪.‬‬
‫ول بد من تحديد نصيب كل من الشريكين أو الشركاء من الربح نصا ً صريحا ً‬
‫يمنع النزاع والخلف وليكون كل منهم على بصيرة من المر‪.‬‬
‫وأخيرا ً أنبه على أنه يجوز توقيت المضاربة بمدة معينة على الراجح من أقوال‬
‫العلماء وهو قول الحنفية والحنابلة قال الشيخ ابن قدامة المقدسي‪]:‬ويصح‬
‫تأقيت المضاربة مثل أن يقول‪ :‬ضاربتك على هذه الدراهم سنة فإذا انقضت‬
‫فل تبع ول تشتر قال مهنا‪ :‬سألت أحمد عن رجل أعطى رجل ً ألفا مضاربة‬
‫شهرا ً قال‪ :‬إذا مضى شهر يكون قرضا ً قال‪ :‬ل بأس به‪ [...‬المغني ‪،5/50‬‬
‫وانظر الختيار لتعليل المختار ‪.3/21‬‬
‫‪---‬‬
‫ل تجوز المشاركة بالمال مقابل مبلغ ثابت من الربح‬
‫إذا اتفق شخص مع أحد التجار ليدخله شريكا ً في تجارته لمدة ثلث سنوات‬
‫على أن يدفع للتاجر مبلغ عشرة آلف دينار وشرط عليه أن يعطيه مائة دينار‬
‫شهريا ً وأن يرد له العشرة آلف دينار عند انتهاء المدة المتفق عليها فهذه‬
‫المعاملة باطلة شرعا ً من وجهين‪:‬‬
‫الول منهما أنها في حقيقتها قرض ربوي فالتاجر اقترض من الشخص عشرة‬
‫آلف دينار على أن يدفع له ربا )فائدة( على المبلغ وهي مئة دينار شهريا ً لن‬
‫العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني ل باللفاظ والمباني كما قرر ذلك‬
‫فقهاؤنا قال العلمة ابن القيم‪]:‬قواعد الفقه وأصوله تشهد أن المرعي في‬
‫العقود حقائقها ومعانيها ل صورها وألفاظها[ زاد المعاد ‪ .5/200‬وقال في‬
‫موضع آخر‪]:‬والتحقيق أنه ل فرق بين لفظ ولفظ فالعتبار في العقود‬
‫بحقائقها ومقاصدها ل بمجرد ألفاظها[ زاد المعاد ‪ .5/813‬فكون المتعاقدين‬
‫ميا العقد بينهما شركة فهذا ل يغير من حقيقة كونها ربا شيئا ً بناء على‬ ‫قد س ّ‬
‫القاعدة السابقة‪ .‬والشركة المقصودة هي شركة المضاربة وعقد المضاربة‬
‫المعروف عند الفقهاء هو شركة تقوم على العمل من العامل والمال من‬
‫صاحب المال ويجب أن يكون الربح بينهما نسبة شائعة كالربع أو الثلث مثل ً‬
‫أو نسبة مئوية مثل ‪ %25‬أو حسبما يتفقان عليه‪ ،‬وتكون الخسارة على‬
‫صاحب المال وأما العامل فيخسر جهده وعمله وتبطل المضاربة إذا اشترط‬
‫أحدهما مبلغا ً مقطوعًا‪.‬‬

‫)‪(70 /‬‬

‫قال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحا ً قول الخرقي‪]:‬ول يجوز أن يجعل‬
‫لحد من الشركاء فضل دراهم[‪ .‬قال ابن قدامة‪]:‬وجملته أنه متى جعل‬
‫نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة‪ ،‬أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يشترط‬
‫لنفسه جزءا ً وعشرة دراهم بطلت الشركة‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلهما‬
‫لنفسه دراهم معلومة وممن حفظنا ذلك عنه مالك والوزاعي والشافعي‪،‬‬
‫وأبو ثور وأصحاب الرأي‪ ...‬وإنما لم يصح ذلك لمعنيين‪ :‬أحدهما أنه إذا شرط‬
‫دراهم معلومة احتمل أن ل يربح غيرها‪ ،‬فيحصل على جميع الربح واحتمل أن‬
‫ل يربحها فيأخذ من رأس المال جزءا ً وقد يربح كثيرًا‪ ،‬يستضر من شرطت له‬
‫الدراهم‪ .‬والثاني‪ :‬أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالجزاء لما تعذر‬
‫كونها معلومة بالقدر‪ ،‬فإذا جهلت الجزاء فسدت كما لو جهل القدر فيما‬
‫يشترط أن يكون معلوما ً به ولن العامل متى شرط لنفسه دراهم معلومة‪،‬‬
‫ربما توانى في طلب الربح لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره بخلف ما إذا‬
‫كان له جزء من الربح[ المغني ‪.5/28‬‬
‫والوجه الثاني لبطلن المعاملة المذكورة هو أن التاجر قد ضمن رأس المال‬
‫وهذا الشرط ل يجوز شرعا ً لن يد المضارب يد أمانة وليست يد ضمان ول‬
‫شَرط عليه صاحب المال‪،‬‬ ‫ل بما َ‬‫صر أو أخ ّ‬
‫يضمن المضارب إل إذا فّرط أو ق ّ‬
‫والمضاربة مشاركة بالمال من جهة وبالعمل من جهة أخرى فإذا حصلت‬
‫خسارة فهي على رب المال ويخسر العامل جهده وتعبه فشرط ضمان‬
‫التاجر لرأس المال ينافي مقتضى العقد فل يجوز‪ ،‬قال الشيخ ابن قدامة‬
‫المقدسي‪]:‬إذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله أو اشترى شيئا ً ُنهي‬
‫عن شرائه فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي‬
‫هريرة وحكيم بن حزام وأبي قلبة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم‬
‫وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ‪ ...‬ولنا أنه متصرف في‬
‫مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب‪ [...‬المغني ‪.5/39‬‬
‫وقال المام الماوردي‪ ...]:‬فأما تعدي العامل في مال القراض من غير الوجه‬
‫الذي ذكرنا فعلى ضربين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون تعديه فيه لم يؤمر به مثل إذنه بالتجارة في القوات فيتجر‬
‫في الحيوان‪ ،‬فهذا تعدٍ يضمن به المال‪ ،‬ويبطل معه القراض‪ ،‬فيكون على ما‬
‫مضى في مقارضة غيره بالمال‪.‬‬
‫والضرب الثاني‪ :‬أن يكون تعديه لتغريره بالمال‪ ،‬مثل أن يسافر به ولم يؤمر‬
‫بالسفر أو يركب به بحرا ً ولم يؤمر بركوب البحر‪ ،‬فإن كان قد فعل ذلك مع‬
‫بقاء عين المال بيده ضمنه‪ ،‬وبطل القراض بتعديه‪ ،‬لنه صار مع تعديه في‬
‫عين المال غاصبًا[ الحاوي الكبير ‪.341-7/340‬‬
‫وقال ابن رشد المالكي عند حديثه عن الشروط الفاسدة في القراض‬
‫)المضاربة( ]ومنها إذا شرط رب المال الضمان على العامل‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل‬
‫يجوز القراض وهو فاسد‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ ...‬وعمدة مالك أن اشتراط‬
‫الضمان زيادة غرر في القراض ففسد‪ [...‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫‪.2/199‬‬
‫وقد جاء في فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك دبي السلمي ما يلي‪:‬‬
‫] السؤال‪ :‬هناك أموال أيتام يريدون استثمارها في المضاربة الشرعية وقد‬
‫اشترطت الجهة القائمة على هذه الموال ضمان هذه الموال خوفا ً عليها من‬
‫الخسارة فهل يجوز ضمان هذه الموال عن طريق إصدار خطاب ضمان‬
‫يضمن فيها أموال اليتامى وهل يمكن اعتبارها إذا صح المخرج عن طريق‬
‫خطاب الضمان كأمانة ترد كما هي ربحت المضاربة أم خسرت؟‬
‫الجواب‪ :‬بحثت الهيئة مسألة ضمان أموال اليتام المستثمرة ورأت أنه ل‬
‫يجوز شرعا ً ضمان المال المستثمر بقصد الربح لن الستثمار في السلم‬
‫يقوم على أساس الغرم بالغنم فالضمان المطلوب بهذه الصورة ل أساس له‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شرعا ً وإنما يجب اتخاذ الحيطة والحذر لذلك باختيار المضارب الثقة المين‬
‫المتمسك بدينه مع الخذ بالساليب العلمية في الستثمار من دراسة السوق‬
‫ودراسة الجدوى القتصادية والمتابعة والتقييم لكل الخطوات التنفيذية وغير‬
‫ذلك مما تتطلبه أساليب الستثمار السليمة‪[.‬‬
‫وخلصة المر أنه ل يجوز اشتراط مبلغ مقطوع في المضاربة لنها تتحول‬
‫حينئذ إلى ربا ً محرم ٍ وكذلك ل يجوز أن يضمن العامل رأس المال في‬
‫صر أو تعدى‪.‬‬
‫المضاربة إل إذا فّرط أو ق ّ‬
‫‪---‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يجوز تقاضي الشريك راتبا شهريا زيادة على نسبته في الربح‬

‫)‪(71 /‬‬

‫ة من الربح مقابل‬ ‫يجوز شرعا ً أن يتقاضى أحد الشركاء راتبا ً مقطوعا ً أو نسب ً‬
‫عمله للشركة بالضافة إلى حصته من الربح مقابل رأس ماله في الشركة‬
‫فل مانع شرعا ً أن يكون الشخص شريكا ً وفي ذات الوقت يكون أجيرا ً‬
‫للشركة‪ .‬فمن المعلوم أنه يجوز للشركاء أن يستأجروا عامل ً ليعمل لهم في‬
‫الشركة فمن باب أولى أن يستأجروا أحدهم ليعمل للشركة حيث إنه سيكون‬
‫أحرص على أموال الشركة من العامل الجنبي عنها ولكن يجب أن يعلم أن‬
‫عمل أحد الشركاء للشركة يجب أن يكون بعقد أو اتفاق منفصل عن عقد‬
‫الشراكة‪ .‬قال الشيخ ابن قدامة المقدسي عند حديثه عن أقسام الشركة‪:‬‬
‫]القسم الرابع‪ :‬أن يشترك مالن وبدن صاحب أحدهما‪ ،‬فهذا يجمع شركة‬
‫ومضاربة وهو صحيح‪ ،‬فلو كان بين رجلين ثلثة آلف درهم لحدهما ألف‬
‫وللخر ألفان فأذن صاحب اللفين لصاحب اللف أن يتصرف فيها على أن‬
‫يكون الربح بينهما نصفين صح‪ ،‬ويكون لصاحب اللف ثلث الربح بحق ماله‬
‫والباقي وهو ثلثا الربح بينهما لصاحب اللفين ثلثة أرباعه‪ ،‬وللعامل ربعه‪،‬‬
‫وذلك لنه جعل له نصف الربح فجعلناه ستة أسهم منها ثلثة للعامل حصة‬
‫ماله وسهم يستحقه بعمله في مال شريكه وحصة مال شريكه أربعة أسهم‬
‫للعامل سهم وهو الربع[ المغني ‪.5/20‬‬
‫وقال ابن حزم الظاهري‪ …]:‬فإن عمل أحدهما أكثر من الخر‪ ،‬أو عمل وحده‬
‫تطوعا ً بغير شرط فذلك جائز‪ ،‬فإن أبى من أن يتطوع بذلك فليس له إل أجر‬
‫مثله في مثل ذلك العمل ربح أو خسر‪ ،‬لنه ليس عليه أن يعمل لغيره[‬
‫المحّلى ‪.6/415‬‬
‫وقال البهوتي الحنبلي‪]:‬وعلى كل من الشركاء تولي ما جرت عادة بتوليه‪.‬‬
‫لحمل إطلق الذن على العرف‪ ،‬ومقتضاه تولي مثل هذه المور بنفسه‪ ،‬فإن‬
‫فعل ما عليه توليه بنائب بأجرة فهي عليه لنه بذلها عوضا ً عما عليه‪ ،‬وما‬
‫جرت عادة بأن يستنيب فيه‪ .‬فله أن يستأجر من مال الشركة إنسانا ً حتى‬
‫شريكه لفعله إذا كان فعله‪ ،‬مما ل يستحق أجرته إل بعمل‪ ،‬وليس للشريك‬
‫فعل ما جرت العادة بعدم توليه بنفسه ليأخذ أجرته بل استئجار صاحبه له‪،‬‬
‫لنه تبرع بما ل يلزمه فلم يستحق شيئًا[ شرح منتهى الرادات ‪.2/324‬‬
‫ويقول الدكتور وهبة الزحيلي‪ …]:‬ويصح أيضا ً عند الحنفية ما عدا زفر أن‬
‫يتفاضل الشريكان في الربح حالة التساوي في رأس المال بشرط أن يكون‬
‫العمل عليهما‪ ،‬أو على الذي شرط له زيادة الربح‪ ،‬لن الربح كما قلنا يستحق‬
‫إما بالمال‪ ،‬أو بالعمل‪ ،‬أو بالضمان‪ ،‬وزيادة الربح في هذه الحالة كانت بسبب‬
‫ل‪ ،‬وأقوى‬ ‫زيادة العمل‪ ،‬لنه قد يكون أحد الشريكين أحذق وأهدى وأكثر عم ً‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيستحق زيادة ربح على حساب شريكه ‪ [...‬الفقه السلمي وأدلته ‪.4/842‬‬
‫ويقول الدكتور وهبة الزحيلي أيضًا‪ ]:‬ول مانع من وجود صفتي الشركة‬
‫والجارة في شيء واحد لن المنع من وجود عقدين أو شرطين في عقد‬
‫يزول إذا زالت علته أو حكمته وهو عدم إثارة النزاع والخلف وعدم التنازع‬
‫جرى عليه العرف والعادة فلم يعد شرطا ً مفسدا ً [ الفقه السلمي وأدلته‬
‫‪.4/842‬‬
‫ً‬
‫] وعليه فإنه يمكن حصول الشريك على راتب ونسبة معا إذا كان يعمل‬
‫ة زائدة ً على عمل شريكه كما لو اشتركا في رأس المال وتولى أحدهما‬ ‫خدم ً‬
‫العمل فيه‪ ،‬فإنه يستحق أجرة على عمله ونسبة من الرباح بحسب رأس‬
‫ماله المشارك به أو بحسب ما اتفقا عليه؛ لن شركة العنان ل يشترط فيها‬
‫التساوي في الربح ول في رأس المال‪ ،‬وإنما يوكل ذلك إلى التراضي‬
‫والتفاق بين الشركاء‪ [.‬فتاوى الشبكة السلمية ‪.‬‬
‫وخلصة المر أنه ل مانع شرعا ً من أن يكون الشريك أجيرا في الشركة‬
‫ً‬
‫براتب مقطوع أو بزيادة نسبته في الربح‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫بيع المزايدة‬
‫بيع المزايدة هو أن ينادى على السلعة ويزيد فيها بعض المشترين على بعض‬
‫حتى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها ‪ .‬القوانين الفقهية ص ‪.175‬‬
‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬‫وبيع المزايدة مشروع وجائز ويدخل في عموم قوله تعالى‪ } :‬وَأ َ‬
‫{ ومما يدل على مشروعيته ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬قال المام البخاري في صحيحه‪]:‬باب بيع المزايدة[ ثم ذكر قول عطاء بن‬
‫أبي رباح من أئمة التابعين‪]:‬أدركت الناس ل يرون بأسا ً في بيع المغانم فيمن‬
‫يزيد[‪.‬‬
‫ثم ذكر بإسناده عن جابر بن عبد الله ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رجل ً أعتق غلما ً‬
‫له عن دبر ‪-‬أي بعد وفاته يكون العبد حرًا‪ -‬فاحتاج فأخذه النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فقال‪):‬من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا‬
‫فدفعه إليه(‪.‬‬
‫وذكر الحافظ ابن حجر عن مجاهد قال‪ :‬ل بأس ببيع من يزيد‪.‬‬
‫والشاهد في الحديث قول الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من يشتريه‬
‫مني( فعرضه للزيادة‪ .‬صحيح البخاري مع الفتح ‪.258-5/257‬‬

‫)‪(72 /‬‬

‫‪ .2‬قال المام الترمذي‪):‬ما جاء في بيع من يزيد( ثم روى بإسناده عن أنس‬


‫بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬باع‬
‫حلسا ً وقدحا ً وقال‪):‬من يشتري هذا الحلس والقدح؟ فقال رجل‪ :‬أخذتهما‬
‫بدرهم‪ .‬فقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬من يزيد على درهم؟ من يزيد‬
‫على درهم؟ فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه( وقال الترمذي‪ :‬حديث‬
‫حسن‪ .‬تحفة الحوذي ‪ .4/343‬وجمهور الفقهاء على جواز بيع المزايدة‪ .‬نيل‬
‫الوطار ‪.5/191‬‬
‫وبيع المزايدة ليس من باب البيع على بيع أخيه الذي ورد النهي عنه في‬
‫حديث ابن عمر أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬ل يبع بعضكم‬
‫على بيع أخيه( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫قال العلماء البيع على البيع حرام وكذلك الشراء على الشراء وهو أن يقول‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لبيعك بأنقص أو يقول للبائع افسخ‬
‫لشتري منك بأزيد وهو مجمع عليه‪.‬‬
‫وأما السوم فصورته أن يأخذ شيئا ً يشتريه فيقول له‪ :‬رده لبيعك خيرا منه‬
‫ً‬
‫بثمنه أو مثله بأرخص‪ .‬أو يقول للمالك استرده لشتريه منك بأكثر ومحله بعد‬
‫استقرار الثمن وركون أحدهما للخر‪ .‬فتح الباري ‪.5/257‬‬
‫وقال الحافظ ابن عبد البر في بيان البيع على بيع أخيه‪]:‬هو أن يستحسن‬
‫المشتري السلعة ويهواها ويركن إلى البائع ويميل إليه ويتذاكران الثمن ولم‬
‫يبق إل العقد والرضا الذي يتم به البيع فإذا كان البائع والمشتري على مثل‬
‫هذه الحال لم يجز لحد أن يعترضه فيعرض على أحدهما ما به يفسد به ما‬
‫هما عليه من التبايع فإن فعل أحد ذلك فقد أساء وبئس ما فعل فإن كان‬
‫عالما ً بالنهي عن ذلك فهو عاص لله[ فتح المالك ‪.8/180‬‬
‫وبهذا يظهر لنا الفرق بين بيع المزايدة والبيع على بيع أخيه ففي بيع المزايدة‬
‫البائع يعرض سلعته لمن يزيد فإن عرض أحد الناس عليه مبلغا ً فلم يرض به‬
‫البائع فيطلب أكثر منه فيزيده شخص آخر وهكذا‪ ،‬وهذا كله قبل أن يستقر‬
‫البيع وقبل أن يرضى البائع بالثمن‪.‬‬
‫ومن المور التي تصاحب بيع المزايدة وخاصة المزادات العلنية ما يسمى عند‬
‫العلماء بالنجش وهو أن يزيد شخص في ثمن السلعة وهو ل يريد شراَءها‬
‫ولكن ليغّر غيره وغالبا ً ما يكون النجش باتفاق بين صاحب السلعة والناجش‬
‫وهو حرام شرعا ً لما فيه من الخديعة فقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن‬
‫عمر رضي الله عنهما قال‪):‬نهى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن‬
‫النجش( رواه البخاري‪.‬‬
‫وقد جاء في قرار مجمع الفقه السلمي المتعلق بعقد المزايدة ما يلي‪:‬‬
‫]وحيث إن عقد المزايدة من العقود الشائعة في الوقت الحاضر وقد صاحب‬
‫تنفيذه في بعض الحالت تجاوزات دعت لضبط طريقة التعامل به ضبطا ً‬
‫يحفظ حقوق المتعاقدين طبقا ً لحكام الشريعة السلمية كما اعتمدته‬
‫المؤسسات والحكومات وضبطته بتراتيب إدارية ومن أجل بيان الحكام‬
‫الشرعية لهذا العقد قرر ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬عقد المزايدة‪ :‬عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين نداء أو كتابة للمشاركة‬
‫في المزاد ويتم عند رضا البائع‪.‬‬
‫‪ .2‬يتنوع عقد المزايدة بحسب موضوعه إلى بيع وإجارة وغير ذلك وبحسب‬
‫طبيعته إلى اختياري كالمزادات العادية بين الفراد وإلى إجباري كالمزادات‬
‫التي يوجبها القضاء وتحتاج إليه المؤسسات العامة والخاصة والهيئات‬
‫الحكومية والفراد‪.‬‬
‫‪ .3‬إن الجراءات المتبعة في عقود المزايدات من تحرير كتابي وتنظيم‬
‫وضوابط وشروط إدارية أو قانونية يجب أل تتعارض مع أحكام الشريعة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .4‬طلب الضمان ممن يريد دخول الشراء في المزايدة جائز شرعا ويجب أن‬
‫يرد لكل مشارك لم يرس عليه العطاء ويحتسب الضمان المالي من الثمن‬
‫لمن فاز في الصفقة‪.‬‬
‫‪ .5‬ل مانع شرعا ً من استيفاء رسم الدخول ) قيمة دفتر الشروط بما ل يزيد‬
‫عن القيمة الفعلية( لكونه ثمنا ً له‪.‬‬
‫‪ .6‬يجوز أن يعرض المصرف السلمي أو غيره مشاريع استثمارية ليحقق‬
‫لنفسه نسبة أعلى من الربح سواء أكان المستثمر عامل ً في عقد مضاربة مع‬
‫المصرف أم ل‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .7‬النجش حرام ومن صوره‪:‬‬


‫أ‪ .‬أن يزيد في ثمن السلعة من ل يريد شرائها ليغري المشتري بالزيادة‪.‬‬
‫ب‪ .‬أن يتظاهر من ل يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها ويمدحها ليغُّر‬
‫المشتري فيرفع ثمنها‪.‬‬
‫ج‪ .‬أن يدعي صاحب السلعة أو الوكيل أو السمسار ادعاًء كاذبا ً أنه ُدفعَ فيها‬
‫ن ليدلس على من يسوم‪.‬‬ ‫ن معي ٌ‬
‫ثم ٌ‬
‫ً‬
‫د‪ .‬ومن الصور الحديثة للنجش المحظورة شرعا اعتماد الوسائل السمعية‬
‫والمرئية والمقروءة التي تذكر أوصافا ً رفيعة ل تمثل الحقيقة أو ترفع الثمن‬
‫لتغّر المشتري وتحمله على التعاقد[ مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 8‬ج‬
‫‪.170-2/169‬‬
‫‪---‬‬
‫الغبن في التجارة‬
‫الغبن عبارة عن بيع السلعة بأكثر مما جرت العادة أن الناس ل يتغابنون‬
‫بمثله إذا اشتراها كذلك‪ .‬الموسوعة الفقهية الكويتية ‪.31/138‬‬

‫)‪(73 /‬‬

‫وهذا الغبن هو الذي يسميه الفقهاء غبن المسترسل وهو المستسلم لبائعه‬
‫فل يساوم ول يماكس‪ .‬وقد أثبت بعض الفقهاء الخيار للمسترسل المغبون‬
‫أخذا ً بما ورد في الحديث عن ابن عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال) ُذكر رجل‬
‫لرسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه ُيخدع في البيوع‪ .‬فقال‪ :‬من بايعت‬
‫خلبة( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫فقل ل ِ‬
‫وعن أنس ‪ -‬رضي الله عنه ‪) -‬أن رجل ً على عهد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫ي‪-‬‬ ‫وسلم ‪ -‬كان يبتاع وكان في عقدته يعني في عقله ضعف فأتى أهل ُ ُ‬
‫ه النب َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقالوا‪ :‬يا رسول الله احجر على فلن فإنه يبتاع وفي‬
‫عقدته ضعف‪ ،‬فدعاه ونهاه فقال يا نبي الله إني ل أصبر عن البيع فقال إن‬
‫خلبة( رواه أصحاب‬ ‫ك للبيع فقل هاًء وهاٍء –أي يدا ً بي ٍ‬
‫د‪ -‬ول ِ‬ ‫كنت غير تار ٍ‬
‫خلبة( بكسر‬ ‫السنن وأحمد وصححه الترمذي‪ .‬قال المام الشوكاني‪]:‬قوله )ل ِ‬
‫المعجمة وتخفيف اللم‪ :‬أي ل خديعة‪.‬‬
‫قنه النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬هذا القول ليتلفظ به عند‬ ‫قال العلماء‪:‬ل ّ‬
‫البيع‪ ،‬فيطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع‬
‫ومقادير القيمة‪ ،‬ويرى له ما يرى لنفسه‪ ،‬والمراد أنه إذا ظهر غبن رد ّ الثمن‬
‫واسترد المبيع‪.‬‬
‫واختلف العلماء في هذا الشرط هل كان خاصا ً بهذا الرجل أم يدخل فيه‬
‫جميع من شرط هذا الشرط؟ فعند أحمد ومالك في رواية عنه والمنصور‬
‫بالله والمام يحيى أنه يثبت الرد ّ لكل من شرط هذا الشرط‪ ،‬ويثبتون الرد‬
‫بالغبن لمن لم يعرف قيمة السلع‪.‬‬
‫وقيده بعضهم بكون الغبن فاحشا ً وهو ثلث القيمة عنده‪ ،‬قالوا‪ :‬بجامع الخداع‬
‫الذي لجله أثبت النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لذلك الرجل الخيار‪.‬‬
‫وأجيب بأن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إنما جعل لهذا الرجل الخيار‬
‫للضعف الذي كان في عقله كما في حديث أنس المذكور‪ ،‬فل يلحق به إل من‬
‫كان مثله في ذلك بشرط أن يقول هذه المقالة‪ ،‬ولهذا روي أنه كان إذا غبن‬
‫يشهد رجل من الصحابة أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قد جعله بالخيار‬
‫ثلثا ً فيرجع في ذلك‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبهذا يتبين أنه ل يصح الستدلل بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل‬
‫مغبون وإن كان صحيح العقل‪ ،‬ول على ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل‬
‫ق[ نيل الوطار‬ ‫إذا غبن ولم يقل هذه المقالة‪ ،‬وهذا مذهب الجمهور وهو الح ّ‬
‫‪.5/207‬‬
‫وبناًء على قول الجمهور الذي ذكره الشوكاني ل يثبت حق فسخ البيع بمجرد‬
‫الغبن ما لم يضف إليه تغرير وقد جاء في المادة ‪ 356‬من مجلة الحكام‬
‫العدلية‪ ]:‬إذ وجد غبن فاحش في البيع ولم يوجد تغرير فليس للمغبون أن‬
‫يفسخ البيع [ درر الحكام شرح مجلة الحكام ‪.1/368‬‬
‫ة ابن عابدين وبّين أن الغبن الفاحش ليس‬ ‫ل هذه المسألة العلم ُ‬ ‫ص َ‬
‫وقد ف ّ‬
‫سببا ً موجبا لفسخ البيع في رسالته المسماة‪]:‬تحبير التحرير في إبطال‬ ‫ً‬
‫القضاء بالفسخ بالغبن الفاحش بل تغرير[ ضمن مجموعة رسائله ‪.82-2/66‬‬
‫ونص بعض أهل العلم على أن الخيار يثبت إذا كان الغبن يخرج عن العادة‪،‬‬
‫ن غبنا ً يخرج عن‬ ‫غب َ‬ ‫قال الشيخ ابن قدامة المقدسي‪ ...]:‬المسترسل إذا ُ‬
‫العادة فله الخيار بين الفسخ والمضاء‪ ...‬فأما غير المسترسل فإنه دخل على‬
‫بصيرة بالغبن فهو كالعالم بالبيع وكذا لو استعجل فجهل ما لو تثبت لعلمه لم‬
‫يكن له خيار لنه انبنى على تقصيره وتفريطه[ المغني ‪.498-3/497‬‬
‫والغبن الخارج عن العادة قدره بعض العلماء بالثلث وبعضهم بالربع وبعضهم‬
‫بالخمس أي أن البائع إذا زاد في السعر بنسبة ‪ %33‬أو ‪ %25‬أو ‪ %20‬فهذا‬
‫غبن خارج عن العادة وإذا كان أقل من ذلك فيكون الغبن من ضمن ما جرى‬
‫تغابن الناس به‪ .‬فالمرجع في الغبن إلى العرف‪ ،‬فيستشار فيه أهل الخبرة‬
‫ن‪.‬‬ ‫دوه ُ ً‬ ‫غبنا ً فهو ُ‬ ‫دوه ُ‬
‫غبنا فليس بغب ٍ‬ ‫ن وما لم يع ّ‬ ‫غب ٌ‬ ‫فما ع ّ‬
‫انظر الشرح الممتع على زاد المستقنع ‪ ،8/298‬الفقه السلمي وأدلته‬
‫‪.4/221‬‬
‫‪---‬‬
‫ل يجوز شراء المال المسروق‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يحرم على المسلم أن يشتري مال مغصوبا أو مسروقا أو أخذ من صاحبه‬
‫بغير حق وهو يعلم كالجهزة التي تصادر من أصحابها لعدم دفعهم الضرائب‬
‫ونحو ذلك فهذا وأمثاله ل يجوز للمسلم أن يقدم على شرائه وهو يعلم لنه‬
‫خذ َ من أصحابه بدون حق لن هذه الجهزة لم تنتقل ملكيتها من صاحبها‬ ‫قد أ ُ ِ‬
‫بطريق شرعي وإنما هي مغصوبة أو مسروقة فإذا أقدم المسلم على شرائها‬
‫فيكون قد اشتراها من غير مالكها الحقيقي‪.‬‬
‫ول شك أن في شراء المال المسروق أو المغصوب تشجيعا ً لهؤلء الذين‬
‫يأخذون أموال الناس بالباطل ويعتبر ذلك من باب التعاون على الثم‬
‫وى‬ ‫والعدوان وقد نهانا الله عن ذلك بقوله تعالى‪ } :‬وَت ََعاوَُنوا عََلى ال ْب ِّر َوالت ّ ْ‬
‫ق َ‬
‫ن { سورة المائدة الية ‪.2‬‬ ‫وََل ت ََعاوَُنوا عََلى اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫وكذلك فإننا نعلم أنه ل يحل أخذ مال المسلم إل إذا طابت نفسه بذلك وهذه‬
‫الموال المسروقة أو المغصوبة تؤخذ بالقوة أو بالخفية ول تطيب نفس‬
‫ئ‬
‫صاحبها بها والرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول‪):‬ل يحل مال امر ٍ‬
‫مسلم ٍ إل بطيب نفس منه( رواه أحمد والبيهقي والدارقطني وهو حديث‬
‫صحيح‪.‬‬

‫)‪(74 /‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد روي في الحديث عن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قوله‪):‬من‬


‫اشترى سرقة –شيئا ً مسروقًا– وهو يعلم أنها سرقة فقد اشترك في إثمها‬
‫وعارها( رواه الحاكم والبيهقي وسنده مختلف فيه‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫جل‬‫خلو الّر ْ‬
‫خلو الرجل هو مبلغ مالي يدفع نظير إخلء العين المؤجرة وخلو الرجل عند‬
‫من يقول بجوازه يشترط فيه أن يكون قد بقي شيء من مدة عقد الجارة‪،‬‬
‫ل‪ :‬إذا استأجر شخص محل ً تجاريا ً لمدة خمس سنوات ورغب المالك في‬ ‫فمث ً‬
‫إنهاء العقد بعد مضي سنتين فأجازوا للمستأجر أن يأخذ خلو الرجل لن ذلك‬
‫يكون مقابل ما بقي له من حق المنفعة في المحل المستأجر وأما إذا انتهت‬
‫مدة عقد الجارة فل يجوز للمستأجر أخذ الخلو ويجب عليه إعادة المحل‬
‫لمالكه لن المالك أحق بملكه‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد أصدر مجلس مجمع الفقه السلمي قرارا بشأن بدل الخلو جاء فيه ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬تنقسم صور التفاق على بدل الخلو إلى أربع صور هي‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ .1‬أن يكون التفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد‪.‬‬
‫‪.2‬أن يكون التفاق بين المستأجر وبين المالك‪ ،‬وذلك في أثناء مدة عقد‬
‫الجارة أو بعد انتهائها‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يكون التفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد‪ ،‬في أثناء مدة عقد‬
‫الجارة أو بعد انتهائها‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يكون التفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر‬
‫الول قبل انتهاء المدة‪ ،‬أو بعد انتهائها‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا ً‬
‫مقطوعا ً زائدا ً عن الجرة الدورية )وهو ما يسمى في بعض البلد خلوًا(‪ ،‬فل‬
‫مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن ُيعد جزًءا من أجرة المدة‬
‫المتفق عليها‪ ،‬وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الجرة‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إذا تم التفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الجارة على أن‬
‫يدفع المالك إلى المستأجر مبلغا ً مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في‬
‫ملك منفعة بقية المدة‪ ،‬فإن بدل الخلو هذا جائز شرعًا‪ ،‬لنه تعويض عن‬
‫تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك ‪ .‬أما إذا‬
‫ة أو ضمنا ً عن طريق التجديد‬ ‫انقضت مدة الجارة‪ ،‬ولم يتجدد العقد صراح ً‬
‫التلقائي حسب الصيغة المفيدة له‪ ،‬فل يحل بدل الخلو‪ ،‬لن المالك أحق‬
‫بملكه بعد انقضاء حق المستأجر‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إذا تم التفاق بين المستأجر الول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة‬
‫الجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الجرة الدورية‪،‬‬
‫فإن بدل الخلو هذا جائز شرعًا‪ ،‬مع مراعاة مقتضى عقد الجارة المبرم بين‬
‫المالك والمستأجر الول‪ ،‬ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة‬
‫للحكام الشرعية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على أنه في الجارات الطويلة المدة ‪-‬خلفا لنص عقد الجارة طبقا لما‬
‫تسوغه بعض القوانين‪ -‬ل يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر‪ ،‬ول أخذ‬
‫بدل الخلو فيها إل بموافقة المالك‪.‬‬
‫أما إذا تم التفاق بين المستأجر الول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء‬
‫المدة فل يحل بدل الخلو‪ ،‬لنقضاء حق المستأجر الول في منفعة العين‪[.‬‬
‫مجلة المجمع عدد ‪ 4‬جزء ‪ 3‬ص ‪.2171‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪---‬‬
‫ل يجوز بيع الطعام قبل قبضه‬
‫بيع الطعام قبل القبض مفسد للعقد عند أهل العلم فإذا اشترى شخص‬
‫طعاما ً فل يجوز له أن يبيعه قبل أن يقبضه باتفاق أهل العلم لن بيع الطعام‬
‫قبل القبض ل يصح شرعا ً قال ابن المنذر فيما نقله عنه الشيخ ابن قدامة‬
‫المقدسي‪]:‬أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما ً فليس له أن يبيعه‬
‫حتى يستوفيه[ المغني ‪.4/83‬‬
‫وقال ابن رشد المالكي‪]:‬وأما بيع الطعام قبل قبضه‪ ،‬فإن العلماء مجمعون‬
‫على منع ذلك إل ما يحكى عن عثمان البتي‪ .‬وإنما أجمع العلماء على ذلك‬
‫لثبوت النهي عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من حديث مالك عن‬
‫نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال‪):‬من ابتاع طعاما ً فل يبعه حتى يقبضه([ بداية المجتهد ونهاية‬
‫المقتصد ‪.2/119‬‬
‫واستدل العلماء بأدلة كثيرة على المنع من بيع الطعام قبل قبضه منها‪:‬‬
‫عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬قال‪):‬من ابتاع طعاما ً فل يبعه حتى يستوفيه( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وفي رواية عند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول‪ :‬قال النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من ابتاع طعاما فل يبعه حتى يقبضه(‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال‪):‬من ابتاع طعاما ً فل يبعه حتى يستوفيه( قال ابن عباس وأحسب كل‬
‫شيء مثله‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى عند مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من ابتاع طعاما ً فل يبعه حتى يقبضه(‪،‬‬
‫قال ابن عباس وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام‪.‬‬

‫)‪(75 /‬‬

‫وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫)من اشترى طعاما ً فل يبعه حتى يستوفيه( قال‪ :‬وكنا نشتري الطعام من‬
‫الركبان جزافا ً فنهانا رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن نبيعه حتى ننقله‬
‫من مكانه‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وقال أبو هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪) -‬نهى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫عن بيع الطعام حتى يستوفى( رواه مسلم‪.‬‬
‫عا فما يح ّ‬
‫ل لي‬ ‫َ‬
‫وعن حكيم بن حزام قال‪):‬قلت‪ :‬يا رسول الّله إّني أشتري بيو ً‬
‫ي؟ قال‪ :‬إذا اشتريت شيئا ً فل تِبعه حّتى تقبضه( رواه أحمد‪.‬‬‫منها وما يحرم عل ّ‬
‫وعن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬نهى النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن‬
‫بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري( رواه ابن‬
‫ماجة والدارقطني‪ .‬وهو حديث حسن كما قال العلمة اللباني في صحيح‬
‫سنن ابن ماجة ‪.2/20‬‬
‫ً‬
‫وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪):‬ابتعت زيتا في السوق فلما استوجبته‬
‫لنفسي لقيني رجل فأعطاني به ربحا ً حسنا ً فأردت أن أضرب على يده فأخذ‬
‫ت فإذا زيد بن ثابت فقال‪ :‬ل تبعه حيث ابتعته‬ ‫رجل من خلفي بذراعي فالتف ّ‬
‫حتى تحوزه إلى رحلك فإن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬نهى أن تباع‬
‫السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم( رواه أبو داود‪ .‬وهو حديث‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حسن كما قال العلمة اللباني في صحيح سنن أبي داود ‪.2/668‬‬
‫قال صاحب عون المعبود‪)]:‬فلما استوجبته(‪ :‬أي صار في ملكي بعقد‬
‫التبايع ‪)...‬فأردت أن أضرب على يده(‪ :‬أي أعقد معه البيع‪ ,‬لن من عادة‬
‫المتبايعين أن يضع أحدهما يده في يد الخر عند العقد‪ [...‬عون المعبود‬
‫‪.9/286‬‬
‫وقال المام الترمذي‪]:‬عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬من ابتاع طعاما ً فل يبعه حتى يستوفيه( قال ابن عباس‬
‫وأحسب كل شيء مثله‪ .‬قال وفي الباب عن جابر وابن عمر وأبي هريرة قال‬
‫أبو عيسى –الترمذي‪ -‬حديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل على هذا‬
‫عند أكثر أهل العلم كرهوا بيع الطعام حتى يقبضه المشتري‪.‬‬
‫وقد رخص بعض أهل العلم فيمن ابتاع شيئا ً مما ل يكال ول يوزن مما ل يؤكل‬
‫ول يشرب أن يبيعه قبل أن يستوفيه وإنما التشديد عند أهل العلم في‬
‫الطعام وهو قول أحمد وإسحق[ سنن الترمذي ‪.3/586‬‬
‫وقال المام النووي بعد أن ذكر ما رواه مسلم في هذا الباب‪]:‬باب بطلن بيع‬
‫المبيع قبل قبضه ‪ ...‬وفي هذه الحاديث النهي عن بيع المبيع حتى يقبضه‬
‫البائع‪ ,‬واختلف العلماء في ذلك‪ ,‬فقال الشافعي‪ :‬ل يصح بيع المبيع قبل قبضه‬
‫سواء كان طعاما ً أو عقارا ً أو منقول ً أو نقدا ً أو غيره‪.‬‬
‫وقال عثمان البتي‪ :‬يجوز في كل مبيع‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يجوز في كل شيء إل العقار‪ .‬وقال مالك‪ :‬ل يجوز في‬
‫الطعام ويجوز فيما سواه‪ .‬ووافقه كثيرون‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ل يجوز في المكيل والموزون ويجوز فيما سواهما‪ .‬أما مذهب‬
‫عثمان البتي فحكاه المازري والقاضي ولم يحكه الكثرون بل نقلوا الجماع‬
‫على بطلن بيع الطعام المبيع قبل قبضه‪ ,‬قالوا‪ :‬وإنما الخلف فيما سواه فهو‬
‫شاذ متروك والله أعلم[ شرح النووي على صحيح مسلم ‪.4/130‬‬
‫وقد أشار ابن عباس رضي الله عنهما إلى العلة في منع بيع الطعام قبل‬
‫قبضه لما سأله طاووس فيما رواه البخاري عن طاووس عن ابن عباس‬
‫رضي الله عنهما )أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬نهى أن يبيع‬
‫الرجل طعاما ً حتى يستوفيه( قلت –أي طاووس‪ -‬لبن عباس كيف ذاك؟ قال‬
‫ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ قال أبو عبد الله مرجئون مؤخرون[‪.‬‬
‫قال المام الشوكاني في شرحه‪ ...]:‬ما علل به النهي فإنه أخرج البخاري عن‬
‫طاووس قال‪ :‬قلت لبن عباس كيف ذاك قال دراهم بدراهم والطعام مرجأ‬
‫استفهمه عن سبب النهي فأجابه بأنه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخر‬
‫المبيع في يد البائع فكأنه باع دراهم بدراهم ويبين ذلك ما أخرجه مسلم عن‬
‫ابن عباس أنه قال لما سأله طاووس أل تراهم يبتاعون بالذهب والطعام‬
‫مرجأ وذلك لنه إذا اشترى طعاما ً بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه‬
‫الطعام ثم باع الطعام إلى آخر بمائة وعشرين مثل ً فكأنه اشترى بذهبه ذهبا ً‬
‫أكثر منه ول يخفى أن مثل هذه العلة ل ينطبق على ما كان من التصرفات‬
‫بغير عوض وهذا التعليل أجود ما علل به النهي لن الصحابة أعرف بمقاصد‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ [-‬نيل الوطار ‪.181-5/180‬‬
‫وما نقل عن عثمان البتي وهو أحد فقهاء التابعين من جواز بيع الطعام قبل‬
‫قبضه فهو قول شاذ ومخالف لصريح الحاديث الواردة عن النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬قال الحافظ ابن عبد البر‪]:‬وهذا قول مردود بالسنة والحجة‬
‫المجمعة على الطعام‪ ،‬وأظنه لم يبلغه هذا الحديث ومثل هذا ل يلتفت إليه[‬
‫المغني ‪.4/86‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال المام النووي‪]:‬أما مذهب عثمان البتي فحكاه المازري والقاضي ولم‬
‫يحكه الكثرون بل نقلوا الجماع على بطلن بيع الطعام المبيع قبل قبضه‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬وإنما الخلف فيما سواه فهو شاذ متروك والله أعلم[ شرح النووي‬
‫على صحيح مسلم ‪.4/130‬‬

‫)‪(76 /‬‬

‫وقال المام الشوكاني‪]:‬وروي عن عثمان البتي أنه يجوز بيع كل شيء قبل‬
‫قبضه والحاديث ترد عليه فإن النهي يقتضي التحريم بحقيقته ويدل على‬
‫الفساد المرادف للبطلن كما تقرر في الصول[ نيل الوطار ‪.5/179‬‬
‫‪---‬‬
‫البضاعة المباعة ل ترد ول تستبدل‬
‫يكتب بعض التجار هذه العبارة )البضاعة المباعة ل ُترد ول ُتستبدل( على‬
‫لوحة ويعلقها في مكان بارز من متجره وهذه العبارة ليست صحيحة على‬
‫إطلقها بل في حكمها التفصيل التالي‪:‬‬
‫ل‪ :‬تكون عبارة )البضاعة المباعة ل ترد ول تستبدل( صحيحة فيما إذا وقع‬ ‫أو ً‬
‫البيع خاليا ً من الخيار ومن العيوب فمن المعلوم أن عقد البيع إذا تم بصدور‬
‫اليجاب والقبول من المتعاقدين فهو عقد لزم والعقود اللزمة عند الفقهاء ل‬
‫يملك أحد المتعاقدين فسخها إل برضى الخر إذا لم يكن بينهما خيار لقوله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪]:-‬البّيعان بالخيار ما لم يتفرقا [ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫جع‬‫فإذا اشترى شخص سلعة ولم تكن معيبة ثم ذهب إلى بيته فبدا له أن ي ُْر ِ‬
‫السلعة للبائع فل يملك المشتري ذلك إل إذا وافق البائع وهذا ما يسمى‬
‫بالقالة والقالة أمر مندوب إليه شرعا ً ومرغب فيه وقد حث النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬على أن يقيل البائع المشتري إن ندم على الشراء لي‬
‫سبب من السباب فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من أقال مسلما ً أقاله الله‬
‫عثرته يوم القيامة( رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه‬
‫الذهبي‪ ،‬ولكن إن أبى البائع أن يقيل المشتري بيعته فله ذلك وفي هذه‬
‫الحالة تكون عبارة )البضاعة المباعة ل ترد ول تستبدل( صحيحة ولكن رد‬
‫السلعة وإقالة المشترى أولى‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تكون عبارة )البضاعة المباعة ل ترد ول تستبدل( باطلة إذا اشترى‬
‫شخص سلعة ولما رجع إلى بيته وجد فيها عيبا ً فله كل الحق في رد السلعة‬
‫وإن شرط البائع عليه أن )البضاعة المباعة ل ترد ول تستبدل(‪.‬‬
‫قال الشيخ ابن قدامة المقدسي‪]:‬إنه متى عَِلم بالمبيع عيبا ً لم يكن عالما ً به‪،‬‬
‫فله الخيار بين المساك والفسخ سواء كان البائع علم العيب وكتمه أو لم‬
‫يعلم‪ ،‬ل نعلم بين أهل العلم في هذا خلفا ً وإثبات النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬الخيار بالتصرية تنبيه على ثبوته بالعيب ولن مطلق العقد يقتضي‬
‫السلمة من العيب[ المغني ‪.4/109‬‬
‫وحديث التصرية الذي أشار إليه الشيخ ابن قدامة المقدسي هو ما رواه‬
‫البخاري ومسلم عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال‪):‬ل تصروا البل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد‬
‫أن يحتلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاع تمر( والتصرية هي حبس‬
‫الحليب في الضرع لخداع المشتري وت َُعد التصرية عيبا ً عند الفقهاء وقد أثبت‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬الخيار برد المصراة وجعله حقا ً للمشتري‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪]:‬ولهذا أثبت الشارع الخيار لمن لم يعلم بالعيب‬
‫أو التدليس؛ فإن الصل في البيع الصحة وأن يكون الباطن كالظاهر‪ .‬فإذا‬
‫اشترى على ذلك فما عرف رضاه إل بذلك فإذا تبين أن في السلعة غشا ً أو‬
‫عيبا ً فهو كما لو وصفها بصفة وتبينت بخلفها فقد يرضى وقد ل يرضى فإن‬
‫رضي وإل فسخ البيع‪ .‬وفى الصحيحين عن حكيم بن حزام عن النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪):‬البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبي ّّنا بورك‬
‫لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما([ مجموع الفتاوى‬
‫‪.28/104‬‬
‫وقد سئلت اللجنة الدائمة للفتاء في السعودية )ما حكم الشرع في كتابة‬
‫عبارة )البضاعة المباعة ل ترد ول تستبدل( التي يكتبها بعض أصحاب‬
‫المحلت التجارية على الفواتير الصادرة عنهم؟ وهل هذا الشرط جائز‬
‫شرعًا؟ وما هي نصيحة سماحتكم حول هذا الموضوع؟‬
‫الجواب‪ :‬وبعد دراسة اللجنة للستفتاء أجابت بأن بيع السلعة بشرط أل ترد‬
‫ول تستبدل ل يجوز لنه شرط غير صحيح لما فيه من الضرر والتعمية ولن‬
‫مقصود البائع بهذا الشرط إلزام المشتري بالبضاعة ولو كانت معيبة‬
‫واشتراطه هذا ل يبرُئه من العيوب الموجودة في السلعة لنها إذا كانت معيبة‬
‫فله استبدالها ببضاعة غير معيبة أو أخذ المشتري أرش العيب‪.‬‬
‫ولن كامل الثمن مقابل السلعة الصحيحة وأخذ البائع الثمن مع وجود عيب‬
‫أخذ بغير حق‪.‬‬
‫ولن الشرع أقام الشرط العرفي كاللفظي وذلك للسلمة من العيب حتى‬
‫يسوغ له الرد بوجود العيب تنزيل ً لشتراط سلمة المبيع عرفا ً منزلة‬
‫اشتراطها لفظًا‪ .‬وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه‬
‫وسلم ‪.[...‬‬
‫فهذه الفتوى محمولة على الحالة الثانية من الحالتين اللتين ذكرتهما أي إلغاء‬
‫خيار الرد بالعيب‪ ،‬والعلماء متفقون على أن المشتري إذا وجد عيبا ً فيما‬
‫اشتراه كان له حق الرد وإن لم يكن البائع يعلم مسبقا ً بالعيب‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫العلنات التجارية‬

‫)‪(77 /‬‬

‫العلنات التجارية عن السلع أمر جائز ومشروع بضوابط سأذكرها لحقا ً لن‬
‫العلنات تعّرف الناس بأنواع السلع والبضائع وتعّرفهم على أماكن بيعها‬
‫وتسهل عليهم أمورا ً كثيرة‪ .‬ومن المعروف اليوم أن العلن صار فنا ً قائما ً‬
‫بذاته وله طرقه ووسائله المتقدمة والمتعددة‪.‬‬
‫ولكن يجب على التاجر المسلم ومن يرغب في العلن عن سلعه وبضائعه‬
‫وغير ذلك أن يلتزم بالضوابط التالية حتى يكون إعلنه مشروعًا‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون العلن سالما ً وخاليا ً من المحظورات الشرعية فل يجوز العلن‬
‫عن السلع والمور المحرمة كالخمور والمخدرات ونوادي القمار وأفلم‬
‫الجنس ونحوها‪ .‬كما ل يجوز أن تستعمل في العلن وسائل محرمة كظهور‬
‫النساء العاريات أو يظهر في العلن أناس يشربون الخمر ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون العلن صادقا ً في التعبير عن حقيقة السلعة لننا نلحظ أن كثيرا ً‬
‫من العلنات التجارية فيها مبالغة واضحة في وصف السلع وغالبا ً ما تكون‬
‫هذه الوصاف كاذبة وغير حقيقية ويعرف صدق هذا الكلم بالتجربة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن العلن الكاذب عن السلع والذي يظهرها على غير حقيقتها يعتبر تغريرا ً‬
‫وغشا ً وخداعا ً وكل ذلك محرم شرعا ً في شريعتنا السلمية ويؤدي إلى أكل‬
‫مُنوا َل ت َأ ْك ُُلوا‬ ‫ن َءا َ‬
‫َ‬
‫أموال الناس بالباطل‪ .‬يقول الله تعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف َ‬‫قت ُُلوا أ َن ْ ُ‬‫م وََل ت َ ْ‬‫من ْك ُ ْ‬‫ض ِ‬‫ن ت ََرا ٍ‬ ‫جاَرةً عَ ْ‬
‫ن تِ َ‬
‫كو َ‬‫ن تَ ُ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِّل أ ْ‬
‫م ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫وال َك ُ ْ‬
‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫أ ْ‬
‫ما { سورة النساء الية ‪.29‬‬ ‫حي ً‬
‫م َر ِ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫إِ ّ‬
‫وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن الرسول ‪ -‬صلى‬
‫صبرة طعام ‪-‬كومة‪ -‬فأدخل يده فيها فنالت‬ ‫الله عليه وسلم ‪):-‬م َّر على ُ‬
‫أصابعه بلل ً فقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال‪:‬‬
‫أصابته السماء يا رسول الله ‪ -‬أي المطر ‪ -‬قال‪ :‬أفل جعلته فوق الطعام كي‬
‫يراه الناس‪ ،‬من غشنا فليس مني( رواه البخاري ومسلم‪ .‬وفي رواية أخرى‬
‫عند مسلم‪):‬من غشنا فليس منا(‪.‬‬
‫ويدخل ضمن الغش والخداع أن ُيذكر في العلن أوصاف للسلعة ول تكون‬
‫فيها حقيقة‪ .‬وكذلك إذا كان في السلعة عيب أخفاه المعلن ولم يذكره وباع‬
‫السلعة مع علمه أنها معيبة‪.‬‬
‫فقد جاء في الحديث أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬المسلم أخو‬
‫المسلم ول يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعا ً فيه عيب أن ل يبينه( رواه أحمد‬
‫وابن ماجة والحاكم وصححه وقال العلمة اللباني‪ :‬صحيح‪ .‬إرواء الغليل‬
‫‪.5/165‬‬
‫وعن أبي سباع قال‪]:‬اشتريت ناقة من دار واثلة بن السفع ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫فلما خرجت بها أدركني رجل فقال‪ :‬اشتريت؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬وبين لك ما‬
‫فيها‪ .‬قلت‪ :‬وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة‪ .‬قال‪ :‬أردت بها سفرا ً أو‬
‫أردت بها لحمًا؟ قلت‪ :‬أردت بها الحج‪ .‬قال‪ :‬ارتجعها‪ .‬فقال صاحبها‪ :‬ما أردت‬
‫ي‪ .‬قال‪ :‬إني سمعت رسول ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫إلى هذا أصلحك الله تفسد عل ّ‬
‫وسلم ‪ -‬يقول‪ :‬ل يحل لحد أن يبيع شيئا إل بين ما فيه ول يحل لمن علم ذلك‬ ‫ً‬
‫إل بينه( رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪):-‬من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار( رواه ابن حبان‬
‫والطبراني وهو حديث صحيح كما قال العلمة اللباني في إرواء الغليل‬
‫‪.5/164‬‬
‫‪ .3‬أن ل يترتب على العلن عن السلعة إلحاق الضرر بسلع الناس الخرين‬
‫كأن يذم الصناف المشابهة‪ .‬انظر العلن المشروع والممنوع في الفقه‬
‫السلمي ص ‪.98-96‬‬
‫لن هذا من الضرر الممنوع شرعا ً وقد صح عن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬أنه قال‪):‬ل ضرر ول ضرار( رواه أحمد وابن ماجة والطبراني وهو‬
‫حديث صحيح كما قال العلمة اللباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم‬
‫‪.250‬‬
‫كما ل يجوز استغلل التشابه في السم التجاري أو العلمة التجارية من أجل‬
‫التغرير بالمستهلكين وإيهامهم بأن سلعته مماثلة لتلك السلع المشهورة‬
‫والمعروفة‪.‬‬
‫وينبغي أن يعلم أن النصح واجب في المعاملة وقد ثبت في الحديث أن‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬الدين النصيحة‪ ،‬قلنا‪ :‬لمن يا رسول‬
‫الله؟ قال‪ :‬لله ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم( رواه مسلم‪.‬‬
‫وقد بين المام الغزالي ضوابط النصح المأمور به في المعاملة وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن ل يثني على السلعة بما ليس فيها لن ذلك يعد كذبا ً ول بأس أن يذكر‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصفات الحقيقية الموجودة في السلعة من غير مبالغة‪.‬‬


‫‪ .2‬أن يظهر جميع عيوب المبيع ول يكتم منها شيئا ً فذلك واجب فإن أخفى‬
‫شيئا ً من العيوب كان ظالما ً غاشا ً والغش حرام وكان تاركا ً للنصح في‬
‫المعاملة والنصح واجب‪.‬‬
‫‪ .3‬أن ل يكتم من مقدار السلعة شيئا ً وذلك بتعديل الميزان والمكيال‬
‫والحتياط في ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ست َوُْفو َ‬
‫ن وَإ َِذا‬ ‫ن إ َِذا اك َْتالوا عَلى الّنا ِ‬
‫س يَ ْ‬ ‫ذي َ‬
‫ن ال ِ‬
‫في َ‬
‫ف ِ‬
‫مط ّ‬ ‫قال الله تعالى‪ } :‬وَي ْ ٌ‬
‫ل ل ِل ُ‬
‫كاُلوهُ َ‬
‫ن { سورة المطففين اليات ‪.3-1‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خ ِ‬‫م يُ ْ‬‫م أوْ وََزُنوهُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪ .4‬أن يصدق في سعر الوقت ول يخفي منه شيئا‪ً.‬‬

‫)‪(78 /‬‬

‫ثم قال الغزالي بعد ذلك‪]:‬فليس له أن يغتنم فرصة وينتهز غفلة صاحب‬
‫المتاع ويخفي من البائع غلء السعر أو من المشتري تراجع السعار فإن فعل‬
‫ذلك كان ظالما ً تاركا ً للعدل والنصح للمسلمين[ انظر إحياء علوم الدين‬
‫‪.80-4/76‬‬
‫‪---‬‬
‫جوائز التجار‬
‫إن ترويج التجارة اليوم أصبح فنا ً قائما ً بذاته وصار التجار يتبعون أساليب‬
‫كثيرة ومختلفة من أجل تسويق بضائعهم وبعض هذه الساليب غير مشروع‬
‫كالجوائز التي يعلن عنها التجار بأن من اشترى عندهم بمبلغ ما يحصل على‬
‫كوبون ثم يدخل في سحب على سيارة أو ثلجة أو نحو ذلك فهذا نوع من‬
‫القمار المسمى باليانصيب لما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬لن المشتري يقدم على الشراء وهو على خطر فربما يحصل على‬
‫الجائزة وربما ل يحصل عليها‪.‬‬
‫‪ .2‬إن التجار الذين يمارسون هذا النوع من الترويج لبضائعهم يقومون غالبا ً‬
‫برفع أثمان السلع حتى يتمكنوا من تغطية قيمة الجوائز من مجموع‬
‫المشترين فيربح واحد من المشترين أو اثنان مثل ً ويخسر الخرون‪.‬‬
‫‪ .3‬إن مثل هذه الساليب تدفع كثيرا ً من الناس إلى الشراء دونما حاجة رغبة‬
‫في الحصول على الجائزة الموعودة وهذا يؤدي إلى السراف وترسيخ النهج‬
‫الرأسمالي في الستهلك‪.‬‬
‫‪ .4‬إن مثل هذه الساليب تؤدي إلى تنمية الضغينة والحقد والحسد في قلوب‬
‫الخاسرين من المشترين وهم الكثر لن الرابحين قلة‪ .‬راجع كتاب )الميسر‬
‫والقمار( ص ‪.169 –168‬‬
‫ول شك أن هذا السلوب يدخل في الميسر المحرم )القمار( يقول الله‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ب َوالْزل ُ‬ ‫صا ُ‬‫سُر َواْلن ْ َ‬ ‫مُر َوال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫خ ْ‬‫ما ال ْ َ‬‫مُنوا إ ِن ّ َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬‫سبحانه وتعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن { سورة المائدة الية ‪.90‬‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬ ‫جت َن ُِبوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬‫م ِ‬
‫ن عَ َ‬‫م ْ‬ ‫س ِ‬
‫ج ٌ‬
‫رِ ْ‬
‫وقد سئل الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا رحمه الله عن جوائز التجار فأجاب‪:‬‬
‫]إن رأيي في هذه المسألة هو التمِييز بين الهدايا الَبسيطة التي هي من عادة‬
‫دمون إليه‬ ‫ن يشتري كمية كبيرة من البضائع عندهم يق ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫عرفهم )أ ّ‬ ‫التجار و ُ‬
‫ُ‬
‫هدّية بسيطة تقديرّية وَترغيبّية له كسيارة لعبة أولد أو قطعة أو ِقطعتين‬
‫ما اشتراه وبين هذه الهدايا ذات القيمة الكبيرة التي يجري عليها‬ ‫زيادة ع ّ‬
‫سحب بطريقة السحب على الياَنصيب بالرقام‪ ،‬فَيفوز ِبها أحد ُ حاملي هذه‬
‫معتادة بْين جميع‬ ‫البطاقات )الكوبونات( من الّزبائن‪ .‬فتلك الهدايا البسيطة ال ُ‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مية كبيرة أو مجموعة من الصناف هي حلل؛ لنها‬ ‫التجار لمن يشتري ك َ ّ‬


‫ة تعبيرّية عن تقديرات التاجر لذلك الزبون‪.‬‬ ‫َتقدم ٌ‬
‫أما هذا النوع الذي سألت عنه من الهدايا ذات القيمة الكبيرة كالسيارة‬
‫والثلجة‪ ،‬مما يجري عليه سحب بحسب أرقام القسائم التي ُيعطونها لمن‬
‫مشتريات‪ ،‬ثم يسحب دورّيا على‬ ‫يشتري ما ل يقل عن مقدار معين من ال ُ‬
‫قسائم لستحقاق تلك الهدية الثمينة‪ ،‬والتي أصبح المشترون يشترون من‬ ‫ال َ‬
‫عند هذا التاجر لخذ هذه القسائم‪ ،‬فل أراها إل من َقبيل اليانصيب الّتجاري‬
‫محّرم يأَثم فيه‬ ‫مرة ُ‬‫مقا َ‬‫ب من ال ُ‬ ‫ضْر ٌ‬ ‫الذي هو اليوم في نظر علماء الشريعة َ‬
‫ل‪ ،‬ول سيما‬ ‫قه بهذه الطريقة حل ً‬ ‫الطرفان التاجر والزبون‪ ،‬ول يكون ما َيستح ّ‬
‫قمارّية‬ ‫صغار الّتجار الذين ل يمِلكون مثل هذه الوسائل ال ِ‬ ‫أّنه يضّر اقتصادّيا ب ِ‬
‫ي‬
‫جهم من السوق‪ ،‬وهذا ضرر اقتصاد ّ‬ ‫س وُيخرِ ُ‬ ‫ف عنهم النا َ‬ ‫رية‪ ،‬فيصرِ ُ‬ ‫مغ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫كبير‪ ،‬والله سبحانه أعلم[ فتاوى مصطفى الزرقا ص ‪.514-513‬‬
‫وعلق د‪ .‬يوسف القرضاوي على الفتوى السابقة بقوله‪]:‬أنا أؤيد النظر‬
‫الفقهي العميق‪ ،‬وأرى إضافة إلى ذلك أن هذا السلوب هو ‪ -‬في النهاية ‪-‬‬
‫إغلء لقيمة السلعة على حساب عموم المستهلكين‪ ،‬وهو يعبر عن النمط‬
‫الغربي الذي يغري الناس بكثرة الستهلك للسلع‪ ،‬وإن لم يكن بهم حاجة‬
‫إليها‪ ،‬على خلف المنهج السلمي الذي يحث على العتدال أبدًا[ المصدر‬
‫السابق ص ‪.514‬‬
‫كما سُئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله سؤال ً هذا نصه‪:‬‬
‫]هل يجوز أن أعلن للجميع أن من يشتري من عندي سيارة يحصل على رقم‪،‬‬
‫جعل سحب على هذه الرقام‪ ،‬فالذي ُيسحب رقمه‬ ‫ولمدة محدودة‪ ،‬وبعدها ي ُ‬
‫غب في بضاعتي ويكثر زبائني‪ .‬أفتونا عن‬ ‫ُ‬
‫يحصل على جائزة قيمة‪ ،‬وبذلك أر ّ‬
‫هذه الطريقة جزاكم الله خيرًا؟‬
‫َ‬
‫فأجاب‪ :‬هذا ل يجوز لنه إما قمار أو شبيه به‪ ،‬والله تعالى يقول‪َ } :‬يا أي َّها‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫م ِ‬‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬‫س ِ‬
‫ج ٌ‬ ‫ب َواْلْزَل ُ‬
‫م رِ ْ‬ ‫صا ُ‬ ‫سُر َواْلن ْ َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫مُر َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫مُنوا إ ِن ّ َ‬
‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن { سورة المائدة الية ‪ .90‬والميسر‪ :‬هو‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫جت َن ُِبوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬‫ن َفا ْ‬‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬‫ال ّ‬
‫القمار الذي يكون الداخل فيه بين غانم وغارم[‪ .‬فقه وفتاوى البيوع ص ‪.414‬‬
‫‪---‬‬
‫بيع المحرمات‬
‫المتاجرة بأفلم الفيديو والمجلت الباحية‬

‫)‪(79 /‬‬

‫إن المتاجرة في أفلم الفيديو والمجلت الباحية التي تعرض المحرمات‬


‫كأفلم الجنس والخلعة والمجون والرذائل والفلم البوليسية التي تعلم‬
‫الناس وسائل الجرام وتسهم في نشر الجرائم والرذائل وصور النساء‬
‫العاريات ونحوها حرام شرعا ً ‪ ،‬فالتعامل في هذه الشرطة والمجلت بيعا أو‬
‫ً‬
‫شراًء أو إجارةً أو إهداًء أو تبادل ً بدون مقابل كل ذلك محرم شرعا ً لنها‬
‫تسهم بل شك في نشر الفاحشة بين المسلمين يقول الله سبحانه وتعالى‪} :‬‬
‫َ‬ ‫حبو َ‬
‫م ِفي الد ّن َْيا‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫مُنوا ل َهُ ْ‬
‫ن َءا َ‬ ‫ة ِفي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫شيعَ ال ْ َ‬
‫ن تَ ِ‬
‫نأ ْ‬‫ن يُ ِ ّ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫خَرةِ { سورة النور الية ‪.19‬‬ ‫ْ‬
‫َوال ِ‬
‫وكذلك فإنه يعد من باب التعاون على الثم والعدوان والله سبحانه وتعالى‬
‫ن { سورة‬ ‫وى وََل ت ََعاوَُنوا عََلى اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬ ‫ق َ‬‫يقول‪ } :‬وَت ََعاوَُنوا عََلى ال ْب ِّر َوالت ّ ْ‬
‫المائدة الية ‪.2‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وينبغي أن يعلم أنه ل يجوز لمالكي العقارات والمحلت التجارية أن يؤجروها‬


‫لمثال هؤلء‪ ،‬تجار أشرطة الفيديو والمجلت الخليعة‪.‬‬
‫وأما إذا كانت أشرطة الفيديو تعرض البرامج النافعة والمفيدة كالشرطة‬
‫العلمية والطبية والتاريخية ونحو ذلك مما ل يتعارض مع أحكام الشريعة‬
‫فيجوز التعامل بها‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫بيع التماثيل والصلبان في محلت السنتواري وغيرها‬
‫يحرم شرعا ً بيع التماثيل والصلبان للمسلم ولغير المسلم وقد ثبت في‬
‫الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬يقول عام الفتح وهو بمكة‪):‬إن الله ورسوله حرم بيع الخمر‬
‫والميتة والخنزير والصنام‪ ،‬فقيل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أرأيت شحوم الميتة فإنها‬
‫يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال‪ :‬ل هو حرام‪،‬‬
‫ثم قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬عند ذلك قاتل الله اليهود إن‬
‫الله لما حرم شحومها جملوه – أذابوه ‪ -‬ثم باعوه فأكلوا ثمنه( رواه البخاري‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫والعلة في تحريم بيع الصنام كونها ليس فيها منفعة مباحة وأنها وسيلة من‬
‫وسائل الشرك فيحرم بيعها سواء اتخذت للعبادة أو للزينة وسواء كانت على‬
‫شكل إنسان أو حيوان وسواء بيعت للمسلمين أو لغيرهم‪.‬‬
‫كما ويحرم بيع أي شيء له علقة بعقيدة غير المسلمين كالمنتجات الخاصة‬
‫بعيد رأس السنة )الكريسماس( وما يسمى عيد الحب ) فالنتاين ( ونحوهما‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫استعمال الدمى لعرض الملبس‬
‫في كثير من محلت بيع الملبس النسائية تعرض الملبس على دمى على‬
‫شكل امرأة وهذه الصنام تكون بحجم النسان الكامل وهذا أمر محرم فل‬
‫يجوز عرض الملبس على هذه الدمى إل إذا كانت مقطوعة الرأس؛ فقد ورد‬
‫في الحديث عن أبي الهياج السدي قال‪):‬قال لي علي بن أبي طالب أل‬
‫أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن ل تدع‬
‫تمثال ً إل طمسته ول قبرا ً مشرفا ً إل سويته( رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪):-‬أتاني جبريل فقال‪ :‬إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون‬
‫دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إل أنه كان في باب البيت تمثال الرجال‪،‬‬
‫وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب‪ ،‬فمر برأس‬
‫التمثال الذي بالباب فليقطع فليصير كهيئة الشجرة‪ ،‬ومر بالستر فليقطع‬
‫خَرج‪ ،‬ففعل رسول الله‬ ‫ويجعل منه وسادتين منتبذتين يوطآن‪ ،‬ومر بالكلب في ُ ْ‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ .-‬وكان ذلك الكلب جروا ً للحسن أو الحسين تحت‬
‫نضد له – متاع البيت المنضود فوقه فوق بعض ‪ -‬فأمر به فأخرج ( رواه‬
‫الترمذي وقال حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫حكم بيع الغذية المصنعة المنتهية الصلحية‬
‫إن الغذية التي لها تاريخ لنتهاء الصلحية ومثلها الدوية‪ ،‬لم يوضع عليها تاريخ‬
‫انتهاء الصلحية عبثا ً وإنما بعد دراسة لصلحية مركباتها وهذا يعتمد على‬
‫دراسات علمية يقررها صانعو الدوية والغذية‪.‬‬
‫وبناًء على ذلك وبعد سؤال أهل الخبرة في هذا الشأن فإن استعمال الدوية‬
‫والغذية التي انتهت صلحيتها قد يلحق الضرر والذى بمن يستهلكها‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعليه فإنه ل يجوز شرعا ً بيع الغذية والدوية بعد انتهاء صلحيتها لن في ذلك‬
‫إضرارا ً بالناس وإلحاقا ً للذى بهم ويحرم على المسلم أن يلحق الضرر بغيره‬
‫لما ورد في الحديث الشريف أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬ل‬
‫ضرر ول ضرار( رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي والحاكم وقال‪ :‬صحيح السناد‬
‫على شرط مسلم ووافقه الذهبي وقال العلمة اللباني‪ :‬صحيح‪ .‬إرواء الغليل‬
‫‪.3/408‬‬
‫وإذا ثبت أنه قد لحق ضرر بمن استهلك الغذية أو الدوية المنتهية الصلحية‬
‫فإن من باعها يكون مسئول ً عن ذلك وينبغي أن يعاقب على ذلك‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فإن بيع الغذية والدوية المنتهية الصلحية مع علم البائع‬
‫بذلك يعتبر غشا ً وكتمانا ً لعيب السلعة عن المشتري والغش محرم في‬
‫الشريعة السلمية‪.‬‬

‫)‪(80 /‬‬

‫فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن الرسول ‪ -‬صلى‬
‫صبرة طعام ‪-‬كومة‪ -‬فأدخل يده فيها فنالت‬ ‫الله عليه وسلم ‪):-‬مّر على ُ‬
‫أصابعه بلل ً فقال‪ :‬ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول‬
‫الله‪ ،‬أي المطر‪ .‬قال‪ :‬أفل جعلته فوق الطعام كي يراه الناس‪ ،‬من غش‬
‫فليس مني( رواه مسلم‪.‬‬
‫وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬من حمل السلح علينا فليس منا ومن غشنا فليس‬
‫منا( رواه مسلم‪.‬‬
‫والحديثان ظاهران في الدللة على تحريم الغش باعتباره وسيلة لكل أموال‬
‫الناس بالباطل إذ أن حقيقة الغش هي إخفاء وكتمان ما في السلعة من‬
‫نقص أو عيب‪.‬‬
‫وهذا ينافي عصمة أموال المسلمين التي جاءت بها الشريعة السلمية لما‬
‫جاء في الحديث الشريف من قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬ل يحل‬
‫مال امرئ مسلم إل عن طيب نفس( رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم‬
‫وهو حديث صحيح كما قال العلمة اللباني في إرواء الغليل ‪.5/279‬‬
‫والغش حرام بصورته السلبية وهي مجرد السكوت عن العيب والنقص‬
‫وبصورته اليجابية وهي القيام بجهد ما في إخفاء العيب أو تزيين السلعة‪.‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) -‬أن‬
‫رجل ً كان يبيع الخمر في سفينة وكان يشوبه بالماء وكان معه في السفينة‬
‫قرد قال‪ :‬فأخذ الكيس وفيه الدنانير‪ ،‬قال‪ :‬فصعد الذرو – أعلى السفينة ‪-‬‬
‫ففتح الكيس فجعل يلقي في البحر دينارا ً وفي السفينة دينارا ً حتى لم يبق‬
‫فيه شيء( رواه أحمد‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫بيع العنب لمن يعصره خمرا ً‬
‫يحرم على المسلم أن يبيع العنب لشخص يصنع منه خمرا ً سواء كان ذلك‬
‫الشخص مسلما ً أو غير مسلم ويشترط لتحريم ذلك علم البائع بأن المشتري‬
‫يصنع من العنب خمرا ً وهذا مذهب المالكية والحنابلة والمعتمد عند الشافعية‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هو مذهب الظاهرية ‪ ،‬ويدل على ذلك قوله تعالى‪ } :‬وَل ت ََعاوَُنوا عَلى ال ِث ْم ِ‬
‫ن { سورة المائدة الية ‪. 2‬قال الشيخ ابن قدامة المقدسي رحمه‬ ‫َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫الله‪]:‬وهذا النهي يقتضي التحريم[ المغني ‪.4/167‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويدل على ذلك أيضا ً ما ورد في الحديث ‪ ):‬لعن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬في الخمر عشرة‪ :‬عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة‬
‫إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له( رواه الترمذي‬
‫وابن ماجة وهو حديث حسن صحيح كما قال العلمة اللباني في صحيح سنن‬
‫الترمذي ‪.2/27‬‬
‫ويدل على ذلك ما روي في الحديث أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال‪):‬من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن‬
‫يتخذه خمرا ً فقد تقحم النار على بصيرة( رواه الطبراني في الوسط بإسناد‬
‫حسن‪ ،‬كما قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ص ‪ .167‬وقد خالفه بعض‬
‫المحدثين في تحسينه الحديث‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد روى محمد بن سيرين )أن قيما كان لسعد بن أبي وقاص في أرض له‬
‫فأخبره عن عنب أنه ل يصلح زبيبا ً ول يصلح إل لمن يعصره ‪-‬يجعله خمرًا‪-‬‬
‫فأمر بقلعه وقال‪ :‬بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر[ المغني ‪.4/168‬‬
‫وروى ابن حزم بسنده عن عطاء قال‪]:‬ل تبعه لمن يجعله خمرًا[ المحلى‬
‫‪.7/522‬‬
‫وقد سئل شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله عن بيع العنب لمن يجعله خمرا ً‬
‫فقال‪]:‬ل يجوز بيع العنب لمن يعصره خمرا ً بل قد لعن رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬من يعصر العنب لمن يتخذه خمرا ً فكيف بالبائع له الذي هو‬
‫أعظم معاونة ول ضرورة لذلك فإنه إذا لم يمكن بيعه رطبا ً ول تزبيبه فإنه‬
‫يتخذه خل ً أو دبسا ً ونحو ذلك[ مجموع الفتاوى ‪.29/236‬‬
‫وهنا ل بد من توضيح قاعدة هامة تتعلق بهذه المسألة وهي ما قرره العلماء‬
‫من أن للوسائل أحكام المقاصد ‪.‬قال المام العز بن عبد السلم‪]:‬للوسائل‬
‫أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة‬
‫إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل[ قواعد الحكام ‪ .1/46‬فوسيلة المحرم‬
‫محرمة أي إن ما أدى إلى الحرام فهو حرام‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫بيع السجائر‬
‫إن نبتة الدخان لم تكن معروفة في ديار السلم لذلك لم يتعرض لها الفقهاء‬
‫المتقدمون في مؤلفاتهم وأول ما عرف الدخان في بلد المسلمين في‬
‫حوالي اللف للهجرة كما ذكر بعض العلماء ولما شاع التدخين اختلف الفقهاء‬
‫في حكمه فمنهم من رأى أنه مباح ومنهم من رأى أنه حرام وخلفهم هذا‬
‫كان قبل وقوفهم على أضرار التدخين‪ ،‬أما الن فقد أصبحت أضرار التدخين‬
‫معلومة علما ً تاما ً ومقطوعا ً بها‪ .‬فقد اتفقت على أضراره الهيئات العلمية‬
‫والمجامع الطبية وقررت أنه سبب رئيس للسرطان وتليف الكبد وأمراض‬
‫الشريان التاجي والذبحة الصدرية وسرطان الفم وغيرها من المراض الخبيثة‬
‫لذلك رأى كثير من العلماء المعاصرين أن التدخين حرام وهذا هو القول‬
‫الصحيح إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫ويلحق بالدخان ما يسمى بالمعسل والشيشة )الرجيلة( وغير ذلك من‬
‫النواع‪ .‬وإذا قلنا بتحريم التدخين فيحرم كل ما يتعلق به من بيع وتوزيع‬
‫وتقديمه للناس والدعاية له ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وهذا التحريم مستند لما يلي‪:‬‬

‫)‪(81 /‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ :‬ضرر التدخين المؤكد على صحة النسان المدخن وغيره‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫وهذا ما أكده أهل الخبرة والختصاص من الطباء والكيميائيين وغيرهم‬
‫فالدخان يتكون من مجموعة كثيرة من المواد منها أكثر من خمسة عشر‬
‫نوعا ً من السموم الفتاكة كالنيكوتين الذي يعد من السموم القوية والفعالة‬
‫وله أثر سيء على الكلية والجهاز العصبي والدم‪ ،‬ومنها أول أكسيد الكربون‬
‫وهو معروف بتأثيره السام وله تأثير سيء على الدم‪.‬‬
‫ومنها القطران وهو المادة اللزجة الصفراء التي تؤدي إلى اصفرار السنان‬
‫ونخرها وإلى التهابات اللثة وهو أخطر محتويات الدخان على الصحة ويسبب‬
‫السرطان والتهابات الشعب الهوائية وغير ذلك من المواد الضارة التي تلحق‬
‫الضرر و الذى بصحة المدخن فالتدخين يضر بالفم وبالشفاه واللثة والسنان‬
‫واللسان واللوزتين والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والعصاب والدورة‬
‫الدموية والجهاز البولي كما أن للتدخين ضررا ً على النسل لذلك ُتنصح‬
‫الحوامل بعدم التدخين وما كان ضرره كذلك فل شك في حرمته لن السلم‬
‫يحرم كل ضار يقول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬ل ضرر ول ضرار ( رواه أحمد‬
‫وابن ماجة والطبراني وهو حديث صحيح كما قال العلمة اللباني في‬
‫السلسلة الصحيحة حديث رقم ‪.250‬‬
‫وقال المام النووي‪]:‬كل ما أضر أكله كالزجاج و الحجر والسم يحرم أكله[‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ضرر التدخين المالي‪:‬‬
‫فق على التدخين وما يتعلق به وكذلك فإن المليين‬ ‫ل شك أن المليين ت ُن ْ َ‬
‫تنفق في علج المراض التي تنتج عن التدخين وأن الرقام التي تذكر في هذا‬
‫المجال أرقام كبيرة جدا ً مما يؤكد الضرر البالغ للتدخين على الناحية‬
‫القتصادية على مستوى الفراد والشعوب‪ ،‬والسلم ل يقر أبدا ً إنفاق الموال‬
‫في هذه الجوانب فإن إنفاق المال في التدخين إنفاق له فيما ل ينفع ل في‬
‫الدنيا ول في الخرة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬يقول د‪ .‬يوسف القرضاوي‪]:‬وهناك ضرر آخر يغفل عنه عادة الكاتبون‬
‫في هذا الموضوع وهو الضرر النفسي وأقصد به أن العتياد على التدخين‬
‫وأمثاله يستعبد إرادة النسان‪ ،‬ويجعلها أسيرة لهذه العادة السخيفة بحيث ل‬
‫ب ما‪ .‬كظهور‬ ‫يستطيع أن يتخلص منها بسهولة إذا رغب في ذلك يوما ً لسب ٍ‬
‫ضررها على بدنه أو سوء أثرها في تربية ولده أو حاجته إلى ما ينفق فيها‬
‫لصرفه في وجوه أخرى أنفع وألزم أو نحو ذلك من السباب لهذا الستعباد‬
‫النفسي لدى بعض المدخنين يجور على قوت أولده والضروري من نفقة‬
‫أسرته ومن أجل إرضاء مزاجه هذا لنه لم يعد قادرا ً على التحرر منه وإذا‬
‫عجز مثل هذا يوما ً عن التدخين لمانع داخلي أو خارجي فإن حياته تضطرب‬
‫وميزانه يختل وحاله تسوء وفكره يتشوش وأعصابه تثور لسبب أو لغير‬
‫سبب[ ول ريب في أن مثل هذا الضرر جدير بالعتبار في إصدار حكم على‬
‫التدخين‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إن التدخين خبيث عند ذوي الطباع السليمة ول ينكر ذلك إل مكابر ول‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫يقول أحد من العقلء إنه من الطيبات والله سبحانه وتعالى يقول‪ } :‬وَي ُ ِ‬
‫ث { والدخان خبيث فهو من المحرمات‪.‬‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خَبائ ِ َ‬ ‫م عَل َي ْهِ ُ‬ ‫حّر ُ‬ ‫م الط ّي َّبا ِ‬
‫ت وَي ُ َ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫خامسًا‪ :‬إن الدخان مفتر من المفترات وهذا معروف عند المدخنين وكونه ل‬
‫يفتر المدمنين عليه فهذا ل يعتبر في إثبات التحريم لن بعض المدمنين على‬
‫الخمر ل يسكر من كأس أو كأسين ويحتاج إلى كمية أكبر حتى يسكر فل‬
‫يقال إن الخمر في حقه غير محرم وكذلك الحال في الدخان وقد ثبت في‬
‫الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها‪):‬أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ث صحيح رواه أحمد وأبو داود وغيرهما‪،‬‬ ‫نهى عن كل مسكر ومفتر( حدي ٌ‬
‫والصل في النهي أنه يفيد التحريم ما لم ترد قرينه تصرفه عن ذلك‪.‬‬
‫وبعد هذا العرض الموجز لهم الدلة الدالة على تحريم التدخين أقرر ما قاله‬
‫بعض العلماء المعاصرين من حرمة التدخين بل شك ولكن حرمته ليست‬
‫كحرمة الخمر أو الزنا فالمحرمات تتفاوت‪ ،‬فهي على درجات فبعضها يعد من‬
‫الكبائر وبعضها صغائر وأظن أن التدخين من الخيرة ومع ذلك فينبغي القلع‬
‫عن هذه العادة السيئة ول يجوز التعامل مع كل ما يتعلق بالتدخين كصناعته‬
‫وبيعه وتوزيعه والدعاية له وتقديمه للناس وغير ذلك‪.‬‬
‫وأخيرا ً ينبغي أن يعلم أن قول من يرى أن التدخين مباح قول ضعيف ل وجه‬
‫له بعد أن ثبت الضرر المؤكد للتدخين عند العامة والخاصة يقول د‪ .‬يوسف‬
‫القرضاوي‪]:‬ويتبين من هذا التمحيص الذي ذكرناه أن إطلق القول بإباحة‬
‫التدخين ل وجه له بل هو غلط صريح وغفلة عن جوانب الموضوع كله ويكفي‬
‫ما فيه من إضاعة لجزء من المال فيما ل نفع فيه وما يصحبه من نتن الرائحة‬
‫المؤذية وما فيه من ضرر بعضه محقق وبعضه مظنون أو محتمل[‪.‬‬
‫وإن كان لهذا القول وجه فيما مضى عند ظهور استعمال هذا النبات في سنة‬
‫ألف من الهجرة حيث لم يتأكد علماء ذلك العصر من ثبوت ضرره فليس له‬
‫أي وجه في عصرنا بعد أن أفاضت الهيئات العلمية الطبية في بيان أضراره‬
‫وسيء آثاره وعلم بها الخاص والعام وأيدتها لغة الرقام‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫بيع الكلب‬

‫)‪(82 /‬‬

‫يجب أن يعلم أول ً أنه ل يجوز اقتناء الكلب في البيوت إل لحاجة نافعة ككلب‬
‫الصيد وكلب الحراسة لما ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من اقتنى كلبا ً إل كلب صيد‬
‫أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان( رواه مسلم‪.‬‬
‫وأما بيع الكلب فمحل خلف كبير بين أهل العلم وقد ذهب جمهور الفقهاء‬
‫إلى تحريم بيع الكلب وأن ثمنه حرام واستدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬عن أبي مسعود النصاري ‪ -‬رضي الله عنه ‪):-‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬نهى عن ثمن الكلب( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪ .2‬وعن رافع بن خديج ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬سمعت رسول الله‬
‫يقول‪ :‬شر الكسب مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام( رواه مسلم‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى عند مسلم قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬
‫)ثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث وكسب الحجام خبيث( وغير ذلك من‬
‫الحاديث‪.‬‬
‫وأجاز جماعة من أهل العلم بيع الكلب التي ينتفع بها ككلب الحراسة‬
‫والصيد ويلحق بها في زماننا الكلب التي تقتفي الثر والتي تستعمل في‬
‫تعقب آثار المجرمين والكشف عن المخدرات ونحوها فيجوز بيع هذه الكلب‪،‬‬
‫وهذا قول أبي حنيفة ومالك في رواية عنه وبه قال عطاء وإبراهيم النخعي‪.‬‬
‫شرح النووي على صحيح مسلم ‪.4/179‬‬
‫وسحنون من المالكية حيث قال‪]:‬أبيعه وأحج بثمنه[ أي كلب الصيد كما نقله‬
‫عنه في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ ،3/11‬وهو قول بعض‬
‫الحنابلة ‪ .‬النصاف ‪.4/28‬‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومال إلى هذا القول المام الشوكاني و العلمة اللباني وغيرهما وهو الذي‬
‫أميل إليه‪ ،‬لما يلي‪:‬‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أو ً‬
‫مت ُ ْ‬
‫ما عَل ْ‬ ‫ت وَ َ‬‫م الطي َّبا ُ‬ ‫حل لك ُ‬ ‫م قل أ ِ‬ ‫حل لهُ ْ‬ ‫ماذا أ ِ‬ ‫سألون َك َ‬ ‫ل‪ :‬قال تعالى‪ } :‬ي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م ّ‬‫ه فَك ُُلوا ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫مك ُ ُ‬ ‫ما عَل ّ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫مون َهُ ّ‬ ‫ن ت ُعَل ّ ُ‬ ‫مك َل ِّبي َ‬‫وارِِح ُ‬‫ج َ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫ب { سورة المائدة‬ ‫سا‬ ‫ح‬
‫َ َ ِ ُ ِ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ع‬ ‫ري‬ ‫س‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫َ ِ ّ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫وا‬
‫ْ ِ َ ّ‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ْ َ‬‫س‬ ‫ا‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ذ‬‫وا‬ ‫َ‬
‫الية ‪.4‬‬
‫ن { ‪ ،‬قال القرطبي‪:‬‬ ‫مك َل ِّبي َ‬ ‫ووجه الدليل في الية الكريمة قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫ن { ‪ ،‬أصحاب الكلب وهو كالمؤدب صاحب التأديب[ تفسير‬ ‫مك َل ِّبي َ‬ ‫]معنى‪ُ } :‬‬
‫القرطبي ‪.6/66‬‬
‫وهذه الية تدل على جواز اتخاذ الكلب للصيد ويفهم من ذلك أنها أداة للصيد‬
‫ينتفع بها وما كان كذلك يجوز بيعه ما دام أنه يجوز اقتناؤه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬وردت بعض الحاديث التي تستثني كلب الصيد وكلب الماشية وما في‬
‫معناهما من عموم النهي المذكور في الحاديث التي احتج بها الجمهور على‬
‫المنع فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬نهى‬
‫عن ثمن الكلب إل كلب الصيد( رواه الترمذي وقال ل يصح من هذا الوجه‪،‬‬
‫ولكن العلمة اللباني ذكر أن الحديث حسن في صحيح سنن الترمذي ‪.2/24‬‬
‫وقد ذكر الشيخ أحمد الغماري عدة طرق يتقوى بها حديث أبي هريرة‬
‫السابق‪ ،‬الهداية في تخريج أحاديث البداية ‪ 7/169‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪ .2‬وعن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬نهى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬عن ثمن الكلب إل الكلب المعّلم( رواه النسائي وأحمد والدارقطني‬
‫وطعن النسائي في سنده ولكن قال الحافظ ابن حجر‪ :‬رجاله ثقات‪ ،‬إل أن‬
‫النسائي طعن في صحته‪ .‬فتح الباري ‪.5/331‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ‪]:3/4‬ورد الستثناء من حديث‬
‫جابر ورجاله ثقات[ وقال الشيخ أحمد الغماري‪]:‬هذا سند على شرط‬
‫الصحيح[ ثم ذكر له طرقا تقويه وذكر رواية عن ابن عباس فيها استثناء كلب‬
‫الصيد ‪ .‬الهداية في تخريج أحاديث البداية ‪.7/171‬‬
‫وقال المام الشوكاني بعد أن ذكر حديث جابر‪]:‬فينبغي حمل المطلق على‬
‫المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد إن صلح هذا المقيد للحتجاج‬
‫به[ نيل الوطار ‪.5/163‬‬
‫وقال العلمة المحدث اللباني‪ ...]:‬ولكن معنى الستثناء صحيح دراية‬
‫للحاديث الصحيحة التي تبيح اقتناء كلب الصيد وما كان كذلك حل بيعه وحل‬
‫ثمنه كسائر الشياء المباحة كما حققه المام أبو جعفر الطحاوي في شرح‬
‫معاني الثار ‪ [...‬السلسلة الصحيحة ‪.6/1156‬‬
‫وذكر العلمة اللباني في موضع آخر أن حديث جابر وهو‪):‬نهى رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن ثمن الكلب إل كلب الصيد( قد رواه النسائي‬
‫والبيهقي وهو على شرط مسلم وذكر له شاهدين ثم قال‪]:‬فلعل هذا‬
‫الستثناء يقوى بهذه الطرق والشواهد[ التعليقات الرضية ‪.2/347‬‬
‫وذكر صاحب إعلء السنن ‪ 14/486 -‬فما بعدها ‪ -‬عددا ً من الشواهد تتقوى‬
‫بها هذه الحاديث ويدل على أن الحديث الوارد في استثناء كلب الصيد ل يقل‬
‫عن درجة الحسن وعليه فيجوز بيع الكلب التي ينتفع بها في الحراسة‬
‫والصيد وكلب الثر وغير ذلك‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫آداب التاجر‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخلق التاجر المسلم‬


‫إن التجارة في السلم تحكمها ضوابط وقيم أخلقية ينبغي على التجار‬
‫التحلي بها ‪ ،‬وهذه الضوابط والقيم مستمدة من كتاب الله تعالى ومن سنة‬
‫نبيه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ومن سير الصحابة والسلف في تعاملهم‬
‫التجاري‪.‬‬

‫)‪(83 /‬‬

‫قال أبو حامد الغزالي‪]:‬وقد أمر الله تعالى بالعدل والحسان جميعًا‪ ،‬والعدل‬
‫سبب النجاة فقط وهو يجري من التجار مجرى رأس المال والحسان سبب‬
‫الفوز ونيل السعادة وهو يجري من التجارة مجرى الربح ول يعد من العقلء‬
‫من قنع في معاملت الدنيا برأس ماله فكذا في معاملت الخرة فل ينبغي‬
‫للمتدين أن يقتصر على العدل واجتناب الظلم ويدع أبواب الحسان وقد قال‬
‫ك { وقال عز وجل‪ } :‬إن الل ّ ْ‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ‬ ‫الله تعالى‪ } :‬وأ َحسن ك َ َ‬
‫مُر‬
‫ه ي َأ ُ‬
‫َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫س َ‬
‫ح َ‬
‫ما أ ْ‬
‫َ ْ ِ ْ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫ب ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ّ‬
‫ة اللهِ قَ ِ‬
‫م َ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬‫ن { وقال سبحانه وتعالى‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َواْل ِ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ِبال ْعَد ْ ِ‬
‫ن { ونعني بالحسان فعل ما ينتفع به العامل وهو غير واجب عليه‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫ل منه فإن الواجب يدخل في باب العدل وترك الظلم[ إحياء علوم‬ ‫ولكنه تفض ٌ‬
‫الدين ‪.81-2/80‬‬
‫وكذلك فإن الصدق والمانة والنصيحة من أعظم أخلق التجار فقد ورد في‬
‫الحديث عن أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال‪):‬التاجر الصدوق المين مع النبيين والصديقين والشهداء( رواه‬
‫الترمذي وقال حديث حسن‪ .‬سنن الترمذي ‪ .3/515‬وفيه ضعف منجبر كما‬
‫قال العلمة اللباني في غاية المرام ص ‪.124‬‬
‫وعن رفاعة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه خرج مع النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال‪):‬يا معشر التجار فاستجابوا لرسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال‪ :‬إن التجار‬
‫يبعثون يوم القيامة فجارا ً إل من اتقى الله وبّر وصدق( رواه الترمذي وقال‪:‬‬
‫هذا حديث حسن صحيح‪ .‬سنن الترمذي ‪ ،3/516‬ورواه الحاكم وقال‪ :‬صحيح‬
‫السناد ووافقه الذهبي‪ .‬وغير ذلك من الحاديث‪.‬‬
‫ومن المور التي ينبغي للتجار أل يتعاملوا بها الغبن‪ ،‬وهو أن ُيغلب أحد‬
‫المتبايعين‪ ،‬وهو نوع من الخداع‪ .‬قال أبو حامد الغزالي‪ ...]:‬فينبغي أن ل يغبن‬
‫صاحبه بما ل يتغابن به في العادة فأما أصل المغابنة فمأذون فيه لن البيع‬
‫للربح ول يمكن ذلك إل بغبن ما ولكن يراعى فيه التقريب فإن بذل المشتري‬
‫زيادة على الربح المعتاد إما لشدة رغبته أو لشدة حاجته في الحال إليه‬
‫فينبغي أن يمتنع من قبوله فذلك من الحسان ومهما لم يكن تلبيس لم يكن‬
‫أخذ الزيادة ظلما ً وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلث‬
‫يوجب الخيار ولسنا نرى ذلك ولكن من الحسان أن يحط ذلك الغبن‪.‬‬
‫حلل ‪-‬نوع من الثياب‪ -‬مختلفة الثمان‬ ‫يروى أنه كان عند يونس بن عبيد ُ‬
‫ضرب قيمة كل حلة منها أربعمائة وضرب كل حلة قيمتها مائتان فمّر إلى‬
‫الصلة وخّلف ابن أخيه في الدكان فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض‬
‫عليه من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها فاشتراها فمضى بها وهي على‬
‫يديه فاستقبله يونس فعرف حلته فقال للعرابي‪ :‬بكم اشتريت؟ فقال‪:‬‬
‫بأربعمائة‪ .‬فقال‪ :‬ل تساوي أكثر من مائتين فارجع حتى تردها‪ .‬فقال‪ :‬هذه‬
‫تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها‪ .‬فقال له يونس‪ :‬انصرف فإن النصح‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الدين خير من الدنيا بما فيها‪ .‬ثم رّده إلى الدكان ورد ّ عليه مائتي درهم‬
‫وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله وقال أما استحييت أما اتقيت الله تربح مثل‬
‫ض بها‪ .‬قال‪:‬‬‫الثمن وتترك النصح للمسلمين فقال‪ :‬والله ما أخذها إل وهو را ٍ‬
‫فهل رضيت له بما ترضاه لنفسك‪ ،‬وهذا إن كان فيه إخفاء سعر وتلبيس فهو‬
‫من باب الظلم … وكان الزبير بن عدي يقول‪ :‬أدركت ثمانية عشر من‬
‫الصحابة ما منهم أحد يحسن يشتري لحما ً بدرهم فغبن مثل هؤلء‬
‫المسترسلين ظلم إن كان من غير تلبيس فهو من ترك الحسان وقلما يتم‬
‫هذا إل بنوع تلبيس وإخفاء سعر الوقت وإنما الحسان المحض ما نقل عن‬
‫السري السقطي أنه اشترى كّر –مكيال– لوز بستين دينارا ً وكتب في‬
‫روزنامجه – سجله ‪ -‬ثلثة دنانير ربحه وكأنه رأى أن يربح على العشرة نصف‬
‫دينار فصار اللوز بتسعين فأتاه الدلل وطلب اللوز فقال‪ :‬خذه‪ .‬قال‪ :‬بكم؟‬
‫فقال‪ :‬بثلثة وستين‪ .‬فقال الدلل وكان من الصالحين‪ :‬فقد صار اللوز‬
‫بتسعين‪ .‬فقال السري‪ :‬قد عقدت عقدا ً ل أحله لست أبيعه إل بثلثة وستين‪.‬‬
‫فقال الدلل‪ :‬وأنا عقدت بيني وبين الله أن ل أغش مسلما ً لست آخذا ً منك‬
‫إل بتسعين‪ .‬قال‪ :‬فل الدلل اشترى منه ول السري باعه(‪ .‬فهذا محض‬
‫الحسان من الجانبين فإنه مع العلم بحقيقة الحال‪.‬‬

‫)‪(84 /‬‬

‫وروي عن محمد بن المنكدر أنه كان له شقق –نوع من الثياب– بعضها‬


‫بخمسة وبعضها بعشرة فباع في غيبته غلم شقة من الخمسيات بعشرة فلما‬
‫عرف لم يزل يطلب ذلك العرابي المشتري طول النهار حتى وجده فقال‬
‫له‪ :‬إن الغلم قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة‪ .‬فقال‪ :‬يا هذا قد‬
‫رضيت‪ ،‬فقال‪ :‬وإن رضيت فإنا ل نرضى لك إل ما نرضاه لنفسنا فاختر إحدى‬
‫ثلث خصال إما أن تأخذ شقة من العشريات بدراهمك وإما أن نرد عليك‬
‫خمسة وإما أن ترد شقتنا وتأخذ دراهمك‪ .‬فقال‪ :‬أعطني خمسة‪ .‬فرد ّ عليه‬
‫خمسة وانصرف العرابي يسأل ويقول‪ :‬من هذا الشيخ؟ فقيل له‪ :‬هذا محمد‬
‫بن المنكدر‪ ،‬فقال‪ :‬ل إله إل الله هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا‬
‫قحطنا‪ .‬فهذا إحسان في أن ل يربح على العشرة إل نصفا ً أو واحدا ً على ما‬
‫جرت به العادة في مثل ذلك المتاع في ذلك المكان ومن قنع بربح قليل‬
‫كثرت معاملته واستفاد من تكررها ربحا ً كثيرا ً وبه تظهر البركة‪.‬‬
‫كان علي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬يدور في سوق الكوفة بالدرة ويقول‪]:‬معاشر‬
‫التجار خذوا الحق تسلموا ل تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره[ إحياء علوم‬
‫الدين ‪.82-2/81‬‬
‫ول بد أن أشير إشارة سريعة إلى دور التجار المسلمين في نشر السلم فقد‬
‫عمل التجار المسلمون على نشر الدعوة السلمية بين أهل البلد التي رحلوا‬
‫إليها بالحكمة والموعظة الحسنة وبالسلوك الطيب والتعامل الحسن والتودد‬
‫إلى أهل البلد وقد دخل كثير من الناس في السلم عن طريق التجار‬
‫المسلمين‪ ،‬فعرفت تركستان الشرقية في الصين السلم عن طريق التجار‬
‫المسلمين فانتشر السلم بين الصينيين وقد وصل التجار المسلمون إلى‬
‫بلدان جنوب شرق آسيا كأندونيسيا وماليزيا والفلبين وغيرها وكان التجار‬
‫المسلمون وراء وصول السلم إلى جزر المالديف التي تقع في الجنوب‬
‫الغربي من سريلنكا‪ ،‬ودخل السلم فيتنام أيضا ً عن طريق التجار المسلمين‪.‬‬
‫وكان للتجار المسلمين دور بارز في نقل السلم من الشمال الفريقي إلى‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسط وشرق وجنوب إفريقيا‪.‬‬


‫ووصل السلم إلى ألبانيا وغيرها من مناطق البلقان عن طريق التجار‬
‫المسلمين قبل الفتح العثماني‪.‬‬
‫وبعد هذا العرض الموجز جدا ً نرى أن أخلق التجار المسلمين وحسن تعاملهم‬
‫مع الناس كان له أكبر الثر في انتشار السلم في مناطق شاسعة من‬
‫العالم‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫هذه باقة من آداب التاجر المسلم‬
‫من آداب التاجر النية الصالحة‬
‫أخي التاجر اجعل نيتك في عملك الوصول إلى الرزق الحلل وإعفاف نفسك‬
‫وأهلك عن الحرام واجعل من عملك وسيلة لنيل رضا الله عز وجل‪.‬‬
‫فالنية الصالحة هي التي تقلب المور العادية إلى عبادة يتقرب بها العبد إلى‬
‫ربه عز وجل فقد صح في الحديث عن عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫قال سمعت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول‪):‬إنما العمال بالنيات‬
‫وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة‬
‫ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه( رواه البخاري‪.‬‬
‫وقد ذكر المام الغزالي أن حسن النية من آداب التاجر المسلم فقال‪]:‬حسن‬
‫النية والعقيدة في ابتداء التجارة فلينو بها الستعفاف عن السؤال وكف‬
‫الطمع عن الناس استغناء بالحلل عنهم واستعانة بما يكسبه على الدين‬
‫وقياما ً بكفاية العيال ليكون من جملة المجاهدين به ولينو النصح للمسلمين‬
‫وأن يحب لسائر الخلق ما يحب لنفسه ولينو اتباع طريق العدل والحسان‬
‫في معاملته ‪ ...‬ولينوِ المر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل ما يراه في‬
‫السوق فإذا أضمر هذه العقائد والنيات كان عامل ً في طريق الخرة فإن‬
‫استفاد مال ً فهو مزيد وإن خسر في الدنيا ربح في الخرة[ إحياء علوم الدين‬
‫‪.2/84‬‬
‫‪---‬‬
‫من آداب التاجر التبكير في طلب الرزق‬
‫ينبغي التبكير في طلب الرزق قال المام الترمذي‪]:‬باب ما جاء في التبكير‬
‫بالتجارة[ ثم روى بإسناده عن صخر الغامدي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬اللهم بارك لمتي في بكورها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ة أو جيشا ً‬‫وكان –أي رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ --‬إذا بعث سري ً‬
‫بعثهم أول النهار وكان صخر رجل ً تاجرا ً وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار‬
‫فأثرى وكثر ماله( ‪ ...‬قال أبو عيسى ‪ -‬الترمذي‪ -‬حديث صخر الغامدي حديث‬
‫حسن ‪ [...‬سنن الترمذي‪.‬‬
‫قال في التحفة‪)]:‬فأثرى( أي صار ذا ثروة بسبب مراعاة السنة‪ .‬وإجابة هذا‬
‫الدعاء منه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.[-‬‬
‫‪---‬‬
‫من آداب التاجر أن يذكر الله تعالى إذا دخل السوق‬
‫ورد في الحديث عن عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬من دخل السوق فقال ل إله إل الله وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪ ،‬يحيي ويميت‪ ،‬وهو حي ل يموت‪ ،‬بيده الخير‪،‬‬
‫وهو على كل شيء قدير‪ ،‬كتب الله له ألف ألف حسنة‪ ،‬ومحا عنه ألف ألف‬
‫سيئة‪ ،‬ورفع له ألف ألف درجة( رواه الترمذي وابن ماجة‪ .‬وقال المنذري‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]وإسناده حسن متصل ورواته ثقات أثبات[ الترغيب والترهيب ‪،2/517‬‬


‫وحسنه العلمة اللباني في صحيح الترغيب والترهيب ‪.2/309‬‬

‫)‪(85 /‬‬

‫وعلى التاجر أن ل يقتصر على هذا بل يلزم ذكر الله سبحانه في السوق‬
‫ويشتغل بالتهليل والتسبيح فذكر الله في السوق بين الغافلين أفضل وكان‬
‫ابن عمر وابنه سالم ومحمد بن واسع وغيرهم يدخلون السوق قاصدين لنيل‬
‫فضيلة حديث الذكر في السوق المذكور سابقًا‪.‬‬
‫وكان عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬إذا دخل السوق قال‪ ]:‬اللهم إني أعوذ بك من‬
‫الكفر والفسوق ومن شر ما أحاطت به السوق اللهم إني أعوذ بك من يمين‬
‫فاجرة وصفقة خاسرة [ فهكذا تكون تجارة من يتجر لطلب الكفاية ل للتنعم‬
‫في الدنيا فإن من يطلب الدنيا للستعانة بها على الخرة كيف يدع ربح‬
‫الخرة‪ ،‬والسوق والمسجد والبيت له حكم واحد وإنما النجاة بالتقوى قال ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪):-‬اتق الله حيثما كنت( رواه الترمذي وصححه فوظيفة‬
‫التقوى ل تنقطع عن المتجردين للدين كيفما تقلبت بهم الحوال وبه تكون‬
‫حياتهم وعيشتهم إذ فيه يرون تجارتهم وربحهم وقد قيل‪ :‬من أحب الخرة‬
‫عاش‪ ،‬ومن أحب الدنيا طاش‪ ،‬والحمق يغدو ويروح في لش‪ ،‬والعاقل عن‬
‫عيوب نفسه فّتاش‪ .‬انظر إحياء علوم الدين ‪.87-2/86‬‬
‫واعلم أخي التاجر أن من أهم مفاتيح الرزق وأسبابه التي ُيستنزل بها الرزق‬
‫من الله عز وجل الستغفار والتوبة إلى الله عز وجل من الذنوب‪ ،‬قال الله‬
‫س ْ‬
‫ل‬ ‫فارا ً ي ُْر ِ‬ ‫ن غَ ّ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫تا ْ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫تعالى عن نوح عليه السلم‪ } :‬فَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل لك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ت وَي َ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل لك ُ ْ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن وَي َ ْ‬
‫ل وَب َِني َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫مد َْرارا ً وَي ُ ْ‬
‫مدِد ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬‫ماَء عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫أ َن َْهارا { سورة نوح اليات ‪.12-10‬‬ ‫ً‬
‫م ُتوُبوا‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫وقال الله تعالى عن هود عليه السلم‪ } :‬وََيا قَوْم ِ ا ْ‬
‫وا‬ ‫ّ‬
‫م َول ت َت َوَل ْ‬ ‫م قُوّة ً إ َِلى قُوّت ِك ْ‬
‫ُ‬ ‫مد َْرارا ً وَي َزِد ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬‫ماَء عَل َي ْك ُ ْ‬
‫س َ‬‫ل ال ّ‬ ‫س ْ‬‫إ ِل َي ْهِ ي ُْر ِ‬
‫ن { سورة هود الية ‪ .52‬فاحرص أخي التاجر على ذكر الله وداوم‬ ‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫على التوبة والستغفار‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫من آداب التاجر طرح السلم ورده‬
‫طرح السلم ‪-‬أي التسليم‪ -‬من السنن الثابتة عن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فقد صح في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن‬
‫رجل ً سأل النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬أي السلم خير؟ قال‪ :‬تطعم‬
‫الطعام وتقرأ السلم على من عرفت ومن لم تعرف( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وثبت في الحديث أيضا ً عن البراء بن عازب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬أمرنا‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بسبع‪ :‬بعيادة المريض واتباع الجنائز‬
‫وتشميت العاطس ونصر الضعيف وعون المظلوم وإفشاء السلم وإبرار‬
‫المقسم( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪):-‬ل تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ول تؤمنوا حتى تحابوا‪ ،‬أو ل أدلكم على‬
‫شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلم بينكم( رواه مسلم‪.‬‬
‫ويجب أن يعلم أن تحية المسلمين هي السلم وليس صباح الخير ول مساء‬
‫الخير ول أي عبارة أخرى سواء أكانت بالعربية أو بغيرها من اللغات كما‬
‫يفعل بعض الناس حيث إنهم يحيون بعضهم بعضا ً بألفاظ غير عربية‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالسلم هو تحية أهل السلم بل إنها تحية أهل الجنة أيضًا‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫مَلئ ِك َ ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫م َوال ْ َ‬‫م وَذ ُّرّيات ِهِ ْ‬ ‫جهِ ْ‬‫م وَأْزَوا ِ‬ ‫ن َءاَبائ ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صل َ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خُلون ََها وَ َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫} َ‬
‫ب سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار {‬ ‫ن كل َبا ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫خلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫سورة الرعد اليتان ‪. 2-23‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫سوا‬ ‫ست َأن ِ ُ‬‫حّتى ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خُلوا ب ُُيوًتا غَي َْر ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫مُنوا َل ت َد ْ ُ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن { سورة النور الية ‪.27‬‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫موا عََلى أهْل َِها ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫وَت ُ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قالوا‬ ‫خلوا عَلي ْهِ فَ َ‬ ‫ن إ ِذ ْ د َ َ‬‫مي َ‬ ‫مك َْر ِ‬‫م ال ُ‬ ‫هي َ‬
‫ف إ ِب َْرا ِ‬ ‫ضي ْ ِ‬‫ث َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل أَتا َ‬ ‫وقال تعالى‪ } :‬هَ ْ‬
‫ن { سورة الذاريات اليتان ‪.25 - 24‬‬ ‫من ْك َُرو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫سَل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫سَل ً‬ ‫َ‬
‫فتحية النبياء والملئكة والمسلمين هي السلم فقد ثبت في الحديث عن أبي‬
‫هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬خلق الله‬
‫عز وجل آدم على صورته ‪-‬أي صورة آدم‪ -‬فلما خلقه قال‪ :‬اذهب فسلم على‬
‫أولئك‪ ،‬نفر من الملئكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك‬
‫فقال‪ :‬السلم عليكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬السلم عليك ورحمة الله‪ ،‬فزادوه ورحمة الله(‬
‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫فالسلم هي تحيتنا التي ينبغي أن نستعملها وهي تحية عظيمة تحمل معنى‬
‫عظيما ً فهي دعاء بالسلمة من الفات في الدين والنفس ولن في تحية‬
‫المسلمين بعضهم لبعض بهذا اللفظ عهدا ً بينهم على صيانة دمائهم‬
‫وأعراضهم وأموالهم‪ .‬الموسوعة الفقهية ‪.25/156‬‬
‫ول ينبغي للمسلمين أن يستبدلوا هذه التحية العظيمة بألفاظ مستوردة مثل‪:‬‬
‫‪ ،Good morning‬أو بونجور‪ ،‬أو صباح الخير‪ ،‬أو مساء الخير‪،‬أو بوكر توف‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر { سورة البقرة‬ ‫ذي هُوَ َ‬ ‫ذي هُوَ أد َْنى ِبال ّ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ست َب ْدُِلو َ‬ ‫قال الله تعالى‪ } :‬أت َ ْ‬
‫الية ‪.61‬‬

‫)‪(86 /‬‬

‫وقد كره العلماء استعمال هذه اللفاظ وأمثالها‪ ،‬قال الشيخ ابن حجر الهيتمي‬
‫المكي‪]:‬مطلب على أنه تكره التحية بصباح الخير بخلف صبحك الله بالخير[‬
‫الفتاوى الحديثية ص ‪.133‬‬
‫ً‬
‫وقال الستاذ عمر فروخ‪]:‬ومعظم الناس إذا حيا بعضهم بعضا قالوا‪ :‬صباح‬
‫الخير أو مساء الخير! والرد على هذه التحية هو‪ :‬صباح النور‪ ،‬مساء النور‪،‬‬
‫وهذه التحية هي التحية المجوسية يعتقد المجوسي بقوتين‪ :‬الخير والشر‬
‫يمثلهما النور والظلمة‪ .‬وللمجوسي إله للخير أو النور‪ ،‬وإله للشر أو الظلمة‬
‫وهما يتنازعان السيطرة على العالم فكان من المعقول أن يحي المجوس‬
‫بعضهم بعضا ً بقولهم‪ :‬صباح الخير ‪ -‬صباح النور! ومع أن السلم قد أمرنا بأن‬
‫نأخذ تحية السلم )السلم عليكم( مكان كل تحية أخرى فل يزال العرب في‬
‫معظمهم ‪-‬من المسلمين ومن غير المسلمين‪ -‬يتبادلون التحية بقولهم صباح‬
‫الخير‪ -‬صباح النور[ معجم المناهي اللفظية ص ‪.335-334‬‬
‫والصل في التسليم أن يكون باللسان أي باللفظ وليس باليد أو بالرأس‬
‫بدون تلفظ‪.‬‬
‫والسلم بالشارة باليد أو بالرأس بدون تلفظ مكروه عند أهل العلم لما ورد‬
‫في الحديث أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬ليس منا من تشبه‬
‫بغيرنا‪ ،‬ل تشبهوا باليهود ول بالنصارى فإن تسليم اليهود الشارة بالصابع‬
‫وتسليم النصارى بالكف( رواه الترمذي وضعفه ولكن له شواهد تقويه لذا‬
‫حسنه العلمة اللباني في صحيح سنن الترمذي ‪ ،2/346‬وفي السلسلة‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصحيحة ‪.5/227‬‬
‫ويؤيد ذلك ويقويه ما رواه النسائي في عمل اليوم والليلة ص ‪ 288‬عن جابر‬
‫بن عبد الله ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬ل‬
‫تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والكف والشارة(‪ ،‬قال الحافظ‬
‫ابن حجر‪ :‬أخرجه النسائي بسند جيد‪ .‬فتح الباري ‪.13/255‬‬
‫ويؤيد ذلك أيضا ً أن السلف كانوا يكرهون التسليم باليد فقد روى المام‬
‫البخاري في الدب المفرد عن عطاء بن أبي رباح قال‪ :‬كانوا يكرهون التسليم‬
‫باليد‪ .‬وقال العلمة اللباني‪ :‬صحيح السناد‪ .‬صحيح الدب المفرد ‪.1/385‬‬
‫وقال العلمة اللباني في موضع آخر‪ :‬وإسناده صحيح على شرطه في‬
‫الصحيح‪ .‬حجاب المرأة المسلمة ص ‪.99‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ويجوز التسليم بالشارة مع التلفظ إذا كان المسلم عليه بعيدا بحيث ل يسمع‬
‫التسليم قال العلمة فضل الله الجيلني‪]:‬والنهي عن السلم بالشارة‬
‫مخصوص بمن قدر على اللفظ حسا ً وشرعا ً وإل فهي مشروعة لمن يكون‬
‫في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلم كالمصلي والبعيد والخرس وكذا‬
‫الصم[ فضل الله الصمد في توضيح الدب المفرد ‪.2/489‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪]:‬واستدل بالمر بإفشاء السلم على أنه ل يكفي سرا ً‬
‫بل يشترط الجهر وأقله أن يسمع في البتداء وفي الجواب‪.‬‬
‫ول تكفي الشارة باليد ونحوه ‪ ...‬ويستثنى من ذلك حالة الصلة فقد وردت‬
‫أحاديث جيدة أنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬رد ّ السلم وهو يصلي إشارة‪...‬‬
‫وكذا من كان بعيدا ً بحيث ل يسمع التسليم يجوز السلم عليه إشارة ويتلفظ‬
‫مع ذلك بالسلم[ فتح الباري ‪.13/255‬‬
‫‪---‬‬
‫من آداب التاجر السماحة في البيع والشراء وإنظار المعسر‬
‫السهولة والسماحة في البيع والشراء أمر مطلوب شرعا ً وقد وردت أحاديث‬
‫كثيرة في ذلك منها‪:‬‬
‫عن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫)رحم الله رجل ً سمحا ً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى( رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال‪):‬إن الله يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء( رواه الترمذي‬
‫وصححه العلمة اللباني في صحيح الترغيب والترهيب ‪.2/327‬‬
‫وعن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬
‫)غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهل ً إذا باع سهل ً إذا اشترى سهل ً إذا‬
‫اقتضى( رواه الترمذي وحسنه العلمة اللباني في صحيح الترغيب والترهيب‬
‫‪.2/326‬‬
‫وعن عثمان بن عفان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪):-‬أدخل الله عز وجل رجل ً كان سهل ً مشتريا ً وبائعا ً وقاضيا ً‬
‫ومقتضيا ً الجنة( رواه النسائي وحسنه العلمة اللباني في صحيح الترغيب‬
‫والترهيب ‪.2/326‬‬
‫أخي التاجر اطلب حقك برفق ولين فهذه هي السماحة في القتضاء‪.‬‬
‫َ‬
‫سَرةٍ فَن َظ َِرة ٌ إ ِلى‬‫ن ُذو عُ ْ‬
‫كا َ‬‫ن َ‬
‫وأما إنظار المعسر فقد قال الله تعالى‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن { سورة البقرة الية ‪.280‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫صد ُّقوا َ‬
‫ن تَ َ‬
‫سَرةٍ وَأ ْ‬
‫مي ْ َ‬
‫َ‬
‫وهذه الية وإن كانت قد نزلت في دين الربا إل أن سائر الديون ملحق به‬
‫لحصول المعنى الجامع بينهما فإذا أعسر المديون وجب إنظاره وهو اختيار‬
‫المام الطبري‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(87 /‬‬

‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫فس الله عنه كربة من‬ ‫فس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ن ّ‬ ‫وسلم ‪):-‬من ن ّ‬
‫كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والخرة‬
‫ومن ستر مسلما ً ستره الله في الدنيا والخرة والله في عون العبد ما كان‬
‫العبد في عون أخيه ‪ (...‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن أبي اليسر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪):-‬من أنظر معسرا ً أو وضع له أظله الله في ظل عرشه( رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن أبي قتادة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪):-‬من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو‬
‫يضع عنه( رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن حذيفة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪):-‬تلقت الملئكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا أعملت من الخير شيئا‬
‫قال ل قالوا تذكر قال كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر‬
‫ويتجوزوا عن الموسر قال الله عز وجل تجوزوا عنه( رواه مسلم‪.‬‬
‫ه بعبد من عباده آتاه‬ ‫ُ‬
‫ي الل ُ‬ ‫وفي رواية عن حذيفة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬أت َ‬
‫الله مال ً فقال له ماذا عملت في الدنيا قال ول يكتمون الله حديثا ً قال‪ :‬يا رب‬
‫آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز فكنت أتيسر على‬
‫الموسر وأنظر المعسر فقال الله أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي ( فقال‬
‫عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود النصاري هكذا سمعناه من في رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ (-‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪):-‬من أنظر معسرا ً أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه‬
‫يوم ل ظل إل ظله( رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫أخي التاجر أنظر المعسر وتجاوز عنه تجاوز الله عنا وعنك في اليوم الخر‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫من آداب التاجر الصدق والمانة‬
‫الصدق مطلوب من المسلم عموما في كل أموره وأحواله قال سبحانه‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫ن { سورة التوبة‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫ه وَ ُ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وتعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ت‬‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت َوال ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫الية ‪ .119‬وقال تعالى‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ْ‬
‫ت َوال َ‬ ‫صاب َِرا ِ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬‫ت َوال ّ‬ ‫صادَِقا ِ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫قان َِتا ِ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫قان ِِتي َ‬‫َوال ْ َ‬
‫ن‬ ‫ظي َ‬‫حافِ ِ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫صائ ِ َ‬‫ن َوال ّ‬ ‫مي َ‬ ‫صائ ِ ِ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫صد َّقا ِ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫صد ِّقي َ‬ ‫مت َ َ‬‫ت َوال ْ ُ‬ ‫شَعا ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫َ‬
‫فَرةً‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬
‫ت أعَد ّ الل ّ ُ‬ ‫ذاك َِرا ِ‬ ‫ه ك َِثيًرا َوال ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ذاك ِ ِ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫ظا ِ‬ ‫حافِ َ‬ ‫م َوال ْ َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫فُُرو َ‬
‫ما { سورة الحزاب الية ‪.35‬‬ ‫َ‬
‫ظي ً‬ ‫جًرا عَ ِ‬ ‫وَأ ْ‬
‫وثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر‬
‫يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا ً وإن الكذب‬
‫يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن والرجل ليكذب حتى يكتب‬
‫عند الله كذابًا( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫والصدق مطلوب من التاجر المسلم خصوصا ً نظرا ً لهمية الصدق في‬
‫المعاملت‪ ،‬فعن حكيم بن حزام ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬البّيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما‬
‫في بيعهما وإن كذبا وكتما محق بركة بيعهما( رواه البخاري ومسلم‪ ،‬فالصدق‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في البيع والشراء سبب لحصول البركة والكذب سبب لمحق البركة‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪):-‬التاجر الصدوق المين مع النبيين والصديقين والشهداء( رواه‬
‫الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬
‫وجاء في الحديث عن رفاعة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه خرج مع النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال‪):‬يا معشر التجار‬
‫فاستجابوا لرسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ورفعوا أعناقهم وأبصارهم‬
‫إليه فقال‪ :‬إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا ً إل من اتقى الله وبر وصدق(‬
‫رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح ورواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم‬
‫وقال‪ :‬صحيح‪ .‬فالبر والصدق والتقى منجاة للتاجر من النار يوم القيامة‪.‬‬
‫وعن معاذ بن جبل ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ) :-‬إن أطيب الكسب كسب التجار‪،‬‬
‫الذين إذا صدقوا لم يكذبوا‪ ،‬وإن ائتمنوا لم يخونوا‪ ،‬وإذا وعدوا لم يخلفوا‪ ،‬وإذا‬
‫اشتروا لم يندموا‪ ،‬وإذا باعوا لم يخدعوا‪ ،‬وإذا كان عليهم لم يماطلوا وإذا كان‬
‫لهم لم يعسروا(‪.‬‬
‫وقد ضرب التجار المسلمون أروع المثلة في الصدق والمانة فمن ذلك ما‬
‫قاله النضر بن شميل‪ :‬غل الخز في موضع كان إذا غل هناك غل بالبصرة وكان‬
‫يونس بن عبيد خرازا ً فعلم بذلك فاشترى من رجل متاعا ً بثلثين ألفا ً فلما‬
‫كان بعد ذلك قال لصاحبه هل كنت علمت أن المتاع غل بأرض كذا وكذا؟ قال‬
‫ل ولو علمت لم أبع قال هلم إلي مالي وخذ مالك فرد عليه الثلثين ألفًا‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫من آداب التاجر الخلق الحسن‬

‫)‪(88 /‬‬

‫الخلق الحسنة من القواعد التي أكمل بنائها السلم فالخلق الحسن له‬
‫مكانة عظيمة في دين السلم وقد أثنى الله عز وجل على نبيه ‪ -‬صلى الله‬
‫ظيم ٍ {‬
‫ق عَ ِ‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬بحسن الخلق فقال جل وعل‪ } :‬وَإ ِن ّ َ‬
‫خل ٍ‬
‫سورة القلم الية ‪.4‬‬
‫وقد وردت أحاديث كثيرة عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬تحث على‬
‫الخلق الحسن منها‪:‬‬
‫قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة‬
‫الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن( رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬
‫وروى المام البخاري بإسناده عن مسروق قال كنا جلوسا ً مع عبد الله بن‬
‫عمرو يحدثنا إذ قال‪ :‬لم يكن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فاحشا ً ول‬
‫متفحشا ً وإنه كان يقول إن خياركم أحاسنكم أخلقًا(‪.‬‬
‫وعن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫ي وأقربكم مني مجلسا ً يوم القيامة أحاسنكم أخلقًا( رواه‬ ‫)إن من أحبكم إل ّ‬
‫الترمذي وحسنه‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال‪):‬بعثت لتمم مكارم الخلق( رواه البيهقي في السنن الكبرى والحاكم‬
‫في المستدرك‪ ،‬ورواه مالك في الموطأ‪ ،‬وصححه العلمة اللباني في صحيح‬
‫الجامع ‪.1/464‬‬
‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬ما من شيء أثقل في الميزان من حسن‬
‫الخلق( رواه أصحاب السنن وقال الترمذي حسن صحيح‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والخلق الحسنة كالصدق والمانة والوفاء بالعقود والعهود وحسن المعاملة‬


‫وإنظار المعسرين وترك المماطلة في سداد الديون وأداء الحقوق لصحابها‬
‫ونحو ذلك من الخلق الفاضلة الحميدة كلها مطلوبة من المسلم بشكل عام‬
‫ومن التاجر المسلم على وجه الخصوص‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن السلم قد دخل أقطارا ً كثيرة على يد التجار المسلمين‬
‫أصحاب مكارم الخلق‪.‬‬
‫ول شك أن الخلق من أسس بناء المم كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وإنما المم الخلق ما بقيت ‪ ...‬فإن هم ذهبت أخلقهم ذهبوا‬
‫‪---‬‬
‫من آداب التاجر وفاء الكيل والميزان‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫أوجب الله عز وجل إيفاء الكيل والميزان فقال تعالى‪ } :‬وَأوُْفوا الكي ْ َ‬
‫ط { سورة النعام الية ‪.152‬‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬‫ن ِبال ْ ِ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫َ‬
‫قيم ِ { سورة‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫س ال ْ ُ‬‫سطا ِ‬
‫ق ْ َ‬ ‫م وَزُِنوا ِبال ْ ِ‬ ‫ل إ َِذا ك ِل ْت ُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪ } :‬وَأوُْفوا ال ْك َي ْ َ‬
‫السراء الية ‪.35‬‬
‫ن { سورة الشعراء الية‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ري َ‬
‫س ِ‬
‫خ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال تعالى‪ } :‬أوْفوا الكي ْل وَل ت َكوُنوا ِ‬
‫‪.181‬‬
‫ن { سورة الرحمن‬ ‫زا‬ ‫مي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫روا‬ ‫س‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫ط‬ ‫س‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫موا‬ ‫قي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬
‫ِ َ َ‬ ‫َْ َ ِ ِ ْ ِ َ ُ ْ ِ ُ‬ ‫َ ِ ُ‬
‫الية ‪.9‬‬
‫وقد حرم الله سبحانه وتعالى تطفيف الكيل والميزان فيقول الله عز وجل‪} :‬‬
‫كاُلوهُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫م أوْ وََزُنوهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن وَإ َِذا َ‬ ‫ست َوُْفو َ‬ ‫س يَ ْ‬ ‫ن إ َِذا َاك َْتالوا عَلى الّنا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫في َ‬‫ف ِ‬ ‫مط َ ّ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫وَي ْ ٌ‬
‫َ‬
‫ن أولئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫س ل َِر ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬‫ظيم ٍ ي َوْ َ‬ ‫ن ل ِي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬ ‫م َ‬ ‫ك أن ّهُ ْ‬ ‫ن أل ي َظ ّ‬ ‫سُرو َ‬ ‫خ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن { سورة المطففين اليات ‪.6-1‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال ِ‬
‫َ‬
‫وجاء في الحديث أن تطفيف الكيل والميزان من أسباب الشدائد والمحن‬
‫التي تصيب المة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال‪ :‬أقبل علينا‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقال‪):‬يا معشر المهاجرين خمس إذا‬
‫ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن‪ ،‬لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى‬
‫يعلنوا بها إل فشا فيهم الطاعون والوجاع التي لم تكن مضت في أسلفهم‬
‫الذين مضوا‪ ،‬ولم ينقصوا المكيال والميزان إل أخذوا بالسنين وشدة المئونة‬
‫وجور السلطان عليهم‪ ،‬ولم يمنعوا زكاة أموالهم إل منعوا القطر من السماء‬
‫ولول البهائم لم يمطروا‪ ،‬ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إل سلط الله‬
‫عليهم عدوا ً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم‪ ،‬وما لم تحكم أئمتهم‬
‫بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إل جعل الله بأسهم بينهم( رواه ابن ماجة‬
‫وقال العلمة اللباني حديث حسن انظر صحيح سنن ابن ماجة ‪.2/370‬‬
‫وقال المام الغزالي محذرا ً التاجر من التطفيف‪]:‬أل يكتم في المقدار شيئا ً‬
‫وذلك بتعديل الميزان والحتياط فيه وفي الكيل فينبغي أن يكيل كما يكتال‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مط َ ّ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬
‫ن وَإ َِذا‬ ‫ست َوُْفو َ‬ ‫س يَ ْ‬‫ن إ َِذا اك َْتالوا عَلى الّنا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫في َ‬ ‫ف ِ‬ ‫قال الله تعالى‪ } :‬وَي ْ ٌ‬
‫كاُلوهُ َ‬
‫ن { ول يخلص من هذا إل بأن يرجع إذا أعطي‬ ‫سُرو َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫م أوْ وََزُنوهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وينقص إذا أخذ إذ العدل الحقيقي قلما يتصور فليستظهر بظهور الزيادة‬
‫والنقصان فإن من استقصى حقه بكماله يوشك أن يتعداه وكان بعضهم يقول‬
‫ل أشتري الويل من الله بحبة‪ ...‬وكان يقول ويل لمن باع بحبة جنة عرضها‬
‫السموات والرض وما أخسر من باع طوبى بويل‪ ،‬وإنما بالغوا في الحتراز‬
‫من هذا وشبهه لنها مظالم ل يمكن التوبة منها إذ ل يعرف أصحاب الحبات‬
‫حتى يجمعهم ويؤدي حقوقهم ولذلك لما اشترى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬شيئا ً قال‪):‬للوزان لما كان يزن ثمنه زن وأرجح([ إحياء علوم الدين‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .2/79‬والحديث المذكور رواه أصحاب السنن والحاكم وقال الترمذي حسن‬


‫صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم‪.‬‬

‫)‪(89 /‬‬

‫أخي التاجر إياك و التطفيف في الكيل الميزان فإنه من أسباب الهلك وما‬
‫كسبته من التطفيف في الكيل الميزان سحت محرم‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫من آداب البيع والشراء خلطهما بالصدقة‬
‫نظرا ً لما يقع من كثير من التجار من الحلف واللغو والكذب أرشد النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬التجار إلى أن يخلطوا بيعهم بالصدقة فإنها تطفئ‬
‫غضب الرب عز وجل فقد ورد في الحديث عن قيس بن أبي غرزة ‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬خرج علينا رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ونحن نسمى‬
‫السماسرة‪ ،‬فقال‪):‬يا معشر التجار إن الشيطان والثم يحضران البيع فشوبوا‬
‫بيعكم بالصدقة( رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى عن قيس بن أبي غرزة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬كنا في عهد‬
‫مى السماسرة فمر بنا رسول الله ‪-‬‬ ‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬نس ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فسمانا باسم هو أحسن منه‪ .‬فقال ‪):‬يا معشر التجار‬
‫إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة( رواه أبو داود‪ ،‬وقال العلمة‬
‫اللباني‪ :‬صحيح ‪ .‬انظر صحيح سنن أبي داود ‪. 2/640‬‬
‫وفي رواية عند النسائي قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬يا معشر التجار إنه‬
‫يشهد بيعكم الحلف والكذب فشوبوه بالصدقة(‪.‬‬
‫ً‬
‫قال صاحب عون المعبود‪)]:‬إن البيع يحضره اللغو(‪ :‬أي غالبا وهو من الكلم‬
‫ما ل يعتد به‪ ,‬وقيل هو الذي يورد ل عن روية وفكر فيجري مجرى اللغو وهو‬
‫صوت العصافير‪ .‬ذكره الطيبي‪ .‬قال القاري‪ :‬والظاهر أن المراد منه ما ل‬
‫يعنيه وما ل طائل تحته وما ل ينفعه في دينه ودنياه انتهى‪) .‬والحلف(‪ :‬أي‬
‫إكثاره أو الكاذب منه‪) ،‬فشوبوه(‪ :‬بضم أوله أي اخلطوا ما ذكر من اللغو‬
‫والحلف قاله القاري[ عون المعبود شرح سنن أبي داود ‪.9/124‬‬
‫وقد ورد في فضل الصدقة نصوص كثيرة من كتاب الله وسنة نبيه ‪ -‬صلى‬
‫َ‬
‫ضوا‬‫ت وَأقَْر ُ‬ ‫صد َّقا ِ‬ ‫م ّ‬‫ن َوال ْ ُ‬‫صد ِّقي َ‬‫م ّ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ -‬منها قوله تعالى‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ف ل َهم ول َه َ‬
‫م { سورة الحديد الية ‪.18‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫جٌر ك‬ ‫مأ ْ‬ ‫ضاعَ ُ ُ ْ َ ُ ْ‬ ‫سًنا ي ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ضا َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه قَْر ً‬
‫َ‬
‫ضَعاًفا‬‫هأ ْ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ف ُ‬
‫ع َ‬ ‫سًنا فَي ُ َ‬
‫ضا ِ‬ ‫ح َ‬‫ضا َ‬ ‫ه قَْر ً‬ ‫ض الل ّ َ‬ ‫قرِ ُ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ن َذا ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ك َِثيَرة ً { سورة البقرة الية ‪.245‬‬
‫قو َ‬
‫ة فَل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫سّرا وَعََلن ِي َ ً‬ ‫ل َوالن َّهارِ ِ‬ ‫م ِبالل ّي ْ ِ‬ ‫وال َهُ ْ‬‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫ن ُينفِ ُ َ‬ ‫ذي َ‬‫وقوله تعالى‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن { سورة البقرة الية ‪.274‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وََل هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬
‫خو ْ ٌ‬ ‫م وََل َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬‫م ِ‬
‫جُرهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫وعن حذيفة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أيكم يحفظ‬
‫حديث رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن الفتنة قال‪ :‬قلت أنا أحفظه‬
‫كما قال قال إنك عليه لجريء فكيف قال قلت‪ :‬فتنة الرجل في أهله وولده‬
‫وجاره تكفرها الصلة والصدقة والمعروف قال سليمان قد كان يقول الصلة‬
‫والصدقة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ (...‬رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن عدي بن حاتم ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال سمعت النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يقول‪):‬من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة‬
‫فليفعل( رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن رافع بن خديج ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬قال‪):‬الصدقة تسد سبعين بابا ً من السوء( رواه الطبراني في المعجم‬


‫الكبير‪.‬‬
‫وقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬داووا مرضاكم بالصدقة( رواه‬
‫البيهقي في شعب اليمان وحسنه العلمة اللباني في صحيح الجامع الصغير‬
‫‪. 1/634‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪):-‬إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع عن ميتة السوء( رواه‬
‫الترمذي وحسنه ‪.‬‬
‫وقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬صدقة السر تطفىء غضب‬
‫الرب( قال العلمة اللباني صحيح بمجموع طرقه وشواهده‪ .‬السلسلة‬
‫الصحيحة ‪.4/535‬‬
‫وقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬تصدقوا ولو بتمرة فإنها تسد من‬
‫الجائع وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار( رواه في مسند الشهاب‬
‫والزهد لبن المبارك وصححه العلمة اللباني في صحيح الجامع الصغير‬
‫‪ .1/568‬وغير ذلك من النصوص ‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫من آداب التاجر الوفاء بالوعد‬
‫كثيٌر من النصوص من كتاب الله وسنة نبيه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أمرت‬
‫بالوفاء بالوعد وحثت على ذلك وذمت من لم يف بوعده فمن هذه النصوص‬
‫قود ِ { سورة المائدة الية ‪.1‬‬ ‫مُنوا أ َوُْفوا ِبال ْعُ ُ‬ ‫ن َءا َ‬‫ذي َ‬
‫َ‬
‫قوله تعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫فهذه الية الكريمة تأمر بالوفاء بالعقود والوعد داخل في ذلك‪.‬‬
‫قال الزجاج‪]:‬المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم مع بعضكم مع بعض[‬
‫نقله عنه القرطبي في تفسيره ‪.6/33‬‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ الل ِ‬
‫قًتا ِ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن كب َُر َ‬
‫فعَلو َ‬
‫ما ل ت َ ْ‬
‫ن َ‬‫قولو َ‬ ‫م تَ ُ‬
‫مُنوا ل ِ َ‬
‫ن َءا َ‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن { سورة الصف الية ‪.3‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما َل ت َ ْ‬
‫قوُلوا َ‬
‫ن تَ ُ‬
‫أ ْ‬
‫وهذه الية من أشد اليات في وجوب الوفاء بالوعد لنها تضمنت الذم الشديد‬
‫لمن لم يف بما يعد‪ .‬قال القرافي‪]:‬والوعد إذا أخلف قول لم يفعل فيلزم أن‬
‫يكون كذبا ً وأن يحرم إخلف الوعد مطلقًا[ الفروق ‪.4/20‬‬

‫)‪(90 /‬‬

‫م { سورة النحل الية ‪.91‬‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪ } :‬وَأ َوُْفوا ب ِعَهْدِ الل ّهِ إ َِذا َ‬
‫سُئوًل { سورة السراء الية‬ ‫ن ال ْعَهْد َ َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫وقال تعالى‪ } :‬وَأوُْفوا ِبال ْعَهْدِ إ ِ ّ‬
‫‪.34‬‬
‫كما أن الله سبحانه وتعالى ذم بعض المنافقين الذين لم يفوا بوعودهم كما‬
‫صد ّقَ ّ‬
‫ن‬ ‫ضل ِهِ ل َن َ ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن َءاَتاَنا ِ‬ ‫ه ل َئ ِ ْ‬ ‫عاهَد َ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫في قوله تعالى‪ } :‬وَ ِ‬
‫ن‬‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫خلوا ب ِهِ وَت َوَل ْ‬ ‫ُ‬ ‫ضل ِهِ ب َ ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َءاَتاهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن فَل ّ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬‫كون َ ّ‬‫وَل َن َ ُ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫دوه ُ وَب ِ َ‬ ‫ما وَعَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فوا الل ّ َ‬ ‫خل َ ُ‬‫ما أ َ ْ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫قوْن َ ُ‬ ‫م إ َِلى ي َوْم ِ ي َل ْ َ‬ ‫فاًقا ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫م نِ َ‬ ‫فَأ َعْ َ‬
‫قب َهُ ْ‬
‫ن { سورة التوبة اليات ‪.77-75‬‬ ‫ي َك ْذُِبو َ‬
‫كما أن الله سبحانه وتعالى مدح الموفين بعهودهم ووعودهم وأثنى عليهم‬
‫دوا { سورة البقرة‬ ‫عاهَ ُ‬‫م إ َِذا َ‬ ‫ن ب ِعَهْدِهِ ْ‬ ‫موُفو َ‬ ‫كما في قول الله تعالى‪َ } :‬وال ْ ُ‬
‫الية ‪.177‬‬
‫ذي وَفى { سورة النجم الية ‪.37‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫هي َ‬ ‫وقال تعالى‪ } :‬وَإ ِب َْرا ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫عيل إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬‫ب إِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ومدح الله سبحانه وتعالى إسماعيل بقوله‪َ } :‬واذ ْكْر ِفي الك َِتا ِ‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سوًل ن َب ِّيا { سورة مريم الية ‪.54‬‬ ‫ن َر ُ‬ ‫صادِقَ ال ْوَعْد ِ وَ َ‬


‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫وورد في السنة النبوية ما يدل على وجوب الوفاء بالوعد فمن ذلك ما جاء‬
‫في الحديث عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬آية المنافق ثلث‪ :‬إذا حدث كذب‪ ،‬وإذا أؤتمن خان‪ ،‬وإذا‬
‫وعد أخلف( رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫وجاء في رواية أخرى عند مسلم‪):‬من علمات المنافق ثلث ‪.(...‬‬
‫وفي رواية ثالثة عند مسلم أيضًا‪):‬آية المنافق ثلث ‪ ...‬وإن صام وصلى وزعم‬
‫أنه مسلم(‪.‬‬
‫وجاء في حديث آخر أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪ ):‬أربع من كن‬
‫فيه كان منافقا ً خالصا ً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من‬
‫النفاق حتى يدعها‪ :‬إذا أؤتمن خان‪ ،‬وإذا حدث كذب‪ ،‬وإذا عاهد غدر‪ ،‬وإذا‬
‫خاصم فجر( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وجاء في الحديث عن عبد الله بن عامر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬دعتني أمي‬
‫يوما ً ورسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قاعد في بيتها فقالت‪ :‬تعال‬
‫أعطك‪ .‬فقال لها رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬ما أردت أن تعطيه؟‬
‫فقالت‪ :‬أعطيه تمرًا‪ .‬فقال لها رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أما إنك‬
‫سنه العلمة اللباني في‬ ‫لو لم تعطه شيئا ً كتبت عليك كذبة( رواه أبو داود وح ّ‬
‫صحيح سنن أبي داود ‪ ،3/943‬وفي السلسة الصحيحة ‪.2/384‬‬
‫وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها‪):‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫دين‪ -‬فقيل‬ ‫وسلم ‪ -‬كان يستعيذ في صلته كثيرا ً من المأثم والمغرم ‪-‬الثم وال ّ‬
‫له‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال‪ :‬إن الرجل إذا غرم‬
‫‪-‬أي استدان‪ -‬حدث فكذب ووعد فأخلف( رواه البخاري‪.‬‬
‫وبعد عرض هذه النصوص القرآنية والحاديث النبوية أقول إن أهل العلم‬
‫اختلفوا في حكم الوفاء بالوعد فمنهم من قال بأنه مندوب ومنهم من قال‬
‫بأنه واجب ومنهم من قال بالتفصيل ففي حالت يجب الوفاء وفي أخرى‬
‫يندب‪.‬‬
‫ة وقضاًء وهذا قول جماعة‬ ‫والذي أميل إليه وأختاره وجوب الوفاء بالوعد ديان ً‬
‫من أهل العلم منهم جماعة من فقهاء السلف كالفقيه المعروف ابن شبرمة‬
‫والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والقاضي سعيد بن الشوع وإسحاق‬
‫بن راهويه وغيرهم‪.‬‬
‫قال المام البخاري في صحيحه‪ ]:‬باب من أمر بإنجاز الوعد‪ .‬وفعله الحسن –‬
‫عي َ‬
‫ل‬ ‫ما ِ‬
‫س َ‬ ‫أي المر بإنجاز الوعد فعله الحسن البصري ‪َ } -‬واذ ْك ُْر ِفي ال ْك َِتا ِ‬
‫ب إِ ْ‬
‫صادِقَ ال ْوَعْدِ { سورة مريم الية ‪ - 54‬وقضى ابن الشوع بالوعد‬ ‫ن َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫وذكر ذلك عن سمرة‪.‬‬
‫وقال المسور بن مخرمة سمعت النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وذكر صهرا ً‬
‫له فقال‪ :‬وعدني فوفاني‪ .‬قال أبو عبد الله ‪-‬أي البخاري‪ -‬رأيت إسحاق بن‬
‫إبراهيم يحتج بحديث ابن أشوع[ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري‬
‫‪.5/355‬‬
‫ثم ساق البخاري أربعة أحاديث في الوفاء بالوعد منها قصة أبي سفيان مع‬
‫هرقل وفيه‪):‬سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه أمركم بالصلة والصدق‬
‫والعفاف والوفاء بالعهد وأداء المانة‪ .‬قال‪ :‬وهذه صفة نبي(‪.‬‬
‫ثم ذكر حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬السابق في علمات المنافق ثم‬
‫ذكر حديث جابر بن عبد الله ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬لما مات النبي ‪ -‬صلى‬
‫ل من قبل العلء بن الحضرمي‪ .‬فقال أبو‬ ‫الله عليه وسلم ‪ -‬جاء أبا بكر ما ٌ‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بكر‪ :‬من كان له على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬دين أو كانت له قِب َل َ ُ‬
‫ه‬
‫عدةٌ فليأتنا‪ .‬قال جابر‪ :‬فقلت‪ :‬وعدني رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ِ‬
‫أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا فبسط يديه ثلث مرات‪ .‬قال جابر‪ :‬فعد ّ في‬
‫يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة(‪ .‬ثم ذكر حديث ابن عباس في‬
‫قصة وفاء موسى عليه السلم بوعده لوالد الفتاتين‪.‬‬
‫فهذه الدلة وغيرها تدل على وجوب الوفاء بالوعد‪.‬‬

‫)‪(91 /‬‬

‫وقد ذكر الحافظ السخاوي تفصيل ً أكثر من هذا في كتابه القيم )التماس‬
‫السعد في الوفاء بالوعد( وبين قوة هذا القول فقال في مقدمة كتابه‪]:‬وبعد‪،‬‬
‫فهذا تصنيف لطيف سميته التماس السعد في الوفاء بالوعد‪ ،‬جمعت فيه ما‬
‫تيسر لي الوقوف عليه من الحاديث والثار ومناسبات الشعار وافتتحته بآية‬
‫في المعنى مع طرف من تفسيرها السنى ليتوافق دليل السنة والكتاب‬
‫ويظهر قوة من جنح في ذلك للوجوب من الصحاب[ التماس السعد في‬
‫الوفاء بالوعد ص ‪.30‬‬
‫ً‬
‫ومن لطيف ما ذكره الحافظ السخاوي‪]:‬أن مطرفا بن عبد الله الشخير وكان‬
‫من فضلء السلف سمع رجل ً يقول‪ :‬أستغفر الله وأتوب إليه‪ .‬فأخذ بذراعه‬
‫وقال‪ :‬لعلك ل تفعل من وعد فقد أوجب[‪.‬‬
‫وذكر أيضًا‪]:‬أنه قيل لبعض الصالحين وقد أصبح صائما ً تطوعًا‪ :‬أفطر فإن‬
‫المتطوع أمير نفسه‪ .‬فقال‪ :‬إني لستحي من ربي عز وجل أن أعده وعدا ً‬
‫وهو أن أصوم ول أوفي له بوعدي[ التماس السعد ص ‪.58-57‬‬
‫ومن كلمات السلف‪]:‬الوعد سحابة والنجاز مطر وأحسن المواعيد ما صدقه‬
‫المطار[ التماس السعد ص ‪.96‬‬
‫وأخيرا ً ينبغي أن يقال إن الخذ بقول من أوجب الوفاء بالوعد يضبط معاملت‬
‫الناس وخاصة في المور المالية وقد أخذت كثير من المصارف السلمية‬
‫التي تتعامل وفق الحكام الشرعية بمبدأ اللزام بالوعد لما في ذلك من‬
‫ضبط للمعاملت المالية‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫من آداب التاجر القالة‬
‫أخي التاجر إذا اشترى شخص سلعة منك ثم ندم على شرائها وطلب منك‬
‫إرجاعها فأرجعها وأقل بيعته عسى الله أن يقيل عثرتك يوم القيامة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قدِ وَإ ِل َْغاُء ُ‬
‫حك ْ ِ‬ ‫قَهاِء هي‪َ]:‬رفْعُ ال ْعَ ْ‬ ‫والقالة عند ال ْ ُ‬
‫ن[‪.‬‬ ‫ضي الطَرفَي ْ ِ‬ ‫مهِ َوآَثارِهِ ب ِت ََرا ِ‬ ‫ف َ‬
‫الموسوعة الفقهية الكويتية ‪.5/324‬‬
‫والقالة أمر مندوب إليه شرعا ً ومرغب فيه وقد حث النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬على أن يقيل البائع المشتري إن ندم على الشراء لي سبب من‬
‫السباب فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من أقال مسلما ً أقاله الله عثرته يوم‬
‫القيامة( رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫ة‬
‫وقال الحافظ ابن حجر العسقلني‪ ]:‬حديث )من أقال أخاه المسلم صفق ً‬
‫ه يوم القيامة( ‪ .‬أبو داود‪ ,‬وابن ماجه وابن حّبان‪,‬‬ ‫ه الّله عثرت َ ُ‬ ‫كرهها‪ ,‬أقال ُ‬
‫ححه ابن‬ ‫ري‪ :‬هو على شرطهما وص ّ‬ ‫ه ‪ ...‬قال أُبو الفتح القشي ِ‬ ‫حح ُ‬ ‫والحاكم َوص ّ‬
‫م‪ .‬التلخيص الحبير ‪.3/24‬وصححه العلمة اللباني في إرواء الغليل‬ ‫حز ٍ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ن أقال َنادِ ً‬ ‫‪ .5/182‬وجاء في رواية أخرى قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬م ْ‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ة( انظر إرواء الغليل ‪ .5/182‬وجاء في‬ ‫م القيام ِ‬ ‫ه‪ ,‬أَقاله الل ّ ُ‬
‫ه عثرته يو َ‬ ‫َبيَعت ُ‬
‫ً‬
‫رواية أخرى قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من أقال أخاه بيعا أقاله الله‬
‫عثرته يوم القيامة( رواه الطبراني في الوسط ورجاله ثقات كما قال‬
‫الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ‪.110 /4‬‬
‫قال صاحب عون المعبود في شرح الحديث‪)]:‬من أقال مسلمًا( أي بيعه‬
‫)أقاله الله عثرته( أي غفر زلته وخطيئته‪ .‬قال في إنجاح الحاجة‪:‬صورة إقالة‬
‫البيع إذا اشترى أحد شيئا ً من رجل ثم ندم على اشترائه إما لظهور الغبن فيه‬
‫أو لزوال حاجته إليه أو لنعدام الثمن فرد المبيع على البائع وقبل البائع رده‬
‫أزال الله مشقته وعثرته يوم القيامة لنه إحسان منه على المشتري‪ ,‬لن‬
‫البيع كان قد بت فل يستطيع المشتري فسخه انتهى[ عون المعبود ‪.9/237‬‬
‫وروى المام مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت‬
‫عبد الرحمن أنه سمعها تقول ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فعالجه وقام فيه حتى تبين له النقصان فسأل رب‬
‫الحائط أن يضع له أو أن يقيله فحلف أن ل يفعل فذهبت أم المشتري إلى‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فذكرت ذلك له‪ ،‬فقال رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬تأّلى ‪-‬أي حلف‪ -‬أن ل يفعل خيرا ً فسمع بذلك رب‬
‫الحائط فأتى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقال يا رسول الله هو له[‬
‫الموطأ ص ‪.483‬‬
‫وينبغي أن يعلم أن عقد البيع إذا تم بصدور اليجاب والقبول من المتعاقدين‬
‫فهو عقد لزم والعقود اللزمة عند الفقهاء ل يملك أحد المتعاقدين فسخها إل‬
‫برضى الخر إذا لم يكن بينهما خيار لقوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪]:-‬البّيعان‬
‫بالخيار ما لم يتفرقا[ رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد اتفق أهل العلم على أن من آداب البيع والشراء القالة قال‬
‫المام الغزالي عند ذكره الحسان في المعاملة‪]:‬الخامس‪ :‬أن يقيل من‬
‫يستقيله فإنه ل يستقيل إل متندم مستضر بالبيع ول ينبغي أن يرضى لنفسه‬
‫أن يكون سبب استضرار أخيه‪ ،‬قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من أقال نادما ً‬
‫صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة([ إحياء علوم الدين ‪.2/83‬‬

‫)‪(92 /‬‬

‫وقال الحافظ المناوي‪)]:‬من أقال مسلمًا( أي وافقه على نقض البيع أو البيعة‬
‫وأجابه إليه )أقال الّله عثرته( أي رفعه من سقوطه يقال أقاله يقيله إقالة‬
‫وتقاؤل ً إذا فسخا البيع وعاد المبيع إلى مالكه والثمن إلى المشتري إذا ندم‬
‫أحدهما أو كلهما وتكون القالة في البيعة والعهد‪ ،‬كذا في النهاية‪ ،‬قال ابن‬
‫عبد السلم ‪]:...‬إقالة النادم من الحسان المأمور به في القرآن لما له من‬
‫الغرض فيما ندم عليه سيما في بيع العقار وتمليك الجوار[ فيض القدير شرح‬
‫الجامع الصغير ‪.6/103‬‬
‫ول شك أن القالة من باب الحسان والتراحم والتيسير على الناس والرفق‬
‫بهم وتقديم العون لهم وإقالة عثراتهم وهي أمور مطلوبة من المسلم فقد‬
‫قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬الراحمون يرحمهم الرحمن‪ ،‬ارحموا من في‬
‫الرض يرحمكم من في السماء( رواه أبو داود والترمذي وغيرهما‪ ،‬وقال‬
‫الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪):-‬إنما يرحم الله من عباده الرحماء( رواه البخاري‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من كرب يوم القيامة( رواه البخاري‪.‬‬


‫وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫)المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يسلمه؛ من كان في حاجة أخيه كان الله‬
‫في حاجته؛ ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم‬
‫القيامة ومن ستر مسلما ً ستره الله يوم القيامة( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬الله في عون العبد ما كان العبد في عون‬
‫أخيه( رواه مسلم‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته(‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من يسر على معسر يسر الله عليه في‬
‫الدنيا والخرة( رواه مسلم‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬كان فيمن كان قبلكم تاجر يداين الناس‪ ،‬فإن‬
‫رأى معسرا ً قال لفتيانه‪ :‬تجاوزوا عنه‪ ،‬لعل الله يتجاوز عنا‪ ،‬فتجاوز الله عنه(‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫وقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬اللهم من رفق بأمتي فارفق به‪ ،‬ومن‬
‫شق عليهم فشق عليه( رواه أحمد ومسلم والنسائي‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬إن الله رفيق يحب الرفق‪ ،‬ويعطي على‬
‫الرفق مال يعطي على العنف( رواه مسلم‪.‬‬
‫وقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬من يحرم الرفق يحرم الخير( رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫وقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬من ل يرحم الناس ل يرحمه الله‬
‫عز وجل( رواه مسلم‪.‬‬
‫وقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬ل تنزع الرحمة إل من شقي( رواه‬
‫الترمذي وهو حديث حسن كما قال العلمة اللباني في صحيح سنن الترمذي‬
‫‪.2/180‬‬
‫وإنما ذكرت هذه الحاديث لما غلب على التعامل بين الناس من طمٍع وجشٍع‬
‫ن للتراحم والحسان‪ ،‬لعلهم يتذكرون فيتراحمون‪.‬‬ ‫وفقدا ٍ‬
‫وأخيرا ً أنبه على أمرين أولهما‪ :‬ما ورد في بعض ألفاظ أحاديث القالة من‬
‫قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) -‬من أقال مسلما ً بيعته( فإن ذكر المسلم في‬
‫الحديث ورد من باب التغليب وإل فإقالة غير المسلم كإقالة المسلم قال‬
‫ما ذ َك ََرهُ ل ِك َوْن ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ط‪ ,‬وَإ ِن ّ َ‬ ‫شْر ٍ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ما فَل َي ْ َ‬ ‫سل ِ ً‬‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫المام الصنعاني‪]:‬وأما ك َوْ ُ‬
‫سل ِم ِ وَقَد ْ وََرد َ ب ِل َ ْ‬ ‫ح ْ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ظ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِفي إَقال َةِ غَي ْرِ ال ْ ُ‬ ‫ب اْل َِقال َةِ َثاب ِ ٌ‬ ‫وا ُ‬ ‫كما ً أغْل َب ِي ّا ً وَإ ِّل فَث َ َ‬ ‫ُ‬
‫ه ال ْب َّزار[ سبل السلم ‪.3/796‬‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ل نادما ً أ َ‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫أَ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ ِ‬
‫س ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫والثاني‪:‬إن اْل َِقال َ ُ‬
‫ه إَذا‬ ‫د‪ِ ,‬لن ّ ُ‬ ‫مك ُْروهٍ أوْ ب َي ٍْع َفا ِ‬ ‫قد ٍ َ‬ ‫ت ب َعْد َ عَ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ة إَذا َ‬ ‫جب َ ً‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫ة تَ ُ‬
‫َ‬
‫جوعُ إَلى َ‬
‫ما‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫مت َ ََعاقِد َي ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ب عََلى ك ُ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫مك ُْروها ً وَ َ‬ ‫سدا ً أوْ َ‬ ‫وَقَعَ ال ْب َي ْعُ َفا ِ‬
‫كان ل َه من رأ ْ‬
‫ب‬ ‫ج ٌ‬ ‫صي َةِ َوا ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ن َرفْعَ ال ْ َ‬ ‫ظور‪ِ ,‬ل ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ما عَ ْ‬ ‫ونا ً ل َهُ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ُ ِ ْ َ‬
‫ن اْل َِقال َ ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ك ِباْل َِقال َةِ أ َوْ ِبال ْ َ‬
‫ة‬ ‫كو َ‬ ‫ما ي َن ْب َِغي أ ْ‬ ‫سِخ‪ .‬ك َ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫كو ُ‬ ‫قد ْرِ المكان‪ ,‬وَي َ ُ‬ ‫بِ َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ما قُي ّد َ الغَب ْ ُ‬ ‫ً‬
‫سيرا‪ ,‬وَإ ِن ّ َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن الغَب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ري وَكا َ‬ ‫شت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫غاّرا ل ِل ُ‬ ‫ً‬ ‫ن الَبائ ِعُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة إَذا كا َ‬ ‫جب َ ً‬‫َوا ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِبال ْي َ ِ‬
‫حيِح[‬ ‫ص ِ‬ ‫ن غَّرهُ الَبائ ِعُ عَلى ال ّ‬ ‫ب الّرد ّ إ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ش ُيو ِ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ن الغَب ْ َ‬ ‫سيرِ هَُنا‪ِ ,‬ل ّ‬
‫الموسوعة الفقهية الكويتية ‪.5/325‬‬
‫‪---‬‬
‫من آداب التاجر وضع الجوائح‬
‫ً‬
‫أخي التاجر إذا كان لك دين على تاجر آخر فاحترق محله مثل أو أن السيول‬
‫غمرته أو أصابه نحو ذلك من الجوائح فارحمه وتسامح معه فالجائحة عند‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي مثل البرد‬
‫ض سماو ٍ‬
‫الفقهاء كل شيء ل يستطاع دفعه لو علم به كعار ٍ‬
‫والحر والجراد والمطر‪ .‬ومثل هذه الفة التي تهلك الثمار والموال وتستأصلها‬
‫وكل مصيبة عظيمة‪ .‬انظر معجم المصطلحات واللفاظ الفقهية ‪.1/515‬‬
‫وألحق بعض أهل العلم بالفة السماوية ما يطرأ من أمور غير سماوية‬
‫كالحرب‪ .‬انظر الشرح الكبير ‪ ،3/185‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب‬
‫مسلم ‪.4/426‬‬

‫)‪(93 /‬‬

‫وعن عطاء بن أبي رباح قال‪):‬الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد أو‬
‫جراد أو ريح أو حريق( رواه أبو داود‪.‬‬
‫والجائحة لها أثر واضح في التخفيف عمن أصابته ويدل على ذلك عدة‬
‫أحاديث وردت عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬منها‪:‬‬
‫عن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬لو بعت‬
‫من أخيك ثمرا ً فأصابته جائحة فل يحل لك أن تأخذ منه شيئا ً بم تأخذ مال‬
‫أخيك بغير حق ؟( رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن أنس ‪ -‬رضي الله عنه ‪) -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬نهى عن بيع‬
‫الثمرة حتى تزهي قالوا‪ :‬وما تزهي؟ قال‪ :‬تحمر‪ ،‬فقال‪ :‬إذا منع الله الثمرة‬
‫فبم تستحل مال أخيك؟( رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬أمر بوضع‬
‫الجوائح( رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬أصيب رجل في عهد رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪):-‬تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء‬
‫دينه‪ ،‬فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬خذوا ما وجدتم وليس لكم‬
‫إل ذلك( رواه النسائي‪.‬‬
‫ويؤخذ من هذه الحاديث أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أمر بوضع‬
‫الجوائح حتى ل يأكل المسلم مال أخيه بالباطل‪.‬‬
‫فعلى التجار أن يتقوا الله في أنفسهم وفي إخوانهم وأن يتراحموا فيما بينهم‬
‫وا‬
‫ص ْ‬
‫وا َ‬
‫صب ْرِ وَت َ َ‬
‫وا ِبال ّ‬
‫ص ْ‬
‫وا َ‬
‫مُنوا وَت َ َ‬
‫ن َءا َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫م َ‬‫يقول الله تعالى‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫مةِ { سورة البلد الية ‪ ،17‬وورد في الحديث عن جرير بن عبد الله ‪-‬‬ ‫ح َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫مْر َ‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬من ل ي َْرحم ل‬
‫ي ُْرحم( رواه البخاري‪.‬‬
‫وجاء في رواية أخرى عن جرير بن عبد الله ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬ل يرحم الله من ل يرحم الناس( رواه‬
‫البخاري أيضًا‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪):-‬الراحمون يرحمهم الرحمن‪ ،‬ارحموا من في الرض يرحمكم‬
‫ة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن‬ ‫جن َ ٌ‬‫ش ْ‬ ‫من في السماء‪ ،‬الرحم ُ‬
‫قطعها قطعه الله( رواه أبو داود والترمذي وغيرهما‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬هذا‬
‫جنة أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق‪ .‬النهاية في‬ ‫ش ْ‬ ‫حديث حسن صحيح‪ .‬وال ُ‬
‫غريب الحديث ‪.2/447‬‬
‫وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬أنه قال وهو على المنبر ) ارحموا ُترحموا واغفروا يغفر الله‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لكم( رواه أحمد والبخاري في الدب المفرد وهو حديث صحيح كما قال‬
‫العلمة اللباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم ‪.482‬‬
‫‪---‬‬
‫أخي التاجر إياك وحلف اليمان !‬
‫كثير من التجار يكثرون من الحلف في البيع والشراء فتراهم يحلفون بالله‬
‫عز وجل على أتفه المور ول يعلمون أن كثرة الحلف مكروهة هذا إذا كان‬
‫ف ُ َ‬
‫م { سورة المائدة الية‬ ‫مان َك ُ ْ‬ ‫ظوا أي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫الحالف صادقا ً قال الله تعالى‪َ } :‬وا ْ‬
‫‪ . 89‬قال القرطبي‪]:‬أي بترك الحلف فإنكم إذا لم تحلفوا لم تتوجه عليكم‬
‫هذه التكليفات[ تفسير القرطبي ‪.6/285‬‬
‫هّ‬
‫جعَلوا الل َ‬‫ُ‬ ‫ونقل القرطبي أيضا ً عن بعض المفسرين في قوله تعالى‪ } :‬ول ت َ ْ‬
‫ة ِل َيمان ِك ُ َ‬
‫م{‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬
‫ه َ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫حوا ب َي ْ َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫قوا وَت ُ ْ‬ ‫ن ت َب َّروا وَت َت ّ ُ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ض ً ْ َ‬ ‫عُْر َ‬
‫سورة البقرة الية ‪] ،224‬بأن المعنى ل تكثروا من اليمين بالله تعالى فإنه‬
‫ف ُ َ‬
‫م من كّثر‬ ‫م { وذ ّ‬ ‫مان َك ُ ْ‬ ‫ظوا أي ْ َ‬ ‫ح َ‬‫أهيب للقلوب ولهذا قال الله تعالى‪َ } :‬وا ْ‬
‫ن { والعرب تمتدح بقلة‬ ‫مِهي ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫حّل ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫اليمين فقال الله تعالى‪ } :‬وََل ت ُط ِعْ ك ُ ّ‬
‫اليمان‪ [ ...‬تفسير القرطبي ‪.3/97‬‬
‫وأما إذا كان الحالف كاذبا ً متعمدا ً للكذب فقد وقع في الحرام قال الله‬
‫خَلقَ ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ك َل َ‬ ‫مًنا قَِليًل ُأول َئ ِ َ‬ ‫م ثَ َ‬‫مان ِهِ ْ‬
‫َ‬
‫ن ب ِعَهْدِ الل ّهِ وَأي ْ َ‬ ‫شت َُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫تعالى‪ } :‬إن ال ّ ِ‬
‫ب‬
‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬ ‫كيهِ ْ‬‫مةِ وََل ي َُز ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ه وََل ي َن ْظ ُُر إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫مهُ ُ‬‫خَرةِ وََل ي ُك َل ّ ُ‬
‫ِفي اْل ِ‬
‫م { سورة آل عمران الية ‪.77‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫وقد نهى النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن كثرة الحلف في البيع والشراء‬
‫ويلحق به غيرهما من وجوه التعامل بين الناس فقد ثبت في الحديث عن أبي‬
‫هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫يقول‪):‬الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وعن أبي قتادة النصاري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه سمع رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يقول‪):‬إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق( رواه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫قال المام النووي‪]:‬وفيه النهي عن كثرة الحلف في البيع فإن الحلف من غير‬
‫حاجة مكروه وينضم إليه ترويج السلعة وربما اغتر المشتري باليمين[ شرح‬
‫النووي على صحيح مسلم ‪.3/220‬‬

‫)‪(94 /‬‬

‫دث ‪-‬وهو شيخ القرطبي المفسر‪:-‬‬ ‫وقال الحافظ أبو العباس القرطبي المح ّ‬
‫] وقوله‪):‬الحلف منفقة للسلعة ممحقة للربح( الرواية‪ :‬منفقة ممحقة ‪-‬بفتح‬
‫الميم وسكون ما بعدها وفتح ما بعدها‪ -‬وهما في الصل مصدران مزيدان‬
‫محدودان بمعنى‪ :‬الّنفاق‪ .‬والمحق أي الحلف الفاجرة تنفق السلعة وتمحق‬
‫بسببها البركة فهي ذات نفاق وذات محق‪ .‬ومعنى تمحق البركة أي تذهبها‬
‫حقُ الل ّ ُ‬
‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي‬ ‫م َ‬
‫وقد تذهب رأس المال كما قال الله تعالى‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ت { وقد يتعدى المحق إلى الحالف فيعاقب بإهلكه وبتوالي المصائب‬ ‫صد ََقا ِ‬
‫ال ّ‬
‫عليه وقد يتعدى ذلك إلى خراب بيته وبلده كما روي ‪:‬أن النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬اليمين الفاجرة تذر الديار بلقع( أي‪ :‬خالية من سكانها إذا‬
‫توافقوا على التجرؤ على اليمان الفاجرة‪ .‬وأما محق الحسنات في الخرة‬
‫فل بد منه لمن لم يتب وسبب هذا كله أن اليمين الكاذبة يمين غموس يؤكل‬
‫بها مال المسلم بالباطل‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقوله‪):‬إياكم وكثرة الحلف فإنه ينفق ثم يمحق( إياكم معناه الزجر‬


‫والتحذير ‪ ...‬أي‪ :‬احذره واتقه وإنما حذر من كثرة الحلف لن الغالب ممن‬
‫كثرت أيمانه وقوعه في الكذب والفجور وإن سلم من ذلك على بعده لم‬
‫يسلم من الحنث أو الندم لن اليمين حنث أو مندمة وإن سلم من ذلك لم‬
‫يسلم من مدح السلعة المحلوف عليها والفراط في تزيينها ليروجها على‬
‫المشتري مع ما في ذلك من ذكر الله تعالى ل على جهة التعظيم بل على‬
‫جهة مدح السلعة فاليمين على ذلك تعظيم للسلع ل تعظيم لله تعالى وهذه‬
‫كلها أنواع من المفاسد ل يقدم عليها إل من عقله ودينه فاسد[ المفهم لما‬
‫أشكل من تلخيص كتاب مسلم ‪.523-4/522‬‬
‫وجاء في الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى ‪ -‬رضي الله عنه ‪):-‬أن رجل ً أقام‬
‫سلعة وهو في السوق فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعط ليوقع فيها رجل ً‬
‫مًنا قَِليًل {‬ ‫َ‬
‫م ثَ َ‬ ‫ن ب ِعَهْدِ الل ّهِ وَأي ْ َ‬
‫مان ِهِ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫شت َُرو َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫من المسلمين فنزلت‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن أبي ذر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬ثلثة‬
‫ل يكلمهم الله يوم القيامة ول ينظر إليهم ول يزكيهم ولهم عذاب أليم قال‪:‬‬
‫فقرأها رسول الله ثلث مرار ‪ .‬قال أبو ذر‪ :‬خابوا وخسروا من هم يا رسول‬
‫الله؟ قال‪ :‬المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب( رواه مسلم‪.‬‬
‫والمسبل هو الذي يجر رداءه تكبرا ً واختيال ً والمنان هو الذي ل يعطي شيئا ً إل‬
‫منة‪.‬‬
‫وعن سلمان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ :-‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬
‫ل جعل‬ ‫ل مستكبٌر ورج ٌ‬ ‫ن وعائ ٌ‬ ‫ط زا ٍ‬ ‫)ثلثة ل ينظر الله إليهم يوم القيامة‪ُ :‬أشْيم ٌ‬
‫الله بضاعته ل يشتري إل بيمينه ول يبيع إل بيمينه( رواه الطبراني في‬
‫معاجمه الثلثة وصححه العلمة اللباني في صحيح الجامع الصغير ‪.1/589‬‬
‫وجاء في رواية أخرى‪):‬رجل اتخذ اليمان بضاعة يحلف في كل حق وباطل(‬
‫رواه الطبراني وقال العلمة اللباني‪ :‬حسن‪ ،‬كما في المصدر السابق‪.‬‬
‫والشيمط الزاني هو الرجل الكبير في العمر ومع ذلك يزني والعائل‬
‫المستكبر هو ذو العيال المتكبر وغير ذلك من الحاديث‪.‬‬
‫فعلى التجار أن يتقوا الله في أنفسهم وأن ل يكثروا من اليمان‪.‬‬
‫ً‬
‫قال أبو حامد الغزالي‪]:‬ول ينبغي أن يحلف عليه البتة فإنه إن كان كاذبا فقد‬
‫جاء باليمين الغموس وهي من الكبائر التي تذر الديار بلقع‪ .‬وإن كان صادقا ً‬
‫فقد جعل الله عرضة ليمانه وقد أساء فيه إذا الدنيا أخس من أن يقصد‬
‫ترويجها بذكر اسم الله من غير ضرورة ‪ ...‬فإذا كان الثناء على السلعة مع‬
‫الصدق مكروها ً من حيث أنه فضول ل يزيد في الرزق فل يخفى التغليظ في‬
‫أمر اليمين[ إحياء علوم الدين ‪.2/77‬‬
‫وأخيرا ً فإن التاجر إذا كثر منه الحلف فعليه أن يكثر من الصدقة لقول النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪):-‬يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف‬
‫فشوبوه بالصدقة ( أي اخلطوه بالصدقة رواه أبو داود والترمذي والنسائي‬
‫وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلمة اللباني في صحيح سنن أبي‬
‫داود ‪.2/640‬‬
‫‪---‬‬
‫أخي التاجر إياك والغش !‬
‫إن من قواعد البيع والشراء في الشريعة السلمية تحريم الغش بكل صوره‬
‫وأشكاله وقد وردت أدلة كثيرة تدل على تحريم الغش منها ما ثبت في‬
‫الحديث عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم ‪):-‬م َّر على ُ‬


‫صبرة طعام ‪-‬كومة‪ -‬فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بلل ً‬
‫فقال‪ :‬ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال‪ :‬أصابته السماء يا رسول الله‪ ،‬أي‬
‫المطر‪ .‬قال‪ :‬أفل جعلته فوق الطعام كي يراه الناس‪ ،‬من غشنا فليس مني(‬
‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى عند مسلم‪):‬من غشنا فليس منا(‪.‬‬

‫)‪(95 /‬‬

‫وفي رواية أخرى للحديث السابق عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫)خرج رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إلى السوق فرأى طعاما ً مصبرا ً‬
‫فأدخل يده فأخرج طعاما ً رطبا ً قد أصابته السماء فقال لصاحبه‪ :‬ما حملك‬
‫على هذا؟ قال‪ :‬والذي بعثك بالحق إنه لطعام واحد قال‪ :‬أفل عزلت الرطب‬
‫على حدته واليابس على حدته فيبتاعون ما يعرفون‪ ،‬من غشنا فليس منا(‬
‫رواه الطبراني في الوسط بإسناد جيد‪ ،‬وقال العلمة اللباني حسن لغيره‪.‬‬
‫صحيح الترغيب والترهيب ‪.335-2/334‬‬
‫وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬من حمل السلح علينا فليس منا ومن غشنا فليس‬
‫منا( رواه مسلم‪.‬‬
‫وفي قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في الحديث السابق )ليس منا(‬
‫زجٌر شديد عن الغش‪ ،‬ورادع ٌ من الوقوع في مستنقعه السن‪.‬‬
‫قال صاحب عون المعبود‪]:‬قال الخطابي‪ :‬معناه ليس على سيرتنا ومذهبنا‪,‬‬
‫يريد أن من غش أخاه وترك مناصحته فإنه قد ترك اتباعي والتمسك‬
‫بسنتي ‪ ...‬وهذا كما يقول الرجل لصاحبه أنا منك وإليك‪ ,‬يريد بذلك المتابعة‬
‫صاِني‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّني وَ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن ت َب ِعَِني فَإ ِن ّ ُ‬
‫م ْ‬ ‫والموافقة‪ ,‬ويشهد لذلك قوله تعالى‪ } :‬فَ َ‬
‫م { [ سورة إبراهيم الية ‪ .36‬عون المعبود شرح سنن أبي‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ك غَ ُ‬ ‫فَإ ِن ّ َ‬
‫داود ‪.9/231‬‬
‫وعن عقبة بن عامر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال سمعت رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يقول‪):‬المسلم أخو المسلم ل يحل لمسلم باع من أخيه بيعا ً‬
‫ٍ‬
‫ب إل بّينه له( رواه أحمد وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلمة‬ ‫فيه عي ٌ‬
‫اللباني في صحيح سنن ابن ماجة ‪.2/22‬‬
‫وهذه الدلة ظاهرة الدللة على تحريم الغش باعتباره وسيلة لكل أموال‬
‫الناس بالباطل إذ أن حقيقة الغش هي إخفاء وكتمان ما في السلعة من‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫وال َك ُ ْ‬
‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫مُنوا َل ت َأك ُُلوا أ ْ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫نقص أو عيب‪ .‬يقول الله تعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫قت ُُلوا أ َن ْ ُ‬
‫م وََل ت َ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ض ِ‬ ‫ن ت ََرا ٍ‬
‫جاَرةً عَ ْ‬
‫ن تِ َ‬ ‫ن تَ ُ‬
‫كو َ‬
‫َ‬
‫ل إ ِّل أ ْ‬ ‫ِبال َْباط ِ ِ‬
‫ما { سورة النساء الية ‪.29‬‬ ‫حي ً‬ ‫م َر ِ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫والغش ينافي عصمة أموال المسلمين التي جاءت بها الشريعة السلمية كما‬
‫جاء في الحديث الشريف من قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬ل يحل‬
‫مال امرئ مسلم إل عن طيب نفس( رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم‬
‫وهو حديث صحيح كما قال العلمة اللباني في إرواء الغليل ‪.5/279‬‬
‫والغش بمقتضى الحاديث السابقة يعتبر من كبائر الذنوب‪.‬‬
‫قال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي‪]:‬تنبيه‪ :‬عد ّ هذا ‪-‬الغش‪ -‬كبيرة هو ظاهر‬
‫بعض ما في هذه الحاديث من نفي السلم عنه مع كونه لم يزل في مقت‬
‫الله أو كون الملئكة تلعنه ‪ ...‬وضابط الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من‬
‫نحو بائع أو مشتر فيها شيئا ً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيجب عليه أن يعلمه به ليدخل في أخذه على بصيرة‪ ،‬ويؤخذ من حديث واثلة‬
‫وغيره ما صرح به أصحابنا أنه يجب أيضا ً على أجنبي علم بالسلعة عيبا ً أن‬
‫يخبر به مريد أخذها وإن لم يسأله عنها كما يجب عليه إذا رأى إنسانا ً يخطب‬
‫امرأة ويعلم بها أو به عيبا ً أو رأى إنسانا ً يريد أن يخالط آخر لمعاملة أو‬
‫صداقة أو قراءة ‪ ...‬وعلم بأحدهما عيبا ً أن يخبر به وإن لم يستشر به كل‬
‫ذلك أداء للنصيحة المتأكد وجوبها لخاصة المسلمين وعامتهم[ الزواجر عن‬
‫اقتراف الكبائر ‪ .1/543‬وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي أيضًا‪]:‬ونحن ل‬
‫نحرم التجارة ول البيع والشراء فقد كان أصحاب النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يتبايعون ويتجرون في البزر وغيره من المتاجر‪ ،‬وكذلك العلماء‬
‫والصلحاء بعدهم ما زالوا يتجرون ولكن على القانون الشرعي والحال‬
‫مُنوا لَ‬ ‫َ‬
‫ن َءا َ‬
‫ذي َ‬‫ل‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫المرضي الذي أشار الله تعالى إليه بقوله عز قائ ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م { سورة‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ض ِ‬‫ن ت ََرا ٍ‬ ‫جاَرة ً عَ ْ‬
‫ن تِ َ‬
‫كو َ‬ ‫ل إ ِّل أ ْ‬
‫ن تَ ُ‬ ‫م ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫وال َك ُ ْ‬
‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ت َأك ُُلوا أ ْ‬
‫م َ‬
‫النساء الية ‪ .29‬فبين الله أن التجارة ل تحمد ول تحل إل إن صدرت عن‬
‫التراضي من الجانبين والتراضي إنما يحصل حيث لم يكن هناك غش ول‬
‫تدليس‪ ،‬وأما حيث كان هناك غش وتدليس بحيث أخذ أكثر مال الشخص وهو‬
‫ل يشعر بفعل تلك الحيلة الباطلة معه المبنية على الغش ومخادعة الله‬
‫ورسوله فذلك حرام شديد التحريم موجب لمقت الله ومقت رسوله وفاعله‬
‫داخل تحت الحاديث السابقة والتية‪ ،‬فعلى من أراد رضا الله ورسوله‬
‫وسلمة دينه ودنياه ومروءته وعرضه وأخراه أن يتحرى لدينه وأن ل يبيع شيئا ً‬
‫من تلك البيوع المبنية على الغش والخديعة[ الزواجر عن اقتراف الكبائر‬
‫‪.1/546‬‬

‫)‪(96 /‬‬

‫وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي أيضًا‪]:‬كله حرام شديد التحريم موجب‬
‫لصاحبه أنه فاسق غشاش خائن يأكل أموال الناس بالباطل ويخادع الله‬
‫ورسوله وما يخادع إل نفسه لن عقاب ذلك ليس إل عليه‪ ،‬وكثرة ذلك تدل‬
‫على فساد الزمان وقرب الساعة‪ ،‬وفساد الموال والمعاملت ونزع البركات‬
‫من المتاجر والبياعات والزرعات بل ومن الراضي المزروعات‪ ،‬وتأمل قوله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪):-‬ليس القحط أن ل تمطروا‪ ،‬وإنما القحط أن‬
‫تمطروا‪ ،‬ول يبارك لكم فيه( أي بواسطة تلك القبائح والعظيمات التي أنتم‬
‫عليها في تجاراتكم ومعاملتكم‪ ،‬ولهذه القبائح التي ارتكبها التجار والمتسببون‬
‫وأرباب الحرف والصنائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم وهتكوا‬
‫حريمهم بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم وأذاقوهم العذاب‬
‫والهوان ألوانًا‪ ،‬وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالسر والنهب وأخذ‬
‫الموال والحريم‪ ،‬إنما حدث في هذه الزمنة المتأخرة لما أن أحدث التجار‬
‫وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة المتنوعة وعظائم تلك الجنايات‬
‫والمخادعات والتخيلت الباطلة على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا‬
‫عليها ل يراقبون الله المطلع عليهم‪ ،‬ول يخشون سطوة عقابه ومقته مع أنه‬
‫خائ ِن َ َ ْ َ‬
‫دوُر { سورة غافر‬ ‫ص ُ‬ ‫في ال ّ‬‫خ ِ‬
‫ما ت ُ ْ‬
‫ن وَ َ‬
‫ة العْي ُ ِ‬ ‫تعالى عليهم بالمرصاد } ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬
‫خل َقَ {‬ ‫َ‬ ‫سّر وَأ َ ْ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫فى { سورة طه الية ‪ } .7‬أَل ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫الية ‪ } .19‬ي َعْل َ ُ‬
‫م ال ّ‬
‫سورة الملك الية ‪.14‬‬
‫ولو تأمل الغشاش الخائن الكل أموال الناس بالباطل ما جاء في إثم ذلك‬
‫في القرآن والسنة لربما انزجر عن ذلك أو عن بعضه‪ ،‬ولو لم يكن من عقابه‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إل قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬إن العبد ليقذف اللقمة من حرام في‬
‫جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يومًا‪ ،‬وأيما عبد نبت لحمه من حرام فالنار‬
‫أولى به(‪ .‬وقوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪):-‬إنه ل دين لمن ل أمانة له([‬
‫الزواجر عن اقتراف الكبائر ‪.1/547‬‬
‫وقد ذكر بعض أهل العلم مضار الغش وهي‪:‬‬
‫‪.1‬الغش طريق موصل إلى النار‪.‬‬
‫س هانت‬ ‫‪.2‬الغش دليل على دناءة النفس وخبثها‪ ،‬فل يفعله إل كل دنيء نف ٍ‬
‫عليه نفسه فأوردها مورد الهلك والعطب‪.‬‬
‫‪.3‬الغش يبعد عن الله وعن الناس‪.‬‬
‫‪.4‬الغش طريق لحرمان إجابة الدعاء‪.‬‬
‫‪.5‬الغش طريق لحرمان البركة في المال والعمر‪.‬‬
‫‪.6‬الغش دليل على نقص اليمان‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫أخي التاجر إياك أن تبيع سلعة معيبة دون أن تبين للمشتري العيب‬
‫يجب على البائع أن يبين للمشتري ما في السلعة من عيب إن كان فيها‬
‫ويحرم عليه أن يكتم شيئا ً من عيوبها فإذا أعلم المشتري بالعيب ثم اشترى‬
‫السلعة مع علمه بالعيب يكون البائع قد أبرأ ذمته فقد جاء في الحديث عن‬
‫أبي سباع قال‪ :‬اشتريت ناقة من دار واثلة بن السقع فلما خرجت بها أدركني‬
‫ن لك ما فيها؟‬ ‫وهو يجر إزراه فقال‪ :‬يا عبد الله اشتريت؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ُ :‬بي َ‬
‫قلت‪ :‬وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة‪ ،‬قال‪ :‬أردت بها سفرا ً أو أردت بها‬
‫لحمًا؟ قلت‪ :‬أردت بها الحج‪ .‬قال‪ :‬فإن بخفها نقبًا‪ .‬فقال صاحبها‪ :‬ما أردت أي‬
‫هذا أصلحك الله تفسد علي؟ قال‪ :‬إني سمعت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يقول‪):‬ل يحل لحد يبيع شيئا ً إل بين ما فيه ول يحل لمن علم ذلك إل‬
‫بّينه( رواه الحاكم والبيهقي وقال الحاكم‪ :‬صحيح السناد ووافقه الذهبي‪،‬‬
‫وقال العلمة اللباني حسن لغيره‪ .‬صحيح الترغيب والترهيب ‪.338-2/337‬‬
‫وعن عقبة بن عامر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال‪):‬المسلم أخو المسلم ول يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعا ً فيه عيب أن‬
‫ل يبينه( رواه أحمد وابن ماجة والطبراني في الكبير‪ .‬وقال العلمة اللباني‪:‬‬
‫صحيح‪ .‬صحيح الترغيب والترهيب ‪.2/338‬‬
‫فبيع السلعة المعيبة دون بيان العيب نوع من الغش والغش محرم بجميع‬
‫أشكاله وأنواعه وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مّر على صبرة ‪-‬كومة‪ -‬طعام فأدخل يده‬
‫فيها فنالت أصابعه بلل ً فقال‪ :‬ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال‪ :‬أصابته السماء‬
‫يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬أفل جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غشنا فليس‬
‫منا( رواه مسلم‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى للحديث عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬خرج‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إلى السوق فرأى طعاما ً مصبرا ً فأدخل‬
‫يده فأخرج طعاما ً رطبا ً قد أصابته السماء فقال لصاحبه‪ :‬ما حملك على هذا؟‬
‫قال‪ :‬والذي بعثك بالحق إنه لطعام واحد قال‪ :‬أفل عزلت الرطب على حدته‬
‫واليابس على حدته فيبتاعون ما يعرفون‪ ،‬من غشنا فليس منا( رواه‬
‫الطبراني في الوسط بإسناد جيد وقال العلمة اللباني حسن لغيره‪ .‬صحيح‬
‫الترغيب والترهيب ‪.335-2/334‬‬
‫‪---‬‬
‫أخي التاجر عليك رد ّ المفقودات إلى أصحابها‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(97 /‬‬

‫يسمى المال الضائع من صاحبه ويجده غيره لقطة والصل في اللقطة‬


‫التعريف بها والعلن عنها إن كانت ذات قيمة وأما المور التافهة التي يسرع‬
‫إليها الفساد كالثمار ونحوها فل يحتاج إلى التعريف بها والعلن عنها ويجوز‬
‫لملتقطها أن ينتفع بها فقد ورد في الحديث عن أنس ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫مّر النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بتمرة في الطريق فقال‪):‬لول أني أخاف‬
‫أن تكون من الصدقة لكلتها( رواه البخاري ومسلم‪ ،‬فهذا الحديث يدل على‬
‫جواز أخذ المحقرات في الحال‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر‪]:‬قوله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪):-‬لكلتها( ظاهر في جواز أكل ما يوجد من المحقرات ملقى في‬
‫الطرقات لنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ذكر أنه لم يمتنع عن أكلها إل تورعا ً‬
‫لخشية أن تكون من الصدقة التي حرمت عليه ل لكونها مرمية في الطريق‬
‫فقط … ولم يذكر تعريفا ً فدل ذلك على أن مثل ذلك يملك بالخذ ول يحتاج‬
‫إلى تعريف[ فتح الباري ‪.108-5/107‬‬
‫وقال المام الترمذي‪]:‬وقد رخص بعض أهل العلم إذا كانت اللقطة يسيرة أن‬
‫ينتفع بها ول يعرفها وقال بعضهم إذا كان دون دينار يعرفها قدر جمعة وهو‬
‫قول اسحق بن إبراهيم[ سنن الترمذي مع شرحه تحفة الحوذي ‪.4/518‬‬
‫ويرى بعض أهل العلم أن المور الحقيرة التي ل يسرع إليها الفساد تعرف‬
‫ثلثة أيام واحتجوا على ذلك بما ورد في الحديث أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال‪):‬من التقط لقطة يسيرة حبل ً أو درهما ً أو شبه ذلك فليعرفها‬
‫ثلثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام فإن جاء صاحبها وإل فليتصدق‬
‫بها( رواه أحمد والطبراني والبيهقي وفي سنده كلم لهل العلم‪.‬‬
‫وأما المور ذات القيمة فيجب تعريفها لمدة سنة كما ثبت في الحديث عن‬
‫أبي بن كعب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬أصبت صرة فيها مئة دينار فأتيت النبي‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقال‪ :‬عّرفها حول ً فعرفتها حول ً فلم أجد من يعرفها‬
‫ثم أتيته فقال‪ :‬عرفها حول ً فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلثًا‪ ،‬فقال‪ :‬احفظ‬
‫وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإل فاستمتع بها فاستمتعت بها‬
‫فلقيته بعد بمكة فقال‪ :‬ل أدري ثلثة أحوال أو حول ً واحدًا( رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن زيد بن خالد الجهني ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فسأله عن اللقطة فقال‪):‬اعرف عفاصها ووكاءها ثم‬
‫عّرفها سنة فإن جاء صاحبها وإل فشأنك بها‪ ،‬قال‪ :‬فضالة الغنم قال‪ :‬لك أو‬
‫لخيك أو للذئب قال‪ :‬فضالة البل؟ قال‪:‬مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها‬
‫ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها رُبها( رواه مسلم‪ .‬والعفاص هو الوعاء‬
‫الذي يكون فيه المال‪ ،‬والوكاء هو الخيط الذي يشد به الوعاء‪.‬‬
‫وفي رواية لمسلم عن زيد بن خالد الجهني ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬سئل‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن اللقطة الذهب أو الورق فقال‪:‬‬
‫)اعرف وكاءها وعفاصها ثم عّرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن‬
‫وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما ً من الدهر فأدها إليه( وسأله عن ضالة البل‬
‫فقال‪):‬مالك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر‬
‫حتى يجدها ربها( وسأله عن الشاة فقال‪):‬خذها فإنما هي لك أو لخيك أو‬
‫للذئب(‪.‬‬
‫قال المام النووي‪ ]:‬وأما التعريف سنة فقد أجمع المسلمون على وجوبه إذا‬
‫كانت اللقطة ليست تافهة ول في معنى التافهة … ول بد من تعريفها سنة‬
‫بالجماع[ شرح النووي على صحيح مسلم ‪.4/386‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم قال المام النووي‪ ]:‬والتعريف أن ينشدها في الموضع الذي وجدها فيه‬
‫وفي السواق وأبواب المساجد ومواضع اجتماع الناس فيقول‪ :‬من ضاع منه‬
‫شيء؟ من ضاع منه حيوان؟ من ضاع منه درهم؟ ونحو ذلك ويكرر ذلك‬
‫بحسب العادة قال أصحابنا‪ :‬فيعرفها أول ً في كل يوم ثم في السبوع ثم في‬
‫أكثر منه[ المصدر السابق ‪.387-4/386‬‬
‫والتعريف باللقطة إذا كانت ذات قيمة واجب على الراجح من أقوال أهل‬
‫العلم قال الشيخ ابن قدامة المقدسي‪]:‬فإنه واجب على كل ملتقط سواء‬
‫أراد تملكها أو حفظها لصاحبها‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ل تجب على من أراد حفظها‬
‫لصاحبها‪ .‬ولنا‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أمر به زيد بن خالد وأبي‬
‫بن كعب ولم يفرق ولن حفظها لصاحبها إنما يقيد بإيصالها إليه وطريقه‬
‫التعريف أما بقاؤها في يد الملتقط من غير وصولها إلى صاحبها فهو وهلكها‬
‫سيان ولن إمساكها من غير تعريف تضييع لها عن صاحبها فلم يجز كردها‬
‫إلى موضعها أو إلقائها في غيره ولنه لو لم يجب التعريف لما جاز اللتقاط‬
‫لن بقاءها في مكانها إذا ً أقرب إلى وصولها إلى صاحبها إما بأن يطلبها في‬
‫الموضع الذي ضاعت فيه فيجدها وإما بأن يجدها مع من يعرفها وأخذه لها‬
‫يفوت المرين فيحرم فلما جاز اللتقاط وجب التعريف كيل يحصل هذا الضرر‬
‫ولن التعريف واجب على من أراد تملكها فكذلك على من أراد حفظها فإن‬
‫التمليك غير واجب فل تجب الوسيلة إليه فيلزم أن يكون الوجوب في المحل‬
‫المتفق عليه لصيانتها عن الضياع عن صاحبها وهذا موجود في محل النزاع[‬
‫المغني ‪.6/74‬‬

‫)‪(98 /‬‬

‫إذا تقرر هذا فإن العلماء قد اتفقوا على أن يد الملتقط يد أمانة فإذا تلفت‬
‫اللقطة عنده أثناء الحول بل تعدٍ منه ول تقصير فل ضمان عليه وأما إذا تعدى‬
‫صر فعليه الضمان‪.‬‬ ‫أو ق ّ‬
‫‪---‬‬
‫أخي التاجر إياك والنجش‬
‫النجش هو أن يزيد في ثمن السلعة من ل يريد شرائها ليغري المشتري‬
‫بالزيادة‪ ،‬والنجش حرام بنص أحاديث النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقد‬
‫ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪):‬نهى النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫عن النجش( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال نهى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪):-‬أن يبيع حاضٌر لبادٍ ول تناجشوا ول يبيع الرجل على بيع أخيه( رواه‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ومن صور النجش أن يأتي الرجل الذي يفصل السلعة إلى صاحب السلعة‬
‫فيستام بأكثر مما تسوى وذلك عندما يحضره المشتري يريد أن يغتر‬
‫المشتري به وليس من رأيه الشراء إنما يريد أن يخدع المشتري بما يستام‬
‫وهذا ضرب من الخديعة‪ .‬قال الشافعي‪ :‬وإن نجش رجل فالناجش آثم فيما‬
‫يصنع والبيع جائز لن البائع غير الناجش هذا ما قاله المام الترمذي ‪.‬‬
‫أخي التاجر إياك واستغلل جهل المشتري بالسعار‪:‬‬
‫نهى النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن استغلل جهل المشترى بأسعار‬
‫السلع في السواق نظرا ً لنه ليس من أهل المنطقة مثل ً أو لغير ذلك من‬
‫السباب فقد منع النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬تلقي الركبان من أهل‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البادية قبل وصولهم للسوق لما في ذلك من استغلل لجهلهم بالسعار ولما‬
‫فيه من التضييق على أهل الحاضرة‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬نهى النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫عن التلقي وأن يبيع حاضر لباد( رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬
‫)ل يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض( رواه مسلم‪.‬‬
‫قال المام النووي‪]:‬قوله‪):‬نهى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يبيع‬
‫حاضر لباد(‪ .‬وفي رواية )قال طاووس لبن عباس‪ :‬ما قوله حاضر لباد؟ قال‪:‬‬
‫ل يكن له سمسارًا(‪ .‬وفي رواية )ل يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله‬
‫بعضهم من بعض(‪ .‬وفي رواية عن أنس‪):‬نهينا أن يبيع حاضر لباد وإن كان‬
‫أخاه أو أباه(‪.‬‬
‫هذه الحاديث تتضمن تحريم بيع الحاضر للبادي‪ ,‬وبه قال الشافعي‬
‫والكثرون‪ .‬قال أصحابنا‪ :‬والمراد به أن يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر‬
‫بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه‪ ,‬فيقول له البلدي‪ :‬اتركه عندي لبيعه‬
‫على التدريج بأعلى[ شرح النووي على صحيح مسلم‪.‬‬
‫وعلة النهي عن بيع الحاضر للبادي‪ ...]:‬ما يؤدي إليه هذا البيع من الضرار‬
‫بأهل البلد‪ ،‬والتضييق على الناس‪ .‬والقصد أن يبيعوا للناس برخص‪ .‬قال ابن‬
‫القاسم‪ :‬لم يختلف أهل العلم في أن النهي عن بيع الحاضر للبادي إنما هو‬
‫لنفع الحاضرة‪ ،‬لنه متى ترك البدوي يبيع سلعته‪ ،‬اشتراها الناس برخص‪،‬‬
‫ويوسع عليهم السعر‪ ،‬فإذا تولى الحاضر بيعها‪ ،‬وامتنع من بيعها إل بسعر‬
‫البلد‪ ،‬ضاق على أهل البلد‪ ،‬وقد أشار النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في‬
‫تعليله إلى هذا المعنى[ الموسوعة الفقهية الكويتية ‪.9/82‬‬
‫ويمكن أن يكون النهي حتى ل يحول أهل الحاضرة بين وصول أهل البادية‬
‫إلى السواق ومعرفة السعار الحقيقية فيشتري أهل الحاضرة السلع بأرخص‬
‫السعار ثم يغالون في أسعارها‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫أخي التاجر احذر الرشوة والهدية للمسوؤل‬
‫روى المام البخاري بسنده عن أبي حميد الساعدي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫)استعمل النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬رجل ً من الزد يقال له ابن اللتبية‬
‫ي‪ .‬فقام النبي ‪ -‬صلى‬ ‫على الصدقة فلما قدم قال‪ :‬هذا مالكم وهذا أهدي إل ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬فصعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‪ :‬ما بال‬
‫العامل نبعثه فيأتي يقول‪ :‬هذا لك وهذا لي؟ فهّل جلس في بيت أبيه وأمه‬
‫فينظر أيهدى له أم ل؟ والذي نفسي بيده يأتي بشيء إل جاء به يوم القيامة‬
‫يحمله على رقبته إن كان بعيرا ً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر… ( ‪.‬‬
‫وهذا الحديث الصحيح يدل على عدم جواز الهدية للمسئولين إذا كانت الهدية‬
‫جاءتهم بحكم المسؤولية التي يحملونها وتعتبر هذه الهدية في حكم الرشوة‬
‫فإذا أهدى شخص هدية إلى موظف في وظيفة ما ولم يكن بينهما تهاد ٍ قبل‬
‫توليه لتلك الوظيفة فل يجوز أن يقبل الهدية‪ .‬جاء في المغني عند الكلم على‬
‫الهدية للقاضي قال‪]:‬ول يقبل هدية من لم يكن يهدي إليه قبل وليته وذلك‬
‫لن الهدية يقصد بها في الغالب استمالة قلبه ليعتني به في الحكم فتشبه‬
‫الرشوة…[ المغني ‪.10/68‬‬

‫)‪(99 /‬‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبناء على ما تقدم أقول لك أخي التاجر إياك أن تقدم هدايا للموظفين الذين‬
‫لهم علقة بتجارتك لتسهيل معاملتك‪ ،‬فهذه الهدايا ما هي في الحقيقة إل‬
‫رشاوى وقد ورد في الحديث )أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لعن‬
‫الراشي والمرتشي( رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد وهو حديث‬
‫صحيح كما قال العلمة اللباني‪ .‬واللعن هو الطرد من رحمة الله‪ .‬فاحذر أخي‬
‫التاجر أن تكون من المطرودين من رحمة الله تعالى‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫أخي التاجر احذر أكل السحت‬
‫ورد الوصف بأكل السحت في ثلث آيات من القرآن الكريم وذلك في سورة‬
‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫حُزن ْ َ‬ ‫ل َل ي َ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫المائدة‪ ،‬قال الله تعالى‪َ } :‬يا أي َّها الّر ُ‬
‫َ‬
‫هاُدوا‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ن قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫مْْ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫مّنا ب ِأفْ َ‬ ‫ن َقاُلوا َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫فرِ ِ‬ ‫ال ْك ُ ْ‬
‫ن ب َعْدِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْك َل ِ َ‬ ‫حّرُفو َ‬ ‫ك يُ َ‬‫م ي َأُتو َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫قوْم ٍ َءا َ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ن ل ِل ْك َذِ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ي ُرِدِ الل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حذ َُروا وَ َ‬ ‫م ت ُؤْت َوْه ُ َفا ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫ذوه ُ وَإ ِ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ذا فَ ُ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ن أوِتيت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫قولو َ‬ ‫ضعِهِ ي َ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُطهَّر قلوب َهُ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م ي ُرِدِ الل ُ‬ ‫نل ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫شي ْئا أولئ ِك ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫مل ِك ل ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ه فل ْ‬ ‫فِت ْن َت َ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ب أكالو َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ل ِلكذِ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫خْزيٌ وَلهُ ْ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ت { سورة المائدة اليتان ‪.42-41‬‬ ‫ح ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ِلل ّ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫وا‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫ر‬ ‫سا‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫را‬ ‫ثي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫رى‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫الله‬ ‫وقال‬
‫ِ ِ َ ُ ْ َ ِ َ ِِ ُ‬ ‫ِ ً ِ ُْ ْ ُ َ ِ ُ َ ِ‬ ‫َََ‬
‫ن { سورة المائدة الية ‪.62‬‬ ‫َ‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫م‬
‫كاُنوا َ ْ َ‬
‫ع‬ ‫ي‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ت ل َب ِئ ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫س ْ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م وَأك ْل ِهِ ُ‬ ‫م اْل ِث ْ َ‬ ‫ن قَوْل ِهِ ُ‬ ‫حَباُر عَ ْ‬ ‫ن َواْل ْ‬ ‫م الّرّبان ِّيو َ‬ ‫وقوله تعالى‪ } :‬لوَْل ي َن َْهاهُ ُ‬
‫ن { سورة المائدة الية ‪.63‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ت ل َب ِئ ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫س ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ت { أي الحرام وسمي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال أهل التفسير في قوله تعالى‪ } :‬أ ّ‬
‫ح ِ‬‫س ْ‬ ‫ن ِلل ّ‬ ‫كالو َ‬
‫المال الحرام سحتا ً لنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها‪ .‬انظر تفسير‬
‫القرطبي ‪.6/183‬‬
‫وقيل لنه ل بركة فيه لهله فيهلك هلك الستئصال غالبا‪ .‬وقيل لنه يسحت‬ ‫ً‬
‫مروءة النسان‪ .‬والسحت المقصود في الية هو الرشوة على الحكم وذلك‬
‫على المشهور عند المفسرين وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري‪.‬‬
‫تفسير اللوسي ‪.3/309‬‬
‫وروى المام البخاري تعليقا عن محمد بن سيرين أنه قال‪]:‬كان يقال السحت‬ ‫ً‬
‫الرشوة في الحكم[‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪]:‬وأشار ابن سيرين بذلك إلى ما جاء عن عمر وعلي‬
‫وابن مسعود وزيد بن ثابت من قوله في تفسير السحت أنه الرشوة في‬
‫الحكم أخرجه ابن جرير بأسانيد عنهم‪ .‬ورواه من وجه آخر مرفوعا ً ورجاله‬
‫ثقات ولكنه مرسل ولفظه‪ :‬كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به‪ .‬قيل‪ :‬يا‬
‫رسول الله وما السحت؟ قال‪ :‬الرشوة في الحكم[ فتح الباري ‪.5/360‬‬
‫قال الحافظ ابن عبد البر‪]:‬وفيه دليل على أن كل ما أخذه الحاكم والشاهد‬
‫على الحكم بالحق أو الشهادة بالحق سحت وكل رشوة سحت وكل سحت‬
‫حرام ول يحل لمسلم أكله وهذا ما ل خلف فيه بين علماء المسلمين‪.‬‬
‫ت{‬ ‫ح ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ِلل ّ‬ ‫كاُلو َ‬ ‫وقال جماعة من أهل التفسير في قول الله عز وجل‪ } :‬أ َ ّ‬
‫قالوا‪ :‬السحت الرشوة في الحكم وفي السحت كل ما ل يحل كسبه[ فتح‬
‫المالك ‪.8/223‬‬
‫ويدخل تحت السحت كل مال حرام ل يحل كسبه ول أكله‪ ،‬ومن السحت الربا‬
‫والغصب والقمار والسرقة ومهر البغي وثمن الخمر والخنزير والميتة‬
‫والصنام والتماثيل والمال المأكول بالباطل كمن يسأل الناس وهو ليس‬
‫بحاجة فإن ما يأكله من المال يعتبر سحتا ً فقد جاء في الحديث عن قبيصة بن‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مخارق الهللي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪):‬تحملت حمالة فأتيت رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أسأله فقال‪ :‬أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها‪.‬‬
‫قال ثم قال‪ :‬يا قبيصة إن المسألة ل تحل إل لحد ثلثة‪ :‬رجل تحمل حمالة‬
‫فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك‪ ،‬ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله‬
‫فحلت له المسألة حتى يصيب قواما ً من عيش ‪-‬أو قال سدادا ً من عيش‪-‬‬
‫ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلنا ً‬
‫فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما ً من عيش ‪-‬أو قال سدادا ً من‬
‫عيش‪ -‬فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا ً يأكلها صاحبها سحتًا( رواه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫وجاء في الحديث عن جابر ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪):-‬ل يدخل الجنة لحم نبت من سحت وكل لحم نبت‬
‫من سحت كانت النار أولى به( رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب‬
‫اليمان‪.‬‬
‫ت فالنار أولى به( رواه أحمد‬ ‫وفي رواية أخرى‪ ):‬كل جسد ٍ نبت من سح ٍ‬
‫والطبراني والحاكم وغيرهم وقال العلمة اللباني صحيح‪ .‬انظر صحيح الجامع‬
‫الصغير ‪.2/831‬‬
‫قال الشيخ المناوي بعد أن ذكر الحديث‪]:‬هذا وعيد شديد يفيد أن أكل أموال‬
‫الناس بالباطل من الكبائر[ فيض القدير ‪.5/23‬‬

‫)‪(100 /‬‬

‫وعن كعب بن عجرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال لي رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ):-‬أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون بعدي فمن‬
‫غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست‬
‫ي الحوض ومن غشي أبوابهم أو لم يغش ولم يصدقهم في‬ ‫منه ول يرد عل ّ‬
‫ي الحوض‪ .‬يا كعب‬ ‫كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه ويرد عل ّ‬
‫بن عجرة‪ :‬الصلة برهان والصوم جنة حصينة والصدقة تطفئ الخطيئة كما‬
‫يطفئ الماء النار‪ .‬يا كعب بن عجرة إنه ل يربو لحم نبت من سحت إل كانت‬
‫النار أولى به( رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وصححه العلمة‬
‫اللباني‪ .‬صحيح سنن الترمذي ‪.1/189‬‬
‫وعن أبي بكر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬ل‬
‫يدخل الجنة جسد غُذِيَ بحرام( رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الوسط‬
‫ورجال أبي يعلى ثقات وفي بعضهم اختلف قاله الهيثمي‪ .‬مجمع الزوائد‬
‫‪ .10/293‬وصححه العلمة اللباني في صحيح الترغيب والترهيب ‪.2/320‬‬
‫‪---‬‬
‫أخي التاجر احذر من استعمال الورق المكتوب عليه اليات القرآنية لتغليف‬
‫السلع‬
‫ً‬
‫أخي التاجر اعلم أنه ل يجوز شرعا أن تلف السلع بالوراق التي كتب عليها‬
‫آيات القرآن الكريم لما في ذلك من امتهان ليات الكتاب الكريم لنه يجب‬
‫شَعائ َِر الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬‫ن ي ُعَظ ّ ْ‬ ‫شرعا ً تعظيم شعائر الله يقول الله تعالى‪ } :‬ذلك وَ َ‬
‫م ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك وَ َ‬‫ب { سورة الحج الية ‪ .32‬ويقول تعالى‪ } :‬ذ َل ِ َ‬ ‫قُلو ِ‬ ‫وى ال ْ ُ‬‫ق َ‬
‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬‫فَإ ِن َّها ِ‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ { سورة الحج الية ‪.30‬‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر ل ُ‬ ‫ّ‬
‫ت اللهِ فَهُوَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫حُر َ‬‫م ُ‬ ‫ي ُعَظ ّ ْ‬
‫شَعائ َِر الل ّهِ { الشعائر جمع شعيرة‪ ،‬وهو‬ ‫م َ‬‫ن ي ُعَظ ّ ْ‬
‫م ْ‬‫قال المام القرطبي‪ } ]:‬وَ َ‬
‫كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم‪ ...‬فشعائر الله أعلم دينه ‪[...‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تفسير القرطبي ‪.12/56‬‬


‫ول شك أن آيات القرآن الكريم من أعظم شعائر الله فتجب صيانتها وحفظها‬
‫من المتهان وعندما تلف البضاعة بهذا الورق الذي كتبت عليه آيات القرآن‬
‫الكريم فهذا يعرضها للمتهان وهذا أمر محرم‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫أخي التاجر احذر المور التالية ‪:‬‬
‫الول‪ :‬التنزيلت الوهمية فهي نوع من الغش والتحايل على الناس وخاصة إذا‬
‫كانت البضاعة منتهية الصلحية أو فيها عيوب خفية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إزعاج الناس بمكبرات الصوت عند المنادة على البضاعة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إزعاج الناس بالموسيقى ورفع أصوات المذياع والمسجل‬
‫والتلفزيون‪.‬‬
‫الرابع‪:‬احذر من وضع بضائعك في الطريق العام فهذا ليس من حقك فل ضرر‬
‫ول ضرار‪.‬‬
‫الخامس‪:‬احذر من بيع الملبس وكذا غيرها من السلع المكتوب عليها آيات‬
‫من القرآن الكريم لما في ذلك من ابتذال لكلم رب العالمين وتعريضه‬
‫للهانة وهذا ل يفعله مسلم‪.‬‬
‫م الكتاب بحمد الله تعالى‬ ‫ت ّ‬
‫فهرس‬
‫الموضوع ‪ ...‬الصفحة‬
‫مقدمة ‪5 ...‬‬
‫تمهيد في التفقه في أحكام التجارة ‪9 ...‬‬
‫التجارة في الكتاب والسنة ‪13 ...‬‬
‫التجارة في الكتاب الكريم ‪14 ...‬‬
‫التجارة في السنة النبوية ‪16 ...‬‬
‫التجارة ل تلهي عن الواجبات عامة ول تلهي عن الصلوات خاصة ‪20 ...‬‬
‫التجار من الصحابة ‪25 ...‬‬
‫فقه التجارة ‪33 ...‬‬
‫البيع وشروطه ‪35 ...‬‬
‫الكسب الحلل ‪38 ...‬‬
‫ضوابط الكسب ‪41 ...‬‬
‫توثيق المعاملت بالكتابة ‪45 ...‬‬
‫الشهاد على العقد ‪49 ...‬‬
‫حكم البيع والشراء وقت النداء لصلة الجمعة ‪52 ...‬‬
‫كيفية حساب زكاة أموال التجارة ‪55 ...‬‬
‫يقدر نصاب النقود في الزكاة بالذهب دون الفضة ‪58 ...‬‬
‫زكاة مال الشركاء ‪60 ...‬‬
‫زكاة السهم ‪62 ...‬‬
‫زكاة البضاعة الكاسدة ‪63 ...‬‬
‫التهرب من أداء الزكاة ‪65 ...‬‬
‫تعجيل الزكاة ‪68 ...‬‬
‫دين من الزكاة ‪70 ...‬‬ ‫ل يجوز احتساب ال ّ‬
‫ل يصح تأخير صرف الزكاة لمستحقيها ‪72 ...‬‬
‫مصارف الزكاة ‪74 ...‬‬
‫صرف الزكاة للعمال العاطلين عن العمل ‪78 ...‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مصرف ) وفي سبيل الله ( في آية الصدقات ‪79 ...‬‬


‫دفع الزكاة للقارب ‪81 ...‬‬
‫حكم أخذ غير المستحق من أموال الزكاة ‪84 ...‬‬
‫تحديد ربح التجار ‪87 ...‬‬
‫العربون في البيع جائز ‪89 ...‬‬
‫تسمية الثمن في البيع شرط لصحته ‪91 ...‬‬
‫معنى قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) -‬ل تبع ما ليس عندك( ‪93 ...‬‬
‫البيع بالتقسيط ‪98 ...‬‬
‫بيع الجزاف ‪100 ...‬‬
‫السمسرة وأجرة السمسار في البيع وغيره ‪102 ...‬‬
‫الفرق بين البنوك السلمية والبنوك الربوية ‪104 ...‬‬
‫الفرق بين الربح والربا ‪109 ...‬‬
‫بيع المرابحة للمر بالشراء ‪112 ...‬‬
‫يحرم وضع المال في البنوك الربوية ‪115 ...‬‬
‫الحساب الجاري في البنوك الربوية ‪117 ...‬‬
‫التقسيط الميسر مع البنوك الربوية ‪118 ...‬‬
‫حساب التوفير ربا ‪121 ...‬‬
‫القتراض بالربا )الفائدة( للضرورة ‪122 ...‬‬
‫بيع العينة وبيع التورق ‪126 ...‬‬
‫كل قرض جّر نفعا ً فهو ربا ً ‪129 ...‬‬
‫تحريم الكفالة في قرض ربوي ‪131 ...‬‬
‫ً‬
‫حكم شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا أحيانا ‪132 ...‬‬
‫حكم السندات ‪135 ...‬‬
‫التخلص من الفوائد الربوية ‪138 ...‬‬
‫حكم التعامل ببطاقات الئتمان )بطاقات الفيزا( وغيرها ‪142 ...‬‬
‫حكم التعامل في السواق المالية )البورصة( ‪146 ...‬‬

‫)‪(101 /‬‬

‫ل بمثابة قبض النقود ‪151 ...‬‬ ‫استلم الشيك الحا ّ‬


‫التعامل بالشيكات الجلة ‪153 ...‬‬
‫بيع الشيكات المؤجلة بعملة أخرى ‪155 ...‬‬
‫صرف العملة مع تأجيل القبض ‪155 ...‬‬
‫حكم شراء الذهب بالشيكات وحكم بيع الذهب إلى أجل ‪156 ...‬‬
‫حكم بيع الحلي الذهبية القديمة بجديدة ‪157 ...‬‬
‫صرف دولرات من الفئة الكبيرة بدولرات من الفئة الصغيرة ‪159 ...‬‬
‫الختلف بين البائع والمشتري بسبب هبوط قيمة العملة ‪160 ...‬‬
‫دين بعملة أخرى ‪161 ...‬‬ ‫سداد ال ّ‬
‫دين إذا عجل المدين السداد ‪163 ...‬‬ ‫الخصم من ال ّ‬
‫ل يجوز الشتراط في القرض دفع غرامة مالية إذا تأخر المقترض في السداد‬
‫‪166 ...‬‬
‫ل يصح اشتراط عقد آخر مع القرض ‪169 ...‬‬
‫دين ‪170 ...‬‬
‫المماطلة في سداد ال ّ‬
‫عقد المضاربة ‪173 ...‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل تجوز المشاركة بالمال مقابل مبلغ ثابت من الربح ‪175 ...‬‬


‫يجوز تقاضي الشريك راتبا ً شهريا ً زيادة على نسبته من الربح ‪178 ...‬‬
‫بيع المزايدة ‪180 ...‬‬
‫الغبن في التجارة ‪183 ...‬‬
‫ل يجوز شراء المال المسروق ‪185 ...‬‬
‫خلو الّرجل ‪186 ...‬‬
‫ل يجوز بيع الطعام قبل قبضه ‪188 ...‬‬
‫البضاعة المباعة ل ترد ول تستبدل ‪192 ...‬‬
‫العلنات التجارية ‪194 ...‬‬
‫جوائز التجار ‪196 ...‬‬
‫بيع المحرمات )المتاجرة بأفلم الفيديو والمجلت الباحية( ‪198 ...‬‬
‫بيع التماثيل والصلبان في محلت السنتواري وغيرها ‪199 ...‬‬
‫استعمال الدمى لعرض الملبس ‪200 ...‬‬
‫حكم بيع الغذية المصنعة المنتهية الصلحية ‪200 ...‬‬
‫بيع العنب لمن يعصره خمرا ً ‪202 ...‬‬
‫بيع السجائر ‪203 ...‬‬
‫بيع الكلب ‪206 ...‬‬
‫آداب التاجر ‪209 ...‬‬
‫أخلق التاجر المسلم ‪211 ...‬‬
‫من آداب التاجر النية الصالحة ‪214 ...‬‬
‫من آداب التاجر التبكير في طلب الرزق ‪215 ...‬‬
‫من آداب التاجر أن يذكر الله تعالى إذا دخل السوق ‪215 ...‬‬
‫من آداب التاجر طرح السلم ورده ‪217 ...‬‬
‫من آداب التاجر السماحة في البيع والشراء وإنظار المعسر ‪220 ...‬‬
‫من آداب التاجر الصدق والمانة ‪222 ...‬‬
‫من آداب التاجر الخلق الحسن ‪223 ...‬‬
‫من آداب التاجر وفاء الكيل والميزان ‪224 ...‬‬
‫من آداب البيع والشراء خلطهما بالصدقة ‪226 ...‬‬
‫من آداب التاجر الوفاء بالوعد ‪228 ...‬‬
‫من آداب التاجر القالة ‪231 ...‬‬
‫من آداب التاجر وضع الجوائح ‪235 ...‬‬
‫أخي التاجر إياك وحلف اليمان ‪237 ...‬‬
‫أخي التاجر إياك والغش ‪240 ...‬‬
‫أخي التاجر إياك أن تبيع سلعة معيبة دون أن تبين للمشتري العيب ‪243 ...‬‬
‫أخي التاجر عليك رد المفقودات إلى أصحابها ‪244 ...‬‬
‫أخي التاجر إياك والنجش ‪247 ...‬‬
‫أخي التاجر احذر الرشوة والهدية للمسئول ‪249 ...‬‬
‫أخي التاجر احذر أكل السحت ‪250 ...‬‬
‫أخي التاجر احذر من استعمال الورق المكتوب عليه اليات القرآنية لتغليف‬
‫السلع ‪252 ...‬‬
‫أخي التاجر احذر المور التالية ‪253 ...‬‬
‫العمال العلمية للمؤلف الستاذ الدكتور حسام الدين عفانه‬
‫الحقيقة والمجاز في الكتاب والسنة وعلقتهما بالحكام الشرعية )رسالة‬
‫الماجستير(‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بيان معاني البديع في أصول الفقه )رسالة الدكتوراه(‬


‫الدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الجنبية )كتاب(‬
‫أحكام العقيقة في الشريعة السلمية )كتاب(‬
‫يسألونك الجزء الول )كتاب(‬
‫يسألونك الجزء الثاني )كتاب(‬
‫بيع المرابحة للمر بالشراء على ضوء تجربة شركة بيت المال الفلسطيني‬
‫العربي )كتاب(‬
‫صلة الغائب دراسة فقهية مقارنة )كتاب(‬
‫يسألونك الجزء الثالث )كتاب(‬
‫يسألونك الجزء الرابع )كتاب(‬
‫يسألونك الجزء الخامس )كتاب(‬
‫المفصل في أحكام الضحية )كتاب(‬
‫شرح الورقات في أصول الفقه لجلل الدين المحلي )دراسة وتعليق‬
‫وتحقيق(‬
‫ً‬
‫فهارس مخطوطات مؤسسة إحياء التراث السلمي ‪ 12‬جزءا بالشتراك‬
‫)صدر الول منها(‬
‫الفتاوى الشرعية )‪ (1‬بالشتراك )هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال‬
‫الفلسطيني العربي(‬
‫الفتاوى الشرعية )‪ (2‬بالشتراك )هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال‬
‫الفلسطيني العربي(‬
‫الشيخ العلمة مرعي الكرمي وكتابه دليل الطالب )بحث(‬
‫الزواج المبكر )بحث(‬
‫الجهاض )بحث(‬
‫مسائل مهمات في فقه الصوم والتراويح والقراءة على الموات )كتاب(‬
‫مختصر كتاب جلباب المرأة المسلمة للعلمة المحدث اللباني )كتاب(‬
‫إتباع ل ابتداع )كتاب(‬
‫بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود للغزي التمرتاشي )دراسة وتعليق‬
‫وتحقيق(‬
‫يسألونك الجزء السادس )كتاب(‬
‫رسالة إنقاذ الهالكين للعلمة محمد البركوي )دراسة وتعليق وتحقيق(‬
‫الخصال المكفرة للذنوب )يتضمن تحقيق مخطوط للخطيب الشربيني(‬
‫)كتاب(‬
‫أحاديث الطائفة الظاهرة وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين‬
‫)كتاب(‬
‫التنجيم )بحث بالشتراك(‬
‫الحسابات الفلكية )بحث بالشتراك(‬
‫يسألونك الجزء السابع )كتاب(‬
‫المفصل في أحكام العقيقة )كتاب(‬
‫يسألونك الجزء الثامن )كتاب(‬
‫يسألونك الجزء التاسع )كتاب(‬
‫فهرس المخطوطات المصورة الجزء الثاني )الفقه الشافعي( بالشتراك‬
‫)كتاب(‬
‫فقه التاجر المسلم وآدابه )هذا الكتاب(‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موقع الستاذ الدكتور حسام الدين على شبكة النترنت‪:‬‬


‫‪www.yasaloonak.net‬‬

‫)‪(102 /‬‬

‫وعنوان البريد اللكتروني ‪@yasaloonak.net.fatawa :‬‬

‫)‪(103 /‬‬

‫فكاك السرى‬
‫د‪ .‬مسلم محمد جودت اليوسف‬
‫إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ‪ ،‬و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ‪،‬‬
‫و من سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ‪ ،‬و من يضلل فل هادي له ‪،‬‬
‫و أشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬و أشهد أن محمدا ً عبده و‬
‫رسوله ‪.‬‬
‫م مسلمون ( ] آل‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ِإل وَ أن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ وَ ل ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫) َيا أي َّها ال ِ‬
‫عمران ‪. [ 102 :‬‬
‫جَها َو‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل ق َ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫ف‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ْ‬ ‫خل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫) َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َوال َْر َ‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ساًء وَ ات ّ ُ‬ ‫جال ً ك َِثيرا ً وَ ن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬
‫ث ِ‬ ‫بَ ّ‬
‫م َرِقيبا ( ] النساء ‪. [ 1 :‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْك ْ‬ ‫كا َ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فْر‬‫م وَي َغْ ِ‬‫مال َك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫سدِْيدا ً ي ُ ْ‬ ‫ه وَ ُقوُلوا قَوْل ً َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫) َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ما ( ] الحزاب ‪– 70 :‬‬ ‫ظي ً‬ ‫قد ْ َفاَز فَوًْزا عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫‪. [ 71‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫إن أي واقعة تقع على المسلمين من نصر أو هزيمة أو فتن … إنما تصنعها‬
‫أسباب وضعها الله سبحانه و تعالى ‪ ،‬فمن توكل على الله حق التوكل وأخذ‬
‫بأسباب النصر نصر بفضل الله وعصم من الفتن والخذلن ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م( ) سورة محمد‪:‬‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫الية ‪. (7‬‬
‫ومن عصى الله وترك أسباب النصر باء بالهزيمة والخذلن جزاء بما قدمته‬
‫يداه ‪ ،‬وهذه سنة الله في خلقه ‪.‬‬
‫ديل(ً‬ ‫ّ‬
‫سن ّةِ اللهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن قب ْل وَل ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫َ‬ ‫ة الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫قال تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫) سورة الفتح‪( 23:‬‬
‫وسواء تحقق النصر أو لم يتحقق ‪ ،‬فإنه قد يقع بعض المسلمين أسرى بأيدي‬
‫أعداء الله تعالى ‪.‬‬
‫والسير‪ :‬هو الذي يقع في يد العدو من أهل البلد السلمية أو من بذمتهم‬
‫بحرب أو بغيرها ‪.‬‬
‫ورحم الله شيخ السلم ابن تيمية الذي لم يقتصر على فك أسرى المسلمين‬
‫بل طالب بفك أسرى أهل الذمة من اليهود والنصارى ‪ ،‬حيث قال ‪ :‬وقد‬
‫عرفت النصارى كلهم أني لما خاطبت التتار في إطلق السرى و أطلقهم‬
‫) غازان ( … فسمح بإطلق المسلمين – قال لي ‪ :‬لكن معنا نصارى أخذناهم‬
‫من القدس ‪ ،‬فهؤلء ل يطلقون ! فقلت له بل جميع من معك من اليهود‬
‫والنصارى الذي هم أهل ذمتنا ‪ ،‬فإنا نفتكهم ‪ ،‬ول ندع أسيرا ً ‪ ،‬ول من أهل‬
‫الملة و ل من أهل الذمة ! وأطلقنا من النصارى ما شاء الله (‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رحم الله تلك اليام التي كنا نستطيع فيها فك أسرانا وأسرى أهل ذمتنا ‪ ،‬أما‬
‫الن فقد انقلبت الموازين ووقعنا كلنا في السر والعبودية ‪ ،‬فكيف بغريق‬
‫يستطيع أن ينقذ غريقا ً ‪.‬‬
‫وهذا ما عبر عنه القرطبي ‪ ،‬من إهمال المسلمين في عصره من تخليص‬
‫السرى من أيدي الكفار بسبب الصراع القائم بين أهل القبلة أنفسهم وكان‬
‫حالهم كحالنا اليوم مع الفارق طبعًا‪.‬‬
‫قال عليه رحمة الله ‪ ) :‬تظاهر بعضنا على بعض ! ليت بالمسلمين ! بل‬
‫بالكافرين ! حتى تركنا إخواننا أذلء صاغرين يجري عليهم حكم المشركين (‬
‫وكان الواجب على المسلمين في كل العصور والحوال استنقاذ السرى من‬
‫الكفار ومن يدور بفلكهم بالقتال أو ما يقوم مقامه ويؤدي غايته ‪ ،‬وإل وقع‬
‫جميع أهل القبلة تحت غضب الله وسخطه لتقاعسهم عن هذا المر الجليل ‪.‬‬
‫قال ابن الجزي ‪ ) :‬يجب استنقاذهم من يد الكفار بالقتال فإن عجز‬
‫المسلمون وجب عليهم الفداء بالمال ‪ ،‬فيجب على الغني فداء نفسه ‪ ،‬وعلى‬
‫المام فداء الفقراء من بيت المال فما نقص تعين في جميع أموال المسلمين‬
‫ْ‬
‫صرا ً‬‫ل عَل َي َْنا إ ِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫خط َأَنا َرب َّنا َول ت َ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫سيَنا أ َوْ أ َ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬‫خذ َْنا إ ِ ْ‬‫ؤا ِ‬ ‫ولو أتى عليها (‪َ ) .‬رب َّنا ل ت ُ َ‬
‫ف عَّنا‬ ‫َ‬
‫ة لَنا ب ِهِ َواعْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ل طاق َ‬ ‫ملَنا َ‬ ‫ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ن قب ْل َِنا َرب َّنا َول ت ُ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه عََلى ال ّ ِ‬ ‫مل ْت َ ُ‬
‫ح َ‬
‫ما َ‬ ‫كَ َ‬
‫قوْم ِ ال ْ َ‬ ‫صْرَنا عََلى ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن( )البقرة‪(286:‬‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫ولَنا َفان ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ت َ‬ ‫مَنا أن ْ َ‬ ‫فْر ل ََنا َواْر َ‬
‫ح ْ‬ ‫َواغْ ِ‬
‫الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف‬
‫مدير معهد المعارف لتخريج الدعاة في الفلبين سابقا‬
‫و الباحث في الدراسات الفقهية القانونية‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فكر الستعمار وأزمنة النكسار!!‬


‫بقلم‪ :‬عبد الرحمن عبد الوهاب‬
‫‪fiqhofglory@yahoo.com‬‬
‫مما ل شك فيه ‪ ,,‬ان الفكر ‪ ..‬من الليات المهمة والكبرى للنهوض بالمم‬
‫‪It is the power of thought that gives nations power to over come Anderson, .‬‬
‫‪Hans Christian‬‬
‫انه القوة ‪ ..‬ذلك هوالفكر الذي يعطي المم القوة ‪..‬للنتصار‬
‫وفي حالت اخرى يكون الوضع مغايرا ‪ ..‬حيث تنتكس المم بالفكر ‪ ..‬الغير‬
‫المسئول ‪ ..‬الفكر الخائن و العميل‪ ..‬من خلل الذين يحاربون ‪ ..‬امتهم‬
‫بالوكالة ‪..‬‬
‫كما للفكر القدرة على النتشار ‪ ..‬انتشار النار في الهشيم ‪ ..‬كما قال ابن‬
‫رشد ‪ ..‬ان للفكر أجنحة ل تعقوها الحدود ‪ ..‬والسوار ‪..‬‬
‫كما يعتبرالبعض أن ثمة انواعا من الفكر تكون كالفيون ‪ ..‬يمكن له أن‬
‫يسممنا ‪..‬أما اذا استيقظ الفكرفمن الممكن ان ترى من خلله شواهق‬
‫الجبال وكل شيء كائن في الوجود‪ .‬الفكر النهضوي‪.‬ممكن ان تنتصر به المم‬
‫وتقاد الجيوش‪ ..‬ولما كانت أسس الفكر السليم يتم استقاءها من العقيدة ‪..‬‬
‫قال الشابي ‪..‬‬
‫ومن لم يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر ‪..‬‬
‫وإذا الشعب يوما اراد الحياة فلبد ان يستجيب القدر‬
‫‪ ..‬وقالوا أنت تعيش بأفكارك ‪ ..‬فيجب أن تعرف على أي اسس من الفكار‬
‫تعيش‪ ..‬ان افكارك هي ما أوصلتك الى حالك اليوم ‪ ..‬وهي ما ستوصلك الى‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أي من المحطات غدا ‪..‬‬


‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سوًءا‬‫قوْم ٍ ُ‬ ‫م وَإ َِذا أَراد َ الل ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأن ْ ُ‬
‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫ه ل َ ي ُغَي ُّر َ‬
‫ما ب ِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫} إِ ّ‬
‫ل{ )‪ (11‬سورة الرعد‪..‬‬ ‫من َوا ٍ‬ ‫من ُدون ِهِ ِ‬ ‫َ‬
‫ما لُهم ّ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫َ‬
‫مَرد ّ ل ُ‬ ‫فَل َ َ‬
‫الفكر ‪ ..‬مهم ‪ ..‬لقد كانت المة السلمية يوما مليء السمع والصر ‪ ..‬كانت‬
‫اليات النصر ‪ ..‬ومفاهيم الصمود ‪ ..‬من ذلك الكتاب الرائع في الوجود القرآن‬
‫الكريم ‪ ....‬كانت فئة قليلة ‪ ..‬من البشر ‪ ..‬وثقوا بالله واستمدوا منه العون ‪..‬‬
‫فأعطاهم الله مجد الدنيا ومجد الخرة ‪ ..‬العقيدة ‪ ..‬هي التي تعطي ذلك‬
‫الفكر المتوهج ‪ ..‬فالعلم قبسة من نور الله ‪..‬‬
‫قيمة الفكر السليم أن ينفي عن كتاب الله تحريف الغالين‪ ,‬وانتحال‬
‫المبطلين‪ ,‬وتأويل الجاهلين ال اننا اليوم ‪ ..‬نواجه بفكر ‪ ..‬غير مسئول امام‬
‫الله والتاريخ ‪ ..‬ما يمكن ان نطلق عليه ‪ ..‬الفكر العميل ‪..‬‬
‫فما الذي يجعل كاتبا ‪ ..‬يصدر كتابا اسمه التحليل النفسي للنبياء ‪ ..‬وكأن‬
‫النبياء ‪ ,,‬الذروة من البشر ‪ ..‬ينسحب عليهم الحبر والنقد ونظريات فرويد ‪..‬‬
‫أي صفاقة تلك وأي قحة وسوء أدب ‪ ..‬انها كانت محاولت تنزيل لمقام‬
‫النبياء من منزلة الصطفاء ‪..‬‬
‫حا َوآلَ‬ ‫م وَُنو ً‬ ‫فى آد َ َ‬ ‫َ‬
‫صط َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫كيف وانهم الفئة المصفاة من البشر ‪} ..‬إ ِ ّ‬
‫ع‬ ‫مي‬ ‫س‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ض‬ ‫ع‬
‫ّ ّ ً َْ ُ َ ِ َْ ٍ َ ُ َ ِ ٌ‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫ها‬ ‫ض‬ ‫ع‬‫ب‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫}‬ ‫ن{ )‪(33‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫مَرا َ‬‫ع ْ‬‫ل ِ‬ ‫م َوآ َ‬ ‫هي َ‬
‫إ ِب َْرا ِ‬
‫م{ )‪ (34‬سورة آل عمران‪..‬‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫أن هؤلء يريدون أن ينزعو القدسية والهيبة عن النبياء ‪ ..‬فيسحبون عليهم ما‬
‫على غيرهم ‪ ..‬من نظريات ‪..‬‬
‫كما قال شيخ الزهر ‪..‬عن المصطفى انه ميت ل يسطيع الدفاع عن نفسه ‪..‬‬
‫وكأنه ينسحب على محمد صلى الله عليه وسلم ما على غيره من الموات‬
‫الصالح منهم والطالح ‪ ..‬النبي المرسل ‪ ..‬وغيره من عوام الناس ‪..‬‬
‫كانت تلك هي اليات الفكر العميل تدور في نفس السياق ‪..‬‬
‫بل ان سوء الدب ‪ ..‬طال الله سبحانه وتعالى ‪. ..‬تقول ‪ .‬فيفيان صليوا ‪..‬‬
‫المغترب العربي‬
‫يحركني الله كأنني لعبته‪ /‬أكبر غلطة أرتكبتها يا إلهي إنك خلقتني‪/‬أعظم‬
‫مخلوق على الرض هو الماء‪/‬‬
‫*ل تقف على رأسي أيها الله إنك أمرضتني‪*/‬العالم ليس عالمي بل عالم‬
‫نفسه‪* /‬أنتظرت السماء أن تنزل‬
‫لكنهاأعطت لي ظهرها‪..‬‬
‫أهل أهل ‪ ..‬ايها السادة ‪ ..‬بالفكر والعهر العربي المعاصر ‪..‬‬
‫سبحانك وتعاليت يا الله تسبيحا وتمجيدا ‪ ..‬أبد البدين ودهر الداهرين ‪,,‬‬
‫تسبيحا وتمجيدا ل يفنى أبدا ول يحصى له عددا ‪..‬‬
‫ولن أعلق على تلك القصيدة ‪ ..‬ففيها من الكفر والعهر ‪ ..‬ما يكفيها ‪..‬‬
‫تساءلت لماذا كان الحتفاء ‪ ..‬بمحمد أركون الكاتب الجزائري) المتسربن (‪..‬‬
‫نسبة الى السربون ‪ ...‬في برنامج مسارات بقناة الجزيرة ‪..‬‬
‫هل لنه كان أحد المحاربين القدامى ضد السلم من كتاب الستعمار بالمس‬
‫‪ ..‬ليقول لنظراؤه‪ --‬من كتاب المارينز اليوم ‪ ..‬الذين وقفوا ضمن خطوط‬
‫العرض الفكرية للستعمار المريكي ‪..‬والخطوط المامية مع أميركا ضد المة‬
‫‪) -- ..‬نحن هنا وما زلنا على الساحة(‪..‬‬
‫لقد قدمه البرنامج على انه رجل طويل القامة ‪ ..‬متعدد الثقافات واللغات ‪..‬‬
‫وعلى انه مفكر اسلمي ‪..‬‬
‫ولكني ‪ ..‬فوجئت أثناء الحوار ‪ ..‬بالضيف محمد اركون ‪ ..‬يوجه الى السلم‪..‬‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو القرآن قذيفة من العيار الثقيل ‪..‬‬


‫وكأنه اعتبر الستضافة له فرصة ‪..‬فكيف يمررها بدون ‪ ..‬أن يسدد طعنة الى‬
‫السلم ‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فلما كان الحوار يتعلق بالحضارات ‪ ..‬ذكر في طياته القصص القرآني ‪..‬‬
‫قال ‪ ..‬أركون ‪ ..‬ان القصص القراني ‪ ..‬هو ترجمة ‪..‬للمصطلح الغربي ‪le ..‬‬
‫‪ .. mythe‬وجاراه مقدم الحلقة ‪ ..‬على انها ‪..‬تطابق المصطلح ‪ ..Le mythe/‬أي‬
‫اسطورة ‪ ..‬واذا رجعنا الى تعريف السطورة ‪ ..‬فهي ‪ ..‬نتاج تراكمات الفكر‬
‫البشري ‪ ..‬كما هو الحال ‪ ..‬لساطير اليونان ‪ ..‬أو اساطير الهند ‪..‬الذي لعب‬
‫الخيال النساني دورة ‪ ..‬وشتان ما بين الحق المحض ‪..‬المنزل من السماء‪..‬‬
‫ونسج خيال النسان ‪..‬‬
‫ولقد أقر القاموس الغربي والشرقي ‪ ..‬ان الساطير ‪ ..‬هي من نسج الخيال‬
‫واللوقعية ‪..‬‬
‫يقول برنارد ديول ‪ Bernard Doyle‬في تعريفه للسطورة ‪..‬حيث يعرفها انها‬
‫اتت من المصطلح الغريقي‬
‫‪ ..Mythos‬أي الحكاية او الحوار في الصل الى ان تحور معناها ‪ ..‬الى معنى‬
‫الحكاية الخيالية ‪..‬‬
‫فكيف بنا أن نسحب التصور الغربي ‪ ..‬للسطورة ‪ ..‬على القصص القرآني ‪..‬‬
‫لقد فات أركون ‪ ..‬نقطة في غاية الهمية ‪..‬أن حكمة الله العليا ‪ ..‬أرادت ان‬
‫تقطع السنة المشعوذين الفكريين المتغربين والتي ‪.‬على شاكلته‪ ..‬من العبث‬
‫ق{ )‪(62‬‬ ‫ح ّ‬‫ص ال ْ َ‬
‫ص ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ذا ل َهُوَ ال ْ َ‬ ‫ن هَ َ‬‫الفكري ‪ ..‬فقال تعالى ‪..‬لما تناول ‪} ..‬إ ِ ّ‬
‫سورة آل عمران‬
‫فكلمة) الحق( هنا في الية أعله ‪ ..‬قد ل يراها ‪ ..‬اركون ول غيره ‪ ..‬ممن‬
‫أعماهم الباطل ‪ ..‬وعملوا له ‪ ..‬نعم ‪ ..‬اننا حينما نتعاطى مع القرآن كمسلمين‬
‫‪ ..‬فاننا ندرك ‪ ..‬انه الحق ‪ ..‬المحض ‪ ..‬وليس اسطورة ‪ ..‬أو كما قال أدعياء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ماَذا َأنَز َ‬
‫ن{ )‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬‫سا ِ‬ ‫م َقاُلوا ْ أ َ‬ ‫ل َرب ّك ُ ْ‬ ‫ل ل َُهم ّ‬ ‫الباطل بالمس ‪} ,,‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫‪ (24‬سورة النحل‪ ....‬ولكن الجريمة تتم اليوم بلسان فرنسي ‪ ..‬وهذه هي‬
‫روعة القرآن ومجد القرآن ‪ ..‬انه بآية واحدة بل بكلمة واحدة ‪ .,,‬يقطع ألسنة‬
‫المتخرصين والبطلين ‪..‬‬
‫وبكلمة )الحق( هنا ‪ ..‬تقطع لسان اركون] اليوم [ وصناديد الكفرمن‬
‫قريش] بالمس[ ‪ ..‬ل مناص ‪ ..‬وكأن القرآن كان مستعدا منذ ‪ 1425‬سنة ‪..‬‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫لمواجهة هذه النمطية من المفكرين ‪ ..‬بالحق ‪ ..‬فلقد قال تعالى ‪} ..‬وَِبال ْ َ‬
‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذيًرا{ )‪ (105‬سورة السراء‪..‬‬ ‫شًرا وَن َ ِ‬ ‫ك إ ِل ّ ُ‬
‫مب َ ّ‬ ‫ما أْر َ‬‫ل وَ َ‬ ‫أنَزل َْناهُ وَِبال ْ َ‬
‫حقّ ن ََز َ‬
‫نعم هي تلك الروعة للقرآن ‪ ..‬انه كلمة الحق الباقية ‪ ..‬ولكل سؤال جواب ‪..‬‬
‫ولكل جريمة فكرية دحض ‪ ..‬ولكل افتراء حجة ودليل قاطع ‪..‬‬
‫وكان للستاذ ‪ ..‬الحاج دواق بن حمنه آل بوعافية‪ ..‬تحليل ‪ ..‬لرؤية اركون ‪..‬‬
‫وهي ل تختلف عما سقناه ‪ .].‬إن الستراتيجية اليديولوجية لمحمد أركون‪،‬‬
‫تتأسس على هدر الطابع اللهي للقرآن والتأكيد على بشريته‪ ،‬تمهيدا لنكرانه‬
‫واللحاد فيه‪ ،‬زيادة إلى التزهيد في المقدرة المعرفية للقرآن في توليد‬
‫الوعي وصناعة الفكر وبناء العقل‪ ،‬ثم العمل على ربط الوحدات النصية‪،‬‬
‫هكذا يسميها‪ ،‬اليات القرآنية بلزمات زمانية وربما ظرفية مكانية‪ ،‬في‬
‫مضمونها وملفوظها‪ ،‬وهذا أيضا لسقاط الطابع المتجاوز للحكام‪ ،‬كمدخل‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لرفض الشريعة‪ ،‬وتعويضها بالجتهاد الوضعي‪[.‬‬


‫ولم تختلف الرؤية ‪ ..‬عن تساؤلت الستاذ يحي أبو زكريا ‪ ..‬تجاه أركون ‪..‬‬
‫كر الجزائري أثارت أفكاره في المغرب العربي كما في‬ ‫]محمد أركون المف ّ‬
‫فونه أهو مع الفكر‬‫مشرقه جدل واسعا ‪ ,‬وقد إحتار كثيرون في أّية خانة يصن ّ‬
‫ده ! أيدعو إلى تفعيل الفكر السلمي أم إلى نسفه من‬ ‫السلمي أم ض ّ‬
‫أساسه ! أهو عربي وإسلمي الهوّية أم ل يختلف عن المستشرقين الذين‬
‫تعاملوا مع الفكر السلمي من منطلق النقضاض عليه ! وفي تعامله مع‬
‫الموروث السلمي أيسقط عليه أدوات علمّية متعارفا عليها أم أدوات‬
‫سربونّية من وحي المناهج الغربّية وآخر ما تفّتق عنه العقل الغربي في‬
‫ن‬
‫م وجوده في باريس وإقامته في عاصمة الج ّ‬ ‫التعامل مع التاريخ ! وفي خض ّ‬
‫والملئكة وإشرافه على قسم الدراسات الفلسفّية في جامعة السوربون كان‬
‫ولؤه للعالم العربي والسلمي أم للغرب !‪[..‬‬
‫الغريب ‪ ..‬في أمر أركون ‪ ..‬انه اليوم ‪ ..‬ينادي باحداث ثورة على الساحة‬
‫السلمية ‪ ..‬وتتبناه جهات غربية ‪..‬‬
‫كما جاء في جريدة المغاربية عناوينا ‪ ..‬ملت الجرائد والساحة المغاربية بهذه‬
‫الثورة ‪ ..‬أهي ثورة ضد السلم باسم السلم‪..‬‬
‫وكان منها هذه العناوين ]محمد أركون‪ :‬إحياء التنوير العربي ضروري للخروج‬
‫من محنة الحاضر[‬
‫وعنوانا آخر المفكر المغاربي محمد أركون‪ ،‬رمز التنوير في الفكر السلمي‬
‫يدعو إلى إحداث ثورة عربية مشابهة لثورة عصر التنوير الوربية من أجل‬
‫الخروج من المأزق العربي المزمن[‬
‫هل كان الغرض منها بريئا ‪ ..‬ام نسفا للسلم كما قال يحي أبو زكريا ‪ ..‬؟‬
‫ترى ‪ ..‬ما هو الغرض ‪..‬من استضافته ‪ ..‬وتوجيهه هذه الطعنة ‪ ..‬بأن القصص‬
‫القرآني أساطير ‪ ..‬هل هو هدر الطابع اللهي للقرآن كما قال الستاذ بو‬
‫عافية ‪ ,.,‬اعله ‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫]لقد هدف محمد أركون إلى بناء "إسلميات تطبيقية" و ذلك بمحاولة تطبيق‬
‫المنهجيات العلمية على القرآن الكريم‪ ,‬و من ضمنها تلك التي طبقت على‬
‫النصوص المسيحية‪ ,‬و هي التي أخضعت النص الديني لمحك النقد‬
‫التاريخي المقارن و التحليل اللسني التفكيكي و للتأمل الفلسفي المتعلق‬
‫بإنتاج المعنى و توسعاته و تحولته‪[..‬‬
‫قد يبد و المر مثيرا للدهشة ‪ ..‬انه يتكلم هو اليوم باسم الفكر السلمي ‪..‬‬
‫وقد قدمه التريكي مقدم البرنامج على انه مفكرا اسلميا ‪..‬‬
‫ويهاجم أركون الحركات السياسية السلمية والحكومات التي تستخدم‬
‫السلم )حسب رأيه (لغراض سلطوية وتخلط بين النشاط الحركي‬
‫اليدولوجي والبداع الفكري والفني والدبي‪ ،‬ويساعدها في ذلك أن التراث‬
‫السلمي لم يتعرض للنقد التاريخي كما حصل للتراث المسيحي‪ .‬وما يجري‬
‫‪-‬برأيه‪ -‬في المجتمعات الموصوفة بالسلمية في الدساتير الرسمية أو في‬
‫الخطابات اليومية أو في كتب علماء السياسة يدل دللة واضحة على غياب‬
‫النزعة النسانية‪..Hnumanism ..‬‬
‫انه يحاول جاهدا ‪ ..‬ان يقوم بعمليات انتقادية ‪ .‬للتراث السلمي ‪.‬بأن يجري‬
‫على القرآن والمصطفى الحبر والنقد ‪ ..‬كما اراد صاحبنا ذو رؤية التحليل‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النفسي للنبياء ‪ ...‬ويسحب على السلم ما حدث ‪ ..‬مع التراث النصراني ‪..‬‬
‫ول يعرف ‪ ..‬ان السلم فوق النقد ‪..‬والمصدر الساسي للتشريع ]القرآن [‬
‫فوق النقد ومحمد صلى الله عليه وسلم فوق النقد ‪,.‬ان السلم هو قضية‬
‫الحق في الكون ‪ ..‬وان القران هو الحق ‪ ..‬ل يأتية الباطل من بين يديه ول‬
‫من خلفه ‪... ..‬وان محمدا هو رسول الحق ‪ ..‬انه يظن بخياله المريض ان‬
‫سور السلم واطيء لهذه الدرجة بأن بقفز عليه كل من هب ودب ‪.. ..‬ولما‬
‫استعصى المر عليه ‪ ..‬اخترع مصطلح ‪ .le mythe.‬الساطير ‪ ..‬كي يتسني‬
‫له ‪ ..‬ممارسة اللهو الخفي ‪..‬‬
‫قد تبدو المور أشد طرافه ‪ ,,‬ان أركون وبالرغم من خدماته الجليلة للفكر ‪..‬‬
‫الغربي ‪ ..‬والطعن في السلم على طريقته الخاصة ‪ ..‬إل انه ‪ ..‬وأثر مقاله له‬
‫‪ ..‬في اللوموند الفرنسية مقال حول سلمان رشدي ‪ ,,‬في ‪ 15‬مارس ‪89‬‬
‫أثارت لغطا ورود فعل حامية الوطيس ‪ ..‬وضعته في خانة المتزمت ‪ ..‬واصبح‬
‫خارج دائرة العلمانية والحداثة ‪..‬‬
‫ي أعنف‬ ‫ً‬
‫يقول أركون)إن مقالة اللوموند كلفتني غاليا بعد نشرها‪ .‬وانهالت عل ّ‬
‫الهجمات بسببها‪ .‬ولم يفهمني الفرنسيون أبدًا‪ ،‬أو قل الكثيرون منهم‪ ،‬ومن‬
‫بينهم بعض زملئي المستعربين على الرغم من أنهم يعرفون جيدا ً كتاباتي‬
‫ي شزرًا‪ ...‬ونهضوا جميعا ً ضد هذا‬ ‫ومواقفي‪ .‬لقد أساءوا فهمي ونظروا إل ّ‬
‫المسلم الصولي)!(‬
‫يقول أركون ‪ ) :‬على الرغم من أني أحد الباحثين المسلمين المعتنقين‬
‫للمنهج العلمي والنقد الراديكالي للظاهرة الدينية‪ ،‬إل أنهم – أي الفرنسيين ‪-‬‬
‫ي وكأني مسلم تقليدي! فالمسلم في نظرهم –أي‬ ‫يستمرون في النظر إل ّ‬
‫مسلم‪ -‬شخص مرفوض ومرمي في دائرة عقائده الغريبة ودينه الخالص‬
‫وجهاده المقدس وقمعه للمرأة وجهله بحقوق النسان وقيم الديموقراطية‬
‫ومعارضته الزلية والجوهرية للعلمنة‪ ...‬هذا هو المسلم ول يمكنه أن يكون إل‬
‫هكذا!! والمثقف الموصوف بالمسلم يشار إليه دائما ً بضمير الغائب‪ :‬فهو‬
‫الجنبي المزعج الذي ل يمكن تمثله أو هضمه في المجتمعات الوروبية لنه‬
‫يستعصي على كل تحديث أو حداثة( ‪] .‬ل حظ ‪ ..‬عبارته النقد الراديكالي‬
‫للظاهرة الدينية [‬
‫وكأن ينطبق عليه ما قاله أرنولد توينبي ‪ :‬لقد بذلنا جهدنا حتى يخجل المسلم‬
‫من دينه فإذا وصلنا الى ما نبتغيه ولم يعد لديه ما يعطيه‪ ..‬أحتقرناه (‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫دى ال ِ ُ َ‬
‫ل‬ ‫ن هُ َ‬‫ل إِ ّ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬
‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬
‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ وَل َ الن ّ َ‬
‫عن َ‬ ‫ضى َ‬ ‫}وََلن ت َْر َ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫من وَل ِ ّ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫ما ل َ َ‬‫ن ال ْعِل ْم ِ َ‬‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاء َ‬‫ذي َ‬‫هم ب َعْد َ ال ّ ِ‬
‫واء ُ‬‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫َ‬
‫دى وَلئ ِ ِ‬ ‫ال ْهُ َ‬
‫ر{ )‪ (120‬سورة البقرة‬ ‫وَل َ ن َ ِ‬
‫صي ٍ‬
‫سبحانك يا الله ‪ ..‬حتى بالرغم من اتباع ملتهم ‪ ..‬هاهم لم يرضوا ‪ ..‬يقول‬
‫مراد هوفمان في كتابه ) رحله إلى مكه ( ‪ ) :‬إن الغرب يتسامح مع كل‬
‫المعتقدات والملل ‪ ،‬حتى مع عبدة الشيطان ‪ ،‬ولكنه ل يظهر أي تسامح مع‬
‫ما (‪..‬حتى بالرغم من ركوع‬ ‫المسلمين ‪ .‬فكل شيئ مسموح إل أن تكون مسل ً‬
‫أركون أمام أصنام الفكر الغربي ‪ ..‬فالغرب ل يرضى منه ال السجود ‪..‬‬
‫الهنا وحبيبنا ومولنا ‪ ..‬هاهو المر كما قلت وقولك الحق ‪ ..‬وسبقت كلمة الله‬
‫صدقا وعدل ‪..‬‬
‫***‬
‫‪..‬فهل كان كل هذا حريا ‪ ..‬بأن يعدل أركون المسار ‪ ..‬أبدا ‪ ..‬ولكنه ل فما‬
‫زال ‪ ..‬يقوم بالدور المناط به على أكمل وجه‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقفت مليا ‪ ..‬أمام الكلمات التالية ‪ ..‬وهي مترجمة بثلث لغات على موقع‬
‫المغاربية ‪..‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫]هاهو المفكر المغاربي الجزائري الصل‪ ،‬يدعو إلى حوار بين الثقافات‪ ،‬على‬
‫عه الفكري الرصين في إنتاج ثقافة‬ ‫ور‪ .‬يتمّثل مشرو ُ‬
‫سعة أفق وشمولية وتن ّ‬
‫السئلة‪ ،‬بمنأى عن كافة المسّلمات الجاهزة‪ ،‬وصول ً إلى المسكوت عنه‬
‫كر فيه في الثقافة العربية السلمية‪ .‬ويحرص أركون على كشف‬ ‫واللمف ّ‬
‫المعوقات الذهنية والعراقيل التاريخية والجتماعية التي تعوق التقدم‬
‫ضه سؤال العقل السلمي‪ ،‬في شرطيه المعرفي والتاريخي‪،‬‬ ‫وتعرقله‪ .‬يق ّ‬
‫وكيفية تجاوز الواقع الراهن لدخول معمعان الحداثة‪[..‬لحظ بمنأى عن‬
‫المسلمات الجاهزة وصول الى المسكوت عنه ‪ ..‬واللمفكر فيه ‪ ..‬فما ذا تريد‬
‫يا ركون ؟‪..‬‬
‫ن هذا العلم دين؛‬‫‪ .‬فقد قال المام محمد بن سيرين ـ رحمه الله ـ‪] :‬إ ّ‬
‫من تأخذون دينكم[ ]شرح مسلم للنووي ‪..1/84‬‬ ‫فانظروا ع ّ‬
‫يذكرني ‪..‬بحالة حدثت لحد الجيران استنهضني للذهاب مع امه الى‬
‫المستشفى بعدما تفاقمت الحالة المرضية لمه ‪ ..‬فقد أتوا لها بماء زمزم ‪..‬‬
‫وكانت تنهل منه ‪ ..‬صبحة وعشيا ‪..‬ولما ازدادت حالتها سوء‪ ..‬ذهب بها الى‬
‫المستوصف لجراء فحوصات عاجلة ونقل دم ‪ ..‬فقال لهم الطبيب انه ليس‬
‫بزمزم ‪.‬وبعد تحليل الماء بالمختبر‪ ...‬بالفعل لم يكن ماء زمزم ذلك الذي‬
‫كانت تنهل منه المسكينة صباح مساء ‪ ..‬وانما كان ماء ‪ ..‬ملوثا‪ ..‬اشتراه‬
‫جاري من احد التجار الغشاشين ‪..‬من أحد السواق الشعبية‬
‫فأقسم جاري والحزن والقهر يتملكه‪ ..‬بأل يأتي بزمزم ‪ ..‬إل من من الحرم‬
‫على يده وبصره ‪ ..‬ومن نبع زمزم نفسه طالما وصل الخداع لهذه الدرجة ‪..‬‬
‫كان زمزم دوما شفاء للناس ‪ ..‬فما أكثر رحمة الله بعباده ‪ ..‬وما أشقى‬
‫النسان بأخيه النسان ‪..‬حينما يموت الضمير ‪ ..‬وهذا ينسحب على تجارة‬
‫الفكر المغشوش ‪.. ..‬فهاهوالسلم يأتينا اليوم ملوثا من السربون ‪ .‬أ‪ ,‬اسلما‬
‫غير الذي جاء به محمد ‪...‬فيامرحبا بالسلم المتسربن ‪serbonized.)..‬‬
‫‪..(islam‬وهانحن اليوم ‪ ..‬نرى قوافل الحجيج تشد الرحال الى البيت البيض‬
‫بدل من البيت العتيق ‪..‬وتشد الرحال ‪ ..‬الى السربون بدل من مكة ‪ ..‬وبقية‬
‫مساجد حواضر السلم ‪.‬التي كانت تشع نورا وعلما بنور القرآن بالمس‪..‬‬
‫فياضيعة السلم ‪ ..‬ومن ذا يعيد قوافل الحجيج !!‪.‬؟؟‪.‬‬
‫‪According to Dictionary.com, mythology means: "A body or collection of‬‬
‫‪myths belonging to a people and addressing their origin, history, deities,‬‬
‫‪ancestors, and heroes." and another definition ; "A body of myths; esp., the‬‬
‫‪collective myths which describe the gods of a heathen people; as, the‬‬
‫‪".mythology of the Greeks‬‬
‫‪-‬اعترافات محمد أركون ! سليمان بن صالح الخراشي‬
‫‪ Deutsche Welle‬راديو المانيا دوتش فيلي حوار مع محمد أركون‬
‫الستراتيجية اليديولوجية لمنهج محمد أركون المعرفي‪ ...‬بقلم‪ :‬الحاج دواق‬
‫بن حمنه آل بوعافية‬
‫السلم والنسنة‪ ..‬معارك من أجل النسنة في السياق السلمي‪ ..‬عرض‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ابراهيم غرايبة ‪ ..‬المعرفة موقع الجزيرة نت ‪..‬‬


‫تحليل فكر محمد اركون ‪ ..‬يحي ابو زكريا ‪..‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فكر في زواج مبكر الجيلي حامد*‬


‫وضعت الظروف القتصادية‪ ،‬والتعقيدات الجتماعية‪ ،‬والعادات الوافدة‪،‬‬
‫والمتوارثة الفتاة العربية على وجه العموم‪ ،‬والسودانية على وجه الخصوص‬
‫في ظروف محزنة؛ فهي كلما ودعت عاما ضعفت نسبتها في الدخول إلى‬
‫القفص الذهبي؛ وبالتالي تزداد من الهموم والحزان؛ مما ينعكس سلبا ً على‬
‫الصحة )عنوان الجمال(‪..‬‬
‫والملحظ بوضوح زيادة نسبة المواليد من الناث‪ ،‬وطغيان الجنس اللطيف‬
‫على الذكور في كافة الصعدة‪ ..‬باستثناء القليل منها‪ ..‬والبنات قد سجلن‬
‫اعترافا بذلك في المزاد العلني )أغاني البنات(!!‪ ..‬بناًءا علي القاعدة‬
‫القتصادية )كلما زاد العرض قل الثمن(؛ فقبل عشرات السنين كان النداء‬
‫)المابجيب اللف الرجوع بالخلف(‪) ..‬والمابجيب العالي الرجوع طوالي(‪،‬‬
‫و)الشيلة بالهينو‪ ،‬وثلث قدور صندلية(‪ ،‬ثم جاءت مرحلة ما بعد التعالي؛ يعني‬
‫الن ِد ّّية؛ فكان النداء هو )القروش ما أهمية!؛ المهمة الشخصية(‪ ،‬ثم وصلنا‬
‫أخيرًا؛ وليس آخرا ً ‪ -‬على غرار الجايات أكثر من الرايحات ‪ -‬إلى مرحلة‬
‫التنازلت الكبر من نوعها؛ فكان النداء‪) :‬تعال بقميصك بيت أبوي بيعيشك(‪،‬‬
‫و)وتعال بالعندك أبوي بيسندك(!!‪ ..‬جرسة غير عادية؛ ل أذكرها احتراما ً‬
‫لرابحة الكنانية‪ ،‬والخريات؛ من جيل البطلت!!‪.‬‬
‫تعاطفا ً مع ما سبق أوجه رسالة للجميع ‪ -‬ونحن في اللفية الثالثة؛ ذات‬
‫السنان الستة ‪-‬؛ فأقول‪ :‬كفوا عن الصرف بإسراف على مثل مناسبات‬
‫الزواج؛ ول تضعوا من الشروط ما يضيع مستقبل بناتكم؛ فينطبق عليكم‬
‫المثل الدائر )واقفين تحننوا‪ ..‬قاعدين تجننوا(؛ والبنت تبقي هي الضحية‬
‫للبوبار‪ ،‬والعنجهية؛ منحصرة بين أربع حيطان؛ تحدث نفسها مع إشراقة كل‬
‫يوم‪ ،‬ومرور كل عام؛ ومعها المرآة؛ صديقتها؛ التي ل تعرف المجاملة؛ فكلما‬
‫حدقت النظر إلى وجهها في المرآة عاد النظر مليئا ً بالدموع الجارفة؛ التي‬
‫تذهب بخداع المكياج؛ إمعانا ً في توضيح الحقيقة؛ والسبب كله الوالدة‪..‬‬
‫والوالدة رفعت التسعيرة!‪.‬‬
‫عندكم مثل معلق بإيقاف التنفيذ؛ وما أكثر المعلقات والمعلقات‪ ..‬المثل‬
‫القائل )اخطب لبنتك ول تخطب لولدك(؛ فهل فعلها أحدهم يومًا؛ وداس على‬
‫كرامته؛ إكراما ً لكريمته‪ ..‬إل أحداثا قليلة؛ وقعت في جنح الظلم‪ ،‬وبهمس‬
‫السرية التام؛ وكأن المر عيب!!‪ ..‬ل والله!؛ إن له في الدين خير مثال؛ فقد‬
‫وقع من أقوى الرجال رجولة وإيمانا وهو سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫تعالى عنه حينما خطب لبنته حفصة رضي الله تعالى عنها‪ ..‬افعلها يا ولي‬
‫المر‪ ،‬أو علي القل ل تفرط في العريس ‪ -‬إذا دق بابك ‪ -‬بمبررات واهية‪..‬‬
‫يقول الحبيب المصطفي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‪) :‬إذا جاءكم من‬
‫ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إل تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد عريض(‪.‬‬
‫الخوات الفضليات! إن النسان نبتة تمر بفصول العمر قصرا دون اختيار!!‬
‫وتمر عليها أطوار النمو؛ فضعن ذلك في الحسبان؛ ول تأخرن الزواج من أجل‬
‫الشهادات‪ ..‬ولك عبرة في تلك التي بلغت درجة الدكتوراة ولكنها حينما‬
‫نظرت إلى نفسها وجدتها في الطور الخير من أطوار النبات؛ فقالت وهي‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ترثي العمر المحنط‪ :‬خذوا كل شهاداتي وأسمعنني كلمة ماما‪ ..‬والجواب‪:‬‬


‫)هيهات؛ والتسوي بإيدك يغلب أجاويدك(‪.‬‬
‫إن الكلم في هذا الموضوع تصعب لملمته؛ لتساعه‪ ،‬وتشعبه؛ فأرجو أن‬
‫تقوم لجان متخصصة من علماء الدين‪ ،‬والمسؤولين‪ ،‬والتربويين‪ ،‬وكذلك تتاح‬
‫فرصة لصحاب الشأن )البنات(؛ ليقولوا ويقلن الكلمة الفصل في هذا‬
‫الموضوع‪..‬‬
‫اختم؛ وأقولك إن البركة في قلة المؤونة‪ ،‬والزواج المبكر؛ استغلل للعمر‬
‫أطول ما يكمن في طاعة الله‪ ..‬والله معك‪ ..‬والله يجعل هذا العام عاما ً‬
‫للزواج‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فكر محمد أسد كما ل يعرفه الكثيرون )‪(4‬‬


‫تأويل الجن والجزاء الخروي عند محمد أسد‬
‫د‪.‬إبراهيم عوض‬
‫‪ibrahim_awad9@yahoo.com‬‬
‫فى الفصل الذى عنوانه "‪ :Dajjal‬الدجال" من كتابه المشهور "‪The Road to‬‬
‫‪ "Mecca‬يحكى لنا محمد أسد تأويله‪ ،‬فى بدايات تحوله إلى السلم وفى‬
‫حضور ابن بليهد العالم السعودى المعروف فى عهد الملك عبد العزيز آل‬
‫سعود‪ ،‬لنبوءة المسيخ الدجال على أساس أن المقصود هو التحذير من‬
‫سب ول تلقى بال إلى‬ ‫ح ْ‬
‫الحضارة الغربية‪ :‬فهى حضارة عوراء تهتم بالجسد ف َ‬
‫الروح أو اليمان بالله )مثلما أن الدجال أعور(‪ ،‬وهى قد بلغت من التقدم‬
‫ل من الرفاهية بحيث فُِتن‬ ‫وى عا ٍ‬
‫العلمى والسيطرة على الطبيعة وتوفير مست ً‬
‫ظموها لدرجة التأليه )وهو ما أخبر به رسول الله صلى‬ ‫بها كثير من الناس وع ّ‬
‫الله عليه وسلم من أنه سيكون للدجال فى ظاهر المر مثل هذه القدرة التى‬
‫تغريه بدعوة الناس إلى عبادته فيستجيب له ضعفاء اليمان(‪ .‬ويروى أسد‬
‫أيضا أن الشيخ ابن بليهد قد أعجب بهذا التأويل‪ ،‬بل تحمس له رغم أنه‪ ،‬كما‬
‫قال‪ ،‬لم يخطر له من قبل على بال]‪.[1‬‬
‫ب سنة‬ ‫وفى ترجمته لـ"صحيح البخارى"‪ ،‬التى ظهرت لول مرة فى كتا ٍ‬
‫‪1938‬م يؤّول أسد قول الرسول عليه الصلة والسلم لعبد الله بن سلم إن‬
‫أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب‪ ،‬بأنه وصف‬
‫رمزى للجوائح الجتماعية التى سوف تأتى على قواعد الثقافات المشرقية‬
‫وتدفع المشارقة دفعا إلى التقليد العمى للغرب على أساس أن النار‬
‫قى من حيوية الثقافة الخاصة بشعوب المشرق‪ ،‬ومن ثم ل يعود‬ ‫ستلتهم ما تب ّ‬
‫هناك اتصال بين ماضيهم وحاضرهم]‪ .[2‬وهو تأويل فى النفس منه أشياء‪:‬‬
‫فابن سلم قد سأل النبى سؤاله هذا على سبيل الختبار كى يعرف أهو‬
‫رسول حقيقى أم ل‪ .‬ومعنى ذلك أن النبى أجاب ابن سلم وَِفاقَ ما فى‬
‫نفسه‪ ،‬فهل كان ابن سلم يعرف أن المشرقيين فى عصرنا الحديث سوف‬
‫ون عن ثقافتهم ويقلدون الغرب تقليدا أعمى؟ ثم إن الصلة لم تنقطع‬ ‫خل ّ ْ‬
‫يت َ َ‬
‫بين حاضر المشرقيين وثقافتهم القديمة‪ ،‬اللهم إل فى بعض القطاعات‬
‫الضيقة‪ ،‬بل إن السلم قد شرع ينتشر فى الغرب نفسه‪ .‬كذلك فكلم أسد ل‬
‫يعنى إل أنه ل أمل للمسلمين فى النتصار على الغرب ما دام هذا الوضع هو‬
‫علمة من علمات الساعة‪ ،‬أى أنه لن يكون هناك وقت لتغييره‪ ،‬وهو ما يدفع‬
‫إلى اليأس والرضا بالعبودية للغرب‪ .‬وهذا كله غريب!‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مة بارزة‪ ،‬إن لم تكن أبرز القسمات‪ ،‬فى فكر‬ ‫والواقع أن التأويل يمثل قَ َ‬
‫س َ‬
‫محمد أسد السلمى كما يتبدى فى ترجمته التفسيرية للقرآن الكريم‪ .‬ونبدأ‬
‫بتأويله لبليس والشياطين‪ ،‬ويتضح من الهامش رقم ‪ 10‬و ‪ 16‬من هوامش‬
‫ترجمته لسورة "العراف" مثل أن قصة آدم وعصيان إبليس للمر اللهى‬
‫بالسجود له هى عنده قصه رمزية للتطورات الروحية والخلقية التى طرأت‬
‫على حياة الجنس البشرى فوق هذه البسيطة‪ ،‬وليست قصة حقيقية حدثت‬
‫قبل لدم فى الجنة]‪ .[3‬وإبليس‪ ،‬عنده أيضا‪" ،‬ملك ساقط"‪ ،‬وتمرده تمرد‬
‫فزهم على‬ ‫ح ْ‬
‫رمزى‪ ،‬وهو بإغوائه البشر إنما يمثل مهمة كونية محددة هى َ‬
‫ممارسة ما وهبهم الله من إرادة أخلقية حرة‪ ،‬أى القدرة على الفعل والترك‬
‫فى مجال الخلق]‪ .[4‬كما يفسر الشياطين بأنها تعبيٌر استعارىّ عن الرغبات‬
‫البشرية الشريرة المضادة لمصالح البشر الروحية]‪ .[5‬وبالمثل يؤول‬
‫ضنا لهم قَُرناء فزّينوا لهم ما بين أيديهم‬‫قَرناء" فى قوله عز وجل‪" :‬وقَي ّ ْ‬ ‫"ال ُ‬
‫وما خلفهم" واليات التى تشبهه بالنزغات الشريرة التى ل تنفك ملزمة‬
‫للمجرمين]‪.[6‬‬
‫فأما أن إبليس "ملك ساقط" فهو يخالف ما جاء فى القرآن الكريم من أنه‬
‫من الجن‪" :‬إل إبليس‪ ،‬كان من الجن ففسق عن أمر ربه"]‪ .[7‬ومما يؤكد هذا‬
‫قول إبليس نفسه فى حواره مع رب العزة إنه خير من آدم لن آدم مخلوق‬
‫جّنة مخلوقون من النار]‪،[9‬‬ ‫من طين‪ ،‬أما هو فمن نار]‪ ،[8‬ومعروف أن ال ِ‬
‫م بعد ذلك على القول بأن إبليس كان ملكا عصى الله‬ ‫دم مسل ٌ‬ ‫ق ِ‬‫فكيف ي ُ ْ‬
‫فهبط من عليائه؟ إن هذا أحد التأثيرات الكتابية لن أهل الكتاب هم الذين‬
‫يقولون ذلك‪ ،‬أما المسلمون فيقرأون فى القرآن المجيد قوله جل شأنه فى‬
‫ن فوقهم‪ ،‬ويفعلون ما يؤمرون"]‪ ،[10‬فكيف‬ ‫م ْ‬‫وصف الملئكة‪" :‬يخافون ربهم ِ‬
‫كا من الملئكة قد جرؤ على عصيان الله‪ ،‬وقد فطرهم الله جميعا‬ ‫مل َ ً‬‫يقال إن َ‬
‫ور وقوع العصيان منهم مجرد تصور؟‬ ‫ص ّ‬‫على الطاعة المطلقة بحيث ل ي ُت َ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ى من الملئكة فى قوله سبحانه‪" :‬وإذ قلنا‬ ‫أما الحتجاج بأن إبليس قد است ُث ْن ِ َ‬
‫للملئكة‪ :‬اسجدوا لدم‪ ،‬فسجدوا إل إبليس أَبى واستكبر وكان من الكافرين"]‬
‫‪ [11‬وغيره من اليات التى تتناول نفس الموضوع]‪ ،[12‬فليس باحتجاج‬
‫سليم‪ ،‬إذ الستثناء ل يعنى بالضرورة أن المستثنى داخل فى المستثنى منه‪،‬‬
‫وإل فأين يذهب "الستثناء المنقطع" فى مثل قولنا‪" :‬قام الطلب إل حمارا"‬
‫س أو‬‫كما تقول بعض كتب النحو للتدليل على أن المستثنى قد يكون من جن ٍٍ‬
‫نوٍع أو طائفةٍ أو جماعةٍ غير جماعة المستثنى منه؟ ومن شواهده فى القرآن‬
‫العظيم قوله عز من قائل يخاطب رسوله محمدا عليه السلم‪" :‬ما أنزلنا‬
‫عليك القرآن لتشقى* إل تذكرة ً لمن يخشى"]‪ ،[13‬وقوله سبحانه على‬
‫لسان إبراهيم عن الصنام التى كان يعبدها قومه‪" :‬فإنهم عدوّ لى إل رب‬
‫العالمين"]‪" ،[14‬وإذ قال إبراهيم لبيه وقومه‪ :‬إننى ب ََراٌء مما تعبدون* إل‬
‫الذى فطرنى‪ ،‬فإنه سيهدين"]‪ ،[15‬وقوله عزت قدرته‪" :‬بل الذين كفروا‬
‫شْرهم بعذاب أليم* إل الذين آمنوا وعملوا‬ ‫عون* فب ّ‬ ‫يك ّ‬
‫ذبون* والله أعلم بما ُيو ُ‬
‫الصالحات لهم أجر غير ممنون"]‪ ،[16‬وغير ذلك كثير‪ .‬فتذكرةُ من يخشى‬
‫ليست داخلة فى الشقاء‪ ،‬والله سبحانه ليس من الصنام وليست هى منه‬
‫فى شىء‪ ،‬والذين آمنوا وعملوا الصالحات ل ينتمون إلى الكافرين من قريب‬
‫أو بعيد‪ ،‬وذلك من الوضوح بمكان مكين‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعلى أية حال فمن غير المفهوم أن يقول أسد عن إبليس إنه "ملك ساقط"‬
‫دون أن يكونوا هم الرغبات البشرية‪ ،‬وأن‬ ‫ما دام يرى أنه هو والشياطين ل ي َعْ ُ‬
‫تمردهم إنما هو مسألة رمزية‪ ،‬أى أن المر كله عراك فى غير معترك أو كما‬
‫تقول الكناية الشهيرة‪" :‬زوبعة فى فنجان"‪ .‬ومع ذلك كله فإنى أفضل أل‬
‫يمضى الواحد منا فى مثل هذه التأويلت لنه سيجد نفسه وقد سقط فى‬
‫شبكة من التناقضات يستحيل عليه أن يخّلص نفسه منها كما شاهدنا قبل ما‬
‫حدث لكاتبنا‪ .‬وإن العتقاد فى وجود إبليس والشياطين لقوى فى وَْزع‬
‫النسان عن عمل الشر من القول بأن المر ليس إل رغبات نفسية تريد‬
‫الشباع‪ .‬ولست مع ذلك أشدد النكير على من يريحهم التأويل رغم كثرة‬
‫اليات والحاديث التى تتحدث عن الشيطان بوصفه كائنا ذا شخصية‪ ،‬إذ‬
‫خِلق منها‪ ،‬وروت لنا ما جرى فى أول الخليقة بينه وبين‬ ‫حددت المادة التى ُ‬
‫المولى سبحانه بوقائعه ومشاهده وحواراته‪ ،‬وحذرت آدم وذريته من وساوسه‬
‫صيخ إليه بالخسران المبين وأهوال الجحيم‪.‬‬ ‫وأكاذيبه وأحقاده‪ ،‬وتوعدت من ي ُ ِ‬
‫ى فى شبابى زمن كنت أميل فيه إلى القول بمثل ما قال محمد‬ ‫ولقد غَب ََر عل ّ‬
‫أسد‪ ،‬لكننى كلما تعمقت فى المر وجدت أن من السلم اليمان بوجود‬
‫ة هو موّليها‪ ،‬والعقول ووجهات‬‫ل وجه ٌ‬ ‫الشيطان ووسوسته‪ .‬ومع هذا فلك ّ‬
‫النظر والمزجة تختلف من إنسان لنسان‪ ،‬ولكنى ل أستطيع إل أن أستعجب‬
‫ممن يقولون بوجود "اللوعى" مثل )الشخصى منه والجمعى( وينكرون وجود‬
‫الشيطان! أ ََوعندهم دليل على وجود مثل هذا اللوعى؟ إنما هو كلم بعض‬
‫علماء النفس‪ ،‬وكلمهم مجرد تخمينات وافتراضات‪ ،‬أما الشيطان فمعرفتنا به‬
‫راجعة إلى ما جاء فى القرآن الكريم وأحاديث الرسول‪ ،‬وأين هذا من ذاك؟‬
‫وأيا ما يكن المر فإن اليمان بوجود الشيطان ل يناقض القول بوجود الغرائز‬
‫البشرية‪ :‬فالرغبات موجودة‪ ،‬والشيطان ينفخ فيها ويؤججها ويغرى بالرتماء‬
‫فى نارها‪ .‬وإن شعور النسان فى مثل هذا الموقف بأنه فى صراع مع شىء‬
‫متميز عنه لمما يؤكد وجود الشيطان‪.‬‬
‫وبمثل هذه العين ننظر فيما قاله كاتبنا عن أمر الله لملئكته بالسجود لدم‪،‬‬
‫إذ معناه عنده أن البشر متفوقون عليهم بالتفكير التصورى والقدرة من ث َ ّ‬
‫م‬
‫ح فى شىء من هذا‪ ،‬لكننا‬ ‫على التمييز بين الصواب والخطإ]‪ .[17‬إننا ل نشا ّ‬
‫ل نجد فيه ما يمنع من اليمان بوجود الملئكة والشياطين ورضا الولين‬
‫بالسجود لدم‪ ،‬واستكبار إبليس عن ذلك‪ .‬ترى لماذا ل يسير المران جنبا إلى‬
‫جنب؟ هل فى طبيعتهما ما يمنع من هذا؟ ونفس الشىء نقول فى أجنحة‬
‫الملئكة المذكورة فى الية الولى من سورة "فاطر"‪ ،‬فأسد يراها رمزا يدل‬
‫على السرعة والقوة التى يتنزل بها الوحى على النبياء]‪ .[18‬إننا ل نرى فيما‬
‫يقوله أسد هنا عن سرعة الوحى وقوته ما يبعث على العتراض عليه‪ ،‬ولكننا‬
‫أيضا ل نرى فيما جاء به القرآن عن أجنحة الملئكة ما يوجب التأويل‪ .‬المهم‬
‫أل نشبهها بأجنحة الطيور‪ ،‬فالطيور جنس من المخلوقات‪ ،‬والملئكة جنس‬
‫آخر مختلف تماما‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثم إن هذه النزعة التأويلية المسرفة من كاتبنا ل َُتوِقعه أحيانا فيما ل يقبله‬
‫جّنة" فى قوله سبحانه عن المشركين‪:‬‬ ‫العقل‪ .‬لنأخذ مثل تفسيره لـ "ال ِ‬
‫جّنة نسبا" بأنهم "قوى الطبيعة‪ ،‬إذ إن هذه‬ ‫"وجعلوا بينه )أى بين الله( وبين ال ِ‬
‫القوانين ل تظهر للعين ول تدركها الحواس‪ ،‬فهى تنتمى إذن لعالم الخفاء‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جّنة" هى كل كائن خفى]‪ .[19‬يقصد أن مادة "ج ن ن" تعنى الخفاء‪.‬‬ ‫و"ال ِ‬
‫ووجه المناقضة للمنطق فى هذا التفسير أن القرآن يشير فى الية المباركة‬
‫إلى ما كان العرب يعتقدونه‪ ،‬والعرب )كما هو معلوم( لم يكونوا يعرفون شيئا‬
‫أى شىء عن قوانين الطبيعة التى يفسر بها أسد كلمة "الجنة"‪ .‬أى أنه‬
‫ينسب إلى العرب ما ل يمكن نسبته إليهم‪ .‬إنه‪ ،‬بهذه الطريقة‪ ،‬يدعى على‬
‫التاريخ ما ليس منه‪ ،‬وهذا هو وجه الخطورة‪ .‬ثم إن الجن فى القرآن جنس‬
‫سر بـ "القوانين الطبيعية"‪ .‬كذلك فالية‬ ‫م أن يف ّ‬ ‫محدد بمعالمه فل يمكن من ث َ ّ‬
‫تنسب إلى الجن "العِْلم"‪ ،‬ول يمكن أن توصف القوانين الطبيعية بالعلم‪ ،‬إذ‬
‫ضرون‬ ‫ح َ‬ ‫جّنة" إنهم ل َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ماذا تعلم؟ أو كيف تعلم؟ كما أن الية تقول عن "ال ِ‬
‫ضر يوم‬ ‫ح َ‬‫للحساب يوم القيامة‪ ،‬فهل يمكن القول عن قوانين الطبيعة إنها ست ُ ْ‬
‫القيامة؟ فهذا وغيره هو الذى جعلنى أرجع عما كنت أعتقده فى شبابى الول‬
‫من أن الملئكة هى عوامل البناء فى الكون‪ ،‬أما الشياطين فهى عوامل‬
‫الهدم والتفتيت‪ ،‬بالمعنى الواسع لكلمتى "البناء والهدم"]‪ .[20‬ويزداد تناقض‬
‫ما يقوله أسد مع منطق العقل بروزا عندما نراه يقيس ما كانت العرب فى‬
‫الجاهلية تعتقده من وجود نسب بين الله سبحانه والجن على مفهوم‪l' " :‬‬
‫‪ :élan vital‬الدفعة الحيوية" فى فكر برجسون الفيلسوف الفرنسى‪ ،‬هذا‬
‫المفهوم الذى يقوم على إضفاء صفات اللوهية على عناصر الطبيعة]‪ ،[21‬إذ‬
‫أين اعتقاد العرب فى الجن من الدفعة الحيوية البرجسونية؟‬
‫وعلى نفس الوتيرة من السراف فى التأويل ومناقضته لمنطق العقل يسير‬
‫قر"‬ ‫س َ‬‫كا الذين جعلهم الله على " َ‬ ‫محمد أسد فى تفسير "التسعة عشر" مل َ ً‬
‫فى الدار الخرة حسبما جاء فى اليات ‪ 31-26‬من سورة "المد ّّثر"‪:‬‬
‫ة للبشر* عليها‬ ‫قى ول ت َ َ‬ ‫ُ‬
‫واح ٌ‬‫ذر* ل ّ‬ ‫قر* وما أدراك ما سقر؟* ل ت ُب ْ ِ‬ ‫س َ‬‫صِليه َ‬ ‫"سأ ْ‬
‫دتهم إل فتنة‬ ‫ع ّ‬‫ب النار إل ملئكة‪ ،‬وما جعلنا ِ‬ ‫جعَْلنا أصحا َ‬ ‫شر* وما َ‬ ‫ةع َ‬ ‫تسع َ‬
‫للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا‪ ،‬ول يرتاب‬
‫الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين فى قلوبهم مرض والكافرون‪:‬‬
‫ل الله من يشاء ويهدى من يشاء‪ ،‬وما يعلم‬ ‫ض ّ‬
‫ماذا أراد الله بهذا مثل؟ كذلك ي ُ ِ‬
‫جنود َ ربك إل هو‪ ،‬وما هى إل ذِك َْرى للبشر"‪ ،‬فماذا يقول محمد أسد هنا؟ إن‬
‫"التسعة عشر" عنده هى قوى الدراك وحواسه والوظائف العضوية للجسم‬
‫البشرى‪ ،‬ومن ثم جاءت ترجمته لها على النحو التالى‪" :‬عليها تسعة عشر‬
‫وى ملئكية لن النسان‬ ‫قوة"‪ ،‬ثم علق قائل إن هذه القوى "التسعة عشر" ق ً‬
‫يميز بها بين الخير والشر]‪.[22‬‬
‫دم على العبث بنص‬ ‫ق ِ‬‫ويؤسفنى أن يجنح كاتبنا إلى هذه المغالطات الواهية وي ُ ْ‬
‫القرآن الكريم على ذلك النحو مضيفا كلمة "قوة" لتمييز العدد "تسعة عشر"‬
‫رغم خلو النص القرآنى منها‪ ،‬ورغم أن الية التالية تقول إن هؤلء التسعة‬
‫ون‪" :‬أصحاب النار"‪ ،‬ورغم أن الموضع الذى‬ ‫م ْ‬
‫س ّ‬ ‫مل َ ً‬
‫كا ي ُ َ‬ ‫عشر هم تسعة عشر َ‬
‫ت فيه زرعا يرفضها رفضا قاطعا لنها كلمة‬ ‫ت له كلمة "قوة" و ُزِرِعَ ْ‬ ‫جت ُل ِب َ ْ‬
‫ا ْ‬
‫م تصلح أن تكون تمييزا لصيغة "تسع عشرة"‪ ،‬أما "تسعة‬ ‫مؤنثة‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫حله هنا أيضا أنه‪ ،‬كى تتسق الية المذكور‬ ‫عشر" فكل ثم كل ثم كل‪ .‬ومن تم ّ‬
‫فيها "أصحاب النار" مع الية السابقة عليها‪ ،‬يقول إن هذه القوة قوة ملئكية‪،‬‬
‫وهو تلعب باللفاظ خطر! ثم كيف تكون قوة الدراك وحواسه والوظائف‬
‫قر؟ وكيف تكون قوةً ملئكية‪ ،‬وهى‬ ‫س َ‬‫العضوية للجسم البشرى قائمة على َ‬
‫سوْقا؟ لقد‬ ‫ً‬ ‫رى بالشهوات وتسوق النسان إليها وإلى مغامستها َ‬ ‫كثيرا ما ت ُغْ ِ‬
‫ماهم فى‬ ‫تحدث القرآن الكريم عن هؤلء التسعة عشر فى عدة مواضع فس ّ‬
‫خَزنة جهنم"]‪ ،[23‬كما وصفهم فى سورة‬ ‫مْلك"‪َ " :‬‬ ‫سورتى "غافر" و"ال ُ‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شداد"]‪ ،[24‬وها هو ذا يدعوهم هنا‪" :‬أصحاب‬ ‫ظ ِ‬ ‫ة ِغل ٌ‬


‫"التحريم" بأنهم "ملئك ٌ‬
‫وى‪" :‬أصحاب كذا"؟ فضل عن أن "أصحاب"‬ ‫ق َ‬
‫مى هذه ال ُ‬‫النار"‪ .‬ثم كيف تس ّ‬
‫م ل يصلح استعمالها لـ"القوة" لنها مؤنثة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مفردها "صاحب" )مذكر(‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫ولو كانت هى المقصودة لستعمل القرآن لها كلمة "صواحب"‪ ،‬التى مفردها‬
‫"صاحبة"‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ة بوجود‬ ‫الحق أنى أخشى أن تكون هذه التأويلت المسرفة المتعسفة واشي ً‬
‫شبهة إنكار‪ ،‬ولو مبطنا‪ ،‬لبعض من جوانب عالم الغيب‪ ،‬وإل فما معنى أن‬
‫مى فى القرآن بـ"عالم‬ ‫ت إلى ما يس ّ‬ ‫حا عن كل ما يم ّ‬ ‫ف ً‬‫ص ْ‬
‫رب النسان َ‬ ‫ض ِ‬
‫يَ ْ‬
‫الغيب" مؤّول إياه كل مرة بشىء من عالم الحس أو مما يتعلق بعالم‬
‫الحس؟ لطالما نعى محمد أسد على الحضارة الغربية وأبنائها أنهم ل يؤمنون‬
‫إل بما يقع عليه الحس‪ ،‬فما السر فى موقفه ذاك إذن؟ وما دام الشىء‬
‫كر فينبغى أل يفوتنى اليماء هنا إلى أن ملك غلم فريد )القاديانى(‬ ‫بالشىء ي ُذ ْ َ‬
‫قد أّول "التسعة عشر" فى الية الكريمة تأويل مشابها‪ ،‬إذ قال إنها الحواس‬
‫التسع]‪ [25‬ومقابلتها الروحية )وهى تسعة أيضا( بالضافة إلى الشعور باللم‬
‫والحرارة]‪ .[26‬وقد ذكر أسد أن الرازى قد أول "التسعة عشر" هذا التأويل‬
‫من قبل‪.‬‬
‫جّنة" بـ "قوانين الطبيعة"‪ ،‬فها هو ذا فى موضع‬ ‫وإذا كان مترجمنا قد أول "ال ِ‬
‫س غرباُء‬ ‫جّنة شىء واحد كما نعرف( بأنهم "نا ٌ‬ ‫ن وال ِ‬‫آخر يؤول الجن )والج ّ‬
‫مسافرون لم ي َُرْوا من قبل"‪ ،‬وذلك فى قوله تعالى يخاطب الرسول عليه‬
‫صَرْفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن‪ ،‬فلما حضروه‬ ‫السلم‪" :‬وإذ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذرين* قالوا‪ :‬يا قومنا‪ ،‬إنا سمعنا‬ ‫وا إلى قولهم من ِ‬ ‫ى وَل ْ‬‫ض َ‬‫صتوا‪ .‬فلما قُ ِ‬ ‫قالوا‪ :‬أن ْ ِ‬
‫زل من بعد موسى يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم* يا قومنا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫كتابا أن ْ ِ‬
‫جْركم من عذاب أليم*‬ ‫منوا به يغفر لكم من ذنوبكم وي ُ ِ‬ ‫ى الله وآ ِ‬‫أجيبوا داع َ‬
‫ومن ل يجب داعى الله فليس بمعجز فى الرض وليس له من دونه أولياء‪.‬‬
‫ى أنه استمع نفر من الجن‬ ‫ى إل ّ‬ ‫أولئك فى ضلل مبين"]‪" ،[27‬قل‪ُ :‬أو ِ‬
‫ح َ‬
‫شد فآمّنا به‪ ،‬ولن نشرك بربنا‬ ‫فقالوا‪ :‬إنا سمعنا قرآنا عجبا* يهدى إلى الّر ْ‬
‫أحدا*‪...‬إلى آخر اليات"]‪ .[28‬وهؤلء الناس الغرباء كانوا‪ ،‬كما يقول‪ ،‬من‬
‫اليهود‪ ،‬إذ لم يذكروا إل رسالة موسى مما يدل على أنهم لم يكونوا يؤمنون‬
‫بعيسى عليه السلم‪ .‬كما يترجم "نفرا من الجن" فى آيات "الحقاف" بـ‬
‫"جماعة من الكائنات الخفية"]‪.[29‬‬
‫وتعليقى على هذا أنه ليس هناك من سبب يجعلنا نصرف لفظ "الجن" عن‬
‫دللته المعروفة إلى معنى "الغرباء من البشر"‪ ،‬وإل فأين الدليل على ذلك؟‬
‫صحيح أن القرآن قد استخدم كلمة "شياطين" للبشر‪ ،‬لكنه حين فعل ذلك‬
‫قال‪" :‬شياطين النس"‪ ،‬أما هنا فقد استعمل كلمة "الجن" مطلقة دون‬
‫إضافتها إلى "النس" أو "البشر" أو ما إلى ذلك‪ .‬وعلوة على هذا فإن القرآن‬
‫يسمى الغرباء المسافرين‪" :‬أبناء السبيل" أو الذين "على سفر"‪ ،‬ول يسميهم‬
‫"الجن" أبدا‪ .‬ثم إننا‪ ،‬على مذهب محمد أسد‪ ،‬ينبغى أن نسمى كل مسافر أو‬
‫َ‬
‫س هذا كلما مضحكا؟ وبالضافة إلى ذلك‬ ‫جّنا"! أوَل َي ْ َ‬ ‫غريب لم نره من قبل‪ِ " :‬‬
‫فإن سورة "الجن" تذكر "الجن" فى مقابل "النس" كما تفعل آيات كثيرة‬
‫فى القرآن الكريم‪ ،‬ولم يقل أحد إن "الجن" فى غير هذه السورة وسورة‬
‫"الحقاف" هم الغراب الذين لم يسبق لنا أن رأيناهم‪ ،‬فلماذا تشذ ّ هاتان‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السورتان؟ وماذا نفعل بقوله عز شأنه فى سورة "الجن" على لسان الطائفة‬
‫سا‬
‫حَر ً‬
‫ت َ‬ ‫مل ِئ َ ْ‬
‫التى تنتمى إلى هذا الجنس‪" :‬وأنا لمسنا السماء فوجدناها ُ‬
‫شُهبا* وأنا كنا نقعد منها مقاعد َ للسمع‪ ،‬فمن يستمع الن يجد له‬ ‫شديدا و ُ‬
‫صدا"؟ أنقول إن هؤلء الغراب كانوا يقعدون من السماء مقاعد‬ ‫شهابا ر َ‬
‫للسمع‪ ،‬أما الن فقد تغير الحال ولم يعد يمكنهم أن يفعلوا ذلك؟ ولكن كيف‬
‫يا ترى يتسنى للبشر أن يصنعوا هذا؟ أم ترى لبد من التأويل هنا كى نغطى‬
‫ظهر التأويل السابق؟ إننا‪ ،‬بهذه الطريقة‪ ،‬نضيع معالم اليات وملمحها‪،‬‬
‫ويلتبس كل شىء فيها بكل شىء!‬
‫ولقد تكرر ذكر الجن والشياطين الذين كانوا يسترُقون السمع لخبار السماء‬
‫ون بعده بالشهب المحرقة]‪ ،[30‬لكن أسد‬ ‫م ْ‬
‫قبل السلم والذين باتوا ي ُْر َ‬
‫جم به‬ ‫ْ‬
‫ملك" بأنها ما ي َْر َُ‬‫جوم الشياطين" الواردة فى سورة "ال ُ‬ ‫يفسر "ُر ُ‬
‫شياطين النس‪ ،‬وهم المنجمون‪ .‬يقصد تخميناتهم وظنونهم‪ ،‬ول أدرى كيف‬
‫يكون ذلك! لقد بيّنا أن القرآن حين يقصد أشرار النس فإنه يقول بصريح‬
‫العبارة‪" :‬شياطين النس"‪ ،‬أما حين يستعمل كلمة "الشياطين" مطلقة‬
‫فليس إل الشياطين المخلوقون من نار‪ .‬وأىّ قول بغير هذا هو عبث وتدليس‬
‫فى مواضع ل تقبل شيئا من عبث أو تدليس‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ثم إن القرآن يفسر بعضه بعضا‪ ،‬و"رجوم الشياطين" هى الشهب الراصدة‬


‫معوا من الشياطين إلى المل العلى‪ .‬وقد‬ ‫س ّ‬‫ذف بها من يريدون أن ي َ ّ‬ ‫ق َ‬
‫التى ي ُ ْ‬
‫جر" أن الله قد حفظ السماء "من كل‬ ‫ح ْ‬‫جاء فى الية ‪ 17‬من سورة "ال ِ‬
‫جم هنا هو الرجم هناك‪ ،‬أى القذف بالشهب الراصدة‬ ‫شيطان رجيم"‪ ،‬فالّر ْ‬
‫والطرد من رحمة الله ل رجم الظنون والتكهنات‪ .‬وهذا واضح لكل ذى‬
‫عينين! وهو نفسه ما تقوله آيتا سورة "الجن" المذكورتان آنفا‪ ،‬فلم اللف‬
‫والدوران؟ كذلك لو كان الجن هنا مجرد جماعة من الغرباء‪ ،‬فما الذى‬
‫أمسكهم فلم يجعلهم يبرزون من مكامنهم التى تصادف أن استمعوا فيها‬
‫للرسول عليه السلم وهو يقرأ القرآن فى وادى نخلة؟ إن اليات واضحة‬
‫الدللة على فرحتهم به وبالقرآن الذى سمعوه منه ومسارعتهم إلى اليمان‪،‬‬
‫أفلم يكن الطبيعى منهم أن يحرصوا على التقدم إليه وتعريفه بأنفسهم‬
‫وإشهاده على إيمانهم برسالته؟ لكن آيات سورتى "الحقاف" و"الجن" تنص‬
‫على أن الرسول لم يعلم بوجود هؤلء القوم وإيمانهم بدعوته إل من خلل‬
‫الوحى اللهى‪ ،‬مما يدل على أنهم من الجن المعروفين الذين ل يظهرون‬
‫للبشر‪ .‬وتبقى مسألة كونهم يهودا أو نصارى‪ ،‬وليست آيات سورة "الحقاف"‬
‫قاطعة الدللة على أنهم يهود‪ ،‬ولقد قال محمد أسد ذاته فى تعليق سابق إن‬
‫عيسى لم يأت بشريعة جديدة‪ .‬ومن هنا فإن التوراة من الناحية التشريعية‬
‫شىء واحد لكل من اليهود والنصارى‪.‬‬
‫والطريف أن محمد أسد‪ ،‬بعد كل هذا‪ ،‬عاد فترجم "الجن" فى قوله سبحانه‬
‫فى الية الرابعة من سورة "الجن"‪" :‬وأنا ظننا أن لن تقول النس والجن‬
‫على الله كذبا" بـ"القوة الخفية"‪ ،‬وفسرها فى الهامش بأن المقصود بهم "‬
‫‪ ،"the occult powers‬أى القدرات السحرية الخفية]‪ ،[31‬فأى ارتباك وإرباك‬
‫هذا؟ أهكذا ي َُتناول القرآن الكريم؟ فكيف تقول "القدرات السحرية" على الله‬
‫الكذب؟ إن هذه القدرات إنما هى مفاهيم مجردة ل أشخاص‪ ،‬فكيف يمكن‬
‫صف بالكذب؟‬ ‫أن يقع منها قول أو تو َ‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا‪ ،‬وأود أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن ملك غلم فريد )القاديانى( قد‬
‫موا "جنا"‬ ‫س ّ‬‫فسر ذلك النفر من الجن بأنهم ناس من اليهود غير العرب‪ُ ،‬‬
‫ن تناوله ليات سورة‬ ‫لنهم كانوا غرباء]‪ ،[32‬تماما كما فعل محمد أسد ل َد ُ ْ‬
‫"الحقاف"‪ ،‬وإن كان المترجم القاديانى قد ذكر أنهم قابلوا النبى عليه السلم‬
‫فعل وأسلموا على يديه]‪ ،[33‬وهو ما لم تقله اليات القرآنية فى أى موضع‪،‬‬
‫بل من الواضح‪ ،‬حسبما جاء فى مفتتح سورة "الجن"‪،‬أنه عليه السلم لم‬
‫ى أنه استمع نفر‬ ‫ى إل ّ‬
‫ح َ‬‫يشعر بهم ولم يعرف بأمرهم إل من الوحى‪" :‬قل‪ُ :‬أو ِ‬
‫من الجن‪ ."...‬كذلك أود أن أختتم هذه الملحظات الخاصة بهؤلء النفر من‬
‫الجن بأنهم لو كانوا بشرا لسماهم القرآن بـ"أهل الكتاب" كما يفعل فى‬
‫اليات المشابهة‪ .‬وحتى لو افترضنا أن كلمة "الجن" فى هذا السياق تعنى‬
‫موا هم أيضا أنفسهم‬ ‫س ّ‬ ‫"الغرباء"‪ ،‬فهل كانوا غرباء فى نظر أنفسهم حتى ي ُ َ‬
‫جّنا" كما فى قوله تعالى‪" :‬وأنا ظنّنا أن لن تقول النس والجن على الله‬ ‫" ِ‬
‫سا من غير العرب فكيف فهموا لسان القرآن العربى‪،‬‬ ‫كذبا"؟ ثم لو كانوا نا ً‬
‫وهم غرباء ل يعرفون هذا اللسان"؟ أما الجن فلهم وضع آخر‪ ،‬إذ لهم قدرات‬
‫عجيبة غير متاحة للبشر‪ .‬ومن التشابهات بين أسد والمترجم القاديانى أيضا‬
‫تفسير الخير لـ"الجن" فى السورة المسماة باسمهم بأنهم "العرافون‬
‫والكهنة"]‪ .[34‬ترى لو كان هذا التفسير صحيحا فما الذى حجز القرآن عن‬
‫أن يسميهم بـ"الكهنة"‪ ،‬وقد استخدم كلمة "كاهن" فى أكثر من موضع منه؟‬
‫فهذا عن الجن والملئكة ونظرة محمد أسد إليهم‪ .‬وعلى أساس من التأويل‬
‫جّنة والنار وما فيهما من نعيم وعذاب‪ ،‬فهو يؤكد أن‬ ‫أيضا نراه يتناول ال َ‬
‫ل ما يتعلق باليوم الخر فى‬ ‫أوصاف الجنة من أكل وشرب ولبس‪ ،‬وكذلك ك ّ‬
‫القرآن‪ ،‬إنما هى تعبيرات رمزية لتقريب هذه المور‪ ،‬ول يصح فهمها على‬
‫ش بطائنها من إستبرق"‬ ‫ظاهرها بأية حال]‪ :[35‬فـ"اتكاء أهل الجنة على فُُر ٍٍ‬
‫كما جاء فى الية ‪ 54‬من سورة "الرحمن" معناه عنده الراحة التامة والسلم‬
‫الشامل ل أكثر ول أقل]‪" ،[36‬والرحيق المختوم" المذكور فى الية ‪ 25‬من‬
‫سورة "المطففين" مجرد إشارة رمزية لمشاعر البهجة الخروية المركزة‬
‫جّنة من‬ ‫التى ل تخطر على قلب بشر]‪ ،[37‬و"ضحك الذين آمنوا فى ال َ‬
‫الكفار" فى نفس السورة هو مجرد معنى مجازى يشير إلى سعادتهم بحظهم‬
‫الطيب لن مثل ذلك الضحك مما ل يليق بالمؤمنين]‪ ،[38‬و"أنكال" سورة‬
‫"المدثر" التى اعدها الله يوم القيامة لهل الجحيم ليست سوى رمز على‬
‫مل‬ ‫بقاء النفس فى العالم الخر مقيدة بمتعها وشهواتها الجسدية‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫ريع" سورة "الغاشية"‪ ،‬وهو‬ ‫ض ِ‬
‫تستطيع بلوغ عالم الروح والصفاء]‪ ،[39‬و" َ‬
‫فيها طعام أهل النار‪ ،‬إنما هو مشتق من "الضراعة"‪ ،‬وليس إل تعبيرا مجازيا]‬
‫‪...[40‬وهكذا‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ومن الواضح أنه ينظر إلى متع الجسد نظرة تقززية وأن الحياة الخرة لديه‬
‫إنما هى حياة روحية محضة‪ .‬وهذه نظرة شائعة بين قطاع من المسلمين‪ ،‬ول‬
‫أعرف لماذا‪ ،‬ول على أى أساس من آيات القرآن أو أحاديث النبى يقولون‬
‫بذلك‪ ،‬ول لى سبب يحتقرون الجسد ويعلون من شأن الروح وحدها‪ .‬إن كل‬
‫من الجسد والروح هو صنعة الله‪ ،‬فلماذا نحتقر ذلك ونفضل هذه عليه؟ ألن‬
‫الجسد يمرض ويشيخ ويتغضن ويفرز البصاق والعرق والعماص والبلغم‬
‫والبول والبراز والقيح والصديد وتتغير رائحته مع مرور الوقت؟ سبحان الله!‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهل الروح بمنأى عن العيوب والثلمات؟ أل يشعر النسان بالملل والضيق‬


‫واليأس والشح والحقد والغرور والضعة والنانية والشك والسهو والنسيان‬
‫والغباء واشتهاء المحرمات؟ أليست هذه ألوانا من النقص تعترى الروح‬
‫البشرية‪ ،‬وغيرها كثير؟ إذن فلم تلك النظرة الدونية للجسد؟ ثم من قال إن‬
‫أجساد أهل الجنة ستكون كأجسادنا هنا على الرض؟ إن آيات القرآن وأقوال‬
‫الرسول واضحة الدللة على أنها ستكون خالية من كل ما يسبب لنا اللم‬
‫والضيق والتقزز فى الدنيا‪ ،‬فما المشكلة إذن؟ ثم إن حواسنا الجسدية هى‬
‫نوافذنا على العالم ووسيلتنا إلى التصال به‪ ،‬فلم الزعم بأن ذلك الوضع‬
‫سيتغير فى الخرة وي ُل َْغى الجسد وتلك النوافذ التى تصلنا بالعالم إذا كان‬
‫القرآن نفسه وحديث الرسول ل يقولن بهذا بل بعكسه؟ هل هناك ما يدل‬
‫على أن الكلم عن الجنة والنار هو كلم مجازى؟ فأين هذا الدليل؟ الواقع أنه‬
‫ل يصار إلى القول بالمجاز إل إذا كان السياق يوجب هذا أو كان من‬
‫المستحيل وقوع المر على ظاهره أو ترّتب على الفهم الظاهرى للكلم‬
‫تناقض ل يمكن إزالته‪...‬إلخ‪ ،‬ول شىء من ذلك‪ ،‬والحمد لله‪ ،‬فى النصوص‬
‫القرآنية والحديثية الخاصة بذلك الموضوع‪.‬‬
‫قد يقال‪ :‬وكيف سن ُب َْعث بأجسادنا هذه‪ ،‬وقد كان لكل واحد فى دنياه أجساد‬
‫حْيظات التى عاشها؟ فبأى جسد من هؤلء سن ُب َْعث؟ وقد أثير سؤال‬ ‫بعدد الل ّ َ‬
‫قريب من هذا فى إحدى محاضرات الفلسفة السلمية التى كان يعطيناها د‪.‬‬
‫حسن حنفى فى أواخر الستينات من القرن الماضى بآداب القاهرة‪ ،‬وكانت‬
‫إثارته على سبيل التحدى من جانب أحد الملحدين‪ .‬وقال الستاذ الدكتور إن‬
‫جسد كل منا يعتريه التحلل بعد موته ويصير ترابا يتغذى عليه النبات الذى‬
‫يأكله إنسان آخر يستحيل جسده بدوره بعد موته ترابا يأكله النبات‪...‬وهكذا‬
‫دواليك‪ ،‬فكيف ستنماز أجساد البشر اللمتناهية يوم القيامة‪ ،‬وكلها فى الصل‬
‫ى أصحاب هذا العتراض‬ ‫س َ‬
‫ن نَ ِ‬
‫راجعة إلى عدد محدودد نسبيا من الجساد؟ لك ْ‬
‫أن كل شىء حاضر بجميع أوضاعه وتطوراته فى إدراك الله يبرزه لنا وقتما‬
‫يشاء‪ .‬لقد استطاع البشر تسجيل الشياء والشخاص بالصوت والصورة‪ ،‬أما‬
‫الله فكل شىء عنده مخزون بكل أبعاده وعناصره وطبائعه وخصائصه ل‬
‫جل فقط صوتا وصورة‪ ،‬ذلك أن علمه سبحانه مطلق بل حدود‪ ،‬وهو جلّ‬ ‫مس ّ‬
‫شأنه فوق الزمان والمكان‪ ،‬وكل شىء حاضر فى علمه حضورا أبديا مهما‬
‫تناءى به الزمان والمكان‪ .‬أما بعد الحساب فكل شىء سوف يتغير‪ ،‬وتجرى‬
‫دون شبابا خالدين ل‬ ‫المور على أوضاع وقوانين جديدة‪ ،‬فأهل الجنة مثل سي َغْ ُ‬
‫يعرفون الهََرم أبدا كما جاءت بذلك نصوص القرآن والحديث‪ .‬ثم ينبغى أل‬
‫ننسى أن كل منا ليست له فقط روح واحدة‪ ،‬بل أرواح متتابعة بعدد اللحظات‬
‫التى مرت به مثلما هو الحال فى الجساد أيضا‪ ،‬إذ إن التغير ل يعترى‬
‫الجساد وحدها‪ ،‬بل الرواح معها‪.‬‬
‫دى من إنكار الكافرين بالبعث بوجه‬ ‫ص ً‬ ‫َ‬
‫والواقع إن فى إنكار بعث الجساد ل َ‬
‫عام‪ ،‬فقد كانوا يستغربون أن يبعث الله البشر بعد أن تكون عظامهم قد‬
‫ت واختلط رفاتهم بالتراب‪ ،‬ويقولون مستهزئين‪" :‬أإذا متنا وكنا ترابا‬ ‫ب َل ِي َ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫وعظاما أإنا لمبعوثون؟"‪" ،‬أإذا ضللنا فى الرض أإنا لفى خلق جديد؟"‪َ " ،‬‬
‫حِييها )أى‬
‫حِيى العظام وهى رميم؟"‪ .‬ولقد كان رد القرآن عليهم‪" :‬قل‪ :‬ي ُ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫يحيى العظام الرميم( الذى أنشأها أول مرة"]‪" ،[41‬أيحسب النسان أن لن‬
‫نجمع عظامه؟* ب ََلى قادرين على أن ن ُ َ‬
‫سوّىَ ب ََنانه"]‪.[42‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإن آيات مثل "منها )أى من الرض والتربة( خلقناكم‪ ،‬وفيها نعيدكم‪ ،‬ومنها‬
‫صور‪ ،‬فإذا هم من الجداث إلى ربهم‬ ‫خ فى ال ّ‬ ‫ف َ‬
‫نخرجكم تارة أخرى"]‪" ،[43‬ون ُ ِ‬
‫ت"]‪،[45‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خَر ْ‬ ‫ت وأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫س ما قد ّ َ‬ ‫ت نف ٌ‬ ‫ت* علم ْ‬ ‫سلون"]‪" ،[44‬وإذا القبور ب ُعْث َِر ْ‬ ‫ي َن ْ ِ‬
‫قا جديدا؟*‬ ‫خل ْ ً‬ ‫َ‬ ‫لمبعوثون‬ ‫أإنا‬ ‫تا‬ ‫فا‬
‫ُ ً‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ما‬‫ً‬ ‫عظا‬ ‫كنا‬ ‫أإذا‬ ‫الكافرون(‪:‬‬ ‫)أى‬ ‫"وقالوا‬
‫قا مما ي َك ُْبر فى صدوركم‪ .‬فسيقولون‪ :‬من‬ ‫خل ْ ً‬
‫قل‪ :‬كونوا حجارة أو حديدا* أو َ‬
‫ي ُِعيدنا؟ قل‪ :‬الذى فطركم أول مرة"]‪" ،[46‬يوم تشهد عليهم ألسنتهم‬
‫وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون"]‪" ،[47‬ولو نشاء لطمسنا على أعينهم‬
‫ل أمة‬ ‫ل أمة جاثية‪ .‬ك ّ‬ ‫قوا الصراط‪ ،‬فأّنى يبصرون؟"]‪" ،[48‬وت ََرى ك ّ‬ ‫ست َب َ ُ‬‫فا ْ‬
‫جَزْون ما كنتم تعملون"]‪ [49‬لتبرهن على أن البعث‬ ‫عى إلى كتابها‪ :‬اليوم ت ُ ْ‬ ‫ت ُد ْ َ‬
‫قى من‬ ‫س َ‬‫ت مثل "من ورائه جهنم‪ ،‬وي ُ ْ‬ ‫سيكون بالجساد أيضا‪ .‬وبالمثل فإن آيا ٍ‬
‫سيغه"]‪" ،[50‬ولهم )أى للكافرين( مقامعُ من‬ ‫ماٍء صديد * يتجرعه ول يكاد ي ُ ِ‬
‫دلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب"]‬ ‫ت جلودهم ب ّ‬ ‫حديد"]‪" ،[51‬كلما نضج ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪" ،[52‬إنها )أى شجرة الزقوم( شجرة تخرج فى أصل الجحيم* طلُعها كأنه‬
‫رؤوس الشياطين* فإنهم لكلون منها فمالئون منها البطون* ثم إن لهم عليها‬
‫شوًْبا من حميم"]‪ [53‬ل َت ُث ِْبت أن للجساد فى عذاب النار نصيبا‪ .‬كذلك فإن‬ ‫لَ َ‬
‫ن"]‪" ،[54‬هم‬ ‫س وت َل َذ ّ العي ُ‬ ‫ت مثل‪" :‬فيها )أى فى الجنة( ما تشتهيه النف ُ‬ ‫آيا ٍ‬
‫ن تجرى من‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫ّ ُ َ ْ ٍ‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫"لهم‬ ‫[‪،‬‬ ‫‪55‬‬ ‫متكئون"]‬ ‫الرائك‬ ‫على‬ ‫ظلل‪،‬‬ ‫فى‬ ‫وأزواجهم‬
‫ضًرا من‬ ‫خ ْ‬ ‫ن فيها من أساوَر من ذهب ويلبسون ثياًبا ُ‬ ‫حل ّوْ َ‬
‫تحتهم النهار ي ُ َ‬
‫سُررٍ موضونة* متكئين عليها متقابلين* يطوف‬ ‫س وإستبرق"‪" ،‬على ُ‬ ‫سند ٍ‬
‫مِعين*‪ *...‬وفاكهةٍ مما‬ ‫ب وأباريقَ وكأس من َ‬ ‫ن مخّلدون* بأكوا ٍ‬ ‫دا ٌ‬‫عليهم وِل ْ َ‬
‫عين* كأمثال اللؤلؤ المكنون"]‪[56‬‬ ‫يتخّيرون* ولحم ِ طٍير مما يشتهون* وحور ِ‬
‫عّية‬‫مْر ِ‬ ‫وغيرها من اليات المماثلة لتدل على أن حظوظ الجسد ستكون َ‬
‫ومتاحة فى نعيم الخرة‪ .‬ويؤكد ذلك أن القرآن الكريم يذكر إلى جانب هذا‬
‫أيضا "السلم"]‪ [57‬و"الرضوان اللهى"]‪ [58‬و"خلو القلوب من الغل"]‬
‫‪...[59‬إلخ مما يدل على أنه سيكون هناك هذا وذاك ما دام القرآن قد ميز‬
‫كر هذه المتع الروحية الخيرة فقط‪.‬‬ ‫بين المرين‪ ،‬وإل ل َذ َ َ‬
‫إن هذه النزعة المتقززة من لذائذ الجسد هى نزعة غريبة عن السلم‪،‬‬
‫وينبغى وضع حد لها]‪ .[60‬وإنى لتوجه إلى ضمائر القراء الصادقين سائل‪:‬‬
‫أّيكم يجد فى متع الطعام والشراب واللبس واللمس والنظر والشم والجنس‬
‫ت هذه اللذائذ من‬ ‫ف ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ما يبعث فعل ً )ل ادعاًء( على الشمئزاز؟ فما بالنا إذا َ‬
‫كل ما يعكرها وأصبحت متاحة لنا دائما دون أن يصحبها شعور بالملل أو‬
‫ول أو تبرز؟ إن هذا‬ ‫شاء أو تب ّ‬ ‫ج َ‬ ‫مْغص‪ ،‬أو يحتاج النسان معها إلى ُ‬ ‫ظة أو ال َ‬ ‫الك ّ‬
‫فى أقدام البشر خلف أقل القليل منه هنا على‬ ‫ح َ‬‫غاية المنى‪ ،‬وهو الذى ت َ ْ‬
‫ن العناد السخيف‬ ‫ضنا شيطا ُ‬ ‫الرض دون بلوغه! أفإن أتاحه الله لنا ركب بع َ‬
‫ت وضيعة؟ ترى ماذا بالله فى أن يعود الواحد منا‬ ‫خ بأنفه قائل‪ :‬هذه لذا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ش َ‬ ‫و َ‬
‫قى كل ما كان يشتهيه فى الدنيا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صًبا ول أي ًْنا وي َل َ‬ ‫شاّبا شبابا دائما فل يشكو ن َ َ‬
‫بين يديه صافيا نقيا من كل شائبة وعلى أحسن وضع مما ل يمكننا تصوره‬
‫تماما الن بعقولنا المحصورة داخل تجارب الدنيا وظروفها؟ ورب الكعبة إن‬
‫هذا لهو البطر بعينه!‬
‫سقه ول أضلله‪ ،‬ولكنى‬ ‫ّ‬ ‫فر أحدا ممن يؤّول نعيم الجنة مثل ول أف ّ‬ ‫إننى ل أك ّ‬
‫جه وأكثر إقناعا وأقرب إلى المنطق‬ ‫َ‬
‫رغم ذلك أجد أن الرأى الذى أقول به أوْ َ‬
‫والنصوص‪ .‬وقد ورد فى "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من‬
‫اتصال" لبن رشد أن هذه من المسائل المختلف فيها‪ .‬ورأى هذا الفيلسوف‪،‬‬
‫رضى الله عنه‪ ،‬أن المخطئ من العلماء فى هذا الموضوع معذور‪ ،‬والمصيب‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مشكور مأجور‪ ،‬والمهم أل ينكر أحد البعث‪ ،‬وإل فالنكار ك ُ ْ‬


‫فر لن البعث أصل‬
‫من أصول الشريعة]‪ .[61‬وكان ابن حزم‪ ،‬رحمه الله رحمة واسعة‪ ،‬من‬
‫القائلين ببعث الجساد والنفوس معا]‪ ،[62‬ويسعدنى أن أكون فى صفوف‬
‫م العبقرىّ الجليل‪.‬‬
‫الفريق الذى يضم هذا العال َ‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ومع ذلك كله فإن أسد فى ترجمته لـ"صحيح البخارى" لم يحاول‪ ،‬فى‬
‫الحاديث التى ورد فيها ذكر شىء من نعيم الجنة أو الجن مثل‪ ،‬تأويل هذا‬
‫النعيم‪ .‬لقد أدى مثل الحديث الذى يقول فيه النبى عليه السلم‪" :‬بينما أنا نائم‬
‫رأيُتنى فى الجنة‪ ،‬فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر‪ ،‬فقلت‪ :‬لمن هذا القصر؟‬
‫فقالوا‪ :‬لعمر‪...‬إلخ" كما هو دون أدنى تغيير‪ ،‬كما أنه لم يعلق عليه فى‬
‫الهامش بما يخرجه عن معناه الظاهرى]‪ .[63‬ومثل ذلك ترجمته لكلمة‬
‫ن" بـ"‪ "Jinn‬دون أن يستبدل بها شيئا آخر أو يجنح إلى تأويلها فى‬ ‫ج ّ‬‫"ال ِ‬
‫الهامش بما يخرجها عن معناها المعروف‪ .‬بل إنه فى الحديث الذى وردت‬
‫فيه إشارة إلى أن العظم والروث هما من طعام الجن لم يعلق ولو بكلمة‬
‫رف المعنى عن ظاهره]‪ .[64‬ليس ذلك فقط‪ ،‬بل نراه فى موضٍع‬ ‫ص ِ‬
‫واحدة ت َ ْ‬
‫آخَر من هذا الكتاب يحمل على التجاه العصرى الذى ينكر وجود الجن وما‬
‫أشبه استنادا إلى عدم إدراك الحواس لمثل هذه الشياء‪ ،‬ثم يستشهد بكلم‬
‫ة‬ ‫ً‬
‫للفيلسوف برادلى يقرر فيه أن عجزنا عن إدراك شىء ما ل يصلح متكأ البت َ‬
‫لنكار وجوده]‪ .[65‬كذلك فهو ل يستبعد أن يكون نداء إبليس للرسول عليه‬
‫السلم أثناء المعراج نداء حقيقيا جسديا]‪.[66‬‬
‫ض الحاديث أن أبا طالب سوف‬ ‫سر العذاب الذى ذكرت بع ُ‬ ‫إل أنه للسف يف ّ‬
‫ذبه فى الخرة‪ ،‬وهو غليان دماغه من ضحضاح النار الذى سيبلغ كعبيه‪ ،‬بأنه‬ ‫ي ُعَ ّ‬
‫رمز على أن معاناته ستكون معاناة عقلية بسبب تأكده أن ابن أخيه نبى‬
‫صادق وأن دينه هو الدين الصحيح‪ ،‬ثم عدم إيمانه به رغم ذلك]‪ .[67‬ول شك‬
‫أن القول بالرمز هنا هو تأويل للعذاب الذى ورد فى الحديث النبوى الكريم‪،‬‬
‫وأغلب الظن كذلك أن أسد ينظر إلى ألوان العقوبات التى شاهدها الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم فى رحلة المعراج على أنها عقوبات غير جسدية‪ ،‬إذ‬
‫اتخذها دليل على أن هذا المعراج وكذلك السراء كان بالروح ل بالجسد]‪.[68‬‬
‫الهوامش‬
‫]‪ .Muhammad Asad, The Road to Mecca, PP. 292- 295 [1‬وهذا الكلم يجده‬
‫القارئ فى ص ‪ 311 -308‬من الترجمة العربية لهذا الكتاب‪.‬‬
‫]‪Muhammad Asad, Sahih al-Bukhari- The Early Years of Islam, P. 241, [2‬‬
‫‪.n. 5‬‬
‫]‪ [3‬انظر الهامشين المذكورين فى ص ‪ 205 ،204‬من ترجمته للقرآن‬
‫الكريم‪.‬‬
‫]‪ [4‬انظر ص ‪ /5‬هـ ‪ ،10‬وص ‪ /9‬هـ ‪ ،26‬وص ‪ /177‬هـ ‪ ،34‬وص ‪ /204‬هـ‬
‫‪ ،10‬وص ‪ /386‬هـ ‪.31‬‬
‫]‪ [5‬انظر ص ‪ /206‬هـ ‪ ،20‬وص ‪ /376 -375‬هـ ‪ ،33 ،31‬وص ‪ /384‬هـ ‪16‬‬
‫مثل‪.‬‬
‫]‪ [6‬انظر ص ‪ /734 -733‬هـ ‪ ،25 -24‬وص ‪ /752‬هـ ‪.31‬‬
‫]‪ [7‬الكهف‪.50 /‬‬
‫]‪ [8‬العراف‪ ،7 /‬وص ‪.76‬‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [9‬الحجر‪.27 /‬‬


‫]‪ [10‬النحل‪ .50 /‬ومثله قوله تعالى عنهم أيضا‪" :‬ل يسبقونه بالقول‪ ،‬وهم‬
‫بأمره يعملون" )النبياء‪" ،(27 /‬ل يعصون الله ما أمرهم‪ ،‬ويفعلون ما‬
‫يؤمرون" )التحريم‪.(6 /‬‬
‫]‪ [11‬البقرة‪.26 /‬‬
‫]‪ [12‬انظر ترجمة أسد للقرآن‪ /‬ص ‪ /9‬هـ ‪.16‬‬
‫]‪ [13‬طه‪.3 -2 /‬‬
‫]‪ [14‬الشعراء‪.77 /‬‬
‫]‪ [15‬الزخرف‪.27 -26 /‬‬
‫]‪ [16‬النشقاق‪.25 -22 /‬‬
‫]‪ [17‬انظر ص ‪ /44‬هـ ‪.52‬‬
‫]‪ [18‬ص ‪ /666‬هـ ‪.1‬‬
‫]‪ [19‬انظر ص ‪ /692‬هـ ‪.67‬‬
‫]‪ [20‬وهذا العتقاد هو مرحلة أخرى من المراحل التى كان يتطور خللها‬
‫تصورى للملئكة والشياطين‪.‬‬
‫]‪ [21‬الموضع السابق‬
‫]‪ [22‬انظر ص ‪ /909‬هـ ‪.16‬‬
‫]‪ [23‬غافر‪ ،49 /‬والملك‪.8 /‬‬
‫]‪ [24‬التحريم‪.6 /‬‬
‫]‪ [25‬وهى الحواس السبع الخارجية‪ ،‬إلى جانب حاسة إدراك المكان وحاسة‬
‫الجوع والعطش وغيرهما من الحساسات الداخلية‪ ،‬وهو كلم ل رأس له ول‬
‫ذيل كما ترى‪.‬‬
‫]‪.Malik Ghulam Farid, The Holy Qur'an, P. 1281, n. 3169 [26‬‬
‫]‪ [27‬الحقاف‪.32 -29 /‬‬
‫]‪ [28‬الجن‪ 1 /‬وما بعدها‪.‬‬
‫]‪ [29‬انظر ص ‪ 775‬فى ترجمة الية ‪ 29‬من سورة "الحقاف"‪ ،‬وهـ ‪39‬‬
‫الخاص بالية المذكورة‪.‬‬
‫]‪ [30‬الحجر‪ ،18 /‬والصافات‪ ،10 /‬والجن‪ ،9 -8 /‬والملك‪.5 /‬‬
‫]‪ [31‬ص ‪ 899‬فى ترجمة الية المذكورة‪ ،‬وهـ ‪ 3‬فى التعليق عليها‪ .‬والمراد بـ‬
‫"القدرات السحرية الخفية" التنجيم والسحر وقراءة الطالع وادعاء معرفة‬
‫الغيب‪...‬إلخ‪.‬‬
‫]‪..Malik Ghulam Farid, The Holy Qur'an, P. 1080, n. 733 [32‬‬
‫]‪ [33‬المرجع السابق‪ /‬ص ‪ /1267‬هـ ‪.3137‬‬
‫]‪ [34‬السابق‪ /‬ص ‪ /1268‬هـ ‪.3142‬‬
‫]‪ [35‬انظر مثل ص ‪ /444‬هـ ‪ ،41‬وص ‪ /686‬هـ ‪ ،23‬وص ‪ /972‬هـ ‪.3‬‬
‫]‪ [36‬ص ‪ /827‬هـ ‪. 26‬‬
‫]‪ [37‬ص ‪ /938‬هـ ‪.8‬‬
‫]‪ [38‬ص ‪ /939‬هـ ‪.14‬‬
‫]‪ [39‬انظر ص ‪ /904‬هـ ‪.7‬‬
‫]‪ [40‬ص ‪ /948‬هـ ‪.2‬‬
‫]‪ [41‬يس‪.79 /‬‬
‫]‪ [42‬القيامة‪.4 -3 /‬‬
‫]‪ [43‬طه‪.55 /‬‬
‫]‪ [44‬يس‪.51 /‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [45‬النفطار‪.5 -4 /‬‬


‫]‪ [46‬السراء‪.50 -49 /‬‬
‫]‪ [47‬النور‪.24 /‬‬
‫]‪ [48‬يس‪.66 /‬‬
‫]‪ [49‬الجاثية‪.28 /‬‬
‫]‪ [50‬إبراهيم‪.16 -15 /‬‬
‫]‪ [51‬الحج‪.21 /‬‬
‫]‪ [52‬النساء‪.56 /‬‬
‫]‪ [53‬الصافات‪.67 -64 /‬‬
‫]‪ [54‬الزخرف‪.71 /‬‬
‫]‪ [55‬يس‪.56 /‬‬
‫]‪ [56‬الواقعة‪.23 -15 /‬‬
‫]‪ [57‬كما جاء فى الية ‪ 25‬من سورة "يونس"‪ ،‬والية ‪ 46‬من سورة الحجر‪،‬‬
‫والية ‪ 34‬من سورة "ق"‪.‬‬
‫]‪ [58‬كما جاء فى الية ‪ 15‬من سورة "آل عمران"‪ ،‬والية ‪ 72‬من سورة‬
‫"التوبة"‪ ،‬والية ‪ 20‬من سورة "الحديد"‪.‬‬
‫]‪ [59‬كما جاء فى الية ‪ 43‬من سورة "العراف"‪ ،‬والية ‪ 47‬من سورة‬
‫"الحجر"‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫]‪ [60‬يقول أسد نفسه إن النصرانية تنظر إلى عالم المادة على أنه شيطانى‬
‫فى أساسه‪ ،‬بينما عالم الروح إلهى خير‪ ،‬أما السلم فل يفرق بين مطالب‬
‫الجسد ومطالب الروح )محمد أسد‪ /‬السلم على مفترق الطرق‪ /‬ترجمة د‪.‬‬
‫عمر فروخ‪ /‬دار العلم للمليين‪.(30 ،28 /‬‬
‫صل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال‪/‬‬ ‫]‪ [61‬انظر ابن رشد‪ /‬فَ ْ‬
‫تحقيق محمد عمارة‪ /‬ط ‪ /2‬دار المعارف‪.50 -49 /‬‬
‫حل"‪.81 -80 /4 /‬‬ ‫صل فى الملل والهوال والن ّ َ‬ ‫ف َ‬‫]‪ [62‬انظر كتابه "ال ِ‬
‫]‪ [63‬ص ‪ .40‬وانظر كذلك الحديث الذى يتحدث عن بيت القصب الذى‬
‫سيكون لخديجة‪ ،‬رضى الله عنها‪ ،‬فى الجنة )ص ‪.(130 -129‬‬
‫]‪ [64‬ص ‪ .164 -163‬وهذا الختلف هو من المور التى تلفت النظر‪.‬‬
‫]‪ [65‬ص ‪ /163‬هـ ‪.3‬‬
‫]‪ [66‬ص ‪.185‬‬
‫]‪ [67‬ص ‪ /184‬هـ ‪.2‬‬
‫]‪ [68‬ص ‪.185‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫فكر محمد أسد كما ل يعرفه الكثيرون )‪(5‬‬


‫مقارنة محمد أسد بين القرآن‬
‫والكتاب المقدس‬
‫د‪.‬إبراهيم عوض‬
‫‪ibrahim_awad9@yahoo.com‬‬
‫على شاكلة كثير ممن ترجموا القرآن إلى اللغات الوربية من مسلمين‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومستشرقين ي ُك ِْثر محمد أسد من المقارنة بين القرآن المجيد والكتاب‬


‫المقدس لدى اليهود والنصارى فى الموضوعات المشتركة بينهما‪ ،‬وأحيانا ما‬
‫يكتفى بهذه المقارنة ل يتعداها إلى إبداء رأيه فيما يختلف الكتابان فيه‪ ،‬لكنه‬
‫عادة ما يزيد فينتصر للقرآن‪ .‬ولقد تكرر عنده الحديث فى مواضع مختلفة‬
‫عما أصاب الكتاب المقدس من عبث وتحريف طبقا لما قاله القرآن‪ ،‬وكذلك‬
‫الحديث عن حفظ الله عز شأنه كتابه إلى أبد الباد من أن تناله يد الفساد‪.‬‬
‫ومنذ الصفحات الولى من الترجمة نراه يتهم اليهود بالعبث بالتوراه وكتمان‬
‫ما ورد فيها من ذكر نبوة محمد عليه السلم‪ ،‬مؤكدا أن النقد النصوصى‬
‫للكتاب المقدس قد أثبت صحة التهمة القرآنية لهم بذلك‪ ،‬ومستشهدا على ما‬
‫يقول بما ورد فى سفر "إرميا" )‪ ،(26 /13‬ونصه‪" :‬أفسدتم كلم الله الحى"‪،‬‬
‫وبما جاء فى مواضع أخرى من العهد القديم من نصوص مختلفة تذكر عنادهم‬
‫وتمردهم كما فى سفر "الخروج" )‪ ،9 /32‬و ‪ ،3 /33‬و ‪ (9 /34‬و"التثنية" )‪/9‬‬
‫‪ (24،27 -23 ،8 -6‬مثل‬
‫‪.1‬‬
‫وانطلقا من هذه النقطة نجده‪ ،‬فى تعليقه على الية ‪ 101‬من سورة‬
‫صها‪" :‬ولما جاءهم رسول من عند الله مصد ّقٌ لما معهم ن َب َذ َ‬ ‫"البقرة"‪ ،‬ون َ ّ‬
‫ب الله وراء ظهورهم كأنهم ل يعلمون"‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كتا‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫الكتا‬ ‫أوتوا‬ ‫الذين‬ ‫فريقٌ من‬
‫يقول إن "كتاب الله" المذكور هنا هو التوراة‪ ،‬وإن اليهود‪ ،‬بإهمالهم ما جاء‬
‫شر بمجىء النبى العربى‪ ،‬قد‬ ‫ت تب ّ‬
‫فى سفر "التثنية" )‪ (18 ،15 /18‬من نبوءا ٍ‬
‫نبذوا فعل كل ما نزل من وحى على موسى طبقا لكلم الزمخشرى ومحمد‬
‫عبده ‪.2‬‬
‫أما بالنسبة للنصارى وموقفهم من النبوءة الواردة فى النجيل عن محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم فإنه يؤكد أن قوله تعالى على لسان المسيح عليه‬
‫ل يأتى من بعدى اسمه أحمد"‪ 3‬يجد مصداقه فى‬ ‫شًرا برسو ٍ‬ ‫السلم‪ ..." :‬ومب ّ‬
‫كر إنجيل يوحنا للفارقليط فى عدة مواضع‪ .‬ثم يوضح قائل إن كلمة "‬ ‫ذِ ْ‬
‫‪ "Parakletos‬المشار إليها هى بالتأكيد تحريف لكلمة "‪ ،"Periklytos‬ومعناها‬
‫"المحمود كثيرا"‪ ،‬وهو ما يساوى كلمة "محمد‪ /‬أحمد"‪ ،‬التى هى الترجمة‬
‫الدقيقة للكلمة الرامية "‪ ،"Mawhamana‬إذ كانت الرامية )كما يقول( هى‬
‫اللغة السائدة فى فلسطين على عهد عيسى عليه السلم وبعده بقرون‪ ،‬كما‬
‫أن اسم "محمد" قد ورد بنصه العربى فى إنجيل برنابا‪ ،‬الذى ترفضه الكنيسة‬
‫الن بعد أن كانت تقّره حتى عام ‪496‬م عندما حّرمه البابا جلسيوس‪ ،‬وإن‬
‫كان من غير المستطاع فى الظروف الراهنة التأكد من صحته بسبب ضياع‬
‫النص الصلى‪ ،‬إذ الموجود فى أيدينا حاليا إنما هو ترجمة إيطالية ترجع إلى‬
‫أواخر القرن السادس عشر الميلدى ‪.4‬‬
‫وعلى العكس من ذلك نراه‪ ،‬فيما يخص القرآن الكريم‪ ،‬يؤكد أن قوله تعالى‪:‬‬
‫"إنا نحن نّزلنا الذكر‪ ،‬وإنا له لحافظون"‪ 5‬قد تبين صدقه بما ل يدع مجال‬
‫للشك‪ ،‬إذ ثبت أن النص القرآنى وصل إلينا عن النبى محمد خاليا من أى‬
‫تعديل أو إضافة أو حذف‪ ،‬وأنه ما من كتاب آخر‪ ،‬أّيا كانت صفته‪ ،‬قد بقى‬
‫سليما طيلة هاتيك القرون جميعا‪ .‬أما بالنسبة للقراءات المختلفة لبعض‬
‫ألفاظ القرآن المجيد فهى ل تعدو أن تكون اختلقا فى ضبط بعض الحروف‬
‫ل يمس المعنى عادة ‪ .6‬وقد كرر هذا الكلم عند تفسيره لـ"الكتاب المكنون"‬
‫فى سورة "الواقعة"‪ ،‬ولـ"اللوح المحفوظ" فى سورة "البروج"‪ ،‬إذ قال إنهما‬
‫ة كان أو حذًفا أو مس ً‬
‫خا‪،‬‬ ‫إشارة إلى حفظ القرآن الكريم من كل عبث‪ ،‬إضاف ً‬
‫لن الله قد تكفل بحفظه إلى البد ‪.7‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما المواضع التى قارن فيها بين ما جاء فى القرآن ونظيره فى الكتاب‬
‫المقدس فهى كثيرة‪ ،‬ولكننا نجتزئ ببعضها عن سائرها‪ :‬فمن ذلك تعقيبه على‬
‫الية ‪ 135‬من سورة "البقرة"‪ ،‬التى تذكر "مقام إبراهيم"‪ ،‬بأن رحلة خليل‬
‫الرحمن إلى الحجاز ليست بالمر الذى يصعب أن يقوم به بدوى يستعمل‬
‫البعير فى تنقلته‪ .‬ثم يمضى محاول إثبات أن رواية العهد القديم التى تقول‬
‫إن الب َّرّية التى ترك فيها أبو النبياء زوجته وابنه هى ب َّرّية "بئر سبع"‪ ،‬ورواية‬
‫القرآن التى تقول إنه إنما ذهب بهما إلى الحجاز‪ ،‬ل تتناقضان‪ ،‬قائل إن بّرّية‬
‫"بئر سبع" كانت تعنى عند العبرانيين الذين كانوا يسكنون المدن آنئذ أقصى‬
‫جنوب فلسطين وما وراءها من الصحراء العربية حتى الحجاز نفسه ‪.8‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وبالنسبة لقوله عز من قائل فى آخر آية القصاص من سورة "المائدة"‪:‬‬


‫صاص تقّرًبا إلى الله سبحانه( فهو كفارة‬ ‫ق َ‬ ‫دق به )أى تنازل عن ال ِ‬ ‫"فمن تص ّ‬
‫له"‪ 9‬يقول كاتبنا إن النسخة الحالية للعهد القديم تخلو من هذا الحكم‪ ،‬إذ‬
‫ليس فيها إل العين بالعين‪ ،‬والسن بالسن‪...‬إلخ‪ ،‬أما العفو والتسامح فإنها ل‬
‫تذكره‪ .‬وهو ل يستبعد أن هذا الحكم كان موجودا فى التوراه الصلية‪ ،‬ثم‬
‫فْته يد العبث أو الهمال المتعمد ‪ .10‬كذلك من المعروف أن القرآن يسمى‬ ‫عَ َ‬
‫والد إبراهيم عليه السلم‪" :‬آَزر"‪ ،‬على حين يدعوه العهد القديم‪" :‬تارح"‪ .‬وقد‬
‫حاول محمد أسد أن يجد حل لهذه المسألة قائل إن اسم والد إبراهيم فى‬
‫التلمود هو "‪ ،"Zarah‬وعند المؤرخ الكنسى يوزبيوس بامفلى ‪،"Athar":11‬‬
‫ورغم أن أيا من هذا وذاك ل يصلح‪ ،‬كما يقول‪ ،‬أن يكون حجة يعتمد عليها فى‬
‫تفسير القرآن فمن الممكن القول بأن "آزر" هو تعريب لـ"‪ "Zarah‬أو "‬
‫‪"Athar‬‬
‫‪.12‬‬
‫وكان محمد لطفى جمعة قد تناول هذا الموضوع فى تفسيره للقرآن الكريم‬
‫)الذى تركه محفوظا ونشره ابنه الستاذ رابح لطفى جمعة فى التسعينات‬
‫من القرن الماضى( وأشار إلى أن السم الموجود فى التلمود هو "آثر"‪،‬‬
‫وكان رأيه‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أنه ما دام العهد القديم يقول إنه "تارح"‪ ،‬فإن "آزر" لم‬
‫ما‪ ،‬وبخاصة أن إبراهيم قد دعا ربه أن "اغفر لى‬ ‫يكن أًبا حقيقيا له بل عَ ّ‬
‫ولوالدىّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب"‪ 13‬بما يدل على أن ذلك الب كان‬
‫مؤمنا ما دام خليل الله قد قرنه مع المؤمنين‪ ،‬بينما كان آزر وثنيا بنص الية‬
‫التى ورد فيها اسمه حيث يقول له إبراهيم مستنكرا‪" :‬أتتخذ أصناما آلهة؟"‬
‫‪ .14‬وهذه‪ ،‬فى الواقع‪ ،‬مغالة من لطفى جمعة بقيمة الكتاب المقدس من‬
‫ناحية الوثاقة التاريخية التى ل يستحقها‪ ،‬فضل عن أن ذكر إبراهيم لوالده مع‬
‫المؤمنين ل يدل على أنه كان مؤمنا مثلهم‪ ،‬بل كل ما فى المر أنه عليه‬
‫ح صوته فى محاولة هدايته‪ ،‬قال له‪" :‬سلم عليك! سأستغفر‬ ‫السلم‪ ،‬بعد أن ب ُ ّ‬
‫لك ربى‪ ،15"...‬وهو ما أشار إليه القرآن فى قوله جل جلله‪" :‬وما كان‬
‫دها إياه‪ ،‬فلما تبّين له أنه عدو لله تبّرأ‬
‫عد َةٍ وَعَ َ‬ ‫مو ْ ِ‬
‫استغفار إبراهيم لبيه إل عن َ‬
‫منه"‪ .16‬ثم إن العهد القديم ليس بالحجة التى يصح العتماد عليها‪ ،‬وبخاصة‬
‫إذا قام تعارض بينه وبين القرآن ‪ .17‬وبالمناسبة فقد أشار أيضا كل من سيل‬
‫ورودويل‪ ،‬وهما من مترجمى القرآن إلى النجليزية‪ ،‬إلى أن يوزبيوس يسمى‬
‫والد إبراهيم‪" :‬آثر"‪ ،‬كما ذكر محمد حميد الله العالم الهندى الذى ترجم‬
‫القرآن إلى الفرنسية أن "تارح" تكتب باليونانية‪ ،"Thara" :‬كما قد تكتب‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أيضا‪ ،"Athar" :‬وأنه من هنا جاءت "آزر"‪ .18‬وأغلب الظن أن محمد أسد قد‬
‫رجع إلى هؤلء وهو ي ُعِد ّ ترجمته التى بين أيدينا‪.‬‬
‫وفى حادثة الطوفان نجد كاتبنا يعلن موافقته لمولى محمد على )القاديانى(‬
‫على أن رواية القرآن التى تقول إن ذلك الطوفان لم يغرق الرض كلها بل‬
‫جزءا منها فقط هى الرواية الصحيحة‪ ،‬إذ جاء فيه قول رب الجلل‪" :‬وأغرقنا‬
‫الذين كذبوا بآياتنا" بما يعنى أنه لم يشمل كل أرجاء المعمور بل أغرق‬
‫المكذبين من قوم نوح فحسب‪ ،‬على عكس ما نقرؤه فى العهد القديم من‬
‫أنه شمل الدنيا جميعا وأهلك كل شىء فيها ‪.19‬‬
‫قيُته عند أحد‬
‫ت أستطيع أن أذكر أنى ل ِ‬ ‫هود عليه السلم رأىٌ لس ُ‬ ‫ولسد فى ُ‬
‫غيره‪ ،‬وهو أن ذلك النبى الكريم قد يكون هو النبى "عابر" المذكور فى سفر‬
‫"التكوين" وأن أصداء اسمه موجودة فى اسم "يهوذا" ابن يعقوب عليه‬
‫هود" هو الب الول للعبرانيين‪،‬‬ ‫السلم‪ .‬ذلك أن من المحتمل عنده أن يكون " ُ‬
‫وأن تكون معظم القبائل السامية‪ ،‬بما فيها العبرانيون أنفسهم‪ ،‬قد نزحت من‬
‫جنوب الجزيرة العربية ‪.20‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويكتفى كاتبنا‪ ،‬عند المقارنة بين رواية العهد القديم والقرآن الكريم لموقف‬
‫هارون من عبادة بنى إسرائيل للعجل‪ ،‬بالشارة إلى الخلف الحاد بينهما دون‬
‫سب إلى هارون عليه السلم أنه هو‬ ‫أن يبدى رأيه فى الرواية اليهودية التى ت َن ْ ُ‬
‫الذى صنع العجل لقومه كى يعبدوه وأنه شاركهم أيضا فى هذه العبادة ‪.21‬‬
‫ونفس الشىء يفعله عند تعليقه على قول القرآن عن موسى‪ ،‬حينما عاد‬
‫فوجد قومه يعبدون العجل‪ ،‬إنه "ألقى اللواح" )أى ألواح الشريعة التى تلقاها‬
‫من ربه على الجبل(‪ ،‬وهو القول الذى يخالف ما جاء فى العهد القديم من أن‬
‫موسى إنما "كسر اللوحين" ولم يرمهما فقط ‪ ،22‬وكذلك فى معجزة يد‬
‫ت يده فى العهد القديم بأنها بيضاء من الب ََرص‪ ،‬أما فى‬ ‫ف ْ‬ ‫ص َ‬
‫موسى إذ وُ ِ‬
‫القرآن فهى "بيضاء من غير سوء" كما جاء فى الية ‪ 22‬من "طه"‪.23‬‬
‫وبالمثل نراه يشير إلى الخلف بين رواية القرآن الكريم لموقف يعقوب عليه‬
‫السلم من رؤيا يوسف التى رأى فيها نفسه وقد سجدت له الشمس والقمر‬
‫وأربعة عشر كوكبا‪ ،‬وبين رواية العهد القديم للموقف ذاته‪ ،‬إذ بينما يذكر‬
‫القرآن أن يعقوب قد فهم دللة الحلم على أن يوسف سيصبح ذا سلطان‬
‫وأن أبويه وإخوته سينحنون له‪ ،‬نرى ك َِتاب اليهود‪ ،‬على العكس من ذلك‪،‬‬
‫فَهم منه أن الرؤيا لم تكن فى نظره‬ ‫طق الوالد َ بعبارات التوبيخ للبن بما ي ُ ْ‬
‫ي ُن ْ ِ‬
‫إل انعكاسات لرغبة يوسف الكامنة فى نفسه فى التسلط عليه وعلى أمه‬
‫وإخوته‪ .‬وقد اكتفى أسد بذكر هذا الخلف دون أن يعقب بشىء ‪.24‬‬
‫بقيت مسألتان مهمتان تتصلن بهذا الموضوع‪ ،‬وإن لم تدخل فى صميمه‪:‬‬
‫الولى قول محمد أسد إن "السامرى" المذكور فى قصة موسى من سورة‬
‫"طه" قد يكون اسمه مأخوذا من السم المصرى القديم‪ "Shemer" :‬بمعنى‬
‫خذ منه اسم طائفة السامرية الذين ظهروا فيما بعد بين بنى‬ ‫"الغريب"‪ ،‬ثم أ ُ ِ‬
‫ة السامرى‪ ،‬كما يقول‪ ،‬أنه هو الذى اتخذ العجل‬ ‫إسرائيل‪ .‬وقد يؤكد مصري َ‬
‫لبنى إسرائيل تأثرا بعبادة العجل أبيس فى بلده التى خرج منها مع اليهود‬
‫‪ .25‬وهذا النقطة تحتاج إلى فضل بيان لن أسد قد اكتفى بلمسها لمسا دون‬
‫أن يطلعنا على السباب التى حملته على إثارتها فى ترجمته‪ .‬وحقيقة المر‬
‫جة إلى اتهام النص‬ ‫ف ّ‬
‫أن المستشرقين والمبشرين‪ ،‬كعادتهم فى المسارعة ال ِ‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لتهام إلى قصة‬ ‫القرآنى بأنه من تأليف محمد عليه السلم‪ ،‬قد صوبوا إصبع ا ٍ‬
‫السامرىّ كما وردت فى القرآن قائلين إن مدينة السامرة لم تظهر فى‬
‫سب السامرىّ إليها قبل أن توجد؟‬ ‫التاريخ إل بعد السامرى بقرون‪ ،‬فكيف ي ُن ْ َ‬
‫وقد قدمت طائفة من المفسرين والمترجمين المسلمين عددا من الردود‬
‫المفحمة على هذا العتراض الهوج‪ ،‬ومن بينهم أبو العلى المودودى ومحمد‬
‫حميد الله مما يمكن القارئ أن يجده مبسوطا مفصل فى كتابى "سورة طه ‪-‬‬
‫دراسة لغوية أسلوبية مقارنة" فى الفصل الخاص بالمقارنة بين قصة موسى‬
‫فى القرآن والعهد القديم‪ .‬والرأى الذى تبناه أسد هنا هو أحد الراء التى‬
‫طرحها أولئك المفسرون المسلمون‪ ،‬وبالذات حميد الله‪.‬‬
‫ومثل ذلك تماما قول أسد إن هامان المذكور فى عدة مواضع من القرآن‬
‫الكريم بوصفه أقرب مستشارى فرعون إليه ليس هو هامان الذى يتحدث‬
‫عنه سفر "أستير" فى العهد القديم‪ .‬وهو يرى أن اسم كبير مستشارى‬
‫فرعون ليس "اسم علم" بل "اسم جنس" بمعنى "كاهن آمون‪،"Ha-Amen :‬‬
‫وى هذا الرأىَ عنده أن‬ ‫إذ كانت عبادة آمون سائدة إّبانئذ فى مصر‪ .‬ويق ّ‬
‫ّ‬
‫فرعون قد طلب منه أن يبنى له صرحا يصعد فيه إلى السماوات ليطلع إلى‬
‫إله موسى‪ ،‬مما يمكن أن يكون إيماء إلى وظيفة كبير الكهنة بوصفه كبير‬
‫مهندسى المبانى فى ذلك الحين ‪ .26‬والملحظ أن أسد قد اجتزأ هنا أيضا‬
‫بهذا الذى ذكرناه دون أن يتطرق بشىء إلى خلفية الموضوع‪ .‬والواقع أنه‬
‫ليس بين القرآن والعهد القديم تناقض بالضرورة فى هذه المسألة‪ ،‬فوجود‬
‫"هامان" فى بلد فارس على أيام الملك أحشويرش ل يمنع من وجود‬
‫ن" آخر قبل ذلك فى بلد الهرام‪ .‬من هنا فإن ما قاله أسد فى هذا‬ ‫"هاما ٍٍ‬
‫الموضوع ل يدخل فى باب المقارنة بين الكتابين لنهما ل يتكلمان عن ذات‬
‫عة‬‫جذ َ َ‬ ‫َ‬
‫وا كعادتهم إل أن يثيروها َ‬ ‫الشخص‪ ،‬بيد أن فريقا من المستشرقين أب َ ْ‬
‫فيتهموا القرآن الكريم بأنه يخلط بين الفترات والشخصيات التاريخية‬
‫المختلفة بما يدل على أنه مجرد معلومات استقاها محمد من هنا ومن ههنا‬
‫ممن ل علم لهم بما يتحدثون عنه‪ ،‬وليس وحيا إلهيا‪ .‬فإشارة أسد هى رد غير‬
‫مباشر على أولئك المستشرقين ‪.27‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والمسألة الخرى هى قوله إن الذبيح فى قصة خليل الرحمن المعروفة هو‬


‫إسماعيل عليه السلم ‪ ،28‬وذلك رغم أن القرآن لم يصرح بذلك بل ترك‬
‫ل‪ ،‬وإن كانت هناك إشارات فى آيات سورة "الصافات" التى‬ ‫ف ً‬
‫المسألة غُ ْ‬
‫تتحدث عن هذه المسألة وفى مواضع أخرى من القرآن تومئ بقوة إلى أن‬
‫الذبيح هو فعل إسماعيل‪ ،‬ل إسحاق كما يقول اليهود رغم ما جاء فى كتابهم‬
‫من أن الله كان قد أمر إبراهيم أن يضحى بابنه الوحيد ‪ ،29‬وهو ما ل يمكن‬
‫ل عليه السلم هو ابن إبراهيم الوحيد عدة‬ ‫دق إل على إسماعيل‪ ،‬إذ ظ َ ّ‬ ‫ص ُ‬
‫أن ي َ ْ‬
‫سنوات قبل أن يرزقه الله بعد ذلك بإسحاق‪ ،‬الذى لم يكن وحيد أبيه فى يوم‬
‫من اليام‪ .‬على أنه ينبغى المسارعة إلى القول بأن علماء المسلمين غير‬
‫معين على أنه هو إسماعيل ‪ .30‬فنص أسد فى ترجمته إذن‪ ،‬وهو اليهودى‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬
‫الصل‪ ،‬على أن البن الذى أمر الله سبحانه نبيه إبراهيم بالتضحية به هو‬
‫إسماعيل ل إسحاق هو من الهمية بمكان وثيق‪.‬‬
‫وبطبيعة الحال فإن موقف أسد من العهد القديم فى مثل هذه المواضع إنما‬
‫هو الموقف الطبيعى والمنطقى‪ ،‬إذ هو مسلم‪ ،‬والمسلم يؤمن بأن كتاب‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليهود والنصارى قد أصابه التحريف والعبث‪ :‬يؤمن بذلك من خلل الدراسات‬


‫التى خضع لها الكتاب المقدس‪ ،‬كما يؤمن به من خلل آيات القرآن المتكررة‬
‫التى تؤكد وقوع هذا التحريف‪ .‬وقد تبّين ذلك بكل جلء فى تفسيره لوصف‬
‫دقا لما بين يديه من الكتاب‬ ‫المولى سبحانه لقرآنه بأنه قد أنزله بالحق "مص ّ‬
‫ومهيمنا عليه"‪ 31‬بأن القرآن هو المعيار الذى تقاس به صحة كتب اليهود‬
‫والنصارى ‪ .32‬ومع ذلك فإن بعض الدارسين يفهم‪ ،‬من إشارة القرآن الكريم‬
‫إلى هيمنته على الكتب التى قبله‪ ،‬أن المقصود هو شهادة لها بالحفظ من‬
‫من‬‫مؤْت َ َ‬
‫التحريف والتبديل‪ .‬وقد فسرها د‪ .‬محمد عمارة بما يعنى أن القرآن ُ‬
‫على تلك الكتب أو شاهد على صدقها ‪ .33‬وفى "تفسير المنار" نجد محمد‬
‫رشيد رضا‪ ،‬رحمه الله‪ ،‬ينبه بقوة إلى هذا الخطإ مؤكدا عدم اتساقه مع ما‬
‫يقوله القرآن المجيد فى هذا الصدد ‪.34‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫]‪ [1‬انظر ص ‪ /10‬هـ ‪ ،33‬وص ‪ /18 -17‬هـ ‪ ،62‬وص ‪ /18‬هـ ‪ .66‬وانظر‬
‫أيضا ص ‪ /66‬بقية هـ ‪ 3‬حيث يؤكد أن الكتاب المقدس قد تعرض لعبث هائل‬
‫متعمد فى أغلب الحيان مما أثبتته الدراسات الموضوعية‪ ،‬وكذلك ص ‪/479‬‬
‫هـ ‪ ،27‬وص ‪ /488‬هـ ‪ ،9‬وص ‪ /573‬هـ ‪.85‬‬
‫]‪ [2‬ص ‪ /21‬هـ ‪ .81‬وانظر كذلك ص ‪ /77‬هـ ‪ ،53‬وص ‪ /80‬هـ ‪.70‬‬
‫]‪ [3‬الصف‪.6 /‬‬
‫]‪ [4‬ص ‪ /816‬هـ ‪.6‬‬
‫]‪ [5‬الحجر‪.9 /‬‬
‫]‪ [6‬ص ‪ /383‬هـ ‪ .10‬وانظر أيضا ص ‪ /154 -153‬هـ ‪ 66‬حيث يؤكد استحالة‬
‫العبث بالنص القرآنى‪ .‬وهذه الفكرة موجودة فى ترجمته لـ"صحيح البخارى"‬
‫)‬
‫‪.(Sahih al- Bukhari-The Early years of Islalm, P. 3, n.3‬‬
‫]‪ [7‬انظر ص ‪ /834‬هـ ‪ ،27‬وص ‪ /943‬هـ ‪.11‬‬
‫]‪ [8‬ص ‪ /26‬هـ ‪.102‬‬
‫]‪ [9‬المائدة‪.45 /‬‬
‫]‪ [10‬ص ‪ /153‬هـ ‪.62‬‬
‫]‪ [11‬الذى عاش فى القرنين الثالث والرابع للميلد‪.‬‬
‫]‪ [12‬ص ‪ /183‬هـ ‪.66‬‬
‫]‪ [13‬إبراهيم‪.41 /‬‬
‫]‪ [14‬النعام‪.74 /‬‬
‫]‪ [15‬مريم‪.47 /‬‬
‫]‪ [16‬التوبة‪.114 /‬‬
‫]‪ [17‬انظر مناقشتى له فى هذه النقطة فى كتابى "كاتب من جيل العمالقة‪-‬‬
‫د‪ .‬محمد لطفى جمعة ‪ -‬قراءة فى فكره السلمى"‪ /‬عالم الكتب‪1419 /‬هـ‪-‬‬
‫‪1999‬م‪.121 -117 /‬‬
‫]‪Sale, The Koran, P.95, n.1, Rodwell, The Koran, Dent & Co., London, [18‬‬
‫‪1909, P. 323, n. 3, and Muhammad Hamidullah, Le Saint Coran, Beyrouth,‬‬
‫‪.1973, P. 174‬‬
‫]‪ [19‬ص ‪ /1212‬هـ ‪.47‬‬
‫]‪ [20‬ص ‪ /213‬هـ ‪ .48‬والملحظ أن محمد أسد يجعل اللغات السامية مجرد‬
‫فروع لغوية عربية قديمة بما فيها العبرية والفينيقية )ص ‪ /689‬هـ ‪ ،(49‬وإن‬
‫كان قد فرق بين العربية واللغات السامية الخرى فى ترجمته لـ"صحيح‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البخارى" )ص ‪ /6 -5‬هـ ‪.(12‬‬


‫]‪ [21‬انظر ص ‪ /225‬هـ ‪ ،117‬وص ‪ /480‬هـ ‪.76‬‬
‫]‪ [22‬انظر ص ‪ /225‬هـ ‪.121‬‬
‫]‪ [23‬انظر ص ‪ /472‬هـ ‪ ،15‬وكذلك ص ‪ /219‬هـ ‪.85‬‬
‫]‪ [24‬انظر ص ‪ /337‬هـ ‪.9‬‬
‫]‪ [25‬انظر ص ‪ /479‬هـ ‪.70‬‬
‫]‪ [26‬ص ‪ /590‬هـ ‪.6‬‬
‫]‪ [27‬يجد القارئ معالجة مستفيضة لهذه القضية فى كتابى "سورة طه‪-‬‬
‫دراسة لغوية أسلوبية مقارنة" فى الفصل الخاص بـ"قصة موسى بين القرآن‬
‫الكريم والعهد القديم"‪.‬‬
‫]‪ [28‬انظر ص ‪ /688‬هـ ‪.43 ،38‬‬
‫]‪ [29‬تكوين ‪.2 /22 /‬‬
‫ت‬‫]‪ [30‬ومن الذين يقولون إنه "إسحاق" إمام المفسرين الطبرى‪ .‬وقد تناول ُ‬
‫رأيه هذا بالمناقشة المسهبة وانتهيت‪ ،‬من خلل استنطاق ما بين السطور‬
‫فى القرآن الكريم‪ ،‬إلى أن الذبيح هو إسماعيل )انظر كتابى "من الطبرى‬
‫إلى سيد قطب‪-‬دراسات فى مناهج التفسير ومذاهبه"‪ /‬دار الفكر العربى‪/‬‬
‫‪1421‬هـ‪2000 -‬م‪.(72 -68 /‬‬
‫]‪ [31‬المائدة‪.48 /‬‬
‫]‪ [32‬ص ‪ /135‬هـ ‪.64‬‬
‫]‪ [33‬انظر كتابه "السلم والوحدة الوطنية"‪ /‬كتاب الهلل‪ /‬العدد ‪/338‬‬
‫فبراير ‪1979‬م‪.46 -45 /‬‬
‫]‪ [34‬انظر "تفسير المنار"‪ /‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ /‬سلسلة "التراث‬
‫للجميع"‪ /‬العدد ‪ .340 /29‬وقد تناولت هذه النقطة بالتفصيل فى كتابى‬
‫"سورة المائدة‪ -‬دراسة أسلوبية فقهية مقارنة"‪ /‬مكتبة زهراء الشرق‪/‬‬
‫‪1420‬هـ‪2000 -‬م‪.107 -106 /‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فكر محمد أسد كما ل يعرفه الكثيرون )‪(2‬‬


‫)ليو بولد فايس(‬
‫كما ل يعرفه الكثيرون )‪(2‬‬
‫موقفه من مسألة عصمة النبياء‬
‫د‪.‬إبراهيم عوض‬
‫‪ibrahim_awad9@yahoo.com‬‬
‫ومن القضايا ذات الهمية الشديدة التى تناولها أسد فى ترجمته التفسيرية‬
‫ة الرسل ومدى انعكاسها على أخلقهم وسلوكهم‪ ،‬فهو‬ ‫للقرآن الكريم بشري ُ‬
‫ح فيه أحد‪ ،‬إذ إن رسل الله‬ ‫دائم الشارة إلى هذه البشرية‪ ،‬وهى مما ل ي ُ َ‬
‫شا ّ‬
‫وأنبياءه كانوا كلهم بشرا‪ .‬هكذا تكلم التاريخ‪ ،‬أما إذا قال أصحاب بعض الديان‬
‫إن نبيهم إله أو ابن إله فهو كلم ل يؤبه به‪ ،‬وإن كان لك ّ‬
‫ل أن يعتقد ما يشاء‪،‬‬
‫وحسابه على الله‪ .‬كما أن القرآن قد كرر القول مرارا بأن الرسل والنبياء‬
‫كانوا جميعا بشرا من البشر‪ ،‬فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون وينجبون‬
‫ون السواق‪ ،‬ثم فى النهاية يموتون‪ .‬إذن فل خلف مع محمد أسد فى‬ ‫وي َغْ َ‬
‫ش ْ‬
‫هذا البتة‪ ،‬إل أنه ل يتوقف عند هذا الحد‪ ،‬بل دائما ما يجعل إشارته إلى بشرية‬
‫الرسل والنبياء منطلقا للقول بأنهم‪ ،‬أيضا مثل سائر البشر‪ ،‬معرضون للخطإ‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كلما سنحت الفرصة‪ .‬ويبدو لى بقوة أن أبواب الخطاء كلها مفتوحة عنده‬
‫أمامهم مثل أى إنسان آخر‪.‬‬
‫َ‬
‫ن قب ِْلك‬ ‫م ْ‬
‫فعلى سبيل المثال يقول‪ ،‬عند تعليقه على قوله تعالى‪" :‬وما أرسلنا ِ‬
‫ن فى أمنّيته‪ ،‬فينسخ الله ما‬ ‫قى الشيطا ُ‬ ‫من رسول ول نبى إل إذا تمنى أ َل ْ َ‬
‫كم الله آياِته‪ ،‬والله عزيز حكيم"‪ ،‬إن إلقاء الشيطان فى‬ ‫ح ِ‬
‫ن ثم ي ُ ْ‬‫قى الشيطا ُ‬ ‫ي ُل ْ ِ‬
‫أمنّية النبى والرسول معناه أل يكون هدفهما الخذ بيد أمتهما فى معراج‬
‫الرقى الروحى‪ ،‬بل إحراز القوة والتأثير الشخصى‪ .‬ثم يمضى فيستشهد‬
‫ن النس والجن"]‬ ‫بقوله عز من قائل‪" :‬وكذلك جعلنا لكل نبى عدّوا شياطي َ‬
‫‪[1‬دون أن يوضح صلة هذه الية بما نحن فيه‪ .‬أُتراه يريد أن يقول إن‬
‫رفونهم‬ ‫ح ِ‬
‫للشياطين من إنس وجن تأثيرا على الرسل والنبياء حتى إنهم لي َ ْ‬
‫ى‬
‫عن مسارهم الذى حددته لهم السماء إلى التطلع لغايات شخصية؟ لكن أ ّ‬
‫نبى أو رسول يا ت َُرى استطاعت الشياطين أن توسوس له بوضع مطامحه‬
‫فى القوة والنفوذ الشخصى فوق الغاية النبيلة التى انتدبه لها رب العزة‬
‫والجلل؟ ها هو ذا القرآن الكريم بين أيدينا‪ ،‬وليس فيه شىء من ذلك على‬
‫الطلق‪ ،‬أما إذا كان العهد القديم ينسب إلى أنبياء الله ورسله مثل هذه‬
‫التطلعات وغيرها مما يشوه صورة النبوة ويلطخها فهذا ليس برهانا على‬
‫صحة هذه الدعوى الخطيرة‪ ،‬لن كتب اليهود مجرحة تجريحا شديدا حسبما‬
‫ذكر القرآن فى أكثر من موضع‪ ،‬وكذلك حسبما أثبتت الدراسات النقدية التى‬
‫تناولتها‪ ،‬سواء تلك التى قام بها علماء المسلمين أو علماء الغرب أنفسهم‪.‬‬
‫وعلى أية حال فالذى يهمنا فى هذا المجال هو القرآن لنه هو الذى يستند‬
‫إليه أسد فى تقرير ما قال‪.‬‬
‫وفى كلمته التمهيدية التى يقدم بها لسورة "القصص" يقول إن "معظم قصة‬
‫موسى فى تلك السورة تصور الجانب البشرى الخالص فى حياته‪ ،‬أو بتعبير‬
‫آخر تصور الدوافع وألوان الحيرة والخطاء التى تشكل جزءا من الطبيعة‬
‫البشرية‪ ،‬وهو ما يبرزه القرآن إبرازا رغبة منه فى مقاومة أى ميل عند‬
‫المتدينين إلى عَْزو أية صفات شبه إلهية إلى أحد من رسل الله"‪ .‬وبعد قليل‬
‫كزه‬ ‫خل موسى عليه السلم ووَ ْ‬ ‫قب على اقتتال المصرى والسرائيلى وتد ّ‬ ‫يع ّ‬
‫للمصرى الوكزة َ التى قضت عليه دون قصد منه‪ ،‬فيقول إن "اليتين ‪17-16‬‬
‫من هذه السورة تومئان إلى أن السرائيلى ل المصرى هو المخطئ‪ .‬والظاهر‬
‫أن موسى قد تقدم لمساعدة السرائيلى بدافع من الميل الغريزى نحو ابن‬
‫جلدته دون اعتبار للصواب والخطإ فى هذه القضية‪ ،‬وإن كان قد تبين له أنه‬
‫ل غير مقصود‪ ،‬بل‬ ‫اجترح إثما فظيعا‪ ،‬ل بقتله إنسانا بريئا فقط رغم أنه قت ٌ‬
‫بإقامته تصرفه كذلك على أساس من التحيز العنصرى"]‪.[2‬‬
‫وفى أحد الهوامش التى خصصها للتعليق على قصة يونس عليه السلم‬
‫فْلك المشحون حين لم يجد من قومه آذانا صاغية‪ ،‬نراه يختم‬ ‫وإ َِباقه إلى ال ُ‬
‫كلمه بقوله إن الهدف من هذه القصة فى القرآن هو تفهيمنا أنه ما دام قد‬
‫خِلق النسان ضعيفا" كما جاء فى سورة "النساء"‪ ،‬فإن النبياء أنفسهم غير‬ ‫" ُ‬
‫صنين ضد أى من ألوان الضعف المركوزة فى الفطرة البشرية‪ .‬وهو ما‬ ‫مح ّ‬
‫يعنى بوضوح أنهم عليهم السلم يمكن أن يرتكبوا أى شىء مما يقع فيه‬
‫ظم‪ .‬وقد كرر المعنى ذاته فى تفسيره لقوله جل جلله‬ ‫ن أو عَ ُ‬ ‫البشر ها َ‬
‫دم من ذنبك وما‬ ‫مخاطبا نبيه محمدا عليه السلم‪" :‬ليغفَر لك الله ما تق ّ‬
‫خُلق وكان حميد السجايا‬ ‫خر"‪ ،‬إذ يؤكد أن النسان مهما ارتقى فى معراج ال ُ‬ ‫تأ ّ‬
‫ف‬‫فإنه عرضة للوقوع فى الخطإ بين الحين والحين‪ ،‬وأن الية تشير من طْر ٍ‬
‫ى إلى أن التحرر من الخطاء مقصور على الله سبحانه]‪.[3‬‬ ‫خف ّ‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫صمين اللذين‬ ‫خ ْ‬ ‫وفى ضوء هذا نستطيع أن نفهم قوله بصدد الحديث عن ال َ‬
‫ورا المحراب على داود عليه السلم وشكا أحدهما الخر إليه بأنه طلب‬ ‫تس ّ‬
‫ون من‬ ‫منه نعجته الوحيدة التى ل يملك سواها كى يضمها إلى قطيعه المك ّ‬
‫تسع وتسعين نعجة‪...‬إلخ‪ ،‬إذ تساءل قائل‪ :‬هل النبياء معصومون من الذنوب‬
‫والخطايا كما يقول علماء المسلمين القدامى أو ل؟ ثم يجيب بأن هؤلء‬
‫العلماء يذكرون أن داود قد أحب امرأة قائدة العسكرى أوريا ورسم خطة‬
‫للتخلص منه لكى يخلو له وجه الزوجه‪ ،‬إذ أمر بأن يوضع فى مكان مكشوف‬
‫على خط المواجهة مع العداء حيث قُِتل‪ ،‬وعندئذ تزوج داود المرأة وأنجب‬
‫منها سليمان‪ ،‬وإن أنكروا فى ذات الوقت أن يكون قد زنى بها إنكارا شديدا‪.‬‬
‫ومن الواضح هنا أيضا أن أسد مع عدم عصمة النبياء‪.‬‬
‫وهو يرى أن قوله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪" :‬ألم نشرح‬
‫لك صدرك* ووضعنا عنك وِْزرك* الذى أنقض ظهرك* ‪...‬؟" يشير بكل وضوح‬
‫إلى الخطاء التى اقترفها عليه السلم قبل البعثة‪ .‬ولكن أية أخطاء يا ترى‬
‫تلك التى اقترفها النبى آنذاك؟ هنا يسكت أسد‪ .‬ولست أوافقه على أن معنى‬
‫"الوزر" فى اليات الكريمة أخطاء ارتكبها الرسول فى الجاهلية‪ ،‬إذ لو كان‬
‫قض هذه الخطاء ظهره‪ ،‬وهو لم يكن مكلفا آنئذ ول‬ ‫المر كذلك فلماذا ت ُن ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫آخذه الله عليها فى أى موضع من القرآن ول اتخذها أحد من قومه ت ُكأة ً للنيل‬
‫ن الله عليه‬ ‫م ّ‬ ‫من سمعته أو للتشويش على أخلقه ونبوته؟ علوة على أن َ‬
‫سر إنما يشير بالحرى‬ ‫سر إل ومعه ي ُ ْ‬
‫بشرح صدره وطمأنته إياه بأنه ما من عُ ْ‬
‫إلى ضيق صدره عليه السلم بشىء من قبيل فتور الوحى عليه فى أول‬
‫الدعوة أو معاندة المشركين له أو ما إلى ذلك‪ .‬أى أن الوزر هنا وزر نفسى ل‬
‫أخلقى‪ .‬أما إذا كان المقصود بشرح الصدر دللته المادية بمعنى شقه‬
‫واستخراج نصيب الشيطان منه وغسله بالثلج أثناء طفولته الولى فى بادية‬
‫بنى سعد كما جاء فى بعض الروايات‪ ،‬فإن ذلك ينسف ما قاله محمد أسد‬
‫عن الرسول من أساسه‪ ،‬إذ معناه أنه عليه السلم قد أصبح محميا تماما من‬
‫الوقوع فى الذنوب والثام‪.‬‬
‫وعلى أية حال فإنه صلى الله عليه وسلم ل يمكن أن يكون قد وقعت منه‬
‫أخطاء مما يتحدث عنها الكاتب‪ ،‬وإل لتخذها المشركون حين جاءهم بالدين‬
‫الجديد سلحا من أسلحة الحرب النفسية التى شنوها عليه منذ اللحظة‬
‫الولى‪ .‬ترى لو كانت هناك أخطاء من ذلك النوع أكانوا يتركونها ويتهمونه بما‬
‫يعلمون هم قبل غيرهم أنه باطل‪ ،‬وهو أنه ساحر ومجنون وكذاب ويكتتب‬
‫قصصه عن النبياء السابقين وأممهم من بعض الرقيق المكى من أهل‬
‫ملة سليمة فيلقى بها فى عُْرض‬ ‫الكتاب؟ أيعقل أن يكون فى يد إنسان عُ ْ‬
‫الطريق ويتخذ بدل منها نقودا ُزُيوفا؟ ترى لو كان النبى عليه السلم قد زنى‬
‫سر أو تابع قومه‬ ‫رب الخمر أو ل َِعب ال َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫أو حتى قّبل امرأة مجرد تقبيل أو َ‬
‫ش ِ‬
‫رف عنه الكذب مثل‪ ،‬أكان قومه‬ ‫فى عبادة الصنام أو التضحية لها أو عُ ِ‬
‫يسكتون عن ذلك؟ إن كل ما قالوه فى بشريته ل يتعدى إنكارهم عليه أنه‬
‫كان يأكل الطعام ويمشى فى السواق وأن له زوجا وذرية‪ ،‬إذ كانوا يريدونه‬
‫كا ل بشرا‪ ،‬وهذا كل ما هنالك‪ ،‬فهل يصح أن يقول مسلم فى الرسول ما‬ ‫مل َ ً‬
‫َ‬
‫لم يقله المشركون؟‬
‫وْليلحظ القارئ أننى قد تجنبت الخوض فى الجدال النظرى البحت حول‬
‫ج التاريخى‬ ‫ت‪ ،‬بدل من ذلك‪ ،‬المنه َ‬ ‫عصمته صلى الله عليه وسلم وسلك ُ‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت النصوص ذاتها فلم يصادفنا‪ ،‬ل فيما وصلنا عن سيرته‬ ‫والنفسى واستنطق ُ‬
‫ت عنه أو إليه‪ ،‬أىّ من تلك الذنوب المزعومة‪ .‬ثم هل‬ ‫ول فى اليات التى تحدث ْ‬
‫ق عظيم" كما جاء‬ ‫ُ‬
‫خل ٍ‬ ‫كان من الممكن أن يصفه القرآن رغم ذلك بأنه "على ُ‬
‫فى الية الخامسة من سورة "القلم"؟‬
‫ى عليه أكان الله‬‫ع َ‬‫كذلك لو كان داود عليه السلم قد صنع بأوريا هذا الذى اد ّ ِ‬
‫س عليه السلم لتلك التجربة‬ ‫كه دون مؤاخذة‪ ،‬وهو الذى عّرض يون َ‬ ‫سبحانه تارِ َ‬
‫المرعبة المؤلمة‪ ،‬تجربة ابتلع الحوت له وبقائه فى بطنه أياما وليالى‪ ،‬لمجرد‬
‫غضبه من قومه وإباقه إلى الفلك المشحون بسبب صلبة رقابهم ولجاجهم‬
‫فى الكفر والطغيان؟ إن التآمر على قتل إنسان برىء طمعا فى زوجته‬
‫الجميلة ليس بالمر الهين الذى يمكن أن ت ُعَد ّىَ عنه السماء بمثل هذه‬
‫البساطة‪ ،‬وإل فالعفاء على الخلق بل على النبوة ذاتها! والمضحك فى المر‬
‫أن من قبلوا من علماء المسلمين على داود هذه الدعوى السخيفة بل‬
‫المجرمة كانوا حرصاء فى ذات الوقت على أن يبرئوه من تهمة الزنا‪ ،‬وكأن‬
‫قتل البرياء بدم بارد وتخطيط مسبق ودون خالجة من ضمير ليس بشىء‬
‫بجانب هذه التهمة!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن القصة القرآنية تقول إن الخ الغنى لم يأخذ من أخيه الفقير نعجته فعل‪،‬‬
‫مها إلى نعاجه‪ .‬فهذا كل ما هنالك‪ ،‬وإذن فلو‬ ‫بل كل ما فى المر أنه سأله ض ّ‬
‫أن هذين الخصمين ملكان أرسلهما الله إلى داود‪ ،‬كما جاء فى بعض كتب‬
‫التفاسير‪ ،‬لينبهاه على سبيل التلميح إلى الجريمة التى ارتكبها‪ ،‬فأى جدوى‬
‫ذل وتمت الجريمة ولم يعد من‬ ‫ف العَ َ‬
‫من هذا التصرف ما دام قد سبق السي ُ‬
‫سبيل لتداركها؟ إن هذا عبث ل تليق نسبته إلى المولى عز وجل‪ ،‬الذى كان‬
‫قادرا على أن ينبه نبيه فى هذه الحالة تنبيها مباشرا يمنع الجريمة قبل‬
‫وقوعها بدل من تركه يقترفها ثم عتابه له بعد فوات الوان؟ ثم إذا كان‬
‫النبياء يمكن أن يجترحوا جريمة القتل والتآمر على هذا النحو‪ ،‬فما الفرق‬
‫بينهم إذن وبين عتاة المجرمين؟ إن النسان العادىّ ل ينحط إلى هذه الدركة‪،‬‬
‫دى إلى مثلها النبياء والمرسلون‪ ،‬الذين اصطفاهم الله على سائر‬ ‫فكيف ي َت َد َهْ َ‬
‫ُ‬
‫خلقه وصنعهم على عينه وجعلهم من الخيار أوِلى اليدى والبصار وزودهم‬
‫بالحكمة والتقوى على أحسن حال؟ وفضل عن ذلك فالقرآن نفسه يقول عن‬
‫ن مآب"‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫ح ْ‬ ‫داود عليه السلم فى سورة "ص" ذاتها‪" :‬وإن له عندنا ل َُزل ْ َ‬
‫فى و ُ‬
‫فكيف يمدحه الله سبحانه هذا المديح العظيم ويأتى بعضنا فيتهموه تلك‬
‫التهمة الشنيعة جريا وراء اليهود الملعين الذين لم يتركوا نبيا ول رسول إل‬
‫ذب القرآن ونصدق العهد‬ ‫افتَرْوا عليه أشنع ضروب البهتان فى كتبهم؟ أنك ّ‬
‫ضه عليه السلم أن يحكم‬ ‫القديم؟ كذلك فالية التى تلى قصة الخصمين تح ّ‬
‫جح أن تكون القصة متعلقة‬ ‫بين الناس بالحق ول يّتبع الهوى‪ ،‬وهو ما ير ّ‬
‫بالتسرع فى الحكم لحد المتخاصمين قبل الستماع إلى الطرف الخر‪ ،‬ل‬
‫بمسألة أوريا وزوجته‪ .‬ولو افترضنا بعد هذا كله أن لهذه القصة ظل من‬
‫الحقيقة‪ ،‬ول إخال‪ ،‬فإن أقصى ما يمكن قوله هو أن داود ربما سمع مثل‬
‫بجمال زوجة قائده فحدثته نفسه قائلة‪ :‬لماذا لم ي ُك َْتب له أن يرى تلك المرأة‬
‫قبل أن يتزوجها أوريا فيتخذها هو لنفسه زوجة؟‬
‫َ‬
‫أما يونس فأىّ خطإ ٍ ارتكبه حين ضاق صدره بعد إذ رأى من قومه لد ًَدا فى‬
‫الكفر وتماديا فى العناد والنكار فتركهم ومضى على وجهه؟ إن هذه ليست‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سّبة أخلقية‪ ،‬ل ول هى تهاون فى تأدية الواجب‪ .‬وكل ما يمكن التعليق به‬ ‫ُ‬
‫على تصرفه ذاك هو أن الله لم يأذن له بهجرة قومه‪ ،‬وإل فإن الرسول‬
‫محمدا صلى الله عليه وسلم قد ترك هو أيضا بلده إلى بلد آخر رجاء أن‬
‫دم على هذه الخطوة إل‬ ‫ق ِ‬
‫يكون حظ الدعوة فيه أحسن‪ ،‬لكنه مع ذلك لم ي ُ ْ‬
‫بعد إذن الله له‪.‬‬
‫ونأتى إلى وَك َْزة موسى‪ ،‬التى ينبغى أل يفوتنا أنها كانت قبل النبوة وكانت‬
‫مجرد وَك َْزة أراد بها عليه السلم أن يدفع العدوان أو ما ظنه عدوانا على ابن‬
‫جلدته فى بلدٍ كان الضطهاد والعسف يتناوشان بنى إسرائليل فيه ل لشىء‬
‫إل لضعفهم وهوانهم وقلة حيلتهم آنئذ‪ ،‬لكن كانت للقدار مشيئة أخرى‪ ،‬إذ‬
‫مات المصرى بسببها‪ .‬وأغلب الظن أنها كانت "القشة التى قصمت ظهر‬
‫ى صفحة ذلك الرجل من‬ ‫َ‬
‫البعير"‪ .‬أى أن أسباب الموت كانت مهّيأة لط ّ‬
‫الوجود‪ ،‬كأن يكون مصابا بأزمة قلبية مثل أو تكون الوكزة قد أفقدته توازنه‬
‫كز موسى فى ذلك الوقت‬ ‫فسقط دماغه على أرض حجرية‪...‬إلخ‪ ،‬فجاء وَ ْ‬
‫مصادفة واتفاقا ليكون هو العامل الظاهرى الذى أودى بحياته‪ .‬ولنلحظ أن‬
‫ذعه تلذيعا‪ ،‬فأخذ يستغفر ربه ويبتهل‬ ‫موسى قد أّنبه ضميره على الفور ول ّ‬
‫إليه نادما أشد الندم رغم أنها ليست سقطة أخلقية كما قلنا‪.‬‬
‫ورغم كل ما أبدأ فيه محمد أسد وأعاد فإنه هو نفسه‪ ،‬فى حديثه عن عبوس‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه ابن أم مكتوم يسأله فى بعض‬
‫أمور دينه أثناء انشغاله بمحاولة إقناع بعض المشركين فى مكة لهدايتهم إلى‬
‫السلم‪ ،‬يقول إن ما ل يزيد عن كونه مجرد هفوة تافهة من أى إنسان آخر‬
‫فى مثل هذه المسألة المتعلقة بالمجاملت الجتماعية ي ُعَد ّ مع ذلك فى حق‬
‫النبياء ذنبا عظيما يستوجب العتاب‪ .‬ثم يمضى قائل إن معاتبة القرآن‬
‫للرسول على مسمع من الدنيا كلها على ذلك النحو إنما هو دليل على أنه‬
‫تنزيل من رب العالمين وأنه صلى الله عليه وسلم ل ينطق عن الهوى‪ .‬وهذا‬
‫هو الذى أتفق فيه مع محمد أسد‪ ،‬وهو هو نفسه ما صاغه علماؤنا القدامى‬
‫رضى الله عنهم عندما قالوا‪" :‬حسنات البرار سيئات المقربين"‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد صدرت عن قلم الكاتب عبارة مهمة ل أدرى كيف لم يستصحبها‬
‫دائما معه بدل من هذا اللحاح المستمر على فكرة الضعف البشرى الخلقى‬
‫الذى ل يفلت منه الرسل والنبياء وإمكان وقوعهم فى أى ذنب من الذنوب‬
‫التى يقترفها البشر‪ ،‬أل وهى قوله‪ ،‬بصدد التعليق على الية التى تقول‪" :‬ما‬
‫وا من‬‫خل َ ْ‬
‫ة الله فى الذين َ‬
‫سن ّ َ‬
‫كان على النبى من حرج فيما فرض الله له‪ُ .‬‬
‫قبل‪ ،‬وكان أمر الله قَد ًَرا مقدورا"‪ ،‬إن الكلم هنا إنما يدور على النبياء الذين‬
‫تتوافق فيهم جميعا‪ ،‬بما فيهم الرسول عليه السلم‪ ،‬رغائبهم الشخصية مع‬
‫سهم إلى الله‪ ،‬وهو ذلك النسجام الروحى والفطرى الذى يميز‬ ‫إسلمهم أنف َ‬
‫درهم المقدور كما تقول خاتمة الية‪ .‬ترى أين كان ذلك‬ ‫صفوة خلق الله وق َ‬
‫جى ما يقال عن أنبياء الله ورسله‬ ‫َ‬
‫ح َ‬
‫الكلم الجميل من قبل؟ إن هذا هو أ ْ‬
‫وأقربه إلى حديث القرآن المجيد عنهم‪ ،‬أما تصويرهم بصورة الضعفاء‬
‫المهتزين الذين ل يتمالكون أنفسهم من الوقوع فى أى من الذنوب والثام‬
‫بمجرد تهيؤ الدواعى لذلك فل ينسجم مع القرآن‪ ،‬الذى يرفع الرسل والنبياء‬
‫مكانا عَل ِّيا وي ُث ِْنى عليهم أجزل الثناء ويرى فيهم نموذجا فذا ل ُيطال رغم‬
‫بشريتهم التى يؤكدها فى ذات الوقت‪ ،‬بل ينسجم مع اتجاه العهد القديم‪،‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذى ينسب إليهم الزنا والقتل والدياثة ومقارفة الفاحشة مع المحارم‬


‫والكذب والغدر والتحايل على الله والجلفة فى مخاطبته والغضاء عن عبادة‬
‫ت كتبهم التى‬ ‫ن صفحا ِ‬ ‫ود به اليهود ُ الملعي ُ‬ ‫الوثان فى بيوتهم‪...‬إلى آخر ما س ّ‬
‫يزعمون أنها وحى إلهى‪ ،‬ملطخين بذلك الصوَر النبيلة لتلك الصفوة من عباد‬
‫الله‪.‬‬
‫مَلل والهواء‬ ‫صل فى ال ِ‬ ‫ف َ‬
‫ت‪ ،‬بعد الفراغ من كتابة ما تقدم‪ ،‬إلى "ال ِ‬ ‫وقد رجع ُ‬
‫حل" لبن حزم لسترجع ما قالت الفرق السلمية فى هذا الموضوع‪،‬‬ ‫والن ّ َ‬
‫فوجدته يذكر أنهم اختلفوا فى ذلك‪ :‬فقالت طائفة إن الرسل عليهم السلم‬
‫يعصون الله فى جميع الكبائر والصغائر عمدا حاشا الكذب فى التبليغ‪ ،‬بل إن‬
‫وزوا أن يكون فى أمة محمد‬ ‫وزوا عليهم الكفر أيضا‪ ،‬كما ج ّ‬ ‫بعض هؤلء قد ج ّ‬
‫عليه السلم من هو أفضل منه‪ .‬وفى رأى ابن حزم أن هذا كله كفر وشرك‬
‫وزوا عليهم الصغائر فقط بالعمد‪ ،‬أما الكبائر‬ ‫وردة عن السلم‪ .‬وهناك من ج ّ‬
‫فل‪ .‬أما الذى تدين به أمة السلم من سنة ومعتزلة وخوارج وشيعة ونجارية‬
‫ة‬
‫ى معصي ٌ‬‫ة أن يقع من نب ّ‬ ‫جوز البت َ‬‫)كما قال العلمة الندلسى( فهو أنه ل ي َ ُ‬
‫أصل ل كبيرة ول صغيرة‪ .‬وهذا رأيه هو أيضا‪ ،‬وإن قال إنه قد تقع من النبياء‬
‫صد ُ الشىء يريدون به وجه الله‬ ‫الهفوة عن غير قصد‪ ،‬كما قد يقع منهم قَ ْ‬
‫ف مراده عز وجل‪ ،‬إل أنه تعالى ل يقّرهم‬ ‫تعالى والتقرب منه فيوافق خل َ‬
‫على شىء من هذين الوجهين أصل بل ينبههم على ذلك ويبّينه‪ ،‬وربما عاتبهم‬
‫ت إليه من تحليل‬ ‫عليه‪ .‬وهذا الذى ذهب إليه ابن حزم هو نفسه ما وصل ُ‬
‫النصوص القرآنية تقريبا‪ ،‬ويسعدنى أن ينسجم رأيى مع رأى هذا العلمة‬
‫ُ‬
‫دم على تكفير محمد أسد فى مثل هذا‬ ‫العظيم‪ ،‬وإن كنت ل أستطيع أن أقْ ِ‬
‫خشية أن يكون مخطئا فى اجتهاده ل يبغى إهانة النبياء أو التطاول عليهم‬
‫والتحقير من شأنهم عليهم صلوات الله وسلمه أجمعين‪ ،‬ولكنى فى ذات‬
‫الوقت ل أهضم وقوعه فى هذا الخطإ البلق‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وفى النهاية أود أن أضيف أننا ل نجد هذا الرأى الغريب لسد فى النبياء فى‬
‫ة الرسول عليه‬ ‫ت له إلى العربية‪ .‬لقد لمس مثل بشري َ‬
‫م ْ‬‫ج َ‬
‫الكتب التى ت ُْر ِ‬
‫الصلة والسلم فى موضعين من كتابه "الطريق إلى السلم"‪ ،‬وهذا ما قاله‬
‫دع يوما إل‬ ‫فى الموضع الول‪" :‬ومع ذلك فإنه )أى الرسول عليه السلم( لم ي ّ‬
‫أنه بشر‪ ،‬ولم ينسب المسلمون إليه اللوهية قط كما فعل الكثيرون من أتباع‬
‫النبياء الخرين بعد وفاة نبيهم‪ .‬والحق أن القرآن نفسه يزخر بالقوال التى‬
‫تؤكد إنسانية محمد‪" :‬وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل‪ .‬أفإن‬
‫ل انقلبتم على أعقابكم؟"‪ .‬وكذلك فإن القرآن الكريم قد دلل على‬ ‫مات أو قُت ِ َ‬
‫عجز النبى المطلق تجاه العزة اللهية بقوله تعالى‪" :‬قل‪ :‬ل أملك لنفسى‬
‫نفعا ول ضرا إل ما شاء الله‪ .‬ولو كنت أعلم الغيب لستكثرت من الخير وما‬
‫ن أنا إل نذير وبشير لقوم يؤمنون"‪ .‬ول ريب فى أن من حوله‬ ‫مسنى السوء‪ .‬إ ْ‬
‫لم يحبوه مثل هذا الحب إل لنه لم يكن سوى بشر فحسب‪ ،‬ولنه عاش كما‬
‫يعيش سائر الناس‪ :‬يتمتع بملذات الوجود البشرى ويعانى آلمه"‪ .‬وهو تقريبا‬
‫نفس ما نقرؤه فى الموضع الثانى حيث يقول إنه عليه السلم كان "كائنا‬
‫بشريا مليئا بالرغبات والدوافع النسانية وبوعى حياته الخاصة‪ ،‬وفى الوقت‬
‫عينه أداة طيعة لتلقى رسالته"]‪ .[4‬والنصان‪ ،‬رغم حرصهما على إبراز بشرية‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ل يتطرقان إلى مسألة العصمة النبوية‪ ،‬بل‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لنلمح فى عباراتهما ما يوحى بأن المؤلف كان يرى أنه عليه السلم عرضة‬
‫للوقوع فى الذنوب والثام كأى شخص عادى‪ .‬فهل هذا دليل على أن فكره‬
‫قد تطور بعد ذلك إلى القول بأن النبياء يذنبون ويأثمون كغيرهم من البشر؟‬
‫أم هل كانت هذه الفكرة من صلب عقيدته أوانذاك لكنها‪ ،‬لسبب أو لخر‪ ،‬لم‬
‫شقّ طريقها إلى الظهور فى ذلك الكتاب؟‬ ‫تَ ُ‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫]‪ [1‬النعام‪.112 /‬‬
‫]‪ [2‬ص ‪ /591‬هـ ‪.15‬‬
‫]‪ [3‬ص ‪ /785‬هـ ‪. 2‬‬
‫]‪ [4‬محمد أسد‪ /‬الطريق إلى السلم‪ /‬ترجمة عفيف البعلبكى‪ /‬دار العلم‬
‫للمليين‪1981 /‬م‪.303 ،297 /‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فكر محمد أسد كما ل يعرفه الكثيرون )‪(3‬‬


‫)ليو بولد فايس(‬
‫كما ل يعرفه الكثيرون )‪(3‬‬
‫موقفه من مسألة عصمة النبياء‬
‫د‪.‬إبراهيم عوض‬
‫‪ibrahim_awad9@yahoo.com‬‬
‫ومن القضايا ذات الهمية الشديدة التى تناولها أسد فى ترجمته التفسيرية‬
‫ة الرسل ومدى انعكاسها على أخلقهم وسلوكهم‪ ،‬فهو‬ ‫للقرآن الكريم بشري ُ‬
‫ح فيه أحد‪ ،‬إذ إن رسل الله‬ ‫دائم الشارة إلى هذه البشرية‪ ،‬وهى مما ل ي ُ َ‬
‫شا ّ‬
‫وأنبياءه كانوا كلهم بشرا‪ .‬هكذا تكلم التاريخ‪ ،‬أما إذا قال أصحاب بعض الديان‬
‫ل أن يعتقد ما يشاء‪،‬‬ ‫إن نبيهم إله أو ابن إله فهو كلم ل يؤبه به‪ ،‬وإن كان لك ّ‬
‫وحسابه على الله‪ .‬كما أن القرآن قد كرر القول مرارا بأن الرسل والنبياء‬
‫كانوا جميعا بشرا من البشر‪ ،‬فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون وينجبون‬
‫ون السواق‪ ،‬ثم فى النهاية يموتون‪ .‬إذن فل خلف مع محمد أسد فى‬ ‫وي َغْ َ‬
‫ش ْ‬
‫هذا البتة‪ ،‬إل أنه ل يتوقف عند هذا الحد‪ ،‬بل دائما ما يجعل إشارته إلى بشرية‬
‫الرسل والنبياء منطلقا للقول بأنهم‪ ،‬أيضا مثل سائر البشر‪ ،‬معرضون للخطإ‬
‫كلما سنحت الفرصة‪ .‬ويبدو لى بقوة أن أبواب الخطاء كلها مفتوحة عنده‬
‫أمامهم مثل أى إنسان آخر‪.‬‬
‫ن قَب ِْلك‬
‫م ْ‬
‫فعلى سبيل المثال يقول‪ ،‬عند تعليقه على قوله تعالى‪" :‬وما أرسلنا ِ‬
‫ن فى أمنّيته‪ ،‬فينسخ الله ما‬ ‫قى الشيطا ُ‬ ‫من رسول ول نبى إل إذا تمنى أ َل ْ َ‬
‫كم الله آياِته‪ ،‬والله عزيز حكيم"‪ ،‬إن إلقاء الشيطان فى‬ ‫ح ِ‬‫ن ثم ي ُ ْ‬
‫قى الشيطا ُ‬ ‫ي ُل ْ ِ‬
‫أمنّية النبى والرسول معناه أل يكون هدفهما الخذ بيد أمتهما فى معراج‬
‫الرقى الروحى‪ ،‬بل إحراز القوة والتأثير الشخصى‪ .‬ثم يمضى فيستشهد‬
‫ن النس والجن"]‬ ‫بقوله عز من قائل‪" :‬وكذلك جعلنا لكل نبى عدّوا شياطي َ‬
‫‪[1‬دون أن يوضح صلة هذه الية بما نحن فيه‪ .‬أُتراه يريد أن يقول إن‬
‫رفونهم‬ ‫ح ِ‬
‫للشياطين من إنس وجن تأثيرا على الرسل والنبياء حتى إنهم لي َ ْ‬
‫ى‬
‫عن مسارهم الذى حددته لهم السماء إلى التطلع لغايات شخصية؟ لكن أ ّ‬
‫نبى أو رسول يا ت َُرى استطاعت الشياطين أن توسوس له بوضع مطامحه‬
‫فى القوة والنفوذ الشخصى فوق الغاية النبيلة التى انتدبه لها رب العزة‬
‫والجلل؟ ها هو ذا القرآن الكريم بين أيدينا‪ ،‬وليس فيه شىء من ذلك على‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطلق‪ ،‬أما إذا كان العهد القديم ينسب إلى أنبياء الله ورسله مثل هذه‬
‫التطلعات وغيرها مما يشوه صورة النبوة ويلطخها فهذا ليس برهانا على‬
‫صحة هذه الدعوى الخطيرة‪ ،‬لن كتب اليهود مجرحة تجريحا شديدا حسبما‬
‫ذكر القرآن فى أكثر من موضع‪ ،‬وكذلك حسبما أثبتت الدراسات النقدية التى‬
‫تناولتها‪ ،‬سواء تلك التى قام بها علماء المسلمين أو علماء الغرب أنفسهم‪.‬‬
‫وعلى أية حال فالذى يهمنا فى هذا المجال هو القرآن لنه هو الذى يستند‬
‫إليه أسد فى تقرير ما قال‪.‬‬
‫وفى كلمته التمهيدية التى يقدم بها لسورة "القصص" يقول إن "معظم قصة‬
‫موسى فى تلك السورة تصور الجانب البشرى الخالص فى حياته‪ ،‬أو بتعبير‬
‫آخر تصور الدوافع وألوان الحيرة والخطاء التى تشكل جزءا من الطبيعة‬
‫البشرية‪ ،‬وهو ما يبرزه القرآن إبرازا رغبة منه فى مقاومة أى ميل عند‬
‫المتدينين إلى عَْزو أية صفات شبه إلهية إلى أحد من رسل الله"‪ .‬وبعد قليل‬
‫خل موسى عليه السلم ووَ ْ‬
‫كزه‬ ‫قب على اقتتال المصرى والسرائيلى وتد ّ‬ ‫يع ّ‬
‫للمصرى الوكزة َ التى قضت عليه دون قصد منه‪ ،‬فيقول إن "اليتين ‪17-16‬‬
‫من هذه السورة تومئان إلى أن السرائيلى ل المصرى هو المخطئ‪ .‬والظاهر‬
‫أن موسى قد تقدم لمساعدة السرائيلى بدافع من الميل الغريزى نحو ابن‬
‫جلدته دون اعتبار للصواب والخطإ فى هذه القضية‪ ،‬وإن كان قد تبين له أنه‬
‫ل غير مقصود‪ ،‬بل‬ ‫اجترح إثما فظيعا‪ ،‬ل بقتله إنسانا بريئا فقط رغم أنه قت ٌ‬
‫بإقامته تصرفه كذلك على أساس من التحيز العنصرى"]‪.[2‬‬
‫وفى أحد الهوامش التى خصصها للتعليق على قصة يونس عليه السلم‬
‫فْلك المشحون حين لم يجد من قومه آذانا صاغية‪ ،‬نراه يختم‬ ‫وإ َِباقه إلى ال ُ‬
‫كلمه بقوله إن الهدف من هذه القصة فى القرآن هو تفهيمنا أنه ما دام قد‬
‫خِلق النسان ضعيفا" كما جاء فى سورة "النساء"‪ ،‬فإن النبياء أنفسهم غير‬ ‫" ُ‬
‫صنين ضد أى من ألوان الضعف المركوزة فى الفطرة البشرية‪ .‬وهو ما‬ ‫مح ّ‬
‫يعنى بوضوح أنهم عليهم السلم يمكن أن يرتكبوا أى شىء مما يقع فيه‬
‫ظم‪ .‬وقد كرر المعنى ذاته فى تفسيره لقوله جل جلله‬ ‫ن أو عَ ُ‬‫البشر ها َ‬
‫دم من ذنبك وما‬ ‫مخاطبا نبيه محمدا عليه السلم‪" :‬ليغفَر لك الله ما تق ّ‬
‫خُلق وكان حميد السجايا‬ ‫خر"‪ ،‬إذ يؤكد أن النسان مهما ارتقى فى معراج ال ُ‬ ‫تأ ّ‬
‫ف‬
‫فإنه عرضة للوقوع فى الخطإ بين الحين والحين‪ ،‬وأن الية تشير من طْر ٍ‬
‫ى إلى أن التحرر من الخطاء مقصور على الله سبحانه]‪.[3‬‬ ‫خف ّ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫صمين اللذين‬ ‫خ ْ‬
‫وفى ضوء هذا نستطيع أن نفهم قوله بصدد الحديث عن ال َ‬
‫ورا المحراب على داود عليه السلم وشكا أحدهما الخر إليه بأنه طلب‬ ‫تس ّ‬
‫ون من‬‫منه نعجته الوحيدة التى ل يملك سواها كى يضمها إلى قطيعه المك ّ‬
‫تسع وتسعين نعجة‪...‬إلخ‪ ،‬إذ تساءل قائل‪ :‬هل النبياء معصومون من الذنوب‬
‫والخطايا كما يقول علماء المسلمين القدامى أو ل؟ ثم يجيب بأن هؤلء‬
‫العلماء يذكرون أن داود قد أحب امرأة قائدة العسكرى أوريا ورسم خطة‬
‫للتخلص منه لكى يخلو له وجه الزوجه‪ ،‬إذ أمر بأن يوضع فى مكان مكشوف‬
‫على خط المواجهة مع العداء حيث قُِتل‪ ،‬وعندئذ تزوج داود المرأة وأنجب‬
‫منها سليمان‪ ،‬وإن أنكروا فى ذات الوقت أن يكون قد زنى بها إنكارا شديدا‪.‬‬
‫ومن الواضح هنا أيضا أن أسد مع عدم عصمة النبياء‪.‬‬
‫وهو يرى أن قوله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪" :‬ألم نشرح‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لك صدرك* ووضعنا عنك وِْزرك* الذى أنقض ظهرك* ‪...‬؟" يشير بكل وضوح‬
‫إلى الخطاء التى اقترفها عليه السلم قبل البعثة‪ .‬ولكن أية أخطاء يا ترى‬
‫تلك التى اقترفها النبى آنذاك؟ هنا يسكت أسد‪ .‬ولست أوافقه على أن معنى‬
‫"الوزر" فى اليات الكريمة أخطاء ارتكبها الرسول فى الجاهلية‪ ،‬إذ لو كان‬
‫قض هذه الخطاء ظهره‪ ،‬وهو لم يكن مكلفا آنئذ ول‬ ‫المر كذلك فلماذا ت ُن ْ ِ‬
‫َ‬
‫آخذه الله عليها فى أى موضع من القرآن ول اتخذها أحد من قومه ت ُك َأة ً للنيل‬
‫ن الله عليه‬ ‫م ّ‬
‫من سمعته أو للتشويش على أخلقه ونبوته؟ علوة على أن َ‬
‫سر إنما يشير بالحرى‬ ‫سر إل ومعه ي ُ ْ‬
‫بشرح صدره وطمأنته إياه بأنه ما من عُ ْ‬
‫إلى ضيق صدره عليه السلم بشىء من قبيل فتور الوحى عليه فى أول‬
‫الدعوة أو معاندة المشركين له أو ما إلى ذلك‪ .‬أى أن الوزر هنا وزر نفسى ل‬
‫أخلقى‪ .‬أما إذا كان المقصود بشرح الصدر دللته المادية بمعنى شقه‬
‫واستخراج نصيب الشيطان منه وغسله بالثلج أثناء طفولته الولى فى بادية‬
‫بنى سعد كما جاء فى بعض الروايات‪ ،‬فإن ذلك ينسف ما قاله محمد أسد‬
‫عن الرسول من أساسه‪ ،‬إذ معناه أنه عليه السلم قد أصبح محميا تماما من‬
‫الوقوع فى الذنوب والثام‪.‬‬
‫وعلى أية حال فإنه صلى الله عليه وسلم ل يمكن أن يكون قد وقعت منه‬
‫أخطاء مما يتحدث عنها الكاتب‪ ،‬وإل لتخذها المشركون حين جاءهم بالدين‬
‫الجديد سلحا من أسلحة الحرب النفسية التى شنوها عليه منذ اللحظة‬
‫الولى‪ .‬ترى لو كانت هناك أخطاء من ذلك النوع أكانوا يتركونها ويتهمونه بما‬
‫يعلمون هم قبل غيرهم أنه باطل‪ ،‬وهو أنه ساحر ومجنون وكذاب ويكتتب‬
‫قصصه عن النبياء السابقين وأممهم من بعض الرقيق المكى من أهل‬
‫ملة سليمة فيلقى بها فى عُْرض‬ ‫الكتاب؟ أيعقل أن يكون فى يد إنسان عُ ْ‬
‫الطريق ويتخذ بدل منها نقودا ُزُيوفا؟ ترى لو كان النبى عليه السلم قد زنى‬
‫سر أو تابع قومه‬ ‫مي ْ ِ‬‫رب الخمر أو ل َِعب ال َ‬ ‫أو حتى قّبل امرأة مجرد تقبيل أو َ‬
‫ش ِ‬
‫رف عنه الكذب مثل‪ ،‬أكان قومه‬ ‫فى عبادة الصنام أو التضحية لها أو عُ ِ‬
‫يسكتون عن ذلك؟ إن كل ما قالوه فى بشريته ل يتعدى إنكارهم عليه أنه‬
‫كان يأكل الطعام ويمشى فى السواق وأن له زوجا وذرية‪ ،‬إذ كانوا يريدونه‬
‫كا ل بشرا‪ ،‬وهذا كل ما هنالك‪ ،‬فهل يصح أن يقول مسلم فى الرسول ما‬ ‫مل َ ً‬
‫َ‬
‫لم يقله المشركون؟‬
‫وْليلحظ القارئ أننى قد تجنبت الخوض فى الجدال النظرى البحت حول‬
‫ج التاريخى‬ ‫ت‪ ،‬بدل من ذلك‪ ،‬المنه َ‬ ‫عصمته صلى الله عليه وسلم وسلك ُ‬
‫ت النصوص ذاتها فلم يصادفنا‪ ،‬ل فيما وصلنا عن سيرته‬ ‫والنفسى واستنطق ُ‬
‫ت عنه أو إليه‪ ،‬أىّ من تلك الذنوب المزعومة‪ .‬ثم هل‬ ‫ول فى اليات التى تحدث ْ‬
‫ق عظيم" كما جاء‬ ‫ُ‬
‫خل ٍ‬ ‫كان من الممكن أن يصفه القرآن رغم ذلك بأنه "على ُ‬
‫فى الية الخامسة من سورة "القلم"؟‬
‫ى عليه أكان الله‬ ‫ع َ‬ ‫كذلك لو كان داود عليه السلم قد صنع بأوريا هذا الذى اد ّ ِ‬
‫س عليه السلم لتلك التجربة‬ ‫كه دون مؤاخذة‪ ،‬وهو الذى عّرض يون َ‬ ‫سبحانه تارِ َ‬
‫المرعبة المؤلمة‪ ،‬تجربة ابتلع الحوت له وبقائه فى بطنه أياما وليالى‪ ،‬لمجرد‬
‫غضبه من قومه وإباقه إلى الفلك المشحون بسبب صلبة رقابهم ولجاجهم‬
‫فى الكفر والطغيان؟ إن التآمر على قتل إنسان برىء طمعا فى زوجته‬
‫الجميلة ليس بالمر الهين الذى يمكن أن ت ُعَد ّىَ عنه السماء بمثل هذه‬
‫البساطة‪ ،‬وإل فالعفاء على الخلق بل على النبوة ذاتها! والمضحك فى المر‬
‫أن من قبلوا من علماء المسلمين على داود هذه الدعوى السخيفة بل‬
‫المجرمة كانوا حرصاء فى ذات الوقت على أن يبرئوه من تهمة الزنا‪ ،‬وكأن‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قتل البرياء بدم بارد وتخطيط مسبق ودون خالجة من ضمير ليس بشىء‬
‫بجانب هذه التهمة!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن القصة القرآنية تقول إن الخ الغنى لم يأخذ من أخيه الفقير نعجته فعل‪،‬‬
‫مها إلى نعاجه‪ .‬فهذا كل ما هنالك‪ ،‬وإذن فلو‬ ‫بل كل ما فى المر أنه سأله ض ّ‬
‫أن هذين الخصمين ملكان أرسلهما الله إلى داود‪ ،‬كما جاء فى بعض كتب‬
‫التفاسير‪ ،‬لينبهاه على سبيل التلميح إلى الجريمة التى ارتكبها‪ ،‬فأى جدوى‬
‫ذل وتمت الجريمة ولم يعد من‬ ‫ف العَ َ‬
‫من هذا التصرف ما دام قد سبق السي ُ‬
‫سبيل لتداركها؟ إن هذا عبث ل تليق نسبته إلى المولى عز وجل‪ ،‬الذى كان‬
‫قادرا على أن ينبه نبيه فى هذه الحالة تنبيها مباشرا يمنع الجريمة قبل‬
‫وقوعها بدل من تركه يقترفها ثم عتابه له بعد فوات الوان؟ ثم إذا كان‬
‫النبياء يمكن أن يجترحوا جريمة القتل والتآمر على هذا النحو‪ ،‬فما الفرق‬
‫بينهم إذن وبين عتاة المجرمين؟ إن النسان العادىّ ل ينحط إلى هذه الدركة‪،‬‬
‫دى إلى مثلها النبياء والمرسلون‪ ،‬الذين اصطفاهم الله على سائر‬ ‫فكيف ي َت َد َهْ َ‬
‫ُ‬
‫خلقه وصنعهم على عينه وجعلهم من الخيار أوِلى اليدى والبصار وزودهم‬
‫بالحكمة والتقوى على أحسن حال؟ وفضل عن ذلك فالقرآن نفسه يقول عن‬
‫ن مآب"‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫ح ْ‬ ‫داود عليه السلم فى سورة "ص" ذاتها‪" :‬وإن له عندنا ل َُزل ْ َ‬
‫فى و ُ‬
‫فكيف يمدحه الله سبحانه هذا المديح العظيم ويأتى بعضنا فيتهموه تلك‬
‫التهمة الشنيعة جريا وراء اليهود الملعين الذين لم يتركوا نبيا ول رسول إل‬
‫ذب القرآن ونصدق العهد‬ ‫افتَرْوا عليه أشنع ضروب البهتان فى كتبهم؟ أنك ّ‬
‫ضه عليه السلم أن يحكم‬ ‫القديم؟ كذلك فالية التى تلى قصة الخصمين تح ّ‬
‫جح أن تكون القصة متعلقة‬ ‫بين الناس بالحق ول يّتبع الهوى‪ ،‬وهو ما ير ّ‬
‫بالتسرع فى الحكم لحد المتخاصمين قبل الستماع إلى الطرف الخر‪ ،‬ل‬
‫بمسألة أوريا وزوجته‪ .‬ولو افترضنا بعد هذا كله أن لهذه القصة ظل من‬
‫الحقيقة‪ ،‬ول إخال‪ ،‬فإن أقصى ما يمكن قوله هو أن داود ربما سمع مثل‬
‫بجمال زوجة قائده فحدثته نفسه قائلة‪ :‬لماذا لم ي ُك َْتب له أن يرى تلك المرأة‬
‫قبل أن يتزوجها أوريا فيتخذها هو لنفسه زوجة؟‬
‫َ‬
‫أما يونس فأىّ خطإ ٍ ارتكبه حين ضاق صدره بعد إذ رأى من قومه لد ًَدا فى‬
‫الكفر وتماديا فى العناد والنكار فتركهم ومضى على وجهه؟ إن هذه ليست‬
‫سّبة أخلقية‪ ،‬ل ول هى تهاون فى تأدية الواجب‪ .‬وكل ما يمكن التعليق به‬ ‫ُ‬
‫على تصرفه ذاك هو أن الله لم يأذن له بهجرة قومه‪ ،‬وإل فإن الرسول‬
‫محمدا صلى الله عليه وسلم قد ترك هو أيضا بلده إلى بلد آخر رجاء أن‬
‫دم على هذه الخطوة إل‬ ‫ق ِ‬‫يكون حظ الدعوة فيه أحسن‪ ،‬لكنه مع ذلك لم ي ُ ْ‬
‫بعد إذن الله له‪.‬‬
‫ونأتى إلى وَك َْزة موسى‪ ،‬التى ينبغى أل يفوتنا أنها كانت قبل النبوة وكانت‬
‫مجرد وَك َْزة أراد بها عليه السلم أن يدفع العدوان أو ما ظنه عدوانا على ابن‬
‫جلدته فى بلدٍ كان الضطهاد والعسف يتناوشان بنى إسرائليل فيه ل لشىء‬
‫إل لضعفهم وهوانهم وقلة حيلتهم آنئذ‪ ،‬لكن كانت للقدار مشيئة أخرى‪ ،‬إذ‬
‫مات المصرى بسببها‪ .‬وأغلب الظن أنها كانت "القشة التى قصمت ظهر‬
‫ى صفحة ذلك الرجل من‬ ‫َ‬
‫البعير"‪ .‬أى أن أسباب الموت كانت مهّيأة لط ّ‬
‫الوجود‪ ،‬كأن يكون مصابا بأزمة قلبية مثل أو تكون الوكزة قد أفقدته توازنه‬
‫كز موسى فى ذلك الوقت‬ ‫فسقط دماغه على أرض حجرية‪...‬إلخ‪ ،‬فجاء وَ ْ‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مصادفة واتفاقا ليكون هو العامل الظاهرى الذى أودى بحياته‪ .‬ولنلحظ أن‬
‫موسى قد أّنبه ضميره على الفور ول ّ‬
‫ذعه تلذيعا‪ ،‬فأخذ يستغفر ربه ويبتهل‬
‫إليه نادما أشد الندم رغم أنها ليست سقطة أخلقية كما قلنا‪.‬‬
‫ورغم كل ما أبدأ فيه محمد أسد وأعاد فإنه هو نفسه‪ ،‬فى حديثه عن عبوس‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه ابن أم مكتوم يسأله فى بعض‬
‫أمور دينه أثناء انشغاله بمحاولة إقناع بعض المشركين فى مكة لهدايتهم إلى‬
‫السلم‪ ،‬يقول إن ما ل يزيد عن كونه مجرد هفوة تافهة من أى إنسان آخر‬
‫فى مثل هذه المسألة المتعلقة بالمجاملت الجتماعية ي ُعَد ّ مع ذلك فى حق‬
‫النبياء ذنبا عظيما يستوجب العتاب‪ .‬ثم يمضى قائل إن معاتبة القرآن‬
‫للرسول على مسمع من الدنيا كلها على ذلك النحو إنما هو دليل على أنه‬
‫تنزيل من رب العالمين وأنه صلى الله عليه وسلم ل ينطق عن الهوى‪ .‬وهذا‬
‫هو الذى أتفق فيه مع محمد أسد‪ ،‬وهو هو نفسه ما صاغه علماؤنا القدامى‬
‫رضى الله عنهم عندما قالوا‪" :‬حسنات البرار سيئات المقربين"‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد صدرت عن قلم الكاتب عبارة مهمة ل أدرى كيف لم يستصحبها‬
‫دائما معه بدل من هذا اللحاح المستمر على فكرة الضعف البشرى الخلقى‬
‫الذى ل يفلت منه الرسل والنبياء وإمكان وقوعهم فى أى ذنب من الذنوب‬
‫التى يقترفها البشر‪ ،‬أل وهى قوله‪ ،‬بصدد التعليق على الية التى تقول‪" :‬ما‬
‫وا من‬‫خل َ ْ‬
‫ة الله فى الذين َ‬ ‫سن ّ َ‬
‫كان على النبى من حرج فيما فرض الله له‪ُ .‬‬
‫قبل‪ ،‬وكان أمر الله قَد ًَرا مقدورا"‪ ،‬إن الكلم هنا إنما يدور على النبياء الذين‬
‫تتوافق فيهم جميعا‪ ،‬بما فيهم الرسول عليه السلم‪ ،‬رغائبهم الشخصية مع‬
‫سهم إلى الله‪ ،‬وهو ذلك النسجام الروحى والفطرى الذى يميز‬ ‫إسلمهم أنف َ‬
‫درهم المقدور كما تقول خاتمة الية‪ .‬ترى أين كان ذلك‬ ‫صفوة خلق الله وق َ‬
‫جى ما يقال عن أنبياء الله ورسله‬ ‫َ‬
‫ح َ‬
‫الكلم الجميل من قبل؟ إن هذا هو أ ْ‬
‫وأقربه إلى حديث القرآن المجيد عنهم‪ ،‬أما تصويرهم بصورة الضعفاء‬
‫المهتزين الذين ل يتمالكون أنفسهم من الوقوع فى أى من الذنوب والثام‬
‫بمجرد تهيؤ الدواعى لذلك فل ينسجم مع القرآن‪ ،‬الذى يرفع الرسل والنبياء‬
‫مكانا عَل ِّيا وي ُث ِْنى عليهم أجزل الثناء ويرى فيهم نموذجا فذا ل ُيطال رغم‬
‫بشريتهم التى يؤكدها فى ذات الوقت‪ ،‬بل ينسجم مع اتجاه العهد القديم‪،‬‬
‫الذى ينسب إليهم الزنا والقتل والدياثة ومقارفة الفاحشة مع المحارم‬
‫والكذب والغدر والتحايل على الله والجلفة فى مخاطبته والغضاء عن عبادة‬
‫ت كتبهم التى‬ ‫ن صفحا ِ‬ ‫ود به اليهود ُ الملعي ُ‬ ‫الوثان فى بيوتهم‪...‬إلى آخر ما س ّ‬
‫يزعمون أنها وحى إلهى‪ ،‬ملطخين بذلك الصوَر النبيلة لتلك الصفوة من عباد‬
‫الله‪.‬‬
‫ملل والهواء‬ ‫َ‬ ‫صل فى ال ِ‬‫ف َ‬
‫ت‪ ،‬بعد الفراغ من كتابة ما تقدم‪ ،‬إلى "ال ِ‬ ‫وقد رجع ُ‬
‫حل" لبن حزم لسترجع ما قالت الفرق السلمية فى هذا الموضوع‪،‬‬ ‫والن ّ َ‬
‫فوجدته يذكر أنهم اختلفوا فى ذلك‪ :‬فقالت طائفة إن الرسل عليهم السلم‬
‫يعصون الله فى جميع الكبائر والصغائر عمدا حاشا الكذب فى التبليغ‪ ،‬بل إن‬
‫وزوا أن يكون فى أمة محمد‬ ‫وزوا عليهم الكفر أيضا‪ ،‬كما ج ّ‬ ‫بعض هؤلء قد ج ّ‬
‫عليه السلم من هو أفضل منه‪ .‬وفى رأى ابن حزم أن هذا كله كفر وشرك‬
‫وزوا عليهم الصغائر فقط بالعمد‪ ،‬أما الكبائر‬ ‫وردة عن السلم‪ .‬وهناك من ج ّ‬
‫فل‪ .‬أما الذى تدين به أمة السلم من سنة ومعتزلة وخوارج وشيعة ونجارية‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة‬
‫ى معصي ٌ‬‫ة أن يقع من نب ّ‬‫جوز البت َ‬‫)كما قال العلمة الندلسى( فهو أنه ل ي َ ُ‬
‫أصل ل كبيرة ول صغيرة‪ .‬وهذا رأيه هو أيضا‪ ،‬وإن قال إنه قد تقع من النبياء‬
‫صد ُ الشىء يريدون به وجه الله‬ ‫الهفوة عن غير قصد‪ ،‬كما قد يقع منهم قَ ْ‬
‫ف مراده عز وجل‪ ،‬إل أنه تعالى ل يقّرهم‬ ‫تعالى والتقرب منه فيوافق خل َ‬
‫على شىء من هذين الوجهين أصل بل ينبههم على ذلك ويبّينه‪ ،‬وربما عاتبهم‬
‫ت إليه من تحليل‬ ‫عليه‪ .‬وهذا الذى ذهب إليه ابن حزم هو نفسه ما وصل ُ‬
‫النصوص القرآنية تقريبا‪ ،‬ويسعدنى أن ينسجم رأيى مع رأى هذا العلمة‬
‫ُ‬
‫دم على تكفير محمد أسد فى مثل هذا‬ ‫العظيم‪ ،‬وإن كنت ل أستطيع أن أقْ ِ‬
‫خشية أن يكون مخطئا فى اجتهاده ل يبغى إهانة النبياء أو التطاول عليهم‬
‫والتحقير من شأنهم عليهم صلوات الله وسلمه أجمعين‪ ،‬ولكنى فى ذات‬
‫الوقت ل أهضم وقوعه فى هذا الخطإ البلق‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وفى النهاية أود أن أضيف أننا ل نجد هذا الرأى الغريب لسد فى النبياء فى‬
‫ة الرسول عليه‬ ‫ت له إلى العربية‪ .‬لقد لمس مثل بشري َ‬‫م ْ‬ ‫ج َ‬
‫الكتب التى ت ُْر ِ‬
‫الصلة والسلم فى موضعين من كتابه "الطريق إلى السلم"‪ ،‬وهذا ما قاله‬
‫دع يوما إل‬ ‫فى الموضع الول‪" :‬ومع ذلك فإنه )أى الرسول عليه السلم( لم ي ّ‬
‫أنه بشر‪ ،‬ولم ينسب المسلمون إليه اللوهية قط كما فعل الكثيرون من أتباع‬
‫النبياء الخرين بعد وفاة نبيهم‪ .‬والحق أن القرآن نفسه يزخر بالقوال التى‬
‫تؤكد إنسانية محمد‪" :‬وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل‪ .‬أفإن‬
‫ل انقلبتم على أعقابكم؟"‪ .‬وكذلك فإن القرآن الكريم قد دلل على‬ ‫مات أو قُت ِ َ‬
‫عجز النبى المطلق تجاه العزة اللهية بقوله تعالى‪" :‬قل‪ :‬ل أملك لنفسى‬
‫نفعا ول ضرا إل ما شاء الله‪ .‬ولو كنت أعلم الغيب لستكثرت من الخير وما‬
‫ن أنا إل نذير وبشير لقوم يؤمنون"‪ .‬ول ريب فى أن من حوله‬ ‫مسنى السوء‪ .‬إ ْ‬
‫لم يحبوه مثل هذا الحب إل لنه لم يكن سوى بشر فحسب‪ ،‬ولنه عاش كما‬
‫يعيش سائر الناس‪ :‬يتمتع بملذات الوجود البشرى ويعانى آلمه"‪ .‬وهو تقريبا‬
‫نفس ما نقرؤه فى الموضع الثانى حيث يقول إنه عليه السلم كان "كائنا‬
‫بشريا مليئا بالرغبات والدوافع النسانية وبوعى حياته الخاصة‪ ،‬وفى الوقت‬
‫عينه أداة طيعة لتلقى رسالته"]‪ .[4‬والنصان‪ ،‬رغم حرصهما على إبراز بشرية‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ل يتطرقان إلى مسألة العصمة النبوية‪ ،‬بل‬
‫لنلمح فى عباراتهما ما يوحى بأن المؤلف كان يرى أنه عليه السلم عرضة‬
‫للوقوع فى الذنوب والثام كأى شخص عادى‪ .‬فهل هذا دليل على أن فكره‬
‫قد تطور بعد ذلك إلى القول بأن النبياء يذنبون ويأثمون كغيرهم من البشر؟‬
‫أم هل كانت هذه الفكرة من صلب عقيدته أوانذاك لكنها‪ ،‬لسبب أو لخر‪ ،‬لم‬
‫شقّ طريقها إلى الظهور فى ذلك الكتاب؟‬ ‫تَ ُ‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫]‪ [1‬النعام‪.112 /‬‬
‫]‪ [2‬ص ‪ /591‬هـ ‪.15‬‬
‫]‪ [3‬ص ‪ /785‬هـ ‪. 2‬‬
‫]‪ [4‬محمد أسد‪ /‬الطريق إلى السلم‪ /‬ترجمة عفيف البعلبكى‪ /‬دار العلم‬
‫للمليين‪1981 /‬م‪.303 ،297 /‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فكر واشكر‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وآله وصحبه وبعد ‪:‬‬
‫ت‬
‫المعنى ‪ :‬أن تذكر نعم الله عليك ‪ ،‬فإذا هي تغمرك من فوقك ومن تح ِ‬
‫قدميك } وإن تعدوا نعمة الله ل تحصوها {‬
‫صحة في بدن ‪ ...‬أمن في وطن ‪ ...‬غذاء وكساء ‪ ...‬وهواء وماء ‪ ...‬لديك‬
‫الدنيا وأنت ما تشعر‬
‫تملك الحياة وأنت ل تعلم } وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة {‬
‫لديك عينان ‪ ...‬ولسان وشفتان ‪ ،‬ويدان ورجلن } فبأي آلء ربكما تكذبان {‬
‫هل هي مسألة سهله أن تمشي على قدميك ‪ ،‬وقد بترت أقدام ؟! وأن تعتمد‬
‫على ساقيك ‪ ،‬وقد ُقطعت سوقُ ؟!‬
‫أحقيقُ أن تنام ملء عينيك ‪ ،‬وقد أطار اللم نوم الكثير ‪ ...‬وأن تمل معدتك‬
‫عكر عليه‬ ‫من الطعام الشهي ‪ ،‬وأن تكرع من الماء البارد ‪ ،‬وهناك من ُ‬
‫ض وأسقام ٍ ؟!‬
‫ب بأمرا ٍ‬ ‫الطعام ‪ ،‬ونغص عليه الشرا ُ‬
‫تفكر في سمعك وقد عوفيت من الصمم ‪ ،‬وتأمل في نظرك وقد سلمت من‬
‫العمى ‪ ،‬وأنظر إلى جلدك وقد نجوت من البرص والجذام ‪ ،‬والمح عقلك وقد‬
‫أنعم عليك بحضوره ولم ُتفجع بالجنون والذهول ‪.‬‬
‫حد ٍ ذهبا ً ؟! أتحب بيع سمعك وزن ثهلن‬ ‫أتريد ُ في بصرك وحده كجبل أ ُ‬
‫فضة ؟! هل تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون أبكم ؟!‬
‫هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطع ؟!‬
‫ل جسيمة ‪ ،‬ولكنك ل تدري ‪...‬‬ ‫إنك في ِنعم عميمة ‪ ،‬وأفضا ٍ‬
‫تعيش مهموما ً مغموما ً حزينا ً كئيبا ‪ ،‬وعندك الخبز الدافئ ‪ ،‬والماء البارد ‪،‬‬
‫ً‬
‫والنوم الهانئ ‪ ،‬والعافية الوارفة ‪ ،‬تتفكر في المفقود ول تشكر الموجود ‪،‬‬
‫تنزعج من خسارةٍ مالية وعندك مفتاح السعادة ‪ ،‬وقناطير مقنطرة من الخير‬
‫والمواهب والنعم والشياء ‪.‬‬
‫فكر واشكر ‪ } ،‬وفي أنفسكم أفل تبصرون { فكر في نفسك وأهلك ‪،‬‬
‫وبيتك ‪ ،‬وعملك ‪ ،‬وعافيتك ‪ ،‬وأصدقائك ‪ ،‬والدنيا من حولك ‪ ،‬فلنتذكر نعم الله‬
‫علينا وأن نقول الحمد لله والشكر عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد‬
‫كلماته }يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها {‪.‬‬
‫جمعه لكم أخوكم ‪/‬‬
‫أبو جراح‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دا‬
‫فل تعجل عليهم إنما نعد لهم ع ّ‬
‫د‪.‬عبد اللطيف بن عبد الله بن يوسف الوابل ‪3/2/1424‬‬
‫‪05/04/2003‬‬
‫إن الحداث التي تمر بها أمتنا السلمية ومنطقة الخليج بوجه خاص لتوجب‬
‫على كل مسلم أن يشارك بما يستطيع من قول الحق للدفاع عن دينه وأمته‬
‫التي تتعرض لخطر أزمة مرت عليها في تاريخها الحديث إن لم يكن في‬
‫تاريخ المة على الطلق ‪ ،‬لقد علمنا السلم عقيدة القضاء والقدر وأنه ل‬
‫يتحرك في الكون صغير ول كبير إل بإذن الله سبحانه وبأمره ) الحمد لله‬
‫الذي له ما في السموات وما في الرض وله الحمد في الخرة وهو الحكيم‬
‫الخبير ‪ ،‬يعلم ما يلج في الرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما‬
‫يعرج فيها وهو الرحيم الغفور ( فاللهم لك الحمد كما ينبغي لجلل وجهك‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعظيم سلطانك ‪ .‬لك الحمد في السراء والضراء ‪ .‬لك الحمد فأنت الحق‬
‫ووعدك حق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى‬
‫الله عليه وسلم حق ‪ .‬لك الحمد فنحن عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك نواصينا‬
‫ض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك ‪ .‬لك الحمد أنت المتصرف وحدك‬ ‫بيدك ما ٍ‬
‫في الكون فما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن ‪ ،‬اعلم أن الله على كل‬
‫شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ً ‪ ،‬اللهم فأجعل لنا من أمرنا‬
‫رشدا ً وفرجا ً ومخرجا ً ‪ ،‬اللهم اهدنا الصراط المستقيم في جميع أقوالنا‬
‫وأفعالنا وأحوالنا ‪.‬‬
‫أيها الخوة القراء في هذا المقال الذي هو بعنوان " فل تعجل عليهم إنما نعد‬
‫دا" سيكون الحديث فيه عن أربع قضايا ‪- :‬‬ ‫لهم ع ّ‬
‫________________________________________‬
‫أول ً ‪ :‬لمحة عن تسلسل الحداث الجارية ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬سنة الله سبحانه في المم المكذبة ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬مكر الله بالقوم المجرمين ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬نصائح عامة للمة ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫أول ً ‪ - :‬لمحة عن تسلسل الحداث الجارية ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هذه لمحة موجزة نبين فيها تسلسل الحداث التي أحاطت بأمتنا اليوم فبعد‬
‫قيام ما يسمى " النتفاضة الولى " للمجاهدين في فلسطين وبداية مرحلة )‬
‫أطفال الحجارة ( حينما استيقظ المجاهدون في فلسطين وأعدوا ما‬
‫استطاعوا من قوة لمواجهة الحتلل الصهيوني أحست دولة الكفر‬
‫والطغيان ‪ ،‬ودولة اليهود أن بقاءها أصبح معدودا ً وأنها تمر بمرحلة خطيرة‬
‫ولن القوم قد تعلموا من تاريخهم أنه ل بد لهم من مسابقة الحداث‬
‫والتخطيط المنظم لتلفي الخطار المحدقة بهم قبل وقوعها أوعلى القل‬
‫تأخيرها ‪ ،‬ولن اليهود يعلمون حقيقة عضب الله عليهم وأنهم ل قرار لهم‬
‫بدون المكروتجييش الخرين في صفهم كما ذكرالله عنهم ذلك بقوله ‪" :‬‬
‫ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إل بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا‬
‫بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله‬
‫ويقتلون النبياء بغير حق ‪ ،‬ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " وكذلك فهم‬
‫يعلمون أن بداية زوالهم سيكون مع بداية أول طلقة جهادية في فلسطين ‪،‬‬
‫ومن ثم فقد تداعى القوم وبذلوا جهودا ً حثيثة مع شركائهم وحلفائهم‬
‫المريكيين وبعض الوربيين ليجدوا مخرجا ً من هذه الزمة الخانقة وبعد تفكير‬
‫طويل وتخطيط ماكر وجدوا أن الحل هو في ضرب الفسطينين بعضهم‬
‫ببعض ليتم لهم خنق أنفاس المجاهدين ببني قومهم وليسلم اليهود من شرر‬
‫المعركة وحتى يكون وقودها من الفلسطينين سواًء أكانوا من الحركات‬
‫الجهادية أم من الحركة العلمانية ‪ ،‬وبدأ فصل جديد في القضية الفلسطينية‬
‫إذ بدأ مشوار السلم الزائف وعقدت له المؤتمرات والتي من أهمها مؤتمر‬
‫مدريد واستمر تخطيط القوم ومكرهم ووصلوا إلى مرحلة كادت أن تكون‬
‫نهاية لمرحلة الجهاد الفلسطيني إذ استطاعوا بالتعاون مع حلفائهم وأنصارهم‬
‫صم المجاهدين بسوار من أهل الغدر والخيانة ‪،‬‬ ‫معْ َ‬
‫من المنافقين أن يحيطوا ِ‬
‫ولكن الله سبحانه كان لهم بالمرصاد فأبطل كيدهم كما قال سبحانه ‪":‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب " فقِتل رابين‬
‫بأيدي اليهود واختل توازن منطقة الشرق الوسط حيث تولى الحكم في‬
‫تركيا في تلك الفترة حزب الرفاه فكان ذلك لصالح المسلمين وكان فيه‬
‫شل وقتها مؤتمر شرم الشيخ الذي كان برعاية‬ ‫ة وفَ ِ‬‫تخفيف من الله ورحم ٌ‬
‫أمريكية وكان من المقرر فيه أن تجتمع المنطقة بكاملها لمحاربة الدعاة‬
‫المصلحين واحباط كل محاولة لدعم المجاهدين في فلسطين وغيرها وهكذا‬
‫أخي الحبيب فإن الله سبحانه ينصر عباده المؤمنين من حيث ل يشعرون ‪" .‬‬
‫ومن يتوكل على الله فهو حسبه " ‪ " .‬كلما أوقدوا نارا ً للحرب أطفأها الله‬
‫ويسعون في الرض فسادا ً والله ل يحب المفسدين " ‪ .‬وجاءت حكومة‬
‫نتنياهو )‪ (1‬ذلك العدو الشرس الذي أسس وخطط مع فريقه المعروف باسم‬
‫) فريق بيبي الحديدي ( للتأكيد على أن الحوار مع العرب يجب أن يتم من‬
‫مواقع القوة فقط ‪ ،‬المر الذي يتطلب الحفاظ على التفوق العسكري‬
‫والقتصادي الدائم لسرائيل على العالم العربي ‪ ،‬بل وحتى السلمي ‪،‬‬
‫واقترح نتنياهو التخلي عن العملية السلمية وعن اتفاقات أوسلو مع‬
‫الفلسطينين وأقنع ذلك الفريق الماكر ساسة اليهود بأن العراق هو العدو‬
‫اللدود المستقبلي لهم بما يملكه من إمكانات مالية وبشرية وفكرية فهو‬
‫الجزء المتبقي من العالم العربي الذي يمكن من خلله نشوء قوة للمسلمين‬
‫تهدد أمن وسلمة اليهود في المنطقة ولذلك سعى هذا الفريق لقناع إدارة‬
‫كلينتون بذلك ولكنه فشل فانتقل إلى التخطيط لمرحلة ما بعد كلينتون‬
‫ووجدوا بغيتهم في الرئيس بوش وفريقه العسكري الذي يحمل أفكار اليمين‬
‫اليهودي الصهيوني ليصبح " ربيبا ً لليهود وابنا ً بارا ً لهم في تنفيذ مخططات‬
‫غدرهم ومكرهم وتناغم الفريقان فريق بوش الهوج مع فريق شارون‬
‫الحمق لتنفيذ أفكار المنظر نتنياهو ‪ .‬وفي ظل هذه التطوارت عادت جحافل‬
‫المجاهدين بقوة لتبدأ مرحلة ما يسمى " النتفاضة الثانية " والتي قلبت‬
‫معادلت الصهاينة حيث وجدوا أنفسهم مرة ثانية في شراك المجاهدين أولئك‬
‫الذين ل يهابون الموت ودخل اليهود في سلسلة من الجرائم والهزائم‬
‫السياسية والعسكرية والقتصادية والخلقية وانهارت اسطورة التفوق‬
‫العسكري السرائيلي لعدم قدرته على مواجهة‪ -‬أطفال الحجارة ‪ -‬المجاهدين‬
‫وحاملي البنادق الصابرين فهم دائما ً يرددون ‪ :‬الله مولنا ول مولى لكم ‪.‬‬
‫قتلنا في الجنة وقتلكم في النار فما أسرع اقبالهم على الجنات ‪.‬‬
‫عند هذا المأزق وجد اليهود أن أقصر طريق للخروج من الزمة هو افتعال‬
‫أزمةٍ مجاورةٍ تستطيع من خللها توريط بوش وإدارته لنجدة الصهاينة من‬
‫المأزق فكانت العراق هي أفضل دولة مناسبة لذلك ليضرب الصهاينة‬
‫عصفورين بحجر واحد ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وبعيدا ً عن الجدل حول من خطط ونفذ أحداث ‪ 11‬سبتمبر وما هو دور‬


‫الموساد وعملئه في المنظمات اليهودية في أمريكا وهل تم التخطيط‬
‫ف استدرج الطرف الخر‬ ‫والتنفيذ من طرف واحد أم أن التخطيط من طر ٍ‬
‫للتنفيذ ليتم للعدو الماكر تطبيق استراتيجيته فإن الحقيقة التي يتفق عليها‬
‫ل وكسر لدولة البغي‬ ‫م من الله سبحانه واذل ٌ‬
‫المسلمون هو أن ما حدث انتقا ٌ‬
‫ً‬
‫والطغيان التي تجرأت حتى على الرحمن وظنت أنها لن تعجز الله هربا ‪.‬‬
‫وكما قال سبحانه ‪ " :‬وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ً " وبعيدا ً كذلك عن الجدل الدائر حول‬
‫أهداف الحملة الصليبية الجديدة على العالم السلمي وهل الهدف هو‬
‫الستيلء على منابع النفط أم للسيطرة والهيمنة على العالم والتحكم في‬
‫مراكز ثرواته أم حماية اسرائيل أم هذه الهداف جميعا ً فإن مما يتفق عليه‬
‫العقلء من المسلمين أنها حرب على السلم وأهله لمحاولة القضاء على‬
‫ذلك العملق الذي بدأ يترعرع ويخرج من حدود إمكانية السيطرة عليه فهم‬
‫يعرفون أنه ل بقاء لهم مع قوة السلم وظهوره ‪ ،‬وهذا ما حمل أمريكا‬
‫بإصرار شديد على المضي في المعركة مهما كلفتها حتى مع وقوف العالم‬
‫كله في وجهها فهي قضية استراتيجية بالنسبة لها ولم تكن أفغانستان إل‬
‫مجرد استعراض للقوة والجبروت ولكنه أمر الله الغالب وقضاؤه النافذ‬
‫لحكمة يعلمها فهو الحكيم الخبير ‪" .‬والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس‬
‫ل يعلمون"‬
‫________________________________________‬
‫ثانيا ً ‪ - :‬سنن الله سبحانه في المم المكذبة ‪.‬‬
‫أيها الخوة الفضلء وإذا كانت الحداث بهذا التخطيط الماكر وكنا نحن‬
‫المسلمين المستهدفين من هذا التخطيط الذي لم نستعد ّ له ولم نأخذ له‬
‫العدة فقد ابتلينا والله المستعان بداء التباطؤ وأن تكون أفعالنا وخططنا ردود‬
‫أفعال وإل فقد كان بالمكان التخفيف من وقع المصيبة لو كنا على مستوى‬
‫الحداث و مع هذا فظننا بالله عظيم ويقيننا به سبحانه أنه يدافع عن أوليائه‬
‫الصادقين ‪ ،‬وسنن الله سبحانه ل تتغير ول تتبدل وهي ماضية في الخرين كما‬
‫كانت في الولين ‪ .‬والقرآن حين يتحدث عن حال المم الماضية ومعاملتها‬
‫ل بهذه المم المكذبة من‬ ‫لنبياء الله ورسله وطغيانها وتكذيبها لهم وما ح ّ‬
‫الهلك والدمار إنما مقصوده تعزية المؤمنين وتثبيتهم ومواساتهم والتأكيد لهم‬
‫بأن الله يدافع عنهم‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فهو إنذار وتحذير وأخذ ٌ‬
‫للعبرة من إهلك المم السابقة الحذر من الوقوع في أسباب الهلك ‪ .‬فعلى‬
‫سبيل المثال فهذه عاد طغت وبغت وكذبت رسولها هود عليه السلم أولئك‬
‫الذين وصف الله قوتهم بقوله ‪ " :‬ألم تر كيف فعل ربك بعاد ‪ .‬إرم ذات‬
‫العماد ‪ .‬التي لم يخلق مثلها في البلد " ولكنهم تجبروا وتكبروا وقالوا لنبيهم‬
‫استهزاء واستهتارا ً " من أشد منا قوة " فرد الله عليهم بقوله ‪ " :‬أولم يروا‬
‫أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون ‪ .‬فأرسلنا عليهم‬
‫ريحا ً صرصرا ً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا‬
‫ولعذاب الخرة أخزى وهم ل ينصرون "‪ .‬وهذا فرعون يقول تجبرا ً وطغيانا ً "‬
‫يا أيها المل ما علمت لكم من إله غير فأوقد لي يا هامان على الطين فأجعل‬
‫لي صرحا ً لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لظنه من الكاذبين ‪ .‬واستكبر هو‬
‫وجنوده في الرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا ل يرجعون ‪ .‬فأخذناه وجنوده‬
‫فنبذناهم في اليم فأنظر كيف كان عاقبة الظالمين " ويصف لنا ربنا سبحانه‬
‫حال هذا الطاغي المتجبر وإذلله لموسى عليه السلم ولقومه وعدم مبالته‬
‫بهم وذلك بعد هزيمته السياسية في مقابلة حجج موسى عليه السلم ‪" :‬‬
‫فأرسل فرعون في المدائن حاشرين ‪ .‬إن هؤلء لشرذمة قليلون ‪ .‬وإنهم لنا‬
‫لغائظون ‪ .‬وإنا لجميع حاذرون "‪ .‬فكانت النتيجة ما أخبرنا الله عن حالهم ‪":‬‬
‫فأخرجناهم من جنات وعيون ‪ .‬وكنوز ومقام كريم ‪ .‬كذلك وأورثناها بني‬
‫إسرائيل ‪ .‬فأتبعوهم مشرقين ‪ .‬فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا‬
‫لمدركون ‪ .‬قال كل إن معي ربي سيهدين ‪ .‬فأوحينا إلى موسى أن أضرب‬
‫بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ‪ .‬وأزلفنا ثم الخرين‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ‪ .‬ثم أغرقنا الخرين "‪ .‬وهكذا فإننا حين‬
‫نستقرئ ما ذكره الله عن حال المم المكذبة نجد أن سنة الله ماضية فيهم‬
‫ن لكل أجل كتاب " ما تسبق من أمة أجلها وما‬ ‫ن دمرهم تدميرا ً ولك ْ‬
‫بأ ْ‬
‫يستأخرون " " فل تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا ً " وكما قال سبحانه ‪ ":‬وكم‬
‫ة وأنشأنا بعدها قوما ً آخرين ‪ .‬فلما أحسوا بأسنا‬
‫قصمنا من قرية كانت ظالم ً‬
‫إذا هم منها يركضون ‪ .‬ل تركضوا وأرجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم‬
‫لعلكم تسألون ‪ .‬قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين ‪ .‬فما زالت تلك دعواهم حتى‬
‫جعلناهم حصيدا ً خامدين "‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وإذا تأملت أخي الكريم حال الوليات المتحدة المريكية وما هي عليه فإن‬
‫سنن الله سبحانه تجمع على أنها تنتظر عقابا ً الهيا ً مدمرا ً يمزقها تمزيقا ً ‪ .‬فما‬
‫دعن‬ ‫بلغت أمة في الطغيان والجبروت والكذب والفساد في الرض والص ّ‬
‫سبيل الله ومعاداة أولياء الله ومطاردتهم وتعذيبهم بأشد ّ السلحة فتكا ً‬
‫ة في ذلك ما بلغته أمريكا عليها من الله ما‬ ‫وتدميرا ً ‪ .‬أقول ما بلغت أم ٌ‬
‫تستحق ‪ .‬وإليك عرض موجز لسباب الهلك التي يمكن أن نستقرأها من‬
‫حال هذه الدولة الكافرة ) من أراد التفصيل فليعد للمقال الذي في مجلة‬
‫البيان – العدد ‪ – 179‬ص ‪ – 84‬د سامي الدلل( ‪.‬‬
‫‪ .1‬الكفر والصد عن سبيل الله ومطاردةُ المجاهدين والدعاة والمصلحين‬
‫والمؤسسات الخيرية والتضييق عليهم بالساليب غير المباشرة سابقا ً عن‬
‫طريق عملئها أو بالساليب المباشرة الن بعناصر مخابراتها دون حياء أو‬
‫خجل ‪ ،‬وفي الحديث ‪ " :‬من عادى لي وليا ً فقد آذنته بالحرب " فكيف وهي‬
‫ب سبحانه استكبارا ً وعنادا ً ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫تعادي كل أولياء الله بل وتعادي الر ّ‬
‫" ل يغرنك تقلب الذين كفروا في البلد ‪ .‬متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس‬
‫المهاد" " ول يرد بأسنا عن القوم المجرمين" ‪.‬‬
‫‪ .2‬التأله ‪ :‬فقد أدعت أمريكا لنفسها من القدرات ما ل يليق إطلقه إل على‬
‫ن حالها يقول ‪ " :‬أنا ربكم‬ ‫الله تعالى ‪ ،‬فهي تتعامل مع الدول الخرى ولسا ُ‬
‫ت بقاءه أبقيته ومن أردت إهلكه‬ ‫العلى " " أنا أفعل ما أشاء " " من أرد ُ‬
‫أهلكته " وكأنها هي المتصرفة في تدبير شؤون الكون ‪ .‬ولذلك قال بوش في‬
‫خطابه للرئيس مشرف ) رئيس باكستان ( أمامك خياران ‪ :‬إما أن تدخل في‬
‫حلف الوليات المتحدة في حربها ضد الرهاب وإما أن نعيد باكستان إلى‬
‫العصر الحجري ‪ .‬ولهذا فهي تنتظر ما حل بفرعون وقومه ‪ " :‬ودمرنا ما كان‬
‫يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون" ‪.‬‬
‫‪ .3‬الظلم ‪ - :‬ل يختلف اثنان على الحجم الهائل للظلم الذي أوقعته أمريكا‬
‫على الدول والشعوب والفراد فهي رائدة الظلم على المستوى السياسي‬
‫والقتصادي والعسكري فقد نهبت ثروات المم والشعوب وتسلطت على‬
‫المنظمات الدولية ذات الطابع الدبلوماسي والقتصادي كهيئة المم المتحدة‬
‫ومجلس المن والبنك الدولي ومن يخرج عن رأيها ترهبه بالقوة العسكرية‬
‫وبالتجويع فهي الدولة الوحيدة التي استخدمت أشد السلحة فتكا ً ) القنبلة‬
‫الذرية ( في اليابان وهي الرائدة في تصنيع وتصدير السلحة الكيميائية‬
‫والجرثومية وهكذا ولدت مع الظلم حيث مارس المستعمرون الوائل حرب‬
‫إبادة على السكان الصليين من الهنود الحمر واستمر مسلسلها الجرامي‬
‫الدامي في فيتنام والصومال وأفغانستان وغيرها والن على المسلمين في‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب على العراق من‬ ‫ص ّ‬


‫العراق ‪ .‬فقد ذكر أحد العسكرين الروس أن حجم ما ُ‬
‫القنابل والصواريخ في الخمسة اليام الولى يعادل أربعة أضعاف حجم‬
‫ضربت اليابان ‪ .‬أطنان من القنابل دون تمييز أو رحمة وبشكل‬ ‫القنبلة التي َ‬
‫مستمر ترعب به النساء والشيوخ والطفال فل أمن ول نوم ول أمان فويل‬
‫لها من الرحمن ثم انظر أخي الحبيب إلى مطاردتها للدعاة والمجاهدين في‬
‫فلسطين وكشمير والفلبين وأفغانستان والشيشان وفي كل مكان ترفع فيه‬
‫راية الجهاد شتت شملهم وأرملت نساءهم ويتمت أطفالهم ‪ .‬كل ذلك ضد ّ‬
‫الشعوب السلمية بغية القضاء على دينها وامتصاص ثرواتها والهيمنة على‬
‫ممتلكاتها واستثماراتها والسيطرة على أراضيها فقد احتلت البر والبحر والجو‬
‫‪ .‬إنه ظلم عالمي تقوده أمريكا لم يشهد له العالم مثيل ً على مّرقروِنه‬
‫وتعاقب دهوره فهل بدأت نهايتها كما قال سبحانه ‪ " :‬وما كنا مهلكي القرى‬
‫إل وأهلها ظالمون " " وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما ً‬
‫آخرين " " فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها‬
‫وبئر معطلة وقصر مشيد " ‪.‬‬
‫‪ .4‬البطر ‪ :‬وهو كفر النعمة ويكون بأحد أمرين إما بجحد المنعم بها وإما بعدم‬
‫مها في غير ما خلقت لجله ‪ .‬كصناعة الخمر من العنب وغيره‬ ‫شكره واستخدا ِ‬
‫وكالمتاجرة بالجنس وتصنيع أسلحة الدمار الشامل وذلك لخضاع المم ظلما ً‬
‫وعدوانا ً وبطرًاوغير ذلك ‪ .‬والمتأمل لسلوب ومنهج حياة المريكيين يرى أن‬
‫جميع هذه الطامات الكفرية موجودة فيهم ‪ ،‬كل بحسبه فهي الرائدة في‬
‫جميع أنواع الكفر والفساد بدءا ً من أفلم الجنس والخلعة والرعب ونهاي ً‬
‫ة‬
‫بالتباهي بالقوة وأسلحة الدمار الشامل ولسان حالهم يقول إنهم هم القوة‬
‫العظمى فهي تجول في البحار والجواء والبراري بحاملت الطائرات‬
‫والمدمرات والصواريخ شرقا ً وغربا ً وهذا هو البطر بعينه والذي هو من‬
‫أسباب اهلك الله للمم " وكأين من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم‬
‫تسكن من بعدهم إل قليل ً وكنا نحن الوارثين "‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ .5‬الستكبار والغرور ‪ - :‬إن الحرب العالمية الثالثة تقودها أمريكا وتسميها‬


‫حربا ً على الرهاب وهي حرب على السلم وهذا من أعظم الستكبار في‬
‫الرض فمن يحارب دين الله وأولياءه فقد استكبر وعتا عتوا ً كبيرا ً ‪ .‬لقد كانت‬
‫في عتوها واستكبارها تستعرض قوَتها الهائلة في أفغانستان ‪ ،‬ذلك البلد‬
‫الفقير الممزق فهل كان يحتاج كل هذا الطغيان وحجم القنابل بكل أنواعها‬
‫دون رحمة ببني النسان وها هي اليوم تعود لتصب جام غضبها على‬
‫المسلمين في العراق ذلك البلد المحاصر عشرات السنين فما ذنب شعب‬
‫العراق فحسبنا الله ونعم الوكيل ‪ .‬قال تعالى ‪ " :‬وأما الذين استنكفوا‬
‫واستكبروا فيعذبهم عذابا ً أليمًا" ‪ .‬هذه بعض أسباب هلكهم ولعله قريبا إن‬
‫ً‬
‫شاء الله وما ذلك على الله بعزيز فقد أهلك الله أمما ً بذنب واحد فكيف إذا‬
‫اجتمعت هذه السباب وغيرها ‪ .‬إنه والله الهلك الكيد " ولكنكم تستعجلون‬
‫"‪ .‬ونريد نصرا ً على طبق من ذهب دون جهاد أو تضحية ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫ثالثا ً ‪ :‬مكرالله بالقوم المجرمين ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن من سنن الله سبحانه الواضحة الجلية أنه سبحانه يملي للظالم حتى إذا‬
‫أخذه لم يفلته " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم‬
‫شديد " ‪ " .‬إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " وكذلك فإنه‬
‫سبحانه يسلط الظالم على الظالم ثم ينتقم من الجميع وإذا كانت أمريكا قد‬
‫رقت في الكفر والفساد فإنها كذلك قد أسرفت في المكر والكيد فما من‬ ‫غَ ِ‬
‫دولة إل ولها فيها عيون وجواسيس ومفسدون كثر يثيرون النزاعات ويراقبون‬
‫التحركات ويدفعون الرشاوى للكبار وللصغار ترغيبا ً وترهيبا ً ويوقعون بين‬
‫مختلف الحزاب والجماعات والدول ويدبرون المؤامرات ويشعلون نار‬
‫الحروب ‪ .‬وفي السنوات الخيرة كشفوا أقنعة مكرهم وأظهروا صدق‬
‫عداوتهم للسلم والمسلمين وعّروا مقولة بعض المخدوعين من المسلمين‬
‫بأن أمريكا دولة صديقة ونسوا أن الله سبحانه قد قال عنهم وعن أمثالهم "‬
‫ل يرقبون في مؤمن إل ول ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم‬
‫فاسقون " ‪ " .‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم " ‪ .‬إن‬
‫ب ولوكان في ذلك تدمير‬ ‫ت ركبوا لنيلها الصعا َ‬‫جد ْ‬‫دينهم المصلحة ‪ ،‬فحيثما وُ ِ‬
‫أمة بكاملها ‪ .‬لقد اتبعت هذه الدولة الكافرة سنن المم المتجبرة في‬
‫المكروالكيد ‪ ،‬ولهذا سينالها بإذن الله وقريبا ً إن شاء الله ما نال المم‬
‫الماكرة من قبلها ‪ .‬قال تعالى " وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا ً‬
‫" وقال تعالى ‪ " :‬قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر‬
‫عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون " وقال‬
‫سبحانه ‪ ":‬أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الرض أو يأتيهم‬
‫العذاب من حيث ل يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين ‪ .‬أو‬
‫يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤف رحيم " ‪ " .‬وقد مكروا مكرهم وعند‬
‫الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " وقال تعالى ‪ " :‬فلما جاءهم‬
‫نذير مازادهم إل نفورا ً ‪ .‬استكبارا ً في الرض ومكر السيء ول يحيق المكر‬
‫السيء إل بأهله فهل ينظرون إل سنة الولين فلن تجد لسنة الله تبديل ً ولن‬
‫تجد لسنة الله تحويل ً " ‪ .‬وإن من أعجب مكرالله بالمم ما قصه الله علينا‬
‫من قصة فرعون مع موسى عليه السلم وقد سبقت الشارة ُ إليها وكذلك ما‬
‫قصه الله علينا من مكر المل من قوم ثمود مع صالح عليه السلم يوم تجبروا‬
‫واستكبروا فقال تعالى عنهم ‪ " :‬وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في‬
‫الرض ول يصلحون ‪ .‬قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما‬
‫شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون " روى ابن كثير رحمه الله عنده الية عن‬
‫عبد الرحمن بن أبي حاتم أنه قال ‪ :‬لما عقروا الناقة قال لهم صالح ‪ :‬تمتعوا‬
‫في داركم ثلثة أيام ذلك وعد غير مكذوب " قالوا زعم صالح أنه يفرغ منا‬
‫إلى ثلثة أيام ‪ ،‬فنحن نفرغ منه وأهله قبل ثلث ‪ ،‬وكان لصالح عليه السلم‬
‫مسجد في الحجر عند شعب هناك يصلي فيه ‪ ،‬فخرجوا إلى كهف ‪ ،‬أي غار‬
‫هناك ليل ً فقالوا ‪ :‬إذا جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله‬
‫ففرغنا منهم ‪ ،‬فبعث الله عليهم صخرة من الهضب حيالهم ‪ ،‬فخشوا أن‬
‫تشدخهم فتبادروا ‪ ،‬فانطبقت عليهم الصخرة وهم في ذلك الغار ‪ ،‬فل يدري‬
‫قومهم أين هم ول يدرون ماُفعل بقومهم ‪ ،‬فعذب الله هؤلء ههنا وهؤلء‬
‫ههنا ‪ ،‬وأنجى الله صالحا ً ومن معه ثم قرأ ‪ " :‬ومكروا مكرا ً ومكرنا مكرا وهم‬
‫ً‬
‫ل يشعرون ‪ .‬فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين‬
‫فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لية لقوم يعلمون " ‪ .‬أي قوم‬
‫يعلمون الحقائق ويتدبرون وقائع الله في أوليائه وأعدائه فيعتبرون بذلك "‬
‫وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " ‪ .‬وأمريكا اليوم تمكر بالمسلمين‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتخادعهم وتدعي أنها تريد بهم الخير والديمقراطية وإخراجهم من ظلم‬


‫قادتهم وحكامهم وهي كاذبة ماكرة في كل ذلك فهي التي صنعت كثيرا ً من‬
‫هذه النظمة ودعمتها ول زالت في ظلمها وطغيانها وهل النظام البعثي إل‬
‫صنيعة من هذه الصنائع وما ذلك إل ليكون لها المر والنهي في بلد‬
‫المسلمين فتضرب هذه الدولة بتلك حسب مصالحها وترغب دولة وترهب‬
‫أخرى وهكذا ولذلك فلعل من مكر الله بهذه الدولة الطاغية ) أمريكا ( أنها‬
‫الن جاءت لتصطلي بنار حزب البعث ويصطلي هو بنارها ولعل الله يرحم‬
‫من بينهم من المسلمين المستضعفين ومع هذا فإن هدفهم الحقيقي من هذه‬
‫الحملة ليس النظام البعثي وإنما خوفهم من ذلك العملق الذي بدأ يستيقيظ‬
‫ل على الدعوة‬ ‫ض مضاجعَ الكفر والطغيان حتى في العراق فهناك إقبا ٌ‬ ‫ق ّ‬ ‫وي َ ُ‬
‫وعودةٌ إلى الله ولذلك فإن أمريكا ومن معها من دول الكفر يسابقون‬
‫عقر ديارهم وليحيطوا‬ ‫الحداث لُيحكموا قبضَتهم على هذه المة المسلمة في ُ‬
‫بمصدر هدايتهم ونسي أولئك الكفرة المجرمون أن الله غالب على أمره وأن‬
‫ب وأنه المهزوم المدحور الهالك ل محالة ‪ " .‬كتب الله‬‫ب الله ُيغل ْ‬‫من ُيغال ِ‬
‫لغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز " " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في‬
‫الحياة الدنيا‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ويوم يقوم الشهاد " " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إل أن‬
‫يتم نوره ولو كره الكافرون ‪ .‬هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق‬
‫ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " ومن ثم فإن سنة الله الماضية‬
‫في أهل المكروالتي ستطوى بإذن الله أمريكا وحلفائها المعتدين عاجل ً إن‬
‫شاء الله غيرآجل ستكون في أمرين ‪-:‬‬
‫أ‪ -‬سرعة مجيئها ‪ .‬قال تعالى ‪ " :‬إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا ً‬
‫إن رسلنا يكتبون ما تمكرون " وقال تعالى " قد مكر الذين من قبلهم فأتى‬
‫الله بينانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من‬
‫حيث ل يشعرون " وهنا تجد أنه عقب بالفاء والتي ل تراخي فيها وإنما تعني‬
‫إلسراع في العقوبة ‪.‬‬
‫ب‪ -‬شدة عذابها وتدميرها ‪ .‬قال تعالى ‪ " :‬سيصيب الذين أجرموا صغار عند‬
‫الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون " ولذلك فإن مؤشرات مكر الله بهم‬
‫بدأت تظهر ومنها على سبيل المثال ‪:‬‬
‫‪ -1‬وقوع الختلف والتفرق داخل المجتمع المريكي من جهة وبينهم وبين بني‬
‫قومهم من الروبيين من جهة أخرى ‪ ،‬إذ وصل المر إلى السباب والشتائم‬
‫وقريبا ً بإذن الله سيزداد الخلف فالحرب الباردة بين أمريكا وأوروبا متمثلة‬
‫في قطبيها ألمانيا وفرنسا قد بدأت منذ سنوات وما إن تقع الفرقة ويحدث‬
‫الختلف في داخل أمة إل حل بها الهلك والدمار وكان ذلك مؤذنا ً بالزوال ‪.‬‬
‫‪ -2‬تبين ظلمهم الواضح وبغيهم وعلوهم في الرض وتسلط المل منهم‬
‫وتجبرهم حتى على الرادة اللهية وهذا بل شك مؤذن لهم بعذاب من الله‬
‫كما قال سبحانه) (‬
‫وقال سبحانه أيضا ً ) ( وفي الحديث ‪ ":‬إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه‬
‫لم يفلته "‬
‫‪ .3‬عزلتها الدولية ووقوف أكثر دول وشعوب العالم ضدها وبروز قوى‬
‫مناهضة لها صراحة ولول مرة في تاريخ مجلس المن تهدد دولة صديقة‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمريكا باستخدام حق الفيتو ضد المشروع المريكي وهي فرنسا ‪ .‬تلك‬


‫الدولة التي انضمت مع ألمانيا العدوة القديمة ضد الصديقة التي حررتها‬
‫منها ‪ .‬فسبحان من يدبر المر كما يشاء وهذا من مكر الله بأمريكا ‪.‬‬
‫‪ .4‬ازدياد الحمية السلمية في قلوب شعوب العالم السلمي وتقاربهم في‬
‫الرأي ولجأهم إلى الله وعودتهم إلى الدين الحق وهذا من أسباب نصر الله‬
‫لهذه المة وخذلن الكافرين والمنافقين ‪.‬‬
‫‪ .5‬ظهور انكساروذل أصحاب القلوب المريضة من الذين يسارعون في تولي‬
‫الكافرين‪ ،‬وخوفهم الشديد من بطش أوليائهم من الكافرين والمكر بهم حتى‬
‫أصبح بعض من كان بالمس يسبح بحمد أمريكا يلعنها على المل ويتمنى‬
‫زوالها بعد أن كان يدعوا إلى التبعية والذيلية لمريكا بلد الحرية والمساواة !!‬
‫‪ .6‬ما حصل في عدد من الدول السلمية من تقدم للحزاب السلمية ل‬
‫سيما في تركيا إذ انتصرت الحركة السلمية ووصلت إلى الحكم بأغلبية‬
‫مطلقة وهذا لم يكن في حسابات أمريكا إذ إنها بذلك قد خسرت ولو على‬
‫المدى الطويل أقوى حليف لها في المنطقة بعد إسرائيل ‪ ،‬إن لم يكن أهم‬
‫منها استراتيجيا ً ‪.‬‬
‫دعي أنها الزعيمة‬ ‫‪ .7‬انهيار القاعدة الخلقية التي كانت تنادي بها أمريكا وت ّ‬
‫الخلقية للعالم فانطلقا ً من هذه القاعدة بنت صداقتها مع الخرين وكسبت‬
‫مودتها فقد كانت تزعم أنها بلد العدالة والحرية والخلق والمساواة وهذا ما‬
‫دفع كثيرا ً من أصحاب العقول المتميزين في تخصصاتهم إلى الهجرة إلى‬
‫دعي من الحرية‬ ‫الوليات المتحدة وتفضيلها على غيرها من الدول لما ت ّ‬
‫والمساواة بين أفراد شعوبها ولكنها اليوم فقدت ذلك وأصبحت زعيمة‬
‫العنصرية حتى رماها بعض الساسة من اللمان بأنها نازية القرن الواحد‬
‫والعشرين ‪ ،‬فقد أظهرت الحداث أن ما تدعيه كذب وسراب خادع وأنها ل‬
‫تمتلك من الخلق ما يمكنها من البقاء ‪.‬‬
‫إنما المم الخلق ما بقيت ‪... ...‬‬
‫فإن هم ذهبت أخلقهم ذهبوا‬
‫‪ .8‬ضعف تعاون المعارضة والشعب العراقي مع القوات المريكية المحتلة‬
‫والتفاف الشعب العراقي للدفاع عن أرضه واعتبار الغزو المريكي استعمارا ً‬
‫ل كثير من‬ ‫جديدا ً لذلل شعب العراق أول ً والمسلمين ثانيا ً وهذا يعني فش ُ‬
‫خطط الحرب العسكرية وتعُثر استراتيجية الحرب ولذلك تجدهم دائما ً‬ ‫ُ‬
‫يغيرون بين الحين والخر في خطتهم ويغطون ذلك باستخدام قاموس الكذب‬
‫والتضليل العلمي بل والرهاب العلمي لخفاء نتائج المعارك وخسائرهم‬
‫التي حلت بهم ‪ .‬وقد يكون في تأخير عذابهم حكمة لله ل نعرفها ‪:‬‬
‫‪ -1‬ربما يسلم كثيرمنهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬يقع البتلء والقتال فيختار الله من المة الشهداء ‪.‬‬
‫‪ -3‬ان يهلك الله بهم أمة كافرة ل نعلم عنها وغير ذلك من الحكم التي قد ل‬
‫تظهر لنا ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫رابعا ً ‪ :‬نصائح للمة ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫أيها الخوة المسلمون ‪ :‬إن الزمة التي تمر بها أمتنا السلمية هي من أخطر‬
‫الزمات في تاريخها ل من حيث طبيعة المعركة أو السلح المستخدم المدمر‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي يملكه العدو ول من حيث ضعف المسلمين وتشرذمهم وتسلط‬


‫المنافقين ومكرهم مع الكافرين وهذه الزمة هي أشبه بحديث رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬يوشك أن تداعى عليكم المم كما تتداعى الكلة‬
‫على قصعتها " ومع هذا فلنعلم أنه بقدر ما في هذه الزمة من الشدة‬
‫والضيق فإن فيها خيرا ً كثيرا ً بل هي أول بشائر النصر والغلبة إن شاء الله‬
‫فهي تبشر بولدة جديدة لهذه المة المسلمة ‪ ،‬ولدة ترفع فيها رايات الجهاد‬
‫ضعف فيها جانب الكفر والنفاق يقول تعالى ‪" :‬‬ ‫وتقال فيها كلمة الحق وي َ ْ‬
‫ً‬
‫كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم‬
‫وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو شرلكم والله يعلم وأنتم ل تعلمنون " ويقول‬
‫تعالى " وعسى أن تكرهوا شيئا ً ويجعل الله فيه خيرا ً كثيرا ً " إن من يتأمل‬
‫حال العالم السلمي ليرى العجب في إعراض كثير من أبنائه عن الله‬
‫ض بلد المسلمين‬ ‫سبحانه على مستوى الشعوب والحكومات فقد أصبحت بع ُ‬
‫أشد فسادا ً من بلد الكفر حيث أماكن الفساد ومحاربة الدعاة ونشر الرذيلة‬
‫ومحاربة المرين بالمعروف والناهين عن المنكر ويكفيك أخي الكريم نموذجا ً‬
‫لهذه الحالة أن تراقب القنوات الفضائية الرسمية وغير الرسمية التي تبث‬
‫من بلد المسلمين وكيف أنها في معظمها تهدم القيم والخلق والدين لينشأ‬
‫جيل ل يعرف من السلم إل اسمه ول من القرآن إل رسمه ولذلك فإني‬
‫ألمس في هذه الزمة خيرا ً كثيرا ً فلعلها أن تعيد المة إلى ربها وحتى تعرف‬
‫شعوب العالم السلمي بل وحتى حكوماته أنه ل ملجأ من الله إل إليه وأن‬
‫النصر والتمكين منه وحده وأنه ل نجاة لهم من قوة وجبروت أمريكا وحلفائها‬
‫الكافرين إل بالعتصام بالله فأين قوتهم المادية من قوة أمريكا الطاغية التي‬
‫تملك من القنابل الهيدروجينية ما يمكنها من تدمير عشرة أضعاف الكرة‬
‫الرضية لوأذن لها الرحمن ولذلك فمنذ بداية الزمة ونحن نرى ونسمع عودةً‬
‫إلى الله سبحانه وإيقافا ً لكثير من برامج ومؤتمرات السياحة الساذجة التي‬
‫تقابل نعم الله بالجحود والنكران ‪.‬نعم إن المصيبة إخوتي الكرام هي مصيبة‬
‫الدين ‪ ،‬هي أن يعرض الناس عن ربهم ‪ .‬هي أن يتنكر المسلمون لدينهم أما‬
‫أن يجوع المسلم أو يخاف أو يشرد أو يقتل وهو متمسك بدينه فل شك أن‬
‫ذلك من المصائب ولكنه ل يساوي شيئا ً مع مصيبة الدين‪.‬‬
‫إن المرزا من يرز ا دينه ‪... ...‬‬
‫ة وفصال ً‬
‫ل من يرزا ناق ً‬
‫إن من نعمة الله على هذه المة المسلمة أن يبتليها بالمصائب لتعود لدينها‬
‫ولربها حتى ل يأخذها على حين غرة وغفلة فتموت على الجاهلية كما قال‬
‫تعالى ‪ " :‬فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا‬
‫بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ‪ .‬فقطع دابر القوم الذين ظلموا‬
‫والحمد الله رب العالمين " وكما قال سبحانه ‪ " :‬ولوبسط الله الرزق لعباده‬
‫لبغوا في الرض " ومن الخير كذلك أنه يبتلي عباده بالضراء كما يبتليهم‬
‫بالسراء ليتم لهم العبودية الكاملة فيجمعوا بين الشكر والصبر ومع هذه‬
‫الحكمة فل بد للمة على جميع المستويات أن تأخذ للمر عدته وأن تفقه‬
‫طبيعة المعركة وأنها حلقة في سلسلة متواصلة لحرب صليبية ضروس ضمن‬
‫ب في معركة طويلة بدأت في أفغانستان بل بدأت في تل أبيب‬ ‫ط رهي ٍ‬‫مخط ٍ‬
‫ً‬
‫و منهاتن " ومرورا الن بالعراق وإنتهاًء بالقضاء على السلم وأهله زعموا !!‬
‫ولكن هيهات " إن الباطل كان زهوقا ً " " إن كيد الشيطان كان ضعيفا" " وما‬
‫كيد الكافرين إل في ضلل " ‪.‬‬
‫لقد اجتمعت قوى الكفر في مجلس المن على إضعاف السلم والمسلمين‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكنهم اختلفوا في السلوب فمنهم من يرى استخدام نظرية الموت السريع‬


‫للعراق وأهله ومنهم من يرى نظرية الموت البطيء ولنها من بلد المسلمين‬
‫فل مدافع عنها ومع ذلك فقد فّرق الله أمرهم وشتت شملهم وتلك حكمة‬
‫العليم الخبير ‪ .‬إن من واجب المة أن تبادر على جميع المستويات بالستعداد‬
‫لمواجهة العدو سياسيا ً وعسكريا ً واقتصاديا ً وإعلميا ً وفكريا ً ول يعذر في ذلك‬
‫ل حسب استطاعته فجنس الجهاد فرض عين على كل‬ ‫أحد من المسلمين ك ٌ‬
‫ة في‬‫مسلم ‪ .‬ولعلي أسوق بعض النصائح إبراًء للذمة ونصرةً للمة ومشارك ً‬
‫بيان الحق والدفاع عن السلم وأهله ‪:‬‬
‫أول ً ‪ - :‬إلى علماء المة الربانيين ودعاتها المخلصين ‪- :‬‬
‫مام أمانها ‪ ،‬أنتم‬‫أيها العلماء أيها الدعاة اتقوا الله في المة فأنتم بعد الله ص ّ‬
‫ورثة محمد صلى الله عليه وسلم والمة إنما تنتصر حين تعود إلى الحق‬
‫والهدى وأنتم أولى الناس ببيان ذلك للمة ودعوتها إليه فإليكم هذه النصائح‬
‫على سبيل الشارة ومن باب تذكيركم عسى الله أن ينفع بها ‪- :‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪ .1‬بيان الحق وعدم كتمانه ل سيما في أوقات الزمات التي تختلط فيها‬
‫الوراق وقد تضطرب فيها بعض المفاهيم الشرعية الساسية ويصبح الحليم‬
‫فيها حيران وتلتبس فيها الفهام قال الله تعالى ‪ " :‬وإذ أخذ الله ميثاق الذين‬
‫أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ول تكتمونه " وقال تعالى ‪ " :‬إن الذين يكتمون ما‬
‫أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم‬
‫الله ويلعنهم اللعنون "‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .2‬التعاون على البر والتقوى والعتصام بحبل الله جميعا والبعد عن الختلف‬
‫والتفرق وعصبية الجاهلية وحظوظ النفس والحذر من مرض الزعامة‬
‫والمصالح الشخصية وتوظيف أزمة المة لهذه المصالح الدنيوية ‪ .‬ولذلك فإني‬
‫ل منكم إلى‬ ‫أقول لكم أيها العلماء الفضلء والدعاة المخلصون ‪ :‬ليبادر ك ٌ‬
‫طلب التعاون والتشاور دون أن ينتظر من يدعوه فمن بادر نال الجر‬
‫ة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم‬ ‫ن سن ّ‬‫والثواب " ومن س ّ‬
‫ً‬
‫القيامة ل ينقص من أجورهم شيئا "‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ .3‬التشاور فيما نزل بالمة من نوازل ليكون رأيا متحدا تجتمع عليه المة‬
‫بعيدا ً عن الراء الفردية التي كثيرا ً ما يعتريها الخلل والستعجال ‪.‬‬
‫‪ .4‬المبادرة إلى الخذ بزمام المور والمسارعة إلى بيان الموقف الشرعي‬
‫من الحداث قبل أن يتعجل متعجل أو يجهل جاهل فينفرط الزمام وتقع‬
‫الفتنة فأنتم من تجتمع عليه المة فإذا بينتم البيان الشافي للمة سمعت‬
‫وأطاعت ‪.‬‬
‫‪ .5‬نشر العلم الشرعي وفقه الزمات والتأكيد على المفاهيم الشرعية‬
‫ومباديء الدين وأسسه بعيدا ً عن هزيمة المباديء أو التنازل عنها فإن في‬
‫ذلك خطرا ً عظيما ً فإذا زل العالم زلت بزلته التباع ‪.‬‬
‫‪ .6‬تثبيت المة ودعوتها إلى الصبر والتخفف من حياة الترف والتعود على‬
‫البتلء والستعداد الكامل لمواجهة العدو ‪.‬‬
‫‪ .7‬القيام بواجب المربالمعروف والنهي عن المنكر وأن تكونوا في مقدمة‬
‫الصفوف لقامة هذا الواجب العظيم فل يليق بعالم رباني أو داعية صادق أن‬
‫يرى المنكرات تعم بلد المسلمين ول يبادر إلى المشاركة في النكار كما أمر‬
‫الله ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .8‬مناصحة ومناشدة حكومات العالم السلمي ومخاطبتهم بقوة الحق‬


‫ومطالبتهم بأن يكونوا على مستوى الحداث وأن يتقوا الله في المة فل‬
‫يتركوها فريسة لسباع الكفر وأفاعي النفاق ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إلى حكومات العالم السلمي وقادته ‪:‬‬
‫يا من ولهم الله أمر هذه المة ‪ :‬اتقوا الله سبحانه واعلموا أن المصير إليه‬
‫واحذروا من التقصير في حق المة وإضاعة حقها وتبديد ثروتها وتركها نهبة‬
‫لذئاب الكفر والظلم وإليكم هذه النصائح ‪:‬‬
‫‪ .1‬احذروا من موالة الكافرين أو مناصرتهم في بغيهم وعدوانهم فقد قال‬
‫الله تعالى ‪ " :‬ول تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون‬
‫الله من أولياء ثم ل تنصرون" وخذوا العبرة ممن سبقكم وظاهر المشركين‬
‫على المسلمين كيف أنتقم الله منه فمات مشردا ً مطرودا ً ‪.‬‬
‫‪ .2‬ثقوا بالله وبنصره واعلموا أن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء وليس بيد‬
‫أمريكا أوغيرها فل تخشوها أوتخافوا سطوتها وسلحها الفتاك فهي أضعف‬
‫مما تتصورون والمر هو لله وحده فإن صدقتم الله بالعودة إليه والتوبة‬
‫وتحكيم شرعه والعدل في رعاياكم وترك ظلمهم وإعادة الحقوق إلى أهلها‬
‫كن لكم في الرض قال‬ ‫ورفع راية الجهاد فإن الله سبحانه سيصدقكم ويم ّ‬
‫تعالى ‪ " :‬فلوا صدقوا الله لكان خيرا ً لهم " وقال سبحانه ‪ ":‬قل اللهم مالك‬
‫الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من‬
‫تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " ‪.‬‬
‫‪ .3‬إعداد المة للجهاد في سبيل الله وتصحيح العلقة مع شعوبكم وذلك‬
‫بالستعداد الصادق وفتح ميادين التدريب على الجهاد لشعوب المة المسلمة‬
‫قبل أن يفلت الزمام من أيديكم وتتعدد الرايات وتقع الفتنة بين المسلمين‬
‫وفي إعداد القوة للعدو أعظم الرعب لدول الكفر وما كوريا الشمالية منكم‬
‫ببعيد قال تعالى ‪ " :‬وأعدوالهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون‬
‫به عدوالله وعدوكم "‬
‫‪ .4‬رفع الظلم والمعاناة عن شعوبكم وتحقيق المساواة والعدل بينهم في‬
‫جميع أمورهم وإخراج من كان مظلوما ً في السجون والحسان إليهم‬
‫واستثمار طاقتهم فإن الله يمكن للدولة العادلة ولوكانت كافرة ويهلك الدولة‬
‫الظالمة ولوكانت مسلمة فالظلم من أشد أسباب هلك الدول والشعوب‬
‫ب دعوة مظلوم سرت بليل كانت سبب هلك أقوام بكاملها‪.‬‬ ‫ور ّ‬
‫‪ .5‬التوجيه الصادق للعلم من قنوات وإذاعات وصحف ومجلت لتكون‬
‫مناصرة للسلم وأهله بعيدة عن عرض المنكر والفاحشة وكل ما يغضب‬
‫الرحمن وأل ّ تكون ببغاء لنقل سياسات ولقاءات أهل الكفر والطغيان أهل‬
‫الكذب والبهتان وأن تنطلق هذه الوسائل العلمية من ثوابت ديننا ومسلماته‬
‫في نقل الخبر وتحليله بعيدا ً عن الهزيمة العلمية أو التباطؤ في اظهار‬
‫حقيقة المعركة خشية من بطش دولة الكفر أمريكا فالعلم له دور مهم في‬
‫المعركة وبعد المعركة فالمعركة نصفان لسان وسنان ‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪ .6‬احترام العلماء الربانيين والدعاة الصادقين وتمكينهم من قول الحق‬


‫والتعاون معهم بصدق للخروج من هذه الزمة بأقل الخسائر وأفضل النتائج "‬
‫وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثم والعدوان واتقوا الله إن الله‬
‫شديد العقاب " صنفان من الناس إذا صلحوا صلحت المة العلماء والمراء ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬إلى عموم المة ‪:‬‬


‫أيها المسلمون يا من رضيتم بالله ربا ً وبالسلم دينا ً وبمحمد صلى الله عليه‬
‫وسلم رسول ً ونبيا ً يا من تؤمنون بالله وتوقنون بنصره وبأن الدار الخرة خير‬
‫وأبقى ‪ .‬ابشروا فهاهي الجنة تزف إليكم " ول تهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون‬
‫إن كنتم مؤمنين " " وعسى أن تكرهوا شيئا ً ويجعل الله فيه خيرا ً كثيرا ً "‬
‫هاهي رأس الكفر ورائدة ُ الظلم قد ألقت إليكم بفلذات كبدها وبأحسن‬
‫أسلحتهم تقنية بين أيديكم عسى الله أن يجعلها غنيمة للمسلمين تفاؤل ً بقوله‬
‫تعالى ‪ ":‬وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا ً لم تطؤها وكان الله على‬
‫كل شيء قديرا ً " لكن أخي الحبيب اعلم أن سنن الله في النصر والتمكين‬
‫أيضا ً ل تتبدل ول تتغير " إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ‪:‬‬
‫إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " " إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن‬
‫الله ل يحب كل خوان كفور " ‪ " .‬ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي‬
‫عزيز ‪.‬الذين إن مكناهم في الرض أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا‬
‫بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة المور "‪ .‬وقال سبحانه ‪ " :‬ولو أن‬
‫أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والرض ولكن كذبوا‬
‫فأخذهم الله بما كانوا يكسبون " أيها الخوة المؤمنون إن نصر الله قريب‬
‫لمن ينصر دين الله لكنه ل يقدم على صحن من ذهب أوباقة من زهور فهو‬
‫يحتاج إلى تضحيات وجهاد مستمر وخروج عن مألوف حياة الترف قال‬
‫تعالى ‪ " :‬أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمايأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم‬
‫مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى‬
‫نصر الله أل إن نصر الله قريب " " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله‬
‫الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم‬
‫والصابرين ونبلوا أخباركم " فإليك أخي المسلم أختي المسلمة هذه النصائح‬
‫على وجه الشارة لتكون لكم زادا ً في هذه الزمة الحالكة ‪:‬‬
‫‪ .1‬اليقين التام بأن ما يحدث هو بإرادة الله وقضائه وأنه وحده سبحانه هو‬
‫المتصرف في هذا الكون ‪ ،‬فما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن فالمر له‬
‫وحده وهو العليم الحكيم فليكن يقينك صادقا ً بذلك علما ً وعمل ً بتفرد الله‬
‫سبحانه بالمر بعيدا ً عن أسطورة أن النصر محقق لمريكا أو لغيرها أوانها‬
‫هي التي تتصرف في الكون واعلم أن المور بنهاياتها وليس ببداياتها فقد‬
‫تنتصر أمريكا فترة من الزمن ثم يخرج الله قوما ً مجاهدين صادقين يعذب‬
‫الله جيوش الكفر بجهادهم قال تعالى ‪ ":‬فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا‬
‫وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا‬
‫أولي البصار "‬
‫‪ .2‬العودة الصادقة إلى الله سبحانه فما نزل بلء إل بذنب ول رفع إل بتوبة‬
‫فلنلجأ إلى الله سبحانه ولننفض عنا غبار الذنوب والمعاصي ولنعمر مساجدنا‬
‫ليل ً ونهارا ً بالصلة والدعاء والتضرع والتوبة وصدق اللجأ إلى الله سبحانه فإن‬
‫الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا ً فل يليق بالمسلم الصادق أن يبادر إذا‬
‫داهمته الزمات إلى جمع الرزاق وتخزينها وإن كان ل بأس من فعل السباب‬
‫ولكن ينبغي أول ً المسارعة إلى بيوت الله والتضرع إلى الله ودعائه والتوبة‬
‫ة نصوحا ً " ‪.‬‬ ‫الصادقة من جميع الذنوب " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توب ً‬
‫‪ .3‬إقامة شعيرة المر بالمعروف والنهي عن المنكر في بيتك وبين أفراد‬
‫أسرتك وفي الحي وفي السوق والعمل وفي كل مكان بالضوابط الشرعية‬
‫التي بينها أهل العلم الربانيين وأن تتعاون مع أهل الصلح في تحقيق ذلك‬
‫فندعوا الناس إلى ترك الربا وأهله والبعد عن مزامير الشيطان وأماكن‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفحش وظلم العمال وغير ذلك من أنواع الذنوب والمعاصي الخاصة والعامة‬
‫‪.‬‬
‫‪ .4‬التأخي والتكافل مع إخوانك المسلمين والبعد عن أسباب الختلف‬
‫والتفرق ونبذ عصبية الجاهلية من وطنية وقطرية وإقليمية فالمسلمون أمة‬
‫واحدة " إنما المؤمنون إخوة " " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم‬
‫وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد‬
‫بالسهر والحمى "‬
‫‪ .5‬اللتفاف حول العلماء الربانيين والدعاة الصادقين والستماع لهم والتعاون‬
‫معهم لدفع الخطار والفتن عن بلد المسلمين ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪ .6‬الصبر والمصابرة وتعويد الهل على البتلء وتعليمهم بواجب الصبر‬


‫والحتساب في ذلك والبعد عن الستعجال في المواقف أو النسياق إلى‬
‫تفريط أو إفراط واللتزام بالمنهج الشرعي عند وقوع الفتن وذلك بسؤال‬
‫أهل العلم والفتوى الموثوق بدينهم وأمانتهم بما يجب فعله والمحافظة على‬
‫أمن البلد ووحدتها ومناصحة ولة المر بالتمسك بالحق فإن الخير في‬
‫الوحدة والئتلف و الشر في الفرقة والختلف " ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب‬
‫ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين " ‪.‬‬
‫‪ .7‬حفظ اللسان من الوقوع في أعراض المسلمين أو الستهانة بإطلق‬
‫أحكام التكفير والتفسيق بدون دليل شرعي وحجة وبرهان فإن ذلك مزلة‬
‫أقدام ومن كفر مسلما ً فقدباء بالكفر أحدهما نسأل الله العافية ول سيما في‬
‫أوقات الفتن فإن الشيطان أحرص ما يكون على ذلك إذ النفوس متوترة‬
‫فأغلق باب الشيطان ليبقى مدحورا ً مثبورا ً ‪.‬‬
‫‪ .8‬البتعاد عن أن تكون معول ً ليقاع الفتنة في بلد المسلمين طلبا ً لمصلحة‬
‫وهمية أودفعا ً لمفسدة وهمية فإن من مصلحة العدو المتربص أن يرى الفتن‬
‫في بلد المسلمين قائمة وأن تشتعل الحرب بينهم فيقضي بعضهم على بعض‬
‫ويستريح هو وهذا ما حدث في أفغانستان إذ دخل العدو بلدهم على ظهور‬
‫أبناء البلد ممن فرط في المانة ‪.‬‬
‫‪ .9‬الستعداد للجهاد علما ً وعمل ً وإعداد النفس لذلك بالضوابط الشرعية‬
‫المعتبرة بعيدا ً عن حياة الترف القاتل وأن تربي نفسك وأهل بيتك على ذلك‬
‫ما استطعت ‪.‬‬
‫‪ .10‬مطالبة ولة المر وعلماء المة بالتعاون لفتح باب العداد للجهاد‬
‫بالوسائل المشروعة لتكون المة مستيقظة لمكر عدوها ‪.‬‬
‫‪ .11‬البعد عن الشائعات والتأكد من الخبار قبل نقلها ونشرها والحذر من‬
‫النحراف عن المنهج الشرعي عند التعامل مع الرؤى فهي كما أخبر صلى‬
‫الله عليه وسلم من المبشرات ولكن تحديد وقوعها إن صدقت رؤيا الرائي‬
‫هو من علم الغيب فقد يرى المؤمن الرؤيا فل تقع إل بعد سنين فالستطراد‬
‫في هذا الجانب قد يؤدي إلى الفراط وربما إلى العجز وترك العمل والجهاد ‪.‬‬
‫‪ .12‬الدعاء المستمر في كل وقت وحين في جميع أوقات الصلوات ما أمكن‬
‫وذلك بأن ينصر الله السلم والمسلمين ويذل الكفر والكافرين وأن ينجي‬
‫المستضعفين من المسلمين في مشارق الرض ومغاربها فهذا هو أدنى‬
‫واجب تقوم به لدعم أخوانك واحذر من المخذلين والمثبطين واتق الله أن‬
‫تخذل اخوانك في محنتهم فيتخلى الله عنك أحوج ما تكون إليه وفي الحديث‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫" ما من أمرئ يخذل امرءا ً مسلما ً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك‬
‫فيه من حرمته إل خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته ‪ ،‬ومامن أحد‬
‫ينصر مسلما ً في موطن ينتقص فيه من عرضه ‪ ،‬وينتهك فيه من حرمته ‪ ،‬إل‬
‫نصره الله في موطن يحب فيه نصرته " فأخواننا المسلمون في فلسطين‬
‫وفي الشيشان وفي العراق وفي الفلبين وفي كشمير وفي أفغانستان‬
‫وغيرها هم أحوج ما يكونون إلى الدعاء والدعم منك أخي المسلم بما‬
‫تستطيع ومواساتهم بما أمكن فأحذر أن تخذلهم فيعافيهم الله ويبتليك وإني‬
‫لقول أخوتي الكرام إن من العار ال تشعر المة كلها بالخطر فتفزع إلى‬
‫الدعاء واللجأ إلى الله فقم أخي الحبيب في ظلمة الليل وتحر أوقات الجابة‬
‫وارفع يديك صادقا ً بالدعاء فلعل دعوةً مستجابة يرفع الله بها البلء عن‬
‫المة ‪ .‬وعلى الئمة والخطباء أن يشعروا بواجبهم تجاه إخوانهم المسلمين‬
‫فيقتدوا بسنة محمد صلى الله عليه وسلم في القنوت عند النوازل وهل‬
‫أعظم من نازلة احتل فيها العدو بلد المسلمين ظلما ً وعدوانا ً ولكن المحروم‬
‫من حرم خيرا ً ل مشقة فيه ل سيما أن دعاء المسلمين يرهب العداء ولذلك‬
‫فمنعه هو موافقة لسياساتهم الداعية إلى عدم تفعيل معارضة شعبية‬
‫إسلمية ضدهم ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫‪ .13‬اليقين بنصر الله سبحانه لهذه المة واحذر أن يرهبك ما عند العدو من‬
‫أسلحة فتاكة فإن هذا من أهدافهم فهم إنما يستعرضون قوتهم لتخويف‬
‫عشر‬ ‫المسلمين وإل فقد كان يكفيهم في حربهم على المسلمين الفغان ُ‬
‫كميات القنابل والصواريخ أو أقل وكذلك في العراق لكنه الترهيب والتخويف‬
‫فل تقلق أخي الحبيب واعلم أن لله جنود السموات والرض فلو شاء سبحانه‬
‫لسلط عليهم أحد جنوده وهي الريح العقيم التي ل تبقى ول تذر فقل لي‬
‫بربك لوسلط عليهم ماذا تغني عنهم سفنهم وطائراتهم قال تعالى ‪ " :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا ً‬
‫وجنودا ً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ً " لكن ذلك النصر إنما يأتي‬
‫للمؤمنين الصادقين ‪ .‬واسمع قول الله سبحانه ‪ " :‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا‬
‫المرسلين ‪ .‬إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون " ‪ .‬وقوله تعالى "‬
‫قل هل تربصون بنا إل إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله‬
‫بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون "وعليكم بسنة محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما ذكر الله عنهم بقوله ‪ " :‬الذين قال لهم‬
‫الناس إن الناس قد جمعوا لكم فأخشوهم فزادهم إيمانا ً وقالوا حسبنا الله‬
‫ونعم الوكيل ‪ .‬فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوٌء واتبعوا‬
‫رضوان الله و الله ذو فضل عظيم ‪.‬إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فل‬
‫تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين " فأكثر أخي الحبيب من قول ‪ :‬حسبنا الله‬
‫ونعم الوكيل وعلمها أهل بيتك وجيرانك فهو كافي المؤمنين وحافظهم ‪.‬‬
‫ومهما كانت نتيجة الحرب سواًء اندحر المريكان أو سقط نظام البعث فاعلم‬
‫أخي الكريم أن النصر في النهاية هو للمؤمنين " ولله العزة ولرسوله‬
‫وللمؤمنين " واعلم أن الشهادة في سبيل الله من أعظم العمال بل هي من‬
‫أحب العمال إلى الله سبحانه فهي بذاتها نصر وكرامة " ولما رأى المؤمنون‬
‫الحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إل‬
‫إيمانا ً وتسليما ً " ‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .14‬الرتباط المستمر بكتاب الله ‪ ،‬تلوةً وتدبرا ً وتفكرا ً وتأمل ً مع الوقوف‬


‫الطويل عند آياته ليل ً ونهارا ً سرا ً وجهارا ً فهو أعظم أنيس في الزمات منه‬
‫تشم رائحة المل والفرج والنصر والهداية ل سيما ما له علقة بوعد الله‬
‫ونصره للمؤمنين وسنته في المدافعة عن المؤمنين واهلك الكافرين وكيف‬
‫م شافي‬ ‫أنه وحده المتصرف في الكون ‪ .‬فآيات القرآن في الزمات بلس ٌ‬
‫وداوء كافي لكل أمراض القلوب من الخوف والهزيمة النفسية والضعف‬
‫والخور وشبهات العداء ففيه من التثبيت والتقوية للمؤمنين مال يعلمه إل‬
‫الله ‪ .‬إقرأ سورة آل عمران وسورة النفال وسورة التوبة وسورة هود‬
‫ويونس والرعد ويوسف وطه والحزاب والفتح وغيرها من السور واليات‬
‫التي تربط على قلوب المؤمنين ‪ .‬اسمع مثل ً ما ذكره الله عن عذاب‬
‫الكافرين واهلكهم ‪ ":‬أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم‬
‫الرض أويأتيهم العذاب من حيث ل يشعرون ‪ .‬أو يأخذهم في تقلبهم فماهم‬
‫بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤف رحيم " ‪ " .‬فكل ً أخذنا بذنبه‬
‫‪ ،‬فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا‬
‫به الرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم‬
‫يظلمون " ‪ .‬واسمع في تطمين الله للمؤمنين ‪ " :‬حتى إذا استيئس الرسل‬
‫وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فننجي من نشاء ول يرد بأسنا عن القوم‬
‫المجرمين " " ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ً بل أحياء عند‬
‫ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويسبشرون بالذين لم يلحقوا‬
‫بهم من خلفهم أل خوف عليهم ول هم يحزنون ‪ .‬يستبشرون بنعمة من الله‬
‫وفضل وأن الله ل يضيع أجر المؤمنين ‪ .‬الذين استجابوا لله والرسول من بعد‬
‫ما أصابهم القرح للذين أحسنوا واتقوا أجر عظيم " ‪ " .‬إن ينصركم الله فل‬
‫غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل‬
‫المؤمنون " ‪.‬‬
‫ً‬
‫" ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال‬
‫وكان الله قويا ً عزيزا ً ‪ .‬وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا ً لم تطؤها‬
‫وكان الله على كل شيء قديرا ً " وما يدريك فلعل أمريكا خرجت لتشتيت‬
‫المسلمين وتقطيعهم أحزابا ودويلت فقد يمكر الله بها فتتمزق هي أشتاتا ً‬
‫وتكون هي وسلحها غنيمة للمسلمين ‪ .‬واسمع قوله تعالى ‪ " :‬ونريد أن نمن‬
‫على الذين استضعفوا في الرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم‬
‫في الرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " " قل لن‬
‫يصيبنا إل ما كتب الله لنا هو مولنا وعلى الله فليتوكل المؤمنون " إلى غير‬
‫ذلك من اليات التي تثبت على اليمان وتزيد المؤمن صبرا ً ويقينا ً ‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪ .15‬إلى إخواننا المسلمين المستضعفين في العراق وهم يعيشون تحت وابل‬


‫القنابل والصواريخ أوصيكم بتقوى الله سبحانه والعودة الصادقة إليه في‬
‫التمسك بشرعة والثقة واليقين بنصره والكفر بكل طاغوت وأن تجعلوا نية‬
‫جهادكم لعلء كلمة الله وليس شجاعة أو عصبية جاهلية فإن الشهادة في‬
‫سبيل الله ل ينالها إل من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا واصبروا وصابروا‬
‫ول تختلفوا وابشروا مادام قتالكم لعلء كلمة الله فقد تزينت لكم الجنان‬
‫وطاب لكم السفر إلى الرحمن فإما النصر وإما الشهادة حيث الجنات التي‬
‫عرضها السموات والرض فيها مال عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلب بشر فلعل الجنة اشتاقت إلى الشهداء واختاركم الله لتكونوا أول زمرة‬
‫في بلد الرافدين فأثبتوا وجاهدوا الكفرة المعتدين حتى لوسقط النظام‬
‫البعثي وقادته فأنتم المجاهدون الصادقون فالله الله أن يحتل الغزاة أرض‬
‫السلم واعلموا أن أخوانكم المسلمين في كل مكان معكم بالدعاء والدعم‬
‫واعلموا ان من مات منكم في سبيل الله أو أصيب فإن الله سيخلفه في‬
‫أهله وأولده وسيعوضه خيرا ً في الدنيا والخرة ‪ " .‬فما الحياة الدنيا إل متاع‬
‫الغرور " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والرض‬
‫أعدت للمتقين " أعانكم الله وسددكم ونصركم وثبتكم وقهر عدوكم ‪.‬‬
‫وختاما ً فإن بشائر النصر كثيرة ومكر الله بالقوم ظاهر وما على المة إل أن‬
‫تعود إلى دينها بصدق وإخلص وأن ترفع راية الجهاد في سبيل الله وأن‬
‫تعتصم بحبل الله حتى يتحقق وعد الله بنصرهذه المة وتأييدها وإهلك‬
‫الظالمين المجرمين وما ذلك على الله بعزيز ‪.‬‬
‫" ولو شاء الله لنتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في‬
‫سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها‬
‫لهم "‬
‫اللهم انصر السلم والمسلمين ‪ .‬وأذل الشرك والمشركين والمنافقين ودمر‬
‫أعداءك أعداء الدين ‪ .‬اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الحزاب‬
‫اهزم جيوش الكفر الغازية ‪ .‬اللهم دمرهم تدميرا ً ‪ .‬اللهم أكفناهم بما شتت‬
‫اللهم مزقهم تمزيقا ً اللهم عليك بقوات أمريكا رأس الكفر واللحاد وعليك‬
‫بحلفائها ‪.‬اللهم عليك ببوش وبلير وشارون رؤوس الكفر وأعوانهم‬
‫وأشكالهم ‪ .‬اللهم اقذف الرعب في قلوبهم اللهم خالف بين قلوبهم اللهم‬
‫اجعلهم وما يملكون غنيمة للسلم والمسلمين اللهم انصر عبادك المجاهدين‬
‫المستضعفين في مشارق الرض ومغاربها ‪ .‬اللهم انصرهم في فلسطين‬
‫وفي العراق وفي الشيشان وفي الفلبين وفي كشمير وفي بلد الفغان‬
‫من خائفهم واحمل حافيهم واطعم‬ ‫والبلقان وفي كل أرض وبلد ‪ .‬اللهم أ ّ‬
‫جائعهم واكس عاريهم وآوي يتيمهم وأرملتهم ومشردهم ‪ .‬وأيدهم بجنودك يا‬
‫أرحم الراحمين ‪ .‬اللهم كن لخواننا المسلمين في العراق عونا ً ونصيرا ً ‪.‬‬
‫اللهم ثبت أقدامهم اللهم أنزل عليهم السكينة والطمأنينة ‪ .‬اللهم اكفهم‬
‫شرقنابل وصواريخ المجرمين اللهم احقن دماءهم اللهم اخلفهم في أهليهم‬
‫ونسائهم وأطفالهم بخير فأنت خير من يستخلف ‪ .‬اللهم احفظهم في دينهم‬
‫وفي أعراضهم وفي أموالهم وأطفالهم وأرفع البلء عنهم يا أرحم الراحمين ‪.‬‬
‫والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫‪ -.1‬تزعم نتنياهو ‪ 1996 – 1993‬منصب رئيس الليكود وتزعم المعارضة‬
‫الصهيونية اليمينية التي سعت إلى الطاحة برابين ‪ .‬وتحويل وجهة البلد إلى "‬
‫اليمين " على أساس سياسة العداء السافر للعرب‪.‬‬
‫‪ -‬يتكون هذا الفريق من ل ِب َْرمان ‪ ،‬ليني بين دافيد ‪ ،‬مائير داغان ‪.‬‬
‫‪ -‬خطط هذا الفريق للوصول إلى إسرائيل الكبرى ) من النيل إلى الفرات ( ‪.‬‬
‫‪ -‬أصّر نتنياهو على أن تكون إسرائيل دولة لليهود فقط ومركزا ً رئيسيا ً ليهود‬
‫العالم ‪ ،‬ويرى عدم أحقية العرب في الرض المحتلة من ‪ 1967‬وحتى‬
‫الجولن ‪.‬‬
‫‪ -‬تولى الرئاسة ‪ – 1996‬وكان وراء فضيحة كلينتون ‪.‬‬
‫استطاع من خلل عضو الفريق ديفيس التأثير على سياسة أمريكا فقد شغل‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فترة من الزمن عضوا ً في لجنة العلقات العامة المريكية السرائيلية والتي‬


‫لها تأثير كبير على السياسة الخارجية المريكية في الشرق الوس‬

‫)‪(13 /‬‬

‫فل تقعدوا معهم‬


‫عبدالملك القاسم‬
‫دار القاسم‬
‫)‬
‫الحمد لله مستحق الحمد وأهله‪ ،‬يجزي الصادقين بصدقهم من رحمته‬
‫وفضله‪ ،‬ويجازي الكاذبين فيعاقبهم إن شاء بحكمته وعدله‪ ،‬وأشهد أن ل إله‬
‫إل الله وحده ل شريك له في حكمه‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله أفضل‬
‫خلقه‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله وصحبه‪ ،‬ومن تبعه في هديه‪ ،‬وسلم تسليمًا‪..‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد سرت أمراض خبيثة في أمة السلم تحصد الحسنات وتجلب السيئات‪،‬‬
‫يقوم بها مخلوق صغير هو من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة‪ ،‬إنه‬
‫اللسان الذي به تظهر الرفعة والدنو والسقطة والعلو‪..‬‬
‫وفي بعض المجالس انصرف هذا اللسان إلى مورد خبيث ومزلق خطير‬
‫محرم‪ ،‬أل وهو السخرية والستهزاء‪ ،‬ينبئك ذلك عن سوء طوية‪ ،‬وسواد قلب‪،‬‬
‫َ‬
‫سى‬ ‫من قَوْم ٍ عَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫خْر َقو ٌ‬ ‫س َ‬‫مُنوا َل ي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقله دين‪ ،‬قال تعالى‪ :‬يأيها َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َأن ي َ ُ‬
‫ن ]الحجرات‪:‬‬ ‫خْيرا ً ّ‬
‫من ْهُ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫سى أن ي َك ُ ّ‬ ‫ساء عَ َ‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫ساء ّ‬ ‫م وََل ن ِ َ‬ ‫خْيرا ً ّ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫كوُنوا َ‬
‫‪.[11‬‬
‫ومعنى السخرية‪ :‬الستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص‪ ،‬وقد‬
‫يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول‪ ،‬وقد يكون بالشارة واليماء‪.‬‬
‫وأشد أنواع الستهزاء وأعظمها خطرًا‪ :‬الستهزاء بالدين وأهله‪ ،‬ولخطورته‬
‫وعظم أمره فقد أجمع العلماء على أن الستهزاء بالله وبدينه وبرسوله كفر‬
‫بواح‪ ،‬يخرج من الملة بالكلية‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬إن السهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر‬
‫صاحبه بعد إيمانه‪.‬‬
‫ولقد تفنن في أنواع السخرية والستهزاء‪ ،‬فهناك من يهزأ بالحجاب‪ ،‬وآخر‬
‫يسخر بتنفيذ الحكام الشرعية‪ ،‬ولمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر نصيب‬
‫من ذلك‪ ..‬كما أن سنة نبينا محمد بن عبدالله عليه الصلة والسلم أيضا ً لها‬
‫نصيب من مرضى القلوب‪ ،‬فظهر الستهزاء باللحية وقصر الثوب وغيره‪.‬‬
‫في جواب اللجنة الدائمة للفتاء على من قال لخر‪" :‬يالحية" مستهزئًا‪ :‬إن‬
‫الستهزاء باللحية منكر عظيم فإن قصد القائل بقوله‪" :‬يالحية"‪ ،‬السخرية‬
‫فذلك كفر‪ ،‬وإن قصد التعريف فليس بكفر‪ ،‬ول ينبغي أن يدعوه بذلك‪.‬‬
‫ولنعلم خطورة الستهزاء على دين الرجل‪ ..‬فلنستمع إلى ما يتلى في سورة‬
‫خوض ونل ْعب قُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل أِبالل ّهِ َوآَيات ِهِ‬ ‫ُ ََ َ ُ‬ ‫ما ك ُّنا ن َ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫م ل َي َ ُ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬‫التوبة قال تعالى‪ :‬وَل َِئن َ‬
‫عن‬ ‫ف َ‬ ‫م ِإن ن ّعْ ُ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬‫فْرُتم ب َعْد َ ِإي َ‬ ‫ن ‪ ،‬ل َ ت َعْت َذُِروا ْ قَد ْ ك َ َ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م تَ ْ‬‫كنت ُ ْ‬‫سول ِهِ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ]التوبة‪.[66-65:‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م كاُنوا ُ‬ ‫ة ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ف ً‬
‫ب طآئ ِ َ‬ ‫م ن ُعَذ ّ ْ‬‫منك ْ‬ ‫فةٍ ّ‬ ‫طآئ ِ َ‬
‫وقد ورد في سبب نزولها أن رجل ً من المنافقين قال‪ :‬ما أرى قراءنا هؤلء إل‬
‫أرغبنا بطونًا‪ ،‬وأكذبنا ألسنة‪ ،‬وأجبننا عند اللقاء‪ .‬فرفع ذلك إلى الرسول فجاء‬
‫إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله‪ :‬إنما كنا نخوض‬
‫َ‬
‫ن وإن‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن إلى قوله ُ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫سول ِهِ ُ‬ ‫ونلعب فقال‪ :‬أِبالل ّهِ َوآَيات ِهِ وََر ُ‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رجليه لتنسفان الحجارة‪ ،‬وما يلتفت إليه رسول الله وهو متعلق بنسعة‬
‫رسول الله ‪.‬‬
‫وثابت من سيرة رسول الله أنه أرحم الناس بالناس‪ ،‬وأقبل الناس عذرا ً‬
‫للناس‪ ،‬ومع ذلك كله لم يقبل عذرا لمستهزيء‪ ،‬ولم يلتفت لحجة ساخر‬
‫ضاحك‪ .‬ولعلك – أخي ‪ -‬لحظت في الية الكريمة أن الله شهد لهم باليمان‬
‫م‪.‬‬ ‫مان ِك ُ ْ‬‫فْرُتم ب َعْد َ ِإي َ‬‫قبل الستهزاء فقال‪ :‬قَد ْ ك َ َ‬
‫قال ابن الجوزي في زاد المسير‪ :‬وهذا يدل على أن الجد واللعب في إظهار‬
‫كلمة الكفر سواء‪.‬‬
‫وقال الشيخ السعدي ‪ -‬رحمه الله ‪ :-‬إن الستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج‬
‫عن الدين‪ ،‬لن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله‪،‬‬
‫والستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الصل ومناقض له أشد المناقضة‪.‬‬
‫وقال الشيخ محمد بن إبراهيم ‪ -‬رحمه الله ‪ :-‬ومن الناس ديدنه تتبع أهل‬
‫العلم لقيهم أو لم يلقهم‪ ،‬مثل قول‪ :‬المطاوعة كذا وكذا‪ .‬فهذا يخشى أن‬
‫يكون مرتدًا‪ ،‬ول ينقم عليهم إل أنهم أهل الطاعة‪..‬‬
‫ولقد فضح الله تعالى موقف المستهزئين بالمؤمنين وبين مراتبهم في الدار‬
‫مُنوا ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬
‫خُرو َ‬‫س َ‬‫حَياةُ الد ّن َْيا وَي َ ْ‬‫فُروا ْ ال ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬‫ن ل ِل ّ ِ‬‫الخرة فقال تعالى‪ُ :‬زي ّ َ‬
‫ب ]البقرة‪:‬‬ ‫سا‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫َِ ْ ِ ِ َ ٍ‬ ‫غ‬‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫شا‬‫َ‬ ‫م ِ َ َ ِ َ ُ َْ ُ ُ َ َ‬
‫ي‬ ‫من‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫وال‬ ‫ة‬ ‫م‬‫يا‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫قوا ْ فَوْقَهُ ْ‬
‫م ي َوْ َ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪.[212‬‬
‫والبعض إذا قيل له هذا من باب الستهزاء بالدين‪ ،‬قال‪ :‬نحن لم نقصد الدين‪،‬‬
‫ولم نقصد الرجل بذاته‪ ،‬بل نمرح ونمزح‪ ..‬وما علم إلى أين يؤدي به هذا‬
‫المرح وذاك المزاح؟‬
‫إنه خزي في الدنيا وعذاب في الخرة‪ .‬هلك ودمار في العاجلة‪ .‬وعذاب مقيم‬
‫في الجلة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عَباِدي‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ريقٌ ّ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ‪ ،‬إ ِن ّ ُ‬‫مو ِ‬ ‫ؤوا ِفيَها وََل ت ُك َل ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫خ َ‬ ‫لا ْ‬ ‫قال الله تعالى‪َ :‬قا َ‬
‫خرِي ّا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫خذ ْت ُ ُ‬‫ن‪َ ،‬فات ّ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫خي ُْر الّرا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا وَأن َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر لَنا َواْر َ‬ ‫ْ‬
‫مّنا َفاغ ِ‬ ‫ن َرب َّنا آ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صب َُروا أن ّهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م الي َوْ َ‬ ‫جَزي ْت ُهُ ُ‬ ‫ن ‪ ،‬إ ِّني َ‬ ‫حكو َ‬ ‫ض َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ري وَكنُتم ّ‬ ‫م ذِك ِ‬ ‫سوْك ْ‬ ‫حّتى أن َ‬ ‫َ‬
‫ن ]المؤمنون‪.[111-108:‬‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫هُ ُ‬
‫والسخرية والستهزاء للشخص العادي نوع من أنواع الذى والتعدي‪ ،‬فما بالك‬
‫إذا كان من المؤمنين أو المؤمنات‪ ،‬والملتزمين والملتزمات‪ .‬قال الله جل‬
‫مُلوا ب ُهَْتانا ً‬ ‫حت َ َ‬‫قد ِ ا ْ‬ ‫سُبوا فَ َ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وعل‪َ :‬وال ّ ِ‬
‫مِبينا ً ]الحزاب‪.[58:‬‬ ‫وَإ ِْثما ً ّ‬
‫وهذا اللسان الصغير الذي خلقه الله عز وجل للطاعة والعبادة قد يودي‬
‫بصاحبه إلى المهالك‪ ،‬خاصة إذا كان يطلق بدون تحفظ ول تحرز‪ ،‬فتراه يغمز‬
‫هذا‪ ،‬ويلمز ذاك‪ ..‬ومن تأمل في حال البعض رأى أن هناك مجالس طويلة‬
‫قامت على الضحك والنكت الساذجة‪ ،‬يقول رسول الله محذرا ً ومبينا ً عظم‬
‫المر وخطورته } إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها من‬
‫أبعد من الثريا { ]رواه أحمد[‪.‬‬
‫واحذر أخي المسلم الجلوس في مجالس يعصى الله عز وجل فيها‪ ،‬فإنه‬
‫ت الل ّهِ ي ُك َ َ‬ ‫َ‬
‫فُر ب َِها‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫معْت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ن إ َِذا َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫م ِفي ال ْك َِتا ِ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫تعالى يقول‪ :‬وَقَد ْ ن َّز َ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫ُ‬
‫مث ْلهُ ْ‬ ‫ً‬
‫م ِإذا ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ث غي ْرِهِ إ ِن ّك ْ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ضوا ِفي َ‬ ‫ْ‬ ‫خو ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ْ‬ ‫قعُ ُ‬ ‫ست َهَْزأ ُ ب َِها فَل َ ت َ ْ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫ميعا ]النساء‪ ،[140:‬وعليك النكار‬ ‫ً‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫ن َوالكافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫معُ ال ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليهم مع القدرة‪ ،‬أو القيام مع عدمها‪.‬‬


‫ب عَِتيد ٌ ]ق‪[118:‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل إ ِل لد َي ْهِ َرِقي ٌ‬ ‫َ‬
‫من قوْ ٍ‬ ‫ف ُ‬
‫ظ ِ‬ ‫ما ي َل ْ ِ‬
‫واجعل أمام عينيك هذه الية‪َ :‬‬
‫واحرص على حفظ لسانك ففي الحديث‪ ..} :‬وهل يكب الناس على وجوههم‬
‫‪ -‬أو على مناخرهم ‪ -‬إل حصائد ألسنتهم { ]رواه الترمذي[‪ .‬طهر الله ألسنتنا‪،‬‬
‫ونزه أسماعنا من كل ما يشين‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فلسطين‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫جد الْقـ‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬ ‫سطين ! يا ُربى ال َ‬ ‫يا ِفل ْ‬
‫ب وَنادي‬ ‫ن الُغيو ِ‬ ‫م َ‬ ‫ـصى ! أط ِلي ِ‬ ‫ّ‬
‫شـ‬ ‫س في عالم ِ الم ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬ ‫ت بال ْ‬ ‫كن ِ‬
‫شادِ‬ ‫هوة َ َ‬ ‫ى وَز ْ‬ ‫ـهَد ِ فِْينا ِغن ً‬
‫ت وراء الـ‬ ‫ف ِغب ْ ِ‬ ‫فسي ! َفكي ْ َ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫وي ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫سوادِ‬ ‫مةٍ و َ‬ ‫ق عَّنا في ظل َ‬ ‫أفْ ِ‬
‫ن الّليالي‬ ‫حني َ‬ ‫ن ! يا َ‬ ‫سطي ُ‬ ‫يا ِفل ِ‬
‫فؤادِ‬ ‫ف المنى وشوْقَ ال ُ‬ ‫َ‬ ‫يا رفَي َ َ‬
‫عا إلى الله بالحـ‬ ‫ي دَ َ‬ ‫م َنب ّ‬ ‫كَ َ‬
‫دى والّرشادِ‬ ‫ـقّ وناَدى إلى الهُ َ‬
‫ك ت َْترا‬ ‫ع ِ‬ ‫ت في رُبو ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫النب ّ‬
‫ي‬
‫مَبادِ ِ‬ ‫فو َ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫وهي ت َت ُْلو آيا ً و َ‬
‫سـ‬
‫عوةَ الحقّ وال ِ ْ‬ ‫دعوة َ الله ! د َ ْ‬
‫حفادِ‬ ‫جدودِ وال ْ‬ ‫شَرى ال ُ‬ ‫ـلم ! ب ُ ْ‬
‫ل‬‫مط ِ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ي على الّز َ‬ ‫ِبنب ّ‬
‫خاتم ِ الن ْب َِياِء بالحقّ َبادِ‬ ‫َ‬
‫***‬
‫*‬
‫***‬
‫ة ت َلل بالّنو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫مك ٌ‬ ‫ّ‬ ‫فإذا ُ‬
‫حمدٍ ‪ ،‬بالهادي‬ ‫شَرى ‪ ،‬بأ ْ‬ ‫رِ ‪ ،‬ب ِب ُ ْ‬
‫ضياٌء‬ ‫ِ‬ ‫الحرام‬ ‫د‬
‫ْ ِ ُ‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫الم‬ ‫وإذا‬
‫ن الَبوادي‬ ‫حني ُ‬ ‫ب َْين أنواره َ‬
‫شوْقُ الّليالي‬ ‫ن الْقصى و َ‬ ‫حني ُ‬ ‫و َ‬
‫فقُ الوادي‬ ‫خ ْ‬ ‫ذرا وَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫حني ُ‬ ‫و َ‬
‫مع في الْقـ‬ ‫ج َ‬ ‫سراء ي َ ْ‬ ‫ل ال ِ ْ‬ ‫جل ُ‬ ‫و َ‬
‫وات ِهِ عَلى ميعادِ‬ ‫َ‬ ‫ـصى ُنب ّ‬
‫وا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬ ‫ي فأل َ‬ ‫مد ُ الّنب ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫مهم أ َ‬ ‫أ ّ‬
‫ل اْنقيادِ‬ ‫جمي َ‬ ‫حوَه ُ َ‬ ‫ك ُّلهم ن َ ْ‬
‫ت‬ ‫حدا ً وَتوال َ ْ‬ ‫ن وا ِ‬ ‫دي ُ‬ ‫وبدا ال ّ‬
‫ب الّرّوادِ‬ ‫خشوٍع كتائ ُ‬ ‫َ‬ ‫في ُ‬
‫شود ُ الحجيج تأتي " رجال ً‬ ‫ح ُ‬ ‫و ُ‬
‫جوادِ‬ ‫مرٍ " و َ‬ ‫ل ضا ِ‬ ‫وعلى ك ّ‬
‫سال‬ ‫ي الّر َ‬ ‫ه بالّنب ّ‬ ‫مع الل ُ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جادِ‬ ‫لن َ‬ ‫ديار وا َ‬


‫ت وُزهَْر ال ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت بالحـ‬ ‫سال ُ‬ ‫م الّر َ‬ ‫ُ‬
‫خِتمت ِتلك ُ‬ ‫ُ‬
‫ت ِفرادِ‬ ‫صل ٍ‬ ‫ف ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ــقّ ‪ ،‬بآ ٍ‬
‫د‬
‫ِ َ ٍ‬ ‫جدي‬ ‫ن‬ ‫زما‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫على‬ ‫ب‬
‫بكتا ٍ‬
‫ن الضادِ‬ ‫جزٍ لسا َ‬ ‫معْ ِ‬ ‫حك َم ٍ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫***‬
‫*‬
‫***‬
‫ق ! يا إ ِطْ‬ ‫شو ِ‬ ‫ن ! يا ُرؤى ال َ‬ ‫سطي ُ‬ ‫يا فِل ْ‬‫َ‬
‫ي الّريادِ‬ ‫ة من غَدٍ وف ّ‬ ‫ـلل َ ً‬
‫لسلم ! لؤلؤةُ اليـ‬ ‫ت حق ّ ا ِ‬ ‫أن ِ‬
‫عوى التوحيد والرشادِ‬ ‫ـمان ! د َ ْ‬
‫م على الدا‬ ‫م أل ّ‬ ‫ب مجرِ ٌ‬ ‫غاص ٌ‬
‫عواد ِ )‪(1‬‬ ‫ن َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن الهَ َ‬ ‫م َ‬ ‫رِ وفينا ِ‬
‫منا وفينا‬ ‫ح نفسي ! تضيعُ ِ‬ ‫وي َ‬
‫مقٌ ؟! يا ِلفت ْن َةٍ وُرقادِ‬ ‫َر َ‬
‫م‬
‫ٌ‬ ‫يو‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫سيطل‬ ‫َ‬ ‫!‬ ‫فاصبري‬ ‫!‬ ‫صبري‬ ‫فا ْ‬
‫لنجادِ‬ ‫صد ّقُ ا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫فيه عَْز ٌ‬
‫ق‬‫صد ٍ‬ ‫صُر من عزائم ِ ِ‬ ‫ي َط ْل ُعُ الن ّ ْ‬
‫عادِ‬ ‫س َر ّ‬ ‫ن فار ٍ‬ ‫مَيادي ِ‬ ‫و َ‬
‫***‬
‫*‬
‫***‬
‫يا فلسطين ! يا ُربى المسجدِ الْقـ‬
‫ب وَنادي‬ ‫ن الُغيو ِ‬ ‫م َ‬ ‫ـصى ! أط ِّلي ِ‬
‫ب الّنداَء أْروع ُ فَّتا‬ ‫سُيجي ُ‬ ‫َ‬
‫وادي‬ ‫ك ي ُد َّوي تكبيرهُ في الب َ‬ ‫ٌ‬
‫حياةِ فنادى‬ ‫ب لل َ‬ ‫ف الد ّْر َ‬ ‫عََر َ‬
‫صداه في كل نادِ‬‫ّ‬ ‫وَتوالى َ‬
‫مَنها الّروابي‬ ‫في زحو ٍ َ ْ َ ّ ِ‬
‫ج‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫جادِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫وتعيد ُ المجاد َ لل ْ‬
‫***‬
‫*‬
‫***‬
‫ُ‬
‫ب في الميـ‬ ‫ة تواث َ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫إنها أ ّ‬
‫ل الْبعادِ‬ ‫ج َ‬ ‫جل ِ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫فا ُ‬ ‫ً‬ ‫نص ّ‬ ‫ـدا ِ‬
‫هـ‬
‫ل تمضي مع الد ْ‬ ‫قد ْ َبناها الرسو ُ‬
‫ــرِ وتبقى غنّية المدادِ‬
‫فا ً‬ ‫ُ‬
‫تص ّ‬ ‫متي كما ك ُن ْ ِ‬ ‫جعي أ ّ‬ ‫فار ِ‬
‫دى والرشادِ‬ ‫شد ّ بالحقّ والهُ َ‬ ‫ُ‬
‫***‬
‫*‬
‫***‬
‫غني ّا ً‬‫ك َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫في‬ ‫د‬ ‫قصي‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫كم َ ْ ُ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫مْلهما ً من هوىً ومن أكبادِ‬ ‫ُ‬
‫حم ٍ في ُرَباها‬ ‫َ‬
‫مل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫يا لها ِ‬
‫جدِ آية ال ِْنشادِ‬ ‫زهوة ُ الم ْ‬
‫ث‬
‫ٌ‬ ‫حدي‬ ‫ك‬ ‫با‬
‫ُ َ ِ‬ ‫ر‬ ‫في‬ ‫الميادين‬
‫صورِ والَبادِ‬ ‫م ِللعُ ُ‬‫مل ْهِ ٌ‬ ‫ُ‬
‫***‬
‫*‬
‫***‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫م على ‪ ،‬وتعني القامة القصيرة‬ ‫م ِبـ ‪ ،‬وأل ّ‬ ‫)‪ (1‬أل ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فلسطين‪ ...‬ذلك الجرح الغائر في جسد المة‬


‫ّ‬
‫بعد غياب دولة السلم‪ ،‬وتلشي سلطان القرآن‪ ،‬وزوال الحكم بما أنزل الله‪،‬‬
‫كثرت جروح المة‪ ،‬وسالت منها الدماء‪ ،‬وازدادت تقرحاتها التهابا ً مع مرور‬
‫الزمن لعدم وجود العلج الشافي‪ ،‬علج دولة الخلفة‪.‬‬
‫إن الجرح الفلسطيني هو أشد هذه الجروح إيلما ً في جسد المة‪ ،‬وأكثرها‬
‫اتساعًا‪ ،‬وأعمقها غورًا‪ ،‬فبنو يهود ‪ -‬وهم قتلة النبياء ‪ -‬سلطوا على المسلمين‬
‫في فلسطين من قبل الكفرة المستعمرين‪ ،‬وما انفكوا يسفكون الدماء‪،‬‬
‫ويغتصبون الرض التي باركها الله‪ ،‬يعيثون فيها فسادًا‪ ،‬ويعبثون بحرماتها‬
‫ومقدساتها‪ ،‬حتى غدا ذبح الناس‪ ،‬وهدم البيوت‪ ،‬وتشريد المنين‪ ،‬من العمال‬
‫اليومية الروتينية التي يقوم بها إخوان القردة والخنازير‪ ،‬ضد المسلمين في‬
‫أرض السراء والمعراج‪ .‬وأصبح تطويق الناس‪ ،‬ومحاصرتهم بالسيجة‬
‫والجدران والمستوطنات والطرق اللتفافية والحواجز الثابتة والطيارة‪ ،‬من‬
‫المور المألوفة التي يتلذذ بنو صهيون في إيقاعها على الناس البرياء في‬
‫طول البلد وعرضها‪ .‬وصار ترويع الهالي ومصادرة أراضيهم وقطع أرزاقهم‬
‫وتجريف أشجارهم ومزروعاتهم من أبجديات الحياة اليومية للفلسطينيين‬
‫المغلوبين على أمرهم‪ .‬يحدث هذا كله في فلسطين‪ ،‬وما يسمى بالمجتمع‬
‫الدولي ل يحرك ساكنًا‪ ،‬ويسوده صمت رهيب‪ ،‬فل يأبه بما يحدث‪ ،‬وبما يقع‬
‫من جرائم ومآسي ومظالم وانتهاكات‪.‬‬
‫على أن رد فعل ما يسمى بالمجتمع الدولي هذا هو أمر طبيعي‪ ،‬لكونه يطغى‬
‫عليه نظام ظلم عالمي تسيطر عليه أميركا ‪ -‬عدوة الشعوب ‪ -‬ومعها الدول‬
‫الكبرى الخرى التي تتخذ من الكفر والهيمنة والجبروت أساسا ً لسياستها‪،‬‬
‫لذلك‪ ،‬فل يتوقع من هذا الذي يسمونه بالمجتمع الدولي غير ذلك‪ ،‬والصل أن‬
‫ل يعول عليه المسلمون ولو للحظة واحدة‪ ،‬فل يجوز أن نعقد عليه المال‪،‬‬
‫لنه يخضع لنظمة الكفر ولرادات الكفار‪ ،‬والله سبحانه وتعالى يقول‪ } :‬ل ّ‬
‫كافري َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ك فَل َي ْ َ‬
‫ل ذ َل ِ َ‬
‫فعَ ْ‬
‫من ي َ ْ‬‫ن وَ َ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫من د ُوْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ ِ ِ َ‬
‫ن أوْل َِياء ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫خذِ ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ي َت ّ ِ‬
‫يٍء { ]آل عمران‪.[28/‬‬ ‫ش ْ‬ ‫الل ّهِ ِفي َ‬
‫أما الذي يحز في النفوس وتنفطر منه القلوب فليس هو المجتمع الدولي‬
‫وإنما هو موقف حكام البلد العربية والسلمية الذين يتواطأون مع الكيان‬
‫اليهودي ضد أهل فلسطين وضد الشعوب السلمية‪ ،‬إنهم يتآمرون جهارا ً‬
‫نهارا ً مع اليهود‪ ،‬ومع الميركان‪ ،‬ومع النجليز‪ ،‬لتصفية القضية الفلسطينية‪.‬‬
‫فهؤلء الحكام الخونة لم يكتفوا بالسهر على حراسة أمن الدولة اليهودية‪،‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومنع المجاهدين من مقاتلة يهود وحسب‪ ،‬بل وقاموا أيضا ً بقمع كل حركة‬
‫جهادية أو سياسية أو فكرية تسعى لستئصال شأفة الوجود اليهودي من‬
‫فلسطين‪ .‬لقد ساهم هؤلء الحكام العملء في مساعدة الدولة اليهودية في‬
‫الوقوف على قدميها‪ ،‬أول ً على أرض فلسطين‪ ،‬وساهموا ثانيا ً في تقويتها‬
‫وتمكينها من إحكام قبضتها على أهل فلسطين‪ ،‬الذين أصبحوا في حكم‬
‫الرهائن والسرى بأيدي هذه الدولة الدخيلة المصطنعة‪.‬‬
‫ساهموا بذلك كله من خلل تمرير المؤامرات ومخططات الكفار‪ ،‬لتمكين‬
‫دولة يهود من العيش والبقاء والتنفس على هذه الرض المباركة‪ ،‬وبذلك‬
‫وجدت )إسرائيل( وتمددت وتفرعنت على حساب المسلمين ومن خلل‬
‫ف لهم جفن أو من دون أدنى إحساس‬ ‫حكام المسلمين من دون أن ير ّ‬
‫بالذنب أو بتحمل المسؤولية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لم يهزهم صرخات الثكالى والمصابين والمقهورين‪ ،‬ولم يلقوا بال ً لهدير‬
‫حت‬ ‫الستغاثات وأمواج النداءات التي فاضت عن اليتامى والرامل‪ ،‬فلقد ب ّ‬
‫الحناجر‪ ،‬وتلشت الصوات‪ ،‬وانخلعت القلوب من شدة الصراخ والعويل‬
‫والنين لهول ما وقع‪ ،‬لكنها لم تلق آذانا ً صاغية‪ ،‬ولم تلمس شغاف القلوب‬
‫التي فقدت كل إحساس‪ .‬إن هؤلء الحكام الضالين المضلين يملكون القدرة‬
‫على النصرة‪ ،‬ولكنهم ل يفعلون لنهم ل يملكون الرادة عليها‪ ،‬فهم قد تحولوا‬
‫إلى رقيق فقدوا حرياتهم منذ أن ولهم الكافر المستعمر أمور الحكم‬
‫وشؤون الرعية‪ ،‬لقد أصبح ديدنهم في الحكم التنقل من خيانة إلى خيانة‪،‬‬
‫ومن مؤامرة إلى مؤامرة‪ ،‬فقد وافقوا على جميع المشاريع التصفوية التي‬
‫عرضت عليهم‪ ،‬والتزموا بتنفيذ جميع الوامر المهينة التي صدرت إليهم منذ‬ ‫ُ‬
‫قيام الدولة اليهودية في العام ‪1948‬م وحتى هذه الساعة‪ ،‬وما زالوا يلهثون‬
‫وراء أميركا وبريطانيا واليهود‪ ،‬ما زالوا ينتظرون ما ستنتجه هذه الدول من‬
‫مبادرات ومشاريع لتطبيقها‪ ،‬ويخلفهم أبناؤهم فيكملوا مسيرة النتظار‪ ،‬حتى‬
‫أصبح حالهم جزءا ً من حالة النتظار‪ ،‬ثم ما هي النتيجة؟! النتيجة أن خمسين‬
‫ف مرت على قيام ما يسمى بـ)إسرائيل( ولم تنفد أيا ً من هذه‬ ‫عاما وني ٍ‬
‫ت بها للتنفيذ‪ ،‬وإنما أتي بها‬ ‫المشاريع‪ .‬وهذا يعني أن هذه المشاريع لم يؤ َ‬
‫للمماطلة والتسويف من أجل تقوية الدولة اليهودية وإضعاف الدويلت‬
‫المجاورة لها‪ .‬والدليل على ذلك أن )إسرائيل( ما زالت تزداد قوة وثباتا ً في‬
‫مواقفها بينما تزداد الدول العربية والسلطة الفلسطينية هزال ً وتراجعا ً عن‬
‫الثوابت‪ ،‬وعن ما يسمى بالخطوط الحمراء‪ ،‬وما التنازل عن أكثر من ثمانين‬
‫في المائة من مساحة فلسطين لليهود‪ ،‬والتخلي عن الخيار العسكري في‬
‫التعامل مع الدولة اليهودية‪ ،‬إل دليل ساطع على صحة ما ُذكر‪ ،‬بينما وفي‬
‫الجهة الخرى نجد أن )إسرائيل( ما زالت تتشبث بكل الرض الفلسطينية‪،‬‬
‫وما زالت تبني المستوطنات‪ ،‬وما زالت تتمسك بالخيار العسكري‪ ،‬وما زالت‬
‫تماطل في تنفيذ التفاقات‪ .‬وإزاء هذه المعادلة غير المتكافئة‪ ،‬انقلبت‬
‫الموازين‪ ،‬ووصلت الحال بالحكومات العربية والسلطة الفلسطينية إلى حد‬
‫المطالبة بما كان يطالب به اليهود من قبل وهو وقف إطلق النار‪ ،‬واستئناف‬
‫المفاوضات بينما يتلكأ اليهود في التنفيذ‪.‬‬
‫إن هذا الوضع السياسي المزري الذي آلت إليه أمور المسلمين‪ ،‬جعل حكام‬
‫سبع وخمسين دولة مسجلة في ما يسمى بمنظمة المؤتمر السلمي‪ ،‬ل‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تملك إل المناشدة والستجداء‪ ،‬وإن هذا الوضع نفسه جعل الحكومات العربية‬
‫تتنازل حتى عن مشروعها الخياني الذي قدمه ولي العهد السعودي‪ ،‬والذي‬
‫يقضي بتقديم اعتراف عربي رسمي مجاني بـ)إسرائيل( من قبل جميع الدول‬
‫العربية من غير مقابل‪.‬‬
‫تنازلت هذه الحكومات العربية عن هذا المشروع الخياني‪ ،‬لتتحول إلى‬
‫مشروع خياني آخر أكثر خيانة منه‪ ،‬وهو ما يسمى بخارطة الطريق التي ل‬
‫يوجد فيها شيء للعرب والفلسطينيين غير الوعود‪ ،‬وفيها كل شيء مفصل‬
‫لضمان أمن اليهود‪.‬‬
‫وآخر ما وصلت إليه مهازل السياسة العربية والفلسطينية تشكيل حكومة‬
‫فلسطينية جديدة برئاسة أحمد قريع‪ ،‬والمطلوب من هذه الحكومة إكمال ما‬
‫أخفقت في إكماله حكومة أبي مازن من تآمر على المقاومة‪ ،‬وترتيب ما‬
‫يسمى بالبيت الفلسطيني لللتفاف على الرأي العام الرافض للمشاريع‬
‫الميركية‪ ،‬والمجيء بشعارات جديدة‪ ،‬وأساليب عمل جديدة‪ ،‬تهدف إلى‬
‫ترويض الناس بتقديم بعض التسهيلت التي يسمونها إنجازات‪ ،‬مقابل ضمان‬
‫أمن اليهود‪ ،‬ورفع الضغوطات المختلفة التي يتعرضون لها داخليا ً وخارجيًا‪.‬‬
‫وفي ظل عدم قدرة السلطة الفلسطينية حتى الن في ضمان أمن اليهود‬
‫ضمانا ً تاما ً ومائة بالمائة‪ ،‬نشأ فراغ سياسي داخل المجتمع اليهودي‪ ،‬وظهر‬
‫ج عن عدم قدرة هذه الحكومة على تحقيق ما‬ ‫عجٌز على حكومة شارون نات ٌ‬
‫ب للمن والسلم مع عدم التخلي عن‬ ‫وعدت اليهود بتحقيقه‪ ،‬من جل ٍ‬
‫المستوطنات‪ ،‬فانتعشت المعارضة اليهودية وتقدمت بدعم أوروبي واضح‪،‬‬
‫لملء هذا الفراغ فكان أن ظهرت المبادرة السويسرية والتي رعتها بريطانيا‬
‫وأوروبا من وراء ستار‪ ،‬وتكفلت سويسرا بدعمها ماليا ً والعلن عنها في‬
‫مطلع العام القادم في جنيف‪.‬‬
‫وبالرغم من أن هذه المبادرة التآمرية قد ضمنت لليهود إلغاء حق اللجئين‬
‫الفلسطينيين في العودة‪ ،‬إل أن شارون هاجمها بشدة‪ ،‬ولم تعترف بها أميركا‪،‬‬
‫ة أن خطة الطريق هي المبادرة الوحيدة التي قبلتها الطراف‪ ،‬وفي‬ ‫زاعم ً‬
‫ذلك إشارة إلى محاولة إبعاد أوروبا عن القضية الفلسطينية‪ ،‬وعن الشرق‬
‫الوسط برمته‪ ،‬لتتفرد هي بالمنطقة من دون منافس‪ .‬وفي ظل انشغال‬
‫مى النتخابات الميركية التي بدأت في‬ ‫أميركا بورطتها في العراق‪ ،‬وبسبب ح ّ‬
‫أميركا‪ ،‬والمزمع إجراؤها في العام القادم‪ ،‬فإن الجمود السياسي هو سيد‬
‫الموقف لفترة زمنية ليست بالقصيرة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهكذا نجد أن الكفار المستعمرين‪ ،‬والمستوطنين في بلدنا من أمريكيين‬


‫وأوروبيين ويهود‪ ،‬هم الذين يمسكون بخيوط هذه القضية المهمة من قضايا‬
‫المسلمين‪ ،‬وهم الذين يتجاذبون بها ويتحكمون بمفاصلها‪ ،‬بينما يتقاعس حكام‬
‫العرب والمسلمين عن القيام بواجبهم تجاه هذه القضية المحورية‪ ،‬فحكام‬
‫مصر والسعودية وسورية مشتغلون في مكافحة ما يسمى بالرهاب‪،‬‬
‫ومنشغلون في تجميل صورهم الكالحة أمام الكونجرس الميركي‪ ،‬بينما‬
‫تنشغل السلطة الفلسطينية في البحث عن السبل الكفيلة المؤدية إلى خنق‬
‫المقاومة‪ ،‬وإرضاء اليهود ما أمكنهم إلى ذلك سبيل‪ ،‬وتشتغل هذه السلطة‬
‫في ملهاة تشكيل الحكومة الفلسطينية " العتيدة "‪.‬‬
‫إن ارتماء حكام العرب والمسلمين وزعماء الفلسطينيين في أحضان أميركا‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتقاعسهم عن نصرة أهل فلسطين‪ ،‬ليس له أي سبب سوى البتعاد عن‬


‫ة‪ ،‬ولن ينجح هؤلء الحكام والزعماء الذلء‬ ‫ة ونظام حيا ٍ‬
‫السلم عقيدة وشريع ً‬
‫الخونة في تحقيق أية إنجازات ُتذكر لصالح الفلسطينيين والقضية‬
‫قدية‪ ،‬فلن‬‫الفلسطينية‪ ،‬وما لم تعامل هذه القضية على أنها قضية إسلمية عَ َ‬
‫تملك أية شرذمة مأفونة أن تحل هذه القضية‪ ،‬ولن تحل أبدا ً إل إذا حلت‬
‫قضية المسلمين الولى وهي قضية إعادة الخلفة‪ ،‬واستئناف الحياة‬
‫السلمية‪ ،‬فدولة الخلفة هي فقط التي ستتمكن من حل القضية الفلسطينية‬
‫حل ً إسلميا ً صحيحًا‪ ،‬يقضي على دولة اليهود‪ ،‬ويستأصلها من الجذور‪ ،‬ويزيلها‬
‫من الوجود‪.‬‬
‫وما ذلك على الله بعزيز ‪ ،‬والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فلسفة الصلة‬
‫بديع الزمان النورسي‬
‫ً‬
‫بتاريخ ‪ 19/1/1923‬وجه الستاذ ) سعيد النورسي ( بيانا الى مجلس المة‬
‫التركي ‪ ،‬تضمن عشر مواد بين فيه أهمية الصلة ‪ ،‬لنه لحظ بأسف بالغ أن‬
‫معظم نواب مجلس المة آنذاك ل يؤدون الصلة ‪ .‬واستهل الستاذ النورسي‬
‫بيانه بـ ‪:‬‬
‫)يا أيها المبعوثون ‪ ..‬إنكم لمبعوثون ليوم عظيم (‬
‫ومما قاله الستاذ النورسي ‪:‬‬
‫" إن المة السلمية مع أن قسما منهم ل يؤدون الصلة ال أنهم يتطلعون أن‬
‫يكون رؤساؤهم صالحين أتقياء حتى لو كانوا هم فسقة ‪ ،‬بل أن أول ما يبادر‬
‫أهل الوليات الشرقية مسؤوليهم هو سؤالهم عن صلتهم ‪ ،‬فأن كانوا مقيمين‬
‫لها ‪ ،‬فبها ونعمت ويثقون بهم ‪ ،‬وال فسيظل الموظف المسؤول موضع شك‬
‫وارتياب رغم كونه مقتدرا ً في أداء واجباته " )‪.(1‬‬
‫ويذكر الستاذ النورسي حادثة شاهدها بأم عينه ليبين للنواب أهمية إقامة‬
‫الصلة ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫" ولقد حدث في حينه اضطرابات في عشائر )بيت الشباب( فذهبت ل‬
‫ستقصي أسبابها ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ان مسؤولنا القائمقام ل يقيم الصلة ويشرب‬
‫الخمر ‪ ،‬فكيف نطيع أوامر أمثال هؤلء المارقين من الدين ‪ ..‬هذا علما ً إن‬
‫الذين قالوا هذا الكلم هم أنفسهم كانوا ل يؤدون الصلة بل كانوا قطاع‬
‫طرق !( )‪(2‬‬
‫أثر بيان الستاذ النورسي هذا فيهم ‪ ،‬فأقبل ما يقارب ستين نائبا من النواب‬
‫الى أداء الصلة حتى أن مسجد بناية مجلس المة لم كافيا للمصلين فانتقلوا‬
‫الى غرفة مجاورة أكبر منه ‪.‬‬
‫و ما أن رأى )مصطفى كمال ( رئيس الدولة آنذاك هذا المشهد حتى‬
‫ض عن هذا البيان – وهو الذي كرر دعوة الستاذ النورسي‬ ‫أمتعض ‪ ،‬ولم ير َ‬
‫الى أنقرة مرارا ً لستشهاره بعدائه للمحتلين النكليز ولكون )أنقرة ( مركز‬
‫حركة المقامة – فأستدعى )النورسي ( وجرت بينهما مشادة عنيفة ‪ ،‬وكان‬
‫مما قاله )مصطفى كمال ( ‪ :‬ل ريب اننا بحاجة الى أستاذ قدير مثلك ‪ ،‬لقد‬
‫دعوناك الى هنا للستفادة من ارائك المهمة ‪ ،‬ولكن أول عمل قمت به لنا هو‬
‫الحديث عن الصلة ‪ ،‬لقد كان أول جهودك هنا هو بث الفرقة بين أهل هذا‬
‫المجلس فأجابه ) النورسي ( مشيرا ً اليه بأصبعه في حدة ‪:‬‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬باشا ‪ ..‬باشا ‪ ..‬أن أعظم حقيقة تتجلى بعد اليمان هي الصلة ‪ ،‬وأن الذي ل‬
‫يصلي خائن ‪ ،‬وحكم الخائن مردود )‪. (3‬‬
‫والنورسي تراه يؤدي الصلة في أوقاتها في الحل والترحال ‪ .‬في يته … في‬
‫الجبال … في الوديان … في المحاكم ‪ .‬وكان يقول ‪:‬‬
‫) أن وقت كل صلة ‪ ،‬كما أنه بداية انقلب زمني عظيم ومهم ‪ ،‬فهو كذلك‬
‫مرآة لتصرف الهي عظيم ‪ ،‬تعكس اللء اللهية الكلية ‪ -‬كالمرآة – في ذات‬
‫الوقت ‪ .‬لهذا فقد أمر – في تلك الوقات – بالصلة ( )‪. (4‬‬
‫)والصلة في أول الوقت ‪ ،‬والنظر إلى الكعبة خيال مندوب إليهما ‪ ،‬ليرى‬
‫المصلي حول بيت الله صفوفا كالدوائر المتداخلة المتحدة المركز ‪ ،‬فكما‬
‫أحاط الصف القرب بالبيت ‪ ،‬أحاط البعد بعالم السلم ‪ ،‬فيشتاق إلى‬
‫النسلك في سلوكهم ‪ .‬وبعد النسلك يصير له إجماع تلك الجماعة العظمى‬
‫وتواترهم حجة وبرهانا قطعيا ً على كل حكم ودعوى تتضمنها الصلة ‪.‬‬
‫مثل ً ‪ :‬إذا قال المصلي )الحمد لله ( كأنه يقول كل المؤمنين المأمومين في‬
‫مسجد الرض ‪ :‬نعم صدقت – حيث يقولون جميعا ‪ :‬الحمد لله ‪ ،‬مثله ‪- ،‬‬
‫فيتضاءل ويضمحل تكذيب الوهام ووسوسة الشيطان ‪ .‬وكذا يستفيض كل‬
‫من الحواس واللطائف حصة وذوقا وأيمانا ‪ ،‬ول يعوقها لم ؟ وكيف ؟ ففي‬
‫أول الوقت تنعقد الجماعة العظمى للمتقين ‪ ،‬ولتفاق الصلوات الخمس في‬
‫القوال والركان ل يخل اختلف المطالع بخيال المصلي ‪ ..‬ولينظر المصلي‬
‫وهو في مكانه الى الكعبة ‪ ،‬وهي في مكانها ل يجذبها اليه ول يذهب اليها‬
‫ليتظاهر له الصفوف ‪ ،‬ول يشتغل بها قصدا للضرر ‪ ،‬بل يكفي شعور تبعي ‪.‬‬
‫وما يدريك لعل القدر الذي ل يهمل شيئا من الشياء يكتب بأشكال هذه‬
‫الصفوف المباركة المنتظمة في حركاتها سطورا على صحائف عالم المثال‬
‫الذي من شأنه حفظ ما فيه دائمًا( )‪(5‬‬
‫ويروي تلميذه ) بايرام يوكسل ( ذكرياته عن النورسي في بيان اهتمام‬
‫أستاذه بأوقات الصلة ‪ ) :‬كان يهتم كثيرا بأوقات الصلة ‪ ..‬وحريصا ً عليها كل‬
‫الحرص ‪ ..‬وأسوق هنا مثال ً ‪:‬‬
‫خرجنا يوما من )إسبارطة ( الى ) أميرداغ ( ولم يبقَ إل خمس دقائق‬
‫للوصول الى ) أميرداغ ( واذا بوقت الصلة قد حان ‪ ،‬فنظر الستاذ الى‬
‫ساعته فأقام بنا الصلة ‪ .‬ولم يكن الستاذ يبالي بالبرد القارس ول بالمطر اذا‬
‫ما حان وقت الصلة ‪ .‬فكنا نؤديها في أوقاتها في الحل والترحال ‪.‬‬
‫وكان ) النورسي ( يقول ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ان اكثر من مئة مليون شخص من كل أرجاء العالم السلمي يجتمعون في‬
‫الجامع المعظم ويشكلون جماعة كبرى لداء كل صلة في وقتها ‪ ،‬فكل فرد‬
‫من هذه الجماعة يدعو للجماعة كلها بقوله ‪ ) :‬أهدنا الصراط المستقيم (‬
‫فهذه الية الكريمة تصبح بمثابة دعاء وشفيع لكل فرد من أفراد الجماعة ‪.‬‬
‫نفهم من هذا عظم الثواب غير المتناهي والخروي الذي يناله الفرد المؤدي‬
‫صلته في أوقاتها ‪ ،‬فالذي ل يشترك اذن مع هذه الجماعة ل يحصل على‬
‫حظه من ذلك الثواب ‪ .‬مثله في هذا ‪ :‬الجندي الذي لم يجلب قصعته لخذ‬
‫طعامه من المطبخ الرئيس فل يستلم أرزاقه المخصصة ‪ ،‬أي ان الذي ل‬
‫يؤدي الصلوات في أوقاتها كأنه ل يأخذ أرزاقه المعنوية من القدر الرئيس في‬
‫المطبخ المعنوي للجماعة الكبرى ( )‪. (6‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واهتمام النورسي بالصلة يأتي من أن الصلة عماد الدين ‪ ) ،‬وإنها دعوة‬


‫صانع الزل الى سرادق حضوره خمس دعوات في اليوم والليلة لمناجاته‬
‫التي هي في حكم المعراج )‪. (7‬‬
‫وانها ) بذاتها راحة كبرى للروح والقلب والعقل معا ‪ .‬فضل عن أنها ليست‬
‫عمل مرهقا للجسم ‪ .‬وفوق ذلك فأن سائر أعمال المصلي الدنيوية المباحة‬
‫ستكون له بمثابة عبادة لله ‪ ،‬وذلك بالنية الصالحة ‪ ..‬فيستطيع اذن أن يحول‬
‫المصلي جميع رأس مال عمره الى الخرة فيكسب عمرا خالدا بعمره الفاني‬
‫( )‪. (8‬‬
‫وكان )النورسي ( عندما يكلم زواره الصدقاء ويأخذ معهم أطراف الحديث‬
‫يبادرهم بالسؤال التالي ‪:‬‬
‫‪ ) -‬هل من مسجد في قريتكم ؟ وأي درس يدرس أئمة المساجد ؟ فإذا‬
‫أجابه الزائر بأنه ليس لديهم مسجد ول معلم يعلمهم كان يتألم كثيرا ويحزن ‪.‬‬
‫ويعجب من أمرهم كيف يعيشون في مكان ليس فيه مسجد ول مرشد ( )‬
‫‪ . (9‬لن في المساجد ‪ ) :‬توحيد قلوب الموحدين وجمع ألسنتهم في أمثال‬
‫صلة العيد والجمعة والجماعة ‪ ،‬بحيث يقابل هذا النسان عظمة خطاب‬
‫المعبود الزلي بجميع أصوات القلوب وأدعيتها وأذكارها ‪ ،‬بتظاهر وتظافر في‬
‫اتفاق وتساند وتجاوب في وسعة كأن هذه الرض تنطق بنفسها وتصلي‬
‫بأقطارها وتمتثل بأطرافها أمر ‪) :‬أقيموا الصلة ( النازل بالعزة والعظمة من‬
‫فوق السماوات السبع ( )‪. (10‬‬
‫وفي تجواله ونزهته في السهول والوديان والطرق كان يبين أهمية الصلة‬
‫للشخاص الذي يقابلهم من عمال ومهندسين وأصحاب شركات وضباط‬
‫وجنود ورعاة ‪.‬‬
‫يذكر طلبه المقربين انه في أحد اليام كانوا مع النورسي في ) فندق يلدز (‬
‫في )اسكي شهر( فجاءه عدد من عمال مصنع السكر ‪ ..‬فقال لهم ‪:‬‬
‫) انكم اذا ما أديتم الصلة فأن عملكم في المصنع سيتحول الى عبادة لكم ‪،‬‬
‫لنكم تقومون بعمل مبارك أل وهو تأمين الحتياجات الضرورية للناس ( )‪(11‬‬
‫‪.‬‬
‫وفي ) بارل ( و )إسبارطة ( و ) أمير داغ ( كان يقول للرعاة الذي يلتقي بهم‬
‫في السهول الخضراء وهم يرعون حيواناتهم في مروج بين الجبال والوديان‬
‫والسهول ‪:‬‬
‫) أنكم اذا ما أديتم الصلة في أوقاتها الخمسة خلل اليوم فان اليوم بكامله‬
‫يصير بمثابة عبادة لكم ل نكم برعيكم هذا تقدمون خدمة كبيرة للبشرية ‪،‬‬
‫فان انتفاع بني البشر من اصوافها ولحومها وحليبها والبانها هو بحكم عبادة‬
‫لكم ‪ ،‬فل تؤذوا إذن هذه الحيوانات البرية النافعة ( )‪. (12‬‬
‫وفي احد اليام قال للعاملين في مركز توزيع الكهرباء في ) اكريدر ( ‪:‬‬
‫) أن لهذا الكهرباء فائدة عظيمة للمة فاذا ما أديتم الفرائض فأن جميع‬
‫أعمالكم تتحول الى عبادة وتجارة أخروية ( )‪.(13‬‬
‫وقد قال يوما ً الى بستاني في ) بارل( ‪:‬‬
‫) ان تركت الصلة المفروضة ‪ ،‬فأن جميع ثمار سعيك وعملك في هذا‬
‫البستان ستنحصر في نفقة دنيوية تافهة دون أن تجنى فائدتها وبركاتها ‪.‬‬
‫ولكن أن صرفت وقت راحتك بين فترات العمل في أداء الصلة ‪ ،‬التي هي‬
‫وسيلة لراحة الروح ‪ ،‬ولتنفس القلب ‪ ،‬يضاف عندئذ الى نفقتك الخروية وزاد‬
‫أخرتك – مع نفقتك الدنيوية المباركة – مع ما تجنيه من منبع عظيم لكنزين‬
‫معنويين دائمين وهما ‪:‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكنز الول ‪ :‬ستأخذ حظك ونصيبك من ) تسبيحات ( كل ما هيأته – بنية‬


‫خالصة – من أزهار وثمار ونباتات في بستانك‪.‬‬
‫ً‬
‫الكنز الثاني ‪ :‬أن كل من يأكل من محاصيل بستانك – سواء أ كان حيوانا او‬
‫أنسانا أو شاريا ً أو سارقا ً – يكون بحكم ) صدقة جارية ( لك ‪ ،‬فيما اذا نظرت‬
‫الى نفسك كأنك وكيل وموظف لتوزيع ماله سبحانه وتعالى على مخلوقاته ‪.‬‬
‫أي تتصرف باسم الرزاق الحقيقي وضمن مرضاته ( )‪. (14‬‬
‫وعن صلة الستاذ وتسبيحاته يحدثنا ) مل حميد ( – الذي لزم النورسي في )‬
‫جبل أرك ( في جامع ) نورشين (في مدينة ) وان ( ‪: -‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫) كنت أنشرح كثيرا عندما أصلي مقتديا بالستاذ ‪ ،‬كان قيامه للصلة يزيد‬
‫النسان رهبة وخشوعا ‪ .‬وكان يرشدنا الى أن التسبيحات والذكار عقب‬
‫الصلة انما هي بحكم نوى للصلة وبذورها ‪ .‬وكان يسبح ويذكر الله بصوت‬
‫رخيم حزين ‪ ،‬فعندما يقول ) سبحان الله ‪ ..‬سبحان الله ( كنا نسمعه يصدر‬
‫على مهل من أعماق أعماق قلبه ‪ .‬انني شخصا لم أر مثل الستاذ قط من‬
‫يصلي ثم يسبح هذا الخشوع والحزن ‪ ،‬مع انني رأيت كثيرا من الشيوخ‬
‫والعلماء ( )‪(15‬‬
‫لقد كان النورسي يهتم كثيرا بالتسبيحات والذكار عقب الصلة ‪ ،‬وكان يوصي‬
‫طلبه وإخوانه الذين يظهرون تكاسل ً وفتورا ً في قراءة الذكار بعد الصلة‪:‬‬
‫سنة نبوية مطهرة ‪ ،‬وطريقة‬‫) أن تلك الذكار الواردة عقب الصلة هي ُ‬
‫محمدية شريفة ‪ ،‬وهي اوراد الولية الحمدية فأصبحت أهميتها – اذن – من‬
‫هذه‬
‫الزاوية عظيمة ( )‪. (16‬‬
‫والنورسي واقتداًء بالرسول الكريم )صلى الله عليه وسلم ( والداعين الى‬
‫طريق الحق ‪ ،‬فأنه كان يقوم لصلة التهجد كل ليلة ‪ .‬لن صلة التهجد ‪ ،‬هي‬
‫الزاد والمنار في الطريق الشاق الطويل الذي يسلكه السالكون الى الله ‪،‬‬
‫لكي يعصمه من وساوس شياطين النس والجن ‪ .‬ومن ضللت الطريق ‪.‬‬
‫أنها لحظات انقطاع هذا النسان عن كل حول وقوة تربطه بهذه الدنيا الفانية‬
‫وبأي محبوب فان ‪ ..‬أنها لحظات تعطي للقلب انسا ً وطمأنينة وراحة وتسكن‬
‫الروح فيها ‪ .‬والتهجد في الليل ) يذكر بضرورته ضياء لليل القبر ‪ ،‬ولظلمات‬
‫عالم البرزخ ‪ ،‬وينبه ويذكر بنعم غير متناهية للمنعم الحقيقي عبر هذه‬
‫النقلبات ‪ ،‬ويعلن أيضا مدى أهلية المنعم الحقيقي للحمد والثناء ( )‪. (17‬‬
‫يقول تلميذه وصديقه ) مل حميد ( حول قيام النورسي لصلة التهجد ‪:‬‬
‫) كان الستاذ( يقوم لصلة التهجد كل ليلة ‪ ،‬وكنت أحيانا أراه وهو يصلي فل‬
‫أستطيع النوم ‪ .‬وعندما كان يراني مستيقظا يقول لي ‪ :‬ما دمت مستيقظا ً‬
‫فتعال وشاركني في الدعاء ‪ .‬ولكنني كنت أجهل قراءة أي دعاء) المقصود‪:‬‬
‫باللغة العربية( فكان يقول لي ‪ :‬سأدعو أنا وردد أنت بعدي ‪ :‬آمين ‪ .‬فأنا أدعو‬
‫بدعاء سيدنا يونس عليه السلم ‪ .‬وبدعاء أويس القرني وأطرق باب رحمة‬
‫الله بهما ‪ .‬وكنت أغفو أحيانا أثناء الدعاء فكان ينظر الي ويقول ‪ :‬لقد كنت أنا‬
‫أيضا مثلك ‪ ..‬ولكنك ستتعود ()‪(18‬‬
‫ويحدثنا تلميذه ) بايرام يوكسل( ذكرياته حول أذكار النورسي في الليل‬
‫فيقول ‪ ) :‬كان الستاذ ينام قليل ‪ ،‬ويأكل قليل جدا بحيث ل يكفي لشباع‬
‫حاجة النسان العتيادي وكان يقول لنا ‪ - :‬النوم الفطري والطبيعي هو خمس‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ساعات في اليوم ‪ .‬وكان من عاداته ‪ -‬التي لم يتخل عنها طوال حياته‬


‫المباركة ‪ -‬أن يقضي الليالي بالتسبيح والتهليل والدعاء والمناجاة والتهجد ‪،‬‬
‫وكان على وضوء دائم ‪ ،‬وكان جيران الستاذ في ) إسبارطة وبارل واميرداغ (‬
‫يقولون لنا ‪ :‬حينما ننظر الى بيت الستاذ في الليل نرى مصباحه الخافت‬
‫مضاء ونسمع أنين أذكاره الحزين ودعاءه الرقيق ( )‪. (19‬‬
‫الهوامش‬
‫)‪(1‬المثنوي العربي النوري ‪ -‬ص ‪ -197‬النورسي ‪ -‬تحقيق احسان قاسم‬
‫الصالحي ‪.‬‬
‫)‪(2‬المثنوي العربي النوري – ص ‪.197‬‬
‫)‪(3‬بديع الزمان سعيد النورسي ) حياته واثاره ( ص ‪ -53‬تأليف احسان‬
‫الصالحي ‪.‬‬
‫)‪(4‬الكلمات الصغيرة – النورسي ترجمة ‪ :‬احسان الصالحي ‪.‬‬
‫)‪(5‬المثنوي العربي النوري – ص ‪.165 -164‬‬
‫)‪(6‬ذكريات عن سعيد النورسي – ‪ -76‬ترجمة اسيد الصالحي ‪.‬‬
‫)‪(7‬أشارات العجاز – ص ‪ -65‬النورسي ‪.‬‬
‫)‪(8‬الكلمات الصغيرة – الكلمة الرابعة – النورسي‬
‫)‪(9‬ذكريات عن سعيد النورسي – ص ‪.13‬‬
‫)‪(10‬المثنوي العربي النوري – ص ‪.280‬‬
‫)‪Tarihce –I Hayat – 406(11‬‬
‫)‪(12‬ذكريات عن سعيد النورسي – ص ‪.100‬‬
‫)‪Tarihce-I Hayat 406(13‬‬
‫)‪ (14‬الكلمات – الكلمة التاسعة ‪ -‬النورسي‪ -‬ترجمة ‪ :‬احسان الصالحي ‪.‬‬
‫)‪(15‬ذكريات عن سعيد النورسي – ص ‪.10‬‬
‫)‪.Kastamoni LahiKasi-68(16‬‬
‫)‪(17‬الكلمات ‪ -‬الكلمة التاسعة ‪ -‬النورسي‬
‫)‪(18‬ذكريات عن سعيد النورسي‬
‫)‪(19‬ذكريات عن سعيد النورسي – ص ‪.11‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ما الغاية الساسية ول تشغلنا الجزئيات‬‫فلنذكر دائ ً‬


‫الستاذ‪ /‬أنور الجندي‬
‫ما تزال الكلمة الولى هي الكلمة الخيرة ‪ :‬هذا وطن السلم الذي سرق منه‬
‫واستولى عليه الستعمار وحاصر دينه وعقيدته في مؤامرة ضخمة لتدميرهما‬
‫وتحويل هذه المة إلى عبودية الممية والخضوع للحضارة الغربية والنصهار‬
‫في المجتمع العالمي المادي العلماني الذي مرق من العبودية لله تبارك‬
‫وتعالى مفكًرا هذه الرابطة متحلل ً منها داعًيا إلى نقضها في محاولة للخروج‬
‫عن سنن الله تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ما على الوطن السلمي وهو‬ ‫وبالرغم من مرور أكثر من مائة وخمسين عا ً‬
‫محاصر في دائرة النفوذ الغربي بشكل أو بآخر‪ ،‬وبالرغم من جهاد البرار‬
‫على طول هذا المدى في سبيل الحفاظ على البيضة وحماية الفكرة ‪ ..‬فإنه‬
‫مهما بدا أنه حر في حركته فهو مقيد محاصر مصادرة ثرواته ومقدراته ‪،‬‬
‫مغّرب شبابه ورجاله حيث تحتويه دعوات الماركسية والليبرالية والقومية‬
‫والفرعونية في محاولة مستمينة لفصله عن عقيدته ولتحطيم وحدته الكبرى‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما ممزًقا مستدل ً ‪.‬‬ ‫بعد أن أسقطت خلفته ليظل دائ ً‬


‫ولقد عملت اليقظة السلمية دائبة على تحريره من قيوده وخطت في سبيل‬
‫ذلك خطوات واسعة انتقال ً إلى الصحة( في سبيل الوصول إلى )النهضة( غير‬
‫أن كثافة ردود الفعال ومضاعفة النفوذ الغربي لعمليات التغريب والغزو‬
‫الفكري فإنها ماتزال تعمل في محاولة مستميتة لتصهرنا في بوتقة الغرب ‪.‬‬
‫يأتي هذا الخطر عن طريق التعليم والثقافة والصحافة مما يتطلب منا اللحاح‬
‫الدائم على تذكر الغاية الساسية وهي حماية أمتنا من الخطر المسلط على‬
‫منهجنا الصيل ‪.‬‬
‫إن تتابع محاولت الحتواء التي تجري اليوم تحت أسماء مختلفة تحاول أن‬
‫تصورنا في صورة المن الخادع ظًنا منا أننا قد امتلكنا إرادتنا فل خوف من‬
‫صهرنا في بوتقة الممية العالمية أو القضاء على تميزنا وخصوصياتنا ‪ ،‬التي‬
‫أعطانا إياها السلم منذ أربع عشر قرًنا ‪ ،‬والتي ما تزال هي أخطر مايجب‬
‫الحفاظ عليه وحمايته والتضحية بكل شيء في سبيل الدفاع عن هذه‬
‫الخصوصية وهذا التميز فهو عنوان إسلمنا الذي ندافع عنه بالرواح وبالجساد‬
‫المتراصة ‪.‬‬
‫إن مهمتنا الحقيقية هو )البناء على الساس( لسنا نطالب بالعودة إلى‬
‫الماضي أو إحياء التاريخ ولكنا ندعو إلى التماس أصول منهجنا الذي بني عليه‬
‫كياننا منذ أربعة عشر قرًنا ‪ :‬هذا المنهج المرن الواسع الطر القابل لمتغيرات‬
‫العصور والبيئات دون أن يتهم بالجمود أو التطرف إن النفوذ الجنبي بهذه‬
‫الجريمة التي ارتكبها منذ مائة سنة حين حجب منهجنا السلمي وشريعتنا‬
‫وهدم وحدتنا الكبرى قد خالف طريقنا وفتح أمامنا السبل المتفرقة‬
‫المضطربة وقسم عقيدتنا ومزق وجهتنا بين مذاهب وايدلوجيات بشرية‬
‫مضطربة وقع الغرب في منزلقها لنه اختار أن يترك ميراثه السماوي جملة ‪،‬‬
‫أما نحن المسلمون فقد وجدنا أنفسنا على الجادة إزاء رسالة خالدة وكتاب ل‬
‫يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ومنهج أصيل جامع وتاريخ عريق تتمثل‬
‫فيه تجربة المسلم في سبيل بناء المجتمع الرباني )وإن لم يصل بعد إلى‬
‫تحقيقها على الوجه الصحيح( ‪.‬‬
‫فإذا نحن طالبنا أن نزيل هذه المرحلة المظلمة من التبعية للغرب حين فرض‬
‫علينا قانونه الوضعي ونظامه الربوي ومنهجه العلماني ارتفعت الصوات‬
‫تصفنا بالجمود والتخلف والرجعية ‪ ،‬وما نحن من ذلك كله في شيء ‪ ،‬ولكنا‬
‫دا من أيام‬ ‫ما واح ً‬ ‫فور أن نصحح الخطأ ونزيل تبعية فرضت ولم نقبل بها يو ً‬
‫حياتنا الماضية وكنا نتطلع في كل صباح لن نعود إلى المنابع ونلتمس أصالتنا‬
‫ونلتمس طريقنا الصيل عمل ً بالية الكريمة ‪.‬‬
‫سب ِي ِْله‬
‫ن َ‬‫م عَ ْ‬‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬
‫ل فَت َ َ‬
‫سب ُ َ‬ ‫ما َفات ّب ِعُوْه ُ وَل َ ت َت ّب ِعُ ْ‬
‫وا ال ّ‬ ‫قي ْ ً‬‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ي ُ‬‫صَراط ِ ْ‬‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬
‫?َوأ ّ‬
‫ن? سورة النعام آية ‪.153‬‬ ‫قو ْ َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ِبه لعَلك ُ ْ‬‫صاك ُ ْ‬
‫م وَ ّ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫نحن نختلف عن أصحاب الولء للتبعية الغربية في أننا نطالب بتصحيح‬
‫المسيرة ‪ ،‬مستمدين ذلك من واقع حياتنا ‪ ،‬فهي ليست معارضة خلف أو‬
‫خصومة ‪ ،‬ولكنها مراجعة تلتمس الوصول إلى الجذور والمنابع والبناء عليها ‪،‬‬
‫مراجعة تحرير من تبعية هدف غربي أو ولء لهذا المنهج أو ذاك من مناهج‬
‫البشرية التي أثبتت التجربة فساد تطبيقها وسقطت في بلدها التي أنشأتها‪،‬‬
‫وهي مراجعة يطالبنا بها العالم كله اليوم بعد أن أصبح السلم هو المل‬
‫الوحيد للبشرية لخراجها من الظلمات إلى النور ‪.‬‬
‫فها نحن نرى أعلم الغرب وعلماءه يعلنون موقفهم من السلم ويكشفون‬
‫عن فساد تلك اليدلوجيات واضطرابها وعجزها عن العطاء وها هم رجال‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القانون الغربيون في عديد من المؤتمرات العالمية يعلنون أن الشريعة‬


‫السلمية هي أمل البشرية ومطمع أهلها ‪ ،‬يقولون هذا بينما أهلها مازالوا‬
‫غارقين في تبعية بغيضة للقانون الوضعي بكل سوءاته وآثامه وحرمانه للمة‬
‫السلمية من حماية حدود الله تبارك وتعالى وتطبيقها ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -2‬إننا في حاجة دائمة إلى وعي رسالتنا وأمتنا ومهمتنا التي سوف نسأل‬
‫عنها بين يدي الله تبارك وتعالى ‪ ،‬وهي الذود عن أمانة الدعوة إيماًنا بأن هذه‬
‫المة السلمية هي المة الخاتمة المصطفاة لحمل رسالة التوحيد إلى‬
‫العالمين حتى يرث الله الرض ومن عليها ‪.‬‬
‫وأن جميع الرسالت التي سبقت كانت بمثابة تمهيد وإعداد لهذه الرسالة‬
‫ما من داخلها من منطلق تصحيح‬ ‫الخاتمة وأن )الصحوة( في المة تنبعث دائ ً‬
‫المسيرة وليس بعامل خارجي إل أن يكون الوعي بالخطر الذي يحيط بها ‪.‬‬
‫وقد صدقت مقولة شيخنا أبي الحسن الندوي حين يقول‪:‬‬
‫قا في‬ ‫ً‬
‫)إن الصحوة السلمية هي صفة السلم ويجب أن تتصل اتصال وثي ً‬
‫حلقاتها لنها المة المختارة والخيرة والمبعوثة للنسانية كلها( ‪ .‬وقد امتاز‬
‫السلم بأنه يختلف عن الدعوات السابقة بأن له فترات إصلحية فورية‬
‫جذرية تدعو إلى العودة به إلى الصل الول‪.‬‬
‫حيث لم تخل مرحلة من وجود مصلح أو مجدد أو داعية للصحوة السلمية‬
‫في هذا البلد أو ذاك على اختلف المساحات والرجاء فالصحف السلمية‬
‫قا في حلقاتها فإنها‬ ‫في الحقيقة من طبيعة السلم ويجب أن تتصل اتصال ً وثي ً‬
‫المة المختارة أو المة المبعوثة للنسانية جمعاء ومن هنا نفهم معنى‬
‫)المانة( الكبرى التي يحملها المتصدرون للدعوة السلمية ومدى خطر‬
‫المسؤولية الملقاة على عاتقهم وأهمية الدور الذي هم مكلفون به ‪ ،‬والذي‬
‫يجب أن يصل بهم إلى اليقين الوثيق في صدق هذه الدعوة وانتصارها‬
‫وضرورة بذل النفس والنفيس في سبيل تبليغها وحمايتها وتصحيح المفاهيم‬
‫حا في حديث رسول الله‪.‬‬ ‫ويبدو ذلك واض ً‬
‫يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف المغالين وتزييف‬
‫المبطلين وتأويل الجاهلين‪:‬‬
‫فمهما ادلهمت الحداث واستعلى الباطل وارتفع صوت الضلل وظن الناس‬
‫أن المور كلها قد اسلمت نفسها إلى هذا النحراف الذي تنطلق به عجلة‬
‫الحضارة المعاصرة والدول التي تسوقها نظم السيطرة الربوية العالمية بكل‬
‫ما تمثله من فساد خلقي وانحراف وإسراف واندفاع نحو الهاوية ‪ ،‬فإن نور‬
‫الحق لبد وأن يسطع وأن ترتفع كلمة الحق ‪ ،‬ولبد أن تغلب وكل من يسير‬
‫في غير اتجاه الحق فإنما يسير ضد تيار التاريخ والفطرة‪.‬‬
‫ومن سار ضد تيار الفطرة لبد أن يتحطم ويدمر ولقد استعلت الحضارة‬
‫الغربية بالباطل وساقت العالم كله وراءها الن ‪ ،‬وفرضت مفاهيمها وقيمها‬
‫دا ‪ ،‬ولتزال الضربات‬ ‫دا وإن كان خافًتا لم ينطفئ أب ً‬‫وبقي ضوء السلم ممت ً‬
‫تتوالى على المسلمين في كل مكان ‪ :‬ضربات القتصاد والتحلل الجتماعي‬
‫وكلها تستهدف أن يستسلم المسلمون ويقبلون بالنصهار في هذا النظام‬
‫المنهار المتعفن الذي يلفظ أنفاسه الخيرة‪.‬‬
‫ولكن بقي على المسلمين أن ينظروا إلى غد وأن يؤكدوا موقفهم المسؤول‬
‫عن المانة التي حملهم إياها الحق تبارك وتعالى ول يتراجعوا أو ينزعجوا أمام‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التضخم والستعلء واتساع منطلقات الباطل وظلمه وفساده وتعدد‬


‫معسكراته ‪ ،‬وعليهم أن يثبتوا واثقين بالنصر من الله لهم وكل يوم لهم فتح‬
‫قريب‪.‬‬
‫ويجب أن يعلم المسلم أن كل هذا الفساد إلى زوال وأن الله تبارك وتعالى‬
‫يأتي الرض ينقصها من أطرافها والله يحكم ل معقب لحمه ومن هنا فيجب‬
‫أن يكون المسلم مطمئًنا إلى اليقين في الله وأن يظل المسلم مقاتل ً ل‬
‫يستسلم أمام أهواء الحضارة أو فساد التيارات الفكرية العصرية غير‬
‫مستسلم لها ‪ ،‬يقيم شرعة الله في نفسه وبيته وآله والمسلم مهما ادلهمت‬
‫الحداث فهو واثق من فرج الله ول يميل أبدا إلى سوء الظن ول يتقبل صور‬
‫التشاؤم أو ظلم الحقاد مهما كان قائلها بارز الصيت أو مكتوبة في صحف‬
‫لمعة أو شهيرة فذلك وما يريده العدو الذي يطمع في أن يصل المسلم إلى‬
‫مرحلة الستسلم واليأس وكيف ينفض المسلم يده من المر وهو يعلم‬
‫مسؤوليته أمام الله تبارك وتعالى على هذه المانة القائمة في عنقه وذلك‬
‫الوعيد الصادق الكيد بالنصر مهما ادلهمت الحداث ؛ حتى إذا استيأس‬
‫الرسل وظنوا انهم قد كذبوا أتاهم نصرنا ‪ .‬وباب السماء مفتوح ونصر الله‬
‫قريب إن مسؤوليتنا أن نصمد في موقفنا مؤمنين بأننا على الحق مرابطين‬
‫حتى ننتصر أو نستشهد‪.‬‬
‫إن الوعي بحقيقة المخطط المرسوم لحتواء السلم والمسلمين يجعلنا‬
‫قادرين على التماس الطريق الذي رسمه الحق تبارك وتعالى لنا للخروج من‬
‫كل مأزق ‪ ،‬وعلى شبابنا المسلم أن يكون على وعي كامل بعدة حقائق‬
‫أساسية‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن مجتمعنا القائم الن يمكن أن يكون نقطة انطلق إلى واقع إسلمي‬
‫لن قاعدته الساسية ماتزال سليمة وصالحة إذا أحسن توجيهها نحو البناء‬
‫على الساس وفق مفهوم النظام السلمي ‪ ،‬غير أن هذا الواقع القائم الن‬
‫ينقصه الكثير ويتطلب تصحيح كثير من مفاهيمه وقيمه وتعديل مساره نحو‬
‫الطريق الصيل وأهم ما يتطلبه هو التعامل الجتماعي من قاعدة )الحفاظ‬
‫على الحلل وتجاوز الحرام( سواء في المعاملت التجارية أو في العلقات‬
‫بين الرجل والمرأة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ذلك لننا كمسلمين وقد تشكل مجتمعنا منذ أربعة عشر قرًنا على مفاهيم‬
‫سا متيًنا للبناء الجتماعي والتعامل‬
‫السلم نؤمن بالقاعدة الخلقية الثابتة أسا ً‬
‫الجتماعي محرًرا من شبهة الربا في القتصاد وشبهة الباحة في المجتمع ‪.‬‬
‫وهذا التوجه هو الذي تنظمه الشريعة السلمية فتحفظ المسلم من‬
‫النحراف وتحمله على تجاوز الحرام سواء في تعامله القتصادي أو‬
‫الجتماعي ‪ .‬وهذا ما ينقص مجتمعنا اليوم الذي يندفع بقوة نحو البحث عن‬
‫الموارد والكسب والتعامل التجاري دون أن نضبط تعامله إسلمًيا بتحريم‬
‫الربا أو أخلقًيا بتجاوز الحدود‪.‬‬
‫ومن هنا فنحن في أشد الحاجة إلى الدخول في مرحلة تصحيح الوجهة ‪،‬‬
‫وذلك بإقامة معاملتنا سواء في مجال التجارة أو ا‬
‫لزراعة أو القتصاد على أساس تحري الحلل وتجاوز الحرام وكذلك إقامة‬
‫علقاتنا الجتماعية على أساس نفسه‪.‬‬
‫وفي هذا المنطلق نحن في حاجة إلى تحرير أساليب التسلية والترفيه )سواء‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منها المسرح أو التلفزيون أو غيرها( ‪.‬‬


‫من القصص الماجن والروايات والفلم والمسلسلت المنحرفة التي تجعل‬
‫مآثم المجتمعات وكأنها حقائق مشروعة وذلك لحماية شباب المة من‬
‫الوقوع في الخطأ أو الخطر‪.‬‬
‫ثانًيا ‪ :‬إن الصول السلمية لمجتمعنا يجب أن تكون واضحة في حركة الفكر‬
‫فل نجد المناهج والبحاث تقدم وجهة نظر الفكر الليبرالي أو الفكر‬
‫الماركسي على أوسع نطاق دون أن تقدم وجهة النظر السلمية سواء في‬
‫مجال القانون أو القتصاد أو التربية في محاولة لعلء التصور الغربي وحجب‬
‫التصور السلمي في محاولة لعلء منهج مغلوط هو أن السلم ل صلة له‬
‫بالمجتمعات من حيث توجيهها ورسم مناهج تحركها ومعاملتها لفساح‬
‫المجال أمام القانون الوضعي وإعلء مفاهيم العلمانية ‪.‬‬
‫سا على‬
‫وهذا التصور في مجموعه ل يمثل حقيقة مجتمعنا القائم أسا ً‬
‫الشريعة والذي يطالب بتطبيقها في مختلف المجالت السياسية ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فلنكن منصفين‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث مع أصحابه في أمور الدنيا ويتذكر‬
‫معهم أيام الجاهلية‪ ،‬كان نبينا يمزح ويضحك مع أهله وأحبابه ‪ ،‬لطيف المعشر‬
‫بعيد عن الغلظة والجفاء قدوة في السماحة والصفاء ‪.‬‬
‫مما سبق ومن خلل لقائي بأناس متعددي الصناف والتجاهات وجدت أن‬
‫هناك أغلبية عظمى ينظرون إلى أصحاب الدين والستقامة أنهم جفاة غلظ‬
‫في تعاملتهم ‪ ،‬فلماذا هذه النظرة القاتمة ؟ ولماذا ترسخت في عقول‬
‫البعض هذه الفكرة السوداوية ؟‬
‫وهل هي موجودة فعل ؟‬
‫ولماذا هي موجودة ؟‬
‫أقول ‪ :‬إن من الظلم والبخس الشديد أن نشير إلى طائفة بعينها بأصابع‬
‫التهام والنقد لنهم السبب المباشر في هذا الموضوع ؟؟‬
‫ولم أبعد النجعة إن قلت ‪ :‬إن كل الفريقين قد أبعد في التباع والقتداء‬
‫بالمنهج النبوي ‪ ،‬فالفريق الول حاد في باب التعامل مع الخر والفريق الخر‬
‫حاد في باب التعميم وتصحيح الخطأ ‪.‬‬
‫فالفريق الول )المستقيم ( يرى أن بعض الناس عصاة بعيدون عن الله فل‬
‫يستحقون الحترام والتعامل الحسن‬
‫‪ ،‬ونسي أنه قد يوجد لهم من الحسنات ما يفوق عمله بمراحل‪ ،‬فكون‬
‫النسان حليق للحيته أو مسبل لثوبه مثل ‪ ،‬ليعني أنه ضال أ و فاسق ليس له‬
‫حسنة واحدة ومن المشاهد أنك قد تجد في صلة الفجر مثل هذا الحليق أو‬
‫المسبل في الصفوف الولى وذلك مدعي الستقامة في صفوف أخرى ‪ ،‬فإن‬
‫النسان إذا أخطأ في جانب قد يصيب في آخر ‪.‬‬
‫وأما الخر ‪ :‬فإنه يرى واحدا من هذه النوعية يعامله بجدية مطلقة أو بجفاء‬
‫وغلظة فإذا به في كل مجلس يقول ‪ :‬هؤلء المتدينين غلظ جفاة ل يعرفون‬
‫حتى البتسامة ‪ ،‬والسؤال هنا ‪ :‬هل رأى الجميع وأحصاهم عددا وخالطهم‬
‫فردا فردا ؟ فالجواب‪ :‬ل ‪ .‬طبعا ولكنه التعميم والنظرة القاتمة‪.‬‬
‫إذا‪ :‬ما أجمل الهدي النبوي في شؤون حياتنا‪ ،‬ما أحوجنا إلى رسم لوحة‬
‫جميلة لخلقنا وسلوكنا وكيفية التعامل مع الخر‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪......‬‬
‫إبراهيم بن علي السفياني‬
‫المدرس بمعهد تبوك العلمي‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فليعلمن الله الذين صدقوا {‬


‫م َل ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫فت َُنو َ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫كوا أن ي َ ُ‬ ‫س أن ي ُت َْر ُ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫قال تعالى‪ } :‬الم )‪ (1‬أ َ‬
‫ن{‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫صد َُقوا وَل َي َعْل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م فَل َي َعْل َ َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬ ‫)‪ (2‬وَل َ َ‬
‫] العنكبوت[‪.‬‬
‫ـــــــــ‬
‫ذكر ابن كثير في تفسيره لهذه اليات‪» :‬أما الكلم على الحروف المقطعة‬
‫كوا َأن‬ ‫س َأن ي ُت َْر ُ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬
‫َ‬
‫فقد تقدم في سورة البقرة‪ .‬وقوله تعالى‪ } :‬أ َ‬
‫ن { استفهام إنكار‪ ،‬ومعناه أن الله سبحانه وتعالى ل‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م َل ي ُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من اليمان‪ ،‬كما جاء في‬
‫الحديث الصحيح‪» :‬أشد الناس بلء النبياء‪ ،‬ثم الصالحون‪ ،‬ثم المثل فالمثل‪،‬‬
‫يبتلى الرجل على حسب دينه‪ ،‬فإن كان في دينه صلبة زيد له في البلء«‪.‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫دوا ْ ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬ ‫كوا ْ وَل َ ّ‬ ‫م َأن ت ُت َْر ُ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫وهذه الية كقوله‪ } :‬أ ْ‬
‫ة { ‪ ،‬ومثلها في سورة‬ ‫ج ً‬ ‫ن وَِلي َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫سول ِهِ وَل َ ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَل َ َر ُ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ي َت ّ ِ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما ي َأت ِ ُ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ْ ال ْ َ‬ ‫م أن ت َد ْ ُ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫براءة‪ ،‬وقال في البقرة‪ } :‬أ ْ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل َوال ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ضّراء وَُزل ْزُِلوا ْ َ‬ ‫ساء َوال ّ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫من قَب ْل ِ ُ‬ ‫خل َوْا ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ب { ولهذا قال ههنا‪ } :‬وَل َ َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ فَت َّنا‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صُر الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫آ َ‬
‫ن { أي الذين‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال َ‬‫ْ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صد َُقوا وَلي َعْل َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫م فَلي َعْل َ‬ ‫َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫صدقوا في دعوى اليمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه‪ .‬والله سبحانه‬
‫وتعالى يعلم ما كان‪ ،‬وما يكون‪ ،‬وما لم يكن‪ ،‬لو كان كيف يكون‪ ،‬وهذا مجمع‬
‫عليه عند أئمة السنة والجماعة‪ ،‬وبهذا يقول ابن عباس وغيره‪ ،‬في مثل قوله‬
‫} إل لنعلم { إل لنرى‪ ،‬وذلك لن الرؤية إنما تتعلق بالموجود‪ ،‬والعلم أعم من‬
‫الرؤية فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود«‪ .‬أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫أما سيد قطب فقد ذكر في ظلله عند تفسيره لهذه اليات‪» :‬وقد قلنا من‬
‫قبل‪ :‬إن السور التي صدرت بهذه الحروف تتضمن حديثا ً عن القرآن‪ ،‬إما‬
‫مباشرة بعد هذه الحروف‪ ،‬وإما في ثنايا السورة‪ ،‬كما هو الحال في هذه‬
‫السورة‪ ...‬وبعد هذا الفتتاح يبدأ الحديث عن اليمان‪ ،‬والفتنة التي يتعرض لها‬
‫المؤمنون لتحقيق هذا اليمان‪ ،‬وكشف الصادقين والكاذبين بالفتنة والبتلء‪} .‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (2‬وَل َ َ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م َل ي ُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫كوا َأن ي َ ُ‬ ‫س َأن ي ُت َْر ُ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫ن { إنه اليقاع الول‪...‬‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫صد َُقوا وَل َي َعْل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م فَل َي َعْل َ َ‬‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ِ‬
‫يساق في سورة استفهام استنكاري لمفهوم الناس لليمان وحسبانهم أنه‬
‫كلمة تقال باللسان‪ ...‬إن اليمان ليس كلمة تقال‪ ،‬إنما هو حقيقة ذات‬
‫تكاليف‪ ،‬وأمانة ذات أعباء‪ ،‬وجهاد يحتاج إلى صبر‪ ،‬وجهاد يحتاج إلى احتمال‪.‬‬
‫فل يكفي أن يقول الناس‪ :‬آمنا‪ ،‬وهم ل يتركون لهذه الدعوى‪ ،‬حتى يتعرضوا‬
‫للفتنة‪ ،‬فيثبتوا عليها‪ ،‬ويخرجوا منها صافية عناصرهم‪ ،‬خالصة قلوبهم‪ ،‬كما‬
‫تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به‪ ،‬وهذا هو‬
‫أصل الكلمة اللغوي‪ ،‬وله دللته‪ ،‬وظله‪ ،‬وإيحاؤه‪ ،‬وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب‪.‬‬
‫هذه الفتنة على اليمان أصل ثابت‪ ،‬وسنة جارية في ميزان الله سبحانه‪.‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫صد َُقوا وَل َي َعْل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م فَل َي َعْل َ َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬ ‫} وَل َ َ‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪. ........‬‬
‫إن اليمان أمانة الله في الرض‪ ،‬ل يحملها إل من هم لها أهل‪ ،‬وفيهم على‬
‫حملها قدرة‪ ،‬وفي قلوبهم تجرد لها وإخلص‪ ،‬وإل الذين يؤثرونها على الراحة‬
‫والدعة‪ ،‬وعلى المن والسلمة‪ ...‬وإنها لمانة الخلفة في الرض‪ ،‬وقيادة‬
‫الناس إلى طريق الله‪ ،‬وتحقيق كلمته في عالم الحياة‪ .‬فهي أمانة كريمة‪،‬‬
‫وهي أمانة ثقيلة‪ ،‬وهي من أمر الله‪ ،‬يضطلع بها الناس‪ ،‬ومن ثم تحتاج إلى‬
‫طراز خاص يصبر على البتلء‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للذى من الباطل وأهله‪ ،‬ثم ل يجد النصير‬
‫الذي يسانده ويدفع عنه‪ ...‬هناك فتنة الهل والحباء الذين يخشى عليهم أن‬
‫يصيبهم الذى بسببه‪ ،‬وهو ل يملك عنهم دفعًا‪ ،‬وقد يهتفون به ليسالم أو‬
‫ليستسلم‪ ،‬وينادونه باسم الحب والقرابة‪ ،‬واتقاء الله في الرحم‪ ...‬وهناك فتنة‬
‫إقبال الدنيا على المبطلين‪ ،‬ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين‪ ،‬تهتف لهم‬
‫الدنيا وتصفق لهم الجماهير‪ ..‬وهو مهمل منكر‪ ،‬ل يحس به أحد‪ ...‬ول يشعر‬
‫بقيمة الحق الذي معه إل القليلون من أمثاله الذين ل يملكون من أمر الحياة‬
‫شيئًا‪ ...‬وهنالك فتنة الغربة في البيئة والستيحاش بالعقيدة‪ ...‬وهناك فتنة من‬
‫نوع آخر قد نراها بارزة في هذه اليام‪ ،‬فتنة أن يجد المؤمن أمما ً ودول ً غارقة‬
‫في الرذيلة‪ ،‬وهي مع ذلك راقية في مجتمعها‪ ...‬ويجدها غنية قوية‪ ،‬وهي‬
‫مشاقة لله!‪ ...‬وهنالك الفتنة الكبرى‪ ..:‬فتنة النفس والشهوة وجاذبية الرض‪،‬‬
‫وثقلة اللحم والدم‪ ...‬وصعوبة الستقامة على طريق اليمان‪ ،‬والستواء على‬
‫مرتقاه‪ ،‬مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس‪...‬‬
‫فإذا طال المد‪ ،‬وب َعُد َ نصر الله‪ ،‬كانت الفتنة أشد وأقسى‪ ،‬ولم يثبت إل من‬
‫عصم الله‪ ،‬وهؤلء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة اليمان‪ ،‬ويؤتمنون‬
‫على تلك المانة الكبرى‪ ،‬أمانة السماء في الرض ‪. ........‬‬
‫والنفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث‪ ...‬وكذلك تفعل الشدائد‬
‫بالجماعات‪ ،‬فل يبقى صامدا ً إل أصلبها عودًا‪ ،‬وأقواها طبيعة‪ ،‬وأشدها اتصال ً‬
‫بالله‪ ،‬وثقة فيما عنده من الحسنيين‪ :‬النصر أو الجر‪ ،‬وهؤلء هم الذين‬
‫يسّلمون الراية في النهاية‪ ،‬مؤتمنين عليها بعد الستعداد والختبار‪.‬‬
‫وإنهم ليتسلمون المانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي‬
‫الثمن‪...‬‬
‫فأما انتصار اليمان والحق‪ ،‬في النهاية‪ ،‬فقد تكفل به وعد الله‪ ،‬وما يشك‬
‫مؤمن في وعد الله‪ ،‬فإن أبطأ فلحكمة مقدرة‪ ،‬فيها الخير لليمان وأهله‪،‬‬
‫وليس أحد أغير على اليمان وأهله من الله‪ ،‬وحسب المؤمنين الذين تصيبهم‬
‫الفتنة ويقع عليهم البلء‪ ،‬أن يكونوا هم المختارين من الله‪ ،‬ليكونوا أمناء على‬
‫حق الله‪ ،‬وأن يشهد الله لهم بأن في دينهم صلبة فهو يختارهم للبتلء‪ ...‬جاء‬
‫في الصحيح‪» :‬أشد الناس بلء النبياء‪ ،‬ثم الصالحون‪ ،‬ثم المثل فالمثل‪،‬‬
‫يبتلى الرجل على حسب دينه‪ ،‬فإن كان في دينه صلبة زيد له في البلء«‪.‬‬
‫وأما الذين يفتنون المؤمنين‪ ،‬ويعملون السيئات‪ ،‬فما هم بمفلتين من عذاب‬
‫الله ول ناجين مهما انتفخ باطلهم وانتفش‪«...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فليكن كل منا على ثغر‬


‫ً‬
‫بدأ هذا الدين العظيم غريبا في وقت عم بلء الشرك كافة الرض كما جاء‬
‫في الحديث‪ » ..‬إن الله نظر إلى أهل الرض عربهم وعجمهم فمقتهم إل‬
‫قلئل من أهل الكتاب «‬
‫وفي وسط هذه الظلمة الظلماء والناس بين عابد وثن وبين معتقد بتثليث أو‬
‫تثنية وبين ضال ملحد ‪ ,‬ظهر النور في ربوع مكة مؤذنا ببزوغ فجر جديد ‪,‬‬
‫بمثابة نقطة التحول الجذرية في تاريخ النسانية – " فعلى كل مسلم أن يعي‬
‫ذلك جيدا ً بأن السلم كان نقطة تحول للنسانية نقلها من جهل وتخلف إلى‬
‫سمو وحضارة خلقية وعملية لولها ما تمتع الغرب بما يتمتع به الن ولول أن‬
‫المسلمين فرطوا في دينهم لكانوا أصحاب الصدارة الن وما تخلفهم الحالي‬
‫إل عقاب رباني على عدم تطبيقهم لدينهم وإطاعة أمر ربهم " ‪ -‬وكان من‬
‫الطبيعي أن يحدث الصدام الحتمي بين قوى الباطل المتمثلة في صور الكفر‬
‫في داخل الجزيرة وخارجها وبين هذا النور الجديد الذي جاء من عند الله‬
‫ليفرض على الناس الطهر والتحضر والسمو بدل ً من الجهل والجهالة في‬
‫العمل والخلق‪..‬‬
‫وإزاء هذا الصدام الشرس من قوى الشر التي تمثلت داخل مكة في‬
‫شخصيات مشركي قريش ‪ ,‬أما خارجها فتمثلت في قوى الكفر العظمى في‬
‫هذا الوقت الفرس والروم ‪ ,‬كان لزاما ً على هذه الشرذمة المؤمنة القليلة أن‬
‫تجابه قوى الشر ‪ ,‬وأن تنشر ما معها من نور في وجه ما عند أعدائها من‬
‫ظلمة مؤيدين في ذلك بنصر الله وتأييده ‪ ,‬ثم بما يمن به على رسوله من‬
‫حكمة وتوجيه للثلة المؤمنة ‪ ,‬التي واجهت أعتى اليذاءات وأشرس البتلءات‬
‫بصدور عارية ‪ ,‬واثقة بنصر ربها ‪ ,‬حتى هان بلل على قومه وهانت عليه‬
‫نفسه في الله وهو ثابت راسخ ل يقول إل أحد أحد ‪ ,‬وثبتت معه الثلة المؤمنة‬
‫وعلى رأسهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ‪,‬‬
‫ً‬
‫والمتأمل لموقف الرسول وصحبه الكرام ‪ ,‬يعلم جليا بأن موقفهم كان فيه‬
‫تحمل للمسئولية العظيمة الجسيمة التي وضعت على عواتقهم ‪ ,‬من إقامة‬
‫دولة السلم وإيصال هذه المانة العظيمة لمن بعدهم من الجيال ‪ ,‬فكانت‬
‫البتلءات التي تقابلهم ل تقف أمامهم وإنما هي كالزبد الهش ‪ ,‬كان إيمانهم‬
‫ثابت كشم الجبال ل يتزعزع ‪ ,‬مما يذكرنا بقول الله تعالى } فأما الزبد‬
‫فيذهب جفاًء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض {‬
‫وليعلم كل مسلم على وجه الرض الن أن نفس المانة ملقاة على عاتقه ‪,‬‬
‫في زمن غربة السلم ‪ ,‬وإلصاق التهم به وبأهله ‪ ,‬واغتصاب حرم السلم‬
‫وأهله ‪ ,‬مما جعل المسئولية عظيمة في الرجوع بالمة إلى مجدها ‪ ,‬وفي‬
‫إهداء المانة إلى أهلها ‪ ,‬وما أهلها إل أجيالنا القادمة ‪ ,‬التي لو فرطنا في ديننا‬
‫وعمنا الوهن ما وصل إليهم هذا الدين ‪ ,‬أو على أحسن الظروف لو لم‬
‫نتمسك ونقف لديننا ولربنا موقف المجاهد الصلب ‪ ,‬لول ذلك لوصل على‬
‫أحسن الظروف الدين إلى أجيالنا القادمة مشوها مبتورا ً خاصة من معاني‬
‫العقيدة ‪ ,‬والولء والبراء ‪ ,‬والجهاد ‪.‬‬
‫ً‬
‫ففي حالة عدم ثباتنا الن إما أن يشوه الدين وإما أن ننتج أجيال بعيدة كل‬
‫البعد عن دينها فضل ً عن أن تكون من غير أهله عياذا ً بالله ‪.‬‬
‫لذا فليعلم كل مسلم أنه اليوم على ثغر من ثغور السلم ‪ ,‬ول وقت لنضيعه‬
‫ول وقت لضعفنا وخمولنا ‪ ,‬فليثب كل منا وليأخذ كتابه بقوة كما قال تعالى‬
‫} خذوا ما آتيناكم بقوة { ليسع كل منا جاهدا ً على تطبيق الشرع على نفسه‬
‫أول ً ولن يكون هذا بغير علم صحيح ‪ ,‬وليسع إلى تطبيق الشرع على نفسه‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأهله وتعليمهم إياه ‪,‬فعلم بل تطبيق نفاق ‪ ,‬والعراض عن العلم والعمل كفر‬
‫إعراض ‪ ,‬لذا لنتعلم ونعمل ‪ ,‬بل كسل ول ملل‪ ,‬ولنثن ركبنا عند العلماء ‪,‬‬
‫ولنكن أولياء أتقياء ‪ ,‬رهبان الليل فرسان النهار‪ ,‬ليكن كل منا أنموذج فريد‬
‫في العلم والعمل ‪ ,‬وكذا الجتهاد في تحصيل أسباب الحياة المادية ‪ ,‬بل‬
‫والتفوق في ذلك لندل الناس على أن ديننا ليس دين تخلف ‪ ,‬وأن ما حدث‬
‫من انهيار إنما كان لتكاسل المسلمين والعيب فيهم وليس في دينهم ‪ ,‬ليصلح‬
‫كل منا قلبه ‪ ,‬وليصلح أيضا بدنه حتى إذا أذن مؤذن الجهاد كنا مستعدين‬
‫نشطين بأبدان سليمة وقلوب نقية خالية من الوهن والتخمة‪ ,‬وليعمل كل منا‬
‫على نشر الدين وإهدائه لكل من حوله ‪ ,‬عن طريق الكتيب والشريط‬
‫والزيارة في الله ‪ ,‬والدعوة بالسلوك القويم والعمل والمظهر الصالح ‪,‬‬
‫والدللة على الخير ‪ ,‬حتى تكتمل الدوائر ويعم الخير ‪.‬‬
‫ليكن كل منا صاحب قضية ‪ ,‬وما قضيتنا جميعا ً وهمنا المفترض إل هذا الدين‬
‫} وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون {‬
‫ليكن كل منا لواء للسنة مرفوع ‪ ,‬وسراج منير يقتضي به كل زائغ أو أعمى‬
‫غير بصير‪.‬‬
‫لننفض عنا غبار الجهل وغبار التعصب وليكن ديدننا قول ابن القيم رحمه الله‬
‫وتعر من ثوبين من يلبسهما يلق الردى بمذلة وهوان‬
‫ثوب من الجهل المركب فوقه ثوب التعصب بئست الثوبان‬
‫هيا لننهض ‪ .....‬هيا لنعمل ‪.....‬‬
‫فيلشمر كل منا ساعده وليمد يده لخوانه فلن ينجح بدونهم ‪.....‬‬
‫اللهم انصر المة وارفع الغمة وحكم شرعك في الرض ‪......‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫اللهم انصر المجاهدين في كل بقعة من بقاع الرض ‪ ......‬اللهم انصرهم في‬


‫فلسطين والشيشان‪ ......‬وفي أفغانستان والعراق‪ .....‬وكل بلد وأرض‬
‫يحارب فيها السلم‪....‬‬
‫اللهم هيئ للمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل أهل المعصية ويؤمر فيه‬
‫بالمعروف وينهى عن المنكر‬
‫إنك رب ذلك والقادر عليه‬
‫سأثأر لكن لرب ودين وأمضى إلى سنتي في يقين‬
‫فإما إلى النصر فوق النام وإما إلى الله في الخالدين‬
‫محمد أبو الهيثم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فلينظر النسان مما خلق ‪... ... ...‬‬


‫الحمد لله ‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله ‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن واله ‪،‬‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫فإن الله تعالى خلق آدم عليه السلم من الرض أي مما تحويه وذلك قوله‪} :‬‬
‫خَرى{ … )طه‪ ، (55:‬فخلقه‬ ‫م َتاَرة ً أ ُ ْ‬‫جك ُ ْ‬‫خرِ ُ‬‫من َْها ن ُ ْ‬ ‫م وَِفيَها ن ُِعيد ُك ُ ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناك ُ ْ‬ ‫من َْها َ‬
‫ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫خل َ‬‫م َ‬ ‫مث َ ِ‬
‫ل آد َ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َ اللهِ ك َ‬‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مث َ َ‬
‫ن َ‬ ‫من ترابها و هذا قوله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ب{ … )آل عمران‪ :‬من الية ‪ ،(59‬وفي ذلك آيات في القرآن كثيرة ‪.‬‬ ‫ت َُرا ٍ‬
‫ثم جبلت تربتها بالماء فكانت طينا وفي ذلك يقول رب العالمين ‪ } :‬هو الذي‬ ‫ً‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلقكم من طين ثم قضى أجل ً وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون { النعام‪/‬‬
‫‪.2‬‬
‫ً‬
‫وفي ذلك أيضا آيات كثيرة أيضا ‪.‬‬ ‫ً‬
‫وكان الطين لزبا ً ‪ -‬أي ‪ :‬لصقا ً ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لزجا ً ‪ -‬وفي هذا يقول تعالى ‪ } :‬إ ِّنا‬
‫ب{ … )الصافات‪ :‬من الية ‪. (11‬‬ ‫ن لزِ ٍ‬ ‫طي ٍ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَناهُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫صُلب ‪ ،‬وفي‬ ‫صق َ و َ‬ ‫ب ‪ :‬لَ ِ‬ ‫ب ل ُُزوبا ً ‪ ،‬و لُز َ‬ ‫ن ي َل ُْز ُ‬ ‫ب الطي ُ‬ ‫قال ابن منظور ‪ :‬ول َزِ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت ولزمت ‪ .‬وطي ٌ‬ ‫ت أي لصق ْ‬ ‫خل بالب َلةِ حتى لَزب َ ْ‬ ‫ي عليه السلم ‪ :‬د َ‬ ‫حديث عل ّ‬
‫ب ‪ " .‬لسان العرب " ‪. 1/738‬‬ ‫َ‬
‫ن لز ٍ‬ ‫طي ٍ‬ ‫ب أي لزقٌ ‪ .‬قال الله تعالى ‪ :‬من ِ‬ ‫لز ٌ‬
‫ن‬‫سا َ‬ ‫ْ‬
‫قَنا ال ِن ْ َ‬ ‫خل ْ‬‫َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫ثم صار هذا الطين اللزب منتنا فقال تعالى في ذلك ‪ } :‬وَل َ‬ ‫ً‬
‫ن{ … )الحجر‪. (26:‬‬ ‫سُنو ٍ‬‫م ْ‬ ‫مأ ٍ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫صا ٍ‬ ‫صل ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫قال الرازي ‪:‬‬
‫مأةُ بسكون الميم الطين السود ‪ " .‬مختار الصحاح "‬ ‫الح ُ‬
‫ح َ‬‫مأ ‪ :‬بفتحتين وال َ‬ ‫َ َ‬
‫ص‪. 64/‬‬
‫وقال في " لسان العرب " ‪: 1/61‬‬
‫َ‬ ‫حمأ ‪ :‬الحمأ َة ‪ ،‬والح ُ‬
‫مأ ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫منتن ؛ وفي التنزيل ‪ِ } :‬‬ ‫مأ ‪ :‬الطين السود ال ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ن { ‪) ...‬الحجر‪ :‬من الية ‪.(26‬‬ ‫سُنو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫وقال في " لسان العرب " ) ‪: ( 227 / 13‬‬
‫ن{ ‪ :‬قال َأبو عمرو ‪َ :‬أي‬ ‫سُنو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫مأ ٍ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫من ِْتن ‪ ،‬وقوله تعالى } ِ‬ ‫سنون ‪ :‬ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال َ‬
‫سُنون أي ‪ :‬تغّير ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ن الماُء فهو َ‬ ‫س ّ‬ ‫متغير منتن؛ وقال أبو الهيثم ‪ُ :‬‬
‫وحيث أن هذا الطين كان مخلوطا ً بالرمل ‪ :‬فهذا هو الصلصال ‪.‬‬
‫قال الرازي ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ل إذا جف ‪ ،‬فإذا طبخ‬ ‫ص ُ‬ ‫صل َ‬ ‫ْ‬ ‫خلط بالرمل فصار ي َت َ َ‬ ‫ل ‪ :‬الطين الحر ُ‬ ‫صْلصا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫بالنار فهو الفخار‪ " .‬مختار الصحاح " ‪1/154‬‬
‫وقال في " لسان العرب " ) ‪: ( 382 / 11‬‬
‫ف‬‫ج ّ‬ ‫ل ما َ‬ ‫صله ؛ وك ّ‬ ‫صل ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مي به لت َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫خَزفا ً ‪ُ ،‬‬ ‫جَعل َ‬ ‫طين ‪ :‬ما لم ي ُ ْ‬ ‫من ال ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫صْلصا ُ‬ ‫وال ّ‬
‫وت كما‬ ‫َ‬ ‫صل ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬
‫من طين أو فَ ّ‬
‫ص ّ‬ ‫ل أي ي ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صلل و ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫طي ٌ‬‫صِليل ‪ ،‬و ِ‬ ‫ل َ‬ ‫خار فقد َ‬
‫ف الجديد ‪.‬‬ ‫خَز ُ‬ ‫وت ال َ‬ ‫يص ّ‬
‫ل‬‫صا ٍ‬ ‫صل َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ْ‬
‫خلقَ ال ِن ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ثم شبه الصلصال بالفخار وذلك قوله تعالى ‪َ }:‬‬
‫خاِر{ … )الرحمن‪. (14:‬‬ ‫ف ّ‬ ‫كال ْ َ‬‫َ‬
‫وهذا كله يصدقه حديث أبي موسى الشعري قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول ‪ " :‬إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من‬
‫جميع الرض فجاء بنو آدم على قدر الرض فجاء منهم الحمر والبيض‬
‫والسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب " ‪ .‬رواه الترمذي )‬
‫‪ ( 2955‬وأبو داود ) ‪ . ( 4693‬والحديث ‪ :‬قال عنه الترمذي ‪ :‬حسن صحيح ‪،‬‬
‫وصححه ابن حبان )‪ (14/29‬والحاكم )‪ (2/288‬واللباني في صحيح أبي داود‬
‫‪.3926‬‬
‫جبل بالماء فكان‬ ‫هذا خلق آدم عليه السلم ‪ :‬من الرض ‪ -‬من ترابها ‪ ، -‬ثم ُ‬
‫طينا ً ثم صار طينا ً أسود منتنا ً وكون ترابه من الرض التي بعضها رمل لما‬
‫جبل كان صلصال ً كالفخار ‪.‬‬
‫ولذلك لما وصف الله خلق آدم في القرآن في كل مرة وصفه بأحد أطواره‬
‫التي مّرت بها طريقة خلقه وتكوينة طينته فل تعارض في آيات القرآن ‪.‬‬
‫ثم أصبح أبناء آدم بعد ذلك يتكاثرون وصار خلقهم من الماء وهو المني الذي‬
‫يخرج من الرجال والنساء وهو معروف ‪.‬‬
‫جعَل َُ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫شر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ َ ِ َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬
‫وهذا يبينه القرآن في قوله تعالى ‪ } :‬وَهُ َ ِ‬
‫ل‬‫ا‬ ‫و‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫ديرا ً { … )الفرقان‪ ، (54:‬وقوله تعالى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫م َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك قَ ِ‬ ‫صْهرا ً وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫سبا ً وَ ِ‬‫نَ َ‬
‫ن { … )السجدة‪. (8:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مِهي ٍ‬
‫ماٍء َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫سللةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬
‫سل ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫قال ابن القيم رحمه الله ‪:‬‬
‫لما اقتضى كمال الرب تعالى جل جلله وقدرته التامة وعلمه المحيط‬
‫ومشيئته النافذة وحكمته البالغة تنويع خلقه من المواد المتباينة وإنشاءهم‬
‫من الصور المختلفة والتباين العظيم بينهم في المواد والصور والصفات‬
‫والهيئات والشكال والطبائع والقوى اقتضت حكمته أن أخذ من الرض قبضة‬
‫من التراب ثم ألقى عليها الماء فصارت مثل الحمأ المسنون ثم أرسل عليها‬
‫الريح فجففها حتى صارت صلصال كالفخار ثم قدر لها العضاء والمنافذ‬
‫والوصال والرطوبات وصورها فأبدع في تصويرها وأظهرها في أحسن‬
‫الشكال وفصلها أحسن تفصيل مع اتصال أجزائها وهيأ كل جزء منها لما يراد‬
‫صلها في توصيلها وأبدع في‬ ‫دره لما خلق له عن أبلغ الوجوه فف ّ‬ ‫منه وق ّ‬
‫تصويرها وتشكيلها …‬
‫‪ -‬ثم ذكر تناسل الخلق بالجماع وإنزال المني ‪ " . -‬التبيان في أقسام القرآن‬
‫" ) ص ‪. ( 204‬‬
‫والله أعلم‪... ... .‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فمن ليد ترميك من حيث ل تدري؟‬


‫بقلم‪ :‬الدكتور جابر قميحة‬
‫‪komeha@menanet.net‬‬
‫كان الشعر ديوان العرب« فقد حفظ تاريخهم‪ ,‬وأيامهم‪ ,‬وأحوالهم في السلم‬
‫والحرب‪ ,‬ونقل لنا تضاريسهم العقلية والنفسية والروحية‪ ,‬لذلك كان‬
‫‪-‬ومازال‪ -‬أشهر وأثري جنس أدبي في حياتهم‪.‬‬
‫وكان الشعر من أقوي السلحة في الدفاع عن السلم‪ ,‬وكم دعا النبي صلي‬
‫الله عليه وسلم لحسان بن ثابت وأثني عليه‪ ,‬وُيروي عنه قوله عن الشاعر‬
‫الشهيد عبد الله بن رواحة »إن أخا لكم ل يقول الرفث هو عبد الله بن‬
‫رواحة«‪.‬‬
‫وكان عمر بن الخطاب يتمني لو كان شاعًرا حتي يرثي أخاه الشهيد زيد بن‬
‫الخطاب كما رثي متمم بن نويرة أخاه مال ً‬
‫كا‪.‬‬
‫ومن أقواله في تقدير الشعر‪:‬‬
‫‪ -‬ارووا من الشعر أعفه‪ ,‬ومن الحديث أحسنه‪...‬‬
‫‪ -‬وكتب إلي أبي موسي الشعري‪ :‬مر من ًقبَلك )عندك( بتعلم الشعر‪ ,‬فإنه‬
‫يدل على معالي الخلق‪ ,‬وصواب الرأي‪ ,‬ومعرفة النساب‪.‬‬
‫‪ -‬ومما قاله لبنه عبد الرحمن‪... :‬واحفظ محاسن الشعر يحسن أدبك‪ ..‬فمن‬
‫قا‪ ,‬ولم يقترف أدًبا‪.‬‬ ‫لم يحفظ محاسن الشعر لم يؤد ّ ح ً‬
‫والشعراء يتفاوتون في مستوي أشعارهم‪ ,‬بل إن أشعار الشاعر الواحد‬
‫تتفاوت في مستواها قوة وقدرة وتأثيًرا‪ ,‬تبًعا لمدي انفعال الشاعر بموضوعه‪,‬‬
‫ومعايشته تجربته الشعورية وغير ذلك مما ل يتسع المقام لبسطه‪.‬‬
‫الشعر الخالد‪...‬‬
‫َ‬
‫ومن الشعار ما يخلد علي الزمان‪ ,‬فل يبلي‪ ,‬ول يفقد قدرته وبريقه وتأثيره‪,‬‬
‫فكأنه نظم اليوم‪ ,‬وهو الذي ُولد من ألف عام‪ ,‬أو يزيد‪ ,‬ويسير ويلهج به‬
‫الناس مثل ً ساحًرا‪ ,‬وحكمة قوية الجذب والتأثير‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي )‪406 - 359‬‬ ‫ض ّ‬
‫ومن هذا الشعر الخالد هذان البيتان للشاعر الشريف الر ً‬
‫هـ( يخاطب بهما الطاغية‪:‬‬
‫ّ‬
‫ن والذرا‬ ‫ت العراني َ‬ ‫إذا أنت أفني َ‬
‫ل الذك ًٍر‬ ‫رمٍتك الليالي من يد ً الخام ً‬
‫ث ُيتقي‬ ‫م من حي ُ‬ ‫ت السه َ‬ ‫ك اتقي َ‬‫وهب َ‬
‫ك من حيث ل تدري?‬ ‫فمن ليد ترمي َ‬
‫ذرا جمع ذروة وهي القمة‪.‬‬ ‫رنين‪ :‬وهو أعلي النف‪ .‬وال ّ‬ ‫)والعرانين جمع ع ٍ‬
‫ويقصد الشاعر بالعرانين والذرا‪ :‬كرام الناس وأشرافهم وأعزتهم(‪.‬‬
‫وخلصة المعني‪ :‬أيها الطاغية الجبار المفتري‪ ,‬إنك إذا قضيت علي معارضيك‬
‫من أصحاب الباء والشمم والشرف‪ ,‬انتقم الله منك بيد واحد من المغامير‬
‫غير المشاهير‪ .‬وقد تأخذ حذرك‪ ,‬وتحيط نفسك بقوة هائلة تمنعك وتحميك‪.‬‬
‫ولكن قد تأتيك الضربة القاصمة من »ثغرة« لم تخطر لك علي بال‪ ,‬من يد‬
‫ترميك من حيث ل تدري‪ .‬ومن حيث ل تتوقع‬
‫سر الخلود‪...‬‬
‫وهما بيتان خالدان ل يبليان علي الزمن‪ ,‬وسر خلودهما‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ناظمهما شاعر نبيل شريف صادق الوجدان‪ ,‬ثري الفكر‪ ,‬موسوعي‬
‫الثقافة من ذوي النخوة والشرف والمروءة والباء وعزة النفس‪ ,‬ل تناقض‬
‫أقواله أفعاله وأخلقياته‪.‬‬
‫‪ -2‬براعة التصوير والتعبير دون إسراف وإغراق‪.‬‬
‫‪ -3‬تواتر »الحدث« وتكّرره في كل العصور‪ :‬فل يخلو عهد من طاغية متجبر‪,‬‬
‫يقضي علي كل من يقف في وجهه‪ ,‬مهما كان علمهم‪ ,‬ووضوح منهجهم‪ ,‬ونبل‬
‫مقاصدهم‪ .‬ثم تكون النهاية القاصمة الحاسمة للطاغية‪ ,‬التي قد تتحقق بيد‬
‫مغمور ل يخطر علي بال‪ ,‬ول مكانة له في المجتمع‪ ,‬ول مكان له في التاريخ‪.‬‬
‫كلمة التاريخ‪..‬‬
‫حكم يمثل واقًعا مطرًدا متكرًرا علي مدار التاريخ كما‬ ‫ومضمون البيتين ُ‬
‫فا‪ .‬والوقائع أكثر من أن ُتحصي كشواهد علي اطراد هذه الوقائع‪,‬‬ ‫أشرت آن ً‬
‫ونكتفي بالقليل منها‪:‬‬
‫ومن أشهرها ما حدث ليوليوس قيصر )‪ 120‬ق‪ .‬م ‪ 44 -‬ق‪ .‬م( السياسي‬
‫الروماني والقائد العسكري الفذ‪ ,‬وقد تولي القنصلية )وهي أعلي المناصب‬
‫آنذاك( وكانت دورته القنصلية تنتهي في مارس ‪ 49‬ق‪ .‬م‪ .‬ولكنه أصر علي‬
‫ترشيح نفسه ثانية‪ ,‬فاعترض مجلس الشيوخ )السناتو( لمخالفة ذلك للقانون‪.‬‬
‫فشّردهم‪ ,‬وطاردهم‪ ,‬وأراد أن يثبت قدراته العسكرية‪ ,‬فسيطر علي روما‪,‬‬
‫صب نفسه‬ ‫واكتسح اليونان‪ ,‬وشمال أفريقيا وإسبانيا‪ .‬وأخذ يتطلع إلي أن ين ّ‬
‫كا‪ ,‬ولم ير فيه العالم »إل طاغية من الطراز الغريقي«‪ .‬ثم كانت نهايته‬ ‫مل ً‬
‫»بيد طعنته من حيث ل يدري«‪ ,‬نعم لم يخطر علي باله أن تكون نهايته‬
‫بطعنة غادرة من »بروتس« الذي قّربه إليه‪ ,‬وأخلص المحبة له‪ .‬ويقال إنه لما‬
‫اكتشف أن طاعنه هو صديقه »بروتس« قال قولته المشهورة »حتي أنت يا‬
‫بروتس« فصارت مثل ُيضرب للصديق الذي يغدر بصديقه دون توقع )انظر‬
‫الموسوعة العربية الميسرة ص ‪.(1412 - 1411‬‬
‫مصرع ُأمية وفرعون العرب‬
‫كان أمية بن خلف من زعماء كفار مكة‪ ,‬ولما أسلم عبده »بلل بن رباح«‬
‫أذاقه كل ألوان العذاب‪ ,‬ومنها إلقاؤه معّري في صحراء مكة‪ ,‬ووضع الحجارة‬
‫المحماة علي صدره‪ ,‬وإغراء الصبيان به‪ ,‬ولكنه تمسك بعقيدته‪ ,‬وهاجر مع‬
‫المسلمين إلي المدينة‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولما زحف جيش الكفار لقتال المسلمين في بدر كان أمية بن خلف يتولي‬
‫‪-‬ومعه بضعة من الكفار‪ -‬إطعام الجيش والنفاق عليه‪ .‬وبعد انتصار المسلمين‬
‫رآه بلل ‪-‬ولم يعرفه إل هو‪ -‬وكان معه ابنه فصرخ بلل‪ :‬يا معشر النصار‪:‬‬
‫ت إن نجا‪ ,‬فصرعه المسلمون هو وابنه‪.‬‬‫أمية ابن خلف رأس الكفر ل نجو ُ‬
‫وبذلك رماه الله برجل »خامل الذكر« في نظر الكفار‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وبعد تحقيق النصر أمر النبي صلي الله عليه وسلم المسلمين بحفر قليب‬
‫ما فتورمت جثته‬ ‫ما لحي ً‬
‫)حفرة كبيرة( لدفن جثث الكفار‪ .‬وكان أمية شحي ً‬
‫ونتنت‪ ,‬وحاول المسلمون حمله للقائه في هذا القبر الجماعي‪ ,‬فوجدوا‬
‫أعضاءه قد تفككت‪ ,‬وكأنما أراد الله سبحانه وتعالي أن ُيري المسلمين فيه‬
‫جر‬‫آية‪ .‬ومن إنسانية النبي صلي الله عليه وسلم أنه أمر أن يبقي مكانه‪ ,‬وُيح ّ‬
‫ما للوحوش(‪.‬‬ ‫عليه )أي يبني علي جثمانه قبر من حجر حتي ل يكون طعا ً‬
‫أما فرعون المة فهو أبو جهل )عمرو بن هشام( فهو الذي قاد جيش الكفار‬
‫إلي بدر‪ .‬وكان هدف هذا الجيش هو تخليص أو حماية القافلة التجارية‬
‫الضخمة العائدة من الشام‪ ,‬وعليها أبو سفيان‪ ,‬ولكن القافلة أفلتت من يد‬
‫المسلمين‪ .‬ومن ثم لم يعد أمام أبي جهل وجيشه مبرر لمواصلة السير‬
‫والقتال‪ ,‬ولذلك نصحه بعض عقلء الكفار بالعودة إذ ل مبرر للقتال‪ .‬فرفض‬
‫أبو جهل بصلفة وغرور‪ ...‬وهتف‪:‬‬
‫ن مني‬
‫ب الَعوا ُ‬
‫م الحر ُ‬
‫ما تنق ُ‬
‫ل عامين حديثى سني‬ ‫باز ُ‬
‫لمثل هذا ولدتني أمي‬
‫‪ -‬البازل‪ :‬هو الجمل القوي – واعوان الشديدة العنيفة *‬
‫)أي أنني رجل حرب‪ ,‬تعجز أمامي الحرب الطاحنة‪ ,‬فأنا أملك قوة الشباب‬
‫وفتوته(‪ .‬وأعلن أبو جهل في جيش العدوان »لبد أن نقيم ببدر ثلًثا‪ :‬نأكل‬
‫اللحم‪ ,‬ونشرب الخمر‪ ,‬وتغنينا القيان )الجواري المغنيات( فيسمع بنا العرب‪,‬‬
‫فيهابوننا أبد الدهر«‪ ...‬إنه نموذج للقائد الغبي الحمق الطائش المفتري الذي‬
‫أخذته العزة بالثم فمضي في حماقته‪ ,‬ولم ينصت لصوت العقل‪.‬‬
‫وفي المقابل كانت القيادة الرشيدة البصيرة الهادية المتمثلة في شخص‬
‫رسول الله ‪-‬صلي الله عليه وسلم‪ -‬الذي وقف في »العريشة« يدعو ربه‬
‫بقلب خاشع‪ ..‬ومما قال »اللهم نصرك الذي وعدتني‪ ...‬اللهم إن تهلك هذه‬
‫العصابة )جماعة المسلمين( فلن ُتعبد في الرض«‪.‬‬
‫ورمٍته يد من حيث ل يدري‬
‫صرع أبو جهل‪ ,‬وقام بالدور الكبر في صرعه طفلن أخوان هما‪ :‬معاذ‬ ‫و ُ‬
‫وذ ابنا عفراء‪ ,‬وبعدها استشهدا بأيدي الكفار‪ .‬فوقف النبي صلي الله عليه‬ ‫ومع ّ‬
‫شًركا في قتل‬ ‫وسلم أمام جسديهما وقال »يرحم الله ابني عفراء‪ ,‬فإنهما قد َ‬
‫فرعون هذه المة« فقيل‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬ومن قتله معهما? قال‪ :‬الملئكة‪,‬‬
‫ه ابن مسعود )أي أجهز عليه(«‪.‬‬ ‫وَدافّ ُ‬
‫كر«‪ ...» ...‬يدي‬ ‫وبذلك جاء مصرع فرعون العرب بيد طفلين »خاملي الذ ٍ‬
‫رمته من حيث ل يدري«‪ ...‬لنه أخذ عدته كاملة لقتال الرجال‪ ,‬ولم يعمل‬
‫حساًبا لضربة طفلين صنعهما اليمان‪.‬‬
‫إنجازات‪ ...‬إلي دمار‬
‫إن الطغاة ‪-‬في العصر الحديث بخاصة‪ -‬قد يقيمون من المشروعات‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنشاءات أضخمها‪ ,‬وقد يجهزون من الجيوش أٍوفاها عدة وعدًدا‪ .‬مفاخرين‬


‫بهذه )النهضة( البنائية‪ ,‬متخذين منها ذريعة لتعطيل القوانين والهيمنة علي‬
‫الشعوب‪ ,‬وحولهم »كتائب« المنافقين من حملة القماقم‪ ,‬وباعة الضمائر‬
‫والقلم‪ .‬ول يهتم هؤلء الطغاة »ببناء المواطن« علي قيم العزة والكرامة‬
‫والشجاعة والباء والشمم‪ ,‬بل إنهم »يفّرغون« المواطن من كل قيمة نبيلة‪,‬‬
‫حتي يسهل التحكم فيه والهيمنة عليه‪.‬‬
‫وأذكر في هذه السياقة‪ :‬شاعر القطرين‪ :‬خليل مطران الذي رأي في هرم‬
‫خوفو رمًزا لستعباد الملك لشعبه علي عظمة البناء وضخامته‪ ,‬وهو بذلك‬
‫يخالف وجهة الخرين من الشعراء‪ .‬يقول مطران في مطلع قصيدته عن‬
‫خوفو‬
‫ّ‬
‫شاد َ فأعلي‪ ,‬وبني فواطدا‬
‫دي‬ ‫ل للعل‪ ,‬ول له بل للع َ‬
‫مستعبد أمَته في يومه‬
‫مستعبد بنيه للعادي غدا‬
‫ويصرخ مطران صرخة احتجاج مشيًرا إلي من استعبدهم الملك لبناء هذا‬
‫»آلقبر« فيقول‪:‬‬
‫دا‬
‫ً‬ ‫غ‬ ‫لكي‬ ‫َ ٍ‬ ‫ه‬‫ال‬ ‫النفس‬ ‫ل هذي‬‫أ َك ُ ّ‬
‫مخّلدا?!!‬ ‫جد ًَثا ُ‬
‫تبني لفان َ‬
‫* الجدث‪ :‬هو القبر ويقصد الهرم الكبر *‬
‫يا طواغيت العرب‪...‬‬
‫يا طواغيت العرب وفراعينها‪ ,‬هل تأملتم هذه الكلمات الربانية‪:‬‬
‫‪...} -‬وخاب كل جبار عنيد { ]إبراهيم‪.[15 :‬‬
‫‪...} -‬وقد خاب من افترى { ]طه‪.[61 :‬‬
‫‪...} -‬وقد خاب من حمل ظلما{ ]طه‪.[111 :‬‬
‫‪ ....} -‬إّنه ل يفلح الظالمون { ]النعام‪.[21 :‬‬
‫ل كانوا ظالمين { ]النفال‪.[54 :‬‬ ‫‪...} -‬وأغرقنا آل فرعون وك ّ‬
‫تأملوا ‪-‬يا طواغيت العرب‪ -‬هذه الكلمات العلوية لتروا أن الخيبة والهزيمة‬
‫ما بالظلم والطغيان والجبروت والفتراء‪...‬‬ ‫والضياع والهلك مرتبطة دائ ً‬
‫ارتباط المسّبب بالسبب‪.‬‬
‫‪ ...‬فتأملوا‪ ...‬وتوبوا إلي الله توبة نصوحا‪.‬‬
‫يا طواغيت العرب وفراعينها‪ :‬انزعوا من حياتكم المنطق الجاهلي‪:‬‬
‫* ما تنقم الحرب العوان مني‪ ..‬لمثل هذا ولدتني أمي‪* .‬‬
‫وأخرجوا من حياتكم المنطق الفرعوني }أليس لى ملك مصر وهذه النهار‬
‫تجرى من تحتى { ]الزخرف‪.[51 :‬‬
‫ما أوتيته على علم عندى‪{..‬‬ ‫واخلعوا من حياتكم المنطق القاروني }‪ ...‬إن ّ ّ‬
‫]القصص‪.[78 :‬‬
‫وتذكروا‪ ...‬بل احفظوا عن ظهر قلب ‪-‬أيها الطواغيت الفراعنة‪ -‬بيتي الشريف‬
‫ي‪:‬‬
‫الرض ّ‬
‫إذا أنت أفنيت العرانين والذرا‬
‫رمتك الليالي من يد الخامل الذكر‬
‫وهبك اتقيت السهم من حيث ي ُّتقي‬
‫فمن ليد ترميك من حيث ل تدري?‬
‫وإل فانتظروا الطوفان والدمار والهل‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فن الستماع ‪... ... ...‬‬


‫أهمية الستماع‪:‬‬
‫في حياتنا‪ ،‬ومنذ صغرنا نتعلم كيف نتصل مع الناس الخرين بالوسائل‬
‫المتعددة‪ ،‬الحديث والكتابة والقراءة‪ ،‬ويتم التركيز على هذه المهارات في‬
‫المناهج المدرسية بكثافة‪ ،‬لكن بقية وسيلة اتصالية لم نعرها أي اهتمام مع‬
‫أنها من أهم الوسائل التصالية‪ ،‬أل وهي الستماع‪.‬‬
‫ل بد لكل النسان أن يقضي معظم حياته في هذه الوسائل التصالية الربعة‪،‬‬
‫الحديث‪ ،‬الكتابة‪ ،‬القراءة‪ ،‬والستماع‪ ،‬لن ظروف الحياة هي التي تفرض هذا‬
‫الشيء عليه‪.‬‬
‫والستماع يعد أهم وسيلة اتصالية‪ ،‬فحتى تفهم الناس من حولك ل بد أن‬
‫تستمع لهم‪ ،‬وتستمع بكل صدق‪ ،‬ل يكفي فقط أن تستمع وأنت تجهز الرد‬
‫عليهم أو تحاول إدارة دفة الحديث‪ ،‬فهذا ل يسمى استماعا ً على الطلق‪ ،‬في‬
‫كتاب ستيفن كوفي العادات السبع لكثر الناس إنتاجية‪ ،‬تحدث الكاتب عن‬
‫أب يجد أن علقته بابنه ليست على ما يرام‪ ،‬فقال لستيفن‪ :‬ل أستطيع أن‬
‫أفهم ابني‪ ،‬فهو ل يريد الستماع إلي أبدًا‪.‬‬
‫فرد ستيفن‪ :‬دعني أرتب ما قلته للتو‪ ،‬أنت ل تفهم ابنك لنه ل يريد الستماع‬
‫إليك؟‬
‫فرد عليه "هذا صحيح"‬
‫ستيفن‪ :‬دعني أجرب مرة أخرى أنت ل تفهم ابنك لنه ‪-‬هو‪ -‬ل يريد الستماع‬
‫إليك أنت؟‬
‫فرد عليه بصبر نافذ‪ :‬هذا ما قلته‪.‬‬
‫ً‬
‫ستيفن‪ :‬أعتقد أنك كي تفهم شخصا آخر فأنت بحاجة لن تستمع له‪.‬‬
‫فقال الب‪ :‬أوه )تعبيرا ً عن صدمته( ثم جاءت فترة صمت طويلة‪ ،‬وقال مرة‬
‫أخرى‪ :‬أوه!‬
‫إن هذا الب نموذج صغير للكثير من الناس‪ ،‬الذي يرددون في أنفسهم أو‬
‫أمامنا‪ :‬إنني ل أفهمه‪ ،‬إنه ل يستمع لي! والمفروظ أنك تستمع له ل أن‬
‫يستمع لك!‬
‫إن عدم معرفتنا بأهمية مهارة الستماع تؤدي بدورها لحدوث الكثير من سوء‬
‫الفهم‪ ،‬الذي يؤدي بدوره إلى تضييع الوقات والجهود والموال والعلقات‬
‫التي كنا نتمنا ازدهارها‪ ،‬ولو للحظت مثل ً المشاكل الزوجية‪ ،‬عادة ما تنشء‬
‫من قصور في مهارة الستماع خصوصا ً عند الزوج‪ ،‬وإذا كان هذا القصور‬
‫مشتركا ً بين الزوجين تتأزم العلقة بينهم كثيرًا‪ ،‬لنهم ل يحسنون الستماع‬
‫لبعضهم البعض‪ ،‬فل يستطيعون فهم بعضهم البعض‪ ،‬الكل يريد الحديث لكي‬
‫يفهم الطرف الخر! لكن ل يريد أحدهم الستماع!!‬
‫إن الستماع ليست مهارة فحسب‪ ،‬بل هي وصفة أخلقية يجب أن نتعلمها‪،‬‬
‫إننا نستمع لغيرنا ل لننا نريد مصلحة منهم لكن لكي نبني علقات وطيدة‬
‫معهم‪.‬‬
‫فن الستماع‪:‬‬
‫تكلمنا في ما سبق عن أهمية الستماع والنصات‪ ،‬وفي هذا الجزء نتحدث‬
‫عن السلوب العملي الذي علينا اتباعه في أثناء الستماع للخرين‪ ،‬ولنتذكر‬
‫أننا إذا أردنا فهم الخرين فعلينا أول ً أن نستمع لهم‪ ،‬ثم سيفهمونا هم إن‬
‫تحدثنا إليهم بوعي حول ما يدور في أنفسهم‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1‬استمع استمع استمع! نعم عليك أن تستمع وبإخلص لمن يحدثك‪ ،‬تستمع‬
‫له حتى تفهمه‪ ،‬ل أن تخدعه أو تلقط منه عثرات وزلت من بين ثنايا كلماته‪،‬‬
‫استمع وأنت ترغب في فهمه‪.‬‬
‫‪ -2‬ل تجهز الرد في نفسك وأنت تستمع له‪ ،‬ول تستعجل ردك على من‬
‫يحدثك‪ ،‬وتستطيع حتى تأجيل الرد لمدة معينة حتى تجمع أفكارك وتصيغها‬
‫بشكل جيد‪ ،‬ومن الخطأ الستعجال في الرد‪ ،‬لنه يؤدي بدوره لسوء الفهم‪.‬‬
‫‪ -3‬اتجه بجسمك كله لمن يتحدث لك‪ ،‬فإن لم يكن‪ ،‬فبوجهك على القل‪ ،‬لن‬
‫المتحدث يتضايق ويحس بأنك تهمله إن لم نتظر له أو تتجه له‪ ،‬وفي حادثة‬
‫طريفة تؤكد هذا المعنى‪ ،‬كان طفل يحدث أباه المشغول في قراءة الجريدة‪،‬‬
‫فذهب الطفل وأمسك رأس أبيه وأداره تجاهه وكلمه!!‬
‫‪ -4‬بين للمتحدث أنك تستمع‪ ،‬أنا أقول بين ل تتظاهر! لنك إن تظاهرت بأنك‬
‫ل‪ ،‬بين له أنك تستمع‬ ‫تستمع لمن يحدثك فسيكتشف ذلك إن آجل ً أو عاج ً‬
‫لحديثه بأن تقول‪ :‬نعم‪ ...‬صحيح أو تهمهم‪ ،‬أو تومئ برأسك‪ ،‬المهم بين له‬
‫بالحركات والكلمات أنك تستمع له‪.‬‬
‫‪ -5‬ل تقاطع أبدًا‪ ،‬ولو طال الحديث لساعات! وهذه نصيحة مجربة كثيرا ً‬
‫ولطالما حلت مشاكل بالستماع فقط‪ ،‬لذلك ل تقاطع أبدا ً واستمع حتى‬
‫النهاية‪ ،‬وهذه النصيحة مهمة بين الزواج وبين الوالدين وأبنائهم وبين الخوان‬
‫وبين كل الناس‪.‬‬
‫‪ -6‬بعد أن ينتهي المتكلم من حديثه لخص كلمه بقولك‪ :‬أنت تقصد كذا‬
‫وكذا‪ ....‬صحيح؟ فإن أجاب بنعم فتحدث أنت‪ ،‬وإن أجاب بل فاسأله أن يوضح‬
‫أكثر‪ ،‬وهذا خير من أن تستعجل الرد فيحدث سوء تفاهم‪.‬‬
‫‪ -7‬ل تفسر كلم المتحدث من وجهة نظرك أنت‪ ،‬بل حاول أن تتقمص‬
‫شخصيته وأن تنظر إلى المور من منظوره هو ل أنت‪ ،‬وإن طبقت هذه‬
‫النصيحة فستجد أنك سريع التفاهم مع الغير‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -8‬حاول أن تتوافق مع حالة المتحدث النفسية‪ ،‬فإن كان غاضبا فل تطلب‬
‫منه أن يهدئ من روعه‪ ،‬بل كن جادا ً واستمع له بكل هدوء‪ ،‬وإن وجدت‬
‫إنسان حزينا ً فاسأله ما يحزنه ثم استمع له لنه يريد الحديث لمن سيستمع‬
‫له‪.‬‬
‫‪ -9‬عندما يتكلم أحدنا عن مشكلة أو أحزان فإنه يعبر عن مشاعر لذلك عليك‬
‫أن تلخص كلمه وتعكسها على شكل مشاعر يحس بها هو‪ ،‬آخذت مثال ً من‬
‫كتاب ستيفن كوفي "العادات السبع لكثر الناس إنتاجية"‬

‫)‪(1 /‬‬

‫البن‪ :‬أبي لقد اكتفيت! المدرسة لصغار العقول فقط‬


‫الب‪ :‬يبدو أنك محبط فعل ً‬
‫البن‪ :‬أنا كذلك بكل تأكيد‬
‫في هذا الحوار الصغير لم يغضب الب‪ ،‬ولم يأنب ابنه ويتهمه بالكسل‬
‫والتقصير‪ ،‬بل عكس شعور البن فقط‪ ،‬وفي الكتاب تكملة للحور على هذا‬
‫المنوال حتى وصل البن إلى قناعة إلى أن الدراسة مهمة وإلى اتخاذ‬
‫خطوات عملية لتحسين مستواه في الدراسة‪.‬‬
‫ملحظة أخيرة‪ :‬الستماع متعب حقا ً لكنه بالتأكيد خير من وجود خلف وسوء‬
‫تفاهم‪.‬‬
‫كاتب المقال‪ :‬عبد الله المهيري‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المصدر‪ :‬عالم النور‬


‫‪...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فن الستيعاب في حياة الداعية ‪...‬‬


‫على رأس قائمة ما يأخذه غالب السلميين على النظمة السياسية‪ :‬عدم‬
‫استيعابها للخر عمومًا‪ ،‬وللسلمي خصوصًا‪ ،‬إل أن الطرائق الخرى تطرح‬
‫سؤال ً على السلميين نصه‪ :‬ما موقفكم من الخر تصورا ً وحكما ً ومعاملة‬
‫إنسانية؟ وعند تسلمكم الحكم كيف ستتعاملون مع المتردد‪ ،‬وغير المقتنع‪،‬‬
‫والمنافق‪ ،‬والمخالف‪ ،‬بل المحارب؟‬
‫إن الواقع يؤكد ما يأخذه البعض على بعض العاملين للسلم في الواقع‬
‫المعاصر من عدم قدرتهم على تحقيق معنى الستيعاب‪ ،‬وإن اعتنى به‬
‫بعضهم‪ ،‬وأظهر تبنيه لمفهومه‪ ،‬إل أن واقعه يقول بغير ذلك‪ ،‬ويتمثل ذلك في‬
‫مواقف عدة منها‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬سوء التعامل مع غير المسلم بدًءا من الدعاء عليه‪ ،‬والحكم بخلوده في‬
‫النار وشتمه‪ ،‬وإلحاق كل المعايب به‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬رفض العصاة لنهم ـ كما يزعمون ـ حطب جهنم‪ ،‬وسبب البلء والوباء‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬رفض طرائق العمل السلمي الخرى برغم إسلمية الجميع‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬رفض من ابتعد وترك جماعته إلى جماعة أخرى أو انضم إلى قافلة‬
‫"بدون" فيصفونه بالمتساقط‪ ،‬وهي كلمة قاسية من أصل سقط يسقط فهو‬
‫ساقط حتى إنهم يعتبرونه شذ ّ في النار‪ ،‬استنادا ً لقوله ص‪" :‬يد الله مع‬
‫الجماعة‪ ،‬ومن شذ ّ شذ ّ في النار" )رواه الترمذي‪.(3093 :‬‬
‫والمستقرئ لسيرة الرسول ص يقف على فنون للستيعاب منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ استيعابه لشاب رغب في الحصول على إذن بممارسة الفاحشة‪ ،‬فقد‬
‫روى أبو أمامة ـ رضي الله عنه ـ أن فتى شابا ً أتى النبي ص فقال‪" :‬يا رسول‬
‫الله ائذن لي بالزنى‪ ،‬فأقبل القوم عليه فزجروه‪ ،‬قالوا‪ :‬مه مه‪ ،‬فقال‪ :‬أدنه‪،‬‬
‫فدنا منه قريبًا‪ ،‬قال‪ :‬فجلس‪ ،‬قال‪ :‬أتحبه لمك؟ قال‪ :‬ل والله‪ ،‬جعلني الله‬
‫فداءك‪ ،‬قال‪ :‬ول الناس يحبونه لمهاتهم‪ ،‬قال‪ :‬أفتحبه لبنتك؟ قال‪ :‬ل والله يا‬
‫رسول الله‪ ،‬جعلني الله فداءك‪ ،‬قال‪ :‬ول الناس يحبونه لبناتهم‪ ،‬قال‪ :‬أفتحبه‬
‫لختك؟ قال‪ :‬ل والله‪ ،‬جعلني الله فداءك‪ ،‬قال‪ :‬ول الناس يحبونه لخواتهم‪،‬‬
‫قال‪ :‬أفتحبه لعمتك؟ قال‪ :‬ل والله‪ ،‬جعلني الله فداءك‪ ،‬قال‪ :‬ول الناس يحبون‬
‫لعماتهم‪ ،‬قال‪ :‬أفتحبه لخالتك؟ قال‪ :‬ل والله‪ ،‬جعلني الله فداءك‪ ،‬قال‪ :‬ول‬
‫الناس يحبونه لخالتهم‪ ،‬قال‪ :‬فوضع يده عليه وقال‪ :‬اللهم اغفر ذنبه وطهر‬
‫صن فرجه‪ ،‬فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء" )رواه أحمد‪:‬‬ ‫قلبه وح ّ‬
‫‪.(21185‬‬
‫‪ 2‬ـ استيعابه ص للناس وفق طباعهم وإفرازاتها‪ ،‬فقد روى أبو هريرة ـ رضي‬
‫الله عنه ـ قال‪" :‬إن أعرابيا ً بال في المسجد‪ ،‬فثار إليه الناس ليقعوا به‪ ،‬فقال‬
‫لهم رسول الله ص‪ :‬دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا ً من ماء‪ ،‬فإنما ُبعثُتم‬
‫سرين ولم ُتبعثوا معسرين" )البخاري‪.(5663 :‬‬ ‫مي ّ‬
‫ُ‬
‫ي ـ بأبي وأمي ـ فلم يؤنب ولم يسب فقال‪ :‬إن المسجد‬ ‫وفي رواية‪" :‬فقام إل ّ‬
‫ل ُيبال فيه وإنما ُبني لذكر الله وللصلة" )ابن ماجة ‪.(522‬‬
‫‪ 3‬ـ استيعابه للتابع المخطئ ممن يشفع له تاريخه الناصع‪ ،‬فعن علي ـ رضي‬
‫الله عنه ـ قال‪" :‬بعثني النبي والزبير فقال‪ :‬ائتوا روضة كذا وتجدون بها امرأة‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أعطاها حاطب كتابًا‪ ،‬فأتينا الروضة‪ ،‬فقلنا‪ :‬الكتاب‪ ،‬قالت‪ :‬لم يعطني‪ ،‬فقلنا‪:‬‬
‫لتخرجن أو لجردنك‪ ،‬فأخرجت الكتاب من حجزتها‪ ،‬فأرسل إلى حاطب‬
‫فقال‪ :‬ل تعجل والله ما كفرت ول ازددت للسلم إل حبًا‪ ،‬ولم يكن أحد من‬
‫أصحابك إل وله بمكة من يدفع الله به عن أهله وماله‪ ،‬ولم يكن لي أحد‬
‫فأحببت أن أتخذ عندهم يدًا‪ ،‬فصدقه النبي ص ‪ ،‬قال عمر‪ :‬دعني أضرب عنقه‬
‫قد نافق‪ ،‬فقال‪ :‬ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال‪ :‬اعملوا‬
‫ماشئتم" )البخاري ‪.(2851‬‬
‫‪ 4‬ـ استيعابه المنافق المظهر إسلمه‪ ،‬فعن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن عبد‬
‫ي بن سلول قال‪" :‬أتداعوا علينا‪ ،‬لئن رجعنا المدينة لُيخرجن العز‬ ‫الله بن أب ّ‬
‫منها الذل‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أل نقتل يا رسول الله هذا الخبيث‪ ،‬فقال النبي ص ‪ :‬ل‬
‫يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه" )البخاري‪.(3257 :‬‬
‫‪ 5‬ـ استيعابه لختلف أصحابه في فهم مراده‪ ،‬فعن ابن عمر ـ رضي الله‬
‫عنهما ـ قال‪ :‬قال النبي ص ‪" :‬ل يصلين أحد العصر إل في بني قريظة‪،‬‬
‫فأدرك بعضهم العصر في الطريق‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬ل نصلي حتى نأتيها‪ ،‬وقال‬
‫ذكر ذلك للنبي فلم يعنف واحدا ً منهم"‬ ‫بعضهم‪ :‬بل نصلي لم يرد منا ذلك‪ ،‬ف ُ‬
‫)البخاري‪.(3810 :‬‬
‫‪ 6‬ـ استيعاب الصحابة بعضهم لبعض عند تباين مواقفهم‪ ،‬فعن أبي سعيد‬
‫الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال‪" :‬كنا نغزو مع رسول الله في رمضان‪ ،‬فمنا‬
‫الصائم ومنا المفطر فل يجد الصائم على المفطر ول المفطر على الصائم‪،‬‬
‫يرون أن من وجد قوة فصام‪ ،‬فإن ذلك حسن‪ ،‬ويرون أن من وجد ضعفا ً‬
‫فأفطر فإن ذلك حسن" )مسلم‪.(1883 :‬‬
‫‪ 7‬ـ توجيه الله عز وجل للداعي باستيعاب المدعو وإن كان على شاكلة‬
‫فرعون برغم علم الله بموته على الكفر إل أنه تعالى قال‪ :‬اذهبا إلى"‬
‫فرعون إنه طغى")‪ (43‬فقول له قول لينا لعله يتذكر أو يخشى")‪) (44‬طه(‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ 8‬ـ استيعابه للتائبة وإن زنت‪ ،‬وذلك لما أرادت الغامدية أن تتطهر من إثمها‬
‫فاعترفت للرسول ص مبدية رغبتها في إقامة الحد وأقيم عليها‪" :‬فيقبل خالد‬
‫بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ بحجر فرمى رأسها فتنضح الدم على وجه خالد‬
‫فسبها‪ ،‬فسمع نبي الله ص سبه إياها فقال‪ :‬مهل ً يا خالد‪ ،‬فوالذي نفسي بيده‬
‫فر له‪ ،‬ثم أمر بها فصلى عليها‬‫لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغُ ِ‬
‫ودفنت"‪.‬‬
‫وفي رواية‪" :‬فقال له عمر‪ :‬تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت‪ ،‬فقال‪ :‬لقد‬
‫تابت توبة لو ُقسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم" )مسلم‪،3208 :‬‬
‫‪.(3209‬‬
‫‪ 9‬ـ استيعابه لغير المسلم‪ ،‬فقد صالح الرسول أهل نجران وكان من‬
‫المصالحة كما يروي ابن عباس‪" :‬أل ُتهدم لهم بيعة‪ ،‬ول يخرج لهم قس‪ ،‬ول‬
‫ُيفتنوا عن دينهم" )أبو داود‪.(3644 :‬‬
‫ً‬
‫والمثلة من النصوص الشرعية كثيرة جدا تؤكد كلها مبدأ استيعاب الخر‪ ،‬ذلك‬
‫أن المجتمع السلمي ككل مجتمعات الدنيا فيه التباين‪ ،‬فترى فيه المسلم‬
‫الصالح المصلح‪ ،‬وفيه الفاسد وفيه غير المسلم‪ ،‬وفيه من أهل الفرق الضالة‪،‬‬
‫وفيه المنافق المعلوم النفاق وغيره المتواري‪.‬‬
‫ولقد استوعب الرسول ص كل هؤلء وهو في موقف قوة‪ ،‬فكيف بالبعض‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي ل ُيحسن استيعابا ً وهو الضعيف؟‬


‫ول يعني ما سبق تمييع الثوابت‪ ،‬ذلك أن الكافر كافر تنطبق عليه الحكام‬
‫الواردة فيه‪ ،‬كما ل نوافق العصاة على معاصيهم‪ ،‬إل أّنا نسعى ـ في الوقت‬
‫نفسه ـ جادين لصلح الفاسد‪ ،‬وتقريب البعيد‪ ،‬وتبليغ الرسالة للكافر وغيره‪،‬‬
‫ونجادل ولكن بالتي هي أحسن كما أمر الرب سبحانه وتعالى‪ ،‬ونستمع إلى‬
‫الرأي الخر‪ ،‬ونتمثل قول أئمتنا‪" :‬كلمي صواب يحتمل الخطأ وكلم غيري‬
‫خطأ يحتمل الصواب"‪ ،‬و"اختلف الرأي ل ُيفسد للود قضية"‪ ،‬بما أنه فيما‬
‫يجوز الختلف فيه‪.‬‬
‫ً‬
‫وكما قال الشيخ رشيد رضا‪" :‬نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما‬
‫اختلفنا فيه"‪ ،‬ونستوعب الخر وإن تمادى في عصيانه امتثال ً لقوله تعالى‪ :‬ول‬
‫تيأسوا من روح الله )يوسف‪ ،(87 :‬ولقوله‪ :‬قالوا معذرة إلى" ربكم ولعلهم‬
‫يتقون ‪) 164‬العراف(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فن التحفيز ‪... ...‬‬


‫من المؤكد أننا كبشر لسنا نشبه اللت في شيء‪ ،‬لنا طبيعة خاصة‪ ،‬ل نعمل‬
‫بضغط على زر‪ ،‬بل إن البشر ـ كل البشرـ ما هم إل مجموعة من الحاسيس‬
‫والمشاعر‪ ،‬والعمل لبد أن يرتبط بتلك المشاعر‪ .‬ولذا فحسن أداء العمل أو‬
‫سوءه يرتبط بمشاعر العاملين نحو ذلك العمل‪ ،‬ولذا يدرك المدير الناجح‬
‫كيفية التعامل مع الفراد لخراج أفضل ما لديهم نحو العمل المنوط بهم عن‬
‫طريق التحفيز‪ ...‬فما هو المدلول لتلك الكلمة السحرية؟‬
‫التحفيز هو‪ :‬عبارة عن مجموعة الدوافع التي تدفعنا لعمل شيء ما‪ ،‬إذن‬
‫فأنت ـ كمديرـ ل تستطيع أن تحفز مرؤوسيك ولكنك تستطيع أن توجد لهم أو‬
‫تذكرهم بالدوافع التي تدفعهم وتحفزهم على إتقان وسرعة العمل‪.‬‬
‫فما هي العوامل المهمة في التأثير على العامل؟‬
‫ل‪ :‬شعور العامل أنه جزء ل يتجزأ من هذه المؤسسة‪ .‬نجاحها نجاح له‬ ‫أو ً‬
‫وفشلها فشل له‪ ،‬المؤسسة التي يعمل فيها جزء من وجوده وجزء من كيانه‪،‬‬
‫فإذا استطاع المدير أن يوصل تلك المفاهيم إلى العاملين معه فسيكون قد‬
‫وضع يده على أكبر حافز لهم‪ ،‬فهم ل يعملون لصالح المدير بل هم يعملون‬
‫لصالح المؤسسة ككل والمدير فرد فيها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اقتناع كل عامل في المؤسسة أنه عضو مهم في هذه المؤسسة‪.‬‬
‫دا عمل تافه‪ ،‬بل يوجد إنسان تافه يأبى‬ ‫فمهما كان عمله صغيًرا فل يوجد أب ً‬
‫أن يكون إنساًنا ذا قيمة‪ ،‬فإذا شعر العامل بأهميته بالنسبة للمؤسسة التي‬
‫يعمل فيها سيكون ذلك دافًعا كبيًرا لتحسين أدائه في عمله‪ ،‬بل سيزيده‬
‫إصراًرا على البتكار في كيفية أدائه لذلك العمل‪ ،‬ولذا فالمدير الناجح هو‬
‫الذي يشعر كل عامل معه مهما كان دوره بأنه أهم عضو في المؤسسة وأن‬
‫عمله هو أهم العمال‪ ،‬وإذا تمكن هذا الشعور من العاملين ككل في‬
‫المؤسسة فلن تعرف المدير من العامل‪ ،‬فكلهم في الغيرة على أداء العمل‬
‫سواء‪ ،‬وكما كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ل تعرف القائد‬
‫منهم من الجندي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬وجود مساحة للختيار‪ .‬لبد للمدير الناجح أن يترك مساحة للختيار‬
‫للعاملين معه‪ ،‬فيطرح عليهم المشكلة‪ ،‬ويطرح ـ مثل ً ـ بدائل لحلها‪ ،‬ويستشير‬
‫العاملين معه حتى إذا وقع اختيارهم على بديل من البدائل المطروحة عليهم‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحملوا مسئوليتها مع المدير‪ ،‬وأصبح لدى كل واحد منهم الحافز القوي على‬
‫إتمام نجاح ذلك العمل‪.‬‬
‫بعد أن علمنا العوامل التي تؤثر على التحفيز نستعرض معوقات التحفيز‪.‬‬
‫إذا بذل المدير جهده ـ أو اعتقد ذلك ـ ولم يجد نتيجة مباشرة فلم يجد هناك‬
‫تغيير ول زال شعور العاملين كما هو فلبد أن هناك معوًقا من معوقات‬
‫التحفيز موجوًدا‪ ،‬وينبغي البحث عنه وإزالته‪.‬‬
‫ومعوقات التحفيز هي‪:‬‬
‫‪1‬ـ الخوف أو الرهبة من المؤسسة‪.‬‬
‫‪2‬ـ عدم وضوح الهداف لدى إدارة المؤسسة‪.‬‬
‫‪3‬ـ عدم المتابعة للعاملين فل يعرف المحسن من المسيء‪.‬‬
‫‪4‬ـ قلة التدريب على العمل وقلة التوجيه لتصحيح الخطاء‪.‬‬
‫‪5‬ـ عدم وجود قنوات اتصال بين المديرين والعاملين فيكون كل في واد‪.‬‬
‫‪6‬ـ الخطاء الدارية كتعدد القرارات وتضاربها‪.‬‬
‫‪7‬ـ تعدد القيادات وتضارب أوامرها‪.‬‬
‫‪8‬ـ كثرة التغيير في القيادات وخاصة إذا كان لكل منهم أسلوب في العمل‬
‫يختلف عن سابقه‪.‬‬
‫العوامل التي تساعد على تحفيز العاملين‪:‬‬
‫أما إذا أردت التعرف على العوامل التي تساعد على تحفيز العاملين وكسب‬
‫تعاونهم معك فاعمل على بناء الشعور بالحترام والتقدير للعاملين بإطرائهم‬
‫والثناء على ما أنجزوه من أعمال جيدة‪.‬‬
‫‪1‬ـ حاول أن تتحلى بالصبر‪ ،‬وأشعر العاملين أنك مهتم بهم‪.‬‬
‫‪2‬ـ أفسح المجال للعاملين أن يشاركوا في تحمل المسؤولية لتحسين العمل‪،‬‬
‫واعمل على تدريبهم على ذلك‪.‬‬
‫‪3‬ـ حاول أن تشعر العاملين الهادئين والصاخبين‪ ،‬أو المنبسطين بالرضا على‬
‫حد سواء‪.‬‬
‫‪4‬ـ أشرك العاملين معك في تصوراتك‪ ،‬واطلب منهم المزيد من الفكار‪.‬‬
‫‪5‬ـ اعمل على تعليم الخرين كيف ينجزوا الشياء بأنفسهم‪ ،‬وشجعهم على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪6‬ـ اربط العلوات بالنجاز الجيد للعمل‪ ،‬وليس بالمعايير الوظيفية والقدمية‬
‫في العمل‪.‬‬
‫‪7‬ـ اسمح بل شجع المبادرات الجانبية‪.‬‬
‫‪8‬ـ شجع العاملين على حل مشاكلهم بأنفسهم‪.‬‬
‫قَيم التي أضافتها هذه النجازات للمؤسسة‪.‬‬ ‫‪9‬ـ قّيم إنجازات العاملين‪ ،‬وبّين ال ِ‬
‫كرهم بفضل العمل الذي يقومون به‪.‬‬ ‫‪10‬ـ ذ ّ‬
‫‪11‬ـ ذكرهم بالتضحيات التي قام بها الخرون في سبيل هذا العمل‪.‬‬
‫‪12‬ـ انزع الخوف من قلوبهم وصدورهم من آثار ذلك العمل عليهم إن كانت‬
‫لها آثار سلبية‪.‬‬
‫‪13‬ـ اجعل لهم حصانة من الشاعات والفتراءات‪.‬‬
‫دا بوجوب قرن العمل بالخلص‪.‬‬ ‫ما وأب ً‬
‫‪14‬ـ كرر عليهم دائ ً‬
‫‪15‬ـ حاول أن تجعل مجموعات العمل متناسبة في التوزيع والمهام‪.‬‬
‫‪16‬ـ حاول أن تتفاعل وتتواصل مع العاملين‪.‬‬
‫‪17‬ـ حاول أن توفر للعاملين ما يثير رغباتهم في أشياء كثيرة‪.‬‬
‫وهكذا‪....‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولك سيدي أن تعلم أن هناك ثلث طرق لكي تنقل الحافز إلى العاملين‪:‬‬
‫الطريقة الولى‪ :‬التحفيز عن طريق الخوف‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بأن تذكر لهم الخطار التي تحيط بالمؤسسة وأن الوقت يداهمنا‪ ،‬وعلينا أن‬
‫نحاول التشبث بسفينة نوح قبل أن يأخذنا الطوفان‪ ،‬ومثل هذه القوال‪ .‬وهذه‬
‫قا بعد ذلك ولن تجدي ولن يكون‬ ‫طريقة تجدي في أول المر ثم ل تجد لها بري ً‬
‫من ورائها أي مردود إيجابي‪.‬‬
‫الطريقة الثانية‪:‬التحفيز عن طريق المكافآت والحوافز المادية‪:‬‬
‫ضا تجدي في أول المر ولكنها ل تلبث إل أن تخف حدتها ول‬ ‫وهذه الطريقة أي ً‬
‫تجدي على المدى البعيد؛ لن العمال إذا اعتادوا على ذلك فلن يتحركوا إل إذا‬
‫كان هناك حافز مادي ومن الممكن أن يعطوا العمل على قدر ذلك الحافز‬
‫المادي فقط‪.‬‬
‫الطريقة الثالثة‪ :‬مخاطبة العقل بالقناع‪:‬‬
‫بإقناعهم أن تطور المؤسسة يعود عليهم جميًعا بالنفع ويساهم في بناء‬
‫دا‪.‬‬
‫مستقبل أفضل لهم وهذه الطريقة مفيدة ج ً‬
‫كيف تتعامل مع الطبيعة النسانية للعاملين ؟‬
‫قد تفعل الكثير من أجل العاملين لرفع معنوياتهم وتحفيزهم للعمل ول تجد‬
‫استجابة‪ ،‬ولذا فمن المفيد أن تتعرف على الطبيعة النسانية للعاملين لكي‬
‫تستطيع تفهم نفسياتهم‪ ،‬ومن ثم الوصول إلى هدفك كمدير لرفع وتنمية‬
‫مهاراتهم في أداء العمال الموكولة إليهم‪ ،‬هناك نظريتان أساسيتان في‬
‫التعامل مع الفراد وخاصة لول مرة‪ :‬الولى‪ :‬تسمى نظرية ‪ ، x‬والثانية‪:‬‬
‫تسمى نظرية ‪.y‬‬
‫دا تفترض الخطأ في كل المحيطين إلى أن يثبت‬ ‫الولي نظرية متشائمة ج ً‬
‫العكس‪ ،‬كمن يقول النسان متهم حتى تثبت براءته‪ .‬والثانية تفترض التفاؤل‬
‫الكبير وتفترض الصواب في كل المحيطين إلى أن يثبت العكس‪ ،‬كمن يقول‬
‫المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته‪.‬‬
‫وتقوم فروض نظرية ‪ x‬على‪:‬‬
‫العمل شاق‪ ..‬العامل كسول‪ ..‬العامل ل يحب العمل‪ ..‬العامل غير طموح‪..‬‬
‫العامل يتملص من المسئولية‪..‬العامل يحب الشراف المباشر الذي يعفيه من‬
‫المساءلة‪ ..‬العامل ل يتحرك إل بالمال‪..‬العامل مستعد لتقبل الرشوة بالمال‬
‫قا لهذه النظرية‪:‬‬ ‫حتى لو كان ضد مصلح المؤسسة‪..‬وبالتالي يكون المدير وف ً‬
‫ينفرد بالقرارات دون الرجوع إلى أحد‪ ..‬يهيمن على سير العمل‪ ..‬كل خطوة‬
‫تتم في العمل تحت إشرافه‪ ..‬ل يثق إل بنفسه‪ ..‬يسعى لتحقيق أهدافه بكل‬
‫الوسائل‪ ..‬ل يقبل كلمة نقد توجه إليه‪.‬‬
‫أما نظرية ‪ y‬تقوم على الفروض التالية‪:‬‬
‫ما تستمتع بالعمل‪ ..‬العمل المحبب كاللعب ل إرهاق فيه ول ملل‪..‬‬ ‫الناس دائ ً‬
‫ما للعامل‪ ..‬العمال ملتزمون بطبيعتهم‪..‬‬ ‫تحقيق النجاز عامل مهم كالجر تما ً‬
‫العمال مبدعون إذا وجدوا الفرصة المناسبة‪ ..‬وعليه فإن الدارة تكون‬
‫كالتي‪:‬‬
‫القرارات بالتشاور‪ُ ..‬يشعر العاملين بالنتماء للعمل‪ ..‬يساعد العاملين على‬
‫التطور‪ ..‬يشجع العمل الجماعي‪.‬‬
‫في النهاية الواضح أن الطريقة الثانية هي أفضل للعمل ولكن انتبه إلى‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محاذيرها وهي‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن يسيء العمال استخدام السلطة الممنوحة لهم‪.‬‬
‫‪2‬ـ عدم وجود سياسات صارمة تجاه العمال‪.‬‬
‫‪3‬ـ أحياًنا ل يهتمون بسياسة المؤسسة ويسير كل واحد منهم بمفرده‪.‬‬
‫ولكي تنجح عوامل التحفيز التي تتخذها من الضروري أن تتعرف على‬
‫الحتياجات التي يحتاجها العاملون‪ ،‬فينبغي‪:‬‬
‫‪1‬ـ إعداد مكان عمل مريح لهم‪.‬‬
‫‪2‬ـ حاول أن تجعل سلمتهم من أولوياتك وأشعرهم بذلك‪.‬‬
‫‪3‬ـ تحرى إقامة العدل بينهم‪.‬‬
‫‪4‬ـ حاول أن تخص المحتاجين مادًيا منهم بالعمال الضافية لتتحسن رواتبهم‪.‬‬
‫دا عن‬‫‪5‬ـ حاول الجتماع بهم على فترات لتستمع إليهم ويستمعوا إليك بعي ً‬
‫توترات العمل‪.‬‬
‫ما الفكار الجديدة‪.‬‬
‫‪6‬ـ أشركهم في التشخيص واطلب منهم دائ ً‬
‫‪7‬ـ استعمل دائما عبارات الشكر عند تحقيق النجاز‪.‬‬
‫‪8‬ـ استعمل أسلوب الجهر بالمدح والسرار بالذم‪.‬‬
‫ما المثل والقدوة بسماحك لهم بانتقاد سياستك من أجل‬ ‫‪9‬ـ أعطهم دائ ً‬
‫الوصول للفضل‪.‬‬
‫‪10‬ـ ضع نصب عينيك دائما إيجاد بديل لك أو نائب ينوب عنك عن طريق‬
‫إفساح المجال للجميع لكتساب الخبرات‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬مفكرة السلم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فن التصفح والقراءة على الحاسب‬


‫إن القراءة على النترنت تختلف عن القراءة على الورق ‪ ..‬والختلف يقع‬
‫بشكل أساسي في التجاه النفسي والبصري للحصول على المعلومات من‬
‫الصفحة ‪.‬‬
‫ً‬
‫فإن معنى كلمة "صفحة" تختلف بصورة كبيرة جدا على النترنت ‪ ..‬فالصفحة‬
‫‪ -‬على النترنت ‪ -‬ليست مقيدة بنفس الحجم أو الشكل الذي تجده في‬
‫المطبوعات وبنفس العرض ‪.‬‬
‫ً‬
‫والقراءة على الحاسوب سيتغير أساليبها وطرقها تبعا لتغير الحياة وتغير‬
‫الحصول على المعلومات ‪ ..‬وستتوفر لنا أدوات أكثر تقدما ً في البحث‬
‫والتقصي ‪ ..‬وستحمل لنا سلبياتها وإيجابياتها ‪... .‬‬
‫‪ -‬ل بد لك من معرفة التعامل مع المتصفحات ‪ ..‬أغلب المتصفحات الموجودة‬
‫على الحاسوب ‪:‬‬
‫المتصفح ‪ Internet Explorer‬الموجود ضمن بيئة ويندوز ‪..‬‬
‫أو المتصفح ‪ Firefox‬الذي لقي استحسانا ً كبيرا ً في هذه اليام لسهولته وأمانه‬
‫الكبير ‪.‬‬
‫تعرف على شريط الدوات في المتصفح والوامر الموجودة فيه ‪..‬‬
‫وهذه أهم الوامر التي تساعدك على القراءة الصحيحة من الحاسب ‪:‬‬
‫* من قائمة " ملف " ‪ " < -‬حفظ باسم ‪: " ...‬‬
‫وهذا الخيار يساعدنا على حفظ الصفحة كاملة على الجهاز ) لتصفحها بدون‬
‫اتصال أو حفظها على قرص ( ‪.‬‬
‫وسيظهر لنا خيارات أخرى لنوعية الحفظ أمام كلمة " حفظ كنوع " ‪:‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخيار الول ‪ :‬حفظ الصفحة كاملة مع الصور ‪.‬‬


‫الخيار الثاني ‪ :‬حفظ الملف كأرشيف مع الصور ‪.‬‬
‫الخيار الثالث ‪ :‬حفظ النص فقط دون الصور ‪.‬‬
‫الخيار الرابع ‪ :‬حفظ الملف على شكل ملف نصي ‪.‬‬
‫‪ -‬طبعا ً إذا أردت أن تعدل على الصفحة أو تصحح خطأ لتحفظها لك ولغيرك‬
‫وتحفظها للزمن ‪ ..‬يمكن أن تحرر الصفحة ببرنامج الفرونت بيج الموجود‬
‫ضمن الوفيس ‪:‬‬
‫* من قائمة " ملف " ‪ " < -‬تحرير بواسطة ‪" Microsoft Office FrontPage‬‬
‫* من قائمة " ملف " ‪ " < -‬طباعة " ‪:‬‬
‫هذا الخياريطبع الصفحة كاملة ‪..‬‬
‫ومع تطور المتصفحات ومواقع الويب فإن الصفحة المطبوعة ستظهر بشكل‬
‫آخر أكثر تنسيقا ً عما هو عليه في الشاشة ‪..‬‬
‫ويمكنك معاينة الصفحة قبل الطباعة حتى ترى الصفحة على شكلها الصلي‬
‫بعد الطباعة ‪.‬‬
‫* من قائمة " تحرير " ‪ " < -‬بحث ) في هذه الصفحة ( " ‪:‬‬
‫وهذا الخيار يساعدك على البحث عن كلمة معينة وهي مفيدة في سرعة‬
‫القراءة أو الوصول لهدف او قسم معين من الصفحة ‪.‬‬
‫* من قائمة " عرض " ‪ " < -‬حجم النص " ‪:‬‬
‫هذا الخيار يمكنك من تكبير الخط أو تصغيره ‪..‬‬
‫* من قائمة " عرض " ‪ " < -‬ترميز "‬
‫ً‬
‫إذا واجهتك مشكلة في الخطوط العربية ولم ترى إل رموزا غير مفهومة فما‬
‫عليك إل الضفغط على هذا الخيار ثم اختيار اللغة العربية ‪..‬‬
‫وهذه المشكلة تظهر غاليا ً في المواقع المصممة بلغة الـ ‪.. html‬‬
‫‪+++++++++‬‬
‫‪ -‬استخدم خاصية المفضلة في المتصفح الذي تستخدمه لتتمكن من الرجوع‬
‫إلى المواقع المفضلة بسرعة وسهولة ‪.‬‬
‫‪ -‬اعرف جيدا ً أن المواقع تختلف بيئتها أو صفحاته فيما بينها بسبب طريقة‬
‫البرمجة أو التصميم المستخدمة في الموقع ‪ ..‬وفي الغالب الروابط الرئيسية‬
‫متفق عليها بين المواقع ‪.‬‬
‫‪ -‬حاول أن تتقن شريط التمرير الرأسي لتتنقل بكل سهولة ويسر ‪+‬‬
‫استخدام عجلت الفأرة ‪ +‬استخدام عجلة التنقل فوق ‪ -‬أسفل ) وهي بين‬
‫الزر اليمن والوسط لغلب الفأرات ( ‪.‬‬
‫‪ -‬حاول أن تركز على هدفك من القراءة على النترنت ول يجرفك النغمار‬
‫في المعلومات وتتبع الوصلت ) الروابط ( ‪.‬‬
‫ركز ودقق وحدد هدفك واستخدم الموارد والتقنيات المتاحة للوصول لمرادك‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬مع تطور التقنية نرى وسنرى أمور أكثر تفاعل ً لمساعدتنا على القراءة‬
‫والتصفح بكل سهولة ويسر ‪.‬‬
‫‪ -‬الطباعة ‪:‬‬
‫استخدمها في الصفحات المناسبة لك ‪ ...‬قد تكون من الذين ل يحبون‬
‫القراءة المتعمقة من الشاشة لعدة صفحات ‪ ..‬فالطباعة خير حل لك ‪.‬‬
‫أو تستخدم الطباعة للحتفاظ بالمذكرات والبحوث التي تخشى ضياعها ‪..‬‬
‫ول تهدر الحبر فيما ل فائدة منه ‪.‬‬
‫‪ -‬استفد من خدمة الـ ‪ rss‬بقدر المستطاع لنه توفر عليك الوقت في تتبع‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخبار المواقع ‪ ..‬وهي تنتشر يوما ً بعد يوم في المواقع العربية ‪.‬‬
‫هناك قارئ لهذه الخدمة وتجلب لك الخبار بسرعة وسهولة فماعليك إل‬
‫الضغط على العنوان ليظهر لك نصه كامل ً ‪.‬‬
‫‪+++++++++‬‬
‫القراءة على الحاسوب والتصفح فن بذاته ‪ ..‬له أدواته وأساليبه فحاول أن‬
‫تعمل عقلك لتكتشف الكثر والفضل ‪..‬‬
‫مع تمنياتي لكم بقراءة صحيحة سريعة مفيدة ‪... .‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن ل إله إل الله‬
‫وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد أيها الحبة في الله السلم عليكم ورحمة‬
‫الله وبركاته ويعلم الله كما أسلف أخي وقدم فإني أنا الذي أشعر بالسعادة‬
‫والغبطة والسرور وأنا بين أخوة لي في هذه البلدة وشكر الله لهل‬
‫<الحساء> حسن استقبالهم وترحيبهم ونسأل الله سبحانه وتعالى أن‬
‫يجمعنا وإياهم في جنات النعيم وأن يجعلنا أخوة متحابين هذه ليلة الحد‬
‫الموافق للحادي عشر من الشهر الثاني في العام السادس عشر بعد‬
‫الربعمائة واللف وفي هذا الجامع المبارك جامع الخالدية بـ <الحساء>‬
‫نلتقي وإياكم في موضوع كما ذكر المقدم شطره الول بعنوان فن التعامل‬
‫مع الزوجة و أسال الله عز وجل أن يعيننا وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن‬
‫شطر هذا الموضوع الثاني الذي هو بعنوان السحر الحلل وفن التعامل مع‬
‫الزوجة ل شك أيها الحبة أن الزواج كلمة يرقص القلب لها طربا وينشرح‬
‫الصدر لها طلبا وهي نعمة من أعظم نعم الله عز وجل على عباده قال تعالى‬
‫)ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة‬
‫ورحمة إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون( وركنا هذا الزواج هما الزوج‬
‫والزوجة جمع الله بين هذين القلبين الغريبين وجعل بينهما مودة ورحمة‬
‫وطمأنينة وسكينة وراحة واستقرارا وأنسا وسعادة وجعل القوامة بيد الرجل‬
‫فقال عز وجل )الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض‬
‫وبما أنفقوا من أموالهم( وحديثي الليلة إلى صاحب هذه المملكة الصغيرة‬
‫نعم فالزوج ملك لهذه السرة الصغيرة فيا أيها الملك إن أردت السعادة لهذه‬
‫المملكة الصغيرة وأردت الستقرار والراحة النفسية فل بد من تحقيق هذه‬
‫القوامة بأركانها وشروطها وآدابها الشرعية‪.‬‬
‫معنى القوامة في أسمى مراتبها‬
‫أن يحفظ المرء أنثاه ويكفيها‬
‫خّلى فهل تغني قوامته‬‫وإن ت َ َ‬
‫هذا الذي يرخص النثى ويرديها‬
‫إذا ً فل بد أن تختار من عقلت‬
‫كفئا لتحفظ مرساها ومجريها‬
‫شكا بعض الخوة حالهم مع أزواجهم فقائل يقول‪ :‬أين السعادة والراحة‬
‫النفسية فإنني لم أشعر بشيء من ذلك وقائل يقول‪ :‬لم أعد أطيق تصرفاتها‬
‫وحنقها‪ ،‬وقائل آخر‪ :‬أزعجتني بكثرة خروجها وزياراتها وقائل آخر يقول‬
‫أرهقتني بكثرة طلباتها ومصاريفها وقائل‪ :‬تعبت من كثرة هجرها للفراش‬
‫وتمنعها ‪ ،‬وقائل‪ :‬لم أعد أري ذلك الجمال ول التجمل إل في المناسبات‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والفراح وقائل يقول‪ :‬ل تهتم بأولدها وتربيتهم ومتابعتهم ‪ ،‬وقائل‪ :‬تعبت من‬
‫إلحاحها بجلب خادمة أعتورها وأفتن بها ‪ ،‬وقائل ‪ :‬ل تهتم بي ول ترعى‬
‫خاطري ‪ ،‬وقائل‪ :‬لم اسمع منها كلمة طيبة أو عبارة رقيقة وقائل ‪ :‬لم أعد‬
‫أطيق فسأطلق ‪ ،‬وغير ذلك مما تسمعون و تقرءون وتشاهدون ‪ ،‬وكأن حال‬
‫لسان كل واحد من أولئك يلقي باللوم كله على الزوجة المسكينة ويبرئ‬
‫نفسه وأنا هنا أعرف أنني أوقعت نفسي في موقف حرج فهل أنتصر لبني‬
‫ي النساء ‪ ،‬أو أنني أميل للجنس الخر فيغضب‬ ‫جنسي من الرجال فتغضب عل ّ‬
‫ي الرجال وبعد جهد جهيد وتفكير عميق عرفت أنه ل نجاة لي إل بالرجوع‬ ‫عل ّ‬
‫إلى المصدر الصلي إلى العتصام بالكتاب والسنة إلى الله عز وجل الذي‬
‫خلق الرجال والنساء وفضل كل منهما بفضائل ومميزات فيكمل كل منهما‬
‫الخر فخرجت أن سبب تلك المشاكل كلها يتحملها الرجل والمرأة بحد سواء‬
‫ل عليه تبعات وله مهمات فإن كنت تشكو أيها الرجل فإن المرأة تشكو‬ ‫فك ٌ‬
‫أيضا فقائلة تقول‪ :‬الصباح في وظيفته وفي الليل مع شلته ول نراه إل قليل‬
‫وقائلة‪ :‬ل يسمح لي بزيارة أهلي والجلوس معهم ‪ ،‬وقائلة‪ :‬ل ينظر إلى أولده‬
‫ول يهتم بهم ول بمطالبهم وقائلة ‪ :‬ل ينظر إلى أولده ول يهتم بهم ول‬
‫ي أمام أولدي ‪ ،‬وقائلة‪ :‬آذاني‬ ‫بمطالبهم وقائلة‪ :‬يشتمني ويضربني ويسيء إل ّ‬
‫برائحة الدخان وتركه للصلة وقائلة‪ :‬كثير النقد والملحظات والسباب‬
‫واللعان‪ ،‬قائلة ‪ :‬دائما يهددني بالطلق والزواج من أخرى ‪ ،‬و قائلة تقول‪:‬‬
‫أتجمل وأتزين ولم أسمع منه كلمة إعجاب أو غزل وقائلة تقول ‪ :‬يمنعني من‬
‫الدروس والمحاضرات ولم يحضر لي شريطا أو كتابا فيه خير ‪ ،‬وقائلة ‪ :‬كثير‬
‫السهر والجلوس أمام الفلم و المباريات وقائلة‪ :‬ل يشاورني ول يجلس معي‬
‫ويثور لتفه السباب ‪ ،‬وقائلة‪ :‬آذاني بكثرة جلساء السوء تدخين وغناء‬
‫وشقاء ‪ ،‬وقائلة‪ :‬ل يهتم بي وبطلباتي الخاصة ‪ ،‬حتى ول بالمنزل وطلباته ‪،‬‬
‫وقائلة‪ :‬يسافر كثيرا وليس لنا نصيب ولو عمرة في السنة ‪ ،‬وأقول ‪ :‬الحياة‬
‫ن أمثل قاعدة للسعادة والراحة أن نفهم‬ ‫الزوجية تعاون وتآلف وحب ووئام وإ ّ‬
‫جيدا قول الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ‪" :‬كل بنى آدم‬
‫ت‬ ‫خطاء وخير الخطائين التوابون" وقول أبي ذر لزوجه إذا رأيتني غَ ِ‬
‫ضب ْ ُ‬
‫ك وإل لم نصطحب‪ ،‬وقول الشاعر‪:‬‬ ‫ضي ْت ُ ِ‬ ‫ضِني ‪ ،‬وإذا رأيتك غَ ْ‬
‫ضَبى فإني َر ّ‬ ‫فََر ّ‬
‫وعين الرضا عن كل عيب كليلة‬
‫كما أن عين السخط تبدي المساويا‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لنفهم المعنى من هذه الكلمات وعندها نعلم أن كل مشكلة سببها الزوجان‬


‫وليس واحدا منهما ولذلك سيكون حديثي لكل منهما إن شاء الله تعالى أما‬
‫الليلة فهو خاص بالزواج وقد يقول الرجال‪ :‬لماذا بدأت بنا ؟ فأقول لمور ‪،‬‬
‫لن الرجال أكثر تحمل وتعقل وصبرا ‪ ،‬وثانيا لقوامة الرجل على المرأة ولنه‬
‫مر الناهي فل أحد غيره يملك حق التصرف في مملكته هذه‬ ‫السيد ولنه ال ِ‬
‫فهل يعقل الرجال هذا ؟ وسبب ثالث لن الرجل لو عرف كيف يتعامل أي مع‬
‫زوجه لعلم أن مفتاح السعادة بيده ‪ ،‬لو عرف الرجل كيف يتعامل مع زوجه‬
‫لعلم أن مفتاح السعادة بيده ‪ ،‬كيف كان التعامل مع الزوجة فنا ً ؟ أقول نعم‬
‫إن التعامل مع الزوجة فن ويجب علينا نحن معاشر الرجال أن نتعلم هذا‬
‫الفن فليس الزواج مجرد متعة وشهوة وليس الزواج القيام بالبيت وتأسيسه‬
‫وليس الزواج هو إنجاب الولد والبنات وليس الزواج هو مجرد إطعامهم‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطعام أو إلباسهم الثياب فإن الكثير من الرجال قادر على ذلك والرزاق هو‬
‫الله ل الزوج لكن الزواج حقوق شرعية وحسن تعاون ومسئولية فللمرأة‬
‫حقوق وواجبات جاء بها السلم بالدلة القرآنية والنصوص النبوية )ولهن مثل‬
‫ض الخاتم إل بحقه ‪،‬‬‫الذي عليهن بالمعروف( لبد أن يعرفها الرجل جيدا ول يف ّ‬
‫ومن أين نأخذ هذا الفن ؟ ل نأخذه عبر وسائل العلم ول نأخذه من المجلت‬
‫الهابطة وإنما نأخذه بالرجوع إلى سيرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم‬
‫وشتان بين المرين ‪ ،‬لما لجأ كثير من الناس إلى مثل هذه المصادر رأينا‬
‫الفرقة والخصام ورأينا كثرة الخطار التي تهدد كيان هذه السرة وغفلنا في‬
‫م هذه الحياة وشهواتها أن نرجع حقيقة إلى سيرته صلى الله عليه وسلم‬ ‫ض ّ‬
‫خ َ‬
‫ِ‬
‫نستقي منها الدروس والعبر في كل شأن من شئون حياتنا )لقد كان لكم في‬
‫رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الخر وذكر الله كثيرا(‬
‫ولذلك كيف كان يتعامل مع أزواجه صلى الله عليه وسلم ؟ لذلك أمر الله عز‬
‫وجل نساء النبي أن يخبرن بكل ما يدور في بيته صلى الله عليه وسلم حتى‬
‫ولو كانت هذه الخبار أسرارا زوجية فقال عز وجل خطاب لنساء النبي‬
‫)واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة( أمر من الله عز وجل‬
‫فلنتخذ هذه الحياة دستورا ومنهجا للتعامل مع الزواج ‪ ،‬أسباب اختيار‬
‫الموضوع كثيرة منها ‪ ،‬بيان منهج السلم وشرعه في حسن معاشرة الزوجة‬
‫وصحبتها وبيان كثير من حقوقها مما يجهله كثير من الناس وخاصة بعض‬
‫الرجال أو أن بعضهم يتجاهلون هذه الحقوق ‪ ،‬ثانيا‪ :‬تلك الصورة السيئة‬
‫والمفهوم الخاطئ عند بعض الرجال عن أن المرأة يجب الحذر منها وأن تشد‬
‫عليها الوطأة من أول ليلة يدخل بها الرجل ‪ ،‬وقد يتواصى بعض الشباب‬
‫وبعض الرجال بمثل هذه الوصية وكما يقال في المثل العامي والعود على‬
‫أول ركزة‪ .‬فيتناقل الناس والرجال والشباب مثل هذه المثال ومثل هذه‬
‫الوصايا ويحدث مال تحمد عقباه ومن الخطأ أن نقول كما قال ذاك الشاعر‪:‬‬
‫رأيت الهم في الدنيا كثيرا‬
‫وأكثره يكون من النساء‬
‫فل تأمن لنثي قط يوما‬
‫ولو قالت نزلت من السماء‬
‫ول نقول كما قال الخر أيضا‪:‬‬
‫إن النساء شياطين خلقن لنا‬
‫نعوذ بالله من شر الشياطين‬
‫فهن أصل البليات التي ظهرت‬
‫بين البرية في الدنيا وفي الدين‬
‫ل نقول كما قال هذا ول ذاك وإنما نقول كما قال ذلك الشاعر المنصف‪:‬‬
‫إن النساء رياحين خلقن لنا‬
‫وكلنا يشتهي شم الرياحين‬
‫ثالثا ‪ :‬شكوى كثير من النساء لسوء معاملة زوجها وقبح أخلقه معها وقد‬
‫يصل المر في بعض الحايين إلى ضربها وحبسها وقد يتمنى البعض موتها‬
‫كما قال أحدهم‪:‬‬
‫لقد كنت محتاجا إلى موت زوجتي‬
‫ولكن قرين السوء باق معمر‬
‫فيا ليتها صارت إلى القبر عاجل‬
‫وعذبها فيه نكير ومنكر‬
‫وكقول الخر يخاطب زوجه ‪:‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تنحى فاجلسي منى بعيدا‬


‫أراح الله منك العالمين‬
‫أغربال إذا استودعت سرا‬
‫وكانونا على المتحدثين‬
‫حياتك ما علمت حياة سوء‬
‫وموتك قد يسر الصالحين‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أقول‪ :‬ليس هذا هو النهج النبوي في معاملة الزوجة وإنما كما سنعرض له‬
‫بعد قليل ‪ ،‬ومن السباب أيضا الحياة الزوجية في بيته صلى الله عليه وسلم‬
‫وآله وسلم نموذج رائع يذكر به الرجال للتباع والتأسي هذه السباب الربعة‬
‫هي التي جعلتني أتحدث عن مثل هذا الموضوع وأبدأ الن بعناصر فن التعامل‬
‫مع الزوجة وأقول بدءا أول فن من الفنون التلطف والدلل ‪ ،‬التلطف مع‬
‫الزوجة والدلل لها ومن صور الملطفة والدلل نداء الزوجة بأحب السماء‬
‫إليها أو بتصغير اسمها للتلميح أو ترخيمه يعني تسهيله و تليينه ‪ ،‬وهذا أيضا‬
‫من حياته صلى الله عليه وسلم وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول‬
‫لـ]عائشة[ ‪ ":‬يا عائش ‪ ،‬يا عائش هذا جبريل يقرئك السلم "والحديث متفق‬
‫عليه وكان يقول لعائشة أيضا‪ :‬يا حميراء والحميراء تصغير حمراء يراد بها‬
‫البيضاء كما قال ذلك ]ابن كثير[ في النهاية وقال ]الذهبي[‪ :‬الحمراء في‬
‫لسان أهل الحجاز البيضاء بحمرة وهذا نادر فيهم ‪ ،‬إذا ً فقد كان صلى الله‬
‫عليه وسلم يلطف عائشة ويناديها بتلك السماء مصغرة مرخمة وأخرج‬
‫]مسلم[ من حديث عائشة في الصيام قالت "كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقبل إحدى نسائه وهو صائم ثم تضحك رضي الله تعالى عنها" أى‬
‫تعني أنه كان يقبلها وأخرج ]النسائي[ في عشرة النساء أنها قالت أى‬
‫عائشة‪" :‬أهوى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني فقالت‪ :‬إني صائمة‪ ،‬فقال‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم‪ :‬وأنا صائم" وأيضا أنها قالت‪" :‬كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يظل صائما فيقبل ما شاء من وجهي" وفي حديث‬
‫عائشة أيضا أنها قالت‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ثم ذكر كلمة‬
‫معناها أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله" والحديث أخرجه‬
‫النسائي و]الترمذي[ و]أحمد[ وفيه انقطاع‪ ،‬من خلل هذه الحاديث يتبين لنا‬
‫ملحظة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزواجه وحسن التعامل معها أي مع‬
‫عائشة رضي الله تعالى عنها ومن صور المداعبة والملطفة أيضا إطعام‬
‫الطعام فقد أخرج ]البخاري[ و]مسلم[ من حديث ]سعد بن أبي وقاص[ أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم ذكر الحديث إلى قوله‪" :‬وإنك مهما‬
‫أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى ِفي امرأتك" حتى‬
‫اللقمة التي ترفعها بيدك إلى فم امرأتك هي صدقة ليست فقط كسبا ً للقلب‬
‫وليست فقط حسن تعاون مع الزوجة بل هي صدقة تؤجر بها من الله عز‬
‫وجل وذكر ]النووي[ في هذه الحديث قال‪" :‬إن وضع اللقمة في ِفي الزوجة‬
‫"ـ في فم الزوجة يعني ـ يقع غالبا في حال المداعبة ولشهوة النفس في‬
‫ذلك مدخل ظاهر ومع ذلك إذا وجه القصد في تلك الحالة إلى ابتغاء الثواب‬
‫حصل له بفضل الله ‪ ،‬قلت والقائل ]الحافظ ابن حجر[‪ :‬وجاء ما هو أصرح‬
‫من ذلك وهو ما أخرجه مسلم عن ]أبي ذر[ فذكر حديثا فيه‪" :‬وفي بضع‬
‫أحدكم صدقة قالوا‪ :‬يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر؟ قال‪ :‬نعم ‪،‬‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أرأيتم لو وضعها في حرام‪ "..‬إلى آخر الحديث إذا ً فمن صور المداعبة‬
‫والملطفة للزوجة إطعامها للطعام وكم لذلك من أثر نفسي على الزوجة‬
‫وإني أسألك أيها الخ أيها الرجل ماذا يكلفك مثل هذا التعامل ؟ ل شيء إل‬
‫حسن التأسي والقتداء وطلب المثوبة وحسن التعاون وبناء النفس‬
‫فالملطفة والدلل والملعبة مأمور أنت بها شرعا بما تفضي إليه من جمع‬
‫القلوب والتآلف ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]لجابر بن عبد‬
‫الله[‪" :‬هل بكرا ً تلعبها وتلعبك وتضاحكها وتضاحكك" إذن فالمضاحكة‬
‫والملعبة والملطفة والدلل للمرأة مطلوب منك شرعا‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أيضا من الفن التجاوز عن الخطاء في الحياة الزوجية وغض البصر ‪ ،‬خاصة‬


‫إذا كانت هذه الخطاء في المور الدنيوية فأقول ل تنس أيها الخ الحبيب أنك‬
‫تتعامل مع بشر وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ول تنس أنك‬
‫تتعامل مع امرأة وكما قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬قد خلقت من ضلع أعوج"‬
‫ل تكن شديد الملحظة ل تكن مرهف الحس فتجزع عند كل ملحظة أو كل‬
‫خطأ انظر لنفسك دائما فأنت أيضا تخطئ ل تنس أن المرأة كثيرة أعمالها‬
‫في البيت ومع الولد والطعام والنظافة والملبس وغيرها ول شك أن كثرة‬
‫هذه العمال يحدث من خللها كثير من الخطاء ل تنس أن المرأة شديدة‬
‫الغيرة سريعة التأثر احسب لهذه المور كلها حسابها واسمع لهذه المثلة‬
‫عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها كما تحدث ]أم سلمة[ "أنها أتت بطعام‬
‫في صحفة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأصحابه ‪ ،‬من الذي‬
‫جاء بالطعام ؟ أم سلمة‪ ،‬فجاءت عائشة متزرة الكساء ومعها فهر أي‪ :‬حجر‬
‫ناعم صلب ففلقت به الصحفة فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي‬
‫الصحفة وقال‪ :‬كلوا ‪ ،‬يعنى أصحابه ‪ ،‬كلوا غارت أمكم غارت أمكم ثم أخذ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة‬
‫وأعطى صحفة أم سلمة لعائشة"‪ ،‬والحديث أخرجه البخاري والنسائي‪،‬‬
‫واللفظ للنسائي فأقول انظر لحسن خلقه صلى الله عليه وسلم وإنصافه‬
‫وحلمه وانظر لحسن تصرفه عليه الصلة والسلم وحله لهذا الموقف بطريقة‬
‫مقنعة معلل هذا الخطأ من عائشة رضي الله عنها بقوله‪" :‬غارت أمكم‪،‬‬
‫غارت أمكم" فهو يقدر نفسية عائشة زوجه اعتذارا منه صلى الله عليه وسلم‬
‫لعائشة هو لم يحمل عائشة نتيجة هذا الخطأ ونتيجة هذا العمل ولم يذمها‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم ولماذا ؟ لن أم سلمة هي التي جاءت إلى بيت‬
‫عائشة تقدم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا الطعام ولذلك قَد َّر‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم هذا الموقف وتعامل معه بلطف وحكمة صلوات‬
‫الله وسلمه عليه وقدر ما يجرى عادة بين الضرائر من الغيرة لمعرفته صلى‬
‫الله عليه وسلم أنها مركبة في نفس المرأة لم يؤدب النبي صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم عائشة وبين أنها غارت مع أنها كسرت الناء ومع أنها تصرفت‬
‫أيضا أمام أصحابه هذا التصرف ولكن )وإنك لعلى خلق عظيم( انظر للحكمة‬
‫وانظر لحسن التعامل وتصور لو أن هذا الموقف حصل معك كيف سيكون‬
‫حالك أيها الزوج ؟ بل ربما لو حصل هذا الموقف بينك وبين زوجك مثل في‬
‫المطبخ والرجال موجودون في المجلس ‪ ،‬كيف ستكون نفسيتك وكيف‬
‫سيكون التصرف ؟ إذن فالعفو والصفح إذا قصرت الزوجة وشكرها والثناء‬
‫عليها إن أحسنت كل ذلك من شيم الرجال ومن محاسن الخلق وبعض‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خ فيها وقد تنتهي هذه المشاكل بحقيقة مرة‬ ‫ف ُ‬


‫الزواج قد يختلق المشاكل وي َن ْ َ‬
‫وهي الطلق ‪ ،‬واسمع لهذا الموقف روي أن رجل جاء إلى ]عمر بن الخطاب[‬
‫رضى الله تعالى عنه وأرضاه ليشكو سوء خلق زوجته فوقف على بابه ينتظر‬
‫خروجه فسمع هذا الرجل امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر‬
‫ساكت ل يرد عليها فانصرف الرجل راجعا وقال‪ :‬إن كان هذا حال عمر مع‬
‫شدته وصلبته وهو أمير المؤمنين فكيف حالي؟ وخرج عمر فرآه موليا عن‬
‫بابه فناداه وقال‪ :‬ما حاجتك أيها الرجل؟ فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين جئت أشكو‬
‫ي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت‬ ‫إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها عَل َ ّ‬
‫وقلت‪ :‬إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي ؟ قال عمر ـ يا‬
‫أخي اسمع لمواقفهم رضوان الله تعالى عليهم ـ يا أخي إني أحتملها لحقوق‬
‫ي إنها لطباخة لطعامي‪ ،‬خبازة لخبزي‪ ،‬غسالة لثيابي‪ ،‬مرضعة لولدي‬ ‫لها عل ّ‬
‫وليس ذلك كله بواجب عليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا أحتملها لذلك ‪،‬‬
‫فقال الرجل‪ :‬يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي قال عمر‪ :‬فاحتملها يا أخي‬
‫فإنما هي مدة يسيرة )فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله‬
‫ى بما يكره في‬‫فيه خيرا كثيرا( هذه الية تسلية لوعد قدري لكل زوج ب ُل ِ َ‬
‫زوجته بأن يجعل الله لمن صبر على بليته خيرا موعودا وجزاء موفورا وحظا‬
‫قادما ل يعلمه إل هو سبحانه ‪ ،‬هكذا كانت حياتهم الزوجية ذكر للحسنات‬
‫وغض البصر عن الخطاء والسيئات ويقال أن بدوية جلست تحادث زوجها‬
‫وتطرق الحديث إلى المستقبل كعادة الزواج فقالت ‪ :‬أنها ستجمع صوفا‬
‫وتغزله وتبيعه وتشترى به بكرا‪ ،‬فقال زوجها إذا اشتر يتيه فسأكون أنا الذي‬
‫سأركبه‪ ،‬قالت‪ :‬ل‪ ،‬فألح زوجها فرفضت وأصرت ولم ترجع هي حتى غضب‬
‫زوجها فطلقها الصل ل يوجد هناك مشكلة القضية قضية أماني في‬
‫المستقبل لو كان تقول‪ :‬أنني سأعمل صوفا وأغزله ثم أبيعه ثم أشترى به‬
‫كر من يركبه الول فحصل الطلق هذا المثل‬ ‫بكرا فتخاصما على هذا الب َ ْ‬
‫يوضح حقيقة حال كثير من الطلق الذي يحصل بين الرجل والمرأة لسباب‬
‫تافهة عندما يقف أهل الخير أو القضاة أو غيرهم على بعض أسباب الطلق‬
‫يجد أن أسباب الطلق أسبابا تافهة ل تذكر وهكذا كثير من المشكلت وهمية‬
‫تافهة تنتهي بنهاية للحياة الزوجية وللسف ‪،‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ويروى أن عائشة قالت مرة للنبي صلى الله عليه وسلم وقد غضبت عليه‬
‫قالت له‪" :‬أنت الذي تزعم أنك نبي" فتبسم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم واحتمل ذلك حلما وكرما وما أروع هذا التوجيه النبوي الذي يجعل‬
‫البيت جنة فإذا غضب أحد الزوجين وجب على الخر الحلم فحال الغضبان‬
‫كحال السكران ل يدرى ما يقول وما يفعل‪.‬‬
‫يا ليت الرجل ويا ليت المرأة يسحب كل منها كلم الساءة وجرح المشاعر‬
‫والستفزاز يا ليت أنهما يذكران الجانب الجميل المشرق في كل منهما‬
‫ويغضان الطرف عن جانب الضعف البشري في كليهما‪.‬‬
‫أيضا من الفن التزين والتجمل والتطيب للزوجة أما الجمال والزينة للرجل‬
‫فبحدودها الشرعية فل إسبال ول حلق للحية ول وضع للمساحيق والصباغ‬
‫ت عائشة‪" :‬بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله‬ ‫سئ ِل َ ْ‬
‫كما يفعل بعض شبابنا ُ‬
‫عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت‪ :‬بالسواك" والحديث أخرجه مسلم‪ ،‬ذكر‬
‫ل النبي صلى الله عليه‬‫بعض أهل العلم فائدة ونكتة علمية دقيقة قالوا‪ :‬فَل َعَ ّ‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم كان يفعل ذلك ليستقبل زوجاته بالتقبيل وعند البخاري أن عائشة‬
‫ُ‬
‫ب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأطيب ما أجد حتى أجد‬ ‫قالت‪" :‬كنت أط َي ّ ُ‬
‫وبيص الطيب في رأسه ولحيته" وفي البخاري أيضا أن عائشة قالت‪ :‬كنت‬
‫ج ُ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ُ‬
‫ل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أسرح شعره "كنت أَر ّ‬ ‫أَر ّ‬
‫رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض" وفي الصحيحين من‬
‫حديث ]أبي هريرة[ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬خمس من‬
‫الفطرة‪ :‬الختان ‪ ،‬والستحداد ‪ ،‬ونتف البط ‪ ،‬وتقليم الظافر‪ ،‬وقص الشارب"‬
‫والحديث أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب اللباس وفي البخاري أيضا‬
‫من حديث ]ابن عمر[ أنه صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬خالفوا المشركين‬
‫فوا الشوارب" في هذه الحاديث كلها وغيرها بيان ما كان‬ ‫ووفروا اللحى وأ َ ِ‬
‫ح ّ‬
‫عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التجمل والتزين الشرعي الذي يحبه‬
‫الله بخلف ما عليه بعض الرجال اليوم من إفراط في قضية الزينة أو حتى‬
‫من تفريط في قضية الزينة والتجمل للمرأة ومن مبالغة في التجمل وعجيب‬
‫للمتناقضات التي يعيشها بعض الرجال فتجده يحلق لحيته للتجمل والزينة‬
‫كما يقول ‪ ،‬ثم تشم منه رائحة كريهة عفنة وهي رائحة التدخين فأين أنت‬
‫والتجمل أيها الخ الحبيب ؟ أين أنت والتجمل الذي تريده يوم أن حلقت‬
‫لحيتك وشربت الدخان ؟ وآخر وقع في تفريط عظيم وتقصير عجيب في‬
‫قضية التجمل والزينة تبذل في اللباس وإهمال للشعر وترك للظافر‬
‫والشوارب والباط وروائح كريهة والخير كل الخير في امتثال المنهج النبوي‬
‫في التجمل والتزين والهتمام بالمظهر وهو حق للمرأة هو حق شرعي‬
‫ت على حب الفضل‬ ‫جب ِل َ ْ‬
‫للمرأة وسبب أكيد في كسب قلبها وحبها فالنفس ُ‬
‫والنظف والجمل وتعال واسمع لحال السلف رضوان الله تعالى عليهم‬
‫جميعا وكيف كانوا في هذا الباب‪ ،‬قال ]ابن عباس[‪ :‬إني لتزين لمرأتي كما‬
‫تتزين لى وما أحب أن أستطف كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقها‬
‫ي لن الله تعالى يقول‪) :‬ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف( وقد‬ ‫الذي لها عل ّ‬
‫دخل على الخليفة عمر زوج أشعت أغبر ومعه امرأته وهي تقول‪ :‬ل أنا ول‬
‫هذا ل تريده ‪ ،‬ل أنا ول هذا ‪ ،‬ما هو السبب ؟ اسمع فعرف كراهية المرأة‬
‫لزوجها فأرسل الزوج ليستحم ويأخذ من شعر رأسه ويقلم أظافره فلما‬
‫حضر أمره أن يتقدم من زوجته فاستغربته ونفرت منه ثم عرفته فقبلت به‬
‫ورجعت عن دعواها رجعت تراجعت إذن عن طلب الطلق فقال عمر‪ :‬وهكذا‬
‫فاصنعوا لهن فوالله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن كما تحبون أن يتزين لكم ‪،‬‬
‫وقال ]يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي[‪ :‬أتيت ]محمد بن الحنفية[ فخرج إلى‬
‫في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية ‪ ،‬والغالية هي خليط الطياب بل‬
‫خليط أفضل الطياب ‪ ،‬ولحيته تقطر من الغالية ‪ ،‬يقول يحيى فقلت له‪ :‬ما‬
‫هذا ؟ قال محمد ‪ :‬إن هذه الملحفة ألقتها على امرأتى ودهنتنى بالطيب‬
‫وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن ‪ ،‬ذكر ذلك القرطبي في تفسيره الجامع‬
‫لحكام القرآن إذن فالمرأة تريد منك كما تريد أنت منها في التجمل‬
‫والتزين ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فن آخر القناعة والرضا بالزوجة وعدم الستجابة لدعاة التبرج ودعاة الفتنة‬
‫والسفور وذلك بالنظر إلى النساء ‪ ،‬وهذا حال كثير أو حال بعض الرجال‬
‫النظر إلى النساء في الفلم وفي التلفاز والمجلت وقد زيفتها اللوان‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صوَّر زوجته‬‫والمكاييج وغير ذلك ونفخ الشيطان في بعض الرجال فقارن و َ‬


‫العفيفة الطاهرة بتلك السافرات العاهرات وأطق ذلك الرجل لبصره العنان‬
‫في تتبع هذه النساء )قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم‬
‫ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون( ول شك أن ذلك شر مستطير وأنه‬
‫سبب أكيد في تدمير كيان السرة وهذا أمر ملموس ومشاهد وعلج ذلك ما‬
‫أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حديث جابر "أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم رأى امرأة فأتي امرأته زينب وهي تمعس منيئة‬
‫لها" أي‪ :‬تدلك جلدا "فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال‪ :‬إن المرأة‬
‫ل في صورة شيطان وت ُد ْب ُِر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة‬‫قب ِ ُ‬
‫تُ ْ‬
‫فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه" صلى الله عليه وآله وسلم علج ل‬
‫نبحث عنه في المجلت الطبية والمجلت السرية إنما نبحث عنه في سنته‬
‫النبوية صلى الله عليه وآله وسلم والحديث أخرجه مسلم في صحيحه‪،‬‬
‫والنفس دائما ترغب كل جديد خاصة عند الرجل النفس ترغب كل جديد وكما‬
‫يقال كل ممنوع مرغوب ولو ملك أي الرجل لو ملك أجمل النساء ثم سمع‬
‫بامرأة أخرى لتهافتت نفسه ولكزه شيطانه ولم أجد مثل القناعة والرضا حل‬
‫لذلك ولذلك نهى صلى الله وعليه وسلم الرجل أن يطلب عثرات زوجته‬
‫فأخرج مسلم من حديث ]جابر[ قال‪" :‬نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أن يطرق الرجل أهله ليل أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم" إنما على الزوج أن‬
‫يغض الطرف وأن يقنع بما وهبه الله إياه ولينظر إلى من هو أسفل منه‬
‫ليزداد قناعة ورضا وليشكر نعمة الله عز وجل عليه ثم إني أقول لك أيضا إن‬
‫بليت بمثل هذه المور وبمثل حديث النفس هذا الجأ إلى الله عز وجل‬
‫بالدعاء ولسان حالك يقول كما قال الحق عز وجل على لسان يوسف عليه‬
‫ب إليهن وأكن من الجاهلين( إذن ادعُ‬ ‫السلم‪) :‬وإل تصرف عنى كيدهن أص ُ‬
‫الله عز وجل وألح عليه بالدعاء وأنت موقن بالجابة لن الله تكفل بها‬
‫ليوسف فقال‪) :‬فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم(‪.‬‬
‫فن آخر من فن التعامل مع الزوجة الجلوس مع الزوجة والتحدث إليها‬
‫والشكاية لها ومشاورتها فإنه كثيرا من الزواج كثير الترحال ‪،‬كثير الخروج ‪،‬‬
‫كثير الرتباطات ‪ ،‬بل سمعنا عن الكثير منهم أنه يخرج للبراري والستراحات‬
‫كل يوم وليلة ‪ ،‬بل سمعنا أن بعض الزواج يسهر كل ليلة إلى ساعة متأخرة‬
‫من الليل فأي حياة هذه وأين حق الزوجة وحق الولد والجلوس معهم ؟‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وانظر مثال لهذا الفن للجلوس مع الزوجة والحديث معها حديث ]أم زرع[‬
‫الطويل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع لعائشة تحكيه عائشة تروي‬
‫هذا الحديث الطويل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع لحكاية عائشة‬
‫قال ابن حجر ‪ :‬وفيه ـ أي وفي هذا الحديث من الفوائد ـ حسن عشرة المرء‬
‫أهله بالتأنيس والمحادثة في المور المباحة ما لم يفض ذلك إلى ما يمنع ‪،‬‬
‫انتهي كلمه رحمه الله ‪ ،‬والشكاية للزوجة واستشارتها فهذا مما يشعرها‬
‫أيضا بقيمتها وحبها استشر المرأة ولو لم تكن أيها الخ الحبيب بحاجة إلى‬
‫هذه المشورة فإنك تشعر هذه الزوجة بقيمتها وحبك لها ولن تعدم الرأي‬
‫والمشورة أبدا ً إن شاء الله لن تعدم الرأي والمشورة وربما فتحت عليك‬
‫برأي صائب كان السبب في سعادتك ومثال ذلك انظر للنبي ولحبيبنا صلى‬
‫الله عليه وسلم بأبي هو وأمي يا رسول الله كان يستشير حتى أزواجه ومن‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك استشارته صلى الله عليه وسلم لم سلمة في صلح الحديبية عندما أمر‬
‫أصحابه بنحر الهدي وحلق الرأس فلم يفعلوا لنه شق عليهم أن يرجعوا ولم‬
‫يدخلوا مكة ‪ ،‬فدخل مهموما حزينا على أم سلمة في خيمتها فما كان منها إل‬
‫أن جاءت بالرأي الصائب ‪ :‬أخرج يا رسول الله فاحلق وانحر فحلق ونحر وإذا‬
‫بأصحابه كلهم يقومون قومة رجل فيحلقوا وينحروا ‪ ،‬أيضا أنظر لستشارته‬
‫لـ]خديجة[ رضي الله تعالى عنها في أمر الوحي ووقوفها معه وشدها من‬
‫أزره رضوان الله تعالى عليها هكذا المرأة فإنها معينة لزوجها متى ؟ إذا‬
‫أشعرها زوجها بقيمتها ولذلك أقول ‪ :‬العلقة بين الزوجين تنمو وتتأصل كلها‬
‫تجددت ودارت الحاديث بينهما فالحاديث وسيلة التعارف الذي يؤدي إلى‬
‫التآلف وكما قال صلى الله عليه وسلم "فالرواح جنود مجندة ما تعارف منها‬
‫ائتلف وما تنافر منها اختلف" فالحذر من تعود الصمت الدائم بينهما فتتحول‬
‫الحياة إلى روتين بغيض كأنها ثكنة عسكرية فيها أوامر من الزوج وطاعة من‬
‫الزوجة خذي هاتى كلى اشربي قومي اقعدي تعالي اذهبي نامي استيقظي‬
‫ماذا تريدين؟ متى تخرجين؟ أسطوانة مكرورة مكروهة تجعل الحياة الزوجية‬
‫بغيضة باهتة باردة فأين الحب وأين اللطافة ؟ وأين المودة والرحمة وما‬
‫بينهما ؟ أين الحاديث الحسان منك أيها الرجل عن جمال عيونها وعذوبة‬
‫ألفاظها ورقة ذوقها وحسن اختيارها للباسها وأين كلمات الشكر والثناء عند‬
‫الطبخ والغسل والكنس ‪ ،‬وأين الحديث عن تربية الولد وصلحهم ؟ وأين‬
‫الحديث عن هموم المسلمين ومشاكلهم ‪ ،‬فيا أيها الرجل العاقل إن من فن‬
‫التعامل مع الزوجة أن تخصص وقتا للجلوس معها تحدثها و تحدثك وتفضي‬
‫إليك بما في نفسها بدل أن تكبت ذلك الحديث الذي في النفس اجعلها‬
‫تفضفض تعطي بما يدور في نفسها بدل ذلك الكبت وسيتضح ذلك جليا على‬
‫سلوكها وتصرفاتها ثم ينعكس ذلك على أولدها وأعمالها وأشغالها ثم ينعكس‬
‫ذلك على تصرفاتها وسلوكها معك أنت كزوج ‪ ،‬أرأيت أيها الخ الحبيب أنك‬
‫تملك مفتاح السعادة وهذه المملكة الصغيرة بحسن تصرفاتك وأفعالك ‪ ،‬ومن‬
‫فن التعامل أيضا مداراة المرأة وعدم التضييق عليها والعتذار إليها ‪ ،‬فعن‬
‫]أبي هريرة[ قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن‬
‫خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعله فإن ذهبت تقيمه كسرته" ل‬
‫تطلب المحال افهم جيدا نفسية المرأة وافهم جيدا خلقة المرأة "فإن ذهبت‬
‫تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوجا فاستوصوا بالنساء خيرا" والحديث‬
‫أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما ومعنى استوصوا؛ أي أوصيكم بهن‬
‫خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها قاله ]البيضاوي[‪ ،‬انتبه في الحديث‬
‫إشارة إلى ترك المرأة على اعوجاجها في المور المباحة ‪ ،‬وأل يتركها على‬
‫العوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص كفعل المعاصي وترك‬
‫الواجبات ‪ ،‬وأيضا في الحديث سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر عليهن‬
‫وعلى عوجهن فقال صلى الله عليه وسلم أيضا في الحديث الخر‪" :‬ل يفرك‬
‫مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر" والحديث في صحيح مسلم‬
‫ومعنى يفرك أي يبغض منها شيئا يفض به إلى تركها‪ ،‬وقال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬أل واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم" انظر للتصوير‬
‫أنظر للصورة الجميلة فإنما هن عوان عندكم والعوان أي هن كأسيرات عندك‬
‫أيها الرجل أي المرأة كأسيرة عندك فهي أشبه بالسير كسيرة القلب مهيضة‬
‫الجناح فوجب على الرجل أن يجبر قلبها وأن يرفع من معنوياتها ويحسن إليها‬
‫جم وخلق رفيع‬ ‫ويكرمها أما العتذار إليها عند الخطأ والعتراف به فهو أدب َ‬
‫خاصة عند غضبها واسمع لهذه الحاديث أرجعكم دائما إلى حياته صلى الله‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم حتى نتبين أيها الحبة أن حياته صلى الله عليه وآله وسلم في كل‬
‫شئون الحياة هي قدوة ونبراس ومرجع يجب أن نرجع إليه وأن ندرسه أي‬
‫حياته صلى الله عليه وآله وسلم )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‬
‫لمن كان يرجو الله واليوم الخر وذكر الله كثيرا( روى النسائي في كتابه‬
‫شَرة النساء عن أنس قال‪" :‬كانت صفية مع رسول الله صلى‬ ‫ع ْ‬
‫ِ‬

‫)‪(7 /‬‬

‫الله عليه وسلم في سفر وكان ذلك يومها فأبطأت في المسير" تأخرت في‬
‫المسير عنهم "فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكى وتقول‬
‫"ـ اسمع الذنب الذي وقع به النبي صلى الله عليه وسلم ـ "حملتني على بعير‬
‫بطئ "فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر التصرف ماذا فعل؟ قال‬
‫والله أيش أسوى السيارة هذه وضعها وهذه خربانة ؟ ل‪ ،‬ما ناقش صلى الله‬
‫عليه وسلم "وإنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح بيديه عينيها‬
‫ويسكتها فأبت إل بكاء" يعني كأنها طورت فأبت إل بكاء فغضب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وتركها فقدمت فأتت عائشة" أي صفية ذهبت إلى‬
‫عائشة فقالت‪" :‬يومي هذا لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أنت‬
‫أرضيتيه عنى" فماذا فعلت عائشة ؟ انظر أيضا واسمعي أيتها المرأة أنت‬
‫وإن كان هذا الحديث سيأتيك بمشيئة الله لكن انظري إلى عقل عائشة رضي‬
‫الله تعالى عنها وانظري إلى تصرفها كيف تملكين أيتها المرأة مفتاح قلب‬
‫الزوج ‪ ،‬أو اعلمي أيتها الخت أنك ساحرة لقلب الرجل ولذلك قلت‪ :‬إن‬
‫موضوع الدرس القادم سيكون بعنوان السحر الحلل ‪ ،‬لن المرأة تملك فعل‬
‫هذا السحر بما وهبها الله عز وجل من عذوبة ورقة ونعومة فماذا فعلت‬
‫عائشة ‪ ،‬تقول‪" :‬فعمدت عائشة إلى خمارها وكانت صبغته بورس وزعفران‬
‫فنضحته بشيء من ماء حتى تخرج رائحته ثم جاءت حتى قعدت عند رأس‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها‪ :‬مالك هذا اليوم ليس لك ‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فعرف رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم الحديث فرضي عن صفية" وانظر أيضا واسمع لمثال آخر في حياته‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فعن ]النعمان بن بشير[ رضي الله تعالى عنهما قال‬
‫جاء ]أبو بكر[ رضي الله عنه يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع‬
‫عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن له أي‬
‫الرسول أذن لبى بكر بالدخول فدخل فقال أي أبو بكر‪ :‬يا ابنة أم رومان ؟‬
‫يعني كأنه يهددها أو يغضب عليها يا ابنة أم رومان ؟ وتناولها ‪ ،‬أترفعين صوتك‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال أنظر لتصرف النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪ ":‬فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينهما" يعنى كأنه‬
‫جعلها خلفه يريد أن يخلصها من أبيها ‪ ،‬رضي الله تعالى عنه ‪ ،‬فلما خرج أبو‬
‫بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها يترضاها يقول لها‪" :‬أل ترين‬
‫أني قد حلت بين الرجل وبينك ؟ قال‪ :‬ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده‬
‫يضاحكها" رجعت العلقة مرة أخرى بملطفة النبي‪ ،‬بحسن مداراته لزوجه‬
‫بالعتذار منه صلى الله عليه وسلم انظر لقمة الخلق )وإنك لعلى خلق‬
‫عظيم( صلوات الله وسلمه عليه" فرجع أبو بكر فوجد العلقة قد رجعت‬
‫ووجد النبي صلى الله عليه وسلم يضاحكها فأذن له النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بالدخول فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما‬
‫أشركتماني في حربكما "‪ ،‬وفي الحديث بيان ما كان عليه النبي صلى الله‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم من الحلم والتواضع وحسن معاشرة زوجه فلم تدفعه مكانته أو‬
‫قوامته للتكبر أو المكابرة عن العتذار ‪ ،‬وأن يكون هو البادئ بالصلح صلى‬
‫الله عليه وسلم إذا ً فأقول لك أيها الرجل عليك بكسر حاجز المعاندة‬
‫والمكابرة وإنك إن فعلت هذا فإنك أنت بنفسك تعود زوجك على هذا العمل‬
‫تعودها على هذا التصرف ‪ ،‬عودتها على هذا الدب إذا أخطأت وكان الخطأ‬
‫منك ذهبت إليها واعتذرت منها فإنها ستأخذ هذا التصرف فإن قصرت وإن‬
‫أخطأت فستذهب هي وترجع إليك بالعتذار ونذكر هنا مرة أخرى بقاعدة‬
‫]أبي الدرداء[ رضي الله تعالى عنه وأرضاه مع ]أم الدرداء[ بقوله‪ :‬إذا رأيتني‬
‫غضبت فرضني وإذا رأيتك غضبي رضيتك وإل لم نصطحب ‪ ،‬تعامل بهذه‬
‫القاعدة في بيتك‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ومن الفن أيضا إظهار المحبة والمودة للزوجة وذلك بالقول والفعل أما القول‬
‫فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث أم زرع الطويل قال لعائشة ‪:‬‬
‫"كنت لك كأبي زرع لم زرع" والحديث عند البخاري أي في الوفاء والمحبة‬
‫فقالت عائشة واسمع أيضا لحكمة عائشة واسمع لعقل هذه المرأة رضى‬
‫الله عنها وأرضاها لما قال لها النبي‪ :‬كنت لك كأبي زرع لم زرع يعني في‬
‫الوفاء والمحبة قالت عائشة بأبي وأمي لنت خير لي من أبي زرع لم زرع‪،‬‬
‫وأما الفعل أي إظهار المحبة بالفعل فكثير في حياته صلى الله عليه وسلم‬
‫ومن ذلك ففي صحيح مسلم في كتاب الحيض عن عائشة قالت‪" :‬كنت‬
‫أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على‬
‫ي فيشرب‪،‬‬ ‫ي" اسمع انظر للتصرف "فيضع فاه على موضع فِ ّ‬ ‫موضع فِ ّ‬
‫وأتعرق العَْرَقة وأنا حائض ثم أناوله النبي فيضع فاه على موضع فِ ّ‬
‫ي"‬
‫والعَْرق‪ :‬العظم عليه بقية من اللحم وأتعرق أي آخذ عنه اللحم بأسناني‬
‫ونحن ما نسميه بالعرمشة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع فمه مكان‬
‫فم عائشة رضى الله تعالى عنها في المأكل أو المشرب يفعل ذلك صلى‬
‫الله عليه وسلم وعائشة حائض وهنا نكتة أيضا أشار إليها بعض أهل العلم‬
‫قالوا ‪ :‬لم يكن يفعل ذلك لشهوة صلى الله عليه وسلم وإنما إظهار المودة‬
‫والمحبة لن المرأة حائض وإنما إظهار المودة والمحبة ثم ل بأس أيضا من‬
‫تقديم الزوجة عليك بالشرب والكل قبلك كل ذلك إظهارا للمودة والمحبة‬
‫ومن ذلك أيضا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‪" :‬كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن" انظر‬
‫للتصرف يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن وذكر ابن كثير في البداية‬
‫والنهاية هذا الموقف الجميل ]للمهدي[ قال‪ :‬حدث ]الخيزران[ زوجة المهدي‬
‫في حياة المهدي فكتب إليها وهي بمكة كتب إليها يستوحش لها ويتشوق‬
‫إليها بهذا الشعر ‪ ،‬قال المهدي‪:‬‬
‫نحن في غاية السرور ولكن‬
‫ليس إل بكم يتم السرور‬
‫عيب ما نحن فيه يا أهل ودي‬
‫ب ونحن حضور‬ ‫أنكم غُي ّ ُ‬
‫فأجدوا في السير بل إن قدرتم‬
‫أن تطيروا مع الرياح فطيروا‬
‫تصور هذه الكلمات لما يقولها الرجل لزوجه كيف ستكون الزوجة ولذلك لما‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وصلت هذه البيات للخيزران أجابته أو أمرت كما يقول ابن كثير أجابته بهذه‬
‫البيات‪:‬‬
‫قد أتانا الذي وصفت من‬
‫الشوق فكدنا وما قدرنا نطير‬
‫ليت أن الرياح كن يؤدين‬
‫إليكم ما قد يكن الضمير‬
‫ة فإن كنت بعدي‬ ‫لم أزل صب ً‬
‫في سرور فدام ذاك السرور‬
‫هذا من المواقف التي تبين كيف كان التعامل أيضا مع الزواج وإظهار المحبة‬
‫والشوق لها‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ومن الفن أيضا بل من أعظم وسائل السعادة للبيت المسلم تعاون الزوجين‬
‫على العبادات والنوافل والذكار ففي ذلك مرضاة لله وفي ذلك إحياء للبيت‬
‫وطرد لروتين الحياة الممل فما أحلى أن ترى زوجين صالحين يتعاونا على‬
‫طاعة الله فالدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة ومثال ذلك ما رواه ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما عن أم المؤمنين ]جويرية بنت الحارث[ رضي الله‬
‫عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح‬
‫وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال‪ :‬مازلت على‬
‫الحال التي فارقتك عليها؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬لقد‬
‫قلت بعدك أربع كلمات ثلث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن‪:‬‬
‫سبحان الله وبحمده عدد خلقه ‪ ،‬ورضا نفسه ‪ ،‬وزنة عرشه ‪ ،‬ومداد كلماته "‬
‫والحديث عند مسلم في صحيحه وأخرجه أيضا ]المام أحمد[ في مسنده‪.‬‬
‫الشاهد انظر لحرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إرشاد وتعليم‬
‫زوجه وأسألكم بالله أيها الحبة من منا وقف مع زوجه ساعات أو لحظات‬
‫يعلمها ويذكرها في بعض الذكار أو النوافل أو العبادات ؟ وأيضا أخرج‬
‫البخاري في كتاب الوتر في صحيحه باب إيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أهله في الوتر اسمع للباب اسمع للترجمة‪ ،‬عن عائشة قالت "كان النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يصلى وأنا راقدة معترضة على فراشه فإذا أراد أن‬
‫يوتر أيقظني فأوترت" وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬رحم الله رجل قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته‬
‫فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء ‪ ،‬ورحم الله امرأة قامت من الليل‬
‫فصلت وأيقظت زوجها فإن أبي نضحت في وجهه الماء" والحديث أخرجه‬
‫]أبو داود[ وقال ]اللباني[ عنه‪ :‬حسن صحيح وانظر قضية مبادلة إن قصرت‬
‫الزوجة فإذا بالزوج يذكر ويعين وإن قصر الزوج فإذا بالزوجة تذكر وتعين‬
‫فكل منهما مطالب بتذكير الخر فنحن مطالبون بالتعاون التعاون بين‬
‫الزوجين في العبادات والنوافل ‪ ،‬وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضى‬
‫الله تعالى عنهما قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من استيقظ‬
‫من الليل وأيقظ امرأته وصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا‬
‫والذاكرات" وأيضا الحديث أخرجه أبو داود في سننه وقال اللباني‪ :‬صحيح‪،‬‬
‫صلة النافلة في البيت نغفل عنها كثيرا صلة النافلة في البيت بعض الرجال‬
‫يحرص كثيرا أن يصلى النافلة في المسجد مع أن السنة أن تصلى النوافل‬
‫في البيت والسنن الرواتب في البيت ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "فإن‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أفضل صلة الرجل في بيته إل المكتوبة" لماذا ؟ ليذكر الهل ويشجعهم بل‬
‫ويربى أولده وصغاره على هذه الفعال وما أجمل البيت يوم أن تغيب‬
‫الشمس ذلك اليوم وقد استعد الزوجان للجلوس لجلسة الفطار معا ما‬
‫أحلى هذه الجلسة وما أسعد هذين الزوجين في التعاون على مثل هذه‬
‫العبادات ‪ ،‬وقل مثل ذلك في قراءة القرآن وفي حضور على القل ولو درس‬
‫أسبوعي أو محاضرة ‪ ،‬القيام على الفقراء والمساكين في الحي وغيرها من‬
‫العمال الصالحة والخيرة التي لو تعاون الزوجان على مثل هذه المور لكان‬
‫ذلك عماد السعادة الزوجية وحلوتها وروحها ومن جرب هذا وجد طعم هذه‬
‫الحياة )من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة‬
‫ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون(‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫من الفن الممازحة والمرح مع الهل ومن هذا ما أخرج النسائي أيضا في‬
‫كتابة عشرة النساء من حديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت‪" :‬زارتنا‬
‫سودة يوما" اسمع لهذا الموقف وهذه القصة الجميلة زارتنا سودة يوما تعنى‬
‫أم المؤمنين "فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينهما" ضرتين‬
‫"جلس النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها إحدى رجليه في حجري‬
‫والخرى في حجرها ‪ ،‬فعملت لها حريرة أو قال خزيرة" والخزيرة أو‬
‫الحريرة‪ :‬لحم مع دقيق مع ماء يخلط في بعضه وهو نوع من أنواع الطعام‪،‬‬
‫تقول عائشة‪ :‬فعملت لها حريرة أو قال‪ :‬خزيرة‪ ،‬فقلت‪ :‬كلى أى لسودة ‪،‬‬
‫فأبت فقلت‪ :‬لتأكلي أو للطخن وجهك فأبت" تقول عائشة‪" :‬فأخذت من‬
‫القصعة شيئا فلطخت به وجهها‪ ،‬فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫رجله من حجرها تستقيد منى" أي تأخذ حقها مني "فأخذت من القصعة شيئا‬
‫فلطخت به وجهي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فإذا عمر يقول‪:‬‬
‫يعني عند الباب يا عبد الله بن عمر يا عبد الله بن عمر فقال لنا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قوما فاغسل وجوهكما فل أحسب عمر إل داخل" هذا‬
‫موقف وانظر لحياته صلى الله عليه وسلم والممازحة بين الزواج وأيضا‬
‫أخرج النسائي في عشرة النساء من حديث عائشة رضى الله تعالى عنها‬
‫و]ابن ماجة[ أيضا في كتاب النكاح "أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في سفر وهي جارية فقال لصحابه‪ :‬تقدموا ‪ ،‬ثم قال‪ :‬تعالى أسابقك‬
‫ه على رجلي فلما كان بعد خرجت معه في‬ ‫قت ُ ُ‬ ‫فسابقته فسبقته ‪ ،‬تقول ‪ :‬فَ َ‬
‫سب َ ْ‬
‫سفر فقال لصحابه‪ :‬تقدموا" ما أشغله ما كان فيه صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم ثم قال" تعالى أسابقك‪ ،‬ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم فقلت‪:‬‬
‫كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال فقال‪ :‬لتفعلن‪ ،‬فسابقته‬
‫فسبقني فقال‪ :‬هذه بتلك السبقة" )وإنك لعلى خلق عظيم( وأيضا أخرج‬
‫البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‪:‬‬
‫"كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه‬
‫جن َُبان"‬
‫تختلف أيدينا عليه فيبادرني حتى أقول‪ :‬دع لي دع لي‪ ،‬قالت‪ :‬وهما ُ‬
‫فالمزاح والمرح حتى أثناء الغسل من الجنابة فينبغي للزوج أن ينمي في‬
‫نفسه صفات الفكاهة والمرح في بعض الحايين مع زوجة لتقوية أواصر‬
‫المحبة ‪ ،‬و]علي بن أبي طالب[ يروى عنه رضي الله تعالى عنه أنه كان‬
‫يمازح زوجه فدخل عليها في يوم من اليام فوجد في فيها عود أراك فأراد أن‬
‫يمازحها فنظر إلى عود الراك يخاطبه بهذين البيتين الجميلين قال‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قضيت يا عود الراك بثغرها‬


‫أما خفت يا عود الراك أراكا‬
‫لو كنت من أهل القتال قتلتك‬
‫ما فاز منى يا سواك سواكا‬
‫وهذا يبين حالهم التي كانوا عليها مع أزواجهم رضوان الله تعالى عليهم ‪ ،‬فل‬
‫بأس أن ينظم الزوج أوقاتا خاصة للعب والمرح مع الزوجة فهذه سنة فهي‬
‫تضفي على الحياة الزوجية البهجة والسعادة وتقطع الروتين البغيض في‬
‫الحياة الزوجية وصدق صلى الله عليه وسلم يوم أن قال لجابر كما أسلفنا‬
‫"هل أخذتها بكرا تلعبها وتلعبك"‪.‬‬
‫أيضا من الفن في التعامل مع الزوجة إعانتها ومساعدتها إذا تعبت ‪ ،‬فالزوجة‬
‫بشر تمرض وتتعب فعلى زوجها أن يراعي ذلك فيقوم بمساعدتها وقضاء‬
‫حوائجها والقيام ببعض أعمال المنزل عنها فالرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫كان يقوم على خدمة أهله بنفسه يخصف نعله ويرقع ثوبه ويكنس الدار حتى‬
‫إذا أذن المؤذن كأنه ل يعرفنا كما تقول عائشة إذا ً فالتواضع والبساطة مع‬
‫مل ً أو متاعا‬
‫شريكة العمر من أسباب السعادة ‪ ،‬والمرأة في البيت ليست هَ َ‬
‫بل هي إنسان كالرجل تشاركه وتشاطره الفراح والتراح فعلى الزوج أن‬
‫يقف مع زوجه ويعينها واسمع لهذه المرأة وهي تمدح زوجها الوفي المخلص‬
‫فقالت ‪ :‬زوجي لما عناني كاف ولما أسقمني شاف ‪ ،‬عرقه كالمسك ‪ ،‬ول‬
‫يمل طول العهد ‪ ،‬إذا غضبت لطف ‪ ،‬وإذا مرضت عطف ‪ ،‬أنيسي حين أفرد ‪،‬‬
‫صفوح حين أحفد ‪ ،‬إذا دخل الدار دخل بساما ‪ ،‬وإن خرج خرج ضحاكا ما‬
‫ي مرة ول حقد ‪ ،‬يأكل ما وجد ويدرك ما قصد ‪ ،‬ويفي بما وعد ول‬ ‫غضب عل ّ‬
‫يأسي على ما فقد ‪ ،‬أديب أريب حسيب نسيب ‪ ،‬كسوب خجول ل كسول ول‬
‫ت عنه ابتداني ‪ ،‬وإذا رأى مني خيرا‬‫ملول ‪ ،‬إذا طلبت منه أعطاني وإن سك ّ‬
‫ذكر ذلك ونشر ‪ ،‬أو رأى تقصيرا ستر ذلك وغفر" فهنيئا لهذه المرأة بزوجها ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫أيضا من الفن مراعاة شعورها ونفسيتها ‪ ،‬عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪:‬‬
‫قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إني لعلم إذا كنت عنى راضية‬
‫" اسمع لكلمه صلى الله عليه وسلم "إني لعلم إذا كنت عني راضية وإذا‬
‫كنت على غضبي ‪ ،‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬من أين تعرف ذلك ؟ قال ‪ :‬أما إذا كنت‬
‫عني راضية فإنك تقولين ل ورب محمد وإذا كنت غضبى قلت ‪ :‬ل ورب‬
‫إبراهيم ‪ ،‬قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬أجل والله يا رسول الله ‪ ،‬ما أهجر إل اسمك "‬
‫والحديث عند البخاري ومسلم في صحيحيهما وهذا الحديث يتبين لنا كيف‬
‫كان صلى الله عليه وسلم بدقة ملحظته ومراعاة شعور نفسية زوجه حتى‬
‫عرف عنها هذا المر فإذا استقر الزوجان واستقر حال كل منهما عرف كل‬
‫منهما ما يغضب الخر وما يرضيه وأسباب كل ذلك فقد تمكنا بإذن الله من‬
‫توطيد أسس العلقة الزوجية والسير بها في الدروب المنة المفروشة‬
‫بالورود والرياحين وأمكنهما أيضا تجنيب أسرتها مسالك العسر ومواضع‬
‫الزلل والنكد ونلحظ في هذا الحديث دقة عناية رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بمشاعر عائشة رضي الله تعالى عنها حتى صار يعلم رضاها وغضبها‬
‫عند مجرد حلفها ‪ ،‬إذا ً فمراعاة النفسيات أمر مهم لدوام المحبة ‪ ،‬والزوج‬
‫الذكي يحرص على احترام نفسية زوجته فيغض الطرف ول يكثر العتاب إل‬
‫في التجاوزات الشرعية فلبد أن يأخذ على يدها أما ما عداها فالكمال عزيز ‪،‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبعض الخصال جبلة في المرأة يصعب تغييرها فاصبر ‪ ،‬واحتسب )إنما يوفى‬
‫الصابرون أجرهم بغير حساب(‪ .‬ومن الفن أيضا الحذر من شتمها أو ضربها‬
‫والساءة إليها قال الله تعالى‪) :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا‬
‫لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك اليات لقوم يتفكرون(‬
‫وقال سبحانه وتعالى آمرا ً الزوج بحسن عشرة زوجته فقال‪) :‬وعاشروهن‬
‫بالمعروف( وكلمة العشرة هنا مشتقة من المعايشة والمخالطة والمعروف‬
‫كلمة جامعة شاملة لكل خير وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن رجال‬
‫يضربون زوجاتهم ‪ ،‬فقال صلى الله عليه وآله وسلم ‪" :‬وما أولئك من خياركم‬
‫خيركم خيركم لهله وأنا خيركم لهلي " وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬أكمل‬
‫المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم" والحديث أخرجه أبو‬
‫داود في سننه وأحمد في مسنده وهو صحيح كما في صحيح الجامع فإن‬
‫احتجت لشيء من الضرب أو من تأديب المرأة فأقول‪ :‬بحقه الشرعي‬
‫فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح كما قال صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم والحديث عند الترمذي وعند النسائي وروى لـ]شريح[ أنه قال‪:‬‬
‫رأيت رجال يضربون نساءهم‬
‫فشلت يميني حين أضرب زينبا‪.‬‬
‫وزينب شمس والنساء كواكب‬
‫إذا طلعت لم تبق منهن كوكبا‬
‫ومن الفن أيضا التوسيع على الزوجة في المطعم والملبس والنفقة قال‬
‫تعالى )أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ول تضاروهن لتضيقوا عليهن(‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذ تموهن بكلمة‬
‫الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" إلى أن قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬‬
‫ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"‬

‫)‪(12 /‬‬

‫والحديث أخرجه مسلم في صحيحه ‪ ،‬وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬كفي‬
‫بالمرء إثما أن يضيع من يعول" وهو متفق عليه‪ ،‬وقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"إنك إن شاء الله ل تنفق نفقة إل أجرت حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك"‬
‫والحديث أيضا متفق عليه‪ ،‬فأقول‪ :‬التوسيع عليها في بعض المباحات أمر‬
‫مطلوب وانظر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان إذا هويت زوجه‬
‫شيئا ل محذور فيه تابعها عليه أي وافقها‪ ،‬فعن عائشة زوج النبي أنها قالت‪:‬‬
‫"دخل الحبشة المسجد يوما يلعبون فقال لي‪ :‬يا حميراء أتحبين أن تنظري‬
‫إليهم؟ فقالت‪ :‬نعم‪ ،‬فقام بالباب وجئته فوضعت ذقني على عاتقه فأسندت‬
‫وجهي إلى خده قالت‪ :‬ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيبا‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬حسبك‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله ل تعجل فقال لي قال‪:‬‬
‫حسبك فقلت‪ :‬ل تعجل يا رسول الله‪ ،‬قالت‪ :‬وما بي حب النظر إليهم ولكنى‬
‫أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه" والحديث أخرجه أيضا النسائي‬
‫في عشرة النساء وصححه الحافظ ابن حجر في الفتح وتابعه أيضا على‬
‫تصحيحه الشيخ اللباني في آداب الزفاف‪ ،‬وأصل الحديث في الصحيحين‪،‬‬
‫وأخرج النسائي أيضا في السنن الكبرى أنه قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"أفضل دينار دينار ينفقه الرجل على عياله" إلى آخر الحديث وروى ]ابن أبي‬
‫الدنيا[ في كتاب العيال أن ]ابن عائشة[ قال‪ :‬حدثت أن أيوب كان يقول‬
‫لصحابه كثيرا‪ :‬تعاهدوا أولدكم وأهليكم بالبر والمعروف ول تدعوهم تطمع‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبصارهم إلى أيدي الناس‪ ،‬قال وكان له زنبيل يغدو به إلى السوق في كل‬
‫يوم فيشترى فيه الفواكه والحوائج لهله وعياله هكذا كانوا في التوسيع على‬
‫الزوجة والولد في المطعم والملبس والنفقة ‪ ،‬ومن الفن أيضا وهو آخرها‬
‫ن الذين كفروا من بنى‬‫عدم التساهل مع الزوجة فيما يغضب الله )ل ُعِ َ‬
‫إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون‬
‫كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون( قال تعالى )يا أيها‬
‫الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة‬
‫غلظ شداد ل يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون( والله عز وجل‬
‫يقول‪) :‬الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما‬
‫أنفقوا من أموالهم( وبعض الرجال وللسف تنازل عن هذه القوامة وضعف‬
‫أمام إغراءات المرأة وأمثلة ذلك تبرج زوجته أو بناته في المناسبات والفراح‬
‫ولبس الملبس الضيقة والمفتوحة والبنطلونات وغير ذلك مما نسمعه‬
‫ويتناقله الناس وأيضا من ذلك خروج نسائه إلى السواق بدون محرم‬
‫فتخاطب البائع وتجادله وربما تكثرت بكلماتها وقد يحدث هذا والزوج الضعيف‬
‫موجود وأيضا من ذلك إدخال الجهزة والفلم والمجلت وغير ذلك من‬
‫وسائل العلم الهابطة لبيته بدون أن يحرك ساكنا أو أن يفعل تجاه ذلك شيئا‬
‫وغير ذلك من المحرمات التي استهان بها كثير من الزواج فغلبته نساؤه‬
‫عليها وكل ذلك مما جعل حياته جحيما والدليل فمن أرضى الناس بسخط الله‬
‫سخط الله عليه وأسخط الناس ل زوجته ول أولده ول هو راضى حتى عن‬
‫نفسه فهو في هم وغم وانتبهوا واسمع أيها الزوج واسمعي أيتها الزوجة لهذه‬
‫الكلمة أقول‪ :‬كل خلف يجرى بين الزوجين كبر الخلف أم صغر إنما هو‬
‫بمعصية الله تعالى‪ ،‬وقال سبحانه وتعالى )وما أصابكم من مصيبة فبما‬
‫كسبت أيديكم ويعفو عن كثير( واسمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وكيف كان يتعامل مع أزواجه ففي صحيح مسلم عن عائشة قالت "دخل‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متسترة بقرام فيه صورة فتلون‬
‫وجهه" لم يرض "فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه ثم قال‪ :‬إن من أشد‬
‫الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله" فيا سبحان الله كم من‬
‫صورة وكم من تمثال في بيوت المسلمين اليوم كم من صورة في بيوتنا أيها‬
‫الحبة؟ وقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‪" :‬ل تدخل الملئكة بيتا‬
‫فيه صورة" كما في حديث ]أبي طلحة[ عند مسلم والبيت إن لم تدخله‬
‫الملئكة دخلته الشياطين ثم نعرف بعد ذلك سبب كثرة المشاكل في كثير‬
‫من البيوت لماذا؟ عشعش الشيطان في هذا البيت بسبب كثرة الصور وكثرة‬
‫المشاكل وكثرة وسائل العلم والفساد في البيت ؛عشعش الشيطان فلم‬
‫يكن هناك وجود للملئكة ولم يكن هناك تطهير لهذا البيت فل شك حلت‬
‫المصائب والهم والغم بين الزوجين‪ ،‬والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‬
‫أيضا‪" :‬كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" إلى قوله "والرجل راع في أهله‬
‫وهو مسئول عن رعيته" وقال أيضا صلى الله عليه وآله وسلم‪" :‬ما من عبد‬
‫يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إل حرم الله عليه الجنة" والحديث متفق‬
‫عليه اسمع لهذا الحديث مخيف مرعب "ما من عبد يموت يوم يموت وهو‬
‫غاش لرعيته إل حرم الله عليه الجنة" أليس من الغش إدخال وسائل العلم‬
‫والفلم والمجلت الهابطة أو حتى السماح بدخولها والله إن لم يكن من‬
‫الغش فما ندري ما هو الغش‪ ،‬أليس من الغش عدم مراقبة الزواج للباس‬
‫زوجه وبناته وأولده عند الخروج‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫للمناسبات والسواق إن لم يكن هذا من الغش فل ندري والله ما هو الغش‪،‬‬


‫وأيضا في الحديث السابق الذي ذكرناه عن صفية "أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم انطلق إلى زينب فقال لها‪ :‬إن صفية قد أعيا بها بعيرها فما عليك أن‬
‫تعطيها بعيرك‪ ،‬قالت زينب‪ :‬أتعمد إلى بعيري فتعطيه ليهودية "‪ ،‬كلمة منها‬
‫فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم انظر عدم الرضا فيما يغضب الله عز‬
‫وجل " فهاجرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثة أشهر فلم يقرب‬
‫بيتها‪ ،‬وعطرت زينب نفسها وعطرت بيتها وعمدت إلى السرير فأسندته إلى‬
‫مؤخرة البيت وأيست أن يأتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين هي‬
‫ذات يوم إذ بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بخياله فدخل البيت‬
‫فوضع السرير موضعه فقالت زينب‪ :‬يا رسول الله جاريتي فلنة قد طهرت‬
‫من حيضتها اليوم هي لك فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ورضي عنها" وفي حديث أيضا أخرجه مسلم في صحيحه رواه ]عبد الله بن‬
‫مسعود[ في حديث أيضا أخرجه مسلم في صحيحه رواه عبد الله بن مسعود‬
‫في حديث الواشمة والمستوشمة واللعن لهما والمتنمصة والمتفلجة إلى آخر‬
‫الحديث قال في آخر الحديث‪ :‬فقالت المرأة‪ :‬فإني أرى شيئا من هذا على‬
‫امرأتك تقصد عبد الله بن مسعود الن قال اذهبي فانظري قال‪ :‬فدخلت‬
‫على امرأة عبد الله فلم تر شيئا فجاءت إليه فقالت‪ :‬لم أر شيئا‪ ،‬قال‪ :‬أما لو‬
‫كان ذلك لم أجامعها أي لم أصاحبها ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نطلقها‬
‫ونفارقها هكذا كانوا رضوان الله تعالى عليهم لم يكونوا يرضون عن فعل‬
‫المرأة إن كان فعلها يغضب الله عز وجل )ومن يحلل عليه غضبي فقد‬
‫هوى(‪.‬‬
‫وأخيرا أقول خلصة هذا الموضوع ‪ :‬اعلم أيها الخ الحبيب يا أيها الرجل إني‬
‫أخاطب فيك الرجولة والعقل والحكمة والتروي وحسن الخلق فإن السعادة‬
‫مفتاحها بيدك فل تضيعه فأنت القادر أن تجعل حياتك نعيما أو أن تجعلها‬
‫جحيما متى؟ إذا علمت أن التعامل مع الزوجة فن‪ ،‬وأخيرا تنبيه للمرأة فأقول‬
‫أيتها المرأة إني أعلم أنك ستحرصين على سماع هذا الموضوع وهو خاص‬
‫بالرجل وكما أسلفنا كل ممنوع مرغوب وستعلمين كيف نخاطب الرجل بمثل‬
‫هذه الكلمات فإذا حرصت وسمعت هذه الكلمات فإني أذكرك أيضا بأن لهذا‬
‫الدرس بقية وجزء ل يتجزأ عنه فكما حرصت وسمعت هذا فاحرصي‬
‫واسمعي بقيته حتى تتكامل سعادتك فإن السعادة ل تتحقق للبيت إل بالتعاون‬
‫وقيام كل من الزوجين بحقوقه تجاه الخر وكما أن التعامل معك فن فإن‬
‫التعامل مع زوجك فن آخر ستسمعينه بمشيئة الله في الدرس القادم بعنوان‬
‫السحر الحلل‪ ،‬أسأل الله عز وجل أن ينفع بما قلنا الجميع وأن يجمع بين‬
‫قلبي كل زوجين وأن يوفق بيوت المسلمين وأن يحفظ بيوتهم وأن يحفظ‬
‫أحوال المسلمين مع أزواجهم اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلل والكرام اللهم‬
‫من على بيوت المسلمين بعيشة هنية راضية ترضيك يا حي يا قيوم وفق‬
‫المسلمين لكل ما تحبه وترضاه اللهم من أراد بهم سوءا فأشغله بنفسه‬
‫واجعل كيده في نحره واجعل تدبير تدميرا عليه يا حي يا قيوم أنت ولي ذلك‬
‫والقادر عليه سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ل إله إل أنت نستغفرك ونتوب‬
‫إليك وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم‬
‫تسليما كثيرا ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫فن المدائح النسوية‬


‫محمد إبراهيم الغباشي‬
‫مفكرة السلم ‪ :‬جلس الزوجان على مائدة الطعام؛ تلك المائدة التي كانت‬
‫عامرة بما لذ ّ وطاب من أصناف المشّهيات‪ ,‬والتي قضت الزوجة نصف يومها‬
‫في تحضيرها‪ ,‬والتي تسببت اليوم في عدة حوادث للزوجة‪ ,‬كجروح في‬
‫أصابعها من جراء تقطيع اللحم‪ ,‬والتواء في ساقها اليسرى عند الوقوف على‬
‫الكرسي لحضار كيس الرز من فوق دولب الطعمة‪ ,‬وأخيًرا ورم في جبهتها‬
‫بسبب سقوط كومة البصل على رأسها‪.‬‬
‫ضغ قطعة من‬ ‫ْ‬ ‫وم‬ ‫هناك‪,‬‬ ‫من‬ ‫ولقمة‬ ‫الزوج منهمك في إحضار لقمة من هنا‬
‫خذ حفنة أرز على قطعة لحم‪ ,‬ثم يتبع ذلك كله ببعض‬ ‫الحمام المشوي‪ ,‬وأ ْ‬
‫البازلء المطبوخة‪ ,‬والتي كان طعمها شهًيا كبقية الطعمة الموجودة؛ فزوجته‬
‫أستاذة في صنع البازلء والحمام المشوي‪ ..‬فقد تعلمت كل ذلك من بنات‬
‫عمومتها‪..‬‬
‫كانت الزوجة في حسن استقبال زوجها؛ فقد قامت بشراء بعض الشموع‬
‫الحمراء‪ ,‬والتي وضعتها مضاءة على مائدة الطعام‪ ,‬مع بعض الورود الحمراء‬
‫والصفراء والبيضاء‪ ,‬وزينت بها بقية الغرفة لتظهر في مشهد رومانسي حالم‪,‬‬
‫وحالة حب حقيقية بين الزوجين‪..‬‬
‫ة ثوًبا أزرق مطرًزا‬ ‫كما كانت الزوجة متهيئة متزينة لزوجها بأجمل زينة‪ ,‬لبس ً‬
‫دد به عهدها بتلك‬ ‫ببعض التطريزات الجذابة كان عندها منذ فترة العقد؛ لتج ّ‬
‫الفترة الحانية؛ وتعيد به ذكريات الحب والغرام والشوق والهيام‪..‬‬
‫وبعدما فرغ الزوجان من الطعام دار هذا الحوار بينهما‪:‬‬
‫‪ -‬ما رأيك في الفستان يا حبيبي؟! هل تذكره؟!‬
‫در لونه وتغّير كثيًرا‪..‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ..‬أليس هذا فستان العقد‪ ..‬لقد تك ّ‬
‫يتغير وجه الزوجة‪ ..‬يا ليتني لم ألبسه‪ ..‬كنت أريده أن يتذكر تلك اليام‬
‫الجميلة‪ ..‬هكذا قالت الزوجة في نفسها‪..‬‬
‫‪ -‬وما رأيك في الشموع والزهار‪ ..‬أليست رائعة؟!‬
‫م ُتجلسيننا في الظلم وهاهي الكهرباء متوفرة؟!‬ ‫‪ -‬ل أدري ل َ‬
‫‪ -‬وما رأيك في البازلء يا حبيبي؟!‬
‫‪ -‬ينقصها بعض الملح‪..‬‬
‫‪ -‬وما رأيك في الحمام المشوي؟!‬
‫ت من الرز لكان شهًيا‪..‬‬ ‫ت أكثر ِ‬ ‫‪ -‬لو كن ِ‬
‫ُ‬
‫قامت الزوجة بعد أن أحبطت‪ ,‬وبعدما ندمت أشد الندم‪ ,‬واستعوضت ربها في‬
‫اليوم الذي قضته في المطبخ وتجهيز البيت لستقبال الزوج‪ ,‬ودخلت لتنام‬
‫دا من التعب والرهاق وهي تردد في نفسها‪ :‬في فترة‬ ‫ما جدي ً‬
‫لتستقبل يو ً‬
‫الخطوبة كان يمتدحني كثيًرا‪ ,‬وكنت أعتقد أنها مبالغات فأطلب منه أن يكف‬
‫عن ذلك‪ ,‬أما الن فأشتهي كلمة إطراء على فستان أو زينة أو حتى طبخة فل‬
‫أجد‪ ..‬إلى الله المشتكى!!‬
‫ما رأيك عزيزي الزوج في هذا المشهد السابق؟!‬
‫أغلب الظن أن هذه الزوجة لن تقوم ببذل أي مجهود إضافي في البيت بعد‬
‫الن‪ ..‬والسبب في ذلك أنها لم تسمع 'كلمة المدح'‪.‬‬
‫فالنفس البشرية مجبولة على حب الثناء من الناس‪ ,‬سواء كان الثناء بسبب‬
‫أو بغير سبب‪ ..‬بحق أو بغير حق؛وكان هذا الثناء حافًزا لها على مزيد من‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النتاج والعطاء‪ ..‬هذه الصفة عامة في الرجل والمرأة‪ ,‬ولكنها عند المرأة‬
‫ي زوجها أجمل النساء وأفتنهن‪,‬‬ ‫ما لن تكون في عين ْ‬ ‫أشد؛ فهي في حاجة دائ ً‬
‫ً‬
‫وأن تكون أمهر النساء في شئون المنزل‪ ,‬وأنضجهن عقل وأميزهن تفكيًرا‬
‫ة‪ ..‬ولكن ليس ذلك كافًيا بالنسبة لها‪ ..‬فأعظم من ذلك أن يمدحها‬ ‫وثقاف ً‬
‫الزوج على هذه المور وإن لم تكن فيها‪..‬‬
‫فلتمدحها على تنظيف المنزل وتجميله‪ ..‬وعلى طبخها‪ ..‬وعلى تنظيم مائدة‬
‫الطعام‪ ..‬وعلى ذوقها في اختيار الزهار والشموع‪ ..‬وعلى أناقتها واختيارها‬
‫للوان الملبس التي تلبسها‪ ...‬إلى غير ذلك مما تقوم به المرأة‪ ,‬بل واشكرها‬
‫عليه‪.‬‬
‫قد يقول الزوج‪ :‬هل أمدحها وأشكرها على ما يجب عليها أن تؤديه؟! أقول‪:‬‬
‫نعم‪ ..‬يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪] :‬من لم يشكر الناس لم يشكر‬
‫الله[‪ .‬فشكرك الناس على الخير الذي قدموه لك نوع من حمد الله تعالى‪,‬‬
‫وزوجتك أولى الناس بالشكر؛ فهي تتعب لرضائك أكثر مما يتعب شخص‬
‫آخر؛ لذلك فهي أحق الناس بكلمة شكر أو مدح ترفع بها معنوياتها وتحفزها‬
‫ضا أن تمدحها وتشكرها أمام‬ ‫على طاعتك والقرب منك‪ ,‬بل ومطلوب أي ً‬
‫الناس‪ ,‬وهذا له أثر عظيم عليها‪ ..‬يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن‬
‫زوجه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها‪] :‬فضل عائشة على النساء كفضل‬
‫الثريد على سائر الطعام[‪ .‬فهاهو الرسول صلى الله عليه وسلم يمدحها أمام‬
‫الناس في حال لم تكن حال نعمة أسدتها إليه‪ ,‬فما بالك لو فعلت؟!‬
‫كيف تمدح زوجتك؟!‬
‫‪ .1‬امدح بالتفصيل‪:‬‬
‫ت هي عن أمر أن تخبر بكل‬ ‫المرأة بفطرتها تحب التفاصيل‪ ,‬وتحب إذا تحدث َ ْ‬
‫ت عن حادثة بعينها رأيتها تصف لك‬ ‫دقائقه الظاهرة والباطنة‪ ..‬وإذا تحدث ْ‬
‫الشخاص كما لو كانوا حاضرين أمامك‪ ,‬بملبسهم التي كانوا يلبسونها‪,‬‬
‫وتعبيرات وجوههم‪ ,‬وتعليقات كل منهم على الحادثة‪ ,‬وتجتهد في ذكر كل‬
‫الكلمات التي وردت أثناء محادثتها مع شقيقتها أو صديقتها‪ ,‬ووصف الفستان‬
‫الذي رأته في أحد المحلت حال رجوعها إلى المنزل بكل ما فيه من نوع‬
‫القماش إلى نوع التفصيلة إلى درجة اللون‪ ...‬وغير ذلك‪ ,‬فكذلك فكن أنت إذا‬
‫مدحت‪ ..‬امدح فعلها بتفاصيله!!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ما فامدحه عامة‪ ,‬ثم امدح ضبطها للملح فيه‪ ,‬وامدح‬ ‫فإذا طبخت لك طعا ً‬
‫النضج الكامل له‪ ,‬وامدح الخبز الساخن‪ ,‬وامدح تنظيم المائدة‪ ,‬وامدح مفرش‬
‫المائدة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ة جمال ً على جمال‪,‬‬‫ب المتنوع ُ‬
‫وإذا لبست ثوًبا فامدح الجسد الذي تزيده الثيا ُ‬
‫وامدح اختيار اللوان‪ ,‬وامدح التطريزات التي في الثوب‪ ,‬وامدح الرسوم التي‬
‫عليه‪ ,‬وامدح التناسق في الهيئة واللوان‪ ...‬إلخ‪ .‬وهكذا‪.‬‬
‫من عادة الرجال أنهم يعبرون عما بداخلهم من مشاعر بالفعال ل بالقوال؛‬
‫فإن كان معجًبا بالطعام أتى عليه إلى آخره‪ ,‬وإن أحب زوجته فإنه يعبر عن‬
‫هذا الحب بالعلقة الحميمة‪ ..‬إلى غير ذلك‪ ,‬ولكن المرأة غير ذلك‪ ,‬وعلى‬
‫الزواج أن ينظر ما الذي يناسب طبيعة المرأة ليفعله‪ ,‬فإن الكلمة الطيبة‬
‫تأسرها‪ ,‬والمدح على ما تقوم به يرفع من روحها المعنوية وُيعلي همتها إلى‬
‫السحاب لتفعل كل ما يطلبه منها الزوج‪ ..‬فتعلم فن المدح‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .2‬امدح أمام القارب‪:‬‬


‫من أعظم المور عند المرأة أن تمدحها أمام أقاربها‪ ,‬خاصة أمام أبيها وأمها‪,‬‬
‫كأن تقول – رغم أنك تعاني من سوء طعامها‪ :-‬ابنتكم طباخة ممتازة‪ .‬أو أن‬
‫تقول – وأنت تذوق المّرين من سوء تدبيرها المنزلي‪ :-‬فلنة منظمة‬
‫كالساعة‪ .‬أو قولك – وأنت تنام على جمر كثرة نومها‪ :-‬إنها نشيطة‬
‫كد أنها ‪ -‬بمرور الوقت مادمت أنت مراعًيا لنفسيتها أمام أهلها‬ ‫كالفراشة‪ .‬وتأ ّ‬
‫– أنها سُتصلح من نفسها‪.‬‬
‫هذا على افتراض أنها ل تحسن فعل كل ذلك‪ ,‬فما بالك إن كانت من‬
‫الماهرات في شئون المنزل وتنظيم البيت والطبخ وسلمة لسانها من القبائح‬
‫وطاعتها لك ولله تعالى قبل كل ذلك!!‬
‫صم[‪:‬‬ ‫‪ .3‬حكايات النساء ]حوار ال ّ‬
‫أتت مريم إلى زوجها طارق لتحكي له مشكلة بينها وبين صديقاتها‪ ,‬وكيف أنها‬
‫ما بين ضلوعها بسبب هذه المشكلة‪ ,‬فسارع طارق يحلل لها‬ ‫ما عظي ً‬ ‫تحمل ه ً‬
‫ً‬
‫ويؤصل لها القضية تأصيل اجتماعًيا ونفسًيا‪ ,‬ويخبرها بالطريقة التي ينبغي أن‬
‫تتعامل بها عامة مع صديقاتها‪ ,‬فترد عليه مريم بأنهن اللئي أخطأن في حقها‬
‫ويكثرن من لومها‪ ,‬على الرغم من أنها ل تحب أن تحزن إحداهن‪ ,‬إل أن‬
‫طارق قام مرة أخرى بتحليل الموقف وأخبرها بأن عليها أن تتقبل موقفهن‬
‫دون تبرم وأن تعفو عنهن وتسامحهن‪ ,‬فترد عليه مريم‪ :‬وكيف أسامحهن بعد‬
‫كل ما فعلنه معي من إساءة‪ ,‬أنت ل تفهم النساء‪ ..‬ثم انفض المر بعد ذلك‪,‬‬
‫وكان من نتيجة ذلك أن تخاصم طارق ومريم‪.‬‬
‫إن المرأة في أغلب أحوالها عندما تحكي لزوجها أمًرا فإنها ل ترغب منه أن‬
‫يعطيها تحليل ً للموقف‪ ,‬أو أن يجد لها حل ً للمشكلة‪ ,‬وإنما تريد إظهار‬
‫التعاطف والستماع والتفهم من زوجها والحتواء لمشكلتها‪ ,‬ولكن الرجل‬
‫ل‪ ,‬فيتفنن في تقديم الحلول‪ ,‬رغم أنها في الغلب تتحدث‬ ‫يعتقد أنها تريد حلو ً‬
‫فس عما بداخلها‪ ,‬والغريب أن المرأة تظل تتحدث في المشكلة ذاتها‬ ‫إليه لتن ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫دم لها الزوج حل شافًيا كافًيا‪ ,‬أرأيت؟!! هي ل تريد حلول‪ ,‬هي‬ ‫حتى ولو ق ّ‬
‫ً‬
‫فقط تريد منك بعض الستماع ثم شيئا من الطراء‪.‬‬
‫لقد كان التصرف المثل من طارق في الحادثة السابقة أن يظل يستمع‬
‫بإنصات واهتمام ‪ -‬ول بأس بالستفهام عن ببعض تفاصيل المشكلة ليثبت لها‬
‫مها إلى صدره‬ ‫اهتمامه ‪ -‬حتى تنتهي زوجته من حديثها‪ ,‬ثم في النهاية يض ّ‬
‫قا يحبني مثلما تحبين أنت‬ ‫ويقول كلمة واحدة فقط‪ :‬يا ليت لي صدي ً‬
‫ما لن ترفع روح الزوجة‬ ‫صديقاتك‪ ..‬هذه الضمة وهذه الكلمات كافية تما ً‬
‫المعنوية إلى أعلى عليين‪ ,‬أما تقديم الحل فهو ليس القضية التي تشغل بال‬
‫طها‬‫المرأة‪ ,‬صحيح أنها قد تريد حل ً في بعض الحيان‪ ,‬لكن – وللنصيحة – ل تع ِ‬
‫الحل إل حينما تطلبه هي‪.‬‬
‫أقول في النهاية أيها الزواج‪ ..‬تعلموا من علي بن أي طالب رضي الله عنه‬
‫حه متغزل ً فقال‪:‬‬‫مد َ َ‬‫حينما وصف ثغر زوجته و َ‬
‫َ‬
‫قد فزت يا عود الراك بثغرها أما خفت يا عود الراك أراك؟!‬
‫ك سوا َ‬
‫ك‬ ‫سوا ُ‬‫ك ما فاز مني يا ِ‬‫ت من أهل القتال قتلت َ‬ ‫لو كن َ‬
‫أيها الرجال‪..‬‬
‫تعلموا فن‪..‬‬
‫'المدائح النسوية'‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فوا أحمداه! ووازينباه!‬


‫‪13-8-2005‬‬
‫بقلم إكرام الزيد‬
‫جة زمانه في مناظرة النصارى‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫باختطا‬ ‫فجائعه‬ ‫علينا‬ ‫ت‬‫"‪...‬ثّنى المو ُ‬
‫الداعية الكبير أحمد ديدات‪ ،‬وكذا الداعية الفاضلة زينب الغزالي ابنة أرض‬
‫الكنانة‪ ،‬على الجميع من الله شآبيب الرحمة والمغفرة!‬
‫‪"...‬‬
‫ث دون تأخرٍ وتلكؤ‪ ،‬لول‬ ‫ة للحد ِ‬ ‫قد كان يجدَر بي نشر هذه المقالة مصاحب ً‬
‫ك فهد بن عبد‬ ‫ت المل ِ‬ ‫ت بنا فاجعة مو ِ‬ ‫ذهول اعترى قلمي فألجمه‪ ،‬وقد نزل ْ‬
‫ت حّتى‬ ‫شع ْ‬ ‫ت أن تق ّ‬ ‫ت البلد والعباد ما لبث ْ‬ ‫العزيز ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في غاشية غش ْ‬
‫جة زمانه في مناظرة النصارى الداعية‬ ‫فح ّ‬ ‫ت علينا فجائعه باختطا ِ‬ ‫ثّنى المو ُ‬
‫الكبير أحمد ديدات‪ ،‬وكذا الداعية الفاضلة زينب الغزالي ابنة أرض الكنانة‪،‬‬
‫على الجميع من الله شآبيب الرحمة والمغفرة!‬
‫ت أرجو أن‬ ‫ت في نفسي انصرافا ً عن الكتابة لم أعهده بها قبل‪ ،‬وكن ُ‬
‫ً‬ ‫ولقد رأي ُ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫أجد َ ما أسد ّ به حزني‪ ،‬وأكرم به الراحلْين غير مقالة أكتبها — فقد أفرد ُ‬
‫ت العلم قد أحجم عن تبيان‬ ‫ت النظر فرأي ُ‬ ‫للمليك الراحل مقالته ‪ ،-‬لكني قّلب ُ‬
‫ل‬‫ل قلي ٍ‬ ‫ن المقالة هي أق ّ‬ ‫تأ ّ‬ ‫عظم شأوهما‪ ،‬وتقاصر عن ذكر فضلهما‪ ،‬ورأي ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫م انتابتني حيرة عن أيّ العَلمي ِ‬ ‫ينعاهما‪ ،‬ويذكر مآثرهما‪ ،‬ويترحم عليهما‪ ،‬ث ّ‬
‫ل لواحدةٍ على أخرى‪،‬‬ ‫س ل فض ٍ‬ ‫ت فاعلة؟‪..‬فوجدتهما كعيني رأ ٍ‬ ‫ن كن ُ‬ ‫بإ ْ‬ ‫أكت ُ‬
‫ت أن أبتدئ بالشيخ أحمد ديدات — جعل الله قبره روضة خضرة ‪، -‬‬ ‫لكني آثر ُ‬
‫ن درجة!‬ ‫وللرجال عليه ّ‬
‫ي ل أعلم عن الراحل كثيرا من الخبار — إل ما اشتهر عنه — فإّني‬ ‫ً‬ ‫ولن ّ‬
‫سأكتفي بذكر بعض ما وقع في نفسي منه‪ ،‬لعلي أخرج بمن ينظر في ذلك‬
‫الثر فيدعو له‪ ،‬ويّتبع أثره مباركا ً محمودًا!‬
‫أما الشيخ أحمد ديدات — بّرد الله مضجعه — فقد عرفُته منذ خمسة عشر‬
‫عاما ً تقريبا ً )‪1411‬هـ(‪ ،‬إذ كان والدي — أمد ّ الله عمره في طاعته‪ -‬يأتي في‬
‫ذلك الحين بأشرطة فيديو مسجلة لمناظراته الشهيرة )هل الكتاب المقدس‬
‫كلم الله؟( التي حضرها ‪ 3000‬شخص‪ ،‬وكانت مع القس المريكي جيمي‬
‫ك ستره منذ بضع سنوات— فأتابع معه متابعة الذي‬ ‫هت َ‬ ‫سواجارت —وقد ُ‬
‫يعرف بعض الكتاب ويجهل بعض‪ ،‬وكان لتعليقات والدي الكريم التي يلقيها‬
‫معجبا ً ومكّبرا ً وقوعٌ في نفسي عظيم‪ ،‬جعلني أحرص على مزيدِ متابعة‪ ،‬ث ّ‬
‫م‬
‫ك المناظرة فشاهدتها ثانية‪،‬‬ ‫ت لتي َ‬‫ت أعي العلم‪ ،‬عد ُ‬ ‫ن الرشد وبدأ ُ‬ ‫تس ّ‬ ‫لما بلغ ُ‬
‫ة في دحض مذهبهم ل تنقطع‪ ،‬وبيانا ً‬ ‫ت بحرا ً من العلم ِ زاخرًا‪ ،‬وح ّ‬
‫ج ً‬ ‫فرأي ُ‬
‫ة‬
‫متدفقا انتقى لفظه كما ينتقي بعضنا أطايب الثمر‪ ،‬عدا عن ابتسامةٍ هادئ ٍ‬ ‫ً‬
‫م‪ ،‬ومذ تلك اليام وقعَ في نفسي الجلل‬ ‫ل ل تليقُ إل بحلي ٍ‬ ‫م وسعةِ با ٍ‬ ‫بج ّ‬ ‫وأد ٍ‬
‫ً‬
‫والمهابة لهذا الرجل الذي يشعّ وجهه بالبهاء‪ ،‬متزينا بلحية بيضاء وقورة‬
‫وابتسامة متواضعة تدخل القلب بل استئذان‪ ،‬ومعتمرا ً طاقية بسيطة ما‬
‫ت من قدره وجلله!‬ ‫أنقص ْ‬
‫ً‬
‫ت عيناي حزنا حتى‬ ‫ة بوفاته‪ ،‬فهمل ْ‬ ‫ت حين سرت شائع ٌ‬ ‫ت خل ْ‬ ‫وأتذكر منذ سنوا ٍ‬
‫ت نفسي‪ ،‬فالشيخ ‪-‬وإن كان طريح الفراش منذ‬ ‫أتاني نبأ تكذيبها فاطمأن ْ‬
‫ّ‬
‫ب ممن يسلم‬ ‫ل صو ٍ‬ ‫تسعة أعوام‪ -‬ل ينقطع مدده‪ ،‬والرسائل تنهمر عليه من ك ّ‬
‫ل العالمين بعينين ذابلتين طرح الله فيهما البركة‪،‬‬ ‫ه أّنه يص ُ‬ ‫أو يتعّلم‪ ،‬وحسب ُ‬
‫ك وأنا معهما من الشاهدين — وقد‬ ‫ك يا أحمد ديدات‪ ،‬وستشهدان ل ِ‬ ‫فلله عينا َ‬
‫ة ل شيء فيها سوى‬ ‫ل له رسال ً‬ ‫ن أرس ُ‬ ‫ت أرجو يوما ً أ ْ‬ ‫رأينا الصور‪ -‬وكم كن ُ‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن قدر الله سابق!‬‫السلم والدعاء وذكر المعروف‪ ،‬لك ّ‬


‫ه عنه منذ‬ ‫ولربما سأل سائل‪،‬وكيف يتحدث بعينيه؟ فأقول بناء على ما قرأت ُ‬
‫ن الشيخ مشلول الجسم كّله ل يتحرك فيه سوى عينيه‪ ،‬وابنه‬ ‫سنة أو تزيد‪ ،‬أ ّ‬
‫عنده ل يفارقه‪ ،‬فإذا جاءت الرسالة قرأها على أبيه‪ ،‬فيقوم بالرد عليها‪ ،‬بحيث‬
‫عّلقت لوحة عند رأسه فيها حروف الهجاء‪ ،‬فيشير بعينيه والبن يشير بإصبعه‬
‫إلى اللوحة‪ ،‬فالحرف الذي يريد الشيخ يشير له أن اكتبه فيكتبه‪ ،‬والحرف‬
‫الذي ل يقصده يشير له أن تجاوزه فيتجاوزه إلى ما بعده‪ ،‬وهذا دأبه مع ك ّ‬
‫ل‬
‫ل من كثرة الرسائل )تصل إلى‬ ‫ل ول يك ّ‬‫رسالة يجيب عنها حرفا ً حرفا ً ل يم ّ‬
‫مة متوقدة!‬ ‫‪ 500‬رسالة في اليوم(‪ ،‬فسبحان الله كم بين جنبيه من ه ّ‬
‫ف للشيخ أحمد ديدات رحمه الله تعالى في‬ ‫ومن الثار الحميدة التي أعر ُ‬
‫ن رجل ً يقال له مساعد الوعلن "وهو من آل وعلن المعروفين" كان‬ ‫بلدي‪ ،‬أ ّ‬
‫على خير وتقى‪ ،‬واشتهر بالصلح وحب للدعوة والدعاة‪ ،‬وكان يرجو أن يقوم‬
‫بدعوة من يعرفهم من النصارى‪ ،‬لكن علمه كان قاصرا ً عن أساليب‬
‫محاجتهم‪ ،‬حتى وقع على مناظرات الشيخ أحمد‪ ،‬وتأثر به تأثرا ً كبيرًا‪ ،‬وتعلم‬
‫كنه من دعوة النصارى متحدثي النجليزية إلى السلم‪ ،‬فبدأ بالتطبيق‬ ‫ما يم ّ‬
‫والدعوة حتى تطور جهده إلى أن يؤسس مركزا ً لدعوة الجاليات‪ ،‬فأسلم‬
‫على يديه من النصارى كثير‪ ،‬خرج منهم داعية فليبيني ليفتح مركزا ً إسلميا ً‬
‫في الفلبين‪ ،‬فأيّ أجرٍ يتتابع؟ ويا رحمة الله على التابع والمتبوع! )توفي‬
‫مساعد الوعلن رحمه الله منذ عدة سنوات وكان في بداية الربعينات من‬
‫عمره‪ ،‬والقصة أخبرتني بها ابنة أخيه(‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وحسبنا من الشيخ ديدات عليه رحمة الله تعالى‪ ،‬أنه قد خرج من نطاق دعوة‬
‫ت‬‫م على يديهِ مئا ُ‬‫ل الناس‪ ،‬وأسل َ‬‫محلية إلى دعوة عالمية‪ ،‬فمل الدنيا وشغ َ‬
‫ت من والدي أن أشرطة الفيديو —‬ ‫حمر النعم‪ ،‬وقد علم ُ‬ ‫واحدهم خير له من ُ‬
‫حينذاك — كانت تنتشر بين الناس كالنار في الهشيم ِ ‪ -‬حتى ممن لم يكن‬
‫جه الشرعي ‪ -‬افتخارا ً واسترشادًا‪ ،‬والمل في تلميذه النجيب "د‪.‬‬ ‫عنده التو ّ‬
‫ً‬
‫ذاكر نايك" كبير وموصول‪ ،‬الذي بدأ يلمع نجمه من بعد شيخه‪ ،‬سائرا على‬
‫خطاه القويمة‪ ،‬وكذلك المركز الذي أسسه ليدّرب فيه المسلمين على فنون‬
‫جة بالحكمة وبالتي هي أحسن‪ ،‬فالشيخ رحمه الله تعالى‬ ‫المناظرة والمحا ّ‬
‫ن لديه وعيا ً بمبدأ التوريث‪ ،‬لينقل العلم والخبرة‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫بالقوم‪،‬‬ ‫رغم انشغاله‬
‫دس الله سّره‪ ،‬ورزقنا كالحامد —ابن حنبل‪ ،‬وابن تيمية‪،‬‬ ‫كابرا ً عن كابر‪ ،‬فق ّ‬
‫ل يموتون ويتركون وصايا‬ ‫وابن ياسين‪ ،‬وابن ديدات‪ -‬أحامدا ً وميامين‪ ،‬رجا ٌ‬
‫ت كأولئك‬ ‫ب‪ ،‬بأن ينجبوا عشرا ٍ‬ ‫ب ومر ٍ‬ ‫مكتوبة بدم القلوب‪ ،‬وصية لك ّ‬
‫ل أم ٍ وأ ٍ‬
‫الحامد‪ ،‬و ويرّبوا مئات كالحامد‪ ،‬ووصايا للمسلمين أجمع‪ ،‬تحثهم أن يمشوا‬
‫حثيثا ً ل وئيدًا‪ ،‬قدوتهم الولى في سيرهم هو الحمد الول ‪ ..‬محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم!‬
‫ل منا سيد ٌ قام سيد ‪ ... ... ...‬قؤول لقوال الكرام فعول!‬ ‫إذا ط ّ‬
‫َ‬
‫ما زينب الغزالي‪ ،‬فوا حّر قلباه على فقدِ تلك الدّرة‪ ،‬وحسبنا منها علم وقَر‬ ‫أ ّ‬
‫ت مصر وما عداها‪ ،‬وحسبنا منها كتاب "أّيام من‬ ‫في نفوس أخواتنا من بنا ِ‬
‫ج به الدب وتزينت به مكتبة التراجم والسير والتوثيق‬ ‫حياتي" الذي ض ّ‬
‫ظ والتعليم ِ والتربيةِ تشع‬
‫التاريخي‪ ،‬وحسبنا ما تبعه من جهودٍ دائبةٍ في الوع ِ‬
‫من جمعية السيدات المسلمات التي أسستها‪ ،‬ومن المساجد التي أنشأتها‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب متتابعةٍ كـ)نحو بعث جديد(‬ ‫)خمسة عشر مسجدًا(‪ ،‬وكذلك من كت ٍ‬


‫و)مشكلت الشباب والفتيات( وكتاب )إلى ابنتي(‪ ،‬وكذلك )نظرات في كتاب‬
‫الله( الذي احتفت به الوساط العلمية في حينه!‬
‫ب رأيها! فرغم خروجها للوعظ في المساجد إل ّ أنها كانت‬ ‫وإن أعجب‪ ،‬فعج ٌ‬
‫ت عديدةٌ للدعوة ل تستلزم منها الخروج ومزاحمة‬ ‫ترى أن المرأة لها مجال ٌ‬
‫الرجال بالمناكب‪ ،‬فلها أن تكتب‪ ،‬ولها أن تربي أبناءها‪ ،‬ولها أن تعّلم النساء‬
‫من أمثالها‪ ،‬ولها زيارة المرضى في محيط جاراتها وأهلها‪ ،‬ولها صلة رحمها‬
‫ت كل امرأة تصلح أن تكون متحدثة‬ ‫بالدعوة بالمقول والمفعول‪ ،‬فليس ْ‬
‫ب نهجها الذي تعتمد فيه على‬ ‫وخطيبة‪ ،‬وهذا الفكر الجميل عندها يمثل ل ّ‬
‫التأصيل الشرعي القائم على السنة النبوية‪ ،‬والفطرة القويمة‪.‬‬
‫وقد تهيأ للداعية الكبيرة هذا التفرغ التام للدعوة لعدم ارتباطها بأسرة‬
‫وأطفال‪ ،‬فقد ط ُّلقت قسرا ً من زوجها حين أدخلت السجن ولم تكن قد‬
‫م إن الله قد استرد ّ وديعته فمات زوجها وهي سجينة‪ ،‬فلما‬ ‫ت أطفا ً‬
‫ل‪ ،‬ث ّ‬ ‫أنجب ْ‬
‫خرجت لم تتزوج من بعده‪ ،‬ونذرت نفسها لله‪ ،‬وفتحت بيتها ومكتبتها العامرة‬
‫ل امرأة ذاك الوهج كّله‪،‬‬ ‫للناس أفواجًا‪ ،‬فكان لها ذلك الوهج‪ ،‬لكن ل يلزم لك ّ‬
‫ل بحسب قدرته وتوفيقه‪ ،‬ل تفريط لمفضول على فاضل‪ ،‬فبيتها أو ّ‬
‫ل‬ ‫فك ّ‬
‫ت من بعدهِ للنساء من‬ ‫م تلتف ُ‬ ‫أساسياتها‪ ،‬تؤصل أركانه‪ ،‬وتحسن بنيانه‪ ،‬ث ّ‬
‫ن تمد ّ ل َب ِن ََتها الصالحة‪ ،‬لترسي القواعد‪ ،‬وتملك المعاقد‪ ،‬وتبني‬ ‫ل منه ّ‬ ‫حولها‪ ،‬ك ّ‬
‫المجتمع!‬
‫ب؟‬ ‫كفى الزهر ما تندى به راحة الصبا ‪ ... ... ...‬وهل للندى بين السيول حسا ُ‬
‫ب‬‫ك با ُ‬‫ك فخرا ً أن يصون ِ‬ ‫ت ‪ ... ... ...‬وحسب ِ‬ ‫ة الناس أنجب ْ‬ ‫ك نبل ً قال ُ‬‫فحسب ِ‬
‫ب‬ ‫ن النعيم عذا ُ‬‫س ‪ ... ... ...‬فمن ذا رأى أ ّ‬ ‫ً‬
‫ولم تخلقي إل نعيما لبائ ٍ‬
‫ب!‬
‫عجا ُ‬ ‫ن تأنيث الرجال‪ُ ،‬‬ ‫جلت ‪ ... ... ...‬ولك ّ‬ ‫ن النساء تر ّ‬ ‫وما عجبي أ ّ‬
‫ن‬
‫ب في الخروِج والولوج‪ ،‬لكّنه سيفخر بنا إ ّ‬ ‫ن كزين َ‬‫ن إسلمنا ل يلزمنا أن نكو َ‬ ‫إ ّ‬
‫ت رغم ما صّبوه عليها‬ ‫كّنا مثلها في البذل والعطاء والثبات‪ ،‬فيكفي أّنها صمد ْ‬
‫ت عجاف حّتى توسط الملك فيصل رحمه الله‬ ‫ت سنوا ٍ‬ ‫ب في س ٍ‬ ‫من العذا ِ‬
‫لخراجها‪ ،‬لتبتدئ دعوتها في الوساط العربية والسلمية‪ ،‬وإّنا لنتعلم من‬
‫زينب سموّ الهدف والغاية‪ ،‬فهي قد خرجت من قضية تحرير "النثى" التي‬
‫شغلونا بها — وما اشتكينا لهم‪ ،-‬إلى قضية تحرير النسانية من عبودية‬
‫ت العظماء الحامد‪،‬‬ ‫القومية والشتراكية والتغريب‪ ،‬وإّنا لمنتصرون‪ ،‬وإن ما َ‬
‫وماتت زينب وعائشة‪ ،‬لن سرهم يكمن في معتقدهم وفي قلوبهم ‪.‬‬
‫لكن السؤال ‪:‬‬
‫من يحمل الهم ‪ ..‬ومن يملك الهمة ؟! ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فوائد اليمان وثمراته )‪(10/10‬‬


‫د‪ .‬علي محمد الصلبي ‪15/7/1426‬‬
‫‪20/08/2005‬‬
‫إن من حكمة الله الربانية أن جعل قلوب عباده المؤمنين تحس وتتذوق‬
‫وتشعر بثمرات اليمان لتندفع نحو مرضاته والتوكل عليه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فإن شجرة اليمان إذا ثبتت وقويت أصولها وتفرعت فروعها‪ ،‬وزهت أغصانها‪،‬‬
‫وأينعت أفنانها عادت على صاحبها وعلى غيره بكل خير عاجل وآجل في‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وثمار اليمان وثمراته وفوائده كثير قد بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه‬
‫الكريم‪.‬‬
‫فمن أعظم هذه الفوائد والثمار‬
‫أول ً ‪:‬الغتباط بولية الله الخاصة التي هي أعظم ما تنافس فيه المتنافسون‪،‬‬
‫وتسابق فيه المتسابقون‪ ،‬وأعظم ما حصل عليه المؤمنون‬
‫ن( ]يونس‪ [62:‬ثم‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫ن أ َوْل َِياَء الل ّهِ ل َ‬ ‫َ‬
‫قال تعالى‪) :‬أل إ ِ ّ‬
‫ن( ]يونس‪[63:‬‬ ‫قو َ‬ ‫كاُنوا ي َت ّ ُ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وصفهم بقوله‪) :‬ال ّ ِ‬
‫فكل مؤمن تقي‪ ،‬فهو لله ولي ولية خاصة‪ ،‬من ثمراتها ما قاله الله عنه‪:‬‬
‫ت إ َِلى الّنور‪](.ِ..‬البقرة‪ :‬من الية‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫مُنوا ي ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫)الل ّ ُ‬
‫‪ [257‬أي ‪ :‬يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور اليمان‪ ،‬ومن ظلمات الجهل‬
‫إلى نور العلم‪ ،‬ومن ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة‪ ،‬ومن ظلمات الغفلة‬
‫إلى نور اليقظة والذكر‪ ،‬وحاصل ذلك ‪ :‬أنه يخرجهم من ظلمات الشرور‬
‫المتنوعة إلى ما يرفعها من أنوار الخير العاجل والجل‪.‬‬
‫وإنما حازوا هذا العطاء الجزيل‪ :‬بإيمانهم الصحيح‪ ،‬وتحقيقهم هذا اليمان‬
‫بالتقوى فإن التقوى من تمام اليمان‪.‬‬
‫ت‬ ‫مَنا ُ‬ ‫مؤ ِ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ِ‬‫ْ‬ ‫ثانيا ً ‪:‬الفوز برضى الله ودار كرامته‪ ،‬قال تعالى‪َ) :‬وال ُ‬
‫ْ‬
‫ْ‬ ‫بعضه َ‬
‫صلةَ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ‬ ‫َْ ُ ُ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫زيٌز‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ُ ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫َ َْ َ ُ ُ ُ‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫سو‬
‫َ ََ ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫وَي ُؤُْتو َ ّ َ َ ُ ِ ُ َ‬
‫ن‬ ‫عو‬ ‫طي‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫كا‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫حت َِها اْلن َْهاُر َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫م وَعَد َ الل ّ ُ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫َ‬
‫فوُْز‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ أك ْب َُر ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫وا‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫في‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ب‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫في‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ٍ َ ِ ْ َ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ َ َ َ‬
‫م( ]التوبة‪ [72-71:‬فنالوا رضا ربهم ورحمته‪ ،‬والفوز بهذه المساكن‬ ‫ظي ُ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ملوا غيرهم بقيامهم بطاعة الله‬ ‫ملوا به أنفسهم‪ ،‬وك ّ‬ ‫الطيبة‪ :‬بإيمانهم الذي ك ّ‬
‫وطاعة رسوله‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فاستولوا على أجل‬
‫الوسائل‪ ،‬وأفضل الغايات وذلك فضل الله‪.‬‬
‫ثالثا ‪:‬ومن ثمرات اليمان ‪ :‬أن الله يدفع عن المؤمنين جميع المكاره‪،‬‬
‫مُنوا‪(...‬‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫دافِعُ عَ ِ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫جيهم من الشدائد كما قال تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫وين ّ‬
‫]الحج‪ :‬من الية ‪ [38‬أي‪ :‬يدفع عنهم كل مكروه‪ ،‬يدفع عنهم شر شياطين‬
‫النس وشياطين الجن‪ ،‬ويدفع عنهم العداء‪ ،‬ويدفع عنهم المكاره قبل نزولها‪،‬‬
‫ويرفعها أو يخففها بعد نزولها‪.‬‬
‫ولما ذكر تعالى ما وقع فيه يونس – عليه السلم – وأنه )‪ ...‬فََناَدى ِفي‬
‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(]النبياء‪ :‬من الية‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ك إ ِّني ك ُن ْ ُ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ه إ ِّل أن ْ َ‬ ‫ن ل إ ِل َ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫الظ ّل ُ َ‬
‫ن( ]النبياء‪:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫جي ال ْ ُ‬ ‫ك ن ُن ْ ِ‬ ‫م وَك َذ َل ِ َ‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫جي َْناه ُ ِ‬ ‫ه وَن َ ّ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫‪ [87‬قال‪َ):‬فا ْ‬
‫جينا يونس قال النبي صلى الله عليه‬ ‫‪ .[88‬إذا وقعوا في الشدائد‪ ،‬كما ن ّ‬
‫وسلم‪" :‬دعوة آخي يونس ما دعا بها مكروب إل فّرج الله عنه كربته ل إله إل‬
‫ل‬‫جعَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"‪ .‬وقال تعالى‪ ...):‬وَ َ‬
‫سرًا(]الطلق‪ :‬من الية ‪.[4‬‬ ‫ل َه م َ‬
‫مرِهِ ي ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ْ‬
‫فالمؤمن المتقي ييسر الله له أموره وييسره لليسرى‪ ،‬ويجنبه العسرى‪:‬‬
‫ويسهل عليه الصعاب ويجعل له من كل هم فرجًا‪ ،‬ومن كل ضيق مخرجا‪ً،‬‬
‫ويرزقه من حيث ل يحتسب‪ .‬وشواهد هذا كثيرة من الكتاب والسنة )‪.(1‬‬
‫رابعًا‪ :‬ومنها‪ :‬أن اليمان والعمل الصالح – الذي هو فرعه – يثمر الحياة‬
‫ن ذ َك َ ٍ‬
‫ر‬ ‫م ْ‬ ‫صاِلحا ً ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫الطيبة في هذه الدار‪ ،‬وفى دار القرار قال تعالى‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫ة ول َنجزينه َ‬ ‫َ ُ‬
‫ما كاُنوا‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫جَرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫حَياة ً ط َي ّب َ ً َ َ ْ ِ َ ّ ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫ن فَل َن ُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ‬
‫ن( ]النحل‪ [97:‬وذلك أنه من خصائص اليمان‪ ،‬أنه يثمر طمأنينة القلب‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫وراحته‪ ،‬وقناعته بما رزق الله‪ ،‬وعدم تعلقه بغيره‪ ،‬وهذه هي الحياة الطيبة‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن أصل الحياة الطيبة‪ :‬راحة القلب وطمأنينته‪ ،‬وعدم تشويشه مما يتشوش‬
‫منه الفاقد لليمان الصحيح‪.‬‬
‫خامسًا‪:‬ومنها‪ :‬إن جميع العمال والقوال إنما تصح وتكمل بحسب ما يقوم‬
‫بقلب صاحبها من اليمان والخلص‪،‬ولهذا يذكر الله هذا الشرط الذي هو‬
‫ن‬ ‫ن َفل ك ُ ْ‬
‫فَرا َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٌ‬ ‫ت وَهُوَ ُ‬
‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ن ي َعْ َ‬
‫م ْ‬‫أساس كل عمل‪ ،‬مثل قوله‪):‬فَ َ‬
‫ه‪] (...‬النبياء‪ :‬من الية ‪[94‬‬
‫سعْي ِ ِ‬
‫لِ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أي ل يجحد سعيه ول يضيع عمله‪ ،‬بل ُيضاعف بحسب قوة إيمانه‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫كورا(ً‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سعْي ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن فَُأول َئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫سعْي ََها وَهُوَ ُ‬ ‫سَعى ل ََها َ‬ ‫خَرة َ وَ َ‬ ‫ن أ ََراد َ اْل ِ‬ ‫م ْ‬‫)وَ َ‬
‫]السراء‪ [19:‬والسعي للخرة‪ :‬هو العمل بكل ما يقرب إليها‪ ،‬ويدني منها‪،‬‬
‫من العمال التي شرعها الله على لسان نبيه محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫فإذا تأسست على اليمان‪ ،‬وانبنت عليه‪ :‬كان السعي مشكورا ً مقبول ً‬
‫مضاعفًا‪ ،‬ل يضيع منه مثقال ذرة‪.‬‬
‫وأما إذا فقد العمل اليمان‪ ،‬فلو استغرق العامل ليله ونهاره فإنه غير مقبول‬
‫قال تعالى ‪:‬‬
‫من ْثورا( ]الفرقان‪ [23:‬وذلك‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫جعَلَناه ُ هََباًء َ‬ ‫ْ‬ ‫لف َ‬ ‫َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ملوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬ ‫)وَقَدِ ْ‬
‫لنها أسست على غير اليمان بالله ورسوله‪ -‬الذي روحه‪ :‬الخلص للمعبود‪،‬‬
‫خسري َ‬ ‫َ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مال ً ال ّ ِ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫م ِباْل ْ َ ِ َ‬ ‫ل ن ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫والمتابعة للرسول‪ -‬قال تعالى‪) :‬قُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫صْنعا ً أول َئ ِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَهُ ْ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫سعْي ُهُ ْ‬ ‫َ‬
‫مةِ وَْزنًا( )الكهف‪:‬‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫قي‬ ‫ن‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫بآيا‬
‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ُ ْ َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِّ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ (105-103‬فهم لما فقدوا اليمان‪ ،‬وأحلوا محله الكفر بالله وآياته – حبطت‬
‫أعمالهم‬
‫ك‪](...‬الزمر‪ :‬من الية ‪[65‬‬ ‫مل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫حب َط ّ‬ ‫ت لي َ ْ‬ ‫شَرك َ‬ ‫قال تعالى‪...) :‬لئ ِ ْ‬
‫ن(]النعام‪ :‬من الية ‪[88‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫حب ِط عَن ْهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫كوا ل َ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫)‪ ...‬وَل َوْ أ َ ْ‬
‫ولهذا كانت الردة عن اليمان تحبط جميع العمال الصالحة‪ ،‬كما أن الدخول‬
‫ب ما قبله من السيئات وإن عظمت‪ .‬التوبة من‬ ‫ج ّ‬ ‫في السلم واليمان ي ُ‬
‫ب ما قبلها )‪(2‬‬ ‫ج ّ‬ ‫الذنوب المنافية لليمان‪ ،‬والقادحة فيه‪ ،‬والمنقصة له – ت ُ‬
‫سادسًا‪:‬ومن ثمرات اليمان أن صاحب اليمان يهديه الله إلى الصراط‬
‫المستقيم‪ ،‬ويهديه إلى علم الحق‪ ،‬وإلى العمل به وإلى تلقي المحاب‬
‫ن ال ّ ِ َ‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫بالشكر‪ ،‬وتلقي المكاره والمصائب بالرضا والصبر قال تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫م‪](...‬يونس‪ :‬من الية ‪[9‬‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫م ب ِِإي َ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ت ي َهْ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬
‫ه‪(...‬‬ ‫ن ِبالل ّهِ ي َهْد ِ قَل ْب َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫صيب َةٍ إ ِّل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫وقال تعالى‪َ ) :‬‬
‫]التغابن‪ :‬من الية ‪.[11‬‬
‫ذكر الشوكانى ‪-‬رحمه الله‪ -‬في تفسيره )هو الرجل تصيبه المصيبة‪ ،‬فيعلم‬
‫أنها من عند الله‪ ،‬فيرضى ويسلم( )‪(3‬‬
‫ولو لم يكن من ثمرات اليمان‪ ،‬إل أنه يسلي صاحبه عن المصائب والمكاره‬
‫التي تعترض كل أحد في كل وقت‪ ،‬ومصاحبة اليمان واليقين أعظم مسل‬
‫عنها‪ ،‬ومهون لها وذلك‪ :‬لقوة إيمانه وقوة توكله‪ ،‬ولقوة رجائه بثواب ربه‪،‬‬
‫ن‬
‫وطمعه في فضله؛ فحلوة الجر تخفف مرارة الصبر قال تعالى‪ ...) :‬إ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‪(...‬‬ ‫جو َ‬ ‫ما ل ي َْر ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫ن وَت َْر ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ت َأل َ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َأل َ ُ‬ ‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫كوُنوا ت َأل َ ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫]النساء‪ :‬من الية ‪[104‬‬
‫سابعا ً ‪:‬ومن ثمرات اليمان ولوازمه وفوائده وخيراته من العمال الصالحة ما‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬
‫م الّر ْ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫سي َ ْ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ذكره الله بقوله‪) :‬إ ِ ّ‬
‫وُد ًّا( ]مريم‪ [96:‬أي بسبب إيمانهم وأعمال اليمان‪ ،‬يحبهم الله ويجعل لهم‬
‫المحبة في قلوب المؤمنين‪ .‬ومن أحبه الله وأحبه المؤمنون من عباده‬
‫حصلت له السعادة والفلح والفوائد الكثيرة من محبة المؤمنين من الثناء‬
‫والدعاء له حيا ً وميتًا‪ ،‬والقتداء به وحصول المامة في الدين )‪.(4‬‬
‫ملوا‬ ‫وهذه أيضا ً من أجل ثمرات اليمان‪ :‬أن يجعل الله للمؤمنين الذين ك ّ‬
‫إيمانهم بالعلم والعمل – لسان صدق – ويجعلهم ائمة يهتدون بأمره كما قال‬
‫َ‬ ‫تعالى‪) :‬وجعل ْنا منه َ‬
‫ن(‬‫كاُنوا ِبآيات َِنا ُيوقُِنو َ‬ ‫صب َُروا وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫مرَِنا ل َ ّ‬ ‫ن ب ِأ ْ‬
‫دو َ‬‫ة ي َهْ ُ‬‫م ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬‫َ َ َ َ ِ ُْ ْ‬
‫)السجدة‪ (24:‬فبالصبر واليقين – اللذين هما رأس اليمان وكماله – نالوا‬
‫المامة في الدين )‪(5‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫م‬‫ن أوُتوا العِل َ‬ ‫ذي َ‬‫م َوال ِ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ثامنا ً ‪:‬ومنها قوله تعالى‪...):‬ي َْرفَِع الل ُ‬
‫ّ‬
‫ت‪](...‬المجادلة‪ :‬من الية ‪.[11‬‬ ‫جا ٍ‬‫د ََر َ‬
‫فهم أعلى الخلق درجة عند الله وعند عباده في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وإنما نالوا هذه الرفعة بإيمانهم الصحيح وعملهم ويقينهم‪ ،‬والعلم واليقين من‬
‫أصول اليمان‪.‬‬
‫تاسعا ً ‪ :‬ومن ثمرات اليمان‪ :‬حصول البشارة بكرامة الله والمن التام من‬
‫ن()البقرة‪ :‬من الية ‪(223‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫جميع الوجوه كما قال تعالى‪...) :‬وَب َ ّ‬
‫ر‬
‫ش ِ‬ ‫فأطلقها ليعم الخير العاجل والجل‪ ،‬وقّيدها في مثل قوله تعالى‪) :‬وَب َ ّ‬
‫حت َِها اْل َن َْهاُر‪(...‬‬ ‫َ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫تأ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫]البقرة‪ :‬من الية ‪ [25‬فلهم البشارة المطلقة والمقيدة‪،‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫م‬‫مان َهُ ْ‬ ‫سوا ِإي َ‬ ‫م ي َل ْب ِ ُ‬ ‫مُنوا وَل َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ولهم المن المطلق في مثل قوله تعلى ‪) :‬ال ّ ِ‬
‫ن( ]النعام‪ [82:‬ولهم المن المقيد في‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫م ُ‬
‫َ‬
‫م اْل ْ‬ ‫ك ل َهُ ُ‬ ‫ب ِظ ُل ْم ٍ ُأول َئ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن(‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫ح َفل َ‬ ‫صل َ َ‬
‫ن وَأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مثل قوله تعالى ‪...) :‬فَ َ‬
‫]النعام‪ :‬من الية ‪.[48‬‬
‫فنفى عنهم الخوف لما يستقبلونه‪ ،‬والحزن مما مضى عليهم‪ ،‬وبذلك يتم لهم‬
‫المن‪.‬‬
‫فالمؤمن له المن التام في الدنيا والخرة‪ :‬أمن من سخط الله وعقابه‪ ،‬وأمن‬
‫من جميع المكاره والشرور‪ .‬وله البشارة الكاملة بكل خير‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ة‪](...‬يونس‪ :‬من الية ‪[64‬‬ ‫خَر ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي اْل ِ‬ ‫شَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬ ‫)ل َهُ ُ‬
‫موا ت َت َن َّز ُ‬
‫ل‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ويوضح هذه البشارة قوله تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ة أ َّل ت َ َ‬
‫ن‬‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫جن ّةِ ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫شُروا ِبال ْ َ‬ ‫حَزُنوا وَأب ْ ِ‬ ‫خاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫م وَل َك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫خَرةِ وَل َك ُ ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي اْل ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫أوْل َِياؤُك ُ ْ‬
‫م( ]فصلت‪ [32-30:‬وقال تعالى‪َ) :‬يا أ َي َّها‬ ‫حي ٍ‬ ‫فورٍ َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ن ُُزل ً ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ّ ُ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ل لك ُ ْ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫مت ِهِ وَي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫سول ِهِ ي ُؤْت ِك ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫فلي ْ ِ‬ ‫م كِ ْ‬ ‫مُنوا ب َِر ُ‬ ‫ه َوآ ِ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫م( ]الحديد‪ [28:‬فرّتب على‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ن ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫شو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُنورا ً ت َ ْ‬
‫اليمان حصول الثواب المضاعف‪،‬وكمال النور الذي يمشي به العبد في حياته‬
‫ن‬
‫م ب َي ْ َ‬ ‫سَعى ُنوُرهُ ْ‬ ‫ت يَ ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫م ت ََرى ال ْ ُ‬ ‫‪ ،‬ويمشي به يوم القيامة )ي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفيَها‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫شَراك ُ ُ‬ ‫م بُ ْ‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫م وَب ِأي ْ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫أي ْ ِ‬
‫م( ]الحديد‪ [12:‬فالمؤمن من يمشى في الدنيا بنور علمه‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫وإيمانه‪ ،‬وإذا أطفئت النوار يوم القيامة‪ :‬مشى بنوره على الصراط حتى‬ ‫ُ‬
‫يجوز به إلى دار الكرامة والنعيم‪ ،‬وكذلك رتب المغفرة على اليمان‪ ،‬ومن‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غفرت سيئاته سلم من العقاب‪ ،‬ونال أعظم الثواب )‪((6‬‬ ‫ُ‬


‫عاشرًا‪:‬ومن ثمرات اليمان‪ :‬حصول الفلح – الذي هو‪ :‬إدراك غاية الغايات‪،‬‬
‫فإنه إدراك كل مطلوب‪ ،‬والسلمة من كل مرهوب‪ ،‬والهدى الذي هو أشرف‬
‫الوسائل‪.‬‬
‫ُ‬
‫كما قال تعالى – بعد ذكره المؤمنين بما أنزل على محمد ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬وما ُأنزل على من قبله‪ ،‬واليمان بالغيب‪ .‬وإقامة الصلة وإيتاء الزكاة‪:‬‬
‫م‬
‫ن َرب ّهِ ْ‬‫م ْ‬
‫هدىً ِ‬ ‫ك عََلى ُ‬ ‫اللتين هما من أعظم آثار اليمان – قال تعالى‪ُ) :‬أول َئ ِ َ‬
‫ن( ]البقرة‪ [5:‬فهذا هو الهدى التام‪ ،‬والفلح الكامل‪.‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫وَُأول َئ ِ َ‬
‫فل سبيل إلى الهدى والفلح – اللذين ل صلح ول سعادة إل بهما – إل‬
‫باليمان التام بكل كتاب أنزله الله‪ ،‬وبكل رسول أرسله الله‪ .‬فالهدى أجل‬
‫الوسائل‪ ،‬والفلح أكمل الغايات )‪(7‬‬
‫الحادي عشر ‪ :‬ومن ثمرات اليمان‪ :‬النتفاع بالمواعظ والتذكير واليات‪.‬‬
‫ن ِفي‬ ‫ن( )الذريات‪ (55:‬و قال‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫فعُ ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن الذ ّك َْرى ت َن ْ َ‬‫قال تعالى‪) :‬وَذ َك ّْر فَإ ِ ّ‬
‫ن( ]الحجر‪ [77:‬وهذا‪ :‬لن اليمان يحمل صاحبه على التزام‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫ك َلي َ ً‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ل‪ ،‬وكذلك معه اللة العظيمة والستعداد لتلقى‬ ‫الحق واتباعه‪ ،‬علما ً وعم ً‬
‫المواعظ النافعة‪ ،‬واليات الدالة على الحق‪ ،‬وليس عنده مانع يمنعه من قبول‬
‫الحق‪ ،‬ول من العمل به‪.‬‬
‫أيضًا‪ :‬فاليمان يوجب سلمة الفطرة‪ ،‬وحسن القصد‪ ،‬ومن كان كذلك‪ :‬انتفع‬
‫باليات‪.‬‬
‫ومن لم يكن كذلك‪ :‬فل ُيستغرب عدم قبوله للحق واتباعه له‪ .‬ولهذا يذكر‬
‫الله‪ -‬في سياق تمنع الكافرين من تصديق الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫وقبول الحق الذي جاء به – السبب الذي أوجب لهم ذلك وهو‪ :‬الكفر الذي‬
‫في قلوبهم‪ .‬يعني لن الحق واضح وآياته بينة واضحة والكفر أعظم مانع يمنع‬
‫من اتباعه‪ ،‬أي فل تستغربوا هذه الحالة‪ ،‬فإنها لم تزل دأب كل كافر‪(8) .‬‬
‫الثاني عشر ‪:‬ومنها أن اليمان يقطع الشكوك التي تعرض لكثير من الناس‬
‫فتضر بدينهم‬
‫م ي َْرَتاُبوا‪(...‬‬ ‫َ‬
‫مل ْ‬ ‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫مُنوا ِباللهِ وََر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬‫مُنو َ‬‫مؤْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ما ال ُ‬ ‫قال تعالى‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫]الحجرات‪ [15:‬أي‪ :‬دفع اليمان الصحيح الذي معهم الريب والشك الموجود‪،‬‬
‫وإزاله بالكلية‪ ،‬وقاوم الشكوك التي تلقيها شياطين النس والجن‪ ،‬والنفوس‬
‫مارة بالسوء‪ .‬فليس لهذه العلل المهلكة دواء إل تحقيق اليمان‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ولهذا ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬ل يزال الناس يتساءلون حتى ُيقال‪ :‬هذا‪ ،‬خلق الله الخلق‪ ،‬فمن خلق‬
‫الله؟ فمن وجد ذلك فليقل‪ :‬آمنت بالله( )‪(9‬‬
‫وفي رواية _ فليستعذ بالله ولينته()‪(10‬‬
‫وبهذا بين صلى الله عليه وسلم الدواء النافع لهذا الداء المهلك‪ .‬وهي ثلثة‬
‫أشياء‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -1‬النتهاء عن الوساوس الشيطانية ‪ -2‬والستعاذة من شّر من ألقاها وشّبه‬


‫بها؛ ليضل بها العباد ‪ -3‬والعتصام بعصمة اليمان الصحيح الذي من اعتصم‬
‫به كان من المنين‪.‬‬
‫ف للحق‪،‬‬‫وذلك‪ :‬لن الباطل يتضح بطلنه بأمور كثيرة أعظمها‪ :‬العلم أنه منا ٍ‬
‫ل‪) (...‬يونس‪ :‬من‬ ‫حقّ إ ِّل ال ّ‬
‫ضل ُ‬ ‫ماَذا ب َعْد َ ال ْ َ‬
‫وكل ما نقص الحق فهو باطل )‪...‬فَ َ‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الية ‪(32‬‬
‫جأ المؤمنين في كل ما يلم بهم‪ :‬من‬ ‫الثالث عشر ‪:‬ومنها ‪ :‬أن اليمان مل َ‬
‫سرور وحزن وخوف وأمن‪ ،‬وطاعة‪ ،‬ومعصية‪ ،‬وغير ذلك من المور التي لبد‬
‫لكل أحد منها‪.‬‬
‫فيلجؤون إلى اليمان عند الخوف فيطمئنون إليه فيزيدهم إيمانا ً وثباتًا‪ ،‬وقوة‬
‫وشجاعة‪ ،‬ويضمحل الخوف الذي أصابهم كما قال تعالى عن خيار الخلق‪:‬‬
‫مانا ً‬‫م ِإي َ‬ ‫م فََزاد َهُ ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬‫م َفا ْ‬‫مُعوا ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬‫س قَد ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬
‫ن َقا َ‬ ‫)ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م‬
‫سهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫ض ٍ‬‫ن الل ّهِ وَفَ ْ‬ ‫م َ‬‫مةٍ ِ‬ ‫قل َُبوا ب ِن ِعْ َ‬ ‫ل َفان ْ َ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬
‫كي ُ‬ ‫ه وَن ِعْ َ‬‫سب َُنا الل ّ ُ‬‫ح ْ‬ ‫وََقاُلوا َ‬
‫سوٌء‪](...‬آل عمران‪[174-173 :‬‬ ‫ُ‬
‫لقد اضمحل الخوف من قلوب هؤلء الخيار‪ ،‬وخلفه قوة اليمان وحلوته‪،‬‬
‫وقوة التوكل على الله‪ ،‬والثقة بوعده‪.‬‬
‫ويلجؤون إلى اليمان عند الطاعة والتوفيق للعمال الصالحة‪ :‬فيعترفون‬
‫بنعمة الله عليهم بها‪ ،‬وأن نعمته عليهم فيها أعظم من نعم العافية والرزق‬
‫وكذلك يحرصون على تكميلها‪ ،‬وعمل كل سبب لقبولها‪ ،‬وعدم ردها أو‬
‫نقصها‪ .‬ويألون الذين تفضل عليهم بالتوفيق لها‪ :‬أن يتم عليهم نعمته بقبولها‪،‬‬
‫ك‬‫والذي تفضل عليهم بحصول أصلها‪ :‬أن يتم لهم منها ما انتقصوه منها )ُأول َئ ِ َ‬
‫ن( ]المؤمنون‪ [61:‬ويلجؤون إلى‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫م ل ََها َ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫خي َْرا ِ‬‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫عو َ‬‫سارِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫اليمان إذا ابتلوا بشيء من المعاصي بالمبادرة إلى التوبة منها‪ ،‬وعمل ما‬
‫وا إ َِذا‬‫ق ْ‬‫ن ات ّ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫يقدرون عليه من الحسنات – لجبر نقصها‪ .‬قال تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ن( ]لعراف‪[201:‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫مب ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن ت َذ َك ُّروا فَإ َِذا هُ ْ‬ ‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ف ِ‬ ‫م َ‬
‫طائ ِ ٌ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫فالمؤمنون في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم – ملجؤهم إلى اليمان ومفزعهم‬
‫إلى تحقيقه‪ ،‬ودفع ما ينافيه ويضاده‪ ،‬وذلك من فضل الله عليهم ومنه )‪.(11‬‬
‫وخوفا ً من الطالة نقتصر على هذه الثمرات العظيمة التي بينها المولى عز‬
‫وجل‪ ،‬وبذلك نستيقن أن كتاب الله جاء تبيانا ً لكل شيء‪ ،‬وعرض قضية‬
‫اليمان من جوانبها المتعددة النافعة للناس‪ ،‬وبين وسائل زيادة اليمان‪،‬‬
‫غبنا فيه بذكر فوائده وثماره بحكمة بالغة تليق بالحكيم العليم جل وعل‪.‬‬ ‫ور ّ‬
‫وبين المولى ‪-‬عز وجل‪ -‬في كتابه حقيقة اليمان بأنه اعتقاد بالجنان‪ ،‬ونطق‬
‫باللسان‪ ،‬وعمل بالركان‪ ،‬ووضعنا على الصراط المستقيم‪ ،‬وسلمت عقول‬
‫المسلمين وقلوبهم من أمراض التعطيل والتشبيه‪ ،‬والفراط والتفريط‪ ،‬ووقع‬
‫أهل البدع في النحراف عن جادة الصواب‪ ،‬وطريق أهل الستقامة؛ لنهم‬
‫ابتعدوا عن كتاب الله وسنة رسوله‪ ،‬وفهم الصحابة والتابعين بإحسان من‬
‫علماء وفقهاء ومحدثين‪.‬‬
‫|‪|10|9|8|7|6|5|4|3|2|1‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪-1‬التوضيح والبيان ص ‪67‬‬
‫‪-2‬هو المام محمد بن على الشوكانى ثم الصغانى القاضي محدث وفقيه‬
‫وأصولي ومفسر واسم تفسيره فتح القدير توفى ‪ 1250‬هـ ‪ :‬انظر ‪ :‬مناهج‬
‫المفسرين ص ) ‪( 50‬‬
‫‪-3‬فتح القدير للشوكانى ) ج ‪( 231 / 5‬‬
‫‪-4‬التوضيح والبيان ص ‪76‬‬
‫‪-5‬التوضيح البيان ص‬
‫‪-6‬التوضيح والبيان ص ‪79‬‬
‫‪-7‬التوضيح والبيان ص ‪80‬‬
‫‪-8‬انظر‪ :‬التوضيح والبيان ص ‪81‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪-9‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب بيان الوسوسة في اليمان ) ج ‪(119 / 1‬‬
‫‪-10‬رواه مسلم ‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب بيان الوسوسة في اليمان) ج ‪/ 1‬‬
‫‪( 120‬‬
‫‪-11‬التوضيح والبيان ص )‪(85‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فوائد الشدائد‬
‫رئيسي ‪:‬تربية ‪:‬‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬
‫وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله؛ فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل؛ فل هادي له‪،‬‬
‫دا عبده ورسوله‪،‬‬ ‫وأشهد أن ل اله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محم ً‬
‫أما بعد‪،،،‬‬
‫فإن الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده المؤمنين ليظهر ما في نفوسهم من‬
‫الخير‪ ،‬ويرفع درجاتهم عنده‪ ،‬ويكفر عنهم سيئاتهم‪ ،‬وهذه الشدائد التي تعتري‬
‫المسلم والمسلمين هي خير لهم في الحقيقة‪] :‬عَجبا ِل َمر ال ْمؤْمن إ َ‬
‫مَرهُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ُ ِ ِ ِ ّ‬ ‫َ ً‬
‫َ‬ ‫ك ِل َحد إّل ل ِل ْمؤْمن إ َ‬
‫ن‬
‫ه وَإ ِ ْ‬ ‫خي ًْرا ل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شكَر فكا َ‬‫َ‬ ‫سّراُء َ‬‫ه َ‬
‫صاب َت ْ ُ‬
‫نأ َ‬ ‫ُ ِ ِ ِ ْ‬ ‫َ ٍ ِ‬ ‫س َذا َ‬ ‫خي ٌْر وَل َي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك ُل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ه[رواه مسلم ‪.‬‬ ‫خي ًْرا ل َ ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫صب ََر فَ َ‬‫ضّراُء َ‬ ‫ه َ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬ ‫أ َ‬
‫وعندما تنزل الشدائد بالمسلمين‪ ،‬فإن الله ينزل من المعونة على قدر البلء؛‬
‫ْ‬
‫ة‬
‫ؤون َ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫من الله عََلى قَد ْرِ ال ْ َ‬ ‫ة ت َأِتي ِ‬ ‫مُعون َ َ‬‫ن ال ْ َ‬‫كما قال عليه الصلة والسلم‪] :‬إ ِ ّ‬
‫ْ‬
‫ن‬‫ن الله عََلى قَد ْرِ ال ْب ََلِء[ رواه الرافعي ‪ .‬وفي رواية‪ ] :‬وَإ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫صب َْر ي َأَتي ِ‬ ‫ن ال ْ ّ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫ْ‬
‫ة[ رواه الحكيم الترمذي والبزار‬ ‫صيب َ ِ‬
‫م ِ‬ ‫ن الله عََلى قَد ْرِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫صب َْر ي َأَتي ِ‬ ‫ال ْ ّ‬
‫والبيهقي في الشعب ‪ .‬وتدور على المسلمين رحى الحروب‪ ،‬وكيد العداء‪ ،‬و‬
‫يتجمع عليهم معسكر الشر‪ ،‬ويكون في ذلك شدة ومصائب تنزل‪ ،‬ولكن هذه‬
‫الشدائد ل تخلو من فوائد ومن ذلك‪:‬‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫انتظار الفرج‪ ،‬وترقب انكشاف الغمة من الله تعالى‪ :‬قال تعالى‪ } :‬فَإ ِ ّ‬
‫سًرا]‪] { [6‬سورة الشرح[ ‪ .‬وهذا الترقب‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سًرا]‪[5‬إ ِ ّ‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫ال ْعُ ْ‬
‫والنتظار لبد أن يكون مصحوًبا من المسلمين ببذل السباب لكشف البلية‪ ،‬و‬
‫أخذ ما يمكن أخذه لدفع المصيبة‪ ،‬و تخفيف آثارها‪ ،‬و لكن ينبغي أل يغيب عن‬
‫بال المسلمين أن انتظار الفرج عبادة عظيمة و باب أجر عظيم من الله‪.‬‬
‫وهذه الشدائد تدفع العباد للتعاون على البر و التقوى‪ :‬فيظهر من صور اليثار‬
‫ما يظهر‪ ،‬ويظهر أنواع من بذل المعروف لم تكن معروفة‪ ،‬لكن الشدة التي‬
‫ب بين نفوسهم‪ ،‬وتظهر روح الخوة بينهم‪ ،‬بل تزيل‬ ‫قّر ُ‬ ‫تجمعهم في المصيبة ت ُ َ‬
‫كثيًرا من العداوات الشخصية التي كانت في نفوسهم‪ ،‬و تجعلهم متحدين‬
‫أمام الخطر والعدو الذي نزل شره‪ ،‬و هكذا يتوحد المسلمون في المصيبة ما‬
‫ل يتوحدون في غيرها‪ ،‬و يظهر من آثار البذل و التعاون و اليثار ما لم يكن‬
‫يظهر من ذي قبل ‪ ،‬و قد ظهر في المسلمين من الخير من حفر الخندق‪،‬‬
‫وهذه القوة العجيبة التي عملوا بها يدفعهم في ذلك اليمان و نصرة دين‬
‫السلم‪ ،‬والدفاع عن حريم المسلمين‪ ،‬ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فحفروا ذلك الخندق في أيام معدودات حفروه بالرغم من البرد القارس‪،‬‬
‫والمساحة الطويلة التي شقوا فيها ذلك الخندق كيلومترات بعمق يفترض أن‬
‫ل تعبره الخيل وتقفز من فوقه وعرض ‪ ،‬وهكذا كان ذلك الخندق بين الحرتين‬
‫‪.‬‬
‫والشدائد تجعل الناس يتقاسمون فيما بينهم أموالهم‪ :‬قال النبي صلى الله‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مُلوا‬ ‫َ‬ ‫ن اْل َ ْ‬


‫ن– وهم قوم أتوا مسلمين من اليمن – إ َِذا أْر َ‬ ‫شعَرِّيي َ‬ ‫عليه وسلم‪ ] :‬إ ِ ّ‬
‫ِفي ال ْغَْزِو– أي فني زادهم وكان الواحد قد التصق بالرمل من القلة – أ َوْ قَلّ‬
‫حد ٍ – كل المدخرات‬ ‫ب َوا ِ‬ ‫م ِفي ث َوْ ٍ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬
‫ن ِ‬
‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫مُعوا َ‬ ‫ج َ‬ ‫دين َةِ َ‬ ‫م ِ‬‫م ِبال ْ َ‬ ‫عَيال ِهِ ْ‬‫م ِ‬ ‫ط ََعا ُ‬
‫َ‬
‫م[‬‫من ْهُ ْ‬‫مّني وَأَنا ِ‬ ‫سوِي ّةِ فَهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫حد ٍ ِبال ّ‬‫م ِفي إ َِناٍء َوا ِ‬ ‫موه ُ ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫س ُ‬‫م اقْت َ َ‬ ‫تخرج وتجمع – ث ُ ّ‬
‫رواه البخاري ومسلم ‪ .‬وهكذا المواساة في الشدائد‪ ،‬واليثار في أوقات‬
‫المحنة ‪.‬‬
‫فَزع الناس إلى الله‪ ،‬و يؤوبوا إليه‪ ،‬و يتوبوا إليه‪ ،‬و يتضرعوا‬ ‫في الشدائد ي َ ْ‬
‫ْ‬
‫عوا‪] { [43]...‬سورة النعام[ ‪.‬‬ ‫ضّر ُ‬‫سَنا ت َ َ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ول إ ِذ ْ َ‬ ‫إليه‪ } :‬فَل َ ْ‬
‫و لذلك حكت لنا كتب التاريخ السلمي عند خروج النار بقرب المدينة في‬
‫دا عن‬ ‫صَرى الشام بعي ً‬ ‫الحجاز‪ -‬وهي من أشراط الساعة‪ -‬ورأى الناس ب ِب ُ ْ‬
‫حرِقُ الحجارة وتذيبها‪،‬‬ ‫المدينة أعناق إبلهم على ضوء نار الحجاز ‪ ،‬وكانت ت ُ ْ‬
‫وحصل زلزال عظيم‪ ،‬وفزع الناس‪ ،‬ودخلوا كلهم الحرم والمسجد النبوي‪،‬‬
‫واستغفروا وأنابوا إلى الله‪ ،‬ولهجت اللسن بالدعاء‪ ،‬وأمير المدينة أعتق‬
‫جميع مماليكه‪ ،‬وخرج من جميع المظالم‪ ،‬ولم يزالوا مستغفرين حتى سكنت‬
‫الزلزلة‪ .‬والشاهد‪ :‬كيف أن الناس فزعوا إلى ذكر الله و دعائه‪ ،‬و دخلوا‬
‫الحرم‪ ،‬واجتمعوا فيه يلهجون إلى الله بلسان المضطر أن يذهب عنهم‬
‫الضر ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وكذلك من الثار العظيمة بالنسبة للشدائد‪ :‬أنها تربي جيًل قوًيا‪ ،‬قادًرا على‬
‫هب جيًل فيه الميوعة والنحلل والمهانة‪ :‬فلما رفض بنو‬ ‫المواجهة بعد أن ت ُذ ْ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫سى إ ِّنا ل ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫إسرائيل دخول الرض المقدسة‪ ،‬وقالوا بكل و قاحة‪َ } :‬قالوا َيا ُ‬
‫قات َِل إ ِّنا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪َ[24‬قا َ‬
‫ل‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫هاهَُنا َقا ِ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ت وََرب ّ َ‬ ‫ب أن ْ َ‬ ‫موا ِفيَها َفاذ ْهَ ْ‬ ‫ما َدا ُ‬ ‫دا َ‬ ‫خل ََها أب َ ً‬
‫ن َد ْ ُ‬
‫ن]‪َ[25‬قا َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫قوْم ِ ال َ‬
‫ْ‬
‫ن ال َ‬‫خي َفافُْرقْ ب َي ْن ََنا وَب َي ْ َ‬ ‫سي وَأ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك إ ِل ن َ ْ‬ ‫ب إ ِّني ل أ ْ‬ ‫َر ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ِ‬‫س عَلى ال َ‬ ‫ض فَل ت َأ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫ة ي َِتيُهو َ‬
‫سن َ ً‬‫ن َ‬ ‫م أْرب َِعي َ‬ ‫ة عَلي ْهِ ْ‬ ‫م ٌ‬‫حّر َ‬ ‫م َ‬ ‫فَإ ِن َّها ُ‬
‫ن]‪] { [26‬سورة المائدة[ ‪ .‬و لذلك مكث بنو إسرائيل في صحراء‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫التيه يخرجون من الصباح للبحث عن مخرج و منفذ فل يأتي عليهم غروب‬
‫الشمس إل و يجدون أنفسهم في ذات المكان الذي بدؤوا منه البحث أربعين‬
‫كا يخرجون منه‪ ،‬و ل يهتدون إلى‬ ‫سنة يتيهون في الرض‪ ،‬ل يجدون مسل ً‬
‫طريق يخرجهم من ذلك التيه‪ ،‬وكان من الحكم في هذه الشدة التي نزلت‬
‫بهم‪ :‬أن يذهب ذلك الجيل يموت‪ ،‬الذي رفض دخول الرض المقدسة‪،‬‬
‫وتقاعس عن قتال الجبارين‪ ،‬ذلك الجيل الذي كان تربى في ظل فرعون‬
‫على الذل والمهانة‪ ،‬والستعباد‪ ،‬والطغيان‪ ،‬لم يكن يصلح للفتح العظيم؛‬
‫ولذلك فسدت فطرتهم‪ ،‬فشاء الله أن يبقى في هذه الصحراء ليموت فيها‪،‬‬
‫ويخرج جيل جديد ‪ ،‬وأربعين سنة كفيلة بذهاب جيل ومجيء جيل آخر‪ ،‬قد‬
‫تربى في شدة الصحراء‪ ،‬و هذه الظروف الصعبة؛ ليكون فيما بعد أهل ً لن‬
‫يدخل الرض المقدسة‪ ،‬عاشوا في جو الخشونة‪ ،‬صلب عودهم‪ ،‬و جاءوا على‬
‫غير النموذج الذي كان عليه آباؤهم‪ ،‬فكانوا أهل ً للفتح بأمر الله ‪.‬‬
‫دا‪ ،‬جيل المحنة المؤهل للنصر؛ لن‬ ‫فمن فوائد الشدائد‪ :‬إذا أنها تربي جيًل جدي ً‬
‫الجيل الذي قبله أفسده الذل‪ ،‬والستعباد‪ ،‬و لربما يكون في بعض البلدان‪،‬‬
‫والماكن‪ ،‬والزمان‪ ،‬أفسدته الميوعة و النحلل‪ ،‬والمعاصي والترف‪ ،‬فل‬
‫يكون أهل ً للنصر‪ ،‬فيبتلي الله المسلمين بالشدائد‪ ،‬قد تطول سنين لكي‬
‫قا آخر‪ ،‬أو يكون من بعده‬ ‫تذهب آثار الميوعة والنحلل‪ ،‬فيخرج بعد ذلك خل ً‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جيل آخر يكتب الله الفتح على أيديهم ‪.‬‬


‫ومن فوائد الشدائد‪:‬التمحيص‪ ،‬وظهور الحقائق‪ ،‬وانكشاف البواطن‪ :‬تمييز‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫المسلم عن المنافق‪ ،‬والمنافق عن المسلم‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ب ‪] { [179]...‬سورة آل‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬
‫م َ‬‫ث ِ‬ ‫ميَز ال ْ َ‬
‫خِبي َ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬ ‫عََلى َ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬
‫عمران[ ‪.‬‬
‫جزى الله الشدائد كل خير و إن كانت تغصصني بريقي‬
‫وما شكري لها إل لني عرفت بها عدوي من صديقي‬
‫الشدائد تظهر المنافقين‪ :‬من هم الذين يرتمون في أحضان العداء‪ ،‬من‬
‫الذين يوالون أعداء الله‪ ،‬من الذين يتعاونون معهم ويشاركونهم‪ ،‬ويكونون‬
‫معهم على باطلهم‪ ،‬من هم هؤلء ؟‬
‫ينكشف المنافقون الذين كانوا يسترون عوراتهم بأمور واهية تنطلي على‬
‫كثير من المسلمين‪ ،‬فالن آن الوان من الله لينكشف الباطل‪ ،‬وتسقط تلك‬
‫الوراق التي كانت تستر عورات المنافقين‪ ،‬فيظهرون على حقيقتهم‪ ،‬و‬
‫تعرف المة من أين أتت‪ ،‬و من أين كانت مصيبتها‪.‬‬
‫ومن فوائد الشدائد التي حصلت في تاريخ المسلمين‪ :‬أنها أبرزت طاقات‪،‬‬
‫ومواهب وقدرات لم تكن ربما موجودة من قبل‪ :‬لما غزا الصليبيون بلد‬
‫الشام ظهر في المسلمين من أذكياء الشباب من اخترع أبراجا ً من‬
‫ط من الّزفت المشتعل‪ ،‬ومواد أخرى قد‬ ‫المنجنيقات العظيمة‪ ،‬فيها أخل ٌ‬
‫اخترعتها أيدي أولئك المسلمين‪ ،‬وابتكرتها عقولهم‪ ،‬يرمون بها الفرنجة‪،‬‬
‫كرت من قبل تلك العقول ‪ .‬وكانت بعض الوسائل تثير‬ ‫قا عليهم اب ْت ُ ِ‬ ‫فكانت حري ً‬
‫دا من المسلمين قور بطيخة خضراء‪،‬‬ ‫الدهشة و العجاب‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬أن مجاه ً‬
‫وادخل رأسه فيها‪ ،‬ثم غطس في الماء إلى أن اقترب من معسكر الصليبيين‪،‬‬
‫فظنه بعضهم بطيخة عائمة في الماء‪ ،‬فلما نزل لخذها خطفه الفدائي‬
‫المسلم‪ ،‬و جره وأتى به أسيًرا‪ ،‬و تعددت مواكب أسرى الصليبيين في‬
‫الشوارع في ذلك الوقت على نحو زاد من حماسة الناس‪ ،‬ورفع معنويات‬
‫المقاتلين إلى السماء‪.‬‬
‫وهكذا تتكرر القضية في هذه اليام على أرض فلسطين في أيام المحنة‬
‫والقتل‪ ،‬ونزول المور العصيبة‪ ،‬والمذابح الكبيرة‪ ،‬وهدم الديار‪ ،‬ومحاربة‬
‫الرزاق‪ ،‬و تجريف الشجار‪ ،‬لم يرحموا كبيًرا ول صغيًرا ول امرأة حامًل ول‬
‫غير ذلك ‪.‬‬
‫فظهر في المسلمين من عمل بعض أنواع من الصواريخ كصواريخ القسام‬
‫وغيرها التي ابتكرتها أيدي المسلمين في فلسطين‪ ،‬و عملوا تلك من مواد‬
‫بسيطة كما قالوا‪ ،‬مصنعة من مواد أولية بحيث تستطيع النساء في البيت أن‬
‫تحضرها كما قال بعض المجاهدين في فلسطين ‪ ،‬و تجارب تقوم على أساس‬
‫الدفع الذاتي‪ ،‬لم تكن هذه الصواريخ لتظهر على بساطتها إل في أجواء‬
‫المحنة و الشدائد ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل المخلصين في وقت‬ ‫من قِب َ ْ‬‫وإن من فوائد الشدائد‪ :‬أن تظهر العبادة ِ‬
‫ي[ رواه‬ ‫َ‬ ‫المحنة‪ :‬قال صلى الله عليه وسلم‪] :‬ال ْعَِباد َة ُ ِفي الهَْرِج كهِ ْ‬
‫جَرةٍ إ ِل ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مسلم ‪ .‬ومعنى الهرج‪ :‬الفتنة واختلط أمور الناس‪ ،‬الفوضى العارمة‪ ،‬في‬
‫الفتن يقوم أناس مع قلتهم يعبدون الله في ذلك الجو ول ينسونه‪ ،‬يشتغلون‬
‫بالعبادة‪ ،‬ويتفرغون لها بالرغم مما حولهم من الفتن هذا معنى الحديث‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضا تظهر في الشدائد‪ :‬أحكام فقهية ما كانت لتبحث لول هذه الشدائد‪:‬‬ ‫وأي ً‬
‫مسائل فقهية ما كانت لتخرج لول هذه الشدائد‪ ،‬ومثال ذلك‪':‬مسألة التترس'‬
‫ما‪ ،‬فإذا أراد المسلمون في البلد‬ ‫دا مسل ً‬
‫لو تترس عدو بمسلمين‪ ،‬وهاجم بل ً‬
‫أن يدافعوا عن مدينتهم‪ ،‬ويرموا على الكفار ربما أصاب ذلك بعض المسلمين‬
‫قَتل من‬ ‫سي ُ ْ‬
‫عا بشرية‪ ،‬فما حكم رمي الكفار و َ‬ ‫الذين أمسك بهم الكفار درو ً‬
‫المسلمين من الدروع البشرية ؟‬
‫مسألة عويصة ‪ ،‬قتل المسلم كبير عند الله‪ ،‬ولكن ترك الكفار يتقدمون‬
‫مصيبة أعظم‪ ،‬و لذلك قال شيخ السلم بجرأة عظيمة عجيبة‪ ،‬حمله عليها‬
‫علمه و فقهه العميق الواسع‪ ،‬وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا‬
‫خيف على المسلمين الضرر إذا‬ ‫تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين‪ ،‬و ِ‬
‫لم يقاتلوا‪ ،‬فإنهم يقاتلون‪ ،‬وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا‬
‫بهم‪ ،‬وهؤلء المسلمون إذا قتلوا كانوا شهداء‪ ،‬ول يترك الجهاد الواجب لجل‬
‫ن المسلمين إذا قاتلوا الكفار فمن قتل من المسلمين‬ ‫دا‪ ،‬فإ ّ‬‫من يقتل شهي ً‬
‫دا‪ ،‬ومن قتل وهو في الباطن ل يستحق القتل لجل مصلحة‬ ‫ُ‬ ‫يكون شهي ً‬
‫دا ‪.‬‬
‫السلم كان شهي ً‬
‫وهكذا صلة الطالب والمطلوب إذا كان يهرب والعدو يلحقونه كيف يصلي‬
‫والمطاردة تستمر ساعات؟ وكذلك بالعكس إذا كان يطارد عدًوا العدو يهرب‬
‫والمسلم لبد أن يمسك به والمطاردة قد تستمر ساعات؟ يصلي على حسب‬
‫حاله‪ ،‬ولو إلى غير القبلة‪ ،‬ولو بغير سجود على الرض‪ ،‬ولو بغير قيام عليها'‬
‫صلة الطالب والمطلوب' ‪ .‬وهكذا تظهر مرونة الفقه السلمي‪ ،‬وشريعة هذا‬
‫الدين العظيم‪ ،‬واجتهاد علماء المسلمين‪ ،‬وفوائد الشدائد ‪.‬‬
‫اللهم أقم علم الجهاد‪ ،‬واقمع أهل الزيغ والفساد والعناد‪ ،‬اللهم انشر رحمتك‬
‫علينا‪،‬وأيد المسلمين بنصر من عندك‪ ،‬وانصر المجاهدين‪ ،‬واحم حوزة الدين؛‬
‫إنك على كل شيء قدير‪ ،‬وبالجابة جدير والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫من خطبة‪':‬فوائد الشدائد' للشيخ‪ /‬محمد بن صالح المنجد‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فوائد المرض‬
‫عبدالرحمن بن يحيى‬
‫دار الوطن‬
‫الحمد لله الذي ل إله إل هو‪ ،‬وهو للحمد أهل‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فإن الذي دعاني إلى كتابة هذه الرسالة هو النصح لله ولرسوله ولعامة‬
‫المسلمين‪ ،‬وما رأيت من جهل الناس بفوائد المرض إلى درجة أني سمعت‬
‫أناسا ً يقولون‪ :‬أل ترحمه يارب‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬إما ارحمه أو ريحه‪ ،‬مع أن‬
‫الله يقول في بعض الثار‪ ) :‬كيف أرحمه من شيء به أرحمه؟ (‪ ،‬وكذلك ما‬
‫سمعت ورأيت من بعض المرضى الذين ابتلوا بأمراض مستعصية كالسرطان‬
‫أو غيره من المراض التي ل يوجد لها علج‪ ،‬فبلغ بهم اليأس مبلغا ً عظيما ً‬
‫فتجد الواحد منهم قد ضعف صبره وكثر جزعه وعظم تسخطه وانفرد به‬
‫الشيطان يوسوس له ويذكره بالمعاصي الماضية حتى يؤيسه من روح الله‬
‫ويوقعه في القنوط‪ ،‬يقول الله‪ :‬إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين‬
‫ءامنوا ]المجادلة‪ ،[10:‬مع أن المريض ل خوف عليه مادام موحدا ً ومحافظا ً‬
‫على الصلة‪ ،‬حتى ولو لم يصل إل لما مرض‪ ،‬فإن من تاب توبة صادقة قبل‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغرغرة تاب الله عليه‪ ،‬ولو وقع في كبائر الذنوب‪ ،‬فإنه يرجى لكل من مات‬
‫من الموحدين ولم يمت على الكفر‪ ،‬ففي الحديث‪" } :‬من مات من أمتي ل‬
‫يشرك بالله شيئا ً دخل الجنة"‪ ،‬فقال أبو ذر‪ :‬وإن زنى وإن سرق‪ ،‬قال‪" :‬وإن‬
‫زنى وإن سرق" {‪ ،‬ويقول ‪ } :‬ل يموتن أحدكم إل وهو يحسن الظن بالله عز‬
‫وجل { ]رواه مسلم[‪ ،‬ويقول الله‪ } :‬أنا عند ظن عبدي‪ ،‬فليظن بي ما‬
‫يشاء {‪.‬‬
‫ً‬
‫فعلى المؤمن أن يصبر على البلء مهما اشتد فإن مع العسر يسرا‪ ،‬وعذاب‬
‫الدنيا أهون من عذاب الخرة‪ ،‬يقول أنس‪ } :‬إن النبي دخل على شاب وهو‬
‫في الموت‪ ،‬فقال‪" :‬كيف تجدك؟" قال‪ :‬أرجو رحمة الله يا رسول الله‪،‬‬
‫وأخاف ذنوبي‪ ،‬فقال‪" :‬ل يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إل‬
‫أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف" {‪ ،‬فل تسيء العمل وأنت صحيح بحجة‬
‫هذا الحديث‪ ،‬فلعل الموت يأتيك بغتة‪ .‬وعلى كل فالمؤمن يصبر ويرضى‬
‫بقضاء الله‪ ،‬فإن عاش لم يحرم الجر‪ ،‬وإن مات فإلى رحمة الله‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫} تحفة المؤمن الموت { ]رواه الطبراني بسند جيد [‪.‬‬
‫فإذا تقرر هذا كله فأليكم فوائد المرض العظيمة وما يترتب عليه من مصالح‬
‫ومنافع قلبية وبدنية‪ ،‬وقبل الشروع لبد من مقدمة قبل الدخول في‬
‫المقصود‪.‬‬
‫إن الله لم يخلق شيئا ً إل وفيه نعمة أيضًا‪ ،‬إما على المبتلى أو على غير‬
‫المبتلى‪ ،‬حتى إن ألم الكفار في نار جهنم نعمة‪ ،‬ولكنها في حق غيرهم من‬
‫العباد‪ ،‬فمصائب قوم عند قوم فوائد‪ ،‬ولول أن الله خلق العذاب واللم لما‬
‫عرف المتنعمون قدر نعمته عليهم ولجهلت كثير من النعم‪ ،‬ومن هنا خلق‬
‫سبحانه الضداد لحكم كثيرة منها معرفة النعم‪ ،‬فلول الليل لما عرف قدر‬
‫النهار‪ ،‬ولول المرض لما عرف قدر الصحة‪ ،‬وكذا الفقر والسماء والجنة‪،‬‬
‫ففرح أهل الجنة إنما يتضاعف إذا تفكروا في آلم أهل النار‪ ،‬بل إن من نعيم‬
‫أهل الجنة رؤية أهل النار وما هم فيه من العذاب‪ ،‬مع العلم أن كل بلء يقدر‬
‫العبد على دفعه‪ ،‬ل يؤمر بالصبر عليه‪ ،‬بل يؤمر بإزالته ففي الحديث‪ } :‬ليس‬
‫للمؤمن أن يذل نفسه‪ ،‬أن يحمل نفسه مال يطيق {‪ .‬وإنما المحمود الصبر‬
‫على ألم ليس له حيلة في إزالته‪ ،‬كما أن من النعم نعمة تكون بلًء على‬
‫صاحبها‪ ،‬فإنه يبتلى بالنعماء والبأساء‪ ،‬وكم من بلء يكون نعمة على صاحبه‪،‬‬
‫فرب عبد تكون الخيرة له في الفقر والمرض‪ ،‬ولو صح بدنه وكثر ماله لبطر‬
‫وبغى ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الرض ]الشورى‪.[27:‬‬
‫فكل نعمة سوى اليمان وحسن الخلق قد تكون بلء في حق بعض الناس‪،‬‬
‫وتكون أضدادها نعما ً في حقهم‪ ،‬فكما أن المعرفة كمال ونعمة‪ ،‬إل أنها قد‬
‫تكون في بعض الحيان بلء وفقدها نعمة مثل أجل العبد أو جهله بما يضمر‬
‫له الناس‪ ،‬إذ لو رفع له الستر لطال غمه وحسده‪ .‬وكم من نعمة يحرص‬
‫عليها العبد فيها هلكه‪ ،‬ولما كانت اللم والمراض أدوية للرواح والبدان‬
‫وكانت كمال ً للنسان‪ ،‬فإن فاطره وبارئه ما أمرضه إل ليشفيه‪ ،‬وما ابتله إل‬
‫ليعافيه‪ ،‬وما أماته إل ليحييه‪ ،‬وقد حجب سبحانه أعظم اللذات بأنواع المكاره‬
‫وجعلها جسرا ً موصل ً إليها‪ ،‬ولهذا قال العقلء قاطبة‪ :‬إن النعيم ل يدرك‬
‫بالنعيم‪ ،‬وإن الراحة ل تنال بالراحة‪ ،‬فهذه اللم والمشاق من أعظم النعم‪ ،‬إذ‬
‫هي أسباب النعم‪ ،‬فمثل ً نزول المطار والثلوج وهبوب الرياح وما يصاحبها من‬
‫اللم فإنها مغمورة جدا ً بالنسبة إلى المنافع والمصالح التي تصحبها‪ ،‬فمثل ً لو‬
‫أن المرأة نظرت إلى آلم الحمل والولدة لما تزوجت‪ ،‬لكن لذة المومة‬
‫والولد أضعاف أضعاف تلك اللم‪ ،‬بل إنها إذا حرمت الولد لم تترك طبيبا ً‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إل وذهبت إليه من أجل الحصول على البناء‪ ،‬إنه ل يوجد شر محض‪ ،‬وما نهى‬
‫سبحانه عن العمال القبيحة إل لن مفسدتها راجحة على خيرها‪ ،‬وهكذا‪..‬‬
‫وقد قال الله عن الخمر‪ :‬إثمها أكبر من نفعها‪ ،‬فلو نظر العبد كم يحصل له‬
‫من المضار والمفاسد منها لما أقدم عليها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فإذا تقرر هذا كله‪ ،‬فأليكم فوائد ومصالح ومنافع المراض والتي تزيد عن‬
‫المائة فائدة نقتصر على بعض منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ من فوائد المرض‪ ،‬أنه تهذيب للنفس‪ ،‬وتصفية لها من الشر الذي فيها‪:‬‬
‫وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ]الشورى‪،[30:‬‬
‫فإذا أصيب العبد فل يقل‪ :‬من أين هذا‪ ،‬ول من أين أتيت؟ فما أصيب إل‬
‫بذنب‪ ،‬وفي هذا تبشير وتحذير إذا علمنا أن مصائب الدنيا عقوبات لذنوبنا‪،‬‬
‫أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي قال‪ } :‬ما يصيب المؤمن من وصب‬
‫ول هم ول حزن ول أذى حتى الشوكة يشاكها إل كفر الله بها من خطاياه {‪،‬‬
‫وقال ‪ } :‬ول يزال البلء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما‬
‫عليه خطيئة {‪ ،‬فإذا كان للعبد ذنوب ولم يكن له ما يكفرها ابتله الله بالحزن‬
‫أو المرض‪ ،‬وفي هذا بشارة فإن مرارة ساعة وهي الدنيا أفضل من احتمال‬
‫مرارة البد‪ ،‬يقول بعض السلف‪ :‬لول مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس ‪0‬‬
‫‪2‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬أن ما يعقبه من اللذة والمسرة في الخرة أضعاف ما‬
‫يحصل له من المرض‪ ،‬فإن مرارة الدنيا حلوة الخرة والعكس بالعكس‪،‬‬
‫ولهذا قال ‪ } :‬الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر {‪ ،‬وقال أيضًا‪ } :‬تحفة‬
‫المؤمن الموت { ]رواه ابن أبي الدنيا بسند حسن[‪ ،‬وإذا نزل بالعبد مرض أو‬
‫مصيبة فحمد الله بني له بيت الحمد في جنة الخلد‪ ،‬فوق ما ينتظره من‬
‫الثواب‪ ،‬أخرج الترمذي عن جابر مرفوعًا‪ } :‬يود الناس يوم القيامة أن جلود‬
‫كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلء {‪.‬‬
‫‪3‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬قرب الله من المريض‪ ،‬وهذا قرب خاص‪ ،‬يقول الله‪:‬‬
‫} ابن آدم‪ ،‬عبدي فلن مرض فلم تعده‪ ،‬أما لو عدته لوجدتني عنده { ]رواه‬
‫مسلم عن أبي هريرة[‪ ،‬واثر‪ } :‬أنا عند المنكسرة قلوبهم {‪.‬‬
‫‪4‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬أنه يعرف به صبر العبد‪ ،‬فكما قيل‪ :‬لول المتحان لما‬
‫ظهر فضل الصبر‪ ،‬فإذا وجد الصبر وجد معه كل خير‪ ،‬وإذا فات فقد معه كل‬
‫خير‪ ،‬فيمتحن الله صبر العبد وإيمانه به‪ ،‬فإما أن يخرج ذهبا ً أو خبثًا‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫سبكناه ونحسبه لجينا ً فأبدى الكير عن خبث الحديد ) ومعنى اللجين الفضة (‪،‬‬
‫والمقصود‪ :‬أن حظه من المرض ما يحدث من الخير والشر‪ ،‬فعن أنس‬
‫مرفوعًا‪ } :‬إن عظم الجزاء من عظم البلء‪ ،‬وإن الله إذا أحب قوما ً ابتلهم‪،‬‬
‫فمن رضي فله الرضا‪ ،‬ومن سخط فله السخط {‪ ،‬وفي رواية‪ } :‬ومن جزع‬
‫فله الجزع { ]رواه الترمذي[‪ ،‬فإذا أحب الله عبدا ً أكثر غمه‪ ،‬وإذا أبغض عبدا ً‬
‫وسع عليه دنياه وخصوصا ً إذا ضيع دينه‪ ،‬فإذا صبر العبد إيمانا ً وثباتا ً كتب في‬
‫ديوان الصابرين‪ ،‬وإن أحدث له الرضا كتب في ديوان الراضين‪ ،‬وإن أحدث له‬
‫الحمد والشكر كان جميع ما يقضي الله له من القضاء خيرا ً له‪ ،‬أخرج مسلم‬
‫من حديث صهيب قال‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬عجبا ً لمر المؤمن‪ ،‬إن أمره كله‬
‫خير‪ ،‬وليس ذلك لحد إل للمؤمن‪ ،‬إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر‪ ،‬وإن‬
‫أصابته ضاء فصبر فله أجر‪ ،‬فكل قضاء الله للمسلم خير {‪ ،‬وفي رواية لحمد‬
‫} فالمؤمن يؤجر في كل أمره { فالمؤمن لبد وأن يرضى بقضاء الله وقدره‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في المصائب‪ ،‬اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر‪ ،‬وإذا أذنب استغفر‪ ،‬وإذا‬
‫ابتلي صبر‪ ،‬ومن لم ينعم الله عليه بالصبر والشكر فهو بشر حال‪ ،‬وكل‬
‫واحدة من السراء والضراء في حقه تفضي إلى قبيح المآل ؛ إن أعطاه طغى‬
‫وإن ابتله جزع وسخط‪.‬‬
‫‪5‬ـ ومن فوائد المرض وتمام نعمة الله على عبده‪ ،‬أن ينزل به من الضر‬
‫والشدائد ما يلجئه إلى المخاوف حتى يلجئه إلى التوحيد‪ ،‬ويتعلق قلبه بربه‬
‫فيدعوه مخلصا ً له الدين‪ ،‬فسبحان مستخرج الدعاء بالبلء‪ ،‬ومستخرج الشكر‬
‫بالعطاء‪ ،‬يقول وهب بن منبه‪ :‬ينزل البلء ليستخرج به الدعاء وإذا أنعمنا على‬
‫النسان ونئا بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ]فصلت‪ ،[51:‬فيحدث‬
‫العبد من التضرع والتوكل وإخلص الدعاء ما يزيد إيمانه ويقينه‪ ،‬ويحصل له‬
‫من النابة وحلوة اليمان وذوق طعمه ما هو أعظم من زوال المرض‪ ،‬وما‬
‫يحصل لهل التوحيد المخلصين لله الدين الذين يصبرون على ما أصابهم فل‬
‫يذهبون إلى كاهن ول ساحر ول يدعون قبرًا‪ ،‬أو صالحا ً فأعظم من أن يعبر‬
‫عن كنهه مقال‪ ،‬ولكل مؤمن نصيب‪ ،‬فإذا نزل بهم مرض أو فقر أنزلوه بالله‬
‫وحده‪ ،‬فإذا سألوا سألوا الله وحده‪ ،‬وإذا استعانوا استعانوا بالله وحده‪ ،‬كما‬
‫هو الحاصل مع نبي الله أيوب وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت‬
‫أرحم الرحمين ]النبياء‪.[83:‬‬
‫وتأمل عظيم بلء أيوب فقد فقد ماله كله وأهله ومرض جسده كله حتى ما‬
‫بقي إل لسانه وقلبه‪ ،‬ومع عظيم هذا البلء إل أنه كان يمسي ويصبح وهو‬
‫يحمد الله‪ ،‬ويمسي ويصبح وهو راض عن الله‪ ،‬لنه يعلم أن المور كلها بيد‬
‫الله‪ ،‬فلم يشتك ألمه وسقمه لحد‪ ،‬ثم نادى ربه بكلمات صادقة إني مسنى‬
‫الضر وأنت أرحم الراحمين فكشف الله ضره وأثنى عليه‪ ،‬فقال‪ :‬إنا وجدناه‬
‫صابرا ً نعم العبد أنه أواب ]ص‪ ،[44:‬وقد ورد في بعض الثار‪ } :‬يا ابن آدم‪،‬‬
‫البلء يجمع بيني وبينك‪ ،‬والعافية تجمع بينك وبين نفسك {‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪6‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬ظهور أنواع التعبد‪ ،‬فإن لله على القلوب أنواعا ً من‬
‫العبودية‪ ،‬كالخشية وتوابعها‪ ،‬وهذه العبوديات لها أسباب تهيجها‪ ،‬فكم من بلية‬
‫كانت سببا ً لستقامة العبد وفراره إلى الله وبعده عن الغي‪ ،‬وكم من عبد لم‬
‫يتوجه إلى الله إل لما فقد صحته‪ ،‬فبدأ بعد ذلك يسأل عن دينه وبدأ يصلي‪،‬‬
‫فكان هذا المرض في حقه نعمة ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن‬
‫أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والخرة‬
‫]الحج‪ ،[11:‬وذلك أن على العبد عبودية في الضراء كما أن عليه عبودية في‬
‫السراء‪ ،‬وله عبودية فيما يكره‪ ،‬كما أن له عليه عبودية فيما يحب‪ ،‬وأكثر‬
‫الناس من يعطي العبودية فيما يحب‪ ،‬والشأن في إعطاء العبودية في‬
‫المكاره‪ ،‬وفيها تتفاوت مراتب العباد‪ ،‬وبحسبها تكون منازلهم عند الله‪ ،‬ومن‬
‫كان من أهل الجنة فل تزال هداياه من المكاره تأتيه حتى يخرج من الدنيا‬
‫نقيًا‪ .‬يروى أنه لما أصيب عروة بن الزبير بالكلة في رجله قال‪ ) :‬اللهم كان‬
‫لي بنون سبعة فأخذت واحدا ً وأبقيت ستة‪ ،‬وكان لي أطراف أربعة فأخذت‬
‫طرفا ً وأبقيت ثلثة‪ ،‬ولئن ابتليت لقد عافيت‪ ،‬ولئن أخذت لقد أبقيت (‪ ،‬ثم‬
‫نظر إلى رجله في الطست بعدما قطعت فقال‪ ) :‬إن الله يعلم أني ما‬
‫مشيت بك إلى معصية قط وأنا أعلم (‪.‬‬
‫‪7‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬أن الله يخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر‪ ،‬فلو‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دامت للعبد جميع أحواله لتجاوز وطغى ونسي المبدأ والمنتهى‪ ،‬ولكن الله‬
‫سلط عليه المراض والسقام والفات وخروج الذى منه والريح والبلغم‪،‬‬
‫فيجوع كرها ً ويمرض كرهًا‪ ،‬ول يملك لنفسه نفعا ً ول ضرا ً ول موتا ً ول حياة ول‬
‫نشورًا‪ ،‬أحيانا ً يريد أن يعرف الشيء فيجهله‪ ،‬ويريد أن يتذكر الشيء فينساه‪،‬‬
‫وأحيانا ً يريد الشيء وفيه هلكه‪ ،‬ويكره الشيء وفيه حياته‪ ،‬بل ل يأمن في أي‬
‫لحظة من ليل أو نهار أن يسلبه الله ما أعطاه من سمعه وبصره‪ ،‬أو يختلس‬
‫عقله‪ ،‬أو يسلب منه جميع ما يهواه من دنياه فل يقدر على شيء من نفسه‪،‬‬
‫ول شيء من غيره‪،‬فأي شيء أذل منه لو عرف نفسه؟ فكيف يليق به الكبر‬
‫على الله وعلى خلقه وما أتى إل من جهله؟‬
‫ومن هذه أحواله فمن أين له الكبر والبطر؟ ولكن كما قيل‪ :‬من أكفر الناس‬
‫بنعم الله افقير الذي أغناه الله‪ ،‬وهذه عادة الخساء إذا رفع شمخ بأنفه‪ ،‬ومن‬
‫هنا سلط الله على العبد المراض والفات‪ ،‬فالمريض يكون مكسور القلب‬
‫كائنا ً من كان‪ ،‬فل بد أن يكسره المرض‪ ،‬فإذا كان مؤمنا ً وانكسر قلبه‬
‫فالمريض حصل على هذه الفائدة وهي النكسار والتضاع في النفس وقرب‬
‫الله منه‪ ،‬وهذه هي أعظم فائدة‪.‬‬
‫يقول الله‪ } :‬أنا عند المنكسرة قلوبهم { وهذا هو السر في استجابة دعوة‬
‫الثلثة‪ :‬المظلوم‪ ،‬والمسافر‪ ،‬والصائم‪ ،‬وذلك للكسرة التي في قلب كل واحد‬
‫منهم‪ ،‬فإن غربة المسافر وكسرته مما يجده العبد في نفسه‪ ،‬وكذلك الصوم‬
‫فإنه يكسر سورة النفس ويذلها‪ ،‬وكذا المر في المريض والمظلوم‪ ،‬فإذا أراد‬
‫الله بعبد خيرا ً سقاه دواء من البتلء يستفرغ به من المراض المهلكة للعبد‬
‫حتى إذا هذبه رد عليه عافيته‪ ،‬فهذه المراض حمية له‪ ،‬فسبحان من يرحم‬
‫ببلئه ويبتلي بنعمائه‪.‬‬
‫‪8‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬انتظار المريض لفرج‪ ،‬وأفضل العبادات انتظار الفرج‪،‬‬
‫المر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده‪ ،‬وهذا ملموس وملحظ على‬
‫أهل المرض أو المصائب‪ ،‬وخصوصا ً إذا يئس المريض من الشفاء من جهة‬
‫المخلوقين وحصل له الياس منهم وتعلق قلبه بالله وحده‪ ،‬وقال‪ :‬يا رب‪ ،‬ما‬
‫بقي لهذا المرض إل أنت‪ ،‬فإنه يحصل له الشفاء بإذن الله‪ ،‬وهو من أعظم‬
‫السباب التي تطلب بها الحوائج‪ ،‬وقد ذكر أن رجل ً أخبره الطباء بأن علجه‬
‫ل‪ ،‬وأنه ل يوجد له علج‪ ،‬وكان مريضا ً بالسرطان‪ ،‬فألهمه الله‬ ‫أصبح مستحي ً‬
‫الدعاء في السحار‪ ،‬فشفاه الله بعد حين‪ ،‬وهذا من لطائف أسرار اقتران‬
‫الفرج بالشدة إذا تناهت وحصل الياس من الخلق‪ ،‬عند ذلك يأتي الفرج‪ ،‬فإن‬
‫العبد إذا يئس من الخلق وتعلق بالله جاءه الفرج‪ ،‬وهذه عبودية ل يمكن أن‬
‫تحصل إل بمثل هذه الشدة حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا‬
‫جاءهم نصرنا ]يوسف‪.[110:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪9‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬أنه علمة على إرادة الله بصاحبه الخير‪ ،‬فعن أبي‬
‫هريرة مرفوعًا‪ } :‬من يرد الله به خيرا ً يصب منه { ]رواه البخاري[‪ ،‬ومفهوم‬
‫الحديث أن من لم يرد الله به خيرا ً ل يصيب منه‪ ،‬حتى يوافي ربه يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ففي مسند أحمد عن أبي هريرة قال‪ } :‬مر برسول الله أعرابي‬
‫أعجبه صحته وجلده‪ ،‬قال‪ :‬فدعاه فقال له‪ :‬متى أحسست بأم ملدم؟ قال‪:‬‬
‫وما أم ملدم؟ قال‪ :‬الحمى‪ ،‬قال‪ :‬وأي شيء الحمى؟ قال‪ :‬سخنة تكون بين‬
‫الجلد والعظام‪ ،‬قال‪ :‬ما بذلك لي عهد‪ ،‬وفي رواية‪ :‬ما وجدت هذا قط‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فمتى أحسست بالصداع؟ قال‪ :‬وأي شيء الصداع؟ قال‪ :‬ضربات تكون في‬
‫الصدغين والرأس‪ ،‬قال‪ :‬مالي بذلك عهد‪ ،‬وفي رواية‪ :‬ما وجدت هذا قط‪،‬‬
‫قال‪ :‬فلما قفا ـ أو ولى ـ العرابي قال‪ :‬من سره أن ينظر إلى رجل من أهل‬
‫المار فلينظر إليه { ]وإسناده حسن[ فالكافر صحيح البدن مريض القلب‪،‬‬
‫والمؤمن بالعكس‪.‬‬
‫‪10‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬أن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة‬
‫والتعرف على الله في الرخاء‪ ،‬فإنه يحفظ له عمله الصالح إذا حبسه‬
‫المرض‪ ،‬وهذا كرم من الله وتفضل‪ ،‬هذا فوق تكفير السيئات‪ ،‬حتى ولو كان‬
‫مغمى عليه‪ ،‬أو فاقدا ً لعقله‪ ،‬فإنه مادام في وثاق الله يكتب له عمله الصالح‪،‬‬
‫تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة‪ ،‬وبالتالي تقل معاصيه‪ ،‬وإن كان‬
‫فاقدا ً للعقل لم تكتب عليه معصية ويكتب له عمله الصالح الذي كان يعمله‬
‫في حال صحته‪ ،‬ففي مسند أحمد عن عبدالله بن عمرو عن النبي ‪ } :‬ما من‬
‫أحد من الناس يصاب بالبلء في جسده إل أمر الله عز وجل الملئكة الذين‬
‫يحفظونه‪ ،‬فقال‪ :‬اكتبوا لعبدي كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في‬
‫وثاقي {‪.‬‬
‫‪11‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬أنه إذا كان للعبد منزلة في الجنة ولم يبلغها بعمله‬
‫ابتله الله في جسده‪ ،‬أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪ } :‬إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل‪ ،‬فما‬
‫يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها {‪ ،‬يقول سلم بن مطيع‪ :‬اللهم إن كنت‬
‫بلغت أحدا ً من عبادك الصالحين درجة ببلء فبلغنيها بالعافية‪.‬‬
‫‪12‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته‪ ،‬فإنه إذا‬
‫تربى في العافية ل يعلم ما يقاسيه المبتلى فل يعرف مقدار النعمة‪ ،‬فإذا‬
‫ابتلي العبد كان أكثر همه وأمانيه وآماله العودة إلى حالته الولى‪ ،‬وأن يمتعه‬
‫الله بعافيته‪ ،‬فلول المرض لما عرف قدر الصحة‪ ،‬ولول الليل لما عرف قدر‬
‫النهار‪ ،‬ولول هذه الضداد لما عرفت كثير من النعم‪ ،‬فكل مريض يجد من هو‬
‫أشد مرضا ً فيحمد الله‪،‬وكل غني يجد من هو أغنى منه‪ ،‬وكل فقير يجد من‬
‫هو أفقر منه‪ ،‬ثم كم نسبة صحة العبد إلى مرضه فوق ما فيه من الفوائد‬
‫والمنافع التي يجهلها العبد وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو خير لكم ]البقرة‪:‬‬
‫‪ ،[216‬ولهذا روي أن آدم لما نشر الله له ذريته رأى الغني والفقير وحسن‬
‫الصورة‪ ،‬ورأى الصحيح على هئيته والمبتلى على هيئته‪ ،‬ورأى النبياء على‬
‫هيئتهم مثل السرج‪ ،‬قال‪ :‬يارب أل سويت بين عبادك؟ قال‪ :‬إني أحب أن‬
‫أشكر‪ ،‬فإن العبد إذا رأى صاحب البلء قال‪ :‬الحمد لله الذي عافاني مما‬
‫ابتلك‪ ،‬فيعافيه الله من ذلك البلء بشرط الحمد‪ ،‬والمبتلى إذا صبر حصل‬
‫على أجر عظيم‪.‬‬
‫والغريب أن العبد إذا نظر في دنياه نظر إلى من هو فوقه‪ ،‬لكنه إذا نظر في‬
‫دينه نظر إلى من هو أسفل منه‪ ،‬فتجده يقول‪ :‬نحن أفضل من غيرنا‪ ،‬لكنه ل‬
‫يقول ذلك في دنياه‪ ،‬ومن ذاق ألم المراض عرف بعد ذلك قيمة الصحة‪ ،‬وكم‬
‫نسبة مرضه إلى نسبة صحته‪ ،‬روي أن الفضيل كانت له بنت صغيرة فمرض‬
‫كفها فسألها يومًا‪ :‬يا بنية‪ ،‬كيف حال كفك؟ فقالت‪ :‬يا أبت بخير‪ ،‬والله لئن‬
‫كان الله تعالى ابتلى مني قليل ً فلقد عافى الله مني كثيرًا‪ ،‬ابتلى كفي وعافى‬
‫سائر بدني‪ ،‬فله الحمد على ذلك‪.‬‬
‫‪13‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬أنه إحسان ورحمة من الرب للعبد‪ ،‬فما خلقه ربه إل‬
‫ليرحمه ل ليعذبه ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم ]النساء‪،[147:‬‬
‫وكما قيل‪:‬‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وربما كان مكروه النفس إلى *** محبوبها سبب ما مثله سبب‬
‫ولكن أكثر النفوس جاهلة بالله وحكمته‪ ،‬ومع هذا فربها يرحمها لجهلها‬
‫وعجزها ونقصها‪ ،‬وهذا ورد في بعض الثار أن العبد إذا أصابته البلوى فيدعو‬
‫ربه ويستبطئ الجابة‪ ،‬ويقول الناس‪ :‬أل ترحمه يارب؟ فيقول الله‪ ) :‬كيف‬
‫أرحمه من شيء به أرحمه؟ (‪ .‬فمثل ً الوالد عندما يجبر ابنه على شرب الدواء‬
‫المر وهو يبكي وأمه تقول‪ :‬أل ترحمه؟ مع أن فعل الوالد هو رحمة به‪ ،‬ولله‬
‫المثل العلى‪ ،‬فل يتهم العبد ربه بابتلئه وليعلم أنه إحسان إليه‪.‬‬
‫لعل عتبك محمود عواقبه *** وربما صحت الجساد بالعلل‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪14‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬أنه يكون سببا ً لصحة كثير من المراض‪ ،‬فلول تلك‬
‫اللم لما حصلت هذه العافية‪ ،‬وهذا شأن أكبر المراض‪ ،‬أل وهو الحمى وهي‬
‫المعروفة الن بالملريا‪ ،‬ففيها منافع للبدان ل يعلمها إل الله‪ ،‬حيث أنها تذيب‬
‫الفضلت وتتسبب في إنضاج بعض المواد الفاسدة وإخراجها من البدن‪ ،‬ول‬
‫يمكن أن يصل إليه دواء غيرها‪ ،‬يقول بعض الفضلء من الطباء‪ :‬إن كثيرا ً من‬
‫المراض التي نستبشر فيها الحمى‪ ،‬كما يستبشر المريض بالعافية‪ ،‬فتكون‬
‫الحمى فيه أنفع من شرب الدواء الكثير‪ ،‬فمن المراض التي تتسبب الحمى‬
‫في علجها مرض الرمد والفالج واللقوة ـ وهو داء يكون في الوجه يعوج منه‬
‫الشدق ـ وزيادة على الصحة فهي من أفضل المراض في تكفير الذنوب‪،‬‬
‫ففي مسلم عن جبران } أن رسول الله دخل على أم السائب‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"مالك؟" فقالت‪ :‬الحمى‪ ،‬ل بارك فيها‪ ،‬فقال‪" :‬ل تسبي الحمى فإنها تذهب‬
‫خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد" {‪ ،‬وعند أحمد بسند صحيح‪:‬‬
‫} حمى يوم كفارة سنة { ]عن ابن عمرو[ وفي الدب للبخاري عن أبي‬
‫هريرة‪ } :‬ما من مرض يصيبني أحب إلى من الحمى { لنها تدخل في كل‬
‫ل‪ ،‬وقيل إنها تؤثر في البدن تأثيرا ً ل‬
‫العضاء والمفاصل وعددها ‪ 360‬مفص ً‬
‫يزول بالكلية إل بعد سنة‪.‬‬
‫‪15‬ـ ومن فوائد المراض‪ :‬تخويف العبد ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا‬
‫لربهم وما يتضرعون ]المؤمنون‪ ،[76:‬وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون‬
‫]الزخرف‪ ،[48:‬فما ابتله الله إل ليخوفه لعله أن يرجع إلى ربه‪ ،‬أخرج المام‬
‫أبو داود عن عامر مرفوعًا‪ } :‬إن المؤمن إذا أصابه سقم ثم أعفاه منه كان‬
‫كفارة لما مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل‪ ،‬وإن المنافق إذا مرض‬
‫ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه ولم‬
‫أرسلوه {‪.‬‬
‫‪16‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬أن الله يستخرج به الشكر‪ ،‬فإن العبد إذا ابتلي بعد‬
‫الصحة بالمرض وبعد القرب بالبعد اشتاقت نفسه إلى العافية‪ ،‬وبالتالي‬
‫تتعرض إلى نفحات الله بالدعاء فإنه ل يرد القدر إل الدعاء بل ينبغي له أن‬
‫يتوسل إلى الله ول يتجلد تجلد الجاهل فيقول‪ :‬يكفي من سؤالي علمه بحالي‬
‫!! فإن الله أمر العبد أن يسأله تكرما ً وهو يغضب إذا لم تسأله‪ ،‬فإذا منح الله‬
‫العبد العافية وردها عليه عرف قدر تلك النعمة ؛ فلهج بشكره شكر من‬
‫عرف المرض وباشر وذاق آلمه ل شكر من عرف وصفه ولم يقاس ألمه‪،‬‬
‫فكما يقال‪ :‬أعرف الناس بالفات أكثرهم آفات‪ ،‬فإذا نقله ربه من ضيق‬
‫المرض والفقر والخوف إلى سعة المن والعافية والغنى فإنه يزداد سروره‬
‫وشكره ومحبته لربه بحسب معرفته وبما كان فيه‪ ،‬وليس كحال من ولد في‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العافية والغنى فل يشعر بغيره‪.‬‬


‫‪17‬ـ ومن فوائد المرض‪ :‬معرفة العبد ذله وحاجته وفقره إلى الله‪ ،‬فأهل‬
‫السموات والرض محتاجون إليه سبحانه‪ ،‬فهم فقراء إليه وهو غني عنهم‬
‫ولول أن سلط على العبد هذه المراض لنسي نفسه‪ ،‬فجعله ربه يمرض‬
‫ويحتاج ليكون تكرار أسباب الحاجة فيه سبب لخمود آثار الدعوى وهو ادعاء‬
‫الربوبية‪ ،‬فلو تركه بل فاقة لتجرأ وادعى‪ ،‬فإن النفس فيها مضاهاة للربوبية‪،‬‬
‫ولهذا سلط الله عليه ذل العبودية وهي أربع‪ :‬ذل الحاجة‪ ،‬وذل الطاعة‪ ،‬وذل‬
‫المحبة ـ فالمحب ذليل لمن أحبه ـ وذل المعصية‪ ،‬وعلى كل فإذا مرض العبد‬
‫أحس بفقره وفاقته إلى الله كائنا ً من كان ‪0‬‬
‫لعلك تقول‪ :‬هذه الخبار ددل على أن البلء خير في الدنيا من النعيم‪ ،‬فهل‬
‫نسأل الله البلء؟ ٌفول لك‪ :‬ل وجه لذلك‪ ،‬بل إن الرسول قال دعائه لما‬
‫أخرجه أهل الطائف‪ } :‬إن لم يكن بك غضب علي فل أبالي‪ ،‬ولكن عافيتك‬
‫أوسع لي {‪ ،‬وروى أن العباس لما طلب من الرسول أن يعلمه دعاء فقال‬
‫له‪ } :‬سل الله العفو والعافية‪ ،‬فإنه ما أعطى أحد أفضل من العافية بعد‬
‫اليقين {‪ ،‬وقال الحسن‪ :‬الخير الذي ل شر فيه العافية مع الشكر‪ ،‬فكم من‬
‫منعم عليه غير شاكر‪ ،‬وهذا أظهر من أن يحتاج إلى دليل‪ ،‬فينبغي أن نسأل‬
‫الله تمام النعمة في الدنيا ودفع البلء عنا‪ ،‬لكن إذا ابتلي العبد ببلء فينبغي له‬
‫الصبر والرضا بقضاء الله عليه‪.‬‬
‫أخيرا ً أختم هذه الرسالة بأن المرض نعمة وليس بنقمة‪ ،‬وأن في المرض‬
‫لذائذ‪:‬‬
‫‪1‬ـ منها‪ :‬لذة العطف الذي يحاط به المريض والحب الذي يغمره من أقاربه‬
‫ومعارفه‪.‬‬
‫‪2‬ـ ومنها‪ :‬اللذة الكبرى التي يجدها المريض ساعة اللجوء إلى الله‪ ،‬هندما‬
‫يدعوه مخلصا ً مضطرًا‪.‬‬
‫‪3‬ـ ومنها‪ :‬لذة الرضا عن الله عندما تمر لحظات الضيق على المريض وهو‬
‫مقيد على السرير‪ ،‬ويبلغ به المرض أقصاه فيفيء لحطتها إلى الله كما حصل‬
‫في نداء أيوب‪ ،‬فل يحكم على المريض أو البائس بمظهره‪ ،‬فلعل وراء الجدار‬
‫الخرب قصرا ً عامرًا‪ ،‬ولعل وراء الباب الضخم كوخا ً خربًا‪.‬‬
‫‪4‬ـ ومنها‪ :‬لذة المساواة التامة‪ ،‬فهي سنة الحياة‪ ،‬فل يفرق المرض بين غني‬
‫أو فقير‪ ،‬فلو كان المرض سببه الفقر أو نقص الغذاء لكان المرض وقفا ً على‬
‫ل‪ ،‬الناس‬‫الفقراء‪ ،‬ولكان الغنياء في منجى منه‪ ،‬لكنه ل يعرف حقيرا ً أو جلي ً‬
‫سواء‪.‬‬
‫تمت هذه الرسالة ولله الحمد والمنة‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪204‬‬

You might also like