You are on page 1of 209

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫أسأل الله تعالى أن يتولنا بعفوه ‪ ،‬وأن يرحمنا برحمته ‪ ،‬وأن يستعملنا في‬
‫طاعته ‪ ،‬وأن يجعل مثوانا جنته ‪ ،‬وأن يتقبلنا في عباده الصالحين ‪ ،‬والحمد لله‬
‫رب العالمين ‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫إبراهيم بن محمد الحقيل‬
‫ص‪ .‬ب ‪ 27028‬الرياض ‪11417‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لعلكم تتقون‬
‫طريق القرآن‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على المبعوث رحمة للعالمين وبعد ‪ /‬فلسائل أن‬
‫يقول ‪ :‬ما هي الحكمة من عبادة الصوم ؟ وسوف تكون الجابة التي ل شك‬
‫فيها ‪ :‬التقوى‪.‬‬
‫نعم إنها التقوى ‪ ...‬إنها التقوى ? لعلكم تتقون ? ‪ ،‬وهي الحكمة والغاية من‬
‫العبادة ‪...‬‬
‫نعم ‪ ..‬أن يكون تركنا للمشارب والمآكل والشهوة إخلصا ً لله تعالى واتباعا ً‬
‫لمره ‪ ، ..‬وحينها نشعر بأثر العبادة ‪ ،‬نشعر بأثرها علينا في أجسامنا‬
‫ومجتمعنا وقلوبنا والدنيا بأسرها ‪..‬‬
‫ولذا أيها الحبة يجب علينا أن نفتش في دواخل قلوبنا ونفوسنا ‪ ،‬وأن نخلص‬
‫له تعالى في عملنا ‪...‬‬
‫نعم لنتأمل قوله _ صلى الله عليه وسلم _ ‪ ) ) :‬من صام رمضان إيمانا ً‬
‫واحتسابا ً غفر له ما تقدم من ذنبه ( ( ‪ ) ..‬إيمانا ً واحتسابا ً ( ‪ ..‬إيمانا ً بالله‬
‫تعالى وتصديقا ً لنبيه _ صلى الله عليه وسلم _ وعمل ً بما أمره الله به ‪،‬‬
‫واحتسابا ً للجر منه تعالى ل من غيره ‪..‬‬
‫فلم يصم لجل أن الناس صاموا ‪ ..‬أو لجل أن ل يقال عنه ‪ :‬بأنه مفطر ‪ ..‬بل‬
‫صام إيمانا ً واحتسابا ً ‪...‬‬
‫وعليه فإني أوجه النداء لنا كلنا بأن نتقي الله تعالى في هذا الشهر الكريم‬
‫وأن نحقق التقوى في الصيام لله تعالى ل لغيره ‪..‬‬
‫فيا من اجتهدت في الصيام وضيعت الصلة ‪ ..‬ما حققت التقوى ‪ ...‬فاتق الله‬
‫والزم طاعته ‪ ،‬واعلم بأن ما أنت عليه معصية عظيمة ‪..‬‬
‫ويا من أمضى نهاره صائما ً عما أحل الله له في غير رمضان من طعام‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وشراب ومأكل ؛ امتثال ً لمر الله ‪ ..‬لكنه كذب وغش واغتاب وبهت ون ّ‬
‫م‬
‫وتكلم في أعراض الناس وسخر من هذا وذاك وأكل الحرام ‪ ..‬ما حققت يا‬
‫أخي التقوى وأنت قائم على تلك المعاصي ‪ ..‬فتب إلى ربك وحقق التقوى‬
‫بامتناعك عن تلك الكبائر ‪ ،‬ولقد جاء في الصحيح‪ ) ) :‬من لم يدع قول الزور‬
‫والعمل به ‪ ،‬فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ( ( ‪.‬‬
‫ويا من اجتهد في النهار في الصوم وتلوة القرآن والحرص على الصدقة ‪..‬‬
‫وضّيع الليل ما بين شياطين الفضاء والقنوات الملهية وقيل وقال ولعب‬
‫وسهر وضياع ‪ ..‬ما حققت يا أخي التقوى ‪ ..‬فاتق الله والزم طاعة ربك‬
‫واحذر مخالفته ومعصيته ‪....‬‬
‫نعم ) لعلكم تتقون ( ‪ ،‬إن رمضان فرصة لنا أن نجدد العهد مع الله تعالى ‪،‬‬
‫وأن نتوب ونؤوب إليه وأن نتخلص من أمراض قلوبنا وذنوبنا وأن نصحح‬
‫مسيرنا إلى الله تعالى بالتوبة النصوح ولزوم العمل الصالح ‪..‬‬
‫إنها فرصة لنا كي نفتح صفحة جديدة من أعمارنا نعمرها بالعبادة وبالقرب‬
‫منه تعالى ‪...‬‬
‫إنها فرصة لنا كي نصفي ما بيننا وبين أنفسنا وأقربائنا وأهلنا‪..‬‬
‫فرصة لصلة الرحم ‪ ،‬وبذل المعروف وفعل الجميل والكثار من الطاعات‬
‫وتلمس ذوي الحاجات ‪..‬‬
‫لم يكن رمضان شهر السهر والسمر والكل والشرب ‪ ..‬كل ‪ ،‬بل هو شهر‬
‫العبادة ‪.‬‬
‫أتدرون ما العبادة ؟ عبادة الجسد والروح ‪ ،‬عبادة القلب والروح ‪ ،‬عبادة‬
‫الظاهر والباطن ‪،‬‬
‫العلم والعمل ‪ ،‬الجد والمثابرة ‪ ،‬وهزيمة النفس المارة بالسوء والشيطان ‪..‬‬
‫إن غزوة بدر الكبرى يوم الفرقان التي خلد الله ذكرها في كتابه كانت في‬
‫رمضان‪.‬‬
‫وفتح بلد الله الحرام مكة المكرمة يوم أن اندحر الشرك والكفر عن أطهر‬
‫البقاع كان في رمضان ‪ ،‬والخير كله في رمضان ‪..‬‬
‫نعم لم يكن شهر كسل ودعة وأكل وشرب وسهر وضياع ونغم وأفلم‬
‫ومسلسلت ومسابقات وفوازير ‪..‬‬
‫والله إننا لنستحي من الله تعالى أن يمن علينا بنعمة هذا الشهر الكريم وما‬
‫فيه من الفضائل وعظيم الجر ‪ ،‬وينظر إلينا سبحانه وقد قابلنا نعمته بالجحود‬
‫‪ ..‬لعب ولهو وسمر وسهر ‪ ، ..‬ل بل ينزل تبارك وتعالى في ثلث الليل الخر ‪،‬‬
‫وبعضنا على حالة ‪ ...‬نسأل الله أن ل يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ‪..‬‬
‫نعم كلنا مقصرون ‪ ،‬وكلنا مذنبون ‪ ،‬ولكن لنتفكر يا عباد الله ‪ ..‬لنتفكر قبل أن‬
‫ل ينفع الندم ول ينفع العمل ‪ ..‬والله المستعان ‪.‬‬
‫إنه ينبغي علينا رجال ً ونساًء أن نتقي الله في صيامنا وأن نحقق اليمان‬
‫والحتساب فيه ‪..‬‬
‫ولعلي أهمس في أذن أختي المسلمة لقول ‪:‬‬
‫ك وأن يذهب عليك شهرك سدى ‪ ،‬ما بين نوم وطبخ وسواليف‬ ‫ك ثم إيا ِ‬
‫إيا ِ‬
‫وزيارات وتلفاز ‪..‬‬
‫أدركي أختي فجيعة فوات العمر ‪ ... ،‬وما أشد الفجيعة حينما يفوت على‬
‫المسلمة رمضان ولم يغفر لها ؟ ‪ ،‬أسأل الله لنا التوفيق والهداية والرشاد ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لغة الحوار في القرآن الكريم ) ‪( 1‬‬


‫د‪ .‬المقرئ أبو زيد الدريسي‬
‫لغة الحوار في القرآن الكريم هو جزء من موضوع كامل عن منهج الحوار في‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وأحتاج هنا أن أفكك عناصر العنوان وأقف عليها عنصرا‬
‫عنصرا لنخلص بعد ذلك إلى التبرير العلمي والمنهجي لختيار هذا الموضوع‪.‬‬
‫ولنسأل لماذا الحوار ولماذا القرآن ولماذا اللغة‪.‬‬
‫إنني اعتبر البشرية كلها تعيش اليوم أزمة حوار حقيقي وأتصور أن كثيرا من‬
‫المشاكل والصدامات الدامية التي تدفع البشرية ثمنها كان ممكنا أن تتجنب‬
‫أصل ً أو يخفف أثرها أو تقل سلبياتها لو لجئ إلى الحوار واستنفذت أغراضه‬
‫ووسائله‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والمة السلمية تعرف عموديا وأفقيا أزمة حوار حقيقية‪ ،‬أزمة علقة بين‬
‫الحاكم والمحكوم‪ ،‬أزمة علقة بالمستوى الفقي بين عناصر المجتمع المدني‬
‫من مختلف جوانبه وتوجهاته الجتماعية والسياسية‪ ،‬أزمة علقة فيما بين‬
‫النظمة على مستوى العالم العربي والسلمي‪ ،‬أزمة علقة بين التيار‬
‫القومي والتيار السلمي والتيار العلماني‪ ،‬وهناك أزمة تنزل إلى مستوى‬
‫السرة فيما بين الزوج والزوجة وما بين الزوجين والولد لغياب الحوار‪.‬‬
‫فالحوار رئيسي وضروري وممر استراتيجي لحل هذه الزمة‪ ،‬أزمة الختلف‬
‫والصدام السلبي التي نعيشها اليوم‪.‬‬
‫أما القرآن فإنه يمثل القاسم المشترك أو الكلمة السواء بين المسلمين‪،‬‬
‫وأول شروط الحوار الناجح أو على القل كي ل يرتد إلى انتكاسة أسوأ من‬
‫الخلف الول‪ ،‬أن ينطلق المتحاورون من قاعدة وأرضية مشتركة‪ ،‬والقرآن‬
‫هو المنطلق الذي يمكن للمسلمين أن يعودوا ويحتكموا إليه‪.‬‬
‫أما محورية اللغة فلن النص القرآني أساسا ً هو نص لغوي أنتج باللغة العربية‬
‫وفق قواعدها ومحكوم بضوابطها وينتهي إلى مآلتها اللغوية‪ ،‬وهذا اختيار الله‬
‫‪ -‬عز وجل ‪ -‬وليس هذا تحكم من أحد‪ .‬فالله ‪ -‬تعالى ‪-‬اختار أن يتواصل مع‬
‫البشر بهذه اللغة‪ .‬وهذه اللغة ل بد أن تتكون وتتشكل في محيط واقعي? وما‬
‫أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ليبين لهم? فل بد إذن أن يكون النبي‬
‫يتكلم بلسان قومه‪ ،‬فكان القرآن باللسان العربي‪ ،‬وبالتالي خضع القرآن‬
‫الكريم لليات هذا اللسان وضوابطه في الستنباط فكانت هذه الرضية‬
‫الصلبة للتأويل‪.‬‬
‫أرضيتان صلبتان في القرآن‪ .‬متنه ولغته‪ ،‬وقد أجمع علماء اللغة المسلمون‬
‫أن القرآن نازل بلغة العرب خاضع لسننها في الداء‪ ،‬ومن هنا لم يجد السلف‬
‫حرجا ً في أن يخضعوا تأويل القرآن لضوابط اللغة‪ .‬لن اعتماد بعض‬
‫النتقائيين على معاني القرآن مباشرة دون اعتماد قوانين اللغة يؤدي إلى‬
‫السقوط في تضارب وتعارض يجتهد الصوليون والمجتهدون بآليات درء‬
‫التعارض بين النصوص لحلها‪.‬‬
‫وسأتناول بالبحث عنصرين من بين سبعة عناصر يمكن أن تعتبر أهم‬
‫المؤشرات اللغوية الدالة على الحوار ومستوياته ومقاصده وأخلقه ومنهاجيته‬
‫في القرآن الكريم‪ .‬ولنبدأ بالعنصر الول ولنطرح السؤال التالي‪ :‬هل القرآن‬
‫الكريم دعوة إلى الحوار‪ ،‬أم دعوة إلى التبليغ التلقيني المتعالي‪ ،‬أم دعوة‬
‫إلى القصاء الذي هو عكس الحوار؟ كيف نثبت ذلك لغويا ً باللغة المحضة‪،‬‬
‫باللغة كمادة موضوعية محكومة بقواعد بعيدا عن التأويليه والنتقائيه؟‬
‫يقرر بعض المفكرين أن القرآن الكريم ما ادعى دعوى إل كان له من نفسه‬
‫ن بذاته عن خارجه وأنه ل شيء في القرآن‬ ‫ل‪ .‬أي أن القرآن مستغ ٍ‬‫عليها دلي ً‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كدعوى أو منهج أو شعار إل ومادة القرآن تقدم عليه أمثلة وتطبيقات ونماذج‪.‬‬
‫وأنا أستأنس بهذه الشارة لكي أقول أن القرآن الكريم يدعوا إلى الحوار‬
‫ومن مستلزمات الحوار العتراف بالطرف الخر وبحقه في الوجود وبحقه‬
‫في التعبير عن رأيه وبحقه في الختلف مع الخر الذي هو الحق الذي هو‬
‫القرآن‪ .‬القرآن الكريم يؤسس لهذا ودليلي من اللغة هو فعل قال أو مادة‬
‫القول باعتبارها مؤشرا ً لغويا ً حاسما ً وصارما ً على حوارية أي نص‪ .‬وفي‬
‫اعتقادي أن أي نص وتخصصي أصل في اللسانيات وحيا ً أو غير وحي قرآنا أو‬
‫ً‬
‫شعرًا‪ ،‬أهم مؤشر على وجود روح الحوار فيه هو تصرف مادة القول‪ .‬أي‬
‫فعل قال ومشتقاتها‪.‬‬
‫وبقدر حضور هذه المادة وبقدر توزعها وتنوعها بقدر وجود تصريفاتها بقدر ما‬
‫يكون حظ هذا النص من الحوارية‪ .‬فطرحت هذا السؤال على نفسي‬
‫واستعنت بالمعجم المفهرس للفاظ القرآن الكريم وعكفت على المصحف‬
‫مدة فانتهيت إلى ما يأتي‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مادة ‪ -‬ق و ل ‪ -‬تتكرر في القرآن ‪ 1722‬مرة هذا رقم فظيع ينبغي الوقوف‬
‫عنده خشوعا ً ساعات إن لم أقل دهرا ً من الزمان وأكثر من ذلك الحضور‬
‫الكمي‪ ،‬الحضور الكيفي إذ تتصرف على تسعة وأربعين تصريفا ً واشتقاقا ً لنه‬
‫لو كانت )قال( متصرفة تصريفا ً واحدا ً ‪-‬قال أو يقول منسوبة إلى الذات‬
‫اللهية‪ ،‬قلت أو قلنا أو ما شاء من التصرفات الدالة على جهة المتكلم‬
‫المتعالي‪ -‬لما كان هناك أي معنى لستعمال مادة القول كمؤشر على الحوار‪.‬‬
‫فهذا يكون مؤشرا ً على التلقين وعلى التعالي وعلى الصوت الواحد وعلى‬
‫الرأي الواحد والفكر الواحد‪ .‬ولكن نجدها متوزعة على تسعة وأربعين‬
‫اشتقاقا تتوزع على كل أطراف المقام الحواري‪ .‬من متكلم ومخاطب‬
‫ومستمع ومحاور ومقاطع وغائب وحاضر ومذكر ومؤنث ومثنى وجمع‪.‬‬
‫نجد "قال" ‪ 529‬مرة‪ ،‬و "يقولون" ‪ 92‬مرة‪ ،‬و "قل" ‪ 332‬مرة‪ ،‬و "قولوا"‬
‫‪ 13‬مرة‪ ،‬و "قيل" ‪ 49‬مرة‪ ،‬و "القول" ‪ 52‬مرة‪ ،‬و "قولهم" ‪ 12‬مرة‪ .‬وأنا‬
‫أذكر الرقام كمؤشر على الحوارية عالي الترداد داخل النص القرآني بشكل‬
‫لفت للنظر وخاصة إذا أخذنا بعين العتبار المعطيات السبعة التية الملتصقة‬
‫بهذا المؤشر‪.‬‬
‫ل‪ :‬الخر الذي يؤشر على كلمه )بقال أو قالوا أو يقولون أو قولهم( أي‬ ‫أو ً‬
‫حضور الخر الذي يبتدأ كلمه بهذه اللزمة هو حضور ضخم والحاصل أننا‬
‫أمام نص غريب‪ ،‬فقد نستنتج من نص بشري لو وجدنا فيه هذه الدرجة العليا‬
‫من الحضور لمؤشر الحوار‪ -‬مادة القول ‪ -‬أن صاحب النص شخص مفتوح‬
‫شخص ذو طبيعة حوارية‪ ،‬شخص يؤمن بحق الخر‪ ،‬شخص أنتج نصا ً متعدد‬
‫الصوات‪ ،‬شخص حضاري بالمعنى الحقيقي‪ ،‬لنه يستحضر رأيه ورأي الخرين‬
‫ويناقشه‪ .‬أما وأن المر يتعلق بكلم الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فالمر يحتاج إلى وقفه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الصل في كلم الله أنه متعالي‪ .‬والوضع المقامي يؤثر في القراءة‬
‫الدللية للفعل اللغوي تأثيرا ً قويا ً جدا لنك إذا أخذت المر مثل ً من أعلى إلى‬
‫أسفل فهو أمر أقيموا الصلة وإذا كان من أسفل إلى أعلى فهو دعاء اللهم‬
‫ل في صيغته الصرفية هو فعل أمر ولكن يدخل‬ ‫صل على سيدنا محمد وص ِ‬
‫المقام فيتغير لنه ليس هناك أحد من العباد يأمر الله فيتحول إلى فعل دعاء‪.‬‬
‫ل‪ ،‬كأن أقول لزميلي‬ ‫وإذا كان خطاب مثيل وند فيصبح المعنى التماسا ً وسؤا ً‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أعطني القلم‪ ،‬فأنا لست ربا ً له فآمره ولست عبدا ً له فأدعوه بل هو مثلي‬
‫فيكون كلمي التماسا ً عند تساوي عنصري المقام‪.‬‬
‫ل بطبيعته لنه من الله يخاطب البشر وطبيعة النص‬ ‫فالنص اللهي نص متعا ٍ‬
‫المتعالي المفروض فيه أن يكون ذا صوت واحد هو صوت الحق المطلق‬
‫والعلم المطلق والفهم المطلق والحكمة المطلقة والمعرفة المطلقة‪ .‬ثم هو‬
‫أصل ً لم يأت في سياق الحوار بل هو نص جاء في سياق هداية وتبليغ وإبلغ‬
‫وتعليم وأمر وخبر‪ .‬فإذا استحضرنا أن النص نص إلهي ذو طبيعة متعالية‬
‫المفروض فيه أن يكون ذا صوت واحد وأل يكون متعدد الصوات وأل ينكر‬
‫عليه ذلك ول أن يكون حواريًا‪...‬زاد ثقل المر‪.‬‬
‫وإذا كان كلم العقلء منزها ً عن العبث فماذا نقول عن كلم الله‪ ،‬إنه الحق‬
‫المطلق والصواب المطلق ورغم ذلك يكرر حقيقة ‪ 1722‬مرة في حين‬
‫عندما يكون المنتج للكلم في المقام ذا وزن ثقيل إذا قال المر مرة واحدة‬
‫يأخذ هذا المر ثقله ووزنه وهيبته من المقام‪ ،‬من طبيعة المتكلم? لو أنزلنا‬
‫هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله?‪ .‬ومعنى هذا‬
‫عندما يستعمل الله ‪ -‬تعالى ‪-‬التكرار فالمر له خطورة والمر له وزن‪.‬‬
‫فالعنصر الول الذي نريد أن نقف عنده في هذا المؤشر هو هذا الستحضار‬
‫الثقيل للرأي الخر‪ .‬الذي يستغرق تقريبا خمسين بالمائة‪ ،‬أي أن هذا المؤشر‬
‫الحواري نصفه من كلم الله والصالحين والنبياء والملئكة والمؤمنين‪،‬‬
‫والنصف الثاني هو للكفار والمشركين والملحدة والزنادقة والبخلء‬
‫والمنهزمين والمغرضين‪ .‬فالقرآن يقاسم الخر بصدر رحب خمسين بالمائة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثالثًا‪ :‬أن القرآن يستعرض الرأي الخر رغم أنه باطل رغم أنه ضلل رغم أنه‬
‫خطأ‪ ،‬رغم أنه ل يملك أي حظ من الصوابية‪ .‬مقابل ذلك‪ ،‬في دائرة الحق‬
‫والباطل يتحرك البشر والمسلمون منهم في دائرة الصواب والخطأ‪ ،‬لكن من‬
‫أزماتنا النفسية قبل أن تكون من أزماتنا المعرفية أننا نتماهى بالذات اللهية‬
‫من فرط قراءتنا للقرآن والتباس المر علينا‪ .‬هل نقرأ القرآن متلقين؟ أم‬
‫نقرأ القرآن لنخاطب به الخرين وبالتالي يختلط علينا المر أحيانا فنضع‬
‫أنفسنا في حالة تماهي مع الله ونتخندق في خندق الحق ونجعل الخر في‬
‫جانب الباطل‪ ،‬رغم أن الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬عندما يتكلم يستحضر الخر وبكل‬
‫هذا الثقل‪ .‬فتجد في القرآن كلم الملحدين الذين ينكرون وجود الله أص ً‬
‫ل?‬
‫وقالوا إن هي إل حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إل الدهر?‪ ،‬وكلم اليهود?‬
‫وقالت اليهود يد الله مغلولة?‪ ،‬وكلم النصارى "إن الله ثالث ثلثة"‪ ،‬وكلم‬
‫المنافقين المغرضين الذين يفلسفون كل رذائلهم وأقل رذائلهم رذيلة البخل‪،‬‬
‫يفلسفون بشكل خطير يمكن أن تنطلي شبهتها على الضعاف "وإذا قيل لهم‬
‫أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله‬
‫أطعمه" شبهة خطيرة يمكن أن تعلق يوردها القرآن دون أن يستحضر أنها‬
‫يجب أن تباد وتمحى وتقصى لنها قد تفسد على المسلمين خلق الكرم‬
‫والستجابة لمر الله بالنفاق وإعطاء الزكاة بناء على حيثية تحايلية تأويليه‬
‫فاسدة لن الله هو الذي يغني ويفقر ويرفع ويضع ويوسر ويعسر‪ .‬كما أننا‬
‫نجد كل الطوائف الفاسدة والراء الخرى موجودة داخل النص القرآني وبهذا‬
‫الحضور‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬يستحضر القرآن الكريم )الخر( رغم فساده‪ ،‬فالخر ليس ضعيفا ً‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مشًا‪ .‬ليس كما هي عادة وسائل العلم في إدارة الحوار حيث‬ ‫وليس مه ّ‬
‫ً‬
‫يحكم على طرف سلفا أن يكون ضعيفا للتظاهر بالنفتاح والنصاف والحوار‬
‫لتخدير وغسل دماغ المشاهدين بآليات وتمثيلية مزيفة لظهار أن هناك تعدد‬
‫في الصوات‪ .‬فليس في القرآن هذا السلوب المتحايل‪ ،‬بل العكس هناك‬
‫استحضار للخر بقوة وبأخلقيات عالية جدًا‪ ،‬يستحضره دون أن يبتره؛ فهناك‬
‫طريقة لقصاء الخر وهي طريقة بليدة ممجوجة هو أن تكتب وتقصي الرأي‬
‫الخر وتنكر أنه موجود‪ .‬وهناك ُأسلوب أمكر وأذكى في القصاء هو أن‬
‫تستحضر الخر وتبتر كلمه وتشوهه وتقطعه‪ .‬فالقرآن الكريم يستحضر الخر‬
‫استحضارا ً كامل ً يعطيه الفرصة الكاملة لكي يتم جملة مفيدة لكي يتم نصا ً‬
‫ة بكل قوتها‪.‬‬ ‫كامل ً ليتم فكرةً واضح ً‬
‫خامسًا‪ :‬القرآن يسبغ جمالية أدائه البياني وبراعة أسلوبه على الخر فعندما‬
‫نقرأ في القرآن وينتقل الكلم من كلم الله بأسلوبه العالي الرفيع ل يحكي‬
‫عن الخر بلغة ركيكة وأداء رديء و بيان ضعيف‪ ،‬بل بالعكس إن القرآن‬
‫الكريم يخلع أداء الجمال البياني على الجميع فتجد تعبير القرآن الكريم عن‬
‫الخر أجمل من تعبيره هو‪ ،‬الدهريون يقولون "إن هي إل أرحام تدفع وأرض‬
‫تبلع" و القرآن يحكي عنهم‪" :‬وقالوا إن هي إل حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما‬
‫يهلكنا إل الدهر"‪ ،‬فالتعبير القرآني أبلغ وأجمل لنه يمنح الخر فرصة الحضور‬
‫في التاريخ ويمنحه فرصة الحضور في الجمال‪ ،‬الحضور المعنوي‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬القرآن يخلد الرأي الخر لن القرآن كلم الله‪ ،‬والله وعد بخلوده ولم‬
‫يستحفظنا إياه كما استحفظ أهل الكتاب‪ .‬وقامت على خدمة النص القرآني‬
‫جيوش مجيشة من العلماء‪ ،‬من أشرف شيء فيه وهو معانيه إلى الشيء‬
‫المادي فيه وهو الخط‪ .‬هذا الجيش من العلماء الذي ينقسم على أكثر من‬
‫ثلثين تخصص من أجل حماية هذا النص وخدمته يحمي داخل هذا النص‬
‫الرأي الخر ويخلده‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬وأخيرا ل يرد عليه‪ ،‬وقد تتبعت السياقات القرآنية ولم أقم بإحصاء‬
‫دقيق ففي أغلب الحيان ل يكلف نفسه حتى أن يرد على الرأي الخر‬
‫فيعطيه الفرصة الكاملة للستمرار فل يكون وصيا ً على عقل المسلم‪ .‬فلما‬
‫حصن المسلم بالرؤية الكاملة والعقيدة الصافية والمنهج والدراك السليم‬
‫يتركه هو كي يرد من عنده‪ .‬الرأي الخر ‪ -‬بما هو ضلل وكفر وباطل‪-‬‬
‫مله بلغة القرآن‪ ،‬يخلده ول‬ ‫يستحضره كلم الله المتعالي وبقوة ول يبتره‪ ،‬يج ّ‬
‫يرد عليه‪ .‬أي حوارية أعلى من هذه الحوارية؟ أي خلق في استحضار الخر‬
‫وإعطائه فرصة الوجود ومناقشته وإعطائه فرصة في أن يخلد برأيه بعد أن‬
‫تفنه ذوات القائمين عليه؟‬
‫إن كان من درس نقف عليه بعد هذا الحصاء لمؤشر الحوار فهو أن القرآن‬
‫الكريم يريد أن يعطينا درسا ً في النفتاح على الرأي الخر‪ ،‬درسا ً في قبول‬
‫حق الرأي الخر في الوجود وليس صوابيته‪ .‬فالصوابية مجال تدافع فكري‬
‫ومعرفي قائم على النزاهة أي على طلب الحق‪ .‬وأول شروط النزاهة أن‬
‫تترك الخر لكي يقع تدافع موضوعي بين رأيك ورأيه‪ .‬وإن كان من درس‬
‫نأخذه من هذا المؤشر الول هو أن السلم هو عين اليمان بحرية الفكر‪،‬‬
‫وحرية الرأي الخر‪ ،‬واليمان بإفساح المجال للرأي الخر‪ .‬واحترام الرأي‬
‫الخر‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالسلم يؤمن بقوته الذاتية ويؤمن بأن الحق بذاته يزهق الباطل ?بل نقذف‬
‫بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون?‪ .‬فالويل‬
‫اعتبرها هنا كلمة معرفية )الويل( أي بطلن الستدلل وفساده‪ ،‬وليس يقصد‬
‫به الوعيد لن الوعيد في السياق سيصبح قمعا ً للحوار وقمعا ً للرأي الخر‪،‬‬
‫وهذا ما ل ينسجم مع روح السياق ول مع روح النص القرآني بأكمله‪ .‬إن‬
‫للسلم قوة ذاتية هي قوة الذاتية الكامنة في الحق كما أن الضعف الذاتي‬
‫كامن في الباطل‪ ،‬ولهذا يستمد الباطل قوته من أشياء خارجة عنه ويستمد‬
‫الحق قوته من داخله ومن ذاته فقط‪ .‬فالسلم قوي بما يأتي به من أدلة وما‬
‫يطرحه من أفكار وقوي بتهافت الرأي الخر‪.‬‬
‫بل أكثر من ذلك فالسلم يطرح قوته في سياق التحدي المفتوح‪ .‬القرآن‬
‫يفتح التحدي في سياق الزمن إلى يوم القيامة ويفتحه على حضارات وعلوم‬
‫ومعارف واستدللت قد يتلبسها الباطل ل حدود لها كما ً وكيفا ً وزمانا ً ومكانا ً‬
‫إلى يوم القيامة‪ ،‬أي أنه تحدي للتخليد‪ .‬فالرأي الخر لعله باطل في زمن‬
‫الصحابة لقوة إيمانهم وانطلقهم من الحق وردهم للباطل بطريقة إيمانية‪.‬‬
‫فلعل قوما آخرين سيجمعون حضارات وعلوم أقوى يستطيعون الستدلل‬
‫بها‪ .‬فالقرآن الكريم يقر بهذا الحتمال ويفتح هذا الحوار إلى ما ل نهاية مع‬
‫كل من يريد أن يكرر المواجهة من أطراف أخرى وزوايا أخرى لم تكن‬
‫منظورة ول موجودة‪ .‬أكثر من ذلك إن ذلك التحدي يصل إلى مقام اليمان‬
‫نفسه إن هذا الكلم يتعبد به فتصير من عبادتنا أن نفسح المجال للرأي الخر‬
‫وأن نعطيه فرصة لن يبقى حاضرا ً حضورا ً تاريخيا ً ومعرفيا ً في الزمان‬
‫والمكان إلى قيام الساعة‪.‬‬
‫وأريد أن أنتقل من النسق النظري في القرآن الكريم إلى التطبيق التاريخي‬
‫لن البعد التطبيقي يعطي للجانب النظري معناه ويرسخه أكثر في النفس‪.‬‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بصفته أول وأعظم تلميذ في مدرسة‬
‫القرآن‪ .‬والستاذ الذي تخرج بعد رحلة التلمذة من القرآن فأعطى دروسا ً‬
‫لمن بعده من جيل الصحابة‪ .‬و أنا أسجل لقطة واحدة أسميها مدرسة )أوَ قد‬
‫فرغت يا ابن الوليد(‪ .‬فالنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أرسل إليه المشركون‬
‫المغيرة ابن الوليد لكي يذوده عن اختياره بتبليغ الرسالة ويصرفه إلى قناعة‬
‫أخرى وحلول وسطية عّلها تحل الشكال داخل البيت المكي دون تفجير من‬
‫الداخل‪ .‬جاء الرجل يتكلم بلغة مؤدبة عالية ويعرض بطريقة سلمية عروض‬
‫سخية‪ ،‬يا محمد إني وافد قريش إليك‪ .‬إن كنت مريضا ً طلبنا لك دواء‪ ،‬وإن‬
‫كنت تريد ملكا ً ملكناك علينا وإن كنت تريد مال ً جمعنا لك من حر مالنا حتى‬
‫ترضى‪ ،‬وإن كنت تريد النساء زوجناك حسان بناتنا‪ .‬وهذا الكلم يبدو في‬
‫ظاهره مؤدبا ً ويبدو عرضا ً لخيارات واحتمالت فيها شيء من النسبية‬
‫واليمان بوجود احتمالت أمام هذه الحالة‪ ،‬ولكنه في العمق هو عين القصاء‬
‫ليس فيه فتح لمجال الحوار الحقيقي وليس فيه أدب وهو في العمق عين‬
‫استهزاء‪ .‬كما لو أنه يقول للرسول بالعبارة الصريحة‪ :‬إما أنك وصولي أو‬
‫انتهازي أو مجنون أو شهواني‪ ،‬يضعه أمام أربعة احتمالت ل أخلقية ولم يذكر‬
‫له احتمال ً خامسًا‪ ،‬وإن كنت نبيا ً فأعطنا دليلك أو نتحاور أو‪ ..‬فالتنويع الذي‬
‫طرحه كان تنويعا ً مغلوطا ً أو تنويعا ً شكليا ً مثل تنويع الغربيين اليوم وحوارهم‬
‫معنا‪ ،‬هو تنويع على إيقاع واحد واحتمال واحد وهو أنك باطل‪ .‬وهو إقصاء في‬
‫الحقيقة لنه اتهام بأحط ما يمكن أن يركب النسان من أجله الخطار‪ ،‬وفيه‬
‫إقصاء حقيقي لمصداقية الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فرأسماله‬
‫الحقيقي هو صدقه مع نفسه وهو استفزاز حقيقي‪ ،‬ولو أن واحدا ً منا تعرض‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وم يده ثم تطير أضراس المخاطب‪ .‬فليست العظمة‬ ‫له فقد ل يملك إل أن يك ّ‬
‫في أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬تحمل هذا الكلم وليست العظمة‬
‫فقط في أنه تركه ينتهي‪ ،‬فأقصى ما يمكن للواحد منا إن كان متحليا ً بروح‬
‫حضارية أن يترك الخر حتى يكمل فنحن نقاطع بعضنا بعضا‪ .‬ولكن النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وصل إلى ذروة ما يحلم به المحاور الحضاري وهو أن‬
‫يكمل الخر رأيه دون أن يقاطعه‪ ،‬دون أن يستفزه‪ ،‬ولكن يزيد شيئا ملئكيا ً‬
‫غير موجود عند البشر بل هو موجود عند النبياء فيقول له )أو قد فرغت يا‬
‫ابن الوليد( يعني هل عندك شيئا آخر تضيفه؟ هل تريد فرصة أخرى في‬
‫الحوار؟ قال نعم‪ .‬قال‪ :‬فاسمع‪ ،‬ثم تل عليه سورة من القرآن‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فمدرسة )أو قد فرغت يا ابن الوليد( مدرسة تبين لنا أن الفهم السطحي‬
‫الذي عندنا من حمل الحق والحماس له غير صحيح‪ .‬و نحن من فرط إيماننا‬
‫بالحق نتعصب له وننفعل ونقاطع ونلقن ونرفع الصوت ونتعالى ونتهجم على‬
‫الخر‪ .‬وإن أقررنا أنها عيوب بررناها أنها من طبيعة النسان المؤمن بالحق‪،‬‬
‫فإن وجدنا شخصا ً لينا ً هادئا ً ساكنا ً مفسحا ً المجال للخر‪ ،‬اعتقدناه ضعفا في‬
‫يقينه أو ضعفا ً في صحة موقفه‪ .‬وموقف النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يبين‬
‫شيئا ً عظيما ً جدا ً أن الحماس الذي يخرج عن آداب الحوار الفكرية والخلقية‬
‫ليس قرينا ً لليقين الكامل في الحق‪ ،‬فالذي قال )لو وضعوا الشمس في‬
‫يميني والقمر في يساري على أن أدع هذا المر أو أهلك دونه( هو نفسه ترك‬
‫الرجل حتى أكمل‪ ،‬وما انفعل ثم أعطاه فرصة جديدة‪ ،‬ثم أجابه بهدوء‪.‬‬
‫وفي إضاءة لتلميذ التلميذ الول والستاذ الول لن آخذ من جيل الصحابة ول‬
‫جيل التابعين بل من جيل بدء تأسيس المعرفة‪ .‬من أوائل من كتب في‬
‫السيرة النبوية ابن هشام بعد ابن إسحاق وابن شهاب‪ .‬وقد قامت الدكتورة‬
‫عائشة عبد الرحمن )بنت الشاطئ( ‪ -‬رحمها الله ‪ -‬بإحصائية في الشعر الذي‬
‫أورده ابن هشام في المجلدات الربعة وكان سياقها غير سياقي ونيتها غير‬
‫نيتي‪ ،‬كانت تتحدث عن الدب وهي أديبة وكانت ترد على من ادعى أن‬
‫السلم أضعف الشعر فأرادت أن تبين أن هذا لم يحصل‪ ،‬فجاءت بالوثيقة‬
‫التي سجلت الحركة الشعرية السجالية التدافعية بين المشركين والمسلمين‬
‫في عهد الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهي السيرة‪ .‬فقامت بإحصاء‬
‫وهي على غير بال بالنتيجة التي سأستنتجها منها فوجدت أن في سيرة ابن‬
‫هشام ألف بيت من الشعر خمسمائة بالتمام والكمال شعر المسلمين‬
‫والصحابة المنافحين عن النبوة والسلم والمادحين للمسلمين والسلم‬
‫والمنشدين لشعار النصر في معارك السلم‪ ،‬وخمسمائة بالتمام والكمال‬
‫للمشركين الذين شتموا عرض رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬والذين‬
‫سبوا الدين والمسلمين وهيجوا عليهم الحقاد‪.‬‬
‫قد ل يكون ابن هشام فعل هذا بوعي‪ ،‬ولعل سر العظمة أن التخلق عند‬
‫المسلمين بهذا الخلق صار تلقائيا ً عفويا ً مندمجا ً في كيانهم‪ ،‬ويمارسونه‬
‫بطريقة ل شعورية‪ .‬أكثر من هذا‪ ،‬ربما ل يحمل الرقم خمسمائة إلى‬
‫خمسمائة دللة كبيرة لنه قد يكون فرضا ً أن يكون المسلمون أنتجوا‬
‫خمسمائة بيت والكفار أنتجوا ثلثة آلف فقط فقام هو بإقصاء ألفين‬
‫وخمسمائة ليبدوا وكأن المر متوازن‪ .‬فهذا غير صحيح فحسان بن ثابت وحده‬
‫ربما أنتج أكثر مما أنتجه شعراء قريش بأكملهم‪ .‬وفي كتب تاريخ الدب نجد‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن شعر قريش كان قليل ً وضعيفا ً لنهم أهل حضر أما أهل المدينة فهم أقرب‬
‫إلى مدرسة الشعر الجنوبي التي أسسها امرئ القيس قبل ذلك بقرنين‬
‫واعتبارات أخرى ل ندخل فيها الن‪.‬‬
‫وسوف نتابع عرض تتمة الموضوع في الحلقة القادمة بإذن الله‪.‬‬
‫‪ http://www.alrashad.org‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫لغة الصمت‬
‫)إلى الذين سألوني عن الصمت الطويل‬
‫حين كان الصمت أبلغ من الكلم المغشوش(‬
‫د‪ .‬ماهر حتحوت‬
‫من منكم يفهم لغة ‪ii‬الصمت‬
‫كي ُأسمعه ألف قصيدة‬
‫خالية من نبرات ‪ii‬الصوت‬
‫أحرفها جمر ‪ii‬التنهيدة‪.‬‬
‫يا صحبي ‪ ..‬للصمت ‪ii‬بيان‬
‫أصدق من كل ‪ii‬الكلمات‬
‫لو صيغت من رعشات ‪ii‬لسان‬
‫يتلوى في حلق ظمآن‬
‫يتلمس نبعا ً في ‪ii‬الظلمات‪.‬‬
‫من يجهل لغتي ‪ii ..‬فليتركني‬
‫ل يتوهم بي ‪ii‬العياء‬
‫فالشعر الكامن في ‪ii‬صمتي‬
‫ل أنشده ‪ii‬للبلهاء‪.‬‬
‫ن الشعر كلم ‪ii‬؟!‬ ‫من قال بأ ّ‬
‫الشعر ‪ ..‬هنيهة صدق ‪ii‬إنساني‬
‫ي‬
‫الشعر شعوٌر ‪ii‬وجدان ّ‬
‫يسكب في شريان الحرف ‪..ii‬‬
‫ي‪.‬‬‫فالحرف نوٌر ‪ii‬نوران ّ‬
‫والكلمة دنيا من ‪ii‬أحلم‬
‫ل يكبحها سور ‪ii‬الخوف‪.‬‬
‫فلن قهر الخوف ‪ii‬الكلمة‪،‬‬
‫صن خلف ‪ii‬الصمت‬ ‫فلتتح ّ‬
‫ولنخلع عن ألستنا ‪ii‬الصوت‬
‫م دون ‪ii‬كلم‬ ‫ولنترن ّ ْ‬
‫ولنتصافح دون ‪ii‬سلم‬
‫فالكلمة إن تسلبها ‪ii‬الصدق‬
‫تحكم فيها ‪ii‬بالعدام‪.‬‬
‫ب‬‫وأنا يا صحبي لم ‪ii‬أتع ْ‬
‫ب‬‫أنا شاعر صدق ل ‪ii‬يكذ ْ‬
‫ب‬‫أنا فارس شعرٍ لم ي ُغْل َ ْ‬
‫فالصمت الناطق ليس ‪ii‬هزيمة‬
‫لكن تزييف ‪ii‬الترنيمة‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو صلب الحرف جوار الحرف‬


‫كي نصنع زورا تنغيمة‬
‫ك عليها قيد ‪ii‬الخوف‪..‬‬ ‫يصط ّ‬
‫لدليل أن هناك ‪ii‬جريمة‬
‫ا ُْرت ُك َِبت في حق ‪ii‬الكلمة‬
‫سحقتها ذ َل ّ ‪ii‬وهزيمة‬
‫سلبتها من قدس ‪ii‬المضمون‪.‬‬
‫ل ابنته ‪ii‬مجنون‬ ‫من يقت ُ ْ‬
‫والشاعر كلمته بنته‬
‫ل يسقيها كأس ‪ii‬منون‬
‫ويخاف على قدس ‪ii‬الكلمات‬
‫ف ‪ii‬عيون‬ ‫من غول يملك ص ّ‬
‫عفريت مجنون القسمات‬
‫يتربص شرا ً ‪ii‬بالكلمات‪.‬‬
‫وأنا يا أصحابي شاعر‬
‫أبحث عن لغة ‪ii‬أخرى‬
‫ل تدركها عين ‪ii‬الغول‬
‫بالصمت ‪ ..‬أقول ‪..‬‬
‫نظرة عيني تقدح ‪ii‬شررا‬
‫ة شفتي تنطق ‪ii‬جمرا‬ ‫م ُ‬
‫ز ّ‬
‫وبسيف الصمت أصول ‪ii‬أجول‬
‫إطراقي شعر ‪ii‬مملول‬
‫وشرودي بيت ‪ii‬مذهول‬
‫***‬
‫ولهاثي أشعله شعرا‬
‫والتنهيدة بيت ‪ii‬قصيدة‬
‫إن لم تفهم ل ‪ii‬تتكل ّ ْ‬
‫م‬
‫ت‬‫م ّ‬
‫م أن ‪ُ ii‬‬ ‫ل تتوهّ ْ‬
‫ض غلف الصمت‬ ‫فغدا ‪ ..‬سأف ّ‬
‫عن أحلى أثمار ‪ii‬اللحان‬
‫عن شعر ل يدركه ‪ii‬الموت‪.‬‬
‫طر في ‪ii‬البيات‬ ‫حين ُأس ّ‬
‫أصدق إحساس ‪ii‬النسان‬
‫طى الكلمة في ‪ii‬اطمئنان‬ ‫تتم ّ‬
‫ل تتناهشها الغيلن ‪..ii‬‬
‫حتى يأتي هذا ‪ii‬الحين‬
‫فالصمت الناطق ليس ‪ii‬بلدة‬
‫الصمت ‪ii‬بلغة‬
‫ن بألف ‪ii‬طنين‬ ‫الصمت يط ِ ّ‬
‫الصمت نواح ‪ ..‬الصمت ‪ii‬أنين‬
‫الصمت نذير فيه ‪ii‬رنين‪.‬‬
‫من ل يفهم ل ‪ii‬يتكلم‬
‫من يجهل لغتي ‪ii‬فليتركني‬
‫ل يتوهم بي ‪ii‬العياء‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالشعر الكامن في ‪ii‬صمتي‬


‫ل أرويه ‪ii‬للبلهاء؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لغتي الحبيبة ماذا دهاك ‍؟ ‍ ‍…‬


‫د‪ .‬زينب بيره جكلي‬
‫ضادي حباك الله خير مكانة لك دون غيرك في الجنان الموقف‬
‫أنت التي نزل المين بهديها وسما بها فوق الذرا المتلطف‬
‫ما زال هولكو يمزق سفرها وعواصف العراق فيها تعصف‬
‫اللغة العربية لغة حبيبة إلى قلوبنا ‪ ،‬لغة تهتز لها مشاعرنا ‪ ،‬وتطرب لسماعها‬
‫أفئدتنا ‪ ،‬لغة ليست كسائر اللغات العالمية ‪ ،‬إنها لغة حملت كلم رب‬
‫العالمين الذي أنزله الوحي المين ‪ ،‬ويكفيها بذلك فخرا وسموا ‪.‬‬
‫لغة نطق بها خير البشرية أحاديثه الشريفة لتكون للعالمين بشيرا ونذيرا ‪،‬‬
‫فحقها إذا أن تكون اللغة العالمية كما أراد الله سبحانه وتعالى لها ‪ ،‬وهي أهل‬
‫لذلك ‪ ،‬فقد حملت حضارة أمة مجيدة كان خليفتها الرشيد يقول للغمامة ‪" :‬‬
‫سيري أنى شئت فخراجك يجبى إلي " …‬
‫لغة ترجمت بها علوم الوائل كما حملت حضارات المم ‪ ،‬ولم تضعف ولم‬
‫تعجز عن حمل هذه العلوم في الوقت الذي كان فيه الغرب يغط في سبات‬
‫عميق ‪ ،‬ويظن في جهاز الساعة الذي أهداه الرشيد للملك شارلمان جنّيا‬
‫يحركها ‪.‬‬
‫ما بالنا اليوم نتهم هذه اللغة ‪ ،‬وهاتيك الحضارة ؟ أنعيبا كما نعب الغرب ؟‬
‫وتردادا لما يقوله العدو ؟ أليست لنا هويتنا ومكانتنا ؟ … ولكن ‪:‬‬
‫من يهن يسهل الهوان عليه‬
‫ما لجرح بمّيت إيلم‬
‫إن الدعوة إلى القضاء على اللغة ليست بنت الساعة أو الونة الراهنة ‪ ،‬وإنما‬
‫بدأت منذ قرنين من الزمان ‪ ،‬يوم عاد من ثقف في بلد الغرب لينددوا‬
‫بالعربية ‪ ،‬ولينشروا محاضرات ‪ ،‬ويؤلفوا كتبا يطعنون فيها بها ‪ ،‬ويدعون إلى‬
‫الخذ باللهجات العامية باسم المواطنة الفرعونية أو الفينيقية أو الشورية ‪،‬‬
‫أو ما شابه ذلك من دعوات منكرات يستعين بها العدو الذي ينهج نهج " فرق‬
‫تسد " ‪.‬‬
‫ولم يتوقفوا عند هذا بل راحوا يضعون لكل عامية قواعد ‪ ،‬ويدعون إلى‬
‫دراستها ‪ ،‬بل دعوا أيضا إلى نقل معاني القرآن الكريم إلى العامية كما نقل‬
‫النجيل إلى العامية المصرية ‪ ،‬وصدر عن جامعة الدول العربية ‪ ،‬ونأسف لهذا‬
‫‪ ،‬كتب تدرس اللهجات المحلية وتدعو إليها … ‪ ،‬وأذكر هنا قول الزمخشري‬
‫رحمه الله ‪ " :‬ولعل الذين يغضون من العربية ويضعون من مقدارها ويريدون‬
‫أن يخفضوا من منارها كانوا من الشعوبية ‪ ،‬وكان عملهم منابذة للحق البلج ‪،‬‬
‫وزيغا عن سوء المنهج ‪ ,‬وهم كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫عربي لسانه ‪ ،‬أعجمي رأيه ‪ ،‬فارسية أعياده "‬
‫ونحن نعلم تماما أن العامية تختلف من بلد إلى بلد ‪ ،‬بل في البلد الواحد ‪،‬‬
‫وهي ل ثبات لها ول استقرار ‪ ،‬وتفصل العرب عن بعضهم بعضا ‪ ،‬وكفانا ما‬
‫نعانيه من النفصال السياسي ‪.‬‬
‫ولم تقف الدعوة عند هذا الحد ‪ ،‬بل تعدى المر ذلك إلى المطالبة باللغة‬
‫النكليزية ‪ ،‬وبأحرفها اللتينية ‪ ،‬بل إن بعضهم قال بالخذ باللغة اليونانية‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وحروفها … ‪ ،‬كما طالب الحداثيون الذين هم من أشد أعداء العربية في‬


‫زماننا هذا بإلغاء قواعد اللغة العربية ‪ ،‬أو بكتابة الكلمات بتسكينها …‬
‫أرأيتم أبناء الضاد كيف أن الغاية هي التخلص من الفصحى وحروفها‬
‫وقواعدها بأي وسيلة كانت ‪ ،‬وليس هناك من هدف إل فصلنا عن قرآننا ‪،‬‬
‫وعن حضارتنا ‪ ،‬و تراثنا ‪.‬‬
‫ولم يكتف البالسة بهذا بل طلعوا علينا بأسلوب جديد عندما أعياهم تنفيذ ما‬
‫سبق إزاء الوقفة الصامدة من أبناء العربية ‪ ، ،‬وراحوا يضعفون العربية باسم‬
‫التسهيل والتحسين ‪ ،‬وصرنا نرى خريجين من أقسام اللغة العربية يخطئون‬
‫في قواعدها وإملئها ‪ ،‬ويهاجمون من ينتقدهم في ذلك … ونرى أشعارا‬
‫ملفقة بل خارجة عن اللغة ‪ ،‬واسمعوا إن شئتم قول أحد أدعياء الشعر الذين‬
‫يبغون تضييع اللغة والقضاء عليها ماذا يقول ‪:‬‬
‫" حين أتى الحمار من مباحث السلطان‬
‫كان يسير مائل كخط ما جلن‬
‫خيرا أبا أتان‬
‫أتقثدونني ؟‬
‫نعم ‪ ،‬مالك كالسكران ؟‬
‫ل شيء بالمرة ‪ ،‬يبدو أنني نعثان‬
‫كل الذي يقال عن قثوتهم بهتان "‬
‫يقصد أتقصدونني ‪ ،‬نعسان ‪ ،‬قسوتهم ‪.‬‬
‫وهذا آخر يقول ‪:‬‬
‫" الدرج الحالي بزيزفون‬
‫والفوقه تعرش يا سمينة‬
‫الحلوة التخطر كالظنون‬
‫الدرج الرنا إلي عهدا‬
‫والكاد لي يشهق من دلل‬
‫يقول جن جن أو أشدا "‬
‫أدخل ال التعريف والضمير على الظرف ‪ ،‬وال التعريف على الفعل ‪.‬‬
‫أمثل هذا يستحق أن ينشر إل أن تكون غايته هدم اللغة وقواعدها ‪ ،‬ولهذا‬
‫يقول د‪ .‬وليد قصاب ‪:‬‬
‫لغة الخواجا أعمشت أبصارهم عما أخبئ من كنوز صفاء‬
‫وإذا حداثي تشاعر بينهم كان الكلم كرقية العجماء‬
‫ل حس فيه ول معاني تصطفى يا ضيعة الدباء والشعراء‬
‫ولقد أثبتت العربية أهليتها لحمل العلوم المعاصرة ‪ ،‬إذ أصدرت المجامع‬
‫اللغوية في البلدان العربية معاجم للمصطلحات الجنبية ‪ ،‬وللفاظ الحضارة‬
‫المعاصرة ‪ ،‬وصدرت مجلة اللسان العربي لتنشر بحوثا ومصطلحات علمية‬
‫باللغة العربية ‪ ،‬كما نشرت معاجم في علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء‬
‫والجيولوجيا ‪ ،‬ودرست بعض الجامعات العربية هذه العلوم كلها بالفصحى بعد‬
‫أن أثبتت أهليتها لذلك ‪ ،‬لما تحويه من اشتقاق ونحت وقياس وتوليد ومجاز‬
‫…‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وإن أي أمة تعلم أبناءها بلغتها تثبت أنها أهل لن تحيا الحياة الكريمة ‪ ، ،‬هذه‬
‫فيتنام بعد تحررها أمرت أن تدرس العلوم بلغتها المحلية ‪ ،‬وترجمت الكتب‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلمية إلى لغتها خلل سنة فحسب ‪ ،‬وكذلك فعلت الصين وروسيا ‪ ،‬بل إن‬
‫العبرية على ضآلة مفرداتها تدرس بها العلوم في مناطقها ‪ ،‬وليست المشكلة‬
‫في اللغات ولكن المشكلة في عقدة النقص ‪ ،‬وفي الرغبة بالتبعية ‪ ،‬وليت لنا‬
‫اليوم من يقف وقفة الخليفة الموي عبد الملك بن مروان حين عرب‬
‫الدواوين في الدولة السلمية ‪ ،‬إذ أصر على ذلك على الرغم من تهديد ملك‬
‫الروم له ‪ ،‬ورد ردا قاطعا أوقف العدو عند حده ‪ ،‬ول زالت العربية ترفرف‬
‫في سماء بلدنا بهذه الوقفة الصامدة الراسخة ‪.‬‬
‫لن أطيل أكثر وفي الجعبة كثير ‪ ،‬وفي القلب أكثر ‪ ،‬ولكني أحث كل غيور‬
‫على لغته وعلى دينه و عروبته أن يشد أزر هذه اللغة ‪ ،‬وأن يعلي شأنها ‪،‬‬
‫لتكون في ضمير كل عربي وعلى لسان كل من ينتسب إلى هذه المة ‪،‬‬
‫لينطق بها كل إنسان من المحيط إلى الخليج ‪ ،‬بل إلى ما وراء المحيط‬
‫والخليج ‪ ،‬وليس حملة شهادات اللغة العربية فحسب ‪،‬لنها شعار المسلم‬
‫والعربي على السواء ‪.‬‬
‫ولقد أصدر ‪ ،‬كما علمنا ‪ ،‬صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد‬
‫القاسمي عضو المجلس العلى حاكم الشارقة الرئيس العلى للجامعة ـ‬
‫حفظه الله ورعاه ـ قرار التعريب في الشارقة ‪ ،‬وقرار إنشاء جمعية حماية‬
‫اللغة العربية ‪ ،‬وطالب المسؤولين بتنفيذ القرار‪ ،‬وبقي علينا السعي والعمل‬
‫على تطبيقه حق تطبيق …‬
‫أئمة اللغة الفصحى وقادتها أل البداَر فإن الوقت من ذهب‬
‫ردوا إلى لغة القرآن رونقها هيا إلى نصرها في جحفل لجب‬
‫ووالله لئن قصرنا فسيتم للباغين ما أرادوا ‪ ،‬وليؤتين السلم والعربية من‬
‫قبلنا ‪ ،‬ولتظهرن دعوات نابيات ‪ ،‬وها قد أطلت البربرية والكردية والفرعونية‬
‫برؤوسها ‪ ،‬وما يجري على الساحة ليس بمجهول ‪ ،‬فالبدار البدار … وإل‬
‫فعلينا السلم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لغز الجزيرة ‪ ..‬مع من؟ وضد من؟‬


‫عبدالفتاح الشهاري‬
‫ن بعيد والمواطن العربي يعي بأن إعلمه الرسمي ليس إل قوالب‬ ‫منذ زم ٍ‬
‫ت في رتابة مميتة‪ ،‬وجمود عقيم‪ ،‬يفضي بمتابعيه إلى‬ ‫جامدة تتكرر كل وق ٍ‬
‫ل فكري؛ ولذا فإن البحث عن المصدر الموثوق للخبر كان‬ ‫بلدة متناهية‪ ،‬وشل ٍ‬
‫الشغل الشاغل للباحثين عن الحقيقة‪ ،‬أّيا كان مصدرها‪ ،‬أو قائلها‪ ..‬وإلى عهدٍ‬
‫قريب كانت إذاعة )صوت أمريكا(‪ ،‬وإذاعة )البي بي سي( أهم مصادر تلقي‬
‫للخبر على جميع المستويات‪ ،‬وبمختلف الشرائح والفئات‪.‬‬
‫ولم يكن انطلق قناة )الجزيرة( في العام ‪1996‬م يمثل بالنسبة للكثيرين‬
‫ت ليس ببعيد سوى أنها بوق إعلمي لبعض‬ ‫في بداية المر وحتى وق ٍ‬
‫ي‬
‫التوجهات الفكرية التي تخدم المصالح المريكية‪ ،‬أو أنها سرطان صهيون ّ‬
‫ي زرعته إسرائيل في وسط الوطن العربي؛ لكي يؤدي دوره في اللعب‬ ‫خف ّ‬
‫بثقافة المشاهد العربي‪ ،‬والمساعدة في خلخلة البنية القومية لديه‪ ،‬وهدم‬
‫الثقة في نفسه‪ ،‬والقيام بدور صهر المعتقدات السلمية وإذابتها في قالب‬
‫ي حتى يستطيع التكيف مع محيطه دون مبادئ أو عقائد‪.‬‬ ‫عالم ّ‬
‫كسرت قناة )الجزيرة( القاعدة العربية المتبعة في تناولها لعدد من القضايا‬
‫ساسة‪ ،‬التي كان العلم الرسمي بمنأىً عنها‪ ،‬ولهذا‬ ‫السياسية الهامة والح ّ‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن أول من هاجمها هو العلم الرسمي؛ بل كان له دور في تعميق ونشر‬


‫الشاعات حول مصداقية هذه القناة وما تقوم به من زعزعة الثقة بين‬
‫كام‪ ،‬ولن نظرية المؤامرة محيطة بكل جهدٍ قد يكون خارج‬ ‫الشعوب والح ّ‬
‫المألوف في عالمنا العربي؛ فإن هذا المر كان حاجزا ً صلبا ً يقف حائل ً دون‬
‫كل لدى‬ ‫التعامل معها بأي نوٍع من الثقة أو الطمئنان‪ ،‬وسرعان ما تش ّ‬
‫الكثيرين بأن قناة )الجزيرة( ماهي إل لعبة إعلمية تبنتها قطر‪ ،‬وبدعم‬
‫أمريكي‪ ،‬لنشر الثقافة الصهيونية في العالم العربي‪.‬‬
‫ي الذي‬ ‫ولن الصحافة في عالمنا العربي بعيدة كل البعد عن معناها المهن ّ‬
‫يسعى إلى الخبر أينما كان وكيفما كان فقد كان هذا سببا ً كافيا ً في عدم‬
‫التفريق بين العلم كعمل مهني بحت‪ ،‬وبين الدعوات اليديولوجية المختلفة‪،‬‬
‫ولهذا فإن قضايا عدة ساعدت على بلورة قناة )الجزيرة(‪ ،‬ودفعها إلى أن‬
‫تحتل مكان الريادة في عالم العلم العربي‪ ،‬يمكن إجمالها في النقاط‬
‫التالية‪:‬‬
‫ت‬
‫‪ -‬تجاوزت قناة )الجزيرة( الحالة النمطية والتقليدية للعلم العربي‪ ،‬في وق ٍ‬
‫معّلبة‪،‬‬ ‫بات المشاهد ينظر إليه بشيء من الريبة خاصة فيما يتناوله من أخبار ُ‬
‫وبرامج ذات طابٍع راكد‪.‬‬
‫‪ -‬اعتمدت قناة )الجزيرة( طابع البرامج الحوارية والتي تجمع أصحاب الفكر‬
‫المضاد‪ ،‬والرأي المعاكس‪ ،‬واستطاعت بذكاٍء إعلمي يؤكد مهنية القناة أن‬
‫تستقطب العديد من السماء السياسية والفكرية العالمية من شتى‬
‫التجاهات والتوجهات‪ ،‬والتي تحظى بتأييد شعبي عربي واسع من جميع‬
‫ي‪،‬‬‫الشرائح المثقفة والغير مثقفة؛ مما لمس شيئا ً من حالة التعطش الفكر ّ‬
‫الذي كان يبحث عنه المشاهد العربي‪.‬‬
‫‪ -‬ساهمت )الجزيرة( في تشكيل رؤية إعلمية جديدة كسرت من خللها‬
‫القيود الرسمية التي كانت تحيط برسالته‪.‬‬
‫كما أن هناك عوامل مباشرة أخرى ساعدت إلى حد ّ كبير في تكوين القناة‪،‬‬
‫وهي في المقابل نفس العوامل التي أذكت نار السخط على القناة ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬التمويل الضخم والغير طبيعي للجزيرة‪ ،‬وهذا العامل تحديدا ً هو ما أحاطها‬
‫بهالة من التوجس والحذر من طبيعة الجهة الممولة والداعمة‪..‬‬
‫‪ -‬الحرفية العلمية العالية لدى كادر القناة‪ ،‬والذين في أغلبهم كانوا ضمن‬
‫العاملين في هيئة الذاعة البريطانية الـ)بي بي سي(‪.‬‬
‫‪ -‬هامش الحرية غير المسبوق والتي تتمتع به )الجزيرة(‪.‬‬
‫لذا فإن قناة )الجزيرة( ربما أنها المشروع الذي يحمل في جوانبه غموضا ً‬
‫كبيرا ً يكتنفه حتى الن‪ ،‬إذ إنها جمعت التناقضات من التهامات التي توجه‬
‫إليها؛ فالقوميون يتهمونها بالعمالة المريكية حينا ً والسرائيلية حينا ً آخر‪،‬‬
‫وأمريكا تتهمها بأنها تثير مشاعر العداء والبغض‪ ،‬وإسرائيل تتهمها بتأجيج‬
‫حماس النتحاريين‪ .‬كما واجهت أثناء مسيرة عملها عدًدا من الشكالت‬
‫والتصادمات مع الحكومات العربية‪ ،‬ولكنها بلغت أوجها‪ ،‬في مواقفها التي‬
‫برزت في مواقع كانت أكثر حساسية بالنسبة لتلك الحكومات عقب أحداث‬
‫الحادي عشر من سبتمبر‪ ،‬حيث تعد )الجزيرة( المنبر العلمي الوحيد الذي‬
‫صاحب خطوات الحملة المريكية منذ هجمتها على أفغانستان وحتى احتللها‬
‫العراق‪ ،‬وكان لنتيجة نقلها لوقائع تلك الهجمات التي تشنها أمريكا على‬
‫المسلمين في كل مكان أثٌر بالغٌ في تأجيج مشاعر التعاطف لدى الشعوب‬
‫العربية والسلمية مع بعضها البعض؛ ولهذا فإن نتائج ووقائع هذا النقل‬
‫المرئي والحي لحالت القتل‪ ،‬والهدم‪ ،‬والتشريد التي تقع على المسلمين؛‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جعلت من المحطة عدّوا لدوًدا لهذه الحكومات العربية؛ بل وحتى المريكية‬


‫والسرائيلية على خلف ما أثير عنها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ففي ديسمبر من العام ‪ 2001‬تم اعتقال مراسلي )الجزيرة( في الردن أثناء‬


‫قيامهم بتغطية مسيرة مؤيدة لـ)أسامة بن لدن( ‪ ..‬متزامنا ً مع توقيف‬
‫مراسلة أخرى في العاصمة الردنية أيضًا‪.‬‬
‫وفي مارس العام ‪ 2002‬احتجزت السلطات المصرية الطاقم التلفزيوني‬
‫ما‬
‫ظمت دع ً‬ ‫للقناة أثناء أدائه لعمله الصحفي في تغطية مظاهرات طلبية ن ُ ّ‬
‫للنتفاضة الفلسطينية في جامعة السكندرية‪.‬‬
‫ما‬
‫وفي مايو من نفس العام شن وزير العلم البحريني )نبيل الحمر( هجو ً‬
‫دا عليها بسبب ما وصفه "بالساءة للبحرين وشعب البحرين"‪ ،‬وقال‪ :‬إن‬ ‫شدي ً‬
‫بلده لن تتعامل معها ل في الحاضر ول في المستقبل‪ .‬وأبلغ )الحمر( حينها‬
‫صحافيين عرًبا وأجانب أن )الجزيرة( طلبت المشاركة في تغطية النتخابات‬
‫البلدية التي أجريت في البحرين ‪ -‬في ذلك الحين ‪ -‬لكن المنامة لم تستجب‬
‫ما بأن )الجزيرة( تتعمد دائما الساءة إلى‬ ‫لطلبها‪ .‬وأضاف "نحن نعتقد دائ ً‬
‫البحرين وإلى شعب البحرين"‪.‬‬
‫وفي أكتوبر من نفس العام أيضا ً أوصى وزراء العلم في مجلس التعاون‬
‫الخليجي في اجتماعهم في مسقط بضرورة مقاطعة )الجزيرة( الفضائية لما‬
‫تبثه من أخبار وبرامج تسيء إلى منطقة الخليج على حد قولهم‪.‬‬
‫وفي نوفمبر أعلن مدير مكتب )الجزيرة( الفضائية القطرية في الكويت أن‬
‫وزارة العلم الكويتية أبلغته شفهّيا بإغلق المكتب‪.‬‬
‫وعلى المستوى السرائيلي وفي يونيو من نفس العام انتقد وزير الخارجية‬
‫السرائيلي )شيمون بيريز( بشدة محطة )الجزيرة(‪ ،‬متهما ً إياها بزرع الحقد‪،‬‬
‫وقال في المقابلة‪" :‬أنها تحرض على الحقد‪ ،‬وإن لها نفوذا ً أقوى من نفوذ‬
‫الشيوخ والئمة"‪ ،‬وقد استدل على قوله هذا في نفس اللقاء الذي بثته‬
‫الذاعة السرائيلية بأن قناة )الجزيرة( تبث باستمرار ‪ -‬خمس أو ست مرات‬
‫مر من ِقبل القوات‬ ‫في اليوم نفسه ‪ -‬الصورة ذاتها لمنزل فلسطيني مد ّ‬
‫السرائيلية‪ ،‬وبالتالي فإن ما يحصل من هجمات انتحارية ُيقتل فيها رضيع‬
‫يهوديّ – على حد قوله –؛ فإن هذا ناجم عن الدعاية وليس فقط عن تربيته‪.‬‬
‫كما واجهت )الجزيرة( بعد احتلل العراق انتقادات لذعة على لسان‬
‫رامسيلفد يتهما بأن لها دورا ً في تأجيج وتعميق الك ُْره ضد قوات بلده‪.‬‬
‫كل هذه الجهات المختلفة والمتناقضة تماما ً التي تكيل التهام إلى هذه‬
‫ف في شخصيتنا العربية‪ ،‬مع‬ ‫القناة‪ ،‬ليس له تفسير إل أنه ينبئ عن ضع ٍ‬
‫ب حذر لكل ما يحيط بنا‪ ،‬مهما كانت درجة استقاء الفائدة منه‪..‬‬ ‫س‪ ،‬وترقّ ٍ‬
‫توج ٍ‬
‫ومن جانب الطاقم والكادر العلمي لقناة )الجزيرة( فإنه قد تعرض لعدد من‬
‫الضربات الموجعة التي ُتحّتمها المهنة‪ ،‬ففي مايو من العام الجاري ‪2004‬‬
‫قُِتل في كربلء بالعراق )رشيد حميد والي( أحد مراسلي القناة أثناء تغطيته‬
‫ل دائر بين القوات المريكية ومقاتلين عراقيين‪ ،‬حينما أطلقت عليه دبابة‬ ‫لقتا ٍ‬
‫َ‬
‫عراقية قذيفة أوَْدت بحياته على الفور‪ ،‬كما ُقتل قبله في العام الماضي‬
‫‪ 2003‬بعد دخول قوات الحتلل ثلثة من طاقم العمل الصحافي في‬
‫الجزيرة‪.‬‬
‫وأيضا ً لم يسلم بعضهم من توجيه التهامات إليه بالعمالة الصهيونية المطلقة‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن ذلك ما حدث عند اعتقال )ابن الشيبة( في باكستان أحد قياديي تنظيم‬
‫القاعدة والمطلوبين لدى الدارة المريكية بعد إذاعة )يسري فوده( برنامجه‬
‫)سري للغاية( والذي اعتبره البعض دليل ً موجها ً بشكل مباشر أو غير مباشر‬
‫للكشف عن هوية الشخص المطلوب‪ ،‬وربما أن في وضٍع كهذا ل يمكن أن‬
‫ُيلقى اللوم بأكمله على قناة )الجزيرة( إن لم يتم النظر إليها بمهنية مجردة‬
‫كأي وسيلة إعلمية تبحث عن الخبر أينما كان‪ ،‬إذ يتحمل عبء المسؤولية‬
‫أيضا ً الطرف الخر في عدم التحرز من إجراء مثل هذه المقابلت‪.‬‬
‫كما اعُتقل مراسلها )تيسير عّلوني( في إسبانيا بعد توجيه تهمة تواطؤه مع‬
‫ي مع )أسامة بن لدن(‪.‬‬ ‫القاعدة‪ ،‬وذلك عقب إجراء لقاٍء تلفزيون ّ‬
‫لقد تفردت قناة )الجزيرة( بعدة مزايا على الصعيد المهني‪ ،‬وعلى الصعيد‬
‫الموضوعي‪ ،‬بشهادة خبرات إعلمية عالمية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪،‬‬
‫ومن ذلك ما ذكرته وكالة )رويترز( في تقرير لها‪" :‬إن قناة )الجزيرة(‬
‫ما على المستوى العربي ببث ما لم‬ ‫التليفزيونية الفضائية صنعت لنفسها اس ً‬
‫تكن تجرؤ معظم الشبكات العربية على تقديمه"‪.‬‬
‫وفي أكتوبر من العام ‪ 2001‬وعندما بدأت المعركة بين أمريكا وقوات‬
‫طالبان الفغانية حققت )الجزيرة( نصًرا على أكبر القنوات التليفزيونية‬
‫العالمية ببثها اللقطات الحية الوحيدة للضربات التي تقودها الوليات المتحدة‬
‫ضد أفغانستان والحاديث المصورة لـ )أسامة بن لدن( وأقرب مساعديه‬
‫وهم يهددون بالمزيد من الدمار‪ ،‬حتى وصل ثمن بيع الدقيقة الواحدة من‬
‫أحاديث ابن لدن للشبكات التلفزيونية بمبلغ عشرين ألف دولر‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫كما أنها في نفس العام أيضا ً تفردت ببث فيلم تسجيلي لزعيم تنظيم القاعدة‬
‫)أسامة بن لدن( وإلى جانبه زعيم تنظيم الجهاد المصري الدكتور أيمن‬
‫الظواهري خلل احتفال بتخريج دفعة جديدة من مقاتلي القاعدة‪ ،‬وقالت‬
‫ضا بمناسبة العلن عن اتحاد التنظيمين‪.‬‬ ‫الجزيرة حينها‪ :‬إن الحتفال كان أي ً‬
‫دت لقاُء انفردت به مع )أسامة بن لدن( للقاء الضوء‬ ‫وفي العام ‪ 1998‬أع ّ‬
‫على فكر وأهداف زعيم القاعدة‪ .‬وقد كانت الجزيرة القناة الفضائية الخبارية‬
‫الوحيدة التي تعمل من داخل الراضي الفغانية التي تسيطر عليها حركة‬
‫طالبان‪.‬‬
‫كما انفردت )الجزيرة( بالكثير من الموضوعات من بينها لقطات لحداث‬
‫مهمة مثل قصف طالبان لتمثالي )بوذا( العملقين الثريين في مايو من العام‬
‫‪.2000‬‬
‫وإجمال ً فإن قناة )الجزيرة( مّثلت حضورا ً جمع بين المهنية الصحفية‪ ،‬وبين‬
‫الواجب النساني‪ ،‬في عددٍ ل يستهان به من بؤر الصراع الساخنة‪ ،‬ابتداًء من‬
‫أفغانستان‪ ،‬ومرورا ً بفلسطين ومجازر نابلس ورفح وجنين وأخيرا ً في العراق‪،‬‬
‫وتحديدا ً ما حصل في الفلوجة‪.‬‬
‫ولهذا فليس أمر إغلق )الجزيرة( في العراق تحديدا ً بالمر المستغرب‪ ،‬فإنها‬
‫منذ بدء تغطيتها لحداث القصف الذي كان يتعرض له العراق من الحتلل‬
‫المريكي‪ ،‬وهي متهمة من قبل )عملء أمريكا في ذلك الحين( بأنها متواطئة‬
‫موَلة من قبل حزب البعث الشتراكي – مع أنه كان قد‬ ‫مع )صدام حسين(‪ ،‬وم َ‬
‫صدر أمر توقيفها أثناء الحرب من )الصحاف( في ذلك الحين لتهامه إياها‬
‫ت‬‫بعدم الصدق في نقل الحقائق –؛ ولذا فإن إشارات كانت ترسل من وق ٍ‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لخر من الحكومة المؤقتة إما مباشرة في حين أو بتوجيه ونصائح من الدارة‬


‫ن آخر إلى مكتب قناة الجزيرة بأنه سيتم إيقافها عن العمل‬ ‫المريكية في حي ٍ‬
‫إن لم تغير من طريقة نقلها وعرضها للحداث‪.‬‬
‫ممثل الرسمي‬ ‫ُ‬ ‫وال‬ ‫الوحد‪،‬‬ ‫السامي‬ ‫ولذا فقد كانت )الجزيرة( بمثابة المندوب‬
‫المعتمد للمواطن العربي لنقل وقائع الصورة الحية المعاشة في العراق‪،‬‬
‫وبشهادة العراقيين أنفسهم؛ فعلى شاشتها فقط كانت تنقل صور القصف‬
‫العنيف الذي كانت تتعرض له المدن العراقية‪ ،‬والمداهمات‪ ،‬التي كان يتلقاها‬
‫المواطن العراقي‪ !!..‬ولكن الواقع يثبت باستمرار منذ أن جاءت قوات‬
‫)الحرية!!( بأن كل ما فعلته هذه القوات المريكية هو أنها أبقت على نفس‬
‫مضمون وجوهر وسياسة نظام الحكم‪ ،‬ولكنها فقط غّيرت في الوجه‬
‫والمسميات‪..‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لغز الحياة والموت )‪(2‬‬


‫الحياة رحلة قصيرة تنتهي بالموت المحتوم لكل مخلوق‬
‫‪ -1‬النسان بفطرته التي فطره الله تعالى عليها يخشى الموت ويحاذر‬
‫وقوعه‪ ،‬بل يفر منه محاول الخلص من سلطانه‪ .‬وتؤكد وجود هذه الفطرة‬
‫البشرية وقائع الحياة التي ل تكاد تحصى‪ ،‬وكثير من اليات الكريمة في كتاب‬
‫ف‬‫م أ ُُلو ٌ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫من دَِيارِهِ ْ‬ ‫جوا ْ ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫الله تعالى يقول تعالى‪ } :‬أل َ ْ‬
‫ض ٍ َ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ل ل َهم الل ّه موتوا ْ ث ُ َ‬
‫س‬
‫ل عَلى الّنا ِ‬ ‫ذو فَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حَياهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫قا َ ُ ُ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫حذ ََر ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫جاء‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقوله‬ ‫[‪.‬‬ ‫‪243‬‬ ‫]البقرة‪/‬‬ ‫{‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ول َكن أ َ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫حيد ُ { ]ق‪ .[19/‬وقوله تعالى‪ } :‬قُ ْ‬ ‫ه تَ ِ‬ ‫من ُْ‬ ‫ت ِ‬ ‫َ‬ ‫كن‬ ‫ُ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫َ َ‬ ‫ك‬ ‫س‬
‫م { ]الجمعة‪ [8/‬وقوله تعالى‪ُ } :‬قل‬ ‫مَلِقيك ُْ‬ ‫ه‬
‫ُ ِ ُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫رو‬ ‫ّ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ت‬ ‫نا َ ْ َ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫إِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّلن َين َ‬
‫ل { ]الحزاب‪.[16/‬‬ ‫قت ْ ِ‬‫ت أوِ ال َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫فَراُر ِإن فََرْرُتم ّ‬ ‫م ال ِ‬ ‫فعَك ُ‬
‫‪ -2‬وكما بينت هذه اليات محاولة فرار النسان من الموت فإنها قد بينت‬
‫أيضا أل فائدة من الفرار من الموت ول سبيل إلى الخلص منه‪ ،‬وذلك في‬
‫حق ّ { ‪} ،‬‬ ‫ت ِبال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫سك َْرةُ ال ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاء ْ‬ ‫موُتوا ْ { ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫قوله تعالى‪ } :‬فَ َ‬
‫فَراُر ِإن‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫ُ‬
‫فعَك ُ‬ ‫ّ‬
‫م { ‪ } ،‬قل لن َين َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ملِقيك ْ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ه فإ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫فّرو َ‬ ‫ذي ت َ ِ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫موْ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫ق ُ‬ ‫س َذائ ِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ّ‬
‫ل { ‪ .‬وكذلك في قوله تعالى‪ } :‬كل ن َ ْ‬ ‫قت ْ ِ‬ ‫ت أوِ ال َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫فََرْرُتم ّ‬
‫َ‬
‫ت ت َوَفّت ْ ُ‬
‫ه‬ ‫موْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حد َك ُ ُ‬ ‫جاء أ َ‬ ‫ى إ َِذا َ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫ت { ]النبياء‪ .[35/‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن { ]النعام‪[61/‬‬ ‫طو َ‬ ‫فّر ُ‬ ‫م ل َ يُ َ‬ ‫سل َُنا وَهُ ْ‬ ‫ُر ُ‬
‫بل إن الله تعالى يتحداهم أن يحموا أنفسهم من الموت إذا جاءهم كما في‬
‫ن { ]آل‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ت ِإن ُ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن َأن ُ‬ ‫ؤوا عَ ْ‬ ‫ل َفاد َْر ُ‬ ‫قوله تعالى‪ } :‬قُ ْ‬
‫عمران‪ .[168/‬ولو أنهم حاولوا أن يحموا أنفسهم من الموت أو أن يهربوا‬
‫منه إذا جاءهم أجلهم فما هم بقادرين على النجاة منه‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫ت وَل َوْ ُ‬ ‫َ‬
‫شي ّد َةٍ { ]النساء‪،[78/‬‬ ‫م َ‬ ‫م ِفي ب ُُروٍج ّ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫موْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫كوُنوا ْ ي ُد ِْركك ّ ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫} أي ْن َ َ‬
‫وكما حاول ابن نوح أن يصنع فما أفلح في أن يحمي نفسه‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ص َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫ماء َقا َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫مِني ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ل ي َعْ ِ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫سآِوي إ َِلى َ‬ ‫ل َ‬ ‫في شأنه‪َ } :‬قا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ]هود‪.[43/‬‬ ‫مغَْرِقي َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ج فَكا َ‬‫َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ما ال َ‬ ‫ل ب َي ْن َهُ َ‬ ‫حا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫من ّر ِ‬ ‫مرِ الل ّهِ إ ِل ّ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن كل نفس ستذوق طعمه ل محالة‪،‬‬ ‫‪ -3‬وإذا كان الموت أمرا ل مفر منه ‪ ،‬وأ ّ‬
‫كما يرشدنا القرآن الكريم وكما هو ظاهر كالشمس لكل ذي عينين‪ ،‬فمن‬
‫يذيق الناس طعم الموت‪ ،‬ومن يجعله نهاية كل مخلوق ؟ يجيب القرآن‬
‫الكريم على ذلك بشكل قاطع أن الله تعالى وحده هو الذي قضى بالموت‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على كل مخلوق وألزمه أن يتجرع كأسه وأن يستسلم لسلطانه‪ ،‬كما بيّنا ذلك‬
‫في اليات التي أوردناها سالفًا‪.‬‬
‫‪ -4‬ولئن أنكر البعض أن هناك خالقا ً خلقهم‪ ،‬وأنه هو الذي أحياهم وهو الذي‬
‫يميتهم‪ ،‬فإنهم لم يستطيعوا أن ينكروا أن هناك عمليتي حياة وموت‪ ،‬تجريان‬
‫أمام أبصارهم‪ ،‬في مليين الحياء الجديدة من بشر وحيوان ونبات وفي‬
‫مليين الموات‪ ،‬ولكنهم عزوا ذلك للدهر والزمان‪ ،‬منكرين بالطبع أن هناك‬
‫مي هؤلء بالدهريين‪ .‬ويسجل القرآن‬ ‫س ّ‬‫حياة أخرى بعد هذه الحياة الدنيا‪ ،‬وقد ُ‬
‫ما‬
‫حَيا وَ َ‬
‫ت وَن َ ْ‬
‫مو ُ‬
‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ي إ ِل َ‬‫ما هِ َ‬ ‫الكريم إفكهم فيقول تعالى‪ } :‬وََقاُلوا َ‬
‫ن { ]الجاثية‪.[24/‬‬ ‫م إ ِّل ي َظ ُّنو َ‬
‫ن هُ ْ‬‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ما ل َُهم ب ِذ َل ِ َ‬
‫ي ُهْل ِك َُنا إ ِّل الد ّهُْر وَ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ض بالموت على كل مخلوق فحسب‪ ،‬بل جعل لكل‬ ‫‪ -5‬والله تعالى لم يق ِ‬


‫مخلوق بل ولكل أمة من المم‪ ،‬أجل ل ريب فيه‪ ،‬ل يملك أحد ان يتجاوزه‬ ‫ً‬
‫بالزيادة أو النقصان‪ .‬واليات القرآنية تقرر ذلك على وجه قطعي‪ .‬فيقول‬
‫جل ً { ]آل عمران‪/‬‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫مؤ َ ّ‬ ‫ن الله ك َِتاًبا ّ‬ ‫ت إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن ل ِن َ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫تعالى‪ } :‬وَ َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ج ٍ‬ ‫خَرى إ ِلى أ َ‬ ‫سل ال ْ‬ ‫ت وَي ُْر ِ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ضى عَلي َْها ال َ‬ ‫سك الِتي ق َ‬ ‫م ِ‬ ‫‪ ،[145‬ويقول‪ } :‬في ُ ْ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جلَها َوالل ُ‬ ‫جاء أ َ‬ ‫سا إ ِذا َ‬ ‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫خَر الل ُ‬ ‫مى { ]الزمر‪ .[42/‬ويقول‪ } :‬وَلن ي ُؤ ّ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫جاء‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫ج‬ ‫ل أ ُمة أ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫[‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫]المنافقون‪/‬‬ ‫{‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫بي‬ ‫خ‬
‫ِ َ‬ ‫ّ ٍ َ‬ ‫َِ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ِ َ َْ َ‬
‫ن { ]العراف‪ .[34/‬ويقول‪ } :‬وَل َْ‬
‫و‬ ‫مو‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫سا‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫خ‬ ‫أ َجل ُ ٌهم ل َ يستأ ْ‬
‫َ ْ َ ِ ُ َ َ ً َ َ ْ َ ِ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫ل‬ ‫ج‬ ‫خرهُم إَلى أ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫كن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫دآ‬ ‫من‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫هم‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫خذ ُ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫يُ َ‬
‫َ ٍ‬ ‫َ ّ ٍ َ ِ ُ ُ ْ‬ ‫َْ ِ‬ ‫ِ ِ ّ َْ َ‬ ‫ُ ّ َ ِ‬
‫َ‬
‫ن { ]النحل‪.[61/‬‬ ‫مو َ‬ ‫قد ِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ة وَل َ ي َ ْ‬ ‫ساعَ ً‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫جل ُهُ ْ‬ ‫جاء أ َ‬ ‫مى فَإ َِذا َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ه‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫دوا‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫‪-‬‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ذي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫يا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ ّ ِ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّهِ إ َِذا‬ ‫ج َ‬ ‫خرك ُم إَلى أ َجل مسمى إ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فْر ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫نأ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ٍ ّ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫من ذ ُ ُ ِ ْ َ‬
‫و‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫نو‬ ‫كم ّ‬ ‫ن ‪ -‬ي َغْ ِ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫وَأ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م ي ََروْا ْ أ ّ‬ ‫ن { ]نوح‪ .[4-2/‬وقال تعالى‪ } :‬أوَل َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫خُر ل َوْ ُ‬ ‫جاء َل ي ُؤَ ّ‬ ‫َ‬
‫جل ً ل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ض َقادٌِر عَلى أن ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مأ َ‬ ‫ل لهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مث ْلهُ ْ‬ ‫خلقَ ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خلقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ِ‬
‫شأناْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م أن َ َ‬ ‫فوًرا { ]السراء‪ .[99/‬وقال تعالى‪ } :‬ث ُ ّ‬ ‫ن إل ك ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ِفيهِ فَأَبى الظال ِ ُ‬ ‫َري ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن{‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫جلَها وَ َ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫سب ِقُ ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ن‪َ -‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م قُُروًنا آ َ‬ ‫من ب َعْدِهِ ْ‬ ‫ِ‬
‫]المؤمنون‪.[43-42/‬‬
‫م بأن أحدا سوى الله قادر على أن يفرض الموت‬ ‫ً‬ ‫‪ -6‬وإذا ساور البعض وهْ ٌ‬
‫هم ويدحضه‪ .‬فقد‬ ‫ن أجلها فإن القرآن قد جاء يبطل هذا الو ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫على نفس لم ي ِ‬
‫مكر قوم إبراهيم عليه السلم به ليقتلوه انتصارا لصنامهم التي حطمها‬
‫فأوقدوا له نارا ً وألقوه فيها‪ ،‬ولكن الله تعالى نجاه من مكرهم وكيدهم‪ ،‬قال‬
‫كوِني ب َْرًدا‬ ‫ن ‪ -‬قُل َْنا َيا َناُر ُ‬ ‫عِلي َ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫صُروا آل ِهَت َك ُ ْ‬ ‫حّرُقوه ُ َوان ُ‬ ‫تعالى‪َ } :‬قاُلوا َ‬
‫جي َْناه ُ وَُلو ً‬ ‫م اْل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ن ‪ -‬وَن َ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خ َ‬ ‫جعَل َْناهُ ُ‬ ‫دا فَ َ‬ ‫م ‪ 69‬وَأَراُدوا ب ِهِ ك َي ْ ً‬ ‫هي َ‬ ‫ما عََلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫سَل ً‬ ‫وَ َ‬
‫ن { ]النبياء‪.[71-68/‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض الِتي َباَرك َْنا ِفيَها ل ِلَعال ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫إ ِلى الْر ِ‬
‫ولما ترك يونس عليه السلم قومه مغاضبا وجاء الى سفينة تأخذه بعيدا ً عن‬
‫قومه ‪ ،‬فلعبت بها المواج واقترح ركابها إلقاَء بعضهم في البحر طمعا في‬
‫مى في‬ ‫نجاة البعض الخر من الغرق ‪ .‬فكان نصيب يونس عليه السلم ان ُير َ‬
‫الماء فالتقطه الحوت ل ليكون قبرا ً له ‪ ،‬بل سفينة نجاة تحمله الى شاطئ‬
‫السلمة والمان مع ظل وطعام ‪ .‬ويذكر القرآن الكريم هذا الحدث العظيم‪:‬‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ساهَ َ‬ ‫ن ‪ -‬فَ َ‬ ‫حو ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫ن ‪ -‬إ ِذ ْ أ َب َقَ إ َِلى ال ْ ُ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫س لَ ِ‬ ‫ن ُيون ُ َ‬ ‫} وَإ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‪-‬‬ ‫حي َ‬ ‫سب ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه كا َ‬ ‫َ‬ ‫م ‪ -‬فلوْل أن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫مِلي ٌ‬ ‫ت وَهُوَ ُ‬ ‫حو ُ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ‪ -‬فالت َ َ‬ ‫َ‬ ‫ضي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل َلب ِ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م ‪ -‬وَأنب َت َْنا عَلي ْ ِ‬ ‫قي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ن ‪ -‬فن َب َذ َْناه ُ ِبالعََراء وَهُوَ َ‬ ‫ث ِفي ب َطن ِهِ إ ِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَثو َ‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن { ]الصافات‪.[146-139/‬‬ ‫طي ٍ‬ ‫ق ِ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫جَرةً ّ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬


‫ومن المكائد التي يذكرها القرآن الكريم ما صنع مشركو مكة من تآمرهم في‬
‫دار الندوة على حياة رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬إذ أزمعوا آخر‬
‫المر أن يقتلوه ‪ ،‬وما درى أولئك والناس جميعا أن لو اجتمع الخلق على أن‬
‫دره الله عليه ما قدروا على ذلك‪ ،‬ولو أجمعوا أمرهم‬ ‫يضروا أحدا ً بشيء لم يق ّ‬
‫جى‬ ‫على أن يضعوا حدا ً لحياة إنسان لم يحن أجله ما وسعهم ذلك ‪ .‬لذلك ن ّ‬
‫الله تعالى نبّيه من كيدهم ورعاه وحفظه هو وصاحبه الصديق رضي الله‬
‫تعالى عنه حتى حل ّ على أهل النصرة في المدينة أعزاء ظافرين‪ .‬يقول‬
‫مك ُُرو َ‬
‫ن‬ ‫ك وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ك أ َوْ ي ُ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫ك أ َوْ ي َ ْ‬ ‫فُروا ْ ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫مك ُُر ب ِ َ‬ ‫تعالى‪ } :‬وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن { ]النفال‪ .[30/‬ويقول جل جلله‪ } :‬إ ِل ّ‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ َ ِ‬ ‫ْ‬
‫خي ُْر ال َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صُروه ُ فَ َ‬
‫ما ِفي الَغارِ إ ِذ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬
‫َ‬ ‫ي اث ْن َي ْ ِ‬ ‫فُروا َثان ِ َ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ َ‬‫ه ال ِ‬ ‫ج ُ‬‫خَر َ‬ ‫ه إ ِذ ْ أ ْ‬ ‫صَرهُ الل ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫َتن ُ‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫جُنود ٍ ل ْ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ‬‫َ‬ ‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫معََنا فَأنَز َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫َ‬
‫حب ِهِ ل ت َ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل لِ َ‬‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫زيٌز‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ي العُلَيا َوالل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ة اللهِ هِ َ‬ ‫ّ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫فلى وَكل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫س ْ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ال ّ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ة ال ِ‬ ‫م َ‬
‫ل كل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ت ََروْ َ‬
‫م { ]التوبة‪ [40/‬قرآن كريم‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫جواد الزهيري‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لغتي الجميلة‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ت ِإلى‬ ‫ق ُ‬ ‫ت ثيابي وان ْط َل َ ْ‬ ‫خل َعْ ُ‬ ‫مالي َ‬
‫حَلل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب و ال ُ‬ ‫ه الثوا َ‬ ‫سواي أسأل ُ‬ ‫ِ‬
‫جتها‬ ‫ل أْزهو ب ِْبه َ‬ ‫حل ٌ‬‫َ‬ ‫ن لي ُ‬ ‫قَد ْ كا َ‬
‫حل‬ ‫ل واْرت َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫عّزا ً َويْزهو ِبها َ‬ ‫ِ‬
‫دني‬ ‫فَء في ب َ َ‬ ‫غنى ِبها ‪َ ،‬وتمد ّ الد ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫م وال َ‬ ‫مّني العْز َ‬ ‫منا ً وت ُط ْل ِقُ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ن مآِثرها‬ ‫م ْ‬ ‫ج فيها اّلللي ِ‬ ‫تمو ُ‬
‫شَعل‬ ‫لئها ال ّ‬ ‫نل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫نورا ً وتب ْعَ ُ‬
‫ض َتسأُلها‬ ‫ب الْر ِ‬ ‫شعو ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫حتى أفاء ْ‬
‫َ‬
‫سوَء و العِلل‬ ‫مْنها ال ّ‬ ‫ثوبا ً لتست َُر ِ‬
‫هرها‬ ‫جوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫دت ي َد َ الجود ِ ك َْنزا ً ِ‬ ‫م ّ‬
‫طل‬ ‫فََزّينت ُْهم وكانوا قبلها عُ ُ‬
‫ة‬
‫سأل ٍ‬ ‫لم ْ‬ ‫تك ّ‬ ‫ت عليهم وأوفَ ْ‬ ‫جاد ْ‬
‫سأل‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫تك ّ‬ ‫ب ِّرا ً َتوالى ‪ ،‬وأوْفَ ْ‬
‫** **‬
‫*‬
‫** **‬
‫جزةً‬ ‫ه معْ ِ‬ ‫ن وقد ْ صاغت ْ ُ‬ ‫هذا البيا ُ‬
‫مّتصل‬ ‫ل ُ‬ ‫جدا ظ ّ‬ ‫ً‬ ‫دهرِ م ْ‬ ‫تمضي مع ال ّ‬
‫حلل ّ‬
‫ن إعجازِهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ي‪ِ ،‬‬ ‫ن الهد ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫تكسو ِ‬
‫َ‬
‫ف والعُطل‬ ‫ن العطا َ‬ ‫هرا زي ّ َ‬ ‫ً‬ ‫جو ْ َ‬ ‫أو َ‬
‫وهُرهُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫قرآ ِ‬ ‫ة ال َ‬ ‫جه لغ ُ‬ ‫نسي ُ‬
‫ل واكَتمل‬ ‫ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ً‬ ‫ن اللهِ ح ّ‬ ‫آي ٌ م َ‬
‫ؤها‬ ‫دنيا فيمل ُ‬ ‫ض على ال ّ‬ ‫نبعٌ يفي ُ‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فل‬ ‫ح َ‬ ‫ضهِ ال َ‬ ‫ن أحوا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َري ّا ً وَُيطلقُ ِ‬


‫ق‬
‫ن عَب َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ض ي ُْغني الْر َ‬ ‫أو أنه الروّ ُ‬
‫ضل‬ ‫خ ِ‬ ‫ن ندي ّا عود ُه ُ َ‬ ‫ً‬ ‫لَء الّزما ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ة‬
‫ِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫خا‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫أندا‬ ‫تَ ِ ّ ِ ْ َ ْ ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ف‬ ‫ر‬
‫يَء و الظ َّلل‬ ‫ف ْ‬ ‫مد ّ ال َ‬ ‫معَ البكورِ ت َ ُ‬
‫ة‬
‫جر ٍ‬ ‫حّر ها ِ‬ ‫وحْته َ‬ ‫نل ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وك ّ‬
‫َ‬
‫أوى إليه ليلقى الّريّ و الب َلل‬ ‫ْ‬
‫** **‬
‫*‬
‫** **‬
‫جَرْوا‬ ‫ل قومي أد َْبروا و َ‬ ‫ت !! ما با ُ‬ ‫عجب ُ‬
‫مل‬ ‫ت والهَ َ‬ ‫ة الغايا ِ‬ ‫ن ساقط َ‬ ‫يْرجو َ‬
‫ة‬
‫ب مكُرم ً‬ ‫ن ديارِ الغْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م يأخذوا ِ‬ ‫ل ْ‬
‫عل‬ ‫ن القناعةِ أوْ علما َنما وَ َ‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن وقد ْ‬ ‫ي اللسا ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م أخذوا ل ّ‬ ‫لكّنه ْ‬
‫دل‬ ‫مْعت ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ْ‬
‫ن الن ّط ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫م الل ُ‬ ‫حباهُ ُ‬
‫م‬‫ِ ُ‬ ‫حه‬ ‫بفص‬ ‫ّ ِ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫دلوا‬ ‫ْ ّ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ويحه‬ ‫يا‬
‫ي استبدلوا الّزَلل‬ ‫ن الغن ّ‬ ‫وبالبيا ِ‬
‫حمل ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ن غذاُء الفكرِ ي ْ‬ ‫إن الّلسا َ‬
‫طل‬ ‫خ َ‬ ‫ن أو َ‬ ‫عْلما ً وفن ّا ً صوابا ً كا َ‬ ‫ِ‬
‫رَ‬
‫ل منه الّزاد ُ في فِط ٍ‬ ‫ل ينس ّ‬ ‫يظ ّ‬
‫خي َْر أو تلقى ب ِهِ الّزلل‬ ‫تلقى به ال َ‬
‫ب‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن زاد ُه ُ عَ َ‬ ‫ي ِلسا ٌ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ال َعْ َ‬
‫دل‬ ‫َ‬ ‫خل ُ‬
‫ط في أْوشاب ِهِ الج َ‬ ‫َتراه ُ ي َ ْ‬
‫ه‬
‫مصادِرِ ِ‬ ‫ل الهد ْيَ نورا في َ‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل ْ‬
‫وشل‬ ‫ول الحقيقة إل كانت ال َ‬
‫** **‬
‫*‬
‫** **‬
‫ن له‬ ‫ّ ِ ّ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫ضا‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫لسا‬ ‫فحس ُ ِ ْ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫بنا‬
‫جل‬ ‫صفا و َ‬ ‫فيضا ً من الّنور أو نبعا ً َ‬
‫ت‬ ‫وأنه اللغة الفصحى نمت وزه ْ‬
‫ت وبلغا ً بالُهدى نزل‬ ‫تنّزل ْ‬
‫وأنه ‪ ،‬ورسول الله ُيبلغه‬
‫م اليَ َوالّرسل‬ ‫م الزمان وض ّ‬ ‫ض ّ‬
‫وأنه الكنُز ل تفنى جواهرهُ‬
‫ُ‬
‫غنى ب ِهِ الَول‬ ‫ي ما أ ْ‬ ‫ي ُْغني الليال َ‬
‫للئ ِهِ ُدررا ً‬ ‫ل ي ُط ْل ِق من ْ‬ ‫يظ ّ‬
‫ُ‬
‫ي الجود ِ متصل‬ ‫على الزمان غن ّ‬
‫ن صافَية‬ ‫فعُد ْ إلى لغةِ القرآ ِ‬
‫ن أو جبل‬ ‫ب سهْل كا َ‬ ‫ً‬ ‫در َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫جلو ل َ‬ ‫تَ ْ‬
‫عوجا ً‬ ‫تجلو صراطا سوي ّا ل ترى ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫خلل‬ ‫ة ت َْلقى ول َ‬ ‫فيه ول فتن ً‬
‫تجلو سبيل ً تراهُ واحدا ً أبدا ً‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سُبل‬
‫م ُ‬ ‫مضّلين ْتلقى عندهُ ْ‬ ‫ولل ُ‬
‫** **‬
‫*‬
‫** **‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ه!‬ ‫ك َيا الل ُ‬ ‫لب ّي ْ َ‬


‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ن‬‫ت ظ ِل َل ِِها ُرك َْبا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫حجيجَها ‪ُ ... ...‬نوٌر وَت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ة الغَّراُء ب َي ْ َ‬ ‫الكعب ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل َرّيا ُ‬ ‫ص ٌ‬ ‫وا ِ‬ ‫مت َ‬ ‫جَها ُ‬ ‫حجي ُ‬ ‫داث َِها ‪ ... ...‬وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قط ّعُ الّيام ِ‬ ‫ت َت َ َ‬
‫ن‬ ‫ما ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة ‪ ... ...‬فَابت َل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت َوالْز َ‬ ‫ساحا ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م آي َ ً‬ ‫مَز َ‬ ‫ن َز ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ح َ‬ ‫جَرى لَها الّر ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‬ ‫جَنبات َِها الغُد َْرا ُ‬ ‫ت على َ‬ ‫صف ْ‬ ‫ه هَوَىً ‪ ... ...‬وَ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل عُُروقَِها ِ‬ ‫جَرى ب ِك ّ‬ ‫ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬ ‫حَنا ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ن هوا ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫حلو ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫حَنان ِهِ ‪ ... ...‬كم كا َ‬ ‫ن الَهوى وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫عل ّ‬ ‫ُرّدي َ‬
‫ن‬‫ها الْرَدا ُ‬ ‫َ‬ ‫عطَر َ‬ ‫ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫م ت َن ْث ُُر وُد ّ َ‬ ‫َ‬
‫ف ُ‬ ‫طيبا فت َن ْ ُ‬ ‫ها ‪ِ ... ...‬‬ ‫مضين َوالّيا ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫** ‪** ... * ...‬‬
‫ن‬ ‫ه وََبيا ُ‬ ‫تل ُ‬ ‫َ‬ ‫هدىً َوآيا ٌ‬ ‫ت العَِتيـ ‪ ... ...‬ــقُ ُ‬ ‫م ‪َ ،‬والب َي ْ ُ‬ ‫هي َ‬ ‫م إ ِب َْرا ِ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫أ َ‬
‫ن‬ ‫سا‬
‫ُُ ُ َ َ ّ ِ َ ُ‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ض‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ ّ ُِ َ َِ ِّ ْ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫ك‬ ‫را‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫طائ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫ن‬
‫دا ُ‬ ‫ظلل ِهِ الب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫ف ب َي ْ َ‬ ‫حات ِهِ ‪ ... ...‬وَت َرِ ّ‬ ‫سا َ‬ ‫م في َ‬ ‫دا ُ‬ ‫م الق َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت ََتزا َ‬
‫ن‬ ‫عا ُ‬ ‫ت َوال ِذ ْ َ‬ ‫خبا ُ‬ ‫كبيُر َوال ِ ْ‬ ‫حيد ُ َوالْتـ ‪ ... ...‬ـت َ ْ‬ ‫دى َرَبوات ِِها الت ّوْ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ى َ‬ ‫من َ ً‬ ‫وَ ِ‬
‫ن‬
‫معٌ ب َي ْن ََها هَّتا ُ‬ ‫شى وَد َ ْ‬ ‫ة ‪ ... ...‬ت َغْ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ج وََر ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫ت تَ ِ‬ ‫حا ٌ‬ ‫سا َ‬ ‫ت َ‬ ‫عََرَفا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل َب ّي ْ َ‬
‫ن‬‫جَنا ُ‬ ‫ت الّرَبى وَ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل وَفَوّ َ‬ ‫س ٌ‬ ‫ت بَها ‪ُ ... ...‬ر ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه ! َوان ْطل َ‬ ‫ك َيا ألل ُ‬
‫ُ‬ ‫ل َّبي َ‬
‫ن‬‫جَنا ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَُها َندىً ي َب ْت َ ّ‬ ‫صدىً والفْقُ ي َْر ‪ِ ... ...‬‬ ‫ك والد ّن َْيا َ‬
‫ن‬‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ال ِ ْ‬ ‫ك ب َِباب ِ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ك الرضا ‪َ ... ...‬الخيُر ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫حد َ َ‬ ‫ك وَ ْ‬ ‫ل َب ّي ْ َ‬
‫** ‪** ... * ...‬‬
‫ن‬
‫جا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫ت لَها ال ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك ‪ ،‬وال ْت َ َ‬ ‫ل َب ّي ْ َ‬
‫فلت َ ْ‬ ‫ن َوان ْ َ‬ ‫ت الـ ‪ ... ...‬ـعَي َْنا ِ‬ ‫فؤاد ُ وََداَر ِ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ف َ‬
‫ن‬‫ض َوالْركا ُ‬ ‫خطى الْرَبا ُ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ‪ ... ...‬ت َ ْ‬ ‫عها الد َّياَر فَُزْلزل َ ْ‬ ‫وارِ ُ‬ ‫ت قَ َ‬ ‫د َقّ ْ‬
‫ن‬ ‫سيا ُ‬ ‫ه الن ّ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫بل ّ‬ ‫َ‬ ‫ف وَغْر ٌ‬ ‫َ‬ ‫شرِقٌ ‪ ... ...‬غا ٍ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ميهِ البلد َ ف َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫مع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫** ‪** ... * ...‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ه آَذا ُ‬ ‫ف الد ّن َْيا ل ُ‬ ‫شارِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ضارع ٌ ‪ ... ...‬وَ َ‬ ‫ج ! وَكل قلب َ‬ ‫جي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫أي ْ َ‬
‫ن‬
‫دا ُ‬ ‫م ب ُل ْ َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ل وَفَّرقَ َ‬ ‫سب ُ ٌ‬ ‫م ‪ُ ... ...‬‬ ‫ت ِبه ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت َوان ْط َل َ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عوا عَ ِ‬ ‫ن ََز ُ‬
‫ن‬
‫وا ُ‬ ‫م وَهَ َ‬ ‫مل َهُ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫مّزقُ َ‬ ‫جَها ‪ ... ...‬وَهَوَىً ي ُ َ‬ ‫ضجي ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م الد ّن َْيا ب ِك ُ ّ‬ ‫وَط َوَت ْهُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ت أوْ َ‬ ‫عرَفا ُ‬ ‫م ‪َ ... ...‬‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫حجيج ك َأن ّ ُ‬ ‫مضى ال َ‬ ‫وَ َ‬
‫حات ِهِ ‪ِ ... ...‬بالمس كم َ‬ ‫َ‬ ‫م ل َّبوا َ‬ ‫َ‬
‫عاُنوا‬ ‫طاُفوا هَُناك وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫سا َ‬ ‫على َ‬ ‫س كَ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ِبال ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫وا ُ‬ ‫حهِ الل َ‬ ‫ف ِبطا ِ‬ ‫خل َ‬ ‫ب َ‬ ‫صدى ‪ ... ...‬وَت َِغي ُ‬ ‫ت ب َِها ال ّ‬ ‫مو ُ‬ ‫ت يَ ُ‬ ‫حا ٌ‬ ‫سا َ‬ ‫ت َ‬ ‫عََرَفا ُ‬
‫ن‬‫حوْلها الوُْديا ُ‬ ‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫ت فَب َك ّ ْ‬ ‫قط ْ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ة ‪َ ... ...‬‬ ‫معَ ٌ‬ ‫ت إ ِل ّ د َ ْ‬ ‫م ي َب ْقَ في عََرَفا ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن‬
‫حَزا ُ‬ ‫ل وَت ُهَْرقُ ب َي َْنها ال َ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫حوَْلها ‪ ... ...‬أ َ‬ ‫مع ُ َ‬ ‫سلم ِ ي َل ْ َ‬ ‫ة ال ِ ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫هي د َ ْ‬
‫** ‪** ... * ...‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَت َل َ ّ‬
‫ن‬
‫ضلِعي الغِْرَبا ُ‬ ‫شأ ْ‬ ‫خَتاه ُ ! ت َن ْهَ ُ‬ ‫ة ‪ ... ...‬أ ْ‬ ‫ة لوْعَ ً‬ ‫صى لمك َ‬ ‫ت القْ َ‬ ‫ف َ‬
‫هاُنوا ؟‬ ‫َ‬
‫ن الغَُثاُء ! أ َ‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫مليي ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م ‪ ... ...‬أي ْ َ‬ ‫شد ُهُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫خَتاه ُ ! أي ْ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‬‫فا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫معِهِ ال ْ‬ ‫َ‬
‫ن دَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫دائ ِهِ ‪َ ... ...‬واغَروَْرقَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل نِ َ‬ ‫حَبا ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫قطعَ ْ‬ ‫َ‬ ‫خَتاه ُ ! َوان ْ َ‬ ‫أُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫جد َْرا ُ‬ ‫جادِهِ ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت على أ ْ‬ ‫ه ‪ ... ...‬وَهَوَ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫حَيا َ‬ ‫ي ت َد ُقّ ِ‬ ‫ل كَ ْ‬ ‫مَعاوِ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫وَهَوَ ْ‬
‫** ‪** ... * ...‬‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬ ‫فت َْيا ُ‬ ‫حات ََها ال ِ‬ ‫سا َ‬ ‫على َ‬ ‫ت َ‬ ‫ج ْ‬‫ة ‪ ... ...‬د ََر َ‬ ‫صوِل َ ٌ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫مَراب ِعٌ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قب ْل ََتا ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ن‬
‫سا ُ‬ ‫لن َ‬ ‫عن ْد َهُ ا ِ‬ ‫شع ُ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ً‬
‫دى ‪ُ ... ...‬نورا وَي َ ْ‬ ‫ج ب َي ْن َُهما الهُ َ‬ ‫مو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قب ْلَتا ِ‬ ‫َ‬ ‫ال ِ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شَعاب ِهِ أكَنا ُ‬ ‫م وَكل ِ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ن وَكل َراب ِي َةٍ لها ‪َ ... ...‬‬ ‫قب ْلَتا ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ن‬ ‫ما‬ ‫شعاف هَديل َه ‪ ... ...‬ويرد جنحيه رضى وأ َ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫إلى‬ ‫م‬ ‫حما‬ ‫ال‬ ‫هدي‬
‫ََُ ّ ُ ْ َ ْ ِ ِ َ ً َ َ ُ‬ ‫ِ ُ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن‬‫مكا ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫طا َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫حب َي ْ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل ن ُب ُوّةٍ ‪َ ... ...‬وال ّ‬ ‫م ب َي ْن َُهما ظ ِل َ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫** ‪** ... * ...‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫داُنوا‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ب الَعاِلمي َ‬ ‫ت ُقلو َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ة ‪ ... ...‬فَت َ َ‬ ‫سال ٌ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫ن أي ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب الّر ْ‬ ‫أك ََتائ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫جَنا ُ‬ ‫ضٌر وَ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ت نَ َ‬ ‫شَريا ُ‬ ‫ب َيقين ََها ‪ ... ...‬وَ الب ُ ْ‬ ‫قلو ِ‬ ‫ت إلى ال ُ‬ ‫هَل ّ أعد ْ ِ‬
‫ن‬
‫قْرآ ُ‬ ‫ل َوال ْ ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ه التـ ‪ ... ...‬ـت َوَْراةُ وال ِن ْ ِ‬ ‫ق ُ‬‫ح ّ‬ ‫ن أوَْفى َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ح َ‬ ‫معَ الّر ْ‬ ‫عَهْد ٌ َ‬
‫** ‪** ... * ...‬‬
‫ن‬
‫ت َوالوُد َْيا ُ‬ ‫ه ‪ ... ...‬ت َغَْنى ب ِهِ الذ ُّرَوا ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫حي ُ‬ ‫لله ! َر ِ‬ ‫ها ِ‬ ‫م ي َُبارِك ُ ُ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مآ ُ‬ ‫قه الظ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫عن ْد َ اللقاِء وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ب وَي َْرَتوي ‪ِ ... ...‬‬ ‫قلو ُ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫نل ُ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫َ‬
‫** ‪** ... * ...‬‬
‫حَنان‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ج َ‬ ‫ها َ‬ ‫ت ذِكرى وَ َ‬ ‫ما طوّف ْ‬ ‫حلوَة ُ ‪َ ... ...‬‬ ‫ك ُ‬ ‫ن َداُر ِ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫َيا أ ّ‬
‫ن‬
‫دا ُ‬ ‫ت ب ِهِ الِعي َ‬ ‫ضَر ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫هر ك ُّلها ‪ ... ...‬عَب َقُ ِإذا َ‬ ‫من ُْثوُر الَزا ِ‬ ‫ك َ‬ ‫مغَْنا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ُ‬ ‫لي َ‬ ‫ها ا ِ‬ ‫عبيَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫ك َزهَْرة ً ‪ ... ...‬إ ِل وَكا َ‬ ‫ض ِ‬ ‫س َروْ ِ‬ ‫ن غْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قي ِ‬ ‫ل أن ْت َ ِ‬
‫ن‬ ‫ما‬‫ر‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ها‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫لهوى‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫ر‬
‫َ ْ َ َ َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫!‬ ‫كو‬ ‫ش ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ِ ْ َ ُ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫ْ َ َ ُ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كا ُ‬ ‫س ّ‬ ‫كى على أط ْل َل ِهِ ال ّ‬ ‫ه ‪ ... ...‬وَب َ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ح َروْ ُ‬ ‫صو ّ َ‬ ‫ت أَزاهُِرهُ وَ َ‬ ‫ذ َب َل َ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫** ‪** ... * ...‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· ديوان الرض المباركة‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لفظ التوحيد في السنة النبوية‬


‫طلل بن علي الجابري‬
‫استقر التوحيد بأقسامه الثلثة ‪ -‬عند أهل الحق ‪: -‬‬
‫‪ -1‬توحيد اللوهية ‪ -2 .‬توحيد الربوبية ‪ -3 .‬توحيد السماء والصفات ‪.‬‬
‫ووفقهم الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬للعمل بمقتضى هذه العقيدة السمحة ‪ ،‬إل أنه ل بد‬
‫لهل الحق من المدافعة والمنابذة من أهل الزيغ أو الجهل بين الحين والخر‬
‫ل [) الحزاب ‪ ، ( 62 :‬ومن ذلك ‪:‬‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫خل َ ْ‬
‫وا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ة الل ّهِ ِفي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سن ّ َ‬
‫] ُ‬
‫‪ -1‬إنكار تقسيم التوحيد من بعض أهل البدع وادعاؤهم أن أول من جاء به‬
‫شيخ السلم ابن تيمية ‪ ،‬وابن القيم ‪ ،‬وابن عبد الوهاب ؛ رحم الله الجميع ‪.‬‬
‫وقد تولى الرد على هذه الفرية جمعٌ من العلماء ‪ .‬قال الشيخ بكر أبو زيد ‪:‬‬
‫) هذا التقسيم الستقرائي لدى متقدمي علماء السلف أشار إليه ابن منده و‬
‫ابن جرير و الطبري وغيرهم ‪ ،‬وقرره شيخا السلم ابن تيمية و ابن القيم ‪،‬‬
‫وقرره الزبيدي في تاج العروس ‪ ،‬وشيخنا الشنقيطي في أضواء البيان في‬
‫م لنصوص الشرع ‪ ،‬وهو مطرد‬ ‫آخرين ؛ رحم الله الجميع ‪ ،‬وهو استقراء تا ّ‬
‫لدى أهل كل فن كما في استقراء النحاة كلم العرب إلى اسم وفعل‬
‫ه بهذا ‪ ،‬ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب ‪ ،‬وهكذا‬ ‫ف ْ‬‫وحرف ‪ ،‬والعرب لم ت َ ُ‬
‫من أنواع الستقراء ( ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬تسمية أقسام التوحيد اصطلحا ً ‪ .‬وهذا خطأ ؛ والصواب أنه استقراء من‬
‫نصوص القرآن الكريم وليس اصطلحا ً أنشأه بعض العلماء من عندهم ؛‬
‫ولهذا نجد أن العلماء ل يسمون ذلك اصطلحا ً ‪ ،‬بل يقولون إنه استقراء كما‬
‫في ) أضواء البيان ‪ ( 414 3/410‬وما تقدم من كلم الشيخ بكر أبو زيد‬
‫وغيرهما ‪ ،‬وقد سمعت الشيخ عبد الله الغنيمان يرد هذه التسمية ويسميها ‪:‬‬
‫استقراء ‪.‬‬
‫‪ -3‬زعم بعضهم أن لفظ التوحيد مصطلح عليه ) أي أنه من عند العلماء ( ولم‬
‫يرد في القرآن ول في السنة ‪ ،‬كما صرح بعضهم في درسه بذلك ‪ ،‬وقد نبهته‬
‫ورجع جزاه الله خيرا ً ‪ .‬ثم وجدت الخطأ نفسه من بعض الفضلء في كتاب له‬
‫‪ ،‬وهذا ل نشك أنه ناشئ من عدم الستقراء ‪ .‬ورحم الله أهل الستقراء التام‬
‫» كدت ل أراهم إل في كتاب أو تحت تراب « ‪.‬‬
‫وها هنا بعض الحاديث النبوية الثابتة في ذكر لفظ التوحيد ولن آتي به إل‬
‫م يأت ‪ .‬فإلى‬ ‫صريحا ً ؛ لن بعضهم قال إنه جاء متصرفا ً ‪ ،‬أما صريحا ً فَل َ ْ‬
‫الحاديث ‪:‬‬
‫‪ -1‬أخرج المام أحمد عن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫حمما ً ‪،‬‬ ‫س من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا ُ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ُ » :‬يعذب نا ٌ‬
‫ثم تدركهم الرحمة فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة ‪ ،‬قال ‪ :‬فيرش‬
‫عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما ينبت القثاء في حمالة السيل ثم يدخلون‬
‫الجنة « ‪.‬‬
‫‪ -2‬وجاء في صحيح مسلم وغيره في كتاب الحج عن جابر ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫ل بالتوحيد ‪. [3] « ...‬‬ ‫‪ ... » : -‬فأه ّ‬
‫‪ -3‬أخرج أبو داود وغيره ‪ ،‬وصححه الحاكم والذهبي وحسنه النووي‬
‫والعسقلني ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبعض النسوة ‪ » :‬عليكن‬
‫بالتسبيح والتهليل والتقديس ‪ ،‬ول تغفلن فتنسين التوحيد ) وفي رواية ‪:‬‬
‫الرحمة ( ‪ ،‬واعقدن بالنامل ؛ فإنهن مسؤولت ومستنطقات « ‪.‬‬
‫وفي الجملة فقد يكون هناك أكثر وأكثر من الحاديث النبوية الصحيحة في‬
‫ذكر لفظ التوحيد ؛ وإنما أردت إثبات هذا اللفظ الشريف ‪ ،‬ويكفي في ذلك‬
‫حديث واحد ؛ ولله الحمد ‪ .‬كما أني أنصح الجميع بعدم النفي لبعض القضايا‬
‫أو السماء إل بعد الستقراء التام والعتماد على العلماء المتقدمين في ذلك ؛‬
‫لنهم أهل الستقراء حقيقة من أمثال شيخ السلم ابن تيمية وتلميذه ابن‬
‫القيم وغيرهما ‪ ،‬رحمهم الله ‪.‬‬
‫وأذكر في هذا المقام أن بعض أهل البدع قال ‪ :‬لم يرد تسمية صفات الله‬
‫بلفظ ) صفة ( ‪ ،‬أما السماء فقد وردت ! ! وهو بهذا الزعم يشوش على‬
‫بعض البسطاء من العامة والله المستعان ‪ ،‬وغاب عنه حديث في صحيح‬
‫البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجل ً على سرية‬
‫ل هُو الل ّ َ‬
‫لخلص ‪، ( 1 :‬‬ ‫حد ٌ [) ا ِ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫وكان يقرأ لصحابه في صلته فيختم بـ ] قُ ْ َ‬
‫فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ » :‬سلوه لي شيء‬
‫يصنع ذلك ؟ « فسألوه فقال ‪ :‬لنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها ‪.‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬أخبروه أن الله يحّبه « ‪.‬‬
‫هّ‬
‫مد ُ ل ِل ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ن * َوال َ‬‫سِلي َ‬
‫مْر َ‬ ‫م عََلى ال ُ‬ ‫سل ٌ‬
‫ن * وَ َ‬
‫فو َ‬‫ص ُ‬
‫ما ي َ ِ‬
‫ب العِّزةِ عَ ّ‬
‫ك َر ّ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬
‫] ُ‬
‫ن [) الصافات ‪_. ( 182-180 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫َر ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقاء مع فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين اللباني‬


‫فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين اللباني من أعلم الدعوة السلمية في هذا‬
‫العصر ‪ ،‬ومن كبار علماء الحديث ‪ ،‬أمضى عمره في تعلم الحديث وتعليمه‬
‫والتصنيف فيه ‪ ،‬ووضع السنة بين يدي المة ‪ ،‬وكان لكتبه ودروسه ولقاءاته‬
‫الفضل والثر الكبير في التوجه نحو السنة الصحيحة والبتعاد عن الضعيف‬
‫والموضوع ‪.‬‬
‫وقد كانت رغبة قديمة عند )مجلة البيان( في اللقاء به والستفادة من علمه ‪،‬‬
‫وتعريف القراء بعلمائنا البارزين الذين ل ينكر دورهم التجديدي في هذا‬
‫العصر وقد جاءت الفرصة المناسبة والتقاه رئيس التحرير وكان معه هذا‬
‫الحوار ‪.‬‬
‫س ‪ :‬فضيلة الشيخ عندما قمتم بتدريس مادة الحديث في الجامعة السلمية‬
‫في المدينة النبوية كان لكم دور بارز في إيجاد تيار من الشباب المتعلم الذي‬
‫يبحث عن الدليل الشرعي ‪ ،‬ويهتم بالحديث ‪ ،‬والبحث عن تخريجه وتمييز‬
‫الصحيح من الضعيف ‪ ،‬هل أنتم راضون عن هذا التيار ‪ ،‬وهل هو في ازدياد‬
‫وانتشار ؟‬
‫ج ‪ :‬ليس لي صلة بالجامعة ‪ ،‬ولما تركتها أو تركتني ‪ ،‬كنت أتردد ما بين آونة‬
‫وأخرى في سبيل مراجعة بعض المحاضرات هناك ‪ .‬لم تعد الظروف‬
‫تساعدني على التردد عليها لذلك ل أعرف واقعها الن ‪ .‬ولكن بصورة عامة ل‬
‫تزال قائمة بواجبها في نشر الثقافة السلمية السلفية ‪ ،‬ول شك أن بعض‬
‫إخواننا من الطلب الذين كانوا يوم كنا ندرس هناك مادة الحديث ‪ ،‬هم الن‬
‫أساتذة ودكاترة ‪ ،‬ول أدري هل التأثير ما يزال مستمرا ً كما كان في العهد‬
‫الول أم ازداد ‪ ،‬هذا مما ل سبيل لنا إلى معرفته إل بالتردد على الجامعة‬
‫والطلع على مسيرتها ‪.‬‬
‫س ‪ :‬ولكن هناك ملحظة ‪ ،‬على بعض هؤلء التلميذ أو تلمذتهم ‪ ،‬عندهم‬
‫ن هذا يجب أن يصحح ؟‬ ‫خشونة أو قسوة في عرض المنهج ‪ ،‬أل ترون أ ّ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫حك َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل َرب ّك ِبال ِ‬
‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ج ‪ :‬نعم ‪ ،‬نحن نقول كما قال رب العالمين ] اد ْع ُ إلى َ‬
‫سن َةِ [وهذا يجب أن يوجه إلى جميع الدعاة ‪.‬‬ ‫عظ َةِ ال َ‬
‫ح َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬
‫س ‪ :‬هل لكم ملحظات على التيار السلفي في البلد العربية والعالم‬
‫السلمي ؟ وما هي ؟‬
‫ج ‪ :‬باعتقادي أن التيار السلفي والحمد لله اكتسح الجواء السلمية كلها ‪،‬‬
‫وأكبر دليل على ذلك أن الذين كانوا بالمس القريب يعادونه أصبحوا يتزلفون‬
‫إليه ‪ ،‬ويتبنون اسمه ‪ ،‬هذا يبشر بخير ‪ ،‬لكن في الواقع أرى أن الدعوة‬
‫السلفية والتي يعود إليها الفضل فيما يسمى اليوم بالصحوة السلمية ‪ ،‬وإن‬
‫كان كثير من الدعاة السلميين يتجاهلون هذه الحقيقة ‪ ،‬ول يربطون الصحوة‬
‫بالدعوة السلفية الحقة ‪ ،‬لكن الحقيقة هي أن الصحوة الموجودة اليوم والتي‬
‫يعبر عنها بالرجوع إلى الصل )الكتاب والسنة( ‪ ،‬ونحن نعبر عن هذا الرجوع‬
‫بعبارة أدق كما هو معلوم من محاضراتنا ‪.‬‬
‫إن الدعوة إلى الكتاب والسنة يجب أن يقرن بها الدعوة إلى منهج السلف‬
‫الصالح في فهم هذين المصدرين الوحيدين ‪ ،‬وإن كان الخرون ل يدندنون‬
‫حول هذا المنهج مع أنه ضروري جدا ً ‪ ،‬إذ عدم الهتمام به هو سبب الفرقة‬
‫القديمة المعروفة تاريخيا ً ‪ ،‬والفرق الحديثة الموجودة اليوم ‪ ،‬ولم يكن سبب‬
‫هذا وذاك إل عدم الرجوع إلى فهم الكتاب والسنة على منهج السلف‬
‫الصالح ‪ .‬أقول ‪ :‬إن الدعوة السلفية ‪ -‬مع انتشارها وما نتج عنها من هذه‬
‫الصحوة العصرية ‪-‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجملة تحتاج إلى علماء يبينون أول ً تفصيل الكلم حولها ‪ ،‬وتوسيع دائرة‬
‫الدعوة السلفية ‪ ،‬إنها هي السلم بكل تفاصيله تجمع كل شؤون الحياة ‪.‬‬
‫هذا التعميم في البيان للدعوة السلفية بحاجة إلى علماء عاشوا حياتهم‬
‫يدرسون الكتاب والسنة ويدعون الناس قول ً وكتابة وعمل ً ‪ ،‬فإن كثيرا ً من‬
‫الشباب الذين يتبنونها ‪ ،‬يستعجلون الدعوة إليها قبل أن يفهموا تفاصيلها ‪،‬‬
‫ومن آثار ذلك كثرة الرسائل والمؤلفات التي تطبع في العصر الحاضر من‬
‫مؤلفين عديدين جدا ً ‪ ،‬ول تكاد تجد في هذه الكثرة الكاثرة من هؤلء من‬
‫يشار إليه بأنه شيخ ‪ ،‬وأعني بكلمة شيخ المعنى اللغوي )مسن وكبير( وأعني‬
‫أيضا ً المعنى العرفي ‪ :‬أنه متمكن في علمه ‪ ،‬هذا الشباب المتحمس لم‬
‫يدرس السلم دراسة على القل تسوغ له أن يؤلف وأن يدعو الناس سواء‬
‫بكتاباته أو بمحاضراته ‪.‬‬
‫* ظاهرة الكتب الكثيرة الن ظاهرة غير صحية ؟‬
‫ج ‪ :‬أبدا ً أبدا ً تنبئ بصحوة ‪ ،‬وتنذر بآن واحد ‪ ،‬ومن نتائج هذه الظاهرة كثرة‬
‫الناشرين والطابعين مع قلتهم في الزمن السابق ‪ ،‬القلة السابقة وإن كانوا‬
‫اتخذوا الطباعة والنشر مهنة للعيش ‪-‬وهذا ل بأس به شرعا ً ‪ -‬ولكن كانوا في‬
‫الغالب يشكلون لجانا ً علمية ‪ ،‬ل يطبع الكتاب إل بعد مروره على هذه‬
‫اللجنة ‪ .‬أما الن مع السف الشديد نجد المر أن النشر هو للتجارة وليس‬
‫لخدمة العلم ‪ ،‬وتجد لفتات ضخمة يقال أن هذا الكتاب قام على تحقيقه أو‬
‫التعليق عليه لجنة من أهل الختصاص وحينما تقرأ تحزن لكثرة الخطاء‬
‫المطبعية ‪ ،‬مع شعورك بأنه لم يحقق !‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تعاون المؤلفون المحدثون مع الناشرين في غزو المكتبات بشتى المؤلفات ‪،‬‬


‫تجد رسائل متعددة في موضوع واحد ‪ ،‬هذا يأخذ من هذا وهذا يأخذ من ذاك‬
‫وليس هناك علم جديد ‪.‬‬
‫قبل أمس اتصل بي أحد الجزائريين ‪ ،‬أعجبتني لغته مع أن لغة الجزائريين‬
‫صعبة فلهجتهم غير لهجتنا ولكن هذا الخ كانت لهجته عربية فصحى ل يلحن ‪،‬‬
‫ماذا سألني ‪ ،‬قال ‪ :‬أنا بصدد جمع أوهام الحافظ الذهبي في تلخيصه‬
‫للمستدرك التي أشرت إليها في كتبك حيث تقول أنت مثل ً ‪ :‬أخرجه الحاكم‬
‫وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ‪ ،‬فما رأيك ؟‬
‫قلت له ‪ :‬ل تفعل ‪ ،‬ولئن فعلت فاجمع لنفسك ‪ ،‬لني أريدك أل تكون إمعة ‪،‬‬
‫ول مقلدا ً ‪ ،‬ل لبكر ول لزيد ول لناصر ‪ ،‬نريد منك أن تنشر جهدك واجتهادك‬
‫وكل إنسان يستطيع أن يجمع قول فلن مع قول فلن ويؤلف رسالة ‪ ،‬ماذا‬
‫يستفيد الناس من هذا المجهود هكذا أقول لطلب العلم ‪ ،‬ل تتسرعوا في‬
‫التأليف والنشر وأضرب لهم مثل ً ‪ :‬عندي كتاب هو أول كتاب يمكن أن يقال‬
‫أنه تأليفي وهو في مجلدين واسمه ‪ ) :‬الروض النضير في ترتيب وتخريج‬
‫معجم الطبراني الصغير ( ألفته وكان عمري ‪ 25‬سنة ‪ ،‬حينما يراه النسان‬
‫يتعجب من الجهد ومن العناية بالخط ‪ ،‬أما الن بعد أن بلغت من الكبر عتيا ً‬
‫أستفيد منه كثيرا ً ‪ ،‬ولكن ل أرى أنه صالح للنشر ‪ ،‬لماذا؟‬
‫لنني أستدرك على نفسي بنفسي‪ ،‬وهناك مثال واضح جدا ً ‪ ،‬كنت أنا مع‬
‫الجمهور الذين إذا رأوا حديثا ً بإسناد كل رجاله ثقات إل شخصا ً واحدا ً وثقة‬
‫ابن حبان ‪ ،‬كنت أقول هذا إسناد صحيح ‪ ،‬على هذا جريت في هذا الكتاب ‪،‬‬
‫لكن فيما بعد ‪ ،‬رأيت أن توثيق ابن حبان ل يوثق به ‪ ،‬والن من فضل الله‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علي وعلى الناس أن كثيرا ً ممن عنوا بعلم الحديث أصبحوا يقولون كما‬
‫صرت أنا أقول ل كما كنت أقول ‪ ،‬ثم جد ّ معي شيء عثرت عليه منذ بضع‬
‫سنين أن وجه الصواب في الذي نشرته وانتشر عن ابن حبان ‪ ،‬الصواب فيه‬
‫أنه ليس على إطلقه ) يعني ل يقول أحد أن توثيق ابن حبان ل يوثق به (‬
‫تبين لي هذا من الممارسة العملية ‪ ،‬هذه نقطة لم تذكر في علم المصطلح ‪،‬‬
‫صرت أقول ‪ :‬توثيق ابن حبان ل يوثق به إل إذا كان هذا الموثق له رواة‬
‫كثيرون عنه ‪ ،‬إذا كانوا ثقات ‪ ،‬عندئذ تطمئن النفس إلى العتداد بتوثيق ابن‬
‫حبان ثم حصلت عجائب ‪ ،‬الناشئون الذين أخذوا تنبيهي الول صاروا يردون‬
‫علي ‪ :‬أنت لماذا تصحح هذا الحديث وفيه فلن ‪ ،‬لم يوثقه إل ابن حبان ؟ !‬
‫طبعا ً أبين لهم الن أنه تكشف لي كذا وكذا ‪ ..‬وليس بشيء تفردت به ‪ ،‬هذا‬
‫غير مذكور في علم مصطلح الحديث ‪ ،‬لكن يفهمه النسان بالممارسة ‪، ..‬‬
‫الخلصة ‪ ،‬نحن نريد الن من الناشئ أل يتسرع ‪.‬‬
‫س ‪ :‬بعض الناس ينتقدون منهج الجامعات السلمية في طرق التعليم ‪،‬‬
‫وأنهم ل يخرجون طلبة علم مؤهلين ليكونوا علماء ‪ ،‬ما هي الطريقة المثلى‬
‫للتعلم برأيكم ؟‬
‫ج ‪ :‬الجامعات ليس بإمكانها أن تخرج علماء ‪ ،‬لكن الجامعات تهيئ الطلبة‬
‫ليكونوا علماء ‪ ،‬والحق أن الذين يتخرجون ل يقومون بواجبهم ‪ ،‬ل يتابعون‬
‫الستفادة من القواعد العلمية والتوجيهات التي تلقوها من أساتذتهم لينكبوا‬
‫على العلم ‪ ،‬ثم عند النضج العلمي كتابة ومحاضرة ونشرا ً ‪ ،‬فأصبح جل هؤلء‬
‫المتخرجين همهم أن يصبحوا أساتذة ومعلمين أو أن يصبحوا موظفين كبار‬
‫في بعض الدول ‪ .‬إن مصيبة العالم السلمي اليوم هي فقدان التقوى ‪،‬‬
‫فقدان التربية ‪ ،‬وفي اعتقادي أن الناس ل يختلفون في أن العلم وحده ل‬
‫يكفي بل قد يضر صاحبه ‪.‬‬
‫ً‬
‫س ‪ :‬أعتقد أن هناك ضعفا في طرق التعليم ‪ ،‬وكذلك في المناهج المقررة ‪،‬‬
‫ما رأيكم ؟‬
‫ج ‪ :‬ليس عندي دراسة للمنهج حتى أفيدك ‪ ،‬ولكن عليك أن تلحظ في‬
‫الجامعات عدد السنين التي وضعوها والوقات التي حددوها والتي ل تساعد‬
‫على دراسة العلم كما كانوا قديما ً يدرسون ‪ ،‬في بعض جامعات الهند أو في‬
‫بعض الحلقات على الطريقة القديمة كنت أسمع أنهم يدرسون الكتب الستة‬
‫فعرفت فيما بعد أنهم كانوا يدرسونها للبركة ‪ ،‬الوقات التي تنظم في‬
‫الجامعات ل تساعد على التوسع في المناهج ‪..‬‬
‫أضرب لك مثل ً بشخصي ‪ :‬أنا يوم كنت هناك بالجامعة ‪ ،‬كان من المقررات‬
‫الجزء الول من )سبل السلم( فأنا ما استطعت أن أنهي من المقرر إل أقل‬
‫من الربع ‪ ،‬لني كنت أدرس الحديث الواحد في حصتين ‪ ،‬ضاق الطلب‬
‫ذرعا ً ‪ ،‬فراحوا يشكونني إلى الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس الجامعة يومها ‪،‬‬
‫وكنا نلتقي بالرئيس والساتذة فقال لي ‪ :‬إن الطلب يشكون من تطويلك ‪،‬‬
‫فقلت له ‪ :‬صحيح ‪ ،‬لكن هناك أقوال وأحكام مختلف فيها بين المذاهب ‪ ،‬ل بد‬
‫أن أذكر دليل كل واحد وأعمل تصفية ‪ ،‬فقال لي ‪ :‬اكتف بما يحضرك ‪ ،‬ول‬
‫تذكر كلم العلماء بالتفصيل ‪ .‬الطلب الذين يتخرجون إن لم يتابعوا الخطأ‬
‫في الدراسة ويتوسعوا فيها لنجد بينهم علماء ‪ ،‬والسبب أن الطالب عندما‬
‫يأخذ شهادة الدكتوراه يصبح أستاذا ً في الجامعة أو يتوظف في دائرة من‬
‫الدوائر ‪ ،‬فهو ل يستثمر المفاهيم والقوانين التي تلقاها ‪ ،‬كما ل يتفرغ للعلم‬
‫وللعلم فقط ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫س ‪ :‬أل ترون إحياء حلقات العلم إتماما ً للدراسات الجامعية ؟‬


‫ج ‪ :‬نعم ‪ ،‬ولكن نعود إلى المشكلة ‪ ،‬من الذي يدّرس ؟ س ‪ :‬نعود إلى بعض‬
‫النواحي العلمية ‪ ،‬سمعت من بعض الخوة الدكاترة في الجامعات السلمية‬
‫وطلبة العلم نقدا ً لطريقتكم في تقسيم كتب السنن إلى صحيح وضعيف‬
‫يقولون ‪ :‬ربما يتبين لكم بعدئذ أن هذا الحديث ضعيف أو العكس ‪ ،‬فما رأيكم‬
‫؟ ج ‪ :‬هذا ممكن وواقع وماذا يريدون ؟ س ‪ :‬لو تبقى سنن أبي داود وتعلقون‬
‫عليه في الهامش فيبقى الكتاب كامل ً كما ألفه أبو داود ؟ ج ‪ :‬هذه مشكلة ‪،‬‬
‫ولكن لنترك صحيح أبي داود وضعيفه ‪.‬‬
‫أنا عندي الن سلسلتان ‪ :‬الصحيحة والضعيفة كما تعلم ‪ ،‬وكثيرا ً ما يقع أن‬
‫أنقل حديثا ً من الصحيحة إلى الضعيفة ‪ ،‬وبالعكس ‪ ،‬وهذا مستنكر عند الجهلة‬
‫‪ ،‬ومقبول مشكور جدا ً عند أهل العلم ؛ ما الفرق بين الصورة الولى‬
‫والصورة الخرى ؟‬
‫ً‬
‫ربما بعد سنوات نعيد طبع سنن أبي داود وأنا من فضل الله علي نادرا ما‬
‫أعيد طباعة كتاب إل وأعيد النظر فيه ‪ ،‬لنني متشبع أن العلم الصحيح ل يقبل‬
‫الجمود ‪ ،‬وأنا أتعجب من مؤلف ألف كتابا ً من عشرين سنة خلت ويعيده كما‬
‫هو ل يغير ول يبدل ‪ ،‬ما هذا العلم ‪ ،‬هل هو وحي من السماء ؟ أم جهد إنسان‬
‫يخطئ ويصيب ‪...‬‬
‫ولنفرض أننا استجبنا لهؤلء وأعدنا طباعة الكتاب وانتقلت أحاديث من‬
‫الضعيف إلى الصحيح وبالعكس فنعود لنفس القضية ‪ ،‬ومن الممكن أن ننقل‬
‫هذا القتراح إلى مختصري للبخاري ‪ ،‬ولكنهم لم يقولوا ‪ :‬دع البخاري كما‬
‫هو ؛ ولكنهم يقرونه ول ينكرونه ‪ ،‬وأنا أقول الحقيقة انني لما بدأت بتقسيم‬
‫سنن أبي داود من نحو أربعين سنة إلى صحيح وضعيف ‪ ،‬عرضت وجوه‬
‫النظر أمامي تماما ً ‪ ،‬قلت ‪ :‬أفعل هذا أو هذا ‪ ،‬ثم ترجح عندي وأيدني في‬
‫ذلك بعض الدباء الحريصين على العلم مثل الخ حمدي عبيد ‪ ،‬أيدني في‬
‫جعل السنة قسمين ‪ ،‬ترجح عندي وفي داخل مشروعي تقريب السنة بين‬
‫يدي المة من جهة ‪..‬‬
‫ومن جهة ثانية تقريب السنة الصحيحة وليس الضعيفة ‪ ،‬وبعدئذ ل خوف ‪ ،‬لن‬
‫عامة الناس ليسوا بحاجة إلى معرفة الضعيف ‪ ،‬وإنما يحتاج ذلك خاصتهم ‪،‬‬
‫فإذا كان رجل من عامة الناس أقدم له صحيح أبي داود وأقول هذا حسبه ‪،‬‬
‫أما الخاصة فيجب عليهم معرفة الضعيف ‪ ،‬فالمفروض أنهم موجهون للناس ‪.‬‬
‫لقد ترجح عندي ذلك وقدوتي في ذلك الئمة ‪ :‬أئمة الصحاح مثل البخاري ‪...‬‬
‫س ‪ :‬أستاذنا ‪ ،‬هل هناك بعض الفتاوى الفقهية ‪ ،‬قلتم بها من زمن ثم رجعتم‬
‫عنها لطلعكم على أدلة أقوى ؟‬
‫ج ‪ :‬ربما بلغك عني إشاعة أني تراجعت عن القول بتحريم الذهب المحلق‬
‫على النساء ‪ ،‬فهذا كذب ‪ ،‬وربما هناك إشاعات أخرى وكلها ليس لها أصل ‪.‬‬
‫س ‪ :‬نعود إلى النقطة التي ذكرتموها في أول الحديث ‪ ،‬وهي أن منهج أهل‬
‫السنة يحتاج إلى تفصيل حتى يساعد المسلمين عل حل مشكلتهم ‪ .‬هل‬
‫نستطيع أن نقول أن الخطوط العريضة لهذا المنهج ‪ ،‬وأعني طريقة تفكير‬
‫واستدلل أهل السنة هو ما كتبه الشافعي في الرسالة أو الشاطبي في‬
‫الموافقات أو ابن تيمية في كثير من كتبه وخاصة )درء تعارض العقل والنقل(‬
‫؟‬
‫ج ‪ :‬نعم هؤلء العلماء الذي ذكرتهم من نوادر علماء المسلمين ‪ ،‬الذين يتمثل‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المنهج العلمي السلفي في كتبهم ‪.‬‬


‫س ‪ :‬أستاذنا هل عندكم زيادة عما كتبه الخ الشباني بالنسبة لحياتكم‬
‫الشخصية ؟‬
‫ج ‪ :‬ليس عندي زيادة وما كتبه فيه الكفاية ‪.‬‬
‫س ‪ :‬سؤال أخير ‪ ،‬ما هي نصيحتكم للشباب المسلم في هذا العصر ؟‬
‫ج ‪ :‬نصيحتي في ناحيتين ‪ :‬ربما فهمت الولى من كلمي السابق ‪ ،‬أن يتفقهوا‬
‫بالدين اعتمادا ً على قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ « : -‬من يرد الله به خيرا ً‬
‫يفقهه في الدين » وأن ل يكتفوا بالعلم دون العمل ‪ ،‬لن الحقيقة التي‬
‫ألمسها لمس اليد كما يقال أن أكثر شبابنا الناهض اليوم همته في النواحي‬
‫الفكرية دون الناحية العلمية والعملية لذلك أنا أنصح هؤلء أول ً أن يتوسعوا ما‬
‫استطاعوا بمعرفة العلم الصحيح المستقى من الكتاب والسنة إما بأشخاصهم‬
‫إذا أمكنهم أو بالستعانة بأهل العلم ‪ ،‬وأن ل يقدموا على شيء يصدر عنهم‬
‫عن جهل اعتمادا ً على ثقافتهم القليلة الضحلة ‪ ،‬هذا من جهة ‪...‬‬
‫ومن جهة أخرى أن يهتموا بالعمل أكثر مما يهتمون بالعلم ‪ ،‬لننا نرى مع‬
‫السف الذين يهتمون بالعلم أكثرهم ل يعملون ‪ ،‬وبالولى أن الذين ل يهتمون‬
‫بالعلم أل يعملوا ‪ ،‬فليعكسوا المر ‪ ،‬عليهم أن يهتموا بالعمل أكثر من العلم ‪،‬‬
‫فإذا كان أهل العلم يتركون العمل ‪ ،‬فالحرى بغيرهم ممن ل يعلم أن يترك‬
‫العمل أيضا ً ‪ ،‬فعلى أهل العلم وطلبته أن يصرفوا جهودهم إلى العمل‬
‫ويعكسوا الحال الحاضرة إلى علم وعمل كثير لتتعدل كفة النقص في‬
‫المجتمع ‪.‬‬
‫فكما ل ينفع علم بل عمل فكذلك ل ينفع عمل دون علم وهذه حقيقة ‪ -‬ولله‬
‫الحمد ‪ -‬متفق عليها بين علماء المسلمين ‪ ،‬هذه نصيحتي للشباب المسلم‬
‫الناشئ في هذا العصر ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وشكرنا الشيخ على هذه الفرصة الطيبة فجزاه الله خيرا ً ومد الله في عمره‬
‫وبارك فيه ‪ .‬ونرجو أن يكون لنا معه لقاء آخر ‪ .‬وآخر دعوانا أن الحمد لله رب‬
‫العالمين ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لقد آن الوان‪...‬؟؟!! ‪... ... ...‬‬


‫التفرق المحمود‪ ،‬والمذموم‪:‬‬
‫فرقة‪ ،‬بكسر الفاء‪ ،‬هي‪ :‬الجماعة من الناس‪ ،‬المفارقة عن الجماعة الم‪..‬‬ ‫ال ِ‬
‫فرقة‪ ،‬بضم الفاء‪ ،‬هي‪ :‬حال التفرق‪ ،‬عكس الجتماع والتحاد‪..‬‬ ‫وال ُ‬
‫فالولى مذمومة في حال‪ ،‬ومحمودة في حال‪ ،‬فإن كانت المفارقة سببها‬
‫التمسك بالحق فهي محمودة‪ ،‬وإن كان سببها الخروج عن الحق فهي‬
‫مذمومة‪..‬‬
‫ولذا نجد في الثر أن هذه المة ستفترق إلى ثلث وسبعين فرقة‪ ،‬كلها في‬
‫النار‪ ،‬أي ثنتين وسبعين فرقة‪ ،‬وواحدة في الجنة‪ ،‬هي الفرقة الناجية‪ ،‬التي‬
‫تكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله‬
‫عليهم‪ ،‬فهذه الناجية فرقة تمسكت بالحق‪ ،‬فأفلحت ونجت‪..‬‬
‫روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫حّتى إ ِ ْ‬ ‫ل‪َ ،‬‬ ‫ل ِبالن ّعْ ِ‬ ‫حذ ْوَ الن ّعْ ِ‬ ‫َ‬
‫سَراِئيل‪َ ،‬‬ ‫ما أَتى عَلى ب َِني إ ِ ْ‬ ‫مِتي َ‬ ‫ن عََلى أ ّ‬ ‫‪) -‬ل َي َأت ِي َ ّ‬
‫ُ‬ ‫ة لَ َ‬‫ه عََلن ِي َ ً‬ ‫ُ‬ ‫كان منهم م َ‬
‫ن ب َِني‬
‫ك‪ ،‬وَإ ِ ّ‬ ‫صن َعُ ذ َل ِ َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬‫مِتي َ‬ ‫ن ِفي أ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫م ُ‬‫ن أَتى أ ّ‬ ‫َ َ ِ ُْ ْ َ ْ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫سب ِْعي َ‬‫ث وَ َ‬ ‫مِتي عََلى ث ََل ٍ‬ ‫فت َرِقُ أ ّ‬ ‫ة‪ ،‬وَت َ ْ‬ ‫مل ّ ً‬
‫ن ِ‬
‫سب ِْعي َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ت عَلى ث ِن ْت َي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫فّرقَ ْ‬ ‫ل تَ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ما‬‫ل‪َ :‬‬ ‫ه؟‪َ ،‬قا َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬‫سو َ‬ ‫ي َيا َر ُ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة‪َ ،‬قاُلوا‪ :‬وَ َ‬ ‫حد َ ً‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫مل ّ ً‬‫م ِفي الّنارِ إ ِّل ِ‬ ‫ة‪ ،‬ك ُل ّهُ ْ‬ ‫مل ّ ً‬
‫ِ‬
‫حاِبي(‪ ..‬اليمان‪ ،‬باب‪ :‬افتراق هذه المة‪ ،‬صحيح الترمذي ‪2/334‬‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫َ‬
‫ْ ِ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬
‫) ‪.(2129‬‬
‫في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة إذا وقت الفرقة ) كما في‬
‫البخاري في الفتن(‪:‬‬
‫‪) -‬تدع تلك الفرق كلها‪ ،‬ولو أن تعض على أصل شجرة‪ ،‬حتى يدركك الموت‬
‫وأنت على ذلك(‪..‬‬
‫فرقة محمودة إذا كان فراقها وخروجها سببه لزوم الحق‪،‬‬ ‫هذا يدل على أن ال ِ‬
‫ورفض الباطل‪..‬‬
‫فرقة‪ ،‬فهو وصف مذموم في كل حال‪ ،‬لنه ينم عن‬ ‫وأما الثانية‪ ،‬وهي ال ُ‬
‫الختلف‪ ،‬والتنافر‪ ،‬والعداوة‪ ،‬بين أهل الملة الواحدة‪ ،‬مع وجود الحق‬
‫ومعرفته‪ ،‬وقد نهى الله تعالى عن مثل هذا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪} -‬ولتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم‬
‫عذاب عظيم{‪..‬‬
‫‪} -‬منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلة ولتكونوا من المشركين * من الذين‬
‫فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون{‪.‬‬
‫فرقة وما ينبني عليها من‬ ‫فأهل الكتاب والمشركون هم من علماتهم ال ُ‬
‫العداوة‪ ،‬وذلك لنهم أهل هوى وحب للدنيا‪ ،‬وقد مزقوا دينهم فكانوا أحزابا‬
‫وشيعا‪ ،‬وأهل السلم مأمورون بضد ذلك‪ ،‬فإن امتثلوا فقد حققوا دينهم‪ ،‬وإل‬
‫فهم مشابهون لولئك الضلل في صفاتهم‪..‬‬
‫‪ -‬الصل الشرعي‪ :‬الجتماع‪ ..‬الصل القدري‪ :‬الختلف‪:‬‬
‫والواقع أن أهل السلم وقعوا في هذا المحذور‪ ،‬وقد أخبر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بحدوث ذلك‪ ،‬في حديث الفتراق‪ ،‬فكان ذلك من علمات النبوة‪:‬‬
‫الخبار بما في المستقبل‪..‬‬
‫‪ -‬أخبر بها ليحذر أهل الحق من هذه الفتنة‪ ،‬المسببة للعداوة والبغضاء‪،‬‬
‫وضعف المسلمين‪..‬‬
‫‪ -‬أخبر بها لنها واقعة قدرا‪ ،‬وإن كانت مكروهة شرعا ‪ ..‬ليدفعها المسلمون‬
‫ما استطاعوا‪..‬‬
‫ففي الجتماع فائدتان‪ ،‬وفي الفرقة مفسدتان‪:‬‬
‫‪ -‬في الجتماع‪ :‬القوة‪ ،‬وبها ينتصر الحق‪ ..‬والتآخي‪ ،‬وبه يذوق المؤمنون‬
‫الطعم الجميل للحياة‪..‬‬
‫‪ -‬في الفرقة‪ :‬الضعف‪ ،‬وبه ينهزم الحق‪ ..‬والعداوة‪ ،‬وبها يذوق الناس الطعم‬
‫القبيح للحياة‪..‬‬
‫قال تعالى‪} :‬واعتصموا بحبل الله جميعا ولتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم‬
‫إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا‬
‫حفرة من النار فأنقذكم منها ‪.{..‬‬
‫فالشريعة تنهى التفرق بين المسلمين‪ ،‬وتأمر بالجتماع‪ ،‬بالعتصام بحبل الله‬
‫تعالى‪ ،‬الذي هو الكتاب والسنة‪ ،‬في نصوص كثيرة متنوعة‪ ،‬لكنها أيضا تبين‬
‫أن التفرق قدر واقع‪ ،‬يجب التوقي منه‪ ،‬ومدافعته‪ ،‬والتقليل من شره‪،‬‬
‫كالمرض‪ ،‬فإن معرفة أن المرض قدر واقع لم يمنع الناس من الوقاية منه‪،‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن علجه بكل وسيلة‪ ،‬فهذا مرض البدن‪ ،‬والتفرق مرض المجتمع‪ ،‬فل بد‬
‫من التوقي منه‪ ،‬وعلجه إن وقع بكل وسيلة‪..‬‬
‫وتجربة النبياء أثبتت أن من الممكن القضاء على التفرق والختلف‪ ،‬وتحصيل‬
‫الجتماع‪..‬‬
‫قال تعالى‪}:‬ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة وليزالون مختلفين إل من‬
‫رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لملن جهنم من الجنة والناس‬
‫أجمعين{‪..‬‬
‫فقد بين أن الخلف هو الصل‪ ،‬لكن كذلك بين أن الجتماع ممكن في قوله‪:‬‬
‫}إل من رحم ربك{‪.‬‬
‫والجتماع هو الصل في أمة المسلمين‪ ،‬وفي تاريخ البشرية‪ ،‬فأمة السلم‬
‫بنيت علي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬الذي جمعها‪ ،‬ووحدها‪ ،‬وربط‬
‫بينها‪ ،‬فمات وهي مجتمعة متحدة‪ ،‬ثم بعد عقود سرى المرض إلى الجماعة‪،‬‬
‫بفعل المرضى المفسدين‪ ،‬الذين يفسدون في الرض وليصلحون‪ ،‬حتى‬
‫تمكن فأفسد وفرق‪..‬‬
‫وكذا البشرية في أول أمرها كانت على الجتماع‪ ،‬من عهد نوح إلى آدم‪،‬‬
‫عشرة قرون‪ ،‬لم يكن بينهم تفرق‪ ،‬حتى حدث مرض الشرك‪ ،‬بعبادة الصنام‪،‬‬
‫قال تعالى‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫}كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم‬
‫الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه‪ ،‬وما اختلف فيه إل الذين‬
‫أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا‬
‫فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم{‪.‬‬
‫فالنبياء ما بعثوا إل ليردوا الناس إلى الجتماع‪ ،‬وطريقه عبادة الله وحده‪،‬‬
‫فإذا اجتمع الناس على هذا‪ ،‬وطبقوه بصدق انتفى التفرق‪ ..‬ففي عبادة الله‬
‫وحده تنتفي كل حظوظ النفس‪ ،‬وتتلشى وساوس الشيطان وحظوظه‪ ،‬التي‬
‫هي سبب التفرق في الصل‪.‬‬
‫‪ -‬التفرق في الصول‪ ،‬ل في الفروع‪:‬‬
‫التفرق في الصول له وجه‪ ،‬أما في الفروع فل وجه له‪ ،‬فالول يستحق به‬
‫التفرق‪ ،‬أما الخر فل يسوغ التفرق لجله‪..‬‬
‫والصول هي أصول الدين‪ ،‬التي من خالفها يكون مبتدعا أو كافرا‪ ،‬وهي التي‬
‫اتفق عليها السلف من الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم من التابعين‬
‫ومن تبعهم‪ ،‬مما أجمع عليه كلهم‪ ،‬أو جمهورهم‪.‬‬
‫وأما الفروع فهي ما تسمى فروع العقيدة والفقه ونحوها‪ ،‬مما اختلف أولئك‬
‫العلم فيه‪ ،‬وتراجحت أقوالهم فيها‪ ،‬وهو ما كان النص يحتمل الخلف‪ ،‬كقوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)ليصلين أحدكم العصر إل في بني قريظة(‪..‬‬
‫فصلى بعضهم في الطريق‪ ،‬وبعضهم صلها في بني قريظة بعد خروج‬
‫الوقت‪ ،‬فلم ينكر على أحد‪ ،‬لن النص يحتمل هذا‪ ،‬وهذا‪ ..‬يحتمل أن أراد‬
‫إسراعهم‪ ،‬ويحتمل أنه أراد الظاهر‪..‬‬
‫ومثل ذلك حديث رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه‪ ،‬قال‪) :‬نور أنى أراه(‪..‬‬
‫فهم بعضهم أنه رآه بعينه‪ ،‬وبعضهم بقلبه‪ ..‬فقائل بهذا‪ ،‬وقائل بهذا‪ ،‬والنص‬
‫يحتمل‪ ،‬وإن كان الراجح معلوما‪ ،‬لكنه غير مقطوع به‪ ..‬فاختلفوا‪..‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومثل ذلك الخذ من اللحية ما زاد عن القبضة‪ ،‬قد ورد وصح عن جمع من‬
‫الصحابة‪ ،‬فمن قال به لم يخرج عن السنة‪ ،‬ولم يأتي بما يوجب الفرقة‪..‬‬
‫والمثلة كثيرة‪ ،‬لكن يحتاج من أهل العلم من يميزها‪ ،‬ويعددها‪ ،‬ويوضحها‪،‬‬
‫ويخرجها في مؤلف للناس‪ ،‬حتى يعرف الناس ما الذي يسوغ لهم الخلف‬
‫فيه‪ ،‬فيجتنبوا التفرق فيه‪ ،‬وما الذي ليسوغ الخلف فيه‪ ،‬فيتمسكوا فيه‬
‫بالحق‪..‬‬
‫فقدر من الختلف مقبول‪..‬‬
‫فالسلم إنما جاء متفقا مع حاجات الناس‪ ،‬وفطرهم‪ ،‬وعقولهم‪ ،‬لذا لم‬
‫يمنعهم من الخلف مطلقا‪ ،‬لن ذلك كما أنه محال‪ ،‬كذلك هو داء‪ ،‬فإن‬
‫افتراض الناس أن يكونوا على رأي واحد مطلقا في كل صغيرة وكبيرة‪،‬‬
‫خلف المصلحة والطبيعة البشرية‪:‬‬
‫فحياة الناس ل تستقيم إل بتفرد كل إنسان بشخصيته وتفكيره‪ ،‬فل بد أن‬
‫يكون له مجال يصول وفيه ويجول بفكره دون عائق أو مانع‪ ،‬حتى ينتج ويبدع‪،‬‬
‫ويتبين للناس قدر نعمة الله على النسان بهذا العقل الجبار‪ ،‬أولم نسمع‬
‫لقوله تعالى‪:‬‬
‫}سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق{؟‪..‬‬
‫ففي النسان آية عظيمة هي العقل‪ ،‬فل يجوز الحجر على العقل‪ ،‬حتى يكون‬
‫صورة متسنسخة لغيره‪ ،‬ليفكر إل بما يمليه غيره من المسيطرين‪ ،‬هذا خطأ‬
‫كبير‪ ،‬وهو ضد تعاليم السلم‪ ،‬لكن مع إعطاء كل عقل مجال من الحرية‪ ،‬ل‬
‫بد كذلك من تحديد هذا المجال بحدود الشريعة‪ ،‬وإل فإن العقل يطغى‪،‬‬
‫فيخرج من المفيد إلى الضار‪..‬‬
‫وهذا مثل أمامنا‪:‬‬
‫الحضارة الغربية‪ ،‬أعطت للعقل مجال غير محدود‪ ،‬فأنتج المفيد والمضر‪ ،‬فما‬
‫هذه السلحة الغربية المدمرة‪ ،‬وما تلك الختراعات المفسدة للخلق‪ ،‬وما‬
‫البحاث الطبية الخطيرة المضادة للصالح البشري‪ ،‬إل مثال‪ ،‬ولو أنهم جعلوا‬
‫للعقل حدودا‪ ،‬لما جنوا من ورائه كل تلك المفاسد‪..‬‬
‫فنحن بين فريقين‪:‬‬
‫‪ -‬فريق يريد من العقول أن تكون مستنسخة‪ ،‬على صورة واحدة‪ ،‬صورة‬
‫المر المستبد الظالم‪.‬‬
‫‪ -‬وفريق ل يريد أن يحد للعقل حدودا‪ ،‬يمنع من تعديها‪..‬‬
‫‪ -‬والوسط‪ :‬حده بحدود الشارع‪ ،‬فالله تعالى أعلم بعباده‪ ،‬هو الذي خلق‬
‫العقل‪ ،‬وحد له حدودا‪ ،‬فله الحق أن يحد ما يشاء‪ ،‬كما يشاء‪..‬‬
‫‪ -‬وحدود العقل في السلم‪:‬‬
‫أن يفكر وينتج ما شاء‪ ،‬كيف شاء‪ ،‬بشرط أل يجلب على نفسه أو البشر شيئا‬
‫من الضرر في‪ :‬الدين‪ ،‬أو النفس‪ ،‬أو العرض‪ ،‬أو العقل‪ ،‬أو المال‪..‬‬
‫خلصة الكلم في هذه المسألة‪:‬‬
‫أن نعرف ما الذي يسوغ فيه الخلف‪ ،‬وما الذي ل يسوغ فيه الخلف‪ ،‬ويكون‬
‫ذلك بتحديد الصول والفروع بتحرير ودقة‪ ..‬فإن أكثر خلف الناس اليوم في‬
‫أشياء يسوغ فيها الخلف‪ ،‬فخلفهم ناتج عن جهل‪..‬‬
‫والمشتغلون بالعلم عليهم أن يبحثوا ويفحصوا هذه المسائل‪ ،‬ويخرجوا للناس‬
‫بقول محرر‪ ،‬فيه بيان ما يسوغ وما ل يسوغ من الخلف‪ ،‬ولو خالف ذلك‬
‫بعض أقوالهم السابقة‪ ،‬وإل فإنهم ربما عمقوا الخلف‪ ،‬وأسهموا في الفرقة‬
‫من حيث ل يشعرون‪..‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومن الحسن أل يخرج واحد برأي منفردا إل بعد أن يطلع عليه إخوانه من‬
‫العلماء‪ ،‬فذلك مما يعين على تكامل النظرة تجاه المسألة‪ ،‬فهذا يحرر زاوية‬
‫منها‪ ،‬والخر زاوية أخرى‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فيقف كل على ما فاته‪ ،‬فيكتمل تحرير‬
‫المسألة وتمحيصها بالتضافر والتعاون‪ ،‬فإذا اتحد منهجهم‪ ،‬توحد فتواهم في‬
‫الصول‪ ،‬أما الفروع فل ضير في الختلف بعد ذلك‪ ،‬وعلى جميع المسلمين‬
‫أن يعوا أن الختلف في فروع المسائل حق مشروع‪ ،‬وليترتب عليه عداوة‬
‫ول بغضاء‪ ،‬ول فرقة‪.‬‬
‫أبو سارة ‪...‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لقد رحل أبو فِْهر غريبًا!‬


‫أيها الحبة ‪..‬‬
‫لقد رحل "أبو فِْهر" غريبًا!‬
‫ل *** ول شاةٌ تموت ول بعيُر‬ ‫لعمرك ما الرزية فقد ما ٍ‬
‫م)‪ *** (1‬يموت بموته بشٌر كثيُر‬ ‫ن الّرزية َفقد ُ قَْر ٍ‬
‫ولك ّ‬
‫في يوم الخميس الثالث من ربيع الخر ‪1418‬هـ الموافق السابع من‬
‫شهر)آب(‪ 1997‬وافت المنية الشيخ العلمة‪ /‬محمود محمد شاكر‪-‬أبا فهر–‬
‫م العربية في هذا الزمان‪ ،‬ورجل اللغة التي وهب نفسه للدفاع عنها ورد ّ‬ ‫عَل َ َ‬
‫العتبار لها‪ ،‬والوقوف أمام خصومها وخصوم هذه المة‪...‬‬
‫لقد غاب الشيخ‪ /‬محمود شاكر دون دمعة وفاء‪ ،‬رحل كأنه طيف جاء ثم‬
‫من يعرفون للرجال مقاماتهم وحقوقهم‪ ،‬ولو‬ ‫ذهب‪ ،‬لم يشعر به إل القليل م ّ‬
‫كان الشيخ واحدا ً من أولئك الذين هجروا أمتهم‪ ،‬ورطنوا بالرموز‪ ،‬ولكت‬
‫ألسنتهم السماء العجمية وسلك في مسالك الحزاب العلمانية الكافرة‬
‫ن‪ ،‬ولكن الشيخ‬ ‫لرأيت لموته رنينا وجلبة‪ ،‬ولتسامعت به النساء في خدوره ّ‬
‫مضى غريبا كما تعيش محبوبته )اللغة العربية( غريبة كذلك بين أهلها‪.‬‬
‫وفاًء لهذا المام الفحل‪ ،‬وقياما بحق الرجل العظيم‪ /‬محمود محمد شاكر فإننا‬
‫نتقرب إلى الله–تعالى‪ -‬بتعريف الشاب المسلم به‪ ،‬فكيف يجوز لط ّ‬
‫لب‬
‫الهدى ورجال هذه المرحلة أن يجهلوا من استشهدوا بكلمه النفيس في‬
‫تكفير الحاكمين بالياسق العصري؟‪...‬‬
‫إن الشيخ‪ /‬محمود شاكر أحمد عبد القادر هو الذي كتب حكم الله في هذه‬
‫القوانين الكافرة‪ ..‬كما في أثر تفسير الطبري رقم )‪ (12036‬وكما نقله عنه‬
‫الشيخ‪ /‬أحمد شاكر )شقيقه( في عمله لعمدة التفسي ‪ 4/156‬وما بعدها‪.‬‬
‫وإيمانا ً منا أن نهضة المة وقيامها من كبوتها لن تكون بإزالة طواغيت الحكم‬
‫وكشفهم فقط مع أنهم أعظم المجرمين جرمًا‪ ،‬إنما بإدراك طلب الهدى أن‬
‫صُعد وفي كل الميادين‪ ،‬وأن ميدان‬ ‫معركتنا مع خصوم هذه المة على جميع ال ّ‬
‫اللغة والثقافة والدب هو من أعظم هذه الميادين‪.‬‬
‫أل فليعلم الشباب المسلم من طلب الهدى والحق أن حصر أبواب الخير‬
‫والحق في جانب واحد يصفه الشباب المسلم المقاتل هو ظلم لمفهوم‬
‫الطائفة المنصورة‪ ،‬وظلم لديننا‪ ،‬وظلم للرجال الوفياء لهذا الدين وهذه‬
‫المة‪ ،‬ولذلك يجب علينا أن نعي طبيعة هذه المعركة وعمق جوانبها وشمول‬
‫أدواتها‪ ،‬إذ المقصود منها قبل كل شيء هو هذا النسان‪ ،‬النسان المسلم‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كر لدينه وتاريخه ورجاله وثقافته‪ ،‬ولذلك فلنعلم كذلك أنه‬ ‫الذي ُأريد َ له أن يتن ّ‬
‫ما من رجل مسلم أو امرأة مسلمة في هذا العالم غل ويقف على ثغرة من‬
‫ثغور السلم المتسع الطراف وفي كل الميادين‪ ،‬وحيث كان هذا المرء وفي ّا ً‬
‫صادقا ً مخلصا ً متقنا ً لهذه الوقفة فإّنه يستحق مّنا المحبة والولء والخوة‪ ،‬وهو‬
‫مّنا ونحن منه‪ ،‬بل يشرفنا أن نكون منه وأن نتعلم منه وأن يكون إماما ً لنا‪.‬‬
‫إننا نعتقد وبيقين وصدق أن الشيخ‪ /‬محمود شاكر كان إماما ً في الحق‬
‫وصخرة ل تلين أمام أعداء المة والدين‪.‬‬
‫مة دمعة‬ ‫رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جنانه‪ ،‬وليس لنا إل الصبر‪ ،‬وإن كان ث ّ‬
‫تذرف من عيوننا فهي –والله‪ -‬على أنفسنا أّننا سنموت وحاجتنا في الصدر لم‬
‫تقض باللقاء به والجلوس بين يديه وهي حاجة كانت تمل الجوانح وتعمل في‬
‫صدر‪ ،‬لكّنها سدود الباطل وحواجز الّردة التي تعيق هذه الحاجات وتحبسها‬ ‫ال ّ‬
‫دون تفريج لها‪.‬‬
‫)‪ (1‬القرم من الرجال‪ :‬السيد المعظم‪..‬‬
‫ثم هي دمعة أخرى أن ل تعرف المة حقّ الّرجال وتجهل مقاماتهم‪ ،‬وهي‬
‫التي تتسمع أخبار حصب جهّنم‪ ،‬وتمل أعينها وآذانها صور أهل الشر وأئمة‬
‫الضلل‪.‬‬
‫رحم الله أبا فهر وألحقه بالصالحين‪ ،‬آمين آمين‪.‬‬
‫معركة تحت راية القرآن‬
‫كانت معركة اللغة العربية ضد ّ أعداء المة والدين أوسع وأرحب وأعنف من‬
‫كل المعارك التي خاضها أئمة الدين ورجال المة على الجبهات الخرى‪ ،‬بل‬
‫إن أئمة اللغة كانوا السبق والكثر إحساسا بتّيار الزندقة القادم من غيرهم‬
‫من المشايخ وأهل الفقه‪ ،‬وقد أرادها هؤلء الرجال معركة تحت راية القرآن‪،‬‬
‫ل الشباب المسلم اليوم بحاجة إلى معرفة هذه المعركة‬ ‫غير منبّتة عنه‪ ،‬ولع ّ‬
‫ودراسة تاريخها ومعرفة رجالها من أئمة الهدى‪ ،‬وخصومهم من الزنادقة‪ ،‬لن‬
‫هذه المعركة مازالت قائمة وتستعر يوما بعد يوم‪ ،‬وأغلبنا في غفلة ول يعرف‬
‫شيئا ً عن أدواتها وحقيقتها وتطوّرها والنتائج التي ُتفضي إليها‪ ،‬وميدان الدب‬
‫هو من أهم الميادين "جميعا ً وأخطرها‪ ،‬وإن لم يكن كذلك عند كثير من‬
‫الّناس ومصدر خطورته هو أنه أقدر الدوات على تطوير الّرأي العام وعلى‬
‫صوغ الجيل وتشكيله فيما يراد له من صور‪ ،‬وذلك لتغلغله في حياة الناس‪،‬‬
‫وتسلله إلى أعماق نفوسهم عن طريق الصحافة والمسرح والسينما‬
‫م عن طريق الكتب المدرسية وما يناسبها من كتب‬ ‫والذاعات الثيرية ث ّ‬
‫قين‪ :‬أحدهما يتصل بأساليب الدب‬ ‫الطفال والشباب‪ ،‬والمعركة ذات ش ّ‬
‫وموضوعاته والخر يتصل بلغته‪(2).‬‬
‫الرافعي يقود المعركة‪...‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كان من أوائل الرجال الهداة في هذه المعركة هو الفارس المجّلى والسيف‬


‫اليماني المحلى الستاذ الكبير مصطفى صادق الرّافعي عليه من الله أوفى‬
‫الّرحمات وأسبغها‪.‬‬
‫لقد كان الرافعي كاتب السلم الول في هذا العصر وفي هذه المعركة ومع‬
‫أنه كان واحدا ً من كثيرين في هذه المعركة‪ ،‬ولكن الرافعي هو العلم المتميز‬
‫بقوة العاطفة الهادرة وبأسلوبه الناري وقمعه الرادع وصلصلته المرنة التي ل‬
‫تستمد ّ رنينها من قوة اللفاظ وحدها‪ ،‬فاللفاظ في متناول الكاتبين جميعا‪،‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لبة قاهرة‪ ،‬هي روح البطل‬ ‫ولكنها تستمد قوتها مما وراء اللفاظ من روح غ ّ‬
‫صيال‪(3).‬‬ ‫الجبار الذي يثق من قوته الحربّية‪ ،‬ومهارته الفنية في حلبات ال ّ‬
‫البداية‪:‬‬
‫تفتحت المعركة من كوّةٍ فتحها رجل مستعرب أعمى الله بصيرته فخرق في‬
‫المر خرقًا‪ ،‬هو‬
‫)‪ (2‬التجاهات الوطنية في الدب المعاصر ‪ .273-2/272‬للدكتور محمد‬
‫محمد حسين رحمه الله‪ ،‬وهذا الكتاب يكشف لك بدايات الكشوف التي‬
‫استقرت بعد ذلك لتيار الزندقة وقواعد السلم المستتر!!)زعموا( إنما مبدأ‬
‫كشفها تم على يد رجال الدب والثقافة لهذه المة‪ ،‬فالفغاني ومحمد عبده‬
‫كانت بدايات التنبه الى ما هم عليه إنما تعتمد على هذا الكتاب وكذلك‬
‫الشارة الى جرائم سعد زغلول وارتباطه بأفكار التحلل الجتماعي‬
‫والسياسي كتحرير المرأة وغيرها‪ .‬إنما الفضل فيها يعود الى هذا الكتاب‬
‫ايضا‪ ،‬ثم ل ننسى فضل الكتاب الفرد في هذا الباب‪" :‬موقف العقل والعلم‬
‫والعالم من رب العالمين وعبادة المرسلين"‪ ،‬لشيخ إسلم الدولة العثمانية‬
‫مصطفى صبري رحمه الله‪.‬‬
‫)‪" (3‬مصطفى صادق الرافعي فارس القلم تحت راية القرآن" لمحمد رجب‬
‫البيومي ص ‪ .45‬كتبت إحدى الجرائد العربية الصادرة في أمريكا لمصطفى‬
‫صادق الرافعي قائلة‪ :‬إنك لو تركت )الجملة القرآنية( والحديث الشريف‬
‫لكنت الن المرجع الذي ل ينازع‪ ،‬ولبز مذهبك في البلغة المذاهب كلها من‬
‫قديم أو حديث )الجملة القرآنية( لرسلن نقل عن مجلة الزهراءج ‪،8/1‬‬
‫وأدباء المهجر!!)جبران وميخائيل نعيمة والريحاني( هم من أول من أدخلوا‬
‫السلوب التوراتي ورموزه في الدب العربي‪ ،‬وكانت لهم مجلة‬
‫اسمها)الفنون( يقوم عليها ثالث اسمه نسيب عريضة‪ ،‬ولها خبر في‬
‫"سبعون" لنعيمة‪.‬‬
‫ديكارتي")‪(5‬‬ ‫الدكتور "طه حسين")‪ (4‬حينما أراد أن يطبق مبدأ "الشك ال ّ‬
‫الذي زعمه على القرآن فأعلن في مبحث الشعر الجاهلي أن ورود قصة‬
‫دللة على وجود رجل‬ ‫إبراهيم –عليه السلم‪ -‬في القرآن ليست كافية لل ّ‬
‫حقيقي اسمه "إبراهيم"‪ ،‬وكان باب هذا المر الخطير مدخله عند هذا الرجل‬
‫ن هذا الشعر إّنما هو صنيعة العصور السلمية‪،‬‬ ‫التشكيك بالشعر الجاهلي‪ ،‬وأ ّ‬
‫ولكنهم نحلوه للجاهلين‪ ..‬وبالرغم من أن ارتباط مسألة نفي الحقائق‬
‫التاريخية – التي وردت في القرآن‪ -‬بالدين واضحة المعالم‪ ،‬إل أن نفس صحة‬
‫نسبة الشعر الجاهلي لما قبل السلم قد تبدو ضعيفة الصلة بالمسائل الدينية‬
‫ولكنها في الحقيقة من أوثق الصلت بالقرآن الكريم‪ ،‬ذلك لن الشعر‬
‫دى‬ ‫الجاهلي يمثل حقيقة قوة أهله في البيان والبلغة‪ ،‬والقرآن الكريم تح ّ‬
‫م نفي‬ ‫العرب في أعظم قواها وملكاتهم وهي ملكة البيان والبلغة‪ ،‬فإذا ت ّ‬
‫الدليل على هذه القوة والملكة سقط معنى التحدي الوارد في القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬
‫طه حسين في هذا الكتاب الذي أصدره سنة ‪1926‬م صرح باعتماده على‬
‫مبدأ "الشك الديكارتي" في مبحثه في أصول الشعر الجاهلي‪ ،‬وقال فيه‪ :‬إنه‬
‫للوصول إلى الحقيقة ل بد أن )يتجرد الباحث من حل شيء كان يعلمه من‬
‫وا تامًا(‪ ،‬وصّرح‬ ‫ما قيل فيه خل ّ‬‫ذهن م ّ‬‫قبل وأن يستقبل موضوع بحثه خالي ال ّ‬
‫بأنه يجب علينا )حين نستقبل البحث عن الدب العربي وتاريخه أن ننسى‬
‫ل ما يتصل به‪ ،‬وأن ننسى ما‬ ‫قوميتنا وكل مشخصاتنا‪ ،‬وأن ننسى ديننا وك ّ‬
‫يضاد هذه القومية وما يضاد هذا الدين‪ ،‬يجب أن ل نتقيد بشيء‪ ،‬ول نذعن‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لشيء إل مناهج البحث العلمي الصحيح‪ ،‬ذلك أّنا إذا لم ننسى قوميتنا وديننا‬
‫وما يتصل بها فسنضطر إلى المحاباة وإرضاء العواطف وسنغل عقولنا بما‬
‫يلئم هذه القومية وهذا الدين‪ ،‬وهل فعل القدماء غير هذا؟ وهل أفسد علم‬
‫القدماء شيء غير هذا؟ وفي نفيه لحقيقة إبراهيم وإسماعيل –عليهما‬
‫السلم‪ -‬يقول‪) :‬للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا‬
‫عنهما أيضا‪ ،‬ولكن ورود هذين السمين في التوراة والقرآن ل يكفي لثبات‬
‫وجودهما التاريخي(‪(6).‬‬
‫ن مسألة التشكيك بالشعر الجاهلي‬ ‫إل أن الشيء الذي كتمه ولم يعترف به أ ّ‬
‫قد سرقها من المستشرق "مرجليوث"‪(7).‬‬
‫)‪ (4‬كانت المعركة قد بدأت من قبل طه حسين وسلمة موسى في معركة‬
‫القديم والجديد واللغة العامية‪ ،‬ولكنها كانت تطل ول تبدو‪ ،‬وتنهر ول تقوم‪،‬‬
‫حتى اشتده أوارها في الوقت الذي ذكرناه ومن بابها حمي الوطيس على يد‬
‫طه حسين‪ ،‬وهو الذي فتح فتوحا من الشر في أبواب متعددة منها ترجمة‬
‫قصص الجنس وقصص اليونان القديمة المسرفة في الباحية‪ ،‬كما ترجم‬
‫شعر المنحرف)بودلير(‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫)‪ (5‬هو الفيلسوف الفرنسي رينييه ديكارت)‪1650-1596‬م( الذي قرر أن‬


‫الرياضيات والعلم الطبيعي هو العلم الوحيد الذي يقدم لنا معرفة تقينية‪،‬‬
‫أشهر كتبه مقال له سماه "مقال في المنهج" وطرح فيه مبدأ –الشك‬
‫المنهجي‪ -‬وهو الشك في اي شيء يقبل للشك‪،‬وهو يعتبر أن ثمة أمور يتبين‬
‫صدقها عن طريق النور الفطري‪ ،‬وهي غير قابلة للشك‪ ،‬وبهذا رفض مقولة‬
‫التخلي عن كل موروثات الباحث بحجة الموضوعية‪ ،‬وهي النقطة التي لم‬
‫يفهمها طه حسين بل خالفها كل المخالفة في كتابه المذكور "في الشعر‬
‫الجاهلي"‪ ..‬وديكارت هو صاحب –الكوجيتو‪)-‬أنا أفكر إذا أنا موجود(‪ ..‬وهو‬
‫كمعاصره فرنسيس بيكون يعتبران أساس نهضة أوروبا الصناعية بعد تحرير‬
‫أفكارها من التصورات الرسطية القديمة‪.‬‬
‫)‪ (6‬هذه النصوص مأخوذذة من كتاب "التجاهات الوطنية في الدب‬
‫المعاصر" للدكتور محمد محمد حسين رحمه الله تعالى‪..‬‬
‫)‪ (7‬اسمه دافيد صموئيل مرجليوت)‪ (1940-1858‬انجليزي كان أستاذا‬
‫أكسفورد‪ ،‬اهتم بالدراسات العربية والسامية‪ ،‬كتب بحثا عن أوراق البردي‬
‫العربية في مكتبة بودلي بأكسفورد‪ ،‬وترجم قسما من البيضاوي‪ ،‬ونشر‬
‫رسائل المعرى‪ ،‬أهم كتبه في باب الستشراق‪" :‬محمد ونشأة السلم" ظهر‬
‫سنة ‪1905‬م‪ ،‬ثم أتبعه بكتاب سماه "المحمديون" وترجم باسم السلم وذلك‬
‫سنة ‪1914‬م‪ ،‬حاقد متعصب‪ ،‬نقم عليه زملؤه من المستشرقين لوضوح‬
‫وكان طه حسين يقوم بإلقاء هذه المفاهيم على طلبة السنة الولى في كلية‬
‫الداب في الجامعة المصرية‪ ،‬وقبل أن تقوم العواصف اليمانية ضد كتاب‬
‫)في الشعر الجاهلي( وتتوالى الردود عليه من كل حدب وصوب بعد طباعته‪،‬‬
‫س شاب‬ ‫ف ِ‬‫كانت هناك قبل ذلك معركة خفية تدور رحاها داخل الجامعة في ن َ ْ‬
‫سادسة عشر من عمره‪ ،‬كان هذا الشاب قد قرأ رأي "مرجليوث"‬ ‫لم يكمل ال ّ‬
‫الذي نشره في بحث بعنوان )أصول الشعر العربي(‪ ،‬وكان لـ"طه حسين" يد‬
‫على هذا الشاب بإدخاله في كلية الداب مع دراسته الفرع العلمي‪ ،‬ولكن‬
‫الطالب وجد في أستاذه الخيانة للعلم ولحقّ الكلمة‪ ،‬هذا الشاب كان الشيخ‪/‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محمود شاكر رحمه الله تعالى‪.‬‬


‫محمود شاكر يصف المحنة‪:‬‬
‫ً‬
‫وقد وصف محمود شاكر –رحمه الله‪ -‬هذه الفترة تفصيل في المقدمة‬
‫الجديدة لكتابه "المتنبي" حيث يقول)‪...) -:(8‬كان ما كان‪ ،‬ودخلنا الجامعة‪،‬‬
‫بدأ الدكتور "طه" يلقي محاضراته التي عرفت بكتاب في" الشعر الجاهلي"‬
‫ومحاضرة بعد محاضرة‪ ،‬ومع كل واحدة يرتد إلي رجع من هذا الكلم‬
‫م النسيان! وثارت نفسي‪ ،‬وعندي الذي عندي من‬ ‫العجمي الذي غاص في ي ّ‬
‫المعرفة بخبيئة هذا الذي يقوله الدكتور"طه" = عندي الذي عندي من هذا‬
‫الحساس المتوهج بمذاق الشعر الجاهلي‪ ،‬كما وصفته آنفا‪ ،‬والذي استخرجته‬
‫بالتذوق‪ ،‬والمقارنة بينه وبين الشعر الموي والعباسي‪ .‬وأخذني ما أخذني من‬
‫الغيظ‪ ،‬وما هو أكبر وأشنع من الغيظ‪ ،‬ولكني بقيت زمنا ً ل أستطيع أن أتكلم‪.‬‬
‫تتابعت المحاضرات‪ ،‬والغيظ يفور بي والدب الذي أدبنا به آباؤنا وأساتذتنا‬
‫يمسكني‪ ،‬فكان أحدنا يهاب أن يكلم الستاذ‪ ،‬والهيبة معجزة‪ ،‬وضاقت علي‬
‫المذاهب‪ ،‬ولكن لم تخل أيامي يومئذ في الجامعة من إثارة بعض ما أجد في‬
‫نفسي‪ ،‬في خفوت وتردد‪ .‬وعرفت فيمن عرفت من زملئنا شابا ً قليل الكلم‬
‫هادىء الطباع‪ ،‬جم التواضع‪ ،‬وعلى أنه من أترابنا‪ ،‬فقد جاء من الثانوية عارفا ً‬
‫سن الستماع‪ ،‬جيد الفهم‪،‬‬ ‫ح َ‬
‫بلغات كثيرة‪ ،‬وكان واسع الطلع‪ ،‬كثير القراءة‪َ ،‬‬
‫ولكنه كان طالبا في قسم الفلسفة‪ ،‬ل في قسم اللغة العربية‪ .‬كان يحضر‬
‫معنا محاضرات الدكتور‪ ،‬وكان صفوه وميله وهواه مع الدكتور "طه" ذلك هو‬
‫الستاذ الجليل "محمود محمد الخضيري"‪ .‬نشأت بيني وبينه مودة فصرت‬
‫أحدثه بما عندي‪ ،‬فكان يدافع بلين ورفق وفهم‪ ،‬ولكن حدتي وتوهجي‬
‫وقسوتي كانت تجعله أحيانا يستمع ويصمت فل يتكلم‪ .‬كّنا نقرأ معا‪ ،‬وفي‬
‫خلل ذلك كنت أقرأ له من دواوين شعراء الجاهلية‪ ،‬وأكشف له عما أجد‬
‫فيها‪ ،‬وعن الفروق التي تميز هذا الشعر الجاهلي من الشعر الموي‬
‫والعباسي‪ .‬وجاء يوم ففاجأني "الخضيري" بأنه يحب أن يصارحني بشيء‬
‫وعلى عادته من الهدوء والناة في الحديث‪ ،‬ومن توضيح رأيه مقسما ً مفصل‪ً،‬‬
‫قال لي‪ :‬إنه أصبح يوافقني على أربعة أشياء‪_:‬‬
‫الول‪ :‬أن اتكاء الدكتور على "ديكارت" في محاضراته‪ ،‬اتكاء فيه كثير من‬
‫المغالطة‪ ،‬بل فيه إرادة التهويل بذكر "ديكارت الفيلسوف")‪ ،(9‬وبما كتبه في‬
‫كتابه "مقال عن المنهج" وأن تطبيق الدكتور لهذا المنهج في محاضراته‪،‬‬
‫ليس من منهج "ديكارت" في شيء‪.‬‬
‫)‪ (7‬كذبه وكثرة تزويراته‪ ،‬ومع كل هذا اختير عضوا مراسل لمجمع اللغة‬
‫العربية‪ /‬دمشق سنة ‪1920‬م!! وذلك بعد أن سيطر عليها أنصار العامية من‬
‫أمثال طه حسين وأحمد لطفي السيد وعبدالعزيز فهمي وأمين‬
‫الخولي‪..‬وصل بعض هؤلء الى رئاسة المجمع‪.‬‬
‫)‪ (8‬مقدمة المتنبي ص ‪ 13‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (9‬لحظ أن هذا الكلم يدل على أنه مجرد ذكر رجل أعجمي كاف‬
‫للستدلل وتحقيق الثر في نفس السامع‪ ،‬وهو يدلك على مدى النبهار الذي‬
‫كان يعيشه الطلبة والساتذة لما يقوله العاجم‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الثاني‪ :‬أن كل ما قاله الدكتور في محاضراته‪ ،‬كما كنت أقول له يومئذ‪ ،‬ليس‬
‫إل سطوا ً مجردا ً على مقالة "مرجليوث"‪ ،‬بعد حذف الحجج السخيفة‪ ،‬والمثلة‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدالة على الجهل بالعربية‪ ،‬التي كانت تتخّلل كلم ذاك العجمي وأن ما‬
‫يقوله الدكتور ل يزيد على أن يكون " حاشية" وتعليقا ً على هذه المقالة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه على حداثة عهده بالشعر وقلة معرفته به‪ ،‬قد كان يتبين أن رأيي‬
‫في الفروق الظاهرة بين شعر الجاهلية وشعر السلم‪ ،‬أصبح واضحا ً له بعض‬
‫الوضوح وأنه يكاد يحس بما أحس به وأنا أقرأ له الشعر وأفاوضه فيه‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنه أصبح مقتنعا ً معي أن الحديث عن صحة الشعر الجاهلي‪ ،‬قبل‬
‫قراءة نصوصه قراءة متنوعة مستوعبة‪ ،‬لغو باطل وأن دراسته كما تدرس‬
‫نقوش المم البائدة واللغات الميتة‪ ،‬إنما هو عبث محض‪.‬‬
‫وافق أن جاء في حديثه هذا في يوم من أيام العصبية‪ .‬فالدكتور "طه"‬
‫أستاذي‪ ،‬وله علي حق الهيبة‪ ،‬هذا أدبنا‪ .‬وللدكتور "طه" علي يد ٌ ل أنساها‪،‬‬
‫كان مدير الجامعة يومئذ "أحمد لطفي السيد" يرى أن لحق لحامل "‬
‫بكالوريا" القسم العلمي في اللتحاق بالكليات الدبية‪ ،‬ملتزما في ذلك بظاهر‬
‫اللفاظ!! فاستطاع الدكتور " طه" أن يحطم هذا العائق بشهادته لي‪،‬‬
‫وبإصراره أيضا‪ .‬فدخلت يومئذ بفضله كلية الداب‪ ،‬قسم اللغة العربية‪ ،‬وحفظ‬
‫الجميل أدب ل ينبغي التهاون فيه‪ .‬وأيضا فقد كنت في السابعة عشرة من‬
‫عمري‪ ،‬والدكتور طه في السابعة والثلثين‪ ،‬فهو بمنزلة أخي الكبير‪ ،‬وتوقير‬
‫السن أدب ارتضعناه ُ مع لبان الطفولة‪ .‬كانت هذه الداب تفعل بي فعل هوى‬
‫المتنبي بالمتنبي حيث يقول‪:‬‬
‫في‪ ،‬وَقوسي‪،‬‬ ‫سٌر ك َ ّ‬
‫قى **** هوىً كا ِ‬
‫ن ما ات َ‬‫ن دو ِ‬‫م ْ‬
‫ميي‪ ،‬وَ ِ‬
‫مى واّتقى َر ْ‬‫َر َ‬
‫سُهمي‬‫وأ ْ‬
‫ً‬
‫فذلك ظللت أتجرع الغيظ بحتا‪ ،‬وأنا أصغي إلى الدكتور "طه" في محاضراته‪،‬‬
‫كفاحًا‪ ،‬وجها ً لوجه‪ ،‬وكل ما‬ ‫ولكني ل أستطيع أن أتكلم‪ ،‬ل أستطيع أن أناظره ِ‬
‫أقوله‪ ،‬فإنما أقوله في غيبته ل في مشهده‪ .‬تتابعت المحاضرات‪ ،‬وكل يوم‬
‫يزداد وضوح هذا السطو العريان على مقالة "مرجليوث"‪ ،‬ويزداد في نفسي‬
‫وضح الفرق بين طريقتي في الحساس بالشعر الجاهلي‪ ،‬وبين هذه الطريقة‬
‫التي يسلكها الدكتور "طه" في تزييف هذا الشعر‪ .‬وكان هذا " السطو"‬
‫ما يهّز قواعد الداب التي نشأت عليها هزا ً عنيفًا‪ ،‬بدأت الهيبة مع‬ ‫خاصة م ّ‬
‫مبال‪ ،‬ولم‬ ‫ً‬
‫اليام تسقط شيئا فشيئا‪ ،‬وكدت ألقي حفظ الجميل ورائي غير ُ‬
‫ى‪ ،‬فجاء حديث الخضري‪ ،‬من حيث ل يريد أو‬ ‫يبق لتوقير السن عندي معن ً‬
‫يتوقع‪ ،‬لينسف في نفسي كل ما التزمت به من هذه الداب‪ .‬وعجب الخضري‬
‫يومئذ‪ ،‬لني استمعت لحديثه‪ ،‬ولم ألقه ل بالبشاشة ول بالحقارة التي يتوقعها‪،‬‬
‫وبقيت ساكنًا‪ ،‬وانصرفت معه إلى حديث غيره‪.‬‬
‫وفي اليوم التالي جاءت اللحظة الفاصلة في حياتي‪ .‬فبعد المحاضرة‪ ،‬طلبت‬
‫من الدكتور" طه" أن يأذن لي في الحديث‪ ،‬فأذن لي مبتهجًا‪ ،‬أو هكذا ظننت‪.‬‬
‫وبدأت حديثي عن هذا السلوب الذي سماه "منهجا" وعن تطبيقه لهذا‬
‫"المنهج" في محاضراته‪ ،‬وعن هذا " الشك" الذي اصطنعه‪ ،‬ما هو‪ ،‬وكيف‬
‫هو؟ وبدأت أدلل على أن الذي يقوله عن "المنهج" وعن" الشك" غامض‪،‬‬
‫وأنه مخالف لما يقوله "ديكارت"‪ ،‬وأن تطبيق منهجه هذا قائم على التسليم‬
‫تسليما ً سلما يداخله الشك‪ ،‬بروايات في الكتب هي في ذاتها محفوفة‬
‫بالشك! وفوجىء طلبة قسم اللغة العربية‪ ،‬وفوجىء الخضيري خاصة‪ .‬ولما‬
‫كدت أفرغ من كلمي‪ ،‬انتهرني الدكتور "طه" وأسكتني‪ ،‬وقام وقمنا لنخرج‪.‬‬
‫وانصرف عني كل زملئي الذي استنكروا غضابا ً ما واجهت به الدكتور "طه"‪،‬‬
‫ولم يبق معي إل محمود محمد الخضيري )من قسم الفلسفة كما قلت(‪.‬‬
‫وبعد قليل أرسل الدكتور "طه" يناديني فدخلت عليه وجعل يعاتبني‪ ،‬يقسو‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حينا ً ويرفق أحيانا‪ ،‬وأنا صامت ل أستطيع أن أرد‪ .‬لم أستطع أن أكاشفه بأن‬
‫محاضراته التي نسمعها كّلها مسلوخة من مقاله "مرجليوث"‪ ،‬لنها مكاشفة‬
‫جارحة من صغير إلى كبير‪ ،‬ولكني على يقين من أنه يعلم أني أعلم‪ ،‬من‬
‫خلل ما أسمع حديثه‪ ،‬ومن صوته‪ ،‬ومن كلماته‪ ،‬ومن حركاته أيضا!! وكتماه‬
‫هذه الحقيقة في نفسي كان يزيدني عجزا ً عن الرد‪ ،‬وعن العتذار إليه أيضًا‪،‬‬
‫مطرقا ً حتى وجدت في نفسي كأني‬ ‫وهو ما كان يرمي إليه‪ .‬ولم أزل صامتا ً ُ‬
‫ل العجز‪ ،‬فقمت فجأة وخرجت غير مودع ول مبال بشيء‪ .‬وقضي‬ ‫أبكي من ذ ّ‬
‫المر! ويبس الثرى بيني وبين الدكتور‪" :‬طه" إلى غير رجعة!‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومن يومئذ لم أكف عن مناقشة الدكتور في المحاضرات أحيانا ً بغير هيبة‪،‬‬


‫ولم يكف هو عن استدعائي بعد المحاضرات‪ ،‬فيأخذني يمينا وشمال ً في‬
‫المحاورة‪ ،‬وأنا ملتزم في كل ذلك بالعراض عن ذكر سطوه على مقالة‬
‫مرجليوث‪ ،‬صارفا ً همي كله إلى موضوع " المنهج" و"الشك" وإلى ضرورة‬
‫قراءة الشعر الجاهلي والموي والعباسي قراءة متذوقة مستوعبة‪ ،‬ليستبين‬
‫الفرق بين الشعر الجاهلي والشعر السلمي قبل الحديث عن صحة نسبة‬
‫هذا الشعر إلى الجاهلية‪ ،‬أن التماس الشبه لتقرير أنه باطل بالنسبة‪ ،‬وأنه‬
‫موضوع في السلم‪ ،‬من خلل روايات في الكتب هي في حد ذاتها محتاجة‬
‫إلى النظر والتفسير‪ .‬ولكني من يومئذ أيضا ً لم أكف عن إذاعة هي الحقيقة‬
‫طوا ً كريها ً على‬
‫التي أكتمها في حديثي مع الدكتور "طه" وهي أنه سطا س ْ‬
‫مقالة المستشرق العجمي‪ ،‬فكان‪ ،‬بل شك‪ ،‬يبلغه ما أذيعه بين زملئي‪ .‬وكثر‬
‫كلمي عن الدكتور " طه" نفسه‪ ،‬وعن القدر الذي يعرفه من الشعر‬
‫الجاهلي‪ ،‬وعن أسلوبه الدال على ما أقول‪ .‬واشتد المر‪ ،‬حتى تدخل في‬
‫ذلك‪ ،‬وفي مناقشتي‪ ،‬بعض الساتذة كالستاذ "نّلينو")‪ (10‬والستاذ جويدي)‬
‫‪ (11‬من المستشرقين‪ ،‬وكنت أصارحهما بالسطو‪ ،‬وكانا يعرفان‪ ،‬ولكنهما‬
‫يداوران‪ .‬وطال الصراع غير المتكافىء بيني وبين الدكتور "طه" زمانًا‪ ،‬إلى‬
‫ت فيه على أن أفارق مصر كلها‪ ،‬ل الجامعة وحدها‬ ‫أن جاء اليوم الذي عزم ُ‬
‫ً‬
‫غير مبال بإتمام دراستي الجامعية طالبا للعزلة‪ ،‬حتى أستبين لنفسي وجه‬
‫الحق في "قضية الشعر الجاهلي" بعد أن صارت عندي قضية متشعبة كل‬
‫التشعب‪ (12).‬ولطبيعة خاصة لهذا الرجل قرر أن يترك الجامعة بعد أن‬
‫سقطت هيبتها من نفسه‪ ،‬وعجز أن يحتمل هذا الفساد الذي رآه في أساتذته‬
‫ومعّلميه‪.‬‬
‫فمن هو محمود محمد شاكر ‪-‬أبو فهر‪-‬؟‬
‫)‪ (10‬هو كارلو ألفونس نلينو)‪1938-1872‬م( مستشرق إيطالي‪ ،‬درس اللغة‬
‫العربية دون أستاذ وهو فتى‪ ،‬ودرس العبرية والسريانية‪ ،‬كان أول كتبه"قياس‬
‫الجغرافين العرب لخطوط الزوال" دعته الجامعة المصرية القديمة سنة‬
‫‪ 1909‬للقاء محاضرات في تاريخ الفلك عند العرب باللغة العربية‪ ،‬ونشرت‬
‫محاضراته بعد ذلك في كتاب تحت عنوان "علم الفلك‪ ،‬تاريخه عن العرب في‬
‫القرون الوسطى" سنة ‪ ،1911‬وكتب وهو في الثالثة والعشرين مقال سماه‬
‫"نظام القبائل العربية في الجاهلية"‪ ،‬كان يقول )لأريد أن يغريني شيء على‬
‫الخروج من دراسة العرب وحدهم إلى دراسة أخرى‪ ،‬ولكني أريد أن أعرف‬
‫عن العرب كل شيء( لجأت إليه وزارة المستعمرات اليطالية لتستعين‬
‫بخبرته ومعرفته بأحوال العالم السلمي‪ ،‬فعين مديرا للجنة تنظيم‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المحفوظات العثمانية ولكتب الترجمة‪ ،‬تولى الشراف على مجلة )الدراسات‬


‫الشرقية(‪ ،‬دعي للتدريس في الجامعة المصرية مرة ثانية فيما بين ‪-1928‬‬
‫‪ 1931‬لتدريس تاريخ اليمن بكلية الداب وعين عضوا في المجمع اللغوي‬
‫سنة ‪ ،1932‬مدحه طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي" وغيره وبقي‬
‫معظما له إلى اخر عمره‪ ..‬وطه حسين يعد تلميذا له‪ .‬انظر دراسة د‪.‬يوسف‬
‫بكار بعنوان "أوراق نقديةجديدة عن طه حسين" المبحث الول )خصوصية‬
‫الذات ونفوذ الخر( عن مدى تأثر طه حسين بهذا المستشرق‪.‬‬
‫)‪ (11‬اجنتيسو جويدي)‪1935-1844‬م( مستشرق إيطالي‪ ،‬ويسمى جويدي‬
‫الكبير تمييزا له عن ابنه ميكلنجلو‪ ،‬اهتم بالدرسات السامية وخاصة العربية‬
‫الحبشية والعبرية‪ ،‬دعي سنة ‪ 1908‬ليكون أستاذا في الجامعةالمصرية‬
‫القديمة‪ ،‬نشر بعض المخطوطات القديمة مثل "شرح ابن هشام لقصيدة‪-‬‬
‫بانت سعاد" وكتاب "الستدراك" لبي بكر الزبيدي‪ ،‬وكتاب "الفعال" لبن‬
‫القوطية‪ ،‬وبعض تاريخ الطبرين‪ ،‬ولما احتلت إيطاليا ليبيا‪ ،‬كلفته وزارة‬
‫المستعمرات اليطالية بالشتراك في ترجمة "مختصر سيدي خليل" في‬
‫الفقه المالكي إلى اللغة اليطالية‪ ،‬فتولى ترجمة قسم العبادات ‪..‬ويعد طه‬
‫حسين من تلميذه‪.‬‬
‫)‪" (12‬المتنبي" ص ‪.17-13‬‬
‫والده هو محمد شاكر )توفي سنة ‪1929‬م( شيخ أزهري كان وكيل ً للجامع‬
‫الزهر )‪1912–1909‬م(‪ ،‬وأمه بنت الشيخ‪ /‬هارون عبد الرّزاق )توفي سنة‬
‫‪1918‬م( والد المحقق‪ /‬عبد السلم هارون‪ ،‬والشيخ‪ /‬محمود محمد شاكر هو‬
‫شقيق المحدث المام الشيخ أحمد شاكر صاحب الجهود العظيمة في خدمة‬
‫سنة النبوية‪ ،‬ول بأس من الستطراد قليل ً في ترجمة الشيخ‪ /‬أحمد شاكر‬ ‫ال ّ‬
‫شقيق المترجم أبي فهر‪(13).‬‬
‫مد شاكر‪:‬‬ ‫دث الع ّ‬
‫لمة الشيخ‪ /‬أحمد مح ّ‬ ‫المح ّ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫كناه والده شمس الئمة أبا الشبال‪ ،‬ولد سنة )‪1892‬م(‪ ،‬ولما عّين والده‬
‫قاضيا للقضاة في السودان سنة)‪1900‬م( رحل بولده معه هناك وألحقه‬
‫بكلية "غوردن" – وهي كلية أسسها النجليز سنة)‪1903‬م( في الخرطوم‪،‬‬
‫وسميت باسم الضابط النجليزي "تشارلز غوردن" الذي يعرف باسم‬
‫"غوردن باشا"‪ ،‬وكان قد ُقتل في السودان لما استولى المهدي السوداني‬
‫على الخرطوم سنة)‪1885‬م( – فبقي أحمد شاكر تلميذا ً بها حتى عاد أبوه‬
‫من السودان‪ ،‬وتولى مشيخة علماء السكندرية سنة)‪ (1904‬فألحق ولده‬
‫أحمد من يومئذ بمعهد السكندرية الذي يتوله‪ ،‬وكان لوالده أكبر الثر في‬
‫تربيته‪ ،‬فقد قرأ له ولخوانه تفسير "البغوي" وتفسير "النسفي"‪ ،‬وقرأ لهم‬
‫صحيح مسلم وسنن "الترمذي" والشمائل له وبعض صحيح البخاري‪ ،‬وقرأ‬
‫سبكي" وشرح "السنوي" على المنهاج‬ ‫لهم في أصول الفقه جمع الجوامع "لل ّ‬
‫"للبيضاوي" وقرأ لهم في المنطق شرح "الخبيصي" على القطبّية‪ ،‬وقرأ لهم‬
‫في الفقه الحنفي كتاب الهداية "للمرغيناني"‪ ،‬وحين انتقل والده إلى القاهرة‬
‫سنة ‪1909‬م التحق أحمد شاكر بالزهر‪ ،‬وهناك بدأ الطلب على يد مشايخ‬
‫الزهر وعلماء القاهرة‪ ،‬وفي سنة ‪1917‬م حاز أحمد شاكر على الشهادة‬
‫ن في بعض الوظائف‪ ،‬ثم أصبح قاضيا سنة ‪ 1951‬ثم‬ ‫العالمية من الزهر وعُي ّ َ‬
‫رئيسا ً للمحكمة الشرعية العليا وهي آخر وظائفه وقد كانت هذه الفترة هي‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فترة التقنين للتشريعات الجاهلية وتسويغها عن طريق أزلمها في الصحافة‬


‫والمنتديات‪ ،‬فكان خلل ذلك كله يكتب المقالت والرسائل التي تهاجم هذه‬
‫الّردة الجديدة‪ ،‬وقد جمعت هذه البحاث في كتابين له هما‪) :‬كلمة حق(‬
‫و)حكم الجاهلية(‪.‬‬
‫سنة عظيما ً حيث بدأ في تحقيق كتبها والعناية بها‪ ،‬فحقق‬ ‫وكان اهتمامه بال ّ‬
‫كتاب المام العظيم‪ /‬محمد بن إدريس الشافعي في أصول الفقه المسمى‬
‫بـ"الرسالة" وقدم له مقدمة ضافية‪ ،‬ونشر كتاب )جماع العلم( وهو في‬
‫الصول كذلك‪ ،‬وكتاب )الخراج( ليحيى بن آدم القرشي‪ ،‬وخّرج أحاديثه‪،‬‬
‫واعتنى بشرح "الطحاوية لبن أبي العّز الحنفي"‪ ،‬ونشر مجلدين من سنن‬
‫"الترمذي" والمجلد الول من صحيح "ابن حبان"‪ ،‬والمحلى‪ /‬لبن حزم‬
‫والحكام في أصول الحكام له‪ ،‬وفي سنة ‪1946‬م شرع الشيخ –رحمه الله‪-‬‬
‫في تحقيق مسند المام "أحمد بن حنبل" والذي لم يتم منه إل ثلثه حيث‬
‫وافته المنية قبل النتهاء منه‪ ،‬وشارك أخاه محمودا ً في تحقيق تفسير‬
‫ماه‬
‫"الطبري" الذي لم يتم واختصر تفسير "ابن كثير" بروح نقدية عالية س ّ‬
‫"عمدة التفسير"… والشيخ‪ /‬محمود شاكر يعتبر أن كتاب )الطلق في‬
‫السلم( الذي كتبه أخوه‪ /‬محمد شاكر‪ ،‬هو من أفضل كتبه لما تحلى به من‬
‫روح الجتهاد وقوة الملكة الفقهية‪ ،‬وما زال الشيخ ‪ /‬أحمد شاكر يعتبر إماما ً‬
‫سّنة يوما بعد يوم‪.‬‬
‫في الحديث‪ ،‬وتزداد مرتبة التقدير له من المهتمين بال ّ‬
‫وكان لحمد شاكر –رحمه الله تعالى‪ -‬جهود في نشر كتب اللغة والدب حيث‬
‫نشر كتاب "الشعر والشعراء" لبن قتيبة و "لباب الداب" لسامة بن منقذ‬
‫سكيت و"الصمعيات"‬ ‫و"المعّرب" للجواليقي‪ ،‬و"إصلح المنطق" لبن ال ّ‬
‫و"والمفضل ّّيات"‪ ،‬وكان يستعين في تحقيق كتب الدب‬
‫)‪ (13‬ترجمة الشيخ أحمد شاكر والكثير من ترجمة أخيه محمود أخذتا من‬
‫كتاب "محمود شاكر‪-‬الرجل والمنهج" للستاذ عمر حسن القيام‪ ،‬من‬
‫إصدارات دار البشير ومؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫بأخيه محمود‪ ،‬وهذه الكتب الخيرة شاركه فيها ابن خاله عبد السلم هارون‪.‬‬
‫وفي يوم السبت ‪14/6/1958‬م أتته منيته ومضى لسبيله –رحمه الله تعالى‪-‬‬
‫وأسبغ عليه رحمته ورضوانه‪.-‬‬
‫وللشيخ شقيق آخر اسمه علي كان قاضيا ً شرعيا‪ً.‬‬
‫عودة إلى الشيخ محمود شاكر‪:‬‬
‫قى أول تعليمه في مدرسة الوالدة‪ /‬أم عباس في‬ ‫ولد سنة ‪1909‬م وتل ّ‬
‫القاهرة سنة ‪1916‬م‪ .‬وبعد ثورة ‪ .1919‬انتقل إلى مدرسة القربّية بدرب‬
‫الجماميز‪ ،‬ثم دخل المدرسة الخديوية الثانوية سنة ‪1921‬م‪ ،‬ولنترك محمود‬
‫شاكر يحدثنا عن هذا النظام المدرسي المسمى بـ)الكاديمي( وكيف كانت‬
‫نظرته له وما هي مشاعره عندما انتظم طالبا ً في هذه المدارس‪.‬‬
‫مدارس )دنلوب( وجرائمها في حق النشء تعليما ً وتربية‪:‬‬
‫يقول ‪-‬رحمه الله تعالى‪ :-‬فمنذ بدأت أعقل بعض هذه الدنيا‪ ،‬وأرى سوادها‬
‫وبياضها بعين باصرة شغلتني الكلمة وتعلق قلبي بها‪ ،‬لني أدركت أول ما‬
‫أدركت أن )الكلمة( هي وحدها التي تنقل إلى الشياء التي أراها بعيني وتنقل‬
‫إلي أيضا ً بعض علئقها التي تربط بينها‪ ،‬والتي ل أطيق أن أراها بعيني‪ ..‬ثم‬
‫قذف بي أبي –رحمه الله‪ -‬إلى المدرسة‪(14).‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فل أزال أذكر أول ساعة دخلتها‪ ،‬ول أزال أذكر ذلك الّرعب الذي فض نفسي‬
‫ي منذ ذلك الحين‪،‬‬ ‫وهالني‪ ،‬حين صك سمعي ذلك الصوت المبهم البغيض إل ّ‬
‫صوت الجرس!)‪ (15‬صوت مصلصل مؤذي‪ ،‬جاف‪ ،‬أبكم‪ ،‬أعجم ل معنى له‪،‬‬
‫ل إرادتي‪ ،‬رنين منكر سري بالفزع في نفسي‪ ،‬وردد‬ ‫وإذا هو غل يطوقني ويش ّ‬
‫الوجيب الوخاز في قلبي‪ ،‬كدت أكره المدرسة من يومئذ من جّراء هذا‬
‫الجرس العجمي الخبيث‪ ...‬هكذا أخذني أول البلء‪ ،‬ثم زاد وربا حين ساقونا‬
‫إلى الفصول كالقطيع صفوفًا‪ ،‬ولكن لم يلبث فزعي أن تبدد بعد أن دخلنا‬
‫الفصل‪ ،‬واستقر بنا الجلوس‪ ،‬ثم بدأ الدرس الول على الّريق‪ ،‬وهو درس‬
‫ل ما نالني حين سمعت هذه الحروف الغربية‬ ‫اللغة النجليزية! ونسيت ك ّ‬
‫النطق التي لم آلفها‪ ،‬وفتنتني وغلبني الهتمام بها‪ ،‬وجعلت أسارع في‬
‫متي‪ ،‬اغتالتها‬ ‫ترديدها وحفظها‪ .‬اغتالت هذه الحروف الجديدة وكلماتها ك ّ‬
‫له ّ‬
‫ب الجديد الذي لم آلفه قد بّز‬ ‫بالفرح المشوب بطيش الطفولة‪ ،‬وكان ح ّ‬
‫ل انتباهي إلى لغتي‬ ‫حسن النتباه إلى القديم الذي ألفته منذ ولدت‪ ،‬فق ّ‬
‫العربية‪ ،‬قصر انتباهي إليها‪ ،‬بل لعلي استثقلتها يومئذ وكدت أنفر منها‪ ،‬وكذلك‬
‫صرت في العربية ضعيفا ً جدًا‪ ،‬ل أكاد اجتاز امتحانها إل على عسر‪ ،‬وعلى‬
‫شفى‪ ،‬وهكذا أنفذ َ )دنلوب( اللعين أول سهامه في قلبي من حيث ل أشعر‪،‬‬
‫ودرجت على ذلك أربع سنوات في التعليم البتدائي‪ ،‬ولبلء يطغى علي عاما‬
‫بعد عام‪ ،‬ولكن كان من رحمة الله بي أن أدركتني ثورة مصر في سنة‬
‫‪1919‬م)‪ (16‬وأنا يومئذ في السنة الثالثة‪ ،‬فلما كانت السنة الرابعة سقطت‬
‫في امتحان –الشهادة البتدائية‪ ...-‬وصنع الله حيث سقطت‪ ،‬وأحسن بي إذ‬
‫مل قلبي ملل ً من الدروس المعادة‪ ،‬واتسع الوقت فصرت حرا ً أذهب حيث‬
‫يذهب الكبار إلى الزهر‪ ،‬حيث أسمع خطب الثوار‪ ،‬وأدخل "رواق السنارية"‬
‫وغيره بل حرج‪ ،‬وفي هذا الرواق سمعت أول ما سمعت مطارحة الشعر‪ ،‬وأنا‬
‫ل‪ ،‬وكتب الله لي الخير على يد أحد أبناء خالي ممن‬ ‫ل أدري ما الشعر إل قلي ً‬
‫كان يومئذ مشتغل ً بالدب والشعر‪ ،‬فأراد يوما أن يتخذني وسيلة إلى شيء‬
‫يريده من عمته‪ ،‬التي هي أمي –رحمها الله‪ ،-‬فأبيت إل أن يعطيني هذا‬
‫الديوان الذي سمعتهم يقرؤون شعره ويتناشدونه‪ ،‬وقد كان‪،‬‬
‫)‪ (14‬تأمل في كلمة ‪-‬قذف‪ -‬ففيها الكثير من المعاني التي يريد الشيخ أن‬
‫يكشفها للناس‬
‫)‪ (15‬في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ :‬ل تصحب الملئكة رفقة فيها كلب ول جرس ‪..‬وفيه كذلك –‬
‫الجرس مزامير الشيطان‪..‬وفي شنن أبي داود‪ :‬ل تدخل الملئكة بيتا فيه‬
‫جرس‪..‬‬
‫• دنلوب‪ :‬المندوب النجليزي المسمى كذبا ب)السامي( على مصر في فترة‬
‫الختلل وكان قسا حاقدا‪.‬‬
‫)‪ (16‬حركة شعبية بدأها مشايخ وعلماء الزهر ضد الحتلل النجليزي‪،‬‬
‫وانضمت لها كل طوائف الشعب وكانت غسلمية المنطلق ولم تحقق نتائجها‬
‫بسبب القيادة الفاسدة التي تولها بعد ذلك سعد زغلول‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فأعطاني ديوان المتنبي بشرح الشيخ "اليازجي"‪ ،‬وكان مشكول مضبوطا جيد‬
‫الورق‪ ،‬فلم أكد أظفر به حتى جعلته وردي‪ ،‬في ليلي ونهاري‪ ،‬حتى حفظته‬
‫يومئذ‪ ،‬وكأن عينا ً دفينة في أعماق نفسي قد تفجرت من تحت أطباق الجمود‬
‫الجاثم‪ ،‬وطفقت أنغام الشعر العربي تتردد في جوانحي‪ ،‬وكأني لم أجهلها‬
‫قط‪ ،‬وعادت الكلمة العربية إلى مكانها في نفسي‪(17).‬‬
‫وما قاله الشيخ هو تصوير لواقع التعليم في بلدنا المنكوبة بسياسة زنادقة‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫همهم نزع مقومات وجودنا‪ ،‬وخصائص هويتنا‪ ،‬حتى ينشأ جيل مبتوٌر عن‬
‫تاريخه ودينه‪ ،‬وإن أقصر الطرق لهذه الجريمة البشعة هو حرف الناس عن‬
‫العربية والتي هي وعاء هذا الوجود وحامية هذه الهوية‪ ،‬وبدونها لن يكون‬
‫إحساس المسلم بدينه ولن يدرك تاريخه كما هو‪ ،‬وهذا هو واقع من اضطلع‬
‫في آداب الغير وانتهج سبل علومهم في البحث والدراسة‪ ،‬رأيناه من أشد‬
‫الناس نقمة على هذا الدين‪ ،‬وإذا بحث فيه فإنه يزوره ويكذب عليه ول يخرج‬
‫منه بالهداية التي هي معقد هذا الدين ولبه وحقيقته‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم بين الشيخ أن هذا الحساس بالكلمة العربية لم يزحزح شيئا من الكلمة‬
‫النجليزية التي غرسها "دنلوب" اللعين في غضارة الفتى الل ّّين‪ ،‬ثم ازداد‬
‫إحساسه في الرياضيات كمنافس جديد في نفسه‪ ،‬فآثره محمود شاكر على‬
‫غيره‪ ،‬ولجل ذلك التحق بالقسم العلمي ونال درجة البكالوريا سنة ‪1925‬م‪.‬‬
‫تتلمذ الشيخ على أئمة الدب‪...‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وفي أثناء ذلك اتصلت أسباب محمود شاكر بأسباب اثنين من كبار العلم‬
‫بالدب هما‪ -:‬سيد بن علي المرصفي‪ ،‬ومصطفى صادق الّرافعي‪ ،‬والمرصفي‬
‫إمام من أئمة العربية في زمانه‪ ،‬وحامل أمانتها‪ ،‬كان من جماعة كبار العلماء‬
‫في الزهر‪ ،‬وتولى تدريس العربية فيه إلى أن نالت منه الشيخوخة‪ ،‬وكسرت‬
‫ساقه فاعتكف بمنزله بالقاهرة يدّرس طلبه الذين كانوا يقصدونه إلى أن‬
‫توفي )سنة ‪1931‬م(‪ .‬وقد انتفع به الكثير من الدباء والنقاد والمفكرين‬
‫كأحمد حسن الّزّيات‪ ،‬وحسن السندوبي‪ ،‬وأحمد محمد شاكر وعلي الجارم‪،‬‬
‫وعبد الرحمن البرقوقي وهو صاحب كتاب" رغبة المل في كتاب الكامل" و‬
‫"أسرار الحماسة"‪ ،‬ففي سنة ‪1922‬م اتصل محمود شاكر بالمرصفي‪،‬‬
‫فحضر دروسه التي كان يلقيها بعد الظهر في جامع السلطان برقوق‪ ،‬ثم قرأ‬
‫عليه في بيته "الكامل" للمبرد و"الحماسة" لبي تمام وشيئا من "المالي"‬
‫لبي علي القالي‪ ،‬وبعض أشعار الهذليين‪.‬‬
‫أما الرافعي )‪1937-18‬م( فهو من هو‪ ،‬وصفه شاكر بقوله‪" - :‬الرافعي"‬
‫وة في الله‪ ،‬ومن‬ ‫كاتب حبيب إلى القلب‪ ،‬تتنازعه إليه أسباب كثيرة من أخ ّ‬
‫ب‪ ،‬ومن مذهب متفق في الروح‪ ،‬ومن نية معروفة في الفن‪،‬‬ ‫صداقة في الح ّ‬
‫ومن إعجاب قائم بالبيان‪ "..‬وقال عنه في رسالة وجهها إليه أنه‪ :‬ملجأ يعتصم‬
‫به المؤمنون حين تناوشهم ذئاب الزندقة الدبية التي جعلت همها أن تلغ‬
‫ولوغها في "البيان القرآني"‪ ..‬وقد قويت الصلة بينهما جدا ً حتى قال شاكر‬
‫عن "الرافعي" بعد وفاته في مقدمة كتاب "حياة الرافعي" إنه صار‪ :‬ميراثا ً‬
‫نتوارثه‪ ،‬وأدبا ً نتدارسه‪ ،‬وحنانا ً نأوي إليه‪.‬‬
‫وبعد انتهاء البكالوريا التحق شاكر بالجامعة كما تقدم في كلية الداب‪ -‬قسم‬
‫اللغة العربية‪ -‬وهناك كانت البداية في معركته التي عاشها إلى يوم وفاته‪،‬‬
‫معركته ضد أعداء المة‪ ،‬وكانت ساحة هذه المعركة هي ساحة اللغة والثقافة‬
‫والدب‪ ،‬فإنه بعد أن اكتشف أمر أستاذه وسقطت هيبة الجامعة من نفس‬
‫الفتى قرر تركها وراءه غير آسف‪ ،‬قد حاول أساتذة ثنيه‪ ،‬ولكن صلبة الفتى‬
‫أبت إل الفراق‪ ،‬فكان له‪.‬‬
‫)‪ (17‬أباطيل وأسمار لمحمود شاكر ‪.557-2/555‬‬
‫وفي سنة ‪1928‬م شد ّ الرحال إلى الحجاز‪ ،‬وهناك أنشأ مدرسة )جدة( وعمل‬
‫مديرا ً لها ولكن بعد سنتين عاد إلى القاهرة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخلل المدة)‪1935-1929‬م( كان شاكر يعيش في شبه عزلة أعاد خللها‬


‫قراءة التراث طلبا ً لليقين في قضايا كثيرة‪ ،‬وكانت قضية الشعر الجاهلي‬
‫تستبد بمعظم اهتمامه فأجاز لنفسه أن يسمي هذه المرحلة من حياته‬
‫بـ)محنة الشعر الجاهلي(‪ ،‬وخلل هذه الفترة كان يكتب بعض المقالت في‬
‫الصحف والمجلت‪ ،‬وقد وصف معاناته في تلك اليام أنها كانت )تطغى‬
‫كالسيل الجارف يهدم السدود ويقوض كل قائم في نفسي وفي فطرتي(‪).‬‬
‫‪(18‬‬
‫تأليف كتاب "المتنبي"‪...‬‬
‫سنة ‪1935‬م انتدبته مجلة )المقتطف( –لصاحبها فؤاد صّروف‪ -‬إلى كتابه‬
‫كلمة عن "المتنبي" في الذكرى اللف لوفاته‪ ،‬فلّبى شاكر الدعوة‪ ،‬وتم‬
‫التفاق على أن تكون الكلمة ما بين عشرين إلى ثلثين صفحة من صفحات‬
‫المقتطف‪ ،‬وقد وصف هذه التجربة في المقدمة الجديدة لكتابه "المتنبي"‬
‫وأفاض فيها‪ ..‬كما ذكر أنه مّزق ما كتب عدة مرات لعدم اقتناعه بما كتب‬
‫حتى استقر على اكتشاف في شخصية المتنبي‪.‬‬
‫ل أدواته البداعية‪ ،‬ومارس قدرته النقدّية‬‫وقد استخدم في كتابه هذا ك ّ‬
‫والبحثية في دراسة المتنبي بصورة لم يسبق إليها‪ ،‬وهو الفن الذي سماه‬
‫بالتذوق‪ ،‬وانتهى إلى نتائج لم يقل بها أحد قبله منها‪_:‬‬
‫‪ -1‬القول بعلوية المتنبي وهي التي تم اكتشافها بعد ذلك من خلل‬
‫المخطوطات التي ترجمت له‪.‬‬
‫ب المتنبي لـ"خولة" أخت سيف الدولة "الحمداني"‪.‬‬ ‫‪ -2‬اكتشافه ح ّ‬
‫وقد عمد شاكر إلى الدخول في النصوص الشعرية ودراستها دراسة تحليلية‬
‫من داخلها للوصول إلى هذه النتائج‪ ،‬وهو المر الذي يخالف منهج الكثيرين‬
‫في اعتماد الخبار فقط لمعرفة نفسية الشخصية وما يحيط بها من ظروف‪.‬‬
‫وهذا المر هو الذي مّيز شاكر في اعتماده للمبدأ العلمي والذي سماه‬
‫)التذوق(‪ ،‬ويعني به فيما يعني الغوص في كلم القائل وتحليله للخروج‬
‫بالنتائج المطلوبة‪.‬‬
‫وبكتابه هذا نشأت معركة جديدة بينه وبين الخرين‪ ،‬خاصة بينه وبين طه‬
‫حسين بعد سنتين من صدوره إذ أخرج هذا الخير كتابا سماه "مع المتنبي"‬
‫واندلعت هذه المعركة في مجلة البلغ تحت عنوان )بيني وبين طه( بّين فيها‬
‫شاكر )عدم بصر( طه حسين بالشعر وبسطوه على بعض ما قاله شاكر في‬
‫شك حول والد المتنبي سطوا ً فجا ً قبيحًا‪ ..‬وبلغت اثنتي عشرة مقالة حّتى‬ ‫ال ّ‬
‫جاءه نعي أستاذه وصديقه "مصطفى صادق الرافعي" )‪1937‬م( )فانهدم في‬
‫ل ما كان قائمًا‪ ،‬وذهب الدكتور "طه" وكتابه جميعا ً من نفسي تحت‬ ‫نفسي ك ّ‬
‫الهدم فـ‪-:‬‬
‫ليت الحوادث باعتني الذي أخذت *** مني بحلمي الذي أعطت وتجريبي)‬
‫‪(19‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫في سنة ‪1940‬م شرع الشيخ شاكر في قراءة التراث وشرحه‪ ،‬فنشر كتاب "‬
‫إمتاع السماع بما للرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬من البناء والموال‬
‫والحفدة والمتاع" للمقريزي‪ ،‬و "المكافأة وحسن العقبى" لحمد بن يوسف‬
‫بن الداية الكاتب‪ ،‬وفي هذه السنة عهد صاحب " الرسالة" أحمد حسن‬
‫الزيات إلى شاكر بتحرير باب " الدب في أسبوع"‪ ،‬فأجاب إلى ذلك وكتب‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طائفة من التعقيبات والتعليقات‪ ..‬وفي هذه الفترة ألف الشعر ومنه قصيدته‬
‫" تحت الليل" التي قال فيها‪-:‬‬
‫)‪ (18‬إقرا ما كان يعاينه في ما خطه مصطفى صادق الرافعي وعلى لسان‬
‫)أبي محمد البصري( في "وحي القلم" في مقالة)النتحار( الرابعة‪ ،‬فإنها هي‬
‫المعاني التي حدثها لشيخه الرافعي عن نفسه‪.‬‬
‫)‪ (19‬مقدمة المتنبي ص ‪.107‬‬
‫شقي المبعثُر؟‬ ‫م فهل يبقى ال ّ‬ ‫م وحشاشتي *** تهي ُ‬ ‫أهيم وقلبي هائ ٌ‬
‫ور‬
‫مها أتض ّ‬ ‫ت في آل ِ‬ ‫ّ‬
‫لئن أبقت المال مني لطالما *** تقلب ُ‬
‫ل وجه ساحر *** يمثل لي إقبالها ويصور‬ ‫تنازعني من ك ّ‬
‫فيهوى لها بعضي‪ ،‬وبعضي موثق *** بأشواقه الخرى إلى حيث تنظر‬
‫ومن شعره كذلك‪:‬‬
‫ذكرتك بين ثنايا السطور *** وأضمرت قلبي بين اللم‬
‫ت أبوح بما قد كتمت *** ولو حّز في نفسي حد ّ اللم‬ ‫ولس ُ‬
‫ل أسراُر من قد كتم‬ ‫ّ‬
‫فكم كتم الليل من سرنا *** وفي اللي ِ‬‫ّ‬
‫القوس العذراء ‪...‬‬
‫وفي سنة ‪1952‬م نشر الشيخ‪ /‬محمود شاكر قصيدته الرائعة )القوس‬
‫العذراء( وهي قصيدة طويلة تبلغ مائتين وثمانين بيتا ً استلهمها من قصيدة‬
‫الشماخ‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬التي مطلعها‪:‬‬
‫عفا بطن قوّ من سليمى فغالز *** فذات الغضا فالمشرفات النوافز‬
‫والشماخ هو ابن ضرار الغطفاني‪ ،‬شاعر فحل‪ ،‬صحابي‪ ،‬أدرك الجاهلية ثم‬
‫صافًا‪ ،‬أجاد وصف الحمر الوحشية‪ ،‬غزا‬ ‫أسلم‪ ،‬كان أعورًا‪ ،‬وعلى عوره كان و ّ‬
‫في فتوح عمر –رضي الله عنه‪ ،‬وشهد القادسية ثم غزا أذر بيجان مع سعيد‬
‫بن العاص‪ ،‬فاستشهد في غزوة موقان سنة أربع وعشرين من الهجرة في‬
‫عهد عثمان –رضي الله عنهما‪.(20)-‬‬
‫واس‬ ‫صة ق ّ‬
‫وفي زائّيته التي نسج الشيخ‪ /‬شاكر على منوالها‪ ،‬وصف الشماخ ق ّ‬
‫صنع قوسا فأتقنها حتى كانت رميتها ل تخيب‪ّ ،‬ثم اضطره فقره إلى بيعها‪،‬‬
‫فأخذ الشيخ شاكر هذه القصة ونسج عليها رائعة من روائع الشعر المعاصر‪..‬‬
‫جعلها واسطة بينه وبين صديق له لم تبلو مودته وصداقته‪:‬‬
‫واسها البائس من حيث أتاها‬ ‫فدع الشماخ ينبئك عن ق ّ‬
‫ل نماها؟‬ ‫ٍ‬ ‫غي‬ ‫من‬ ‫الغيب‬ ‫أين كانت في ضمير‬
‫كيف شقت عينه الحجب إليها فاجتباها؟‬
‫ص وقاها؟‬ ‫كيف ينغل إليها في حشا عي ٍ‬
‫كيف أنحا نحوها مبراته‪ ،‬حتى اختلها؟‬
‫كيف قرت في يديه واطمأنت لفتاها؟‬
‫كيف يستودعها الشمس عامين تراه ويراها؟‬
‫وفي هذه القصيدة القصصية استودع شاكر نظرته للحياة‪ ،‬وبّين فيها صراع‬
‫العاطفة مع العقل‪ ،‬وكيف يهزم المال الحب؟‪ ،‬وكيف يتحطم المثال على‬
‫صخرة الواقع‪ ..‬وشاكر في هذه القصيدة كأنه يبرر لنفسه ما أصابه من‬
‫اضطراب بين مواقفه الجريئة الواضحة وبين ما كان يقع فيه من أعمال ل‬
‫تستقيم مع رؤاه‪-:‬‬
‫وفاضت دموع كمثل الحميم لذاعة نارها تستهل‬
‫بكاء من الجمر‪ ،‬جمر القلوب‪ ،‬أرسلها لعج من خيل‬
‫وغامت بعينيه واستنزفت دم القلب يهطل فيما هطل‬
‫وخانقة ذبحت صوته وهيض الّلسان لها واعتقل‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأغضى على ذّلة مطرقا عليه من الهم مثل الجبل‬


‫أقام وما أن به من حراك تخاذل أعضاؤه كالشل‬
‫ولكن الشيخ يختم قصيدته بالمل وبوجوب ترك اليأس بعد السقوط على‬
‫خلف ختم الشماخ قصيدته‪:‬‬
‫)‪ (20‬من مقدمة "القوس العذراء" للشيخ شاكر‪.‬‬
‫أفق يا خليلي أفق ل تكن حليف الهموم صريع العلل‬
‫فهذا الزمان وهذي الحياة علمتنيها قديما‪ ..‬دول!!‬
‫أفق ل فقدتك ماذا دهاك؟ تمتع! تمتع بها ل ت َُبل‬
‫م البدل‬ ‫بصنع يديك تراني لديك‪ ،‬في قد ّ أختي! ون ِعْ َ‬
‫شباب؟ وأين الولوع؟ وأين المل؟‬ ‫صدقت! صدقت! وأين ال ّ‬
‫سّر يديك كأن لم يزل‬ ‫ت! ِ‬ ‫صدقت! صدقت!! نعم صدق ُ‬
‫حباك به فاطر الّنيرات‪ ،‬وباري الّنبات‪ ،‬ومرسي الجبل‬
‫ب لرب تعالى وجل‬ ‫فقم واستهِ ّ‬
‫ل‪ ،‬وسّبح له ! ول ّ‬
‫كانت هذه القصيدة وما زالت صفعة في وجه الراحلين عن ثقافتنا وتراثنا‪،‬‬
‫مصعرين خدودهم باحتقار وازدراء‪ ،‬موجهين هاماتهم نحو اليونان والرومان ل‬
‫شركية للهتهم النجسة‪،‬‬ ‫يعرفون إل الساطير الوثنية‪ ،‬ول يتمثلون إل الصور ال ّ‬
‫لقد كانت هذه القصيدة وما زالت محطمة للحواجز الوهمية التي يزعمها أهل‬
‫صغار في عدم فهمهم للتراث وعدم استيعابهم له‪ ،‬فها هو الشيخ‪ /‬شاكر‬ ‫ال ّ‬
‫يقتحم أكثر الحصون مناعة في الشعر الجاهلي‪ ،‬شعر الشماخ الذي قيل‬
‫فيه‪) -:‬كان شديد متون الشعر‪ ،‬أشد أسر كلم من لبيد وفيه كزازة(‬
‫واستخرج منه شاكر هذه اللؤلؤة الصافية‪ ،‬يستخدمها ليبث روحه فيها‪،‬‬
‫ويجللها بمضمون فلسفي رائع‪ ،‬يكشف بها عن نفسه وعن آرائه وقدراته‪،‬‬
‫ولذلك وقف النقاد وقفة احترام وتقدير لهذه القصيدة‪ ،‬وكثرت الدراسات‬
‫دارة‪،‬‬‫حولها‪ ،‬ومن هؤلء النقاد‪ :‬الدكتور إحسان عباس‪ ،‬والدكتور مصطفي ه ّ‬
‫وزكي نجيب محمود)‪ ،(21‬ومحمد محمد أبي موسى‪..‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫يقول الدكتور إحسان عباس عنها‪" - :‬ليست في محاولة البتكار بقدر ما هي‬
‫في العودة إلى التراث‪ ،‬وربط الحاضر بالماضي‪ ،‬وإيداع القوة الرمزية فيما‬
‫يبدو بسيطا ساذجا ً لول وهله‪ .‬وفي ذلك كله نوع من البداع جديد‪ ،‬وبرهان‬
‫ساطع على أن تطلب الرموز في الساطير الغربية عن التراث يدل على‬
‫جهل به‪ ،‬أو على استسهال لستخدام رموز جاهزة أو عليهما معًا‪(22).‬‬
‫وفي سنة ‪1952‬م كذلك‪ ،‬نشر الشيخ‪ /‬محمود شاكر كتاب "طبقات فحول‬
‫الشعراء" وانشغل فيه بتحقيق تفسير المام الطبري "جامع البيان وتأويل‬
‫القرآن"‪ ،‬والذي شاركه فيه أخوه أحمد‪ ،‬فنشر منه ثلثة عشر مجلدًا‪ ،‬ولكن‬
‫بعد وفاة أخيه تقاعس الشيخ محمود عن العمل في هذا التفسير حيث أنه‬
‫خلل ثلثة عشر عاما ً بعد وفاة شقيقه لم ينشر سوى ثلثة مجلدات ثم ترك‬
‫العمل لخلف حصل بينه وبين دار المعارف التي تولت نشر الكتاب‪.‬‬
‫وفي سنة ‪1958‬م كتب شاكر فصل ً في إعجاز القرآن كان مقدمة لكتاب‬
‫مالك بن نبي "الظاهرة القرآنية" ونشر هذا الفصل في كتاب مستقل‬
‫"مداخل إعجاز القرآن"‪.‬‬
‫الشيخ في سجن الهالك المرتد عبد الناصر‪...‬‬
‫ن الشيخ تسعة أشهر مع إخوانه وذلك عندما تعرض‬ ‫ج َ‬
‫س ِ‬
‫وفي سنة ‪1959‬م ُ‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلميون للمحنة الولى في صدامهم مع الهالك عبد الناصر‪ ..‬وكان سبب‬


‫سجنه –رحمه الله‪ -‬وقوته ضد ممارسات‬
‫)‪ (21‬زكي نجيب محمود مر في أطوار نظرته للمة وتراثها ‪..‬انظر نظراته‬
‫وتقلباته في كتاب "الفكر الديني عند زكي نجيب محمود" للدكتورة منى‬
‫أحمد أبوزيد‪ ،‬وكتابة نقده للقوس العذراء كان في طوره الول قبل انتقاله‬
‫لتبني الفلسفة المادية الوضعية وتاليفه كتاب "خرافة الميتافيزيقيا"‪..‬‬
‫)‪ (22‬أشار الستاذ عمر حسن القيام في كتابه"محمود شاكر_ الرجل‬
‫والمنهج" إلى عدم العتماد على الشيخ في تقييمه للمور السياسية‪ ،‬ووقوعع‬
‫الضطراب فيها‪ ،‬ومثل على ذلك بنظرة الشيخ إلى حركة العسكر ضد‬
‫فاروق‪ ،‬وهذا حق‪ ،‬ومثله كذلك مدحه لفؤاد صروف صاحب )المقتطف( وهو‬
‫إنجليزي الهوى والميل ‪ ،‬ومجلة المقتطف كانت من أوائل من دعا الى‬
‫العامية على يد يعقوب تقل صروف‪ /‬لبناني الصل منشؤها الول‪ ..‬ثم عمل‬
‫الشيخ مدققا لغويا في دار ومكتبة الهلل‪ ،‬وهي دار كان الشيخ يقر أنها‬
‫مشبوهة‪ ،‬وأصحابها من خصوم هذه المة وأولياء لعدائها‪.‬‬
‫العسكريين الذين استلموا الحكم بعد انقلب ‪1952‬م‪(23).‬‬
‫وفي سنة ‪ 1962‬نشر الجزء الول من "جمهرة نسب قريش" للزبير بن‬
‫ب ّ‬
‫كار‪.‬‬
‫شيخ مّرة أخرى‪:‬‬ ‫معركة "أباطيل وأسمار" وسجن ال ّ‬
‫ن مستشارا ً ثقافيا ً لجريدة الهرام–‬ ‫في سنة ‪ 1964‬بدأ لويس عوض –الذي عُي ّ َ‬
‫ينشر مقالت تحت عنوان‪) :‬على هامش الغفران‪ -‬شيء من التاريخ( مزج‬
‫في مقالته خبث الطوّية التي كان مبناها على نصرانية الصل‪ ،‬وتربيته في‬
‫ما‬
‫الغرب‪ ،‬مع جهل بتاريخ المة ولغتها‪ ،‬فاشتعلت حمية الشيخ‪ /‬محمود شاكر ل ّ‬
‫رأى‪-:‬‬
‫ض *** فهي تحك بعضها ببعض‬ ‫كشيش أفعى أجمعت لع ّ‬
‫وإذا هو أسود سالخ )وهو أقتل ما يكون من الحّيات( يمشي بين اللفاظ‬
‫فيسمع لجلده حفيف‪ ،‬ولنيابه جرش‪ ،‬فما زلت أنحدر مع السطر والصوت‬
‫م ضباج‪ ،‬ثم صفير‪ ،‬ثم نباح )وكلها من أصوات الفاعي(‬ ‫يعلو‪ ،‬يخالطه فحيح‪ ،‬ث ّ‬
‫)‪ ..(23‬بهذا قرر الشيخ أن يترك عزلته عن الكتابة‪ ،‬ويمسح عن قلمه الصدأ‬
‫الذي أصابه‪ ،‬ويخرج وقد لبس لمته ليكشف ما يقوم به المزورة لتاريخنا‪،‬‬
‫الداعون إلى تحطيم مقومات هويتنا‪ ،‬فبدأ بنقض ما يقوله لويس عوض‪ ،‬وقام‬
‫بكشف جهله وجهل جماعته بآداب هذه المة‪ ،‬وصال فيهم بثقة اكتسبها من‬
‫إدراكه العميق لهذه الثقافة‪ ،‬ومن ثقته بهذا الدين‪ ،‬وأرجع هجومهم على هذه‬
‫الثقافة على أصولها‪ ،‬وأنها هجوم على دين الله تعالى‪ ،‬فربط بين لويس‬
‫عوض وبين سلمة موسى وبين دوائر الستشراق التي ترّبي أمثالهما على‬
‫عينها‪ ،‬ثم تخرجهم وقد تبوؤا على مراكز القرار‪ ،‬فعاثوا في المة الفساد‪،‬‬
‫وقوضوا أبنيتها الشامخة بألعيبهم وأكاذيبهم‪ ،‬والشيخ وإن اتخذ لويس عوض‬
‫ماها "أباطيل وأسمار" أن يكشف عن جيل‬ ‫نموذجا فإنما أراد بمقالته التي س ّ‬
‫ً‬
‫كامل حمل معاول الهدم والتدمير‪ ،‬ورضي لنفسه أن يكون تابعا لدوائر‬
‫التبشير والستشراق‪.‬‬
‫في مقالته "أباطيل وأسمار" صنع الشيخ‪ /‬شاكر ملحمة فكرية رائعة أبان‬
‫فيها عن قضية المنهج الذي أفسده هؤلء فقال‪ -:‬ولفظ )المنهج()‪ (24‬كما‬
‫سيأتي يحتاج مني إلى بعض البانة‪ ،‬وإن كنت ل أريد به الن ما اصطلح عليه‬
‫المتكلمون في مثل هذا الشأن‪ ،‬بل أريد به )ما قبل المنهج( أي الساس في‬
‫تناول المادة‪ ،‬وشطر في معالجة التطبيق‪(25).‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتعد كتب الشيخ نموذجا ً لتطبيق هذا المنهج بكل أمانة وق ّ‬


‫وة‪.‬‬
‫ل ذلك من أجل الدين‪ ،‬وجعلها معركة له‬ ‫والعظيم في المر أن الشيخ جعل ك ّ‬
‫وتحت رايته‪..‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫قال الشيخ واصفا ً حال هذه الفترة في عرضه لكتابه‪ -:‬وقد بدأت أكتب هذه‬
‫الكلمات بعد عزلة ارتضيتها لنفسي منذ سنين لني خشيت أن ل أقوم بحق‬
‫ي وبحق الناس عليه‪ ،‬فوجئت بأشياء كنت أراها هينة ل خطر لها‪،‬‬ ‫القلم عل ّ‬
‫فاستبان لي بعد قليل من مذاكرة أصحابي أن المر أهول مما ظننت‪ ،‬فمن‬
‫ي‪ ،‬ول‬ ‫أجل ذلك فارقت عزلتي‪ ،‬وبدأت حريصا ً على أن ل أخون حق القلم عل ّ‬
‫حق الناس عليه‪(26).‬‬
‫ونعم‪ ،‬لم أكن غافل ً عما يجري من حولي بل كنت مصروفا عن متابعة بعض‬
‫الحوادث والنوابت‪ ،‬وعن تعليقها بأسبابها‪ ،‬وعن اتباعها بنتائجها‪ ،‬إذ كنت امرءا ً‬
‫ل فأطرح شيئا ً كثيرا ً أعلم‬ ‫ي المل ُ‬
‫ل‪ ،‬وهو مما قضى الله أن أكونه‪ ،‬يسرع إل ّ‬ ‫ملو ً‬
‫عن أصحابه من السخف ما أعلم‪ ،‬فل أقرأه ول ألقي إليه‬
‫)‪ (23‬أكثر ما يشدك إلى الشيخ محمود شاكر وكلمه هو وضوحه‪ ،‬وإصراره‬
‫على تسمية الشياء بأسمائها‪ ،‬فل يقبل أعذار المجمجمين‪ ،‬واما قدرته على‬
‫التصوير فهي الغابة التي ل تخطؤها العين‪.‬‬
‫)‪ (24‬شرح الشيخ شاكر موضوع المنهج بالتفصيل في كتابه‪" :‬رسالة في‬
‫الطريق إلى ثقافتنا"‪..‬‬
‫)‪ (25‬أباطيل وأسمار ص ‪24‬‬
‫)‪ (26‬كان الشيخ يقول في اخرايامه‪ :‬إن الذي رأيته في شبابي أفضل مما‬
‫فيه الن‪ ،‬لن المور الثقافية في نزول ل في صعود‪.‬‬
‫بال‪ .‬فمن ذلك ما كان يكتبه "أجاكس عوض"‪ ،‬الذي كان ُيعرف‪ ،‬فيما غََبر‪،‬‬
‫باسم "لويس عوض"‪(27).‬‬
‫ي يوما ما‪ :‬أن أقرأ له شيئا سماه‬ ‫كان من سوالف القضية أن كتب الله عل ّ‬
‫"بلوتولند"‪ ،‬وقصائد أخرى)‪ (28‬وكتب تحته "من شعر الخاصة" وأهداه إلى‬
‫بَء‬‫ح ْ‬
‫"كريستوفر سكيف" وذلك في ‪ 1947‬من الميلد‪ .‬ولما كنت أعلم َ‬
‫"سكيف" هذا‪ ،‬وأنه كان أستاذا ً في كلية الداب بجامعة القاهرة‪ ،‬وأنه كان‬
‫جاسوسا ً محترفا ً في وزارة الستعمار البريطانية‪ ،‬وأنه كان أيضا ً مبشرا ً ثقافيا ً‬
‫شديد الصفاقة سيء الدب‪ ،‬وأنه كان ماكرا ً خبيثا ً خسيس الطباع‪ ،‬وأنه كان‬
‫يفرق بين طلبة القسم النجليزي في الجامعة‪ :‬يمد ّ يدا ً إلى هذا‪ ،‬لنه تابع له‬
‫حاطب في هواه‪ ،‬وينفض يده من ذاك‪ ،‬لنه يعتصم ببعض ما يعتصم به‬
‫المخلصون لدينهم ووطنهم‪ ،‬حمّية وأنفة‪ ،‬واستنكافا ً أن يضع في عنقه غُل ً‬
‫للسيادة البريطانية‪ ،‬وللثقافة التبشيرية المسيحية‪ .‬وكنت أعلم فوق ذلك‪ ،‬أنه‬
‫" شرلتان" عريض الدعوى‪ ،‬ل يستحق أن يكون أستاذا ً في جامعة‪ ،‬ولكن‬
‫سياة بريطانيا كانت يومئذ هي الغالبة‪ ،‬وكانت كلمتها هي النافذة‪ .‬فأصبح سّر‬
‫"أجاكس عوض" مفضوحا ً عندي‪ ،‬بإهدائه "بلوتولند‪ ،‬وقصائد أخرى" إلى هذا‬
‫الجاسوس المحترف‪ ،‬والمبشر الثقافي الصفيق‪ ،‬و"الشرلتان" الذي صار‬
‫أستاذا ً في الجامعة‪" ،‬كريستوفر سكيف"!‪.‬‬
‫لم يمنعني ذلك من القدام على قراءة الكتاب‪ ،‬فإذا أوله هذا العنوان"‬
‫حطموا عمود الشعر"! وتحته مباشرة هذا الكلم‪" :‬لقد مات الشعر العربي‪،‬‬
‫مات عام ‪ ،1933‬مات بموت أحمد شوقي‪ ،‬مات ميتة البد‪ ،‬مات"‪ ..‬فتوقفت‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دهشة‪ ،‬ولم يخامرني شك في أن كاتب هذا داخل فيما يسميه الطباء‪:‬‬


‫"مانياهلو سينارتوريا"‪ ،‬وهو الهذيان والوسوسة واختلط العقل‪ .‬وقلت‪ :‬ط‬
‫ُ‬
‫سّري عن نفسي‬ ‫حاله ُلطف"! ومضيت أقرأ هذه المقدمة مشتاقا‪ ،‬لكي أ َ‬
‫وكانت أيامنا يومئذ جالبة للغم‪ .‬وصدق ظني فضحكت ولم أبال بما وجدت‬
‫فيه من بغض شديد للعرب‪ ،‬ومن حقد آكل على دينهم وكتابهم)‪ ،(29‬ومن‬
‫غرور فاجر وسوء أدب‪ .‬ولم اعبأ بالرائحة الخبيثة التي تفوح من تحت‬
‫ت أن أجد ذفرها حين ألقى جماعات المبشرين في‬ ‫ألفاظه‪ ،‬فقد كنت ألف ُ‬
‫خفون فيها وحين يستعلنون‪ .‬وقنعت بما سّرى عني‬ ‫ثيابهم المختلفة‪ ،‬حين يست ْ‬
‫الهموم من هذيانه ووسوسته واختلطه‪ ،‬وأنزلت أقواله وأحقاده حيث نزل‪ ،‬إذ‬
‫ه له‪(30).‬‬‫كان يومئذ شيئا ً مغمورا ً ل ُيؤب َ ُ‬
‫وقد كشف شاكر جهل عوض باللغة العربية‪ ،‬وأنه ومن هم على شاكلته ل‬
‫يحسنون قراءة التراث ول يفهمون من ثقافة المة شيئًا‪ ،‬بل كشف سوء‬
‫نواياهم وارتباطهم بالجنبي‪ ،‬وقد اعترف أنه ل يكشف لويس عوض بمقدار‬
‫أن يكشف هجمة عاتية على هذه المة‪ ،‬لتبصر المة حقيقة ما يراد بها من‬
‫هؤلء الكتبة‪ ..‬اقرأ ما يقوله عن لويس عوض‪" :‬إن تكن هذه عجيبة فلويس‬
‫م تركه‪ ،‬وضبطه له إلى أهدافه‬ ‫عوض أعجب منها! فقد مله مالئه منذ دهر ث ّ‬
‫مة‪ ،‬ثم الداب العربية خاصة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عا‬ ‫بعينها ثم أطلقه فانطلق يجوس خلل الداب‬
‫وهو ل يكاد يرى إل ما ركب لجله ‪ :‬ل يكاد يرى إل‬
‫)‪ (27‬سمى الشيخ شاكر "لويس عوض" بأجاكس عوض‪ ،‬لن لويس شبه‬
‫نفسه في أحد مقالته برمز يوناني تتداوله خرافات اليونان اسمه‪ :‬أجاكس بن‬
‫تلمون‪ ،‬اقرأها متمتعا مع رد عليه في المقالة رقم عشرين من "أباطيل‬
‫وأسمار"‪.‬‬
‫)‪ (28‬هي أول ديوان من شعر النثر!! أصدره "لويس عوض" ومع تفاهته فما‬
‫زال بعضهم يعده من أوائل)البداع( للفن الشعري الحديث‪ ..‬انظر ما كتبه‬
‫ناجي علوش في مقدمة "ديوان بدر شاكر السياب" المجلد الول‪.‬‬
‫)‪ (29‬لقد كشف لويس عوض هذا واضحا عندما ترجم لنفسه وليامه‪..‬‬
‫)‪ (30‬أباطيل وأسمار ص ‪.9-8‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫اليونان والّروم‪ ،‬والقرون الوسطى والمثقفين والحضارة الحديثة‪ ،‬والحروب‬


‫الصليبية والصلبان والخلص‪ ،‬والفداء‪ ،‬والخطيئة‪ ،‬وكسر رقبة البلغة‪ ،‬وكسر‬
‫عمود الشعر العربي‪ ،‬واللغة العامية‪ ،‬والفتح النجيلزي لمصر سنة ‪)1882‬‬
‫‪ ،(31‬وما شئت من أمثال ذلك مما ضمّنه كتبه ومقالته قديما ً وحديثًا‪.‬‬
‫جه)!!( ل يكاد يرى ابن خلدون إل مقرونا باورسيوس ول‬ ‫فهذا التركيب المو ّ‬
‫المعّري إل مقرونا ً براهب دير الفاروس وبالحروب الصليبية والصلبان التي‬
‫صت بها حلب)!!( ول "وردة الدهان" وهي آيات العذاب يوم القيامة‪ ،‬إل‬ ‫غ ّ‬
‫مقرونة بروزا مستيكا )مريم العذراء(‪ ،‬ومعاذ الله‪ ،‬وبّرأها مما في عقله من‬
‫السمادير ول يكاد يرى عمر مكرم وعرابي وجمال عبد الناصر إل مقرونين‬
‫بالمعلم يعقوب رئيس الخونة المظاهرين للفرنسيين الغزاة أيام نابليون ول‬
‫توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وصلح عبد الصبور‪ ،‬إل مقرونين بعقائد‬
‫الخلص والفداء والخطيئة‪ .‬ثم تأتي الطامة الكبرى‪ ،‬فل يكاد يرى القرآن‬
‫جم النجيل إلى اللغات‬ ‫العظيم إل مقرونا ً بترجمته إلى اللغة العامية‪ ،‬كما ُتر ِ‬
‫الحديثة وهي عامية اللتينية‪ ،‬وإل مقرنا ً بكسر رقبة البلغة‪ ،‬وكسر عمود‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشعر العربي‪ .‬وهنا وهناك تراه طائشًا‪ ،‬زائغ العينين خفيف العقل سليط‬
‫اللسان‪ ،‬قد استرخت مفاصل عقله‪ ،‬وانحلت تلفيفه‪ .‬هذا‪ ،‬والذي أطلقه‬
‫واقف من بعيد ينظر‪ ،‬وفي عينيه الدهشة ويحك ذقنه بيده‪ ،‬ويفتر ثغرة عن‬
‫كبه وأطلقه‪ ،‬ولم يكن يظن ظنا ً أنه‬ ‫ابتسام‪ ،‬إعجابا ً باختراعه المدهش الذي ر ّ‬
‫قادر على أن يتحرك في عمود واحد من إحدى الصحف السرية!! فإذا به‬
‫)يبرطع( في ثمانية أعمدة‪ ،‬في أكبر صحيفة في العالم العربي والسلمي‪،‬‬
‫هي الهرام‪ ،‬وعلى أشرف منصة في معهد الدراسات العليا التابع للجامعة‬
‫العربية ويأتي في خلل "برطعته" )وهي البلتعة بالفصحى( بالعجائب التي ل‬
‫تنقضي س‪ ،‬وقد ارتدى طيلسان أستاذ جامعي‪ ،‬بل حسيب ول رقيب‪ .‬وهذا‬
‫خيلء‬‫نجاح مدهش ول شك وحق لمالئه أن يميد به الغرور وتستخفه ال ُ‬
‫باختراعه هذا العجيب! فهذه هي الفضيحة التي ل تنكر للختراع المسجل‬
‫)لويس عوض()‪.!(32‬‬
‫ثم كشف الشيخ‪ /‬شاكر في كتابه أصل المسألة الخبيثة وهي الدعوة إلى‬
‫العامية‪ ،‬وأرجعها إلى أصولها التي خرجت منها‪ -‬دوائر التبشير والستشراق")‬
‫‪ ،-(33‬وكشف عن اهتمام هؤلء القوم بالصحافة لهميتها… ونقل عن المبشر‬
‫–رولس كاش‪ -‬قوله‪ -:‬إن الصحافة ل توجه الرأي العام فقط أن تهيئة لقبول‬
‫ما ينشر عليه‪ ،‬بل هي تخلق الرأي العام‪) ..‬يقول الشيخ‪ -:‬فتأمل هذه العبارة‬
‫تأمل ً جيدًا(‪..‬‬
‫وقد استغل المبشرون الصحافة المصرية على الخص للتعبير عن الراء‬
‫المسيحية أكثر مما استطاعوا في أي بلد إسلمي آخر‪ ..‬يقول الشيخ‪ :‬تأمل‬
‫هذا أيضًا‪.‬‬
‫لقد ظهرت مقالت كثيرة في عدد من الصحف المصرية إما مأجورة في أكثر‬
‫الحيان أو بل أجرة في أحيان نادرة‪..‬‬
‫واكتشف الشيخ أمر التعليم وما صار إليه بذكر أقوال دهاقنة الكفر مثل قول‬
‫"زويمر"‪ :‬ينبغي للمبشرين أن ل يغيظوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين‬
‫ضعيفة‪ ،‬إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى‬
‫علوم الوروبيين وتحرير النساء‪(34).‬‬
‫)‪ (31‬سمى لويس عوض الستعمار النجليزي لمصر فتحا‪ ،‬كما سمى دخول‬
‫الصحابة رضي الله عنهم لمصر فتحا!!‬
‫)‪ (32‬أباطيل وأسمار ص ‪.111-110‬‬
‫)‪ (33‬انظر ارتباط الدعوة إلى العامية بنصارى الشروق وكيف هي استجابة‬
‫لدوائر الكفر الغربية في‪-‬التبشير والستعمار‪ -‬للخالدي وفروخ و"الفصحى لغة‬
‫القرآن" لنور الجندي‪.‬‬
‫)‪ (34‬نصوص المبشرين تستيع الطلع عليها في كتاب "الغارة على العالم‬
‫السلمي" الذي نشره الستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله تعالى‪.‬‬
‫ومثل قول المبشر "تكلي"‪ :‬يجب أن نشجع إنشاء المدارس وأن نشجع على‬
‫الخص التعليم الغربي‪ ،‬إن كثيرين من المسلمين قد ُزعْزِع َ اعتقادهم حينما‬
‫تعلموا اللغة النجليزية‪ ،‬إن الكتب المدرسية الغربية تجعل العتقاد بكتاب‬
‫شرقي مقدس أمرا ً صعبا ً جدًا‪..‬‬
‫ل‪ :‬وهذا واضح كل الوضوح في أن أمر التعليم على الصورة‬ ‫يعلق الشيخ قائ ً‬
‫التي أرادوها والتي أرادها "دنلوب" وأمثاله هي نزع اعتقاد الشباب المسلم‬
‫في كتاب الله الذي أنزله على نبيه – صلى الله لعيه وسلم‪ ،-‬والذي عّبر عنه‬
‫" وليام جيفرد بلغراف" بقوله‪ :‬متى توارى القرآن‪ ،‬ومدينة مكة من بلد‬
‫العرب‪ ،‬يمكننا حينئذ أن نرى العربية يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنها إل محمد وكتابه‪..‬‬


‫)وخسىء المبشر التالف(‪ .‬ثم كشف الشيخ شاكر كيف استأجر هؤلء‬
‫المبشرون جماعة من الكتبة الذين يتسمون بأسماء إسلمية لتمرير‬
‫مخططاتهم وأفكارهم ومناهجهم‪ ،‬ومن هؤلء الدكتور‪ /‬محمد أحمد خلف الله‪.‬‬
‫)‪(35‬‬
‫وبين الشيخ أن النصارى القبط هم من أعان المستعمرين على تمرير‬
‫مى تطبيق الحدود‬‫مخططاتهم في هذه المة‪ ،‬ورد في كتابه على من س ّ‬
‫وحشية وذلك في مقالته الثامنة عشرة من الكتاب‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫ومن فصول الكتاب الرائع شرحه لكلمة " دين" وذلك في المقالة الرابعة‬
‫والعشرين‪ ،‬وكشف فيها عن خطأ الناس القاصر في فهمهم لهذه الكلمة‪.‬‬
‫ومن مقالت الكتاب القيمة ما كشف فيها الشيخ عن جهل هؤلء الكتبة‬
‫المستأجرين بلغة أساتذتهم وأئمتهم عن الغرب‪ ،‬فإنه في المقالة الخامسة‬
‫والعشرين بين فيها جهل لويس عوض لترجمته مسرحية "أرسطو فان"‬
‫والتي عنوانها الضفادع)‪ (36‬وهي المقالة الخيرة في الكتاب حيث توقفت‬
‫المقالت‪ ،‬فإنه بعدها وفي آب سنة ‪) :1965‬أحاطت بي السوار وأظلمت‬
‫الدنيا‪ ،‬وسمعت ورأيت وفزعت وتقززت… وكان ما كان‪..‬‬
‫وعلمت‪ ،‬حتى ما ُأسائل واحدا ً *** عن علم واحدة لكي ازدادها‬
‫وتسليت عن كل ما ألقي إلي بقول شيخ المعرة ‪..‬‬
‫يسوسون الناس بغير عقل *** فينفذ أمرهم ويقال ساسة‬
‫ف مّني *** ومن زمن رئاسته خساسة(‬ ‫ف من الحياة وأ ُ ّ‬
‫فأ ّ‬
‫ذلك أن الشيخ سيق إلى السجن مرة ثانية‪ ،‬فقد تكالب عليه الخصوم‪ ،‬وراحوا‬
‫يتهمونه أنه يدعو إلى فتنة طائفية دينية" ونعمت التهمة"‪ ،‬فاستجابت السلطة‬
‫لهم وتم سجنه وبقي فيه سنتين وشيئا ً حتى كانت جريمة حزيران عام‬
‫‪1967‬م‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد شهد له إخوانه أنه كان في السجن مثال للصبر على كبر سّنه ومرضه ن‬
‫ب منه أن يعتذر كما كتب‬ ‫وكان كذلك سمح الروح واسع الصدر‪ ،‬وقد ط ُل ِ َ‬
‫ليفرج عنه‪ ،‬فرفض أشد الرفض‪.‬‬
‫الوحدة الموضوعّية للقصيدة في الشعر الجاهلي‪..……………:‬‬
‫شعر الجاهلي‪،‬‬ ‫وبعد خروج الشيخ من السجن عاد مرة ثانية إلى دراسة ال ّ‬
‫فكتب مجموعة من المقالت تحت عنوان‪ " -:‬نمط صعب ونمط مخيف"‬
‫وذلك على صفحات مجلة " المجلة" في الفترة)‪ ،(1970-1969‬وفي هذه‬
‫المقالت قام الشيخ‪ /‬شاكر بدراسة قصيدة ابن أخت تأبط شرا ً التي مطلعها‪:‬‬
‫)‪ (35‬رجل سار على منهج طه حسين في التشكيك في القرآن وهو علماني‬
‫النزعة مع فرج فودة في مناظرة المشهودة التي دعا فيها إلى تبني العلمانية‬
‫كاملة من غير نقص‪.‬‬
‫)‪ (36‬وينطق كذلك أرسطوفانس)‪485-445‬ق م( مؤلف إغريقي‪ ،‬كتب ما‬
‫يزيد على أربعين مسرحية‪ ،‬لم يصل منها إل ‪ 11‬مسرحية‪ ،‬والمعلومات حول‬
‫حياته قليلة‪ ،‬أول مسرحياته هي )أصحاب المأدبة( شاهد محاكمة سقراط ثم‬
‫إعدامه‪ ،‬ومسرحية )الضفادع( كتبها بعد الحادثة‪ ،‬وهي مسرحية من نوع‬
‫)الكوميديا( تحكي عن موت )الدراما(الثينية‪ ،‬وكيف عاد بيوروبيدس ليعيد‬
‫للمسرح إعتباره‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن بالشعب الذي دون سلع لقتيل دمه ما يطل‬


‫ي ووّلى ن فأنا بالعبء له مستقلّ‬ ‫قذف العبء عل ّ‬
‫صعٌ عقدته ما ُتحلّ‬
‫ووراء الّثأرِ مّني ابن أخت‪ ،‬م ِ‬
‫مص ّ‬
‫ل‬ ‫مطرق يرشح موتًا‪ ،‬كما أطرق أفعى‪ ،‬ينفث ال ّ‬
‫س ّ‬
‫ل حتى دقّ فيه الج ّ‬
‫ل‬ ‫ل! ج ّ‬
‫خبر ما نابنا مصمئ ّ‬
‫وسبب دراسته لهذه القصيدة أن )يحيى حقي( أشاد بترجمة )جوته( لهذه‬
‫القصيدة وزعم حقي أن القصيدة الجاهلية تفتقر للوحدة الموضوعّية‪..‬‬
‫قام الشيخ بالكشف عن قائلها لختلف الرواة في تعيينه‪ ،‬ونفى أن تكون‬
‫قق القول في‬ ‫شنفري‪ ،‬وجزم أنها لبن أخب تأبط شّرًا‪ ،‬وح ّ‬ ‫لتأبط شرا ً أو ال ّ‬
‫زمن إنشادها وأن ابن أخت تأبط شّرا أنشدها بعد أن ثأر لخاله من هذيل‪ ،‬ثم‬
‫رّتب الشيخ القصيدة ترتيبا جديدا‪ ،‬وهي مواصلة له لتأكيد صحة نسبة الشعر‬
‫الجاهلي‪ ،‬وهي المسألة التي بقيت هاجسة إلى آخر أّيامه‪ ،‬فإنه اعتبرها‬
‫قضيته التي أحس بها وهو طالب عند الشيخ المرصفي‪ ،‬ثم عانى منها ما‬
‫عانى بعد أن تفجرت هذه القضية على يد طه حسين‪.‬‬
‫وكان الشيخ شاكر –رحمه الله تعالى‪ -‬يعتبر أن القضّية الولى لعادة العتبار‬
‫للقصيدة الجاهلية وفهمها بكونها تحمل وحدة موضوعية واحدة‪ ،‬هو ترتيب‬
‫القصيدة‪ ،‬فقد ذكر الدكتور‪ /‬ناصر الدين السد أن الشيخ‪ /‬شاكر كان في‬
‫تدريسه للطلب –الصمعيات‪ -‬يبذل جهدا ً كبيرا في إعادة ترتيب القصيدة بعد‬
‫تجميعها من مظاّنها ليفهم الناظر وحدة الموضوع فيها‪.‬‬
‫وفي سنة ‪1970‬م أسهم الشيخ‪ /‬شاكر في نشر الوحشيات‪ -‬وهو الحماسة‬
‫الصغرى لبي تمام الطائي‪ ،‬وفي عام ‪ 1974‬أعاد نشر كتاب ابن سلم‬
‫"طبقات فحول الشعراء"‪ ،‬ثم أعاد نشر كتابه "المتنبي" سنة ‪ 1976‬مع‬
‫مقدمة جديدة‪ ،‬تحدث فيها عن الكتاب وقصته وتحدث فيها عن فساد الحياة‬
‫الدبية‪ ،‬وعرض صور السرقة التي يقتات عليها بعض المؤلفين‪ ،‬وكشف فيها‬
‫عن منهجه في تذوق الشعر تذوقا علميا ً للوصول إلى ما يريده الباحث‪ ،‬سواء‬
‫شاعر الّنفسّية أو معرفة البيئة المحيطة به‪.‬‬ ‫كان المراد من فهم مكنونات ال ّ‬
‫وفي سنة ‪ 1975‬ألقى الشيخ‪ /‬محمود شاكر سلسلة من المحاضرات حول‬
‫الشعر الجاهلي في جامعة‪ /‬محمد بن سعود بالرياض‪.‬‬
‫في سنة ‪ 1982‬بدا الشيخ بنشر كتاب "تهذيب الثار" للمام أبي جعفر‬
‫الطبري‪.‬‬
‫م إليه "الرسالة الشافعية‬ ‫وفي سنة ‪ 1984‬نشر شاكر "دلئل العجاز" وض ّ‬
‫في العجاز" لعبد القاهر الجرجاني‪.‬‬
‫رسالة الشيخ‪ /‬شاكر إلى أمة السلم وكتابه "رسالة في الطريق إلى‬
‫ثقافتنا"‪،‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫في سنة ‪ 1987‬كتب الشيخ شاكر كتابه رسالة في الطريق الى ثقافتنا وهذا‬
‫ي بالفوائد والمعلومات‪ ،‬وجعلها في طبعة "المتنبي"‬
‫الكتاب على صغره غن ّ‬
‫الجديدة مقدمة لكتابه‪ ،‬شرح فيها باسطا مسألة تذوق الشعر ومنهجه فيه‪،‬‬
‫وبين فيه مزية )الكتب المبتدأة الموضوعة في العلوم المستخرجة‪ ،‬فإنا نجد‬
‫أربابها قد سبقوا في فصول منها إلى ضرب من النظم والمعرفة‪ ،‬أعيا من‬
‫بعدهم أن يطلبوا مثله‪ ،‬أو يجيئوا بشبيه له‪ ،‬فجعلوا ل يزيدون على أن يحفظا‬
‫تكل الفصول على وجوهها‪ (37).‬فقد أراد أن يبين عظمة الوائل وقيمتهم في‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبواب العلم‪ ،‬وفي ذلك رد ّ على من زعم أن أساليب النقد وعلومه‪ ،‬ومناهج‬
‫التذوق ل بصر للوائل بها‪ ،‬وهذا الذي دعا الدكتور‪ /‬محمد محمد أبا موسى أن‬
‫يكتب كتابه القيم "العجاز البلغي"درلسة تحليلّية لتراث أهل العلم"‬
‫ويقول ‪ -:‬إنهم لم يتكلوا في‬
‫)‪ (37‬من كتاب عبد القاهر الجرجاني "الرسالة الشافية"‬
‫العجاز لن برهانه كان قائما في نفوسهم ومضى المر على ذلك حتى تبدلت‬
‫أحوال العرب‪ ،‬ولنت جلودهم)‪ ،(38‬ونجم في مجتمع المسلمين أهل‬
‫التشكيك وجاهروا بالزيغ‪ ،‬وكثر القول في القرآن وإعجازه‪ ،‬واندست مقالة‬
‫أهل الضللة‪(39).‬‬
‫وأشار الدكتور محمد محمد أبو موسى إلى أن الكثير من أهل التحقيق‬
‫يوهمون الناشئة أن كلم‪ /‬شاكر‪ -‬في اعتبار أن مناهج التذوق والنقد لداب‬
‫العربية خاصة لهذه البيئة ول عبرة بما يقوله الجانب في هذا الباب‪ -‬في هذا‬
‫الباب يمثل موقفه المتشدد‪ (40).‬وعلى القارىء الرجوح إلى شرح الشيخ‪/‬‬
‫شاكر لكلمة سيبويه في أول الكتاب‪ - :‬وأما الغقل فأمثلة أخذت من لفظ‬
‫أخذت من لفظ أحداث السماء‪ ،‬وبنيت لما مضى‪ ،‬وما يكون ولم يقع‪ ،‬وما هو‬
‫كائن ل ينقطع‪ ..‬وشرحه كذلك لكلم الجرجاني في أن ما قاله سيبويه لم‬
‫يمكن لحد بعده أن يلحق شأوه‪ ،‬أو أن يتقدم عليه‪.‬‬
‫)المنهج( عند الشيخ شاكر‪………:‬‬
‫شرح الشيخ في الرسالة بعض ما يعنيه بالمنهج قائل‪-:‬‬
‫ب في نفسي‪ ،‬كان منهجا يحمل بطبيعته نشأته‬ ‫كان منهجي‪ ،‬كما نشأ واستت ّ‬
‫رفضا صريحا واضحا قاطعا غير متلجلج‪ ،‬لكثر المناهج الدبية التي كانت‬
‫فاشية وغالة وصار لها السيادة على ساحة الدب الخالص إلى يومنا هذا‪ ،‬كما‬
‫دثتك آنفا‪.‬‬
‫ح ّ‬
‫فلكي تكون على بينة مرة أخرى‪..‬‬
‫فاعلم‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬أن تسميتها "مناهج" تجاوز شديد البعد عن الحقيقة‬
‫وفساد غليظ وخلط‪ ،‬إذا كنت تريد أن تكون على ثقة من معنى هذه اللفاظ‬
‫التي تجري الن بيننا‪ ،‬ولكن قد كان ما كان‪ ،‬فهكذا اصطلحوا على تسميتها!‬
‫وقديما ً تناولت لفظ "المنهج" وحاولت البيان عنه فقلت‪:‬‬
‫"ولفظ المنهج" يحتاج مني هنا إلى بعض البانة‪ ،‬وإن كنت ل أريد به الن ما‬
‫اصحلح عليه المتكلمون في مثل هذا الشان‪ ،‬بل أريد به "ما قبل المنهج" أي‬
‫الساس الذي ل يقوم "المنهج" إل عليه‪.‬‬
‫مى"منهجا" ينفسم إلى شطرين‪ :‬شطر في تناول المادة‬ ‫"فهذا الذي يس ّ‬
‫وشطر في معالجة التطبيق‪.‬‬
‫"فشطر المادة يتطّلب قبل كل شيء جمعها من مظانها على وجه الستيعاب‬
‫المتيسر‪ ،‬ثم تصنيف هذا المجموع‪ ،‬ثم تمحيص مفرداته تمحيصا دقيقا‪ ،‬وذلك‬
‫بتحليل أجزائها بدقة متناهية‪ ،‬وبمهارة وحذق وحذر‪ ،‬حتى يتيسر للدارس أن‬
‫يرى ما هو زيف جليا واضحا‪ ،‬وما هو صحيح مستبينا ظاهرا‪ ،‬بل غفلة‪ ،‬وبل‬
‫هوى‪ ،‬وبل تسرع"‪.‬‬
‫دها‪،‬‬
‫"وأما شطر التطبيق‪ ،‬فيقتضي ترتيب المادة بعد نفي زيفها وتمحيص جي ّ‬
‫ل احتمال للخطأ أو الهوى أو التسرع‪ .‬ثم على الدارس أن‬ ‫باستيعاب أيضا ً لك ّ‬
‫ل حقيقة من الحقائق موضعا هو حقّ موضعها‪ ،‬لن أخفى إساءة‬ ‫يتحرى لك ّ‬
‫في وضع إحدى الحقائق في غير موضعها‪ ،‬خليق أن يشوه عمود الصورة‬
‫تشويها بالغ القبح والشناعة"‪.‬‬
‫وأزيدك الن أن "شطر التطبيق" هو الميدان الفسيح الذي تصطرع فيه‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العقول وتتناصى الحجج‪) ،‬أي تأخذ الحجة بناصية الحجة كفعل المتصارعين(‪،‬‬
‫والذي تسمع فيه صليل اللسنة جهرة أو خفية‪ ،‬وفي حومته تتصادم الفكار‬
‫بالرفق مرة وبالعنف أخرى‪ ،‬وتختلف فيه النظار اختلفا ساطعا تارة أخرى‪،‬‬
‫وتفترق فيه الدروب والطرق أو تتشابك أو تلتقي‪ .‬هذه طبيعة هذا الميدان‪،‬‬
‫)‪ (38‬قال البصريون يفتخرون على الكوفيين بأصالة علومهم‪ :‬نحن نأخذ‬
‫باللغة عن حرشة الضباب‪ ،‬وأكلة اليرابيع‪ ،‬وأنتم تأخذونها عن أكلة الشواريز‬
‫وباعة الكواميخ‪.‬‬
‫)‪" (39‬العجاز البلغي" ص ‪.20‬‬
‫)‪ (40‬السابق ص ‪.8‬‬
‫وطبيعة الّنازلّية من العلماء والدباء والمفكرين‪ .‬وعندئذ يمكن أن ينشأ ما‬
‫يسمى "المناهج والمذاهب"‪(41).‬‬
‫ً‬
‫وبّين أصالة المنهج وأنه ليس بالمر المبتدع قائل‪-:‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫تبين لي يومئذ تبّينا واضحا ً أن شطري المنهج‪" :‬المادة والتطبيق" كما‬


‫وصفتهما لك في أول هذه الفقرة‪ ،‬مكتملتان اكتمال مذهل يحير العقل‪ ،‬منذ‬
‫أولّية هذه المة العربية المسلمة خاحبة اللسان العربي‪ ،‬ثم يزدادان اتساعا‬
‫ن‪،‬‬ ‫واكتمال ً وتنوعا ً على مر السنين وتعاقب العلماء والكتاب في كل علم وف ّ‬
‫وأقول لك غير متردد أن الذي كان عندهم من ذلك‪ ،‬لم يكن قط عند أمة‬
‫سابقة من المم‪ ،‬حتى اليونان‪ ،‬وأكاد أقول لك غير متردد أيضا أنهم بلغوا في‬
‫ذلك مبلغا لم تدرك ذروته الثقافة الوروبية الحاضرة اليوم‪ ،‬وهي في قمة‬
‫مجدها وازدهارها وسطوتها على العلم والمعرفة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ف "شطري المنهج"‪ ،‬كما وصفتهما‪ ،‬تلوح بوادره الَول منذ عهد‬ ‫كنت أستش ّ‬
‫فظت عنهم الفتوى‬ ‫َ‬ ‫ح ِ‬
‫علماء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن ُ‬
‫كعمر بن الخطاب‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ ،‬وعبد الله بن مسعود‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫دالة‪ .‬ثم زادت‬ ‫عباس‪ ،‬وعبد الله بن عمر كانت كاللمحة الخاطفة والشارة ال ّ‬
‫وضوحا ً عند علماء التابعين كالحسن البصري وسعيد بن المسّيب‪ ،‬وابن‬
‫ي‪ ،‬وإبراهيم الّنخعي‪ .‬ثم اتسع‬ ‫سدوس ّ‬‫شهاب الزهري‪ ،‬والشعبي‪ ،‬وقتادة ال ّ‬
‫المر واستعلن عند جلة الفقهاء والمحدثين من بعدهم‪ ،‬كمالك بن أنس‪ ،‬وأبي‬
‫حنيفة وخاصبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني‪ ،‬والشافعي والليث‬
‫بن سعد‪ ،‬وسفيان الثوري‪ ،‬والوزاعي‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬ويحيى بن معين‪،‬‬
‫والبخاري ومسلم‪ ،‬وأبي عمرو بن العلء‪ ،‬والخليل بن أحمد‪ ،‬وأبي جعفر‬
‫طبري‪ ،‬وأبي جعفر الطحاوي‪ .‬ثم استقر تدوين الكتب فصار نهجا مستقيما‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫وكالشمس المشرقة‪ ،‬نورا ً مستفيضا ً عند الكاتبين جميعا‪ ،‬منذ سيبويه‪،‬‬
‫والفراء‪ ،‬وابن سلم الجمحي‪ ،‬والجاحظ‪ ،‬وأبي العباس المبرد ن وابن قتيبة‪،‬‬
‫وأبي الحسن الشعري‪ ،‬والقاضي عبد الجبار المعتزلي‪ ،‬والمدي‪ ،‬وعبد القاهر‬
‫الجرجاني‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬وابن عبد البر‪ ،‬وابن رشد الفقيه وحفيده ابن رشد‬
‫الفقيه الفيلسوف‪ ،‬وابن سينا‪ ،‬والبيروني‪ ،‬وابن تيمية وتلميذه ابن قّيم‬
‫الجوزية‪ ،‬وآلف مؤّلفة ل تحصى حتى تنتهي إلى السيوطي‪ ،‬والشوكاني‪،‬‬
‫والزبيدي‪ ،‬وعبد القادر البغدادي في القرن الحادي عشر الهجري‪.‬‬
‫سّنة متبعة ودرب مطروق في ثقافة متكاملة متماسكة راسخة الجذور‪ ،‬ظلت‬ ‫ُ‬
‫تنمو وتتسع وتستولي على كل معرفة متاحة أو مستخرجة بسلطان لسانها‬
‫العربي‪ ،‬لم تفقد قط سيطرتها على الّنهج المستبين‪ ،‬مع اختلف العقول‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والفكار والمناهج والمذاهب‪ ،‬حتى اكتملت اكتمال مذهل ً في كل علم وف ّ‬


‫ن‪،‬‬
‫وكان المرجو والمعقول أن يستمر نموها واكتمالها وازدهارها في حياتنا‬
‫الدبية العربية الحديثة راهنا‪) ،‬ثابتا(‪ ،‬إلى هذا اليوم‪ ،‬لول… ولكن صرنا‪،‬‬
‫ي الشاعر‪" :‬كان شيئا كان‪ ،‬ثم انقضى"‪).‬‬ ‫واحسرتاه‪ ،‬إلى أن نقول مع العرج ّ‬
‫‪(42‬‬
‫ارتباط الثقافة بالدين…‬
‫وربط بين الثقافة والدين ربطا وثيقا‪ ،‬حيث اعتبر ثقافة كل أمة متصلة بدينها‪،‬‬
‫وأن تخلي المة عن ثقافتها هو جزء من التخلي عن دينها ن ولذلك فليس‬
‫هناك ثمة أمة تغلب أخرى إل وتنشط إلى تسويق ثقافتها عند المة المغلوبة‪،‬‬
‫وهذا ما يحاول جمع من المثقفين المضبوعين بالخر أن‬
‫)‪ (41‬ص ‪21‬و ‪.22‬‬
‫)‪ (42‬ص ‪24‬و ‪ ،25‬وفي الهامش كتب الشيخ في تعريف كلمة العرجي‬
‫الشاعر‪ :‬من بيتين تترقرق فيهما عبرات السى كله وحسرات العمر يقول‪:‬‬
‫ياليت شعري‪ ،‬هل يعودن لي *** ذا الود من ليلى كما قد مضى؟‬
‫إذا قلبها فارق كله *** أم كان شيئا كان‪ ،‬ثم انقضى‬
‫يغالطوه‪ ،‬حيث يزعمون وجود ثقافة عالمّية‪ ،‬ل تختص بأمة ول دين من‬
‫الديان‪.‬‬
‫جذور الفساد الدبي……‬
‫ثم صار الشيخ إلى جذور الفساد الدبي في حياة أمتنا اليوم‪ ،‬وهو فصل مهم‬
‫جدير بالعناية والطلع ودراسته دراسة واعية مستوعبة‪ ،‬حيث ربط الشيخ‬
‫بين الحروب الصليبية ونشاط الرهبان‪ ،‬واستطرد في بيان المعركة بين‬
‫المتين المسلمة والنصرانية‪ ،‬حتى ربط بين الحروب القديمة وحركة‬
‫الستشراق والتي أقبلت مع هجمة الستعمار‪ ،‬وأعاد التنبيه إلى كتابه "أباطيل‬
‫وأسمار" حيث جعله فاضحا ً لهذه السموم التي قبعت في داخل أمتنا تعمل‬
‫فيها فتكا وتدميرًا‪ ،‬يقول الشيخ –رحمه الله تعالى‪ -‬واصفا ً تلك الهجمات‪-:‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫"ومع هذه الساطيل الفاجرة‪ ،‬خرجت من مكامنها أعداد وافرة من رجال‬


‫يجيدون اللسان العربي وألسنة دار السلم الخر‪ ،‬ومنهم رهبان وغير رهبان‪،‬‬
‫وركبوا البّر والبحر‪ ،‬وزحفوا زرافات ووحدانا ً في قلب دار السلم‪ :‬على ديار‬
‫الخلفة في تركية‪ ،‬وعلى الشام‪ ،‬وعلى مصر‪ ،‬وعلى جوف إفريقية وممالكها‬
‫المسلمة = وخرجوا في القلوب حمّية الحقد المكتم‪ ،‬وفي النفوس العزيمة‬
‫المصممة‪ ،‬وفي العيون اليقظة‪ ،‬وفي العقول التنبه والذكاء‪ ،‬وعلى الوجوه‬
‫البشر والطلقة والبرءاة وفي اللسنة الحلوة والخلبة والمماذقة‪ ،‬ولبسوا‬
‫ي‪ :‬زي السائح‪ ،‬وزيّ الصديق الناصح‪ ،‬وزي العابد‬ ‫لجمهرة المسلمين كل ز ّ‬
‫المسلم المتبل= وتوغلوا يستخرجون كل مخبوء كان عنهم من أحوال دار‬
‫السلم‪ ،‬أحوال عامته وخاصته‪ ،‬وعلمائه وجّهاله‪ .‬وحلمائه وسفهائه‪ ،‬وملوكه‬
‫وسوقته‪ ،‬وجيوشه ورعيته‪ ،‬وعبادته ولهوه‪ ،‬وقوته وضعفه‪ ،‬وذكائه وغفلته‪،‬‬
‫ن‪ ،‬فلم يتركوا شيئا ً إل خبروه‬
‫سسوا إلى أخبار النساء في خدوره ّ‬
‫حتى تد ّ‬
‫وعجموه‪ ،‬وفتشوه وسبروه‪ ،‬وذاقوه واستشفوه ‪ .‬ومن هؤلء‪ ،‬ومن خبرتهم‬
‫وتجربتهم‪ ،‬خرجت أهم طبقة تمخضت عنها اليقظة الوروبية "طبقة‬
‫المستشرقين" الكبار‪ ،‬وعلى علمهم وخبرتهم وتجاربهم‪ ،‬رست دعائم‬
‫"الستعمار" ورسخت قواعد التبشير"‪(43).‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستشراق…‬
‫ثم كشف عن طريقة الستشراق في دراسة أمتنا‪ ،‬ودراسة ثقافتها ودينها‬
‫وذلك عن طريق الهتمام بالمخطوطات التي سارع المستشرقون إلى‬
‫شراء أو الّنهب‪ ،‬ثم عن طريق الرحلت الستكشافية‬ ‫اقتنائها عن طريق ال ّ‬
‫ل ول ملل‪ ،‬ووصلوا إلى المجاهيل وأعماق الصحراء‬ ‫التي جابت الماكن بل ك ّ‬
‫والقرى البعيدة النائية‪ ،‬وذلك كله من أجل الحاطة بهذه المة والطلع على‬
‫كل شيء فيها ليسهل التعامل معها وأدراك مكامن قوتها حتى وصلوا إلى‬
‫خبرة )بكل ما في دار السلم قديمًا‪ ،‬وما هو كائن فيها حديثا(‪(44).‬‬
‫وكان من تنبيهاته المهمة أن ما كتبه المستشرقون ل يمكن أن يكون قاعدة‬
‫لهل هذا الدين ول لقوم هذه المة لن كتب )الستشراق( ومقالته ودراسته‬
‫كلها مكتوبة أصل للمثقف الوروبي وحده ل لغيره‪ ،‬وأنها كتبت له لهدف‬
‫معين‪ ،‬في زمان معين‪ ،‬وبأسلوب معين‪ ،‬ل يراد به الوصول إلى الحقيقة‬
‫المجردة‪ ،‬بل الوصول الموفق إلى حماية عقل هذا الوروبي المثقف من أن‬
‫يتحرك في جهة مخالفة للجهة التي يستقبلها زخف المسيحية الشمالية على‬
‫دار السلم في الجنوب‪(45).‬‬
‫ثم قام الشيخ –رحمه الله‪ -‬ببيان أنه ل يمكن للمستشرق أن يستوعب ثقافة‬
‫هذه المة‪ ،‬ول أن يقوم بتحليلها كما هي في نفسها‪ ..‬يقول‪ -:‬غاية ما يمكن أن‬
‫يحوزه )مستشرق( في عشرين أو ثلثين سنة‪ ،‬وهو مقيم بين أهل لسانه‬
‫الذي يقرع سمعه بالليل والنهار‪ ،‬أن يكون عارفا ً معرفة ما بهذه‬
‫)‪ (43‬ص ‪ 53‬من الرسالة‪.‬‬
‫)‪ (44‬ص ‪ 57‬من الرسالة‪.‬‬
‫)‪(45‬ص ‪ 61‬من الرسالة‬
‫)اللغة()‪ (46‬وأحسن أحواله عندئذ أن يكون في منزله طالب عربي في‬
‫الرابعة عشرة من عمره‪ ،‬بل هو أقل منه على الرجح‪(47)..‬‬
‫ً‬
‫أما إمكانية إحاطة المستشرق لمر الثقافة فهذا أمر عسير جدا‪ ،‬وهو أبعد‬
‫من قضية أحاطته للغة ‪ ..‬يقول الشيخ –رحمه الله تعالى‪" :-‬وإذا كان أمر"‬
‫اللغة "شديدا ً ل يسمح بدخول" المستشرق" تحت هذا الشرط اللزم للقلة‬
‫التي تنزل ميدان "المنهج" و "ما قبل المنهج"‪ ،‬فإن شرط "الثقافة" أشد‬
‫وأعتى‪ ،‬لن "الثقافة"‪ ،‬كما قلت آنفا‪" :‬سّر من السرار الملّثمة في كل أمة‬
‫من المم وفي كل جيل من البشر‪ ،‬وهي في أصلها الراسخ البعيد الغور‪،‬‬
‫معارف كثيرة ل تحصى‪ ،‬متنوعة أبلغ التنوع ل يكاد يحاط بها‪ ،‬مطلوبة في كل‬
‫مجتمع إنساني‪ ،‬لليمان بها أول ً من طريق العقل والقلب = ثم للعمل بها‬
‫حتى تذوب في بنيان النسان وتجري منه مجرى الدم ل يكاد يحس به – ثم‬
‫النتماء إليها بعقله وقلبه انتماًء يحفظه من التفكك والنهيار" … وهذه القيود‬
‫الثلثة "اليمان" و "العمل" و "النتماء")‪ ،(48‬هي أعمدة "الثقافة" وأركانها‬
‫التي ل يكون لها وجود ظاهر محقق إل بها‪ ،‬وإل انتقض بنيان "الثقافة"‪،‬‬
‫وصارت مجرد معلومات ومعارف وأقوال مطروحة في الطريق‪ ،‬متفككة ل‬
‫يجمع بينها جامع‪ ،‬ول يقوم لها تماسك ول ترابط ول تشابك‪.‬‬
‫وبديهي‪ ،‬بل هو فوق البديهي‪ ،‬أن شرط "الثقافة" بقيوده الثلثة‪ ،‬ممتنع على‬
‫"المستشرق" كل المتناع‪ ،‬بل هو أدخل في باب الستحالة من اجتماع الماء‬
‫والنار في إناء واحد‪ ،‬كما يقول أبو الحسن الّتهامي الشاعر‪:‬‬
‫ف اليام ضد ّ طباعها *** متطل ّ ٌ‬
‫ب في الماء جذوة ناِر‬ ‫ومكل ّ ُ‬

‫)‪(16 /‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وذلك أن "الثقافة‪ :‬و"اللغة" متداخلتان تداخل ل انفكاك له‪ ،‬ويترادفان‬


‫ويتلحقان بأسلوب خفي غامض كثير المداخل والمخارج والمسارب‪،‬‬
‫ل جيل من البشر وفي كله‬ ‫ويمتزجان امتزاجا ً واحدا ً غير قابل للفصل‪ ،‬في ك ّ‬
‫أمة من المم‪ .‬ويبدأ هذا التداخل والترافد والتلقح والتمازج منذ ساعة يولد‬
‫مه تلمسًا‪ ،‬ويسمع رجع صوتها وهي تهدهده‬ ‫الوليد صارخا ً يلتمس ثدي أ ّ‬
‫وتناغيه‪ ،‬ثم يظل يرتضع لبان "اللغة" الول‪ ،‬ولبان "الثقافة" الول‪ ،‬شيئا ً‬
‫فشيئا‪ ،‬عن أمه وأبيه حتى يعقل‪ ،‬فإذا عقل تولء معهما المعلمون والمؤدبون‬
‫حتى يستحصد)أي يشتد عوده(‪ ،‬فإذا استحصد وصار مطيقا ً إطاقة ما للبصر‬
‫بمواضع الصواب والخطأ‪ ،‬قادرا ً قدرة ما على فحص الدلة واستنباطها فناظر‬
‫وباحث وجادل‪ ،‬فعندئذ يكون قد وضع قدمه على أول الطريق = ل طريق‬
‫"المنهج" و "ما قبل المنهج"‪ ،‬فهذا يعيد جدا ً كما رأيت= بل على الطريق‬
‫المفضي إلى أن تكون له "ثقافة" يؤمن بها عن طريق العقل والقلب‬
‫=ويعمل بها حتى تذوب في بنيانه وتجري منه مجرى الدم ل يحسه به=‬
‫وينتمي إليها بعقله وقلبه وخياله انتماًء يحفظه ويحفظها من التفكك والنهيار‪.‬‬
‫)‪(49‬‬
‫مفهوم الثقافة…‬
‫ثم بين الشيخ ما يكتنف لفظ الثقافة من تزوير وغموض‪ ،‬وبدا يعرف قارئه ما‬
‫يقصد بلفظ الثقافة وأنها تقوم على شيئين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أصول ثابتة مكتسبة تنغرس في نفس النسان منذ مولده حتى‬
‫مى هذا‬ ‫يشارف حد الدراك‪ ،‬وهو ما يتلقاه من أبويه وأهله وعشيرته‪ ،‬وس ّ‬
‫الطور بأساس التسخير…‬
‫)‪ (46‬يقول هردر)‪ :(1803-1742‬إن لغة الباء والجداد مخزن لكل ما‬
‫للشعب من ذخائر الفكر والتقليد‪ ،‬والتاريخ والفلسفة والدين‪ ..‬وفيها ينبض‬
‫قلب الشعب‪ ،‬ويتحرك كل روحه‪.‬‬
‫)‪ (47‬ص ‪ 67‬من الرسالة‪.‬‬
‫)‪ (48‬بدأ بعض المفكرين يدركون إنهيار الدارة )العمل( عند اقرانهم‬
‫والدارسين‪ ،‬ودعوا الى تجديد الدارة والهتمام بها‪ ..‬انظر كتاب د‪.‬فهمي‬
‫جدعان والذي عنوانه "الطريق الى المستقبل" فصل "نقد الفعل" وما نبه‬
‫عليه الشيخ من ارتباط الثقافة بالعملن وهو يحاول الكثير الزوار عنه والتنكر‬
‫له‪.‬‬
‫)‪ (49‬ص ‪ 70-69‬من الرسالة‪.‬‬
‫وثانيهما‪ -:‬فروع منبثقة عن الطور الول‪ ،‬وهو طور النظر والمباحثة‬
‫وممارسته التفكير والتنقيب والفحص‪ ،‬فعندئذ تتكون النواة الجديدة‪) .‬ويبدأ‬
‫العقل عمله المتسبب في الستقلل بنفسه‪ ،‬ويستبد بتقليب النظر والمباحثة‬
‫وممارسة التفكير والتنقيب والفحص وهذه تسمى "ثقافة"‬
‫نفي خديعة الثقافة العالمية…‬
‫ثم يشرع في بيان ارتباط الثقافة واللغة بالدين‪ ،‬وينفي وجود ثقافة )عالمية(‪،‬‬
‫أي ثقافة واحدة يشترك فيها البشر جميعا‪ ،‬ويقول‪ :‬إن هذا )تدليس كبير‪،‬‬
‫وإنما يراد بشيوع هذه المقولة بين الناس والمم‪ ،‬هدف آخر يتعلق بفرض‬
‫سيطرة أمة غالبة على أمة مغلوبة لتبقى تبعا لها… فالثقافات المتباينة‬
‫تتحاور وتتناظر وتتناقش‪ ،‬ولكن ل تتداخل تداخل ً يفضي إلى المتزاج البتة‪ ،‬ول‬
‫يأخذ بعضها على بعض شيئًا‪ ،‬إل بعد عرضه على أسلوبها في التفكير والنظر‬
‫والستدلل)‪ ..(50‬ويفضي بعد هذا إلى وجوب استبعاد عمل المستشرقين‬
‫وإقصائه في دراستهم لمتنا وتاريخها وثقافتها‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رواد النهضة كما يراهم شاكر‪………:‬‬


‫والشيخ شاكر يرى أن المة كان بإمكانها أن )تنهض( وأن تدخل طورا ً تجديديا ً‬
‫في تاريخها المعاصر‪ ،‬ولكن كان ما كان… ويعلق أن النهضة كان يمكن لها‬
‫أن تكون على يد خمسة رجال هم‪-:‬‬
‫‪ -1‬عبد القادر بن عمر البغدادي)‪1682‬م( صاحب "خزانة الدب" في مصر‪،‬‬
‫وهو الذي يعتبره الشيخ شاكر الرائد في تبّنيه إعادة قدرة المة على التذوق‪،‬‬
‫تذوق اللغة والشعر والداب وعلوم اللغة‪.‬‬
‫‪ -2‬الجبرتي الكبير حسن بن إبراهيم )والد صاحب الّتاريخ( )‪1774‬م( في‬
‫مصر‪ ،‬ويعتبره الشيخ‪ /‬شاكر رائد في تنبيه المة إلى الصناعات الحضارية‬
‫وعلوم الكيمياء والفلك‪.‬‬
‫‪ -3‬محمد بن عبد الوهاب)‪1792‬م( في جزيرة العرب‪ ،‬ويعتبره الشيخ شاكر‬
‫رائدا ً في تحقيق الّنهضة الدينية‪ ،‬ورد ّ البدع والعقائد الفاسدة‪.‬‬
‫‪ -4‬محمد عبد الّرّزاق المرتضى الزبيدي صاحب "تاج العروس")‪1790‬م( في‬
‫الهند وفي مصر‪ ،‬فهو رائد بعث التراث اللغوي الديني‪.‬‬
‫‪ -5‬محمد بن علي الشوكاني)‪1834‬م( في اليمن‪ ،‬ويعده الشيخ شاكر إماما ً‬
‫ب‪.‬‬‫في إحياء عقيدة السلف ونبذ التقليد والدعوة إلى الوحدة وتجريم التعص ّ‬
‫ثم بين الشيخ شاكر أسباب عدم حصول النهضة‪ ،‬ويربط بين الخفاق الحاصل‬
‫وبين جهود المستشرقين في إيجاد الصراعات تحت عناوين‪) -:‬الصالة‬
‫والمعاصرة( و )القديم والجديد( و )الثقافة العالمية( وبالقضية الهزلية )قضية‬
‫موقفنا من الغرب(‪.‬‬
‫التوصيف الموضوعي لهجمة نابليون على مصر‪…-:‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫اعتبر الشيخ أن هجمة نابليون على مصر هي من أجل إجهاض ما كان يمكن‬
‫أن يكون من نهضة لهذه المة ‪ ..‬يقول ‪-‬رحمه الله‪ : -‬وئدت )اليقظة( أو‬
‫كادت‪ ،‬وخربت ديارها أو كادت‪،‬و استؤصلت شأفة أبنائها أو كادت‪ ،‬واقتطعت‬
‫أسبابها بالسطو أو كادت‪ ،‬والحمد لله على نعماء )الحملة الفرنسية( التي‬
‫كان سفاحها المبير )المتحضر( ينوي أن ييشىء لبقايا السيف والتدبير من‬
‫أبناء القاهرة العتيقة المهدمة )قاهرة جديدة( يستمتعون فيها بجمالها وفنونها‪،‬‬
‫ومسارحها وملهيها‪ ،‬وقصورها‬
‫)‪ (50‬ص ‪75‬من الرسالة‪.‬‬
‫ومتنزهاتها‪ ،‬ويتبخترون في شوارعها خدما فارهين للسادة الحرار أبناء‬
‫"الحرية والخاء والمساواة"‪(51).‬‬
‫بداية التغريب …‬
‫قد افاض الشيخ‪ /‬شاكر في جرائم محمد علي اللباني المسمى بالكبير‪،‬‬
‫والعجيب أن بعض السلميين اليوم يريدون عد ما فعله هذا الباشا الكبير هو‬
‫بداية نهضة لهذه المة موافقة لهم للتغربيين‪(52).‬‬
‫وكتاب الشيخ لمحة خاطفة للصراع الدائر بين السلم وخصومه‪ ،‬وكشف‬
‫للدوات الجديدة لهذا الصراع‪ ،‬فحري بالشباب المسلم الطلع عليه‬
‫ودراسته‪.‬‬
‫وبعد…‬
‫هذا شيء قليل من ترجمة الشيخ الستاذ‪ /‬محمود محمد شاكر –رحمه الله‬
‫ف به‪ ،‬وأن نكشف عن معركة أهل السلم ضد زنادقة‬ ‫تعالى‪ ،-‬أردنا أن ن ُعَّر َ‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدب الذين ما زالوا يعيثون في عقل المة فسادًا‪ ،‬وهي تنبيه لهذا الجانب‬
‫العظيم )جانب الثقافة واللغة والدب( وإشارة إلى أهميته‪ ،‬والذين يحتقرون‬
‫هذه المعركة إنما يستخفون بهذه المة‪ ،‬إذ ل حياة لمة من المم دون لغتها‬
‫ودون آدابها‪ ،‬ولغة أي قوم هي وعاء دينهم ومشاعرهم وأحاسيسهم وهوية‬
‫وجودهم‪ ،‬ولذلك صدق الشيخ‪ /‬شاكر عندما قال‪ :‬ونحن نعرف أنك ل تحترم‬
‫أية أمة ول تقدرها إل بعد أن تحترم لغتها وتاريخها‪ ،‬وليس شيٌء أخطر على‬
‫هذه المة من أن تجعل أبنائها يحتقرون لغتهم‪(53).‬‬
‫والمساحة المخصصة لهذا البحث ل تسمح بالتوسع لبيان أكثر عن هذا الشيخ‬
‫الجليل ومعتقداته ونتائج فكره ونظره‪ ،‬ولكن يكفي أن يخرج قارىء هذه‬
‫الترجمة بصورة تقريبية عن شيخ العربية في هذا الزمان‪ ،‬وقد رأى البعض أن‬
‫يسمي الشيخ )بالمحقق للتراث(‪ ،‬واعتبر هذا من باب التعظيم له‪ ،‬مع أن‬
‫الشيخ كان يرفض هذا اللفظ واستبدلها بكلمة قراءة كما في مقدمة كتاب‬
‫"طبقات فحول الشعراء" لمحمد بن سلم الجمحي‪ ،‬فإن القراءة العلمية‬
‫العملية هي ما تحتاجه أمتنا في هذا العصر‪ ،‬القراءة التي تهضم التاريخ‬
‫ً‬
‫والتراث وتستوعبه على ما هو عليه‪ ،‬ثم تبدأ بعملية إنتاج ل يذهب بعيدا عن‬
‫حاجات المة وضروراتها‪ ،‬ول يسفه إلى دنايا المور وصغائرها‪ ،‬فإن التكرار‬
‫آفة وإن تجملت بأثواب مصبوغة مزركشة‪.‬‬
‫لم يترك الشيخ مجلدات كثيرة من قلمه وإنشائه‪ ،‬لكنه ترك الكثير من الفهم‬
‫والوعي والتدقيق‪ ،‬وكان واضحا ً كل الوضوح مع كل كلمة يكتبها‪.‬‬
‫وقد ابتلي الشيخ بتلميذ له لم يوفونه حقه كما أوفى تلميذ الغير لساتذتهم‪،‬‬
‫فانظر إلى تلميذ "طه حسين" وماذا فعلوا لستاذهم‪ ،‬وكيف جعلوا اسمه في‬
‫أبحاثهم ودراساتهم‪ ،‬فأين تلميذ الشيخ من هؤلء؟!‪.‬‬
‫وأخيرًا‪ ،‬لقد كان الشيخ‪ /‬شاكر كما أراده أستاذه‪ /‬الرافعي حين قال له‪" :‬إن‬
‫من الناس من يختارهم الله فيكونون قمح هذه النسانية‪ ،‬ينبتون ويحصدون‬
‫ويعجنون ويخبزون ليكونوا غذاء النسانية في بعض فضائلها‪(54).‬‬
‫رحم الله الشيخ شاكر وألحقه بالصالحين‬
‫)‪ (51‬ص ‪ ،100-99‬وقد كتب المفكر القومي الملحد ساطع الحصري فصل‬
‫رائعا )وقد يصدق الكذوب( ل أجمل منه في رد افتراءات بعض الدارسين‬
‫وقولهم‪ :‬إن النهضة والتنوير الثقافي والعلمي في مشرقنا بدأت بالحملة‬
‫الفرنسية النابليونية على مصر‪ ،‬نشر في مجلة الثقافة القاهرة سنة ‪،1948‬‬
‫وقد أعيد طبعه مع فصول اخرى في كتاب "أراء وأحاديث في التاريخ‬
‫والجتماع" مركز دراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫)‪ (52‬انظر ما كتبه البعض في مجلة النسان –السلمية!! في عددها الول‪..‬‬
‫وقديما قيل‪ :‬اعرف المضمون من عنوانه‪.‬‬
‫)‪ (53‬رياض الفكر لعبد الرازق البصير ص ‪.28‬‬
‫)‪ (54‬وحي القلم ‪.2/60‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫لقد عطلت صلة الجمعة في المسجد القصى واحد وتسعون عاما ً !‬


‫فل تيأسن فالنصر قادم !!‬
‫المتفائل السيف‬
‫>‪TD/‬‬
‫أيها الحبة في الله ‪:‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪ .‬أما بعد‬


‫إن الناظر في حال اليهود مع المسجد القصى وهم يهددون بهدمه بين الفينة‬
‫والفينه وحال النصارى مع العراق من هنا وبلد الفغان والشيشان من هناك‬
‫يأتيه نوع من اليأس والحباط وكنت أنا من ذلك النوع اليائس البائس المحبط‬
‫حتى وصل بي الحال إلى أنني نقلت ذلك الحباط واليأس إلى غيري‬
‫واستمر معي الحال حتى قرأت كتاب )) إشارات على الطريق لفضيلة الشيخ‬
‫علي بن عبد الخالق القرني حفظه الله (( والذي وجدته في مكتبة هذا‬
‫الموقع المبارك ‪-‬صيد الفوائد‪ -‬الذي أسأل لله أن يجزي القائمين عليه خير‬
‫الجزاء ووجدت فيه فصل ً عنون له الشيخ بـ )) ل تكن يائسا ً (( وقد ذكر فيه‬
‫قصصا ً وكلما ً فيه من البلغة الشي الجميل فنقلته لكم بتصرف وإنني اتمنى‬
‫أن ينال إعجابكم واستحسانكم وأن يجعلكم متفائلين مثلي ‪,‬وأترككم الن مع‬
‫كلم الشيخ ‪:‬‬
‫إشارة ‪ :‬ل تكن يائسا ً‬
‫)) فالمستقبل لدين الله والعزة لولياء الله‪ .‬منا من رأى تفشي الشر والمنكر‬
‫وانتشاره واستفحاله رأى العدو تبجح وتقوى وتحت ظل هذه الرؤية رأى أنه‬
‫مهما عملنا فلن نغير من الواقع شيء ولن نجني سوى التعب والمشقة‬
‫فليس إذا في السعي فائدة‪ .‬فإذا بك تنظر إليه متهجم الوجه عاقد الحاجبين‬
‫مقطب الجبين رافعا ً راية‪ :‬لو أسلم حمار آل الخطاب ما أسلم عمر يحسب‬
‫يوم الجمعة الخميسا مرددا ً حين يطلب منه خدمة دينه –ولو بالكلمة‪ : -‬أنت‬
‫تؤذن في خرابة ل أحد حولك تنفخ في قربة مقطوعة وغيرها من عبارات ‪:‬‬
‫تصدا بها الفهام بعد صقالها ‪ ..........‬وترد ذكران العقول إناثا ً‬
‫هلك الناس ‪...‬هلك الناس في نظره وقد هلك‪ ،‬وصف النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وصفا دقيقا كما في صحيح مسلم ‪ )) :‬إن قال الرجل هلك الناس فهو‬
‫أهلكهم(( ‪.‬‬
‫معاشر المؤمنين ‪ :‬مما ل شك فيه أن حقائق اليوم هي أحلم المس ‪ .‬وأحلم‬
‫اليوم هي حقائق الغد‪ .‬والضعيف ل يظل ضعيفا أبد البدين‪ .‬والقوي ل يظل‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫جعَل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ض وَن َ ْ‬ ‫فوا ِفي الْر ِ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عََلى ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫َقوي أبد البدين‪ ) .‬وَن ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ض وَن ُرِيَ فِْرعَوْ َ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫مك َ‬ ‫ن * وَن ُ َ‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جعَل َهُ ُ‬ ‫ة وَن َ ْ‬ ‫م ً‬ ‫أئ ِ ّ‬
‫ن( )القصص‪.(6- 5:‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ما ِ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫وَ ُ‬
‫إننا نملك إيمانا بنصر الله لنا وثقة بتأييديه لنا ويقينا بسنة الله في إحقاق‬
‫الحق وإبطال الباطل ولو كره المجرمون واطمئنانا إلى وعده الذي وعد به‬
‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ف ال ّ ِ‬‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫م ِفي اْل َْر‬ ‫فن ّهُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬‫ست َ ْ‬ ‫عباده المؤمنين ) ل َي َ ْ‬
‫َ‬
‫دون َِني‬ ‫منا ً ي َعْب ُ ُ‬
‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫م وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬ ‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫وَل َي ُ َ‬
‫شْيئا( )النور‪.(55:‬‬ ‫ً‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ل يُ ْ‬
‫إنه وعد يشحذ الهمم ويستثير العزائم ويمل الصدور ثقة واطمئنانا إن الدور‬
‫ن( )الصافات‪ .(172:‬سنة الله‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م ل َهُ ُ‬ ‫لنا ل علينا والتاريخ معنا ) إ ِن ّهُ ْ‬
‫رب العالمين قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين‬
‫حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون((‪ )) ،‬وليبلغن هذا المر ما بلغ الليل والنهار‬
‫ول يترك الله بيتا مدر ول بر إل أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل((‬
‫كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم‪ .‬فانت أيها المؤمن أجير عند الله كيفما‬
‫أراد ان تعمل عملت وقبضت الجر لكن ليس لك ول عليك أن تتجه الدعوة‬
‫إلى أي مصير ذاك شأن صاحب المر ل شأن الجير‪ ،‬وحسبك أن من النبياء‬
‫من ياتي يوم القيامة ومعه الرجل ومعه الرجلن والثلثة ويأتي من ليس معه‬
‫ك إ ِّل ال َْبل ُ‬ ‫ن عَل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫غ( )الشورى‪.(48:‬‬ ‫فيظا ً إ ِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ْ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫أحد ) فَ َ‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) وآية اليات في هذا الدين أنه أشد ما يكون قوة وأصلب ما يكون عودا‬
‫وأعظم ما يكون رسوخا ً وشموخا ً حين ننزل بساحته الزمات وتوصد عليهم‬
‫المنافذ حينئذ يحقق السلم معجزته ينبعث الجثمان الهامد يتدفق الدم في‬
‫عروق أبنائه ينطلق ينتفض(‪.‬‬
‫ع‬
‫يقول فيسمع ويمشي فيسرع ‪ ...........‬ويضرب في ذات الله فيوج ُ‬
‫فإذا النائم يصحوا وإذا الغافل يفيق وإذا الجبان يتشجع وإذا الضعيف يتقوى‬
‫وإذا الشتيت يتجمع وإذا بهذه القطرات المتابعة المتلحقة من هنا وهناك من‬
‫جهود القلة تكون سيل ً عارما ً ل يقف دونه حاجز ول سد(‪.‬‬
‫ل يزخر الوادي بغير شعاب ‪ ..........‬وهل شمس تكون بل شعاع‬
‫إن هذه المة تمرض لكنها ل تموت وتغفو لكنها ل تنام وتخبو لكنها ل تطفأ‬
‫أبدا ً ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حين غزا التتار ديار المسلمين ودخلوها كالريح العقيم ما تذر من شيء أتت‬
‫عليه إل جعلته كالرميم دمروا المدن وخربوا العمران وأسالوا الدماء‬
‫وأسقطوا الخلفة وعطلوا الصلوات وألقوا أسفار المكتبات في نهر دجلة‬
‫حتى اسود ّ ماؤه من كثر ما سال من مداد الكتب حتى أصبحت حضارة‬
‫السلم والبشرية مهددة من هذا الغزو الوحشي الذي ل يبقي ول يذر والذي‬
‫يذكر بما جاء في وصف يأجوج ومأجوج حتى أحجم بعض المعاصرين للحدث‬
‫عن الكتابة فيه منهم ابن الثير رحمه الله الذي يقول ليت أمي لم تلدني‬
‫ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا‪ .‬مما رأى ‪ .‬من هول الفاجعة التي حلت‬
‫بالمسلمين ‪ .‬ظن اليائسون حينها أن راية السلم نكست ولن ترتفع بعد ذلك‬
‫اليوم أبدا ً وأن أمة الفتح والنصر قد حقت عليها الهزيمة فهيهات أن تعود إلى‬
‫الميدان من جديد‪ ،‬ولم يمض سوى سنوات حتى تحققت معجزة السلم فإذا‬
‫بهؤلء الجبابرة الغازين للسلم يغزوهم السلم فتسقط سيوفهم في صف‬
‫المؤمنين تحت تأثير العقيدة السلمية فإذا بهم يدخلون بهم في دين‬
‫المغلوبين على خلف ما هو معروف أن المغلوب مولع دائما بتقليد الغالب‬
‫َ‬
‫ن( )الروم‪.(4:‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ح ال ْ ُ‬‫فَر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َ ْ‬‫ن ب َعْد ُ وَي َوْ َ‬‫م ْ‬
‫ل وَ ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مُر ِ‬ ‫المنصور ) ل ِل ّهِ اْل ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫جَزه ُ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُعْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن( )الجاثية‪ ) .(26:‬وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن أ َك ْث ََر الّنا‬
‫) وَل َك ِ ّ‬
‫ديرًا( )فاطر‪(44:‬‬ ‫ن عَِليما ً قَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض إ ِن ّ ُ‬
‫ت َول ِفي الْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫يٍء ِفي ال ّ‬ ‫ش ْ‬
‫دوا عزكم ‪ ..........‬فلرب مغلوب هوى ثم ارتقى‬ ‫ّ‬ ‫تستر‬ ‫إن‬ ‫تيأسوا‬ ‫ل‬
‫وتجشموا للعز كل عظيمة ‪ .............‬إني رأيت العز صعب المرتقى‬
‫إن قراءة متأنية لتاريخ الصلبيين وبيت المقدس تعطي المل بان الواقع‬
‫سوف يتغير فاسمع إلى ابن كثير )في البداية والنهاية( وغيره من أهل السير‬
‫وهم يسردون لك هذا الحدث‪ ) :‬وفي ضحى يوم الجمعة لسبع بقين من‬
‫شعبان سنة اثنين وتسعين وأربعمائة للهجرة دخل ألف ألف مقاتل بيت‬
‫المقدس وصنعوا فيه ما ل تصنعه وحوش الغاب وارتكبوا ما لترتكب أكثر منه‬
‫الشياطين لبثوا فيه أسبوعا يقتلون المسلمين حتى بلغ عدد القتلى أكثر من‬
‫ستين ألفا منهم الئمة والعلماء والمتعبدون والمجاورون وكانوا يجبرون‬
‫المسلمين على إلقاء أنفسهم من أعالي البيوت لنهم يشعلون النار عليهم‬
‫وهم فيها فل يجدون مخرجا إل بإلقاء أنفسهم من السطوح جاسوا فيها خلل‬
‫الديار وتبروا ما علوا تتبيرا‪ ،‬وأخذوا أطنان الذهب والفضة والدنانير ثم وضعت‬
‫الصلبان على بيت المقدس وأدخلت فيه الخنازير ونودي من على مآذن‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لطالما أذن بالتوحيد من عليها ‪ :‬أن الله ثالث ثلثة‪ -‬جل اله وتبارك‪ -‬فذهب‬
‫الناس على وجوههم مستغيثين إلى العراق وتباكى المسلمون في كل مكان‬
‫لهذا الحدث وظن اليائسون أل عودة لبيت المقدس أبدا ً إلى حظيرة‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫كم طوى اليأس نفوسا لو رأت ‪ ..........‬منبتا خصبا لكانت جوهرا‬
‫ويمضي الزمن ويعد الرجال وفي سنة ثلثة وثمانين وخمسمائة للهجرة أعد‬
‫صلح الدين جيشا لسترداد بيت المقدس وتأديب الصلبيين على مبداهم هم ‪:‬‬
‫إن القوي بكل أرض يتقي وفي وقت العداد تأتيه رسالة على لسان المسجد‬
‫القصى تقول‪:‬‬
‫يا أيها الملك اذي ‪ ............‬لمعالم الصلبان نكس‬
‫جاءت إليك ظلمة تسعى ‪ ......‬من البيت المقدس‬
‫كل المساجد طهرت وأنا ‪ .......‬على شرفي أنجس‬
‫فانتخى وصاح وا إسلماه وامتنع عن الضحك وسارع في العداد ولم يقارف‬
‫بعدها ما يوجب الغسل ‪.‬‬
‫من ذا يغير على السود بغبها ‪ ........‬أو من يعوم بمسبح التمساح‬
‫وعندها علم الصلبيون أن هذا من جنود محمد صلى الله عليه وسلم فتصالح‬
‫ملوك النصارى وجاؤا بحدهم وحديدهم وكانوا ثلثة وستين ألف فتقدم صلح‬
‫الدين إلى طبريا ففتحها بل إله إل الله فصارت البحيرة إلى حوزته استدرجهم‬
‫إلى الموعد الذي يريده هو ثم لم يصل إلى الكفار بعدها قطرة ماء إذ صارت‬
‫البحيرة في حوزته فصاروا في عطش عظيم‪.‬‬
‫وعندها تقابل الجيشان وتواجه الفريقان وأسفر وجه اليمان وأغبر وجه‬
‫الظلم والطغيان ودارت دائرة السوء على عبدة الصلبان عشية الجمعة‬
‫واستمرت إلى السبت الذي كان عسيرا على أهل الحد إذ طلعت عليهم‬
‫الشمس واشتد الحر وقوي العطش وأضرمت النار من قبل صلح الدين في‬
‫الحشيش الذي كانت تحت سنابك خيل الكفار فاجتمع عليهم حر الشمس‬
‫وحر العطش وحر النار وحر السلح وحر رشق النبال وحر مقابلة أهل‬
‫اليمان‪.‬‬
‫وقام الخطباء يستثيرون أهل اليمان ثم صاح المسلمون وكبروا تكبيرة اهتز‬
‫لها السهل والجبل ثم هجموا كالسيل الدفاع لينهزم الكفار ويؤسر ملوكهم‬
‫ويقتل منهم ثلثون ألفا ً حتى قيل لم يبق أحد ويؤسر منهم ثلثون ألفا حتى‬
‫قيل لم يقتل أحد‪ ،‬فلم يسمع بمثل هذا اليوم في عز السلم وأهله إل في‬
‫عهد الصحابة‪ ،‬حتى ذكر ان بعض الفلحين رؤي وهو يقود نيفا وثلثين أسيرا‬
‫يربطهم في طنب خيمته‪ ،‬وباع بعضهم أسيرا بنعل يلبسها‪ ،‬وباع بعضهم أسيرا‬
‫بكلب يحرس غنمه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثم أمر السلطان صلح الدين جيوشه أن تستريح لتتقدم إلى فتح بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ففي هذه الستراحة كيف كانت النفوس المؤمنة التي ل تيأس ؟ ‪:‬‬
‫الرؤوس لم ترفع من سجودها‪ ،‬والدموع لم تمسح من خدودها‪ ،‬يوم عادت‬
‫البيع مساجدا ً ‪ ،‬والمكان الذي قال فيه ‪ :‬إن الله ثالث ثلثة صار يشهد فيه ‪:‬‬
‫أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬ثم سار نحو بيت المقدس ليفتح من‬
‫الجهة الشرقية ويخرجهم منه فكان له ذلك على أن يبذل كل رجل منهم –‬
‫ويخرج ذليل‪ -‬عن نفسه عشرة دنانير وعن المرأة خمسة وعن الطفل دينارين‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن عجز كان أسيرا للمؤمنين‪ ،‬فعجز منهم ستة عشر ألفا ً كانوا أسراء‬
‫للمسلمين‪.‬‬
‫ودخل المسلمون بيت المقدس‪ ،‬وطهروه من الصليب وطهروه من الخنزير‪،‬‬
‫ونادى المسلمون بالذان ووحدوا الرحمن وجاء الحق وبطلت الباطيل‬
‫وكثرت السجدات وتنوعت العبادات وارتفعت الدعوات وتنزلت البركات‬
‫وتجلت الكربات وأقيمت الصلوات وأذن المؤذنون وخرس القسيسيون‬
‫وأحضر منبر نورالدين الشهيد عليه رحمة الله الجليل الذي كان يأمل أن‬
‫يكون الفتح على يديه فكان على يدي تلميذه صلح الدين‪ ،‬ورقى الخطيب‬
‫المنبر في أول جمعة بعد تعطل للجمعة والجماعة في المسجد القصى دام‬
‫واحد وتسعين عاما‪ ،‬فكان مما بدأ به الخطيب خطبته بعد أن حمد الله أن‬
‫ن( )النعام‪:‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬‫ح ْ‬ ‫موا َوال ْ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬‫ذي َ‬‫قوْم ِ ال ّ ِ‬ ‫قط ِعَ َداب ُِر ال ْ َ‬ ‫قال‪ ) :‬فَ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن( )الروم‪.(4:‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ح ال ُ‬ ‫فَر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َ ْ‬
‫ن ب َعْد ُ وَي َوْ َ‬‫م ْ‬
‫ل وَ ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫مُر ِ‬ ‫‪ ) ،(45‬ل ِل ّهِ ال ْ‬
‫ْ‬
‫معاشر المسلمين‪ :‬إن القصى لم تعطل فيه الجمعة ولم تعطل فيه الجماعة‬
‫ومع ذا ‪:‬‬
‫يئست أنفس ونامت عيون ‪ .......‬فجراح تغدو وتأتي جراح‬
‫فأين النجم من شمس وبدر ‪ ......‬وأين الثعلبان من الهزبر‬
‫المؤمن ل يعر ف اليأس ول يفقد الرجاء إذ هو واثق بربه ثم هو واثق بحق‬
‫نفسه ثم هو واثق بوعد الله‪ ،‬إن مرت به محنة اعتبرها دليل حياة وحركة فإن‬
‫الميت الهامد ل يضرب ول يؤذى وإنما يضرب ويؤذى المتحرك الحي المقاوم‪-‬‬
‫كما قيل – كالذهب والحديد يدخل النار فيستفيد إذ يذهب خبثه ويبقى بهاؤه‪.‬‬
‫يؤلف إيلم الحوادث بيننا ‪ ..........‬ويجمعنا في الله دين ومذهب‬
‫إن علينا –معشر المسلمين‪ -‬أن نكون بحجم التحديات بصبر وثبات ولسان‬
‫حال كل واحد منا ‪:‬‬
‫فيقصر دون باعي كل باع ‪ ...........‬ويحصر دون خطبتي الخطيب‬
‫ي من أبيين‬ ‫ي أب ّ‬ ‫ي ذو مغالبة ‪ ............‬وابن أب ّ‬ ‫ي أب ُ‬ ‫إني أب ٌَ‬
‫إن الوصول إلى القمة ليس الهم لكن الهم البقاء فيها‪ ،‬إن النحدار إلى‬
‫القاع ليس هو الكارثة لكن الكارثة هو العتقاد أنه ل سبيل إلى الخروج من‬
‫القاع‪ ،‬ليس والله الدواء في بكاء الطلل وندب الحظوظ إنه في الترفع عن‬
‫الواقع بل تجاهل له‪ ،‬فالستعلء النفسي عليه في تحرر للفكر من إرهاقه‬
‫ويأسه وخباله‪ ،‬بإرادة قوية حرة أبية يمكن تحويل عوامل الضعف إلى القوة‬
‫باذن رب البرية ) إن الرسول صلى الله عليه وسلم حين حصل في أحد ما‬
‫حصل شج وجهه وكسرت رباعيته وانخذل عنه من انخذل وإذا به يزيل الثار‬
‫النفسية من قلوب المؤمنين بنقلهم إلى مواجهة جديدة في حمراء السد‬
‫لملحقة المشركين الذين لو كانوا حقا منتصرين لما ولوا الدبار قافلين‬
‫ولقضوا على البقية الباقية من المسلمين وهذا يدل على حكمة الرسول‬
‫المين عليه صلوات الله رب العالمين‪ ،‬وأبو بكر رضي الله عنه يأتي من بعده‬
‫وقد تربى على سنته بعد أن كادت نواة السلم تضيع في طوفان الردة‪ ،‬فإذا‬
‫به ينقل المة نقلة من واقع إلى واقع بتأب عن اليأس وترفع على الهزيمة‬
‫وحاله‪:‬‬
‫فليس يجلي الكرب رأي مسدد ‪ ...........‬إذا هو لم يؤنس برمح مسدد‬
‫إن المستقبل لهذا الدين بدون منازع ولكنه ل يتحقق بالمعجزات السحرية‬
‫ولكنه بالعمل والبذل والدعوة إلى الله من منطلقات صحيحة على منهج أهل‬
‫السنة والجماعة ) ووعد الله لن يتخلف لكنه لن يتحقق أبدا على يد أقوام ل‬
‫يستحقونه ول يفهمون سننه ول يضحون من أجله(‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ى ‪ ..........‬فاركب البرق ول ترضى الغماما‬ ‫فإذا حاولت في الفق من ً‬


‫وما السيف إل زبرة لو تركته ‪ .........‬على الخلقة الولى لما كان يقطع‬
‫أل أنني ل أركب اليأس مركبا ‪ .........‬ول أكبر البأساء حين تغير‬
‫نفسي برغم الحادثات فتية ‪ ..........‬عودي على رغم الحوادث مورق‬
‫أيها اليائس مت قبل الممات ‪ ..........‬فإذا شئت حياة فالرجا‬
‫ل يذيق ذرعك عند الزمات ‪ ...........‬إن هي اشتدت فأمل فرجا‬
‫البيض تصدأ في الجفون إذا ثوت ‪ ......‬والماء يأسن إن أقام طويل ً‬
‫صانع السيف كمن يشهره ‪ .........‬في سبيل الله بين الجحفل‬
‫حقق الله لنا آمالنا ‪ ..........‬وعلى الله بلوغ المل ((‬
‫هذا وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لقد كان في قصصهم عبرة‬


‫‪13/5/1424‬‬
‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فقد أكرمني الله _سبحانه وتعالى_ بأن عشت مع سورة يوسف – عليه‬
‫ل‪ ،‬فألفيت فيها كنزا ً ودررًا‪ ،‬ومن ثم قمت‬ ‫السلم – عدة سنوات قارئا ً ومتأم ً‬
‫بإلقائها دروسا ً لطلبي‪ ،‬بعد ذلك سجلتها عدة حلقات لنشرها من أجل أن تعم‬
‫الفائدة منها‪ ،‬وفي هذا المقال أذكر مختصرا ً بعض تلك الدروس والعبر‪،‬‬
‫اكتفيت فيها بالشارة عن طول العبارة ‪ ،‬حيث إن التفصيل والشرح ومزيد‬
‫البيان سيكون عند نشر تلك الحلقات – إن شاء الله – ‪ ،‬وآمل أن يكون ذلك‬
‫قريبًا‪.‬‬
‫فإليك أخي الكريم أهم تلك الدروس والعبر راجيا ً أن نفيد منها لنكون من‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬‫عب َْرة ٌ ِلوِلي اْلل َْبا ِ‬‫م ِ‬‫صهِ ْ‬
‫ص ِ‬‫ن ِفي قَ َ‬ ‫كا َ‬‫قد ْ َ‬ ‫أولي اللباب الذين قال الله فيهم‪" :‬ل َ َ‬
‫ى‬
‫هد ً‬ ‫يٍء وَ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫صي َ‬‫ف ِ‬‫ن ي َد َي ْهِ وَت َ ْ‬‫ذي ب َي ْ َ‬‫ديقَ ال ّ ِ‬
‫ص ِ‬ ‫فت ََرى وَل َك ِ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫ديثا ً ي ُ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن" )يوسف‪:(111:‬‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ً‬‫ح َ‬ ‫وََر ْ‬
‫‪ .1‬أن الوحي هو المصدر الوحيد الصادق لمعرفة أخبار السابقين‪.‬‬
‫‪ .2‬قوة الرتباط بين أمة محمد والمم السابقة‪ ،‬المبني على الرتباط الوثيق‬
‫بين أنبياء الله ورسله _عليهم وعلى نبينا أفضل الصلة والسلم_‪ ،‬فالنبياء‬
‫إخوة لعلت دينهم واحد وشرائعهم شتى‪.‬‬
‫‪ .3‬أن مشكلت اليوم لها مايشابهها في المم الماضية‪ ،‬ومن هنا فإن كثيرا ً‬
‫ل تلك المشكلت في الماضي من أنجح الساليب لح ّ‬
‫ل‬ ‫من وسائل ح ّ‬
‫مشكلت اليوم‪.‬‬
‫‪ .4‬أن الصبر مفتاح كل خير‪ ،‬وعلج كل مصيبة‪ ،‬وأعظمه الصبر الجميل‪.‬‬
‫دة وضاقت الرض على صاحبها قرب الفرج‪ ،‬وإن ظّنه‬ ‫‪ .5‬كلما ازداد المر ش ّ‬
‫النسان بعيدًا‪ ،‬وبسبب الجهل بهذه الحقيقة كم ضاعت من فرص عظيمة‬
‫على من ابتلي بمصيبة فاستعجل المر قبل أوانه‪ ،‬وكان الفرج قاب قوسين‬
‫أو أدنى منه‪.‬‬
‫‪ .6‬الحسان البوابة الكبرى للولوج إلى قلوب الناس‪ ،‬والتربع على تاج السؤدد‬
‫والقيادة والعز في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .7‬الخذ بالسباب وإن بدت في الظاهر غير مؤثرة من أعظم وسائل تحقق‬
‫المقصود‪ ،‬وهي باب من أبواب اليمان والتوحيد‪.‬‬
‫سر له من المور‬ ‫‪ .8‬إذا علم الله صدق المؤمن وإخلصه وتقواه وصبره‪ ،‬ي ّ‬
‫ماليخطر له على بال‪ ،‬ومن يتق الله يجعل له مخرجا ً ويرزقه من حيث‬
‫ليحتسب‪.‬‬
‫‪ .9‬التفاؤل هبة من الله يكرم بها من يشاء من عباده‪ ،‬وهو جنة في الصدور‪،‬‬
‫ومركب متين في الزمات‪ ،‬ونعم الرفيق في الطريق‪.‬‬
‫‪ .10‬المكر عاقبته وخيمة‪ ،‬وآثاره أليمة‪ ،‬وهو خيانة وشتيمة‪ ،‬والله ل يهدي كيد‬
‫الخائنين‪ ،‬ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين‪.‬‬
‫‪ .11‬التوحيد رأس المور وذراها‪ ،‬به بعثت الرسل‪ ،‬وأنزلت الكتب‪ ،‬ولجله‬
‫انقسم الناس بين مؤمن وكافر‪ ،‬وتقي وفاجر‪.‬‬
‫‪ .12‬من استعجل شيئا ً بغير طريق حله‪ ،‬لم يحصل على المراد‪ ،‬ولم يسلم‬
‫من الثم والعار والعقاب‪.‬‬
‫‪ .13‬الحسد سلح ذو حدين‪ ،‬يصيب الحاسد ويبلغ فيه ماليبلغ في المحسود‬
‫ويؤذيه‪ ،‬فهل يعتبر الحاسدون‪.‬‬
‫‪ .14‬أقدار الله نافذة‪ ،‬وإرادته ماضية‪ ،‬ليعجزه شيء‪ ،‬وليحول دون مراده‬
‫حائل‪ ،‬ونحن مطالبون بأن نقابل القدار الكونية بالقدار الشرعية‪ ،‬وكل ذلك‬
‫داخل في إرادته ومشيئته وقضائه وقدره‪ ،‬فنفر من قدر الله إلى قدر الله‪.‬‬
‫‪ .15‬حبل الكذب قصير‪ ،‬وما أفلح كاذب‪ ،‬فأما الزبد فيذهب جفاء‪ ،‬وأما ما ينفع‬
‫الناس فيمكث في الرض‪.‬‬
‫‪ .16‬العلقة بين ما يرى النائم وبين حاله في اليقظة‪،‬ولهذا قد تكون الرؤية‬
‫بشارة أو نذارة‪ ،‬وعن طريقها قد يتوقع غائب أو مجهول‪ ،‬لكن تأويل الرؤيا له‬
‫أصوله وضوابطه‪ ،‬فهو علم وإلهام يؤتيه الله من يشاء‪.‬‬
‫‪ .17‬اليمان بعلم الله وحكمته يجلب للمسلم الطمأنينة والراحة والسكون‪،‬‬
‫ومعرفة السماء والصفات والتصديق بهما يورث في القلب نورا ً وبصيرة‪.‬‬
‫‪ .18‬النتصار على النفس أعظم وسائل النتصار على الغير‪ ،‬ومن هزمته‬
‫نفسه فل يرجى أن ينتصر على عدوه‪ ،‬وقبل أن ينهزم اليهود أتاهم الله من‬
‫حيث لم يحتسبوا‪.‬‬
‫‪ .19‬الرتجال والفوضى ل تجلب الخير والسعادة‪ ،‬والتخطيط وبعد النظر سّر‬
‫الستقرار والنماء والبقاء‪.‬‬
‫‪ .20‬الشماتة فساد في الطوية‪ ،‬ومصيبة ورزية‪ ،‬ل تضر أحدا ً كما تضر‬
‫صاحبها‪ ،‬وفي الثر ول يصح حديثًا‪" :‬ل تشمت بأخيك فيعافيه الله ويبتليك"‪.‬‬
‫‪ .21‬إذا فشت المعصية سهل ارتكابها‪ ،‬وهان على النفوس عارها ومصيبتها‪،‬‬
‫وامرأة العزيز غلقت البواب في الولى‪ ،‬فلما علمت النسوة أعلنتها صريحة‬
‫داعية للفحشاء دون حياء أو خجل‪.‬‬
‫‪ .22‬ما يتوهم أنه البلء والمحنة‪ ،‬قد يكون هو العز والتمكين والمنحة‪ ،‬فما زاد‬
‫ف‬‫س َ‬ ‫مك ّّنا ل ُِيو ُ‬‫ك َ‬ ‫البلء المؤمنين إل عزة ورفعة وتمكينا ً قال _تعالى_‪" :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫جَر‬ ‫َ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫ث يَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫ضيعُ أ ْ‬ ‫شاُء َول ن ُ ِ‬ ‫م ْ‬
‫مت َِنا َ‬
‫ح َ‬
‫ب ب َِر ْ‬
‫صي ُ‬
‫شاُء ن ُ ِ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫من َْها َ‬
‫ض ي َت َب َوّأ ِ‬
‫ِفي الْر ِ‬
‫ن" )يوسف‪.(56:‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ .23‬ل يستطيع أحد من البشر أن يحول بينك وبين تبليغ رسالة ربك إذا‬
‫صدقت النية‪ ،‬وشبت العزيمة‪ ،‬وطلبت العون من الله‪" ،‬بل النسان على‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب‬ ‫حبي السج َ َ‬


‫ن أأْرَبا ٌ‬ ‫ّ ْ ِ‬ ‫صا ِ َ ِ‬
‫نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره"‪ ،‬يقول_ تعالى_‪َ" :‬يا َ‬
‫َ‬
‫ه" )يوسف‪ :‬من الية ‪.(39‬‬ ‫خي ٌْر أم ِ الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬‫فّرُقو َ‬ ‫مت َ َ‬‫ُ‬
‫‪ .24‬ل تشغل نفسك كيف يأتي الفرج‪ ،‬فهذا ليس لك‪ ،‬وعليك بحسن الظن‬
‫بمن بيده ملكوت السماوات والرض‪ ،‬والخذ بالسباب الموصلة إليه‪ ،‬ومن‬
‫يتق الله يجعل له مخرجا ً ويرزقه من حيث ل يحتسب‪.‬‬
‫‪ .25‬ل تندم على بذل الحسان حتى لعدوك‪ ،‬فثمن ذلك يأتي عاجل ً أو آجل‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ها إ ِّل ال ِ‬
‫ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫ً‪،‬ولكن ل يقدر على ذلك إل عظماء الرجال‪ ،‬وسادة المم "وَ َ‬
‫م" )فصلت‪.(35:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ها إ ِّل ُذو َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬
‫ظي ٍ‬‫ظ عَ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫صب َُروا وَ َ‬ ‫َ‬
‫‪ .26‬استثمار الفرص إذا سنحت منهج تباشره النفوس السوية ذات الهمم‬
‫العلية‪ ،‬وتحقق من خلله المجد وتبلغ به المراد‪ ،‬وهكذا كان يوسف في كل‬
‫مراحل حياته مستثمرا ً لكل فرصة سنحت في سرائه وضرائه‪ ،‬وانظر كيف‬
‫كانت عاقبته ومآله‪.‬‬
‫‪ .27‬موازين تقييم الرجل جماعه العقل‪ ،‬وتاجه العلم‪ ،‬وسياجه الحلم‪ ،‬فمن‬
‫توافرت فيه هذه الصفات حاز المجد والسؤدد من أطرافه وجوانبه‪ ،‬فل تغتر‬
‫بالمظاهر وابحث عن الحقائق والمخابر‪.‬‬
‫‪ .28‬المور بمآلتها ومقاصدها‪ ،‬وليست العبرة في اللفاظ والكلمات؛ لن‬
‫ل‪ ،‬وقد يكون إثما ً وقدحًا‪.‬‬ ‫العمال بالنيات‪ ،‬فمدح النفس قد يكون قربة وعق ً‬
‫ذبه الناس إذا‬ ‫‪ .29‬المرء يكتب تاريخه‪ ،‬فمن عرف بالكذب ل يحزن إن ك ّ‬
‫صدق‪ ،‬وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون‪.‬‬
‫‪ .30‬عامل الناس بأخلقك ل بأخلقهم‪ ،‬وبهذا تحوز على الطراء والثبات‬
‫وحسن الذكر‪ ،‬ومن عامل الناس بأخلقهم فسيكون محصلة لخلط من‬
‫الخلق‪ ،‬كل يوم له خلق ل ثبات له ول دوام‪.‬‬
‫‪ .31‬الحيل منها المشروع ومنها الممنوع‪ ،‬فحيلة إخوة يوسف على أبيهم‬
‫ارتدت عليهم‪ ،‬وجلبت لهم ولبيهم البلء والعناء‪ ،‬بينما حيل يوسف كانت‬
‫طريقا ً للسعادة والهناء‪.‬‬
‫‪ .32‬البريء حقيقة ل يضره الكذب والفتراء‪ ،‬فمن كان موقنا ً بسلمة موقفه‪،‬‬
‫وصدق ظاهره وباطنه‪ ،‬فسيرتد السهم إلى شانئه وباهته‪ ،‬فإن الله ل يهدي‬
‫كيد الخائنين‪ ،‬ول يحيق المكر السيئ إل بأهله‪.‬‬
‫‪ .33‬الستشارة منهج العقلء‪ ،‬ووسيلة السوياء‪ ،‬وهي استثمار للعقول‪،‬‬
‫وشفاء للصدور‪ ،‬وتحقيق للمراد والمأمول‪.‬‬
‫‪ .34‬ل تبث شكواك لمن ل يملك لها حل ً ول عقدًا‪ ،‬فضل ً عمن يشمت بك‬
‫حْزِني إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه"‬ ‫كو ب َّثي وَ ُ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫ش ُ‬ ‫ويتسلى‪ ،‬فكن كيعقوب كان منهجه "إ ِن ّ َ‬
‫)يوسف‪ :‬من الية ‪.(86‬‬
‫‪ .35‬اقطع رجاءك من الخلق‪ ،‬وعلق قلبك بالخالق‪ ،‬ول يعارض ذلك بذل‬
‫السباب‪ ،‬بل هو من خير وسائل تحقيق المراد‪.‬‬
‫صب ََر‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ .36‬العفو زينة الرجال وتاجها‪ ،‬وما زاد الله عبدا بعفو إل عزا‪" ،‬وَل َ‬
‫ُ‬
‫موِر" )الشورى‪.(43:‬‬ ‫ن عَْزم ِ اْل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫وَغَ َ‬
‫فَر إ ِ ّ‬
‫‪ .37‬الخبار السارة تنعكس آثارها على الفرد والجماعة‪ ،‬فإن لم تقدر على‬
‫صنعها‪ ،‬فكن مبّلغا ً لها‪ ،‬واحذر من بث خبر السوء فليس ذلك من شيمة‬
‫السوياء‪.‬‬
‫‪ .38‬كن معتدل في مواقفك وآرائك‪ ،‬واحذر الجزم والقطع بأمر ل تملك دليله‪،‬‬ ‫ً‬
‫فيكون المر خلف ما ذكرت فتندم بعد فوات الوان‪ ،‬كما حدث لخوة يوسف‬
‫م" )يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(95‬فمن كان‬ ‫دي ِ‬‫ق ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬‫ضلل ِ َ‬‫في َ‬ ‫ك لَ ِ‬‫عندما قالوا‪َ" :‬تالل ّهِ إ ِن ّ َ‬
‫في ضلله ياترى؟‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .39‬الستغفار مفتاح كل عسير‪ ،‬وجابر لقلب كل كسير‪ ،‬وهاد عند كل أمر‬


‫محير‪.‬‬
‫‪ .40‬إعادة الفضل لهله من شيم الرجال الوفياء‪ ،‬وسبب لستمرار الخير‬
‫والفضل والعطاء‪.‬‬
‫هذه بعض الدروس والوقفات‪ ،‬أسأل الله أن ينفعني والقارئين بها‪ ،‬وأن ييسر‬
‫تمام إخراجها‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لقد كان في قصصهم عبرة‬


‫‪6/2/1425‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا‪ ،‬وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪،‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪،‬‬
‫صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن" )آل‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ُ‬‫ن إ ِّل وَأن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬‫قات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫"َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ح ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫صل ِ ْ‬‫ديدا ً ي ُ ْ‬‫س ِ‬‫ه وَُقوُلوا قَوْل ً َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عمران‪َ" ،(102:‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ظيمًا"‬ ‫َ‬
‫وزا ً عَ ِ‬ ‫قد ْ َفاَز فَ ْ‬ ‫ه فَ َ‬‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬‫أعْ َ‬
‫)الحزاب‪.(71 ،70:‬‬
‫أما بعد فهذه سلسلة مقالت أقف فيها مع آيات في سورة يوسف‪ ،‬أسأل‬
‫الله أن ينفع بها‪ ،‬وسوف أسلك في الوقوف مع اليات مسلك التفسير‬
‫الموضوعي؛ لحاجة الناس إلى استخراج ما يلمس واقع حياتهم‪ ،‬من‬
‫ُ‬
‫الموضوعات التي عرضت في القرآن الكريم‪ ،‬كما أن التفسير التحليلي ألفت‬
‫فيه السفار العظام ولم يذر من ذهب لمن بقي فيه إل ّ الثر‪ ،‬ولعلي أشير‬
‫إلى ما دعت الحاجة إليه في موضوعه‪.‬‬
‫أسباب اختيار الموضوع‪:‬‬
‫أما اختياري للوقوف مع هذه اليات فقد جاء لسباب كثيرة‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬ضرورة ربط واقع الناس بالقرآن والسنة‪ ،‬لما لهما من أثر على حياة الفرد‬
‫والمة‪ ،‬خاصة وأن المة تعيش وهنا ً وضعفا ً لم تمر بمثله في تاريخها‪ ،‬وكلنا‬
‫َ‬
‫م"‬ ‫ي أقْوَ ُ‬ ‫دي ل ِل ِّتي هِ َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫ن هَ َ‬ ‫يبحث عن العلج والعلج في القرآن "إ ِ ّ‬
‫)السراء‪ :‬من الية ‪ ،(9‬وكلنا يرجو السلمة والنجاة من مضلت الفتن التي‬
‫تتابع والنجاة في القرآن‪ ،‬قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول‪" :‬تركت‬
‫فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي"‪.‬‬
‫فرغد الحياة في كتاب الله _جل وعل_‪ ،‬ومعالجة مشكلت الحياة في ضوء‬
‫القرآن الكريم من أقوى وسائل الخروج منها‪ ،‬بل من أقوى أسباب رقي‬
‫المة‪ ،‬والعود بها إلى سابق عهدها‪ ،‬الذي كان يعيشه السلف الصالح _رضوان‬
‫الله تعالى عليهم_‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أسباب اختيار سورة يوسف‪ :‬نزولها في وقت حرج عاشه الصحابة‬
‫الكرام _رضوان الله عليهم_‪ ،‬فقد نزلت في العهد المكي‪ ،‬والمسلمون في‬
‫وقت شدة‪ ،‬ل تزال تكتنفهم أجواء عام الحزن‪ ،‬مع ترقبهم لبيعة العقبة الولى‬
‫وما ستسفر عنه‪.‬‬
‫فنزلت السورة في تلك الجواء‪ ،‬شاحذة للهمم‪ ،‬مسلية عما مضى‪ ،‬مبينة‬
‫السبيل التي سلكها من سبقهم للخروج من أزماتهم‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ففي قصة يوسف عظة وعبرة لهم‪ ،‬إذ مر _عليه السلم_ بأصناف من المحن‬
‫والبتلءات‪ ،‬ثم خرج منها جميعا ً بتوفيق الله‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه تعيش أمتنا اليوم وقتا ً حرجا ً من تاريخها‪ ،‬خاصة بعد الغزو‬
‫الغربي لمة السلم‪ ،‬وعودة عصور الستعمار‪ ،‬التي خلت‪ ،‬فبعد أن رزحت‬
‫المة تحت وطأة الستعمار عقودا ً ُدرست فيها معالم من علم الشريعة‪،‬‬
‫كانت ل تخفى بين الناس‪ ،‬بدأت آثار الستعمار تنحسر بقيام الصحوة‬
‫السلمية المباركة في المشارق والمغارب‪ ،‬فلم يجد العداء بدا ً من إعادة‬
‫الكرة للحيلولة بين المة وبين نهضتها‪.‬‬
‫ً‬
‫ولما كان الرتباط بين المم السابقة واللحقة وثيقا‪ ،‬لتشابه الحوال‬
‫والظروف‪ ،‬وتوافق الطبع البشري ‪ ،‬وإن اختلفت العصور واللت‪ ،‬كان من‬
‫الطبيعي أن تكون في قصة يوسف دروس تناسب حال من نزل عليهم‬
‫القرآن‪ ،‬وكذلك تناسب المسلمين في كل زمان ومكان‪،‬‬
‫ولعل من الدروس المهمة المستقاة من نزول سورة يوسف وبيان تفاصيل‬
‫قصتها للصحابة الكرام‪ ،‬في ذلك الوقت‪ ،‬هو‪ :‬بيان أن قراءة سير الولين‪،‬‬
‫وأخبار القرون الماضين‪ ،‬من أعظم السباب التي ترفع من شأن المة وتزيد‬
‫َ‬
‫من كفاءتها‪ ،‬ولهذا قال الله في كتابه العزيز في أكثر من موضع‪" :‬أفَل َ ْ‬
‫م‬
‫ض فَي َن ْظ ُُروا" )يوسف‪ :‬من الية ‪ (109‬وقد تكرر معناها‪.‬‬ ‫َْ‬
‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫يَ ِ‬
‫ف‬
‫س َ‬‫ن ِفي ُيو ُ‬ ‫كا َ‬ ‫وقد انتزع بعض أهل العلم من قول الله _جل وعل_‪" :‬ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫ن" )يوسف‪ ،(7:‬أن هناك من سأل النبي _صلى الله عليه‬ ‫سائ ِِلي َ‬
‫ت ِلل ّ‬
‫خوَت ِهِ آَيا ٌ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫وسلم_ عن قصة يوسف فنزلت هذه السورة‪.‬‬
‫وهذا ل يعارض ما سبق بيانه‪ ،‬فالله يسر سؤال السائل وقدره لحكمة‬
‫عظيمة‪ ،‬منها ما يتعلق بواقع المسلمين إذ ذاك‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن" )يوسف‪:‬‬ ‫سائ ِِلي َ‬


‫ت ِلل ّ‬
‫خوَت ِهِ آَيا ٌ‬‫ف وَإ ِ ْ‬
‫س َ‬‫ن ِفي ُيو ُ‬ ‫كا َ‬ ‫وإذا تأملت قول الله‪" :‬ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫‪ ،(7‬بدا لك أن اللفظ أعم وأشمل من مجرد الجابة على سؤال خاص‪ ،‬بل‬
‫اللفظ مشعر بأن فيها جوابا ً لكل سؤال‪ ،‬وهذا ما رأيته في هذه السورة‬
‫العظيمة‪ ،‬فإن هذه السورة اشتملت على أحكام شرعية تتعلق بفروع شتى‪،‬‬
‫كما أنها تطرقت لصول عظيمة تتعلق بالعقائد‪ ،‬والحكام‪ ،‬والسياسات‪،‬‬
‫والقتصاد‪ ،‬والتربية‪ ،‬والجتماع‪ ،‬وإذا تأملت خبر يوسف مع صاحبي السجن‪،‬‬
‫وجدت طرفا ً من أصول منهج الدعوة‪ ،‬فعندما سأل السجينان يوسف –عليه‬
‫السلم‪ -‬عن الرؤيا بدأ بالتوحيد‪ ،‬فدعا إليه رغم ظروف سجنه‪ ،‬ولم يعد‬
‫السجن عائقا ً عن الدعوة‪ ،‬بل جاء في السورة تقرير منهج الدعوة مجم ً‬
‫ل‪:‬‬
‫َ‬ ‫سِبيِلي أ َد ْ ُ‬
‫ما‬‫ن الل ّهِ وَ َ‬
‫حا َ‬‫سب ْ َ‬
‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬
‫م ِ‬
‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬‫عو إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ‬ ‫ل هَذِهِ َ‬ ‫"ق ُ ْ‬
‫ن" )يوسف‪.(108:‬‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬
‫م َ‬
‫أَنا ِ‬
‫والمة الن قد بعدت عن عهد النبوة‪ ،‬وبعدت في بعض جوانب حياتها عن‬
‫المنهج النبوي‪ ،‬وحدث الخلل في المنهج‪ ،‬وتبعا ً لذلك تأخر النتصار وضعفت‬
‫نتائج الدعوات‪ ،‬وفي هذه السورة بيان المنهج النبوي الذي إن أخذنا به‪ ،‬فلن‬
‫نضل مصداقا ً لقوله _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬تركت فيكم ما إن تمسكتم به‬
‫لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي"‪.‬‬
‫وبالجملة فإن في السورة أحكاما ً تتعلق بجميع شؤون الحياة‪ ،‬سيتناول‬
‫الحديث _إن شاء الله_ بعضها في حلقات مقبلة‪.‬‬
‫ولعلي أتمم هذا المقال بآخر أفرده لذكر شيء مما جاء في هذه السورة‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العظيمة‪ ،‬وما تعرضت له من حكم وأحكام‪.‬‬


‫َ‬
‫أسال الله أن ينفعنا بالقرآن‪ ،‬وأن يرزقنا العبرة بما نسمع‪ ،‬وصدق الله "لقَد ْ‬
‫ديثا ً ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فت ََرى" )يوسف‪ :‬من الية‬ ‫ح ِ‬
‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫عب َْرة ٌ ِلوِلي اْلل َْبا ِ‬
‫ب َ‬ ‫م ِ‬
‫صهِ ْ‬ ‫ن ِفي قَ َ‬
‫ص ِ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫‪.(111‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لقد نجحت حماس فهل ينجح الشعوب والقادة المسلمون ؟‬


‫ل – تفتضح في‬ ‫لم تفتضح أمريكا ودول الغرب أول مرة‪ ،‬وإنما ظّلت – وستظ ّ‬
‫قارعة الطريق فيما يتعلق بديموقراطّيتها المزعومة التي اّتخذتها "عجل ً‬
‫دا له خوار" لتضليل الشعوب والمم في أرض الله الواسعة في جانب‪،‬‬ ‫جس ً‬
‫ة لتحقيق مآربها من الشعوب‬ ‫ة – مطي ّ ً‬ ‫ة المزعوم َ‬ ‫واتخذتها – الديموقراطي َ‬
‫حها بالموقف‬ ‫والمم في جانب آخر؛ ولكّنها ربما لم تفتضح في الماضي افتضا َ‬
‫الظالم الذي وقفته من "حماس" التي انتخبها الشعب الفلسطيني في‬
‫ض‬‫ن وبع َ‬ ‫ب الفلسطينيين الم َ‬ ‫س َ‬ ‫النتخابات العامة التي مضت لتحكمه وت ُك ْ ِ‬
‫َ‬
‫ي الخادع‬ ‫سلم ّ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ض المسلس ِ‬ ‫القناعة التي ظّلوا يفتقدونهما منذ أن ب َد َأ عر ُ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ة ومظلومي ّ ً‬ ‫برعاية أمريكا‪ ،‬الذي لم يزدهم إل ّ استعباًدا وتبعي ّ ً‬
‫ل معها في الحكم‬ ‫م َ‬
‫ة "فتح"‪ ،‬وت ََعا َ‬ ‫ب حرك َ‬ ‫جّر َ‬ ‫ي الذي َ‬ ‫ب الفلسطين ّ‬ ‫الشع ُ‬
‫وت‬ ‫ص ّ‬
‫ة‪ ،‬و َ‬ ‫ل "حماس" بها‪ ،‬وأولها الغلبي َ‬ ‫والدارة طويل ً هو الذي است َب ْد َ َ‬
‫جّرب إسلمي َّتها وانتماءها الفلسطيني الواقعي مقاب َ‬
‫ل‬ ‫ل "فتح" لي ُ َ‬‫لصالحها مقاب َ‬
‫علمانّية "فتح" وميوعتها وضياعها بالنتماء غير السلمي‪ ،‬وبالولء للعلمانّية‬
‫قا في طريق السلم‬ ‫ما عائ ً‬ ‫ي الذي اعتبرته دائ ً‬ ‫كر للتجاه الدين ّ‬ ‫الغربّية‪ ،‬وبالتن ّ‬
‫وإكسابها هوّية "العتدال"‪.‬‬
‫سا لمصداقية أمريكا والغرب في‬ ‫إن انتصار "حماس" على "فتح" كان مقيا ً‬
‫ن لها وتتظاهران بالخلص‬ ‫َ‬
‫شأن الديمقراطية التي ظلتا – ول تزالن – ت ُطّبل ِ‬
‫حا‬‫في عبادتها وتقديسها وإيثارها على جميع الحقائق السياسّية باعتبارها مفتا ً‬
‫سه بنفسه في سيادة مطلوبة‬ ‫ذكّيا للنصاف مع الشعب وحكم الشعب نف َ‬
‫وبصلحية منشودة وبحرّية مطلقة غير مقصوصة الجناح ‪.‬‬
‫فعداؤهما – أمريكا والغرب – لحماس واعتراضهما طريقَ حماس إلى‬
‫الحكم ‪ ،‬وفرضهما عليها الحصار القتصادي والعزل السياسي وإشارتهما على‬
‫إسرائيل بالمتناع الكامل عن دفع ما لديها من مبالغ الضرائب التي يدفعها‬
‫الفلسطينيون لصالح حكومتهم وإدارتهم‪ ،‬وتهديدهما البنوك في العالم كله‬
‫غ‬
‫ت المبال َ‬ ‫حوّل َ ْ‬‫ولسّيما في الدول العربية وبالذات في دول الجوار بالويل إذا َ‬
‫التية من مسلمي العالم إلى الفلسطينيين‪ .‬ما إن وصلت حماس إلى الحكم‬
‫حتى فرضت أمريكا والتحاد الوربي الحصاَر القتصاديّ الشامل ضدها‬
‫وامتنعت عن التعامل معها بشكل من الشكال‪ ،‬مرددة كلمة واحدة‪ :‬لتعترف‬
‫حماس بإسرائيل وبسريان مفعول التفاقيات السلمية المبرمة بين إسرائيل‬
‫صّرحت حماس‬ ‫وفتح ‪ ،‬ولتنته عن إرادتها لمقاومة إسرائيل المسلحة‪ .‬وقد َ‬
‫وت‬ ‫ص ّ‬
‫أّنها لن تخضع أمام شروط أمريكا والغرب وإملءاتهما الظالمة وقد َ‬
‫الشعب الفلسطيني لصالح موقفها السلمي ومبدئها المتمثل في المقاومة‬
‫والصمود في وجه الوحشية السرائيلية ‪.‬‬
‫مهما الديموقراطية‬ ‫ن أمريكا والغرب ليه ّ‬ ‫لقد ثبت بما ليدع مجال ً للشك أ ّ‬
‫ومبادئ العدل وحقوق النسان ومصالح الشعوب والمم – التي تتظاهران‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالتعاطف معها – وإنما يهمهما أول ً وآخًرا المصالح الغربية المريكية‬


‫الصهيونية الصليبية ‪ .‬فكل شيء معبود لديهما ومقدس عندهما إذا ساعدهما‬
‫على تحقيق هذه المصالح‪ ،‬وكل شيء مرفوض مردود إذا عارضهما في‬
‫مصالحهما‪ .‬فالديموقراطية ومبادئ العدل وحقوق النسان وغيرها من‬
‫الشعارات البراقة كلها تخضع لمقياس المصالح‪ ،‬ومعيار النانية المريكية‬
‫الغربية ‪.‬‬
‫ومحاربتهما "حماس" والتجاهات السلمية في كل مكان في العالم باسم‬
‫محاربة "الرهاب" ليست أول دليل على نفاقهما ولكنهما دائما تبّنتا الظلم‬
‫والستعمار والستعباد تجاه السلم والمسلمين‪ .‬ليس العجيب موقف الغرب‬
‫وأمريكا تجاه كل ما يمت إلى السلم بصلة‪ ،‬وإنما العجيب تغاضي القادة‬
‫والحكام المسلمين والعرب عن كل موقف عدائي للغرب وأمريكا من‬
‫السلم ‪ ،‬واعتبار ذلك نابًعا من المبدئّية وآلّية العدل والنصاف ‪.‬‬
‫ن تراجع حماس – إذا اضطرت ولم يبق لديها إل ّ خيار التراجع ل ق ّ‬
‫در الله –‬ ‫إ ّ‬
‫دة بالتقاعد العربي والتجاهل‬ ‫مم ّ‬‫أمام الضغوط المريكية الغربية العالمية ال ُ‬
‫م من قبل الحكام المسلمين‪ ،‬سيكون خسارة غير‬ ‫السلمي والتخاذل العا ّ‬
‫مسبوقة في تاريخ الصراع العربي السرائيلي‪ ،‬وسيكون خطأ لن يغفره‬
‫التاريخ‪ .‬وقد نجحت حماس في المتحان وبقي أن تنجح الشعوب والقادة‬
‫المسلمون ‪ ،‬وأن يقولوا لمريكا والغرب‪ :‬اصنعا ماشئتما فإننا قد آثرنا أن‬
‫نحتفظ بحق تقرير مصيرنا بأيدينا‪ ،‬وها نحن الشعوب والحكام المسلمين‬
‫العرب قد تعاضدنا وتضامّنا واّتحدنا‪ ،‬ولحاجة بنا إليكم أيها الغرب‬
‫والمريكان ‪ .‬إليكم أيها الكلب والذئاب‪ ،‬فلوموا ما بدا لكم واغضبوا وموتوا‬
‫بغيظكم في أيّ واد شئتم ‪ .‬لقد آن الوقت أن نقاطع أمريكا والغرب وكل‬
‫دول العالم تود ّ أن تحاصرنا مثل ما صنعنا في قضية الرسوم المسيئة إلى‬
‫سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فاهتز العالم وارتعد الغرب‬
‫والشرق ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن الساعة تتطلب من الجماهير والقادة المسلمين الوقفة الشجاعة الصامدة‬


‫الجريئة ‪ :‬وقفة صلح الدين ‪ ،‬وفقة السلطين والقادة المسلمين الصالحين ؛‬
‫ل كل قضية عالقة‪ ،‬وكل أزمة معقدة‪ ،‬وكل مشكلة تستعصي على الح ّ‬
‫ل‪.‬‬ ‫لتنح ّ‬
‫فهل تتحقق هذه الوقفة بإذن الله؟! إن الشعوب السلمية في كل مكان في‬
‫العالم ينتظرونها بفارغ الصبر ‪] .‬التحرير[‬
‫)تحريًرا في الساعة ‪ 10‬من صباح يوم السبت ‪ /11‬ربيع الثاني ‪1427‬هـ =‬
‫‪/20‬مايو ‪2006‬م(‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لقطات من رحلتي مع نحلة‬


‫التاريخ ‪11/11/2005 :‬‬
‫الكاتب ‪ :‬طارق حسن السقا ‪ ...‬الزوار ‪4043 :‬‬
‫> ‪<tr‬‬
‫دفعتني نحلة إلى رحلة‪ .‬الرحلة لم أكن قد خططت لها‪ .‬و مكان الرحلة كان‬
‫إلى عالم النحل العجيب‪ .‬سبب هذه الرحلة حديث نبوي‪.‬فلقد قرأت ما جاء‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في شعب البيهقي عن مجاهد قال ‪ :‬صاحبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫من مكة إلى المدينة فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫إل هذا الحديث‪- :‬‬
‫" إن مثل المؤمن كمثل النحلة‪.‬‬
‫إن صاحبته نفعك‪،‬‬
‫وإن شاورته نفعك‪،‬‬
‫وإن جالسته نفعك‪،‬‬
‫وكل شأنه منافع "‬
‫ودفعني هذا التشبيه إلى تلكم الرحلة‪ .‬و كان القصد من ورائها الجابة على‬
‫سؤال ‪ 0‬لماذا شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن الحق بالنحلة ؟‬
‫خاصة أنه قال في حديث آخر ‪-:‬‬
‫" المؤمن كالنحلة‬
‫إن أكلت أكلت طيبا‬
‫وإن وضعت وضعت طيبا‬
‫وإن وقعت على عود لم تكسره "‬
‫وأثناء رحلة البحث عن الجابة عن هذا السؤال جاءت هذه اللقطات ‪.‬‬
‫اللقطة الولى‪:‬‬
‫يظهر فيها حسن تعامل النحل مع أوامر ربه ‪.‬يظهر فيها كيف يتعامل هذا‬
‫المخلوق مع أوامر الخالق فمنذ أن أوحى الله سبحانه وتعالى إلي النحل "‬
‫وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما‬
‫يعرشون* ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذلل‪)"......‬النحل ‪(69‬‬
‫منذ ذلك الوقت يستحيل أن تجد للنحل بيوتا في غير هذه المكنة الثلث ‪:‬‬
‫الجبال ‪ ..‬والشجر‪ ..‬والبيوت‪ .‬على نفس ترتيب الية‪ .‬أمر من الله‪ .‬أعقبه‬
‫تنفيذ من النحل‪.‬بل تسويف ول تحايل ول تباطؤ ‪.‬‬
‫أنها صورة تعكس أرقى درجات السمع والطاعة للخالق من مخلوق‪.‬‬
‫ومن حسن المتثال وكمال السمع والطاعة عند النحل ‪ ,‬تجد أيضا أن أكثر‬
‫بيوت النحل في الجبال – وهي المتقدمة في الية ثم الشجر ثم فيما يعرش‬
‫الناس ويبنون بيوتهم ‪ .‬وكذلك تجد أن أرقى وأجود أنواع العسل هي عسل‬
‫نحل الجبال ثم عسل نحل الشجر ثم عسل نحل البيوت ‪ .‬وهنا ل يجب أن‬
‫يفوتنا أن نضع هذه الصورة جنبا إلى جنب مع صورة تعاملنا نحن بني البشر‬
‫مع أوامر ربنا عز وجل ‪ .‬لنقارن‪ ..‬ونقارن‪ ..‬ونمعن في المقارنة‪ .‬علنا ندرك‬
‫جانبا من الجابة علي السؤال‪ :‬لماذا شبه الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫المؤمن الحق بالنحلة ؟ ‪.‬‬
‫ومن طبائع النحل المعروفة والتي تدل على حسن امتثاله لوامر ربه‪ ,‬أنه‬
‫دائما ما يتخذ البيوت قبل المراعى ‪ .‬فهي إذا ما أصابت موضعا مناسبا بنت‬
‫فيه بيوتها أول‪ .‬ثم بعد ذلك تخرج من تلك البيوت ترعى وتأكل من كل‬
‫الثمرات ثم تأوي إلى بيوتها ‪ .‬لن ربها سبحانه وتعالى أمرها بذلك ‪ .‬أمرها‬
‫باتخاذ البيوت أول ثم الكل بعد ذلك ‪ .‬وهنا قد تبعد المراعى عن البيوت‬
‫الميال والميال‪ .‬وقد يفصل بين المراعي وبيوت النحل السهول و الجبال‪.‬‬
‫وقد يتطلب هذا من النحل عبور الروابي والوديان ‪ .‬ومع ذلك فإن طاعتها‬
‫لربها جعلها تنسى بعد المسافات وكثرة المشقات‬
‫فالمؤمن الحق – كالنحل – يجب أل يفكر إل في تنفيذه الوامر الربانية‪ .‬أما‬
‫المشقات ‪ ,‬والتبعات ‪ ,‬والمنغصات فهي أمور ثانوية يجب أل يفكر فيها‬
‫المسلم ‪ .‬لنه لو فكر فيها فربما تلكأ أو تباطأ أو قصر ‪ .‬ولكن طالما أن المر‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من عند الحق فيجب أن ل يشغل بال المؤمن الحق غير تنفيذ أمر الحق ‪.‬‬
‫وهكذا يفعل الصالحون‪.‬‬
‫انظر إلى نبي الله نوح لما أمره الله بأن يصنع الفلك في البيئة الصحراوية‬
‫‪.‬وانظر إلي سيدنا موسى لما أمره الله ‪" :‬أن اضرب بعصاك البحر ‪ .‬وانظر‬
‫كيف تعامل سيدنا إبراهيم مع أمر الله له بذبح إسماعيل‪ .‬وكلها أوامر تفوق‬
‫قدرات عقول البشر ‪ .‬لكن انظر كيف كانت درجة السمع والطاعة من هؤلء‬
‫جميعا وكيف كانت النتائج ‪ .‬ليتأكد لك أن السعادة والفوز يكمنان في حسن‬
‫تنفيذ العبد لوامر ربه‪ ,‬حتى ولو كانت هذه المور تفوق قدرات عقولنا‬
‫القاصرة ‪,‬أو حتى عجزنا عن استيعاب مرامي التكاليف ساعة التنفيذ‪. .‬‬
‫اللقطة الثانية ‪:‬‬
‫وتظهر فيها كيف أن النحل يقضي حياته في حركة ونشاط وانتقال من طيب‬
‫إلى أطيب‪ ,‬ومن أثر نافع إلى أنفع‪" .‬فمن اجل أن تقوم النحلة بإطعامنا كيلو‬
‫جرام واحد ومن العسل أنها تقوم بما يقرب ‪600‬ألف إلى ‪800‬الف طلعة‬
‫وتقف على مليون زهرة وتقطع ما يزيد عن ‪10‬أضعاف الكرة الرضية رغم‬
‫الرياح والنواء"‪ .‬وكأن الرسول لما شبه المؤمن الحق بالنحلة أراده أن يتمثل‬
‫هذا الخلق‪ .‬وأراده أن يتحلى بثقافة النحل في السمو ‪ ,‬وعلو الهمة‪ ,‬والتعامل‬
‫مع المور بجدية‪ ,‬وقوة من يبتغي وجه الله‪-:‬‬
‫طالب العلم مع علمه‪.‬‬
‫والعامل في صناعته‪.‬‬
‫والتاجر في تجارته‪.‬‬
‫والمزارع في زراعته‪.‬‬
‫و الداعي إلى الله في دعوته‪.‬‬
‫فل فلح لكل من ينتج إنتاجا ماديا أو معنويا دون أن تسود بينهم ثقافة النحل‬
‫في النفع والعطاء ‪.‬‬
‫اللقطة الثالثة‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويظهر فيها كيف أن النحل يجيد توظيف الطاقات ‪ .‬فالنحل يجيد هذه‬
‫المهارة‪ .‬وهذه مهارة لزمة للمم والفراد والجماعات ‪ .‬ول يرقى النسان إل‬
‫بها ‪ .‬فمن النحل من يعمل العسل‪ ,‬وبعضها يعمل الشمع‪ ,‬وبعضها يسقي‬
‫الماء‪ ,‬وبعضها يبني البيوت‪ ,‬وبعضها يقوم بأعمال النظافة ‪،‬وبعضها يقوم‬
‫بأعمال التكييف والتبريد والتهوية ‪ ,‬وبعضها يقوم بالتلقيح ‪ ,‬وبعضها يقوم‬
‫الستكشاف والستطلع ‪ .‬الكل يعمل وينتج‪ .‬كل حسب سنه ووظيفته‬
‫وقدراته وميوله واستعداداته ‪ .‬فلقد علمنا النحل من خلل هذه اللقطة أنه‬
‫من ل يجيد توظيف الطاقات يغرق في العثرات ‪ .‬ولعل الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم كان ينوه‪ -‬لي ولك‪ -‬أن يتحلى كل منا به بهذا الخلق ‪.‬‬
‫اللقطة الرابعة ‪:‬‬
‫ويظهر فيها أحد طبائع النحل العجيبة ‪ .‬فالنحل يرفض رفضا باتا أن يوجد في‬
‫مملكته عاطل عن العمل " فمن طبائع النحل أنها ل تترك عندها بطال إل‬
‫نفته وأبعدته وأقصته عن الخلية ‪ .‬لنه‬
‫يضيق المكان ‪.‬‬
‫ويفني العسل ‪.‬‬
‫ويعلم النشيط الكسل "‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذه مهارة إدارية راقية ما أحوجنا أن نتمثلها واقعا في حياتنا الدارية ‪ .‬فلو‬
‫علم كل عامل في مؤسسته أن مصيره القصاء مالم يؤدي ما هو مطلوب‬
‫منه ‪ .‬وما لم يحقق ما هو مطلوب منه من مستهدفات حسب خطة‬
‫المؤسسة العامة التي يعمل فيها ‪ ,‬لعاد ذلك بمردود ايجابي على المة ‪ .‬أما‬
‫أن تدخل المؤسسات الحكومية في بلد المسلمين وتجدها مكتظة بالعشرات‬
‫ممن ل وظائف لهم ول عمل لهم فهذه انتكاسة‪.‬‬
‫لقد وصلت المؤسسات الصناعية العظمى في اليابان وأوروبا إلى ما وصلت‬
‫إليه من رقي وارتقاء وتقدم بفضل تطبيقها لهذه السياسة الراقية التي يجب‬
‫أن نتعلمها نحن من النحلة ‪.‬‬
‫اللقطة الخامسة ‪- :‬‬
‫تظهر كيف أن النحل يفضل العمل في صمت وهدوء وبعيدا عن أعين الناس‪.‬‬
‫فيروى أن آرسطاطاليس صنع بيتا من زجاج لينظر إلى كيفية ما يصنع‬
‫النحل ‪ .‬فأبت أن تعمل حتى لطخته بالطين من الداخل ‪ .‬لطخته بالطين حتى‬
‫تنأى بنفسها عن الظهور ‪ .‬وكأنها وعت خطورة آفة الرياء والنفاق وحب‬
‫الظهور وحب الرياسة وكلها آفات مهلكات‪ .‬لطخة بيتها بالطين من الداخل‬
‫بحثا عن الخلص ‪ .‬وكأنها تدرك قول ابن القيم رحمه الله تعالى(‪ :‬الخلص‬
‫أل تطلب على عملك شاهدا ً غير الله ‪ ،‬ول مجازيا ً سواه(‪ .‬لطخته وكأنها‬
‫أرادت أن ترسل لنا من‪ -‬خلف الطين ‪-‬رسالة مفادها أن عليكم بالخلص في‬
‫كل أعمالكم وأقوالكم ‪ .‬فالخلص وهو قارب النجاة من الغرق في بحر‬
‫النفاق والشرك والرياء وحب الظهور وبوار العمال نعوذ بالله من ذلك ‪ .‬و‬
‫لعله الدرس الذي أراد الرسول صلى الله عليه وسلم من تشبيه المؤمن‬
‫بالنحلة أن يأخذه عنها و يتعلمه منها ‪.‬‬
‫اللقطة السادسة ‪- :‬‬
‫ويظهر فيها مجموعة الفات التي تعوق النحل عن العمل والنتاج والتميز هذه‬
‫الفات هي ‪- :‬‬
‫‪ – 1‬الظلم‬
‫‪ – 2‬الغيوم‬
‫‪ – 3‬الرياح‬
‫‪ – 4‬الدخان‬
‫‪ - 5‬الماء‬
‫‪ – 6‬النار‬
‫وكذلك المؤمن –له آفات تبعده عن العمل والنتاج والتميز في حياته منها ‪- :‬‬
‫‪ – 1‬ظلم الغفلة‬
‫‪ -2‬غيوم الشك‬
‫‪ – 3‬رياح الفتنة‬
‫‪ – 4‬دخان الحرام‬
‫‪ – 5‬ماء السمعة‬
‫‪ – 6‬نار الهوى ‪ .‬كما قال ابن الثير‬
‫اللقطة السابعة‪- :‬‬
‫ويظهر فيها مجتمع النحل وهو ل يستطيع أن يعيش أو ينتج أو يعمل إل في‬
‫جماعات ‪ .‬جماعات يحكمها تنظيم دقيق مبهر ‪ .‬تنظيم تتوزع فيه‬
‫الختصاصات المسؤوليات والمهام في عيش جماعي رائع وتكافل عجيب ‪.‬‬
‫فإذا ما انعزلت إحداها عن جماعتها لسبب من السباب فإنها تسارع إلى أن‬
‫تنضم إلى جماعة أخرى من طبيعتها ‪ .‬إذا قبلتها فنعمت ‪ .‬وإن لم تقبلها فإنها‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تموت ‪.‬نعم تموت ‪ .‬تموت ببعدها عن الجماعة ‪ .‬فكأنها تدرك أن (الجماعة‬


‫رحمة و الفرقة عذاب ( و‪ .‬كأنها تعلم ) أن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ‬
‫في النار( ‪،‬و كأنها وعت قول سيدنا على رضي الله عنه ‪ ):‬كدر الجماعة خير‬
‫من صفو الفرد)‪ .‬كأنها تريد إن تذكرنا‪ -‬ونحن في زمن التشرذم‪ -‬بما جاء في‬
‫من فارق الجماعة شبرا ً فمات‪ ،‬فميتة جاهلية«‪.‬‬
‫الصحيحين‪» :‬أن َ‬
‫اللقطة الثامنة‪- :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويظهر فيها إلى حسن استخدام النحل إلى الوقت ‪ .‬فالنحل لديه قدرة فائقة‬
‫على الستخدام المزدوج للوقت‪ .‬فهو ل يضيع وقته أبدا فيما ل فائدة منه‪ .‬بل‬
‫يستغل كل ثانية فيما هو نافع ‪ ".‬فمثل في طريقها الذي قد يصل إلى‬
‫عشرات الكيلو مترات من مكان رحيق الزهار إلى خلياها‪ .‬تجري النحلة عدة‬
‫عمليات كيميائية بالغة التعقيد لتحويل الرحيق إلى عسل‪ .‬ويتم هذا في‬
‫الطريق ول تنتظر حتى تعود‪ " .‬ولقد أخذ اليابانيون هذه الفكرة من النحل‬
‫في مجال الصناعة ‪ .‬فمعروف أن اليابان ليس عندها مواد أولية ‪ .‬وهم من‬
‫كبار مصدري الستانلس‪.‬هذه المادة تتواجد بوفرة في استراليا ‪.‬والمسافة‬
‫بين البلدتين شاسعة ‪ .‬فصنع اليابانيون بواخر عملقة تصل إلى أواخر استراليا‬
‫‪ .‬تأخذ المواد الولية من هناك ‪ .‬وفي الطريق إلى أسواق الشرق الوسط يتم‬
‫تصنيع هذه المواد الولية في البواخر أثناء العودة ‪ .‬ثم يتم تسليمها مصنعة‬
‫جاهزة إلى أسواق المستهلكين في كل مكان ‪ .‬وهذا ما تفعله النحلة ‪ .‬وهذا‬
‫ما يجب أن يتحلى به المؤمن الحق‪ .‬فالوقت سلح ارتقى من أتقن حسن‬
‫استغلله وتعس من عطله ‪ .‬وتاريخ المم خير شاهد‪ :‬فالمة التي ل تنشئ‬
‫أبنائها على كيفية إتقان إدارة الوقت والستفادة من كل وحداته أمة مهزومة‬
‫ل يمكن لها ول لبنائها أن يرتقوا أو يتبوؤا منزلة بين العظماء ‪.‬‬
‫وفي النهاية‬
‫هذا عرض سريع لعدد من اللقطات السريعة التي سجلها الباحث خلل هذه‬
‫الرحلة ‪ .‬ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم لما شبه المؤمن الحق بالنحلة‬
‫كان يدعونا إلى أن نتمثل هذه الصفات واقعا في حياتنا ‪:‬‬
‫‪ .1-‬فمن خصائص ملك النحل أنه ليس له حمية يلدغ بها أحد في مملكته ‪.‬‬
‫‪ .2-‬أنه يتصف بالعدل والنصاف بين أعضاء مملكته ‪. .‬‬
‫‪ .3-‬ملك النحل ل يسمح لمتطفل ول لعدو أن ينتهك حرمة بيتها ‪.‬‬
‫‪ .4-‬ملكة النحل ترعى صغارها وتهتم بهم اهتماما ل حدود له‪.‬‬
‫‪ .5-‬إن اتخاذ القرار في عالم النحل عملية تحكمها أرقى درجات الشورى‬
‫والتشاور ‪.‬‬
‫‪ .6-‬النحل دائما ما يتنزه عن النجاسات والقذار ‪.‬‬
‫‪ .7-‬النحل ل يأكل إل طيبا ‪.‬‬
‫‪ . 8-‬النحل ل يأكل من كسب غيره ‪.‬‬
‫‪ .9-‬النحل ل يأكل إل قدر شبعه ‪.‬‬
‫‪ - .10-‬إذا قل غذاء النحل ) العسل ( قذفه بالماء ليكثر خوفا على نفسه من‬
‫نفاذه ‪.‬‬
‫‪ - .11-‬النحل ل يشرب من الماء إل ما كان صافيا عذبا ‪ .‬ويجد في طلبه مهما‬
‫بعد ‪.‬‬
‫‪ .12-‬النحل أصغر المخلوقات حجما وأضعفها بنية إل أنها الكثر عطاء‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتأثيرا ‪.‬‬
‫‪ .13-‬بيت النحل تنطبق عليه أرقى المواصفات الهندسية في العمران‬
‫والبنيان ‪.‬‬
‫‪ .14-‬النحل يسير في سبيل جمع الرحيق بسرعة ‪ 60‬كم ‪ /‬ساعة وهو ما‬
‫يعادل عشرة أمثال سرعة النسان ‪.‬‬
‫‪ .15-‬يعرف عن النحل قلة آذاه ‪.‬‬
‫‪ .16-‬يعرف عن النحل النظافة الكاملة والتامة ‪.‬‬
‫‪ .17-‬النحل يسعى في النهار سعيا ل حدود له ‪.‬‬
‫‪ .18-‬النحل يوفر الجهد والوقت على بعضه البعض ‪.‬فإذا ما وقعت نحلة على‬
‫مص رحيقها من قبل‬ ‫زهرة وامتصت رحيقها فإنها تترك علمة أن هذه الزهرة ُ‬
‫حتى توفر الجهد والعناء على بني جنسها ‪.‬‬
‫إن حشرة بهذه الصفات وهذه القدرات وهذا السمو وهذا الرقي لجديرة بأن‬
‫يشبه بها المؤمن الحق كما يريده الله ورسوله‪.‬‬
‫ولما قال صلى الله عليه وسلم ) كل الذباب في النار إل النحل (جاء هذا‬
‫الكلم ‪.‬وكأنه يحمل في طياته بشارة للمسلم الذي تعرف على طبائع هذه‬
‫الحشرة وتعلم منها وسلك مسلكها أن يحرم جسده على النار‪ .‬فكما استثنى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم النحل من بين الذباب من دخول النار‪.‬‬
‫فلعل الله يستثنى المسلم العامل بهذه الخلق السامية وهذه الطبائع وهذه‬
‫المهارات من بين بقية البشر ويحرم جسده على النار لينعم بصحبة النبيين‬
‫والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا ‪.‬‬
‫طارق حسن السقا‬
‫‪alsaqa22@hotmail.com‬‬
‫برمبال القديمة‪ -‬أغسطس ‪2005‬م‬
‫‪-----------------------------------‬‬
‫المراجع ‪- :‬‬
‫‪ -1-‬حياة الحيوان – الدميري – باب النحل – ص ‪1249‬‬
‫‪ 2-‬بحث بعنوان‪:‬التكوين الجتماعي في عالم النحل كما صوره القرآن الكريم‬
‫– د‪ /‬يحيى البشتاوي – موقع الهيئة العالمية للعجاز العلمي في القرآن‬
‫والسنة ‪.‬‬
‫‪http://www.nooran.org/H/H5/2.htm‬‬
‫‪ --3‬ندوات العجاز العلمي ‪ :‬الندوة ‪ : 30 / 08‬النحل ‪ ،‬لفضيلة الدكتور محمد‬
‫راتب النابلسي‬
‫‪http://www.nabulsi1.com/text/10nadwat/913-all/913-02d.html‬‬
‫‪-4‬من أسرار عالم النحل – مقال الدكتور حسان شمسي باشا‬
‫‪http://www.khayma.com/chamsipasha/Bee.htm‬‬
‫طارق حسن السقا‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لقطات من كأس العالم‬


‫المصدر‪/‬المؤلف‪ :‬موقع طريق السلم ‪ ...‬أرسلها لصديق‬
‫عرض للطباعة‬
‫عدد القّراء‪1460 :‬‬
‫الحمد لله وكفى وسلم على عباده الذين اصطفى أما بعد ؛‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقد أظلنا توقيت مسابقة كأس العالم التي تطل علينا كل أربعة أعوام‪ ،‬ول‬
‫شك أن الرياضة شيء جميل حض عليه الشرع‪ ،‬بل الرياضة تتحول إلى‬
‫عبادة بالنية الصالحة ول شك‪ ،‬ولكن لنا وقفات مع لقطات حية من كأس‬
‫العالم‪.‬‬
‫الوقفة الولى‪:‬‬
‫تدشن الدول العربية والسلمية معظم مساحة إعلمها تقريبا ً لخدمة كأس‬
‫العالم‪ ،‬سواء الفضائي أو الصحافي‪ ،‬في الوقت الذي تنال الدعوة السلمية‬
‫من نفس العلم نذرا ً يسيرا ً في وقت يبني فيه الغرب حضارته على‬
‫أساسين؛ أولهما العقيدة الراسخة )من خلل أيدلوجيات فلسفية استبدلوا بها‬
‫دينهم( وثانيهما‪ :‬المنظومة الثقافية العلمية التي ل غنى لحضارة عنها‪ ،‬في‬
‫وقت تحتل مساحة البرامج العلمية والثقافية الهادفة أقل المساحات في‬
‫إعلم كأس العالم العربي والسلمي‪ ،‬وبالطبع في غير وقت كأس العالم‬
‫ل مما يدل‬ ‫ل ول تم ّ‬‫فالمسلسلت والفلم التي تدمر تصورات الجماهير ل تك ّ‬
‫ً‬
‫على أننا قلبنا هرم الولويات فجعلنا الرياضة الترفيهية أصل وبناء الحضارة‬
‫تابعًا‪ ،‬فأين العقول !!‬
‫الوقفة الثانية‪:‬‬
‫في الوقت الذي ل يجد فيه معظم شباب الدول السلمية والعربية والتي في‬
‫من‬‫أغلبها من الدول النامية‪ ،‬ليجد معظم الشباب ما يسد رمقهم فضل ً ع ّ‬
‫تقوم بها أسر جديدة‪ ،‬تقوم هذه الدول بالصرف على مدربين أجانب ولعبي‬
‫وفَر لقامت به مشروعات تكفي لمعيشة‬ ‫كرة ومعسكرات تدريب ما لو ت ُ‬
‫اللف من السر الشابة‪ ،‬فهل الكرة مقدمة على بناء المجتمعات؟!‬
‫الوقفة الثالثة‪:‬‬
‫يشارك في كأس العالم دول استعمارية استباحت ديار المسلمين فسفكت‬
‫الدماء وهتكت العراض على مسمع ومرأى من العالم الصامت‪ ،‬وبالطبع كل‬
‫لعب من لعبيها لو دعي إلى الدخول في قواها العسكرية ما استطاع‬
‫الرفض‪ ،‬فكيف بمن يهتف لمغتصب أخته وقاتل أخيه وأين الولء لله‬
‫وللرسول وأين البراء ممن عادى الله ورسوله ‪.‬‬
‫الوقفة الرابعة‪:‬‬
‫تتركز كاميرات مصوري هذا الحدث الرياضي على إبراز مفاتن نساء الغرب‬
‫من المشاهدات فيما ل يعد عيبا ً في عرفهم ول أخلقهم‪ ،‬فكيف بنا وقد قال‬
‫الله تعالى‪ :‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم فعليك بغض بصرك عما حرم‬
‫ربك‪ ،‬وكيف بنسائنا وقد أطلقن لعينهن العنان والله يقول‪ :‬وقل للمؤمنات‬
‫يغضضن من أبصارهن وكيف ببناتك المراهقات أخي الكريم وقد تأثرن بنساء‬
‫الغرب‪ ،‬والمصيبة في التقليد العمى وقد وصل المر إلى ظهور بنات العالم‬
‫العربي في ملعب كرة القدم بنفس طريقة الغربيات ممن ل خلق لهم ول‬
‫دين‪ ،‬فأين ذهبنا وأين ذهبت أخلقنا !‬
‫الوقفة الخامسة‪:‬‬
‫يتأثر المشاهد العربي والمسلم بالفرق الهائل في المستوى بين لعبي دولته‬
‫وبين لعبي الغرب مما يكسب البعض مْركبات النقص والنهزامية‪ ،‬بل قد‬
‫يصل ببعضهم الحال إلى عزوِ ما نحن فيه إلى السلم‪ ،‬ولهؤلء أقول‪ :‬إن‬
‫ما تركناه وراء ظهورنا واتبعنا كل‬ ‫عزتنا الحقيقية في ديننا وما عََلتنا المم إل ل ّ‬
‫ناعق‪ ،‬والحق أننا تأخرنا حضاريا ً ولكن المتابع للتاريخ يعلم أن المة مرت‬
‫ما عادت لكتابها ودينها‬‫بعصور ضعف أكبر بكثير من عصرنا الحاضر‪ ،‬ول ّ‬
‫عّزها‪ ،‬ولك أخي الكريم في وضع المسلمين‬ ‫وعرفت ربها عادت لسيادتها و ِ‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وة‪ ،‬راجع ما اكتنف المسلمين من‬ ‫ُ‬


‫س َ‬
‫قبل فتح صلح الدين بيت المقدس أ ْ‬
‫ضعف قبل الفتح وما علها من عزة بعده وتعلم عوامل الضعف وأسباب‬
‫العزة والقوة لتعلم أن السلم هو عزنا ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا‬
‫الله‪.‬‬
‫الوقفة السادسة‪:‬‬
‫لماذا ل نجعل من كأس العالم موسما ً دعويا ً لنشر الشريط والكتيب والحض‬
‫على التبرع للمنكوبين من المسلمين سواء المتضررين بالستعمار أو منكوبي‬
‫الزلزل والمحن‪ ،‬ولماذا ل ننشر على تجمعات مشاهدي مباريات كأس العالم‬
‫قوائم بالمواقع السلمية ومقتطفات من ثمارها اليانعة‪ ،‬والمجال مفتوح‬
‫للبتكارات الدعوية والمة وَ لدة ولله الحمد‪.‬‬
‫وأخيرا ً اللهم انصر عبادك المستضغفين في العراق وألف بين قلوبهم وأصلح‬
‫ذات بينهم اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين والشيشان‬
‫ب ذلك والقادر عليه‪.‬‬ ‫وأفغانستان وفي كل مكان‪ ،‬إنك ر ّ‬
‫هذا والله أعلم وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنت أستغفرك‬
‫وأتوب إلي‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لكل فتاة‬
‫هل حمدت الله عز وجل على اعظم نعمة انعم الله بها عليك ال وهي نعمة‬
‫السلم ‪0‬‬
‫هل تؤدين الصلوات الخمس على وقتها لن اول مايحاسب عنه العبد يوم‬
‫القيامة الصلة فان صلحت صلح سائر عمله وان فسدت فسد سائر عمله ‪،‬‬
‫وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬ان بين الرجل وبين الشرك والكفر‬
‫ترك الصلة ( رواه مسلم ‪0‬‬
‫هل تقرأين القران الكريم بتدبر وخشوع وحضور قلب وهل تعملين به ؟ قال‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬خيركم من تعلم القران وعلمه ( رواه‬
‫البخاري ‪0‬‬
‫هل انت بارة بوالديك ؟ هل تصلين ارحامك ؟‬
‫هل احببت الخير للمسلمين ؟ وهل امرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ؟‬
‫هل تكرمين اليتام والرامل والضعفاء والفقراء والمساكين وتتواضعين لهم‬
‫وترحمينهم وخصوصا القارب ؟‬
‫هل حافظت على اذكار الصباح والمساء ؟ وهل راقبت الله في السر‬
‫والعلن ؟‬
‫هل تحافظين على حجابك الشرعي الذي امرك به الله الذي خلقك ؟‬
‫هل اتخذت جليسات صالحات تذكرك بالله رؤيتهن ؟‬
‫هل تجنبت رفيقات السوء لنهن سبب الضلل والضياع فاحذريهن حفظك الله‬
‫؟‬
‫هل تجنبت الختلط بالرجال وهل قللت الخروج الى السواق ؟‬
‫هل تجنبت الكثار من المزاح وكثرة الضحك وهل بكيت من خشية الله ؟‬
‫هل طهرت قلبك من امراض ) النفاق ‪ ،‬الرياء ‪ ،‬العجب ‪ ،‬الغل ‪ ،‬الحقد ‪،‬‬
‫الحسد والبغضاء ( ؟‬
‫هل نظفت لسانك من الفاظ ) الشرك ‪ ،‬الكذب ‪ ،‬الغيبة ‪ ،‬النميمة ‪ ،‬واللغو( ؟‬
‫هل ابتعدت عن مزامير الشيطان ) الغناء ( ؟ فانها محرمة بالقران والسنة‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهي بريد الزنا وسبب لقسوة القلب وسوء الخاتمة نعوذ بالله من سوء‬
‫الخاتمة ؟‬
‫هل اخذت حذرك من المكالمات الهاتفية ؟ فكم من القصص المؤلمة بدأت‬
‫بمكالمة وانتهت بمأساة والضحية الخت المسلمة فاحذري الذئاب البشرية ؟‬
‫‪0‬‬
‫فتاوى ورسائل للفتيات‬
‫جمع وترتيب ‪:‬‬
‫أحمد بن صالح بن فهد الخليف‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لكل قول حقيقة ‪...‬‬


‫‪10-02-2005‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫فمن السهل أن يتحدث المرء بما يريد ‪ ،‬بل لن يجد النسان أي صعوبة في‬
‫نشر التهامات وتوزيع اللقاب على الخرين ‪ ،‬وكذلك من السهل تغيير‬
‫الحقائق وقلب المور بحيث يصبح الصادق كاذبا ً ‪ ،‬والكاذب صادقا ً ‪ ،‬والمين‬
‫خائنا ً ‪ ،‬والخائن أمينا ً ‪ ،‬وتغيير الحقائق سياسة جديدة قديمة ‪ ،‬قد أشار إليها‬
‫القرآن الكريم فعلى سبيل المثال قوله تعالى عن فرعون عليه من الله ما‬
‫ل‬‫ف َأن ي ُب َد ّ َ‬
‫خا ُ‬ ‫ه إ ِّني أ َ َ‬
‫سى وَل ْي َد ْع ُ َرب ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن ذ َُروِني أ َقْت ُ ْ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬‫يستحق ‪) :‬وََقا َ‬
‫ساد َ )‪ (26‬غافر‪.‬‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫دينك ُ َ َ‬
‫ف َ‬ ‫م أوْ أن ي ُظهَِر ِفي الْر ِ‬ ‫ِ َ ْ‬
‫ً‬
‫وهذه الية الكريمة تضمنت أمورا عدة ‪:‬‬
‫‪ : 1‬اعتذار ‪ :‬ففرعون ل يريد أن يفعل أي فعل من تلقاء نفسه ‪ ،‬فهو يريد‬
‫موافقة قومه وإذنهم رغم أنه المتفرد بالقرار السائل الذي ل يسأل ‪ ،‬فهو‬
‫يستأذن قومه بقتل موسى‪ ،‬ولو أقبل على قتل موسى دون أن يستأذن قومه‬
‫لما واجه أي اعتراض ‪ ،‬فقومه قد أذعنوا له بالطاعة والنقياد وأقروا له‬
‫بالربوبية وهم على علم ويقين بأن ذلك ضلل محض وباطل ل حقيقة له قال‬
‫ف‬‫م ظ ُْلما ً وَعُل ُوّا ً َفانظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫قن َت َْها َأن ُ‬
‫ست َي ْ َ‬
‫دوا ب َِها َوا ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫تعالى حاكيا ً عنهم ‪) :‬وَ َ‬
‫ن )‪ (14‬النمل‪.‬‬ ‫دي َ‬
‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫ولكنها الهواء التي تجعل من أصحابها ذيول ً ل عقول لهم ‪ ،‬ول إرادة ‪ ،‬تقّلبهم‬
‫المصالح في دياجير الباطل والظلم والستبداد دون أدنى تفكر أو اعتبار ‪،‬‬
‫ومع هذا يستأذن فرعون قومه ليجعل من نفسه الحاكم المين الذي ل يخطو‬
‫أي خطوة إل بموافقة قومه ومباركتهم ‪ ،‬فهم رأس ماله إذ ل وجود له إل بهم‬
‫‪ ،‬وهكذا تنبني حياة الكذب والباطيل بين الراعي والرعية ‪ ،‬فالراعي يعلم‬
‫حقيقة نفسه ‪ ،‬وكذلك الرعية يعرفون ذلك جيدا ً ‪.‬‬
‫‪ : 2‬تحدي ‪ :‬وذلك في قوله ‪ ) :‬وليدع ربه ( ‪ .‬فقد جاء هذا القول بعيد قوله‬
‫لقومه ذروني اقتل موسى ‪ ،‬فهو يريد قتل موسى بلهجة المتحدي الذي ل‬
‫يخاف عواقب المور ‪ ،‬فلسان حاله يؤكد لسان قاله ‪ ،‬فقد أنكر فرعون‬
‫رسالة موسى نافيا ً أن يكون للناس إله غيره ‪،‬إذن فمن الطبيعي أن يظهر‬
‫فرعون الثقة بنفسه وبموقفه أمام قومه ‪ ،‬وإن كان قومه عالمين بكذبه‬
‫وافترائه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ : 3‬تعليل‪ :‬ففرعون ل يريد أن يقتل موسى ظلما وعدوانا بزعمه بل يريد‬
‫قتل موسى شفقة بقومه وإرادة للصلح وقطع دابر الفساد ‪ ،‬فهو يقبل على‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا المر الصعب خوفا ً من أن يبدل موسى معتقد قومه ‪ ،‬أو أن يظهر في‬
‫الرض الفساد ‪ ،‬إذن فهو درءا ً للفتنة يريد قتل موسى عليه السلم متحديا ً‬
‫بذلك رب موسى سبحانه جل في عله ‪.‬‬
‫والمتأمل في هذا النص القرآني يدرك سفاهة فرعون وكذبه وخداعه ‪ ،‬فأي‬
‫فساد يخافه فرعون على قومه ‪ ،‬وأي دين هذا الذي يخشى فرعون على‬
‫ن َيا أ َي ّها ال ْمَل ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫تبديله ‪ ،‬أما دين فرعون فهو معروف قال تعالى ‪ ) :‬وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صْرحا ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما ُ َ‬ ‫َ‬
‫جَعل لي َ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫ن عَلى الطي ِ‬ ‫ها َ‬‫ري فَأوْقِد ْ ِلي َيا َ‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫م ُ‬
‫َ‬
‫ما عَل ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (38‬القصص‬ ‫بي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫أ‬ ‫لي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫لّ‬
‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َِ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ففرعون ل يرى لقومه إلها ً غيره ‪ ،‬فهو في زعمه المعبود المطاع ‪ ،‬وخل ذلك‬
‫كفر وضلل ‪.‬‬
‫ن‬
‫وأما الصلح الذي يراه ويخاف من تغييره فهو ما قاله الله سبحانه عنه ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ة منهم يذ َب َ‬ ‫ف َ‬ ‫فرعَون عََل في اْل َرض وجع َ َ‬
‫م‬
‫ح أب َْناءهُ ْ‬ ‫ف ً ّ ُْ ْ ُ ّ ُ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫شَيعا ً ي َ ْ‬ ‫ل أهْل ََها ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ ْ َ‬
‫ن )‪ (4‬القصص‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه كا َ‬‫َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ساءهُ ْ‬ ‫حِيي ن ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫وَي َ ْ‬
‫وما يفعله فرعون قمة الفساد ‪ ،‬إل أن هذا الفساد بنظر فرعون إصلح ‪،‬‬
‫ودونه فساد يخشى على قومه منه ‪ ،‬والشاهد في المسألة أن فرعون‬
‫استطاع الحكم على موسى كليم الله سبحانه بالفساد ‪ ،‬وأنه يعمل كل ما‬
‫بوسعه من أجل التخلص من موسى عليه السلم للقضاء على مظاهر الفساد‬
‫جميعها ‪ ،‬وما يفعله فرعون لعنه الله تعالى في رأيه إصلحا ً ورشادا ً ‪ ،‬قال‬
‫ُ‬
‫ما‬‫م إ ِّل َ‬ ‫ما أِريك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫تعالى حاكيا ً عن فرعون في مخاطبته لقومه ‪َ) :‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شاد ِ )‪ (29‬غافر‬ ‫ل الّر َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ما أهْ ِ‬ ‫أَرى وَ َ‬
‫فسبيل الرشاد في نظر فرعون ‪ ،‬محاربة دين الله سبحانه ‪ ،‬وقتل رسله‬
‫وأوليائه ‪ ،‬وإشاعة الفساد في الرض وغير ذلك من الجرائم البشعة ‪.‬‬
‫وإدعاء المور من غير أدلة سياسة فرعونية متكررة واجهها كل النبياء‬
‫والدعاة إلى الله سبحانه ‪ ،‬ول أدل على ذلك من موقف قريش وغيرهم من‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ‪ ،‬فقد ُإتهم صلى الله‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫كاد ُ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عليه وسلم بتهم كثيرة منها ) الجنون ( قال تعالى ‪) :‬وَِإن ي َ َ‬
‫قون َ َ‬
‫ن )‪(51‬القلم‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫ه لَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫مُعوا الذ ّك َْر وَي َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م لَ ّ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫ك ب ِأب ْ َ‬ ‫ل َي ُْزل ِ ُ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ه وََقاُلوا‬ ‫وا عَن ْ ُ‬ ‫م ت َوَل ّ ْ‬


‫ومنها )التلقي عن العداء والمغرضين ( قال تعالى ‪) :‬ث ُ ّ‬
‫ن )‪ (14‬الدخان‬ ‫جُنو ٌ‬‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫معَل ّ ٌ‬ ‫ُ‬
‫فالرسول صلى الله عليه وسلم في نظر قومه متهم مجروح ‪ ،‬يعمل على‬
‫نشر الفساد في الرض ‪ ،‬ويرجعون ذلك إلى أسباب كثيرة منها ما ذكر‬
‫) الجنون والتلقي عن العداء ‪ ،‬والكهانة ‪ ،‬والسحر ( وغيرها من التهم الباطلة‬
‫حُزن ُ َ‬
‫ك‬ ‫ه ل َي َ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫التي يعرفون هم بطلنها كما قال تعالى مبينا ً حقيقتهم ‪) :‬قَد ْ ن َعْل َ ُ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت الل ّهِ ي َ ْ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬
‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ك وَل َك ِ ّ‬
‫م ل َ ي ُك َذ ُّبون َ َ‬
‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬‫قوُلو َ‬‫ذي ي َ ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫النعام‬
‫إذن فليس المر راجعا بالنسبة للكافرين إلى إحقاق حق وإبطال باطل ‪ ،‬بل‬ ‫ً‬
‫إلى إتباع هوى ‪ ،‬فما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم مخالف‬
‫لهوائهم غير محقق لمصالحهم لذا خرجوا على الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم بكل الباطيل التي يعرفونها دفاعا ً عن أهوائهم ومصالحهم ‪ ،‬فلو كانوا‬
‫صادقين بما يفعلونه ضد الرسول صلى الله عليه وسلم لكفاهم أن يأتوا بأدلة‬
‫م ِإن ُ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(157‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫على زعمهم كما قال تعالى ‪ ) :‬فَأُتوا ب ِك َِتاب ِك ُ ْ‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصافات‬
‫فعدول الكافرين عن التيان بأدلة واضحة ونهج كل طريق مستطاع كإنفاق‬
‫أموالهم ‪ ،‬وتعريض أنفسهم للهلك في سبيل صد الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم عن دعوته ‪ ،‬لدليل واضح على عجزهم عن التيان ببينة تدل على‬
‫صدقهم وصحة مواقفهم ‪.‬‬
‫وهذا ما يقال للكافرين اليوم ‪ :‬هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ‪ ،‬ولكن حديثنا‬
‫ليس متوجها ً إلى الكافرين الذين يعملون على تشويه صورة السلم ‪ ،‬فهذا‬
‫ديدنهم وهذا حالهم ل يخفى على أي مسلم ‪ ،‬ولكن حديثنا ومع السف متوجه‬
‫إلى أولئك الذين يلبسون لباس الحق ‪ ،‬ويدعون أنهم أهل حق ودعوة صدق ‪،‬‬
‫ويطلقون للسنتهم العنان في تشويه صورة المخالفين لهم ‪ ،‬واتهامهم بكل‬
‫تهمة دون دليل أو برهان‪ ...‬اللهم إل حدثنا ثقة ؟ ‪...‬‬
‫فنقول لهؤلء جميعا ً ‪ :‬إن سياسة توزيع التهامات على المخالفين لكم من‬
‫غير برهان ‪ ،‬لهي سياسة فرعونية واجهها جميع النبياء والدعاة إلى الله‬
‫سبحانه ‪ ،‬فمجرد التهام ل يعتبر شيئا ً ‪ ،‬بل هو صفة ضعف وعجز ‪ ،‬فلو كان‬
‫المتهم صاحب دليل لتى بدليله وأراح نفسه من عناء التناقضات والتحذير‬
‫والتشويه ‪ ،‬بل كان يكفيه أن يظهر البينة وعندها سيرى الناس بينته ويأخذون‬
‫برأيه دون أن يتكلم بكلمة واحدة ‪ ،‬وهذا واضح للغاية ‪ ،‬أما أن يتعب نفسه‬
‫من أجل تحذير الناس من زيد وعمرو لمجرد مخالفة زيد وعمرو له فهذا‬
‫دليل إتباعه لهواه ونصرته لمذهبه أو حزبه دون تبصر أو هدى ‪.‬‬
‫فمن السهل أن أقول هذا رجل مدعوم ‪ ،‬أو هذا عميل للجهة الفلنية ‪ ،‬أو هذا‬
‫جاهل ل يفقه شيئا ً ‪ ،‬أو ‪ ...‬أو ‪ ،‬ولكن الصعب أن آتي ببينة تدل على صدق‬
‫قولي وعدم تعصبي لحزب ‪ ،‬أو إتباعي لهوى ‪ ،‬ومن ناحية ثانية ‪ ،‬فإن العدول‬
‫عن الرد العلمي المبني على دليل واضح إلى التهام والتشكيك دليل على‬
‫العجز والتجرد من الدليل والبينة ‪ ،‬وهذا عين ما وقع فيه الكافرون أعداء‬
‫الرسل والدعاة وقد قدمنا أمثلة على ذلك ‪.‬‬
‫بل أقول لهؤلء المتهمين للناس من غير بينة ‪ :‬أنتم أحق الناس بما ترمون‬
‫الناس به وأهل له ‪ ،‬وليس هذا قول مفترى بل هو حق ونور وعندنا عليه‬
‫برهان من الله سبحانه ‪ ،‬والدلة على ذلك من وجوه‪:‬‬
‫‪ : 1‬عموم الدلة ‪ ،‬فالكافرون كانوا يعملون على هدم المصالح العامة‬
‫المخالفة لهوائهم تحت ذريعة الصلح والحسان ‪ ،‬وكان واضحا ً وضوح‬
‫الشمس أن ما يرمي به الكافرون المؤمنين ‪ ،‬هو عين ما يقعون فيه ‪ ،‬وبل‬
‫شك فإن الذين يرمون الناس من غير بينة إنما حملهم على ذلك ما حمل‬
‫الكافرين ‪ ،‬فالعلة واحدة ‪ ،‬والصورة هي الصورة ‪.‬‬
‫‪ : 2‬إن المؤمن شديد التوقي والحرص على عدم مخالفة الحق ‪ ،‬فهو منضبط‬
‫بالضوابط الشرعية ‪ ،‬وما يحمله على ذلك خشية الله سبحانه ‪ ،‬وقد عظم‬
‫الله سبحانه مسألة التقول على عباد الله من غير بينة أو دليل ‪ ،‬قال‬
‫ُ‬
‫ملوا‬ ‫حت َ َ‬
‫قد ِ ا ْ‬ ‫سُبوا فَ َ‬‫ما اك ْت َ َ‬
‫ت ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫سبحانه ‪َ ) :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مِبينا ً )‪ (58‬الحزاب‬ ‫ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً ّ‬
‫وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ه الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫س ِفيهِ ا َ ْ‬
‫سك َن َ ُ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬‫ن َ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ِفي ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫م ْ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬وَ َ‬
‫ل ( ‪ .‬رواه المام أحمد في مسنده‪ ،‬ومن‬ ‫ما َقا َ‬ ‫م ّ‬
‫ج ِ‬‫خُر َ‬
‫حّتى ي َ ْ‬‫ردغة الخبال َ‬
‫يسمع هذه النصوص ويوقن بها ثم يتجرأ بعد ذلك على رمي الناس من غير‬
‫بينة لدليل على عدم صدقه وإيمانه ‪ ،‬وعليه يكون أهل ً لما يرمي به الغير ‪.‬‬
‫‪ : 3‬إن رمي المؤمنين بغير بينة لمجرد مخالفة فكر أو نهج ما ‪ ،‬إتباع للظن‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتمخض عن إتباع الهوى ‪ ،‬وقد وصف الله سبحانه أتباع الظن بأنهم اتباع‬
‫ضّلو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬
‫عن َ‬
‫ك َ‬ ‫ض يُ ِ‬
‫من ِفي الْر ِ‬‫كذب والهوى ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬وَِإن ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ‬
‫ن )‪ (116‬النعام‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م إ ِل ّ ي َ ْ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ الظ ّ ّ‬
‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫الل ّهِ ِإن ي َت ّب ُِعو َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن إ ِل ّ الظ ّ ّ‬
‫ن‬ ‫جوه ُ ل ََنا ِإن ت َت ّب ُِعو َ‬
‫خرِ ُ‬‫عل ْم ٍ فَت ُ ْ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫عند َ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫وقال سبحانه ‪ ) :‬قُ ْ‬
‫ل هَ ْ‬
‫ن )‪ 148‬النعام‬ ‫م إ َل ّ ت َ ْ‬ ‫وإ َ‬
‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن أنت ُ ْ‬
‫َِ ْ‬
‫فاتباع الظن تخرص وكذب ‪ ،‬وإل فمن يتهم الخرين ل يخرج عن حالتين ‪،‬‬
‫الولى ‪ :‬أن يكون صاحب بينة ودليل ‪ .‬الثانية ‪ :‬صاحب ظن وهوى ‪ ،‬فإن فقد‬
‫الدليل الصريح الصحيح ‪ ،‬فهو صاحب هوى ‪ ،‬وقد دلت النصوص بشكل واضح‬
‫وقاطع على كذب أصحاب الظن اتباع الهوى ‪.‬‬
‫‪ : 4‬وكذلك فإن اتهام المؤمنين من غير بينة ‪،‬مخالفة صريحة للرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فقد جاء في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه‬
‫دعي‪ ،‬واليمين على من أنكر (‪ .‬فأي إدعاء يقع‬ ‫ة على الم ّ‬ ‫وسلم قال ‪) :‬البين ُ‬
‫على أي إنسان ل بد وأن تقوم عليه بينة ‪ ،‬فإن السلم شدد في حقوق‬
‫المسلمين وجعل ذلك من الضرورات فقد صح عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال في خطبة الوداع في اليوم المشهود ‪) :‬أيها الناس اسمعوا‬
‫قولي ‪ ،‬فإني ل أدري لعلي ل ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا ‪ ،‬أيها‬
‫الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم‬
‫كحرمة يومكم هذا ‪ ،‬وكحرمة شهركم هذا ‪ ،‬وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم‬
‫عن أعمالكم ( ‪ .‬فأعراض المسلمين مصونة ل يجوز لي امرئ أن ينتهكها ‪ ،‬أو‬
‫يشهر بها ‪ ،‬فكيف إذا كان انتهاك عرض المسلم والتشهير به عن غير بينة ؟‬
‫فمن خالف ذلك المر يكون مخالفا ً للرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ومن‬
‫الطبيعي أنه ل يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المسألة‬
‫العظيمة التي تقوم عليها مصالح العباد وحفظ أعراضهم إل متهم مجروح ‪.‬‬
‫‪ : 5‬وكذلك فإن اتهام المسلمين من غير بينة ‪ ،‬وسبهم وتجهيلهم وتحقيرهم‬
‫والعراض عن مقارعة الحجة بالحجة ‪ ،‬لهو دليل العجز والضعف وقلة العلم ‪،‬‬
‫وإل ما الفائدة وراء إطلق التهم المتعددة على العباد ـ كجاهل ‪ ،‬عميل ‪ ،‬حاقد‬
‫ـ وغيرها من غير التيان بدليل ؟ بل لماذا يلجأ المرء إلى مثل هذه التهم‬
‫وعنده البينة ؟ وقد وضحنا فيما مضى من القول ‪ :‬إن اتهام الناس وتوزيع‬
‫اللقاب عليهم من غير بينة ‪ ،‬هو سياسة ماكرة يستعملها الكافرون للصد عن‬
‫سبيل الله سبحانه لعدم استطاعتهم التيان ببينة تدل على صدق مزاعمهم ‪،‬‬
‫وهذا هو حال المسلمين الذين يصدرون التهامات على عباد الله من غير بينة‬
‫اللهم إل أنهم يخالفونهم الرأي ‪ ،‬أو يردون على بعض شبهاتهم ‪ .‬وهذه القضية‬
‫مبنية على أكذوبة أننا أصحاب دعوة حق ‪ ،‬ومن يخالفنا يكون مخالفا ً للحق ‪،‬‬
‫وكل مخالف للحق متهم مجروح ‪ ،‬نعم هذا هو دليلهم ‪ ،‬وهذه هي مرجعيتهم ‪،‬‬
‫فلو أنهم أقاموا ولءهم وبراءهم على قاعدة قولنا صواب يحتمل الخطأ ‪،‬‬
‫وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب ‪ ،‬لعلموا يقينا ً أنهم ل يمثلون الحق ‪ ،‬ول‬
‫ينحصر الحق في دعوتهم ‪ ،‬بل قد يكون الحق مع غيرهم ‪ ،‬وعليه ل ينظرون‬
‫إلى مخالفيهم على أنهم حجر عثرة أمام العمل السلمي ‪ ،‬وأنهم يهدمون ما‬
‫يبنون ‪ ،‬وأن من رد عليهم يعتبر مخالفا ً للحق حاقدا ً على أتباعه ‪ ،‬ولكنها‬
‫للسف التربية الحزبية السخيفة التي تربي أبناءها على تقديس الشخاص‬
‫واستلهام الحق من أفواههم وأعمالهم ‪ ،‬وأن كل من يخالفهم فهو مخالف‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للحق معاد له ‪ ،‬ل بد من استباحة عرضه دون أدنى ورع ‪.‬‬


‫ويا ليت المسألة وصلت إلى هذا الحد ‪ ،‬بل تعدته إلى ما هو أعظم منه ‪،‬‬
‫تعدت إلى الحكم على بواطن العباد والشق عن قلوبهم ‪ ،‬فإنك ترى الرجل‬
‫يعتاد المساجد ‪ ،‬ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ‪ ،‬ول يقع في فاحشة ‪ ،‬ول‬
‫‪ ...‬ول ‪ ...‬إلى غيره ‪ ،‬ومع ذلك يتهم بنفسه ‪ ،‬كأن يقال‪ :‬هذا منافق ‪ ،‬أو هذا‬
‫حاقد ‪ ،‬فسبحان الله إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكشف عن‬
‫المنافقين الخلص الذين علم نفاقهم بالوحي رغم الخطار التي تصيب المة‬
‫حكم بنفاقه لمجرد أنه‬ ‫منهم ‪،‬ولم يأمر المسلمين باتهامهم ‪ ،‬فكيف بمن ُ‬
‫مخالف للحزب الفلني أو منتقد له ؟؟؟؟‬
‫فسبحان الله ‪ ،‬كيف يعتبر أولئك أنفسهم أنهم أصحاب دعوة حق ‪ ،‬وموقف‬
‫صدق ‪ ،‬رغم ما فيهم من المخالفات الواضحات لليات المحكمات ‪ ،‬وما عليه‬
‫أهل السنة والجماعة ؟‬
‫أخي المسلم ‪ :‬إذا كان اتهام أي مسلم كبيرة من الكبائر ‪ ،‬فكيف بأن يكون‬
‫المسلم المتهم عالما ً أو داعيا ً قد وقف نفسه لنصرة هذا الدين ؟ كيف بأن‬
‫داما ً لفكار الكفر ‪ ،‬مبينا ً حقيقة الكافرين ؟؟‬
‫يكون المتهم مربيا ً لجيال ‪ ،‬أو ه ّ‬
‫وذنبه أنه غير موافق للحزب ‪ ،‬أو منتقد له مبينا ً أخطاءه ‪ ،‬ولو يعلم هؤلء‬
‫عظمة ما يقترفونه من آثام لقلعوا عن هذا الذنب العظيم الذي تبرأ صلى‬
‫الله عليه وسلم من أصحابه كما جاء في الحديث الصحيح ‪) :‬ليس منا من لم‬
‫يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ومن لم يعرف لعالمنا حقه ( ‪ .‬رواه الترمذي عن‬
‫أنس رضي الله تعالى عنه ‪.‬‬
‫فانظر أخي الحبيب كيف يتبرأ الرسول صلى الله عليه سلم من الذين ل‬
‫يعرفون للعلماء حقوقهم ‪ ،‬فكيف بمن يتهجم عليهم أو يتهمهم ؟ إنها والله‬
‫مسألة عظيمة ل يقع فيها إل أصحاب الهوى ضعاف اليمان أتباع الرجال‬
‫نسأل الله العافية ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫واعلم أيضا ً أخي الحبيب ‪ ،‬أن العالم ل يجوز تتبع زلته أو إظهارها أو التحدث‬
‫بها إل أن تكون حدا ً من حدود الله سبحانه لما جاء في الحديث الصحيح أن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إل‬
‫الحدود( ‪ .‬أخرجه أبو داود وأحمد‪.‬‬
‫وهذا حديث صريح الدللة بعدم جواز انتهاك حرمة العلماء وتتبع عثراتهم ‪،‬‬
‫وأنه يعفى عن زلتهم إل أن تكون حدا ً من حدود الله سبحانه ‪ ،‬فانظر يرحمك‬
‫الله إلى ما يقع فيه المتحزبون اليوم واحكم عليه من خلل المقاييس‬
‫الشرعية وانظر ماذا ترى ؟‬
‫شبة والرد عليها ‪:‬‬
‫أخي الحبيب ‪ :‬يحسن في هذا المقام أن أورد شبهة من شبهات المنتهكين‬
‫لعراض العلماء بسبب مخالفتهم وانتقادهم لهم من خلل ما يدل عليه لسان‬
‫حالهم ‪.‬‬
‫وتكمن هذه الشبهة بجواز الكذب على الخرين بغية تسويق الفكر أو الدفاع‬
‫عنه ‪ ،‬وهذه المسألة ترجع إلى ما ذكرت من كون هؤلء يعتبرون أنفسهم‬
‫على حق ‪ ،‬وأن من ينتقدهم يعتبر منتقدا ً للحق وعليه يجوز فضحه حتى بما‬
‫ليس فيه بناء على جواز الكذب للمصلحة العامة ‪.‬‬
‫والرد على هذه الشبهة واضح ويتلخص في وجهين ‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الول ‪:‬‬
‫‪ : 1‬إن الكذب الجائزل يسار إليه إل في حال انعدام الصدق ‪ ،‬وسد الطرق‬
‫كلها إلى الحل ‪ ،‬أما إن كان هنالك طريق يوصلنا إلى الحل ‪ ،‬فالكذب في هذه‬
‫الحالة ل يجوز ‪.‬‬
‫‪ : 2‬إن الكذب الجائز ‪ ،‬هو الكذب الذي يؤدي إلى إصلح ذات البين ‪ ،‬ل‬
‫الكذب الذي يؤدي إلى الفساد وتشويه العباد ‪ ،‬كما هو الحال في هذه‬
‫المسألة ‪.‬‬
‫‪ : 3‬إن الكذب الجائز‪ ،‬هو الكذب الذي يصب في مصلحة المسلمين‪ ،‬ل‬
‫الكذب الذي يصب في مصلحة حزب أو جماعة أو شيخ وما إلى ذلك ‪ ،‬فهذا‬
‫قياس مع الفارق ‪.‬‬
‫الثاني ‪:‬‬
‫إن دعوة النبياء ما قامت على الكذب والخداع والتلبيس ‪ ،‬بل قامت على‬
‫قد ْ‬ ‫اليات القاطعة والبراهين الواضحة ‪ ،‬والحجج الدامغة ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬ل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ط‬‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِبال ْ ِ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ل ِي َ ُ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫معَهُ ُ‬ ‫ت وَأنَزل َْنا َ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫أْر َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫سل َ ُ‬
‫ه‬ ‫صُرهُ وَُر ُ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬ ‫ديد ٌ وَ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫س َ‬ ‫ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَأنَزل َْنا ال ْ َ‬
‫زيٌز )‪ (25‬الحديد‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫وهذه الية الكريمة تدل على حقائق عدة ‪:‬‬
‫‪ : 1‬أن الله سبحانه عزز الرسل بالبينات ‪ ،‬أي بالدلئل الواضحات المادية‬
‫والمعنوية ‪ ،‬فلم يرسل الله سبحانه النبياء بالغراءات المادية ‪ ،‬أو بالحديد‬
‫والنار ‪ ،‬والبينة تدل على الصدق والحقائق والبراهين والقوة ‪ ،‬وهذا خلف ما‬
‫يدل عليه الكذب وتغيير الحقائق ‪.‬‬
‫‪ : 2‬أن الله سبحانه أرسل الرسل ليقوم الناس بالقسط ‪ ،‬أي بالعدل وهذا ما‬
‫ت إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫أمر المؤمنين به إذ قال سبحانه ‪ ) :‬إن الل ّه يأ ْمرك ُ َ‬
‫ماَنا ِ‬ ‫م أن ُتؤّدوا ْ ال َ‬ ‫َ َ ُ ُ ْ‬ ‫ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ما ي َعِظكم ب ِهِ إ ِ ّ‬ ‫ه ن ِعِ ّ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫موا ِبالعَد ْ ِ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫س أن ت َ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫مُتم ب َي ْ َ‬ ‫حك َ ْ‬ ‫أهْل َِها وَإ َِذا َ‬
‫صيرا ً )‪ (58‬النساء‬ ‫ميعا ً ب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫والعدل نقيض الظلم ‪ ،‬وهو يقتضي الصدق والحق ‪ ،‬ل الكذب والفتراءات ‪،‬‬
‫وهذا خلف ما عليه القوم ‪ ،‬إذ يرى هؤلء أن الكذب وظلم العباد من أجل‬
‫تحقيق مصالحهم أسلوبا ً شرعيا ً وهذا كما قلت قياس مع الفارق ‪.‬‬
‫‪ : 3‬بينت الية الكريمة أن الذين يتبعون الحق وينصرونه ‪ ،‬هم الذين يلتزمون‬
‫ب(‪.‬‬ ‫ه ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫صُره ُ وَُر ُ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫بأحكام هذه الية إذ قال تعالى ‪ ) :‬وَل ِي َعْل َ َ‬
‫أي أرسل الله سبحانه رسله بالبينات وأمر الناس بالعدل ليعلم من يتبع الحق‬
‫ممن يعرض عنه ‪.‬‬
‫وبهذا أخي الحبيب تعلم أن ما يتبعه هؤلء في نهجهم يعارض بوضوح المنهج‬
‫الحق ‪ ،‬وعليه فإن كل كلمة تصدر بحق أي إنسان ل بد وأن تكون قائمة على‬
‫دليل حقيقي لنا فيها من الله برهان ‪ ،‬أما الخروج على عباد الله دون تثبت أو‬
‫دليل لهو إتباع للظن الذي ل يغني من الحق شيئا ً ‪ ،‬ودليل واضح على ضعف‬
‫وعجز أصحابه نسأل الله العفو والعافية ‪.‬‬
‫كلمة أخيرة ‪:‬‬
‫فظُ‬ ‫ما ي َل ِْ‬ ‫وأخيرا ً أذكر أولئك الذين يطعنون بالناس دون تثبت بقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ب عَِتيد ٌ )‪ (18‬ق‬ ‫ل إ ِّل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ‬ ‫من قَوْ ٍ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقوله تعالى ‪ ) :‬إ ِذ ْ ت َل ّ‬
‫عل ٌ‬ ‫س لكم ب ِهِ ِ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫واهِكم ّ‬ ‫ن ب ِأف َ‬ ‫قولو َ‬ ‫م وَت َ ُ‬ ‫سن َت ِك ْ‬ ‫ه ب ِأل ِ‬ ‫قوْن َ ُ‬
‫م )‪ (15‬النور‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ّ‬
‫عند َ اللهِ عَ ِ‬ ‫ه هَّينا ً وَهُوَ ِ‬ ‫سُبون َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫قد ِ‬ ‫َ‬
‫سُبوا ف َ‬ ‫ما اكت َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫ْ‬
‫مؤ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ي ُؤذو َ‬ ‫ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقوله تعالى ‪َ ) :‬وال ِ‬
‫مِبينا ً )‪ (58‬النور‬ ‫مُلوا ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً ّ‬ ‫حت َ َ‬ ‫ا ْ‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد جاء في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه ‪ ) :‬أويأخذ بما يقولون ؟ قال ‪:‬‬
‫ثكلتك أمك ‪ ،‬وهل يكب الناس على وجوههم يوم القيامة إل حصائد ألسنتهم (‬
‫‪.‬‬
‫وبهذا أخي الحبيب تعلم خطورة المر وأنك مسؤول عنه يوم القيامة ‪ ،‬نسأل‬
‫الله لنا ولك ولجميع المسلمين العفو والعافية إنه سميع مجيب‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫وكتب ‪ :‬إبراهيم بن عبد العزيز بركات‬
‫‪ 1/1/1426‬هـ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لكل قول حقيقة‬


‫‪10-02-2005‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫فمن السهل أن يتحدث المرء بما يريد ‪ ،‬بل لن يجد النسان أي صعوبة في‬
‫نشر التهامات وتوزيع اللقاب على الخرين ‪ ،‬وكذلك من السهل تغيير‬
‫الحقائق وقلب المور بحيث يصبح الصادق كاذبا ً ‪ ،‬والكاذب صادقا ً ‪ ،‬والمين‬
‫خائنا ً ‪ ،‬والخائن أمينا ً ‪ ،‬وتغيير الحقائق سياسة جديدة قديمة ‪ ،‬قد أشار إليها‬
‫القرآن الكريم فعلى سبيل المثال قوله تعالى عن فرعون عليه من الله ما‬
‫ل‬‫ف َأن ي ُب َد ّ َ‬
‫خا ُ‬ ‫ه إ ِّني أ َ َ‬
‫سى وَل ْي َد ْع ُ َرب ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن ذ َُروِني أ َقْت ُ ْ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬‫يستحق ‪) :‬وََقا َ‬
‫ساد َ )‪ (26‬غافر‪.‬‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫دينك ُ َ َ‬
‫ف َ‬ ‫م أوْ أن ي ُظهَِر ِفي الْر ِ‬ ‫ِ َ ْ‬
‫ً‬
‫وهذه الية الكريمة تضمنت أمورا عدة ‪:‬‬
‫‪ : 1‬اعتذار ‪ :‬ففرعون ل يريد أن يفعل أي فعل من تلقاء نفسه ‪ ،‬فهو يريد‬
‫موافقة قومه وإذنهم رغم أنه المتفرد بالقرار السائل الذي ل يسأل ‪ ،‬فهو‬
‫يستأذن قومه بقتل موسى‪ ،‬ولو أقبل على قتل موسى دون أن يستأذن قومه‬
‫لما واجه أي اعتراض ‪ ،‬فقومه قد أذعنوا له بالطاعة والنقياد وأقروا له‬
‫بالربوبية وهم على علم ويقين بأن ذلك ضلل محض وباطل ل حقيقة له قال‬
‫ف‬‫م ظ ُْلما ً وَعُل ُوّا ً َفانظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫قن َت َْها َأن ُ‬
‫ست َي ْ َ‬
‫دوا ب َِها َوا ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫تعالى حاكيا ً عنهم ‪) :‬وَ َ‬
‫ن )‪ (14‬النمل‪.‬‬ ‫دي َ‬
‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫ولكنها الهواء التي تجعل من أصحابها ذيول ً ل عقول لهم ‪ ،‬ول إرادة ‪ ،‬تقّلبهم‬
‫المصالح في دياجير الباطل والظلم والستبداد دون أدنى تفكر أو اعتبار ‪،‬‬
‫ومع هذا يستأذن فرعون قومه ليجعل من نفسه الحاكم المين الذي ل يخطو‬
‫أي خطوة إل بموافقة قومه ومباركتهم ‪ ،‬فهم رأس ماله إذ ل وجود له إل بهم‬
‫‪ ،‬وهكذا تنبني حياة الكذب والباطيل بين الراعي والرعية ‪ ،‬فالراعي يعلم‬
‫حقيقة نفسه ‪ ،‬وكذلك الرعية يعرفون ذلك جيدا ً ‪.‬‬
‫‪ : 2‬تحدي ‪ :‬وذلك في قوله ‪ ) :‬وليدع ربه ( ‪ .‬فقد جاء هذا القول بعيد قوله‬
‫لقومه ذروني اقتل موسى ‪ ،‬فهو يريد قتل موسى بلهجة المتحدي الذي ل‬
‫يخاف عواقب المور ‪ ،‬فلسان حاله يؤكد لسان قاله ‪ ،‬فقد أنكر فرعون‬
‫رسالة موسى نافيا ً أن يكون للناس إله غيره ‪،‬إذن فمن الطبيعي أن يظهر‬
‫فرعون الثقة بنفسه وبموقفه أمام قومه ‪ ،‬وإن كان قومه عالمين بكذبه‬
‫وافترائه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ : 3‬تعليل‪ :‬ففرعون ل يريد أن يقتل موسى ظلما وعدوانا بزعمه بل يريد‬
‫قتل موسى شفقة بقومه وإرادة للصلح وقطع دابر الفساد ‪ ،‬فهو يقبل على‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا المر الصعب خوفا ً من أن يبدل موسى معتقد قومه ‪ ،‬أو أن يظهر في‬
‫الرض الفساد ‪ ،‬إذن فهو درءا ً للفتنة يريد قتل موسى عليه السلم متحديا ً‬
‫بذلك رب موسى سبحانه جل في عله ‪.‬‬
‫والمتأمل في هذا النص القرآني يدرك سفاهة فرعون وكذبه وخداعه ‪ ،‬فأي‬
‫فساد يخافه فرعون على قومه ‪ ،‬وأي دين هذا الذي يخشى فرعون على‬
‫ن َيا أ َي ّها ال ْمَل ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫تبديله ‪ ،‬أما دين فرعون فهو معروف قال تعالى ‪ ) :‬وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صْرحا ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما ُ َ‬ ‫َ‬
‫جَعل لي َ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫ن عَلى الطي ِ‬ ‫ها َ‬‫ري فَأوْقِد ْ ِلي َيا َ‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫م ُ‬
‫َ‬
‫ما عَل ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (38‬القصص‬ ‫بي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫أ‬ ‫لي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫لّ‬
‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َِ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ففرعون ل يرى لقومه إلها ً غيره ‪ ،‬فهو في زعمه المعبود المطاع ‪ ،‬وخل ذلك‬
‫كفر وضلل ‪.‬‬
‫ن‬
‫وأما الصلح الذي يراه ويخاف من تغييره فهو ما قاله الله سبحانه عنه ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ة منهم يذ َب َ‬ ‫ف َ‬ ‫فرعَون عََل في اْل َرض وجع َ َ‬
‫م‬
‫ح أب َْناءهُ ْ‬ ‫ف ً ّ ُْ ْ ُ ّ ُ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫شَيعا ً ي َ ْ‬ ‫ل أهْل ََها ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ ْ َ‬
‫ن )‪ (4‬القصص‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه كا َ‬‫َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ساءهُ ْ‬ ‫حِيي ن ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫وَي َ ْ‬
‫وما يفعله فرعون قمة الفساد ‪ ،‬إل أن هذا الفساد بنظر فرعون إصلح ‪،‬‬
‫ودونه فساد يخشى على قومه منه ‪ ،‬والشاهد في المسألة أن فرعون‬
‫استطاع الحكم على موسى كليم الله سبحانه بالفساد ‪ ،‬وأنه يعمل كل ما‬
‫بوسعه من أجل التخلص من موسى عليه السلم للقضاء على مظاهر الفساد‬
‫جميعها ‪ ،‬وما يفعله فرعون لعنه الله تعالى في رأيه إصلحا ً ورشادا ً ‪ ،‬قال‬
‫ُ‬
‫ما‬‫م إ ِّل َ‬ ‫ما أِريك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫تعالى حاكيا ً عن فرعون في مخاطبته لقومه ‪َ) :‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شاد ِ )‪ (29‬غافر‬ ‫ل الّر َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ما أهْ ِ‬ ‫أَرى وَ َ‬
‫فسبيل الرشاد في نظر فرعون ‪ ،‬محاربة دين الله سبحانه ‪ ،‬وقتل رسله‬
‫وأوليائه ‪ ،‬وإشاعة الفساد في الرض وغير ذلك من الجرائم البشعة ‪.‬‬
‫وإدعاء المور من غير أدلة سياسة فرعونية متكررة واجهها كل النبياء‬
‫والدعاة إلى الله سبحانه ‪ ،‬ول أدل على ذلك من موقف قريش وغيرهم من‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ‪ ،‬فقد ُإتهم صلى الله‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫كاد ُ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عليه وسلم بتهم كثيرة منها ) الجنون ( قال تعالى ‪) :‬وَِإن ي َ َ‬
‫قون َ َ‬
‫ن )‪(51‬القلم‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫ه لَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫مُعوا الذ ّك َْر وَي َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م لَ ّ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫ك ب ِأب ْ َ‬ ‫ل َي ُْزل ِ ُ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ه وََقاُلوا‬ ‫وا عَن ْ ُ‬ ‫م ت َوَل ّ ْ‬


‫ومنها )التلقي عن العداء والمغرضين ( قال تعالى ‪) :‬ث ُ ّ‬
‫ن )‪ (14‬الدخان‬ ‫جُنو ٌ‬‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫معَل ّ ٌ‬ ‫ُ‬
‫فالرسول صلى الله عليه وسلم في نظر قومه متهم مجروح ‪ ،‬يعمل على‬
‫نشر الفساد في الرض ‪ ،‬ويرجعون ذلك إلى أسباب كثيرة منها ما ذكر‬
‫) الجنون والتلقي عن العداء ‪ ،‬والكهانة ‪ ،‬والسحر ( وغيرها من التهم الباطلة‬
‫حُزن ُ َ‬
‫ك‬ ‫ه ل َي َ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫التي يعرفون هم بطلنها كما قال تعالى مبينا ً حقيقتهم ‪) :‬قَد ْ ن َعْل َ ُ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت الل ّهِ ي َ ْ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬
‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ك وَل َك ِ ّ‬
‫م ل َ ي ُك َذ ُّبون َ َ‬
‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬‫قوُلو َ‬‫ذي ي َ ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫النعام‬
‫إذن فليس المر راجعا بالنسبة للكافرين إلى إحقاق حق وإبطال باطل ‪ ،‬بل‬ ‫ً‬
‫إلى إتباع هوى ‪ ،‬فما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم مخالف‬
‫لهوائهم غير محقق لمصالحهم لذا خرجوا على الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم بكل الباطيل التي يعرفونها دفاعا ً عن أهوائهم ومصالحهم ‪ ،‬فلو كانوا‬
‫صادقين بما يفعلونه ضد الرسول صلى الله عليه وسلم لكفاهم أن يأتوا بأدلة‬
‫م ِإن ُ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(157‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫على زعمهم كما قال تعالى ‪ ) :‬فَأُتوا ب ِك َِتاب ِك ُ ْ‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصافات‬
‫فعدول الكافرين عن التيان بأدلة واضحة ونهج كل طريق مستطاع كإنفاق‬
‫أموالهم ‪ ،‬وتعريض أنفسهم للهلك في سبيل صد الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم عن دعوته ‪ ،‬لدليل واضح على عجزهم عن التيان ببينة تدل على‬
‫صدقهم وصحة مواقفهم ‪.‬‬
‫وهذا ما يقال للكافرين اليوم ‪ :‬هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ‪ ،‬ولكن حديثنا‬
‫ليس متوجها ً إلى الكافرين الذين يعملون على تشويه صورة السلم ‪ ،‬فهذا‬
‫ديدنهم وهذا حالهم ل يخفى على أي مسلم ‪ ،‬ولكن حديثنا ومع السف متوجه‬
‫إلى أولئك الذين يلبسون لباس الحق ‪ ،‬ويدعون أنهم أهل حق ودعوة صدق ‪،‬‬
‫ويطلقون للسنتهم العنان في تشويه صورة المخالفين لهم ‪ ،‬واتهامهم بكل‬
‫تهمة دون دليل أو برهان‪ ...‬اللهم إل حدثنا ثقة ؟ ‪...‬‬
‫فنقول لهؤلء جميعا ً ‪ :‬إن سياسة توزيع التهامات على المخالفين لكم من‬
‫غير برهان ‪ ،‬لهي سياسة فرعونية واجهها جميع النبياء والدعاة إلى الله‬
‫سبحانه ‪ ،‬فمجرد التهام ل يعتبر شيئا ً ‪ ،‬بل هو صفة ضعف وعجز ‪ ،‬فلو كان‬
‫المتهم صاحب دليل لتى بدليله وأراح نفسه من عناء التناقضات والتحذير‬
‫والتشويه ‪ ،‬بل كان يكفيه أن يظهر البينة وعندها سيرى الناس بينته ويأخذون‬
‫برأيه دون أن يتكلم بكلمة واحدة ‪ ،‬وهذا واضح للغاية ‪ ،‬أما أن يتعب نفسه‬
‫من أجل تحذير الناس من زيد وعمرو لمجرد مخالفة زيد وعمرو له فهذا‬
‫دليل إتباعه لهواه ونصرته لمذهبه أو حزبه دون تبصر أو هدى ‪.‬‬
‫فمن السهل أن أقول هذا رجل مدعوم ‪ ،‬أو هذا عميل للجهة الفلنية ‪ ،‬أو هذا‬
‫جاهل ل يفقه شيئا ً ‪ ،‬أو ‪ ...‬أو ‪ ،‬ولكن الصعب أن آتي ببينة تدل على صدق‬
‫قولي وعدم تعصبي لحزب ‪ ،‬أو إتباعي لهوى ‪ ،‬ومن ناحية ثانية ‪ ،‬فإن العدول‬
‫عن الرد العلمي المبني على دليل واضح إلى التهام والتشكيك دليل على‬
‫العجز والتجرد من الدليل والبينة ‪ ،‬وهذا عين ما وقع فيه الكافرون أعداء‬
‫الرسل والدعاة وقد قدمنا أمثلة على ذلك ‪.‬‬
‫بل أقول لهؤلء المتهمين للناس من غير بينة ‪ :‬أنتم أحق الناس بما ترمون‬
‫الناس به وأهل له ‪ ،‬وليس هذا قول مفترى بل هو حق ونور وعندنا عليه‬
‫برهان من الله سبحانه ‪ ،‬والدلة على ذلك من وجوه‪:‬‬
‫‪ : 1‬عموم الدلة ‪ ،‬فالكافرون كانوا يعملون على هدم المصالح العامة‬
‫المخالفة لهوائهم تحت ذريعة الصلح والحسان ‪ ،‬وكان واضحا ً وضوح‬
‫الشمس أن ما يرمي به الكافرون المؤمنين ‪ ،‬هو عين ما يقعون فيه ‪ ،‬وبل‬
‫شك فإن الذين يرمون الناس من غير بينة إنما حملهم على ذلك ما حمل‬
‫الكافرين ‪ ،‬فالعلة واحدة ‪ ،‬والصورة هي الصورة ‪.‬‬
‫‪ : 2‬إن المؤمن شديد التوقي والحرص على عدم مخالفة الحق ‪ ،‬فهو منضبط‬
‫بالضوابط الشرعية ‪ ،‬وما يحمله على ذلك خشية الله سبحانه ‪ ،‬وقد عظم‬
‫الله سبحانه مسألة التقول على عباد الله من غير بينة أو دليل ‪ ،‬قال‬
‫ُ‬
‫ملوا‬ ‫حت َ َ‬
‫قد ِ ا ْ‬ ‫سُبوا فَ َ‬‫ما اك ْت َ َ‬
‫ت ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫سبحانه ‪َ ) :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مِبينا ً )‪ (58‬الحزاب‬ ‫ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً ّ‬
‫وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ه الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫س ِفيهِ ا َ ْ‬
‫سك َن َ ُ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬‫ن َ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ِفي ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫م ْ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬وَ َ‬
‫ل ( ‪ .‬رواه المام أحمد في مسنده‪ ،‬ومن‬ ‫ما َقا َ‬ ‫م ّ‬
‫ج ِ‬‫خُر َ‬
‫حّتى ي َ ْ‬‫ردغة الخبال َ‬
‫يسمع هذه النصوص ويوقن بها ثم يتجرأ بعد ذلك على رمي الناس من غير‬
‫بينة لدليل على عدم صدقه وإيمانه ‪ ،‬وعليه يكون أهل ً لما يرمي به الغير ‪.‬‬
‫‪ : 3‬إن رمي المؤمنين بغير بينة لمجرد مخالفة فكر أو نهج ما ‪ ،‬إتباع للظن‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتمخض عن إتباع الهوى ‪ ،‬وقد وصف الله سبحانه أتباع الظن بأنهم اتباع‬
‫ضّلو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬
‫عن َ‬
‫ك َ‬ ‫ض يُ ِ‬
‫من ِفي الْر ِ‬‫كذب والهوى ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬وَِإن ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ‬
‫ن )‪ (116‬النعام‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م إ ِل ّ ي َ ْ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ الظ ّ ّ‬
‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫الل ّهِ ِإن ي َت ّب ُِعو َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن إ ِل ّ الظ ّ ّ‬
‫ن‬ ‫جوه ُ ل ََنا ِإن ت َت ّب ُِعو َ‬
‫خرِ ُ‬‫عل ْم ٍ فَت ُ ْ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫عند َ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫وقال سبحانه ‪ ) :‬قُ ْ‬
‫ل هَ ْ‬
‫ن )‪ 148‬النعام‬ ‫م إ َل ّ ت َ ْ‬ ‫وإ َ‬
‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن أنت ُ ْ‬
‫َِ ْ‬
‫فاتباع الظن تخرص وكذب ‪ ،‬وإل فمن يتهم الخرين ل يخرج عن حالتين ‪،‬‬
‫الولى ‪ :‬أن يكون صاحب بينة ودليل ‪ .‬الثانية ‪ :‬صاحب ظن وهوى ‪ ،‬فإن فقد‬
‫الدليل الصريح الصحيح ‪ ،‬فهو صاحب هوى ‪ ،‬وقد دلت النصوص بشكل واضح‬
‫وقاطع على كذب أصحاب الظن اتباع الهوى ‪.‬‬
‫‪ : 4‬وكذلك فإن اتهام المؤمنين من غير بينة ‪،‬مخالفة صريحة للرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فقد جاء في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه‬
‫دعي‪ ،‬واليمين على من أنكر (‪ .‬فأي إدعاء يقع‬ ‫ة على الم ّ‬ ‫وسلم قال ‪) :‬البين ُ‬
‫على أي إنسان ل بد وأن تقوم عليه بينة ‪ ،‬فإن السلم شدد في حقوق‬
‫المسلمين وجعل ذلك من الضرورات فقد صح عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال في خطبة الوداع في اليوم المشهود ‪) :‬أيها الناس اسمعوا‬
‫قولي ‪ ،‬فإني ل أدري لعلي ل ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا ‪ ،‬أيها‬
‫الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم‬
‫كحرمة يومكم هذا ‪ ،‬وكحرمة شهركم هذا ‪ ،‬وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم‬
‫عن أعمالكم ( ‪ .‬فأعراض المسلمين مصونة ل يجوز لي امرئ أن ينتهكها ‪ ،‬أو‬
‫يشهر بها ‪ ،‬فكيف إذا كان انتهاك عرض المسلم والتشهير به عن غير بينة ؟‬
‫فمن خالف ذلك المر يكون مخالفا ً للرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ومن‬
‫الطبيعي أنه ل يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المسألة‬
‫العظيمة التي تقوم عليها مصالح العباد وحفظ أعراضهم إل متهم مجروح ‪.‬‬
‫‪ : 5‬وكذلك فإن اتهام المسلمين من غير بينة ‪ ،‬وسبهم وتجهيلهم وتحقيرهم‬
‫والعراض عن مقارعة الحجة بالحجة ‪ ،‬لهو دليل العجز والضعف وقلة العلم ‪،‬‬
‫وإل ما الفائدة وراء إطلق التهم المتعددة على العباد ـ كجاهل ‪ ،‬عميل ‪ ،‬حاقد‬
‫ـ وغيرها من غير التيان بدليل ؟ بل لماذا يلجأ المرء إلى مثل هذه التهم‬
‫وعنده البينة ؟ وقد وضحنا فيما مضى من القول ‪ :‬إن اتهام الناس وتوزيع‬
‫اللقاب عليهم من غير بينة ‪ ،‬هو سياسة ماكرة يستعملها الكافرون للصد عن‬
‫سبيل الله سبحانه لعدم استطاعتهم التيان ببينة تدل على صدق مزاعمهم ‪،‬‬
‫وهذا هو حال المسلمين الذين يصدرون التهامات على عباد الله من غير بينة‬
‫اللهم إل أنهم يخالفونهم الرأي ‪ ،‬أو يردون على بعض شبهاتهم ‪ .‬وهذه القضية‬
‫مبنية على أكذوبة أننا أصحاب دعوة حق ‪ ،‬ومن يخالفنا يكون مخالفا ً للحق ‪،‬‬
‫وكل مخالف للحق متهم مجروح ‪ ،‬نعم هذا هو دليلهم ‪ ،‬وهذه هي مرجعيتهم ‪،‬‬
‫فلو أنهم أقاموا ولءهم وبراءهم على قاعدة قولنا صواب يحتمل الخطأ ‪،‬‬
‫وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب ‪ ،‬لعلموا يقينا ً أنهم ل يمثلون الحق ‪ ،‬ول‬
‫ينحصر الحق في دعوتهم ‪ ،‬بل قد يكون الحق مع غيرهم ‪ ،‬وعليه ل ينظرون‬
‫إلى مخالفيهم على أنهم حجر عثرة أمام العمل السلمي ‪ ،‬وأنهم يهدمون ما‬
‫يبنون ‪ ،‬وأن من رد عليهم يعتبر مخالفا ً للحق حاقدا ً على أتباعه ‪ ،‬ولكنها‬
‫للسف التربية الحزبية السخيفة التي تربي أبناءها على تقديس الشخاص‬
‫واستلهام الحق من أفواههم وأعمالهم ‪ ،‬وأن كل من يخالفهم فهو مخالف‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للحق معاد له ‪ ،‬ل بد من استباحة عرضه دون أدنى ورع ‪.‬‬


‫ويا ليت المسألة وصلت إلى هذا الحد ‪ ،‬بل تعدته إلى ما هو أعظم منه ‪،‬‬
‫تعدت إلى الحكم على بواطن العباد والشق عن قلوبهم ‪ ،‬فإنك ترى الرجل‬
‫يعتاد المساجد ‪ ،‬ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ‪ ،‬ول يقع في فاحشة ‪ ،‬ول‬
‫‪ ...‬ول ‪ ...‬إلى غيره ‪ ،‬ومع ذلك يتهم بنفسه ‪ ،‬كأن يقال‪ :‬هذا منافق ‪ ،‬أو هذا‬
‫حاقد ‪ ،‬فسبحان الله إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكشف عن‬
‫المنافقين الخلص الذين علم نفاقهم بالوحي رغم الخطار التي تصيب المة‬
‫حكم بنفاقه لمجرد أنه‬ ‫منهم ‪،‬ولم يأمر المسلمين باتهامهم ‪ ،‬فكيف بمن ُ‬
‫مخالف للحزب الفلني أو منتقد له ؟؟؟؟‬
‫فسبحان الله ‪ ،‬كيف يعتبر أولئك أنفسهم أنهم أصحاب دعوة حق ‪ ،‬وموقف‬
‫صدق ‪ ،‬رغم ما فيهم من المخالفات الواضحات لليات المحكمات ‪ ،‬وما عليه‬
‫أهل السنة والجماعة ؟‬
‫أخي المسلم ‪ :‬إذا كان اتهام أي مسلم كبيرة من الكبائر ‪ ،‬فكيف بأن يكون‬
‫المسلم المتهم عالما ً أو داعيا ً قد وقف نفسه لنصرة هذا الدين ؟ كيف بأن‬
‫داما ً لفكار الكفر ‪ ،‬مبينا ً حقيقة الكافرين ؟؟‬
‫يكون المتهم مربيا ً لجيال ‪ ،‬أو ه ّ‬
‫وذنبه أنه غير موافق للحزب ‪ ،‬أو منتقد له مبينا ً أخطاءه ‪ ،‬ولو يعلم هؤلء‬
‫عظمة ما يقترفونه من آثام لقلعوا عن هذا الذنب العظيم الذي تبرأ صلى‬
‫الله عليه وسلم من أصحابه كما جاء في الحديث الصحيح ‪) :‬ليس منا من لم‬
‫يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ومن لم يعرف لعالمنا حقه ( ‪ .‬رواه الترمذي عن‬
‫أنس رضي الله تعالى عنه ‪.‬‬
‫فانظر أخي الحبيب كيف يتبرأ الرسول صلى الله عليه سلم من الذين ل‬
‫يعرفون للعلماء حقوقهم ‪ ،‬فكيف بمن يتهجم عليهم أو يتهمهم ؟ إنها والله‬
‫مسألة عظيمة ل يقع فيها إل أصحاب الهوى ضعاف اليمان أتباع الرجال‬
‫نسأل الله العافية ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫واعلم أيضا ً أخي الحبيب ‪ ،‬أن العالم ل يجوز تتبع زلته أو إظهارها أو التحدث‬
‫بها إل أن تكون حدا ً من حدود الله سبحانه لما جاء في الحديث الصحيح أن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إل‬
‫الحدود( ‪ .‬أخرجه أبو داود وأحمد‪.‬‬
‫وهذا حديث صريح الدللة بعدم جواز انتهاك حرمة العلماء وتتبع عثراتهم ‪،‬‬
‫وأنه يعفى عن زلتهم إل أن تكون حدا ً من حدود الله سبحانه ‪ ،‬فانظر يرحمك‬
‫الله إلى ما يقع فيه المتحزبون اليوم واحكم عليه من خلل المقاييس‬
‫الشرعية وانظر ماذا ترى ؟‬
‫شبة والرد عليها ‪:‬‬
‫أخي الحبيب ‪ :‬يحسن في هذا المقام أن أورد شبهة من شبهات المنتهكين‬
‫لعراض العلماء بسبب مخالفتهم وانتقادهم لهم من خلل ما يدل عليه لسان‬
‫حالهم ‪.‬‬
‫وتكمن هذه الشبهة بجواز الكذب على الخرين بغية تسويق الفكر أو الدفاع‬
‫عنه ‪ ،‬وهذه المسألة ترجع إلى ما ذكرت من كون هؤلء يعتبرون أنفسهم‬
‫على حق ‪ ،‬وأن من ينتقدهم يعتبر منتقدا ً للحق وعليه يجوز فضحه حتى بما‬
‫ليس فيه بناء على جواز الكذب للمصلحة العامة ‪.‬‬
‫والرد على هذه الشبهة واضح ويتلخص في وجهين ‪:‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الول ‪:‬‬
‫‪ : 1‬إن الكذب الجائزل يسار إليه إل في حال انعدام الصدق ‪ ،‬وسد الطرق‬
‫كلها إلى الحل ‪ ،‬أما إن كان هنالك طريق يوصلنا إلى الحل ‪ ،‬فالكذب في هذه‬
‫الحالة ل يجوز ‪.‬‬
‫‪ : 2‬إن الكذب الجائز ‪ ،‬هو الكذب الذي يؤدي إلى إصلح ذات البين ‪ ،‬ل‬
‫الكذب الذي يؤدي إلى الفساد وتشويه العباد ‪ ،‬كما هو الحال في هذه‬
‫المسألة ‪.‬‬
‫‪ : 3‬إن الكذب الجائز‪ ،‬هو الكذب الذي يصب في مصلحة المسلمين‪ ،‬ل‬
‫الكذب الذي يصب في مصلحة حزب أو جماعة أو شيخ وما إلى ذلك ‪ ،‬فهذا‬
‫قياس مع الفارق ‪.‬‬
‫الثاني ‪:‬‬
‫إن دعوة النبياء ما قامت على الكذب والخداع والتلبيس ‪ ،‬بل قامت على‬
‫قد ْ‬ ‫اليات القاطعة والبراهين الواضحة ‪ ،‬والحجج الدامغة ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬ل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ط‬‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِبال ْ ِ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ل ِي َ ُ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫معَهُ ُ‬ ‫ت وَأنَزل َْنا َ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫أْر َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫سل َ ُ‬
‫ه‬ ‫صُرهُ وَُر ُ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬ ‫ديد ٌ وَ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫س َ‬ ‫ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَأنَزل َْنا ال ْ َ‬
‫زيٌز )‪ (25‬الحديد‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫وهذه الية الكريمة تدل على حقائق عدة ‪:‬‬
‫‪ : 1‬أن الله سبحانه عزز الرسل بالبينات ‪ ،‬أي بالدلئل الواضحات المادية‬
‫والمعنوية ‪ ،‬فلم يرسل الله سبحانه النبياء بالغراءات المادية ‪ ،‬أو بالحديد‬
‫والنار ‪ ،‬والبينة تدل على الصدق والحقائق والبراهين والقوة ‪ ،‬وهذا خلف ما‬
‫يدل عليه الكذب وتغيير الحقائق ‪.‬‬
‫‪ : 2‬أن الله سبحانه أرسل الرسل ليقوم الناس بالقسط ‪ ،‬أي بالعدل وهذا ما‬
‫ت إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫أمر المؤمنين به إذ قال سبحانه ‪ ) :‬إن الل ّه يأ ْمرك ُ َ‬
‫ماَنا ِ‬ ‫م أن ُتؤّدوا ْ ال َ‬ ‫َ َ ُ ُ ْ‬ ‫ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ما ي َعِظكم ب ِهِ إ ِ ّ‬ ‫ه ن ِعِ ّ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫موا ِبالعَد ْ ِ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫س أن ت َ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫مُتم ب َي ْ َ‬ ‫حك َ ْ‬ ‫أهْل َِها وَإ َِذا َ‬
‫صيرا ً )‪ (58‬النساء‬ ‫ميعا ً ب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫والعدل نقيض الظلم ‪ ،‬وهو يقتضي الصدق والحق ‪ ،‬ل الكذب والفتراءات ‪،‬‬
‫وهذا خلف ما عليه القوم ‪ ،‬إذ يرى هؤلء أن الكذب وظلم العباد من أجل‬
‫تحقيق مصالحهم أسلوبا ً شرعيا ً وهذا كما قلت قياس مع الفارق ‪.‬‬
‫‪ : 3‬بينت الية الكريمة أن الذين يتبعون الحق وينصرونه ‪ ،‬هم الذين يلتزمون‬
‫ب(‪.‬‬ ‫ه ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫صُره ُ وَُر ُ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫بأحكام هذه الية إذ قال تعالى ‪ ) :‬وَل ِي َعْل َ َ‬
‫أي أرسل الله سبحانه رسله بالبينات وأمر الناس بالعدل ليعلم من يتبع الحق‬
‫ممن يعرض عنه ‪.‬‬
‫وبهذا أخي الحبيب تعلم أن ما يتبعه هؤلء في نهجهم يعارض بوضوح المنهج‬
‫الحق ‪ ،‬وعليه فإن كل كلمة تصدر بحق أي إنسان ل بد وأن تكون قائمة على‬
‫دليل حقيقي لنا فيها من الله برهان ‪ ،‬أما الخروج على عباد الله دون تثبت أو‬
‫دليل لهو إتباع للظن الذي ل يغني من الحق شيئا ً ‪ ،‬ودليل واضح على ضعف‬
‫وعجز أصحابه نسأل الله العفو والعافية ‪.‬‬
‫كلمة أخيرة ‪:‬‬
‫فظُ‬ ‫ما ي َل ِْ‬ ‫وأخيرا ً أذكر أولئك الذين يطعنون بالناس دون تثبت بقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ب عَِتيد ٌ )‪ (18‬ق‬ ‫ل إ ِّل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ‬ ‫من قَوْ ٍ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقوله تعالى ‪ ) :‬إ ِذ ْ ت َل ّ‬
‫عل ٌ‬ ‫س لكم ب ِهِ ِ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫واهِكم ّ‬ ‫ن ب ِأف َ‬ ‫قولو َ‬ ‫م وَت َ ُ‬ ‫سن َت ِك ْ‬ ‫ه ب ِأل ِ‬ ‫قوْن َ ُ‬
‫م )‪ (15‬النور‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ّ‬
‫عند َ اللهِ عَ ِ‬ ‫ه هَّينا ً وَهُوَ ِ‬ ‫سُبون َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫قد ِ‬ ‫َ‬
‫سُبوا ف َ‬ ‫ما اكت َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫ْ‬
‫مؤ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ي ُؤذو َ‬ ‫ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقوله تعالى ‪َ ) :‬وال ِ‬
‫مِبينا ً )‪ (58‬النور‬ ‫مُلوا ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً ّ‬ ‫حت َ َ‬ ‫ا ْ‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد جاء في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه ‪ ) :‬أويأخذ بما يقولون ؟ قال ‪:‬‬
‫ثكلتك أمك ‪ ،‬وهل يكب الناس على وجوههم يوم القيامة إل حصائد ألسنتهم (‬
‫‪.‬‬
‫وبهذا أخي الحبيب تعلم خطورة المر وأنك مسؤول عنه يوم القيامة ‪ ،‬نسأل‬
‫الله لنا ولك ولجميع المسلمين العفو والعافية إنه سميع مجيب‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫وكتب ‪ :‬إبراهيم بن عبد العزيز بركات‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لكن رائحته أزكمت النوف‬


‫وليد بن عثمان الرشودي ‪29/3/1425‬‬
‫‪18/05/2004‬‬
‫ً‬
‫من هذا الذي لم يمت كمدا على مشاهد الصور في سجن "أبوغريب" ومن‬
‫هو الذي لم ينفطر قلبه خوفا ً على جموع المسلمين المعتقلين في سجون‬
‫الحرية المريكية؟!‪.‬‬
‫للسائل أن يقول لماذا هذه السطر اليوم؟ وأين هي قبل أسبوعين حينما‬
‫ظهرت تلك الفضيحة؟ والجواب إنما أخرتها بانتظار العدالة المريكية التي‬
‫عودتنا خارجيتها بإخراج تقريرها السنوي عن حقوق النسان في العالم في‬
‫مثل هذه اليام‪ ،‬لرى مقدار العدالة والحرية التي تصطبغ بها أمريكا‪ ،‬وخرج‬
‫التقرير ليلة البارحة ‪17/5/2004‬م واكتفى نائب وزير الخارجية بتعبيره عن‬
‫مآسي "أبوغريب" بأن الرئيس اشمئز من هذه الفعلة‪ ،‬مما أضاف عقوبة ل‬
‫مثيل لها على السجناء مرة أخرى حينما يرون مثل هذا الستهجان المريكي‬
‫بهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الموقف أظهر دروسا وعبرا ألخصها في التي‪:‬‬
‫‪) -1‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم(‪.‬‬
‫‪ -2‬ل تطلب الرحمة من عدوك‪ ،‬والحرب في العراق حرب دينية دنيوية اجتمع‬
‫فيها الثنان‪.‬‬
‫‪ -3‬العدالة والحرية المريكية هي للرجل البيض فقط‪.‬‬
‫‪ -4‬إن انتهاك الحقوق النسانية ل ُيتهم به إل المسلمون؛ أما غيرهم فلهم ما‬
‫ل‪" :‬غزة" و"رفح" وما تصنعه الجرافات‬ ‫يبرر ذلك‪ ،‬وخذ على ذلك مث ً‬
‫السرائيلية هناك‪ ،‬والذي يقول عنها محامي الدفاع المريكي أنها‪" :‬دفاع عن‬
‫النفس"!!‬
‫‪ -5‬الدارة المريكية اليوم تنشر الرهاب وتؤجج ناره فهي تبحث عن حرب‬
‫عالمية ثالثة‪.‬‬
‫‪ -6‬الغرور بلغ بالدارة المريكية مبلغه‪ ،‬وهذا انكسار في قوتها؛ فلو أحسن‬
‫الناس استعماله في نشر الكراهية لمريكا وتفعيل المقاطعة القتصادية‬
‫والتوعية العامة عن الخطر المريكي!!‬
‫‪ -7‬كشفت الحداث أن هناك من هو أمريكي أكثر من المريكان‪ ،‬وذلك في‬
‫مقالت صحفية نشرتها صحف عربية دافعت عن حادث "أبوغريب" أشد من‬
‫دفاع رامسفيلد عن نفسه‪.‬‬
‫‪-8‬النفاق كشر عن نابه في هذه الحادثة‪ ،‬وأعلن ولءه لمريكا وبراءته من‬
‫بني جلدته؛ حيث شاهدنا هذا في مقابلت إعلمية‪ ،‬حتى إن بعضهم يقول‪:‬‬
‫"إن ما حصل في "أبوغريب" ل يستحق إثارة الضجة على أمريكا بسبب فعل‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بضع من الرجال والنساء‪ ،‬ول يرقى إلى تشويه سمعتها أمام العالم"!‬
‫‪ -9‬إن الحل الوحيد للخروج من أمام معضلة الغطرسة المريكية هو إعادة‬
‫التربية السلمية للمة‪ ،‬والبعد عن الستغراق في اللحظة الحاضرة أو تكدير‬
‫صفو المجتمعات السلمية بأعمال ل تحمد عقباها‪ ،‬وتكون ذريعة للمعتدي‬
‫في عدوانه‪.‬‬
‫‪ -10‬الواجب الوقوف مع سائر السجناء المسلمين في سجون الغرب؛ فإنهم‬
‫يلقون من الويلت ما ليعلمه إل الله؛ فالدعاء‪ ..‬الدعاء‪...‬‬
‫ً‬
‫‪ -11‬ل يجوز الغترار بتقارير الحكومة المريكية بعد اليوم خصوصا فيما يتعلق‬
‫بالحريات الدينية أو المدنية أو حقوق النسان‪.‬‬
‫وأخيرا ً فهذه نصيحة للشعب المريكي الذي يرغب في العيش بسلم في هذه‬
‫الحياة الدنيا أن يعلن براءته من أفعال حكومته؛ فإن رائحة أفعالهم أزكمت‬
‫النوف‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لكي ينتصر السلم‬


‫يتناول الدرس التغيير الذي يفعله السلم بالنفوس ورفعه لهتماماتهم‬
‫وهممهم‪ ،‬وهذا الفرد المسلم الذي يسمو بالسلم عليه واجبات ومسئولية‬
‫تجاه نفسه ودينه ومجتمعه وقضايا المسلمين وتفاعله معها‪ ،‬ومن هنا كانت‬
‫الدعوة للمشاركة الفعلية الجادة في نصرة هذا الدين ‪.‬‬
‫ده‬‫الحمد لله‪ ،‬وأشهد أل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عب ُ‬
‫ورسوُله‪ ,‬بعثه الله تعالى على حين فترةٍ من الرسل‪ ،‬وانقطاٍع من السبل؛‬
‫فهدى به من الضللة‪ ،‬وبصر به من العمى‪ ،‬وجمع به بعد الفرقة‪ ،‬وأغنى به‬
‫بعد العيلة‪ ,‬فصلوات الله وسلمه عليه‪ ،‬وعلى صحبه والتابعين البرار‬
‫الطهار ‪ ..‬أما بعد‪،،،‬‬
‫فإن الله أنعم على هذه المة ببعثة خاتم الرسل‪ ،‬فجعلها خاتم المم كما كان‬
‫نبيها خاتم الرسل عليه‪ ..‬بعث الله هذا النبي المختار في أمة كان كل همها‬
‫وشغلها تتبع أصول أذناب البل في هذه الصحراء القاحلة‪ ,‬وكانت تركض وراء‬
‫اليرابيع و الضببة تأكل منها‪ ،‬وتشرب من ماء هذه الصحراء‪ ،‬ثم ل هم لها بعد‬
‫ذلك غير ذلك أبدا ً ‪.‬‬
‫فصاح فيها النبي صلى الله عليه وسلم بنداء 'ل إله إل الله محمد رسول الله'‬
‫فرفعت إليه رءوسها‪ ،‬وفتحت له عيونها‪ ،‬وأصاخت له آذانها؛ فاهتدت بهداه؛‬
‫فكانت بذلك خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬تأمر بالمعروف‪ ،‬وتنهى عن المنكر‪،‬‬
‫وتؤمن بالله‪ ،‬وتجاهد في سبيله‪ ,‬فخرجت من هذه الصحراء القاحلة لتقول‬
‫لساتذة المدنية‪ ،‬وشيوخ الحضارة في فارس والروم‪:‬‬
‫'جئناكم لنخرج من شاء الله تعالى من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد‪،‬‬
‫ومن ضيق الدنيا إلى سعة العيش‪ ،‬ومن جور الديان إلى عدل السلم'‪.‬‬
‫هذا النبي الذي ُبعث في هذه المة كان من أعظم ما أهدى لها هداية السماء‪،‬‬
‫ونور التوحيد الذي عرف به النسان معنى إنسانيته وكرامته ‪ .‬ذلك النسان‬
‫الذي لم يكن له معنى في الجاهلية‪ ،‬وكان يرضى أن يطأطيء رأسه لله من‬
‫م‪ ،‬فيعبد اللت والعزى ومناة الثالثة الخرى‪.‬‬
‫ر‪ ،‬أو صن ٍ‬ ‫ر‪ ،‬أو شج ٍ‬
‫حج ٍ‬
‫بعث إليه صلى الله عليه وسلم؛ ليعلمه أن‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬وأنه ل يجوز أن‬
‫يطأطيء رأسه إل لله عز وجل‪ ،‬فل يسجد لغيره‪ ،‬ول يعبد سواه‪ ،‬مخلصا ً له‬
‫الدين ولو كره الكافرون؛ فنفخ فيه روح العزة‪ ،‬ومعنى الحمية‪ ،‬وسر‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشجاعة والنسانية‪ ،‬حتى عّلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك النسان‬
‫العزل الفقير علمه أل يذل ويخضع لشيء من متاع الدنيا‪ ،‬وكيف يذل لغير‬
‫الله عز وجل!‬
‫تأبى عقيدتنا‪ ،‬تأبى أصالتنا أن يصبح الُعرب أشتاتا ً وقطعانا ً‬
‫ب نطأطئها بل ترفض الجبهة الشماء إذعانا ً‬ ‫ق ول غر ٍ‬ ‫فل لشر ٍ‬
‫فأصبح هذا العرابي الذي كان يركض وراء إبله وغنمه‪ ،‬وكل همه من الدنيا‬
‫ملبس‪ ،‬أو مطعم‪ ،‬أو مشرب‪ ,‬أصبح هذا النسان عزيزا ً مرفوع الهامة‪ ،‬ل يذل‬
‫لغير الله عز وجل‪ ،‬وليس لديه أي استعداد أن يهادن‪ ،‬أو يداهن في دين الله‬
‫عز وجل‪ ,‬حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في ضمن دروس العزة‬
‫شِهيد ٌ‬ ‫مال ِهِ فَهُوَ َ‬‫ن َ‬ ‫ل ُدو َ‬ ‫ن قُت ِ َ‬
‫م ْ‬‫والكرامة التي ألقاها على هذه المة العظيمة‪َ ':‬‬
‫ن‬‫ل ُدو َ‬ ‫ن قُت ِ َ‬
‫م ْ‬
‫شِهيد ٌ وَ َ‬ ‫مهِ فَهُوَ َ‬ ‫ن دَ ِ‬
‫ل ُدو َ‬‫ن قُت ِ َ‬
‫م ْ‬
‫شِهيد ٌ وَ َ‬‫ن ِدين ِهِ فَهُوَ َ‬ ‫ل ُدو َ‬‫ن قُت ِ َ‬
‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫د' رواه الترمذي‪ -‬وأصله في البخاري ومسلم‪. -‬‬ ‫أ َهْل ِهِ فَهُوَ َ‬
‫شِهي ٌ‬
‫فعّلم النبي صلى الله عليه وسلم النسان أن يكون أبيًا‪ ،‬رفيعًا‪ ،‬قويًا‪ ،‬عزيزًا‪،‬‬
‫منيعًا‪ ،‬وأل يكون همه هذه الحياة الدنيا ‪.‬‬
‫ى فوق هذه الدنيا‪ ،‬وأل‬ ‫لبد أن يكون للنسان سٌر وراء هذه الحياة‪ ،‬ومعن ً‬
‫يكون النسان ترابا ً فحسب‪ ،‬بل هو حفنة من التراب عانقت هدي السماء؛‬
‫فارتفعت‪ ،‬وسمت‪ ،‬وشمخت‪ ،‬فأصبحت أعظم من كل معاني البشرية؛ لنها‬
‫ارتبطت بهدي الله‪ ،‬ونور الوحي النازل من السماء‪ ,‬فأصبح النسان بذلك‬
‫عزيزًا‪ ،‬مرفوع الهامة‪ ،‬شامخ النف‪ ،‬ل يذل لغير الله طرفة أو لحظة ‪<O:P .‬‬
‫لم يسمح النبي صلى الله عليه وسلم للقبيلة أن تهدر قيمة الفرد كما لم‬
‫يسمح للفرد أن يعتدي على كرامة القبيلة‪،‬‬
‫ً‬
‫أو المجتمع‪ ،‬أو الدولة بل جعل هذه الشياء كلها تسير جنبا إلى جنب‪ ،‬فل‬
‫قيمة لقبيلة أفرادها مجموعة من الضعفاء‪ ،‬والتباع المقهورين الذلء‪ ،‬الذين‬
‫ل يرون لنفسهم قيمة ول كرامة‪ ,‬ول قيمة لفرد ٍ ل ينتسب لذلك المجتمع‬
‫السلمي الكبير‪ ،‬الذي يتعاون أفراده على البر والتقوى‪ ،‬ول يتعاونون على‬
‫الثم والعدوان ‪.‬‬
‫مسئولية الفرد المسلم‪:‬‬
‫مل النسان ‪-‬كل إنسان‪ -‬مسئوليته على كافة‬ ‫لقد جاء السلم الذي يح ّ‬
‫مله‬
‫المستويات‪ ،‬فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يخاطب الفرد؛ ليح ّ‬
‫مسئوليته على كافة الصعدة‪:‬‬
‫مسئوليته في تعلم العلم الشرعي أصوًل وفروعا ً عقيدة وأحكامًا‪ :‬فل يكون‬
‫ن تابعا ً‬ ‫النسان مقلدا ً أو تابعًا‪ ،‬رضي أن يهدر عقله وفهمه‪ ،‬ويهدر إدراكه‪ ،‬ليكو َ‬
‫ن‪ ،‬دون حجة‪ ،‬ول هدى‪ ،‬ول كتاب منير‪ ،‬بل إن‬ ‫ومقلدا ً لفلن وفل ٍ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر العذاب الذي يصيب الفاجر‪ ،‬أو الكافر‬
‫ن من أعظم أسباب هذا العذاب‪ :‬أن يكون النسان مقلدا ً في‬ ‫نأ ّ‬
‫في قبره؛ ب َي ّ َ‬
‫دينه‪ ،‬لم يتعب في البحث عن الدين‪ ،‬ولم يجهد في استخراج الحجج‬
‫واستنباطها‪ ،‬ولم يستخدم هذا العقل الذي أنعم الله تعالى به عليه في‬
‫الوصول إلى الحق بالدليل الشرعي من آية‪ ،‬أو حديث‪ ،‬أو إجماع‪ ،‬و إنما‬
‫ن ‪ .‬فقد ذكر النبي صلى الله عليه‬ ‫ن وفل ٍ‬‫رضي أن يكون مجرد مقلد لفل ٍ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ما ِدين ُك وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه َيا هَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫َ‬
‫لل ُ‬‫قا ُ‬
‫وسلم أن النسان إذا وضع في قبره‪ ':‬ي ُ َ‬
‫ك' فأما المؤمن‪ ،‬أو الموقن‪ ،‬فيقول‪ :‬ربي الله وديني السلم ونبيي محمد‬ ‫ن َب ِي ّ َ‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬وحينئذ ُيسأل سؤاًل رابعا ً ما علمك؟ من أين حصلت‬
‫على هذا العلم؟ هل هو بالهوى والتقليد‪ ،‬أو حصلت علية بالبحث والتباع ؟‬
‫ْ‬
‫ت' رواه أبوداود‬ ‫صد ّقْ ُ‬‫ت ب ِهِ وَ َ‬ ‫ب الل ّهِ َفآ َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ت ك َِتا َ‬‫فيقول المؤمن الموقن‪ ':‬قََرأ ُ‬
‫وأحمد ‪.‬‬
‫حجة من كتاب الله تعالى‪،‬‬ ‫ي على التحري والدليل‪ ،‬والتباع وال ُ‬ ‫إذا ً هو عل ٌ‬
‫م مبن ٌ‬
‫أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد أجهد هذا المسلم نفسه في‬
‫طلب العلم‪ ،‬وثنى ركبه في مجالس الذكر‪ ،‬واستمع إلى قال الله‪ ،‬وقال‬
‫رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأعمل عقله حتى وصل إلى الهداية‪ ،‬وظفر بها‬
‫سد في قبره‪ ،‬ويتخلى عنه‬ ‫وتمسك بها‪ ,‬ولهذا نجح في الختبار العظيم‪ ،‬يوم ُيو َ‬
‫كل أحبابه‪ ،‬وأتباعه‪ ،‬ويبقى وحيدا ً إل من عمله الصالح ‪.‬‬
‫ة‪ ،‬ودون أن يستخدم هذه‬ ‫أما الكافر أو المنافق‪ ،‬فيقول ما يقولون دون حج ٍ‬
‫الجوهرة العظيمة‪ :‬العقل‪ ،‬في معرفة دين الله‬
‫وفهم النصوص القرآنية‪ ،‬والحاديث النبوية‪ ،‬والوصول إلى الحق‪ ,‬ولو كان‬
‫يردد في هذه الدنيا العبارات‪ ،‬واللفاظ دون أن يعيها‪ ،‬فإنه ُيخفق في الختبار‬
‫فيقول‪ :‬هاه هاه ل أدري كنت أقول ما يقول الناس ‪.‬‬
‫إذًا‪:‬كان يقول ويردد لكن دون وعي‪ ،‬ودون بصيرة‪ ،‬ودون أن يحرك إنسانيته‪،‬‬
‫أو يستخدم مواهبه‪ ,‬إنما كان مجرد مقلد لفلن وفلن؛ فيخفق ول يتذكر ماذا‬
‫كان يقول في الدنيا‪ ،‬وينسى ما يجب أن يقول في القبر فيقول‪ :‬ل أدري كنت‬
‫أقول ما يقول الناس‪ ,‬فيقال له‪ :‬ل دريت ول تليت‪ ،‬فيضرب بمطرقة من‬
‫حديد يصيح صيحة يسمعها من يليه إل الثقلن‪ ،‬ولو سمعها النس والجن‬
‫لصعقوا من هول ما يسمعون ‪.‬‬
‫فصور نفسك وأنت في هذا الموقف العسير‪ ،‬وأنت تتعرض لهذا البتلء الكبير‬
‫الذي لن ينفعك فيه مال‪ ،‬ول جاه‪ ،‬ول سمعة‪ ،‬ول شهرة‪ ،‬ول فلن ول علن‪,‬‬
‫م نافع‪ ،‬أو عمل صالح‪:‬‬ ‫د‪ :‬عل ٌ‬ ‫إنما ينفعك فقط‪ ..‬شيٌء واح ٌ‬
‫ن‬‫ن الله تعالى بالحجة والبرهان والدليل‪ ،‬أم تلقيته من فل ٍ‬ ‫فهل تلقيت دي َ‬
‫ن؟‬‫وعل ٍ‬
‫وهل اهتممت بهذا الدين وتتبعت أحكامه‪ ،‬أم اكتفيت بالموروثات الجتماعية ؟‬
‫ً‬
‫هذه الموروثات التي قد تكون صوابا ً في بعض الحيان‪ ،‬وخطأ في أحيا ٍ‬
‫ن‬
‫أخرى ‪ .‬ونحن نرى اليوم أن الكثير من المسلمين يتعصبون لهذه الموروثات‪،‬‬
‫ويتناصرون من أجلها أكثر مما يتحمسون لبعض الحكام الشرعية التي‬
‫يسمعونها من أفواه العلماء‪ ،‬و الدعاة والمتحدثين ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫إذا ً لقد جعل الله تعالى عليك أنت بالذات مسئولي ً‬
‫ة في ت َعَلم ِ دي ِ‬‫ة شخصي ً‬
‫الله‪ ،‬ومعرفة أحكام ما أنزل الله على رسوله بالدلة الشرعية‪ ،‬ول يغنيك أن‬
‫ة‪ ,‬ل يكفي أن تكون‬ ‫ل أو حج ٍ‬ ‫تكون مجرد مقلد ٍ أعمى‪ ،‬دون أن تبحث عن دلي ٍ‬
‫مقلدا ً لما نشأت عليه في مجتمعك ‪.‬‬
‫مسئوليته في وجوب تزكية النفس بهذا العلم ‪ :‬فأيُ معنى‪ ،‬أو قيمة لعلم‬
‫يكون محصورا ً في رأسك‪ ،‬لم يتحول إلى علم نافع بل هو علم مجرد‪ ,‬وكثيرا ً‬
‫ما نواجه في مجتمعنا وواقعنا أشخاصا ً إذا تكلموا كانوا كالفلسفة‪ ,‬يعرفون‬
‫ويتحدثون‪ ،‬وربما يستشهدون بالنصوص‪ ،‬وربما يقولون‪ :‬قال فلن وعلن‪..‬‬
‫لكن إذا أتيت إلى واقعهم الشخصي في عباداتهم‪ ,‬في علقاتهم بأهلهم‪:‬‬
‫الوضع المنزلي الذي يعيشون فيه‪ ,‬الوضع القتصادي‪ ,‬الوضع الجتماعي؛‬
‫لوجدت هؤلء الشخاص أبعد ما يكونون عن تمثل والتزام هداية السماء في‬
‫تزكية أنفسهم‪ ،‬وتزكية من حولهم ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كم من إنسان قد يتكلم بالحق في لسانه‪ ،‬ولكنك حين تنظر إلى سلوكه‬
‫الشخصي؛ تجد شيئا ً آخر‪ ،‬وحين تنظر إلى بيته؛ تجد ألوان المعاصي‬
‫والمنكرات‪ ،‬وتجد أهله وذريته وأولده في واد ٍ آخر‪ ،‬لم يتعاهدهم بالهداية‪ ،‬ولم‬
‫يعلمهم‪ ،‬بل ولم يمنعهم من الحرام‪ ،‬فأتاح لهم كل وسائل الفساد‪ ،‬وكل‬
‫وسائل التصال بالعالم كله‪ ،‬وهو يقول‪ :‬هؤلء على مستوى أن يميزوا الطيب‬
‫من الخبيث‪ ..‬نعم كانوا على مستوى أن يميزوا الطيب من الخبيث لو أنك‬
‫تعاهدتهم‪ ،‬وعلمتهم‪ ،‬وربيتهم‪ ،‬وهذبتهم‪ ،‬ووضعت لهم الموازين المستقيمة‬
‫التي يستطيعون أن يميزوا بها بين الحق والباطل‪ ،‬والهدى والضلل‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أما أن تتركهم لعوادي الزمن‪ ،‬وخطط العداء‪ ،‬يشاهد في التلفاز‪ ،‬ويسمع في‬
‫المذياع‪ ،‬و يقرأ في الجريدة الكثير‪ ،‬ويسمع في المدرسة‪ ،‬ويجالس قرناء‬
‫السوء‪ ،‬وربما أتيح له كثيرا ً أن يشاهد أفلم الفيديو‪ ،‬بل أن يطلع على القنوات‬
‫الفضائية التي تبث من أنحاء العالم‪ ،‬ومنها قنوات تنصيرية‪ ،‬وقنوات جنسية‪،‬‬
‫وقنوات تخريبية‪ ،‬وقنوات تنقل لنا قاذورات العالم كله‪ ،‬وما فيه من خير‬
‫وشر‪ ,‬ثم تترك لهذا العقل الغض الطري البسيط‪ ،‬الذي لم ينضج بعد‪ ،‬ولم‬
‫يملك إمكانية التمييز‪ ،‬وتقول‪ :‬إنه قادٌر؛ فإن المر حينئذ يكون كما قيل ‪:‬‬
‫ل بالماِء‬ ‫ك أن تبت َ‬ ‫ك إيا َ‬ ‫ألقاه في الي َم ِ مكتوفا ً وقال له إيا َ‬
‫أو تجد هذا النسان الذي قد يفهم بعض النصوص‪ :‬في تعاملته التجارية قد‬
‫يأكل الربا‪ ،‬ويأكل الحرام‪ ،‬وقد يغش‪ ،‬وقد يخدع‪ ،‬وقد يأخذ أموال الخرين‪ ،‬أو‬
‫يعتدي على أراضيهم‪ ،‬أو يأخذ مالهم بالباطل ل بالحق‪ ,‬ومع ذلك يلتمس‬
‫لنفسه ألف عذرٍ وعذر‪.‬‬
‫فأين التزكية إذًا؟ وأين العلم الذي يجيده هذا النسان في لسانه‪ ،‬والله تعالى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ها]‬ ‫ن َز ّ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬‫ح َ‬‫ها]‪[8‬قَد ْ أفْل َ َ‬‫وا َ‬ ‫ق َ‬
‫ها وَت َ ْ‬
‫جوَر َ‬ ‫مَها فُ ُ‬ ‫ها]‪[7‬فَأل ْهَ َ‬
‫وا َ‬
‫س ّ‬‫ما َ‬‫س وَ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫يقول‪ {:‬وَن َ ْ‬
‫ها]‪' }[10‬سورة الشمس' فل بد أن تزكي نفسك ثانيا ً‬ ‫سا َ‬
‫ن دَ ّ‬ ‫م ْ‬‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫‪[9‬وَقَد ْ َ‬
‫بهذا العلم ‪.‬‬
‫ب‬
‫ب عن قريبه‪ ،‬ول أ ٌ‬ ‫د‪ ،‬ول ينفع فيها قري ٌ‬ ‫وهذه التزكية ل يغني فيها أحد ٌ عن أح ٍ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ما ٌ‬ ‫م َل ي َن ْ َ‬
‫ن أَتى الل َ‬ ‫م ْ‬‫ن]‪[88‬إ ِل َ‬ ‫ل وَل ب َُنو َ‬ ‫فع ُ َ‬ ‫ج عن زوجه‪ {:‬ي َوْ َ‬ ‫عن ابنه‪ ،‬ول زو ٌ‬
‫م]‪'} [89‬سورة الشعراء' ‪.‬‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫قل ْ ٍ‬
‫بِ َ‬
‫مسئوليته في حمل هموم المسلمين والتحمس لقضاياهم‪ :‬والسلم لم يقنع‬
‫ف إلي ذلك تزكية نفسك‬ ‫منك أن تكون عالما ً بالشرع فقط‪ ،‬أو أن تضي َ‬
‫شخصيًا‪ ،‬وتزكية أولدك وزوجك ومن ائتمنك الله عليهم فحسب‪ ,‬بل لبد أن‬
‫تضيف إلى هذين المرين أمرا ً ثالثًا‪ :‬هو عربون دينك‪ ،‬وإيمانك‪ ،‬وانتسابك إلى‬
‫هذا السم الشريف العظيم‪ ' :‬السلم ' وإلى هذا المجتمع المسلم‪ ،‬أل وهو‬
‫أن تكون متحمسا ً لقضايا المسلمين‪ ,‬متعاطفا ً مع همومهم‪ ,‬فل تعتبر أن ما‬
‫ص‬‫ن خا ٌ‬ ‫ة ل تعنيك‪ ،‬أو شأ ٌ‬ ‫ة خارجي ٌ‬ ‫يصيب المسلم في المشرق والمغرب قضي ٌ‬
‫في دولةٍ من الدول‪ ,‬بل تعتبر أن من علمة صدق اليمان في قلبك أن‬
‫يتحرك المؤشر كلما سمعت خبرًا‪ ,‬فإن كان الخبُر سارًا؛ تحرك المؤشُر‬
‫بالفرِح والسرو وإن كان الخبُر مزعجًا؛ تحرك المؤشر بالحزن والتعاطف مع‬
‫قضايا المسلمين بقدر ما تستطيع ‪.‬‬
‫وأنت تستطيع الكثير‪ ..‬ولو لم تستطع إل الكلمة الطيبة؛ لكانت صدقة كما‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ .‬فمن الذي يحول بينك وبين أن تتحدث عن‬
‫قضايا المسلمين وهمومهم‪ ،‬أو تشاطرهم أفراحهم وأحزانهم‪ ,‬أو تعمل على‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫توعية من حولك بما يعانيه المسلمون في مشارق الرض ومغاربها من ألوان‬


‫الضطهاد والتنكيل التي تبدأ بمحاولة نقلهم عن دينهم إلى دين آخر ‪ ,‬سواء‬
‫كان هذا الدين هو النصرانية‪ ،‬أو كان هذا الدين هو العلمانية‪ ،‬أو كان هذا‬
‫الدين هو العراض عن دين الله عز وجل والجهل به‪ ،‬بدءا ً بقضية التوحيد‬
‫وشهادة أن محمدا ً رسول الله‪ ،‬التي أصبح من المسلمين من يجهلها‪ ,‬وانتهاًء‬
‫بالحكام الشرعية التي ل يفهم الكثير منها إل أقل القليل‪ ,‬ومرورا ً بتجهيل‬
‫المسلمين أمور دنياهم؛ ليصبحوا عالة على عدوهم‪ ،‬فهم يستوردون من‬
‫عدوهم كل شيء‪ ،‬ويعتمدون على عدوهم في كل شيء‪,‬‬
‫فأصبح عدوهم يمسك بخناقهم ‪.‬‬
‫والكلمة الطيبة منك ل تكفي‪ ..‬لنك تملك أكثر من ذلك‪ ,‬تملك المشاركة‬
‫الحقيقية‪:‬‬
‫المشاركة بالمال مثل في قضايا المسلمين‪ :‬فأنت تستطيع أن تشارك بالمال‪،‬‬ ‫ً‬
‫وأن تؤدي بعض شكر نعمة الله عليك بالزكاة‪ ،‬أو غيرها من الصدقات التي قد‬
‫ُتطِعم بها جائعًا‪ ،‬أو تكسو عاريًا‪ ،‬أو تروي ظمآن‪ ،‬أو تعالج بها مريضًا‪ ،‬أو يهدي‬
‫ل‪ ،‬أو متعرضا للتنصير والتكفير‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫الله بها ضا ً‬
‫صاِع‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫صاِع ب ُّرهِ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن ث َوْب ِهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫مهِ ِ‬
‫ن دِْرهَ ِ‬
‫م ْ‬‫ن ِديَنارِهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬‫صد ّقَ َر ُ‬‫يقول‪ ':‬ت َ َ‬
‫ة' رواه مسلم والنسائي وأحمد‪.‬‬ ‫ر‬‫م‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫ش‬ ‫ب‬
‫َ ْ ِ ِ ّ َ ْ َ ٍ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ل‪-‬‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫تى‬ ‫ح ّ‬‫مرِهِ ‪َ -‬‬
‫تَ ْ‬
‫إذًا‪ :‬ل تحقرن من المعروف شيئا ً ولو أن يكون ذلك شق تمرة‪ ،‬أو ريال ً واحدًا‪,‬‬
‫م‪,‬‬
‫ن مسل ٍ‬ ‫فأنت لو تصورت أن ألف مليون مسلم اليوم‪ ،‬أو ألفا ً ومائتي مليو ِ‬
‫ل واحد ٍ فقط؛ لكان معنى ذلك أننا جمعنا‬ ‫لو أن كل واحد منهم تخلى عن ريا ٍ‬
‫في حملةٍ واحدةٍ ألف ومائتي مليون ريال !! كم سوف تنفع هذه الموال ؟‬
‫كم سوف تدفع بإذن الله تعالى من الشرور عن المسلمين ؟‬
‫لكن المشكلة العظيمة‪ :‬أن الكثيرين تخلوا عن دورهم‪ ..‬ولو كان دورا ً‬
‫ة بالنفاق والبذل هي‬ ‫ل‪ ،‬وظنوا أن المطالب َ‬ ‫محدودًا‪ ..‬ولو كان دورا ً قلي ً‬
‫ة الغنياِء فقط‪ ,‬أو تخلوا عن دورهم في الدعوة والِهداية‪ ،‬وظنوا أن‬ ‫مسئولي ُ‬
‫الدعوة‪ ،‬والهداية‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي مسئولية العلماء‪،‬‬
‫أوالدعاة‪ ،‬أوالخطباء فقط‪ ،‬ونسوا أن الله تعالى‬

‫)‪(3 /‬‬

‫خلقنا بشرا ً مسئولين مكلفين‪ ,‬وحين أنزل الدين لم يقل أبدًا‪ :‬إن الدين‬
‫مسئولية فئة خاصة‪ ،‬ول مسئولية طبقة معينة‪،‬‬
‫وإنما جعل مسئولية هذا الدين على عاتق كل واحد منا‪ ،‬سواء قام بها‬
‫وحفظها‪ ،‬أم ضيعها؛ فهو مسئول بين يدي الله عز وجل‪ ,‬قال الله تعالى‪{:‬‬
‫ك وس و ف ت َ‬
‫ن]‪'} [44‬سورة الزخرف' ‪.‬‬ ‫سأُلو َ‬
‫م َ َ َ ْ َ ُ ْ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫ه ل َذِك ٌْر ل َ َ‬
‫ك وَل ِ َ‬ ‫وَإ ِن ّ ُ‬
‫لبد من المشاركة ‪:‬‬
‫لنفرض جدل ً أنك ل تستطيع أن تتكلم‪ ،‬ول أن تعمل‪ ،‬ول أن تبذل المال‪ ،‬ول‬
‫صّبر ًًا‪ ,‬فإنك تستطيع‬ ‫أن تقف بنفسك مع إخوانك معلمًا‪ ،‬وداعيًا‪ ،‬ومرشدًا‪ ،‬و ُ‬
‫م َ‬
‫ولبد أمرا ً بعد ذلك أل وهو‪ :‬المشاركة الوجدانية‪:‬‬
‫قدم الدليل العملي على أنك فعل ً تشعر بمشاعر المسلمين في كل مكان‪.‬‬
‫أثبت أنك لست شامتا ً تسخر مما يقع للمسلمين ‪.‬‬
‫قدم الدلة المادية على أن روح الخوة السلمية ما ماتت بعد ُ في قلبك ‪.‬‬
‫ً‬
‫إن المشاركة الشعورية والوجدانية هي أحد الشياء التي نحتاج إليها كثيرا ولو‬
‫لم تعمل‪ ,‬فإن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول لصحابه‪ ،‬وهو في‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫م َوادًِيا‬ ‫سيًرا وََل قَط َعْت ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م َ‬‫سْرت ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ما َ‬ ‫دين َةِ أقْ َ‬
‫وا ً‬ ‫م ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫معركة تبوك يقول لهم‪ ':‬إ ِ ّ‬
‫م ال ْعُذ ُْر' رواه البخاري وابن ماجة‪ .‬إذن لنفترض أنك‬ ‫سهُ ْ‬‫حب َ َ‬ ‫م َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫إ ِّل َ‬
‫معذوٌر‪ ،‬ل تستطيع أن تتكلم لنك أبكم‪ ،‬ول تستطيع أن تنفقَ لنك فقيٌر‪ ،‬ول‬
‫ض‪ ،‬ول تستطيع أن تعمل شيئًا‪:‬‬ ‫ك بنفسك لنك مري ٌ‬ ‫تستطيع أن تشار َ‬
‫أثبت أن عندك قلبا ً يحزن للمهم‪ ..‬ويفرح لفرحهم‪.‬‬
‫ة مع إخوانك في كل مكان ‪.‬‬ ‫ة وجداني ً‬ ‫أثبت أن لديك مشارك ً‬
‫أثبت أن روح الخوة ل تزال تعمل في قلبك ‪.‬‬
‫يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوما ً وسرنا نحن أرواحا ً‬
‫حا‬‫إنا أقمنا على عذرٍ نكابده ومن أقام على عذرٍ كمن را َ‬
‫ن ‪ ..‬سيتبعه على أقل تقدير‪ :‬دعوة‬ ‫هذا الشعور الوجداني في قلبك سيتبعه تم ٍ‬
‫ب السماء‪:‬‬ ‫ترفعها في الهزيع الخير من الليل إلى رب العالمين تفتح لها أبوا ُ‬
‫أتهزأ بالدعاء وتزدريه ول تدري بما صنع الدعاء‬
‫ل وللجل انقضاء‬ ‫سهام الليل ل تخطي ولكن لها أج ٌ‬
‫المة التي قوام أعدادها ألف ومائتا مليون هل تعتقد أنه ل يوجد فيها واحد‬
‫مستجاب الدعوة ؟‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫س َ‬ ‫ن لوْ أق َ‬ ‫م ْ‬ ‫عَبادِ اللهِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ':‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ه' رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبوداود وابن ماجة وأحمد ‪.‬‬ ‫عََلى الل ّهِ َلب َّر ُ‬
‫نحن نجزم يقينا ً أن في هذه المة من الولياء من لو دعوا الله؛ لجابهم‪ ,‬ولو‬
‫استسقوا المطر من السماء؛ لسقاهم شرابا ً طهورًا‪ ,‬ولو سألوا الله تعالى؛ ما‬
‫رد سؤالهم‪ ...‬فأين هؤلء ؟ لماذا ل نحرك همم الناس ؟ العجائز‪ ،‬والطفال‪،‬‬
‫والكبار‪ ،‬والصغار‪ ،‬والسذج‪ ،‬والمتعلمين‪ ،‬والجميع‪ ،‬لنقل لهم‪ :‬ادعوا الله‬
‫لخوانكم المسلمين في كل مكان أن يفرج الله تعالى عنهم كروبهم‪ ،‬ويزيل‬
‫عنهم همومهم‪ ،‬ويؤمنهم من خوف‪ ،‬و يطعمهم من جوع‪ ،‬ويرويهم من ظمأ‪,‬‬
‫وقبل ذلك كله أن يعلمهم من جهل‪ ،‬وأن يبصرهم في دينهم ‪.‬‬
‫لن يصلح آخر هذه المة إل بما صلح به أولها‪:‬‬
‫ح به أولها‪ ,‬فإذا كان النبي صلى الله‬ ‫صل ُ َ‬‫ح إل بما َ‬ ‫صل ُ َ‬‫إن آخر هذه المة لن ي َ ْ‬
‫عليه وسلم َرّبى هذه المة على هذه المعاني‪ ,‬فرباها على المسئولية‬
‫الشخصية في طلب العلم الشرعي والتعب وراء تحصيله بدليله‪ ,‬وربى هذه‬
‫المة على مسئولية التزكية لهذا العلم للنفس وللغير‪ ,‬و ربى هذه المة على‬
‫مسئولية المشاركة‪ ،‬وأن تكون المة جسدا ً واحدًا‪،‬‬
‫إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر العضاء بالسهر والحمى كما قال عليه‬
‫ن ِفي‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫مث َ ُ‬‫الصلة والسلم‪ ,‬وكما قال في الحديث الخر المتفق عليه‪َ ':‬‬
‫ه‬‫عى ل َ ُ‬ ‫دا َ‬ ‫ضو ٌ ت َ َ‬‫ه عُ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫كى ِ‬ ‫شت َ َ‬‫سدِ إ َِذا ا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬‫م َ‬ ‫فهِ ْ‬ ‫م وَت ََعاط ُ ِ‬ ‫مهِ ْ‬‫ح ِ‬ ‫م وَت ََرا ُ‬ ‫واد ّهِ ْ‬‫تَ َ‬
‫مى' رواه البخاري ومسلم وأحمد‪ .‬فلن يصلح آخر‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫سهَرِ َوال ُ‬ ‫سدِ ِبال ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ْ‬
‫سائ ُِر ال َ‬ ‫َ‬
‫هذه المة إل بما صلح به أولها ‪.‬‬
‫فل بد إذا ً من دعوة لهذه المة‪:‬‬
‫دعوة إلى الدين كله ل بعضه‪ ،‬فل ندعو إلى بعض الدين ونغفل عن بعضه {‬
‫َ‬
‫ض ]‪' } [85‬سورة البقرة' ‪ .‬إننا ل نقبل‬ ‫ن ب ِب َعْ ٍ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ب وَت َك ْ ُ‬ ‫ض ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن ب ِب َعْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫أفَت ُؤْ ِ‬
‫تجزيء السلم‪ ،‬أو علمنته‪ ،‬فالدين جاء ليعلم النسان كيف يتوضأ‪ ،‬وكيف‬
‫يصلي‪ ،‬وكيف يبيع ويشتري‪ ،‬وكيف يحكم‪ ,‬جاء ليهيمن على حياة النسان‬
‫كلها‪ ،‬دقيقها وجليلها‪ ,‬ول يجوز التفريط بشيء من الدين‪ ،‬أو اعتبار أن جزًء‬
‫من الحياة غير داخل في مسألة الهداية الربانية ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول بد أن تكون الدعوة إلى الدين ل إلى الهوى‪ ،‬فالدين واحد أما الهواء فهي‬
‫ن َل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬‫واَء ال ّ ِ‬ ‫مرِ َفات ّب ِعَْها وََل ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬‫ريعَةٍ ِ‬ ‫ك عََلى َ‬
‫ش ِ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫م َ‬‫شتى‪ {:‬ث ُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وََل ت َت ّب ِ ْ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ما أن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬
‫م ب َي ْن َهُ ْ‬‫حك ُ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ن]‪'} [18‬سورة الجاثية' ‪ { .‬وَأ ِ‬ ‫مو َ‬‫ي َعْل َ ُ‬
‫م ]‪'} [49‬سورة المائدة' ‪ .‬يجب أن ندعو إلى دين الله ‪ :‬كتاب الله‪،‬‬ ‫َ‬
‫واَءهُ ْ‬‫أهْ َ‬
‫وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قوًل وفعل ً ‪ ,‬لسنا ندعو إلى أهوائنا‪ ،‬ول‬
‫إلى أمزجتنا‪ ،‬ول إلى رغباتنا‪ ،‬ول إلى آرائنا الشخصية‪ ،‬وإنما ً ندعو إلى دين‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫ً‬
‫أما آراؤنا فقد نعرضها‪ ،‬ولكننا ل ُنلزم بها أحدا؛ لنها تحتمل أن تكون خطأ‪،‬‬
‫وتحتمل أن تكون صوابا ً ‪.‬‬
‫ة‪ ،‬أو‬‫ولبد أن تكون دعوتنا إلى الدين فوق مستوى أن ندعو إلى لفتةٍ خاص ٍ‬
‫ن‪ ,‬و إنما نحن نهتم‬ ‫ص معي ٍ‬ ‫ص‪ ،‬أو شخ ٍ‬ ‫ب خا ٍ‬ ‫ص‪ ،‬أو حز ٍ‬ ‫ة‪ ،‬واسم ٍ خا ٍ‬ ‫رايةٍ خاص ٍ‬
‫بالدين‪ ،‬وندعو إلى الدين‪ ،‬ول يهمنا بعد ذلك أي جنس تكون‪ ،‬وأي لون تكون‪،‬‬
‫وأي اسم ٍ تنتحل‪ ،‬فإن المهم هو أن تكون ملتزما ً بحقيقة الدين‪ ،‬وجوهره‬
‫ومظهره‪.‬‬
‫فل بد من هذا‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬أن نقوم بدعوة جادةٍ إلى دين الله عز وجل ‪.‬‬
‫ة للمة كلها فليست الدعوة إلى السلم‬ ‫وثانيًا‪ :‬أن تكون هذه الدعوة موجه ً‬
‫منا أن ننقذ الناس بدين الله تعالى ‪.‬‬ ‫ة‪ ،‬فالذي ُيه ُ‬ ‫حكرا ً على فئةٍ خاص ٍ‬
‫اللهم أعز السلم والمسلمين‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين‪ ،‬ودمر أعداءك‬
‫أعداء الدين‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫من خطبة‪:‬لكي ينتصر السلم ‪...‬للشيخ‪/‬سلمان العودة‬

‫)‪(5 /‬‬

‫للزواج فقط !!‬


‫إبراهيم عاصي *‬
‫‪ ...‬وإنه ما لم يحصل هذا النفتاح ‪ ،‬فيقارع الرأي الرأي ‪ ،‬وينازل الفكر الفكر‪،‬‬
‫منازلة علنية تحت ضوء الشمس ‪ ،‬حرة متكافئة ‪ ،‬بل كبت ول قهر ول إبعاد ‪..‬‬
‫إنه ما لم يحصل ذلك فإن الحقيقة تظل غائبة ضائعة ول تتمحص ! وهذا ليس‬
‫من مصلحة النسان في شيء ‪.‬‬
‫أيها السادة ‪:‬‬
‫بعد هذا الستطراد السريع ‪ ،‬وقبل البدء بقراءة نص البحث الذي هو موضوع‬
‫محاضرتنا لهذه المسية ‪..‬اسمحوا لي أن ألفت عنايتكم إلى النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إن عبارة )للزواج فقط( تمثل عنوان المحاضرة وليس موضوعها ‪ .‬وهذا‬
‫العنوان أشبه ما يكون )بالمانشيت( الصحفي ليس أكثر‪ .‬إذ أن الموضوع ذو‬
‫مساس بالزواج وغير الزواج من الجنسين ‪ ،‬ممن هم على أهبة الزواج‬
‫القريب أو البعيد ‪ ،‬أو ربما على أهبة الطلق أيضا ً !!‬
‫حجر الزاوية في الموضوع هو )ظاهرة الخيانات الزوجية( إل أن البحث‬
‫يتشعب بعد ذلك ليتناول أمورا ً فرعية متعددة ‪ .‬وذلك عندما يتعرض الحديث‬
‫إلى أسباب الظاهرة ونتائجها وكيفية علجها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ لقد اصطنعت للبحث أسلوب الحوار بين اثنين أحدهما يسأل ‪ ،‬والثاني‬
‫يجيب ‪ .‬وما ذلك إل تحاشيا ً مقصودا ً مني لطريقة السرد المباشر الرتيب ‪،‬‬
‫التي من شأنها أن تدخل السأم والملل إلى نفس السامع عندما تطول ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إن المنطق العام للبحث ليس أرضية مجتمع بلدنا الضيق المحدود ‪ ..‬ل ‪،‬‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإنما هي أرضية المجتمع العربي العام ‪ ،‬وحتى غير العربي من المجتمعات‬


‫الخرى ‪ .‬وأرجو أل أكون في هذا مبالغا ً ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ قد يلحظ السامع فيما يلي ‪ ،‬أنني ألجأ أحيانا ً إلى عبارات تبدو فيها‬
‫الصراحة فاقعة ‪ ،‬إن لم نقل جارحة أو محرجة لمشاعر بعض الحاضرين ‪ ،‬أو‬
‫الحاضرات !!‬
‫وعذري الذي أبديه سلفا ً ‪ ،‬هو أنني رأيت الصراحة في الحديث كالخط‬
‫المستقيم في الهندسة ‪ .‬فكما أن الخط المستقيم في الهندسة هو أقصر بعد‬
‫بين نقطتين ‪ ..‬كذلك الصراحة هي أسلم طريق للفهم بين متخاطبين ‪ ،‬ل‬
‫سيما إذا كان التخاطب ينحو منحى الحديث الموضوعي ‪ ،‬الهادئ المتئد ‪.‬‬
‫والن هيا بنا في جولة مع الزواج ‪ ..‬ولكن ليس مع الزواج فقط !!‬
‫قلت لمحدثي ‪ :‬قد أفهم جنوح بعض العزبان من الشباب والفتيات نحو‬
‫ارتكاب الخطيئة ‪ ،‬ولكنني ل أفهم أبدا ً السبب في الخيانات الزوجية ‪ ،‬التي‬
‫بدت أسمع عنها الكثير من الناس ‪ ،‬أو أقرأ عنها باستمرار في صفحات "‬
‫أخبار المجتمع " وزوايا " مشكلت اجتماعية " لكثير من الجرائد والمجلت !!‬
‫قال ‪ :‬وما السبب في أنك تفهم أحيانا ً ‪ ،‬ول تفهم احيانا ً أخرى ؟‬
‫قلت ‪ :‬بالنسبة إلى غير المتزوجين ‪ ،‬قد يفهم المر على انه بحث عن إطفاء‬
‫شهوة وإشباع غريزة ‪ ،‬لم تتح لهم الظروف بعد أن يشبعوها بالحلل ‪،‬‬
‫فجنحت بهم نفوسهم المارة بالسوء بوسوسة من شياطينهم ‪ ،‬فأطفئوها‬
‫بالحرام ‪..‬‬
‫أما بالنسبة إلى المتزوجين فإنني ل أفهم المر على أنه بحث عن إطفاء‬
‫شهوة أو إشباع غريزة ‪ ،‬لن ذلك متيسر لهم متى شاءوا حلل ً طيبا ً !!‬
‫قال ‪ :‬بل يجب أن تفهم المر في حالته الثانية ‪ ،‬على أنه أيضا ً بحث عن‬
‫إطفاء شهوة حرام وإشباع غريزة ‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت ‪ :‬ولماذا الزوجة إذن ؟ بل لماذا الزواج أصل ؟!‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هذا هو السؤال الوجيه الذي أنتظره منك ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وجب عليك إذا ً أن تعطيني الجواب شافيا ً ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬لك ما تريد ‪ ..‬إن الزوج ـ ذكرا ً أو أنثى ـ خلق ليلبي أكثر من حاجة في‬
‫حياة زوجه الخر‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬الحاجة الطبيعية المعروفة التي يترتب على تلبيتها دوام الجنس‬
‫وإنجاب الولد وعمارة المجتمع ‪ .‬وبعبارة أخرى ‪ ،‬إن الغاية من الزواج بشكل‬
‫عام هي ‪ :‬سكينة النفس ‪ ،‬بناء السرة ‪ ،‬استمرار النوع ‪ ،‬تلبية الرغبات‬
‫الطبيعية عند كل الجنسين بالطريق الطبيعي ‪ ،‬وبذلك يتميز النسان من‬
‫الحيوان ‪ .‬إل أن خلل ً ما قد يطرأ على الحياة الزوجية ‪ ،‬فيفسد توازنها ‪ ،‬وذلك‬
‫عندما تتعطل إحدى وظائف الزواج‪..‬‬
‫عندها يساق أحد الزوجين سوقا ً إلى الملل فالقرف ‪ .‬فالخيانة وما يتبع ‪...‬‬
‫قلت ‪ :‬وكيف ذلك ؟ أنا لم افهم عليك كيف يصل المر إلى جد " الخيانة وما‬
‫يتبع ‪!"...‬‬
‫ً‬
‫قال ‪ :‬تريث وأنا كفيل بإفهامك ‪ .‬ولكن قل لي أؤحدثك أول عن الخيانة‬
‫الزوجية وأسبابها لدى الزواج أم لدى الزوجات ؟‬
‫قلت ‪ :‬على رأيك ‪ ..‬وإذا لم يكن لديك مانع ‪ ،‬فل بأس بأسبابها عند الزواج ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬السباب كثيرة ‪ ،‬ولكن أبرزها في رأيي هو " عدم التكافؤ" ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وما عدم التكافؤ هذا ؟‬
‫قال ‪ :‬عدم التكافؤ له وجوه عديدة ‪ ..‬فهناك عدم التكافؤ في السن ‪ ،‬كأن‬
‫تكون الزوجة أكبر من زوجها بشكل ل يحتمل ‪ .‬وعدم التكافؤ في الشكل ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كأن تكون الزوجة دون المستوى الذي يطمح إليه الزوج من الحسن أو‬
‫تناسق الخلق ‪ .‬وعدم التكافؤ المزاجي والعاطفي ‪ ،‬كأن تكون الزوجة نزقة‬
‫انفعالية متغطرسة ‪ ،‬وهو متمهل متواضع وقور‪ .‬وعدم التكافؤ الثقافي ‪ ،‬كأن‬
‫تكون أمية وهو متعلم مثقف ‪ .‬إلى آخر ما هنالك من حالت وتناقضات ‪...‬‬
‫قلت ‪ :‬وماذا أيضا ً من أسباب ؟‬
‫قال ‪) :‬المجتمعات المفتوحة( ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وماذا تعني بالمجتمعات المفتوحة ؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال ‪ :‬أعني بها مجتمعات المسابح ‪ ،‬والملهي ‪ ،‬والنوادي ‪ ،‬وحفلت‬


‫الكوكتيل ‪ ...‬ومجتمعات السهرات المختلطة ‪ ،‬السهرات التي تقام من أجل‬
‫عرض المحاسن والمفاتن ‪ ،‬أو عرض الزياء ‪ ،‬أو عرض خفة الدم والروح ‪ ،‬أو‬
‫عرض الخدمات !!‬
‫قلت ‪ :‬ثم ماذا لديك من أسباب ؟‬
‫قال ‪ :‬كثرة )العرض( ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وما كثرة العرض هذه ؟‬
‫قال ‪ :‬أعني بكثرة العرض ‪ ،‬كثرة البضاعة النسائية المعروضة على الرجل‬
‫في الشوارع والسواق‪ ،‬والمحال التجارية والعامة ‪ ،‬والدوائر والمؤسسات‬
‫والشركات ‪ ..‬فحيثما تلفت الرجل وقع نظره على الفتاة المتبرجة المزركشة‬
‫‪ ،‬أو المرأة المتصدية المتحدية بآخر ما لديها من أفانين التزويق والغراء !‬
‫حتى ليحس المرء وكأنه يتحرك في متحف للشمع كبير‪ ،‬كل معروضاته أو‬
‫جلها إناث مصطبغات ملونات وليس من لفتة على أي واحدة منهن ‪ ،‬تحذر‬
‫المتفرج بقولها )احذروا الدهان( ‪ .‬ولو أن هذا التحذير وجد لسلم الكثير من‬
‫المتفرجين من شر الوقوع فيما ل تحمد عقباه !‬
‫قلت ‪ :‬وما هذا الذي ل تحمد عقباه ؟‬
‫ً‬
‫قال ‪ :‬أعني الوقوع في شرك إحداهن ‪ ،‬راغبا بها عن زوجته ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكيف يحصل هذا ؟‬
‫قال ‪ :‬يحصل ذلك تلقائيا ً ‪ ،‬بمجرد المقارنة الذهنية ‪ ،‬من حيث يريد الزوج أو ل‬
‫يريد ‪ ..‬تلك المقارنة التي تنعقد في ذهنه بين زوجته من جهة ‪ ،‬وبين العداد‬
‫الغفيرة التي يعايشها في حياته العامة من جهة ثانية ‪ .‬مقارنة في اللون ‪،‬‬
‫ومقارنة في الحجم والتكوين الجسدي ‪ ،‬ومقارنة في الذوق )والتيكيت( ‪..‬‬
‫وإلى آخر ما هنالك من مقارنات يسهو معها جميعا ً أنه أمام مناظر أغلبها‬
‫صنعي استهلكي زائل ! كما يغفل وهو في غمرة المقارنة الذهنية عن أشياء‬
‫جوهرية جدا ً ‪ .‬منها ‪:‬‬
‫ً‬
‫ـ عامل الزمن الذي مسح شيئا من معالم زوجته ‪ ،‬التي مضى على زواجه‬
‫منها )كذا سنة( ‪ ،‬والذي سيمسح بدوره من معالم جمال هذه الصبية التي‬
‫خطرت من أمامه ‪ ،‬عاجل ً أم آجل ً ل محالة !‬
‫ـ وعامل الولدة ‪ :‬الذي لم تتعرض له تلك المراهقة أو هاتيك المتصابية التي‬
‫مرت قبل قليل !‬
‫ـ وعامل الجهد ‪ :‬الجهد في تربية الولد ورعاية الطفال ‪ ،‬والنهوض بأعباء‬
‫البيت من طبخ وجلي وكنس وترتيب ‪ ..‬ذلك الجهد المرهق الذي تبذله زوجته‬
‫على مر اليام ‪ ،‬بينما ل تعاني منه ول من بعضه تلك البطرة التي وجدها‬
‫تشرب القهوة وتدخن السيكارة وراء مكتبها لنها ألقت بتلك العباء جميعا ً‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الخادمة المسكينة رهينة البيت ‪ ،‬أسيرة الشغل الدائم !!‬


‫قلت ‪ :‬قف لقد ضبتك !‬
‫قال ‪ :‬بماذا ضبطتني ؟‬
‫قلت ‪ :‬بالتحيز للرجل ‪ .‬ومن فمك أدينك !‬
‫قال ‪ :‬وكيف ؟‬
‫قلت ‪ :‬ألم أقل )إنه يغفل وهو في غمرة المقارنة الذهنية( عن كذا وكذا مما‬
‫عددت من عوامل ؟! فالمسؤول هو الزوج إذا ً وليس الزوجة ‪ .‬أما هكذا ؟ إنه‬
‫هو الذي يغفل ‪ .‬فلماذا تحملها المسؤولية لها وتحملها له ؟!‬
‫قال ‪ :‬إنك لم تضبطني بشيء يا صاحبي ‪ .‬بل إني لراك كمن قبض على ريح‬
‫ل أكثر! إن الجل الذي كتب عليه أن يعيش في متحف الشمع الذي حدثتك‬
‫عنه ‪ ،‬كالرجل الذي ألقي به مكتوفا ً في البحر وقيل له ‪ " :‬إياك إياك أن تبتل‬
‫بالماء " !! ولو أن المرأة خرجت إلى أعمالها وقضاء حوائجها الضرورية وهي‬
‫في مظهرها الطبيعي ل تزييف ول إثارة لتحول البحر إلى جدول هادئ لطيف‬
‫ولما غرق فيه أحد ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لننتقل إلى أسباب أخرى ‪ ،‬فهل لديك ؟‬
‫قال ‪ :‬الجعبة مليئة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬هات إذا ً ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هناك من السباب ما يمكن أن أسميه )بالتعفن النفسي والخلقي( ‪.‬‬
‫وهو موجود عند بعض الزواج ‪ .‬وهذا سبب خاص بالزواج ل دخل للزوجات‬
‫فيه ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكيف يكون ذلك ؟‬
‫قال ‪ :‬هناك صنف من الزواج لهم طبع القطط أو أخلق الخنازير ! فمعلوم‬
‫لديك أن أشهى لقمة يبتلعها قط ‪ ،‬هي تلك التي يسرقها سرقة من المائدة ‪،‬‬
‫أو من المطبخ أو النملية ‪ ..‬وكذا الخنزير فإن أشهى طعام لديه هو ما كان‬
‫أخبث من غيره وأنجس ! لدرجة أنه عندما حرم في المداجن الحديثة من‬
‫تناول النجاسات وذلك بربطه إلى معالف نظيفة الطعام ‪ ،‬قيل إنه أخذ يأكل‬
‫روثه ويلتذ بهذا الكل !! أقول ‪ :‬إن بعض الزواج ‪ ،‬لهم مثل هذه الطباع‬
‫والخلق الخنزيرية القططية ‪ .‬فهم يؤثرون الخبيث على الطيب ‪ ،‬والحرام‬
‫على الحلل ‪ ،‬والخيانة على المانة ‪ ،‬حتى ولو كانت أزواجهم أجمل وأنضر‪،‬‬
‫وأطيب وأطهر !!‬
‫والنكى من ذلك ‪ ،‬أن هؤلء )المتخنزرين( ل يستحيون من أن يلتمسوا‬
‫لخياناتهم بعض العذار الشيطانية المنمقة ‪ ،‬مثل قولهم ‪ " :‬الكل من طعام‬
‫واحد يدعو إلى الملل "‪ .‬وقولهم ‪ " :‬أكل المطاعم أحسن من أكل البيوت "!!‬
‫)‪(1‬‬
‫قلت ‪ :‬غريب والله أمر هؤلء ؟! ولكن ‪ ،‬زدني ‪ ..‬زدني معرفة بالسباب ‪.‬‬
‫زادك الله علما ً وفهما ً ‪.‬‬
‫قال ‪) :‬وقد غلبه الضحك( وهناك يا صاحبي نفر من الزواج يرتكبون الخيانة "‬
‫شهامة ومروءة "!!‬
‫ضربت كفا ً بكف وقلت دهشا وأنا ل أكاد أصدق أذني ‪ :‬ماذا ؟ ماذا ؟‬
‫ً‬
‫قال ‪ :‬يخونون )شهامة ومروءة( أفل سمعت ؟!!‬
‫قال ‪ :‬وهل تراك بدأت تسخر مني وتهزأ بي ؟!‬
‫قال ‪ :‬معاذ الله ‪ .‬وكيف أسخر منك وأهزأ بك وأنت جليسي وأنيسي ؟!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلت ‪ :‬إذا حدثتني عن أغرب )شهامة( وأعجب )مروءة( سمعت بهما في‬
‫حياتي !‬
‫قال ‪ :‬بعضهم ‪ ،‬وهم من )أكابر( الشعراء وكتاب المقالة في بعض المجلت‬
‫المشهورة ‪ ..‬يمارس الخيانة الزوجية بقصد )جبر خاطر( المرأة التي يزني بها‬
‫ليس إل !! وذلك بعد أن يقتنع اقتناعا ً بأنها تعاني من نقص في ذهنها أو في‬
‫جسدها )كذا(!! ول يخفى عليك يا صاحبي ما في هذا )الصنيع( من )إنسانية‬
‫وشهامة ومروءة(!!‬
‫قلت ‪ :‬بربك أجاد أنت في كلمك أم تمزح ؟‬
‫قال ‪ :‬ثق بأنني جاد ل مازح ‪ .‬وإليك بالحرف الواحد نص العتراف الذي أدلى‬
‫به الشاعر الكاتب العلم أمام امرأة اسمها )مريم( ‪ ،‬جاءت تستجوبه صحافيا ً‬
‫بقصد )نفع القراء( طبعا ً ‪:‬‬
‫س ‪ :‬ولكن هل مارست الخيانة فعل ً ؟ وفي أي ظروف ؟‬
‫ج ‪ :‬إنني ل أخون إل إذا كنت مقتنعا ً أن المرأة التي أخونها تعاني نقصا ً في‬
‫ذهنها وفي جسدها ‪ .‬وفي هذه الحالة تكون الخيانة تعويضا ً عما ينقصها )!!!(‪.‬‬
‫أما في حالة المتلء فل أبحث عن طعام آخر )!!!(‪.(2) .‬‬
‫قلت ‪) :‬هاتفًا( برافو ‪ ..‬وعاشت القناعة التي هي كنز ل يفنى ! وعاشت‬
‫الشهامة والمروءات !!‬
‫قال ‪ :‬وهل تريد مزيدا ً من السباب ؟‬
‫قلت ‪ :‬هات ‪ ..‬هات ‪ ..‬طيب الله أنفاسك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬سأعطيك سببا ً واحدا ً إضافة لما سبق ‪ ،‬ولن أزيد عليه ‪ .‬وإنه عندي من‬
‫الهمية لفي مقام خطير‪ .‬ذلك لنه يتعلق بالزوجة وحدها فقط ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وما هو ؟‬
‫قال ‪) :‬عدم اهتمام الزوجة بزوجها(‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكيف ؟‬
‫ً‬
‫قال ‪ :‬كثير من الزوجات ـ يا صاحبي ـ يرغمن أزواجهن إرغاما على النصراف‬
‫عنهن والملل منهن ‪ ،‬ومن ثم يكون النزلق إلى الخيانة الزوجية !! وإل فماذا‬
‫يصنع الزوج الذي ابتلي بزوجة مهملة لهندامها وزينتها ؟ ويفتح عينيه عليها‬
‫صباحا ً ليراها في ثياب المطبخ ! يطل عليها ضحى فيجدها ما تزال مبعثرة‬
‫الشعر ملطخة الوجه ! يرجع مكن عمله ظهرا ً ليبصرها في أهدام الغسيل !‬
‫يتفقدها مساًء فيلفيها قد سبقته إلى الفراش لتشخر وتشخر غاطة في نوم‬
‫عميق !‬
‫في حين يرى غيرها من بنات جنسها ‪ ،‬يملن الدنيا من حوله زينة وعطرا ً ‪،‬‬
‫وخفة ورشاقة ‪ .‬يجمزن ويقمزن مثل ذكران الحجل أو ديكة الحبش في كل‬
‫شارع وعند كل منعطف !!‬
‫ثم ماذا يصنع الزوج الذي يشتهي كلمة ملطفة واحدة فقط من لسان زوجته‬
‫)الوقور( ‪ ،‬مرة في اليوم ‪ ،‬في السبوع ولكنه ل يسمعها ‪ ،‬حتى لكأن لسانها‬
‫أكله القط ! بل إنه ل يسمع إل كلمة ‪ :‬هات ‪ ،‬هات !! وفي أحسن الحوال ل‬
‫يسمع إل شكاواها على الولد الذين خالفوا أوامرها بغيابه وفعلوا كيت‬
‫وكيت ‪ ..‬وعلى الجيران الذين أزعجوها فوبختهم بكيت وكيت ‪ ..‬وطبخة الغد‬
‫ولوازمها من كيت وكيت !!؟‬
‫في حين أن غيرها من بنات جنسها ‪ ،‬يحاصرن زوجها من كل جانب ‪ ،‬وفي‬
‫كل مكان ‪ .‬بحكم العمل أو الوظيفة ‪ ..‬بحكم التنقل أو التنزه ‪ ..‬يحاصرنه بكل‬
‫ابتسامة حلوة ‪ ،‬أو عبارة جذابة ‪ ،‬أو حديث مؤنس لطيف !!‬
‫مثل هذا الزوج المنكوب ماذا يصنع ؟ أليس من حقه أن يمل ويقرف ؟ أليس‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من حقه أن يعاف ويكره ؟ ثم أليس مثل هذا الزوج ـ والحالة هذه ـ صيدا ً‬
‫سهل ً لية شيطانة أو زانية ؟!‬
‫قلت ‪ :‬بلى والله ‪ ..‬إنه لكذلك ‪ .‬ولكن قل لي ‪ ،‬ماذا عن أسباب الخيانة لدى‬
‫الزوجات ‪ ،‬وقد عرفنا أهم أسبابها عند الزواج ؟‬
‫***‬
‫قال ‪ :‬أول هذه السباب يا صاحبي هو )عدم التكافؤ( ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬عرفنا منك )عدم التكافؤ( هناك كيف يكون ‪ ..‬أما هنا فكيف أشكاله ؟‬
‫قال ‪ :‬ما قلته هناك ‪ ،‬أقوله نفسه هنا تقريبا ً ‪ ،‬ولكن بشكل آخر‪ ..‬كأن يكون‬
‫خلق شرس الطبع‬ ‫هو الطاعن في السن وهي الصبية اللعوب ‪ ..‬أو دميم ال َ‬
‫جافيا ً غليظا ً ‪ .‬وهي الحسناء الرقيقة ‪ ..‬أو جاهل ً سقيم الذهن بليد العقل ‪،‬‬
‫وهي الذكية المرهفة الحس والشعور‪ ..‬أو كأن يكون من بيئة شعبية متواضعة‬
‫‪ ،‬وهي من وسط )راق( تعاني معه من )عقدة التعالي( فتسعى باستمرار عن‬
‫طريق )النخر والنرفزة( للتعويض عما ساقها إليه القدر من )سوء حظ( و‬
‫)تعاسة مصير( !!‬
‫أو كأن يكون هو الفقير الدرويش صاحب اليد السفلى ‪ ،‬وهي ذات الدخل‬
‫والوفر صاحبة المنصب والوظيفة ‪ ،‬صاحبة اليد العليا ‪ ...‬وإلى آخر ما هنالك‬
‫من مفارقات ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬جزاك الله خيرا ً على ما فصلت ‪ .‬ولكن هل من سبب آخر لخيانة‬
‫الزوجات أزواجهن ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ..‬والسباب كثيرة ووفيرة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬إذا ً زدني ‪ ،‬زدني معرفة بها ‪ .‬زادك الله علما وفهما ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال ‪ :‬ومن السباب الهامة ـ يا صاحبي ـ في خيانة الزوجة)الماضي العاطفي‬
‫والتجارب السابقة(‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وماذا تعني بذلك ؟‬
‫قال ‪ :‬بعضهن يكون لهن قبل الزواج روابط وعلقات معينة مع رجل ما ‪،‬‬
‫خطيبا ً أو عشيقا ً ‪ ،‬مخلصا ً أو متسليا ً ‪ ..‬ثم لمر ما انقطع حبل الصلة من جهة‬
‫ذلك الرجل ! كأن يكون خطب على خطبته شاب آخر أكثر منه مال ً أو أعلى‬
‫منصبا ً ‪ ،‬فمكنه ذلك من إغراء الهل بالتحول إليه ‪ ،‬ومكنه من الحتيال على‬
‫الفتاة للقبول به ‪ ،‬فتنفسخ الخطبة مع الول لتنقلب إلى زواج من الثاني ‪ ،‬ثم‬
‫ما تلبث أن )تذهب السكرة وتأتي الفكرة( ببروز الخطيب السابق عشيقا ً‬
‫لحقا ً من جديد !!‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ـ أو كأن يكون الحبيب المتسلي العابث ‪ ،‬قد قضى أوطاره ‪ ،‬بعد أن ترك‬
‫بصمات حوافره ـ أعني أصابعه ـ على قلب تلك الفتاة فأسرها بعد أن ملكه ‪،‬‬
‫وهيهات أن يخلص من بعده لغيره !‬
‫ـ أو كأن تكون الحبيبة نفسها متسلية عابثة ‪ ،‬خطر لها وقد طرق الخطيب‬
‫بابها ‪ ،‬أن تجرب بيت الزوجية بعد أن جربت ما سواه مع الصدقاء ! ولكن‬
‫هيهات أن تمحى آثار الماضي بسهولة ولو حصل الزواج ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهل عندك من دليل على ذلك ؟‬
‫قال ‪ :‬وما نوع الدليل الذي تريد ؟‬
‫قلت ‪ :‬أريده دليل ً عصريا ً علميا ً ‪ ،‬وحذار من الميتافيزيقيا ‪ ،‬فأنا ـ كما تعلم ـ‬
‫شاب عصري جدا ً !!‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ‪ :‬فهمت عليك تماما ً ‪ ..‬أيرضيك أن يكون الدليل من مجلة طبية جنسية‬
‫مثل ً ؟‬
‫قلت ‪ :‬هذا بالضبط ما أريده ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وما رأيك إذا كانت مجلة لبنانية ؟‬
‫قلت ‪ :‬يا سلم ‪ ..‬هذا عز الطلب ‪ ..‬بل أكون شاكرا ً لك جدا ً ومسلما ً بكل‬
‫حرف مما تقول !‬
‫قال ‪ :‬وما رأيك إذا جئتك بأقوال لشخصية أجنبية ‪ ،‬تستطيع أن تتنطع باسمه ‪،‬‬
‫وتلوي لسانك بتلفظ أحرفه في أرقى المجالس ‪ ،‬وعلى أي وجه تشاء ؟!‬
‫قلت ‪ :‬عظيم ‪ ..‬عظيم جدا ً ‪ ..‬أنت ثاقب النظر‪ ..‬أنت تقرأ الفكار‪ ..‬أنت‬
‫تستشف الماورائيات !!‬
‫قال ‪ :‬اسمع إذا ً ‪:‬‬
‫يقول البحاثة )كنسي( ‪ ،‬أفهمت )كنسي( ‪ .‬يقول هذا البحاثة في الصفحة )‬
‫‪ (30‬من مجلة )طبيب العائلة( اللبنانية )‪: (3‬‬
‫"‪ ...‬فالمرأة التي اجتازت أحداثا ً عاطفية مع عدة رجال قبل الزواج ‪ ،‬يسهل‬
‫عليها الخيانة أكثر من الفتاة العذراء التي تزوجت مباشرة دون أية مغامرة ‪..‬‬
‫إن نسبة الخيانة في حال الزوجات من ذوات التجارب السابقة ‪ %33‬بينما لم‬
‫تتجاوز نسبة الخيانة لدى الفتيات اللواتي ابتعدن عن العلقات الجنسية قبل‬
‫ليلة الزفاف ‪." %13‬‬
‫قلت ‪) :‬دهشًا( أكمل ‪ ..‬أكمل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وماذا أكمل ؟‬
‫قلت ‪ :‬بقية السباب في الخيانة عندهن ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬حاضر‪ ..‬حاضر‪ .‬ومن جملة السباب يا صاحبي ‪) :‬التزويج اللزامي(؟‬
‫قلت ‪) :‬وما هذا التزويج اللزامي( ؟ أنا سمعت )بالتعليم اللزامي( أما‬
‫التزويج فل ؟‬
‫قال ‪ :‬أشرحه لك ‪ :‬في بعض الحيان ترغم الفتاة على الزواج من شاب ل‬
‫تحبه أو أنه لم يحز على رضاها ‪ ..‬وهذا الرغام يأخذ في بعض الرياف شكل‬
‫القسر وممارسة العنف أو التلويح به ‪ ..‬على أنه قد يأخذ شكل الحراج‬
‫والخجال أحيانا ً ‪ ،‬أو يأخذ شكل الغراء المادي أو المعنوي أحيانا ً أخرى ‪.‬‬
‫والمقصود )بالمعنوي( ‪ :‬أن يكون الخاطب ذا منصب خطير أو مقام كبير مما‬
‫يورط الهل بشكل خاص في الموافقة بل تحفظ ! فيضغطون على بنتهم‬
‫قصد الموافقة ‪ ،‬فيحاورونها ويداورونها إلى أن تقع ‪ .‬ثم ل يمضي كبير وقت ـ‬
‫بعد الزواج ـ حتى تقع الواقعة بينهما ‪ .‬وعلى قدر ما يحرص هو عليها ‪ ،‬فإنها‬
‫تزهد فيه ‪ .‬ومع هذا وذاك فقد تستمر الحياة الزوجية ولكن في نطاق‬
‫المراسم المعتادة ل أكثر‪ .‬ويظل قلب الزوجة وتظل عواطفها موضوعة تحت‬
‫الطلب !‬
‫قلت ‪ :‬هذا كلم معقول ومنطقي ‪ ،‬أفل زدتني منه ؟‬
‫قال ‪ :‬سمعا ً وطاعة ‪ ..‬ثم استأنف موضحا ً ‪ :‬ومن أسباب الخيانة عندهن يا‬
‫صاحبي ‪) :‬المعاملة بالمثل( ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكيف ذلك ؟‬
‫قال ‪ :‬يخون الزوج فتخون الزوجة ! قد ل تكون هي مهيأة للخيانة في‬
‫الصل ‪ ،‬ولكن ذلك يأتيها بالعدوى الخلقية ! ومرة قرأت اعترافا ً لحد‬
‫المجرمين في هذا الباب يقر فيه صراحة أن )الزوج الخائن يشجع زوجته‬
‫على خيانته بضمير مرتاح( !! على أن للمام الشافعي يا صاحبي شعرا ً ما‬
‫أروع أن نستشهد به في هذا المقام ‪ ..‬قال رضي الله عنه ‪:‬‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن به ‪ ،‬ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيبا ً فافهم !! "‬ ‫ن ـ يز َ‬


‫" من يْز ِ‬
‫ً‬
‫قلت ‪ :‬لشك في هذا عندي أبدا ‪ ..‬ولكن أليس من سبب في الخيانة يخص‬
‫الزوجة وحدها أحيانا ً ؟‬
‫قال ‪ :‬بلى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وما هو ؟‬
‫قال ‪) :‬خباثة المنشأ(‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وما )خباثة المنشأ( هذه ؟‬
‫قال ‪ :‬البنت تكون سليلة أسرة ملوثة من جهة الم أو الب ‪ ،‬أو من جهتهما‬
‫كليهما معا ً ‪ .‬في هذه الحالة ل يؤمن جانب البنت من النحراف ‪ ،‬لنها نشأت‬
‫في وسط منحرف وعايشته زمنا ً طويل ً ‪ ..‬وقديما ً قالوا ‪) :‬البنت سر أمها( ‪،‬‬
‫كما أنهم قالوا ‪) :‬الولد سر أبيه(‪ .‬من هنا ندرك أنه من المجازفة الخطرة جدا ً‬
‫أن يتخذ المرء لنفسه زوجة من وسط وضيع أو مشبوه بالوضاعة ‪ ،‬ول سيما‬
‫إذا كانت الشبهة من جهة الم ‪ .‬وقد جاء في الثر النبوي محذرا ً ومبصرا ً لنا‬
‫في هذا المجال فقال ‪:‬‬
‫" تخيروا لنطفكم فإن العرق نزاع "‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬كلمك سليم ‪ ،‬ورأيك سديد وقد أعجبني وأقنعني ‪ ،‬إل أنني سجلت‬
‫عليك ملحظة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وما هي ؟‬
‫قلت ‪ :‬لماذا شددت على )عفة الم( أكثر من تشديدك على عفة الب ‪،‬‬
‫عندما قلت ‪) :‬ولسيما إذا كانت الشبهة من جهة الم( ؟ فهل الب ذنبه‬
‫مغفور ؟!‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قال ‪ :‬شكرا ً لصراحتك أول ً ‪ ..‬وثق بأنني ما أردت أن أقول إن ذنب الرجل‬
‫مغفور‪ ..‬ولكنني إذا شددت على عفة الم ‪ ،‬فلن أثر الم يا صاحبي في بنتها‬
‫يفوق أثر الب أضعافا ً مضاعفة ‪ ..‬الم هي المثل العلى العملي في السلوك‬
‫بالنسبة إلى البنت ‪ .‬والبنت تعايش هذا المثل أربعا ً وعشرين ساعة ‪ ،‬في‬
‫الربع والعشرين ساعة !! وبذلك فهي تطلع على جميع الخفايا وتتلقن‬
‫وتحفظ جميع الدروس نظريا ً وعمليا ً ‪ .‬بينما ليس للب في بنته مثل هذا الثر‬
‫الواضح الشديد ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬هذا صحيح ‪ ،‬إنما قل لي لماذا لم تشر إلى )خباثة المنشأ( في الرجل‬
‫وكيف أنها قد تكون من أسباب اقترافه الخيانة دونما مسوغ آخر سوى‬
‫الخيانة ؟!‬
‫قال ‪ :‬الحق معك ‪ ،‬وافترضني سهوت ‪ ،‬وهأنذا أستدرك فأقول ‪ :‬إن خباثة‬
‫منشأ الزوج قد ل تنعكس خيانة زوجية وحسب ‪ ،‬بل قد تأخذ أحيانا ً شكل‬
‫)القوادة( والعياذ بالله !! ول تستغرب من هذا الحتمال أبدا ً ‪) ،‬فهذا الجرو‬
‫من ذلك الكلب( وفيما مضى قالوا ‪:‬‬
‫هذي العصا من هذي العصية = ل تلد الحية إل الحية‬
‫فعندما يكون الب زناء فاقد المروءة والشرف ‪ ،‬ل يستغرب أن يشب أبناؤه‬
‫على شاكلته وأسوأ !!‬
‫قلت ‪ :‬ل فض فوك ‪ ..‬ولكن أما ترى معي أن أحكامك تلك قاسية وشاملة ‪،‬‬
‫وقد أغفلت ما قد يكون لها من استثناءات ؟!‬
‫قال ‪ :‬وكيف ؟‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلت ‪ :‬أليس الله قادرا ً على أن )يخرج الحي من الميت( ؟!‬


‫قال ‪ :‬بلى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فلماذا تفعل بهذا )الحي( في مروءته وضميره ‪) ،‬الحي( في أخلقه‬
‫وسلوكه ‪ ،‬الذي أخرجه الله من صلب أبوين ميتين نخوة ومروءة ‪ ،‬ولسيما‬
‫إذا كان هذا الحي فتاة ؟!‬
‫قال ‪ :‬سؤال وجيه حقا ً ‪ ..‬ولفتة مهمة ودقيقة فعل ً ‪ ..‬ثم أضاف ‪ :‬ل مانع في‬
‫هذه الحالة من أن تتزوج هذه الفتاة ‪ ،‬أو تنصح بالزواج منها للباحثين عن‬
‫الزواج ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وإذا حصل شيء ما في المستقبل ؟‬
‫ً‬
‫قال ‪ :‬تذكر عبارتي السابقة قبل قليل )إنها مجازفة خطرة جدا( ‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإن الذي يجازف عليه يتحمل مسؤولية مجازفته !‬
‫قلت ‪ :‬ولكن لماذا تسمي القدام على مثل هذا الزواج )مجازفة( ول تسميه‬
‫)تضحية( لنقاذ مخلوق من براثن الرذيلة المحتمة فيما لو لم تمتد لها يد‬
‫النقاذ ؟!‬
‫قال ‪ :‬سم عملك بأي اسم تشاء ‪ .‬فليكن )تضحية( أو )إنقاذ( أو )إنسانية( أو‬
‫ما شئت من تسميات ‪ .‬المهم هو أنه إذا ما اقتضتك التضحية ثمنا ً ما فعليك‬
‫أن تتحمله عن طيب خاطر لن العرق يا صاحبي دساس ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ولماذا أراك تقدم )الحذر( على )الثقة( في هذا الموضع بالذات ؟‬
‫قال ‪ :‬أعود فأقول لك ثانية )لن العرق دساس(‪ ..‬ومع هذا فأنا لم أوصك إل‬
‫بالحذر‪ ،‬فهل في هذه الوصية موضع لستغراب ؟‬
‫قلت ‪ :‬ل ‪ ..‬ولكن بعد الذي مضى كله ‪ ،‬هل من سبب في خيانة الزوجة ‪،‬‬
‫يكون الزوج وحده هو المسؤول عنه ؟‬
‫قال‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وما هو ؟‬
‫قال ‪) :‬الحرمان( ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وماذا تعني بالحرمان ؟‬
‫قال ‪ :‬الحرمان على أنواع ‪ ،‬ولسوف أجتزئ لك بنوعين مهمين ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وما هما ؟‬
‫ً‬
‫قال ‪ :‬الحرمان الول )مادي( ‪ .‬الزوج يكون ميسورا ويكون في بحبوحة من‬
‫الرزق ‪ .‬ومع ذلك فهو يقتر على زوجته في النفاق ‪ ،‬ويضيق عليها في العيش‬
‫لشح متأصل فيه لبخل متمكن في نفسه !! على حين ترى هذه الزوجة‬
‫جاراتها ومعارفها يلبسن خيرا ً مما تلبس ويأكلن خيرا ً مما تأكل ‪ ،‬ويعشن في‬
‫سعادة ونعيم ‪ ،‬ترنو هي إليه ول تطاله ! تجد نفسها مستحقة له ولكن يبخل‬
‫عليها به !‬
‫فماذا تكون النتيجة ؟ الكره المحتم للزوج ومن ثم التطلع إلى من يعوضها‬
‫عن شحة وإمساكه ولؤمه كرما ً وإغداقا ً وذهبا ً ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وماذا عن الزوج عندما يكون فقيرا ً ؟ وبعبارة أخرى ‪ ،‬ما دور الحرمان‬
‫المادي عندما يكون سببه الفقر؟ ثم هل يكون الفقر ـ في هذه الحالة ـ‬
‫مسوغا ً كافيا ً لنحراف الزوجات وخيانتهن ؟!‬
‫قال ‪ :‬أراك ستخرجنا عن سياق حديثنا الصلي بمثل هذه التساؤلت ‪ .‬أما‬
‫تلحظ أننا نتحدث عن الحالة التي يكون فيها الزوج وحده هو المسؤول عن‬
‫النحراف ؟‬
‫قلت ‪ :‬ألحظ ذلك بدقة وأعيه ‪ .‬ولكن أما تعلم أن تداعي الفكار لبد منه وأن‬
‫الشيء بالشيء يذكر ؟‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ‪ :‬بلى ‪ ..‬وهذا جواب سؤالك ‪:‬‬


‫ما من شيء يا صاحبي ‪ ،‬في أن الفقر هو علة العلل في أي مجتمع من‬
‫مجتمعات الرض ‪ ..‬وفي أن الفقر كفر أو كاد أن يكون كفرا ً ‪ ..‬وفي أن الفقر‬
‫هو أبو الخبائث ‪ ،‬وهو المستنقع الذي تفرخ فيه أبشع أنواع المفاسد‬
‫الجتماعية ‪ ،‬ابتداًء من السرقة إلى الزنى وحتى الجريمة بأوسع معانيها ‪.‬‬
‫إل أن الزوج ل يكون مسؤول ً عن النتائج ـ في هذه الحالة ـ بأي شكل وعلى‬
‫أي مقياس ‪ .‬المسؤول في هذه الحالة هو المجتمع بأسره ولسيما الدولة‬
‫الحاكمة فيه ‪.‬‬
‫والزنى عندئذ قد يكون شكل الرتزاق والتكسب ‪ ،‬ول يكون لمجرد التعويض‬
‫عن شح في الزوج مطاع أو بخل فيه وتكالب على المادة ‪ .‬وأنا ل أتصور‬
‫مجتمعا ً هو في سلم النحطاط أدنى دركه من مجتمع يرغم نساءه وفتياته‬
‫على البغاء من أجل تحصيل لقمة عيشهن ورقعة كسائهن !!‬

‫)‪(5 /‬‬

‫قلت ‪ :‬هل لي أن أفهم من كلمك إذا ً ‪ ،‬أنه ل ضير على الزوجة أو على الفتاة‬
‫في حال )الفقر( في أن ترتكب الفاحشة من أجل الرتزاق ؟!‬
‫قال ‪ :‬ويلك ! وكيف تفهم هذا مني ؟! يا هذا إن مبدأ الباء المتوارث منذ‬
‫القديم هو القائل ‪) :‬الحرة تموت ول تأكل بثديها(‪ .‬وهذا قول حق ‪ ،‬فالحرة‬
‫تموت جوعا ً ول تخون أو تزني من أجل اللقمة ‪ .‬ولكن ل تنس يا صاحبي أن‬
‫قولهم ذاك هو نوع من المثل العليا التي تعبر عن مدى عفتهم وتمسكهم‬
‫بالشرف والكرامة ‪ .‬والصراع قديم كما تعلم بين عالم المثل وعالم الواقع ‪،‬‬
‫وعلى قدر الظروف المتاحة لكل منهما فإنه يغلب ويسود ‪ ..‬وليس كالفقر‬
‫عامل ً مساعدا ً عنصر الرذيلة على غلبة عنصر الفضيلة ‪ ..‬وعلى أن تسود‬
‫الفاحشة على حساب الفعة والشرف ‪.‬‬
‫ثم إذا كانت المبادئ الكريمة والمثل الرفيعة متأصلة من نفوس الحرائر من‬
‫النساء بحيث تمنعهن من التردي في حمأة البغاء ولو تعرضن إلى الهلك ‪..‬‬
‫فما الذي يمنع غير الحرائر من التردي فيه ؟! والجوع كافر والحاجة مذلة‬
‫ملجئة !!!‬
‫قلت ‪ :‬إذا ً أنت ل تعتبر الفقر مسوغا ً للفاحشة ‪ ،‬وإنما تعتبره عامل ً جوهريا ً‬
‫وخطيرا ً قد يقود إليها ‪ ،‬ويغري بارتكابها ؟‬
‫قال ‪ :‬هذا ما أردته بالضبط ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لنرجع الن إلى سياق حديثنا العام ‪ ..‬فماذا عن الحرمان الثاني الذي‬
‫ألمحت إليه منذ فترة ؟‬
‫قال ‪ :‬أتعبتني يا هذا ‪ ..‬أما كفاك تساؤلت ؟‬
‫قلت ‪ :‬بالله إل أتممت وأجبتني ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬لك ما تريد ‪ ..‬إنه )الحرمان العاطفي الجنسي( وكفى !‬
‫قلت ‪ :‬هذا الجواب المختصر ل يكفيني ! والخير بتمامه فهل فصلت ؟‬
‫قال ‪ :‬لبد لي قبل كل شيء من أن أشير إلى أن الرواء الجنسي والعاطفي‬
‫شيئان متلزمان في الغالب ‪ ،‬أو أن أحدهما وهو )الجنسي( وسيلة رئيسية‬
‫لبلوغ الرواء الثاني وهو )العاطفي( ‪ .‬وعلى هذا فإن )الحرمان العاطفي‬
‫الجنسي( يعني أول ما يعني حرمان الزوجة من المتعة الحسية التي هي‬
‫إحدى الروابط الرئيسية بين أي زوجين ‪ ..‬ومن هنا فإن الزوج الذي يغفل عن‬
‫هذه الناحية أو يتغافل عنها ‪ ،‬يكون قد فتح الباب على مصراعيه لزوجته كي‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تنحرف ‪ ،‬لتعوض حراما ً ما فاتها عن طريق الحلل ‪ ،‬ولسيما إذا كانت ما‬
‫تزال شابة أو قريبة العهد بسن الشباب ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهل من المعقول أن يغفل زوج أو يتغافل عن هذه المسألة الحساسة‬
‫جدا ً في الحياة الزوجية ؟!‬
‫قال ‪ :‬الحق معك في أن تطرح هذا السؤال ‪ ،‬ولذا فإنني أميز لك بين نوعين‬
‫من الحرمان الول ‪ :‬الحرمان غير المقصود ‪ ،‬وهو ذلك الذي يتأتى عن قصور‬
‫فيزيولوجي طارئ ‪ ،‬وفي مثل هذه الحالة ليس أمام الزوج إل أن يسرح‬
‫زوجته سراحا ً جميل ً ‪ ،‬ما لم يكونا قد تخطيا سورة الشباب ونهم الكهولة إلى‬
‫أعتاب الهرم والشيخوخة ‪ ..‬عندها ل ضير من استمرار الحياة الزوجية ‪ ،‬إذ ل‬
‫خشية عندئذ من أية احتمالت ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لو افترضنا أن الزوجة رضيت بزوجها على علته ‪ ،‬ولم ترد منه الفكاك‬
‫‪ ،‬فما الحل ؟‬
‫قال ‪ :‬الحل آنئذ عند الزوج وهو أدرى بظروفه ‪ ،‬فإن شاء أبقى عليها ‪ ،‬وإن‬
‫شاء انفصل عنها ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهل هناك صورة ثانية للحرمان غير المقصود ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وهي أكثر شيوعا ً مما سبق ‪ ..‬إنها )البرود الجنسي( ‪ ،‬وفي هذه‬
‫الحالة ليس أمام الزوج إل أن يلزم دكاكين العطارين مكثرا ً من تناول التوابل‬
‫الهندية ‪ ..‬وأن يظل على علم دائم بحقيقة )رأسماله( ‪ " .‬ومن عرف‬
‫رأسماله باع واشترى "!!‬
‫قلت ‪ :‬أل يحتمل أن يكون البرود الجنسي علة في الزوجة وليس في الزوج ؟‬
‫قال ‪ :‬بلى ‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت ‪ :‬أفل يحتمل إذا أن يكون أحد السباب التي تدفع الزوج إلى الخيانة ؟‬
‫قال ‪ :‬بلى ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قلت ‪ :‬لماذا إذا لم تضفه إلى السباب المتعددة التي ذكرتها آنفا في خيانة‬
‫الزواج ؟‬
‫قال ‪ :‬أضفه الن إن شئت ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لعلي عرفت الن صور الحرمان غير المقصود ‪ ،‬فماذا بعده ؟‬
‫قال ‪ :‬الحرمان الثاني ‪ :‬وهو الحرمان العاطفي الجنسي )المفتعل( ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكيف يكون ؟‬
‫قال ‪ :‬بعضهم يهمل زوجته انشغال ً بأمور دنياه من بيع وشراء وربح وتجارة ‪،‬‬
‫وأسفار طويلة متتابعة ‪..‬‬
‫ـ وبعضهم يهملها زهدا ً فيها وتعلقا ً بغيرها أو بمجهولة !!‬
‫ـ وبعضهم يهملها زهدا ً في الحياة نفسها وفي متاعها من نساء وغير نساء !!‬
‫وفي هذه الحالت جميعا ً ‪ ،‬تصبح الزوجة المسكينة نهبا ً لحاسيس مؤلمة ‪:‬‬
‫من غربة وإهمال ‪ ،‬ووحشة ‪ ،‬وعزلة عاطفية ‪ ،‬وخواء روحي ‪ ،‬وتوق جنسي ‪،‬‬
‫ثم ما تلبث هذه الحاسيس أن تتضخم مع اليام ‪ ،‬حتى تصبح عقدة مزمنة‬
‫تبحث لنفسها عن حل ‪ ،‬وهنا ينبري الشيطان ـ شيطان النس أو الجن ـ‬
‫ليقود فريسته بهمة ونشاط ‪ ،‬فرحا ً مسرورا ً ‪ ،‬إلى أحضان الثم والثمين !!‬
‫***‬
‫قلت ‪ :‬طيب الله أنفاسك ‪ ،‬لشد ما أفدتني والله ‪ .‬ولكن قل لي ‪ ،‬هل‬
‫بمقدوري أن أثقل عليك زيادة عما فعلت حتى الن ‪ ،‬فأحظى منك بأجوبة‬
‫على بعض السئلة الخرى ؟‬
‫قال ‪ :‬إذا كانت ذات علقة بموضوعنا نفسه ‪ ،‬فعلى الرحب والسعة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لها كل العلقة ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ‪ :‬إذا ً ‪ .‬اسأل ‪.‬‬


‫قلت ‪ :‬هل تستطيع أن تحدثني عن عواقب الخيانات الزوجية ؟‬

‫)‪(6 /‬‬

‫قال ‪ :‬نعم ‪ ..‬وقد طلبت يسيرا ً ‪ ،‬العواقب متعددة وكثيرة ‪ ،‬وربما كان من‬
‫الممكن حصرها في مجالت أربعة هي ‪:‬‬
‫)المجال الخلقي ـ الصحي ـ الجتماعي ـ النفسي( ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فهل تتكرم بأن تتناولها لي تباعا ً بالتوضيح ؟‬
‫قال ‪ :‬أما في المجال الخلقي ‪ :‬فتبدو العواقب على شكل سقوط مروءة ‪،‬‬
‫وانعدام نخوة ‪ ،‬وضياع شرف وقيم ‪ ،‬وارتكاس إلى الحياة الحيوانية البهيمية‬
‫المتمثلة بصفتي )الكلبية والخنزيرية( !!‬
‫وأما في المجال الصحي ‪ :‬فإن شيوع الخيانات الزوجية يعني شيوع التزاني‬
‫على أوسع نطاق ‪ .‬إذ أن الدائرة تتسع عندئذ حتى تشمل الباء والبناء ‪..‬‬
‫وهذا أمر طبيعي جدا ً ‪ ،‬فقد قيل قديما ً )والصل تتبعه الفروع(‪ .‬وهكذا فإن‬
‫الفاحشة تشيع في المجتمع ‪ ،‬وشيوع الفاحشة أقل ما يترتب عليه صحيا ً ‪،‬‬
‫شيوع المراض الجنسية ولسيما مرض الزهري ‪ ،‬هذا المرض الرهيب الذي‬
‫يموت بسببه آلف الناس كل سنة في البلد الوروبية والمريكية ‪ ..‬والذي‬
‫يتشوه بسببه آلف الطفال تشوها ً ولديا ً ‪ ..‬عدا عن الجهاضات التي ل حصر‬
‫لها يلحقها بالحوامل !!‬
‫قلت ‪ :‬هذا فظيع والله وخطير !! فماذا عن العواقب في المجال الجتماعي‬
‫إذا ً ؟‬
‫قال ‪ :‬هناك اختلط في النساب ‪ ..‬وتفسخ السرة والسرة كما هو معلوم‬
‫حجر الزاوية في بناء المجتمعات ‪ ..‬ثم بعد التفسخ احتمالت الطلق وبعد‬
‫الطلق خراب البيوت ‪ ..‬فتشرد الولد ‪ ..‬فضياع الجيال ‪ ..‬فدمار المم !!‬
‫وإن كنت في ريب مما أقول فهاك اعترافا ً صريحا ً )لشاهد من أهله(‪ ..‬إنه‬
‫شهادة القاضية السويدية )بريجيدا أولف هامر( )‪ .(4‬تقول هذه القاضية في‬
‫معرض الكلم عن ضياع النساب واختلطها في بلدها )السويد( نتيجة‬
‫للباحية الجنسية التي آلت إليها المور هناك ‪ ،‬ما نصه حرفيا ً ‪:‬‬
‫"‪ ...‬وهذا هو السبب في أن النساب في السويد أصبحت أحيانا ً ‪) :‬سمك ‪ ،‬لبن‬
‫‪ ،‬تمر هندي( ! ثم هذا هو السبب في أن المرأة السويدية فجأة اكتشف أنها‬
‫وهما ًَ هائل ً بثمن مفزع ‪ ،‬هو سعادتها الحقيقية ‪ ...‬ولهذا فإنها تستقبل العام‬
‫العالمي لحقوق المرأة ـ عام ‪ 1975‬ـ بفتور مهذب ‪ ،‬وتحن إلى حياة‬
‫الستقرار العائلية المتوازنة جنسيا ً ‪ ،‬وعاطفيا ً ‪ ،‬ونفسيا ً ‪ ..‬فهي تريد أن تتنازل‬
‫عن معظم حريتها في سبيل كل سعادتها ! " )‪.(5‬‬
‫ً‬
‫قلت ‪ :‬وهذا أشد هول ً وفظاعة !! أفل حدثتني أخيرا عن العواقب في المجال‬
‫النفسي ؟‬
‫قال ‪ :‬إن أخطر ما يحصل في هذا المجال ‪ ،‬هو انقلب الخيانة المتقطعة إلى‬
‫عادة فإدمان ‪ ..‬وعندما يصل المر إلى هذا الحد ‪ ،‬يصبح الزنى شيئا ً مستباحا ً‬
‫لدى الزوجين ‪ ،‬يمارسه كل طرف بعلم الطرف الخر وبرضاه التام !!‬
‫قلت ‪) :‬وأنا ل أستطيع إخفاء دهشتي البالغة( أراك تبالغ كثيرا ً يا صاحبي ‪،‬‬
‫فهل من المعقول أن يصل المر إلى هذا الحد من الدياثة ؟!!‬
‫قال ‪ :‬ليس في كلمي أية مبالغة ‪ ..‬وإن كنت في ريب مما أقول فاسمع هذه‬
‫الطرفة ‪ ،‬وتمعن في مدلولها جيدا ً ‪ " :‬في إحدى الحفلت العائلية ـ وكان‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مكان الحتفال ناديا ً مرموقا ً ـ وقف عميد النادي ـ وقد لحظ شيئا ً ما على جو‬
‫الحفل ـ وقف مخاطبا ً المحتفلين فقال ‪ " :‬يرجى من السادة الذين‬
‫يصطحبون سيدات غير نسائهم ‪ ،‬ومن السيدات اللواتي يصحبن معهن رجال ً‬
‫غير أزواجهن ‪ ،‬أن يغادروا مكان الحتفال "‪ ..‬وما هي إل برهة حتى أقفر‬
‫النادي من جميع المدعوين !! " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ولكنها نكتة ليس أكثر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ولكنها إذ تطلق في مجتمع ما ‪ ،‬فإن لها دللتها التي ل تنكر ! ومع هذا‬
‫فاسمع ما وراه لي أحدهم عن يقين فقال ‪:‬‬
‫" ومن احدث المبتكرات ـ مما يدخل في باب الباحية الجنسية بين‬
‫المتزوجين ـ أن بعض السر )الراقية( في أكثر من عاصمة أو مدينة عربية ‪،‬‬
‫يجتمعون في سهرات عائلية بالتناوب ‪ ،‬كل مرة في بيت ‪ ،‬فيسمرون‬
‫ويشربون ويطربون ‪ ..‬حتى إذا ما انقضى وقت السهرة ‪ ،‬أقبلت الزوجات إلى‬
‫طاولة معينة في ركن من صالة البيت ‪ ،‬فالتقطت كل واحدة منهن مفتاحا ً ـ ل‬
‫على التعيين ـ من مجموعة مفاتيح السيارات الملقاة على تلك الطاولة ‪.‬‬
‫وهي مفاتيح سيارات الزواج رموا بها هكذا خصيصا ً من أجل )لعبة الحب(‬
‫اليومية أو السبوعية فيما بينهم !! وبعد ذلك يغادرن السهرة تباعا ً لتطابق كل‬
‫واحدة ما بين المفتاح الذي التقطته وإحدى السيارات المصطفة في‬
‫الشارع ‪ ،‬وبذا فإن تلك )الست( تكون في تلك الليلة من نصيب ذلك )السيد(‬
‫كما أن ذلك )السيد( يكون من )يا نصيب( تلك )الست( فينطلقان بسيارتهما‬
‫ليقضيا بقية الليل معا ً ‪ .‬وهكذا يفعل بقية )السياد( وبقية )السيدات( "!!!‬
‫قلت ‪ :‬أعوذ بالله ‪ ..‬أعوذ بالله ‪ ..‬أجاد أنت أم مازح يا هذا ؟ قل لي بالله‬
‫عليك ‪ ،‬أتغرف من خيالك أم تروي من الواقع ؟!‬
‫قال ‪ :‬ثق بأنه الواقع أنقله إليك بأمانة ‪ ،‬ليس إل !! والنكى من ذلك يا‬
‫صاحبي أن الباحية الجنسية هذه نتيجتها الحتمية هي جنون أفراد المجتمع‬
‫وانتحارهم السريع ‪ ،‬وبذلك ينهار بسرعة كيان المم والشعوب !!‬
‫واسمع معي ثانية إلى كلم القاضية السويدية نفسها إذ تقول ‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫"‪ ...‬أباح القانون السويدي الحرية الجنسية للمرأة إلى أقصى حد ‪ ،‬لدرجة‬
‫جعلت الرجل هو الفريسة والمرأة هي الصياد ! فكانت النتيجة على مستوى‬
‫المة مذهلة حقا ً !! ففي تقرير رسمي خطير لوزارة الشؤون الجتماعية‬
‫السويدية تعلن الحكومة أن ‪ %25‬من سكان السويد مصابون بأمراض‬
‫عصبية نفسية ‪ .‬وأن ‪ %30‬من مجموع المصروفات الطبية في السويد تنفق‬
‫في علج المراض العصبية والنفسية ‪ .‬وأن ‪ %40‬من مجموع الشخاص‬
‫الذين يحالون إلى التقاعد ـ قبل سن المعاش ـ بسبب العجز عن العمل تماما ً‬
‫هم من المرضى المصابين عقليا ً !! وتفسر ظاهرة انتشار المراض العصبية‬
‫عن نفسها على هيئة ارتفاع مذهل في نسبة حوادث النتحار "‪.‬‬
‫***‬
‫ً‬
‫أطرقت مليا وأنا أفكر وأقدر‪ ،‬حتى كدت أصاب بالدوار‪ ،‬ثم رفعت رأسي إليه‬
‫قائل ً ‪ :‬وما الحل يا صاحبي ؟‬
‫قال ‪ :‬وأي حل تعني ؟‬
‫قلت ‪ :‬حل هذه المعضلة الوخيمة ‪ ،‬معضلة الخيانات الزوجية بجميع أشكالها ‪،‬‬
‫وبجميع أسبابها ومسبباتها !‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ‪ :‬أو تريد الجواب مختصرا ً أم مطول ً ؟‬


‫قلت ‪ :‬الرأي رأيك ‪ ،‬فكما تريد أنت ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬لقد أتعبتني ـ ول مؤاخذة ـ وإني لمختصر لك الجواب قدر المستطاع ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ألف شكر وشكر‪ ..‬تفضل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أول ً ‪ " :‬قبل الرماء تمل الكنائن " هكذا قالت العرب قديما ً ‪ ،‬وهكذا‬
‫أقول لك الن ‪ ...‬بمعنى أنه يترتب على المتزوج ـ شابا ً أو فتاة ـ أن يحسن‬
‫النتقاء ‪ ،‬ويتروى في البحث ‪ ،‬ويتعمق في الدراسة ‪ ،‬قبل الزواج ل بعده ‪ .‬بل‬
‫قبل الخطبة إن استطاع ل بعدها ‪ .‬وهذا هو العامل الوقائي ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إذا جد ـ بعد الزواج ـ ما ليس في الحسبان ‪ ،‬واكتشف الزوج ـ رجل ً أو‬
‫امرأة ـ ما كان خافيا ً عليه من أخلق سيئة ‪ ،‬أو طبيعة منشأ ذميمة ‪ ،‬أو عدم‬
‫تكافؤ ‪ ،‬أو برود ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪ ..‬فعليه أن يتناول المور بحكمة وأناة ‪ ،‬وأن‬
‫يعمل على إزالة ما يمكن إزالته من أسباب سواء أكان السبب قائما ً فيه أو‬
‫في الطرف الخر وما من شك أنه ما من داء إل وله دواء ‪ ،‬وما من مرض إل‬
‫وله شفاء ‪) ،‬وآخر العلج الكي(‪ .‬وهذا هو العمل العلجي ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أما ما يجمع الوقاية والعلج معا ً ‪ ..‬أما ما يقضي على معظم السباب ـ‬
‫إن لم أقل كلها ـ ابتداًء وانتهاًء ‪ ..‬أما ما يحول دون المشكلة من أساسها ‪،‬‬
‫وأنصح به أول ً وآخرا ً ‪ ..‬فهو " تقوى الله "‪ .‬تقوى الله لشباب ‪ ،‬وتقوى الله‬
‫للفتاة ‪ ..‬تقوى الله للزوجة ‪ ،‬وتقوى الله للزوج ‪.‬‬
‫ـ فمن يتق الله يتسع صدره للكثير من النقائص والهفوات ‪ ،‬ما لم تدخل في‬
‫باب محرم من حرمات الله ‪.‬‬
‫ـ ومن يتق الله يبتعد عن موطن السوء ‪ ،‬وطرق الشيطان ‪ ،‬ويترفع عن خلق‬
‫الكلب والخنازير‪ .‬ويحافظ على عفته وطهره في السر وفي العلن ‪.‬‬
‫ـ ومن يتق الله يعرف حقوق زوجه عليه ـ مادية ومعنوية ـ فيحافظ عليها ول‬
‫يفرط بها مهما كلفه ذلك من عناء ‪.‬‬
‫ـ ومن يتق الله يرض بقسمته ‪ .‬والزواج قسمة للمرأة كما هو قسمة للرجل ‪.‬‬
‫ـ ومن يتق الله يوفق إلى صفوة من أهل التقوى والعفاف والطهر‪ .‬فرسول‬
‫الله صلوات الله عليه يقول ‪ " :‬إن لله ملئكة يسوقون الهل إلى الهل " ‪.‬‬
‫وصدق الله العظيم القائل ‪:‬‬
‫]الخبيثات للخبيثين ‪ ،‬والخبيثون للخبيثات ‪ ،‬والطيبات للطيبين ‪ ،‬والطيبون‬
‫للطيبات[‪.‬‬
‫إنها إحدى المعادلت الربانية القرآنية الخالدة ‪ .‬ومن أصدق من الله قيل ً ؟!!‬
‫قلت ‪ :‬جزاك الله خيرا ً ‪ ،‬وأنا لك علي وعن كل السامعين أجرا ً ‪.‬‬
‫)وانفض مجلسنا(‬
‫* أديب سوري معتقل منذ عام ‪1979‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫•نص محاضرة ألقيت بدعوة من المركز الثقافي في جسر الشغور بتاريخ ‪12‬‬
‫نيسان ‪. 1975‬‬
‫)‪(1‬انظر المقابلة المنشورة في " أنوار الحد "‪ ،‬تاريخ ‪ 29‬تموز ‪ 1973‬تحت‬
‫عنوان " نزار قباني مسكون بالمرأة منذ ولدته "‪.‬‬
‫)‪(2‬انظر المقابلة السابقة ‪.‬‬
‫)‪(3‬العدد العاشر لسنة ‪ ، 1969‬وهذه المجلة من بنات عم )الشبكة(‬
‫و)الموعد( وأشباههما فتأمل !‬
‫)‪(4‬هذه القاضية السويدية أوفدتها المم المتحدة لتقوم بالطواف على‬
‫عواصم الشرق الوسط وقراه ودساكره بصحبة مترجمة من كل بلد في‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محاولة لدراسة مشاكل المرأة الشرقية العربية على الطبيعة ‪ ،‬لحساب‬


‫المم المتحدة بمناسبة العام الدولي لحقوق المرأة ‪ ،‬عام ‪. 1975‬‬
‫)‪(5‬عن مجلة السبوع العربي ـ العدد )‪ (820‬تاريخ ‪ 24‬شباط ‪ 1975‬ـ ص )‬
‫‪.(50‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫للبيت رب يحميه ولكن‪ ..‬طارق مصطفى حميدة*‬


‫تعلمنا منذ الصغر أن النبي محمدا ً عليه الصلة والسلم قد ُولد عام الفيل ‪..‬‬
‫وتابعنا مع قصة أصحاب الفيل‪ ،‬الحوار الذي يقال أنه دار بين أبرهة الشرم‬
‫وعبد المطلب‪ ،‬حين طلب إليه أن يرد إبله‪ ،‬فاستغرب أبرهة كيف تكون البل‬
‫أغلى عنده من البيت الحرام‪ ،‬الذي يمثل دينه ودين آبائه وأجداده‪ ،‬فيرد عبد‬
‫المطلب‪ ،‬كما تقول القصة‪ ،‬أنا رب البل ‪ ..‬وللبيت رب يحميه!!‬
‫ولقد حمى الله تعالى بيته‪ ،‬وأهلك أصحاب الفيل‪ ،‬وخّلد ذلك الحدث في قرآن‬
‫يتلى إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫إن هذه القصة‪ ،‬بشعارها الختامي)للبيت رب يحميه(‪ ،‬قد أصبحت جزءا ً‬
‫أساسيا ًً من تكويننا الثقافي ‪،‬حيث حفرت لنفسها عميقا ً في عقولنا وأذهاننا‬
‫ونفسياتنا ‪ ..‬والخطر من ذلك ‪ ،‬في رأيي ‪،‬أن هذا الشعار قد أضحى أحد‬
‫مواقفنا المتكررة حيال الخطار الداهمة‪ ،‬والقضايا الستراتيجية ‪..‬بمعنى أننا‬
‫نتماهى مع الموقف المنسوب لعبد المطلب‪ ،‬فنترك العداء يجتاحون بلدنا‪،‬‬
‫ويهددون مقدساتنا‪ ،‬ويقتلون إخواننا‪ ،‬ول نملك إل أن نغمض أعيننا على حلم‬
‫أن يبعث الله تعالى على أعدائنا الطير البابيل ؟!‬
‫إن من عوامل قوة تأثير هذه العبارة قصرها‪ ،‬وكونها تسللت إلى عقولنا‬
‫وقلوبنا وهي لما تزل صفحة بيضاء ناصعة‪ ،‬ولم تجد ما يعارضها أو يزاحمها‪،‬‬
‫ولكونها تتعلق بجد الرسول عليه السلم فاعتبرناها نصا ً دينيا ً واجب اللتزام‪،‬‬
‫ثم إنها تتحدث عن قدرة الله تعالى المطلقة‪ ،‬ول ننسى أنها تتناغم مع‬
‫الطبيعة البشرية التي تؤثر الراحة‪ ،‬وتطلب السلمة‪ ،‬وتفضل غير ذات‬
‫الشوكة‪ ،‬وقد رأينا كيف التفت أبو بكر الصديق‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬إلى أن‬
‫الناس في عهده قد فهموا الية الكريمة‪ ) :‬يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم‬
‫ل يضركم من ضل إذا اهتديتم (‪ ،‬على غير وجهها‪ ،‬فوجدوها فرصة كي يتخلوا‬
‫عن واجب المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪.‬‬
‫والسؤال الكبير الذي ينبغي التوقف عنده‪ :‬أنه حتى لو صحت هذه القصة‪،‬‬
‫وصحت نسبة هذا القول إلى عبد المطلب‪ ،‬علما ً بأن علماء الحديث لم‬
‫يحكموا بصحتها ‪،‬فهل يعتبر عبد المطلب مرجعية شرعية و قدوة للمسلم ؟؟‬
‫نعم ‪ ،‬قد نلتمس العذر لعبد المطلب وقريش‪ ،‬على اعتبار أنه ل قبل لهم‬
‫بأبرهة وجيشه‪ ..‬حيث إن عبارة )للبيت رب يحميه( فيها من الضعف والعجز‬
‫أكثر مما فيها من اليمان والتوكل على الله تعالى‪ ،‬لن التوكل الحقيقي ل بد‬
‫أن يرافقه الخذ بالسباب‪ ...‬وإذا قبلنا هذا الموقف من عبد المطلب ‪ ،‬فهل‬
‫ُيقبل من أمة التوحيد التي يبلغ تعدادها أكثر من المليار والنصف‪ ،‬أن يبلغ بها‬
‫الضعف وقلة الحيلة ‪ ،‬أن تتنحى وتلتزم جانب الخنوع ‪ ،‬تاركة الكفر‬
‫يتغطرس ‪ ،‬وتعجز حتى عن أضعف اليمان‪..‬‬
‫وتنام على أحلم الطير البابيل ‪ ،‬وشعارها ‪ :‬للبيت رب يحميه ‍؟؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ُترصد‪... ... ... !..‬‬ ‫للخير مواس ٌ‬


‫الشبكة‬
‫حين يطغى النشغال ‪ ...‬وتسيطر المادة ‪ ...‬وتضعف الهمم ‪ ...‬و تسقى‬
‫بكأس الكسل والعجز ‪ ...‬حينا ً بعد حين ‪ ...‬ويقل الصاحب المعين ‪ ...‬و تشغل‬
‫النفس بمشاغل شتى ‪ ...‬متفرقة تفرق أودية الحياة الدنيا ‪...‬‬
‫ساعتئذ ‪. . .‬‬
‫الولى بالمسلم أن يتفحص كوامن نفسه ‪ ...‬يفتش فيها ‪ ...‬يلمس‬
‫حواشيها ‪ ...‬يحي فيها معاني اندرست ‪ ...‬وأحوال مضت ‪ ...‬يتربص بكل‬
‫حادث يربطه ‪ُ ...‬ويوصله بربه ‪ ...‬فيفر منه إليه ‪ ...‬ملتمسا ً القرب والقبول ‪...‬‬
‫رافعا من ثم لواء التوفيق والسداد ‪.‬‬
‫فالمسلم الصادق الحريص على أمر نفسه ‪ ...‬الطالب لنجاتها ‪ ...‬المجاهد‬
‫لها ‪ ...‬لحري به أن يلتمس مواسم الطاعات ليعمل فيها ‪ ...‬ول يترك لليام‬
‫أن تعمل فيه ‪ ...‬فيرتقي بنفسه ؛ ينميها ‪ ...‬يزكيها ‪ ...‬يعدها ليوم تشخص فيه‬
‫القلوب والبصار ‪ ...‬وما ثمة غير أصحاب البصيرة ينعمون برحمة الله ‪ ...‬وهم‬
‫فيها خالدون ‪.‬‬
‫فاقبل أخي ـ أختي ـ على هذا الخير الكبير ‪ ...‬واعمل فيه وبه ‪ ...‬واغتنم‬
‫ساعة بساعة ‪ ...‬فإنك اليوم في سعة من أمرك ‪ ...‬وبحبوحة من وقتك ‪...‬‬
‫اقبل أيها الحبيب ‪ ...‬وتذوق معنا ما سنخطه لك من معان ‪ ...‬وجدد عبيرها‬
‫في نفسك ‪ ...‬واعمل ‪ ...‬فإن الله يناله التقوى منك ‪ ...‬وادع الله تعالى أن‬
‫نكون جميعا من الغانمين ‪ ...‬الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ‪...‬‬
‫وكن على شوق ‪ ....‬وردد معي ‪....‬‬
‫يا سائرين إلى البيت العتيق لقد *** سرتم جسوما ً وسرنا نحن أرواحا ً‬
‫إنما أقمنا على عذر وقد رحلوا *** ومن أقام على عذر كمن راحا‬
‫* من فضائل عشر ذي الحجة أن الله تعالى أقسم بها جملة ‪ ،‬وببعضها‬
‫فِع َوال ْوَت ْرِ {‪ .‬وإنما‬ ‫ش ْ‬ ‫شرٍ * َوال ّ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫جرِ * وَل ََيا ٍ‬ ‫خصوصا ‪ .‬قال الله تعالى } َوال ْ َ‬
‫ف ْ‬
‫أقسم الله تعالى بمخلوقاتها لنها تدل على بارئها ‪ ،‬وللشارة إلى فضيلتها‬
‫ومنفعتها ؛ ليعتبر الناس بها ‪ ..‬قال الحافظ ابن حجر في الفتح ‪ :‬وأخرج‬
‫النسائي من حديث جابر رفعه قال ‪ " :‬العشر عشر الضحى ‪ ،‬والشفع يوم‬
‫الضحى ‪ ،‬والوتر يوم عرفة " ‪.‬‬
‫* ومن فضائل هذه اليام ‪ :‬أنها اليام العشر التي أتمها الله تعالى لموسى‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ ،‬والتي كلم الله تعالى موسى في تمامها ‪ ،‬والتي كانت‬
‫مرحلة إعداد وتهيئة لمرحلة جديدة في تبليغ رسالة الله ودعوته ‪ ،‬وذلك في‬
‫قول الله تعالى ‪ } :‬وواعَدنا موسى َثلِثين ل َيل َ ً َ‬
‫ت‬‫قا ُ‬ ‫مي َ‬ ‫شرٍ فَت َ ّ‬
‫م ِ‬ ‫ها ب ِعَ ْ‬
‫مَنا َ‬
‫م ْ‬
‫ة وَأت ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َْ ُ َ‬
‫ة{‪.‬‬ ‫ن ل َي ْل َ ً‬ ‫َ‬
‫َرب ّهِ أْرب َِعي َ‬
‫* قال ابن كثير " فالكثرون على أن الثلثين هي ذو القعدة ‪ ،‬والعشر هي ذي‬
‫الحجة ‪ ،‬قاله مجاهد ومسروق وابن جريج وروي عن ابن عباس وغيره" ‪.‬‬
‫* ) لقد انتهت المرحلة الولى من مهمة موسى التي أرسل لها ‪ .‬انتهت‬
‫مرحلة تخليص بني إسرائيل من حياة الذل والهوان والنكال والتعذيب بين‬
‫فرعون ومله ‪ ،‬وإنقاذهم من أرض الذل والقهر إلى الصحراء الطليقة !؟ ‪،‬‬
‫ولكن القوم لم يكونوا بعد على استعداد لهذه المهمة الكبيرة ! ‪ .‬مهمة‬
‫الخلفة في الرض بدين الله ‪ .....‬وكانت هذه المواعدة إعدادا ً لموسى نفسه‬
‫‪ ،‬كي يتهيأ في هذه الليالي للموقف الهائل العظيم ‪ ،‬ويستعد لتلقيه ‪ ،‬وكانت‬
‫فترة العداد ثلثين ليلة ‪ ،‬أضيفت إليها عشرا ‪ ،‬فبلغت أربعين ليلة ‪ ،‬يروض‬
‫موسى فيها نفسه على اللقاء الموعود ‪ ،‬وينعزل فيها عن شواغل الرض‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليغرق في هواتف السماء ‪ ،‬ويعتكف فيها عن الخلق ليستغرق فيها في‬


‫الخالق الجليل ‪ ،‬وتصفو روحه وتشف وتستضيء ‪ ،‬وتتقوى عزيمته على‬
‫مواجهة الموقف المرتقب وحمل الرسالة الموعودة ‪. ( ....‬‬
‫* وكأن المعني بهذا الكلم كل مسلم يبتغي إعادة الرسالة إلى الرض ‪ ،‬كل‬
‫مسلم ينشد تهيئة روحه لما هو آت ‪ ،‬والله أعلم بما هو آت !! ‪ .‬وكأن الخوف‬
‫من تقلبات النفس التي تمثلت في بني إسرائيل ‪ ،‬كأنها خطر داهم يحرص‬
‫على تفاديه كل من أراد النجاة من عقبات اليوم الخر وعقوباته ‪.‬‬
‫* ول يكونن العيش مع النصوص القرآنية بمعزل عن الواقع ‪ ،‬فل يقف فهم‬
‫النص على بيئة بني إسرائيل التي خرجوا منها وفروا من فرعون وجنده ‪ ،‬ول‬
‫على مصر فرعون أو فرعون مصر ‪ ،‬ول على صحراء سيناء ‪.....‬؛ وإنما النص‬
‫القرآني يهيمن على كل بيئة مشابهة ‪ ،‬وحال مقارب ‪ ،‬وظرف مماثل ‪ ،‬ونفس‬
‫مارة بالسؤ ‪ ،‬محبة للدعة والراحة ‪ ،‬من آفات البيئة القديمة ‪ ،‬وما فيها من‬
‫أ ّ‬
‫معان سلبية بالية ‪ ،‬ولو على مستوى النظر والعتبار ‪ ،‬وإذا كان الله سبحانه‬
‫قد أنزل على بني إسرائيل المن والسلوى إذ هم في الصحراء ‪ ،‬فإن صحراء‬
‫منة من الله تعالى أن ينزل عليها اليقين والصبر والثبات‬
‫القلوب لتحتاج إلى ِ‬
‫ً‬
‫والصدق في جميع المر ‪ ،‬فيغتنم المؤمن أوقاتا كانت لعداد غيره ‪ ،‬عله يناله‬
‫منها بعض إعداد ‪ ...‬وهو فضل الله يؤتيه من يشاء ‪ ..‬والله واسع عليم ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫* و " عشر ذي الحجة " هي ذات اليام التي أكمل الله الدين لمحمد عليه‬
‫َ‬ ‫الصلة والسلم ‪ ،‬وذلك في قوله تعالى ‪ } :‬ال ْيو َ‬
‫ت‬
‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬
‫َ ْ َ‬
‫ن } ‪ .‬وهي أكبر النعم ‪ ،‬وقعت يوم‬ ‫م ِدينا ً فَ َ‬
‫م ِ‬ ‫م اْل ِ ْ‬
‫سل َ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫ضي ُ‬
‫مِتي وََر ِ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬
‫عرفة من هذه اليام المباركة ‪ ،‬نعمة أكمال الدين ‪... ... ... ... ... ،‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫للدعاة والغيورين هل موشي دايان أكثر تذكرا ً لحقائق ديننا منا!!!!‬


‫د‪ .‬مهدي قاضي‬
‫أحبتنا‬
‫ما هذا‬
‫ما الذي أنسانا عدم التذكير بحقائق هامة من ديننا‪ ,‬أهي عاطفتنا المتألمة جدا ً‬
‫لما نراه‪,‬‬
‫أم هو من تأثيرات العلم والواقع الذي ذابت فيه وبه مجتمعاتنا‪.‬‬
‫أستغرب جدا ً عندما أسمع دعوات الى الجهاد من الغيورين بدون تنبيه للمة‬
‫للتوبة والعودة الى حقيقة دينها وتطبيقه في كل المور والتي هي أهم عدة‬
‫وسلح تحمله المة في معركتها وأهم سبب لتحقيقنا النصر على العداء‪.‬‬
‫وأستغرب عندما أجد الذين يتكلمون بحرقة مطالبين المة بالقنوت والدعاء‬
‫بدون أن يذكروها بأن يكون مع ذلك بدأ بالتوبة من الذنوب والعودة الى الله‬
‫والتي هي أهم أسباب استجابة الدعاء‪.‬‬
‫أذكر منذ أكثر من ‪ 25‬سنة هذه الكلمة التي نقلت عن موشي دايان وزير‬
‫الدفاع السرائيلي أو غولدا مائير رئيسة الوزراء آنذاك عندما قيل لهم ‪ :‬إن‬
‫الحجر والشجر سيكون في صف المسلمين في القتال منبهين المسلمين عن‬
‫اليهود الذين يختبؤون خلفهم فقالوا ‪ :‬لستم أنتم هؤلء المسلمين الذين‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ينطبق معنى الحديث عليهم إنما هم )ما معناه( المسلمون الحقيقيون‬


‫المتمسكون بدينهم‪.‬‬
‫إخواني أنا ل أقول ل ندعو المة الى الجهاد والدعاء ؛ ولكن لنذكرها بأهمية‬
‫تصحيح مسارها وعودتها الى الله وأوبتها عندما نذكر ذلك‪.‬‬
‫بل إن بعض هذه الخطابات عندما تذكر الجهاد والدعاء بدون ذكر التوبة‬
‫والعودة – مع تقديرنا لها وأهميتها‪ -‬قد ينتج عنها تضعيف لدراك المة بحقيقة‬
‫أمراضها والنحرافات الخطيرة التي وقعت فيها حتى وصلت الى ما وصلت‬
‫اليه من ضعف وذل‪.‬‬
‫وهذا يذكرني بالمشكلة التي ذكرها صاحب الكتاب القيم )هكذا ظهر جيل‬
‫صلح الدين وهكذا عادت القدس( د ماجد الكيلني عندما بين خطورة التغني‬
‫ببطولة صلح الدين بدون التركيز وتذكير المة بالمنهج الصلحي الذي قاده‬
‫آل زنكي ثم صلح الدين والعلماء الصادقون قبلهم وبعدهم فأصلحوا‬
‫المسلمين وتحقق النصر‪ .‬ومما قاله في هذا الشأن إن هذا الفهم يصرف‬
‫النظار بعيدا ً عن المراض الحقيقية التي تنخر في جسم المة‪. (.......‬وأنصح‬
‫الدعاة والمصلحون بالطلع على هذا الكتاب القيم وايضا كتاب )الجهاد‬
‫والتجديد في القرن السادس عشر( للشيخ محمد الناصر‪ ,‬وأيضا رسالة‬
‫صغيرة قيمة بعنوان ) ما هو سبب تخلف المسلمين(لدار ابن المبارك‪.‬‬
‫قد يقول البعض لماذا أكثر وأكرر الحديث عن هذا الجانب ؟ وأقول كم والله‬
‫تمنيت أل أحتاج للكلم والتكرار عن هذا الموضوع ولكن‪.....‬ما إراه من‬
‫إستمرار عدم أخذ هذا الجانب الهام الساسي حقه من التذكير في واقع‬
‫كلماتنا وفي واقع شعوبنا هو الذي يدفعني لذلك‪.‬‬
‫وأدعوا الخوة معاودة النظر في الكلمة التي نقلتها عن الشيخ محمد‬
‫العثيمين رحمه الله عن هذا الجانب على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.alfjr.com/showthread.php?s=&threadid=49695‬‬
‫وأيضا ً موضوع كلمة للدعاة والمصلحين‪ :‬الخطاب الدعوي ومذابح المسلمين(‬
‫على هذا الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.alfjr.com/showthread.php?s=&threadid=47749‬‬
‫أعود أيها الحبة وأكرر ؛إن ما ذكرته ل يعني ول يقصد به عدم حاجة المة‬
‫للجهاد والنصرة والدعاء‪........,‬ولكن المقصود أل نهمل ذكر وتذكر العودة‬
‫الى الله والتوبة عند توجهنا لذلك لنها أقوى سلح ننتصر به وتستجاب‬
‫دعواتنا‪ ,‬بل بدونه ل يمكن ان يتحقق النصر التام خاصة أننا نتكلم عن قضايانا‬
‫وواقعنا المؤلم على مدى أمتنا ككل وليس فقط على قضية فلسطين وحدها‪-‬‬
‫وإن كانت أهمها‪.-‬‬
‫على أي الجروح سأستريح‪-----‬وهذا الجرح في كبدي يصيح‬
‫فلنذهب للنصرة بل وواجبنا ذلك ولكن ليكن مع سلحنا الهم الساس‪ ,‬فمن‬
‫يذهب للنصرة ومعه سلحه بيده وهو قوي معافى ليس كمن يذهب وليس‬
‫معه سلحه الساس وصحته معلوله‪.‬‬
‫سنملك أمر دنيانا‪-----‬إذا القرآن أحيانا‬
‫ونور في مفاوزنا‪----‬وعدل في قضايانا‬

‫)‪(1 /‬‬

‫للشباب فقط في رمضان‬


‫محمد بن عبدالله الدويش‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دار القاسم‬
‫أخي الشاب‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪ ...‬وبعد‪:‬‬
‫فقبيل أيام استقبلنا وإياك شهر رمضان المبارك ‪ ,‬هذا الشهر أخي الفاضل‬
‫يعني لدينا ولديك الكثير ‪ ,‬وأنت شأنك شأن سائر المسلمين قد استبشرت‬
‫بهذا الشهر الكريم ولشك ‪.‬‬
‫ويسرني أخي الفاضل في هذا الشهر الكريم أن أتوجه لك بأغلى ما أملك‬
‫وأعز ما أقدم سالكا ً سبيل المصارحة والحديث تحت ضوء الشمس ‪.‬‬
‫مرة الطعم لكن نتائجها محمودة ‪ ,‬وقد‬ ‫إن المصارحة أخي الفاضل قد تكون ُ‬
‫ذقنا جميعا ً مرارة التستر على العيوب ‪ ,‬ولمسنا شؤم دفن الخطاء باسم‬
‫المجاملة‪ .‬فآمل أن يتسع صدرك لسماع ما أقول ‪.‬‬
‫ورع ولكن‪:‬‬
‫أخي الشاب‪ :‬موقف نشاهده جميعا ً في شهر الصيام‪ :‬أن تجد شابا ً معرضا‪ً,‬‬
‫غارقا ً في وحل الشهوات ‪ ,‬يتجرأ على الكبائر والمعاصي ‪ ,‬ويتهاون في‬
‫الطاعات الظاهرة ‪ ,‬تجد هذا الشاب يتساءل عن قضايا دقيقة في الصيام ‪.‬‬
‫كأن يتوضأ فتنزل من أنفه قطرات من الدم دون قصد ‪ :‬فهل يؤثر هذا على‬
‫الصيام أم ل ؟ مر في الشارع فدخل جوفه غبار فما الحكم ؟ وهو يسأل جادا ً‬
‫ولديه استعداد تام لتحمل تبعة السؤال من قضاء أو حتى كفارة ‪ .‬إن السؤال‬
‫أخي الكريم عما ُيشكل على المرء في عبادته مبدأ ل حق لحد أن يرفضه ‪,‬‬
‫وإن وقوع المرء في معصية ليس مبررا ً لعدم عنايته بالطاعة والسؤال عنها ‪.‬‬
‫ولكن ‪ :‬أل توافقني أن مثل هذا الشاب يعيش تناقضا ً يصعب أن تجد تفسيرا ً‬
‫له ؟!‬
‫فلماذا يتورع هنا ويسأل ويحتاط عن أمر اشتبه عليه‪ .‬بينما يرتكب عن عمد‬
‫وسبق إصرار ما يعلم أنه حرام بل كبيرة من الكبائر ؟!‬
‫النضباط العجيب‪:‬‬
‫يحتج البعض من الشباب حين تنهاه عن معصية ‪ ،‬أو تأمره بطاعة أنه مقتنع‬
‫تمام القتناع لكن شهوته تغلبه وهو ل يستطيع ضبط نفسه ‪ ،‬وقد يبدو العذر‬
‫منطقيا ً لدى البعض لول وهلة ‪ .‬ولكن حين ترى حال مثل هذا الشاب مع‬
‫الصيام ترى منطقا ً آخر‪.‬‬
‫فما أن يحين أذان الفجر حتى يمسك مباشرة عن الطعام ولو كان ما بيده‬
‫هي أول لقمة لنه استيقظ متأخرا ً ‪ .‬ويبقى عنده مائدة الفطار ول يتجرأ على‬
‫مد يده قبل أن يسمع الذان وهو أثناء النهار مهما بلغ به العطش والجهد ل‬
‫يفكر في خرق سياج الصوم واستباحة حماه أل ترى أن هذا السلوك وهو‬
‫سلوك محمود ول شك يدل على أنه يملك القدرة على ضبط نفسه والنتصار‬
‫على شهوته ؟ إن الصيام أخي الشاب يعطينا درسا ً أننا قادرون بمشيئة الله‬
‫على ضبط أنفسنا والنتصار على شهواتنا ‪.‬‬
‫هل رأيت هؤلء؟‬
‫هل تفضلت أخي الشاب أن تأتي إلى مسجد من المساجد مما رزق الله‬
‫إمامه الصوت الحسن المؤثر فرأيت ذاك الجمع من الشباب الخيار ؟ وقد‬
‫عقدوا العزم على الوقوف بين يدي الله في تلك الصلة ولو امتدت إلى‬
‫السحر ‪ ،‬في حين ترك غيرهم صلة الجماعة أصل ً ؟ ولو أتيت في العشر‬
‫الواخر لم تجد إل القليل فقد توجهوا صوب البيت العتيق يبتغون مضاعفة‬
‫الجر ‪ ،‬وحط الوزر ‪ .‬في حين ترى غيرهم يقضي ليالي رمضان فيما ل يخفى‬
‫عليك ‪ .‬ماذا لو وجه ذاك الشاب الذي يجوب السواق هذا السؤال إلى‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نفسه ‪ :‬أل أستطيع أن أكون واحدا ً من هؤلء ؟ كيف نجحوا ؟ وهم يعيشون‬
‫في المجتمع نفسه ولهم شهوات ‪ ،‬وأمامهم عوائق كما أن لي شهوات‬
‫وأمامي عوائق ‪.‬‬
‫أل تطيق ما أطاقوا؟‬
‫أخي الكريم‪ :‬كثير هم الشباب الذين كانوا على جادة النحراف ‪ ،‬وفي طريق‬
‫ن الله عليهم بالهداية‬ ‫م ّ‬
‫الغفلة يمارسون من الشهوات ما يمارسه غيرهم ثم َ‬
‫فتبدلت أحوالهم وتغيرت وساروا في ركاب الصالحين ومع الطائعين المخبتين‬
‫‪ .‬وربما كان بعضهم زميل ً لك ‪ .‬فكيف ينجح هؤلء في اجتياز هذه العقبة‬
‫ويفشل غيرهم ؟ ولماذا استطاعوا التوبة ولم يستطع غيرهم ؟‪ .‬إن العوائق‬
‫عند الكثير من الشباب عن التوية واللتزام ليس عدم القتناع ‪ ،‬بل هو‬
‫الشعور بعدم القدرة على التغيير ‪ .‬أفل يعتبر هذا النموذج مثل ً صالحا ً له ‪،‬‬
‫ودليل ً على أن عدم القدرة ل يعدو أن يكون وهما ً يصطنعه ‪.‬‬
‫قبل أن تذبل الزهرة‬
‫لقد أبصرت عيناك أخي الكريم ذاك الذي احدودب ظهره ‪ ،‬وصارت العصا‬
‫رجل ً ثالثة له وتركت السنون الطويلة آثارها على وجهه ‪ .‬أتراه ولد كذلك ؟ أم‬
‫أنه كان يوما ً من اليام يمتلئ قوة ونشاطا ً ؟ أل تعلم أني وإياك سنصير مثله‬
‫إن لم تتخطفنا المنية – وهذا أشد‪ -‬وتزول هذه النضارة ‪ ،‬وتخبو الحيوية ‪.‬‬
‫فماذا أخي الكريم لو حرصنا على استثمار وقت الشباب في الطاعة قبل أن‬
‫تفقده فنتمناه وهيهات ‪.‬‬
‫وعن شبابه فيم أبله ‪:‬‬
‫ً‬
‫أخي الكريم ‪ :‬ل شك أنك تحفظ جيدا قوله ‪ } :‬لن تزول قدما عبد يوم‬
‫القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه ‪ ،‬وعن شبابه فيما أبله ‪،‬‬
‫وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه {‪.‬‬
‫أخي الكريم ‪ :‬لنفكر مليا ً واقعنا الن فهل سنجد الجابة المقنعة ‪ ،‬المنجية‬
‫أمام من ل تخفى عليه خافية عن هذه الفقرة } شبابه فيما أبله { وهل حالنا‬
‫الن مع عمر الشباب تؤهل لجتياز هذا المتحان ‪ .‬أل ترى أن أمامنا فرصة‬
‫في اغتنام الشباب والعداد للمتحان ؟‬
‫سابع السبعة‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أخبر أنه في يوم القيامة ‪ } :‬يوم تدنو الشمس من الخلئق فتكون قدر ميل ‪،‬‬
‫ويبلغ منهم الجهد والعرق كل مبلغ {‪ ،‬أنه في هذا اليوم هناك من ينعم بظل‬
‫الله وتكريمه‪ ،‬ومنهم } شاب نشأ في طاعة الله عز وجل { فماذا يمنع أن‬
‫تكون أنت واحدا ً من هؤلء ؟ وما الذي يحول بينك وبين ذلك ‪ .‬فأعد‬
‫الحسابات ‪ ،‬وصحح الطريق ‪ .‬واجعل من الشهر الكريم فرصة للوصول إلى‬
‫هذه المنزلة‪.‬‬
‫ما أعظم ما تقدمه في هذا الشهر الكريم‪:‬‬
‫أخي الشاب ‪ :‬ل شك أنك رأيت الناس وقد تبدلت أحوالهم في هذا الشهر ‪.‬‬
‫فالمساجد قد امتلت بالمصلين ‪ ،‬والتالين لكتاب الله ‪ .‬والماكن المقدسة‬
‫ازدحمت بالطائفين والعاكفين ‪ ،‬والموال تتدفق في مجالت الخير ‪ .‬فهذا‬
‫يصلي ‪ ،‬وهذا يتلو ‪ ،‬والخر ينفق ‪ ،‬والرابع يدعو ‪.‬‬
‫فأين موقعك بين هؤلء جميعا ً ؟ ألم تبحث لك عن موقع داخل هذه‬
‫الخارطة ‪ .‬أليس أفضل عمل تقدمه ‪ ،‬وخير إنجاز تحققه التوبة النصوح‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإعلن السير مع قافلة الخيار ‪ .‬قبل أن يفاجئك هادم اللذات فتودع الدنيا‬
‫إلى غير رجعة ‪ .‬فهل جعلت هذا الهدف نصب عينيك في رمضان وأنت قادر‬
‫على ذلك بمشيئة الله ؟‬
‫التوبة والموعد الموهوم‪:‬‬
‫كثير من الشباب يقتنع من خطأ طريقه ‪ ،‬ويتمنى التغيير ‪ ،‬ولكنه ينتظر‬
‫المناسبة أل وهي أن يموت قريب له ‪ ،‬أو يصاب هو بحادث فيتعظ ‪ ،‬ويهزه‬
‫الموقف فيدعوه للتوبة ‪ ،‬ولكن ماذا لو كان هو الميت فاتعظ به غيره ؟ وكان‬
‫هذا الحادث الذي ينتظره فعل ً لكن صارت فيه نهايته ؟ ليس أخي الشاب‬
‫للنسان في الدنيا إل فرصة واحدة فالمر ل يحتمل المخاطرة‪.‬‬
‫فهل قررنا التوبة اللحظة وسلوك طريق الستقامة الن؟‬
‫إن القرار قد يكون صعبا ً على النفس وثقيل ً ‪ ،‬ويتطلب تبعات وتضحيات لكن‬
‫العقبى حميدة والثمرة يانعة بمشيئة الله‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫للشباب فقط هل أنت حقا ً سعيد؟!‬


‫من السئلة ما قد ل يكون الجواب عنها بالنفي أو الثبات مقصودًا‪ ،‬بل‬
‫المقصود منها تحريك الذهن الخامل أو المتخامل للتفكير فيها بما يدفع إلى‬
‫اتخاذ الخطوات الصحيحة السريعة‪ ،‬ولني أثرت معك ما هو من جنس هذه‬
‫عد ـ ببعض الحقائق‬ ‫السئلة فاسمح لي أن أساعدك ـ وأنت أولى من ُيسا َ‬
‫لكي تعينك على أن تحسم مع نفسك ـ ولو نظريا ً ـ جواب هذا السؤال‪،‬‬
‫دد على ضوئه ما يلزمك من إجراء لدراك المتعة والسعادة بما بقي من‬ ‫ولتح ّ‬
‫شبابك‪.‬‬
‫ولعلك تسلم معي ‪ -‬أخي ‪ -‬بأن السعادة الخروّية ل تكون إل بإحسان علقتك‬ ‫ّ‬
‫برّبك ‪ -‬سبحانه ‪ ،-‬ولعل هذا ما يجعلك تقّرر في نفسك الصلح والقبال على‬
‫ت واستقراٍر‬ ‫ل وزواٍج وبناِء بي ٍ‬ ‫الله بعد إنجاز أهدافك الدنيوّية من تخّرٍج وعم ٍ‬
‫ي وُأسريّ ‪ ،...‬لكني أكاد أجزم أنه يغيب عنك كلّيا أو جزئّيا أن نفس هذا‬ ‫مال ّ‬
‫ب لسعادتك الن‪ ،‬بل وللتوفيق في كل‬ ‫اليمان والقبال على الله هو سب ٌ‬
‫خططك المستقبلّية‪.‬‬
‫مل معي في قوله‬ ‫ملت معي آيات القرآن تبّين لك هذا المر‪ ،‬فتأ ّ‬ ‫وأنت إذا تأ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫حَياة ً طي ّب َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫حي ِي َن ّ ُ‬
‫ن فلن ُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ن ذ َكرٍ أوْ أنثى وَهُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫مل َ َ‬ ‫ن عَ ِ‬‫م ْ‬ ‫تعالى‪َ )) :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن(()‪ (97‬سورة النحل تجد أن الحياة‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫ُ َْ َ‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬
‫م ْ َ ُ ْ ِ ْ َ ِ َ‬
‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬‫ج‬ ‫أ‬ ‫جزِي َن ّهُ ْ‬ ‫وَل َن َ ْ‬
‫الطيبة أي السعيدة إنما المقصود بها سعادة الدنيا لن الكلم عن الخرة جاء‬
‫َ‬
‫م‬‫مت ّعْك ُ ْ‬ ‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ ي ُ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫نا ْ‬ ‫ل‪)) :‬وَأ ْ‬ ‫مستقل ّ بعدها‪ ،‬وقوله عّز وج ّ‬
‫َ‬
‫ه(()‪(3‬‬ ‫ضل َ ُ‬ ‫ل فَ ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ل ِذي فَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫مى ـ أي في الدنيا ـ وَي ُؤْ ِ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫سًنا إ َِلى أ َ‬ ‫ح َ‬‫عا َ‬ ‫مَتا ً‬ ‫َ‬
‫فل الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬بالسعادة حتى لمن وقع عليهم الظلم‬ ‫سورة هود ‪ ،‬بل تك ّ‬
‫واضط ُّروا إلى ترك بلدانهم ‪ -‬وهذه من أسباب التعاسة عند الكثيرين ‪ -‬في‬
‫م ِفي الد ّن َْيا‬ ‫موا ل َن ُب َوّئ َن ّهُ ْ‬ ‫ما ظ ُل ِ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬ ‫جُروا ِفي اللهِ ِ‬ ‫ها َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوله سبحانه‪َ)) :‬وال ّ ِ‬
‫ن(()‪ (41‬سورة النحل‪ .‬وإنما أكثرت‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْل َ ُ‬ ‫خَرةِ أ َك ْب َُر ل َوْ َ‬ ‫جُر اْل ِ‬ ‫ة وََل َ ْ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ة حتى عن بعض العقلء‬ ‫معك من ذكر اليات لن هذه الحقيقة تكاد تكون غائب ً‬
‫من أمثالك‪.‬‬
‫ربة فإننا ندعوهم ـ‬ ‫وبما أن بعض الشباب قد ل يقتنع إل بناًء على التج ِ‬
‫وندعوك إن كنت منهم ـ إلى البدء الجاد ّ في دروب الستقامة ل على سبيل‬
‫ك‪ ،‬ولكنها دعوةٌ‬ ‫كد من صدق المر؛ إذ كلم الله ل يتطرق إليه الش ّ‬ ‫ربة للتأ ّ‬ ‫التج ِ‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م من كل نعيم البدن الظاهري‬ ‫ة لتذّوق هذه السعادة للقطع بكونها أعظ َ‬ ‫أخوي ّ ٌ‬
‫ب وقناعةٍ رغم‬
‫سك بها عن ح ّ‬ ‫ً‬
‫من مأكل ومنصب ومركب قطعا يدعوك للتم ّ‬
‫كثرة المغريات ودواعي الفساد في هذا العصر خاصة لمن هم في مرحلتك‪.‬‬
‫ويكفينا نحن في باب التجربة ما حكاه ابن القّيم ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬عن بعض‬
‫العارفين من قولهم‪ " :‬لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه ‪ -‬أي من‬
‫السعادة والسرور ‪ -‬لجالدونا عليه بالسيوف" وقول الخر‪" :‬مساكين أهل‬
‫الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها‪ ،‬قيل‪ :‬وما أطيب ما فيها؟ قال‪:‬‬
‫محبة الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬ومعرفته وذكره"‪.‬‬
‫ونحن وإن لم نصل إلى تذّوق هذه السعادة كما ذاقوها فإننا نجزم بصدق‬
‫م بصدق خبره ‪-‬‬ ‫هؤلء في قولهم‪ ،‬وكمال إدراكهم وذوقهم بعد جزمنا التا ّ‬
‫سبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫ّ‬
‫ل ما أرجوه منك ‪ -‬أخي ‪ -‬وقد صبرت معي إلى آخر المقال أل يكون هذا‬ ‫وك ّ‬
‫آخَر عهدك به‪ ،‬واسمح لي بأن أثقل عليك بطلب منك أن تستصحب في‬
‫ذهنك هذه النقاط عند أخذك لفراشك ُقبيل خلودك للنوم‪ ،‬وأن تنظر في‬
‫ل صدق‬ ‫حقيقة حالك التي ل يعلمها من البشر سواك‪ ،‬وأن تسأل نفسك بك ّ‬
‫قا ‪ -‬سعيد ؟‬
‫وتجّرد‪ :‬هل أنت ‪ -‬ح ّ‬
‫الطاهر أحمد الطاهر‬

‫)‪(1 /‬‬

‫للصلة والثورة‬
‫شعر‪ :‬نازك الملئكة‬
‫"شاعرة عراقية‪ ،‬تعد الشاعرة العربية الولى‪ .‬جمعت بين الموهبة الصيلة‪،‬‬
‫والثقافة الرفيعة‪ ..‬اعتصمت بالقيم العليا في لحظات ضياع الشعراء‬
‫المعاصرين لها‪ ،‬وعلى الرغم من ريادتها للشعر الجديد‪ ،‬لم تتنكر لعمود‬
‫الشعر العربي الصيل‪ .‬والنص الذي بين أيدينا‪ ،‬من أواخر نتاجها"‪.‬‬
‫"تلقت الشاعرة بطاقة تهنئة بعيد الفطر‪ ،‬عليها صورة لمسجد قبة الصخرة‬
‫بالقدس"‬
‫ة الصخرهْ‬ ‫يا قب َ‬
‫يا ورُد‪ ،‬يا ابتهال‪ ،‬يا حضرهْ‬
‫ويا هدى تسبيحة علوية النبرهْ‬
‫يا صلوات عذبة الصداْء‬
‫جاشت بها البهاْء‬
‫يا حرقة المجهول‪ ،‬يا تطل ّعَ النسان للسماْء‬
‫ه الركوع"؛ يا ط ُهَْرهْ‬ ‫يا َول َ‬
‫يا وردة الخشوع‪ ،‬يا نداه‪ ،‬يا عطرهْ‬
‫ن‬‫ت تسبيحاته صهيو ْ‬ ‫سك َ َ‬‫يا مسجدا ً أ ْ‬
‫من أجل حْلم وقٍح مجنو ْ‬
‫ن‬
‫ل في أرجائه الصلة والخضرهْ‬ ‫كب ّ َ‬
‫وث التاريخ والفكرهْ‬ ‫ول ّ‬
‫***‬
‫يا قبة الصخرهْ‬
‫يا جرح‪ ،‬يا ضماد يا زهرة‬
‫سهََر الجراح في ارتعاشة الشفاهْ‬ ‫يا َ‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يا حرقة الدعاء‪ ،‬يا تنهّد َ الصلهْ‬


‫هل تنبض الحياهْ‬
‫ه؟‬ ‫في هذه الذرع والجبا ْ‬
‫ه؟‬ ‫ْ‬ ‫والميا‬ ‫واللوان‬ ‫هل تدفق العطور‬
‫ه؟‬‫ينبجس النبع من الصخر ْ‬
‫ه؟‬ ‫وينبت الفداء وردا ً ساخن الحمر ْ‬
‫نسقيه من تتمة الدعاْء‬
‫من حمرة الدماْء‬
‫نطعمه سنابل الفداْء‬
‫تختصر الزمان في تسبيحة ثّرهْ‬
‫يصرخ فيها عطش الثورهْ‬
‫***‬
‫يا قبة الصخرهْ‬
‫شعَْرهْ‬ ‫ً‬
‫مسدِل َ‬ ‫حيث الخراب ُ‬
‫يا رعشة التقوى‪ ،‬ويا انخطافة الصلهْ‬
‫يا أثر السجود في الجباهْ‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫الشفا‬ ‫عطورها‬ ‫يا صلوات لمست‬
‫يا وردة روحية الخدود ْ‬
‫س موتها الوجود ْ‬ ‫قد ذبلت ولم يح ّ‬
‫يا مسجدا ً عطشان للقرآن والسجود ْ‬
‫ق؟‬ ‫جد ُ الروا ْ‬ ‫ل‪ :‬كيف اختفى ته ّ‬ ‫مسائ ً‬
‫ق؟‬ ‫وأين تسبيحاته الصوفية الشوا ْ‬
‫ولهفة الجدران‪ ،‬وارتعاشة العمود ْ‬
‫س ن َد ٍ مفقود ْ‬ ‫وسكرة البخور في أم ٍ‬
‫ب‬
‫كم ضرعت نوافذ؛ وأمطرت أدمَعها أبوا ْ‬
‫ب!‬‫في صرعة العذا ْ‬
‫ب‬ ‫ة الرها ْ‬ ‫ت حكاي َ‬ ‫كم رّتل ْ‬
‫لوردة يتيمة عذراء مصفّرهْ‬
‫عطورها اضطّرت إلى الهجرهْ‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫قطر‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫قطر‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫المص‬ ‫على‬ ‫ت‬ ‫ت وانسكب ْ‬ ‫در ْ‬‫دماؤها تح ّ‬
‫***‬
‫يا قبة الصخرهْ‬
‫ق‪ ،‬يا إيمان‪ ،‬يا ثورهْ‬ ‫يا ح ّ‬
‫ت‬‫شمس حزيران طوتها غيمة في الفجر فانطو ْ‬
‫ت‬
‫وأسدل الستار‪ ،‬والرواية انته ْ‬
‫ت‬‫أقمارها هو ْ‬
‫ت‬‫ت عيونها‪ ،‬آفاقها خو ْ‬ ‫أنجمها قد أغمض ْ‬
‫ت‬‫ورودها تحت ثلوج الظلمة انحن ْ‬
‫ودولة اللصوص والقرود ْ‬
‫ت‬‫ت دماءنا الحمراء وارتو ْ‬ ‫شف ْ‬ ‫تر ّ‬
‫ة الخدود ْ‬ ‫ومّزقت أظفاُرها ليون َ‬
‫وأنشبت مخالب الحقود ْ‬
‫في لحمنا‪ ،‬في كبرياء الرض" في مراقد الجدود ْ‬
‫غدًا‪ ،‬غدًا‪ ،‬تنفجر السجون واللحود ْ‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فلتسقطي يا دولة اليهوْد!‬


‫سكَرهْ‬ ‫ت في َ‬ ‫مازل ِ‬
‫ْ‬
‫مّيتة الضمير؛ في تهوية قذرهْ‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫والخضر‬ ‫الماء‬ ‫م والشلء بين‬ ‫تبعثرين الس ّ‬
‫وتملين الكأس بالدماء والخمرةْ‬
‫ه؟‬ ‫وباسم ماذا ُتمنع الصلة في الحضر ْ‬
‫ه؟‬
‫ن والبّيارة والنضر ْ‬ ‫سَرقُ الرد ّ‬ ‫وباسم ماذا ي ُ ْ‬
‫ه؟‬ ‫ل الزهر ْ‬ ‫قت َ ُ‬‫وباسم ماذا ت ُ ْ‬
‫***‬
‫يا قبة الصخرهْ‬
‫ه!‬ ‫ب عطر ْ‬ ‫يا حقل قمح ناد ٍ‬
‫قط ّعَ الوتاْر‬ ‫م َ‬‫يا أرغنا ً ُ‬
‫مَروّعَ القباب والحجاْر‬ ‫يا معبدا ً ُ‬
‫بين يدي جّزاْر‬
‫يقاتل الورود والسلم والقماْر‬
‫يسطو على الثماْر‬
‫وينسف البيوت ظلمًا؛ يحرق الشجاْر‬
‫يشّرد ُ الصغاَر والكباْر‬
‫من أرضهم في ليلة ضائعة النهاْر‬
‫أصابعٌ للغدر إرهابية الظفاْر‬
‫***‬
‫يا قبة الصخرهْ‬
‫ل فاقدٍ فجرهْ‬ ‫يا جنح لي ٍ‬
‫متى ُترى‪ :‬ستنفض الغباْر‬
‫عن أرضنا؟ ونرفع الحصاْر؟‬
‫متى ُترى‪ :‬نقتحم السواْر؟‬
‫وغنوة المواج والخلجان والغواْر‬
‫تهمس في أسماعنا بأعذب الشعاْر‬
‫هتافها ينبض بالسراْر‬
‫فلنبدأ البحاْر‬
‫ة؛ لعلها تعيش في انتظاْر‬ ‫عنا واله ٌ‬ ‫قلو ُ‬
‫وفي المدى جزائر المرجان والمحاْر‬
‫***‬
‫يا قبة الصخرهْ‬
‫ل‪ ،‬يا حضرهْ‬ ‫يا ذِك ُْر‪ ،‬يا ترتي ُ‬
‫ه؟‬ ‫متى نصّلي فيك‪ ،‬هل ستنبت البذر ْ‬
‫ه؟‬ ‫هل نعبر المسالك الوعر ْ‬
‫ترمقنا ذئاُبها بالنظرة والشْزرهْ‬
‫***‬
‫يا قبة الصخرهْ‬
‫ه؟‬
‫ك‪ ،‬هل نحظى به يا عذبة النظر ْ‬ ‫وجهُ ِ‬
‫ّ‬
‫ونحن قد شط بنا المزاْر‬
‫تقاذفْتنا البيد والبحاْر‬
‫ت بركبنا وأهلنا السفاْر‬ ‫وح ْ‬ ‫وط ّ‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ترفضنا الكهوف‪ ،‬والغابات‪ ،‬والمصاْر‬


‫خيامنا على خطوط الناْر‬
‫وزادنا التقوى‪ ،‬وملح الدمع الِغزاْر‬
‫***‬
‫يا قبة الصخرهْ‬
‫ت؛ يا ضياع ُ يا حيرهْ‬ ‫يا صم ُ‬
‫ه؟‬‫متى نرى أبوابك القدسّية البّر ْ‬
‫ه؟‬ ‫شعب الخطر ْ‬ ‫وننتهي إليك عبر ال ّ‬
‫ة‪ ،‬متى ‪ -‬ترى ‪ -‬تمتلئ الجراْر؟‬ ‫جراُرنا خاوي ٌ‬ ‫ِ‬
‫ت؛ فهل – ُترى ‪ -‬ستسقط المطاْر؟‬ ‫ْ‬ ‫يبس‬ ‫قد‬ ‫حقولنا‬
‫وعند بواباتنا تنتظر القداْر‬
‫متى نصّلي؟ إنما صلتنا انفجاْر‬
‫صلتنا ستطلع النهاْر‬
‫تسّلح العّزل؛ تعلي راية الثواْر‬
‫صلتنا إنذاْر‬
‫داْر‬‫إلى عدّو‪ ،‬خادع‪ ،‬غ ّ‬
‫ت سطوره بريشة المكر وحبر العاْر‬ ‫كتب ْ‬ ‫تاريخه قد ُ‬
‫صلتنا ستشعل العصاْر‬
‫ستزرع السلح والزنبق في القفاْر‬
‫ول اليأس إلى انتصاْر‬ ‫تح ّ‬
‫صلتنا ستنقل الجدب إلى اخضراْر‬
‫وتطعم الصغاْر‬
‫فاكهة الصمود والصراْر‬
‫يا قبة الصخرة من صلتنا سيرتوي آذاْر‬
‫وتنبت الرايات والثماْر‬
‫جر النهاْر‬ ‫صلتنا تف ّ‬
‫وتبعث الغناء‪ ،‬والليمون‪ ،‬والحراْر‬
‫تعيدنا للوطن المسروق‪ ،‬تمحو العاْر‬
‫***‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫الصخر‬ ‫قبة‬ ‫يا‬
‫يا رمز‪ ،‬يا تاريخ؛ يا فكرهْ‬
‫غدًا‪ ،‬غدًا‪ ،،‬يختلج اسم الله في القدس وفي الخلي ْ‬
‫ل‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مى صارخًا‪ ،‬يستيقظ القتي ْ‬


‫ل‬ ‫ينتفض العدل المد ّ‬
‫تنبت من دمائه زهرهْ‬
‫م وتخفي كأسها جمرهْ‬ ‫في عطرها س ٌ‬
‫تسكب في أشداق إسرائي ْ‬
‫ل‬
‫مذاق هول زاحف من الفرات العذب حتى الني ْ‬
‫ل‬
‫ل‬‫عندئذ ينطفئ الغلي ْ‬
‫وترتوي جدائل الزيتون والنخي ْ‬
‫ل‬
‫وتنعس الثارات بعد السهر الطوي ْ‬
‫ل‬
‫ن من الرحي ْ‬
‫ل‬ ‫كأنما خيامنا عُد ْ َ‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫***‬
‫يا قبة الصخرهْ‬
‫ْ‬
‫يا لغم‪ ،‬يا إعصار‪ ،‬يا سجينة خطرهْ‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫قبر‬ ‫سجنها‬ ‫على الذي يسجنها؛ غدا ً يصير‬
‫يا قبة الصخرهْ‬
‫ن المة الحرهْ‬ ‫ي هوا َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ك أن تر َ‬ ‫حاشا ِ‬
‫ن‬
‫سيهبط النصر على مرت ِّلي القرآ ْ‬
‫ن‬‫مصّلين؛ وفي صوامع الرهبا ْ‬ ‫على ال ُ‬
‫ن‬
‫على الفدائيين في أودية النيرا ْ‬
‫غدًا‪ ،‬غدًا‪ ،‬ينفجر البركا ْ‬
‫ن‬
‫ن‬‫ويبدأ الطوفا ْ‬
‫ن‬
‫ينتفض الشهيد في الكفا ْ‬
‫ن‬
‫ويكسر القضبا ْ‬
‫ن‬
‫سجا ْ‬ ‫يقاتل السر وال ّ‬
‫ن‬
‫ينتصر النسا ْ‬
‫ن‬
‫يرتفع الذا ْ‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫الصخر‬ ‫قبة‬ ‫من‬ ‫الصدى‬ ‫حرا ً عبيريّ‬
‫فرهْ‬‫ق ْ‬
‫طب المهامه ال َ‬ ‫ير ّ‬
‫ويعلن الصلة والجهاد‪ ،‬والثورهْ‬
‫في القدس‪ ،‬في الجولن‪ ،‬في سيناْء‬
‫في المدن العذراْء‬
‫في الريف‪ ،‬في سجون إسرائيل‪ ،‬في الصحراْء‬
‫في الرض‪ ،‬في السماْء‬
‫سيستحيل الماء‪ ،‬والتراب‪ ،‬والهواْء‬
‫ة‪ ،‬وثورة ً حمراْء‬ ‫مدافعا ً فاغر ً‬‫َ‬
‫تزلزل العصابة السوداْء‬
‫ن‬
‫فيسقط الطغيا ْ‬
‫ن‬
‫وُيزهق الباطل والبهتا ْ‬
‫ن‪.‬‬‫ويمكرون مكرهم‪ ،‬ويمكر الرحما ْ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ه مشرق؟!!‬ ‫للطلق ‪...‬وج ُ‬


‫فوزية الخليوي ‪4/8/1426‬‬
‫‪08/09/2005‬‬
‫ل منا إلى المام‪ ،‬وقد وضع نصب عينيه آمال ً يريد تحقيقها‪ ،‬وفجأة‬‫يسير ك ّ‬
‫ً‬
‫تحدث الكارثة‪ ،‬وتنقلب حياته رأسا على عقب بوقوع الطلق!!‬
‫إن أزمة الطلق ليست فقط حالة نفسية صعبة!!‬
‫فداخليًا‪ :‬هي حالة تتكاتف فيها النفس والجسد معا من انكسار للقلب و ضيق‬
‫ً‬
‫بالنفس وإحساس بالمرارة وخيبة المل‪ ،‬والشعور بالوحدة وفقدان النوم‪.‬‬
‫وخارجيًا‪ :‬تكمن في الموروث الثقافي الجتماعي كقولهم‪) :‬ظل راجل ول ظل‬
‫دد المرأة‬
‫حيطة( ‪) ،‬دخول الرجل البيت رحمة ولو كان فحمة (‪ ...‬مما يه ّ‬
‫بالنبذ الجتماعي مستقب ً‬
‫ل!!‬
‫ومما يزيد من حيرتها في أمرها وإن كانت على شفا جرف هاٍر!!‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخسارة المرأة عاطفية أكثر منها مادية؛ لنه موجود في إدراكها وعقلها‬
‫ووجدانها!!‬
‫أرِْقت فبات ليلي ل يزول ‪... ...‬‬
‫ُ‬
‫وليل أخي المصيبة فيه طو ُ‬
‫ل‬
‫وفقد الزوج بالطلق أصعب من فقده بالموت؟!‬
‫فكلهما موجع ولكن الول يشوبة الحساس بالخيانة والظلم وخيبةالمل!!‬
‫مما ليحدث في الثاني!!‬
‫ثم إن نظرة المجتمع للمرأة المطلقة نظرة فيها الكثير من الريبة وتحميلها‬
‫المسؤولية!! بينما فى الثاني هي نظرة عطف وشفقة!!‬
‫ً‬
‫وحالة الحباط هذه تقودها إلى الشعور بالكتئاب مما يمنحها إحساسا بالذنب‬
‫والندم تتسع هوّته بوجود البناء الذين سيدفعون الثمن من مشاعرهم‬
‫ومستقبلهم!!‬
‫لو ذاق طعم الفراق رضوى ‪... ...‬‬
‫لكاد من وجده يميد‬
‫ملوني عذابا ً شوقا ‪... ...‬‬
‫ً‬ ‫قد ح ّ‬
‫يعجز عن حمله الحديد!!‬
‫وما يحدث نتيجة هذة الضغوطات أن يدخل كل من الرجل والمرأة في حالة‬
‫نفسية قد ل يستطيع الخروج منها فمن تناول الحبوب المهدئة إلى الترّدد‬
‫ن قلب الصفحات‬ ‫على العيادات النفسية؟؟ ولن الكثير منا ليتقن ف ّ‬
‫ي هذه الصفحة من حياتنا علينا التفكير ببعض المور اليجابية‪:‬‬ ‫بسهولة!! ولط ّ‬
‫)‪ (1‬تكفير الذنوب‪:‬‬
‫فر الله به من خطاياه قال‬ ‫م ول أذى إل ك ّ‬‫م ول غ ّ‬ ‫فإنه ما أصاب المؤمن من ه ّ‬
‫ابن القيم فى مدارج السالكين‪ :‬أذى الخلق لك كالدواء الكريه من الطبيب‬
‫المشفق عليك! فل تنظر إلى مرارة الدواء وكراهته!!ومن كان على يديه!!‬
‫كبه لك وبعثه على يدي من نفعك بمضرته!!‬ ‫وانظر إلى شفقة الطبيب الذى ر ّ‬
‫)‪ (2‬تهذيب النفس‪:‬‬
‫هى فرصة كبيرة لن يتأمل الفرد حاله وينظر فى عيوبه والخطاء التي بدرت‬
‫منه فى حق الخرين على المدى الطويل‪.‬‬
‫)‪ (3‬المناجاة مع الله‪:‬‬
‫م الخطوب وتنغلق الفهام يعلم المرء يقينا ً أن لمناص إل في‬ ‫عندما تدله ّ‬
‫القرب من الله قال ابن القيم‪ :‬أقرب ما يكون الله من عبده عند ذله‬
‫وانكسار قلبه ولجل هذا كان " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"‬
‫رواه مسلم لنه مقام ذل وانكسار بين يدي ربه!!‬
‫)‪ (4‬تعزيز الثقة بالنفس‪:‬‬
‫ففى اتخاذ قرار مصيري كالطلق والمضي فى تحقيقه! على سلبّيته يعزز من‬
‫ثقة المرء بنفسهوقدراته!!!‬
‫)‪ (5‬العدل مع العباد‪:‬‬
‫وأكثر ما يتحقق ذلك فى النساء فمتى ما رأت الظلم الواقع عليها من‬
‫تسريحها دونما سبب! أو تفضيل زوجة أخرى عليها! أو ضربها وشتمها! وما‬
‫يسبق الطلق من تبادل للتهامات بين الزوجين! وكيل كل منهما التهم للخر‬
‫فى أمور قد تخفى ويتفاجأ فيها الطرف الخر!! فهنا يدرك المرء مدى‬
‫خطورة بخس العباد لحقوقهم؟!‬
‫م الشمل‪:‬‬ ‫)‪ (6‬ل ّ‬
‫ما يحدث من التفاف السرة على المطلق وإسباغهم الحنان ومؤازرته في‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه المرحلةلمر إيجابي ليحدث دائما ً فى زحمة الحياة!‬


‫)‪ (7‬تقوية أواصر الصداقة‪:‬‬
‫تتقوى العلقة مع الصدقاء الذين يبث لهم المطلق شكواه مما يخفف من‬
‫ألم المعاناة على نفسه ويجد في ذلك الكثير من المشاركة الوجدانية التي‬
‫تساهم في رفع الدعم المعنوي له!‬
‫)‪ (8‬العتبار في تقّلب الحوال‪:‬‬
‫في خوض غمار تجربه الطلق حيث تكمن صعوبتها في النقلب الشديد عما‬
‫كان المرء عليه؛ إذ تفقد المرأة الزوج المنزل وقد يشمل المر البناء أيضًا!!‬
‫فف من‬ ‫وهذا من أشد العظات في أن الدنيا ل تدوم على حال!! ومما يخ ّ‬
‫وطأة هذا المر على النفس أن يرى المطلق أن هذا ليس له وحده!! بل هو‬
‫ة في الخلق‪ ،‬وأن هناك اللف ممن خاضوا هذه التجربة!!‬ ‫ة ماضي ٌ‬ ‫ة كوني ٌ‬ ‫سن ٌ‬
‫وفي قصة عشق عبد الرحمن بن أبى بكر لزوجته ليلى بنت الجودي لعبرة؛‬
‫شغف بها فكانت أخته عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها تكلمه في‬ ‫إذ إنه ُ‬
‫هذا!!‬
‫فقال لها‪ :‬دعيني فوالله إني لرشف من ثناياها حب الرمان!!‬
‫فسقطت أسنانها فتركها؟! فكانت عائشة تكلمة في رحمتها فيأبى!! وكان‬
‫أقصى ما فعله أن سرحها إلى أهلها!! فكانت عائشة تعجب من حاله معها!!‬
‫ب ك ُّلما ‪... ...‬‬‫ي وَِقرنا ً ل ُيغال َ ُ‬ ‫َفما ل ِ َ‬
‫من وََرآِئيا‬ ‫َ‬
‫ت أمامي جاَءني ِ‬ ‫مَنع ُ‬‫َ‬
‫)‪ (9‬املئي قلبك بحب الله‪:‬‬
‫در الله أن المرء مع من‬ ‫محبة الله هي البلسم الشافي لكل جراحناوقد ق ّ‬
‫أحب يوم القيامة‪...‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل بذكر ربه‬ ‫ب عن نفسه متص ٌ‬ ‫والمحبة عندما سئل عنها الجنيد؟ قال‪ :‬عبد ٌ ذاه ٌ‬
‫م بأداء حقوقهناظٌر إليه بقلبه فإن تكلم فبالله وإن نطق فعن الله وإن‬ ‫قائ ٌ‬
‫تحّرك فبأمر الله وإن سكن فمع الله فهو باللهولله ومع الله!!!‬
‫ولن الرجل هو صاحب السلطة والكلمة الخيرة إذ إن من كمال رجولته أن‬
‫ة للزوجة وحفظا ً لماء وجهها!!‬ ‫يقدم بعض التنازلت!!! صيان ً‬
‫فله أقول‪:‬‬
‫)‪ (1‬لتلتمس العثرات‪:‬‬
‫ما أجمل أن يذكر كل من الزوجين صاحبه بالخير‪ .‬ول يبدي هفواته وسقطاته‬
‫للخرين ولو كانوا من أقرب الناس إليه!!‬
‫وب النسائي" باب النهي عن التماس عثرات النساء" لحديث‪ :‬نهى‬ ‫وقد ب ّ‬
‫ونهم أو‬ ‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن يطرق الرجل أهله لي ً‬
‫ل‪ .‬أن يتخ ّ‬
‫يلتمس عثراتهم" رواه البخارى ‪5243‬‬
‫وهذا من تمام الرجولة في حق الزوج ومن تمام العقل في حق الزوجة!!‬
‫ه ‪... ...‬‬‫شكوت ُ ُ‬‫حّتى َ‬‫ضيم ِ َ‬‫دني ِبال َ‬ ‫م َ‬‫ت َعَ ّ‬
‫كيا‬
‫س شا ِ‬ ‫ن النا ِ‬ ‫م َ‬
‫دم ِ‬ ‫ُ‬
‫من َيشك ل َيع َ‬ ‫وَ َ‬
‫)‪(2‬لتمعن فى القسوة‪:‬‬
‫ففى الطلق نفسه من اللم ما يكفى المرأة ويجرحها!!!فيا حبذا لو تنازل‬
‫الرجل عن بعض المور ووضع نصب عينيه معاناتها المكبوتة!!‬
‫وصرخاتها المخنوقة!!‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويمضي قدما ً دون وضع العراقيل أو محاولت التشفي!!‬


‫ول أشك أن في هذه الحادثة شيء من القسوة عندما طلقت والدة الحجاج‬
‫بعث زوجها لها من يبلغها على أل ّ يتعدى كلمتين!!!فقال لها الرسول‪ :‬كن ِ‬
‫ت‬
‫ت؟‬‫فِبن ِ‬
‫كنا فما حمدنا!!‬ ‫فردت ‪ُ :‬‬
‫وِبنا فما ندمنا!!!‬
‫وإنه لفرق واضح بين فعل الحسن بن علي عندما طلق زوجته الخثعمية؛ إذ‬
‫بعث لها مبلغا ً كبيرا ً من المال تطييبا ً لخاطرها فقالت‪ :‬متاعُ قليل من زوج‬
‫ق!!‬
‫مفار ّ‬
‫)‪(3‬لتنسيا اليام الجميلة‪:‬‬
‫صاتوانطلقت الهات‪ ....‬ليمنع أن نذكر اليام الجميلة‬ ‫جّرعت الغ ّ‬ ‫حتى إذا ت ُ ُ‬
‫واللحظات الهانئة‪.....‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ول شك إن لتذكرها بلسما شافيا لجراحنا ‪..‬مما يخفف من وطأة المعاناة!!!!‬
‫)‪ (4‬أنفق على عيالك‪:‬‬
‫تبقى مسألة النفقة الورقة الرابحة في يد الزوج بعد الطلق وكثير من‬
‫ي يد الزوجة وإذللها!!‬ ‫الزواج يستخدمها لل ّ‬
‫دهم جزءا ً منه‬‫ّ‬ ‫ويع‬ ‫بل‬ ‫المشكلة‬ ‫عن‬ ‫أبنائه‬ ‫يفصل‬ ‫الذي‬ ‫والزوج العاقل هو‬
‫وإنفاقه عليهم كإنفاقه على نفسه!!‬
‫ورحم الله أيوب السختياني العالم الرباني الذي قال لتلمذته‪ :‬لو أعلم أن‬
‫أبنائي يحتاجون إلى بقلة ما جلست معكم ساعة!!‬
‫)‪ (5‬كن فتيًا‪:‬‬
‫الفتوة ‪ :‬هى فضيلة تأتيها ول ترى نفسك فيها!‬
‫وقد سئل المام أحمد عن الفتوة؟ فقال‪ :‬ترك ما تهوى لما تخشى!‬
‫ومن مظاهرها‪ :‬ترك الخصومة والتغافل عن الزلة ونسيان الذية‪.‬‬
‫ينسى صنائعه والله يظهرها ‪... ...‬‬
‫إن الجميل إذا أخفيته ظهرا‬

‫)‪(2 /‬‬

‫للعيد فرحة فلتقتلوها!‬


‫د‪ .‬عبد الوهاب الناصر الطريري ‪30/9/1424‬‬
‫‪24/11/2003‬‬
‫للعيد فرحة ‪ ،‬فرحة بفضل الله ورحمته ‪ ،‬وكريم إنعامه ‪ ،‬ووافر عطائه ‪،‬‬
‫فرحة بالهداية يوم ضلت فئام من البشر عن صراط الله المستقيم ‪ ،‬يجمع‬
‫العيد ُ المسلم بإخوانه المسلمين ‪ ،‬فيحس بعمق انتمائه لهذه المة ولهذا‬
‫دة ولتكبروا‬ ‫الدين ‪ ،‬فيفرح بفضل الله الذي هداه يوم ضل غيره "ولتكملوا الع ّ‬
‫الله على ما هداكم"‪.‬‬
‫ن وأفضل من أن الله هدانا للسلم فلم يجعلنا‬ ‫ن أم ّ‬
‫أيّ نعمةٍ أعظم ‪ ،‬وأيّ م ّ‬
‫مشركين نجثو عند أصنام ‪ ،‬ول يهود نغدو إلى بيعة‪ ،‬ول نصارى نروح إلى‬
‫كنيسة ‪ ،‬وإنما اجتبانا على ملة أبينا إبراهيم ودين نبينا محمد ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم –"هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم‬
‫هو سماكم المسلمين"‪.‬‬
‫ح‬
‫وللعيد فرحة ببلوغ شهر رمضان يوم تصّرمت أعماٌر عن بلوغه ‪ ،‬وفر ٌ‬
‫بتوفيق الله وعونه على ما يسر من طاعته ‪ ،‬فقد كانت تلك اليام الغّر‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هر متنزل الرحمات والنفحات ‪ ،‬اصطفت فيها جموع المسلمين‬ ‫والليالي الّز ْ‬
‫ً‬
‫في سب ٍْح طويل ُتقطعُ الليل تسبيحا وقرآنا ‪ ،‬فكم تلجلجت الدعوات في‬
‫الحناجر ‪ ،‬وترقرقت الدموع في المحاجر ‪ ،‬وشفت النفوس ورقت حتى كأنما‬
‫يعرج بها إلى السماء تعيش مع الملئكة ‪ ،‬وتنظر إلى الجنة والنار رأي عين ‪،‬‬
‫حقّ لتلك النفوس أن تفرح‬ ‫في نعمة ونعيم ل يعرف مذاقها إل من ذاقها ‪ .‬ف ُ‬
‫بعد ُ بنعمة الله بهذا الفيض اليماني الغامر ‪.‬‬
‫وللعيد فرحة بإكمال العدة واستيفاء الشهر ‪ ،‬وبلوغ يوم الفطر بعد إتمام‬
‫شهر الصوم‪ ،‬فلله الحمد على ما وهب وأعطى ‪ ،‬وامتن وأكرم ‪ ،‬ولله الحمد‬
‫على فضله العميم ورحمته الواسعة "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك‬
‫فيلفرحوا هو خير مما يجمعون"‪.‬‬
‫فهذا العيد موسم الفضل والرحمة ؛ وبهما يكون الفرح ويظهر السرور ‪ ،‬قال‬
‫شرع النبي ‪ -‬صلى‬ ‫العلماء‪" :‬إظهار السرور في العياد من شعار الدين"‪ ،‬و َ‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬وتقريره إظهار الفرح وإعلن السرور في العياد ‪ ،‬قال أنس‬
‫رضي الله عنه ‪" :‬قدم رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬المدينة ولهم‬
‫يومان يلعبون فيهما ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن الله أبدلكم بهما خيرا ً منهما ‪ :‬يوم الضحى‬
‫ويوم الفطر"‪.‬‬
‫ففيه دليل على أن إظهار السرور في العيدين مندوب ‪ ،‬وأن ذلك من‬
‫الشريعة التي شرعها الله لعباده ؛ إذ في إبدال عيد الجاهلية بالعيدين‬
‫المذكورين دللة على أنه يفعل في العيدين المشروعين ما يفعله أهل‬
‫الجاهلية في أعيادهم من اللعب مما ليس بمحظور ؛ لن النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم – إنما خالفهم في تعيين الوقتين" ‪.‬‬
‫ي رسول الله ‪-‬‬ ‫ويبين هذا خبر عائشة ‪ -‬رضى الله عنها قالت ‪" :‬دخل عل ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغّنيان بدّفين بغناء ُبعاث ‪ ،‬فاضطجع‬
‫جى بثوبه ‪ ،‬وحول وجهه إلى الجدار ‪ ،‬وجاء أبو بكر‬ ‫على الفراش ‪ ،‬وتس ّ‬
‫فانتهرهما ‪ ،‬وقال ‪ :‬مزمارة الشيطان عند النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪، -‬‬
‫فكشف النبي وجهه ‪ ،‬وأقبل على أبي بكر ‪ ،‬وقال ‪ :‬دعهما ‪ ،‬يا أبا بكر إن لكل‬
‫قوم ٍ عيدا ً وهذا عيدنا"‪.‬‬
‫ومن مشاهد السرور بالعيد بين يدي النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ما فعله‬
‫الحبشة ‪ ،‬حيث اجتمعوا في المسجد يرقصون بالدرق والحراب ‪ ،‬واجتمع‬
‫معهم الصبيان حتى علت أصواتهم ‪ ،‬فسمعهم النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫مْيراء أتحبين أن تنظري إليهم ‪ ،‬قالت ‪:‬‬ ‫ح َ‬
‫فنظر إليهم ‪ ،‬ثم قال لعائشة ‪" :‬يا ُ‬
‫نعم ‪ ،‬فأقامها ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وراءه خدها على خده يسترها ‪ ،‬وهي‬
‫تنظر إليهم ‪ ،‬والرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يغريهم ‪ ،‬ويقول ‪ :‬دونكم يا‬
‫بني أرفدة ‪ ،‬لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ‪ ،‬إني بعثت بالحنيفية السمحة" ‪.‬‬
‫فهذه مشاهد الفرح بالعيد ومظاهر السرور والبهجة تقام بين يدي النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فيقرها ويحتفي بها ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولكنك تعجب لتجاوز هذا الهدي النبوي المنير عند من يحاولون قتل أفراح‬
‫العيد‪ ،‬والتضييق على مشاعر الناس‪ ،‬وكان ذلك يصدر في السابق من بعض‬
‫هاد والعُّباد‪ ،‬فروي عن بعضهم أنه رأى قوما ً يضحكون في يوم عيد ‪،‬‬ ‫الُز ّ‬
‫ل منهم صيامهم فما هو فعل الشاكرين ‪ ،‬وإن كانوا‬ ‫قب ّ َ‬
‫فقال ‪" :‬إن كان هؤلء ت ُ ُ‬
‫ل منهم فما هذا فعل الخائفين"‪ ،‬وكان بعضهم يظهر عليه الحزن يوم‬ ‫قب ّ ْ‬
‫لم ي ُت َ َ‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل صومه‬ ‫العيد ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬إنه يوم فرح وسرور ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إنه ل يدري هل قُب ِ َ‬
‫هاد عن حسن‬ ‫أم ل ؟ )لطائف المعارف ‪ ، (376‬ولئن صدر هذا من عُّباد وُز ّ‬
‫ً‬
‫نية ‪ ،‬فإن مثله يصدر اليوم من بعض الغيورين وعن حسن نيةٍ أيضا ‪ ،‬فيجعلون‬
‫العياد مواسم لفتح الجراحات‪ ،‬والّنواح على مآسي المسلمين‪ ،‬وتعداد‬
‫مصائبهم‪ ،‬والتوجع لما يحل بهم‪ ،‬ويذكرونك بأن صلح الدين لم يبتسم حتى‬
‫ت بيت المقدس ‪ ،‬وينسون قوله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ممتنا ً على عباده "وأنه هو‬ ‫فُِتح ْ‬
‫ل‪ ،‬وأن مآسي‬ ‫ل‪ ،‬ولكل مناسبة حا ً‬ ‫أضحك وأبكى"‪ ،‬ويتناسون أن لكل مقام مقا ً‬
‫مّرة لخطايانا وأخطائنا )قل هو من عند أنفسكم(‪ ،‬ولن يكون‬ ‫المسلمين ثمار ُ‬
‫علجها بالوجوم والتحازن‪ ،‬ولكن بالرأي السديد والعمل الرشيد‪ ،‬والشجاعة‬
‫فعنا‬ ‫أمام الخطأ‪ ،‬ولو أنا قتلنا كل فرحة‪ ،‬وأطفأنا كل بسمة‪ ،‬ولبسنا الحزن‪ ،‬وتل ّ‬
‫وعة‪ ،‬ول أغثنا لهفة‪،‬‬ ‫بالغم‪ ،‬وتدرعنا بالهم ما حّررنا بذلك شبرًا‪ ،‬ول أشبعنا ج ْ‬
‫وإنما وضعنا ضغثا ً على إبالة ‪.‬‬
‫وإن خير الهدي هدي محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وقد كان يستعيذ بالله‬
‫من الهم والحَزن ‪ ،‬يعجبه الفأل‪ ،‬دائم البشر‪ ،‬كثير التبسم ‪.‬‬
‫ب أحبطها‬ ‫إننا بحاجة إلى أن نجعل من هذا العيد فرصة لدفق المل في قلو ٍ‬
‫دت مظاهر اليأس في صور شتى ‪ ،‬منها ‪:‬‬ ‫اليأس‪ ،‬وأحاط بها القنوط ‪ ،‬وتب ّ‬
‫سرعة تصديق كواذب الخبار‪ ،‬ورواية أضغاث الحلم ‪ ،‬وقتل الوقات في‬
‫ن تروى على شكل أخبار من مصادر موهومة‬ ‫رواية الشاعات ‪ ،‬والتي هي أما ٍ‬
‫تسمى موثوقة ‪ .‬وهكذا في سلسلة من الشكالت التي تدل على التخبط‬
‫بحثا ً عن بصيص أمل في ظلمة اليأس ‪.‬‬
‫ملوا ما يسركم ‪ ،‬فُعمر السلم أطول من‬ ‫فيا أمة السلم ‪ ،‬أبشروا وأ ّ‬
‫أعمارنا ‪ ،‬وآفاق السلم أوسع من أوطاننا ‪ ،‬وليست المصائب ضربة لزب ‪ ،‬ل‬
‫ت فتحوا مكة ‪،‬‬ ‫سنّيا ٍ‬
‫تحول ول تزول‪ ،‬فقد حصر المسلمون في الخندق ‪ ،‬وبعد ُ‬
‫وسقطت بغداد ‪ ،‬ثم بعد نحو قرنين فُِتحت القسطنطينية ‪ ،‬والله – عز وجل ‪-‬‬
‫ول سننه لهوائنا‪ ،‬فسنن الله لتحابي أحدًا‪ ،‬ولنتذكر‬ ‫ل يعجل لعجلتنا ‪ ،‬ول تتح ّ‬
‫في هذا العيد ما أبقى الله لنا من خير‪ ،‬وما تطول به علينا من فضل‪ ،‬قطعت‬
‫رجل عروة بن الزبير ومات ولده فقال‪ " :‬اللهم إنك أخذت عضوا ً وأبقيت‬
‫أعضاًء‪ ،‬وأخذت ابنا ً وأبقيت أبناًء فلك الحمد‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬لئن حلت بنا محن‬
‫فقد أبقى الله لنا منحًا‪ ،‬ولئن أصابتنا نقم فقد أبقى الله لنا نعما ً " وإن تعدوا‬
‫نعم الله لتحصوها"‪ ،‬ونحن أحوج ما نكون إلى أمل يدفع إلى عمل ‪ ،‬وفأل‬
‫ينتج إنجازا ً ‪ ،‬أما المهموم المحزون فهو غارق في آلمه ‪ ،‬متعثر في أحزانه ‪،‬‬
‫مدفون في هموم يومه ‪ ،‬ل يرجو خيرا ً ول يأتي بخير ‪ ،‬والله غالب على أمره‬
‫ن أكثر الناس ل يعلمون‬ ‫ولك ّ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫للمسلمين حقّ مشهود ولليهود باطل مردود‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫إن الحداث الخيرة التي تدور على أرض فلسطين ‪ ،‬وما يدور على صفحات‬
‫مل فيما‬‫بعض الصحف والمجلت من آراء متضاربة ‪ ،‬تدفع النسان إلى التأ ّ‬
‫يجري اليوم ‪ ،‬وإلى استرجاع بعض أحداث الماضي في قضية فلسطين ‪،‬‬
‫رح من أفكار وآراء ‪،‬‬ ‫م إلى الرد ّ على بعض ما ط ُ ِ‬
‫وإلى جذور المشكلة ‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫ومناقشتها من خلل الحقائق ل الظنون ‪ ،‬ومن خلل ميزان حقّ ل اضطراب‬
‫فيه ‪:‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ _1‬استغلل الشعار الديني لتسويغ ادعاء باطل وعدوان ظالم إجرامي ‪:‬‬
‫قهم الديني في فلسطين ‪ ،‬واستغلل هذا‬ ‫مما يستوقف النظر ادعاء اليهود بح ّ‬
‫الشعار منذ عهد ليس بالقصير لتجميع اليهود حوله ‪ .‬ولكن قادة اليهود اليوم‬
‫ي في حياتهم ‪،‬‬ ‫ي ‪ ،‬أو سلوك دين ّ‬ ‫صور دين ّ‬ ‫هم من أبعد الناس عن أيّ ت ّ‬
‫وسياستهم واقتصادهم ‪ ،‬ومختلف نواحي نشاطهم ‪ .‬إنهم علمانيون ‪ ،‬قدموا‬
‫ل ما لديهم اليوم حزب‬ ‫من دول علمانية غربّية أو اشتراكية أو شيوعية ‪ .‬وك ّ‬
‫دين وسيلة خادعة‬ ‫ُ‬
‫ديني أمام أحزاب أخرى غير دينية ‪ .‬فما بال هؤلء اتخذوا ال ّ‬
‫دقها‬‫خرون العلم كّله للدعاية الكاذبة حتى ص ّ‬ ‫لتسويغ ادعاء باطل ؟! إنهم ُيس ّ‬
‫ي ‪ ،‬وادعى تصديقها المجرمون من‬ ‫الكثيرون من عامة الناس في العالم الغرب ّ‬
‫أصحاب المطامع والمصالح الظالمة ‪.‬‬
‫‪ _2‬التناقض الواضح في سياسة الدول العلمانية ‪:‬‬
‫ومما يلفت النظر التناقض الكبير في سياسة الدول العلمانية ‪ .‬ففي الوقت‬
‫ؤون الدولة والمة ‪ ،‬نراهم هم‬ ‫ش ُ‬
‫دين في ُ‬ ‫خلون ال ّ‬ ‫دعون فيه أنهم ل ي ُد ْ ِ‬ ‫الذي ي ّ‬
‫ولون الحركات التنصيرّية ‪ ،‬ويفتحون البواب لمؤتمراتها ‪ ،‬و ويغذونها‬ ‫الذين ُيم ّ‬
‫بشتى الوسائل السّرّية والعلنّية ‪ .‬وأكثر من ذلك ‪ ،‬فقد جعلوا نشاط الحركات‬
‫التنصيرية بمختلف اتجاهاتها ومذاهبها تمهيدا ً لزحف الجيوش المعتدية في‬
‫شتى أنحاء الرض ‪ ،‬خلل فترة طويلة من تاريخ عدوانهم الظالم الممتد ‪،‬‬
‫وبصورة خاصة في عدوانهم الجرامي على العالم السلمي ‪ .‬إنه تناقض‬
‫ظاهر يضاف إلى ما نلقاه اليوم من تناقض في سياسة الدول العلمانّية‬
‫واليهود ‪ ،‬ومن اختلف الموازين والمكاييل ‪.‬‬
‫‪ _3‬من هم اليهود ؟! ومن هم النصارى ؟!‬
‫منذ أن ب ُِعث عيسى عليه السلم بدين السلم ‪ ،‬دين جميع النبياء والمرسلين‬
‫‪ ،‬والعلقات بين النصرانية واليهود عداء ممتد استمّر إلى عهد قريب ‪ ،‬وتمثل‬
‫في المجازر التي دارت في معظم الدول المنتمية إلى النصرانية ‪ .‬ولتوضيح‬
‫دقوه وآزروه كانوا‬ ‫ذلك نقول إن الذين اتبعوا عيسى عليه السلم وص ّ‬
‫ً‬
‫مسلمين ‪ .‬والذين كفروا به وحاربوه وتآمروا عليه كانوا يهودا ‪:‬‬
‫س عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون‬ ‫" فلما أح ّ‬
‫نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون " ] آل عمران ‪[52:‬‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫" يأّيها الذين أمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من‬
‫أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني‬
‫إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدّوهم فأصبحوا ظاهرين "‬
‫]الصف ‪[14:‬‬
‫فهاتان طائفتان من بني إسرائيل‪ :‬طائفة آمنت بعيسى عليه السلم وبرسالته‬
‫بدين السلم فكانوا مسلمين " ‪ ...‬واشهد بأن مسلمون ‪ ".‬وطائفة كفرت‬
‫وحاربت فكانوا يهودا ً ‪ .‬فلقد تآمروا على قتله حتى رفعه الله إليه ‪ .‬وامتد ّ‬
‫الصراع حتى العصر الحديث ‪ ،‬في تاريخ مليء بالصراع والمذابح ‪ .‬والنصارى‬
‫ب"‬ ‫صل ِ َ‬
‫يؤمنون بأن اليهود الذين تآمروا على عيسى عليه السلم حتى " ُ‬
‫حسب ظّنهم ‪ .‬ولم يجد النصارى ول اليهود في تاريخهم أرحم ول أعدل ول‬
‫أصدق من السلم حين يحكم شرعه ومنهاجه ‪.‬‬
‫أما النصارى فهم الفئة التي انحرفت عن دين عيسى عليه السلم ‪ ،‬دين‬
‫السلم ‪ ،‬عندما اصطدموا بالوثنية في أوروبا ‪ ،‬فتأ َّثرت من خلل ذلك الطائفة‬
‫الغالّبة منهم بالوثنية ‪ ،‬ودخلوا في مساومات مع أباطرة الرومان ‪ ،‬فخرجوا‬
‫من ذلك بنظرية التثليث ‪ ،‬وُأبيدت الفئة التي ظلت متمسكة بأن عيسى عليه‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم رسول الله ‪ ،‬وليس أبنا ً لله ول هو الله سبحانه وتعالى عما يشركون ‪.‬‬
‫واستمّر الصراع بين النصرانّية واليهود في عداء مستمّر ومجازر ممتدة من‬
‫دة الصراع تآمر اليهود‬
‫إسبانيا إلى غيرها من دول أوروبا ‪ .‬وزاد من ح ّ‬
‫المستمّر على البلد الذي يؤويهم وخيانتهم الممتدة لكل من يعينهم ‪ ،‬حتى‬
‫ة ظاهرة في تاريخ اليهود برز في علقتهم مع فارس ‪،‬‬ ‫أصبح هذا السلوك سم ً‬
‫ومع بابل ‪ ،‬ومع اليونان والرومان وغيرهم ‪.‬‬
‫‪ _4‬التقاء النصرانية واليهود اليوم في جبهة واحدة ‪:‬‬
‫دة ‪ ،‬فما‬ ‫ً‬
‫إذا كان هذا هو تاريخ العلقات بين اليهود والنصارى قرونا طويلة ممت ّ‬
‫الذي حدث اليوم حتى َأصبحوا جبهة واحدة !‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن جذور الديانتين واحدة في التوراة‬ ‫ي وأ ّ‬‫ن البعض أن سبب التلقي دين ّ‬ ‫قد يظ ّ‬
‫والنجيل ‪ .‬ولو كان هذا هو السبب ‪ ،‬لكان اللقاء قد ّتم منذ عهد بعيد ‪ .‬ولو‬
‫كان هذا هو السبب لظهر لنا تمسك كل طائفة منهم بالدّين ومعانيه ولقّروه‬
‫في مجتمعاتهم ‪ .‬ولكن الدول الغربية أعلنت كلها عن نفسها أنها دول علمانّية‬
‫‪ ،‬واليهود أصبحوا علمانيين بظهور الحركة الصهيونية وغيرها ‪ ،‬ولم يكن هذا‬
‫دين كلما دعت المصالح الدنيوية إلى‬ ‫يمنع كّل ً من الطائفتين من استغلل ال ّ‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫فاللقاء الظاهر اليوم بين النصارى و اليهود ‪ ،‬وإن حمل بعض المظاهر الدينية‬
‫أحيانا ً ‪ ،‬إل أنه ليس لقاًء دينيا ً ‪ .‬ونعتقد أن الذي جمع هذين الطرفين ‪ ،‬وهم‬
‫علمانيون ‪ ،‬وجود هدف علماني مشترك بينهما ‪.‬‬
‫إن الدول الغربية أعلنت دائما ً أن مصالحها القتصادية هي محور سياستها‬
‫لمم‬‫دة في ثروا ت ا ُ‬ ‫كلها ‪ .‬وهذه المصالح تمّثلت في أطماعهم الممت ّ‬
‫والشعوب ‪ ،‬وبخاصة ثروات العالم السلمي ‪ .‬ولقد وجدوا من خبراتهم خلل‬
‫القرون الطويلة أن السلم الذي ُأنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫ن أتباعه الصادقين الملتزمين بهذا الدين ‪ ،‬هم العقبة الكأداء أمام استغلل‬ ‫وأ ّ‬
‫تلك الثروات ونهبها ونقلها إلى ديارهم ‪ .‬فماذا حدث في الهند وإندونيسيا‬
‫ي على ذلك فما هدأت‬ ‫والعالم العربي وشمال أفريقيا ووسطها ‪ ،‬مثل جل ّ‬
‫المقاومة أبدا ً في بلد المسلمين منذ أن بدأ الغزو والعدوان الظالم ‪ .‬فإن‬
‫قدة في النفوس ‪.‬‬ ‫هدأت حينا ً فإنها تعود و تشتعل ‪ ،‬ما دامت جذوة اليمان مت ّ ِ‬
‫ن حقائق هذا الدين العظيم ل تسمح بالمساومة ول التنازل ‪ ،‬ول‬ ‫ووجدوا أ ّ‬
‫تسمح بالظلم والعدوان ‪ .‬فوجدوا مع طول الخبرة أنه ل مجال أمامهم إل‬
‫إزاحة السلم عن طريقهم ‪ ،‬وفتنة أبنائه بكل وسائل الفتنة والتخدير ‪،‬‬
‫وتجريد العالم السلمي من أسباب القوة الحقيقّية ‪ .‬فوضعوا خططهم لذلك‬
‫كيدا ً ومكرا ً ‪ ،‬وحقدا ً يخفونه حينا ً ويكشفونه حينا ً ‪ ،‬والتقت الطماع والمصالح‬
‫طل هذا‬‫الدنيوية بين النصرانية العلمانّية واليهود العلمانيين ‪ ،‬وما كان ليع ّ‬
‫ي وجود منتسبين إلى السلم على ضعف وقلة إعداد‬ ‫اللقاء العلمان ّ‬
‫واستعداد ‪.‬‬
‫ولقد َأبرز هذا اللقاُء العلماني تعاونا وثيقا حمل الحقد الذي يختفي في مرحلة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جر كلما ملكوا القوة ذبحا ً‬ ‫ول إلى أساليب الرضاء بالفواه ‪ ،‬ثم يتف ّ‬ ‫‪ ،‬ويتح ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومجازر وتقتيل وتدميرا ‪:‬‬
‫" كيف إن يظهروا عليكم ل يرقبوا فيكم إل ول ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى‬
‫قلوبهم وأكثرهم فاسقون ‪ ] " .‬التوبة ‪[ 8:‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن المطامع الدنيوّية وأهواءها دفعتهم إلى تحريف ما ُأنزل من عند الله ‪،‬‬
‫فحّرفوا التوراة وحّرفوا النجيل ‪ ،‬واشتروا بآيات الله ثمنا ً قليل ً ‪:‬‬
‫دوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون ‪".‬‬ ‫" اشتروا بآيات الله ثمنا ً قليل ً فص ّ‬
‫] التوبة ‪[9:‬‬
‫جر حقدهم‬ ‫فكلما هاجت المطامع ‪ ،‬وهي هائجة دائما ً ‪ ،‬وكّلما ملكوا قوة تف ّ‬
‫عدوانا ً ومكرا ً وكيدا ً ‪ ،‬إنهم دائما ً هم المعتدون الظالمون ‪:‬‬
‫مة وأولئك هم المعتدون " ] التوبة ‪[ 10:‬‬ ‫" ل يرقبون في مؤمن إل ً ول ذ ّ‬
‫ولقد تمّثل هذا العدوان والمكر في مواقع كثيرة من العالم السلمي ‪ ،‬وبرز‬
‫بوجهه الكالح وإجرامه المرّوع في فلسطين ‪ .‬واللحظات الحالية ‪ ،‬وما يدور‬
‫فيها من أحداث تمّثل أبشع تمثيل هذا الوجه الكالح ‪.‬‬
‫ويتحدث نيكسون عن دولة اليهود بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في‬
‫ن من بركات السياسة المريكية ضمان بقاء إسرائيل )‪. (1‬‬ ‫المنطقة ‪ ،‬وبأ ّ‬
‫ويتحدث عن دولة اليهود في أكثر من مكان في كتبه الثلثة الخيرة ‪ ،‬ويبين‬
‫أن العلقة معها ل تقف عند حدود المعاهدة أو العطف ‪ ،‬ولكنها تمثل عمقا ً‬
‫في الستراتيجية المريكية وحمايتها ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬نصر بل حرب ‪. 292 :‬‬
‫ويقول في مكان آخر إن محور علقات أمريكا مع ألمانيا وأوروبا وآسيا‬
‫والعالم كله هو مصالح أمريكا القتصادية ‪ ،‬وعلى العالم كله أن يخدم مصالح‬
‫أمريكا ‪(1) .‬‬
‫حق القيم ‪،‬‬ ‫ومن خلل ممارسة هذا الدعم لدولة اليهود ‪ ،‬نرى كيف ُتس َ‬
‫حق النسان ‪ ،‬وتضطرب كل المكاييل ‪ ،‬إل مكيال ً واحدا ً هو " على العالم‬ ‫وُيس َ‬
‫كله أن يخدم مصلحة أمريكا " ‪.‬‬
‫ويؤكد هذا المبدأ الجرامي قول نيكسون ‪ " :‬إن منطلق أمريكا يجب أن‬
‫يكون الحرص على حماية مصالحها بعيدا ً عن المثل واليديولوجيات ‪".‬‬
‫ولذلك منذ أن قامت دولة اليهود سنة ‪1948‬م ‪ ،‬توالت تصريحات وزراء‬
‫الخارجّية في دول أوروبا وأمريكا ‪ ،‬وتصريحات مسؤولين آخرين ‪ ،‬كلها‬
‫تقول ‪ " :‬إسرائيل وجدت لتبقى " !‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ت اليهود إلى فلسطين بقوتهم وحدهم ‪ .‬ولكنهم أتوا بهذا الدعم الكبير‬ ‫ولم يأ ِ‬
‫من جميع دول أوروبا النصرانّية باختلف مذاهبها ومن أمريكا ومن دول أخرى‬
‫‪ .‬وذلك وفق مخطط مدروس التزمه سفراء تلك الدول في دولة الخلفة‬
‫السلمية ‪ ،‬الدولة التي قاومت هذا المخطط ‪ ،‬فكانت نتيجة المقاومة اعتقال‬
‫الخليفة عبد الحميد الثاني ونفيه ‪ ،‬ثم تمزيق العالم السلمي بجهود ساهم‬
‫فيها بعض المسلمين ‪ ،‬ثم إسقاط الخلفة السلمية على يد مصطفى كمال‬
‫أتاثورك ‪.‬‬
‫‪ _5‬لمن فلسطين ؟! وهل لليهود حق فيها ؟! )‪(2‬‬
‫إن فلسطين كلها حق للسلم فقط ‪ ،‬وللمسلمين ‪ .‬وهي أمانة في أعناقهم‬
‫ضل جنسا ً‬‫إلى يوم القيامة سيحاسبون عليها ‪ .‬إن الله سبحانه وتعالى ل يف ّ‬
‫عل جنس ول دما ً على دم ‪ ،‬وإنما هي التقوى تتفاضل فيها الشعوب عند‬
‫الله ‪ ،‬والله بعث جميع الرسل والنبياء بدين واحد هو السلم ‪ .‬وبعث في ك ّ‬
‫ل‬
‫مة رسول ً يبّلغ رسالة رّبه ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أ ّ‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬اغتنام اللحظة لنيكسون ‪ ،‬الشرق الوسط في نشرها حلقات من الكتاب‬
‫ابتدأت في ‪19/12/1991‬م ‪.‬‬
‫)‪ (2‬يراجع كتاب ‪ " :‬فلسطين بين المنهاج الرّباني والواقع " ‪ ،‬و "ملحمة‬
‫فلسطين " و " ملحمة القصى" و" على أبواب القدس " للمؤلف ‪.‬‬
‫دين السلم ‪ .‬فلم يبعث الله أحدا ً ليدعوَ إلى جنس أو دم أو عصبية ‪ ،‬وإنما‬
‫ي‪:‬‬ ‫بعثهم ليدعوا إلى التوحيد الخالص النق ّ‬
‫مة رسول ً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ‪] " ...‬النحل‬ ‫" ولقد بعثنا في ك ّ ُ‬
‫لأ ّ‬
‫‪[36:‬‬
‫لقد كان جميع الرسل ومن اتبعهم مسلمين ‪ .‬فهذا إبراهيم وإسماعيل عليهما‬
‫السلم يدعوان ربهما الله ‪:‬‬
‫" رّبنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ‪ ] "...‬البقرة ‪[128 :‬‬
‫" قولوا آمنا بما ُأنزل إلينا وما ُأنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب‬
‫والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفّرق بين‬
‫أحد منهم ونحن له مسلمون ‪ ] ".‬البقرة ‪[136 :‬‬
‫وكذلك مع موسى عليه السلم ‪:‬‬
‫"وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين"‬
‫] يونس‪[84:‬‬
‫ولقد سبق ذكر اليات الكريمة التي تنص على أن عيسى عليه السلم كان‬
‫مسلما ً وأن الذين اتبعوه كانوا مسلمين ‪ .‬فالّرب واحد هو الله الذي ل إله إل‬
‫دين واحد هو السلم ‪ ،‬ل يقبل الله من أحد غيره ‪:‬‬ ‫هو ‪ ،‬وال ّ‬
‫" إن الدين عند الله السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل ّ من بعد ما‬
‫م بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب " ] آل‬ ‫جاءهم العل ُ‬
‫عمران ‪[19:‬‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫ً‬
‫" ومن يبتِغ غير السلم دينا فلن ُيقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين "‬
‫] آل عمران ‪[ 85:‬‬
‫ي بعده ‪ .‬فإن لم يؤمنوا فهم في ميزان‬ ‫ي يجب أن يؤمنوا بالنب ّ‬ ‫وأتباع كل ن َب ِ ّ‬
‫لله كافرون فيمتد ّ المسلمون مع التاريخ أمة واحدة تؤمن بالرسل كلهم‬
‫وبخاتم النبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫فجميع النبياء الذين دخلوا فلسطين ‪ ،‬دخلوا مسلمين باسم السلم يدعون‬
‫إلى السلم ويحكمون بالسلم ‪ ،‬وجميع النبياء والمرسلين على عهد مع الله‬
‫ي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬ ‫أن يؤمنوا هم وأتباعهم بالنب ّ‬
‫م جاءكم رسول‬ ‫" وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ث ّ‬
‫دق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري‬ ‫مص ّ‬
‫قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ‪ ] ".‬آل عمران ‪[81 :‬‬
‫م محمد صلى الله عليه وسلم النبياء والمرسلين في المسجد القصى‬ ‫ولقد أ ّ‬
‫يوم أن أسري به ‪ ،‬وجعل الله بذلك الدين والرض أمانة في عنق المسلمين‬ ‫ُ‬
‫إلى يوم القيامة ‪ ،‬يحاسبون عليها ‪ .‬ففلسطين كلها شبرا ً شبرا ً ملك‬
‫المسلمين ‪ ،‬ملك للسلم ‪ ،‬ل حقّ لحد أن ينازعهم فيها أبدا ً ‪.‬‬
‫ولقد نشرت بعض الصحف بعض الراء حول ما أسموه الخلف على‬
‫دسات القصى ‪ :‬الحائط والصخرة والمسجد ‪ .‬والحق يأتي من عند الله ‪.‬‬ ‫مق ّ‬
‫دساتها حق للمسلمين أبد الدهر ‪ .‬وإن‬ ‫فكما ذكرنا ‪ ،‬ففلسطين كلها بجميع مق ّ‬
‫اّدعى اليهود بأن لهم حقا ً في فلسطين ‪ ،‬فهو افتراٌء على الله واّدعاء باطل ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فليس لليهود حقّ في أي شيء في فلسطين ‪ ،‬إل بالباطل الذي يدعمه‬


‫العلم ‪ ،‬وما يذكرونه من كتبهم المحّرفة ‪ .‬فالمسجد القصى كله بحائطه‬
‫دسات فلسطين ‪ .‬ويقول بعضهم‬ ‫وصخرته ومسجده هو للسلم مع سائر مق ّ‬
‫إننا يجب أن نخاطب العالم بما يمكن أن يقبلوه ‪ ،‬ونبّين حقّ اليهود حتى‬
‫مع كلمنا ‪ .‬فأيّ حقّ لهم ؟! وبأي لغة نخاطب العالم ؟! أبغير ما خاطب به‬ ‫س َ‬
‫يُ ْ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم العالم كله ‪ ،‬وما خاطب به اليهود والنصارى ؟!‬
‫أن الله انزل كتابه لنخاطب به العالم كله ‪ ،‬ونخاطب به اليهود والنصارى ‪.‬‬
‫وأعجب كيف يخاطب اليهود العالم بآيات التوراة المحّرفة ليثبتوا باطلهم‬
‫المفترى ‪ ،‬ويترّدد المسلمون ول يخاطبون العالم بلغة القرآن ‪ ،‬الكتاب الوحيد‬
‫الذي لم ُيحّرف لدى البشرية ؟! إنه الحق كله ‪ ،‬ل يأتيه الباطل من بين يديه‬
‫ول من خلفه ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فللمسلمين في فلسطين حقّ مشهود ‪ ،‬ولليهود باطل مردود ‪ .‬وعلينا أن‬


‫نعلن ذلك باليات البّينات من كتاب الله ‪.‬‬
‫‪ _6‬هل هنالك مؤامرة ضد المسلمين ؟! ‪:‬‬
‫ن هناك مؤامرة ضد السلم والمسلمين ‪.‬‬ ‫لإ ّ‬‫يعترض بعضهم حين ُيقا ُ‬
‫سرون كل شيء بالمؤامرات ! كلمات‬ ‫يعترضون ويقولون ‪ :‬أنتم تغالون وتف ّ‬
‫ن يسأل عن حجةٍ وبينة ‪ ،‬فتطمئن‬ ‫م ْ‬‫عامة يطلقونها تترك أثرها في نفوس َ‬
‫هذه النفوس إلى أنه ليس هناك مؤامرة أبدا ً ‪ .‬ثم يستيقظون على فاجعة بعد‬
‫فاجعة ‪ ،‬وهزيمة بعد هزيمة ‪ ،‬وقوارع بعد قوارع ‪ ،‬بين تدفق الدماء وتطاير‬
‫الشلء ‪.‬‬
‫سر المؤامرات‬‫ل شيء بالمؤامرات ‪ .‬ولكن ُتف ّ‬ ‫سر ك ّ‬‫ف ّ‬
‫الحقيقة أنه ل ي ُ َ‬
‫بالمؤامرات حين تقوم الحجة والبّينة والواقع الذي يقنع ‪ .‬إذا لم يكن إخراج‬
‫أهل فلسطين من أرضهم وديارهم ‪ ،‬وإحضار اليهود من مختلف بقاع العالم‬
‫وإحللهم مكان أهل فلسطين ‪ ،‬وتشتيت أهل فلسطين في شتى أنحاء الرض‬
‫‪ ،‬تطردهم الرض بعد الرض ‪ ،‬إذا لم يكن هذا مؤامرة واضحة فكيف تكون‬
‫المؤامرة ؟! إذا لم يكن دعم أمريكا وأوروبا لليهود هذا الدعم الذي تخّلى عن‬
‫ل القيم وسحقها مؤامرة ‪ ،‬فماهي المؤامرة إذن ؟! إذا لم يكن ما يجري‬ ‫ك ّ‬
‫في تيمور الشرقية مؤامرة فماهي المؤامرة إذا ً ؟! إذا لم يكن إسقاط‬
‫الخلفة السلمية مؤامرة فما هي المؤامرة إذا ً ؟! إذا لم يكن ما يجري في‬
‫كشمير والبوسنة والهرسك ‪ ،‬وإندونيسيا وغيرها من ديار المسلمين مؤامرة‬
‫فكيف تكون المؤامرة إذا ً ؟! إذا لم يكن ما جرى في الندلس ‪ ،‬في الحروب‬
‫الصليبية وغير ذلك من مؤامرة فكيف تكون المؤامرة !‬
‫إن تسلسل الحداث وترابطها وامتدادها ‪ ،‬وامتداد الطماع التي تتحقق ‪،‬‬
‫مد ‪ ،‬والجرائم المرّوعة ‪ ،‬لتشير بوضوح وجلء إلى المكر المبّيت‬ ‫والفتك المتع ّ‬
‫والكيد المدّبر والمؤامرة التي يمسك بخيوطها المجرمون ويديرونها ‪.‬‬
‫ن الذين ل يشعرون بالمؤامرة والتآمر إما أن يكونوا نائمين غافلين غائبين ‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫وإما أن يكونوا مشتركين في المؤامرة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ‪،‬‬
‫ويريدون أن ي ُْبقوا الناس في غفلتهم ‪ ،‬ويصرفوهم عن اليقظة والوعي‬
‫والستعداد ‪ ،‬ويدفعوا عن أنفسهم التهمة والجريمة ‪.‬‬
‫المؤامرة تعني بإيجاز ‪ :‬مكر باطل وكيد ظالم وعدوان طاٍغ ‪ ،‬يمضي على‬
‫قق هدفه غير المعلن من ظلم واعتداء‬ ‫خطة مدروسة ونهج مقّرر ‪ ،‬ليح ّ‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإجرام !‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أو ليس الذي يجري في فلسطين مكرا وكيدا وعدوانا ‪ ،‬وأنه يمضي على نهج‬
‫وخطة؟! فكيف ل يكون مؤامرة وجريمة مرّوعة ‪.‬‬
‫لقد انطلق العلم منذ زمن يتهم المسلمين بالطائفية ‪ ،‬وهم بعيدون عن‬
‫الطائفية وغيرها وهو الذي يثير الطائفية ‪ ،‬حتى صار بعض المسلمين يخجل‬
‫من أن يثير قضية السلم ‪ ،‬أو شعار السلم حتى ل ي ُّتهم بالطائفية ‪ .‬ولكن‬
‫ظّلت الحركة التنصيرية عاملة سرا ً وجهارا ً دون أن ت ُّتهم بالطائفية ‪ ،‬ظّلت‬
‫تدعو إلى النصرانية وتكيد للسلم والمسلمين !‬
‫وي ُّتهم المسلمون اليوم بالرهاب لنهم يدافعون عن ديارهم وأعراضهم‬
‫وثرواتهم ‪ ،‬أما المجرمون المعتدون بالسلح المدمر ‪ ،‬المجرمون الذين‬
‫يبيدون اللف ومئات اللف فل يقال عنهم ِإنهم إرهابيون ‪.‬‬
‫إنها مؤامرة إجرامية بكل ما في كلمة مؤامرة من معنى ‪ ،‬تستغل العلم‬
‫قق أهدافها الجرامّية ‪.‬‬ ‫دين لتح ّ‬ ‫والدب والفكر وال ّ‬
‫عندما جاء اليهود إلى فلسطين أول مّرة زعموا أنهم يأتون للزيارة دون أن‬
‫م تحولت الزيارة إلى إقامة ‪ ،‬ثم إلى إقامة مستعمرات ‪،‬‬ ‫يكون لهم أطماع ‪ .‬ث ّ‬
‫دة ‪ ،‬من سلح‬ ‫دوا الع ّ‬ ‫ّ‬
‫وتوالت الخطوات حتى كشروا عن أنيابهم ‪ ،‬بعد أن أع ّ‬
‫ي ‪ .‬مراحل متتالية تتم في غفلة من المسلمين ‪ ،‬أو‬ ‫وإعلم واقتصاد ودعم دول ّ‬
‫شيء آخر أكبر من الغفلة ‪ .‬هذه هي المؤامرة في أبشع صورها من الكذب‬
‫والخداع ‪ ،‬والمكر والكيد ‪.‬‬
‫‪ _7‬الخلل في تخطيط المؤامرات عند اليهود ومن يواليهم ‪:‬‬
‫ّ‬
‫إنهم يظنون أن المر بيدهم وحدهم ‪ .‬وأنهم قادرون على تحقيق ما يخططون‬
‫له ‪ .‬وقد كشف نيكسون وغيره عن هذا الظن والوهم ‪ ،‬حين قال في كتاب‬
‫نصر بل حرب ‪ :‬ص‪ ": 335:‬نحن نقبض على ناصية المستقبل بأيدينا "‪ !:‬كبر‬
‫ن الله به‬ ‫ل ‪ .‬ظنوا أن العلم الذي م ّ‬ ‫وغرور ليس بعده كبر أكبر ول غرور أض ّ‬
‫عليهم ‪ ،‬والصناعة المتطورة التي بلغوها ‪ ،‬والتجوال في آفاق الفضاء البعيد ‪،‬‬
‫ف ليملكوا به ناصية المستقبل‬ ‫والسلح المدمر الفتاك ‪ ،‬ظّنوا أن هذا كله كا ٍ‬
‫در كل شيء ‪ ،‬وأنه إذا أراد‬ ‫وغاب عنهم أو تجاهلوا أن الله وحده هو الذي يق ّ‬
‫دره الله يمضي على حكمة‬ ‫ل ما يق ّ‬‫شيئا ً فإنما يقول له كن فيكون ‪ ،‬وأن ك ّ‬
‫ض ‪ ،‬سواء عرفنا الحكمة أو لم نعرفها ‪ ،‬وأن لله سننا ً ثابتة‬ ‫بالغة وحقّ ما ٍ‬
‫ماضية في الكون كله ‪ .‬وأنه هو وحده يقبض على ناصية المستقبل كله !‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ة لقوة تخطيطهم‬ ‫فما يبلغه المجرمون الظالمون هو بقدر الله ‪ ،‬ل يكون نتيج ً‬
‫دعي النتساب إلى الحق والعدل وإلى دين الله ‪،‬‬ ‫فحسب ولكن لغفلة من ي ّ‬
‫السلم ‪ ،‬ونتيجة لسنن الله الثابتة التي تمضي على هؤلء وهؤلء عدل ً منه‬
‫سبحانه وتعالى ‪ .‬فقد حّرم الله الظلم على نفسه وجعله محّرما ً بين الناس ‪.‬‬
‫ومن سنن الله الثابتة قوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫" وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ً بما كانوا يكسبون " ] النعام ‪[129 :‬‬
‫ومن السنن الثابتة أيضا ً ‪:‬‬
‫َ‬
‫مة أجل فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون "‬ ‫" ولك ّ ُ‬
‫لأ ّ‬
‫]العراف‪[34:‬‬
‫"‪ ...‬إنه ل يفلح الظالمون ‪ ] ".‬النعام ‪[ 135 :‬‬
‫"‪ ...‬إنه ل يفلح المجرمون ‪] ".‬يونس ‪[17 :‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"‪ ...‬إنه ل يفلح الكافرون ‪ ] ".‬المؤمنون ‪[117:‬‬


‫ن الله عليهم به من أسباب بالقوة ‪ ،‬فسيأخذهم الله‬ ‫فل ي ُغَّر هؤلء بما م ّ‬
‫بذنوبهم وتدول دولتهم وُيطوى عّزهم ‪ .‬ولكن على المسلمين في الوقت‬
‫نفسه َأن ينهضوا لما أمرهم الله ‪ ،‬وأن يتوبوا إلى الله ‪ ،‬فما نزل بنا هو ابتلء‬
‫من الله كذلك ‪ ،‬ليأخذ‬ ‫ُ‬
‫ي هؤلء هو ابتلء ِ‬ ‫من الله أو عقاب وتذكير ‪ ،‬وما أعط ِ َ‬
‫المجرمين بما كسبت أيديهم ‪.‬‬
‫ل للمسلمين أن يستكينوا ‪ ،‬فيقعدوا ول يحاسبوا أنفسهم ‪ ،‬ويكتفوا‬ ‫ول يح ّ‬
‫بترديد البشرى التي جاءت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي‬
‫يرويه أبو هريرة ‪ ":‬ل تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ‪ .‬فيقتلهم‬
‫المسلمون ‪ ،‬حتى يختبئ اليهوديّ من وراء الحجر والشجر ‪ .‬فيقول الحجر أو‬
‫الشجر ‪ :‬يا مسلم ! يا عبد الله ! هذا يهوديّ خلفي فتعال فاقتله ‪ ،‬إل الغرقد‬
‫فإنه من شجر اليهود ‪](1)".‬رواه مسلم [‬
‫فسينال شرف تلك المعركة أولئك الذين يقومون بها في مقبل اليام ‪ ،‬وينالوا‬
‫أجرها وثوابها عند الله ‪ .‬وأما مسلمو اليوم فلهم أعمالهم ل أعمال من‬
‫سيأتون ‪ ،‬وهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬مسلم ‪52/18/2922 :‬‬
‫وغ للمسلم‬ ‫فّرطون به اليوم ‪ .‬والحديث الشريف ل يس ّ‬ ‫محاسبون على ما ي ُ َ‬
‫القعود والسترخاء ‪ ،‬ل اليوم ول في أي وقت ‪ ،‬لينتظر ُبشرى ذلك اليوم ‪.‬‬
‫والحديث الشريف ينبئ عن أمة مسلمة واحدة ‪ ...":‬حتى يقاتل المسلمون‬
‫اليهود ‪ ،"..‬والحجر والشجر يقول ‪":‬يا مسلم !يا عبد الله ! " فهو ل ينادي‬
‫قومّية ول عنصرّية ول إقليمية ‪ ،‬وإنما ينادي المسلم ‪ .‬إذا كان هنالك خلل في‬
‫در كل شيء ‪ ،‬ففي‬ ‫تخطيط أعداء الله ‪ ،‬حين لم يوقنوا بأن الله هو الذي يق ّ‬
‫دي الله إل أن‬‫واقع المسلمين اليوم خلل كذلك ‪ ،‬خلل سيحاسبون عليه بين ي َ‬
‫يتوبوا إلى الله توبة نصوحا ً ‪ .‬أن هنالك خلل ً كبيرا ً في واقع المسلمين اليوم ‪:‬‬
‫غفلة وجري لهث وراء الدنيا ‪ ،‬وعدم توافر نهج ول تخطيط ‪ ،‬ول إعداد ول‬
‫دة ‪.‬‬
‫ع ّ‬
‫‪ _8‬أهل الكتاب في السلم ‪:‬‬
‫مة السلم الولى ‪ ،‬ولماذا اصطفى الله هذا الدين لعباده ‪،‬‬ ‫عندما ندرك مه ّ‬
‫ولماذا بعث به جميع المرسلين ‪ ،‬نستطيع أن ندرك أحكام السلم وشرعه‬
‫وفقهه ‪ ،‬حتى ل تتضارب التصورات في القلوب ‪ ،‬ول المواقف في واقع‬
‫الحياة ‪!.‬‬
‫مة السلم الولى الدعوة إلى الله ورسوله ‪ ،‬إلى اليمان والتوحيد ‪،‬‬ ‫ن مه ّ‬‫إ ّ‬
‫وتعهّد َ الناس على ذلك ‪ ،‬واجتثاث الكفر من الرض ‪ ،‬وتجفيف مستنقعاته‬
‫ورا ً وعاطفة وممارسة في‬ ‫ومصادره ‪ ،‬ثم تبليغ رسالة الله كاملة نهجا ً وتص ّ‬
‫مد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬دون تحريف ول‬ ‫ُ‬
‫زلت على مح ّ‬ ‫الحياة الدنيا كما أن ِ‬
‫تبديل ول تأويل فاسد ‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬ل مساومة معه ول مهادنة‬ ‫موقف السلم من الكفر والشرك واضح جل ّ‬
‫‪،‬وإنما مهمة السلم تجفيف الكفر من الرض ‪ ،‬وإنقاذ الناس من نار جهنم‬
‫وعذابها ‪ .‬كيف ل تكون هذه هي مهمة السلم الولى ‪ ،‬ومصير الناس إما إلى‬
‫قل أن ترى أقواما ً يتساقطون في هوة عميقة‬ ‫الجنة وإما إلى الّنار ؟! كيف ُيع َ‬
‫جج فيها اللهيب ‪ ،‬إذا مضوا في طريقهم ‪ ،‬وأنت تنظر إليهم ول تنهض‬ ‫يتأ ّ‬
‫وتسرع لنقاذهم قبل أن يسقطوا ؟!‬
‫إذن موقف السلم من الكفر والشرك واضح ثابت ‪ :‬دعوة وبلغ دون توقف‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبدا ً ‪ ،‬لن المر جلل ‪ ،‬وأنه أخطر ما في الحياة ‪ .‬فإذا أصّر الكافر على كفره‬
‫وأصّر على أن يصد ّ عن سبيل الله فالمواجهة واقعة ل محالة ‪ ،‬وعلى‬
‫دوا أنفسهم ليوفوا بعهدهم مع الله وأمانتهم التي حملوا ‪ .‬إنه‬
‫المسلمين أن ي ُعِ ّ‬
‫أمر الله إليهم وعهده معهم ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫أما أهل الكتاب ‪ ،‬وهم النصارى واليهود ‪ ،‬فقد حّرفوا ما أنزل الله على‬
‫أنبيائهم ‪ ،‬وارتكبوا مظالم كثيرة ‪ .‬ولحكمةٍ يعلمها الله جعل لهم في السلم‬
‫مة المسلمين ‪،‬‬ ‫منزلة غير منزلة الكافرين والمشركين ‪ .‬جعلهم السلم في ذ ّ‬
‫ظ على أماكن عبادتهم ‪ ،‬ويتعاملون في‬ ‫حاف ُ‬‫فل ُيؤذون ول ُيظلمون ‪ ،‬وي ُ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫الحوال الشخصية بشريعتهم ‪ ،‬ولكن ل ي ُكلفون بالجهاد في سبيل الله وإنما‬
‫يدفعون مقابل حمايتهم والدفاع عنهم جزاًء للمسلمين يسميه الله " الجزية "‬
‫‪ ،‬ول يسمح لهم بنشر ديانتهم المحّرفة ‪ ،‬ول الفساد في الرض ‪ ،‬ويخضعون‬
‫لشريعة السلم وحكمه ‪ ،‬ول يتآمرون أو يتصلون بأعداء السلم ‪ ،‬بل عليهم‬
‫أن يكونوا أعداًء لمن يعادي دولة السلم التي تحميهم وتعينهم ‪ .‬وفي الوقت‬
‫ل الدعوة السلمية ماضية فيهم عسى أن ُيسلموا ‪ .‬وإذا‬ ‫نفسه يجب أن تظ ّ‬
‫سهل تبليغهم دين الله‬ ‫أبيح الزواج من نسائهم أو أكل طعامهم فإنما ذلك لي ُ ّ‬
‫ودعوتهم إليه ‪ ،‬ل لمتعة دنيوية أو مصالح ماّدية ‪ .‬إن تشريع السلم يهدف‬
‫إلى شقّ السبيل أمام دعوته ‪ ،‬وتيسير سبل تبليغها وتعهد الناس عليها ‪،‬‬
‫وإبعاد الناس عن الكفر والشرك ‪ .‬ويجب تبليغ الدعوة السلمية لهل الكتاب‬
‫ض على أساليب معّينة ‪،‬‬ ‫سننا ً وح ّ‬ ‫ن السلم لذلك ُ‬ ‫ي بها ‪ .‬وقد س ّ‬ ‫‪ ،‬والمض ّ‬
‫مة قوّية ‪ ،‬تمضي إلى سائر أبواب‬ ‫وتبتدئ بالحكمة والموعظة الحسنة من أ ُ‬
‫الجهاد في سبيل الله ‪ ،‬حتى تبلغ القتال العسكريّ على منهج وخطة ‪،‬‬
‫وإعداد ‪ .‬إن التشريع كله في السلم ‪ ،‬وإن الحكم والسياسة والقتصاد ‪ ،‬وكل‬
‫نشاط في الحياة يهدف إلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور ‪ ،‬ومن‬
‫الكفر إلى اليمان ‪ ،‬ومن الضلل إلى الهدى ‪ .‬إن قضّية اليمان والتوحيد في‬
‫السلم هي الحقيقة الكبرى في الكون والحياة ‪ ،‬وهي القضّية الخطر في‬
‫دد مصير النسان والشعوب عند الله ‪ .‬لذلك‬ ‫حياة كل إنسان ‪ ،‬وهي التي تح ّ‬
‫يقوم عليها التشريع والفقه كّله ‪ ،‬ويقوم الحكم ونظامه ‪ ،‬والسياسة والقتصاد‬
‫والجتماع وغير ذلك ‪.‬‬
‫فإذا نقض أهل الكتاب عهدهم مع المسلمين ‪ ،‬فقد خرجوا من ذمة المسلمين‬
‫ووقفوا مع الكافرين والمشركين ‪ ،‬فيجري عليهم حكم الكافرين‬
‫والمشركين ‪ .‬وكذلك إذا أعلنوا كفرهم بالله ونادوا باللحاد والشرك تحت أي‬
‫شعار ‪ ،‬مثل الشيوعية والشتراكية والبنيوية والعلمانية وغيرها من‬
‫الشعارات ‪ ،‬فيصبح حكمهم حكم الكافرين والمشركين ‪.‬‬
‫وأما إذا تغير الواقع وابتلى الله الناس بسلطان للكافرين أو أهل الكتاب ‪،‬‬
‫ل والهوان ‪ ،‬أو الفتنة والنحراف ‪ ،‬فل‬ ‫واضطر المسلم لموقف من مواقف الذ ّ‬
‫مل ذلك على الفقه في السلم ‪ ،‬ول يلوي اليات والحاديث‬ ‫يح ّ‬
‫ل لحد أن ُيح ّ‬
‫ّ‬
‫وغ لفتنته وضلله ‪ ،‬وذله وهوانه ‪ .‬وإنما عليه أن ينهض من‬ ‫ليبحث عن مس ّ‬
‫مل عجزه‬ ‫غفوته وغفلته ليوفي بعهده وأمانته ‪ ،‬فإن عجز واستكان فل يح ّ‬
‫على فقه السلم ‪.‬‬
‫ً‬
‫ل بد ّ أن يعي الفقيه والعالم والداعية وكل من يلي أمرا في السلم ‪ ،‬أن‬
‫مة جليلة ُأولى ‪ ،‬وهدفا ً أكبر ‪ ،‬يمثل عهدا ً مع الله وأمانة يحملها‬ ‫للسلم مه ّ‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمون مدى الدهر ‪ .‬وعلى هذه المهمة والهدف يقوم التشريع ‪ ،‬وتبنى‬
‫العلقات مع غير المسلمين على أساس من منهاج الله ‪ .‬لجل ذلك بّين الله‬
‫ف عليه ول‬ ‫خت َل َ َ‬‫صراطا ً مستقيما ً واحدا ً يجب اتباعه ‪ ،‬وسبيل ً واحدا ً ‪ ،‬حتى ل ي ُ ْ‬
‫ل عنه أحد ‪.‬‬ ‫يض ّ‬
‫مة واحدة ‪ .‬وبغير أن‬ ‫ُ‬
‫إنه صراط مستقيم وسبيل واحد ‪ ،‬يجمع المسلمين أ ّ‬
‫قوا لها ‪ ،‬والمانة‬ ‫خل ِ ُ‬
‫مة واحدة ل يستطيعون أن يقوموا بالمهمة التي ُ‬ ‫يكونوا أ ّ‬
‫مروا بها ‪ ،‬والعمارة‬ ‫ُ‬
‫جعلت لهم ‪ ،‬والعبادة التي أ ِ‬ ‫التي حملوها ‪ ،‬والخلفة التي ُ‬
‫التي يجب أن يحققوها ‪.‬‬
‫ت للناس ‪ ،‬مادامت تحمل الخصائص‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ج ْ‬
‫مة أخرِ َ‬‫مة المسلمة هي خير أ ّ‬ ‫إن ال ّ‬
‫ت للناس‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خرج ْ‬ ‫مة التي أ ْ‬ ‫صلة في منهاج الله ‪ .‬وهي ال ّ‬ ‫اليمانية الربانية والمف ّ‬
‫ّ‬
‫كاّفة ‪ ،‬للبشرّية كلها ‪ ،‬تحمل المانة الكبرى ‪ ،‬تحمل رسالة الله لتبلغها وتتعّهد‬
‫الناس عليها ‪ ،‬حتى تكون كلمة الله هي العليا في الرض كلها ‪ .‬فإذا تخّلى‬
‫المسلمون عن هذه المانة ‪ ،‬فعندئذ يتفّرقون شيعا ً وأحزابا ً ‪ ،‬فل ينالون رضاء‬
‫الله بهذا التمّزق ‪ ،‬ول يستطيعون مجابهة العدوّ وهم ممّزقون متفرقون ‪.‬‬
‫ن الذين فّرقوا دينهم وكانوا شيعا ً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى‬ ‫"إ ّ‬
‫م ي ُن َّبئهم بما كانوا يفعلون " ]النعام ‪[159 :‬‬ ‫الله ث ّ‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫" ول تكونوا كالذين تفّرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم‬
‫عذاب عظيم " ] آل عمران ‪[105:‬‬
‫ل العجب ! أل يقرأ ُ المسلمون هذه اليات ‪ ،‬أل يعرفون معناها ومبناها‬ ‫عجبا ً ك ّ‬
‫وفحواها ؟! أل يخشعون بين يديها ويتوبوا إلى الله وينهضون ليصلحوا ما‬
‫أفسدوه بالتمّزق ‪ ،‬ثم يلتزموا أمر الله ليكونوا أمة واحدة ‪ ،‬أمة مسلمة ؟!‬

‫)‪(6 /‬‬

‫" وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقّبل منا إّنك أنت‬
‫مة مسلمة لك وأرنا‬ ‫السميع العليم ‪ .‬ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذّرّيتنا أ ّ‬
‫مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم " ]البقرة‪127 :‬ـ ‪[128‬‬
‫سلم ؟!‬ ‫‪ _9‬السلم الذي يدعون إليه ‪ ،‬أين هو ؟! ومن ُيريد ال ّ‬
‫كلمة سلم من أسماء الله الحسنى ‪ ":‬اللهم أنت السلم ومنك السلم ‪!:‬‬
‫ويرّدد المسلم الكلمة مّرات عديدة في يومه وهو يصلي ويدعو ‪ ،‬ويسعى‬
‫ويجاهد في سبيل الله ‪ .‬إن السلم الذي يريده السلم هو السلم من عند‬
‫الله ‍ ! إنه السلم الذي ينبع من شرع الله ودينه ‪ ،‬لتكون كلمة الله هي العليا‬
‫ودينه هو العلى ‪ .‬والمسلمون الصادقون الذين يوفون بعهد الله ويجاهدون‬
‫سون دعائم السلم‬ ‫سلم الصادقون ‪ ،‬الذين ي ُْر ُ‬
‫في سبيل الله ‪ ،‬هم دعاة ال ّ‬
‫سلم‬ ‫على الحقّ والعدل وحقوق النسان كما شرعها الله ‪ .‬وهؤلء هم دعاة ال ّ‬
‫سلم أن‬ ‫سلم وبالجهاد في سبيل الله ‪ .‬وأّنى لل ّ‬ ‫الحق لنهم يعبدون الله بال ّ‬
‫ً‬
‫يقوم في الرض إذا لم يكن قائما على قاعدة عظيمة هي الجهاد في سبيل‬
‫الله ‪.‬‬
‫سلم ‪ ،‬والطماع تحّركهم‬ ‫إن المجرمين في الرض ل يمكن أن يكونوا دعاة لل ّ‬
‫سلم الحقّ إل‬ ‫والهواء تحكمهم ‪ .‬وهذا هو التاريخ البشريّ كله لم يعرف ال ّ‬
‫ططون لجرائمهم وعدوانهم وظلمهم ‪،‬‬ ‫في ظل السلم الحقّ ‪ .‬إنهم يخ ّ‬
‫دة‬
‫ل ممت ّ‬ ‫ويجعلون السلم شعارا ً يخفي هول الجرائم التي ت ُْرتكب ‪ ،‬والتي تظ ّ‬
‫في حياة الشعوب ‪ ،‬تنتقل من مرحلة إلى مرحلة ‪ ،‬ومن مفاوضات إلى‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مفاوضات ‪ ،‬وتبقى الجرائم تنمو وتزداد ‪.‬‬


‫وهذا نيكسون رئيس الوليات المتحدة السابق ‪ ،‬يقول في كتابه "نصر بل‬
‫حرب " )ص‪ ": ( 39 :‬ليس السلم الحقيقي إنهاء المنازعات بل هو وسيلة‬
‫للعيش معها " ! نعم ! هكذا يرى المجرمون السلم شعارا ً كاذبا ً يخفي‬
‫الجريمة إن استطاعوا ‪.‬‬
‫ل يقوم السلم إل ّ عندما تنتهي الطماع ‪ ،‬ويتوقف الظلم والعدوان ‪ ،‬ويحكم‬
‫شرع الله بدل ً من أهواء المجرمين ‪ .‬والمجرمون يريدون أن تمتد ّ الجريمة‬
‫وتستمّر تحت شعار السلم ‪ ،‬الشعار الذي ل يعني إل الخضوع والستسلم‬
‫لهم في مذّلة وهوان !‬
‫ل يمكن أن يكون المجرمون في الرض والمفسدون فيها ‪ ،‬والغاصبون‬
‫المعتدون دعاة سلم ‪ .‬ولكنهم يعرفون السلم شعارا ً حتى يجري الضعفاء‬
‫درون المخدوعون وراءه ‪ ،‬يلهثون إليه ‪ ،‬بعد أن تركوا بذل الجهود‬ ‫المخ ّ‬
‫ً‬
‫للعداد والبناء استعدادا لمجابهة العدوان والظلم والفساد ‪ .‬إن المجرمين‬
‫في الرض يحاولون دائما ً ترك الخرين ضعفاء دون عدة وإعداد ‪ ،‬يلهونهم‬
‫بشهوات الدنيا ‪ ،‬وبالتنافس عليها ‪ ،‬والصراع الذي تضيع فيه الجهود والقوى ‪.‬‬
‫ل يمكن للمجرمين أن يكونوا دعاة سلم ولو اّدعوا زورا ً وبهتانا ً انتسابهم إلى‬
‫النصرانّية أو اليهودية ‪ .‬وهذا النتساب الخادع يزيد من قدرتهم على الظلم‬
‫والفساد في الرض ‪ ،‬ونشر الفتنة بعد الفتنة ‪ .‬هؤلء المجرمون ‪ ،‬سواًء‬
‫أكانوا من الكافرين المشركين الملحدين ‪ ،‬أم من المنتسبين إلى أهل الكتاب‬
‫‪ ،‬أم من أي فئة أخرى ‪ ،‬فهم دائما ً المعتدون ‪:‬‬
‫مة وأولئك هم المعتدون " ] التوبة ‪[ 10 :‬‬ ‫" ل يرقبون في مؤمن إل ّ ول ذ ّ‬
‫كيف يقوم سلم ودماء المظلومين في الرض تتدّفق ‪ ،‬وأشلؤهم تتطاير ‪،‬‬
‫والعاصير ‪ ،‬واليتامى ‪ ،‬والثكالى ‪ ،‬والرضيع ‪ ،‬والهوى يفتن الناس ويصنع فيهم‬
‫سك به الغاِفلون المستسلمون ‪ ،‬والمنافقون‬ ‫العجائب ‪ ،‬والوهم الذي يتم ّ‬
‫فون ‪:‬‬
‫المتخ ّ‬

‫)‪(7 /‬‬

‫لله الحمد ُ على الحمد له د‪ .‬محمد عمر دولة*‬


‫ن رّبنا‬‫نإ ّ‬ ‫ب عّنا الحَز َ‬ ‫ل الجنةِ وقوَلهم‪) :‬الحمد ُ لله الذي أذ ْهَ َ‬ ‫ل أه ِ‬ ‫ل حا َ‬ ‫م َ‬ ‫من تأ ّ‬ ‫َ‬
‫رين الذين‬ ‫ه الشاك ِ ِ‬ ‫م ِفق َ‬ ‫من فضِله(؛ عَل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫حلنا داَر المقا َ‬ ‫ّ‬ ‫شكوٌر الذي أ َ‬ ‫ُ‬ ‫فوٌر َ‬ ‫ل َغَ ُ‬
‫صيِلهم خيَر الدنيا والخرة‪ ،‬قال ابن‬ ‫ح ِ‬ ‫ل عليهم في ت َ ْ‬ ‫ل الله عّز وج ّ‬ ‫ض َ‬ ‫كون فَ ْ‬ ‫ي ُد ْرِ ُ‬
‫من‬ ‫غفَر لهم الكثيَر ِ‬ ‫كثير رحمه الله‪" :‬قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره‪َ :‬‬
‫من‬ ‫حّلنا داَر المقامةِ ِ‬ ‫ت )الذي أ َ‬ ‫من الحسنا ِ‬ ‫شكَر لهم اليسيَر ِ‬ ‫السيئات‪ ،‬و َ‬
‫مّنه‬ ‫من َفضِله و َ‬ ‫َفضِله( يقولون‪ :‬الذي أعطانا هذه المنزلة وهذا المقام ِ‬
‫ل الله‬ ‫ن رسو َ‬ ‫ت في الصحيِح أ ّ‬ ‫ورحمِته لم تكن أعماُلنا تساوي ذلك‪ ،‬كما ث َب َ َ‬
‫ت‬‫ة‪ .‬قالوا‪ :‬ول أن َ‬ ‫عمُله الجن َ‬ ‫ل أحدا ً منكم َ‬ ‫خ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬لن ي ُد ْ ِ‬
‫ي الله تعالى برحمةٍ منه وَفضل(]‬ ‫مدن ِ َ‬ ‫ن َيتغَ ّ‬ ‫ل الله؟ قال‪ :‬ول أنا؛ إل أ ْ‬ ‫يا رسو َ‬
‫‪[2]."[1‬‬
‫ل الله عليه؛ فل يغتّر بعمِله‪،‬‬ ‫من َفض ِ‬ ‫مله ِ‬ ‫َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ‬
‫ل وَيعل ُ‬ ‫م ُ‬‫ح َيع َ‬ ‫فالعبد ُ الصال ِ ُ‬
‫ل العباد ِ على أنها من ثناِء‬ ‫ل الجنةِ إلى أعما ِ‬ ‫خو ِ‬ ‫من نسبةِ د ُ ُ‬ ‫وينظر إلى ما وََرد َ ِ‬
‫من ِّته‬
‫ه والحمد ُ له على ِ‬ ‫ُ‬
‫ضل ُ‬ ‫ل فَ ْ‬ ‫فض ُ‬ ‫عباِده وامتناِنه عليهم‪ ،‬وإل فال َ‬ ‫اللهِ على ِ‬
‫ل الجنة‪) :‬وتلك‬ ‫ل له ِ‬ ‫ج ّ‬‫ل الله عّز و َ‬ ‫حدٍ أن َيغت َّر إذا قرأ قو َ‬ ‫مِته؛ فما َينبِغي ل َ‬ ‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ملون(‪ [3]،‬وقوله جل جلله‪) :‬وُنوُدوا أ ْ‬ ‫موها بما كنتم تع َ‬ ‫ة التي أورِثت ُ ُ‬ ‫الجن ُ‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫تلكم الجن ُ ُ‬
‫قوا‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الِعباد َ قد است َ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫مُلون(؛]‪ [4‬فيتوهّ ُ‬ ‫كنتم تع َ‬ ‫موها بما ُ‬ ‫ة أورِث ْت ُ ُ‬
‫موها بما ُ‬ ‫ُ‬
‫كنتم‬ ‫عماِلهم! قال القرطِبي رحمه الله‪" :‬معنى )أورِث ْت ُ ُ‬ ‫مجّردِ أ ْ‬ ‫ة بِ ُ‬ ‫الجن َ‬
‫خولكم إياها برحمةِ الله وفضِله‪ ،‬كما‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مِلكم‪ ،‬ود ُ ُ‬ ‫منازِلها ب ِعَ َ‬ ‫َ‬ ‫مُلون(‪ :‬أي وَرِثُتم َ‬
‫ْ‬ ‫تع َ‬
‫ضل(‪[6]،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫منه‬ ‫ة‬ ‫م‬
‫َ ْ َ ٍ‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫في‬ ‫له‬ ‫ُ‬ ‫خ‬‫َ ُ ْ ِ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫)ف‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫[‬ ‫‪5‬‬ ‫الله(‪]،‬‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ض‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ال‬ ‫)ذلك‬ ‫قال‪:‬‬
‫ت يا‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ول‬ ‫قالوا‪:‬‬ ‫الجنة‪،‬‬ ‫له‬ ‫ُ‬ ‫عم‬ ‫َ‬ ‫منكم‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫أحد‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫خ‬
‫ُ ْ ِ‬‫د‬ ‫ي‬ ‫)لن‬ ‫مسلم‪:‬‬ ‫وفي صحيح‬
‫ر‬
‫ل(‪ ،‬وفي غي ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫حمةٍ منه وفَ ْ‬ ‫ي الله ب َِر ْ‬ ‫مد َن ِ َ‬ ‫ن ي َت َغَ ّ‬ ‫ل الله؟ قال‪ :‬ول أنا إل أ ْ‬ ‫رسو َ‬
‫ل‪ ،‬فإذا دخ َ‬
‫ل‬ ‫من ْزِ ٌ‬ ‫ن إل وله في الجنةِ والنارِ َ‬ ‫م ٍ‬‫مؤ ِ‬ ‫من كافِرٍ ول ُ‬ ‫الصحيح‪ :‬ليس ِ‬
‫منازِلهم‬ ‫ل النارِ فنظروا إلى َ‬ ‫ل النارِ الناَر ُرفَِعت الجنة له ِ‬ ‫ة وأه ُ‬ ‫ل الجنةِ الجن َ‬ ‫أه ُ‬
‫ل الجنة‬ ‫ملُتم بطاعةِ الله‪ ،‬ثم يقال‪ :‬يا أه َ‬ ‫ْ‬ ‫منازِلكم لو عَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫فيها فقيل لهم‪ :‬هذه َ‬
‫ت‪ :‬وفي صحيح‬ ‫منازِلهم‪ .‬قل ُ‬ ‫َ‬ ‫ل الجنة َ‬ ‫سم بين أه ِ‬ ‫ق َ‬ ‫رُِثوهم بما كنتم تعملون؛ فت ُ ْ‬
‫ل الله مكاَنه في النارِ يهوديا أو نصرانيا(‬ ‫م إل أدخ َ‬ ‫مسل ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫مسلم‪) :‬ل يموت رج ٌ‬
‫من شاء‪ ،‬وبالجملة‬ ‫ب ب ِعَد ِْله َ‬ ‫فضِله من شاء‪ ،‬وعَذ ّ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫فهذا أيضا ميراث؛ ن َعّ َ‬
‫مِته‬
‫ح َ‬ ‫عماِلهم؛ فقد وَرُِثوها ب َِر ْ‬ ‫خلوها بأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫مِته؛ فإذا د َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل إل ب َِر ْ‬ ‫منازُِلها ل ُتنا ُ‬ ‫ةو َ‬ ‫فالجن ُ‬
‫ل عليهم"‪[7].‬‬ ‫ض ٌ‬ ‫ف ّ‬ ‫ة منه لهم وت َ َ‬ ‫عمالهم رحم ٌ‬ ‫ُ‬ ‫مِته؛ إذ ْ أ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫خُلوها ب َِر ْ‬ ‫ود َ‬
‫فُتم‬ ‫سل ْ‬ ‫َ‬ ‫هنيئا بما أ ْ‬ ‫ً‬ ‫جل‪) :‬كلوا واشَرُبوا َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫م قول الله عّز و َ‬ ‫َ‬ ‫وكذلك إذا قرأ المسل ُ‬
‫عمالهُ‬ ‫مُته؛ وأما أ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫في اليام ِ الخاِلية(‪ [8].‬لم ي ََتباد َْر إلى ِذهِنه إل فضل الله وَر ْ‬
‫قى لها با ٌ‬
‫ل‬ ‫سدة ٌ ل ُيل َ‬ ‫ة كا ِ‬ ‫سْلع ٌ‬ ‫مْزجاة و ِ‬ ‫ة ُ‬ ‫جَرها‪ ،‬ويرى أنها ِبضاع ٌ‬ ‫جَرها وب ُ َ‬ ‫م عُ َ‬ ‫فَيعل َ ُ‬
‫ضل‬ ‫ف ّ‬ ‫ل عليها ِبحال! قال ابن كثير رحمه الله‪" :‬أي يقال لهم ذلك؛ ت َ َ‬ ‫ول ي ُعَوّ ُ‬
‫ت في الصحيح عن رسول الله‬ ‫حسانًا؛ وإل فقد ثب َ‬ ‫مِتنانا ً وإْنعاما ً وإ ْ‬ ‫عليهم وا ْ‬
‫منكم‬ ‫ن أحدا ً ِ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫سد ُّدوا وقاربوا واعل َ ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬اعملوا و َ‬
‫ل الله؟ قال‪ :‬ول أنا؛ إل أن‬ ‫ت يا رسو َ‬ ‫مُله الجنة! قالوا‪ :‬ول أن َ‬ ‫خَله عَ َ‬ ‫لن ي ُد ْ ِ‬
‫ضل("‪[9].‬‬ ‫مةٍ منه وفَ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫دني الله ب َِر ْ‬ ‫م َ‬ ‫َيتغ ّ‬
‫ن كثير رحمه الله‪" :‬روى النسائي وابن مردويه واللفظ له‪ ...‬عن أبي‬ ‫وقال اب ُ‬
‫ل الجنةِ يرى‬ ‫ل أه ِ‬ ‫هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬ك ّ‬
‫ل النار‬ ‫ل أه ِ‬ ‫ً‬
‫ل‪ :‬لول أن الله هداني فيكون له شاكرا‪ ،‬وك ّ‬ ‫من النارِ فيقو ُ‬ ‫ده ِ‬ ‫مقع َ‬ ‫َ‬
‫هداني؛ فيكون له حسرة؛ ولهذا ِلما‬ ‫ن الله َ‬ ‫ده من الجنة فيقول‪ :‬لو أ ّ‬ ‫مقعَ َ‬ ‫يرى َ‬
‫موها ِبما كنتم‬ ‫ة أورِث ْت ُ ُ‬ ‫ن تلكم الجن ُ‬ ‫من الجنة ُنوُدوا )أ ْ‬ ‫ل النار ِ‬ ‫أورثوا مقاعد َ أه ِ‬
‫منازِلكم‬ ‫َ‬ ‫ة وتبوأُتم َ‬ ‫خلتم الجن َ‬ ‫ْ‬ ‫ب أعماِلكم نالْتكم الرحمة؛ فد َ‬ ‫َ‬ ‫سب ِ ِ‬ ‫مُلون( أي ب ِ َ‬ ‫تع َ‬
‫حْين عنه‬ ‫حي َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ت في ال ّ‬ ‫َ‬
‫ب الحمل على هذا ِلما ثب َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ب أعماِلكم؛ وإنما و َ‬ ‫بحس ِ‬
‫عمُله الجنة؛‬ ‫َ‬ ‫له‬ ‫َ‬ ‫خ‬ ‫د‬
‫ُ ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫لن‬ ‫دكم‬ ‫ّ َ َ‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫موا‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫وا‬ ‫قال‪:‬‬ ‫أنه‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬
‫ي الله برحمةٍ منه‬ ‫مد َن ِ َ‬ ‫ت يا رسول الله؟ قال‪ :‬ول أنا؛ إل أن يتغ ّ‬ ‫قالوا‪ :‬ول أن َ‬
‫وَفضل("‪[10].‬‬
‫خُلوا‬ ‫ن قوَله‪" :‬الله تعالى يقول‪) :‬اد ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫س الدين الذهبي؛ ما أ ْ‬ ‫م الله شم َ‬ ‫ح َ‬ ‫وَر ِ‬
‫ب الله كما‬ ‫عذا ِ‬ ‫من َ‬ ‫مله ِ‬ ‫ُ‬ ‫حدا عَ َ‬ ‫ً‬ ‫جي أ َ‬ ‫ن ل ي ُن ْ ِ‬ ‫ملون(‪ [11].‬ولك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ة ِبما كنتم تع َ‬ ‫الجن َ‬
‫مّنا ول‬ ‫ل ِ‬ ‫حو ْ ٍ‬ ‫مه‪ ،‬ل ب ِ َ‬ ‫من ن ِعَ ِ‬ ‫ل اللهِ عَلينا و ِ‬ ‫َ‬ ‫ض ِ‬ ‫من فَ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عمالنا الصاِلح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ح؛ ب َلى أ ْ‬‫َ‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬
‫ة؛ فله الحمد ُ على الحمد له!"‪[12].‬‬ ‫ُقو ٍ‬
‫‪----‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫راجع مقالة‪ :‬التواضع والشكر‪.‬‬ ‫]‪[1‬‬


‫تفسير القرآن العظيم ‪.559-3/558‬‬ ‫]‪[2‬‬
‫الزخرف ‪.72‬‬ ‫]‪[3‬‬
‫العراف ‪.43‬‬ ‫]‪[4‬‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [5‬النساء ‪.70‬‬


‫]‪ [6‬النساء ‪.175‬‬
‫]‪ [7‬الجامع لحكام القرآن ‪.209-7/208‬‬
‫]‪ [8‬الحاقة ‪.24‬‬
‫]‪ [9‬تفسير القرآن العظيم ‪.4/416‬‬
‫]‪ [10‬تفسير القرآن العظيم ‪.2/216‬‬
‫]‪ [11‬النحل ‪.37‬‬
‫]‪ [12‬ميزان العتدال في نقد الرجال للذهبي ‪ .228-2/227‬دار المعرفة‬
‫بيروت‪ ،‬تحقيق البجاوي‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫________________________________________‬
‫لم تقولون ما ل تفعلون؟!‬
‫رئيسي ‪:‬أخلق ‪:‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ الل ِ‬
‫قًتا ِ‬
‫م ْ‬‫ن]‪[2‬كب َُر َ‬ ‫فعَلو َ‬ ‫ما ل ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قولو َ‬ ‫م تَ ُ‬‫مُنوا ل ِ َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫قال تعالى‪َ }:‬يا أي َّها ال ِ‬
‫َ‬
‫ن]‪]{[3‬سورة الصف[‪.‬‬ ‫فعَُلو َ‬‫ما َل ت َ ْ‬
‫قوُلوا َ‬
‫ن تَ ُ‬
‫أ ْ‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما‪ ،‬قال‪ :‬كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض‬
‫ب العمال إليه فنعمل‬ ‫ن الله عز وجل دّلنا على أح ّ‬ ‫الجهاد يقولون‪ :‬لوِددنا أ ّ‬
‫ن به‪،‬‬‫بها‪ ،‬فأخبر الله تعالى نبيه‪ ،‬صلى الله عليه وسلم أن أحب العمال‪ :‬إيما ٌ‬
‫قّروا به‪.‬‬ ‫ل شك فيه‪ ،‬وجهاد ُ أهل معصيته‪ ،‬الذين خالفوا اليمان‪ ،‬ولم ي ُ ِ‬
‫فلما نزل الجهاد‪ ،‬كره ذلك ناس من المؤمنين‪ ،‬وشقّ عليهم أمره‪ ،‬فأنزل الله‬
‫َ‬
‫ن‪]'{...‬أخرجه‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ل ت َ ْ‬‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م تَ ُ‬
‫مُنوا ل ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سبحانه وتعالى قوله‪َ}:‬يا أي َّها ال َ ِ‬
‫الطبري في تفسيره[‪.‬‬
‫وإذا كانت العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب‪ ،‬كما هو مقرر في علم‬
‫الصول‪ ،‬فإن الية الكريمة‪ ،‬تبقى أبعد مدى من الحادثة الفردية التي نزلت‬
‫لمواجهتها‪ ،‬وأشمل لحالت كثيرة غير الحالة التي نزلت بسببها‪ ،‬فهي تحيط‬
‫بكل حالة من الحالت التي يقع فيها النفصام بين اليمان‪ ،‬والحركة به‪ ،‬أو بين‬
‫القول والعمل‪ ،‬أو العلم والعمل‪.‬‬
‫والعلم ل يراد به أصل ً إل العمل‪ ،‬وكل علم ل يفيد عمل‪ ،‬ول يتوقف عليه حفظ‬
‫ً‬
‫مقاصد الشريعة‪ ،‬فليس في الشرع ما يدل على استحسانه‪ ،‬والعلم المعتبر‬
‫شرعًا‪ ،‬الذي مدح الله تعالى ورسوله أهله‪ ،‬على الطلق‪ ،‬هو العلم الباعث‬
‫على العمل‪ ،‬الذي ل يخّلي صاحبه جاريا ً مع هداه كيفما كان‪ .‬بل هو المقيد‬
‫صاحبه بمقتضاه‪ ،‬الحامل له على قوانينه طوعا ً أو كرهًا‪ .‬وعندئذ يصير العلم‬
‫وصفا ً من الوصاف الثابتة لصاحبه‪ ،‬يأبى للعالم أن يخالفه ؛ لن ما صار‬
‫كالوصف الثابت ل ينصرف صاحبه إل على وفقه اعتيادا ً وإن تخّلف فإنما‬
‫يكون تخّلفه لعناد ٍ أو غفلة]الموافقات ‪ 1/61‬وما بعدها[‪.‬‬
‫وليس عالما ً ذاك الذي لم يعمل بعلمه‪ ،‬ول يستحق وصف التكريم هذا‪ ،‬فعن‬
‫علي رضي الله عنه قال‪' :‬يا حملة العلم‪ :‬اعملوا به‪ ،‬فإن العالم من علم ثم‬
‫عمل‪ ،‬ووافق علمه عمله‪ ،‬وسيكون أقوام يحملون العلم‪ ،‬ل يجاوز تراقيهم‪،‬‬
‫حلقًا‪ ،‬يباهي‬ ‫تخالف سريرتهم علنيتهم‪ ،‬ويخالف علمهم عملهم‪ ،‬يقعدون ِ‬
‫بعضهم بعضا ً ؛ حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره‬
‫ويدعه‪ ،‬أولئك ل تصعد أعمالهم إلى الله عز وجل'‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري رحمه الله‪' :‬العالم الذي وافق علمه عمله‪ ،‬ومن خالف‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علمه عمله فذلك راوية سمع شيئا ً فقاله' ‪.‬‬


‫شِغلوا‪ .'...‬وقال‪':‬العلم‬ ‫وقال الثوري‪':‬العلماء إذا علوا عملوا‪ ،‬فإذا عملوا ُ‬
‫يهتف بالعمل فإن أجابه وإل ارتحل']الموافقات ‪.[76 - 1/75‬‬
‫فالذين ل يعملون بعلمهم‪ ،‬ول يتسق سلوكهم مع عملهم‪ ،‬فضل ً عن أن يكونوا‬
‫من الراسخين في العلم‪ ،‬وإنما هم رواة أخبار‪ ،‬وحفظة أسفار‪ ،‬والفقه فيما‬
‫طى على قلوبهم‪.‬‬ ‫رووه أمر آخر وراء هذا‪ ،‬أو هم ممن غلب عليهم الهوى فغ ّ‬
‫ل العتاب‪ ،‬لمن يفعل ذلك‪ ،‬وحسبك أن‬ ‫جه اللوم‪ ،‬والعتاب ك ُ‬ ‫وهنا ينبغي أن يو ّ‬
‫ً‬
‫مى ذلك النفصام بين القول والعمل مقتا‪ ،‬بل جعله أكبر‬ ‫الله تعالى س ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن]‪{[3‬‬ ‫فعَلو َ‬ ‫ما ل ت َ ْ‬ ‫قولوا َ‬ ‫ن تَ ُ‬‫عن ْد َ اللهِ أ ْ‬ ‫قًتا ِ‬ ‫م ْ‬‫المقت‪ ،‬وأشد ّ البغض‪ ،‬فقال ‪}:‬ك َب َُر َ‬
‫]سورة الصف[‪.‬‬
‫مى الله تعالى شيئا بهذا السم‪ ،‬ول أطلقه عليه إل في أمرين‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وما س ّ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫أولهما‪ :‬الجدال في الله‪ ،‬وآياته بغير سلطان وعلم‪ ،‬فقال سبحانه‪}:‬ال ِ‬
‫طا َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫عن ْد َ ال ّ ِ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ ِ‬ ‫قًتا ِ‬ ‫م ك َب َُر َ‬
‫م ْ‬ ‫ن أَتاهُ ْ‬ ‫سل ْ َ ٍ‬ ‫ت الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُ‬ ‫ن ِفي آَيا ِ‬ ‫جادُِلو َ‬ ‫يُ َ‬
‫مُنوا‪]{[35] ...‬سورة غافر[‪.‬‬ ‫آ َ‬
‫وثانيهما‪ :‬نكاح الرجل زوجة أبيه المتوفى عنها أو المطلقة‪ -‬كما كان يفعله‬
‫ما قَد ْ‬ ‫ساِء إ ِّل َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح آَباؤُك ُ ْ‬
‫ما ن َك َ َ‬ ‫حوا َ‬ ‫الجاهليون‪ -‬فقال سبحانه‪ }:‬وََل ت َن ْك ِ ُ‬
‫سِبيًل]‪]{[22‬سورة النساء[‪.‬‬ ‫ساَء َ‬ ‫قًتا وَ َ‬
‫م ْ‬‫ة وَ َ‬‫ش ً‬ ‫ح َ‬‫ن َفا ِ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫سل َ َ‬
‫ف إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ومن هذا نعلم عظم الفة الكبيرة والداء الخطير في النفصام بين القول‬
‫والعمل‪ ،‬أو بين اليمان والسلوك‪.‬‬
‫إن اليمان ليس مجرد كلمات يديرها النسان على لسانه‪ ،‬ويتحلى بها أمام‬
‫الناس‪ ،‬ويتشدق بها في المناسبات دون أن يكون لها أثرها في سلوكه‬
‫وواقعه‪ ،‬ودون أن تترجم إلى واقع حي يراه الناس‪ ،‬فيكون هذا الواقع العملي‬
‫الظاهر واللتزام مؤشرا ً على اليمان الصحيح وعمقه في نفس صاحبه‪.‬‬
‫أثر القدوة الحسنة‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والمؤمن ل يخالف قوله فعله‪ ،‬ويبدأ بنفسه أول ً فيحملها على الخير والبر‪،‬‬
‫قبل أن يتوجه بهما إلى غيره؛ ليكون بذلك السوة الحسنة‪ ،‬والقدوة المثلى‬
‫لمن يدعوهم‪ ،‬وليكون لكلمه ذلك التأثير في نفوس السامعين الذين‬
‫ب الناس أن ينظروا إلي‬ ‫س ُ‬ ‫يدعوهم‪ ،‬بل إنه ليس بحاجة إلى كثير عندئذ‪ ،‬فح ْ‬
‫واقعه وسلوكه‪ ،‬ليروا فيهما السلم واليمان حيا ً يمشي أمامهم على الرض‪،‬‬
‫وليشعّ بنوره على من حوله‪ ،‬فيضيء الطريق للسالكين‪ ،‬وتنفتح عليه العيون‬
‫ويقع في القلوب‪ ،‬فيحمل الناس بذلك على التأسي والتباع‪ ..‬فهو يدعو‬
‫بسلوكه وواقعه قبل أن يدعو بقوله وكلمه‪ ..‬ولنا في رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم خير أسوة‪ ،‬فقد كان عليه الصلة والسلم إذا أمر الناس بأمر كان‬
‫أشد الناس تمسكا ً به‪ ،‬وكان يحمل أهل بيته على ذلك قبل أن يدعو غيرهم‪.‬‬
‫صّلى‬ ‫شام‪ :‬قُل ْت يا أ ُم ال ْمؤْمِني َ‬
‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬‫ق َر ُ‬ ‫ن ُ ُ‬
‫خل ِ‬ ‫ن أن ْب ِِئيِني عَ ْ‬‫ُ ِ َ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫ن هِ َ ٍ‬ ‫سعْد ُ ب ْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫و َقا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ي‬‫خلقَ ن َب ِ ّ‬‫ن ُ‬‫ت‪ ':‬فَإ ِ ّ‬‫ت‪ :‬ب َلى َقال ْ‬ ‫ن قُل ُ‬ ‫قْرآ َ‬
‫قَرأ ال ُ‬ ‫ت تَ ْ‬‫س َ‬‫ت‪ :‬أل ْ‬ ‫م َقال ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن'‪.‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬
‫كا َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫فمهما أمره القرآن بشيء امتثله‪ ،‬ومهما نهاه عنه تركه‪.‬‬
‫وهي إجابة دقيقة‪ ،‬وموجزة جامعة أيضًا‪ ،‬تحمل في طياتها كل ما يخطر على‬
‫بال المرء من أخلق الكمال وصفات العظمة‪ ،‬فحسبك أن يكون عليه الصلة‬
‫والسلم‪ ،‬ترجمة عملية حية لمبادئ القرآن الكريم‪ ،‬وإذا أردت أن ترى القرآن‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكريم واقعا ً عمليا ً في حياة الناس‪ ،‬فانظر إلى خلق رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وادرس سيرته بكل وعي وبقلب مفتوح على الخير‪ ،‬وبعزيمة‬
‫صادقة‪ ،‬تحمل على التأسي والمتابعة‪ ..‬فكل واحد منهما يدل على الخر‪.‬‬
‫دعاوى اليمان‪:‬‬
‫وإنها لمصيبة كبيرة‪ ،‬وخسارة ما بعدها خسارة‪ ،‬أن يتحول اليمان والسلم‬
‫في سلوك أصحابه إلى كلمات ودعاوى‪ ،‬ل تتجاوز الحناجر‪ ،‬وأن ينطلق‬
‫المسلم‪ ،‬يدعو غيره إلى البر والهدى والخير‪ ،‬ولكنه يترك نفسه بمعزل عن‬
‫ذلك‪ ،‬ويعطيها إجازة تتمتع بها‪ ،‬ول يحملها حمل ً على أن تكون سّباقة إلى هذه‬
‫الدعوة والعمل بمقتضاها‪.‬‬
‫ولقد نعى الله سبحانه‪ ،‬على بني إسرائيل‪ -‬وبخاصة أولئك الحبار فيهم‪-‬‬
‫ووّبخهم علي سلوكهم‪ ،‬فهم يأمرون الناس بالبر‪ ،‬الذي هو جماع الخير‪،‬‬
‫ولكنهم ينسون أنفسهم فل يأتمرون بما يأمرون الناس به‪ ،‬مع علمهم بجزاء‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قُلو َ‬
‫ن]‬ ‫ب أفََل ت َعْ ِ‬
‫ن ال ْك َِتا َ‬
‫م ت َت ُْلو َ‬
‫صر في أوامره سبحانه‪ ،‬فقال‪...}:‬وَأن ْت ُ ْ‬ ‫من ق ّ‬
‫‪]{[44‬سورة البقرة[‪.‬‬
‫وفي ظلل هذه الية الكريمة يتحدث الستاذ سيد قطب رحمه الله عن آثار‬
‫الدعوة إلى البر والمخالفة عنه في السلوك‪ ،‬فيقول‪':‬ومع أن هذا النص‬
‫القرآني كان يواجه ابتداًء حالة واقعة من بني إسرائيل فإنه في إيحائه للنفس‬
‫البشرية‪ ،‬ولرجال الدين بصفة خاصة‪ ،‬دائم ل يخص قوما ً دون قوم‪ ،‬ول يعني‬
‫جيل ً دون جيل‪..‬إن آفة رجال الدين حين يصبح الدين حرفة وصناعة ل عقيدة‬
‫حارة دافعة أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم‪ ،‬يأمرون بالخير ول‬
‫يفعلونه‪ ،‬ويدعون إلى البر ويهملونه‪ ،‬ويحرفون الكلم عن مواضعه‪ ،‬ويؤلفون‬
‫النصوص القاطعة خدمة للغرض والهوى‪ ،‬ويجدون فتاوى وتأويلت‪ ،‬قد تتفق‬
‫في ظاهرها مع ظاهر النصوص‪ ،‬ولكنها تختلف في حقيقتها عن حقيقة الدين‪،‬‬
‫لتبرير أغراض وأهواء لمن يملكون المال أو السلطان! كما كان يفعل أحبار‬
‫يهود‪.‬‬
‫والدعوة إلى البر والمخالفة عنه في سلوك الداعين إليه‪ ،‬هي الفة التي‬
‫تصيب النفوس بالشك‪ ،‬ل في الدعاة وحدهم‪ ،‬ولكن في الدعوات ذاتها‪ ،‬وهي‬
‫ل‪ ،‬ويشهدون فعل ً قبيحًا‪،‬‬ ‫تبلبل قلوب الناس وأفكارهم أنهم يسمعون قول ً جمي ً‬
‫فتتملكهم الحيرة بين القول والفعل‪ ،‬وتخبو في أرواحهم الشعلة التي توقدها‬
‫العقيدة‪ ،‬وينطفئ في قلوبهم النور الذي يشعه اليمان‪ ،‬ول يعودون يثقون في‬
‫الدين عدما فقدوا ثقتهم في رجال الدين'] في ظلل القرآن‪.[1/86 :‬‬
‫علماء السوء ‪:‬‬
‫وما أعظم ذنب أولئك الذين يصدون عن دين الله ويقفون حجرة عثرة أمام‬
‫الدخول فيه‬
‫فرون الناس من الدين‪ ،‬وتنطلق‬ ‫والتمسك بأحكامه ؛ لنهم بسلوكهم ذاك ين ّ‬
‫اللسنة المتبجحة لتقول‪ :‬انظروا إلى فلن‪ ..‬إنه يدعونا إلى شيء ويخالفنا‬
‫إلى غيره‪ ،‬ولو كان ما دعونا إليه حقا ً لتبعه وتمسك به؟ فيتركون عندئذ‬
‫الدين‪ ،‬بسبب سلوكه ذاك!!‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكم يتحملون من أوزار الذين تابعوهم في سلوكهم ذاك‪ ،‬إذ أنهم حملوهم‬
‫على المخالفة والثم باليحاء والقدوة العملية‪ ،‬ولولهم ما وقعوا في ذلك‪،‬‬
‫فهم الذين سّنوا هذه السنة السيئة‪ ،‬فكان عليهم إثمهم وآثام من اتبعهم‪ ،‬فقد‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة فَل َ ُ‬
‫ه‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ة َ‬ ‫سن ّ ً‬ ‫سَلم ِ ُ‬ ‫ن ِفي اْل ِ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪َ ] :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أ َجر َ َ‬
‫ن‬
‫س ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫يٌء وَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م َ‬ ‫جورِهِ ْ‬ ‫نأ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫ن غَي ْرِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ب َِها ب َعْد َه ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جُر َ‬ ‫ها وَأ ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫ر‬
‫ن غي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مل ب َِها ِ‬ ‫َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ها وَوِْزُر َ‬ ‫ن عَلي ْهِ وِْزُر َ‬ ‫َ‬ ‫ة كا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سي ّئ ً‬ ‫ة َ‬ ‫سن ّ ً‬ ‫سلم ُ‬ ‫َ‬ ‫ِفي ال ْ‬ ‫ْ‬
‫يٌء[رواه مسلم‪.‬وقبل أن يدعو الداعية غيره إلى‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ق ِص م ِن أ َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ن ي َن ْ ُ َ ِ ْ ْ َ ِ ِ ْ‬
‫ه‬ ‫ر‬ ‫زا‬ ‫و‬ ‫أ ْ‬
‫الخير ينبغي أن يتمسك هو به‪ ،‬ولن يستطيع المريض أن يعالج مريضا ً مثله ‪.‬‬
‫جزاء علماء السوء‪:‬‬
‫ً‬
‫وإذا كان لعدم الموافقة بين القول والعمل تلك الثار‪ ،‬فإنه ليس غريبا أن‬
‫يشدد السلم في عقوبة الذين يأمرون بالمعروف ول يأتونه‪ ،‬فيجعلونه‬
‫وراءهم ظهريًا‪ ،‬وينهون عن المنكر ويفعلونه‪ ،‬وأولئك هم علماء السوء‪،‬‬
‫وصفوا الحق والعدل بألسنتهم وخالفوه إلى غيره‪ ،‬فلم يعملوا به‪:‬‬
‫ن‬ ‫ل‪] :‬إ ِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫فعَ ْ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ه وَقََرأ ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أ َوّ َ‬
‫قْرآ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَعَل َ‬ ‫م العِل َ‬ ‫ل ت َعَل َ‬ ‫ه‪ ...‬وََر ُ‬ ‫مةِ عَلي ْ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ضى ي َوْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫س يُ ْ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫مت ُ ُ‬ ‫م وَعَل ّ ْ‬ ‫ت ال ْعِل ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ت َعَل ّ ْ‬ ‫ت ِفيَها َقا َ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ه فَعََرفََها َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ن ِعَ َ‬ ‫ي ب ِهِ فَعَّرفَ ُ‬ ‫فَأت ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫م وَقََرأ َ‬ ‫عال ِ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫م ل ِي ُ َ‬ ‫ت ال ْعِل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ت َعَل ّ ْ‬ ‫ت وَل َك ِن ّ َ‬ ‫ل ك َذ َب ْ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫وَقََرأ ُ‬
‫ُ‬ ‫ل ثُ ُ‬
‫ي ِفي‬ ‫ق َ‬ ‫حّتى أل ْ ِ‬ ‫جهِهِ َ‬ ‫ب عََلى وَ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫مَر ب ِهِ فَ ُ‬ ‫مأ ِ‬ ‫قد ْ ِقي َ ّ‬ ‫ل هُوَ َقارِئٌ فَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن ل ِي ُ َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫الّناِر‪ [...‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫قى ِفي الّناِر‬ ‫مةِ فَي ُل ْ َ‬ ‫يا‬
‫ُ َ ِ ّ ُ ِ َ ْ َ ِ َ َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫بال‬ ‫تى‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫]‬ ‫م‪:‬‬ ‫ه عَل َي ْهِ َ َ َ‬
‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫وَقا َ‬
‫َ‬
‫ب أمعاؤه وتخرج من جوفه بسرعة خارجة من‬ ‫ه‪ -‬أي تنص ّ‬ ‫ب ب َط ْن ِ ِ‬ ‫فَت َن ْد َل ِقُ أقَْتا ُ‬
‫َ‬
‫ن َيا‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ل الّنارِ فَي َ ُ‬ ‫معُ إ ِل َي ْهِ أهْ ُ‬ ‫جت َ ِ‬ ‫حى فَي َ ْ‬ ‫ماُر ِبالّر َ‬ ‫ح َ‬ ‫دوُر ال ْ ِ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫دوُر ب َِها ك َ َ‬ ‫دبره ‪ -‬فَي َ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ل ب ََلى قَد ْ ك ُن ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫من ْك َرِ فَي َ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ف وَت َن َْهى عَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُر ِبال ْ َ‬ ‫ن ت َأ ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ك أل َ ْ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فَُل ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه[رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫من ْك َرِ َوآِتي ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ف وَل آِتيهِ وَأن َْهى عَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُر ِبال َ‬ ‫آ ُ‬
‫ول يغيّبن عن ذهنك صورة ذاك الذي آتاه الله آياته‪ ،‬فلم يعمل بما آتاه الله‬
‫حية من جلدها‪ ،‬وتتركه على الرض‪:‬‬ ‫من العلم‪ ،‬فانسلخ منها كما تنسلخ ال َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن فَكا َ‬ ‫َ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫من َْها فَأت ْب َعَ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ذي آت َي َْناه ُ آَيات َِنا َفان ْ َ‬ ‫م ن َب َأ ال ّ ِ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫} َوات ْ ُ‬
‫هُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مث َل ُ‬ ‫واه ُ فَ َ‬ ‫ض َوات ّب َعَ هَ َ‬ ‫خلد َ إ ِلى الْر ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫شئ َْنا لَرفَعَْناه ُ ب َِها وَلك ِن ّ ُ‬ ‫ن]‪[175‬وَلوْ ِ‬ ‫ال َْغاِوي َ‬
‫َ‬
‫ن ك َذ ُّبوا‬ ‫ذي َ‬ ‫قوْم ِ ال ّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ث ذ َل ِ َ‬ ‫ه ي َل ْهَ ْ‬ ‫ث أوْ ت َت ُْرك ْ ُ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ي َل ْهَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ب إِ ْ‬ ‫ل ال ْك َل ْ ِ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫كَ َ‬
‫ن ك َذ ُّبوا‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫مث ًَل ال ْ َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫ن]‪َ [176‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ص ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ق َ‬ ‫ص ال ْ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ِبآَيات َِنا َفاقْ ُ‬
‫ن]‪]{[177‬سورة العراف[‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ِبآَيات َِنا وَأ َن ْ ُ‬
‫وليس هذا شأن يهود فحسب‪ ،‬بل إن إخوانهم من المنافقين يلتقون معهم‬
‫في هذه السمة‪ ،‬وينهلون من نفس المنهل‪:‬‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫م ي َت َوَّلى فَ ِ‬ ‫ل وَأط َعَْنا ث ُ ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَِبالّر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫}وَي َ ُ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫م إ َِذا فَ ِ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫سول ِهِ ل ِي َ ْ‬ ‫عوا إ َِلى الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ن]‪[47‬وَإ َِذا د ُ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ك ِبال ْ ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ن]‪]{[48‬سورة النور[‪.‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ُ‬
‫ل‪]...‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ذي ت َ ُ‬ ‫ّ‬
‫م غَي َْر ال ِ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫طا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َّ َ‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫زوا‬ ‫ِ ََ ُ‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫طا‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫ََ‬ ‫و‬ ‫}‬
‫‪]{[81‬سورة النساء[‪.‬‬
‫ما ِفي قَل ْب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫شهِد ُ الل ّ َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي ُ ْ‬ ‫ه ِفي ال ْ َ‬ ‫ك قَوْل ُ ُ‬ ‫جب ُ َ‬ ‫ن ي ُعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫} وَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ث‬‫حْر َ‬ ‫سد َ ِفيَها وَي ُهْل ِك ال َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ض ل ِي ُ ْ‬ ‫سَعى ِفي الْر ِ‬ ‫م]‪[204‬وَإ َِذا ت َوَلى َ‬ ‫صا ِ‬ ‫خ َ‬ ‫وَهُوَ ألد ّ ال ِ‬
‫ساَد]‪]{[205‬سورة البقرة[‬ ‫ف َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ل َوالل ُ‬ ‫ّ‬ ‫س َ‬ ‫َوالن ّ ْ‬
‫هذه صورة المنافقين‪ ،‬وتلك صورة يهود‪ ...‬فليحذر المؤمنون أن يقعوا فيما‬
‫وقع فيه هؤلء إذ ليس اليمان بالتحلي ول بالتمني‪ ،‬ولكن ما وقر في القلوب‬
‫دقته العمال‪ ،‬من قال حسنا ً وعمل غير صالح؛ رّده الله على قوله‪ ،‬ومن‬ ‫وص ّ‬
‫صعَد ُ‬ ‫َ‬
‫قال حسنا وعمل صالحا‪ ،‬رفعه العمل‪ ،‬وذلك بأن الله يقول‪ ...}:‬إ ِلي ْهِ ي َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ه‪]{[10]...‬سورة فاطر[ ‪.‬‬ ‫ح ي َْرفَعُ ُ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ب َوال ْعَ َ‬ ‫م الط ّي ّ ُ‬ ‫ال ْك َل ِ ُ‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وما أروع كلمة شعيب‪ ،‬عليه الصلة والسلم‪ ،‬وما أكثرها إنصافا ً عندما قال‬
‫فك ُم إَلى ما أ َنهاك ُم عَنه إ ُ‬ ‫ن أُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬
‫ح َ‬‫صَل َ‬
‫ن أِريد ُ إ ِّل اْل ِ ْ‬‫َ َْ ْ ْ ُ ِ ْ‬ ‫خال ِ َ ْ ِ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬ ‫لقومه‪...}:‬وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ب]‪]{[88‬سورة هود[‪.‬‬ ‫ت وَإ ِلي ْهِ أِني ُ‬ ‫ّ‬
‫قي إ ِل ِباللهِ عَلي ْهِ ت َوَكل ُ‬ ‫ما ت َوِْفي ِ‬ ‫ست َط َعْ ُ‬
‫ت وَ َ‬ ‫ا ْ‬
‫واقع بعض الدعاة المحزن‪:‬‬
‫وليت الدعاة‪ ،‬وليت الذين نصبوا أنفسهم للعمل السلمي يضعون هذا المبدأ‬
‫الذي أرشد إليه شعيب عليه الصلة والسلم نصب أعينهم‪ ،‬فل يخالفون إلى‬
‫ما ينهون عنه ليكون لكلمهم ذلك التأثير في نفوس المدعوين!‪.‬‬
‫وكم نجد أناسا ً يدعون إلى وحدة الكلمة‪ ،‬وجمع صفوف المسلمين على‬
‫الحق‪ ،‬وهم أنفسهم في واقعهم دعاة فرقة وضلل ؛ يدعون إلى التمسك‬
‫بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهم أبعد الناس عن الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬يقدمون آراءهم وآراء من يقلدونهم ويتبعونهم علي الكتاب والسنة‪،‬‬
‫صراحة أو تأويل ً ‪.‬‬
‫يدعون إلى الحفاظ على الخوة اليمانية وحقوق الخوة‪ ،‬ولكنهم يزوّرون عن‬
‫إخوانهم‪ ،‬ول يفون بحقوقهم لمجرد خلف في الرأي‪ ،‬أو الفهم‪ ...‬يتحدثون عن‬
‫وجوب التثبت في نقل الخبار ولكنهم يجرون وراء الشائعات‪ ،‬ويرمون غيرهم‬
‫بفظائع التهم‪ ،‬ول يكّلفون أنفسهم الرجوع إلى مصدر صادق ليتثبتوا فيما‬
‫ينقلونه؛ لئل يظلموا إخوة لهم‪ ،‬أو يرمونهم بتهم باطلة!‬
‫يتحدثون عن تحريم الغيبة وآثارها وضررها‪ ،‬ولكنهم ل يتفكهون إل بأعراض‬
‫الخرين‪ ،‬ول يتندرون إل بما يتخيلونه من سيئ الخلل ‪.‬‬
‫ويتحدثون عن مفاصلة المشركين والعلمانيين والمرتدين والملحدين ول‬
‫يجدون بأسا ً أو غضاضة في مجالستهم ومداهنتهم‪ ،‬بل قد يرتمون في‬
‫ملون عند الله ويرجون‪...‬إلى غير‬ ‫ملون عندهم ويرجون‪ ،‬ما ل يؤ ّ‬ ‫أحضانهم ويؤ ّ‬
‫ذلك من المفارقات العجيبة الغريبة‪.‬‬
‫فليحذر المسلمون ذلك كله وأشباهه‪ ،‬فإنها أمراض جد خطيرة‪ ،‬ولها آثارها‬
‫السيئة‪ ،‬في حياة الدعوة والدعاة‪ ،‬نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب في‬
‫القول والعمل‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫من مقالة‪ ' ':‬للشيخ‪ /‬عثمان جمعة ضميرية‬
‫من‪ ] :‬مجلة البيان عدد ‪ – 1‬ذو الحجة ‪ 1406‬ه ‪ 1986‬م[‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لماذا أسلمة المعرفة ؟‬


‫إن تقليد العلم الغربي ‪ ،‬أو استيراده ‪ ،‬ل ينشئ حضارة ‪ ،‬أو يعيد بناءها بعد‬
‫تفككها ودمارها‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن هذا » يصنع« في أفضل حالت نجاحه عالما ثالثا يدور في فلك حضارات‬
‫الغير ‪ ..‬قد يتقدم في سّلم المدنية »المادية« لكنه على المستوى الحضاري‬
‫ل يملك خرائطه الثابتة المتميزة على سطح الكرة الرضية‪.‬‬
‫إن اليابان والصين ـ مثل ً ـ إذ قدرتا على تجاوز المرور عبر هذه القناة‬
‫ضرا ً ‪ ..‬وهما تملكان‬
‫دي وهما أكثر أصالة وتح ّ‬ ‫الضّيقة‪ ،‬خرجتا من معركة التح ّ‬
‫في عالمنا المعاصر ثقلهما وحضورهما وتميزهما الملحوظ‪.‬‬
‫ماذا حدث بالنسبة لتركيا الكمالية سوى أنها أصبحت‪ ،‬حتى في منظور‬
‫در على أولئك الذين يحاولون اللحاق بالغير‬ ‫الغربيين أنفسهم ‪ ،‬مثل ً يضرب للتن ّ‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهم يتعاطون الكيدية منه ‪ ،‬ويقّلدونه صباح مساء ‪ ،‬متنازلين عن كل ما له‬


‫مساس بشخصيتهم وأصولهم الحضارية؟‬
‫إن أسلمة المعرفة ‪ ،‬من خلل هذا التحليل الموجز ‪ ،‬تبدو ضرورة بالغة لنها‬
‫ستتجاوز بمسلمي اليوم والغد إحدى اثنتين قد تأتيان عليهم كأمة متميزة ‪:‬‬
‫الذوبان في الغير ‪ ،‬أو العزلة الكلية عن الستفادة من تقدمه‪.‬‬
‫هاهنا ‪ ،‬وعندما يتاح لهذه المة أن تمارس نشاطها المعرفي في دائرة اليمان‬
‫‪ ،‬فإنها ستعرف كيف تنتزع النار المقدسة من الخرين ‪ ،‬ل لكي تحرق بها‬
‫وة والتكاثر والتكديس ‪ ،‬ولكن لكي تبني‬ ‫العالم أو تدمر بها نفسها بإغراء الق ّ‬
‫ذاتها بمفردات المعرفة المنضبطة بمطالب اليمان‪ .‬بل إنها قد تمضي لكي‬
‫ي‪ :‬إعادة بناء العالم بالمعرفة المتّبصرة باليمان ‪،‬‬ ‫تستعيد دورها المنس ّ‬
‫المستمدة من هدي الله سبحانه‪.‬‬
‫إن النشاط العلمي ينبثق في معظم الحيان عن رغبة في الكسب ‪ ،‬أو طموح‬
‫سعنا دائرة التحليل صوب الجماعات‬ ‫وق‪ .‬فإذا و ّ‬ ‫شخصي إلى الكتشاف والتف ّ‬
‫مو القتصادي والعمراني‬ ‫قق بالن ّ‬ ‫ً‬
‫فإن النشاط العلمي يتخذ غالبا وسيلة للتح ّ‬
‫والستراتيجي ‪ ،‬وبالقوة المسلحة‪.‬‬
‫وهذه كلها دوافع قد تكون مبررة ‪ ،‬خاصة وأنها قادت ـ بالفعل ـ إلى المضي‬
‫بالحركة العلمية صوب آفاق لم تخطر ببال إنسان ‪ ،‬وتمخضت عن نمو‬
‫وق للقوة يكاد يكون من قبيل السحر‬ ‫اقتصادي وعمراني مذهل‪ ،‬وعن تف ّ‬
‫والخوارق‪.‬‬
‫لكن ماذا لو أضفنا إلى هذا كّله ‪ ،‬أو قبل هذا كله ‪ ،‬الدافع اليماني ‪ ،‬باعتباره‬
‫الدافع الكثر إلحاحا ً وإلزاما ً للنشاط العلمي الذي يجعل من سعي النسان‬
‫في العالم ضرورة أو فريضة يتقرب بها إلى الله ؟ ويتحتم على أولئك الذين‬
‫يملكون قدرة ما في نطاقها أن يواصلوا السعي لمزيد من الكتشاف ‪،‬‬
‫مو والقوة اللتين يأمر هذا الدين بالخذ‬ ‫وبالتالي لمزيد من التحقق بالن ّ‬
‫بأسبابهما كشرط حاسم للتحول باليمان من مواقع العزلة والنفصال إلى‬
‫مراكز الندماج والتناغم في هذا العالم ‪ ،‬من أجل أن تكون كلمته فيه هي‬
‫الكلمة التي ل راد ّ لها‪.‬‬
‫إن »أسلمة المعرفة« تعني وفق هذا التحليل ‪ ،‬منح النشاط العلمي ‪ ،‬على‬
‫ي الكم والنوع ‪ ،‬وقودا ً جديدا ً يدفعه للمزيد من الشتعال والتألق‬ ‫مستوي ْ‬
‫اللذين يكشفان عن الحقائق‪ ..‬يضيئان السنن والنواميس‪ ..‬يشيران إلى‬
‫مصادر القوة والطاقة المذخورة التي طالما أكد عليها كتاب الله ودعا‬
‫المسلمين إلى تمزيق الستار الذي يحجبها ‪ ،‬وإخراجها للناس كي تمنحهم‬
‫الخير الوفير‪.‬‬
‫المنار ‪ ،‬العدد ‪ ، 76‬ذو القعدة ‪1424‬هـ‬
‫العلوم النسانية ‪ ،‬بخلف العلوم الصرفة أو التطبيقية ‪ ،‬علوم احتمالية لكونها‬
‫تتعامل مع النسان فردا ً وجماعة ‪ ،‬وكل ما تطمح إليه هو أن تكون نتائجها‬
‫مقاربة للحقائق أو مضيئة لها‪ .‬وهذا ل يعني بطبيعة الحال أنها تخلو من‬
‫الحقائق النهائية أو القاطعة ‪ ،‬أو تفتقد نقاط الرتكاز الموضوعية‪.‬‬
‫ورغم أن عددا ً من علماء النفس والجتماع وغيرهما من العلوم النسانية ‪،‬‬
‫)ادعوا( اكتشافهم للحقيقة ‪ ،‬ومضوا أبعد من ذلك ‪ ،‬فقالوا بأن كشوفهم هي‬
‫الحق الوحيد وأن ما دونه الباطل ‪ ،‬مدفوعين في ذلك وراء إغراءات ذاتية‬
‫ليست موضوعية في معظم الحيان ‪ ،‬فإن مما يكاد يجمع عليه الباحثون‬
‫الجادون الكثر تجردا ً في دوائر العلوم النسانية ‪ ،‬أنه ليس بمقدور أحد كائنا ً‬
‫من كان ‪ ،‬أن يضع يديه على الحقائق النهائية التي ل تتعرض للتبديل أو‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التحوير‪.‬‬
‫وعلى مدى عقود محدودة فحسب من القرن العشرين رأينا تساقط العديد‬
‫من النظريات والكشوف )النسانية( أو تعرضها للتآكل والنكسارات في أقل‬
‫تقدير ‪ ،‬لكي ما تلبث أن تخلي الطريق لمعطيات جديدة قابلة هي الخرى‬
‫للتعديل والتبديل ‪ ،‬أو اللغاء والنسحاب من مجرى التسلط العلمي ‪ ،‬ورغم‬
‫أن بعض هذه الكشوف حقق انتشارا ً كبيرا ً وأنشأ أجيال ً من الناس ‪ ،‬وأقام‬
‫دول ً وأنساقا ً فكرية شمولية فإن المصير الذي آلت إليه في نهاية المر هو‬
‫التدهور والسقوط‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والعبرة بالنتائج كما يقول المثل ‪ ،‬ومن ثم فإن التسليم المطلق بالعلم‬
‫الغربي )النساني( من قبل العلماء العرب أو المسلمين بعامة ‪ ،‬والعتماد‬
‫عليه ‪ ،‬ونقله نقل ً اتباعيا ً أو استسلميا ً ‪ ،‬إنما هو خطأ علمي ‪ ،‬قبل أن يكون‬
‫خطيئة عقدية ‪ ،‬لكون هذه العلوم في العم الغلب ‪ ،‬تنبثق حينا ً أو تتمخض‬
‫حينا ً آخر عن منظومة من التصورات والفكار التي تتعارض ابتداًء مع التصور‬
‫الديني ‪ -‬عموما ً ‪ -‬للكون والحياة والنسان ومع التصور السلمي بوجه‬
‫الخصوص ‪ ،‬هذا التصور الذي يملك من الحيوية ما يمكنه من منح علماء‬
‫النسانية فرصا ً أفضل للتوصل إلى نتائج موضوعية‪.‬‬
‫وهذا بإيجاز شديد ‪ ،‬هو أساس الدعوة إلى أسلمة المعرفة ‪ ،‬أو التأصيل‬
‫السلمي للعلوم النسانية ‪ ،‬وهي دعوة اضطلعت بها مؤسسة كالمعهد‬
‫العالمي للفكر السلمي ‪ ،‬وتبناها بشكل عام حشد من العلماء والدارسين ‪،‬‬
‫بعد إذ رأوا فيها تعديل ً للوقفة الجانحة ‪ ،‬وعودة بالوضع الشاذ إلى سويته ‪،‬‬
‫فإن النشاط العلمي في مجال النسانيات لن يستكمل أسبابه ما لم يستهد‬
‫بمعطيات الوحي ومعاييره ‪ ،‬جنبا ً إلى جنب من معطيات الوجود ‪ ،‬إنه في هذه‬
‫الحالة سيتحرك وفق ضوابط تقيه النحراف والزلل ‪ ،‬وتقوده إلى نتائج أكثر‬
‫دقة وانضباطًا‪.‬‬
‫ولن يتحقق ذلك بطبيعة الحال ‪ ،‬ما لم تشهد الجغرافيا العربية والسلمية‬
‫حشودا ً من العلماء المتخصصين في هذا الحقل أو ذاك من حقول المعرفة‬
‫النسانية ‪ ،‬وما لم تتهيأ لهم المختبرات ووسائل العمل الملئمة والتقنيات‬
‫المتقدمة التي تعينهم في عملهم‪.‬‬
‫وحينذاك قد تستدعى كشوف )الخر( للفادة من حلقاتها اليجابية ‪ ،‬وتنميتها‬
‫والبناء عليها‪ .‬ولكن هذا الجهد ليس هو نهاية المطاف ‪ ،‬كما كان يحدث في‬
‫الماضي وإنما هو طبقة من عدة طبقات يصير فيها العالم المسلم أكثر‬
‫استقللية وأقدر على الكشف والبداع‪.‬‬
‫إن المعرفة النسانية هي في نهاية المر فرصة لتأكيد الذات ل لنفيها ‪ ،‬ولقد‬
‫مضى إلى غير رجعة ذلك الزمن البائس الذي كان العائدون من ديار الغرب ‪،‬‬
‫من المتخصصين في الفروع النسانية ‪ ،‬يرجعون وهم يحملون إحساسا ً مبالغا ً‬
‫فيه بقداسة الكشف الغربي وشموليته وقدرته على الدوام ‪ ،‬وكاد جيلنا في‬
‫خمسينيات القرن الفائت وستينياته يذهب ضحية هذه الرؤية ‪ ،‬ولول أن‬
‫تداركت رحمة الله ثلة من أبناء هذه المة رفضت النجراف بعيدا ً باتجاه‬
‫العلمانية الوربية المدعاة ‪ ،‬وتشبثت بثوابتها السلمية التي هي مع العلم‬
‫وليست نقيضه ‪ ،‬كما كان الحال في أوربا النصرانية ثم ما لبثت انهيارات‬
‫العلم النساني الغربي أن منحتهم اقتناعا ً أكثر عمقا ً بسلمة موقفهم ‪،‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فمضوا يشقون طريقا ً جديدًا‪.‬‬


‫ثمة ما يجب أن يقال في هذا المجال وهو أن العقل الغربي كان يملك في‬
‫الوقت نفسه القدرة المدهشة على نقد الذات ‪ ،‬ومحاولة تعديل الوقفة ‪،‬‬
‫وتغيير القناعات الخاطئة فإذا استطاع علماؤنا أن يدخلوا من هذه الثغرة‬
‫فإنهم سيفعلون الكثير‪.‬‬
‫مجلة المنار ‪ ،‬العدد ‪ ، 84‬رجب ‪1425‬هـ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لماذا اختاروا الجعفري ؟‬


‫أحمد فهمي‬
‫‪afahmee@hotmail.com‬‬
‫هل يمكن القول أن إبراهيم الجعفري مرشح السيستاني لمنصب رئاسة‬
‫الحكومة العراقية سيكون رجل إيران الول في العراق ؟ يبدو ذلك بالنسبة‬
‫للكثيرين أمرا مرجحا لسباب معروفة أبرزها أن الجعفري على علقة قوية‬
‫بإيران التي احتضنته تسع سنوات منذ فر سيرا على القدام هربا من نظام‬
‫صدام عام ‪1980‬م ‪ ،‬كما أنه يترأس حزب الدعوة الديني وهذا يقربه من‬
‫نظام المللي في طهران ‪ ،‬ولكن هل يكفي ذلك لعتباره رجل إيران في‬
‫بغداد ؟‬
‫حقيقة المر أن اختيار الجعفري لتولي رئاسة الحكومة لم يأت بسبب‬
‫تدافعات داخلية شيعية فقط ‪ ،‬فالرجل يمثل بحق نقطة اللتقاء الصلح بين‬
‫إيران والدارة المريكية ‪ ،‬وذلك عند مقارنته ببقية الزعماء الشيعة في قائمة‬
‫التحالف وأبرزهم عبد العزيز الحكيم وأحمد الجلبي ‪ ،‬وتبدو ملئمة شخصية‬
‫الجعفري للظرف السياسي الحالي في كونها تحمل كما ل بأس به من‬
‫المتناقضات والتي تجعله قابل لعادة الصياغة من جديد كما أنه لن يكون‬
‫مقيدا بأطروحات أيديولويجية تكبل تحركاته السياسية ‪ ،‬وقد كان الجعفري‬
‫يتخذ موقفا معارضا من الحملة المريكية على الفلوجة ‪ ،‬ويحاول أن يظهر‬
‫في موقف المعارض لسياسة الحتلل في نفس الوقت الذي يصر فيه على‬
‫عدم مطالبة الدارة المريكية بإعلن جدول زمني للنسحاب ‪ ،‬وهو مطلب‬
‫يظهره أتباع السيستاني أحيانا ‪ ،‬وقد صرح الجعفري بعد إعلن اختياره‬
‫لمنصب رئاسة الحكومة أنه لن يطلب من القوات المريكية مغادرة العراق‬
‫في الظرف الحالي لعدم وجود المن ‪ ،‬وهنا موطن الملئمة في شخصية‬
‫الجعفري فهو قريب من إيران أيديولويجا وسياسيا ولكنه براجماتي إلى الحد‬
‫الذي يسمح له بتأييد الحتلل المريكي دون مواربة ‪.‬‬
‫يضاف إلى ما سبق أن منصب رئيس الوزراء في الفترة القادمة تنحصر‬
‫أهميته في متابعة المهمة الرئيسة للمجلس الوطني المنتخب وهي كتابة‬
‫حدد لنتهاءها نهاية هذا العام حيث سيتم حل‬‫دستور دائم للعراق ‪ ،‬وهي مهمة ُ‬
‫المجلس وإجراء انتخابات جديدة ‪ ،‬وهذا يعني أن الجعفري لن يسعد بمنصبه‬
‫أكثر من عشرة أشهر كحد أقصى وهي مدة متناسبة مع مواصفات المرحلة‬
‫ومع شخصية الجعفري أيضا ‪ ،‬ولتوضيح ذلك نقول أن الجعفري ل يتبنى‬
‫نموذج ولية الفقيه المطبق في إيران ‪ ،‬بل يفضل نموذجا أكثر انفتاحا ويمكن‬
‫اعتباره ممثل لليبرالية الشيعية داخل التيارات الدينية الشيعية وهذا يقربه من‬
‫الدارة المريكية ولذلك أعلن الجعفري بعد اختياره صراحة أنه لن تكون‬
‫هناك مساع لقامة دولة دينية في العراق ‪ ،‬وهو بذلك يرد على تصريحات‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علوي التي حذر فيها من الدولة الدينية ‪.‬‬


‫وفي المقابل فإن نظام طهران صرح على لسان أكثر من مسؤول أنه ل‬
‫يكترث إذا ما أقيم نظام علماني في العراق ‪ ،‬وقال حسين موسويان رئيس‬
‫لجنة السياسة الخارجية بالمجلس العلى للمن القومي أن إيران ل تخشى‬
‫من قيام دولة ديمقراطية علمانية في العراق باعتبار ذلك يمثل تهديدا‬
‫للمؤسسة الدينية في طهران ‪ ،‬حيث ستدفع اليرانيين للمطالبة بمحاكاة‬
‫النموذج العراقي الشيعي وتطبيق تعديلت ديمقراطية ‪.‬‬
‫وقد كانت الدارة المريكية تراهن على ذلك بالفعل وتعتبر النظام العلماني‬
‫في العراق خطوة على طريق إسقاط نظام المللي في طهران وجاء اختيار‬
‫إياد علوي رئيسا للوزراء ضمن الجهود المريكية لقامة هكذا نظام ‪ ،‬ولكن‬
‫نجح مللي طهران في ممارسة ضغوطات قوية أدت إلى توحد الحزاب‬
‫الدينية الشيعية في قائمة واحدة لتركيز الدعم الشيعي الشعبي في اتجاه‬
‫الزعماء الدينيين لفرملة السعي المريكي تجاه علمنة الدولة القادمة في‬
‫العراق ‪ ،‬وهكذا وقف الطرفان في منتصف الطريق ‪ ،‬فل الجعفري يتبنى‬
‫إقامة الدولة الدينية ‪ ،‬ول الدارة المريكية حققت نجاحا في إقامة نظام‬
‫علماني ‪ ،‬ويبدو الوضع مرشحا لستمرار على هذا التأرجح حتى عند كتابة‬
‫الدستور الدائم ‪ ،‬فاحتمالت كل الدولتين ‪ :‬الدينية والعلمانية ‪ ،‬تبدو أضعف مع‬
‫مرور الوقت ويبقى النموذج المختلط رائجا والذي يناسبه ترشيح شخصيات‬
‫مثل إبراهيم الجعفري ‪ ،‬وإن كان ذلك ل ينفي أن النموذج الفضل – أمريكيا –‬
‫هو شخصية مثل إياد علوي ‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومن العوامل الداخلية التي دفعت بالجعفري للمام في اتجاه المنصب أيضا‬
‫التباينات القوية داخل الطائفة الشيعية التي تعاني من متضادات تذهب‬
‫بريحها ‪ ،‬فهناك تنافر بين العلماني والديني ‪ ،‬وبين الموالي للحتلل والموالي‬
‫ليران ‪ ،‬وبين المتشدد وبين المعتدل ‪ ،‬وبين الزعامتين السياسية والدينية ‪،‬‬
‫هذا فضل عن النقسام الحزبي ‪ ،‬وفي أغلب هذه المتضادات يحتل الجعفري‬
‫موقفا متوسطا تقريبا ‪ ،‬فهو ليس مواليا ليران بنفس مستوى ولء الحكيم‬
‫ومجلسه العلى ‪ ،‬كما أنه ليس دينيا في مستوى السيستاني والمرجعيات‬
‫الشيعية ‪ ،‬وهو أيضا زعيم سياسي لحزب ديني ‪ ،‬وعند مقارنة شخصية‬
‫الجعفري بشخصية علوي يتضح أن الثاني ل يناسب أبدا المرحلة القادمة ‪،‬‬
‫فالبعد العلماني لشخصيته وولؤه الواضح لمريكا سيمثل عامل استفزاز‬
‫للشيعة ولن يمكنه المساهمة الفعالة في تيسير عملية كتابة الدستور ‪ ،‬ومن‬
‫ناحية أخرى فإن علقة حزب الدعوة بالسنة ليست في مستوى العدائية التي‬
‫يتسم بها أداء المجلس الشيعي العلى وجناحه العسكري فيلق بدر ‪ ،‬وإن‬
‫كان الحزبان يتفقان في أيديولوجيا العداء لكن حزب الجعفري يمارس أداء‬
‫سياسيا أكثر احترافا من مجلس الحكيم ‪.‬‬
‫ويبقى لنا أن نقول أن العلقة بين أمريكا وإيران تحدد إلى درجة كبيرة طبيعة‬
‫الوضاع السياسية السائدة في العراق ‪ ،‬وعلى ضوء ذلك يمكن أن نفهم‬
‫المنحنى الزلق الذي تسير فيه إدارة بوش ‪ ،‬فهي من ناحية ل تريد أن تستفز‬
‫اليرانيين في العراق حتى ل تخرج الوضاع عن السيطرة ‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬
‫تخشى من ردود العفل داخل العراق وبين الشيعة تجاه أي محاولة لسقاط‬
‫نظام المللي في طهران ولو بتنفيذ ضربات عسكرية للمواقع النووية ‪ ،‬وربما‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يكون سبب تأخر الضربة المريكية ليران حتى الن هو سعيها لتأمين الوضاع‬
‫السياسية في العراق وتحقيق نسبة إرضاء للشيعة تضمن سكوتهم عندما‬
‫تقوم بضرب " ماما إيران " ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لماذا السماء الحسنى !) ‪... ( 1‬‬


‫طريق القرآن ‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫لماذا السماء الحسنى ! للجابة على هذا السؤال نقول ‪ :‬إن التوحيد كما هو‬
‫معلوم ومدلل عليه في الكتاب والسنة وأجمعت عليه المة بل وجميع الملل‬
‫هو رحى الدين والصل الصيل الذي ل يصح العلم والعمل إل به وهو الركن‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫الركين الذي جاءت الرسل للدعوة إليه قال تعالى?وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن?… ]النبياء‪.[25:‬‬ ‫دو ِ‬ ‫ه إ ِّل أَنا َفاعْب ُ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫حي إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫ل إ ِّل ُنو ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫َر ُ‬
‫جت َن ُِبوا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قد ْ ب َعَث َْنا ِفي ك ّ‬ ‫َ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫سول أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫وقال سبحانه‪ ? :‬وَل َ‬
‫ت ?…]النحل‪.[36:‬‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬‫ال ّ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫ك وَل َت َ ُ‬ ‫مل ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن? …]الزمر‪[65:‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫حب َط َ ّ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫شَرك ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وقال‪ ? :‬ل َئ ِ ْ‬
‫وذلك لن العمال الصالحة التي هى ذروة سنام ما يصبو إليه كل مؤمن ما‬
‫هي إل بنيان أساسه هذا التوحيد وهذا الساس أمران ‪:‬‬
‫ـ صحة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته‬
‫ـ تجريد النقياد له ولرسوله دون ما سواه‬
‫ولما كانت منزلة التوحيد عظيمة ومكانته سامية فان العلماء قد اهتموا به‬
‫اهتماما ً بليغا ً تعلما ً وتعليما ً فكان في ذلك أن قسموه أقساما ً فبعضهم قال‪:‬‬
‫التوحيد ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫ـ توحيد اللهية وهو توحيد العبادة‬
‫ـ توحيد الربوبية بالعتراف بربوبية ورازقية وتدبير وحاكمية الله وحده ل‬
‫شريك له‬
‫ـ توحيد السماء والصفات‬
‫وبعضهم يفصل تفصيل ً آخر فيجعله قسمان ‪:‬‬
‫ـ توحيد في المعرفة والثبات‬
‫ـ توحيد في الطلب والقصد ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪ » :‬واما التوحيد الذي دعت إليه الرسل ‪ ،‬ونزلت به‬
‫الكتب فهو نوعان ‪ :‬توحيد فى المعرفة والثبات وتوحيد فى الطلب والقصد‬
‫«‪.‬‬
‫ول تعارض بين هذين القسمين لعدة أوجه منها ‪:‬‬
‫ـ أن توحيد اللوهية نظير توحيد القصد والطلب وذلك لن مبنى هذا النوع أن‬
‫يكون الله عز وجل معبودا ً دون غيره من اللهة الباطلة تدين له القلوب‬
‫وتقصده الذوات فتكون في دينونتها ومقصدها متذللة له خاضعة معترفة‬
‫بتمام العبودية واللهية له فل تقصد بالعبادة غيره ول تطلب العون والرزق‬
‫والهداية والتوفيق وكشف الضر وجلب النفع ورفع البأس من غيره سبحانه‬
‫ك فَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ضّر َ‬ ‫ك َول ي َ ُ‬ ‫فعُ َ‬ ‫ما ل ي َن ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وتعالى قال عز وجل‪َ ?:‬ول ت َد ْع ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ما‬‫م َ‬ ‫ل أفََرأي ْت ُ ْ‬ ‫ن? … ]يونس‪ [106:‬وقال‪ ? :‬قُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م َ‬‫ك ِإذا ً ِ‬ ‫ت فَإ ِن ّ َ‬ ‫فَعَل ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضّرهِ أوْ أَراد َِني‬ ‫ت ُ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬‫كا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل هُ ّ‬ ‫ضّر هَ ْ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ن أَراد َن ِ َ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫عو َ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫معَ الل ّهِ إ َِلها ً‬ ‫ن ي َد ْع ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه?]الزمر‪ [38:‬وقال‪ ? :‬وَ َ‬ ‫مت ِ ِ‬‫ح َ‬ ‫ت َر ْ‬ ‫سكا ُ‬ ‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫ْ‬
‫مةٍ هَل هُ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َِر ْ‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن ْد َ َرّبه? …]المؤمنون‪ [117:‬وقال تعالى‪? :‬‬ ‫ه ِ‬


‫ساب ُ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ه ب ِهِ فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ِ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫خَر ل ب ُْر َ‬ ‫آ َ‬
‫ل عَل َي ْهِ ? …]هود‪ ،[123:‬وجماع ذلك كله?إ ِّيا َ‬
‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّياكَ‬ ‫َفاعْب ُد ْه ُ وَت َوَك ّ ْ‬
‫ن? …]الفاتحة‪ [5:‬فل تقصد غيره بالعبادة ول تطلب من غيره الستعانة‬ ‫ست َِعي ُ‬‫نَ ْ‬
‫والتوفيق ‪.‬‬
‫فتأليهه إذا ً قصده بالعبادة والطلب منه على جهة الدعاء والدعاء هو العبادة‬
‫ن‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫فكان القصد والطلب هو عين العبادة تحقيقا ً لقوله تعالى‪ ? :‬وَ َ‬
‫ن?… ]الذريات‪ [56:‬أي ليوحدون‪.‬‬ ‫دو ِ‬ ‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬‫َواْل ِن ْ َ‬
‫ـ وأما توحيد المعرفة والثبات فل يعارض القسمة أيضا ً لنه شامل لفرعي‬
‫التوحيد الخرين فإنه من تمام المعرفة وكمال الثبات أن تعلم الموصوف‬
‫وصفاته وأفعاله على غرار ما يجب عليك نحو الموصوف وأفعاله ‪ ،‬ولذلك قال‬
‫ابن القيم ‪:‬‬
‫َ‬
‫ل َيا أي َّها‬‫» فالول ‪ -‬أي توحيد القصد والطلب – ما تضمنته سورة ‪ ? :‬قُ ْ‬
‫ن?… ]الكافرون‪ ، [1:‬والثانى – أى توحيد المعرفة والثبات – هو‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه وتكلمه بكتبه ‪،‬‬
‫وتكليمه لمن شاء من عباده وعموم قضائه وقدره وحكمته « أ‪.‬هـ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫فهذا الخير موجب لللهية والعبادة وقد تقدم ‪ ،‬ومتى علمت كونه رازقا ً مربيا ً‬
‫مدبرا ً حكما ً فقد وحدته بالمعرفة من جهة ووحدته بربوبيته من جهة أخرى‬
‫وإذا علمت أن له صفات ذات وأفعال وأن أسمائه مقتضية لتصافه بصفات‬
‫الكمال كعلمك مثل بكونه غفور رحيم قيوم عزيز فانك من خلل ذلك وحدته‬
‫بإثبات هذه السماء والصفات و عرفته بها وأثبت له ما تقتضيه من رحمة‬
‫ومغفرة وعزة وقيومية فتكون موحدا ً له في السماء والصفات من جهة‬
‫ثانية ‪ ،‬فثبت بهذا التوافق بين هذه النواع من هذه الجهة ‪ ،‬وأما الجهة الثانية‬
‫فهي ما قاله شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله من تضمن توحيد اللوهية‬
‫لتوحيد السماء والصفات حيث قال ‪ ) :‬التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما‬
‫يتضمن إثبات اللهية لله وحده بأن يشهد أن ل إله إل الله ول يعبد إل إياه ول‬
‫يتوكل إل عليه ول يوالي إل له ول يعادي إل فيه ول يعمل إل لجله وذلك‬
‫هَ‬ ‫يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من السماء والصفات قال تعالى‪? :‬وَإ ِل َهُك ُ ْ‬
‫م إ ِل ٌ‬
‫م? … ]البقرة‪. [163:‬‬ ‫حي ُ‬
‫ن الّر ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫ه إ ِّل هُوَ الّر ْ‬ ‫حد ٌ ل إ ِل َ َ‬
‫َوا ِ‬
‫قد تقدم قبل أن الله عز وجل أمر العباد بعبادته‪ ،‬وعد ّ ذلك أسمى مطلوب‬
‫خلق له هذا المخلوق الضعيف‪ .‬والعبادة من التعبد الذي هو التذلل والخضوع‪،‬‬
‫والشتقاق يواكب المعنى‪ ،‬فإن المعبد من الطريق هو المذلل للمشاة‪ ،‬ولكن‬
‫التذلل والخضوع للخالق له خاصية ‪ ،‬وهو أنه غير مجرد‪ ،‬إذ هو مصحوب‬
‫بالحب والرجاء‪.‬‬
‫والعبادة كما عرفها شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪:‬هي قول جامع للقوال‬
‫والفعال الظاهرة والباطنة التي يحبها الله ويرضاها‪.‬‬
‫فهي شاملة لعمال الجوارح والقلوب‪ ،‬بشرط أن تكون محبوبة لله عز وجل‪،‬‬
‫فاحفظ هذا وكن له على ذكر‪ .‬أما أنها كيف تكون محبوبة لله عز وجل‪ ،‬فهذا‬
‫ل يتم إل بأصلين تقدما‪ :‬التوحيد الخالص من شوائب المقاصد الدنّية‪ .‬العمل‬
‫الصالح الخالص من شوائب البدع والمبطلت الرّدية‪ .‬والذي أجمله الله بقوله‬
‫َ‬ ‫صاِلحا ً َول ي ُ ْ‬
‫حد ? … ]الكهف‪،[110:‬‬ ‫ك ب ِعَِباد َةِ َرب ّهِ أ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫مل ً َ‬ ‫ل عَ َ‬‫م ْ‬‫تعالى‪ ? :‬فَل ْي َعْ َ‬
‫م الّله ? رباه بنعمه‪،‬‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫وبقوله أيضا ً ? قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولنه هو الخالق البارئ؛ وذاك الطالب هو المخلوق الضعيف ‪.‬‬


‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ميد ُ ? …‬ ‫ح ِ‬‫ي ال َ‬ ‫ه هُوَ ال ْغَن ِ ّ‬ ‫قَراُء إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ف َ‬‫م ال ْ ُ‬‫س أن ْت ُ ُ‬ ‫قال تعالى‪َ ? :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫]فاطر‪.[15:‬‬
‫فإن قلت‪ :‬قد فهمنا هذا من جهة الدللة اللفظية‪ ،‬والعلقة العقدية ولكن ما‬
‫دليلك عليه؟ فالجواب‪ :‬طبعا ً الكتاب والسنة‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫عوِني أ ْ‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫ل َرب ّك ُ ُ‬ ‫أما الكتاب فقوله تعالى‪ ? :‬وََقا َ‬
‫ن ? … ]غافر‪ ،[60:‬وقال أيضا ً‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َدا ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫سي َد ْ ُ‬‫عَباد َِتي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫ن عَ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫على لسان إبراهيم ـ عليه السلم ـ‪ ? :‬وَأعْت َزِلك ُ ْ‬
‫ن الله ?… ]مريم‪ 48:‬ـ ‪،[49‬‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ي َعْب ُ ُ‬‫م وَ َ‬ ‫ما اعْت ََزل َهُ ْ‬
‫……… ?‪ ?48‬فَل َ ّ‬
‫فقابل الدعاء بالعبادة‪.‬‬
‫وأصرح منهما قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬الدعاء هو العبادة (…‬
‫] رواه الترمذي [‪.‬‬
‫سَنى َفاد ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫عوهُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ماُء ال ُ‬ ‫س َ‬‫فنرجع إلى مقصودنا‪ ،‬وهو قول الله تعالى‪ ? :‬وَل ِلهِ ال ْ‬
‫ه ? … ]العراف‪ ،[180:‬فبأدنى تأمل تعلم أن المراد ] ولله السماء‬ ‫بِ َ‬
‫الحسنى فاعبدوه به[‪ ،‬أو قل ] وله السماء الحسنى فادعوه بها‪ ،‬ودعاؤكم‬
‫إياه بها عبادة منكم له[‪ ،‬والله أعلم‪ .‬ولكن لعلك تقول‪ :‬كيف السبيل إلى‬
‫سل ْ‬ ‫مُنوا اد ْ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫خ ُلوا ِفي ال ّ ِ‬
‫م‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ذلك‪ ،‬وما مداه؟ فالجواب‪ :‬قال تعالى ? َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ة ? … ]البقرة‪ ،[208:‬قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ " إنهم أمروا أن يعملوا‬ ‫َ‬
‫كافّ ً‬
‫بجميع شعب اليمان‪ ،‬وشرائع السلم وهي كثيرة جدا ً " أ‪.‬هـ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهذا يشهد له قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) اليمان بضع وسبعون ـ‬
‫وفي رواية بضع وستون ـ شعبة‪ ،‬أعلها ل إله إل الله‪ ،‬وأدناها إماطة الذى عن‬
‫الطريق……الحديث ( … ] متفق عليه[‪ ،‬وعليه فيكون أعظم ما يمكنك أن‬
‫ل‪ :‬باللهج بها‪ ،‬فقد قال‬ ‫تلتزم به عند الدخول في السلم هو‪ ،‬ل إله إل الله‪ .‬قو ً‬
‫النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي ل إله‬
‫ُ‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫صي َ‬‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ه ُ‬‫دوا الل ّ َ‬ ‫مُروا إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫ما أ ِ‬ ‫ل‪ :‬قال الله تعالى‪ ? :‬وَ َ‬ ‫إل الله (‪ .‬وعم ً‬
‫ي‬
‫حَيا َ‬ ‫م ْ‬‫كي وَ َ‬ ‫س ِ‬‫صلِتي وَن ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن ? … )البينة‪ :‬من الية ‪ (5‬وقال تعالى ? قُ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن ?… ]النعام‪ .[162:‬واعتقادا‪ :‬قال تعالى‪ ?:‬فاعْل ْ‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫ّ‬
‫ماِتي ل ِلهِ َر ّ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫ه …… ? … ]محمد‪ ،[19:‬ومن العلم ] بل إله إل الله [ العلم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫بأسمائه وصفاته‪ ،‬ول يتم علم بل عمل‪ ،‬فقد قيل ‪ :‬هتف العلم بالعمل فإن‬
‫أجابه وإل ارتحل‪ ،‬فكن لهذا ذاكرا ً ‪ ،‬وهو أن أعلى شعب اليمان ] ل إله إل‬
‫الله [ ومنها السماء والصفات‪ .‬ثم نرجع بك إلى آلة هذه الشعب‪ ،‬وهي التي‬
‫جمعها شيخ السلم في تعريفه للعبادة‪ ،‬وهي العمال الظاهرة والباطنة‬
‫والقوال الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫أما العمل الظاهر فهو العمل بالجوارح‪ ،‬وأما العمل الباطن فهو المتعلق‬
‫ل‪ ،‬وأما القول الظاهر فهو الذكر‪،‬‬ ‫بالقلب من جهة التأثر‪ ،‬كالخشية والرجاء مث ً‬
‫والقول الباطن هو العتقاد‪.‬‬
‫فكانت العبادة شاملة عامة‪ ،‬تجمع قلبك وقالبك لله‪ ،‬فأنت به وله وإليه وعليه‪،‬‬
‫ل تخرج عن طواعيته طرفة عين ‪ .‬قال تعالى‪ ? :‬ول َ َ‬
‫ن ِفي‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫سل َ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫وعا ً وَك َْرها ً وَإ ِل َي ْهِ ي ُْر َ‬ ‫َْ‬
‫ن ? … ]آل عمران‪.[83:‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ض طَ ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫فلك في كل خطرة من خطراتك‪ ،‬وحركة من حركاتك عبادة‪ ،‬وكل عبادة في‬
‫عباداتك يجب أن تكون لله‪ ،‬ول يتم لك ذلك إل بأن تكون عالما ً بأسمائه‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وصفاته‪ ،‬فللقلب عبادة‪ ،‬وللبصر عبادة‪ ،‬ولليد عبادة‪ …… ،‬وهكذا‪.‬‬


‫فعلمك بأن الله عليم وأن علمه وسع السماوات والرض وأنه ل تخفى عليه‬
‫خافية وأنه يعلم السر وأخفى عبادة القلب لله باسمه العليم ‪ .‬استحضارك أن‬
‫الله عليم بأفعالك فتنزه لجله السمع عن سماع اللغو والباطل عبادة لله‬
‫باسمه )العليم( ‪ .‬استحضارك أن الله عليم بأفعالك فتنزه لجله البصر عن‬
‫النظر إلى المحرمات‪ ،‬عبادة لله باسمه ) العليم (‪.‬‬
‫وكذا علمه بأقوالك فتذكره‪ ،‬وتتنزه عن قول الزور والباطل واللغو‪ ،‬وهكذا‬
‫اليد والرجل وغيرها من الجوارح‪ ،‬وكل السماء على هذا كما سيأتي عند‬
‫شرحنا لكل اسم منها ‪ .‬قال ابن القيم رحمه الله في ]مفتاح دار السعادة[‬
‫ص )‪ " :(1/137‬والسماء الحسنى والصفات العلى مقتضية لثارها من‬
‫العبودية‪ ،‬فلكل صفة عبودية خاصة هي موجباتها ومقتضياتها‪ ،‬أعني موجبات‬
‫العلم بها‪ ،‬والتحقق بمعرفتها ‪.‬‬
‫وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية‪ ،‬التى على القلب و الجوارح‪ ،‬فعلم العبد‬
‫بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع‪ ،‬والعطاء والمنع‪ ،‬والخلق‪ ،‬والرزق والحياء‬
‫والماتة يثمر له عبادة التوكل عليه باطنا ً ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا‪.‬‬
‫وعلمه بسمعه تعالى وبصره وأنه ل يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ول‬
‫في الرض‪ ،‬وأنه يعلم السر وأخفى‪ ،‬ويعلم خائنة العين وما تخفي الصدور‬
‫يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما ل يرضي الله وأن‬
‫يجعل تعلق هذه العضاء بما يحبه الله ويرضاه فيثمر له ذلك الحياَء باطنا ً‬
‫ويثمر له الحياُء اجتناب المحرمات والقبائح‪.‬‬
‫ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته توجب له سعة الرجاء‬
‫وتثمر له ذلك في أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه …‬
‫" أ‪.‬هـ ‪ .‬وعليه فثمرة هذه المعرفة من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة‬
‫بحسب درجة المعرفة والعلم بهذه السماء والصفات‪ ،‬فمتى كانت المعرفة‬
‫بها عالية وصحبها العمل أثمرت ثمارا ً يانعة‪ ،‬وغمرت صاحبها بالمعارف‬
‫القلبية‪ ،‬والعمال الظاهرية‪ ،‬ومتى نقصت‪ ،‬نقصت ثمرتها‪ .‬وأكد هذا المعنى‬
‫رحمه الله في موضع آخر فقال في كتابه البديع ] طريق الهجرتين [ ص )‬
‫‪ " : ( 215‬ومن كان له نصيب من معرفة أسمائه الحسنى واستقراء آثارها‬
‫في الخلق والفعل رأى الخلق والمر منتظمين بها أكمل انتظام‪ ،‬ورأى‬
‫سريان آثارها فيهما‪ ،‬وعلم بحسب معرفته ما يليق بكماله وجلله …… " ‪.‬‬
‫والمر كما قال ـ رحمه الله ـ فإن العبادة ل تتم إل بالمعرفة والعلم بهذه‬
‫السماء والصفات‪ ،‬لن من ل يدرك حقيقة اسم )العليم(‪) ،‬الخبير(‪) ،‬اللطيف(‬
‫…… ل يمكنه أن يعبده حق عبادته‪ ،‬ولذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫يقول‪ ) :‬أنا أعلمكم بالله (‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وشتان بين مصليين‪ ،‬مصل قائم بين يدي ربه‪ ،‬عالم باطلع ربه على كل‬
‫صغير وكبير من حركاته ظاهرا ً وباطنًا‪ ،‬مستحضرا ً لذلك‪ ،‬وآخر ل يعلم من‬
‫اسم )العليم( إل رسمه‪ ،‬وما ورثه عن أبيه وأمه‪ ،‬إن كانا ورثاه من المعرفة‬
‫شيئًا‪ .‬والله أعلم‪ ،‬والحمد لله أول ً وأخرا ‪ ،،‬الحلقة القادمة " قواعد لمعرفة‬
‫السماء الحسنى "‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لماذا الدعوة إلى الّله عز وجل ؟‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله‪ ،‬نبينا‬
‫محمد وآله وصحبه‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ن أيّ داعية إلى‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫يعقل‬ ‫ل‬ ‫إذ‬ ‫المقالة‪،‬‬ ‫هذه‬ ‫عنوان‬ ‫غرابة‬ ‫فقد يبدو لول وهلةٍ‬
‫ف الغاية من دعوته إلى الله عز وجل‪ ،‬وجهادهِ في سبيله‬ ‫الله عز وجل ل يعر ُ‬
‫ن هناك فرقٌ بين المعرفةِ الذهنية‬ ‫ح من حيث الجملة‪ ،‬ولك ْ‬ ‫سبحانه؛ وهذا صحي ٌ‬
‫المجردة‪ ،‬وبين التحرك بهذه المعرفة‪ ،‬والسير على ضوئها في واقع الناس‬
‫ودعوتهم إلى الله عز وجل‪ ،‬وكم رأى الواحد من نفسه ومن غيره غفلت عن‬
‫ه مغالطات‬ ‫هذه الهداف‪ ،‬أو مصادماتها لواقع الدعوة العملي‪ ،‬مما ينشأ عن ُ‬
‫وانحرافات‪ ،‬وسببها البعد ُ عن هذه الهداف‪.‬‬
‫س بين الحين والخر على‬ ‫والمحافظة على هذه الهداف‪ ،‬ومحاسبة النف ِ‬
‫ل إن شاء الله تعالى أن تنطلق الدعوة بعيدة عن حظوظ‬ ‫تحقيقها‪ ،‬كفي ٌ‬
‫النفس وأهوائها‪ .‬وبالتالي يجد ُ الداعي أثر دعوته وثمرتها جلّيا وسريًعا في‬
‫ضا الحماس والندفاع إلى‬ ‫نفسه وفي واقع الناس‪ ،‬كما يجد ُ في نفسهِ أي ً‬
‫ل ول فتور‪ ،‬وأكبر من ذلك كله قبول سعيه عند الله‬ ‫الدعوةِ والجهاد‪ ،‬بغير مل ٍ‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫ن حصرها‬ ‫ُ‬ ‫يمك‬ ‫وجل‪،‬‬ ‫عز‬ ‫الله‬ ‫سبيل‬ ‫في‬ ‫والجهاد‬ ‫للدعوة‬ ‫الساسية‬ ‫والهداف‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬التعّبد لله عز وجل بهذه الشعيرة العظيمة‪ ،‬شعيرة المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬والتي هي أصل الدعوة إلى الله عز وجل والجهاد في‬
‫ب ربه ويحب ما يحبه‬ ‫ه عبد لله عز وجل‪ ،‬يح ّ‬ ‫سبيله سبحانه‪ ،‬فشعور الداعية أن ّ ُ‬
‫ربه من الدعوة والجهاد‪ُ ،‬يعد ّ من أكبر الدوافع إلى بذل الجهد والجهاد في‬
‫سبيل الله تعالى‪ ،‬ولو لم يحصل الداعية في دعوته وجهاده إل ّ على شعوره‬
‫ة‬
‫ن في مصاحب ِ‬ ‫بالعبودية لله عز وجل لكفى بذلك دافًعا وغاية عظيمة‪ .‬كما أ ّ‬
‫شعور العبادة لله تعالى في جميع تحركات الداعية‪ ،‬أكبر الثر في التربية على‬
‫الخلص‪ ،‬وتحري الحق والصواب‪ ،‬واللذان هما شرطا قبول العبادة‪ ،‬والعكس‬
‫ه متعبد ٌ لله تعالى بدعوته وحركته‪،‬‬ ‫من ذلك عندما ينسى أو يغفل الداعية أن ّ ُ‬
‫ف إخلصه‪ ،‬وتبدأ حظوظ النفس والهوى يسيطران على‬ ‫ه بذلك يضع ُ‬ ‫فإن ّ ُ‬
‫ج عنه في نهاية‬ ‫ف مع ذلك اتباع الدليل وتحري الحق‪ ،‬مما ينت ُ‬ ‫القلب‪ ،‬كما يضع ُ‬
‫المر فتور الداعية‪ ،‬أو مزلة قدمه والعياذ بالله تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬الفوز برضوان الله تعالى وجنته في الدار الخرة‪ ،‬وهذا هو ثمرة التعّبد لله‬
‫عز وجل السابق ذكرها‪ ،‬وهي الغاية العظمى التي وعد الله عز وجل بها‬
‫عباده المرين بالمعروف والنا هين عن المنكر‪ ،‬والداعين إليه على بصيرة‪،‬‬
‫ولقد تكاثرت اليات في كتاب الله عز وجل التي تمدح الداعين إليه سبحانه‪،‬‬
‫والصابرين على ما أصابهم في سبيله‪ ،‬وما ُأعد لهم في الدار الخرة من‬
‫الرضوان والنعيم المقيم‪ .‬وعندما ينشد ُ الداعية إلى هذه الغاية‪ ،‬وتنجذب‬
‫ه يستسهل الصعاب‪ ،‬ويمضي في طريقه بقوةٍ وعزيمة وثبات‪،‬‬ ‫نفسه إليها‪ ،‬فإن ّ ُ‬
‫ه بذلك ل يلتفت إلى‬ ‫كما أنه عندما يتعلق بهذه الغاية العظيمة ول ينساها‪ ،‬فإن ّ ُ‬
‫أعراض الدنيا الزائلة‪ ،‬ول ينتظُر جزاَء عمله ودعوته وجهاده في الدنيا‪ ،‬وإّنما‬
‫ض نفسه وُيرّبيها على أن تعطي من صبرها وجهدها وجهادها‪ ،‬ول تأخذ‬ ‫يرو ُ‬
‫منه شيئا في الدنيا‪ ،‬وإنما تنتظر العطاء والثواب في الدار الخرة من ربها‬ ‫ً‬
‫ن أصحاب هذه النفوس المخلصة‪ ،‬ل‬ ‫الكريم‪ ،‬في دار النعيم المقيم‪ ،‬ولذلك فإ ّ‬
‫يتطرق إليهم الوهن ول الفتور الذي يتعرض له أصحاب الغراض الدنيوية‬
‫القريبة‪ ،‬الذين إن حصلوا على أهدافهم في الدنيا رضوا وواصلوا العطاء‪ ،‬وإن‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تأخرت عليهم فتروا وكلوا وتوقفوا‪.‬‬


‫ن وقت ومكان‬ ‫ما أصحاب الغاية العظيمة فهم ل يفترون ول يتوقفون‪ ،‬ل ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ه الدنيا‪ ،‬وإّنما فى الدارِ الخرة‪ ،‬دار الحساب والجزاء‪،‬‬
‫توفيت الجر ليس مجال ُ‬
‫ولذلك فهم يعملون وُيجاهدون حتى يأتيهم اليقين‪.‬‬
‫‪ -3‬إنقاذ الناس ‪ -‬بإذن الله تعالى ‪ -‬من عبادةِ العباد إلى عبادة الله وحده ل‬
‫ق الدنيا وشقائها إلى‬ ‫شريك له‪ ،‬ومن ُ‬
‫ل السلم‪ ،‬ومن ضي ِ‬ ‫ظلم الديان إلى عد ِ‬
‫ب النار يوم القيامة إلى جنات النعيم‪.‬‬‫سعتها وسعادتها‪ ،‬ومن عذا ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وعندما يتذكُر الداعية هذه المهمة الجسيمة‪ ،‬وهذا الهدف الساس من دعوته‬
‫ف من جهده‪ ،‬ول يقّر له قرار وهو يرى الشرك‬ ‫ه ُيضاع ُ‬ ‫وجهاده‪ ،‬فإن ّ ُ‬
‫المستشري في المة‪ ،‬والفساد المستطير في مجتمعات المسلمين؛ والذي‬
‫يؤول بالناس إلى الشقاء والظلم وكثرة المصائب في الدنيا‪ ،‬وإلى العذاب‬
‫الليم في الخرة‪ .‬ولذلك فل ترى الداعية المدرك لهذه الغاية من دعوته‪ ،‬إل ّ‬
‫فا على نفسه وعلى الناس من عذاب الله عز وجل في الدنيا والخرة‪ ،‬ول‬ ‫خائ ً‬
‫ما بهم‪ ،‬يريد من دعوته هداية الناس‪ ،‬وإنقاذهم بإذن‬ ‫حا للعباد رحي ً‬ ‫تراهُ إل ناص ً‬
‫الله تعالى من الظلمات إلى النور‪ ،‬ومن عذاب الله عز وجل في الدنيا‬
‫ن حاله ومقاله يردد ُ قول مؤمن آل فرعون لقومه‪ ،‬فى قول‬ ‫والخرة‪ ،‬ولسا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫حَزا ِ‬ ‫ل ي َوْم ِ اْل ْ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن َيا قَوْم ِ إ ِّني أ َ‬ ‫م َ‬ ‫ذي آ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫الله عز وجل‪ )) :‬وََقا َ‬
‫مث ْ َ ْ‬
‫ريد ُ ظ ُْلما ً ل ِل ْعَِبادِ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫م وَ َ‬‫ن ب َعْدِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫مود َ َوال ّ ِ‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫ب قَوْم ِ ُنوٍح وَ َ‬ ‫ل د َأ ِ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫و‬‫ي‬ ‫د‬ ‫نا‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ويا قَوم إني أ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ ُ ِْ ِ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ْ َ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫ََ‬
‫هاد ٍ (( )غافر‪ 30 :‬ـ ‪. (33‬‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ُ َ ُ‬‫ل‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ٍ َ َ ْ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ص‬‫ِ‬ ‫عا‬
‫َ‬
‫ن مثل هذا الشعور‪ ،‬ليضفي الرفق بالناس والصبر على إعراضهم وأذاهم‪،‬‬ ‫وإ ّ‬
‫ح لهم أبواب الخير‪ ،‬أو يغلق عنهم أبواب الشر‪،‬‬ ‫ل يفت ُ‬ ‫ل مجا ٍ‬ ‫والحرص على ك ّ‬
‫ة المصلحين الداعين إلى الخير وهداية الناس في‬ ‫ئ في القلب محب َ‬ ‫كما ينش ُ‬
‫ه يدفعُ إلى بذل الجهد‪ ،‬والتخطيط والتعاون مع‬ ‫أي مكان من الرض‪ ،‬كما أن ّ ُ‬
‫دا عن التعصب والحزبية والولء‬ ‫جميع الداعين إلى الخير والبر والتقوى‪ ،‬بعي ً‬
‫ات الملوثة‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لماذا اللغة العربية ؟ !‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫وتهم‬‫ِإن واقع اللغة العربية اليوم يتأّثر كثيرا ً بواقع المسلمين‪ ،‬فهي تقوى بق ّ‬
‫ة بكل‬‫ديات‪ ،‬تبقى حي ّ ً‬ ‫وتضعف بضعفهم‪ ،‬ولكنها تبقى في الميدان تصارع التح ّ‬
‫ضّيق عليها أو غزاها الظالمون‪ ،‬ومهما اشتد ّ المكر والكيد‬ ‫خصائصها مهما ُ‬
‫لتوهينها أو عزلها عن الميدان‪.‬‬
‫ف‬
‫مها وتضع ُ‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬
‫وة أ َ‬‫وجميع اللغات تخضع إلى هذه القاعدة‪ ،‬فهي تقوى بق ّ‬
‫بضعفها‪ ،‬ولكنها ل تستطيع كّلها الصمود أمام التحديات التي تظهر أمامها‪.‬‬
‫ويضرب لنا التاريخ أمثلة كثيرة على لغات وقفت ثم تراجعت‪ ،‬وعلى لغات‬
‫أصبحت مجّرد تاريخ‪ ،‬وعلى لغات بادت مع شعوبها‪.‬‬
‫لمم والشعوب آية من آيات الله‪ ،‬تحمل العبرة للتأمل‬ ‫واختلف اللغات بين ا ُ‬
‫والتدبر ‪:‬‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ومن آياته خلق السموات والرض واختلف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك‬


‫ليات للعالمين (‬
‫] الروم ‪[ 22 :‬‬
‫ن اللغة العربية تمّيزت بخصائص لم تتوافر لي لغة ُأخرى‪ِ .‬إنها تمّيزت‬ ‫ولك ّ‬
‫ديات حّية قوية‪ ،‬تدفع‬ ‫بخصائص وهبتها القدرة العظيمة على الصمود أمام التح ّ‬
‫وتدافع وتصارع‪ .‬وبعض هذه المّيزات ينبع من إمكاناتها الذاتّية التي وهبها إياها‬
‫وها‪ ،‬ومنها ما هو نعمة من الله عليها وعلى‬ ‫الله من خلل مراحل تاريخها ونم ّ‬
‫المسلمين وعلى الناس كافة‪ ،‬حين اختارها الله لغة رسالته ِإلى عباده ولغة‬
‫دينه‪ ،‬وحين تعّهد الله بحفظ الذكر الذي نزل بها‪.‬‬
‫ديات وصعوبات نابعة من واقع المسلمين‪ ،‬فلقد‬ ‫وتمّر اللغة العربية اليوم بتح ّ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫فقد الكثيرون من المسلمين اليوم الحافز اليماني لتعلم اللغة العربّية‪ .‬ظ ّ‬
‫بعضهم أنه يمكن الستغناء عن اللغة العربية‪ ،‬وأنه يمكن دراسة القرآن‬
‫جما إليها‪ .‬فضعفت النية‬ ‫ُ‬
‫الكريم والسنة المطهرة بأي لغة أخرى إذا ُتر ِ‬
‫والعزيمة لتعّلم لغة القرآن الكريم والتمسك بها في مناطق كثيرة في العالم‬
‫ي‪،‬‬‫ي‪ ،‬مع ما أخذ المسلمون يعانون منه من غزو كاسح وفواجع ومآس َ‬ ‫السلم ّ‬
‫وهزائم في أكثر من ميدان‪.‬‬
‫ولقد تبع هذه الظاهرة وصاحبها ضعف في التصور اليماني والتوحيد وضعف‬
‫في تدّبر منهاج الله وفهمه وممارسته في واقع الحياة‪.‬‬
‫وقد أدرك العداء أهمية اللغة العربية وخطورة منزلتها في السلم وفي فهم‬
‫كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فكان من أهم محاولتهم‬
‫ِإضعاف صلة المسلم بلغته العربية‪ ،‬وِإضعاف شعوره بضرورة التمسك بها‪،‬‬
‫وط َْرح أفكار غريبة مريبة تصرف المسلم عن لغة دينه ورسالته في الحياة‪.‬‬
‫ة‬
‫ة متواصل ً‬ ‫واستمرت هذه المحاولت قرونا ً واستغرقت جهودا ً كثيرة‪ ،‬ومتابع ً‬
‫ت أفكار لتغيير قواعد اللغة العربية أو بعضها‪ ،‬وأفكار لتغيير‬ ‫ح ْ‬‫دون ملل‪ .‬فَط ُرِ َ‬
‫أحرفها وكتابتها‪ ،‬وأفكار لتغيير الشعر العربي‪ .‬وكانت هذه المحاولت والفكار‬
‫التي ت ُط َْرح مرتبطة بسائر المناهج والتخطيط الذي يضعونه لغزو العالم‬
‫ليمانية والفكرية والبشرية وغيرها‪.‬‬ ‫لسلمي‪ ،‬وتدمير طاقاته ا ِ‬ ‫ا ِ‬
‫لعل هذا الواقع المؤلم لم يشهد مثله تاريخ المسلمين الطويل‪،‬ول انحسرت‬
‫اللغة العربية مثل انحسارها اليوم‪ .‬ولكننا نسرع بالقول لنبّين ونؤكد أنها‬
‫ديات كلها‪ ،‬وأنها ستنتصر‪ ،‬وينتصر‬ ‫مازالت صامدة في الميدان تجابه التح ّ‬
‫المسلمون‪ ،‬وتعلو كلمة الله لتكون هي العليا‪ ،‬تدّوي بها اللغة العربية ‪ :‬الله‬
‫أكبر‪ ،‬الله أكبر !‬
‫لم يكن المسلمون يسّنون قانونا ً عسكريا ً أثناء فتوحاتهم يفرضون على‬
‫الناس به تعّلم اللغة العربية‪ .‬لم يكن انتشار اللغة العربية في الرض انتشار‬
‫قسر وقهر‪ .‬لقد أقبلت الشعوب كلها على تعلم اللغة العربّية إقبال شوق‬
‫ورغبة‪ ،‬بعد أن أسلمت وآمنت‪ ،‬وبعد أن عرفت من إيمانها وإسلمها منزلة‬
‫اللغة العربية في السلم‪ .‬وظلت اللغة العربية تنتشر بين الشعوب سواء‬
‫مهزومين‪ .‬ون ََبغ من الشعوب غير العربية‬ ‫أكان المسلمون منتصرين أم َ‬
‫لسلم للشعوب رسالته الربانّية‪،‬‬ ‫عباقرة في اللغة وأئمة فيها‪ ،‬حين قدم ا ِ‬
‫ليمان والتوحيد‪ ،‬وحين تساوت الشعوب في ظلل هذه الرسالة وفي‬ ‫رسالة ا ِ‬
‫ظلل العبودية لله رب العالمين‪.‬‬
‫ً‬
‫) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن‬
‫أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (‬
‫] الحجرات ‪[ 13 :‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويوم فتح مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬يا معشر قريش إن‬
‫الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالباء‪ ،‬الناس من آدم‪ ،‬وآدم من‬
‫تراب " )‪. (1‬‬
‫وفي حجة الوداع خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس‪ ،‬فكان‬
‫من بين ما قاله ‪ " :‬أيها الناس ! إن ربكم واحد‪ ،‬وإن أباكم واحد‪ ،‬كلكم لدم‪،‬‬
‫ي فضل إل‬‫وآدم من تراب‪ .‬أكرمكم عند الله أتقاكم‪ ،‬وليس لعربي على عجم ّ‬
‫بالتقوى‪ .‬أل هل بلغت ؟! اللهم اشهد ! قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فليبّلغ الشاهد‬
‫الغائب "‪. (2) .‬‬
‫فلم يكن انتشار اللغة العربية بين الشعوب إل بحافز إيماني‪ ،‬يزيده قوة‬
‫ووضوحا ً امتداد السلطان والنفوذ‪ ،‬وامتداد الدعوة السلمية في الرض‪.‬‬
‫وأصبحت اللغة العربية أحد العوامل الجامعة للمة المسلمة‪ ،‬وستظل كذلك‬
‫على مدى التاريخ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ديات الشيء الكثير‪ .‬فقد‬ ‫ولكننا اليوم نشهد واقعا ً جديدا ً يحمل من التح ّ‬
‫مُنوا بالهزائم تلو الهزائم‪،‬‬
‫انحسر سلطان المسلمين‪ ،‬وتمّزقت ديارهم‪ ،‬و ُ‬
‫وغلب العداء على مواقع كثيرة‪ ،‬وأخذ اليمان يضعف في بعض النفوس‪،‬‬
‫ف ويبهت‪ ،‬حتى غلب الهجر لمنهاج الله لدى كثير من‬ ‫والعلم بمنهاج الله يج ّ‬
‫المسلمين ‪:‬‬
‫ب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ً (‬ ‫) وقال الرسول يا ر ّ‬
‫] الفرقان ‪[ 30 :‬‬
‫وامتدت الفتنة في كثير من ديار المسلمين‪ ،‬وأخذت الفتنة أشكال ً مختلفة‬
‫لحباط ِإلى نفوس كثيرة‪ .‬وتبع ذلك كله ضعف عام لدى‬ ‫متعدّدة‪ ،‬وتسّلل ا ِ‬
‫المسلمين في اللغة العربية !‬
‫فلقد انتشرت اللغات العامّية ولهجاتها‪ ،‬وأصبح العامة من العرب أنفسهم ل‬
‫يعرفون اللغة العربية الصحيحة‪ ،‬ول يعرفها كذلك كثير من المثقفين العرب‪.‬‬
‫وانتشرت الخطاء اللغوية في بعض الصحف والمجلت‪ ،‬والكتب وبعض‬
‫الذاعات‪ .‬وفي مناطق كثيرة في العالم السلمي غلبت اللغات القومية‬
‫وانحسرت اللغة العربية أو اختفت‪ ،‬وضعف الشعور باحترامها وتقدير منزلتها‬
‫ي بضرورة تعلمها‪،‬‬ ‫في دين الله‪ ،‬وضعف الحافز اليماني والوعي السلم ّ‬
‫وضعفت النّية تبعا ً لذلك وهبطت الجهود‪ .‬وقد ترى الرجل المسلم ينال أعلى‬
‫الدرجات العلمية في أبواب شتى من العلوم‪ ،‬ويتقن من أجل ذلك اللغات‬
‫الجنبية ويبذل الجهد الكبير من أجل إتقانها‪ ،‬حافزه ُ في ذلك الدنيا ونيل‬
‫ي‬
‫ليمان ّ‬
‫الشهادة وما يتبعها من مصالح دنيوية‪ ،‬ول يجد في نفسه الحافز ا ِ‬
‫لدراسة اللغة العربية‪ ،‬ول الحافز الدنيوي‪.‬‬
‫ب فكره وأدبه بلغة أجنبية عنه وعن‬ ‫وقد تجد المفكر المسلم أو الديب يص ّ‬
‫قومه وعن دينه‪ ،‬أو بلغته القومية‪ ،‬بعد أن هبط الشعور والحساس بضرورة‬
‫ي أو اختفى‪.‬‬ ‫ليمان ّ‬
‫تعلم اللغة العربية‪ ،‬وهبط الحافز ا ِ‬
‫ونجد في بعض أقطار العالم السلمي أن اللغة العربية قد اختفت‪ ،‬واختفت‬
‫ل الظالم الطاغي الذي‬ ‫حروفها وقواعدها‪ .‬ونجد أن اللغة الجنبية‪ ،‬لغة المحت ّ‬
‫ي أو ذاك‪ .‬وانتشرت مع هذه‬ ‫يحارب السلم‪ ،‬سادت في هذا البلد السلم ّ‬
‫ومات‬ ‫الظاهرة بعض العصبيات الجاهلية‪ ،‬وبهتت روح اليمان والعتزاز بمق ّ‬
‫السلم ولغة القرآن والوحي‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونجد كذلك أن بعض المسلمين ل يتكلمون اللغة العربّية في المؤتمرات‬


‫العلمّية أو السلمية أو الدولية‪ ،‬بينما نجد آخرون يلتزمون لغتهم القومية في‬
‫مثل هذه المؤتمرات‪.‬‬
‫وتنحسر اللغة العربية في الفنادق والمطاعم وغيرها من مواقع السياحة في‬
‫كثير من أقطار العالم السلمي‪ ،‬وتنحسر كذلك في اللفتات على المحلت‬
‫التجارية والصناعية وغيرها من المراكز العلمّية والعلمية‪.‬‬
‫ديات بقوة‬‫ومع هذا النحسار الشديد فإن اللغة العربّية واجهت هذه التح ّ‬
‫جلت انتصارات كثيرة في مواقع عديدة‪ .‬فهناك مسلمون‬ ‫وثبات وصمود‪ ،‬وس ّ‬
‫ل بلد إسلمي يصّرون على تعلم اللغة العربية وعلى استخدامها‪ ،‬سواء‬ ‫في ك ّ‬
‫لسلم ودراسة‬ ‫ي يرتحلون إليه لدراسة ا ِ‬ ‫أكان ذلك في بلدهم أم في بلد عرب ّ‬
‫اللغة العربية‪.‬‬
‫إنهم يفعلون ذلك بحافز إيماني واع ومبادرة ذاتية‪ .‬فهذه الجامعات السلمية‬
‫م الشباب المسلمين من أقطار شتى من‬ ‫في المملكة العربية السعودية تض ّ‬
‫ُ‬
‫العالم السلمي‪ ،‬وكذلك جامعات بعض القطار العربية الخرى‪ .‬وترى بعض‬
‫المسلمين يصّرون على حفظ القرآن الكريم باللغة العربية دون أن يعرفوا‬
‫ل على إصرار المسلم على اللغة العربية‬ ‫اللغة العربية‪ِ ،‬إنها ظاهرة تد ّ‬
‫ديات الشديدة التي برزت‬ ‫وارتباطها بالقرآن الكريم‪ ،‬وتدل على مجابهة التح ّ‬
‫في العصر الحاضر‪.‬‬
‫ديات القائمة‪،‬‬‫ل على صمود المسلمين أمام التح ّ‬ ‫وهناك مواقف كثيرة تد ّ‬
‫وتدل على وعيهم لمنزلة اللغة العربية في السلم‪ .‬وإننا ندعو الله أن تنمو‬
‫م هذا الوعي جميع المسلمين‪.‬‬ ‫هذه المواقف وتمتد وتنتشر ليع ّ‬
‫إن أعداء الله لم يلقوا سلحهم‪ ،‬ولم يوقفوا مكرهم ضد السلم والمسلمين‬
‫ورون أساليبهم‬ ‫وضد اللغة العربية‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬فإنهم يط ّ‬
‫وكيدهم دون ملل أو يأس‪ .‬وعسى أن يرد ّ الله مكرهم إلى نحورهم‪ ،‬وعسى‬
‫أن يصبح ما ينفقون من أجل ذلك حسرة عليهم ‪:‬‬
‫)‪ ...‬ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (‬
‫] النفال ‪[ 30 :‬‬
‫) إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم‬
‫م يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون (‬ ‫تكون عليهم حسرة ث ّ‬
‫] النفال ‪[ 36 :‬‬
‫صل التخطيط لحماية‬ ‫ولكن يجب علينا أن نضع نهجنا نحن المسلمين‪ ،‬وأن نف ّ‬
‫اللغة العربية وإعزازها وإعلء كلمة الله في الرض‪ .‬ومن أجل ذلك يجب أن‬
‫تعرف الناشئة منزلة اللغة العربية في دين الله‪ ،‬وواجبها الشرعي على ضوء‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد كانت اللغة العربية لغة العرب وحدهم قبل أن يبعث الله محمدا صلى‬
‫الله عليه وسلم وقبل بدء الوحي‪ .‬فمن اللحظة التي نزل فيها الوحي على‬
‫ي الخاتم باللغة العربية واختار الله سبحانه وتعالى هذه اللغة العظيمة‬ ‫النب ّ‬
‫لتكون لغة الوحي والن ُّبوة‪ ،‬ولغة القرآن الكريم‪ ،‬منذ تلك اللحظة أصبحت‬
‫اللغة العربية هي لغة رسالة السلم‪ ،‬لغة المة المسلمة مدى الدهر‪ ،‬لغة كل‬
‫مسلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقد نمت اللغة العربية من خلل تاريخ طويل مّرت به الجزيرة العربية وبلد‬
‫الشام والعراق‪ .‬واستقرت على صورة من القواعد والبناء والبيان في نثرها‬
‫ددت مفهومات مصطلحاتها وتعبيرها‪ ،‬وأساليب بيانها‪ ،‬حتى‬ ‫وشعرها‪ ،‬وتح ّ‬
‫تمّيزت بذلك كله بروعة البيان وجمال التعبير وأسر الكلمة‪ ،‬وعبقرية شعرها‬
‫وحرفه بالوزن والقافية‪ ،‬وحتى أصبحت هذه اللغة العظيمة غنّية بكلماتها‬
‫ومشتقاتها وقواعدها وبلغتها‪ .‬وأصبحت غنية بنغمتها وموسيقاها‪ ،‬وأصبح‬
‫البيان يهّز العربي وغير العربي ممن عرف العربّية وأتقنها‪ ،‬وأصبحت اللغة‬
‫ي تؤثر في فكره ونهجه‪ ،‬وأصبح الشعر ديوان العرب‪،‬‬ ‫كنزا ً في حياة العرب ّ‬
‫ف بالوزن والقافية‪ ،‬كما يرد هذا التعريف‬ ‫وأجمع رجال العربّية أن الشعر َ‬
‫شُر َ‬
‫في المعاجم‪.‬‬
‫فما نزل الوحي الكريم من عند الله باللغة العربية إل بعد أن بلغت اللغة‬
‫نضجها واستقّرت بها قواعد السلم وآيات الكتاب المجيد وأحاديث الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬وأصبحت اللغة العربية تتميّز " بجوامع الكلم "‪ ،‬مما ل‬
‫ي الخاتم محمد صلى الله‬ ‫يتيسّر في لغة أخرى‪ ،‬حتى كان من خصائص النب ّ‬
‫عليه وسلم أنه أوتي جوامع الكلم‪ .‬فعن أبي موسى الشعري رضي الله عنه‬
‫عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫" ُأعطيت فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه "‬
‫] رواه أحمد وابن عمرو [)‪(3‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه ‪:‬‬
‫ت بالرعب وأعطيت جوامع الكلم "‬ ‫" نصر ُ‬
‫] رواه أحمد [)‪(4‬‬
‫وجاء القرآن الكريم ليبّين منزلة اللغة العربية في السلم‪ ،‬وليبّين أن اللغة‬
‫العربية من خصائص منهاج الله وأنها منه ‪:‬‬
‫ً‬
‫) ألر تلك آيات الكتاب المبين‪ .‬إنا أنزلناه قرآنا عربّيا لعلكم تعقلون (‬
‫] يوسف ‪[2،1 :‬‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫) وإنه لتنزيل رب العالمين‪ .‬نزل به الروح المين‪ .‬على قلبك لتكون من‬
‫ي مبين (‬ ‫المنذرين‪ .‬بلسان عرب ّ‬
‫] الشعراء ‪192 :‬ـ ‪[ 195‬‬
‫ويؤكد القرآن الكريم هذه الحقيقة الهامة في عدد غير قليل من سوره ‪:‬‬
‫صلت‪ ،‬طه‪ ،‬الزمر‪ ،‬الشورى‪ ،‬الزخرف‪ ،‬الحقاف‪ ،‬ومع كل تأكيد ظ ِ ّ‬
‫ل‬ ‫النحل‪ ،‬ف ّ‬
‫جديد‪ ،‬ففي سورة الرعد يأتي ظل ممتد مع التشريع والحكم الذي تتسع له‬
‫اللغة العربية ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫) وكذلك أنزلناه حكما عربي ّا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما‬
‫ي ول واق (‬ ‫لك من الله من ول ّ‬
‫] الرعد ‪[ 36 :‬‬
‫ويرتبط معنى الوضوح واستقامة المعنى والبيان والتشريع والعلم باللغة‬
‫العربية التي توّفر هذا كله في سورة الزمر ‪:‬‬
‫كرون‪ .‬قرآنا ً عربي ّا ً‬ ‫) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذ ّ‬
‫غير ذي عوج لعلهم يّتقون (‬
‫] الزمر ‪[ 28،27 :‬‬
‫ل يؤكد عظمة منزلة‬ ‫ً‬
‫ولو تابعنا جميع اليات الكريمة لوجدنا ظل يمتد ّ إلى ظ ٍ‬
‫اللغة العربية في القرآن الكريم‪ ،‬وتبعا ً لذلك في السلم‪.‬‬
‫ولقد جاءت رسالة السلم ونزل الوحي المين باللغة العربية ليخاطب القرآن‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكريم شعوب الرض كلها بمختلف أجناسها وأعراقها ولغاتها بهذا اللسان‬
‫العربي المبين‪ .‬فانتقلت اللغة العربية مع أول آية نزل بها الوحي نقلة واسعة‬
‫هائلة تمل العصور والقطار والشعوب‪.‬‬
‫وحسبنا‪ ،‬لنعلم عظمة هذه اللغة‪ ،‬أن ندرك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي‬
‫اختارها واصطفاها ورضيها لكتابه ودينه ولعباده المؤمنين‪ ،‬فوسعت كتاب الله‬
‫ل‪ ،‬أهل الفصاحة والبيان‪ ،‬أن يأتوا‬ ‫ب أو ً‬ ‫دى العر َ‬ ‫آيا ً وحكمة وبيانا ً معجزًا‪ ،‬يتح ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫لنس والج ّ‬ ‫دى ا ِ‬ ‫بمثله‪ ،‬ويتحدى الناس كلهم ويتح ّ‬
‫فأصبحت اللغة العربية لغة العبادة والطاعة في الصلة وسائر الشعائر‪ ،‬ول‬
‫ُيعتبر القرآن قرآنا ً إذا ُنقل إلى لغة أخرى‪ .‬إنما هو باب من أبواب التفسير‬
‫لعجاز والمنهاج‬ ‫غير الدقيق‪ ،‬يصلح لينقل بعض المعاني ول يصلح لينقل ا ِ‬
‫الرباني‪ .‬ونعتقد أنه يستفاد منه مرحليًا‪ ،‬حتى إذا آمن القلب وأسلم النسان‬
‫هرع إلى دراسة اللغة العربية‪ ،‬ليدرك فضل الله ونعمته على عباده باصطفائه‬
‫هذه اللغة العربية لكتابه ولدينه‪.‬‬
‫ومن هنا ندرك مسؤوليتنا في توفير الفرصة الكاملة للنسان ليأخذ دينه من‬
‫كتاب الله باللغة العربية كما ُأنزل من عند الله‪ .‬فهذا واجب على المؤمنين‬
‫وحقّ لكل إنسان‪.‬‬
‫مي لدى المسلمين خاصة والناس عامة‬ ‫ّ‬ ‫نن‬ ‫أن‬ ‫في‬ ‫مسؤوليتنا‬ ‫ومن هنا ندرك‬
‫الشعور والحساس بضرورة دراسة اللغة العربية‪ ،‬حتى يفقهوا كتاب الله‬
‫زل وأد ّْينا المانة‪ .‬فقد أمر الله‬
‫ِ‬ ‫وسنة نبيه‪ ،‬وحتى نكون أوفينا البلغ بما ُأن‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الناس كافة ما ُأنزل إليه‪ ،‬فإن لم يفعل‬
‫ذلك فل يكون قد بّلغ رسالته ‪:‬‬
‫ل فما بّلغت رسالته‬ ‫) يا أيها الرسول بّلغ ما ُأنزل إليك من ربك وإن لم تفع ْ‬
‫والله يعصمك من الناس إن الله ل يهدي القوم الكافرين (‬
‫] المائدة ‪[ 67 :‬‬
‫فقد حملت اللغة العربية بفضل من الله ‪ :‬تمام البلغ وكماله‪ ،‬والنذار‬
‫م الحق الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه‬ ‫شرى‪ ،‬والرحمة للعالمين‪ ،‬والعل َ‬ ‫والب ْ‬
‫سر للذكر‪ ،‬والهدى والنور والشفاء‪،‬‬ ‫ول من خلفه‪ ،‬والبيان المعجز المي ّ‬
‫والموعظة والحكمة‪ ،‬والقول الفصل !‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لذلك نرى أن اللغة العربية جزء ل يتجّزأ من منهاج الله ‪ ،‬فبغيرها ل يكون‬
‫الكلم كلم الله ول كلم رسوله‪ ،‬ول هو البلغ المبين‪.‬‬
‫ونرى كذلك أنه من واجب كل مسلم أن تكون اللغة العربّية هي لغته الولى‬
‫بالضافة إلى لغته القومية‪.‬‬
‫ومما يؤكد هذه الحقيقة الهامة أنه عند نقل القرآن والسنة إلى لغة أخرى‬
‫سَتوَفى كما هي مستوفاة باللغة العربية‪ ،‬وإن‬ ‫غير العربية فإن المعاني ل ت ُ ْ‬
‫ن يفقد‬
‫لنس والج ّ‬‫دى به العرب وا ِ‬ ‫العجاز الذي يحمله منهاج الله والذي تح ّ‬
‫كثيرا ً من خصائصه‪ ،‬وِإن البيان المعجز المؤثر في النفس يختفي معظم‬
‫تأثيره ول يبقى الكلم عندئذ كلم الله‪ ،‬ول القرآن قرآنًا‪ ،‬ول التلوة تلوة‪.‬‬
‫ذر نقله إلى لغة‬‫وفي اللغة العربية‪ ،‬وألفاظ القرآن وتعبيراته بها‪ ،‬ما يتع ّ‬
‫أخرى‪ .‬فكلمة الولء‪ ،‬وآية‪ ،‬الحسان‪ ،‬التقوى‪ ،‬عََرض هذا الدنى‪ ،‬قدم صدق‪،‬‬
‫وأملي لهم‪ ،‬إمام‪ ،‬عاكفين‪ ،‬وكلمات كثيرة‪ ،‬وتعبيرات قرآنية كثيرة أعجزت‬
‫العرب أن يأتوا بمثلها‪ ،‬فأّنى للغات غير العربية‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وّللغة العربية جمال متمّيز عن سائر اللغات‪ .‬إنه جمال الوضوح والدقة في‬
‫المعنى‪ ،‬وجمال الظلل الموحاة‪ ،‬وسائر أبواب الجمال الذي كشف عن بعضه‬
‫ددا ً تتفتح أبوابه مع‬
‫العلماء المسلمين في تاريخ طويل‪ .‬وسيظل الجمال متج ّ‬
‫لخرى على قواعد اللغة العربية‪،‬‬ ‫اليام‪ .‬ول تنطبق قواعد الجمال في اللغات ا ُ‬
‫فّللغة العربية جمال آسر هّز جميع من درسها وعرفها‪ .‬ولقد هّزت الدباء‬
‫والشعراء وهّزت الشعوب‪.‬‬
‫لسلم وتشريعه على‬ ‫ّ‬
‫ددت مصطلحاتها اللغوية‪ ،‬حتى تستقّر أحكام ا ِ‬ ‫ولقد تح ّ‬
‫قواعد راسخة‪ ،‬وحتى تستوفي اللغة أسباب الوضوع والدقة والجمال‪ .‬ولقد‬
‫استقّر مفهوم النثر ومفهوم الشعر‪ ،‬حتى ل يختلط الكلم‪ ،‬وحتى يتمايز كلم‬
‫الله‪ ،‬وحتى تستقيم المعاني‪.‬‬
‫ُ‬
‫لذلك نرى أن اللغة العربية هي اللغة الولى للدب الملتزم بالسلم‪ ،‬الدب‬
‫الذي يريد أن يرقى من مراتب الجمال إلى مراتبه العالية‪.‬‬
‫ونرى أن اللغة العربّية هي اللغة الرسمية للمة المسلمة كلها‪ ،‬يخطئ من‬
‫يستبدل بها غيرها‪ ،‬وأن واجب المة المسلمة وعلمائها ودعاتها وقادتها أن‬
‫يبذلوا غاية جهدهم في هذا السبيل‪ ،‬فإنها عهد وأمانة‪.‬‬
‫ولقد تعّهد الله سبحانه وتعالى بحفظ الذكر الذي أنزله على رسوله ونبيه‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم وهذا يعني أنه تعّهد بحفظ دينه و قرآنه وسّنة‬
‫نبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واللغة العربية التي هي وعاء الذكر كله وبيانه‬
‫ومادته ‪:‬‬
‫) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (‬
‫] الحجر ‪[ 9 :‬‬
‫حص عباده المؤمنين‪ ،‬وليرى من‬ ‫ولكنه ابتلء من الله سبحانه وتعالى ليم ّ‬
‫يوفي بالعهد والمانة‪ ،‬ومن ينهض للغة دينه و قرآنه وسنة نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ومن يتوانى أو يدبر‪ ،‬ويمضي البتلء على سنن لله ماضية‪ ،‬وحكمة‬
‫بالغة وقدر وغالب‪.‬‬
‫دي مع‬ ‫ً‬
‫ولن يستطيع الناس أبدا أن يأتوا بمثل هذا القرآن‪ ،‬ويمضي هذا التح ّ‬
‫الدهر ‪:‬‬
‫ن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله‬ ‫) قل لئن اجتمعت النس والج ّ‬
‫ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ً (‬
‫] السراء ‪[ 88 :‬‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫) أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم‬
‫من دون الله إن كنتم صادقين (‬
‫] هود ‪[ 13 :‬‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫) وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا‬
‫شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (‬
‫] البقرة ‪[ 23 :‬‬
‫دي ‪:‬‬
‫وأمام هذا التح ّ‬
‫) فإن َلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن ل إله إل هو فهل‬
‫أنتم مسلمون (‬
‫] هود ‪[ 14 :‬‬
‫فليمض المسلمون إلى نصرة ربهم ونصرة دينهم واللغة التي اختارها الله‬
‫لدينه‪ ،‬فليمضوا وهم مطمئنون إلى أن الله ناصر دينه ولغة دينه‪ ،‬وأنهم‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مبتلون‪ .‬فليسعوا إلى النجاة في الدنيا والفوز في الخرة‪ .‬والحمد لله رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫)‪ (1‬أحمد زكي صفوت ‪ :‬جمهرة خطب العرب ‪ ) :‬ج ‪ ) ،( 1 :‬ص ‪.( 154 :‬‬
‫)‪ (2‬المرجع السابق ‪ ) :‬ص ‪.( 157 :‬‬
‫)‪ (3‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪.1/350/1069 :‬‬
‫)‪ (4‬الفتح الرباني ‪.22/41/732 :‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لماذا المنهج؟ )‪ 1‬ـ ‪(2‬‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين خليل ‪20/1/1427‬‬
‫‪19/02/2006‬‬
‫إن مسألة اعتماد منهج عمل دقيق‪ ،‬أو برنامج مرسوم‪ ،‬يجب أن تأخذ مكانة‬
‫متقدمة في سلم الولويات‪ ،‬ليس فقط بالنسبة للنشاط التاريخي‪ ،‬ولكن‬
‫بالنسبة للفكر السلمي المعاصر عموما ً من أجل أن يمضي إلى أهدافه بأكبر‬
‫قدر من التركيز‪ ،‬والقتصاد في الجهد‪ ،‬وتجاوز التكرار‪ ،‬وتغطية المواضيع‬
‫المّلحة وفق تسلسلها في الهمية‪.‬‬
‫دد المفردات‪ ،‬بّين الملمح‪ ،‬مثّبت‬ ‫منهج‪ ،‬أو برنامج عمل‪ ،‬واضح البعاد‪ ،‬مح ّ‬
‫الهداف‪ ،‬من أجل حماية أنشطتنا الثقافية كافة من الرتجال والفوضى‪،‬‬
‫وربما التناقض والرتطام‪.‬‬
‫إن القوم في عالم الغرب يغزوننا اليوم بأكثر من سلح‪ ،‬وإن )المنهج( الذي‬
‫يستهدي بمقولته ونظمه معظم المفكرين‪ ،‬أفرادا ً ومؤسسات‪ ،‬لهو واحد من‬
‫أشد هذه السلحة مضاًء في تمكينهم من التفوق علينا وفرض فكرهم في‬
‫ساحاتنا الثقافية كافة‪.‬‬
‫هم منهجيون في كثير من أفعالهم وممارساتهم‪ ،‬بغض النظر عن مدى سلمة‬
‫هذا المنهج وصدق مفرداته وصواب أهدافه التي يتوخاها‪ ..‬منهجيون وهم‬
‫يتحاورون ويتناقشون ‪ ..‬منهجيون وهم يكتبون ويبحثون ويؤلفون ‪ ..‬منهجيون‬
‫وهم يدرسون ويقرؤون ويطالعون ‪ ..‬إن المنهج بالنسبة للمثقف الغربي يعني‬
‫ضرورة من الضرورات الفكرية‪ ،‬بل بداهة من البداهات‪ ،‬وبدونه لن تكون‬
‫الحركة الفكرية بأكثر من فوضى ل يضبطها نظام‪ ،‬وتخّبط ل يستهدي بهدف‪،‬‬
‫ومسيرة عمياء ل تملك معالم الطريق ‪..‬‬
‫ونحن‪ ،‬إل ّ قّلة من المفكرين‪ ،‬على النقيض من هذا في الكثير من أفعالنا‬
‫وممارساتنا‪ ..‬بل منهج في حوارنا ومناقشاتنا‪ ..‬بل منهج في كتاباتنا وأبحاثنا‬
‫وتآليفنا‪ ..‬بل منهج في دراساتنا وقراءاتنا ومطالعاتنا ‪ ..‬وأنشطتنا الثقافية‬
‫بعامة ‪..‬‬
‫لكأن الرؤية المنهجية التي منحنا إياها كتاب الله وسنة رسوله عليه السلم) (‬
‫قد غابت عنا‪ ،‬وأفلتت مقولتها من بين أيدينا‪ ،‬وتلقفها القوم كما تلقفوا الكثير‬
‫من معطياتنا الثقافية فذكروها ونسيناها‪ ،‬والتزموا بها وتركناها‪ ،‬وتحققوا‬
‫بحضورها الدائم‪ ،‬وغبنا نحن عنها‪ ،‬أو غابت هي عنا‪ ،‬فكان هذا الذي كان ‪..‬‬
‫ولكأن الخطط الخمسية التي قبسناها عنهم في أنشطتنا القتصادية هي‬
‫الخطط الوحيدة التي يمكن أن ُتؤخذ عنهم من أجل وضع مناهج عمل‬
‫لممارساتنا القتصادية تتضمن المفردات‪ ،‬ووحدات الزمن المطلوبة‪،‬‬
‫والهداف‪ ،‬في سياق إستراتيجية بعيدة المدى‪ ،‬قد تتحقق بعد عشر من‬
‫الخطط الخمسية أو عشرين ‪..‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أليس ثمة مجالت أخرى‪ ،‬غير القتصاد‪ ،‬أو مع القتصاد‪ ،‬يجب أن ُيبرمج لها‪،‬‬
‫ب ـ على‬ ‫وأن ُتوضع لها الخطط والمناهج الزمنية المحددة‪ ،‬الصارمة‪ ،‬لكي تص ّ‬
‫هدى وبينة ـ في بحر الهداف الستراتيجية لمسارنا الثقافي؟‬
‫إن اعتماد المنهج في أنشطتنا الفكرية‪ ،‬ليس اقتباسا ً عن حضارة الغرب بقدر‬
‫ما هو رجوع إلى الجذور والتقاليد الصيلة التي صنعناها نحن على هدى كتاب‬
‫الله وسنة رسوله عليه الصلة والسلم‪ ،‬ومعطيات أتباع هذا الدين زمن‬
‫تألقهم الحضاري‪..‬‬
‫وإن حيثيات الصراع الراهن مع الحضارة الغربية تتطلب ـ فيما تتطلب ـ أن‬
‫يكون لنا منهج عمل فكري يمكننا‪ -‬من خلل النظم الصارمة التي يلزمنا بها‪-‬‬
‫من الخذ بتلبيب القدرة على الفاعلية والتحقق بالريادة والكشف والبتكار‬
‫والضافة والغناء‪..‬‬
‫ً‬
‫أن نكون ـ باختصار ـ أندادا للفكر الغربي‪ ،‬قديرين على أن ندخل معه في‬
‫حواٍر‬
‫يومي‪ ..‬وأن نتفوق عليه ‪..‬‬
‫ّ‬
‫إن العقيدة التي نملكها‪ ،‬والمضامين الثقافية التي تخلقت عبر تاريخنا الطويل‬
‫في مناخ هذه العقيدة‪ ،‬تعلو‪ ،‬بمسافات ل يمكن قياسها‪ ،‬على عقائدهم‬
‫وفلسفاتهم ورؤاهم ومضامينهم الثقافية‪ ..‬هم يقولون هذا مرارا ً ويؤكدونه‬
‫تكرارًا‪ ،‬قبل أن نقوله نحن ونؤكده‪ ،‬وبعده ‪..‬‬
‫والذي يعوزنا هو المنهج‪ ..‬هو طرائق العمل الستراتيجي المبرمج المنظم‬
‫المرسوم‪ ..‬وحينذاك فقط يمكن أن نطمح‪ ،‬ليس فقط إلى تأصيل ذاتنا‬
‫الثقافية وتحصينها ضد عوامل التفكك والغياب والدمار‪ ..‬بل على التفوق على‬
‫ثقافة الخصم واحتوائها‪ ،‬باطراح دمها الزرق الفاسد والتمثل بدمها القاني‬
‫النظيف ‪..‬‬
‫إن المنهج يعني‪-‬في نهاية التحلي‪ -‬حشد الطاقات وتجميعها والتنسيق بين‬
‫معطياتها لكي تصب في الهدف الواحد‪ ،‬فتكون أغنى فاعلية وأكثر قدرة على‬
‫التجدد والبداع والعطاء‪..‬‬
‫وغن غياب المنهج يعني ـ بالضرورة ـ بعثرة الطاقات وتفتيتها وإحداث‬
‫التصادم بينها ‪ ..‬فل تكون ـ بعد ـ جديرة بالضافة والفاعلية والعطاء ‪..‬‬
‫لقد أكد القرآن الكريم والرسول عليه السلم هذا المعنى أكثر من مرة‪..‬‬
‫وحذرنا نبينا ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من أن الذئب ل يأكل من الغنم إل الشياه‬
‫القاصية‪..‬‬
‫إن العدسة )المفرقة( تبعثر حزمة الضوء فتفقد قدرتها على الحراق‪ ،‬أما‬
‫العدسة‬
‫مة( فتعرف كيف تجمع الخيوط لكي تمضي بها إلى البؤرة التي تحرق‬ ‫)الل ّ‬
‫وتضيء ‪..‬‬
‫مة‪ ..‬وبدونه لن يكون بمقدور آلف الكتب‬ ‫إن )المنهج( هو هذه العدسة الل ّ‬
‫التي تطرحها مطابعنا سنة بعد سنة أن تمنحنا )النار( التي نحن بأمس الحاجة‬
‫إليها في صراعنا الراهن‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تحرق الضللت والخرافات والوهام ‪ ..‬وتضيء الطريق للمدلجين‪..‬‬


‫________________________________________‬
‫) ( أنظر الفصل الول من كتاب )حول إعادة تشكيل العقل المسلم( للمؤلف‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للطلع على خصائص التصور المنهجي الذي طرحه القرآن الكريم‪.‬‬


‫لماذا المنهج؟ )‪ 2‬ـ ‪(2‬‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين خليل ‪5/2/1427‬‬
‫‪05/03/2006‬‬
‫هذا على مستوى الفكر السلمي عامة‪ ..‬أما على مستوى الفكر التاريخي‬
‫والكتابة‬
‫في حقل التاريخ السلمي‪ ،‬فإن المنهج يغدو ضربة لزب ‪ ..‬إذا ما أردنا بحق‬
‫أن نستعيد معطيات هذا التاريخ ونجعلها أكثر قدرة على التكشف والوضوح‪،‬‬
‫وأشد قربا ً من البيئة التي تخّلقت فيها‪ ،‬وأعمق انسجاما ً مع المناخ الذي‬
‫تنفست فيه واستوت على سوقها‪ ..‬ضربة لزب لكثر من سبب‪:‬‬
‫ل‪ :‬غياب الهدف وانعدام الرؤية للكثير من مؤلفاتنا التاريخية القديمة‬ ‫أو ً‬
‫والحديثة‪ ..‬أي على مستوى المصادر والمراجع على السواء‪ ،‬يقابل ذلك‬
‫فوضى وارتجال وتخبط‪ ،‬كانت تعاني منها ـ ول تزال ـ الكثير من هذه‬
‫المؤلفات‪.‬‬
‫س النقدي‪ ،‬أو عدم حضوره بشكل مؤكد‪ ،‬في معظم العمال‬ ‫ثانيًا‪ :‬غياب الح ّ‬
‫التاريخية‪ ،‬على خلف ما كان يحدث في ساحة المعارف الخرى وبخاصة‬
‫الحديث والمنطق والفلسفة ‪ ..‬إلى آخره‪ ..‬يقابل ذلك استسلم عجيب وصل‬
‫ببعض المؤرخين الكبار أنفسهم حد ّ تقبل الكذب والخرافات والضاليل‬
‫والوهام‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬طغيان النزعة )التجميعية( التي دفعت بعض المؤرخين القدماء وعددا ً‬
‫من‬
‫المؤرخين المحدثين إلى تحقيق نوع من التوسع الكمي الذي ُيقبل‪ ،‬من أجل‬
‫خمه المنشود‪ ،‬كل خبر أو رواية ‪ ..‬ويجيء ذلك على حساب نوعية‬ ‫تحقيق تض ّ‬
‫النجاز التاريخي ومنهجيته وقدرته على التركيز والختزال‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬فقدان السلوب التركيبي الذي يعرف كيف يجمع الوقائع التاريخية ذات‬
‫النسغ الواحد والمسار المتوحد‪ ،‬في نسيج تركيبي يمكن المؤرخ من إضاءة‬
‫ملمحه وتعميق خطوطها وقسماتها‪ ،‬ومنحها المعنى والمغزى المستمد من‬
‫وش بين الوقائع‪ ،‬والتقاطع‬ ‫خامة النسيج نفسه ‪ ..‬بدل ً من ذلك التداخل المه ّ‬
‫بين أنماطها المتباينة‪ ،‬حيث يصعب على المرء أن يتبين الخطوط المميزة‬
‫لهذا الحشد من التجارب التاريخية أو ذاك‪.‬‬
‫ل ل يرحم من التأثيرات )الذاتية(‬ ‫خامسًا‪ :‬تعرض المعطيات التاريخية لسي ٍ‬
‫على حساب‬
‫)الموضوع(‪ ،‬أو من خلل الموضوع الذي اتخذ مركبا ً لعبور الهواء والظنون‬
‫والمصالح والتحزبات ‪ ..‬المر الذي غّير من مكونات الواقعة التاريخية من‬
‫جهة‪ ،‬وأضاف إليها ـ من جهة أخرى ـ الكثير الكثير مما لم يكن من صلب‬
‫تكوينها‪ ..‬فكان ذلك التزوير والتزييف الذي غطى على مجرى الرواية‬
‫التاريخية في كثير من مساحاته‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬غياب المؤسسات التي تأخذ على عاتقها مهمة تعضيد التأليف‬
‫التاريخي وتوجيهه ووضع أولوياته‪ ،‬على خلف ما كان يحدث في بعض حقول‬
‫المعارف النسانية الخرى‪ ،‬وبخاصة الفلسفة والجغرافيا‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬انطفاء آخر شمعات الفكر التاريخي في قرون الظلم الحضاري الذي‬
‫ّلف عالم السلم قبيل انبثاق الفجر الجديد‪ ..‬وظهور ذلك النقطاع المحزن‬
‫في حقل النجاز التاريخي‪ ،‬وتلك الهوة العميقة بين معطيات الجداد والحفاد‪،‬‬
‫والتي لعبت دورا ً سلبيا ً ول ريب في تمكين الفكر التاريخي من مواصلة‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مسيرة النضج والكتمال‪.‬‬


‫ثامنًا‪ :‬السبق الزمني الذي مارسه الغربيون في أعقاب هذا النقطاع‪ ،‬فأخذوا‬
‫بذلك زمام المبادرة في التعامل مع تاريخنا السلمي كشفا ً وإضاءة وتحقيقا ً‬
‫ونقدا ً وتركيبا ً ‪ ..‬ولكن بمناهجهم وأساليبهم وطرائقهم التي ألحقت بمعطياتنا‬
‫التاريخية كسورا ً وشروخا ً وتناقضات ليس من السهولة إزالة آثارها المدمرة‪،‬‬
‫دون اعتماد منهج أصيل قدير على حمل المانة والقيام بالمهمة الصعبة‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬غياب الرؤية السلمية الصيلة لدى معظم أبناء الجيل الول والثاني‬
‫من المؤرخين المسلمين المحدثين أنفسهم ‪ ..‬فلم يكونوا في حقيقة المر‬
‫سوى امتداد للمدرسة الستشراقية الغربية‪ ،‬ولم يفعلوا سوى أن أضافوا إلى‬
‫الكسور التي أحدثتها في مسار التاريخ السلمي كسورا ً ‪ ..‬والرؤية السلمية‬
‫هي المفتاح الذي لبد ّ منه لدخول ساحة التاريخ السلمي‪ ،‬وبدونه لن يتحقق‬
‫دخول مشروع‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬ظهور المدرسة المادية التاريخية وانتشارها وكسبها الكثير من التباع‬
‫والمعجبين‪ ،‬ومحاولة إقحام مقولتها الصارمة‪ ،‬الفجة‪ ،‬في مجرى تاريخنا‬
‫السلمي نقدا ً وتركيبا ً ‪..‬‬
‫وثمة أسباب أخرى كثيرة‪ ،‬أقل أهمية‪ ،‬تجعل من حضور منهج للفكر والنشاط‬
‫التاريخيين ضرورة ملحة ‪..‬‬
‫والن فإن محاولت عديدة‪ ،‬لحسن الحظ‪ ،‬شهدتها العقود الخيرة من هذا‬
‫القرن‪ ،‬استهدفت التحقق بالمنهجية المنشودة‪ ..‬على مستوى الفراد‬
‫والمؤسسات‪ ،‬وهذا يدل على تزايد الوعي التاريخي الذي كان يعاني في‬
‫الفترة السابقة من التسطح والضحالة والغياب‪.‬‬
‫إل أن معظم تلك المحاولت لم تأت بطائل‪ ،‬فما أن مضت خطوات حتى‬
‫توقفت‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وأعلنت‪ ،‬بلسان الحال أو بلسان المقال‪ ،‬عجزها عن مواصلة الطريق‪:‬‬


‫مؤسسات حكومية‪ ،‬وقيادات فكرية‪ ،‬وجامعات عربية‪ ،‬ومنظمات ثقافية‪،‬‬
‫وتجمعات تخصصية‪ ،‬وأفراد متفرقون هنا وهناك ‪ ..‬كلهم دعوا إلى )المنهج( ‪..‬‬
‫وإلى ما أسموه إعادة كتابة التاريخ ‪ ..‬وقاموا ببعض المحاولت الولية‬
‫وطرحوا بعض الضاءات‪ ..‬وليس ثمة أكثر من هذا‪ ..‬ومضت الدعوة إلى‬
‫اعتماد المنهج وإلى إعادة كتابة التاريخ تصدر من هنا أو هناك‪ ،‬ملحة في‬
‫الطلب‪ ،‬مؤكدة القول ‪ ..‬وهي دعوة تؤكد ـ مهما كانت النيات التي تختبئ‬
‫وراءها ـ حضور الوعي التاريخي‪ ،‬وتكشفه وانتشاره ‪ ..‬وتعّزز الوجهة العلمية‬
‫القائلة بأن اكتشاف قدرات أمة من المم وتمكينها من )المعاصرة( و‬
‫)الحركة( صوب المستقبل‪ ،‬والستجابة للتحديات‪ ،‬والتفوق عليها‪ ،‬ل يتحقق إل‬
‫بالرجوع إلى التاريخ وكشف النقاب عن معطياته وملمحه ومؤشراته ‪ ..‬المر‬
‫الذي لم يكن‪ ،‬في النصف الول من القرن الماضي‪ ،‬على هذه الدرجة من‬
‫الوضوح والتأكيد‪ ،‬يوم كان ُيرى في اللتفات صوب الماضي‪ ،‬على أثر الصدمة‬
‫الحضارية الغربية‪ ،‬نوع من النتحار الزمني في عصر سباق الحضارات‪ ،‬وكان‬
‫ُيرى فيه نزوع رجعي ‪ ،‬وغياب عن العصر ‪ ،‬وعرقلة للتوجه المستقبلي‪..‬‬
‫ويوم أن كانت ذيول المدرسة المادية التاريخية تطرح بفجاجة وسخف‬
‫مقولتها الخاطئة بضرورة تجاوز التوجه التاريخي‪ ،‬وقطع الجذور‪ ،‬وإلغاء‬
‫مقولت المسيرة‪ ،‬والنطلق من نقطة الصفر الزمنية صوب المستقبل!!‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليوم‪ ،‬غابت هذه الرؤى التي ينفيها العلم بحقائق الشياء ‪ ..‬واليوم اختنقت‬
‫تلك الصوات التي لم تكن تملك سببا ً للبقاء والستمرار ‪..‬‬
‫واليوم تحل محل هذا وذاك تلك الدعوات الملحة التي تصدر ـ كما رأينا ـ عن‬
‫العديد من مراكز الثقل والتوجيه والفاعلية‪ :‬أكاديميا ً وعقائديا ً وسياسيًا‪ ..‬المر‬
‫الذي يؤكد حضور‬
‫)التاريخ( في نسيج وجودنا الحاضر وحتمية اعتماد مكوناته في لحمة هذا‬
‫النسيج وسداه‪ ،‬حيث ل يكف النول عن الذهاب والياب ‪..‬‬
‫ترى ـ يتساءل المرء ـ‪ :‬لماذا لم تستطع أية محاولة من هذه المحاولت أن‬
‫تواصل الطريق وأن تحقق هدفها المنشود؟‬
‫إن الدعوة إلى التحقق بالمنهج وإلى إعادة كتابة التاريخ‪ ،‬أو ـ بعبارة أدق ـ‬
‫إعادة عرضه وتحليله‪ ،‬ليست طريقا ً مسدودًا‪ ..‬فلماذا كان هذا الذي كان؟‬
‫ثمة أسباب عديدة وقفت ـ ول تزال ـ في طريق هذا الهدف‪ ،‬ونحن إن‬
‫عرفناها جيدا ً فكأننا نكون قد عرفنا مواطن الداء فسهل علينا انتقاء الدواء ‪..‬‬
‫فمن هذه السباب‪ ،‬على سبيل المثال ل الحصر‪:‬‬
‫ل‪ :‬عدم وضوح الرؤية بالنسبة لطبيعة العمل‪ .‬فمن قائل بضرورة إعادة‬ ‫أو ً‬
‫كتابة التاريخ السلمي كله من أقصاه إلى أقصاه‪ ،‬واعتماد بنية جديدة لوقائعه‬
‫وصيرورته ترفض بالكلية ما قدمه مؤرخنا القديم‪ ،‬ومن قائل بضرورة اعتماد‬
‫صيغة انتقائية تأخذ بهذا وترفض ذاك‪ ،‬ومن قائل بضرورة إعادة تفسير‬
‫وتحليل معطيات هذا التاريخ بدل ً من إعادة تركيبه‪ ..‬وآخرون ل يعرفون على‬
‫وجه الدقة واليقين ما الذي يقصدونه بالعمل المنشود؛ لن الضباب يّلف‬
‫تصورهم فل يتيح لهم الفرصة لستبانة ملمح الطريق ‪..‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ومما يرتبط بهذا‪ ،‬غياب المنهج وضعف القدرة على التخطيط‪ ..‬فقد‬
‫تتضح الرؤية أحيانًا‪ ،‬وتتحدد طبيعة العمل‪ ،‬وتتكشف أبعاده ‪ ..‬لكن أسلوب‬
‫العمل وطرائقه‪ ..‬المنهج ـ بعبارة أخرى ـ غير متحقق‪ ..‬ونحن قوم ـ ولنقلها‬
‫بصراحة ـ نعاني ضعفا ً في قدراتنا التخطيطية‪ ،‬ليس هنا مجال استعراض‬
‫أسبابه‪ ،‬ولشد ما ينعكس هذا الضعف على عدم طرح برنامج عمل محدد‬
‫الخطوات‪ ،‬مكتمل المفردات‪ ،‬مثبت الهداف والغايات‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ونحن قوم نعاني ـ كذلك ـ من فقدان الروح الجماعية التي علمنا إياها‬
‫هذا الدين وربانا عليها وألزمنا بها‪ ،‬ولكنا تخلينا عن الكثير من مقولتها‬
‫ومواضعاتها‪ ،‬وتجمدت تقاليدنا على صيغ فردية قد تبلغ حد الثرة والنانية في‬
‫كثير من الحيان‪ ،‬فتمحو القدرة على التوجه الجماعي الذي تتكامل فيه‬
‫الطاقات‪ ،‬وتتضافر القدرات‪ ،‬ويتدفق العطاء لكي يصب في الهدف الواحد ‪..‬‬
‫والمشاريع الكبيرة في ميادين العقيدة أو الفكر أو العمران والقتصاد‪ ،‬لهي‬
‫بأمس الحاجة إلى هذه الروح الجماعية التي يعرف الغربيون كيف يعتمدون‬
‫عليها لتحقيق العاجيب والمعجزات في ميادين النجاز ‪ ..‬وإعادة عرض‬
‫التاريخ السلمي‪ ،‬أو تحليله‪ ،‬عمل كبير ‪ ..‬ويوم نتحقق ثانية بروح الفريق‪ ،‬كما‬
‫أراد لنا السلم أن نكون‪ ،‬يوم نتجاوز الفرديات والحساسيات والنانيات صوب‬
‫ما هو أكبر وأشمل ‪ ..‬حينذاك نستطيع أن نضع خطواتنا على الطريق ‪..‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫رابعًا‪ :‬غياب التوحد في الرؤية ‪ ..‬فليس بمقدور فريق من المؤرخين يتجه‬


‫بعضهم يمينا ً ويمضي بعضهم الخر شما ً‬
‫ل‪ ،‬أن يحققوا الهدف المنشود‪ ..‬وكيف‬
‫سيكون العمل‪ ،‬الذي يفترض أن يتوحد نسيجه‪ ،‬كيف سيكون إذا كان بعض‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ساجين ليبراليًا‪ ،‬وكان بعضهم الخر ماديا ً وكان بعضهم الثالث إثّنيًا‪ ،‬وكان‬ ‫الن ّ‬
‫ً‬
‫بعضهم الرابع إقليميا‪ ،‬وكان بعضهم الخامس مصلحيا؟ كيف يتحقق مشروع‬‫ً‬
‫حد لمجرى التاريخ السلمي‪ ،‬إذا كانت بعض‬ ‫ُيراد منه تقديم تحليل متو ّ‬
‫مساحاته منسوجة بالقطن وأخرى بالصوف وثالثة بالديولين ورابعة بالحرير؟‬
‫إنه لمر مستحيل ‪ ..‬بل هو مدعاة للسخرية يقينًا‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬وثمة ما ُيراد أحيانا ً بمشروع كهذا‪ :‬احتواؤه عقيديا ً وتوظيفه من أجل‬
‫هذه اليديولوجية أو تلك ‪ ..‬وهذا نقيض الموضوعية ‪ ..‬والموضوعية شرط‬
‫حاسم من شروط البحث العلمي الجاد ‪ ..‬ثم إن محاولت كهذه قد تملك‬
‫المال والقدرة‪ ،‬ولكنها ل تملك النفس الطويل الذي يمكنها من المضي في‬
‫الطريق حتى نهايته ‪ ..‬ذلك أنها رهينة بظروف مرحلية ومتغيرات زمنية‪..‬‬
‫ول صيغ معادلت الظروف المرحلية والمتغيرات‬ ‫وسرعان ما تتوقف بتح ّ‬
‫الزمنية‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬وقد يرتبط بهذا انعدام النية الصادقة وتحويل الدعوة إلى عمل‬
‫دعائي صرف ‪ ..‬والعمال بالنيات ـ كما يقول رسولنا عليه السلم ـ ولكل‬
‫امرى ما نوى ‪ ..‬وإذا طال الطريق بين النية والفعل‪ ،‬بسبب ضخامة العمل‬
‫وانفساح المدى‪ ،‬فل ُتؤتمن العواقب‪ ،‬وربما ُيكتفى بالمظاهر السريعة‬
‫الخادعة بدل ً من الجوهر المخبوء‪ ،‬صعب المنال‪..‬‬
‫سابعًا‪ :‬وقد تلعب الحواجز الجغرافية والسياسية بين مؤرخي عالم السلم‪،‬‬
‫والتي يتزايد بمرور اليام‪ ،‬دورها في إعاقة المهمة وعرقلة مضّيها إلى الهدف‬
‫المرتجى ‪ ..‬فكلما تنادى حشد من المؤرخين‪ ..‬هنا ‪ ..‬وهناك ‪ ..‬وهنالك‪ ،‬لتنفيذ‬
‫هذا المطلب الملح‪ ،‬وجدوا‬
‫في طريقهم من السلك الشائكة والعقابيل‪ ،‬ما يجعل تحركهم صعبا ً قاسيا ً‬
‫ومهمتهم مستحيلة‪ ،‬فيكفون عن الدلج فيما ل بادرة ضوء فيه‪ ،‬ويعودون من‬
‫حيث جاؤوا‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬يرتبط بهذا ـ أحيانا ـ نقص ملحوظ في الختصاصات وعدم تكاملها‬
‫ً‬
‫أحيانا ً ‪ ..‬فهي‬
‫قد تتزايد في جانب ما وتشح في جانب آخر‪ ..‬تبرز وتطغى في هذه المرحلة‬
‫وتنزوي وتذوى في مرحلة أخرى‪ ..‬والعمال الجماعية‪ ،‬ما لم تتحقق بالتوازن‬
‫والتكامل والتغطية لكافة الجوانب والمساحات‪ ،‬فلن ُيرجى تنفيذها‪ ..‬وإعادة‬
‫كتابة التاريخ السلمي‪ ،‬أو عرضه وتحليله مشروع كبير‪ ،‬فما لم تتبنه وتدعمه‬
‫م الطاقات وتوفير الختصاصات المتكاملة وتوازنها ‪..‬‬ ‫مؤسسة قديرة على ل ّ‬
‫باء بالفشل المحتوم ‪ ..‬ولهذا كان هذا الخفاق المحتوم مصير عدد من‬
‫المحاولت التي ل تملك دعما ً يمكنها من التكامل ‪ ..‬وسيكون ‪..‬‬
‫تاسعًا‪ :‬وما ُيقال عن هذا يمكن أن ُيقال عن قلة المكانات المادية والفنية‬
‫دعي القدرة على العمل بعيدا ً عن الدعم والسناد ‪..‬‬ ‫لكل مشروع ي ّ‬
‫والمكانات المادية والفنية ضرورة من ضرورات المشاريع الفكرية الكبيرة‪،‬‬
‫خ ل تتجاوز العشرين حصانا ً أن تسقي مزرعة‬ ‫وإل كنا كمن يرجو من ماكنة ض ّ‬
‫تمتد مسافاتها إلى مئات الفدنة وألوفها ‪..‬‬
‫عاشرًا‪ :‬وثمة أخيرا ً ـ وليس آخرا ً ـ ذلك الحساس المتزايد بالحباط‪ ،‬والذي‬
‫يتراكم إثر إخفاق كل محاولة‪ ،‬وإخفاق كل مشروع بعد أن يمضي خطوات‬
‫فحسب في الطريق ‪ ..‬وهو إحساس ذو تأثير سيئ غاية السوء‪ ،‬يوحي فيما‬
‫يوحي بخطأ الفكرة واستحالة تحققها‪ ،‬ويكّبل الرادة المسلمة من الداخل‬
‫ل الذي يشّلها عن التهيؤ‪ ،‬وشحن الطاقة‪ ،‬والنطلق لتنفيذ العمال‬ ‫بالغ ّ‬
‫الكبيرة‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طبات والخفاق‪ ،‬فإن‬ ‫وما لم نتداع لنقاذ الدعوة من مزيد من الورطات والم ّ‬
‫الحساس بالحباط سينتزع المبادرة من أيدينا وسيسلمنا إلى الشلل‬
‫المحتوم‪.‬‬
‫وبالتحقق بالبدائل في مقابل هذا كله يمكن أن نضع خطواتنا على الطريق‬
‫ونمضي بجد ّ إلى هدفنا المنشود‪.‬‬
‫أن تكون رؤيتنا لطبيعة العمل على قدر كبير من النقاء والتكشف والوضوح‪،‬‬
‫وأن نملك منهجا ً سليما ً للعمل‪ ،‬وقدرات ذكية على البرمجة والتخطيط ‪ ..‬وأن‬
‫تنمو في سلوكنا وتتغلغل في دمنا وشراييننا روح الفريق كما أراد لنا ديننا أن‬
‫نكون‪ ،‬هنالك حيث تذوب المصالح الخاصة والتوجهات الفردية والحساسيات‬
‫الذاتية والنانيات‪ ،‬وحيث تكون روح الجماعة وحدها هي المؤشر والدليل‪.‬‬
‫كذلك يتوجب أن تتوحد رؤيتنا‪ ،‬وأن يمسك بها قاسم عقديّ مشترك يمنعها‬
‫من التفتت والتناقض والتصادم والرتطام‪ ،‬يمنعها من أن يضرب بعضها بعضا‪ً،‬‬
‫وينفي بعضها بعضًا‪ ..‬منطلق واحد وتوجه واحد ونسيج واحد في العطاء تركيبا ً‬
‫وتحليل ً ‪..‬‬
‫أن يمسك العمل بتلبيب الموضوعية من بدء المسيرة حتى منتهاها‪ ..‬إن‬
‫الموضوعية هنا تعني )العلمية( وبدونها لن تتأتى النتائج المرجوة منبثقة عن‬
‫رحم التاريخ نفسه‪ ،‬كما تخلقت وقائعها في الزمن والمكان ‪ ..‬ل كما ُيراد لها‬
‫أن تكون‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫والنية المخلصة الصادقة‪ ،‬من وراء العمل‪ ،‬أمر ضروري‪ ،‬بل هي ضربة لزب‬
‫إذا ما أريد للمحاولة أن تكون شجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء‪،‬‬
‫تؤتي أكلها كل حين‪ .‬وإل فليس ثمة إل الشجرة الخبيثة التي ما لها من قرار‪،‬‬
‫تعصف بها ذات اليمين وذات الشمال رياح التشريق والتغريب‪ ،‬وتتقاذفها‬
‫عواصف الهواء والنزعات والميول‪.‬‬
‫أما زوال الحواجز الجغرافية والسياسية فهو أمر يبدو للوهلة الولى مستحيل‪ً،‬‬
‫ولكننا إذا ما تذكرنا أننا في عصر السرعة‪ ،‬والختزال‪ ،‬والتصالت الخاطفة‪،‬‬
‫واللت الحاسبة‪ ،‬والمواصلت السريعة‪ ،‬والتيسيرات المدنية التي تتزايد‬
‫طردا ً بمرور اليام‪ ..‬وأننا في عصر النترنت والتواصل الثقافي والعلمي‬
‫اليومي‪ ،‬دقيقة بدقيقة وساعة بساعة‪ ،‬أدركنا أن المعادلة قد ل تكون في غير‬
‫صالحنا‪ ،‬وأن هنالك من القدرات والمكانات ما يمكن توظيفه لضرب الحواجز‬
‫وقطع السلك الشائكة وإزالة المتاريس ‪ ..‬هنالك حيث يمكن أن يلتقي بعضنا‬
‫ببعض‪ ،‬وأن نعمل سوية كفريق واحد يتداعى لعبوه المتمرسون من كل‬
‫مكان من أجل تحقيق الفوز بأي ثمن كان!!‬
‫ومسألة تكامل الختصاصات وتحقيق التغطية المتوازنة الشاملة لكافة‬
‫مساحات المشروع‪ ،‬أمر ليس صعب المنال‪ ،‬ونحن في عصر )الكاديمية( إذ‬
‫يزداد الخريجون المتخصصون‪ ،‬سنة بعد سنة‪ ،‬ويوما ً بعد يوم‪ ،‬بمعدل متواليات‬
‫هندسية وليست حسابية على أية حال‪ ..‬صحيح أن هذا التدفق الكاديمي قد‬
‫يطرح كميات ل تتضمن قدرا ً طيبا ً من التميز النوعي‪ ،‬إل أنها ـ على أية حال ـ‬
‫فرصة طيبة لتزايد العناصر الممتازة القديرة على الفعل الصادق والتنفيذ‬
‫الذكي المرسوم‪.‬‬
‫ً‬
‫أما قلة المكانات المادية والفنية فهي ‪-‬ول ريب‪ -‬أقل الموانع شأنا؛ لن إيجاد‬
‫الشروط المادية الفنية وتوظيفها لخدمة المشروع‪ ،‬أمر سهل المنال يسير‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التحقيق في بلد تملك الكثير وتقدر على استيراد الكثير ‪..‬‬


‫ويوم أن تتحقق هذه البدائل اليجابية‪ ،‬وتوضع اللمسات الولى‪ ،‬وتنطلق‬
‫ذة السير صوب الهدف‪ ..‬يومها لن يكون ثمة‬ ‫الخطوات على الطريق مغ ّ‬
‫إحساس بالحباط يشل الفاعلية ويكبل الخطا عن النطلق ‪ ..‬على العكس‬
‫فإن النجاز الذي ستنفذه المحاولة سيحقق نوعا ً من التسارع في القدرة‬
‫على الفعل ‪ ..‬هنالك حيث ُتختصر المسافات‪ ،‬وُتختزل حيثيات الزمان‬
‫والمكان‪..‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫لماذا تراجع الغرب عن عدائه للختان ؟‬


‫الدكتور حسان شمسي باشا‬
‫حتى سنوات قليلة فقط‪،‬كان الناس في أمريكا ينظرون إلى الختان على أنه‬
‫شعيرة دينية يمارسها اليهود هناك والمسلمون‪.‬‬
‫وكان الطباء هناك يناهضون فكرة إجراء الختان على الوليدين بشكل روتيني‬
‫‪ .‬ولكن إرادة الله تعالى قضت أن تتبدى لهم الفوائد العلمية لخصلة من‬
‫خصال الفطرة التي قال عنها الرسول عليه الصلة والسلم ‪ " :‬الفطرة‬
‫خمس ‪ :‬الختان والستحداد وقص الشارب وتقليم الظافر ونتف البط " ‪.‬‬
‫وقد أكدت مقالة نشرت في مجلة ‪ Postgraduate Medicine :‬أن مليون طفل‬
‫أمريكي يختن الن كل عام في أمريكا ‪ .‬وأكدت دراسات أخرى أن ‪80 – 60‬‬
‫‪ %‬من الوليدين في أمريكا يختنون بشكل روتيني ‪ .‬لماذا تراجع أعداء الختان‬
‫عن موقفهم ؟ وكيف تجلت لهم الحكمة من وراء الختان ؟ نشرت في‬
‫السنوات القليلة الماضية عشرات البحاث والمقالت العلمية التي أكدت‬
‫فوائد الختان في الوقاية من التهاب المجاري البولية عند الطفال ‪ ،‬ومن‬
‫المشاكل الطبية في القضيب ‪.‬‬
‫وكان هناك عدد من الطباء الذين يعارضون فكرة إجراء الختان بشكل‬
‫روتيني عند الوليدين ‪ .‬وكان من أشهر هؤلء البروفسور ويزويل – رئيس‬
‫قسم أمراض الوليدين في المستشفى العسكري في واشنطن ‪ . -‬وقد كتب‬
‫هذا البروفيسور مقال قال فيه ‪ " :‬لقد كنت من أشد الناس عداء للختان ‪.‬‬
‫وقد شاركت حينئذ في الجهود التي بذلها الطباء آنذاك للقلل من نسبة‬
‫الختان ‪ .‬ولكن الدراسات العلمية التي ظهرت في الثمانينات أظهرت بيقين‬
‫ازديادا في نسبة اللتهابات البولية عند الطفال غير المختونين ‪ .‬وما ينطوي‬
‫عليه من خطر حدوث التهاب مزمن في الكلى وفشل كلوي في المستقبل ‪.‬‬
‫وبعد إجراء المزيد من البحاث ‪ ،‬وإجراء تمحيص دقيق لكل الدراسات‬
‫العلمية التي أجريت في هذا المجال ‪ ،‬وصلت إلى نتيجة مخالفة تماما ‪،‬‬
‫وأصبحت من أشد أنصار الختان ‪ .‬وأيقنت أن الختان ينبغي أن يصبح أمرا‬
‫روتينيا عند كل مولود ‪ .‬ولم يكن البروفيسور ويزويل الوحيد الذي نادى‬
‫بضرورة إجراء الختان ‪ ،‬بل إن الكاديمية المريكية لطب الطفال قد تراجعت‬
‫تماما عن توصياتها القديمة ‪ ،‬وأصدت توصيات حديثة أعلنت فيها بوضوح‬
‫ضرورة إجراء الختان بشكل روتيني عند كل مولود ‪.‬‬
‫الختان يوفر على الدولة مليين الدولرات ‪:‬‬
‫وحتى من الناحية القتصادية التي تهم أصحاب المال والتخطيط ‪ ،‬فإن الختان‬
‫عملية توفر على الدولة مبالغ طائلة ‪ .‬ويشرح ذلك البروفيسور ويزويل‬
‫فيقول ‪ " :‬إذا افترضنا أن عملية الختان تكلف ‪ 1000‬دول تقريبا ‪ ،‬فإن الكلفة‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السنوية لختان جميع الطفال الذين يولدون في أمريكا ستبلغ ما يقرب من‬
‫‪ 180‬مليون دول ‪ .‬فما هي الكلفة السنوية لهؤلء لو تركناهم دون ختان ؟‬
‫إن الحقائق تقول أن ‪ % 15 – 10‬من الطفال الذكور غير المختونين سوف‬
‫يحتاجون إجراء الختان في سن متقدم من العمر بسبب حدوث تضيق في‬
‫القلفة أو التهاب متكرر في الحشفة ‪ ،‬وأن إجراء الختان عند الطفال الكبار‬
‫عملية مكلفة تصل إلى ‪ 5000 – 2000‬دول للعملية الواحدة ‪.‬‬
‫فلو تركنا ‪ 1.8‬مليون طفل يولدون سنويا في أمريكا دون ختان ‪ ،‬ولنفرض أن‬
‫‪ % 10‬منهم فقط سوف يحتاجون للختان في المستقبل ‪ ،‬فإن كلفة ذلك‬
‫سوف تصل إلى ‪ 900 – 360‬مليون دولر سنويا ) وهي أضعاف ما هي عليه‬
‫لو ختن كل هؤلء بعد الولدة ( ‪.‬‬
‫هكذا يحسبون ‪ ..‬ويقدرون ‪ ..‬وتأتي حساباتهم موافقة للفطرة السليمة ‪.‬‬
‫ولكن العناية اللهية قضت بأل تنتظر أجيال وأجيال من المسلمين ألفا وأربع‬
‫مئة عام حتى تكتشف تلك الحقائق العلمية في الغرب ‪ ،‬ثم نتبعهم فيما‬
‫يفعلون !!‬
‫هل تغني العناية الصحية بنظافة العضاء الجنسية عن الختان ؟ يقول‬
‫البروفيسور ويزويل ‪ " :‬لقد ادعى البعض أن العناية الصحية بنظافة العضاء‬
‫الجنسية يعطي وقاية مماثلة لتلك التي يمنحها الختان ‪ ،‬ولكن هذا مجرد‬
‫افتراض ‪ ،‬وحتى اليوم ل توجد أية دراسة علمية تؤيد هذا الفتراض ‪ .‬ول يوجد‬
‫أي دليل علمي يشير إلى أن النظافة الجيدة في العضاء التناسلية يمكن لها‬
‫بحال من الحوال أن تمنع الختلطات التي تحدث عند غير المختونين " ‪.‬‬
‫وقد أكد هذا القول الدكتور شوين الذي كتب مقال رئيسا في إحدى أشهر‬
‫المجلت الطبية في العالم ‪ .N.E.T.M‬عام ‪ 1990‬جاء فيه ‪ " :‬أن الحفاظ‬
‫على نظافة جيدة في المناطق التناسلية أمر عسير ‪ ،‬ليس فقط في المناطق‬
‫المختلفة من العالم ‪ ،‬بل حتى في دولة كبرى ومتحضرة كالوليات المتحدة ‪،‬‬
‫وكذلك الحال في إنجلترا ‪ ،‬فقد أكدت دراسة أجريت على أطفال المدارس‬
‫النجليز غير المختونين أن العناية بنظافة العضاء التناسلية سيئة عند ‪% 70‬‬
‫من هؤلء الطفال ‪.‬‬
‫هكذا يقول خبراؤهم في الغرب ‪ ..‬ولكن الله تعالى جعل لتلك المشكلة علجا‬
‫منذ القدم ‪،‬فكان إبراهيم عليه السلم أول من اختتن تطبيقا للفطرة الحنيفية‬
‫الخالصة ‪ .‬قالت تعالى ‪:‬‬
‫" ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما "‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫" اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم "‬
‫الختان وقاية من سرطان القضيب ‪:‬‬
‫يقول الدكتور روبسون في مقال أن هناك أكثر من ‪ 60‬ألف شخص أصيب‬
‫بسرطان القضيب في أمريكا منذ عام ‪ . 1930‬ومن المدهش حقا أن عشرة‬
‫أشخاص فقط من هؤلء كانوا مختونين ‪ .‬واليهود ل يصابون عادة بسرطان‬
‫القضيب وهو يختنون أطفالهم في اليوم الثامن من العمر ‪.‬‬
‫ويؤكد الدكتور شوين فائدة الختان في الوقاية من سرطان القضيب ‪،‬‬
‫فيقول ‪ " :‬إن الختان الروتيني للوليدين يقضي تقريبا بشكل تام على احتمال‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حدوث سرطان في القضيب " ‪.‬‬


‫ويقول الدكتور كوتشين أن نسبة حدوث سرطان القضيب عند المختونين في‬
‫أمريكا هي صفر تقريبا ‪ .‬وأنه لو كان رجال أمريكا غير مختونين ‪ ،‬لصيب أكثر‬
‫من ثلثة آلف شخص سنويا بهذا السرطان المخيف ‪.‬‬
‫هل يقي الختان من المراض الجنسية ‪:‬‬
‫ليس هناك أدنى شك في أن المراض الجنسية أكثر شيوعا عند غير‬
‫المختونين ‪ .‬فقد ذكر الدكتور فنك – الذي ألف كتابا عن الختان وطبع عام‬
‫‪ 1988‬في أمريكا – أن هناك أكثر من ‪ 60‬دراسة علمية أجمعت على أن‬
‫المراض الجنسية تزداد حدوثا عند غير المختونين ‪.‬‬
‫وقد قام الدكتور باركر بإجراء دراسة على ‪ 1350‬مريضا مصابا بأمراض‬
‫جنسية مختلفة ‪ ،‬فوجد ازديادا واضحا في معدل حدوث ثلثة أمراض جنسية‬
‫شائعة عند غير المختونين ‪ .‬وهذه المراض هي ‪:‬‬
‫‪ .1‬الهربس التناسلي ‪Genital Herpes‬‬
‫‪ .2‬السيلن ‪Gonorrhea‬‬
‫‪ .3‬الزهري ‪Syphilis‬‬
‫وقد أكدت الدراسات العلمية الحديثة انخفاض حدوث مرض اليدز عند‬
‫المختونين ‪.‬‬
‫ولكن ينبغي أل يخطر ببال أحد أنه إن كان مختونا فهو في مأمن من تلك‬
‫المراض ‪ ،‬فهذه المراض تحدث عند المختونين وغير المختونين ممن‬
‫يرتكبون فاحشة الزنا أو اللواط ‪ ،‬ولكن نسبة حدوثها عند المختونين أقل ‪.‬‬
‫الختان وقاية من التهاب المجاري البولية عند الطفال ‪:‬‬
‫أثبتت دراسة أجريت على حوالي نصف مليون طفل في أمريكا أن نسبة‬
‫حدوث التهاب المجاري البولية عند الطفال غير المختونين بلغت عشرة‬
‫أضعاف ما هي عليه عند المختونين ‪.‬‬
‫والتهاب المجاري البولية عند الوليدين قد ل يكون أمرا بسيطا ‪ ،‬فقد وجد‬
‫الباحثون أن ‪ % 36‬من الوليدين المصابين بالتهاب المجاري البولية قد أصيبوا‬
‫في الوقت ذاته بتسمم من الدم ‪ ،‬كما حدثت حالت الفشل الكلوي والتهاب‬
‫السحايا عند البعض ‪ .‬وقد يحدث تندب في الكلية عند ‪ % 15 – 10‬من هؤلء‬
‫الوليدين ‪.‬‬
‫وأكدت دراسة أخرى أن حدوث التهاب المجاري البولية عند الطفال غير‬
‫المختونين يبلغ ‪ 39‬ضعف ما هو عليه عند المختونين ‪.‬‬
‫وقد أكد الدكتور جينزبرغ أن جعل الختان أمرا روتينيا في أمريكا قد جعل منع‬
‫حدوث ‪ 20.000‬حالة من حالت التهاب الحويضة والكلية عند الطفال‬
‫سنويا ‪.‬‬
‫وكانت نتائج هذه الدراسات هي العامل القوي الذي دفع أعداء الختان في‬
‫أمريكا إلى العدول عن عدائهم ‪ ،‬والمطالبة بجعل الختان أمرا روتينيا عند كل‬
‫طفل ‪ .‬وفي ذلك يقول البروفيسور ويزويل ‪ " :‬صوت أعضاء الجمعية الطبية‬
‫في كاليفورنيا بالجماع على أن ختان الوليد وسيلة صحية فعالة ‪ .‬لقد‬
‫تراجعت عن عدائي الطويل للختان ‪ ،‬وصفقت مرحبا بقرار جمعية الطباء في‬
‫كاليفورنيا " ‪.‬‬
‫وهكذا يصفقون مرحبين بإحدى خصال الفطرة ‪ ،‬بعد أن تأكدت لهم فوائدها‬
‫العظيمة ‪.‬‬
‫ورحم الله ابن القيم حين قال ‪ " :‬والفطرة فطرتان ‪ :‬فطرة تتعلق بالقلب ‪،‬‬
‫وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما سواه‪ .‬وفطرة عملية ‪ :‬هي هذه‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخصال ‪ ،‬فالولى تزكي الروح وتطهر القلب ‪ ،‬والثانية ‪ :‬تطهر البدن ‪ ،‬وكل‬
‫منهما تمد الخرى وتقويها ‪ ،‬وكان رأس فطرة البدن ‪ :‬الختان " ‪.‬‬
‫من شاء التوسع فليراجع كتابنا " أسرار الختان تتجلى في الطب الحديث " ‪،‬‬
‫وقد نشرته مكتبة السوادي بجدة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لماذا تزوج زوجي؟‬


‫قالت إحدى الزوجات‪:‬‬
‫ت بجانبه منذ زواجنا وعشنا على الحلوة والمرة ‪...‬‬ ‫'هذا زوجي ‪ ...‬وقف ُ‬
‫والسراء والضراء' حتى إذا صار غنًيا فاجأني بهذه المفاجأة ‪ ..‬زواجه‬
‫الثاني ‪..‬فهل هذا جزاء صبري معه‪ ,‬وصدق الشاعر حين قال‪:‬‬
‫وعلمته رمي السهام فلما اشتد ساعده رماني‬
‫انتهى كلمها‬
‫عزيزتي الزوجة الشاكية‪:‬‬
‫دا عن العواطف والدموع‪ ,‬إن‬ ‫كمنا العقل والشرع في مسألة التعدد بعي ً‬ ‫هل ح ّ‬
‫السلم حين يشرع وحين يبيح أمًرا ينظر إلى مصلحة العموم يقدمها على‬
‫مصلحة الذات‪ ،‬جلًبا للمصالح العامة‪ ,‬ودرًءا للمفاسد الهالكة ‪ ...‬وهو في هذه‬
‫الحالة يتفق والمنطق السليم والعقل الحكيم‪.‬‬
‫اللهم ل اعتراض‬
‫عزيزتي القارئة‪:‬‬
‫ل يحق لي مسلم أو مسلمة العتراض على مشروعية التعدد فذلك اعتراض‬
‫ما‬‫ل عَ ّ‬ ‫سأ َ ُ‬‫على المشرع الخالق الواحد الحد سبحانه وتعالى الذي قال‪' :‬ل ي ُ ْ‬
‫ل وهم ي َ‬
‫ن' ]النبياء‪.[23:‬‬ ‫سأُلو َ‬
‫فعَ ُ َ ُ ْ ُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫فكما أن المريض ل يحق له العتراض على الصحيح‪ ،‬وكذلك الفقير ل يحق له‬
‫العتراض على الغني والعقيم ل يحق له العتراض على من ُيرزق بالولد ‪..‬‬
‫وهكذا مما ل يعلم حكمته إل الله فكذلك التعدد ل يعترض عليه ول تشوه‬
‫ما وفوائد منها ما نعلمه ومنها ما نجهله‪.‬‬ ‫صورته أمام الناس لن فيه حك ً‬
‫فالتعدد تقتضيه الحياة خاصة لفئة من الناس أعطاهم الله تعالى من‬
‫المقومات في الدين والعقل والصحة والمال ما يمكنهم من القيام بهذا‬
‫الواجب الشرعي بكماله وأداء حقوقه كاملة والرجال لهم النصيب الوفر من‬
‫هذه المقومات‪ ,‬ولذا جعل التعدد من نصيبهم دون النساء‪.‬‬
‫فلو تفهمنا تركيب الرجل النفسي والجسمي والعضوي وما كلفه الله به من‬
‫مهيأ للتعدد دون المرأة‪ ,‬فلو جمع الرجل أكثر من‬ ‫العمل لدركنا أن الرجل ُ‬
‫امرأة بعقد شرعي لما حصل اختلط في النساب بخلف العكس‪.‬‬
‫والتركيب الجسمي للرجل أصح من المرأة في الغالب بحكم طبيعة عمله‬
‫وخلوه من الحيض والنفاس والحمل والرضاع عكس المرأة‪ ,‬والرجل في‬
‫الغالب يتحكم بعقله وبالتالي يستطيع الجمع بين امرأتين وثلث وأربع هذا‬
‫بخلف المرأة التي تتحكم فيها العاطفة لتحنو على الصغار وتصبر عليهم‪.‬‬
‫وما الحكمة من تعدد الزوجات؟‬
‫إن الحكمة من تعدد الزوجات ظاهرة جلية بالنسبة للرجل والمرأة والمجتمع‪,‬‬
‫َ‬
‫والسلم دين شامل كامل يصلح لكل العصور والمكنة فالذي قال‪' :‬أل ي َعْل َ ُ‬
‫م‬
‫خِبيُر' ]الملك‪.[14:‬‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫خل َقَ وَهُوَ الل ّ ِ‬
‫طي ُ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ث‬ ‫ُ‬
‫مثَنى وَثل َ‬ ‫ْ‬ ‫ساِء َ‬
‫ن الن ّ َ‬
‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب لك ْ‬ ‫َ‬
‫ما طا َ‬
‫حوا َ‬‫ضا سبحانه وتعالى‪' :‬فان ْك ِ ُ‬ ‫قال أي ً‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك أ َد َْنى أ َل ّ ت َُعوُلوا'‬ ‫مان ُك ُ ْ‬


‫م ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬
‫ما َ‬
‫َ‬
‫حد َة ً أوْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫فت َ‬
‫م أل ّ ت َعْدُِلوا فَ َ‬ ‫خ ْ ُ ْ‬
‫ن ِ‬‫وَُرَباع َ فَإ ِ ْ‬
‫]النساء‪.[3 :‬‬
‫وهناك حالت تستدعي التعدد ل محالة مثل حالت المطلقة والرملة والعانس‬
‫والعقيم أضف إليها حالت خاصة بطبيعة الرجل الجسمية والجنسية‪ ,‬وظروف‬
‫الحرب‪.‬‬
‫ما وحب الولد غريزة في النفس النسانية‪ ,‬وفي هذه‬ ‫فقد تكون الزوجة عقي ً‬
‫الحالة الزوج أمام أمرين‪ :‬إما أن يطلق زوجته العقيم أو أن يتزوج عليها‬
‫أخرى‪ ,‬ول شك أن الزواج عليها أكرم بأخلق الرجال ومروءتهم من تطليقها‪,‬‬
‫وهذا الحل من مصلحة الزوجة وليس لضرارها‪.‬‬
‫ومن المبررات النسانية التي عالجها نظام تعدد الزوجات كامرأة يتوفى عنها‬
‫زوجها وما زالت شابة وعندها أطفال‪ ،‬فلو تزوج منها رجل متزوج لكان في‬
‫ذلك إعفاف للمرأة وصون لكرامتها وكفالة هؤلء اليتامى لقول النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪' :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا' وأشار بالسبابة والوسطى‬
‫وفّرج بينهما شيًئا‪.‬‬
‫دا كذلك لرتفاع‬ ‫ما ووحي ً‬ ‫وفي حالة العنوسة ُيعد نظام التعدد وحل ً واقعًيا وحكي ً‬
‫نسبة العنوسة وعدد الفتيات المستعدات للزواج ولكنها ل تتزوج‪.‬‬
‫وقد تصل المرأة إلى سن اليأس ويظل الرجل قوًيا تغلبه شهوته‪ ،‬وقد تكون‬
‫طبيعة الرجل أنه يتمتع بقوة جنسية مما ل تكفي معه زوجه واحدة إما لكبرها‬
‫أو لكثرة اليام التي ل تصلح فيها للحياة الزوجية وهي أيام الحيض والنفاس‬
‫والمرض وما أشبهها‪ ,‬وقد يصبر بعض الرجال على ذلك لكن ماذا لو لم‬
‫يفعل؟‬
‫ضا لسباب‬ ‫أضف إلى ذلك كثرة عدد النساء وقلة عدد الرجال لنهم أكثر تعر ً‬
‫الموت من الناث بسب الحروب أو الحوادث وغير ذلك‪ ,‬وهو من علمات‬
‫ما من‬ ‫الساعة فلو اقتصر الرجل على واحدة لبقى عدد من النساء محرو ً‬
‫الزواج فيضطرون إلى ركوب الفاحشة‪.‬‬
‫سا أو‬‫والحل في هذه الحالة هو تعدد الزوجات وبدون ذلك تبقى المرأة عان ً‬
‫عرضة لضياعها وسقوطها‪ ,‬وبالتالي ضياع الفضيلة وتفشى الرذيلة‬
‫والنحطاط الخلقي وضياع القيم النسانية‪.‬‬
‫وقال المام الشنقيطي رحمه الله في تفسيره أضواء البيان‪' :‬والذي يبيحه‬
‫السلم هو تعدد الزوجات ل تعدد العشيقات'‪.‬‬
‫إن إباحة تعدد الزوجات ينطوي على الخير وتحقيق المصالح ودفع المضار‬
‫والمفاسد حتى وإن لم تعلم الحكمة تفصيل ً منه‪ ,‬وما أعظم السلم حين يضع‬
‫لكل حالة دوائها‪ ,‬ويبصر عند التشريع كل الزوايا والدروب‪.‬‬
‫عزيزي القارئ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل تندفع وراء الناعقين‪ ,‬ول تردد شعارات الخرين‪ ,‬واقبل الشرع المنزل من‬
‫لدن حكيم عليم ‪ ..‬فنحن نريد أصحاب العقول الواعية ‪ ..‬فكم من مطلقة أو‬
‫عانس أو عقيم تلعن تلك الشعارات الزائفة التي حرمتها من العيش في كنف‬
‫رجل متزوج بدل ً من معاناة الكبت أو الضياع‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لماذا دعوة المام ولماذا الن‬


‫‪21/11/1424‬‬
‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪ :‬ما فتئ أهل البدع يطلون‬
‫بقرنهم ملبسين في كل حين فترة وانقطاع من أهل العلم الذين ينفون عنه‬
‫تحريف الغالين‪ ،‬وانتحال المبطلين‪ ،‬وتأويل الجاهلين‪ ،‬وإذا كان الذين عقدوا‬
‫ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة مختلفين في الكتاب‪ ،‬مخالفين للكتاب‪،‬‬
‫مجمعين على مفارقة الكتاب‪ ،‬يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله‬
‫بغير علم‪ ،‬يتكلمون بالمتشابه من الكلم ويخدعون جهال الناس بما يشبهون‬
‫عليهم ‪-‬نعوذ بالله من فتن المضلين‪ -‬إذا كانوا كذلك فل عجب أن ينسبوا لهل‬
‫العلم ما هم منه برءاء‪ ،‬ول عجب كذلك من تعلقهم بحروف عجيبة من أجل‬
‫نصرة الراء والهواء‪.‬‬
‫وكلمنا هنا عما بدأ يشيع ويذاع في الونة الخيرة عن دعوة الشيخ المجدد‬
‫المام محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله‪ -‬ومن بعده أتباع دعوة التوحيد من‬
‫الئمة المرضيين‪ ،‬وليس ذلك غريبا ً أو جديدًا‪ ،‬بل قد بدأ الكلم في المام‬
‫ودعوته مع بزوغ فجر هذه الدعوة المباركة‪ ،‬وهذه سنة الله في الذين خلو‬
‫ي‬
‫ل ن ِب ِ ّ‬ ‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬ ‫من قبل‪ ،‬فما من صاحب دعوة حق إل ّ أوذي وعودي "وكذلك َ‬
‫ل غُُروًرا وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫ضهُ ْ َ‬
‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬ ‫حي ب َعْ ُ‬ ‫ن ُيو ِ‬ ‫س َوال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫لن ِ‬ ‫نا ِ‬ ‫طي َ‬‫شَيا ِ‬ ‫عَد ُّوا َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫صَغى إ ِل َي ْهِ أفْئ ِد َةُ ال ّ ِ‬
‫ن * وَل ِت َ ْ‬ ‫فت َُرو َ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬‫مافَعَُلوه ُ فَذ َْرهُ ْ‬ ‫شاء َرّبك َ‬ ‫َ‬
‫ي‬‫ل ن َب ِ ّ‬‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫قت َرُِفون"‪ ،‬وقال‪" :‬وَك َذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫هم ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫قت َرُِفوا ْ َ‬ ‫وه وَل ِي َ ْ‬ ‫ض ْ‬
‫خَرةِ وَل ِي َْر َ‬
‫ِبال ِ‬
‫صيًرا"‪ ،‬وهكذا أتباع النبياء فأشد‬ ‫هادًِيا وَن َ ِ‬
‫ك َ‬ ‫فى ب َِرب ّ َ‬ ‫ن وَك َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫عَد ُّوا ّ‬
‫الناس بلء النبياء ثم المثل فالمثل كما ثبت عند البخاري وغيره‪.‬‬
‫ولكن الجديد هو عودة الطعن في هذه الدعوة من المعاصرين‪ ،‬بل من أناس‬
‫تنكروا لفضلها فصوبوا سهامهم وسلوا أقلمهم فيمن علمهم العقيدة‬
‫والتوحيد‪ ،‬متناسين تاريخا ً مظلما ً من الشرك والنحطاط عاشه من سبقهم‪،‬‬
‫لم يشهدوه ولم يكونوا رجاله بعد أن من الله عليهم بدعوة التوحيد‪.‬‬
‫هذا مع أنهم يرون النصال تتكسر تلو النصال دون أن تصاب تلكم الدعوة‬
‫المباركة بأذى‪ ،‬بل يرون كيف قامت بفضلها دولة إسلمية عجزت عن إقامتها‬
‫زرافات وجماعات‪ ،‬بل يرون كيف قامت بها الدولة ابتداًء‪ ،‬ثم لما سقطت‬
‫الدولة عادت بها فقامت ثم سقطت أخرى فقامت‪ ،‬وفي هذا مصداق كلمة‬
‫ابن خلدون في تاريخه ومقدمته التي قرر فيها أن لكل دولة عصبية تقوم‬
‫عليها‪ ،‬قال‪" :‬العصبية بها تكون الحماية والمدافعة والمطالبة وكل أمر يجتمع‬
‫عليه‪ ،‬وقدعلمنا أن الدميين بالطبيعة النسانية يحتاجون في كل اجتماع إلى‬
‫وازع وحاكم يزع بعضهم عن بعض‪ ،‬فل بد أن يكون متغلبا ً عليهم بتلك‬
‫العصبية‪ ،‬وإل لم تتم قدرته على ذلك"‪ ،‬ثم قال‪ " :‬إذا استقرت الدولة‬
‫وتمهدت قد تستغني عن العصبية والسبب في ذلك أن الدول العامة في أولها‬
‫يصعب على النفوس النقياد لها إل بقوة قوية من الغلبة للغرابة‪ ،‬وأن الناس‬
‫لم يألفوا ملكها ول اعتادوه‪ ،‬فإذا استقرت الرئاسة في أهل النصاب‬
‫المخصوص بالملك في الدولة وتوارثوه واحدا ً بعد آخر في أعقاب كثيرين‬
‫ودول متعاقبة نسيت النفوس شأن الولية‪ ،‬واستحكمت لهل ذلك النصاب‬
‫صبغة الرئاسة‪ ،‬ورسخ في العقائد دين النقياد لهم والتسليم‪ ،‬وقاتل الناس‬
‫معهم على أمرهم قتالهم على العقائد اليمانية‪ ،‬فلم يحتاجوا حينئذ في أمرهم‬
‫إلى كبير عصابة‪ ،‬بل كأن طاعتها كتاب من الله ل يبدل ول يعلم خلفه‪ ،‬ولمر‬
‫ما يوضع الكلم في المامة آخر الكلم على العقائد اليمانية‪ ،‬كأنه من جملة‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عقودها‪ ،‬ويكون استظهارهم حينئذ على سلطانهم ودولتهم المخصوصة‪ ،‬إما‬


‫بالموالي والمصطنعين الذين نشؤوا في ظل العصبية وغيرها‪ ،‬وإما بالعصائب‬
‫الخارجين عن نسبها الداخلين في وليتها‪.‬‬
‫ومثل هذا وقع لبني العباس‪ ،‬فإن عصبية العرب كانت قد فسدت في عهد‬
‫دولة المعتصم وابنه الواثق‪ ،‬واستظهارهم بعد ذلك إنما كان بالموالي من‬
‫العجم والترك والديلم والسلجوقية وغيرهم‪ ،‬ثم تغلب العجم الولياء على‬
‫النواحي وتقلص ظل الدولة فلم تكن تعدو أعمال بغداد‪ ،‬حتى زحف إليها‬
‫الديلم وملكوها‪ ،‬وصار الخلئق في حكمهم‪ ،‬ثم انقرض أمرهم وملك‬
‫السلجوقية من بعدهم فصاروا في حكمهم‪ ،‬ثم انقرض أمرهم وزحف آخر‬
‫التتار فقتلوا الخليفة ومحوا رسم الدولة"‪.‬‬
‫وحتى ليسهب بنا المقام ألخص أسباب فتح هذا الملف لدعاوى المعاصرين‬
‫على دعوة المام في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان خطر إسقاط هذه الدعوة التي نجحت في إقامة دولة‪ ،‬وأن نهايتها‬
‫تعني نهاية الدولة كما قرر ابن خلدون‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان خطأ المنتسبين إليها ممن يسعون إلى إسقاطها بقصد أو بغير قصد‪،‬‬
‫وتنبيه العقلء لئل يكونوا أدوات يحركها الغربي متى شاء وكيف شاء‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -3‬تنبيه الغافلين على حقيقة المحرضين على الدعوة من الغربيين‪ ،‬ومرادهم‬


‫من ذلك‪ ،‬فهم ما أرادوا النيل ممن أفضوا إلى ربهم‪ ،‬ولكن مرادهم هدم‬
‫السلم وتغير معالمه‪ ،‬ولهم في ذلك مداخل عدة‪ ،‬منها‪ :‬محاربة السلم تحت‬
‫شعار محاربة ما يسمونه الوهابية‪ ،‬ومنها‪ :‬حربهم على السلم تحت شعار‬
‫حربهم على ما يسمونه الرهاب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -4‬بيان أن هذه الدعوة ليست دينا جديدا‪ ،‬بل ليست مذهبا دخيل ً أو أقوال ً‬
‫مختصة بأناس ولكن ما جاءت به وقاله أئمتها أمر سبقهم أعلم السلم إليه‬
‫وقالوا به‪ ،‬ثم جاء هؤلء فجددوه‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان أن هذه الدعوة ليست مختصة بأهل نجد أو المملكة‪ ،‬بل هي دعوة‬
‫لتفرق بين من يلتزم منهج أهل السنة والجماعة أين كان وحيث وجد‪ ،‬سواء‬
‫في أقصى الرض أو أدناها‪ ،‬منتم لجماعة أو دولة‪ ،‬لفرق طالما أنه يلتزم‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ -6‬بيان بعض الشبه التي رمي بها المام ورميت بها دعوته‪ ،‬والتي طالما تبرأ‬
‫منها المام وأتباعه‪ ،‬ومنها دعوى التكفير لغير مستحقه التي قال فيها المام‪:‬‬
‫"وأما القول إنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان العداء الذين يصدون به عن‬
‫هذا الدين‪ ،‬ونقول‪ :‬سبحانك هذا بهتان عظيم " )الرسائل الشخصية‬
‫‪ ،(15/101‬ومن ذلك أيضا ً رميها بأنها تتشوف للدماء‪ ،‬وهذا باطل قال الشيخ‬
‫المام‪" :‬وأما القتال فلم نقاتل أحدا ً إلى اليوم إل دون النفس والحرمة‪ ،‬وهم‬
‫الذين أتونا في ديارنا ول أبقوا ممكنًا‪ ،‬ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل‬
‫المقابلة " وجزاء سيئة سيئة مثلها "‪ ،‬وكذلك من جاهر بسب دين الرسول‬
‫بعد ما عرفه والسلم‪) " .‬الرسائل الشخصية ‪ ،(5/37‬إلى غير هذه الشبه مما‬
‫سيجمع مع الوقت ويفند‪ ،‬والله المستعان‪ ،‬هو حسبنا وعليه التكلن‪.‬‬
‫هذا وفي الختام‪ ،‬أنبه القارئ الكريم إلى أن دعوة الشيخ المام دعوة تجديد‬
‫لما اندرس من معالم التوحيد‪.‬‬
‫والتوحيد مما اتفقت عليه الشرائع السماوية فأنى له أن يأت بجديد فيها!‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فمن المقرر أن النبياء إخوة لعلت كما جاء في حديث البخاري وغيره‪ ،‬قال‬
‫الحافظ ابن حجر)الفتح ‪" :(6/489‬ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد وهو‬
‫التوحيد‪ ،‬وإن اختلفت فروع الشرائع"‪ ،‬وقال من قبله الحافظ ابن‬
‫كثير)التفسير ‪" :(2/67‬ديننا واحد"‪ :‬يعني بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل‬
‫رسول أرسله وضمنه كل كتاب أنزله‪ ،‬كما قال _تعالى_‪" :‬وما أرسلنا قبلك‬
‫من رسول إل ّ نوحي إليه أنه ل إله إل ّ أنا فاعبدون"‪ ،‬وقال _تعالى_‪" :‬ولقد‬
‫بعثنا في كل أمة رسول ً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"‪" ،‬واسأل من‬
‫أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون"‪.‬‬
‫وهذه اليات ظاهرة في توحيد الله بأفعال العباد‪ ،‬قال القرطبي في تفسير‬
‫قول الله _تعالى_‪" :‬ولقد بعثنا في كل أمة رسول ً أن اعبدوا الله واجتنبوا‬
‫الطاغوت" )‪" :(10/103‬أي بأن اعبدوا الله ووحدوه‪ ،‬واجتنبوا الطاغوت‪ ،‬أي‪:‬‬
‫اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم وكل من دعا إلى‬
‫الضلل"‪.‬‬
‫أما توحيد الله بأفعاله كالخلق والرزق والتدبير‪ ،‬فهو مما أقرت به الخلئق‬
‫وإن جحده أفراد ظلما ً وعلوًا‪.‬‬
‫وكذلك مما اجتمعت عيه الشرائع توحيد الله بأسمائه وصفاته‪ ،‬فإن السماء‬
‫والصفات من قبيل الخبار المحققة والخبر المحقق ل يدخله النسخ ولو دخله‬
‫لكان كذبًا)‪.(1‬‬
‫فإذا كان المر كذلك‪ ،‬فكيف للشيخ أن يأتي بجديد في أمر اتفقت عليه‬
‫شرائع الرسل الصحيحة‪ ،‬فضل ً عن أئمة السلم المعتبرين من أهل السنة‬
‫على اختلف المذاهب‪.‬‬
‫هذا والله أسأل أن ينفع بهذا الجهد القراء‪ ،‬وأن يجزل للمشايخ المشاركين‬
‫فيه أحسن الجزاء‪ ،‬وأشكر كل من تجشم مشقة الكتابة في سبيل نصرة‬
‫السنة وأهلها‪ ،‬داعيا ً الله أن يجمعنا بهم عند حوض نبيه _صلى الله عليه‬
‫وسلم_ غير مبدلين ول مغيرين‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫_____________‬
‫)‪ (1‬انظر) المحلى ‪ ،(2/14‬وغيره‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لماذا رمضان؟‬
‫د‪ .‬وليد بن عثمان الرشودي ‪2/9/1424‬‬
‫‪27/10/2003‬‬
‫كم تتشوق النفوس إلى بلوغ شهر رمضان‪ ،‬وتلهج بالدعاء والتضرع إلى الله‬
‫أن يبلغنا هذا الشهر الكريم حتى إن السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم‬
‫رمضان وستة أشهر أن يتقبله منهم‪ .‬والسؤال‪ :‬لماذا رمضان؟‬
‫إن المقلب ناظره في الكتاب الكريم والسنة النبوية يجد أن الله بحكمته‬
‫يفضل بعض مخلوقاته على بعض‪ ،‬وجعل فضيلة شهر رمضان ظاهرة على‬
‫سائر الشهور؛ فقال سبحانه‪) :‬شهر رمضان الذي ُأنزل فيه القرآن(؛ بل فضل‬
‫سبحانه بعض أيامه على بعض فقال سبحانه‪) :‬إنا أنزلناه في ليلة القدر(‪،‬‬
‫وقال‪) :‬إنا أنزلناه في ليلة مباركة(‪ ،‬فهذا التفضيل وهذا الصطفاء اللهي لم‬
‫يكن إل لحكمة ظهر لنا بعضها وقد يخفى علينا بعضها‪ ،‬وحينما يقلب المرء‬
‫سنة النبوية تظهر له بعض أسرار الحكمة التي تدعو إلى التلهف‬ ‫ناظره في ال ّ‬
‫والشغف لبلوغ شهر رمضان؛ ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم "إذا‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت‬
‫الشياطين" ]رواه البخاري وزاد الترمذي "وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا‬
‫باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة"[‪ ،‬وعند أحمد من حديث‬
‫أبي هريرة قال‪ .‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يبشر أصحابه‪" :‬قد‬
‫جاءكم شهر رمضان شهر مبارك‪ ،‬افترض الله عليكم صيامه‪ ،‬يفتح فيه أبواب‬
‫الجنة‪ ،‬ويغلق فيه أبواب الجحيم‪ ،‬وتغل فيه الشياطين‪ ،‬فيه ليلة خير من ألف‬
‫حرم" فل تعجب بعد ذلك أن تتطلع النفوس لدراك‬ ‫حرم خيرها فقد ُ‬ ‫شهر من ُ‬
‫مثل هذا الشهر الكريم الذي يبشر الرسول به ويصفه بالتي‪:‬‬
‫‪-1‬أنه شهر مبارك‪.‬‬
‫‪ -2‬تفتح فيه أبواب الجنات‪.‬‬
‫‪-3‬تغلق فيه أبواب جهنم‪.‬‬
‫‪-4‬تسلسل فيه الشياطين‪.‬‬
‫‪-5‬ينادي مناد‪ :‬يا باغي الخير أقبل‪ ،‬ويا باغي الشر أقصر‪.‬‬
‫‪-6‬لله عتقاء من النار كل ليلة‪.‬‬
‫‪-7‬فيه ليلة خير من ألف شهر‪.‬‬
‫‪-8‬استجابة الدعاء؛ فإن للصائم دعوة مستجابة‪.‬‬
‫فمن هذا الذي ل يتمنى أن يدرك مثل هذه الفضائل‪.‬‬
‫إن الجو المادي الذي تعيشه النفوس فأصبحت ل تحس إل بالمحسوسات‬
‫فقط‪ ،‬وأصبحت العملية لديهم في هذه الحياة عملية حسابية بحتة سببت‬
‫كثيرا ً من القسوة للقلوب والغفلة عن الله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬ولننظر بنفس النظرة‬
‫بالنسبة لشهر رمضان لنجد أن العملية الحسابية تكون في صف من سارع‬
‫إلى تلقيه بالقبال على الله والتوبة والندم‪ ،‬وكيف ل يكون ذلك والرسول‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم يقول‪ ..." :-‬ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا‬
‫اجتنبت الكبائر" ]رواه مسلم[‪ ،‬وكلنا قد غشي من الذنوب ما الله به عليم‪،‬‬
‫ن الكريم بستر منه وكرم ونسأله العفو والمغفرة‪.‬‬ ‫م ّ‬
‫وقد َ‬
‫ً‬
‫ومتابعة لما سبق؛ فإن المتأمل في أحوال رمضان وفضله يرى لزاما على كل‬
‫إنسان أن يستغل كل ثانية من ثوانيه في أمور شتى من العبادات المتنوعة‪،‬‬
‫وهنا وقفات‪:‬‬
‫‪-1‬أن أفضل العبادات في رمضان هي ما جاء النص عليها مثل‪ :‬القيام وتلوة‬
‫القرآن والصدقة‪.‬‬
‫‪-2‬أنه ل ينبغي حصر صور العبادة والحسان فيما سبق؛ بل يجب توسيع‬
‫الدائرة‪ ،‬حيث إن كل عمل صالح يقرب إلى الذل والنكسار لله وكمال‬
‫المحبة له فهو عبادة‪ ،‬فالطبيب في عيادته‪ ،‬والجراح في غرفة عملياته‪،‬‬
‫والمهندس في معمله أو طريقة أو مكتبه‪ ،‬والجندي في ميدانه‪ ،‬والمعلم في‬
‫مدرسته‪..‬‬
‫وهكذا في صنوف عدة من أنواع العمل إذا استصحب فيها الحتساب‪ ،‬وهو‬
‫طلب الجر من الله مع تحقيق عدم التفريط في عبادات أخرى إل من أجل‬
‫مصلحة أعظم؛ فله أجر مثل أولئك أو أعظم‪.‬‬
‫‪-3‬أن القيام في رمضان له فضائل عديدة؛ منها قول الرسول ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬من قام رمضان إيمانا ً واحتسابا ً غفر له ما تقدم من ذنبه"‪ ،‬فل‬
‫أقل من الحرص والمواظبة في هذا الشهر الكريم‪.‬‬
‫ً‬
‫‪-4‬عليك بالجود والنفقة والحرص على تفطير صائم‪ ،‬وقد تيسر ذلك كثيرا في‬
‫جد بالخير وتذكر دوما ً )وما تنفقوا من‬
‫هذه الزمنة‪ ،‬فابذل الفضل من مالك‪ ،‬و ُ‬
‫خير تجدوه عند الله هو خيرا ً وأعظم أجرًا(‪ ،‬وقول الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم‪" :-‬كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس" ]رواه أحمد[‪،‬‬
‫وتذكر "رب درهم سبق مائة ألف درهم"‪.‬‬
‫‪-5‬قراءة القرآن من أفضل القربات إلى الله في رمضان‪ ،‬وقد كان جبريل‬
‫ينزل كل ليلة يراجع القرآن مع النبي‪ ،‬وفي السنة الخيرة راجعه مرتين‪،‬‬
‫وصور الصحابة والسلف في قراءة القرآن في رمضان أكبر من أن توصف‪،‬‬
‫حتى إن أحدهم كان يختم القرآن كل ليلة‪ ،‬وإذا دخلت العشر ختم القرآن‬
‫مرتين كل ليلة‪ ،‬وصدق الله )ولقد يسرنا القرآن للذكر(‪ ،‬فأين نحن من‬
‫هؤلء؟!‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -6‬الدعاء له أوقات إجابة وخصوصا في رمضان حين الفطر وفي جوف‬
‫الليل‪ ،‬وتذكر أن للصائم دعوة مستجابة؛ فأكثر من البتهال والتضرع‪.‬‬
‫سّنة مهجورة‪ ،‬وشرفها في انقطاعك عن الخلئق لغرض التصال‬ ‫‪-7‬العتكاف ُ‬
‫بالخالق‪ ،‬فهي وظيفة شريفة فخذ نصيبك منها‪ ،‬ول تكن من الغافلين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫طلع على هذه السطر‪ :‬ل بد أن تعلم أن وعد الله صدق؛ فإنه‬ ‫وبعد أيها الم ّ‬
‫سبحانه ل يخلف الميعاد‪ ،‬أنت تدعوه فتقول‪) :‬ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك‬
‫ول تخزنا يوم القيامة إنك ل تخلف الميعاد(‪ ،‬ومما وعدنا على رسله أن من‬
‫صام رمضان وقام رمضان إيمانا ً واحتسابًا‪ ،‬ومن قام ليلة القدر إيمانا ً‬
‫واحتسابًا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬فهذه ثلث فرص‪ ،‬كلها تغفر لك ما تقدم‬
‫من ذنبك إن عملت بها محتسبا ً الثواب‪ ،‬أي من غير تسخط ول شكوى مع‬
‫اليمان الجازم باستحقاق الرب لهذه العبودية‪ ،‬واليمان الجازم بالجر‬
‫المترتب عليها؛ فإنه يتحقق لك ذلك وهذا وعد صدق‪ ،‬فجد واجتهد وثابر‬
‫وصابر‪ ،‬ول تغب شمس اليوم الخير من رمضان إل وقد غفر الله لك ما تقدم‬
‫من ذنوبك‪ ،‬فعندها تعلم لماذا رمضان؟‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لماذا علينا أن نعرف أعياد الكفار‬


‫إبراهيم بن محمد الحقيل ‪7/12/1426‬‬
‫‪07/01/2006‬‬
‫من المتفق عليه أن المسلم ل يعنيه –ابتداء‪ -‬التعرف على أحوال الكفار‪ ،‬ول‬
‫يهمه معرفة تفاصيل شعائرهم وعاداتهم –ما لم يرد دعوتهم إلى السلم‪ ،-‬إل‬
‫إذا كانت شعائرهم تتسرب إلى جهلة المسلمين فيقعون في شيء منها عن‬
‫قصد أو غير قصد‪ ،‬فحينئذ ل بد من معرفتها لتقائها والحذر من الوقوع في‬
‫شيء منها‪ ،‬وفي العصور المتأخرة يتأكد ذلك؛ للسباب التية‪:‬‬
‫‪ -1‬كثرة الختلط بالكفار سواء بذهاب المسلم إلى بلدهم للدراسة أو‬
‫السياحة أو التجارة أو غير ذلك‪ ،‬فيرى أولئك الذاهبون إليهم بعض شعائرهم‪،‬‬
‫وقد ُيعجبون بها‪ ،‬ومن ثم يتبعونهم فيها‪ ،‬ل سيما مع هزيمة بعضهم النفسية‪،‬‬
‫ونظرتهم إلى الكافرين بإعجاب شديد يسلب إرادتهم‪ ،‬ويفسد قلوبهم‬
‫ويضعف الدين فيها‪ ،‬ومن ذلك أن كثيرا ً من المثقفين المغتربين يصف الكفرة‬
‫بالرقي والتقدم والحضارة حتى في عاداتهم وأعمالهم المعتادة‪ ،‬أم كان ذلك‬
‫عن طريق إظهار تلك العياد في البلد السلمية –من قبل طوائف وأقليات‬
‫أخرى غير مسلمة‪ ،‬فيتأثر بها جهلة المسلمين في تلك البلد‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬وزاد المر خطورة البث العلمي المباشر الذي به يمكن نقل كل شيء‬
‫بالصوت والصورة الحية من أقصى الرض إلى أدناها‪ ،‬وما من شك في أن‬
‫وسائل إعلم الكفار أقوى وأقدر على نقل شعائرهم إلى المسلمين‪ ،‬دون‬
‫العكس؛ حيث تشاهد كثيرا ً من قنوات الخرين الفضائية تنقل شعائر أعيادهم‪،‬‬
‫واستفحل الخطر أكثر وأكثر حينما تبنت بعض الدوائر العلمانية في جل البلد‬
‫السلمية كثيرا ً من الحتفالت بأعياد الكفار وشعائرهم‪ ،‬وصار ذلك ينقل عبر‬
‫الفضائيات العربية إلى الناس؛ فيغتر بذلك بعض المسلمين بسبب صدوره‬
‫من بلد إسلمية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -3‬قد عانى المسلمون على مدى تاريخهم –وخصوصا في مراحل الضعف‪-‬‬
‫من تأثر بعضهم بشعائر غيرهم من جراء الختلط بهم‪ ،‬مما جعل كثيرا ً من‬
‫أئمة السلم يحذرون عوام المسلمين من تقليد غيرهم في أعيادهم‬
‫وشعائرهم‪ ،‬منهم –على سبيل المثال‪:-‬شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬وتلميذه‬
‫العلمة ابن القيم‪ ،‬والحافظان الذهبي وابن كثير‪ ،‬وهم قد عاشوا عصرا ً واحدا ً‬
‫كثر فيه اختلط المسلمين بغيرهم خاصة بالنصارى‪ ،‬وتأثر جهلتهم ببعض‬
‫شعائر دينهم خاصة أعيادهم‪ ،‬ولهذا أكثر الكلم عن ذلك هؤلء العلماء في‬
‫تضاعيف مصنفاتهم‪ ،‬وبعضهم أفرد لذلك كتابا ً خاصًا‪ ،‬كابن تيمية في كتابه ‪:‬‬
‫)اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم(‪ ،‬وكالذهبي في رسالته‪:‬‬
‫)تشبه الخسيس بأهل الخميس(‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫ولقد أطال ابن تيمية –رحمه الله تعالى‪ -‬في ذكر أعيادهم وأعمالهم فيها‪،‬‬
‫وبين مدى تأثر جهلة المسلمين بها‪ ،‬ووصف أعيادهم وأنواعها وما يجري فيها‬
‫من شعائر وعادات مما يستغني عن معرفته المسلمون‪ ،‬إل أن الحاجة دعت‬
‫إلى ذلك بسبب ما كثر من اتباع كثير من المسلمين أهل الكتاب في تلك‬
‫الشعائر‪.‬‬
‫وقد بين شيخ السلم أعيادهم وعرضها في مقام التحذير؛ حيث يقول رحمه‬
‫الله تعالى بعد أن أفاض في الحديث عنها‪":‬وغرضنا ل يتوقف على معرفة‬
‫تفاصيل باطلهم؛ ولكن يكفينا أن نعرف المنكر معرفة تميز بينه وبين المباح‬
‫والمعروف‪ ،‬والمستحب والواجب‪ ،‬حتى نتمكن بهذه المعرفة من اتقائه‬
‫واجتنابه‪ ،‬كما نعرف سائر المحرمات؛ إذ الفرض علينا تركها‪ ،‬ومن لم يعرف‬
‫المنكر جملة ول تفصيل ً لم يتمكن من قصد اجتنابه‪ .‬والمعرفة الجملية كافية‬
‫بخلف الواجبات"‪.‬‬
‫وقال أيضًا‪":‬وإنما عددت أشياء من منكرات دينهم لما رأيت طوائف من‬
‫المسلمين قد ابتلي ببعضها‪ ،‬وجهل كثير منهم أنها من دين النصارى الملعون‬
‫هو وأهله‪ ،‬ولست أعلم جميع ما يفعلونه‪ ،‬وإنما ذكرت ما رأيت من المسلمين‬
‫يفعلونه وأصله مأخوذ عنهم"‪.‬‬
‫‪ -4‬أن بعض أعيادهم تحول في العصر الحاضر إلى اجتماع كبير له بعض‬
‫خصائص عيدهم القديم‪ ،‬ويشارك كثير من المسلمين في ذلك دون علم‪ ،‬كما‬
‫في دورة اللعاب الولمبية التي أصلها عيد عند اليونان‪ ،‬ثم عند الرومان‪ ،‬ثم‬
‫عند النصارى‪.‬‬
‫‪ -5‬معرفة الشر سبب لتقائه واجتنابه‪ ،‬وقد قال حذيفة –رضي الله‬
‫عنه‪":-‬كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير‪ ،‬وكنت‬
‫أسأله عن الشر مخافة أن يدركني" ومن المعلوم أن الشر العظيم والداء‬
‫الوبيل أن يقع المسلم في شيء من شعائر الذين كفروا دون علمه أن ذلك‬
‫من شعائرهم وأخص عاداتهم التي أمرنا بمجانبتها والحذر منها‪ ،‬لنها رجس‬
‫وضلل‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -6‬كثرة الدعاوى وقوة الصوات التي تريد للمة الخروج عن أصالتها‪،‬‬


‫والقضاء على هويتها‪ ،‬والنصهار في مناهج الكفرة‪ ،‬واتباعهم حذو القذة‬
‫بالقذة تحت شعارات‪ :‬النسانية والعولمة والكونية والنفتاح على الخر وتلقي‬
‫ثقافته‪ ،‬مما حتم معرفة ما عند هذا الخر –الكافر‪ -‬من ضلل وانحراف؛‬
‫لفضحه وبيان عواره‪ ،‬وكشف التزوير وتمزيق الغلفة الجميلة التي تغلف بها‬
‫تلك الدعاوى القبيحة "ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة"‬
‫]النفال‪ ،[42 :‬ولكي تقوم الحجة على أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فل‬
‫يغتروا وينخدعوا‪.‬‬
‫‪ -7‬شكر نعمة المولى –سبحانه وتعالى‪ -‬على المة المحمدية‪ ،‬حيث هداها‬
‫لحسن العياد وأكمل لها الدين وأتم عليها النعمة‪ .‬ومن اطلع على شعائر‬
‫الذين كفروا على اختلف أديانهم ومذاهبهم ظهرت له هذه النعمة العظيمة‪،‬‬
‫وسيمر في هذا الكتاب شيء كثير من شعائر الكفار في أعيادهم من تعظيم‬
‫للوثان واختلق للساطير واختراع عيد لكل مناسبة مهما كانت سخيفة‪ ،‬على‬
‫ما فيها من مظاهر الفجور والتعري‪ ،‬واتخاذ هذا الفجور دينا ً يدينون به‬
‫لمعبوداتهم من دون الله‪ ،‬وشعائر جعلوها من أساس أعيادهم ودينهم‪ ،‬فإذا‬
‫اطلع المسلم على هذا الضلل قاده ذلك إلى شكر الله تعالى على نعمة‬
‫الهداية إلى السلم‪ ،‬والسلمة مما وقع فيه الخرون من آثام وآصار وأغلل‬
‫يتقربون بها‪ ،‬ويحسبون أنهم على شيء‪" ،‬أولئك الذين ضل سعيهم في الحياة‬
‫الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا" ]الكهف‪.[104:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لماذا فشل مشروع النهضة التغريبي ؟‬


‫د‪ .‬محمد مورو ‪17/1/1426‬‬
‫‪26/02/2005‬‬
‫بعد عشرات السنين من اندلع حركة التحرير الوطني في العالمين العربي‬
‫والسلمي ودول العالم الثالث عمومًا‪ ،‬وبعد سلسلة من التجارب والمحاولت‬
‫لتحقيق وبناء النهضة‪ ،‬اكتشفت الجميع قادة ومفكرين أن مشروع النهضة‬
‫التغريبي‪ ،‬أي الذي استند على وسائل وأساليب وأفكار مستمدة من الشرق‬
‫أو الغرب قد وصل إلى طريق مسدود‪ ،‬وأنه لم يحقق أيا ً من أهدافه‬
‫المرجوة‪.‬‬
‫وكان من الطبيعي أن يطرح السؤال نفسه‪ ،‬وهو لماذا فشل مشروع النهضة‬
‫؟! وفي رأينا أن هذا‬
‫التغريبي ووصل إلى هذا المستوى من النهيار واللجدوى ‍‬
‫المشروع النهضوي الذي استند إلى أ فكار الحضارة الغربية وأساليبها والذي‬
‫تجاهل خاصية الذات الحضارية لبلدنا كان من الطبيعي والمؤكد أن يصل إلى‬
‫طريق مسدود؛ لنه افتقد إلى المقومات البديهية لية نهضة‪ ،‬ولنه تجاهل‬
‫العديد من الحقائق العلمية حول عملية النهضة‪.‬‬
‫السياق الحضاري‬
‫إذا افترضا حسن النية في هؤلء الذين قادوا محاولت النهضة في بلدنا في‬
‫تاريخنا المعاصر فإننا نجدهم قد وقعوا في خطأ علمي فادح حينما تعاملوا مع‬
‫منهجية التغيير بمعزل عن السياق الحضاري لها؛ لنه في الواقع ل منهج هناك‬
‫مجردا ً من مقولته ونماذجه؛ لنه تشكل في أحشاء النماذج التي عالجها‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واكتسى باللحم من خلل الموضوعات التي وّلدها‪ ،‬والمنهج يقوم ويتشكل‬


‫دد له مبادئه ومقولته‬ ‫دد مما يح ّ‬‫عبر عملية معقدة من خلل نمط مجتمعي مح ّ‬
‫ون عبر تاريخ النمط الحضاري‬ ‫ونماذجه فالمنهج الوروبي في النهضة تك ّ‬
‫الوروبي‪ ،‬وبالتالي فإن هؤلء الذين أخذوا منهج التغيير الوروبي‪ ،‬حتى لو‬
‫رفضوا نظريا ً المقولت الفلسفية الحضارية الوروبية‪ ،‬إنما هم في الحقيقة‬
‫يخدعون أنفسهم؛ لن هذا المنهج خرج من خلل منظومة حضارية شاملة‬
‫منهجا ً ونماذج ومقولت وبالتالي فإن هذا النهج اكتسى وأخذ هذا الطابع‬
‫الحضاري المميز له‪ ،‬ولكل حضارة شخصيتها المتميزة‪ ،‬ويكاد يكون هؤلء‬
‫الداعون إلى ما يسمى بالتطعيم الحضاري يتناسون حقيقة علمية معروفة‬
‫وهي أن التطعيم في علم النبات مثل ً ل ينجح إل بين النباتات المتقاربة عائليا‪ً،‬‬
‫وبديهي أن التطعيم والتلقيح بين الحضارة السلمية القائمة على التوحيد‬
‫والعدل والحرية ورجاء الخرة والحضارة الغربية القائمة على الوثنية‪،‬‬
‫والمنفعة الل أخلقية والقهر والنهب أمر غير ممكن عمليا ً وموضوعيًا‪.‬‬
‫إن الذين حاولوا بناء نهضة على أسس منهجية غربية لم يدركوا حقيقة‬
‫موضوعية هامة‪ ،‬وهي أنهم ل يطبقون هذا المنهج في الفراغ‪ ،‬بل إن شعوبا ً‬
‫عاشت تجربة حّية من السلم لفترة طويلة جدًا‪ ،‬إننا أمام حضارة إسلمية‬
‫عريقة متميزة وثرية‪ ،‬حضارة تمتلك أصل ً نظريا ً إلهيًا‪ ،‬وتمتلك ثروة من‬
‫التطبيقات الجتماعية الهائلة من خلل ما حدث طوال التاريخ السلمي من‬
‫علقات وحالت سياسية واقتصادية واجتماعية ارتبطت بالنص السلمي أو‬
‫حادت عنه وواجهت هذه الحضارة مشكلت في كافة الميادين‪ ،‬وترّتب على‬
‫تلك المشكلت فقه وثقافة وإجابات نظرية وتطبيقية في مختلف الفروع‬
‫والمجالت الفكرية والسياسية والجتماعية والقتصادية والنفسية‪ ،‬فضل ً عن‬
‫ميادين العلوم الرياضية والطبيعية والفلكية‪.‬‬
‫وهكذا فإن القفز على هذا الواقع بكل أوجه الصحة والخطأ والنجاز‪،‬‬
‫والقصور فيه سبب فجوة هائلة في الوعي والسلوك على حد سواء‪ ،‬وإهدار‬
‫كل الساسات فوق التربة أو تحتها‪ ،‬بحيث كان علينا أن نسير منذ البداية‬
‫وفقا ً للمنهج الوروبي‪ ،‬ناهيك عن أننا نسير في الطريق الخطأ‪ ،‬المر الذي‬
‫يستلزم مئات السنين زمنيا ً هذا إذا أمكن إخلء الواقع من الوجدان والتراث‬
‫السلمي وهو مستحيل قطعًا‪.‬‬
‫عها دعاة النهضة التغريبية‬ ‫إن علم الجتماع قد أكد على حقيقة بديهية لم يرا ِ‬
‫وهي أن المنهج العلمي في أساسه أنماط اجتماعية معينة ينبغي أن يتم‬
‫بمنهج هذه النماط ذاتها وليس بمنهج مغاير‪ ،‬وإل فإن الخطاء ستكون‬
‫بالجملة أي أنه ل يمكن استقرار عملية النهضة والتنمية في مجتمعاتنا بمنهج‬
‫ل‪ ،‬وبالتالي فإن شرط النهضة هنا هو‬ ‫مستمد من نمط الحضارة الوروبية مث ً‬
‫أن تقرأ الواقع قراءة صحيحة‪ ،‬وشرط الصحة هنا أن تكون القراءة من خلل‬
‫منهج نابع من هذا النمط الحضاري الذي نحن بصدده‪ ،‬وليس من خارجه‪.‬‬
‫غياب البعد الثقافي‬
‫محاولت النهضة الحديثة في بلدنا تواكبت مع عملية التحرر الوطني منذ‬
‫الستعمار ول شك أن الصراع مع الستعمار صراع سياسي واقتصادي‬
‫وعسكري فل شك أن الغرب الستعماري قد استعمل ضدنا أقسى الوسائل‬
‫العسكرية وأبشعها لتحقيق عملية القهر والنهب‪ ،‬وكذلك لم يتوّرع عن‬
‫استعمال كل الوسائل السياسية والقتصادية في تحقيق أهدافه‪ ،‬وبالتالي كان‬
‫من الطبيعي أن تشن حركات التحرر الوطني الحرب ضد الستعمار عسكريا ً‬
‫وسياسيا ً واقتصاديًا‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولكن البعد الثقافي لتلك المواجهة كان غائبًا‪ ،‬وكأن هذا هو السبب بالتحديد‬
‫في فشل مشروع النهضة بعد رحيل الستعمار‪ ،‬بل الوصول إلى طريق‬
‫مسدود أهدر كل المكاسب التي تحققت في المجالت العسكرية والسياسية‬
‫والقتصادية للمواجهة‪ ،‬بل أقسى من ذلك وأمر أصبحنا مهددين بعودة‬
‫الستعمار بجيوشه وأساطيله كالمسابق وبآليات أكثر تعقيدا ً وأكثر كفاءة‪.‬‬
‫إن البعد الثقافي للمواجهة كان يعني ضرورة تصفية الرواسب الثقافية‬
‫الستعمارية حكوميا ً وشعبيًا‪ ،‬لن هذا البعد الثقافي مرتبط بتحطيم أو بناء‬
‫المكونات العقدية والفكرية والحضارية والنماط المعيشية والنتاجية وأشكال‬
‫العلقات الجماعية والفردية وتحطيمها يعني هدم القلعة من الداخل ومسخ‬
‫الشخصية وجعلها في حالة عدم قدرة على الصمود والمواجهة فضل ً عن‬
‫تحقيق مشروع النهضة‪ ،‬أما بناؤها بصورة صحيحة فيعني التماسك الفردي‬
‫والجماعي‪ ،‬والقدرة على المواجهة ـ والقدرة على تحقيق الذات الحضارية‬
‫وتحقيق مشروع النهضة بالتالي‪.‬‬
‫التغريب أّدى إلى الستبداد‬
‫ما حدث بسبب التغريب يمكن أن نشّبهه بنوع من النفصال الشبكي بين‬
‫الشعوب والنخبة الحاكمة‪ ،‬فأصبحت الشعوب بمعزل حقيقي عن عملية‬
‫النهضة ولم تستطع النخبة السياسية أو الفكرية بحكم محدودّيتها أن تنجز‬
‫عملية النهضة‪ .‬إن الشعوب كانت وما زالت تحمل الوجدان السلمي‪ ،‬كانت‬
‫وما زالت معبأة بالتراث ومفعمة بالعقيدة‪ ،‬ول يمكن القضاء على هذا‬
‫الوجدان أو طريقة التفكير بسهولة‪ ،‬وبالتالي فإن فرض مشروع نهضوي غير‬
‫سها الثقافي وتراثها التاريخي يجعل‬ ‫قائم على وجدان الجماهير وعقيدتها وح ّ‬
‫تلك الجماهير ل تفهم هذا المشروع‪ ،‬ول تتحمس له أو ترفضه وتعاديه أو‬
‫يحدث لها نوع من ازدواج الشخصية أو انفصامها‪ ،‬وبالتالي يعود إلى سلسلة‬
‫من الخطاء والخطايا تجعل مشروع النهضة في مهب الريح‪ ،‬وإذا كانت‬
‫النخبة المغتربة جادة في محاولة تحقيق نهضة على أساس تغريبي فإن رفض‬
‫الجماهير لهذا المشروع النهضوي التغريبي أو عدم حماسها له يجعل تلك‬
‫النخبة تحاول أن تجبر الجماهير على النخراط والحماس في هذا المشروع‪،‬‬
‫وبما أن التركيبة الثقافية والوجدانية للجماهير ل تستجيب للتحريض العلمي‬
‫النخبوي بهذا الصدد‪ ،‬فإن النخبة الحاكمة تجد نفسها لجئة في النهاية إلى‬
‫قمع الجماهير والستبداد بها وإجبارها بالقهر على النخراط في هذا المشروع‬
‫وبالطبع تبدأ المسألة من هذه الزاوية وتنتهي إلى أن يصبح الستبداد والقهر‬
‫سمة أساسية للحكم التغريبي‪ ،‬بمعنى أن يصبح للستبداد لبنته الخاصة‬
‫والذاتية حتى بصرف النظر عن مشروع النهضة التغريبي أي أن التغريب‬
‫يوجد الستبداد خلقًا‪.‬‬
‫كلمة في مسألة العلوم الطبيعية‬
‫من الشياء التي يتشدق بها دعاة مشروع النهضة التغريبي‪ ،‬أنهم يستهدفون‬
‫الحصول على العلوم الطبيعية أو التقنية من خلل مشروعهم التغريبي‬
‫المرتبط بالمنهج التغريبي في النهضة والمنفتح على الحضارة الوروبية التي‬
‫أنجزت تقدما ً علميا ً باهرًا‪.‬‬
‫وينبغي هنا أن نضع الكثير من النقاط فوق الكثير من الحروف في هذه‬
‫القضية الخطيرة‪.‬‬
‫ينبغي أن نعرف أن العلوم الطبيعية تنقسم إلى قسمين‪ ،‬قسم خاص‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالحقائق العلمية‪ ،‬والمكتشفات العلمية‪ ،‬وقسم خاص بتوجيه هذه العلوم في‬
‫ل‪ ،‬للقضاء على مرض أو‬ ‫اتجاه معين‪ ،‬أي لنتاج سلعة ضرورية أو كمالية مث ً‬
‫لنشر مرض‪ ،‬أي لنتاج أدوات تسعد النسان وتساهم في راحته أو لنتاج‬
‫أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬لصلح البيئة والمحافظة عليها أو لتخريبها وتلويثها‪.‬‬
‫أي أن هناك شقا ً علميا ً وشقا ً قيميًا‪ ،‬والشق العلمي تراث إنساني يجب‬
‫الستفادة به وليس تراثا ً أوروبيًا‪ ،‬ولكن الشق القيمي للمسألة أي توجيه‬
‫العلوم في اتجاه معين تراث حضاري أي خاص بتوجه وقيم كل حضارة‪،‬‬
‫والحضارة السلمية مثل ً عندما كانت متقدمة علميا ً كانت توجه هذه العلوم‬
‫لسعاد النسان وتلبية حاجات كل البشر‪ ،‬بل وكانت تسعى سعيا ً لنشر العلوم‬
‫ول تحجبها عن الخرين‪ ،‬لن حبس العلم جريمة في الشريعة السلمية‬
‫الغراء‪ ،‬أما الحضارة الخرى ولظلمها‪ ،‬حجبت هذا العلم عن الشعوب الخرى‪،‬‬
‫بل وأصدرت القوانين التي تجّرم حصول الخرين على تلك العلوم مثل قضية‬
‫ل‪ ،‬بل وتغتال العلماء في البلد الخرى‬ ‫الدكتور مهندس عبد القادر حلمي مث ً‬
‫حتى ل تحدث نهضة علمية فيها كاغتيال الدكتور المشد مث ً‬
‫ل"‪.‬‬
‫إذا ً فالعلم كحقائق ومعرفة تراث إنساني ساهمت فيه كل الحضارات‬
‫والمجتمعات بل إن النهضة العلمية الوروبية الحديثة استفادت من العلوم‬
‫والمعارف السلمية في تحقيق تقدمها المعاصر‪ ،‬وبالتالي فإن الحصول على‬
‫العلوم واكتسابها ليس قاصرا ً على المشروع النهضوي التغريبي‪ ،‬بل العكس‬
‫هو الصحيح؛ فالحصول على العلم هدف أي مشروع نهضوي إسلمي‪ ،‬أما‬
‫الشق القيمي في العلوم فهذا أمر مرفوض‪ ،‬أي الشق المرتبط بكيفية‬
‫استخدام هذه العلوم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫والعجب هنا‪ ،‬أن مشروع النهضة التغريبي فشل حتى في الحصول على هذه‬
‫العلوم لسبب بسيط هو أن الحضارة الغربية ترفض إعطاء العلوم للخرين‬
‫عن طيب خاطر‪ ،‬وما دام المشروع النهضوي التغريبي مشروع غير تصادمي‬
‫مع الحضارة الغربية أي متعاون ومهادن لها‪ ،‬فهو لن يحصل على هذه العلوم‬
‫بل الصحيح أن المشروع السلمي للنهضة هو القادر على الحصول عليها؛‬
‫لنه سينتزعها انتزاعا ً ثم يستطيع أن يهضمها حضاريا ً بمعنى أن يو ّ‬
‫جهها‬
‫التوجيه المتفق مع قيمه الحضارية‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لماذا كان السلم حقا ً وما عداه باطل ً؟‬


‫‪08-12-2004‬‬
‫الحمد لله وكفى‪ ،‬وسلم على عباده الذين اصطفى‪ ،‬وبعد‪،،،‬‬
‫لما كان اختيار الدين هو أعظم وأهم عمل يقوم به النسان‪ ،‬وأنه ل يجوز‬
‫للعاقل أن يتخذ دينا ً كيفما اتفق‪ ،‬ول أن يقلد في دينه أحدا ً ل آباءه ول قومه‪،‬‬
‫ول عموم الناس‪ ،‬ول غير ذلك‪ .‬إذ أن هناك دين يقول الداعون إليه )وهم‬
‫رسل الله( إن دينهم هو الحق وحده دون ما سواه‪ ،‬وأنه كل من اتخذ دينا ً‬
‫غيره فهو خاسر في الدنيا والخرة ومعرض لعذاب خالق الكون وسخطه‪.‬‬
‫من أجل ذلك وجب على كل ذي عقل ولب أن يفكر في مقالة هؤلء الداعين‬
‫إلى هذا الدين‪ ،‬فإن كلمهم لو كان حقا ً وخالفه من خالفه تعرض لما حذروا‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منه ‪ .‬قال تعالى مناديا ً المنكرين والمستكبرين }قل أرأيتم إن كان من عند‬
‫الله وكفرتم به{؟! وجواب الشرط ماذا يكون أمركم وشأنكم ل شك أنكم‬
‫ستتعرضون للعذاب والخسار‪.‬‬
‫فأما أن السلم هو الحق‪ ،‬وما عداه من دين فباطل‪ ،‬فالدلة على هذا كثيرة‬
‫جدًا‪ ،‬وهذا ذكر لمجموعة منها‪:‬‬
‫الكون كله شاهد على وحدانية الرب وعظمته وقدرته‪:‬‬
‫الكون الذي تعيش فيه كون مصنوع‪ ،‬وهو في غاية التساع والحكام والدقة‪،‬‬
‫بدءا ً من الجزاء الصغيرة )الذرة( إلى الجرام الكبيرة )المجرة(‪ .‬وكل جزء‬
‫من هذا الكون مرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بأجزائه الخرى بحيث أن حصول أي خلل‬
‫فيه‪ ،‬لو كان صغيرا ً يسبب فسادا ً عظيما ً في الخلق‪ :‬فالرض في موقعها‬
‫ومدارها والقمر والشمس‪ ،‬وسائر النجوم والكواكب والمجرات‪ ،‬يرتبط بعضها‬
‫ة في البداع‪ ،‬وبحساب بالغ الدقة قال تعالى‪} :‬الشمس‬ ‫ببعض بنظام هو غاي ٌ‬
‫والقمر بحسبان{ أي بحساب بالغ الدقة‪.‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون* والشمس‬
‫تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم* والقمر قدرناه منازل حتى عاد‬
‫كالعرجون القديم* ل الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ول الليل سابق‬
‫النهار وكل في فلك يسبحون{‪.‬‬
‫ودقة الصنع‪ ،‬ودقة الحركة في هذه الجرام الكبيرة هو كذلك في كل عنصر‬
‫صغير من عناصر الوجود‪ ،‬فالنسان والنبات والحيوان كل فرد منها في نفسه‬
‫في غاية من الحكام والنظام‪ ،‬بل كل عضو وجزء من أجزاء كل مخلوق قد‬
‫صنع بدقة وإحكام متناه‪ ،‬فالعين والذن واليد والرجل‪ ،‬وكل عضو من‬
‫المخلوق الحي آية من آيات الله في إحكامه وخلقه ووظائفه‪ ،‬وكذلك كل‬
‫جزء في النبات من الوراق والزهار والساق‪ ،‬والثمار‪ ،‬وحبوب اللقاح‪،‬‬
‫والنابيب الشعرية الموصلة للماء والغذاء آيات كثيرة ل يمكن استقصاها ول‬
‫الحاطه بها‪ ،‬وكلها في غاية الدقة والعجاز‪.‬‬
‫وهذه آيات الخلق التي ل تحصى كثرة من أعظم الدلئل البينات على أن‬
‫خالق الكون إله واحد لم يشاركه أحد في خلقه‪ ،‬وأنه عليم قدير قائم على‬
‫هذا الخلق‪ ،‬وأن غيره ل يقوم مقامه فيه أبدًا‪.‬‬
‫وهذه الحقيقة التي يمكن أن يستخلصها ذو عقل حكيم عن طريق النظر‬
‫بنفسه في هذا الكون قد جاءت كذلك حقيقة خبرية على ألسنة الرسل‪ ،‬ففي‬
‫القرآن الكريم وجهنا الله إلى هذه الحقيقة في آيات كثيرة جدا ً من كتابه‬
‫العظيم القرآن‪.‬‬
‫قال تعالى‪} :‬وإلهكم إله واحد ل إله إل هو الرحمن الرحيم* إن في خلق‬
‫السموات والرض واختلف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما‬
‫ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الرض بعد موتها وبث‬
‫فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض‬
‫ليات لقوم يعقلون{ )البقرة‪.(164-163:‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬إن الله يمسك السماوات والرض أن تزول‪ ،‬ولئن زالتا إن‬
‫أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما ً غفورًا{ )فاطر‪.(41:‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬حم* تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم* إن في السموات‬
‫والرض ليات للمؤمنين* وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون*‬
‫واختلف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الرض بعد‬
‫موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون{ )الجاثية‪.(5-1:‬‬
‫وأدلة الخلق على وحدانية الخالق وأنه سبحانه الله الواحد القادر القاهر‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العليم الحكيم‪ ،‬القوي الحافظ لهذا الخلق هي بعدد كل مخلوقات الله‪ ،‬إذ كل‬
‫مخلوق في نفسه آية على ذلك فالله هو الذي أحسن كل شيء خلقه‪ ،‬وهو‬
‫خالق كل شيء‪.‬‬
‫والخلق كله كتاب مفتوح لمن يقرأ‪ ...‬ولكن قليل ً من الناس جدا ً من يقرأ‬
‫صفحات هذا الكتاب بل يسير كثير منهم وكأنهم عميان ل يرون شمسا ً ول‬
‫قمرًا‪ ،‬ول نجومًا‪ ،‬ول سماءا ً ول أرضا ً بل ل يرون أنفسهم قال تعالى‪} :‬وكم‬
‫من آية في السموات والرض يمرون عليها وهم عنها معرضون{‪ ،‬وقال‬
‫تعالى‪} :‬وفي أنفسكم أفل تبصرون{‪.‬‬
‫يستحيل أن يكون هذا الخلق العظيم لغير غاية وبغير هدف‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل يمكن أن يتصور ذو لب وعقل راجح أن هذا الكون العظيم‪ ،‬قد وضع لغير‬
‫حكمة وهدف وغاية‪ ،‬وأنه خلق هكذا لمجرد الخلق والوجود‪ ،‬لن العليم‬
‫والحكيم من البشر ل يصنع ويعمل إل وفق العلم والحكمة‪ ،‬ولله المثل العلى‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬فخالق هذا الكون وهو الرب العليم الحكيم القوي العزيز‬
‫يستحيل أن يكون قد أبرز هذا الوجود بغير هدف وحكمة وغاية‪ ،‬بل ل بد أن‬
‫يكون له سبحانه غاية حكيمة من وراء خلقه لهذا الكون‪.‬‬
‫ولما كان البشر ل يستطيعون بأنفسهم أن يعرفوا مراد الله من خلقهم‬
‫وإيجادهم‪ ،‬وخلق السماوات والرض فإن الله سبحانه وتعالى قد اختار منهم‬
‫رسل ً أطلعهم الله على غيبه‪ ،‬وأوحى إليهم بحكمته في الخلق ومراده سبحانه‬
‫وتعالى من خلقهم وإيجادهم في الرض‪ .‬وكان كل رسول أرسله الله إلى‬
‫قوم من البشر يبدأ دعوته إليهم ببيان هذه الحقيقة‪ ،‬وهي هدف الرب جل‬
‫وعل ومراده من خلقهم‪ .‬قال تعالى عن نوح وهو أول رسول إلى أهل‬
‫الرض‪} :‬لقد أرسلنا نوحا ً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله‬
‫غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم{ )العراف‪.(59:‬‬
‫وقال تعالى عن هود‪} :‬وإلى عاد أخاهم هودا ً قال يقوم اعبدوا الله مالكم من‬
‫إله غيره أفل تتقون{‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال تعالى عن صالح‪} :‬وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يقوم اعبدوا الله مالكم‬
‫من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل‬
‫في أرض الله ول تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم{ )العراف‪.(73:‬‬
‫وهكذا كل رسول أرسله الله إلى قوم كانت هذه مقالته‪ ،‬وهذا آخر الرسل‬
‫محمد بن عبدالله صلوات الله وسلمه عليه أنزل الله عليه }ألر كتاب‬
‫أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير* أل تعبدوا إل الله أنني لكم منه‬
‫نذير وبشير* وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا ً حسنا ً إلى أجل‬
‫مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم‬
‫كبير* إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير{ )هود‪.(4-1:‬‬
‫وقد أخبر سبحانه عن هدف الرسالت جميعا ً فقال جل وعل‪} :‬ولقد بعثنا في‬
‫كل أمة رسول ً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت{‪ ..‬وقال سبحانه‪} :‬وما‬
‫أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون{‪ ..‬وقال‬
‫تعالى‪} :‬وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون* ما أريد منهم من رزق وما أريد‬
‫أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين{‪.‬‬
‫وقد أخبرنا سبحانه وتعالى أنه ما خلق من شيء إل وهو عابد له‪ ،‬مسبح‬
‫بحمده وأنه لم يشذ عن ذلك إل الكافر اللئيم من الجن والنس فقط‪ ،‬دون‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سائر المخلوقات قال تعالى‪} :‬ألم تر أن الله يسجد له من في السموات‬


‫ومن في الرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير‬
‫من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله‬
‫يفعل ما يشاء{ )الحج‪.(18:‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬تسبح له السماوات السبع والرض ومن فيهن‪ ،‬وإن من شيء‬
‫إل يسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما ً غفورًا{ )السراء‪:‬‬
‫‪.(44‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬أن تر أن الله يسبح له من في السموات والرض والطير‬
‫صافات كل قد علم صلته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون{ )النور‪.(41:‬‬
‫ول يشذ عن هذه العبادة الطوعية والهداية اللهية إل كافر الجن والنس دون‬
‫سائر المخلوقات والعوالم في السماء والرض‪ ،‬ولكنهم مع ذلك مسلمون لله‬
‫كرها ً خاضعون لرادته ومشيئته وقدره سبحانه نافذ فيهم‪} .‬أفغير دين الله‬
‫يبغون وله أسلم من في السموات والرض طوعا ً وكرها ً وإليه يرجعون{ )آل‬
‫عمران‪.(83:‬‬
‫كل من شك في حكمة الخالق فهو كافر معاند‪:‬‬
‫والكفار درجات‪ ،‬فأحطهم درجة من شك في وجود الرب الخالق سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬وقد قامت أدلة وجوده ووحدانيته في كل ذرة من مخلوقاته‪} :‬أفي‬
‫الله شك فاطر السموات والرض{‪.‬‬
‫وهؤلء أحط دركا ً من النعام لنهم ظنوا أنهم يعيشون هذه الحياة الدنيا فقط‪،‬‬
‫وأنه ل بعث ول نشور‪ ،‬ول حساب للنسان عما يفعله في هذه الحياة‪.‬‬
‫وهؤلء قد توعدهم الله بالعذاب الشديد في الخرة قال تعالى‪} :‬أفأحسبتم‬
‫أنما خلقناكم عبثا ً وأنكم إلينا ل ترجعون فتعالى الله الملك الحق‪ {...‬الية‪.‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬وما خلقنا السماء والرض وما بينهما لعبين لو أردنا أن نتخذ‬
‫لهوا ً لتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين{‪ ..‬وقال تعالى‪} :‬وما خلقنا السموات‬
‫والرض وما بينهما باطل ً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم‬
‫نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الرض أم نجعل المتقين‬
‫كالفجار{‪.‬‬
‫والمعنى أنه سبحانه وتعالى وهو الرب العليم الحكيم ل يمكن أن يكون قد‬
‫خلق خلقه سدى ول عبثا ً ول لعبًا‪ ،‬بل خلقه لحكمة عظيمة وأن من شك في‬
‫م له بالعبث واللهو تعالى الله عن ذلك‪.‬‬‫هذه الحكمة فهو كافر بالله مته ٌ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكيف يسوي الله سبحانه وتعالى وهو الملك الحكيم بين من قام بأمره‬
‫وعبده وحده ل شريك له‪ ،‬وكان من أهل اليمان والعمل الصالح‪ ،‬وبين الكفار‬
‫الفجار الشرار الذين خالفوا أمره‪ ،‬وكذبوا رسله‪ ،‬وعاندوا واستكبروا‪:‬‬
‫}أفنجعل المسلمين كالمجرمين* مالكم كيف تحكمون{‪.‬‬
‫والدرجة الثانية من الكفار من آمن بوجود الرب‪ ،‬وشك في حكمته في‬
‫الخلق‪ ،‬ولم يعبد الله وحده كما أمره‪ ،‬واتخذ لنفسه معبودا ً سواه‪ ،‬أو معبودا ً‬
‫مع الله‪ .‬وهؤلء الذين سووا بين الله وخلقه في الصفات أو الذات‪ ،‬أو‬
‫الحقوق هم كفا مشركون }والذين كفروا بربهم يعدلون{‪.‬‬
‫الدلة على أن السلم وحده هو طريق الرب‪:‬‬
‫والدلة السابقة جميعها يمكن لعاقل أن يتوصل إليها بعقله وفطرته وبيان‬
‫ذلك أنه ل يمكن لعاقل أن يدفعأو يماري في أنه مخلوق صغير في كون كبير‪،‬‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأن هذا الكون في غاية الحكام والبداع‪ ،‬وأن كل جزء من هذا الكون مرتبط‬
‫بغيره ارتباطا ً وثيقا ً وأنه ل بد وأن يكون لهذا الكون صانع عظيم عليم قوي‬
‫قاهر‪ ..‬وأنه ل بد وأن يكون حكيما ً ويستحيل أن يكون قد خلق خلقه بغير‬
‫هدف ول غاية‪ ،‬وأنه ل بد وأن يكون هناك جزاء في نهاية المطاف‪ ،‬وأن يقام‬
‫حكم يقتص فيه للمظلوم من الظالم‪ ،‬ويلقى المحسن والمسيء كل جزاءه‪،‬‬
‫لنه لو لم يكن كذلك لكان الظالم القاهر الباغي العابث المفسد لهواه هو‬
‫العاقل في هذه الحياة‪ ،‬ولكان التقى البار العفيف الذي يؤدي الحقوق ويمتنع‬
‫عن الحرام هو الغبي الجاهل‪ ...‬فما دام أنه ل توجد حياة بعد الموت وحكومة‬
‫في الخرة‪ ،‬ول يجازي أحد بما عمل فإنه يكون من السذاجة والجهل‬
‫النصراف عن الملذ‪ ،‬وتحقيق الشهوات وحيازة الخيرات‪ ،‬والعب من كأس‬
‫الحياة حتى الثمالة‪ ،‬والستمتاع بمباهج الحياة إلى النهاية‪ ،‬ولو أدى ذلك إلى‬
‫ظلم العباد ونشر الفساد‪.‬‬
‫وعلى هذا الساس يكون الذي خلق هذه الحياة‪ ،‬ونصب هذه السموات‪،‬ووضع‬
‫هذه الرض‪ ،‬وخلق النسان يخلف جيل منه آخر‪ ،‬قد خلق خلقه عبثا ً ولعبًا‪،‬‬
‫وظلما ً ونكدا ً تعالى الله عن ذلك علوا ً كبيرا ً }أم نجعل الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات كالمفسدين في الرض أم نجعل المتقين كالفجار{؟!‬
‫وقال تعالى‪} :‬أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون{ وهذه‬
‫الحقائق حقائق عقلية فطرية ل يحتاج الناس فيها إلى الوحي لمعرفتها لنها‬
‫من الضرورات العقلية‪ ،‬ولكن لن البصار تعمى‪ ،‬والفطرة تنطمس بالتعليم‬
‫المنحرف ولذلك أرسل الله الرسل من أجل بيانها والتذكير بها قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪] :‬كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو‬
‫ينصرانه أو يمجسانه[‪..‬‬
‫وهنا نصل إلى السؤال التي؟ وما الدليل على أن خالق هذا الكون سبحانه‬
‫وتعالى قد اختار رسل ً بأعيانهم‪ ،‬وبعبارة أخرى ماذا يدلنا أن هذا الذي يدعي‬
‫الرسالة هو رسول الله حقا ً وصدقًا‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬من حيث دللة العقل فإنه ل بد لخالق هذا الكون أن يعرف‬
‫مخلوقاته بذاته العلية‪ ،‬وأن يخبرهم عن نفسه جل وعل ولماذا خلقهم؟ وفيم‬
‫أقامهم؟ لنه سبحانه وتعالى لو لم يفعل ذلك لكان هؤلء الخلق في عماية‬
‫عن حقيقة أمرهم‪ ،‬وأصل منشئهم‪ ،‬وصفة خالقهم؟ وماذا يريد من إيجادهم؟‬
‫لن هذا الكون من التساع والشمول بحيث ل تحيط به أبصارهم ول تصل إلى‬
‫نهايته أقدامهم ومراكبهم؟ وهو كذلك من الدقة والحكام وخفاء السرار بما‬
‫ل يستطيعون إدراك كنهه‪ .‬هذا مع قصر أعمارهم‪ ،‬وقلة علومهم‪ ،‬والبشر مع‬
‫تراكم علومهم جيل ً بعد جيل لم يكتشفوا كثيرا ً من القوي المذخورة في‬
‫الكون إل قريبًا‪ ،‬فلم يعرفوا الكهرباء مثل ً إل مؤخرًا‪ ،‬ولليوم ل يعرفون حقيقة‬
‫الذرات التي بنى منها الكون‪ ،‬ول يعرفون دقائق الخلق في أنفسهم فما زال‬
‫جسم النسان نفسه في كثير من أحواله ووظائفه ودقائقه مجهول ً مع تقدم‬
‫آلت النسان ووسائله وعلومه‪ ،‬وما زال سر الحياة في النسان وهو روحه ل‬
‫ل‪} :‬ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما‬ ‫يعلم النسان عنها إل قلي ً‬
‫أوتيتم من العلم إل قلي ً‬
‫ل{‪.‬‬
‫وهناك عوالم كثيرة خفية تتحكم في حياة النسان نفعا ً وضرا ً وهو ل يستطيع‬
‫أن يراها ول أن يحيط علما ً بها‪ ،‬فإذا كان النسان ل يستطيع أن يعرف حقيقة‬
‫ما يحسه ويراه‪ ،‬فأنى له أن يعرف ما غاب عنه‪ ،‬ول سبيل له للوصول إليه؟‬
‫ومن أجل ذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بأن يعلم النسان منذ آدم‬
‫لماذا خلقه‪ ،‬والمهمة المناطة به‪ ،‬ويعلمه بدايته ونهايته‪ ،‬والعوالم المحيطة به‪،‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما الذي عليه أن يأخذه‪ ،‬وما الذي عليه أن يدعه؟ قال تعالى‪} :‬وعلم آدم‬
‫السماء كلها{‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال تعالى‪} :‬وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكل منها رغدا حيث‬
‫شئتما ول تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين{‪..‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولما عصى آدم ربه وأكل من الشجرة أهبطه الله إلى الرض وعلمه مهمته‬
‫فيها‪ .‬قال سبحانه وتعالى‪} :‬قال اهبطا منها جميعا ً بعضكم لبعض عدو فإما‬
‫يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى* ومن أعرض عن ذكري‬
‫فإن له معيشة ضنكا ونحشره يم القيامة أعمى* قال رب لم حشرتني أعمى‬
‫وقد كنت بصيرًا* قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها فكذلك اليوم تنسى* وكذلك‬
‫نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الخرة أشد وأبقى{ )طه‪:‬‬
‫‪.(127-123‬‬
‫الرسالت هي طريق الله لهداية النس والجن‪:‬‬
‫وقد اختار الله أن يكون تعليمه للنسان بطريق الوحي إلى رجال يختارهم‬
‫الله في كل أمة ليكونوا واسطة بين الله وخلقه ولو أراد الله غير هذا‬
‫الطريق لفعل فإن الله ل يعجزه شيء كأن يهدى النسان بل واسطة قال‬
‫تعالى‪} :‬ولو شئنا لتينا كل نفس هداها{‪.‬‬
‫وقد أقام الله عجماوات من الحيوانات والحشرات والمخلوقات فيما خلقها له‬
‫بهداية منه وتوفيق‪ ،‬فهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال تعالى‪:‬‬
‫}وأوحى ربك إلى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ً ومن الشجر ومما‬
‫يعرشون{‪.‬‬
‫ولكن الله سبحانه وتعالى شاء في عالم النس والجن أن يختار في كل قبيل‬
‫منهم رسول ً يرسله إلى جماعته داعيا ً لهم ومبينا ً لهم طريق الرب سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫وعلى كل حال فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي له الخيرة وحده وليس‬
‫لعبيده ول خلقه القاصرين الضعفاء أن يقترحوا عليه الطريقة التي يعلم بها‬
‫عباده }والله يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى‬
‫عما يشركون{‪.‬‬
‫ً‬
‫المعاندون يقترحون رؤية الله والملئكة عيانا ليؤمنوا‪:‬‬
‫واختيار الله لرسال الرسل طريقة لعلم عباده كان دائما ً مثار استنكار ورد‬
‫واعتراض من الكفار والمعاندين‪ .‬فإنهم قالوا لماذا ل يأتينا الله بنفسه لنراه‬
‫ويكلمنا بما يريد؟ وقال بعضهم لماذا ل يرسل الله لنا ملئكته عيانا ً لنراهم‬
‫ويخبروننا بمراد الرب؟ ولماذا يختار الله واحدا ً منا فيرفعه هذه الرفعة‬
‫العظيمة‪ ،‬ويشرفه علينا‪ ،‬ونحن مثله‪ .‬قال تعالى‪} :‬وقال الذين ل يرجون‬
‫لقاءنا لول أنزل علينا الملئكة أو نرى ربنا{‪ ..‬وقال تعالى عن تعنت الكفار‬
‫وطلبهم مقابلة الرب نفسه حتى يصدقوا ويؤمنوا‪} :‬وقالوا لن نؤمن لك حتى‬
‫تفجر لنا من الرض ينبوعًا* أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر النهار‬
‫خللها تفجيرًا* أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ً أو تأتي بالله‬
‫ل{ )السراء‪.(92-90:‬‬ ‫والملئكة قبي ً‬
‫ومعنى قبيل ً أي في مقابلتنا وجها ً لوجه‪ ..‬وقال تعالى عن قوم نوح في ردهم‬
‫اليمان بالله وعبادته وحده‪} :‬فقال المل الذين كفروا من قومه ما هذا إل‬
‫بشر منكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لنزل ملئكة ما سمعنا بهذا‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في آبائنا الولين{ )المؤمنون‪.(23:‬‬


‫وعن آخرين أنهم قالوا لرسولهم‪} :‬وقال المل من قومه الذين كفروا وكذبوا‬
‫بلقاء الخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إل بشر مثلكم يأكل مما‬
‫تأكلون منه ويشرب مما تشربون* ولئن أطعتم بشرا ً مثلكم إنكم إذا‬
‫لخاسرون{ )المؤمنون‪.(34-33:‬‬
‫والخلصة أن الكفار في كل أمة اعترضوا بمثل هذه العتراضات على اختيار‬
‫الرب سبحانه وتعالى أن يرسل رسل ً من البشر إلى الناس ليعلموهم‬
‫ويرشدوهم إلى طريق الرب‪ ،‬والحال أنه ليس للنسان المخلوق أن يعترض‬
‫على اختيار الرب سبحانه وتعالى ولكنه الكفر والعقوق والجحود‪ ،‬وكان‬
‫الواجب على النسان أن يبحث فقط في دليل من يدعي أنه رسول من الله‬
‫خالق الكون‪ ،‬وهل هو صادق فيما قاله أم ل؟ وهذا ما يحتمه ضرورة العقل‬
‫الصحيح أن ينظر فيما يدعيه من يدعي أنه رسول الله هل هو صادق فيما‬
‫يقول أم ل؟ وذلك أنه من السهل على كل أحد أن يدعي هذه الدعوى؟ ولو‬
‫كان كل من ادعاها صدقه الناس واتبعوه واستجابوا لمره‪ ،‬لختلط شأن‬
‫الصادق بالكاذب‪ ،‬ولو لم يمكن التفريق بين الصادق في دعوى النبوة‬
‫والكذاب لكان هذا من أعظم الفساد والشر لنه حينئذ ينطمس طريق الرب‪،‬‬
‫ويختلط صراطه مع غيره من طرق الشر والغواية‪ ،‬ول يعلم على الحقيقة ما‬
‫يريده الرب جل وعل مما يدعيه الكذابون الذين يتخذون دعوى الرسالة‬
‫طريقا ً إلى شهواتهم وملذاتهم وتسخيرهم الناس فيما يريدون‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك كان حقا ً على الله سبحانه وتعالى أن يؤيد الصادق بالمعجزات‬
‫الدالة على صدقه وأنه رسوله حقًا‪ ،‬وأن يكذب الكاذب ويفضحه في الدنيا بما‬
‫يبين لكل ذي عقل أنه كذاب فيما ادعاه‪ ،‬ولو لم يفعل الرب ذلك لختلط‬
‫شأن الرسل على الناس ولم يستطيعوا أن يميزوا بين الصادق في دعوى‬
‫الرسالة والكذاب وهنا ينطمس طريق الله ول يعرف الناس مراده والطريق‬
‫إلى محبته رضوانه‪ ،‬وكيف يحذرون سخطه وعقابه‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومن أجل ذلك فإنه ما من رسول أرسله الله سبحانه وتعالى إلى الناس إل‬
‫وأتى بما يثبت صدقه في دعواه‪ ،‬ويقطع حجة المخالفين له‪ ،‬ول يترك لمبطل‬
‫دليل ً إل دحضه‪ ،‬ول حجة إل أبطلها‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وما خلقنا السماء والرض‬
‫وما بينهما لعبين* لو أردنا أن نتخذ لهوا ً لتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين* بل‬
‫نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون*‬
‫وله من في السموات والرض ومن عنده ل يستكبرون عن عبادته ول‬
‫يستحسرون{ )النبياء‪.(19-16:‬‬
‫وما من رسول أرسله الله إل وهو يخبر الناس بمن سبقه ويعلمهم بمن‬
‫سيأتي بعده من أعلم الرسل والنبياء لتكون السلسلة معلومة عند كل‬
‫مؤمن‪ ،‬ول يدخل فيها الغريب والشاذ والكذاب‪.‬‬
‫وكان آخر الرسل العظام موسى‪ ،‬وعيسى‪ ،‬ومحمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وما من أحد منهم إل كان معلما ً بمن سبقه من لدن آدم‪ ،‬ومخبرا ً بمن بعده‪،‬‬
‫وسيأتي إن شاء الله تفصيل كامل لبشارات موسى وعيسى بمحمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫لم يوجد رجل في الرض كلها منذ خلقها الله وإلى يومنا أحبه الناس واتبعوه‬
‫في تفاصيل حياته ودقائق تصرفاته وأعماله كمحمد بن عبدالله صلى الله‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم‪:‬‬
‫وكان خاتم النبياء والمرسلين هو محمد بن عبدالله الهاشمي القرشي من‬
‫نسل إسماعيل وإبراهيم عليهما السلم‪ ،‬وقد كان لهذا الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم من الشأن والرفعة‪ ،‬وبلوغ الدعوة وقوة التأثير في الرض‪ ،‬وكثرة‬
‫التباع والنصار‪ ،‬ما لم يكن لنبي ول رسول قبله‪ ،‬وقام من أدلة إثبات نبوته‬
‫ورسالته من اليات والدلة والمعجزات ما لم يتحقق لحد مثله‪ ،‬ول ينكر مثله‬
‫إل مطموس القلب جاهل كافر أو حاسد حاقد‪.‬‬
‫ولم يكن في أمة من أمم الهداية السابقة من قبله من يكون في أمته من‬
‫المهتدين والمجاهدين والعلماء العاملين‪ ،‬والعباد‪ ،‬والزهاد ولم تجرد سيوف‬
‫في الحق ما جردت سيوفه‪ ،‬ولم يأرز اليمان إلى قرية في العالم قط ما أزر‬
‫إلى المدينة التي كانت دار هجرته‪ ،‬ولم تعمر مدينة في التاريخ قط بالعباد‬
‫الصالحين الذين يأرزون إليها ويفدون إليها من كل فج في العالم فيطوفون‬
‫ويسعون ويعتكفون‪ ،‬ويصلون‪ ،‬ويذكرون الله بأصوات مرتفعة بالتكبير‬
‫والتهليل والتلبية ما عمرت أم القرى التي ولد فيها‪ ،‬وابتدأ فيها دعوته‬
‫ورسالته‪ ،‬ول حفظ كتاب في الرض كلها منذ وجدت الرض ما حفظ الكتاب‬
‫الذي جاء به من الله فهو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم يقرأونه آناء‬
‫الليل وأطراف النهار على مر العصور والدهور‪ ،‬ومنهم من يقرأ الكتاب كله‬
‫وهو نحو ستمائه صفحة في كل يوم طيلة حياته‪ ،‬ومنهم من يقوم به بالليل‬
‫على قدميه كل ثلث ليال ويفعل هذا عشرات بل مئات اللوف ممن ل‬
‫يحصى عددهم إل الله في كل عصر من عصور السلم‪.‬‬
‫ول يوجد رجل في الرض أحبه الناس من أهل اليمان كما أحب الناس‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول رجل ذكروا اسمه كما ذكروه ودعوا له‬
‫وصلوا عليه كما صلوا عليه‪ ،‬ول يكاد يوجد مكان في الرض على مدار‬
‫الساعة إل ويرتفع فيه صوت المؤذن باسمه مع اسم الله تعالى "أشهد أن ل‬
‫إله إل الله‪ ،‬وأشهد أن محمد رسول الله"‪.‬‬
‫ولم يوجد رجل قط يتتبع الناس تفاصيل حياته فيأكلون كما يأكل‪ ،‬ويحبون من‬
‫الطعام والشراب واللباس ما كان يطعم ويشرب ويلبس‪ ،‬وينامون كما كان‬
‫ينام‪ ،‬ويقولون الذكار التي كان يقولها عندما يركب ويأكل ويشرب وينام‪،‬‬
‫ويشاهد الهلل والفاكهة الجديدة‪ ،‬ويدخل الخلء‪ ،‬ويخرج منه‪ ،‬ويأتي أهله‪،‬‬
‫ويحيي من يلقاه كما يفعل أهل اليمان اقتداء برسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم واتباعا ً في كل تفاصيل حياته‪ .‬هذا فضل ً عن اتباعه في عبادته في‬
‫صلته وصومه‪ ،‬وحجه وجهاده‪ ،‬فإن أهل اليمان يبحثون ويتتبعون أدق أعماله‬
‫في الصلة كيف كان يقف‪ ،‬وكيف كان يركع وكيف كان يسجد‪ ،‬وكيف يجلس‬
‫بين السجدتين‪ ،‬وكيف يتشهد‪ ،‬وكيف يحرك أصبعه في الشهادة‪.‬‬
‫ويبحثون في تفاصيل حجه ويتبعونه في ذلك‪ ،‬ويجعلون ذلك نسكا ً ودينا ً‬
‫وشرعا ً فيتعلمون كيف رمل في السعي؟! وكيف اضطبع في الطواف؟ وأين‬
‫وقف عندما شرب من زمزم؟!‬
‫وسطوع نور السلم في الرض‪ ،‬وظهور الحجة به على العباد أعظم‪ ،‬وأكبر‬
‫من سطوع الشمس للعالمين‪ ،‬ولكن عمى البصائر ينكرون‪ ،‬ويجحدون‪.‬‬
‫إيمان المقلد يقع باط ً‬
‫ل‪:‬‬
‫ولما كان اليمان ل يصح إل بدليل‪ ،‬فالمقلد لبائه وقومه الذي لم يتحقق في‬
‫قلبه أن السلم حق‪ ،‬وما عداه باطل ل يكون مؤمنًا‪ ،‬فإنني أحببت أن أسرد‬
‫بعض أدلة اليمان لتكون تثبيتا ً للذين آمنوا وزيادة في إيمانهم فإن اليمان‬
‫يقوى ويزيد بتضافر الدلة‪ ،‬ويتجدد بتجدد ورودها إلى القلب‪ ،‬وجدة ما يسمع‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منها }وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا ً فأما الذين‬
‫آمنوا فزادتهم إيمانا ً وهم يستبشرون‪ ،‬وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم‬
‫رجسا ً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون{ وكذلك لتكون بابا ً وطريقا ً ممن لمن‬
‫لم يذوقوا لليمان طعما ً أن يجدوا الطريق إليه‪.‬‬
‫معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم هو المدخل إلى اليمان‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫اليمان بالرسول هو المدخل إلى اليمان كله لن الرسول هو الدال على الله‬
‫والمخبر به‪ ،‬والهادي إلى طريق الله وصراطه‪.‬‬
‫ودللة العقل والفطرة على اليمان تقف عند حدود اليقين بوجود الله وعلمه‬
‫وقدرته‪ ،‬ورحمته بعباده ثم يقف العقل عند ذلك فل سبيل إلى العلم بمراد‬
‫الله في الخلق وحكمته من إيجادهم‪ ،‬وماذا يكون بعد الموت؟ ول سبيل‬
‫للعقل ليعرف جنة أو نارًا‪ ،‬أو ملئكة أو يدرك بدايات الخلق ونهاياته‪ ،‬وكل‬
‫ذلك ل يدرك إل عن طريق الرسول ومن أجل ذلك كان اليمان بالرسول هو‬
‫الباب والمدخل إلى اليمان‪.‬‬
‫الدلة على أن محمدا ً بن عبدالله هو رسول الله حقا ً وصدقا‪ً:‬‬
‫هذه بعض الدلة على أن محمدا ً بن عبدالله صلوات الله وسلمه عليه هو‬
‫رسول الله حقا ً وصدقًا‪ ،‬ونسردها أول ً على وجه الجمال ثم نأتي إلى تفصيلها‬
‫وبيانها‪:‬‬
‫)‪ (1‬المعجزة الكبرى التي تحدى الله بها المعاندين المكذبين للرسول وجعلها‬
‫معجزة باقية إلى يوم القيامة وهو القرآن الكريم‪.‬‬
‫)‪ (2‬خوارق العادات التي أجراها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم مما ل‬
‫يحصى كثرة‪.‬‬
‫)‪ (3‬أخبار الماضين مما لم يطلع عليها الرسول المي الذي لم يقرأ كتابا ً‬
‫واتيانه على النحو الدقيق كما هي عند أهلها ونقلتها‪.‬‬
‫)‪ (4‬الخبار المستقبلية التي جاءت وتحققت كما أخبر بها تماما‪ً.‬‬
‫)‪ (5‬السيرة الشخصية للنبي الكريم التي تدل دللة قاطعة على أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم من أهل الصدق واليمان وأن مثله يستحيل عليه‬
‫الكذب أو أن يدعي أو يقول غير الحق‪.‬‬
‫)‪ (6‬متانة الدين والتشريع الذي جاء به وبناؤه على الحكمة والعلم مما‬
‫يستحيل صدوره من أمي لم يقرأ ولم يكتب‪.‬‬
‫)‪ (7‬كمال الوصف للله الحق خالق السموات والرض الذي يستحيل للبشر‬
‫وحدهم تصوره ول يمكن أن يكون هذا إل وحيًا‪.‬‬
‫)‪ (8‬أخبار الرسول عن كثير من حقائق الموجودات والنبات‪ ،‬وخواص الشياء‬
‫في السموات والرض والنسان والحيوان مما لم يكن مثله معلوما ً قط وقت‬
‫الرسالة‪ ،‬والتي لم يطلع البشر عليه إل بعد تراكم علوم هائلة‪ ،‬واكتشاف‬
‫أدوات دقيقة‪ ،‬ومرور مئات من السنين‪.‬‬
‫)‪ (9‬شهادة الشهود بصدقه وأمانته وأول ذلك‪:‬‬
‫ً‬
‫وأول شاهد هو الله سبحانه وتعالى الذي شهد بأن محمدا بن عبدالله هو‬
‫رسوله حقا ً وصدقًا‪ ،‬وكانت شهادته سبحانه بالقول المنزل‪ ،‬وبأفعاله العظيمة‬
‫التي أيده فيها كما نصره في بدر‪ ،‬وجعل هذا النصر مع قلة عدد المؤمنين‬
‫وضعفهم وذلهم فرقانا ً بين الحق والباطل‪ .‬قال تعالى‪} :‬قد كان لكم آية في‬
‫فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لولي البصار{‪ ،‬وجعل سبحانه‬
‫ذلك دليل ً على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكذلك شهادة الملئكة‬
‫الذين أخبر الله بشهادتهم‪ ،‬والذين نصروه في معاركه وشاهدهم الكفار عيانا ً‬
‫بيانًا‪ .‬وشهادة أولو العلم وخلصة البشر في كل جيل ممن يرفعون أيديهم إلى‬
‫السماء كل وقت وحين نشهد أن ل إله إل الله ونشهد أن محمدا ً عبده‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫وشهادة أهل الذكر من اليهود والنصارى الذين دمعت أعينهم لما اطلعوا على‬
‫صدقه وحقيقة حاله‪ ،‬ومسارعتهم إلى اليمان به‪ ،‬وهذا في كل جيل وقرن‬
‫من الناس منذ بعث رسول الله وإلى يومنا هذا‪.‬‬
‫وشهادة العجماوات من الحيوانات والجمادات من النباتات والحجار‪ ،‬وكل هذا‬
‫قد كان بأفصح عبارة وأوضح إشارة‪.‬‬
‫وتحت هذه الكليات من الدلة تفصيلت كثيرة يخشع عند ذكرها القلب‪ ،‬وتدمع‬
‫لها العين‪ ،‬ويهتف بها اللسان أشهد أل إله إل الله‪ ،‬وأن محمدا ً عبده ورسوله‪.‬‬
‫وسيكون تفصيل هذا الجمال في مقالت آتية إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫بقلم‪ :‬عبدالرحمن بن عبدالخالق‬

‫)‪(6 /‬‬

‫لماذا "نكرههم"؟ ‪...‬‬


‫‪...‬‬
‫أحمد دعدوش ‪...‬‬
‫>‪... TD/‬‬
‫سؤال محير طرق رؤوس الغرب منذ الحادي عشر من سبتمبر لعام ‪،2001‬‬
‫ل‬
‫وما زال معلقا يبحث عن جواب‪ .‬الكل هناك يسعى لحل هذا اللغز‪ ،‬ولك ٍ‬
‫طريقته في البحث وزاويته في النظر‪.‬‬
‫"توماس فريدمان" الكاتب المريكي الذي تخصص في قضايا الشرق‬
‫الوسط‪ ،‬قام بإعداد برنامج وثائقي من ثلثة أجزاء في "البحث عن الجذور"‬
‫سعى من خللها لتسليط الضوء على جذور الكراهية القابعة في عقول‬
‫الشباب المسلم والتي قادت تسعة عشر شابا منهم إلى التضحية بأرواحهم‬
‫في ما سمي بـ "غزوة مانهاتن"‪ ،‬وهي نفسها التي تهدد الغرب كله بالمزيد‬
‫من الرهاب والقتل العشوائي في حملة لم يعرف لها التاريخ مثيل من قبل‪.‬‬
‫صر فريدمان في تقصي أسباب هذه الكراهية عبر رحلته الكثيفة إلى‬ ‫لم يق ّ‬
‫أنحاء العالم السلمي‪ ،‬كما لم يتوان عن لقاء العديد من رجال الفكر‬
‫والسياسة والعلم في مختلف الدول التي قصدها‪ ،‬بل إنه وُّفق أيضا لللتقاء‬
‫بجمع من الشباب المسلم في إندونيسيا عبر حوار مفتوح ظن فيه أنه قد‬
‫تمكن من الولوج إلى عقول الشباب المسلم‪ ،‬وفتح أرتاجه المستعصية‬
‫بعصاه السحرية‪ ،‬ولم يلبث بعدها أن قدم لنا عمله الوثائقي الصحفي في‬
‫ثلثة أمسيات على قناة أبو ظبي‪ ،‬وذلك في الذكرى الثانية لحداث سبتمبر‪،‬‬
‫وتبع هذا العرض لقاء جماهيري موسع جمع كل من فريدمان والمحلل‬
‫السياسي لقناة أبو ظبي مع مجموعة مختارة من الشباب العربي المقيم في‬
‫المارات ونخبة من المثقفين والمهتمين‪ ،‬فماذا كانت النتيجة يا ترى؟ وكيف‬
‫أجاب هذا الصحفي المحنك عن السؤال اللغز؟‬
‫ل شك في أن الرجل لم يتجاهل الغضب العربي والسلمي الحانق على‬
‫جرائم الصهاينة وأعوانهم في حقهم‪ ،‬وقد ذكر ذلك في جرأة عندما حاول أن‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقدم الجابة الولى للسؤال المحير قائل بأن هناك الكثير من المسلمين‬
‫الذين يبررون كراهيتهم لمريكا بانحيازها لسرائيل‪ ،‬ولكنه لم يلبث أن فّند‬
‫على الفور هذا الرأي بالمقولة الشهيرة‪" :‬إنها الديمقراطية"‪ ..‬وسرعان ما‬
‫أدار عدسة التصوير نحو القادة العرب والمسلمين‪ ،‬وبدأ في عرض مطول‬
‫يتقصى أخبار الديمقراطية في هذا المكان من العالم وعلى الطريقة‬
‫المريكية‪ ،‬لتتحول مشكلة البرنامج من التساؤل عن أسباب الكراهية التي‬
‫تقض مضاجهم إلى التأكد من أن التطبيق الشرق الوسطي للديمقراطية‬
‫المريكية يسير في الطريق الصحيح‪ .‬وقد أقنع الرجل نفسه بهذه النظرية‪،‬‬
‫ولم يقف مرة أخرى عند الجابة الولى التي نقلها عن العرب والمسلمين‬
‫أنفسهم حول تبرير هذه الكراهية بالظلم الجائر الذي ترزح تحته تلك‬
‫الشعوب‪ ،‬بل جاء إليهم ليخبرهم بأن المرض ينبع من داخلهم فقط‪ ،‬وأن‬
‫العلج لن يكون إل من الداخل أيضا‪ ،‬وبمساعدة أمريكية على وجه الخصوص‪.‬‬
‫لم يتأثر الرجل بكل ما قيل في حواره مع حضور الندوة في أبو ظبي الذين‬
‫حاولوا يائسين للفت انتباهه إلى الجانب الخر‪ ،‬فقد بقي مصرا على أن أصل‬
‫دم نظريته تلك‬ ‫الداء في المسلمين أنفسهم‪ ،‬ول يمكن أن يكون إل كذلك‪ .‬وق ّ‬
‫إلى الدارة المريكية مشكورا ليبرر بها جرائم اليمين المتطرف‪ ،‬وهو يدرك‬
‫أن هذا الخير ل باع له في السياسة ول في الكياسة‪ ،‬وأن اللغة الوحيدة التي‬
‫يفهمها هي لغة العصا بدون جزرة‪ ،‬وقد بلورها هذا الرجل بشكل صحفي‬
‫نزيه‪ ،‬قد يساعد مصاصي الدماء والنفط العراقيين في مهمتهم النسانية دون‬
‫أي شعور بوخز الضمير‪.‬‬
‫ولكن هل يعقل أن يصل العالم المتحضر الذي قطع ذلك الشوط الطويل من‬
‫التراكم الحضاري والمعرفي إلى كل هذا النحطاط؟ هل هذه هي نهاية‬
‫الحضارة يا ترى؟ وهل بتنا على مقربة من اللحظات الخيرة للزمن؟‬
‫ترى لماذا يصم العالم أذنيه عن الحقيقة؟ ولماذا يصر الظالم على أن يقنع‬
‫عقله بما تمليه عليه نفسه المارة بالسوء؟ أتراه يبحث بذلك عما يسكت به‬
‫إلحاح بقايا الضمير في البحث عن مبرر لجرائمه؟ أم أنه يقدم محاولة هزيلة‬
‫لخداع مظلوميه بأنه على الحق وأنهم وحدهم على الباطل‪ ،‬فيلقي باللئمة‬
‫عليه ويخلص نفسه كالشعرة من العجين؟‬
‫إن لم يكن المر كذلك فبأي منطق آخر يمكن أن نفهم كيف تحولت "ماما‬
‫أمريكا" في عيون المسلمين من أصل البلء إلى بلسم للشفاء؟ وكيف يمكن‬
‫أن نقنع أنفسنا بأننا لم نستسلم مرة أخرى في الستجابة لمطالبهم التي ل‬
‫تزال تنهال على رؤوسنا مطالبة بالصلح‪ ،‬ومن طرفنا فقط دون أي شيء‬
‫آخر؟‬
‫على أي حال فإني ما زلت أجد نفسي حائرا تجاه سؤال فلسفي ساذج‪ ،‬إذ‬
‫غالبا ما أتساءل فيما إذا كان الظالم يشعر بأنه قد خدع نفسه قبل أن يخدع‬
‫المظلوم عندما يقدم له مبررات كهذه؟ أم أن حماقة هذا الخير وجبنه عن‬
‫قول الحقيقة كفيلن بتحويل هذه المبررات إلى حقائق قادرة على إقناع‬
‫الجميع بأنها عين الصواب؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أغلب الظن أن الجابة التي حصل عليها فريدمان ‪ -‬والمطابقة تماما لكافة‬
‫الطروحات الستراتيجية الخرى‪ -‬سوف تبقى على السطح لفترة طويلة‬
‫ودون منازع‪ ،‬وستظل بمثابة المرجع الفكري لقادة الحتلل والقتل‪ ،‬وهو أمر‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سمعناه بوضوح من وزير الخارجية البريطاني الذي قرر عدم ربط تفجيرات‬
‫لندن الخيرة باحتلل العراق‪ ،‬هكذا وبدون أي دليل سوى عدم رغبته في‬
‫تحميل بلده المسئولية‪.‬‬
‫أما العقدة المسئولة عن مركب النقص لذيالهم في الجهة المقابلة‪ ،‬فلست‬
‫أجد بين يدي أي مؤشر ينبئ بشيء من التغيير في حقها‪ ،‬لذا فإني أعتقد يا‬
‫سيدي بأنه لن يردع الظالم عن ظلمه شيء‪ ،‬إل يقظة المظلوم من رقدته‪،‬‬
‫وخروجه للمطالبة بحقه‪ ،‬غير مبال بعضة من "رأس" أو ضربة من "ذيل"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لماذا ل نعمل؟‬
‫المحتويات‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬العجز والكسل ‪:‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬خوف الفشل ‪:‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الخوف من تبعة الخطاء ‪:‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬تهويل المر أو تهوينه ‪:‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬أوهام المستقبل‪:‬‬
‫سادسا ‪ :‬الورع الزائد‪:‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬النشغال بالمور المفضولة ‪:‬‬
‫ثامنا ً ‪ :‬عدم القتناع بإمكانية التغيير ‪:‬‬
‫تاسعا ً ‪ :‬النشغال بالنقد ‪:‬‬
‫مقدمة‬
‫إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ونتوب إليه و نعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فل مضل له و من يضلل فل هادي‬
‫له‪ .‬و أشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له و أشهد أن محمدا ً صلى الله‬
‫عليه و سلم عبده و رسوله‪ .‬وبعد‪-:‬‬
‫إن عقارب الساعة ل ترجع إلى الوراء‪ ،‬و نحن أحوج ما نكون في تفكيرنا إلى‬
‫النظر إلى المام دائمًا‪ ،‬فهناك قضايا استقرت في أذهاننا و أذهان الناس‪،‬‬
‫وتعتبر مناقشتها وتقريرها و التأكيد عليها رجوعا ً إلى الوراء‪ ،‬اللهم إل إذا‬
‫كانت وصايا للتذكير وإعادة الحفز فهذا أمر نراه في كتاب الله سبحانه و‬
‫تعالى كثيرًا‪.‬‬
‫من تلك القضايا مشكلة تطرح كثيرا ً و نعاني منها في أوساط جيل الصحوة‬
‫وشبابها‪ ،‬تلكم هي قضية الدعوة إلى الله عز و جل والتي أظن أنها أصبحت‬
‫قضية واضحة عند الجميع‪ ،‬بل أصبحت في حق شباب الصحوة فرض عين‪ ،‬و‬
‫الواجب البحث عن الساليب والوسائل والعمل ‪.‬‬
‫وحينما نأتي نقارن بين هذه القناعة الموجودة عند الشباب و بين أثرها‬
‫الواقعي‪ ،‬نجد هؤلء الشباب جميعا ً مقتنعين بهذه القضية‪ ،‬ولكننا سنجد أن‬
‫المسافة و الهوة شاسعة جدا ً بين أولئك الذين يقتنعون بضرورة الدعوة و‬
‫ل‪ ،‬وحتى تدرك صدق هذه الدعوى‬ ‫العمل و المشاركة و بين الذين يعملون فع ً‬
‫انظر إلى أي تجمع في أي مكان كطلب مدرسة عددهم ثمانمائة طالب أو‬
‫يزيدون أو ينقصون‪ ،‬ستجد فيها عددا ً من الشباب المتدينين الذين يشاركونك‬
‫هذا الشعور و كل واحد منهم يشعر بأن الدعوة إلى الله واجبة عليه وأنه‬
‫ينبغي أن يساهم فيها‪ ،‬لكن كم هم الذين يعملون من هؤلء؟ ولو كان هؤلء‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعملون لرأيت أثرهم واضحا ً في هذا التجمع الذي يعيشون فيه‪.‬‬


‫من الطبيعي أن تجد عددا ً محدودا ً من الناس ل يعملون مع اقتناعهم بأهمية‬
‫العمل‪،‬لكن المشكلة تنشأ حين تتحول القضية من حالت فردية إلى ظاهرة ‪.‬‬
‫وإن الشعور عام بهذه المشكلة بدليل التساؤلت الطروحة مثل قول القائل‬
‫"إنني شاب‪ ،‬مقتنع بأهمية الدعوة و لكنني ل أعمل ما هو الحل في نظرك؟"‬
‫فيدل ذلك على الشعور بضرورة حل هذه القضية و بضرورة تحطيم الحواجز‬
‫التي تحول بيننا و بين العمل‪.‬‬
‫لكننا نتصور أن الحل إنما يتم بإقناع الناس بالدعوة إلى الله وأهميتها ووجوبها‬
‫وهذا في الواقع رجوع ٌ إلى الوراء في التفكي; إذ أن المخاطبين مقتنعون‬
‫تماما ً بأن الدعوة إلى الله عز و جل في حقهم قد غدت واجبة‪.‬‬
‫وصحيح أن تذكير الناس بأهمية الدعوة ووجوبها‪،‬و تذكيرهم بالقضايا البدهية‬
‫المستقرة عندهم أمر ل شك في أهميته والنفس تحتاج إليه‪ ،‬و لهذا يأتي‬
‫التكرار كثيرا ً في القرآن و السنة‪.‬ولكننا بحاجة إلى نقلة نوعية في طريقة‬
‫التفكير‪ ،‬ومن ثم لغة الحديث لنواكب بذلك متطلبات جيل الصحوة من‬
‫وت على‬ ‫الشباب‪ ،‬وحتى يشعر المتلقي بالتجديد فيما يلقى إليه‪ ،‬ويشعر من ف ّ‬
‫نفسه الفرصة حينا ً من الزمن‪ ،‬بضرورة تدارك ما فات وأهميته ‪.‬‬
‫من هنا كانت هذه المحاولة للتفتيش من الداخل‪ ،‬ولثارة النتباه لبعض ما‬
‫يعيق شباب الصحوة عن العمل لهذا الدين مع قناعتهم بضرورة ذلك‪ ،‬ثم‬
‫الوصول من خلل ذلك إلى حلول عملية لهذه المعوقات ‪.‬‬
‫والتي من أبرزها‪-:‬‬
‫أول ً ‪ :‬العجز والكسل ‪:‬‬
‫ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله عز وجل فيقول ‪" :‬اللهم‬
‫إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين‬
‫وغلبة الرجال" متفق عليه‪ .‬ومرجع كل هذه المور إلى العجز‬
‫والكسل‪،‬ومرجع بلء النسان أصل ً إلى العجز والكسل‪ .‬فإن النسان حين‬
‫يمتنع عن العمل إما أن يكون غير قادر على أداء هذا العمل‪ ،‬و هذا هو العجز‪،‬‬
‫أو أن يكون قادرا ً و لكنه ل يريد أن يعمل وهذا هو الكسل‪،‬والنسان إن كان‬
‫مصدر قلقه وألمه عن أمر مضى فهذا حزن و إن كان مصدر قلقه عن أمر‬
‫سيأتي فهذا هم‪ ،‬ومصدر الهم والحزن أصل ً يعود إلى العجز والكسل‪ ،‬لن‬
‫النسان حين يشعر بأن هناك أمرا ً أمامه يمكن أن يواجهه فإنه يعيش هما ً‬
‫وألما ً وقلقًا‪ ،‬وهذا في الواقع نتيجة العجز والكسل‪.‬‬
‫إن هذا المر الذي أمامك وتتوقعه إما أن تكون قادرا ً على مواجهته وحل‬
‫المشكلة فاعمل لذلك‪ ،‬أو أن تكون غير قادر فعل ً فسّلم أمرك لله‪ ،‬ثم ف ّ‬
‫كر‬
‫كيف تتعامل مع هذا المر الواقع‪ ،‬حينها تصل إلى نتيجة‪,‬وتنجو من الهم‪.‬‬
‫وذلك المر الذي مضى إن كنت تستطيع أن تعالج آثاره وتخفف منه‪ ،‬فاعمل‬
‫كر فيما ينفعك‪،‬حتى‬ ‫وبادر‪ ,‬وإن كنت ل تستطيع فسّلم أمرك لله عز وجل‪ ،‬وف ّ‬
‫تتخلص من الحزن‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالنشغال بالهم و الحزن إنما هو صورة للعجز والكسل ونتيجة لهما‪،‬‬


‫والمقصود‪-‬أخي القارئ‪ -‬أن العجز والكسل هو الذي يعوق النسان عن‬
‫مصالح دينه ودنياه‪ ,‬وكم يرى النسان أن هناك فرصا ً كثيرة ً يمكن أن تتاح له‬
‫في أي ميدان من الميادين‪ ،‬ويعوقه عن استغللها وتحقيق هدفه ومراده إما‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العجز أو الكسل‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬خوف الفشل ‪:‬‬
‫توجد فئة من الناس تجيد تصور الوهام والفشل‪ ,‬وتسيطر عليها النظرة‬
‫السلبية‪،‬فإذا كنت تريد أن تعمل عمل ً أيا ّ كان فأمامك احتمالن‪ :‬إما أن تنجح‬
‫أو أن تفشل‪ ،‬فلماذا دائما ً تغلب احتمال الفشل؟‪،‬ولماذا ل تفترض النجاح؟‬
‫والنسان الذي يتصور الفشل في أي مشروع أو عمل ل يمكن أن يعمل أبدًا‪.‬‬
‫تمر بالنسان مواقف كثيرة يلغى فيها احتمال الفشل;فالناس في المجتمع‬
‫المتعلم الذي أنت فيه‪ ،‬مروا بعدد من المراحل الدراسية‪ :‬البتدائية‪،‬‬
‫المتوسطة‪ ،‬الثانوية‪ ،‬و عدد منهم تجاوزوا المرحلة الجامعية‪ ، ،‬وحين كان‬
‫أحدهم يدرس كان عنده احتمال قوي أن يفشل ولكن لماذا لم يسيطر عليه‬
‫هذا الحتمال ؟ولم نر أحدا ً من الطلب تردد في دخول المتحان حتى ل‬
‫يفشل ؟ بل إن بعض الطلب يدخل المتحان و احتمال النجاح عنده ‪ %1‬ومع‬
‫ذلك يدخل المتحان يبقى المؤشر يتأرجح عنده بين احتمالي النجاح والفشل‬
‫بداية من دخول القاعة والطلع على السئلة وحتى ظهور النتائج ‪ .‬بل إن‬
‫الطلب المتفوقين هم أكثر الناس خوفا ً من الفشل لن الفشل بمقاييسهم‬
‫هو مجرد النزول عن المتياز لذلك فهم من أكثر الناس هاجسا ً ‪.‬‬
‫والمقصود أن هذه تجربة مرت علينا جميعا ً ولم تكن عائقا ً لنا عن العمل‬
‫والدراسة‪ ،‬مع أنه ربما يصل احتمال الفشل عندنا إلى نسبة كبيرة في بعض‬
‫المواقف الدراسية‪ ،‬ومع ذلك نجحنا واستطعنا أن نتجاوز هذه المرحلة‪.‬‬
‫وكذلك الشخاص الناجحون في حياتهم من فئات الناس المختلفة‪ :‬من تجار‪،‬‬
‫وكتاب‪ ،‬وشعراء‪ ،‬كانت نسبة الفشل أمامهم كبيرة ومع ذلك خاضوا التجربة‬
‫ووصلوا إلى تلك المستويات المتقدمة فلماذا نقف نحن‪ ،‬ويمضي هؤلء ؟‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فما أكبر مصيبة يمكن‬ ‫وافترض أنك قمت بأي عمل دعوي‪ ،‬كإلقاء كلمة مث ً‬
‫ً‬
‫ل؟!‪ ،‬افترض أن هذا قد حصل فعل فهل تعتبر‬ ‫أن تحل عليك؟ أهي الغماء مث ً‬
‫ل؟بالطبع ليس فشل ً إل على فرض أن هدفك أن تكون خطيبا ً ناجحا ً‬ ‫هذا فش ً‬
‫ن هدفك أن تبلغ الدعوة وأن تعمل شيئا ً في سبيل‬ ‫أو يتحدث عنك الناس ‪.‬لك ّ‬
‫الله عز وجل‪ ،‬والله سبحانه يحاسبك على العمل ويأجرك عليه‪ ،‬أما قضية‬
‫النجاح فقضية أخرى‪ ،‬ولو حاولت أن تؤثر على إنسان فنصحته فلم يستجب‪،‬‬
‫فهل هذا يعني أنك فشلت؟‬
‫إنك عملت وأجرت وأجرك على الله عز وجل‪ ،‬وإن استجاب من تدعوه‬
‫فالحمد لله‪ ،‬فل تدري أيهما خير ؟!‪ ،‬وإذا كان الناس يستجيبون لك فهذا إن‬
‫شاء الله مدعاة لن تكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬من‬
‫دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من تبعه ل ينقص ذلك من أجورهم‬
‫شيئًا" رواه مسلم وغيره‪.‬‬
‫وإذا افترضنا أن أكثر الناس ل يستجيبون‪ ،‬فلعلك أن تكون ممن قال فيهم‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬بدأ السلم غريبا ً وسيعود كما بدأ غريبًا‪،‬‬
‫فطوبى للغرباء" رواه مسلم وابن ماجه وأحمد‪.‬‬
‫وقد وردت روايات كثيرة في تفسير الغرباء منها "أناس صالحون قليل في‬
‫أناس كثير‪ ،‬من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم"‪.‬فأنت بين أن يكون الذين‬
‫يطيعونك أكثر من الذين يعصونك فسوف يحصل لك أجر هؤلء‪ ،‬وكل خير‬
‫علموه بسبب دعوتك و ما قدمت لهم سيحصل لك أجره‪ ،‬وإن كان الذين‬
‫يعصونك أكثر من الذين يطيعونك فلعلك تكون ممن وصفهم الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم بالغرباء‪ ،‬ولك إحدى الحسنيين‪ ،‬كما كان المسلمون يقولون‬
‫في الجهاد‪ ،‬كانوا ل يخافون الفشل في الجهاد و يقولون إن هي إل إحدى‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحسنيين النصر أو الشهادة‪ ،‬فقضية الفشل غير واردة‪.‬‬


‫ثالثا ً ‪ :‬الخوف من تبعة الخطاء ‪:‬‬
‫فالشخص الول يخاف أن يفشل ويخاف أن يخطئ‪ ،‬والشخص الثاني يخاف‬
‫من تبعة الخطاء فيقول‪ :‬أخاف أن أقع في خطأ فأتحمل تبعة هذا الخطأ أيا ّ‬
‫كان ‪.‬فهو مثل ً يخاف أن يتحدث مع الناس ويقول كلمة يز ّ‬
‫ل بها فيأثم‪ ،‬أو‬
‫يخاف عندما يريد دعوة شخص أوينكر عليه أن ينكر عليه بطريقة خاطئة‬
‫فتتسبب في كرهه للمعروف وصده عن الخير‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وانظر إلى الناس الذين كانوا في قمة النجاح بعد النبياء أصحاب الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد مرت بهم مواقف وقعوا فيها في أخطاء كبيرة‬
‫قا لهم‪ .‬ومن ذلك قصة أسامة رضي الله عنه‪ ،‬يقول‬ ‫ومع ذلك لم تكن عائ ً‬
‫رضي الله عنه‪ :‬بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من‬
‫جهينة‪ ،‬قال‪ :‬فصبحنا القوم فهزمناهم‪ ،‬قال‪ :‬ولحقت أنا ورجل من النصار‬
‫رجل ً منهم‪ ،‬قال‪ :‬فلما غشيناه قال‪ :‬ل إله إل الله‪ .‬قال‪ :‬فكف عنه النصاري‬
‫فطعنته برمحي حتى قتلته قال‪ :‬فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ :‬فقال لي‪" :‬يا أسامة أقتلته بعد ما قال ل إله إل الله" قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫يا رسول الله إنما كان متعوذا قال‪" :‬أقتلته بعد ما قال ل إله إل الله" قال‪:‬‬
‫ي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم‪ .‬رواه‬ ‫فما زال يكررها عل ّ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫فهذا خطأ وقع من أسامة رضي الله عنه في الجهاد‪ ،‬فهل توقف أسامة عن‬
‫الجهاد بعد ذلك؟ ل بل كلنا نعرف أنه لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫كان قد جهز جيشا ً يقوده أسامة‪ ،‬من هو أسامة؟ أسامة هو الذي قتل ذلك‬
‫الرجل الذي قال‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬فلو كان يفكر بنفس التفكير الذي نفكر به‬
‫لقال ‪ :‬لماذا أكلف نفسي وأتحمل هذه المسؤولية الكبيرة؟ ولكنه كان يقول‪:‬‬
‫هذا خطأ وقعت فيه وانتهى والله عز وجل يغفره لي‪ ،‬وما كان أصحاب‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ليصعدوا المنازل العالية وليرتقوا وهم يفكرون‬
‫بتلك الفكار أو يعيشون هذه الوهام التي نعيشها‬
‫وخذ على سبيل المثال أيضا ً سرية أرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫فقاتلوا في الشهر الحرام‪ ،‬و أنزل الله عز وجل فيهم ))يسألونك عن الشهر‬
‫ل فيه كبيٌر وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد‬ ‫ل فيه قل قتا ٌ‬ ‫الحرام قتا ٍ‬
‫الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله‪((..‬الية‪.‬البقرة ‪ .217‬ومع ذلك ما‬
‫صدهم هذا‪ ،‬وما عرفنا أن واحدا ً من هؤلء الذين قاتلوا في هذه السرية‬
‫تخلف عن الجهاد حتى ل يقع في الخطأ نفسه‪ .‬وهي مواقف كثيرة نراها في‬
‫سيرتهم‪ ،‬فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقعون في الخطأ بحكم‬
‫الطبيعة البشرية لنه أراد أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر أو يجاهد أو‬
‫يدعو فوقع في خطأ‪ ،‬ومع ذلك لم يكن الخطأ مسوغا ً له لترك العمل‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬تهويل المر أو تهوينه ‪:‬‬
‫وهما نقيضان‪ ،‬فأحيانا ً يصور بعض الناس قضية من القضايا على أنها صعبة‬
‫جدًا‪ ،‬ول يطيقها إل الناس الكبار‪ .‬فحين تقول له‪ :‬لماذا ل تدعو إلى الله؟‬
‫يقول لك‪ :‬الله المستعان‪ ،‬الدعوة تحتاج إلى إنسان يحمل العلم الشرعي‪،‬‬
‫عا وإنساًنا وقوًرا‪،‬‬
‫ما‪ ،‬ويجب أن يكون إنساًنا شجا ً‬‫ويجب أن يكون إنسانا ً حلي ً‬
‫وإنساًنا له قيمته وكلمته عند الناس‪... ... ،‬إلخ‪ ،‬وقائمة طويلة جدا ً من المور‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي أجزم لك أنها ل يمكن أن توجد في بشر‪ .‬فمن الممكن أن تجد إنساًنا‬
‫ما لكن عنده‬ ‫عنده علم لكنه إنسان سريع الغضب بفطرته‪ ،‬أو تجد إنساًنا حلي ً‬
‫قصور في العلم أو عنده قصور في قدرته على القناع ‪.....‬إلخ‪ ،‬ولو قرأت‬
‫في تراجم السابقين لوجدت مثل ذلك كثيرًا‪ ،‬وما كان ذلك ينقص أحدهم أبدًا‪،‬‬
‫ما‪ ،‬ورجل ً مشهوًرا‪ ،‬واستمر رجل ً يؤدي أدواًرا‪ ،‬والمة ل تزال تتغنى‬ ‫و بقي إما ً‬
‫بتلك المجاد‪ ،‬و ل يزال كل إنسان يستشهد بما فعله فلن وفلن من الناس‪.‬‬
‫ون لك القضية‪ ،‬ويقول‪ :‬هذه قضية سهلة‪ ،‬هذه قضية‬ ‫ومن الناس من يه ّ‬
‫تافهة‪ ..،‬الخ‪ ،‬تراه مثل ً يقول لك‪ :‬الحمد لله‪ ،‬ألقي كلمة بعد الصلة‪ ،‬وأقرأ‬
‫عليهم من رياض الصالحين‪ ،‬والذي فيه خير يستمع كلم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫والمهم أن كلهما أمٌر يعوق النسان عن العمل‪ ،‬فالقضية ليست قضية‬
‫صعبة‪ ،‬ول هي قضية سهلة‪ ،‬لكن تحتاج إلى جهد وبذل وعمل ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬أوهام المستقبل‪:‬‬
‫فبعض الناس يجيد تصور الوهام و يجيد طرح الحتمالت والنسان الذي‬
‫يعيش على الحتمالت ل يمكن أن يصنع شيئا ً أبدًا‪ ،‬وربما كان هذا جزءا ً من‬
‫قضية الخوف من الفشل التي أشرنا إليها قبل قليل‪ ،‬لكن هذا الشخص يطرح‬
‫لك قضايا أخرى ويبدأ يتخوف من أي عمل‪ ،‬يتخوف من أي مؤثر‪ ،‬ويبدأ يخلق‬
‫ما عجيبة جدًا‪.‬‬
‫أمام نفسه حواجزا وأوها ً‬
‫وهذا منطق غريب فنحن نقرأ كل يوم سير النبياء‪ ،‬و نقرأ كل يوم سير‬
‫المصلحين‪ ،‬فهل تتصور أنهم كانوا يعيشون على الوهام التي نعيشها؟ وأنتم‬
‫تقرؤون في القرآن مواقف إبراهيم‪-‬عليه السلم‪ -‬وكيف بذل وكيف دعا‬
‫وكيف تحمل‪ ،‬وهو كان يعرف أن الكلمة والموقف الذي كان يقفه سيجني‬
‫من ورائه التبعات‪ .‬وهكذا سائر النبياء والصالحين في القران‪ ,‬فلو كان‬
‫أحدهم يفكر بالعقلية التي نفكر بها لم يكن من الممكن أن يقوم بأي دور ول‬
‫أي عمل‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬الورع الزائد‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فأحيانا ً يتورع النسان عن أي عمل فعندما تقول له قل كلمة أو افعل هذا‬


‫المر‪ ،‬يقول لك ‪ :‬الله المستعان‪ ،‬أنا لست بأهل لذلك!و يرى أن من الورع أن‬
‫ل يقول هذه الكلمة ‪،...‬ولو قلت له‪ :‬تفعل هذا تورعًا‪ ،‬قال ‪:‬نعم‪ ،‬ولو سألته‬
‫ما وتأخذ عليه أجًرا‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬أنت الن تدرس وتعلم طلب العلم وتقول كل ً‬
‫فلماذا لم تتورع؟ وأنت تعلم العلم‪ ،‬وتوقع عن رب العالمين وتدرس الناس‬
‫العقيدة أو تدرس الناس تفسير كلم الله عز وجل‪ ،‬ألم تفكر أبدا ً أن تكون‬
‫ممن قال في القرآن بغير ما يعلم؟‪ ،‬ولكن حين يقال لك تكلم في مسجد أو‬
‫ق موعظة على الناس فإنك تحسب لذلك ألف حساب‪ ،‬وتتخيل أن هذا من‬ ‫أل ِ‬
‫الورع‪ ،‬ولو سألته فقلت ‪:‬أنت الن تورعت عن القول‪ ،‬لكن أل يوجد باب آخر‬
‫في الورع ؟ أل تتورع عن السكوت‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬من‬
‫كان يؤمن بالله واليوم الخر فليقل خيرا ً أو ليصمت"متفق عليه‪ .‬فبدأ بقول‬
‫الخير‪ ،‬إذا ً فأنت قل خيرا ً أو أصمت‪ .‬ولماذا لم تفكر في يوم من اليام حين‬
‫تهم بالسكوت أو بالقعود عن العمل أن الورع يدفعك إلى العمل ؟‪ ،‬وأن ترى‬
‫أن من ورعك أن تعمل؟‪ ،‬ولماذا لم تفكر في أيهما أفضل أن تسكت ول‬
‫تعمل شيئا ً ورعًا‪ ،‬أو أن تجتهد وتبذل السبب وتعمل ولو وقعت في خطأ‪ ،‬وإذا‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقفت بين يدي الله عز وجل قلت له يا رب "ل يكلف الله نفسا ً إل وسعها‪"...‬‬
‫الية‪.‬البقرة ‪ .286‬وقد أتيت بما في وسعي واجتهدت‪ ،‬والنسان إذا اجتهد‬
‫وبذل ما في وسعه وخطا خطوة فإن كانت غير صائبة فهو مثاب على ذلك‪،‬‬
‫وإن أصابت فله أجران‪.‬‬
‫والنبياء هم أئمة الورع وكذلك الذين قص الله عز وجل علينا قصصهم في‬
‫القرآن‪ ،‬والصالحون السابقون‪ .‬والله عز وجل أخبرنا في كتابه أنه أخذ‬
‫الميثاق على الذين آتاهم الكتاب ))و إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب‬
‫لتبي ّن ُّنه للناس ول تكتمونه‪((...‬الية‪.‬آل عمران ‪ .187‬وكثير من القراء أوتي‬
‫الكتاب‪ :‬أوتي القرآن‪ ،‬أو على القل القضية التي نحن نريده أن يقوم بها‪ ،‬هو‬
‫أوتَيها من الكتاب وهو يعلمها ويعلم حكمها‪ .‬إذا ً فقد ُأخذ عليك الميثاق أن تبين‬
‫للناس‪ ،‬وأخذ عليك الميثاق أل تكتم ما عندك‪ ،‬ل يوجد مجال للورع في هذا‬
‫المر‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬من كتم علما ً يعلمه جاء يوم‬
‫جما ً بلجام من نار" و"من كتم علما ً "هذه نكرة تعم أي علم‪ ،‬فهل‬ ‫القيامة مل ّ‬
‫هذا الخطاب خاص بالعلماء؟ أي إنسان عنده علم يجب أن يظهره وإذا كتمه‬
‫سيلجم يوم القيامة بلجام من نار‪ ،‬ولماذا ل تتورع أنت عن هذا؟‪ ،‬لماذا تتورع‬
‫أن تقول ما ل تعلم وتخشى أن تكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه‬
‫ما‬
‫وسلم‪" :‬كنت آمركم بالخير ول آتيه" رواه البخاري ومسلم‪ .‬ولم تفكر يو ً‬
‫من اليام أنه يمكن أن ينطبق عليك "ألجم بلجام من نار"؟! والله عز وجل‬
‫يقول في كتابه‪)) :‬إن الذين يكتمون ما أنزلنا من لبينات و الهدى من بعد ما‬
‫بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللعنون((البقرة ‪.159‬‬
‫وهذه الية ليست خطابا ً لفئة خاصة من الناس‪ ،‬فكل إنسان يعلم شيًئا أنزله‬
‫الله عز وجل للناس ويكتمه‪ ،‬مستحق لهذا الوعيد‪ ،‬لماذا ل تتورع يا أخي أن‬
‫تتنزل عليك لعنة الله؟‪ ،‬أن يلعنك اللعنون؟‪.‬‬
‫ول يكاد ينقضي عجبك وأنت تتأمل سير أمثال هؤلء‪ ،‬الذين يعتقد أحدهم أن‬
‫من تمام الورع أل يقول كلمة‪ ،‬من تمام الورع أن ل يأمر بالمعروف‪ ،‬من‬
‫تمام ا لورع أن ل ينهى عن المنكر‪ ،‬من تمام الورع أن يغلق عليه الباب و‬
‫يعيش لوحده‪ ،‬ويقول‪ :‬أشغل نفسي بالعبادة‪ ،‬والدعوة يقوم بها غيري والحمد‬
‫لله‪.‬‬
‫الورع الحقيقي أن تتورع عن السكوت‪ ،‬الورع أن تتورع عن عدم العمل‪.‬‬
‫ونحن بل شك ل ندعو الناس إلى التهور‪ ،‬ول ندعو النسان إلى أن يقول ما ل‬
‫يعمل‪ ،‬وأن يتصدر لما لم يتأهل له‪ ،‬لكن ندعو إلى أن يعلم النسان أن الورع‬
‫له ضوابط ووضع معين‪ ،‬فكما هو في الترك فهو أيضا ً في الفعل‪.‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬النشغال بالمور المفضولة ‪:‬‬
‫أحيانا ً يشغل النسان نفسه في أمور مشروعة لكنها أمور مفضولة‪ .‬وقضية‬
‫التفاضل بين المور قضية نسبية بين الناس‪ ،‬فمثل ً أنت ‪-‬أيها القارئ‪ -‬سمعت‬
‫لعدد من العلماء والدعاة والمتحدثين‪،‬وقرأت لكثير من الكّتاب وتدين بالفضل‬
‫للكثير من هؤلء‪ ،‬و تعرف أنك استفدت استفادة كبيرة من هؤلء‪ ،‬لكن لو‬
‫ل‪ ،‬أل تتصور مثل ً أن هذا العالم الذي سمعت منه أو الكاتب الذي‬ ‫سألتك سؤا ً‬
‫كر في التفرغ‬ ‫قرأت له أو الشخص الذي استفدت منه كان من الممكن لو ف ّ‬
‫لقرأ واستفاد أكثر ؟ علما ً بأن أكثر الناس شعورا ً بالحاجة للعلم والتعلم هم‬
‫العلماء‪ .‬وكّلما زاد النسان علما ً ازداد علما ً بحاجته للعلم وازداد علما ً بجهله‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬نعم التعلم فاضل‪ ،‬لكن حينما تنشغل بالتحصيل الذاتي والتعليم‬
‫الذاتي عن تعليم الناس‪ ،‬وعن الفتاء‪ ،‬وعن القضاء بين الناس‪ ،‬وعن‬
‫التدريس‪ ،‬وعن التأليف وعن التصدر للناس فأنت انشغلت بمفضول عن‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاضل‪ .‬وقس على ذلك أموًرا كثيرة‪ .‬والمقصود أننا يجب أن نفقه مراتب‬
‫العمال‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وإن من وسائل الشيطان في إضلل الناس أن يشغل النسان بالعمل‬


‫المفضول عن العمل الفاضل‪ .‬ول يتصور أحد منا أنه بمجرد أن عمل عمل ً‬
‫دا صار يعمل ول حجة لحد ٍ عليه‪ ،‬بل يجب أن نفكر هل هذا هو أفضل‬ ‫مفي ً‬
‫عمل يمكن أن نعمله أو ل‪.‬‬
‫ثامنا ً ‪ :‬عدم القتناع بإمكانية التغيير ‪:‬‬
‫تمت فئة ل تصنع بضرورة التغيير ‪ ،‬وترى أن المجتمع بخير‪ ،‬وأننا أفضل من‬
‫غيرنا‪ ،‬و النشغال مع هذه الفئة من إضاعة الوقت‪ ،‬والنشغال بالمفضول عن‬
‫الفاضل‪ ،‬وهي فئة قد تجاوزها الزمن‪.‬‬
‫ولكن قد تكون مشكلتنا مع من هو مقتنع بأن المجتمعات السلمية فيها‬
‫فساد‪ ،‬بل وصل به المر إلى أن صار عنده يأس من التغيير‪،‬وصار يشعر أنه ل‬
‫يمكن التغيير مطلقًا‪.‬‬
‫ولهذا نقول يا أخي ‪ :‬طريقنا طريق النبياء‪ ،‬والرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ذكر أنه "كانت بنو إسرائيل تسوسهم النبياء‪ ،‬كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه ل‬
‫نبي بعدي" رواه البخاري ومسلم‪ .‬لكن هذه المة ليس فيها إل النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ويلزم من ذلك أن المة مؤهلة أن تقوم بدور الدعوة وحمل‬
‫الرسالة‪,‬ولو لم تكن كذلك لرسل الله فيهاأنبياء‪.‬‬
‫وحين جاء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في مكة من يقول‪ :‬ل إله إل‬
‫الله‪ .‬كان هناك ستة من الحنفاء‪ ،‬يعتزلون الناس‪ ،‬لكن البقية في شرك‬
‫مطبق‪ ،‬وفي تخلف كبير‪ ،‬وكانت البلد كما قال الرسول صلى الله ليه وسلم‪:‬‬
‫"‪...‬وإن الله نظر إلى أهل الرض فمقتهم عربهم وعجمهم‪ ،‬إل بقايا من أهل‬
‫الكتاب‪ "...‬رواه مسلم‪ .‬فكيف كان التغير الهائل الذي حصل في الجانب‬
‫الجتماعي؟!‪ ،‬والجانب القتصادي؟‪ ،‬والجانب العلمي؟‪ ،‬أمة كانت متخلفة‬
‫بكل صور التخلف ثم تغيرت‪.‬‬
‫ربما تقول لي‪ :‬إن هذا نبي ورسول ومؤيد! أقول لك‪:‬حين مات الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم أين وصل السلم؟ كان في الجزيرة ولم يتجاوزها‪ ،‬وحين‬
‫جاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تولوا المر فوجد الصحابة أمامهم‬
‫مصيبة كبيرة حصلت بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهي الردة‪ ،‬ولم يبق إل‬
‫المدينة ومكة والطائف ومن حولها‪ ،‬فقاموا لله و جاهدوا حتى أعادوها‬
‫للسلم‪ ،‬وفي سنتين من خلفة أبي بكر‪ ،‬بدأت الفتوحات‪ .‬وبدءوا يغزون‬
‫فارس والروم ويفتحون البلد‪ ،‬وكانت بلد العراق‪ ،‬وخراسان‪ ،‬ومصر‪ ،‬والشام‪،‬‬
‫بلدا ً مطبقة على الشرك ومع ذلك يقول عبد الله بن عمر رضي الله‬
‫عنه‪":‬ارتج علينا الثلج ونحن في أذربيجان" وأبو أيوب رضي الله عنه دفن‬
‫تحت أسوار القسطنطينية‪ ،‬وغيرهم‪ .‬هل كان أهل تلك البلد يعرفون لغة‬
‫العرب ؟ لم يكونوا يعرفون لغة العرب‪ ،‬ولم يكونوا عربًا‪ ،‬ومع ذلك استطاع‬
‫الصحابة أن يغيروا في بلدهم‪.‬‬
‫وهذه البلد قبل أن يأتيها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله‪ ،‬كيف كانت؟‬
‫وكيف تحولت بعد دعوته؟‪ .‬فلو كان الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله‬
‫يفكر بهذه العقلية التي نفكر فيها ما عمل شيئًا‪ ،‬وهو بشر وإمام مجدد يسر‬
‫الله عز وجل على يديه هذا التغير الهائل‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وانظر إلى الصورة المقابله وكيف تغيرت مجتمعات المسلمين اليوم تغيرا‬
‫هائل نحو الفساد ولنحراف ‪.‬‬
‫إن هذا التغير يمكن ان يتم في التجاه المقابل‪ ,‬فتنتقل المجتمعات من‬
‫الواقع السيء إلى الواقع الصالح‪.‬‬
‫إن المجتمعات كلها تتغير حين تكون عندها إرادة‪ .‬ولقد درسنا التاريخ وعرفنا‬
‫أن أوروبا التي يقول العالم الن أنها بلد العلم والتقدم‪ ،‬كانت في يوم من‬
‫اليام في ظلمات وجهل‪ ،‬وكانوا ل يفقهون شيئًا‪ ،‬وفي قمة التخلف في كل‬
‫مجالت الحياة وميادينها‪ ،‬ثم بدءوا يتعلمون وتغيرت حياتهم‪.‬‬
‫وبغض النظر عما في هذا التغير من انحراف ضلل‪ ،‬لكنه شاهد على أن‬
‫المجتمعات إذا أرادت أن تتغير تحقق لها ذلك‪.‬‬
‫أخر يؤيد ذلك‪:‬الله عز وجل أرسل هذه الرسالة الخاتمة وتعبد الناس بهذا‬
‫الدين‪ ،‬بهذا يعني أنهم قادرون على أن يغيروا حياتهم في ضوء الدين‪.‬‬
‫إن ثقل الواقع والفساد الذي يعيشه‪ ،‬يخيل لنا أنه ل يمكن أن يتغير الواقع‪،‬‬
‫وأننا غير قادرين على التغيير‪ .‬ولهذا نستسلم ونقول‪ :‬الله المستعان‪ ،‬ول حول‬
‫ول قوة إل بالله‪ ،‬والمشتكى إلى الله‪ ،‬إلى غير ذلك من العبارات التي‬
‫استخدمها الناس لترك العمل‪ .‬إننا ل نعجب حين نسمع هذا الكلم من عامي‪،‬‬
‫أو من رجل جاهل‪ ،‬أو رجل ل يعرف مهمته‪ ،‬لكّننا نعجب كل العجب أن‬
‫يسيطر على الصالحين هذا المنطق من التفكير‪.‬‬
‫تاسعا ً ‪ :‬النشغال بالنقد ‪:‬‬
‫كت الناقدين ول نعترض على‬ ‫ل شك أن النقد ضرورة ومطلب‪ ،‬ونحن ل ُنس ِ‬
‫دعي العصمة‪.‬‬ ‫أي إنسان ناقد‪ ،‬ول ن ّ‬
‫حسن النية‪ ،‬ونبل المقصد‪ ،‬وسلمة الهداف‪ ،‬يجعلنا‬ ‫فل يسوغ‪ :‬أن نتصور أن ُ‬
‫نستعصي على النقد‪ ،‬لكن النقد يتحول إلى صورة أخرى‪ ،‬صورة مثبطة عن‬
‫العمل‪.‬‬
‫إن هناك نماذج كثيرة من الناس ممن يجيد النقد على حساب العمل‪ .‬إنه‬
‫ينتقد رجال الحسبة‪,‬وينقد الدعاة إلى الله‪,‬وينقد الشباب الصالحين ويجعل‬
‫هذا النقد تكأة لقعوده‪,‬وسلحا يشهره في وجه من يطالبه بإن يعمل ويقدم‬
‫جهدا لنصرة دين الله عز وجل‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وربما كان كثير مما يقوله له أصل من الصحة ‪,‬لكنه قد يكون مبالغا فيه‪,‬‬
‫وهب أنه صحيح جملة وتفصيل‪ ,‬فأين جهد هذا الناقد؟ وأين عمله؟ فلو كان‬
‫هذا المنتقد جادا لترك هذا ال نتقاد أثره على نفسه وبذل جهده في تعويض نا‬
‫يراه من تقصير من الخرين‪ .‬وكثير من هذه الصور من النتقاد يكون باعثها‬
‫الدفاع عن النفس بهذه الحيل اللشعورية;فلو أنه أثنى على هؤلء العاملين‬
‫وجهودهم لكان ذلك يعنى العتراف بالتقصير‪,‬والشهادة على نفسه بذلك‬
‫‪,‬والعتراف بالخطأ ثقيل على النفس ‪,‬فيهرب منه صاحبه إلى اتهام الخرين‬
‫وانتقادهم‪.‬‬
‫والنتقاد يجيدة كثير ممن ل يجيدون العمل ‪,‬أو ل يطيقون الستمرار فيه‬
‫والصبر عليه ‪.‬إنك حين تعرض لوحة فنية على فئة من الناس فسوف تجد‬
‫عددا منهم يكشف فيها عيوبا كثيرة‪,‬لكن قدرة هؤلء النقدين ل يمكن أن‬
‫ترقى إلى قدرة الفنان الذي أبدع هذه اللوحة‪,‬وقل مثل ذلك حين يستمع‬
‫طائفة من الناس الى خطيب مميز الناس قادرون على اكتشاف مجموعة‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الخطاء التي يقع فيها ‪,‬مع أنه قد ل يوجد فيهم من يجيد الخطابة فيهم‬
‫كما يجيدها هذا الخطيب‪.‬‬
‫لعلي أكتفي بما قلته‪ ،‬وإن كانت هناك قضايا كثيرة غير ماذكر تعوقنا عن‬
‫العمل ‪,‬ولو فتشنا في أنفسنا لرأينا نماذج من ذلك و لعل هذا الموضوع أن‬
‫يفتح لنا ميدانا ً لنفكر في مثل هذه المجالت‪.‬‬
‫وفي الختام‪ ،‬أسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم من الدعاة لدينه‬
‫والعاملين له‪ ،‬وأن يوفقنا وإياكم جميعا ً لطاعته‪ ،‬إنه سميع مجيد‪ ،‬وصلى الله‬
‫على نبينا محمد‪ ،‬وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أل إله إل أنت أستغفرك‬
‫وأتوب إليك‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫لماذا ل ننتصر؟!‬
‫خباب بن مروان الحمد‬
‫‪khabab00@hotmail.com‬‬
‫>‪TD/‬‬
‫أحمدك ربي حمدا يليق بجلل وجهك وعظيم سلطانك ‪ ،‬وأصلي وأسلم على‬ ‫ً‬
‫الهادي البشير‪ ،‬والسراج المنير المبعوث رحمة للعالمين ‪.‬‬
‫صلى عليك الله ما جن الدجى وما جرت في فلك شمس الضحى‬
‫ورضوان الله على الصحابة الخيار‪ ،‬والهداة البرار‪،‬الذين جاهدوا مع رسول‬
‫الله حق جهاده‪،‬فما وهنوا لما أصابوهم في سبيل الله وما ضعفوا‪،‬وما‬
‫استكانوا والله يجب الصابرين ‪.‬‬
‫اللهم فاطر السموات والرض ‪،‬عالم الغيب والشهادة‪،‬أنت تحكم بين عبادك‬
‫فيما كانوا فيه يختلفون‪،‬اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من‬
‫تشاء إلى صراط مستقيم‪،‬وبعد‪،،‬‬
‫فإن من سنن الله الجارية‪،‬أنه إذا عصى الناس أمره‪،‬واستباحوا محارمه‪،‬‬
‫وبغوا وظلموا‪ ،‬وابتعدوا عن صراطه المستقيم‪،‬ومنهجه القويم‪،‬أن يجازيهم‬
‫ل((‬ ‫وي ً‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫بسوء أعمالهم‪،‬وينتقم من كل جبار عنيد‪))،‬وَل َ ْ‬
‫ن تَ ِ‬
‫)فاطر‪(43:‬‬
‫ومن سنن الله أنه ل يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‪ ،‬من‬
‫النحراف عن المنهج‪ ،‬وسلوك الطريق الخاطئ‪ ،‬وتضييع المانة ‪.‬‬
‫ك مغيرا ً نعمة أ َنعمها عَلى قَوم حتى يغيروا ما بأ َ‬ ‫))ذ َل َ َ‬
‫م‬ ‫ه‬‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬
‫َ ِ ْ ِ ِ ْ‬‫ن‬ ‫ْ ٍ َ ّ َُ ُّ‬ ‫م يَ ُ ُ َ ّ ِ ْ َ ً ْ َ َ َ َ‬ ‫ه لَ ْ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫م(( )النفال‪(53:‬‬ ‫لي‬ ‫ع‬ ‫ع‬ ‫مي‬ ‫س‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫َ َ ِ ٌ ِ ٌ‬ ‫وَأ ّ‬
‫إلى الله نشكو ‪:‬‬
‫في هذه اليام تجد الناس في مجالسهم يخوضوا ويتحدثوا عن حال المة‬
‫السلمية المنكوبة‪،‬ومآسيها‪،‬ونكباتها‪،‬وما ُأصيبت به من الهوان والذل خاصة‬
‫بعد أن رأوا وسمعوا في وسائل العلم المتعددة ‪،‬صورا ً لمآسي المسلمين‬
‫تفت الفؤاد‪،‬وتجرح الخاطر‪ ،‬وتقلق القلب‪ ،‬وتهز البدن‪.‬‬
‫إنها صور ليست في قطر واحد من أقطار المسلمين ‪ ،‬بل هي صور تتعدد‬
‫وتتكرر كرات ومرات ‪ ،‬ففي فلسطين وأفغانستان ؛ صور ومآسي ‪ ،‬وفي‬
‫العراق والشيشان ؛ صور ومآسي‪ ،‬وفي الفلبين وكشمير وبورما والسودان‬
‫والصومال وأندونيسيا مجازر وجزائر ‪.‬‬
‫في كل جزء من بلدي قصة تروي ضياع كرامة النسان‬
‫فصورة لرجل كبير السن في فلسطين وقد خط الشيب لحيته فل تراها إل‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بيضاء وهو يرفع يديه يناجي رب الرض والسماء بأن يهلك العداء ويصب‬
‫عليهم القوارع والفواجع‪ ،‬وأن يدمرهم تدميرًا‪.‬‬
‫وصورة لطفلة صغيرة في أفغانستان تبكي وتشهق من البكاء بحثا ً عن‬
‫والديها اللذين كانا تحت أنقاض البيت الذي هدم عليهما ففاضت روحهما وهما‬
‫تحت النقاض‪،‬والطفلة المسكينة تصيح وتصرخ بحثا ً عن والديها! وصورة ثالثة‬
‫لطفل صغير قد أمسك خمسة من اليهود به فأحدهم يكاد أن يخنقه‪،‬وأحدهم‬
‫قد شد شعره بكل ما أوتي من قوة وعنجهية‪ ،‬وآخر يركله بقدمه يريد أن‬
‫يمشي على قدمه بكل سرعة‪ ،‬فهذا الطفل مجرم وإرهابي!والطفل يبكي‬
‫ويصيح ولكن أين المغيث ؟!‬
‫وصورة أخرى لم تريد أن تدافع عن ابنها‪،‬وفلذة كبدها‪ ،‬بعد أن أمسك اليهود‬
‫بتلبيب ثيابه ‪ ،‬وهي تترجاهم بأن يفلتوه ويطلقوا سراحه‪،‬فما كان من أحد‬
‫هؤلء القردة إل أن فقد صوابه وطار لبه فأمسك بهذه المسكينة بيديه‬
‫الغليظتين ودفعها على الرض بقوة فسقطت وهوت على رأسها ثم أطلق‬
‫عليها عيارا ً ناريا ً من سلحه فجندلها بالدم ثم قهقه ضاحكا ً بسخرية قائل ً لها‬
‫بكل خبث " ابنك لن تراه عينك " ‪.‬‬
‫وصورة أخيرة لرجل شاب قد بلغ الثلثين من عمره في إندونيسيا قد أسره‬
‫أعداء الله النصارى فربطوه يديه مع رجليه‪،‬وشدوا الحبال الموثوقة على‬
‫جسمه‪ ،‬ثم أهووا به إلى الرض لتبدأ المجزرة حيث أنهم جاءوا بالدبابة‬
‫مُروا الدبابة على جسده الموثوق ببطء لكي‬ ‫تمشي رويدا ً والشاب يصرخ ثم أ ّ‬
‫يموت ألف مرة إلى أن وصلت الدبابة لرأسه فلم يبق له رسما ً ول أثرًا‪ ،‬فقد‬
‫اختلطت دماؤه بعروقه بلحمه فأصبح كتلة لحم‪ ،‬بل ل أثر له‪،‬إنه جسم أصبح‬
‫ل يرى بعد أن هشمته جنازير الدبابة التي ل ترحم ‪.‬‬
‫ل أريد أخي القارئ أن أستطرد فكأني بك قد استبشعت تلك الصور‪،‬ووقف‬
‫الدم في جسمك‪،‬ولم تطق أن تسمع الباقي ‪.‬‬
‫وبعد أن يرى القوم في مجالسهم مثل هذه الصور المبكية‪ ،‬فلن تسمع إل‬
‫أنين الزفرات‪،‬ولن تبصر إل سكب العبرات وكثرة التأوهات ‪.‬‬
‫حقا ً إنها تبعث القشعريرة في الجسد‪ ،‬فالعين تفيض دمعًا‪،‬والقلب يشكو لوعة‬
‫وهمًا‪،‬واللسان يتحوقل ويسترجع‪،‬بل تخنقه العبرة فيخرس عن الكلم ألما ً‬
‫وغما ً ‪.‬‬
‫أين الخلل ؟‬
‫ل شك أننا في زمن كثرت فيه النكبات‪،‬وحلت به المصائب‪ ،‬والمدلهمات‬
‫وانتشرت فيه المعاصي والموبقات‪،‬وكثرت المراض والفات ‪.‬‬
‫تلك قضية ل يناقش فيها إل جاهل بواقع أمته‪،‬أو رجل مكابر!‬
‫إنه سيقرع سمعنا في مثل المجلس الذي ذكرته آنفا ً أنه ما حل البلء علينا إل‬
‫لتخاذل الحكام‪،‬وضعف الشعوب‪،‬وتقاعس العلماء ‪.‬‬
‫وإني أقر وأجزم أن هذا الذي قيل هو جزء‪ ،‬بل سبب من السباب الهامة‬
‫التي جعلت المة السلمية أمة ضعيفة ووصمت بهذا المثل ‪.‬‬
‫ولكن هل هذا هو السبب الرئيس الذي جعلنا مهانين في الرض وأصبحت‬
‫أمتنا توصف بأنها أمة المصائب‪،‬أم أن هناك شيئا ً آخر قد ضيعناه ونسيناه ؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هل سألنا أنفسنا أين يكمن الخلل‪،‬ومن أين انتشرت هذه الزمات؟‬
‫* ثمت أمور يجب علينا أن نسألها أنفسنا ونجيب عنها بصدق وواقعية‪ ،‬لماذا‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تراجع المسلمون وهزموا ‪ ،‬وتقدم غيرهم وانتصروا ؟‬


‫لماذا تفكك المسلمون وانقسموا شيعا ً كل حزب بما لديهم فرحون‪،‬وأعداء‬
‫الله يرصون الصفوف‪ ،‬ويجمعون الجموع ؟‬
‫لماذا حورب السلم وأهل السنة والجماعة‪ ،‬وفتح الباب على مصراعيه لهل‬
‫العلمنة والشر والفتنة وغيرهم ؟‬
‫هل من الصحيح إذا سمعنا مثل تلك المآسي آنفة الذكر أن نصرخ قائلين ‪:‬‬
‫ل‪:‬‬‫وامصيبتاه؟ أو يرفع أحدنا صوته قائ ً‬
‫قتل امرئ في غابة جريمة ل تغتفر وبيد شعب كامل مسألة فيها نظر‬
‫إنني ل أحقر من تلك الصرخات‪ ،‬ولكن هل هي الطريق الصحيح لتصحيح‬
‫المسار‪ ،‬ومعالجة الخطاء‪ ،‬والرد على الكفار أعداء الله ؟‬
‫ن من المهم‬ ‫ك أن الوقاية خير من العلج‪،‬والسلمة ل يعدلها شيء‪،‬لك ّ‬ ‫ـلش ّ‬
‫أن يعلم أنه ليست المشكلة بأن تجد المرض يدب في جسم إنسان‪،‬فإن‬
‫الجسم معرض للفات والمراض‪،‬ولكن المشكلة‪،‬أن تجد ذلك المرض يدب‬
‫ن‬
‫في جسم النسان ويفتك بأعضائه‪ ،‬وينتهب منها السلمة‪،‬ومع ذلك فإ ّ‬
‫النسان ل يشعر بذلك المرض‪ ،‬وإن شعرل يقاومه‪ ،‬بل يندب حظه‪،‬ويرثي‬
‫حاله‪ ،‬ويزعج الناس بأناته‪ ،‬ويوقظ أهله بآهاته‪،‬وزفراته‪.‬‬
‫مثل ً لمثل هذا حال كثير من المسلمين‪ ،‬فهم في الحقيقة لم يكتشفوا المرض‬
‫الداخلي في أمتهم ولم يعالجوه‪ ،‬ومع ذلك فما تراهم إل وهم يندبون تلك‬
‫المصائب‪ ،‬ويبكون هاتيك الفواجع‪.‬‬
‫دع النياحة وابدأ بالعمل‬
‫م ذلك وأن الداء منا فل بد أن نبحث عن الدواء‪ ،‬ورسول الهدى صلوات‬ ‫إذا عل َ‬
‫الله وسلمه عليه أخبرنا أنه)ما أنزل الله داء وإل وأنزل له دواء( أخرجه‬
‫البخاري‪،‬وزاد ابن ماجة بسند صحيح‪):‬علمه من علمه وجهله من جهله( ومن‬
‫الجدير بنا أن نعقل هذه المصائب‪،‬ونحاول أن نعالجها ‪.‬‬
‫وقد يتبادر إلى أذهاننا سؤال‪:‬هل ظلمنا الله – عز وجل – عند ما أنزل علينا‬
‫المصائب؟‬
‫هل‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫والجواب؛ل‪،‬وحاشا ربنا‪ ،‬فإن الله عز وجل كما قال عن نفسه))إ ِ ّ‬
‫ن(( )يونس‪ (44:‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬‫س أ َن ْ ُ‬
‫ن الّنا َ‬ ‫شْيئا ً وَل َك ِ ّ‬ ‫س َ‬‫م الّنا َ‬ ‫ي َظ ْل ِ ُ‬
‫د(( )فصلت‪(46 :‬‬ ‫ك ب ِظ َّلم ٍ ل ِل ْعَِبي ِ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫)) وَ َ‬
‫وأخبرـ سبحانه ـ أنه حّرم الظلم على نفسه‪،‬فقال‪ ):‬يا عبادي إني حرمت‬
‫الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما ً فل تظالموا ( أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫ن(( )آل عمران‪ (108 :‬وقال‬ ‫مي َ‬ ‫ريد ُ ظ ُْلما ً ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫ما الل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫وقال تعالى ‪ )) :‬وَ َ‬
‫ريد ُ ظ ُْلما ً ل ِل ْعَِباِد(( )غافر‪(31 :‬‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫تعالى )) وَ َ‬
‫إلى غير ذلك من اليات والحاديث‪،‬فيقيننا بالله أنه صاحب العدل المطلق‬
‫والبعيد كل البعد عن الظلم والجور‪.‬‬
‫ولكن الله عز وجل أنزل علينا قرآنا ً يتلى إلى يوم القيامة وقد بّين فيه أنه ما‬
‫من مصيبة تحل بالمسلمين إل بسبب معاصيهم وذنوبهم وتضييعهم حرمات‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫صاب َك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ربهم وأوامره ونواهيه‪،‬فقال تعالى‪)):‬وَ َ‬
‫ن ك َِثي‬ ‫َ‬
‫ر(( )الشورى‪(30:‬‬ ‫ٍ‬ ‫فو عَ َْ‬ ‫م وَي َعْ ُ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫أي ْ ِ‬
‫ن((‬‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن وَك ُ ّ‬‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫م وَأ َغَْرقَْنا آ َ‬ ‫وقال تعالى‪ )):‬فَأهْل َك َْناهُ ْ‬
‫م ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫)لنفال‪(54:‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫سي ّئةٍ ف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫صاب َك ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن اللهِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫سن َةٍ ف ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫صاب َك ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫وقال تعالى‪َ )):‬‬
‫ك(( )النساء‪(79 :‬‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫فهذا أول العلج الذي يجب علينا أن نعرفه حتى نعالج به واقعنا كي نعلم أنه‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما من مصيبة وقعت علينا وحلت بديارنا إل بسبب أنفسنا وذنوبنا وتقصيرنا‬
‫في حق الله‪ ،‬ومستحيل أن ننتصر ونحن قد ضيعنا الله ونسيناه ول غرابة‬
‫م أ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م((‬‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ساهُ ْ‬‫ه فَأن ْ َ‬ ‫سوا الل ّ َ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬‫كوُنوا َ‬ ‫بعدها أن ينسانا ربنا))َول ت َ ُ‬
‫م(( التوبة‪(67:‬‬ ‫ه فَن َ ِ‬
‫سي َهُ ْ‬ ‫سوا الل ّ َ‬ ‫)الحشر‪)) (19:‬ن َ ُ‬
‫إن سنن الله ل تتغير ول تتبدل فالله عز وجل وعدنا بالنصر وأن يهزم عدونا‬
‫ولكن إن نصرناه وجاهدنا لعلء كلمته‪،‬وربينا أنفسنا على طاعته‪ ،‬والفرار من‬
‫َ‬
‫م(( )محمد‪:‬‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ت أقْ َ‬
‫دا َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫معصيته‪،‬قال تعالى‪)):‬إ ِ ْ‬
‫‪،(7‬وأخبر تعالى أنه لن ينصر إل أهل الطاعة واليمان ل أهل الفجور والخذلن‬
‫م‬
‫قو ُ‬
‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬‫صُر ُر ُ‬ ‫فقال تعالى‪)):‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫شَهاُد(( )غافر‪(51:‬‬ ‫اْل َ ْ‬
‫وبين لنا سبحانه أنه إن تولينا عن نصرة دينه ورفع رايته‪،‬فإنه يستبدل قوما ً‬
‫كوُنوا‬‫م ل يَ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫وما ً غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَ ْ‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫وا ي َ ْ‬‫ن ت َت َوَل ّ ْ‬
‫يقومون بحق الله وبنصرة دينه))وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م(( )محمد‪(38 :‬‬ ‫مَثال َك ُ ْ‬‫أ ْ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قال سيد قطب – رحمه الله ‪):-‬لقد كتب الله عز وجل على نفسه النصر‬
‫لوليائه حملة رايته وأصحاب عقيدته‪،‬ولكن علق هذا النصر بكمال حقيقة‬
‫اليمان في قلوبهم ‪ ،‬وباستيفاء مقتضيات اليمان في تنظيمهم‪،‬وسلوكهم‪،‬‬
‫وباستكمال العدة التي في طاقتهم ‪ ،‬وبذل الجهد الذي في وسعهم ‪ ،‬فهذه‬
‫سنة الله‪،‬وسنة الله ل تحابي أحدًا‪،‬فأما حين يقصرون في أحد هذه المور‪،‬‬
‫فإن عليهم أن يتقبلوا نتيجة التقصير‪ ،‬فإن كونهم مسلمين ل يقتضي خرق‬
‫السنن‪ ،‬وإبطال النواميس ‪ ،‬فإنما هم مسلمون‪،‬لنهم يطابقون حياتهم كلها‬
‫على السنن ويصطلحون بفطرتهم كلها مع الناموس ‪.‬‬
‫ولكن كونهم مسلمين ل يذهب هدرا ً كذلك ‪ ،‬ول يضيع هباًء فإن استسلمهم‬
‫لله وحملهم الراية وعزمهم على طاعته‪ ،‬والتزام منهجه‪ ،‬من شأنه أن يرد‬
‫أخطاءهم وتقصيرهم خيرا ً وبركة في النهاية ‪ ،‬بعد استيفاء ما يترتب عليها من‬
‫التضحية واللم والقرح ‪ ،‬وأن يجعل من الخطاء ونتائجها دروسا ً وتجارب تزيد‬
‫من نقاء العقيدة ‪ ،‬وتمحيص القلوب ‪ ،‬وتطهير الصفوف ‪ ،‬وتؤهل للنصر‬
‫الموعود‪ ،‬تنتهي بالخير والبركة‪ ،‬ول تطرد المسلمين من كنف الله ورعايته‪،‬بل‬
‫تمدهم بزاد الطريق‪،‬مهما يمسهم من القرح واللم والضيق أثناء الطريق‪.‬‬
‫وبهذا الوضوح والصراحة معا ً يأخذ الله الجماعة المسلمة‪،‬وهو يرد على‬
‫تساؤلها ودهشتها مما وقع‪،‬ويكشف عن السبب القريب من أفعالها ))أوَل َ ّ‬
‫ما‬
‫م(( )آل‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫عن ْد ِ أ َن ْ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل هُوَ ِ‬ ‫ذا قُ ْ‬‫م أ َّنى هَ َ‬ ‫مث ْل َي َْها قُل ْت ُ ْ‬
‫م ِ‬
‫صب ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ة قَد ْ أ َ‬
‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫عمران‪(165:‬‬
‫فأنفسكم هي التي أخلت بشرط الله وشرط رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأنفسكم هي التي خالجها الهواجس والطماع‪،‬وأنفسكم هي التي عصت أمر‬
‫َ‬
‫ن‬
‫حّبو َ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما أَراك ُ ْ‬‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫صي ْت ُ ْ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم))وَعَ َ‬
‫م(( )آل عمران‪(152 :‬‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ِ‬
‫فهذا الذي تستنكرون أن يقع لكم وتقولون‪:‬كيف هذا؟هو من عند أنفسكم‬
‫بانطباق سنن الله عز وجل حين عرضتم أنفسكم لها (ا‪.‬هـ)في ظلل القرآن(‬
‫ولهذا ورد في الثر عن العباس بن عبد المطلب‪):‬ما نزل البلء إل بذنب وما‬
‫رفع إل بتوبة ( فلنندب ذنوبنا قبل أن نندب مآسينا ولنحارب أنفسنا المارة‬
‫بالسوء وننهاها عن المنكر عندئذ سيحصل النصر وينجلي الغبار والله ل يخلف‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َْ‬
‫ض‬
‫م ِفي الْر ِ‬ ‫فن ّهُ ْ‬
‫خل ِ َ‬‫ست َ ْ‬‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫وعده ))وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م‬‫م وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫كَ َ‬
‫ُ‬
‫ك فَأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫فَر ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شْيئا ً وَ َ‬‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫دون َِني ل ي ُ ْ‬ ‫منا ً ي َعْب ُ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن(( )النور‪(55:‬‬ ‫َ‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫س‬‫ِ‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬
‫ُ ُ‬ ‫ه‬
‫أي ُأخي‪ :‬تأمل وانظر إلى بلد المسلمين‪:‬‬
‫كم يوجد فيها من ضريح يعبد من دون الله و يطاف عليه ويستغاث بصاحبه ؟‬
‫كم هم الذين ل يحكمون بما أنزل الله بل يتحاكمون إلى الطاغوت؟‬
‫كم من بدعة تقام في ديار المسلمين صباح مساء ؟‬
‫كم من فاحشة تنتهك في ظلم الليل الدامس‪،‬وفي الصباح المتفتح الزاهر؟‬
‫كم من إنسان يبخس الكيل والميزان ول يصدق في المعاملة مع ربه ومع‬
‫الناس ؟‬
‫صْرٍح لبنوك الربا التي جاهرت الله بالمحاربة والمعصية ؟‬ ‫كم من َ‬
‫كم هم الناس المعرضون عن دين الله وحكمه وأقبلوا على الملهي والخمور‬
‫والغاني والمسلسلت ؟‬
‫كم هم الناس الذين ل يصلون ويدعون بأنهم مسلمون ؟‬
‫أنظر للشوارع والسواق فل ترى – ويا للسف ـ إل تخنث للرجال ‪ ،‬وترجل‬
‫النساء‪ ،‬والغيبة‪،‬والكذب‪ ،‬والنميمة ‪ ،‬والغش ‪ ،‬والظلم ‪ ،‬وخفر العهود ‪،‬‬
‫وإخلف المواعيد ‪ ،‬وأكل حقوق الناس‪ ،‬والعصبية القبلية والعرقية المنتنة‪،‬‬
‫والزنا‪،‬واللواط‪ ،‬والنفاق‪ ،‬وسوء الخلق ـ إل قليل ً ممن رحم ربك ـ‬
‫ثم مع هذا كله نريد نصر الله ‪ ،‬وأن يهزم عدونا ويكف شره ويكبت أمره !!‬
‫عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – قال كنت عاشر عشرة من‬
‫المهاجرين‪،‬عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬فأقبل علينا بوجهه‪،‬وقال ‪:‬‬
‫) يا معشر المهاجرين – خمس خصال إذا ابتليتم بهن ‪ ،‬وأعوذ بالله أن‬
‫تدركوهن‪:‬ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها إل ابتلهم الله بالسنين‪،‬‬
‫وشدة المؤنة ‪ ،‬وجور السلطان ‪ ،‬ول منع قوم الزكاة إل منعوا القطر من‬
‫السماء ولول البهائم لم يمطروا ‪ ،‬ول خفر قوم العهد إل سلط الله عليهم‬
‫العدو فأخذ بعض ما في أيديهم ‪ ،‬وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله عز وجل‬
‫في كتابه إل جعل بأسهم بينهم ( أخرجه البيهقي والحاكم بسند صحيح ‪.‬‬
‫جزاًء بجزاِء ‪ ،‬ومثل ً بمثل ‪ ،‬إذا نحن عصينا الله وخالفنا أمره سلط علينا‬
‫ة أوَ‬ ‫َ‬ ‫فون عَ َ‬
‫م فِت ْن َ ٌ ْ‬ ‫صيب َهُ ْ‬‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫خال ِ ُ َ‬‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬ ‫العداء والوباء‪،‬والضراء))فَل ْي َ ْ‬
‫م(( )النور‪(63:‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫يُ ِ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إن الله عز وجل‪ -‬لما ذكر المم الكافرة التي عصت رسله‪،‬وخالفت أمره قال‬
‫خذ ْنا بذ َنبه فَمنهم م َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫صبا ً وَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ َ‬ ‫عنهم بعد ذلك‪ )):‬فك ُّل ً أ َ َ ِ ْ ِ ِ ِ ْ ُ ْ َ ْ‬
‫ن أْر َ‬
‫فنا به اْل َرض ومنهم م َ‬ ‫أَ َ‬
‫ه‬‫ن الل ّ ُ‬
‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أغَْرقَْنا وَ َ‬ ‫ْ َ َ ِ ُْ ْ َ ْ‬ ‫س ْ َ ِ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ة وَ ِ‬‫ح ُ‬
‫صي ْ َ‬‫ه ال ّ‬ ‫خذ َت ْ ُ‬
‫ن(( )العنكبوت‪(40:‬‬ ‫مو َ‬‫م ي َظ ْل ِ ُ‬
‫سهُ ْ‬‫ف َ‬ ‫كاُنوا أ َن ْ ُ‬ ‫ن َ‬‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫ل ِي َظ ْل ِ َ‬
‫مهُ ْ‬
‫فنفسك لم ول تلم المطايا ‪:‬‬
‫أخي القاري الكريم‪:‬قد ورد في الثر) إذا عصاني من ل يعرفني سلطت عليه‬
‫من ل يعرفني( وقد قال نبي من أنبياء بني إسرائيل لما رأى ما يفعل بختنصر‬
‫بقومه‪):‬بما كسبت أيدينا سلطت علينا من ل يعرفنا ول يرحمنا( ‪.‬‬
‫وورد في المسند ) ‪ (2/362‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ً‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند صحيح )حد يقام في الرض خير‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من المطر لهلها أربعين صباحًا( ‪.‬‬


‫وقد علق المام ابن تيمية على هذا الحديث بقوله‪):‬وهذا لن المعاصي سبب‬
‫لنقص الرزق والخوف من العدو‪،‬كما يدل عليه الكتاب والسنة‪،‬فإذا أقيمت‬
‫الحدود وظهرت طاعة الله‪،‬و نقصت معصية الله حصل الرزق والنصر(‬
‫وعليه فالنحيب على بلد للمسلمين ضاعت دون عمل وتوبة صادقة‪،‬ل تحقق‬
‫نصرا ً ول تعيد أثرًا!‬
‫وقد قيل في المثل)إيقاد شعلة خير من لعن الظلم( فلنبدأ في التغيير‬
‫والعمل ولنترك لوم الزمان والدهر‪،‬فهو فعل الفاشلين العاجزين ل فعل‬
‫الطموحين الناجحين وقد قال الشاعر السلمي عدنان النحوي – في أبيات‬
‫له جميلة قائل ً ‪:‬‬
‫ما لي ألوم زماني كلما نزلت *** بي المصائب أو أرميه بالتهم‬
‫أو أدعى أبدا ً أني البريء وما *** حملت في النفس إل سقطة اللمم‬
‫أنا الملوم فعهد الله أحمله *** وليس يحمله غيري من المم‬
‫فإذا أردنا أن نغير فلنغير من حالنا ومن فساد قلوبنا وأنفسنا يغير الله حالنا‪،‬‬
‫ويرفع ما بنا من مصائب أرقتنا أو بليا أقلقتنا ‪.‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م وَإ ِذا أَراد َ الل ُ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأن ْ ُ‬
‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬‫ما ب ِ َ‬
‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قال تعالى‪ )):‬إ ِ ّ‬
‫ل(( )الرعد‪ :‬من الية ‪(11‬‬ ‫سوءا ً َفل َ َ ّ َ ُ َ َ ُ ْ ِ ْ ُ ِ ِ ِ ْ َ ٍ‬
‫وا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫قوْم ٍ ُ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫مَها عََلى قَوْم ٍ َ‬ ‫ة أن ْعَ َ‬ ‫مغَّيرا ً ن ِعْ َ‬
‫م ً‬ ‫ك ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ك ب ِأ ّ‬ ‫وقال تعالى‪)):‬ذ َل ِ َ‬
‫م(( )لنفال‪(53:‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫َ‬
‫م وَأ ّ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ب ِأ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬
‫ومن أول المور التي نغير بها حال أنفسنا التوبة النصوح‪ ،‬فهي وظيفة العمر‪،‬‬
‫وطريق الفلح‪ ،‬والتي تفتح كل عمل خير وبر وصلح ‪.‬‬
‫م العمال الصالحة‪،‬التي تقرب من رضوان الله عز وجل وجنته‪ ،‬وتبعد‬ ‫ومن ث ّ‬
‫عن سخطه وأليم عقابه‪ ،‬ورحم الله أبا الدر داء حيث كان يقول للغزاة )يا‬
‫أيها الناس‪:‬عمل الصالح قبل الغزو‪،‬فإنما تقاتلون بأعمالكم( ولله در الفضيل‬
‫بن عياض حين قال للمجاهدين عندما أرادوا الخروج لقتال عدوهم‪:‬‬
‫)عليكم بالتوبة‪ ،‬فإنها ترد عنكم ما ترده السيوف(‬
‫فابذل الجهد واستحث المطايا *** إن صنع النجاح ليس مزاجا ً‬
‫ليس من يعمر البلد بزيف *** مثل من يعمر البلد نجاحا ً‬
‫أي أخي ‪ :‬هذا هو الطريق الذي أراه يصلح حالنا ويسمو بكرامتنا‪،‬ويعيد‬
‫عزتنا‪،‬ويرفع شأننا‪.‬‬
‫وإن التوبة والعمل الصالح ومحاسبة النفس ومراجعة الذات‪،‬وإعداد هذه‬
‫النفس إعدادا ً إيمانيا ً وبدنيًا‪،‬والرتباط بالله والتعلق به‪ ،‬كل هذا مفتاح للطريق‬
‫الذي يعيد لنا المجد بنصاعته‪.‬‬
‫ومن المتوجب علينا معرفته أن إقامة النصر في الرض‪،‬وإعادة الخلفة‬
‫الراشدة‪،‬ل يقدم ذلك لنا مباشرة على طبق من ذهب بل ل بد من الكلل‬
‫صب‪،‬حتى يأتينا نصر الله بعد أن علم منا الصدق في‬ ‫والتعب‪،‬والوصب والن ّ‬
‫القلوب‪،‬والصلح في العمال‪،‬والله ل يضيع أجر من أحسن عمل‪ً.‬‬
‫عقد مقارنة ‪:‬‬
‫من المعلوم قطعا أن الكفار أعداء الله – ضيعوا أسباب نصرة الله المعنوية‬ ‫ً‬
‫لهم من اليمان بالله وبرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكنهم أبدعوا في‬
‫صناعة الصواريخ والمتفجرات وأسباب النصرة المادية‪.‬‬
‫ونحن نعلم كذلك كما قدمت سابقا ً أن المسلمين ـ ويا للسف ـ قد نسوا الله‬
‫فأنساهم أنفسهم وزاغوا عن الصراط المستقيم ـ إل قليل ً ‪ -‬وابتعدوا عن‬
‫طاعة الله والقرب منه وعن أسباب النصرة المعنوية التي تكفل الله لمن‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فعلها من المسلمين بالنصرة والتأييد ولو كانت قوتهم العسكرية وأسبابهم‬


‫المادية أضعف من الكفار ‪.‬‬
‫وكذلك فإن المسلمين ضيعوا أسباب نصرتهم المادية فأين هي القنابل الذرية‬
‫والمتفجرات النووية‪،‬وأين السلحة والعتاد والقوة والرجال‪ ،‬فلم نسمع لها‬
‫صفيرا ً ول همسًا‪ ،‬بل علها الغبار ولم تستخدم في قتال أعداء الله‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ولهذا فإن منطق العقل السليم أن يحكم بالنتصار لمن كانت عنده القوة‬
‫والسباب المادية ولو كان مضيعا ً للسباب المعنوية على الذي ضيع أسبابه‬
‫المادية والمعنوية التي تحق النصر والتأييد؛ ولذلك انتصر الكفار أعداء الله‬
‫على المسلمين الذين ضيعوا أوامر الله فنساهم سبحانه وضيعهم وقد روت‬
‫لنا كتب التاريخ أنه في أعقاب معركة اليرموك الشهيرة ‪،‬وقف ملك الروم‬
‫يسائل فلول جيشه المهزوم ‪ ،‬والمرارة تعتصر في قلبه ‪ ،‬والغيظ يمل‬
‫صدره ‪ ،‬والكآبة بادية على محياه) ويلكم أخبروني عن هؤلء الذين‬
‫يقاتلونكم ‪ ،‬أليسوا بشرا ً مثلكم ؟ ! قالوا ‪ :‬بلى أيها الملك ‪ ،‬قال ‪ :‬فأنتم أكثر‬
‫أم هم ؟! قالوا‪:‬نحن أكثر منهم في كل موطن‪ ،‬قال ‪ :‬فما بالكم إذا‬
‫تنهزمون ؟!‬
‫فأجابه شيخ من عظمائهم‪:‬إنهم يهزموننا لنهم يقومون الليل ويصومون‬
‫النهار‪،‬ويوفون بالعهد‪،‬ويتناصفون بينهم( البداية والنهاية ) ‪(7/15‬‬
‫تلك هي صفات المسلمين؛ولذلك نصرهم الله ولحت أمام أعينهم أقواس‬
‫العزة والرفعة في سماء المجد ‪.‬‬
‫فقم بالله أخي لنصرة دينك وأصلح ذاتك فصلح الذات قبل صلح الذوات‪،‬‬
‫ومن قاد نفسه قادم العالم‪ ،‬ورّدد‪:‬‬
‫قم نعد عدل الهداة الراشدين *** قم نصل مجد الباة الفاتحين‬
‫قم نفك القيد قد آن الوان *** شقي الناس بدنيا دون دين‬
‫فلنعدها رحمة للعالمين *** ل تقل كيف ؟ فإنا مسلمون‬
‫يا أخا السلم في كل مكان *** اصعد الربوة واهتف بالذان‬
‫وارفع المصحف دستور الزمان *** وامل الفاق إنا مسلمون‬
‫مسلمون مسلمون مسلمون *** حيث كان الحق والعدل نكون‬
‫نرتضي الموت ونأبى أن نهون *** في سبيل الله ما أحلى المنون‬
‫هذا هو الدواء لمن وقع في فخ الداء ‪:‬‬
‫والذي أراه يحقق لنا النصر ويعز به هذا الدين بعد التوبة إلى الله أمور ثمانية‬
‫وهي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ العتصام بكتاب الله تعالى وقراءته وتدبره والعمل بما فيه ‪ ،‬والعتصام‬
‫بسنة محمد صلى الله عليه وسلم وأن نقدم كلمهما على كلم أي إنسان‪،‬‬
‫ونبتعد عن كل هوى خالف القرآن والسنة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الهتمام واللتفاف على عقيدة أهل السنة والجماعة‪،‬وتطبيقها في أرض‬
‫الواقع‪،‬واحذر أخي ممن يثبط عن تعلم العقيدة‪،‬أو يجعل تعلمها في مراحل‬
‫متأخرة فإنه رجل سوء فل تجالسه‪.‬‬
‫‪3‬ـ العداد البدني واليماني‪،‬والجهاد في سبيل الله‪،‬فإن الجهاد ينبوع‬
‫العزة‪،‬ومعين الكرامة‪،‬وهوالمجد لمن أراد المجد‪،‬والعّز لمن أراد العز‪ ،‬و)من‬
‫مات ولم يغز ولم يحدث بها نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق( كما‬
‫أخبر الصادق المصدوق ـ عليه الصلة والسلم ـ قال المام ابن تيمية)فإذا‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ترك العبد ما يقدر عليه من الجهاد كان دليل ً على ضعف محبة الله ورسوله‬
‫في قلبه( مجموع الفتاوى )‪(10/193‬‬
‫‪4‬ـ المر بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب لدين الله – عز وجل – وهذا‬
‫ْ‬
‫ن‬‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬‫خرِ َ‬ ‫مةٍ أ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫أمر فرضه الله عز وجل علينا فقال‪)):‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫كر(( )آل عمران‪ :‬من الية ‪(110‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫‪5‬ـ الدعوة إلى الله عز وجل وإلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫م ِبال ِّتي‬ ‫جادِل ْهُ ْ‬
‫سن َةِ وَ َ‬ ‫ح َ‬‫عظ َةِ ال ْ َ‬ ‫مةِ َوال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫حك ْ َ‬‫ك ِبال ْ ِ‬
‫ل َرب ّ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قال تعالى‪)):‬اد ْع ُ إ َِلى َ‬
‫عو إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سِبيِلي أ َد ْ ُ‬ ‫ل هَذِهِ َ‬ ‫ن(( )النحل‪ (125:‬وقال تعالى ‪)) :‬قُ ْ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬
‫َ‬
‫يأ ْ‬ ‫هِ َ‬
‫َ‬
‫ن ات ّب َعَِني(()يوسف‪(108 :‬‬ ‫م ِ‬
‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬ ‫عََلى ب َ ِ‬
‫قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ )فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد(‬
‫)مفتاح دار السعادة ‪ (1/153‬ورحم الله من قال‪:‬‬
‫إن نفسا ً ترتضي السلم دينا ً‬
‫ثم ترضى بعده أن تستكينا‬
‫أو ترى السلم في أرض مهينا ً‬
‫ثم تهوى العيش نفس لن تكونا‬
‫في عداد المسلمين العظماء‬
‫)المنطلق للراشد ص ‪(227‬‬
‫‪6‬ـ اللتفاف على جماعة المسلمين الصادقة ولزوم غرزهم‪ ،‬وعلى رأسهم‬
‫العلماء الربانيون والمجاهدون الصادقون‪،‬والدعاة المخلصون‪ ،‬فيجب الحذر‬
‫من التكلم في أعراضهم أو سبهم وليعلم أن من تكلم فيهم فإنه قد شق‬
‫الصف ولم يوحده وفرق الجماعة والقلوب ‪.‬‬
‫وقد أورد مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد حديث ثوبان رضي الله عنه‬
‫قال‪:‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬ل تزال طائفة من أمتي‬
‫ظاهرين على الحق ‪ ،‬ل يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على‬
‫ذلك ( وكذا حديث عقبة بن عامرـ رضي الله عنه ـ قال سمعت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول‪):‬ل تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله‬
‫قاهرين لعدوهم ‪ ،‬ل يضرهم من خالفهم ‪ ،‬حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك(‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فصفة عصابة المسلمين وجماعتهم أنها قائمة بنصرة دين بالحجة والبيان‪،‬‬
‫والسيف والسنان ‪ ،‬وسيأتي أناس يخالفونها الرأي بتلك النصرة البيانية أو‬
‫الجهادية‪،‬فأخبر عليه السلم أن تلك المخالفة وذلك التخذيل لن يضرهم لنهم‬
‫على هدى مستقيم ‪ ،‬ومنهج قويم ‪،‬ولذا ستبقى هذه الطائفة منصورة إلى‬
‫قيام الساعة‪ ،‬وقد أورد المام مسلم في صحيحه حديث جابر بن سمرة‬
‫مرفوعا ً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ) لن يبرح هذا الذين قائما ً يقاتل‬
‫عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة ( فعلى الثابت على هذا‬
‫المبدأ‪،‬أّل يضره كلم مخالفيه وخاذليه‪،‬بل ينطق بكل علو وصمود‪:‬‬
‫ض وأعرف ما دربي وما هدفي *** والموت يرقص لي في كل منعطف‬ ‫ما ٍ‬
‫وما أبالي به حتى أحاذره *** فخشية الموت عندي أبرد الطرف‬
‫ماض فلو كنت وحدي والدنا صرخت *** بي قف لسرت فلم أبطء ولم أقف‬
‫أنا الحسام بريق الشمس في طرفي *** مني وشفرة سيف الهند في‬
‫طرف‬
‫فل أبالي بأشواك ول محن *** على طريقي ولي عزمي ولي شغفي‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪7‬ـ محاسبة النفس ‪ ،‬والنظر مّرة بعد مّرة إلى عيوبها‪،‬حتى لو تابت ورجعت‬
‫إلى الصراط المستقيم‪،‬فإن )كل بني آدم خطاء‪،‬وخير الخطائين التوابون(‬
‫رواه أحمد والترمذي عن أنس وحسنه اللباني ) صحيح الجامع ‪ (2/831‬وقد‬
‫قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪):‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪،‬‬
‫وتزينوا للعرض الكبر وإنما يخفف الحساب يوم القيامة على من حاسب‬
‫نفسه في الدنيا(‬
‫‪ -8‬رسم المنهج والتخطيط لنصرة دين الله‪،‬على تعاون بين المسلمين فل‬
‫يصح عمل بدون خطة‪،‬والتنظيم والتخطيط قانون النجاح ومن أجمل ما قرأت‬
‫في ذلك ما كتبه الدكتور‪:‬عدنان النحوي في كتابه)حتى نغير ما بأنفسنا( صـ‬
‫‪)10‬إذا غاب النهج والتخطيط على أساس اليمان والتوحيد والمنهاج الرباني‬
‫في واقع أي أمة‪ ،‬فل يبقى لديها إل الشعارات التي تضج بها ول تجد لها‬
‫رصيدا ً في الواقع إل مرارة الهزائم وتناقض الجهود واضطراب الخطا‪ ،‬ثم‬
‫الشقاق والصراع وتنافس الدنيا في الميدان‪ ،‬ثم الخدر يسري في العروق‪،‬ثم‬
‫الشلل‪،‬ثم الستسلم!(‬
‫هذه نقاط ثمانية كاملة‪،‬أرى إن تحققت في واقع المسلمين‪ ،‬فإنهم سيجنون‬ ‫ً‬
‫بعدها الفلح والعز والسؤود في الدنيا والخرة‪ ،‬وما ذلك على الله بعزيز ‪.‬‬
‫عن ْدِ الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ن ِ‬ ‫صُر إ ِّل ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما الن ّ ْ‬ ‫ن ب ِهِ قُُلوب ُك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫شَرى وَل ِت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫ه إ ِّل ب ُ ْ‬
‫ه الل ّ ُ‬
‫جعَل َ ُ‬‫ما َ‬‫)) َ‬
‫م(( )النفال‪(10:‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه عَ ِ‬
‫هذا والله أسأل أن يوفقنا لما فيه صلح أنفسنا وأمتنا وآخرتنا‪،‬وأن يهيئ لنا‬
‫من أمرنا رشدًا‪،‬إنه على كل شيء قدير‪ ،‬وبالجابة جدير‪.‬‬
‫وسبحانك اللهم وبحمد أشهد أن ل إله إل أنت‪،‬أستغفرك وأتوب إليك‪ ،‬وصلى‬
‫الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫لماذا نتدبر القرآن ؟)‪(6_1‬‬


‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫ك ل ِي َد ّب ُّروا آَيات ِهِ وَل ِي َت َذ َك َّر ُأولوُ‬‫مَباَر ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب أن َْزلَناه ُ إ ِلي ْك ُ‬
‫الحمد لله القائل‪" :‬ك َِتا ٌ‬
‫َ‬
‫ب" ]ص‪" ،[29:‬ثم الذين كفروا عما أنذروا معرضون"‪ ،‬أمرهم الله‬ ‫اْلل َْبا ِ‬
‫بالتدبر فإذا هم يتولون عن ما جاءت به النبياء مدبرين‪ ،‬فسبحان من أعمى‬
‫الذي أبصر اليات وحلوتها‪ ،‬ووجد طلوتها ومع ذلك حرم تدبرها‪ ،‬فأدبر‬
‫واستكبر‪ ،‬فل جرم أن يدبر مع المدبرين يوم يولون مدبرين ما لهم من الله‬
‫من عاصم‪ ،‬ومن يضلل الله فما له من هاد‪ ،‬وحري بمثل هذا نار تلظى‪ ،‬تدعو‬
‫من أدبر وتولى‪ .‬وبعد إخوة السلم وحتى لنكون في عداد أولئك المعرضين‬
‫كان حري بنا أن نعمل على تدبر كتاب ربنا صباح مساء‪ ،‬وذلك سبب كاف‪.‬‬
‫غير أن لتدبر كتاب الله _جل وعل_ أسباب أخرى كثيرة‪ ،‬أذكر فيما يلي بعضها‬
‫مع إشارات يسيرة‪ ،‬أسأل الله أن تكون دافعة لنا إلى العمل على تدبر كتاب‬
‫ربنا‪ ،‬فمن تلك السباب التي تحض على التدبر‪:‬‬
‫ل‪ :‬ضرورة ربط واقع الناس بالقرآن والسنة‪ ،‬لما لهما من أثر على حياة‬ ‫أو ً‬
‫الفرد والمة‪ ،‬خاصة وأن المة تعيش وهنا ً وضعفا ً لم تمر بمثله في تاريخها‪،‬‬
‫دي ل ِل ِّتي هِ َ‬
‫ي‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫ن هَ َ‬ ‫وكلنا يبحث عن العلج والعلج في القرآن "إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫م" )السراء‪ :‬من الية ‪ ،(9‬وكلنا يرجو السلمة والنجاة من مضلت الفتن‬ ‫أقْوَ ُ‬
‫التي تتابع والنجاة في القرآن‪ ،‬قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول‪:‬‬
‫"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي"‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فرغد الحياة في كتاب الله _جل وعل_‪ ،‬ومعالجة مشكلت الحياة في ضوء‬
‫القرآن الكريم من أقوى وسائل الخروج منها‪ ،‬بل من أقوى أسباب رقي‬
‫المة‪ ،‬والعود بها إلى سابق عهدها‪ ،‬الذي كان يعيشه السلف الصالح _رضوان‬
‫الله تعالى عليهم_ وهذا ل يكون بغير تدبر كتاب ربنا وكلمه الذي أنزله‬
‫لصلح شأننا‪.‬‬
‫إن أمتنا اليوم تعيش وقتا ً حرجا ً ومرحلة حاسمة من تاريخها‪ ،‬خاصة بعد الغزو‬
‫الغربي لمة السلم‪ ،‬وعودة عصور الستعمار‪ ،‬التي خلت‪ ،‬فبعد أن رزحت‬
‫المة تحت وطأة الستعمار عقودا ً ُدرست فيها معالم من علم الشريعة‪،‬‬
‫كانت ل تخفى بين الناس‪ ،‬بدأت آثار الستعمار تنحسر بقيام الصحوة‬
‫السلمية المباركة في المشارق والمغارب‪ ،‬فلم يجد العداء بدا ً من إعادة‬
‫الكرة للحيلولة بين المة وبين نهضتها‪.‬‬
‫ً‬
‫ولما كان الرتباط بين المم السابقة واللحقة وثيقا‪ ،‬لتشابه الحوال‬
‫والظروف‪ ،‬وتوافق الطبع البشري ‪ ،‬وإن اختلفت العصور واللت‪ ،‬كان من‬
‫الطبيعي أن تكون في آيات الكتاب العزيز الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه‬
‫ول من خلفه بل هو تنزيل من حكيم حميد كان لبد أن تكون آياته دروسا ً‬
‫تناسب حال من نزل عليهم القرآن‪ ،‬وكذلك تناسب المسلمين في كل زمان‬
‫ومكان‪.‬‬
‫وقد قال المام الشاطبي _رحمه الله_‪:‬‬
‫حّبل‬
‫مت َ َ‬
‫حبل الِعدا ُ‬‫وبعد فإن حبل الله فينا كتابه ‪ ... ...‬فجاهد به َ‬
‫مقب ِل ً‬
‫جد ّ ُ‬ ‫جدة ً ‪ ... ...‬جديدا ً مواليهِ على ال ِ‬
‫خل َقُ ِ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫خِلق به إذ ليس ي َ ْ‬
‫فهل من تلين لكتاب ربهم‪ ،‬متدبرين خطاب خالقهم وكلمه لهم‪ ،‬يخرجون‬
‫بحبله المتين أمة غرقى؟ أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم‪.‬‬
‫لماذا نتدبر القرآن )‪(6-2‬‬
‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله وكفى‪ ،‬والصلة والسلم على رسوله المجتبى‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪209‬‬

You might also like