You are on page 1of 204

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينال منه عتاة المشركين ومع ذلك‬
‫ه‪ :‬ك َأ َّني أ َن ْظ ُُر إ ِلى‬
‫َ‬ ‫ل عَب ْد ُ الل ّ ِ‬ ‫ما مثابًرا محتسًبا صابًرا‪َ ،‬قا َ‬ ‫يمضي في دعوته قد ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫موْه ُ وَهُوَ‬ ‫َ‬
‫ه فأد ْ َ‬ ‫م ُ‬‫ه قو ْ ُ‬‫َ‬ ‫ضَرب َ ُ‬‫ن الن ْب َِياِء َ‬ ‫م ْ‬ ‫كي ن َب ِّيا ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ن[ رواه‬ ‫َْ ُ َ‬‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫م‬‫ِّ ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫مي‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ِ ْ ِ ْ ِ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ُ ّ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫]ال‬ ‫ل‪:‬‬‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ن‬
‫ّ َ َ ْ َ ْ ِ ِ ََ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ح‬‫س ُ‬‫م َ‬ ‫يَ ْ‬
‫البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫أثر الصبر في نجاح الداعي ‪ :‬للصبر أثره الحميد في نجاح الداعي وتحقق‬
‫غايته وهي ‪ :‬دللة الناس على الخير‪ ,‬وسبله‪ ،‬وصبر الداعي يكون في تحمل‬
‫ما يلقاه من صدود وجحود‪ ،‬وما يكاد له في سبيل منعه‪ ،‬أو عرقلته من‬
‫محاولت ودسائس‪ ،‬وما تنشر حوله من إشاعات وأكاذيب واتهامات‪ ،‬ولقد‬
‫واجه النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه اللوان الموحشة من كنود الناس‬
‫وصدودهم وفجورهم‪ ،‬فصبر وصابر ورابط حتى بلغت دعوته الفاق صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫وكان عليه الصلة والسلم حين يواجههم بالصبر الجميل‪ ،‬ويقابل إيذاءهم‬
‫بالتحمل والحلم والحتساب كان يصارحهم بذلك‪ ،‬وأنه ماض فيما هو فيه‪ ،‬وأن‬
‫هذا العدوان لن يثنيه عن الحق الذي آمن به ! فبعد أن أغروه بزخرف الدنيا‬
‫وزهرتها‪ ،‬وهم يودون صرفه عن الدعوة وشجونها قال لهم‪] :‬ما بي ما تقولون‬
‫ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم‪ ،‬ول الشرف فيكم‪ ،‬ول الملك عليكم‬
‫ي كتاًبا وأمرني أن أكون لكم بشيًرا ونذيًرا‪،‬‬ ‫ولكن الله بعثني رسول ً وأنزل عل ّ‬
‫فبلغتكم رسالت ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم‬
‫ي أصبر لمر الله حتى يحكم الله بيني‬ ‫في الدنيا والخرة‪ ،‬وإن تردوه عل ّ‬
‫وبينكم[ السيرة لبن هشام‪.‬‬
‫وفي هذا منهاج للدعاة والسائرين في طريق الرسل عليهم الصلة والسلم‪،‬‬
‫وفيه بيان لما ينبغي أن يكون عليه الداعي في مضي العزيمة والحلم‬
‫والعتزاز بالحق‪ ،‬وأن الدعاة ل تلهيهم تجارة ول بيع عن الدعوة إلى الله‪ ،‬ول‬
‫تغريهم زخارف الدنيا‪ ،‬وفي هذا ول ريب يكمن السر الذي تثمر به الدعوة ‪.‬‬
‫لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قمة في صبره‪ ،‬قدوة في مصابرته‪،‬‬
‫وتحمله وحلمه‪ ،‬فهو أصبر الناس على جفوة الناس وجحودهم‪ ،‬وأصبر الناس‬
‫بعده هم أمثلهم طريقة‪ ،‬وأكثرهم عزيمة‪ ،‬وأقربهم إلى المنهاج النبوي‪،‬‬
‫َ‬ ‫ومصداق ذلك ما ورد عَن سعد ب َ‬
‫ل الل ّهِ أ ّ‬
‫ي‬ ‫سو َ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قُل ْ ُ‬ ‫ص َقا َ‬ ‫ن َأِبي وَّقا َ ٍ‬ ‫َْ َ ْ ِ ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ن‬ ‫دي‬
‫َ َ ِ ِ ِ ِ‬‫ب‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫د‬
‫َْ ُ َ‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ب‬
‫َُْ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ما ْ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ل‪] :‬اْلن ْب َِياُء ث ُ ّ‬ ‫شد ّ ب ََلًء َقا َ‬‫س أَ َ‬‫الّنا ِ‬
‫ب‬‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ي عََلى َ‬ ‫ة اب ْت ُل ِ َ‬ ‫ن ِفي ِدين ِهِ رِقّ ٌ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫شت َد ّ ب ََلؤُه ُ وَإ ِ ْ‬ ‫صل ًْبا ا ْ‬
‫ن ِفي ِدين ِهِ ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما عَل َي ْهِ ِ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ح ال ْب ََلُء ِبال ْعَب ْد ِ َ‬


‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫شي عَلى الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫حّتى ي َت ُْرك َ ُ‬ ‫ما ي َب َْر ُ‬ ‫ِدين ِهِ فَ َ‬
‫ة[ رواه ابن ماجة والترمذي والدارمي وأحمد ‪.‬‬ ‫طيئ َ ٍ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫ومن فوائد هذا الحديث‪ :‬أن البتلء سنة في حياة المسلم‪ ،‬وفي حياة الدعاة‬
‫على الخص‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬الم]‪[1‬أ َحسب الناس أ َن يتر ُ َ‬
‫مّنا‬‫قوُلوا َءا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كوا أ ْ‬ ‫ّ ُ ْ َُْ‬ ‫َ ِ َ‬
‫صد َُقوا‬ ‫ُ ِ َ َ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َْ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬‫ن قَب ْل ِ ِ ْ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬ ‫ن]‪[2‬وَل َ َ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م َل ي ُ ْ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫ن]‪] { [3‬سورة العنكبوت[‪.‬‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫وَل َي َعْل َ َ‬
‫ضا‪ :‬أن البلء يكفر السيئات‪ ،‬ويرفع الدرجات‪ ،‬وهذا هو‬ ‫ومن فوائد الحديث أي ً‬
‫مبتغى الدعاة‪ ،‬وعفو الله أوسع ‪.‬إن الصبر كما أنه من عوامل نجاح الدعاة هو‬
‫ضا زادهم وعدتهم‪ ،‬به تزكو نفوسهم وتطهر أفئدتهم‪ ،‬نسأل الله أن يجعلنا‬ ‫أي ً‬
‫من أهل الصبر والنابة ‪.‬‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫الصدق ‪ :‬وهو من خصائص أهل اليمان والتقوى‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫صادَِقا ِ‬
‫ت‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫قان َِتا ِ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫قان ِِتي َ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫مَنا ِ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت َوال ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫ت‬‫صد َّقا ِ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫صد ِّقي َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ت َوال ْ ُ‬ ‫شَعا ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫صاب َِرا ِ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫ه ك َِثيرا ً‬ ‫ن الل َّ‬ ‫ري َ‬ ‫ذاك ِ ِ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫َ‬
‫حافِظا ِ‬ ‫ْ‬
‫م َوال َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ن فُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ت َوال َ‬ ‫ما ِ‬ ‫صائ ِ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫مي َ‬ ‫صائ ِ ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫ظيما]‪] { [35‬سورة الحزاب[‪ .‬فمن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َوال ّ‬
‫جرا عَ ِ‬ ‫فَرةً وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه لهُ ْ‬ ‫ت أعَد ّ الل ُ‬ ‫ذاك َِرا ِ‬
‫اتصف بهذه الصفات العظام وكانت لباسه وحليته فقد فاز ‪ ..‬نسأل الله أن‬
‫يجعلنا منهم ‪.‬‬
‫ولقد أمر الله عباده المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين‪ ،‬ويلزموا الصدق في‬
‫كل الحوال فهو سبيل النجاة من خزي الدنيا وعذاب الخرة‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬يا‬
‫َ‬
‫ن ]‪] { [119‬سورة التوبة[‪.‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫ه وَ ُ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫والصدق طريق البر والجنة على عكس الكذب الذي هو طريق الفجور والنار‪،‬‬
‫ن ال ْب ِّر‬‫دي إ َِلى ال ْب ِّر وَإ ِ ّ‬ ‫صد ْقَ ي َهْ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫ل‪] :‬إ ِ ّ‬ ‫م َقا َ‬‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬‫فعَ ْ‬
‫َ‬
‫دي إ ِلى‬ ‫ب ي َهْ ِ‬‫ن الكذِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قا وَإ ِ ّ‬ ‫دي ً‬
‫ص ّ‬‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫حّتى ي َكو َ‬ ‫صد ُقُ َ‬ ‫َ‬
‫ل لي َ ْ‬ ‫ج َ‬
‫ن الّر ُ‬ ‫جن ّةِ وَإ ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دي إ ِلى ال َ‬ ‫ي َهْ ِ‬
‫هّ‬
‫عن ْد َ الل ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ْ‬
‫حّتى ي ُكت َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل لي َكذِ ُ‬ ‫ج َ‬‫ن الّر ُ‬ ‫َ‬
‫دي إ ِلى الّنارِ وَإ ِ ّ‬ ‫جوَر ي َهْ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫جورِ وَإ ِ ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ذاًبا[ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫كَ ّ‬
‫مجالت الصدق في حياة الدعاة ‪:‬‬
‫الصدق في القصد‪ :‬ويستلزم إخلص النية لله في الدعوة وفي كل طاعة‬
‫وقربة‪ ،‬فل يدعو لطلب جاه ول محمدة ‪ ،‬ومتى دخل شيء من هذه الشوائب‬
‫النية خرج الخلص المشروط لقبول العمل‪ ،‬ومتى حصل الصدق في القصد‬
‫وتحقق الخلص؛ أثمر ذلك عزيمة صادقة وإرادة ماضية‪ ،‬فل يتوانى الداعي‬
‫الصادق عن المضي في إيصال الحق والخير للناس ينبغي بذلك وجه الله‬
‫والدار الخرة‪ ،‬يتعلم ويعلم‪ ،‬ويتوخى الحق أينما كان ‪.‬‬
‫الصدق في القول‪ :‬ويستلزم أن ل ينطق الداعي بالباطل أًيا كانت صورة هذا‬
‫شا‪ ،‬أو غيبة‪ ،‬أو نميمة‪ ،‬أو قول‬ ‫ما‪ ،‬أو سباًبا أو لعًنا‪ ،‬أو فح ً‬ ‫الباطل كذًبا أو شت ً‬
‫الزور ‪ ..‬وعلى الجملة فهو أبعد الناس عن آفات اللسان ‪ .‬هذا ما يمس حياة‬
‫الدعاة وسيرتهم الذاتية ‪.‬‬
‫الصدق في العمل‪ :‬بموافقة القول العمل‪ ،‬وموافقتهما هدي الكتاب والسنة‪،‬‬
‫و ل يدعو إل على بصيرة‪ ،‬ومعرفة بالحق ودليله‪ ،‬وبعد تبصر وتفقه‪ ،‬فالدعوة‬
‫ل تصح إل على بصيرة ‪ ..‬ول يعظ الناس إل بالصادق من القصص والمثال‪،‬‬
‫ويبتعد عن الكذب والدجل والحلم والرؤى التي ل يعرف مصدرها ول صدقها‬
‫ول عدالة صاحبها ول ثبوتها عنه ‪ ..‬فدين الله عز وجل مصدره الكتاب والسنة‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفهم السلف ‪.‬‬


‫أثر الصدق في نجاح الدعاة ‪:‬‬
‫للصدق أثره البالغ في مسيرة الدعاة‪ ،‬إذ يظهر الصدق في كلم الداعي‪،‬‬
‫وسمته‪ ،‬ولهجته‪ ،‬وحرارة عاطفته‪ ،‬فيؤثر ذلك في المدعوين‪ ،‬ويترك فيهم‬
‫قا بمصداقية الفكرة التي يدعو إليها ويؤمن بها ‪ .‬ولقد كان النبي‬ ‫عا عمي ً‬
‫انطبا ً‬
‫صلى الله عليه وسلم يحدث الذين يلقونه أول مرة فيقولون ‪ :‬والله ما هذا‬
‫بوجه كذاب ول بكلم كذاب! وإذا كان المسلم مطالب بالصدق في القوال‬
‫والعمال والمقاصد فل جرم أن الدعاة إلى الله تعالى وهم صفوة‬
‫المسلمين‪ ،‬الصدق في حقهم ألزم وأوجب ‪.‬‬
‫وللصدق أثره الحميد في التآلف والتوادد وتقارب القلوب‪ ،‬على عكس الكذب‬
‫الذي يغرس الضغينة‪ ،‬ويرفع الثقة‪ ،‬ويورث الريبة بفعل التلون والتغير وعدم‬
‫الثبات الذي يتصف به الكاذب‪ ،‬ومن هذا المنطلق كان من لوازم الصدق ترك‬
‫كل آفات اللسان كالهمز واللمز والقيل والقال وكثرة السؤال ‪ .‬ومتى تآلفت‬
‫القلوب وتصافت واجتمعت على محبة الله؛ سرت الدعوة في المجتمع‬
‫سريان الماء في الزرع فأمدته بالحياة والنماء والبقاء‪ ،‬ونمى في المجتمع ـ‬
‫كذلك ـ اليمان واستوثقت عراه وارتفعت أعلمه ‪.‬‬
‫والصدق يزرع في النفوس الثقة والطمأنينة‪ ،‬فيركن الناس إلى الدعاة‬
‫الصادقين‪ ،‬ويثقون فيهم وبهم ويأمنونهم‪ ،‬وتقوية هذه الوشائج بين الدعاة‬
‫والمدعوين من أهم أسباب نجاح الدعوة‪ ،‬ول يتحقق ذلك إل بالصدق ‪ .‬ومتى‬
‫وثق الناس في الداعي لصدقه؛ فتحوا له القلوب فاستمعوا إليه إذا تحدث‪،‬‬
‫جه وأرشد‪ ،‬وتوجهوا إليه يسألون ويستفتون ‪..‬‬ ‫وقبلوا إرشاده وتوجيهه إذا و ّ‬
‫وحصل التواصل بينه وبينهم وهي نعمة ل تقدر بثمن ولم تحصل إل بفضل‬
‫الله‪ ،‬ثم بفضل الصدق‪ ،‬ونقاء الصفة‪ ،‬وخلو السيرة من مساوئ العمال‬
‫والخلق ‪ ...‬نسأل الله الثبات في المر‪ ،‬والعزيمة في الرشد‪ ،‬والصدق في‬
‫القول‪ ،‬والعمل‪ ،‬والمقصد ‪.‬‬
‫من كتاب‪':‬صفات الدعاة' للدكتور‪ /‬عبد الرب بن نواب الدين‬

‫)‪(7 /‬‬

‫من صفات القادة كما عرضها القرآن الكريم‬


‫أ‪ .‬محمد العبدة ‪20/9/1423‬‬
‫‪25/11/2002‬‬
‫ل نبعد عن الصواب إذا قلت أن افتقاد الرجال القادة هو ما يعاني منه‬
‫المسلمون‪ ،‬وخاصة في العقود الخيرة‪ ،‬وقد شكل هذا الفتقاد أزمة إدارية –‬
‫فكرية )‪(1‬‬
‫‪ ،‬وعندما ننبه على خطورة هذا المر والحاجة إلى قيادة تجمع بين العلم‬
‫والعمل وترشد إلى الطريق الصحيح‪ ،‬فل يعني أننا نؤيد نظرية من يقولون‬
‫بتأثير الفرد الواحد‪ .‬أو انتظار البطل الذي يقود الجموع‪ ،‬ما نقصده هو إيجاد‬
‫الشخصية القيادية المؤهلة لتحمل العباء والتكاليف والمهمات الصعبة‬
‫وعندها القدرة على فرز الولويات والتعامل الذكي مع الواقع‪ ،‬شخصية‬
‫مؤهلة إيمانيا ً وعقليا ً وإداريًا‪ ،‬كما ل نؤيد من يقول إن الظروف غير مهيأة‬
‫اليوم‪ ،‬وأن طبيعة المرحلة ل تنجب مثل هذه الشخصية‪ ،‬فهذا كلم محبط‬
‫للمال‪ ،‬فالتربية والعداد والممارسة العملية وممارسة الشورى على‬
‫حقيقتها‪ ،‬يمكن أن يأتي بهذه الشخصية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإذا كانت التربية بالقدوة من أساليب العداد الناجحة‪ ،‬فإن أعظم القادة‬
‫الذين ُيتأسى بهم هم رسول الله – صلى الله عليه وسلم‪ -‬أكمل الخلق إيمانا ً‬
‫ل‪ ،‬وهم هداة الناس إلى كل خير‪ ،‬وقادة المم إلى ما فيه صلحهم‪،‬‬ ‫وعلما ً وعم ً‬
‫ولقد أثر القرآن في ذكر صفات هؤلء الرسل‪ ،‬وذكر أخلقهم وسجاياهم‬
‫وأعمالهم وصبرهم‪ ،‬وأكد القرآن على أن جاذبية هؤلء الرسل ل تنبعث من‬
‫مغريات مادية‪ ،‬ول جاء عريض أو لقب كبير ‪ ،‬وليس عندهم نفع يملكونه‬
‫فيوزعونه‪ ،‬وليست لهم خزائن الرض‪ ،‬ول في أيديهم الرزاق‪ ،‬عرض القرآن‬
‫صفاتهم وجردهم من كل تلك المغريات‪ ،‬وواجه المم في ذلك‪ ،‬قال تعالى‬
‫على لسان نوح – عليه السلم‪ ) -‬ول أقول لكم عندي خزائن الله ول أعلم‬
‫الغيب ول أقول إني ملك‪](..‬هود‪.[31 :‬‬
‫ُ‬
‫) وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في السواق ولول أنزل إليه‬
‫ملك فيكون معه نذيرا ً أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها‪ ،‬وقال‬
‫الظالمون إن تتبعون إل رجل ً مسحورا ً انظر كيف ضروا لك المثال فضلوا فل‬
‫يستطيعون سبيل تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا ً من ذلك جنات تجري من‬
‫تحتها النهار ويجعل لك قصورا ً (] الفرقان ‪.[10-7‬‬
‫ذب الذين يظنون أن الرسل‬ ‫جّنب الله الرسل وأبعدهم عن تلك المغريات‪ ،‬وك ّ‬ ‫َ‬
‫يجب أن يكونوا من أهل المظاهر التي يفتخر الناس بها‪ ) :‬وقالوا لول نزل‬
‫هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم( ] الزخرف‪ [31 :‬فجاذبية القائد‬
‫تأتي من أخلقه وأعماله وارتباطه بالله – سبحانه وتعالى‪ ،-‬ل يريد جزاًء ول‬
‫شكورا ً ‪ ،‬ل يجمع التباع بالمغريات المادية أو بالمناصب يوزعها عليهم‬
‫) وبعض المعاصرين يستحدث مناصب وهمية ليرضي أتباعه( ول تكون القيادة‬
‫بالمداهنة ومحاولة استمالة الجموع وستر أخطائها‪ ،‬وإخفاء أغلطها‪ ،‬وتجاهل‬
‫مواضع ضعفها‪ ،‬فالقيادة التي تمارس هذه المور قيادة مزيفة ل تستطيع أن‬
‫لن وسرعان ما تنفض عنها الجموع‪.‬‬ ‫تخفي عوارها طوي ً‬
‫الرسل القادة في القرآن الكريم‪:‬‬
‫تحدث القرآن عن ذلك الهم الذي يحمله الرسول بين جنباته‪ ،‬وذاك الحرص‬
‫الشديد على إيمان قومه‪ ،‬وهذا القلق الذي يقيمه ويقعده خوفا ً عليهم أل ً‬
‫يؤمنوا ) فعلك باخع نفسك أل يكونوا مؤمنين( ] الشعراء‪ ) [3:‬فلعلك باخع‬
‫نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا(] الكهف‪.[6 :‬‬
‫ن الله على الناس أن بعث فيهم رسول ً منهم يعرفهم ويعرفونه ويتكلم‬ ‫م ّ‬‫وقد َ‬
‫بلسانهم‪ ،‬ومهمته أن يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) لقد جاءكم رسول‬
‫من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم(‬
‫] التوبة‪ . [128 :‬كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم‪ -‬رؤوفا ً بالمؤمنين‬
‫يصل قلبه بقلوبهم‪ ،‬وروحه بأرواحهم‪ ،‬يتقاسم وأصحابه السراء والضراء‪ ،‬إنها‬
‫قيادة فيها حنان وعطف‪ ،‬وعندها علم بواقع الضعف والقوة عند البشر‪،‬‬
‫وتعامل كل ً بما يناسبه‪ ،‬فهي رحيمة عادلة‪ ،‬كان رسول الله – صلى الله عليه‬
‫ة من‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫وسلم‪ -‬يتفقد أصحابه ويتتبع أحوالهم ويسعى في حاجاتهم‪ ،‬وكانت ال َ‬
‫إماء المدينة تأخذ بيد النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬فتنطلق به حيث شاءت‬
‫في سبيل قضاء حاجة لها‪ .‬إنها سهولة الخلق ويسر الدين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن بها على النبياء صفة‬


‫م ّ‬
‫‪ 02‬وفي الصفات التي رسمها القرآن لقادة المم‪ ،‬و َ‬
‫الحكمة ) ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله(] لقمان‪) [12 :‬ولقد آتينا آل‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إبراهيم الكتاب والحكمة(] النساء‪ ) [54 :‬يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت‬
‫الحكمة فقد أوتي خيرا ً كثيرًا(] البقرة‪ [269 :‬والحكمة في أصل معناها ترجع‬
‫إلى المنع طلبا ً للصلح‪ ،‬فالحكيم هو الذي يصرف نفسه عن هواها‪ ،‬والحكمة‬
‫هي وضع الشيء في موضعه وهي بذلك التعريف تشمل العلم والعمل‪ ،‬وحين‬
‫ذكر الله – سبحانه وتعالى‪ -‬في سورة السراء أصول ً من الخلق والوامر‬
‫قب على ذلك بقوله‪ ) :‬ذلك مما أوحى إليه ربك من الحكمة(‬ ‫والنواهي‪ ،‬ع ّ‬
‫] السراء‪ .[39 :‬إنها معرفة الحق وعمل الخير‪ .‬ولون في الفطنة تنتهي‬
‫بصاحبها إلى الرأي السديد‪ ،‬وبها يتغلب القائد على هواه‪ ،‬ول يغلبه الحق‪ ،‬ول‬
‫تسنفزه غَْيرة من رؤوس تظهر حوله‪ ،‬وبالحكمة يتخلص القائد من المباغتات‬
‫الطارئة‪ ،‬ويدبر للمواقف المتغيرة‪.‬‬
‫ل تلتمس هذه الحكمة عند أصحاب التفاصح في البيان ول أصحاب الكلم‬
‫النظري والتأمل المجرد‪ ،‬ولكنها تلتمس عند الذين يمارسون عملية تزكية‬
‫النفس وتزكية الخرين‪ ،‬ويقدرون على تناول المور بلطف وحسن تدبير‪،‬‬
‫يدخلون البيوت من أبوابها‪ ،‬ويملكون الخارطات الصحيحة التي تريهم بوضوح‬
‫الوجهة التي تريد‪ .‬بل إن الغوص في التأمل النظري قد يؤدي إلى الشك‬
‫والحذر وتضييع الفرص‪ .‬أو إلى افتراضات غير واقعية‪ ،‬إن المتعمقين في‬
‫أصناف العلوم ليسوا هم الجدر بامتلك الحكمة إذا لم يمارسوها عمليًا‪ ،‬وكما‬
‫قيل‪ " :‬عندما تكبر الحكمة تتضاءل المعلومات‪ ،‬حيث تبتلع المبادئ الكثير من‬
‫التفاصيل‪ ،‬فالتفاصيل تأتي أثناء ممارسة الحياة")‪(2‬‬
‫‪ .3‬أقام القرآن رسل الله في مقام القدوة )قد كانت لكم أسوة حسنة‪،‬‬
‫ُ‬
‫سوَةٌ‬‫ل الل ّهِ أ ْ‬
‫سو ِ‬
‫م ِفي َر ُ‬‫ن ل َك ُ ْ‬‫كا َ‬‫قد ْ َ‬ ‫إبراهيم والذين معه( ]الممتحنة‪" ،[4 :‬ل َ َ‬
‫ه ك َِثيرًا" ]الحزاب‪.[21:‬‬ ‫خَر وَذ َك ََر الل ّ َ‬ ‫م اْل ِ‬
‫ه َوال ْي َوْ َ‬
‫جو الل ّ َ‬
‫ن ي َْر ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬
‫ة لِ َ‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫"أراد الله سبحانه بذكر سيدنا إبراهيم أن يشعرنا بأن لنا في بناء الحق وهدم‬
‫الباطل أصل ً عريقا ً ونسبا ً طويل ً عريضًا‪ ،‬ومتى شعر النسان الصحيح الفطرة‬
‫بزكاء الصل تحركت فيه نوازع النخوة" )‪.(3‬‬
‫وحيث قرر القرآن بشرية هؤلء الرسل إنما أراد أن يتم القتداء بهم وأن‬
‫يبطل حجة المعاندين المراوغين عن الحق‪ ،‬وبسبب هذه السوة‪ ،‬وهذا‬
‫النموذج‪ ،‬كملت شمائل هؤلء الرسل‪ ،‬وعظمت همتهم ونجدتهم‪ ،‬وألقى في‬
‫نفوسهم الستعداد لحتمال اللم والصبر على العظائم‪ ،‬فل يبطرهم نصر‪ ،‬ول‬
‫يطمعون في حياة خالية من الشدائد‪ ،‬يطلبون الحق ولو ضل جميع الناس‬
‫كما جاء في الحديث عن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه ‪ ،-‬عندما سأل‬
‫الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن المسلم يلقى الشر قال له الرسول –‬
‫صلى الله عليه وسلم – "تبقى على الحق ولو أن تعض على أصل شجرة" ‪.‬‬
‫‪ .4‬ومن صفات الرسل القادة التي ذكرها القرآن الكريم‪ :‬تلك الثقة المطلقة‬
‫بما يدعون إليه‪ ،‬ل يساور أحدهم شك فيما يعي إليه من أهداف‪ ،‬قلبه مطمئن‬
‫مهما اعترض سبيله من عوائق‪ ،‬يجابه المخالفين ولو كانوا كثرة كاثرة‪ ،‬أما‬
‫الذين يروعهم الخطر اليسير وتخلع قلوبهم لي طارئ‪ ،‬وتشغلهم المراتب‬
‫وتلهيهم المعاشات فهؤلء ل يصلحون للقيادة ول تصلح لهم‪ ،‬كان القرآن‬
‫يطمئن الرسل والذين معهم أنهم منصورون )وكان حقا ً علينا نصر المؤمنين(‬
‫]الروم‪ [47 :‬وهكذا يجب على القادة أن يحملوا أراهم التفاؤل والصبر‪ ،‬خاصة‬
‫في ظروف كظروف المسلمين اليوم حيث تكالب الغرب عليهم في كل‬
‫الوجوه‪ ،‬وإنه لمن الفات المهلكة أن تضعف الثقة بنصر الله‪ ،‬وأن يشيع‬
‫القائد في صفوف الجماعة روح اليأس والفشل‪.‬‬
‫‪ .5‬ومن صفات القادة والرسل‪ :‬الشجاعة‪ ،‬وهي في أعظم ميزات القائد‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سواء في ذلك الشجاعة المادية أو المعنوية‪ ،‬وقد جاء في الحديث‪" :‬شر ما‬
‫في المرء شح هالع وجبن خالع( ومن أعظم أنواع الشجاعة أن تجابه الجمع‬
‫على إذا كنت تعتقد أنك على الحق وقد جابه موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬فرعون‬
‫وقومه وهو وحيد وليس معه إل أخاه هارون ‪-‬عليه السلم‪ ،-‬وجابه الرسول –‬
‫صلى الله عليه وسلم – قومه‪ ،‬وهو وحيد فريد في قلة قليلة‪ ،‬إن قرار شجاعا ً‬
‫في اللحظات الحرجة يبطل قلق المترددين وحيره الحائرين ويأتي النصر‬
‫بإذن الله‪ (1) .‬وهي ظاهرة عند غير المسلمين أيضا ً‬
‫)‪ (2‬ستيفن كوفي ‪ :‬إدارة الولويات ‪ 100‬والكلم للفيلسوف )وايتهد(‬
‫)‪ (3‬آثار البشر البراهيم ‪1/394‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من صفات الموعودين بالجنة‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا‬
‫محمد وآله وصحبه وبعد‪.‬‬
‫م من عبادته لربه سبحانه في هذه الدنيا‪ ،‬هو الفوُز‬ ‫ة ما يرجوه المسل ُ‬ ‫ن غاي َ‬ ‫فإ ّ‬
‫ق الله‬ ‫برضوانه تعالى وجنته‪ ،‬والنجاة من سخطه والنار‪ ،‬ومن علمة توفي ِ‬
‫ه لقرب الطرق وآكدها‪ ،‬لتحصيل هذه‬ ‫ه ويوفق ُ‬ ‫ه لعبدهِ المؤمن‪ ،‬أن يدل ُ‬ ‫سبحان ُ‬
‫ص‬ ‫ٍ‬ ‫بإخل‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫سبحان‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫طاعت‬ ‫هو‬ ‫ذلك‬ ‫إلى‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫الطري‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ش‬ ‫ول‬ ‫العظيمة‪،‬‬ ‫الغايةِ‬
‫ما على‬ ‫ص ومتابعة؛ هذا على وجهِ الجمال‪ ،‬أ ّ‬ ‫ومتابعة‪ ،‬وترك معاصيهِ بإخل ٍ‬
‫ل الصالحةِ وأحّبها إلى الله عّز وجل‬ ‫وجه التفصيل والمفاضلةِ بين العما ِ‬
‫ت‬ ‫ن المستقرئُ لكتاب الله عز وجل‪ ،‬وما ورد َ فيه من صفا ِ‬ ‫وأرضاها له‪ ،‬فإ ّ‬
‫أهل جنته‪ ،‬ورحمته ورضوانه‪ ،‬ليجد ُ شيًئا عجيًبا جديًرا بالتأمل والتدبر‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫ن‬
‫ل ما ورد َ من اليات التي يذكُر فيها سبحانه ما أعد ّ لوليائهِ من الجّنة‬ ‫ج ّ‬ ‫ُ‬
‫والرضوان‪ ،‬يسبقها في العادةِ صفات الموعودين بذلك‪.‬‬
‫ب في المجاهدين‬ ‫ل في أوصافهم تلك‪ ،‬نجدها تنحصُر في الغال ِ‬ ‫وبالتأم ِ‬
‫والمهاجرين‪ ،‬والمرين بالمعروف والناهين عن المنكر‪ ،‬والصابرين على‬
‫ن والبتلءات في طريق الدعوة والجهاد‪ ،‬واليات في ذلك كثيرة‪ ،‬أذكُر‬ ‫المح ِ‬
‫ل ل الحصر ما يلي‪.‬‬ ‫منها على سبيل المثا ِ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫دوا ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مُنوا َوال ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫الية الولى قوله تعالى ‪ )) :‬إ ِ ّ‬
‫م(( )البقرة‪. (218:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫هغ ُ‬ ‫َ‬ ‫ت الل ّهِ َوالل ُ‬
‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫جو َ‬ ‫ك ي َْر ُ‬ ‫الل ّهِ ُأول َئ ِ َ‬
‫ْ‬ ‫الية الثانية قوله تعالى ‪ )) :‬أ َم حسبت َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫َ ِ َ‬‫ذي‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ّ ُ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ ّ َ‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫لوا‬ ‫ز‬
‫َُ ِ‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫را‬ ‫ض ّ‬ ‫ساُء َوال ّ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ب (( )البقرة‪. (214:‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر الل ّ َهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صُر الل ّهِ أل إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫مَتى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫آ َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫الية الثالثة قوله تعالى‪ )) :‬أ ْ‬
‫ن(( )آل عمران‪. (142:‬‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫صاب ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫م وَي َعْل َ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫))‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫الرابعة‬ ‫الية‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ ْ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ن(( )آل عمران‪. (157:‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫الل ّهِ وََر ْ‬
‫واتا ً‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن قُت ُِلوا ِفي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫الية الخامسة‪ ،‬قوله تعالى‪َ )) :‬ول ت َ ْ‬
‫ّ‬ ‫ب ْ َ‬
‫ن‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫ضل ِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ما آَتاهُ ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ن فرِ ِ‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫حَياٌء ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م أل َ‬ ‫فهِ ْ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قوا ب ِهِ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ي َل َ‬ ‫نل ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ِبال ِ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫جاُبوا ل ِل ِ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫جَر ال ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ل وَأ ّ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ن اللهِ وَفَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ب ِن ِعْ َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫وا أ ْ‬ ‫ق ْ‬‫م َوات ّ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سُنوا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ح ل ِل ِ‬ ‫قْر ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫صاب َهُ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫َوالّر ُ‬
‫مانا ً‬ ‫م ِإي َ‬ ‫م فَزاد َهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫م فا ْ‬ ‫مُعوا لك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫س قد ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ن قال لهُ ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬‫سهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ن الل ّهِ وَفَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫قل َُبوا ب ِن ِعْ َ‬ ‫ل َفان ْ َ‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬ ‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫سب َُنا الل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫وََقاُلوا َ‬
‫ظيم ٍ (( )آل عمران‪ 169 :‬ـ ‪. (174‬‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ه ُذو فَ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫وا َ‬ ‫ض َ‬ ‫سوٌء َوات ّب َُعوا رِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ٍ‬ ‫عا ِ‬ ‫مل َ‬ ‫ضيعُ عَ َ‬ ‫م أّني ل أ ِ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ب لهُ ْ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫الية السادسة قوله تعالى‪ )) :‬فا ْ‬
‫هاجروا وأ ُْ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ‬
‫م‬ ‫ه‬‫ر‬
‫ِ ْ َِ ِ ِ ْ‬ ‫يا‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫جوا‬ ‫َ ِ ُ‬‫ر‬ ‫خ‬ ‫ِ َ َ َ ُ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ل‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ض‬
‫ٍ‬ ‫ن َْ‬
‫ع‬ ‫ب‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى ب َعْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ئا‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫و‬ ‫لي‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫ذوا‬ ‫ُ‬ ‫أو‬ ‫ُ‬
‫َ ّ ُْ ْ َ ّ ِِ ْ َ ْ ِ ُّ ْ َ ّ ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَ‬
‫َ‬
‫ب(( )آل‬ ‫وا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عن ْد َه ُ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وابا ً ِ‬ ‫حت َِها اْلن َْهاُر ث َ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫عمران‪. (195:‬‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫الية السابعة قوله تعالى‪َ )) :‬وال ِ‬
‫م ((‬ ‫ري ٌ‬ ‫فَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫قا لهُ ْ‬ ‫ً‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫صُروا ُأول َئ ِ َ‬ ‫ن آوَْوا وَن َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫)لنفال‪(74:‬‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫الية الثامنة قوله تعالى ‪ )) :‬ال ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫فسه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ن ي ُب َ ّ‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫م ال َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ اللهِ وَأولئ ِك هُ ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫م د ََر َ‬ ‫م أعْظ َ ُ‬ ‫م وَأن ْ ُ ِ ِ ْ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن ِفيَها أَبدا ً إ ِ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م ِفيَها ن َِعي ٌ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫ه وَرِ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َِر ْ‬
‫م (( )التوبة‪ 20 :‬ـ ‪.(22‬‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬‫جٌر عَ ِ‬ ‫عن ْد َه ُ أ ْ‬ ‫ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ض‬ ‫الية التاسعة قوله تعالى‪ )) :‬وال ْمؤْمنون وال ْمؤْمنات بعضه َ‬
‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫َ ُ ِ ُ َ َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫صلة َ وَي ُؤْ ُ َ ّ َ‬
‫ة‬ ‫كا‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫تو‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ي َأ ُ‬
‫م (( )التوبة‪:‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح ُ‬
‫سي َْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫ه ُأول َئ ِ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫‪. (71‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫جاَر ٍ‬ ‫م عََلى ت ِ َ‬ ‫ل أد ُل ّك ُ ْ‬ ‫مُنوا هَ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الية العاشرة قوله تعالى ‪َ )) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫هّ‬ ‫َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫سول ِهِ وَت ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ب أِليم ٍ ت ُؤْ ِ‬ ‫ذا ٍ‬‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫جيك ُ ْ‬ ‫ت ُن ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن (( )الصف‪. (11:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر لك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫م‬
‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫شت ََرى ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الية الحادية عشرة قوله تعالى‪ )) :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عدا عَلي ْهِ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫قت َلو َ‬ ‫ن وَي ُ ْ‬ ‫قت ُلو َ‬ ‫ل اللهِ فَي َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫جن ّ َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫م ب ِأ ّ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫قرآن وم َ‬
‫شُروا‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫ن الل ّهِ َفا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن أوَْفى ب ِعَهْدِهِ ِ‬ ‫ل َوال ْ ُ ْ ِ َ َ ْ‬ ‫جي ِ‬ ‫قا ً ِفي الت ّوَْراةِ َواْلن ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫م (( )التوبة‪.(111:‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ب ِهِ وَذ َل ِك هُوَ ال َ‬ ‫ذي َباي َعْت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫ُ‬
‫ب ِب َي ْعِك ُ‬
‫ه ابتغاَء مرضاة الله‬ ‫مشمرٍ وبائٍع نفس ُ‬ ‫واليات في هذا كثيرة ‪ ،‬فهل من ُ‬
‫وجنته؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من صفات طالب العلم*‬


‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫تتنوع شخصيات طلب العلم وتتنوع معها الصفات الجبلية والمكتسبة‪ ،‬وفيها‬
‫الحسن ومنها القبيح فهم بشر‪ ،‬بيد أن ثمت صفات إذا لم يتحل بها المرء‬
‫فيبعد أن يكون بعدها طالب علم حقًا‪ ،‬ولعل من تلك الصفات ما يلي‪:‬‬
‫الخلص لله ‪ -‬تعالى ‪ -‬وذلك بأن يبتغي بعلمه وجه الله والدار الخرة‪ ،‬ل أن‬
‫يبتغي به الرياء‪ ،‬أو السمعة‪ ،‬أو عرضا من الدنيا‪ ،‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله تعالى ل يتعلمه إل ليصيب‬
‫ف)‪ (111‬الجنة يوم القيامة")‪.(2‬‬‫به عرضا من الدنيا؛ لم يجد عَْر َ‬
‫وعلى طالب العلم أن يقرن الخلص بتقوى الله ومراقبته‪" ،‬واتقوا الله‬
‫ويعلمكم الله" ]سورة البقرة‪ ،‬الية‪.[282 :‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصبر وتحمل المشاق وسعة الصدر فإن العلم جهاد ل شهوة‪ ،‬وما أحسن ما‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫إذا كان يؤذيك حر المصيف‬
‫ويبس الخريف وبرد ‪ii‬الشتا ‪...‬‬
‫ويلهيك حسن زمان ‪ii‬الربيع‬
‫فأخذك للعلم قل لي ‪ii‬متى؟!‬
‫التواضع في طلب العلم‪ ،‬والحذر من الكبر والغرور‪ ،‬فإنه ل ينال العلم مستح‬
‫ول متكبر‪.‬‬
‫ومن لم يذق ذل التعلم ‪ii‬ساعة ‪ ... ...‬تجرع كأس الجهل طول حياته‬
‫التفرغ للعلم‪ ،‬والقبال عليه‪ ،‬والنصراف إلى تحصيله؛ فإن العلم إذا أعطيته‬
‫كلك أعطاك بعضه‪.‬‬
‫توقير العلماء‪ ،‬وحفظ مكانتهم‪ ،‬وعدم تجريحهم‪ ،‬أو انتقاصهم)‪.(3‬‬
‫أن يكون شعار الطالب‪" :‬الحكمة ضالة المؤمن‪ ،‬أنى وجدها فهو أحق بها"‪.‬‬
‫التأدب مع مشايخه ومدرسيه‪ ،‬وحسن الصغاء والتلقي‪ ،‬ولباقة النقاش‬
‫وإتقانه‪.‬‬
‫البعد عن الجدال والمراء العقيم‪" ،‬ل جدال إل بالحق"‪.‬‬
‫___________________________‬
‫)*( مستل من محاضرة الشيخ العلم ضرورة شرعية بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪ -‬عرف الجنة‪ :‬ريحها‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه ابن ماجة‪ ،‬المقدمة ‪ 1/252‬وأحمد في المسند ‪.2/338‬‬
‫‪ -3‬وهناك من جعل من انتقاص العلماء وتجريهم ديدنا له‪ ،‬وسلما لشهرته‪،‬‬
‫وهذا ليس له من خلق‪ ،‬وانظر رسالة المؤلف‪ :‬لحوم العلماء مسمومة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من صور العجاز العلمى فى القرآن الكريم " ‪" 1‬‬


‫د‪ .‬محمود نجيب الستاذ بكلية الطب‬
‫فى القرآن الكريم آيات عظيمة‪ ،‬تنطق بإعجاز السس التى ينبنى عليها خلق‬
‫الكائن الحى‪ ،‬ولقد أثبت العلم بعد نزول القرآن الكريم بأكثر من ألف عام أن‬
‫ما ورد بها هو حقائق علمية ثابتة‪ ،‬هى الن ركائز علم الحياء‪ ..‬وهذه اليات‬
‫هى ‪:‬‬
‫" ما ترى من خلق الرحمن من تفاوت "‪ – 31" ..‬الملك"‪..‬‬
‫" ومن كل شئ خلقنا زوجين اثنين لعلكم تذكرون "‪ – 49" ..‬الذاريات"‪..‬‬
‫" أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون "‪ – 35" ..‬الطور"‪..‬‬
‫" يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن‬
‫يخلقوا ذبابا ً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا ً ل يستنقذوه منه ضعف‬
‫الطالب والمطلوب "‪ – 73" .‬الحج"‪.‬‬
‫وهذه اليات الكريمة أتت بالحقائق العلمية التالية ‪:‬‬
‫· أول ً ‪ :‬إن خلق الكائنات الحية يسير على نمط واحد ونظام ثابت ليس فيه‬
‫تفاوت‪ ..‬ما هى بداية أى كائن حى؟‪ ..‬يخلق الله تعالى منه زوجين‪ ،‬وتكون‬
‫هذه هى البداية وتتعاقب الجيال‪ ،‬جيل ً بعد جيل‪ ..‬فهى سلسلة متصلة ل‬
‫يحدث فيها انقطاع أو فجوة‪ ..‬وبداية النسان كانت آدم وحواء‪ ،‬خلق آدم من‬
‫طين ثم خلقت حواء من ضلع آدم ومنهما انحدرت البشرية‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬النسان شأنه كسائر المخلوقات‪ ،‬وليس فى مقدوره أن يكون خالقا ً‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لى كائن حى آخر ولو كان ذباًبا‪ ،‬لن الخلق هو قدرة اختص الله تعالى بها‬
‫ذاته العلية‪ ،‬فالله هو الخالق وليس هناك خالق سواه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وحين نزل القرآن الكريم كان العتقاد السائد منذ عهد "أرسطو"‪ ،‬أن‬
‫الكائنات الحية البدائية – مثل الديدان والقواقع –تنشأ من المواد المتحللة‬
‫العفنة‪ ،‬وأنه ليس للتكاثر فى هذه الكائنات البدائية أية علقة بوجود ذكر‬
‫وأنثى لتلك الكائنات‪ ،‬وهذه النظرية تعرف بنظرية "الخلق العفوى"‪ ..‬وأيضا ً‬
‫ساد اعتقاد أنه من الممكن أن تحمل الناث من التعرض للرياح‪ ،‬وهناك‬
‫أساطير روت أن هذا يحدث للنعاج وأنثى النمر وأنواع أخرى من الحيوانات‪،‬‬
‫وامتد هذا العتقاد ليشمل أيضا ً المرأة إذا تناولت أنواعا ً من الفاكهة أو‬
‫العشاب‪ ..‬وقد سميت هذه النظرية "التوالد بدون لقاح"‪.‬‬
‫· وبعد ميلد السيد المسيح عليه السلم استند رجال الدين المسيحى إلى‬
‫نظرية التناسل العذرى للرد على المتشككين‪ ..‬وفى هذا الصدد قال القديس‬
‫أوجستين‪ :‬يطالب المتشككون دائما ً أن نفسر لهم المعجزات بالمنطق‪،‬‬
‫ونحن ل نستطيع ذلك‪ ،‬لن تلك المعجزات تفوق فهم البشر‪ ..‬إنهم يتصورون‬
‫أننا نقول أكاذيب‪ ،‬ولكن على هؤلء الشخاص أن يفسروا لنا المعجزات التى‬
‫نراها‪ ،‬فمثل ً فى حى "كابادوكيا" فى آسيا الصغرى‪ ،‬يتم تلقيح أنثى الفرس‬
‫بواسطة الريح!‪.‬‬
‫إل أنه فى القرن السابع عشر ظهرت أول بادرة على فساد هذا الرأى‪..‬‬
‫وحدثت هذه الثورة العلمية حين قام أحد الطباء اليطاليين بتجربة فريدة‪،‬‬
‫فلقد قام اليطالى "فرانسيكوريدى" بإحضار أربع قطع من اللحم والسماك‬
‫ووضع كل واحدة منها فى إناء‪ ،‬وأعاد نفس التجربة لكنه أغلق فتحة الناء‬
‫بالورق باحكام حتى ل يتسرب لها الهواء‪ ،‬وبعد ثمانية أيام تم فحص الوانى‬
‫فوجد قطع السمك واللحم التى تركت معرضة للهواء قد امتلت بالديدان‪..‬‬
‫أما التى تم عزلها وحرمانها من الهواء فلم تكن بها دودة واحدة‪ .‬ولكن لم‬
‫يكن متأكدا ً ما إذا كان الهواء أم شئ يحمله الهواء هو السبب فى حدوث‬
‫التعفن وظهور الديدان‪ ..‬فأعاد التجربة‪ ،‬ولكن باستخدام الشاش – بدل ً من‬
‫الورق – لغلق الوانى وكانت النتيجة مطابقة لما حدث من قبل‪.‬‬
‫وعلى هذا فقد استنتج "ريدى" أن الديدان ل يخلقها تعرض اللحم للهواء‪.‬‬
‫وتوصل إلى الحقيقة التالية‪ :‬أن الهواء يحمل بيض الذباب وحين يتساقط على‬
‫اللحم يجد الوسط الغذائى الملئم للنمو فيتم خروج الذباب من البيض‪.‬‬
‫" اللواء السلمي "‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من صور التهرب من المسؤولية‬


‫مما لشك فيه أن التطلع للصدارة والبحث عن المسؤولية أمر ذمه الشرع‬
‫ونهى عنه‪ ،‬وهو دليل على نوع من الهوى في نفس صاحبه‪ ،‬أو إفراط في‬
‫ثقته بنفسه واعتماده عليها‪ ،‬لذا فهو حين يفعل ذلك يوكل إلى نفسه‪ ،‬كما‬
‫قال صلى الله عليه و سلم لعبدالرحمن بن سمرة –رضي الله عنه‪« -‬يا عبد‬
‫الرحمن بن سمرة‪ ،‬ل تسأل المارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها‬
‫وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها‬
‫خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير»)]‪.([1‬‬
‫وكان صلى الله عليه و سلم في سيرته العملية يتجنب تولية الذين يبدو منهم‬
‫حرص على الولية أو يسألونها‪ ،‬عن أبي موسى ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال دخلت‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على النبي صلى الله عليه و سلم أنا ورجلن من قومي فقال أحد الرجلين‪:‬‬
‫أمرنا يا رسول الله‪ ،‬وقال الخر مثله‪ ،‬فقال‪«:‬إنا ل نولي هذا من سأله ول من‬
‫حرص عليه»)]‪.([2‬‬
‫وأخبر أن المة ستحرص عليها وأنها ستكون خزيا ً وندامة فقال‪« :‬إنكم‬
‫ستحرصون على المارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست‬
‫الفاطمة»)]‪.([3‬‬
‫لذا دأب الصالحون والمخلصون على البعد عن تولي المسؤوليات والوليات‬
‫لما يعلمون من أنها مغرم ل مغنم‪ ،‬وهذا أمارة خير بإذن الله عز وجل‪ ،‬لكن‬
‫بعض الناس قد يمتد المر لديه فيؤدي إلى وقوعه في محظور آخر‪.‬‬
‫وكثيرا ً ما يحجم بعض الصالحين عن تولي المسؤوليات والعباء الدعوية‪،‬‬
‫يدفعهم الورع والبعد عن الشهرة – نحسبهم كذلك والله حسيبهم –‪ ،‬وهو‬
‫مسلك حسن‪.‬‬
‫لكنه يتحول عند بعضهم إلى سلوك يسيطر عليه‪ ،‬فيعتذر عن تولي أي‬
‫مسؤولية أو القيام بها‪ ،‬ويظن أن هذا أسلم له وأنه يعفيه من التبعة‪ ،‬وليس‬
‫المر كذلك‪ ،‬فلو أنه جلس قعيد بيته واشتغل بشأنه الخاص أتراه يسلم من‬
‫التبعة والمانة؟‬
‫إن مسؤولية حمل الدين وتبليغه أمانة شرعية حملها الله تبارك وتعالى‬
‫عباده‪ ،‬فقد أوجب عليهم المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬بل جعله مع‬
‫اليمان مناط خيرية هذه المة‪ ،‬ويرد في مواطن كثيرة ضمن صفات‬
‫المؤمنين أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‪ ،‬وجعل النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم أضعف اليمان أن ينكر المرء المنكر بقلبه‪ ،‬وأنه ليس وراء ذلك‬
‫حبة خردل‪.‬‬
‫ومن يتأمل واقع المة اليوم وغلبة الجهل‪ ،‬وفشو المنكرات‪ ،‬وبعد الناس عن‬
‫الدين فإنه ل يشك أن الدعوة إلى الله والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫قد غدت فرض عين على كل مسلم قادر‪ ،‬فضل ً عمن آتاه الله شيئا ً من العلم‬
‫والوعي والبصيرة‪.‬‬
‫ً‬
‫وثمة أمر آخر هو أن كثيرا من هذه المسؤوليات والعمال التي يحجم عنها‬
‫هؤلء ليس فيها مغنم في الدنيا ول أمر يسعى إليه‪ ،‬بل هي تعاون على البر‬
‫والتقوى‪ ،‬وأمر تطوعي خيري‪ ،‬بخلف من يتولى وليات المسلمين‪ ،‬ويتحمل‬
‫تبعاتهم‪.‬‬
‫والمر مناطه على القلب‪ ،‬فرب معتذر عن تحمل المسؤولية لينعم بفراغ‬
‫الوقت فيزجيه كيف شاء وأين شاء‪ ،‬ويسلم من المشقة والتعب‪ ،‬فهذا فرار‬
‫من العمل ل من الولية والمارة‪.‬‬
‫ورب معتذر من عمل وهو يخشى أن يبدو في توليه له ما يجهله الناس عنه‬
‫من ضعف قدرته وعطائه؛ فيقل شأنه وقدره‪.‬‬
‫ورب معتذر ورعا ً فهو مجتهد مخطيء له أجر واحد‪،‬أو مصيب له أجران‪.‬‬
‫لكن ما ل ينبغي الخلل به‪ :‬إصلح القلب وتفقده وأنه المناط والساس‪،‬‬
‫والجتهاد في العمل للدين والدعوة إليه‪ ،‬وأن يشعر المرء أنه إن أعفاه البشر‬
‫من المسؤولية فسيلقى الله عز وجل ويسائله فما هو قائل؟‬
‫جعلنا الله هداة مهتدين‪ ،‬وحمانا من الهوى وحظوظ النفس؛ إنه سميع مجيب‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬رواه البخاري )‪ (7146‬ومسلم )‪(1652‬‬
‫)]‪ ([2‬رواه البخاري )‪(7149‬‬
‫)]‪ ([3‬رواه البخاري )‪(7148‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من طبائع الشياء‬


‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪7/7/1424‬‬
‫‪04/09/2003‬‬
‫المعرفة هي صناعة النسان‪ ،‬والجهل داؤه‪ ،‬والعلم ترياقه‪.‬‬
‫من خلل الملحظة وتراكم الخبرات والستبصار والخيال وقراءة الحداث‬
‫واكتشاف العلقات بين الشياء ومعرفة سنن الله – تعالى‪ -‬في الخلق من‬
‫ون انطباعاتنا‪ ،‬وننظم بالتالي مواقفنا وردود‬ ‫خلل كل ذلك نبني معارفنا‪ ،‬نك ّ‬
‫أفعالنا‪.‬‬
‫المعرفة عبارة عن معلومات‪ ،‬والعلم معارف منظمة ومبوبة‪ .‬والعالم سواء‬
‫أكان كبيرا ً أم صغيرا ً يشتغل على الجزئيات إدراجا ً واستنباطا ً على الكليات‬
‫واستكشاف القوانين والوقوف على الملمح العامة‪ ،‬وشفوف بصناعة‬
‫المفاهيم الكبرى وصياغة مناهج البحث ومناهج التفكير‪ ،‬وإذ كنا في حاجة إلى‬
‫كل من العالم والمفكر؛ فإن على كل واحد منهما أل يقلل من شأن الخر بل‬
‫عليه أن يعترف به‪ ،‬ويحاول الستفادة من عطاءاته‪.‬‬
‫فقه السنن وفهم طبائع الشياء‪ ،‬من العمال العظيمة التي يحق للمرء أن‬
‫يغتبط‪ ،‬ويبتهج إذا حقق فيها نجاحا ً عظيمًا‪ ،‬لن ذلك يدل على استقراء ممتاز‬
‫للوقائع المتفرقة‪ ،‬كما يدل على شفافية عالية وخيال خصب قادر على ضم‬
‫النظير إلى النظير‪ ،‬والخروج من سجن الجزئيات والرؤى الذرية المبعثرة‪.‬‬
‫وإن مما يؤسف له أن المهتمين بالفهم الكلي قليلون دائما ً بسبب مشقة‬
‫العمل في هذا المجال وحاجته إلى إمكانات ذهنية‪ ،‬قد ل تتوفر لدى كثير من‬
‫الناس‪.‬‬
‫فهم طبائع الشياء قد يحتاج إلى أن نهتم على نحو عميق بملحظات النابهين‬
‫جدا ً من كبار الختصاصيين‪ ،‬ثم نحاول التفريع عليها وإضافة ما نمكن إضافته‬
‫إليها‪ .‬حين نعرف السنن التي تحكم مجال ً أو عمل ً أو علقة ما؛ فإن ذلك‬
‫يجعلنا كمن يكتشف سبل ً عامة عريضة‪ ،‬تتفرع عنها دروب صغيرة‪ .‬وآنذاك‬
‫فإننا نستطيع التفريق بين المطرد والشاذ والمألوف وغير المألوف والطبيعي‬
‫طرد والشاذ والمألوف وغير‬ ‫وغير الطبيعي؛ كما نستطيع التفرق بين الم ّ‬
‫المألوف والطبيعي وغير الطبيعي؛ كما نستطيع أن نثمن المعلومات الواردة‬
‫عن ذلك المجال‪ ،‬وأن نكتشف ما يمكن أن يكون قد دخلها من زيف وتزيد‪.‬‬
‫وأنا هنا أحاول أن أوضح بعض طبائع بعض المجالت المعنوية والحياتية؛‬
‫وينبغي أن يؤخذ كل ما أقوله هنا على أنه مقاربة واستشراف ليس أكثر‪.‬‬
‫‪ -1‬المجال الفكري‪:‬‬
‫التفكير هو‪ :‬اشتغال العقل على بعض المعلومات من أجل الوصول إلى أمور‬
‫مجهولة‪ .‬ومن طبيعة هذا المجال التي‪:‬‬
‫‪ -‬صدور المفكر عن رؤية جانبية‪ ،‬إذ مهما كان العقل متيقظا ً ومدربًا‪ ،‬ومهما ً‬
‫كان خياله واسعًا‪ ،‬وكانت معارفه عميقة وشاملة؛ فإنه ل يستطيع أن يحيط‬
‫بكل المور المتعلقة بالقضايا التي يفكر فيها‪ ،‬أي أن المقدمات التي ننطلق‬
‫منها إلى بلورة حكم أو الحصول على نتيجة معينة‪ ،‬ستظل مقدمات ناقصة‪.‬‬
‫ولو أننا استشرنا أفضل مركز دراسات متخصص في مشروع من‬
‫المشروعات أو مشكلة من المشكلت‪ ،‬لما صدر إل عن رؤية جزئية‪ .‬ورحم‬
‫الله المام مالك بن أنس حين كان يستشهد عن إفتائه في مسألة من‬
‫المسائل بقوله‪ -‬سبحانه – )إن نظن إل ظنا ً وما نحن بمستيقنين(‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬وجود الخطاء في المجال الفكري أمر طبيعي وكثير النتشار‪ ،‬وذلك لن‬
‫العقل وهو يعمل على الوصول إلى بعض الرؤى والمحكات والحكام‪ُ ...‬يتيح‬
‫الخطاء والوهام بسبب هشاشة المقدمات والسس التي يبني عليها أو‬
‫بسبب سوء التقدير لطبيعة العلقة التي تربط بين السباب والمسببات‬
‫والمقدمات والنتائج‪ .‬وهذا يتطلب منا أن نكون دائما ً يقظين للمنتجات‬
‫الجانبية لعمل العقل‪ ،‬كما يجعلنا في حاجة دائمة لمراجعة طروحاتنا وأفكارنا‪.‬‬
‫‪ -‬كثيرا ً ما يصاب المشتغلون بالقضايا الفكرية بالجفاف الروحي‪ ،‬ولست‬
‫أعرف السباب الكيدة لهذا‪ ،‬لكن ربما كان ذلك بسبب أن الشراق الروحي‬
‫يحتاج إلى جهد تعبدي عملي‪ ،‬على حين أن المشتغلين بالقضايا الفكرية‬
‫يكونون عادة مشغولين بالتنظير واكتشاف السباب والعلل‪ .‬وأحيانا ً يؤدي‬
‫إدمان التنظير إلى شيء من الترهل الروحي بسبب أنه يجعل صاحبه أكثر‬
‫تفهما ً للواقع‪ ،‬وبالتالي أكثر خضوعا ً له‪ .‬وهذا يؤدي إلى انخفاض في درجة‬
‫التسامح والذي يعد حجر الساس في التفتح الروحي؛ وعلينا أن ننتبه إلى‬
‫هذا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -‬من أعمدة العمل الفكري الختزال والتخبط‪ ،‬حيث يتشوق المفكر إلى‬
‫استخلص بعض القوانين والمقولت العامة من أكوام المعلومات والمعطيات‬
‫الجزئية‪ ،‬وينتج عن هذا القيام بتحييد الكثير من القوال والمعلومات‬
‫الموثوقة؛ فالبناء الفكري بطبيعته – كما هو شأن البناء التاريخي‪ -‬هو بناء‬
‫انتقالي‪ .‬وأثناء عملية النتقاء تتم الستهانة بأمور ومعطيات قد تكون جوهرية‬
‫وحيوية‪ .‬هذا بالضافة إلى أن المفكر بسبب اشتغاله بالمور الكلية يزهد عادة‬
‫بكل ما هو جزئي وفرعي‪ .‬وأتصور أن علم )مقاصد الشريعة( لم يتم‪ ،‬ولم‬
‫يتبلور بالشكل الكافي؛ لن الذين اشتغلوا على إنضاجه لم يكونوا من‬
‫المشتغلين بالفلسفة الكلية للتشريع‪ ،‬كما أن خبرتهم بفقه الولويات كانت‬
‫ضئيلة؛ مما جعل قدرتهم حيال دمج بعض النصوص الصحيحة في المرامي‬
‫للشريعة السمحة محدودة في المجال الفكري يتألف العقل وتبرق‬
‫اكتشافاته‪ ،‬وهذا يجعل المشتغلين بالفكر يشعرون بنوع من الوثوقية الزائدة‪،‬‬
‫ف من الرؤية والتأمل‪.‬‬ ‫فيطلقون الحكام في أحيان كثيرة من غير قدر كا ٍ‬
‫وكم عانينا من موجات النقد غير الصيل وغير المحكم بسبب الفراط في‬
‫الثقة بما لدينا من أفكار ومفاهيم‪ ،‬هي في كثير من الحيان تقبل الجدل‬
‫والمراجعة‪.‬‬
‫‪ -2‬المجال الروحي‪:‬‬
‫المكمن الحقيقي للذات النسانية‪ ،‬هو الروح والمشاعر والعواطف وليس‬
‫العقل والفكار والمفاهيم‪ .‬وقد دلتنا الخبرة على أن المجال الروحي شديد‬
‫الجاذبية‪ ،‬وهو يملك قدرة هائلة على جعل الناس يتجاوزون الضوابط والحدود‬
‫التي يضعها العقل؛ بل تلك التي يضعها الشرع أيضًا‪ ،‬وإذا تأملنا في أقوال‬
‫وسلوكات كل أولئك الذين حدثنا التاريخ عن إعزافهم في المسائل الوجدانية‬
‫والروحية وفي قضايا الحوال والمقامات والكرامات والتجليات والنفحات‪...‬؛‬
‫لوجدنا أنهم – إل النذر القليل‪ -‬قد استهلوا تجاوز النصوص الشرعية‪ ،‬أو صاروا‬
‫إلى تأويلها على نحو ل يخلو من الفجاجة والتعسف ‪.‬‬
‫ً‬
‫إن المشاعر الجياشة التي قد يجدها بعض العباد كثيرا ما تقوم بدور المخدر‬
‫أو المعطل لملكة العقل‪ ،‬والمعطل لدور النصوص والحكام الشرعية في‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫توجيه سلوك المسلم وضبط مقولته‪ .‬وهذا ليس خاصا ً بالمسلمين ول بأهل‬
‫ل من يشتغل بالمسائل‬ ‫أية ملة من الملل‪ ،‬بل هو عام يشمل كل أو ج ّ‬
‫الروحية والوجدانية‪ ،‬وقد عانت المة كثيرا ً من أهل )الشطحات( الذين كانوا‬
‫يلقون بالكلم على عواهنه استجابة للخواطر والوساوس والوهام والرؤى‬
‫المنامية‪ .‬ومن هنا؛ فإن على كل من يهتم بالشأن الروحي أن يحرص الحرص‬
‫ض الطرف عن الرؤية الفقهية‬ ‫كله على أن يظل في إطار المشروع‪ ،‬وأل يغ ّ‬
‫كما يصدر عنه من أقوال وأعمال‪.‬‬
‫المجال الروحي يوفر لكل من يدخله درجة عالية من الطمأنينة والسرور‬
‫والنشراح؛ ول عجب إذ إن الصلة بالله – تعالى‪ -‬ومناجاته والتودد والتذلل‬
‫إليه ل تأتي بغير هذا؛ لكن الملحظ أن هذه الدرجة من الجور تدفع من يتمتع‬
‫بها إلى النطواء على نفسه والميل إلى العزلة والستخفاف بما يجري في‬
‫المحيط الخارجي من أحداث‪ ،‬وقد كان من الدبيات المشهورة لدى العباد‬
‫والزهاد أو طائفة منهم على القل أن من علمات ولية الشخص أو من‬
‫أسس الولية الذكر والصمت والعزلة والجوع‪ .‬ومن هنا؛ فإن المسلم مطالب‬
‫إلى جانب تزكيته لنفسه وتطهيره لقلبه وصقله لروحه بأل يندفع من حيث ل‬
‫يدري إلى تضييع الواجبات الجتماعية والدعوية‪ ،‬وحتى ل يقع في هذه‬
‫المصيدة؛ فإن عليه أن يتذكر أهدافه وواجباته‪.‬‬
‫‪ -3‬المجال الوعظي الرشادي‪:‬‬
‫هذا المجال كثيرا ً ما يعكس غيرة المسلم وخيريته‪ ،‬وحرصه على تبليغ‬
‫سن أحوالهم‪ ،‬وهو مجال مهم‪ ،‬وله‬ ‫الرسالة‪ ،‬وعلى استقامة المسلمين وتح ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫دور حيوي في إبقاء الوعي السلمي متيقظا ومنفتحا على الوامر والنواهي‪.‬‬
‫من طبيعة العمل في هذا المجال دفع العاملين فيه إلى السحب من رصيد‬
‫الحقيقة‪ ،‬وتجاوز البراهين والدلة المتوفرة على حكم من الحكام أو في‬
‫قضية من القضايا‪ ،‬أو مقولة من المقولت؛ فحماسة الداعية للقضية التي‬
‫يتحدث عنها وحرصه على إقناع الناس بما يقول يجعلنه ل ينتبه إلى أنه تجاوز‬
‫القصد والعتدال‪ ،‬وأنه صار يسلك مسالك مندوبي الدعاية والتسويق‪ ،‬والذين‬
‫ل هم لهم سوي أن يبيعوا أكبر عدد من الزبائن بأعلى قدر من السعار‪.‬‬
‫الوعاظ والدعاة اليقظون والورعون جدا ً هم الذين يستطيعون النجاة من‬
‫صاص في‬ ‫ذلك إلى حد بعيد‪ ،‬ولكن ربما بشكل غير مستمر‪ .‬وظاهرة الق ّ‬
‫التاريخ تحكي في معظم الحوال هذه الحقيقة‪ ،‬وقد وضع أقوام منهم بعض‬
‫الحاديث من أجل حث الناس على عمل ما يعتقدون أنه مهم لفلحهم‪ ،‬ولما‬
‫ي متعمدا ً فليتبوأ‬‫كر لهم الحديث "ومن كذب عل ّ‬ ‫ذر بعضهم من ذلك‪ ،‬وذ ُ ِ‬
‫ح ّ‬
‫ُ‬
‫مقعده من النار" قالوا‪ :‬نحن نكذب له ل عليه!‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السحب من رصيد الحقيقة يتجلى أحيانا ً في التهويل والمبالغة حين ُيص ّ‬


‫ور‬
‫خطأ من الخطاء أو معصية من المعاصي على أنه كارثة الكوارث‪ .‬وحين‬
‫ور عمل من العمال النبيلة على أنه السفينة التي ستنقل الناس إلى بر‬ ‫ُيص ّ‬
‫المان‪ .‬ويتجلى السحب من رصيد الحقيقة في أحيان أخرى في التعليلت‬
‫الفاسدة والتحليلت السطحية والقول بغير علم؛ وهذا كثيرا ً ما يتم من غير‬
‫وعي ول إدراك‪ ،‬ومن هنا فإن المشتغلين بالوعظ في حاجة إلى طاقة هائلة‬
‫من أجل ردع أنفسهم عن النسياق خلف عواطفهم‪.‬‬
‫‪ -4‬المجال التجاري‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ُيثبت النظام التجاري يوما ً بعد يوم أنه أقوى النظم الثقافية على الطلق‪،‬‬
‫فإذا كان المرء طبيبا ً وتاجرًا؛ فإن التجارة ستخطفه – في الغالب‪ -‬من الطب‪،‬‬
‫ويؤول أمره إلى أن يصبح تاجرا ً بمعنى من المعاني‪ ،‬وكذلك الشأن فيما لو‬
‫جمع المهندس والمدرس والمزارع والموظف بين مهنته وبين التجارة‪ .‬وإني‬
‫أظن أن هيمنة التجارة على حياة الناس نابعة في الساس من أنها تعيد بآفاق‬
‫غير محدودة من الربح والثراء‪ ،‬وهذا ما يبحث عنه النسان الذي ل يمل فمه‬
‫إل التراب‪ .‬وقد ورد في الحديث أنه في آخر الزمان تفشو التجارة حتى إن‬
‫المرأة لتشارك زوجها في التجارة‪ ،‬مما يدل على قدرة هذا النظام على‬
‫اختراق كل العلقات حتى العلقة الخاصة القائمة بين الزوجين‪.‬‬
‫في المجال التجاري تكثر اليمان ويكثر المديح للسلعة والتشكي من‬
‫الخسارة فيما إذا بيعت بأقل من كذا أو كذا‪ .‬وفي المجال التجاري يكون‬
‫الغش والدعاية الكاذبة والعلن المبالغ فيه‪ ،‬كما يكون فيه إخفاء العيوب‪،‬‬
‫ويكثر بخس الناس أشياءهم‪ ،‬وكل ذلك استجابة لضغوط الشهوة إلى تكديس‬
‫المال والتي تسيطر على نفوس البشر‪.‬‬
‫في زماننا تقوم العولمة على نحو جوهري على التجارة وعلى نشر الخلق‬
‫والمفاهيم والتقنيات التي اعتمدها النظام التجاري‪ ،‬وهي في الغالب سيئة‪.‬‬
‫ولهذا فإن مجال التجارة من أخطر المجالت على دين المرء وصدقه أمانته‪،‬‬
‫وقد أثنى الله – جل وعل‪ -‬على أولئك الرجال الذين ل يشغلهم شاغل عن‬
‫ذكر الله والقيام بواجباتهم‪ ،‬وخص البيع والتجارة لشدة تأثيرها في صرف‬
‫النسان عن المسار الصحيح‪ ،‬فقال سبحانه ‪) :‬في بيوت أذن الله أن ترفع‬
‫ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والصال رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع‬
‫عن ذكر الله ‪ (...‬الية‪ .‬وقد ورد أن ابن عباس – رضي الله عنهما‪ -‬قال‬
‫لصحاب الكيل والميزان من التجار‪ " :‬إنكم وليتم أمرين هلكت فيهما المم‬
‫السابقة قبلكم"‪.(1).‬‬
‫معرفة طبائع الشياء تعني معرفة السنن التي سنها الله – تعالى‪ -‬وبثها في‬
‫النفس والموجودات؛ وهي معرفة مهمة جدا ً لفهم أنفسنا وفهم العالم من‬
‫حولنا‪ .‬والخروج عن هذه الطبائع يظل في كثير من الحيان ممكنًا‪ ،‬لكنه يحتاج‬
‫إلى مجاهدة وإلى جهد استثنائي حيث السباحة عكس التيار‪ ،‬وحيث الخروج‬
‫على المعروف والمألوف‪.‬‬
‫والله الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬
‫)‪ (1‬قد ورد رفعه بإسناد فيه ضعف‬

‫)‪(3 /‬‬

‫من طفولة البشرية إلى رشد النسانية – ‪17‬‬


‫الستاذ أنور الجندي‬
‫جاء السلم حركة تحرر في مواجهة الغزو الخارجي وحركة عدل اجتماعي‬
‫في مواجهة الستغلل وحركة شورى في مواجهة الستبداد وأخوة عالمية في‬
‫مواجهة التفرقة العنصرية‪.‬‬
‫وفي الفتح السلمي حذر اللسلم من الغدر‪:‬‬
‫"ل تحرقن بيتا ً ول تعقرن شاة‪ ،‬ول تقتلن وليدا ول هرما ول امرأة"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وكان الرومان يبيدون كل عامر ويقتلون الطفال والنساء والشيوخ‪ .‬والسلم‬
‫أسبق شريعة قررت العدل الجتماعي والشورى‪ :‬لنهم تقيم الحرية على حق‬
‫النسان الذي لم يكن له حول ول قوة‪ ،‬حيث ل تشرع الحرية والمسئولية‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضرورية ل محيص عنها كما شرعتها من قبلها حكومات القدمين‪ ،‬وفي‬


‫مجلس يزدجرد سأل المبراطور سفير المسلمين‪ :‬ما الذي جاء بكن؟ فقال‪:‬‬
‫إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن‬
‫ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والخرة ومن جور الديان إلى عدل السلم‪.‬‬
‫وأعظم عطاء السلم وذروة المعرفة فيه هي معرفة الله تبارك وتعالى‬
‫ولذلك دعا السلم النسان إلى الفكر والذكر‪.‬‬
‫المعرفة بالله وأسمائه جل وعل‪ ،‬ومعرفة عظمة ملكه المتمثلة في الطبيعة‬
‫والكون ومعرفة عالم ما وراء المادة‪ ،‬والمعرفة بكتب الله ورسله واليوم‬
‫الخر‪.‬‬
‫والمعرفة طريق إلى اليمان‪:‬‬
‫اليمان‪ :‬بقوة علوية تشرف على النسان من فوق وتمنحه السلوب‬
‫المتوازن الشامل الذي يتعامل به مع جهازه النساني الضعيف‪.‬‬
‫والدين هو الذي كون حاسة "الخوف من الله" وخشية الله بما وضعه من‬
‫مقاييس للفضائل والرذائل وتعهد بها النفس النسانية بالتربية والتقويم‪.‬‬
‫ويقوم السلم على مجموعة من الصول العامة‪ :‬عقيدة سليمة وعبادة‬
‫صحيحة وكتاب منير "القرآن" وأسوة حسنة "الرسول" وشريعة عادلة‬
‫وأخلق إيجابية وتربية صالحة وجهاد في سبيل الله"‪.‬‬
‫ولقد دعانا الحق تبارك وتعالى أن نتفكر في خلق الله ل في ذات الله فقال‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬تفكروا في خلق الله ول تفكروا في ذات‬
‫الله فتهلكوا"‪.‬‬
‫إن المسلم يبحث في الكون وآفاقه ولكن ل يحاول أن يبحث في الجوهر‪.‬‬
‫عليه أن يبحث في الخصائص ول يبحث إطلقا ً عن الماهية‪ ،‬ذلك لنه ل يملك‬
‫أدوات البحث فالعقل ل يمكن أن يستقل بمعرفة الله ول أن يهتدي إليه إل إذا‬
‫صحب في تطوافه إلى تلك الغاية قلبا ً يتلقى عنه مدركاته‪.‬‬
‫ولقد أرسى القرآن العظيم قواعد السلم على وحدة الخالق ووحدة الخلق‬
‫ووحدة النفس البشرية ووحدة الدين ووحدة النسانية ووحدة الكون ووحدة‬
‫التشريع وحق الله تبارك وتعالى على عباده أن يعبدوه ول يشركوا به شيئًا‪،‬‬
‫وعبادته إنما تتمثل في طاعة أمره وتجنب نواهيه‪.‬‬
‫"ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم"‪.‬‬
‫إن الله تبارك وتعالى تكفل لمن يعتصم به أن يخرجه من كل ضائقة وكل‬
‫أزمة ومن كل حيرة يقع فيها "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ً ويرزقه من‬
‫حيث ل يحتسب"‪.‬‬
‫ومفهوم النسان الحق لستخلف النسان في الرض وما له من إرادة‬
‫محدودة يكون مسئول ً في حدودها يمكن النسان من إقامة النسجام‬
‫والوحدة والتوازن بينه وبين عناصر الكون كلها‪ :‬من مجتمع وحياة وإنسان‪.‬‬
‫"وإدراك المسلم بأن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق هذا الوجود كله وفق‬
‫سنن ونواميس متفقة هو الذي وضع له هذا المنهج باعتباره أحد عناصر هذا‬
‫الوجود يعطيه الثقة بأنه في نطاق هذا المنهج يمارس نشاطه مه حركة‬
‫الوجود كله ووفق هذه الحركة بانسجام وتوافق ل يمكن أن يتحقق إل في‬
‫ظل هذا المنهج فهو والحالة هذه ليس ريشة في مهب الريح ول جرما ً انفلت‬
‫عن مداره ول يدري حتى يصطدم بغيره"‪.‬‬
‫وإيمان المسلم بأن له إرادة واختيارا ً تجعله آمنا من الوقوع تحت سلطان‬
‫ً‬
‫الجبر الذي يقع فيه الماديون فيقتل منزع الرادة منهم ويعطيهم الجرأة على‬
‫فعل المنكر "وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها‪ :‬قل‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن الله ل يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما ل تعلمون"‪.‬‬


‫ً‬
‫ولو لم يكن للنسان إرادة واختيار لما كان محل ً للتكليف ول موضعا للحساب‬
‫والجزاء‪ ،‬ولما توجه إليه من الله تعالى أمر ونهي‪.‬‬
‫أقام السلم نظاما ً متكامل ً شامل ً للنفس والمجتمع تتمثل مقاصده الساسية‬
‫في نقاط محددة‪ ،‬وأساس السلم أنه نظام دنيوي أخروي في آن واحد‪ ،‬ل‬
‫ينفصل فيه الدين عن الدنيا ول المجتمع عن الشريعة ول الخلق عن الحياة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد أحيا السلم عقيدة إبراهيم عليه السلم واعترف بجميع النبياء والكتب‬
‫السماوية المنزلة‪ ،‬ونظم أمور المجتمع ووضع تعاليمه في صيغة كلية وأصول‬
‫عامة متكاملة مترابطة متفاعلة ل يجوز تجزئتها أو الخذ بفرع منها دون‬
‫الخر‪ ،‬وأقر نظام السرة بالزواج وأعلن حقوق السرة ورفع مكانة المرأة‬
‫وأبطل الرق وأعلن الزكاة وجعلها حقا ً للفقراء‪ .‬وقرر السلم أن العلقة بين‬
‫الله تبارك وتعالى والنسان علقة مباشرة دون أي وساطة وأكد اليمان بالله‬
‫وحده ل شريك له واليمان بالبعث والجزاء والحساب وجعل طلب العلم‬
‫فريضة ودعا إلى النظر والتماس الدليل والبرهان وحث على تنمية المدارك‪.‬‬
‫وأقام السلم شرعة الجهاد ونظم مفهوم المال الذي هو مال الله الذي‬
‫آتاكم‪ ،‬والنسان مستخلف لتوجيهه إلى الخير وصالح الجماعة وفي سبيل‬
‫الله‪.‬‬
‫وقد حرر السلم النسان من الوثنيات جميعًا‪ :‬عبادة الصنام والدنيا والبطال‬
‫والخرافات والساطير وألغى التفرقة بين العناصر والتعصب للجنس ودعا‬
‫إلى المساواة والخاء ووفق بين سلطة الحاكم وحرية المحكوم وأعلن‬
‫احترام الملكية الفردية ووجهها إلى العمل النافع في مال الغني زكاة ودعا‬
‫إلى التوفيق بين جانبي النسان وجانبي الحياة الروحي والمادي وأقام‬
‫السلم اللتزام الخلقي وجعله مناط المسئولية والحساب‪.‬‬
‫وأقام قاعدة حرية الفكر‪ ،‬ل إكراه في الدين‪ ،‬وكفل لغير المسلمين حرية‬
‫العقائد وحماية الموال والتسامح‪.‬‬
‫وأطلق السلم العقل النساني من قيوده التي كانت تأسره حول المعابد‬
‫وبين أيدي الكهنة فارتفع إلى العتقاد بحياة أخرى وراء هذه الحياة‪ ،‬واعترف‬
‫بالنوازع البشرية وقرر حق النسان في مزاولتها ووضه له ضوابط ونظما ً‬
‫لتوجيهها الوجهة الصحيحة‪ ،‬وهذب من مداخل هذه النوازع ومخارجها بحيث ل‬
‫تؤذي الفرد نفسه ول تسيء إلى المجتمع كذلك وعاد السلم إلى الوحدة‬
‫العالمية وجعل من شعيرة الحج منطلقا ً إلى التقاء الجناس والعناصر‪ ،‬وأقام‬
‫الخاء العالي وقضى على كل تفرقة لونية أو عنصرية وشجب العنصرية‬
‫القائمة على الدم والنساب ومنع التفاضل بهما وجعل تقدير الناس بالعمال‪.‬‬
‫أعلن القرآن الكريم أن الله تبارك وتعالى لم يرسل إلى البشرية طوال‬
‫التاريخ البشري إل دينا ً واحدا ً هو السلم‪ :‬أي إسلم النسان وجهه لله‬
‫والحكم لله وكل النبياء الذين بعثهم الله في أقطار مختلفة وفي شعوب‬
‫مختلفة في العالم ما جاءوا إل بنداء التوحيد والسلم‪ ،‬وقد غيرت التفسيرات‬
‫من أصل الديان وبدلت‪ ،‬وحرفتها عن جوهرها الصيل حتى جاء السلم يدعو‬
‫البشرية من جديد إلى هذا الدين الحق‪ ،‬وقد جعل الله تبارك وتعالى كتابه‬
‫محفوظا ً من حيث النص مهيمنا ً على الكتب وجعل السلم خاتم الديان‬
‫وجعل رسوله صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل وفرض على كل من شهد‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم أن يؤمن به‪.‬‬


‫وقد جاءت بشاراته في الكتب السابقة وكان كثير من المؤمنين يترقبون‬
‫ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم وترهص الدلئل التي بين أيديهم‬
‫ببعثه ومطلع رسالته‪ .‬والمسلمون يؤمنون بجميع من جاء قبل محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم من أنبياء ورسل وكتب وأن هذا اليمان جزء أساسي من‬
‫عقيدتهم ل يكمل إسلمهم بدونه وإن كانوا يتلقون الهداية من النبي محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم فقط لن تعاليمه هي آخر التعاليم‪.‬‬
‫وكلم الله الذي بين دفتي المصحف هو كلم إلهي محض لم يمازجه شيء‬
‫من كلم البشر‪ ،‬وهو محفوظ بلغته الصلية ولغته هي إحدى اللغات الحية في‬
‫العالم‪ ،‬ولم يطرأ أي تغير علىق واعدها ومبانيها ومعانيها وأساليبها ورسوم‬
‫الكتابة بها‪.‬‬
‫وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الخلق والسلوك وما صدر عنه‬
‫من القوال تم تدوينه وحفهظ بأصح ما يكون من الطرق وأن رسالة محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم بموجب عقيدتنا جاءت لجميع العالم ولسائر الزمان‪.‬‬
‫إن نظرة عميقة مستفيضة إلى بعض الوقائع والحداث في حياة السلم‬
‫الولى من خلل تاريخ النبي محمد صلى الله عليه وسلم تكشف أبعادا ً‬
‫عريضة للدعوة السلمية لم تكن واضحة وضوحا ً كافيا ً حتى جاءت هذه‬
‫المرحلة من تاريخ السلم فألقت عليها ضوءا ً كاشفًا‪ .‬تعني هذه الوقائع‬
‫ارتباط الدعوة السلمية التي جاء بها محمد بن عبد الله بميراث النبوة كله‪:‬‬
‫إبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى يتجلى ذلك واضحا ً في واقعة السراء‬
‫بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وصلته إماما ً بالنبياء جميعا ً‬
‫قبل عروجه إلى السموات العل هذا الرتباط بميراث موسى وعيسى دليل‬
‫على صدق نبوة محمد وأنه جاء خاتما ً لكل الرسائل والنبياء وجاء كتابه خاتما ً‬
‫لكل الرسائل والنبياء وجاء كتابه خاتما ً لكل الكتب ومهيمنا ً عليها‪ ،‬وقد تحقق‬
‫ذلك بعد سنوات قليلة عندما فتح المسلمون بيت المقدس وعقد أمير‬
‫المؤمنين عمر بن الخطاب لسكان القدس العهدة العمرية‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫كذلك فقد جاءت فريضة الحج لتربط المسلمين بدين إبراهيم عليه السلم‬
‫الذي أقام القواعد من البيت وإسماعيل وأهدى إلى أهل التوحيد تلك‬
‫المناسك في منى وعرفات والمزدلقة وقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫دعوة إبراهيم ومن نسل إسماعيل وسجل القرآن ذلك تسجيل ً رائعًا‪.‬‬
‫"إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي"‪.‬‬
‫"ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ً وما كان من المشركين"‪.‬‬
‫وهكذا ارتبطت دعوة التوحيد بين إبراهيم ومحمد عليهما الصلة والسلم‬
‫وجاء هذا الرتباط واضحا ً في كل دين جاء به النبياء إذ حمل إليهم اليمان‬
‫بمحمد صلى الله عليه وسلم ولقد ذكرت التوراة والنجيل كلهما هذه النبوءة‬
‫ل‪" :‬ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في النجيل" ولقد أبان‬ ‫وسجلتها تسجي ً‬
‫سيدنا عيسى بن مريم رسول الله إلى بني إسرائيل هذا الرتباط‪" :‬ومصدقا ً‬
‫لما بين يدي من التوراة ومبشرا ً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"‪.‬‬
‫كل هذا يعطي مفهوما ً واضحا ً هو المسئولية الكاملة النهائية لكل ميراث‬
‫النبوة والرسالة‪ ،‬والرتباط بين أنبياء الله ورسله على كلمة التوحيد يسلمها‬
‫كل منهم إلى من بعده حتى تختتم بمحمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كذلك كشف القرآن عن عجز بني إسرائيل عن حمل المانة ولذلك نقلها‬
‫الحق تبارك وتعالى إلى العرب‪" :‬قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء‬
‫وتنزع الملك ممن تشاء"‪.‬‬
‫كذلك كشف القرآن عن عجز بني إسرائيل عن حمل عن أنع دين رشد‬
‫النسانية وأن البشرية قد تجاوزت طفولتها‪ ،‬فقد جاءت رسالة السلم‬
‫معجزة بيان خالد باق إلى يوم القيامة هو القرآن الكريم الذي تحدى به الحق‬
‫تبارك وتعالى العرب والعجم أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله أو بآية واحدة‪،‬‬
‫ولقد عجز البشر وما زالوا عاجزين إلى اليوم وإلى أن يرث الله الرض ومن‬
‫عليها عن هذا التحدي‪.‬‬
‫ولقد جاء السلم ليفصل بين تاريخين للبشرية‪ :‬تاريخ ما قبل السلم كله وهو‬
‫تمهيد لنزول السلم‪ ،‬وتاريخ العالم منذ السلم‪ ،‬ومنذ أن بزغ ضوء السلم‬
‫وهو عنصر فعال ومؤثر في كل حدث من أحداث البشرية على وجه الرض‪.‬‬
‫وقد حرر السلم البشرية من الوثنية وعبودية النسان في حضارات الفراعنة‬
‫والفرس والهنود واليونان والرومان وحرر هذه المنطقة العربية التي توالت‬
‫عليها أمواج الهجرات من قلب الجزيرة العربية خلل أكثر من خمسة آلف‬
‫سنة متوالية حتى جاء السلم فوسدت له العروبة والعربية ذلك السفح‬
‫الممتد من العراق إلى الشام إلى مصر إلى أفريقيا وسرعان ما استجابت‬
‫هذه المة كلها لكلمة الله في سنوات قليلة ونسيت تاريخا ً إغريقيا ً رومانيا ً‬
‫امتد أكثر من ألف سنة من سوريا إلى إسبانيا عبر شمال أفريقيا‪ ،‬منذ فتح‬
‫السكندر الكبر‪.‬‬
‫وفي يوم فتح مكة رفض رسول الله قول سعد بن عبادة‪ :‬اليوم يوم الملحمة‪،‬‬
‫اليوم تستحل الحرمة وقال‪" :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء"‪.‬‬
‫ً‬
‫وأعلن السلم دعوة إنسانية عالمية تخاطب الناس جميعا فالناس كلهم من‬
‫ذكر وأنثى وعباد الله وخلقه وقد استخلفهم تبارك وتعالى في الرض‪،‬‬
‫وجعلهم شعوبا ً وقبائل ليتعارفوا ومن آياته اختلف ألسنتهم وألوانهم‪،‬‬
‫والرسول صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى العالمين "قل يا أيها الناس‬
‫إني رسول الله إليكم جميعًا"‪.‬‬
‫وانداح المسلمون في أنحاء الرض يعلنون كلمة الله ويقيمون دعوة الحق‪،‬‬
‫ول يعمدون إلى إفناء السكان الصليين أو إجلئهم ول يقيمون المستعمرات‬
‫أو يضعون الحواجز بينهم وبين سكان المدينة التي انتقلوا إليها وهم كما يقول‬
‫فتحي عثمان‪ :‬مع سكان المدن المقيمين‪ ،‬والمهاجرين والوافدين سواء في‬
‫العتبار النساني والحقوق القانونية‪.‬‬
‫ولقد واجه المسلمون النصر والهزيمة‪ ،‬انتصروا حين استمسكوا بكتاب الله‬
‫تبارك وتعالى وحقه الذي بينه لهم وانهزموا حين تخلوا عنه "والحق تبارك‬
‫وتعالى – كما يقول الستاذ محمد قطب – حين يتعامل مع رسله وأنبيائه‬
‫وأتباعهم من المؤمنين ل يتدخل من أجلهم فيخرق الناموس وينصرهم‬
‫بالمشيئة على طريقة كن فيكون" وإنما يعودهم أن يكونوا أول الناس إيمانا ً‬
‫بالقانون الجتماعي وأكثرهم إدراكا ً لسنن الحياة ونواميسها وأن يكونوا‬
‫أحرص الناس على التوافق مع هذه السنن والنواميس فهو يبتلي رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم بتكذيب الناس ول يتدخل بالمشيئة المباشرة ليعفيه‬
‫من أعباء الجهاد في سبيل دعوته وإنما يذكره بقانون الحياة وسنة الصراع‬
‫بين الحق والباطل‪:‬‬
‫" ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا‬
‫ول مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين"‪ .‬ويبين الله تبارك‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتعالى علقة المشيئة اللهية بقوانين المجتمع فيقول‪" :‬ذلك ولو يشاء الله‬
‫لنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض"‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولقد كشف الباحثون المنصفون عن هذا الدور الخطير الذي قام به السلم‬
‫في "تحضير" البشرية ورفعها إلى درجة النسانية فيقول إيربري‪ :‬إن السلم‬
‫لم يكد ينزل على محمد في قلب جزيرة العرب حتى بدأ يغزو العالم بسرعة‬
‫أذهلت المفكرين المحللين للتاريخ‪ .‬وقد حاول المؤرخون المحدثون تعليل‬
‫هذه النتصارات الواسعة والفتوحات العظيمة بردها إلى عوامل اقتصادية أو‬
‫حربية أو سياسية ولكن كل تلك التفسيرات ظلت عاجزة عن التعليل الصحيح‬
‫فكان لبد من الرجوع إلى العامل المؤثر وهو الدين الجديد‪.‬‬
‫"إن بلغة القرآن المعجزة مع بساطة تعاليم السلم التي جاءت في هذا‬
‫الكتاب هي المفتاح لحل لغز أعظم "مد" في تاريخ الديان ذلك أن السلم‬
‫جاء يدعو إلى حياة منظمة جادة‪ ،‬حياة جماعة عاهدوا الهل أن يخضعوا‬
‫لرادته في كل أمر‪ ،‬وأن يجاهدوا في حمل كافة البشر على القرار بقدرته‬
‫وملكوته‪.‬‬
‫حقًا‪ ،‬اختار محمد رسول الله الرفيق العلى‪ ،‬ولكن رسالته بقيت‪ ،‬حملها‬
‫معهم المجاهدون إلى أطراف الرض وكانوا جندا ً وفي الوقت نفسه مبشرين‬
‫بدعوة الدين الجديد‪ .‬وأعلن أكثر من باحث غربي أن انتشار السلم كان أكبر‬
‫خرقا ً للعادة‪ ،‬يقول )م‪ .‬روي( أن امبراطورية أغسطس الرومية بعد ما وسعها‬
‫بطلها )تراجان( نتيجة فتوح عظيمة في سبعة قرون ولكنها ل تساوي المملكة‬
‫السلمية التي أسست في أقل من قرن‪ .‬إن امبراطورية السكندر لم تكن‬
‫في اتساعها إل كسرا ً من كسور مملكة الخلفاء الواسعة‪ .‬أن المبراطورية‬
‫الفارسية قاومت الروم زهاء ألف سنة ولكنها غلبت وسقطت أمام سيف الله‬
‫في أقل من عشر سنوات‪ ،‬وما تزال مسألة "لماذا انتصرت الجيوش‬
‫السلمية القليلة العدد والعدة على الجيوش الضخمة" أكبر معضلة في تاريخ‬
‫السلم وموضع دهشة الباحثين‪ ،‬حين استطاع بسرعة انتشاره المذهلة خلل‬
‫فترة قصيرة أن يبسط جناحيه من حدود الصين إلى حدود فرنسا‪.‬‬
‫ويرجع ذلك في الرأي الصدق إلى طبيعة العقيدة وجمعها بين الدنيا والخرة‬
‫والعقل والقلب وطابع العدل والرحمى والخاء البشري وتحرير العقل‬
‫النساني من الوثنية وتحرير الجسد البشري من العبودية‪.‬‬
‫فقد عرف السلم منذ يومه الول بمرونته في مواجهة الحضارات والثقافات‬
‫وإتاحة الفرصة لهل البلد في حكم أنفسهم‪ ،‬وحرية العبادة وعدم فرض‬
‫العقيدة السلمية عليهم بالقوة‪ ،‬وكون السلم ليس دينا ً فحسب ولكنه كان‬
‫في مجمله منهج حياة ونظام مجتمع‪.‬‬
‫وقد أدى السلم دورا ً حضاريا ً وثقافيا بالغ الخطورة خلل ألف سنة كاملة‬
‫ً‬
‫وإنساب إلى مختلف الثقافات والعقليات فمنها من تقبلته عقيدة ومنها من‬
‫تقبلته ثقافة وحضارة‪ ،‬وهو الذي أنشأ بذرة الحضارة الحديثة حين قدم لها‬
‫المنهج العلمي التجريبي‪.‬‬
‫لقد كانت الدولة وأصحاب الديان يفرضون مذاهبهم وعقائدهم بالقوة‪ ،‬أما‬
‫السلم فقد ترك لكل إنسان حريته في العبادة وأقام العدل وحمى معابد‬
‫اليهود والنصارى ولم يحارب المسلمون أبدا ً في سبيل نشر السلم وإنما‬
‫ردوا على عدوان من اعتدى عليهم أو وقف في طريق دعوتهم‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بماذا انتصر المسلمون؟‬


‫يقول ماكس مايرهوف في كتابه )العالم السلمي(‪:‬‬
‫"يكاد يكون مستحيل ً أن نفهم كيف أن أعرابا ً منقسمين إلى عشائر ليس‬
‫عندهم العدد والعتدة اللزمة يهزمون في هذا الوقت القصير جيوش‬
‫الرومان والفرس الذين كانوا يفوتونهم في العداد والعتاد وكانوا يقاتلونهم‬
‫في كتائب منظمة‪ ،‬أن القول بالمراس الذي عرفه العرب للحروب والقتال‬
‫والنظم والنقياد العام للقيادة فيه مغالطة كبيرة‪ ،‬فقد ثبت أن الروم والفرس‬
‫كانوا راقين في النظام الحربي‪ ،‬وقد بلغت الدولة البيزنطية في بداية القرن‬
‫السابع المسيحي زهوها وأوج قوتها‪ ،‬ودحر الروم الفرس وردوهم على‬
‫أعقابهم عام ‪ 625‬قبل زحف المسلمين على الشام باثنتى عشرة سنة فقط‪،‬‬
‫وقد وقف ‪ 24‬ألف مسلم في وجه الروم الذين كانوا أكثر من مائة وثمانين‬
‫ألفًا"‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬لقد كان اليمان هو الموازن لفرق الكفة من ناحية العدد والعدة‪ ،‬فقد‬
‫كان المسلمون يدخلون معاركهم وقد آمنوا بأن الحرص على الموت يهب‬
‫الحياة وكانوا يقدمون أنفسهم وأرواحهم لله خالصة‪.‬‬
‫ولقد كان المسلمون رحماء في فتوحهم كرماء مع خصومهم أيضا‪ً.‬‬
‫أين هذا مما يقوله مؤرخ الحروب الصليبية حين يقول‪" :‬إذا كنت تريد أن‬
‫تعرف المعاملة التي لقيها أعداؤنا في بيت المقدس فيكفي أن تعلم أن‬
‫أصحابنا كانوا يخوضون في بحر من الدماء حتى الركب ولم يستطع أحد من‬
‫الكفار )المسلمين( الخروج سالما ً ولم نعف عن أحد حتى النساء والطفال"‪.‬‬
‫أين هذا الذي فعله المسلمون مما فعله فيليب الثاني بأمر البابا عندما أصدر‬
‫أمرا ً يقضي بطرد جميع المسلمين من إسبانيا وقبل أن يتمكن المسلمون من‬
‫الفرار والنجاة بأنفسهم تم القضاء على ثلثة أرباعهم بأمر الكنيسة والذين‬
‫استطاعوا النجاةة من الموت أصدرت في حقهم محاكم التفتيش أمرا ً‬
‫بالعدام ثم القضاء على ثلثة مليين مسلم دون مبرر‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومع ذلك فقد أعطى المسلمون حضارتهم ولم يبخلوا‪ :‬يقول المؤرخ الكبير‬
‫هونشو‪ :‬لقد خرج الصليبيون من ديارهم لقتال المسلمين فإذا هم جلوس‬
‫تحت أقدامهم يأخذون عنهم أفانين العلم والمعرفة‪ ،‬ولقد بهت أشباه الهمج‬
‫عندما رأوا حضارة المسلمين التي رجحت حضارتهم رجحانا ً ل تصح معه‬
‫المقارنة بينهما‪.‬‬
‫وكان هناك جانب خفي على الغرب‪ ،‬هو أنهم لم يفهموا السلم فهما ً صحيحا ً‬
‫فقد استقى الغربيون معارفهم عن السلم من مصدرين )كما يقول أدوين‬
‫كالفرلي( أحدهما يتمثل في الشائعات التي روجها بعض المحاربين والتجار‬
‫الغربيين وغيرهم‪ ،‬وأل يتمثل في المعلومات التي أذاعها الغربيون القليلون‬
‫الذين اطلعوا على القرآن وغيره من كتب السلم‪ ،‬وقد ذخرت الشائعات‬
‫التي روجت عن السلم بأخطاء كثيرة ما زال بعضها راسخا ً في أذهان كثير‬
‫من الغربيين ومن بين هذه الخطاء أن المسلمين يعبدون محمدا ً وليس‬
‫عسيرا ً أن يتقبل الغربي هذه الفكرة فكما أن بعض المسيحيين يعبودون‬
‫المسيح‪ ،‬فكذلك يظن بعض الغربيين أن المسلمين يعبدون محمدا ً مؤسس‬
‫دينهم الذي يطلق عليه الغربيون لهذا السبب اسم "المحمدية"‪.‬‬
‫وقد كانت هذه الفكرة شائعة في أوربا قبل حروب الصليبيين وأثناءها ثم‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زادت رسوخا ً ورواجا ً عند عودة الصليبيين من حروبهم فقد حاول الدعاة من‬
‫رجال الدين وقادة الجيوش العائدة أن يثيروا في نفوس الجنود بغض‬
‫المسلمين فأخذوا يروجون الشاعات المضللة عن معتقدات المسلمين‬
‫وتقاليدهم وفي مقدمتها أنهم يعبدون محمدا ً نبيهم ووجدت هذه الشاعات‬
‫مرعى خصبا ً بين أولئك الجنود فأخذوا يتناقلونها ويرددونها مع الزيادة فيها‬
‫ولسيما أن أكثرهم كانوا أميين ل يقرأون ول يكتبون حتى بلغتهم الصلية‪ ،‬كما‬
‫أنهم لم يختلطوا بالمسلمين ولم يكونوا يعرفون العربية‪ ،‬فلم يتح لهم أن‬
‫يقرأوا أو يسمعوا شيئا ً يذكر عن السلم والمسلمين‪ ،‬والعجيب أن هذه‬
‫الفكرة الخاطئة ما زالت شائعة تجد الطريق ممهدا ً لترويجها ويروج كتاب‬
‫)ماركوبولو( لهذه الفكرة الخاطئة بطريقة غير مباشرة‪ .‬ففي الفصل‬
‫الخامس منه يتحدث ماركوبولو عن العرب الذين يعبدون محمدًا‪.‬‬
‫وهناك صحف غربية كثيرة ل تزال تقع في هذا الخطأ وتردده‪ ،‬وبعض المعاهد‬
‫الغربية تلقن طلبتها هذه الفكرة ويرى أساتذها أن محاولة المسلم أن يطيع‬
‫محمدا ً ويحاكيه في كل أفعاله ليس إل عبادة في حين يقرر المسلمون جميعا ً‬
‫أنه ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الهل وفي حين أن طاعة المسلمين‬
‫لمحمد ليست إل طاعة لله الواحد الحد الذي دعاهم إلى عبادته‪.‬‬
‫ويصور برناردشو موقف الغرب من السلم فيقول‪" :‬لقد عمد رجال‬
‫الكليروس في العصور الوسطى إلى تصوير السلم في أحلك اللوان‬
‫والواقع أنهم كانوا يسرفون في كراهية محمد وكراهية دينه ويعدونه خصما ً‬
‫للمسيح أما أنا فأرى واجبا ً على أن يدعي محمد منقذ النسانية وأعتقد أن‬
‫رجل ً مثله إذا تولى زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشكلته"‪.‬‬
‫والواقع أن محمدا ً ودينه لم يكرها المسيح عليه السلم ولم يختصما معه بل‬
‫آمنا به إيمانهم بكل أنبياء الله ورسله وكتبه وقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬إنما مثلي ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا ً فجمله وحسنه‬
‫إل موضع لبنة في زاوية من زواياه‪ ،‬فكان الناس يطوفون بالبيت ويعجبون‬
‫ويقولون‪ :‬هل وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم المرسلين"‪.‬‬
‫ولقد أنكر الغرب وإلى زمن قريب في مدى أربعة قرون فضل المسلمين‬
‫على الحضارة العالمية‪ ،‬أما المسلمون فأنهم قد اعترفوا بما أفادوا من تراث‬
‫المم‪ ،‬هذا الذي غربلوه ونخلوه في ميدان العلوم الطبيعية والرياضية فحسب‬
‫أما في مجال النسانيات والعقائد وأسلوب العيش والدب فإنهم لم يأخذوا‬
‫من أحد واستهدوا فطرتهم وطبيعتهم وفي مجال العلوم استطاعوا أن ينشئوا‬
‫المنهج العلمي التجريبي وكانوا منصفين دائما ً لكل من عرفوا من علم‬
‫واعترفوا بفضل من سبقهم في أي ميدان دون أن يجدوا في ذلك غضاضة‪،‬‬
‫فقد علمهم دينهم‪ :‬العدل والنصاف من النفس وقد فعل الغرب ذلك كله‬
‫ليصور المسلمين أمام أهليهم بصورة العاجزين عن النبعاث مرة أخرى أو‬
‫بصورة التابعين لحضارة العرب ورغبة في إحكام السيطرة والنفوذ على‬
‫مقدراتهم‪ ،‬كما حاولوا إثارة الفتن القديمة والخلفات بين مختلف الوفود التي‬
‫طويت مرة أخرى للتفريق بين المسلمين‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد استعاد السلم وحدة الفكر من جديد وعرف أهداف الغزو‬
‫والتغريب وقطع مراحل طويلة في التقدم الجتماعي وفي التوسع السلمي‬
‫فدخل بلدا ً كثيرة وانتشر في مختلف القارات وأثلجت كلمة ل إله إل الله‬
‫مليين الصدور التي كانت حائرة مضللة‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ووصف ذلك عدد من المؤرخين المنصفين فقال أحدهم أنه متى دخلت قبيلة‬
‫من القبائل الوثنية في السلم اختفت عنها في الحال عبادة الشيطان وعبادة‬
‫البشر وأكل لحم النسان وتقديم الضحايا البشرية وقتل الولد والسحر‪،‬‬
‫وصاروا يرتدون الثياب وحلت فيهم النظافة وشعروا بالعظمة واحترام النفس‬
‫وصار قرى الضيف عندهم من الواجبات الدينية وندر شرب المسكرات وحرم‬
‫القمار والرقص المنافي للعفة وفوضى اختلط الجنسين وصارت طهارة‬
‫العرض من أعظم الفرائض وذهبت البطالة والكسل ودخل العمل والكد‬
‫محلهما وتغلب النظام والرزانة على الشقاق وحرمت القسوة على الحيوان‬
‫والعبيد‪ ،‬وتعلموا الشعور بالنسانية واللطف والخوة‪ ،‬وصدق الله العظيم إذ‬
‫يقول‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫"أفمن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في‬
‫الظلمات ليس بخارج منها"‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫من عالم الغيب‬


‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ضُر‬
‫خ ِ‬ ‫ن آفاقه انطلقت ‪ ... ...‬أشواقه ورؤاه والهوى ال َ‬ ‫ن عالم الغيب ! م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ج أنوارها دفق الحياة بها ‪ ... ...‬وينتشي من نداها العود والّزهُر‬ ‫ُ‬ ‫تمو‬
‫مُر‬‫ُ ُ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫عنده‬ ‫ويزكو‬ ‫الحياة‬ ‫يغني‬ ‫ُ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫أرج‬ ‫أنفاسها‬ ‫من‬ ‫الرض‬ ‫ر‬
‫وتنش ُ‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫خب َُر‬‫جلى به ال َ‬ ‫كلم ٍ ي ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫ف وع ْ‬ ‫حْر ٍ‬
‫ث في دنياه يبحث عن ‪َ ... ...‬‬ ‫ن ي َْله ُ‬ ‫م كا َ‬ ‫ك ْ‬
‫سُر‬ ‫َ‬ ‫سأ ُ‬ ‫يظ ّ‬
‫مه ونواحي الرض تْنح ِ‬ ‫ة ‪ ... ...‬أما َ‬ ‫مغلق ٌ‬ ‫ل والفاقُ ٌ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫ل والصوُر‬ ‫ت دونه الما ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫كأّنما الليل ألقى من كلك ِل ِهِ ‪ ... ...‬وضي ّ َ‬
‫ل في التيه ل نوٌر ول بصُر‬ ‫لول انفراج من الرحمن أدركه ‪ ... ...‬لظ ّ‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫ت على آفاقها الفكُرَ‬ ‫ت جال ْ‬ ‫ة ‪ ... ...‬لو شئ َ‬ ‫مبّين ٌ‬‫ت ُ‬ ‫ك آيا ٌ‬ ‫فانظْر حوالي َ‬
‫ل به ‪ ... ...‬ويرتقي في رؤى آياته الّنظُر‬ ‫ك قلبا ً كي تجو َ‬ ‫ك رب ّ َ‬ ‫حبا َ‬
‫هدايتها ‪ ... ...‬ما دام يحفظها من صدقك الذ ّك َُر‬ ‫ت فيها ِ‬ ‫وِفطرةً غرس ْ‬
‫تصونها من هوى الثام ! تغسلها! ‪ ... ...‬بتوبة وخطا يمضي بها الحذُر‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫م والثُر‬ ‫ُ‬ ‫العز‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫لدي‬ ‫ح‬
‫ّ‬ ‫وص‬ ‫يها‬‫ِ ْ‬ ‫ف‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫هوى‬ ‫ح‬
‫َ ّ‬ ‫ص‬ ‫لله‬ ‫ت فطرة‬ ‫ما صف ْ‬ ‫ل ّ‬
‫ك اليات و العِب َُر‬ ‫جلوه من حول َ‬ ‫فّتح ما قد ترتجيه وما ‪ ... ...‬ت َ ْ‬ ‫هنا ت َ َ‬ ‫ُ‬
‫ستتُر‬ ‫ُ ْ‬ ‫ي‬ ‫كان‬ ‫ما‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫فرأ‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫بصير‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫فانفرج‬ ‫!‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫الح‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫نو‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫لقلب‬ ‫تجلو‬
‫ك الخطُر‬ ‫ف َ‬ ‫مه ملتمسا ً ‪ ... ...‬درب النجاة وإل ح ّ‬ ‫ْ‬ ‫فالز‬ ‫هدى‬ ‫ج ال ُ‬ ‫ت نهْ َ‬ ‫عرفْ َ‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫‪ ... ...‬الرياض‬
‫‪2/1/1424‬هـ‬
‫‪6/3/2003‬م‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من عبد الله بن حذافة إلى شباب المسلمين‬


‫استوقفني شاب مسلم اسمه عبد الله يرتفع الذان وتقام الصلة بجواره وهو‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غير عابئ بذلك النداء وكأنه موجه لغيره من أصحاب الديانات الخر‍ى وأطلقت‬
‫بصري فإذا شاب آخر اسمه عبد الله وهو يهز رأسه طربا ً ويهتز لحمه‬
‫ن غربي! وقلبت إحدى المجلت فإذا بمن‬ ‫وعظمه على أنغام أصوات مغ ٍ‬
‫اسمه عبد الله وهوايته الرقص والموسيقى! وشرقت وغربت ‪ ..‬وتأملت فإذا‬
‫المر أعظم من ذلك؟ عندها انطلقت استحث الخطا وأسابق الركب عبر‬
‫أربعة عشر قرنا ً لرى حال من كان اسمه عبد الله! فإذا أمة من الناس‬
‫رفعوا للمة رأسا ً وأعلوا للدين منارًا‪ ،‬ول يزال التاريخ يردد جهادهم وصبرهم‬
‫على صغر سن فيهم وحداثة دين منهم! لكن نتوقف مع شخص مرت به‬
‫أحداث خطيرة ومواقف عظيمة وقابل رؤساء أعظم دول عصره‪ ،‬استقبله‬
‫كسرى ملك الفرس وقيصر عظيم الروم وهو الرجل العربي الذي ل تهمه‬
‫البرتوكولت ول التقاليد الرسمية ‪ ..‬ل يعرف إل شمسا ً محرقة وسماء صافية‬
‫وخباٍء في ظل شجرة يحوي كسرة خبز! أقبل ميمما ً وجهه نحو إيوان كسرى‬
‫فتحت له الكنوز والخزائن! وألقت إليه الحضارة في حينه‬ ‫وملك قيصر ف ُ‬
‫بركابها لكنه أبى أن يمتطيها وأعرض عن زينتها ‪ ..‬قاسمة كسرى ملكه‬
‫الواسع وغناه الفاحش لكنه رفض! قدم له ابنته الفاتنة لكنه أشاح بوجهه‬
‫ن يستشرف‬ ‫وأبى! نعم رفض تمييع دينه وأبى ترك ملته وجانب الدنيا ‪ ..‬مؤم ٌ‬
‫الجنة ويسعى إلى نيلها! لننطلق نرى ما يقوله أصحاب السير عن هذا الرجل‬
‫الفذ! مع إقامة الدولة السلمية في المدينة ولرغبة إخراج الناس من عبادة‬
‫العباد إلى عبادة رب العباد ولتبليغ هذا الدين إلى أقصى الرض ‪ ..‬في السنة‬
‫التاسعة عشرة للهجرة بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشا ً لحرب‬
‫الروم فيه وجوه المة ورجالها‪ .‬وقد أفزع قيصر عظيم الروم هذا الزحف‬
‫القادم من صحراء جزيرة العرب القاحلة وناله الرعب واستولى على قلبه‬
‫الهلع‪ .‬فأمر رجاله إذا ظفروا بأسير من أسرى المسلمين أن يأتوا به إليه‬
‫ليرى حالهم ويسمع من أفواههم ‪ ..‬وكان ذلك السير الذي أخذ إلى ملك‬
‫الروم هو عبد الله بن حذافة رضي الله عنه! ‪ ..‬لم يكن قيصر إل رجل ً داهية‬
‫وسياسيا ً محنكا ً يعرف مواطن الضعف عند الرجال ويعلم محبة النفوس للدنيا‬
‫‪ ..‬تأمل قيصر في طلعة عبد الله بن حذافة وصلبة عوده وقوة شكيمته‬
‫ل‪ :‬إني أعرض عليك أمرا ً ‪ ..‬أعرض عليك أن تتنصر فإن فعلت‬ ‫فبادره قائ ً‬
‫خليت سبيلك وأكرمت مثواك! إنه عرض مغر لسير ينتظر الموت لكن‬
‫القلوب تختلف والرجال تتباين ‪ ..‬كان الرد الفوري والحازم ممن عمر اليمان‬
‫ي ألف مرة مما تدعوني إليه!‬ ‫قلبه‪ :‬هيهات هيهات ‪ ..‬إن الموت لحب إل ّ‬
‫تعجب قيصر وأعاد الكرة مرة أخرى بعرض آخر يسيل له لعاب الكثير ‪ ..‬قال‬
‫له‪ :‬إني لرى فيك صفات الرجل الشهم العاقل ‪ ..‬فأجبني إلى ما أعرضه‬
‫عليك ‪ ..‬فإن أجبتني أشركتك في ملكي وقاسمتك سلطاني! تعال أيها العربي‬
‫‪ -‬الذي أحرقت الشمس وجهه ‪ -‬أقاسمك مملكة الروم العظيمة وأزوجك ابنة‬
‫مجهد‬ ‫سيد الروم الجميلة! عروض متتالية لرجل فقير مسكين رث الثياب ُ‬
‫الخطوات ‪ ..‬ل يملك حفنة من الرض مقيد بالسلسل ومكبل بالقيود والموت‬
‫يحوم فوق رأسه! فماذا كان جوابه في تلك اللحظات الفاصلة في حياته!‬
‫قال عبد الله بن حذافة رضي الله عنه بثقة المؤمن بربه الراغب فيما عنده‪:‬‬
‫والله لو أعطيتني جميع ما تملك‪ ،‬وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن‬
‫دين محمد طرفة عين ما فعلت! نعم ليس ملكك فحسب ‪ ..‬وليس تنصرا ً‬
‫مستمرا ً ‪ ..‬بل رجوع طرفة عين ما فعلت! رأي قيصر أن هذا المؤمن ل تلين‬
‫له قناة ولن تنفع معه وسائل الغراء وطرق الترغيب ‪ ..‬فهب واقفا ً وهو‬
‫يصرخ متهددا ً متوعدًا‪ :‬إذا أقتلك! قال ذلك والجلد على رأس عبد الله‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والسيف مجرد من غمده ‪ ..‬وانتظر قيصر الجواب من عبد الله فإذا به يأتي‬
‫صلب وقال‬ ‫كالسهم محمل باليمان والثبات‪ :‬أفعل ما بدا لك! فأمر به ف ُ‬
‫لقناصته‪ :‬ارموه قريبا ً من يديه وهو يعرض عليه التنصر! ولكن عبد الله‬
‫والسهام تتخطفه أبى! فقال‪ :‬ارموه قريبا ً من رجليه وهو يعرض عليه مفارقة‬
‫دينه فأبى! عندها دعا قيصر بقدر عظيم فصب فيه الزيت ورفعه على النار‬
‫حتى غلى الزيت وارتفع صوته وعبد الله ينظر ثم أتي بأسير من أسارى‬
‫المسلمين‪ ،‬فأمر به أن ُيلقى فيها فألقي أمام عين عبد الله ‪ ..‬فإذا لحمه‬
‫يتفتت وينسلخ ويظهر عظمه ‪ ..‬عند هذا المنظر الرهيب والموقف العصيب‬
‫التفت قيصر إلى عبد الله بن حذافة ودعاه إلى النصرانية والحداث متسارعة‬
‫والقدر تغلي ‪ ..‬لكن عبد الله كان أشد إباء لها من قبل فلم تّلن له قناة ولم‬
‫تفت منه عضد! زاد حنق قيصر ‪ ..‬وقال ما هذا الرجل الذي أمامي أعرض‬
‫عليه ملكي وابنتي فيرفض وأعرض بين يديه النار والقدر تغلي زيتا ً فيأبى ‪..‬‬
‫حمل‬ ‫عندها أمر رجاله وقد تطاير الشرر من عينه‪ :‬هيا ألقوا به مثل صاحبيه! ُ‬
‫عبد الله على عجل وارتفعت اليدي لتلقي به في القدر ‪ ..‬فأبصر أحد رجال‬
‫قيصر منه دمعة تحدرت ‪ ..‬فقال لقيصر فرحا ً بالنتصار‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لقد بكى! وظن أنه قد جزع من ما يرى من الهوال والشدائد ورضي‬


‫ي ! فملما ردوه إليه ومثل‬ ‫بالعروض المقدمة إليه‪ ،‬فقال قيصر‪ :‬ردوه عل ّ‬
‫أمامه عرض عليه النصرانية فرفضها‪ .‬فقال له متعجبًا‪ :‬ويحك ماذا أبكاك! قال‬
‫عبد الله بن حذافة رضي الله عنه‪ :‬أبكاني أني قلت في نفسي‪ُ :‬تلقى الن‬
‫في هذه القدر فتذهب نفسك‪ ،‬وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في‬
‫جسدي من شعر أُنفس فُتلقى كلها في هذا القدر في سبيل الله‪ .‬فتعجب‬
‫الطاغية الظالم وقال‪ :‬هل لك أن ُتقبل رأسي وأطلق سراحك‪ .‬فقال عبد الله‬
‫وهو يرى أمة من المسلمين في السر‪ :‬وعن جميع أسارى المسلمين كلهم!‬
‫وافق القيصر وعبد الله يقول في نفسه‪ :‬أتى الفرج لهؤلء السرى ‪ ..‬نعم‬
‫أقبل رأس الظالم ويطلق أسارى المسلمين ‪ ..‬دنا بعزة وهيبة وقبل رأس‬
‫قيصر! وعندما وطأت قدما عبد الله بن حذافة المدينة النبوية كان الخبر قد‬
‫سبقه إلى أهلها ‪ ..‬قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو فرح مسرور‬
‫بثبات عبد الله وقوة إيمانه‪ :‬حقّ على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن‬
‫حذافة‪ ،‬وأنا أبدأ بذلك! فقام وقبل رأس عبد الله بن حذافة رضي الله عنه‪ .‬يا‬
‫عبد الله ‪ -‬هذا الزمن ‪ -‬دعنا نقبل رأسك وانطلق إلى المسجد مصليا ً ‪ ..‬دعنا‬
‫نقبل رأسك وكن ثابت اليمان قوي الرسوخ! يا عبد الله دعنا نقبل رأسك‬
‫وفك أسرك من رق الشهوات ومواطن الريب والخنا‪ .‬دعنا نقبل رأسك مرات‬
‫ومرات ول تكن إمعة يسيرك العداء حيث شاءوا وهو ما نراه في مظهرك‬
‫ومخبرك!‬
‫عبد الملك القاسم‬
‫] من إصدارات دار القاسم [‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من عجائب آخر الزمان !!‬


‫يحيى شاب عاقل! طيب القلب‪ ,‬حسن الخلقة و الخلق‪ ,‬رجل يتفجر رجولة‪,‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خاب في السواق ول‬ ‫وحيوية‪ ,‬يعرفه كل من يعرفه بذلك! هادئ الطباع‪ ,‬ل ص ّ‬
‫ً‬
‫جعظري جواظ‪ ,‬وليس بالكول‪ ,‬ول الجموع المنوع‪ ...‬لكنه جاء يوما في حالة‬
‫محياه سحابة مظلمة‪ ,‬وألفاظه تخرج من فمه متناثرة غير مرتبة‬ ‫كئيبة‪ ,‬تعلو ُ‬
‫فقلت له‪:‬‬
‫ة؟ فما هذه إل سجية من ُرمي؟!‬ ‫ت بنظر ٍ‬
‫م أم ُبلي َ‬ ‫‪ -‬ما لك! أصابك سه ٌ‬
‫ت في أزمة في هذا الزمن *** !‬ ‫‪ -‬قال‪ :‬ما لي؟ وقع ُ‬
‫‪ -‬قلت‪ :‬لعلك راجعت إدارة الحوال المدنية لضافة مولودك الصغير‪ ,‬وطلبوا‬
‫منك شاهدي عدل واثنين يزكيانهما وتصديقا ً من عمدة البلد وتقسم لهم بالله‬
‫العظيم على كتابه الكريم أن هذا المولود لك ل لحدٍ غيرك ولدته أمه في‬
‫المستشفى الفلني في الساعة الفلنية بشهادة الشهود! عجبي‪ ..‬وأن تلك‬
‫الشهادة التي تكرم بها المستشفى لثبات واقعة الولدة صادقة حقيقية غير‬
‫مزورة‪ ,‬فلم يصدقوك! لنهم يحسبون أّنا نأتي بالطفال من الشوارع لنتبّناهم‬
‫لننا نتمتع بفائض اقتصادي هائل ل ندري أين وكيف ولمن نصرفه!‬
‫أو لعلك طلبت تجديد بطاقتك الشخصية فطلبوا منك النتظار قرابة ستة‬
‫أشهر حتى يبعثوها إلى أصل الملف في مدينتك التي استخرجتها منها في‬
‫سالف الزمان؟؛ فأصبحت اليوم تمشي بين الناس بل هوية ول بطاقة أحوال‬
‫أي أنك )بدون( كما في أختنا الكويت‪.‬‬
‫أو لعلك طلبت تعديل مهنتك من )متسبب( إلى )موظف( وأعددت جميع ما‬
‫يحتاجون من َقسم ٍ على المصحف! وشهادة شاهدين‪ ,‬وصورتين شمسية‬
‫حديثة من إنتاج هذا العام‪ ,‬وبعثت بصور الوثائق‪ ,‬واستمارة الطلب مزخرفة‬
‫بتوقيعكم الفاضل‪ ,‬وتوقيعات الشهود‪ ,‬مع أحد الزملء ليخدمك فيها؛ نظرا ً‬
‫لنشغالك الشديد‪ ..‬فحلفوا يمينا ً غموسا ً أل ّ يقبلوها إل ّ بحضور صاحبها ولو لم‬
‫يأت إل ّ في عام ‪1430‬هـ!‬
‫‪ -‬قال‪ :‬ل‪ ..‬لم أذهب إلى إدارة الحوال فالحديث عنها ذو شجون‪ ,‬وهناك‬
‫أحوال وأهوال! ولديهم جهاز مظلوم حقا ً اسمه )كمبيوتر( يتقاضى راتبا ً‬
‫شهريا ً ول يعمل!‬
‫‪ -‬قلت‪ :‬إذن‪ ..‬لعلك ابُتليت بشخص في شركة التصالت يبعث لك كل شهر‬
‫ف ل تعرف متى استخرجته‪ ,‬ول تذكر له رقمًا‪ ,‬ولم‬ ‫فاتورة على عنوانك لهات ٍ‬
‫تلمس أزراَره يداك الناعمتان ولم ُتدخله بيتك‪ ..‬والغريب في المر أن صورة‬
‫من بطاقتك الشخصية وجدَتها ُتزين ذلك الملف‪ ,‬وتوقيعكم الكريم في أسفل‬
‫استمارة الطلب‪.‬‬
‫أو لعلك‪ ..‬تتلقى كل شهر رسوما ً لهاتفك الجوال الذي قضى نحبه منذ زمن‬
‫بعيد؛ ُتسمى رسوم الخدمة والتي ل تتوقف إل ّ إذا توقفت عجلة الحياة وورث‬
‫الله الرض ومن عليها!‪.‬‬
‫أو ربما أردت السفر إلى خارج البلد لكمال دراستك العليا‪ ,‬ففوجئت بهم في‬
‫المطار يشهرون بك على رؤوس الخلئق ويمنعونك من السفر حتى تقوم‬
‫بتسديد فاتورة )بيجر( كان في حوزتك قبل الحرب العالمية الولى‪ ,‬فتشاغلت‬
‫كروك بشأنه منذ سنوات وآمادٍ بعيدة‪..‬‬ ‫عنه بالتكنولوجيا الحديثة‪ ,‬وهم لم يذ ّ‬
‫وتكرم مشكورا ً )كمبيوتر( الجوازات بالقبض عليك متلبسا ً بالجرم العظيم‪..‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬ل‪...‬‬
‫‪ -‬قلت‪ :‬اصدقني القول‪-:‬‬
‫هل راجعت أحد مكاتب الستقدام المينة‪ ,‬فاستقدمت خادمة‪ ,‬فاكتشفت أنها‬
‫ت ذلك بتقرير طبي من أكبر المستشفيات الحكومية المعترف بها‬ ‫مريضة وأثب ّ‬
‫عالميًا‪ ..‬فأردت إرجاع الخادمة؛ فلم يقبلها منك المكتب واتهمك بتزوير‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التقرير؟ ورماها في الشارع؛ فعثرت عليها دورية الشرطة فتكرمت مشكورة‬


‫بإيصالها إلى مكتب مكافحة التسول لسجنها هناك على ذمة التحقيق؛‬
‫وتقدمت أنت بشكوى إلى مكتب العمل والعمال فلم ينصفوك‪ ,‬وإلى‬
‫)‪ (...........‬مكتب الحوال الشخصية فأحالوا أوراقك إلى المحكمة لتمكث‬
‫هناك أحقابا ً تحت رحمة المواعيد البعيدة المد حتى تنقضي الثلثة الشهر‬
‫حنين؛ فتخسر الخادمة‬ ‫ي ُ‬‫خف ّ‬
‫المقررة لتجربة الخادمات؛ فتعود البيت بل ُ‬
‫ومبلغا ً قدره )‪ (5600‬ريال؛ ثم تقوم بترحيلها على كيسك الخاص‪ ...‬فلجأت‬
‫أخيرا ً إلى تملق المتنفذين في الشرطة ليقنعوا صاحب الفخامة مدير مكتب‬
‫الستقدام الموقر‪ -‬الذي تعاملت معه وراجعته شهرا ً ونصف دون فائدة‪-‬‬
‫ليقنعوه بوجوب العودة إلى إنسانيته وآدميته والتنازل عن دعوى تزوير‬
‫التقرير‪ ,‬ويقوم بتسفير الخادمة على حسابه الخاص لمرضها كما ينص عليه‬
‫عقدهم المحترم الذي كل بنوده تصب في مصلحتهم فقط أما المواطن ففي‬
‫ستين داهية! )والله يعوض عليك( كفافا ً ل لك ول عليك‪...‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬يا أخي‪ ..‬لم يقع لي هذا‪ ..‬و ل شيء منه‪..‬‬
‫ت الن‪..‬‬‫‪ -‬قلت‪ :‬عرف ُ‬
‫هل نجح ابنك من الثانوية بتقدير ممتاز ومعدل ‪ %95,75‬فوقف مثلما وقف‬
‫حمار الشيخ رحمه الله )أعني الشيخ( في العقبة؛ فلم ُيقبل في جامعة ول‬
‫كلية ول مطعم ول بقالة! لنه ل يحمل بيده ورقة أخرى تسند تلك الشهادة‪..‬‬
‫بها توقيع يكاد يخرق الورقة من غلظته؛ ل يراه أحد إل ّ قال‪ ...:‬أصبحنا وأصبح‬
‫الملك لله!‪ ،‬حتى تمنيت أن ابنك لم ينجح ولم يحصل على هذا التقدير؟!‪...‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬يا أخي أنت اليوم في حالة مضحكة‪ ..‬لم يحدث هذا ول‪....‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -‬قاطعته‪ :‬قلت‪ :‬إذن‪ ...‬المسألة أنك تخرجت أنت من الجامعة‪ ,‬جامعة‬


‫)ال…‪ (...................................‬على قدر اسمها! بتقدير )جيد( لنك‬
‫أخفقت لوفاة والدك في أول فصل ولم يعذروك فلزمك العار حتى تخرجت‬
‫ف ريقك‪ ,‬ولم تكن‬ ‫بهذا التقدير‪ ..‬فعطشت في طريق عودتك إلى منزلك‪ ,‬وج ّ‬
‫تحمل معك محفظتك وبها نقودك‪ ,‬ومررت على بقالة وقدمت شهادتك‬
‫للبائع‪ ..‬تزخرفها كتابة بخط جميل يقول )بكالوريوس( فلم تسقك شربة‬
‫ماء!‪...‬‬
‫فأردت أن تتقدم لنيل درجة الماجستير؛ فأصبحت أضحوكة في أروقة‬
‫الجامعة‪...‬‬
‫ثم أردت أن تحفظ ماء وجهك؛ وتقدمت لوزارة المعارف لتكون معلما ً‬
‫محترمًا‪ ..‬فظنوك من مواليد عام ‪800‬هـ! وأتيت بمخطوطة في يدك تحتاج‬
‫إلى من يفك رموزها‪ ..‬ويحققها ويقابلها بأصلها‪ ..‬ليعلم ما هي!‪ ,‬فخرجت‬
‫وأنت مهموم مغموم‪ ..‬فخطر على بالك أن ترفعها لتعطى رتبة على الكتف‬
‫ت أنها ل تزال تحتفظ بقيمتها التي كنت تذكرها‬
‫شعارها نجمة أو اثنتان وظنن َ‬
‫قبل عقد من الزمان‪ ..‬فقبلوها منك‪ ..‬على شرط أن تلبس بدلة عسكرية‬
‫نظيفة من كل شيء إل ّ من حزام يشد وسطك ل غنى عنه!‪..‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬أمرك غريب‪ ..‬مشكلتي‪ ..‬اسمع بارك الله فيك سأقصها عليك‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من غزل الفقهاء‬


‫قال لي شيخ من المشايخ المتزمتين‪ ،‬وقد سقط إليه عدد من الرسالة‪ ،‬فيه‬
‫مقالة لي في الحب‪.‬‬
‫مالك والحب‪ ،‬وأنت شيخ وأنت قاض‪ ،‬وليس يليق بالشيوخ والقضاة أن‬
‫يتكلموا في الحب‪ ،‬أو يعرضوا للغزل؟! إنما يليق ذلك بالشعراء‪ ،‬وقد نزه الله‬
‫نبّيه عن الشعر‪ ،‬وترفع العلماء وهم ورثة النبياء عنه‪ ،‬وصرح الشافعي أنه‬
‫يزري بهم‪ ،‬ولول ذلك كان أشعر من لبيد‪.‬‬
‫فضحكت‪ ،‬وقلت له‪.‬‬
‫أما قمت مرة في السحر‪ ،‬فأحسست نسيم الليل الناعش‪ ،‬وسكونه‬
‫الناطق‪ ...‬وجماله الفاتن‪ ،‬فشعرت بعاطفة ل عهد لك بمثلها‪ ،‬ول طاقة لك‬
‫على وصفها؟‬
‫ن حاذق قد خرجت من‬ ‫أما سمعت مرة في صفاء الليل نغمة عذبة‪ ،‬من مغ ّ‬
‫ست حّبة الفؤاد؟‬ ‫قلبه‪ ،‬فهّزت منك وتر القلب‪ ،‬وم ّ‬
‫أما خلوت مرة بنفسك تفكر في الماضي فتذكر أفراحه وأتراحه‪ ،‬وإخوانا‬
‫كانوا زينة الحياة فطواهم الثرى‪ ،‬وعهدا كان ربيع العمر فتصرم الربيع‪،‬‬
‫فوجدت فراغا في نفسك‪ ،‬فتلفت تفتش عن هذا الماضي الذي ذهب ولن‬
‫يعود؟‬
‫أما قرأت مرة قصة من قصص الحب‪ ،‬أو خبرا ً من أخبار البطولة فأحسست‬
‫بمثل النار تمشي في أعصابك‪ ،‬وبمثل جناح الطير يخفق في صدرك؟‬
‫أما رأيت في الحياة مشاهد البؤس؟ أما أبصرت في الكون روائع الجمال؟‬
‫فمن هو الذي يصور مشاعرك هذه؟ من الذي يصف لذائذك النفسية وآلمك‪،‬‬
‫وبؤسك ونعماءك؟ لن يصورها اللغويون ول الفقهاء ول المحدثون‪ ،‬ول الطباء‬
‫ول المهندسون‪ .‬كل أولئك يعيشون مع الجسد والعقل‪ ،‬محبوسين في‬
‫معقلهما‪ ،‬ل يسرحون في فضاء الحلم‪ ،‬ول يوغلون في أودية القلب‪ ،‬ول‬
‫يلجون عالم النفس‪ ...‬فمن هم أهل القلوب؟‬
‫إنهم الشعراء يا سيدي‪ ،‬وذلك هو الشعر!ـ‬
‫دون ويسعون‪ ،‬ويسيرون في صحراء الحياة‪ ،‬وقيد نواظرهم‬ ‫إن البشر يك ّ‬
‫كواكب ثلثة‪ ،‬هي هدفهم وإليها المسير‪ ،‬ومنها الهدي وهي السراج المنير‪،‬‬
‫وهي الحقيقة والخير والجمال‪ ،‬وإن كوكب الجمال أزهاها وأبهاها‪ ،‬إن خفي‬
‫صاحباه عن بعض الناس فما يخفى على أحد‪ ،‬وإن قصرت عن دركهما عيون‬
‫س الحقائق وأصل الفضائل‪ ،‬فلول جمال‬ ‫فهو ملء كل عين‪ ،‬والجمال بعد أ ّ‬
‫الحقيقة ما طلبها العلماء‪ ،‬ولول جمال الخير ما دعا إليه المصلحون‪ .‬وهل‬
‫ينازع في تفضيل الجمال إنسان؟ هل في الدنيا من يؤثر الدمنة المقفرة على‬
‫الجنة المزهرة؟ والعجوز الشوهاء على الصبية الحسناء؟ والسمال البالية‬
‫على الحلل الغالية؟‬
‫فكيف يكون فيها من يكره الشعر )أعني الشعر الحق‪ ،‬الذي يجمع سمو‬
‫المعنى‪ ،‬وموسيقى اللفظ‪ ،‬ل هذا الهذيان الذي نقرؤه الن ‪-‬الذي يدعونه‬
‫الشعر الحديث‪ -‬شعر الحدأثة أي الحدث الكبر الذي ل يتطهر منه صاحبه إل‬
‫بالغسل(‪ ،‬وهو جمال القول‪ ،‬وفتنة الكلم؟ وهو لغة القلب فمن لم يفهمه لم‬
‫يكن من ذوي القلوب‪ .‬وهو صورة النفس‪ ،‬فمن لم يجد فيه صورته لم يكن‬
‫إل جمادًا‪ .‬وهو حديث الذكريات والمال‪ ،‬فمن لم يذكر ماضيا‪ ،‬ولم يرج‬
‫مستقبل‪ ،‬ولم يعرف من نفسه لذة ول ألما‪ ،‬فليس بإنسان‪.‬‬
‫من غزل الفقهاء‬
‫ومن قال لك يا سيدي إن الله نزه نبيه صلى الله عليه وسلم عن الشعر لن‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشعر قبيح؟ إنما نفى عنه أن يكون شاعرا كمن عرف العرب من الشعراء‬
‫ورد عليهم قولهم‪" :‬إنه شاعر" لن الشاعر يأتيه الوحي من داخل نفسه‪،‬‬
‫والنبي يجيئه من السماء‪ ،‬وهذا الذي لم تدركه العرب‪ ،‬فقالوا قولتهم التي‬
‫ردها الله عليهم!‪.‬ـ‬
‫وأين وجدت حرمة الشعر‪ ،‬أو مذمته من حيث هو كلم جميل‪ ،‬يصف شعورا‬
‫نبيل؟ إنما يقبح إذا اشتمل على الباطل‪ ،‬كما يقبح كل كلم يشتمل عليه‪.‬ـ‬
‫ومن أين عرفت أن العلماء قد ترفعوا عنه‪ ،‬والكتب مملوءة بالجيد من‬
‫أشعارهم‪ ،‬في الحب والغزل ووصف النساء؟‬
‫أو ما سمعت بأن النبي صلى الله عليه وسلم أصغى إلى كعب وهو يهدر في‬
‫قصيدته التي يتغزل فيها بسعاد… ويصفها بما لو ألقي عليك مثله لتوّرعت‬
‫عن سماعه… وتصاممت عنه ‪ ،‬وحسبت أن التقى يمنعك منه وذهبت تلوم‬
‫عليه‪ ،‬وتنصح بالقلع عن قائله‪...‬ـ‬
‫وما سعاد غدة البين إذ برزت * * * كأنها منهل بالراح معلول‬
‫هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة * * * ل يشتكي قصر منها ول طول‬
‫وأن عمر كان يتمّثل بما تكره أنت‪ ..‬من الشعر‪ ،‬وأن ابن عباس كان يصغي‬
‫إلى إمام الغزلين عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬ويروي شعره؟ وأن الحسن البصري‬
‫كان يستشهد في مجلس وعظه‪ ،‬بقول الشاعر‪:‬ـ‬
‫اليوم عندك دلها وحديثها * * * وغدا لغيرك كفها والمعصم‬
‫وأن سعيد بن المسيب سمع مغنيا يغني‪:‬ـ‬
‫تضوع مسكا بطن نعمان إن مشت * * * به زينب في نسوة خفرات‬
‫فضرب برجله وقال‪ :‬هذا والله مما يلذ استماعه‪ ،‬ثم قال‪:‬ـ‬
‫وليست كأخرى أوسعت جيب درعها * * * وأبدت بنان الكف للجمرات‬
‫جل * * * على مثل بدر لح في الظلمات‬ ‫وعالت فتات المسد وخفا ً مر ّ‬
‫وقامت تراءى يوم جمع فأفتنت * * * برؤيتها من راح من عرفات‬
‫فكانوا يرون هذا الشعر لسعيد بن المسيب!‪.‬ـ‬
‫وما لي أدور وأسوق لك الخبار‪ ،‬وعندنا شعراء كان شعرهم أرق من النسيم‬
‫إذا أسرى‪ ،‬وأصفى من شعاع القمر‪ ،‬وأعذب من ماء الوصال‪ ،‬وهم كانوا أئمة‬
‫الدين وأعلم الهدى‪.‬ـ‬
‫هذا عروة بن أذينة الفقيه المحدث شيخ المام مالك يقول‪:‬ـ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن التي زعمت فؤادك ملها * * * خلقت هواك كما خلقت هوى لها‬
‫فبك الذي زعمت بها وكلكما * * * يبدي لصاحبه الصبابة كلها‬
‫ب لها * * * لو كان تحت فراشها لقلها‬ ‫ويبيت بين جوانحي ح ّ‬
‫ً‬
‫ولعمرها لو كان حبك فوقها * * * يوما وقد ضحيت إذن لظلها‬
‫وإذا وجدت لها وساوس سلوة * * * شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها‬
‫بيضاء باكرها النعيم فصاغها * * * بلباقة فأدقها وأجلها‬
‫منعت تحيتها فقلت لصاحبي * * * ما كان أكثرها لنا وأقلها!‬
‫فدنا فقال ‪ ،‬لعلها معذورة * * * من أجل رقبتها‪ ،‬فقلت ‪ :‬لعلها‬
‫هذه البيات التي بلغ من إعجاب الناس بها أن أبا السائب المخزومي لما‬
‫سمعها حلف أنه ل يأكل بها طعاما إلى الليل!‪.‬ـ‬
‫وهو القائل‪ ،‬وهذا من أروع الشعر وأحله‪ ،‬وهذا شعر شاعر لم ينطق بالشعر‬
‫تقليدا‪ ،‬وإنما قال عن شعور‪ ،‬ونطق عن حب‪ ،‬فما يخفى كلم المحبين‪:‬ـ‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قالت ) وأبثثتها وجدي فبحت به (‪ * * * :‬قد كنت عندي تحب الستر‪ ،‬فاستتر‬
‫ألست تبصر من حولي؟ فقلت لها‪ * * * :‬غطى هواك وما ألقى على بصري‬
‫هذا الشاعر الفقيه الذي أوقد الحب في قلبه نارا ل يطفئها إل الوصال‪:‬ـ‬
‫إذا وجدت أوار الحب في كبدي * * * عمدت نحو سقاء الماء أبترد‬
‫هبني بردت ببرد الماء ظاهره * * * فمن لحر على الحشاء يّتقد!؟‬
‫وهذا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود‪ ،‬أحد فقهاء المدينة السبعة‬
‫الذين انتهى إليهم العلم‪ ،‬وكان عمر بن عبد العزيز يقول في خلفته‪ :‬لمجلس‬
‫من عبيد الله لو كان حيا‪ ،‬أحب إلي من الدنيا وما فيها‪ .‬وإني لشتري ليلة من‬
‫ليالي عبيد الله بألف دينار من بيت المال‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬تقول هذا‬
‫مع شدة تحريك وشدة تحفظك؟ قال‪ :‬أين يذهب بكم؟ والله إني لعود برأيه‬
‫ونصيحته ومشورته على بيت المال بألوف وألوف‪ .‬وكان الزهري يقول‪:‬‬
‫سمعت من العلم شيئا كثيرا‪ ،‬فظننت أني اكتفيت حتى لقيت عبيد الله فإذا‬
‫كأني ليس في يدي شيء!‪.‬ـ‬
‫وهو مع ذلك الشاعر الغزل الذي يقول‪:‬ـ‬
‫شققت القلب ثم ذررت فيه * * * هواك فليم فالتمام الفطور‬
‫تغلغل حب عشمة في فؤادي * * * فباديه مع الخافي يسير‬
‫تغلغل حيث لم يبلغ شراب * * * ول حزن ولم يبلغ سرور‬
‫أفسمعت بأعمق من هذا الحب وأعلق منه بالقلب؟ ولم يكن يخفي ما في‬
‫قلبه‪ ،‬بل كان إذا لقيه ابن المسيب فسأله‪ :‬أأنت الفقيه الشاعر؟ يقول‪" :‬ل بد‬
‫للمصدور من أن ينفث" فل ينكر عليه ابن المسيب‪ .‬وهو القائل‪:‬ـ‬
‫كتمت الهوى حتى أضر بك الكتم * * * ولمك أقوام ولومهم ظلم‬
‫م عليك الكاشحون و قبلهم * * * عليك الهوى قد نم لو نفع النم‬ ‫ون ّ‬
‫وزادك إغراء بها طول بخلها * * * عليك وأبلى لحم أعظمك الهم‬
‫فأصبحت كالنهدي إذ مات حسرة * * * على إثر هند أو كمن سقي السم‬
‫أل من لنفس ل تموت فينقضي * * * شقاها ول تحيا حياة لها طعم‬
‫تجنبت إتيان الحبيب تأثما * * * أل إن هجران الحبيب هو الثم‬
‫فذق هجرها إن كنت تزعم أنه * * * رشاد أل يا ربما كذب الزعم‬
‫أل إن هذا هو الشعر!‪.‬ـ‬
‫واسمع يا سيدي أنشدك ما يحضرني من غزل الفقهاء‪ ،‬ل أستقصي ول أعمد‬
‫إلى الترتيب‪ ،‬وإنما أروي لك ما يجيئني‪ ،‬وما يدنو مني مصدره‪ .‬هذا أبو‬
‫السعادات أسعد بن يحيى السنجاري الفقيه الشافعي المتوفى سنة ‪ 622‬هـ‬
‫فاسمع من شعره ما ترقص منه القلوب‪ ،‬وتطرب اللباب‪ :‬حلوة ألفاظ‪،‬‬
‫وبراعة معنى‪ ،‬وحسن أسلوب‪ ،‬قال من قصيدة له‪:‬ـ‬
‫وهواك ما خطر السلو بباله * * * ولنت أعلم في الغرام بحاله‬
‫ومتى وشى واش إليك بأنه * * * سال هواك فذاك من عذاله‬
‫أوليس للكلف المعنى شاهد * * * من حاله يغنيك عن تسآله‬
‫جددت ثوب سقامه‪ ،‬وهتكت * * * ستر غرامه‪ ،‬وصرمت حبل وصاله‬
‫أفزلة سبقت له أم خلة * * * مألوفة من تيهه ودلله‬
‫أوما سمعت شعر الشيخ الشهرزوري الصوفي هاك منه قوله‪:‬ـ‬
‫فعاودت قلبي أسأل الصبر وقفة * * * عليها فل قلبي وجدت ول صبري‬
‫وغابت شموس الوصل عني وأظلمت * * * مسالكه حتى تحيرت في أمري‬
‫وهاك قول ظهير الدين الهوازي الوزير الفقيه‪ ،‬تلميذ أبي أسحق الشيرازي‪:‬ـ‬
‫وإني لبدي في هواك تجلدا * * * وفي القلب مني لوعة وغليل‬
‫فل تحسبن أني سلوت فربما * * * ترى صحة بالمرء وهو عليل‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقول أبي القاسم القشيري المام الصوفي العلم‪:‬ـ‬


‫لو كنت ساعة بيننا ما بيننا * * * ورأيت كيف تكرر التوديعا‬
‫لعلمت أن من الدموع محدثا * * * وعلمت أن من الحديث دموعا‬
‫والبيت الثاني من مرقصات الشعر‪.‬ـ‬
‫وكان مع ذلك علمة في الفقه والتفسير والحديث ومن فقهاء الشافعية‬
‫الكبار‪ ،‬وهو صاحب الرسالة التي يعتدها الصوفية ككتاب سيبويه عند‬
‫النحويين‪ ،‬ول ينصرف الطلق إل لها‪ ،‬ومن شعره‪:‬ـ‬
‫ومن كان في طول الهوى ذاق لذة * * * فإني من ليلى لها غير ذائق‬
‫وأكثر شيء نلته من وصالها * * * أماني لم تصدق كخطفة بارق‬
‫ومن شعر القاضي عبد الوهاب المالكي الفقيه المشهور المتوفى سنة ‪422‬‬
‫والمدفون في قرافة مصر‪ ،‬وصاحب الخبر المستفيض لما خرج من بغداد‬
‫وخرج أهلها لوداعه وهم يبكون ويعولون وهو يقول‪ :‬والله يا أهل بغداد‪ ،‬لو‬
‫وجدت عندكم رغيفا كل يوم ما فارقتكم‪ .‬ويقول‪:‬ـ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫سلم على بغداد في كل موطن * * * وحق لها مني سلم مضاعف‬


‫فوا الله ما فارقتها عن قلى لها * * * وإني بشطي جانبيها لعارف‬
‫ولكنها ضاقت علي بأسرها * * * ولم تكن الرزاق فيها تساعف‬
‫وكانت كخل كنت أهوى دنوه * * * وأخلقه تنأى به وتخالف‬
‫ويقول فيها‪:‬ـ‬
‫بغداد دار لهل المال طيبة * * * وللمفاليس دار الضنك والضيق‬
‫ظللت حيران أمشي في أزقتها * * * كأنني مصحف في بيت زنديق‬
‫وهو معنى جيد وتشبيه عجيب‪ .‬وهو القائل‪:‬ـ‬
‫متى يصل العطاش إلى ارتواء * * * إذا استقت البحار من الركايا‬
‫ومن يثني الصاغر عن مراد * * * وقد جلس الكابر في الزوايا‬
‫ن ترفع الوضعاء يوما * * * على الرفعاء من إحدى الرزايا‬ ‫وإ ّ‬
‫إذا استوت السافل والعالي * * * فقد طابت منادمة المنايا‬
‫ومن غزله الذي يتغزل فيه بلغة الفقه والقضاء‪ ،‬فيأتي فيه بالمرقص المطرب‬
‫قوله‪:‬ـ‬
‫ونائمة قّبلتها فتنبهت * * * وقالت تعالوا واطلبوا اللص بالحد‬
‫فقلت لها إني )فديتك( غاصب * * * وما حكموا في غاصب بسوى الرد‬
‫خذيها وكفي عن أثيم ظلمة * * * وإن أنت لم ترضي فألفا على العد‬
‫فقالت قصاص يشهد العقل أنه * * * على كبد الجاني ألذ من الشهد‬
‫فباتت يميني وهي هميان خصرها! * * * وباتت يساري وهي واسطة العقد‬
‫فقالت ألم تخبر بأنك زاهد؟ * * * فقلت‪ :‬بلى ما زلت أزهد في الزهد‬
‫وهاك القاضي الجرجاني مؤلف )الوساطة( علي بن عبد العزيز الفقيه‬
‫الشافعي‪ ،‬الذي ذكره الشيرازي في طبقات الفقهاء صاحب البيات المعلمة‬
‫المشهورة‪:‬ـ‬
‫يقولون‪ :‬لي فيك انقباض‪ ،‬وإنما * * * رأوا رجل عن موقف الذل أحجما‬
‫أرى الناس من داناهم هان عندهم * * * ومن أكرمته عزة النفس أكرما‬
‫وما كل برق لح لي يستفزني * * * ول كل من لقيت أرضاه منعما‬
‫وإني إذا فاتني المر لم أبت * * * أقلب طرفي إثره متندما‬
‫ولكنه إن جاء عفوا ً قبلته * * * وإن مال لم أتبعه لول وربما‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأقبض خطوي عن أمور كثيرة * * * إذا لم أنلها وافر العرض مكرما‬


‫وأكرم نفسي أن أضاحك عابسا ً * * * وأن أتلقى بالمديح مذمما‬
‫ولو أن أهل العلم صانوه صانهم * * * ولو عظموه في النفوس لعَ ّ‬
‫ظما‬
‫ولكن أهانوه فهان ودنسوا * * * محياه بالطماع حتى تجهما‬
‫أأشقى به غرسا ً وأجنيه ذلة؟ * * * إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما‬
‫ويا ليت كل عالم ينقش هذه البيات في صدر مجلسه‪ ،‬وعلى صفحة قلبه‪،‬‬
‫ويجعلها دستوره في حياته‪ ،‬وإمامه في خلئقه!‪.‬ـ‬
‫والبيات الخرى‪:‬ـ‬
‫وقالوا‪ :‬توصل بالخضوع إلى الغنى * * * وما علموا أن الخضوع هو الفقر‬
‫ي الغنى‪ :‬نفسي البية والدهر‬ ‫وبيني وبين المال شيئان حرما * * * عل ّ‬
‫إذا قيل هذا اليسر أبصرت دونه * * * مواقف خير من وقوفي بها العسر‬
‫وله في هذا المعنى الشعر الكثير الجيد‪ ،‬أما غزله فسهل حلو ومنه قوله‪:‬ـ‬
‫ما لي وما لك يا فراق * * * أبدا ً رحيل وانطلق‬
‫يا نفس موتي بعدهم * * * فكذا يكون الشتياق‬
‫وقوله‪:‬ـ‬
‫َ‬
‫قد برح الحب بمشتاقك * * * فأوْل ِهِ أحسن أخلقك‬
‫ل تجفه وارع له حقه * * * فإنه آخر عشاقك‬
‫وهاك القاضي سوار )الصغر( بن عبد الله من أهل القرن الثالث الذي‬
‫يقول‪:‬ـ‬
‫سلبت عظامي لحمها فتركتها * * * عوارى في أجلدها تتكسر‬
‫خها فكأنها * * * أنابيب في أجوافها الريح تصفر‬ ‫وأخليت منها م ّ‬
‫عدت * * * مفاصلها من هول ما تتحذر‬ ‫إذا سمعت باسم الفراق تر ّ‬
‫خذي بيدي ثم اكشفي الثوب فانظري * * * بلى جسدي لكنني أتستر !‬
‫وليس الذي يجري من العين ماءها * * * ولكنها روح تذوب فتقطر‬
‫وهاك قاضي القضاة ابن خلكان المشهور‪ ،‬وكان يعشق ابن الملك المسعود‬
‫بن المظفر‪ ،‬وكان قد تيمه حبه‪ ،‬قال القاضي التبريزي‪ :‬كنت عنده في‬
‫العادلية )دار المجمع العلمي اليوم( في بعض الليالي‪ ،‬فلما انصرف الناس‬
‫من عنده قال لي‪ :‬نم أنت ههنا‪ .‬وألقى علي فروة‪ ،‬وقام يدور حول البركة‪،‬‬
‫ويكرر هذين البيتين إلى أن أصبحنا فتوضأنا وصلينا‪ ،‬والبيتان هما‪:‬ـ‬
‫أنا والله هالك * * * آيس من سلمتي‬
‫أو أرى القامة التي * * * قد أقامت قيامتي‬
‫ولما فشا أمره‪ ،‬منع الملك ابنه من الركوب‪ ،‬فاشتد ذلك على ابن خلكان‪،‬‬
‫فكان مما قال‪:‬ـ‬
‫ً‬
‫إن لم تجودوا بالوصال تعطفا * * * ورأيتم هجري وفرط تجنبي‬
‫ل تمنعوا عيني القريحة أن ترى * * * يوم الخميس جمالكم في الموكب‬
‫لو كنت تعلم يا حبيبي ما الذي * * * ألقاه من كمد إذا لم تركب‬
‫لرحمتني ورثيت لي من حالة * * * لولك لم يك حملها من مذهبي‬
‫ومن البلية والرزية أنني * * * أقضي ول تدري الذي قد حل بي*‬
‫قسما ً بوجهك وهو بدر طالع * * * وبليل طّرتك التي كالغيهب‬
‫لو لم أكن في رتبة أرعى لها * * * العهد القديم صيانة للمنصب‬
‫لهتكت ستري في هواك ولذ لي * * * خلع العذار ولو ألح مؤنبي‬
‫لكن خشيت بأن يقول عواذلي * * * قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي‬
‫ـ))*بل البلية والله أن يكون قاضيا ويعشق الغلمان‪ ،‬هذا مع الثقة بدينه‪ ،‬وأنه‬
‫ل يطلب حراما ول يأتيه مختارا ‪-‬غفر له الله((ـ‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فارحم فديتك حرقة قد قاربت * * * كشف القناع بحق ذِّياك النبي‬


‫ب الذي * * * جرعته في الحب أكدر مشرب‬ ‫ل تفضحن بحبك الص ّ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وله فيه شعر كثير جدا‪.‬ـ‬


‫ومن شعر محمد بن داوود الظاهري‪ ،‬مؤلف كتاب )الزهرة( في الحب‪ ،‬وكان‬
‫فقيها على مذهب أبيه داوود وكان شاعرا‪:‬ـ‬
‫أنزه في روض المحاسن مقلتي * * * وأمنع نفسي أن تنال محرما‬
‫وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه * * * يصب على الصخر الصم تهدما‬
‫ومن شعر أبي الفضل الحصكفي الفقيه الشافعي‪:‬ـ‬
‫أشكو إلى الله من نارين‪ :‬واحدة * * * في وجنتيه وأخرى منه في كبدي‬
‫ومن سقامين‪ :‬سقم قد أحل دمي * * * من الجفون وسقم حل في جسدي‬
‫ومن نمومين‪ :‬دمعي حين أذكره * * * يذيع سري وواش منه بالرصد‬
‫ومن ضعيفين‪ :‬صبري حين أبصره * * * ووده ويراه الناس طوع يدي‬
‫ولو ابتغيت الستقصاء‪ ،‬وتتبعت المراجع‪ ،‬لجمعت من غزل الفقهاء كتابا‪ ،‬فأين‬
‫هذا مما يزعمون أن الفقهاء كرهوا الشعر‪ ،‬وتنزهوا عنه؟‬
‫أما إنها لم تفل ألسنة علمائنا‪ ،‬ولم تكل أقلمهم‪ ،‬ولم تخفت أصواتهم‪ ،‬إل‬
‫حين أضاعوا ملكة البيان‪ ،‬وزهدوا في الدب‪ ،‬وحقروا الشعر‪ ...‬فهل لعلمائنا‬
‫عودة إلى ما هم أخلق به‪ ،‬وأدنى إليه‪ ،‬وأقدر لو أرادوه عليه؟! مع الديانة‬
‫والصيانة وأنهم )يقولون ما ل يفعلون( وما ل يدفع إلى ما يأباه الدين‪.‬ـ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫من غلبت آحاُده أعشاَره الشيخ المين الحاج محمد أحمد*‬


‫"كل عبادي يدخلون الجنة إل من أبى"‪ ،‬قيل‪ :‬ومن يأبى يا رسول الله؟ قال‪:‬‬
‫"من أطاعني دخل الجنة‪ ،‬ومن عصاني فقد أبى" ‪......‬فضائل الله على هذه‬
‫المة كثيرة‪ ،‬وآلؤه عظيمة‪ ،‬من ذلك أن عوضها عن قصر أعمارها بالنسبة‬
‫لمن سبقها من المم بكثرة مواسم الخير‪ ،‬وبمضاعفة الجور والحسنات‪،‬‬
‫وبرفع الحرج عنها‪ ،‬والصار والغلل التي كانت على من قبلها‪.‬من ذلك‬
‫تضعيف الحسنات‪ ،‬وغفران الزلت‪ ،‬وتبديل السيئات حسنات‪.‬فمن جاء بحسنة‬
‫واحدة فله أحد ثلثة أمور‪:‬‬
‫إما عشر أمثالها‪.‬‬
‫وإما سبعمائة ضعف‪.‬‬
‫وإما إلى ما شاء الله‪.‬‬
‫ل فرق بين النفاق في سبيل الله وغيره‪ ،‬بل هناك أعمال يوفى أصحابها بغير‬
‫م بسيئة‬ ‫م بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة‪ ،‬ومن هَ ّ‬ ‫حساب‪ ،‬كالصوم‪.‬ومن هَ ّ‬
‫فعملها كتبت له سيئة‪ ،‬وإن تركها من أجل الله كتبت له حسنة‪.‬ومن اقترف‬
‫سيئة فله أحد ثلثة أمور كذلك‪:‬‬
‫إما أن تكتب له سيئة‪.‬‬
‫وإما أن يغفرها الله له‪.‬‬
‫وإما أن تستبدل له حسنة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جَزى إ ِل ّ‬ ‫َ‬
‫سي ّئ َةِ فَل ي ُ ْ‬
‫جاء ِبال ّ‬
‫من َ‬ ‫مَثال َِها وَ َ‬
‫شُر أ ْ‬ ‫سن َةِ فَل ُ‬
‫ه عَ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫جاء ِبال ْ َ‬‫من َ‬ ‫قال تعالى‪َ " :‬‬
‫ه‬
‫ف ُ‬‫ع َ‬ ‫سًنا فَي ُ َ‬
‫ضا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ضا َ‬‫ه قَْر ً‬‫ض الل َ‬
‫قرِ ُ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫من َذا ال ِ‬ ‫ن"‪.‬وقال‪ّ " :‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مث ْل ََها وَهُ ْ‬
‫م ل َ ي ُظل ُ‬ ‫ِ‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫لَ َ‬
‫ن‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫ن"‪.‬وقال‪َ " :‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ط وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬‫س ُ‬ ‫ض وَي َب ْ ُ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬‫ضَعاًفا ك َِثيَرة ً َوالل ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬
‫ةَ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سنب ُل ٍ‬‫سَناب ِل ِفي كل ُ‬ ‫سب ْعَ َ‬‫ت َ‬ ‫حب ّةٍ أنب َت َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ِ‬ ‫ل اللهِ ك َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫والهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ُينفِ ُ‬
‫ّ‬
‫ما ي ُوَفى‬ ‫م"‪.‬وقال‪" :‬إ ِن ّ َ‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫من ي َشاء َوالل ُ‬‫َ‬ ‫ف لِ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ضا ِ‬‫ه يُ َ‬ ‫حب ّةٍ َوالل ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مئ َ ُ‬‫ّ‬
‫ب"‪ .‬وفي الخبر المرفوع‪" :‬الحسنة بعشر أمثالها‬ ‫سا‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫هم‬ ‫ر‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ال‬
‫ّ ُِ َ ْ َ ُ َِْ ِ ِ َ ٍ‬
‫أوأزيد‪ ،‬والسيئة واحدة وأغفر‪ ،‬فويل لمن غلبت آحاُده أعشاَره"‪.‬آية البقرة‬
‫السابقة تبين أن التضعيف إلى سبعمائة ضعف وإلى ما شاء الله خاص بنفقة‬
‫الجهاد في سبيل الله‪ ،‬والخبر يوضح أن الزيادة على العشرة يشمل جميع‬
‫أعمال الخير‪ ،‬وليس هذا على الله بعزيز‪.‬قال القرطبي رحمه الله‪) :‬ورد‬
‫القرآن بأن الحسنة في جميع أعمال البر بعشر أمثالها‪ ،‬واقتضت هذه الية أن‬
‫ه‬
‫نفقة الجهاد حسنتها بسبعمائة ضعف‪ ،‬واختلف العلماء في معنى قوله‪َ" :‬والل ُ‬
‫شاء"‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬هي مبينة مؤكدة لما تقدم من ذكر‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ف لِ َ‬‫ع ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫يُ َ‬
‫السبعمائة‪ ،‬وليس ثم تضعيف فوق السبعمائة‪ ،‬وقالت طائفة من العلماء‪ :‬بل‬
‫هي إعلم بأن الله يضاعف لمن يشاء أكثر من سبعمائة ضعف‪ .‬قلت‪) :‬وهذا‬
‫القول أصح(‬
‫وقال الشيخ محمد المين الشنقيطي رحمه الله‪) :‬فجزاء السيئة سيئة واحدة‬
‫مثلها‪ ،‬وجزاء الحسنة على أقل التقديرات عشرة أمثال‪ ،‬فمن غلبت آحاُده‬
‫عشراِته فل خير فيه‪ ،‬ول يهلك على الله إل هالك‪ ،‬لن هذه الحنيفية السمحة‬
‫التي جاء بها سيد ولد آدم عليه الصلة والسلم‪ ،‬هيأ الله فيها طريق الجنة‬
‫ويسرها تيسيرا ً عجيبًا‪ ،‬رفع فيها الثقال والصار والتكاليف‪ ،‬من شق عليه‬
‫السفر فليفطر‪ ،‬وليقصر الصلة‪ ،‬ومن لم يقدر على الصلة قائما ً صلى قاعدًا‪،‬‬
‫وهكذا في أنواع التخفيف‪ ،‬فمع هذا فالحسنة تكتب له بعشر حسنات‪،‬‬
‫والسيئة إنما تكتب عليه واحدة مثلها‪ ،‬ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له‬
‫حسنة‪ ،‬ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه‪ ،‬بل قد تكون حسنة إن كان‬
‫تركه لها لجل ابتغاء مرضاة الله‪.‬‬
‫فهذه اليات من أعظم المبشرات للمسلمين‪ ،‬لن جميع حسناتهم عند الوزن‬
‫ق"‪ ،‬إذا كانت حسنتك تضاعف عشر مرات‪،‬‬ ‫ح ّ‬ ‫مئ ِذٍ ال ْ َ‬‫ن ي َوْ َ‬ ‫الذي قال الله‪َ" :‬وال ْوَْز ُ‬
‫وسيئتك إنما تجازى بسيئة واحدة مثلها‪ ،‬ففي هذا أعظم البشارة للمسلمين‪،‬‬
‫وعليهم أن يكثروا من الحسنات‪ ،‬ومن الحكم العظيمة وجوامع الكلم قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬واتبع الحسنة السيئة تمحها"(‪ .‬لقد كثر الله سبل‬
‫دخول الجنة ويسرها حتى جعلها أقرب لحدنا من شراك نعله لمن وفقه الله‪،‬‬
‫وكذلك النار أقرب لحدنا من شراك نعله لمن لم يلطف به ربه‪ ،‬وأتبع نفسه‬
‫مر‪ ،‬وحاسب‬ ‫هواها‪ ،‬وتمنى على الله الماني الكاذبة‪.‬فالسعيد من جد وش ّ‬
‫نفسه‪ ،‬وراقب حاله‪ ،‬وأكثر من الحسنات‪ ،‬وحذر من السيئات‪ ،‬واستعان على‬
‫ذلك بكثرة التوبة والنابة لرب الرض والسموات‪ ،‬وعافاه الله من‬
‫التسويف‪.‬اللهم إنا نسألك الجنة وما يقرب إليها من قول أوعمل‪ ،‬ونعوذ بك‬
‫من النار وما يقرب إليها من قول أوعمل‪ ،‬والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا‬
‫لنهتدي لول أن هدانا الله‪ ،‬وصلى الله وسلم على من دل أمته على كل خير‪،‬‬
‫وحذرهم ونهاهم عن كل شر‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬والتابعين لهم بإحسان‪،‬‬
‫إلى أن تكتمل العدتان‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من فقه الولين النصر ساعة صبر !!‬


‫* عبد الله فرج الله‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النصر‪ ..‬صبر ساعة‪ ،‬أو ساعة صبر‪ ،‬هذا ما أكده الولون من سلفنا الصالح‪،‬‬
‫الذين ذاقوا طعم النصر‪ ،‬بعد أن ساروا في دروبه‪ ،‬وخاضوا ميادينه‪ ،‬فهم‬
‫وحدهم من يملك حق الكلم في »النصر« تنظيرا ً وتأطيرًا‪ ،‬أما الذين لم‬
‫يتذوقوا إل طعم الهزائم‪ ،‬ولم يعيشوا »النصر« إل من خلل الخطابات‬
‫الجوفاء‪ ،‬والشعارات الزائفة‪ ،‬التي ل تسد جوعة‪ ،‬ول ترجع مغتصبًا‪ ،‬ول تردع‬
‫ظالمًا‪ .،‬فل يحق لهم غير الصمت‪ ،‬وإن تجرءوا على الكلم أن يخرسوا‪..‬‬
‫فللذين انتصروا‪ ،‬فكان لهم في ميادين البطولت جولت وصولت‪ ،‬نصيخ‬
‫السمع‪ ،‬ونحني الهامات‪ ،‬إجلل ً وإكبارًا‪..‬‬
‫أما الذين غدا النصر عندهم خطبة رنانة‪ ،‬أو مقالة مطولة‪ ،‬أو قصيدة عصماء‪،‬‬
‫أو مبادرة ذليلة‪ ،‬أو معاهدة تنازل‪ ،‬أو مؤتمر استجداء‪ ،‬نقول لهم ‪ :‬أخطأتم‬
‫الطريق‪ ..‬فلن يكون النصر أبدا ً ثمرة حرب »السلم والمبادرات‬
‫والمؤتمرات« كما تزعمون‪ ،‬بل لن يكون السلم أو المبادرات أو المؤتمرات‬
‫حربا ً في يوم من اليام‪ ،‬مهما روج لذل ك إعلمكم‪ ،‬وانطلقت به شياطينكم‪،‬‬
‫وجعجعت به أبواقكم‪..‬‬
‫فالنصر ‪-‬وهذا إيماننا المطلق‪ -‬ساعة صبر‪ ،‬ويالها من ساعة‪ ،‬إنها أم‬
‫الساعات‪ ،‬بله هي الساعات كلها‪ ،‬إنها كبرى الساعات وأعظمها‪ ،‬ساعة‬
‫التضحيات الجسام‪ ،‬ساعة بذل الرواح‪ ،‬ساعة الدماء النازفة‪ ،‬ساعة الجوع‬
‫والحصار‪ ،‬ساعة الدموع واللم‪ ،‬ساعة الوداع والفراق‪ ،‬ساعة الموت الزؤام‪،‬‬
‫ساعة العصف والقصف‪ ،‬ساعة تهدم فيها البيوت‪ ،‬وتدك الحصون ‪ ،‬وتيتم‬
‫الصبايا‪ ،‬وترمل النساء‪ ،‬وتثكل المهات‪ ..‬إنها ساعة الزلزلة والخوف والهلع‪،‬‬
‫ساعة تبلغ فيها القلوب الحناجر‪..‬‬
‫هذا هو ثمن النصر‪ ..‬وهذا هو إيماننا‪ ،‬ل نصر بدون هذا كله‪ ،‬ومن ظن النصر‬
‫غير هذا‪ ،‬فليبحث له عن مكان آخر‪ ،‬فليس في هذه الدنيا مكانه‪ ،‬وليس هذا‬
‫الزمان زمانه‪..‬‬
‫فهنيئا ً للقابضين على الحجر‪..‬‬
‫فهذه ساعة الصبر‪..‬‬
‫والنصر‪ ..‬على مرمى حجر‪..‬‬
‫ل تسمعوا صوت الناعبين‪..‬‬
‫فالنصر مع الصبر‬
‫لكن بعد حين‪..‬‬
‫قسما ً هذا هو اليقين‪..‬‬
‫قسما ً هذا هو اليقين‪..‬‬
‫فالنصر العظيم هذه ساعته‪..‬‬
‫والتضحيات الجسام يا أهلنا هي ساحته‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من فقه الئتلف‬


‫د‪ .‬سليمان بن حمد العودة*‬
‫يعيش العالم السلمي اليوم على قمم الحضارة والمدنية‪ ،‬ولكنه يعيش أيضا ً‬
‫قيمية الطاحنة‪.‬‬
‫في ظل أعتى الحروب ال ِ‬
‫كان السلم بقوته والمسلمون بضعفهم أول مستهدف في هذه الحرب‪ ،‬إل ّ‬
‫أن الناظر يعجب كيف يكون هذا بين تلك القوى الضخمة وما ُيواجههم من‬
‫إمكانات ضئيلة بالمقياس البشري‪ ،‬ولكن ما أن ينظر إلى الكفة الخرى‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيدرك جانب القوة عند المسلمين‪ ..‬إن المسلمين وإن لم يملكوا العتاد‬
‫ح بكفة‬‫والقوة فإنهم يملكون رصيدا ً هائل ً من القيم التي عادة ما ت َْرج ُ‬
‫الميزان‪.‬‬
‫من هنا كان العمل السلمي يتربع على كرسي القيادة في الصف السلمي‪،‬‬
‫فل عجب أن تعقد اللقاءات والمؤتمرات للتباحث في هذا الشأن‪ ،‬ومن الوعي‬
‫والسبق أن يكون محور التباحث حول سبل التفاق وعوامل الفتراق في‬
‫العمل السلمي‪.‬‬
‫العمل السلمي ــ كغيره من العمال ــ قائم على أساس بشري يعتريه ما‬
‫يعتري أعمال البشر من القصور والتقصير‪.‬‬
‫ولن كان العمل السلمي قد خطى خطوات فاعلة فيما مضى إل أن‬
‫التحديات المعاصرة تفرض مزيدا ً من التأمل وإعادة النظر مرة بعد مرة‪.‬‬
‫العالم اليوم بمؤسساته السياسية والقتصادية يسعى حثيثا ً نحو التكتل‬
‫والتجمع ولو على أدنى مستوى من دواعي الشراكة‪ ،‬والعولمة أبرز مظاهر‬
‫هذا التكتل‪ ،‬وسنة الله الكونية أن الجتماع قوة والفرقة ضعف وخور‪ ،‬وقد‬
‫كان يقال الكثرة تغلب الشجاعة‪ ،‬وأولى الناس بالجتماع أهل الحق ليبلغوا ما‬
‫ُأمروا به من البلغ وليقوموا بواجب الرسل الذين اتحدت كلمتهم )وما أرسلنا‬
‫من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون( وهم أبناء علت‬
‫أبوهم واحد وأمهاتهم شتى‪.‬‬
‫وهذا الجماع والجتماع العالمي على السلم‪ ،‬وهذه الفريات المتوالية على‬
‫المسلمين وقيمهم‪ ،‬فرصة لجمع الشتات ووحدة الصف إذ أن الفرية التي ل‬
‫تقتلك تقويك‪.‬‬
‫وقد كانت المال تولد من أرحام المال وقد قال الله فيما أنزل على عبده‪:‬‬
‫)فإن مع العسر يسرا ً إن مع العسر يسرا(‪ ،‬فجعل اليسر قرين العسر ولن‬
‫يغلب عسر يسرين‪.‬‬
‫إن الدارس لتاريخ المم والشعوب يرى أنها مرت بنوبات فتور وركود‪ ،‬لكنها‬
‫ما أن تتحد على كلمةٍ سواء حتى تستعيد عافيتها وعزها‪.‬‬
‫والمشروعات النهضوية هي أبنية ضخمة ل تتقيد بمحدودية عمر إنسان واحد‪،‬‬
‫دء وتحسين ما‬ ‫ل ما ب ُ ِ‬
‫مد استراتيجية إكما ِ‬
‫بل ول حتى بلد واحد‪ ،‬فما لم ُتعت َ‬
‫ُأنشئ فستظل محاولت مبعثرة آيلة للسقوط في أي ظرف‪.‬‬
‫وحينما تتقاطع المشروعات السلمية تتحول مع الزمن من مهام البناء إلى‬
‫مهام انتهاز الفرص للجهاز على الخصم والطاحة به‪ ،‬وأول خاسر في هذه‬
‫المعركة القيم التي بنيت عليها تلك المشروعات‪ ،‬أما إذا تآلفت وتصالحت‬
‫قام البنيان الشامخ وصارت أمة البنيان المرصوص‪..‬‬
‫ولقد حث الشارع على الجتماع ونبذ الفرقة والخصام‪ ،‬ففي شعائر الدين‬
‫الظاهرة تلحظ هذا المعنى بجلء؛ فالصلة والحج والصوم والجمعة والعيدين‬
‫وغيرها قامت على الجتماع والتوحد‪.‬‬
‫وحث الشارع على لزوم طاعة من وله الله المر‪ ،‬ورتب على الطاعة أجرا‪ً،‬‬
‫وحذر أشد التحذير من شق هذه العصا‪ ،‬بل من مات مفارقا ً للجماعة مات‬
‫ة جاهلية‪ ،‬أما إذا اشتدت الكروب وضاقت السبل فتأكد هذه الدعوة‪ ..‬أل‬ ‫ميت ً‬
‫ترى أن الله أكد في سورة النفال التي كان ابن عباس رضي الله عنه يقول‪:‬‬
‫تلك سورة بدر أكد فيها على الجتماع )يسألونك عن النفال قل النفال لله‬
‫والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم(‪) ،‬يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة‬
‫فاثبتوا واذكروا الله كثيرا ً لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ول تنازعوا‬
‫فتفشلوا وتذهب ريحكم(‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكان من أول المشروعات المحمدية في المدينة المؤآخاة التي تجاوزت‬


‫حدود الحياة إلى الموت فكان التوارث بين الخوة في الله مشروعا ً ثم نسخ‪.‬‬
‫وكان أول عمل قام به محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة بناء المسجد؛‬
‫ليكون المركز السلمي الذي ينطلق منه إشعاع النور والهدى‪.‬‬
‫إن التكتلت البشرية ــ أيا ً ما كانت ــ فهي تتمحور حول قاعدة من‬
‫المسلمات التي ل تقبل الجدل‪ ،‬والله تعالى لما أمر بالعتصام أمر بأن يكون‬
‫ذلك بحبله )واعتصموا بحبل الله جميعا ً ول تفرقوا(‪.‬‬
‫وأشد من ُتلهبه نار الفرقة والفتراق هم التباع وهؤلء هم السواد العظم‬
‫وهم القيمة الفاعلة في أممهم‪.‬‬
‫وفي سبيل تحقيق هذا التوافق وتنميته ل بد من معرفة دواعي الفتراق‬
‫ووضع اليد عليها‪ ،‬فصرف الدواء إنما يكون بعد تشخيص الداء‪ .‬ومعرفتنا‬
‫للسباب هي في ذات الوقت علج؛ لننا متى ما شئنا أن نخلي الساقية من‬
‫دها فنوقفه‪.‬‬
‫الماء فلنبادر إلى ما يم ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والتجرد لله من الحظوظ والشهوات‪ ،‬خاصة ما خفي منها كحب الترأس‬


‫والظهور‪ ،‬من أعمق السس في هذا الشأن‪ ،‬فلم يمنع عمر وكبار الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم أن يراجعوا الحق لما استبان لهم على لسان أبي بكر‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬ولما اختلف الصحابة في بدر وأمر الله بالصلح ثّنى ذلك‬
‫بصفات المؤمنين )إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت‬
‫عليهم آياته زادتهم إيمانا ً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلة ومما‬
‫رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقًا(‪.‬‬
‫والولء والبراء عقد شرعي ل يشترط فيه مطلق التوافق فالله سمى‬
‫الطائفتين المقتتلتين باسم اليمان‪ ،‬ثم أعقب تلك الية بالمر بالصلح بين‬
‫الخوة المؤمنين‪ ،‬وأمر هنا أيضا ً بالتقوى‪.‬‬
‫ف حول مسائل يسع الخلف فيها‪،‬‬ ‫إن كثيرا ً من الخلف المسبب للفتراق خل ٌ‬
‫ول تعد ُ أن تكون وجهات نظر قابلة للخذ والرد‪ ،‬وهذا الحماس المفرط‬
‫للجتهادات يؤدي في أحيان كثيرة إلى شقاق وفرقة‪.‬‬
‫ول بد في سبيل توحيد الصف من وجود قيادات علمية راشدة تكون محط‬
‫ثقة فينفتل منها المختلفون بنفوس مرضية‪.‬‬
‫أيها الخوة‪ ..‬إنه إذا لم يمكن التوافق فل أقل من السير في خطوط متوازية‪،‬‬
‫إن لم تتفق فل أقل من أن ل تتقاطع‪ ،‬وقاعدة الشريعة العامة أنه ل واجب‬
‫مع العجز وأن التكليف بقدر الوسع‪.‬‬
‫إن إثارة فقه الئتلف على مستوى المؤسسات والفراد أمٌر بات من‬
‫ضروريات العمل السلمي ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى تداول هذا الفقه‬
‫وبكثافة‪.‬‬
‫وهنا أمر مهم إذ ل بد من التفكير بجدية في واقع الجيل الصاعد حيال فقه‬
‫التوافق والختلف حتى ل تتكرر الخطاء ول نزال بحمد الله نرى نماذجا ً‬
‫لمشروعات جادة قامت على التحاد فأفلحت في مسيرتها وجنت ثمار‬
‫زرعها‪.‬‬
‫ول بد في هذا الصدد من تأمل هدي القرآن والسنة في المر بالعدل مع‬
‫الصديق والعدو‪ ،‬ومن قراءة متأنية في السيرة النبوية وتراجم السلف وهدي‬
‫العلماء في الئتلف‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬‫ة مميزة ٌ لشريعتنا‪ ،‬عاش في كنفها البّر والفاجُر‪ ،‬والمسل ُ‬ ‫إن العدل سم ٌ‬
‫والكافُر‪ ،‬كل هؤلء بالعدل ُيحكمون ول ُيظلمون‪ ،‬حتى وإن أبغضنا الكافر‬
‫فنحن مأمورون بالعدل معه‪ ،‬ذلك توجيه ربنا في كتابه العزيز‪) :‬ول يجرمنكم‬
‫شنئان قوم على أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى(‪.‬‬
‫قال ابن تيمية رحمه الله‪ :‬وهذه الية نزلت بسبب بغضهم للكفار‪ ،‬وهو بغض‬
‫ي صاحبه أن يظلم من‬ ‫ض الذي أمر الله به قد ُنه َ‬ ‫مأموٌر به‪ ،‬فإذا كان البغ ُ‬
‫ل وشبهةٍ أو بهوى نفس ؟ فهو أحقّ أن ل‬ ‫أبغضه‪ ،‬فكيف في بغض مسلم بتأوي ٍ‬
‫ُيظلم‪ ،‬بل ُيعدل عليه)‪.(1‬‬
‫لقد فاق المسلمون في تاريخنا المجيد غيرهم في العدل‪ ،‬وتجاوزوا بعدلهم‬
‫أهل الملة من المسلمين إلى أهل الذمة من اليهود والنصارى‪ ،‬وُيذكر أن عمر‬
‫بن عبدالعزيز رحمه الله كتب إلى واليه على البصرة يقول له‪" :‬ثم انظر من‬
‫ب‪،‬‬ ‫سّنه‪ ،‬وضعفت قوته ووّلت عنه المكاس ُ‬ ‫قَِبلك من أهل الذمة قد ك َُبرت ِ‬
‫فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه وذلك أنه بلغني أن أمير‬
‫ل على أبواب‬ ‫المؤمنين عمَر رضي الله عنه مّر بشيخ من أهل الذمةِ يسأ ُ‬
‫س فقال‪ :‬ما أنصفناك إن كّنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضّيعناك‬ ‫النا ِ‬
‫كبرك‪ ،‬ثم أجري من بيت المال ما يصلحه")‪.(2‬‬ ‫في ِ‬
‫ل ل بالقائل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بالقو‬ ‫فالعبرة‬ ‫به‪،‬‬ ‫جاء‬ ‫ممن‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫الح‬ ‫قبول‬ ‫العدل‬ ‫مظاهر‬ ‫من‬ ‫إن‬
‫كله الرسول صلى‬ ‫وفي قصة الشيطان مع أبي هريرة رضي الله عنه حين و ّ‬
‫الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان‪ ،‬ومجيء الشيطان إليه أكثر من مرة‬
‫حتى عّلمه أن يقرأ آية الكرسي إذا أوى إلى فراشه‪ ،‬وأنه بذلك يكون‬
‫دق‬‫ن حتى يصبح‪ ،‬في هذه القصة ص ّ‬ ‫محفوظا ً من الله ول يقربه شيطا ٌ‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم القول وإن صدَر من الشيطان حيث قال‪:‬‬
‫))أما إنه قد صدقك وهو كذوب(()‪.(3‬‬
‫ومن فقه هذا الحديث وفوائده ــ كما قال ابن حجر رحمه الله ــ‪ :‬إن الحكمة‬
‫قاها الفاجُر فل ينتفع بها‪ ،‬وتؤخذ ُ عنه فينتفع بها‪ ،‬وإن الكافَر قد يصدق‬ ‫قد يتل ّ‬
‫ق)‪.(4‬‬ ‫ذاب قد يصد ُ ُ‬ ‫ً‬
‫ببعض ما يصدق به المؤمن ول يكون بذلك مؤمنا‪ ،‬وبأن الك ّ‬
‫وفي هذا الصدد ُيذكُر من وصايا ابن مسعود رضي الله عنه قوله لرجل قال‬
‫ق‬
‫ت جوامع‪ ،‬فكان مما أوصاه به أن قال‪ :‬ومن أتاك بح ّ‬ ‫له‪ :‬أوصني بكلما ٍ‬
‫ل منه وإن كان بعيدا ً بغيضًا‪ ،‬ومن أتاك بالباطل فارد ُْده وإن كان قريبا ً‬ ‫فاقب ْ‬
‫حبيبًا)‪.(5‬‬
‫ن في قبول الحقّ قد نرفض حقًا‪ ،‬لنه جاء من‬ ‫إننا حين نفقد ُ هذا الميزا َ‬
‫شخص نبغضه أو ل نهواه‪ ،‬أو ل نرتضي منهجه بشكل عام‪ ،‬علما ً بأن قبول‬
‫الحق الذي جاء به ل يعني موافقته في كل شيء‪ ،‬ول الرضى عنه فيما‬
‫ل في قبول الحقّ ورفض‬ ‫ئ فيه‪ ،‬وقد يضطرنا هذا الخلل في العد ِ‬ ‫يخط ُ‬
‫ً‬
‫ص نحبه‪ ،‬ونرتضي منهجه علما بأن رفضنا‬ ‫ّ‬
‫الباطل‪ ..‬لقبول زلة خطأ ٍ من شخ ِ‬
‫لهذه الزّلة والخطأ منه‪ ،‬ل يعني بغضه ول النتقاص من قدره‪ ،‬ول رفض بقية‬
‫الحقّ الذي جاء به‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنه العدل الذي ينبغي أن نأخذ أنفسنا به‪ ،‬ونتمنى به أن ُيجري الله الحقّ على‬
‫ي رحمه الله حين قال‪:‬‬ ‫م الشافع ّ‬
‫م الما ُ‬
‫ألسنتنا وألسنة خصومنا‪ ،‬وكم هو عظي ٌ‬
‫ق‬
‫م أجرِ الحقّ على قلبه ولسانه‪ ،‬فإن كان الح ّ‬ ‫"ما ناظرت أحدا ً إل قل ُ‬
‫ت‪ :‬الله ّ‬
‫معي اتبعني‪ ،‬وإن كان الحقّ معه اتبعته")‪.(6‬‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأين هذا يا مسلمون ممن يتمنون انحراف خصومهم‪ ،‬أو يرمون مخالفيهم‬
‫فرون الناس منهم‪ ،‬وهم مسلمون‪ ،‬بل قد يكونون‬ ‫بالباطل‪ ،‬ويتهمونهم وين ّ‬
‫علماء‪ ،‬وقد يكون ما معهم من الحق أكثر من خصومهم‪ ،‬فإلى الله المشتكى‪،‬‬
‫ئ هؤلء وينسفون‬ ‫ب الشيطان أحيانا ً ببعض المحبين وكم يخط ُ‬ ‫وكم يتلع ُ‬
‫قواعد العدل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا‪ ،‬وكم نظلم أنفسنا ونظلم‬
‫ر‬
‫غيرنا بتصنيف هذا‪ ،‬وتجريح ذاك‪ ،‬واتهام ثالث وإشعال معارك وهمية بين نف ٍ‬
‫ب الول والخير منها هم العداء المترّبصون والخاسر‬ ‫من المسلمين‪ ،‬الكاس ُ‬
‫الكبر هم المعتدون الفاقدون للعدل والنصاف‪..‬‬
‫م والفتنة تقع على المسلمين! وأين نحن من هذا‬ ‫وإن كانت الخسارة تع ّ‬
‫خ السلم ابن‬ ‫ل حتى مع غير المسلمين يقدمه لنا شي ُ‬ ‫الموقف البديع والعد ِ‬
‫ي‪ ،‬فهو حين سعى بإطلق سراح أسرى المسلمين من‬ ‫تيمية بسلوكه العمل ّ‬
‫ً‬
‫التتار أصّر كذلك على إطلق سراح المأسورين من أهل الذمة قائل لمسؤول‬
‫متنا‪ ،‬فإنا‬ ‫التتر‪" :‬بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذ َ‬
‫كهم ول ندع ُ أسيرا ً ل من أهل المّلة ول من أهل الذمة")‪.(7‬‬ ‫نف ّ‬
‫ل مع غير المسلمين‪ ،‬وكان سببا ً لف ّ‬
‫ك‬ ‫م الرّباني وعد َ‬ ‫ف هذا العال ُ‬ ‫فإذا أنص َ‬
‫ضّر لهم‬ ‫أسرهم‪ ،‬فماذا يقول من يسعى للوقيعة بإخوانه المسلمين ويتمّنى ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ل أو بآخر؟‬ ‫بشك ٍ‬
‫إن من قواعد الئتلف إنصاف عامة المسلمين وخاصتهم‪ ..‬فكيف السبي ُ‬
‫ل‬
‫لهذا النصاف؟‬
‫إن مما ل شك فيه أن المسلمين ــ قديما ً وحديثا ً ــ يتفاوتون في مراتب‬
‫اليمان‪ ،‬فهناك من هم في الذروة من اليمان‪ ،‬وهناك من هم في أدنى‬
‫ة في الوسط بين هؤلء وأولئك‪ ،‬ولكن الجميع‬ ‫درجات اليمان‪ ،‬وهناك طائف ٌ‬
‫تجمعهم رابطة السلم‪ ،‬وحسابهم على الله‪ ،‬وما لم يخرج المسلم من الملة‪،‬‬
‫فإن له حقا ً في الموالة على قدر إيمانه‪.‬‬
‫وما من شك كذلك أن الفرقة الناجية من خيرة المسلمين‪ ،‬وهم أهل السنة‬
‫سنة‪.‬‬ ‫والجماعة الذين قالوا وعملوا بالكتاب وال ّ‬
‫عصاة المسلمين‬ ‫ل غيَر الفرقة الناجية من ُ‬ ‫ولكن دائرة المؤمنين تتسعُ لتشم َ‬
‫ومن وجد عندهم نوع انحراف‪ ..‬لكنهم في دائرة السلم‪ ..‬وهذا ما نص عليه‬
‫خ ابن تيمية رحمه الله حين قال‪" :‬وإذا قال المؤمن‪ :‬ربنا اغفر لنا‬ ‫الشي ُ‬
‫ولخواننا الذين سبقونا باليمان‪ ،‬يقصد كل من سبقه من قرون المة‬
‫باليمان‪ ،‬وإن كان قد أخطأ في تأويل تأّوله فخالف السنة‪ ،‬أو أذنب ذنبًا‪ ،‬فإنه‬
‫من إخوانه الذين سبقوه باليمان‪ ،‬فيدخل في العموم‪ ،‬وإن كان من الثنتين‬
‫ة‪ ،‬فإنه ما من فرقةٍ إل وفيها خلقٌ كثيٌر ليسوا كفارًا‪ ،‬بل‬ ‫والسبعين فرق ً‬
‫ب يستحقون به الوعيد كما يستحقه عصاةُ‬ ‫ل وذن ٌ‬ ‫مؤمنون فيهم ضل ٌ‬
‫المؤمنين")‪.(8‬‬
‫أيها المؤتمرون‪ :‬وفي سبيل الئتلف بين المسلمين أرشد َ العلماُء إلى عددٍ‬
‫من القواعد والداب ل بد ّ من مراعاتها والوقوف عندها‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫)‪ (1‬أنهم ل ُيخرجون مسلما ً من المّلة إل بتوّفر الشروط وانتفاء الموانع‪.‬‬
‫ن من الحكم بالكفر‪.‬‬ ‫)‪ (2‬ويرون أن الخطأ في الحكم باليمان أهو ُ‬
‫وطون أكثر عند تكفير فردٍ بعينه أو لعنه‪.‬‬ ‫)‪ (3‬وهم يتحفظون ويتح ّ‬
‫سقوا‪.‬‬ ‫َ‬
‫دعوا أو ف ّ‬ ‫ّ‬
‫)‪ (4‬بل ول يتسرعون في التكفير‪ ،‬وإن خطأوا ب ّ‬
‫هجران‪.‬‬‫ن أنه ل تأثيم ول ُ‬ ‫)‪ (5‬وفي مسائل الجتهاد يرو َ‬
‫م الهجُر‪ ،‬فإنما هو للتأديب ل للتلف‪ ،‬وللشفاء ل للقتل‪.‬‬ ‫)‪ (6‬وإذا لز َ‬
‫)‪ (7‬وهم يرون الخذ َ بالظاهر‪ ،‬والله يتولى السرائر‪ ،‬ويرون إجراَء الحكام‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي رحمه‬ ‫على ظاهر الناس ل على القناعات القلبية‪ ،‬وفي هذا يقول الشاطب ّ‬
‫ن سيد البشر صلى الله عليه وسلم مع إعلمه بالوحي ُيجري الموَر‬ ‫الله‪" :‬فإ ّ‬
‫ن أحوالهم")‪.(9‬‬ ‫م بواط َ‬
‫على ظواهرها في المنافقين وغيرهم‪ ،‬وإن عل ِ َ‬
‫ة‬
‫ً‬ ‫خاضع‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫والمعادا‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫الموال‬ ‫يكون‬ ‫ن على النصاف ويحقق الئتلف‪ ،‬أل ّ‬ ‫ومما يعي ُ‬
‫للنتماء والحزبية الضّيقة والطائفة والقرابةِ والهوى‪ ،‬بل تكون الموالة للحق‬
‫دهم‬
‫ومع أهل الحق‪ ..‬والمعاداة للباطل وأهل الباطل‪ ..‬مهما كان قرُبهم وبع ُ‬
‫ن أو َيرضون ل بقصد أن‬ ‫ن تيمية على صنف يغضبو َ‬ ‫وانتماؤهم‪ ،‬وهنا ُينّبه اب ُ‬
‫ل من‬ ‫ل لله‪ ،‬بل يغضبون على ك ّ‬ ‫نك ّ‬‫ة الله العليا‪ ،‬وأن يكون الدي ُ‬ ‫تكون كلم ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خالفهم‪ ،‬وإن كان مجتهدا معذورا ــ ل يغضب الله عليه ــ ويرضون عمن كان‬
‫يء القصد‪ ،‬فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم‬ ‫يوافقهم‪ ،‬وإن كان جاهل ً س ّ‬
‫مه الله ورسوله‪ ،‬وتصير موالتهم‬ ‫يحمده الله ورسوُله‪ ،‬ويذموا من لم يذ ّ‬
‫ومعاداتهم على أهواِء أنفسهم‪ ،‬ل على دين الله ورسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم)‪.(10‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫م‪،‬‬ ‫ف في الذ ّ‬ ‫إن من أخطائنا ــ أننا نسرف في الثناء على من أحببنا ــ أو ُنسر ُ‬
‫بل الهجوم أحيانا ً على من أبغضنا وخالفنا‪ ،‬وقد يكون لهذا الذي أحببنا أخطاُء‬
‫غمطناه‬ ‫ت َ‬ ‫ت وإيجابيا ٌ‬‫ض الطرف عنها‪ ،‬وقد يكون لهذا الذي أبغضنا حسنا ٌ‬ ‫ونغ ّ‬
‫ة بين الغلوّ والجفاء‪ ،‬ولهذا‬ ‫قه فيها ولم ننصفه في ذكرها‪ ،‬والوسطية منزل ٌ‬ ‫ح ّ‬
‫ة‬
‫قال العلماء‪" :‬وإذا اجتمع في الرجل الواحد خيٌر وشّر وفجوٌر وطاعة‪ ،‬وسن ٌ‬
‫وبدعة‪ ،‬استحق من الموالةِ والثواب بقدر ما فيه من الخير‪ ،‬واستحق من‬
‫المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر‪ ،‬فيجتمع في الشخص الواحد‬
‫ة‪ ،‬فيجتمعُ له من هذا وهذا كاللص الفقير ُتقطع يده‬ ‫ت الكرام والهان ِ‬ ‫موجبا ُ‬
‫لسرقته‪ ،‬وُيعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته")‪.(11‬‬
‫أيها العلماء والدعاة وطلبة العلم‪ :‬وأنتم قدوة ٌ لغيركم في تحقيق الئتلف‬
‫ف واردا ً في بعض‬ ‫ت الختلف وآثارها السيئة‪ ،‬وإذا كان الخل ُ‬ ‫وردم ِ فجوا ِ‬
‫مسائل العلم‪ ،‬وفي عددٍ من الجتهادات والمور الفرعية فينبغي أن يبقى حب ُ‬
‫ل‬
‫ل‪ ،‬فالخلف في الرأي ل يفسد ُ للود ّ قضية ــ كما يقال ــ وإذا كان‬ ‫الود ّ متص ً‬
‫الصحابة رضوان الله عليهم قد اختلفوا في بعض المسائل الجتهادية فميزتهم‬
‫ة‬
‫ل مودةٍ وتناصح‪ ،‬ومع تنازعهم في مسائل علمي ٍ‬ ‫أنهم كانوا مع ذلك أه َ‬
‫اعتقاديةٍ إل أنهم حافظوا على بقاء الجماعةِ واللفة‪ ،‬كما قرر ذلك العلماء‬
‫كالشاطبي وابن تيمية وغيرهم)‪.(12‬‬
‫ومما ينبغي التفطن له أل ُيظن أن الختلف بين العلماء في بعض المسائل‬
‫ة وتوسعة‪ ،‬ومن فقه عمر‬ ‫مؤشٌر للشرور والفساد‪ ،‬بل قد يكون الختلف رحم ً‬
‫ب رسول الله صلى الله‬ ‫بن عبد العزيز رحمه الله قوله‪" :‬ما يسّرني أن أصحا َ‬
‫ل فخالفهم رجل كان ضا ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫عليه وسلم لم يختلفوا‪ ،‬لنهم إذا اجتمعوا على قو ٍ‬
‫ة")‪.(13‬‬ ‫ل بقول هذا كان في المر سع ٌ‬ ‫ل بقول هذا‪ ،‬ورج ٌ‬‫وإذا اختلفوا فأخذ رج ٌ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ونقل ابن تيمية أن رجل صنف كتابا سماه "كتاب الختلف" فقال المام‬
‫مه "كتاب السعة")‪.(14‬‬ ‫د‪ :‬س ّ‬‫أحم ُ‬
‫ومع ذلك كله فعلى العلماء والدعاة وطلبة العلم والوعاظ والمربين أن‬ ‫ّ‬
‫يسعوا إلى التأليف واجتماع الكلمة‪ ،‬ولو كان ذلك بترك فعل المستحبات ــ‬
‫م من فعل‬ ‫أحيانا ً ــ إذ أن مصلحة التأليف وجمعَ القلوب أولى وأعظ ُ‬
‫ب أحيانًا‪ ،‬وفي هذا يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪:‬‬ ‫المستح ّ‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات‪ ،‬لن‬ ‫"ويستح ّ‬
‫ي‬
‫م من مصلحة فعل مثل هذا‪ ،‬كما ترك النب ّ‬ ‫مصلحة التأليف في الدين أعظ ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم تغييَر بناِء البيت‪ ،‬لما في إبقائه من تأليف القلوب‪ ،‬وكما‬
‫ن مسعود رضي الله عنه على عثمان رضي الله عنه‪ ،‬إتمام الصلة في‬ ‫أنكر اب ُ‬
‫ف شٌر")‪.(15‬‬ ‫متمًا‪ ،‬وقال‪ :‬الخل ُ‬ ‫السفر ثم صلى خلفه ُ‬
‫ب‪ ،‬ولهذا كان‬ ‫ة‪ ،‬لنه أخل بواج ٍ‬ ‫وليس فقيها ً من فّرق المسلمين بفعل سن ٍ‬
‫الشيخ رحمه الله يرشد الئمة إلى جمع كلمة الجماعة ولو تنازل عن بعض ما‬
‫يراه ويقول‪" :‬ولو كان المام يرى استحباب الشيء والمأمومون ل يستحبونه‪،‬‬
‫فتركه لجل التفاق والئتلف كان قد أحسن")‪.(16‬‬
‫ب المخالف‪ ،‬واستمالته للحقّ بهدوء العبارة‬ ‫ومن قواعد الئتلف استيعا ُ‬
‫حسن المجادلة‪ ،‬وفتح الفرص المناسبة للحوار البّناء‪ ،‬والوصول إلى نتائج‬ ‫و ُ‬
‫جه رسوله صلى الله عليه وسلم في الحوار مع‬ ‫ة‪ ،‬أجل إن الله عّز وجل و ّ‬ ‫طيب ٍ‬
‫المشركين أن يقول لهم‪) :‬وإنا أو أياكم لعلى هدى أو في ضلل مبين(‪.‬‬
‫ق‪ ،‬وما عليه‬ ‫فالرسول صلى الله عليه وسلم على يقين أن ما عليه هو الح ّ‬
‫ق‪،‬‬
‫م للح ّ‬ ‫ب من أساليب الحوار ُيستمال به الخص ُ‬ ‫ل ولكنه أسلو ٌ‬ ‫المشركون باط ٌ‬
‫ة‪ ..‬وإذا أخطأنا في أساليب الحوار مع إخواننا‬ ‫ول يقطع الطريقَ عليه لول وهل ٍ‬
‫ط أيّ فرصةٍ لبداء وجهة نظر الطرف الخر‪ ،‬فعلينا أن‬ ‫المسلمين‪ ،‬ولم ُنع ِ‬
‫نقرأ في السيرة النبوية وسنجد ُ فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وهو يحاور رمزا ً من رموز الجاهلية ووتدا ً من أوتاد ِ قريش قال له‪)) :‬قل يا أبا‬
‫الوليد اسمع(( ول يبادره بسهام الحقّ ــ وهو العلى ــ حتى يقو َ‬
‫ل له‪:‬‬
‫ة في‬ ‫ت يا أبا الوليد؟(( إنه ليس ضعفا ً ول تزلفا ً ول نفاقًا‪ ،‬وإنما الرغب ُ‬ ‫))أفرغ َ‬
‫استمالته ودعوته للحق‪ ..‬وقد كان شيٌء من هذا‪ ..‬ودخل في نفس الوليد‬
‫شيٌء من عظمة محمد صلى الله عليه وسلم وعظمة القرآن‪ ،‬حتى قالت‬
‫قريش‪ :‬والله لقد جاءكم الوليد ُ بغير الوجهِ الذي ذهب به‪..‬‬
‫ة الحكمةِ في الدعوة‪ ،‬والمهارةُ في الحوار‪ ،‬والقدرة ُ على القناع‪،‬‬ ‫إنها مَلك ُ‬
‫وليست سفسطة‪ ،‬ول جدل ً عميقًا‪ ،‬أو ترفا ً فكريًا‪ ،‬ففرقٌ بين هذا وذاك!‬
‫ومما يعين على الئتلف التحذيُر من الباطل دون التصريح بالمبطلين‪ ،‬إل إذا‬
‫ل للتصريح؛ ذلك أن التعريف بالضلل تعرية لهله‪ ،‬وقد يعود ُ صاحب‬ ‫ت الحا ُ‬ ‫دع ِ‬
‫ّ‬
‫الضلل إلى الحقّ إذا لم ُيشهّْر به‪ ،‬والعلماُء يقولون‪ :‬ليس كل ما ُيعلم مما هو‬
‫ة‪.‬‬
‫ب نشُره‪ ..‬ل سيما إن كان نشُره يثير فتن ً‬ ‫حقّ ُيطل ُ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومن سبل التأليف مخاطبة الناس بما ينفعهم وعلى قدر عقولهم وفي هذا‬
‫ن‪،‬‬
‫دثوا الناس بما يعرفون‪ ،‬ودعوا ما ينكرو َ‬ ‫ي رضي الله عنه‪)) :‬ح ّ‬ ‫يقول عل ّ‬
‫ذب الله ورسوله(( وعن ابن مسعود رضي الله عنه‪)) :‬ما من‬ ‫أتحبون أن ُيك ّ‬
‫ة لبعضهم((‪.‬‬ ‫ً‬
‫ث قوما حديثا ل تبلغه عقولهم إل كان فتن ً‬‫ً‬ ‫رجل ُيحد ّ ُ‬
‫در‬ ‫ّ‬
‫وُيعدد الغزالي من وظائف المعلم المرشد‪ :‬أن يقتصر بالمتعلم على ق ْ‬
‫ل لك ّ‬
‫ل عبدٍ‬ ‫فره‪ ،‬وكذلك قيل‪ :‬ك ِ ْ‬ ‫مه‪ ،‬فل ُيلقي إليه ما ل يبلُغه عقُله فين ّ‬ ‫فه ِ‬
‫ن له بميزان فهمه‪ ،‬حتى تسلم منه‪ ،‬وينتفع بك‪ ،‬وإل وقع‬ ‫بمعيار عقله‪ ،‬وز ْ‬
‫النكاُر لتفاوت المعيار)‪.(17‬‬
‫ح بذكر المسائل العلمية‬ ‫م والتبج ُ‬‫على أن مما يوقع في الفرقة والخلف التعال ُ‬
‫ه إل صغارها‪،‬‬ ‫ل عقل ُ‬ ‫لمن ليس من أهلها‪ ،‬أو ذكُر كبار المسائل لمن ل يحتم ُ‬
‫ف؛ كما قرر أهل العلم)‪ ،(18‬فليحذر‬ ‫ل هذا يوقعُ في مصائب ونفرةٍ وخل ٍ‬ ‫فمث ُ‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منه‪.‬‬
‫ر‬
‫م كاف ٍ‬ ‫ف بالموازنة بين المصالح والمفاسد‪ ،‬فإسل ُ‬ ‫ومن قواعد الئتلف النصا ُ‬
‫ة فاجرٍ بسماعه أحاديث‬ ‫على يد مبتدع أولى من بقاِء الكافر على كفره وتوب ُ‬
‫ضعيفة خيٌر من بقائه على فجوره‪.‬‬
‫والصلة خلف المبتدع أولى من ترك الجماعة‪ ،‬بل ُيستعان بالمبتدعة في‬
‫ل مفسدةُ بدعتهم‪ ،‬وكذلك أخذ السلف بعض‬ ‫تحصيل واجب عظيم‪ ،‬وتحتم ُ‬
‫الحاديث عن أهل بدعة القدر في البصرة حين لم يجدوها عند غيرهم من‬
‫أهل السنة‪ ،‬بعد موازنتهم بين هجر الرواية عنهم زجرا ً لهم عن بدعتهم وبين‬
‫ث‬
‫ة الحدي ِ‬ ‫سنة‪ ،‬وقرَر هذا ابن تيمية بقوله‪" :‬فلو ترك رواي ُ‬ ‫مصلحة حفظ ال ّ‬
‫ة فيهم"‪.‬‬ ‫ن والثاُر المحفوظ ُ‬ ‫م والسن ُ‬
‫س العل ُ‬‫عنهم ل ندر َ‬
‫ة الواجبات‬ ‫ذر إقام ُ‬ ‫ة قال فيها‪" :‬فإذا تع ّ‬ ‫ة ومهم ً‬
‫بل رتب على ذلك قاعدة عام ً‬
‫ة مضرتها دون مضرةِ ترك‬ ‫من العلم والجهاد وغير ذلك إل بمن فيه بدع ٌ‬
‫ً‬
‫الواجب‪ ،‬كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدةٍ مرجوحةٍ معه خيرا من‬
‫العكس")‪.(19‬‬
‫ة‪ ،‬وإن‬ ‫ة التنازل لمصلحة الجماع ِ‬ ‫ومما يسهم في الئتلف بين المؤمنين قابلي ُ‬
‫ت المسلمين ــ ذات السلسل ــ‬ ‫ل أحقّ من غيره‪ ،‬وفي أحدِ غزوا ِ‬ ‫كان المتناز ُ‬
‫مَر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫مر عليهم أبا عبيدة ابن‬ ‫ثم بعث له مددا ً من المهاجرين فيهم أبو بكر وعمر‪ ،‬وأ ّ‬
‫الجراح رضي الله عنه‪ ،‬فلما وصل المدد ُ قال عمرو‪ :‬أنا أميُركم‪ ،‬فقال‬
‫المهاجرون‪ :‬بل أنت أميُر أصحابك‪ ،‬وأميرنا أبو عبيدة‪ ،‬فقال عمرو‪ :‬إنما أنتم‬
‫خُلق‪ ،‬لي ّ َ‬
‫ن‬ ‫ت بكم‪ ،‬فلما رأى ذلك أبو عبيدة‪ ،‬وكان رجل ً حس َ‬
‫ن ال ُ‬ ‫مدد ٌ أمدد ُ‬
‫ف والجماعة‪،‬‬ ‫ً‬
‫الشيمة‪ ،‬متبعا لمر رسول الله صلى الله عليه وسلم محبا للتألي ِ‬ ‫ً‬
‫لمرة لعمرو وجمع الكلمة)‪.(20‬‬ ‫سّلم ا ِ‬
‫وحين ُيوصي العلماء والدعاة وطلبة العلم بالحرص على الئتلف ودفع‬
‫ل وسيلة فل يعني ذلك تميع الدين‪ ،‬أو السكوت عن الحق وكشف‬ ‫الختلف بك ّ‬
‫ع‬
‫ل وسيلة للئتلف‪ ،‬وكم هو رائ ٌ‬ ‫ي بك ّ‬ ‫ب في الختلف والسع ُ‬ ‫الباطل‪ ..‬لكنه الد ُ‬
‫أن يدفعَ العلماُء مفسدةَ فتنة العامة‪ ،‬بإظهار الود ّ وتقدير بعضهم لبعض‪،‬‬
‫وعدم التنازع على مشهد من الناس‪ ،‬ومما ُيذكر في ذلك أن المام أحمد‪،‬‬
‫وإسحاق وعبد الرزاق خرجوا إلى المصلى في عيد الفطر ــ وكان أحمد‬
‫ة‬
‫ة التكبير لعيد الفطر‪ ،‬بينما ل يرى عبد الرزاق سني َ‬ ‫سني َ‬
‫وإسحاق يرون ُ‬
‫مصّلى؟ لم يكبر أحمد ُ‬ ‫التكبير في عيد الضحى‪ ،‬ولكن ما الذي حصل في ال ُ‬
‫وإسحاق مراعاة لجتهاد عبد الرزاق‪ ،‬وعبد الرزاق عجب من عدم تكبيرهما‪،‬‬
‫وقال‪ :‬لو كّبرتما لكّبرت معكما‪ ،‬مداراة لجتهادهما‪ ،‬ودفعا ً لفتنةِ العوام)‪.(21‬‬
‫وهكذا يحرص العلماء على توحيد المواقف أمام الناس‪ ،‬وإن اختلفت‬
‫اجتهاداتهم في بعض المسائل‪.‬‬
‫وُيوصى العلماء وطلبة العلم ــ كذلك ــ في سبيل الئتلف ودفع الختلف‬
‫والفرقة بالسكوت أحيانا ً عن بعض المسائل غير المألوفة‪ ،‬ل سيما إذا كان‬
‫ة لبعضهم‪ ،‬وهنا يرشد‬ ‫الخلف فيها جاريًا‪ ،‬ونشرها بين الناس يحدث فتن ً‬
‫الشاطبي رحمه الله إلى ضابط لعرض المسائل الشرعية المثيرة ويقول‪:‬‬
‫حت في ميزانها‪ ،‬فانظر‬ ‫"وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة‪ ،‬فإن ص ّ‬
‫في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله‪ ،‬فإن لم يؤد ّ ذكرها إلى مفسدة‬
‫فاعرضها في ذهنك على العقول‪ ،‬فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها‪ ،‬إما على‬
‫ل على العموم‪ ،‬وإما على الخصوص‪ ،‬إن‬ ‫العموم‪ ،‬إن كانت مما تقبله العقو ُ‬
‫كانت غيَر لئقةٍ بالعموم‪ ،‬وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ ُ فالسكوت عنها‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ق المصلحة الشرعية والعقلية")‪.(22‬‬ ‫هو الجاري على وف ِ‬


‫م المسلمين وغيُر‬‫ومع هذه الوصايا للعلماء والدعاة وطلبة العلم يوصى عوا ّ‬
‫المتفقهين منهم بالثقة بأهل العلم‪ ،‬وتوسيع المدارك‪ ،‬وعدم العجلة بإصدار‬
‫الحكام‪ ،‬وعدم الفرح بالخلف يقع بين العالمين‪ ،‬وبعدم التشكك في شيء‬
‫من دين الله‪ ،‬إذ الخلف يقع في فروع الدين ل في أصوله‪ ،‬وقد يكون في هذا‬
‫ة‪ ،‬وحين يقع التنازع فل بد من رّده إلى الله ورسوله‬
‫ة وسع ٌ‬‫الختلف رحم ٌ‬
‫وإلى ورثة النبياء عليهم السلم‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫دين‪ ،‬ذلك التفقه‬ ‫أيها المؤتمرون‪ :‬كم نحن بحاجةٍ جميعا ً إلى التفقه في ال ّ‬
‫الذي يجمع ويؤلف ويهدي ويرشد‪ ،‬وكم نحن بحاجة إلى أن نبلغ بديننا ما بلغ‬
‫الليل والنهار‪ ،‬دون أن نهدَر شيئا ً من طاقاتنا في الوقيعة والخلف بين‬
‫المسلمين‪ ..‬وإنني بهذه المناسبة أوصي بقراءة كتاب نافع ــ كذا أحسُبه والله‬
‫حسيبنا جميعا ً ــ هذا الكتاب صدر مؤخرا ً بعنوان "فقه الئتلف وقواعد‬
‫التعامل مع المخالفين بالنصاف" ومؤلفه محمود محمد الخزندار‪ ،‬وهو من‬
‫مطبوعات دار طيبة في الرياض‪ ،‬أسأل الله أن يجزل المثوبة لمؤلفه وأن‬
‫ينفع به‪ ،‬وأن يعّلمنا جميعا ً ما ينفعنا‪ ،‬وأن ينفعنا بما عّلمنا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫)‪ (1‬منهاج السنة‪.5/127 :‬‬
‫)‪ (2‬أحكام أهل الذمة لبن القيم‪ ،‬تحقيق صبحي الصالح ‪.1/38‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري برقم ‪.2311‬‬
‫)‪ (4‬الفتح ‪ 4/616‬ح ‪.2311‬‬
‫)‪ (5‬الحكام في أصول الحكام لبن حزم‪ ،4/586 :‬عن كتاب "فقه الئتلف"‬
‫محمود الخزندار ص ‪.98‬‬
‫)‪ (6‬عن فقه الئتلف ص ‪.104‬‬
‫)‪ (7‬حياة شيخ السلم‪ ،‬محمد بهجت البيطار ص ‪ ،15‬عن الرسالة القبرصية‪،‬‬
‫فقه الئتلف‪.47 :‬‬
‫)‪ (8‬منهاج السنة‪ 241 ،5/240 :‬عن فقه الئتلف‪.186 :‬‬
‫)‪ (9‬الموافقات‪ ،2/271 :‬عن فقه الئتلف‪.199 :‬‬
‫)‪ (10‬منهاج السنة‪.3/64 :‬‬
‫)‪ (11‬الفتاوى لبن تيمية‪.28/209 :‬‬
‫)‪ (12‬الموافقات‪ ،4/186 :‬الفتاوى‪.19/123 :‬‬
‫)‪ (13‬الفتاوى‪.30/80 :‬‬
‫)‪ (14‬الفتاوى‪ ،14/159 :‬فقه الئتلف‪.27 :‬‬
‫)‪ (15‬الفتاوى‪.22/407 :‬‬
‫)‪ (16‬الفتاوى‪.22/268 :‬‬
‫)‪ (17‬الحياء‪.56 ،1/55 :‬‬
‫)‪ (18‬الموافقات للشاطبي‪.1/87 :‬‬
‫)‪ (19‬الفتاوى‪ ،28/212 :‬فقه الئتلف‪.248 :‬‬
‫)‪ (20‬ترجمة أبي عبيدة في سير أعلم النبلء‪ 1/5 :‬ــ ‪.23‬‬
‫)‪ (21‬سير أعلم النبلء‪ 12/214 :‬ــ ‪ ،221‬ترجمة محمد بن رافع‪.‬‬
‫)‪ (22‬الموافقات‪ 4/191 :‬عن فقه الئتلف‪ ،‬محمود الخزندار‪.247 :‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫من فقه التعامل مع غير المسلمين‬


‫الشيخ الدكتور ‪ :‬يوسف القرضاوي‬
‫‪ .1‬آيات وأحاديث أسيء فهمها‪:‬‬
‫ه{‪.‬‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫‪ -‬آية }ل َ ت َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م أوْل َِياَء{‪.‬‬ ‫ذوا عَد ُّوي وَعَد ُوّك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ -‬آية }َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫صاَرى أ َوْل َِياَء{‪.‬‬ ‫ذوا ال ْي َُهود َ َوالن ّ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫‪ -‬آية }َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م{‪.‬‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ وَل َ الن ّ َ‬ ‫عن َ‬ ‫ضى َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫‪ -‬آية }وَل َ ْ‬
‫‪ -‬حديث‪" :‬ل تبدءوا اليهود والنصارى بالسلم‪." ...‬‬
‫‪ .2‬الجزية‪:‬‬
‫‪ .3‬تميز أهل الذمة في زيهم عن المسلمين‪.‬‬
‫‪ .4‬موقفنا من القليات‪.‬‬
‫‪ -1‬آيات وأحاديث أسيء فهمها‪:‬‬
‫ه{‪.‬‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫آية }ل َ ت َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬
‫ما‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫ومن الناس من اتخذ من قوله تعالى في سورة المجادلة‪} :‬ل َ ت َ ِ‬
‫كانوا آباَءهُم أوَ‬ ‫ن ِباللهِ َوال ْي َوْم ِ ال َ ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه وَل َوْ َ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫م{ )المجادلة‪ ،(22 :‬اتخذوا منها دليل على أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫أب َْناَءهُ ْ‬
‫السلم ينهى عن مودة المسلم لغير المسلم بصفة مطلقة‪ ،‬ويؤكدون ذلك‬
‫َ‬
‫ذوا عَد ُّوي‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫بقوله تعالى في أول سورة الممتحنة‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫حق ّ ي ُ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫جاَء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫موَد ّةِ وَقَد ْ ك َ َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫م أ َوْل َِياَء ت ُل ْ ُ‬ ‫وَعَد ُوّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫سِبيِلي‬ ‫جَهاًدا ِفي َ‬ ‫م ِ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ِإن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫مُنوا ِباللهِ َرب ّك ُ ْ‬ ‫م أن ت ُؤْ ِ‬ ‫ل وَإ ِّياك ُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫الّر ُ‬
‫من‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م وَ َ‬ ‫ما أعْلن ْت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫في ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫موَد ّةِ وَأَنا أعْل ُ‬ ‫م ِبال َ‬ ‫ن إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫سّرو َ‬ ‫ضاِتي ت ُ ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫َواب ْت َِغاَء َ‬
‫ل{‪.‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫واَء ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ضل َ‬ ‫ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫مف َ‬ ‫َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫فعَل ْ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫وأود أن أبين هنا أن آية المجادلة ل تنهى عن مودة من كان غير مسلم‪ ،‬ولو‬
‫كان مسالما للمسلمين بل تنهى عن موادة )من حاد الله ورسوله( أي حارب‬
‫الله ورسوله‪ ،‬وشاق الله ورسوله‪ ،‬فهذا شخص معادٍ للسلم وأهله‪ ،‬فكيف‬
‫يطلب من المسلم أن يظهر له الود والمحبة؟‪.‬‬
‫ولو كانت مودة غير المسلم ممنوعة في السلم ما أجاز الشرع السلمي‬
‫للمسلم أن يتزوج الكتابية‪ .‬والزوجية في نظر السلم تقوم على أسس‬
‫ن‬ ‫خل َقَ ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫كم ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وأركان‪ ،‬منها‪ :‬المودة والرحمة‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫َ‬ ‫فسك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ن ِفي ذ َل ِك لَيا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫موَد ّة ً وََر ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل ب َي ْن َ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫سك ُُنوا إ ِل َي َْها وَ َ‬ ‫جا ل ّت َ ْ‬ ‫م أْزَوا ً‬ ‫أن ْ ُ ِ ْ‬
‫ن{ )الروم‪.(21 :‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫لّ َ‬
‫ولذا قال ابن عباس‪ :‬ل يجوز زواج الكتابية إذا كانت من قوم معادين‬
‫ه‬
‫ن ِبالل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫للمسلمين‪ ،‬واستدل العلماء لقوله بهذه الية‪} :‬ل َ ت َ ِ‬
‫ه{‪ .‬والمفروض في الحياة الزوجية‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫َوال ْي َوْم ِ ال َ ِ‬
‫ما أثبتته الية الخرى‪} :‬وجعل بينكم مودة ورحمة{ فآية )من حاد الله‬
‫ورسوله( تعني العداء المحاربين للمسلمين‪.‬‬
‫م أ َوْل َِياَء{‪:‬‬ ‫ذوا عَد ُّوي وَعَد ُوّك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫‪ -‬آية }ل َ ت َت ّ ِ‬
‫يؤكد هذا آية الممتحنة‪} :‬ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم‬
‫بالمودة{‪ .‬فالية قد عبرت عنهم بأنهم أعداء الله‪ ،‬وأعداء المسلمين )عدوي‬
‫وعدوكم(‪ ،‬وليس مقبول أن يعادوا الله ورسوله والمؤمنين‪ ،‬ويقابل المسلمون‬
‫معاداتهم بالولء لهم‪ ،‬وإلقاء المودة إليهم‪.‬‬
‫وليس هذا لمجرد كفرهم بالسلم‪ ،‬بل ضموا إليه إيذاء المسلمين وحصارهم‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتعذيبهم وفتنتهم في دينهم‪ ،‬حتى أخرجوهم من ديارهم بغير حق إل أن‬


‫ما‬
‫فُروا ب ِ َ‬ ‫موَد ّةِ وَقَد ْ ك َ َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫يقولوا‪ :‬ربنا الله‪ .‬ولذا قالت الية‪} :‬ت ُل ْ ُ‬
‫َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫مُنوا ِباللهِ َرب ّك ُ ْ‬ ‫م أن ت ُؤْ ِ‬ ‫ل وَإ ِّياك ُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬‫جو َ‬‫خرِ ُ‬‫حق ّ ي ُ ْ‬‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫جاَء ُ‬
‫كم ّ‬ ‫َ‬
‫وقد ذكرت السورة قاعدة من أعظم قواعد السلوك والتعامل مع المخالفين‬
‫ولو كانوا أعداء‪ ،‬وهي‪ :‬أن العداوة ليست أمرا دائما وأبديا بالضرورة‪ ،‬فقد‬
‫تستحيل العداوة إلى مودة‪ ،‬ودوام الحال من المحال‪ ،‬وهذا ما قررته السورة‬
‫بصيغة الرجاء حيث قال تعالى‪} :‬عَسى الل َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫م وَب َي ْ َ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫جعَ َ‬ ‫ه أن ي َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م{ )الممتحنة‪ .(7 :‬أي‪ :‬والله‬ ‫ٌ‬ ‫حي‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ٌ ّ‬ ‫ر‬ ‫فو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ه‬
‫ديٌر َوالل ُ‬‫ه قَ ِ‬
‫موَد ّة ً َوالل ُ‬
‫من ُْهم ّ‬ ‫عاد َي ُْتم ّ‬
‫َ‬
‫قدير على تحويل القلوب من كراهية إلى مودة‪ ،‬والله غفور رحيم يعفو عما‬
‫سلف‪ ،‬ويسامح عباده فيما مضى‪.‬‬
‫‪ -‬آية )ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء(‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫َ‬
‫ذوا ال ْي َُهود َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله تعالى في سورة المائدة‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫والنصارى أ َول ِياَء بعضه َ‬
‫ه لَ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫من ي َت َوَل ُّهم ّ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫ْ َ َْ ُ ُ ْ‬ ‫َ ّ َ َ‬
‫ن{ يجب أن يفهم في ضوء السياق وأسباب النزول‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ي َهْ ِ‬
‫لليات فالية التي تليها تشير إلى أن اليهود والنصارى كانوا معادين‬
‫للمسلمين‪ ،‬وكانوا في حالة من القوة والمنعة بحيث أصبح كثير من المنافقين‬
‫ومرضى القلوب يحاولون التقرب إليهم‪ ،‬والموالة لهم على حساب دينهم‬
‫وأمتهم وجماعتهم‪ .‬وهذا ل ينازع منصف في أنه خطر على سيادة المة‬
‫ووحدتها وتماسكها‪ ،‬ول سيما في مرحلة تكوينها وتأسيس بنيانها‪.‬‬
‫ض‬
‫مَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫تقول الية الكريمة التالية للية المذكورة‪} :‬فَت ََرى ال ّ ِ‬
‫فت ِْح أ َْو‬‫ي ِبال ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫شى َأن تصيبنا دائ ِرةٌ فَعسى الل َ‬
‫ه أن ي َأت ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ِ ََ َ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن ِفيهِ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن * وَي َ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫م َنادِ ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سّروا ِفي أن ْ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫حوا عَلى َ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫عن ْدِهِ فَي ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مرٍ ّ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫مال ُهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫م لَ َ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫جهْد َ أي ْ َ‬ ‫موا ِباللهِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا أهَؤُل َِء ال ّ ِ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬
‫ن{ )المائدة‪.(53-52 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫حوا َ‬ ‫فَأ ْ‬
‫صب َ ُ‬
‫فالواضح من هذه الية الخيرة أننا أمام جماعة من المنافقين النتهازيين‬
‫المخادعين الذين يخونون جماعتهم‪ ،‬ويوالون أعداءها‪ ،‬ويحلفون لهم كاذبين‬
‫إنهم لمعكم! ولذا يقول القرآن‪) :‬حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين(‪.‬‬
‫ول غرو أن من يوالي العداء وينضم إليهم‪ ،‬ويلقي إليهم بالمودة على حساب‬
‫أمته أمر مجّرم ومحّرم وطنيا ودينيا‪ ،‬ول سيما في أوقات الصراع والحروب‪،‬‬
‫فهو في نظر الوطنية خيانة‪ ،‬وهو في نظر الدين ردة‪ ،‬وهي معنى قوله تعالى‪:‬‬
‫)ومن يتولهم منكم فإنه منهم(‪.‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫عن ِدين ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫من ي ّْرت َد ّ ِ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ومن هنا جاءت الية التالية تقول‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫حبون َ‬ ‫ْ‬
‫عّزةٍ عَلى‬ ‫نأ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ه أذِل ّةٍ عَلى ال ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م وَي ُ ِ ّ َ ُ‬
‫حب ّهُ ْ‬ ‫قوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ف ي َأِتي الل ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫م{ )المائدة‪.(54 :‬‬ ‫َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ل اللهِ وَل َ ي َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ة لئ ِ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ن لو ْ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬
‫كأن الية تقول‪ :‬إن هؤلء الذين خانوا قومهم وانضموا إلى أعدائهم‪ ،‬وارتدوا‬
‫وض الله المة خيرا منهم بجيل جديد أو أجيال جديدة على‬ ‫عن دينهم‪ ،‬سيع ّ‬
‫نقيض هؤلء‪.‬‬
‫فهذه اليات ليست في مطلق يهود ونصارى عاديين مسالمين للمسلمين‪ ،‬بل‬
‫في يهود ونصارى معادين لهم‪ ،‬محاربين لدعوتهم‪ ،‬كاليهود الذين نقضوا عهد‬
‫رسول الله‪ ،‬وانضموا إلى أعدائه من الوثنيين المشركين‪ ،‬الذين أغاروا على‬
‫المدينة‪ ،‬وأرادوا القضاء على الرسول وأصحابه‪ ،‬واستئصال شأفة المسلمين‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واقتلع السلم من جذوره‪.‬‬


‫واليات التالية في سياق النهي عن الولء لليهود والنصارى تؤكد ذلك‪ .‬يقول‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م هُُزًوا وَل َعًِبا ّ‬ ‫ذوا ِدين َك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ذوا ال ّ ِ‬
‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن * وَإ َِذا‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ه ِإن ك ُن ُْتم ّ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫فاَر أ َوْل َِياَء َوات ّ ُ‬ ‫م َوال ْك ُ ّ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫ُ‬
‫ذوها هزوا ول َعبا ذ َل َ َ‬
‫ن{ )المائدة‪:‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ل ّ ي َعْ ِ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫خ ُ َ ُ ُ ً َ ًِ ِ‬ ‫صل َةِ ات ّ َ‬ ‫م إ َِلى ال ّ‬ ‫َناد َي ْت ُ ْ‬
‫‪.(58-57‬‬
‫فهؤلء قوم أعلنوا الحرب على السلم وأهله‪ ،‬وهزؤوا بعقيدته‪ ،‬وهزؤوا‬
‫بشعائره‪ ،‬وأعظمها الصلة‪ ،‬واتخذوها هزوا ولعبا‪.‬‬
‫أما اليهود والنصارى العاديون المسالمون‪ ،‬فهم في نظر المسلمين أهل‬
‫ب‬ ‫ْ‬ ‫كتاب‪ ،‬أجاز القرآن مؤاكلتهم كما أجاز مصاهرتهم }وط َعام ال ّذي ُ‬
‫ن أوُتوا الك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬‫صَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ت َوال ُ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صَنا ُ‬ ‫ح َ‬‫م ْ‬ ‫م َوال ْ ُ‬ ‫ل ل ّهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫م وَط ََعا ُ‬ ‫ل ل ّك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م{ )المائدة‪.(5 :‬‬ ‫من قَب ْل ِك ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫أوُتوا الك َِتا َ‬
‫وإذا كان أهل الكتاب لهم مكانة خاصة ومعاملة خاصة لدى المسلمين‪ ،‬فإن‬
‫النصارى منهم يعتبرهم القرآن أقرب مودة للمسلمين من اليهود الذين‬
‫بارزوه بالعداوة برغم مبادرة الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بعقد التفاقية‬
‫معهم ب َُعيد هجرته إلى المدينة‪ ،‬وقد جعلهم فئة من أهل الدار يتناصرون في‬
‫السلم والحرب‪ ،‬ويتواسون في السراء والضراء‪.‬‬
‫ولعل اليات التي صدرت بها سورة الروم تدلنا بجلء على قرب النصارى من‬
‫المسلمين‪ ،‬فقد قامت حرب بين الدولتين العظيمتين في ذلك الزمن‪ :‬الفرس‬
‫في الشرق‪ ،‬والروم في الغرب‪ ،‬وانتصر الفرس على الروم في أول المر‪،‬‬
‫فحزن لذلك المسلمون وفرح المشركون لن الفرس مجوس يعبدون النار‪،‬‬
‫ويعبدون إلهين للخير والشر‪ ،‬أو للنور والظلمة‪ ،‬فهم أقرب إلى مشركي‬
‫العرب عبدة الوثان‪ ،‬والروم كانوا نصارى أهل كتاب‪ ،‬فكانوا أقرب إلى‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وتجادل الفريقان وتراهنوا حول مستقبل المتين‪ ،‬ولمن تكون الغلبة بعد؟‬
‫وكان المسلمون بطبيعة الحال مع الروم‪ ،‬والمشركون مع الفرس‪ ،‬فنزل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من ب َعْد ِ غَل َب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫هم ّ‬ ‫ض وَ ُ‬ ‫م * ِفي أد َْنى الْر ِ‬ ‫ت الّرو ُ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬الم * غُل ِب َ ِ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫فَر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َ ْ‬
‫من ب َعْد ُ وَي َوْ َ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫مُر ِ‬ ‫ن للهِ ال ْ‬ ‫سِني َ‬ ‫ضِع ِ‬ ‫ن * ِفي ب ِ ْ‬ ‫سي َغْل ُِبو َ‬‫َ‬
‫م{ )الروم‪.(5-1 :‬‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ز‬
‫َ ُ َ َ ِ ُ ّ ِ ُ‬ ‫زي‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬‫و‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫شا‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫من‬
‫ِ َ ُ ُ َ َ‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ين‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫* َِ ْ ِ‬
‫ر‬‫ص‬ ‫ن‬ ‫ب‬
‫انظر كيف بشر القرآن المسلمين بنصر الروم‪ ،‬وكيف عّبر عن مشاعر‬
‫المسلمين بقوله‪) :‬ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله(‪ .‬فهذا هو موقف‬
‫السلم المبدئي من أهل الكتاب عامة‪ ،‬ومن النصارى خاصة‪.‬‬
‫وهذا ل يمنع أن تأتي آيات من القرآن تنقد اليهود أو النصارى أو أهل الكتاب‬
‫دلوا من عقائد موسى وعيسى‪ ،‬ومن ملة‬ ‫عامة‪ ،‬فيما حّرفوا من كتبهم‪ ،‬وما ب ّ‬
‫إبراهيم‪ ،‬وما غيروا من شرائع أنبيائهم‪ ،‬فالقرآن قد جاء مصدقا ومتمما‬
‫للتوراة والنجيل‪ ،‬كما أعلن ذلك في آيات كثيرة‪ ،‬كما جاء أيضا )مصححا( لها‪،‬‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫أو بتعبير آخر )مهيمنا عليها( كما قال تعالى‪} :‬وَأ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ه{ )المائدة‪.(48 :‬‬ ‫مًنا عَل َي ْ ِ‬
‫مهَي ْ ِ‬‫ب وَ ُ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬ ‫صد ًّقا ل ّ َ‬
‫ما ب َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫كما ينقد القرآن مواقف أهل الكتاب ‪-‬خصوصا اليهود‪ -‬من دعوة السلم‪،‬‬
‫ورسول السلم وأمة السلم‪ ،‬ومع هذا يأمر الرسول والمسلمين بالعفو‬
‫وَ‬ ‫والصفح‪ ،‬كما في قوله تعالى في سورة البقرة‪} :‬ود ك َِثير م َ‬
‫بل ْ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ٌ ّ ْ‬ ‫َ ّ‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫سِهم ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫عن ْد ِ أ َن ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫مَ ْ‬ ‫دا ّ‬ ‫س ً‬ ‫ح َ‬ ‫فاًرا َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ ِإي َ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ِ‬ ‫ي َُرّدون َ ُ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ْ‬
‫ديٌر{‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مرِهِ إ ِ ّ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫حوا َ‬ ‫ف ُ‬‫ص َ‬ ‫فوا َوا ْ‬ ‫حقّ َفاع ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫)البقرة‪.(109 :‬‬
‫ومعنى‪) :‬حتى يأتي الله بأمره( أي حتى يشرح الله صدورهم للسلم‪ ،‬أو يروا‬
‫انتصار السلم وعلو كلمته أمام أعينهم‪.‬‬
‫وقد أكدت سورة المائدة ‪-‬وهي من أواخر ما نزل من القرآن‪ -‬ذلك في قوله‬
‫تعالى في شأن بني إسرائيل‪ ،‬وقد نقضوا ما أخذ الله عليهم من ميثاق‪} :‬فَب ِ َ‬
‫ما‬
‫ه‬
‫ضعِ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫عن ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْك َل ِ َ‬ ‫حّرُفو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫سي َ ً‬ ‫م َقا ِ‬ ‫جعَل َْنا قُُلوب َهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م َلعّناهُ ْ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬ ‫ضِهم ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫م َفاعْ ُ‬
‫ف‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫م إ ِل ّ قَِليل ً ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خائ ِن َةٍ ّ‬ ‫َ‬
‫ل ت َطل ِعُ عَلى َ‬ ‫ّ‬ ‫ما ذ ُك ُّروا ب ِهِ وَل َ ت ََزا ُ‬ ‫م ّ‬ ‫حظا ّ‬ ‫ّ‬ ‫سوا َ‬ ‫وَن َ ُ‬
‫ن{ )المائدة‪.(13 :‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫ص َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫فرغم ظهور الخيانة من أكثرهم أمر الرسول أن يعفو عنهم ويصفح‪ ،‬فهذا من‬
‫الحسان الذي يحبه الله تعالى‪ .‬وهذا في نفس السورة التي نهت عن اتخاذ‬
‫اليهود والنصارى أولياء‪.‬‬
‫ة‬
‫خائ ِن َ ٍ‬ ‫َ‬
‫ل ت َطل ِعُ عَلى َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ونلحظ أن القرآن حين دان بني إسرائيل قال‪} :‬وَل ت ََزا ُ‬
‫م{ وذلك ليؤسس منهج العدل مع الخصوم في الرضا‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫م إ ِل ّ قَِليل ً ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫والغضب‪ ،‬ولذلك استثنى فقال‪) :‬إل قليل منهم(‪.‬‬
‫وهذا هو نهج القرآن معهم ففي سورة آل عمران بعد أن تحدث عن بعض‬
‫ل‬ ‫مساوئهم التاريخية‪ ،‬وقتلهم النبياء بغير حق‪ ،‬قال‪} :‬ل َيسوا سواًء م َ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫ّ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ه‬ ‫بالل‬
‫ُ ِ ُ َ ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫*‬ ‫ن‬
‫ج ُ َ‬ ‫دو‬ ‫س ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل وَهُ ْ‬ ‫ت اللهِ آَناَء الل ّي ْ ِ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫ة ي َت ُْلو َ‬ ‫م ٌ‬
‫ْ‬
‫ة َقائ ِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫بأ ّ‬ ‫ال ْك َِتا ِ‬
‫ت‬‫خي َْرا ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫من ْك َرِ وَي ُ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫َ‬
‫َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُرو َ‬ ‫خرِ وَي َأ ُ‬
‫م‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫فُروهُ َوالل ُ‬ ‫ن ي ُك ْ َ‬ ‫َ‬
‫خي ْرٍ فَل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فعَلوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫وَُأول َئ ِ َ‬
‫ن{ )آل عمران‪.(115-113 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫ويقرر القرآن أن من أقام منهم الركان الساسية للدين‪ ،‬وهي‪ :‬اليمان بالله‬
‫تعالى‪ ،‬واليمان بالخلود والجزاء في الخرة‪ ،‬والعمل الصالح‪ ،‬فإن الله لن‬
‫هاُدوا‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا َوال ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫يضيع أجره‪ ،‬ولن يخيب سعيه‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫م‬
‫م ي َوْ َ‬ ‫ل ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل َ‬ ‫كوا إ ِ ّ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫س َوال ّ ِ‬ ‫جو َ‬ ‫م ُ‬ ‫صاَرى َوال ْ َ‬ ‫ن َوالن ّ َ‬ ‫صاب ِِئي َ‬ ‫َوال ّ‬
‫د{ )الحج‪.(17 :‬‬ ‫شِهي ٌ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَلى ك ّ‬ ‫َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مةِ إ ِ ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ن‬
‫وقد كرر القرآن هذا المعنى وأكده في آية أخرى من سورة المائدة }إ ِ ّ‬
‫ر‬
‫خ ِ‬ ‫ن ِباللهِ َوال ْي َوْم ِ ال َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ن َوالن ّ َ‬ ‫صاب ُِئو َ‬ ‫هاُدوا َوال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا َوال ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن{ )المائدة‪.(69 :‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل َ هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫حا فَل َ َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫صاَرى{‪:‬‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ وَل َ الن ّ َ‬ ‫عن َ‬ ‫ضى َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫* آية }وَل َ ْ‬
‫ومن اليات التي تذكر كثيرا ويساء فهمها في العلقة بين المسلمين من‬
‫عن َ‬
‫ك‬ ‫ضى َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ناحية واليهود والنصارى من ناحية أخرى قوله تعالى‪} :‬وَل َ ْ‬
‫م{ )البقرة‪.(120 :‬‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ال ْي َُهود ُ وَل َ الن ّ َ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أرى كثيرا من المتدينين المسلمين الذين ل يتدبرون اليات‪ ،‬ول يتأملون‬


‫النصوص بعمق وتأمل يجدون في هذه الية حائل دون التفاهم والتعايش‬
‫والتصالح مع اليهود والنصارى‪ .‬وهذا ليس بصحيح‪ ،‬ول ينبثق هذا التفكير عن‬
‫فهم سليم للية الكريمة لعدة أمور‪:‬‬
‫ضى‬
‫ن ت َْر َ‬ ‫َ‬
‫أول‪ :‬لن الية خطاب خاص للرسول صلى الله عليه وسلم‪) :‬وَل ْ‬
‫ك( ولم تجئ بلفظ عام من ألفاظ العموم المعروفة‪.‬‬ ‫عن َ‬
‫َ‬
‫وثانيا‪ :‬لو سلمنا بأنها خطاب للجميع‪ ،‬فإنها ل تدل على أكثر من عدم رضاهم‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنا ‪-‬الرضا الكامل‪ ،‬أو الرضا المطلق‪ -‬حتى نتبع ملتهم‪ .‬وهذا شأن كل ذي‬
‫ملة متمسك بملته حريص عليها‪ .‬ونحن كذلك ل نرضى عنهم تمام الرضا حتى‬
‫يتبعوا ملتنا فهو موقف طبيعي ومتبادل بين أهل الملل أو أهل الديان جميعا‪،‬‬
‫ما ت َب ُِعوا قِب ْل َت َ َ‬ ‫وقد قال تعالى‪} :‬ول َئ ِن أ َتيت ال ّذي ُ‬
‫ما‬
‫ك وَ َ‬ ‫ب ب ِك ُ ّ‬
‫ل آي َةٍ ّ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ َْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض{ )البقرة‪.(145 :‬‬ ‫ض ُ َِ ٍِ ِ ْ َ َْ ٍ‬
‫ع‬‫ب‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫ق‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫تا‬‫ب‬ ‫هم‬ ‫ما ب َعْ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت ب َِتاب ٍِع قِب ْل َت َهُ ْ‬ ‫أن َ‬
‫وثالثا‪ :‬إن هدفنا ليس إرضاء اليهود والنصارى‪ ،‬حتى يكون عدم رضاهم حجر‬
‫عثرة في طريقنا‪ ،‬أو عائقا دون تفاهمنا وتعايشنا‪ ،‬بل هدفنا هو إرضاء الله‬
‫تبارك وتعالى قبل كل شيء ‪-‬وسواء رضي الناس عنا أم سخطوا‪ -‬ولن نبيع‬
‫رضوان الله تعالى برضا أي مخلوق كان‪ ،‬ول بأي ثمن مادي أو أدبي‪ ،‬ولو‬
‫وضعوا الشمس في أيماننا‪ ،‬والقمر في شمائلنا‪ ،‬ما فرطنا مثقال ذرة في‬
‫ابتغاء مرضاة ربنا‪.‬‬
‫ورابعا‪ :‬أن السلم ‪-‬برغم وجود هذه الية‪ -‬لم يمنع المسلم أن يؤاكل اليهودي‬
‫أو النصراني‪ ،‬وأن يصاهره‪ ،‬فيتزوج ابنته أو أخته أو قريبته‪ ،‬وينجب منها أولدا‪،‬‬
‫يبرون أمهاتهم وجداتهم وأخوالهم وخالتهم‪ ،‬ويعاملونهم بما يجب لذوي‬
‫الرحام وأولي القربى من الحقوق والحرمات‪ .‬كما قال تعالى‪} :‬وَُأوُلو‬
‫ذي‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫قوا الل َ‬ ‫ه{ )النفال‪َ} .(75 :‬وات ّ ُ‬ ‫ب الل ِ‬ ‫ض ِفي ك َِتا ِ‬ ‫ضهُ ْ َ َ‬
‫م أوْلى ب ِب َعْ ٍ‬ ‫حام ِ ب َعْ ُ‬ ‫الْر َ‬
‫م{ )النساء‪.(1 :‬‬ ‫حا‬ ‫ر‬ ‫وال‬
‫َ ِ ِ َ ْ َ َ‬ ‫ه‬‫ب‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫سا‬‫تَ َ‬
‫‪ -‬حديث )ل تبدؤوا اليهود ول النصارى بالسلم‪.(...‬‬
‫وأما حديث "ل تبدؤوا اليهود ول النصارى بالسلم‪ ،‬فإذا لقيتم أحدهم في‬
‫طريق فاضطروه إلى أضيقه")]‪ .([10‬فهذا مقيد بأيام الصراع والحروب‪ ،‬ل‬
‫بأيام الستقرار والسلم‪ ،‬وقد كان بعض الصحابة يقرأ السلم على كل من‬
‫لقيه من مسلم وغير مسلم‪ ،‬عمل بالمر بإفشاء السلم‪.‬‬
‫وهل من المعقول أن يبيح السلم للمسلم الزواج بالمسيحية ول يبيح له أن‬
‫يسلم عليها؟ وهل يمنع الولد أن يسلم على أمه أو على خاله أو خالته أو جده‬
‫أو جدت‍ه وقد أمره الله بصلة الرحم‪ ،‬وإيتاء ذي القربى؟!‪.‬‬
‫م‬
‫نل ْ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫وحسبنا هذا النص القرآني العام المحكم‪} :‬ل َ ي َن َْهاك ُ ُ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫م الل ُ‬
‫كم من ديارك ُ َ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫طوا إ ِل َي ْهِ ْ‬‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م وَت ُ ْ‬‫م أن ت َب َّروهُ ْ‬ ‫َِ ِ ْ‬ ‫جو ُ ّ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ن وَل َ ْ‬
‫م يُ ْ‬ ‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫ن{ )الممتحنة‪ .(8 :‬فالقسط هو العدل‪ ،‬والبر هو‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫الل َ‬
‫الحسان‪ ،‬وهو شيء فوق العدل‪ .‬العدل‪ :‬أن تعطي الحق‪ ،‬والبر أن تعطي‬
‫فوق الحق‪ ،‬العدل‪ :‬أن تأخذ مالك من حق‪ ،‬والبر‪ :‬أن تتنازل عن بعض حقك‬
‫أو عن حقك كله‪ ،‬وهذا ما رغب فيه القرآن في التعامل مع المسالمين من‬
‫غير المسلمين‪.‬‬
‫إلقاء السلم على المسلمين وغير المسلمين‪:‬‬
‫أما إلقاء السلم على غير المسلمين فإن كانوا في مجلس يجمع بينهم وبين‬
‫المسلمين خلف في جواز من إلقاء السلم عليهم‪ ،‬وقد روى البخاري في‬
‫صحيحه أن "رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ركب حمارا حتى مر على‬
‫مجلس فيه أخلط المسلمين والمشركين وعبدة الوثان واليهود‪ ،‬وفيهم عبد‬
‫الله بن أبي بن سلول‪ ،‬وفي المجلس ابن رواحة‪ ،‬فسلم عليهم النبي ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬ثم وقف فنزل‪.([11]) "...‬‬
‫وقد بوب البخاري لهذا الحديث بعنوان‪" :‬باب التسليم في مجلس فيه أخلط‬
‫من المسلمين والمشركين"‪.‬‬
‫وقال النووي‪ :‬السنة إذا مر بمجلس فيه مسلم وكافر أن يسلم بلفظ التعميم‬
‫ويقصد به المسلم)]‪.([12‬‬
‫ابتداؤهم بالسلم إذا كانوا وحدهم‪:‬‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأما ابتداؤهم بالسلم إذا كانوا وحدهم فذهب جمع من السلف إلى جواز‬
‫إلقاء السلم عليهم‪ ،‬واستدلوا بأدلة منها‪:‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ن وَل ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ .1‬قوله تعالى‪} :‬ل َ ي َن َْهاك ُ ُ‬
‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ِلوك ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫نل ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م الل ُ‬
‫كم من ديارك ُ َ‬
‫ن{‬‫طي َ‬
‫س ِ‬‫ق ِ‬‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫طوا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م وَت ُ ْ‬‫م أن ت َب َّروهُ ْ‬ ‫َِ ِ ْ‬ ‫جو ُ ّ‬‫خرِ ُ‬
‫يُ ْ‬
‫)الممتحنة‪ .(8 :‬ومن برهم‪ :‬إلقاء السلم عليهم‪.‬‬
‫فُر ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫م عَل َي ْ َ‬
‫ك َرّبي{ )مريم‪:‬‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫سأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫سل َ ٌ‬ ‫‪ .2‬وقوله على لسان إبراهيم لبيه‪َ } :‬‬
‫‪.(47‬‬
‫م{)]‪.([13‬‬ ‫سل َ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫م وَقُ ْ‬ ‫ح عَن ْهُ ْ‬ ‫ف ْ‬‫ص َ‬‫‪ .3‬وقوله تعالى آمرا نبيه‪َ} :‬فا ْ‬
‫وذكر القرطبي أن عدًدا من السلف فعل ذلك‪ ،‬ومنهم ابن مسعود‪ ،‬والحسن‪،‬‬
‫والنخعي‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز‪ .‬كما ذكر ابن حجر في الفتح أن أبا أمامة‪،‬‬
‫وابن عيينة فعل ذلك أيضا‪.‬‬
‫ومما ورد أن ابن مسعود فعله مع دهقان صحبه في طريقه‪ ،‬فلما سئل‪:‬‬
‫أليس يكره أن يبدؤوا بالسلم؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن حق الصحبة‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وكان أبو أمامة إذا انصرف إلى بيته ل يمر بمسلم ول نصراني‪ ،‬ول صغير ول‬
‫كبير إل سّلم عليه‪ ،‬فقيل له في ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أمرنا أن نفشي السلم‪.‬‬
‫وسئل الوزاعي عن مسلم مر بكافر فسلم عليه‪ ،‬فقال‪ :‬إن سلمت فقد سلم‬
‫الصالحون‪ ،‬وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك‪.‬‬
‫وقال أبو أمامة‪ :‬إن الله جعل السلم تحية لمتنا وأمانا لهل ذمتنا)]‪.([14‬‬
‫وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عون بن عبد الله عن محمد بن كعب‪ :‬أنه‬
‫سأل عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلم فقال‪ :‬نرد عليهم ول‬
‫نبدؤهم‪ .‬قال عون‪ :‬فقلت له‪ :‬فكيف تقول أنت؟ قال‪ :‬ما أرى بأسا أن نبدأهم‬
‫)]‪.([15‬‬
‫أما حديث مسلم‪" :‬ل تبدؤوا اليهود بالسلم‪ ،‬فإذا لقيتم أحدهم في طريقه‬
‫فاضطروه إلى أضيقه")]‪ ،([16‬فهو مقيد بأيام الحرب‪ ،‬ويدل على ذلك ما‬
‫رواه البخاري في الدب المفرد والنسائي عن أبي بصرة أن رسول الله قال‪:‬‬
‫دا إلى اليهود فل تبدؤوهم بالسلم")]‪.([17‬‬‫"إني راكب غ ً‬
‫ويمكن القول بتأكيد الجواز إن كان هناك سبب يستدعي السلم كقرابة أو‬
‫صحبة‪ ،‬أو جوار‪ ،‬أو سفر‪ ،‬أو حاجة‪ ،‬وقد ذكر القرطبي ذلك عن النخعي فقال‬
‫مؤّول حديث أبي هريرة "ل تبدؤوهم بالسلم"‪ :‬إذا كان بغير سبب يدعوكم‬
‫إلى أن تبدؤهم بالسلم من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لكم قبلهم‪ ،‬أو حق أو‬
‫جوار‪ ،‬أو سفر)]‪.([18‬‬
‫أما إذا كانت التحية بغير السلم فل مانع منها‪ ،‬كأن يقول له صباح الخير‪،‬‬
‫مرحبا‪ ،‬مساء الخير‪.‬‬
‫رد السلم على غير المسلم‪:‬‬
‫وأما رد السلم على غير المسلم‪ ،‬فقد اتفق العلماء على أنه يرد على أهل‬
‫الكتاب بـ "وعليكم")]‪ .([19‬ويشهد لذلك قول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا‪ :‬وعليكم")]‪.([20‬‬
‫ّ‬
‫وقد جعل البخاري هذا الحديث تحت باب‪" :‬كيف الرد على أهل الذمة"‪ ،‬وعلق‬
‫على ذلك ابن حجر بقوله‪ :‬في هذه الترجمة إشارة إلى أنه ل مانع من رد‬
‫السلم على أهل الذمة‪ ،‬فلذلك ترجم بالكيفية)]‪.([21‬‬
‫ويكون الرد بهذه الصيغة "وعليكم" إذا تحقق أنه قال‪" :‬السام عليكم" أو‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شك فيما قال)]‪.([22‬‬


‫أما إذا تحقق من قول "السلم عليكم" قال ابن القيم‪ :‬فالذي تقتضيه الدلة‬
‫الشرعية وقواعد الشريعة أن يقال له‪ :‬وعليك السلم‪ ،‬فإن هذا من باب‬
‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫العدل‪ ،‬والله يأمر بالحسان‪ ،‬وقد قال تعالى‪} :‬وإَذا حييتم بتحية فَحيوا بأ َ‬
‫َِ ُ ّ ُ َِ ِ ّ ٍ َ ّ ِ ْ َ َ‬
‫ها{ )النساء‪ ،(86 :‬فندب إلى الفضل‪ ،‬وأوجب العدل)]‪.([23‬‬ ‫من َْها أ َوْ ُرّدو َ‬
‫ِ‬
‫وقال الحافظ في الفتح‪" :‬قال ابن بطال‪ :‬قال‪ :‬رد السلم على أهل الذمة‬
‫فرض لعموم الية‪ ،‬وثبت عن ابن عباس أنه قال‪ :‬من سلم عليك فرد عليه‬
‫ولو كان مجوسيا")]‪.([24‬‬
‫وكنت قد قرأت منذ زمن بعيد كلما لشيخنا العلمة السيد رشيد رضا في‬
‫تفسيره "المنار" وأحب أن أنقل هنا بعض فقرات مما قاله‪" :‬إن السلم دين‬
‫عام‪ ،‬ومن مقاصده نشر آدابه وفضائله في الناس ولو بالتدريج‪ ،‬وجذب‬
‫بعضهم إلى بعض ليكون البشر كلهم إخوة‪ .‬ومن آداب السلم التي كانت‬
‫فاشية في عهد النبوة إفشاء السلم إل مع المحاربين لن من سلم على أحد‬
‫فقد أمنه‪ ،‬فإذا فتك به بعد ذلك كان خائنا ناكثا للعهد‪.‬‬
‫وُروي عن بعض الصحابة كابن عباس أنهم كانوا يقولون للذمي‪ :‬السلم‬
‫عليك‪ .‬وعن الشعبي من أئمة السلف أنه قال لنصراني سلم عليه‪ :‬وعليك‬
‫السلم ورحمة الله تعالى‪ .‬فقيل له في ذلك فقال‪ :‬أليس في رحمة الله‬
‫يعيش‪ .‬وفي حديث البخاري المر بالسلم على من تعرف ومن ل تعرف‪،‬‬
‫وروى ابن المنذر عن الحسن أنه قال }فحيوا بأحسن منها{ للمسلمين‪} ،‬أو‬
‫ردوها{ لهل الكتاب‪ ،‬وعليه يقال للكتابي في رد السلم عين ما يقوله وإن‬
‫كان فيه ذكر الرحمة"‪.‬‬
‫إلى أن يقول رحمه الله‪" :‬أما جعل تحية السلم عامة فعندي أن ذلك‬
‫مطلوب‪ ،‬وقد ورد في الحاديث الصحيحة أن اليهود كانوا يسلمون على‬
‫المسلمين فيردون عليهم‪ ،‬فكان من تحريفهم ما كان سببا لمر النبي ‪-‬صلى‬
‫الله تعالى عليه وسلم‪ -‬بأمر المسلمين أن يردوا عليهم بلفظ }وعليكم{‪،‬‬
‫حتى ل يكونوا مخدوعين للمحرفين‪.‬‬
‫ومن مقتضى القواعد أن الشيء يزول بزوال سببه‪ .‬ولم يرد أن أحدا من‬
‫الصحابة نهى اليهود عن السلم لنهم لم يكونوا ليحظروا على الناس آداب‬
‫السلم‪ ،‬ولكن خلف من بعدهم خلف أرادوا أن يمنعوا غير المسلم من كل‬
‫شيء يعمله المسلم حتى من النظر في القرآن وقراءة الكتب المشتملة‬
‫على آياته‪ ،‬وظنوا أن هذا تعظيم للدين‪ ،‬وصون له من المخالفين‪ ،‬وكلما زادوا‬
‫بعدا عن حقيقة السلم زادوا إيغال في هذا الضرب من التعظيم‪ ،‬وإنهم‬
‫ليشاهدون النصارى في هذا العصر يجتهدون بنشر دينهم‪ ،‬ويوزعون كثيرا من‬
‫كتبه على الناس مجانا‪ ،‬ويعلمون أولد المخالفين لهم في مدارسهم ليقربوهم‬
‫من دينهم‪ ،‬ويجتهدون في تحويل الناس إلى عاداتهم وشعائرهم ليقربوا من‬
‫دينهم‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وقال رحمه الله عن حديث "ل تبدؤوهم بالسلم"‪" :‬فيظهر هنا أنه نهاهم أن‬
‫يبدءوهم لن السلم تأمين‪ ،‬وما كان يجب أن يؤمنهم وهو غير أمين منهم لما‬
‫تكرر من غدرهم ونكثهم للعهد معه فكان ترك السلم عليهم تخويفا ليكونوا‬
‫أقرب إلى المواتاة‪ ،‬وقد نقل النووي)]‪ ([25‬في شرح مسلم جواز ابتدائهم‬
‫بالسلم عن ابن عباس وأبي أمامة وابن أبي محيريز رضي الله عنه قال‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"وهو وجه لصحابنا")]‪.([26‬‬


‫‪ -2‬قضية الجزية‪:‬‬
‫برغم الصحائف المشرقة التي تؤكد مبادئ العدالة والسماحة التي جاء بها‬
‫السلم‪ ،‬وبرغم التاريخ الحافل بالتسامح الفذ في شتى صوره ومظاهره رأينا‬
‫بعض المستشرقين أثاروا بعض شبهات جمعوها من هنا وهناك‪ ،‬وحسبوها‬
‫وه هذا الموقف الناصع‪ ،‬والتاريخ الرائع‪ .‬والحقيقة أن هذه المسائل التي‬ ‫تش ّ‬
‫أثيرت حولها تلك الشبهات لو فهمت على وجهها‪ ،‬وُوضعت في زمنها‬
‫وإطارها‪ ،‬لكانت مأثرة للسلم وأمته في علقاته مع أهل الذمة‪.‬‬
‫فمن هذه الشبهات التي أثارها ويثيرها المستشرقون‪ :‬قضية )الجزية( التي‬
‫غلفت بظلل كئيبة‪ ،‬وتفسيرات سوداء‪ ،‬جعلت أهل الذمة يفزعون من مجرد‬
‫ذكر اسمها‪ ،‬فهي في نظرهم ضريبة ذل وهوان‪ ،‬وعقوبة فرضت عليهم مقابل‬
‫المتناع عن السلم‪ .‬وهذه ل شك نظرة زائفة‪ ،‬ول أساس لها من أحكام‬
‫السلم وتعاليمه وفلسفته العامة‪.‬‬
‫ومن نظر إلى المم الغالبة قبل السلم وإلى ما كانوا يفرضونه على المم‬
‫المغلوبة‪ ،‬تبين له عدل السلم وسماحته التي ل نظير لها‪.‬‬
‫وقد بينت في كتابي )غير المسلمين في المجتمع السلمي( وجه إيجاب‬
‫الجزية على الذميين‪ ،‬وأنها بدل عن فريضتين فرضتا على المسلمين‪ :‬فريضة‬
‫لها طابع عسكري‪ ،‬وأخرى لها طابع مالي فريضة الجهاد‪ ،‬وفريضة الزكاة‪،‬‬
‫وخصوصا فريضة الجهاد‪ ،‬فهي القرب إلى أن تكون الجزية بديل عنها‪ .‬ونظرا‬
‫لـ )الطبيعة الدينية( لهاتين الفريضتين لم يلزم السلم بهما غير المسلمين‪.‬‬
‫وزة‬ ‫ح ْ‬‫على أنه في حالة اشتراك الذميين في الخدمة العسكرية والدفاع عن ال َ‬
‫مع المسلمين فإن الجزية تسقط عنهم‪.‬‬
‫كما أني بحثت في كتابي )فقه الزكاة( مدى جواز أخذ ضريبة من أهل الذمة‬
‫م‬
‫بمقدار الزكاة‪ ،‬ليتساووا بالمسلمين في اللتزامات المالية‪ ،‬وإن لم ُتس َ‬
‫)زكاة( نظرا لحساسية هذا العنوان بالنظر إلى الفريقين‪ .‬ول يلزم أيضا أن‬
‫ُتسمى )جزية( ماداموا يأنفون من ذلك‪ .‬وقد أخذ عمر ‪-‬رضيالله عنه‪ -‬من‬
‫)نصارى بني تغلب( ‪-‬وهم قوم عرب‪) -‬الجزية( باسم )الصدقة( حين طلبوا‬
‫منه ذلك‪ ،‬تألفا لهم‪ ،‬واعتبارا بالمسميات ل بالسماء)]‪ ([27‬إذ المقصود أن‬
‫يدفعوا ما يدل على إذعانهم لسلطان الدولة السلمية‪.‬‬
‫وزيادة في اليضاح والبيان‪ ،‬ودفعا لكل شبهة‪ ،‬ورّدا لية فرية‪ ،‬يسرني أن‬
‫أسجل هنا ما كتبه المؤرخ المعروف سير توماس أرنولد في كتابه )الدعوة‬
‫إلى السلم( عن الغرض من فرض الجزية وعلى من ُفرضت‪ .‬قال)]‪:([28‬‬
‫"ولم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على المسيحيين ‪-‬كما يريدنا بعض‬
‫الباحثين على الظن‪ -‬لونا من ألوان العقاب لمتناعهم عن قبول السلم‪،‬‬
‫وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة‪ .‬وهم غير المسلمين من رعايا الدولة‬
‫الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش‪ ،‬في مقابل الحماية‬
‫التي كفلتها لهم سيوف المسلمين‪ .‬ولما قدم أهل الحيرة المال المتفق عليه‪،‬‬
‫ذكروا صراحة أنهم دفعوا هذه الجزية على شريطة‪" :‬أن يمنعونا وأميرهم‬
‫البغي من المسلمين وغيرهم"‪([29]).‬‬
‫كذلك حدث أن سجل خالد في المعاهدة التي أبرمها مع بعض أهالي المدن‬
‫المجاورة للحيرة قوله‪" :‬فإن منعناكم فلنا الجزية وإل فل"‪([30]).‬‬
‫ويمكن الحكم على مدى اعتراف المسلمين الصريح بهذا الشرط‪ ،‬من تلك‬
‫الحادثة التي وقعت في عهد الخليفة عمر‪ .‬لما حشد المبراطور هرقل جيشا‬
‫ضخما لصد قوات المسلمين المحتلة‪ ،‬كان لزاما على المسلمين ‪-‬نتيجة لما‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حدث‪ -‬أن يركزوا كل نشاطهم في المعركة التي أحدقت بهم‪ .‬فلما علم بذلك‬
‫أبو عبيدة قائد العرب كتب إلى عمال المدن المفتوحة في الشام يأمرهم برد‬
‫جبي من الجزية من هذه المدن‪ ،‬وكتب إلى الناس يقول‪" :‬إنما رددنا‬ ‫ما ُ‬
‫عليكم أموالكم لنه بلغنا ما جمع لنا من الجموع‪ ،‬وأنكم قد اشترطتم علينا أن‬
‫نمنعكم‪ ،‬وإنا ل نقدر على ذلك‪ ،‬وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم‪ ،‬ونحن لكم‬
‫على الشرط‪ ،‬وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم"‪ .‬وبذلك ردت مبالغ‬
‫طائلة من مال الدولة‪ ،‬فدعا المسيحيون بالبركة لرؤساء المسلمين‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫"ردكم الله علينا‪ ،‬ونصركم عليهم )أي على الروم( ‪ ..‬فلو كانوا هم‪ ،‬لم يردوا‬
‫علينا شيئا‪ ،‬وأخذوا كل شيء بقي لنا"‪([31]).‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وقد فرضت الجزية ‪-‬كما ذكرنا‪ -‬على القادرين من الذكور مقابل الخدمة‬
‫العسكرية التي كانوا يطالبون بها لو كانوا مسلمين‪ ،‬ومن الواضح أن أي‬
‫جماعة مسيحية كانت ُتعفى من أداء هذه الضريبة إذا ما دخلت في خدمة‬
‫الجيش السلمي‪ .‬وكانت الحال على هذا النحو مع قبيلة )الجراجمة( وهي‬
‫مسيحية كانت تقيم بجوار أنطاكية‪ ،‬سالمت المسلمين وتعهدت أن تكون عونا‬
‫لهم‪ ،‬وأن تقاتل معهم في مغازيهم‪ ،‬على شريطة أل تؤخذ بالجزية‪ ،‬وأن‬
‫تعطى نصيبها من الغنائم‪([32]).‬‬
‫ولما اندفعت الفتوح السلمية إلى شمال فارس سنة ‪22‬هـ‪ ،‬أبرم مثل هذا‬
‫الحلف مع إحدى القبائل التي تقيم على حدود تلك البلد‪ ،‬وأعفيت من أداء‬
‫الجزية مقابل الخدمة العسكرية‪([33]).‬‬
‫ونجد أمثلة شبيهة بهذه للعفاء من الجزية في حالة المسيحيين الذين عملوا‬
‫في الجيش أو السطول في ظل الحكم التركي‪ .‬مثال ذلك ما عومل به أهل‬
‫ميغاريا )‪ (Migaria‬وهم جماعة من مسيحي ألبانيا الذين ُأعفوا من أداء هذه‬
‫الضريبة على شريطة أن يقدموا جماعة من الرجال المسلحين لحراسة‬
‫الدروب على جبال )‪ (cithaeron‬و)‪ (Geraned‬التي كانت تؤدي إلى خليج كورنته‬
‫وكان المسيحيون الذين استخدموا طلئع لمقدمة الفتح التركي‪ ،‬لصلح‬
‫الطرق وإقامة الجسور‪ ،‬وقد أعفوا من أداء الخراج‪ ،‬ومنحوا هبات من الرض‬
‫المعفاة من جميع الضرائب‪([34]).‬‬
‫وكذلك لم يدفع أهالي )‪ (Hydra‬المسيحيون ضرائب مباشرة للسلطان‪ ،‬وإنما‬
‫قدموا مقابلها فرقة من مائتين وخمسين من أشداء رجال السطول‪ ،‬كان‬
‫ينفق عليهم من بيت المال في تلك الناحية‪([35]).‬‬
‫وقد أعفي أيضا من الضريبة أهالي رومانيا الجنوبية الذين يطلقون عليهم )‬
‫ما من عناصر القوة في الجيش‬ ‫‪ ([Armatioli)([36‬وكانوا يؤلفون عنصًرا ها ّ‬
‫التركي خلل القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلديين‪ ،‬ثم المرديون )‬
‫‪ (Midrdites‬وكان ذلك على شريطة أن يقدموا فرقة مسلحة في زمن‬
‫الحرب‪ ([37]).‬وبتلك الروح ذاتها لم تقرر جزية الرؤوس على نصارى‬
‫الغريق الذين أشرفوا على القناطر)]‪ ([38‬التي أمدت القسطنطينية بماء‬
‫الشرب)]‪ ،([39‬ول على الذين كانوا في حراسة مستودعات البارود في تلك‬
‫المدينة)]‪ ([40‬نظًرا إلى ما قدموه للدولة من خدمات‪ .‬ومن جهة أخرى‬
‫أعفي الفلحون المصريون من الخدمة العسكرية على الرغم من أنهم كانوا‬
‫على السلم‪ .‬وفرضت عليهم الجزية في نظير ذلك كما فرضت على‬
‫المسيحيين"‪([41]).‬‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا ما سجله المؤرخ المنصف توماس أرنولد مؤيدا بالدلة والمراجع الموثقة‪.‬‬
‫‪ -3‬تميز أهل الذمة في زيهم عن المسلمين‪:‬‬
‫ومن هذه الشبهات التي ضخمها المستشرقون‪ :‬ما يتعلق بملبس أهل الذمة‬
‫وأزيائهم‪ ،‬وما روي أن عمر بن الخطاب ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬اشترط عليهم أل‬
‫يتشبهوا بالمسلمين في ثيابهم وسروجهم ونعالهم‪ ،‬وأن يضعوا في أوساطهم‬
‫أو على أكتافهم شارات معينة تميزهم عن المسلمين‪ .‬وينسب ذلك إلى عمر‬
‫بن عبد العزيز أيضا‪.‬‬
‫ومن المستشرقين المؤرخين من يشكك في نسبة الشروط أو الوامر‬
‫المتعلقة بالزي إلى الخليفة العادل عمر بن الخطاب لن كتب المؤرخين‬
‫القدمين الموثوق بها‪ ،‬والتي عنيت بمثل هذه المور لم تشتمل عليها )كتب‬
‫الطبري‪ ،‬والبلذري‪ ،‬وابن الثير‪ ،‬واليعقوبي‪ ...‬وغيرهم()]‪ ([42‬وأنا مع هؤلء‪.‬‬
‫و)الشروط العمرية( التي تنسب إلى عمر بن الخطاب‪ ،‬والتي شرحها ابن‬
‫القيم في جزأين لم تثبت نسبتها إلى عمر بسند صحيح‪ ،‬وهذا ما اعترف به‬
‫ابن القيم وغيره‪ ،‬ولكنه ادعى أن شهرتها ُتغني عن ثبوت سندها‪ .‬وهو ما ل‬
‫سلمه‪ ،‬فكم من أمور تشتهر بين الناس ‪-‬حتى بين أهل العلم منهم‪ -‬ويتناقلها‬ ‫ن ّ‬
‫بعضهم عن بعض‪ ،‬وهي في الحقيقة ل أصل لها‪ ([43]).‬فالمدار في إثبات‬
‫النقول على صحة السند‪ ،‬وسلمته من الشذوذ والعلة‪.‬‬
‫على أن المر أهون من أن يتكلف إنكاره ورده‪ ،‬لو عرفت دواعيه وأسبابه‪،‬‬
‫وعرفت الملبسات التاريخية التي وجد فيها‪.‬‬
‫فهو ليس أمًرا دينّيا يتعبد به في كل زمان ومكان كما فهم ذلك جماعة من‬
‫الفقهاء‪ ،‬وظنوه شرعا لزما‪ ،‬وهو ‪-‬إن صح‪ -‬ليس أكثر من قرار إداري أو أمر‬
‫من أوامر السلطة الشرعية الحاكمة يتعلق بمصلحة زمنية للمجتمع آنذاك‪،‬‬
‫ول مانع من أن تتغير هذه المصلحة في زمن آخر‪ ،‬وحال أخرى‪ ،‬فُيلغى هذا‬
‫المر أو ُيعدل‪.‬‬
‫لقد كان التمييز بين الناس تبعا لديانهم أمًرا ضرورّيا في ذلك الوقت‪ ،‬وكان‬
‫أهل الديان أنفسهم حريصين عليه‪ ،‬ولم يكن هناك وسيلة للتمييز غير الزي‬
‫حيث لم يكن لديهم نظام )الهويات( أو البطاقات الشخصية المعروف في‬
‫عصرنا‪ ،‬التي يسجل فيها ‪-‬مع اسم الشخص ولقبه ـ دينه وحتى مذهبه في‬
‫بعض البلدان‪ ،‬فالحاجة إلى التمييز وحدها هي التي دفعت إلى إصدار تلك‬
‫الوامر والقرارات‪ .‬ولهذا ل نرى في عصرنا أحدا من فقهاء المسلمين‪ ،‬يرى‬
‫ما رآه الولون من طلب التمييز في الزي لعدم الحاجة إليه‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ويسرني أن أنقل هنا ما كتبه الدكتور الخربوطلي في توضيح هذه القضية‬


‫ودوافعها‪ ،‬فقد قال‪" ([44]):‬ونحن نرى أنه لو افترضنا جدل حقيقة هذه‬
‫الوامر الصادرة عن الخليفتين‪ ،‬فقد كان هذا ل غبار عليه‪ ،‬فهو نوع من‬
‫التحديد للملبس في نطاق الحياة الجتماعية‪ ،‬للتمييز بين أصحاب الديان‬
‫المختلفة‪ ،‬وبخاصة أننا في وقت مبكر من التاريخ‪ ،‬ليس فيه بطاقات تثبت‬
‫الشخصية‪ ،‬وما تحمله عادة من تحديد الجنسية والدين والعمر وغير ذلك‪ ،‬فقد‬
‫كانت الملبس المتميزة هي الوسيلة الوحيدة لثبات دين كل من يرتديها‪،‬‬
‫وكان للعرب المسلمين ملبسهم‪ ،‬كما للنصارى أو اليهود أو المجوس‬
‫ملبسهم أيضا‪ ،‬وإذا كان المستشرقون قد اعتبروا أن تحديد شكل ولون‬
‫الثياب هو من مظاهر الضطهاد‪ ،‬فنحن نقول لهم‪ :‬إن الضطهاد في هذه‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصورة يكون قد لحق بالمسلمين وأهل الذمة على السواء‪ .‬وإذا كان الخلفاء‬
‫ينصحون العرب والمسلمين بأل يتشبهوا بغيرهم‪ ،‬فمن المنطقي أن يأمروا‬
‫غير العرب وغير المسلمين أل يتشبهوا بالعرب المسلمين"‪.‬‬
‫وناقش المؤرخ )ترتون()]‪ ([45‬هذه المسألة أيضا‪ ،‬وأبدى رأيه فيها فقال‪:‬‬
‫"كان الغرض من القواعد المتعلقة بالملبس‪ :‬سهولة التمييز بين النصارى‬
‫والعرب‪ ،‬وهذا أمر ل يرقى إليه شك بل نراه مقررا تقريرا أكيدا عند كل من‬
‫كتاب الذين وصلت‬ ‫أبي يوسف)]‪ ([46‬وابن عبد الحكم‪ ،‬وهما من أقدم ال ُ‬
‫كتبهم إلينا‪ ،‬على أنه يجب أن نلحظ أنه لم تكن ثمة ضرورة وقت الفتح‬
‫للزام النصارى بلبس معين من الثياب يخالف ما يلبسه المسلمون إذ كان‬
‫لكل من الفريقين وقتذاك ثيابه الخاصة‪ ،‬وكان النصارى يفعلون ذلك من تلقاء‬
‫أنفسهم دون جبر أو إلزام‪ .‬على أن الحاجة استلزمت هذه الفروض فيما بعد‪،‬‬
‫حين أخذ العرب بحظ من التمدن إذ حمل الغراء الشعوب الخاضعة لهم على‬
‫القتداء بهم في ملبسهم‪ ،‬والتشبه في ثيابهم‪ .‬ومهما يكن الرأي فإن كانت‬
‫هذه الوامر التي تحدد أنواع وأشكال الملبس حقيقية‪ ،‬فإنها لم توضع موضع‬
‫التنفيذ في معظم العصور التاريخية‪.‬‬
‫وهناك فرق بين وجود القانون ومدى تطبيق هذا القانون‪ ،‬فقد انتهج معظم‬
‫الخلفاء‪ ،‬والولة المسلمين سياسة تسامح وإخاء ومساواة‪ ،‬ولم يتدخلوا كثيرا‬
‫في تحديد ملبس أهل الذمة‪ ،‬ولم ترتفع أصوات مطلقا بالشكوى أو‬
‫الحتجاج‪.‬‬
‫وهناك أدلة تاريخية تثبت هذه الحقائق التي ذكرناها‪ ،‬فقد كان الخطل‬
‫الشاعر النصراني )المتوفى سنة ‪95‬هـ( يدخل على الخليفة الموي عبد‬
‫الملك بن مروان‪ ،‬وعليه جبة وحرز من الخز‪ ،‬وفي عنقه سلسلة بها صليب‬
‫من الذهب‪ ،‬وتتعصر لحيته خمرا)]‪ ([47‬ويحسن الخليفة استقباله!‬
‫كما أن التفاقية التي وقعها المسلمون في سنة ‪89‬هـ مع )الجراجمة(‬
‫المسيحيين الذين يسكنون المناطق الجبلية من بلد الشام تضمنت النص‬
‫على أن يلبس الجراجمة لباس المسلمين‪([48]).‬‬
‫تحدث أبو يوسف عن لباس أهل الذمة وزيهم فقال‪" :‬ل يترك أحد منهم‬
‫يتشبه بالمسلمين في لباسه‪ ،‬ول في مركبه‪ ،‬ول في هيئته"‪ .‬واعتمد أبو‬
‫يوسف في تفسير ذلك على قول عمر بن الخطاب‪" :‬حتى ُيعرف زيهم من‬
‫زي المسلمين"‪ .‬أي أنه ل اضطهاد في المر‪ ،‬إنما هي وسيلة اجتماعية‬
‫للتمييز‪ ،‬مثلما نرى اليوم في كل مجتمع حديث من تعدد الزياء‪ ،‬لكل طائفة‬
‫أو أصحاب حرفة أو مهنة زي واحد يميزهم‪.‬‬
‫‪ -4‬موقفنا من القليات‪:‬‬
‫وقد عرضنا لموقف السلم من القليات في أكثر من كتاب‪ ،‬منها )غير‬
‫المسلمين في المجتمع السلمي(‪ ،‬ورسالة )القليات الدينية والحل‬
‫السلمي(‪ ،‬وكتاب )أولويات الحركة السلمية(‪ ،‬وبعض الفتاوى والبحوث في‬
‫كتابنا )فتاوى معاصرة( الجزء الثاني‪ ،‬وكتابنا )من فقه الدولة في السلم(‪.‬‬
‫كما بينا ذلك في محاضرات شتى في أكثر من بلد‪.‬‬
‫وأعتقد أن اجتهادنا في هذه القضية الكبيرة قد استبانت معالمه‪ ،‬واتضحت‬
‫صورته في ضوء الدلة الشرعية‪ ،‬ولقي القبول من جمهرة المسلمين‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من فقه الدعاء‬


‫مواقف إيمانية‬
‫الشيخ محمد عبد الله الخطيب‬
‫)‪(1‬‬
‫م الجابة‪ ،‬وإنما‬ ‫يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪) :‬أنا ل أحمل ه ّ‬
‫م الدعاء‪ ،‬فإذا ُألهمت الدعاء كانت الجابة معه(‪.‬‬ ‫أحمل ه ّّ‬
‫وهذا فهم عميق أصيل‪ ،‬فليس كل دعاء مجاًبا‪ ،‬فمن الناس من يدعو على‬
‫الخرين طالًبا إنزال الذى بهم؛ لنهم ينافسوه في تجارة‪ ،‬أو لن رزقهم أوسع‬
‫منه‪ ،‬وكل دعاء من هذا القبيل‪ ،‬مردود على صاحبه لنه باطل وعدوان على‬
‫الخرين‪.‬‬
‫والدعاء مخ العبادة‪ ،‬وقمة اليمان‪ ،‬وسّر المناجاة بين العبد وربه‪ ،‬والدعاء‬
‫سهم من سهام الله‪ ،‬ودعاء السحر سهام القدر‪ ،‬فإذا انطلق من قلوب ناظرة‬
‫إلى ربها‪ ،‬راغبة فيما عنده‪ ،‬لم يكن لها دون عرش الله مكان‪.‬‬
‫ما على كومة من الرمل‪ ،‬بعد أن أجهده السعي‬ ‫جلس عمر بن الخطاب يو ً‬
‫والطواف على الرعية‪ ،‬والنظر في مصالح المسلمين‪ ،‬ثم اتجه إلى الله‬
‫وقال‪) :‬اللهم قد كبرت سني‪ ،‬ووهنت قوتي‪ ،‬وفشت رعيتي‪ ،‬فاقبضني إليك‬
‫غير مضيع ول مفتون‪ ،‬واكتب لي الشهادة في سبيلك‪ ،‬والموت في بلد‬
‫رسولك(‪.‬‬
‫انظر إلى هذا الدعاء‪ ،‬أي طلب من الدنيا طلبه عمر‪ ،‬وأي شهوة من شهوات‬
‫دا‬‫الدنيا في هذا الدعاء‪ ،‬إنها الهمم العالية‪ ،‬والنفوس الكبيرة‪ ،‬ل تتعلق أب ً‬
‫بشيء من عرض هذه الحياة‪ ،‬وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس‬
‫الشرق والغرب‪ ،‬ويخطب وده الجميع‪ ،‬حتى قال فيه القائل‪:‬‬
‫يا من رأى عمًرا تكسوه ‪ii‬بردته‬
‫يهتز كسرى على كرسيه فرًقا ‪ ... ...‬والزيت أدم له والكوخ ‪ii‬مأواه‬
‫من بأسه وملوك الروم ‪ii‬تخشاه‬
‫ماذا يرجو عمر من الله في دعائه‪ ،‬إنه يشكو إليه ضعف قوته‪ ،‬وثقل الواجبات‬
‫والعباء‪ ،‬ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن‪ ،‬والتقصير في حق المة‪ ،‬ثم يتطلع‬
‫إلى منزلة الشهادة في سبيله‪ ،‬والموت في بلد رسوله‪ ،‬فما أجمل هذه‬
‫الغاية‪ ،‬وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حًبا وحنيًنا إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم )أن يكون مثواه بجواره(‪.‬‬
‫يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه‪) :‬يا ابن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من‬
‫الدنيا‪ ،‬وأنت إلى نصيبك من الخرة أحوج‪ ،‬فإن بدأت بنصيبك من الخرة‪ ،‬مّر‬
‫ما‪ ،‬وإن بدأت بنصيبك من الدنيا‪ ،‬فات نصيبك‬ ‫بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظا ً‬
‫من الخرة‪ ،‬وأنت من الدنيا على خطر(‪.‬‬
‫وروى الترمذي بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬أنه قال‪) :‬من أصبح‬
‫والخرة أكبر همه جمع الله له شمله‪ ،‬وجعل غناه في قلبه‪ ،‬وأتته الدنيا وهي‬
‫راغمة‪ ،‬ومن أصبح والدنيا أكبر همه فّرق الله عليه ضيعته‪ ،‬وجعل فقره بين‬
‫كتب له(‪.‬‬ ‫عينيه ولم يأته من الدنيا إل ما ُ‬
‫وأخيًرا‪ ..‬أرأيت كيف ُألهم عمر الدعاء وكانت الجابة معه‪ ،‬وصدق الله العظيم‬
‫عي إ َِذا د َ َ‬
‫عاِني‬ ‫دا ِ‬‫ب د َعْوَةَ ال ّ‬
‫جي ُ‬
‫ُ‬
‫بأ ِ‬ ‫عَباِدي عَّني فَإ ِّني قَ ِ‬
‫ري ٌ‬ ‫ك ِ‬‫سأ َل َ َ‬ ‫إذ يقول‪? :‬وَإ َِذا َ‬
‫ن? )البقرة‪.(186 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫ش ُ‬‫م ي َْر ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ِبي لعَلهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫جيُبوا ِلي وَلي ُؤْ ِ‬ ‫فَل ْي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من فقه الدعوة في الحج‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله وكفى‪ ،‬ثم أما بعد‪:‬‬
‫فإن الحج ركن من أركان الدين‪ ،‬وأحد المباني الربعة التي اختلف قول بعض‬
‫السلف في تكفير تاركها‪ ،‬ومما أثر ما روى عن عمر –رضي الله عنه‪ -‬لقد‬
‫هممت أن أبعث رجال ً إلى هذه المصار‪ ،‬فينظروا كل من له جدة ولم يحج‬
‫فيضربوا عليه الجزية‪ ،‬ما هم بمسلمين‪ ،‬ما هم بمسلمين‪.‬‬
‫ولهذا –وغيره‪ -‬عظمت مكانة الحج في النفوس‪ ،‬وتوافد الناس من أقطارها‬
‫لداء النسك‪ ،‬وربما كان فيهم المقصر المبالغ في التفريط‪ ،‬إل ّ أنه يرى الحج‬
‫حتم عليه لزم‪ ،‬وسبيل لبد أن يكون له سالك‪ ،‬ومن طريف ما يذكر عن‬
‫بعض من عرف بفسق أنه عندما أكثر عليه بعضهم في اللوم والتأنيب قال‪:‬‬
‫إذا صليت خمسا ً كل يوم ‪... ...‬‬
‫فإن الله يغفر لي فسوقي‬
‫ً‬
‫ولم أشرك برب الناس شيئا ‪... ...‬‬
‫فقد أمسكت بالدين الوثيق‬
‫وجاهدت العدو ونلت مال ً ‪... ...‬‬
‫يبلغني إلى البيت العتيق‬
‫فهذا الدين ليس به خفاء ‪... ...‬‬
‫دعوني من بنيات الطريق‬
‫وهذا على ما فيه من خطل يدلك على مكانة الحج في نفوس الناس ولسيما‬
‫من بعدت ديارهم أو نأت آثارهم في الغابرين المعظمين لشعائر الدين‬
‫وشرائعه‪.‬‬
‫وإذا كانت الحال كذلك فمن البديهي أن ترى ‪-‬أيها الداعية الموفق‪ -‬في‬
‫موقف الحج‪ ،‬وقد وفدت مئات اللوف المؤلفة من بلد المسلمين وأصقاع‬
‫الرض الخرى ما ل ترضاه من معاص وآثام وسوء تصرفات‪.‬‬
‫ومن الخطأ أن تظن نفسك في رحلة إلى الرحاب الطاهرة مع بعض الطيبين‬
‫الموفقين‪ ،‬الذين قد يصبرون على الذى‪ ،‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم‬
‫خصاصة‪ .‬وإذا لم تتنبه لهذا فربما صدمت‪ ،‬وربما أسأت من حيث أردت أن‬
‫تصلح‪.‬‬
‫وإذا تفطنت لهذا فإن مما ينبغي أن يعيه الداعية المصلح‪ ،‬أو المر بالمعروف‬
‫والناهي عن المنكر‪ ،‬إذا جابه بعض منكرات الحجيج هو أن الله ما كلف نفسا ً‬
‫فوق طاقتها‪ ،‬أو ما آتاها‪ ،‬ولذا فإن عليه أن يحسن قراءة الواقع ‪-‬الذي ربما‬
‫ارتبك عن واقع تلك البقاع في غير المواسم‪ -‬وأن يعرف حدود قدرته‪ ،‬وما‬
‫في إمكانه أن يغيره في ذلك الموقف ثم يتصرف في إطار تلك الحدود‪،‬‬
‫بالسلوب الحكيم المثل الذي ربما يكفل تغيرا ً للمنكر‪ ،‬أو يحقق أعلى‬
‫المكاسب‪ ،‬ويدرأ أغلب المفاسد‪ ،‬وعندها يكون قد أدى الذي عليه )ل يكلف‬
‫الله نفسا ً إل ّ وسعها(‪ ،‬وإن لم يزل المنكر‪ .‬أما إذا اندفع الداعية أو المصلح أو‬
‫المنكر وراء عاطفته التي تعدت حدود قدرته فربما أساء وظلم وربما‬
‫استطال الشر ولم يغير من الواقع شيئًا‪ ،‬وتلك بلية قد تعرض لبعض الغيورين‬
‫في غير الموسم‪ ،‬فينسى أحدهم أن الله ل يكلف نفسا ً إل ّ وسعها‪ ،‬فيركب‬
‫الصعب ويترك الذلول لتغير واقعة فيبسل نفسه دون أن يصنع شيئا ً –وهذا‬
‫القيد الخير ينبغي أن يلحظ‪ -‬وقد كان الجدر به أن يتدرج شيئا ً فشيئا ً أو يعد‬
‫للمر حتى يطيقه ولكنه الستعجال‪.‬‬
‫وعودا ً على موضوع الحج فإن هذا الخطأ قد يكثر في المواسم دون غيره‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لذهول بعضهم عن التغير الذي طرأ على واقعه‪ ،‬أو على ما في وسعه‪،‬‬
‫والداعية الحكيم هو من راعى هذا الواقع المؤقت وعرف الفرق بينه وبين‬
‫غيره‪ ،‬ثم انتهج السبيل الحكم لجل الصلح‪.‬‬
‫يذكرون عن أبي حازم وأظنه المام سلمة بن دينار العرج الفزر التمار‬
‫المدني القاص الزاهد أنه دخل الطواف ذات يوم فإذا هو بامرأة سافرة عن‬
‫وجهها تطوف‪ ،‬وقد فتنت بعض الناس بحسن وجهها‪ ،‬فقال‪ :‬يا هذه أل تخمرين‬
‫وجهك? فقالت‪ :‬يا أبا حازم‪ ،‬إنا من اللواتي يقول فيهن الشاعر‪:‬‬
‫أماطت قناع الخز عن حر وجهها ‪... ...‬‬
‫وأبدت من الخدين بردا ً مهلهل‬
‫من اللئي لم يحججن تبغين ريبة ‪... ...‬‬
‫ولكن ليقتلن البريء المغفل‬
‫وترمي بعينيها القلوب إذا بدت ‪... ...‬‬
‫لها نظر لم يخط للحي مقتل‬
‫فقال أبو حازم‪ :‬فأنا أسأل الله أل يعذب هذا الوجه بالنار‪.‬‬
‫فبلغ ذلك سعيد بن المسيب‪ ،‬وهو من شيوخ أبي حازم‪ ،‬فقال‪ :‬رحم الله أبا‬
‫حازم! لو كان من عباد كذا وسمى بلدا ً )العراق(‪ ،‬لقال لها‪ :‬اغربي يا عدوة‬
‫الله! ولكنه ظرف نساك الحجاز‪.‬‬
‫وظني أن تلك المرأة قد ارعوت‪ ،‬وإن لم ترعوي فقد سطر لنا هذا المام‬
‫درسا ً في فقه الواقع‪ ،‬وتقدير ما في الوسع دون اندفاع‪.‬‬
‫م من أمر الذي مر عليه وقد أسبل إزاره‪،‬‬ ‫ونحو هذا ما يذكر عن صلة ابن أ َ ْ‬
‫شي َ ْ‬
‫فأراد الطلبة أو الناس من حوله أن يأخذوه بألسنتهم‪ ،‬فقال لهم دعوني‬
‫أكفكموه‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم قال مخاطبا الشاب‪ :‬يا ابن أخي لي إليك حاجة!‬
‫قال‪ :‬وما هي يا عم؟‬
‫قال‪ :‬ترفع إزارك؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬ونعمة عين‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬أهذا كان أمثل أم أخذكم إياه بألسنتكم؟‬
‫والشاهد من هذه الخبار أن الحكمة في الدعوة ولسيما أيام الحج مطلوبة‪،‬‬
‫ومن جملة الحكمة في تلك المشاعر أن يراعي الداعية أحوال الوافدين من‬
‫أقطار الرض‪ ،‬وتباين معارفهم وفهومهم وعاداتهم وما ألفوه‪ ،‬وأن يراعي‬
‫واقعه الجديد على أرض المناسك‪ ،‬ويعرف الفرق بين ما يسعه فيها تلك‬
‫اليام المزدحمة‪ ،‬وما يسعه في غيرها‪ ،‬وما بوسعه هناك في تلك اليام وما‬
‫ليس بوسعه‪ ،‬فيدعو إلى ما ينبغي أن يدعو إليه‪ ،‬كما ينبغي‪ ،‬في الوقت الذي‬
‫ينبغي‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ت‬‫ن ي ُؤْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء وَ َ‬ ‫م ْ‬
‫ة َ‬
‫م َ‬‫حك ْ َ‬‫وتلك هي الحكمة‪ ،‬وقد قال _سبحانه_‪" :‬ي ُؤِْتي ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ة فَ َ ُ‬
‫ب" ]البقرة‪ ،[269:‬جعلني‬ ‫ما ي َذ ّك ُّر إ ِّل أوُلو اْلل َْبا ِ‬
‫خْيرا ً ك َِثيرا ً وَ َ‬
‫ي َ‬
‫قد ْ أوت ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬
‫الله وإياك من أهلها‪ ،‬ووفقني وإياك لدعوة من ضل إلى الهدى‪ ،‬والتبصير بنور‬
‫الله أهل العمى‪ ،‬مع الصبر منهم على الذى‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا‬
‫محمد خير من حج وثج وعج ودعا‪ ،‬وعلى صحبه ومن لثارهم اقتفى‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من فنون التعامل السري‬


‫الزوجة أو ً‬
‫ل‪:‬‬
‫‪ .1‬إّياك أن تقلل من قدر زوجتك عند أبنائك‪ ،‬أو تكثر من التشكي والتظلم‬
‫من تقصيرها في حقك‪ ،‬إنهم لن يفعلوا تجاه ذلك شيئا ً يذكر‪ ،‬بل إنك ستقلل‬
‫من قدرك في قلوبهم‪ ،‬وتدخل عليهم الحزن والكآبة‪ ،‬وإذا كان هناك من‬
‫ملحوظة‪ ،‬فكن كيسا ً في ذكرها وكن فطنًا‪ ،‬فالتعريض يغني عن التصريح‪.‬‬
‫فلتجلس معهم بقدر‪:‬‬
‫‪ .2‬أهمية تفريغ وقت يناسب كل مرحلة للجلوس مع الولد والسفر معهم‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وكل سنة شهر‪.‬‬ ‫جلوس جزئي كل يوم ساعة مث ً‬
‫‪ .3‬ل تضايق أبناءك بكثرة جلوس معهم‪ ،‬وكن معتدل ً في ذلك‪ ،‬وأعطهم شيئا ً‬
‫من الحرية‪ ،‬واختر الوقت المناسب للجلوس بينهم‪ ،‬وإياك والكثار من دخول‬
‫الفجأة‪ ،‬فقد ترى ما تكره ويرون منك ما يكرهون‪.‬‬
‫من أجل أب مهيب‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ .4‬ل تدخل نفسك في كل جزئية فتضيع هيبتك "كن جاهل أو متجاهل‪."...‬‬
‫‪ .5‬لو شعر أبناؤك باحترامك لهم لحترموك‪ ،‬وحقوق البوة ل تبيح لك إهدار‬
‫كرامتهم‪ ،‬والتبسط مع البناء ومداعبتهم ل تعني إسقاط الدب وذهاب الهيبة‪.‬‬
‫‪ .6‬ل تكثر المزح مع أبنائك‪ ،‬ول تكن متجهمًا‪ ،‬وخير المور الوسط‪ ،‬فكثرة‬
‫المزح والضحك تسقط الهيبة والحترام‪ ،‬والتجهم والغلظة تهدم المودة‬
‫والمحبة‪ ،‬وكل طرفي قصد المور ذميم‪.‬‬
‫‪ .7‬ل تكثر الكلم مع أبنائك‪ ،‬وكن معتدل ً في ذلك‪ ،‬ولكل حالة ما يناسبها‪،‬‬
‫ولكل مقام مقال‪ ،‬ومن كثر كلمه كثر سقطه‪ ،‬وقلة الكلم تعطيك هيبة‬
‫واحترامًا‪.‬‬
‫‪ .8‬الصراخ في وجوه البناء حيلة العاجز‪ ،‬ول يزيد البن إل تمردًا‪ ،‬وقد ل يلقى‬
‫ل‪ ،‬حيث يتعود عليه‪ ،‬مع ما قد يكون له من تأثير سلبي في اهتزاز‬ ‫له با ً‬
‫شخصية الطفل وكثرة ارتباكه‪ ،‬ومن عل صوته فقد ضعفت حجته وقّلت‬
‫حيلته‪ ،‬ولول بعد المستقى لما أطال رشاءه‪.‬‬
‫ب أبناءك على أن يستجيبوا لك فور سماعهم لندائك دون أن يتوقف ذلك‬ ‫‪ .9‬ر ّ‬
‫على معرفة ما تريد‪ ،‬حيث تكون استجابتهم؛ لنك أنت قد دعوتهم بحكم أنك‬
‫والدهم‪ ،‬ل من أجل المر الذي تريده‪ ،‬فهناك فرق بين الستجابة لك‬
‫والستجابة لطلبك‪ ،‬فالول يربي على السمع والطاعة والنضباط والنظام‪،‬‬
‫والستجابة من أجل المر الذي تريد تعود على الفوضى والسلبية والتسويف‬
‫والخصام‪ ،‬ومن ثم التمرد‪.‬‬
‫فإذا طلبت ابنك ثم أرسل إليك سائل ً لماذا تدعوه فكن حازمًا‪ ،‬وإياك‬
‫والستجابة لسؤاله‪ ،‬أو إغرائه‪ ،‬وتصرف بما يناسب الموقف ويحفظ هيبتك‪،‬‬
‫وإل فعلى هيبتك السلم‪.‬‬
‫ليس معناه أن تكون غضوبا‪ً:‬‬
‫‪ .10‬الناس منهم من هو سريع الغضب سريع الفيأة‪ ،‬ومنهم بطيء الغضب‬
‫بطيء الفيأة‪ ،‬ويتولد منهما نوعان آخران‪ ،‬فكن بطيء الغضب سريع الفيأة‪،‬‬
‫واحذر أن تكون سريع الغضب بطيء الفيأة فهذا شّر الربعة‪.‬‬
‫‪ .11‬ل تدفع ابنك إلى الزاوية الضيقة‪ ،‬واحذر احتقان الغضب وكبت المشاعر‪،‬‬
‫فقد يقوم بعمل ل تحمد عقباه‪ ،‬إما في نفسه أو في المنزل في غفلة منك‬
‫مه‪ ،‬فكن حازما ً حليما ً حكيمًا‪ ،‬فمعظم النار من مستصغر الشرر‪.‬‬ ‫ومن أ ّ‬
‫مثال السفر وتحديد الوقت دون حساب الوقفات والعوارض سيرفع من‬
‫ضغطك وقد يحدث لك كارثة‪ ،‬أما حساب السرعة بهدوء وحساب الوقفات‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سيجعلك سعيدا ً جدًا‪.‬‬


‫لكن بكلمات موزونة‪:‬‬
‫‪ .12‬حذار من فلتات اللسان‪ ،‬وبخاصة من الب فهي جرح ل يندمل‪.‬‬
‫‪ .13‬المعاني أهم من المحسوسات‪ ،‬وقد يتحمل أبناؤك النقص في النفقة أو‬
‫الترفيه أو السكن‪ ،‬ولكن ل يتحملون ما يسيء إليهم‪ ،‬كالسب أو الهانة أو‬
‫التجريح‪ ،‬وكلمة طيبة أثمن من هدية نادرة‪ ،‬وتشجيع موزون أغلى من جائزة‬
‫يستحقونها‪.‬‬
‫لهم شؤونهم الخاصة حتى بالنسبة لك‪:‬‬
‫‪ .14‬ل تتدخل في كل شؤون أولدك‪ ،‬وإذا اتفقوا على أمر ليس فيه خلل ول‬
‫خطل ول إساءة لنظام البيت‪ ،‬فدعهم وما يعملون‪ ،‬بل شجعهم على ذلك إن‬
‫ل‪ :‬لو أعطيت كل‬ ‫كان مما يزيد ألفتهم‪ ،‬ويقوي وشائج الروابط بينهم‪ ،‬فمث ً‬
‫واحد منهم غرفة‪ ،‬ثم اتفقوا على تبادل الغرف‪ ،‬أو إعادة تقسيم العباء بينهم‪،‬‬
‫دون أي ضرر يترتب على ذلك‪ ،‬فل تقف حجر عثرة دون ما يريدون‪ ،‬ولكن‬
‫أخبرهم بأن الولى أن يستأذنوك قبل أن يتخذوا قرارهم‪ ،‬وإذا بدا لك أن‬
‫المصلحة خلف ما يريدون فأقنعهم بذلك بالسلوب الذي يناسبهم‪ ،‬دون‬
‫الكتفاء بالمنع دون تعليل‪.‬‬
‫ماذا تريد يا أبي؟!‬
‫ود ابنك على أن يعرف ما له وما عليه‪ ،‬فالشريعة جاءت بذلك‪ ،‬وحديث‬ ‫‪ .15‬ع ّ‬
‫معاذ في ذلك صريح وواضح "أتدري ما حق الله على العباد" ولماذا تجعله‬
‫يعيش في دوامة ل َيدري ما هي حدود مسؤولياته وواجباته‪ ،‬وما هي حقوقه‬
‫ومكافآته‪ ،‬ثم تعاقبه على أمور غير واضحة لديه‪ ،‬وقد سمعت من بعض البناء‬
‫وهو يشكو والديه‪ ،‬بأنه ل يعرف ماذا يريدان‪ ،‬فيعيش البن في حيرة‬
‫وغموض‪ ،‬نتيجتها الفوضى والضطراب‪ ،‬وكثرة الكلم والخصام‪.‬‬
‫في أعماق النفس‪:‬‬
‫‪ .16‬العناية بالجوانب النفسية هي أهم مفاتيح التربية‪ ،‬فكم من ابن تحطم‬
‫وانحرف بسبب موقف نفسي لم يحسن الوالدان التعامل معه‪ ،‬وكم من ولد‬
‫كان سبب بروزه وتفوقه مسألة نفسية أحسن استثمارها من قبل الوالدين‬
‫والساتذة والمربين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولذا فمن المهم أن يولي البوان وأولياء المور والمربون هذا الجانب حقه‬
‫من الرعاية والهتمام‪ ،‬فنحن نتعامل مع بشر من لحم ودم ونفس وروح‪،‬‬
‫والتركيز على جانب وإهمال الخر يودي بصاحبه‪ ،‬والقرآن والسنة قد ركزا‬
‫على هذا الجانب في مواضع عدة‪ ،‬وللرسول _صلى الله عليه وسلم_ مع‬
‫صحابته أحداث ووقائع فيها العجب العجاب‪ ،‬واقرأ سورة يوسف والنور وارجع‬
‫إلى أحاديث السلم والستئذان والنجوى والغزوات وبخاصة حنين‪ ،‬تجد فيه‬
‫مغانم كثيرة‪ ،‬ول مانع من الفادة مما لدى الخرين في هذا العلم‪ ،‬على أل‬
‫يكون هو الصل والمرجع‪ ،‬بل يرد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله _صلى‬
‫الله عليه وسلم_ وهدي سلف المة‪.‬‬
‫أريد ابنا ً إيجابيًا‪:‬‬
‫‪ .17‬ركز على الصفات اليجابية في أبنائك‪ ،‬فإنها ستتعمق وتقوى مع اليام‪،‬‬
‫وشجعهم على ذلك حتى يكون ابنك أسيرا ً لتلك الصفات‪،‬‬
‫وحذار من إبراز صفات السلب‪ ،‬بل عالجها وحاول أن تتجاهلها دون إهمالها‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى تنقرض تلقائيا ً دون تركيز عليها حتى ل يستمرئها ويتهاون بها‪.‬‬
‫ود ابنك على الخذ والعطاء منذ الصغر‪ ،‬فتعويده على أن يكون آخذا ً ل‬ ‫‪ .18‬ع ّ‬
‫معطيا ً يجعله كسول غير منتج‪ ،‬ينتظر خدمة الخرين له دون مقابل‪ .‬إن تربيته‬
‫ً‬
‫على أن الحياة تقوم على الخذ والعطاء‪ ،‬ينمي فيه عنصر اليجابية الفعالة‪،‬‬
‫حتى يصبح عطاؤه أكثر من أخذه‪ ،‬وبهذا يصبح عنصرا ً ناجحا ً في الحياة‪ ،‬نافعا ً‬
‫لنفسه وأسرته ومجتمعه وأمته‪ ،‬وإل أصبح وبال ً وك ً‬
‫ل‪.‬‬
‫كاتب المقال‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬ناصر العمر‬
‫المصدر‪ :‬موقع المسلم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من قال إن النفط أغلي من دمي؟!‬


‫شعر‪ :‬فاروق جويدة‪ /‬العراق‬
‫مادام يحكمنا الجنون ‪..‬‬
‫سنرى كلب الصيد تلتهم‬
‫الجنة في البطون‬
‫سنرى حقول القمح ألغاما ً‬
‫وضوء الصبح نارا ً في العيون‬
‫سنرى الصغار على المشانق‬
‫في صلة الفجر جهرا ً يصلبون‬
‫وحين يحكمنا الجنون‬
‫ل زهرة بيضاء تشرق‬
‫فوق أشلء الغصون‬
‫ل فرحة في عين طفل‬
‫نام في صدر حنون‬
‫ل دين ‪ ..‬ل إيمان ‪ ..‬ل حق‬
‫ول عرض مصون‬
‫وتهون أقدار الشعوب‬
‫وكل شيء قد يهون‬
‫مادام يحكمنا الجنون‬
‫*****‬
‫أطفال بغداد الحزينة يسألون‬
‫عن أي ذنب يقتلون‬
‫يترنحون على شظايا الجوع‬
‫يقتسمون خبز الموت ‪ ..‬ثم يودعون‬
‫شبح "الهنود الحمر" يظهر في صقيع بلدنا‬
‫ويصيح فينا الطامعون ‪...‬‬
‫من كل صوب قادمون‬
‫من كل جنس يزحفون‬
‫تبدو شوارعنا بلون الدم‬
‫والكهان في خمر الندامة غارقون‬
‫تبدو قلوب الناس أشباحا ً‬
‫ويغدو الحلم طيفا عاجزا ً‬
‫بين المهانة ‪ ..‬والظنون‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذي كلب الصيد‬


‫فوق رؤوسنا تعوي‬
‫ونحن إلى المهالك مسرعون ‪..‬‬
‫*****‬
‫أطفال بغداد الحزينة‬
‫في الشوارع يصرخون‬
‫جيش التتار‬
‫يدق أبواب المدينة كالوباء‬
‫ويزحف الطاعون‬
‫أحفاد "هولكو"‬
‫على جثث الصغار يزمجرون‬
‫جثث الهنود الحمر تطفو‬
‫فوق أعمدة الكنائس والثرى يغلي‬
‫صراخ الناس يقتحم السكون‬
‫أنهار دم فوق أجنحة الطيور الجارحات‬
‫مخالب سوداء تنفذ في العيون‬
‫مازال دجلة يذكر اليام ‪..‬‬
‫والماضي البعيد يطل من خلف القرون‬
‫عبر الغزاة هنا كثيرا ‪ ..‬ثم راحوا‬
‫أين راح العابرون؟ !‬
‫هذي مدينتنا ‪ ..‬وكم باغ أتى‬
‫ذهب الجميع ونحن فيها صامدون‬
‫سيموت "هولكو"‬
‫ويعود أطفال العراق‬
‫أمام دجلة يرقصون‬
‫لسنا الهنود الحمر‬
‫حتى تنصبوا فينا المشانق‬
‫في كل شبر من ثرى بغداد‬
‫نهر ‪ ..‬أو نخيل ‪ ..‬أو حدائق‬
‫وإذا أردتم سوف نجعلها بنادق‬
‫سنحارب الطاغوت فوق الرض‬
‫بين الماء ‪ ..‬في صمت الخنادق‬
‫إنا كرهنا الموت لكن‬
‫في سبيل الله نشعلها حرائق‬
‫ستظل في كل العصور وإن كرهتم‬
‫أمة السلم من خير الخلئق‬
‫*****‬
‫أطفال بغداد الحزينة‬
‫يرفعون الن رايات الغضب‬
‫بغداد في أيدي الجبابرة الكبار‬
‫تضيع منا ‪ ..‬تغتصب‬
‫أين العروبة ‪ ..‬والسيوف البيض‬
‫والخيل الضواري ‪ ..‬والمآثر ‪ ..‬والنسب؟‬
‫أين الشعوب وأين كهان العرب؟!‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في معبد الطغيان يبتهل الجميع‬


‫ول ترى غير العجب ‪..‬‬
‫البعض منهم قد شجب‬
‫والبعض في خزي هرب‬
‫وهناك من خلع الثياب‬
‫لكل جواد وهب ‪..‬‬
‫في ساحة الشيطان‬
‫نقرأ "سورة " الدولر!‬
‫يسعى الناس أفواجا ً‬
‫إلى مسرى الغنائم والذهب‬
‫والناس تسأل عن بقايا أمة تدعى" العرب"!‬
‫كانت تعيش من المحيط إلى الخليج‬
‫ولم يعد‬
‫في الكون شيء من مآثر أهلها‬
‫ولكل مأساة سبب‬
‫باعوا الخيول ‪..‬‬
‫وقايضوا الفرسان في سوق الخطب‬
‫فليسقط التاريخ ‪ ..‬ولتحيا الخطب‬
‫أطفال بغداد الحزينة يصرخون‬
‫يأتي إلينا الموت في لبن الصغار‬
‫يأتي إلينا الموت في اللعب الصغيرة‬
‫في الحدائق ‪ ..‬في الغاني‬
‫في المطاعم ‪ ..‬في الغبار‬
‫تتساقط الجدران فوق مواكب التاريخ‬
‫ل يبقى لنا منها ‪ ..‬جدار‬
‫عار على زمن الحضارة أي عار‬
‫من خلف آلف الحدود‬
‫يطل صاروخ لقيط الوجه ‪..‬‬
‫لم يعرف له أبدا ً مدار‬
‫ويصيح فينا ‪:‬‬
‫أين أسلحة الدمار؟ !‬
‫هل بعد موت الضحكة العذراء فينا‬
‫سوف يأتينا النهار؟‬
‫الطائرات تسد عين الشمس‬
‫والحلم في دمنا انتحار‬
‫فبأي حق تهدمون بيوتنا‬
‫وبأي قانون‬
‫تدمر ألف مئذنة ‪ ..‬وتنفث سيل نار‬
‫تمضي بنا اليام في بغداد‬
‫من جوع ‪ ..‬إلى جوع‬
‫ومن ظمأ ‪ ..‬إلى ظمأ‬
‫ووجه الكون جوع ‪ ..‬أو حصار‬
‫يا سيد البيت الكبير‬
‫في وجهك الكذاب‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تخفي ألف وجه مستعار‬


‫نحن البداية في الرواية ‪..‬‬
‫ثم يرتفع الستار‬
‫هذي المهازل لن تكون نهاية المشوار‬
‫هل صار تجويع الشعوب‬
‫وسام عز وافتخار؟ !‬
‫هل صار قتل الناس في الصلوات‬
‫ملهاة الكبار؟ !‬
‫هل صار قتل البرياء‬
‫شعار مجد وانتصار؟!‬
‫أم أن حق الناس في أيامكم‬
‫نهب ‪ ..‬وذل ‪ ..‬وانكسار‬
‫الموت يسكن كل شيء حولنا‬
‫ويطارد الطفال من دار ‪ ..‬لدار‬
‫مازلت تسأل ‪:‬‬
‫أين أسلحة الدمار؟!‬
‫*****‬
‫أطفال بغداد الحزينة‬
‫في المدارس يلعبون‬
‫كرة هنا ‪ ..‬كرة هناك‬
‫طفل هنا ‪ ..‬طفل هناك‬
‫قلم هنا ‪ ..‬قلم هناك‬
‫لغم هنا ‪ ...‬موت ‪ ..‬هلك‬
‫بين الشظايا‬
‫زهرة الصبار تبكي‬
‫والصغار على الملعب يسقطون‬
‫بالمس كانوا‬
‫كالحمائم في الفضاء يحلقون‬
‫*****‬
‫في الكوفة الغراء‬
‫عطر من عبير المصطفى‬
‫فجر أضاء الكون يوما ً‬
‫ل استكان ول غفا‬
‫يا آل بيت محمد ‪..‬‬
‫كم حن قلبي للحسين ‪ ..‬وكم هفا‬
‫غابت شموس الحق والعدل اختفى‬
‫مهما وفى الشرفاء في أيامنا‬
‫زمن " النذالة " ما وفى‪..‬‬
‫مهما صفا العقلء في أوطاننا‬
‫بئر الخيانة ما صفا‪..‬‬
‫بغداد يا بلد الرشيد‬
‫يا قلعة التاريخ والزمن المجيد‬
‫بين ارتحال الليل‬
‫والصبح المجنح لحظتان‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موت ‪ ..‬وعيد‬
‫ما بين أشلء الشهيد‬
‫يهتز عرش الكون في صوت الوليد‬
‫ما بين ليل قد رحل‬
‫ينساب صبح بالمل‬
‫ل تجزعي بلد الرشيد‬
‫لكل طاغية ‪ ..‬أجل‬
‫*****‬
‫طفل صغير ‪..‬‬
‫ذاب عشقا ً في العراق‬
‫كراسة بيضاء يحضنها‬
‫وبعض الفل ‪ ..‬بعض الشعر والوراق‬
‫حصالة فيها قروش‬
‫من بقايا العيد ‪ ..‬دمع جامد‬
‫يخفيه في الحداق‬
‫عن صورة الب الذي‬
‫قد غاب يوما ‪ ..‬لم يعد‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وانساب مثل الضوء في العماق‬


‫يتعانق الطفل الصغير مع التراب‬
‫يطول بينهما العناق‬
‫خيط من الدم الغزير‬
‫يسيل من فمه‬
‫يذوب الصوت في دمه المراق‬
‫تخبو الملمح ‪ ..‬كل شيء في الوجود‬
‫يصيح في ألم ‪ :‬فراق‬
‫والطفل يهمس في أسى ‪:‬‬
‫أشتاق يا بغداد تمرك في فمي‬
‫من قال إن النفط أغلى من دمي؟ !‬
‫بغداد ل تتألمي‬
‫مهما تعالت صيحة البهتان‬
‫في الزمن العمي‬
‫فهناك في الفق البعيد صهيل فجر قادم‬
‫في الفق يبدو سرب أحلم‬
‫يعانق أنجمي‬
‫مهما تواري الحلم عن عينيك‬
‫قومي ‪ ..‬واحلمي‬
‫ولتنثري في ماء دجلة أعظمي‬
‫فالصبح سوف يطل يوما ً‬
‫في مواكب مأتمي‬
‫الله أكبر من جنون الموت‬
‫والزمن البغيض الظالم‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بغداد ل تستسلمي‬
‫بغداد ل تستسلمي‬
‫من قال إن النفط أغلي من دمي؟!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من قتل الشيخ ديدات ؟‬


‫مق بدراسة الديان‪ ،‬ويدعو إلى الله على‬ ‫عبقري مؤمن مثل ديدات‪ ،‬متع ّ‬
‫مه الدعوة للسلم‪ ،‬والدفاع عن دين الله‪ ،‬ومناصرة المظلومين‬ ‫بصيرة‪ ،‬ه ّ‬
‫حول العالم‪ ،‬ل بد أن ُيغضب قوى الشر‪ ،‬وأصحاب المعتقدات الفاسدة‪،‬‬
‫وطوابير المنافقين حول العالم‪ .‬لذلك فقد كان عام ‪1996‬م عام فرح وابتهاج‬
‫للكنيسة على وجه الخصوص؛ فقد هدأت حركة الداعية‪ ،‬واستراح المحارب‬
‫العنيد‪ ،‬الذي أحرج الكنيسة‪ ،‬وسحب البساط من تحت رجالتها بمناظراته‬
‫مفحمة‪ ،‬فكثر الداخلون في السلم‪ ،‬وانكشفت كثير من تناقضات الناجيل‬ ‫ال ُ‬
‫المحرفة‪ ،‬وظهر عوار المعتقدات النصرانية‪ ،‬التي يرفضها العلم والمنطق‪،‬‬
‫وُتبطل كثيرا ً منها الحقائق التاريخية الثابتة‪.‬‬
‫حزنت في ذلك الوقت جماهير المسلمين في كل مكان‪ِ ،‬لما أصاب الداعية‬
‫م بعض المتحمسين أن يتهموا الموساد أو‬ ‫المنافح عن عقيدة السلم‪ ،‬وه ّ‬
‫الستخبارات المريكية‪ ،‬أو المتعاطفين مع الكنيسة‪ ،‬بدس مادة غريبة‬
‫لديدات‪ ،‬سببت له الشلل التام‪ ،‬وألزمته الفراش‪ ،‬إل أن الخوف من التلويح‬
‫بنظرية المؤامرة‪ ،‬التي تستعمل كلما أرادت جهات طمس الحقائق المغّيبة‪،‬‬
‫وخاصة ما يتعلق منها بشؤون المسلمين منعتهم من ذلك‪.‬‬
‫مع أن حوادث مشابهة وقعت لعلماء ودعاة ومفكرين‪ ،‬تم السكوت عنها لعدم‬
‫توافر الدلة‪ ،‬والخوف من تهمة نظرية المؤامرة‪ ،‬فقد عقد قبل سنوات‬
‫مؤتمر إسلمي في إحدى الدول المتقدمة‪ ،‬شارك فيه عدد من علماء العالم‬
‫السلمي‪ ،‬وبعد رجوع ثلثة منهم إلى بلدانهم ظهرت أعراض مرض غامض‬
‫عليهم‪ ،‬واحد منهم هو الدكتور عبدالله علوان صاحب كتاب )تربية الولد في‬
‫السلم(‪ ،‬وقيل وقتها‪ :‬إن مخابرات إحدى الدول وضعت للعلماء الثلثة مادة‬
‫في الطعام‪ ،‬وُيعتقد أن أجهزة أمنية سهلت لهم ذلك بحكم العلقة الوطيدة‬
‫بين الدولتين‪ ،‬ومات العلماء الثلثة‪ ،‬في أوقات متقاربة _رحمهم الله تعالى_‪.‬‬
‫ل أريد أن يفهم من كلمي أني أؤكد فرضية قتل الداعية ديدات‪ ،‬لكني‬
‫أستطيع أن أؤكد أن عددا ً من العلماء والمفكرين والمعارضين قتلوا بهذه‬
‫الطريقة‪ ،‬في بعض الدول العربية والسلمية‪ ،‬إل أن موانع كثيرة تحول دون‬
‫الفصاح عن أسمائهم في الظروف الحالية‪.‬‬
‫والذي يدعو للتساؤل‪ ،‬أن قضية نظرية المؤامرة أكثر ما يرّددها العلم‬
‫الرسمي في بعض الدول‪ ،‬أو رموز الصحافة العلمانية عندما يتعلق المر‬
‫بقضية إسلمية‪ ،‬فلو قال قائل‪ :‬إن اليهود قد انسحبوا من غزة‪ ،‬ويسعون‬
‫لستكمال بناء الجدار العازل‪ ،‬تمهيدا ً لعدوان كبير على القصى‪ ،‬يستهدف‬
‫م نظرية المؤامرة‪ ،‬وتدعو للعقلنية‪،‬‬ ‫جه‪ ،‬تذ ّ‬ ‫هدمه‪ ،‬لرتفعت عقيرة العلم المو ّ‬
‫وحسن الظن؛ لن شارون داعية سلم‪ ،‬وانسحابه من غزة يؤكد أن الصهاينة‬
‫تنازلوا عن أطماعهم التوسعية‪ ،‬وألقوا في البحر مخططات إسرائيل الكبرى!‬
‫واليوم تفقد المة ديدات الذي أجاب نداء الحق‪ ،‬بعد أن حاول أن يوصل‬
‫رسالته بكل وسيلة ممكنة‪ ،‬وأن يدعو إلى الله‪ ،‬حتى وهو على سرير المرض‪،‬‬
‫فل نريد أن نطالب بمعرفة سبب الوفاة‪ ،‬وإنما ندعو إلى أن يعي المسلمون‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما يجري حولهم‪ ،‬ويتفهموا جيدا ً أن الجميع مستهدف‪ ،‬من عدو خارجي لم‬
‫يرحم حتى عملءه‪ ،‬ومن ساروا في ركابه من التصفية ودس السم عندما‬
‫انتهت الحاجة إليهم‪ ،‬والشواهد قريبة من الجميع‪.‬‬
‫إن رجل ً عظيما ً مثل ديدات _رحمه الله_ يستحق منا أن نقف على كل‬
‫مراحل حياته‪ ،‬وأن نستفيد من أسلوبه في الدعوة والمناظرات؛ لنه في‬
‫الحقيقة أسس مدرسة فريدة في الدعوة إلى الله‪ ،‬ودراسة الديان‪ ،‬وأصول‬
‫المناظرات‪ ،‬كما كان قدوة في كرم الخلق والتواضع‪ ،‬ومساعدة الخرين‪،‬‬
‫فكم نحن بحاجة إلى أمثال هذا الداعية الذي قرن القول بالعمل‪ ،‬وسار يدعو‬
‫إلى الله على بصيرة‪ ،‬دون أن يلتفت إلى الخلف‪ ،‬حتى لقي وجه ربه‬
‫_سبحانه_‪.‬‬
‫مما يؤسف له أن الغرب الذي أزعجه ديدات‪ ،‬بمناظراته الشهيرة‪ ،‬كان أكثر‬
‫اهتماما ً به من بعض الدول السلمية؛ لن الغرب اعتبره ظاهرة خطيرة‬
‫تستحق الدراسة‪ ،‬فأقامت الكنيسة قسما ً خاصا ً لدراسة مناظرات ديدات‬
‫وكتبه‪ ،‬ومحاولة التشويش عليها‪ ،‬والتقليل من شأنها بطريقة خبيثة‪ ،‬بعيدا ً عن‬
‫السلوب العلمي الرصين‪ ،‬على عادة الكنيسة في مخاطبتها للعاطفة‪،‬‬
‫وتجاهل العقل والمنطق‪ .‬في وقت نجد فيه إعلم كثير من دولنا يركز على‬
‫دعاة الفن‪ ،‬وأرباب العهر الثقافي ‪ ،‬بينما يتجاهل عظماء المة وقادتها؛ لن‬
‫أكثر وسائل العلم مازالت متمسكة بالتبعية العلمية لوكالت النباء‬
‫الصليبية والصهيونية‪ ،‬وتقوم بدور ببغائي مضحك‪ ،‬وشر البلية ما يضحك!‬
‫جزهِ عن‬ ‫اللهم ارحم عبدك أحمد ديدات‪ ،‬واغفر له ذنوبه‪ ،‬وأكرم نزله‪ ،‬وا ْ‬
‫السلم والمسلمين أحسن الجزاء‪ ،‬وأكرم المة بخير منه‪ ،‬وّردنا إلى حقيقة‬
‫ديننا ردا ً جمي ً‬
‫ل‪ ،‬والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫كاتب المقال‪ :‬د‪.‬محمد الشواف‬
‫المصدر‪ :‬المسلم نت‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من قتل الطفولة‬


‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫حه و الملع ُ‬ ‫سفا ودّوى سا ُ‬ ‫ت بهِ جدراُنه ‪ ... ...‬أ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫صر َ‬ ‫م منزل َ‬ ‫كَ ْ‬
‫ت ‪ ... ...‬والشوقُ من بسماتها يترقّ ُ‬
‫ب‬ ‫شَرقَ ْ‬ ‫ن الطفولة أ ْ‬ ‫ت ! أي ْ َ‬ ‫فت َ ْ‬‫وتل ّ‬
‫ب‬ ‫ّ‬
‫ََ َ ُ‬‫ث‬ ‫و‬‫ت‬ ‫ي‬ ‫وذا‬ ‫ة‬
‫َ ٍ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫إلى‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫ثب‬‫ْ‬ ‫و‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ب‬ ‫ِ ٌ‬ ‫ث‬ ‫وا‬ ‫فهذا‬ ‫!‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫رح‬‫َ َ‬‫م‬ ‫بها‬ ‫جري‬ ‫ت ْ‬
‫ص يلذ ّ و ُيعجب‬ ‫ص ٌ‬ ‫قِبل يهفو و غضـ ‪ ... ...‬ـب َةِ شارد ق َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما بين ضحك َةِ ُ‬
‫ب‬
‫ض ُ‬
‫ك وي َغْ َ‬ ‫ب لمن يرضى هنا َ‬ ‫صخ ٍ‬ ‫صراخ ! ولذ ّ من ‪َ ... ...‬‬ ‫طاب الضجيج أو ال ّ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫ن الهناء وُيطرِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وكأّنما جمعوا أفانين الهوى ‪ ... ...‬ل َِعبا ً يزيد ِ‬
‫ب‬‫ن في النفوس ُتغي ّ ُ‬ ‫وعلى محّياهم بشائر َلهفةٍ ‪ ... ...‬ورؤى أما ٍ‬
‫**** ‪**** ... * ...‬‬
‫ب‬
‫مد ّ من الحياة و يوه ُ‬ ‫ً‬
‫عطرا ي ً ُ‬ ‫م ‪ِ ... ...‬‬ ‫ره ْ‬ ‫عط ِ‬ ‫ت من ِ‬ ‫وح ْ‬ ‫أْين النسائم ف ّ‬
‫ب‬
‫ض ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫ت ‪ ... ...‬ري ّا يمّر على الّرَبى و ي ُ َ‬ ‫ً‬ ‫ن أنداء البراءة َرفَْرفَ ْ‬ ‫وكأ ّ‬
‫وهم و يقّرب‬ ‫دد له َ‬ ‫ً‬
‫م ‪ ... ...‬عيدا يح ّ‬ ‫وكأّنما اليام تجري دونهُ ْ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫غها ‪ ... ...‬ضاق الخيال وضاق عنك المطل ُ‬ ‫ت ُبلو َ‬ ‫دنيا الطفولة لو رجو َ‬
‫ب‬ ‫ح ُ‬ ‫مداها الر َ‬ ‫ت ‪ ... ...‬آفاُقها وزها َ‬ ‫ق ْ‬‫ت بأحلم الطفولة و ارت َ َ‬ ‫مد ّ ْ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫جل ُ‬ ‫هناك و ت ُ ْ‬‫َ‬ ‫جلى ُ‬ ‫شوِقها ‪ ... ...‬منثورةٍ ت ُ ْ‬ ‫ل فريدةٍ من َ‬ ‫تغَْنى بك ّ‬
‫**** ‪**** ... * ...‬‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب‬‫وحى ومعنى ي ُعْرِ ُ‬ ‫ةت ْ‬ ‫طفو ‪ ... ...‬لةِ آي ٌ‬ ‫طهارة وال ّ‬ ‫وي الَبراءة وال ّ‬ ‫ج َ‬‫ن ْ‬
‫شرِقُ في الحياة و َيعذ ُ ُ‬
‫ب‬ ‫ً‬
‫ه ‪ ... ...‬حسنا و ي ُ ْ‬ ‫سن ُ ُ‬‫ح ْ‬‫سمو البيان بها ويعلو ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ب‬ ‫سك ُ‬ ‫ُ‬ ‫سنا أبّر وي َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ح ْ‬ ‫صد ْقها ُ‬‫َ‬ ‫صفو اليقين بها في َْر ‪ ... ...‬وي ِ‬ ‫َ‬ ‫من فطرةٍ ي َ ْ‬
‫ب‬‫َ ُ‬ ‫ي‬ ‫أط‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ء‬‫صفا‬ ‫ّ‬ ‫بال‬ ‫غنى‬ ‫ْ‬ ‫وأ‬ ‫سمى‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ر‬ ‫وه‬
‫َ ْ ٌ‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫الجما‬ ‫وكأّنها معنى‬
‫ب‬ ‫شر ُ‬ ‫جنى و الم ْ‬ ‫ب به ال َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ة ‪ ... ...‬بُهدىً ي َ ِ‬ ‫مْروِي ّ ٌ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫دنيا الطفولة َ‬
‫**** ‪**** ... * ...‬‬
‫ب‬‫محب ّ ُ‬ ‫فو ُ‬ ‫ل وار ٌ‬ ‫ب وظ ٌ‬ ‫صفاء و رّيها ‪ ... ...‬عَذ ْ ٌ‬ ‫حْلو ال ّ‬ ‫وِثماُرها ُ‬
‫ب‬
‫شُر في الحياةِ و يوهَ ُ‬ ‫ً‬
‫سري ب َِرّيا طْهرها ‪ ... ...‬عََبقا وُين َ‬ ‫ُ‬ ‫و نسيمها ي َ ْ‬
‫**** ‪**** ... * ...‬‬
‫ب‬ ‫ة و انثنى ‪ ... ...‬ك ِْبرا يتيه و مجرِم ٍ يتأهّ ُ‬ ‫ً‬ ‫طفول َ‬ ‫جرِم قََتل ال ّ‬
‫م ْ ٍ‬ ‫كم ُ‬
‫ب‬‫قُتل ما يشاء و ي َن ْهَ ُ‬ ‫صفا في َ ْ‬ ‫ً‬ ‫جرِم ٍ ي ُلقي على ساحاِتها ‪ ... ...‬قَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ُ‬
‫ب‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ديار و ي َ ْ‬ ‫مّزق في ال ّ‬ ‫ً‬
‫سلحه ‪ ... ...‬موتا ي ُ َ‬ ‫جرِم ٍ ي ُلقي دويّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ُ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة ل ت َن َْثني ‪ ... ...‬إل وأ ْ‬
‫جريمة ت ُْرهِ ُ‬ ‫هوال ال َ‬ ‫المجرمون عصاب ٌ‬
‫ب‬ ‫سل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن وي َ ْ‬ ‫مّزقها الَهوا ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ت ‪ ... ...‬قِطعا ي ُ َ‬ ‫نثروا بها دنيا الطفولة فانث َن َ ْ‬
‫ب‬
‫قّر ُ‬ ‫حنو على أكباِدها و ت ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت عمائر فوقها و كأّنها ‪ ... ...‬ت َ ْ‬ ‫وهو ْ‬
‫ب‬‫ت ‪ ... ...‬في عالم حقّ َيبّر و يحد ُ ُ‬ ‫ق ْ‬‫ت بها صور الطفولة وارت َ َ‬ ‫غاب َ ْ‬
‫ب‬ ‫َ ُ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫الم‬ ‫و‬ ‫الهوى‬ ‫و‬ ‫الطفولة‬ ‫ن‬
‫ْ َ‬ ‫ي‬‫أ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ساءل‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ربى‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬‫ف َ ْ‬ ‫ت‬ ‫وتل ّ‬
‫ب‬ ‫دقه ل يكذِ ُ‬ ‫ة الطفل الذي ‪ ... ...‬غّنى الحياة بص ْ‬ ‫سم ُ‬ ‫لم ي َب ْقَ إل ّ ب َ ْ‬
‫ب‬ ‫ل و ي َْرقُ ُ‬ ‫مل ً ي ُط ِ ّ‬ ‫شراِقها أ َ‬ ‫ل في ‪ ... ...‬إ ْ‬ ‫سَتظ ّ‬ ‫محي ! َ‬ ‫ة ل ت َن ْ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫س َ‬‫هي ب َ ْ‬
‫ب‬ ‫ة ‪َ ... ...‬يعلو صداها في الديار وي ُل ْهِ ُ‬ ‫شقّ من الظلم ! وصيح ً‬ ‫نورا ً ي َ ّ‬
‫**** ‪**** ... * ...‬‬
‫الرياض‬
‫‪26/5/1422‬هـ‬
‫‪16/8/2001‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· من ملحمة السلم من فلسطين إلى لقاء المؤمن‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من قرأ القرآن بالدف أو العود يكفر‬


‫عبد الله زقيل‬
‫الحمد لله وبعد‪،‬‬
‫لقد كنت متابعا لكثير من التعليقات والتعقيبات على فتوى الشيخ حمود‬
‫العقلء بخصوص فتوى الشيخ في الساقط الرويشد‪ ،‬ومن خلل متابعتي‬
‫ث عن أقوال أهل العلم في هذه المسألة إلى أن وجدت‬ ‫للموضوع كنت أبح ُ‬
‫نصين في المسألة‪.‬‬
‫اسم الكتاب‪ :‬الجامع في ألفاظ الكفر‪.‬‬
‫بتحقيق‪ :‬الشيخ الدكتور ‪ /‬محمد الخميس‪.‬‬
‫والكتاب يحتوي على أربع رسائل‪.‬‬
‫الرسالة الولى‪:‬‬
‫ألفاظ الكفر لمحمد بن إسماعيل المعروف ببدر الرشيد الحنفي )ت ‪ 768‬هـ(‬
‫قال في الكتاب المذكور )ص ‪ (27‬ما نصه‪ :‬من قرأ القرآن على ضرب الدف‬
‫والقضيب يكفر‪ .‬ا‪ .‬هـ‪.‬‬
‫ومن هذه الرسائل الرسالة الرابعة والتي بعنوان‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسالة في ألفاظ الكفر لتاج الدين أبي المعالي مسعود بن أحمد الحنفي‪.‬‬
‫قال تاج الدين في الكتاب )ص ‪ (443‬ما نصه‪ :‬إذا أنكر آية من القرآن أو‬
‫سخر بآية من القرآن يكفر‪.‬‬
‫ولو قرأ القرآن على ضرب الدف أو عود يكفر‪ .‬ا‪ .‬هـ‪.‬‬
‫فما رأيكم في هذه النصوص أليست كافيه يا عباد الله؟؟‬
‫‪ http://saaid.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العوان حفظه الله‬


‫سمعت في الذاعة حديثا ً منسوبا ً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك !!! فماهي‬
‫درجة هذا الحديث ؟‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الجواب ‪ :‬هذا الحديث منكر ول يصح في الباب شيء وقد ذكره ابن الجوزي‬
‫في الموضوعات ) ‪ ( 248 / 1‬وقال تفرد به عمر بن راشد وهو وهم صوابه‬
‫عمر بن عبد الله ‪.‬‬
‫والخبر رواه الترمذي في جامعه ) ‪ ( 2888‬وابن عدي في الكامل ) ‪/ 5‬‬
‫‪ ( 1720‬من طريق زيد بن الحباب عن عمر بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي‬
‫كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪. -‬‬
‫قال الترمذي رحمه الله ‪ .‬هذا الحديث غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ‪.‬‬
‫وعمر بن أبي خثعم يضعف ‪ ،‬قال محمد ‪ :‬هو منكر الحديث (( ‪.‬‬
‫دث عن يحيى بن أبي كثير ثلثة أحاديث لو‬ ‫وقال أبو زرعة ‪ :‬واهي الحديث ح ّ‬
‫كانت في خمس مئة حديث لفسدتها ‪.‬‬
‫وروى الترمذي ) ‪ ( 2889‬وأبو يعلى في مسنده ) ‪ ( 6224‬من طريق هشام‬
‫أبي المقدام عن الحسن البصري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال ‪-‬‬
‫دخان في ليلة الجمعة غفر له ( ‪.‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ ) -‬من قرأ حم ال ّ‬
‫وهذا السناد معلول بعلتين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬هشام بن زياد أبو المقدام ‪ .‬ليس بشيء قاله النسائي وغيره ‪.‬‬
‫وقال ابن حبان في كتابه المجروحين ) ‪ ( 88 / 3‬هشام بن زياد كان ممن‬
‫يروي الموضوعات عن الثقات والمقلوبات عن الثبات حتى يسبق إلى قلب‬
‫المستمع أنه كان المتعمد لها ‪ .‬ل يجوز الحتجاج به ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬النقطاع فإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد قال المام أبو‬
‫ن قال‬‫زرعة رحمه الله ‪ .‬لم يسمع الحسن من أبي هريرة ولم يره فقيل ‪ :‬فم ْ‬
‫دثنا ؟ قال يخطىء ‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫وقال الترمذي رحمه الله عقيب هذا الحديث ‪ .‬لم يسمع الحسن من أبي‬
‫ي بن زيد ‪.‬‬‫عبيد وعل ّ‬‫هريرة هكذا قال أّيوب ويونس بن ُ‬
‫والخبر أورده ابن الجوزي في الموضوعات ) ‪ ( 247 / 1‬وقال هذا الحديث‬
‫من جميع طرقه باطل ل أصل له ‪.‬‬
‫قاله‬
‫سليمان بن ناصر العلوان‬
‫‪ 1422 / 2 / 14‬هـ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من كل بستان وردة‬


‫د‪.‬عثمان قدري مكانسي‬
‫‪othman47@hotmail.com‬‬
‫‪ --‬كثير من عشاق شعر مجنون ليلى يتذكر بيتيه المشهورين‬
‫ح أم في ربا نجد أرى مصباحا‬ ‫ض برق في البيرق ل َ‬ ‫أومي ُ‬
‫ت المساء صباحا‬ ‫أم تلك ليلى العامرية أسفرت ليل ً فصي َّر ِ‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫حة الحاء وامتدادها ‪ ،‬وممتعا ناظَر ّ‬ ‫وكنت ‪ ،‬وما أزال أترنم بهما متلذذا ً بب ُ ّ‬
‫بلمعان البرق خلف جبال نجد وتللها على الرغم أنني‪ -‬وإن قطعتها مجيئة‬
‫وذهابا ً كل سنة على امتداد خمسة عشر عاما ً قضيتها في المارات إلى‬
‫ن ومنها‪ -‬لم اقض في الرياض النجدية سوى أيام ‪ .‬لكن شعوري النفسي‬ ‫الرد ّ‬
‫سها وأرتاح إليها ‪ ...‬وأتصور‬ ‫أنني في أرض الشعر والشعراء جعلني أهواها وآن ُ‬
‫ي في ليل الروابي التي تحوطني وأنا‬ ‫أنني أرى المصابيح الخافتة تطل عل ّ‬
‫أقود سيارتي مسرعة إلى الهدف المنشود ‪ ..‬الشارقة حيث أقيم ‪ ،‬أو عمان‬
‫حيث أقضي فيها الصيف مع الهل والحباب‪ ...‬وما كنت استطيع النفوذ إلى‬
‫عالم الشاعر الهيمان أو تصديق مشاعره لنني لم أكن أعرف – وإلى الن‬
‫فأنا ل أومن بشيء ُيدعى الستغراق في الحب – أن الغرام يصل بصاحبه إلى‬
‫دمج صور الطبيعة الخلبة في المحبوبة فإذا هما شيء واحد – وإن كنت‬
‫جزيئات كياني انتعاشا ً به ‪ . -‬فشاعرنا لم‬ ‫شاعرا ً أطرب للجمال وتختلج ُ‬
‫يستطع التفريق بين لمعان البرق في الليل البهيم فيحيل الظلم ضياء –‬
‫كأكبر فلش ضوئي في العالم – وبين وجه ليلى الذي أسفر فأشرقت له‬
‫الروابي والكام ! ‪...‬‬
‫ما قلته دفعني إليه ما تذكرُته من فعل الشاعر بكري رجب البابي الحلبي‬
‫رحمه الله تعالى ‪ -‬وكان شاعرا ً مبدعا ً رقيق الحاشية عذب التعابير لطيف‬
‫المعشر – مع الشيخ العالم عبد الله سراج الدين بن الشيخ نجيب رحمهما‬
‫الله تعالى حين دخل على الشيخ في غرفة إدارة الثانوية الشعبانية التي‬
‫أسسها أبوه في حي " الفرافرة " في حلب القديمة لتخريج الدعاة إلى الله‬
‫تعالى ثم عكف الشيخ عبد الله على تطويرها ‪ ..‬وكان الشاعربكري رجب‬
‫البابي الحلبي يعمل فيها مدرسا ً للغة العربية وبعض المواد الشرعية‬
‫الخرى ‪ ..‬دخل عليه مساء فقال له ‪ " :‬صبحك الله بالخير " فالتفت إبه‬
‫الشيخ عبد الله سراج الدين وحدجه بنظرة فيها استغراب وعتاب واستفهام ‪.‬‬
‫أما الستغراب فلنه قالها في المساء ‪ ،‬وهي عادة تقال في بلد الشام صباحا ً‬
‫‪ ..‬أما في الجزائر حيث دّرست سنتين في بلد القبائل الصغرى –بجاية –‬
‫ساك الله بالخير"‬ ‫فيقولون مساء " صبحك الله بالخير" ‪ ،‬ويقولون صباحا ً " م ّ‬
‫وأعتقد أنهم على صواب ‪ ،‬ففي المساء يكون الواحد منا قد أمسى على خير‪،‬‬
‫ويراه صاحبه فيدعو متمنيا ً له دوام السلمة " صبحك الله بالخير " ‪ .‬وهكذا‬
‫يفعل في الصباح حين يراه فيرجو له الخير إلى المساء ‪ .‬وأما العتاب فلن‬
‫الشاعر دائم " النهفات " وينأى عن الجد في كثير من مواقفه ‪ ،‬وطبيعته‬
‫المرحة تدفعه إلى ذلك ‪ .‬وأما الستفهام فلن الشاعر ما ألقى تلك الجملة إل‬
‫ود الحباب ‪ ،‬والشيخ منهم ‪ ..‬وقال الشيخ‬ ‫ليردفها بتفسير وتعليل ‪ ..‬هكذا ع ّ‬
‫ً‬
‫بهدوء المتمكن ‪ :‬يا شيخ بكري رجب البابي الحلبي‪ -‬ناداه باسمه كامل ‪-‬‬
‫أتسخر منا أم تريد مزاحا ؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقف الشاعر أمامه مبتسما متحببا وعيناه تغزلن ذكاًء ثم قال ‪:‬‬
‫صّبحته عند المساء فقال لي ‪ :‬تهزا بقدري أم تروم مزاحا ؟‬
‫مت المساء صباحا‬ ‫فأجبته ‪ :‬إشراق وجهك غّرني حتى توهّ ْ‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ --‬ولنقفز قفزة طويلة – ول يقدر عليها إل الرياضيون ‪ -‬من حلب إلى أمريكا‬
‫الجنوبية وإلى محل بيع الحذية في" بوينس آيرس " للشاعر اللبناني " نعمت‬
‫قازان " افتتحه في ذلك الوقت قاصدا ً تسعة أعشار الرزق ‪ ..‬ويدخل عليه‬
‫صاحبه الشاعر " توفيق غضون " مهنئا ً ومباركا ً ‪ ،‬فيتلقاه " نعمت " بوجه‬
‫بشوش ويقدم له الشراب ‪ ،‬ويشكره على زيارته إياه ‪ .‬لكن " توفيقا ً " ل‬
‫يكتفي بالشراب ضيافة ‪ ،‬ويصر على أن ينال حذاًء هدية ‪ ،‬وأعلن أنه لن يغادر‬
‫المحل إل بهذه الهدية التي طلبها ‪ ...‬ويبتسم " نعمت " ويرضخ للمر ‪ ،‬فيختار‬
‫" توفيق " هديته ويحملها ‪ ،‬وقبل المغادرة يقدم له صاحب المحل ورقة‬
‫مطوية وهو يودعه ‪ ...‬يفتحها " توفيق قبل الخروج ‪ ،‬فيقرأ فيها بيتين يقول‬
‫فيهما ‪:‬‬
‫ً‬
‫لقد أهديت توفيقا حذاًء فقال الحاسدون ‪ :‬وما عليه؟‬
‫أما قال الفتى العربي يوما ً شبيه الشيء منجذب إليه ؟‬
‫لم ينبس " توفيق" ببنت شفة ‪ ،‬لكنه أخرج ورقة من جيبه وكتب عليها ‪:‬‬
‫لو كان ُيهدى إلى النسان قيمُته لكنت أستأهل الدنيا وما فيها‬
‫لكن تقبلت هذا النعل معتقدا ً أن الهدايا على مقدار مهديها‬
‫وكان هناك ابتسامتان تنمان عن صداقة وأريحية ‪ ،‬ومضى توفيق بهديته‬
‫شاكرا ً ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن يجتمع الصحاب في رحلة أنس خارج المدينة ‪ ،‬على شاطئ‬ ‫‪ --‬لطيف أ ْ‬


‫البحر أو النهر ‪ ،‬أو في بستان تحت ظلل الشجار يقضون نهارا ً ممتعا ً بين‬
‫نكتة أدبية وفكرة اجتماعية ‪ ،‬ومسابقة شعرية ‪ ،‬ورياضة وسباحة و‪ ...‬لحم‬
‫ي جمع الحطب " إل إذا‬ ‫مشوي ‪ ،‬ول ننس المقولة النبوية الكريمة ‪ " :‬وعل ّ‬
‫كان أحدهم فقيرا ً ل يستطيع مجاراتهم في المصروف فهذا له وضع آخر‬
‫نذكره بعد قليل ‪ ..‬والصل أن يشترك الجميع في الخدمة والمصروف إل إذا‬
‫كان أحدهم أو بعضهم مدعوين ‪ .‬لكنني قرأت أن بخيل ً سمجا ً حين أراد أن‬
‫يشارك صديقه في كلفة الرحلة قال مقسما ً العمل على الطريقة التالية ‪:‬‬
‫منك الطعام ‪ ،‬ومني النار أوقدها والماء مني ومنك السمن والعسل‬
‫فقلت ‪ :‬تلك والله إذا ً قسمة ضيزى ‪.‬‬
‫فإذا كان مدعوا ً ضيفا ً كريما ً أو كان لطيف المعشريوّده الجميع ويريدون‬
‫ملوا نفقته على أن يقريهم‬ ‫رفقته وكان هو فقيرا ً ل يقدر على مجاراتهم فتح ّ‬
‫من شعره وأدبه فشيء ظريف وتصرف رفيق وهذا ما حصل مع صاحبنا حين‬
‫اقترحوا عليه أن يختار نوع الطعام الذي يفضله في الرحلة ‪ ،‬فماذا كان‬
‫جوابه؟ ما الذي طلبه منهم وهو أحوج ما يكون إلى ثياب تستره ؟‬
‫قال لهم بلسان الحال ‪ ،‬فلما لم ينتبهوا أخبرهم بلسان المقال ‪:‬‬
‫جّبة وقميصا ً‬
‫خه قلت اطبخوا لي ُ‬ ‫قالوا اقترح شيئا ً ن ُ ِ‬
‫جد ْ لك طب َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من كلم ابن القيم رحمه الله‬


‫)أعلم أن أشعة ل إله الله تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك‬
‫الشعاع وضعفه‪ ،‬فلها نور ويتفاوت أهلها في ذلك النور قوة وضعفا ل يحصيه‬
‫إل الله تعالى‪ ،‬فمن الناس من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس‪ ،‬ومنهم‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من نورها في قلبه كالكوكب الدري‪ ،‬ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل‬


‫العظيم‪ ،‬وآخر كالسراج المضيء‪ ،‬وأخر كالسراج الضعيف‪ ،‬ولهذا تظهر النوار‬
‫يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار‪ ،‬بحسب ما في قلوبهم‬
‫من نور هذه الكلمة علما وعمل ومعرفة وحال‪ ،‬وكلما عظم نور هذه الكلمة‬
‫وأشتد أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته‪ ،‬حتى إنه ربما‬
‫وصل إلى حال ل يصادف معها شبة ول شهوة ول ذنبا إل أحرقه‪ ،‬وهذا حال‬
‫الصادق في توحيده‪ ،‬الذي لم يشرك بالله شيئا‪ ،‬فأي ذنب أو شهوة أو شبهة‬
‫دنت من هذا النور أحرقها‪ ،‬فسماء إيمانه قد حرست بالنجوم من كل سارق‬
‫لحسناته‪ ،‬فل ينال منها السارق إل على غرة وغفلة ل بد منها للبشر‪ ،‬فإذا‬
‫سرق منه‪ ،‬استنقذه من سارقه أو حصل أضعافه بكسبه‪،‬‬ ‫استيقظ وعلم ما ُ‬
‫فهو هكذا أبدا مع لصوص الجن ولنس ليس كمن فتح لهم خزانته وولى الباب‬
‫ظهره( انتهى كلمه رحمه الله تعالى‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من كلمات التائبين‬


‫• كتبت والفرح يشع بين كلماتها ‪:‬‬
‫يوم كنت ل أدرك شيئا من الحياة غير حياة اللهو والبعد عن تعاليم الدين‬
‫السلمي يومها ذاك كانت الرياح تعصف بي وتقتلع جذور الطمأنينة والهناء‬
‫من أعماق نفسي والمواج تتصارع علي وتطرحني يمينا وشمال ساعة في‬
‫سماع أغنية ماجنة وساعة يسترق أذني حديث له وساعة أقلب صفحات‬
‫كتاب ل يمت إلى السلم بصلة أو مجلت خليعة لشياطين النس يد فيها ‪.‬‬
‫كان ذلك ل يزيد حياتي إل فراغا وملل أكثر فالضيق ل يزال في نفسي‬
‫والوحدة تكاد تقتلني رغم كثرة الصحاب ‪.‬‬
‫فأخذت أبحث عن الدواء ‪ ...‬عن بديل لتلك الحياة التي لم أرتضها لنفسي‬
‫وبدأت أقلب صفحات تلك اليام التي تمر مر السحاب وبينما أنا كذلك‬
‫والفكار تتزاحم في خاطري تذكرت شيئا غاب عني منذ زمن ‪ ...‬فانطلقت‬
‫بسرعة إليه وحملت القرآن العظيم وضممته إلى صدري في حنان وشوق‬
‫يغمر نفسي ضممته بقوة وكأني أريد أن أمزجه بقلبي ‪ .‬وبريق الدمع يغمر‬
‫عيني ‪ ..‬ومع كتاب الله رأت عيناي بصيصا من النور وأدركت عندها أن ل حياة‬
‫بغير اللتزام بالسلم وأن مصدر سعادة النسان هو اليمان بالله ‪.‬‬
‫فيا من تبحثون عن السعادة ‪ ...‬عن الستقرار النفسي عن الطمأنينة ‪ ..‬عن‬
‫النقاء ‪ ..‬عن الصفاء ‪ ..‬عن المعاني النسانية ‪..‬‬
‫ل تبتعدوا كثيرا ‪ ..‬ستجدون ضالتكم بين أيديكم في القرآن الكريم ‪ ..‬في‬
‫تعاليم الدين ‪ ..‬قال تعالى ‪ ) :‬وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين‬
‫( ‪ ..‬ذات النطاقين‬
‫• كنت ابكي ندما على ما فاتني من حب الله ورسوله ‪ ,‬وعلى تلك اليام‬
‫التي قضيتها بعيدة عن الله عز وجل ‪ ) .‬امرأة مغربية أصابها السرطان‬
‫وشفاها الله منه (‬
‫ً‬
‫• لقد ولدت تلك الليلة من جديد ‪ ,‬وأصبحت مخلوقا ل صلة له بالمخلوق‬
‫السابق وأقبلت على تلوة القرآن ‪ ,‬وسماع الشرطة النافعة من خطب‬
‫ودروس ومحاضرات ‪ ) .‬شاب تائب (‬
‫• نعم لقد كنت ميتا ً فأحياني الله ولله الفضل والمنة ‪ ) .‬الشيخ أحمد القطان‬
‫(‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫• وعزمت على التوبة النصوح والستقامة على دين الله ‪ ,‬وأن أكون داعية‬
‫خير بعد أن كنت داعية شر وفساد ‪ ...‬وفي ختام حديثي أوجهها نصيحة‬
‫صادقة لجميع الشباب فأقول ‪ :‬يا شباب السلم لن تجدوا السعادة في‬
‫السفر ول في المخدرات والتفحيط ‪ ,‬لن تجدوها أو تشموا رائحتها إل في‬
‫اللتزام والستقامة ‪ ...‬في خدمة دين الله ‪ ...‬في المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر ‪.‬‬
‫ماذا قدمتم يا أحبة للسلم ؟ أين آثاركم ؟ أهذه رسالتكم ؟‬
‫شباب الجيل للسلم عودوا *** فأنتم روحه وبكم يسود‬
‫وأنتم سر نهضته قديما *** وأنتم فجره الزاهي الجديد‬
‫) من شباب التفحيط سابقا ً (‬
‫• لقد أدركنا الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع وهي أن النسان مهما‬
‫طال عمره فمصيره إلى القبر ‪ ,‬ول ينفعه في الخرة إل عمله الصالح‬
‫) الممثل محسن محي الدين وزوجته الممثلة نسرين (‬
‫• أتمنى من الله وأدعوه أن يجعل مني قدوة صالحة في مجال الدعوة إليه ‪,‬‬
‫كما كنت من قبل قدوة لكثيرات في مجال الفن ‪ ) .‬الممثلة شهيرة (‬
‫• كما أتوجه إلى كل أخت غافلة عن ذكر الله ‪ ..‬منغمسة في ملذات الدنيا‬
‫وشهواتها أن عودي إلى الله – أخيه – فوالله إن السعادة في طاعة الله ‪.‬‬
‫) طالبة تائبة (‬
‫• وخرجت من المستشفى إلى المسجد مباشرة ‪ ,‬وقطعت صلتي‬
‫بالماضي ‪ ....‬وأنصح إخواني الشباب وغيرهم بالحذر من رفقاء السوء ‪.‬‬
‫) مدمن تائب (‬
‫• فبدأت بالبكاء على نفسي وعلى ما مضى من عمري في التفريط في حق‬
‫الله وحق الوالدين‬
‫) شاب تاب بعد سماعه موعظة (‬
‫• واليوم ما أكثر المغترين بهذه الدنيا الفانية ‪ ,‬والغافلين عن ذلك اليوم‬
‫الرهيب والذي يفر فيه المرء من أخيه ‪ ,‬وأمه وأبيه ‪ ,‬وصاحبته وبنيه ‪ ,‬يوم‬
‫لينفع مال ولبنون إل من أتى الله بقلب سليم ‪ .‬فهل من عودة قبل الموت ؟‬
‫) شاب تاب بعد رؤيته ليوم القيامة في المنام (‬
‫• وختاما ً أقول لكل فتاة متبرجة ‪ ...‬أنسيت أم جهلت أن الله مطلع عليك ‪,‬‬
‫أنسيت أم جهلت أم تجاهلت أن جمال المرأة الحقيقي في حجابها وحيائها‬
‫وسترها ؟ )فتاة تائبة(‬
‫• كما أصبحت بعد اللتزام أشعر بسعادة تغمر قلبي فأقول ‪ :‬بأنه يستحيل أن‬
‫يكون هناك إنسان أقل مني إلتزاما ً أن يكون أسعد مني ‪ ,‬ولو كانت الدنيا‬
‫كلها بين عينيه ‪ ,‬ولو كان من أغنى الناس ‪ ...‬فأكثر ما ساعدني على الثبات –‬
‫بعد توفيق الله – هو إلقائي للدروس في المصلى ‪ ,‬بالضافة إلى قراءتي عن‬
‫الجنة بأن فيها ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر من‬
‫اللباس والزينة والسواق والزيارات بين الناس وهذه من أحب الشياء إلى‬
‫قلبي ‪ .‬فكنت كلما أردت أن أشتري شيئا ً من الملبس التي تزيد عن حاجتي‬
‫أقول ألبسها في الخرة أفضل ‪.‬‬
‫)فتاة انتقلت من عالم الزياء إلى كتب العلم والعقيدة (‬
‫• وقد خرجت من حياة الفسق والمجون ‪ ,‬إلى حياة شعرت فيها بالمن‬
‫والمان والطمئنان والستقرار ‪ ) .‬رجل تاب بعد موت صاحبه (‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫• وكلما رأيت نفسي تجنح لسوء أو شيء يغضب الله أتذكر عاى الفور جنة‬
‫الخلد ونعيمها السرمدي البدي ‪ ,‬وأتذكر لسعة النار فأفيق من غفلتي ‪...‬‬
‫والحمد لله أني قد تخلصت من كل مايغضب الله عزوجل من مجلت ساقطة‬
‫وروايات ماجنة وقصص تافهة أما أشرطة الغناء فقد سجلت عليها ما يرضي‬
‫الله عز وجل من قرآن وحديث ‪) .‬فتاة تائبة (‬
‫• حقيقة كنت في غيبوبة عن السلم سوى حروف كلماته ‪ ) .‬سوزي مظهر (‬
‫• نعم لقد كنت أتمنى أن أكون مسلمة ملتزمة لن ذلك هو الحق والله تعالى‬
‫يقول ) وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون ( ) شمس البارودي (‬
‫• دخلت إلى البيت وكان أول ما وقع عليه بصري صورة معلقة على الحائط‬
‫لبعض الممثلت ‪ ...‬فاندفعت إلى الصور أمزقها ‪ ...‬ثم ارتميت على سريري‬
‫أبكي ولول مرة أحس بالندم على ما فرطت في جنب الله ‪ ...‬فأخذت‬
‫الدموع تنساب في غزارة من عيني ) شاب تائب (‬
‫• فخرجت من البيت إلى المسجد ومنذ ذلك اليوم وأنا – ولله الحمد – ملتزم‬
‫ببيوت الله ل أفارقها وأصبحت حريصا ً على حضور الندوات والدروس التي‬
‫تقام في المساجد وأحمد الله أن هداني إلى طريق السعادة الحقيقية والحياة‬
‫الحقة ) الشاب ح ‪ .‬م ‪.‬ج (‬
‫• وانتهيت إلى يقين جازم حاسم أنه ل صلح لهذه الرض ‪ ,‬ول راحة لهذه‬
‫البشرية ول طمأنينة لهذا النسان ول رفعة ول بركة ول طهارة ‪ ...‬إل بالرجوع‬
‫إلى الله ‪ ...‬واليوم أتساءل كيف كنت سأقابل ربي لو لم يهدني ؟ ) طالبة‬
‫تائبة (‬
‫• فتبت إلى الله وأعلنت توبتي وعدت إلى رشدي وأنا الن ) ولله الحمد (‬
‫من الداعيات إلى الله ألقي الدروس والمحاضرات وأؤكد على وجوب الدعوة‬
‫‪) .‬فتاة تائبة (‬
‫• بدأ عقلي يفكر وقلبي ينبض وكل جوارحي تناديني ‪ :‬أقتل الشيطان والهوى‬
‫‪ ...‬وبدأت حياتي تتغير ‪ ...‬وهيئتي تتبدل ‪ ...‬وبدأت أسير على طريق الخير‬
‫وأسأل الله أن يحسن ختامي وختامكم أجمعين ‪) .‬شاب تاب بعد سماعه‬
‫لقراءة الشيخ علي جابر ودعائه (‬
‫وقفة‬
‫أخي على طريق الحق ‪ ...‬اعلم وفقني الله وإياك للصواب بأنه لم يتميز‬
‫الدمي بالعقل إل ّ ليعمل بمقتضاه فاستحضر عقلك ‪ ،‬واخل بنفسك تعلم‬
‫بالدليل أنك مخلوق مكلف وأن عليك فرائض أنت مطالب بها ‪ ،‬وأن الملكين‬
‫يحصيان ألفاظك ونظراتك ‪ ،‬وأن أنفاس الحي خطاه إلى أجله ‪.‬‬
‫أسألك أخي وأنت الحكم !!!‬
‫لو أن الله خلقك أعمى هل تعص الله بنظرك ؟‬
‫ولو أن الله خلقك أصم هل تعص الله بأذنك ؟‬
‫لو أن الله خلقك أبكم هل تعص الله بلسانك ؟‬
‫ولو أن الله خلقك مشلول ً هل تعص الله بقدمك ؟‬
‫إذا ً ‪ ....‬أخي إنما أنت تعص الله سبحانه وتعالى بنعم الله ‪ ،‬فهل يستحق‬
‫المنعم هذا الجزاء ؟‬
‫ولو أنك ‪ ....‬أخي !!! تفكرت في لذة أمس أين ذهبت ‪ ،‬لقد رحلت وأبقت‬
‫ندما ً ‪.‬‬
‫ولو أنك تفكرت أيضا أين شهوة النفس ؟ كم نكست رأسا ً وزلت قدما ً !!!‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫أيها اللهي بل أدنى وجل *** اتق الله الذي عز وجل‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واستمع قول ً به ضرب المثل *** اعتزل ذكر الغاني والغزل‬


‫وقل الفصل وجانب من هزل‬
‫كم أطعت النفس إذ أغويتها *** وعلى فعل الخنا ربيتها‬
‫ل لهيا ً أنهيتها *** إن أهنى عيشة قضيتها‬
‫كم ليا ٍ‬
‫ذهبت لذاتها والثم حل ‪ .‬نقل من موقع صيدالفوائد‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من لفافةٍ للحلوى ‪ ،‬إلى أكبر دار لنشر التراث !‬


‫‪02-9-2005‬‬
‫بقلم مبارك القحطاني‬
‫"‪...‬في حياتنا الكثير من النجازات و البداعات التي لو سبرت غورها ‪ ،‬و‬
‫نبشت قعرها ‪ ،‬للفيتها بدأت من ردة فعل لموقف معين ‪ ،‬حّركت جمود‬
‫الذهن ‪ ،‬فانبثقت منها فكرة ‪ ،‬قّلبها العقل على نار التفكير الهادئة ‪ ،‬ثم‬
‫اختمرت ‪ ،‬و نضجت ‪"...‬‬
‫في حياتنا الكثير من النجازات و البداعات التي لو سبرت غورها ‪ ،‬و نبشت‬
‫قعرها ‪ ،‬للفيتها بدأت من ردة فعل لموقف معين ‪ ،‬حّركت جمود الذهن ‪،‬‬
‫فانبثقت منها فكرة ‪ ،‬قّلبها العقل على نار التفكير الهادئة ‪ ،‬ثم اختمرت ‪ ،‬و‬
‫نضجت ‪ ،‬إلى أن انتهت أخيرا ً بمشروع عمل ‪.‬‬
‫و من بين هذه المواقف التي ل ُتعد ّ = موقف طريف ‪ ،‬لكن كان له أثر كبير‬
‫جدا في إعداد مشروع ضخم لنقاذ جانب من تراث المة السلمية من‬
‫الضياع و التلف ؛ و هو أن " المل عبد القيوم " رحمه الله أحد علماء الهند‬
‫في حيدر آباد الدكن في أواخر القرن التاسع عشر ميلدي ‪ ،‬حصل أن زاره‬
‫بعض إخوانه في داره ‪ ،‬ثم بعث ابنه ليشتري بعض الحلوى ‪ ،‬فلما عاد الولد‬
‫بالحلوى إذ بها ملفوفة ‪ ،‬ملفوفة بماذا ؟‬
‫ً‬
‫كانت ملفوفة بمخطوطةٍ نادرةٍ ُتعد ّ كنزا من كنوز تراثنا السلمي !‪.‬‬
‫فهال هذا الشيخ الجليل ما آل إليه حال مخطوطاتنا من ضياع ‪ ،‬و إهمال ‪ ،‬و‬
‫امتهان ! ‪.‬‬
‫ضة قدحت في ذهنه فكرة إنشاء دار تعمل على جمع‬ ‫مم ّ‬‫لكن هذه الصدمة ال ُ‬
‫هذه المخطوطات ‪ ،‬و حفظها ‪ ،‬و تحقيقها ‪ ،‬ثم نشرها ؛ لنقاذها من هذا‬
‫المصير المؤلم ‪.‬‬
‫فاّتجه إلى المارة الصفية في حيدر آباد الدكن ‪ ،‬وخاطب المسئولين عن‬
‫كلت لجنة‬ ‫التعليم والمعارف فيها ‪ ،‬فلقي منهم استجابة وتشجيعا ً ‪ ،‬ثم ُ‬
‫ش ّ‬
‫لء ‪ ،‬و لقيت هذه اللجنة دعما ً ماديا ً من الحاكم آنذاك و‬ ‫مكونة من علماء أج ّ‬
‫هو " نظام الملك آصفجاه " الذي تبناها و أصدر مرسوما ً في عام ‪ 1308‬هـ ‪،‬‬
‫بإنشاء دائرة المعارف النظامية نسبة إليه ‪ ،‬ثم تحولت في عام ‪ 1956‬م إلى‬
‫دائرة المعارف العثمانية ) ول علقة لها بالدولة العثمانية ( نسبة إلى الحاكم‬
‫" النظام مير عثمان " الذي كان يدعمها سنويا بعشرات اللوف من الجنيهات‬
‫‪.‬‬
‫و استمرت طيلة عهدها في إحياء نفائس التراث السلمي لسنين طويلة‬
‫فعلى سبيل المثال ‪ :‬نشرت " المستدرك على الصحيحين " للحاكم‬
‫النيسابوري ‪ ،‬و " سنن البيهقي " ‪ ،‬و " التاريخ الكبير " للبخاري ‪ ،‬و " مسند‬
‫أبي عوانة السفراييني " ‪ ،‬و " مسند الطيالسي " ‪ ،‬و " الصارم المسلول‬
‫على شاتم الرسول " لشيخ السلم ابن تيمية ‪ ،‬و " تذكرة الحفاظ " للعلمة‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذهبي ‪ ،‬هذا فضل عن كتب اللغة والدب و التاريخ ‪ ،‬مثل " الفائق في غريب‬
‫الحديث و الثر " للزمخشري ‪ ،‬و " الجمهرة لبن دريد " ‪ ،‬و كتبا ً كثيرة تصعب‬
‫على العد والحصر في ‪460‬مجلدا ً من أمهات الكتب ‪.‬‬
‫و توسع نطاق عمل هذه الدائرة المباركة من جمع المخطوطات التي توجد‬
‫في الهند إلى جمع المخطوطات من جميع مكتبات العالم عن طريق التصوير‬
‫و الشراء ؛ إذ حظيت بالدعم المادي من جهات كثيرة ‪ ،‬بعد أن رأت دورها‬
‫اليجابي و الرائد في هذه القضية المهمة ‪.‬‬
‫و قد عمل فيها العديد من جهابذة العلم و أساطين تحقيق التراث ‪ ،‬ويكفي‬
‫أن نعلم أن العلمة " عبدالرحمن المعّلمي اليماني " رحمه الله ‪ ،‬قد عمل‬
‫فيها محققا ً و ناشرا ً للكثير من كتب السلف ‪ ،‬فكانت هذه الدائرة بحق‬
‫مفخرة لهل الهند ؛ يقول عنها العلمة " عبدالحي الحسني " ‪ " :‬إنها نشرت‬
‫كتبا قيمة في الحديث و أسماء الرجال و التاريخ واللغة و وعلوم الحكمة و‬
‫الرياضة كان يتسامع بها الفضلء و يحن إليها العلماء ‪ ،‬ولم تر ضوء الشمس ‪،‬‬
‫فكانت مأثرة علمية تذكر ‪ ،‬وتشكر " ‪.‬‬
‫و يقول " محمد رشيد رضا " ‪ " :‬العالم السلمي يحمد للهند فضلها في‬
‫طباعة العمال الساسية في الموضوعات السلمية خاصة في السيرة و‬
‫الحديث " ‪.‬‬
‫و يقول " محمد الرزنجاني الدمشقي " ‪ " :‬إن دائرة المعارف العثمانية قد‬
‫أسدت إلى العلم و أهله أيادي بيضاء ‪ ،‬و لقد أخرجت كنوزا ثمينة جديرة بأن‬
‫تكون من أزهى جواهر المعرفة في جيد الدهر ‪ .‬تلك العقود و الجواهر‬
‫الخالدة التي كانت العقول النيرة تائقة لسبر غورها و الستطلع عليها من‬
‫كل المم " ‪.‬‬
‫و يقول العلمة " محمود الطناحي " ‪ " :‬و يعد ّ ما نشرته دائرة المعارف‬
‫العثمانية ؛ من كتب رجال الحديث ‪ ،‬و تراجمهم ‪ ،‬من أوسع و أعظم ما‬
‫نشرته الدائرة ‪ ،‬و هو عمل لم تقم به هيئة أخرى ‪ ،‬في داخل العالم العربي ‪،‬‬
‫أو خارجه " ‪.‬‬
‫و أقوال كثيرة أعرضت عنها خشية الطالة ‪ ،‬كلها تلهج بالثناء و العرفان لهذه‬
‫الدار التي نشأت بفضل الله ثم لفافة الحلوى التي أتى بها الولد لبيه " المل‬
‫عبد القيوم " ! ‪.‬‬
‫ن يا أخي الكريم من الفكار شيئا ؛ فإذا كان طريق اللف ميل يبدأ‬ ‫فل تحقر ّ‬
‫بخطوة ؛ فطريق أكبر النجازات يبدأ بفكرة ! ‪.‬‬
‫‪---------‬‬
‫المراجع ‪:‬‬
‫‪ " -1‬دائرة المعارف العثمانية ‪ ،‬ظروف النشأة و مراحل التطور " ‪ ،‬حماد‬
‫العنقري ‪ ،‬مقال منشور في مجلة الفيصل ‪ ،‬عدد ‪.276‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ " -2‬مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي " ‪ ،‬محمود الطناحي ‪ ،‬مكتبة‬
‫الخانجي ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من للمطلقة؟‬
‫الولى‪:‬‬
‫فتاة حصان رزان‪ ،‬طاهرة عفيفة‪ ،‬يضرب بها المثل في الحياء‪ ،‬تسير بالحديث‬
‫عن أخلقها الركبان‪ ،‬و لغرو فقد ورثت ذلك عن آبائها الغر الميامين‪،‬‬
‫وأخوالها الكرام الصادقين‪ .‬تزوجت من شاب لم يشبه أباه‪ ،‬ولم يكرم من‬
‫أكرمه‪ ،‬شاب تائه ضائع‪ ،‬شاب ليقدر عواقب المور و ل قدر الكرام ‪ ،‬فأساء‬
‫عشرتها وأهانها‪ ،‬وبعد أشهر من المعاناة صارت أيما ًً مطلقه‪.‬‬
‫الثانية‪:‬‬
‫كالولى لكنها تزوجت من رجل قد بلغ من الكبر مبلغه‪ ،‬أصغر أبنائه في سنها‪،‬‬
‫أطغته المادة‪ ،‬فظن أنه بالمال يشري العفيفات‪ ،‬ولم يعد لديه فرق بين‬
‫سيارة يمتطيها وفتاة ابنة كرام يصطفيها‪ ،‬فكان مصيرها كالولى‪..‬‬
‫أما الثالثة‪:‬‬
‫فليست بأسعد منهن حظا‪ ،‬ول أوفر عزا‪ ،‬تزوجت من شاب ليس فيه ما‬
‫يعيبه‪ ،‬لكن الرواح جنود مجندة‪ ،‬والقلوب بينها تنافر واتفاق‪ ،‬فلم يكتب الله‬
‫لهما الوئام فكان الفراق إلى غير لقاء‪.‬‬
‫وهكذا الرابعة و الخامسة‪....‬‬
‫إنها نماذج عدة تتفق معاناتها مهما اختلفت الصور وتنوعت‪ ،‬نماذج من فتياتنا‬
‫اللتي لم يكتب لهن التوفيق في الحياة الزوجية‪ ،‬فودعنها بعد شهر أو أشهر‬
‫معدودة ‪ ،‬وظللن حبيسات البيوت ل يعلم معاناتهن إل من خلقهن‪ " .‬أنا الن‬
‫في الثالثة والعشرين من العمر‪ ،‬لكن أشعر أني في الثالثة والعشرين بعد‬
‫المائة من العمر لشدة ما أشعر به من الضيق والملل‪ .‬أنا لست سعيدة‪،‬‬
‫ولكني راضية والحمد الله على كل حال‪ ،‬أنكرت كل شيء بداخلي من‬
‫المشاعر والحاسيس‪ ،‬لكن شيئا واحدا لم أستطع أن أنكره‪ ،‬إنه غريزة‬
‫المومة تقوى بداخلي يوما بعد يوم‪ ،‬وأنا أرى كل من حولي يحضون بذلك‪،‬‬
‫أقرب الناس أختي التي تصغرني فهي متزوجة برجل مثال الرجل الصالح‬
‫وأخلقه عالية‪ ،‬وعلوة على ذلك فهي قريبا ستكون أما‪ ،‬إنني ل أحسدها‬
‫ولكني أغبطها فقط‪ ." ...‬هذه كلمات وصلتني من فتاة شأنها كشأن أولئك "‬
‫متزوجةمنذ سنة‪ ،‬نصفها زواج فعلي والنصف الخر زواج صوري " كانت‬
‫وزوجها كما قالت " خطين متوازيين ليلتقيان " حتى طلقت بعد ذلك‪ .‬مشاعر‬
‫كثيرة انتابتني وأنا أقرأ ما سطرته تلك الفتاة فشعرت بأسى لم أعتد الشعور‬
‫بمثله ‪ ،‬كيف ل وقد اختلطت دموع المسكينة بقلمها‪ ،‬أبت عيناي إل التجاوب‬
‫معها‪ ،‬وبعد أن هدأت العاطفة الجياشة‪ ،‬امتد أثرها ليأخذ مساحة من الفكر‬
‫الهاديء‪ ،‬أملت علي تلك المشاعر هذه السطور‪.‬‬
‫إنهن فلذات أكبادنا‪ ،‬وبناتنا قبل أن يكن بنات الناس‪ ،‬ذاك حين نملك المشاعر‬
‫النسانية الحقة التي يمليها علينا ديننا‪ ،‬أما أولئك فاقدو الحساس والمشاعر‪،‬‬
‫فأحسب أنا سنفشل في مخاطبتهم حتى تحيا مشاعرهم‪.‬‬
‫أليس من حق أخواتنا علينا أن نزيل معاناتهن؟ وأن نمسح ولو بعض دموع‬
‫الحزن التي قد غرقت في بحر الغفلة واللمبالة ممن يعنيهم المر‪.‬‬
‫ولست أدري من سيتولى علج المشكلة‪ ،‬مراكز الدراسات الغربية؟ أو‬
‫منظمات حقوق النسان؟ أو هواة الثرثرة والتشدق من المتاجرين بالكلمة‬
‫والمسترزقين من أقلمهم؟‪ ....‬فمن غيرنا يعنى بأمرنا؟ ومن لهن غير آبائهن‬
‫وإخوانهن‪ -‬وكلنا يجب أن نشعر بأنا كذلك‪-‬؟‬
‫قد ل أضع النقاط على الحروف‪ ،‬ول أكون جهيزة تقطع قول كل خطيب‬
‫ولكن حسبي أن أنقل بعض المعاناة التي تعيشها فتيات كثر غابت عنهن أعين‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأقلم الناصحين‪ .‬وحسبي من النجاح أن أثير اهتمام عشرة من القراء‪.‬‬


‫فحينئذ أجزم أن جهدا ً ما سيبذل‪ ،‬وكلمة ناصحه ستقال‪ ،‬وبعد ذلك مشكلة‬
‫ستحل‪.‬‬
‫وعلى بريد الصراحة أبعث هذه الرسائل العاجلة‪.‬‬
‫الرسالة الولى‪:‬‬
‫لمن يركب الزواج من ثانية فيصر على أن ينكح بكرًا‪ ،‬أو يتزوج من خارج هذه‬
‫البلد‪ ،‬فلم ل تتنازل عن قدر من رغبتك وتتزوج واحدة من أولئك فتساهم في‬
‫مسح دمعة‪ ،‬وإزالة حرقة‪ ،‬وقبل ذلك إعفاف امرأة قد يستهويها الشيطان‬
‫حين ل تجد من يعفها فتبحث عن الرذيلة فيذوق المجتمع أجمع وبال‬
‫المعصية‪.‬‬
‫الرسالة الثانية‪:‬‬
‫للباء الذين سيسألهم الله عما استرعاهم"كلكم راع وكلكم مسؤول عن‬
‫رعيته" فليس من مؤهلت القبول لشاب خاطب أن يكون )ابن حمولة(‪ ،‬أو‬
‫أبوه رفيقا لك‪ ،‬أو أمه إحدى محارمك " فابنتك لن تتزوج الحمولة‪ ،‬أو الب أو‬
‫الم‪ ،‬إنما ستعاشر الشاب‪ ،‬فاتقوا الله في بناتكم ول تزوجوهن إل لمن يعرف‬
‫قدرهن "خيركم خيركم لهله"‬
‫الرسالة الثالثة‪:‬‬
‫لحملة الكلمة الصادقة الناصحة من الخطباء والكتاب‪ ،‬ما مصير هذه القضية‬
‫وغيرها من حديثكم وخطبكم؟ فهل كلمة قد تمسح بإذن الله دمعة‪ ،‬وتزيل‬
‫بتوفيقه حزنا‪ ،‬وتزوج بعونه أيمًا‪ .‬فلله كم من دعوة صادقة ستنالها ‪ ،‬قد يكون‬
‫معها خير الدنيا والخرة‪.‬‬
‫الرسالة الرابعة‪:‬‬
‫وأخص بها صاحبات القلم السيالة من النساء الناصحات‪ ،‬فأنتن اللتي تحملن‬
‫الوكالة عن أخواتكن‪ ،‬ولعلكن أكثر منا شعورا بآلمهن‪ .‬فهل سطر يراعكن‪،‬‬
‫وخطت أقلمكن كلمات صادقة تعبر عن معاناة أخواتكن الفاضلت‪.‬‬
‫إنها كلمات أرجو أن ل تأخذ العاطفة فيها أكثر من مساحتها‪ ،‬وآمل أن تجد‬
‫آذانا ً صاغية‪ ،‬والله الموفق‪ ،‬وعليه التكلن‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من لم يصل ركعتي الفجر فيصلهما بعد ما تطلع الشمس‬


‫الكاتب‪ :‬الستاذ محمد أحمد الوزير‬
‫الكلم على الحديث‬
‫رواية ودراية‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬وأصلى وأسلم على سيدنا محمد ‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم تسليما كثيرا‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فقد طلب مني فضيلة الوالد العلمة ‪ /‬محمد بن إسماعيل العمراني البحث‬
‫والنظر في الحديث اِلتي ‪ ،‬فأجبته إلى ذلك وتكلمت على الحديث ‪ ،‬وقسمت‬
‫الكلم عليه في الفقرات التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ لفظ الحديث ‪:‬‬
‫)) من لم يصل ركعتي الفجر فيصلهما بعد ما تطلع الشمس ((‪.‬‬
‫‪2‬ـ من أخرج الحديث ‪:‬‬
‫‪ .1‬أخرجه الترمذي ج‪ 2 :‬ص‪ 408 :‬بشرح التحفة ‪،‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .2‬وابن حبان في صحيحه ج‪ 6 :‬ص‪ 224 :‬ـ رقم ‪، 2472‬‬


‫‪ .3‬والحاكم في المستدرك على الصحيحين ج‪ 1 :‬ص‪،408 :‬‬
‫‪ .4‬و الدارقطني سننه ج‪ 1 :‬ص‪، 382 :‬‬
‫‪ .5‬والبيهقي في السنن الصغرى ج‪ 1 :‬ص‪ ، 442 :‬الجميع من طريق عمرو‬
‫بن عاصم حدثنا همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن‬
‫أبي هريرة مرفوعا ‪...‬به(‪.‬‬
‫‪3‬ـ الكلم على غير المشهورين من رجال السناد ‪:‬‬
‫‪1‬ـ عمرو بن عاصم بن عبيد الله الكلبي القيسي أبو عثمان البصري صدوق‬
‫في حفظه شيء كذا قال الحافظ في التقريب وقال في مقدمة الفتح وثقه‬
‫ابن معين والنسائي وقال أبو داود ل أنشط لحديثه وقدم عليه الحوضي قال‬
‫الحافظ قد احتج به أبو داود في السنن والباقون ‪.‬‬
‫‪2‬ـ بشير بن نهيك بفتح النون وكسر الهاء واخره كاف السدوسي البصري ثقة‬
‫‪.‬‬
‫وبقية رجال الحديث معروفون من رجال الصحيح ‪ ،‬ل داعي للطالة بكتابة‬
‫التراجم لهم‪ ،‬لشهرتهم بين العلماء وطلبة العلم ‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬
‫‪4‬ـ الكلم على الحديث ‪:‬‬
‫قال المباركفوري في التحفة عن الحديث ‪:‬‬
‫وأخرجه أيضا الدارقطني في سننه من هذا الطريق وأخرجه أيضا الحاكم من‬
‫هذا الطريق وتقدم لفظهما انفا وقال الحاكم هذا الحديث صحيح على شرط‬
‫الشيخين انتهى ولم يحكم الترمذي عليه بشيء من الصحة والضعف قلت في‬
‫إسناد هذا الحديث قتادة وهو مدلس ورواه عن النضر بن أنس بالعنعنة قال‬
‫الحافظ بن حجر في طبقات المدلسين قتادة بن دعامة السدوسي البصري‬
‫صاحب أنس بن مالك رضي الله عنه كان حافظ آلف ومشهور بالتدليس‬
‫وصفه به النسائي وغيره ثم هذا الحديث بهذا محفوظ تفرد به عمرو بن‬
‫عاصم عن همام عدا جميع أصحاب همام فإنهم رووه بغير هذا اللفظ ‪.‬‬
‫‪5‬ـ فقه الحديث ‪:‬‬
‫قال الترمذي ‪ :‬والعمل على هذا ثم بعض أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري‬
‫والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المبارك ‪.‬‬
‫قال الشوكاني في النيل بعد ذكر كلم الترمذي هذا ما لفظه وحكاه الخطابي‬
‫عن الوزاعي قال العراقي والصحيح من مذهب الشافعي أنهما يفعلن بعد‬
‫الصبح ويكونان أداء قال والحديث ل يدل صريحا على أن من تركهما قبل‬
‫صلة الصبح ل يفعلهما إل بعد طلوع الشمس وليس فيه إل المر لمن لم‬
‫يصلهما مطلقا أن يصليهما بعد طلوع الشمس ول شك أنهما إذا تركا في‬
‫وقت الداء فعل في وقت القضاء وليس في الحديث ما يدل على المنع من‬
‫فعلهما بعد صلة الصبح ويدل على ذلك رواية الدارقطني والحاكم والبيهقي‬
‫فإنهما بلفظ من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما انتهى‬
‫كلم الشوكاني‬
‫قال ابن قدامة‪ :‬فصل فأما قضاء سنة الفجر بعدها فجائز إل أن أحمد اختار‬
‫أن يقضيهما من الضحى وقال إن صلهما بعد الفجر أجزأ وأما أنا فأختار ذلك‬
‫وقال عطاء وابن جريج والشافعي يقضيهما بعدها لما روى عن قيس بن فهد‬
‫قال رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد‬
‫صلة الفجر فقال ما هاتان الركعتان يا قيس قلت يا رسول الله لم أكن‬
‫صليت ركعتي الفجر فهما هاتان رواه المام أحمد وأبو داود والترمذي‬
‫وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز ولن النبي صلى الله‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر وهذه في معناها ولنها صلة ذات‬
‫سبب فأشبهت ركعتي الطواف وقال أصحاب الرأي ل يجوز لعموم النهي‬
‫ولما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يصل‬
‫ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس رواه الترمذي وقال ل نعرفه إل‬
‫من حديث عمرو بن عاصم قال ابن الجوزي رحمه الله وهو ثقة أخرج عنه‬
‫البخاري وكان ابن عمر يقضيهما من الضحى وحديث قيس مرسل قاله أحمد‬
‫والترمذي لنه يرويه محمد بن إبراهيم عن قيس ولم يسمع منه وروي من‬
‫طريق يحيى بن سعيد عن جده وهو مرسل أيضا ورواه الترمذي قال قلت يا‬
‫رسول الله إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر قال فل إذا وهذا يحتمل النهي‬
‫وإذا كان المر هكذا كان تأخيرها إلى وقت الضحى أحسن لنخرج من الخلف‬
‫ول نخالف عموم الحديث وإن فعلها فهو جائز لن هذا الخبر ل يقصر عن‬
‫الدللة على الجواز والله أعلم ‪.‬‬
‫وقال المام الشوكاني في النيل‪ :‬وفي الحديث مشروعية قضاء النوافل‬
‫الراتبة وظاهره سواء فأتت لعذر أو لغير عذر وقد اختلف العلماء في ذلك‬
‫على أقوال‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أحدها استحباب قضائها مطلقا سواء كان الفوت لعذر أو لغير عذر لنه صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم أطلق المر بالقضاء ولم يقيده بالعذر وقد ذهب إلى‬
‫ذلك من الصحابة عبد الله ابن عمر ومن التابعين عطاء وطاوس والقاسم بن‬
‫محمد ومن الئمة ابن جريج والوزاعي والشافعي في الجديد وأحمد وإسحاق‬
‫ومحمد بن الحسن والمزني‪.‬‬
‫والقول الثاني أنها ل تقضى وهو قول أبي حنيفة ومالك وأبي يوسف في‬
‫أشهر الروايتين عنه وهو قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد‬
‫والمشهور عن مالك قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس‪.‬‬
‫والقول الثالث التفرقة بين ما هو مستقل بنفسه كالعيد والضحى فيقضي‬
‫وبين ما هو تابع لغيره كرواتب الفرائض فل يقضي وهو أحد القوال عن‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫والقول الرابع إن شاء قضاها وإن شاء لم يقضها على التخيير وهو مروي عن‬
‫أصحاب الرأي ومالك‪ .‬والقول الخامس التفرقة بين الترك لعذر نوم أو نسيان‬
‫فيقضي أو لغير عذر فل يقضي وهو قول ابن حزم واستدل بعموم قوله من‬
‫نام عن صلته الحديث ‪ ،‬وأجاب الجمهور أن قضاء التارك لها تعمد من باب‬
‫الولى وقد قدمنا الجواب عن هذه الولوية ‪.‬‬
‫‪6‬ـ الشواهد للحديث ‪:‬‬
‫أخرج ابن ماجة رقم )‪ :(416‬شاهدا فعلي عن النبي صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم قال ‪:‬‬
‫حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم و يعقوب بن حميد بن كاسب قال حدثنا مروان‬
‫بن معاوية عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ))نام عن ركعتي الفجر فقضاهما بعد ما طلعت الشمس((‬
‫هذا إسناد رجاله ثقات ‪.‬‬
‫وهذا الحديث صححه اللباني في صحيح ابن ماجة ‪.‬‬
‫‪7‬ـ الحكم على الحديث ‪:‬‬
‫الحديث من الحاديث المتكلم عليها ‪ ،‬وللحكم عليه يمكن القول أن الذي فيه‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من كلم الئمة التالي ‪:‬‬


‫‪1‬ـ النفراد ‪ ،‬فقد انفرد بروايته عمرو بن عاصم القيسي البصري ‪.‬‬
‫‪2‬ـ عنعنة قتادة بن دعامة السدوسي المام ‪.‬‬
‫وأقول ‪ :‬ولكن الناظر في رجال الحديث ‪ ،‬يتبين له بجلء أن الحديث صحيح‬
‫السناد ‪ ،‬ولكن الحديث من الحاديث المعلة ‪ ،‬كما ترى في كلم المباركفوري‬
‫‪ ،‬وللجواب على ذلك يقال ‪:‬‬
‫أ ـ مجرد النفراد إذا كان بإسناد صحيح ل يضر لن الصل العمل به ‪ ،‬و هو‬
‫الظاهر ‪ ،‬وعلى هذا القول جماعة من المتقدمين وأكثر المتأخرين من‬
‫المحدثين كالنووي ‪ ،‬الحافظ ابن حجر ‪ ،‬والسيوطي ‪ ،‬والشوكاني والمير‬
‫الصنعاني ‪ ،‬ومن المعاصرين اللباني ‪.‬‬
‫ب ـ وأما عنعة قتادة فإنها لتضر وعنعنة من الطبقة الثانية كما هو معلوم ‪،‬‬
‫وهذا الطبقة تقبل عنعنتهم ‪ ،‬وفي الصحيح كثير من الحاديث المتفق على‬
‫صحتها وفيها عنعنة قتادة ‪ ،‬وإن كان ما في الصحيحين على ما هو معروف‬
‫عند المحدثين ‪ ،‬أن الصل في العنعنة الموجودة فيهما حملها على السماع‬
‫لجللة صاحبي الصحيحين وتلقي المة لكتابيهما بالقبول ‪.‬‬
‫ج ـ والشاهد الذي ورد عند ابن ماجة يجبر الضعف اليسير بسبب العنعنة ‪،‬‬
‫ويرتقي بالحديث إلى درجة الحتجاج ‪ ،‬وكل الحديثين القولي والفعلي قد‬
‫صححهما اللباني ‪ ،‬أما القولي في السلسلة الصحيحة ‪ 478 /5‬رقم ‪، 2361‬‬
‫وأما الفعلي ففي صحيح سنن ابن ماجة ‪ 190 /1‬رقم ‪ .949‬والحديث القولي‬
‫وشاهده الفعلي كاف في إثبات السنية ‪ ،‬وهو المقصود ‪ ،‬مع العلم على أن‬
‫الحديث القولي ‪ ،‬لم يدل على عدم الجواز الصلة عقب صلة الفجر ‪ ،‬وإنما‬
‫يدل على الفضلية التي ذهب إليه المالكية ‪ ،‬ورواية المام أحمد المصححة‬
‫في المذهب ‪ ،‬وأفتى بذلك العلمة ‪ /‬ابن باز رحمه الله ‪ ،‬وهو الراجح وإذا جاء‬
‫نهر الله بطل نهر معقل ‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬
‫المغني ج‪ 1 :‬ص‪431 :‬‬
‫نيل الوطار ج‪ 3 :‬ص‪31 :‬‬
‫مصباح الزجاجة ج‪ 1 :‬ص‪ 74 ، 139 :‬باب من فاته الركعتين قبل الفجر ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من مآثر عمر رضي الله عنه‬


‫أ‪.‬د‪/‬محمد أديب الصالح‬
‫رئيس تحرير مجلة حضارة السلم‬
‫كنتم أذل الناس‬
‫* روي أنه لما قدم عمر رضي الله عنه الشام عرضت له مخاضة‪ ،‬فنزل عن‬
‫بعيره ونزع خفيه فأمسكهما‪ ،‬وخاض الماء ومعه بعير‪ ،‬فقال أبو عبيدة‪:‬‬
‫‪ -‬لقد صنعت اليوم صنيعا ً عظيما ً عند أهل الرض‪.‬‬
‫فصك في صدره وقال‪:‬‬
‫‪ -‬أوه لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة!! إنكم كنتم أذل الناس فأعزكم الله‬
‫برسوله‪ ،‬فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله‪.‬‬
‫* وجاء في رواية أخرى‪ :‬أنه لما قدم رضي الله عنه الشام‪ ،‬استقبله الناس‬
‫وهو على بعيره‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونا فقد تلقاك عظماء الناس ووجوههم‪.‬‬
‫فقال عمر‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬ل أراكم ههنا‪ ،‬إنما المر ههنا –وأشار بيده إلى السماء‪ -‬خلوا سبيل جملي‪.‬‬
‫أسعد الرعاة‬
‫* وكتب إلى عامله أبي موسى الشعري رضي الله عنهما‪:‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫"فإن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته‪.‬‬
‫وإن أشقى الرعاة من شقيت به رعيته‪.‬‬
‫وإياك أن ترتع فيرتع عمالك‪ ،‬فيكون مثلك عند الله عز وجل مثل البهيمة‬
‫نظرت إلى خضرة من الرض فرعت فيها تبتغي بذلك السمن‪ ،‬وإنما حتفها‬
‫في سمنها والسلم عليك"‬
‫* مجلة حضارة السلم –السنة ‪– 10‬العدد ‪– 6-5‬رجب‪-‬شعبان ‪1389‬هـ ‪-‬‬
‫أيلول –تشرين ‪1969 1‬م‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من محاسن الدين السلمي ‪...‬‬


‫الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن السلمان‪ -‬يرحمه الله ‪-‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫فصل في ذكر بعض محاسن الدين السلمي نصره الله عباد الله‪:‬‬
‫قال الله تعالى ‪ -‬وهو أصدق القائلين‪) :‬اليوم أكملت لكم دينكم‪ ،‬وأتممت‬
‫عليكم نعمتي‪ ،‬ورضيت لكم السلم دينًا( أكمل الدين بالنصر‪ ،‬والظهار على‬
‫الديان كلها‪ ،‬فنصر عبده ورسوله‪ ،‬وخذل أهل الشرك خذلنا ً عظيمًا‪ ،‬بعد ما‬
‫كانوا حريصين على صد المؤمنين عن دينهم‪ ،‬طامعين في ذلك‪ ،‬فلما رأوا عز‬
‫السلم وانتصاره يئسوا كل اليأس من المؤمنين‪ ،‬أن يرجعوا إلى دينهم‪،‬‬
‫وصاروا يخافون منهم ويخشون‪ ،‬وأتم جل وعل على عباده نعمته بالهداية‬
‫والتوفيق‪ ،‬والعز والتأييد‪ ،‬ورضي السلم لنا دينًا‪ ،‬واختاره لنا من بين الديان‪،‬‬
‫فهو الدين عند الله ل غير‪ ،‬قال تعالى‪) :‬ومن يبتغ غير السلم دينا ً فلن يقبل‬
‫منه وهو في الخرة من الخاسرين(‪ .‬عباد الله‪ :‬نظر أصحاب الفكار البريئة‬
‫السليمة في أحكام السلم فاعتنقوه‪ ،‬وتأملوا في حكمه الجليلة فأحبوه‪،‬‬
‫وملكت قلوبهم مبادئه الحكيمة فعظموه‪ ،‬وكلما كان المرء سليم العقل‪ ،‬نير‬
‫البصيرة‪ ،‬مستقيم الفكر‪ ،‬اشتد تعلقه به‪ ،‬لما فيه من جميل المحاسن‪ ،‬وجليل‬
‫الفضائل‪ ،‬جاء الدين السلمي بعقائد التوحيد‪ ،‬التي يرتاح لها العقل السليم‪،‬‬
‫ويقرها الطبع المستقيم‪ ،‬يدعو إلى اعتقاد أن للعالم إلها ً واحدا ً ل شريك له‪،‬‬
‫أول ً ل ابتداء له‪ ،‬وآخرا ً ل انتهاء له‪ ) ،‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصير(‬
‫له القدرة التامة‪ ،‬والرادة المطلقة‪ ،‬والعلم المحيط‪ ،‬يلزم الخلق بالخضوع له‬
‫والنقياد‪ ،‬والعمل على مرضاته‪ ،‬بامتثال أمره سبحانه‪ ،‬واجتناب نهيه‪ ،‬نصب‬
‫الدلة والبراهين‪ ،‬في النفس والفاق‪ ،‬وحث العقول على النظر والستدلل‪،‬‬
‫لتصل بالبرهان إلى معرفته وتعظيمه‪ ،‬والقيام بحقوقه‪ ،‬فتراه تارة يلفت‬
‫نظرك إلى أنه ل يمكن أن توجد نفسك‪ ،‬ول أن توجد من دون موجد )أم‬
‫خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ( أما كون النسان موجدا ً لنفسه فهذا‬
‫أمر ما ادعاه الخلق‪ ،‬وأما كون النسان هكذا من غير موجد‪ ،‬فأمر ينكره‬
‫منطق الفطرة ابتداًء ول يحتاج إلى جدل كثير أو قليل‪ ،‬وإذا كان هذان‬
‫الفرضان باطلين‪ ،‬فإنه ل يبقى إل الحقيقة‪ ،‬التي يقولها القرآن‪ ،‬وهي أن‬
‫الخلق خلقه الله الواحد الحد الفرد الصمد الذي ) لم يلد ولم يولد ولم يكن‬
‫له كفوا ً أحد (‪ ،‬وتارة يلفت النظر إلى السماوات والرض‪ ،‬فهل هم خلقوها‪،‬‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإنها لم تخلق نفسها‪ ،‬كما أنهم لم يخلقوا أنفسهم‪ ،‬وتارة يفتح أمام العقل‬
‫والبصر صحيفة السماء‪ ،‬وما حوت من شمس مشرقة‪ ،‬وقمر منير‪ ،‬ونجم‬
‫مضيء‪ ،‬فيقول )تبارك الذي جعل في السماء بروجا ً جعل فيها سراجا ً وقمرا ً‬
‫منيرًا( وفي الية الخرى يقول‪) :‬هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ً‬
‫وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب( ويقول‪) :‬فالق الصباح وجعل‬
‫الليل سكنا ً والشمس والقمر حسبانا ً ذلك تقدير العزيز العليم( ويقول‪ ) :‬أفلم‬
‫ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج( ويقول‪) :‬أو‬
‫لم ينظروا في ملكوت السموات والرض وما خلق الله من شيء ( ويقول‪:‬‬
‫)الذي خلق سبع سموات طباقا ً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع‬
‫البصر هل ترى من فطور‪ ،‬ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا ً‬
‫وهو حسير ( ومرة يلفت النظر إلى الرض‪ ،‬وما فيها من أشجار متنوعة‪،‬‬
‫) وفي الرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير‬
‫صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الكل( فتشاهد شجر‬
‫العنب‪ ،‬بجوار شجر الحنظل‪ ،‬في قطعة واحدة‪ ،‬تسقى بماء واحد‪ ،‬وقد جعل‬
‫لكل شجرة جذورًا‪ ،‬تمتص بها من الرض ما يناسبها من الغذاء الذي به‬
‫قوامها وحياتها‪ ،‬وتنفتح كل واحدة عن ثمرة تخالف الخرى في اللون والطعم‬
‫والرائحة‪ ،‬وكذلك باقي الشجار المتجاورة التي أرضها واحدة وماؤها واحد‪ ،‬أل‬
‫يدل هذا على وجود صانع حكيم قادر؟ )إن في ذلك لية( ومرة يلفت النظر‬
‫إلى ما ينزله من السماء‪ ،‬من الماء الذي به قوام الحياة‪ ،‬ولو شاء لجعله‬
‫أجاجًا‪ ،‬ل نفع فيه‪ ،‬ومرة يتحدث عن وحدانيته وانفراده بالملك والتدبير )ما‬
‫اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله( الية‪ ،‬وفي الية الخرى يقول في‬
‫جزالة لفظ وفخامة معنى‪) :‬لو كان فيهما آلهة إل الله لفسدتا( إلى غير ذلك‬
‫من الدلة‪ ،‬وشرع لعباده من العبادات ما يهذب النفوس‪ ،‬ويزكيها‪ ،‬وينظم‬
‫العلقات ويقويها‪ ،‬ويجمع القلوب ويزكيها‪ ،‬وهذا الذي جاء به السلم اتفقت‬
‫في الدعوة إليه كل الرسل‪ ،‬قال تعالى‪) :‬شرع لكم من الدين ما وصى به‬
‫نوحا ً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا‬
‫الدين ول تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من‬
‫يشاء ويهدي إليه من ينيب(‪ .‬اللهم نور قلوبنا بنور اليمان‪ ،‬وأعذنا من شر‬
‫نفوسنا والشيطان‪ ،‬ووفقنا لطاعتك‪ ،‬وجنبنا العصيان‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا‬
‫ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين‪ ،‬وصلى الله على محمد وعلى‬
‫آله وصحبه‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أجمعين‪ .‬فصل فقد اعترف المحققون المنصفون‪ ،‬أن كل علم نافع ديني أو‬
‫دنيوي أو سياسي قد دل عليه القرآن دللة ل شك فيها‪ ،‬فليس في شريعة‬
‫السلم ما تحيله العقول‪ ،‬وإنما فيه ما تشهد العقول السليمة الزكية بصدقه‬
‫ونفعه وصلحه‪ ،‬وكذلك أوامره‪ ،‬كلها عدل‪ ،‬ل حيف فيها ول ظلم‪ ،‬فما أمر‬
‫بشيء إل وهو خير خالص‪ ،‬أو راجح‪ ،‬وما نهى عن شيء إل وهو شر خالص‪ ،‬أو‬
‫ما تزيد مفسدته على مصلحته‪ ،‬وكلما تدبر العاقل اللبيب أحكام السلم قوي‬
‫إيمانه وإخلصه‪ ،‬وعندما يتأمل ما يدعو إليه هذا الدين القويم‪ ،‬يجده يدعو إلى‬
‫مكارم الخلق‪ ،‬يدعو إلى الصدق والعفاف والعدل‪ ،‬وحفظ العهود‪ ،‬وأداء‬
‫المانات‪ ،‬والحسان إلى اليتيم والمسكين‪ ،‬وحسن الجوار‪ ،‬وإكرام الضيف‪،‬‬
‫والتحلي بمكارم الخلق‪ ،‬يدعو إلى تحصيل التمتع بلذائذ الحياة في قصد‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واعتدال‪ ،‬يدعو إلى البر والتقوى‪ ،‬وينهى عن الفحشاء والمنكر‪ ،‬والثم‬


‫والعدوان‪ ،‬ل يأمر إل بما يعود على العالم بالسعادة والفلح‪ ،‬ول ينهى إل عما‬
‫يجلب الشقاء والمضرة للعباد‪ .‬وتأمل محاسن شرائع السلم الكبار‪ ،‬التي هي‬
‫إقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت‪ ،‬فعندما تأمل الصلة‬
‫التي هي صلة بين العبد وربه‪ ،‬تجد فيها الخلص لله‪ ،‬والقبال عليه‪ ،‬والدب‬
‫والحترام‪ ،‬والثناء والدعاء‪ ،‬والخضوع له‪ ،‬ومظهر الجلل من العبد لربه‪ ،‬يؤدي‬
‫واجب الكبار والتعظيم والتقديس لسيده وموله‪ ،‬شأن العبد بين يدي سيده‪،‬‬
‫يقف المرء بين يدي ربه‪ ،‬فيبتدئ بالعتراف لله بأنه أكبر من كل شيء‪ ،‬وأنه‬
‫مستحق لن يعظم ويجل ويقدر )الله أكبر( ثم يأخذ في الثناء على الله بما‬
‫هو أهله‪ ،‬ويخصه بالعبادة‪ ،‬وطلب المعونة ضارعا ً إليه بأن يهديه الصراط‬
‫المستقيم‪ ،‬صراط الذين أنعم عليهم بالتوفيق والهداية‪ ،‬وأن يجنبه طريق‬
‫المغضوب عليهم‪ ،‬لنحرافهم عن سواء السبيل‪ ،‬بعد أن عرفوه‪ ،‬وأن يبعده‬
‫عن طريق الضالين‪ ،‬المنحرفين الذين عبدوا أهواءهم وشياطينهم‪ .‬وعندئذ‬
‫تمتلئ النفس من عظمة الله وهيبته وجلله‪ ،‬فيخر المرء ساجدا ً لله على‬
‫أشرف أعضائه‪ ،‬مظهرا ً للذلة والمسكنة إلى من بيده مقاليد السماوات‬
‫والرض‪ ،‬فمزايا الصلة من ناحية الدين‪ ،‬خضوع لرب العالمين‪ ،‬وخشوع‬
‫واعتراف بعظمة القاهر القادر‪ ،‬ومتى استشعر القلب ذلك‪ ،‬وامتلت النفس‬
‫من هيبة الله‪ ،‬كف عن المحرمات‪ ،‬ول عجب من ذلك‪ ،‬فإن الله يقول عن‬
‫الصلة )إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ( وهي أكبر‬
‫عون للعبد على مصالح دينه ودنياه‪ ،‬قال الله تعالى‪) :‬واستعينوا بالصبر‬
‫والصلة(‪ .‬أما عونها على مصالح دينه‪ ،‬فلن العبد إذا داوم على الصلة‪،‬‬
‫وحافظ عليها‪ ،‬قويت رغبته في الخير‪ ،‬وسهلت عليه الطاعات‪ ،‬وبذل‬
‫الحسان‪ ،‬بطمأنينة نفس واحتساب‪ ،‬ورجاء للثواب‪ ،‬وأما عونها على مصالح‬
‫الدنيا‪ ،‬فإنها تهون المشاق‪ ،‬وتسلي عن المصائب‪ ،‬والله سبحانه ل يضيع أجر‬
‫ل‪ ،‬فيجازيه بتيسير أموره‪ ،‬ويبارك في ماله وأعماله‪ .‬وفي‬ ‫من أحسن عم ً‬
‫تأديتها جماعة يحصل التعارف والتواصل‪ ،‬والتواد والتعاطف والتراحم‪ ،‬ويسود‬
‫الوقار والمحبة بين الصغير والكبير‪ ،‬ويحصل بذلك تعليم فعلي لصفة الصلة‪.‬‬
‫وانظر إلى ما أوجبه الله من الزكاة‪ ،‬ترى محاسن جمة‪ ،‬منها إصلح حال‬
‫الفقراء‪ ،‬وسد حاجة المسكين‪ ،‬وقضاء دين المدين‪ ،‬ومنها التخلق بأخلق‬
‫الكرام‪ ،‬من السخاء والجود‪ ،‬والبعد عن أخلق اللئام‪ ،‬ومنها أن تطهر القلب‬
‫من حب الدنيا ببذل اليسير‪ ،‬ومنها حفظ المال من المكدرات والمنغصات‬
‫الحسية والمعنوية‪ ،‬ومنها الستعانة بها على الجهاد في سبيل الله‪ ،‬والمصالح‬
‫الكلية‪ ،‬التي ل يستغني عنها المسلمون ن ومنها دفع صولة الفقراء‪ ،‬ومنها‬
‫أنها دواء للمجتمع‪ ،‬وطب للنفوس‪ ،‬بها يطهر المرء من رذيلة الشح‪ ،‬قال‬
‫تعالى )ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون( ومنها أنها لو أخرجها‬
‫الغنياء لنقطع دابر الشتراكية المتطرفة‪ ،‬والشيوعية المسرفة‪ ،‬ومنها أنها لو‬
‫أديت تماما ً لحصل بذلك راحة الحكام‪ ،‬وصرف مجهوداتهم إلى ما يعود على‬
‫المم بالفلح ورغد العيش‪ .‬قصيدة تتضمن التضرع لله جل وعل أرزاق من هو‬
‫صامت أو سائل رزق الجميع سحاب جودك هاطل العظيم عظيم فضلك وابل‬
‫الجميل عميم طولك طائل ميعاد صدق قد حكاه الفاصل وعد الوفي قضاء‬
‫حكمك عادل يأتي المشبه ظالما ً ويشاكل يحصي الثناء عليك فيها قائل ما لم‬
‫يكن شركا ً ففضلك حاصل ولتوبة العاصي بحلمك قابل ويزيدهم من فضله‬
‫ويواصل ونواله أبدا ً إليهم واصل نعما ً وعن شكر لها أنت غافل ما ل تكون‬
‫لبعضه تستاهل تنسى وتغفل هل تعي يا غافل بقبائح العصيان منك تقابل‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طرق السلمة بل قلك النازل سبل الخلص وخاب فيها المل طرق وقد‬
‫عظم البل المتنازل سبب ول يدنو لها متناول فيه نجاتك ليس يشغل شاغل‬
‫لم تحتسبه وأنت عنه غافل أحد سواك فإن ذلك باقل أبواب غيرك فهو غر‬
‫جاهل من غيركم فضل ً فذاك المائل أحد سواك فذاك ظل زائل بجللكم ذا‬
‫الرأي رأي باسل بسوى جنابك فهو رأي مائل عمل يرد على الذي هو عامل‬
‫عمل وإن زعم المرائي باطل حسبي رضاك فكل شيء‬

‫)‪(2 /‬‬

‫زائل وإذا حصلت فكل شيء حاصل معبوده يا بئس ما أنت فاعل موله أوزار‬
‫الكبائر حامل وجهي المعاصي ثم ذا أنا سائل صفح العيوب وستر عفوك‬
‫شامل إذ لم يكن عمل لدي يقابل ووسائلي ندم ودمع سائل بة مقلع فيها‬
‫الشروط كوامل فيقا ً لما ترضى ففضلك كامل يا من له اسما ً حسان فواضل‬
‫والظن كل الظن أنك فاعل يا فاطر الخلق البديع وكافل ً أوسعتهم جودا ً فيا‬
‫من عنده يا مسبغ البر الجزيل ومسبل العفو يا صاحب الحسان يا مرخ لنا‬
‫الستر يا عالم السر الخفي ومنجز الـ يا من على العرش استوى يا صادق الـ‬
‫عظمت صفاتك يا عظيم فجل أن جلت فضائلك العظام فلم نجد الذنب أنت‬
‫م ثم تصفح عنهم رب يربي العالمين ببره يعطيهموا‬ ‫له بمنك غافر يعصيك ج ٌ‬
‫ما أملوه من جوده تعصيه وهو يسوق نحوك دائما ً ستر الذنوب وزاد في بذل‬
‫العطا متفضل أبدا ً وأنت لجوده يدنو وتبعد ثم أنت لفضله وإذا دجى ليل‬
‫الخطوب وأظلمت وعلمت أن ل منجي ثم تلحمت وأيست من وجه النجاة‬
‫فمالها وقنطت من ضعف اليقين ولم يكن يأتيك من ألطافه الفرج الذي في‬
‫لحظة يأتيك لطف فارج يا موجد الشياء من ألقى إلى يا طيب السماء من‬
‫يقصد إلى ومن استراح بغير ذكرك أو رجا ومن استظل بغير ظلك راجيا ً ومن‬
‫استعاذ إذا عرته ملمة والرأي في عكس الذي حبرته عمل أريد به سواك فإنه‬
‫لو صلى ذاك وصام حج فإن ذا وإذا رضيت فكل شيء هين أنت المنى‬
‫ورضاك سؤلي في الدجى أنا عبد سوء آبق كل على ولقد أتى العبد المسيء‬
‫ميمما ً قد أثقلت ظهري الذنوب وسودت ما لي سواك ولست أرجو غافرا ً ها‬
‫قد أتيت وحسن ظني شافعي ولبست ثوب الخوف منك مع الرجى فاغفر‬
‫لعبدك ما مضى وارزقه تو وارزقه علما ً نافعا ً وارزقه تو وافعل به ما أنت أهل‬
‫جميله فإذا فعلت فحسن ظني صائب اللهم اجعلنا لك شاكرين‪ ،‬واجعلنا لك‬
‫من الذاكرين‪ ،‬واجعلنا من عبادك الصابرين المحسنين المتقين‪ ،‬الذين أهلتهم‬
‫لخدمتك‪ ،‬ووفقتهم لمحبتك وطاعتك‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا‪ ،‬ولجميع المسلمين‪،‬‬
‫برحمتك يا أرحم الراحمين‪ ،‬وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ .‬فصل وتأمل الصيام وما فيه من المحاسن التي منها أنه يبعث في‬
‫النسان فضيلة الرحمة بالفقراء‪ ،‬والعطف على البائسين‪ ،‬فغن النسان إذا‬
‫جاع تذكر الفقير الجائع‪ ،‬ومنها أنه بامتناعه عن الكل يعرف فضل نعمة الله‬
‫عليه فيشكرها‪ ،‬ومنها أن الصيام يقوي النفس على الصبر والحلم‪ ،‬وهما‬
‫تجنب كل ما من شأنه إثارة الغضب‪ ،‬لن الصوم نصف الصبر‪ ،‬والصبر نصف‬
‫اليمان‪ ،‬ومنها أنه ينقي الجسم من الخلط الرديئة‪ ،‬ومنها أنه مهذب‬
‫للنفوس‪ ،‬ومصفي للرواح‪ ،‬ومطهر للجسام‪ ،‬فله الثر العجيب في حفظ‬
‫القوى الباطنة‪ ،‬وحمايتها مما يضرها‪ ،‬ثم هو عبادة وامتثال لمر الله سبحانه‬
‫ن والمشقة الحاصلة من الصوم ليست بشيء في جانب رضى الله‪ ،‬طمعا ً‬
‫في الثواب والزلفى والجر العظيم‪ ،‬إلى غير ذلك من المحاسن‪ .‬وتأمل ما‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في حج بيت الله من المحاسن‪ ،‬التي منها أنه مجمع لسراة المسلمين‪،‬‬
‫يجتمعون فيه من مشارق الرض ومغاربها في صعيد واحد‪ ،‬يعبدون إلها ً‬
‫واحدًا‪ ،‬قلوبهم متحدة‪ ،‬وأرواحهم مؤتلفة في الحج‪ ،‬يتذكر المسلمون الرابطة‬
‫الدينية‪ ،‬وقوة الوحدة السلمية‪ ،‬وفي الحج تذكر لحال النبياء والمرسلين‬
‫ومقامات الصفياء المخلصين‪ ،‬كما قال تعالى‪) :‬واتخذوا من مقام إبراهيم‬
‫مصلى( وتذكير بحال سيد المرسلين وإمامهم‪ ،‬ومقاماته في الحج التي هي‬
‫أجل المقامات‪ ،‬وهذا التذكير أعلى أنواع التذكيرات‪ ،‬فإنه تذكير بأحوال‬
‫عظماء الرسل‪ ،‬إبراهيم ومحمد صلى الله عليهم وسلم‪ ،‬ومآثرهم الجليلة‪،‬‬
‫وتعبداتهم الجميلة‪ ،‬والمتذكر بذلك مؤمن بالرسل‪ ،‬معظم لهم‪ ،‬متأثرا ً‬
‫بمقاماتهم السامية مقتد بهم‪ ،‬وبآثارهم الحميدة‪ ،‬ذاكرا ً لمناقبهم وفضائلهم‪،‬‬
‫فيزداد به العبد إيمانا ً ويقينًا‪ .‬ومن محاسن الحج تصفية النفس‪ ،‬وتعويدها‬
‫البذل والنفاق‪ ،‬وتحمل المشاق ن وترك الزينة والخيلء‪ ،‬ومنها شعور المرء‬
‫بمساواته لغيره‪ ،‬فل ملك ول مملوك‪ ،‬ول غني ول فقير‪ ،‬بل الكل هناك سواء‪،‬‬
‫ومن محاسن الحج التنقل في البلد لمعرفة أحوالها‪ ،‬وعادات سكانها‪ ،‬وزيارة‬
‫مهبط الوحي والرسل الكرام‪ ،‬ومن محاسن الحج تذكر المجمع العظيم في‬
‫صعيد واحد‪ ،‬يسمعهم الداعي‪ ،‬وينفذهم البصر‪ ،‬وذلك في المحشر ) يوم يقوم‬
‫ل‪ ،‬ومن محاسنه توطين النفس على‬ ‫الناس لرب العالمين ( حفاة عراة غر ً‬
‫فراق الهل والولد‪ ،‬إذ لبد من مفارقتهم‪ ،‬فلو فارقهم فجأة حصل صدمة‬
‫عظيمة عند الفراق‪ ،‬ومن محاسن الحج انه متى قصده يتزود لسفره بكل ما‬
‫يحتاج إليه‪ ،‬مدة ذهابه وإيابه‪ ،‬فيتزود للعقبى‪ ،‬وهي السفرة الطويلة‪ ،‬التي ل‬
‫رجوع بعدها‪ ،‬حتى يبعث الله الولين والخرين‪ .‬وفي سفر الحج قد يجد ما‬
‫يحتاج إليه في غير بلده‪ ،‬ول يجد في العقبى ما يحتاج إليه للدار الخرة‪ ،‬إل إذا‬
‫تزوده في الدنيا )وتزودوا فإن خير الزاد التقوى(‪ .‬ومن محاسنه أن النسان‬
‫يعتاد التوكل على الله‪ ،‬لنه ل يمكنه أن يحمل كل ما يحتاج إليه في سفره‬
‫للحج‪ ،‬فلبد من التوكل على الله تعالى فيما حمله‪ ،‬وفيما لم يحمله مع نفسه‪،‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فيعتاد توكله إلى كل ما يحتاج إليه‪ ،‬ومن محاسنه أنه إذا أحرم نزع المخيط‬
‫الذي هو لباس الحياء‪ ،‬ويلبس غيره مما هو أشبه بلباس الموات‪ ،‬فيجد‬
‫ويجتهد في الستعداد لما أمامه إلى غير ذلك من المحاسن التي يصعب‬
‫حصرها‪ .‬ثم تأمل محاسن الجهاد في سبيل الله‪ ،‬إذ فيه قمع أعداء الله‪ ،‬ونصر‬
‫أوليائه‪ ،‬وإعلء كلمة السلم‪ ،‬وحمل الكافر على ترك الكفر الذي هو أقبح‬
‫الشياء‪ ،‬والقبال على ما هو أحسن الشياء‪ ،‬وفيه إخراج البشر عن درجة‬
‫النعام‪ ،‬قال تعالى في حق الكفرة‪) :‬إن هم إل كالنعام بل هم أضل( ومن‬
‫محاسنه اكتساب حياة البد‪ ،‬فإنه إن قتل فقد أعلى دين الله‪ ،‬وإن ُقتل فقد‬
‫أحيا نفسه‪ ،‬قال تعالى‪) :‬ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء‬
‫عند ربهم يرزقون(‪ .‬ومنها ما يحصل للمجاهد في سبيل الله من الثواب‬
‫الجزيل‪ ،‬ومنها تكثير المسلمين‪ ،‬وتقليل الكفرة‪ ،‬ومنها ‪ -‬وهو أعلها ‪ -‬امتثال‬
‫أمر الله حيث يقول‪) :‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة( وقوله‪) :‬يا أيها الذين‬
‫ءامنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار(‪ .‬ومن محاسن الجهاد انهم في النتصار‬
‫يغنمون ويشكرون ويقتوون‪ ،‬وإن أديل عليهم الكفار عرفوا أن ذلك بسبب‬
‫معصيتهم وذنوبهم‪ ،‬وفشلهم وتنازعهم‪ ،‬فيلجأوا إلى الله متضرعين تائبين‪،‬‬
‫ومن محاسنه أن ترك الجهاد سبب للذل‪ ،‬لما ورد عن ابن عمر قال‪ :‬قال‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬إذا تبايعتم بالعينة‪ ،‬وأخذتم بأذناب البقر‪،‬‬
‫ورضيتم بالزرع‪ ،‬وتركتم الجهاد‪ ،‬سلط الله عليكم ذل ً ل ينزعه حتى ترجعوا‬
‫إلى دينكم " رواه أبو داود‪ .‬ومن محاسن الجهاد السلمة من النفاق‪ ،‬لحديث‬
‫" من مات ولم يغز‪ ،‬ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من النفاق " رواه‬
‫أبو داود والنسائي‪ ،‬وفي الحديث الخر " من لقي الله بغير أثر من جهاد‪ ،‬لقي‬
‫الله وفيه ثلمة "‪ ،‬وفي الحديث الخر‪ " :‬ما ترك قوم الجهاد إل عمهم الله‬
‫بالعذاب "‪ .‬ومن محاسنه استخراج عبودية أولياء الله‪ ،‬في السراء والضراء‪،‬‬
‫وفيما يحبون ويكرهون‪ ،‬إلى غير ذلك من الدلة الدالة على محاسن الجهاد‬
‫في سبيل الله‪ ،‬لعلء كلمة الله‪ .‬ثم تأمل ما جاءت به الشريعة من‬
‫المعاملت‪ ،‬فمن محاسن البيع والشراء‪ ،‬وصول النسان إلى ما يحتاج إليه‬
‫من مأكل ومشرب وملبس ومسكن‪ ،‬ومن محاسنه قطع مسافة الطلب ن‬
‫فإن من طلب الشيء من معدنه يحتاج إلى السفار‪ ،‬وركوب المركوب‪،‬‬
‫وتحمل الخطاء‪ ،‬ومتى وجده بالبيع سلم من الخطار‪ ،‬وسقط عنه مؤنة‬
‫السفار‪ ،‬فانظر إلى العود والمسك‪ ،‬والسيارات والمكائن والقمشة‪ ،‬والهيل‬
‫والسكر ونحو ذلك ن معادنها بعيدة‪ ،‬فمن لطف الله بعباده أن سخر بعض‬
‫الناس لبعض‪ ،‬وجاءت الشريعة الكاملة بحل أنواع المعاملت‪ ،‬كالجارات‬
‫والشركات‪ ،‬إل ما دل الدليل على تحريمه‪ ،‬مما فيه ضرر أو ظلم أو جهالة أو‬
‫نحو ذلك‪ ،‬فمن تأمل المعاملت الشرعية‪ ،‬رأى ارتباطها بصلح الدين والدنيا‪،‬‬
‫وشهد لله بسعة رحمته‪ ،‬ولطفه بعباده‪ ،‬وحكمته حيث أباح لعباده جميع‬
‫الطيبات‪ ،‬ولم يمنع من ذلك إل كل خبيث‪ ،‬ضار على الدين أو العقل أو البدن‬
‫أو المال‪ .‬فمن محاسن الجارة دفع حاجات العباد‪ ،‬بقليل من البدال‪ ،‬ويسير‬
‫من الموال‪ ،‬فل كل أحد يملك دارا ً يسكنها‪ ،‬ول سيارة يركبها‪ ،‬ول طائرة‬
‫يركبها‪ ،‬ول طاحونة يطحن فيها‪ ،‬ول مخزنا ً لمواله‪ ،‬ونحو ذلك مما يطول‬
‫ت الجارة‪ ،‬ول حاجة إلى ذكر محاسن الصلح‪ ،‬فهو كما ذكره‬ ‫وز ْ‬ ‫تعداده‪ ،‬فَ ُ‬
‫ج ّ‬
‫الله خير‪ ،‬قال تعالى‪) :‬والصلح خير(‪ .‬وأما الوكالة والكفالة‪ ،‬ففيهما من‬
‫الحسان ما ل يخفى على أحد ممن اعتقد الشرع‪ ،‬ومن لم يعتقد‪ ،‬وعقل‬
‫الشرائع‪ ،‬أو لم يعقل‪ ،‬احتاج إلى الوكالة والكفالة‪ ،‬فإن الله تعالى خلق‬
‫الخلئق‪ ،‬وجعلهم مختلفين في القصد والهمم‪ ،‬فليس كل أحد يرغب أن يباشر‬
‫العمال بنفسه‪ ،‬ول كل يهتدي إلى المعاملت‪ ،‬فمن لطف الله بخلقه إباحتها‪،‬‬
‫فل يليق بأصحاب المروات‪ ،‬وأولياء المور‪ ،‬مباشرة البياعات كلها بأنفسهم‪،‬‬
‫فالنبي صلى الله عليه وسلم باشر بعض المور بنفسه‪ ،‬تعليما ً لسنة التواضع‪،‬‬
‫وبيانا ً لجوازه‪ ،‬وأضاف بعض المور إلى غيره‪ ،‬وباشر ذبح الضحية بنفسه‪،‬‬
‫وفوض إلى علي رضي الله عنه ذبح قسم من هديه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وأما الحسن في الكفالة‪ ،‬فإن فيها إظهار الشفقة والرحمة ومراعاة الخوة‪،‬‬
‫يبذل الذمة ليضمها إلى الذمة‪ ،‬فينفسح وجه المطالبة‪ ،‬ويسكن قلب‬
‫المطالب بسبب السعة‪ ،‬قال الله تعالى‪) :‬وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم‬
‫أيهم يكفل مريم( إلى أن جعل كافلها زكريا‪ ،‬كما قال تعالى‪) :‬وكفلها زكريا(‬
‫وإذا علمت محاسن الوكالة والكفالة‪ ،‬فالحوالة واضحة محاسنها‪ ،‬ففي‬
‫الحوالة كفالة ووكالة‪ ،‬وزيادة فراغ ذمة الصيل‪ ،‬عن الحزن الطويل‪ ،‬فإذا‬
‫قبلت حوالته أدخلت على قلب أخيك ‪ -‬بفراغ ذمته ‪ -‬سرورًا‪ ،‬ول يخفى ما في‬
‫إدخال السرور على المسلم من الجر‪ .‬ومن محاسن الشفعة أن الجار ربما‬
‫يكون في حاجة إلى هذه الحصة المبيعة‪ ،‬كأن يكون بيته ضيقًا‪ ،‬ويريد اتساعه‪،‬‬
‫أو تكون الرض المشتركة بجوار مزارعه‪ ،‬ويحتاج إليها‪ ،‬ومن محاسنها التنبيه‬
‫على عظم حق‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الجار والشريك‪ ،‬حيث أن له الحق في التقدم على غيره في الشراء‪ ،‬إل إذا‬
‫أسقط حقه بامتناعه عن الشراء‪ ،‬ومنها دفع ضرر الجار‪ ،‬وهو مادة الضرر‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ل ضرر ول ضرار " ولشك عند أحد في حسن‬
‫دفع ضرر التأذي بسبب المجاورة على الدوام‪ ،‬من إيقاد نيران‪ ،‬وإعلء جدار‪،‬‬
‫وإثارة غبار ودخان‪ ،‬وأعظم من ذلك سماع التلفزيون والمذياع‪ ،‬وإحداث‬
‫أشياء تضر بملكه‪ ،‬ونحو ذلك من أنواع الضرر‪ .‬وأما الوديعة فمحاسنها‬
‫ظاهرة‪ ،‬إذ فيها إعانة عباد الله في حفظ أموالهم‪ ،‬ووفاء المانة‪ ،‬وهو من‬
‫أشرف الخصال عقل ً وشرعًا‪ ،‬ومن محاسنها أنها إحسان إلى عباد الله‪ ،‬والله‬
‫يحب المحسنين‪ ،‬ومنها أنها سبب للتآلف والتآخي بين المسلمين وسبب‬
‫لمحبة بعضهم لبعض‪ .‬ومن محاسن السلم النهي عن سوء معاملة الزوج‬
‫لزوجته‪ ،‬وأن عليه أن يقارن بين المحاسن والمساوئ‪ ،‬فإذا كان منصفا ً غض‬
‫بصره عن المساوئ‪ ،‬إذا كانت محاسنها تغمرها‪ ،‬لضمحللها فيها‪ ،‬وعن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ل يفرك‬
‫مؤمن مؤمنة‪ ،‬إن كره منها خلقا ً رضي منها آخر " رواه مسلم‪ .‬وأما الفرائض‬
‫وتوزيع المال على الورثة‪ ،‬فقد وضعه الله بنفسه‪ ،‬بحسب ما يعلمه من قرب‬
‫وبعد ونفع‪ ،‬وما هو أولى ببر العبد‪ ،‬ورتبه ترتيبا ً تشهد له العقول الصحيحة‬
‫بالحسن وأنه لو وكل المر إلى آراء الناس وأهوائهم وإرادتهم‪ ،‬لحصل بسبب‬
‫ذلك من الخلل والختلل‪ ،‬وزوال النتظام‪ ،‬وسوء الختيار فوضى‪ ،‬ومن جملة‬
‫المحاسن أن ألحق السبب بالنسب‪ ،‬فالسبب المناكحة والولء‪ ،‬ولما جعل الله‬
‫سبحانه عقد النكاح ذريعة المحبة واللفة‪ ،‬والزدواج‪ ،‬والستئناس بين الناس‪،‬‬
‫فل يحسن أن يلحقها عند موت أحدهما مضاضة ألم الفراق‪ ،‬من غير أن‬
‫يرتفق أحدهما بما فضل عنه نوع ارتفاق‪ ،‬ثم جعل للزوج ضعف ما للمرأة من‬
‫الزوج‪ .‬ومن جملة المحاسن انه لم يورث عند اختلف الدين‪ ،‬إذا مات‬
‫المسلم فالكافر ل يورث منه‪ ،‬لن الكافر وإن كان قريبا ً نسبًا‪ ،‬فهو بعيد دينًا‪،‬‬
‫لن الكافر ميت ل يرث الميت‪ ،‬قال الله تعالى‪) :‬أو من كان ميتا ً فأحييناه‬
‫وجعلنا له نورا ً يمشي به في الناس( الية‪ ،‬وقال تعالى‪) :‬يخرج الحي من‬
‫الميت ويخرج الميت من الحي(‪ ،‬وأما الكافر فيرث الكافر‪ ،‬لستواء حاليهما‬
‫وماليهما‪ .‬وأما الهبة فمستحبة‪ ،‬إذا أريد بها وجه الله‪ ،‬والصل فيها قبل‬
‫الجماع‪ ،‬قوله تعالى )فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ً فكلوه هنيئا ً مريئا(ً‬
‫وقوله‪) :‬وءاتى المال على حبه( والله سبحانه كريم جواد وهاب‪ ،‬ومن‬
‫محاسنها أنها سبب للتحاب والتواد‪ ،‬كما في الحديث‪ " :‬تهادوا تحابوا "‪ ،‬ومن‬
‫محاسنها أنها تسل السخيمة‪ ،‬وفي الحديث‪ " :‬تهادوا‪ ،‬فإن الهدية تسل‬
‫حلة وأواقي من‬ ‫السخيمة "‪ ،‬وقد أهدى صلى الله عليه وسلم للنجاشي ُ‬
‫مسك‪ ،‬وكان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها‪ ،‬ومن محاسنها‬
‫أنها تقوي الصلة‪ ،‬ومتى قويت الصلة سارت المة بقدم ثابت‪ ،‬فحسن الصلة‬
‫بين أفراد المة سر نجاحها‪ ،‬ومن محاسنها وفرة الثقة بين المتهادين‪ ،‬إلى غير‬
‫ذلك من المحاسن ز وأما النكاح فمستحب‪ ،‬ومحاسنه كثيرة‪ ،‬منها تحصين‬
‫الفرج‪ ،‬ومنها تحصين الزوجة‪ ،‬ومنها حفظها والقيام بها‪ ،‬ومن محاسنه انه‬
‫طريقة الرسل‪ ،‬ومن محاسنه تكثير المة‪ ،‬وتكثير النسل‪ ،‬ومنها تحقيق مباهاة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومنها قضاء حوائجه من طبخ ونحوه‪ ،‬ومنها حفظ‬
‫بيته وأولده‪ ،‬ومنها سكونه وطمأنينته إليها‪ ،‬واستئناسه بها‪ ،‬ومعاشرتها‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من المصالح التي ل يتسع هذا المقام لعدها‪ .‬وأما الطلق فمن محاسنه‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن جعل الله عز وجل ملك الطلق إلى الزوج‪ ،‬ومن محاسنه أن حكم‬
‫بالحرمة الغليظة بعد الطلقات الثلث‪ ،‬لن الظاهر‪ ،‬أن من طلق ثلثًا‪ ،‬رأى‬
‫حل المطلقة ثلثا ً بالتزويج بزوج آخر‪،‬‬
‫الصلح في الفراق‪ ،‬وعلق الشرع ِ‬
‫والدخول بها‪ ،‬ليصير هذا الشرط مانعا ً له من العود إليها‪ ،‬ويثبت على رأي من‬
‫الصلح في مفارقتها‪ ،‬ومن المحاسن أنه لم يحكم بحرمتها على وجه ل رجوع‬
‫ل‪ ،‬فإنه ربما ل يصبر عنها فيهلك في ذلك‪ ،‬فالشرع جعل للوصول إليها‬ ‫فيه أص ً‬
‫ل‪ ،‬لكن بعد ما يذوق الخر عسيلتها‪ ،‬وتذوق عسيلته‪ ،‬ول يجوز عن طريق‬ ‫سبي ً‬
‫التحليل‪ ،‬لحديث‪ " :‬لعن الله المحلل‪ ،‬والمحلل له "‪ .‬ومن محاسن الطلق أن‬
‫يكون في طهر لم يجامعها فيه‪ ،‬هذا هو السنة‪ ،‬فإنه إذا قضى وطره منها‪،‬‬
‫انتقص ميله إليها طبعًا‪ ،‬فيبادر إلى مفارقتها بقليل داعية‪ ،‬ويسير أذية‪ ،‬فإن‬
‫المرء إذا شبع من شيء سقط من عينه‪ ،‬وهان عليه‪ ،‬وإذا جاع قوي ذلك في‬
‫قلبه فل يحصل الطلق عن روية‪ ،‬وربما يندم على ذلك‪ ،‬فيحتاج إلى نقض‬
‫الطلق‪ ،‬فكان الطلق الحسن المسنون‪ ،‬أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه‪،‬‬
‫فإن هذه الحال حالة كمال الرغبة‪ ،‬وتمام الميل‪ ،‬فالظاهر انه ل يقدم على‬
‫الطلق في هذه الحالة‪ ،‬إل لحاجة داعية‪ ،‬فرخص له في الطلق‪ .‬ومن‬
‫محاسنه أن جعل هزله جدًا‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬ثلث جدهن جد‪،‬‬
‫وهزلهن جد‪ ،‬الطلق والعتاق والنكاح" فإذا عرف النسان أنه بمجرد تلفظه‬
‫به‪ ،‬ولو‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ل‪ .‬ومن محاسن القصاص‪ ،‬وفرض‬ ‫مازحا ً يقع‪ ،‬امتنع بإذن الله إذا كان عاق ً‬
‫العقوبات‪ ،‬زجر النفوس الباغية‪ ،‬وردع القلوب القاسية‪ ،‬الخالية من الرحمة‬
‫والشفقة‪ ،‬ومن محاسنه تأديب الجماعات الطاغية‪ ،‬فحكم بقتل القاتل‪ ،‬وأمر‬
‫بقطع يد السارق‪ ،‬ليحقن الدماء‪ ،‬قال تعالى‪) :‬ولكم في القصاص حياة( الية‪،‬‬
‫والقطع لحفظ الموال‪ ،‬فيعيش الناس آمنين مطمئنين‪ ،‬قال تعالى )والسارق‬
‫والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال ً من الله والله عزيز حكيم(‬
‫وحرم الزنا ومقدماته كالنظر إلى الجنبية‪ ،‬والخلوة بها‪ ،‬والقبلة واللمس‪،‬‬
‫وأمر برجم الزاني‪ ،‬وقتل اللوطي على رؤوس الشهاد‪ ،‬وحكم بجلد الزاني‬
‫البكر‪ ،‬مائة جلدة والتغريب‪ ،‬كل ذلك محافظة على النساب والعراض‪،‬‬
‫وحماية للخلق‪ ،‬وصيانة للمة من الفناء والفساد‪ ،‬وحرم الخمر‪ ،‬وعدها أم‬
‫الخبائث‪ ،‬وحكم على متعاطيها بالجلد‪ ،‬لرتكابه النقائص والخسائس‪ ،‬كل ذلك‬
‫ليبقى العقل سليمًا‪ ،‬ويظل المال مصونًا‪ ،‬ويدوم الشرف والخلق طاهرا ً نقيًا‪.‬‬
‫شعرًا‪ :‬بصائر أقوام عن المجد نوم على وجه عصر بالجهالة مظلم وقوض‬
‫أطناب الضلل المخيم لهليه مجدا ً ليس بالمتهدم فطارت بأفكار على المجد‬
‫حوم نهوضا ً إلى العلياء من كل مجثم بأسرع من رفع اليدين إلى الفم لقد‬
‫أيقظ السلم للمجد والعلى فأشرق نور العلم من حجراته ودك حصون‬
‫الجاهلية بالهدى وأنشط بالعلم العزائم وابتنى وأطلق أذهان الورى من‬
‫قيودها وفك أسار القوم حتى تحفزوا وعما قليل طبق الرض حكمهم اللهم‬
‫رب قلوبنا على محبتك وطاعتك‪ ،‬وثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا‬
‫وفي الخرة‪ ،‬وألهمنا ذكرك وشكرك‪ ،‬وآتنا في الدنيا حسنة وفي الخرة‬
‫حسنة‪ ،‬وقنا عذاب النار‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا‬
‫أرحم الراحمين‪ ،‬وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬فصل‬
‫ومن محاسن السلم الحث على المشورة والخذ بها‪ ،‬متى كانت صائبة‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫متفقة مع العقل والمنطق والتجربة‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وأمرهم شورى بينهم(‪.‬‬


‫ومن محاسنه أن أفضل الناس عند الله أكثرهم صلحا ً وتقوى‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫)إن أكرمكم عند الله أتقاكم(‪ .‬ومن محاسنه الحث على العتق‪ ،‬وتحرير‬
‫الرقاء‪ ،‬والحسان إلى المملوك‪ .‬ومن محاسنه الحث على الحسان إلى‬
‫الجار والضيف والمسكين واليتيم‪ .‬ومن محاسن السلم أنه يدعو إلى تبادل‬
‫اللفة والمحبة والتصافي والتعاون‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬المؤمن‬
‫للمؤمن كالبنيان‪ ،‬يشد بعضه بعضا ً "‪ .‬ومن محاسنه أنه يذم النزاع والكراهية‬
‫والتفرقة‪ ،‬قال تعالى‪) :‬واعتصموا بحبل الله جميعا ً ول تفرقوا( وقال الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ " :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان‪ ،‬يشد بعضه بعضا ً "‪ .‬ومن‬
‫محاسنه النهي عن النميمة والغيبة‪ ،‬والحسد والتجسس‪ ،‬والكذب والخيانة‪،‬‬
‫واليات والحاديث الدالة على ذلك كثيرة جدًا‪ ،‬فتذكر لها تجدها‪ .‬ومن محاسنه‬
‫النهي عن الظلم‪ ،‬والمر بالعدل‪ ،‬مع القريب والبعيد‪ ،‬قال تعالى )يأيها الذين‬
‫ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ول يجرمنكم شنآن قوم على أل‬
‫تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى( وقال‪) :‬إن الله يأمر بالعدل والحسان(‪ .‬ومن‬
‫محاسن السلم الحث على العفو عن المعتدي‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وليعفوا‬
‫وليصفحوا( وقال‪) :‬ادفع بالتي هي أحسن( وقال )وإن تعفوا أقرب للتقوى(‪.‬‬
‫ومن محاسنه الدعوة إلى الصلح بين الخوين‪ ،‬والنهي عن الهجران‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ ) :‬إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ( وقال‪) :‬والصلح خير(‪.‬‬
‫ومن محاسنه النهي عن التقاطع والتدابر‪ ،‬والتباغض والتحاسد‪ ،‬قال صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ " :‬ل تقاطعوا ول تدابروا ول تباغضوا ول تحاسدوا " الحديث‪ .‬ومن‬
‫محاسنه النهي عن الستهزاء بالناس‪ ،‬وذكر عيوبهم‪ ،‬قال تعالى‪ ) :‬يا أيها‬
‫الذين ءامنوا ل يسخر قوم من قوم ( الية‪ .‬ومن محاسنه النهي عن بيع‬
‫النسان على بيع أخيه‪ ،‬والخطبة على خطبته‪ ،‬إل أن يأذن أو ُيرد‪ ،‬لما ينشأ‬
‫عن ذلك من العداوة والتقاطع‪ .‬ومن محاسنه مشروعية السلم على‬
‫المسلم‪ ،‬عرفه أو لم يعرفه‪ ،‬ومن محاسنه المر برد التحية بأحسن منها أو‬
‫ردها قال تعالى‪) :‬وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها( الية‪ .‬ومن‬
‫محاسنه المر بالتثبت فيما نسمعه‪ ،‬قال تعالى‪) :‬يا أيها الذين ءامنوا إن‬
‫جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما ً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم في‬
‫أنفسكم نادمين( وقال‪) :‬ول تقف ما ليس لك به علم( الية‪ .‬ومن محاسنه‬
‫النهي عن البول في الماء الراكد‪ ،‬وفي ذلك العناية بالناحية الصحية‪ ،‬والوقاية‬
‫من النجاسة والمراض بإذن الله‪ .‬ومن محاسنه النهي عن إيذاء المؤمنين‬
‫والضرار بهم‪ ،‬قال تعالى‪) :‬والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما‬
‫اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا ً وإثما ً مبينًا( وقال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬من أكل‬
‫الثوم والبصل والكراث‪ ،‬فل يقربن مسجدنا‪ ،‬فإن الملئكة تتأذى مما يتأذى‬
‫منه بنو آدم "‪ .‬ومن محاسنه النهي عن الكل بالشمال‪ ،‬والشرب بها‪ ،‬لنها‬
‫لزالة ما يستقذر‪ ،‬ولن الشيطان يأكل بشماله‪ ،‬كما في الحديث‪ .‬ومن‬
‫محاسنه المر‬

‫)‪(6 /‬‬

‫باتباع جنازة المسلم‪ ،‬لما في ذلك من الدعاء والترحم عليه‪ ،‬والصلة عليه‪،‬‬
‫وجبر خواطر أهله المؤمنين‪ .‬ومن محاسن السلم تشميت العاطس‪ ،‬وإبرار‬
‫المقسم‪ ،‬لما في ذلك من التآلف والتآخي‪ ،‬والدعاء لخيك بالرحمة‪ ،‬ولما في‬
‫إبرار القسم من جبر خاطره‪ ،‬وإجابة طلبه‪ ،‬ما لم يكن فيه شيء من مخالفة‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشرع‪ .‬ومن محاسنه إجابة دعوة المسلم‪ ،‬ولسيما إذا كان لعرس‪ ،‬ولم يكن‬
‫فيها ما يخالف الشريعة‪ ،‬أو يخل بالمروءة والنسانية‪ .‬كما تراه اليوم عند‬
‫بعض الناس من الملهي والمنكرات‪ ،‬لن في حضوره والحالة هذه تشجيع‬
‫للفسقة وأهل المجون‪ ،‬وإعانة على نشر المعاصي‪ ،‬وعدم المبالة فيها فإن‬
‫كان يقدر على إنكار المنكر كإزالة التلفزيون ونحوه حضر وأزاله وإل امتنع‪.‬‬
‫ومن محاسن الدين السلمي أنه حرم على المسلم ترويع أخيه المسلم‪ ،‬إما‬
‫بإخباره بخبر يفزعه‪ ،‬أو يشير إليه بسلح‪ ،‬أو نحو ذلك‪ .‬ومن محاسن الدين‬
‫السلمي انه نهى عن تشبه الرجال بالنساء‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬بأن تتشبه النساء‬
‫بالرجال‪ ،‬لما في ذلك من المفاسد‪ ،‬التي منها التخنث فيمن يتشبه بهن‪ ،‬في‬
‫ملبسهن وحركاتهن وكلمهن‪ ،‬كما هو موجود عند بعض المنحلين‪،‬‬
‫والمغرورين أصحاب الخنافس والتواليتات محلوقي اللحى‪ .‬ومن محاسن‬
‫السلم إتقاء مواضع التهم والريب‪ ،‬كي يصون ألسنة الناس وقلوبهم عن‬
‫سوء الظن به‪ ،‬وورد أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم جاءت تزوره‬
‫وهو معتكف‪ ،‬فقام معها مودعا ً حتى بلغت باب المسجد‪ ،‬فرآه رجلن من‬
‫النصار‪ ،‬فسلما عليه‪ ،‬فقال‪ " :‬على رسلكما‪ ،‬إنما هي صفية بنت حيي "‬
‫فقال‪ :‬سبحان الله يا رسول الله! وكبر عليهما‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ " :‬إن الشيطان يبلغ من النسان مبلغ الدم‪ ،‬وإني خشيت أن يقذف‬
‫في قلوبكما شيئا ً " فهذا أشرف الخلق وأزكاهم‪ ،‬أبعد التهمة والشك عن‬
‫نفسه‪ ،‬وقال عمر رضي الله عنه‪ " :‬من أقام نفسه مقام التهم‪ ،‬فل يلومن‬
‫من أساء به الظن " ومر عمر رضي الله عنه برجل يكلم امرأته على ظهر‬
‫الطريق‪ ،‬فعله وضربه بالدرة‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬يا أمير المؤمنين إنها امرأتي‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬هل كلمتها حيث ل يراك أحد من الناس‪ .‬فالسلم من محاسنه‬
‫البتعاد عن مواضع التهم والشبهات‪ ،‬فكيف لو رأى من تدخل على الخياط‪،‬‬
‫يفصل على بدنها وحده‪ ،‬خاليا ً بها‪ ،‬أو رأى من تدخل على المصور وحدها‪ ،‬أو‬
‫رأى من تركب مع من ليس محرما ً لها‪ ،‬أو سافرت مسلمة إلى بلد الكفر‬
‫بدون محرم‪ ،‬أو دخلت على الدكتور وحدها باسم الكشف الطبي‪ ،‬أو نحو‬
‫ذلك‪ ،‬مما حدث في زمننا الذي كثرت فيه الفتن‪ ،‬وقل فيه المر والنهي‪ ،‬وردع‬
‫أهل الشر والفساد الذين قويت شوكتهم‪ ،‬وساند بعضهم بعضًا‪ ،‬عكس ما عليه‬
‫أهل الخير والصلح‪ ،‬من التفكك والتخاذل والمصانعات‪ ،‬فالله المستعان‪.‬‬
‫تغاضيتم عن منكرات الوامر فأعرضتم عن ذاك إعراض هاجر بأن تنصحوا‬
‫بالحق أهل المناكر تنالوا بنصر الدين أجر المهاجر وحال وزير أو أمير مظاهر‬
‫صواعق قهار وسطوة قاهر ولكنه يملي لطاغ وفاجر ولكن غفلتم عن سماع‬
‫الزواجر دعاكم بصوت ماله من مناصر إذا رمتم في الحشر غفران غافر على‬
‫المصطفى والل أهل الفاخر أيا علماء الدين مالي أراكم أما المر بالمعروف‬
‫والنهي فرضكم أما أخذ الميثاق ربي عليكم فإن هم عصوكم فاهجروهم‬
‫وهاجروا إذا كان هذا حال قاض وعالم ولم تنتهوا عن غيكم فترقبوا فما الله‬
‫عما تعملون بغافل وقد أرسل اليات منه مخوفا ً أجيبوا عباد الله صوت‬
‫مناصح وقوموا سراعا ً نحو نصرة دينكم وحسن ختام النظم أزكى صلتنا‬
‫اللهم بارك في أسماعنا وأبصارنا ونور قلوبنا‪ ،‬وأصلح ذات بيننا‪ ،‬وألف بين‬
‫قلوبنا‪ ،‬واهدنا سبل السلم‪ ،‬ونجنا من الظلمات إلى النور‪ ،‬وجنبنا الفواحش‪،‬‬
‫ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا‬
‫أرحم الراحمين‪ ،‬وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬فصل‬
‫ومن محاسن السلم أن النسان إذا ابتلي بشرير من الشرار‪ ،‬أو فاجر من‬
‫الفجار‪ ،‬أو محب للجرام‪ ،‬ينبغي أن يحذره ويبتعد عن شره‪ ،‬ويداريه ويتجنبه‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما أمكن‪ ،‬قال أبو الدرداء‪ :‬إنا لنبش في وجوه قوم‪ ،‬وإن قلوبنا لتلعنهم‪،‬‬
‫ومعنى هذا مداراة الشرار الذين ل تقدر على ردعهم‪ ،‬والنكار عليهم‪ ،‬لخوفك‬
‫من شرهم وأذيتهم ن وإجرامهم‪ ،‬وتنكر بقلبك‪ .‬ومن محاسن السلم المر‬
‫بإصلح ذات البين‪ ،‬والدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة متظاهرة‪ .‬ومن‬
‫محاسنه المر بستر عورات المسلمين‪ ،‬وعيوبهم ونقائصهم‪ ،‬قال صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ " :‬ومن ستر مسلما ً ستره الله " وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬‬
‫يا معشر من آمن بلسانه‪ ،‬ولم يدخل اليمان قلبه‪ ،‬ل تغتابوا المسلمين‪ ،‬ول‬
‫تتبعوا عوراتهم " الحديث وتقدم‪ .‬ومن محاسن السلم إدخال السرور على‬
‫قلب المسلم‪ ،‬ومساعدة المحتاج‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ل يؤمن‬
‫أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه " وقال‪ " :‬ومن كان في حاجة أخيه‪،‬‬
‫كان الله في حاجته "‪ .‬ومن محاسن السلم توقير المسلم‪ ،‬ولسيما ذي‬
‫الشيبة‪ ،‬ورحمة الصبيان‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬ليس منا من لم يوقر‬
‫كبيرنا‪،‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ويرحم صغيرنا " وقال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬إن من إجلل الله إكرام ذي‬
‫فحش‪ ،‬وبذاءة‬ ‫الشيبة المسلم" الحديث‪ .‬ومن محاسن السلم النهي عن ال ُ‬
‫اللسان‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم " ليس المؤمن بالطعان‪ ،‬ول اللعان‪ ،‬ول‬
‫الفاحش‪ ،‬ول البذيء"‪ .‬ومن محاسن السلم النهي عن التكلم سرا ً بين اثنين‬
‫مع وجود ثالث‪ ،‬من أجل أن ذلك يحزن الثالث‪ ،‬فيظن أنهم يتناجون به‪ ،‬فهذا‬
‫ينافي الدب‪ ،‬وكذلك ليس من الدب أن تتحدث بلغة أجنبية‪ ،‬إذا كان هناك من‬
‫ل يعرفها‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬إذا كنتم ثلثة فل يتناجى اثنان دون‬
‫الخر‪ ،‬حتى تختلطوا بالناس‪ ،‬من أجل أن ذلك يحزنه"‪ .‬ومن محاسن الدين‬
‫السلمي أن ل يتدخل النسان فيما ل يعنيه‪ ،‬وهذه من جوامع كلمه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬كما في الحديث‪ " :‬من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه "‬
‫أخذه بعضهم وصاغه بعبارة‪) :‬ابحث عن عملك الخاص(‪ .‬ولو تتبع المسلمون‬
‫إرشادات نبيهم‪ ،‬ونصائحه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لستراحوا وأراحوا غيرهم‪،‬‬
‫ولو تتبعت أكثر المشاكل‪ ،‬والمنازعات والمخاصمات والمجادلت‪ ،‬لوجدت‬
‫سببها الوحيد التدخل فيما ل يعني‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي النهي‬
‫والتحذير عن الجلوس في الطرقات‪ ،‬لما في ذلك من التعرض لما ل ينبغي‪،‬‬
‫ولما يلزم النسان القيام به وربما لم يقم به من المر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬ونصر الظلوم‪ ،‬وردع الظالم‪ ،‬وذلك نصره‪ ،‬وإعانة المسلم‪ ،‬وغض‬
‫البصر‪ ،‬ورد السلم‪ ،‬وكف الذى ز ومن محاسن الدين السلمي أن من‬
‫استعاذنا بالله علينا أن نعيذه‪ ،‬وان من سألنا بالله نعطيه‪ ،‬ونكافئ من صنع‬
‫إلينا معروفا ً إن استطعنا‪ ،‬فإن لم نستطع ندعو له أن يجزيه الله جزاًء حسنا‪ً،‬‬
‫على ما أسداه إلينا من المعروف عمل ً بالحديث‪ " :‬من استعاذكم بالله‬
‫فأعيذوه " الحديث‪ .‬والله أعلم‪ ،‬وصلى الله على محمد وآله وسلم‪ .‬فصل‬
‫ومن محاسن الدين السلمي أن تنصف من نفسك‪ ،‬وأن تحب للناس ما تحب‬
‫لنفسك‪ ،‬وتضع نفسك موضع إخوانك المسلمين‪ ،‬وتعاملهم المعاملة التي‬
‫تحب أن يعاملوك بها‪ ،‬وتؤدي حقوقهم‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ل‬
‫يستكمل العبد اليمان حتى يكون فيه ثلث خصال‪ ،‬النفاق من القتار‪،‬‬
‫والنصاف من نفسه‪ ،‬وبذل السلم " وقال تعالى‪) :‬ويؤثرون على أنفسهم ولو‬
‫كان بهم خصاصة(‪ .‬وقال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬طعام الثنين يكفي الثلثة‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫" إلى أخر الحديث‪ ،‬وفي الحديث الخر‪ " :‬من كان معه فضل ظهر‪ ،‬فَل ْي َعُد ْ به‬
‫على من ل ظهر له‪ ،‬ومن كان معه فضل من زاد‪ ،‬فليعد به على من ل زاد له‬
‫" فذكر من أصناف المال ما ذكر‪ ،‬قال أبو سعيد‪ :‬حتى رأينا أنه ل حق لحد‬
‫منا في فضل‪ .‬رواه مسلم‪ .‬ومن محاسن السلم وأخلقه السامية‪ ،‬أن يصون‬
‫النسان عرض أخيه المسلم ونفسه وماله من ظلم أصابه بقدر استطاعته‪،‬‬
‫ويرد عنه الظلم والعدوان‪ ،‬ويدافع ويناضل عنه حسب قدرته‪ ،‬فروى أبو‬
‫الدرداء رضي الله عنه أن رجل ً نال من رجل عند رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فرد عنه رجل‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬من رد عن عرض‬
‫أخيه‪ ،‬كان له حجابا ً من النار" وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬من‬
‫رد عن عرض أخيه‪ ،‬رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" رواه الترمذي‪ .‬ومن‬
‫محاسن السلم المر بالتوسط بين البخل والسراف‪ ،‬قال تعالى‪) :‬ول تجعل‬
‫يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما ً محسورًا( وقال‪:‬‬
‫)والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا(‪ .‬ومن محاسن‬
‫السلم الحث على الصبر بأنواعه الثلثة‪ ،‬الصبر على طاعة الله حتى يؤديها‪،‬‬
‫والصبر عن معصية الله حتى يتركها‪ ،‬والصبر على أقدار الله المؤلمة‪ .‬ومن‬
‫محاسن السلم العطف على الضعفاء‪ ،‬والشفقة على الفقراء‪ ،‬والرأفة‬
‫باليتامى‪ ،‬والخدم والعبيد والماء‪ ،‬والحسان إليهم‪ ،‬ودفع الذى عنهم‪ ،‬وحسن‬
‫معاملتهم‪ ،‬والتواضع معهم‪ ،‬وملطفتهم وخفض الجناح لهم‪ ،‬ولين الجانب‬
‫معهم‪ ،‬قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬واخفض جناحك لمن اتبعك‬
‫من المؤمنين( وقال‪) :‬واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‬
‫يريدون وجهه( وقال‪ ) :‬فأما اليتيم فل تقهر وأما السائل فل تنهر ( وقال‪:‬‬
‫) أرأيت الذي يكذب بالدين‪ .‬فذلك الذي يدع اليتيم‪ .‬ول يحض على طعام‬
‫المسكين( وقال‪) :‬وما أدراك ما العقبة‪ .‬فك رقبة‪ .‬أو إطعام في يوم ذي‬
‫مسغبة‪ .‬يتيما ً ذا مقربة‪ .‬أو مسكينا ً ذا متربة( وقال‪) :‬عبس وتولى‪ .‬أن جاءه‬
‫العمى‪ .‬وما يدريك لعله يزكى( الية‪ .‬فصل ومن محاسن الدين السلمي‬
‫الرأفة والرحمة والشفقة‪ ،‬ل القسوة والغلظة والتعذيب‪ ،‬حتى في حق‬
‫الحيوانات البهيمية‪ ،‬عن ابن عمر رصي الله عنهما أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت‪ ،‬فدخلت فيها‬
‫النار ل هي أطعمتها وسقتها‪ ،‬ول هي تركتها تأكل من خشاش الرض" متفق‬
‫عليه‪ .‬وروى الشيخان وغيرهما مرفوعًا‪ " :‬أن رجل ً دنا من بئر فنزل وشرب‬
‫منها‪ ،‬وعلى البئر كلب يلهث من العطش‪ ،‬فرحمه فنزع أحد خفيه فسقاه‪،‬‬
‫فشكر الله له ذلك فأدخله الجنة "‪ .‬وروى مسلم‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على حمار قد وسم في وجهه‬
‫فقال‪ " :‬لعن الله الذي وسمه "‪ .‬شعرا ً وصدته الماني أن يتوبا على زلته‬
‫قلقا ً كئيبا صحائف لم يخف فيها الرقيبا فما لي الن ل أبدي النحيبا فلم أرع‬
‫الشبيبة والمشيبا أصيح لربما ألقى مجيبا وقد أقبلت ألتمس الطبيبا حووا من‬
‫كل معروف نصيبا وقد وافيت بابكم منيبا إليكم فادفعوا عني الخطوبا وكنت‬
‫على الوفاء به كذوبا ويسر منك لي فرجا ً قريبا ومن يرجو رضاك فلن يخيبا‬
‫ولم أكسب به إل الذنوبا يحير هول مصرعه اللبيبا بيوم يجعل الولدان شيبا‬
‫وأصبحت الجبال به كثيبا حسير الطرف عريانا ً سليبا إذا ما أبدت الصحف‬
‫العيوبا أكون به على نفسي حسيبا إذا زفرت وأقلقت القلوبا على من كان‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظلما ً مريبا خطاه أما يأني لك أن تتوبا رأينا كل مجتهد مصيبا جنابا ً للمنيب له‬
‫رحيبا وكن في هذه الدنيا غريبا وكن في الخير مقداما ً نجيبا تكن عبدا ً إلى‬
‫المولى حبيبا مخالبة لطالبها خلوبا طموحا ً يفتن الرجل الريبا إذا ما أهملت‬
‫وثبت وثوبا يجد في قلبه روحا ً وطيبا يجر عليك أحقادا ً وحوبا بذكر الله ريانا ً‬
‫رطيبا ول تضجر به وتكن هيوبا وفارقت المعاشر والنسيبا إذا ما قمت ظمآنا ً‬
‫سغيبا ول تبخل وكن سمحا ً وهوبا إذا ما اشتد بالناس الكروبا طليق الوجه ل‬
‫شكسا ً غضوبا أنا العبد الذي كسب الذنوبا أنا العبد الذي أضحى حزينا ً أنا العبد‬
‫الذي سطرت عليه أنا العبد المسيء عصيت سرا ً أنا العبد المفرط ضاع‬
‫عمري أنا العبد الغريق بلج بحر أنا العبد السقيم من الخطايا أنا العبد المخلف‬
‫عن أناس أنا العبد الشريد ظلمت نفسي أنا العبد الفقير مددت كفي أنا‬
‫الغدار كم عاهدت عهدا ً أنا المقطوع فارحمني وصلني أنا المضطر أرجو منك‬
‫عفوا ً فيا أسفى على عمر تقضى وأحذر أن يعاجلني ممات ويا حزناه من‬
‫حشري ونشري تفطرت السماء به ومارت إذا ما قمت حيرانا ً ظميئا ً ويا‬
‫خجله من قبح اكتسابي وذلة موقف وحساب عدل ويا حذراه من نار تلظى‬
‫تكاد إذا بدت تنشق غيظا ً فيا من مد في كسب الخطايا أل فاقلع وتب واجهد‬
‫فإنا وأقبل صادقا ً في العزم واقصد وكن من الصالحين أخا ً وخل وكن عن‬
‫فاحشة جبانا ً ولحظ زينة الدنيا ببغض فمن يخبر زخارفها يجدها وغض عن‬
‫المحارم منك طرفا ً فخائنة العيون كأسد غاب ومن يغضض فضول الطرف‬
‫ل إذا الدجى‬ ‫ص ّ‬ ‫عنها ول تطلق لسانك في كلم ول يبرح لسانك كل وقت وَ َ‬
‫أرخى سدول ً تجد أنسا ً إذا أودعت قبرا ً وصم ما تستطيع تجده ريا ً وكن‬
‫متصدقا ً سرا ً وجهرا ً تجد ما قدمته يداك ظل ً وكن حسن السجايا وذا حياء‬
‫اللهم وفقنا توفيقا ً يقينا عن معاصيك‪ ،‬وأرشدنا برشدك إلى السعي فيما‬
‫يرضيك‪ ،‬وأجرنا يا مولنا من خزيك وعذابك‪ ،‬وهب لنا ما وهبته لوليائك‬
‫وأحبابك‪ ،‬وآتنا في الدنيا حسنة‪ ،‬وفي الخرة حسنة‪ ،‬وقنا عذاب النار‪ ،‬واغفر‬
‫لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين‪ ،‬برحمتك يا أرحم الراحمين‪ ،‬وصلى الله على‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬فصل ومن محاسن السلم مراعاة‬
‫الحكمة‪ ،‬وذلك أن نضع كل إنسان من المؤمنين في منزلته‪ ،‬ونراعي كرامته‬
‫وشعوره‪ ،‬ونجعله في المكان الذي يليق به‪ .‬عن عائشة رضي الله عنها أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬أنزلوا الناس منازلهم" رواه أبو داود‪،‬‬
‫وروي أن عائشة رضي الله عنها كانت مسافرة‪ ،‬فنزلت منزل ً تستريح فيه‪،‬‬
‫وتتناول طعامها‪ ،‬فجاء سائل فقير‪ ،‬فقالت‪ :‬ناولوا هذا المسكين قرصًا‪ ،‬ثم مر‬
‫رجل يركب فرسًا‪ ،‬فقالت‪ :‬أدعوه إلى الطعام‪ .‬فقيل لها‪ :‬لماذا تعطين‬
‫المسكين قرصًا‪ ،‬وتدعين هذا الغني إلى الطعام‪ ،‬فأجابت‪ :‬إن الله تعالى أنزل‬
‫الناس منازل‪ ،‬لبد لنا أن ننزلهم تلك المنازل‪ ،‬هذا المسكين يرضى بقرص‪،‬‬
‫وقبيح بنا أن نعطي هذا الغني ‪ -‬وهو على هذه الهيئة ‪ -‬قرصًا‪ ،‬فرحمها الله‪ ،‬ما‬
‫أحسن هذا من جواب رد‪ ،‬دل على الحكمة وحسن الذوق‪ ،‬ونبل الخلق‪ ،‬وكرم‬
‫المعاملة‪ ،‬والقتداء التام بإرشادات الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وروي‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيتا ً من بيوته‪ ،‬فدخل عليه أصحابه‪،‬‬
‫حتى امتل المجلس‪ ،‬فجاء جرير بن عبد الله البجلي‪ ،‬فلم يجد مكانًا‪ ،‬فقعد‬
‫على الباب‪ ،‬فلف رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه‪ ،‬وقدمه له ليجلس‬
‫عليه‪ ،‬وقال له‪ " :‬اجلس على هذا " فأخذ جرير الرداء‪ ،‬ووضعه على وجهه‪،‬‬
‫وجعل يقبله ويبكي‪ ،‬متأثرا ً من إكرام النبي صلى الله عليه وسلم له‪ ،‬ثم لفه‬
‫ورده إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاكرا ً مقدرًا‪ ،‬وقال‪ :‬ما كنت لجلس‬
‫على ثوبك يا رسول الله‪ ،‬أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني‪ ،‬فنظر‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المصطفى صلى الله عليه وسلم يمينا ً وشما ً‬


‫ل‪ ،‬ثم قال‪ " :‬إذا أتاكم كريم قوم‬
‫فأكرموه "‪ .‬فانظر إلى هذه المعاملة الجميلة‪ ،‬تجد المثل الكامل في معاملة‬
‫الرسول له‪ ،‬حيث راعى شعور جرير وأكرمه‪ ،‬وكيف تأثر جرير بهذه المعاملة‬
‫الكريمة النبيلة اللطيفة‪ .‬ومن محاسن السلم أنه أثبت للزوجات على الزواج‬
‫حقوقًا‪ ،‬مثل الحقوق التي للرجال بالمعروف‪ ،‬وحسن العشرة‪ ،‬وترك الضرار‪،‬‬
‫وجعل )للرجال عليهن درجة( أي في الفضيلة‪،‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫في الخلق والمنزلة‪ ،‬وطاعة المر‪ ،‬والنفاق‪ ،‬وأداء المهر‪ ،‬والقيام بالمصالح‪،‬‬
‫والفضل في الدنيا والخرة‪ .‬ومن محاسن السلم أن المرأة عند بعض العرب‬
‫في الجاهلية تعد جزءا ً من ثروة أبيها أو زوجها‪ ،‬وكان ابن الرجل يرث أرملة‬
‫أبيه بعد وفاتها‪ ،‬وكان العرب قبل السلم يرثون النساء كرهًا‪ ،‬بأن يأتي‬
‫الوارث ويلقي ثوبه على زوجة أبيه‪ ،‬ثم يقول ورثتها كما ورثت مال أبي‪ ،‬فإذا‬
‫أراد أن يتزوجها تزوجها بدون مهر‪ ،‬أو زوجها لحد عنده وتسلم مهرها ممن‬
‫يتزوجها‪ ،‬أو حرم عليها أن تتزوج كي يرثها‪ ،‬فمنعت الشريعة السلمية هذا‬
‫الظلم وهذا الرث‪ ،‬قال تعالى‪) :‬يا أيها الذين ءامنوا ل يحل لكم أن ترثوا‬
‫النساء كرهًا( وكان العرب في الجاهلية يمنعون النساء من الزواج‪ ،‬فالبن‬
‫الوارث كان يمنع زوجة أبيه من التزوج‪ ،‬كي تعطيه ما أخذته من ميراث أبيه‪،‬‬
‫والب يمنع ابنته من التزوج حتى تترك له ما تملكه‪ ،‬والرجل يطلق زوجته‬
‫ويمنعها من الزواج‪ ،‬حتى يأخذ منها ما يشاء‪ ،‬والزوج المبغض لزوجته يسيء‬
‫عشرتها‪ ،‬ويمللها‪ ،‬ول يطلقها حتى ترد إليه مهرها‪ ،‬فالعرب قبل السلم كانوا‬
‫يظلمون المرأة‪ ،‬ويتحكمون فيها‪ ،‬قال تعالى‪) :‬ول تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما‬
‫ءاتيتموهن(‪ .‬وكانوا ل يعدلون بين النساء‪ ،‬في النفقة والكسوة والمعاشرة‪،‬‬
‫فأمر السلم بالعدالة بينهن‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وعاشروهن بالمعروف( الية‪،‬‬
‫وقال‪) :‬فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة( وقال‪) :‬وإن أردتم استبدال زوج مكان‬
‫زوج وءاتيتم إحداهن قنطارا ً فل تأخذوا منه شيئا ً أتأخذونه بهتانا ً وإثما ً مبينًا(‬
‫وقال في ناحية الدين )من عمل صالحا ً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه‬
‫حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون( وفي ناحية الهلية‬
‫والملك‪ ،‬قال تعالى‪) :‬للرجال نصيب مما ترك الوالدان والقربون وللنساء‬
‫نصيب مما ترك الوالدان والقربون( وقال‪) :‬للرجال نصيب مما اكتسبوا‬
‫وللنساء نصيب مما اكتسبن(‪ .‬وحسب السلم ما كفل للمرأة من مساواة‬
‫دينية‪ ،‬ومن مساواة في التملك والكسب‪ ،‬وما حقق لها من ضمانات في‬
‫الزواج‪ ،‬بإذنها ورضاها دون إكراه ول إهمال‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ل‬
‫تنكح الثيب حتى تستأمر‪ ،‬ول تنكح البكر حتى تستأذن‪ ،‬وإذنها الصموت " وفي‬
‫مهرها قال‪) :‬فآتوهن أجورهن فريضة(‪ .‬ومن محاسن السلم أن العرب قبل‬
‫السلم كانوا يئدون البنات‪ ،‬ويدفنونهن وهن على قيد الحياة‪ ،‬خوفا ً من العار‪،‬‬
‫ن وقتلهن‪،‬‬ ‫ْ‬
‫يهل الرجل على ابنته التراب حتى تموت‪ ،‬فجاء السلم وحرم وأد َهُ ّ‬
‫تحريما ً قاطعًا‪ ،‬ومنحهن الحق في الحياة‪ ،‬وبهذا أنصف السلم المرأة كل‬
‫النصاف‪ ،‬وحافظ على حياتها وحقوقها النسانية‪ .‬اللهم أعذنا من الهم‬
‫والحزن‪ ،‬والعجز والكسل‪ ،‬والجبن والبخل‪ ،‬وغلبة الدين وقهر الرجال‪،‬‬
‫وشماتة العداء‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم‬
‫الراحمين‪ ،‬وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين‪ .‬فصل ومن محاسن‬
‫السلم إبطال الكهانة وتحريمها‪ ،‬وتحريم زجر الطير‪ ،‬وتحريم الميسر‪ ،‬وهو‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نوع من القمار‪ ،‬ومنها الزلم والبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي‪ .‬ومنها‬


‫رمي البعرة‪ ،‬كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها دخلت حشفًا‪ ،‬ولبست‬
‫شر ثيابها‪ ،‬ولم تمس طيبًا‪ ،‬حتى تمضي عليها سنة‪ ،‬ثم تؤتى بدابة‪ ،‬حمار أو‬
‫طير أو شاة فتفتض به‪ ،‬فقلما تفتض بشيء إل مات‪ ،‬ثم تخرج بعد ذلك‪،‬‬
‫فتعطى بعرة فترمي بها‪ ،‬ثم تراجع ما شاءت‪ .‬ومنها قتل الولد خشية الفقر‪،‬‬
‫فكان الرجل يقتل ولده خشية أن يطعم معه إلى أن نهى الله عن ذلك بقوله‪:‬‬
‫)ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا ً‬
‫كبيرًا(‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي أنه حول الوثنيين والمشركين والكفار‬
‫إلى مؤمنين صالحين‪ ،‬أتقياء ورعين‪ ،‬يخافون الله‪ ،‬ويعبدونه وحده ل شريك‬
‫له‪ ،‬ويقفون بجانب الحق‪ ،‬ل تأخذهم في الله لومة لئم‪) ،‬ويؤثرون على‬
‫أنفسهم ولو كان بهم خصاصة(‪ .‬ومن محاسن السلم تحريم الغدر‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪) :‬يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود( ويقول تعالى‪) :‬وأوفوا بالعهد إن‬
‫ل( وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ " :‬لكل غادر لواء‬ ‫العهد كان مسئو ً‬
‫يوم القيامة‪ ،‬يقال‪ :‬هذه غدرة فلن " وقال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬أربع من‬
‫كن فيه كان منافقا ً خالصا ً " وعد منها " وإذا عاهد غدر " وقال صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ " :‬يقول الله ثلثة أنا خصمهم يوم القيامة‪ ،‬رجل أعطى بي ثم‬
‫غدر " الحديث رواه البخاري‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي الحث على‬
‫العمل‪ ،‬وكسب الرزق‪ ،‬وترك الكسل‪ ،‬وسؤال الناس إل عند الضرورة‪،‬‬
‫فالسلم دين سعي وعمل واجتهاد‪ ،‬ل دين كسل وعجز وتوان‪ ،‬دين يحافظ‬
‫على العزة النسانية‪ ،‬والكرامة الشخصية‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وقل اعملوا فسيرى‬
‫الله عملكم ورسوله( وقال‪) :‬وأن ليس للنسان إل ما سعى‪ .‬وأن سعيه‬
‫سوف يرى( ويحث على الجمع بين العمل للدين والدنيا‪ ،‬فيقول جل وعل‪:‬‬
‫)وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا( ويقول‪) :‬فإذا‬
‫قضيت الصلة فانتشروا في الرض وابتغوا من فضل‬

‫)‪(10 /‬‬

‫الله(‪ .‬ومن محاسن السلم القصد في الطعام والشراب‪ ،‬قال الله جل وعل‪:‬‬
‫)وكلوا واشربوا ول تسرفوا إنه ل يحب المسرفي ( وعن المقداد بن معدي‬
‫كرب قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ما مل ابن آدم وعاء شرا ً‬
‫من بطنه‪ ،‬بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه‪ ،‬فإن كان ل محالة فاعل ً فثلث‬
‫لطعامه‪ ،‬وثلث لشرابه‪ ،‬وثلث لنفسه " أخرجه الترمذي وابن ماجة‪ .‬ومن‬
‫محاسن السلم النهي عن المماطلة في الحقوق‪ ،‬قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬مطل الغني ظلم‪ ،‬وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع" رواه البخاري‬
‫ومسلم‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي المر بإنظار المعسر‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫)وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة( وعن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ " :‬كان تاجرا ً يداين الناس‪ ،‬فإذا رأى معسرا ً‬
‫قال لفتيانه‪ :‬تجاوزوا عنه‪ ،‬لعل الله يتجاوز عنا‪ ،‬فتجاوز الله عنه" رواه‬
‫البخاري‪ ،‬وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬من أنظر معسرا ً فله بكل يوم مثله‬
‫صدقة "‪ .‬ومن محاسن السلم النهي عن الرشوة‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬لعن الله الراشي‬
‫والمرتشي في الحكم" رواه الترمذي‪ ،‬وورد‪ " :‬لعن الله الراشي والمرتشي‪،‬‬
‫والرائش الذي يمشي بينهما "‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي الحث على‬
‫إقالة النادم‪ ،‬لما في ذلك من الحسان‪ ،‬والمعروف وجبر خاطره‪ ،‬ففي‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحديث‪" :‬من أقال مسلما ً أقال الله عثرته" وفي رواية‪" :‬من أقال نادمًا‪،‬‬
‫أقاله الله يوم القيامة" وصلى الله على محمد وآله وسلم‪ .‬فصل ومن‬
‫محاسن الدين السلمي بذل النصيحة لله‪ ،‬ولكتابه ولرسوله‪ ،‬ولئمة‬
‫المسلمين وعامتهم‪ ،‬فالنصيحة لله اليمان به‪ ،‬ونفي الشرك عنه‪ ،‬وترك‬
‫اللحاد في أسمائه‪ ،‬وصفاته‪ ،‬ووصفه بأوصاف الكمال‪ ،‬وتنزيهه عن النقائص‬
‫والعيوب‪ ،‬وطاعة أمره‪ ،‬واجتناب نهيه‪ ،‬وموالة من أطاعه‪ ،‬ومعاداة من‬
‫عصاه‪ ،‬وغير ذلك مما يجب له‪ ،‬وأما النصيحة لكتاب الله‪ ،‬فاليمان به بأنه‬
‫كلم الله‪ ،‬منزل غير مخلوق‪ ،‬وتحليل ما حلله‪ ،‬وتحريم ما حرمه‪ ،‬والهتداء‬
‫بهديه والتدبر لمعانيه‪ ،‬والقيام بحقوقه‪ ،‬والتعاظ بمواعظه‪ ،‬والعتبار بزواجره‪،‬‬
‫وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فتصديقه فيما جاء به‪،‬‬
‫ومحبته‪ ،‬وتقديمه فيها على النفس والمال والولد‪ ،‬وتوقيره حيا ً وميتًا‪ ،‬ومعرفة‬
‫سنته‪ ،‬ونشرها‪ ،‬والعمل بها‪ ،‬وتقديم قوله على قول كل أحد ٍ كائنا ً ما كان‪ ،‬وأما‬
‫النصيحة لئمة المسلمين‪ ،‬فهي إعانتهم على الحق وطاعتهم فيه‪ ،‬وأمرهم به‪،‬‬
‫وتذكيرهم بحوائج العباد‪ ،‬ونصحهم برفق ولين وعدل‪ ،‬واعتقاد وليتهم‪،‬‬
‫والسمع والطاعة لهم في غير معصية الله‪ ،‬وحث الناس على ذلك‪ ،‬وبذل ما‬
‫تستطيعه من إرشادهم‪ ،‬وتنبيههم إلى ما ينفعه وينفع الناس‪ ،‬والقيام بواجبهم‪،‬‬
‫وأما النصيحة لعامة المسلمين‪ ،‬فهي إرشادهم إلى مصالحهم في دنياهم‬
‫وأخراهم‪ ،‬وكف الذى عنهم‪ ،‬وتعليمهم ما جهلوا من أمر دينهم‪ ،‬وأمرهم‬
‫بالمعروف‪ ،‬ونهيهم عن المنكر‪ ،‬وأن يحب لهم ما يحب لنفسه‪ ،‬ويكره لهم ما‬
‫يكره لنفسه‪ ،‬ويسعى في ذلك حسب المكان‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي‬
‫النهي عن قطيعة الرحم‪ ،‬قال الله تعالى‪) :‬فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا‬
‫في الرض وتقطعوا أرحامكم( وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬الرحم متعلقة‬
‫بالعرش‪ ،‬تقول‪ :‬من وصلني وصله الله‪ ،‬ومن قطعني قطعه الله" رواه‬
‫البخاري‪ ،‬وروى الطبراني عن عبد الله ابن أبي أوفى عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪ " :‬إن الملئكة ل تنزل على قوم فيهم قاطع رحم "‪ .‬ومن‬
‫محاسن الدين السلمي النهي عن التشدد في الدين‪ ،‬وعن الزهد في‬
‫الطيبات‪ ،‬لن السلم دين اليسرة‪ ،‬والسهولة‪ ،‬والعتدال‪ ،‬فعن أنس رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬جاء ثلثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫يسألون عن عبادته‪ ،‬فلما أخبروا كأنهم تقالوها‪ ،‬فقالوا‪ :‬وأين نحن من النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬فقال‬
‫أحدهم‪ :‬أما أنا فأصلي الليل أبدًا‪ .‬وقال الخر‪ :‬أنا أصوم الدهر ول أفطر‪ .‬وقال‬
‫الخر‪ :‬وأنا أعتزل النساء‪ ،‬فل أتزوج أبدًا‪ .‬فجاء إليهم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقال " أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لخشاكم لله‪،‬‬
‫وأتقاكم له‪ ،‬لكني أصوم وأفطر‪ ،‬وأصلي وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب‬
‫عن سنتي فليس مني " رواه الشيخان‪ .‬قصيدة في غربة السلم وأحسن‬
‫فيضا ً من عيون المحابر تقدس عن قول الغواة الغوادر وعن شافع في البتدا‬
‫أو موازر وشيد أعلم الهدى والشعائر عليه السوافي في القرى والجزائر ولم‬
‫ه مقرونة بالبشائر لفادحه أهل النهى والبصائر‬ ‫يثنه عن ذاك صولة قاهر ن ِ َ‬
‫ذاَرت ُ ُ‬
‫أناخ بنا من كل باد وحاضر مصيبة قوم من عظام الفواقر فما بين طعان‬
‫عليهم ونافر ويرمونهم شزر العيون النواضر وكل خليل أو قريب مصاهر‬
‫وتنقيصهم في كل ناد لفاجر موالة أهل الشرك من كل كافر فمن صامت‬
‫في فعله أو مجاهر يكادون أن يبدوه فوق المنابر رجوع وإل بالضبا والخناجر‬
‫على الجمر أو في الجنب صلي المجامر لدى أهلها في ذلهم‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫كالصاغر بقلب سليم للمهيمن شاكر لحفظ نصوص الدين أهل تناصر تنادوا‬
‫عباد الله هل من مثابر وما رغبوا عنها لخرص الخواطر فلله ما أسنا سناها‬
‫لسائر ملمة لوام وخذلن ناصر إلى ربه أكرم به من مهاجر بقلب حزين عند‬
‫تلك الزواجر يخبرني عما حوى في الضمائر لينصر دين المصطفى ذي‬
‫قّر‬‫المفاخر ويقمع أهل الزيغ من كل فاجر مضى عودة نحو السنين الغوابر ت َ َ‬
‫بها مما ترى عين ناظر وأعداؤه تحت القنا والحوافر مدى الدهر ما ناضت‬
‫بروق المواطر لهم تابع يسعى بفعل الوامر أقول وأولى ما يرى في الدفاتر‬
‫هو الحمد للمعبود والشكر والثناء وجل عن النداد ل رب غيره وصل على من‬
‫قام لله داعيا ً وأوضح دين الله من بعد ما سفت وعادى ووالى في رضى الله‬
‫قومه محمد المبعوث للناس رحمة وبعد فإن تعجب لخطب تبلبلت فل عجبا ً‬
‫يوم من الدهر مثل ما وما ذاك إل غربة الدين يالها ترى أهله مستضعفين أذلة‬
‫ومستهزأ منهم فينغض رأسه وعاداهم من يدعي العلم والحجى فما شئت من‬
‫شتم وقذف وغيبة وأكبر من هذا وأعظم فرية وأعينهم في فعل ذاك قريرة‬
‫ومن قام بالنكار فهو مشدد فإن يحكموا بالسوط ضربا ً فإن يكن وأصبح ذو‬
‫اليمان فيهم كقابض وإخوانه النزاع في كل قرية وما زادهم إل ثباتا ً مع‬
‫الرضى فأكرم بهم من عصبة الحق إنهم إذا ما بدا نص الكتاب وسنة وعضوا‬
‫عليها بالنواجذ فاهتدوا عليك بهاتيك الصفات منافسا ً هم القوم ل يثنيهم عن‬
‫مرادهم بنفسي فتى ما زال يدأب دائما ً مكبا ً على آي الكتاب ودريه فياليتني‬
‫ألقاه يوما ً لعله ونرفع أيدينا إلى الله بالدعا وينصر أحزاب الشريعة والهدى‬
‫فآه على تفريق شمل فهل لما عسى نصٌر للدين تجمع شملنا فيرتاح أهل‬
‫الدين فيها أعزة وأختم نظمي بالصلة مسلما ً على أحمد والل والصحب‬
‫والذي اللهم ل تجعل الدنيا أكبر همنا‪ ،‬ول مبلغ علمنا‪ ،‬ول إلى النار مصيرنا‪،‬‬
‫ول تسلط علينا بذنوبنا من ل يخافك فينا‪ ،‬ول يرحمنا‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا‬
‫ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين‪ ،‬وصلى الله على محمد وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‪ .‬فصل ومن محاسن الدين السلمي الترغيب في الدعوة‬
‫إلى الخير‪ ،‬والمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬من دعا إلى هدى‪ ،‬كان له من‬
‫الجر مثل أجور من اتبعه‪ ،‬ل ينقص ذلك من أجورهم شيئًا‪ ،‬ومن دعا إلى‬
‫ضللة كان عليه من الثم مثل آثام من اتبعه‪ ،‬ل ينقص ذلك من آثامهم شيئا ً "‬
‫رواه مسلم وأبو داود والترمذي‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي حث المرء‬
‫على انتهاز فرصة الحياة لعمل ما ينفعه في الخرة‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ " :‬إذا مات ابن آدم انقطع‬
‫عمله إل من ثلث‪ ،‬صدقة جارية‪ ،‬أو علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له "‬
‫رواه مسلم‪ .‬وقال الله تعالى‪ ) :‬يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما‬
‫قدمت لغد (‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي الحث على وجوب العتماد على‬
‫الله‪ ،‬ثم على إيمانه وعمله الصالح‪ ،‬ل على ما له من صلة بالمقربين إلى‬
‫الله‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قام رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حين أنزل الله‪) :‬وأنذر عشيرتك القربين( فقال‪ " :‬يا معشر قريش‪،‬‬
‫اشتروا أنفسكم‪ ،‬ل أغني عنكم من الله شيئًا‪ ،‬يا عباس بن عبد المطلب‪ ،‬ل‬
‫أغني عنك من الله شيئًا‪ ،‬ويا صفية عمة رسول الله‪ ،‬ل أغني عنك من الله‬
‫شيئًا‪ ،‬ويا فاطمة بنت محمد‪ ،‬سليني من مالي‪ ،‬ل أغني عنك من الله شيئا ً "‬
‫رواه الشيخان والترمذي‪ .‬ومن محاسن السلم المر بتعهد النفس بالصلح‪،‬‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيلزمها بأداء ما أمر الله به‪ ،‬واجتناب ما نهى عنه‪ ،‬والمر بالمعروف‪ ،‬والنهي‬
‫عن المنكر‪ .‬واليات في الحث على التقوى كثيرة‪ .‬ومن محاسن السلم أنه‬
‫يجعل النسان على صلة دائمة بربه‪ ،‬حين تفد عليه النعمة‪ ،‬وحين تنزل به‬
‫الشدة‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم "عجبا ً لمر المؤمن‪ ،‬إن أمره كله خير‪ ،‬إن‬
‫أصابته سراء شكر‪ ،‬فكان خيرا ً له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر‪ ،‬فكان خيرا ً له "‬
‫رواه مسلم‪ .‬ومن محاسن السلم أنه يحث الخلق ويوجههم إلى إصلح‬
‫أنفسهم ومجتمعهم‪ ،‬ويرشدهم‪ ،‬ويبين لهم كيف يحررون عقولهم‪ ،‬ويسمون‬
‫بها عن مهاوي الضلل‪ ،‬إلى أن يخصوا الله جل وعل بالعبادة‪ ،‬ويوضح لهم‬
‫كيف يصقلون نفوسهم‪ ،‬ويغذون أرواحهم بالصلة خمس مرات‪ ،‬ويوضح لهم‬
‫كيف يطهرون أموالهم‪ ،‬بأداء حق الله‪ ،‬وكيف يبنون السرة المسلمة‪ ،‬التي‬
‫هي نواة المجتمع‪ ،‬على أسس سليمة قوية‪ ،‬وذلك بتواصلهم‪ ،‬ومعرفتهم لحق‬
‫قرابتهم‪ ،‬واليات والحاديث تدل على ذلك‪ ،‬فعن أبي أيوب النصاري‪ ،‬أن رجل ً‬
‫قال‪ :‬يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة‪ ،‬فقال القوم‪ :‬ماله؟ فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬أرب ماله؟ تعبد الله‪ ،‬ل تشرك به شيئا‪ً،‬‬
‫وتقيم الصلة‪ ،‬وتؤتي الزكاة‪ ،‬وتصل الرحم " الحديث رواه الشيخان‪ .‬ومن‬
‫محاسن الدين السلمي تحريم الخصومة بالباطل لمن يعلم‪ ،‬وتحريم‬
‫الشفاعة التي تعطل إقامة لحدود التي شرعها الله‪ ،‬وتحريم القول على‬
‫المؤمن بما ليس فيه‪،‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫فمن الغايات التي حرص السلم على تحقيقها أن يقيم المجتمع النساني‬
‫على أسس قوية من العدالة والتراحم‪ ،‬وأن تسود أعضاءه روح المودة‪،‬‬
‫والتعاون المثمر‪ ،‬ويسلم من عوامل الضعف‪ ،‬فعن ابن عمر رضي الله عنهما‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ " :‬من حالت شفاعته‬
‫دون حد من حدود الله‪ ،‬فقد ضاد الله عز وجل‪ ،‬ومن خاصم في الباطل وهو‬
‫يعلم‪ ،‬لم يزل في سخط الله حتى ينزع‪ ،‬ومن قال في مؤمن ما ليس فيه‪،‬‬
‫أسكنه الله ردغة الخبال‪ ،‬حتى يخرج مما قال " أخرجه أحمد وأبو داود‪ .‬ومن‬
‫محاسن الدين السلمي تحريم شهادة الزور‪ ،‬وقول الزور‪ ،‬لما في ذلك من‬
‫الضرار والمفاسد‪ ،‬التي منها بيع آخرته بدنيا غيره‪ ،‬ومنها إساءته إلى من‬
‫شهد له‪ ،‬بإعانته على ظلمه‪ ،‬ومنها إساءته إلى من شهد عليه‪ ،‬بإضاعة حقه‪،‬‬
‫ومنها إساءته إلى القاضي‪ ،‬بإضلله عن المحجة‪ ،‬ومنه إساءته إلى المة‪،‬‬
‫بزلزلة الحقوق فيها‪ ،‬وعدم الطمئنان عليها‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي‬
‫إبطال ما عليه أهل لجاهلية وتحريمه‪ ،‬وهما الطعن في النساب‪ ،‬والنياحة‬
‫على الميت‪ ،‬لما في صحيح مسلم‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال " اثنتان في الناس هما بهم كفر‪ ،‬الطعن في‬
‫النسب‪ ،‬والنياحة على الميت "‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي النهي عن لطم‬
‫لخدود‪ ،‬وشق الجيوب في المصيبات‪ ،‬وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ليس منا من ضرب‬
‫الخدود‪ ،‬وشق الجيوب‪ ،‬ودعا بدعوى الجاهلية "‪ .‬ومن محاسن الدين‬
‫السلمي النهي عن الستيلء على الماء الذي ل يختص بأحد‪ ،‬ومنعه ابن‬
‫السبيل‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ " :‬ثلثة ل يكلمهم الله يوم القيامة‪ ،‬ول ينظر إليهم‪ ،‬ول يزكيهم‪ ،‬ولهم‬
‫عذاب أليم‪ ،‬رجل على فضل ماء بفلة‪ ،‬يمنعه ابن السبيل " متفق عليه‪ ،‬وفي‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رواية وقال فيه " ورجل منع فضل ماء‪ ،‬فيقول الله له‪ :‬اليوم أمنعك فضلي‪،‬‬
‫كما منعت فضل ما لم تعمل يداك "‪ .‬اللهم نور قلوبنا بنور اليمان‪ ،‬واجعلنا‬
‫هداة مهتدين ن وألحقنا بعبادك الصالحين‪ ،‬الذين ل خوف عليهم ول هم‬
‫يحزنون‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين‪ ،‬برحمتك يا أرحم الراحمين‪،‬‬
‫وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬فصل ومن محاسن الدين‬
‫السلمي انه يحرم العتداء‪ ،‬أو النيل من النفس أو المال أو العرض أو‬
‫العقل‪ ،‬وكل جريمة من جرائم العتداء عليها عقوبة‪ ،‬من قصاص أو حد‪،‬‬
‫والخلق السلمية ‪ -‬من الصدق والمانة والوفاء والعفة وغيرها ‪ -‬ليست‬
‫أمورا ً كمالية في نظر السلم‪ ،‬كما يتوهمه بعض الناس‪ ،‬بل هي واجبات‪،‬‬
‫معرض كل من يخرج عن دائرتها‪ ،‬بأنه سيقتص منه في‬ ‫يحرص عليها‪ ،‬و ُ‬
‫الخرة إن لم يتب ويتدارك‪ ،‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال " أتدرون من المفلس؟ ! قالوا‪ :‬المفلس فينا من‬
‫ل درهم له ول متاع‪ .‬فقال‪ :‬إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلة‬
‫وصيام وزكاة‪ ،‬ويأتي وقد شتم هذا‪ ،‬وقذف هذا‪ ،‬وأكل مال هذا‪ ،‬وسفك دم‬
‫هذا‪ ،‬وضرب هذا‪ ،‬فيعطى هذا من حسناته‪ ،‬وهذا من حسناته‪ ،‬فإن فنيت‬
‫حسناته قبل أن يقضي ما عليه‪ ،‬أخذ من خطاياهم فطرحت عليه‪ ،‬ثم طرح‬
‫في النار " رواه مسلم‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي انه يرشد معتنقه إلى‬
‫أن صلح حياته يتطلب منه أن يكون عفا ً في كلمه‪ ،‬فل يغتاب‪ ،‬ول يفتري‪ ،‬ول‬
‫يكذب‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال‪ " :‬من كان يؤمن بالله واليوم الخر فليقل خيرا ً أو ليصمت " وقال‪" :‬إن‬
‫دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام"‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي أنه‬
‫يحث المؤمن على أداء واجبه‪ ،‬وأن ل يدخر جهدا ً في توجيه أهله وإخوانه‪،‬‬
‫وأقربائه وجيرانه‪ ،‬وكل من تربطهم به صلة وثيقة إلى الخير‪ ،‬ووسيلته إلى‬
‫هذا التوجيه هي التواصي بالحق‪ ،‬والتواصي بالصبر‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي المر بالحياء الذي هو أصل كل‬
‫فضيلة‪ ،‬وعصمة من كل شر‪ ،‬لمن وفقه الله‪ ،‬وفي حديث عبد الله بن مسعود‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬استحيوا من الله حق الحياء قلنا‪ :‬يا‬
‫رسول الله إنا نستحي والحمد لله‪ .‬قال ليس ذاك‪ ،‬ولكن الستحياء من الله‬
‫حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى‪ ،‬والبطن وما حوى‪ ،‬ولتذكر الموت‬
‫والبلى‪ ،‬ومن أراد الخرة ترك زينة الدنيا" رواه الترمذي وأحمد والحاكم بسند‬
‫صحيح‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي النهي عن اتخاذ شيء فيه روح غرضا ً‬
‫يرمي إليه‪ ،‬لما في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنهما مر بفتيان من‬
‫قريش‪ ،‬قد نصبوا طيرا ً وهم يرمونه‪ ،‬فلما رأوا ابن عمر تفرقوا‪ ،‬فقال ابن‬
‫عمر‪ :‬من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا‪ ،‬إن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لعن من اتخذ شيئا ً فيه الروح غرضًا‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي‬
‫النهي عن بيع الحر‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬قال الله تعالى‪ :‬ثلثة أنا‬
‫خصمهم يوم القيامة‪ :‬رجل أعطى بي ثم غدر‪ ،‬ورجل باع حرا ً أكل ثمنه‪،‬‬
‫ورجل استأجر‬

‫)‪(13 /‬‬

‫أجيرا ً فاستوفى منه العمل‪ ،‬ولم يوفه أجره "‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي‬
‫الوعيد الشديد على من استأجر أجيرًا‪ ،‬واستوفى منه العمل‪ ،‬ولم يوفه أجره‪،‬‬
‫للحديث المتقدم‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي تحريم السحر‪ ،‬وتصديق‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكاهن‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ليس منا ت َط َّير أو ت ُط ِي َّر له‪ ،‬أو َتكهن أو‬
‫سحر له‪ ،‬ومن أتى كاهنا ً فصدقه بما يقول‪ ،‬فقد كفر بما‬ ‫سحر أو ُ‬
‫ُتكهن له‪ ،‬أو َ‬
‫أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم "‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي‬
‫داَدة ( والعياذ بالله‪ ،‬وهي الجمع بين رجل وامرأة أجنبية‪ ،‬سواء‬ ‫ق َ‬
‫تحريم ) ال ِ‬
‫كان الجامع رجل ً أو امرأة‪ .‬ومن محاسن السلم تحريم السعاية عند‬
‫السلطان بمضرة مسلم‪ .‬ومن محاسن السلم تحريم غصب المال‪ ،‬لنه نوع‬
‫من الظلم والفساد‪ ،‬والله ل يحب الظالمين‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي‬
‫الحث على الستقامة‪ ،‬التي هي العتدال في جميع المور‪ ،‬من القوال‬
‫والفعال‪ ،‬والمحافظة على جميع الحوال‪ ،‬التي تكون بها النفس على أفضل‬
‫حالة وأكملها‪ ،‬فل يظهر منها قبيح‪ ،‬ول يتوجه إليها ذم ول لوم‪ ،‬وذلك إنما يكون‬
‫بالمحافظة على الشرع الشريف‪ ،‬والتمسك بالدين القويم‪ ،‬والوقوف عند‬
‫حدوده‪ ،‬مع التخلق بالخلق الفاضلة‪ ،‬والصفات الكاملة‪ ،‬قال الله تعالى‪) :‬إن‬
‫الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة أل تخافوا ول تحزنوا‬
‫وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون( وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)فاستقم كما أمرت( وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسفيان بن عبد الله‪:‬‬
‫"قل آمنت بالله ثم استقم"‪ .‬ومن محاسن الدين السلمي انه ما حرم شيئًا‪،‬‬
‫عليهم إل عوضهم خيرا ً منه‪ ،‬مما يسد مسده ويغني عنه‪ ،‬كما بين ذلك ابن‬
‫القيم رحمه الله تعالى حرم عليهم الستقسام بالزلم‪ ،‬وعوضهم منه دعاء‬
‫الستخارة‪ ،‬وحرم عليهم الربا‪ ،‬وعوضهم التجارة الرابحة‪ .‬وحرم عليهم‬
‫القمار‪ ،‬وأعاضهم منه أكل المال بالمسابقة بالخيل والبل والسهام‪ .‬وحرم‬
‫عليهم الحرير‪ ،‬وأعاضهم منه أنواع الملبس الفاخرة من الصوف‪ ،‬والكتان‪،‬‬
‫والقطن‪ .‬وحرم عليهم شرب المسكرات‪ ،‬وأعاضهم عنه بالشربة اللذيذة‪،‬‬
‫النافعة للروح والبدن‪ .‬وحرم عليهم الخبائث من المطعومات‪ ،‬وأعاضهم عنها‬
‫بالمطاعم الطيبات‪ ،‬وهكذا إذا تتبعنا تعاليم السلم كلها‪ ،‬وجدنا أنه جل وعل‬
‫لم يضيق على عباده في جانب‪ ،‬إل وسع عليهم في جانب آخر من جنسه‬
‫والله أعلم‪ ،‬وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم‪ .‬فصل ومن محاسن‬
‫الدين السلمي انه يقدر البواعث الكريمة‪ ،‬والقصد الشريف‪ ،‬والنية الطيبة‪،‬‬
‫في تشريعاته وتوجيهاته كلها ن قال صلى الله عليه وسلم "إنما العمال‬
‫بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى"وبالنية الطيبة تنقلب المباحات والعادات‬
‫إلى طاعات وقربات إلى الله‪ ،‬فمن تناول غذاءه بنية حفظ حياته وتقوية‬
‫جسده‪ ،‬ليستطيع القيام بما أوجبه عليه ربه‪ ،‬من حقوق وتكاليف لهله‬
‫وأولده‪ ،‬كان طعامه وشرابه مع النية الصالحة عبادة‪ ،‬ومن أتى شهوته مع ما‬
‫أحله الله له من زوجة أو مملوكة له‪ ،‬يقصد إعفاف نفسه وأهله‪ ،‬وابتغاء ذرية‬
‫صالحة‪ ،‬كان ذلك عبادة‪ ،‬تستحق المثوبة والجر من الله‪ ،‬وفي ذلك يقول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم" وفي بضع أحدكم صدقة قالوا‪ :‬يا رسول الله‬
‫أيأتي أحدنا شهوته‪ ،‬ويكون له فيها أجر؟ قال‪ :‬أليس إن وضعها في حرام كان‬
‫عليه وزر‪ ،‬فكذلك إذا وضعها في حلل كان له أجر"‪ .‬ومن محاسن الدين‬
‫سرق‪ ،‬أو ُأخذ من صاحبه‬ ‫غصب أو ُ‬ ‫السلمي أنه حرم على المسلم شراء ما ُ‬
‫بغير حق‪ ،‬لنه إذا فعل ذلك يكون معينا ً للغاصب والسارق والخذ‪ ،‬وهذا إذا‬
‫علم أنها سرقة ن ولو طال زمن غصبه أو سرقته في يد الغاصب أو السارق‬
‫أو الناهب‪ ،‬فإن طول الزمن في الشريعة السلمية‪ ،‬ل يجعل الحرام حل ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ول يسقط حق المالك الصلي بالتقدم‪ ،‬وهذا أيضا ً من محاسنه‪ .‬ومن محاسن‬
‫الدين السلمي تحريم الربا‪ ،‬لن الربا يقتضي أخذ مال النسان من غير‬
‫عوض‪ ،‬لن من يبيع درهما ً بدرهمين يحصل له زيادة درهم من غير عوض‪،‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مت َعَل ّقُ بحاجته‪ ،‬وله حرمة عظيمة‪ ،‬كما هو معروف‪ .‬ثانيًا‪:‬‬
‫ومال النسان ُ‬
‫استعمال الربا يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض‪ .‬ثالثا‪ً:‬‬
‫يمنع من تحمل المشاق تجاه الكتساب‪ ،‬فل يكاد يتحمل مشقة الكسب ن‬
‫وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق‪ ،‬وتكسيلهم عن الجد والجتهاد في‬
‫الطلب‪ ،‬وقد لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه‪ .‬عباد الله‪ :‬إن ما‬
‫سمعتم من المحاسن نقطة من بحر محاسن الدين السلمي‪ ،‬الذي جمع الله‬
‫به فرقة العرب وشتاتهم‪ ،‬ووحد به قلوبهم وصفوفهم‪ ،‬وهذب طباعهم‬
‫وأخلقهم‪ ،‬حتى أوجد منهم أمة شديدة البأس‪ ،‬واسعة السلطان‪ ،‬ملكت ناصية‬
‫الرض‪ ،‬ونشرت عََلم السلم في نواحيها‪ ،‬قال الله تعالى‪) :‬واذكروا نعمت‬
‫الله عليكم إذ كنتم أعداًء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا( وقال‪:‬‬
‫)واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الرض تخافون أن يتخطفكم الناس‬
‫فآواكم وأيدكم بنصره(‪ .‬دين نشره الله في أرجاء المعمورة كالشمس‬
‫الضاحية‪ ،‬ل يحجب شعاعها‪ ،‬وكالقمر‬

‫)‪(14 /‬‬

‫الزاهر‪ ،‬ل يخفى ضوءه‪ ،‬ول يخسف نوره‪ .‬دين ترى أعداءه ومبغضيه يقتربون‬
‫منه كل يوم‪ ،‬من حيث يشعرون‪ ،‬ومن حيث ل يشعرون‪ ،‬لنهم بمخترعاتهم‬
‫وعلومهم لم يزيدوا على أنهم به يشهدون‪ ،‬قال تعالى‪) :‬سنريهم آياتنا في‬
‫الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق(‪ .‬دين يكيد له أعداؤه وحساده‪،‬‬
‫من يوم أنزل‪ ،‬وهو كما ترى‪ ،‬لم يطفأ له نور‪ ،‬ولم يضعف له برهان‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪) :‬يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون(‬
‫‪ .9‬أيها المسلم‪ ،‬حسبك أن تعلم أن الدين السلمي يحتوي على خيري الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬ونعيم العاجلة والجلة‪ ،‬فما من فضيلة إل حث عليها‪ ،‬وما من رذيلة‬
‫غل نفر منها‪ ،‬فإذا اعتصمت بحبله المتين‪ ،‬وحرصت على العمل بأحكامه‪،‬‬
‫والتحلي بآدابه‪ ،‬عشت سعيدا ً حميدًا‪ .‬وقال ابن القيم رحمه الله تعالى‪ :‬ل‬
‫للكفاية بل على العيان ت فبالتوجه والدعا بجنان خردل يا ناصر اليمان‬
‫وبنور وجهك يا عظيم الشان من غير ما عوض ول أثمان الخلق محسنهم‬
‫كذاك الجاني فيها نعوت المدح للرحمن أكوان بل أضعاف ذي الكوان معبود‬
‫الورى متقدس عن ثان من دون عرشك للثرى التحتاني أنت غياث كل ملدد‬
‫لهفان ك يجيب دعوته مع العصيان ترضيك طالبها أحق معان سبغت علينا‬
‫منك كل زمان العالي الذي أنزلت بالبرهان مقيمة من أمة النسان هذا الورى‬
‫هو قيم الديان دين الحنيف بنصره المتدان قد كنت تنصره بكل زمان حزب‬
‫الضلل وعسكر الشيطان لخيارهم ولعسكر القرآن أهل تراحم وتواصل‬
‫وتدان قد أحدثت في الدين كل زمان تفضي بسالكها إلى النيران يصلوا إليك‬
‫فيظفروا بجنان واحفظهم من فتنة الفتان أنزلته يا منزل القرآن لجأوا إليك‬
‫وأنت ذو الحسان هذا الخلق إل صادق اليمان دنيا إليهم في رضى الرحمن‬
‫نال المان ونال كل أمان بسواه من آراء ذي الهذيان واجعلهم هداة التائه‬
‫الحيران إثبات أهل الحق والعرفان أنصار وانصرهم بكل زمان وارزقهم صبرا ً‬
‫مع اليقان ودعوا إليه الناس بالعدوان نصرا ً عزيزا ً أنت ذو السلطان فلنت‬
‫أهل العفو والغفران يرضيك ل يفنى على الزمان موجود بعد ومنتهى المكان‬
‫حمدا ً بغير نهاية بزمان والتسليم منك وأكمل الرضوان تبعوهم من بعد‬
‫بالحسان هذا ونصر الدين فرض لزم بيد وإما باللسان فإن عجز ما بعد ذا‬
‫والله لليمان حبة بحياة وجهك خير مسؤول به وبحق نعمتك التي أوليتها‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبحق رحمتك التي وسعت جميع وبحق أسماٍء لك الحسنى معا ً وبحق حمدك‬
‫وهو حمد واسع الـ وبأنك الله الله الحق بل كل معبود سواك فباطل وبك‬
‫المعاذ ول ملذ سواك من ذاك للمضطر يسمعه سوا إنا توجهنا إليك لحاجة‬
‫فأجعل قضاها بعض أنعمك التي انصر كتابك والرسول ودينك واخترته دينا ً‬
‫لنفسك واصطفيت ورضيته دينا ً لمن ترضاه من وأقر عين رسولك المبعوث‬
‫بالـ وانصر به النصر العزيز كمثل ما يا رب وانصر خير حزبينا على يا رب‬
‫واجعل شر حزبينا فدا ً يا رب واجعل حزبك المنصور يا رب واحمهم من البدع‬
‫التي يا رب جنبهم طرائقها التي يا رب واهدهم بنور الوحي كي يا رب كن‬
‫لهم وليا ً ناصرا ً وانصرهم يا رب بالحق الذي يا رب إنهم هم الغرباء قد يا رب‬
‫قد عادوا لجلك كل قد فارقوهم فيك أحوج ما هم ورضوا وليتك التي من‬
‫نالها ورضوا بوحيك من سواه وما ارتضوا يا رب ثبتهم على اليمان وانصر‬
‫على حزب النفاة عساكر الـ وأقم لهل السنة النبوية الـ واجعلهم للمتقين‬
‫أئمة تهدي بأمرك ل بما قد أحدثوا وأعزهم بالحق وانصرهم به واغفر ذنوبهم‬
‫وأصلح شأنهم ولك المحامد كلها حمدا ً كما ملء السموات العلى والرض الـ‬
‫مما تشاء وراء ذلك كله وعلى رسولك أفضل الصلوات وعلى صحابته جميعا ً‬
‫واللي وختاما ً فإليك كلمة موجزة قالها أحد العلماء أرسل طرفك إلى نشأة‬
‫المة‪ ،‬وتبين أسباب نهوضها الول‪ ،‬فترى أن ما جمع كلمتها‪ ،‬وأنهض همم‬
‫آحادها‪ ،‬ولحم بين أفرادها‪ ،‬وصعد بها إلى مكانة تشرف منها على رؤوس‬
‫المم وتسوسهم‪ ،‬وهي في مقامها بدقيق حكمتها‪ ،‬إنما هو " دين " قويم‬
‫الصول‪ ،‬محكم القواعد‪ ،‬شامل لنواع الحكم‪ ،‬باعث على اللفة‪ ،‬داع إلى‬
‫المحبة‪ ،‬مزك للنفوس‪ ،‬مطهر للقلوب من أدران الخسائس‪ ،‬منور للعقول‬
‫بإشراق الحق من مطالع قضاياه‪ ،‬كافل لكل ما يحتاج إليه النسان من مباني‬
‫الجتماعات البشرية‪ ،‬وحافظ وجودها‪ ،‬وينادي بمعتقديه إلى جميع فروع‬
‫المدنية الصحيحة‪ ،‬انظر إلى التاريخ قبل بعثة الدين‪ ،‬وما كانت عليه من‬
‫الهمجية والشتات‪ ،‬وإتيان الدنايا والمنكرات‪ ،‬حتى إذا جاءها الدين وحدها‬
‫وقوامها‪ ،‬وهذبها ونور عقولها‪ ،‬وقوم أخلقها‪ ،‬وسدد أحكامها‪ ،‬فسادت على‬
‫العالم‪ ،‬وساست من تولته بالعدل والنصاف‪ .‬اللهم عافنا من مكرك‪ ،‬وزينا‬
‫بذكرك‪ ،‬واستعملنا بأمرك‪ ،‬ول تهتك علينا جميل سترك‪ ،‬وامتن علينا بلطفك‬
‫وبرك‪ ،‬وأعنا على ذكرك وشكرك‪ ،‬اللهم سلمنا من عذابك‪ ،‬وآمنا من عقابك‪.‬‬
‫اللهم وفقنا للستقامة والعدل فيما وليتنا عليه‪ ،‬اللهم إنا نعوذ بك من دنيا‬
‫تمنع خير الخرة‪ ،‬ونعوذ بك من حياة تمنع خير الممات‪ ،‬ونعوذ بك من أمل‬
‫يمنع خير العمل‪ ،‬ونسألك أن تنور قلوبنا‪،‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وتثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة‪ ،‬وأن تغفر لنا ولوالدينا‪،‬‬
‫ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين‪ ،‬وصلى الله على محمد وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫من مرتكزات الخطاب الدعوي في التبليغ والتطبيق النفتاحية‬


‫يتناول الدرس انفتاح الخطاب الدعوي على الناس كافة‪ ،‬دون انغلق بفئة‪ ،‬أو‬
‫انحصار بنخبة‪ ،‬فالدعوة في طبيعتها للكافة‪ ،‬ل تقتصر على الصفوة من أهل‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التدين‪ ،‬ثم عرض للفئات التي يتعامل معها الدعاة وطبيعة العلقة بينهم‬
‫وبعض المفاهيم الخاطئة‪ ،‬ثم تناول طرق تبليغ الدعوة ووسائلها ‪.‬‬
‫وُيراد بها‪ :‬انفتاح الخطاب الدعوي على الناس كافة‪ ،‬دون انغلق بفئة‪ ،‬أو‬
‫انحصار بنخبة ‪ ..‬فالدعوة في طبيعتها للكافة‪ ،‬ل تقتصر على الصفوة من أهل‬
‫حا على جمهور الناس من‬ ‫التدين‪ .‬وقد انطلق خطاب الله الداعي إليه‪ ،‬منفت ً‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫دوا َرب ّك ُ ُ‬ ‫س اعْب ُ ُ‬ ‫أول المر قائل ً لهم‪َ { :‬ياأي َّها الّنا ُ‬
‫ن]‪' }[21‬سورة البقرة'‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫والرسول الكريم إمام الدعاة صلوات الله وسلمه عليه توجه بخطابه الدعوي‬
‫س َل‬ ‫ة ِللناس بشيرا ونذيرا ول َك َ‬ ‫ك إ ِّل َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫كافّ ً ّ ِ َ ِ ً َ َ ِ ً َ ِ ّ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫للناس كافة‪ {:‬وَ َ‬
‫ن]‪' }[28‬سورة سبأ'‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫كلف بالتبليغ والتبيين‪ ،‬أمر أن ينطلق ببيانه للحق‪ ،‬إلى الناس‪ ،‬كما قال‬ ‫ومن ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه]‬‫مون َ ُ‬ ‫س وََل ت َك ْت ُ ُ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ب ل َت ُب َي ّن ُن ّ ُ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ميَثاقَ ال ّ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫تعالى‪ {:‬وَإ ِذ ْ أ َ‬
‫‪'}[187‬سورة آل عمران'‪ .‬إذا لبد أن يرتكز خطاب الدعاة على النفتاحية‪،‬‬ ‫ً‬
‫ينفتح على الناس جميًعا‪ ،‬ول ينغلق على فئة من البشر‪.‬‬
‫أما دعوة بعضهم إلى وجوب القتصار على صفوة راسخة في العلم واليمان‪،‬‬
‫بتخصيص الدعوة فيها‪ ،‬دون جماهير الناس! فهي دعوة ضارة؛ لنها ستعكف‬
‫على علج من صح وسلم‪ ،‬بإهمال الذي يعاين اللم‪ ..‬فالنفتاحية تمّثل ـ والله‬
‫أعلم ـ الفكرة الصائبة‪ ،‬في الدعوة إلى الله‪ ،‬التي سلكها الرسل‪ ،‬وهي التي‬
‫تعكس بحق الواقع السلمي‪.‬‬
‫دا من أهل‬ ‫الدعاة وأهل المعصية‪ :‬الدعاة ل يتجاهل خطابهم الدعوي أح ً‬
‫المعاصي والذنوب‪ ،‬بل إن الدعوة لتتجاوز المذنبين والعاصين من أفراد المة‬
‫المؤمنين‪ ،‬إلى الكفار والملحدين‪.‬‬
‫ومن الناس من يطالب اليوم أن ل نعامل‪ ،‬أو نعاشر‪ ،‬أو ندعو إل أهل الصفوة‬
‫من أهل التدين‪ ،‬وينادي بعضهم أن نهجر أهل المعصية من المؤمنين في كل‬
‫الحوال‪ ..‬وهذا خطأ كبير؛ لن الصواب في أمرهم بالمعروف‪ ،‬ونهيهم عن‬
‫المنكر؛ ذلك‪ ،‬لنك قد تجد أحياًنا مرتكب كبيرة‪ ،‬أو شارب خمر غلبت شهوته‬
‫ونفسه‪ ،‬يحب الله ورسوله‪ ،‬فكيف ُيعزل هذا أو ُيفصل أو ُيهجر؟!‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م كا َ‬ ‫َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫جًل عََلى عَهْدِ الن ّب ِ ّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ب‪ :‬أ ّ‬ ‫طا ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مَر ب ْ ِ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سول اللهِ‬ ‫َ‬ ‫حك َر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫َ‬
‫ماًرا وَكا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُل ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه عَب ْد َ اللهِ وَكا َ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ا ْ‬
‫ما‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ت‬‫شرا َب فَأ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ِ َ ِ ِ َ ْ ً‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ َ ْ ِ َ َ َ ْ َ َ ُ ِ‬ ‫وَ َ َ َ َ َ ّ ِ ّ َ‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫َ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫ما ي ُؤَْتى ب ِهِ فَ َ‬ ‫ما أك ْث ََر َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ال ْعَن ْ ُ‬ ‫قوْم ِ الل ّهُ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫جل ِد َ فَ َ‬ ‫مَر ب ِهِ فَ ُ‬ ‫فَأ َ‬
‫ب الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ت إ ِن ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫والل ّهِ َ‬ ‫م‪َ ':‬ل ت َل ْعَُنوه ُ فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ه' رواه البخاري ‪.‬‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫هكذا هدم رسول السلم ومعلم الدعاة فكرة العزل أو الهجر للمذنبين‪ ،‬حتى‬
‫ل يعين الشيطان عليهم‪.‬‬
‫وهكذا فعل أئمة العلم والدين من بعده صلى الله عليه وسلم‪ :‬فقد روى أبو‬
‫يوسف رحمه الله أن أبا حنيفة النعمان كان له جار‪ ،‬وكان يشرب في الحانة‪،‬‬
‫ثم يرجع بالليل يتغنى ويقول‪:‬‬
‫أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر‬
‫فرجع ذات ليلة فأخذه الطائف فحبسه‪ ،‬ففقد أبو حنيفة صوته فسأل عنه‪،‬‬
‫فقيل له‪ :‬حبسه الطائف‪ ،‬فتكلم فيه أبو حنيفة حتى أطلق‪ ،‬ثم قال له‪ :‬يا‬
‫فتى! رأيتنا أضعناك ‪.‬‬
‫إذا ً فالذي على الداعية الفقيه‪ :‬هو استيعاب مثل هذا المذنب في العمل‬
‫السلمي‪ ،‬باستغلل عواطفه وطاقاته المؤمنة في إحقاق الحق وإبطال‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الباطل‪ ،‬لن في ذلك إتاحة له لتباع ما اقترف من سيئات بحسنات الدفاع‬


‫عن الحق‪.‬‬
‫وقد يكون استيعاب مثل هذا سبًبا لتوبته وصلحه‪ ،‬كما كان من أمر أبي‬
‫محجن الثقفي‪ :‬أتي به سعد بن أبي وقاص يوم القادسية‪ ،‬وقد شرب الخمر‪،‬‬
‫حد فيه مرات متعددة‪ ،‬يقال سبع مرات‪ ،‬فأمر به سعد‪ ،‬فقّيد وأودع‬ ‫وكان قد ُ‬
‫في القصر‪ ،‬فلما رأى أبو محجن الخيول تجول حول حمى القصر‪ ،‬وكان من‬
‫الشجعان البطال‪ ،‬صار يقول‪:‬‬
‫ي وثاقيا‬‫كفى حزًنا أن تدحم الخيل بالقنا وأترك مشدوًدا عل ّ‬
‫م المناديا‬‫ت عناني الحديد وغلقت مصاريع من دوني تص ّ‬ ‫إذا قم ُ‬
‫ل كثير وإخوة وقد تركوني مفرًدا ل أخا ليا‬‫وقد كنت ذا ما ٍ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫ثم قال لبنة حفصة امرأة سعد‪ ] :‬أطلقيني ولك ـ والله علي ـ إن سلمني‬
‫الله أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد‪ ،‬فإن قتلت استرحتم مني[ فحلته‬
‫حتى التقى الناس‪ ،‬وكان بسعد جراحة‪ ،‬فلم يخرج يومئذ إلى الناس‪ ،‬وصعدوا‬
‫به إلى العذيب ينظر إلى الناس‪ ،‬فوثب أبو محجن على فرس لسعد ُيقال له‬
‫حا‪ ،‬فجعل ل يحمل على ناحية من العدو إل هزمهم‪ ،‬وجعل‬ ‫البلقاء‪ ،‬ثم أخذ رم ً‬
‫ما يرونه يصنع‪ ،‬وجعل سعد يقوللضبر ضبر البلقاء‪،‬‬ ‫ِ َ‬ ‫ل‬ ‫ملك‬ ‫الناس يقولون‪ :‬هذا‬
‫هزم العدو رجع أبو‬ ‫والظفر ظفر أبي محجن‪ ،‬وأبو محجن في القيد[ فلما ُ‬
‫دا‪ ،‬بما كان من‬ ‫محجن حتى وضع رجليه في القيد‪ ،‬فأخبرت ابنة حفصة سع ً‬
‫أمره‪ ،‬فقال سعدل والله! ل أضرب اليوم رجل ً أبلى للمسلمين ما أبل لهم[‬
‫ي الحد وأطهر منها‪،‬‬ ‫فخّلى سبيله‪ ،‬فقال أبو محجنقد كنت أشربها إذ يقام عل ّ‬
‫دا[‪.‬‬
‫فأما إذ بهرجتني! فهوالله ل أشربها أب ً‬
‫فرق مهم‪ :‬وفَْرقٌ بين أن تبغض الذنب وبين أن تبغض المذنب؛ لن الذنب ل‬
‫ُيحل ول ُيبيح ُبغض المسلم‪ ،‬والمسلم يجب أن يكون محبوًبا للمسلم‪ ،‬كما أن‬
‫الذنب ل يخرج مرتكبه المسلم من حظيرة السلم‪ ،‬فهذا أبو الدرداء رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬يمّر على رجل قد أصاب ذنًبا‪ ،‬فكانوا يسبونه‪ ،‬فقالرأيتم لو‬
‫وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟[ قالوا‪ :‬بلى! قال فل تسبوا أخاكم‬
‫واحمدوا الله الذي عافاكم![ قالوا‪ :‬أفل تبغضه؟ قال‪ ':‬إنما أبغض عمله‪ ،‬فإذا‬
‫تركه فهو أخي[‪.‬‬
‫هجر الثلثة الذين خلفوا ‪ :‬أما الستدلل لوجوب هجر المذنبين بقصة الثلثة‬
‫خّلفوا وهجر الصحابة رضي الله عنهم مع رسولنا صلى الله عليه وسلم‬ ‫الذين ُ‬
‫ما هجًرا كامل ً فليس هو بدليل عام يصلح إنزاله لكل الزمنة‬ ‫لهم خمسين يو ً‬
‫والمكنة والحوال‪ ،‬فيكون قاعدة عامة مستمرة‪ ،‬وإنما هو من قبيل سنن‬
‫ما ل غير‪.‬‬ ‫العيان ووقائع الحوال‪ ،‬التي تختص بذات الحالة وما كان مثلها تما ً‬
‫خّلفوا ومن كان على حالهم تما ً‬
‫ما‪،‬‬ ‫ودليل تخصيص هذا الهجر في الثلثة الذين ُ‬
‫دون غيرهم ممن شابه أحوالهم من بعض الوجوه‪ ،‬أمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه لو كان الهجر للعاصين لمعصيتهم‪ ،‬فإن بالمدينة يومئذ من هم‬
‫ما‪ ،‬بل كان ممن تخّلف عن تبوك من هو منافق معلوم‬ ‫أعتى من الثلثة جر ً‬
‫النفاق‪ ،‬ومع ذلك لم يهجرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه لم يحدث هجر في تاريخ السلم إل هذه الواقعة‪ ،‬فلم يتكرر مع‬
‫تكرر وتوالي الذنوب والمعاصي ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه حدث في العصر السني في المدينة ما هو أعظم خطًرا وشًرا‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على المسلمين‪ ،‬ومع ذلك لم ُيهجر مرتكبه‪ ،‬وذلك أن الصحابي الجليل حاطب‬
‫بن أبي بلتعة رضي الله عنه قبيل الفتح‪ ،‬كتب إلى مكة ينصحهم بالستعداد‬
‫لجيش محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم مكة‪ ،‬ويكتب إليهم بأسرار جيشه عدًدا وعتاًدا‪ ،‬وفي إعانة أهل الكفر‬
‫على أهل السلم ما ل يخفى على أحد‪ ،‬ومع كل ذلك لما قال عمر رضي الله‬
‫ه‪،‬‬‫ق ُ‬‫ب عُن ُ َ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫ن فَد َعِْني فَِل َ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ه َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬‫ن الل ّ َ‬‫خا َ‬ ‫ل الل ّهِ قَد ْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫عنه‪َ :‬يا َر ُ‬
‫ل ب َد ٍْر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬‫فقال الرسول الداعية القدوة صلى الله عليه وسلم‪ ] :‬ألي ْ َ‬
‫ة أوَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جن ّ ُ ْ‬ ‫م ال َ‬ ‫ت لك ُ ْ‬ ‫جب َ ْ‬ ‫م فَ َ‬
‫قد ْ و َ َ‬ ‫شئ ْت ُ ْ‬
‫ما ِ‬ ‫مُلوا َ‬ ‫ل اع ْ َ‬‫قا َ‬‫ل ب َد ْرٍ فَ َ‬‫ه اط ّل َعَ إ َِلى أهْ ِ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫ل َعَ ّ‬
‫ل الل ّه ورسول ُ َ‬
‫م ‪ .‬رواه البخاري‬ ‫ه أعْل َ ُ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫مَر وََقا َ‬ ‫ت عَي َْنا عُ َ‬ ‫معَ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م[ فَد َ َ‬ ‫فْر ُ‬ ‫قد ْ غ َ َ‬‫فَ َ‬
‫ومسلم وأبوداود والترمذي وأحمد‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أنه‪ :‬ليس من الصواب في شيء أن نجيز للناس هجر كل مذنب‬
‫عاص في المجتمع السلمي‪ ،‬ولكن الحق الصحيح أل يهجر أهل الذنوب‬
‫والمعاصي بقدر ما ُيدعون إلى الخير ويؤمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‪.‬‬
‫استدللت أخرى للهجر يجب توجيهها‪ :‬ول يزال بعضنا يحاول أن يجعل الصل‬
‫هو هجر أصحاب الذنب‪ ،‬وإن كانوا ثابتين على الملة‪ ،‬ويستدلون بوقائع من‬
‫ممارسات للسلف‪ ،‬ومواقف الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وليس المر كما ظنوا‪ ،‬إذ كل ما أثر في أمر الهجر ل يخلو من أربع حالت ‪:‬‬
‫الحالة الولى‪ :‬أن يكن الهجر من قبيل الغضب والعتب في حقوق العشرة أو‬
‫البوة أو الزوجية‪ ،‬كهجران الوالد الولد‪ ،‬والزوج الزوجة‪ ،‬ومن كان في‬
‫معناهما‪ ،‬ولقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهًرا‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يكون الهجر من قبيل العادة العامة والعرف العام‪ ،‬كالذي‬
‫عا‪ ] :‬هجران الحمق قربان عند الله[ رواه الديلمي في مسند‬ ‫ُروي مرفو ً‬
‫الفردوس‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الحالة الثالثة‪ :‬أن يكون الهجر من قبيل هجر المبتدع‪ ،‬وفرق بين المبتدع‬
‫والمذنب‪ ،‬إذ هجر المبتدع سائغ شيًئا ماـ وأقصد بالمبتدع‪:‬صاحب البدعة في‬
‫أصول الدين ل الفروع‪ ،‬كالقدري والمرجئ والمتكلم في القرآن بالخلق‪ ..‬أما‬
‫الفروع فجلها خلفية اجتهادية‪ ،‬ل يحسن النكار فيها‪ ،‬ناهيك عن الهجر‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مَر أ ّ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ّ‬
‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫والمقاطعة‪ ..‬فَعَ ْ‬
‫ضوا فََل‬ ‫ُ‬ ‫ل‪ ] :‬ل ِك ُ ّ ُ‬
‫مرِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َل قَد ََر إ ِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫مِتي ال ّ ِ‬ ‫سأ ّ‬ ‫جو ُ‬ ‫م ُ‬ ‫سو َ‬ ‫جو ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫م[ رواه أبوداود وأحمد‪.‬‬ ‫دوهُ ْ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫ماُتوا فََل ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ت َُعوُدوهُ ْ‬
‫الحالة الرابعة‪ :‬الهجر لصحاب المعصية والذنب‪ ،‬غير أن كل ما روي في هذا‬
‫الهجر قاصر عن الدللة عليه‪ :‬إما لضعفه‪ ،‬أو لتوجيهه‪ ،‬وهو ما تعلق به من‬
‫أراد أن يكون هجر المذنب هو الصل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫دايَ فَ َ‬ ‫ت عََلى أهِْلي وَقَد ْ ت َ َ‬ ‫َ‬
‫قوِني‬ ‫خل ُ‬ ‫ت يَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ق َ‬
‫ش ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ل‪ :‬قَدِ ْ‬ ‫سرٍ َقا َ‬ ‫ن َيا ِ‬ ‫مارِ ب ْ ِ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫عَ ْ‬
‫م ي َُرد ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ فَل ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ّ‬
‫سل ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ت عَلى الن ّب ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ن فَغَد َوْ ُ‬ ‫فَرا ٍ‬ ‫ب َِزعْ َ‬
‫ذا عَن ْك' رواه أبوداود وأحمد‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ب َفاغْ ِ‬ ‫ل‪ ':‬اذ ْهَ ْ‬ ‫ي وََقا َ‬ ‫عَل َ ّ‬
‫وهذا الحديث ضعيف ل ُيحتج به‪.‬‬
‫َ‬
‫ض ُ‬
‫ل‬ ‫ب فَ ْ‬ ‫عن ْد َ َزي ْن َ َ‬ ‫ي وَ ِ‬ ‫حي َ ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫ة ب ِن ْ ِ‬ ‫في ّ َ‬
‫ص ِ‬‫ل ب َِعيٌر ل ِ َ‬ ‫ه‪ :‬اعْت َ ّ‬ ‫ه عَن َْها أن ّ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫قال َت أناَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ظ َهْرٍ فَ َ‬
‫طيَها ب َِعيًرا' فَ َ ْ َ‬ ‫ب‪ ':‬أعْ ِ‬ ‫م ل َِزي ْن َ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬
‫ُ‬
‫ها َذا‬ ‫جَر َ‬ ‫م فَهَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة فَغَ ِ‬ ‫ك ال ْي َُهودِي ّ َ‬ ‫طي ت ِل ْ َ‬ ‫أعْ ِ‬
‫ر‪ .‬رواه أبوداود وأحمد‪.‬‬ ‫ف ٍ‬ ‫ص َ‬ ‫ض َ‬ ‫م وَب َعْ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫م َ‬‫جةِ َوال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ال ْ ِ‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا الحديث ضعيف ل ُيحتج به‪.‬‬


‫خلصة القول في حالت الهجر الجائز‪ :‬وغاية ما يمكن أن ُيقال في قضية‬
‫الهجران‪ ،‬ويتخذ من إجراء فيها‪ ،‬ما قاله شيخ السلم ابن تيمية‪] :‬وهذا الهجر‬
‫يختلف باختلف الهاجرين في قوتهم وضعفهم‪ ،‬وقلتهم وكثرتهم‪ ،‬فإن‬
‫المقصود به زجر المهجور وتأديبه‪ ،‬ورجوع العامة عن مثل حاله‪ ،‬فإن كانت‬
‫المصلحة في ذلك راجحة‪ ،‬بحيث ُيفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته‪ ،‬كان‬
‫عا ‪ ..‬وإن كان ل المهجور ول غيره يرتدع بذلك‪ ،‬بل يزيد الشر‪ ،‬والهجر‬ ‫مشرو ً‬
‫ضعيف‪ ،‬بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر بل‬
‫يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر‪ ،‬والهجر لبعض الناس أنفع من‬
‫التأليف ‪[..‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫انفتاح الخطاب السلمي على أهل الملل والديان‪ :‬ومما ل يقره السلم‬
‫لدعاته‪ :‬أن ينحصر خطابهم فيما بينهم‪ ،‬ول يتعدى المة إلى غيرها من المم‬
‫من أهل الديانات والملل؛ ذلك‪ ،‬أن دعوة السم تتوجه للعالمين لكل قرن‬
‫ن هُوَ إ ِّل ذِك ٌْر‬
‫وأمة في التاريخ‪ ،‬وكل قرية وقوم وملة على وجه الرض‪ {:‬إ ِ ْ‬
‫ك إ ِّل َ‬
‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫ذيًرا‬
‫شيًرا وَن َ ِ‬ ‫س بَ ِ‬ ‫كافّ ً‬
‫ة ِللّنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬
‫ن]‪' }[27‬سورة التكوير'‪{ ..‬وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ل ِل َْعال َ ِ‬
‫َ‬
‫ن]‪' }[28‬سورة سبأ' ‪.‬‬ ‫مو َ‬‫س َل ي َعْل َ ُ‬‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫والمسلم يأمره القرآن أن ل ينغلق بل ينفتح بخطابه ليمتد على العالمين‪،‬‬
‫يبشر بالحق الذي أوتيه‪ ،‬ويحيي حركة السابقين الولين من سلف المة‬
‫الصالحين ومن اتبعهم بإحسان‪ ،‬وقد انطلقوا يبلغون السلم إلى المم‬
‫الخرى‪.‬‬
‫وبهذه المبادئ الباقية ما بقيت السموات والرض انطلق ربعي بن عامر‬
‫رضي الله عنه يواجه بها الطغيان في الرض‪ ..‬يدخل على حاكم الفرس وقد‬
‫زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة‪ ،‬وعليه تاجه‪ ،‬وقد جلس على سرير من ذهب‪،‬‬
‫يدخل عليه ربعي رضي الله عنه بثياب صفيقة‪ ،‬وسيف‪ ،‬وترس وفرس‬
‫قصيرة‪ ،‬ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط‪ ،‬ثم نزل وربطها‬
‫ببعض تلك الوسائد‪ ،‬وأقبل عليه سلحه ودرعه‪ ،‬وبيضته على رأسه يتوكأ على‬
‫رمحه فوق النمارق‪ ،‬فخرق عامتها‪ ،‬فقال له ملكهم‪ :‬ما جاء بكم؟‬
‫فأجاب‪] :‬الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد‪،‬‬
‫ومن ضيق الدنيا إلى سعتها‪ ،‬ومن جور الديان إلى عدل السلم فأرسلنا‬
‫بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه [‪.‬‬
‫دد ربعي رضي الله عنه هدف الدعوة وحدودها‪ ،‬بأن هدفها‪:‬‬ ‫بهذه الكلمات ح ّ‬
‫تحرير البشرية من الغلل الثلثة‪ :‬عبادة غير الله‪ ،‬وضيق الدنيا‪ ،‬وجور الديان‬
‫الباطلة المحرفة ‪ ..‬وبأن حدود الدعوة ومنتهاها‪ :‬العالمين‪ ،‬وخلق الله‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫أشكال الخطاب السلمي‪:‬‬
‫ل‪ :‬خطاب القدوة ‪ :‬وهو أول خطاب يجب أن ُيوجه إلى الناس من أصحاب‬ ‫أو ً‬
‫الدعوات‪ ،‬وحملة الرسالت‪ ،‬وإل فسيبقى الناس في حاجة شديدة لهذا‬
‫الخطاب‪ ،‬مها وجه إليهم من خطاب آخر‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولقد كان النبيون ـ صلوات الله وسلمه عليهم ـ قبل أن يقدموا خطاب ربهم‬
‫للناس‪ ،‬يقدمون لهم أنفسهم فيجد الناس فيهم الصدق والمانة‪ ،‬ويرجون‬
‫منهم‪ ،‬ويتخذونهم أسوة حسنة‪ ،‬قال تعالى في رسولنا صلى الله عليه‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ُ‬
‫ه َوال ْي َوْ َ‬
‫م‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫قد ْ َ‬ ‫وسلم‪ {:‬ل َ َ‬
‫خَر ]‪' }[21‬سورة الحزاب'‪ .‬وقال في النبيين من قبله‪ -‬صلوات الله‬ ‫اْل ِ‬
‫ُ‬
‫م‬‫ه َوال ْي َوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م ِفيهِ ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وسلمه عليهم ‪{:-‬ل َ َ‬
‫خر]‪' }[َ6‬سورة الممتحنة'‪.‬‬ ‫اْل ِ‬
‫لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشخصه وجميع سلوكه‪ ،‬وحسن‬
‫تعامله مع الناس‪ ،‬ترجمة صادقة للداعية الموفق‪ ،‬وأسوة حية لمن يرجو‬
‫ن رواه مسلم وأحمد‪.‬‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل ُ ُ‬
‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫التحقق بالقرآن‪َ ] :‬‬
‫سا من الحوار‪ ،‬وتتخذ‬ ‫ثانًيا‪ :‬خطاب المجادلة‪ :‬إن الدعوات كلها تنطلق أسا ً‬
‫سبيل الجدال في كل أطوارها‪ ،‬ول تتوقف المجادلة إل باعتراض عنيد‬
‫يستوجب إزالته باليد والسيف‪ ،‬ثم تواصل المجادلة سيرها تلزم الحجة‪ ،‬وتقنع‬
‫المرتاب‪ .‬ولقد أكثر الدعاة من الجدل بالحسنى‪ ،‬عبر المرسلين والمتبعين‬
‫جاد َل ْت ََنا‬ ‫ح قَد ْ َ‬ ‫لهم بإحسان‪ ،‬حتى تضايق قوم نوح من جداله‪َ {:‬قاُلوا َياُنو ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن]‪'} [32‬سورة هود'‪.‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ما ت َعِد َُنا إ ِ ْ‬ ‫دال ََنا فَأت َِنا ب ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت ِ‬ ‫فَأك ْث َْر َ‬
‫فالقرآن ينّبه الداعين إليه إلى التزام المجادلة في الدعوة إليه‪ ،‬ويقرنها‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬فيقول تعالى‪ {:‬اد ْع ُ إ َِلى َ‬
‫َ‬
‫ن]‪'} [125‬سورة النحل'‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫م ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫جادِل ْهُ ْ‬ ‫سن َةِ وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫عظ َةِ ال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬‫َوال ْ َ‬
‫ثالًثا‪ :‬خطاب المجاهدة‪ :‬لو أن الناس تقّبلوا الحق حين رأوا أصحابه يعطونهم‬
‫القدوة من أنفسهم‪ ،‬أو بما قام بينهم من حوارات ومجادلت‪ ،‬أو تركوا الدعاة‬
‫يبلغون دين الحق دون الصد عن سبيل الدعوة‪ ،‬لما احتاج المسلم أن ُيشهر‬
‫سيفه‪ ،‬ولكتفى بالمجادلة ‪ ..‬ولكن حال المناقضين للفطرة‪ ،‬من أصحاب‬
‫الجاه والسلطان والمال‪ ،‬أنهم ل يتركون الدعوة تمضي‪ ،‬ول يخلون بين عامة‬
‫الناس وبين اختيارهم بحرية‪ ،‬فيقفون في وجه الدعوة‪ ،‬فعندئذ لبد من إزاحة‬
‫هذه العوائق من على طريق الدعوة‪ ،‬فيتحول خطاب المسلم من المشاكلة‬
‫والستحسان‪ ،‬ومن الحوار والجدال‪ ،‬إلى خطاب السيوف والرماح والنبال‪،‬‬
‫ومن جهاد الجدال إلى جهاد القتال‪ ،‬حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله‪.‬‬
‫مرحلة الصفوية‪ :‬انفتاح الخطاب الدعوي على جماهير الناس‪ ،‬ليس على‬
‫إطلقه‪ ،‬ول يقتضي أن تكون النفتاحية في كل حين وحال‪ ،‬بل لبد من‬
‫الصفوية في مرحلة من مراحل الدعوة‪ ،‬وذلك أن الدعوة ل تنطلق بذاتها‬
‫وإنما يحمل خطابها مؤمنون بها‪.‬‬
‫وهؤلء المؤمنون الوائل‪ ،‬هم الصفوة المقصودة‪ ،‬إذ المصلح‪ ،‬أو الداعي يبدأ‬
‫بفئة متقاربة في اللتزام والطاعة‪ ،‬متقاربة في الفكر والعتقاد والمبادئ‬
‫والهداف‪ ،‬متقاربة في الجتهاد والتبليغ والدعوة‪ ،‬وهؤلء هم الصفوة‪.‬‬
‫وهكذا كان الله سبحانه وتعالى مع الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والرسول‬
‫مع السابقين الولين من صحابته رضوان الله عليهم‪ .‬فالقرآن بدأ بتنشئة‬
‫ّ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ذي‬ ‫ك ال ِ‬ ‫صاحب الدعوة‪ ،‬يهيئ فكره وعقله‪ ،‬مخاطًبا إياهما بـ‪ {:‬اقَْرأ ِبا ْ‬
‫من عَل َق]‪[2‬اقْرأ ْ ورب ّ َ َ‬
‫م]‪' }[3‬سورة العلق'‪.‬‬ ‫ك اْلك َْر ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ِ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫خل َقَ اْل ِن ْ َ‬ ‫ق]‪َ [1‬‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬
‫ص ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه أوِ ان ْ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ل إ ِل قَِليل]‪[2‬ن ِ ْ‬
‫ص َ‬ ‫ثم هيأ روحه ودواخله آمًرا إياه أن ‪ {:‬قُم ِ اللي ْ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قيل]‪[5‬‬ ‫قي عَلي ْك قَوْل ث َ ِ‬ ‫َ‬ ‫سن ُل ِ‬ ‫ن ت َْرِتيًل]‪[4‬إ ِّنا َ‬ ‫قْرَءا َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قَِليًل]‪[3‬أوْ زِد ْ عَل َي ْهِ وََرت ّ ِ‬
‫} 'سورة المزمل'‪.‬‬
‫م فَأ َن ْذِْر]‪[2‬وََرب ّكَ‬ ‫وبعد ذلك هيأ له راية البلغ تبشيًرا وتنذيًرا‪ ،‬فأمره أن‪ {:‬قُ ْ‬
‫جْر]‪' }[5‬سورة المدثر'‪.‬‬ ‫جَز َفاهْ ُ‬ ‫ك فَط َهّْر]‪َ[4‬والّر ْ‬ ‫فَك َب ّْر]‪[3‬وَث َِياب َ َ‬
‫والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدأ مع أهله‪ ،‬ثم أصدقائه‪ ،‬ثم‬
‫عشيرته‪ ،‬ثم انطلق وصدع‪.‬‬
‫وفي أثناء ذلك عكف يرّبي فئة خّيرة سابقت العالمين إلى اليمان به واعتناق‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدين الذين جاء به‪.‬‬


‫ً‬
‫ولقد كان الصحابة الولون مثل في التقوى واللتزام‪ ،‬والتخلق بخلق السلم‪.‬‬
‫من كتاب‪ ':‬من مرتكزات الخطاب الدعوي في التبليغ والتطبيق' للشيخ‪ /‬عبد‬
‫الله الزبير عبد الرحمن‬

‫)‪(4 /‬‬

‫من مزايا الدين السلمي‬


‫أخي الحبيب ‪:‬‬
‫إليك أبعث هذه الرسالة المتواضعة ‪ ،‬من أخ محب ‪ ،‬ومن قلب مشفق ‪ ،‬يكن‬
‫لك التقدير والود والحترام ‪.‬‬
‫أخي ‪:‬‬
‫سبب هذه الرسالة ما يحدث الن من كثرة الطعن في دين السلم ‪ ،‬من‬
‫الكفار ‪ ،‬لعدم معرفتهم بمحاسن هذا الدين العظيم ‪ ،‬ومن جهلة المسلمين ‪،‬‬
‫لجهلهم بمحاسن وسماحة الدين الذي ينتمون إليه ‪ ،‬فيسيؤون إليه من حيث‬
‫ل يعلمون ‪.‬‬
‫لذلك سطرت لك هذه الرسالة التي تبين جزء من عظمة السلم وتعدد‬
‫مزاياه ‪ ،‬وكثرة محاسنه ‪.‬‬
‫وهذا أخي غيض من فيض ‪ ،‬ولكن لعلها تكون عظة وعبرة ‪.‬‬
‫وإليك هذه المزايا فأقول ‪:‬‬
‫‪-1‬ل يوجد دين من الديان يؤاخي العقل والعلم في كل ميدان إل ّ السلم ‪.‬‬
‫‪ -2‬ول يوجد دين روحي مادي إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -3‬ول يوجد دين يدعو إلى الحضارة والعمران إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬ول يوجد دين شهد له فلسفة العالم المتحضر إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -5‬ول يوجد دين يسهل إثباته بالتجربة إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -6‬ول يوجد دين من أصوله اليمان بجميع الرسل والنبياء والكتب اللهية إل‬
‫السلم ‪.‬‬
‫‪ -7‬ول يوجد دين جامع لجميع ما يحتاجه البشر إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -8‬ول يوجد دين فيه من المرونة واليسر الشيء الكثير إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -9‬ول يوجد دين تشهد له الكتشافات العلمية إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -10‬ول يوجد دين صالح لكل المم والزمان إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -11‬ول يوجد دين يسهل العمل به في كل حال إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -12‬ول يوجد دين ل إفراط فيه ول تفريط إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -13‬ول يوجد دين حفظ كتابه المقدس إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -14‬ول يوجد دين صرح كتابه المنزل بأنه عام لكل الناس إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -15‬ول يوجد دين يأمر بجميع العلوم النافعة إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -16‬الحضارة الحاضرة قبس من السلم ‪.‬‬
‫‪ -17‬هذه الحضارة مريضة ول علج لها إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -18‬ما شهد التاريخ حضارة جمعت بين الروح والمادة إل حضارة السلم ‪.‬‬
‫‪ -19‬السلم العالمي ل يتم إل بالسلم ‪.‬‬
‫‪ -20‬ل يوجد دين يسهل إثباته بالتحليل العلمي إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -21‬ل يوجد دين وحد قانون المعاملت بين البشر إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -22‬ل يوجد دين أزال امتياز الطبقات إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -23‬ل يوجد دين حقق العدالة الجتماعية إل السلم ‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -24‬ل يوجد دين ل يشذ عن الفترة في شيء إل ّ السلم ‪.‬‬


‫‪ -25‬ل يوجد دين منع استبداد الحكام وأمر بالشورى إل السلم ‪.‬‬
‫‪ - 26‬ل يوجد دين أمر بالعدالة مع العداء إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -27‬ل يوجد دين بشرت به الكتب السماوية إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -28‬ل يوجد دين أنقذ المرأة في أدوارها ‪ :‬أما ً وزوجة وبنتا ً إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -29‬ل يوجد دين ساوى بين البيض والسود والصفر والحمر إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -30‬ل يوجد دين أمر بالتعليم وحرم كتمان العلم النافع إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -31‬ل يوجد دين قرر الحقوق الدولية إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -32‬ل يوجد دين توافق أوامره ما اكتشفه الطب الحديث إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -33‬ل يوجد دين أنقذ الرقيق من المعاملت الوحشية وأمر بمساواته لسادته‬
‫وحض على إعتاقه إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -34‬ل يوجد دين قرر سيادة العقل والخضوع لحكمة السلم‬
‫‪ -35‬ل يوجد دين ينقذ الفقراء والغنياء بفرض جزء من مال الغنياء يعطى‬
‫للفقراء إل السلم‬
‫‪ -36‬ل يوجد دين قرر من الخلق مقتضى الفطرة والحكمة اللهية ‪ ،‬فللشدة‬
‫موقف وللرحمة موقف إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -37‬ل يوجد دين أمر بالحسان والرفق بجميع الخلق إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -38‬ل يوجد دين قرر أصول الحقوق المدنية على قواعد فطرية إل السلم ‪.‬‬
‫‪ -39‬ل يوجد دين اعتنى بصحة النسان وثروته إل ّ السلم ‪.‬‬
‫‪ -40‬ل يوجد دين أثر في النفوس والخلق والعقول كالسلم ‪.‬‬
‫_______________________________‬
‫كتبها الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي وقال ‪ ) :‬يعجبني أن يكتب بماء‬
‫الذهب وفي سويداء القلوب ( ‪،‬ما قاله عبد الفتاح المام في كتابه )) التفسير‬
‫العصري القديم ((‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من مصطلحات القرآن الكريم الشريعة (‬


‫من المصطلحات المهمة في القرآن الكريم مصطلح )الشريعة( بل إن من‬
‫أسماء سورة الجاثية‪ ،‬أنها سورة )الشريعة(؛ وقد سبق أن أشرنا في مقال‬
‫سابق إلى أن مصطلح )الشريعة( من المصطلحات المرادفة لمصطلح‬
‫)الدين( وإذ كنا قد فصلنا القول في دللة مصطلح )الدين( فلنعطف عليه‬
‫القول ببيان معنى هذا المصطلح‪ ،‬مصطلح )الشريعة( فنقول‪:‬‬
‫ة الماَء‪ ،‬ثم استعير لكل طريقة‬‫)الشريعة( في أصل اللغة‪ :‬هي مورد الشارب ُ‬
‫شْرعة في الدين‪ ،‬والشريعة‪ ،‬قال ‪-‬‬ ‫موضوعة بوضع إلهي ثابت؛ واشتق منه ال ّ‬
‫تعالى ‪} :-‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا{ )المائدة‪ (48 :‬وقال ‪ -‬سبحانه ‪:-‬‬
‫}ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها{ )الجاثية‪ (18 :‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫مها *** وأن البياض من فرائصها دامي‬ ‫ولما رأت أن الشريعة ه ّ‬
‫شَرعت‬ ‫عا؛ والبل الشروع‪ :‬التي َ‬ ‫ت الرمح نحوه إشرا ً‬ ‫ومن الباب‪ :‬أشرع ُ‬
‫قا‪ ،‬إذا أنفذته وفتحته‪ ،‬وشرعت البل‪ ،‬إذا أمكنتها‬ ‫ت طري ً‬ ‫وَرويت؛ ويقال‪ :‬أشرع ُ‬
‫من الشريعة‪ ،‬أي‪ :‬من مورد شرب الماء‪.‬‬
‫مَر به؛ كالصوم‪ ،‬والصلة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ريَعة( و)ال ّ‬ ‫و)ال ّ‬
‫دين وأ َ‬‫ن الله من ال ّ‬‫عة(‪ :‬ما س ّ‬ ‫شْر َ‬ ‫ش ِ‬
‫َ‬
‫والحج‪ ،‬والزكاة‪ ،‬وسائر أعمال البّر‪ ،‬ومنه قوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬ثم جعلناك على‬
‫شريعة من المر فاتبعها{ )الجاثية‪.(18 :‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا{ )المائدة‪ُ (48 :‬روي عن‬
‫ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في تفسير الية‪ ،‬قال‪) :‬الشرعة‪ :‬ما ورد في‬
‫ضا‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫القرآن‪ ،‬والمنهاج‪ :‬ما ورد في السنة( وُروي عنه في معنى الية أي ً‬
‫دين واحد‪،‬‬ ‫جا‪ ،‬ال ّ‬
‫سّنة( وقال قتادة‪ :‬شرعة ومنها ً‬ ‫جا‪ :‬سبيل ً و ُ‬ ‫)شرعة ومنها ً‬
‫ج(‪:‬‬‫منها ُ‬‫دين‪ ،‬و)ال ِ‬‫ة(‪ :‬ال ّ‬ ‫والشريعة مختلفة؛ وقيل في تفسيره‪) :‬ال ّ‬
‫شْرعَ ُ‬
‫دين؛‬‫ق؛ وقيل‪) :‬الشرعة( و)المنهاج( جميًعا‪ :‬الطريق‪ ،‬والطريقُ ههنا‪ :‬ال ّ‬ ‫الطري ُ‬
‫ة( معناها‪ :‬اب ِْتداُء الطريق‪ ،‬و)المنهاج(‪ :‬الطريق المستقيم‬ ‫شْرعَ ً‬ ‫وقال بعضهم‪ِ ) :‬‬
‫والواضح‪.‬‬
‫وقوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها{ )الجاثية‪(18 :‬‬
‫مّلة ومنهاج؛ وقال بعضهم‪} :‬على شريعة{ أي‪ :‬على‬ ‫قال الفراء‪ :‬على دين و ِ‬
‫َ‬ ‫ب؛ ومنه يقال‪َ :‬‬
‫شَرع َ فلن في كذا وكذا‪ِ ،‬إذا أخذ فيه؛ ويقال‪ :‬فلن‬ ‫مذ ْهَ ٍ‬‫مثال و َ‬ ‫ِ‬
‫دين‪،‬‬ ‫ملَته‪ ،‬كل ذلك من شرعة ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫مت َ ّ‬
‫ل ِ‬ ‫ه‪ ،‬وي َ ْ‬ ‫ْ‬
‫فت َط ُِر فِطَرت َ ُ‬ ‫ه‪ ،‬وي َ ْ‬ ‫شْرعَت َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫شت َرِع ُ ِ‬
‫ملته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وفطرته‪ ،‬و ِ‬
‫سّنه؛ وفي التنزيل العزيز‪} :‬شرع لكم من‬ ‫عا‪َ :‬‬ ‫شْر ً‬ ‫ه َ‬ ‫شَرعُ ُ‬ ‫دين ي َ ْ‬ ‫شَرع( ال ّ‬ ‫و) َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الدين ما وصى به نوحا{ )الشورى‪ (13 :‬قال ابن العرابي‪} :‬شرع( أي‪:‬‬
‫َأظهر‪ ،‬وقال في تفسير قوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن‬
‫به الله{ )الشورى‪ (21 :‬قال‪َ :‬أظهروا لهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ -‬تعالى ‪ -‬في قصة أصحاب السبت‪} :‬إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم‬
‫شرعا{ )العراف‪ (163 :‬قيل في تفسيره‪ :‬إنها الرافعة رؤوسها‪ ،‬ومنه‬
‫ي‪ ،‬أي‪ :‬طويل‪.‬‬ ‫شراع ّ‬ ‫قولهم‪ :‬رمح ُ‬
‫على أن من المصطلحات القرآنية المرادفة لمصطلح الشريعة ‪ -‬مع فروق‬
‫ُتنظر في مظانها ‪ -‬مصطلح )الملة( وهو مصطلح قرآني آخر‪ ،‬يتقاطع مع‬
‫مصطلح )الشريعة( في معان‪ ،‬ويفارقه في أخرى‪.‬‬
‫‪12/09/2005‬‬
‫‪ http://www.islamweb.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من مظاهر إنسانية الرسول في فتح مكة‬


‫أ‪.‬د‪/‬‬
‫جابر قميحة‬
‫‪komeha@menanet.net‬‬
‫ما ظل النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يدعو قومه إلى‬ ‫ً‬ ‫عا‬ ‫على مدى ثلثة عشر‬
‫الدين الحق‪ ،‬ولم يستجب إليه إل القليل‪ ،‬وكان أغلبهم من الفقراء والعبيد‬
‫مل الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬هو وأصحابه من‬ ‫والمستضعفين‪ ،‬وتح ّ‬
‫الذى ما يفوق طاقة البشر إلى أن أذن الله له وللمسلمين بالهجرة‪ ،‬وفي‬
‫ة تقوم على الحق والخير‬ ‫المدينة أقام النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬دول ً‬
‫والخوة والبر والرحمة والنسانية‪ ،‬وكان بينه وبين قريش معارك ضارية‪،‬‬
‫انتصر في أغلبها إلى أن كان صلح الحديبية في العام السادس من الهجرة‪..‬‬
‫ومن نصوصه‪ :‬قيام هدنة لعشر سنوات‪ ،‬وإعطاء الحق للقبائل في الدخول‬
‫حلف أحد الطرفين؛ فدخلت قبيلة )بكر ) في حلف قريش‪ ،‬ودخلت قبيلة‬ ‫في ِ‬
‫شا أغرت رجال‬ ‫حلف النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ولكن قري ً‬ ‫)خزاعة( في ِ‬
‫)بكر( بـ)خزاعة(‪ ،‬وحرضتهم عليهم‪ ،‬واشتركوا معهم في قتل رجال من‬
‫)خزاعة ) غدًرا؛ فانطلق "عمرو بن سالم الخزاعي" إلى رسول الله‪ -‬صلى‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عليه وسلم‪ -‬وأنشد بين يديه شعًرا يشرح فيه غدر قريش وخيانتها‬
‫ونقضها لعهد الحديبية‪ ،‬فقال‪ُ" :‬نصرت يا عمرو بن سالم"‪.‬‬
‫وأمر‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بالزحف إلى مكة‪ ،‬فغادر الجيش السلمي‬
‫المدينة في العاشر من رمضان سنة ‪ 8‬هجرية‪ ،‬ودخل النبي‪ -‬صلى الله عليه‬
‫ة في مطالع السبوع الخير من‬ ‫وسلم‪ -‬وجيشه (الذي بلغ عشرة آلف( مك َ‬
‫رمضان‪.‬‬
‫ومن المدينة إلى مكة نواكب أعمال الرسول‪ -‬عليه السلم‪ -‬وأقواله‪ ،‬فنجدها‬
‫دا عن الصلف والغرور‬ ‫جميًعا‪ -‬دون استثناء‪ -‬تتدفق بالنسانية الحانية‪ ،‬بعي ً‬
‫ومشاعر النتشاء التي تستبد بالقادة في مواقف النصر‪ ،‬ونشير في هذه‬
‫العجالة إلى بعض المواقف النبوية النسانية‪:‬‬
‫مى بـ"الكتيبة الخضراء" أو "كتيبة‬ ‫لقد كان ضمن الجيش الزاحف ما ُيس ّ‬
‫الحديد" ‪ -‬وهي كما نسميها اليوم ‪" -‬الكتائب المدرعة" ‪ ،‬وكان عليها "سعد‬
‫هو‪ ،‬فصاح‪" :‬اليوم يوم الملحمة‪ ،‬اليوم‬ ‫بن عبادة" الذي أخذه شيء من الّز ْ‬
‫شا"‪ ،‬فغضب النبي‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫حل الحرمة‪ ،‬اليوم أذل الله قري ً‬ ‫ُتست َ‬
‫وسلم‪ -‬وأعطى الراية لـ"علي بن أبي طالب"‪ ،‬وقال"ل يا سعد‪ ،‬بل اليوم يوم‬
‫شا"‪ ،‬وبينما كان الجيش‬ ‫دس الحرمة‪ ،‬اليوم أعز الله قري ً‬ ‫المرحمة‪ ،‬اليوم ُتق ّ‬
‫يزحف إلى مكة رأى )كلبة( ُترضع أولدها‪ ،‬فخشى أن َيسحقها الزاحفون دون‬
‫رض لها أحد‬ ‫أن يشعروا‪ ،‬فأمر "جعيل بن سراقة" أن يقوم حذاءها ؛ حتى ل يعْ ِ‬
‫من الجيش ول لولدها ‪ ،‬وأمر المسلمين أن يدخلوا مكة بروح الموادعة‬
‫والرحمة والمسالمة بل قتال‪.‬‬
‫ووسع الملذ لمن يريد المان من المشركين فأعلن‪ -‬صلى الله عليه وسلم "‬
‫‪ -‬من دخل داره فهو آمن‪ ،‬ومن دخل البيت الحرام فهو آمن‪ ،‬ومن دخل دار‬
‫أبي سفيان فهو آمن"‪.‬‬
‫ودخل مكة في تواضع عجيب؛ حيث كان يركب ناقته القصواء وقد أحنى‬
‫ل من شدة التواضع‪،‬‬ ‫رأسه على َرحله تواضًعا‪ ،‬حتى كادت تمس لحيته الرح َ‬
‫وهو يقول‪" :‬ل عيش إل عيش الخرة‪."...‬‬
‫وأراد "فضالة بن عمير الليثي" أن يغتال النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أثناء‬
‫طوافه‪ ،‬فكشف الله للنبي خبيئته‪ ،‬وعفا عنه بعد أن أعلن إسلمه‪ ،‬ودعا له‬
‫بالخير‪.‬‬
‫حجابة لهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫تكون‬ ‫بأن‬ ‫وجهه‪-‬‬ ‫الله‬ ‫كرم‬ ‫طالب"‪-‬‬ ‫أبى‬ ‫بن‬ ‫"علي‬ ‫عرض‬ ‫ورفض‬
‫وقد انتزع "علي"‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬مفتاح الكعبة من "عثمان بن طلحة"‪-‬‬
‫سادنها في الجاهلية‪ -‬فأخذ النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬المفتاح‪ ،‬وأعاده‬
‫لـ"عثمان"‪ ،‬وأبقى سدانة البيت له ولقومه‪ ،‬وقال‪" :‬هاك مفتاحك يا عثمان‪،‬‬
‫فاليوم يوم بر ووفاء"‪ ،‬وأعلن العفو العام عن قريش بمقولته الكريمة‬
‫المشهورة‪" :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء"‪.‬‬
‫ل القيم النسانية العليا‪" :‬أيها الناس‪ ،‬لقد‬ ‫وأعلن في خطابه لهل مكة أصو َ‬
‫ي‬‫أذهب الله عنكم نخوة الجاهلية‪ ,‬وتعظمها بآبائها؛ فالناس رجلن‪ :‬ب َّر تق ّ‬
‫كريم على الله‪ ,‬وفاجر شقي هين على الله‪ ،‬والناس بنو آدم‪ ،‬وخلق الله آدم‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫شُعوًبا وَقََبائ ِ َ‬
‫ل‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫من ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬‫كم ّ‬ ‫قَنا ُ‬ ‫خل َ ْ‬‫س إ ِّنا َ‬ ‫من تراب‪َ? ...‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫م‪) ?..‬الحجرات ‪.13 :‬‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫عن ْد َ اللهِ أ َت ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫ل ِتعارُفوا إ َ‬
‫ن أك َْر َ‬
‫ِ ّ‬ ‫ََ َ‬
‫حا حقيقّيا لفاق من الخير والحقّ والبر والنور‬ ‫قا‪ ،‬لقد كان فتح مكة فت ً‬ ‫ح ّ‬
‫والنسانية ‪.‬‬
‫إنسانية شاملة أصيلة‪:‬‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حا كان مثال للبر والوفاء‬ ‫وحينما دخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة فات ً‬
‫والعفو عند المقدرة‪ ،‬وفتح صدره لجميع من تحدثوا إليه‪ ،‬ومن الوقائع‬
‫الطريفة في هذا المجال أن ـ سراقة بن مالك ـ الذي كان قد وعده النبي ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ سواري كسرى وهو يلحق الرسول ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ وأبا بكر في طريق الهجرة‪ ،‬تحدث إليه سراقة مذكًرا إياه بما وعد‬
‫فقال ـ عليه الصلة والسلم ـ ‪" :‬نعم هذا يوم وفاء وبر‪ ،‬أدنوه‪ ،‬فأدنوه منه‬
‫فأسلم‪ ،‬وسأله‪ :‬يا رسول الله إن الضالة من البل تغشى حياض ماء وقد‬
‫ملتها لبلي فهل لي في ذلك أجر؟ إن تركتها تشرب من حياضي وليست‬
‫ملكي"‪ .‬فقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬نعم في كل ذات كبد حرى أجر"‪.‬‬
‫وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستطيع أن يضرب أعناق )مجرمي الحرب(‬
‫من رءوس قريش‪ ،‬الذين قتلوا أصحابه‪ ،‬وصادروا أموالهم‪ ،‬وخانوا وغدروا‪،‬‬
‫وألبوا عليه العرب‪ ،‬ولكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان منطقه النساني هو‬
‫الحاكم والمهيمن‪.‬‬
‫وصفة النسانية في رسول الله إنما تمثل طابًعا متجذًرا أصيل ً شامل‪ ،‬ومنها‬
‫تنبع قائمة القيم المحمدية‪ :‬فهو رحيم ‪ ,‬وصفه ربه بصفتين من صفاته إذ قال‬
‫حَرم‬ ‫)بالمؤمنين رءوف رحيم( ‪ ,‬وهو القائل" من ل يرحم ل يرحم"‪ ،‬وهو الذي َ‬
‫القرع بن حابس أن يوليه على أموال بني تميم ؛ لنه اكتشف أنه يقسو على‬
‫أبنائه إذ قال حينما رأى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقبل الحسن ابن‬
‫دا منهم فقال له‬ ‫علي‪ :‬يا رسول الله إن لي عشرة من الولد ما قّبلت واح ً‬
‫ما بالحيوان‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تلي لنا أمرا"‪ .‬وكان رحي ً‬
‫فقال‪" :‬إن الله كتب الحسان على كل شيء‪ ،‬فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة‪ ،‬وإذا‬
‫ذبحتم فأحسنوا الذبحة‪ ،‬وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته"‪.‬‬
‫ما منطقه "اذهبوا فأنتم الطلقاء" و "اللهم اغفر لقومي فإنهم ل‬ ‫وكان حلي ً‬
‫يعلمون"‪ .‬وكان وفًيا يذكر خديجة بعد موتها ويتحدث عنها بما يرفع من شأنها‬
‫أمام زوجاته‪ ،‬ويحسن لكل من كانت تحبهم خديجة ‪ .‬وكان متواضًعا حتى قال‬
‫ل ارتعش في حضرته‪" :‬هون عليك‪ ،‬فلست بجبارٍ ول ملك‪ ،‬إنما أنا ابن‬ ‫لرج ٍ‬
‫امرأة كانت تأكل القديد"‪ .‬وقد ذكرنا آنفا أنه لما دخل مكة كان يركب ناقته‬
‫القصواء‪ ،‬وقد أحنى رأسه على رحله تواضًعا حتى كادت لحيته تمس الرح ْ‬
‫ل‬
‫من شدة التواضع‪ ،‬وهو يقول‪" :‬ل عيش إل عيش الخرة"‪ .‬ومن قبل كان‬
‫يشارك أصحابه في حفر الخندق حتى كان الغبار يغطي وجهه الشريف‪ ،‬كما‬
‫كان يشاركهم رجزهم‪ ،‬ويرفع صوته بالرجز معهم‪ ،‬وهو يشبه في وقتنا‬
‫الحاضر الغنيات العفوية التي يغنيها البناءون أثناء عملهم حتى يخففوا عن‬
‫أنفسهم شدة العمل‪.‬‬
‫ويطول بنا المسار لو رحنا نستعرض قائمة القيم المحمدية‪ ،‬ولكنا نقول إنها‬
‫طوابع نفسية وخلقية‪ ،‬وعقلية‪ ،‬وروحية نابعة من معين "النسانية" الصيلة‬
‫المتجذرة؛ لن الله سبحانه وتعالى أدبه فأحسن تأديبه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من مظاهر موالة الكفار‬


‫أخي الحبيب ‪:‬‬
‫هذه كلمات أوجهها لك من قلب صادق يحب لك الخير ‪ ،‬في موضوع عمت به‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البلوى بين المسلمين ‪ ،‬وأحببت أن تكون بعيدا عنه‪ ،‬لهذا كتبت لك هذه‬
‫الرسالة ‪.‬‬
‫أخي إن ‪:‬‬
‫‪ -1‬من مظاهر موالة الكفار التشبه بهم في الملبس والكلم وغيرهما لن‬
‫التشبه بهم في الملبس والمأكل وغيرهما يدل على محبة المتشبه للمتشبه‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪)) -‬من تشبه بقوم فهو منهم(( ‪.‬‬ ‫به ‪ ،‬ولهذا قال النب ّ‬
‫فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم ومن عاداتهم وعباداتهم‬
‫وسمعتهم وأخلقهم كحلق اللحى وإطالة الشوارب والرطانة بلغتهم إل ّ عند‬
‫الحاجة وفي هيئة اللباس والكل والرب وغير ذلك ‪.‬‬
‫‪ -2‬من مظاهر موالة الكفار القامة في بلدهم وعدم النتقال منها إلى بلد‬
‫المسلمين لجل الفرار بالدين لن الهجرة بهذا المعنى ولهذا الغرض واجبة‬
‫على المسلم لن إقامته في بلد الكفر تدل على موالة الكافرين ‪ -‬ومن هنا‬
‫حرم الله إقامة المسلم بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة قال تعالى }إن‬
‫الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين‬
‫في الرض قالوا أو لم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم‬
‫جهنم وساءت مصيرا إل ّ المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان الذين ل‬
‫يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله‬
‫عفوا غفورا{ ‪ .‬فلم يعذل الله في القامة في بلد الكفار إل ّ المستضعفين‬
‫الذين ل يستطيعون الهجرة ‪.‬‬
‫وكذلك من كان في إقامته مصلحة دينية كالدعوة إلى الله ونشر السلم في‬
‫بلدهم ‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن مظاهر موالة الكفار السفر إلى بلدهم لغرض النزهة ومتعة‬
‫النفس ‪ ،‬والسفر إلى بلد الكفار محرم إل ّ عند الضرورة ‪ -‬كالعلج والتجارة‬
‫والتعلم للتخصصات النافعة التي ل يمكن الحصول عليها إل ّ بالسفر ‪ -‬فيجوز‬
‫بقدر الحاجة ‪ ،‬وإذا انتهت الحاجة وجب الرجوع إلى بلد المسلمين ‪.‬‬
‫ويشترط كذلك لجواز السفر أن يكون مظهرا لدينه معتزا ً بإسلمه مبتعدا عن‬
‫ً‬
‫مواطن الشر حذرا ً من دسائس العداء ومكائدهم ‪ ،‬وكذلك يجوز السفر أو‬
‫يجب إلى بلدهم إذا كان لجل الدعوة إلى الله ونشر السلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬ومن مظاهر موالة الكفار إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين ومدحهم‬
‫والذب عنهم ‪ ،‬وهذا ‪ -‬من نواقض السلم وأسباب الردة ‪ -‬نعوذ بالله من ذلك‬
‫‪.‬‬
‫‪ -5‬ومن مظاهر موالة الكفار الستعانة بهم والثقة بهم وتوليتهم المناصب‬
‫التي فيها أسرار المسلمين واتخاذهم بطانة ومستشارين ‪ ،‬قال الله تعالى }يا‬
‫أيها الذين آمنوا ل تتخذوا بطانة من دونكم ل يألونكم خبال ودوا ما عنتم قد‬
‫بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم اليات إن‬
‫كنتم تعقلون ها أنتم أولء تحبونهم ول يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا‬
‫لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم النامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم‬
‫إن الله عليم بذات الصدور إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة‬
‫يفرحوا بها{ ] آل عمران ‪. [ 120 - 118 :‬‬
‫فهذه اليات الكريمات تشرح دخائل الكفار وما يكنونه نحو المسلمين من‬
‫بغض وما يدبرونه ضدهم من مكر وخيانة وما يحبونه من مضرة المسلمين‬
‫وإيصال الذى إليهم بكل وسيلة وأنهم يستغلون ثقة المسلمين بهم‬
‫فيخططون للضرار بهم والنيل منهم ‪.‬‬
‫روى المام أحمد عن أبي موسى الشعري رضي الله عنه قال ‪ :‬قلت لعمر‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رضي الله عنه ‪ :‬لي كاتب نصراني ‪ .‬قال ‪ :‬مالك قاتلك الله ‪ .‬أما سمعت الله‬
‫يقول }يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء‬
‫بعض{ أل اتخذت حنيفا ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ل أكرمهم إذ أهانهم الله ‪ ،‬ول أعزهم إذ أذلهم الله ‪ ،‬ول أدنيهم وقد‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫أقصاهم الله ‪ .‬وروى المام أحمد ومسلم أن النب ّ‬
‫خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين فلحقه عند الحرة فقال ‪ :‬إني أردت‬
‫أن أتبعك وأصيب معك ‪ ،‬قال ‪)) :‬تؤمن بالله ورسوله(( ؟ قال ل ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫))ارجع فلن أستعين بمشرك(( ‪.‬‬
‫ومن هذه النصوص يتبين لنا تحريم تولية الكفار أعمال المسلمين التي‬
‫يتمكنون بواسطتها من الطلع على أحوال المسلمين وأسرارهم ويكيدون‬
‫لهم بإلحاق الضرر بهم ومن هذا وقع في هذا الزمان من استقدام الكفار إلى‬
‫بلد المسلمين ‪ -‬بلد الحرمين الشريفين ‪ -‬وجعلهم عمال ً وسائقين‬
‫ومستخدمين ومربين في البيوت وخلطهم مع العوائل أو خلطهم مع‬
‫المسلمين في بلدهم ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -5‬ومن مظاهر موالة الكفار التأريخ بتاريخهم ‪ -‬خصوصا ً التاريخ الذي يعبر‬
‫عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلدي والذي هو عبارة عن ذكرى مولد‬
‫المسيح عليه السلم ‪ ،‬والذي ابتدعوه من أنفسهم وليس هو من دين المسيح‬
‫عليه السلم فاستعمال هذا التاريخ فيه مشاركة في إحياء شعارهم وعيدهم ‪،‬‬
‫ولتجنب هذا لما أراد الصحابة رضي الله عنهم وضع تاريخ للمسلمين في عهد‬
‫عمر رضي الله عنه عدلوا عن تواريخ الكفار وأرخوا بهجرة الرسول ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬مما يدل على وجوب مخالفة الكفار في هذا وفي غيره مما‬
‫هو من خصائصهم ‪ -‬والله المستعان ‪.‬‬
‫‪ -6‬ومن مظاهر موالة الكفار مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في‬
‫إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها ‪ -‬وقد فسر قوله سبحانه‬
‫وتعالى }والذي ل يشهدون الزور{ أي ومن صفات عباد الرحمن أنهم ل‬
‫يحضرون أعياد الكفار ‪.‬‬
‫‪ -7‬ومن مظاهر موالة الكفار مدحهم والشادة بما هم عليه من المدنية‬
‫والحضارة والعجاب بأخلقهم ومهاراتهم دون نظر إلى عقائدهم الباطلة‬
‫ودينهم الفاسد قال تعالى }ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم‬
‫زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى{ وليس معنى ذلك أن‬
‫المسلمين ل يتخذون أسباب القوة من تعلم الصناعات ومقومات القتصاد‬
‫المباح والساليب العسكرية ‪ ،‬بل ذلك مطلوب قال تعالى }وأعدوا لهم ما‬
‫استطعتم من قوة{ وهذه المنافع والسرار الكونية هي في الصل للمسلمين‬
‫قال تعالى }قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل‬
‫هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة{ وقال تعالى }وسخر‬
‫لكم ما في السموات وما في الرض جميعا منه{ وقال تعالى }هو الذي خلق‬
‫لكم ما في الرض جميعا{ ‪ .‬فالواجب أن يكون المسلمون سباقين إلى‬
‫استغلل هذه المنافع وهذه الطاقات ول يستجدون الكفار في الحصول‬
‫عليها ‪ ،‬يجب أن يكون لهم مصانع وتقنيات ‪.‬‬
‫‪ -8‬ومن مظاهر موالة الكفار التسمي بأسمائهم ‪ -‬بحيث يسمون أبناءهم‬
‫وبناتهم بأسماء أجنبية ويتركون أسماء آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫والسماء المعروفة في مجتمعهم وقد قال النب ّ‬
‫))أحب السماء إلى الله عبدالله وعبدالرحمن(( ‪ .‬وبسبب تغيير السماء فقد‬
‫وجد جيل يحمل أسماء غربية ‪ ،‬مما يسبب النفصال بين هذا الجيل والجيال‬
‫السابقة ويقطع التعارف بين السر التي كانت تعرف بأسمائها الخاصة ‪.‬‬
‫‪ -9‬من مظاهر موالة الكفار الستغفار لهم والترحم عليهم وقد حرم الله‬
‫ذلك بقوله تعالى }ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو‬
‫كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم{ لن هذا يتضمن‬
‫حبهم وتصحيح ما هم عليه)‪. (1‬‬
‫‪----------------------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬نقل عن مجلة الدعوة الصادرة يوم ‪17/8/1408‬هـ بعدد ‪.1136‬مقال‬
‫بقلم الشيخ ‪ /‬صالح بن فوزان الفوزان ـ بتصرف ـ ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من معالم الحضارة السلمية في فلسطين‬


‫)الشبكة السلمية( الدكتور مروان خلف ‪ -‬اليسيسكو‬
‫أصدرت المنظمة السلمية للتربية والعلوم والثقافة )إيسيسكو( كتابا جديدا‬
‫بعنوان )من معالم الحضارة السلمية في فلسطين( لمؤلفه الدكتور مروان‬
‫خلف الستاذ بالمعهد العالي للثار السلمية في جامعة القدس‪.‬‬
‫ويبرز الكتاب المكانة السامية لفلسطين عند المسلمين ‪ ،‬ويستعرض الطوار‬
‫ري لها في السنة الخامسة عشرة‬ ‫م ِ‬
‫التاريخية التي تعاقبت عليها منذ الفتح العُ َ‬
‫للهجرة )‪636‬م( ‪ ،‬مرورا بعهود المويين والعباسيين والفاطميين واليوبيين‬
‫والمماليك فالعثمانيين ‪ ،‬حيث كانت فلسطين من سنة ‪922‬هـ )‪1516‬م( إلى‬
‫سنة ‪1337‬هـ)‪1918‬م( جزءا من الدولة العثمانية إلى أن أخضعت بموجب‬
‫قرار عصبة المم للنتداب البريطاني في عام ‪1918‬م ‪ ،‬وإنتهاء بالحتلل‬
‫الصهيوني لها ‪ ،‬وقيام إسرائيل على أرضها في عام ‪1948‬م ‪ ،‬ثم احتلل‬
‫القدس والضفة الغربية من طرف سلطات الحتلل السرائيلية في عام‬
‫‪1967‬م ‪.‬‬
‫ويعرض المؤلف للعمارة السلمية في فلسطين في استفاضة ‪ ،‬فيعرف بها‬
‫في نسق دقيق ‪ ،‬وتتمثل العمارة السلمية في المساجد والجوامع والخانات‬
‫والزوايا والتكايا والربطة والقلع والسوار والجسور والحمامات ‪ ،‬إضافة إلى‬
‫الخوانق والسبلة والمنشآت المائية ‪.‬‬
‫ويبدأ المؤلف بمسجد القبة المشرفة التي يصفها بأنها إحدى أهم المعالم‬
‫المعمارية السلمية في العالم ثم المسجد القصى المبارك ‪ ،‬الذي هو القبلة‬
‫الولى للمسلمين وثاني مسجد بني لعبادة الله وحده وثالث الحرمين‬
‫الشريفين ‪ ،‬ثم مسجد عمر بن الخطاب الذي أقيم على المكان الذي صلى‬
‫فيه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عندما فتح القدس‬
‫فالمسجد البراهيمي في الخليل ‪.‬‬
‫ثم يعرض المؤلف لمساجد وجوامع كثيرة في فلسطين ‪ ،‬منها مسجد الشيخ‬
‫علي البكاء في الخليل والجامع البيض في الرملة وجامع الجزار في عكا‬
‫والجامع الكبير في جنين والجامع الحمر في صفد وجامع البحر في عكا‬
‫والمسجد الكبير في طبريا والجامع العمري الكبير وجامع السيد هاشم في‬
‫غزة ومسجد النصر في حيفا والجامع الكبير في يافا ‪.‬‬
‫فيعرف بها من الناحيتين التاريخية والمعمارية الفنية ‪ ،‬وينشر صورا وتصاميم‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هندسية لها على النحو الذي يقدم صورة شاملة للمظاهر العمرانية الشاهدة‬
‫على ازدهار الحضارة السلمية في فلسطين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من معاني السماء ‪...‬‬


‫محمد حسنين مخلوف ‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫هذا شرح موجز‪ ،‬وتعريف يسير‪ ،‬لبعض أسماء الله الحسنى‪ ،‬وهو مأخوذ من‬
‫كتاب قّيم للشيخ محمد حسنين مخلوف ـ رحمه الله‪.‬‬
‫م على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد‪ ,‬وهو أعظم‬ ‫الله‪ :‬عَل َ ٌ‬
‫أسمائه تعالى لدللته على الذات العلية الجامعة لكل صفات اللوهية المنعوتة‬
‫بنعوت الربوبية‪ ،‬المنفردة بالوحدة في الذات والصفات والفعال المعبودية‬
‫بحق‪،‬فل إله إل الله ‪ ،‬ول رب سواه‪ ،‬ولمعبود بحق إل هو‪ ،‬وهو اسم انفرد به‬
‫م به غيره أصل ً كما ذكره المامان أبو حنيفة والشافعي‬ ‫س ّ‬ ‫سبحانه فلم ي ُ َ‬
‫والجمهور‪ ،‬وغيره من السماء صفات له عز وجل تجري عليه وتدل على‬
‫المعاني الثابتة له تعالى‪ ،‬كالحياة والعلم والقدرة على وجه الكمال‬
‫م ? ‪] ...‬البقرة‪? ،[255:‬‬ ‫قّيو ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه ل َ إ ِل َ َ‬
‫والتقديس‪ .‬قال تعالى‪ ? :‬الل ّ ُ‬
‫ن إ ِل َ ٍ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫َْ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬
‫كم ّ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬
‫ض ? ‪] ...‬النور‪ ? ،[35:‬اعْب ُ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ه ُنوُر ال ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫غَي ُْره ُ ? ‪] ...‬العراف‪.[59:‬‬
‫الرحمن الرحيم‪ :‬اسمان عربيان له تعالى‪ ،‬من الرحمة‪ ،‬وهي تقتضي التفضل‬
‫والحسان‪ ،‬ويراد بها غايتها‪ ،‬وهي إرادة إيصال الخير والثواب لمن يشاء من‬
‫ل‪ ،‬أو هي إيصال الخير لهم ودفع الشر عنهم فيما‬ ‫عباده‪ ،‬ودفع الشر عنهم أز ً‬
‫ل يزال‪ ،‬وعلى الول يكون الرحمن والرحيم من صفات الذات‪ ،‬وعلى الثاني‬
‫من صفات الفعل‪.‬‬
‫ومعناهما‪ :‬الرحمن بما ستر في الدنيا وأفاض من الخير على المحتاجين من‬
‫عباده‪ ،‬والرحيم بما غفر في العقبى وجاد بالفضل والنعام على العباد‪ ،‬أو‬
‫سئل أعطى‪ ،‬والرحيم الذي إذا لم ُيسأل يغضب‪ ،‬أو الرحمن‬ ‫الرحمن الذي إذا ُ‬
‫بإزالة الكروب والعيوب‪ ،‬الرحيم بإنارة القلوب بالغيوب‪ ،‬أو الرحمن لتعليم‬
‫ن‬
‫م ُ‬‫ح َ‬‫القرآن‪ ،‬والرحيم للمؤمنين بتشريف التسليم والتكريم‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬الّر ْ‬
‫حيم ٍ ?‬ ‫ب ّر ِ‬ ‫من ّر ّ‬ ‫م قَوْل ً ِ‬ ‫سَل ٌ‬ ‫ن ? ‪] ...‬الرحمن‪ ،[2 ، 1 :‬وقال‪َ ? :‬‬ ‫قْرآ َ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫?‪ ?1‬عَل ّ َ‬
‫‪] ...‬يس‪ ،[58:‬أو الرحمن الرحيم بكل ذلك وهو الولى‪.‬‬
‫والرحمن عند الكثر أبلغ من الرحيم‪ ،‬ولذا اشتهر في الدعاء) يا رحمن الدنيا‬
‫ورحيم الخرة(‪ ،‬ومعلوم أن رحمته تعالى في الدنيا شاملة للمؤمن والكافر‪،‬‬
‫والصالح والطالح‪ ،‬وذلك بإيصال الرزق‪ ،‬وخلق الصحة‪ ،‬ودفع السقام‬
‫والمصائب‪ ،‬بخلف رحمته في الخرة فإنها مختصة بالمؤمنين‪ ،‬وفي الثر عن‬
‫عيسى ـ عليه السلم ـ أنه قال‪) " :‬الرحمن رحمن الدنيا والخرة والرحيم‬
‫رحيم الخرة( " ‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد اختص الله تعالى باسم الرحمن فلم يسم به غيره جاهلية وإسلما كما‬
‫اختص بلفظ الجللة‪.‬‬
‫القدوس‪ :‬المنزه عن سمات النقص والعيوب وموجبات الحدوث أو من‬
‫تقدست عن الحاجات ذاته وتنزهت عن الفات صفاته‪ ،‬أو من تقدس عن‬
‫مكان يحويه وعن زمان يبليه مشتق من القدس وهو الطهارة والنزاهة؛ ولذا‬
‫يقال ] البيت المقدس [ أي المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب‪ ،‬وقيل لمير‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوحي جبريل ـ عليه السلم ـ روح القدس لطهارته من العيوب في تبليغ‬


‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫الوحي إلى الرسل ـ عليهم السلم ـ وقال تعالى حكاية عن الملئكة ? وَن َ ْ‬
‫ك ? ‪] ...‬البقرة‪ [30:‬أي نطهر أنفسنا لك‪.‬‬ ‫س لَ َ‬‫قد ّ ُ‬ ‫ك وَن ُ َ‬‫مد ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬‫سب ّ ُ‬ ‫نُ َ‬
‫المؤمن‪ :‬المصدق نفسه وكتبه ورسله فيما بلغوه عنه إما بالقول وإما بخلق‬
‫من عباده من المخاوف‬ ‫المعجزات‪ ،‬مأخوذ من اليمان وهو التصديق‪ ،‬أو المؤَ ِ‬
‫بخلق الطمأنينة في قلوبهم‪ ،‬أو بإخبارهم أن ل خوف عليهم‪.‬‬
‫المهيمن‪ :‬الرقيب الحافظ لكل شيء‪ ،‬المبالغ في المراقبة والحفظ‪ ،‬أو‬
‫الشاهد على خلقه بما يصدر منهم من أقوال وأعمال‪ ،‬فهو العالم الذي ل‬
‫شِهيد ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫يعزب عنه مثقال ذرة في الكوان‪،‬وهو الرقيب عليهم لقوله‪ ? :‬ث ُ ّ‬
‫ن ? ‪] ...‬يونس‪ ،[46:‬أو من اجتمع فيه العلم بجميع الشياء‪،‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫عََلى َ‬
‫والقدرة التامة على تحصيل جميع المصالح‪ ،‬والمواظبة على تحصيلها‪ ،‬ولن‬
‫يجتمع ذلك على الكمال إل لله تعالى وحده‪ ،‬أو الذي يعلم السر والنجوى‪،‬‬
‫زيُز‬ ‫ن ال ْعَ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مهَي ْ ِ‬ ‫ويسمع الشكر والشكوى‪ ،‬ويدفع الضر والبلوى‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬ال ْ ُ‬
‫مت َك َب ُّر ? ‪] ...‬الحشر‪.[23:‬‬ ‫جّباُر ال ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫الجبار‪ :‬الذي يقهر عباده على كل ما يريد ويقسرهم عليهم‪ ،‬أو المنيع الذي ل‬
‫ُينال‪ ،‬يقال للنخلة إذا طالت وقصرت اليدي عن أن تنال أعلها نخلة جبارة‪،‬‬
‫أو المصلح أمور خلقه‪ ،‬المتصرف فيهم بما فيه إصلحهم‪ ،‬والله تعالى مصلح‬
‫جّباُر ال ْ ُ‬
‫مت َك َب ُّر ?‪.‬‬ ‫لمور الخلق كلهم‪ .‬قال تعالى‪ ? :‬ال ْ َ‬
‫المتكبر‪ :‬البليغ الكبرياء والعظمة‪ ،‬أو الذي يكبر عما يوجب نقصانا ً أو حاجة‪ ،‬أو‬
‫المتعالي عن صفات المخلوقات بذاته وصفاته العلية‪ ،‬أو الملك الذي ل يزول‬
‫سلطانه‪ ،‬والعظيم الذي ل يجري في ملكه إل ما يريد‪ .‬قال تعالى‪ ? :‬هُوَ الل ّ ُ‬
‫ه‬
‫جّباُر‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ن ال ْعَ ِ‬
‫م ُ‬
‫مهَي ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫سَل ُ‬‫س ال ّ‬ ‫دو ُ‬ ‫ق ّ‬‫ك ال ْ ُ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ ال ْ َ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫ذي َل إ ِل َ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن ? ‪] ...‬الحشر‪.[23:‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ عَ ّ‬ ‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬‫مت َك َب ُّر ُ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫زيُز ال ْ َ‬ ‫َْ‬
‫م ? ‪...‬‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫ض وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ْك ِب ْرَِياء ِفي ال ّ‬ ‫وقال تعالى‪ ? :‬وَل َ ُ‬
‫]الجاثية‪.[37:‬‬
‫ي الكِبيرِ ? ‪] ...‬غافر‪.[12:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م ل ِلهِ العَل ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫حك ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وقال تعالى‪ ? :‬فال ُ‬
‫الخالق‪ :‬المقدر للشياء المكون لها على مقدار معين بقدرته وإرادته وعلمه‬
‫ن ? ‪] ...‬المؤمنون‪ [14:‬أي‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ك الل ّ َ‬ ‫وحكمته‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬فَت ََباَر َ‬
‫قي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر ? ‪] ...‬العراف‪ .[54:‬فالخلق هو التقدير‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫المقدرين‪ ? ،‬أل َ ل َ ُ‬
‫ن ? ‪] ...‬يس‪ ،[82:‬أو الخالق‬ ‫كو ُ‬ ‫ن فَي َ ُ‬ ‫المستقيم‪ ،‬والمر هو قوله تعالى‪ ? :‬ك ُ ْ‬
‫المبدع للشياء الموجد لها من غير أصل ول احتذاء‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬إ ِّنا ك ُ ّ‬
‫ل‬
‫ن‬‫ح ُ‬‫ما ن َ ْ‬‫قد َرٍ ? ‪] ...‬القمر‪ ،[49:‬أي أبدعناه وأوجدناه بقدر‪ ?:‬وَ َ‬ ‫قَناه ُ ب ِ َ‬‫خل َ ْ‬
‫يٍء َ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ديرا ? ‪...‬‬ ‫ً‬ ‫ق ِ‬ ‫يٍء فَ َ‬
‫قد َّره ُ ت َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خل ق َ ك ُ ّ‬‫َ‬ ‫ن ? ‪] ...‬الواقعة‪ ? ،[60:‬وَ َ‬ ‫سُبوِقي َ‬ ‫م ْ‬ ‫بِ َ‬
‫كم ? ‪] ...‬فاطر‪ ،[3:‬أي موجد‬ ‫ّ‬
‫ق غَي ُْر اللهِ ي َْرُزقُ ُ‬ ‫]الفرقان‪ ? ،[2:‬هَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خال ِ ٍ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫ل ِ‬
‫ق ن ِّعيد ُه ُ ? ‪] ...‬النبياء‪،[104 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ما ب َد َأَنا أوّ َ‬ ‫َ‬
‫خل ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ومبدع غيره تعالى يرزقكم؟ ? ك َ‬
‫ُ‬
‫خال ِقُ ك ّ‬
‫ل‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ً‬
‫أي كما أبدعنا وأوجدنا الخلق أول ً نعيده ثانيا بقدرتنا‪ ? ،‬قُ ِ‬
‫يٍء ? ‪ ] ...‬الرعد‪ [16 :‬أي الموجد المبدع لكل شيء أو المقدر لكل شيء‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫بعلمه وقدرته وإرادته وحكمته‪.‬‬
‫البارئ‪ :‬الموجد للشياء بريئة من التفاوت وعدم تناسب الجزاء‪ ،‬مأخوذ من‬
‫البرء وأصله خلوص الشيء عن غيره‪ ،‬فهو أخص من الخالق‪ ،‬أو المقدر لها‬
‫م ? ‪] ...‬البقرة‪ ،[54:‬أو‬ ‫بمقاديرها بحكمته‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬فَُتوُبوا ْ إ َِلى َبارِئ ِك ُ ْ‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المميز الشياء بعضها عن بعض بالشكال المختلفة‪.‬‬


‫المصور‪ :‬الذي صور جميع الموجودات ورتبها على اختلفها‪ ،‬وكثرتها وتنوعها‪،‬‬
‫فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة مفردة يتميز بها عن غيره‪ ،‬أو‬
‫م ? ‪...‬‬ ‫صوّْرَناك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬‫المبدع لصورها وكيفيتها كما أراد قال تعالى‪َ ? :‬‬
‫َ‬
‫م ? ‪] ...‬غافر‪ ،[64:‬فأعطاكم‬ ‫صوََرك ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫صوَّرك ُ ْ‬ ‫]العراف‪ ? ،[11:‬وَ َ‬
‫الصور الحسنة التي أرادها لكم‪.‬‬
‫فالله تعالى يخلق الشياء ويقدر المقادير‪ ،‬ويبرئها ويصورها على حسب‬
‫هَ‬
‫صوُّر ل ُ‬ ‫م َ‬ ‫خال ِقُ ال َْبارِئُ ال ْ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫الحكمة والمصلحة جل جلله‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬هُوَ الل ّ ُ‬
‫ماء ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سَنى ? ‪] ...‬الحشر‪.[24:‬‬ ‫ح ْ‬ ‫اْل ْ‬
‫س َ‬
‫الغفار‪ :‬الذي أسبل الستر على الذنوب في الدنيا‪ ،‬وتجاوز عن عقوبتها في‬
‫الخرة‪ ،‬من الغفر وهولغة بمعنى الستر‪ ،‬ويطلق مجازا ً على العفو والصفح‪،‬‬
‫دى ? ‪] ...‬طه‪:‬‬ ‫م اهْت َ َ‬ ‫صاِلحا ً ث ُ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب َوآ َ‬ ‫من َتا َ‬ ‫فاٌر ل ّ َ‬ ‫قال تعالى‪ ? :‬وَإ ِّني ل َغَ ّ‬
‫ت‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫فارا ً ? ‪] ...‬نوح‪َ ? ،[10:‬ر ّ‬ ‫ن غَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫‪ ? ،[82‬ا ْ‬
‫فاُر ? ‪] ...‬ص‪.[66 :‬‬ ‫ْ‬
‫زيُز الغَ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫ما العَ ِ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫و‬
‫ب ? ‪] ...‬غافر‪ ? ،[3:‬هُ َ‬ ‫ذن ِ‬ ‫غافِرِ ال ّ‬ ‫وهو تعالى غافر وغفور‪ ،‬قال تعالى‪َ ? :‬‬
‫كوٌر ? ‪] ...‬فاطر‪? ،[34:‬‬ ‫ش ُ‬ ‫فوٌر َ‬ ‫ن َرب َّنا ل َغَ ُ‬ ‫م ? ‪] ...‬يوسف‪ ? ،[98:‬إ ِ ّ‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ال ْغَ ُ‬
‫م ? ‪] ...‬الزمر‪.[53:‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْغَ ُ‬ ‫ميعا ً إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ه ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫والغفور أبلغ من الغافر‪ ،‬والغفار أبلغ من الغفور؛ لنه وضع للتكثير ومعناه أنه‬
‫س‬ ‫ّ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫يغفر الذنب أبدًا‪ ،‬والله ذو مغفرة‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬وَإ ِ ّ‬
‫فَرةٍ للّنا ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ذو َ‬
‫ب ? ‪] ...‬الرعد‪.[6:‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫عََلى ظ ُل ْ ِ‬
‫القهار‪ :‬الذي طلحت عند صولته صولة المخلوقين‪ ،‬وبادت عند سطوته قوى‬
‫جميع الخلئق أجمعين‪ ،‬أو الذي يقصم ظهور الجبابرة فيقهرهم بالذلل‬
‫والهانة والنكبات والهلك‪ ،‬والقهار من القهر وهو الغلبة وصرف الشيء عما‬
‫طبع عليه بالقسر‪.‬‬
‫ن إ ِل َهٍ إ ِلّ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫قّهارِ ? ‪] ...‬إبراهيم‪ ? ،[48:‬وَ َ‬ ‫ْ‬
‫حدِ ال َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫قال تعالى‪ ? :‬وَب ََرُزوا للهِ ال َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حد ُ ال ْ َ‬
‫حد ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫ه ال َ‬ ‫خي ٌْر أم ِ الل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫فّرُقو َ‬ ‫مت َ َ‬
‫ب ّ‬ ‫قّهاُر ? ‪] ...‬ص‪ ? ،[65 :‬أأْرَبا ٌ‬ ‫وا ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫قّهارِ ? ‪] ...‬غافر‪:‬‬ ‫حدِ ال ْ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م ل ِل ّهِ ال ْ َ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫قّهاُر ? ‪] ...‬يوسف‪ ? ،[39:‬ل ّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪ ،[61‬والقهار مبالغة في القاهر‪ ،‬وهو تعالى القاهر والغالب على أمره‪ ،‬قال‬
‫َ‬
‫ب عَلى‬ ‫غال ِ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫عَبادِهِ ? ‪] ...‬النعام‪ ،[18:‬وقال‪َ ? :‬والل ّ ُ‬ ‫قاهُِر فَوْقَ ِ‬ ‫تعالى‪ ? :‬وَهُوَ ال ْ َ‬
‫أ َمره ول َك َ‬
‫ن ? ‪] ...‬يوسف‪.[21:‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ْ ِ ِ َ ِ ّ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫الرزاق‪ :‬المتولي خلق الرزاق‪ ،‬المتفضل بإيصالها إلى العباد‪ ،‬والمسبب لها‬
‫ن ? ‪] ...‬الذاريات‪:‬‬ ‫مِتي ُ‬‫قوّةِ ال ْ َ‬ ‫ه هُوَ الّرّزاقُ ُذو ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫بالسباب‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫ن ? ‪...‬‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫‪ ،[58‬وهو مبالغة في حد الرزق‪ ،‬قال تعالى‪َ ? :‬والل ُ‬
‫ف‬
‫طي ٌ‬ ‫هل ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ? ‪] ...‬الحج‪ ? ،[85:‬الل ُ‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬‫ه ل َهُوَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫]الجمعة‪ ? ،[11:‬وَإ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ق غَي ُْر اللهِ ي َْرُزقُكم‬ ‫شاُء ? ‪] ...‬الشورى‪ ? ،[19:‬هَ ْ‬ ‫من ي َ َ‬
‫خال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬
‫َ‬
‫ب ِعَِبادِهِ ي َْرُزقُ َ‬
‫ن‬
‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ت َعْب ُ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ه إ ِل هُوَ ? ‪] ...‬فاطر‪ ? ،[3:‬إ ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ل إ ِل َ‬ ‫ْ‬
‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه إ ِلي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫شكُروا ل ُ‬ ‫ُ‬ ‫دوه ُ َوا ْ‬ ‫ّ‬
‫عند َ اللهِ الّرْزقَ َواعْب ُ ُ‬ ‫ً‬
‫م رِْزقا َفاب ْت َُغوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن لك ْ‬ ‫ُ‬
‫مل ِكو َ‬‫الل ّهِ ل ي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن ? ‪] ...‬العنكبوت‪.[17:‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫ورزق الله تعالى لعباده رزقان‪ :‬رزق البدان بالطعمة والكسية ونحوها‪،‬‬
‫ورزق الرواح بالعلوم والمعارف والدراكات الصحيحة واللهامات الصادقة‪،‬‬
‫وهو أشرف الرازقين فإن ثمرته حياة البد في سعادة‪ ،‬وثمرة رزق الظاهر‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قوة البدن إلى مدة قريبة المر‪ ،‬وقد تكون في شقاوة‪.‬‬


‫الفتاح‪ :‬الحاكم بين الخلئق ‪ ،‬وهومن الفتح بمعنى الحكم مبالغة فى الفتح‪،‬‬
‫والله تعالى قد ميز الحق من الباطل‪ ،‬فأوضح الحق وبّينه وقضى به‪ ،‬ودحض‬
‫الباطل وأظهره وحكم ببطلنه‪ ،‬أو الذي يفتح خزائن الرحمة والخيرات‪،‬‬
‫والنصرة والظفر‪ ،‬والمعارف على عباده‪ ،‬ويسهل لهم ما كان صعبًا‪ ،‬وييسر ما‬
‫مَنا‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ح ب َي ْن ََنا وَب َي ْ َ‬ ‫كان عسيرا ً من أمور الدنيا والدين‪ ،‬قال تعالى‪َ ? :‬رب َّنا افْت َ ْ‬
‫ّ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫س ِ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫فت َِح الل ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن ? ‪] ...‬العراف‪َ ? ،[89:‬‬ ‫حي َ‬ ‫فات ِ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حقّ وَأن َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫م?‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫من ب َعْدِهِ وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫س َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ك فََل ُ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ك ل ََها وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ْ‬‫مةٍ فََل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ّر ْ‬
‫ح‬ ‫فّتا ُ‬ ‫ْ‬
‫حقّ وَهُوَ ال َ‬ ‫ْ‬
‫ح ب َي ْن ََنا ِبال َ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫معُ ب َي ْن ََنا َرب َّنا ث ُ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫‪] ...‬فاطر‪ ? ،[2:‬قُ ْ‬
‫م ? ‪] ...‬سبأ ‪.[26 :‬‬ ‫ال ْعَِلي ُ‬
‫اللطيف‪ :‬هو الذي لطفت أفعاله وحسنت‪ ،‬أو الذي ل تدركه الحواس أو العليم‬
‫بخفيات المور ودقائقها‪ ،‬او الذي يعلم دقائق المصالح وغوامضها ثم يسلك‬
‫في إيصالها لمستحقيها سبيل الرفق دون العنف‪ ،‬أو البر بعباده الذي يلطف‬
‫بهم من حيث ل يعلمون‪ ،‬ويهيئ مصالحهم من حيث ل يحتسبون‪ ،‬قال‬
‫الراغب‪ :‬قد يعبر باللطافة على تعاطي المور الدقيقة‪ ،‬وقد يعبر بها عما ل‬
‫ه‬‫تدركه الحاسة‪ ،‬وقد يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬الل ّ ُ‬
‫زيُز ? ‪] ...‬الشورى‪ ،[19:‬وقال‬ ‫قوِيّ العَ ِ‬ ‫شاُء وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ف ب ِعَِبادِهِ ي َْرُزقُ َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫لَ ِ‬
‫تعالى على لسان يوسف ـ عليه السلم ـ تبيانا ً للطفه ورفقه به بعد أن ألقاه‬
‫شاُء ? ‪] ...‬يوسف‪ [100:‬بعد قوله‪? :‬‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ف لّ َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫ن َرّبي ل َ ِ‬ ‫إخوته في الجب‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ن َبي إ ِذ ْ أ َ ْ‬ ‫َ‬
‫من ب َعْد ِ أن ّنزغَ‬ ‫ن ال ْب َد ْوِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫جاء ب ِ ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جِني ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫وَقَد ْ أ ْ‬
‫خوَِتي ?‪] ...‬يوسف‪.[100:‬‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ن ب َي ِْني وَب َي ْ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ح الْر ُ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫ماًء فَت ُ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه أنَز َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫ومنه قوله تعالى‪ ? :‬أل ْ‬
‫َ‬ ‫ه لَ ِ‬
‫صاُر‬
‫ه الب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫خِبيٌر ? ‪] ...‬الحج‪ ،[63:‬وقال تعالى‪ ? :‬ل ّ ت ُد ْرِك ُ‬ ‫ف َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ضّرةً إ ِ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫خِبيُر ? ‪] ...‬النعام‪.[103:‬‬ ‫ْ‬
‫ف ال َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ّ‬
‫صاَر وَهُوَ الل ِ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وَ َ‬
‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫الشكور‪ :‬المثني على المصطفين من عباده‪ ،‬أو الذي يعطي الثواب الجزيل‬
‫على العمل القليل فيقبل اليسير من الطاعات ويعطي الكثير من الدرجات‪،‬‬
‫والشكور مبالغة من الشاكر‪ ،‬وهو من الشكر‪ ،‬وأصله الزيادة‪ ،‬يقال‪ :‬شكير‬
‫ض إذا كثر‬ ‫ت الر ُ‬ ‫كر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫الشجرة لما نبت في أصلها من القضبان الصغار‪ ،‬و َ‬
‫نباتها‪ ،‬وناقة شكيرة إذا كانت ممتلئة الضرع من اللبن‪.‬‬
‫وقال الراغب‪ " :‬الشكر من العباد ثلثة أضرب‪ -:‬شكر القلب‪ :‬وهو تصور‬
‫النعمة وإدراكها‪ ،‬وشكر اللسان‪ :‬وهو الثناء على المنعم‪ ،‬وشكر الجوارح‪ :‬وهو‬
‫كرا ً ? ‪...‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َداُوود َ ُ‬ ‫مُلوا آ َ‬ ‫مكافأة المنعم بقدر استحقاقه كما قال تعالى‪ ? :‬اعْ َ‬
‫]سبأ‪ ،[13:‬وأما في حقه تعالى فمعناه إنعامه تعالى على عباده الطائعين‬
‫ومثوبته لهم على ما أدوا من العبادة والطاعة "‪.‬‬
‫وإذا شكر العبد ربه على نعمه‪ ،‬زاده نعما ً وأفضل عليه‪ ،‬كما قال تعالى‪ ? :‬لِئن‬
‫َ‬
‫َ‬
‫م ? ‪] ...‬إبراهيم‪ [7:‬وذلك من مزيد الفضل والعطاء‪ ،‬ول‬ ‫م لِزيد َن ّك ُ ْ‬ ‫شك َْرت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫شكوٌرفي الحقيقة إل الله تعالى الذي يعطيك مع استغنائه عنك وأنت منكر‬
‫مع افتقارك إليه‪.‬‬
‫فوٌر‬ ‫َ‬
‫ن َرب َّنا لغَ ُ‬ ‫شكوٌر ? ‪] ...‬الشورى‪ ? ،[23:‬إ ِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫فوٌر َ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫قال تعالى‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫م ? ‪] ...‬التغابن‪.[17:‬‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫شكوٌر َ‬ ‫ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫كوٌر ? ‪] ...‬فاطر‪َ ? ،[34:‬والل ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫َ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كرا ً عَِليما ً ? ‪] ...‬النساء‪،[147:‬‬ ‫شا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫والله تعالى شاكر قال تعالى‪ ? :‬وَ َ‬
‫وهذا الشكر فضل منه تعالى ونعمة‪ ،‬فهو يعطي عباده ويجزل العطاء مع‬
‫استغنائه عنهم‪ ،‬ويشكرهم على قيامهم بحقه وشكر نعمائه مع افتقارهم إليه‬
‫ن ? ‪] ...‬آل عمران ‪.[145 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫زي ال ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫قال تعالى‪ ? :‬وَ َ‬
‫الكبير‪ :‬الذي كبر وعل‪ ،‬في ذاته وصفاته وأفعاله عن مشابهة مخلوقاته‪ ،‬أو‬
‫الذي فاق مدح المادحين ووصف الواصفين‪ ،‬فهو أكمل الموجودات وأشرفها‪،‬‬
‫أو ذو الكبرياء والعلو والعظمة والرفعة والتنزه عن أوهام الخلق ومداركهم‪،‬‬
‫فله تعالى كبرياء الذات والصفات والفعال‪.‬‬
‫الحفيظ‪ :‬البالغ الغاية في الحفظ‪ ،‬لما يريد حفظه‪ ،‬مبالغة في حافظ من‬
‫الحفظ‪ ،‬بمعنى ضد السهو أو بمعنى الحراسة‪ ،‬فهو تعالى حافظ السماوات‬
‫ض َأن ت َُزوَل ? ‪...‬‬ ‫ت َواْلْر َ‬
‫َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫والرض‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫م ? ‪] ...‬البقرة‪ ،[255:‬ل‬ ‫ظي ُ‬ ‫ي العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ما وَهُوَ العَل ِ ّ‬ ‫فظهُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ؤود ُه ُ ِ‬ ‫]فاطر‪ ? ،[41:‬وَل َ ي َ ُ‬
‫يثقله ول يشق عليه‪ ،‬وحافظ كتابه من التحريف والتبديل والتغير‪ ،‬قال‬
‫ن ? ‪] ...‬الحجر‪ ،[9:‬وحفيظ على‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫تعالى‪ ? :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫فيظ ? ‪] ...‬هود‪? ،[57:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ى كل َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َرّبي عَل َ‬ ‫كل شيء‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫فيظ ? ‪] ...‬سبأ‪ ،[21 :‬وحفيظ على أعمال خلقه‬ ‫ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك عََلى ك ُ ّ‬ ‫وََرب ّ َ‬
‫ه‬
‫من ُدون ِ ِ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ومحصيها عليهم للحساب والجزاء‪ ،‬قال تعالى‪َ ? :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ? ‪] ...‬الشورى‪.[6:‬‬ ‫كي ٍ‬ ‫ت عَل َي ِْهم ب ِوَ ِ‬ ‫ما أن َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ظ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫أول َِياء الل ّ ُ‬
‫المقيت‪ :‬المتكفل بأرزاق خلقه وإعطائهم أقواتهم‪ ،‬أو الحفيظ‪ ،‬أو خالق‬
‫القوات‪ ،‬أو المقتدر من قولهم‪ :‬قاته يقوته قوتًا‪ ،‬وأطعمه قَوَّته وأقاته ُيقيته‪،‬‬
‫قيتا ً ? ‪] ...‬النساء‪:‬‬ ‫م ِ‬ ‫يٍء ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫جعل له ما يقوته قال تعالى‪ ? :‬وَ َ‬
‫‪ ،[85‬وفي الحديث‪ ) :‬كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت أو يقيت (‪.‬‬ ‫ً‬
‫الحسيب‪ :‬الكافي‪ ،‬تقول العرب‪ :‬نزلت بفلن‪ ،‬فأكرمني وأحسبني‪ ،‬أي‬
‫َ‬
‫أعطاني ما كفاني حتى قلت له‪ :‬حسبي أي كافي‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪َ ? :‬يا أي َّها‬
‫ن ? ‪] ...‬النفال‪ ،[64:‬قال ابن‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ي َ‬‫الن ّب ِ ّ‬
‫عباس‪ " :‬أي كافيك الله وكافيهم‪ ،‬وكل كفاية إنما هي من الله تعالى‪ ،‬أو‬
‫الحسيب‪ :‬بمعنى المحاسب‪ ،‬كالنديم بمعنى المنادم‪ ،‬ثم يعبر به عن الكافئ‬
‫سيبا ً ? ‪] ...‬النساء‪ [6:‬أي محاسبا ً لهم‬ ‫ح ِ‬ ‫فى ِبالل ّهِ َ‬ ‫بالحساب قال تعالى‪ ? :‬وَك َ َ‬
‫سيبا ً ? ‪...‬‬ ‫ح ِ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن عََلى ك ُ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫على أعمالهم ومكافئا ً لهم عليها‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫]النساء‪.[86 :‬‬
‫ومحاسبة الله تعالى عباده يوم القيامة‪ ،‬تذكيرهم بما عملوا في الدنيا من‬
‫الحسنات والسيئات‪ ،‬وتعريفهم جزاءها من المثوبات و العقوبات‪ ،‬قال‬
‫سوٍَء‬ ‫من ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫مل َ ْ‬‫ما عَ ِ‬ ‫ضرا ً وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ْرٍ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مل َ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫جد ُ ك ُ ّ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫تعالى‪ ? :‬ي َوْ َ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملوا‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫مدا ب َِعيدا ? ‪] ...‬آل عمران‪ ? ،[30:‬وَوَ َ‬ ‫هأ َ‬ ‫ن ب َي ْن ََها وَب َي ْن َ ُ‬ ‫ت َوَد ّ ل َوْ أ ّ‬
‫حدا ً ? ‪] ...‬الكهف‪.[49:‬‬ ‫حاضرا ً وَل يظ ْل ِم رب َ َ‬
‫كأ َ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِ‬
‫الكريم‪ :‬هو الذي ل يضيع من توسل إليه‪ ،‬ول يترك من التجأ إليه‪ ،‬وإذا أضيف‬
‫الكرم إلى الله تعالى فهو اسم لكمال إحسانه وإنعامه‪ ،‬يبتدئ بالنعمة من غير‬
‫استيجاب‪ ،‬ويتبرع بالحسان من غير سؤال‪ ،‬ويعفو عن السيئات‪ ،‬ويغفر‬
‫الذنوب‪ ،‬ويخفي العيوب‪ ،‬ويكافئ بالثواب الجزيل على العمل القليل‪ ،‬وقد‬
‫ميعا ً‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬ ‫خل َقَ ل َ ُ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫جعل كل ما في الرض لمنفعة عباده‪ ،‬فقال‪َ ? :‬‬
‫? ‪] ...‬البقرة‪ ،[29:‬وأعد للمتقين في الخرة جنة عرضها كعرض السماوات‬
‫والرض وسخر للنسان كل ما في السماوات والرضين‪ ،‬فقال تعالى‪? :‬‬
‫ه ? ‪] ...‬الجاثية‪،[13:‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ميعا ً ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ما ِفي اْل َْر‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫خَر ل َ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫وَ َ‬
‫م ? ‪] ...‬العلق‪:‬‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫?‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قال‬ ‫الكرمين‪،‬‬ ‫أكرم‬ ‫تعالى‬ ‫وهو‬
‫َ ُ‬ ‫َ ََ ّ‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ك ب َِرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫ما غَّر َ‬
‫ن َ‬
‫سا ُ‬ ‫‪،[3‬وهو الكريم المنعم المتفضل‪ ،‬قال تعالى‪َ ? :‬يا أ َي َّها ا ْ ِ‬
‫لن َ‬
‫شاء‬‫ما َ‬‫صوَرةٍ ّ‬ ‫ك ?‪ِ ?7‬في أيّ ُ‬ ‫ك فَعَد َل َ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ك فَ َ‬
‫س ّ‬ ‫خل َ َ‬
‫ق َ‬ ‫ريم ِ ?‪ ?6‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ال ْك َ ِ‬
‫م ? ‪] ...‬النمل‪.[40:‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫ي كَ ِ‬
‫ن َرّبي غَن ِ ّ‬ ‫ك ? ‪] ...‬النفطار‪ ? ،[8 - 6:‬فَإ ِ ّ‬ ‫َرك ّب َ َ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الرقيب‪ :‬الحفيظ الذي ل يغفل‪ ،‬أو الحاضر الذي ل يغيب‪ ،‬أو العليم الذي ل‬
‫يعزب عنه شيء من أحوال خلقه‪ ،‬يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الرحام‬
‫وما تزداد‪ ،‬ويعلم ما يلج في الرض وما يخرج منها‪ ،‬وما ينزل من السماء وما‬
‫يعرج فيها‪ ،‬ويعلم ما في البر والبحر‪ ،‬ويعلم ما في الصدور‪ ،‬ويعلم أقوالهم‬
‫م َرِقيبا ً ? ‪...‬‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وأحوالهم‪ ،‬وهو بكل شيء عليم‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يٍء‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ت عَلى ك ّ‬ ‫م وَأن َ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ت الّرِقي َ‬ ‫ت أن َ‬ ‫كن َ‬ ‫ما ت َوَفّي ْت َِني ُ‬ ‫]النساء‪ ? ،[1:‬فَل َ ّ‬
‫يٍء ّرِقيبا ً ? ‪] ...‬الحزاب‪:‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫شِهيد ٌ ? ‪] ...‬المائدة‪ ? ،[117:‬وَ َ‬ ‫َ‬
‫‪ .[52‬والعبد إذا وصف بالرقيب فمعناه الموكل بحفظ الشياء المترصد لها‪،‬‬
‫المحترز عن الغفلة عنها‪ ،‬يقال‪ :‬رقبت الشيء أرقبه رقبة إذا راعيته وحفظته‪.‬‬
‫الواسع‪ :‬الذي فضله شامل‪ ،‬ونواله كامل‪ ،‬أو المتسع علمه فل يجهل‪،‬‬
‫ع‬
‫س َ‬ ‫والمحيطة قدرته فل يعجز‪ ،‬والغزير فضله فل يبخل‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬وَ ِ‬
‫ض ? ‪] ...‬البقرة‪ ،[255:‬أي وسع علمه أو ملكه‬ ‫َ‬ ‫ك ُْر ِ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫سي ّ ُ‬
‫م ? ‪] ...‬البقرة‪ ،[261:‬وهو عبارة عن‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫الكائنات‪ ،‬قال تعالى‪َ ? :‬والل ّ ُ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سعَ َرّبي ك ُ ّ‬ ‫سعة علمه وقدرته وأفضاله ورحمته‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬وَ ِ‬
‫يٍء ? ‪] ...‬العراف‪.[156:‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫مِتي وَ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عْلما ً ? ‪] ...‬النعام‪ ? ،[80:‬وََر ْ‬ ‫ِ‬
‫الودود‪ :‬من الود وهو الحب‪ ،‬المحب للطائعين من عباده‪ ،‬المتحبب إليهم‬
‫بإنعامه وإحسانه‪ ،‬ومحبة الله لعباده هي النعام عليهم‪ ،‬والحسان إليهم‪،‬‬
‫والرضا عنهم‪ ،‬والثناء عليهم‪ ،‬والعفو عنهم‪ ،‬والغفران لذنوبهم‪ .‬أو المتحبب‬
‫إلى أوليائه بمعرفته‪ ،‬وإلى المذنبين بعفوه ورحمته‪ ،‬وإلى عباده برزقه‬
‫وكفايته‪ .‬أو المودود في قلوب أوليائه لكثرة وصول إنعامه وإحسانه إليهم‪،‬‬
‫فوُر ال ْوَُدود ُ ? ‪...‬‬ ‫م وَُدود ٌ ? ‪] ...‬هود‪ ? ،[90:‬وَهُوَ ال ْغَ ُ‬ ‫حي ٌ‬ ‫ن َرّبي َر ِ‬ ‫قال تعالى‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫]البروج‪.[14:‬‬
‫الوكيل‪ :‬الموكل إليه أمور العباد ومصالحهم‪ ،‬المتصرف فيها كما يشاء‪ ،‬وقد‬
‫وكل العباد إلى الله تعالى أمورهم‪ ،‬واعتمدوا على إحسانه لعجزهم عن‬
‫كيل ً ? ‪] ...‬النساء‪،[81:‬‬ ‫فى ِبالل ّهِ وَ ِ‬ ‫تحصيل مهماتهم‪ ،‬وقدرته تعالى عليها‪ ? :‬وَك َ َ‬
‫ه ? ‪] ...‬الطلق‪ [3:‬وكافيه‪ ،‬وقال تعالى‪? :‬‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ فَهُوَ َ‬ ‫من ي َت َوَك ّ ْ‬ ‫? وَ َ‬
‫ل ? ‪] ...‬آل عمران‪ ? ،[173 :‬وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬ ‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫سب َُنا الل ّ ُ‬‫ح ْ‬ ‫وََقاُلوا ْ َ‬
‫ت ? ‪...‬‬ ‫مو ُ‬ ‫ذي َل ي َ ُ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل عََلى ال ْ َ‬ ‫ل ? ‪] ...‬الزمر‪ ? ،[62:‬وَت َوَك ّ ْ‬ ‫كي ٌ‬‫يٍء وَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫داك بكفايته‪ ،‬ثم تولك بحسن رعايته‪،‬‬ ‫]الفرقان‪ ،[58:‬وقد قيل‪ :‬الله الوكيل ابت َ َ‬
‫ثم ختم لك بجميل وليته‪.‬‬
‫المتين‪ :‬مشتق من المتانة‪ ،‬وهى شدة الشىء‪ ،‬واستحكامه وصلبته‪ ،‬وهو‬
‫ه هُوَ الّرّزاقُ ُذو‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مبالغة فى معنى القوة‪،‬شديد القوة‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫ن ? ‪ ] ...‬الذاريات‪.[58:‬‬ ‫مِتي ُ‬ ‫قوّةِ ال ْ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مد‬‫ص َ‬ ‫الصمد‪ :‬المقصود في الحوائج على الدوام ل ِعِظ َم ِ قدرته وكمالها‪ .‬من َ‬
‫إليه إذا قصده‪ ،‬فهو تعالى السيد المصمود إليه‪ ،‬المقصود في جميع الشؤون‪،‬‬
‫سدي ‪ ) :‬هو‬ ‫ظم سؤدده(‪ .‬وعن ال ّ‬ ‫وعن ابن مسعود‪) :‬الصمد هو السيد الذي عَ ُ‬
‫المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب(‪ .‬وعن الحسين بن‬
‫الفضل‪) :‬هو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ل معقب لحكمه ول راد‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقضائه(‪ .‬وعن ابن عباس‪ ) :‬هو الكبير الذي ليس فوقه أحد(‪ .‬وعن أبي‬
‫هريرة‪) :‬هو الذي يحتاج إليه كل أحد وهو مستغن عن كل أحد(‪ .‬وقيل‪) :‬هو‬
‫الذي ترفع إليه الحاجات‪ ،‬وتطلب منه الخيرات( أو هو الذي ليس فوقه أحد‪،‬‬
‫دس عن الفات‪ ،‬المنزه‬ ‫أو الباقي بعد خلقه‪ ،‬أو الذي َيغلب ول ُيغلب‪ ،‬أو المق ّ‬
‫مد ُ‬
‫ص َ‬
‫ه ال ّ‬ ‫عن المخالفات‪ ،‬أو الول بل ابتداء‪ ،‬والخر بل انتهاء‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬الل ّ ُ‬
‫? ‪] ...‬الخلص‪.[2:‬‬
‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫التواب‪ :‬الذي يقبل التوبة ويعفو عن السيئات كثيرا‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬وَهُوَ ال ِ‬
‫ن ? ‪] ...‬الشورى‪:‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ت وَي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫فو عَ ِ‬ ‫عَبادِهِ وَي َعْ ُ‬ ‫ن ِ‬‫ة عَ ْ‬ ‫ل الت ّوْب َ َ‬‫قب َ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫م ? ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ ? ،[2‬إ ِن ّ َ‬
‫حي ُ‬‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬
‫م ? ‪] ...‬البقرة‪ ? ،[128:‬وَأَنا الت ّ ّ‬ ‫حي ُ‬‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ت الت ّ ّ‬‫ك أن َ‬
‫م ? ‪] ...‬التواب‪.[104:‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حي ُ‬‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬
‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ن الل َ‬ ‫]البقرة‪ ? ،[160:‬وَأ ّ‬
‫والتواب‪ :‬مبالغة في التائب من التوبة‪ ،‬بمعنى العودة والرجوع‪ ،‬يقال‪ :‬تاب أي‬
‫رجع‪ ،‬فمعنى كونه تعالى تواباً‪ ،‬كونه كثير العودة بأصناف إحسانه على عباده‪،‬‬
‫وذلك بأن يوفقهم بعد الخذلن‪ ،‬ويعطيهم بعد الحرمان‪ ،‬ويخفف عنهم بعض‬
‫التشديد‪ ،‬ويعفو عنهم بعد الوعيد‪ ،‬ويكشف عنهم أنواع البلء‪ ،‬ويفيض عليهم‬
‫أنواع اللء‪ ،‬فهو تعالى ناسخ المكروه بالمحبوب وقابل التوبة من الذنوب‪،‬‬
‫وكاشف الضر عن المكروب‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ومعنى التوبة في حق العبد رجوعه إلى الندم والتأسف والتحسر‪ ،‬وإلى‬


‫العبودية والطاعة والنابة إلى الله‪ ،‬وطلب العفو والغفران‪ ،‬قال تعالى‪? :‬‬
‫َ‬
‫من‬ ‫ن ? ‪] ...‬النور‪ ? ،[31:‬فَ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ميعا ً أي َّها ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫م ?‪ ?39‬أل ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ب عَلي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫ه ي َُتو ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ح فَإ ِ ّ‬ ‫صل َ‬ ‫مهِ وَأ ْ‬ ‫من ب َعْد ِ ظ ُل ْ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫َتا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫شاُء‬‫من ي َ َ‬ ‫فُر ل ِ َ‬ ‫شاُء وَي َغْ ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ض ي ُعَذ ّ ُ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫هل ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ت َعْل َ ْ‬
‫ديٌر ? ‪] ...‬المائدة‪.[40 ، 39:‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫و‪ :‬ذو العفو‪ ،‬وهو ترك المؤاخذة على الذنب والتجافي عنه‪ ،‬أو هو إزالة‬ ‫العف ّ‬
‫و‪ :‬من العفو بمعنى‬ ‫ف ّ‬ ‫الذنوب بالكلية ومحوها من ديوان الكرام الكاتبين‪ ،‬والع ُ‬
‫ت ذهبت آثارها‪ ،‬فالله تعالى بعفوه‬ ‫س ْ‬ ‫ت الديار إذا د ََر َ‬ ‫ف ِ‬ ‫الزالة والمحو‪ ،‬يقال عَ َ‬
‫يمحو الذنوب وآثارها‪ ،‬والعفو أبلغ من المغفرة‪ ،‬وهي مشتقة من الغفر بمعنى‬
‫فوٌر ? ‪] ...‬الحج‪:‬‬ ‫فو ّ غ َ ُ‬ ‫ه ل َعَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الستر‪ ،‬والمحو أبلغ من الستر‪ .‬قال تعالى‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫فورا ً ? ‪] ...‬النساء‪.[99:‬‬ ‫فوّا ً غَ ُ‬ ‫ه عَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫‪ ? ،[60‬وَ َ‬
‫الرؤوف‪ :‬ذو الرأفة والرحمة‪ ،‬أو هو المتعطف على المذنبين بالتوبة وعلى‬
‫ف ِبال ْعَِباد ِ ? ‪] ...‬آل عمران‪? ،[30:‬‬ ‫ؤو ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫أوليائه بالعصمة‪ ،‬قال تعالى‪َ ? :‬والل ّ ُ‬
‫م ? ‪...‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف ّر ِ‬ ‫ؤو ٌ‬ ‫ك َر ُ‬ ‫م ? ‪] ...‬الحديد‪َ ?،[9:‬رب َّنا إ ِن ّ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف ّر ِ‬ ‫ؤو ٌ‬ ‫م ل ََر ُ‬ ‫ه ب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫]الحشر‪.[10:‬‬
‫النور‪ :‬الظاهر بنفسه المظهر لغيره‪ ،‬أو المظهر لكل ما أخرجه إلى الوجود‪،‬‬
‫وسمى الله نفسه نورا ً من حيث أنه هو هذا النور‪ ،‬أو المدبر أو المنّزه عن كل‬
‫ور للكوان قال‬ ‫عيب‪ ،‬يقال‪ :‬امرأة ُنوار‪ ،‬أي بريئة من الريبة بالفحشاء‪ ،‬أو المن ّ‬
‫َْ‬
‫ض ? ‪] ...‬النور‪ ،[35:‬ويطلق النور على‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ه ُنوُر ال ّ‬ ‫تعالى‪ ? :‬الل ّ ُ‬
‫ي‬
‫ه وَل ِ ّ‬ ‫الحق‪ ،‬كما تطلق الظلمة على الباطل ويشير إليه قوله تعالى‪ ? :‬الل ّ ُ‬
‫ت إ َِلى الن ّوُرِ ? ‪] ...‬البقرة‪ ،[257:‬أي من‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫جُهم ّ‬ ‫خرِ ُ‬‫مُنوا ْ ي ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫سر به النور في هذه الية‪ ،‬ما‬ ‫أنواع الباطل إلى الحق‪ ،‬والمراد بالحق الذي فُ ّ‬
‫يقابل الباطل وهو يتناول التوحيد والشرائع‪ ،‬وما دل عليه دليل عقلي أو‬
‫سمعي‪ ،‬وقيل‪ :‬الهدى‪ ،‬وقيل العلوم والمعارف التي يفيضها على قلب‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المؤمن‪ ،‬وقيل غير ذلك في معنى النور في هذه الية‪ ،‬وقد قال تعالى‪? :‬‬
‫ض ب ُِنورِ َرب َّها ? ‪] ...‬الزمر‪ ،[69:‬أي بعدله ونصبه موازين قسطه‬ ‫َ‬
‫ت اْلْر ُ‬ ‫شَرقَ ِ‬‫وَأ َ ْ‬
‫سَلم ِ فَهُوَ عََلى‬ ‫َ‬
‫صد َْره ُ ل ِْل ِ ْ‬
‫ه َ‬‫ح الل ّ ُ‬
‫شَر َ‬‫من َ‬ ‫وحكمه بالحق بين عباده‪ ،‬وقال‪ ? :‬أفَ َ‬
‫من ّرب ّهِ ? ‪] ...‬الزمر‪ ،[22:‬أي على بصيرة وهدى ل كمن أبى السلم‬ ‫ُنورٍ ّ‬
‫ُ‬
‫من ذِك ْرِ الل ّهِ أوْل َئ ِ َ‬
‫ك ِفي‬ ‫سي َةِ قُُلوب ُُهم ّ‬ ‫ل ل ّل ْ َ‬
‫قا ِ‬ ‫فطبع على قلبه فقسا وضل‪ ? :‬فَوَي ْ ٌ‬
‫ن ? ‪] ...‬الزمر‪.[22:‬‬‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬‫ضَل ٍ‬‫َ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫من معاني الصيام‬


‫غير خاف على أحد أن الله عز وجل لم يشرع العبادة ويوجبها على عباده‬
‫لحاجته إليها‪ ،‬فهو الغني سبحانه‪ ،‬وإنما شرعها لحكم ومعان عظيمة ‪،‬‬
‫ومقاصد جليلة‪ ,‬تعود إلى نفع العبد في دينه ودنياه ‪ .‬وأول هذه المعاني والتي‬
‫تشترك فيها جميع العبادات ‪ ,‬أن الصوم فيه تربية على العبودية والستسلم‬
‫لله جل وعل ‪ ,‬فعندما تغرب الشمس يأكل الصائم ويشرب امتثال لمر الله ‪,‬‬
‫وإذا طلع الفجر يمسك عن الكل والشرب وسائر المفطرات ‪ ,‬فهو يتعبد الله‬
‫عز وجل في صيامه وفطره ‪ ,‬فإذا أمره ربه عز وجل بالكل في وقت معين‬
‫أكل ‪ ,‬وإذا أمره بضد ذلك في وقت آخر امتثل‪ ،‬فالقضية إذا ليست قضية‬
‫أذواق وأمزجة ‪ ,‬وإنما هي قضية طاعة واستسلم وانقياد لمر الله ‪ .‬ول يعني‬
‫ذلك خلو هذه الوامر عن الحكمة‪ ،‬وإنما المراد أن قدم السلم ل تثبت إل‬
‫على ظهر الستسلم لله سبحانه ‪ .‬ثم ل مانع بعد ذلك أن يبحث المسلم عن‬
‫حكمة الخالق الكامنة وراء أوامره ونواهيه وهو ما نبحثه في هذا المقال‬
‫بخصوص الصيام ‪.‬إن الصوم يربي في النفس مراقبة الله عز وجل‪ ,‬وإخلص‬
‫العمل له ‪ ,‬والبعد عن الرياء والسمعة ‪ ,‬فهي عبادة بين العبد وبين ربه جل‬
‫وعل ‪ ,‬ولهذا جاء أن الصوم عبادة السر ‪ ,‬فإن بإمكان النسان أل يصوم ‪ ,‬وأن‬
‫يتناول أي مفطر من المفطرات من غير أن يشعر به أحد من الناس‪ ,‬بل إنه‬
‫بمجرد تغيير النية وقطعها يفطر ولولم يتناول شيئا من المفطرات طوال‬
‫يومه‪ ,‬فامتناعه عن ذلك كله على الرغم من أنه يستطيع الوصول إليه خفية‪,‬‬
‫دليل على استشعاره اطلع الله على سرائره وخفاياه‪ ,‬ومراقبته له‪ ,‬ولجل‬
‫هذا المعنى اختص الله جل وعل عبادة الصوم من بين سائر العبادات ‪ ,‬ولم‬
‫يجعل لها جزاء محددا ‪ ,‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬كل عمل ابن آدم‬
‫يضاعف ‪ ,‬الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ‪ ,‬قال الله عز وجل ‪ :‬إل‬
‫الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ‪ ,‬يدع شهوته وطعامه من أجلي ( أخرجه‬
‫مسلم ‪ .‬فقوله جل وعل ) من أجلي ( تأكيد لهذا المعنى العظيم ‪ .‬والصوم‬
‫يربي العبد على التطلع إلى الدار الخرة‪ ,‬وانتظار ما عند الله عز وجل ‪ ,‬حيث‬
‫يتخلى الصائم عن بعض شهوات النفس ومحبوباتها ‪ ,‬تطلعا إلى ما عند الله‬
‫عز وجل من الجر والثواب ‪ ,‬وفي ذلك توطين للنفس على اليمان بالخرة ‪,‬‬
‫والتعلق بها ‪ ,‬والترفع عن عاجل الملذ الدنيوية ‪ ,‬التي تقود إلى التثاقل إلى‬
‫الرض والخلد إليها ‪ .‬والصوم يربي النفس على الصبر‪ ,‬وقوة الرادة‬
‫والعزيمة ‪ ,‬فإن الصبر ل يتجلى في شيء من العبادات كما يتجلى في الصوم‬
‫‪ ,‬فإن المقصود من الصوم إنما هو حبس النفس عن الشهوات ‪ ,‬وفطامها‬
‫ما ي ُوَّفى‬
‫عن المألوفات ‪ ,‬ولهذا كان نصف الصبر ‪ ,‬والله تعالى يقول ‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫ب{ ) الزمر ‪. (10:‬وفي الصوم كذلك تربية‬ ‫الصابرو َ‬
‫سا ٍ‬
‫ح َ‬
‫م ب ِغَي ْرِ ِ‬
‫جَرهُ ْ‬
‫نأ ْ‬‫ّ ُِ َ‬
‫للمجتمع ‪ ،‬وتنمية للشعور بالوحدة والتكافل بين المسلمين ‪ ,‬فالصائم حين‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يرى الناس من حوله صياما كلهم ‪ ,‬فإنه يشعر بالترابط والتلحم مع هذا‬
‫المجتمع ‪ ,‬فالكل صائم ‪ ,‬والكل يتذوق لذة بالجوع في سبيل الله عز وجل‪.‬‬
‫والكل يمسك ويفطر دون تفريق أو امتياز ‪ ,‬ل يستثنى من ذلك أحد لغناه أو‬
‫لجاهه أو منصبه ‪ ,‬فأكرمهم عند الله أتقاهم ‪ ,‬وأفضلهم أزكاهم ‪ .‬فما أعظمها‬
‫من صورة معبرة عن وحدة المجتمع في ظل العبودية لله جل وعل ‪ .‬والصوم‬
‫يضّيق مجاري الدم ‪ ,‬ويخمد نيران الشهوات ‪ ,‬ويقلل فرص إغواء الشيطان‬
‫لبن آدم ‪ ,‬فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ‪ ,‬ولذلك قال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح ‪ ) :‬الصوم جنة ( ‪ ،‬أي وقاية يتقي به‬
‫العبد الشهوات والمعاصي ‪ ,‬ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم من اشتدت عليه‬
‫شهوة النكاح مع عدم قدرته عليه بالصيام ‪ ،‬وجعله وجاء لهذه الشهوة‬
‫ومخففا من حدتها ‪ .‬ومن معاني الصوم أن يتذكر الصائم بصومه الجائعين‬
‫والمحتاجين ‪ ,‬فيتألم للمهم ‪ ,‬ويشعر بمعاناتهم ‪ ,‬فالذي ل يحس بالجوع‬
‫والعطش قد ل يشعر بمعاناة غيره من أهل الفقر والحاجة‪ ,‬وإذا كان أحدنا‬
‫يجد ما يفطر عليه من الطعام والشراب ‪ ,‬فغيرنا قد ل يجد شيئا من ذلك ‪.‬‬
‫هذه بعض معاني تلك العبادة العظيمة ‪ ,‬وقد جمعها الله عز وجل في قوله ‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ب عََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ما ك ُت ِ َ‬
‫م كَ َ‬
‫صَيا ُ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫مُنوا ك ُت ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن { ) البقرة ‪ (183 :‬فالحكمة التي شرع الصوم من أجلها هي‬ ‫قو َ‬ ‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َت ّ ُ‬
‫تحقيق تقوى الله عز وجل‪ ,‬وهي ثمرة الصوم الشرعي ونتيجته‪ ,‬ومالم يكن‬
‫الصوم طريقا لتحصيل هذه التقوى فقد فقد الغاية والمعنى الذي شرع‬
‫لجله ‪ ,‬فليس المقصود من الصيام هو مجرد المتناع عن الطعام والشراب‬
‫والجماع فقط دون أي أثر لهذا الصوم على حياة النسان وسلوكه ‪ ,‬ولذلك‬
‫قال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري ‪ ) :‬من لم يدع قول الزور‬
‫والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ( وقال ‪ ) :‬رب صائم‬
‫حظه من صيامه الجوع والعطش ( رواه المام أحمد وابن ماجه بسند‬
‫صحيح ‪ ,‬قال جابر رضي الله عنه‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ‪ ,‬ودع أذى‬
‫الجار ‪ ,‬وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ‪ ,‬ول تجعل يوم صومك يوم‬
‫فطرك سواء ‪ .‬فينبغي للمسلم أن يستحضر هذه المعاني وهو يؤدي تلك‬
‫العبادة العظيمة ‪ ,‬حتى ل تخرج العبادة عن مقصودها ‪ ,‬وحتى ل تتحول إلى‬
‫عادة يؤديها مسايرة للبيئة والمجتمع ‪ ,‬نسأل الله أن يوفقنا لحسن عبادته ‪,‬‬
‫وأن يتقبل منا الصيام والقيام إنه جواد كريم ‪ ،‬وصلى الله على سيدنا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين ‪) .‬الشبكة السلمية(‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من معركة الشعر الجاهلى بين الرافعى وطه حسين‬


‫اتهام الرافعى لطه حسين فى دينه‬
‫د‪ .‬إبراهيم عوض‬
‫لمصطفى صادق الرافعى الكاتب والشاعر المعروف كتاب بعنوان "تحت راية‬
‫القرآن" كان فى الصل مقالت فى جريدة "كوكب الشرق" رد ّ فيها على ما‬
‫قاله طه حسين فى كتابه "فى الشعر الجاهلى" الصادر عام ‪1926‬م والذى‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حب من السواق إثر هذه المقالت الرافعية التى فضحت ما فيه‪ ،‬ثم أعيد‬ ‫س ِ‬ ‫ُ‬
‫ذف منه ما‬ ‫ح ِ‬
‫طْرحه العام الذى يليه بعنوان "فى الدب الجاهلى" بعد أن ُ‬ ‫َ‬
‫يسىء للقرآن الكريم وللسلم وأضيف إليه عدة فصول جديدة‪ .‬وقد تناول‬
‫الرافعى فى هذه المقالت طه حسين وكتابه المذكور من عدة جوانب‪ ،‬بيد‬
‫أننى سأقتصر هنا على مناقشة ما قاله فى دين الرجل‪ ،‬وهو نفس الموضوع‬
‫الذى أثاره الكّتاب والمعلقون فى جريدة "شباب مصر" فى السابيع الخيرة‪،‬‬
‫وذلك بغية مزيد من التوضيح لبعض ما قالوه فى هذا الصدد‪ .‬وأود أن أنبه إلى‬
‫أن ما سأكتبه هنا مأخوذ من كتابى "معركة الشعر الجاهلى بين الرافعى وطه‬
‫حسين" الصادر فى عام ‪1987‬م‪ .‬وهذا نص ما قلته هناك بدءا من الفقرة‬
‫الثالثة من الفصل الثانى من الكتاب المذكور )ص‪:(26 -15 /‬‬
‫"لن نكتفى هنا بترديد رأى الرافعى فى طه حسين بل سنعرضه على‬
‫النصوص ونقّلبه على كل وجوهه‪ .‬وأريد أن أصارح القارئ منذ الن بأن العلم‬
‫ل يعرف تلك الحساسية التى تصيب بعض الناس حينما يرون من ينتقد هؤلء‬
‫ظمهم‪ ،‬وتدفعهم إلى القول بأننا ينبغى أل نتعرض ليمان هذا‬ ‫الذين يع ّ‬
‫سس إلى القلوب ن ََهى عنه السلم‪.‬‬ ‫الشخص أو ذاك‪ ،‬على أساس أن هذا تد ّ‬
‫إن هذا العتراض يصح لو أن الباحث يرجم فى هذه القضية بالغيب‪ ،‬لكن إذا‬
‫كانت هناك نصوص مقطوع بنسبتها إلى قائلها ل يمكن تأويلها فمعنى ذلك أن‬
‫للباحث الحق فى دراسة المر‪ .‬وقد سبق أن تناول كثير من الدارسين عقائد‬
‫معَّرى والحاكم بأمر الله‪ ،‬فلم‬ ‫فع والمتنّبى وال َ‬
‫أمثال يزيد بن الوليد وابن المق ّ‬
‫م الكيل بمكيالين إذن؟ أيا ما يكن المر فإننا هنا‬ ‫نسمع من ينكر عليهم‪ ،‬فل ِ َ‬
‫بصدد تناول رأى الرافعى فى عقيدة طه حسين‪ ،‬وهذا الرأى جزء من تراثنا‬
‫عى‬ ‫الفكرى والدبى ل أظننا نكون أمناء لو أهلنا التراب عليه‪ .‬كذلك فإننا ل ند ّ ِ‬
‫أن ما سنصل إليه من نتائج هو كلم ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من‬
‫ح وقد‬ ‫خلفه‪ ،‬فل يقول هذا إل جاهل أو مغرور‪ ،‬وإنما هو اجتهاد علمى قد يص ّ‬
‫يخطئ‪ .‬وإذا كان طه حسين قد رأى أن من العلم أن يقول ما قال فى‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬فلماذا نعيب الرافعى إذا رأى فى موقف طه حسين هذا رأيا؟‬
‫إن الرافعى يرى أن طه حسين أداة أوربية استعمارية )تحت راية القرآن‪ /‬ط‬
‫‪ /3‬مطبعة الستقامة‪ /‬القاهرة‪1953 /‬م‪ ،(186 /‬غرضها توهين عَُرى السلم‬
‫ل على النبى مرة واحدة فى كتابه ولو‬ ‫)ص‪ ،(199 /‬ويأخذ عليه أنه لم يص ّ‬
‫بحرف "ص" كما يفعل نصارى العرب )ص‪ ،(207 /‬ويسميه‪" :‬المبشر طه‬
‫حسين" مرة‪ ،‬و"المستر حسين" أخرى )ص‪ ،(177 ،122 /‬ويشّبه الجامعة‬
‫شرين )فى مجال الطب( )ص‪،(145 /‬‬ ‫)فى مجال العلم( بمستشفيات المب ّ‬
‫ويكّنيه "أبا مرجريت" و"أبا ألبرت" )ص‪ ،(373 ،344 ،200 /‬ويشير إلى دور‬
‫زوجته فى حياته وتأثيرها عليه )ص‪ ،(349 /‬ويتهمه بالزندقة )ص‪-129 /‬‬
‫‪ ،(130‬وباللحاد )ص‪ ، (218 ،216 ،214 /‬ويورد أيضا اتهام الشيخ مفتاح له‬
‫بأنه كافر وتحديه له أن يقاضيه )ص‪ .(243 -242 /‬وهو من ثم يدعو إلى‬
‫إبعاده من الجامعة وحماية النشء من أفكاره )ص‪ ،(188 /‬ويحرض عليه‬
‫وزارة المعارف لنه‪ ،‬كما يقول‪ ،‬يناقض بآرائه ما يقال للطلبة فى كتبها‬
‫ومدارسها‪ ،‬والمفروض فى نظره أل يكون هناك تناقض‪ ،‬وإل فعليها أن تعلن‬
‫صحة آرائه وتتابعه عليها )ص‪.(171 /‬‬
‫وحين يدافع أحمد لطفى السيد عن طه حسين على أساس حرية الفكر يرد ّ‬
‫الرافعى بأنه ل ينازعه فى معانى حرية الرأى وأشباهها‪ ،‬ولكن النزاع فى‬
‫الجدل والكفر )ص‪ ،314 /‬وإن كان ظاهر كلمه قد يوحى بغير هذا(‪ .‬ومن هنا‬
‫نراه يهاجم حرية الفكر إذا أدت إلى الكفر وتقطيع الرحام )ص‪ ،(306 /‬وإن‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عاد فسّلم للجامعة بحرية الكفر ل الفكر فقط )يأسا منه‪ ،‬فيما هو واضح‪ ،‬أن‬
‫صيخ المسؤولون فى الجامعة إليه فى هذه النقطة(‪ ،‬وركز على "الغلطات‬ ‫يُ ِ‬
‫التاريخية والدبية التى وقع فيها أستاذها" )ص‪.(273 /‬‬
‫واتهام الرافعى لطه حسين بالكفر قائم على أساس أن هذا الخير يرى أن‬
‫ل سياسةٍ ل رسول‪،‬‬‫القرآن تأليف ل وحى‪ ،‬وأن النبى عليه الصلة والسلم رج ُ‬
‫وأنه يهاجم الصحابة )ص ‪ ،(205 /‬وأنه يرفض الحديث الصحيح )ص‪،194 /‬‬
‫‪ .(205‬وفى رأى الرافعى أن طه حسين يهاجم الدب العربى "لنه أساس‬
‫فى حضارة القرآن‪ ،‬ولن القرآن أساس فى الدين‪ ،‬ولن الدين ينافى مذهبهم‬
‫فى الحضارة الغربية التى يعملون لها جهد طاقتهم" )ص‪.(306 /‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والرافعى‪ ،‬رحمه الله‪ ،‬ل يلقى اتهاماته بغير دليل‪ ،‬بل يسوق ما قاله طه‬
‫حسين من أننا "يجب حين نستقبل البحث عن الدب العربى وتاريخه أن‬
‫ننسى قوميتنا وكل مشخصاتها‪ ،‬وأن ننسى ديننا وكل ما يتصل به" )ص‪/‬‬
‫‪ ،141 -140‬والنص موجود فى ص ‪ 12‬من كتاب "فى الشعر الجاهلى"‪/‬‬
‫مطبعة دار الكتب‪1926 /‬م(‪ ،‬وقوله‪" :‬للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم‬
‫وإسماعيل‪ ،‬وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا‪ ،‬ولكن ورود هذين السمين فى‬
‫التوراة والقرآن ل يكفى لثبات وجودهما التاريخى‪ ،‬فضل عن إثبات هذه‬
‫القصة التى تحدثنا بهجرة إسماعيل وإبراهيم إلى مكة‪ ...‬ونحن مضطرون‬
‫إلى أن نرى فى هذه القصة نوعا من الحيلة فى إثبات الصلة بين اليهود‬
‫والعرب من جهة‪ ،‬وبين السلم واليهودية‪ ،‬والتوراة والقرآن من جهة أخرى"‬
‫)تحت راية القرآن‪ ،146 -145 /‬وفى الشعر الجاهلى‪ ،(26 /‬وما قاله أيضا‬
‫من أن قريشا "كانت فى هذا العصر )يقصد عصر ما قبل السلم( ناهضة‬
‫نهضة مادية تجارية‪ ،‬ونهضة دينية وثنية‪ .‬وهى بحكم هاتين النهضتين كانت‬
‫تحاول أن توجد فى البلد وحدة سياسية ودينية مستقلة‪ ،‬وأنه "إذا كان هذا‬
‫حقا‪ ،‬ونحن نعتقد أنه حق‪ ،‬فمن المعقول أن تبحث هذه النهضة الجديدة‬
‫لنفسها عن أصل تاريخى قديم يتصل بالصول التاريخية الماجدة التى تتحدث‬
‫عنها الساطير‪ .‬وإذن فليس ما يمنع قريشا من أن تتقبل هذه "السطورة"‬
‫التى تفيد أن الكعبة من تأسيس إسماعيل وإبراهيم كما قبلت روما قبل ذلك‪،‬‬
‫ولسباب مشابهة‪" ،‬أسطورة" أخرى صنعها اليونان تثبت أن روما متصلة‬
‫بإينياس بن بريام صاحب طروادة" )تحت راية القرآن‪ ،147 /‬وفى الشعر‬
‫كر التوراة والنجيل ويجادل‬ ‫الجاهلى‪ ،(29 -28 /‬وكذلك قوله إن القرآن "ي َذ ْ ُ‬
‫فيهما اليهود والنصارى‪ ،‬وهو يذكر غير التوراة والنجيل شيئا آخر هو صحف‬
‫إبراهيم‪ .‬ويذكر غير دين اليهود والنصارى دينا آخر هو ملة إبراهيم‪ ،‬هو هذه‬
‫الحنيفية التى لم نستطع إلى الن أن نتبين معناها الصحيح‪ .‬وإذا كان اليهود‬
‫قد استأثروا بدينهم وتأويله‪ ،‬وكان النصارى قد استأثروا بدينهم وتأويله‪ ،‬ولم‬
‫يكن أحد قد احتكر ملة إبراهيم ول زعم لنفسه النفراد بتأويلها فقد أخذ‬
‫المسلمون يرّدون السلم فى خلصته إلى دين إبراهيم )تحت راية القرآن‪/‬‬
‫‪ ،148‬وفى الشعر الجاهلى‪ ،(81 /‬وقوله أيضا‪ :‬وليس يعنينى هنا أن يكون‬
‫القرآن قد استأثر بشعر أمية بن أبى الصلت أو ل يكون" )تحت راية القرآن‪/‬‬
‫‪ ،150 -141‬وفى الشعر الجاهلى‪ ،(83 /‬وكذلك قوله فى الرد على‬
‫عمه أن النبى قد استعان بشعر أمية بن أبى‬ ‫المستشرق كليمان هوار وَز ْ‬
‫الصلت فى تأليف القرآن‪" :‬من ذا الذى يستطيع أن ينكر أن كثيرا من‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القصص كان معروفا بعضه عند اليهود‪ ،‬وبعضه عند النصارى‪ ،‬وبعضه عند‬
‫العرب أنفسهم‪ ،‬وكان من اليسير أن يعرفه النبى‪ ،‬كما كان من اليسير أن‬
‫يعرفه غير النبى‪ .‬ثم كان النبى وأمية متعاصرين‪ ،‬فلم يكون النبى هو الذى‬
‫أخذ من أمية‪ ،‬ول يكون أمية هو الذى أخذ من النبى؟" )فى الشعر الجاهلى‪/‬‬
‫مح فيه الرافعى تعريضا من طه حسين بأن النبى هو مؤلف‬ ‫‪ ،(85‬وهو ما ي َل ْ َ‬
‫القرآن‪ ،‬وهو نفسه ما يفهمه من قوله فى تعليل مخالفته لمن يرون أن إنكار‬
‫الشعر الجاهلى يسىء إلى القرآن )على أساس أن القرآن ليس فى حاجة‬
‫إلى شواهد من الشعر على ألفاظه ومعانيها عند العرب(‪" :‬إن أحدا لم ينكر‬
‫عربية النبى فيما نعرف"‪ ،‬فهو يرى فى الشارة الخيرة أن القرآن هو كلم‬
‫جد "نوع آخر من تأثير الدين فى انتحال )يقصد‪" :‬نحل"(‬ ‫النبى‪ ،‬وقوله إنه يو َ‬
‫الشعر وإضافته إلى الجاهليين‪ ،‬وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبى من ناحية‬
‫أسرته ونسبه فى قريش‪ ،‬فلمرٍ ما اقتنع الناس أن النبى يجب أن يكون‬
‫صفوة بنى هاشم‪ ،‬وأن يكون بنو هاشم صفوة بنى عبد مناف‪ ،‬وأن يكون بنو‬
‫ضر‪ ،‬ومضر صفوة عدنان‪ ،‬وعدنان صفوة العرب‪ ،‬والعرب‬ ‫م َ‬‫عبد مناف صفوة ُ‬
‫صفوة النسانية كلها" )تحت راية القرآن‪ ،194 /‬وفى الشعر الجاهلى‪-72 /‬‬
‫‪ ،(73‬فالرافعى يرى أن هذا تهكم واستهزاء بالحديث الصحيح التالى‪" :‬إن الله‬
‫اصطفى كنانة من وَل َد ِ إسماعيل‪ ،‬واصطفى قريشا من كنانة‪ ،‬واصطفى من‬
‫قريش بنى هاشم‪ ،‬واصطفانى من بنى هاشم" )نفس المرجع والصفحة(‪.‬‬
‫ومثل هذا تكذيبه بوجود امرئ القيس مما ي ُعَد ّ رفضا للحديث الصحيح الذى‬
‫ورد بذكر هذا الشاعر )ص‪ ،(197 /‬وقوله‪" :‬إن يزيد صورة صادقة من جده‬
‫سَنن" )ص‪.(211 /‬‬ ‫أبى سفيان فى السخط على السلم وما سّنه للناس من ُ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل ما رآه الرافعى رحمه الله مطعنا فى إيمان طه حسين‬ ‫ل ل كُ ّ‬ ‫ج ّ‬


‫وبعد‪ ،‬فهذا ُ‬
‫بالسلم وكتابه ونبيه‪ .‬والحقيقة أن من الصعب تماما الدفاع عن طه حسين‪،‬‬
‫اللهم إل فى بعض النقاط الفرعية التى ل تقدم ول تؤخر فى اتهام الرافعى‬
‫له‪ ،‬إذ قد يمكن القول مثل إنه حينما قال إنه ل يعنيه أن يكون القرآن قد تأثر‬
‫َ‬
‫وز الحتمالين كما فهم الرافعى‪ ،‬بل قصد أن هذا ليس‬ ‫بشعر أمية أوْ ل َ لم ي ُ َ‬
‫ج ّ‬
‫موضع الرد على كليمان هوار ول أوانه‪ ،‬لنه مشغول فقط ببحثه فى الشعر‬
‫الجاهلى‪ ،‬وإن كان هذا فى الحقيقة لونا من التأويل المتعسف لكلمه‪ .‬كما قد‬
‫يمكن القول إن حكمه على أبى سفيان إنما هو رأى ارتآه على سبيل‬
‫الجتهاد‪ ،‬ومهما يكن قد أخطأ فيه فإن إحسان القول فى أبى سفيان ليس‬
‫من دعائم السلم‪ ،‬أو إن طه حسين إذا كان يرفض الحديث الشريف الذى‬
‫ينص على أفضلية الرسول وأسلفه فلنه يراه غير صحيح رغم وروده فى‬
‫كتب الصحاح‪ .‬ثم قد يقول المجادلون إن النبى عليه الصلة والسلم ل يضره‬
‫أن يكون أسلفه أو ل يكونوا أفضل البشر‪...‬وهكذا‪ .‬وقد نقبل جدل كلمه فى‬
‫عميد المويين‪ ،‬لكن هل من السهل أن تخفى علينا نبرة التهكم فى تناوله‬
‫الحديث الذى يؤكد أفضلية الرسول على جميع البشر؟ وهل يليق بمسلم أن‬
‫تكون هذه نظرته إلى الرجل الذى يؤمن بنبوته وما يعنيه اصطفاء الله له‬
‫جت ََبى لها إل أفذاذ الخيار من البشر؟‬
‫للقيام بهذه الرسالة العظيمة التى ل ي ُ ْ‬
‫أيا ما يكن المر‪ ،‬فما القول فى مناداته بأن على من يريد دراسة الدب‬
‫العربى التجرد من دينه؟ إن هذا معناه شىء واحد هو أن السلم يناقض‬
‫البحث العلمى‪ ،‬فكيف يجمع طه حسين بين اليمان بالسلم واليمان بالمنهج‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلمى‪ ،‬وهو يرى أنهما متناقضان؟ إن عليه أن يختار واحدا منهما ما دام‬
‫المر كذلك‪ ،‬لن من المستحيل‪ ،‬إل على ذى عقل مضطرب أو مريض‬
‫بانفصام فى شخصيته‪ ،‬أن يجمع بينهما‪.‬‬
‫إن طه حسين يعلن أنه‪ ،‬فى شكه فى الشعر الجاهلى‪ ،‬إنما يجرى على منهج‬
‫ديكارت‪ ،‬فكيف إذن تجاهل أحد القوانين الفطرية التى رأى ديكارت أنها تعلو‬
‫فوق كل شك‪ ،‬أل وهو "قانون عدم التناقض"‪ ،‬الذى بمقتضاه ل يمكن أن‬
‫"يكون" الشىء و"ل يكون" فى نفس الوقت‪ ،‬بل إما أن "يكون" فقط أو "ل‬
‫يكون"؟ إن تطبيق هذا القانون على النقطة التى نحن بصدها يستلزم أن‬
‫يؤمن طه حسين إما بالدين أو بالمنهج العلمى ما داما فى رأيه متعارضين‬
‫)انظر مادة "‪ ،"Descartes‬وبالذات ص ‪ 85‬من "‪A Dictionary of Philosophy,‬‬
‫‪ "Pan Books, 1979‬لمؤلفه ‪.(Antony Flew‬‬
‫أما قول طه حسين‪" :‬إن فى كل منا شخصيتين متمايزتين‪ :‬إحداهما عاقلة‬
‫تبحث وتنقد وتحلل وتغير اليوم ما ذهبت إليه أمس‪ ،‬والخرى شاعرة تلذ ّ‬
‫وتألم وتفرح وتحزن وترضى وتغضب فى غير نقد ول بحث ول تحليل‪،‬‬
‫وتساؤله‪ :‬ما الذى يمنع أن تكون الشخصية الولى عالمة باحثة ناقدة‪ ،‬وأن‬
‫تكون الثانية مؤمنة د َّينة مطمئنة طامحة إلى المثل العلى؟ ما لك ل تدع‬
‫للعلم حركته وتغيره‪ ،‬وللدين ثباته واستقراره؟" )انظر "تحت راية القرآن"‪/‬‬
‫‪ (350 -349‬فهو مغالطات بهلوانية‪ :‬فأول إذا كان هو يعتقد أن الدين يتميز‬
‫طراحه والتجرد منه أثناء البحث؟ لقد كان‬ ‫بالثبات والستقرار فكيف يطالب با ّ‬
‫الحرى به أن يعرف أن بحث الدب العربى ل يدخل فى نطاق الدين‪ ،‬ومن ثم‬
‫لم تكن به حاجة )لو كان فعل يعنى كلمه هذا( إلى دعوته المريبة تلك‪ .‬وثانيا‬
‫أنا ل أفهم العلقة بين الرضا والغضب واللذة واللم والفرح والحزن وبين‬
‫اليمان‪ .‬إن اليمان هو اقتناع بعقيدة وتشريع ما‪ ،‬والقتناع من شأن العقل ل‬
‫من شأن المشاعر‪ ،‬التى كما يصورها هو نفسه ل تستقر على حال‪ ،‬مع أنه‬
‫قال إن الدين يتميز بالثبات والستقرار‪ .‬إن السلم هو دين العقل ل التسليم‬
‫القلبى دونما فهم أو بحث أو اقتناع‪ ،‬على عكس الديان الخرى التى يقع‬
‫المؤمن بها فريسة للصراع بين عقله وعلمه وبين إيمانه وتسليمه‪ ،‬هذا‬
‫الصراع الذى يظل يؤرقه ولو فى أعماق نفسه إذا حاول أن يكبته هناك فى‬
‫تلك العماق المظلمة بعيدا عن وعيه‪ ،‬أو يدفعه فى نهاية المر إلى الكفر‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫من هنا يرى الرافعى أن مقال طه حسين الذى اقتطف هو منه ما سبق‬
‫)وكان طه حسين قد نشره فى جريدة "السياسة" تسويغا لموقفه وآرائه‬
‫التى بثها فى كتابه "فى الشعر الجاهلى"( إنما هو تفسير وتعليل لكفره على‬
‫مث ُْله كافرا‬
‫أساس من العلم‪ ،‬إذ "يريد أن يثبت فيه أنه من الممكن أن يكون ِ‬
‫أشد الكفر على اعتبار أنه عالم يبحث بعقله‪ ،‬ثم ل يمنع ذلك أن يكون مؤمنا‬
‫أقوى اليمان فى شعوره" )المرجع السابق‪ ،(351 -350 /‬كما يرى أن‬
‫تسمية الشعور شخصية‪ ،‬والعقل شخصية أخرى‪ ،‬معناه أن النسيان هو أيضا‬
‫كر شخصية‪ ،‬والنسان عدة شخصيات‪ ،‬وأنه حين ينتقل من حالة‬ ‫شخصية‪ ،‬والذ ّ ْ‬
‫إلى أخرى إنما ينتقل من شخصية إلى أخرى ويصبح رجل غير الذى كان‪ ،‬بل‬
‫مصته )السابق‪ .(351 /‬وكذلك يرى أنه ل بد من التوفيق‬ ‫يصبح كأن روحا تق ّ‬
‫بين الدين والعلم فيما يختلفان عليه‪ ،‬وإل كان أحدهما لغوا وعبثا )السابق‪/‬‬
‫‪ ،(354‬وهو ما قلناه من قبل‪ .‬لقد كان على طه حسين فى الحقيقة‪ ،‬بدل من‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللف والدوران‪ ،‬أن يحدد موقفه من الدين‪ ،‬وهو ما فعله فى نفس المقال‬
‫الذى نحن بصدده‪ ،‬إذ قال‪" :‬إن العاِلم ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة‪،‬‬
‫وكما ينظر إلى الفقه‪ ،‬وكما ينظر إلى اللباس‪ ،‬من حيث إن هذه الشياء كلها‬
‫دثها وجود الجماعة وتتبع الجماعة فى تطورها‪ .‬وإذن‬ ‫ح ِ‬ ‫ظواهر اجتماعية ي ُ ْ‬
‫فالدين فى نظر العلم الحديث ظاهرة كغيره من الظواهر الجتماعية‪ ،‬لم‬
‫ينزل من السماء ولم يهبط به الوحى‪ ،‬وإنما خرج من الرض كما خرجت‬
‫ن رأى دوركايم أن الجماعة تعبد نفسها‪ ،‬أو بعبارة أدق أنها‬ ‫الجماعة نفسها‪ ،‬وإ ْ‬
‫تؤّله نفسها" )السابق‪.(349 -348 /‬‬
‫بهذا يكون موقف طه حسين آنذاك واضحا‪ :‬فهو ل يؤمن بالسلم‪ ،‬إن آمن به‪،‬‬
‫على أنه دين سماوى أوحاه الله إلى نبيه محمد‪ ،‬بل على أنه اختراع بشرى‪.‬‬
‫وإذن فالرافعى لم يكن متجنيا عليه ِقيد شعرة حين رماه بالكفر واللحاد‪.‬‬
‫وأحب أن أبادر هنا إلى القول بأننى ل أريد بهذا أن أسىء إلى طه حسين‪ ،‬بل‬
‫أبحث فقط المر بحثا علميا‪ .‬وإذن أيضا فإن طه حسين حين أعلن من قبل‬
‫)فى الخطاب الذى أرسله‪ ،‬على أثر الهجوم عليه بسبب كتابه‪ ،‬إلى مدير‬
‫الجامعة أحمد لطفى السيد( أنه مسلم يؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله‬
‫واليوم الخر لم يكن يعنى ما يقول )السابق‪ ،(165 /‬إل أن يكون الخطاب‬
‫من تأليف لطفى السيد نفسه‪ ،‬وهو فى الواقع به أشبه‪ .‬ذلك أن النسان ل‬
‫يمكنه أبدا أن يؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‪ ،‬وهو فى ذات‬
‫الوقت ل يؤمن بوحى ول بإله‪ ،‬ما دامت الجماعة إنما تؤله نفسها وتعبد فى‬
‫الحقيقة ذاتها‪ ،‬وما دام الدين لم ينزل من السماء‪ ،‬وإنما نبع من الرض‬
‫اختراعا بشريا‪.‬‬
‫أما قوله إنه لم يتعمد فى كتابه الخروج على الدين فهو خداع ل يجوز فى‬
‫صف بعض قصص القرآن بأنها أساطير مختَرعة‬ ‫العقول‪ ،‬لنه إذا لم يكن و ْ‬
‫لغايات سياسية‪ ،‬والقول بأن المسلمين هم الذين رّدوا السلم فى خلصته‬
‫إلى دين إبراهيم وغير ذلك مما سبق أن أوردناه‪ ،‬هو الخروج على الدين فإنه‬
‫ل يوجد شىء إذن اسمه الخروج على الدين‪ .‬وأما تأكيدات طه حسين فى‬
‫الخطاب الذى أرسله إلى مدير الجامعة بأن دروسه فى المحاضرات قد خلت‬
‫ما من التعرض للديانات "لنى أعرف أن الجامعة لم تنشأ لمثل هذا"‪،‬‬ ‫وا تا ّ‬
‫خل ّ‬
‫فقد سبق أن قلنا إنه ليس تحت أيدينا ما يثبت أو ينفى ذلك‪ .‬لكن السؤال‬
‫الذى يلح على الذهن هو أنه إذا لم يكن قد تعرض للديان فى محاضراته‪،‬‬
‫والكتاب مملوء بالتعرض للديان‪ ،‬والسلم منها بالذات‪ ،‬فما الذى كان يقوله‬
‫إذن فى تلك المحاضرات؟ على أن الدكتور طه عاد فأدلى لصحيفة‬
‫"النفورماسيون" بما يلى‪" :‬قيل لهؤلء البسطاء إنى أطعن فى السلم‪،‬‬
‫ى جميعا‪ .‬على أنى أقول عاليا إنه ليس فى كتابى كلمة‬ ‫فشهروا الحرب عل ّ‬
‫قد من أجلها تضع‬ ‫ُ‬
‫يمكن أن ت ُؤَّول ضد الدين‪ .‬والعبارة التى يمكن أن أن ْت َ َ‬
‫النصوص المقدسة بعيدة عن قسوة المباحث التاريخية" )السابق‪.(252 /‬‬
‫وهو كلم ل ظل له من الحقيقة كما بي ّّنا‪ .‬وقد دعت هذه المخادعة الستاذ‬
‫الرافعى إلى تكذيبه ووصفه بعدم الحياء والعناد والمكابرة والكذب والسخرية‬
‫بعقل المة )السابق‪.(243 /‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫والغريب أن الصحفى السورى سامى الكيالى‪ ،‬الذى رمى من اتهموا طه‬


‫حسين فى دينه )بسبب ما ورد فى كتابه "فى الشعر الجاهلى"( بالرجعية‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والجمود هو نفسه الذى طبع ونشر لسماعيل أدهم بحثا بعنوان "طه حسين‪-‬‬
‫دراسة وتحليل" )مطبعة مجلة "الحديث"‪ /‬حلب‪1938 /‬م(‪ .‬وفى هذا البحث‬
‫يمدح أدهم الدكتور طه واصفا إياه باللحاد والثورة على الدين‪ ،‬كما يشير إلى‬
‫عيد‬ ‫رأيه الذى ي َعُد ّ فيه الدين نتاجا بشريا‪ .‬والغريب كذلك أن هذا البحث قد أ ُ ِ‬
‫نشره فى عدد من أعداد مجلة "الحديث" نفسها التى كان يصدرها الكيالى‪،‬‬
‫ذفت منه‬ ‫ح ِ‬
‫وكان ذلك فى نفس العام )عدد نيسان= إبريل(‪ ،‬ولكن بعد أن ُ‬
‫العبارات التى تتحدث عن إلحاد طه حسين وثورته على الدين ونظرته إليه‬
‫ضع مكانها بعض النقط‪ .‬إن هذا يبين حقيقة موقف‬ ‫على أنه نتاج بشرى‪ ،‬ووُ ِ‬
‫ذلك الصحفى الذى ل ينبغى أن يخدعنا كلمه‪ ،‬وإل فكيف يكون وصف طه‬
‫حسين باللحاد من جانب إسماعيل أدهم جميل‪ ،‬ووصفه بذلك من شيوخ‬
‫الزهر وعلماء مصر رجعية وتزمتا؟ كذلك من اللفت للنظر أن الكيالى لم‬
‫يورد مما قاله طه حسين فى حق القرآن إل جملة واحدة‪ ،‬ويا ليته أوردها كما‬
‫هى‪ ،‬بل حّرفها بما أذهب شناعتها‪ ،‬وزعم فوق هذا أنه إنما قالها على سبيل‬
‫مل مدى المانة العلمية! )انظر كتابه "مع طه حسين"‪/‬‬ ‫الستطراد‪ .‬فتأ ّ‬
‫سلسلة "اقرأ"‪ -‬عدد ‪ 56 /1 /112‬وما بعدها("‪.‬‬
‫وبعد أن فرغنا من مناقشة ما قاله الرافعى فى آراء طه حسين ننتقل إلى‬
‫تحليل ما قاله فيه هو نفسه‪ .‬وقد ذكرنا أنه سماه‪" :‬المبشر"‪ ،‬وكّناه‪" :‬أبا‬
‫ألبرت" و"أبا مرجريت"‪ ،‬وقال إن سلطان زوجته عليه شديد‪ .‬والحقيقة أن‬
‫هذه التهامات‪ ،‬رغم عدم تفصيل الرافعى للقول فيها‪ ،‬تشير من بعيد إلى ما‬
‫ذكره كاتب )سكرتير( طه حسين بعد ذلك بعشرات السنين‪ ،‬وهو فريد شحاتة‬
‫النصرانى )أقول‪" :‬النصرانى" حتى ل ي ُت َّهم مثلما ات ِّهم الرافعى وغيره‬
‫مد لعتناق النصرانية عند‬ ‫بالرجعية والجمود(‪ ،‬إذ كتب أن طه حسين قد تع ّ‬
‫زواجه من سوزان الفرنسية‪ ،‬وكان ذلك فى كنيسة إحدى القرى فى فرنسا‬
‫)انظر مقال أحمد حسين "العودة لطه حسين مفخرة مصر"‪ /‬مجلة الثقافة ‪/‬‬
‫سمت القضية وتحدد موقف طه‬ ‫ح ِ‬‫نوفمبر ‪1979‬م‪ ،4 /‬وكذلك مقاله "لقد ُ‬
‫حسين فى تاريخ مصر"‪ /‬مجلة الثقافة‪ /‬فبراير ‪1980‬م‪.(9 -8 /‬‬
‫والحقيقة أننا‪ ،‬جريا منا على المنهج الصارم الذى نتبعه فى كتاباتنا‪ ،‬ل نستطيع‬
‫أن نجزم جزما بأن هذا قد حدث‪ ،‬إذ ليس بين أيدينا وثيقة مقطوع بصحتها‬
‫تشهد على ما قاله كاتب طه حسين‪ ،‬الذى عاشره فى بيته وخارج بيته‬
‫طلع عليه سواه‪ ،‬وإن كان هذا ل‬ ‫طلع عنه على ما لم ي ّ‬ ‫عشرات السنين وا ّ‬
‫يمنع أن تظهر هذه الوثيقة يوما إن صحت رواية الرجل‪ .‬كذلك فإن فريد‬
‫شحاتة بالطبع لم يكن حاضرا طقوس التعميد الذى يشير إليه‪ ،‬فهو لم يكن‬
‫قد عرف الدكتور طه بعد‪ ،‬وإن كان الحق يقتضى أن أذكر أن فريد هذا كان‬
‫لصيقا بقلب طه حسين قبل أن يتركه‪ ،‬كما كان موضع أسراره الخطيرة‬
‫لعشرات من السنين‪ .‬ويمكن الرجوع فى هذا إلى الحوار الذى أجراه محمد‬
‫شلبى مع الدكتور طه حسين فى كتابه "مع رواد الفكر والفن" )الهيئة العامة‬
‫للكتاب‪1982 /‬م‪ /‬الحوار كامل‪ ،‬وبخاصة ص ‪ .(132‬ومع ذلك فهناك عدة‬
‫ملحظات لها دللتها‪ :‬فزوجة طه حسين‪ ،‬رغم أنها لم تترك شيئا فى حياة‬
‫زوجها إل ذكرته فى الكتاب الذى وضعته بعد وفاته عن حياتها معه‪ ،‬ورغم‬
‫حرصها على أن تصد ّ عنه هجوم من هاجموه حتى فى المور التى ل تمسها‬
‫كقضية الشعر الجاهلى مثل‪ ،‬لم تفتح فمها بكلمة واحدة تدفع بها عنه هذا‬
‫التهام‪ ،‬مع أنها هى الوحيدة المتبقية )فيما أظن( ممن كانوا حاضرين هذا‬
‫التعميد المشار إليه‪ ،‬بل هى السبب فيه )إن كان قد حدث( باعتبار أن هذا‬
‫كان شرطا لزواج طه حسين منها‪ ،‬فما معنى عدم نفيها لما قاله واحد من‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أقرب المقربين إلى زوجها وأسرته؟ ترى لو كان هذا اتهاما باطل أكانت‬
‫دينها‬ ‫ستسكت عليه مهما كان تدّينها وحبها لنصرانيتها ورغبتها فى أن تتكثر ل ِ‬
‫من التباع والمتحولين إليه من الديانات الخرى؟ بل لماذا لم تحاول أن تنفى‬
‫هذه الدعوى بالباطل لو صح أنها حقيقة؟ أيمكن القول إنها خافت أن ت ُك َ ّ‬
‫ذبها‬
‫سجلت تلك الكنيسة التى قال فريد شحاتة إن عميد الدب العربى قد تم‬
‫ن يوما لحد الباحثين المهتمين بهذا الموضوع أن يط ِّلع عليها‬ ‫تعميده فيها إذا عَ ّ‬
‫رج هذه الوثيقة‪ ،‬إن كان لها وجود‪،‬‬ ‫خ ِ‬
‫ة فى فرنسا أن ت ُ ْ‬ ‫أو ترى الدوائُر المعني ّ ُ‬
‫در أنه قد حان الوان لكشفها من أجل هذا‬ ‫ق ّ‬
‫ذيعها على الناس عندما ت ُ َ‬ ‫وت ُ ِ‬
‫الغرض أو ذاك؟ تلك أسئلة ل يستطيع الباحث فى الظروف الحالّية أن يجيب‬
‫فى الغليل‪ ،‬ول يملك إل أن يقول‪ :‬فْلننتظر!‬ ‫ش ِ‬ ‫عليها إجابة علمية قاطعة ت َ ْ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫على أن الباحث مع ذلك ل يمكنه أن يمر مرور الكرام على الحقائق التالية‪:‬‬
‫أن زوجة طه حسين لم تكن تحبه حين قبلته زوجا‪ .‬وليس هذا تخمينا منا‪ ،‬فقد‬
‫ت هى هذا ذكرا صريحا فى أكثر من موضع من كتابها )انظر سوزان طه‬ ‫ذكر ْ‬
‫حسين‪ /‬معك‪ /‬دار المعارف‪1979 /‬م‪ ،(16 ،10 /‬كما ذكر طه حسين قبلها‬
‫ذلك بنفسه )اليام‪ /3 /‬دار المعارف‪1945 /‬م‪ 108 /‬وما بعدها‪.118 ،‬وانظر‬
‫سمت القضية وتحدد موقف طه حسين فى‬ ‫ح ِ‬
‫أيضا مقال أحمد حسين "لقد ُ‬
‫تاريخ مصر"‪ /‬مجلة الثقافة‪ /‬فبراير ‪ ،10 -9 /1980‬وسامى الكيالى‪ /‬مع طه‬
‫حسين‪ (29 /1 /‬قائل إن الذى حثها أو على القل شجعها على الزواج منه هو‬
‫عمها القسيس الكاثوليكى )انظر "معك‪ ،17 /‬وسامى الكيالى‪ /‬مع طه‬
‫حسين‪ 29 /1 /‬نقل عن روبير لندرى الكاتب الفرنسى(‪ .‬ومتى حصل هذا‬
‫التشجيع من جانب العم القسيس‪ ،‬الذى كان طه حسين يقول عنه إنه أحب‬
‫رجل إلى نفسه‪ ،‬ويرى فيه مثله العلى ودليله فى الحياة )معك‪(17 /‬؟ فى‬
‫الربع الول من القرن العشرين حين كان المد الستعمارى لبلد المسلمين‬
‫جه‪ ،‬ونظرة الوربيين إلينا على أننا شعوب من الهمج على‬ ‫َ‬
‫ولمصر فى أوْ ِ‬
‫أشدها‪ ،‬وكراهيتهم لنا بوصفنا مسلمين فى قمتها‪ .‬أليس غريبا أن يجهد‬
‫قسيس كاثوليكى فرنسى فى العقد الثانى من القرن العشرين جهده فى‬
‫إتمام زواج ابنة أخيه من شاب مسلم )أى كافر من وجهة نظره(‪ ،‬وترضى‬
‫ابنة الخ بهذا الشاب الذى لم يكن يتمتع بما تصبو إليه الفتيات عادة ً من ِغًنى‬
‫عنا من أنه كان كفيفا‪ ،‬وكانت‬ ‫أو منزلة اجتماعية عالية أو أناقة أو وسامة‪ ،‬ود َ ْ‬
‫سرة بحيث كان من الصعب عليه‪ ،‬حتى‬ ‫فرنسيته بالطبع فى ذلك الوقت مك ّ‬
‫زلين‪ ،‬أن يستميل قلبها بالكلم الخيالى المنمق‪ .‬كذلك‬ ‫لو كان من أمهر الغَ ِ‬
‫من المهم أن نلحظ أنها هى نفسها كانت شديدة التمسك بنصرانيتها‪ .‬أى أن‬
‫افتراض لمبالتها بكونها نصرانية وكونه مسلما ) أى كافرا من وجهة نظرها(‬
‫هو افتراض غير مقبول‪ .‬وثمة أمر آخر أرى أن له مغزاه‪ ،‬فقد ذكر طه حسين‬
‫أنه حينما أتاه خطاب سوزان من قريتها فى الجنوب الفرنسى )هذا الخطاب‬
‫الذى كان علمة بينهما على أنها رجعت عن موقفها فى رفضها الزواج منه‬
‫لنها ل تحبه( قد سافر وحده إلى هناك‪ ،‬ولم يستمع لزملئه المصريين الذين‬
‫دوه عن الذهاب إشفاقا عليه )اليام‪ .(112 /3 /‬يعنى أنه‪ ،‬حين‬ ‫حاولوا أن يص ّ‬
‫طبته على سوزان‪ ،‬بل أثناء أشهر ذلك الصيف كله‪ ،‬كان طه حسين‬ ‫أ ُعِْلنت ِ‬
‫خ ْ‬
‫وحده بين تلك السرة الفرنسية الكاثوليكية‪ ،‬وفيها ذلك العم القسيس الذى‬
‫ضد هذا الزواج‪ ،‬بل أغلب الظن أنه هو السبب فى تغيير ابنة أخيه لموقفها‬ ‫ع ّ‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فى مدى شهر!‬


‫دوه مشفقين عليه‪ ،‬لكنه أصّر إصرارا على‬ ‫لقد حاول زملؤه‪ ،‬كما مّر‪ ،‬أن يص ّ‬
‫ْ‬
‫خطبة‪.‬‬ ‫موقفه‪ ،‬وكان له ما أراد‪ ،‬فلم يحضر معه مصرى ول مسلم هذه ال ِ‬
‫أليس لهذه الوقائع دللتها الخطيرة؟ وتشير زوجة طه حسين إلى أن عمها‬
‫القسيس‪ ،‬الذى كان متحمسا لزواجها به رغم نفورها منه‪ ،‬قد اصطحب‬
‫خطيبها‪ ،‬حين زارهم فى قريتهم فى الجنوب الفرنسى‪ ،‬ساعتين تجول‬
‫دثا‪ ،‬أو ما الذى أخذه‬ ‫أثناءهما فى الحقول وحدهما‪ .‬بي َْد َ أنها لم تذكر لنا فيم تح ّ‬
‫عليه العم من عهود قبل أن يعطيه ابنة أخيه‪ .‬من هنا فإننا من الوجهة‬
‫التاريخية الموّثقة نجد أنفسنا كلما اقتربنا من هذه المسألة نصطدم بالصمت‪.‬‬
‫فأى نوع من الصمت هذا؟ حتى الصحفى سامح كريم‪ ،‬الذى ينقل ما كتبه‬
‫الخرون عن طه حسين‪ ،‬عندما أتى إلى هذه النقطة أخذ يحوم حولها من غير‬
‫أن يسميها‪ ،‬مكتفيا بالحديث عن فريد شحاتة ومذكراته عن عمله مع الدكتور‬
‫ميه‪ :‬فريد شحاتة"‪ ،‬كل‬ ‫صفه له بـ"هذا الشىء الذى أس ّ‬ ‫طه وغَْيظ هذا منه ووَ ْ‬
‫م يدور الكلم‪ ،‬وهو ما يجافى‬ ‫ذلك من غير أن يعرف القارئ الخالى الذهن عَل َ َ‬
‫أمانة النقل )انظر‪ ،‬فى رحلة الحقول هذه‪" ،‬معك"‪ .17 /‬وبالنسبة لصمت‬
‫سامح كريم عن التهام المذكور انظر كتابه "ماذا يبقى من طه حسين؟"‪ /‬دار‬
‫الشعب‪1975 /‬م‪.(125 -124 /‬‬
‫كذلك من الملحظات الدالة المتصلة بتكنية الرافعى لطه حسين‪" :‬أبا‬
‫مرجريت" و"أبا ألبرت" أن السيدة سوزان‪ ،‬فيما أذكر‪ ،‬لم تشر فى كتابها‬
‫جه أولده توجيها إسلميا‪ ،‬ول أظن من السهل الجواب‬ ‫"معك" إلى أنه كان يو ّ‬
‫على ذلك بأنها كنصرانية ل يهمها أن تشير إلى هذا‪ ،‬فإن هذه الملحظة تصدق‬
‫أيضا على كتاب "اليام"‪ ،‬الذى كتبه هو وأفاض فيه القول عن كل شىء‬
‫يتعلق به وبحياته وحياة أسرته‪ .‬وبالمناسبة فالذى أعرفه هو أن "مؤنس" ابن‬
‫مى فى البيت‪" :‬كلود" ل "ألبرت"‪.‬‬ ‫الدكتور طه كان يس ّ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ولعله يكون من المناسب هنا أن نشير إلى أن والدة طه حسين حين أخذ طه‬
‫زوجته إلى كوم أمبو بعد عودته من فرنسا للتعرف إلى أسرته هناك‪ ،‬قد‬
‫سألته‪ ،‬على حسب ما حكت لنا سوزان نفسها‪ ،‬أىّ نوع من النبيذ يجب‬
‫شراؤه من أجلها )معك‪ .(31 /‬فإذا كان هذا هو موقف والدته من أم الكبائر‪،‬‬
‫وهى سيدة صعيدية عجوز غير متعلمة‪ ،‬وفوق ذلك طبعا مسلمة‪ ،‬ومتى؟ فى‬
‫الربع الول من القرن العشرين‪ ،‬وكل ذلك من أجل خاطر العروس الوافدة‬
‫ظ أن كل ظروف والدة طه حسين كان من شأنها أن تدفعها إلى الفزع‬ ‫ح ْ‬
‫)ل ِ‬
‫الشديد من مجرد دخول الخمر إلى بيتها(‪ ،‬أل يساعدنا هذا فى تخيل موقف‬
‫طه حسين نفسه من أمر ذلك الزواج كله والضريبة التى كان عليه أن يدفعها‬
‫مد َّلها أشد ّ التدله فى سوزان‪ ،‬وكان فوق ذلك‬
‫فى مقابله‪ ،‬وهو الذى كان ُ‬
‫معجبا أقوى العجاب بالحضارة الوربية وانغمر فيها فى بلدها انغمارا‬
‫مطلقا؟‬
‫ول يقف المر عند هذا الحد‪ ،‬فالمعروف أن طه حسين كان يختار سكرتيريه‬
‫عادة من النصارى‪ ،‬فهل ينبغى أن نمر بهذه الحقيقة أيضا دون أن نلتفت إلى‬
‫مغزاها؟ لقد اشتغل توفيق شحاتة كاتبا وقارئا له‪ ،‬ثم خلفه أخوه فريد‪،‬‬
‫صاحب القصة الخاصة بتعميد طه حسين قبل زواجه من سوزان‪ ،‬التى لم‬
‫تكن تحبه وكانت ترفض بفظاظة أن تسمع منه كلمة "الحب" أو أن يتحدث‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معها مجرد حديث فى موضوع الزواج إن أراد لزمالتهما وصداقتهما أن‬


‫مها بمزايا الزواج من هذا‬ ‫صرها ع ّ‬‫تستمر‪ ،‬والتى غّيرت رأيها فجأة بعد أن ب ّ‬
‫الشاب الذى أطراه لها مؤكدا أنه سيتجاوزها باستمرار )انظر‪ ،‬فى هذه‬
‫النقطة الخيرة‪ ،‬سامى الكيالى‪ /‬مع طه حسين‪ ،29-28 /1 /‬وسوزان طه‬
‫حسين‪ /‬معك‪ .(17 /‬وإن الباحث ليتساءل‪" :‬يتجاوزها فى ماذا؟"‪ .‬وهناك غير‬
‫الخوين شحاتة سكرتيران آخران على شاكلتهما‪ ،‬وهما ألبير برزان )أول‬
‫در له أن يشتغل مع‬ ‫سكرتيريه( وسليم شحاتة‪ ،‬وإن كان هناك دكتور أزهرى قُ ّ‬
‫طه حسين فترة من الوقت قال عنه د‪ .‬زكريا البرى وزير الوقاف السبق إنه‬
‫قد لحظ أن أسلوب حياة الدكتور طه يجرى على غير المعهود فى البيوت‬
‫المسلمة )انظر مقاله‪" :‬الشيخ والستاذ والدكتور والمام" بجريدة "النور"‬
‫فى ‪ 11‬صفر ‪1407‬هـ‪ 15 -‬أكتوبر ‪1986‬م(‪.‬‬
‫والن بعد أن رأينا هذه المسألة من كل جوانبها المتاحة فإننا نتساءل‪ :‬هل نما‬
‫إلى الرافعى فى ذلك الوقت المبكر ما أشار إليه فريدشحاتة بعد ذلك؟ لكن‬
‫لماذا لم يذكر هذا صراحة‪ ،‬وهو الذى لم يكن هّيابا فى كتاباته؟ لقد لحظنا أنه‬
‫لم يجمجم فى تسمية الدكتور طه بـ"المبشر طه حسين" وتكنيته‪" :‬أبا‬
‫مرجريت" وأبا ألبرت"‪ ،‬فهل بلغه ذلك المر أو شىء منه‪ ،‬لكنه لسبب أو لخر‬
‫لم يذكره؟ إن كان الجواب بالثبات فمن الذى بّلغه إياه يا ترى؟ إن د‪ .‬نجيب‬
‫البهبيتى يتحدث فى كتابه "المدخل إلى دراسة التاريخ والدب العربي ّْين" عن‬
‫أسرار أخرى تتعلق بأسرة سوزان والمهنة التى كانت تمارسها هى فى‬
‫باريس‪...‬إلخ‪ ،‬وهى أسرار إن كانت جديدة علينا نحن الن فل شك أن‬
‫المبعوثين المصريين فى العاصمة الفرنسية فى ذلك الوقت كانوا يعرفونها‪،‬‬
‫ل سّر‬ ‫فهل نقل إلى الرافعى واحد ٌ من هؤلء المبعوثين أو ممن لهم بهم اتصا ٌ‬
‫هذا التعميد‪ ،‬الذى ل نستطيع مع ذلك من الوجهة التاريخية الموّثقة أن نجزم‬
‫به؟ الجواب طبعا‪ :‬ل نعرف‪.‬‬
‫ومما قاله الرافعى رحمه الله فى د‪ .‬طه حسين اتهامه إياه‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬بأنه‬
‫أداة أوربية استعمارية‪ .‬ويتصل بهذا أنه ينقل‪ ،‬فى كتابه "تحت راية القرآن"‪،‬‬
‫مى‪" :‬عصبية طه‬ ‫ما كتبته مجلة "الفتح" بعد شهرين من نشره لمقاله المس ّ‬
‫صه‪" :‬ليقل لنا طه حسين كم يتقاضى من رجال‬ ‫حسين على السلم"‪ ،‬ون َ ّ‬
‫التبشير‪ ،‬أو بعبارة أدق‪ :‬من رجال الدول الغربية من أجرٍ على دعايته تلك لهم‬
‫وعمله لصالحهم وجهاده من أجلهم‪ ،‬هذا الجهاد الطويل العنيف الذى ل يرهب‬
‫فيه أمة بأسرها‪ .‬إن ذلك الجر ل بد أن يكون عظيما جدا كما يتحدث الناس‬
‫فى أنديتهم" )تحت راية القرآن"‪ ،(196 -195 /‬كما سمى فرنسا‪ :‬وطن طه‬
‫حسين الجديد )المرجع السابق‪.(370 /‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫والواقع أن الباحث الذى يريد أن يحقق هذا المر يجد نفسه أمام عدة حقائق‬
‫فلها‪ .‬وهذه الحقائق‪ ،‬وكلها مستمدة مما‬
‫ل يستطيع‪ ،‬إذا كان باحثا أمينا‪ ،‬أن ي ُغْ ِ‬
‫كتبه طه حسين نفسه وزوجته‪ ،‬هى‪ :‬علقته الحميمة إلى حد مذهل بالساتذة‬
‫الجانب فى الجامعة‪ ،‬حتى إنهم ليجتمعون عنده فى بيته كل أسبوع مرة‪،‬‬
‫وذلك يوم الحد )لحظ!(‪ .‬ومن هؤلء الساتذة جريجوار وإميل برهييه‬
‫وجريدور وسكايف وللند وسانياك )معك‪ .(75 -74 /‬كما أنه هو الذى‬
‫استقدم كازانوفا الفرنسى للتدريس فى الجامعة‪ ،‬مع أن طه حسين كان ل‬
‫يزال فى أولى درجاته الجامعية فى سلك التدريس حينذاك‪ ،‬فمن أين له هذا‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثقل الوظيفى والدارى فى الجامعة؟ ومن الذى كان يقف وراءه؟ إن هذا‬
‫الستاذ كان هو المشرف على رسالة طه حسين فى باريس‪ ،‬وحين أتى إلى‬
‫القاهرة كان طه حسين يزوره كل يوم )المرجع السابق‪ ،76 /‬وانظر "اليام"‪/‬‬
‫‪ ،121 /3‬وكذلك سامح كريم‪ /‬ماذا يبقى من طه حسين؟"‪ .(76 /‬ومن ل‬
‫حيله إلى كتابه "‪"Mahomet et La Fin du Monde‬‬ ‫يعرف هذا المستشرق ن ُ ِ‬
‫سود فى السلم ونبيه‪ ،‬الذى يتهمه بتلفيق القرآن من عنده‪،‬‬ ‫ليعرف آراءه ال ّ‬
‫كما يتهم الصحابة الكرام بالعبث بنصه عندما اتضح أن ما قاله الرسول عليه‬
‫السلم عن قرب قيام الساعة كان محض هراء‪ ،‬فكان ل بد فى زعمه من‬
‫زيادة بعض النصوص التى تمحو أثر هذه النبوءة الكاذبة‪ .‬وقد حزن طه حسين‬
‫لوفاته حزنا شديدا‪ ،‬وأشار إلى ذلك المرحوم الرافعى بقوله إنه حين هلك‬
‫كان طه حسين هو "نادَِبته" الوحيدة فى مصر )تحت راية القرآن‪ .275 /‬كما‬
‫وصفه بحق بأنه "ك َذ َب َُنوفا"‪.(294 /‬‬
‫ويشبه هذا ما كان من ود وتفاهم بين مرجليوث وطه حسين‪ ،‬حتى إن‬
‫الدكتور طه‪ ،‬حين سافر إلى أوكسفورد لحضور مؤتمر المستشرقين هناك‬
‫سنة ‪1928‬م‪ ،‬نزل هو وأسرته ضيفا عليه‪ ،‬وقامت زوجة هذا المستشرق‬
‫المتطاول والحاقد على السلم ونبيه برعاية طفله المريض )معك‪ .(91 /‬لقد‬
‫عاش كاتب هذه السطور عدة سنين فى تلك المدينة التى كان يدرس فى‬
‫جامعتها للحصول على درجة الدكتورية‪ ،‬ويعرف جيدا كراهية الساتذة فى تلك‬
‫الجامعة لكل ما هو مسلم أو إسلمى‪ .‬ومرجليوث هذا بالذات من أشد‬
‫المستشرقين بغضا للسلم وكتابه ونبيه‪ .‬إنه من هذه الناحية يأتى هو‬
‫ولمانس البلجيكى فى المقدمة‪.‬ومن يرغب فى أن يأخذ فكرة عن هذا‬
‫قّتال فليرجع فقط إلى كتابه "‪،"Muhammad and the Rise of Islam‬‬ ‫البغض ال َ‬
‫الذى يأخذ فيه جانب وَث َن ِّيى مكة فى كل موقف حتى فى تعذيبهم للمسلمين‪،‬‬
‫كما وقف فى صف اليهود فى جميع مؤامراتهم لقتل النبى الكريم ومحاولتهم‬
‫تدمير السلم الناشئ تدميرا نهائيا‪ .‬وقد بلغ من سخطه على الرسول ودينه‬
‫ن قد حمل على أحفاد القردة والخنازير حملة شعواء لنهم‪ ،‬كما يقول‪ ،‬لم‬ ‫أ ْ‬
‫يحكموا أمرهم ويتخلصوا منه قبل أن يلتفت لتآمرهم عليه ويتخلص منهم‬
‫ل‪ .‬ولقد وصف هذا الرجل الوقح رسولنا الكريم بأنه "شيخ منسر‪a robber- :‬‬ ‫أوّ ً‬
‫‪chief" (D. S. Margoliouth, Muhammad and the Rise of Islam, New York-‬‬
‫‪ .(London, 1905, P. 238‬وكان يرى أنه ينبغى أل نعير كلمه صلى الله عليه‬
‫وسلم كبير ثقة )المرجع السابق‪ .(263 /‬كما قال عن أبى عامر الراهب )هذا‬
‫العميل البيزنطى الحاقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى نجاح‬
‫دينه‪ ،‬والذى بنى له المناقون مسجدا فى أطراف المدينة بعيدا عن عيون‬
‫المسلمين المخلصين ليلتقوا به فيه لحبك المؤامرات ضد السلم ونبّيه‬
‫وأتباعه( إنه كان عنده قبل هجرة الرسول إلى يثرب ميل إلى الصلح‬
‫خب ََره من محمد بعد هجرته قد أقنعه بأفضلية‬ ‫الدينى‪ ،‬بيد أن القليل الذى َ‬
‫الوثنية )المرجع السابق‪ ،(291 -290 /‬وغير ذلك ممما يعج به الكتاب من‬
‫أقوال شنيعة ل تحترم حقائق التاريخ ول تلقى بال للقيم النسانية النبيلة التى‬
‫أرساها محمد عليه الصلة والسلم‪ ،‬وكان أول وأحسن من استمسك بها‪.‬‬
‫فكيف يمكن أن تقوم مودة حميمة بين مسلم يحب دينه ويؤمن برسوله ول‬
‫يقبل أن يسىء إليه أحد وبين مثل هذا المستشرق الوغد الذى كان يكرهه‬
‫عليه السلم كراهية العمى؟‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وممن كانت له علقة حميمة بالدكتور طه حسين المستشرق الفرنسى‬


‫لويس ماسينيون‪ ،‬الذى كان يبدى اهتماما شديدا به فى أزماته التى يثيرها‪،‬‬
‫والذى عََرض عليه ذات مرة وظيفة فى الوليات المتحدة المريكية )معك‪/‬‬
‫‪ ،(101‬وكان شديد الحتفاء بابنه مؤنس أثناء دراسته بباريس‪ ،‬إذ كان يأخذه‬
‫ضرها له مؤنس فيمشيان معا‬ ‫ح ُ‬‫بعد خروجهما من محاضراته التى كان ي َ ْ‬
‫ويستعلم منه باهتمام ٍ وُد ّىّ عن كل ما يقوم به أبوه من عمل أو يخطط للقيام‬
‫به )المرجع السابق‪ .(254 -253 /‬وماسينيون هذا هو أحد أعمدة الستعمار‬
‫الفرنسى فى الشرق السلمى العربى‪ .‬وقد تحدث عن دوره هذا‪ :‬الصحفى‬
‫اللبنانى إسكندر الرياشى فى كتابه "رؤساء لبنان"‪ ،‬فليراجعه من شاء‪ .‬وإننا‬
‫لنسأل‪ :‬ما سر هذا الهتمام الزائد من جانب ماسينيون الستعمارى وأمثاله‬
‫بطه حسين؟ لعل ما يلقى بصيصا من الضوء على جواب هذا السؤال أن طه‬
‫حسين كان يشتغل أثناء الحرب العالمية الثانية مراقبا لذاعة فرنسا الحرة‬
‫التى كانت تبث برامجها من دار الذاعة المصرية‪.‬كما أنه قد استقبل الجنرال‬
‫ديجول حين مجيئه للقاهرة فى إبريل سنة ‪1941‬م )السابق‪.(129 /‬‬
‫ولم تنس السيدة سوزان أن تتحدث عن جوانب من الصداقة الحميمة لزوجها‬
‫بالمستشرق الفرنسى ريجى بلشير أيضا‪ .‬وبلشير هذا هو الذى عبثت يده‬
‫النجسة بآيات القرآن الكريم تقطيعا وتقديما وتأخيرا أثناء ترجمته لكتاب الله‬
‫طأ القرآن نحويا وأسلوبيا فى مواضع غير‬ ‫المجيد‪ ،‬وبلغت به الجرأة أن خ ّ‬
‫قليلة‪ ،‬كما أضاف إلى سورة "النجم" الجملتين اللتين تسميان بـ"آيتى‬
‫الغرانيق"‪ ،‬وهو ما لم يجرؤ أحد أن يفعله فى حدود علمنا جاعل ً إياهما جزءا‬
‫من القرآن‪ ،‬وتعمد تشويه كتابنا الكريم بتفسيرات ل يمكن أن تخطر إل فى‬
‫خيال مريض يهذى‪ ،‬كقوله مثل )مع كايتانى وشبرنجر( إن "جنة المأوى" التى‬
‫ورد ذكرها فى سورة "النجم" هى فيل فى ضواحى مكة‪ ،‬وإن "سدرة‬
‫المنتهى" المذكورة فى ذات السورة هى شجرة بجوار تلك الفيل‪ .‬وبطبيعة‬
‫الحال فالرجل ليس مريضا يهذى‪ ،‬لكنه حاقد يتعصب ضد القرآن ويحاربه‬
‫بهذه الساليب السافلة )انظر الهوامش التى خصصها ذلك المستشرق لتلك‬
‫ت فيه تلك الترجمة من‬ ‫اليات فى ترجمته للقرآن‪ ،‬وكذلك الفصل الذى درس ُ‬
‫كتابى "المستشرقون والقرآن"‪ ،‬وهو الفصل الثالث من الباب الول(‪.‬‬
‫ومن اهتمام المستشرقين والدوائر العلمية الغربية بطه حسين أن‬
‫المستعرب اليطالى نلينو مثل فى مؤتمر المستشرقين الذى انعقد بإيطاليا‬
‫أثناء الحكم الفاشى قد تنازل لطه حسين عن رئاسة القسم الذى كان‬
‫يرأسه‪ ،‬وهو ما لم يحدث من قبل كما تقول السيدة سوزان )معك‪،(123 /‬‬
‫ُ‬
‫دقت عليه إغداقا من الجامعات الوربية على‬ ‫وأن الدكتوراهات الفخرية قد أغْ ِ‬
‫اختلفها )المرجع السابق‪251 ،180 ،177 ،172 ،162 /‬مثل(‪ .‬إن الصحفى‬
‫السورى سامى الكيالى المعجب بطه حسين وباتجاهه الدائم نحو قبلة أوربا‬
‫إعجابا أعمى يشير بفخر إلى هذا الهتمام الزائد من جانب الجامعات الوربية‬
‫بطه حسين )مع طه حسين‪ ،(124 -123 /1 /‬مع أن هذا الهتمام هو دليل‬
‫على أن الرافعى لم يكن يلقى الكلم على عواهنه حين وصفه بأنه أداة‬
‫أوربية‪ ،‬وإل فما هذا الحتفاء الغريب المريب بطه حسين من دون المفكرين‬
‫ت بلد المسلمين والعرب‬ ‫م ْ‬‫ق َ‬
‫والدباء العرب الذين كانوا معاصرين له؟ أعَ ُ‬
‫ومصر فلم تلد إل طه حسين؟ إن هؤلء المحتفين بطه حسين هم أنفسهم‬
‫الذين يبغضوننا ويبغضون ديننا وأدبنا ولغتنا‪ ،‬وهم الذي استعمرونا وأذاقونا‬
‫ة ونهبوا بلدنا وقتلوا آباءنا‪ ،‬واقتطعوا من جسدنا وروحنا‬ ‫مت َْرعَ ً‬
‫كأس المذلة ُ‬
‫وها لليهود‪ ،‬الذين ساعدهم طه حسين على النجاة بجلدهم‬ ‫فلسطين وأعط َْ‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دون إسرائيل بالمال والرجال‬ ‫م ّ‬


‫عند اقتراب اللمان من العلمين‪ ،‬وهم الذين ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫والسلح ليذبحونا‪ .‬فهل يمكن أن يحتفى هؤلء بأى واحد منا لو َرأْوا أنه نافع‬
‫لمته؟ إن لدينا‪ ،‬والحمد لله‪ ،‬عقول تفكر!‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ومن مظاهر اهتمام المستشرقين بطه حسين كذلك أن بعضهم‪ ،‬حينما أ ُب ِْعد‬
‫الرجل عن الجامعة‪ ،‬قد أعلنوا أسفهم الشديد وهاجموا المسؤولين عن ذلك‬
‫دوه من المناضلين عن حرية الفكر‪ .‬وأعلن برجشتراسر‪ ،‬وكان أيامها‬ ‫وع ّ‬
‫أستاذا بالجامعة المصرية‪ ،‬أنه لن يعود إلى الجامعة إل إذا عاد إليها طه‬
‫حسين )معك‪ .(110 -109 /‬وهذا كله مع أن مئات الساتذة الجامعيين‬
‫قّتلون فى أنحاء العالم المختلفة‪ ،‬ولم نسمع‬ ‫جنون وي ُ َ‬
‫س َ‬
‫صلون وي ُ ْ‬
‫ف َ‬
‫المسلمين ي ُ ْ‬
‫من أحد من هؤلء المستشرقين ولو كلمة مجاملة من باب ذر الرماد فى‬
‫ب بسبب الكتاب الذى أنقل منه‬ ‫ب جان ٌ‬
‫ح ّ‬
‫العيون‪ .‬وبالمناسبة فقد نابنى من ال ُ‬
‫هذا الفصل )أو إذا آثرنا الصراحة‪ :‬بسبب طه حسين وما اقتحمُته فى ذلك‬
‫الكتاب من محّرمات وأقداس ل ينبغى أن يقترب منها أحد‪ ،‬وإل تم التنكيل به‬
‫حتى يكون عبرة لغيره(‪ ،‬فأوذيت أذى شديدا لم ُأوَذه فى حياتى العلمية‬
‫والوظيفية‪ ،‬ولم يكّلف أحد من المتباكين على الحرية الفكرية عَي َْنه أن تذرف‬
‫مل‪ ،‬فضل عن أن يثير‬ ‫ولو دمعة واحدة من دموع التماسيح على سبيل التج ّ‬
‫المَر فى وسائل العلم المحلية‪ ،‬ب َْله العالمية‪ .‬وكان ذلك قبل مسألة د‪ .‬نصر‬
‫أبو زيد بقليل‪ ،‬الذى أخذت وكالت النباء فى كل أرجاء الدنيا تطّير أخباره‬
‫دب‪ ،‬وكأننا بصدد‬ ‫ح َ‬‫بو َ‬ ‫صوْ ٍ‬
‫وتغطى الحتجاجات التى كانت تظاهره من كل َ‬
‫ً‬
‫حرب كونية ثالثة! وأحب رغم ذلك أل يفهمنى أحد ٌ خطأ فيتوهم أنى مع‬
‫اضطهاد الفكر‪ ،‬ولكنى فقط أتساءل عن سر هذا الهتمام الغريب من قَِبل‬
‫صره عليهم‪ ،‬وعليهم‬ ‫الدوائر العالمية المعادية للسلم بطه حسين وأمثاله وقَ ْ‬
‫وحدهم! ومن المضحك الذى ينبغى إيراده هنا‪ ،‬وشر البلية ما يضحك كما‬
‫يقول المثل المشهور‪ ،‬أن يبلغ التحمس لطه حسين عند أحد القساوسة‬
‫المصريين‪ ،‬وهو كمال ثابت قلته )فى رسالته للماجستير عن الدكتور طه(‪،‬‬
‫ما‬
‫أن يهاجم‪ ،‬وهو رجل الدين النصرانى‪ ،‬شيوخ الزهر ويتهمهم بالرجعية واص ً‬
‫إياهم بأنهم لم يفهموا السلم كما فهمه طه حسين‪ .‬فالحمد لله الذى جعل‬
‫هذا القس يفهم السلم خيرا من مشايخنا ويقوم فوق ذلك بدور القاضى‬
‫بينهم وبين الزهرى السابق الشيخ طه‪ ،‬ويصدر فى النهاية هذا الحكم‬
‫المهذب العادل )انظر كتابه "طه حسين وأثر الثقافة الفرنسة فى أدبه"‪ /‬دار‬
‫المعارف‪.(92 -90 /‬‬
‫فإذا عدنا إلى الرافعى واتهامه لطه حسين وجدنا من الصعب أن نرميه‬
‫بالتجنى وإرسال القول على عواهنه‪ .‬ومن المؤكد أنه‪ ،‬رحمة الله عليه‪ ،‬كان‬
‫يعرف عن طبيعة علقات طه حسين بالمستشرقين ورجال الدين والسياسة‬
‫الغربيين الشىء الكثير بحكم المعاصرة‪ ،‬وبحكم اهتمامه كأديب ومفكر‬
‫بقضايا الدب والتاريخ العربى والسلمى‪ ،‬وبحكم انغماسه التام فى الحياة‬
‫الثقافية واتصاله بأقطاب الفكر والدب والنهضة السلمية‪ ،‬وبحكم وجود‬
‫الستعمار البريطانى الدنس على أرض المحروسة مما يشجع من لهم علقة‬
‫بدوائر الغرب العلمية والسياسية على عدم الستتار بهذه العلقات‪ ،‬بالضبط‬
‫سود التى يمر بها الوطن العربى بل أمة‬ ‫كما هو حادث الن فى الظروف ال ّ‬
‫محمد على بكرة أبيها‪ .‬ويمكن‪ ،‬لمن يريد التعرف إلى بعض العلقات التى‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كانت لطه حسين بهذه الدوائر‪ ،‬الرجوع إلى الصفحات التالية‪-173 ،162 :‬‬
‫‪...266 ،204 ،202 ،199 ،197 ،195 ،190 ،178 ،174‬إلخ من كتاب‬
‫"معك" الذى وضعته زوجته عنه بعد وفاته والذى كان مرجعا أساسيا من‬
‫مراجعنا فى هذا الفصل‪ .‬ودعنا من رحلته التى قام بها إلى فلسطين وزار‬
‫فيها الجامعة العبرية سنة ‪1927‬م‪ ،‬تلك الجامعة التى بذل طه حسين جهوده‬
‫)المشكورة والمقدورة( حتى نجح فى تذليل العتراض الذى أبداه رجال‬
‫البعثات فى مصر على ذهاب أحد الطلب إليها )المرجع السابق‪.(186 ،83 /‬‬
‫وكذلك دعنا من إشرافه على مجلة "الكاتب المصرى" اليهودية‪ ،‬وتسهيله‬
‫لصدقائه من اليهود الخروج من مصر عند اقتراب اللمان من العلمين‬
‫)السابق‪ .(140 /‬ولعل من الطريف أن نشير هنا إلى ما ذكرته السيدة زوجته‬
‫كم عليه‬ ‫ح ِ‬
‫فى هذا الكتاب من أن أم وأخت أحد الشبان الخوانيين‪ ،‬وكان قد ُ‬
‫ضمن آخرين مثله بالعدام أيام الرئيس عبد الناصر لرتكابهم جرائم قتل )!(‬
‫كما تقول‪ ،‬ألحتا على الدكتور طه أن يتدخل لنقاذ الشاب‪ .‬ولكنه لم يفعل‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬ربما لنه لم يكن يهوديا‪ .‬ومع ذلك فهذه القصة غير مقنعة‪ ،‬إذ‬
‫ل أظن أن سمعة طه حسين بين الخوان وأسرهم كانت تشجع المرأتين على‬
‫أن ترجوا تحقيق مثل هذا الطلب على يديه‪ ،‬وهو الذى هاجمهم أشد هجوم‬
‫فى بعض ما كتب فى تلك الفترة‪.‬علوة على أننى ل أعرف أن الخوان قد‬
‫ارتكبوا جرائم قتل فى عهد عبد الناصر أو حتى اغتيالت سياسية‪ .‬وفى‬
‫النهاية فإنى ل أعرف لماذا لم تذكر السيدة الكاتبة اسم الشاب‪ .‬أغلب الظن‬
‫أن مثل هذا الشاب وأمه وأخته ليس لهم وجود! والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫من مفاخر الحضارة النسانية الحديثة !!‬


‫قتل المدنيين في الحروب‬
‫" مقدمات للنظر‬
‫في وضع" المدنيين البرياء "‬
‫في ساحة القتال‬
‫ملحظة هامة ‪ :‬نشرت فقرات كثيرة منه في مقالة " التحريض ضد السلم‬
‫الذي نشر في ‪2004\7‬‬
‫من مفاخر الحضارة النسانية الحديثة !!‬
‫قتل المدنيين في الحروب‬
‫مقدمات للنظر‬
‫في وضع" المدنيين البرياء " أثناء القتال‬
‫بين حكم السلم وواقع الحضارة المعاصرة‬
‫يظهر حرص السلم على سلمة " المدنيين البرياء أثناء الحروب من‬
‫شروطه الخلقية والتشريعية التي وضعها للسلم والقتال‬
‫وليس السلم في السلم حالة سلبية تتمثل في إلقاء السلح ‪ ،‬ولكنه –‬
‫إسلميا‪ -‬صفة إيجابية تتمثل في إنجاز السلم بمعناه السلمي ‪ .‬فإذا وقع‬
‫القتال فمن شروطه تطبيق الشريعة والعدل ‪ ،‬والحسان ‪ ،‬ومن ذلك النهي‬
‫عن التدمير والتحريق والتغريق ‪ ،‬وقتل الطفال والنساء والشيوخ ‪ ،‬والتمثيل‬
‫بالجثث ‪ ،‬وقطع الشجار ‪.‬‬
‫ولكي نبدأ النظر في الموضوع نرى حتمية النظر أول في مقدمات ضرورية‬
‫قبل الخوض في الجزئيات والتفاصيل إذ ل بد من رؤية شاملة لصول‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الموضوع ‪.‬‬
‫وفي هذه الرؤية الشاملة نجد أنفسنا أمام ثلث مقدمات ‪:‬‬
‫المقدمة الولى ‪ :‬أن المسلمين يجدون أنفسهم حاليا بإزاء حرب شاملة ‪-‬‬
‫تتخللها هدنة هنا وهدنة هناك ‪ -‬قامت بالفعل منذ بداية الستعمار الحديث‬
‫أعلنها الغرب من جهته عليهم في جميع الجبهات ‪ ،‬واشتدت وتيرتها في‬
‫العقدين الخيرين ‪ ،‬وهي حرب معلنة – أو خفية ‪ -‬مستمرة ولن تزال حتى‬
‫تحقق أهدافها من وجهة نظر الذين أعلنوها ‪ ،‬أو تفشل كما يتمنى الذين‬
‫وقعت ول تزال تقع عليهم ‪.‬‬
‫المقدمة الثانية وهي تتمثل في أن تقنيات هذه الحرب جديدة تماما تدور في‬
‫ظل حضارة جديدة لها ثقافتها الجديدة أيضا ‪ ،‬وهي من ثم تحتاج من أجل‬
‫المواجهة التشريعية إلى تقييم جديد ‪.‬‬
‫المقدمة الثالثة ‪ :‬أن خلفا واسعا وقع بين الفقهاء في المسألة ‪.‬‬
‫أما عن المقدمة الولى ‪ :‬فتظهر في تصور العداء التاريخي الذي يكنه الغرب‬
‫للسلم والمسلمين ونحن لن نغوص هنا في التاريخ ولكن نكتفي بلفتة وراءنا‬
‫لسنوات قليلة ‪.‬‬
‫)‪ (1‬وأضع أمام القارئ ما عرضته مجلة الشروق الصادرة في إمارة الشارقة‬
‫عدد ‪ 6\ 152‬بتاريخ ‪ 1995\ 3 \12‬وعنوان غلفها ) استراتيجيات ونظريات‬
‫مجنونة في بلد الغرب ‪ :‬السلم العدو رقم ‪ ( 1‬وفيه يقول بشير البكر في‬
‫رسالته إلى المجلة من باريس ‪ ) :‬تقاطعت مجموعة من الشارات الدولية‬
‫خلل النصف الول من الشهر الماضي ] يناير ‪ [ 1995‬تلتقي جميعها حول‬
‫الصولية السلمية ‪ ،‬لكنها تتجاوزها إلى موقف الغرب من السلم بصورة‬
‫عامة ‪ ،‬ودول الجنوب بصفة خاصة ‪ ،‬وجاءت أولها من طرف المين العام‬
‫لحلف شمال الطلسي ) الناتو ( ويلي كليس ‪ ،‬عند ما اعتبر أن الصولية‬
‫السلمية باتت العدو رقم واحد للحلف ‪ ،‬بعد انهيار المعسكر الشتراكي‬
‫ونهاية الحرب الباردة ولذلك يتوجب محاربتها ( وقد كشف كليس عن‬
‫مبادرته في حديثين صحافيين قبل أن يطرحها في صورة رسمية أمام مجلس‬
‫سفراء الحلف في اجتماعه الخير ‪ ،‬وانتقلت مبادرة كليس إلى قرار سياسي‬
‫أصدره الحلف بفتح حوار حول الموضوع مع دول مثل مصر وإسرائيل (‬
‫وفي التحقيق الذي كتبه الستاذ بشير في العدد المشار إليه جاء في حديث‬
‫للسيد ماريانو آغوري أحد أبرز الخبراء الوربيين ومدير مركز الدراسات‬
‫والبحوث الستراتيجية السباني قوله ‪ ) :‬نرى أن الفضاء السلمي هو المكان‬
‫الذي تنطلق منه المخاطر والتهديدات والكوارث في أواخر هذا القرن ‪ .‬إن‬
‫حالة الرتياب من السلم ليست جديدة ‪ ،‬وهي ناتجة اليوم عن عداء خفي‬
‫يشير إلى أن السلم هو الخطر الكبر الذي يهدد الغرب بصفة غير مباشرة‬
‫… وأخيرا والن بعد ما اختفى التحاد السوفيتي يتساءل الستراتيجيون‬
‫والمختصون في الشئون الجيوسياسية عن المخاطر التي يمكن أن تنتج عن‬
‫إسلم يمتلك القنبلة الذرية حيال أوربا خلل القرن الحادي والعشرين ‪ ،‬من‬
‫هنا جاءت موجة العداد لمواجهة هذا العدو الجديد (‬
‫ثم يتحدث السيد ماريانو عن مدى جدية الخطر السلمي فيقول ) وهنا‬
‫سوف أقتطف فقرة من تقرير أصدرته " الكاديمية الملكية للشئون الدولية "‬
‫في لندن ‪ ،‬وقد جاء في هذا التقرير ما يلي ‪ " :‬بالنسبة إلى الوربيين كان‬
‫السلم مسألة تشغل بالهم دائما ‪ ،‬غير أن هذه المشكلة ليست ظاهرة بعيدة‬
‫‪ ،‬والن أصبحت جزءا من الواقع الثقافي في الحياء الكثر فقرا في بعض‬
‫المدن الوربية ‪ ،‬إن العدو القديم تسلل من الباب الخلفي حامل لفتات‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غرائبية وغير منطقية تكونت عبر العصور ‪ " :‬جهاد ضد الكافرين ‪ ،‬وتقبل‬
‫سلبي للمصير ‪ ،‬وللعقيدة المتزمتة " ( وعندما سئل السيد ماريانو ) أل‬
‫تعتقدون بأن ذلك يذكر بتقاليد المواجهة التاريخية في جانبها الصليبي ؟ ( قال‬
‫‪ ) :‬إن تقليد المواجهة بين العالمين السلمي والمسيحي يعود إلى تاريخ‬
‫قديم ‪ ،‬غير أنه خلل العقدين الماضيين تكون ما يمكن تسميته وعيا جديا‬
‫مناهضا للسلم ( ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والغريب أن السيد ماريانو وهو يعود بالوعي الوربي الجديد في مناهضته‬


‫للسلم إلى أكذوبة الخوف من امتلكه لسلحة الدمار الشامل – وهو ما‬
‫تحولت إليه الوليات المتحدة المريكية في حربها للرهاب ‪ -‬ل يطرأ على‬
‫ذهنه سؤال عن المخاطر التي تهدد الوطن السلمي ‪ ،‬والتي يمكن أن تنتج‬
‫عن عدو – كالدولة الصهيونية ‪ -‬يمتلك أسلحة الدمار الشامل ‪.‬‬
‫ولنا أن نتشكك في جدية أن يكون امتلك أسلحة الدمار الشامل سببا كافيا‬
‫في شن حرب شاملة على العالم السلمي ‪ ،‬وإل فقد ظل التحاد السوفيتي‬
‫عقودا يمتلكها وتم علج الحال بغير أن تنشب هذه الحرب ‪ ،‬وانحصر المر‬
‫فيما أطلق عليه الحرب الباردة ‪ ،‬واليوم يمتلكها التحاد الروسي بالفعل وما‬
‫من تفكير في شن حرب ضده ‪ ،‬وكذلك امتلكتها إسرائيل والهند وباكستان‬
‫ودول أخرى ولم يجر العمل على شن حرب ‪ ،‬وربما قيل ‪ :‬استعيض عن ذلك‬
‫بما يسمى توازن الرعب ‪ ،‬وإذن فلم ل يكون المر كذلك في امتلك الدول‬
‫السلمية مثل ؟ وتوازن الرعب ضدها يظل قويا متفوقا شديد التفوق ؟‬
‫وهنا يشير بعضهم إلى ) أن التهديدات النووية يمكنها أن تكون صادرة من‬
‫بلدان العالم الثالث حيث رؤساء الدول ل يتمتعون بقدر كاف من العقلنية ‪،‬‬
‫وليسوا واعين للعواقب التي ستترتب على عدم النصياع للمنطق المفروض‬
‫من قبل الوليات المتحدة وروسيا خلل الحرب الباردة (‬
‫وهنا تبدو عنصرية هذا الطرح الذي ينطلق من عقيدة الغرب في تفوق الرجل‬
‫البيض عنصريا ‪ ،‬كما يبدو منطقه متهافتا إذ يعني أن الجنون حالة إسلمية ‪.‬‬
‫وبما أننا نحن المسلمين نواجه في الواقع عدوا عاقل جدا ‪ ،‬فإنه لبد من‬
‫وجود تفسير أكثر عمقا وشمول وعقلنية من مجرد الشارة إلى أسلحة‬
‫الدمار الشامل ‪ :‬إنها فكرة الصراع في الغرب ‪ ،‬نجدها جزءا من بنيتهم‬
‫الثقافية قديما وحديثا ‪ ،‬فهناك " صراع اللهة " فوق جبال الولمب ‪ ،‬كما نجده‬
‫في أساطير اللياذة والوذيسة وما جره هذا الصراع من صراع بين أسبرطة‬
‫وأثينا ‪ ،‬ثم هناك صراع الدولة الرومانية مع الدولة الفارسية ‪ ،‬وصراعها مع‬
‫السلم ‪ ،‬وصراع المسيحية مع السلم ‪ ،‬وزحف هذا الصراع إلى أمريكا في‬
‫عملية إبادة الهنود الحمر ‪ ،‬وزحف الستعمار الحديث على الشرق ‪ ،‬وصراع‬
‫الغرب لبادة المسلمين في حروب القرم والقوقاز ‪ ،‬والبلقان ‪ ،‬وتحتل فكرة‬
‫الصراع موضع العقيدة في التكوين الثقافي للنسان الغربي المعاصر ‪ ،‬فهو ‪-‬‬
‫أي هذا النسان ‪ -‬قد يشك في عقيدته المسيحية ‪ ،‬وقد يشك في عقيدته‬
‫الرأسمالية ‪ ،‬أو غيرها ولكن تبقى لديه فكرة الصراع راسخة ل تمس ‪ ،‬بدءا‬
‫بالصراع البيولوجي الذي أسسه دارون ‪ ،‬ومرورا بالصراع الجتماعي عند‬
‫هربرت سبنسر ‪ ،‬وانتهاء بصراع القوميات عند نيتشة ‪ ،‬وهو ‪ -‬أي هذا النسان‬
‫‪ -‬في ذلك كله ينظر إلى الصراع ل باعتباره شرا لبد منه ‪ ،‬ولكن باعتباره آلية‬
‫التقدم في الطبيعة والنسانية والحضارة ‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬ومن هنا يصبح من العجيب أن ُيفجأ بعضنا بنداءات الصراع الحضاري كما‬
‫عبر عنها أخيرا هذا أو ذاك من المفكرين أو السياسيين ‪ ،‬وهذه الفجاءة‬
‫مصدرها الغفلة عن طبيعة عدو يبحث عن العداوة قبل أن تفرض عليه ‪،‬‬
‫ويراها لحمة النتماء في مجتمعاته هشة البنيان ‪ ،‬وينشدها كأنها فيتامين‬
‫الصحة والعافية ‪ ،‬فهل يفيدنا نحن المسلمين في شيء أن نخدر أنفسنا‬
‫بالكلم عن إنسانية الحضارة الغربية ‪ ،‬وسلم الحوار الديني الذي نعرف أنه‬
‫لقد كانت المخابرات الفرنسية من سدنته الكبار– ضمن تيارات أخرى –‬
‫بقيادة مديرها الكبر الكونت دي مارانش ‪ ،‬منذ أوائل السبعينات من القرن‬
‫الماضي ‪ ،‬في حركته نحو احتواء السلم سياسيا واقتصاديا في صيغة سماها‬
‫" الحوار السلمي المسيحي" ثم طورها من بعد إلى ما سماه " الحوار‬
‫الديني " ‪ ،‬وفقا لوثائق الستاذ محمد حسنين هيكل في مقاله بمجلة " الكتب‬
‫‪:‬وجهات نظر " ) مايو ‪ (2001‬التي تصدر بالقاهرة ؟ بينما الطرف الخر‬
‫ينظر إلينا وإلى السلم على وجه الخصوص على أنه ظاهرة عرضت في‬
‫مسار التاريخ ‪ ،‬وهي في طريقها إلى الزوال بفضل خطتهم الطويلة في‬
‫الصراع ؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنه الصراع الذي ل يكتفي بمقتضى ثقافتهم بغير إبادة الخر ‪ ،‬مهما ارتفعت‬
‫لديهم شعارات الديموقراطية وحقوق النسان والحوار والعتراف بالخر ‪،‬‬
‫فهي شعارات سطحية يسمح بها طالما كانت المور " تحت السيطرة "‬
‫لحساب التفوق العنصري البيض ‪ ،‬أما إذا اهتز هذا التفوق أو تحركت ضده‬
‫نذر الخطر من بعيد على مرمى قارات ومرمى قرون فإن البادة للخر‬
‫تنكشف لتكون هي الساس ‪ ،‬إبادة الخر في الندلس ‪ ،‬إبادة الخر في‬
‫القارة المريكية الجديدة ) الهنود الحمر ( ‪ ،‬إبادة الخر المسلم في أوربا‬
‫الشرقية والبلقان وآسيا الصغرى والقوقاز ‪ ،‬إبادة الخر في الشرق الوسط ‪،‬‬
‫في الجزائر وفلسطين والعراق وإيران ‪ ،‬إبادة الخر في تصنيفهم للعالم‬
‫أخيرا إلى محورين ‪ :‬أحدهما للخير ‪ ،‬والخر للشر ‪ .‬تلك هي مشكلتهم‬
‫المستعصية التي يعالجونها بل هوادة منذ ظهور السلم إلى اليوم ‪ ،‬وليس‬
‫من بعد أحداث حالية ‪.‬‬
‫أليس من الضروري إذن أن نحذر المسلمين اليوم من التناوم والغفلة عن ثأر‬
‫أوربا ضد السلم الذي يتركز في منطقة الشرق الوسط بالذات ‪ ،‬ولن‬
‫يكتفي هذا الثأر حتى يقتات على لحومهم ودمائهم وعظامهم بغير استثناء ‪،‬‬
‫ويتطاول إلى قدسين ‪ :‬تم له الطباق على أحدهما وهو بيت المقدس ‪،‬‬
‫ويخطو حاليا بخطوات ثابتة نحو الخر ‪.‬‬
‫وهاهو وزير السياحة السرائيلي المدعو بني آلون يصرح لصحيفة هأرتس في‬
‫مطلع شهر ) مايو ‪ 2003‬م ( قائل ‪ " :‬من الواضح أن السلم في طريقه إلى‬
‫الزوال ‪ ،‬فما نشاهده اليوم في العالم السلمي ليس انتفاضة إيمان قوية ‪،‬‬
‫بل انطفاء جذوة السلم ‪ ،‬أما كيف سيزول فبكل بساطة بقيام حرب‬
‫مسيحية صليبية ضد السلم في غضون بضع سنوات ‪ ،‬ستكون الحدث الهم‬
‫في هذه اللفية ‪ ،‬وطبعا سنواجه مشكلة كبرى حين ل يبقى في الساحة‬
‫سوى الديانتين الكبيرتين ‪ :‬اليهودية !! والمسيحية ‪ ،‬غير أن ذلك ما زال‬
‫متروكا للمستقبل البعيد "‬
‫و رجوعا إلى أصحاب المناقصة وفلسفة التنازل في تعاملهم مع الغرب ‪:‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ألسنا نراهم في موقف من مواقف الكوميديا السوداء إذ يردون – على لسان‬


‫شيخ أزهرهم – بما نسمعه اليوم من كلمهم عن السلم والتسامح والحوار ‪،‬‬
‫) إن السلم ل يعادي أحدا ‪ ،‬بل إن السلم دين السلم وليس دين العداوة (‬
‫) إن السلم يمد يده بالسلم العادل وبالطمئنان والمان ( مجلة الشروق‬
‫سالف الذكر ص ‪ 20‬أو هكذا نواجه المدفع بالمؤتمرات ‪ ،‬ويقفل الملف‬
‫وتسلم الحرمات ‪ ،‬أو هكذا نقرأ اليات كأنما نتستر على عورات ؟ ‪ ،‬أو هكذا‬
‫نقرأ " ول تقربوا الصلة " ؟؟!‬
‫وفقا لنفسية الهزيمة والستسلم هذه فإن الدول العربية – كما جاء بافتتاحية‬
‫جريدة الخليج الماراتية بتاريخ ‪ 2002 \3 \1‬أخذت ‪ -‬ول تزال في خطة‬
‫خريطة الطريق ‪ ) : -‬تغرق الكيان الصهيوني بالمبادرات والمشاريع والفكار‬
‫والنوايا الحسنة والتطبيع والهرولة ومد اليدي و"التسول " ‪ ،‬ونبذ الرهاب‬
‫ونبذ العنف ‪ ،‬وصول – ربما إذا استمر الوضع على ما هو عليه – إلى نبذ‬
‫المقاومة والكفاح وحق الدفاع عن النفس ‪ ،‬والشروع في مصادرة ما نملك‬
‫من " حجارة وسكاكين الدمار " الشامل !! إن سمحت الوليات المتحدة‬
‫و"إسرائيلها " بأن يبقى للدول العربية ما تملكه ( إن السلم المطلوب منا هو‬
‫في ) سلموا الحقوق ‪ ،‬سلموا الرض ‪ ،‬سلموا المقدسات ‪ ،‬وسلموا كل‬
‫مقاوم ‪ ،‬وسلموا كل من يرمي حجرا ‪ ،‬وسلموا كل من في قلبه نبض ‪:‬‬
‫تسلموا ‪ ،‬ويسمح لكم بالبقاء في المنطقة بالشروط المعروفة والتي يمكن‬
‫معها الترحم على الستعمار أيام زمان ( هكذا وبمباركة من مفتين يعرضون‬
‫من السلم ما يخل فيه بالتوازن بين السلم والجهاد‪.‬‬
‫)‪ (3‬وبقدر ما أنه من المناقصة على السلم – في باب الدعوة للقتال ‪ -‬أن‬
‫يعرض الحمائم فيه " حوار السلم والرحمة والتسامح " في نفس الوقت‬
‫الذي وصلت قعقعة السلح ضده إلى عنان السماء ‪ ،‬كذلك فإنه من المزايدة‬
‫الفارغة على السلم ‪ -‬في باب الدعوة للسلم – أن ينكر أعداؤه عليه‬
‫فريضة الجهاد ‪ ،‬لنهم إذ ينكرونها فإنما يدعون إلى حالة من الفوضى‬
‫والضعف يصبح السلم معها أمرا مستحيل ‪ ،‬إذ من المؤكد تاريخيا أن الضعف‬
‫يمثل الغراء القوى بالعتداء وتدمير السلم ‪ ،‬ومن المؤكد استراتيجيا كما هو‬
‫معروف أن نفوذ القوياء ليس حصيلة قوتهم فحسب ولكنه معادلة من‬
‫طرفين ‪ :‬قوتهم الذاتية ‪ +‬ضعف العدو وحرص رجاله على الحياة ‪ ،‬وهم إذ‬
‫ينكرون الجهاد على السلم ل ينكرون عليه فريضة دينية فحسب ‪ ،‬ولكنهم‬
‫يرتكبون نفاقا مكشوفا ‪ :‬حيث يحرصون على أن يغرق الكيان الصهيوني‬
‫فلسطين بالدماء والدمار بأحدث السلحة المريكية ‪ ،‬تاركا للدول العربية أن‬
‫تحصي الشهداء ‪ ،‬الذين يسقطون والمنازل التي تدمر والراضي التي تجرف‬
‫أو تصادر ( وحيث يحرصون على أن تمتلئ ترساناتهم الحربية بما يكفي‬
‫لتدمير الحياة النسانية على الرض مرات ومرات بينما هم يعملون على‬
‫تجريد المسلمين من كل سلح بدعوى السلم ‪ ،‬في الوقت نفسه ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫)‪ (4‬وإنه لمن التجهيل المتعمد الذي يأتينا من أبواب الدعاية والتلعب‬
‫بالعقول وصناعة الرأي العام وفق استراتيجية العدو ما يشاع من أن موقف‬
‫الغرب الذي أعلنه أخيرا من السلم باعتباره العدو ومحور الشر في العالم‬
‫إنما هو ضد المسلمين المتطرفين ‪ ،‬ثم جددوا عبارتهم فصارت ضد‬
‫المسلمين الرهابيين ‪ ،‬ثم جددوا عبارتهم فصارت ضد السلمويين ل‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمين !! وهي عبارات شديدة البهام والغموض … روجتها وسائل‬


‫العلم عن " معهد القيم المريكية " وهو بيت خبرة مستقل ‪ ،‬صدرت باسم‬
‫ستين من المثقفين المريكيين ضمن رسالة مفتوحة موجهة إلى المريكيين‬
‫والمجتمع الدولي يشرحون فيه لماذا يعتقدون أن الحرب على الرهاب‬
‫ضرورية عادلة ‪ ،‬حيث يفرقون في البيان بين السلم المعتدل والسلموية‬
‫الشريرة ‪ ،‬وحيث علق الستاذ سعد محيو في عموده اليومي في اليوم‬
‫السابق على نشر البيان مترجما بجريدة الخليج قائل ‪ :‬إن ) التمييز بين‬
‫السلم والسلموية صائب تماما ( أما في رأينا فهي تفرقة غير صائبة مع‬
‫العتذار للستاذ سعد محيو ‪ ،‬إذ قد تختلط – في ساحة السلم المعتدل !! ‪-‬‬
‫بالتفرقة بين رجل السياسة الذي قد يكون معتدل ورجل الجيش الذي لبد‬
‫من أن يكون عنيفا ؟ فهل يصح أن ينسب رجل الجيش إلى الشر عندئذ ؟ ‪،‬‬
‫أم أن نسبة الشر إلى أحدهما مقصود بها التضليل بخلط الوراق ‪ .‬وهكذا‬
‫طعم ‪ ،‬أو يريدون لنا أن نبتلعه ‪ ).‬أنظر ما جاء بجريدة الخليج‬ ‫يبتلع مثقفونا ال ّ‬
‫يوم ‪( 2002\2\27‬‬
‫ونحن بحاجة إلى قدر كبير من السذاجة لنصدق ما يشاع من أن هذا الموقف‬
‫قد جاء نتيجة ما ارتكبه بعض الحمقى من اعتداءات على المدنيين البرياء ‪،‬‬
‫ففضل عن أن هذه الحداث كان من الممكن حصر النظر إليها في نطاق‬
‫القانون والمن والمخابرات القديرة التي تصل ميزانياتها السنوية إلى‬
‫مليارات الدولرات والتي صنعت بعض هؤلء الحمقى من قبل ‪ ،‬إل أنه من‬
‫المؤكد أنها لم تكن هي التي صنعت كل هذه الكراهية الهائلة التي تتفجر في‬
‫الغرب ضد كل ما هو عربي أو إسلمي ‪ ،‬إذ لهذه الكراهية أصل ثقافي من‬
‫صنع التبشير والستشراق والسيطرة والمعرفة المؤدلجة من أجل السلطة ‪،‬‬
‫وله ماض تاريخي طويل عريض يبدأ من ظهور السلم إلى حروبه مع‬
‫المبراطورية الرومانية في الشرق الوسط في الشام ومصر ‪ ،‬وحوض البحر‬
‫البيض المتوسط والحروب الصليبية وجنوب أوربا ‪ ،‬مرورا بأسبانيا وأوربا‬
‫الشرقية وسقوط الدولة العثمانية وانتشار الستعمار الغربي القديم والحديث‬
‫طوال عمر السلم ؛ والستيطان الصهيوني أخيرا ‪ ،‬وليرجع من يريد‬
‫الستزادة إلى كتاب إدوارد سعيد عن الستشراق ليعرف كيف تتجذر هذه‬
‫الكراهية طوال القرون في الفكر والدب والسياسة والجتماع ‪-‬‬
‫ول نريد أن نستطرد هنا في العرض التاريخي مراعاة لشعور الطابور‬
‫الخامس الذي يسكن في ديارنا فلقد بلغ المر ببعض إخواننا وهو بصدد بيان‬
‫ما ارتكبه الغرب من مظالم تجاه الشرق بدءا من الحروب الصليبية إلى‬
‫الستعمار ‪ ،‬إلى ما سماه " الطللة المريكية على المنطقة " !! بلغ المر به‬
‫أن استذكر أن هذا ) بالطبع ل يعني أن الشرق – يعني المسلمين ‪ -‬كانوا دوما‬
‫ملئكة ‪ ،‬ول بد في لحظة ما أن يأتي الوقت كي يعترف هؤلء بأخطائهم ‪ ،‬بما‬
‫في ذلك الوجود في أسبانيا لكثر من ‪ 500‬عام ؟!‪ ،‬وتهديد أمن أوربا‬
‫المسيحية لكثر من ‪ 500‬عام آخر ‪ ،‬وصول إلى العصور الحديثة التي شهدت‬
‫تراجعا ملحوظا في التسامح السلمي تجاه القليات ( وردا على هذه‬
‫المزاعم وقياسا على سلسلة العتذارات هذه كان ينبغي على أصحابها أن‬
‫يطالبوا باعتذار العرب عن وجودهم في الشرق الوسط منذ ظهور السلم ‪،‬‬
‫وأن يطالبوا النجلو سكسون ‪ ،‬واللتينيين بالعتذار عن وجودهم في أمريكا‬
‫منذ أقل من أربعمائة عام ‪ ،‬بل وأن يطالبوا المسيحيين بالعتذار عن وجودهم‬
‫في أوربا منذ ألفي عام ‪ ،‬حيث إن المسيحية ظهرت أصل في آسيا ؟؟ !‬
‫وفي كلمهم عن اعتذار الشرقيين عن وجودهم في الندلس لمدة ‪ 500‬عام‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قياسا على اعتذار متوهم من الغرب عن مظالمه للشرق لبد لنا هنا من‬
‫الكشف عن الفرق الذي عميت عنه العيون بين فتح إسلمي جعله السلم‬
‫لصحاب العقيدة ل لخصوص الفاتحين ولتصبح أجناس من المم هم أصحاب‬
‫السلم وأصحاب دولته حقا ‪ :‬من فرس وأكراد ومماليك وتتار وأتراك وهنود‬
‫وأوربيين أيضا ‪ ،‬وصل اعتناقهم للسلم إلى حد جرى فيه النقاش ومن ثم‬
‫التشكيك حول ما إذا كان العرب أصحاب الفتوحات الولى مثلهم أو أقل‬
‫منهم في ميزان اختصاصهم بالسلم دولة وشريعة وحضارة ؟ ‪ ..‬أقول ‪ :‬ل بد‬
‫لنا هنا من الكشف عن الفرق بين هذا الفتح السلمي و غزو يوناني ‪،‬‬
‫وروماني ‪ ،‬وصليبي ‪ ،‬واستعماري ‪،‬وصهيوني ‪ ،‬وأمريكي أخيرا؟ لسنا بحاجة‬
‫في هذه العجالة لسرد جرائمه و جرائره في استعباد الشعوب وامتصاص‬
‫دمائهم وتصديرها لحساب الرجل البيض ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إنه في سياق المقارنة الزائفة بين الحروب الصليبية باعتبارها خطأ ارتكبه‬
‫الغرب المسيحي ضد المسلمين !! ‪ ،‬في مقابلة خطأ المسلمين الذي ارتكب‬
‫ضد الغرب المسيحي في فتح الندلس – ولنقل غزوها ل بأس – وفتح جنوب‬
‫فرنسا الذي لم يستقر ‪ ،‬وفتح بلد شاسعة من أوربا … عندما يحدث ذلك من‬
‫بعض رجالت الصحافة المتأمركين عندنا فإنه لبد من التعقيب عليه بكشف‬
‫قناع الزيف فيه ‪ ،‬ل بالذهاب إلى تفاصيل التاريخ التي تدمغ هذه المقارنة‬
‫بالجهل فحسب ‪ ،‬ولكن لنتساءل أيضا ‪ :‬أكان خطأ المسلمين ضد الغرب‬
‫المسيحي قاصرا – في تقديرهم ‪ -‬على أسبانيا وأوربا ؟ أو هو ينسحب على‬
‫فتح مصر والشام وجنوب البحر البيض المتوسط ‪ ،‬الذي كان غارقا في‬
‫مستنقع البطالمة والرومان وأذنابهم ؟ ثم ينسحب إلى أفريقيا وآسيا باعتبار‬
‫عالمية المسيحية في تقدير الغرب المسيحي ؟ ‪ ،‬ثم ينسحب إلى الجزيرة‬
‫العربية بأدق وأقدس أماكنها التي هي ملك لهم حسب صريح خطتهم في‬
‫مؤتمراتهم التاريخية في التبشير ؟‬
‫ولم ل نكشف الوراق بطريقة محترمة لنقول ‪ :‬إن عالمية الدعوة السلمية ‪،‬‬
‫وعالمية الدعوة المسيحية – حسب اعتقاد الكنيسة الموقرة – تدعونا إلى‬
‫استبعاد هذه المباراة الصبيانية بين اعتذار عن خطأ من هنا واعتذار عن خطأ‬
‫من هناك ‪ ..‬لنعالج القضية في إطارها الحضاري الصحيح ‪ :‬أي لنقارن إنسانيا‬
‫بين دخول الصليبيين القدس ‪ -‬عندما قتلوا من رجال المسلمين وأطفالهم‬
‫ونسائهم سبعين ألفا في أيام وأطلقوا من دمائهم نافورات جعلت خيل‬
‫الصليبين تتعثر فيها داخل المسجد حتى الركب _ وبين دخول السلم مكة‬
‫الطلقاء ‪ ،‬أو دخوله أسبانيا – دخول حرمت منه فرنسا لسوء حظها –‬
‫بمقاييس الحرية والعلم والحضارة والنسانية ؟‬
‫ولست بحاجة في هذا المقام لفتح كثير من الملفات ولكن تكفيني الشارة‬
‫إلى شهادة المنصفين من مؤرخي الغرب وليقرأ من يريد أن يقرأ كتاب‬
‫) شمس السلم تسطع على الغرب ( للمستشرقة اللمانية زيجفريد هونكة‬
‫– وبالمناسبة فعنوان الكتاب في أصله باللغة اللمانية هو كما ذكرته ‪ ،‬بينما‬
‫المترجم العربي قدس الله سره حرفه إلى شمس العرب – فليقرأ‬
‫القارئون ‪ :‬ليسألوا بعد ذلك ‪ :‬أين شمس الغرب المسيحي في سماء‬
‫الشرق ؟ أين شمسه التي أطلت من سماء الندلس بعد طرد المسلمين ‪،‬‬
‫هل كنا لنجدها في غير محاكم التفتيش ‪ ،‬أو في أحياء الموريسكيين‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) المسلمين المتنصرين قسرا ( ؟ أين شمسه لكي يبحث عنها الباحثون في‬
‫عصور الظلم في أوربا نفسها التي افتقدوا في سمائها أي شعاع ‪ ،‬وليدركوا‬
‫أن أوربا إنما نهضت بالخروج على المسيحية عندما لبست ثوب العلمانية‬
‫وعندما تابعت خطى السلم في موقفه من العلم ؟ أين شمسه في موجة‬
‫النهب والستعمار الوربي ؟ ثم موجة الستيطان الصهيوني ؟ هذا هو السؤال‬
‫‪ ،‬ونرجو أل يكون الجواب من نوع الخطاء التي يراد منا أن نعترف بها كفتح‬
‫الندلس !!‪.‬‬
‫هذه هي المقدمة الولى التي يتضح منها أن المعركة إنما هي مع السلم‬
‫بكل أشكاله وألوانه ومع أهله جميعا معتدلين ومتطرفين ‪ ،‬والغرب على يقين‬
‫)!!( بأن المتطرفين إنما يخرجون من عباءة المعتدلين ‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫المعتدلين – في نظرهم ‪ -‬هم الكثر خطرا ‪ ،‬واسألوا رجال المخابرات‬
‫الحاذقين ‪ ،‬إنها إذن المعركة المعلنة من جانب الغرب على السلم على‬
‫مستوى خريطة العالم شرقا وغربا وشمال وجنوبا ‪.‬‬
‫)‪(2\2‬‬
‫تطور وسائل القتال كمقدمة‬
‫لزمة لنظر الفقهاء في سلمة " المدنيين البرياء "‬
‫أثناء القتال‬
‫وأما الحقيقة الثانية اللزمة كمقدمة للنظر في حكم سلمة المدنيين البرياء‬
‫أثناء القتال فأعني بها التطور الجذري الشامل الذي طرأ على وسائل القتال‬
‫وأدواته ‪ ،‬وبخاصة إذا لحظنا أننا نتكلم عبر تطور قيمي وحضاري وتكنولوجي‬
‫امتد لعشرات القرون ‪ ،‬انتقلت فيه النسانية من حضارة إلى حضارة أخرى ‪،‬‬
‫واصطحبت معها تغيرا في الثقافة المساندة ‪ ،‬ومن المسلم به أن الحضارة إذ‬
‫تتطور بسرعة أكبر من ثقافتها – بفعل القفزات التكنولوجية المفاجئة ‪ -‬يصبح‬
‫من الخطأ إصدار بعض الحكام القيمية لها أو عليها من خلل الثقافة التي تم‬
‫انفصال الحضارة عنها‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ومن ثم فنحن نرى أن الفقه الجتهادي في السلم يواجه اليوم بتحد بارز في‬
‫هذه القضية ‪ ،‬نظرا لستحالة تحقيق الشروط الخلقية السلمية في الحرب‬
‫الحديثة في سياق الحضارة المعاصرة ‪ ،‬وهي حرب لم تعد أسلحتها تعتمد‬
‫على الطابع الخلقي أصل ‪ ،‬كالشجاعة والشرف والمواجهة والمروءة‬
‫والرجولة والمهارات الجسدية والنفاق الشخصي ‪ ،‬تلك السلحة التي كانت‬
‫تتطابق مع تقنية ميدان المعركة نفسها ومنها تقسيم الجيش إلى صفوف‬
‫تتواجه خارج التجمعات السكانية ‪ ،‬وإنما هي تعتمد اليوم على المستوى‬
‫العلى من التقدم العلمي التكنولوجي ‪ ،‬في القتصاد والتصالت والتنظيم‬
‫والدارة والخبرة والتجسس ‪ ،‬والهندسة ‪ ،‬والجندي المدرب على اللة ‪ ،‬المعبأ‬
‫نفسيا ضد عدو ل يعرفه ‪ ،‬والذي يضرب مال يراه ول يحس به ‪ ،‬كما تعتمد‬
‫على الصواريخ التي يساوي واحد منها دخل مدينة ‪ ،‬و الطائرات التي تساوي‬
‫واحدة منها دخل إمارة ‪ ،‬والقنابل التي تساوي واحدة منها دخل دولة ‪،‬‬
‫وميزانيات الدولة للحروب التي تبلغ – في الوليات المتحدة – هذا العام أكثر‬
‫من أربعمائة مليار دولر ‪ ،‬تم دعمها بمثلها ‪ ،‬كما تعتمد أساسا على أسلحة‬
‫الدمار الشامل وتدمير المدن ومراكز الطاقة والمصانع والجسور وخطوط‬
‫التصال والمواصلت والنتاج والتوزيع والبورصة والنقد ‪ ،‬وتجميد الموال‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لعشرات السنين ‪ – ،‬أو سرقتها على الصح – ومصادرة أموال الجمعيات‬


‫الخيرية ‪ ،‬وبث الذعر في صفوف الجماهير إلى حد يمكن فيه تحويلهم إلى‬
‫أداة تعمل في صالح العدو نفسه ‪ ،‬وهي أوضاع تختلف جذريا عما كانت عليه‬
‫قبل التقدم العلمي الحديث ‪ ،‬بحيث أصبح التقيد المطلق بأخلقيات الحرب‬
‫القديمة يعنى التحالف مع الهزيمة ابتداء ‪.‬‬
‫لقد تطورت الحرب الحديثة تحت لواء التقدم العلمي التكنولوجي الهائل‬
‫الذي أحرزته الدول الكبرى ومن يليها إلى حرب ليست ل تبالي فقط بضرب‬
‫البرياء من المدنيين بل هي تجعلهم هدفها الول والرئيس ‪ ،‬تحت ستار ما‬
‫أصبح يسمى ‪ -‬من باب التزييف أو النفاق ‪ -‬تدمير البنية التحتية للعدو في‬
‫المواصلت والمياه والكهرباء والعلم ووسائل المعيشة ‪ ،‬والروح المعنوية‬
‫للشعب ‪ ،‬وقد بدأ هذا التطور منذ الحرب العالمية الولى واستشرى بعد ذلك‬
‫وما يزال يستشري ‪ ،‬وهي نتيجة حتمية لتطور وسائل القتال الحديثة ‪ ،‬ولقد‬
‫ذهب – ربما إلى غير رجعة ‪ -‬أسلوب القتال في العصور القديمة والعصور‬
‫الوسطى " المتخلفة " الذي كان يعتمد على المواجهة بين صفوف القتال في‬
‫أرض المعركة ‪ ،‬فإذا انهزم الجيش انتهت الحرب ‪ ،‬أما في التطور الحديث‬
‫فقد انقلب الترتيب وأصبحت المعركة تبدأ أو تتطور إلى ضرب المدنيين أصل‬
‫فإذا تحطمت المدينة انتهت الحرب ‪.‬‬
‫ونحن ما نزال نذكر عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية الذي بلغ أربعين‬
‫مليونا – فهل كان هؤلء من العسكريين ‪،‬؟ كما يزال كثير منا يذكر المعارك‬
‫المؤثرة في مجريات الحرب العالمية الثانية بتدمير المدن الرئيسية الكبرى‬
‫مثل لندن وبرلين وغيرها ‪ ،‬وما نزال نذكر كيف أن الضربة الحاسمة في‬
‫انتصار الغرب الديموقراطي في الحرب العالمية الثانية كانت بتدمير مدينتين‬
‫كبيرتين في اليابان هما هيروشيما ونجازاكي ‪ ،‬واليوم يضرب العدو المسلم‬
‫مدنيا في كل مكان عله يركع أو ) يتبع ملتهم ( في الشيشان والبوسنة‬
‫والهرسك وكوسوفو ‪ ،‬وأفغانستان وفلسطين والعراق إلخ‬
‫إننا نظلم السلم إذا وقفنا هنا لنتحدث عن المثل العليا ‪ ،‬دون أن نلتفت إلى‬
‫ما يمارسه أعداؤه – في واقع الساحة الدولية بعامة – من نكسة حضارية‬
‫بتدمير المدن ‪ ،‬وقتل مئات اللف من غير المحاربين في طلقة نووية‬
‫واحدة ‪ ،‬تقتلهم عند الطلق ‪ ،‬كما تقتلهم بعد الطلق بعشرات السنين ‪،‬‬
‫وضربهم باليورانيوم ‪ :‬في مخادعهم التي عليها ينامون ‪ ،‬وقتلهم بهوائهم الذي‬
‫يتنفسون ‪ ،‬وتسميمهم بمائهم الذي يشربون ‪ ،‬ونشر الشعاع القاتل في‬
‫بيئتهم حتى خارج حدود إقليم الحرب ‪ ،‬وكما يجب أن نلتفت إلى ما يجري من‬
‫جيش إسرائيل المسلح بأحدث السلحة المريكية ضد أطفال النتفاضة‬
‫الفلسطينيين وشبانهم الذين ل يملكون من السلحة غير الستشهاد ‪ ،‬وما‬
‫يقوم به العدو من حصار تجويعي ‪ ،‬واغتيالت للفراد ‪ ،‬وتصفية دماء‬
‫الجرحى ‪ ،‬والحيلولة بينهم وبين العلج حتى الموت ‪ ،‬وضرب سيارات‬
‫السعاف ‪ ،‬وقتل أطبائها وسائقيها ‪ ،‬وقتل متعمد للطفال ‪ ،‬والنساء والشيوخ‬
‫في مخادعهم ‪ ،‬والمرضى في أسرتهم ‪ ،‬وإغلق المدارس ‪ ،‬وهدم‬
‫المستشفيات ‪ ،‬وتجريف المزارع ‪ ،‬وتدمير البيوت والطرق ‪ ،‬وتخريب مصادر‬
‫الماء والطاقة والنتاج ‪..‬‬
‫) فرقة مقاتلة المدنيين!‬
‫خالد محمود‬
‫جريد السبوع بتاريخ ‪2004\2\16‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫من أفظع ما حملته الصحف من تقارير ما نشرته 'جينز دفنس ويكلي' في‬
‫عددها الخير من أن البنتاجون أفرد في خطته منذ ثلثة أعوام في الحرب‬
‫علي العراق بابا أساسيا بقوات وتشكيلت واستعدادات لقتال المدنيين في‬
‫الزقة والفناءات وغرف النوم‪ ..‬قالت الدورية العسكرية المتخصصة‪ :‬إن‬
‫مؤسسة العسكرية المريكية 'المجردة من كل شرف' رتبت بعد تجربة‬
‫الصومال وتحت إشراف مركز 'أدبو' وبالتعاون مع مؤسسة 'داند' مؤتمرا بهذا‬
‫الخصوص انتهي عمليا ببناء قرية 'شوفارت جوردن' للتدريب علي العمليات‬
‫العسكرية في الراضي المدنية‪ ،‬ثم قرية 'زوسمان' في فورت نوكس في‬
‫كنتاكي وفي أماكن أخري في بريطانيا وعدد من دول الناتو‪.‬‬
‫ويكشف التقرير عن ثلث شركات متعددة الجنسيات دخلت حلبة الملعب مع‬
‫البنتاجون لتطوير تقنيات غير مسبوقة لمحاربة المدنيين تعتمد علي آخر‬
‫صيحة في العلوم التصالية والديجيتال هي شركة 'فاير ارمز تريننج‬
‫سيستمز'‪ ،‬وشركة 'تاليس' الفرنسية‪ ،‬وشركة 'إيه آي اس'‪ ،‬كما يكشف عن‬
‫تعاون شركة 'بارامونت' للنتاج السينمائي مع هذه الشركات للوصول إلي‬
‫أفضل النتائج للقضاء علي 'العدو المدني'‪.‬‬
‫يمضي التقرير المنشور علي مساحة ضخمة بقارئه إلي تفاصيل فنية‬
‫متشابكة لكن يبقي القارئ العربي يغالب دهشته الولية يسأل سؤالين‪:‬‬
‫الول هل أصبح قتال المدنيين في بيوتهم ومساجدهم وربما أرحام أمهاتهم‬
‫هكذا بالمطلق أمرا شرعيا يدرس في كليات أركان الحرب عيانا بيانا دون‬
‫أي جملة شرطية أو اعتراضية؟ والثاني إذا كان المر كذلك فإلي متي يظل‬
‫العربي في عالمنا فيما يتعلق بالسياسة والعسكرية والعلم والستراتيجيا‬
‫والحياة في كل مرة آخر من يعلم؟ فيما يخص الخيرة يتذكر المشاهد‬
‫العربي خبراء البنادق الرش الذين وجعوا أدمغتنا وزغللوا أبصارنا أثناء الحرب‬
‫وملوا السبورات أمام شاشات الفضائيات أسهما ودوائر ومعادلت ونظريات‬
‫وبرهنت اليام أن معظم ما قالوه ل علقة له من قريب أو بعيد بما كان يتم‬
‫علي أرض الواقع وأن خيال معظمهم السياسي مع التفاؤل توقف عند‬
‫معركة أحد‪ .‬نفس الكارثة كانت هناك في الداخل العراقي‪.‬‬
‫ففكرة التصدي العراقي ارتكزت علي قيم قديمة ومفاهيم قديمة واتفاقات‬
‫إنسانية قديمة جوهرها أن الجيوش تحارب جيوشا وأنه أيا كان التجاوز هنا أو‬
‫هناك فالعدو لن يحارب شعبا ومدنا أو تداخل جيش وطني مع مقاومة شعبية‪.‬‬
‫لم يدر بخلد المقاومين العراقيين ول بخلدنا أن العدو قادم من منابع فكرية‬
‫وأخلقية غير مسبوقة السفالة‪ ،‬وأنه أقذر مما كنا نتوقع مليون مرة‪ ،‬وأنه‬
‫ليس قادما لطاحة شخص أو قلب نظام وإنما لتدمير جيش وتخريب وطن‬
‫وتغيير معادلت سكان بالتأليب والفتن والحرق والبادة الجماعية ونزف‬
‫الثروات والتصحير الحضاري وهذا كله ما كان يمكن أن يتم إل بفكرة لم ترد‬
‫علي ذهن الشيطان أولها قصف وردم العراق علي من فيها دون تمييز‬
‫وتسريح جيشها ودولتها وفكرتها والثاني إقامة دولة بوليس خارجية 'أي‬
‫دعامتها من خارج العراق' تحت أيديها أحدث تقنيات الجيوش تحارب كتل‬
‫سكانية وأحزابا سياسية وقوي وطنية‪ .‬فرقة مقاتلة المدنيين‪ ..‬تعني إنهاء‬
‫الدولة البوليسية الوطنية القديمة‪ ..‬لقامة دولة العولمة البوليسية‪ ،‬ترحموا‬
‫علي دولة الستبداد الشرقي ترحموا علي كولونياليات القرنين الثامن‬
‫والتاسع عشر‪ .‬انتظروا دولة العولمة البوليسية في طبعتها البداعية الجديدة‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفاخرة الجامعة المانعة‪ .‬اشتر واحدة تحصل علي الثانية مجانا‪(.‬‬


‫هذه الحقيقة بكل بشاعتها وسطوتها وديمومتها يجب أن توضع على مائدة‬
‫البحث ‪ -‬بجوار الحقيقة الولى التي تصور بحق أن حربا عالمية أعلنت على‬
‫المسلمين في كل مكان ‪ -‬قبل الكلم عن تحريم أو عدم تحريم ضرب‬
‫المدنيين البرياء من جانب واحد ‪.‬‬
‫ول يعني هذا أن أحكام الشريعة السلمية أصبحت عاجزة عن مواجهة‬
‫الموقف الحديث والتشريع له وفقا لصولها وثوابتها ‪ ،‬وإنما يعني أن الحكم‬
‫المطلوب يجب أن ينظر في ضوء هذه التطورات الجذرية ‪.‬‬
‫وأما المقدمة الثالثة‬
‫فتأتي متأخرة لننتقل فيها إلى النظر في استنباط الفقهاء للحكم الشرعي‬
‫فيما يتعلق بسلمة البرياء من المدنيين أثناء القتال‬
‫أول ‪ :‬يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في وصاياه لبعض جيوشه ‪:‬‬
‫ّ‬
‫) اغزوا باسم الله ‪ ،‬في سبيل الله ‪ ،‬وقاتلوا من كفر بالله ‪ ،‬اغزوا ول تغُلوا ‪،‬‬
‫ول تغدروا ‪ ،‬ول تمثلوا ‪ ،‬ول تقتلوا وليدا ( رواه مسلم بسنده عن سليمان بن‬
‫بريدة عن أبيه ‪.‬‬
‫وفي رواية لبي داود في سننه بسنده عن أنس بن مالك يأتي قوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬انطلقوا باسم الله وبالله ‪ ،‬وعلى ملة رسول الله ‪ ،‬ول تقتلوا‬
‫شيخا فانيا ‪ ،‬ول طفل ‪ ،‬ول صغيرا ‪ ،‬ول امرأة ‪ ،‬ول تغُّلوا ‪ ،‬وضعوا غنائمكم ‪،‬‬
‫وأصلحوا ‪ ،‬وأحسنوا ‪ ،‬فإن الله يحب المحسنين (‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ول يمنع ذلك من المعاملة بالمثل إذا دعت الضرورة ‪ .‬والصل في ذلك‬
‫م ل َهُوَ َ‬
‫خي ٌْر‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ب ِهِ وَل َئ ِ ْ‬‫ل ما عوقِب ْت ُ ْ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫م َفعاِقبوا ب ِ ِ‬ ‫ن عاقَب ْت ُ ْ‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ب‬
‫ل ما عوقِ َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ن عاقَ َ‬
‫ب بِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن { ‪ 126‬النحل ‪ ،‬و يقول تعالى ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬ ‫صاِبري َ‬ ‫ِلل ّ‬
‫غفوٌر { الحج ‪60‬‬ ‫فو ّ َ‬ ‫َ‬
‫ه لعَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬‫ه إِ ّ‬ ‫ّ‬
‫ه الل ُ‬ ‫صَرن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي عَلي ْهِ لي َن ْ ُ‬ ‫ب ِهِ ث ُ ّ‬
‫م ب ُغِ َ‬
‫ول بد من القول بأن من شرط ذلك أل يكون لحظ النفس ‪ ،‬فمن ثم ل تصح‬
‫المثلة إشباعا لحقد ‪ ،‬ول تصح السرقة جمعا لمال ‪ ،‬ول يصح الزنا تحقيقا‬
‫لشهوة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬هنا نجد للمسألة ثلثة جوانب عند الفقهاء ‪ :‬جانب المعاملة بالمثل من‬
‫حيث أداة القتل والقتال كالسيف أو الخنجر أو الخنق أو التحريق أو التغريق‬
‫أو التقطيع ‪ ،‬وجانب المعاملة بالمثل من حيث الموضوع الذي يقع عليه الدمار‬
‫أوالقتل أو القتال كالجندي أو الرجل أو المرأة أو الشيخ أو الطفل أو‬
‫الصناع ‪ ،‬أو الفلحين ‪ ،‬أو الشجرة أو الدار أو المصنع أو السد أو الجسر أو‬
‫المتحف ‪ ،‬أوالمستشفى إلخ ‪ ،‬وجانب سلطة التنفيذ أو المر به كولي الدم أو‬
‫ولي المر ‪.‬‬
‫وفي ساحة السادة الفقهاء نجدهم قد تعرضوا للجوانب الثلثة بضرب‬
‫المثلة ‪ ،‬ففي كتاب " روح المعاني في تفسير القرآن لللوسي " في تفسير‬
‫قوله تعالى " والحرمات قصاص " جاء قوله ‪ ) :‬واستدل الشافعي على أن‬
‫القاتل يقتل بمثل ما قَتل به من محدد أو خنق أو حرق أو تجويع أو تغريق ‪،‬‬
‫حتى لو ألقاه في ماء عذب لم يلق في ماء ملح ( ‪.‬‬
‫وفي فتح القدير للشوكاني ‪ ) :‬قيل وهذا كان في أول السلم ‪ ،‬ثم نسخ‬
‫بالقتال ‪ .‬وقيل إنه ثابت بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم ينسخ ‪،‬‬
‫ويجوز لمن تعدي عليه في مال أو بدن أن يتعدى بمثل ما تعدي عليه ‪ ،‬وبهذا‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال الشافعي وغيره ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬إن أمور القصاص مقصورة على‬
‫الحكام ‪ ،‬وهكذا الموال ‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم " أد المانة لمن ائتمنك‬
‫ول تخن من خانك " أخرجه الدار قطني وغيره ‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وجمهور‬
‫المالكية وعطاء الخراساني ‪ ،‬والقول الول أرجح ‪ ،‬وبه قال ابن المنذر‬
‫واختاره ابن العربي والقرطبي وحكاه الداودي عن مالك ‪ ..‬إلخ ( ‪.‬‬
‫ومما يدل على رجحان أن ذلك ل يكون إل بوضعه بيد السلطان ما جاء في‬
‫الدر المنثور للسيوطي في مناسبة نزول قوله تعالى " والحرمات قصاص "‬
‫وقوله تعالى " فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " ‪ ) :‬قول ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما ‪ :‬نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل ‪ ،‬فليس لهم سلطان يقهر‬
‫المشركين ‪ ،‬فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والذى ‪ ،‬فأمر الله‬
‫المسلمين من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه أو يصبر ويعفو ‪،‬‬
‫فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأعز الله سلطانه‬
‫أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانه ‪ ،‬ول يعدو بعضه على‬
‫بعض ( ‪.‬‬
‫وإذا كان ما تقدم يشير إلى حكم ما يحدث على مستوى النزاع بين الفراد‬
‫فللفقهاء اجتهاداتهم أيضا فيما يتعلق من ذلك بالقتال مع العدو على‬
‫المستوى العام ‪.‬‬
‫ففي كتاب المبسوط في الفقه الحنفي للمام السرخسي ‪ ) :‬ول بأس بأن‬
‫يحرقوا حصونهم ويغرقوها ويخربوا البنيان ويقطعوا الشجار ‪ .‬وكان الوزاعي‬
‫ـ رحمه الله تعالى ـ يكره ذلك كله لحديث أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في‬
‫وصية يزيد بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ " ل تقطعوا شجرا ً ‪ ،‬ول تخربوا ‪،‬‬
‫ول تفسدوا ضرعا ً " ‪.‬‬
‫وتأويل هذا – والكلم للمام السرخسي ‪ -‬ما ذكره محمد ـ رحمه الله تعالى ـ‬
‫في السير الكبير أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ كان أخبره رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بأن الشام تفتح له فلما علم أن ذلك كله ميراث للمسلمين‬
‫كره القطع والتخريب لهذا ‪.‬‬
‫ثم الدليل على جوازه – والكلم للمام السرخسي أيضا ‪ -‬ـ أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬أمر بقطع نخيل بني النضير وأمر بقطع النخيل بخيبر ‪ ،‬حتى‬
‫أتاه عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال ‪ :‬أليس أن الله تعالى وعد لك خيبر ؟‬
‫فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فقال ‪ :‬إذا تقطع نخيلك ونخيل أصحابك ‪ ،‬فأمر بالكف عن ذلك ‪.‬‬
‫ولما حاصر ثقيفا ً أمر بقطع النخيل والكروم حتى شق ذلك عليهم ‪ ،‬ولما مر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوطاس يريد الطائف بدا له قصر عوف‬
‫بن مالك النضري فأمر بأن يحرق ‪،‬‬
‫فهذه الثار تدل على جواز ذلك كله‪.‬‬
‫وكان الحسن بن زياد ـ رحمه الله تعالى ـ يقول ‪ :‬هذا إذا علم أنه ليس في‬
‫ذلك الحصن أسير مسلم ‪ ،‬فأما إذا لم يعلم ذلك فل يحل التحريق والتغريق ‪..‬‬
‫ولكنا نقول – والكلم للمام السرخسي ‪ : -‬لو منعناهم من ذلك يتعذر عليهم‬
‫قتال المشركين والظهور عليهم ‪ ،‬والحصون قل ما تخلو عن أسير … ‪.‬‬
‫ثم ل يمتنع تحريق حصونهم بكون النساء والولدان فيها ‪ ،‬فكذلك ل يمتنع ذلك‬
‫بكون السير فيها ‪ ،‬ولكنهم يقصدون المشركين بذلك ‪ ،‬لنهم لو قدروا على‬
‫التمييز فعل ً لزمهم ذلك ‪ ،‬فكذلك إذا قدروا على التمييز بالنية يلزمهم ذلك‪(.‬‬
‫اهـ‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولئمة المذاهب الخرى اجتهادات واسعة في ذلك ‪ ،‬وقد أشبعها كبار الئمة –‬
‫على اختلف مذاهبهم واتجاهاتهم – بحثا ‪ ،‬ولخصها بعضهم ‪ :‬مثل ابن رشد‬
‫في بداية المجتهد ‪ ،‬والصنعاني المير في سبل السلم ‪ ،‬وابن حزم في‬
‫المحلى‬
‫ففي بداية المجتهد لبن رشد‪ ) :‬وأما النكاية التي تكون في النفوس فهي‬
‫القتل ول خلف بين المسلمين أنه يجوز في الحرب قتل المشركين الذكران‬
‫البالغين المقاتلين‪.‬‬
‫وأما القتل بعد السر ففيه الخلف الذي ذكرنا ‪.‬‬
‫وكذلك ل خلف بينهم في أنه ل يجوز قتل صبيانهم ول قتل نسائهم ما لم‬
‫تقاتل المرأة والصبي ‪ ،‬فإذا قاتلت المرأة استبيح دمها ‪ ،‬وذلك لما ثبت »أنه‬
‫عليه الصلة والسلم نهى عن قتل النساء والولدان « وقال في امرأة مقتولة‬
‫‪» :‬ما كانت هذه لتقاتل« ‪.‬‬
‫منى والشيوخ‬ ‫واختلفوا في أهل الصوامع المنتزعين عن الناس والعميان والّز ْ‬
‫الذين ل يقاِتلون والمعتوه والحراث والعسيف ‪ ،‬فقال مالك ‪ :‬ل يقتل العمى‬
‫ول المعتوه ول أصحاب الصوامع ‪ ،‬ويترك لهم من أموالهم بقدر ما يعيشون به‬
‫‪ ،‬وكذلك ل يقتل الشيخ الفاني عنده ‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ‪ .‬وقال‬
‫الثوري والوزاعي ‪ :‬ل تقتل الشيوخ فقط ‪ .‬وقال الوزاعي ‪ :‬ل تقتل الحراث‪.‬‬
‫وقال الشافعي في الصح عنه ‪ :‬تقتل جميع هذه الصناف‪.‬‬
‫وفي قتل الحراث والعسيف والمرأة ‪ ،‬وفي المثلة ‪ ،‬وفي رمي الحصون ‪،‬‬
‫يذكر ابن رشد الحاديث التي تمنع من ذلك‬
‫ثم يتحدث عن النكاية في الموال فيقول ‪ ) :‬وأما النكاية التي تجوز في‬
‫أموالهم وذلك في المباني والحيوان والنبات فإنهم اختلفوا في ذلك ‪ :‬فأجاز‬
‫مالك قطع الشجر والثمار وتخريب العامر‪ ،‬ولم يجز قتل المواشي ول تحريق‬
‫النخل‪ .‬وكره الوزاعي قطع الشجر المثمر وتخريب العامر كنيسة كان أو غير‬
‫ذلك ‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬تحرق البيوت والشجر إذا كانت لهم معاقل ‪ .‬وكره‬
‫تخريب البيوت وقطع الشجر إذا لم يكن لهم معاقل ( ثم يقول ) والسبب في‬
‫اختلفهم ‪ :‬مخالفة فعل أبي بكر في ذلك لفعله عليه الصلة والسلم ( وقد‬
‫سبق تفسير هذا الختلف فيما ذكرناه من كلم المام السرخسي ‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم‪ - :‬والكلم ما يزال للمام ابن رشد ‪ -‬معارضة بعض‬
‫شهُُر‬‫خ ال َ ْ‬ ‫سل َ َ‬
‫الثار بخصوصها لعموم الكتاب‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪َ} :‬فإَذا ان َ‬
‫م{ ولعموم قوله عليه الصلة‬ ‫موهُ ْ‬ ‫جد ْت ُ ُ‬
‫ث وَ َ‬
‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫ركي َ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َفاقْت ُُلوا ال ُ‬ ‫حُر ُ‬‫ال ُ‬
‫ت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل الله« الحديث‪،‬‬ ‫ُ‬
‫مْر ُ‬ ‫والسلم الثابت‪» :‬أ َ‬
‫يقتضي قتل كل مشرك راهبا ً كان أو غيره (‪.‬‬
‫وأما الثار التي وردت باستبقاء هذه الصناف ‪ ،‬فيذكر ابن رشد منها ما منع‬
‫من قتل أصحاب الصوامع ‪ ،‬و ما منع من قتل الشيخ الفاني والطفل الصغير ‪،‬‬
‫والمرأة ‪.‬‬
‫ل الله‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ُ‬
‫ثم يرجع سبب الختلف إلى معارضة قوله تعالى‪ } :‬وََقات ِلوا ِفي َ‬
‫ن { حيث تفيد هذه الية‬ ‫دي َ‬
‫ب المعْت َ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫ن الله ل ي ُ ِ‬ ‫دوا‪ ،‬إ ّ‬ ‫كم وَل َ ت َعْت َ ُ‬ ‫قات ُِلون َ ُ‬
‫ن يُ َ‬‫اّلذي َ‬
‫شهُُر‬ ‫خ ال ْ‬ ‫سل َ َ‬
‫اقتصار القتل على المقاتلين دون غيرهم ‪ ،‬لقوله تعالى‪َ } :‬فإَذا ان َ‬
‫ث وجدتموهم { الية ‪ ،‬وهي ل تستثني قتل من‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫ركي َ‬ ‫م فاقْت ُُلوا المش ِ‬ ‫حُر ُ‬‫ال ُ‬
‫قتل‬
‫ثم يقول ‪ ) :‬وقد احتج الشافعي بحديث سمرة أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪» :‬اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم« وكأن العلة الموجبة‬
‫للقتل عنده إنما هي للكفر‪ ،‬فوجب أن تطرد هذه العلة في جميع الكفار ( ‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأورد المام الصنعاني المير في )سبل السلم ( جواز قتل النساء والطفال‬
‫ل‬‫سئ ِ َ‬
‫ه قال‪ُ :‬‬ ‫ة رضي الله عَن ْ ُ‬ ‫جّثام َ‬
‫ب بن َ‬‫صعْ ِ‬
‫في رواية متفق عليها ‪( :‬عن ال ّ‬
‫رسول الل ّهِ صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين ي ُب َي ُّتون‬
‫مّتفقٌ عليه ( ‪.‬‬ ‫م« ُ‬
‫م منهُ ْ‬ ‫م ؟ فقا َ‬
‫ل‪» :‬هُ ْ‬ ‫م وذراريه ْ‬‫ن نسائه ْ‬
‫فُيصيُبون م ْ‬
‫ثم يشرح المام الصنعاني المير معنى التببييت وأنه ‪ :‬الغارة عليهم في‬
‫الليل على غفلة مع اختلطهم بصبيانهم ونسائهم فيصاب النساء والصبيان من‬
‫غير قصد لقتلهم ابتداء‪.‬‬
‫ثم يذكر ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من النهي عن ذلك فيما‬
‫بعد في غزوة حنين فيما أخرجه ابن حبان من حديث الصعب وزاد فيه ‪» :‬ثم‬
‫نهى عنهم يوم حنين« وهي مدرجة في حديث الصعب ‪ ،‬وفيما أخرجه‬
‫البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم لحدهم‪» :‬الحق خالدا ً فقل له‪ :‬ل‬
‫تقتل ذّرية ول عسيفًا« وما أخرجه الطبراني في الوسط من حديث عمر‬
‫ما دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة أتى بامرأة مقتولة فقال‪:‬‬ ‫قال‪ :‬ل ّ‬
‫»ما كانت هذه تقاتل« ونهى عن قتل النساء‪.‬‬
‫ثم يقول عن المذاهب ) وقد اختلف العلماء في هذا‪ ،‬فذهب الشافعي وأبو‬
‫حنيفة والجمهور‪ :‬إلى جواز قتل النساء والصبيان في البيات عمل ً برواية‬
‫الصحيحين‪ .‬وقوله »هم منهم« أي في إباحة القتل تبعا ً ل قصدا ً إذا لم يمكن‬
‫انفصالهم عمن يستحق القتل‪.‬‬
‫وذهب مالك والوزاعي‪ :‬إلى أنه ل يجوز قتل النساء والصبيان بحال‪ ،‬حتى إذا‬
‫تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة هما فيهما‬
‫لم يجز قتالهم ول تحريقهم‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وإليه ذهب الهادوية إل أنهم قالوا في التترس‪ :‬يجوز قتل النساء والصبيان‬
‫حيث جعلوا ترسًا‪ ،‬ول يجوز إذا تترسوا بمسلم إل مع خشية استئصال‬
‫المسلمين‪ .‬ونقل ابن بطال وغيره اتفاق الجميع على عدم جواز القصد إلى‬
‫قتل النساء والصبيان للنهي عن ذلك‪( .‬‬
‫وذهب المام ابن حزم في المحلى إلى أنه ) ل يحل قتل نسائهم ول قتل من‬
‫لم يبلغ منهم ‪ ،‬إل أن يقاتل أحد ممن ذكرنا فل يكون للمسلم منجا ً منه إل‬
‫بقتله فله قتله حينئذ‪ … .‬فإن أصيبوا في البيات أو في اختلط الملحمة عن‬
‫غير قصد فل حرج في ذلك ( ‪.‬‬
‫ثم يرى جواز ‪ ) :‬قتل كل من عدا هؤلء من المشركين من مقاتل ‪ ،‬أو غير‬
‫مقاتل ‪ ،‬أو تاجر‪ ،‬أو أجير وهو العسيف أو شيخ كبير ‪ :‬كان ذا رأي ‪ ،‬أو لم يكن‬
‫‪ ،‬أو فلح‪ ،‬أو أسقف ‪ ،‬أو قسيس‪ ،‬أو راهب‪ ،‬أو أعمى‪ ،‬أو مقعد ل تحاش أحدًا‪.‬‬
‫ث‬
‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وجائز استبقاؤهم أيضا ً ( ثم يستشهد بقوله تعالى ‪َ } :‬فاقْت ُُلوا ْ ال ُ‬
‫موا ْ‬ ‫َ‬
‫صد ٍ فَِإن َتاُبوا ْ وَأَقا ُ‬ ‫مْر َ‬
‫ل َ‬ ‫دوا ْ ل َهُ ْ‬
‫م كُ ّ‬ ‫م َواقْعُ ُ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫م َوا ْ‬‫ذوهُ ْ‬‫خ ُ‬
‫م وَ ُ‬
‫موهُ ْ‬ ‫جدت ّ ُ‬
‫وَ َ‬
‫م عز وجل كل مشرك بالقتل‬ ‫م{ قائل ‪ ) :‬فع ّ‬ ‫َ‬
‫سِبيلهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫خلوا َ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صل َة َ َوآت َوُا الّزكاةَ فَ َ‬‫ال ّ‬
‫إل أن يسلم (‪ .‬ثم أخذ يفند ما ذهب إليه مخالفوه في ضوء صحة الحديث أو‬
‫عدم صحته في مقال طويل ‪.‬ثم رد عليهم فيها قائل ‪ ) :‬هذا كل ما شغبوا به ‪،‬‬
‫وكل ذلك ل يصح (‬
‫هذه المقدمات الثلثة قد يخرج منها من هو أكثر فقها بآراء أكثر تطابقا بين‬
‫الصول والفروع والوقائع ‪ ،‬من غير إضرار – بالطبع ‪ -‬بشروط القتال‬
‫ومسلماته الشرعية التي لم نتطرق إليها في هذا البحث لظهورها وعدم‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الختلف فيها ومنها أن يقع الستثناء في ضوابط القتال الشرعية بشروط‬


‫دقيقة أشرنا إلى بعضها في قوال الفقهاء ‪ ،‬وذلك بالضافة إلى المسلمات‬
‫الشرعية الخرى ‪ :‬أن يكون القتال ضد أعداء السلم المعتدين قصدا على‬
‫حرماته ‪ ،‬ول يقصد به مسالم معاهد أو ذمي ‪ ،‬وأن يكون قرار القتال خاضعا‬
‫لحسابات دقيقة ‪ ،‬محسوبا بالفائدة للمسلمين وفقا لصول الفقه وقواعده ‪:‬‬
‫من دفع الضرر ‪ ،‬وسد الذرائع ‪ ،‬وجلب المصلحة ‪ ،‬وغيرها من الصول ‪ ،‬وليس‬
‫اندفاعا إلى الشهادة بغير حساب ‪ .‬وأن يكون مفتوحا لتقبل السلم بشروطه‬
‫المعروفة شرعا ‪ ،‬وأن يخضع ذلك لقيادة مسئولة شرعا ‪ ،‬مع التتنسيق اللزم‬
‫مع القيادات المعنية لكي نتجنب ضرر الفتنة الشد ‪.‬‬
‫وعلى كل حال فمن حق الباحث أن يجد فيما قدمناه من اختلف الفقهاء ما‬
‫يدل على سعة أفق المصلحة الذي يطل منه الفقه السلمي بحيث إنه‬
‫لينطوي على إمكان الستجابة لما يقتضيه ما ذكرناه عن التطور الجذري في‬
‫وسائل القتال‬
‫ولما كنت لم أقصد هنا أن أتقدم بفتوى ‪ ،‬أتطاول بها في مقام الئمة ‪ ،‬فإنه‬
‫لمن المؤكد أني قصدت أن أبين أن الباحث في المسالة يجد فيها خلفا‬
‫واسعا بين الفقهاء ل يصح إهماله ‪ ،‬وبخاصة عند ما نجد استناد كل منهم إلى‬
‫القرآن الكريم والرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ومصدر‬
‫الخلف بينهم يرجع إما إلى تضعيف كثير من الحاديث المعارضة كما هو‬
‫الحال عند ابن حزم ‪ ،‬أو إلى ما بين هذه الدلة من عموم وخصوص ومجمل‬
‫ومقيد ‪ :‬أيهما يرجع للخر ؟ ‪ ،‬وهو خلف ل يصح التغطية عليه بانتقاء ما يعتقد‬
‫البعض أنه القرب إلى "روح العصر" أو ما يسمى "حقوق النسان " أوما‬
‫يسمى " الحداثة" ! ‪ ،‬غافلين عن أن " روح العصر" – على العكس مما‬
‫يتوهمون – أصبحت تتمثل في تطور حضاري – وهذا ما قصدت إليه بالذات –‬
‫لم يعد يحفل في أعماقه بضرب المدنيين في حروبه وإنما المر على العكس‬
‫من ذلك أصبحت الحرب شديدة التقدم – كمنتج حتمي من منتجات هذه‬
‫الحضارة – هي تلك التي تبدأ أو تتطور سريعا إلى ضرب المدنيين ‪ ،‬مع قليل‬
‫من تجمل العجوز ‪ ،‬من أجل عيون – أو رغم أنف – ما يسمى عندهم حقوق‬
‫النسان واتقاقيات جنيف وما أشبه ‪.‬‬
‫كما قصدت أن أبين أن لمشكلة المدنيين في حروب اليوم – وبخاصة ما‬
‫يواجه المسلمين منها – جانبا أشد تعقيدا مما نتصور وأكثر خطرا مما يساق‬
‫إلينا من منابر الدعاية ‪ ،‬أو منابر الفتوى ‪ ،‬وهو ثمرة التدهور النساني في‬
‫معطيات الحضارة المعاصرة ‪ ،‬ولست أبالغ إذا قلت إن جوهر أية حضارة إنما‬
‫يظهر في غضبتها وهي تمارس الحرب كما هو الشأن في الفرد عند الغضب ‪.‬‬
‫ولعل هذا البحث أن يكون ورقة متواضعة بين يدي حفل من النظار يدفعهم‬
‫إلى استجلء جوانب الموضوع والخروج منه بموقف عملي في ضوء‬
‫التطورات المعاصرة‪.‬‬
‫والله أعلم‬

‫)‪(10 /‬‬

‫من مفاخر الحضارة النسانية الحديثة !!‬


‫قتل المدنيين في الحروب‬
‫" مقدمات للنظر‬
‫في وضع" المدنيين البرياء "‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في ساحة القتال‬


‫ملحظة هامة ‪ :‬نشرت فقرات كثيرة منه في مقالة " التحريض ضد السلم‬
‫الذي نشر في ‪2004\7‬‬
‫من مفاخر الحضارة النسانية الحديثة !!‬
‫قتل المدنيين في الحروب‬
‫مقدمات للنظر‬
‫في وضع" المدنيين البرياء " أثناء القتال‬
‫بين حكم السلم وواقع الحضارة المعاصرة‬
‫يظهر حرص السلم على سلمة " المدنيين البرياء أثناء الحروب من‬
‫شروطه الخلقية والتشريعية التي وضعها للسلم والقتال‬
‫وليس السلم في السلم حالة سلبية تتمثل في إلقاء السلح ‪ ،‬ولكنه –‬
‫إسلميا‪ -‬صفة إيجابية تتمثل في إنجاز السلم بمعناه السلمي ‪ .‬فإذا وقع‬
‫القتال فمن شروطه تطبيق الشريعة والعدل ‪ ،‬والحسان ‪ ،‬ومن ذلك النهي‬
‫عن التدمير والتحريق والتغريق ‪ ،‬وقتل الطفال والنساء والشيوخ ‪ ،‬والتمثيل‬
‫بالجثث ‪ ،‬وقطع الشجار ‪.‬‬
‫ولكي نبدأ النظر في الموضوع نرى حتمية النظر أول في مقدمات ضرورية‬
‫قبل الخوض في الجزئيات والتفاصيل إذ ل بد من رؤية شاملة لصول‬
‫الموضوع ‪.‬‬
‫وفي هذه الرؤية الشاملة نجد أنفسنا أمام ثلث مقدمات ‪:‬‬
‫المقدمة الولى ‪ :‬أن المسلمين يجدون أنفسهم حاليا بإزاء حرب شاملة ‪-‬‬
‫تتخللها هدنة هنا وهدنة هناك ‪ -‬قامت بالفعل منذ بداية الستعمار الحديث‬
‫أعلنها الغرب من جهته عليهم في جميع الجبهات ‪ ،‬واشتدت وتيرتها في‬
‫العقدين الخيرين ‪ ،‬وهي حرب معلنة – أو خفية ‪ -‬مستمرة ولن تزال حتى‬
‫تحقق أهدافها من وجهة نظر الذين أعلنوها ‪ ،‬أو تفشل كما يتمنى الذين‬
‫وقعت ول تزال تقع عليهم ‪.‬‬
‫المقدمة الثانية وهي تتمثل في أن تقنيات هذه الحرب جديدة تماما تدور في‬
‫ظل حضارة جديدة لها ثقافتها الجديدة أيضا ‪ ،‬وهي من ثم تحتاج من أجل‬
‫المواجهة التشريعية إلى تقييم جديد ‪.‬‬
‫المقدمة الثالثة ‪ :‬أن خلفا واسعا وقع بين الفقهاء في المسألة ‪.‬‬
‫أما عن المقدمة الولى ‪ :‬فتظهر في تصور العداء التاريخي الذي يكنه الغرب‬
‫للسلم والمسلمين ونحن لن نغوص هنا في التاريخ ولكن نكتفي بلفتة وراءنا‬
‫لسنوات قليلة ‪.‬‬
‫)‪ (1‬وأضع أمام القارئ ما عرضته مجلة الشروق الصادرة في إمارة الشارقة‬
‫عدد ‪ 6\ 152‬بتاريخ ‪ 1995\ 3 \12‬وعنوان غلفها ) استراتيجيات ونظريات‬
‫مجنونة في بلد الغرب ‪ :‬السلم العدو رقم ‪ ( 1‬وفيه يقول بشير البكر في‬
‫رسالته إلى المجلة من باريس ‪ ) :‬تقاطعت مجموعة من الشارات الدولية‬
‫خلل النصف الول من الشهر الماضي ] يناير ‪ [ 1995‬تلتقي جميعها حول‬
‫الصولية السلمية ‪ ،‬لكنها تتجاوزها إلى موقف الغرب من السلم بصورة‬
‫عامة ‪ ،‬ودول الجنوب بصفة خاصة ‪ ،‬وجاءت أولها من طرف المين العام‬
‫لحلف شمال الطلسي ) الناتو ( ويلي كليس ‪ ،‬عند ما اعتبر أن الصولية‬
‫السلمية باتت العدو رقم واحد للحلف ‪ ،‬بعد انهيار المعسكر الشتراكي‬
‫ونهاية الحرب الباردة ولذلك يتوجب محاربتها ( وقد كشف كليس عن‬
‫مبادرته في حديثين صحافيين قبل أن يطرحها في صورة رسمية أمام مجلس‬
‫سفراء الحلف في اجتماعه الخير ‪ ،‬وانتقلت مبادرة كليس إلى قرار سياسي‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أصدره الحلف بفتح حوار حول الموضوع مع دول مثل مصر وإسرائيل (‬
‫وفي التحقيق الذي كتبه الستاذ بشير في العدد المشار إليه جاء في حديث‬
‫للسيد ماريانو آغوري أحد أبرز الخبراء الوربيين ومدير مركز الدراسات‬
‫والبحوث الستراتيجية السباني قوله ‪ ) :‬نرى أن الفضاء السلمي هو المكان‬
‫الذي تنطلق منه المخاطر والتهديدات والكوارث في أواخر هذا القرن ‪ .‬إن‬
‫حالة الرتياب من السلم ليست جديدة ‪ ،‬وهي ناتجة اليوم عن عداء خفي‬
‫يشير إلى أن السلم هو الخطر الكبر الذي يهدد الغرب بصفة غير مباشرة‬
‫… وأخيرا والن بعد ما اختفى التحاد السوفيتي يتساءل الستراتيجيون‬
‫والمختصون في الشئون الجيوسياسية عن المخاطر التي يمكن أن تنتج عن‬
‫إسلم يمتلك القنبلة الذرية حيال أوربا خلل القرن الحادي والعشرين ‪ ،‬من‬
‫هنا جاءت موجة العداد لمواجهة هذا العدو الجديد (‬
‫ثم يتحدث السيد ماريانو عن مدى جدية الخطر السلمي فيقول ) وهنا‬
‫سوف أقتطف فقرة من تقرير أصدرته " الكاديمية الملكية للشئون الدولية "‬
‫في لندن ‪ ،‬وقد جاء في هذا التقرير ما يلي ‪ " :‬بالنسبة إلى الوربيين كان‬
‫السلم مسألة تشغل بالهم دائما ‪ ،‬غير أن هذه المشكلة ليست ظاهرة بعيدة‬
‫‪ ،‬والن أصبحت جزءا من الواقع الثقافي في الحياء الكثر فقرا في بعض‬
‫المدن الوربية ‪ ،‬إن العدو القديم تسلل من الباب الخلفي حامل لفتات‬
‫غرائبية وغير منطقية تكونت عبر العصور ‪ " :‬جهاد ضد الكافرين ‪ ،‬وتقبل‬
‫سلبي للمصير ‪ ،‬وللعقيدة المتزمتة " ( وعندما سئل السيد ماريانو ) أل‬
‫تعتقدون بأن ذلك يذكر بتقاليد المواجهة التاريخية في جانبها الصليبي ؟ ( قال‬
‫‪ ) :‬إن تقليد المواجهة بين العالمين السلمي والمسيحي يعود إلى تاريخ‬
‫قديم ‪ ،‬غير أنه خلل العقدين الماضيين تكون ما يمكن تسميته وعيا جديا‬
‫مناهضا للسلم ( ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والغريب أن السيد ماريانو وهو يعود بالوعي الوربي الجديد في مناهضته‬


‫للسلم إلى أكذوبة الخوف من امتلكه لسلحة الدمار الشامل – وهو ما‬
‫تحولت إليه الوليات المتحدة المريكية في حربها للرهاب ‪ -‬ل يطرأ على‬
‫ذهنه سؤال عن المخاطر التي تهدد الوطن السلمي ‪ ،‬والتي يمكن أن تنتج‬
‫عن عدو – كالدولة الصهيونية ‪ -‬يمتلك أسلحة الدمار الشامل ‪.‬‬
‫ولنا أن نتشكك في جدية أن يكون امتلك أسلحة الدمار الشامل سببا كافيا‬
‫في شن حرب شاملة على العالم السلمي ‪ ،‬وإل فقد ظل التحاد السوفيتي‬
‫عقودا يمتلكها وتم علج الحال بغير أن تنشب هذه الحرب ‪ ،‬وانحصر المر‬
‫فيما أطلق عليه الحرب الباردة ‪ ،‬واليوم يمتلكها التحاد الروسي بالفعل وما‬
‫من تفكير في شن حرب ضده ‪ ،‬وكذلك امتلكتها إسرائيل والهند وباكستان‬
‫ودول أخرى ولم يجر العمل على شن حرب ‪ ،‬وربما قيل ‪ :‬استعيض عن ذلك‬
‫بما يسمى توازن الرعب ‪ ،‬وإذن فلم ل يكون المر كذلك في امتلك الدول‬
‫السلمية مثل ؟ وتوازن الرعب ضدها يظل قويا متفوقا شديد التفوق ؟‬
‫وهنا يشير بعضهم إلى ) أن التهديدات النووية يمكنها أن تكون صادرة من‬
‫بلدان العالم الثالث حيث رؤساء الدول ل يتمتعون بقدر كاف من العقلنية ‪،‬‬
‫وليسوا واعين للعواقب التي ستترتب على عدم النصياع للمنطق المفروض‬
‫من قبل الوليات المتحدة وروسيا خلل الحرب الباردة (‬
‫وهنا تبدو عنصرية هذا الطرح الذي ينطلق من عقيدة الغرب في تفوق الرجل‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البيض عنصريا ‪ ،‬كما يبدو منطقه متهافتا إذ يعني أن الجنون حالة إسلمية ‪.‬‬
‫وبما أننا نحن المسلمين نواجه في الواقع عدوا عاقل جدا ‪ ،‬فإنه لبد من‬
‫وجود تفسير أكثر عمقا وشمول وعقلنية من مجرد الشارة إلى أسلحة‬
‫الدمار الشامل ‪ :‬إنها فكرة الصراع في الغرب ‪ ،‬نجدها جزءا من بنيتهم‬
‫الثقافية قديما وحديثا ‪ ،‬فهناك " صراع اللهة " فوق جبال الولمب ‪ ،‬كما نجده‬
‫في أساطير اللياذة والوذيسة وما جره هذا الصراع من صراع بين أسبرطة‬
‫وأثينا ‪ ،‬ثم هناك صراع الدولة الرومانية مع الدولة الفارسية ‪ ،‬وصراعها مع‬
‫السلم ‪ ،‬وصراع المسيحية مع السلم ‪ ،‬وزحف هذا الصراع إلى أمريكا في‬
‫عملية إبادة الهنود الحمر ‪ ،‬وزحف الستعمار الحديث على الشرق ‪ ،‬وصراع‬
‫الغرب لبادة المسلمين في حروب القرم والقوقاز ‪ ،‬والبلقان ‪ ،‬وتحتل فكرة‬
‫الصراع موضع العقيدة في التكوين الثقافي للنسان الغربي المعاصر ‪ ،‬فهو ‪-‬‬
‫أي هذا النسان ‪ -‬قد يشك في عقيدته المسيحية ‪ ،‬وقد يشك في عقيدته‬
‫الرأسمالية ‪ ،‬أو غيرها ولكن تبقى لديه فكرة الصراع راسخة ل تمس ‪ ،‬بدءا‬
‫بالصراع البيولوجي الذي أسسه دارون ‪ ،‬ومرورا بالصراع الجتماعي عند‬
‫هربرت سبنسر ‪ ،‬وانتهاء بصراع القوميات عند نيتشة ‪ ،‬وهو ‪ -‬أي هذا النسان‬
‫‪ -‬في ذلك كله ينظر إلى الصراع ل باعتباره شرا لبد منه ‪ ،‬ولكن باعتباره آلية‬
‫التقدم في الطبيعة والنسانية والحضارة ‪.‬‬
‫)‪ (2‬ومن هنا يصبح من العجيب أن ُيفجأ بعضنا بنداءات الصراع الحضاري كما‬
‫عبر عنها أخيرا هذا أو ذاك من المفكرين أو السياسيين ‪ ،‬وهذه الفجاءة‬
‫مصدرها الغفلة عن طبيعة عدو يبحث عن العداوة قبل أن تفرض عليه ‪،‬‬
‫ويراها لحمة النتماء في مجتمعاته هشة البنيان ‪ ،‬وينشدها كأنها فيتامين‬
‫الصحة والعافية ‪ ،‬فهل يفيدنا نحن المسلمين في شيء أن نخدر أنفسنا‬
‫بالكلم عن إنسانية الحضارة الغربية ‪ ،‬وسلم الحوار الديني الذي نعرف أنه‬
‫لقد كانت المخابرات الفرنسية من سدنته الكبار– ضمن تيارات أخرى –‬
‫بقيادة مديرها الكبر الكونت دي مارانش ‪ ،‬منذ أوائل السبعينات من القرن‬
‫الماضي ‪ ،‬في حركته نحو احتواء السلم سياسيا واقتصاديا في صيغة سماها‬
‫" الحوار السلمي المسيحي" ثم طورها من بعد إلى ما سماه " الحوار‬
‫الديني " ‪ ،‬وفقا لوثائق الستاذ محمد حسنين هيكل في مقاله بمجلة " الكتب‬
‫‪:‬وجهات نظر " ) مايو ‪ (2001‬التي تصدر بالقاهرة ؟ بينما الطرف الخر‬
‫ينظر إلينا وإلى السلم على وجه الخصوص على أنه ظاهرة عرضت في‬
‫مسار التاريخ ‪ ،‬وهي في طريقها إلى الزوال بفضل خطتهم الطويلة في‬
‫الصراع ؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنه الصراع الذي ل يكتفي بمقتضى ثقافتهم بغير إبادة الخر ‪ ،‬مهما ارتفعت‬
‫لديهم شعارات الديموقراطية وحقوق النسان والحوار والعتراف بالخر ‪،‬‬
‫فهي شعارات سطحية يسمح بها طالما كانت المور " تحت السيطرة "‬
‫لحساب التفوق العنصري البيض ‪ ،‬أما إذا اهتز هذا التفوق أو تحركت ضده‬
‫نذر الخطر من بعيد على مرمى قارات ومرمى قرون فإن البادة للخر‬
‫تنكشف لتكون هي الساس ‪ ،‬إبادة الخر في الندلس ‪ ،‬إبادة الخر في‬
‫القارة المريكية الجديدة ) الهنود الحمر ( ‪ ،‬إبادة الخر المسلم في أوربا‬
‫الشرقية والبلقان وآسيا الصغرى والقوقاز ‪ ،‬إبادة الخر في الشرق الوسط ‪،‬‬
‫في الجزائر وفلسطين والعراق وإيران ‪ ،‬إبادة الخر في تصنيفهم للعالم‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخيرا إلى محورين ‪ :‬أحدهما للخير ‪ ،‬والخر للشر ‪ .‬تلك هي مشكلتهم‬


‫المستعصية التي يعالجونها بل هوادة منذ ظهور السلم إلى اليوم ‪ ،‬وليس‬
‫من بعد أحداث حالية ‪.‬‬
‫أليس من الضروري إذن أن نحذر المسلمين اليوم من التناوم والغفلة عن ثأر‬
‫أوربا ضد السلم الذي يتركز في منطقة الشرق الوسط بالذات ‪ ،‬ولن‬
‫يكتفي هذا الثأر حتى يقتات على لحومهم ودمائهم وعظامهم بغير استثناء ‪،‬‬
‫ويتطاول إلى قدسين ‪ :‬تم له الطباق على أحدهما وهو بيت المقدس ‪،‬‬
‫ويخطو حاليا بخطوات ثابتة نحو الخر ‪.‬‬
‫وهاهو وزير السياحة السرائيلي المدعو بني آلون يصرح لصحيفة هأرتس في‬
‫مطلع شهر ) مايو ‪ 2003‬م ( قائل ‪ " :‬من الواضح أن السلم في طريقه إلى‬
‫الزوال ‪ ،‬فما نشاهده اليوم في العالم السلمي ليس انتفاضة إيمان قوية ‪،‬‬
‫بل انطفاء جذوة السلم ‪ ،‬أما كيف سيزول فبكل بساطة بقيام حرب‬
‫مسيحية صليبية ضد السلم في غضون بضع سنوات ‪ ،‬ستكون الحدث الهم‬
‫في هذه اللفية ‪ ،‬وطبعا سنواجه مشكلة كبرى حين ل يبقى في الساحة‬
‫سوى الديانتين الكبيرتين ‪ :‬اليهودية !! والمسيحية ‪ ،‬غير أن ذلك ما زال‬
‫متروكا للمستقبل البعيد "‬
‫و رجوعا إلى أصحاب المناقصة وفلسفة التنازل في تعاملهم مع الغرب ‪:‬‬
‫ألسنا نراهم في موقف من مواقف الكوميديا السوداء إذ يردون – على لسان‬
‫شيخ أزهرهم – بما نسمعه اليوم من كلمهم عن السلم والتسامح والحوار ‪،‬‬
‫) إن السلم ل يعادي أحدا ‪ ،‬بل إن السلم دين السلم وليس دين العداوة (‬
‫) إن السلم يمد يده بالسلم العادل وبالطمئنان والمان ( مجلة الشروق‬
‫سالف الذكر ص ‪ 20‬أو هكذا نواجه المدفع بالمؤتمرات ‪ ،‬ويقفل الملف‬
‫وتسلم الحرمات ‪ ،‬أو هكذا نقرأ اليات كأنما نتستر على عورات ؟ ‪ ،‬أو هكذا‬
‫نقرأ " ول تقربوا الصلة " ؟؟!‬
‫وفقا لنفسية الهزيمة والستسلم هذه فإن الدول العربية – كما جاء بافتتاحية‬
‫جريدة الخليج الماراتية بتاريخ ‪ 2002 \3 \1‬أخذت ‪ -‬ول تزال في خطة‬
‫خريطة الطريق ‪ ) : -‬تغرق الكيان الصهيوني بالمبادرات والمشاريع والفكار‬
‫والنوايا الحسنة والتطبيع والهرولة ومد اليدي و"التسول " ‪ ،‬ونبذ الرهاب‬
‫ونبذ العنف ‪ ،‬وصول – ربما إذا استمر الوضع على ما هو عليه – إلى نبذ‬
‫المقاومة والكفاح وحق الدفاع عن النفس ‪ ،‬والشروع في مصادرة ما نملك‬
‫من " حجارة وسكاكين الدمار " الشامل !! إن سمحت الوليات المتحدة‬
‫و"إسرائيلها " بأن يبقى للدول العربية ما تملكه ( إن السلم المطلوب منا هو‬
‫في ) سلموا الحقوق ‪ ،‬سلموا الرض ‪ ،‬سلموا المقدسات ‪ ،‬وسلموا كل‬
‫مقاوم ‪ ،‬وسلموا كل من يرمي حجرا ‪ ،‬وسلموا كل من في قلبه نبض ‪:‬‬
‫تسلموا ‪ ،‬ويسمح لكم بالبقاء في المنطقة بالشروط المعروفة والتي يمكن‬
‫معها الترحم على الستعمار أيام زمان ( هكذا وبمباركة من مفتين يعرضون‬
‫من السلم ما يخل فيه بالتوازن بين السلم والجهاد‪.‬‬
‫)‪ (3‬وبقدر ما أنه من المناقصة على السلم – في باب الدعوة للقتال ‪ -‬أن‬
‫يعرض الحمائم فيه " حوار السلم والرحمة والتسامح " في نفس الوقت‬
‫الذي وصلت قعقعة السلح ضده إلى عنان السماء ‪ ،‬كذلك فإنه من المزايدة‬
‫الفارغة على السلم ‪ -‬في باب الدعوة للسلم – أن ينكر أعداؤه عليه‬
‫فريضة الجهاد ‪ ،‬لنهم إذ ينكرونها فإنما يدعون إلى حالة من الفوضى‬
‫والضعف يصبح السلم معها أمرا مستحيل ‪ ،‬إذ من المؤكد تاريخيا أن الضعف‬
‫يمثل الغراء القوى بالعتداء وتدمير السلم ‪ ،‬ومن المؤكد استراتيجيا كما هو‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معروف أن نفوذ القوياء ليس حصيلة قوتهم فحسب ولكنه معادلة من‬
‫طرفين ‪ :‬قوتهم الذاتية ‪ +‬ضعف العدو وحرص رجاله على الحياة ‪ ،‬وهم إذ‬
‫ينكرون الجهاد على السلم ل ينكرون عليه فريضة دينية فحسب ‪ ،‬ولكنهم‬
‫يرتكبون نفاقا مكشوفا ‪ :‬حيث يحرصون على أن يغرق الكيان الصهيوني‬
‫فلسطين بالدماء والدمار بأحدث السلحة المريكية ‪ ،‬تاركا للدول العربية أن‬
‫تحصي الشهداء ‪ ،‬الذين يسقطون والمنازل التي تدمر والراضي التي تجرف‬
‫أو تصادر ( وحيث يحرصون على أن تمتلئ ترساناتهم الحربية بما يكفي‬
‫لتدمير الحياة النسانية على الرض مرات ومرات بينما هم يعملون على‬
‫تجريد المسلمين من كل سلح بدعوى السلم ‪ ،‬في الوقت نفسه ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫)‪ (4‬وإنه لمن التجهيل المتعمد الذي يأتينا من أبواب الدعاية والتلعب‬
‫بالعقول وصناعة الرأي العام وفق استراتيجية العدو ما يشاع من أن موقف‬
‫الغرب الذي أعلنه أخيرا من السلم باعتباره العدو ومحور الشر في العالم‬
‫إنما هو ضد المسلمين المتطرفين ‪ ،‬ثم جددوا عبارتهم فصارت ضد‬
‫المسلمين الرهابيين ‪ ،‬ثم جددوا عبارتهم فصارت ضد السلمويين ل‬
‫المسلمين !! وهي عبارات شديدة البهام والغموض … روجتها وسائل‬
‫العلم عن " معهد القيم المريكية " وهو بيت خبرة مستقل ‪ ،‬صدرت باسم‬
‫ستين من المثقفين المريكيين ضمن رسالة مفتوحة موجهة إلى المريكيين‬
‫والمجتمع الدولي يشرحون فيه لماذا يعتقدون أن الحرب على الرهاب‬
‫ضرورية عادلة ‪ ،‬حيث يفرقون في البيان بين السلم المعتدل والسلموية‬
‫الشريرة ‪ ،‬وحيث علق الستاذ سعد محيو في عموده اليومي في اليوم‬
‫السابق على نشر البيان مترجما بجريدة الخليج قائل ‪ :‬إن ) التمييز بين‬
‫السلم والسلموية صائب تماما ( أما في رأينا فهي تفرقة غير صائبة مع‬
‫العتذار للستاذ سعد محيو ‪ ،‬إذ قد تختلط – في ساحة السلم المعتدل !! ‪-‬‬
‫بالتفرقة بين رجل السياسة الذي قد يكون معتدل ورجل الجيش الذي لبد‬
‫من أن يكون عنيفا ؟ فهل يصح أن ينسب رجل الجيش إلى الشر عندئذ ؟ ‪،‬‬
‫أم أن نسبة الشر إلى أحدهما مقصود بها التضليل بخلط الوراق ‪ .‬وهكذا‬
‫طعم ‪ ،‬أو يريدون لنا أن نبتلعه ‪ ).‬أنظر ما جاء بجريدة الخليج‬‫يبتلع مثقفونا ال ّ‬
‫يوم ‪( 2002\2\27‬‬
‫ونحن بحاجة إلى قدر كبير من السذاجة لنصدق ما يشاع من أن هذا الموقف‬
‫قد جاء نتيجة ما ارتكبه بعض الحمقى من اعتداءات على المدنيين البرياء ‪،‬‬
‫ففضل عن أن هذه الحداث كان من الممكن حصر النظر إليها في نطاق‬
‫القانون والمن والمخابرات القديرة التي تصل ميزانياتها السنوية إلى‬
‫مليارات الدولرات والتي صنعت بعض هؤلء الحمقى من قبل ‪ ،‬إل أنه من‬
‫المؤكد أنها لم تكن هي التي صنعت كل هذه الكراهية الهائلة التي تتفجر في‬
‫الغرب ضد كل ما هو عربي أو إسلمي ‪ ،‬إذ لهذه الكراهية أصل ثقافي من‬
‫صنع التبشير والستشراق والسيطرة والمعرفة المؤدلجة من أجل السلطة ‪،‬‬
‫وله ماض تاريخي طويل عريض يبدأ من ظهور السلم إلى حروبه مع‬
‫المبراطورية الرومانية في الشرق الوسط في الشام ومصر ‪ ،‬وحوض البحر‬
‫البيض المتوسط والحروب الصليبية وجنوب أوربا ‪ ،‬مرورا بأسبانيا وأوربا‬
‫الشرقية وسقوط الدولة العثمانية وانتشار الستعمار الغربي القديم والحديث‬
‫طوال عمر السلم ؛ والستيطان الصهيوني أخيرا ‪ ،‬وليرجع من يريد‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستزادة إلى كتاب إدوارد سعيد عن الستشراق ليعرف كيف تتجذر هذه‬
‫الكراهية طوال القرون في الفكر والدب والسياسة والجتماع ‪-‬‬
‫ول نريد أن نستطرد هنا في العرض التاريخي مراعاة لشعور الطابور‬
‫الخامس الذي يسكن في ديارنا فلقد بلغ المر ببعض إخواننا وهو بصدد بيان‬
‫ما ارتكبه الغرب من مظالم تجاه الشرق بدءا من الحروب الصليبية إلى‬
‫الستعمار ‪ ،‬إلى ما سماه " الطللة المريكية على المنطقة " !! بلغ المر به‬
‫أن استذكر أن هذا ) بالطبع ل يعني أن الشرق – يعني المسلمين ‪ -‬كانوا دوما‬
‫ملئكة ‪ ،‬ول بد في لحظة ما أن يأتي الوقت كي يعترف هؤلء بأخطائهم ‪ ،‬بما‬
‫في ذلك الوجود في أسبانيا لكثر من ‪ 500‬عام ؟!‪ ،‬وتهديد أمن أوربا‬
‫المسيحية لكثر من ‪ 500‬عام آخر ‪ ،‬وصول إلى العصور الحديثة التي شهدت‬
‫تراجعا ملحوظا في التسامح السلمي تجاه القليات ( وردا على هذه‬
‫المزاعم وقياسا على سلسلة العتذارات هذه كان ينبغي على أصحابها أن‬
‫يطالبوا باعتذار العرب عن وجودهم في الشرق الوسط منذ ظهور السلم ‪،‬‬
‫وأن يطالبوا النجلو سكسون ‪ ،‬واللتينيين بالعتذار عن وجودهم في أمريكا‬
‫منذ أقل من أربعمائة عام ‪ ،‬بل وأن يطالبوا المسيحيين بالعتذار عن وجودهم‬
‫في أوربا منذ ألفي عام ‪ ،‬حيث إن المسيحية ظهرت أصل في آسيا ؟؟ !‬
‫وفي كلمهم عن اعتذار الشرقيين عن وجودهم في الندلس لمدة ‪ 500‬عام‬
‫قياسا على اعتذار متوهم من الغرب عن مظالمه للشرق لبد لنا هنا من‬
‫الكشف عن الفرق الذي عميت عنه العيون بين فتح إسلمي جعله السلم‬
‫لصحاب العقيدة ل لخصوص الفاتحين ولتصبح أجناس من المم هم أصحاب‬
‫السلم وأصحاب دولته حقا ‪ :‬من فرس وأكراد ومماليك وتتار وأتراك وهنود‬
‫وأوربيين أيضا ‪ ،‬وصل اعتناقهم للسلم إلى حد جرى فيه النقاش ومن ثم‬
‫التشكيك حول ما إذا كان العرب أصحاب الفتوحات الولى مثلهم أو أقل‬
‫منهم في ميزان اختصاصهم بالسلم دولة وشريعة وحضارة ؟ ‪ ..‬أقول ‪ :‬ل بد‬
‫لنا هنا من الكشف عن الفرق بين هذا الفتح السلمي و غزو يوناني ‪،‬‬
‫وروماني ‪ ،‬وصليبي ‪ ،‬واستعماري ‪،‬وصهيوني ‪ ،‬وأمريكي أخيرا؟ لسنا بحاجة‬
‫في هذه العجالة لسرد جرائمه و جرائره في استعباد الشعوب وامتصاص‬
‫دمائهم وتصديرها لحساب الرجل البيض ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إنه في سياق المقارنة الزائفة بين الحروب الصليبية باعتبارها خطأ ارتكبه‬
‫الغرب المسيحي ضد المسلمين !! ‪ ،‬في مقابلة خطأ المسلمين الذي ارتكب‬
‫ضد الغرب المسيحي في فتح الندلس – ولنقل غزوها ل بأس – وفتح جنوب‬
‫فرنسا الذي لم يستقر ‪ ،‬وفتح بلد شاسعة من أوربا … عندما يحدث ذلك من‬
‫بعض رجالت الصحافة المتأمركين عندنا فإنه لبد من التعقيب عليه بكشف‬
‫قناع الزيف فيه ‪ ،‬ل بالذهاب إلى تفاصيل التاريخ التي تدمغ هذه المقارنة‬
‫بالجهل فحسب ‪ ،‬ولكن لنتساءل أيضا ‪ :‬أكان خطأ المسلمين ضد الغرب‬
‫المسيحي قاصرا – في تقديرهم ‪ -‬على أسبانيا وأوربا ؟ أو هو ينسحب على‬
‫فتح مصر والشام وجنوب البحر البيض المتوسط ‪ ،‬الذي كان غارقا في‬
‫مستنقع البطالمة والرومان وأذنابهم ؟ ثم ينسحب إلى أفريقيا وآسيا باعتبار‬
‫عالمية المسيحية في تقدير الغرب المسيحي ؟ ‪ ،‬ثم ينسحب إلى الجزيرة‬
‫العربية بأدق وأقدس أماكنها التي هي ملك لهم حسب صريح خطتهم في‬
‫مؤتمراتهم التاريخية في التبشير ؟‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولم ل نكشف الوراق بطريقة محترمة لنقول ‪ :‬إن عالمية الدعوة السلمية ‪،‬‬
‫وعالمية الدعوة المسيحية – حسب اعتقاد الكنيسة الموقرة – تدعونا إلى‬
‫استبعاد هذه المباراة الصبيانية بين اعتذار عن خطأ من هنا واعتذار عن خطأ‬
‫من هناك ‪ ..‬لنعالج القضية في إطارها الحضاري الصحيح ‪ :‬أي لنقارن إنسانيا‬
‫بين دخول الصليبيين القدس ‪ -‬عندما قتلوا من رجال المسلمين وأطفالهم‬
‫ونسائهم سبعين ألفا في أيام وأطلقوا من دمائهم نافورات جعلت خيل‬
‫الصليبين تتعثر فيها داخل المسجد حتى الركب _ وبين دخول السلم مكة‬
‫الطلقاء ‪ ،‬أو دخوله أسبانيا – دخول حرمت منه فرنسا لسوء حظها –‬
‫بمقاييس الحرية والعلم والحضارة والنسانية ؟‬
‫ولست بحاجة في هذا المقام لفتح كثير من الملفات ولكن تكفيني الشارة‬
‫إلى شهادة المنصفين من مؤرخي الغرب وليقرأ من يريد أن يقرأ كتاب‬
‫) شمس السلم تسطع على الغرب ( للمستشرقة اللمانية زيجفريد هونكة‬
‫– وبالمناسبة فعنوان الكتاب في أصله باللغة اللمانية هو كما ذكرته ‪ ،‬بينما‬
‫المترجم العربي قدس الله سره حرفه إلى شمس العرب – فليقرأ‬
‫القارئون ‪ :‬ليسألوا بعد ذلك ‪ :‬أين شمس الغرب المسيحي في سماء‬
‫الشرق ؟ أين شمسه التي أطلت من سماء الندلس بعد طرد المسلمين ‪،‬‬
‫هل كنا لنجدها في غير محاكم التفتيش ‪ ،‬أو في أحياء الموريسكيين‬
‫) المسلمين المتنصرين قسرا ( ؟ أين شمسه لكي يبحث عنها الباحثون في‬
‫عصور الظلم في أوربا نفسها التي افتقدوا في سمائها أي شعاع ‪ ،‬وليدركوا‬
‫أن أوربا إنما نهضت بالخروج على المسيحية عندما لبست ثوب العلمانية‬
‫وعندما تابعت خطى السلم في موقفه من العلم ؟ أين شمسه في موجة‬
‫النهب والستعمار الوربي ؟ ثم موجة الستيطان الصهيوني ؟ هذا هو السؤال‬
‫‪ ،‬ونرجو أل يكون الجواب من نوع الخطاء التي يراد منا أن نعترف بها كفتح‬
‫الندلس !!‪.‬‬
‫هذه هي المقدمة الولى التي يتضح منها أن المعركة إنما هي مع السلم‬
‫بكل أشكاله وألوانه ومع أهله جميعا معتدلين ومتطرفين ‪ ،‬والغرب على يقين‬
‫)!!( بأن المتطرفين إنما يخرجون من عباءة المعتدلين ‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫المعتدلين – في نظرهم ‪ -‬هم الكثر خطرا ‪ ،‬واسألوا رجال المخابرات‬
‫الحاذقين ‪ ،‬إنها إذن المعركة المعلنة من جانب الغرب على السلم على‬
‫مستوى خريطة العالم شرقا وغربا وشمال وجنوبا ‪.‬‬
‫)‪(2\2‬‬
‫تطور وسائل القتال كمقدمة‬
‫لزمة لنظر الفقهاء في سلمة " المدنيين البرياء "‬
‫أثناء القتال‬
‫وأما الحقيقة الثانية اللزمة كمقدمة للنظر في حكم سلمة المدنيين البرياء‬
‫أثناء القتال فأعني بها التطور الجذري الشامل الذي طرأ على وسائل القتال‬
‫وأدواته ‪ ،‬وبخاصة إذا لحظنا أننا نتكلم عبر تطور قيمي وحضاري وتكنولوجي‬
‫امتد لعشرات القرون ‪ ،‬انتقلت فيه النسانية من حضارة إلى حضارة أخرى ‪،‬‬
‫واصطحبت معها تغيرا في الثقافة المساندة ‪ ،‬ومن المسلم به أن الحضارة إذ‬
‫تتطور بسرعة أكبر من ثقافتها – بفعل القفزات التكنولوجية المفاجئة ‪ -‬يصبح‬
‫من الخطأ إصدار بعض الحكام القيمية لها أو عليها من خلل الثقافة التي تم‬
‫انفصال الحضارة عنها‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن ثم فنحن نرى أن الفقه الجتهادي في السلم يواجه اليوم بتحد بارز في‬
‫هذه القضية ‪ ،‬نظرا لستحالة تحقيق الشروط الخلقية السلمية في الحرب‬
‫الحديثة في سياق الحضارة المعاصرة ‪ ،‬وهي حرب لم تعد أسلحتها تعتمد‬
‫على الطابع الخلقي أصل ‪ ،‬كالشجاعة والشرف والمواجهة والمروءة‬
‫والرجولة والمهارات الجسدية والنفاق الشخصي ‪ ،‬تلك السلحة التي كانت‬
‫تتطابق مع تقنية ميدان المعركة نفسها ومنها تقسيم الجيش إلى صفوف‬
‫تتواجه خارج التجمعات السكانية ‪ ،‬وإنما هي تعتمد اليوم على المستوى‬
‫العلى من التقدم العلمي التكنولوجي ‪ ،‬في القتصاد والتصالت والتنظيم‬
‫والدارة والخبرة والتجسس ‪ ،‬والهندسة ‪ ،‬والجندي المدرب على اللة ‪ ،‬المعبأ‬
‫نفسيا ضد عدو ل يعرفه ‪ ،‬والذي يضرب مال يراه ول يحس به ‪ ،‬كما تعتمد‬
‫على الصواريخ التي يساوي واحد منها دخل مدينة ‪ ،‬و الطائرات التي تساوي‬
‫واحدة منها دخل إمارة ‪ ،‬والقنابل التي تساوي واحدة منها دخل دولة ‪،‬‬
‫وميزانيات الدولة للحروب التي تبلغ – في الوليات المتحدة – هذا العام أكثر‬
‫من أربعمائة مليار دولر ‪ ،‬تم دعمها بمثلها ‪ ،‬كما تعتمد أساسا على أسلحة‬
‫الدمار الشامل وتدمير المدن ومراكز الطاقة والمصانع والجسور وخطوط‬
‫التصال والمواصلت والنتاج والتوزيع والبورصة والنقد ‪ ،‬وتجميد الموال‬
‫لعشرات السنين ‪ – ،‬أو سرقتها على الصح – ومصادرة أموال الجمعيات‬
‫الخيرية ‪ ،‬وبث الذعر في صفوف الجماهير إلى حد يمكن فيه تحويلهم إلى‬
‫أداة تعمل في صالح العدو نفسه ‪ ،‬وهي أوضاع تختلف جذريا عما كانت عليه‬
‫قبل التقدم العلمي الحديث ‪ ،‬بحيث أصبح التقيد المطلق بأخلقيات الحرب‬
‫القديمة يعنى التحالف مع الهزيمة ابتداء ‪.‬‬
‫لقد تطورت الحرب الحديثة تحت لواء التقدم العلمي التكنولوجي الهائل‬
‫الذي أحرزته الدول الكبرى ومن يليها إلى حرب ليست ل تبالي فقط بضرب‬
‫البرياء من المدنيين بل هي تجعلهم هدفها الول والرئيس ‪ ،‬تحت ستار ما‬
‫أصبح يسمى ‪ -‬من باب التزييف أو النفاق ‪ -‬تدمير البنية التحتية للعدو في‬
‫المواصلت والمياه والكهرباء والعلم ووسائل المعيشة ‪ ،‬والروح المعنوية‬
‫للشعب ‪ ،‬وقد بدأ هذا التطور منذ الحرب العالمية الولى واستشرى بعد ذلك‬
‫وما يزال يستشري ‪ ،‬وهي نتيجة حتمية لتطور وسائل القتال الحديثة ‪ ،‬ولقد‬
‫ذهب – ربما إلى غير رجعة ‪ -‬أسلوب القتال في العصور القديمة والعصور‬
‫الوسطى " المتخلفة " الذي كان يعتمد على المواجهة بين صفوف القتال في‬
‫أرض المعركة ‪ ،‬فإذا انهزم الجيش انتهت الحرب ‪ ،‬أما في التطور الحديث‬
‫فقد انقلب الترتيب وأصبحت المعركة تبدأ أو تتطور إلى ضرب المدنيين أصل‬
‫فإذا تحطمت المدينة انتهت الحرب ‪.‬‬
‫ونحن ما نزال نذكر عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية الذي بلغ أربعين‬
‫مليونا – فهل كان هؤلء من العسكريين ‪،‬؟ كما يزال كثير منا يذكر المعارك‬
‫المؤثرة في مجريات الحرب العالمية الثانية بتدمير المدن الرئيسية الكبرى‬
‫مثل لندن وبرلين وغيرها ‪ ،‬وما نزال نذكر كيف أن الضربة الحاسمة في‬
‫انتصار الغرب الديموقراطي في الحرب العالمية الثانية كانت بتدمير مدينتين‬
‫كبيرتين في اليابان هما هيروشيما ونجازاكي ‪ ،‬واليوم يضرب العدو المسلم‬
‫مدنيا في كل مكان عله يركع أو ) يتبع ملتهم ( في الشيشان والبوسنة‬
‫والهرسك وكوسوفو ‪ ،‬وأفغانستان وفلسطين والعراق إلخ‬
‫إننا نظلم السلم إذا وقفنا هنا لنتحدث عن المثل العليا ‪ ،‬دون أن نلتفت إلى‬
‫ما يمارسه أعداؤه – في واقع الساحة الدولية بعامة – من نكسة حضارية‬
‫بتدمير المدن ‪ ،‬وقتل مئات اللف من غير المحاربين في طلقة نووية‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واحدة ‪ ،‬تقتلهم عند الطلق ‪ ،‬كما تقتلهم بعد الطلق بعشرات السنين ‪،‬‬
‫وضربهم باليورانيوم ‪ :‬في مخادعهم التي عليها ينامون ‪ ،‬وقتلهم بهوائهم الذي‬
‫يتنفسون ‪ ،‬وتسميمهم بمائهم الذي يشربون ‪ ،‬ونشر الشعاع القاتل في‬
‫بيئتهم حتى خارج حدود إقليم الحرب ‪ ،‬وكما يجب أن نلتفت إلى ما يجري من‬
‫جيش إسرائيل المسلح بأحدث السلحة المريكية ضد أطفال النتفاضة‬
‫الفلسطينيين وشبانهم الذين ل يملكون من السلحة غير الستشهاد ‪ ،‬وما‬
‫يقوم به العدو من حصار تجويعي ‪ ،‬واغتيالت للفراد ‪ ،‬وتصفية دماء‬
‫الجرحى ‪ ،‬والحيلولة بينهم وبين العلج حتى الموت ‪ ،‬وضرب سيارات‬
‫السعاف ‪ ،‬وقتل أطبائها وسائقيها ‪ ،‬وقتل متعمد للطفال ‪ ،‬والنساء والشيوخ‬
‫في مخادعهم ‪ ،‬والمرضى في أسرتهم ‪ ،‬وإغلق المدارس ‪ ،‬وهدم‬
‫المستشفيات ‪ ،‬وتجريف المزارع ‪ ،‬وتدمير البيوت والطرق ‪ ،‬وتخريب مصادر‬
‫الماء والطاقة والنتاج ‪..‬‬
‫) فرقة مقاتلة المدنيين!‬
‫خالد محمود‬
‫جريد السبوع بتاريخ ‪2004\2\16‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫من أفظع ما حملته الصحف من تقارير ما نشرته 'جينز دفنس ويكلي' في‬
‫عددها الخير من أن البنتاجون أفرد في خطته منذ ثلثة أعوام في الحرب‬
‫علي العراق بابا أساسيا بقوات وتشكيلت واستعدادات لقتال المدنيين في‬
‫الزقة والفناءات وغرف النوم‪ ..‬قالت الدورية العسكرية المتخصصة‪ :‬إن‬
‫مؤسسة العسكرية المريكية 'المجردة من كل شرف' رتبت بعد تجربة‬
‫الصومال وتحت إشراف مركز 'أدبو' وبالتعاون مع مؤسسة 'داند' مؤتمرا بهذا‬
‫الخصوص انتهي عمليا ببناء قرية 'شوفارت جوردن' للتدريب علي العمليات‬
‫العسكرية في الراضي المدنية‪ ،‬ثم قرية 'زوسمان' في فورت نوكس في‬
‫كنتاكي وفي أماكن أخري في بريطانيا وعدد من دول الناتو‪.‬‬
‫ويكشف التقرير عن ثلث شركات متعددة الجنسيات دخلت حلبة الملعب مع‬
‫البنتاجون لتطوير تقنيات غير مسبوقة لمحاربة المدنيين تعتمد علي آخر‬
‫صيحة في العلوم التصالية والديجيتال هي شركة 'فاير ارمز تريننج‬
‫سيستمز'‪ ،‬وشركة 'تاليس' الفرنسية‪ ،‬وشركة 'إيه آي اس'‪ ،‬كما يكشف عن‬
‫تعاون شركة 'بارامونت' للنتاج السينمائي مع هذه الشركات للوصول إلي‬
‫أفضل النتائج للقضاء علي 'العدو المدني'‪.‬‬
‫يمضي التقرير المنشور علي مساحة ضخمة بقارئه إلي تفاصيل فنية‬
‫متشابكة لكن يبقي القارئ العربي يغالب دهشته الولية يسأل سؤالين‪:‬‬
‫الول هل أصبح قتال المدنيين في بيوتهم ومساجدهم وربما أرحام أمهاتهم‬
‫هكذا بالمطلق أمرا شرعيا يدرس في كليات أركان الحرب عيانا بيانا دون‬
‫أي جملة شرطية أو اعتراضية؟ والثاني إذا كان المر كذلك فإلي متي يظل‬
‫العربي في عالمنا فيما يتعلق بالسياسة والعسكرية والعلم والستراتيجيا‬
‫والحياة في كل مرة آخر من يعلم؟ فيما يخص الخيرة يتذكر المشاهد‬
‫العربي خبراء البنادق الرش الذين وجعوا أدمغتنا وزغللوا أبصارنا أثناء الحرب‬
‫وملوا السبورات أمام شاشات الفضائيات أسهما ودوائر ومعادلت ونظريات‬
‫وبرهنت اليام أن معظم ما قالوه ل علقة له من قريب أو بعيد بما كان يتم‬
‫علي أرض الواقع وأن خيال معظمهم السياسي مع التفاؤل توقف عند‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معركة أحد‪ .‬نفس الكارثة كانت هناك في الداخل العراقي‪.‬‬


‫ففكرة التصدي العراقي ارتكزت علي قيم قديمة ومفاهيم قديمة واتفاقات‬
‫إنسانية قديمة جوهرها أن الجيوش تحارب جيوشا وأنه أيا كان التجاوز هنا أو‬
‫هناك فالعدو لن يحارب شعبا ومدنا أو تداخل جيش وطني مع مقاومة شعبية‪.‬‬
‫لم يدر بخلد المقاومين العراقيين ول بخلدنا أن العدو قادم من منابع فكرية‬
‫وأخلقية غير مسبوقة السفالة‪ ،‬وأنه أقذر مما كنا نتوقع مليون مرة‪ ،‬وأنه‬
‫ليس قادما لطاحة شخص أو قلب نظام وإنما لتدمير جيش وتخريب وطن‬
‫وتغيير معادلت سكان بالتأليب والفتن والحرق والبادة الجماعية ونزف‬
‫الثروات والتصحير الحضاري وهذا كله ما كان يمكن أن يتم إل بفكرة لم ترد‬
‫علي ذهن الشيطان أولها قصف وردم العراق علي من فيها دون تمييز‬
‫وتسريح جيشها ودولتها وفكرتها والثاني إقامة دولة بوليس خارجية 'أي‬
‫دعامتها من خارج العراق' تحت أيديها أحدث تقنيات الجيوش تحارب كتل‬
‫سكانية وأحزابا سياسية وقوي وطنية‪ .‬فرقة مقاتلة المدنيين‪ ..‬تعني إنهاء‬
‫الدولة البوليسية الوطنية القديمة‪ ..‬لقامة دولة العولمة البوليسية‪ ،‬ترحموا‬
‫علي دولة الستبداد الشرقي ترحموا علي كولونياليات القرنين الثامن‬
‫والتاسع عشر‪ .‬انتظروا دولة العولمة البوليسية في طبعتها البداعية الجديدة‬
‫الفاخرة الجامعة المانعة‪ .‬اشتر واحدة تحصل علي الثانية مجانا‪(.‬‬
‫هذه الحقيقة بكل بشاعتها وسطوتها وديمومتها يجب أن توضع على مائدة‬
‫البحث ‪ -‬بجوار الحقيقة الولى التي تصور بحق أن حربا عالمية أعلنت على‬
‫المسلمين في كل مكان ‪ -‬قبل الكلم عن تحريم أو عدم تحريم ضرب‬
‫المدنيين البرياء من جانب واحد ‪.‬‬
‫ول يعني هذا أن أحكام الشريعة السلمية أصبحت عاجزة عن مواجهة‬
‫الموقف الحديث والتشريع له وفقا لصولها وثوابتها ‪ ،‬وإنما يعني أن الحكم‬
‫المطلوب يجب أن ينظر في ضوء هذه التطورات الجذرية ‪.‬‬
‫وأما المقدمة الثالثة‬
‫فتأتي متأخرة لننتقل فيها إلى النظر في استنباط الفقهاء للحكم الشرعي‬
‫فيما يتعلق بسلمة البرياء من المدنيين أثناء القتال‬
‫أول ‪ :‬يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في وصاياه لبعض جيوشه ‪:‬‬
‫ّ‬
‫) اغزوا باسم الله ‪ ،‬في سبيل الله ‪ ،‬وقاتلوا من كفر بالله ‪ ،‬اغزوا ول تغُلوا ‪،‬‬
‫ول تغدروا ‪ ،‬ول تمثلوا ‪ ،‬ول تقتلوا وليدا ( رواه مسلم بسنده عن سليمان بن‬
‫بريدة عن أبيه ‪.‬‬
‫وفي رواية لبي داود في سننه بسنده عن أنس بن مالك يأتي قوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬انطلقوا باسم الله وبالله ‪ ،‬وعلى ملة رسول الله ‪ ،‬ول تقتلوا‬
‫شيخا فانيا ‪ ،‬ول طفل ‪ ،‬ول صغيرا ‪ ،‬ول امرأة ‪ ،‬ول تغُّلوا ‪ ،‬وضعوا غنائمكم ‪،‬‬
‫وأصلحوا ‪ ،‬وأحسنوا ‪ ،‬فإن الله يحب المحسنين (‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ول يمنع ذلك من المعاملة بالمثل إذا دعت الضرورة ‪ .‬والصل في ذلك‬
‫م ل َهُوَ َ‬
‫خي ٌْر‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ب ِهِ وَل َئ ِ ْ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫ل ما عوقِب ْت ُ ْ‬ ‫م َفعاِقبوا ب ِ ِ‬ ‫ن عاقَب ْت ُ ْ‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ب‬
‫ل ما عوقِ َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ن عاقَ َ‬
‫ب بِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ 126‬النحل ‪ ،‬و يقول تعالى ‪ } :‬ذ َل ِك وَ َ‬ ‫صاِبري َ‬ ‫ِلل ّ‬
‫فوّ غفوٌر { الحج ‪60‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه لعَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬‫ه إِ ّ‬ ‫ّ‬
‫ه الل ُ‬ ‫صَرن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي عَلي ْهِ لي َن ْ ُ‬ ‫ب ِهِ ث ُ ّ‬
‫م ب ُغِ َ‬
‫ول بد من القول بأن من شرط ذلك أل يكون لحظ النفس ‪ ،‬فمن ثم ل تصح‬
‫المثلة إشباعا لحقد ‪ ،‬ول تصح السرقة جمعا لمال ‪ ،‬ول يصح الزنا تحقيقا‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لشهوة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬هنا نجد للمسألة ثلثة جوانب عند الفقهاء ‪ :‬جانب المعاملة بالمثل من‬
‫حيث أداة القتل والقتال كالسيف أو الخنجر أو الخنق أو التحريق أو التغريق‬
‫أو التقطيع ‪ ،‬وجانب المعاملة بالمثل من حيث الموضوع الذي يقع عليه الدمار‬
‫أوالقتل أو القتال كالجندي أو الرجل أو المرأة أو الشيخ أو الطفل أو‬
‫الصناع ‪ ،‬أو الفلحين ‪ ،‬أو الشجرة أو الدار أو المصنع أو السد أو الجسر أو‬
‫المتحف ‪ ،‬أوالمستشفى إلخ ‪ ،‬وجانب سلطة التنفيذ أو المر به كولي الدم أو‬
‫ولي المر ‪.‬‬
‫وفي ساحة السادة الفقهاء نجدهم قد تعرضوا للجوانب الثلثة بضرب‬
‫المثلة ‪ ،‬ففي كتاب " روح المعاني في تفسير القرآن لللوسي " في تفسير‬
‫قوله تعالى " والحرمات قصاص " جاء قوله ‪ ) :‬واستدل الشافعي على أن‬
‫القاتل يقتل بمثل ما قَتل به من محدد أو خنق أو حرق أو تجويع أو تغريق ‪،‬‬
‫حتى لو ألقاه في ماء عذب لم يلق في ماء ملح ( ‪.‬‬
‫وفي فتح القدير للشوكاني ‪ ) :‬قيل وهذا كان في أول السلم ‪ ،‬ثم نسخ‬
‫بالقتال ‪ .‬وقيل إنه ثابت بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم ينسخ ‪،‬‬
‫ويجوز لمن تعدي عليه في مال أو بدن أن يتعدى بمثل ما تعدي عليه ‪ ،‬وبهذا‬
‫قال الشافعي وغيره ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬إن أمور القصاص مقصورة على‬
‫الحكام ‪ ،‬وهكذا الموال ‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم " أد المانة لمن ائتمنك‬
‫ول تخن من خانك " أخرجه الدار قطني وغيره ‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وجمهور‬
‫المالكية وعطاء الخراساني ‪ ،‬والقول الول أرجح ‪ ،‬وبه قال ابن المنذر‬
‫واختاره ابن العربي والقرطبي وحكاه الداودي عن مالك ‪ ..‬إلخ ( ‪.‬‬
‫ومما يدل على رجحان أن ذلك ل يكون إل بوضعه بيد السلطان ما جاء في‬
‫الدر المنثور للسيوطي في مناسبة نزول قوله تعالى " والحرمات قصاص "‬
‫وقوله تعالى " فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " ‪ ) :‬قول ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما ‪ :‬نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل ‪ ،‬فليس لهم سلطان يقهر‬
‫المشركين ‪ ،‬فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والذى ‪ ،‬فأمر الله‬
‫المسلمين من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه أو يصبر ويعفو ‪،‬‬
‫فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأعز الله سلطانه‬
‫أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانه ‪ ،‬ول يعدو بعضه على‬
‫بعض ( ‪.‬‬
‫وإذا كان ما تقدم يشير إلى حكم ما يحدث على مستوى النزاع بين الفراد‬
‫فللفقهاء اجتهاداتهم أيضا فيما يتعلق من ذلك بالقتال مع العدو على‬
‫المستوى العام ‪.‬‬
‫ففي كتاب المبسوط في الفقه الحنفي للمام السرخسي ‪ ) :‬ول بأس بأن‬
‫يحرقوا حصونهم ويغرقوها ويخربوا البنيان ويقطعوا الشجار ‪ .‬وكان الوزاعي‬
‫ـ رحمه الله تعالى ـ يكره ذلك كله لحديث أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في‬
‫وصية يزيد بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ " ل تقطعوا شجرا ً ‪ ،‬ول تخربوا ‪،‬‬
‫ول تفسدوا ضرعا ً " ‪.‬‬
‫وتأويل هذا – والكلم للمام السرخسي ‪ -‬ما ذكره محمد ـ رحمه الله تعالى ـ‬
‫في السير الكبير أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ كان أخبره رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بأن الشام تفتح له فلما علم أن ذلك كله ميراث للمسلمين‬
‫كره القطع والتخريب لهذا ‪.‬‬
‫ثم الدليل على جوازه – والكلم للمام السرخسي أيضا ‪ -‬ـ أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬أمر بقطع نخيل بني النضير وأمر بقطع النخيل بخيبر ‪ ،‬حتى‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أتاه عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال ‪ :‬أليس أن الله تعالى وعد لك خيبر ؟‬
‫فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فقال ‪ :‬إذا تقطع نخيلك ونخيل أصحابك ‪ ،‬فأمر بالكف عن ذلك ‪.‬‬
‫ولما حاصر ثقيفا ً أمر بقطع النخيل والكروم حتى شق ذلك عليهم ‪ ،‬ولما مر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوطاس يريد الطائف بدا له قصر عوف‬
‫بن مالك النضري فأمر بأن يحرق ‪،‬‬
‫فهذه الثار تدل على جواز ذلك كله‪.‬‬
‫وكان الحسن بن زياد ـ رحمه الله تعالى ـ يقول ‪ :‬هذا إذا علم أنه ليس في‬
‫ذلك الحصن أسير مسلم ‪ ،‬فأما إذا لم يعلم ذلك فل يحل التحريق والتغريق ‪..‬‬
‫ولكنا نقول – والكلم للمام السرخسي ‪ : -‬لو منعناهم من ذلك يتعذر عليهم‬
‫قتال المشركين والظهور عليهم ‪ ،‬والحصون قل ما تخلو عن أسير … ‪.‬‬
‫ثم ل يمتنع تحريق حصونهم بكون النساء والولدان فيها ‪ ،‬فكذلك ل يمتنع ذلك‬
‫بكون السير فيها ‪ ،‬ولكنهم يقصدون المشركين بذلك ‪ ،‬لنهم لو قدروا على‬
‫التمييز فعل ً لزمهم ذلك ‪ ،‬فكذلك إذا قدروا على التمييز بالنية يلزمهم ذلك‪(.‬‬
‫اهـ‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ولئمة المذاهب الخرى اجتهادات واسعة في ذلك ‪ ،‬وقد أشبعها كبار الئمة –‬
‫على اختلف مذاهبهم واتجاهاتهم – بحثا ‪ ،‬ولخصها بعضهم ‪ :‬مثل ابن رشد‬
‫في بداية المجتهد ‪ ،‬والصنعاني المير في سبل السلم ‪ ،‬وابن حزم في‬
‫المحلى‬
‫ففي بداية المجتهد لبن رشد‪ ) :‬وأما النكاية التي تكون في النفوس فهي‬
‫القتل ول خلف بين المسلمين أنه يجوز في الحرب قتل المشركين الذكران‬
‫البالغين المقاتلين‪.‬‬
‫وأما القتل بعد السر ففيه الخلف الذي ذكرنا ‪.‬‬
‫وكذلك ل خلف بينهم في أنه ل يجوز قتل صبيانهم ول قتل نسائهم ما لم‬
‫تقاتل المرأة والصبي ‪ ،‬فإذا قاتلت المرأة استبيح دمها ‪ ،‬وذلك لما ثبت »أنه‬
‫عليه الصلة والسلم نهى عن قتل النساء والولدان « وقال في امرأة مقتولة‬
‫‪» :‬ما كانت هذه لتقاتل« ‪.‬‬
‫منى والشيوخ‬ ‫واختلفوا في أهل الصوامع المنتزعين عن الناس والعميان والّز ْ‬
‫الذين ل يقاِتلون والمعتوه والحراث والعسيف ‪ ،‬فقال مالك ‪ :‬ل يقتل العمى‬
‫ول المعتوه ول أصحاب الصوامع ‪ ،‬ويترك لهم من أموالهم بقدر ما يعيشون به‬
‫‪ ،‬وكذلك ل يقتل الشيخ الفاني عنده ‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ‪ .‬وقال‬
‫الثوري والوزاعي ‪ :‬ل تقتل الشيوخ فقط ‪ .‬وقال الوزاعي ‪ :‬ل تقتل الحراث‪.‬‬
‫وقال الشافعي في الصح عنه ‪ :‬تقتل جميع هذه الصناف‪.‬‬
‫وفي قتل الحراث والعسيف والمرأة ‪ ،‬وفي المثلة ‪ ،‬وفي رمي الحصون ‪،‬‬
‫يذكر ابن رشد الحاديث التي تمنع من ذلك‬
‫ثم يتحدث عن النكاية في الموال فيقول ‪ ) :‬وأما النكاية التي تجوز في‬
‫أموالهم وذلك في المباني والحيوان والنبات فإنهم اختلفوا في ذلك ‪ :‬فأجاز‬
‫مالك قطع الشجر والثمار وتخريب العامر‪ ،‬ولم يجز قتل المواشي ول تحريق‬
‫النخل‪ .‬وكره الوزاعي قطع الشجر المثمر وتخريب العامر كنيسة كان أو غير‬
‫ذلك ‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬تحرق البيوت والشجر إذا كانت لهم معاقل ‪ .‬وكره‬
‫تخريب البيوت وقطع الشجر إذا لم يكن لهم معاقل ( ثم يقول ) والسبب في‬
‫اختلفهم ‪ :‬مخالفة فعل أبي بكر في ذلك لفعله عليه الصلة والسلم ( وقد‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبق تفسير هذا الختلف فيما ذكرناه من كلم المام السرخسي ‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم‪ - :‬والكلم ما يزال للمام ابن رشد ‪ -‬معارضة بعض‬
‫شهُُر‬ ‫خ ال َ ْ‬ ‫سل َ َ‬
‫الثار بخصوصها لعموم الكتاب‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪َ} :‬فإَذا ان َ‬
‫م{ ولعموم قوله عليه الصلة‬ ‫موهُ ْ‬ ‫جد ْت ُ ُ‬
‫ث وَ َ‬‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬‫ركي َ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬‫م َفاقْت ُُلوا ال ُ‬ ‫حُر ُ‬‫ال ُ‬
‫ت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل الله« الحديث‪،‬‬ ‫ُ‬
‫مْر ُ‬ ‫والسلم الثابت‪» :‬أ َ‬
‫يقتضي قتل كل مشرك راهبا ً كان أو غيره (‪.‬‬
‫وأما الثار التي وردت باستبقاء هذه الصناف ‪ ،‬فيذكر ابن رشد منها ما منع‬
‫من قتل أصحاب الصوامع ‪ ،‬و ما منع من قتل الشيخ الفاني والطفل الصغير ‪،‬‬
‫والمرأة ‪.‬‬
‫ل الله‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ُ‬
‫ثم يرجع سبب الختلف إلى معارضة قوله تعالى‪ } :‬وََقات ِلوا ِفي َ‬
‫ن { حيث تفيد هذه الية‬ ‫دي َ‬‫ب المعْت َ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الله ل ي ُ ِ‬ ‫دوا‪ ،‬إ ّ‬ ‫كم وَل َ ت َعْت َ ُ‬ ‫قات ُِلون َ ُ‬
‫ن يُ َ‬‫اّلذي َ‬
‫شهُُر‬‫خ ال ْ‬ ‫سل َ َ‬
‫اقتصار القتل على المقاتلين دون غيرهم ‪ ،‬لقوله تعالى‪َ } :‬فإَذا ان َ‬
‫ث وجدتموهم { الية ‪ ،‬وهي ل تستثني قتل من‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬‫ركي َ‬ ‫م فاقْت ُُلوا المش ِ‬ ‫حُر ُ‬‫ال ُ‬
‫قتل‬
‫ثم يقول ‪ ) :‬وقد احتج الشافعي بحديث سمرة أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪» :‬اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم« وكأن العلة الموجبة‬
‫للقتل عنده إنما هي للكفر‪ ،‬فوجب أن تطرد هذه العلة في جميع الكفار ( ‪.‬‬
‫وأورد المام الصنعاني المير في )سبل السلم ( جواز قتل النساء والطفال‬
‫ل‬‫سئ ِ َ‬‫ه قال‪ُ :‬‬ ‫ة رضي الله عَن ْ ُ‬ ‫جّثام َ‬
‫ب بن َ‬ ‫صعْ ِ‬ ‫في رواية متفق عليها ‪( :‬عن ال ّ‬
‫رسول الل ّهِ صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين ي ُب َي ُّتون‬
‫مّتفقٌ عليه ( ‪.‬‬ ‫م« ُ‬‫م منهُ ْ‬ ‫ل‪» :‬هُ ْ‬ ‫م ؟ فقا َ‬ ‫م وذراريه ْ‬ ‫ن نسائه ْ‬ ‫فُيصيُبون م ْ‬
‫ثم يشرح المام الصنعاني المير معنى التببييت وأنه ‪ :‬الغارة عليهم في‬
‫الليل على غفلة مع اختلطهم بصبيانهم ونسائهم فيصاب النساء والصبيان من‬
‫غير قصد لقتلهم ابتداء‪.‬‬
‫ثم يذكر ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من النهي عن ذلك فيما‬
‫بعد في غزوة حنين فيما أخرجه ابن حبان من حديث الصعب وزاد فيه ‪» :‬ثم‬
‫نهى عنهم يوم حنين« وهي مدرجة في حديث الصعب ‪ ،‬وفيما أخرجه‬
‫البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم لحدهم‪» :‬الحق خالدا ً فقل له‪ :‬ل‬
‫تقتل ذّرية ول عسيفًا« وما أخرجه الطبراني في الوسط من حديث عمر‬
‫ما دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة أتى بامرأة مقتولة فقال‪:‬‬ ‫قال‪ :‬ل ّ‬
‫»ما كانت هذه تقاتل« ونهى عن قتل النساء‪.‬‬
‫ثم يقول عن المذاهب ) وقد اختلف العلماء في هذا‪ ،‬فذهب الشافعي وأبو‬
‫حنيفة والجمهور‪ :‬إلى جواز قتل النساء والصبيان في البيات عمل ً برواية‬
‫الصحيحين‪ .‬وقوله »هم منهم« أي في إباحة القتل تبعا ً ل قصدا ً إذا لم يمكن‬
‫انفصالهم عمن يستحق القتل‪.‬‬
‫وذهب مالك والوزاعي‪ :‬إلى أنه ل يجوز قتل النساء والصبيان بحال‪ ،‬حتى إذا‬
‫تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة هما فيهما‬
‫لم يجز قتالهم ول تحريقهم‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وإليه ذهب الهادوية إل أنهم قالوا في التترس‪ :‬يجوز قتل النساء والصبيان‬
‫حيث جعلوا ترسًا‪ ،‬ول يجوز إذا تترسوا بمسلم إل مع خشية استئصال‬
‫المسلمين‪ .‬ونقل ابن بطال وغيره اتفاق الجميع على عدم جواز القصد إلى‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قتل النساء والصبيان للنهي عن ذلك‪( .‬‬


‫وذهب المام ابن حزم في المحلى إلى أنه ) ل يحل قتل نسائهم ول قتل من‬
‫لم يبلغ منهم ‪ ،‬إل أن يقاتل أحد ممن ذكرنا فل يكون للمسلم منجا ً منه إل‬
‫بقتله فله قتله حينئذ‪ … .‬فإن أصيبوا في البيات أو في اختلط الملحمة عن‬
‫غير قصد فل حرج في ذلك ( ‪.‬‬
‫ثم يرى جواز ‪ ) :‬قتل كل من عدا هؤلء من المشركين من مقاتل ‪ ،‬أو غير‬
‫مقاتل ‪ ،‬أو تاجر‪ ،‬أو أجير وهو العسيف أو شيخ كبير ‪ :‬كان ذا رأي ‪ ،‬أو لم يكن‬
‫‪ ،‬أو فلح‪ ،‬أو أسقف ‪ ،‬أو قسيس‪ ،‬أو راهب‪ ،‬أو أعمى‪ ،‬أو مقعد ل تحاش أحدًا‪.‬‬
‫ث‬
‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫وجائز استبقاؤهم أيضا ً ( ثم يستشهد بقوله تعالى ‪َ } :‬فاقْت ُُلوا ْ ال ُ‬
‫موا ْ‬ ‫َ‬
‫صد ٍ فَِإن َتاُبوا ْ وَأَقا ُ‬ ‫مْر َ‬
‫ل َ‬ ‫دوا ْ ل َهُ ْ‬
‫م كُ ّ‬ ‫م َواقْعُ ُ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫م َوا ْ‬‫ذوهُ ْ‬‫خ ُ‬
‫م وَ ُ‬
‫موهُ ْ‬ ‫جدت ّ ُ‬
‫وَ َ‬
‫م عز وجل كل مشرك بالقتل‬ ‫م{ قائل ‪ ) :‬فع ّ‬ ‫َ‬
‫سِبيلهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫خلوا َ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صلة َ َوآت َوُا الّزكاةَ فَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫إل أن يسلم (‪ .‬ثم أخذ يفند ما ذهب إليه مخالفوه في ضوء صحة الحديث أو‬
‫عدم صحته في مقال طويل ‪.‬ثم رد عليهم فيها قائل ‪ ) :‬هذا كل ما شغبوا به ‪،‬‬
‫وكل ذلك ل يصح (‬
‫هذه المقدمات الثلثة قد يخرج منها من هو أكثر فقها بآراء أكثر تطابقا بين‬
‫الصول والفروع والوقائع ‪ ،‬من غير إضرار – بالطبع ‪ -‬بشروط القتال‬
‫ومسلماته الشرعية التي لم نتطرق إليها في هذا البحث لظهورها وعدم‬
‫الختلف فيها ومنها أن يقع الستثناء في ضوابط القتال الشرعية بشروط‬
‫دقيقة أشرنا إلى بعضها في قوال الفقهاء ‪ ،‬وذلك بالضافة إلى المسلمات‬
‫الشرعية الخرى ‪ :‬أن يكون القتال ضد أعداء السلم المعتدين قصدا على‬
‫حرماته ‪ ،‬ول يقصد به مسالم معاهد أو ذمي ‪ ،‬وأن يكون قرار القتال خاضعا‬
‫لحسابات دقيقة ‪ ،‬محسوبا بالفائدة للمسلمين وفقا لصول الفقه وقواعده ‪:‬‬
‫من دفع الضرر ‪ ،‬وسد الذرائع ‪ ،‬وجلب المصلحة ‪ ،‬وغيرها من الصول ‪ ،‬وليس‬
‫اندفاعا إلى الشهادة بغير حساب ‪ .‬وأن يكون مفتوحا لتقبل السلم بشروطه‬
‫المعروفة شرعا ‪ ،‬وأن يخضع ذلك لقيادة مسئولة شرعا ‪ ،‬مع التتنسيق اللزم‬
‫مع القيادات المعنية لكي نتجنب ضرر الفتنة الشد ‪.‬‬
‫وعلى كل حال فمن حق الباحث أن يجد فيما قدمناه من اختلف الفقهاء ما‬
‫يدل على سعة أفق المصلحة الذي يطل منه الفقه السلمي بحيث إنه‬
‫لينطوي على إمكان الستجابة لما يقتضيه ما ذكرناه عن التطور الجذري في‬
‫وسائل القتال‬
‫ولما كنت لم أقصد هنا أن أتقدم بفتوى ‪ ،‬أتطاول بها في مقام الئمة ‪ ،‬فإنه‬
‫لمن المؤكد أني قصدت أن أبين أن الباحث في المسالة يجد فيها خلفا‬
‫واسعا بين الفقهاء ل يصح إهماله ‪ ،‬وبخاصة عند ما نجد استناد كل منهم إلى‬
‫القرآن الكريم والرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ومصدر‬
‫الخلف بينهم يرجع إما إلى تضعيف كثير من الحاديث المعارضة كما هو‬
‫الحال عند ابن حزم ‪ ،‬أو إلى ما بين هذه الدلة من عموم وخصوص ومجمل‬
‫ومقيد ‪ :‬أيهما يرجع للخر ؟ ‪ ،‬وهو خلف ل يصح التغطية عليه بانتقاء ما يعتقد‬
‫البعض أنه القرب إلى "روح العصر" أو ما يسمى "حقوق النسان " أوما‬
‫يسمى " الحداثة" ! ‪ ،‬غافلين عن أن " روح العصر" – على العكس مما‬
‫يتوهمون – أصبحت تتمثل في تطور حضاري – وهذا ما قصدت إليه بالذات –‬
‫لم يعد يحفل في أعماقه بضرب المدنيين في حروبه وإنما المر على العكس‬
‫من ذلك أصبحت الحرب شديدة التقدم – كمنتج حتمي من منتجات هذه‬
‫الحضارة – هي تلك التي تبدأ أو تتطور سريعا إلى ضرب المدنيين ‪ ،‬مع قليل‬
‫من تجمل العجوز ‪ ،‬من أجل عيون – أو رغم أنف – ما يسمى عندهم حقوق‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النسان واتقاقيات جنيف وما أشبه ‪.‬‬


‫كما قصدت أن أبين أن لمشكلة المدنيين في حروب اليوم – وبخاصة ما‬
‫يواجه المسلمين منها – جانبا أشد تعقيدا مما نتصور وأكثر خطرا مما يساق‬
‫إلينا من منابر الدعاية ‪ ،‬أو منابر الفتوى ‪ ،‬وهو ثمرة التدهور النساني في‬
‫معطيات الحضارة المعاصرة ‪ ،‬ولست أبالغ إذا قلت إن جوهر أية حضارة إنما‬
‫يظهر في غضبتها وهي تمارس الحرب كما هو الشأن في الفرد عند الغضب ‪.‬‬
‫ولعل هذا البحث أن يكون ورقة متواضعة بين يدي حفل من النظار يدفعهم‬
‫إلى استجلء جوانب الموضوع والخروج منه بموقف عملي في ضوء‬
‫التطورات المعاصرة‪.‬‬
‫والله أعلم‬

‫)‪(10 /‬‬

‫من مفاسد الزنا‬


‫دار الوطن‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فالزنا فساد كبير‪ ،‬وشر مستطير‪ ،‬له آثار كبيرة‪ ،‬وتنجم عنه أضرار كثيرة‪،‬‬
‫سواء على مرتكبيه‪ ،‬أو على المة بعامة‪.‬‬
‫وبما أن الزنا يكثر وقوعه‪ ،‬وتكثر الدواعي إليه‪ ،‬فهذه نبذة عن آثاره‬
‫ومفاسده‪ ،‬وآفاته وأضراره‪:‬‬
‫‪1‬ـ الزنا يجمع خلل الشر كلها من‪ :‬قلة الدين‪ ،‬وذهاب الورع‪ ،‬وفساد‬
‫المروءة‪ ،‬وقلة الغيرة‪ ،‬ووأد الفضيلة‪.‬‬
‫‪2‬ـ يقتل الحياء ويلبس وجه صاحبه رقعة من الصفاقة والوقاحة‪.‬‬
‫‪3‬ـ سواد الوجه وظلمته‪ ،‬وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو للناظرين‪.‬‬
‫‪4‬ـ ظلمة القلب‪ ،‬وطمس نوره‪.‬‬
‫‪5‬ـ الفقر اللزم لمرتكبيه‪ ،‬وفي أثر يقول الله تعالى‪ } :‬أما مهلك الطغاة‪،‬‬
‫ومفقر الزناة {‪.‬‬
‫‪6‬ـ أنه يذهب حرمة فاعله‪ ،‬ويسقطه من عين ربه وأعين عباده‪ ،‬ويسلب‬
‫صاحبه اسم البر‪ ،‬والعفيف‪ ،‬والعدل‪ ،‬ويعطيه اسم الفاجر‪ ،‬والفاسق‪ ،‬والزاني‪،‬‬
‫والخائن‪.‬‬
‫‪7‬ـ الوحشة التي يضعها الله في قلب الزاني‪ ،‬وهي نظير الوحشة التي تعلو‬
‫وجهه؛ فالعفيف على وجهه حلوة‪ ،‬وفي قلبه أنس‪ ،‬ومن جالسه استأنس به‪،‬‬
‫والزاني بالعكس من ذلك تمامًا‪.‬‬
‫‪8‬ـ أن الناس ينظرون إلى الزاني بعين الريبة والخيانة‪ ،‬ول يأمنه أحد على‬
‫حرمته وأولده‪.‬‬
‫‪9‬ـ ومن أضراره الرائحة التي تفوح من الزاني‪ ،‬يشمها كل ذي قلب سليم‪،‬‬
‫تفوح من فيه‪ ،‬ومن جسده‪.‬‬
‫‪10‬ـ ضيقة الصدر وحرجه؛ فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم؛ فإن من طلب‬
‫لذة العيش وطيبه بمعصية الله عاقبه الله بنقيض قصده؛ فإن ما عند الله ل‬
‫ينال إل بطاعته‪ ،‬ولم يجعل الله معصيته سببا ً إلى خير قط‪.‬‬
‫* ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور‪ ،‬وانشراح الصدر‪ ،‬وطيب‬
‫العيش؛ لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل‪.‬‬
‫‪11‬ـ الزاني يعرض نفسه لفوات الستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة‬
‫في جنات عدن‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪12‬ـ الزنا يجرئ على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين‪ ،‬وكسب الحرام‪ ،‬وظلم‬
‫الخلق‪ ،‬وإضاعة الهل والعيال وربما قاد إلى سفك الدم الحرام‪ ،‬وربما‬
‫استعان عليه بالسحر والشرك وهو يدري أو ل يدري؛ فهذه المعصية ل تتم إل‬
‫بأنواع من المعاصي قبلها ومعها‪ ،‬ويتولد عنها أنواع أخرى من المعاصي‬
‫بعدها؛ فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها وجند من المعاصي بعدها‪ ،‬وهي‬
‫أجلب شيء لشر الدنيا والخرة‪ ،‬وأمنع شيء لخير الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪13‬ـ الزنا يذهب بكرامة الفتاة ويكسوها عارا ً ل يقف عندها‪ ،‬بل يتعداها إلى‬
‫أسرتها؛ حيث تدخل العار على أهلها‪ ،‬وزوجها‪ ،‬وأقاربها‪ ،‬وتنكس به رؤوسهم‬
‫بين الخلئق‪.‬‬
‫‪14‬ـ أن العار الذي يلحق من قذف بالزنا أعلق من العار الذي ينجر إلى من‬
‫رمي بالكفر وأبقى؛ إل إن التوبة من الكفر على صدق القاذف تذهب رجسه‬
‫شرعًا‪ ،‬وتغسل عاره عادة‪ ،‬ول تبقي له في قلوب الناس حطة تنزل به عن‬
‫رتبة أمثاله ممن ولدوا في السلم‪ ،‬بخلف الزنا؛ فإن التوبة من ارتكاب‬
‫فاحشته ـ وإن طهرت صاحبها تطهيرًا‪ ،‬ورفعت عنه المؤاخذة بها في الخرة ـ‬
‫يبقى لها أثر في النفوس‪ ،‬ينقص بقدره عن منزلة أمثاله ممن ثبت لهم‬
‫العفاف من أول نشأتهم‪.‬‬
‫وانظر إلى المرأة ينسب إليها الزنا كيف يتجنب الزواج نكاحها وإن ظهرت‬
‫توبتها؛ مراعاة للوصمة التي ُألصقت بعرضها سالفًا‪ ،‬ويرغبون أن ينكحوا‬
‫المشركة إذا أسلمت رغبتهم في نكاح الناشئة في السلم‪.‬‬
‫‪15‬ـ إذا حملت المرأة من الزنا‪ ،‬فقتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل‪ ،‬وإذا‬
‫حملته على الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبيا ً ليس منهم‪ ،‬فورثهم ورآهم‬
‫وخل بهم‪ ،‬وانتسب إليهم وهو ليس منهم إلى غير ذلك من مفاسد زناها‪.‬‬
‫‪16‬ـ أن الزنا جناية على الولد؛ فإن الزاني يبذر نطفته على وجه يجعل‬
‫النسمة المخلقة منها مقطوعة عن النسب إلى الباء‪ ،‬والنسب معدود من‬
‫الروابط الداعية إلى التعاون والتعاضد؛ فكان الزنا سببا ً لوجود الولد عاريا من‬
‫ً‬
‫العواطف التي تربطه بأدنى قربى يأخذون بساعده إذا زلت به فعله‪ ،‬ويتقوى‬
‫به اعتصابهم عند الحاجة إليه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كذلك فيه جناية عليه‪ ،‬وتعريض به؛ لنه يعيش وضيعا في المة‪ ،‬مدحورا من‬
‫كل جانب؛ فإن الناس يستخفون بولد الزنا‪ ،‬وتنكره طبائعهم‪ ،‬ول يرون له من‬
‫الهيئة الجتماعية اعتبارًا؛ فما ذنب هذا المسكين؟ وأي قلب يحتمل أن‬
‫يتسبب في هذا المصير؟!‬
‫‪17‬ـ زنا الرجل فيه إفساد المرأة المصونة وتعريضها للفساد والتلف‪.‬‬
‫‪18‬ـ الزنا يهيج العداوات‪ ،‬ويزكي نار النتقام بين أهل المرأة وبين الزاني‪،‬‬
‫ذلك أن الغيرة التي طبع عليها النسان على محارمه تمل صدره عند مزاحمته‬
‫على موطوءته‪ ،‬فيكون ذلك مظنة لوقوع المقاتلت وانتشار المحاربات؛ لما‬
‫يجلبه هتك الحرمة للزوج وذوي القرابة من العار والفضيحة الكبرى‪ ،‬ولو بلغ‬
‫الرجل أن امرأته أو إحدى محارمه قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها‬
‫زنت‪.‬‬
‫ً‬
‫قال سعد بن عبادة ـ ـ "لو رأيت رجل مع امرأتي لضربته بالسيف غير‬
‫مصفح"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فبلغ ذلك رسول الله فقال‪ } :‬أتعجبون من غيرة سعد! والله لنا أغير منه‪،‬‬
‫والله أغير مني؛ ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن {‬
‫]أخرجه البخاري ومسلم[‪.‬‬
‫‪19‬ـ للزنا أثر على محارم الزاني‪ ،‬فشعور محارمه بتعاطيه هذه الفاحشة‬
‫يسقط جانبا ً من مهابتهن ـ كما مر ـ ويسهل عليهن بذل أعراضهن ـ إن لم‬
‫يكن ثوب عفافهن منسوجا ً من تربية دينية صادقة‪.‬‬
‫بخلف من ينكر الزنا ويتجنبه‪ ،‬ول يرضاه لغيره؛ فإن هذه السيرة تكسبه‬
‫مهابة في قلوب محارمه‪ ،‬وتساعده على أن يكون بيته طاهرا ً عفيفًا‪.‬‬
‫‪20‬ـ للزنا أضرار جسيمة على الصحة يصعب علجها والسيطرة عليها‪ ،‬بل‬
‫ربما أودت بحياة الزاني‪ ،‬كاليدز‪ ،‬والهربس‪ ،‬والزهري‪ ،‬والسيلن‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫‪21‬ـ الزنا سبب لدمار المة؛ فقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور‬
‫الزنا يغضب الله ـ عز وجل ـ ويشتد غضبه‪ ،‬فل بد أن يؤثر غضبه في الرض‬
‫عقوبة‪.‬‬
‫قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه‪" :‬ما ظهر الربا والزنا في قرية إل أذن الله‬
‫بإهلكها"‪.‬‬
‫ومما يدل على عظم شأن الزنا أن الله ـ سبحانه ـ خص حده من بين الحدود‬
‫بخصائص‪ ،‬قال ابن القيم ـ رحمه الله‪" :‬وخص سبحانه حد الزنا من بين‬
‫الحدود بثلثة خصائص‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬القتل فيه بأشنع القتلت‪ ،‬وحيث خففه جمع فيه بين العقوبة على‬
‫البدن بالجلد‪ ،‬وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه نهي عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه؛ بحيث تمنعهم من‬
‫إقامة الحد عليهم‪ ،‬فإنه سبحانه من رأفته بهم شرع هذه العقوبة؛ فهو أرحم‬
‫منكم بهم‪ ،‬ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة؛ فل يمنعكم أنتم ما يقوم‬
‫بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره‪.‬‬
‫وهذا وإن كان عاما ً في سائر الحدود‪ ،‬ولكن ذكر في حد الزنا خاصة لشدة‬
‫الحاجة إلى ذكره؛ فإن الناس ل يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على‬
‫الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر؛ فقلوبهم ترحم‬
‫الزاني أكثر مما ترحم غيره من أرباب الجرائم‪ ،‬والواقع شاهد بذلك؛ فنهوا أن‬
‫تأخذهم هذه الرأفة وتحملهم على تعطيل حد الله‪.‬‬
‫وسبب هذه الرحمة‪ :‬أن هذا الذنب يقع من الشراف والوساط‪ ،‬والرذال‪،‬‬
‫ووفي النفوس أقوى الدواعي إليه‪ ،‬والمشارك فيه كثير‪ ،‬وأكثر أسبابه‬
‫العشق‪ ،‬والقلوب مجبولة على رحمة العاشق‪ ،‬وكثير من الناس يعد مساعدته‬
‫طاعة وقربة‪ ،‬وإن كانت الصورة المعشوقة محرمة عليه‪ ،‬ول يستنكر هذا‬
‫المر؛ فإنه مستقر عند من شاء الله من أشباه النعام‪.‬ولقد حكي لنا من ذلك‬
‫شيء كثير عن ناقصي العقول كالخدم والنساء‪.‬‬
‫وأيضا ً فإن هذا ذنب غالبا ً ما يقع مع التراضي من الجانبين؛ ول يقع فيه من‬
‫العدوان والظلم والغتصاب ما تنفر النفوس منه‪ ،‬وفيها شهوة غالبة له‪،‬‬
‫فيصور ذلك لها‪ ،‬فتقوم بها رحمة تمنع من إقامة الحد‪ ،‬وهذا كله من ضعف‬
‫اليمان‪.‬‬
‫وكمال اليمان أن تقوم به قوة يقيم بها أمر الله‪ ،‬ورحمة يرحم لها المحدود؛‬
‫فيكون موافقا ً لربه ـ تعالى ـ في أمره ورحمته‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه سبحانه أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين‪ ،‬فل يكون في‬
‫خلوة بحيث ل يراهما أحد‪ ،‬وذلك أبلغ في مصلحة الحد‪ ،‬وحكمة الزجر"‪.‬‬
‫ومما يحسن التنبيه عليه في هذا الشأن‪ :‬أن فاحشة الزنا تتفاوت بحسب‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مفاسدها؛ فالزاني والزانية مع كل أحد أشد من الزنا بواحدة أو مع واحد‪،‬‬


‫والمجاهر بما يرتكب أشد من الكاتم له‪ ،‬والزنا بذات الزوج أشد ن الزنا بالتي‬
‫ل زوج لها؛ لما فيه من الظلم‪ ،‬والعدوان عليه‪ ،‬وإفساد فراشه‪ ،‬وقد يكون هذا‬
‫أشد من مجرد الزنا أو دونه‪.‬‬
‫والزنا بحليلة الجار أعظم من الزنا ببعيدة الدار‪ ،‬لما يقترن بذلك من أذى‬
‫الجار‪ ،‬وعدم حفظ وصية الله ورسوله ‪.‬‬
‫ً‬
‫وكذلك الزنا بامرأة الغازي في سبيل الله أعظم إثما عند الله من الزنا‬
‫بغيرها‪ ،‬ولهذا يقال للغازي‪ :‬خذ من حسنات الزاني ما شئت‪.‬‬
‫وكذلك الزنا بذوات المحارم أعظم جرمًا‪ ،‬واشنع‪ ،‬وأفظع؛ فهو الهلك بعينه‪.‬‬
‫وكما تختلف درجات الزنا بحسب المزني بها‪ ،‬فكذلك تتفاوت درجاته بحسب‬
‫الزمان والمكان‪ ،‬والحوال؛ فالزنا في رمضان ليل ً أو نهارا ً أعظم إثما ً منه في‬
‫غيره‪ ،‬وكذلك في البقاع الشريفة المفضلة هو أعظم منه فيما سواها‪.‬‬
‫وأما تفاوته بحسب الفاعل‪ :‬فالزنا من المحصن أقبح من البكر‪ ،‬ومن الشيخ‬
‫اقبح من الشاب‪ ،‬ومن العالم أقبح من الجاهل‪ ،‬ومن القادر على الستغناء‬
‫أقبح من الفقير العاجز‪.‬‬
‫وقد يقترن بالفاحشة من العشق الذي يوجب اشتغال القلب بالمعشوق‪،‬‬
‫وتأليهه‪ ،‬وتعظيمه‪ ،‬والخضوع له‪ ،‬والذل له‪ ،‬وتقديم طاعته وما يأمر به على‬
‫طاعة الله‪ ،‬ومعاداة من يعاديه‪ ،‬وموالة من يواليه‪ ،‬ما قد يكون أعظم ضررا ً‬
‫من مجرد ركوب الفاحشة‪.‬‬
‫كيفية التوبة من الزنا‬
‫وبعد أن تبين عظم جرم الزنا‪ ،‬وآثاره المدمرة على الفراد والمة‪ ،‬فإنه‬
‫يحسن التنبيه على وجوب التوبة من الزنا‪ ،‬فيجب على من وقع في الزنا‪ ،‬أو‬
‫تسبب في ذلك أو أعان عليه أن يبادرإلى التوبة النصوح‪ ،‬وأن يندم على ما‬
‫مضى‪ ،‬وأل يرجع إليه إذا تمكن من ذلك‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ول يلزم من وقع في الزنا رجل ً كان أو امرأة أن يسلم نفسه‪ ،‬ويعترف‬
‫بجرمه‪ ،‬بل يكفي في ذلك أن يتوب إلى ربه‪ ،‬وأن يستتر بستره ـ عز وجل ـ‪.‬‬
‫وإن كان عند الزاني صور لمن كان يفجر بها‪ ،‬أو تسجيل لصوتها أو لصورتها‬
‫فليبادر إلى التخلص من ذلك‪ ،‬وإن كان قد أعطى تلك الصور أو ذلك‬
‫التسجيل أحدا ً من الناس فليسترده نه‪ ،‬وليتخلص منه بأي طريقة‪.‬‬
‫وإن كانت المرأة قد وقع لها تسجيل أو تصوير وخافت أن ينتشر لمرها‪،‬‬
‫فعليها أن تبادر إلى التوبة‪ ،‬وأل يكون ذلك معوقا ً لها عن القبال على ربها‪ ،‬بل‬
‫يجب عليها أن تتوب‪ ،‬وأل تستسلم للتهديد والترهيب فإن الله كافيها ومتوليها‪،‬‬
‫ولتعلم أن من يهددها جبان رعديد‪ ،‬وأنه سوف يفضح نفسه إن هو أقدم على‬
‫نشر ما بيده‪.‬‬
‫ثم ماذا يكون إذا هو نفذ ما يهدد به؟ أيهما أسهل‪ :‬فضيحة يسيرة في الدنيا‬
‫ويعقبها توبة نصوح؟ أو فضيحة على رؤوس الشهاد يوم القيامة ثم يعقبها‬
‫دخول النار وبئس القرار؟‬
‫ومما ينفع في هذا الصدد إن هي خافت من نشر أمرها‪ :‬أن تستعين برجل‬
‫رشيد من محارمها؛ ليعينها على التخلص مما وقعت فيه؛ فربما كان ذلك‬
‫الحل ناجعا ً مفيدًا‪.‬‬
‫وبالجملة فإن على من وقع في ذلك الجرم أن يبادر إلى التوبة النصوح‪ ،‬وأن‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقبل على ربه بكليته‪ ،‬وأن يقطع علقته بكل ما يذكره بتلك الفعلة‪ ،‬وأن‬
‫ينكسر بين يديه مخبتا ً منيبًا‪ ،‬عسى أن يقبله‪ ،‬ويغفر سيئاته‪ ،‬ويبدلها حسنات‪،‬‬
‫والذين ل يدعون مع الله إلها آخر ول يقتلون النفس التي حرم الله إل بالحق‬
‫ول يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما‪ ،‬يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد‬
‫فيه مهانا‪ ،‬إل من تاب وآمن وعمل عمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم‬
‫حسنات وكان الله غفورا رحيما ]الفرقان‪.[70-68 :‬‬
‫صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫من مفسدات الصيام‬


‫دار القاسم‬
‫الحمد وكفى وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وآله وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫س ‪ :1‬ما هي مفسدات الصوم؟‬
‫الجواب‪ :‬مفسدات الصوم هي المفطرات وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الجماع‪.‬‬
‫‪ -2‬الكل‪.‬‬
‫‪ -3‬الشرب‪.‬‬
‫‪ -4‬إنزال المني بشهوة‪.‬‬
‫‪ -5‬ما كان بمعنى الكل والشرب‪.‬‬
‫‪ -6‬القيء عمدا‪.‬‬
‫‪ -7‬خروج الدم بالحجامة‪.‬‬
‫‪ -8‬خروج دم الحيض والنفاس‪.‬‬
‫أما الكل والشرب والجماع فدليلها قوله تعالى‪ :‬فالن باشروهن وابتغوا ما‬
‫كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط السود‬
‫من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ]البقرة‪.[187:‬‬
‫وأما إنزال المني بشهوة فدليله قوله تعالى في الحديث القدسي في الصائم‪:‬‬
‫} يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي { ]أخرجه ابن ماجه[‪ ،‬وإنزال المني‬
‫شهوة لقول النبي ‪ } :‬في بضع أحدكم صدقة‪ ،‬قالوا يا رسول الله‪ :‬أيأتي‬
‫أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال‪ :‬أرأيتم لو وضعها في الحرام ‪ -‬أي كان‬
‫عليه وزر‪ -‬فكذلك إذا وضعها في الحلل كان له أجرا ً { ]أخرجه مسلم[‪.‬‬
‫والذي يوضع إنما هو المني الدافق‪ ،‬ولهذا كان القول الراجح أن المذي ل‬
‫يفسد الصوم حتى وإن كان بشهوة ومباشرة بغير جماع‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬ما بمعنى الكل والشرب‪ ،‬مثل البر المغذية التي يستغني بها عن‬
‫الكل والشرب؛ لن هذه وإن كانت ليست أكل‪ ،‬ول شرابا ً لكنها بمعنى الكل‬
‫والشرب‪ ،‬حيث يستغني بها عنهما‪ ،‬وما كان بمعنى الشيء فله حكمه‪ ،‬ولذلك‬
‫يتوقف بقاء الجسم على تناول هذه البر بمعنى أن الجسم يبقى متغذيا ً على‬
‫هذه البر‪ ،‬وإن كان ل يتغذى بغيرها‪ ،‬أما البر التي ل تغذي ول تقوم مقام‬
‫الكل والشرب‪ ،‬فهذه ل تفطر‪ ،‬سواء تناولها النسان في الوريد‪ ،‬أو في‬
‫العضلت‪ ،‬أو في أي مكان من بدنه‪.‬‬
‫السادس‪ :‬القيء عمدا أي أن يتقيا ً النسان ما في بطنه حتى يخرج من فمه‪،‬‬
‫لحديث أبي هريرة أن النبي ‪ } :‬من استقاء عمدا ً فليقض‪ ،‬ومن ذرعه القيء‬
‫فل قضاء عليه { ]أخرجه أبو داود‪ ،‬والترمذي[‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحكمة في ذلك أنه إذا تقيأ فرغ بطنه من الطعام‪ ،‬واحتاج البدن إلى ما يرد‬
‫عليه هذا الفراغ‪ ،‬ولهذا نقول‪ :‬إذا كان الصوم فرضا ً فإنه ل يجوز للنسان أن‬
‫يتقيأ؛ لنه إذا تقيأ أفسد صومه الوا جب‪.‬‬
‫وأما السابع‪ :‬وهو خروج الدم بالحجامة فلقول النبي ‪ } :‬أفطر الحاجم‬
‫والمحجوم { ]أخرجه ا لبخا ري‪ ،‬والترمذي[‪.‬‬
‫وأما الثامن‪ :‬وهو خروج دم الحيض‪ ،‬والنفاس‪ ،‬فلقول النبي في المرأة‪:‬‬
‫} أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم { ]أخرجه البخاري‪ ،‬ومسلم[‪ ،‬وقد‬
‫أجمع أهل العلم على أن الصوم ل يصح من الحائض‪ ،‬ومثلها النفساء‪.‬‬
‫وهذه المفطرات وهي مفسدات الصوم ل تفسده إل بشروط ثلثة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬العلم‪.‬‬
‫‪ -2‬التذكر‪.‬‬
‫‪ -3‬القصد‪.‬‬
‫فالصائم ل يفسد صومه بهذه المفسدات إل بهذه الشروط الثلثة‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون عالما ً بالحكم الشرعي‪ ،‬وعالما ً بالحال أي بالوقت‪ ،‬فإن كان‬
‫جاهل بالحكم الشرعي‪ ،‬أو بالوقت فصيامه صحيح‪ ،‬لقول الله تعالى‪ :‬ربنا ل‬
‫تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ]القرة‪ ،[286:‬ولقوله تعالى‪ :‬وليس عليكم جناح‬
‫فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ]الحزاب‪ .[5:‬وهذان دليلن عامان‪.‬‬
‫ولثبوت السنة في ذلك في أدلة خاصة في الصوم‪ ،‬ففي الصحيح من حديث‬
‫عدي بن حاتم أنه صام فجعل تحت وسادته عقالين‪ -‬وهما الحبلن اللذان تشد‬
‫بهما يد البعير إذا برك‪ ،-‬أحدهما أسود‪ ،‬والثاني أبيض‪ ،‬وجعل يأكل ويشرب‪،‬‬
‫حتى تبين له البيض من السود‪ ،‬ثم أمسك‪ ،‬فلما أصبح غدا إلى رسول الله‬
‫فأخبره بذلك‪ ،‬فبين له النبي أنه ليس المراد بالخيط البيض‪ ،‬والسود في‬
‫الية الخيطين المعروفين‪ ،‬وإنما المراد بالخيط البيض‪ ،‬بياض النهار‪ ،‬وبالخيط‬
‫السود الليل‪ ،‬ولم يأمره النبي بقضاء الصوم‪] .‬خرجه البخاري‪ ،‬ومسلم[؛ لنه‬
‫كان جاهل ً بالحكم‪ ،‬يظن أن هذا معنى الية الكريمة‪.‬‬
‫وأما الجهل بالوقت ففي صحيح البخاري‪ ،‬عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله‬
‫عنهما قالت‪ :‬أفطرنا على عهد النبي في يوم غيم ثم طلعت الشمس ]أخرجه‬
‫البخاري[‪ ،‬ولم يأمرهم النبي بالقصاء‪ ،‬ولو كان القضاء واجبا ً لمرهم به‪ ،‬ولو‬
‫أمرهم به لنقل إلى المة‪ ،‬لقول الله تعالى‪ :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له‬
‫لحافظون ]الحجر‪ .[9:‬فلما لم ينقل مع توافر الدواعي على نقله علم أن‬
‫النبي لم يأمرهم به‪ ،‬ولما لم يأمرهم به ‪ -‬أي بالقضاء ‪ -‬علم أنه ليس بواجب‪،‬‬
‫ومثل هذا لو قام النسان من النوم يظن أنه في الليل فأكل أو شرب‪ ،‬ثم‬
‫تبين له أن أكله وشربه كان بعد طلوع الفجر‪ ،‬فإنه ليس عليه قضاء؟ لنه كان‬
‫جاه ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وأما الشرط الثاني‪ :‬فهو أن يكون ذاكرا‪ ،‬وضد الذكر النسيان‪ ،‬فلو أكل أو‬
‫شرب ناسيًا‪ ،‬فإن صومه صحيح‪ ،‬ول قضاء عليه‪ ،‬لقول الله تعالى‪ :‬ربنا ل‬
‫تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا ]البقرة‪ [286:‬فقال الله تعالى‪ } :‬قد فعلت {‪،‬‬
‫ولحديث أبي هريرة أن رسول الله قال‪ } :‬من نسي وهو صائم فأكل أو‬
‫شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه { ]رواه مسلم[‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬القصد وهو أن يكون النسان مختارا ً لفعل هذا المفطر‪ ،‬فإن‬
‫كان غير مختار فإن صومه صحيح‪ ،‬سواء كان مكرها ً أو غير مكره‪ ،‬لقول الله‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعالى في المكره على الكفر‪ :‬من كفر بالله من بعد إيمانه إل من أكره وقلبه‬
‫مطمئن باليمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم‬
‫عذاب عظيم ]النحل‪ ،[106:‬فإذا كان حكم الكفر يغتفر بالكراه فما دونه من‬
‫باب أولى‪ ،‬وللحديث الذي روي عن النبي ‪ } :‬أن الله رفع عن أمتي الخطأ‪،‬‬
‫والنسيان‪ ،‬وما استكرهوا عليه { ]أخرجه ابن ماجه[‪.‬‬
‫وعلى هذا فلو طار إلى أنف الصائم غبار‪ ،‬ووجد طعمه في حلقه‪ ،‬ونزل إلى‬
‫معدته فإنه ل يفطر بذلك؟ لنه لم يتقصده‪ ،‬وكذلك لو أكره على الفطر‬
‫فأفطر دفعا للكراه‪ ،‬فإن صومه صحيح؛ لنه غير مختار‪ ،‬وكذلك لو احتلم‬
‫فأنزل وهو نائم‪ ،‬فإن صومه صحيح‪ ،‬لن النائم ل قصد له‪ ،‬وكذلك لو أكره‬
‫الرجل زوجته وهي صائمة فجامعها‪ ،‬فإن صومها صحيح‪ ،‬لنها غير مختارة‪.‬‬
‫وها هنا مسألة يجب التفطن لها‪ :‬وهي أن الرجل إذا أفطر بالجماع في نهار‬
‫رمضان والصوم واجب عليه فإنه يترتب على جماعه خمسة أمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬الثم‪ .‬الثاني‪ :‬وجوب إمساك بقية اليوم‪ .‬الثالث‪ :‬فساد صومه‪.‬‬
‫ا لرا بع‪ :‬ا لقضاء‪ .‬ا لخا س‪ :‬الكفارة‪.‬‬
‫ول فرق بين أن يكون عالما بما يجب عليه في هذا الجماع‪ ،‬أو جاهل‪ ،‬يعني أن‬
‫الرجل إذا جامع في صيام رمضان‪ ،‬والصوم واجب عليه‪ ،‬ولكنه ل يدري أن‬
‫الكفارة تجب عليه‪ ،‬فإنه تترتب عليه أحكام الجماع السابقة؛ لنه تعمد‬
‫المفسد‪ ،‬وتعمده المفسد يستلزم ترتب الحكام عليه‪ ،‬بل في حديث أبي‬
‫هريرة } أن رجل جاء إلى النبي فقال‪ :‬يا رسول الله هلكت‪ ،‬قال‪" :‬ما‬
‫أهلكك؟" قال‪ :‬وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم‪] { .‬أخرجه‬
‫البخاري‪ ،‬ومسلم[‪ ،‬فأمره النبي صلى اله عليه وسلم بالكفارة‪ ،‬مع أن الرجل‬
‫ل يعلم هل عليه كفارة أو ل‪ ،‬وفي قولنا‪) :‬والصوم واجب عليه( احترازا عما‬
‫إذا جامع الصائم في رمضان وهو مسافر مثل‪ ،‬فإنه ل تلزمه الكفارة‪ ،‬مثل أن‬
‫يكون الرجل مسافرا بأهله في رمضان وهما صائمان‪ ،‬ثم يجامع أهله‪ ،‬فإنه‬
‫ليس عليه كفارة‪ ،‬وذلك لن المسافر إذا شرع في الصيام ل يلزمه إتمامه‪،‬‬
‫إن شاء أتمه‪ ،‬وإن شاء أفطر وقضى‪.‬‬
‫والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من مكارم الخلق )‪(3‬‬


‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪ ..‬وبعد ‪:‬‬
‫فهذه توجيهات سلوكية في المجال الخلقي ‪ .‬فمن ذلك ما أخرجه الحافظ‬
‫أبو عيسى الترمذي رحمه الله من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال ‪:‬‬
‫" جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له‬
‫‪ ,‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر‬
‫كبيرنا" )]‪. ([1‬‬
‫فقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شرف النضمام والنتماء إلى‬
‫المجتمع السلمي عن أهل الجفاء والقسوة الذين ل يرحمون الصغار ول‬
‫يحترمون الكبار ‪ ,‬وهذا يعني أن من فعل ذلك قد ارتكب كبيرة لما قد ترتب‬
‫على تلك المخالفة من براءة النبي صلى الله عليه وسلم ممن فعل ذلك ‪.‬‬
‫وهذا يبين لنا أهمية الهتمام بالصغار بالرحمة بهم ‪ ,‬وبالكبار باحترامهم ‪ ,‬وقد‬
‫جمع بين الصغار في السن والكبار اشتراكهما في عامل الضعف ‪ ,‬وأن كل‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الفريقين بحاجة إلى الراشدين في المجتمع الذين لم يبلغوا سن‬


‫الشيخوخة ‪.‬‬
‫وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة الله جل وعل عن الذين ل‬
‫يرحمون الناس ‪ ,‬كما أخرج الحافظ أبو عبد الله البخاري رحمه الله من‬
‫حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪":‬من ل َيرحم ل ُيرحم" )]‪. ([2‬‬
‫وفي رواية أبي عيسى الترمذي رحمه الله توضيح لهذه الرواية حيث جاء فيها‬
‫" من ل يرحم الناس ل يرحمه الله" )]‪ , ([3‬وهذا بيان لفضيلة خلق الرحمة‬
‫وأهميته في السلم ‪ ,‬حيث رتب صلى الله عليه وسلم رحمة الله جل وعل‬
‫بالعباد على رحمتهم بالناس ‪.‬‬
‫والرحمة خلق جليل يترتب عليه المعروف والحسان والعدل ‪ ,‬واجتناب‬
‫الظلم وكف الذى‪ ,‬فصاحب القلب الرحيم مجبول على فعل الخير واجتناب‬
‫الشر ‪.‬‬
‫وفي بيان جزاء الرحمة أخرج الشيخان رحمهما الله من حديث عائشة رضي‬
‫الله عنها قالت‪ :‬جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلث تمرات ‪,‬‬
‫فأعطت كل واحدة منهما تمرة ‪ ,‬ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها ‪ ,‬فاستطعمتها‬
‫قت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما‪ ,‬فأعجبني شأنها‬ ‫ابنتاها ‪ ,‬فش ّ‬
‫ت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ " :‬إن الله قد‬ ‫فذكرت الذي صنع ْ‬
‫أوجب لها الجنة – أو قال‪ -‬أعتقها من النار" )]‪. ([4‬‬
‫ففي هذا الحديث إشادة من النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة التي‬
‫رحمت ابنتيها فآثرتهما على نفسها ‪ ,‬فهل كانت تلك المرأة تتصور أنها بتنازلها‬
‫عن تمرة واحدة ستدخل الجنة ؟ فما أهون الثمن وما أبلغ الجزاء!!‬
‫سنه من حديث عبد الله بن‬ ‫وأخرج الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله وح ّ‬
‫عمر رضي الله عنهما قال ‪ " :‬صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر‬
‫ض اليمان إلى‬ ‫ف ِ‬‫فنادى بصوت رفيع فقال ‪ :‬يا معشر من آمن بلسانه ولم ي ُ ْ‬
‫قلبه ل تؤذوا المسلمين ول تعّيروهم ول تّتبعوا عوراتهم ‪ ,‬فإنه من تتّبع عورة‬
‫أخيه المسلم تتّبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف‬
‫رحله " ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال ‪ :‬ما أعظمك وأعظم حرمتك‬
‫والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك )]‪. ([5‬‬
‫فهذا الحديث يعالج أنواعا من السلوك السيء في معاملة المسلمين ‪ ,‬وقد‬
‫قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم للتحذير منها بمقدمة بليغة ‪ ,‬حيث‬
‫صعد المنبر ونادى بصوت رفيع ‪ ,‬وحكم على من وقع في ذلك السلوك‬
‫المنحرف بأنهم ممن لم يصل اليمان إلى قلوبهم ‪ ,‬والمراد بهذا اليمان‬
‫المنفي اليمان المؤثر في السلوك ‪ ,‬حيث لم يكن هناك إيمان حي مؤثر‬
‫يردع أولئك عن ذلك السلوك المنحرف ‪.‬‬
‫وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك السلوك المنحرف بأذية‬
‫المسلمين ‪ ,‬وذكر نوعين من هذه الذية ‪ ,‬هما تعيير المسلمين وتتبع‬
‫عوراتهم ‪ ,‬فأما تعيير المسلمين فإن من ذلك وصفهم بالشياء التي ُتعد ّ‬
‫منقصة لهم كالتنابز باللقاب ‪ ,‬وذلك فيما إذا كان للنسان لقب َيستاء منه‬
‫فإنه ل يجوز للمسلم أن يناديه به ‪ ,‬أو كان قد اشتهرت قبيلته أو أهل بلده‬
‫بوصف ُيعد ّ منقصة ‪ ,‬فل يجوز أن يعّير بذلك ‪ ,‬وكذلك ما إذا كان به عاهة أو‬
‫قد ابُتلي بفقر أو كان منصبه صغيرا ‪ ,‬فل يجوز لخيه المسلم أن يعيره بذلك ‪.‬‬
‫وأما تتّبع عورات المسلمين فإنه يكون بالبحث والتنقيب عن عيوب المسلمين‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما خفي من أمورهم مما يسوءهم علم الناس به ‪.‬‬


‫وقد جاء في هذا الحديث الوعيد الشديد لمن فعل ذلك بأن الله تعالى يفضحه‬
‫ويكشف سوءاته للعباد ولو كان في أخفى مكان عن النظار ‪.‬‬
‫وأخرج الحافظ أبو داود السجستاني رحمه الله من حديث عقبة بن عامر‬
‫رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬من رأى عورة فسترها‬
‫كان كمن أحيى موءودة" )]‪. ([6‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالستر على المسلمين أمر مهم ‪ ,‬فالنسان ضعيف بطبعه ومعّرض للنقائص‬
‫ضون الطرف عن‬ ‫والعيوب ‪ ,‬فإذا وُّفق المسلم بإخوة له يسترون عيوبه ويغ ّ‬
‫نقائصه فإن وقوعه في تلك النقائص والعيوب ل يؤثر كثيرا على نفسيته ‪,‬‬
‫وقد شّبه النبي صلى الله عليه وسلم عمل هؤلء بعمل من أحيى موءودة قد‬
‫جهزها وليها للوأد تحت الرض ‪ ,‬فالذين يسترون على المسلمين قد قاموا‬
‫بإحيائهم مرة أخرى ‪ ,‬لن الحياة ليست حياة الجسام فقط وإنما هي حياة‬
‫المشاعر والحاسيس ‪.‬‬
‫ُ‬
‫أما إذا ابُتلي من وقع في شيء من العيوب والنقائص بالكشافين الذين أولعوا‬
‫بتتبع النقائص وكشف العيوب فإنه تتحطم نفسيته وتنجرح مشاعره ‪ ,‬ويموت‬
‫نفسيا قبل أن يموت جسديا ‪ ,‬فهؤلء عملهم كعمل الوائدين الذين يدفنون‬
‫بناتهم وهن حيات ‪ ,‬وكان هذا عمل بعض العرب في الجاهلية ‪.‬‬
‫‪------------------------------‬‬
‫)]‪ ( [1‬سنن الترمذي ‪ ,‬رقم ‪ , 1920‬كتاب البر ‪ ,‬باب ‪. ( 4/321) 15‬‬
‫)]‪ ( [2‬صحيح البخاري ‪ ,‬رقم ‪ , 6013‬كتاب الدب ‪. (10/438) ,‬‬
‫)]‪ ( [3‬سنن الترمذي ‪ ,‬رقم ‪ , 1922‬كتاب البر ‪ ,‬باب ‪. (3234 ) 16‬‬
‫)]‪ ( [4‬صحيح مسلم ‪ ,‬رقم ‪ , 2630‬كتاب البر ‪ ,‬باب ‪. (2027) 46‬‬
‫صحيح البخاري ‪ ,‬رقم ‪ , 5995‬كتاب الدب ‪ ,‬باب ‪. (10/426 )18‬‬
‫)]‪ ( [5‬سنن الترمذي ‪ ,‬رقم ‪ , 2032‬كتاب البر ‪ ,‬باب ‪. ( 4/378) 85‬‬
‫)]‪ ( [6‬سنن أبي داود ‪ ,‬رقم ‪ , 4891‬كتاب الدب ‪ ,‬باب ‪. (5/200) 45‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من مكارم الخلق )‪(4‬‬


‫الحمد له ‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله ‪ ،،،‬وبعد ‪:‬‬
‫فهذه توجيهات سلوكية في بعض مكارم الخلق ‪ ,‬فمن ذلك ما أخرجه‬
‫سنه من حديث عبد الله بن‬ ‫الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله وح ّ‬
‫ؤدة والقتصاد‬‫مت الحسن والت ّ َ‬ ‫س ْ‬
‫سرجس المزني رضي الله عنه قال‪" :‬ال ّ‬
‫جزء من أربعة وعشرين جزًءا من النبوة" )]‪. ([1‬‬
‫فهذه ثلثة أمور ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنها‬
‫جزء من أربعة وعشرين جزًءا من النبوة ‪ ,‬وهذا يفيد بأن هذه أمور عظيمة‬
‫لن النبوة أمرها عظيم ‪.‬‬
‫أولها ‪ :‬السمت الحسن ‪ ,‬وهو الهيئة المعنوية الحسنة التي يكون عليها‬
‫النسان ‪ ..‬من السكينة والوقار والتفكير المّتزن والسير مع مقتضى الحكمة‬
‫في القول والعمل ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬التؤدة وهي التأني في أمور الدنيا ‪ ,‬ومن ذلك التريث في الحكم‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على المور وإصدار القرارات ‪ ,‬والتأني في هذه المور يتيح الفرصة للتفكير‬
‫المتزن والنظر إلى المور بحكمة ‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬القتصاد وهو العتدال في النفاق ‪ ,‬وذلك بأن تكون نفقة النسان‬
‫وسطا بين التقتير والتبذير ‪ ,‬كما قال الله تعالى‪):‬والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا‬
‫ولم يقتلوا وكان بين ذلك قوامًا(الفرقان)‪ ، (67‬ومما يشمله القتصاد‬
‫التوسط في أمور الدين بين الغلو والتقصير ‪.‬‬
‫ومما جاء في مكارم الخلق ما أخرجه الحافظ أبو عبد الله البخاري رحمه‬
‫الله من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال ‪" :‬قدم عبد الرحمن بن‬
‫عوف المدينة ‪ ,‬فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع‬
‫النصاري ‪ ,‬وكان سعد ذا غنى ‪ ,‬فقال لعبد الرحمن ‪ :‬أقاسمك مالي نصفين‬
‫وأزوجك ‪ ,‬قال‪ :‬بارك الله لك في أهلك ومالك ‪ ,‬دلوني على السوق ‪ ,‬فما‬
‫رجع حتى استفضل أقطا وسمنا ‪ ,‬فأتى به أهل منزله ‪ ,‬فمكثنا يسيرا – أو‬
‫ضر من صفرة فقال له النبي صلى الله عليه‬ ‫ماشاء الله – فجاء وعليه وَ َ‬
‫ت‬
‫ق َ‬ ‫س ْ‬‫م ؟ قال‪ :‬يارسول الله تزوجت امرأة من النصار ‪ ,‬قال‪ :‬ما ُ‬ ‫وسلم ‪ :‬مهْي َ ْ‬
‫م ولو بشاة" )]‬ ‫إليها؟ قال‪ :‬نواة من ذهب – أو وزن نواة من ذهب – قال‪ :‬أوْل ِ ْ‬
‫‪. ([2‬‬
‫فهذا مثل جيد من اليثار يقدمه سعد بن الربيع رضي الله عنه وهذا يبين لنا‬
‫كيف أن النصار رضي الله عنهم بعدما هداهم الله تعالى للسلم تجردوا من‬
‫مصالحهم الذاتية ‪ ,‬وتخلوا عن أعرافهم الجاهلية ‪ ,‬وانصهروا تماما في بوتقة‬
‫دم لحد كائنا من كان نصف ماله ‪,‬‬ ‫ق ّ‬ ‫السلم ‪ ,‬فسعد ٌ في جاهليته لم يكن لي َ‬
‫ول ليتنازل له عن إحدى زوجتيه كما جاء في رواية أخرى للبخاري ‪ ,‬ولكنه‬
‫دم ذلك بعدما أسلم سخّية به نفسه ‪ ,‬وهذا يبين لنا عظمة السلم وقوة‬ ‫ق ّ‬
‫ّ‬
‫تأثيره على من آمن به حقا ‪ ,‬حيث يصحح المفاهيم وُيجلي التصورات ‪ ,‬ويدفع‬
‫بالسلوك نحو القَيم العليا والهداف السامية ‪.‬‬
‫وبهذه الخلق العالية التي رّبى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أصحابه نجح الصحابة في فتح القلوب قبل فتح الممالك ‪ ,‬وقضوا على كل‬
‫مظاهر التخلف الخلقي من الظلم والتجبر والطبقية المقيتة التي نتج عنها‬
‫تعطيل الطاقات ‪ ,‬وإخماد المدارك الفكرية والتخلق بالخلق السيئة ‪ ,‬كالغل‬
‫والحسد من المظلومين ‪ ,‬والكبر والخيلء من الظالمين ‪.‬‬
‫وفي هذا الخبر مثل من العفة والشهامة والعتماد بعد الله تعالى على النفس‬
‫في طلب الرزق‪ ,‬حيث لم يقبل عبد الرحمن بن عوف ما عرضه عليه سعد‬
‫من احتياجاته بنفسه ‪ ,‬وهو مثل من‬ ‫ضل أن ي ُؤَ ّ‬ ‫بن الربيع رضي الله عنهما ‪ ,‬وف ّ‬
‫بذل الطاقة في السهام في عمارة الرض وتكوين القوة المادية للمسلمين ‪.‬‬
‫وأخرج أبو عيسى الترمذي رحمه الله من حديث المكي بن إبراهيم رحمه‬
‫الله قال ‪ :‬كنا عند ابن جريج المكي فجاء سائل فسأله ‪ ,‬فقال ابن جريج‬
‫لخازنه ‪ :‬أعطه دينارا ‪ ,‬فقال‪ :‬ماعندي إل دينار إن أعطيته جعت وعيالك ‪,‬‬
‫قال‪ :‬فغضب وقال‪ :‬أعطه ‪ ,‬قال المكي ‪ :‬فنحن عند ابن جريج إذ جاءه رجل‬
‫بكتاب وصّرة وقد بعث إليه بعض إخوانه ‪ ,‬وفي الكتاب ‪ :‬إني قد بعثت‬
‫دها فإذا هي أحد وخمسون‬ ‫ل ابن جريج الصرة فع ّ‬ ‫خمسين ديناًرا ‪ ,‬قال‪ :‬فح ّ‬
‫دينارا ‪ ,‬قال‪ :‬فقال ابن جريج لخازنه ‪ :‬قد أعطيت واحد فرد الله عليك وزادك‬
‫خمسين ديناًرا )]‪. ([3‬‬
‫فهذا مثل من أمثلة سخاء العلماء الذي أصبح مضرب المثال ‪ ,‬وصورةٌ من‬
‫صور اليقين‪ ,‬حيث كان العالم الحافظ عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج‬
‫رحمه الله واثقا فيما عند الله جل وعل من رزق وخير ‪ ..‬ومثل من لطف الله‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعالى بأوليائه حيث وصل إليه في الحال ذلك المبلغ من المال ‪ ,‬وكأنه كان‬
‫مكافأة على الحسان والمعروف وتحريضا على الستمرار على ذلك‪.‬‬
‫ومن مكارم الخلق ملطفة الطفال والرفع من شخصياتهم ‪ ,‬ومما جاء في‬
‫سنه من حديث‬ ‫ذلك ما أخرجه الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله وح ّ‬
‫أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪" :‬إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ليخالطنا حتى إن كان ليقول لخ لي صغير ‪ :‬يا أبا عمير مافعل الّنغير؟" )]‬
‫‪.([4‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فهذا مثل من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم العظيم حيث يخاطب ذلك‬
‫الطفل ويداعبه بسؤاله عن ذلك الطائر الذي يحبه ‪ .‬وهذا جانب من عظمة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فبينما هو يدير أمور دولة السلم ويجابه‬
‫الهوال ويخطط للمور الجسام ويقابل عظماء العرب إذا هو يداعب الطفال‬
‫ويلطفهم ويرفع من معنوياتهم ‪.‬‬
‫وفي حديث آخر نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أحد الرجال ‪,‬‬
‫سنه من حديث أنس بن‬ ‫وذلك فيما أخرجه الحافظ أبو عيسى الترمذي وح ّ‬
‫مالك رضي الله عنه ‪ " :‬أن رجل استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫]أي طلب منه أن يحمله[ فقال‪ :‬إني حاملك على ولد الناقة ‪ ,‬فقال‪ :‬يارسول‬
‫الله ما أصنع بولد الناقة ؟ ]يعني أنه صغير ليحمل[ فقال رسول الله صلى‬
‫ق؟" )]‪ ([5‬وكذلك أخرجه أبو داود‬ ‫الله عليه وسلم ‪ :‬وهل تلد الب َ‬
‫ل إل النو ُ‬
‫السجستاني من حديث أنس رضي الله عنه )]‪. ([6‬‬
‫يعني وإن كان كبيرا فهو ولد الناقة ‪ ,‬وهذا المزاح المعتدل اللطيف له فوائد‬
‫منها إزالة الكلفة والهيبة التي تستقر في النفوس للرجال العظماء ‪ ,‬وهذه‬
‫الهيبة قد ُتحرج بعض الناس أو تمنعهم من كلم ٍ يريدون أن يقولوه أو تصّرف‬
‫يريدون أن يفعلوه ‪.‬‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم معتدل في مزحه وبقدر معين ومع أناس معينين ‪,‬‬
‫سنه‬‫وليقول إل حقا ‪ ,‬كما أخرج الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله وح ّ‬
‫من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قالوا ‪ :‬يارسول الله إنك تداعبنا ‪,‬‬
‫قال‪ :‬إني لأقول إل حقا )]‪. ([7‬‬
‫ومن ماجاء في أخلق الرسول صلى الله عليه وسلم العالية في معاملة أهله‬
‫ما أخرجه أبو داود السجستاني رحمه الله من حديث النعمان بن بشير رضي‬
‫الله عنه قال ‪" :‬استأذن أبو بكر رحمة الله عليه على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬فسمع صوت عائشة عاليا ‪ ,‬فلما دخل تناولها ليلطمها وقال ‪ :‬أل أراك‬
‫ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فجعل النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يحجزه ‪ ,‬وخرج أبو بكر مغضبا ‪ ,‬فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حين خرج أبو بكر ‪ :‬كيف رأيتني أنقذتك من الرجل ؟ قال‪ :‬فمكث أبو‬
‫بكر أياما ثم استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما قد‬
‫اصطلحا ‪ ,‬فقال لهما ‪ :‬أدخلني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما ‪,‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬قد فعلنا ‪ ,‬قد فعلنا " )]‪. ([8‬‬
‫‪-----------------------------‬‬
‫)]‪ ( [1‬سنن الترمذي ‪ ,‬رقم ‪ , 2010‬كتاب البر ‪ ,‬باب ‪. 4/366) ,66‬‬
‫)]‪ ( [2‬صحيح البخاري ‪ ,‬رقم ‪ , 2049‬كتاب البيوع ‪ ,‬باب ‪. ( 4/288) 1‬‬
‫)]‪ ( [3‬سنن الترمذي ‪ , 2035‬كتاب البر ‪ ,‬باب ‪. ( 4/380 ) 87‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الترمذي ‪ ,‬رقم ‪ , 1989‬كتاب البر ‪ ,‬باب ‪. (4/357 ) 57‬‬ ‫سنن‬ ‫(‬ ‫)]‪[4‬‬
‫الترمذي ‪ ,‬رقم ‪ , 1991‬كتاب البر ‪ ,‬باب ‪. (4/357) 57‬‬ ‫سنن‬ ‫(‬ ‫)]‪[5‬‬
‫أبي داود ‪ ,‬رقم ‪ , 4998‬كتاب الدب ‪ ,‬باب ‪. ( 5/270 ) 92‬‬ ‫سنن‬ ‫(‬ ‫)]‪[6‬‬
‫الترمذي ‪ ,‬رقم ‪ , 1990‬كتاب البر ‪ ,‬باب ‪. ( 4/357) 57‬‬ ‫سنن‬ ‫(‬ ‫)]‪[7‬‬
‫أبي داود ‪ ,‬رقم ‪ , 4999‬كتاب الدب ‪ ,‬باب ‪. ( 5/271 ) 92‬‬ ‫سنن‬ ‫(‬ ‫)]‪[8‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من مكارم الخلق – )‪(1‬‬


‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫وبعد ‪ :‬فهذه توجيهات في السلوك نحو مكارم الخلق ‪ .‬فمن ذلك ما أخرجه‬
‫مسلم والترمذي من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال ‪" :‬سألت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الب ِّر والثم‪ ,‬فقال ‪ :‬البر حسن الخلق ‪,‬‬
‫طلع عليه الناس منك" )]‪.([1‬‬ ‫والثم ماحاك في الصدر وكرهت أن ي ّ‬
‫وهكذا سأل النواس بن سمعان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عن أمور الدين باسم البر والثم‪ ,‬وذلك لن البر يشمل جميع الطاعات‬
‫‪ ,‬والثم يشمل جميع المعاصي ‪ ,‬فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم عن البر‬
‫ن‬
‫بأنه حسن الخلق ‪ ,‬ومكارم الخلق من حيث هي ‪ ,‬هي بعض الب ِّر ‪ ,‬ولك ْ‬
‫باعتبار النتائج والمقاصد فإن جميع التكاليف الشرعية من مقاصدها ونتائجها‬
‫ن الخلق ‪.‬‬
‫حس ُ‬
‫وقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الثم بعلمة من علماته ‪ ,‬هذا من‬
‫باب التركيز على ما اشتبه أمره‪ ,‬هل هو من المحرم أو من المباح ‪ ,‬فإذا كان‬
‫النسان يشعر بانقباض النفس من شيء ويكره أن يراه الناس وهو متلبس‬
‫به فإنه يدخل في دائرة الممنوع وإن لم يتحقق المسلم تحريمه ‪.‬‬
‫وهكذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم السائل عن البر والثم ببعض‬
‫محتوياتهما من باب الهتمام بهذين المرين اللذين ذكرهما ‪.‬‬
‫وأخرج أبو داود من حديث مطر بن عبد الرحمن العنق قال‪ :‬حدثتني أم أبان‬
‫بنت الوازع ابن زارع ‪ ,‬عن جدها زارع – وكان في وفد عبد القيس – قال‪:‬‬
‫وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقّبل‬
‫يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجله ‪ ,‬وانتظر المنذر الشج حتى أتى‬
‫عْيبته فلبس ثوبيه‪ ,‬ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فقال له رسول‬
‫خّلتين يحبهما الله ‪ :‬الحلم والناة ‪,‬‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إن فيك ُ‬
‫فقال ‪ :‬يارسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما ؟ قال ‪ :‬بل الله‬
‫خّلتين يحبهما الله ورسوله "‬ ‫جبلك عليهما‪ ,‬قال‪ :‬الحمد لله الذي جبلني على ُ‬
‫)]‪. ([2‬‬
‫وأخرجه مسلم مختصرا )]‪. ([3‬‬
‫قي الحلم والناة ‪,‬‬ ‫ففي هذا الحديث أشاد النبي صلى الله عليه وسلم بخل َ‬
‫حيث بين أن الله تعالى يحبهما‪ ,‬وهما من الخلق السلمية العالية ‪ ,‬فالحلم‬
‫يقي صاحبه من الغضب السريع ‪ ,‬ومايترتب عليه من السلوك السيء في‬
‫القول والعمل ‪ ,‬والتأني يقي صاحبه من مساوئ العجلة ‪ ,‬وذلك في‬
‫التصرفات التي لم يحكمها العقل السليم ‪ ,‬ويعطي صاحبه فرصة للتأمل‬
‫والتفكير حتى َيصد َُر السلوك منه متوازنا محكما ‪.‬‬
‫وأخرج الدارمي من خبر عكرمة قال قال العباس رضي الله عنه ‪" :‬لعلمن‬
‫مابقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ‪ ,‬فقال ‪ :‬يارسول الله إني أراهم‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قد آذوك وآذاك غبارهم ‪ ,‬فلو اتخذت عرشا تكلمهم منه‪ ,‬فقال ‪ :‬ل أزال بين‬
‫أظهرهم يطؤون عقبي ‪ ,‬وينازعوني ردائي ‪ ,‬حتى يكون الله هو الذي يريحني‬
‫منهم‪ ,‬قال‪ :‬فعلمت أن بقاءه فينا قليل" )]‪. ([4‬‬
‫ن سنة للولة‬ ‫س‬
‫َ ُ ّ‬ ‫ي‬ ‫بذلك‬ ‫وهو‬ ‫‪,‬‬ ‫وسلم‬ ‫فهذا مثل من تواضع النبي صلى الله عليه‬
‫والمرّبين من بعده ‪ ,‬حيث تواضع لفراد أمته فعاش معهم كواحد منهم ‪ ,‬ولم‬
‫يرض أن يتميز عليهم بشيء ‪.‬‬
‫وإن التواضع لله أول ثم للمخلوقين دليل على سمو الفكر وكمال العقل ‪,‬‬
‫ولذلك جاءت توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم نحو التواضع ‪.‬‬
‫ت من عند الله تعالى لترفع من مستوى‬ ‫وذلك لن الشريعة السلمية ُ‬
‫شرعَ ْ‬
‫العقل البشري ‪ ,‬ولتميز أصحاب الفكار السوية وُتوجَههم نحو الصلح‬
‫والقيادة التربوية ‪.‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫)]‪([1‬صحيح مسلم ‪ ,‬رقم ‪ , 2553‬كتاب البر ‪ ,‬باب تفسير البر والثم ‪ ,‬سنن‬
‫الترمذي ‪ ,‬رقم ‪ ,2390‬الزهد ‪ ,‬باب البر والثم ‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬سنن أبي داود ‪ ,‬رقم ‪ , 2525‬في الدب ‪ ,‬باب في قبلة الرجل ‪.‬‬
‫)]‪([3‬صحيح مسلم ‪ ,‬كتاب اليمان ‪ ,‬باب رقم ‪. 17‬‬
‫)]‪([4‬جمع الفوائد رقم ‪. 8418‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من مكارم الخلق)‪(2‬‬


‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫وبعد ‪ :‬فهذه أحاديث سلوكية في مجال مكارم الخلق ‪ ,‬فمن ذلك ما أخرجه‬
‫المام مالك رحمه الله من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال ‪" :‬كان‬
‫آخر ما أوصاني به النبي صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الغرز‬
‫أن قال ‪ :‬يامعاذ أحسن خلقك للناس" )]‪. ([1‬‬
‫فهذه وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن‬
‫داعيا ومعلما ‪ ,‬وإنما أوصاه بذلك لن مكارم الخلق من الدعائم القوية في‬
‫التأثير على الناس واجتذابهم إلى الهداية ‪.‬‬
‫وأخرج المامان أحمد ومسلم رحمهما الله من حديث جرير بن عبد الله‬
‫البجلي رضي الله عنه‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬من‬
‫ُيحرم ِ الرفق يحرم الخير " )]‪. ([2‬‬
‫يعني في مجال السلوك ‪ ,‬وذلك لن الرفق يعطي الميزان الصحيح والدقيق‬
‫قدم النسان على العمل وهو على علم بمنافعه ومضاره‬ ‫على جميع المور‪ ,‬في ْ‬
‫‪.‬‬
‫وأخرج أبو عيسى الترمذي رحمه الله في هذا المعنى من حديث سهل بن‬
‫سعد رضي الله عنه‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬الناة من‬
‫الله والعجلة من الشيطان" )]‪. ([3‬‬
‫فالناة هي الترّيث في الحكم على المور وعدم الستعجال في التصرف‬
‫وإتاحة الفرصة للعقل كي يفكر ويتأمل برّوية ونظر ‪.‬‬
‫وكم من أمور أفسدتها العجلة !!‬
‫وكم من أمور أحكمتها الناة !!‬
‫ددا بتوفيق من الله‬‫فلذلك كانت الناة من الله تعالى لن صاحبها يكون مس ّ‬
‫ة من الشيطان لنه َيحضر ساعة ابتداء التفكير فيوسوس‬ ‫جل وعل ‪ ,‬والعجل ُ‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للنسان ويضخم في فكره حظ النفس ‪ ,‬وُيكبر في ناظريه التصرفات‬


‫سه‬‫قر في نظره حظ الخرين ويقّلل في ح ّ‬ ‫المرتجلة التي مآلها الفساد ويح ّ‬
‫جدوى التأمل وإعادة النظر الذي مآله الصلح ‪.‬‬
‫وفي حديث آخر يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناة والتريث خير‬
‫في أمور الدنيا ‪ ,‬أما أمور الخرة فإنها ُيطلب فيها المسارعة لوضوحها‬
‫م الوقت لتقديم أكبر قدر ممكن من العمال الصالحة‪ ,‬حيث يقول‬ ‫واغتنا ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬التؤدة في كل شيء إل في عمل الخرة" أخرجه‬
‫أبو داود رحمه الله من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه )]‪. ([4‬‬
‫ومن مكارم الخلق السماحة في القول والعمل ‪ ,‬وفي ذلك يقول رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪":‬من كان سهل هّينا لّينا حّرمه الله على النار" أخرجه‬
‫الحافظان الحاكم والبيهقي رحمهما الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫)]‪. ([5‬‬
‫ففي هذا بيان فضل السماحة واللين واللطف في معاملة المسلمين‬
‫والتخاطب معهم ‪ ,‬وذلك بأن يأخذ المسلم من المور أيسرها مالم يكن إثما ‪,‬‬
‫شا في‬ ‫وأن يتواضع لخوانه المسلمين وأن يحسن الظن بهم وأن يكون با ّ‬
‫ما في وجوههم ‪ ,‬وأن يرفع الكلفة بينه وبينهم حتى لتمنعهم‬ ‫مقابلتهم مبتس ً‬
‫هيبته من الدخول عليه ومصارحته بما يريدون ‪.‬‬
‫ن كان النبي صلى الله عليه‬ ‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ‪" :‬إ ْ‬
‫وسلم ليخالطنا حتى يقول لخ لي صغير‪ :‬يا أبا عمير مافعل الّنغير ؟" أخرجه‬
‫المام البخاري رحمه الله تعالى )]‪. ([6‬‬
‫فهذا مثل من حنان النبي صلى الله عليه وسلم ولطفه مع الصغار فقد كان‬
‫أبو عمير يحمل طائرا معه ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه أبا‬
‫عمير من باب ملطفته ومداعبته ‪ ,‬وهذا تواضع منه صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى مع الصغار ‪.‬‬
‫ضا رضي الله عنه ‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫وعن أنس بن مالك أي ً‬
‫قال‪ " :‬عليك بحسن الخلق‪ ,‬وطول الصمت‪ ,‬فو الذي نفسي بيده ماتجمل‬
‫الخلئق بمثلهما" )]‪. ([7‬‬
‫فهذا توجيه من النبي صلى الله عليه وسلم إلى نوعين من السلوك ‪ ,‬هما‬
‫حسن الخلق وطول الصمت‪ ,‬فأما حسن الخلق فهو السلعة الغالية التي‬
‫تجعل صاحبها مألوفا عند الناس ومحبوبا لديهم ‪ ,‬وأما طول الصمت فإنه‬
‫ة له من العثرات‪ ,‬وإبقاء لمهابته‬ ‫حماية لصاحبه من الوقوع في الخطأ ‪ ,‬وصيان ٌ‬
‫في النفوس‪.‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫)]‪ ( [1‬الموطأ ‪ ,‬كتاب حسن الخلق ‪ ,‬باب ‪ 1‬رقم )‪. (902‬‬
‫)]‪ ( [2‬صحيح مسلم ‪ ,‬رقم ‪ , 2592‬كتاب البر ‪ ,‬باب ‪ , (3003) 23‬مسند‬
‫أحمد ‪. 4/362‬‬
‫)]‪ ( [3‬سنن الترمذي ‪ ,‬رقم ‪ , 2012‬كتاب البر باب ‪. ( 4/367) 66‬‬
‫)]‪ ( [4‬سنن أبي داود ‪ ,‬رقم ‪ , 4810‬كتاب الدب ‪ ,‬باب ‪. (5/157) 11‬‬
‫)]‪ ( [5‬صحيح الجامع الصغير ‪ ,‬رقم ‪. 6360‬‬
‫)]‪ ( [6‬صحيح البخاري ‪ ,‬رقم ‪ , 6129‬كتاب الدب ‪ ,‬باب ‪. (10/526) 81‬‬
‫)]‪ ( [7‬صحيح الجامع الصغير ‪ ,‬رقم ‪. 3927‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من منكرات الفراح والعراس‬


‫الحمد لله وكفى والصلة والسلم على المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫أخي الحبيب ‪:‬‬
‫من المعلوم أن الزواج من سنن المرسلين‪ ،‬قال تعالى‪) :‬ولقد أرسلنا رسل‬
‫من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية( الرعد‪ 38:‬وهو من نعم الله على عباده إذ‬
‫يحصل به مصالح دينية ودنيوية‪ ،‬فردية واجتماعية‪ ،‬مما جعله من المور‬
‫المطلوبة شرعا‪ ،‬قال الله تعالى‪):‬وأنكحوا اليامى منكم والصالحين من‬
‫عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم(‬
‫النور‪ 32:‬وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬يا معشر الشباب‪ ،‬من استطاع‬
‫منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج(‪.‬‬
‫ومن حق هذه النعمة الشكر‪ ،‬وأل تتخذ وسيلة للوقوع فيما حرم الله‪ .‬ومما‬
‫ينافي شكر هذه النعمة وقوع كثير من المخالفات والمنكرات التي تتعلق بها‬
‫ابتداء من مبدأ النكاح نفسه‪ ،‬وانتهاء بوليمة العرس‪ ،‬غير أنها تختلف باختلف‬
‫الزمان والوطان‪ .‬مما يحتم على كل مسلم التنبه لها والتنبيه عليها والقيام‬
‫بما أمر الله تعالى به من المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫ونظرا لكثرتها فيكتفى في هذه العجالة بعرض نبذ منها والله المسؤول أن‬
‫يقينا شرورها‪.‬‬
‫مخالفات تتعلق بمبدأ الزواج‬
‫أول ً ‪ :‬العزوف عن الزواج ‪.‬‬
‫فمن المنكرات العزوف عن الزواج بدون عذر شرعي‪ .‬سئل الشيخ محمد بن‬
‫صالح العثيمين ‪ -‬حفظه الله ‪ -‬عمن ترفض الزواج بحجة الدراسة‪.‬‬
‫فأجاب حفظه الله بقوله‪ :‬حكم ذلك أنه خلف أمر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬إذا أتاكم من ترضون دينه‬
‫وخلقه فأنكحوه( ‪ ،‬وقال صلى الله عليه وسلم )يا معشر الشباب‪ ،‬من‬
‫استطاع منكم الباءة فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج( ‪.‬‬
‫وفي المتناع عن الزواج تفويت لمصالح الزواج‪ .‬فالذي أنصح به إخواني‬
‫المسلمين من أولياء النساء وأخواني المسلمات من النساء أل يمتنعن عن‬
‫الزواج من أجل تكميل الدراسة حتى تنتهي دراستها‪ ،‬وكذلك أن تبقى مدرسة‬
‫لمدة سنة أو سنتين ما دامت غير مشغولة بأولدها وهذا ل بأس به‪.‬‬
‫على أن كون المرأة تترقى في العلوم مما ليس لنا به حاجة أمر محتاج إلى‬
‫نظر‪ ،‬فالذي أراه أن المرأة إذا أنهت المرحلة البتدائية وصارت تعرف‬
‫القراءة والكتابة بحيث تنتفع بعلم هذا في قراءة كتاب الله وتفسيره وقراءة‬
‫أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وشرحها‪ ،‬فإن ذلك كاف‪ ،‬اللهم إل أن‬
‫تترقى لعلوم لبد للناس منها كعلم الطب وما أشبهه‪ ،‬إذا لم يكن في دراستها‬
‫شيء من محذور من اختلط أو غيره‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تأخير تزويج البنات والخوات‪:‬‬
‫وفي هذه القضية المهمة كتب سماحة المفتي – رحمه الله ‪ -‬قائل‪ :‬من‬
‫عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يبلغه هذا الكتاب من المسلمين‪ ،‬سلك‬
‫الله بي وبهم صراطه المستقيم وجعلنا جميعا من حزبه المفلحين‪ ،‬آمين‪.‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪:‬‬
‫فإن الله سبحانه وتعالى قد أوجب على المسلمين التعاون على البر والتقوى‬
‫والتناصح في الله والتواصي بالحق والصبر عليه‪ ،‬ورتب على ذلك خير الدنيا‬
‫والخرة وصلح الفرد والمجتمع والمة‪ ،‬وقد بلغني أن كثيرا من الناس قد‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يؤخرون تزويج مولياتهم من البنات والخوات وغيرهن لغراض غير شرعية‬


‫كخدمة أهلها في رعي أو غيره‪ ،‬وكذلك من يؤخر زواجها من أجل أن يأخذ بها‬
‫زوجة له‪ .‬وتأخير زواج المولية لهذه السباب ونحوها من المور المحرمة ومن‬
‫الظلم للموليات من البنات وغيرهن‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وأنكحوا اليامى منكم‬
‫والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله( النور‪:‬‬
‫‪ 32‬واليامى‪ :‬جمع أيم‪ ،‬يقال ذلك للمرأة التي ل زوج لها وللرجل الذي ل‬
‫زوجة له‪ ،‬يقال‪ :‬امرأة أيم ورجل أيم ‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬رغبهم الله في التزويج وأمر به الحرار والعبيد‪ ،‬ووعدهم‬
‫عليه الغنى فقال‪) :‬وأنكحوا اليامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن‬
‫يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله(‬
‫وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم )إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه‪ ،‬إل تفعلوا تكن‬
‫فتنة في الرض وفساد عريض(‪ ،‬وروى الترمذي أيضا عن أبي حاتم المزني‬
‫رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )إذا جاءكم من‬
‫ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إل تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد‪ .‬قالوا‪ :‬يا‬
‫رسول الله ! وإن كان فيه؟ قال‪ :‬إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه‪،‬‬
‫ثلث مرات( ‪.‬‬
‫وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلح عباده‪،‬‬
‫وأن يعيذنا جميعا من شر أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬إنه جواد كريم ‪ .‬مجلة‬
‫البحوث ‪ 2/267‬العدد الول ‪1400‬هـ ‪.‬‬
‫مخالفات في الخطوبة والعقد‪:‬‬
‫أول‪ :‬عدم تمكين الخاطب من الرؤية الشرعية ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يقول الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ‪ :‬فالخاطب يستحب له أن يرى ما‬


‫يظهر غالبا من المرأة كالوجه واليدين‪ ،‬ويتأمل فيها وفي ما يدعوه إلى نكاحها‬
‫لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن عقد على امرأة أو أراد الزواج‪) :‬انظر‬
‫إليها( رواه مسلم‬
‫ورى أحمد بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬إذا‬
‫خطب أحدكم امرأة فل جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها‬
‫لخطبته‪ ،‬وإن كانت ل تعلم(‬
‫ول يسوغ للرجل أن ينظر لمن لم يرد خطبتها‪ ،‬وكذلك ل ينظر إليها في خلوة‬
‫أو مع ترك الحشمة‪ ،‬إنما يباح له النظر إليها مع عدم علمها أو مع علمها‬
‫وأهلها إذ كانت رؤيته لهذا ممكنة‪ ،‬وأما عرض الهل بناتهن بحجة الخطبة فهذا‬
‫مما ل يسوغ ول يفعله أهل الغيرة‪ ،‬وإنما يباح النظر لمن علم منه الصدق في‬
‫الزواج‪ ،‬أو بعد الخطبة‪ ،‬والله أعلم‪) .‬المنظار إلى بيان كثير من الخطاء‬
‫الشائعة‪ ،‬ص ‪141،142‬‬
‫ثانيا‪ :‬الزيادة في المهور بما ل يطاق‪:‬‬
‫يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين‪ :‬والمشروع في المهر أن يكون قليل‬
‫فكلما قل وتيسر فهو أفضل‪ ،‬اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وتحصيل‬
‫للبركة‪ ،‬فإن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة‪ ،‬روى مسلم في صحيحه أن‬
‫رجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬إني تزوجت امرأة قال‪ :‬كم أصدقتها؟‬
‫قال ‪ :‬أربع أواق )يعني مائة وستين درهما( فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل!! ما عندنا ما‬
‫نعطيك‪ ،‬ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه( وقال عمر رضي الله‬
‫عنه‪) :‬أل ل تغالوا في صدقات النساء‪ ،‬فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو‬
‫تقوى في الخرة وكان أولكم بها النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬وما أصدق‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ول أصدقت امرأة من بناته أكثر‬
‫من اثنتي عشرة أوقية( والوقية‪ :‬أربعون درهما ‪.‬‬
‫ولقد كان تصاعد المهور في هذه السنين له أثره السيئ في منع كثير من‬
‫الناس من النكاح رجال ونساء‪ ،‬وصار الرجل يمضي السنوات الكثيرة قبل أن‬
‫يحصل المهر‪ ،‬فنتج عن ذلك مفاسد منها‪:‬‬
‫تعطل كثير من الرجال والنساء عن النكاح‪.‬‬
‫أن أهل المرأة صاروا ينظرون إلى المهر قلة وكثرة‪ ،‬فالمهر عند كثير منهم‪:‬‬
‫هو ما يستفيد ونه من الرجل لمرأتهم‪ ،‬فإذا كان كثيرا ً زوجوا ولن ينظروا‬
‫للعواقب‪ ،‬وإن كان قليل ردوا الزوج‪ ،‬وإن كان مرضيا في دينه وخلقه!‬
‫أنه إذا ساءت العلقة بين الزوج والزوجة‪ ،‬وكان المهر بهذا القدر الباهظ فإنه‬
‫ل تسمح نفسه غالبا بمفارقتها بإحسان‪ ،‬بل يؤذيها ويتعبها لعلها ترد شيئا مما‬
‫دفع إليها‪ ،‬ولو كان المهر قليل لهان عليه فراقها‪.‬‬
‫ولو أن الناس اقتصدوا في المهر‪ ،‬وتعاونوا في ذلك‪ ،‬وبدأ العيان بتنفيذ هذا‬
‫المر ‪ -‬لحصل للمجتمع خير كثير‪ ،‬وراحة كبيرة‪ ،‬وتحصين كثير من الرجال‬
‫والنساء‪ ،‬ولكن مع السف أن الناس صاروا يتبارون في السبق إلى تصاعد‬
‫المهور وزيادتها‪ ،‬فكل سنة يضيفون أشياء لم تكن معروفة من قبل‪ ،‬ول ندري‬
‫إلى أي غاية ينتهون‪ .‬الزواج‪ ،‬ص ‪34،35‬‬
‫ثالثا‪ :‬دبلة الخطوبة‬
‫يلبس الرجال تشبها بأعداء الله دبلة تسمى‪ :‬دبلة الخطوبة‪ ،‬وكثير من الناس‬
‫يعتقد أن العقد مرتبط بهذه الدبلة خاصة إذا كانت من الذهب‪ .‬وقد حرم لبس‬
‫الذهب على الرجال لدلة كثيرة منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه‬
‫وطرحه وقال‪) :‬يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده! فقيل للرجل‬
‫بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك وانتفع به‪ ،‬قال‪ :‬ل‬
‫والله ل آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم‬
‫يقول الشيخ ناصر الدين اللباني حفظه الله تعالى في آداب الزفاف ص ‪212‬‬
‫ما نصه‪) :‬فهذا مع ما فيه من تقليد الكفار أيضا لن هذه العادة سرت إلى‬
‫المسلمين من النصارى‪ ،‬ويرجع ذلك إلى عادة قديمة لهم عندما كان العريس‬
‫يضع الخاتم على رأس إبهام العروس اليسرى ويقول‪ :‬باسم الرب‪ ،‬ثم ينقله‬
‫واضعا له على رأس السبابة ويقول‪ :‬باسم البن‪ ،‬ثم يضعه على رأس‬
‫الوسطى ويقول‪ :‬باسم روح القدس‪ ،‬وعندما يقول‪ :‬آمين‪ ،‬يضعه أخيرا في‬
‫البنصر حتى يستقر(‬
‫مخالفات في الفراح والولئم‬
‫من منكرات الفراح ‪:‬‬
‫ل‪ :‬التشريعة عند الزواج‪:‬‬‫أو ً‬
‫وهي أن تلبس المرأة ثوبا أبيضا كبيرا ل تستطيع المشي به حتى يحمله معها‬
‫عدد من النساء أو الولد‪ ،‬وتلبس معه شرابا أبيض وقافزين أبيضين كذلك‪ ،‬ثم‬
‫توضع في مكان فسيح وعلى مل من الناس‪ ،‬ثم يدخل عليها الزوج ويسلم‬
‫عليها أمامهم ويعطيها التحف والهدايا ويتبادل معها أطراف الحديث‪ ،‬وربما‬
‫شاركه في هذا أقرباؤه كما هو حاصل في بعض البلد‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي هذا عدة محاذير منها‪:‬‬


‫أن ذلك ليس من عادات المسلمين بل هو من عادات بعض الكافرين‬
‫كما أن فيه إسرافا وبخا وفخفخة ورياء وسمعة‪ ،‬والله تعالى يقول‪) :‬وكلوا‬
‫واشربوا ول تسرفوا إنه ل يحب المسرفين( العراف‪31 :‬‬
‫ثانيا ‪ :‬النصة ‪:‬‬
‫وهو دخول العريس والعروس وجلوسهما في مكان عال بمرأى من جميع‬
‫الحاضرين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفي هذا يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله‪ :‬ومن المور المنكرة التي‬
‫استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة للعروس بين النساء ويجلس‬
‫إليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات‪ ،‬وربما حضر معه غيره من‬
‫أقاربه وأقاربها من الرجال‪ ،‬ول يخفى على ذوي الفطرة السليمة والغيرة‬
‫الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير‪ ،‬وتمكن الرجال الجانب من‬
‫مشاهدة الفاتنات المتبرجات‪ ،‬وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة‪.‬‬
‫فالواجب منع ذلك والقضاء عليه حسما لسباب الفتنة وصيانة للمجتمعات‬
‫النسائية مما يخالف الشرع المطهر( الرسائل والجوبة النسائية‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫ثالثا ‪ :‬خروج النساء متطيبات‪:‬‬
‫ومن منكرات الفراح خروج النساء من بيوتهن متطيبات ‪ ،‬وهن في طريقهن‬
‫إلى العرس يتعرضن للمرور على الرجال‪ ،‬وهذا بل شك حرام‪ .‬عن أبي‬
‫موسى الشعري رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫)أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية(‬
‫رابعا‪ :‬الختلط ‪:‬‬
‫يحدث الختلط عند دخول الزوج وأقاربه وأقارب الزوجة من الرجال عند‬
‫وقت النصة‪ ،‬وهو كذلك منكر‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪) :‬إياكم والدخول‬
‫على النساء فقال رجل‪ :‬أفرأيت الحمو يا رسول الله؟ قال‪ :‬الحمو الموت‬
‫)رواه البخاري ومسلم‪ .‬الحمو أخو الزوج‪.‬‬
‫يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين مبينا آثار هذا الختلط وما يجنيه فاعله‬
‫من سلبيات‪) :‬أيها المؤمنون! تصوروا حال الزوج زوجته حينئذ أمام النساء‬
‫المتجملت المتطيبات ينظرن إلى الزوجين ليشمتن فيهما ‪ -‬إن كانا قبيحين‬
‫في نظرهن‪ -‬ولتتحرك كوامن غرائزهن ‪ -‬إن كانا جميلين في نظرهن‪ -‬تصوروا‬
‫كيف تكون الحال والجمع الحاضر في غمرة الفرح بالعرس وفي نشوة‬
‫النكاح؟ فبالله عليكم ماذا يكون من الفتنة؟ ستكون فتنة عظيمة‪ ،‬ستتحرك‬
‫الغرائز‪ ،‬وستثور الشهوات‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬ثم تصوروا ثانية ماذا ستكون نظرة الزوج إلى زوجته‬
‫الجديدة التي امتل قلبه فرحا بها إذا شاهد في هؤلء النساء من تفوق زوجته‬
‫جمال وشبابا وهيئة؟ إن هذا الزوج الذي امتل قلبه فرحا سوف يمتلئ قلبه‬
‫غما‪ ،‬وسوف يهبط شغفه بزوجته إلى حد بعيد فيكون ذلك صدمة وكارثة بينه‬
‫وبين زوجته( من منكرات الفراح‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫خامسا‪ :‬التصوير‪:‬‬
‫يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين‪) :‬فإني أضيف إلى ما سبق من‬
‫المحاذير التي تقع ليلة الزفاف هذا المحذور العظيم‪:‬‬
‫لقد بلغنا‪ :‬أن من النساء من تصطحب آلة التصوير لتلتقط صور هذا الحفل‪،‬‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول أدري ما الذي سوغ لهؤلء النساء أن يلتقطن صور الحفل لتنشر بين‬
‫الناس بقصد أو بغير قصد؟! أيظن أولئك الملتقطات للصور أن أحدا يرضى‬
‫بفعلهن؟! إنني ل أظن أن أحدا يرضى بفعل هؤلء‪ ،‬إنني ل أظن أن أحدا‬
‫يرضى بفعل هؤلء‪ ،‬إنني ل أظن أن أحدا ً يرضى أن تؤخذ صورة ابنته‪ ،‬أو‬
‫صورة زوجته‪ ،‬لتكون بين أيدي أولئك المعتديات ليعرضنها على من شئن متى‬
‫ما أردن!! هل يرضي أحد منكم أن تكون صور محارمه بين أيدي الناس‪،‬‬
‫لتكون محل للسخرية إن كانت قبيحة‪ ،‬ومثال للفتنة إن كانت جميلة؟!‬
‫ولقد بلغنا‪ :‬ما هو أفدح وأقبح ‪ :‬أن بعض المعتدين يحضرون آلة الفيديو‬
‫ليلقطوا صورة الحفل حية متحركة‪ ،‬فيعرضونها على أنفسهم وعلى غيرهم‬
‫كلما أرادوا التمتع بالنظر إلى هذا المشهد!!‬
‫ولقد بلغنا‪ :‬أن بعض هؤلء يكونون من الشباب الذكور في بعض البلد‬
‫يختلطون بالنساء أو يكونون منفردين‪ ،‬ول يرتاب عاقل عارف بمصادر‬
‫الشريعة ومواردها أن هذا أمر منكر ومحرم وأنه انحدار إلى الهاوية في‬
‫تقاليد الكافرين المتشبهين بهم( من منكرات الفراح‪،‬ص ‪11‬‬
‫من منكرات الوليمة‬
‫أول ‪ :‬دعوة الغنياء وذوي الجاه‪ ،‬وترك الفقراء‪:‬‬
‫وهذا ل يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم )شر الطعام الوليمة يدعى إليها‬
‫الغنياء ويمنعها المساكين‪ ،‬ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله(‬
‫رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم )ل تصاحب إل مؤمنا ول يأكل طعامك‬
‫إل تقي( رواه أبو داود‪ ،‬وإسناده صحيح‬
‫ثانيًا‪ :‬السراف‬
‫ولقد ذم الله السراف في اثنتين وعشرين آية من القرآن‪ ،‬وعاب فاعله‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪) :‬والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما(‬
‫الفرقان‪ 67 :‬وقال عز وجل‪) :‬يبني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا‬
‫واشربوا ول تسرفوا إنه ل يحب المسرفين( العراف‪31 :‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إحضار المغنيين والمغنيات والشرطة التي فيها غناء وموسيقى‬
‫واستخدام المكبرات‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين‪) :‬إن بعض الناس ‪ -‬ليلة الزفاف ‪ -‬يجمع‬
‫المغنيات بأجور كثيرة ليغنين ‪ .‬والغناء ليلة الزفاف ليس بمنكر‪ ،‬وإنما المنكر‬
‫الغناء الهابط المثير للشهوة‪ ،‬الموجب للفتنة‪ .‬وقد كان بعض المغنيات يأخذن‬
‫الغاني المعروفة التي فيها إثارة للشهوات‪ ،‬وفيما إلهاب للغرام والمحبة‬
‫والعشق‪ ،‬ثم إن هناك محذورا آخر يصحب هذا الغناء‪ ،‬وهو ظهور أصوات‬
‫النساء عالية في المكبر‪ .‬فيسمع الرجال أصواتهن ونغماتهن فيحصل بذلك‬
‫الفتنة ل سيما في هذه المناسبة‪ ،‬وربما حصل في ذلك إزعاج للجيران ل‬
‫سيما إن استمر ذلك إلى ساعة متأخرة من الليل‪.‬‬
‫وعلج هذا المنكر أن يقتصر النساء على الضرب بالدف وهو المغطى بالجلد‬
‫من جانب واحد‪ ،‬وعلى الغاني التي تعبر عن الفرح والسرور دون استعمال‬
‫مكبر الصوت‪ ،‬فإن الغناء في العرس والضرب عليه بالدف مما جاءت به‬
‫السنة( من منكرات الفراح‪،‬ص ‪5‬‬
‫وأخيرا ‪ :‬تنبيه على عادتين جاهليتين‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬تهنئة الجاهلية ‪:‬‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فمن العادات المنكرة تهنئة العروسين بقولهم‪) :‬بالرفاء والبنين( يقول‬


‫الدكتور صالح السدلن‪) :‬وهذه الضللة الشائنة والعادة السيئة شاعت في‬
‫عصر الجاهلية وهي تهنئة جاهلية… ولعل الحكمة في النهي عن استعمال هذا‬
‫السلوب في الدعاء للمتزوج بالرفاء والبنين هي ‪ :‬مخالفة ما كان عليه أهل‬
‫الجاهلية لنهم كانوا يستعملون هذا الدعاء‪ ،‬ولما فيه من الدعاء للزوج بالبنين‬
‫دون البنات‪ ،‬ولخلوه من الدعاء للمتزوجين‪ ،‬ولنه ليس فيه ذكر اسم الله‬
‫وحمده والثناء عليه(‪.‬‬
‫وإنما الوارد في السنة أن يقال للعروسين ‪) :‬بارك الله لك وبارك عليك وجمع‬
‫بينكما في خير( الحكام الفقهية للصداق ووليمة العرس‪ ،‬ص ‪ 112‬بتصرف‬
‫الثانية ‪ :‬شهر العسل ‪:‬‬
‫شهر العسل من العادات المنكرة والظواهر السيئة‪ ،‬وهو أن يصحب الزوج‬
‫زوجته ويسافر بها قبل أو بعد الدخول عليها إلى مدينة أو بلد آخر‪ .‬وهو من‬
‫عادات الكفار‪ ،‬ويزيد هذا السفر قبحا إذا كان إلى بلد الكفار إذ يترتب عليه‬
‫مفاسد كثيرة وأضرار تعود على الزوج والزوجة معا‪ ،‬إذ قد يتأثر الزوج‬
‫بمظاهر الكفار من تبرج واختلط وإباحية وشرب خمور وغيرها فيزهد في‬
‫دينه وعاداته الطيبة‪ ،‬وتتأثر المرأة كذلك فتخلع تاج الحياء وتنجرف في تيار‬
‫الفساد‪ .‬وليس قليل إذا قلنا إنه من التشبه بالكفار المنهي عنه شرعا‪.‬‬
‫نسأل الله تعالى أن يقي المسلمين شر هذه المنكرات‪ ،‬ويهدينا جميعا إلى‬
‫سواء الصراط‪ ،‬وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫إعداد القسم العلمي بدار الوطن‬

‫)‪(4 /‬‬

‫من مواقف قريش المضادة للدعوة السلمية في مكة‬


‫رئيسي ‪:‬السيرة ‪:‬الخميس ‪ 13‬شوال ‪1425‬هـ ‪25 -‬نوفمبر ‪ 2004‬م‬
‫مفكرة السلم ‪ :‬تحتاج المة‪ ،‬وهي تتلمس طريقها نحو النهضة إلى ما‬
‫يسمى‪ ':‬بالحس التاريخي' تعي فيه ذاتها وتحقق أصالتها‪ ،‬وأي أمة خلت من‬
‫هذا الحس التاريخي؛ هي أمة تابعة مقلدة لهثة‪ ،‬ل تعي ذاتها وبالتالي ل تملك‬
‫ذاتها‪ ،‬ومصيرها يكون إلى زوال‪.‬‬
‫ودراسة الدعوة السلمية في مراحلها الولى طريق إلى إيجاد الحس‬
‫التاريخي في هذه المة‪ ،‬وإنعاشه وبلورته إلى عمل فّعال في استثارة كوامن‬
‫الطاقات السلمية وتجميعها وتوجيهها نحو الخير والعطاء‪ .‬وقد واجهت‬
‫الدعوة السلمية من اللحظة الولى لظهورها الوثنية وتزعمتها قريش‪،‬‬
‫وبشكل خاص بعد أن اعَتنق الدعوة كثير من أهل الفضل منهم‪ ،‬ووقفوا في‬
‫سبيلها بمختلف الوسائل‪ ،‬ومن هذه الوسائل‪:‬‬
‫‪ -1‬اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بمختلف التهم ليبعدوا الناس عنه‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫طيُر اْلوِّلي َ‬
‫ن‬ ‫سا ِ‬ ‫فكانوا يقولون‪':‬هذا أساطير الولين'‪ ,‬قال تعالى‪}:‬وََقاُلوا أ َ‬
‫صيًل]‪]{[5‬سورة الفرقان[‪ .‬ونعتوا الرسول‬ ‫َ‬
‫مَلى عَل َي ْهِ ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬ ‫ي تُ ْ‬ ‫اك ْت َت َب ََها فَهِ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم بالكاهن حينًا‪ ،‬والكاذب المفتري حينًا‪ ،‬والمتعلم‬
‫المقتبس من غيره حينًا‪ ,‬وظلوا يكّررون ذلك حتى آخر العهد المكي‪ ,‬قال‬
‫ب]‪{[4‬‬ ‫حٌر ك َ ّ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫سا ِ‬
‫ذا َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫من ْذٌِر ِ‬ ‫م ُ‬‫جاَءهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جُبوا أ ْ‬ ‫تعالى‪}:‬وَعَ ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ذا إ ِل إ ِفْك افْت ََراه ُ وَأ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫]سورة ص[‪ .‬وقال سبحانه‪ }:‬وََقا َ‬
‫عان َ ُ‬ ‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬
‫ما وَُزوًرا]‪]{[4‬سورة الفرقان[‪ .‬ووصفوا‬ ‫جاُءوا ظ ُل ْ ً‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫مآ َ‬ ‫عَل َي ْهِ قَوْ ٌ‬
‫ذا إ ِّل‬‫ن هَ َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬‫حق ّ ل َ ّ‬ ‫فُروا ل ِل ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫القرآن بالسحر‪ ،‬قال تعالى‪...}:‬وََقا َ‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن]‪]{[43‬سورة سبأ[‪.‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ِ‬


‫جون الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫حجاج‪ ،‬فكانوا يحا ّ‬ ‫‪ -2‬اتبعوا أسلوب ال ِ‬
‫وهو أسلوب أهل الكتاب‪،‬‬
‫كوا‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ َ‬ ‫س‬ ‫الحجاج‪}:‬‬ ‫في‬ ‫أسلوبهم‬ ‫ين‬ ‫ّ‬ ‫يب‬ ‫وتعالى‬ ‫ومن قوله سبحانه‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ك ك َذ ّ َ‬ ‫يٍء ك َذ َل ِ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫حّر ْ‬ ‫شَرك َْنا وََل آَباؤَُنا وََل َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ل َوْ َ‬
‫ن إ ِّل‬ ‫ْ‬
‫ن ت َت ّب ُِعو َ‬ ‫جوهُ ل ََنا إ ِ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫عل ْم ٍ فَت ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫سَنا قُ ْ‬ ‫حّتى َذاُقوا ب َأ َ‬ ‫م َ‬ ‫قَب ْل ِهِ ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ن]‪]{[148‬سورة النعام[‪ .‬وقوله تعالى‪ }:‬وََقالوا َ‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م إ ِل ت َ ْ‬ ‫ن أن ْت ُ ْ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫الظ ّ ّ‬
‫ن‬‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫م ب ِذ َل ِ َ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ما ي ُهْل ِك َُنا إ ِّل الد ّهُْر وَ َ‬ ‫حَيا وَ َ‬ ‫ت وَن َ ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي إ ِّل َ‬ ‫هِ َ‬
‫ُ‬
‫ن َقالوا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل أ ْ‬ ‫جت َهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ت َ‬ ‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫ن ]‪ [24‬وَإ َِذا ت ُت ْلى عَلي ْهِ ْ‬ ‫م إ ِل ي َظّنو َ‬ ‫هُ ْ‬
‫ن]‪]{[25‬سورة الجاثية[‪.‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ائ ُْتوا ِبآَبائ َِنا إ ِ ْ‬
‫ديه‪ :‬فقد طالبوه بالمعجزات واليات‬ ‫‪ -3‬مطالبة الرسول بالمعجزات وتح ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫جَر لَنا ِ‬ ‫َ‬ ‫ف ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن لك َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫برهانا ً على صدق دعواه‪ ،‬قال سبحانه‪}:‬وََقالوا ل ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫خَلل ََها‬ ‫جَر اْلن َْهاَر ِ‬ ‫َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب فَت ُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫عن َ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫خي‬‫ن نَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ة ِ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫كو َ‬ ‫عا]‪[90‬أ َوْ ت َ ُ‬ ‫ض ي َن ُْبو ً‬ ‫اْل َْر‬
‫ط السماَء ك َما زعمت عل َينا كس ً َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫مَلئ ِك َ ِ‬
‫ة‬ ‫ي ِبالل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫فا أوْ ت َأت ِ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َْ ِ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ق َ‬ ‫س ِ‬ ‫جيًرا]‪[91‬أوْ ت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن ل ُِرقِي ّكَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫م َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫ماِء وَل ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف أوْ ت َْرقى ِفي ال ّ‬ ‫خُر ٍ‬ ‫ن ُز ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن لك ب َي ْ ٌ‬ ‫قَِبيل]‪[92‬أوْ ي َكو َ‬
‫سوًل]‪{[92‬‬ ‫شًرا َر ُ‬ ‫ت إ ِّل ب َ َ‬ ‫ل ك ُن ْ ُ‬ ‫ن َرّبي هَ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قَرؤُهُ قُ ْ‬ ‫ل عَل َي َْنا ك َِتاًبا ن َ ْ‬ ‫حّتى ت ُن َّز َ‬ ‫َ‬
‫]سورة السراء[‪.‬‬
‫‪ -4‬محاولة استمالة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإقناعه بالعدول عن‬
‫الدعوة‪ :‬فقد عرض عليه زعماء قريش الملك والمال والنساء‪ ،‬أرسلوا إليه‬
‫عتبة بن ربيعة سيد قومه‪ ،‬فذهب إليه وهو يصلي في المسجد فقال له‪' :‬يا‬
‫ابن أخي‪ ،‬إنك منا حيث قد علمت‪ ،‬من خيارنا حسبا ً ونسبًا‪ ،‬وإنك قد أتيت‬
‫قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم‪ ،‬وسفهت به أحلمهم‪ ،‬وعبت به آلهتهم‬
‫ودينهم‪ ،‬وكفرت به من مضى من آبائهم‪ ،‬فاسمع مني أعرض عليك أمورا‬
‫تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها‪ :‬إن كنت تريد بما جئت به من هذا المر مال ً‬
‫ودناك‬ ‫ل‪ ،‬وإن كنت تريد شرفا ً س ّ‬ ‫جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا ما ً‬
‫علينا حتى ل نقطع أمرا ً دونك‪ ،‬وإن كنت تريد ملكا ً ملكناك علينا‪ ،‬وإن كان هذا‬
‫الذي يأتيك رئًيا من الجن ل تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطبيب‪ ,‬وبذلنا‬
‫فيه أحوالنا حتى نبرئك منه‪'...‬إلخ القصة‪.‬‬
‫فهكذا كان زعماء قريش يحاولون إقناع محمد صلى الله عليه وسلم بالعدول‬
‫عن الدعوة‪ ،‬أو التنازل عن شيء منها مقابل تنازلهم عن أشياء‪ ،‬فكان قوله‬
‫ن]‪]{[9‬سورة القلم[‪ .‬فثبت الرسول أصحابه‬ ‫ن فَي ُد ْهُِنو َ‬ ‫تعالى‪}:‬وَّدوا ل َوْ ت ُد ْهِ ُ‬
‫في الموقف الذي ل يحتمل مساومة‪ ،‬ول تعددًا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -5‬أسلوب التعذيب‪ :‬لما رأى زعماء قريش إصرار الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وانتشار السلم؛ توجهوا إلى مقاومة السلم عن طريق تعذيب العبيد‬
‫والضعفاء من المسلمين؛ ليعودوا إلى الشرك‪ ،‬وليحولوا دون إسلم المزيد‪،‬‬
‫فكان من صور هذا التعذيب‪ :‬أن يعّرى صدر المسلم‪ ،‬ويطرح فوق الرمال‬
‫المتوهجة من شدة حرارة الشمس‪ ،‬ويوضع على أجسادهم الصخور الثقيلة‪،‬‬
‫ويمنع عنهم الماء والطعام‪ ،‬وتقّيد أيديهم وأرجلهم بقيود الحديد‪ ،‬ويجلدون‬
‫دا‪ ،‬فزهقت أرواح بعضهم‪.‬‬ ‫دا شدي ً‬
‫بالسياط جل ً‬
‫ومن بين الذين تعرضوا لمثل هذا العذاب‪ :‬ياسر وزوجته سمية‪ ،‬وابنهما عمار‪،‬‬
‫وبلل بن رباح‪ ,‬وخباب بن الرت‪ ،‬فكان المشركون يخرجون ياسرا ً وزٍوجة‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وابنه إلى البطح إذا حميت الرمضاء ويعذبونهم بحّرها‪ ،‬فيمر الرسول صلى‬
‫ة[ رواه الحاكم‬ ‫جن ّ ُ‬
‫م ال َ‬‫عد َك ُ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫سرٍ َفإ ّ‬
‫ن َ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫صب ًْرا آ َ َ‬‫الله عليه وسلم‪ ،‬فيقول‪َ ] :‬‬
‫والطبراني في الكبير والوسط والبيهقي في شعب اليمان‪ .‬وقد مات ياسر‬
‫ذب‪ ،‬وأما زوجه فقد طعنها أبو جهل بحربة فقتلها‪.‬‬ ‫وهو يع ّ‬
‫مل أنواع الذى‪،‬‬ ‫سك بالعقيدة‪ ،‬وتح ّ‬ ‫دا للتم ّ‬ ‫وقد ضرب المسلمون مثل ً خال ً‬
‫ض المسلمين الغنياء ‪-‬وخاصة أبا بكر‪ -‬يشترون‬ ‫والتضحية بالنفس‪ ،‬وكان بع ُ‬
‫الرقاء المضطهدين من مالكيهم‪ ،‬وينقذونهم‪.‬‬
‫ثم خطا المشركون خطوة أخرى في التعذيب‪ :‬فأخذوا يعتدون على‬
‫المسلمين جميًعا ودون تمييز حتى شمل العتداء ذوي الثراء والوجاهة‬
‫والقوة‪ :‬كأبي بكر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬والزبير‪ ،‬وطلحة‪ ،‬وأبي عبيدة‪ ،‬وعثمان بن‬
‫مظعون‪ ،‬فقد شد ّ نوفل بن خويلد وكان يسمى ]أسد قريش[ أبا بكر وطلحة‬
‫القرشيين بحبل واحد‪ ،‬فسميا القرينين‪ ,‬وعذب أبو أحيحة ابنه خالد بن سعيد‬
‫بن العاص‪ ،‬فكان يضربه بقراعة في يده حتى يكسرها على رأسه‪ ،‬ثم يأمر‬
‫بحبسه ويضّيق عليه‪ ،‬ويجيعه ويعطشه‪ ،‬حتى لقد مكث في حر مكة ثلثا ً ما‬
‫ذاق ماًء‪.‬‬
‫ونتيجة لتعرض المسلمين جميعا للعذاب أذن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ً‬
‫وسلم لصحابه بالهجرة إلى الحبشة في السنة الخامسة من بعثته‪.‬‬
‫‪ -6‬تهديد الرسول صلى الله عليه وسلم بالكف عن دعواه‪ ،‬والعدوان عليه‪:‬‬
‫حين باءت أساليب مقاومة كفار قريش بالفشل؛ لجأوا إلى عمه أبي طالب‪،‬‬
‫فه‬‫ب آلهتنا‪ ،‬وعاب ديننا‪ ،‬وس ّ‬ ‫وقال زعماؤهم‪' :‬يا أبا طالب إن ابن أخيك قد س ّ‬
‫فه عنا‪ ،‬وإما أن تخّلي بيننا وبينه'‪ .‬فرّدهم أبو طالب رد ّا ً‬ ‫أحلمنا‪ ،‬فإما أن تك ّ‬
‫جميل ً دون أن يتوقف صلى الله عليه وسلم عن نشاطه‪ ،‬أو يتهاون في‬
‫الدعوة‪.‬‬
‫فعاودوا الكرة‪ ،‬وخاطبوا أبا طالب بلهجة المتوعد المهدد‪ ،‬وأنهم لن يصبروا‬
‫ما يقول‪ ،‬أو ينازلوه وإياه حتى يهلك‬ ‫على هذا الحال‪ ،‬وخيّروه بين أن يمنعه ع ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أحد الطرفين‪ ،‬فعظم المر على أبي طالب فكلم محمدا صلى الله عليه‬
‫وسلم بما جاء به إليه قومه وقال له‪:‬‬
‫ي وعلى نفسك‬ ‫'يا ابن أخي‪ ،‬إن قومك جاءوني وقالوا لي كذا وكذا‪ ،‬فأبق عل ّ‬
‫ول تحملني من المر مال أطيق'‪ .‬فكان رد ّ المبّلغ الداعية إلى الحقّ الذي‬
‫ل؛‬ ‫يحمل نفسا ً أبّية ل تعرف الذل‪ ،‬ول تنحني للوهن‪ ،‬ينظر إلى خصمه من ع ٍ‬
‫لنه يستمد القوة من عزيز حكيم‪ ،‬ينظر إلى زخارف الدنيا وكأنها أوراق‬
‫الخريف تتطاير في الهواء‪ ،‬ويحتقر أبهة المشرك وعظمته‪ ،‬يستعلي على‬
‫الدنيا بإيمانه‪ ،‬فهو على الحق وان لقي العنت الشديد‪ ,‬قال صلى الله عليه‬
‫شعْل َ ً‬ ‫َ‬ ‫وسلم‪] :‬ما أ َنا بأ َقْدر عََلى أ َ َ‬
‫ة‪-‬‬ ‫شعُِلوا ِلي ِ‬
‫من َْها ُ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫ك عََلى أ َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫ن أد َع َ ل َك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ِ َِ‬
‫س‪ [ -‬رواه أبويعلى وابن عساكر‪ .‬فطمأنه أبو طالب ووعده‬ ‫م َ‬ ‫ي َعِْني ال ّ‬
‫ش ْ‬
‫الستمرار في حمايته‪.‬‬
‫فعاد زعماء قريش إلى أبي طالب يعرضون عليه عمارة بن الوليد أوسم‬
‫شباب قريش ليسلموه إليه على أن يسلمهم محمدا ً صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فردهم ساخرا ً بقوله‪' :‬بئس ما تسومونني‪ ،‬أتعطونني ابنكم أغذوه لكم‪،‬‬
‫وأعطيكم ابني تقتلونه!!'‪ .‬فاتجه بعضهم إلى إنزال الذى بالرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم مباشرة‪ ،‬ومن الذين اشتدوا في إيذائه صلى الله عليه وسلم‪ :‬أبو‬
‫ن‬
‫جهل‪ ،‬وأبو لهب عمه‪ ،‬وأم جميل زوجة أبي لهب‪ ،‬وعقبة بن أبي معيط‪ ،‬ولك ّ‬
‫ف القرشيين عن بعض ما كانوا ينالون به‬ ‫إسلم حمزة‪ ،‬ثم عمر بن الخطاب ك ّ‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى خوفا ً منهما‪ .‬وفي أثناء ذلك استمر‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دد بهم‪ ،‬وينذرهم‬


‫القرآن الكريم يرّدد مشاهد الشدة والعنف مع المشركين ين ّ‬
‫بسوء المصير‪ ،‬ويصّبر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين‪ ،‬ويعدهم‬
‫بالنصر والتأييد‪ ،‬وحسن العاقبة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -7‬أسلوب المقاطعة‪ :‬إزداد حنق المشركين من قريش إزاء صبر الرسول‬


‫صلى الله عليه وسلم والمسلمين على الذى والتعذيب وإصرارهم في‬
‫المضي بالدعوة‪ ،‬وإزاء فشو السلم في القبائل‪ ،‬فاجتمعوا وائتمروا‪ ،‬وقرروا‬
‫مقاطعة المسلمين وبني هاشم دون أبي لهب‪ ،‬فل يتزوجون منهم ول‬
‫يزّوجونهم‪ ،‬ول يبيعون لهم شيئًا‪ ،‬ول يشترون منهم‪ ،‬وتعاهدوا وتواثقوا على‬
‫ذلك‪ ،‬وعلقوا صحيفة المقاطعة بالكعبة‪ .‬فاضطر بنو هاشم وبنو عبد المطلب‬
‫إلى النزوح إلى شعب أبي طالب شرقي مكة‪ ،‬وقطعت عنهم قريش كل‬
‫أنواع المؤن‪ ،‬ولم يكن يتاح لهم الختلط بغيرهم من الناس إل في الشهر‬
‫ً‬
‫الحرم حين يفد العرب إلى مكة لزيارة البيت الحرام‪ ,‬وبلغ بهم الجهد حد ّا ل‬
‫يطاق‪ ،‬فذاقوا الجوع والحرمان حوالي ثلث سنوات ل يصل إليهم القوت إل‬
‫خفية‪.‬‬
‫وأخيرا أخذت الحمية والرأفة نفرا من القرشيين منهم‪ :‬هشام بن عمرو بن‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الحارث العامري‪ ,‬وزهير بن أمية بن المغيرة المخزومي‪ ,‬والمطعم بن عدي‬
‫بن نوفل بن عبد مناف‪ ,‬وأبو البختري ابن هشام‪ ,‬والسود بن عبد المطلب‬
‫بن أسد‪ ,‬وتعاهدوا على نقض الصحيفة رغم اعتراض أبي جهل‪ ,‬وخرجوا إلى‬
‫بني هاشم‪ ،‬وبني عبد المطلب‪ ،‬وطلبوا منهم العودة إلى منازلهم وشقوا‬
‫الصحيفة‪ ،‬فوجدوا الرض قد أكلتها إل ما كان من‪' :‬باسمك اللهم‪ ,‬وهي فاتحة‬
‫ما كانت تكتب قريش'‪.‬‬
‫‪ -8‬القتل أو الحبس أو النفي‪:‬اجتمع مشركوا قريش في دار الندوة‪ ،‬فتشاوروا‬
‫في أمر الدعوة السلمية‪ ،‬ففكروا في ثلث وسائل‪ ،‬وهي‪ :‬حبسه صلى الله‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مك ُُر ب ِ َ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬أو اغتياله‪ ،‬أو نفيه‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن]‬‫ري َ‬
‫ماك ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫خي ُْر ال َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ه َوالل ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫ن وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬
‫ك وَي َ ْ‬ ‫ك أ َوْ ي ُ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫ك أ َوْ ي َ ْ‬
‫قت ُُلو َ‬ ‫ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬
‫‪]{[30‬سورة النفال[‪ .‬واتفق رأيهم أخيرا ً على قتله شريطة اشتراك شبان‬
‫من مختلف بيوتات قريش؛ حتى يتوزع دمه فل يستطيع آله المطالبة بدمه‪.‬‬
‫علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فخرج من داره ليل ً بعد أن ترك‬
‫علًيا ليقوم بتأدية المانات‪ ،‬وشق طريقه مع صاحبه أبي بكر‪ -‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫إلى المدينة المنورة لتتشرف باستقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وتبدأ الدعوة مرحلة جديدة مليئة بالكفاح والنضال والجهاد‪.‬‬
‫من‪':‬من مراحل الدعوة السلمية في مكة' للدكتور‪ /‬جميل عبد الله المصري‬

‫)‪(3 /‬‬

‫من نحن ومن الخر؟!‬


‫ً‬
‫الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما‪ -‬وصلى الله‬
‫وسلم‪ -‬وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد الذي تركنا على المحجة البيضاء‬
‫ليلها كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فإن القيام بالعبودية الحقة لله عز وجل ل يتم إل بالخلص له سبحانه في‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبادته‪ ،‬وأن تكون العبادة على بصيرة واتباع لما جاء به الرسول‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،-‬وإن البصيرة في الدين ل تتحقق مادام الباطل ملتبسا بالحق‪،‬‬
‫وبمعنى أخر‪ ،‬فإن البصيرة في الدين ل تحصل إل بوضوح الحق وتنقيته من‬
‫ي(( ) البقرة‪:‬‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫شد ُ ِ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫الباطل الملتبس به‪ ،‬قال تعالى‪َ )) :‬قد ت ّب َي ّ َ‬
‫‪. (256‬‬
‫َ‬
‫ن(( )يونس‪.(32 :‬‬ ‫صَرُفو َ‬ ‫ل فَأّنى ت ُ ْ‬ ‫ضل َ ُ‬ ‫حقّ إ ِل ّ ال ّ‬ ‫ماَذا ب َعْد َ ال ْ َ‬ ‫وقال سبحانه‪ )) :‬فَ َ‬
‫لذا كان لزاما على العبد أن يعرف الحق بدليله ما أمكن‪ ،‬وأن يزيل عنه‬
‫الباطل الذي علق به‪ ،‬وذلك حتى يأتي بالعبادة على وجهها المقبول عند الله‬
‫عز وجل‪ ،‬وإن من أعظم الفتن التي يفتن الشيطان بها العباد فتنة التزيين‪،‬‬
‫شَرك‬ ‫ولبس الحق بالباطل‪ ،‬واتباع الهوى في ذلك‪ ،‬ولقد وقع في هذا ال ّ‬
‫العظيم كثير من الناس بعضهم عن علم وبعضهم عن جهل‪ ،‬وقد كثر اللبس‬
‫والتضليل في عصرنا الحاضر؛ حيث ظهرت وسائل ماكرة ومضللة لبست‬
‫على الناس دينهم وخلطت الحق بالباطل‪ ،‬بل وصل المر لدرجة قلب‬
‫الحقائق‪ ،‬وإظهار الحق في صورة الباطل‪ ،‬والباطل في صورة الحق‪ ،‬وتعاون‬
‫ل غُُروًرا ((‬ ‫قو ْ ِ‬‫ف ال ْ َ‬ ‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ َ‬ ‫حي ب َعْ ُ‬ ‫شياطين الجن والنس ‪ُ )) :‬يو ِ‬
‫) النعام‪. (112 :‬‬
‫في وضع هذا التلبيس في قوالب من القوال مزخرفة وألفاظ خادعة‪،‬‬
‫ل بسبب ذلك كثير من الناس ‪.‬‬ ‫وتسمية للسماء بغير مسمياتها‪ ،‬فض ّ‬
‫وإننا في زماننا هذا لنرى صورا ً كثيرة من لبس الحق بالباطل‪ ،‬وصورا ً من ل ّ‬
‫ي‬
‫أعناق النصوص‪ ،‬وصورا ً كثيرة من المغالطات والخداع والحيل المحرمة‬
‫المفتراة على دين الله عز وجل‪ ،‬فكان لزاما على الدعاة والعلماء أن يحذروا‬
‫بأنفسهم من الوقوع في هذه المزالق وأن ل يسكتوا عليها بل يجب عليهم أن‬
‫يكشفوها للناس ويحذروهم منها‪ ،‬وأن ل يدعوهم لهل الهواء يلبسون عليهم‬
‫دينهم‪ ،‬ويحّرفون الكلم عن مواضعه وهذا ما أخذه الله عز وجل على أهل‬
‫خذ َ الل ّه ميَثاقَ ال ّذي ُ‬ ‫العلم بقوله‪ )) :‬وَإ ِذ َ أ َ َ‬
‫س وَل َ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ب ل َت ُب َي ّن ُن ّ ُ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ ِ‬
‫ه (( )آل عمران‪. (187 :‬‬ ‫ت َك ْت ُ ُ‬
‫مون َ ُ‬
‫وإن كل من لبس على الناس دينهم أو كتم الحق عنهم ففيه شبه ممن‬
‫َ‬
‫م‬‫حقّ وَأنت ُ ْ‬ ‫موا ْ ال ْ َ‬ ‫ل وَت َك ْت ُ ُ‬ ‫حقّ ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫سوا ْ ال ْ َ‬ ‫زجرهم الله عز وجل بقوله ‪ )) :‬وَل َ ت َل ْب ِ ُ‬
‫ن(( )البقرة‪. (42 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫يقول المام ابن القيم رحمه الله تعالى‪ :‬عند هذه الية ) نهى عن لبس الحق‬
‫بالباطل وكتمانه ولبسه به‪ :‬خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالخر‪ ،‬ومنه‬
‫التلبيس‪ :‬وهو التدليس والغش الذي يكونه باطنه خلف ظاهره؛ فكذلك الحق‬
‫إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحق‪ ،‬وتكلم بلفظ‬
‫له معنيان ‪ :‬معنى صحيح‪ ،‬ومعنى باطل‪ ،‬فيتوهم السامع أنه أراد المعنى‬
‫الصحيح‪ ،‬ومراده الباطل‪ ،‬فهذا من الجمال في اللفظ [الصواعق المرسلة‬
‫‪.]3/926‬‬
‫ويقول في موطن آخر‪) :‬وكم من مسألة ظاهرها ظاهر جميل‪ ،‬وباطنها مكر‬
‫وخداع وظلم ؟ فالغبي ينظر إلي ظاهرها ويقضي بجوازه‪ ،‬وذو البصيرة يتفقد‬
‫مقصدها وباطنها‪ ،‬فالول يروج عليه زغل المسائل كما يروج على الجاهل‬
‫بالنقد زغل الدراهم ‪ ،‬والثاني يخرج زيفها كما يخرج الناقد زيف النقود‪ ،‬وكم‬
‫من باطل يخرجه الرجل يحسن لفظه وتنميقه وإبرازه في صورة حق‪ ،‬وكم‬
‫من حق يخرجه بتهجينه‪ ،‬وسوء تعبيره في صورة باطل؟ ومن له أدنى فطنة‬
‫وخبره ل يخفى عليه ذلك( [أعلم الموفقين ‪.َ]4/229‬‬
‫وإن ما يطرح اليوم في وسائل العلم وبعض الحوارات والندوات من تلعب‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالمصطلحات والمسميات ل يقف خطرها على اللفاظ فحسب بل تجاوزه‬


‫إلى المضامين والصول والثوابت‪ ،‬ومع ذلك لم يتصد لخطرها والرد عليها إل‬
‫أفراد قلئل لم تبلغ ردودهم حد الكفاية في العذار والنذار‪ ،‬مع أن المر من‬
‫الخطورة بحيث يجب التصدي له من قبل أهل العلم والدعوة وأن يبلغوه‬
‫للمسلمين في الوسائل المتاحة ليدركوا خطره وليحذروا من الوقوع في‬
‫زخرف الملبسين وتضليل المضللين وبخاصة أن المر يتعلق بأصول هذا‬
‫الدين وثوابته وليس بفروعه وجزئياته‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإن من المصطلحات التي تطرح اليوم طرحا انهزاميا ينم عن الشعور‬
‫بالمهانة والذلة والحرج‪ ،‬من أصول هذا الدين ما يعمل له اليوم من حوارات‬
‫ولقاءات صحفية ومؤتمرات تدور حول مصطلح )نحن والخر(‪.‬‬
‫فما هو المقصود بمصطلح )نحن والخر( ؟‬
‫إن هذا المصطلح من المصطلحات الغامضة الحمالة لمعاني مختلفة‪ ،‬ولعل‬
‫ذلك مقصود ممن هم وراء طرحه وإثارته‪ ،‬ولذلك لبد من تحرير هذا‬
‫المصطلح‪ ،‬وكشف أبعاده ليتعرى الملبسون المضللون الذين يعنون ما‬
‫يقولون‪ ،‬وليحذر الذين غرر بهم بتبني هذا المصطلح من بعض أهل العلم‬
‫والدعوة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولتحرير هذا المصطلح والهدف من طرحه نستعرض المعاني المستعملة‬


‫التي ل يخرج عنها تفسير هذا المصطلح‪.‬‬
‫الستعمال الول‪ :‬وهو ما ذكره المجتمعون في اللقاء الوطني الخامس‬
‫للحوار الفكري المنعقد في أبها في الفترة من ‪11‬ـ ‪13/11/26‬هـ حيث جاء‬
‫في بيانهم الختامي تعريفهم لهذا المصطلح بقولهم‪) :‬وقد أتجه المجتمعون‬
‫إلى التعبير بأن المقصود بـ)نحن( أي‪ :‬المواطنين السعوديين الذين يجمعهم‬
‫دين واحد هو السلم‪ ،‬ووطن واحد هو المملكة العربية السعودية‪ ،‬وله أراء‬
‫وتوجهات متنوعة‪) ،‬والخر( هو المجتمعات النسانية الخرى بجميع أديانها‬
‫وحضاراتها وأوطانها( ول يخفى ما في هذا الكلم من أبعاد خطيرة تبينها‬
‫المناقشات التالية‪.‬‬
‫ل‪ :‬قولهم بأن المقصود بـ)نحن(‪ :‬المواطنين السعوديين ‪ ...‬الخ‪ ،‬و)الخر(‪:‬هو‬ ‫أو ً‬
‫المجتمعات النسانية الخرى ‪ ...‬الخ ( ‪ .‬إن في هذا القول مزلقا ً عظيما ً‬
‫وتجاهل ً واضحا ً لعقيدة الولء والبراء في هذا الدين‪ ،‬فالله عز وجل يقول‪:‬‬
‫ض (( )النعام‪. (14 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ت َوال َْر‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خذ ُ وَل ِّيا َفاط ِرِ ال ّ‬ ‫ل أ َغَي َْر الل ّهِ أ َت ّ ِ‬
‫)) قُ ْ‬
‫َ‬
‫ك((‬ ‫ن أهْل ِ َ‬
‫م ْ‬‫س ِ‬‫ه ل َي ْ َ‬
‫ويقول سبحانه عن نبيه نوح عليه السلم مع ابنه )) إ ِن ّ ُ‬
‫)هود‪. ( 46:‬‬
‫ة(( )الحجرات‪. (10 :‬‬ ‫خو َ ٌ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ْ‬
‫ما ال ُ‬ ‫ويقول سبحانه ))إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض (( )التوبة‪:‬‬ ‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬‫مَنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن َوال ُ‬‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ويقول عز وجل ))َوال ُ‬
‫‪. (71‬‬
‫وفي ضوء هذه اليات وأمثالها من القرآن الكريم يتبين المزلق الكبير لتعريف‬
‫) نحن( و)الخر( إذ كيف تحصر كلمة) نحن( في المواطنين السعوديين الذين‬
‫يجمعهم دين واحد ووطن واحد ‪ ...‬الخ‪ ،‬إذن فأين محل إخواننا المسلمين في‬
‫الوطان الخرى‪ ،‬ومن بينهم العلماء والعباد والمجاهدين والدعاة‬
‫والمصلحين ؟ وهل هؤلء يخرجون من دائرة )نحن(؟ أين الولء والموالة بين‬
‫المؤمنين إذا ساويناهم بالخر الكافر أو الملحد والمنافق ممن يعيشون خارج‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوطن‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬وقالوا في تعريف من )نحن(؛ بأنهم )الذين ينتسبون إلى السلم في‬
‫الوطن الواحد وإن تنوعوا مذهبيا ً وفكريا وثقافيا ً واجتماعيا‪ ،‬فل يجوز‬
‫استخدامه لختراق الوحدة الوطنية( ‪ ،‬إنه ل يخفى ما في ذلك من خرق‬
‫لعقيدة الولء والبراء في هذا الدين‪ ،‬فكم في الوطن الواحد من العقائد‬
‫الباطلة الكفرية التي يخرج صاحبها من السلم؛ كمن يعبد غير الله عز وجل‬
‫ويستغيث به ويدعي أن غير الله تعالى يعلم الغيب كغلة الشيعة والصوفية‪،‬‬
‫وكم في الوطن الواحد من يكفر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ويعاديهم‪ ،‬ويقذف نساء النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬العفيفات الطاهرات‪،‬‬
‫وكم في الوطن الواحد من المنافقين الذين يبطنون العداء للسلم وأهله‬
‫ويوالون الغرب وأهله‪ ،‬فهل هؤلء هم منا ونحن منهم لننا وإياهم نعيش في‬
‫وطن واحد ؟ إننا بهذا الفهم نعود إلى صورة من صور الجاهلية الولى التي‬
‫جاء هذا الدين للقضاء عليها وجعل رابطة العقيدة واليمان فوق كل رابطة‬
‫يعادى من أجلها ويوالى من أجلها ويحب من أجلها ويبغض من أجلها‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬من تعزى بعزاء أهل الجاهلية فأعضوه هن أبيه‬
‫ول تكنوا(( ‪.‬‬
‫فسمع أبي بن كعب رجل ً يقول‪ :‬يا لفلن ! فقال‪ :‬أعضض أير أبيك فقال‪ :‬يا أبا‬
‫المنذر! ما كنت فاحشًا‪ ،‬فقال بهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫رواه أحمد في مسنده )‪ (20728‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة )‬
‫‪.(269‬‬
‫ويشرح شيخ السلم هذا الحديث فيقول‪) :‬ومعنى قوله‪ :‬من تعزى بعزاء‬
‫الجاهلية( يعني يتعزى بعزؤاهم‪ ،‬وهي النتساب إليهم في الدعوة‪ ،‬مثل قوله‪:‬‬
‫يا لقيس! يا ليمن! ويا لهلل! ويا لسد‪ ،‬فمن تعصب لهل بلدته‪ ،‬أو مذهبه‪ ،‬أو‬
‫طريقته‪ ،‬أو قرابته‪ ،‬أو لصدقائه دون غيرهم كانت فيه شعبة من الجاهلية‪،‬‬
‫حتى يكون المؤمنون كما أمرهم الله تعالى معتصمين بحبله وكتابه وسنة‬
‫رسوله( مجموع الفتاوى ‪.28/422‬‬
‫واليات في كتاب الله عز وجل كثيرة تلك التي تركز على عقيدة الولء‬
‫والبراء‪ ،‬وأنها هي الصل في رابطة الحب والبغض والجتماع والفتراق‪،‬‬
‫كانت ل َك ُ ُ‬
‫ه إ ِذ ْ‬
‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفي إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬‫سوَة ٌ َ‬‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫وأكتفي بقوله تعالى‪ )) :‬قَد ْ َ َ ْ‬
‫دا ب َي ْن ََنا‬
‫م وَب َ َ‬ ‫ن الل ّهِ ك َ َ‬
‫فْرَنا ب ِك ُ ْ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬‫ما ت َعْب ُ ُ‬
‫م ّ‬‫م وَ ِ‬‫منك ُ ْ‬
‫م إ ِّنا ب َُراء ِ‬ ‫مهِ ْ‬‫قو ْ ِ‬‫َقاُلوا ل ِ َ‬
‫َ‬
‫حد َه ُ (( )الممتحنة‪. (4 :‬‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَ ْ‬
‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫دا َ‬ ‫داوَة ُ َوال ْب َغْ َ‬
‫ضاء أب َ ً‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫وَب َي ْن َك ُ ُ‬
‫هذه هي الملة البراهيمية وهذا هوا الدين المحمدي‪ ،‬فهل أصبحت الوحدة‬
‫الوطنية هي صاحبة السيادة العليا التي يعقد عليها الولء والبراء‪ ،‬إن مما‬
‫تعلمناه من كتاب ربنا عز وجل وسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫وأقوال سلفنا الصالح أن الصل الذي يقوم عليه الولء والوحدة والتلف هوا‬
‫التوحيد والبراءة من الشرك وأهله‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وإل فل وحدة ول اجتماع‪ ،‬بل المفاصلة والبراءة‪ ،‬إذا ً فكيف يقول القوم‬
‫هداهم الله عز وجل بأن التنوع المذهبي أو الفكري أو الثقافي ل يجوز‬
‫استخدامه لختراق الوحدة الوطنية( ؟ هل يعني هذا أن الوحدة الوطنية فوق‬
‫عقيدة التوحيد‪ ،‬وعلى حساب عقيدة الولء والبراء ؟ إن مصطلح التنوع‬
‫المذهبي أو الفكري أو الثقافي من المصطلحات العائمة الغامضة‪ ،‬لكن‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللبيب يعرف ما المقصود منها؛ إنها تعني أن أي مذهب عقدي شركي أو‬
‫بدعي فما دام أنه داخل الوطن الواحد فينبغي العتراف به وعدم الفتراق‬
‫معه ضمانا ً للوحدة الوطنية‪ ،‬وهذا مخالف لدين نبينا محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم وللملة البراهيمية‪ ،‬حيث ل ولء ول محبة لمشرك‪ ،‬وعليه فإن من يعبد‬
‫عليا ً أو الحسين رضي الله عنهما( ويسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ليس بأخ لنا‪ ،‬وإن الصوفي الخرافي الذي يطوف بالقبور ويستغيث‬
‫بأهلها ليس بأخ لنا‪ ،‬وأن الليبرالي المنافق الذي يبطن كره السلم وأحكامه‪،‬‬
‫ويدعو إلى محاكاة الغرب الكافر وتشريعاته ليس بأخ لنا‪ ،‬إن الوحدة الوطنية‬
‫يجب أن تخضع لعقيدة التوحيد وليس العكس الذي تكون فيه الوحدة الوطنية‬
‫على حساب عقيدة التوحيد‪ ،‬وكما قال الله عز وجل عن نوح عليه السلم مع‬
‫ك(( )هود‪.(46 :‬‬ ‫ن أ َهْل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫ابنه ))إ ِن ّ ُ‬
‫فنحن نقول كذلك إن أعداء التوحيد ليسوا من أهلنا ول من قبيلتنا ول من‬
‫وطننا‪ ،‬فإما أن يرجعوا إلى توحيد الله ويدخلوا في السلم كافه فيكونوا‬
‫إخواننا‪ ،‬وتجمعنا بهم وحدة الدين‪ ،‬ويزيدها قوه وحدة الوطن وإل فل وحدة ول‬
‫وطنية معهم‪.‬‬
‫ً‬
‫إن الولء والبراء مع أنه مطلب شرعي عقدي إل أنه أيضا مطلب فطري‬
‫وعقلي فل نجد جنسا ً من الجناس يرتبطون برابطه من الروابط إل وتظهر‬
‫عليهم هذه الصفة‪ ،‬حيث يوالون بني جنسهم ويعادون من يعاديهم حتى في‬
‫عالم الحيوان والطير ‪ ،‬والكفار أنفسهم ينطلقون في ولئهم وبرائهم من هذا‬
‫المنطلق‪ ،‬وقد أعلنها طاغوتهم بوش حينما قال‪) :‬من لم يكن معنا فهو‬
‫ضدنا(‪ ،‬هذا هو ولء الكفار وبرائهم‪ ،‬لكن المسلمين يتميزون عن جميع‬
‫الجناس بأن عقيدة الولء والبراء تنطلق من كلمة التوحيد‪ ،‬فمن كان من‬
‫أهلها فهو ممن يحبه الله تعالى‪ ،‬فنحب من يحبه الله عز وجل‪ ،‬ومن كفر بها‬
‫أبغضه الله وأصبح عدوا ً لله فحينئذ نبغضه لن الله يبغضه‪ ،‬أما بقية الجناس‬
‫الخرى كالحيوان والكفار وأصحاب الروابط الجاهلية من بني آدم‪ ،‬فهم‬
‫يوالون ويعادون على الماء والتراب والمرعى والمصالح الدنيوية‪ ،‬والمسلمون‬
‫يوالون ويعادون في الله تعالى‪ .‬وهذا هو ما يزعج الكفرة والمنافقين‪ ،‬حيث‬
‫مية ل دخل للدين فيها‪.‬‬
‫يريدونها روابط جاهليه عصبية عُ ّ‬
‫ثالثًا‪ :‬وهنا مسألة أخرى ل تقل خطرا عن سابقتيها أل وهي النظر لمصطلح‬
‫ً‬
‫)نحن( والذين عبروا عنه بأبناء الوطن الواحد ممن ينتسب إلى السلم‬
‫بنظرة التساوي والندية بين رؤوس الطياف والمذاهب الفكرية المجتمعة‪،‬‬
‫وأنهم شئ واحد‪ ،‬أي أنه في مثل هذه الحوارات الوطنية وما يطرح فيها‬
‫يتساوي التوجه السني السلفي ـ الذي هو السواد العظم في هذا البلد‪ ،‬وهو‬
‫مرجعية أهله ـ بالتوجه الرافضي الحاقد الذي يقوم فكره على الشرك بالله‬
‫تعالى وسب الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬والذي يمثل أصحابه القلة القليلة في‬
‫البلد ‪ ،‬كذلك يتساوى مع التوجه الليبرالي التحرري الذي هم أقل القليل‪ ،‬مع‬
‫ما يحمل من أفكار تحررية تتحلل من أحكام الله تعالى‪ ،‬سواء في مجال‬
‫السياسة أو المرأة أو القتصاد أو الدين بأسره‪ ،‬وهنا مكمن الخطر إذ كيف‬
‫يتساوى رؤوس الضلل الذين هم قله ونكرات ونبتات غريبة في مجتمعنا مع‬
‫التوجه السلفي الشرعي الذي هو طابع أهل البلد وسواده العظم ‪ ،‬إنهم‬
‫والله ل يستوون‪ ،‬ولكن هذه المؤتمرات الحوارية الوطنية تسوي بينها وترفع‬
‫من شأنها كما ً وكيفا ً سواء علم القائمون بذلك أم جهلوا‪ ،‬وهذا من المخاطر‬
‫الجسيمة الكثيرة التي تنجم من جعل الوطن والوطنية والمواطنة هي التي‬
‫يعقد عليها الولء والبراء‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإن مكمن الخطر في هذه المساواة تكون حينما يكون الرافضي والليبرالي‬
‫اللذان ل يشكلن بعدا ً في المجتمع ول قيما ول تأثيرا ً مساويا ً لرأي علماء أهل‬
‫السنة في سن ما يريد من مفاهيم على التربية والتعليم والحياة الجتماعية‬
‫والثقافية بحجة التسامح‪ ،‬وقبول الخر والتعددية وغيرها من المفاهيم‬
‫الضبابية‪ ،‬التي يراد من خللها إذابة هوية المة وفتحا لبواب التغريب داخل‬
‫المجتمع‪ ،‬ومن ثم جعل هذا ) الخر( واقعا ً لمناص منه حتى لو كان في قمة‬
‫الشطط الفكري‪ ،‬وحتى لو كان داعية إلى الرذيلة أو اللحاد والكفر‪ ،‬وهذا‬
‫يصطدم مع أبجديات المفاهيم السلمية التي تأمر بحفظ الدين وسياسة‬
‫الدنيا به والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وجعل المرجعية الحاكمة لكل‬
‫شؤون الناس منطلقة من الشريعة الربانية الخالدة ‪] ،‬انظر تساوي الرؤوس‪،‬‬
‫موقع المختصر[ ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الستعمال الثاني‪ :‬وهذا الستعمال في تعريف مصطلح ) نحن( و)الخر( هو‬


‫المشهور عالميا ً عند كل من يطرحه من المهزومين من المسلمين في‬
‫حواراتهم وأعمدتهم الصحفية‪ ،‬وملتقياتهم ‪ ،‬ويفيد هذا المصطلح عندهم بأن‬
‫)نحن( تعني المسلمين و)الخر( من سواهم من غير المسلمين من الكفار‬
‫والمنافقين‪ ،‬وفي هذا الطرح المنهزم من المؤاخذات العقدية ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬العدول عن السماء والمصطلحات الشرعية التي جاءت في كتاب الله‬ ‫أو ً‬
‫عز وجل وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى أسماء ومصطلحات بشريه‬
‫غامضة‪ ،‬ونحاتات أفكار واهية أفرزتها عقول مهزومة فاستبدلت الذي هو‬
‫أدنى بالذي هو خير‪ ،‬وتركت ما أسماه الله عز وجل من السماء المنطبقة‬
‫على مسمياتها في كتابه سبحانه وتعالى‪ ،‬حيث قسم الناس إلى حزبين‪:‬‬
‫ي‬
‫ه وَل ِ ّ‬ ‫حزب الله المؤمنين وحزب الشيطان الكافرين‪ ،‬قال الله عز وجل ))الل ّ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫غو ُ‬ ‫طا ُ‬ ‫فُروا ْ أوْل َِيآؤُهُ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت إ َِلى الن ّوُرِ َوال ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫جُهم ّ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫مُنوا ْ ي ُ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ت (( )البقرة‪. (257 :‬‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الّنورِ إ َِلى الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬‫جون َُهم ّ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫فليس هناك )نحن والخر( وإنما هناك )المسلمون والكافرون(‪ ،‬قال تعالى‬
‫ل (( )الحج‪. (78 :‬‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫سِلمي َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ماك ُ ُ‬ ‫س ّ‬‫)) هُوَ َ‬
‫ن (( )التغابن‪(2 :‬‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫منكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫م كافٌِر وَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫مف ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قك ْ‬ ‫خل َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقال تعالى ))هُوَ ال ِ‬
‫م وََقالَ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ ال َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ْ‬
‫ن قالوا إ ِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫فَر ال ِ‬ ‫َ‬
‫قد ْ ك َ‬ ‫وقال تعالى‪)) :‬ل َ َ‬
‫م‬‫حّر َ‬‫قد ْ َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫ل اعْب ُ ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ح َيا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ما ِلل ّ‬ ‫ْ‬
‫صاٍر(( )المائدة‪. (72 :‬‬ ‫ن أن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫مأَواهُ الّناُر وَ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫جن ّ َ‬‫ه عََليهِ ال ْ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫واليات في ذكر الكفر والكافرين كثيرة جدًا‪ ،‬جاء ذكرها في ما يزيد على‬
‫‪ 352‬موضعًا‪ ،‬فلماذا التحرج من كلم الله عز وجل الذي هو أحسن الحديث‬
‫وأصدقه وأفصحه )ومن أصدق من الله قيل( )ومن أصدق من الله حديثًا( ‪.‬‬
‫إن من يتحرج من كلم الله عز وجل وتسمياته‪ ،‬ويرتاح لكلم البشر‬
‫ومصطلحاتهم ومسمياتهم يخشى عليه أن يكون تحت طائلة قوله تعالى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ش َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫خَرةِ وَإ َِذا ذ ُك َِر ال ِ‬ ‫ن ِباْل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن َل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ت قُُلو ُ‬ ‫مأّز ْ‬ ‫حد َهُ ا ْ َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫))وَإ َِذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬
‫ن(( )الزمر‪. (45 :‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ُدون ِهِ إ َِذا هُ ْ‬ ‫ِ‬
‫لقد نهى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه من بعده من أن‬
‫يكون في الصدور حرج من الصدع بكل ما جاء في القرآن من أسماء‬
‫وأحكام‪ ،‬وعقائد وقصص وأخبار‪ ،‬بل الواجب اتباعه فقال تعالى‪)) :‬المص *‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫ه ل ُِتنذَِر ب ِهِ وَذِك َْرى ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ج ّ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫صد ْرِ َ‬ ‫كن ِفي َ‬ ‫ك فَل َ ي َ ُ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ب ُأنزِ َ‬ ‫ك َِتا ٌ‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫ن((‬ ‫ما ت َذ َك ُّرو َ‬‫من ُدون ِهِ أوْل َِياء قَِليل ً ّ‬ ‫م وَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ ِ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل إ ِل َي ْ ُ‬ ‫*ات ّب ُِعوا ْ َ‬
‫)العراف‪. (2 :‬‬
‫وعند هذه الية يقول المام ابن القيم رحمه الله تعالى‪) :‬والله تعالى رفع‬
‫الحرج عن الصدور بكتابه‪ ،‬وكانت قبل إنزال الكتاب في أعظم الحرج‬
‫والضيق‪ ،‬فلما أنزل كتابه؛ أرتفع به عنها ذلك الحرج‪ ،‬وبقي الحرج والضيق‬
‫ه يَ ْ‬ ‫على من لم يؤمنوا به‪ ،‬كما قال تعالى‪)) :‬فَمن يرد الل ّ َ‬
‫صد َْرهُ‬ ‫ح َ‬ ‫شَر ْ‬ ‫ه أن ي َهْدِي َ ُ‬‫ُ‬ ‫َ ُ ِ ِ‬
‫َ‬
‫جا (( )النعام‪(125 :‬‬ ‫حَر ً‬ ‫قا َ‬ ‫ضي ّ ً‬
‫صد َْره ُ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ضل ّ ُ‬
‫من ي ُرِد ْ أن ي ُ ِ‬ ‫سل َم ِ وَ َ‬ ‫ل ِل ِ ْ‬
‫)الصواعق المرسلة ‪4/1518 :‬؟( ‪.‬‬
‫ويقول أيضا ً في موطن أخر‪) :‬ول تجد مبتدعا في دينه قط إل وفي قلبه حرج‬
‫ً‬
‫من اليات التي تخالف بدعته‪ ،‬كما أنك ل تجد ظالما َ فاجرا َ إل وفي صدره‬
‫حرج من اليات التي تحول بينه وبين إرادته‪ ،‬فتدبر هذا المعنى ثم أرض‬
‫لنفسك بما تشاء( ا‪.‬هـ [الفوائد ص ‪.]90‬‬
‫فهل بعد هذه الية وقول هذا المام الجليل فيها من عذر لمعتذر يجد في‬
‫نفسه حرجا ً أو ضيقا ً أو حياًء من الصدع بالحق الذي في كتاب الله عز وجل‪،‬‬
‫أو أن يستبدل به نحاتات الفكار وزبالت الذهان من كلم البشر ؟ ‪.‬‬
‫وأسوق في هذا المقام ردا ً نفيسا ً لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله‬
‫تعالى على الذين استبدلوا مصطلح )نحن والخر( بما في كتاب الله عز وجل‬
‫) المسلم والكافر( ‪:‬‬
‫يقول‪ :‬وفقه الله تعالى )وقد وضع الله فوارق بين المؤمنين والكفار في الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬ونهى عن التسوية بين الفريقين‪ ،‬وجعل لكل فريق جزاء وأحكاما ً‬
‫في الدنيا والخرة‪ ،‬ووضع لكل فريق اسما ً مميزا ً كالمؤمن والكافر‪ ،‬والبر‬
‫والفاجر‪ ،‬والمشرك والموحد‪ ،‬والفاسق والمنافق‪ ،‬والمطيع والعاصي‪ ،‬ونهى‬
‫عن التسوية بين المختلفين في هذه السماء والسلوكيات فقال سبحانه‪(( :‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ت‬‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬‫ت أن ن ّ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫)) )الجاثية‪. (21:‬‬

‫)‪(4 /‬‬
‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كال ْ ُ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫جعَ ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫وقال تعالى )) أ ْ‬
‫كال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫جارِ (( )ص‪.(28:‬‬ ‫ف ّ‬ ‫ن َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫الْر ِ‬
‫يعني ل نجعلهم سواء‪ ،‬لن ذلك ل يليق بعدل الله‪ ،‬وأمر المؤمنين بالبراءة من‬
‫كانت ل َك ُ ُ‬
‫سوَةٌ‬‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫الكفار والمشركين‪ ،‬ولو كانوا من أقاربهم‪ ،‬قال تعالى )) قَد ْ َ َ ْ‬
‫ن‬
‫دو َ‬‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫م إ ِّنا ب َُراء ِ‬ ‫مهِ ْ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫ه إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ‬‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفي إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا‬‫حّتى ت ُؤ ِْ‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫بد‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ضاء‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫دا‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫دا‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫من‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ِ ْ ََ َ َََْ َََْ ُ َ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫حد َه ُ (( )الممتحنة‪. (4:‬‬ ‫و‬
‫ِ ِ َ ْ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بال‬
‫ـ وهذا أصل من أصول اليمان والدين متقرر في الكتاب والسنة وكتب‬
‫العقيدة الصحيحة ل يماري فيه مسلم ـ ‪.‬‬
‫ولكننا في هذه اليام صرنا نقرأ في بعض الصحف نقل ً عما دار في مؤتمر‬
‫الحوار الوطني محاولة واقتراحا ً من بعض المشاركين ـ نرجو أن تكون تلك‬
‫المحاولة والقتراح صادرين عن جهل‪ ،‬وذلك كما نشر في بعض الصحف أن‬
‫يترك لفظ الكافر ويستبدل بلفظ مسلم وغير مسلم‪ ،‬أو يقال المسلم والخر‪،‬‬
‫وهل معنى ذلك أن نترك ما ورد في القرآن والسنة وكتب العقيدة السلمية‬
‫من لفظ الكفر والشرك‪ ،‬والكفار والمشركين‪ ،‬فيكون هذا استدراكا ً على‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬فيكون هذا من المحادة لله ولرسوله؟ ومن تغيير الحقائق‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشرعية فنكون من الذين حرفوا كتاب ربهم وسنة نبيهم‪ ،‬ثم ما هو الدافع‬
‫لذلك ؟‪ ،‬هل هو إرضاء الكفار‪ ،‬فالكفار لن يرضوا عنا حتى نترك ديننا‪ ،‬قال‬
‫م(( )البقرة‪:‬‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ وَل َ الن ّ َ‬ ‫عن َ‬ ‫ضى َ‬ ‫تعالى )) وََلن ت َْر َ‬
‫‪. (120‬‬
‫عوْا((‬ ‫طا ُ‬‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫عن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ى ي َُرّدوك ُ ْ‬ ‫حت ّ َ‬‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫وقال تعالى‪)) :‬وَل َ ي ََزاُلو َ‬
‫)البقرة‪. (217:‬‬
‫واء (( )النساء ‪.(:89‬‬ ‫س َ‬ ‫ن َ‬ ‫كوُنو َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا فَت َ ُ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫)) وَّدوا ْ ل َوْ ت َك ْ ُ‬
‫ثم إنه ل يجوز لنا إرضاء الكفار والتماس مودتهم لنا وهم أعداء لله ولرسوله‪.‬‬
‫ن إ ِل َي ِْهم‬ ‫قو َ‬ ‫م أ َوْل َِياء ت ُل ْ ُ‬ ‫ذوا عَد ُّوي وَعَد ُوّك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا َل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫قال تعالى‪َ )) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ق(( )الممتحنة‪.(1:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫جاء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫موَد ّةِ وَقَد ْ ك َ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫وإن كان مراد هؤلء المنادين بتغيير هذه المسميات الشرعية التلطف مع‬
‫الكفار‪ ،‬وحسن التعامل معهم‪ ،‬فهذا ل يكون على حساب تغيير المسميات‬
‫الشرعية‪ ،‬بل يكون ذلك بما شرعه الله نحوهم ]انتهى مختصرَا[‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬لو أن المر في استبدال ) الخر( بالكافر توقف عند الستبدال اللفظي‬
‫لكان المر أهون مع مخالفته لكلم الله عز وجل كما تبين‪ ،‬ولكن الخطورة‬
‫في هذا الستبدال يتجاوز اللفظ إلى الهزيمة النفسية أمام الخر الكافر‪،‬‬
‫وذلك بالدعوة إلى عدم الكراهية له ‪ ،‬وإخفاء ظلمه‪ ،‬وعدوانه‪ ،‬وإرهابه‪ ،‬وكأنه‬
‫مظلوم قد سلبت حقوقه !! ويشعر السامع من الذين يطرحون مصطلح‬
‫)الخر( بأنهم يعيشون تحت ظرف سياسي داخلي أو خارجي صور لهم الخر‪،‬‬
‫وكأنه مظلوم يريد من ينصره ممن ظلمه!!‬
‫واعتمدوا في ذلك على نصوص في الكتاب والسنة تدعوا إلى التسامح والبر‬
‫والقسط مع الكفار‪ ،‬وحرفوها عن معانيها‪ ،‬وفصلوها عن مناسباتها التي نزلت‬
‫فيها‪ ،‬ونسوا أو تناسوا اليات التي فيها وجوب عداوة الكافر والبراءة منه‪،‬‬
‫وجهاده حتى يكون الدين كله لله‪.‬‬
‫فمما ورد في البيان الختامي في اللقاء الوطني الخامس للحوار الفكري‪،‬‬
‫قولهم في تفسيرهم لمعنى )البراء(‪ :‬بأنه ) البتعاد عما يتناقض مع السلم‬
‫وعدم التعاون مع أهله عليه‪ ،‬ول يعني ذلك التعدي على حقوقهم أو عدم‬
‫التعاون معهم في القضايا العادلة(‪.‬‬
‫اللهم إنا نعوذ بك من الخذلن‪ ،‬أهذا هوا ما يريده الله عز وجل من معنى‬
‫البراءة في القرآن؟ أهذا هوا الموقف الذي وقفه إمام الحنفاء إبراهيم‪ -‬عليه‬
‫ذي‬ ‫ن إ ِّل ال ّ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬‫الصلة والسلم‪ -‬مع أبيه وقومه حينما قال‪ )) :‬إ ِن ِّني ب ََراء ّ‬
‫ن (( )الزخرف‪. (27،26:‬‬ ‫دي ِ‬‫سي َهْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫فَط ََرِني فَإ ِن ّ ُ‬
‫ُ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفي إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫وقوله سبحانه عن خليله‪ )) :‬قَد ْ َ‬
‫دا‬
‫م وَب َ َ‬ ‫فْرَنا ب ِك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ك َ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫م إ ِّنا ب َُراء ِ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ه إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُُ‬
‫حد َه ُ (( )الممتحنة‪. (4 :‬‬ ‫مُنوا ِباللهِ وَ ْ‬ ‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ضاء أب َ ً‬ ‫داوَة ُ َوالب َغْ َ‬ ‫م العَ َ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ما هذا التحريف في ثوابت الدين وأصوله‪ ،‬إن البراءة من الكافر في السلم‬
‫تعني بغضه وبغض ما هو عليه من الكفر‪ ،‬وعداوته كما جاء ذلك في الية‬
‫السابقة‪ ،‬هذا إذا كان مسالمَا‪ ،‬أما إذا كان حربيا ً فإنه يضاف إلي المعاني‬
‫السابقة جهاده وقتاله‪ ،‬ورد عدوانه وإزاحته من طريق الحق والتوحيد ليصل‬
‫الحق إلي قلوب الناس‪ ،‬ويفرض سلطان السلم ودولته عليهم ‪ ،‬إن المسلم‬
‫حينما يسمع مثل هذه التعاريف والمواقف المتخاذلة ليخرج بنتيجة واحدة‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مفادها المطالبة بعدم كراهية الكافر‪ ،‬وأن نحترمه ونحافظ على حقوقه‪،‬‬
‫ونشفق عليه‪ ،‬وكأنه هو المظلوم المسلوب الحقوق!! فهل يعلم قومنا ما‬
‫فعله الكافر )الخر( وبخاصة أهل الكتاب في المسلمين في القديم والحديث‬
‫ليعلموا من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه ؟‪.‬‬
‫إن رفع شعار التسامح والصفح مع الكفار اليوم ليوضع في غير موضعه‪ ،‬لن‬
‫في ذلك خلط وتلبيس وتضليل‪ ،‬حيث تسمى الموالة والمداهنة للكفار‬
‫تسامحا ً ومداراة‪ ،‬وفرق كبير بين المداراة والمداهنة التي فيها تصحيح مذاهب‬
‫الكفار أو السكوت عليها‪ ،‬وإظهار المحبة لهم ونسيان عداوتهم وحربهم‬
‫للمسلمين في القديم والحديث‪) ،‬إن الذين كفروا من أهل الكتاب هم الذين‬
‫ألبوا المشركين على الجماعة المسلمة في المدينة‪ ،‬وكانوا لهم درعا ً وردءًا‪،‬‬
‫وأهل الكتاب هؤلء هم الذين شنوا الحروب الصليبية خلل مائتي عام‪ ،‬وهم‬
‫الذين ارتكبوا فظائع الندلس‪ ،‬وهم الذين شردوا المسلمين في فلسطين‪،‬‬
‫وأحلوا اليهود محلهم متعاونين في هذا مع اللحاد والمادية ‪ ،‬وأهل الكتاب‬
‫هؤلء هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان‪ ،‬في الحبشة والصومال‬
‫وأرتيريه‪ ،‬ويتعاونون في هذا التشريد مع اللحاد والمادية والوثنية في‬
‫يوغسلفيه والصين والتركستان والهند‪ ،‬وفي كل مكان‪ ،‬وهم الذين قتلوا أهلنا‬
‫ونسائنا وأطفالنا في أفغانستان والعراق‪ ،‬ثم يظهر بيننا من يظن أنه يمكن أن‬
‫يقوم بيننا وبين أهل الكتاب هؤلء ولء وتناصر ندفع به اللحاد والرهاب‪ ،‬إن‬
‫هؤلء ل يتدبرون القرآن الكريم‪ ،‬وإل لما اختلطت عليهم دعوة السماحة التي‬
‫هي طابع السلم بدعوة الولء الذي يحذر منه القرآن‪.‬‬
‫إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة باسم التسامح والتقريب بين‬
‫أهل الديان السماوية يخطئون في فهم معنى الديان‪ ،‬كما يخطئون في فهم‬
‫معنى التسامح‪ ،‬فالدين هو الدين الخير وحده عند الله‪ ،‬والتسامح يكون في‬
‫المعاملت الشخصية‪ ،‬ل في التصور العتقادي‪ ،‬ول في النظام الجتماعي‪.‬‬
‫إنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم‪ ،‬بأن الله ل يقبل دينا إل‬
‫السلم ‪ ،‬وبأن عليه أن يحقق منهج الله الممثل في السلم‪ ،‬ول يقبل دونه‬
‫ل‪ ،‬ول يقبل فيه تعديل ً –ولو طفيفًا‪ -‬هذا اليقين الذي ينشئه القرآن الكريم‪،‬‬ ‫بدي ًَ‬
‫م(( )آل عمران‪. (19 :‬‬ ‫سل َ ُ‬ ‫عند َ الل ّهِ ال ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وهو يقرر ))إ ِ ّ‬
‫ه (( )آل عمران‪(85 :‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫قب َل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلم ِ ِديًنا فلن ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫من ي َب ْت َِغ غَي َْر ال ِ ْ‬ ‫))وَ َ‬
‫َ‬
‫ك (( )المائدة‪َ)) (49 :‬يا أي َّها‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ‬
‫ل الل ُّ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫َ‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫عن‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫نو‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫َ َْ ِ َ‬ ‫َ ُِ‬ ‫)) َ ْ ْ ُ ْ‬
‫ه‬ ‫ر‬ ‫ذ‬ ‫ح‬ ‫وا‬
‫من ي َت َوَل ُّهم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض وَ َ‬
‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬‫صاَرى أوْل َِياء ب َعْ ُ‬ ‫ذوا ْ ال ْي َُهود َ َوالن ّ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫م (( )المائدة‪. (51 :‬‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫وفي القرآن كلمة الفصل‪ ،‬ول على المسلم من تمّيع المتميعين‪ ،‬وتميعيهم‬
‫لهذا اليقين ( ‪[ ،‬طريق الدعوة ‪ :‬أحمد فايز ‪ ،‬بتصرف يسير‪].‬‬
‫* ومما ورد في بيانهم الختامي أيضا ً قولهم في تعريف الجهاد ‪ ):‬هو بذل‬
‫الجهد في تحقيق الخير ودفع الشر‪ ،‬علما ً أن الصل في علقة المسلمين‬
‫بغيرهم هي السلم‪ ،‬والحرب حالة طارئة شرعها السلم لدفع ورفع الظلم‬
‫والعدوان( ‪.‬‬
‫أهذا هو تعريف الجهاد وبواعثه في السلم ؟‬
‫إن المتدبر لكتاب الله عز وجل وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليتبين‬
‫له وبوضوح أن الجهاد شعيرة عظيمة من شعائر هذا الدين‪ ،‬وهو إنما شرع‬
‫رحمة بالبشرية الضالة بعامة‪ ،‬وبالمسلمين بخاصة‪ ،‬فالجهاد غايته كما قال‬
‫ه ل ِّله (( )النفال‪:‬‬ ‫ن ك ُل ّ ُ‬
‫دي ُ‬‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ل َ ت َ ُ‬‫م َ‬ ‫الله تعالى )) وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫‪. (39‬‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫إن المتأمل لهذه الية ليدرك أن الجهاد لم يشرع لدفع ورفع الظلم والعدوان‬
‫فحسب‪ ،‬نعم هذا هو جهاد الدفع‪ ،‬وإنما شرع أيضا ليصال الحق والتوحيد‬
‫والهداية للناس في بقاع الرض ليكون الدين كله لله؛ لن سنن الله عز وجل‬
‫اقتضت أن يكون الصراع بين الحق والباطل‪ ،‬وأن المسلمين وهم يبلغون دين‬
‫الله تعالى للبشرية سيواجهون من يقف أمامهم للحيلولة بين الناس من‬
‫ورائهم‪ ،‬وبين أن يصل إليهم هذا الدين‪ ،‬وحينئذ شرع الجهاد بالسيف لزالة‬
‫هذه الحواجز من طواغيت الرض من طريق الحق‪ ،‬حتى يصل الحق الواضح‬
‫البين إلي قلوب الناس‪ ،‬ويخضع الجميع لدولة السلم‪ ،‬وحينئذ ل إكراه في‬
‫الدين لنه قد تبين الرشد من الغي‪ ،‬وحين يكون الدين في البلد المفتوحة‬
‫من قبل المسلمين لله عز وجل‪ ،‬يختار أهل هذه البلد إما السلم أو دفع‬
‫الجزية والعيش بأمان في ظل الدولة المسلمة‪ ،‬وهذا هو جهاد الطلب الذي‬
‫لوله لما وصل إلينا السلم في بلدنا‪ ،‬ولما انتشر السلم في بقاع الرض‪،‬‬
‫وهذا ما أغفله المجتمعون في حوارهم الوطني وهم يّعرفون الجهاد ‪.‬‬
‫فهل سألوا أنفسهم ما لذي جعل المجاهدين الوائل من الصحابة والتابعين‬
‫يفتحون البلدان النائية كفارس والروم وخراسان وسمرقند والهند والسند‪.‬‬
‫هل تعرض المسلمون لعدوان من أهل هذه البلد ؟ أم أن المسلمين كانوا‬
‫يرون أن من واجبهم إيصال هذا الدين إلي العالمين رحمة بهم‪ ،‬فإذا اعترض‬
‫أحد يعيقهم عن نشر هذا الدين أزاحوه بالسيف إن لم يزح بغيره‪ ،‬حتى يكون‬
‫الدين كله لله‪ ،‬ويخضع الجميع للدولة المسلمة ‪.‬‬
‫وختامًا‪ :‬أدعوا الذين أقّروا هذا البيان الختامي للحوار الوطني‪ ،‬أن يتقوا الله‬
‫عز وجل في أنفسهم وأمتهم‪ ،‬وأن يراجعوا ما دونوه من هذا الكلم الخطير‬
‫في بيانهم‪ ،‬لن فيه قدح لصول هذا الدين وثوابته أو على القل فيه تلبيس‬
‫وتدليس‪ ،‬وأخص من شارك في هذا الحوار من المنتسبين للدعوة والعلم‬
‫والسنة‪ ،‬فإما أن يقولوا كلمة الحق ويواجهوا الباطل وأهله بها فتبرأ ذمتهم‬
‫بذلك‪ ،‬وإما أن يفارقوا هذه المجالس ويعتزلوا أهلها وما يخوضون فيه‪ ،‬فهذا‬
‫أعذر لهم عند الله عز وجل وعند الناس ‪ ،‬لن الله تبارك وتعالى يقول‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ث‬
‫دي ٍ‬‫ح ِ‬‫ضوا ْ ِفي َ‬ ‫خو ُ‬‫حّتى ي َ ُ‬ ‫م َ‬‫ض عَن ْهُ ْ‬‫ن ِفي آَيات َِنا فَأعْرِ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫خو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫ذي َ‬‫ت ال ّ ِ‬‫)) وَإ َِذا َرأي ْ َ‬
‫ن((‬
‫مي َ‬ ‫قوْم ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫قعُد ْ ب َعْد َ الذ ّك َْرى َ‬
‫ن فَل َ ت َ ْ‬ ‫شي ْ َ‬
‫ك ال ّ‬ ‫سي َن ّ َ‬ ‫غَي ْرِهِ وَإ ِ ّ‬
‫معَ ال َ ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ما ُين ِ‬
‫)النعام‪. (68:‬‬
‫اسأل الله عز وجل أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه‪ ،‬وأن يرزقنا‬
‫الخلص له‪ ،‬والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‬

‫)‪(7 /‬‬

‫من نداء الحق‬


‫فؤاد المنشاوي‬
‫من نداء الحق ‪ii‬فينا‬
‫من دموع ‪ii‬الحائرينا‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫إنه شرع ‪ii‬لسادة‬
‫واعتقاد ‪ii‬وعبادة‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* * ‪*ii‬‬
‫ه‬
‫فيه شمعٌ فيه ‪ii‬طاع ْ‬
‫وجهاد ٌ ‪ii‬ويراعة‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ه‬
‫ْ‬ ‫وحراس‬ ‫‪ii‬‬ ‫فيه جن ٌ‬
‫د‬
‫من جميع العلم ‪ii‬فيه‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ذلك السلم ديني‬
‫ن فينا ‪ ...‬من جراح ‪ii‬الثائرينا‬ ‫قد أضاء الكو َ‬
‫نفهم السلم ‪ii‬دينا‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ونظام ‪ii‬وقياده‬
‫فيه هدي ‪ii‬السابقينا‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ب وقناعة‬ ‫وكتا ٌ‬
‫فيه عز ‪ii‬الفاتحينا‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ه‬
‫ن ‪ii‬وسياس ْ‬ ‫فيه ف ٌ‬
‫فيه نور ‪ii‬العارفينا‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫وسلوكي ‪ii‬ويقيني‬
‫هديُ رب ‪ii‬العالمينا‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من هؤلء الثائرون؟‬


‫شعر‪ :‬صلح الدين عزيز‬
‫)‪(1‬‬
‫من هؤلء الثائرون؟‬
‫ن‬
‫ج ينسلو ْ‬ ‫من ك ّ‬
‫لف ّ‬
‫ن‬
‫وبكل درب يظهرو ْ‬
‫ن‬‫وفي مدى ما يقدرو ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫من هؤلء المقبلون؟‬
‫ن‬ ‫م الحجارةِ يحملو ْ‬ ‫ص ّ‬
‫ن‬
‫وبها الصهاين يقذفو ْ‬
‫ن‬
‫فيجرحون ويقتلو ْ‬
‫)‪(3‬‬
‫من هؤلء الغاضبون؟‬
‫ن‬
‫يا ويحهم ل يرهبو ْ‬
‫ن‬
‫مهما تحدتهم منو ْ‬
‫ن‬
‫هم في الشهادة راغبو ْ‬
‫)‪(4‬‬
‫من هؤلء الصامدون؟‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬‫وعلى البنادق ُيقبلو ْ‬


‫ن‬‫لم يأبهوا إذ يسقطو ْ‬
‫ن‬
‫أو ينكصوا إذ ُيقتلو ْ‬
‫)‪(5‬‬
‫ن؟‬ ‫من هؤلء الصابرو ْ‬
‫عجبا ً لهم ل يألمو ْ‬
‫ن‬
‫ن‬‫من مّر ما يتجرعو ْ‬
‫ن‬
‫أو قسوةِ الشرِ الخؤو ْ‬
‫)‪(6‬‬
‫ن؟‬ ‫من هؤلء الساخطو ْ‬
‫ن‬
‫حقدِ أمريكا الدفي ْ‬ ‫من ِ‬
‫ن‬ ‫ن اللعي ْ‬ ‫ك صهيو ِ‬ ‫وفت ِ‬
‫ن‬‫م الجني ْ‬ ‫الشاربين د َ‬
‫)‪(7‬‬
‫ن؟‬ ‫من هؤلء المائرو ْ‬
‫ن‬‫ملوا الشوارع والسجو ْ‬
‫ن‬
‫بين السهول على الحزو ْ‬
‫ن‬‫والمسجد القصى الحزي ْ‬
‫)‪(8‬‬
‫ولجوا به يستعصمون؟‬
‫ن‬‫خ محفوُر الجبي ْ‬ ‫الشي ُ‬
‫ن‬
‫ب ذو العضل المتي ْ‬ ‫والشا ُ‬
‫ن‬
‫والكاعب الطهرى المصو ْ‬
‫)‪(9‬‬
‫ن‬‫الطفل ذو العزم المتي ْ‬
‫ن‬
‫ل والجبي ْ‬ ‫في الصدر ُيقت ُ‬
‫ن‬ ‫ب المنو ْ‬ ‫لم يثنهِ ري ُ‬
‫ن‬
‫عن قدسهِ القصى الرهي ْ‬
‫)‪(10‬‬
‫من هؤلء الثائرون؟‬
‫من هؤلء الصادقون؟‬
‫ن‬‫الراكعون الساجدو ْ‬
‫ن‬ ‫المؤمنون المسلمو ْ‬
‫)‪(11‬‬
‫ن‬
‫الشهر يمضي والسنو ْ‬
‫ن‬
‫م يتكاثرو ْ‬ ‫وهم ه ُ‬
‫ن‬
‫ويعظمون ويفلحو ْ‬
‫ن‬
‫هم هؤلء المسلمو ْ‬
‫)‪(12‬‬
‫ن‬
‫جاعوا وهم ل يفترو ْ‬
‫ن‬
‫نزفوا وهم ل يخمدو ْ‬
‫ن‬
‫سقطوا وهم ل يرضخو ْ‬
‫ن‬‫يا ليت قومي ينصرو ْ‬
‫)‪(13‬‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬ ‫ُ‬
‫أمَر الباةِ الثائري ْ‬
‫ن‬
‫الشاردين البائسي ْ‬
‫ن‬‫ل قطرٍ يهتفو ْ‬ ‫في ك ّ‬
‫ن‬
‫وعسى يفيقُ الغافلو ْ‬
‫)‪(14‬‬
‫ن‬ ‫وبنو العروبة ينظرو ْ‬
‫ن‬
‫ب الظالمو ْ‬ ‫ماذا يص ّ‬
‫ن‬ ‫ل أنواِع المنو ْ‬ ‫من ك ّ‬
‫ن‬‫على الحماة العزلي ْ‬
‫)‪(15‬‬
‫ن‬
‫وذوو الغنى ل يملكو ْ‬
‫ن‬ ‫إن يبذلوا ما يبذلو ْ‬
‫ن‬ ‫أو يعلنوا ما يكتمو ْ‬
‫ن‬
‫أو يرفضوا الذل المهي ْ‬
‫)‪(16‬‬
‫ن‬
‫كأّنهم ل يقدرو ْ‬
‫ن‬‫ولو أرادوا يفعلو ْ‬
‫ن‬‫لو كان فيهم مؤمنو ْ‬
‫ن‬
‫إيمان صدق المسلمي ْ‬
‫)‪(17‬‬
‫ن؟‬ ‫فما لهم ل ينهضو ْ‬
‫ن‬
‫وما لهم ل يثأرو ْ‬
‫ن‬‫أم أّنهم يتجاهلو ْ‬
‫ن‬
‫ماذا يقاسي الضائعو ْ‬
‫)‪(18‬‬
‫قل لي متى يستيقظون؟‬
‫ن‬‫ومتى تراهم يخجلو ْ‬
‫ن‬ ‫م أمريكا الخؤو ْ‬ ‫خدا ُ‬
‫ن الم "الحنون"!!‬ ‫ولند ِ‬
‫)‪(19‬‬
‫ن‬
‫كل ولكن يجبنو ْ‬
‫ن‬
‫على الكراسي يحرصو ْ‬
‫لبد ّ يوما ً يوقنو ْ‬
‫ن‬
‫ن‬‫عن الكراسي ينزلو ْ‬
‫)‪(20‬‬
‫ن‬
‫يا أيها المستعمرو ْ‬
‫ن‬
‫وأيها المستخذلو ْ‬
‫ن‬‫ب ُتطردو ْ‬ ‫ما قري ٍ‬ ‫ع ّ‬
‫ن‬
‫وبما صنعتم ُتسحقو ْ‬
‫)‪(21‬‬
‫ن‬‫سُينصرون المسلمو ْ‬
‫ن‬
‫ما دام قرآن مبي ْ‬
‫ن‬
‫وسنة الهادي المي ْ‬
‫ن‬‫ب العالمي ْ‬ ‫منهاج ر ّ‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من هدي النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في التعليم‬


‫)الشبكة السلمية(محمد بن عبد الله الدويش‬
‫هذه وقفات يسيرة مع هديه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في التعليم ‪ ،‬ول شك‬
‫أن هذا الباب واسع ويحتاج لستقصاء وجمع ل يتيسر لمثالي ‪ ،‬لكن هذا غاية‬
‫ما توصلت إليه في بحثي القاصر ‪ ،‬ورحم الله من أفادنا بملحظة ‪ ،‬أو‬
‫إضافة ‪ ،‬أو توجيه ‪.‬‬
‫عنايته بتعليم المنهج العلمي‬
‫ففي تربيته العلمية لصحابه ما كان يقتصر على تعليم أصحابه مسائل علمية‬
‫فقط‪ ،‬بل ربى علماء ومجتهدين ‪ ،‬وحملة العلم للبشرية ‪ .‬ولقد ظهرت آثار‬
‫هذه التربية على صحابته في مواقفهم بعد وفاته من حادثة الردة ‪ ،‬وجمع‬
‫القرآن ‪ ،‬وشرب الخمر ‪ ،‬واتخاذ السجون ‪ ،‬والخراج وغير ذلك من المسائل‬
‫التي اجتهد فيها صحابته ‪-‬رضوان الله عليهم‪ ، -‬فلم يقفوا مكتوفي اليدي‬
‫أمام النوازل التي واجهتهم ‪ ،‬واستطاعوا أن يتوصلوا فيها للحكم الشرعي ‪،‬‬
‫كل ذلك كان نتاج التربية التعليمية التي رباهم عليها ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ومن معالم تعاليمه المنهج العلمي ‪:‬‬
‫‪ -1‬تعويدهم على معرفة العلة ومناط الحكم‬
‫فلما سئل عن بيع الرطب بالتمر ‪ ،‬قال ‪"] :‬أينقص الرطب إذا جف ؟" ‪ ،‬قالوا‬
‫نعم ‪ ،‬فنهى عن ذلك[)رواه الخمسة( ‪ ..‬وحين نهاهم عن بيع الثمرة قبل بدو‬
‫صلحها قال لهم ‪"] :‬أرأيت إن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك؟"[‬
‫)البخاري ومسلم( ‪ .‬وحين قال ‪"] :‬وفي بضع أحدكم صدقة" ‪ ،‬قالوا له ‪ :‬أيأتي‬
‫أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ‪ ،‬قال ‪" :‬أرأيتم لو وضعها في حرام أكان‬
‫عليه وزر" ‪ ،‬قالوا نعم ‪ ،‬قال ‪" :‬فكذلك إذا وضعها في حلل كان له أجرًا"[‬
‫)مسلم( ‪.‬‬
‫ففي هذه النصوص علم أصحابه علة الحكم ومناطه ‪ ،‬ولم يقتصر على الحكم‬
‫وحده ‪.‬‬
‫‪ -2‬تعويدهم على منهج السؤال وأدبه‬
‫ً‬
‫ففي موضع يقول ‪] :‬إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن‬
‫شيء لم يحرم على المسلمين فحرم من أجل مسألته[البخاري ومسلم( ‪،‬‬
‫و ‪] :‬إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال ‪ ،‬وإضاعة المال[)متفق‬
‫عليه( ‪ .‬فها هنا يذم السؤال ‪ ،‬لكنه في موضع آخر يأمر بالسؤال ‪ ،‬أو يثني‬
‫عليه ‪] :‬أل سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال[)أبو داود( ‪] ،‬لقد‬
‫ظننت يا أبا هريرة أن ل يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من‬
‫حرصك على الحديث[البخاري( ‪.‬‬
‫‪ -3‬الجابة بالقواعد العامة‬
‫سأله رجل ‪ :‬إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء فإذا توضأنا به عطشنا ‪،‬‬
‫أفنتوضأ بماء البحر ؟ فلم يقتصر ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في إجابته على‬
‫قوله نعم ‪ ،‬وإل كان الحكم قاصرا ً على الحالة موضع السؤال وحدها ‪ ،‬إنما‬
‫أعطاه حكم ماء البحر وزاده فائدة أخرى يحتاج إليها حين قال ‪]:‬هو الطهور‬
‫ماؤه الحل ميتته[)الترمذي وصححه( ‪ ،‬ويعني هذا أن ماء البحر له سائر‬
‫أحكام الماء الطهور ‪ ،‬وليس فقط يجوز الوضوء به في هذه الحالة ‪ .‬وسئل ‪:‬‬
‫ما يلبس المحرم من الثياب ؟ ‪ ،‬فقال ‪] :‬ل يلبس المحرم القميص ول‬
‫العمامة ول السراويل ول البرنس ول ثوبا ً مسه ورس ول زعفران ول‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخفين[)الشيخان( ‪ ،‬فلم يعدد له ما يجوز للمحرم لبسه بل أعطاه قاعدة‬


‫عامة فيما يحل وما ل يحل للمحرم لبسه ‪.‬‬
‫‪ -4‬تربيته لصحابه على منهج التلقي‬
‫]عن العرباض بن سارية ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال ‪ :‬وعظنا رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬موعظة ذرفت منها العيون ‪ ،‬ووجلت منها القلوب ‪ ،‬فقلنا يا‬
‫رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ‪ ،‬فقال ‪" :‬أوصيكم بتقوى الله والسمع‬
‫والطاعة وإن تأمر عليكم عبد ‪ ،‬وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلفا ً‬
‫كثيرا ً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ‪ ،‬عضوا عليها‬
‫بالنواجد[)الترمذي وقال حسن صحيح( ‪ ،‬وقال في وصف الطائفة الناجية ‪:‬‬
‫]من كانوا على ما مثل أنا عليه اليوم وأصحابي[)أبو داود( ‪ .‬وحين رأى مع‬
‫عمر صحيفة من التوراة غضب ‪ ،‬ونهاه عن ذلك ‪ ،‬وقال ‪] :‬لو كان موسى حيا ً‬
‫ما وسعه إل اتباعي[)أحمد( ‪.‬‬
‫‪ -5‬تربيتهم على منهج التعامل مع النصوص‬
‫خرج على أصحابه وهم يتمارون في القدر ‪ ،‬هذا ينزع آية ‪ ،‬وهذا ينزع آية‬
‫فغضب حتى كأنما فقىء في وجهه حب الرمان من الغضب ‪ .‬وقال ‪] :‬بهذا‬
‫أمرتم ‪ ،‬أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ؟! ‪ ،‬انظروا إلى ما أمرتكم به‬
‫فاتبعوه ‪ ،‬وما نهيتم عنه فاجتنبوه[)أحمد( ‪.‬‬
‫‪ -6‬تعويدهم على الستنباط‬
‫سأل أصحابه يوما ً ‪" :‬إن من الشجر شجرة ل يسقط ورقها ‪ ،‬وإنها مثل‬
‫المسلم ‪ ،‬فحدثوني ما هي" ‪ .‬قال ابن عمر ‪ -‬راوي الحديث ‪ -‬فوقع الناس في‬
‫شجر البوادي ‪ ،‬قال عبد الله ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ‪ .‬ثم‬
‫قالوا ‪ :‬حدثنا ما هي يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬هي النخلة")الشيخان( ‪.‬‬
‫‪7‬ـ تربيتهم على القيام بواجب العلم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عن أبي هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" : -‬من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من‬
‫نار")أحمد( ‪ .‬وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" : -‬بلغوا عني ولو‬
‫ً‬
‫آية")البخاري( ‪ .‬وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" : -‬نضر الله امرءا سمع‬
‫مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع"‪ .‬وقد روى هذا‬
‫الحديث )‪ (24‬من أصحابه مما يشعر أنه قاله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في‬
‫أكثر من مناسبة ‪.‬‬
‫وانظر إلى أثر هذه التربية في قول أبي ذر ‪-‬رضي الله عنه‪" : -‬لو وضعتم‬
‫الصمصامة ‪ -‬السيف ‪ -‬على هذه ‪ -‬وأشار إلى رقبته ‪ -‬واستطعت أن أنفذ‬
‫كلمة سمعتها من رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬قبل أن تجهزوا علي‬
‫لنفذتها")البخاري( ‪.‬‬
‫‪8‬ـ ترغيبه أصحابه في العلم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ول شك أن لذلك الترغيب دورا كبيرا في إيجاد الحماسة لدى طالب العلم‬
‫للتعلم ‪ ،‬والستزادة من ينابيعه‪ .‬فحين جاء ثلثة نفر وهو جالس مع أصحابه‬
‫فجلس أحدهم خلف الحلقة ‪ ،‬والخر رأى فرجة فجلس فيها ‪ ،‬وأما الثالث‬
‫فأعرض ‪ ،‬فقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد ذلك ‪" :‬أما الول فآوى فآواه‬
‫الله ‪ ،‬وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه ‪ ،‬وأما الثالث فأعرض ‪ ،‬فأعرض‬
‫الله عنه")البخاري( ‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪9‬ـ تشجيع الطالب والثناء عليه‬


‫ً‬
‫سأله أبو هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬يوما ‪ :‬من أسعد الناس بشفاعتك ؟ فقال ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" : -‬لقد ظننت أن ل يسألني أحد عن هذا الحديث أول‬
‫منك لما علمت من حرصك على الحديث")البخاري( ‪،‬‬
‫فتخيل معي أخي القارئ موقف أبي هريرة ‪ ،‬وهو يسمع هذا الثناء وهذه‬
‫الشهادة من أستاذ الساتذة ‪ ،‬وشيخ المشايخ ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪، -‬‬
‫بحرصه على العلم بل وتفوقه على الكثير من أقرانه ‪ ،‬وتصور كيف يكون أثر‬
‫هذا الشعور دافعا ً لمزيد من الحرص أو الجتهاد ‪.‬‬
‫وحين سأل أبي بن كعب ‪" :‬أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم ؟" ‪ ،‬فقال‬
‫أبي ‪" :‬آية الكرسي" ‪ ،‬قال له ‪" :‬ليهنك العلم أبا المنذر")مسلم( ‪.‬‬
‫‪10‬ـ الجمع بين التعليم الفردي والجماعي‬
‫ً‬
‫في كثير من النصوص نقرأ ‪ :‬كان النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬جالسا مع‬
‫أصحابه ‪ ،‬بينما كنا مع النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬فهذا نموذج للتعليم‬
‫الجماعي ‪ .‬وأما التعليم الفردي فنماذجه كثيرة ‪ ،‬قال ابن مسعود ‪-‬رضي الله‬
‫عنه‪" : -‬علمني رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬التشهد كفي بين‬
‫كفيه")متفق عليه( ‪ .‬ومن ذلك ما ورد من غير واحد من أصحابه ‪ :‬أوصاني‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ . -‬ومن ذلك حديث معاذ ‪" :‬كنت رديف‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬على حمار فقال ‪ :‬يا معاذ ‪ ،‬أتدري ما حق الله‬
‫على العباد ‪ ،‬وما حق العباد على الله‪)"..‬الشيخان( ‪.‬‬
‫‪11‬ـ معرفة قدرات تلمذته وإدراكهم العقلي‬
‫فهو يقول لبي هريرة حين سأله عن الشفاعة لقد ظننت أن ل يسألني أحد‬
‫عن هذا الحديث أول منك لما أعلم من حرصك على الحديث)البخاري( ‪.‬‬
‫‪12‬ـ التوجيه للتخصص المناسب‬
‫روى البخاري تعليقا ً والترمذي عن زيد بن ثابت ‪ :‬أن قومه قالوا للنبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ : -‬ها هنا غلم من بني النجار حفظ بضع عشرة سورة ‪،‬‬
‫فاستقرأني فقرأت سورة ق ‪ ،‬فقال إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا‬
‫علي أو ينقصوا ‪ ،‬فتعلم السريانية ‪ .‬فتعلمها ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في سبعة‬
‫عشر يوما ً ‪.‬‬
‫‪13‬ـ العناية بتعليم المرأة‬
‫فحين صلى العيد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬اتجه إلى النساء فوعظهن‬
‫وأمرهن بالصدقة)البخاري( ‪ ،‬بل تجاوز المر مجرد استغلل اللقاءات‬
‫العابرة ‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أن النساء قلن لرسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" : -‬غلبنا عليك الرجال ‪ ،‬فاجعل لنا يوما ً من‬
‫نفسك" ‪ ،‬فوعدهن يوما ً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن ‪:‬‬
‫"ما منكن امرأة تقدم ثلثة من ولدها إل كان لها حجابا ً من النار" ‪ ،‬فقالت‬
‫امرأة ‪ :‬واثنين ؟ فقال ‪" :‬واثنين")البخاري( ‪.‬‬
‫‪14‬ـ استغلل المواقف في التعليم‬
‫ب‬ ‫ّ‬
‫قدم على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬سبي ‪ ،‬فإذا امرأة من السبي تحل َ‬
‫ثديها تسقي ؛ إذ وجدت صبيا ً في السبي أخذته فألصقته ببطنها ‪ ،‬وأرضعته ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬أترون هذه طارحة ولدها في النار" ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ل ‪ ،‬وهي تقدر على أن‬
‫ل تطرحه ‪ ،‬قال ‪" :‬لله أرحم بعباده من هذه بولدها")متفق عليه( ‪.‬‬
‫‪15‬ـ التشويق والتنويع في العرض‬
‫فهو أحيانا ً يطرح المسألة على أصحابه متسائل ‪" :‬أتدرون ما الغيبة")مسلم( ‪،‬‬
‫ً‬
‫"أتدرون من المفلس")أحمد( ‪" ،‬إن من الشجر شجرة ل يسقط ورقها وإنما‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مثلها مثل المسلم فأخبروني ما هي")متفق عليه( ‪ .‬ول شك أن السؤال‬


‫مدعاة للتفكير وتنميته ‪ ،‬ومدعاة للشتياق لمعرفة الجواب مما يكون أرسخ‬
‫في الذهن ‪.‬‬
‫وأحيانا ً يغير نبرات صوته ‪" :‬كان إذا خطب احمرت عيناه وعل صوته واشتد‬
‫غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم")مسلم( ‪.‬‬
‫وأحيانا ً يغير جلسته كما في حديث أكبر الكبائر ‪" :‬وكان متكئا ً فجلس فقال أل‬
‫وقول الزور ‪ ،‬أل وشهادة الزور")الشيخان( ‪.‬‬
‫‪16‬ـ استعمال الوسائل التعليمية‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪204‬‬

You might also like