Professional Documents
Culture Documents
com
للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل
:وتسجيل البريد اللكتروني
http://www.balligho.com
ن في السلم سنة حسنة ،فعمل بها قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :من س ّ
بعده ،كتب له مثل أجر من عمل بها .ول ينقص من أجورهم شيء ...الحديث.
فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك
تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل
.أجورهم ول ينقص من الجر شيئا
والسّنة
ب َ
دة إلى الك َِتا ِ و َع ْ
منهاجناَ :
مة ف ال ُسل َ ِ بِ َ
ّ هم ِ َف ْ
1
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ضا فهذا الذي أوَرد َْته عليك النفس يجب عليك طرده في جميع السباب وأي ً
مع مسبباتها حتى في أسباب دخول الجنة والنجاة من النار ،فهل تعطلها
اعتماًدا على التوكل أم تقوم بها مع التوكل؟ بل لن تخلو الرض من متوكل
صبر نفسه لله ومل قلبه من الثقة به ورجائه وحسن الظن به ،فضاق قلبه مع
ذلك عن مباشرة بعض السباب فسكن قلبه إلى الله واطمأن إليه ووثق به،
وكان هذا من أقوى أسباب حصول رزقه ،فلم يعطل السبب ،وإنما رغب عن
سبب إلى سبب أقوى منه فكان توكله أوثق السباب عنده؛ فكان اشتغال
قلبه بالله وسكونه إليه وتضرعه إليه أحب إليه من اشتغاله بسبب يمنعه من
ذلك ،أو من كماله؛ فلم يتسع قلبه للمرين فأعرض عن أحدهما إلى الخر.
ول ريب أن هذا أكمل حال ً ممن امتل قلبه بالسبب ،واشتغل به عن ربه.
وأكمل منهما من جمع المرين؛ وهي حال الرسل والصحابة؛ فقد كان زكريا
نجاًرا ،وقد أمر الله نوحا ً أن يصنع السفينة ،ولم يكن في الصحابة من يعطل
السبب اعتمادا ً على التوكل ،بل كانوا أقوم الناس بالمرين؛ أل ترى أنهم
بذلوا جهدهم في محاربة أعداء الدين بأيديهم وألسنتهم ،وقاموا في ذلك
بحقيقة التوكل ،وعمروا أموالهم وأصلحوها وأعدوا لهليهم كفايتهم من
القوت اقتداء بسيد المتوكلين صلوات الله وسلمه عليه وآله«).(13
صرِ الل ّهِ َ ْ ُ ُ َ ْ
ن م ر ص ني ويقول سيد قطب -رحمه الله تعالى -عند قوله تعالى) :ب ِن َ ْ
م( )الروم:(5:حي ُ شاُء وَهُوَ ال ْعَ ِ
زيُز الّر ِ يَ َ
»فالمر له من قبل ومن بعد ،وهو ينصر من يشاء؛ ل مقيد لمشيئته سبحانه.
والمشيئة التي تريد النتيجة هي ذاتها التي تيسر السباب .فل تعارض بين
تعليق النصر بالمشيئة ووجود السباب .والنواميس التي تصرف هذا الوجود
كله صادرة عن المشيئة الطليقة .وقد أراد الله عز وجل أن تكون هناك سنن
ل تتخلف؛ وأن تكون هناك نظم لها استقرار وثبات .والنصر والهزيمة أحوال
تنشأ عن مؤثرات ،وفق تلك السنن التي اقتضتها تلك المشيئة الطليقة.
والعقيدة السلمية واضحة ومنطقية في هذا المجال؛ فهي ترد المر كله إلى
الله؛ ولكنها ل تعفي البشر من الخذ بالسباب الطبيعية التي من شأنها أن
تظهر النتائج إلى عالم الشهادة والواقع .أما أن تتحقق تلك النتائج فعل ً أو ل
تتحقق فليس داخل ً في التكليف؛ لن مرد ذلك في النهاية إلى تدبير الله.
ولقد ترك العرابي ناقته طليقة على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه
ل» :توكلت على الله« ،فقال له رسول الله صلى الله وسلم ودخل يصلي قائ ً
عليه وسلم» :اعقلها وتوكل«) .(14فالتوكل في العقيدة مقيد بالخذ
2
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(27 /
وهذه الصورة من التوازن لها علقة بالصورة السابقة ،ولكن آثرت إفرادها
في صورة مستقلة لهميتها؛ وذلك أن الناس فيها طرفان ووسط.
الطرف الول :من قصر نظره على ثبات السنن الكونية ،واعتمد على ذلك
اعتماًدا كلًيا دون أن ينظر إلى طلقة المشيئة اللهية ،وغفل عن أن الله
سبحانه الذي ثّبت هذه السنن وجعلها مطردة حاسمة قادر متى شاء وكيف
شاء أن يخرق هذه السنن؛ لنه الفعال لما يريد ،والقادر على كل شيء .وهذا
الطرف الذي أفرط في النظر إلى ثبات السنن الكونية مثله مثل من أفرط
في فعل السباب وتعلق بها كما في الصورة السابقة.
الطرف الثاني :من نظر إلى طلقة المشيئة اللهية ولم يعتبر بثبات السنن
الكونية وترتب النتائج على السباب ،فأفرط في نظرته لطلقة المشيئة
اللهية مما جعله يفّرط في الخذ بالسباب والنتفاع من السنن الكونية ،بل
اعتمد على الخوارق دون بذل الجهد والعمل .وهذا مثله في الصورة السابقة
ما أنه متوكل على الله تعالى.
مثل من ترك الخذ بالسباب زاع ً
3
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
والوسط :من نظر إلى ثبات السنة الكونية وعمل في ضوئها وبذل السباب
دا .بل يؤمن بأن الله عز وجل الممكنة دون أن يتعلق بها أو بكونها ل تنخرق أب ً
يخرقها متى شاء لمن بذل السباب والجهد واستنفد ما في وسعه من العمل
والجهد والجهاد؛ كما هي حال النبي صلى الله عليه وسلم ،وصحبه الكرام؛
حيث بذلوا الجهد والعمل في سبيل الله عز وجل ،واستحقوا أن ينصرهم الله
عز وجل بجند من عنده ،ويخرق لهم من السنن الثابتة ما يظن الناس أنها ل
تنخرق وهذا هو ما في القرآن الكريم؛ حيث ذكر الله عز وجل أن له سنًنا
ثابتة ل تتبدل ول تتحول وفي ضوئها يعمل الناس وتنضبط حركاتهم وأعمالهم،
جد َ ن تَ ِديل ً وَل َ ْ ت الل ّهِ ت َب ْ ِ سن ّ ِ جد َ ل ِ ُ ن تَ ِ ويكيفون حياتهم وفقها كما قال تعالى) :فَل َ ْ
ل( )فاطر :من الية .(43 وي ً ح ِت الل ّهِ ت َ ْ سن ّ ِ لِ ُ
وفي مواطن أخرى من القرآن يذكر الله سبحانه أنه فعال لما يريد ،وأنه متى
ماشاء سبحانه خرق هذه السنن لمن شاء من عباده كما في قوله تعالى) :إ ِن ّ َ
َ َ
ن( )النحل ،(40:وقوله تعالى: كو ُ ن فَي َ ُ ه كُ ْ ل لَ ُ قو َ ن نَ ُ يٍء إ َِذا أَرد َْناه ُ أ ْ ش ْ قَوْل َُنا ل ِ َ
َ َ
ك الل ّ ُ
ه ل ك َذ َل ِ َعاقٌِر َقا َ مَرأِتي َ ي ال ْك ِب َُر َوا ْ م وَقَد ْ ب َل َغَن ِ َ غل ٌ ن ِلي ُ كو ُ ب أّنى ي َ ُ ل َر ّ )َقا َ
َ
ن ِلي وَل َد ٌ كو ُ ب أّنى ي َ ُ ت َر ّ شاُء( )آل عمران ،(40:وقوله تعالىَ) :قال َ ْ ما ي َ َ ل َ فعَ ُ يَ ْ
ما ي َشاُء( )آل عمران :من الية ،(47 َ خل ق ُ َ ُ ه يَ ْ ّ
ك الل ُ َ َ َ
سِني ب َشٌر قال كذل ِ ِ َ َ س ْ م َ م يَ ْ َ
وَل ْ
كوِني ن قُل َْنا َيا َناُر ُ لي
ِ ِ َ ع َ
فا م تن ُ ك
َِ َ ْ ِ ْ ُْ ْ ن إ م ُ ك ت ه ل آ روا ص ن
ُ َ ْ ُ ُوا ه قوُ ر ح
َ ّ لواُ قاَ ) تعالى: وقوله
ن( )النبياء-68: ري س خ
ْ جعَل َْناهُم اْل َ َ ف ً ا يد َ ك ه ب دوا را بردا ً وسلما ً عََلى إبراهيم وأ َ
َ ِ َ ُ َ ِْ َ ِ َ َ َ ُ ِ ِ ْ َ َ َْ
.(70وغيرها من اليات التي تقرر نفوذ مشيئة الله عز وجل وعدم تقيدها
ما ل فكاك بقيد ما مما يخطر على قلب بشر مما يحسبه الناس قانوًنا لز ً
منه.
يقول سيد قطب -رحمه الله تعالى » : -وبين ثبات السنن وطلقة المشيئة
اللهية يقف الضمير البشري على أرض ثابتة مستقرة؛ يعمل فيها وهو يعلم
طبيعة الرض ،وطبيعة الطريق ،وغاية السعي ،وجزاء الحركة .ويتعرف إلى
نواميس الكون ،وسنن الحياة ،وطاقات الرض ،وينتفع بها وبتجاربه الثابتة
فيها بمنهج علمي ثابت .وفي الوقت ذاته يعيش موصول الروح بالله ،معلق
القلب بمشيئته؛ ل يستكثر عليها شيئًا ،ول يستبعد عليها شيًئا ،ول ييئس أمام
دا .يعيش طليق التصور ،غير محصور في قوالب حديدية ،يضع ضغط الواقع أب ً
فيها نفسه ،ويتصور أن مشيئة الله -سبحانه -محصورة فيها! وهكذا ل يتبلد
مر رجاؤه ،ول يعيش في إلف مكرور! حسه ،ول يض ُ
سّنة ،لنه مأمور والمسلم يأخذ بالسباب لنه مأمور بالخذ بها .ويعمل وفق ال ّ
بمراعاتها ،ل لنه يعتقد أن السباب والوسائل هي المنشئة للمسببات
والنتائج؛ فهو يرد المر كله إلى خالق السباب ،ويتعلق به وحده من وراء
السباب ،بعد أداء واجبه في الحركة والسعي والعمل واتخاذ السباب طاعة
لمر الله.
وهكذا ينتفع المسلم بثبات السنن في بناء تجاربه العلمية وطرائقه العملية،
في التعامل مع الكون وأسراره وطاقاته ومدخراته؛ فل يفوته شيء من مزايا
العلوم التجريبية والطرائق العملية .وهو في الوقت ذاته موصول القلب بالله،
حي القلب بهذا التصال ،موصول الضمير بالمشاعر الدبية الخلقية ،التي
ترفع العمر وتباركه وتزكيه ،وتسمو بالحياة النسانية إلى أقصى الكمال
المقدر لها في الرض ،وفي حدود طاقة النسان«).(17
] [ 15التوازن والوسطية في تكفير المعين :
إن مسألة تكفير المعين مسألة خطيرة وذلك من جهتين:
الولى :من جهة تكفير المعين الذي ل يستحق التكفير بمجرد شبهات ل
4
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(28 /
وبناء على ذلك فإن الناس في تكفير المعين طرفان مذمومان ووسط
محمود.
الطرف الول :من غل وأفرط في تكفير المعين بمجرد تلبسه بأمر مكفر
دون أن ينظر إلى توفر الشروط في تكفيره وانتفاء الموانع .بل إن مجرد
التلبس بقول ،أو عمل مكفرين ،فإنه عند هذا الفريق من الناس كافر بعينه
مهما وجد من الموانع من ذلك؛ كالكراه أو التأول ،أو الخطأ أو غير ذلك من
العوارض الشرعية..
الطرف الثاني :من فّرط وتساهل في عدم تكفير المعين حتى أدى به المر
إلى القول بأنه ل يجوز تكفير المعين مهما أتى بناقض من نواقض السلم ما
دا ،مهما توفرت الشروط ،وانتفت الموانع .وهذا لم يعتقد الكفر ويقصده قص ً
جفاء وتضييع وتفريط ويؤول إلى أنه ل مرتد في السلم ،وبالتالي ل حاجة
إلى وجود أحكام المرتد في الفقه السلمي.
صل في ذلك الموقف الوسط العدل :من فّرق بين الكفر ومرتكب الكفر ،وف ّ
وقال :إن من تلبس بمكفر أو ناقض من نواقض السلم فإن المتعين في
حقه أن ينظر إلى حال هذا المعّين فإذا لم تتوفر الشروط في تكفيره أو وجد
مانع من تكفيره؛ كالكراه والخطأ وغيرهما؛ فإنه ل يجوز تكفيره والحالة هذه.
أما إذا رؤي أن شروط تكفيره متوفرة ول يوجد مانع شرعي من تكفيره فإنه
يحكم بتكفيره بعينه وتطبق عليه أحكام المرتد .وهذا التفصيل هو شأن
الراسخين في العلم ،الذين هم وسط بين الغالي والجافي ،نسأل الله عز
وجل أن يلحقنا بهم .وبهذا الموقف العدل يسلم المسلم من تكفير من لم
يستحق التكفير ،كما يسلم من جعل الكافر أو المرتد في عداد المسلمين.
] [ 16التوازن والوسط بين الدنيا والخرة :
ن الد ّن َْيا م َ َ
صيب َك ِ س نَ ِ خَرةَ َول ت َن ْ َ ْ
داَر ال ِ ه ال ّ ك الل ّ ُ ما آَتا َ قال الله تعالىَ) :واب ْت َِغ ِفي َ
ّ َ ْ ه إ ِل َي ْك َول ت َب ِْغ ال َ
ْ وأ َحسن ك َ َ
بح ّ ه ل يُ ِ ن الل َ ض إِ ّ
ساد َ ِفي الْر ِ ف َ َ ن الل ّ ُس َ ح َ
ما أ َْ ْ ِ ْ َ
ن( )القصص.(77: دي َ س ِ ف ِم ْ ال ْ ُ
يقول السعدي -رحمه الله تعالى -في تفسير هذه الية ...» :أي قد حصل
عندك من وسائل الخرة ما ليس عند غيرك من الموال فابتغ بها ما عند الله،
س
وتصدق ول تقتصر على مجرد نيل الشهوات وتحصيل اللذاتَ) .ول ت َن ْ َ
ن الد ّن َْيا( أي ل نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائًعا ،بل أنفق م َ ك ِ صيب َ َ نَ ِ
عا ل يثلم دينك ول يضر آخرتك«).(18 لخرتك ،واستمتع بدنياك استمتا ً
ما
وقال المام ابن كثير -رحمه الله تعالى -عند هذه الية» :وقولهَ) :واب ْت َِغ ِفي َ
ن الد ّن َْيا( ،أي :استعمل ما وهبك الله م َ ك ِ صيب َ َس نَ ِ خَرةَ َول ت َن ْ َ داَر اْل ِ
ه ال ّ ك الل ّ ُ آَتا َ
من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع
ن
م َ ك ِ صيب َ َ س نَ ِ القربات ،التي يحصل لك بها الثواب في الدار الخرةَ) ،ول ت َن ْ َ
الد ّن َْيا( ،أي :مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملبس والمساكن
قا، قا ،ولهلك عليك ح ً قا ،ولنفسك عليك ح ً والمناكح ،فإن لربك عليك ح ً
قا ،فآت كل ذي حق حقه«).(19 ولَزْورك عليك ح ً
هّ َ
ما آَتاك الل ُ ويقول سيد قطب -رحمه الله تعالى -عند هذه اليةَ)» :واب ْت َِغ ِفي َ
ن الد ّن َْيا( ..وفي هذا يتمثل اعتدال المنهج م َك ِ صيب َ َ
س نَ ِ خَرةَ َول ت َن ْ َ داَر اْل ِ ال ّ
5
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
اللهي القويم .المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالخرة ،ول يحرمه أن
يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة .بل يحضه على هذا ويكلفه إياه
فا ،كي ل يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها.
تكلي ً
لقد خلق الله طيبات الحياة ليستمتع بها الناس ،وليعملوا في الرض لتوفيرها
وتحصيلها؛ فتنمو الحياة وتتجدد ،وتتحقق خلفة النسان في هذه الرض .ذلك
على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الخرة ،فل ينحرفون عن طريقها،
ول ُيشغلون بالمتاع عن تكاليفها .والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان
الشكر للمنعم ،وتقبل لعطاياه ،وانتفاع بها ،فهو طاعة من الطاعات يجزي
عليها الله بالحسنى.
وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة النسان ،ويمكنه من
الرتقاء الروحي الدائم من خلل حياته الطبيعية المتعادلة ،التي ل حرمان
فيها ،ول إهدار لمقومات الحياة الفطرية البسيطة«).(20
والناس في نظرهم للدنيا والخرة طرفان ووسط:
الطرف الول :من جعل همه للدنيا وقصر نظره عليها ،وكأنه مخلد فيها .وهو
وإن كان يؤمن بالخرة إل أنه فصلها عن الدنيا ونظر إلى أنه ل يمكن الجمع
بين الدنيا والخرة؛ فإما أن ينصرف إلى الدنيا وإما إلى الخرة ،واستدل
أصحاب هذا الطرف بالنصوص التي فيها الحث على العمل والكسب ونسوا
الدلة الخرى.
الطرف الثاني :يشارك الطرف الول في فهمه للدنيا والخرة؛ وذلك
باستحالة الجمع بين الدنيا والخرة ،ويفترق عنه في أنه انصرف إلى الخرة
وانقطع عن الدنيا وأهلها ،وترك الدنيا لهل الفساد يعيثون فيها ويفسدون،
واستدل أصحاب هذا الطرف باليات التي تحث على الزهد في الدنيا.
)(29 /
الطرف العدل والوسط :وهم أهل الحق الذين عملوا بالية التي سبق شرحها
في سورة القصص ،وعملوا بكل اليات والحاديث الواردة في العمل
والصلح في الدنيا ،وكذلك التي وردت في التحذير من الدنيا والستعداد
للخرة؛ فجمعوا بين النصوص ،وتوجهوا إلى الدنيا بعمارتها وإصلحها،
دوها مزرعة الخرة فجعلوها في أيديهم ل في ومدافعة المفسدين فيها ،وع ّ
قلوبهم ،ونظروا إليها على أنها ممر ومحطة للتزود منها للخرة ،وأنها فانية ل
تساوي شيًئا في مقابل النعيم البدي في الدار الخرة.
وفي ذلك يقول شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله تعالى » :-والناس
أقسام:
أصحاب »دنيا محضة« :وهم المعرضون عن الخرة.
وأصحاب »دين فاسد« :وهم الكفار والمبتدعة الذين يتدينون بما لم يشرعه
الله من أنواع العبادات والزهادات.
و »القسم الثالث« :وهم أهل الدين الصحيح؛ أهل السلم المستمسكون
بالكتاب والسنة والجماعة ،والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لول أن
هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق«).(21
ويقول الشيخ سفر الحوالي -حفظه الله تعالى :-
»وأهل السنة والجماعة وسط حتى في حياتهم العملية:
فمن أهل السنة والجماعة من كان يلي القضاء ،ومن كان بلي بعض
المناصب ،ومن كان ذا مال وسعة وفضل .وفي أصحاب رسول الله صلى
6
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الله عليه وسلم السوة الكاملة؛ فقد كان فيهم أهل الثراء والغنى ،كما كان
ضا أهل الفاقة والفقر ،وأهل الصبر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أي ً
والزهد ،وكان في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أهل العبادة والذكر،
كما كان فيهم أهل الجهاد ،والمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
دهم حصل عندهم الضطراب في ذلك؛ فبعضهم مال إلى الدنيا، ن بع َ
م ْ
و َ
وركن إليها ،ولم يتحرز من قبول أي ولية ،ولم يتحرز من قبول أي منصب،
ول في التوسع في الدنيا والخذ منها ،وقالوا :هذه خيرات وطيبات أحلها الله؛
فتوسعوا في ذلك توسًعا أخرجهم عما كان عليه السلف من التقلل من الدنيا
والرغبة في الخرة ،وصدق التوجه إلى الله سبحانه وتعالى.
ومنهم طائفة مالت إلى العكس :فأخذوا بالزهد وتركوا متاع الحياة الدنيا،
حتى أنهم حّرموا الطيبات ،أو على القل نظروا إلى من يأخذ شيًئا من
الطيبات بأنه خارج عن الصواب وعن إصابة الحق.
فهذا المر وإن كان أمرا واقعًيا -أي في التطبيق العملي -إل أنه يوصلنا
ويدلنا على توسط أهل السنة والجماعة فيه.
خاصية عظمى يتميز بها أهل السنة والجماعة :وهي أنهم يدخلون في السلم
كله ويجمعون الدين كله«).(22
ويجلي هذه الحقيقة سيد قطب -رحمه الله تعالى -حيث يقول» :لقد افترق
طريق الدنيا وطريق الخرة في تفكير كثير من الناس وضميرهم وواقعهم؛
بحيث أصبح الفرد العادي -وكذلك الفكر العام للبشرية الضالة -ل يرى أن
هنالك سبيل ً لللتقاء بين الطرفين .ويرى على العكس أنه إما أن يختار طريق
الدنيا فيهمل الخرة من حسابه ،وإما أن يختار طريق الخرة فيهمل الدنيا من
حسابه ،ول سبيل إلى الجمع بينهما في تصور ول واقع؛ لن واقع الرض
والناس وأوضاعهم في هذه الفترة من الزمان توحي بهذا.
حقيقة :إن أوضاع الحياة الجاهلية البعيدة عن الله ،وعن منهجه للحياة اليوم
تباعد بين طريق الدنيا وطريق الخرة ،وتحتم على الذين يريدون البروز في
المجتمع ،والكسب في مضمار المنافع الدنيوية أن يتخلوا عن طريق الخرة،
وأن يضحوا بالتوجيهات الدينية والمثل الخلقية والتصورات الرفيعة والسلوك
النظيف الذي يحض عليه الدين .كما تحتم على الذين يريدون النجاة في
الخرة أن يتجنبوا تيار هذه الحياة وأوضاعها القذرة ،والوسائل التي يصل بها
الناس في مثل هذه الوضاع إلى البروز في المجتمع ،والكسب في مضمار
المنافع؛ لنها وسائل ل يمكن أن تكون نظيفة ول مطابقة للدين والخلق ،ول
مرضية لله سبحانه .ولكن تراها ضربة لزب! ترى أنه ل مفر من هذا الحال
التعيس؟ ول سبيل إلى اللقاء بين طريق الدنيا وطريق الخرة؟
كل إنها ليست ضربة لزب! فالعداء بين الدنيا والخرة ،والفتراق بين طريق
الدنيا وطريق الخرة ليس هو الحقيقة النهائية التي ل تقبل التبديل ،بل إنها
ل ،إنما هي عارض ناشئ من انحراف ليست من طبيعة هذه الحياة أص ً
طارئ!
)(30 /
إن الصل في طبيعة الحياة النسانية أن يلتقي فيها طريق الدنيا وطريق
الخرة ،وأن يكون الطريق إلى صلح الخرة هو ذاته الطريق إلى صلح
الدنيا ،وأن يكون النتاج والنماء والوفرة في عمل الرض هو ذاته المؤهل
لنيل ثواب الخرة ،كما أنه هو المؤهل لرخاء هذه الحياة الدنيا ،وأن يكون
7
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
اليمان والتقوى والعمل الصالح هي أسباب عمران هذه الرض ،كما أنها هي
وسائل الحصول على رضوان الله وثوابه الخروي .هذا هو الصل في طبيعة
الحياة النسانية؛ ولكن هذا الصل ل يتحقق إل حين تقوم الحياة على منهج
الله الذي رضيه للناس؛ فهذا المنهج هو الذي يجعل العمل عبادة ،وهو الذي
يجعل الخلفة في الرض وفق شريعة الله فريضة .والخلفة عمل وإنتاج،
ووفرة ونماء ،وعدل في التوزيع يفيض به الرزق على الجميع من فوقهم ومن
تحت أرجلهم كما يقول الله في كتابه الكريم ...
والمنهج السلمي -بهذا -يجمع بين العمل للدنيا والعمل للخرة في توافق
وت عليه آخرته وت على النسان دنياه لينال آخرته ،ول يف ّ وتناسق؛ فل يف ّ
لينال دنياه؛ فهما ليسا نقيضين ول بديلين في التصور السلمي ...إن هذا
الفصام النكد بين طريق الدنيا وطريق الخرة في حياة الناس ،وبين العمل
للدنيا والعمل للخرة ،وبين العبادة الروحية والبداع المادي ،وبين النجاح في
الحياة الدنيا ،والنجاح في الحياة الخرى؛ إن هذا الفصام النكد ليس ضريبة
مفروضة على البشرية بحكم من أحكام القدر الحتمية! إنما هو ضريبة بائسة
فرضتها البشرية على نفسها وهي تشرد عن منهج الله ،وتتخذ لنفسها مناهج
أخرى من عند أنفسها معادية لمنهج الله في الساس والتجاه.
وهي ضريبة يؤديها الناس من دمائهم وأعصابهم في الحياة الدنيا ،فوق ما
يؤدونه منها في الخرة وهو أشد وأنكى.
قا وحيرة وشقاء قلب وبلبلة خاطر ،من جراء خواء قلوبهم من إنهم يؤدونها قل ً
طمأنينة اليمان وبشاشته وزاده وريه ،إذا هم آثروا اطراح الدين كله ،على
زعم أن هذا هو الطريق الوحيد للعمل والنتاج والعلم والتجربة ،والنجاح
الفردي والجماعي في المعترك العالمي! ذلك أنهم في هذه الحالة يصارعون
فطرتهم ،يصارعون الجوعة الفطرية إلى عقيدة تمل القلب ،ول تطيق الفراغ
والخواء .وهي جوعة ل تملؤها مذاهب اجتماعية ،أو فلسفية ،أو فنية على
الطلق ،لنها جوعة النزعة إلى إله.
قا وحيرة وشقاء قلب وبلبلة خاطر إذا هم حاولوا وهم يؤدونها كذلك قل ً
الحتفاظ بعقيدة في الله ،وحاولوا معها مزاولة الحياة في هذا المجتمع
العالمي الذي يقوم نظامه كله وتقوم أوضاعه وتقوم تصوراته ،وتقوم وسائل
الكسب فيه ووسائل النجاح على غير منهج الله ،وتتصادم فيه العقيدة الدينية
والخلق الديني ،والسلوك الديني ،مع الوضاع والقوانين والقيم والموازين
السائدة في هذا المجتمع المنكود.
وتعاني البشرية كلها ذلك الشقاء ،سواء اتبعت المذاهب المادية اللحادية ،أو
المذاهب المادية التي تحاول استبقاء الدين عقيدة بعيدة عن نظام الحياة
العملية ،وتتصور -أو يصور لها أعداء البشرية -أن الدين لله ،وأن الحياة
للناس! وأن الدين عقيدة وشعور وعبادة وخلق ،والحياة نظام وقانون وإنتاج
وعمل!
وتؤدي البشرية هذه الضريبة الفادحة ضريبة الشقاء والقلق والحيرة والخواء
لنها ل تهتدي إلى منهج الله الذي ل يفصل بين الدنيا والخرة بل يجمع ،ول
يقيم التناقض والتعارض بين الرخاء في الدنيا والرخاء في الخرة ،بل ينسق.
ما ل تؤمن ول ول يجوز أن تخدعنا ظواهر كاذبة ،في فترة موقوتة؛ إذ نرى أم ً
تتقي ،ول تقيم منهج الله في حياتها ،وهي موفورة الخيرات ،كثيرة النتاج
عظيمة الرخاء.
إنه رخاء موقوت حتى تفعل السنن الثابتة فعلها الثابت ،وحتى تظهر كل آثار
الفصام النكد بين البداع المادي والمنهج الرباني .والن تظهر بعض هذه الثار
8
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(31 /
-وتظهر في القلق العصبي والمراض المنوعة التي تجتاح أمم العالم -
وبخاصة أشدها رخاء مادًيا -مما يهبط بمستوى الذكاء والحتمال ،ويهبط بعد
ذلك بمستوى العمل والنتاج ،وينتهي إلى تدمير القتصاد المادي والرخاء!
وهذه الدلئل اليوم واضحة وضوحا ً كافيا ً يلفت النظار!
-وتظهر في الخوف الذي تعيش فيه البشرية كلها من الدمار العالمي
المتوقع في كل لحظة في هذا العالم المضطرب؛ الذي تحوم حوله نذر
الحرب المدمرة .وهو خوف يضغط على أعصاب الناس من حيث يشعرون أو
ل يشعرون ،فيصيبهم بشتى المراض العصبية .ولم ينتشر الموت بالسكتة
وانفجار المخ والنتحار كما انتشر في أمم الرخاء«) (23ا.هـ.
] [ 17العدل والتوازن في الولء والبراء :
الولء والبراء صلب عقيدة التوحيد؛ فكلمة التوحيد نصفها براءة من الشرك
وأهله؛ وذلك من قول) :ل إله( .والنصف الخر ولء لله عز وجل وعبودية له
سبحانه؛ وذلك من قول) :إل الله(؛ فالعبد ل يصح توحيده إل بعبادة الله عز
وجل وموالته ،ومحبة ما يحبه ومن يحبه سبحانه ،والبراءة من كل ما يُعبد
من دون الله تعالى ،وبغض ما يبغضه ومن يبغضه عز وجل .ولقد حصل في
عقيدة الولء والبراء -كما في غيرها من أبواب العتقاد -غلو وجفاء ،فكان
الناس في فهم الحب والولء طرفان ووسط:
الطرف الول :من غل وأفرط في فهمه للمحبة والولء؛ حيث غل في الحكم
على من وقع في موالة الكفار ،ولم يفرق بين الموالة المكفرة وغير
المكفرة ،بل عد ّ أي نوع من أنواع الموالة للكفار ردة وكفر .كما أن هذا
الطرف لم يفرق بين المداراة والمداهنة؛ فعد ّ أي صورة من صور المداراة
والتقية مداهنة وموالة ،كما غل في بغضه للمخالف فتبرأ منه كما يتبرأ من
الكفار.
الطرف الثاني :من فّرط في فهمه وتطبيقه لهذه الشعيرة العظيمة ،ووقع
في موالة الكفار ومداهنتهم بحجة المداراة والتقية ،ولم يفرق بين المحرم
منها والمخرج من الملة ،بل هي عنده إما جائزة أو محرمة ل تخرج من
الملة.
الموقف الوسط :وهو موقف أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين لهم
بإحسان؛ وهو وجوب محبة الله عز وجل ،ومحبة ما يحبه من اليمان
9
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(32 /
ومن ذلك قول من قال في المام أحمد -رحمه الله تعالى ) :-عندنا
بخراسان يظنون أن أحمد ل يشبه البشر؛ يظنون أنه من الملئكة( وقول
الخر) :نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة( .علق الذهبي على هذا الغلو
فا المحب والمحبوب بقوله) :هذا غلو ل ينبغي ،لكن الباعث له حب ولي منص ً
الله في الله().(27
ومن صور غلو المخالفين في البغض:
10
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
التهوين من شأن مخالفهم والحط من قدره إلى درجة ل تعقل ول تليق؛ ومن
ذلك أن فقيًها من فقهاء العراق -وهو من أهل الرأي -لما رجع من الحج أراد
أن يبشر أهل الكوفة بتقدمهم في علوم الشريعة على من خالفهم فقال:
)أبشروا يا أهل الكوفة؛ فإني قدمت على أهل الحجاز ،فرأيت عطاء
دا ،فصبيانكم بل صبيان صبيانكم أفقه منهم( .يقول المغيرة سا ومجاه ً وطاوو ً
-راوي هذه الواقعة ) :-فرأينا أن ذاك بغي منه().(28
وقد يدفع البغض أصحاب الغلو إلى الفتراء والبهتان؛ ومن ذلك أنه نسب
لب -رأس المتكلمين في البصرة -الذي كان يرد على البعض إلى ابن ك ُ ّ
المعتزلة والجهمية أنه إنما ابتدع ما ابتدعه -من القضايا الكلمية -ليدس دين
النصارى في ملتنا ،وأنه أرضى أخته بذلك .يقول الذهبي في إنصاف الرجل:
)وهذا باطل ،والرجل أقرب المتكلمين إلى السنة().(29
س على ابن بطوطة في كتابه من أنه سمع ومن الفتراء على أهل العلم ما د ُ ّ
ابن تيمية يقول على منبر مسجد دمشق الموي) :إن الله ينزل كل ليلة (..
قال :كنزولي هذا ،ونزل على المنبر .افتروا ذلك على ابن تيمية لتأييد
دعواهم فيما ينسبونه إلىه من التشبيه والتجسيم ،مع أن ابن تيمية كان في
سجن قلعة دمشق أثناء مرور ابن بطوطة بدمشق).(30
وفي واقعنا المعاصر صور وأمثلة مؤذية من الغلو وفقدان العدل في الحب أو
البغض ،وهي من الوضوح بحيث ل تحتاج إلى ذكر وتفصيل ،وإن كان سيأتي
لها ذكر في مبحث العدل والتوازن مع المخالف إن شاء الله تعالى.
] [ 18العدل والتوازن في الموقف من العقل :
سنة وسط في نظرتهم للعقل بين الذين غلو في العقل وعظموه أهل ال ّ
وأدخلوه في غير مجاله ،وظنوا أنه يمكن أن يقدم على النقل ،وردوا
الحاديث الصحيحة بزعم مخالفتها للمعقول ،وبين الطرف المقابل لهؤلء؛
وهم الذين وقعوا في الطرف المناقض حتى للعقل الفطري البدهي؛ فابتعدوا
عن تعليل الحكام الشرعية وإظهار الحكمة فيها ،أو قبلوا بالخرافات
والساطير المصادمة لبدهية العقول .وكل الطرفين ابتعد عن منهج أهل
سنة ،وهدى الله السلف وأتباعهم لما اخُتلف فيه من الحق بإذنه؛ حيث ال ّ
جهوه أعطوا العقل مكانته اللئقة به ،ولم يعارضوا به النصوص ،وإنما و ّ
لتدبرها ،والستنباط منها ،والتسليم بما لم تحط به العقول منها .والقرآن
مليء بالستدللت العقلية ،والبراهين النظرية؛ كالقيسة والمثال ،ومليء
َ
سيُروا م يَ ِبالنصوص التي تذم المعطلين لعقولهم كما في قوله تعالى) :أفَل َ ْ
َ ِفي اْل َْرض فَت َ ُ
مىن ب َِها فَإ ِن َّها ل ت َعْ َ
مُعو َ س َن يَ ْن ب َِها أوْ آَذا ٌ قُلو َب ي َعْ ِ م قُُلو ٌ ن ل َهُ ْ كو َ ِ
ّ ُ ْ َ
دوِر( )الحج ،(46:وكما في قوله ّ ُص ال في ِ تي ِ لا بُ لو ُ ق لا مى صاُر وَل َ ِ ْ َ ْ َ
ع ت ن ك اْلب ْ َ
ن( )الروم :من قُلو َ قوْم ٍ ي َعْ ِ
ت لِ َك َليا ٍ ن ِفي ذ َل ِ َ تعالى -وفي أكثر من آية ) :-إ ِ ّ
َ
ن( )ّيس :من الية .(31)(68 قُلو َ الية ،(24وقوله) :أَفل ي َعْ ِ
يقول شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله تعالى » :-ولما أعرض كثير من
أرباب الكلم والحروف ،وأرباب العمل والصوت ،عن القرآن واليمان :تجدهم
في العقل على طريق كثير من المتكلمة؛ يجعلون العقل وحده أصل علمهم،
ويفردونه ،ويجعلون اليمان والقرآن تابعين له.
والمعقولت عندهم هي الصول الكلية الولية ،المستغنية بنفسها عن اليمان
والقرآن.
وكثير من المتصوفة يذمون العقل ويعيبونه ،ويرون أن الحوال العالية،
ذب به والمقامات الرفيعة ،ل تحصل إل مع عدمه ،ويقرون من المور بما ُيك ّ
صريح العقل.
11
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(33 /
والرسل جاءت بما يعجز العقل عن دركه ،لم تأت بما يعلم بالعقل امتناعه،
لكن المسرفون فيه قضوا بوجوب أشياء وجوازها ،وامتناعها لحجج عقلية
قا ،وهي باطل ،وعارضوا بها النبوات وما جاءت به، بزعمهم اعتقدوها ح ً
والمعرضون عنه صدقوا بأشياء باطلة ،ودخلوا في أحوال وأعمال فاسدة،
وخرجوا عن التمييز الذي فضل الله به بني آدم على غيرهم«).(32
مسألة :تتعلق بدور العقل في معرفة حسن الشياء وقبحها:
ضا من المسائل التي ضل فيها طرفان عن الحق ،وهدى الله عز وهذه أي ً
وجل أتباع السلف إلى الحق فيها .فكان الناس فيها طرفان مذمومان ووسط
عدل محمود.
الطرف الول :من غل وأفرط في دور العقل واستقلليته في معرفة قبح
الشياء وحسنها ،حتى آل بهم المر إلى أن الثواب أو العقاب عليها ثابت
بالعقل وليس متوقف على الشرع وإبلغ الرسل.
الطرف الثاني :من فّرط ونفى أن يكون للعقل دور في التحسين والتقبيح
وإنما ذلك متوقف على الشرع.
الوسط العدل :يثبتون دور العقل في معرفة الحسن والقبيح؛ أما العقاب
والثواب عليها فمتوقف على الشرع وإبلغ الرسل.
وقد أفاض المام ابن القيم -رحمه الله تعالى -في ذكر الدلة التي يرد بها
على الفريقين المذمومين :الغلة والجفاة ،وبخاصة على النفاة منهم؛ فقال -
رحمه الله تعالى » :-فاعلم أن هذا مقام عظيم زلت فيه أقدام طائفتين من
الناس :طائفة من أهل الكلم والنظر ،وطائفة من أهل السلوك والرادة.
فنفى لجله كثير من النظار التحسين والتقبيح العقليين ،وجعلوا الفعال كلها
سواء في نفس المر ،وأنها غير منقسمة في ذواتها إلى حسن وقبيح ،ول
يميز القبيح بصفة اقتضت قبحه ،بحيث يكون منشأ القبح ،وكذلك الحسن،
فليس للفعل عندهم منشأ حسن ول قبح ،ول مصلحة ول مفسدة ،ول فرق
بين السجود للشيطان والسجود للرحمن في نفس المر ،ول بين الصدق
والكذب ،ول بين السفاح والنكاح ،إل أن الشارع حّرم هذا وأوجب هذا؛ فمعنى
حسنه كونه مأموًرا به ،ل أنه منشأ مصلحة ،ومعنى قبحه كونه منهّيا عنه ،ل
أنه منشأ مفسدة ،ول فيه صفة اقتضت قبحه ،ومعنى حسنه أن الشارع أمر
به ل أنه منشأ مصلحة ،ول فيه صفة اقتضت حسنه.
وقد بينا بطلن هذا المذهب من ستين وجًها في كتابنا المسمى »تحفة
12
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(34 /
فالنفاة يقولون :ليست في ذاتها قبيحة ،وقبحها والعقاب عليها إنما ينشأ
بالشرع .والمعتزلة تقول :قبحها والعقاب عليها ثابتان بالعقل .وكثير من
الفقهاء من الطوائف الربع يقولون :قبحها ثابت بالعقل ،والعقاب متوقف
على ورود الشرع؛ وهو الذي ذكره سعد بن علي الزنجاني من الشافعية ،وأبو
صا .لكن الخطاب من الحنابلة ،وذكره الحنفية وحكوه عن أبي حنيفة ن ّ
المعتزلة منهم يصرحون بأن العقاب ثابت بالعقل.
وقد دل القرآن أنه ل تلزم بين المرين ،وأنه ل يعاقب إل بإرسال الرسل،
وأن الفعل نفسه حسن وقبيح .ونحن نبين دللته على المرين:
ً
سول( )السراء: ث َر ُ
حّتى ن َب ْعَ َ
ن َ ما ك ُّنا ُ
معَذ ِّبي َ أما الول :ففي قوله تعالى) :وَ َ
13
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
س عََلى الل ّهِ ن ُِللّنا ِ كو َ ن ل ِئ َّل ي َ ُ من ْذِِري َ ن وَ ُ ري َ ش ِ مب َ ّ سل ً ُ من الية ،(15وفي قولهُ) :ر ُ
ج َ
ي ِفيَها فوْ ٌ ق َ ْ
ما أل ِ ّ ُ
ل( )النساء :من الية ،(165وفي قوله) :كل َ س ِ ة ب َعْد َ الّر ُ ج ٌ ح ّ ُ
هّ َ ْ ُ ّ َ َ َ َ ُ َ ُ ْ َ َ َ َ
ما ن َّزل الل ُ ذيٌر فكذب َْنا وَقلَنا َ جاَءَنا ن َ ِ ذيٌر قالوا ب َلى قد ْ َ م نَ ِ م ي َأت ِك ْ خَزن َت َُها أل ْ م َ سألهُ ْ َ
يٍء( )الملك :من اليتين (9 ،8؛ فلم يسألوهم عن مخالفتهم للعقل ،بل ْ ش َ ن م ْ ِ
ذر .وبذلك دخلوا النار ... للن ُ
وأما الصل الثاني :وهو دللته على أن الفعل في نفسه حسن وقبيح فكثير
مَرَنا ب َِها ة َقاُلوا وجدنا عَل َيها آباَءنا والل ّ َ ح َ جدا ً كقوله تعالى) :وَإ َِذا فَعَُلوا َفا ِ
هأ َ َْ َ َ َ ُ َ َ َْ ش ً
قوُلون عََلى الل ّه ما ل تعل َمون قُ ْ َ شاِء أ َت َ ُ مُر ِبال ْ َ ْ
مَر َرّبي لأ َ َْ ُ َ ِ َ َ ح َ ف ْ ه ل ي َأ ُ ن الل ّ َ ل إِ ّ قُ ْ
َ َ
ما ن كَ َ دي َ ه ال ّ نل ُ صي َ خل ِ ِ م ْ عوه ُ ُ جد ٍ َواد ْ ُ س ِ م ْ ل َ عن ْد َ ك ُ ّ م ِ جوهَك ُ ْ موا وُ ُ ط وَأِقي ُ س ِ ق ْ ِبال ْ ِ
ضلل َ ُ َ
ن طي َ شَيا ِ ذوا ال ّ خ ُ م ات ّ َ ة إ ِن ّهُ ُ م ال ّ حقّ عَل َي ْهِ ُ ريقا ً َ دى وَفَ ِ ريقا ً هَ َ ن فَ ِ م ت َُعوُدو َ ب َد َأك ُ ْ
َ َ
لعن ْد َ ك ُ ّ م ِ ذوا ِزين َت َك ُ ْ خ ُ م ُ ن َيا ب َِني آد َ َ دو َ مهْت َ ُ م ُ ن أن ّهُ ْ سُبو َ ح َ ن الل ّهِ وَي َ ْ ن ُدو ِ م ْ أوْل َِياَء ِ
ة
م ِزين َ َ حّر َ ن َ م ْ ل َ ن قُ ْ سرِِفي َ م ْ ب ال ْ ُ ح ّ ه ل يُ ِ سرُِفوا إ ِن ّ ُ شَرُبوا َول ت ُ ْ جدٍ وَك ُُلوا َوا ْ س ِ م ْ َ
ة ْ ّ ق قُ ْ ّ َ ّ ّ
حَيا ِ مُنوا ِفي ال َ نآ َ ذي َ ي ل ِل ِ ل هِ َ ن الّرْز ِ م َ ت ِ ج ل ِعَِبادِهِ َوالطي َّبا ِ خَر َ اللهِ الِتي أ ْ
ي
م َرب ّ َ حّر َ ما َ ل إ ِن ّ َ نق ْ ُ مو َ َ
قوْم ٍ ي َعْل ُ ت لِ َ ل اليا ِ ْ ص ُ ف ّ َ
مةِ كذ َل ِك ن ُ َ َ قَيا َ م ال ِ ْ ة ي َوْ َ ص ً خال ِ َ الد ّن َْيا َ
هّ ُ ن تُ ْ َ ْ ْ ْ ْ َ َ ال ْ َ
شرِكوا ِبالل ِ حقّ وَأ ْ ي ب ِغَي ْرِ ال َ م َوالب َغْ َ ن َوال ِث َ ما ب َط َ من َْها وَ َ ما ظهََر ِ ش َ ح َ وا ِ ف َ
َ
ن( )العراف-28: مو َ ما ل ت َعْل َ ُ قوُلوا عََلى الل ّهِ َ ن تَ ُ طانا ً وَأ ْ سل ْ َ ل ب ِهِ ُ م ي ُن َّز ْ ما ل َ ْ َ
ة قبل نهيه عنه .وأمر باجتنابه بأخذ ٌ فاحش فعلهم أن سبحانه فأخبر (؛ 33
عراة -الرجال والنساء -غير الزينة .و »الفاحشة« ههنا هي طوافهم بالبيت ُ
مُر ِبال ْ َ ْ
شاِء( أي ل يأمر بما هو مناف ح َ ف ْ ه ل ي َأ ُ ن الل ّ َ قريش .ثم قال تعالى) :إ ِ ّ
للحكمة.
ن( ،ولو كان كونها َ
ما ب َط َ من َْها وَ َ ما ظهََر ِ َ ش َ ح َ وا ِ ف َ ي ال َ ْ م َرب ّ َ حّر َ ما َ ل إ ِن ّ َ ثم قال) :قُ ْ
فواحش إنما هو لتعلق التحريم بها ،وليست فواحش قبل ذلك ،لكان حاصل
حّرم .وكذلك تحريم الثم والبغي؛ فكون ذلك الكلم :قل إنما حرم ربي ما َ
ما وبغًيا بمنزلة كون الشرك شركا؛ فهو شرك في نفسه قبل ً فاحشة وإث ً
النهي وبعده.
فمن قال :إن الفاحشة والقبائح والثام إنما صارت كذلك بعد النهي ،فهو
كا قبل ذلك. كا بعد النهي ،وليس شر ً بمنزلة من يقول :الشرك إنما صار شر ً
ومعلوم أن هذا وهذا مكابرة صريحة للعقل والفطرة؛ فالظلم ظلم في نفسه
قبل النهي وبعده ،والقبيح قبيح في نفسه قبل النهي وبعده ،والفاحشة كذلك،
وكذلك الشرك؛ ل أن هذه الحقائق صارت بالشرع كذلك.
حا عند حا؛ فكان قبحها من ذاتها ،وازدادت قب ً نعم الشارع كساها بنهيه عنها قب ً
مه لها ،وإخباره ببغضها وبغض فاعلها .كما العقل بنهي الرب تعالى عنها ،وذ َ ّ
م المنعم بالثناء والشكر :حسن في ة ِنع َ أن العدل والصدق والتوحيد ،ومقابل َ
نفسه ،وازداد حسًنا إلى حسنه بأمر الرب به ،وثنائه على فاعله .وإخباره
بمحبته ذلك ومحبة فاعله«).(34
] [ 19العدل والتوازن في الخلص لله تعالى :
الخلص شرط في صحة العمال وقبولها عند الله عز وجل .والخلص عمل
قلبي تبدو آثاره على العمال الظاهرة ،وهو كغيره من العمال يكتنفه
طرفان مذمومان والوسط العدل بينهما .إذن فالخلص فيه طرفان ووسط.
الطرف الول :طرف الفراط والتقصير :وأهله هم الذين تتعرض بعض
أعمالهم إلى ما يقدح في الخلص وابتغاء وجه الله تعالى؛ كأن يريدوا ببعض
أعمالهم الدنيا من مال أو منصب أو شهرة وثناء ،أو غير ذلك ما يقدح في
الخلص.
14
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(35 /
15
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وفساد يتفق على دفعه الجميع .وهذا الجتماع طارئ ومؤقت وفي مهمة
معينة ،ل أنه دائم وثابت أو أن فيه تنازل ً لهل البدع أو سكوًتا عن بدعهم.
رط في تحقيق ضوابط الجتماع؛ وذلك بأن ف ِ
الطرف الثاني :الغالي والم ْ
جر واسًعا ،ويتشدد في وضع الشروط والضوابط التي تؤول بأهله إلى أن ح ّ
ي َ
قا يرون أنه هو الحق ،وهو الممثل لكيان أهل يرسموا لنفسهم كياًنا معيًنا مغل ً
السنة والتباع؛ فمن دخله كان منهم ومن أخل بشيء من ضوابط الدخول
فهو خارج عن دائرة أهل السنة وما كان عليه سلف المة .ول يخفى ما في
هذه النظرة من الغلو والعجاب بالنفس؛ لن أصحاب هذا الطرف سيجدون
أنفسهم في دائرة ضيقة تمثل أهل السنة عندهم ،وغيرهم خارج هذه الدائرة
مستحقون للتبديع والتحذير منهم .وحجة هذا الطرف أن من تلبس بأي بدعة
دقت أو جلت ،وسواء كانت في العقائد أو العمال ،وسواء كان المتلبس بها
دا؛ كل أولئك مبتدعة ول يجوز الجتماع معهم .وقد يكون هذا جاهل ً أو مقل ً
المتلبس ببدعة دقيقة يعتقد ويتبع ما كان عليه سلف المة في جميع أموره
غير أنه تلبس ببدعة أو بدعتين؛ فهذا عندهم من المفارقين ،وقد تكون
المخالفة في مسألة اجتهادية أو تدور بين راجح ومرجوح وليست في مسألة
أصولية ،ومع ذلك نجد أن هذا الطرف من الناس يفارق عليها ،وينابذ صاحبها.
وهذا من الغلو والفراط المؤديين إلى مزيد من الفرقة والتخاصم والتدابر.
)(36 /
الموقف المتوازن وهو الوسط العدل :وهم الذين يحرصون على الجتماع
والئتلف بين أهل السنة ،دون أن يكون ذلك على حساب العقيدة وثوابتها؛
فهم ليسوا كالطرف الول المفّرط في ضوابط الجتماع الشرعية بل
يخالفوهم في ذلك؛ فل يرون الجتماع مع أهل البدع المعروفين بأصولهم
البدعية وبالدعوة إليها ،ولو كانوا من أهل القبلة -كالخوارج والمعتزلة
والمرجئة وغيرهم -فضل ً عن أن يكونوا من الخارجين عن الملة كفرق
الباطنية من رافضة وغيرهم .ومع ذلك فهم ل يذهبون إلى رأي الطرف
رط في تحقيق شروط الجتماع ،بل إنهم يرون الجتماع مع كل الغالي المف ِ
ن لصل من أصول أهل البدع ،ولو منتسب لهل السنة والجماعة غير متب ٍ
دا .فهذا عند الطرف العدل يعد من تلبس ببدعة من البدع جهل ً منه أو تقلي ً
أهل السنة والجماعة جملة ،وإن خالفهم في مسألة جزئية من مسائل
العتقاد؛ فمثل هذا يقال إنه من أهل السنة بالجملة مخالف لهم في بدعته
فارق عليها ما دام أنه لم ينطلق في مخالفته تلك التي هو عليها؛ وعندها ل ي ُ َ
من أصول أهل البدع ،مع الجتهاد في نصحه وإزالة الشبهة عنه.
كما أنهم من باب أولى ل يجعلون المسائل الجتهادية التي يخالفون فيها
غيرهم سبًبا في الفتراق ،بل يرون الجتماع مع المنتسبين لهل السنة
والتباع ولو اختلفوا معهم في فرع أو أكثر من فروع الحكام .فما زال
العلماء من القديم وفي عصرنا يختلفون في أحكامهم واجتهاداتهم ،ومع ذلك
فقد كانوا إخواًنا متآلفين لم يتفرقوا بسبب اختلفاتهم.
ومن الفقه بمقاصد الشريعة المحافظة على الكليات ولو تخلفت بعض
الجزئيات؛ أما أن يعكس المر فيحافظ على جزئي ،ولو أدى إلى ذهاب
الكلي ،فهذا غلط وقلة فقه بمقاصد الشريعة .وبناء على ذلك فإن الجتماع
أصل كلي فل ُيفّرط فيه ول يضيع بمحافظتنا على جزئي فرعي .أما إذا أدى
الجتماع إلى ذهاب الكليات والتنازل عن الثوابت فهذا اجتماع باطل وهو
16
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(37 /
َ
ن إ ِّل أ ْ
ن ما ي َذ ْك ُُرو َ شاَء ذ َك ََره ُ وَ َ ن َ م ْ ه ت َذ ْك َِرةٌ فَ َ ثم يقرأ بعد هذا وذلك) :ك َّل إ ِن ّ ُ
ن هَذِهِ ت َذ ْك َِرةٌ ة( )المدثر) ،(56-54:إ ِ ّ فَر ِ مغْ ِ ل ال ْ َ وى وَأ َهْ ُ ق َ
ل الت ّ ْ ه هُوَ أ َهْ ُ شاَء الل ّ ُ يَ َ
َ
ه( )النسان،29 : شاَء الل ّ ُ ن يَ َ ن إ ِّل أ ْ شاُءو َ ما ت َ َ سِبيل ً وَ َ خذ َ إ َِلى َرب ّهِ َ شاَء ات ّ َ ن َم ْ فَ َ
َ ْ َ َ َ َ َ
عن ْدِن ِ م ْ ل هُوَ ِ ذا قُ ْ م أّنى هَ َ مث ْلي َْها قُلت ُ ْ م ِ ة قَد ْ أ َ
صب ْت ُ ْ صيب َ ٌ
م ِ م ُ صاب َت ْك ُ ْ
ما أ َ ) ،(30أوَل ّ
ْ ْ َ َ ّ أ َن ْ ُ
نن فَب ِإ ِذ ْ ِ مَعا ِج ْ
قى ال َ م الت َ َ م ي َوْ َ صاب َك ُ ْ
ما أ َ ديٌر وَ َ يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ه عَلى ك ُ ّ ن الل َ م إِ ّ سك ُ ْ
ف ِ
ه( )آل عمران.(166 ،165 : الل ّ ِ
يقرأ النسان أمثال هذه المجموعات المنوعة الثلثة؛ فيدرك منها سعة مفهوم
»القدر« في التصور السلمي ،مع بيان المجال الذي تعمل فيه المشيئة
النسانية في حدود هذا القدر المحيط.
لقد ضربت الفلسفات والعقائد المحرفة في التيه -في هذه القضية -ولم
تعد إل بالحيرة والتخليط بما في ذلك من خاضوا في هذه القضية من
متكلمي المسلمين أنفسهم ..ذلك أنهم قلدوا منهج الفلسفة الغريقية أكثر
17
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(38 /
18
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
طبًعا على تبديل فطرة النسان -عن طريق هذا الدين أو عن غير طريقه -
أو خلقه بفطرة أخرى .ولكنه شاء أن يخلق النسان بهذه الفطرة ،وأن يخلق
الكون على هذا النحو الذي نراه .وليس لحد من خلقه أن يسأله لماذا شاء
دا من خلقه ليس إلًها! وليس لديه العلم والدراك -ول إمكان هذا؟ لن أح ً
العلم والدراك -للنظام الكلي للكون ،ولمقتضيات هذا النظام في طبيعة كل
كائن في هذا الوجود ،وللحكمة الكامنة في خلقه كل كائن بطبيعته التي خلق
عليها.
والله وحده هو الذي يعلم؛ لنه وحده هو الذي خلق الكون ومن فيه وما فيه،
وهو وحده الذي يرى ما هو خير فينشئه ويبقيه،وهو وحده الذي يقدر أحسن
ن( )المؤمنون :من الية ن ال ْ َ ك الل ّ َوضع للخلق فينشئه فيه) :فَت ََباَر َ
قي َخال ِ ِ س ُح َهأ ُْ
.(14
]عن كتاب خصائص التصور السلمي ومقوماته :ص [150-143مختصًرا.
) (3فهم وسط بين هؤلء وأولئك؛ فيحبون أهل بيت النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه الكرام ويوالونهم ويترضون عنهم ،ول يغلون فيهم ول
يخرجونهم عن منزلتهم التي هم عليها.
) (4مجموع الفتاوى.(375-3/370) :
) (5خصائص التصور السلمي) :ص (162-160باختصار.
) (6مجموع الفتاوى.(10/21) :
) (7مجموع الفتاوى.(10/21) :
) (8مدارج السالكين (2/145) :ط دار طيبة.
) (9مدارج السالكين (228 ،2/227) :ط دار طيبة.
دعون أنهم يعبدون الله حًبا له ل رجاًء لثوابه ول خوًفا من ) (10وهم الذين ي ّ
عقابه!!
) (11مدارج السالكين (299-2/297) :ط دار طيبة.
) (12مدارج السالكين (3/214) :ط دار طيبة.
) (13الروح) :ص .(542 ،541
) (14رواه الترمذي ،(2649) :وصححه اللباني برقم ) (2044في صحيح
سنن الترمذي.
) (15في ظلل القرآن.(5/2758) :
) (16مدارج السالكين (441 ،1/440) :ط دار طيبة.
) (17خصائص التصور السلمي) :ص .(142 ،141
) (18تفسير السعدي.(4/40) :
) (19تفسير ابن كثير عند الية (77) :من سورة القصص.
) (20في ظلل القرآن.(5/2711) :
) (21مجموع الفتاوى.(623 ،10/622) :
) (22عن رسالة للشيخ غير مطبوعة بعنوان) :وسطية أهل السنة
والجماعة(.
) (23في ظلل القرآن (934 - 2/931) :باختصار.
) (24رواه الترمذي في البر والصلة باب القتصاد في الحب والبغض،
وصححه اللباني في صحيح الجامع.(178) :
) (25نزهة الفضلء) :ص .(814
) (26نزهة الفضلء) :ص .(1311
) (27نزهة الفضلء.(816 ،815) :
) (28نزهة الفضلء) :ص .(486
19
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(39 /
ويتحدث المام ابن القيم -رحمه الله تعالى -عن شمول الشريعة وكمالها
وخيريتها ويضرب لذلك أمثلة فيقول» :فإن الشريعة مبناها وأساسها على
دل كلها ،ورحمة كلها،كم ومصالح العباد في المَعاش والمعاد ،وهي عَ ْ ح َال ِ
ومصالح كّلها ،وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجوِْر ،وعن
الرحمة إلى ضدها ،وعن المصلحة إلى المفسدة ،وعن الحكمة إلى الَعبث،
دل الله بين
فليست من الشريعة ،وإن أدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عَ ْ
عباده ،ورحمته بين خلقه ،وظله في أرضه ،وحكمته الدالة عليه ،وعلى صدق
رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دللة وأصدقها ،وهي نوره الذي به أبصر
داه الذي به اهتدى المهتدون ،وشفاؤه التام الذي به دواء كل المبصرون ،وهُ َ
ن استقام عليه فقد استقام على سواء م ْعليل ،وطريقه المستقيم الذي َ
السبيل؛ فهي قرة العيون ،وحياة القلوب ،ولذة الرواح ،وبها الحياة والغذاء
والدواء والنور والشفاء والعصمة.
فاد منها ،وحاصل بها .وكل نقص في ل خير في الوجود فإنما هو مست َ وك ّ
20
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وىربت الدنيا ،وط ُ ِ خ ِم قد بقيت ل َ الوجود ،فسببه من إضاعتها .ولول رسو ٌ
العالم ،وهي العصمة للناس ،وِقوام العالم ،وبها يمسك الله السموات
ى العالم رفع َ
ب الدنيا ،وط ّ خرا َ
والرض أن تزول .فإذا أراد الله سبحانه وتعالى َ
إليه ما بقي من رسومها؛ فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود
العالم ،وقطب الفلح والسعادة في الدنيا والخرة .ونحن نذكر تفصيل ما
أجملناه في هذا الفصل بحول الله وتوفيقه ومعونته بأمثلة صحيحة:
المثال الول :أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لمته إيجاب إنكار المنكر،
ليحصل بإنكاره من المعروف ما ُيحبه الله ورسوله ،فإذا كان إنكار المنكر
سوغ إنكاُره ،وإن يستلزم ما هو أنكر منه ،وأبغض إلى الله ورسوله ،فإنه ل ي ُ
كان الله يبغضه ،ويمقت أهله ...ومن تأمل ما جرى على السلم من الفتن
الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الصل وعدم الصبر على منكر ،فطلب
إزالته فتولد منه منكر أكبر منه ...فإنكار المنكر أربع درجات:
الولى :أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية :أن يقل وإن لم يزل بجملته.
الثالثة :أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة :أن يخلفه ما هو شر منه؛ فالدرجتان الوليان مشروعتان ،والثالثة:
ل الفجور والفسوق يلعبون ة .فإذا رأيت أه َ موضع اجتهاد ،والرابعة محّرم ُ
بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة ،إل إذا نقلتهم منه
شاب ،وسباق الخيل ،ونحو ذلك، إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله ك َْرمي الن ّ ّ
صدِية ،فإن مكاء وت َ ْ ساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع ُ ف ّ وإذا رأيت ال ُ
نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد ،وإل كان تركهم على ذلك خيًرا من أن
تفرغهم لما هو أعظم من ذلك ،فكان ما هم فيه شاغل ً عن ذلك ،وكما إذا
فت من نقله عنها انتقاله إلى خ ْكان الرجل مشتغل ً بكتب المجون ونحوها ،و ِ
دع والضلل والسحرة ،فدعه وكتبه الولى ،وهذا باب واسع«).(1 كتب الب َ
الطرف الثاني :أهل التفريط والتقصير :وهم الذين قعدوا عن المر
بالمعروف والنهي عن المنكر وآثروا الراحة على الدعوة والجهاد ،وبرروا ذلك
باجتناب الفتن التي تترتب على المر والنهي كما حصل ذلك من المرجئة
وأهل الفجور.
الموقف الوسط المتوازن :وهو الذي عليه أهل الستقامة؛ أهل السنة
والجماعة الذين قاموا بشعيرة المر والنهي مراعين في ذلك الضوابط
ذروا من ذروا وح ّ ح ِالشرعية والنظر في الموازنة بين المفاسد والمصالح ،و َ
الخروج على جماعة المسلمين بالسيف ،ومع ذلك فهم يصدعون بالحق من
دون سيف ول عصا؛ ولو أصابهم في ذلك من الذى ما أصابهم؛ قال الله عز
َ ْ
ك( )لقمان :من صاب َ َما أ َ صب ِْر عََلى َ ن ال ْ ُ
من ْك َرِ َوا ْ ه عَ ِف َوان ْ َ مْر ِبال ْ َ
معُْرو ِ وجل) :وَأ ُ
الية .(17
وعن هذين الطرفين المذمومين -طرف الفراط وطرف التفريط -يقول
شيخ السلم -رحمه الله تعالى » :-ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن قتال أئمة الجور ،وأمر بالصبر على جورهم ،ونهى عن القتال في الفتنة،
فأهل البدع من الخوارج والمعتزلة والشيعة وغيرهم يرون قتالهم والخروج
ما ،ويرون ذلك من باب المر عليهم إذا فعلوا ما هو ظلم أو ما ظنوه هم ظل ً
بالمعروف والنهي عن المنكر .وآخرون من المرجئة وأهل الفجور قد يرون
ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر ظّنا أن ذلك من باب ترك الفتنة،
وهؤلء يقابلون لولئك«).(2
أما عن الوسط بين هذين الطرفين فيقول رحمه الله تعالى» :ومع ذلك
21
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(40 /
22
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
عن مواجهة أعدائهم فرأى استحالة الجهاد في هذا الزمان ،ورضي بالمر
الواقع ولم يسع للعداد والستعداد ،وتجاوز تبرير ضعفه وموقفه إلى التشنيع
على الحركات الجهادية التي قامت للدفاع عن المسلمين في بقاع الرض؛
كما في كشمير وأفغانستان والشيشان وفلسطين وغيرها.
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى هديه صلى الله عليه وسلم مع المشركين في
مَر بكف اليد والصبر .وهذا الستدلل صحيح في حد ذاته فيما لو ُ
مكة؛ حيث أ ِ
نظر أصحاب هذا الرأي إلى أنها مرحلة مؤقتة يسعون فيها إلى بذل الجهد
في الدعوة والعداد لتغيير النفوس وشحذ الهمم وتربيتها على التضحية
والبذل في سبيل الله عز وجل.
أما أن ينظر لهذه المرحلة وكأنها دائمة فيستسلم للواقع وُتستمرأ الذلة،
وتفتر الهمم ول يحصل العداد للجهاد في سبيل الله عز وجل؛ فهذا مخالف
لهديه صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان مع كف اليد يربي الصحابة على
التوحيد الخالص ،والصبر في سبيل الله عز وجل ،ويعد النفوس للتضحية
بالمال والوطن والنفس في سبيل الله عز وجل؛ وهذا مطلوب لذاته كما أنه
من أعظم العدة والزاد لما ُينتظر من الهجرة والجهاد في سبيل الله عز
وجل .ويلحق بأصحاب هذا الرأي أولئك المهزومون الذين وقفوا مع المراحل
الولى للدعوة وفرضية الجهاد ،وحاولوا تقييد النصوص التي تأمر بجهاد الكفار
فوا بنصوص المراحل السابقة التي فيها المر بجهاد الدفع ورد العداء أينما ث ُ ِ
ق ُ
فحسب.
)(41 /
وفي ذلك يقول سيد قطب -رحمه الله تعالى » :-إن هذه النصوص التي
يلتجئون إليها نصوص مرحلية تواجه واقًعا معيًنا .وهذا الواقع المعين قد يتكرر
وقوعه في حياة المة المسلمة ،وفي هذه الحالة تطبق هذه النصوص
المرحلية لن واقعها يقرر أنها في مثل تلك المرحلة التي واجهتها تلك
النصوص بتلك الحكام ،ولكن هذا ليس معناه أن هذه هي غاية المنى ،وأن
هذه هي نهاية خطوات هذا الدين ..إنما معناه أن على المة المسلمة أن
ما في تحسين ظروفها ،وفي إزالة العوائق من طريقها حتى تتمكن تمضي قد ً
في النهاية من تطبيق الحكام النهائية الواردة في السورة الخيرة ،والتي
كانت تواجه واقًعا غير الواقع الذي واجهته النصوص المرحلية«) (6ا.هـ.
الطرف الثاني :وأصحاب هذا الطرف يرون أن آية السيف التي نزلت في
سورة براءة قد نسخت كل مراحل الجهاد السابقة؛ سواء في كف اليد أو
المسالمة مع الكفار ،أو عقد صلح أو هدنة معهم ..إلخ ،ونظروا إلى أن قتال
الكفار والمرتدين اليوم فرض دون أن ينظروا إلى أحوال المسلمين
وضعفهم ،ودون أن ينظروا إلى تحقيق شرائط الجهاد من :القدرة ،وإقامة
الحجة على الناس بالبيان الكافي لسبيل المؤمنين ،والتعرية التامة لسبيل
المجرمين؛ ليكفر من كفر ويهلك من هلك عن بينة ،ويؤمن من آمن ويحيى
من حيى عن بينة؛ ودون أن يكون هناك العداد المعنوي الروحي للمجاهدين
ما وعمل ً وعبادة وأخلًقا ودعوة.
عل ً
يقول شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله تعالى » :-فمن كان من المؤمنين
بأرض هو فيها مستضعف ،أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر
من يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين .وأما والصفح ع ّ
أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين ،وبآية
23
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون«) (7ا.هـ.
وقد جاء موقف هذا الطرف الذي لم ينظر إل إلى المرحلة الخيرة من
مراحل فرض الجهاد في مقابل موقف الطرف السابق الذي لم ينظر إل إلى
المرحلة الولى -وهي كف اليد -ولم ي ُعِد ّ للمراحل الجهادية التي تلت كف
اليد والصبر على أذى الكفار.
الموقف الوسط المتوازن :وهو الموقف العدل الذي أحسب أنه الموافق
لهديه صلى الله عليه وسلم في الدعوة والجهاد؛ حيث رأى أن واقع
المسلمين اليوم وما يعيشونه من ذلة ومهانة وتسلط أعدائهم عليهم وذهاب
دولتهم هو أشبه ما يكون بحال الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة؛ حيث
الستضعاف وتسلط الكفار .ولكن أصحاب هذا الموقف فارقوا الموقف الول
الذي رضخ للواقع في أنهم لم يرضوا بالستسلم للواقع ،ولم يرضوا بالذل
والمهانة؛ بل قاموا باتباع أثر النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه
الظروف حيث جاهد وصبر وبّلغ التوحيد الخالص للناس وأوضح سبيل
المجرمين وحذر منها ،وربى أصحابه رضي الله عنهم على التوحيد
ما وعمل ً للجهاد والتضحية في سبيل الله تعالى؛ ومقتضياته ،وأعدهم عل ً
فصبروا وصابروا ،وهجروا الخلن والوطان ،واستعذبوا ذلك في سبيل الله
عز وجل؛ حتى إذا علم الله عز وجل صدق ذلك منهم هيأ لهم المراحل التالية
من مراحل الجهاد في سبيله سبحانه ،وهيأ لهم النصار والدولة التي
ينطلقون منها للجهاد في سبيل الله عز وجل ،ففتحوا الدنيا ونشروا أنوار
التوحيد ورسالة السلم في كل مكان قدروا عليه حتى أصبح الدين كله لله،
وصارت كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين هي السفلى.
كما فارقوا الموقف الثاني بالصبر وعدم العجلة في جهاد الطلب للكفار
والمرتدين قبل العداد الشامل لذلك والبيان التام لسبيل المؤمنين وسبيل
المجرمين.
تنبيه:
ليس المقصود بالطرف الثاني تلك الحركات الجهادية التي تدافع اليوم عن
المسلمين في أفغانستان والشيشان وكشمير وفلسطين وغيرها؛ فهذا جهاد
دفع ل يشترط فيه ما يشترط لجهاد الطلب؛ وإنما المقصود هم أولئك الذين
يرون مواجهة النظمة الطاغوتية في بلدان المسلمين دون الحصول على
الحد الدنى من العداد والقدرة ،وقبل وضوح راية الكفر وأهلها وراية أهل
اليمان في تلك البلدان للناس؛ مما ينشأ عنه اللبس والتلبيس على الناس،
فتختلط الوراق ويجد هؤلء المجاهدون المستعجلون أنفسهم وجًها لوجه
أمام إخوانهم المسلمين الذين غرر بهم ولبس عليهم المر.
____________
) (1إعلم الموقعين (7-3/5) :باختصار.
) (2الداب الشرعية.(1/177) :
) (3البخاري في الفتن ،باب قوله صلى الله عليه وسلم» :سترون بعدي
أموًرا تنكرونها« ح ) ،(7056ورواه مسلم في المارة ،باب وجوب طاعة
المراء في غير معصية ح ). (1709
) (4الستقامة.(42 ،1/41) :
) (5في ظلل القرآن.(2/734) :
) (6في ظلل القرآن.(3/1581) :
) (7الصارم المسلول.(2/414) :
24
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
المبحث الثالث
من مظاهر العدل والوسطية والتوازن في العبادات
)(42 /
والمقصود بالعبادات هنا :تلك العبادات التي بين العبد وربه -سبحانه -كما
هو الحاصل في شعائر التعبد؛ كالصلة والصيام والزكاة والحج والذكر وقراءة
القرآن وغيرها ،مما ل يدخل في معاملت الخلق .وهذا من باب التقسيم
الفني فقط ،وإل فكل أعمال العبد وحركاته ومعاملته ينبغي أن تكون كلها
ما لربه خاضًعا لشرعه؛ قال عبادة لله تعالى ،وأن يكون فيها العبد مستسل ً
نل مي َ َ
ب الَعال ِ ْ ّ
ماِتي ل ِلهِ َر ّ م َحَيايَ وَ َ م ْكي وَ َ س ِ صلِتي وَن ُ ُ ن َ ل إِ ّ الله تعالى) :قُ ْ
ْ َ َ ُ
ن( )النعام.(163 ،162: مي َ سل ِ ِ م ْ ل ال ُ ت وَأَنا أوّ ُ مْر ُ كأ ِ ه وَب ِذ َل ِ َك لَ ُري َ ش ِ َ
وأول ما نبدأ به في وسطية هذا الدين في العبادات تلك الوسطية العامة
البارزة والتوازن المنضبط في تشريع العبادات وأحكامها ويسرها ،ولكي تبرز
هذه السمة بصورة واضحة فل بد من التعرض للمناهج الخرى السائدة فيما
طا؛ وذلك كما يلي: طا أو إفرا ً يتعلق بالعبادة تفري ً
»المنهج الول :ويمثله اليهود في تفريطهم وجفائهم؛ فلو تأملنا في التوارة -
بعد تحريفها -لوجدنا تقديس المادة غلب على بنودها ،فل تقرأ في أسفار
التوارة ذكرا ً للخرة ،حتى ما ورد فيها من وعد ووعيد فإنما هو متعلق بالدنيا
فقط ،فل يعمل الشخص إل لتحقيق كسب عاجل ،أو خوفا ً من عقوبة عاجلة،
َ
ة(
جهَْر ً ه َ بل بلغوا وطبقوا ماديتهم حتى في معرفة الله ،فقالوا) :أرَِنا الل ّ َ
ة( )البقرة: جهَْر ً ه َ حّتى ن ََرى الل ّ َ ك َ ن لَ َم َ ن ن ُؤْ ِ )النساء :من الية ،(153وقالوا) :ل َ ْ
من الية .(55
قا لهذا التصور المادي الدنيوي أغرق هؤلء في تقديس المحسوسات، ووف ً
قا للرقي ،وأصبحت القيم المادية محور الحياة ،وتحول النسان واتخذوها طري ً
في نظر هؤلء إلى آلة تتحرك ،ومعدة تهضم ،وكائن يلهو .وقد وصفهم
القرآن الكريم ،وبين مدى تعلقهم بالحياة الدنيا وحرصهم عليها فقال تعالى:
)ول َتجدنه َ
ة( )البقرة :من الية .(96أيّ حياة؛ حتى لو حَيا ٍ س عََلى َ ِ ص الّنا حَر َ مأ ْ َ َ ِ َُّ ْ
من ّوْه ُ أ ََبدا(ً ن ي َت َ َ َ
كانت حياة البهائم ونحوها؛ وذلك لنهم يخشون الموت) :وَل ْ
)البقرة :من الية (95؛ لنهم ربطوا غايتهم بالدنيا ،فعلمهم للدنيا وعبادتهم
لمآرب دنيوية! فإذا انتهت الدنيا فقد فاتهم كل شيء فهم بهذا أغرقوا في
ما
الشهوات ،وعّبدوا أنفسهم للماديات ،فهم كمشركي قريش الذين قالواَ :
)
ما ي ُهْل ِك َُنا إ ِّل الد ّهُْر( )الجاثية :من الية ،(24 حَيا وَ َ ت وَن َ ْ مو ُ حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ ي إ ِّل َ هِ َ
وهذا المنهج يمثل التفريط في أسوأ صوره وحالته ،ولذلك أمرنا الله أن
ب عَل َي ْهِ ْ
م( ضو ِ مغْ ُ نستعيذ منه في كل صلة ،ونسأله أن يجنبنا إياه) :غَي ْرِ ال ْ َ
)الفاتحة :من الية .(7
أما المنهج الثاني :وهو المنهج القائم على الروحانيات؛ وذلك بإعلئها
وتمجيدها ،والغراق في مفهوم العبادة والرهبنة ،ويمثل هذا المنهج النصارى،
وهو منهج الفراط والغلو وابتداع النصارى رهبانية قاسية على النفس :تحرم
الزواج ،وتكبت الغرائز ،وتمنع كل أنواع الزينة وطيبات الرزق ،وترى ذلك
سا من عمل الشيطان ،وبالغوا في العبادة ،وأخرجوها عن كيفيتها ،وعن رج ً
المراد منها ،وأصبحت رهبانية غالية مشوهة ،مؤذية للجساد ،ابتدعوها من
م إ ِّل اب ْت َِغاَء ها عَل َي ْهِ ْ ما ك َت َب َْنا َ
ها َ عو َ ة اب ْت َد َ ُ أنفسهم ،بل حجة ول برهان؛ )وََرهَْبان ِي ّ ً
عاي َت َِها( )الحديد :من الية ....(27 حق ّ ر ِ َ ها َ ما َرعَوْ َ ن الل ّهِ فَ َ وا ِ ض َ رِ ْ
25
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وهذا المنهج يمثل الفراط والغلو ،وهو الوجه الثاني من وجوه النحراف عن
ُ
ضاّلي َ
ن( مْرنا بأن نسأل الله أن يجنبنا إياهَ) :ول ال ّ
الصراط المستقيم ،ولذلك أ ِ
)الفاتحة :من الية .(1)«(7
إذن فشريعة السلم وسط وعدل في العبادات بين المنهج القائم على
التفريط والجفاء ،وبين المنهج القائم على الغلو والفراط والرهبانية.
وفي ذلك يقول شيخ السلم -رحمه الله تعالى » :-ولهذا كان السلف
يحذرون من هذين الصنفين؛ قال الحسن :هو المبتدع في دينه والفاجر في
دنياه ،وكانوا يقولون :احذروا صاحب دنيا أغوته دنياه ،وصاحب هوى متبع
لهواه ،وكانوا يأمرون بمجانبة أهل البدع والفجور.
فالقسم الول :أهل الفجور؛ وهم المترفون المنعمون أوقعهم في الفجور ما
هم فيه.
والقسم الثاني :المترهبون؛ أوقعهم في البدع غلوهم وتشديدهم .هؤلء
استمتعوا بخلقهم ،وهؤلء خاضوا كما خاض الذين من قبلهم؛ وذلك أن الذين
يتبعون الشهوات المنهي عنها ،أو يسرفون في المباحات ويتركون الصلوات
والعبادات المأمور بها يستحوذ عليهم الشيطان والهوى فينسيهم الله والدار
الخرة ،ويفسد حالهم ،كما هو مشاهد كثيًرا منهم.
)(43 /
والذين يحرمون ما أحل الله من الطيبات -وإن كانوا يقولون :إن الله لم
يحرم هذا ،بل يلتزمون أن ل يفعلوه؛ إما بالنذر وإما باليمين ،كما حرم كثير
ما بالنهاري أن ل آكل طعا ً
من العباد والزهاد أشياء -يقول أحدهم :لله عل ّ
دا ،ويعاهد أحدهم أن ل يأكل الشهوة الملئمة ،ويلتزم ذلك بقصده وعزمه، أب ً
وإن لم يحلف ولم ينذر .فهذا يلتزم أن ل يشرب الماء ،وهذا يلتزم أن ل يأكل
قاع) ،(2وهذا يلتزم أن ل يتكلم قط ،وهذا ف ّ
الخبز ،وهذا يلتزم أن ل يشرب ال ُ
ب نفسه ،وهذا يلتزم أن ل ينكح ول يذبح .وأنواع هذه الشياء من الرهبانية ج ّيَ ُ
التي ابتدعوها على سبيل مجاهدة النفس ،وقهر الهوى والشهوة.
ول ريب أن مجاهدة النفس مأمور بها ،وكذلك قهر الهوى والشهوة ،كما ثبت
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال) :المجاهد من جاهد نفسه في ذات
الله ،والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ،والعاجز من اتبع نفسه
هواها وتمنى على الله() (3لكن المسلم المتبع لشريعة السلم هو المحرم
ما حرمه الله ورسوله؛ فل يحرم الحلل ول يسرف في تناوله؛ بل يتناول ما
يحتاج إليه من طعام أو لباس أو نكاح ،ويقتصد في ذلك ،ويقتصد في العبادة؛
فل يحمل نفسه ما ل تطيق«).(4
ولمزيد من البيان لهذه الوسطية والعدل والتوازن في العبادات أذكر بعض
النماذج والمظاهر الدالة على ذلك؛ وذلك فيما يلي:
النموذج الول :
عن أنس رضي الله عنه قال :جاء ثلثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله
عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم
تقالوها ،فقالوا :وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له
دا ،وقال ُ
ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ قال أحدهم :أما أنا فإني أصلي الليل أب ً
دا.
آخر :أنا أصوم الدهر ول أفطر ،وقال آخر :أنا أعتزل النساء فل أتزوج أب ً
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) :أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما
والله إني لخشاكم لله وأتقاكم له ،لكني أصوم وأفطر ،وأصلي وأرقد،
26
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(44 /
ي رسول الله صلى الله عليه عن عائشة رضي الله عنها قالت» :دخل عل ّ
وسلم وعندي امرأة فقال) :من هذه؟( فقلت :امرأة ل تنام ُتصلي .قال:
27
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)عليكم من العمل ما تطيقون؛ فوالله ل يمل الله حتى تملوا( ،وكان أحب
الدين إليه ما داوم عليه صاحبه«) .(10وهذا توجيه نبوي كريم نحو العتدال
والتوسط.
النموذج الخامس :
عن أنس رضي الله عنه ،قال :دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
المسجد وحبل مدود بين ساريتين .فقال) :ما هذا؟( قالوا :لزينب تصلي ،فإذا
كسلت أو فترت أمسكت به .فقال) :حلوه ،ليصل أحدكم نشاطه ،فإذا كسل
أو فتر قعد().(11
صا من الرجال على »فهذا الحديث يدل على أن النساء لم يكن أقل حر ً
التزود من الخير ،والتنافس في أعمال البر ،وقد تجلى ذلك في هذه النزعة
الجامحة نحو العبادة ،ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقر هذا
الجموح الضار ،فعمد إلى الزجر عنه ،وأمر بالوسط النافع«).(12
ولنستمع الن إلى تعليق المام النووي النافع حول هذين الحديثين حيث
يقول» :فيه دليل على الحث على القتصاد في العبادة واجتناب التعمق،
وليس الحديث مختصا ً بالصلة بل هو عام في جميع أعمال البر ...وفي هذا
الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته؛ لنه أرشدهم إلى
ما يصلحهم ،وهو ما يمكنهم الدوام عليه بل مشقة ول ضرر ،فتكون النفس
حا ،فتتم العبادة.(13)(... أنشط والقلب منشر ً
ويلحظ في النماذج السابقة التحذير من الغلو والفراط ،وأنه قد ينتهي
بصاحبه إلى النقطاع والتوقف ،أو الزيادة على ما لم يشرعه الله عز وجل،
وبالتالي يصبح مردودا ً على صاحبه.
وفي مقابل الغلو نهى الله عز وجل عن التفريط والضاعة للصلة ،فقال
خل ْ ٌ َ خل َ َ
فسو ْ َت فَ َ وا ِ شهَ َصلة َ َوات ّب َُعوا ال ّ عوا ال ّ ضا ُ فأ َ م َ ن ب َعْدِهِ ْم ْف ِ تعالى) :فَ َ
ن غَي ًّا( )مريم.(59: قو ْ َ ي َل ْ َ
قال المام ابن كثير -رحمه الله تعالى -في تفسيره لهذه الية» :لما ذكر
الله تعالى حزب السعداء ،وهم النبياء عليهم السلم ومن اتبعهم من
القائمين بحدود الله وأوامره ،المؤّدين فرائض الله ،التاركين لزواجره ،ذكر
ة( .وإذا أضاعوها صل َ َ خل ْ ٌ خل َ َ أنه) :فَ َ
عوا ال ّ ضا ُ ف( .أي قرون أخر) .أ َ م َ ن ب َعْدِهِ ْ
م ْف ِ
فهم لما سواها من الواجبات أضيع؛ لنها عماد الدين وقوامه ،وخير أعمال
العباد ،وأقبلوا على شهوات الدنيا وملذها ،ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها؛
ون غّيا أي :خسارة يوم القيامة«).(14 فهؤلء سي َل ْ َ
ق ْ
النموذج السادس :
سِبي ً
ل( ك َ ن ذ َل ِ َت ب َِها َواب ْت َِغ ب َي ْ َ خافِ ْ ك َول ت ُ َ صلت ِ َ جهَْر ب ِ َ
في قوله تعالىَ) :ول ت َ ْ
)السراء :من الية .(110
قال ابن كثير -رحمه الله تعالى » :-قال المام أحمد) :(15حدثنا هشيم،
حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ،قال:
صلت ِكَ
جهَْر ب ِ َنزلت الية ورسول الله صلى الله عليه وسلم ،متوارٍ بمكةَ) :ول ت َ ْ
ت ب َِها( .قال :كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ،فلما سمع خافِ ْ َول ت ُ َ
ذلك المشركون سّبوا القرآن وسّبوا من أنزله ،ومن جاء به ،قال :فقال الله
ك(؛ أي بقراءتك فيسمع صلت ِ َ جهَْر ب ِ َ تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلمَ) :ول ت َ ْ
ت ب َِها( عن أصحابك فل تسمعهم خافِ ْ المشركون فيسبوا القرآنَ) ،ول ت ُ َ
سِبيل( .أخرجاه في الصحيحين) ً َ
ن ذ َل ِك َ القرآن ،حتى يأخذوه عنكَ) .واب ْت َِغ ب َي ْ َ
(16من حديث أبي بشر جعفر بن إياس به.
وقال أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس :نزلت في الدعاء«).(17
28
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وقال القرطبي» :روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها في قوله عز وجل:
ت ب َِها( قالت :أنزل هذا في الدعاء«).(18 خافِ ْ ك َول ت ُ َ صلت ِ َ جهَْر ب ِ َ
)َول ت َ ْ
والشاهد أن هذه الية تأمر بالتوسط بين أمرين منهي عنهما؛ وهما الجهر
ل(.سِبي ًك َ ن ذ َل ِ َ الشديد أو المخافتة والسرار؛ )َواب ْت َِغ ب َي ْ َ
النموذج السابع :
ل ن ال ْ َ
قو ْ ِ م َ
جهْرِ ِن ال ْ َ ة وَُدو َف ًخي َضّرعا ً وَ ِ ك تَ َ س َ ف ِ ك ِفي ن َ ْ في قوله تعالىَ) :واذ ْك ُْر َرب ّ َ
ن( )العراف.(205: ْ
ن الَغافِِلي َ م َ
ن ِ ل َول ت َك ُ ْ صا ِ ِبال ْغُد ُوّ َواْل َ
ر( :أي دون الرفع في القول؛ أي أسمع نفسك؛ جهْ ِ ن ال ْ َ قال القرطبي) » :وَُدو َ
ل( أي بين الجهر والمخافتة«).(19 سِبي ً ك َ ن ذ َل ِ َ كما قالَ) :واب ْت َِغ ب َي ْ َ
النموذج الثامن :
ن( )العراف: دي َ معْت َ ِ ْ
ب ال ُح ّ ه ل يُ ِ ة إ ِن ّ ُفي َ ً
خ ْ ً
ضّرعا وَ ُ م تَ َ ُ
عوا َرب ّك ْ في قوله تعالى) :اد ْ ُ
.(55
)(45 /
قال المام ابن كثير -رحمه الله تعالى » :-لقد كان المسلمون يجتهدون في
سا بينهم وبين ربهم؛ وذلك أن الدعاء وما يسمع لهم صوت؛ إن كان إل هم ً
حا
دا صال ً ة( ،وذلك أن الله ذكر عب ً في َ ً
خ ْضّرعا ً وَ ُ م تَ َعوا َرب ّك ُ ْ الله تعالى يقول) :اد ْ ُ
في ًّا( )مريم (3:وقال ابن جريجُ :يكره خ
َ ِ ً ء رضي فعله فقال) :إ ِذ ْ َ َ َ ّ ُ ِ َ
دا ن ه ب ر دى نا
رفع الصوت والنداء والصياح في الدعاء ،ويؤمر بالتضرع والستكانة ،ثم روى
ن( :في دي َ ب ال ْ ُ
معْت َ ِ ح ّه ل يُ ِ عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله) :إ ِن ّ ُ
ن( :ل يسأل منازل دي َ ب ال ْ ُ
معْت َ ِ ح ّ
ه ل يُ ِ الدعاء ول في غيره .وقال أبو مجلز) :إ ِن ّ ُ
النبياء .وقال أحمد :حدثنا عبدالرحمن ابن مهدي ،حدثنا شعبة عن زياد بن
دا سمع ابًنا له يدعو وهو مخراق ،سمعت أبا نعامة عن مولى لسعد أن سع ً
وا من هذا ،وأعوذ بك يقول :اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها واستبرقها ونح ً
من النار وسلسلها وأغللها فقال :لقد سألت الله خيًرا كثيًرا وتعوذت به من
شر كثير ،وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول» :إنه سيكون
قوم يعتدون في الدعاء« وفي لفظ» :يعتدون في الطهور والدعاء« وقرأ هذه
ضّرعًا( الية ،وإن بحسبك أن تقول :اللهم إني أسألك م تَ َعوا َرب ّك ُ ْالية) :اد ْ ُ
الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ،وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من
قول أو عمل) (20ورواه أبو داود من حديث شعبة عن زياد بن مخراق عن
أبي نعامة عن ابن لسعد عن سعد فذكره والله أعلم ،وقال المام أحمد:
حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا الحريري عن أبي نعامة أن عبدالله
بن مغفل سمع ابنه يقول :اللهم إني أسألك القصر البيض عن يمين الجنة إذا
دخلتها؛ فقال :يا بني ،سل الله الجنة وعُذ ْ به من النار؛ فإني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول) :يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور()
.(21)«(20
النموذج التاسع :
قوله صلى الله عليه وسلم» :إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يكره أن تؤتى
معصيته«) ،(22والناس مع الرخص الشرعية طرفان ووسط.
الطرف الول :من يتمادى في أخذ الرخصة ،ويسترسل معها حتى يخرج بها
عن المقصود الشرعي.
الطرف الثاني :من يتشدد في الورع حتى يترك الرخص الشرعية ويشدد
على نفسه.
29
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الوسط :وهو الذي يعظم أمر الله عز وجل ونهيه؛ فل يعارضهما بترخص جاف
ول يعرضهما لتشديد غال ويزهد في رخص الله عز وجل.
ويفصل هذا المر المام ابن القيم -رحمه الله تعالى -فيقول» :فحقيقة
خص جاف ،ول يعرضا لتشديد غال؛ التعظيم للمر والنهي أن ل يعاَرضا بتر ّ
فإن المقصود هوالصراط المستقيم الموصل إلى الله -عز وجل -بسالكه.
مَر الله -عز وجل -بأمر إل وللشيطان فيه نزغتان :إما تقصير وتفريط، وما أ َ
و ،فل يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين ،فإنه يأتي إلى ُ ٌ
وإما إفراط وغُل ّ
صا؛ أخذه من هذه قلب العبد فيشامه :فإن وجد فيه فتوًرا وتوانًيا وترخي ً
الخطة ،فثّبطه ،وأقعده ،وضربه بالكسل والتواني والفتور ،وفتح له باب
التأويلت والرخاء ،وغير ذلك ،حتى ربما ترك العبد ُ المأموَر جملة.
دا ،وتشميًرا ونهضة ،وأيس أن يأخذه من هذا الباب؛ وإن وجد عنده حذًرا وج ّ
ول له أن هذا ل يكفيك ،وهمتك فوق هذا ،وينبغي أمره بالجتهاد الزائد ،وس ّ
لك أن تزيد على العاملين ،وأن ل ترقد إذا رقدوا ،ول تفطر إذا أفطروا ،وأن
فت َُر إذا فََتروا ،وإذا غسل أحدهم يديه ووجهه ثلث مرات فاغسل أنت ل تَ ْ
دي،سبًعا ،وإذا توضأ للصلة فاغتسل أنت لها ،ونحو ذلك من الفراط والتع ّ
دي الصراط المستقيم؛ كما يحمل الول فيحمله على الغلوّ والمجاوزة وتع ّ
على التقصير دونه وأن ل يقربه.
ومقصوده من الرجلين إخراجهما عن الصراط المستقيم :هذا بأن ل يقرَبه ول
يدنو منه ،وهذا بأن يجاوزه ويتعداه.
خ ،وإيمان وقوة م راس ٌجي من ذلك إل عل ٌ وقد فُِتن بهذا أكثُر الخلق ،ول ي ُن َ ّ
على محاربته ،ولزوم الوسط والله المستعان«).(23
ضا» :ومن علمات تعظيم المر والنهي :أن ل يسترسل مع الرخصة وقال أي ً
إلى حد يكون صاحبه جافًيا غير مستقيم على المنهج الوسط.
خص الجافي ة وردت بالبراد بالظهر في شدة الحر ،فالتر ّ ن السن ّ َ مثال ذلك :أ ّ
صا جافًيا.أن يبرِد َ إلى فوات الوقت ،أو مقاربة خروجه ،فيكون مترخ ً
وحكمة هذه الرخصة أن الصلة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع
والحضور ،ويفعل العبادة بتكّره وضجر ،فمن حكمة الشارع أن أمرهم
بتأخيرها حتى ينكسر الحر ،فيصلي العبد بقلب حاضر ،ويحصل له مقصود
الصلة من الخشوع والقبال على الله تعالى.
ومن هذا نهيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي بحضرة الطعام ،أو عند مدافعة
وش عليه مقصود الصلة ،ول البول والغائط؛ لتعلق قلبه من ذلك بما يش ّ
يحصل المراد منها.
)(46 /
ل على شغله فيعمله ،ثم يفرغ قلبه قب َ فمن فقه الرجل في عبادته :أن ي ُ ْ
ّ
للصلة ،فيقوم فيها وقد فّرغ قلبه لله تعالى ،ونصب وجهه له ،وأقبل بكليته
فُر للمصلي بهما ما تقدم من ذنبه. عليه؛ فركعتان من هذه الصلة ي ُغْ َ
صا جافًيا. والمقصود أن ل يترخص ترخ ً
ومن ذلك :أنه رخص للمسافر في الجمع بين الصلتين عند العذر ،وتعذر فعل
كل صلة في وقتها لمواصلة السير ،وتعذر النزول أو تعسره عليه ،فإذا أقام
في المنزل اليومين والثلثة ،أو أقام اليوم؛ فجمعه بين الصلتين ل موجب له؛
لتمكنه من فعل كل صلة في وقتها من غير مشقة ،فالجمع ليس سنة راتبة
جد َ عذر أم لم
كما يعتقد أكثر المسافرين أن سنة السفر الجمع ،سواء وُ ِ
30
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
سنة راتبة ،فسنة المسافر قصر الرباعية، يوجد ،بل الجمع رخصة ،والقصر ُ
سواء كان له عذر أو لم يكن ،وأما جمعه بين الصلتين فحاجة ورخصة ،فهذا
لون ،وهذا لون.
ومن هذا :أن الشبع في الكل رخصة غير محرمة ،فل ينبغي أن يجفو العبد
فيها حتى يصل به الشبع إلى حد الّتخمة والمتلء ،فيتطلب ما يصرف به
الطعام ،فيكون همه بطنه قبل الكل وبعده .بل ينبغي للعبد أن يجوع ويشبع،
ويدع الطعام وهو يشتهيه ،وميزان ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:
ه().(24 س ِ
ف ِث لن َه ،وث ُل ُ ٌ ثل َ
شراب ِ ِ ه ،وث ُل ُ ٌ
م ِ )ث ُل ُ ٌ
ث لطعا ِ
ول يجعل الثلثة الثلث كلها للطعام وحده.
وأما تعريض المر والنهي للتشديد الغالي؛ فهو كمن يتوسوس في الوضوء
متغالًيا فيه حتى يفوت الوقت ،أو يرّدد تكبيرة الحرام إلى أن تفوته مع المام
قراءة الفاتحة ،أو يكاد تفوته الركعة ،أو يتشدد في الورع الغالي حتى ل يأكل
شيئا ً من طعام عامة المسلمين خشية دخول الشبهات عليه.
ولقد دخل هذا الورع الفاسد على بعض العّباد الذين نقص حظهم من العلم،
وت بما يحمل إليه من بلد حتى امتنع أن يأكل شيًئا من بلد السلم ،وكان يتق ّ
النصارى ،ويبعث بالقصد لتحصيل ذلك ،فأوقعه الجهل المفرط ،والغُل ُوّ الزائد
في إساءة الظن بالمسلمين ،وحسن الظن بالنصارى نعوذ بالله من
الخذلن«).(25
النموذج العاشر :
الوسطية في الطهارة والصلة:
قال المام ابن القيم -رحمه الله تعالى » :-والدب :الوقوف في الوسط بين
طرفين؛ فل يقصر بحدود الشرع عن تمامها ،ول يتجاوز بها ما جعلت حدوًدا
له؛ فكلهما عدوان ،والله ل يحب المعتدين .والعدوان :هو سوء الدب.
وقال بعض السلف :دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه.
فإضاعة الدب بالجفاء؛ كمن لم يكمل أعضاء الوضوء ،ولم يوف الصلة آدابها
سّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلها .وهي قريب من مائة التي َ
أدب :ما بين واجب ومستحب.
وإضاعته بالغلو :كالوسوسة في عقد النية ،ورفع الصوت بها ،والجهر بالذكار
ة تخفيفه وحذفه كالتشهد والدعوات التي شرعت سًرا ،وتطويل ما السن ُ
حذ ُْفه سنة ،وزيادة التطويل على ما فعله رسول الله الول والسلم الذي َ
سّراق الصلة والنقارون لها ويشتهونه؛ صلى الله عليه وسلم ل على ما يظنه ُ
فإن النبي صلى الله عليه وسلم ،لم يكن ليأمر بأمر ويخالفه ،وقد صانه الله
من ذلك .وكان يأمرهم بالتخفيف ويؤمهم بالصاّفات ،ويأمرهم بالتخفيف،
وتقام صلة الظهر ،فيذهب الذاهب إلى البقيع ،فيقضي حاجته ،ويأتي أهله
ويتوضأ ،ويدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الولى .فهذا هو
التخفيف الذي أمر به ،ل نقر الصلة وسرقها؛ فإن ذلك اختصار ،بل اقتصار
على ما يقع عليه السم ،ويسمى به مصليًا.(26)«...
وقال في موطن آخر وهو يفرق بين الحتياط في العبادة والوسوسة فيها:
»والفرق بين الحتياط والوسوسة أن الحتياط الستقصاء والمبالغة في اتباع
سّنة وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من غير ال ُ
غلو ومجاوزة ول تقصير ول تفريط؛ فهذا هو الحتياط الذي يرضاه الله
سّنة ولم يفعله رسول ورسوله .وأما الوسوسة فهي ابتداع ما لم تأت به ال ُ
ما أنه يصل بذلك الله صلى الله عليه وآله وسلم ،ول أحد من الصحابة؛ زاع ً
إلى تحصيل المشروع وضبطه؛ كمن يحتاط بزعمه ويغسل أعضاءه في
31
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(47 /
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :قال لي رسول الله صلى الله عليه
ذف، خ ْ
ت من حصى ال َ ت له حصيا ٍ مٍع) :هلم القط لي( .فلقط ُ ج ْ
وسلم غداة َ
فلما وضعهن في يده قال) :نعم بأمثال هؤلء ،وإياكم والغلو في الدين؛ فإنما
هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين().(28
وقد قال أهل العلم في حجم الحصى الذي يرمى به أنه بين الحمص والبندق،
فما زاد على البندق فهذا إفراط ،وما نقص عن الحمص فهو تفريط ،والعدل
بين الفراط والتفريط.
وأختم الكلم عن الوسطية في العبادات بكلم نفيس للمام ابن تيمية -
رحمه الله تعالى -حيث يقول» :فإن المشروع المأمور به الذي يحبه الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم هو القتصاد في العبادة كما قال النبي صلى
دا() .(29وقال» :إن دا ،عليكم هدًيا قاص ً الله عليه وسلم) :عليكم هدًيا قاص ً
هذا الدين متين ،ولن يشاد الدين أحد إل غلبه ،فاستعينوا بالغدوة والروحة
وشيء من الدلجة ،والقصد القصد تبلغو«) .(30وكلهما في الصحيح.
وقال أبي بن كعب رضي الله عنه) :اقتصاد في سنة ،خير من اجتهاد في
بدعة( فمتى كانت العبادة توجب له ضرًرا يمنعه عن فعل واجب أنفع له منها
ما يضعفه عن الكسب الواجب أو يمنعه عن كانت محرمة؛ مثل أن يصوم صو ً
العقل ،أو الفهم الواجب ،أو يمنعه عن الجهاد الواجب ،وكذلك إذا كانت توقعه
في محل محرم ل يقاوم مفسدته مصلحتها ،مثل أن يخرج ماله كله ،ثم
يستشرف إلى أموال الناس ،ويسألهم.
وأما إن أضعفته عما هو أصلح منها ،وأوقعته في مكروهات ،فإنها مكروهة.
َ
ما
ت َ موا ط َي َّبا ِ
حّر ُ
مُنوا ل ت ُ َ
نآ َ
ذي َوقد أنزل الله تعالى في ذلك قولهَ) :يا أي َّها ال ّ ِ
َ
ن( )المائدة (87:فإنها نزلت دي َمعْت َ ِب ال ْ ُح ّ ن الل ّ َ
ه ل يُ ِ دوا إ ِ ّ
م َول ت َعْت َ ُ ه ل َك ُ ْ
ل الل ّ ُ
ح ّ
أ َ
في أقوام من الصحابة كانوا قد اجتمعوا وعزموا على التبتل للعبادة :هذا
يسرد الصوم ،وهذا يقوم الليل كله ،وهذا يجتنب أكل اللحم ،وهذا يجتنب
النساء ،فنهاهم الله سبحانه وتعالى عن تحريم الطيبات من أكل اللحم،
والنساء ،وعن العتداء وهو الزيادة على الدين المشروع في الصيام ،والقيام،
والقراءة ،والذكر ،ونحو ذلك ،والزيادة في التحريم على ما حرم والزيادة في
المباح على ما أبيح .ثم إنه أمرهم بعد هذا بكفارة ما عقدوه من اليمين على
هذا التحريم ،والعدوان«).(31
______________
) (1انظر :الوسطية في القرآن الكريم ،علي الصلبي) :ص (492 ،491
باختصار يسير.
32
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(48 /
33
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
34
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
إما إلى حسد ،وإما إلى مهانة وعجز وذل ورضى بالدون.
سةخ ّ َ
وإذا انحرفت عن »القناعة« انحرفت :إما إلى حرص وك َلب ،وإما إلى ِ
ومهانة وإضاعة.
وإذا انحرفت عن خلق »الرحمة« انحرفت :إما إلى قسوة ،وإما إلى ضعف
قلب وجبن نفس ،كمن ل يقدم على ذبح شاة ،ول إقامة حد ،وتأديب ولد؛
م الخلق صلى الله عليه ويزعم أن الرحمة تحمله على ذلك .وقد ذبح أرح ُ
وسلم بيده في موضع واحد ثلًثا وستين بدنة ،وقطع اليدي من الرجال
والنساء ،وضرب العناق ،وأقام الحدود ورجم بالحجارة حتى مات المرجوم.
وكان أرحم خلق الله على الطلق وأرأفهم.
وكذلك طلقة الوجه ،والبشر المحمود؛ فإنه وسط بين التعبيس والتقطيب
شر ،وبين السترسال بذلك مع كل أحد شر عن الب َ َ وتصعير الخد ،وطي الب ِ ْ
بحيث ُيذهب الهيبة ،ويزيل الوقار ،ويطمع في الجانب ،كما أن النحراف الول
يوقع الوحشة والبغضة ،والنفرة في قلوب الخلق.
وصاحب الخلق الوسط مهيب محبوب ،عزيز جانبه ،حبيب لقاؤه .وفي صفة
شرة أحبه() ع ْ
نبينا صلى الله عليه وسلم) :من رآه بديًهة هابه .ومن خالطه ِ
.(3والله أعلم«).(4
وبعد هذا الجمال في بيان الوسطية والتوزان في بعض أخلق هذا الدين؛
فإنه يحسن بنا التفصيل في إظهار هذه السمة في بعض الخلق ،ومنها تلك
التي ظهرت في عصرنا الحاضر وهي مجانبة للتوسط والعتدال ،خاصة وأنها
سرت في المجتمع حتى وصلت إلى بعض الدعاة وطلبة العلم.
_____________
) (1صحيح مسلم.(746) :
) (2مدارج السالكين (3/73) :ط .دار طيبة.
) (3رواه الترمذي في المناقب باب ما جاء في صفة النبي ،وقال حسن
غريب ،وضعفه اللباني في ضعيف الترمذي.(748) :
) (4مدارج السالكين (79-3/74) :باختصار .ط دار طيبة.
أول ً :العدل والتوازن في الكلم والبيان :
إن نعمة النطق واللسان والبيان نعمة عظيمة ل يقدرها حق قدرها إل من
ما.فقدها أو عاش بين الناس أبك ً
)(49 /
ن
سا َخل َقَ اْل ِن ْ َ
ن َ م ال ْ ُ
قْرآ َ ن عَل ّ َ
م ُ قال تعالى ممتنا ً على عباده بنعمة البيان) :الّر ْ
ح َ
ن( )الرحمن.(4-1: ه ال ْب ََيا َ عَل ّ َ
م ُ
والقلم والكتابة من البيان الذي أنعم الله به على النسان.
يتحدث سيد قطب -رحمه الله تعالى -عن نعمة البيان فيقول» :إننا نرى
النسان ينطق ويعبر ويبين ،ويتفاهم ،ويتجاوب مع الخرين فننسى بطول
اللفة عظمة هذه الهبة ،وضخامة هذه الخارقة ،فيردنا القرآن إليها ،ويوقظنا
لتدبرها في مواضع شتى.
فما النسان؟ ما أصله؟ كيف يبدأ؟ وكيف ُيعلم البيان؟
إنه هذه الخلية الواحدة التي تبدأ حياتها في الرحم؛ خلية ساذجة صغيرة،
ضئيلة ،مهينة ،ترى بالمجهر ول تكاد تبين ،وهي ل ُتبين ولكن هذه الخلية ما
ون الجنين .الجنين المكون من مليين الخليا المنوعة :عظمية، تلبث أن ُتك ّ
وغضروفية ،وعضلية ،وعصبية ،وجلدية .ومنها كذلك تتكون الجوارح والحواس
35
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
36
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(50 /
والثاني :السكوت عن الحق؛ فإن الساكت عن الحق أخ لكم أخرس ،كما أن
الول أخ ناطق ،وربما كان الخ الثاني أنفع أخويكم لكم؛ أما سمعتم قول
الناصح :المتكلم بالباطل شيطان ناطق ،والساكت عن الحق شيطان
أخرس؟.
فالرباط الرباط على هذا الثغر أن يتكلم بحق أو يمسك عن باطل ،وزينوا له
طريق.
َ التكلم بالباطل بكل طريق ،وخوفوه من التكلم بالحق بكل
ك منه بني آدم ،وأك ُّّبهم منه علىي أن ثغر اللسان هو الذي ُأهل ِ ُواعلموا يا ب َن ِ ّ
مناخرهم في النار ،فكم لي من قتيل وأسير وجريح أخذته من هذا الثغر«).(2
الموقف الوسط العدل :وهو الموقف الذي يقوم فيه أهله بأداء شكر نعمة
اللسان والبيان؛ فيتكلمون ويكتبون في المر حين يكون طاعة لله عز وجل،
خرون هذه النعمة في اللهج بذكر وأمًرا بالمعروف ،ونهًيا عن المنكر ،وُيس ّ
الله تعالى ،وشكره وعبادته ،وإحقاق الحق ،وإبطال الباطل .ويسكتون حين
يكون السكوت محبوًبا لله عز وجل؛ وذلك حينما يكون الكلم معصًية لله عز
وجل؛ كالظلم والرياء والغيبة والنميمة ،وقول الباطل وغير ذلك من آفات
اللسان..
ويصف المام ابن القيم -رحمه الله تعالى -هذه المواقف الثلثة فيقول:
»وفي اللسان آفتان عظيمتان ،إن خلص من إحداهما لم يخلص من الخرى:
ما من الخرى في آفة الكلم ،وآفة السكوت؛ وقد يكون كل منهما أعظم إث ً
وقتها؛ فالساكت عن الحق شيطان أخرس ،عاص لله ،مراء مداهن إذا لم
يخف على نفسه .والمتكلم بالباطل شيطان ناطق ،عاص لله .وأكثر الخلق
منحرف في كلمه وسكوته؛ فهم بين هذين النوعين .وأهل الوسط -وهم
فوا ألسنتهم عن الباطل ،وأطلقوها فيما يعود أهل الصراط المستقيم -ك ّ
عليهم نفعه في الخرة؛ فل ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بل
منفعة ،فضل ً أن تضره في آخرته ،وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال
الجبال ،فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها ،ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد
لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به«).(3
وهكذا كان السلف الصالح -رحمهم الله تعالى -في طريقتهم في الكلم أو
السكوت وس ً
طا بين الفراط والتفريط.
فعن ميمون بن مهران قال :جاء رجل إلى سلمان فقال :أوصني .قال :ل
م .قال :ل يستطيع من عاش في الناس أن ل يتلكم .قال :فإن تكلمت َتكل ّ ْ
ت .قال :زدني .قال :ل تغضب .قال :إنه ليغشاني ما ل فتكلم بحق أو اسك ْ
أملكه .قال :فإن غضبت فأمسك عليك لسانك ويدك .قال زدني .قال :ل
37
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
تلبس الناس .قال :ل يستطيع من عاش في الناس أن ل يلبسهم .قال :فإن
لبستهم فاصدق الحديث وأد المانة).(4
وعن يعلى بن عبيد قال :دخلنا على محمد بن سوقة فقال :أحدثكم بحديث
لعله ينفعكم ،فإنه قد نفعني .ثم قال :قال لنا عطاء بن رباح :يا بني أخي إن
دون فضوله ما عدا من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلم ،وكانوا يع ّ
كتاب الله عز وجل أن تقرأه ،وتأمر بمعروف ،أو تنهى عن منكر ،أو تنطق
ما
بحاجتك في معيشتك التي ل بد لك منها .أتنكرون أن عليكم حافظين كرا ً
كاتبين ،عن اليمين وعن الشمال قعيد؛ ما يلفظ من قول إل لديه رقيب عتيد؟
ل صدَر نهاره ،فإن أما يستحي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أم ّ
أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ول دنياه).(5
ل :أرجو أن ألقى الله ول وقال بكر بن منير :سمعت أبا عبدالله البخاري يقو ُ
د.
ت أح ً
يحاسبني أّني اغتب ُ
صد َقَ رحمه الله ،ومن نظر في كلمه في الجرِح والتعديل علم قال الذهبيَ :
ل :منكر فه؛ فإنه أكثر ما يقو ُ ضعّ ُ
وََرعه في الكلم في الناس ،وإنصافه فيمن ي ُ َ
ذاب ،أو كان نك ّل أن يقول :فل ٌ الحديث ،سكُتوا عنه ،فيه نظر ،ونحو هذا .وق ّ
ه.
ت فلن في حديثه نظر ،فهو مّتهم وا ٍ ضعُ الحديث .حتى إنه قال :إذا قل ُ ي َ
دا .وهذا هو والله غاية الورع) ً أح تبتْ اغ أني الله بنيُ يحاس ل قوله: معنى وهذا
.(6
_____________
) (1في ظلل القرآن.(3447 ،6/3446) :
) (2الجواب الكافي) :ص (138 ،137ت :حسين عبدالحميد.
) (3الجواب الكافي) :ص ،(220ت :حسين عبد الحميد.
) (4صفة الصفوة.(1/549) :
) (5صفة الصفوة.(2/213) :
) (6سير أعلم النبلء.(12/439) :
ثانًيا :العدل والوسط في المزاح والنبساط :
والناس في هذا الخلق طرفان ووسط:
الطرف الول :أهل الفراط في المزاح والنبساط :وهم الذين يسترسلون
في ذلك ،ويكثرون منه ،حتى يوقعهم في المحذور من المزاح والنبساط؛
كالكذب ،والسخرية ،والفرح المذموم الذي قد يؤدي إلى البطر والغفلة عن
الخرة ،كما يؤدي إلى قلة الوقار والحياء والسقوط من أعين الناس.
الطرف الثاني :أهل التفريط الذين ل يرون النبساط مع الناس ،ول المزاح
المباح ،وإنما الذي يغلب على حياتهم الحزن ،والنقباض عن الناس ،والعبوس
في وجوههم.
)(51 /
الموقف العدل الوسط :وهذا الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم
وأصحابه الكرام؛ حيث التوازن والوسطية في هذا الخلق ،فلم يكونوا
يفرطون في ضحكهم ومزاحهم ،ولم يكونوا منقبضين عن الناس ،عابسين
في وجوههم ،مغلبين الحزن ،والغم على حياتهم.
ويحسن في هذا المقام إيراد بعض الدلة والمثلة على حسن هذا الموقف
واعتداله:
عن أبي هريرة قال :قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا .قال) :إني ل أقول إل
38
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
قا().(1 ح ً
وقال محمد بن النعمان بن عبدالسلم :لم أر أعبد من يحيى بن حماد ،وأظنه
ل،م أفض ُ س ُقا على ذلك» :الضحك اليسيُر والتب ّ لم يضحك .قال الذهبي تعلي ً
وعدم ذلك من مشايخ العلم على قسمين:
حزًنا على نفسه ه أدًبا وخوًفا من الله ،و ُ ن فاضل ً لمن ترك َ ُ أحدهما :يكو ُ
المسكينة.
ن أكثر الضح َ
ك م ْ ن َ قا وك ِب ًْرا وتصن ًّعا ،كما أ ّ م لمن فعله حم ً والثاني :مذمو ٌ
ف منه وأعذُر منه في ف به ،ول ريب أن الضحك في الشاب أخ ّ خ َ است ُ ِ
الشيوخ.
ي صلى الله عليه ة الوجه فأرفعُ من ذلك كله؛ قال النب ّ م وطلق ُ س ُوأما التب ّ
دقة() ،(2وقال جرير رضي الله عنه :ما ص َ سمك في وجه أخيك َ َ وسلم) :تب ّ
سم).(3 رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إل تب ّ
ما بالنهار. سا ً َ
فهذا هو خلقُ السلم ،فأعلى المقامات من كان بكاًء بالليل ،ب َ ّ
وقال عليه الصلة والسلم) :لن تسعوا الناس بأموالكم ،فليسعهم منكم
بسط الوجه().(4
ما أن ُيقصر من ذلك ،ويلوم نفسه سا ً ً
بقي هنا شيٌء :ينبغي لمن كان ضحوكا ب ّ
ضا أن يتبسم ،وُيحسن ً منقب سا
ً عبو ه النفس ،وينبغي لمن كان ج ُحتى ل تم ّ
م،
مذمو ٌ ل انحراف عن العتدال فَ َ خُلقه ،وك ّ خلقه ،ويمقت نفسه على رداءة ُ
ول بد ّ للنفس من مجاهدة وتأديب«).(5
ويتأكد هذا المنهج في حق العلماء والدعاة؛ فالناس يميلون إلى الطلق
حا .وحال الرجل في مّزا ً البسام البشوش .روي أن سفيان الثوري كان َ
التبسط بين خواص الجلساء غير حاله مع العامة ،ولكل مقام مقال .فقد روى
سا في الزهد آخر عن سفيان أنه ما لقيه إل باكًيا ،وكما قال الذهبي :كان رأ ً
والتأله والخوف .وهكذا يكون التوازن والقصد).(6
_______________
) (1الترمذي ،في البر والصلة ،باب ما جاء في المزاح ،وقال :حسن صحيح.
) (2البخاري.(891) :
) (3البخاري ،(3035) :ومسلم.(2475) :
) (4البزار ،(1977) :والحاكم في المستدرك ،(1/124) :وصححه الحاكم
وتعقبه الذهبي بقوله عن عبدالله المقبري :واه.
) (5سير أعلم النبلء.(141 ،01/140) :
) (6انظر )فقه الئتلف() :ص ،(331للستاذ محمود خازندار رحمه الله
تعالى.
ثالًثا :العدل والتوازن في النفاق:
ط
س ِ ْ
ل الب َ ْ سطَها ك ُ ّ ْ ك َول ت َب ْ ُ ق َ ة إ ِلى عُن ُ ِ َ َ ُ
مغْلول ً ك َ ل ي َد َ َ جعَ ْقال الله عز وجلَ) :ول ت َ ْ
سورًا( )السراء.(29: ح ُم ْ مُلوما ً َقعُد َ َ فَت َ ْ
ن ذ َل ِكَ َ َ َ َ ّ
ن ب َي ْ َ قت ُُروا وَكا َ م يَ ْ سرُِفوا وَل ْ م يُ ْ قوا ل ْ ف ُ ن إ َِذا أن ْ َ
ذي َوقال عز وجلَ) :وال ِ
وامًا( )الفرقان.(67: قَ َ
يقول المام ابن كثير -رحمه الله تعالى -عند هذه الية» :أي :ليسوا
بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ،ول بخلء على أهليهم فيقصرون
في حقهم فل يكفونهم بل عدل ً خياًرا ،وخير المور أوسطها ل هذا ،ول هذا«.
ويقول المام ابن القيم -رحمه الله تعالى -في وصف أهل التوسط
والعتدال» :وقد مدح تعالى أهل التوسط بين الطرفين المنحرفين في غير
قت ُُروا وَ َ َ
ن كا م يَ ْ سرُِفوا وَل َ ْ م يُ ْ قوا ل َ ْ ف ُ ن إ َِذا أ َن ْ َ ذي َموضع من كتابه؛ فقال تعالىَ) :وال ّ ِ
39
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ة إ َِلى مغُْلول َ ًك َ ل ي َد َ َ جعَ ْ وامًا( )الفرقان ،(67:وقال تعالىَ) :ول ت َ ْ ك قَ َن ذ َل ِ َ ب َي ْ َ
سورا( )السراء ،(29:وقال: ً ح ُ م ْ ً
ملوما َ ُ قعُد َ َ ط فت َ َْ س ِ ْ ّ
سطَها كل الب َ ُْ ْ قك َول ت َب ْ ُ َ عُن ُ ِ
ذيرا( )السراء.(26: ً ّ
ل َول ت ُب َذْر ت َب ْ ِ سِبي ِ ن ال ّ ن َواب ْ َ كي َ س ِم ْ ْ
ه َوال ِ ق ُح ّ
قْرَبى َ ْ َ
ت ذا ال ُ )َوآ ِ
من ْعُ ذي القربى والمسكين وابن السبيل حقهم انحراف في جانب المساك، فَ َ
والتبذير انحراف في جانب البذل ،ورضاء الله فيما بينهما .ولهذا كانت هذه
المة أوسط المم ،وقبلتها أوسط القبل بين القبلتين المنحرفتين .والوسط
ما محمي الطرف«).(1 دائ ً
خلقُ ويقول في موطن آخر» :وأما الفرق بين القتصاد والشح :أن القتصاد ُ
محمود يتولد من خلقين :عدل وحكمة؛ فبالعدل يعتدل في المنع والبذل،
وبالحكمة يضع كل واحد منهما موضعه الذي يليق به ،فيتولد من بينهما
ل ي َد َكَجعَ ْ القتصاد؛ وهو وسط بين طرفين مذمومين كما قال تعالىَ) :ول ت َ ْ
سورًا( )السراء: ح ُ م ْ مُلوما ً َ قعُد َ َط فَت َ ْ س ِ ل ال ْب َ ْ سط َْها ك ُ ّ ك َول ت َب ْ ُ ق َ ة إ َِلى عُن ُ ِ مغُْلول َ ً َ
ن ذ َل ِكَ َ َ َ َ ّ
ن ب َي ْ َقت ُُروا وَكا َ م يَ ْسرُِفوا وَل ْ م يُ ْ قوا ل ْ ف ُ ن إ َِذا أن ْ َذي َ ،(29وقال تعالىَ) :وال ِ
سرِفوا( )العراف: ُ شَرُبوا َول ت ُ ْ وامًا( )الفرقان ،(67:وقال تعالى) :وَكلوا َوا ْ
ُ ُ قَ َ
من الية .(31
)(52 /
خُلق ذميم يتولد من سوء الظن وضعف النفس ،ويمده وعد وأما الشح فهو ُ
الشيطان حتى يصير هلًعا ،والهلع شدة الحرص على الشيء والشره به فتولد
خل ِقَ هَُلوعا ً إ َِذا
ن ُ ن اْل ِن ْ َ
سا َ عنه المنع لبذله والجزع لفقده كما قال تعالى) :إ ِ ّ
مُنوعًا( )المعارج.(2)«(21-19: ه ال ْ َ
خي ُْر َ س ُ جُزوعا ً وَإ َِذا َ
م ّ ه ال ّ
شّر َ س ُ
م َّ
ويقول سيد قطب -رحمه الله تعالى -عند آية الفرقان» :وهذه هي سمة
السلم التي يحققها في حياة الفراد والجماعات ويتجه إليها في التربية
والتشريع؛ يقيم بناءه كله على التوازن والعتدال.
والمسلم -مع اعتراف السلم بالملكية الفردية المقيدة -ليس حًرا في
إنفاق أمواله الخاصة كما يشاء كما هو الحال في النظام الرأسمالي ،وعند
المم التي ل يحكم التشريع اللهي حياتها في كل ميدان .إنما هو مقيد
بالتوسط في المرين السراف والتقتير .فالسراف مفسدة للنفس والمال
والمجتمع ،والتقتير مثله حبس للمال عن انتفاع صاحبه به ،وانتفاع الجماعة
من حوله؛ فالمال أداة اجتماعية لتحقيق خدمات اجتماعية .والسراف
والتقتير يحدثان اختلل ً في المحيط الجتماعي والمجال القتصادي ،وحبس
الموال يحدث أزمات ،ومثله إطلقها بغير حساب .ذلك فوق فساد القلوب
والخلق.
والسلم وهو ينظم هذا الجانب من الحياة يبدأ به من نفس الفرد ،فيجعل
وامًا( )الفرقان)«(67: ك قَ َن ذ َل ِ َ
ن ب َي ْ َ العتدال سمة من سمات اليمان) :وَ َ
كا َ
.(3
من كل ما سبق نخلص إلى أن القرآن الكريم قد بّين لنا المنهج العدل
الوسط في إنفاق المال وأنه وسط بين طرفين:
الول :طرف القابضين أيديهم ،البخلء بأموالهم المقترين على أنفسهم وعلى
أهليهم فضل ً عن من سواهم.
طين في إنفاق المال الذين بسطوا فرِ ُ الثاني :طرف المسرفين المترفين ،الم ْ
أيديهم كل البسط.
وبين هذين الطرفين تقف قلة من الناس سلكوا السبيل القويم والتزموا
40
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
قا.
العدل والتوازن؛ وهؤلء هم عباد الرحمن ح ً
_____________
) (1الصلة ،لبن القيم) :ص .(194 ،193
) (2الروح) :ص .(503
) (3في ظلل القرآن.(2579 ،5/2578) :
رابًعا :العدل والوسطية والتوازن في حقوق الخلق:
شرع الله عز وجل لعباده حقوًقا بعضهم على بعض؛ فللوالدين حقوق وللولد
حقوق ،وللزواج حقوق ،وللقارب حقوق ،وللجيران حقوق ،وللضيف حقوق،
ولليتامى والمساكين حقوق ،وللصحاب حقوق ،وغير هؤلء من الخلق.
والعدل في ذلك والتوازن :أن ل يطغى حق على حق ،ول تطغى حقوق هؤلء
على حق النفس ،ول يطغى حق النفس وحقوق الخلق على حق الله تعالى.
والموفق من رزقه الله عز وجل الموازنة بين الحقوق كلها.
والناس في الموازنة بين هذه الحقوق وبين حق الله تعالى ،أو حق النفس
طرفان ووسط:
الطرف الول :طرف من أفرط في حقوق الخلق ،وقام بها حتى شغله ذلك
عن حق الله عز وجل ،وطاعته والدعوة إليه ،والجهاد في سبيله ،أو شغله
ذلك عن نفسه ،ومحاسبتها في تفريطها في جنب الله تعالى.
الطرف الثاني :طرف من فَّرط في حقوق العباد ،حتى قصر في ما يجب
عليه نحوهم من حقوق دينية؛ كدعوة أو تعليم أو حقوق صلة وبر ،متعلل ً بحق
الله تعالى أو حق النفس.
الوسط والعدل :وهو من لم يطغ عنده حق على حق ،بل وازن بين الحقوق
كلها وأعطى كل ذي حق حقه متمثل ً في ذلك التوجيه النبوي الكريم والذي
يتمثل في الرواية التالية:
عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال :آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين
ذلة ،فقال متب ّ
سلمان وأبي الدرداء ،فزار سلمان أبا الدرداء ،فرأى أم الدرداء ُ
لها» :ما شُأنك؟« قالت :أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا ،فجاء أبو
ما ،فقال له :كل ،فإني صائم .قال :ما أنا بآكل حتى الدرداء ،فصنع له طعا ً
م ،فقال :نم ،فنام ،ثم ذهب تأكل ،فأكل ،فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقو ُ
ُ
ن :قم ِ الن ،فصلّيا ،فقال م ،فلما كان من آخر الليل ،قال سلما ُ يقوم ،فقال :ن َ ْ
قا،قا ،ولهلك عليك ح ّ ن لنفسك عليك ح ّ ّ وإ قا،
ّ ح عليك ربكن ّ
ل ن :إ ّ
له سلما ُ
ه ،فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ،فذكر ذلك له، ق ُ
فأعط كل ذي حق ح ّ
ن().(1 فقال صلى الله عليه وسلم) :صد َقَ سلما ُ
وفي ذلك يقول المام ابن القيم -رحمه الله تعالى -وهو يتحدث عن الدب
وأنه التوسط في المور» :ومثال ذلك -أي التوسط -في حقوق الخلق :أن
ل يفرط في القيام بحقوقهم ،ول يستغرق فيها ،بحيث يشتغل بها عن حقوق
الله ،أو عن تكميلها ،أو عن مصلحة دينه وقلبه ،وأن ل يجفو عنها حتى يعطلها
بالكلية؛ فإن الطرفين من العدوان الضار .وعلى هذا الحد ،فحقيقة الدب:
هي العدل .والله أعلم«).(2
_____________
) (1رواه البخاري ،في الدب ،باب صنع الطعام والتكلف للضيف.(6139) :
) (2مدارج السالكين (3/213) :ط .دار طيبة.
سا :العدل والتوازن في التواضع : خام ً
التواضع خلق رفيع يحبه الله عز وجل ويحب المتصفين به.
41
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(53 /
ن
شو َ م ُن يَ ْ ن ال ّ ِ
ذي َ م ِ
ح َعَباد ُ الّر ْ
قال الله عز وجل في وصف عباد الرحمن) :وَ ِ
ً َْ
سلما( )الفرقان.(63: ن َقاُلوا َ جاهُِلو َ م ال ْ َ
خاط َب َهُ ُ ونا ً وَإ َِذا َ
ض هَ ْ عَلى الْر ِ
َ
ونهى سبحانه عن ضده ،ومقت أهله -وهم أهل التكبر والمرح والبطر -قال
ض َْ خد ّ َ
ش ِفي الْر ِ م ِ س َول ت َ ْ ك ِللّنا ِ صعّْر َسبحانه في وصية لقمان لبنهَ) :ول ت ُ َ
خوٍر( )لقمان.(18: ل فَ ُ خَتا ٍم ْل ُ ب كُ ّ ح ّ ه ل يُ ِ ن الل ّ َ
مَرحا ً إ ِ ّ َ
والتواضع المحمود كغيره من الخلق وسط بين طرفين مذمومين:
فرط في التواضع حتى يوقعه ذلك في المهانة طرف الفراط :وهو أن ي ُ ْ
والخسة وابتذال النفس وإذللها وهوانها .وأما وصف الله عز وجل عباد
الرحمن أنهم يمشون على الرض هوًنا؛ فالَهون هنا كما قال ابن القيم -
رحمه الله تعالى )» :-والَهون( بالفتح في اللغة :الرفق واللين) ،والُهون(
بالضم :الهوان .فالمفتوح منه :صفة أهل اليمان ،والمضموم :صفة أهل
الكفران والنيران«).(1
طرف التفريط :وهو التقصير في التحلي بهذا الخلق ،والوقوع في ضده وهو
الكبر والتكبر إما على الخلق وإما على الحق بترك النقياد له.
الوسط والعدل :وهو التواضع الذي وصفه المام ابن القيم -رحمه الله
تعالى -بقوله» :وهوالتواضع الذي يتولد من بين العلم بالله سبحانه ومعرفة
أسمائه وصفاته ونعوته جلله وتعظيمه ومحبته وإجلله ،ومن معرفة النفس
وتفاصيلها وعيوب عملها ،وآفاتها؛ فيتولد من بين ذلك كله خلق التواضع؛ وهو
إنكسار القلب لله وخفض جناح الذلة والرحمة بعباده؛ فل يرى له على أحد
قا ،بل يرى الفضل للناس عليه ،والحقوق لهم ل ،ول يرى له عند أحد ح ً فض ً
قبله .وهذا خلق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبه ويكرمه ويقربه«).(2
ومما وصف به الله عز وجل أهل هذا الخلق العدل قوله تعالى) :أ َذِل ّةٍ عَلى
َ
ن( )المائدة :من الية .(54 ري َ كافِ ِ عّزةٍ عََلى ال ْ َ ن أَ ِ
مِني َ ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
وما أحسن ما قاله المام ابن القيم -رحمه الله تعالى -عن معنى »الذلة«
في الية؛ قال رحمه الله تعالى» :لما كان الذل منهم ذل رحمة وعطف
داه بأداة »على« تضميًنا لمعاني هذه الفعال؛ فإنه لم يرد وشفقة وإخبات ع ّ
به ذل الهوان الذي صاحبه ذليل ،وإنما هو ذل اللين والنقياد الذي صاحبه
ذلول«).(3
_____________
) (1مدارج السالكين (3/108) :ط .دار طيبة.
) (2انظر الروح لبن القيم) :ص .(495
) (3مدارج السالكين (3/108) :ط .دار طيبة.
سا :التوسط والعدل والتوازن في التأني والتؤدة : ساد ً
التؤدة والناة خلقان محمودان محبوبان لله عز وجل كما قال ذلك الرسول
صلى الله عليه وسلم لشج عبد قيس) :إن فيك خصلتان يحبهما الله
ورسوله :الحلم والناة() ،(1وقوله صلى الله عليه وسلم) :التؤدة في كل
شيء خير إل في عمل الخرة() .(2ولكن يكتنف هذين الخلقين المحمودين
خلقان مذمومان :أحدهما ينزع إلى الفراط والخر إلى التفريط:
فطرف الفراط :هو الذي يغلب على صاحبه الغلو في التأني حتى تضيع عليه
فرص من الخير ينالها ،أو فرص من الشر يدفعها ،ثم لم يبادر إلى ذلك إغراًقا
منه في التأني والتؤدة.
وطرف التفريط :هو الذي يفّرط في الخذ بالتؤدة والتأني ويقع بسبب ذلك
42
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(54 /
43
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(55 /
يقول المام ابن القيم -رحمه الله تعالى » :-والفرق بين الحتراز وسوء
الظن :أن المحترز بمنزلة رجل قد خرج بماله ومركوبه مسافًرا فهو يحترز
بجهده من كل قاطع للطريق ،وكل مكان يتوقع منه الشر ،وكذلك يكون مع
التأهب والستعداد وأخذ السباب التي بها ينجو من المكروه؛ فالمحترز
مه في تهيئةكالمتسلح المتدرع الذي قد تأهب للقاء عدوه وأعد ّ له عُد َّته ،فه ّ
أسباب النجاة ومحاربة عدوه قد أشغلته عن سوء الظن به ،وكلما ساء به
الظن أخذ في أنواع العدة والتأهب .وأما سوء الظن فهو امتلء قلبه بالظنون
دا في الهمز السيئة بالناس حتى يطفح على لسانه وجوارحه؛ فهم معه أب ً
واللمز والطعن والعيب والبغض؛ يبغضهم ويبغضونه ،ويلعنهم ويلعنونه،
44
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
45
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
من ظلمهم أو أخطأ في حقهم ممن لم يكن الظلم مهنته ول التكبر والغرور
صفته ،وإنما هو زلة عابرة أو خطأ غير مكرر أو مقصود.
)(56 /
ويبين المام ابن القيم -رحمه الله تعالى -الفرق بين العفو الناشئ عن
الجود والكرم مع قدرته على النتقام ،وبين العفو الناشئ عن الذل والعجز
عن النتقام فيقول» :والفرق بين العفو والذل :أن العفو إسقاط حقك جوًدا
ما وإحساًنا مع قدرتك على النتقام؛ فتؤثر الترك رغبة في الحسان وكر ً
ومكارم الخلق ،بخلف الذل؛ فإن صاحبه يترك النتقام عجًزا وخوًفا ومهانة
نفس؛ فهذا مذموم غير محمود ،ولعل المنتقم بالحق أحسن حال ً منه؛ قال
َ
ن( )الشورى.(39: صُرو َ م ي َن ْت َ ِي هُ ْ م ال ْب َغْ ُ ن إ َِذا أ َ
صاب َهُ ُ ذي َ تعالىَ) :وال ّ ِ
فمدحهم بقوتهم على النتصار لنفوسهم ،وتقاضيهم منها ذلك حتى إذا قدروا
على من بغى عليهم وتمكنوا من استيفاء ما لهم عليه ندبهم إلى الخلق
َ َ
ح
صل َ فا وَأ ْ ن عَ َ مث ْل َُها فَ َ
م ْ ة ِسي ّئ َ ٌ
سي ّئ َةٍ َ جَزاُء َ الشريف من العفو والصفح فقال) :وَ َ
ب ال ّ َ
ن( )الشورى .(40:فذكر المقامات مي َ ظال ِ ِ ح ّه ل يُ ِ جُرهُ عََلى الل ّهِ إ ِن ّ ُ فَأ ْ
م وحرمه.... ل وندب إليه ،والظل َ الثلثة :العدل وأباحه ،والفض َ
قال بعض السلف في هذه الية :كانوا يكرهون أن يستذلوا ،فإذا قدروا عفوا،
فمدحهم على عفو بعد قدرة ،ل على عفو ذل وعجز ومهانة ،وهذا هو الكمال
ديرًا( )النساء: فوّا ً قَ ِن عَ ُ كا َ ه َ ن الل ّ َ الذي مدح سبحانه به نفسه في قوله) :فَإ ِ ّ
من الية .(2)«(149
_____________
) (1الترمذي في البر والصلة ،باب ما جاء في التواضع ،وصححه اللباني في
صحيح الترمذي.(1652) :
) (2الروح) :ص (514 ،513باختصار.
عاشًرا :العدل والتوسط والتوازن في المنافسة والغبطة :
الغبطة والتنافس في الخير خلقان كريمان أمر بهما الشارع الحكيم ،وعمل
بهما سلفنا الصالح؛ حيث تنافسوا في مرضاة الله وجنته وتسابقوا إليها؛ قال
ن( )المطففين :من الية ،(26 سو َ مت ََنافِ ُ س ال ْ ُ الله عز وجل) :وَِفي ذ َل ِ َ ْ
ك فَلي َت ََنافَ ِ
ماِء
س َ
ض ال ّ َ
ضَها كعَْر ِ جن ّةٍ عَْر ُ م وَ َ ن َرب ّك ُ ْ م ْ فَرةٍ ِ مغْ ِ قوا إ َِلى َ ساب ِ ُوقال تعالىَ ) :
ض( )الحديد :من الية ،(21وقال الرسول صلى الله عليه وسلم) :ل َْ
َوالْر ِ
حسد إل في اثنتين :رجل آتاه الله القرآن فقام به آناء الليل وآناء النهار،
ورجل أعطاه الله مال ً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار().(1
ومع جللة هذا الخلق ،فإنه كغيره من العمال والخلق مكتنف بخلقين
مذمومين والناس فيه طرفان ووسط:
الطرف الول :أهل الغلو والفراط :وهم الذين تجاوزوا الحد في التنافس،
فمالوا من العدل الممدوح إلى الغلو والفراط فيه حتى أوقعهم ذلك في
الحسد والحقد للجهة المنافسة ،أو السابقة .والحسد خلة ذميمة ساقطة
ممقوت صاحبها عند الله عز وجل وعند عباده.
الطرف الثاني :أهل التفريط والضاعة :وهم الذين ضعفت هممهم عن
التنافس في الخير ورضوا بالدون ،ولم يثر عزائمهم تشمير الصالحين
وتسابقهم إلى الخيرات وإلى دار المتقين ،فلم ينافسوهم ولم يحرك ذلك في
نفوسهم شيًئا.
الموقف الوسط والعدل المتوازن :وهو الذي كان عليه سلفنا الصالح -رضي
46
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الله عنهم -من الهمة العالية ،حيث تنافسوا في الصالحات وسارعوا في
الخيرات ،وتسابقوا إلى الجنات ،وتمنى أحدهم أن يكون على مستوى ما عليه
ن من أحدهم زوال نعمة الله عز أخوه أو يزيد عليه دون حسد ول حقد ،ول تم ٍ
وجل الدينية أو الدنيونة عن أخيه المنافس.
»كما كان ذلك من عمر بن الخطاب رضي الله عنه في منافسته لبي بكر
ما علم أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ومحاولة اللحوق به أو سبقه ،فل ّ
دا.
رضي الله عنه قد استولى على المامة قال :والله ل أسابقك إلى شيء أب ً
وقال :والله ما سبقته إلى خير إل وجدته قد سبقني إليه.
والمتنافسان كعبدين بين يدي سيدهما يتباريان ويتنافسان في مرضاته
ويتسابقان إلى محابه ،فسيدهما يعجبه ذلك منهما ويحثهما عليه ،وكل منهما
يحب الخر ويحرضه على مرضاة سيده«).(2
ويفرق المام ابن القيم -رحمه الله تعالى -بين الحسد والمنافسة فيقول:
»والفرق بين المنافسة والحسد :أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي
تشاهده من غيرك ،فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه؛ فهي من شرف
النفس وعلو الهمة وكبر القدر؛ قال تعالى) :وَِفي ذ َل ِ َ ْ
ك فَلي َت ََنافَ ِ
س
ن( )المطففين :من الية .(26 سو َ
مت ََنافِ ُ ال ْ ُ
وأصلها من الشيء النفيس الذي تتعلق به النفوس طلًبا ورغبة ،فينافس فيه
كل من النفسين الخرى ،وربما فرحت إذا شاركتها فيه كما كان أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنافسون في الخير ،ويفرح بعضهم ببعض
ضا عليه مع تنافسهم فيه؛ وهي نوع من باشتراكهم فيه ،بل يحض بعضهم بع ً
ت( )البقرة :من الية ،(148 خي َْرا ِ ْ
قوا ال َ المسابقة ،وقد قال تعالىَ) :فا ْ
ست َب ِ ُ
ماِء
س َ
ض ال ّ َ
ضَها كعَْر ِ جن ّةٍ عَْر ُم وَ َن َرب ّك ُ ْم ْفَرةٍ ِ قوا إ َِلى َ
مغْ ِ ساب ِ ُ
وقال تعالىَ ) :
ض( )الحديد :من الية .(21 َْ
َوالْر ِ
)(57 /
والحسد خلق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير؛
فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ،ويفوز بها دونها ،وتتمنى
ل أن ل َو َفاته كسبها حتى يساويها في العدم؛ كما قال تعالى) :ود ك َِثير م َ
ن أهْ ِ ٌ ِ ْ َ ّ ُ ْ ْ َ ُ
َ ً ً
ما
ن ب َعْد ِ َ
م ْ
م ِ
سهِ ْف ِ
عن ْد ِ أن ْ ُ
ن ِم ْ
سدا ِح َ
فارا َ ُ
مك ّ ُ
مان ِك ْن ب َعْد ِ ِإي َ
م ْ ب ل َوْ ي َُرّدون َك ْ
م ِ ُ ال ْك َِتا ِ
ق( )البقرة :من الية .(109 ح ّم ال ْ َ ن ل َهُ ُ
ت َب َي ّ َ
ن زوالها عن المحسود كما زالت عنه هو، ٍ متم النعمة عدو فالحسود
ن تمامها عليه وعلى من ينافسه؛ فهو ينافس ٍ متم والمنافس مسابق النعمة
غيره أن يعلو عليه ،ويحب لحاقه به أو مجاوزته له في الفضل ،والحسود
يحب انحطاط غيره حتى يساويه في النقصان ،وأكثر النفوس الفاضلة الخيرة
صا من أهل الفضل والسبق تنتفع بالمنافسة؛ فمن جعل نصب عينيه شخ ً
فنافسه انتفع به كثيًرا؛ فإنه يتشبه به ويطلب اللحاق به والتقدم عليه وهذا ل
نذمه«).(3
______________
) (1البخاري ،(5025) :ومسلم.(815) :
) (2كتاب الروح) :ص (533بتصرف يسير.
) (3كتاب الروح) :ص .(534 ،533
حادي عشر :العدل والوسطية والتوازن في العزلة :
جاء في كتاب الله عز وجل ،وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،وفي
47
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
فعل السلف الصالح ما يدل تارة على فضل العزلة وعدم الخلطة بالناس أو
تقليلها ،وورد تارة أخرى ما يدل على النهي عنها ،والحث على الجماعة
والختلط بالناس .ويحسب الناظر في هذه الدلة والمواقف أنها متعارضة؛
ضا لنه من عند الله العليم وحاشا أن يوجد في هذا الدين ما ينقض بعضه بع ً
الحكيم ،المبرأ من الجهل والنقص والهوى .ولكن بالجمع بين هذه الدلة
والمواقف يظهر لنا وسطية هذا الدين وعدله وتوازنه في مسألة العزلة؛
صل في ذلك بحيث حيث لم يأمر بها بإطلق ،ولم ينه عنها بإطلق؛ وإنما ف ّ
يكون الموقف العدل فيها كغيرها من المواقف والسلوكيات :وسط بين
طرفين مذمومين.
الطرف الول :أهل الغلو والفراط :وهم الذين رأوا اعتزال الناس اعتزال ً
كلًيا ،واعتزال ما هم عليه من المنكرات والفساد ،والبعد عن مناسباتهم وعن
قا للبراءة من صا منهم على صيانة دينهم وأخلقهم ،وتحقي ً الختلط بهم حر ً
المنكر وأهله ،وامتثال للنصوص الواردة في فضل العزلة؛ ومنها ما أثنى به ً
ن إ ِلّ دو َ ما ي َعْب ُ ُ
م وَ َموهُ ْ الله عز وجل على أهل الكهف بقوله تعالى) :وَإ ِذِ اعْت ََزل ْت ُ ُ
َ ْ
مرِك ُ ْ
م نأ ْ م ْ
م ِ ئ ل َك ُ ْمت ِهِ وَي ُهَي ّ ْ ح َ
ن َر ْ
م ْ
م ِ شْر ل َك ُ ْ
م َرب ّك ُ ْ ف ي َن ْ ُ ه فَأُووا إ َِلى ال ْك َهْ ِ
الل ّ َ
مْرَفقًا( )الكهف .(16:ولكن هذا أدى بهم إلى ترك الجمع والجماعات وقطع ِ
الرحام ،وترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وفتح المجال للمبطلين
والمفسدين يجولون ويصولون ويفسدون على الناس دينهم وأخلقهم
وأعراضهم بل مجاهدة ول مواجهة .وقد قال صلى الله عليه وسلم) :المؤمن
الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي ل يخالط الناس ول يصبر
على أذاهم().(1
الطرف الثاني :أهل التفريط والضاعة :وهم الذين فرطوا في العزلة
وأفرطوا في الخلطة ،سواء كانت في الخير أو الشر ،ولم يكن لهم خلوات
بربهم وبأنفسهم؛ وهؤلء في العادة يتأثرون بمن حولهم ،ويضعف دينهم
ويداهنون الناس فيما هم عليه من منكرات ومخالفات .وعن مثل هؤلء
وصنيعهم جاء النهي والتنفير ،وجاء الحث على العزلة والتحذير من هذه
الحوال من الخلطة .كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه» :العزلة راحة
من أخلط السوء«) ،(2وكما قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى :-
»من خالط الناس لم يسلم ولم ينج من احدى اثنتين :إما أن يخوض معهم إذا
كرا أو سمعه من جلسائه ،فل خاضوا في الباطل ،وإما أن يسكت إذا رأى من ً
يغير فيأثم ويشركهم فيه«).(3
الوسط العدل المتوازن :وهو الذي لم يجنح إلى الفراط في العزلة ول
التفريط ،وإنما نظر إلى هذه المسألة نظرة متوازنة يلتمس فيها مرضاة الله
عز وجل وما هو المحبوب منها لله تعالى.
وأكتفي بما ذكره شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله تعالى -في وصفه لهذا
المنهج المتوازن؛ حيث يقول رحمه الله تعالى» :فهذه المسألة وإن كان
عا كلًيا ،وإما حالًيا -فحقيقة المر :أن الناس يتنازعون فيها -إما نزا ً
»الخلطة« تارة تكون واجبة أو مستحبة ،والشخص الواحد قد يكون مأموًرا
بالمخالطة تارة ،وبالنفراد تارة.
وجماع ذلك :أن »المخالطة« إن كان فيها تعاون على البر والتقوى فهي
مأمور بها ،وإن كان فيها تعاون على الثم والعدوان فهي منهي عنها،
فالختلط بالمسلمين في جنس العبادات؛ كالصلوات الخمس ،والجمعة،
والعيدين ،وصلة الكسوف ،والستسقاء ،ونحو ذلك هو مما أمر الله به
ورسوله.
48
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وكذلك الختلط بهم في الحج ،وفي غزو الكفار والخوارج المارقين ،وإن كان
أئمة ذلك فجاًرا ،وإن كان في تلك الجماعات فجار ،وكذلك الجتماع الذي
يزداد العبد به إيماًنا؛ إما لنتفاعه به ،وإما لنفعه له ،ونحو ذلك.
)(58 /
ول بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه وذكره وصلته وتفكره،
ومحاسبة نفسه وإصلح قلبه ،وما يختص به من المور التي ل يشركه فيها
غيره؛ فهذه يحتاج فيها إلى انفراده بنفسه ،إما في بيته؛ كما قال طاووس:
نعم صومعة الرجل بيته؛ يكف فيها بصره ولسانه .وإما في غير بيته.
قا خطأ ،وأما مقدار ما قا خطأ ،واختيار النفراد مطل ًفاختيار المخالطة مطل ً
يحتاج إليه كل إنسان من هذا وهذا ،وما هو الصلح له في كل حال؛ فهذا
يحتاج إلى نظر خاص كما تقدم«) (4ا.هـ.
وبنحو ذلك قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى » :-فإذا عرفت فوائد العزلة
وغوائلها تحققت أن الحكم عليها مطلقا ً بالتفضيل نفًيا وإثباًتا خطأ ،بل ينبغي
أن ينظر إلى الشخص وحاله ،وإلى الخليط وحاله ،وإلى الباعث على
مخالطته ،وإلى الفائت بسبب مخالطته من الفوائد ،ويقاس الفائت بالحاصل.
فعند ذلك يتبين الحق ويتضح الفضل«).(5
ولذلك رأينا المام الخطابي -رحمه الله تعالى -بعد أن ساق جملة من
النقولت التي تمدح العزلة وتحسنها استدرك وأفرد في كتابه العزلة باًبا
سماه» :باب في لزوم القصد في حالتي العزلة والخلطة« قال فيه» :قد
انتهى منا الكلم في أمر العزلة إلى حيث شرطنا أن نبلغه ،وأوردنا فيها من
سنا معه الجفاء من حيث أردنا الحتراز منه، الخبار ما خفنا أن نكون قد ح ّ
وليس إلى هذا أجرينا ،ول إياه أردنا؛ فإن الغراق في كل شيء مذموم ،وخير
المور أوسطها ،والحسنة بين السيئتين .وقد عاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم الغراق في عبادة الخالق -عز وعل -والحمل على النفس منها ما
يؤودها ويكلها؛ فما ظنك بما دونها من باب التخلق والتكلف؟«) .(6ا.هـ.
تنبيه:
إن القول بأن العزلة التامة للناس فيها مجانبة للوسطية والعدل ل يعني أنها
ل ُتمدح في بعض الحوال أو المكنة أو الزمنة ،بل قد تكون في بعض
الحوال هي الموقف الحق الوسط العدل.
مّثل لذلك بالحوال التالية: ُ
وأ َ
الحالة الولى :عند فشو المعاصي وانتشارها انتشاًرا واسًعا يتعذر علي بعض
الناس حينها القدرة على النكار ول يوجد المعاون ،ول يوجد المكان الصالح
الذي يهاجر إليه ،فإنه يشرع والحالة هذه لبعض الفراد دون بعض العزلة؛
وذلك حين ل يستطيع الفرد الصبر على رؤيتها ،فيتعجل بإنكارها بصورة
شديدة غير منضبطة ،أو أن المنكرات تعكر صفو حياته ،ويعيش برؤيتها في
هم وحزن ،أو أنه يخاف على نفسه من الوقوع في المعاصي والفواحش
خوًفا ظاهًرا قوًيا .وهذه عزلة مقيدة بأحوال الفراد وليست عزلة مطلقة
لكل إنسان.
الحالة الثانية :أيام الفتن واختلف المسلمين وتفرق كلمتهم واقتتالهم:
وفي هذه الحوال يشرع اعتزال الناس حتى تنجلي الفتنة .ومن أراد لنفسه
السلمة في الدنيا والخرة فليعتزل الناس أيام الفتن بقلبه ولسانه ويده ول
وث نفسه بشيء من كدرها وغبارها؛ وهذا ما وجه الرسول صلى الله عليه ُيل ّ
49
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(59 /
الحالة الثالثة :عند فساد الزمان وفساد الناس ومروج عهودهم وأماناتهم؛
وذلك حين يتعذر الصلح في الناس لختلفهم وتناحرهم ورقة أديانهم؛ أي
حين يطبق النحراف التام العام والغربة الشاملة؛ فحينئذ يشرع للمسلم أن
يعتزل الناس ويعتني بنفسه ،كما يعتني بأمر الخاصة من أصحابه وخلصائه،
ويهتم بصلح شؤونهم ،ويذر أمر العامة .وهذه الحالة إما أن تكون في مكان
دون مكان؛ كما هو الحال في بعض الماكن اليوم ،وإما أن يشمل النحراف
العام كل الرض وتستحكم الغربة والجاهلية فيها كلها؛ وهذا ل يكون إل قرب
قيام الساعة ،والله تعالى أعلم.
وهذا المعنى هو الذي جاء في الحديث الذي رواه عبدالله بن عمرو ابن
العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) :كيف بكم وبزمان -أو
يوشك أن يأتي زمان -يغربل الناس فيه غربلة؛ تبقى حثالة من الناس قد
مرجت عهودهم وأماناتهم ،واختلفوا فكانوا هكذا ،وشبك بين أصابعه .فقالوا:
وكيف بنا يا رسول الله؟ قال :تأخذون ما تعرفون ،وتذرون ما تنكرون،
وتقبلون على أمر خاصتكم ،وتذرون أمر عامتكم().(10
ويعلق صاحب كتاب) :العزلة والخلطة( -حفظه الله تعالى -على هذا
الحديث فيقول» :ومحصل هذه الصفات كلها :أن ل فائدة من المر والنهي
والصلح في مجال العامة وهم الدهماء والجمهور ،وإن ترّأسوا وسادوا ،بل
ربما ترتب على المر والنهي ضرر بأن يتضاعف المنكر ويزداد ،أو ُيؤَذى المر
في نفسه ،أو أهله ،أو ماله.
م فائدة ترجى من الدعوة َ
ولعل هذا هو الضابط العام لتلك الحال :أل يكون ث ّ
50
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
والمر والنهي بين هؤلء المسمين بـ »العامة« ،وفي مقابل التحقق من عدم
النفع ،هناك توقع لحصول الضرر الديني والدنيوي للمر ولغيره .ول شك أن
الصول العامة تقتضي ترك المر والنهي -حينئذ -دفًعا للمفسدة المتوقعة
التي ل توجد مصلحة تكافئها في فضل المر والنهي؛ فيكون الحديث مطرًدا
مع القاعدة العامة في المصلحة والمفسدة«).(11
______________
) (1رواه البخاري في الدب المفرد ،(388) :وصححه اللباني في صحيح
الدب المفرد.(300) :
) (2العزلة والنفراد لبن أبي الدنيا) :ص .(60
) (3المصدر السابق نفسه) :ص .(67
) (4مجموع الفتاوى.(01/425) :
) (5مختصر منهاج القاصدين) :ص .(117
) (6العزلة للخطابي) :ص .(97
) (7مسلم في الفتن ،باب نزول الفتن.(2887) :
) (8مجمع الزوائد.(7/584) :
) (9البخاري في الفتن ،باب التعرب في الفتنة ،ومسلم.(1862) :
) (10أبو داود في الملحم ،(4342) :وابن ماجة في الفتن،(3957) :
وصححه اللباني في صحيح أبي داود.(3648) :
) (11العزلة والخلطة للشيخ سلمان العودة -حفظه الله تعالى ) :-ص .(70
ثاني عشر :الوسطية والعدل والتوازن في الغيرة :
الغيرة بمعناها العام هي الغيرة على دين الله عز وجل ومحارم الله أن
تنتهك .ولكننا هنا نريد الغيرة بمفهومها الخاص؛ أل وهي الغيرة على المحارم
والعراض.
فهي خصلة كريمة من خصال المؤمنين ،ومن سمات الرجولة والقوامة،
والعزة والصالة .ول تفقد إل عند أهل الخسة واللؤم والذلة والمهانة والدياثة.
ولما تعجب الصحابة من غيرة سعد بن عبادة رضي الله عنه قال الرسول
صلى الله عليه وسلم) :أتعجبون من غيرة سعد؟ لنا أغير منه ،والله أغير
مني«).(1
والغيرة المحمودة كغيرها من الخلق وسط بين طرفين مذمومين:
الطرف الول :أهل الفراط والغلو :وهم الذين أفرطوا في غيرتهم على
محارمهم وأعراضهم حتى أوقعهم ذلك في الوساوس والشكوك والخواطر
الرديئة فأتعبوا أنفسهم ،وأتعبوا محارمهم .ومنشأ هذا الغلو :الفراط في
َ
مُنوا
نآ َذي َالظن السيء ،والتجسس والتحسس؛ قال الله تعالىَ) :يا أي َّها ال ّ ِ
سوا) (...الحجرات :من س ُج ّم َول ت َ َ ض الظ ّ ّ
ن إ ِث ْ ٌ ن ب َعْ َ ن الظ ّ ّ
ن إِ ّ جت َن ُِبوا ك َِثيرا ً ِ
م َ ا ْ
الية .(12
الطرف الثاني :أهل التفريط والضاعة :وهم الذين فرطوا في أمانتهم
وقوامتهم وغيرتهم وحميتهم على أعراضهم ومحارمهم ،وضيعوا أماناتهم
ورعيتهم التي استرعاهم الله إياها ،ولم يبالوا بما يفعله نساؤهم ومولياتهم
مما يخدش الحياء ،ويعرضهن لسهام المفسدين ،ويجرأ أهل الشهوات
والقلوب المريضة عليهن .وقد ظهرت في زماننا اليوم صور من ضعف الغيرة
على النساء ،وتسلط النساء وغلبتهن على أوليائهن ،حتى أصبحت المرأة في
بعض البيوت لها القوامة على البيت بما فيه من رجال ونساء ،وصارت المرأة
من زوجة أو بنت أو أخت تذهب إلى السوق وحدها ،وتخلو بأصحاب المحلت،
وتركب مع السائق وحدها ،وتجلس مع الرجال الجانب من أقاربها أو أقارب
51
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الزوج دون حشمة تذكر .كل ذلك يتم أمام ناظري الزوج أو الب أو الخ دون
أن يحرك ذلك عندهم ساكًنا ،أو أن تتحرك الغيرة في قلوبهم .نسأل الله عز
وجل العافية في الدنيا والخرة.
)(60 /
الوسط العدل :وهم الذين حفظوا أماناتهم ورعيتهم التي استرعاهم الله إياها
من أزواج وأخوات وبنات وموليات ،فغاروا عليهن وصانوهن من كل ما
يخدش أعراضهن وحياءهن ،وبذلوا ما في وسعهم من التربية الصالحة لهن،
وأبعدوا عنهن كل ما يفسد عليهن دينهن وأخلقهن .مع إشعارهن بالثقة
وإحسان الظن بهن ،وقطع الطريق على الشيطان وكيده ووسوسته التي
توقع من استرسل معها في الشك والوساوس الرديئة .فهذا دأب الشيطان
مع النسان؛ إن لم يفلح معه في التفريط وقلة الغيرة أتاه من الغلو
والفراط في الغيرة والشك والوساوس الرديئة.
___________
) (1البخاري في الحدود ،(6846) :ومسلم في اللعان.(1499) :
ثالث عشر :التوازن والعدل والوسطية في سلمة القلب :
لقد مدح الله عز وجل نبيه ورسوله إبراهيم عليه الصلة والسلم بقوله) :إ ِذ ْ
م( )الصافات ،(84:وبين أنه لن ينجو من عذاب الله تعالى سِلي ٍ
ب َ قل ْ ٍ
ه بِ َ
جاَء َرب ّ ُ َ
ن أَتى َ م لّ إ ن نوب ول ٌ
ل ما ع َ فني ل م و ي ) سليم بقلب الله أتى من إل القيامة يوم
َ َُ َ ِ َ ْ َْ ُ َ َ ْ َ
م( )الشعراء.(89 ،88: سِلي ٍ
ب َ قل ْ ٍ الل ّ َ
ه بِ َ
والقلب السليم هو الذي سّلمه الله تعالى ،من كل شبهة تعارض خبر الله
تعالى ومن كل شهوة تعارض أمره سبحانه .ومن ذلك ما اشتهر عند الناس
أن صاحب القلب السليم هو الذي علم الشر واجتنبه وسلم الناس من شره،
ولكن هذا العمل القلبي النظيف يكتنفه طرفان مذمومان:
الطرف الول :الفراط أو الغلو في سلمة القلب حتى ينقلب إلى بله وغفلة
وانخداع لهل الخداع ،وقلة معرفة بالشر وأهله.
الطرف الثاني :التفريط والجفاء في التحلي بهذا الخلق الرفيع حتى يصبح
القلب مأوىً للشبهات والشهوات والخداع والحقاد وإرادة الشر والمكروه
بالغير.
الوسط والعدل :وهو الذي من الله عليه بقلب سليم مطمئن يحرق ما يرد
ها ول غدًرا ول خيانة دا ول مكرو ً عليه من الشبهات والشهوات ،ول يحمل حق ً
لمسلم .في الوقت الذي هو فيه يقظ لخداع الخادعين ،عارف بالشر وأهله،
حذر منهم ومن كيدهم.
ويفرق المام ابن القيم -رحمه الله تعالى -بين سلمة القلب والبله والتغفل
فيقول» :والفرق بين سلمة القلب والب َُله والتغفل :أن سلمة القلب تكون
من عدم إرادة الشر بعد معرفته فيسلم قلبه من إرادته وقصده ل من
معرفته والعلم به.
وهذا بخلف البله والغفلة؛ فإنها جهل وقلة معرفة ،وهذا ل يحمد إذ هو نقص،
وإنما يحمد الناس من هو كذلك لسلمتهم منه .والكمال أن يكون القلب
ما من إرادته. عارًفا بتفاصيل الشر سلي ً
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه ) :-لست بخب ول يخدعني الخب(،
ع
ف ُ م ل ي َن ْ َوكان عمر أعقل من أن ُيخدع وأورع من أن يخدع ،وقال تعالى) :ي َوْ َ
ل ول بنون إّل م َ
م(؛ فهذا هو السليم من الفات التي سِلي ٍ
ب َقل ْ ٍ ن أَتى الل ّ َ
ه بِ َ ما ٌ َ َ ُ َ ِ َ ْ َ
52
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
تعتري القلوب المريضة من مرض الشبهة التي توجب اتباع الظن ،ومرض
الشهوة التي توجب اتباع ما تهوى النفس ،فالقلب السليم الذي سلم من
هذا وهذا«).(1
_____________
) (1كتاب الروح) :ص .(517
رابع عشر :التوازن والعدل والوسطية في الحياء :
خل ُقٌ يبعث على ترك القبائح ،ويمنع من التفريط الحياء خير كله ،وحقيقتهُ :
في حق صاحب الحق) .(1ولما مر الرسول صلى الله عليه وسلم برجل وهو
يعظ أخاه في الحياء قال) :دعه؛ فإن الحياء من اليمان() ،(2وقال) :الحياء ل
يأتي إل بخير()) ،(3وكان صلى الله عليه وسلم أشد حياًء من العذراء في
خدرها ،فإذا رأى شيًئا يكرهه عرفناه في وجهه() .(4ومع حسن هذا الخلق،
إل أنه كغيره من الخلق الحميدة يكتنفه طرفان مذمومان وهو وسط بينهما.
الطرف الول :أهل الفراط والغلو الذين وصل بهم الغراق في الحياء إلى
العجز والمهانة والجهل ،والتفويت على النفس مصالحها الدنيوية والخروية،
ومن آثار ذلك الرضى بالدون والبقاء في مؤخرة الركب ،والتبعية للغير،
وتضييع الحقوق.
الطرف الثاني :أهل التفريط والضاعة :وهم الذين قل حياؤهم وتجرأوا على
فعل ما يعاب وفعل ما يقبح؛ دون حياء من الله عز وجل ،ول من الناس ،ولم
يبالوا فيما يقولونه أو يفعلونه مروءة ول آداًبا ،ول صغيًرا ول كبيًرا.
الوسط العدل :وهم الذين قاموا بهذا الخلق الرفيع كما جاء عن النبي صلى
ل ،فاستحيوا من الله تعالى بحفظ حقوقه وحدوده، الله عليه وسلم قول ً وفع ً
واستحيوا من الناس؛ فلم يفعلوا أو يقولوا ما يعابون به من قول أو عمل
يخل بالداب أو المروءات .كما أنهم مع ذلك لم يمنعهم الحياء من السعي في
مصالحهم الدينية والدنيوية والصدع بالحق ،والسؤال عما أشكل عليهم في
دينهم ودنياهم.
)(61 /
يقول المام ابن القيم -رحمه الله تعالى » :-فإن النفس متى انحرفت عن
التوسط انحرفت إلى أحد الخلقين الذميمين ول بد ...وإذا انحرفت عن خلق
الحياء انحرفت إما إلى قحة وجرأة ،وإما إلى عجز وخور ومهانة؛ بحيث يطمع
في نفسه عدوه ،ويفوته كثير من مصالحه؛ ويزعم أن الحامل على ذلك
الحياء .وإنما هو المهانة والعجز وموت النفس«).(5
____________
) (1انظر مدارج السالكين (2/601) :ط .دار طيبة.
) (2البخاري ،(24) :ومسلم.(36) :
) (3البخاري ،(6117) :ومسلم.(37) :
) (4البخاري ،(6119) :ومسلم.(2320) :
) (5مدارج السالكين (77 ،3/76) :ط .دار طيبة.
خامس عشر :الوسطية والعدل والتوازن في الخذ بالقواعد الشرعية:
استنبط الفقهاء من الكتاب والسنة قواعد شرعية يحاكمون إليها ما يجد في
حياة الناس من أقضية وأحداث ونوازل ،ليصلوا بذلك إلى الحكم الشرعي
المنطلق من هذه القواعد ومقاصد الشريعة .ومع ذلك فقد تجرأ على هذه
القواعد وخاض فيها من ليس من أهل العلم والجتهاد المؤهلين للفتيا وبيان
53
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
54
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
نحن بصددها وذكرا المفاسد الكثيرة التي يؤول إليها هذا المر .وبناًء على
مبدأ سد الذريعة حرما قيادة المرأة للسيارة.
)(62 /
أهل الموقف الوسط العدل المتوازن :وهم الذين تناولوا هذه القاعدة بتوازن
ووسطية؛ فلم يلغوها من العتبار كما فعل المفّرطون ،ولم يغلوا فيها حتى
رطون .بل أوقعوها في مكانها ف ِ ضيقوا من الدين ما هو موسًعا كما فعل الم ْ
اللئق بها .فمتى ما غلب على الظن أن الفعل المباح يؤول إلى مفاسد
محرمة حرموه بناء على هذه القاعدة والتي ذكر لها المام ابن القيم -رحمه
الله تعالى -تسعة وتسعين مثال ً من الكتاب والسنة .ومتى ما غلب على
الظن أن فعل ذلك ل يؤول إلى أمور محرمة لم يحرموه بناء على أن شروط
تطبيق هذه القاعدة لم تتوفر .وأسوق فيما يلي فتوى للصحابي الجليل ابن
عباس رضي الله عنهما حبر المة وترجمان القرآن تدل على العناية بهذه
القاعدة والفقه العظيم في تطبيقها.
نقل القرطبي -رحمه الله -في تفسيره قال» :روى يزيد بن هارون قال:
أخبرنا أبو مالك الشجعي عن سعد بن عبيدة قال :جاء رجل إلى ابن عباس
دا توبة؟ قال :ل ،إل النار ،قال: رضي الله عنهما فقال :ألمن قتل مؤمًنا متعم ً
فلما ذهب .قال له جلساؤه :أهكذا كنت تفتينا؟ كنت تفتينا أن لمن قتل توبة
مقبولة ،قال :إني لحسبه رجل ً مغضًبا يريد أن يقتل مؤمًنا .قال :فبعثوا في
أثره فوجدوه كذلك).(5
______________
) (1انظر تفصيل بعض هذه القواعد وضوابطها في كتاب )فاستقم كما
أمرت( للمؤلف) :ص .(292-252
) (2مجموع الفتاوى.(3/359) :
) (3اعلم الموقعين.(3/159) :
) (4انظر هذه الوجوه في إعلم الموقعين.(159-3/137) :
) (5تفسير القرطبي.(5/333) :
سادس عشر :التوازن والعدل والتوسط في عداء الكفار والتعامل معهم:
م ن وَل َ ْ دي ِ م ِفي ال ّ قات ُِلوك ُ ْ م يُ َ ن لَ ْ ذي َن ال ّ ِ ه عَ ِ م الل ّ ُ قال الله تعالى) :ل ي َن َْهاك ُ ُ
خرجوك ُم من ديارك ُ َ
ن
طي َ س ِ ق ِ م ْب ال ْ ُ ح ّ ه يُ ِ ن الل ّ َ م إِ ّ طوا إ ِل َي ْهِ ْ س ُ ق ِ م وَت ُ ْن ت َب َّروهُ ْ مأ ْ ْ ْ ِ ْ َِ يُ ْ ُ
ظاهَُروا م وَ َ ن دَِيارِك ُْ م م ُ ك جو ر إنما ِ ينهاك ُم الل ّه عَ ِن ال ّذين َقاتُلوك ُم في الدين وأ َْ
خ
ْ ِ ْ ّ ِ َ َ ُ ْ ِ
م ومن يتول ّهم فَ ُ
َ ِ َ َُ ِ ِّ َ َْ َ ُ
ن( )الممتحنة،8: ِ ُ َمو لظا ّ ال م
ُ ُ ه كَ ِ ئَ لأو خَرا ِ ْ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ
ه وّ ل و ت ن أ م ُ ك ج عََلى إ ِ ْ
َ
ط َول س ِ ق ْ داَء ِبال ْ ِ شهَ َ ن ل ِل ّهِ ُ مي َ وا ِ كوُنوا قَ ّ مُنوا ُ نآ َ ذي َ ،(9وقال عز وجلَ) :يا أي َّها ال ّ ِ
َ َ
ن
ه إِ ّ قوا الل ّ َ وى َوات ّ ُ ق َب ِللت ّ ْ ن قَوْم ٍ عََلى أّل ت َعْدُِلوا اعْدُِلوا هُوَ أقَْر ُ شَنآ ُ م َ من ّك ُ ْ جرِ َ يَ ْ
ن( )المائدة ،(8:ومع وضوح هذا المنهج الرباني في ملو َ ُ ما ت َعْ َ خِبيٌر ب ِ َ ه َ ّ
الل َ
العلقة مع الكفار حسب أحوالهم إل أن الخلل والتطرف قد تطرق لهذا
النمط من العلقات عند كثير من الناس ،وأصبح الناس فيها طرفان ووسط:
الطرف الول :أهل الغو والفراط في عداء الكفار؛ حيث أدى بهم ذلك إلى
مجانبة العدل والقسط معهم وبخاصة المسالم منهم .وفي اليات السابقة
أمر بالعدل والقسط مع الكفار ،والبر بهم وبخاصة إذا كانوا أقارب وأرحام ما
داموا ليسوا حربيين.
قال المام ابن كثير -رحمه الله تعالى -في تفسير آية الممتحنة» :وقوله
ن
م ْ م ِ جوك ُ ْ خرِ ُ م يُ ْ ن وَل َ ْ دي ِ م ِفي ال ّ قات ُِلوك ُ ْ م يُ َ ن لَ ْذي َ ن ال ّ ِ ه عَ ِ م الل ّ ُ تعالى) :ل ي َن َْهاك ُ ُ
55
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
م( ،أي ل ينهاكم عن الحسان إلى الكفرة الذين ل يقاتلونكم في الدين؛ دَِيارِك ُ ْ
َ
طوا إ ِل َي ْهِ ْ
م(، س ُق ِ
م( ،أي تحسنوا إليهم )وَت ُ ْ ن ت َب َّروهُ ْ كالنساء والضعفة منهم) ،أ ْ
ن(.طي َ س ِ ق ِ م ْب ال ْ ُ ح ّ ن الل ّ َ
ه يُ ِ أي :تعدلوا )إ ِ ّ
قال المام أحمد :حدثنا أبو معاوية ،حدثنا هشام بن عروة ،عن فاطمة بنت
مت أمي المنذر ،عن أسماء -هي بنت أبي بكر -رضي الله عنهما -قالت :قَد َ َ
ت النبي صلى الله عليه وسلم وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا ،فأتي ُ
ْ
صلي فقلت :يا رسول الله ،إن أمي قدمت وهي راغبة ،أفاصلها؟ قال) :نعمِ ،
أمك(؛ أخرجاه).(1
وقال المام أحمد :حدثنا عارم ،حدثنا عبدالله بن المبارك ،حدثنا مصعب بن
ثابت ،حدثنا عامر بن عبدالله بن الزبير ،عن أبيه قال :قدمت قَُتيلة على ابنتها
صَناب وأقط وسمن ،وهي مشركة ،فأبت أسماء أسماء ابنة أبي بكر بهداياِ :
أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها ،فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم
ن( إلى دي ِ
م ِفي ال ّ قات ُِلوك ُ ْ ن لَ ْ
م يُ َ ن ال ّ ِ
ذي َ ه عَ ِ م الل ّ ُ فأنزل الله عز وجل) :ل ي َن َْهاك ُ ُ
آخر الية ،فأمرها أن تقبل هديتها ،وأن تدخلها بيتها).(3)«(2
رطين إلى أن يعدوا التعامل مع الكافر ف ِوقد تصل الحال عند هؤلء الم ْ
المسالم بتجارة ،أو بيع أو شراء ،أو علم دنيوي ضروري ،أو نحو ذلك من
المعاملت إنما هو ضرب من ضروب الموالة المحرمة للكافر ،وأن عداوته
وبغضه والبراءة منه تقتضي قطع أي صلة أو تعامل معه.
وقد سبقت الشارة إلى هذا الموقف الخاطئ في مبحث الوسطية في الولء
والبراء).(4
)(63 /
56
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َ
ن( )المائدة.(8: مُلو َ
ما ت َعْ َ
خِبيٌر ب ِ َه َن الل ّ َ قوا الل ّ َ
ه إِ ّ وى َوات ّ ُ ق َ ب ِللت ّ ْ اعْدُِلوا هُوَ أقَْر ُ
ومن تطبيقات هذا المنهج الرباني العادل في حياة الصحابة رضي الله عنهم
ومن بعدهم ما يلي:
لما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة رضي الله عنه
على أهل خيبر يخرص عليهم ثمارهم وزروعهم ،أرادوا أن يرشوه ليرفق بهم
ي من أعدادكم ي ،ولنتم أبغض إل ّ فقال» :والله لقد جئتكم من أحب الخلق إل ّ
من القردة والخنازير ،وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن ل أعدل
فيكم .فقالوا :بهذا قامت السموات والرض«).(5
لما جمع هرقل للمسلمين الجموع ،وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة
اليرموك ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج وقالوا شغلنا
عن نصرتكم والدفع عنكم ،فأنتم على أمركم ،فقال أهل حمصَ :لوليتكم
وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم ،ولندفعن جند هرقل عن
المدينة مع عاملكم .ونهض اليهود فقالوا :والتوراة ل يدخل عامل هرقل مدينة
حمص إل أن نغلب ونجهد .فأغلقوا البواب وحرسوها ،وكذلك فعل أهل
المدن التي صولحت من النصارى واليهود ،وقالوا :إن ظهر الروم وأتباعهم
على المسلمين صرنا إلى ما كنا عليه ،وإل فإنا على أمرنا ما بقي للمسلمين
عدد .فلما هزم الله الكفرة وأظهر المسلمين فتحوا مدنهم وأخرجوا
المفلسين فلعبوا وأدوا الخراج.
ك ال ْي َُهود ُ َول ضى عَن ْ َ ن ت َْر َفهؤلء اليهود والنصارى الذين قال الله عنهم) :وَل َ ْ
م( )البقرة :من الية (120يقولون للمسلمين الذين مل ّت َهُ ْحّتى ت َت ّب ِعَ ِصاَرى َالن ّ َ
عدلوا فيهم) :لوليتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم (...
وهل فوق هذا النصر من نصر).(6
وُيذكر أن عمر بن عبدالعزيز كتب إلى واليه على البصرة عدي بن أرطأة
من قَِبلك من يوصيه ،ونقتطف من رسالته بعض المقاطع؛ يقول» :ثم انظر َ
جر عليه أهل الذمة ،قد كبرت سنه ،وضعفت قوته ،وولت عنه المكاسب ،فأ ْ
من بيت مال المسلمين ما يصلحه ..وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر
رضي الله عنه مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس فقال :ما
أنصفناك ،أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ،ثم ضيعناك في كبرك ،قال:
ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه«).(7
ويذكر في مواقف ابن تيمية السامية في النصاف حتى مع غير المسلمين أنه
حين سعى بإطلق سراح أسرى المسلمين من التتار ،وعلم أنهم لن يطلقوا
معهم أسرى أهل الذمة ،أصر على إطلق الجميع مًعا وقال» :بل جميع من
معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا؛ فإنا نفكهم ،ول ندع أسيًرا ل
من أهل الملة ول من أهل الذمة«).(8
_____________
) (1البخاري ،(2620) :ومسلم.(1003) :
) (2المسند ،(4/4) :والحاكم (2/485) :وصححه ووافقه الذهبي.
) (3تفسير ابن كثير عند الية ) (9من سورة الممتحنة.
) (4انظر) :ص (105من هذا الكتاب.
) (5تفسير ابن كثير (2/412) :وروى بعضه المام أحمد ،(3/367) :وأبو
داود ،(3410) :وقال اللباني في صحيح أبي داود :حسن صحيح.(2910) :
) (6انظر كتاب الجهاد في سبيل الله ،عبدالله القادري.(2/143) :
) (7أحكام أهل الذمة لبن القيم ،(1/38) :ت :صبحي الصالح.
57
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(64 /
) (8حياة شيخ السلم ،للشيخ محمد بهجت البيطار) :ص .(15
سابع عشر :التوازن والعدل والوسطية في التخطيط والتنظيم :
إن كل مشروع من مشاريع الدنيا والدين يحتاج ليتم تنفيذه إلى دراسة
وتخطيط وتحديد للهداف والوسائل ،ثم يتبع ذلك توزيع للمهمات والولويات
والدوار ،وتنظيم العمال التي من شأنها تحويل الخطط والدراسات النظرية
إلى واقع وعمل .وهذا كله يدخل في الخذ بالسباب وبذل الوسع في ذلك؛
لن من سنة الله سبحانه أن رتب المسببات على أسبابها ،والنتائج على
مقدماتها ،والهداف على وسائلها؛ وكل ذلك خاضع لمسبب السباب سبحانه
ومشيئته النافذة ،ومع أهمية التخطيط والتنظيم لي فكرة أو مشروع
إسلمي دعوي فإن الناس منقسمون فيها إلى طرفين ووسط.
الطرف الول :أهل الغلو والفراط :وهم الذين غلوا ،وأغرقوا في التنظير
والتخطيط حتى تمر اليام والشهور بل والسنوات وهم ما زالوا في
جل ً ويؤخرون أخرى؛ ل تراهم إل مترددين تخطيطهم ودراساتهم يقدمون رِ ْ
رطين في أخذ الحيطة والحذر ،مفوتين ف ِ
خائفين من القدام على العمل م ْ
عليهم الفرص الكثيرة تمر عليهم دون أن يستثمروها ،مبررين عملهم هذا
بالتثبت والتأني والحكمة) .ارجع إلى مبحث التوازن والعدل في الحلم والناة(
).(1
ثم إذا قدر لهؤلء أن ينتقلوا من التخطيط إلى التنفيذ والعمل فإنهم يغلون
في تنظيم هذا العمل ويفرطون في وضع الترتيبات الدارية والتنظيمية
الدقيقة التي تعرقل العمل ،ول تمنح للفرد أن يستخدم عقله وطاقته ،وإنما
يبقى رهين أطر تنظيمية ومركزية تقيد العمال وتجعلها تراوح في مكانها إن
لم تتراجع .كما أن الفراط والغلو في التنظيم والترتيب قد يوقع أهله -
وبخاصة أصحاب المشاريع الدعوية الجماعية -في حزبيات مقيتة وولءات
ملوثة؛ بحيث يصبح عند أهل التنظيم الواحد تحزب وتعصب لبعضهم يوالي
ضا؛ ويعادون أو ينابذون من سواهم من ضا ،ويناصر بعضهم بع ًبعضهم بع ً
الطوائف السلمية؛ ل على أساس السلم ،وإنما على أساس الحزب أو
التنظيم؛ وهذا غلو وتطرف.
الطرف الثاني :أهل الفراط والضاعة :وهم الذين أهملوا الخذ بالسباب
فأهملوا التخطيط والدراسة المتأتية التي تسبق العمل والتنفيذ ،فقامت
مشاريعهم على الفوضى والتخبط ،فكانت النتيجة المترتبة على ذلك ضياع
الوقات والموال والعمال؛ إن لم يكن أكثر من ذلك من المفاسد العظيمة
والشرور الجسيمة .وهذا الطرف يقابل الطرف السابق أو هو ردة فعل له.
وكما أنهم أهملوا وفرطوا في الدراسة والتخطيط فكذلك أهملوا الخذ
بوسائل التنظيم والترتيب .فجاءت أمورهم نتاج أعمال فوضوية ،وتصرفات
فردية تفتقد الشورى والروح الجماعية .بل واتهموا أي عمل منظم مدروس
بأنه عمل حزبي بدعي.
الوسط العدل المتوازن :وهم الذين اقتفوا أثر النبي صلى الله عليه وسلم
وخلفائه الراشدين الذين أخذو بالسباب والسنن اللهية ،فقامت أمور الدعوة
والجهاد والمال عندهم على الدراسة والتخطيط ،وحولوا ذلك إلى عمل مثمر
مرتب يحكمه التنظيم وتوزيع الدوار وتفعيل الطاقات ،دون عرقلة للعمل ول
فوضى وفردية .إذن فأهل هذا الموقف لم تشغلهم الدراسة والتخطيط عن
العمل والتنظيم ،وتفعيل الطاقات والدوار ،ولم تنطلق أعمالهم وتنظيمهم
58
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
دون دراسة وتخطيط ،ولم يجعلوا أطرهم التنظيمية حجر عثرة لعمال دعوية
وخيرية ،أو تعطيل ً للطاقات ،أو حزبية مقيتة تلوث عقيدة الحب في الله
والبغض في الله.
_____________
) (1ص ).(171-169
ثامن عشر :التوازن في تقويم العمال الدعوية والجهادية :
التقويم :كلمة تحتمل معنيين كلهما مقصود :التقويم بمعنى النقد وبيان قيمة
الشيء ،والتقويم بمعنى التعديل والتوجيه .وهما أمران متلزمان يكمل
ومون الحركات الدعوية والجهادية في المة اليوم أحدهما الخر) ،(1والذين يق ّ
طرفان ووسط:
الطرف الول :أهل الفراط والغلو في المدح والثناء :وهم الذين يعرضون
هذه الدعوة أو تلك على أنها الدعوة المثالية وأنها امتداد لدعوة الرسول
صلى الله عليه وسلم .وتضطرهم هذه النظرة الغالية إلى تبرير للمواقف
فا ،حتى لكأنهم يعتقدون العصمة في القائمين عليها، والخطاء تبريًرا متكل ً
كما يدفعهم ذلك إلى النظر في اجتهادات هذه الدعوة أو تلك على أنها المل
الوحيد لنهضة السلم والمسلمين .وهذا بدوره يجعلهم ينظرون لغيرهم من
الدعوات نظر الدونية وضعف الفهم والوعي والتربية والتخطيط.
الطرف الثاني :أهل الغلو والفراط في النقد والتقويم :وهم الذين ينظرون
إلى الدعوات الصلحية والحركات الجهادية نظرة تشاؤم وتحامل؛ فل يرون
إل العيوب ،فإن علموا شًرا أذاعوه وضخموه وإن علموا خيًرا كتموه أو أولوه
أو أساءوا الظن بفاعليه.
ي وما سمعوا من صالح دفنوا ً
إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحا ... ...عن ّ
ول تغل في شيء من المر واقتصد ... ...كل طرفي قصد المور ذميم)(2
وأهل هذا الطرف يقابلون الطرف الول.
)(65 /
أهل الموقف الوسط العدل :وهم الذين تناولوا تقويم هذه الدعوات ودراستها
دراسة عادلة متوازنة بعيدة عن الفراط في التفاؤل أو التشاؤم ،وبعيدة عن
الفراط في الحب أو الكره ،وذكروا ما لهذه الدعوات من خير كثير وبلء
عظيم وأثر كبير في المة ،مع القرار بالخطاء والعثرات والستفادة منها في
تجنبها ومناصحة أهلها.
_____________
) (1مقالت في المنهج) :ص .(90
) (2المصدر السابق) :ص (90وما بعدها.
تاسع عشر :الوسطية والعدل والتوزان في نقد المخالف ومعالجة الخطاء:
هذا المبحث في هذه الرسالة من أهم مباحثها وأطولها؛ وذلك لمساسه
بالواقع ،وما نعاني فيه من فرقة ومنابذة أفرزهما المنهج الخاطئ في النقد
ومعالجة الخطاء والجور مع المخالف؛ في وقت نحن في أمس الحاجة إلى
الئتلف والوحدة والجتماع ،ل إلى الفرقة والختلف ،كما أننا في حاجة إلى
ضا ،وأن يشفق بعضنا على بعض ،وأن نتعاون فيما اتفقنا أن يرحم بعضنا بع ً
ضا فيما اختلفنا فيه .وإن كان المر مما يسعه الجتهاد
عليه ،ويناصح بعضنا بع ً
ضا فيه.عذر بعضنا بع ً
يقول شيخ السلم -رحمه الله تعالى » :-العتصام بالجماعة والئتلف من
59
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
أصول الدين .والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية فكيف يقدح في الصل
لحفظ الفرع«).(1
ونظًرا لهمية هذا المر ومسيس الحاجة إلى طرحه ومداولته بين الدعاة
فسوف أطيل النفس فيه -إن شاء الله تعالى -محاول ً تغطيته من جوانبه
المختلفة بإذن الله تعالى ،فأرجو من القارئ الكريم أن يتحمل هذه الطالة
التي سأسعى إلى أن ل تكون مملة.
ومن أهم البواعث على التطويل في هذا الموضوع ما يلي:
» -1قلة الفقه بأنواع الخلف ،وما يسوغ منه وما ل يسوغ ،وما ينكر منه ،وما
يسكت عليه ،أو ينصح فيه ،وعدم التمييز بين الخلف في الصول أو الفروع،
واعتبار أصنافه كلها بمنزلة خلف الصول؛ كل ذلك أدى إلى كثير من الظلم
والجحاف والفرقة والختلف ،فكان ل بد من عودة إلى ذلك الفقه الذي
ينصف المخالفين ليعودوا مؤتلفين.
-2العصبية التي أهدرت الوقات وأضاعت الجهود انحياًزا إلى مذهب أو إمام
أو رأي فأورثت الفرقة والتباغض ،وكان ل بد من تخفيف حدة العصبيات
بالنصاف ،ولًء للحق وتطييًبا لقلوب المخالفين.
-3عموم الجحاف في تقويم الرجال والجماعات والكتب بسبب تعظيم
الهفوات ،وغياب الميزان العدل ،وعدم اعتبار غلبة المحاسن ،ولعدم التعامل
بالحترام اللئق مع المخالف ،وبسبب التجريح الظالم لهواء نفسية أو
مت صور الظلم والتنافر لمبالغة في تصوير المساوئ ،بسبب كل ذلك ع ّ
فكان ل بد من ضوابط للتقويم تحقق النصاف وتشيع روح اللفة.
-4افتقاد كثير من المختلفين للموازنة بين المصالح والمفاسد في التعامل
مع المخالفين ،وعدم الخبرة بالساليب الحكيمة في الدعوة ،وفي المر
والنهي؛ أدى إلى تظالم وتقاطع .فرأينا أن العودة إلى منهج أهل السنة
تنصف المخالفين وتزيل القطيعة.
-5رجوع كثير من أسباب تظالم المختلفين إلى عدم إعذار المخالف بجهله،
أو اجتهاده ،وتأوله ،أو قيام الشبهة لديه ،وعدم قيام الحجة عليه مما أدى إلى
تأثيم المخالف ،والحكم بضلله -وقد يكون ممن يعذره الله -فكان ل بد من
إنصاف المخالفين بإعذار صاحب العذر منهم ،مع مناصحته فيما أخطأ فيه،
فهذا أعدل وأدعى إلى التآلف«).(2
والموضوع من الهمية بحيث ل يستكثر الكلم فيه .أسأل الله عز وجل أن
يعينني على هذا المر ،وأن يجعل فيه باًبا إلى الصلح ،واجتماع القلوب،
وتوفير الجهود على نشر هذا الدين والتصدي لكيد العداء والمفسدين
وتسلطهم.
يقول شيخ السلم -رحمه الله تعالى » :-وهذا التفريق الذي حصل من
المة :علمائها ومشائخها ،وأمرائها وكبرائها ،هو الذي أوجب تسلط العداء
عليها؛ وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله ...فمتى ترك الناس بعض ما
أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء ،وإذا تفرق القوم فسدوا
وهلكوا ،وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب«)
.(3
وقبل الدخول في تفصيل الموقف العدل المتوازن في نقد الخطاء والموقف
من المخالف يحسن التقدمة لذلك بمقدمتين هامتين:
المقدمة الولى :في أنواع الخلف المحمود منه والمذموم وأسبابه.
المقدمة الثانية :ضوابط شرعية في الرد على المخالف.
_____________
60
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(66 /
61
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
من وقوعهما في المة ،وكان يحذر أمته لينجو منه من شاء الله له السلمة،
كما روى الن ّّزال بين سبرة ،عن عبدالله بن مسعود قال» :سمعت رجل ً قرأ
آية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلفها ،فأخذت بيده ،فانطلقت
به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ،فعرفت في وجهه الكراهية،
وقال) :كلكما محسن ،ول تختلفوا؛ فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا( رواه
مسلم).(4
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الختلف الذي فيه جحد كل واحد من
المختلفين ما مع الخر من الحق؛ لن كل القارئين كان محسًنا فيما قرأه،
وعلل ذلك بأن من كان قبلنا اختلفوا فهلكوا ...فأفاد ذلك بشيئين:
أحدهما :تحريم الختلف في مثل هذا.
والثاني :العتبار بمن كان قبلنا ،والحذر من مشابهتهم.
واعلم أن أكثر الختلف بين المة الذي يورث الهواء تجده من هذا الضرب؛
وهو :أن يكون كل واحد من المختلفين مصيًبا فيما يثبته ،أو في بعضه ،مخطًئا
في نفي ما عليه الخر ،كما أن القارئين كل منهما كان مصيبا ً في القراءة
بالحرف الذي علمه ،مخطًئا في نفي حرف غيره؛ فإن أكثر الجهل إنما يقع
في النفي الذي هو الجحود والتكذيب ،ل في الثبات؛ لن إحاطة النسان بما
يثبته أيسر من إحاطته بما ينفيه .ولهذا نهيت هذه المة أن تضرب آيات الله
بعضها ببعض؛ لن مضمون الضرب :اليمان بإحدى اليتين ،والكفر بالخرى -
إذا اعتقد أن بينهما تضاًدا -إذ الضدان ل يجتمعان ...والختلف)*( على ما
ذكره الله في القرآن قسمان:
)(67 /
ن إ ِّل
في َ خت َل ِ ِ
م ْن ُ أحدهما :يذم الطائفتين جميًعا ،كما في قوله تعالىَ) :ول ي ََزاُلو َ
ك( )هود :من اليتين .(119 ،118فجعل أهل الرحمة مستثنين م َرب ّ َ ح َ
ن َر ِ م ْ َ
ن ْ ْ ه ن َّز َ ّ َ َ َ
حقّ وَإ ِ ّ ب ِبال َ ل الك َِتا َ َ ل ال ن
ّ أِ ب ك ِ ل ذ ) تعالى: قوله وكذلك الختلف، من
ما
د( )البقرة ،(176:وكذلك قوله) :وَ َ ق ب َِعي ٍ قا ٍ ش َفي ِ ب لَ ِفوا ِفي ال ْك َِتا ِ خت َل َ ُ
نا ْ ذي َ ال ّ ِ
ُ
م( )آل عمران: م ب َْغيا ً ب َي ْن َهُ ْ م ال ْعِل ْ ُ جاَءهُ ُ ما َ ن ب َعْد ِ َ ب إ ِّل ِ
م ْ ن أوُتوا ال ْك َِتا َذي َ ف ال ّ ِ خت َل َ َ ا ْ
م
جاَءهُ ُ ما َ ن ب َعْد ِ َم ْ فوا ِ َ
خت َل ُفّرقوا َوا ْ ُ ن تَ َ ذي َ ّ َ ُ
من الية ،(19وقولهَ) :ول ت َكوُنوا كال ِ
ت( )آل عمران :من الية .(105 ال ْب َي َّنا ُ
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما وصف أن المة تفترق على ثلث
وسبعين فرقة قال )كلها في النار إل واحدة وهي الجماعة() (5وفي الرواية
الخرى) :من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي().(6
ن أن عامة المختلفين هالكون من الجانبين ،إل فرقة واحدة ،وهم أهل فبي ّ َ
السّنة والجماعة.
وهذا الختلف المذموم من الطرفين يكون سببه تارة :فساد النية؛ لما في
النفوس من البغي والحسد ،وإرادة العلو في الرض ،ونحو ذلك؛ فيحب لذلك
ذم قول غيرها ،أو فعله ،أو غلبته ليتميز عليه ،أو يحب قول من يوافقه في
نسب أو مذهب أو بلد أو صداقة ،ونحو ذلك؛ لما في قيام قوله من حصول
الشرف له والرئاسة ،وما أكثر هذا من بني آدم ،وهذا ظلم.
ويكون سببه تارة :جهل المختلفين بحقيقة المر الذي يتنازعان فيه ،أو الجهل
بالدليل الذي يرشد به أحدهما الخر ،أو جهل أحدهما بما مع الخر من الحق
ما ما بما مع نفسه من الحق حك ً في الحكم ،أو في الدليل ،وإن كان عال ً
ودلي ً
ل.
62
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ن
كا َ ه َن إ ِن ّ ُ
سا ُمل ََها اْل ِن ْ َح َ
والجهل والظلم هما كل شر؛ كما قال سبحانه) :وَ َ
ل( )الحزاب :من الية .(72 جُهو ً ظ َُلوما ً َ
أما أنواعه :فهو في الصل قسمان:
اختلف تنوع ،واختلف تضاد.
واختلف التنوع على وجوه:
عا؛ كما في قا مشرو ً منه :ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين ح ً
القراءات التي اختلف فيها الصحابة ،حتى زجرهم عن الختلف رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،وقال) :كلكما محسن().(7
ومثله اختلف النواع في صفة الذان ،والقامة ،والستفتاح ،والتشهدات،
وصلة الخوف ،وتكبيرات العيد ،وتكبيرات الجنازة ،إلى غير ذلك مما قد شرع
جميعه ،وإن كان قد يقال :إن بعض أنواعه أفضل.
ثم نجد لكثير من المة في ذلك من الختلف ما أوجب اقتتال طوائف منهم
على شفع القامة وإيتارها ،ونحو ذلك؛ وهذا عين المحرم .ومن لم يبلغ هذا
المبلغ فتجد كثيًرا منهم في قلبه من الهوى لحد هذه النواع والعراض عن
الخر ،أو النهي عنه ،ما دخل به فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنه :ما يكون كل من القولين هو في معنى القول الخر؛ لكن العبارتين
مختلفتان ،كما قد يختلف كثير من الناس في ألفاظ الحدود ،وصيغ الدلة،
والتعبير عن المسميات ،وتقسيم الحكام ،وغير ذلك .ثم الجهل أو الظلم
يحمل على حمد إحدى المقالتين وذم الخرى.
ومنه :ما يكون المعنيان غيرين ،لكن ل يتنافيان؛ فهذا قول صحيح ،وهذا قول
صحيح ،وإن لم يكن معنى أحدهما هو معنى الخر ،وهذا كثير في المنازعات
جدًا.
ومنه :ما يكون طريقتان مشروعتان ،ورجل أو قوم قد سلكوا هذه الطريق،
وآخرون قد سلكوا الخرى ،وكلهما حسن في الدين .ثم الجهل أو الظلم
يحمل على ذم إحداهما أو تفضيلها بل قصد صالح ،أو بل علم ،أو بل نية وبل
علم ...
وهذا القسم -الذي سميناه :اختلف التنوع -كل واحد من المختلفين مصيب
فيه بل تردد ،لكن الذم واقع على من بغى على الخر فيه ،وقد دل القرآن
على حمد كل واحدة من الطائفتين في مثل ذلك -إذا لم يحصل بغي -كما
ُ َ
ن الل ّ ِ
ه( صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِ ة عََلى أ ُ ها َقائ ِ َ
م ً ن ِلين َةٍ أوْ ت ََرك ْت ُ ُ
مو َ م ْ ما قَط َعْت ُ ْ
م ِ في قولهَ ) :
)الحشر :من الية ،(5وكما في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم -يوم بني
قريظة -لمن صلى العصر في وقتها ،ولمن أخّرها إلى أن وصل إلى بني
قريظة ...
وأما اختلف التضاد فهو :القولن المتضادان إما في الصول ،وإما في الفروع
عند الجمهور الذين يقولون »المصيب واحد« وإل فمن قال» :كل مجتهد
مصيب« فعنده هو من باب اختلف التنوع ،ل اختلف التضاد .فهذا الخطب
فيه أشد؛ لن القولين يتنافيان ،لكن نجد كثيًرا من قد يكون القول الباطل
قا ما ،فيرد الحق في الذي مع منازعه فيه حق ما ،أو معه دليل يقتضي ح ً
الصل هذا كله ،حتى يبقى هذا مبطل ً في البعض ،كما كان الول مبطل في
ً
الصل ،كما رأيته لكثير من أهل السّنة في مسائل القدر والصفات والصحابة،
وغيرهم.
وأما أهل البدعة :فالمر فيهم ظاهر ،وكما رأيته لكثير من الفقهاء ،أو لكثر
المتأخرين في مسائل الفقه ،وكذلك رأيت الختلف كثيًرا بين بعض
المتفقهة ،وبعض المتصوفة ،وبين فرق المتصوفة ،ونظائره كثيرة.
63
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(68 /
ومن جعل الله له هداية ونوًرا رأى من هذا ما يتبين له به منفعة ما جاء في
الكتاب والسّنة من النهي عن هذا وأشباهه ،وإن كانت القلوب الصحيحة تنكر
هذا ابتداء ،لكن نور على نور ...
وأما القسم الثاني من الختلف المذكور في كتاب الله :فهو ما حمد فيه
إحدى الطائفتين ،وهم المؤمنون ،وذم فيه الخرى ،كما في قوله تعالى) :ت ِل ْكَ
ن
ذي َ ل ال ّ ِ ما اقْت َت َ َ ه َ شاَء الل ّ ُ ض( إلى قوله) :وَل َوْ َ م عَلى ب َعْ ٍ
ضهُ ْ َ ضل َْنا ب َعْ َ ل فَ ّ س ُ الّر ُ
م
من ْهُ ْن وَ ِ م َ نآ َ م ْ م َ من ْهُ ْ َ
فوا ف ِ َ
خت َل ُ
نا ْ َ ْ
ت وَلك ِ ِ م الب َي َّنا ُ جاَءت ْهُ ُ ما َ ن ب َعْد ِ َ م ْ م ِ ن ب َعْدِهِ ْ م ْ ِ
ما اقت َت َلوا( )البقرة :من الية .(253 ُ ْ ه َ ّ
شاَء الل ُ َ
فَر وَلوْ َ َ
نك َ م ْ َ
فَر( حمد لحدى الطائفتين ن كَ َ م م ه ن م و ن مآ
ِ ُْ ْ َ ْ َ َ َ ِ ُْ ْ َ ْ ن م م ه ن م َ ف فوا ُ َ ل ت خ ا
َ ِ ِ ْ َ ن ك َ لو ) فقوله:
موا ِفي َ َ ُص ت خ
ْ ا ن ما
ْ َ ِ ص خَ نَ ِ َ
ذا ه ) قوله: وكذلك الخرى، وذم - -وهم المؤمنون
ن َناٍر( )الحج :من الية (19إلى قوله: م ْ ب ِ م ث َِيا ٌ ت ل َهُ ْ فُروا قُط ّعَ ْ ن كَ َ ذي َ م َفال ّ ِ َرب ّهِ ْ
ت) (...الحج :من الية .(23مع ما حا ِصال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ل ال ّ ِ خ ُ ه ي ُد ْ ِ ن الل ّ َ )إ ِ ّ
ثبت في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه» :أنها أنزلت في المقتتلين يوم
بدر :علي وحمزة وعبيدة ،والذين بارزوهم من قريش وهم :عتبة وشيبة
والوليد).(8
وأكثر الختلف الذي يؤول إلى الهواء بين المة من القسم الول ،وكذلك آل
إلى سفك الدماء ،واستباحة الموال ،والعداوة والبغضاء؛ لن إحدى الطائفتين
ل تعترف للخرى بما معها من الحق ،ول تنصفها ،بل تزيد على ما مع نفسها
من الحق زيادات من الباطل ،والخرى كذلك.
ن ُ ّ ّ َ
م ْ ن أوُتوه ُ ِ ذي َ ف ِفيهِ إ ِل ال ِ خت َل َ ما ا ْ وكذلك جعل الله مصدره البغي في قوله) :وَ َ
م( )البقرة :من الية (213؛ لن البغي :مجاوزة ت ب َْغيا ً ب َي ْن َهُ ْ م ال ْب َي َّنا ُ جاَءت ْهُ ُ ما َ ب َعْد ِ َ
الحد.
وذكر هذا في غير موضع من القرآن ليكون عبرة لهذه المة«).(9
ومن هذا النقل النفيس عن شيخ السلم -رحمه الله تعالى -في أنواع
الختلف وأسبابه نخلص إلى النتائج التالية:
الولى :أن الخلف مع الكفار والمبتدعة خلف محمود؛ لن الله عز وجل
يأمر بمفارقة الكفار والمبتدعة ويحب المخالف لهم من أهل السنة والتباع.
الثانية :أن الخلف في مسائل الجتهاد بين أهل السنة إذا لم يؤد إلى الفرقة
وفساد المودة فهو خلف محمود ،أما إذا انتهى بالمختلفين إلى الفرقة
والخصام ،فإن كل الطائفتين مذمومتان؛ إذ الغالب في مثل هذه الحال دخول
الهوى والعصبية إلى النفوس .فمتى أدى الختلف في الجتهاد بين أهل
السنة إلى الفرقة ،فليعلم أن الهوى أو البغي قد دخل في النفوس.
وفي ذلك يقول الشاطبي -رحمه الله تعالى ...» :-فكل مسألة حدثت في
السلم فاختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الختلف بينهم عداوة ول بغضاء
ول فرقة علمنا أنها من مسائل السلم ،وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة
والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء ،وأنها
ن
التي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير الية وهي قوله) :إ ِ ّ
شَيعًا( )النعام :من الية .. (159فيجب على كل كاُنوا ِ م وَ َ ن فَّرُقوا ِدين َهُ ْ ذي َ ال ّ ِ
ذي دين وعقل أن يجتنبها ..فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه
من اتباع الهوى ..وهو ظاهر في أن السلم يدعو إلى اللفة والتحاب
والتراحم والتعاطف ،فكل رأي إلى خلف ذلك فخارج عن الدين«).(10
الثالثة :أن أهم أسباب الخلف بين المختلفين :إما الجهل بما عند المخالف
64
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(69 /
أول ً :اتصاف الّراد بالعلم الشرعي الصحيح الموافق لسنة النبي صلى الله
عليه وسلم؛ وبخاصة في المسألة المراد الرد عليها ومناقشتها ،وأن يكون
الكلم بعلم ودليل ،ومأخذ صحيح في الستدلل؛ ومن ذلك التوثق والتثبت من
كلم المردود عليه من كتبه أو كلمه ل من الظنون وكلم الناس .ومن ذلك
تحديد موضع النزاع وتحريره.
ثانًيا :اتصاف الراد بالخلص والتجرد لله تعالى في رده وبعده عن الهوى
والعصبية والتشفي ،وهذا يلزم عليه أشياء كثيرة من أهمها:
العدل مع المخالف وإنصافه ،وتجنب ظلمه وإهدار حقه وما عنده من
المحاسن .وهذا يقتضي الحذر من الهوى والتعصب العمى.
وقد ذكر الشوكاني -رحمه الله تعالى -بعض السباب التي تؤدي إلى عدم
العدل والنصاف فقال» :واعلم أن أسباب الخروج عن دائرة النصاف
دا منها:
والوقوع في موبقات التعصب كثيرة ج ً
] أ [ نشأة طالب العلم في بيئة تمذهب أهلها بمذهب معين ،أو تلقوا عن
عالم مخصوص ،فيتعصب ول ينصف.
]ب[ حب الشرف والمال ،ومداراة أهل الوجاهة والسلطان ،والتماس ما
عندهم ،فيقول ما يناسبهم ول ينصف.
65
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
66
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
فعن ابن بريدة السلمي قال» :شتم رجل ابن عباس فقال ابن عباس :إنك
لتشتمني وإن في ثلث خصال :إني لتي على الية في كتاب الله فلوددت أن
جميع الناس يعلمون ما أعلم ،وإني لسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل
دا ،وإني لسمع بالغيث قد أصابفي حكمه فأفرح ،ولعلي ل أقاضي إليه أب ً
البلد من بلد المسلمين فأفرح وما لي به سائمة«).(5
ثالثًا :الحذر من ردود الفعال التي قد تذهب بالّراد إلى طرف آخر مقابل
للمردود عليه متجاوًزا حد التوسط والتوزان والعتدال.
)(70 /
67
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(71 /
ما
م َن ل َهُ ْقو َ مت ّ ُم ال ْ ُك هُ ُ صد ّقَ ب ِهِ ُأول َئ ِ َ ق وَ َ ِ صد ْجاَء ِبال ّ ذي َ وقد قال الله تعالىَ) :وال ّ ِ
مُلوا َ فر الل ّه عَنه َ
ذي عَ ِ سوَأ ال ّ ِ مأ ْ ُ ُْ ْ ن ل ِي ُك َ ّ َ سِني َ ح ِ جَزاُء ال ْ ُ
م ْ ك َ م ذ َل ِ َ عن ْد َ َرب ّهِ ْ ن ِ شاُءو َ يَ َ
ن( )الزمر .(35-33:فقد وصفهم ُ َ ّ َ َ
ملو َ ذي كاُنوا ي َعْ َ ن ال ِ س ِ ح َ م ب ِأ ْ جَرهُ ْ مأ ْ جزِي َهُ ْ
وَي َ ْ
ن( هم أولياء الله .ومع هذا فأخبر أنه يكفر عنهم قو َ مت ّ ُ ْ
الله بأنهم متقون .و)ال ُ
أسوء الذي عملوا .وهذا أمر متفق عليه بين أهل العلم واليمان«).(2
َ
مُنوانآ َ ذي َ ويعلق المام ابن القيم -رحمه الله تعالى -على قولهَ) :يا أي َّها ال ّ ِ
ن قَوْم ٍ عََلى أ َّل ت َعْدُِلوا شَنآ ُ م َ من ّك ُ ْ جرِ َ ط َول ي َ ْ س ِ ق ْ داَء ِبال ْ ِ شهَ َ ن ل ِل ّهِ ُ مي َ وا ِ كوُنوا قَ ّ ُ
َ
ن( )المائدة(8: مُلو َ ما ت َعْ َخِبيٌر ب ِ َه َ ن الل ّ َ قوا الل ّ َ
ه إِ ّ وى َوات ّ ُ ق َب ِللت ّ ْ اعْدُِلوا هُوَ أقَْر ُ
فيقول» :فإذا كان قد نهى عباده أن يحملهم بغضهم لعدائه أن ل يعدلوا
68
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
عليهم مع ظهور عداوتهم ومخالفتهم وتكذيبهم لله ورسوله فكيف يسوغ لمن
يدعي اليمان أن يحمله بغضه لطائفة منتسبة إلى الرسول تصيب وتخطئ
على أن ل يعدل فيهم ،بل يجرد لهم العداوة وأنواع الذى ،ولعله ل يدري أنهم
ل ،ودعوة إلى الله على بصيرة، ما وعم ً
أولى بالله ورسوله وما جاء به منه عل ً
وصبًرا من قومهم على الذى في الله ،وإقامة الحجة لله ومعذرة لمن
خالفهم بالجهل«).(3
وأسوق بهذه المناسبة تلك المحاورة النافعة التي بّين فيها المسور بن
مخرمة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما بعض عيوبه ،وماذا رد عليه
جا في معالجة أخطائنا. معاوية في ذلك لتكون منه ً
عن عقيل ،ومعمر ،عن الزهري ،حدثني عروة أن المسور بن مخرمة أخبره
أنه وفد على معاوية ،فقضى حاجته ،ثم خل به ،فقال :يا مسور! ما فعل
طعنك على الئمة؟ قال :دعنا من هذا وأحسن .قال :ل والله ،لتكلمني بذات
ي .قال مسور :فلم أترك شيًئا أعيبه عليه إل بينت له. نفسك بالذي تعيب عل ّ
فقال :ل أبرأ من الذنب .فهل تعد ّ لنا يا مسور ما نلي من الصلح في أمر
العامة؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها ،أم تعد ّ الذنوب ،وتترك الحسان؟ قال :ما
ُتذكر إل الذنوب .قال معاوية :فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه ،فهل لك يا
ب في خاصتك تخشى أن ُتهلكك إن لم تغفر؟ قال :نعم .قال :فما مسور ذنو ٌ
يجعلك الله برجاء المغفرة أحق مني ،فوالله ما ألي من الصلح أكثر مما
ت الله على ُ
تلي ،ولكن والله ل أخّير بين أمرين :بين الله وبين غيره ،إل اختر ُ
ل ،ويجزى فيه بالحسنات ،ويجزى فيه ما سواه ،وإني لعلى دين يقبل فيه العم ُ
ة :فلم أسمع المسور بالذنوب إل أن يعفو الله عنها ،قال :فخصمني .قال عرو ُ
ذكر معاوية إل صّلى عليه).(4
الطرف الثاني :أهل التفريط والضاعة:
وهؤلء وإن كانوا قد فّرطوا في الخذ بالحق ورد الباطل ،والتقليد العمى ،إل
إنهم وقعوا في المقابل في الغلو في الرجال والتعصب لخطائهم ولسان
حالهم يقول بالعصمة لمن قلدوهم.
ولذا ترى الواحد منهم يزعجه ويكدر خاطره إذا قيل إن شيخه وأستاذه
مخطئ في بعض ما ذهب إليه من قول أو عمل ،ويدفعه تعصبه لشيخه
وغلوه في محبته له وتأدبه معه إلى تصحيح كل ما يقول أو يفعل مبرًرا ذلك
بمبررات سامجة متكلفة.
يقول المام ابن القيم -رحمه الله تعالى -في وصف أهل الطرفين
السابقين بعد أن ذكر فضل أئمة السلم ...» :وأن فضلهم وعلمهم ونصحهم
لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ل يوجب قبول كل ما قالوه ،وما وقع في
فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه
وسلم فقالوا بمبلغ علمهم -والحق في خلفها -ل يوجب اطراح أقوالهم
جملة ،وتنقصهم والوقيعة فيهم؛ فهذان طرفان جائران عن القصد ،وقصد
صم ،ول نسلك بهم مسلك الرافضة في علي السبيل بينهما ،فل نؤّثم ول ن َعْ ِ
رضي الله عنه ول مسلكهم في الشيخين رضي الله عنهما«).(5
وينتقد -رحمه الله تعالى -هذين الطرفين بصورة أوضح في معرض رّده
على بعض الشطحات التي وقع فيها الهروي -رحمه الله تعالى -في منازل
السائرين ،وانقسام الناس في تعاملهم مع هذه الشطحات فيقول» :شيخ
السلم حبيب إلينا ،والحق أحب إلينا منه ،وكل من عدا المعصوم صلى الله
عليه وسلم فمأخوذ من قوله ومتروك ،ونحن نحمل كلمه على أحسن
محامله ثم نبين ما فيه ] ...إلى أن قال[ :هذا ونحوه من الشطحات التي
69
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(72 /
70
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الكتاب جوانبه اليجابية التي أصاب فيها ،ويدع ما سوى ذلك ،أم أن الشباب -
أعني كثيًرا منهم -ل يبيعون ويشترون إل »بالجملة«! فإما أن يكون الكتاب
ل .ونحن أناس ل توسط بيننا! دا ،وإما أن يكون خطأ ً وباط ً قا ومعتم ً
كله موث ً
وصلة الكتاب بالمؤلف عريقة وعميقة ..ولذا فإن البعض يتعامل مع الكتب
من خلل مؤلفيها فحسب؛ فمؤلفات زيد كلها حسنة ومفيدة ،ومؤلفات عبيد
كلها على الضد من ذلك .نعم ..هنالك مؤلفون غالب ما يكتبونه صالح ،وهناك
آخرون ل يحسنون إل الهدم ،فل يأتي من يحتج مثل ً بمؤلفات أهل الضللة ..
ل .الكلم في مجال الدراسات السلمية وما يتعلق بها .وغيرها له حديث
آخر ،ومن الناحية الواقعية فإن أي كتاب -غير كتاب الله تعالى -ل يسلم من
الخطأ والنقص مهما بالغ مؤلفه في تحريره والعناية به«).(8
الموقف العدل الوسط المتوازن:
وأهله هم الذين ذكرهم ابن القيم -رحمه الله تعالى -في ما سبق وسماهم
بالطائفة الثالثة حيث قال عنهم» :وهم أهل العدل والنصاف الذين أعطوا
كل ذي حق حقه ،وأنزلوا كل ذي منزلة منزلته ،فلم يحكموا للصحيح بحكم
السقيم المعلول ،ول للمعلول السقيم بحكم الصحيح؛ بل قبلوا ما ُيقبل،
وردوا ما يرد«) (9ا.هـ.
أي أنهم لم يقعوا فيما وقع فيه أهل الغلو والفراط المضخمين للخطاء،
المهدرين لحق من وقع منه الخطأ ،والمهدرين لحسناتهم ،المتهمين لنياتهم،
بل حفظوا لهم حقوقهم ،ولم ينسوا لهم بلءهم وجهادهم وحسناتهم ،ووضعوا
أخطاءهم في حجمها الذي تستحقه ،ووازنوا بين حسناتهم وسيئاتهم .وفي
المقابل لم يذهبوا إلى تقديس الشخاص ،وادعاء العصمة لهم -سواء بلسان
المقال أو الحال -بل نظروا للمخطئين بأنهم غير معصومين ،ولم يدفعهم
حبهم وأدبهم مع شيوخهم إلى تقليدهم في كل ما يقولونه ،أو أن يسحبوا ذيل
الحسن على كل ما يفعلونه.
______________
) (1نزهة الفضلء.(1/504) :
) (2مجموع الفتاوى.(67 ،11/66) :
) (3بدائع التفسير.(2/105) :
) (4سير أعلم النبلء ،(3/150) :ومعنى) :صلى عليه( أي :دعا له.
) (5إعلم الموقعين.(3/358) :
) (6مدارج السالكين (224-2/220) :باختصار .ط .دار طيبة.
)(73 /
71
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ل مكاَنه بعيًرا، س ول بعيٌر إل ّ أبد َ ف لرجل مّنا فر ٌ خي َْر أمير؛ ما يق ُ تَ : هذه؟ قل ُ
دثكم ما ن أح ّ ُ
ما ،قالت :إنه ل يمنعني قتله أخي أ ْ ُ
ه غل ً َ
م إل أبدل مكان َ ُ ّ ول غل ٌ
م من من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إني سمعته يقول» :اللهُ ّ ت ِ سمع ُ
ق ُ ق ْ
ش فا عليهم ق ش َ ومن به، ق ُ ف فار بهم ق َ ف َ
فر ً
ئا شي أمتي ولي من أمر ُ
ْ ّ ْ َ
عليه«).(1
النموذج الثاني :قال يونس الصدفي :ما رأيت أعقل من الشافعي؛ ناظرته
ما في مسألة ،ثم افترقنا ولقيني فأخذ بيدي ،ثم قال :يا أبا موسى أل يو ً
يستقيم أن نكون إخواًنا وإن لم نتفق في مسألة).(2
النموذج الثالث :عن يونس بن عبد العلى قال :قال لي الشافعي» :يا يونس
إذا بلغك عن صديق لك ما تكرهه فإياك أن تبادره العداوة وقطع الولية
ل له :بلغني عنك كذا وكذا، فتكون ممن أزال يقينه بشك ،ولكن ألقه وقُ ْ
واحذر أن تسمي له المبّلغ؛ فإن أنكر ذلك فقل له :أنت أصدق وأبر .ل تزيدن
على ذلك شيًئا ،وإن اعترف بذلك فرأيت له في ذلك وجًها لعذر فاقبل منه،
وإن لم تر ذلك فقل له :ماذا أردت بما بلغني عنك؟ فإن ذكر ما له وجه من
العذر فاقبل منه ،وإن لم تر لذلك وجًها لعذر وضاق عليك المسلك فحينئذ
أثبتها عليه سيئة ،ثم أنت في ذلك بالخيار؛ إن شئت كافأته بمثله من غير
زيادة ،وإن شئت عفوت عنه والعفو أقرب للّتقوى وأبلغ في الكرم؛ لقول الله
َ ة مث ْل ُها فَمن ع َ َ َ
ه( )الشورى: جُرهُ عََلى الل ّ ِ صل َ َ
ح فَأ ْ فا وَأ ْ َ ْ سي ّئ َ ٌ ِ َ سي ّئ َةٍ َ
جَزاُء َ تعالى) :وَ َ
من الية (40فإن نازعتك نفسك بالمكافأة فأفكر فيما سبق له لديك من
ن باقي إحسانه خس ّ الحسان فعدها ثم ابدر له إحساًنا بهذه السيئة ،ول تب ْ َ
السالف بهذه السيئة؛ فإن ذلك الظلم بعينه .يا يونس إذا كان لك صديق فشد
يديك به ،فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل«).(3
النموذج الرابع :قال الذهبي في ترجمته لصاحب الندلس الناصر لدين الله:
دهم ،فأعدُتها بزوائد َ وفوائد ،وإذا كان الرأس مَته مع ج ّ ت ترج َ ت ذكر ُ »وقد كن ُ
مة في الجهاد ،احُتملت له هََنات ،وحساُبه على الله ،أما إذا أمات ي اله ّعال َ
ن رّبك لبالمرصاد«).(4 م العباد ،وللخزائن أباد ،فإ ّ َ
الجهاد ،وظل َ
النموذج الخامس :وقال في ترجمته لمحمد بن نصر المروزي» :ولو أّنا كلما
أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوًرا له ،قمنا عليه وبدعناه
وهجرناه لما سلم معنا ل ابن نصر ول ابن منده ول من هو أكبر منهما .والله
هو هادي الخلق إلى الحق ،وهو أرحم الراحمين ،فنعوذ بالله من الهوى
والفظاظة).(5
النموذج السادس :كان إسحاق بن راهويه -رحمه الله تعالى -يشيد بعلم
المام أبي عبيد القاسم بن سلم ويقول» :الحق يحبه الله عز وجل :أبو عبيد
القاسم بن سلم أفقه مني وأعلم مني«) .(6وكان أحمد بن حنبل -رحمه
الله تعالى -يقول في إسحاق» :لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق،
ضا«).(7 وإن كان يخالفنا في أشياء؛ فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بع ً
النموذج السابع :قال الذهبي في ترجمة قتادة -رحمه الله تعالى » :-وهو
حجة بالجماع إذا بين السماع؛ فإنه مدلس معروف بذلك ،وكان يرى القدر
نسأل الله العفو ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه ولعل
الله يعذ ُُر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه ،وبذل
ن الكبير من وسعه ،والله حكم عدل لطيف بعباده ،ول يسأل عما يفعل .ثم إ ّ
م تحّريه للحق ،واّتسع علمه ،وظهر ذكاؤه، عل َ أئمة العلم إذا ك َث َُر صواُبه ،و ُ
عه واتباعهُ ،يغفر له زلله ،ول نضلله ونطرحه ،وننسى حه وور ُ عرف صل ُ و ُ
محاسنه .نعم ول نقتدي به في بدعته وخطئه ،ونرجو له التوبة من ذلك«).(8
72
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
النموذج الثامن :يقول ابن رجب -رحمه الله تعالى » :-أكثر الئمة غلطوا في
مسائل يسيرة مما ل يقدح في إمامتهم وعلمهم ،فكان ماذا؟ لقد انغمر ذاك
في محاسنهم ،وكثرة وصوابهم ،وحسن مقاصدهم ،ونصرهم للدين.
والنتصاب للتنقيب عن زلتهم ليس محموًدا ول مشكوًرا ،ل سيما في فضول
المسائل التي ل يضر فيها الخطأ ول ينفع فيها كشف خطئهم وبيانه«).(9
)(74 /
ل ،وأحسن ضا ..» :فرحم الله من أساء الظن بنفسه علما ً وعمل ً وحا ً وقال أي ً
ل ،ولم يهجم على صا ومن السلف كما ً الظن بمن سلف ،وعرف من نفسه نق ً
أئمة الدين ...وإن أنت أبيت النصيحة ...وصار شغلك الرد على أئمة
عجًبا ،ول المسلمين والتفتيش عن عيوب أئمة الدين فإنك ل تزداد لنفسك إل ُ
دا ،ومن الباطل إل قرًبا«) لطلب العلو في الرض إل حًبا ،وعن الحق إل بع ً
.(10
النموذج التاسع :يقول المام ابن القيم -رحمه الله تعالى » :-ومن له علم
بالشرع والواقع يعلم قطًعا أن الرجل الجليل الذي له في السلم قدم صالح،
وآثار حسنة ،وهو من السلم وأهله بمكان ،قد تكون منه الهفوة والزلة ،هو
فيها معذور ،بل ومأجور لجتهاده ،فل يجوز أن ُيتبع فيها ،ول يجوز أن تهدر
مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين«).(11
وي ُط َّبق هذا عملًيا في موقفه من شطحات الهروي -رحمه الله تعالى -في
منازل السائرين عندما شرحها ابن القيم في مدارج السالكين ورد عليها،
فتراه بعد ذلك يعقب فيقول» :ولول أن الحق لله ورسوله ،وأن كل ما عدا
الله ورسوله فمأخوذ من قوله ومتروك ،وهو عرضة الوهم والخطأ ،لما
اعترضنا على من ل نلحق غبارهم ،ول نجري معهم في مضمارهم ،ونراهم
فوقنا في مقامات اليمان ،ومنازل السائرين ،كالنجوم الدراري .ومن كان
صا وخلل ً فليهد إلينا عنده علم فليرشدنا ،ومن رأى في كلمنا زيًغا ،أو نق ً
الصواب ،نشكر له سعيه ،ونقابله بالقبول والذعان والنقياد والتسليم ،والله
أعلم وهو الموفق«).(12
ويقول -رحمه الله تعالى -بعد رده على الهروي في منزلة التوبة بعض
شطحاته» :ول توجب هذه الزلة من شيخ السلم)*( إهدار محاسنه ،وإساءة
الظن به؛ فمحله من العلم والمامة والمعرفة والتقدم في طريق السلوك
المحل الذي ل يجهل .وكل أحد فمأخوذ من قوله ومترك إل المعصوم صلوات
الله وسلمه عليه .والكامل من عُد ّ خطؤه؛ ول سيما في مثل هذا المجال
الضنك ،والمعترك الصعب؛ الذي َزّلت فيه أقدام ،وضلت فيه أفهام ،وافترقت
بالسالكين فيه الطرقات ،وأشرفوا -إل أقلهم -على أودية الهلكات«).(13
وفي رّده -رحمه الله تعالى -على زلة كبيرة للهروي في منزلة )التلبيس(
يعقب على ذلك فيقول» :شيخ السلم)*( حبيبنا ،ولكن الحق أحب إلينا منه.
وكان شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله يقول) :عمله خير من علمه( .وصدق
رحمه الله؛ فسيرته بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وجهاد أهل البدع ل
يشق له فيها غبار ،وله المقامات المشهورة في نصرة الله ورسوله .وأبى
الله أن يكسو ثوب العصمة لغير الصادق المصدوق الذي ل ينطق عن الهوى
ظا ومعنى«).(14 صلى الله عليه وسلم .وقد أخطأ في هذا الباب لف ً
النموذج العاشر :رسالة الليث بن سعد إلى المام مالك -رحمهما الله تعالى
م عليك ،فإني أحمد الله إليك الذي ل إله إل ّ هو. -ومما جاء فيها» :سل ٌ
73
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
أما بعد :عافانا الله وإياك ،وأحسن لنا العاقبة في الدنيا والخرة.
قد بلغني كتاُبك تذكر فيه من صلح حالكم الذي يسرني ،فأدام الله ذلك لكم،
مه بالعون على شكره ،والزيادة من إحسانه ،وذكرت نظرك في الكتب وأت ّ
ت بها إليك ،وإقامتك إياها ،وختمك عليها بخاتمك وقد أتتنا ،فجزاك ُ بعث التي
الله عما قدمت منها خيًرا ،فإنها كتب انتهت إلينا عنك ،فأحببت أن أبلغ
حقيقتها بنظرك فيها.
ت إليك فيه من تقويم ما أتاني عنك إلى شطك ما كتب ُ وذكرت أنه قد أن َ
ابتدائي بالنصيحة ،ورجوت أن يكون لها عندي موضع وأنه لم يمنعك من ذلك
ل ،إل ّ أني لم أذاكرك مثل هذا ،وأنه بلغك
فيما خل إل أن يكون رأيت فينا جمي ً
أني أفتي بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندكم ،وإني يحق علي
الخوف على نفسي لعتماد من قبلي على ما أفتيتهم به ،وَأن الناس تبعٌ لهل
المدينة التي إليها كانت الهجرة ،وبها نزل القرآن.
وقد أصبت بالذي كتبت به من ذلك إن شاء الله تعالى ،ووقع مني بالموقع
شواذ ّ الفتيا ،ول أشد تفضيل
دا ُينسب إليه العلم أكره ل َالذي تحب ،وما أجد أح ً
فْتياهم فيما اتفقوا عليه مني،
وا ،ول آخذ ل ُ
ض ْ
م َ
لعلماء أهل المدينة الذين َ
والحمد لله رب العالمين ل شريك له.
وأما ما ذكرت من مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ،ونزول
القرآن بها عليه بين ]ظهراني[) (15أصحابه ،وما علمهم الله منه ،وأن الناس
صاروا به تبًعا لهم فيه ،فكما ذكرت.
)(75 /
ن
ري َ ج ِ
مَها ِ ن ال ْ ُ م َ ن اْل َوُّلو َ
ن ِ قو َ ساب ِ ُ وأما ما ذكرت من قول الله تعالىَ) :وال ّ
َ َ ّ َ
ت
جّنا ٍ
م َ ه وَأعَد ّ لهُ ْ ضوا عَن ْ ُ م وََر ُ ه عَن ْهُ ْي الل ُ ض َ ن َر ِ سا ٍ ح َ م ب ِإ ِ ْ
ن ات ّب َُعوهُ ْذي َ صارِ َوال ّ ِ َواْلن ْ َ
م( )التوبة .(100:فإن ظي ُفوُْز ال ْعَ ِ ن ِفيَها أ ََبدا ً ذ َل ِ َ
ك ال ْ َ دي َ حت ََها اْل َن َْهاُر َ
خال ِ ِ ري ت َ ْ ج ِتَ ْ
كثيرا من أولئك السابقين الّولين خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله ابتغاَء ً
مرضاة الله ،فجّندوا الجناد ،واجتمع إليهم الناس فأظهروا بين ظهْران َْيهم
كتاب الله وسنة نبيه ،ولم يكتموهم شيًئا علموه ...وكان من خلف ربيعة
لبعض ما مضى ما قد عرفت ،وحضرت وسمعت قولك فيه ،وقول ذوي الرأى
من أهل المدينة :يحيى بن سعيد ،وعبيد الله بن عمر ،وكثير بن َفرقد ،وغير
ن منه ،حتى اضطرك ما كرهت من ذلك إلى فراق مجلسه. س ّ كثير ممن هو أ َ
وذاكرُتك أنت وعبدالعزيز بن عبدالله بعض ما نعيب على ربيعة من ذلك،
فكنتما من الموافقين فيما أنكرت؛ تكرهان منه ما أكرهه ،ومع ذلك بحمد الله
عند ربيعة خير كثير ،وعقل أصيل ،ولسان بليغ ،وفضل مستبين ،وطريقة
ة في السلم ،ومودة صادقة لخوانه عامة ،ولنا خاصة ،رحمه الله ،وغفر سن ٌ ح َ َ
له ،وجزاه بأحسن ما عمله ] ...إلى أن قال في ختام رسالته[ .وأنا أحب
توفيق الله إياك وطول بقائك لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة ،وما
ت الداُر ،فهذه َ
ب مثلك مع استئناسي بمكانك ،وإن ن َأ ْ أخاف من الضيعة إذا ذهِ َ
ي بخبرك وحالك ب إل ّ قْنه ،ول تترك الكتا َ ستي ِ منزلتك عندي ،ورأيى فيك فا ْ
ل بك ،فإّني أسّر بذلك. ص ُدك وأهلك ،وحاجةٍ إن كانت لك ،أو لحد ٍ ُيو َ وحال ول ِ
كتبت إليك ،ونحن صالحون ،معافون ،والحمد لله.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم شكر ما أولينا ،وتمام ما أنعم به علينا ،والسلم
عليك ،ورحمة الله«).(16
ديق حسن خان - النموذج الحادي عشر :رسالة الشيخ حمد بن عتيق إلى ص ّ
74
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
رحمهما الله تعالى -وما فيها من العدل والنصاف والدب الجم بين أهل
العلم -وإن اختلفوا -وهي رسالة طويلة اقتطف منها ما يلي:
»من حمد بن عتيق إلى المام المعظم والشريف المقدم المسمى محمد
الملقب صديق زاده الله من التحقيق وأجاره في مآله من عذاب الحريق.
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته ،وبعد :فالموجب للكتاب إبلغ السلم
والتحفي والكرام؛ شيد الله بك قواعد السلم ،ونشر بك السنن والحكام.
اعلم وفقك الله أنه كان يبلغنا أخبار سارة بظهور أخ صادق ذي فهم راسخ
وطريقة مستقيمة يقال له صديق فنفرح بذلك ونسر؛ لغرابة الزمان وقلة
طة وتحرير ح ّالخوان وكثرة أهل البدع والغلل ،ثم وصل إلينا كتاب ال ِ
حا وحمدنا لربنا العظيم لكون ذلك من الحاديث في تلك الفصول ،فازددنا فر ً
فضل الله علينا وعلى الناس .وكان لي ابن يتشبث بالعلم ويحب الطلب،
فجعل يتوق إلى اللحوق بكم والتخرج عليكم واللتقاط من جواهركم؛ لذهاب
العلم في أقطارنا وعموم الجهل وغلبة الهواء .فبينما نحن كذلك إذ وصل
إلينا التفسير بكماله فرأينا أمًرا عجيًبا ما كنا نظن أن الزمان يسمح بمثله وما
قرب منه؛ لما من التفاسير التي تصل إلينا من التحريف والخروج عن طريقة
الستقامة ،وحمل كلم الله على غير مراد الله ،وركوب التفاسير في حمله
على المذاهب الباطلة ،وجعلت السنة كذلك ،فلما نظرنا في ذلك التفسير
تبين لنا حسن قصد منشيه ،وسلمة عقيدته ،وتبعده من تعمد مذهب غير ما
ن
م ْ عليه السلف الكرام .فعلمنا أن ذلك من قبيل قوله سبحانه) :وَعَل ّ ْ
مَناه ُ ِ
عْلمًا( )الكهف :من الية .(65
ل َد ُّنا ِ
)(76 /
دا كثيًرا طيًبا كما يحب ربنا ويرضى ،وذلك فضل فالحمد لله رب العالمين حم ً
الله يؤتيه من يشاء الله ذو الفضل العظيم؛ فزاد اشتياق التائق وتضاعفت
رغبته ،ولكن العوائق كثيرة والمثبطات مضاعفة ،والله على كل شيء قدير
فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وإن شاءه الناس .فمن العوائق تباعد
الديار وطول المسافات؛ فإن مقرنا في فلج اليمامة ،ومنها خطر الطريق
وكثرة القطاع وتسلط الحرامية في نهب الموال واستباحة الدماء وإخافة
السبيل ،ومنها ما في الطريق من أهل البدع والضلل بل وأهل الشرك من
رافضي وجهمي إلى معتزلي ونحوهم؛ وكلهم أعداء قاتلهم الله .ربنا آتنا من
لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا .ومع ذلك فنحن نرجو أن يبعث الله لهذا
الدين من ينصره ،وأن يجعلنا من أهله ،وأن يسهل الطريق ويرفع الموانع،
ن الله به عليكم من ونسأله أن يمن بذلك فهو القادر عليه .ولما رأينا ما م ّ
التحقيق وسعة الطلع ،وعرفنا تمكنكم من اللت ،وكانت نونية ابن القيم
المسماة بالكافية الشافية في النتصار للفرقة الناجية بين أيدينا ،ولنا بها
عناية ولكن أفهامنا قاصرة وبضاعتنا مزجاة من أبواب العلم جملة ،وفيها
دا تصدى لشرحها؛ غلب على مواضع محتاجة إلى البيان ،ولم يبلغنا أن أح ً
الظن أنك تقدر على ذلك .فافعل ذلك يكن من مكاسب الجور وهي واصلة
إليك إن شاء الله ،فاجعل قَِراها شرحها وبيان معناها ،وأصلح في النية ذلك
تكن حرًبا لجميع أهل البدع؛ فإنها لم تبق طائفة منهم إل ردت عليها فهذان
ن ب َعِْثها إليك :أحدهما :شرحها ،والثاني :الستعانة بها على الرد م ْ
مقصدان ِ
على أهل البدع؛ لن مثلك يحتاج إلى ذلك؛ لكونك في زمان الغربة وبلد
صا على ذلك فعليك بكتاب العقل والنقل ،والتسعينية الغربة ،فإن كنت حري ً
75
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
لشيخ السلم ابن تيمية وكتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
والجيوش السلمية لبن القيم ،ونحوهن من كتبهما فإن فيها الهدى والشفاء.
ولنا مقصد رابع مهم وهو أن هذا التفسير العظيم وصل إلينا في شعبان سنة
سبع وتسعين ومائتين وألف 1297هجرية ،فنظرت فيه وفي هذا الشهر وفي
شوال ،فتجهز الناس للحج ولم أتمكن إل من بعضه ومع ذلك وقفت فيه على
مواضع تحتاج إلى تحقيق ،وظننت أن لذلك سببين أحدهما :أنه لم يحصل
منكم إمعان نظر في هذا الكتاب بعد إتمامه ،والغالب على من صنف الكتب
كثرة ترداده وإبقائه في يده سنين يبديه ويعيده ،ويمحو ويثبت؛ ويبدل
العبارات؛ حتى يغلب على ظنه الصحة غالًبا ،ولعل الصحاب عاجلوك بتلقيه
قبل ذلك .والثاني :أن ظاهر الصنيع أنك أحسنت الظن ببعض المتكلمة،
ضا بمعناه ،فدخل عليك شيء من ذلك ضا بلفظه وبع ً وأخذت من عباراتهم بع ً
ولم تمعن النظر فيها -ولهم عبارات مزخرفة فيها الداء العضال -وما دخل
عليك من ذلك فنقول :إن شاء الله بحسن القصد واعتماد الحق وتحري
الصدق والعدل .وهو قليل بالنسبة إلى ما وقع فيه كثير ممن صنف في
التفسير وغيره .وإذا نظر السني المنصف في كثير من التفاسير وشرح
الحديث وجد قّلته وما هو أكثر منه وقد سلكتم في هذا التفسير في مواضع
منه مسلك أهل التأويل مع أنه قد وصل إلينا لكم رسالة في ذم التأويل
مختصرة ،وهي كافية ومطلعة على أن ما وقع في التفسير صدر من غير
تأمل وأنه من ذلك القليل .وكذلك في التفسير من مخالفة أهل التأويل ما
يدل على ذلك .وأنا اجترأت عليك -وإن كان مثلي ل ينبغي له ذلك -لنه
غلب على ظني إصغاؤك إلى التنبيه ،ولن من أخلق أئمة الدين قبول التنبيه
والمذاكرة ،وعدم التكبر وإن كان القائل غير أهل ،ولنه بلغني عن بعض من
اجتمع بك أنك تحب الجتماع بأهل العلم وتحرص على ذلك وتقبل العلم ولو
ممن هو دونك بكثير؛ فرجوت أن ذلك عنوان توفيق جعلك الله كذلك وخيًرا
من ذلك...
فنسأل الله أن يلحقنا بآثار الموحدين ،وأن يحشرنا في زمرة أهل السنة
حا لله ورسوله، والجماعة بمّنه وكرمه .وقد اجترأت عليك بمثل هذا الكلم نص ً
رجاء من الله أن ينفع بك في هذا الزمان الذي ذهب فيه العلم النافع ولم
يبق إل رسومه ،وأنا انتظر منك الجواب ورد ما صدر مني من الخطاب .ثم
إني لما رأيت الترجمة وقد سمي فيها بعض مصنفاتك ،وكنت في بلد قليلة
فيها الكتب ،وقد ابتليت بالدخول في أمور الناس لجل ضرورتهم كما قيل:
خل لك الجو فبيضي واصفري .وألتمس من جنابك تفضل علينا ببلوغ السؤول
من أقضية الرسول ،والروضة الندية شرح الدرر البهية ،ونيل المرام شرح
آيات الحكام.
فنحن في ضرورة عظيمة إلى هذه كلها ،فاجعل من صالح أعمالك معونة
إخوانك ومحبيك بها ،وابعث بها إلينا مأجوًرا إن شاء الله تعالى؛ وليكن ذلك
على يد الخ أحمد بن عيسى الساكن في مكة المكرمة المشرفة ،واكتب لنا
دا منكم من يتلقى هذا العلم ويعتني به ويحفظه فا بأحوالكم .ولعل أح ًتعري ً
عنك ،واحرص على ذلك طمًعا أن يجمع لك شرف الدنيا والخرة ،ونسأل الله
أن يهب لك ذلك.
)(77 /
76
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ثم اعلم أني قد بلغت السبعين ،وأنا في معترك العمار ل آمن هجوم المنية،
ل ،ويليه ولي أولد ثمانية منهم ثلثة يطلبون العلم كبيرهم سعد المذكور أو ً
عبدالعزيز ،وتحته عبداللطيف .ونرجو أنهم أهل الكتب وممن يعتز بها
ب ل ََنا ويحفظها .وبقيتهم صغار منهم من هو في المكتب ومن دعائناَ) :رب َّنا َ ْ
ه
مامًا( )الفرقان :من الية َ م َ
ن إِ َقي َ جعَل َْنا ل ِل ْ ُ
مت ّ ِ ن َوا ْ ٍ جَنا وَذ ُّرّيات َِنا قُّرة َ أعْي ُ ن أْزَوا ِ ِ ْ
سك ََنا نا م نا رك وأ َ
َ َ ل ة
ً مِ ل سم ة
ً م ك ومن ذ ُريت ِنا أ ُ َ َ ل ن ي مِ ل س م ناْ ل عج وا نا ب ر ) (،74
َ َِ َ َ ِ َ ِ ْ ّ ّ َ ّ ُ ْ َ َ ّ َ َ ْ ََ َ ُ ْ َ ْ ِ
م( )البقرة ،(128:ل تنسنا من صالح دعائك ُ حيِ رب ّ ال وا ُ ت الت ّ ّ
ك أن ْ َ ب عَل َي َْنا إ ِن ّ َوَت ُ ْ
كما هو لك مبذول ،والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته وصلى الله على
صا(. محمد وآله وصحبه وسلم«) .(17ا.هـ )ملخ ً
______________
)*( وفي هديه صلى الله عليه وسلم أمثلة كثيرة للمواقف المتوازنة
والمعالجات العادلة للخطاء والمنهج الوسط في النقد ما يكفي ويغني.
ويكفينا في ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم في طريقة معالجته لخطأ
حاطب ابن أبي بلتعة ]انظر تفصيل هذه المعالجة في رسالة وإذا قلتم
فاعدلوا للمؤلف :ص .[37-34
) (1نزهة الفضلء (1/327) :والحديث رواه مسلم.(1828) :
) (2سير أعلم النبلء.(10/16) :
) (3صفة الصفوة.(253 ،2/252) :
) (4سير أعلم النبلء.(15/564) :
) (5نزهة الفضلء.(2/1127) :
) (6نزهة الفضلء.(2/775) :
) (7المصدر نفسه.(2/840) :
) (8سير إعلم النبلء.(5/271) :
) (9فقه الئتلف) :ص .(136
) (10المصدر نفسه) :ص .(206
) (11إعلم الموقعين.(3/359) :
) (12مدارج السالكين (2/394) :ط .دار طيبة.
)*( يقصد بشيخ السلم هنا :الهروي.
) (13مدارج السالكين (1/366) :ط .دار طيبة.
) (14مدارج السالكين (4/352) :ط .دار طيبة.
) (15كتبت في الصل ،ظهرى ،والظاهر والله أعلم أن مراده هو ما أثبته.
) (16إعلم الموقعين.(3/110) :
) (17رسالة لصديق حسن خان :تنبيه له على أخطاء وقعت له في تفسيره
صا(. من الشيخ العلمة :حمد بن عتيق) .ملخ ً
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأسأل الله سبحانه أن يحسن عاقبتنا
في المور كلها ،وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الخرة.
وفي ختام هذه الرسالة أقف وقفتين استدرك في أولهما بعض ما فاتني فيها
من مسائل تتعلق بالموضوع ،وأقف في الخرى للخص أهم ما جاء في
الكتاب من مسائل وموضوعات.
أول ً :وقفة الستدراك :
كان من بين أبواب هذه الرسالة مبحث عن السباب المؤدية إلى لزوم
الوسطية والعدل والتوازن .ولكن لما جمعت عناصر هذا الباب وجدته مشابًها
إلى حد كبير للباب الخير من رسالة )فاستقم كما أمرت() (1والذي يبحث
77
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
عن السباب المؤدية إلى لزوم الستقامة ،ولما كانت الستقامة تحمل معنى
الوسطية والعدل والتوازن فإني اكتفي بما ذكر هنالك من تفصيل لهذه
صا سريًعا لبعضها:السباب ،وأحيل إليها القارئ الكريم وأورد هنا ملخ ً
-1العلم بالشرع والبصيرة في الدين:
فكلما وجد العلم بأصول هذا الدين ومقاصده ووزنت الحركات بميزان الشرع
كانت القوال والفعال والمعتقدات مسددة قويمة عادلة متوازنة .وعلى
العكس من ذلك؛ فإن مجاوزة العدل والوسطية والتوازن في القوال
والعمال والمعتقد من أسبابها الجهل بهذا الدين وقواعده ومقاصده وأحكامه
وعدم الوزن بميزان الشرع القويم.
يقول المام ابن القيم -رحمه الله تعالى ...» :-ل يتصور حصول الستقامة
في القول والعمل والحال إل بعد الثقة بصحة ما معه من العلم ،وأنه مقتبس
من مشكاة النبوة ،ومن لم يكن كذلك فل ثقة له ول استقامة«).(2
سا في مجاوزةكما أن في العلم حرق للشبهات التي عادة ما تكون سبًبا رئي ً
العدل والوسط :إما إلى إفراط ،أو إلى تفريط؛ كما هو شأن أهل البدع
والهواء المتقابلة ،والتي تراوح بين الغلو والفراط وبين الجفاء والتفريط.
-2مصاحبة أهل العلم الربانيين وأهل الحكمة :
ن في مصاحبة أهل العلم الربانيين وأهل الحكمة والتجربة من الدعاة إ ّ
الصادقين المعروف عنهم العدل والتوازن نفع عظيم؛ لن الصاحب يؤثر على
صاحبه فينطبع بأخلقه ومنهجه .ومما يلحق بذلك مصاحبة السلف الصالح في
كتبهم وقراءة سيرهم وما كانت عليه من العدل والتوازن والتوسط بين
الفراط والتفريط .فهذا مما ُيؤّثر في صياغة التفكير والسلوك.
-3مجانبة من يعرف عنهم التسرع في المور :
)(78 /
ن في مجانبة من يعرف عنهم التسرع في المور والميل إما إلى الفراط أو إ ّ
إلى التفريط - ،سواء من بعض طلبة العلم المتعجلين أو بعض المنتسبين
للدعوة الذين زادهم من العلم قليل وحظهم من التجربة والحكمة ضئيل -
ضا يسري على في مجانبتهم حماية من الوقوع في مجاوزة العدل .وهذا أي ً
الكتب والمؤلفات التي يغلب على أصحابها قلة العدل والتوازن ،وعدم التأني
في المواقف والحداث؛ حيث ينبغي العراض عن مثل هذه الكتب والحذر
منها .وأول ما يدخل في هذا كتب أهل البدع والشبهات والهواء والشهوات
رط أو مضيع مفّرط. ف ِ
لم ْ
الذين هم بين غا ٍ
-4العمل الصالح بأداء الفرائض وكثرة النوافل :
ي مما ي عبدي بشيء أحب إل ّ فقد جاء في الحديث الصحيح» :وما تقرب إل ّ
ي بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته افترضته عليه ،وما يزال عبدي يتقرب إل ّ
كنت سمعه الذي يسمع به ،وبصره الذي يبصر به ،ويده التي يبطش بها،
ورجله التي يمشي بها ...الحديث«).(3
فمن هذا الحديث يتبين فضل العمال الصالحة وآثارها في حفظ الله عز
وجل لعبده المؤمن الذي هذا شأنه؛ وذلك بحفظ جوارحه فل يتحرك إل في
مرضات الله تعالى ،ول يبصر إل بالله ،ول يسمع إل بالله؛ ومن هذا شأنه فهو
الموفق للحق والعدل والسداد.
ومن أفضل العمال الصالحة :الصلة ،والصيام ،والذكر ،والدعوة إلى الله عز
دوا ِفيَنا
جاهَ ُ
ن َ وجل ،والجهاد في سبيل الله تعالى؛ قال سبحانهَ) :وال ّ ِ
ذي َ
78
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
79
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه» :قل :اللهم اهدني
وسددني ،واذكر بالهدى هدايتك الطريق ،والسداد سداد السهم«).(9
ثانًيا :الوقوف مع أهم ما جاء في الكتاب من مواضيع :
)(79 /
تدور أبواب الكتاب ومباحثه على إبراز هذه السمة العظيمة لهذا الدين وأهله؛
جعَل َْناك ُ ْ
م ك َ أل وهي سمة العدل والوسطية والمأخوذة من قوله تعالى) :وَك َذ َل ِ َ
ً ُ
شِهيدا( )البقرة: م َ ل عَل َي ْك ُ ْ سو ُن الّر ُكو َ س وَي َ ُ َ
داَء عَلى الّنا ِ
شهَ َ سطا ً ل ِت َ ُ
كوُنوا ُ ة وَ َ
م ً
أ ّ
من الية .(143
ومن أهم المباحث التي جاءت في الكتاب ما يلي:
] [ 1أهمية دراسة هذا الموضوع المتمثلة في تحرير معنى الوسطية ،وأنها
العدل والحق والتوازن بين طرفي الفراط والتفريط ،وأنها ليست كما يفهمها
بعض الناس في كونها اللتقاء مع الباطل في منتصف الطريق ،أو الرضى
بالحلول الوسط .كما أنها ل تعني التشدد والتضييق.
ضا في ما نعانيه اليوم من مجانبة للعدل كما برزت أهمية الموضوع أي ً
والتوازن في كثير من أصول الدين وأحكامه وأخلقه ،والنزوع فيها إما إلى
الغلو والفراط وإما إلى الجفاء والتفريط والضاعة.
كما تأتي أهمية هذا الموضوع في كون العلم به وبجوانبه المختلفة باًبا إلى
إعادة النظر في المواقف المتشددة أو المتساهلة ،وبخاصة في جانب
المعاملت والسلوك والخلق .وهذا الفهم يقود بإذن الله تعالى إلى الجتماع
والئتلف ،كما يقود إلى تفهم رأي المخالف والمعالجة العادلة لخطائه،
وإشاعة الود والتراحم بين المؤمنين وإن اختلفوا.
ً ك جعل ْناك ُ ُ
سطا (...الية ،وذلك بذكر ة وَ َم ً
مأ ّ ] [ 2تفسير قوله تعالى) :وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ
أقوال بعض المفسرين وبعض الحاديث المعينة على فهم الية الكريمة.
] [ 3ذكر الحاديث الواردة في لزوم الوسط والعدل ،والمحذرة من الغلو
والفراط أو من التفريط والضاعة ،مع شرح موجز لبعضها.
] [ 4تم تقسيم مظاهر الوسطية والعدل والتوازن في هذا الدين إلى
قسمين كبيرين:
القسم الول :مظاهرها في الخلق والتقدير:
وفي هذا القسم تم الحديث عن عظمة هذا الكون ودقة نظامه وتوازنه،
والتي تدل على عظمة خالقه عز وجل وحكمته وعدله ورحمته ،وذكرت أمثلة
متفرقة لهذا التوازن والنظام الدقيق في خلق الله عز وجل؛ سواء ما كان
منها في الفاق كخلق السموات والرض وما بينهما من الفلك ،وما على
الرض من اليات الباهرات ،أو ما كان منها في النفس وما فيها من عجيب
صنع الله تعالى ودقة نظامها ،وما فيها من التوازنات التي تبهر العقول وتحير
اللباب ،وتدل على وحدانية رب الرباب.
القسم الثاني :مظاهرها في المر والشرع :
وفي هذا القسم تم الحديث عن شريعة الله عز وجل المنزلة على نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم وما فيها من الوسطية والعدل والتوازن الواقعة بين
الفراط والتفريط .وذكرت تحت هذا القسم أربعة مباحث مهمة:
الول :مظاهرها في العقيدة وأصول الدين.
الثاني :مظاهرها في شعائر التعبد.
الثالث :مظاهرها في الجهاد والمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
80
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(80 /
وفي ختام هذه الخاتمة أتوجه إلى الله عز وجل بسؤاله الخلص والصواب
فيما أقوله وأكتبه وأعمله ،كما أسأله سبحانه الهداية للحق والعدل والنقياد
لهما والعمل بهما.
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والرض عالم الغيب
والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ،اهدنا لما اختلف فيه
من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
عصر يوم السبت
الموافق 32/3/4241هـ
______________
) (1وهي الرسالة الخامسة عشرة من سلسلة الوقفات التربوية.
) (2مدارج السالكين (3/125) :ط .دار طيبة.
) (3البخاري.(6502) :
81
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(81 /
وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً
لعل من السباب الرئيسة في تفرق وتشاحن بعض الدعاة هو ابتعادهم عن
المنهج الوسط ،فالبعض متساهل إلى درجة التفريط ،والبعض متشدد إلى
درجة الفراط.
.
ولم يقف المر عند هذا الحد ،بل تبعه تهجم وتجريح واتهام بين هذه الفئات
الثلث ) متساهل ،وسط ،متشدد( .فكل يظن أن الحق معه ،وأن الخطأ
والباطل مع غيره ) إل من رحمه الله من أهل العلم والفقه والعتدال(.
ول شك أن هذه المسألة تحتاج إلى وقفة متأنية ،خاصة أن الدلة في ضرورة
العتدال والتوسط وافرة وكثيرة ،ولكن المشكلة تكمن في تحديد ذلك
الوسط ،فالمتساهل يصف نفسه بالعتدال والتوسط ،وكذلك يفعل المعتدل
والمتشدد ،فكل يصف نفسه بأنه هو الوسط هو المتطرف.
ليت الدعاة إلى الله حرصوا على ضرورة تتبع المنهج الوسط ،وذلك بمزيد
من العلم والقفه في دين الله وما كان عليه سلف هذه المة ،فأمة السلف
هي أمة الوسط والعتدال.
والوسط ل يعني التفريط في شيء من دين الله ،وإنما هو اللتزام التام بدين
الله المبني على الفقه والوعي ومراعاة الواقع.
إن كثيرا ً من الشبهات والتهامات ) ل سيما بين الدعاة بعضهم بعضا( سوف
ً
تختفي إذا ما حرص المسلم على العتدال والتوسط واتباع منهج السلف في
ذلك ،في حين أن التساهل أو التشدد داءان سببا ً كثيرا ً من التوتر واشتعال
الخلف والقذف بالتهم وإثارة الشبهات في أوساط الدعاة.
وقد أورد الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه الصحوة السلمية بين الختلف
المشروع والتفرق المذموم( أمثلة عديدة على ضرورة العتدال والتوسط
والبعد عن التنطع والتشدد أنقل بعضها إتماما ً للفائدة ،فكان مما قال:
مما ينبغي الحرص عليه لتوحيد صف الدعين إلى السلم ،أو – على القل-
تقريب الشقة وإزالة الجفوة بينهم :اتباع المنهج الوسط الذي يتجلى فيه
التوازن والعتدال ،بعيدا ً عن طرفي الغلو والتفريط ،فهذه المة أمة وسط
في كل شيء ،ودين الله – كما أثر عن السلف -بين الغالي فيه والجافي عنه.
ومن كلمات المام علي رضي الله عنه :عليكم بالنمط الوسط ،يلحق به
التالي ،ويرجع إليه الغالي.
فالوسط هو مركز الدائرة التي ترجع إليه الطراف المتباعدة عن يمين
وشمال ،وهو يمثل الصراط المستقيم ،والذي عّلمنا الله تعالى أن نسأله
الهداية إليه كلما قرأنا فاتحة الكتاب في صلواتنا اليومية أو خارجها :اهدنا
الصراط المستقيم ) .الفاتحة :الية (6وهو الذي جاء فيه قوله تعالى :وهذا
82
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ط ربك مستقيما ً ) .النعام :الية (126وقوله تعالى :وأن هذا صراطي صرا ُ
صاكم بهمستقيما ً فاتبعوا ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم و ّ
لعلكم تتقون ) .النعام :الية (153
ويلزم في اتباع المنهج الوسط أن يتجنب المسلم التنطع في الدين وهو ما
أنذر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الهلك ،فيما وراه عنه ابن مسعود
رضي الله عنه قال :هلك المتنطعون قالها ثلثًا) .رواه مسلم( سواء كان هذا
القول إخبارا ً عن هلكهم أو دعاء عليهم.
والمتنطعون -كما قال المام النووي :المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود
في أقوالهم وأفعالهم ) .شرح النووي على مسلم ،ج ،5ص (225
وقال غيره :المراد بالمتنطعين :الغالون في عباداتهم ،بحيث يخرج عن
قوانين الشريعة ،ويسترسل مع الشيطان في الوسوسة .وقيل :المتعنتون
في السؤال عن عويص المسائل التي يندر وقوعها.
ومنه :الكثار من التفريع على مسألة ل أصل لها في كتاب ول سنة ول
إجماع ،وهي نادرة الوقوع ،فيصرف فيها زمنا ً كان صرفه في غيرها أولى،
سيما إن لزم منه إغفاله التوسع في بيان ما يكثر وقوعه.
وأشد منه :البحث عن أمور معينة ،ورد الشرع باليمان بها مع ترك كيفيتها،
ومنه ما ل يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن الساعة والروح
ومدة هذه المة إلى أمثال ذلك مما ل يعرف إل بالنقل الصرف.
وقال بعضهم :مثال التنطع إكثار السؤال حتى يفضي بالمسؤول إلى الجواب
بالمنع ،بعد أن يفتي بالذن(1).
وكل هذا من الحرج الذي نفاه الله عن هذا الدين القائم على التيسير ل
التعسير ،والتبشير ل التنفير.
وروى ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم :إياكم والغلو في الدين ،فإنما
هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين (2).
ول ريب أن التنطع والغلو في الدين يدفع إلى التشديد في المور الصغيرة،
والضيق بكل مخالف فيها ،على حين تكون السماحة واليسر من أسباب
التقارب والوفاق.
وهذه الروح هي التي جعلت الصحابة ومن تبعهم بإحسان يتسامحون في
الفروع الجزئية ،ول تضيق صدورهم بالخلف فيها ،بل كانوا ينكرون على من
يجعل البحث عن هذه المور شغله الشاغل ،ول يرحبون بهذا النوع من
السؤال الذي ل يأتي من ورائه إل التشديد.
والقرآن نفسه نبه على هذا الصل حين قال :يا أيها الذين آمنوا ل تسألوا عن
أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ُينّزل القرآن تبد لكم عفا الله
عنها والله غفور حليم ) .المائدة :الية (101
)(1 /
والنبي صلى الله عيله وسلم يحذر من كثرة السئلة التي تنتهي بالتشديد
على المسلمين ،وذلك حين قال :إن أعظم المسلمين جرما ً رجل سأل عن
شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته ) .رواه البخاري ومسلم عن سعد بن
أبي وقاص(
ً ً
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ما سألوه إل عن ثلث عشرة مسألة حتى
قبض ،كلهن في القرآن ،منهن :يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل
83
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
قتال فيه كبير ،ويسألونك عن المحيض قال :ما كانوا يسألونه إل عما
ينفعهم.
وقال ابن عمر :ل تسأل عما لم يكن ،فإني سمعت عمر بن الخطاب يلعن
من سأل عما لم يكن.
وقال القاسم :إنكم تسألون عن أشياء ما كنا نسأل عنها وتنقرون) (3عن
أشياء ما كنا ننقر عنها ،تسألون عن أشياء ما أدري ما هي ولو علمناها ما حل
لنا أن نكتمها.
ت من أصحاب رسول الله صلى الله ن أدرك ُ
م ْ
وعن عمر بن إسحاق قال :ل َ
ً
عليه وسلم أكثر ممن سبقني منهم ،فما رأيت قوما أيسر سيرة ول أقل
تشديدا ً منهم.
وعن عبادة بن يسر الكندي ،وقد سئل عن امرأة ماتت مع قوم ليس لها
ولي ،فقال :أدركت أقواما ً ما كانوا يشددون تشديدكم ،ول يسألون مسائلكم)
) (4انتهى كلم الدكتور القرضاوي ().(5
هذه بعض المثلة على ضرورة فهم الدين على قاعدة التوسط والعتدال
والبتعاد عن الغلو التنطع ،فهل يا ترى فقه الدعاة هذه القاعدة وعملوا
بمقتضاها؟ وهل يا ترى رحمنا أنفسنا وحفظنا دعوة ربنا باتباعنا هذا المنهج
الرباني الكريم ؟
) (1فيض القدير :ج ،6ص .355
) (2رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان عن ابن عباس رضي
الله عنهما.
) (3تنقرون :من التنقير وهو التفتيش والستقصاء في البحث المبالغ فيه.
) (4أخرج هذه الثار الدارمي :حجة الله البالغة ،ج ،1ص .141-140
) (5يوسف القرضاوي ،الصحوة السلمية بين الختلف المشروع والتفرق
المذموم ،دار الصحوة ،ص . 104 - 95
المراجع د .علي الحمادي ،خفافيش أعماها النهار ،ص 68-62
)(2 /
ول تفرقوا
د .علي بادحدح ـ إسلم تايم
ل توجد أمة من المم دعيت إلى الوحدة والئتلف ونهيت عن الفرقة
والختلف مثل المة السلمية ،لن النظام الجتماعي ل يكمل إل في ظل
الوفاق والوئام ،وحال الناس ل تصلح إل مع التعاطف والتآلف ،ويدرك العقلء
أن القوة ل تكون إل مع الوحدة ،وأن الذلة تكمن في الفرقة كما قال الشاعر
:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا ً ** وإذا افترقن تكسرت آحادا ً
والعرب تقول :
"المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ".
ولذا جاء النداء القرآني المصدر بالوصف اليماني داعيا ً إلى الوحدة وناهيا ً
عن الفرقة فقال تعالى } :يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ول تموتن
إل وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعا ً ول تفرقوا واذكروا نعمة الله
عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ً وكنتم على
شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون {.
والمتأمل يرى غاية الحكام في هذه الوامر اللهية ،بل المنح الربانية ،حيث
84
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
بدأت بلزوم التقوى حتى الممات ،ثم جاء المر بالعتصام بحبل الله إشارة
إلى أن طريق تحقيق التقوى واستمرارها ل يكون إل بالعتصام ،ثم نهى عن
الفرقة التي تقطع الطريق وتشوه جمال التقوى ،وبعد ذلك بّين الله تعالى
أن التقوى والعتصام والبعد عن الفرقة يحتاج إلى أمر مهم يكملها
ويحفظها ،فجاء ذكر الخوة اليمانية التي تربط بين القلوب ،وتجمع بين
وحد بين الصفوف ،وتسمو فوق الرغبات الشخصية والنانية الجهود ،وت ّ
الفردية ،كما تتجاوز الخلفات الهامشية والقضايا الجانبية ؛ لن أصلها المكين
،وأساسها المتين هو العقيدة الواحدة ] التوحيد [ ،والقدوة الواحدة
] الرسول [ ،والمنهج الواحد ] السلم [ ،وكلها عواصم من القواصم .
وتشريعات السلم دعوة عملية دائمة للوحدة ،فالمة المسلمة تصوم
شهرها في وقت واحد ،وتؤدي نسكها في زمان ومكان واحد بهيئة واحدة ،
وفي كل يوم يستجيب المسلمون لنداء واحد في صف واحد خلف إمام واحد
في صفوف قد تراصت فل خلل بينها ول عوج فيها ،وفوق هذا ؛ فإن للمسلم
على المسلم حقوقا ً تقوي أواصر المحبة ،وتوطد عرى الوحدة ،وهناك آداب
إسلمية بين أبناء المجتمع تشيع المودة ،من تبسم في الوجه وحض على
الزيارة ،وطلب لحسن الظن ،ودعوة للتماس العذر ،وتشجيع على
التسامح والعفو ،كما أن هناك معالم إنسانية تذيب الفوارق العرقية ،
وتقضي على النعرات العصبية ،ول ننسى المناهي التي جاءت لئل يخدش
صفاء المحبة ،ولئل يقوض بنيان الوحدة ،حيث جاء النهي عن سوء الظن
والغيبة والنميمة والتجسس والتباغض والتدابر إلى غير ذلك من المور التي
تبين أن السلم دين الوحدة الذي يحارب في مجتمعاته الفرقة .
هذا هو دين المسلمين فما بالهم إذن متفرقين؟
لقد فطن العداء إلى أهمية الوحدة وتأثيرها فعملوا على تمزيق الوحدة بين
المسلمين ،وإشاعة الفرقة في صفوفهم ،فحولوا دولتهم الواحدة إلى
دويلت ،وسلطوا على عقيدتهم الراسخة البدع والخرافات ،ونشروا في
مجتمعاتهم أسباب الفساد والنحراف ،وبدلوا شريعتهم الواحدة بقوانين
مختلفة ،وتشريعات وضعية متباينة ،ثم أدخلوا آراء واجتهادات ما أنزل الله
بها من سلطان ،إلى غير ذلك من السباب التي ساهم فيها البعض من باع
دينه وأمته وكان عونا ً للعداء ،فكانت النتيجة هذا التباعد المخيف ،والفرقة
المحزنة على مستوى الدول والمجتمعات والجماعات ،بل والسر
والعائلت .
ولذا لبد أن تكرس جهود القادة الصادقين والعلماء العاملين والدعاة
المخلصين للتأكيد على أهمية الوحدة ،وضرورة إحيائها وإذكاء روحها مع
الحرص على البحث عن أسباب الفرقة ،وبيان مخاطرها وأضرارها ،ولبد
أن تتضافر الجهود في منهج متكامل لهذه الغاية وذلك عبر المناهج التعليمية ،
والوسائل العلمية ،والخطب المنبرية ،والدروس العلمية ،والكتب الثقافية
وغيرها ،فالمر يستحق كل ذلك وأكثر.
)(1 /
85
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ن ب ِهِ ه الذي َتساَءُلو َ قوا الل ّ َ جال ً ك َِثيرا ً وَِنساًء ،وات ّ ُ من ُْهما رِ َ ث ِ جها ،وَب َ ّ مْنها َزوْ َ ِ
هّ
قوا الل َ مُنوا ات ّ ُ نآ َ ّ
م َرِقيبا?] النساء? .[1:يا أي َّها الذي َ ً ُ
ن عَلي ْك ْ َ ه كا َ ّ
ن الل َ مإ ّ والْرحا َ
ّ
مون? ]آل عمران ? .[102:يا أي َّها الذين َ ّ
سل ِ ُم ْ م ُ ن إ ِل وأن ْت ُ ْ موت ُ ّ حقّ ُتقات ِهِ َول ت َ ُ َ
م،م ذ ُُنوب َك ُْ فْر ل َك ُْ غ
َْ ِ ي و م،ْ ُ ك َ ل عما ْ ْ أ م ُ ك َ ل ح لص
ُ ْ ِ ْ ي ً ا ديدَ ِ س ً ل ْ و َ ق لوا ُ قوُ َ و له ّ ال قواُ ّ ت ا منوا آ َ
ظيمًا? ]الحزاب.[71: قد ْ َفاَز فَوَْزا ً عَ ِ ه فَ َ سول َ ُ ه وََر ُ ن ي ُط ِِع الل ّ َ م ْ وَ َ
سِبيل ً ? ساء َ ة وَ َ ش ً ح َن َفا ِ كا َه َ قَرُبوا ْ الّزَنى إ ِن ّ ُ قال الله تبارك وتعالى ? :وَل َ ت َ ْ
]السراء ، [32:قال العلماء :إن الزنا كالقتل لن فيه إراقة للنطفة وسفح لها
في غير محلها ،فلو كان منها ولد لكان مقطوع النسب ،مقطوع الصلة،
ساقط الحق ،فمن تسبب في وجوده على هذه الحالة فكأنه قتله ،ولهذا
بعدما نهى الله عن الزنا الذي هو كقتلهم ،لنه سبب لوجودهم غير مشروع.
قَرُبوا ْ الّزَنى ? فهو في النهي أبلغ وآكد من ولتزنوا، وفي قوله تعالى ? :وَل َ ت َ ْ
فهو يعني النهي عن مجرد القتراب من هذه الجريمة وتحريمه ،ل بالقلب ول
بالجوارح ،وقد جاءت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال" :كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك ل محالة فالعينان
زناهما النظر ،والذنان زناهما الستماع ،واللسان زناه الكلم ،واليد زناها
البطش ،والرجل زناها الخطى ،والقلب يهوى ويتمنى ،ويصدق ذلك الفرج أو
يكذبه")( فزنا هذه الجوارح دنو من الزنا الحقيقي ومؤد إليه.
أيها المؤمنون :إن السلم ليس دين خيال ولكنه الدين القيم الذي ينطلق
من الواقع الذي يعيشه النسان هذا النسان المخلوق العجيب الذي ركب الله
فيه الغرائز والعواطف ولم يكن ليتركه همل ً ليحقق إشباعها على طريقة
الحيوان البهيم ،فالنسان خلقه الله من قبضة طين ونفخة روح ،نفخ فيه من
روحه وأسجد له ملئكته ،وسخر الكون بما فيه من مخلوقات ،أعطى
لجسده حظه من الحياة وأعطى لروحه العلوية حظها من العبادة والطاعة
والسمو والرفعة وأي خلل أو طغيان في توازن الجسد والروح يفسد النفس
النسانية ويعرضها للفات الجسمية والروحية.
ومن أقوى الغرائز التي ركبها الله في جسد النسان غريزة الجنس وقد
جعلها الله هكذا لهداف سامية وحكم عالية تستهدف عمارة الكون وعبادة
الخالق جل عل .وغريزة الجنس هي نقطة الضعف التي يتسلل منها
الشيطان ليخرب البشرية ويقلب عليها نظام الحياة رأسا ً على عقب ويعطل
َ
ريد ُ م وَي ُ ِ ب عَل َي ْك ُ ْ ريد ُ أن ي َُتو َ ه يُ ِ رسالة النسان في الحياة قال تعالىَ ? :والل ّ ُ
َ َ
ق
خل ِ َم وَ ُ عنك ُ ْ ف َ ف َ خ ّ ه أن ي ُ َ ريد ُ الل ّ ُ ظيما ً ي ُ ِ مي ْل ً عَ ِ ميُلوا ْ َ ت أن ت َ ِ وا ِ شهَ َ ن ال ّ ن ي َت ّب ُِعو َ ذي َ ال ّ ِ
ضِعيفا ً ?]النساء.[28-27: ن َ سا ُ لن َ ا ِ
ولما كان لغريزة الجنس هذه القوة الطاغية على النفس البشرية فإننا نجد
أن السلم قد وضع لها الضوابط وسن لها السنن وعبد لها الطريق وأقام لها
الشارات التي تضبط حركتها في الحياة حتى ل تصطدم بسنة الله في
الخلق .إن الضوابط والشارات الشرعية التي تنظم حياة الناس هي بمثابة
الضوابط والشارات المرورية التي تنظم حركة السير وتضبط أموره ..
وانظروا رحمكم الله لسائق مجنون يقود سيارة بل كوابح ..ل يلقي بال ً
للشارات الضوئية حمراء أو خضراء وإنما ينطلق في سرعة جنونية ل تلوى
على شي ،لشك بأن من كان كذلك فإن نهايته محتومة ولكن بعد أن يقتل
ويدمر ويهلك الحرث والنسل .وكذلك هو الحال بمن تجاوز الضوابط
الشرعية وخالف تعاليمها ،فإن مآله إلى تباب وخسران وهذا ما نراه اليوم
في الذين يخالفون أمر الله ويستحلون الزنا.
أيها المؤمنون :لقد حمى الله العباد من فاحشة الزنا بتدابير وقائية عملية
86
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
عديدة تصل في النهاية إلى إيجاد مجتمع عفيف طاهر نظيف من الزنا
والخنى والفواحش ومن تلك التدابير:
إن الله أمر بتيسير الزواج الحلل الطيب وأمر بإعانة من لم يتزوج من
الرجال والنساء ،فإن كانوا فقراء فإن الله سيهيء لهم وسائل العيش الكريم
إن أرادوا تحصنا ً وعفة ،قال تعالى مخاطبا ً الولياء المسئولين عن تزويج
َ َ
م ?...ـ العزاب من الجنسين ـ ? منك ُ ْ مى ِ حوا اْلَيا َ البنات والشباب ? وَأنك ِ ُ
من فَ ْ
ضل ِهِ ? م الل ّ ُ
ه ِ كوُنوا فُ َ
قَراء ي ُغْن ِهِ ُ م ِإن ي َ ُ مائ ِك ُ ْ
م وَإ ِ َ عَبادِك ُ ْ
ن ِ
م ْ
ن ِحي َ
صال ِ ِ
َوال ّ
] النور.[32 :
)(1 /
ثم تأتي اليات القرآنية تبين للذين ل يجدون القدرة على مؤونات النكاح
والقيام بتكاليف الزواج بأن عليهم أن يسلكوا سبيل العفة حتى يهيء الله لهم
ن َل ذي َ ف ال ّ ِ ف ِ ست َعْ ِ من فضله مال ً يستطيعون به الزواج كما قال تعالى ? :وَل ْي َ ْ
ضل ِهِ ]?...النور.[33 : من فَ ْ ه ِ م الل ّ ُ حّتى ي ُغْن ِي َهُ ْ كاحا ً َ ن نِ َ دو َ ج ُ يَ ِ
ويوجه النبي صلى الله عليه وسلم الشباب بالزواج لمن يقدر ويصف الصوم
لمن عجز عن الزواج فقال" :يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة
فليتزوج ،فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ،ومن لم يستطع فعليه بالصوم
فإنه له وجاء")(
ومما يساعد على العفة والبتعاد عن السباب التي تؤجج الشهوات وتوقع في
الحرام ،غض البصر وعدم إطلقه بشهوة لن البصر هو الداة الولى لثارة
كوامن الجنس في النفس النسانية ومن روعة القرآن أنه يبين هذا المر بيان
ف ال ْ َ َ
خِبيُر ? طي ُ خل َقَ وَهُوَ الل ّ ِ ن َ م ْ م َ العليم بالطبيعة البشرية الخبير لها ? :أَل ي َعْل َ ُ
]الملك.[14 :
وفي بيان الله لنا في القرآن الكريم ترغيبا بأن نرتقي بأنفسنا ونصعد بها من ً
نمِني َ مؤ ْ ِ البتذال والفوضى إلى السمو والطهر والعفاف قال تعالىُ ? :قل ل ّل ْ ُ
ماخِبيٌر ب ِ َ ه َ ن الل ّ َ م إِ ّ كى ل َهُ ْ ك أ َْز َ م ذ َل ِ َ جهُ ْ ظوا فُُرو َ ف ُ ح َ م وَي َ ْ صارِهِ ْ
يغُضوا م َ
ن أب ْ َ ِ ْ َ ّ
َ ْ َ ْ ّ
ن
دي َ ن وَل ي ُب ْ ِ جهُ ّ ن فُُرو َ فظ َ ح َ ن وَي َ ْ صارِهِ ّ ن أب ْ َ م ْ ن ِ ض َ ض ْ ت ي َغْ ُ مَنا ِ مؤ ْ ِ ن وَُقل لل ُ صن َُعو َ يَ ْ
ن إ ِلّ ن زين َت َهُ ّ دي َ ن وَل ي ُب ْ ِ َ جُيوب ِهِ ّ ن عَلى ُ َ مرِهِ ّ خ ُ ن بِ ُ ضرِب ْ َ ْ
من َْها وَلي َ ْ ما ظهََر ِ َ ّ
ن إ ِل َ ِزين َت َهُ ّ
خ ِوان ِهن أوَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ
ن أوْ إ ِ ْ َ ِ ّ ْ ن أوْ أب َْناء ب ُُعولت ِهِ ّ ن أوْ أب َْنائ ِهِ ّ ن أوْ آَباء ب ُُعولت ِهِ ّ ن أوْ آَبائ ِهِ ّ ل ِب ُُعول َت ِهِ ّ
َ َ َ َ َ َ
ن غَي ْ ِ
ر ن أوِ الّتاب ِِعي َ مان ُهُ ّ ت أي ْ َ مل َك َ ْ ما َ ن أوْ َ سائ ِهِ ّ ن أوْ ن ِ َ وات ِهِ ّ خ َ ن أوْ ب َِني أ َ وان ِهِ ّ خ َ ب َِني إ ِ ْ
ساء وََل ن ال ت را و ع لى َ ع روا هْ ظ ي م َ ل ن ذي ّ ل ا ل ْ فّ ط ال و َ أ ل ْ ُ
ّ َ َ َْ ِ َ ِ َ ْ َ َ ُ ِ ِ أوِْلي ا ِ ْ َ َ ِ ِ َ ّ َ ِ
جا ر ال ن م ة ب ر ل
ميعا ً أ َي َّها ج ِ ن وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ من ِزين َت ِهِ ّ ن ِ في َ خ ِ ما ي ُ ْ م َ ن ل ِي ُعْل َ َ جل ِهِ ّ ن ب ِأْر ُ ضرِب ْ َ يَ ْ
ن ?] النور.[31-30 : حو َ فل ِ ُ م تُ ْ ن ل َعَل ّك ُ ْ مُنو َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
وهكذا نرى القرآن الكريم يعالج الفساد في علقات الجنسين من بداية
الطريق إلى نهايته ،فل يكفي أن يصون النسان نفسه عن لحظات النحراف
والسقوط والوقوع في الثم بل عليه أن يمتنع عن المقدمات التي توقع في
الثم وذلك بصيانة النظر عن المغريات إذ النظر هو المدخل الساسي
لتسرب الشهوة إلى النفس وطغيانها.
والله الخالق العليم بخلقه يعلم بغرائز النسان ،فمهما حاول المرء أن يكون
شريفا ً متساميا ً فل يملك أن يضبط نفسه أمام نظر مثير من مفاتن المرأة أو
أمام نظرات مشحونة بالغراء ،أو حركات مليئة بالثارة ولهذا السبب بين
الله السبيل الذي يجنب من الوقوع في هذه الفات بهذه اليات الجامعة التي
ذكرها ومن وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب
87
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
رضي الله عنه وأرضاه أنه قال له" :يا علي ل تتبع النظرة النظرة ،فإن لك
الولى وليست لك الخرة")(
بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم النظرات الشرهة من أحد الجنسين إلى
الخر زنا كما قال عليه الصلة والسلم "العينان تزنيان وزناهما النظر")(
وإنما سماه النبي صلى الله عليه وسلم زنا لنه نوع من التلذذ والشباع
للغريزة الجنسية بغير الطريق المشروع.
ولهذا نهى الله عباده عن النظرات الخائنة وحذرهم منها وأمرهم بغض
خائ ِن َ َ ْ َ
دوُر ? ]غافر:
ص ُفي ال ّ خ ِ
ما ت ُ ْ
ن وَ َ ة العْي ُ ِ م َأبصارهم كما قال تعالى ? :ي َعْل َ ُ
[19وهي استراق النظر إلى مال يحل ،وقال مجاهد خائنة العين نظرها إلى
ما نهى الله عنه.
ُ َ
م ]?...النور[30: فظوا فُُرو َ
جهُ ْ ح َ
م وَي َ ْ صارِهِ ْن أب ْ َ م ْضوا ِ ن ي َغُ ّ
مِني َ وقالُ ? :قل ل ّل ْ ُ
مؤ ْ ِ
قال أبو حيان في تفسيره :قدم غض البصر على حفظ الفرج لن النظر بريد
الزنا ورائد الفجور ..وهو الباب الكبر إلى القلب ،فإن النظرة تولد خطرة ثم
تولد الخطرة فكرة ،ثم تولد الفكرة شهوة ثم تولد الشهوة إرادة ثم تقوى
فتصير عزيمة جازمة فيقع الفعل ولبد ما لم يمنع مانع ولهذا قيل:
كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بل قوس ول وتر
والعبد مادام ذا عين يقلبها في أعين الغير موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته ل مرحبا ً بسرور عاد بالضرر
)(2 /
وفي مسند المام أحمد عن أبي أملحة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من مسلم ينظر إلى محاسن إمرأة أول مرة ثم يغض بصره إل أحدث
الله له عبادة يجد حلوتها")( وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن من غض بصره
عما حرم الله يحصل له ثلث فوائد :أحدها حلوة اليمان ولذته التي هي
أحلى وأطيب مما تركه لله ،فإن من ترك شيئا ً لله عوضه خيرا ً منه .والثانية:
أن غض البصر يورثه نور القلب .والثالثة :قوة القلب وثباته وشجاعته.
وفي الثر كل عين باكية يوم القيامة إل عينا ً غضت عن محارم الله وعينا ً
سهرت في سبيل الله وعينا ً بكت من خشية الله.
ُ صَر َوال ْ ُ
ن
كا َك َ ل أولئ ِ َ ؤاد َ ك ُ ّف َ معَ َوال ْب َ َس ْ
ن ال ّ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ? ...إ ِ ّ
ؤول ً ?]السراء.[ 36:
س ُ
م ْ
ه َ
عَن ْ ُ
الخطبة الثانية:
من التدابير الوقائية التي وضعها السلم للمسلمين لتحميهم الفاحشة
والوقوع في الزنا النهي عن التبرج فقد نهى الله المرأة عن إظهار محاسنها
للرجال الجانب واعتبره عمل ً شائنا ً قبيحا ً كما اعتبره من مخلفات الجاهلية
ة
جاهِل ِي ّ ِج ال ْ َن ت َب َّر َ
ج َالتي كانت قبل السلم قال الله تعالى ...? :وََل ت َب َّر ْ
لوَلى ] ?...الحزاب[33 :والتبرج هو التكشف والظهور للعيون بالزينة وإبداء اُْ
المحاسن وقد نهى السلم عن هذا التبرج لنه يؤدي إلى إضرار المجتمع
وإفساده من تحريض على الفساد واغتصاب النساء ،أو التحرش بهن ،كما
يحصل في كثير من البلدان والسواق.
كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من لبس الثياب الفاضحة التي تشف
عما تحتها ل تسترها عن أعين الناظرين ،فقد وصف صنفا ً من أهل النار
بقوله" :ونساء كاسيات عاريات مائلت مميلت رؤوسهن كأسنمة البخت
88
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
المائلة ل يدخلن الجنة ول يجدن ريحها ،وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا
كذا")(
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن استعمال العطور ذات
الروائح العبقة التي تثير الغرائز الجنسية وذلك عند خروجهن من منازلهن إلى
السواق والماكن التي يتواجد بها الرجال ،فقال" :أيما امرأة استعطرت ثم
خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ،وكل عين زانية")(
وثمة خطر كبير على العفة ومحرض شنيع على الفحشاء أل وهو خلوة الرجل
بالمرأة الجنبية .بعيدا ً عن رقابة الهل ،وقد يحصل من ذلك ما ل تحمد
عقباه ،وقد تتطور هذه الخلوة إلى الوقوع في الفاحشة ،وهناك أخطار كبيرة
تنشأ عن اختلء الجنسين بدون رقابة الهل وانعدام المحرم يقول الرسول
صلى الله عليه وسلم" :ل يخلون رجل بامرأة إل ومعها ذو محرم ول تسافر
المرأة إل مع ذي محرم")( وقال صلوات الله وسلمه عليه" :ل يخلون رجل
بامرأة إل كان ثالثهما الشيطان")(
ومن المور التي يتساهل بها الناس ول سيما النساء أنهن يتساهلن ول يتوقين
من الختلء بالرجال من أقاربهن أو أقارب الزوج من غير محارمهن بحجة
القرابة وفي ذلك خطر كبير ،فمخالطة القريب قد تكون أشد خطرا ً من
مخالطة الغريب ،فالغريب بحكم ضعف صلته بالسرة ينظر إليه بعين الحذر،
والقريب بحكم القرابة يتساهل معه وتتاح له فرص اللقاء والكلم والخلوة
أحيانًا ،وهذه مسالك الغواء والفساد ،ولقد أحتاط السلم لهذه الحالت
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم مخالطة القريب كالموت في خطورتها
حين قال" :إياكم والدخول على النساء فقال رجل من النصار أرأيت الحمو
قال الحمو الموت")(.
ل تخلو بامرأة لديك بريبة لو كنت في النساك مثل بنان
واغضض جفونك عن ملحظة النسا ومحاسن الحداث والصبيان
إن الرجال الناظرين إلى النسا مثل الكلب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أكلت بل عوض ول أثمان
أيها المسلمون جميعا ً كل منا يحتاج إلى كشف الكربات التي تصادفه في
الدنيا وكشف كربات القيامة أولى وقد ورد أن البعد عن الزنا ومقدماته سبب
عظيم من أسباب تفريج الكربات ،كما في قصة الثلثة الذين انطبق عليهم
الغار ،فاستصرخ كل منهم ربه بعمله الخالص الذي قدمه ،وكان من أعمال
أحدهم أنه راود يوما ً امرأة في الحرام فلما وقع منها موقع الرجل من امرأته
قالت له يا هذا اتق الله ول تفض الخاتم إل بحقه ،فخاف الله وأقلع عنها
وكان هذا العمل سببا ً لرفع جزء من الصخرة والخروج من الكرب وكذلك
يفرج الله عن عباده المؤمنين العالمين به حال الضراء إذا مسهم الضر ونزل
بهم البلء.
ً
فتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
راجعه /عبد الحميد أحمد مرشد
صحيح مسلم :باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره:الحديث رقم) :
(2657عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
صحيح البخاري :كتاب النكاح :باب :قول النبي صلى الله عليه وسلم) :من
استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر أحصن للفرج( .وهل يتزوج
من ل أرب له في النكاح:الحديث رقم (4778) :و أخرجه مسلم في نكاح،
باب :استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ،رقم. (1400 ) :
سنن أبي داؤود ،1/652حديث رقم ،2149 :وحسنه اللباني .
89
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(3 /
مسند أحمد ،8507 ،343 /2وقال الرنؤوط :إسناده صحيح على شرط
مسلم .
مسند أحمد ،5/264حديث رقم ،22332 :وقال شعيب الرنؤوط :إسناده
ضعيف جدًا.
صحيح مسلم :باب النار يدخلها الجبارون ،والجنة يدخلها الضعفاء:الحديث
رقم (2128) :عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
سنن الدارمي ،2/362حديث رقم ،2646 :وقال حسين سليم أسد :إسناده
صحيح مرسل ً وهو صحيح موصول أيضًا.
صحيح البخاري :كتاب النكاح :باب :ل يخلون رجل بامرأة إل ذو محرم،
والدخول على المغيبة:الحديث رقم . (110) :وصحيح مسلم :باب سفر
المرأة مع محرم إلى حج وغيره ::الحديث رقم .(1341):عن ابن عباس
رضي الله تعالى عنهما .
المستدرك ،1/199حديث رقم ، 390 :وصححه الذهبي في التلخيص.
صحيح البخاري :كتاب النكاح :باب :ل يخلون رجل بامرأة إل ذو محرم،
والدخول على المغيبة :الحديث رقم (4934):عن عقبة بن عامر .وصحيح
مسلم :باب تحريم الخلوة بالجنبية والدخول عليها:الحديث رقم. (2172) :
)(4 /
م سل َ
ك ب ِهِ عل ٌ ف ما َلي َ
ول تق ُ
عبدالعزيز بن ناصر الجليل
قال الله عّز وجل:
ه ّ ُ
فؤاد َ كل أولئك كان عن ُ َ صَر وال ُ معَ والب َ َ
س ْ
ن ال ّمإ ّ َ
س لك ب ِهِ عل ٌ ف ما َلي َ} ول تق ُ
مسؤول ً { ]السراء.[36 :
يقول المام ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الية" :قال علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما :يقول :ل تقل.
وقال العوفي عنه :ل ترم ِ أحدا ً بما ليس لك به علم.
وقال محمد ابن الحنفية :يعني شهادة الزور.
مت ،ولم تعلم، وقال قتادة :ل تقل :رأيت ،ولم تر ،وسمعت ،ولم تسمع ،وعل ِ
ن الله تعالى سائلك عن ذلك كّله. فإ ّ
ن الذي هو ن الله تعالى نهى عن القول بل علم ،بل بالظ ّ ومضمون ما ذكروه أ ّ
م
ن إث ٌ ّ
ض الظ ّ ن بع َنإ ّ ً
هم والخيال ،كما قال تعالى } :اجتنُبوا كثيرا من الظ ّ التو ّ
{ )الحجرات.(12:
ويقول سّيد قطب رحمه الله تعالى عند هذه الية:
"وهذه الكلمات القليلة تقيم منهجا ً كامل ً للقلب والعقل ،يشمل المنهج
العلمي الذي عرفته البشرية حديثا ً جدًا ،ويضيف إليه استقامة القلب ومراقبة
الله ،ميزة السلم عن المناهج العقلية الجاّفة.
ل حركة قبل الحكم عليها؛ هو ل ظاهرة ومن ك ّ ل خبر ومن ك ّ فالتثّبت من ك ّ
دعوة القرآن الكريم ،ومنهج السلم الدقيق ،ومتى استقام القلب والعقل
ل للوهم والخرافة في عالم العقيدة ،ولم يبق على هذا المنهج لم يبق مجا ٌ
ل للظن والشبهة في عالم الحكم والقضاء والتأمل ،ولم يبق مجال مجا ٌ
للحكام السطحية والفروض الوهمية في عالم البحوث والتجارب والعلوم.
90
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
والمانة العلمية التي يشيد بها الناس في العصر الحديث ليست سوى طرف
من المانة العقلية القلبية التي يعلن القرآن تبعتها الكبرى ،ويجعل النسان
مسؤول ً عن سمعه وبصره وفؤاده ،أمام واهب السمع والبصر والفؤاد.
إّنها أمانة الجوارح والحواس والعقل والقلب ،أمانة يسأل عنها صاحبها وتسأل
عنها الجوارح والحواس والعقل والقلب جميعًا ،أمانة يرتعش الوجدان لدّقتها
وجسامتها كّلما نطق اللسان بكلمة ،وكّلما روى النسان رواية ،وكّلما أصدر
حكما ً على شخص أو أمر أو حادثة".
م { ول تتبع ما لم تعلمه علم اليقين ،وما لم سل َ
ك ب ِهِ عل ٌ ف ما لي َ } ول تق ُ
سر أو واقعة حته :من قول ُيقال ورواية ُتروى ،ومن ظاهرة ُتف ّ تتثّبت من ص ّ
ُتعّلل ،ومن حكم شرعي ،أو قضية اعتقادية.
ن فإّنه أكذب الحديث" ،وفي سنن أبي داود" :بئس وفي الحديث" :إّياكم والظ ّ
مطية الّرجل :زعموا" ،وفي الحديث الخر" :إن أفرى الفرى أنُ :يري الّرجل
عينيه ما لم تريا".
وهكذا تتضافر اليات والحاديث على تقرير ذلك المنهج الكامل المتكامل
الذي ل يأخذ العقل وحده بالتحّرج في أحكامه والتثّبت في استقرائه؛ إّنما
وراته ،وفي مشاعره وأحكامه ،فل يصل ذلك التحّرج بالقلب في خواطره وتص ّ
يقول اللسان كلمة ،ول يروي حادثة ،ول ينقل رواية ،ول يحكم العقل حكمًا،
ل ملبسة ومن ك ّ
ل ل جزئية ومن ك ّ ول يبرم النسان أمرا ً إل وقد تثّبت من ك ّ
دي للتي ن هذا القرآن َيه ِ حتها } :إ ّك ول شبهة في ص ّ نتيجة ،فلم يبق هنالك ش ّ
م) { ...السراء.(9: ي أقو ُه َ
نم ْ َ
ن التفريط في هذا المنهج العظيم الذي أوصى الله به عباده المؤمنين ،ل ِ إ ّ
أعظم أسباب الفرقة والعدوان والبغضاء ،فكم من مظلوم في ماله أو بدنه
أو عرضه كان سبب ذلك التسّرع في نقل الخبار وإشاعتها دون تمحيص
وتثّبت ،وكم من أواصر وصلت قطعت بين الرحام والخوان كان سببها عدم
التثّبت والقول بالظنون أو بل علم ،بل كم قامت من حروب وفتن وأساسها
أخبار وشائعات وظنون وُتهم باطلة.
ل مسلم يريد لنفسه الّنجاة في الدنيا من أجل ذلك كان لزاما ً على ك ّ
والخرة ،وأل ّ يكون سببا ً في ظلم العباد وإثارة الفتن ،أن يعي معنى الية
السابقة ويطّبقها في حياته فيتثّبت من كلمه قبل أن يدلي به للّناس ،ويتثّبت
من سماعه فل ينقل عن أحد ما لم يقله أو يقصده ،ويتثّبت في أحكامه
ومواقفه.
ن منهج التثّبت في القول والنقل والسماع ل يستغني عنه مسلم مهما كان وإ ّ
مستواه من العلم والثقافة ،فالعالم في تعليمه العلم ل بد ّ له من التثّبت فيما
ينقل من العلم والقوال والروايات ،والقاضي ل بد ّ له من التثّبت من البيانات
والشهود وتفاصيل القضايا ،والمفتي ل بد ّ له من التثّبت من الدّلة وتفاصيل
الواقعة التي يريد أن يفتي فيها ،والداعية ل بد ّ له من التثّبت فيما يدعو الّناس
إليه بأّنه الحق ،كما أّنه محتاج إلى التثّبت في نقل الخبار وسماعها وفهمها
مة الناس محتاجون إلى التثّبت فيما يتناقلونه من الخبار والحكم عليها ،وعا ّ
ويسمعونه عن الشخاص أو الهيئات أو الحوال ،وبقية طبقات الّناس من
ل أولئك محتاجون إلى هذا جار وساسة وعسكريون...إلخ ،ك ّ إعلميين وت ّ
المنهج السامق الذي أوصى الله عّز وجل به ،وإل يأخذ به المسلمون في
حياتهم وتعاملتهم تكن فتنة في الرض وفساد كبير.
ويمكن إرجاع أصول التثّبت إلى الصول التالية:
91
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
92
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
93
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
عقله أمام إجماعهم ..أو تحدثه نفسه كما يقول عقلء زماننا ":إذا جن ربعك
فلن ينفعك عقلك " ،إن النبي ،والداعية وكل مصلح ،هو صمام المان
لجماعته ..وبثباته ينجو هو وينجو معه من يكرمه الله تعالى بمتابعته ..وإذا
ما أدهن مع قومه ،أو تخلى عن وظيفته في الدعوة والصلح ،فيوشك الله
تعالى أن يعمهم بعقابه .
وفي ختام السورة أمر للرسول ،عليه السلم ) فاصبر لحكم ربك ول تكن
كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ( ..اصبر فأنت بعد ُ في سعة وسلمة ،
ول تهرب من أداء الواجب ،مثلما فعل يونس عليه السلم فضيق الله عليه
في بطن الحوت ..وأنت الن في نعمة بل أعظم نعمة وأتمها وأسبغها ،
فإياك أن تخلعها عنك ،وما يدريك إن فعلت وألقيتها عنك أن يتداركك الله
بنعمته مرة أخرى ؟
ثم تتحول اليات لتكشف دخيلة المشركين أمام ناظري الرسول الكريم :
إنهم يعلمون علم اليقين أنك أرجحهم عقل ً حتى وهم يتهمونك بالجنون ،وأنك
في نعمة عظيمة يحسدونك عليها ،بل إنهم ليكادون يزلقونك بعيونهم لشدة
ما يجدون في أنفسهم تجاهك ،وإن كان الحال أنهم يتهمونك بالجنون عندما
سمعوا الذكر ،على أمل أن تتخلى عن رسالتك فتنزل إلى مستواهم ما داموا
قد قصرت هاماتهم وهممهم عن أن يطاولوا درجتك أو حتى يؤمنوا بك
ويتبعوك ،ولو كنت مجنونا ً كما يزعمون ما ركزوا فيك أبصارهم.
وهم بعد أحرار في هذه الدنيا أن يؤمنوا أو ل يؤمنوا فإن هذا القرآن ذكر
للعالمين ،كل العالمين ،وسيبلغ مداه الذي أراده الله تعالى ولن يتوقف
نجاحه على إيمانهم أو عدمه )وما هو إل ذكر للعالمين(
)(1 /
94
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وتعالى ،فعملوا للخرة والفوز برضوان الله والجنة ،ومن الناس من أمضى
حياته في اللهو واللعب وإيثار الحياة الدنيا ،وجعل هذه الدنيا همه وغايته
واتبع هواه ،فخسر الدنيا والخرة ،أل ذلك هو الخسران المبين .
ثم إن الفئة المؤمنة لم تسلم كذلك من الفتن ،وكيف ل يكون ذلك وعدوها
الشيطان الرجيم متربص بها ل يفتأ يضلها ويزين لها ويخدعها ؟ يقول الله عز
َ
م
قي َ ست َ ِ م ْ ك ال ْ ُ صَراط َ َ م ِ ن ل َهُ ْما أغْوَي ْت َِني َل َقْعُد َ ّ ل فَب ِ َوجل عن إبليس اللعين َ )) :قا َ
ن َ َ ْ ،ث ُم َلت ِينهم من بي َ
جد ُ م َول ت َ ِ مائ ِل ِهِ ْش َ م وَعَ ْ مان ِهِ ْ ن أي ْ َ م وَعَ ْ فهِ ْ
خل ِ ن َ م ْ م وَ ِ
ديهِ ْ
ن أي ْ َُِّ ْ ِ ْ َْ ِ ّ
َ
ماِ َ ب ب
ّ ر
َ َ
ل قاَ )) : تعالى وقال ، [ 17 ، 16 : ]العراف ( ن( ري
ِ َ ِ ك شا َ أك ْث َ َ ْ
م ُ ه ر
م عَباد َ َن ،إ ِّل ِ أ َغْويتِني َل ُزينن ل َهم في اْل َرض وَل ُغْوينه َ
من ْهُ ُك ِ مِعي َ ج َمأ ْ َُِّ ْ ْ ِ َ َ َّ ّ ُ ْ ِ ََْ
ن(( ]الحجر . [40 ، 39 : صي َ خل َِ م ْال ْ ُ
أحابيل الشيطان :
إن من أعظم الفتن التي يفتن الشيطان بها العباد ،فتنة التزيين ولبس الحق
شَرك الخطير كثير من بالباطل وإتباع الهوى في ذلك ،ولقد وقع في هذا ال َ
الناس وبخاصة في زماننا هذا ،حيث تموج الفتن موج البحر ،وحيث كثر
الخداع والنفاق والدجل والرياء .
ضلل كثير من الناس وتمكن نعم إننا في زمان اشتدت فيه غربة السلم ،و ُ
الشيطان من كثير منهم تمكنا ً يظنون معه أنهم بمنأى عن عدوهم اللدود
وعلى صلة بربهم سبحانه وتعالى ،وما ذلك إل بسبب التباس الحق بالباطل
ض ضهُ ْ َ
م إ ِلى ب َعْ ٍ حي ب َعْ ُ والجهل بالعلم ولتعاون شياطين الجن والنس ُ )) :يو ِ
ل غُُرورا ً (( ]النعام . [112 : قو ْ ِ ف ال ْ َخُر َ ُز ْ
فتعاونوا في وضع هذا التلبيس في قوالب من القوال مزخرفة ،وألفاظ من
ل بسبب ذلك كثير من ض ّ القول خادعة ،وتسمية للشياء بغير أسمائها فَ َ
الناس ،والعاقل منهم من وقف حائرا ً ل يدري أين وجهة الحق فيما يسمع
ويرى من التناقضات وتبرير المواقف الخاطئة المخالفة للشريعة ،بسبب
استيلء الهوى على النفوس واستيلء الشهوات على القلوب .
ولما كان من غير المستطاع المجاهرة برد الشريعة ورفضها ،كان لبد لهم
من لي أعناق النصوص من آيات وأحاديث ليستدل بها أولئك المبطلون على
المواقف المنحرفة وليست فيها دللة عليها ،ولو أن الذي يقع في النحراف
يعترف بذنبه وخطئه وضعفه في مخالفة الشريعة ،لكان المر أهون ،وكذلك
ه إلى هذا الخطأ في الستدلل رجع لو أنه استدل بدليل في غير محله ولما ن ُب ّ َ
ف
حّر َ واعترف لكان هذا أيضا ً أهون ،ولكن المصيبة أن يصر المسلم الذي َ
الدلة ولواها ليجد لعمله
جا ً وشرعية ،فيكابر بعد بيان الحق له ،ويغالط نفسه والمسلمين خَر َ م َْ
بصنيعه هذا.
منطلق هذه الوقفات :
ً
* إننا في زماننا هذا نرى صورا كثيرة من لبس الحق بالباطل ،وصورا أخرى ً
من المغالطات والخداع والحيل المحرمة في شرع الله عز وجل ،فكان
لزاما ً على الدعاة والمصلحين أن يحذروا من الوقوع في هذا المزلق ،وأن
عوهم لهل الهواء يلبسون عليهم دينهم ويحرفون يكشفوه للناس ول يد َ ُ
الكلم عن مواضعه ،ومعلوم ما ينتج من وراء ذلك من الفتن والتضليل .
* من أجل ذلك جاءت هذه الوقفات التربوية في ضوء القرآن الكريم لمعالجة
هذا الموضوع المهم على ضوء الكتاب والسنة وما ذكره العلماء الفحول ،
ل (( ،وهو جزء حقّ ِبال َْباط ِ ِ سوا ال ْ َ وقد اخترت عنوانا ً لها قوله تعالى َ)) :ول ت َل ْب ِ ُ
من آيتين كريمتين وردت إحداهما في سورة البقرة عند قوله تعالى َ )) :ول
95
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َ
ن(( ]البقرة [42 :والخرى م ت َعْل َ ُ
مو َ موا ال ْ َ
حقّ وَأن ْت ُ ْ حقّ ِبال َْباط ِ ِ
ل وَت َك ْت ُ ُ سوا ال ْ َ
ت َل ْب ِ ُ
في سورة آل عمران
)(1 /
ق
ح ّ ن ال ْ َمو َ ل وَت َك ْت ُ ُحقّ ِبال َْباط ِ ِن ال ْ َسو َم ت َل ْب ِ ُب لِ َ ل ال ْك َِتا ِعند قوله تعالى َ )) :يا أ َهْ َ
َ
ن(( ]آل عمران . [71 : مو َم ت َعْل َ ُوَأن ْت ُ ْ
العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب :
وهاتان اليتان وإن كانتا قد نزلتا في أهل الكتاب فالعبرة بعموم اللفظ ل
بخصوص السبب كما هو مقرر عند علماء الصول ،فكل من كتم الحق
وخلطه بالباطل وهو يعلم فهو من أهل هذه الية ،ولذلك سوف ل أتطرق
لمحاولت أهل الكتاب ول أصحاب الملل الكافرة في تلبيس الحق بالباطل
ومغالطاتهم في ذلك ،بل سينصب جل البحث على واقعنا المسلم الذي
نعيش فيه وندعو إلى الله فيه ،محاول ً كشف بعض الصور التي التبس فيها
الحق بالباطل والتي يقع فيها بعض المنتسبين
لهذا الدين من المنافقين وضعاف اليمان لتبرير النحراف أو التهوين منه
والرضى به وإقراره ،بل إن بعض الطيبين من دعاة وطلب علم قد تأثروا
بأولئك الملبسين فصاروا يرددون بعض ما يقولون بعلم أو بغير علم ،وقد
قسمت الموضوع إلى المباحث التالية :
* أهمية الموضوع
* تعريفات
* أسباب التباس الحق بالباطل
* صور من لبس الحق بالباطل
* السباب الواقية من لبس الحق بالباطل
* خاتمة.
أهمية الموضوع :
إن لدراسة التباس الحق بالباطل أهمية كبرى لما ينتج عن ذلك التلبيس من
تزييف وفتنة يكون لها الثر السيء والضرر البالغ في تضليل المة وتحريف
الحقائق وتزوير الحداث ،ويمكن توضيح أهمية الموضوع في المور التالية :
-1القيام بالعبودية لله تعالى ل يتم إل بالخلص له سبحانه وتعالى ،وأن
تكون العبادة على بصيرة باتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم،
والبصيرة بالدين ل تتحقق مادام أن الباطل ملتبسا ً بالحق ،مما يلزم تنقية
ي(( ]البقرة . [56 : ن ال ْغَ ّم َشد ُ ِن الّر ْ الحق من الباطل قال تعالى )) :قَد ْ ت َب َي ّ َ
-2كثرة التلبيس والتضليل في عصرنا بوسائل إعلمية ماكرة مضللة تلبس
على الناس دينهم وتخلط الحق بالباطل ،بل وصل المر لدرجة قلب الحقائق
وإظهار الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق ،وذلك لطمس
الحق أو تشويهه وتشويه حملته والداعين إليه ،فكان لبد من إزالة هذا
حقّ وَي ُب ْط ِ َ
ل حقّ ال ْ َ اللبس لحقاق الحق وإبطال الباطل بقدر المستطاع ))ل ِي ُ ِ
ن(( ]النفال . [8 : مو َ جرِ ُ ل وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ
م ْ ال َْباط ِ َ
-3السكوت المزعج لكثير من العلماء وطلبة العلم في ديار السلم أمام
كثير من المستجدات والنوازل التي تبحث فيها المة عن الموقف الشرعي
إزاء تلك النوازل ،مما حدا بذوي القلوب المريضة في غيبة العلماء أن
يلبسوا على المة أمرها ،وتكلمت الرويبضة في أمر العامة ،والدهى والمر
أن من أهل العلم من يساهم في هذا التلبيس فتراه يسمي المور بغير
96
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
أسمائها ،وينزل النوازل في غير مناطاتها ،بل قد يثني على المبطلين ويغض
من قدر المصلحين ،فإلى الله المشتكى.
-4أهمية تعرية الباطل وأهله ،فمادام أن الحق مختلط بالباطل ،وسبيل
المجرمين لم يتميز عن سبيل المؤمنين ،فإن الدين سيبقى مشوها ً عند
ن
م ْ حَيى َ ن ب َي ّن َةٍ وَي َ ْ
ك عَ ْ ن هَل َ َ م ْك َ الناس ،وسيبقى التلبيس فيه قائما ً )) ل ِي َهْل ِ َ
ة(( )لنفال :من الية . (42 ن ب َي ّن َ ٍ
ي عَ ْ ح ّ َ
-5ضرورة بيان تلبيس الطواغيت ودعاة العلمنة في كثير من بلدان السلم
وما يضفونه على مخططاتهم الظالمة من تبريرات لظلمهم وادعاءاتهم التي
َْ
ض َقاُلوا إ ِن ّ َ
ما دوا ِفي الْر ِ س ُ ف ِم ل تُ ْ ل ل َهُ ْ قال الله تعالى في مثلها )) :وَإ َِذا ِقي َ
َ َ
ن(( ]البقرة ، 11 : شعُُرو َ ن ل يَ ْ ن وَلك ِ ْ دو َ س ُ
ف ِم ْم ال ْ ُ م هُ ُ
ن ،أل إ ِن ّهُ ْ
حو َ صل ِ ُ م ْ ن ُ ح ُ نَ ْ
. [12
-6ظهور بعض المغالطات من كثير من الناس واستخدامها في تبرير
المواقف الخاطئة والمخالفات الشرعية ،سواء أكانت فردية أو جماعية
فينبثق عنها مواقف وممارسات خاطئة تلبس على الناس أمرهم ،ومنشأ
هذه المغالطات في الغالب شهوة مزجت بشبهة فتولد عنها مغالطة ،
وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد .
مصطلحات في الموضوع :
يحسن بنا قبل الدخول في ثنايا الموضوع اللمام بتعريفات كثر إيرادها ،من
أهمها )اللبس والتلبيس( و ) الغاليط والمغالطات( :
ل -اللبس والتلبيس : أو ً
قال في لسان العرب ) :اللْبس واللَبس :اختلط المر ،لبس عليه المر ّ ّ
يلبسه لْبسا ً فالتبس ،إذا خلطه عليه حتى ل يعرف جهته ،والتبس عليه المر
أي اختلط واشتبه ،والتلبيس :كالتدليس والتخليط ،شدد للمبالغة ،وربما
سه إذا شبهته عليهم وجعلته ت المر على القوم ألب ْ ُ شدد للتكثير ،يقال :ل ََبس ُ
مشكل ً ( أ .هـ ،وقال ابن الجوزي رحمه الله في تلبيس إبليس ) :التلبيس
إظهار الباطل في صورة الحق ( أ .هـ .
َ ْ ْ
م
حقّ وَأن ْت ُ ْ موا ال َ ْ
ل وَت َكت ُ ُ حقّ ِبالَباط ِ ِ سوا ال ْ َ ومن ذلك قوله تعالى َ)) :ول ت َل ْب ِ ُ
ن(( )البقرة(42: مو َ ت َعْل َ ُ
)(2 /
قال شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله -عند هذه الية ) :فإنه من لبس
الحق بالباطل فغطاه به فغلط به لزم أن يكتم الحق الذي تبين أنه باطل إذ
لو بينه زال الباطل الذي لبس به الحق ( .
ثانيًا -الغاليط والمغالطات :
َ
قال في لسان العرب ) :المْغلطة والغلوطة :ما يغالط به من المسائل
والجمع :الغاليط ،وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن
الغلوطات ،قال الهروي :وأراد بها المسائل التييغالط بها العلماء ليزلوا
فيهيج بذلك شر وفتنة ،وإنما نهي عنها لنها غير نافعة في الدين ول تكاد
تكون إل بما ل يقع ،ومثله قول ابن مسعود -رضي الله عنه ) : -أنذرتكم
صعاب المنطق ( يريد
المسائل الدقيقة الغامضة ( .
وقد أخرج أبو داود رحمه الله في سننه عن معاوية رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلوطات ]. [1
97
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
98
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
يكابرون ،ول يبررون ولهذا حذر النبي -صلى الله عليه وسلم -أمته من
ارتكاب الحيل فقال ول تركبوا ما رتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى
الحيل ].[1
وهذه هي حقيقة لبس الحق بالباطل وحقيقة المغالطة ،إذ أن الدافع
الحقيقي للنحراف هو الهوى والشهوة وحب الدنيا ،ولكن عوضا ً عن أن
يعترف بضعفه هذا وشهوته ،ويعترف بذنوبه في مخالفته للشريعة فإنه
يستدل لشهوته هذه بشبهة شرعية يعلم هو في قرارة نفسه أنها ل تصلح
للستدلل ،لكن لبد من غطاء يغطى به هذا الضعف والهوى ،وإذا ذهبنا
لنتعرف على وسائل التلبيس والطرق التي ينطلق منها الملبس في أغلوطاته
نجدها ل تخرج في الغالب عن المور التالية
-1التأويل الفاسد واتباع المتشابه .
-2كتمان الحق وإخفاؤه .
-3تحريف الدلة عن مواضعها ،وعدم إنزالها في مناطاتها ،وتفصيل ذلك
فيما يلي :
-1التأويل وإتباع المتشابه :
)(3 /
التأويل الفاسد الذي لم يدل عليه دليل يصرفه عن المعنى الظاهر الذي هو
أشبه بتحريف الكلم ،والغالب أن الذي يدفع إليه هو الجهل والهوى وفي ذلك
يقول المام ابن القيم رحمه الله :فأصل خراب الدين والدنيا إنما هو التأويل
الذي لم يرده الله رسوله بكلمه ول دل عليه أنه مراده ،وهل اختلفت المم
على أنبيائها إل بالتأويل ،وهل وقعت في المة فتنة كبيرة أو صغيرة إل
بالتأويل ؟ فمن بابه دخل إليها ،وهل أريقت دماء المسلمين في الفتن إل
بالتأويل ؟ ]. [2
م ْ َ ْ ً َ
سن َت َهُ ْ
ن أل ِ وو َريقا ي َل ُ ف ِ مل َ من ْهُ ْن ِ وعند قول الله عز وجل في اليهود )) :وَإ ِ ّ
هّ
عن ْدِ الل ِ ن ِ م ْ
ن هُوَ ِ قولو َ ُ ب وَي َ ُ ن ال ْك َِتا ِ م َ ما هُوَ ِ ب وَ َ ن ال ْك َِتا ِ م َ سُبوه ُ ِ ح َ ِبال ْك َِتا ِ
ب ل ِت َ ْ
ن(( ]آل عمران : مو َ م ي َعْل َ ُ ب وَهُ ْ ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ قوُلو َ عن ْدِ الل ّهِ وَي َ ُ ن ِ م ْ ما هُوَ ِ وَ َ
. [78
يقول سيد قطب رحمه الله تعالى عن هذه الية :وآفة رجال الدين حين
يفسدون أن يصبحوا أداة طيعة لتزييف الحقائق باسم أنهم رجال الدين وهذه
الحال التي يذكرها القرآن عن هذا الفريق من أهل الكتاب نعرفها نحن جيدا ً
في زماننا هذا فهم كانوا يؤولون نصوص كتابهم ،ويلوونها ليا ً ،ليصلوا منها
إلى مقررات معينة ,يزعمون أنها مدلول هذه النصوص ،وأنها تمثل ما أراده
الله منها ،بينما هذه المقررات تصادم حقيقة دين الله في أساسها ،معتمدين
على أن كثرة السامعين ل تستطيع التفرقة بين حقيقة الدين ومدلولت هذه
النصوص الحقيقية ،وبين تلك المقررات المفتعلة المكذوبة التي ُيلجئون إليها
النصوص إلجاء ]. [3
-2كتمان الحق وإخفاؤه :
وهو تحريف الدلة عن مواضعها وتغطية الحق بالباطل ،وقد ورد في كتاب
الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من النصوص المحذرة من
كتمان الحق وإخفائه والمتوعده لفاعليه بالوعيد الشديد من ذلك :قوله
َ
ما ب َي ّّناهُن ب َعْد ِ َم ْ دى ِ ت َوال ْهُ َ ن ال ْب َي َّنا ِ م َ ما أن َْزل َْنا ِ ن َ مو َ ن ي َك ْت ُ ُ ذي َ ن ال ّ ِتعالى )) :إ ِ ّ
ّ ْ ّ ْ َ ُ
ن(( ]البقرة . [159 : عُنو َ م الل ِ ه وَي َلعَن ُهُ ُ
م الل ُ َ
ب أولئ ِك ي َلعَن ُهُ ُ س ِفي ال ْك َِتا ِ ِللّنا ِ
99
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
منا ً قَِليل ً
ن ب ِهِ ث َ َشت َُرو َ ب وَي َ ْ ن ال ْك َِتا ِ م َ ه ِ ما أ َن َْز َ
ل الل ّ ُ ن َمو َ ن ي َك ْت ُ ُ
ذي َن ال ّ ِوقوله )) :إ ِ ّ
ْ ّ ّ ّ ُ ْ ُأول َئ ِ َ
م ّ
مةِ َول ي َُزكيهِ ْ قَيا َ
م ال ِ ه ي َوْ َ م الل ُ مهُ ُ َ
م إ ِل الّناَر َول ي ُكل ُ ن ِفي ب ُطون ِهِ ْ ما ي َأك ُُلو َ ك َ
َ
م( ]البقرة . [174 : ب أِلي ٌ م عَ َ
ذا ٌ وَل َهُ ْ
يقول الشيخ رشيد رضا في تفسيرها :هذه الية جارية على الرؤساء الذين
يحرمون على الناس ما لم يحرمه الله ،ويشرعون لهم ما لم يشرعه من
حيث يكتمون ما شرعه بالتأويل أو الترك ،فيدخل فيه اليهود والنصارى ومن
حذا حذوهم في شرع مالم يأذن به الله وإظهار خلفه سواء أكان ذلك في
أمر العقائد ككتمان اليهود أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم ،أو الكل
والتقشف وغير ذلك من الحكام التي كانوا يكتمونها إذا كان لهم منفعة في
ن ك َِثيرًا(( ]النعام : فو َخ ُ دون ََها وَت ُ ْ س ت ُب ْ ُ طي َ ه قََرا ِ جعَُلون َ ُذلك ،كما قال تعالى ) :ت َ ْ
[91وفي حكمهم كل من يبدي بعض العلم ،ويكتم بعضه لمنفعة ل لظهار
الحق وتأييده ]. [4
وبقيت كلمة أخيرة في موضوع كتمان الحق ،أل وهي أن بعض الطيبين قد
يقول :أل يجوز كتمان العلم بل قد يجب أحيانا ً عند خوف الفتنة من الجهر به
سواء أكان على النفس أو على الناس ؟ والجواب أن في ذلك تفصيل كما
يلي :
بادئ ذي بدء فإن حديثنا ليس عن كتمان العلم وإنما هو عن كتمان الحق
الذي يجب أن يقال ،وفي نظري والله أعلم أن بينهما اختلف ،وذلك أن
العلم أنواع فمنه ما هو واجب القول به وتعليمه الناس كفروض العين ونحوها
ومنه ما هو مستحب ومنه ما يجوز قوله لناس دون أناس حسب عقولهم
وأفهاهم ،أما قول الحق الواجب فأرى أنه من العلم الواجب إيصاله للناس ،
ول يجوز كتمه لن في كتمه مفسدة تنافي مقاصد الشرع أو بعضها ،وفي
إخفائه فتنة للناس وليس العكس ،فإذا جاز
كتمان العلم أو وجب في ضوء قواعد الشريعة المعتبرة فإنا والحالة هذه
نقول :إن الحق في هذا هو كتمان العلم ،وإن الجهر بالعلم مع معرفتنا
بالمفسدة المترتبة عليه هو الباطل والفتنة وهذا والله أعلم هو الذي عناه
الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات حيث قال :ومن هذا يعلم أنه
ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره وإن كان من علم الشريعة ،ومما
يفيد علما ً بالحكام بل ذلك ينقسم ،فمنه ما هو مطلوب النشر وهو غالب
علم الشريعة ،ومنه ما ل يطلب نشره بإطلق ،أول يطلب نشره بالنسبة
إلى حال ،أو وقت أو شخص ،ومن ذلك تعيين هذه الفرق فإنه وإن كان حقا ً
فقد يثير فتنة كما تبين تقريره فيكون من تلك الجهة ممنوعا ً بثه ،ومن ذلك
علم المتشابهات والكلم فيها ،فإن الله ذم من اتبعها فإذا ذكرت وعرضت
للكلم فيها فربما أدى ذلك إلى ما هو مستغنى عنه ]. [5
)(4 /
100
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
فعلت اليهود في التوراة بل إن تحريف المعنى المراد إلى غير المراد هو
تحريف للنصوص عن مواضعها أيضا ً وهذا ما
أشار إليه الشاطبي رحمه الله تعالى :وهو يستعرض مآخذ أهل البدع في
الستدلل :ومنها تحريف الدلة عن مواضعها بأن يرد الدليل على مناط
فيصرف عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهما ً أن المناطين واحد ،وهو من
خفيات تحريف الكلم عن مواضعه والعياذ بالله ،ويغلب على الظن أن من
أقر بالسلم وبأنه يذم تحريف الكلم عن مواضعه ل يلجأ إليه صراحا ً ،إل مع
اشتباه يعرض له ،أو جهل يصده عن الحق مع هوى يعميه عن أخذ الدليل
مأخذه ،فيكون بذلك السبب مبتدعا ً وبيان ذلك أن الدليل الشرعي إذا
اقتضى أمرا ً في الجملة مما يتعلق بالعبادات مثل ً فأتى به المكلف في الجملة
أيضا ً ،كذكر الله والدعاء والنوافل المستحبات وما أشبهها مما يعلم من
الشارع فيها التوسعة ،كان الدليل عاضدا ً لعلمه من جهتين :من جهة معناه ،
ومن جهة عمل السلف الصالح به .
فإن أتى المكلف في ذلك المر بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو مكان
ن لعبادة مخصوصة ،والتزم ذلك بحيث صار متخيل ً أن مخصوص أو مقار ٍ
ً
الكيفية أو الزمان أو المكان مقصود شرعا من غير أن يدل الدليل عليه ،كان
الدليل بمعزل عن ذلك المعنى المستدل عليه ]_______________ [6
] [1تفسير بن كثير ،طبعة الشعب ج 3ص ، 492وجود ابن كثير إسناد هذا
احديث .
] [2إعلم الموقعين . 4/353
] [3في ظلل القرآن .
] [4تفسير المنار . 2/101
] [5الموافقات ج 4ص . 109
] [6العتصام ج . 318 1
مدخل :
بعد بيان معنى اللبس والتلبيس وأنه إلباس الهوى والشهوة لبوسا ً شرعيا ً
بتحريف الدلة ،ثم بيان السباب التي تؤدي إلى لبس الحق بالباطل والمؤدية
بدورها إلى الضلل والضلل ،نذكر هنا بعضا ً من صور اللبس والتضليل ،
وذلك لنحذر من الوقوع فيها بأنفسنا ،ونحذر إخواننا المسلمين من الوقوع
ن في فيها والنخداع بها ،ولم أراع في ترتيبها الهمية ،لكن حسب ما ع ّ
الخاطر ،أسأله )سبحانه( التوفيق والسداد في القول والعمل ،
ومن هذه الصور ما يلي :
-1الحتجاج على شرعية النظمة المبدلة لشرع الله والمستحلة لما حرم
الله بآثار عن السلف رضي الله عنهم أنه :كفر دون كفر :
وهذا ،والله تحريف للدلة عن مواضعها ،وإنزال الحكم في غير محله ،
وافتراء وتجن على سلفنا الصالح وخير القرون في هذه المة ،فما كانوا عن
عصرنا يتحدثون ول أنظمته المبدلة لشرع الله يقصدون ،فالله المستعان ،
ومن أحسن ما رأيت من الردود على هذا التلبيس ما كتبه الشيخ أحمد شاكر
رحمه الله ،ومما قاله :وهذه الثار عن ابن عباس وغيره مما يلعب به
المضللون في عصرنا من المنتسبين للعلم ومن غيرهم من الجرآء على
الدين ،يجعلونها عذرا ً أو إباحة للقوانين الوثنية الوضعية التي ضربت على
بلد المسلمين ]. [1
فاللهم إنا نبرأ من هذا اللبس ونبرئ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والتابعين لهم بإحسان من هذا التلبيس وهذه المغالطات ،وإنه ل أحد ينزل
101
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
قول ابن عباس رضي الله عنه أو غيره من السلف على المبدلين لشرع الله
في زماننا هذا إل رجل سيطر عليه الجهل بالواقع فل يعلم ما يدور من
حوله ،أو رجل منافق ملبس يعلم واقعه وعدم مشابهته للواقع الذي كان
يتحدث عنه ابن عباس رضي الله عنه ،ولكنه يغالط ويخلط الحق بالباطل
اتباعا ً للهوى وطمعا ً في دنيا يصيبها ؛ فإنه لم يحدث قط في تاريخ السلم أن
سن حاكم حكما ً وجعله شريعة يتحاكم إليها الناس .
-2الحتجاج بالقدر على فعل المعاصي ،والرضى بالذل والمهانة :
)(5 /
وهذه الصورة من صور اللبس والمغالطة ليس القصد من إيرادها هنا الرد
على المحتجين بالقدر على ضللهم ومعاصيهم ،وإنما المقصود التنبيه على
أن من يحتج بالقضاء والقدر ليبرر به انحرافه وكسله وضعفه إنما هو مغالط
وملبس ومدلس ،وموضوع الرد على المحتجين بالقدر موجود فيمظاّنه من
كتب العقيدة الصحيحة لدى سلفنا أهل السنة والجماعة ،مثل :العقيدة
الواسطية ،ومعارج القبول ،والعقيدة الطحاوية ..إلخ ،والمراد هنا :كشف
اللبس الحاصل بين الحق والباطل في هذه المسألة ،حيث إن المحتج بالقدر
على فعل المعاصي والصرار عليها قد وقع في لبس عظيم ،ويعلم هو
بنفسه أن احتجاجه ليس في محله ،وإنما أورده لتبرير شهوته وضعفه بدليل
أنه في أمور الدنيا وكسبها ل نجده يقعد محتجا ً بالقدر ،وأن الله سبحانه كتب
عليه الفقر أو الجوع أو عدم الزواج ،بل إنا نجده يسعى ويفعل السباب
الممكنة لدفع كل ذلك ،فلماذا ل يوجد هذا الدفع أيضا ً في أمور الدين وأمور
الخرة فيسعى للخرة سعيها ،ويأخذ بأسباب الهداية وأسباب النجاة من
النار،وهي ميسرة لمن أرادها ؟ ! ،لماذا هو جبري في أمور الدين والخرة،
وقدري في أمور الدنيا ؟ .
وقريب من الذين يحتجون بالقدر على فعل المعاصي والرضى بالواقع أولئك
الذين يتجرؤون على فعل المعاصي اعتمادا ً على رحمة الله سبحانه ،نعم إن
الله غفور رحيم ،ولكن ليس مقتضى هذه الرحمة أن يتجرأ هذا الملبس على
المعصية ،وإنما المقصود منها :فتح باب التوبة والرحمة لمن وقع فيها
وانتهى وندم ،فيقال له:ل تيأس ؛ فإن الله غفور رحيم .
-3ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله خوف
البتلء وتعريض النفس للفتن :
هناك من يترك المر والنهي عجزا ً وكسل ً وجبنا ً وبخل ً ،لكن ل يريد أن يعترف
بهذه الصفات الذميمة ،فبدل ً من العتراف بها والسعي للتخلص منها فإنه
يحاول جاهدا ً في تغطية ضعفه هذا بمبررات شرعية ،منها :الخوف من
الفتن واعتزال كل ما يعرض النفس للبتلء والفتنة والهلكة ودرء المفاسد ،
معتمدا ً على قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح والضوابط
الشرعية في ذلك ،فمقصودنا هو كشف اللبس والتدليس والمغالطة على
النفس وعلى الناس في أن النكول عن المر والنهي قد تم من منطلق
شرعي وضوابط شرعية ،والمر في حقيقته ليس كذلك ،وإنما هو الخوف
والجبن وإيثار السلمة وعدم تحمل أي أذى أو مكروه في سبيل الله عز وجل
.
يقول المام ابن تيمية )رحمه الله( :ولما كان في المر بالمعروف والنهي
عن المنكر والجهاد في سبيل الله من البتلء والمحن ما يعرض به المرء
102
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
للفتنة :صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك بأنه يطلب
السلمة من الفتنة ،كما قال ]تعالى[ عن المنافقين :ومنهم من يقول :
ق ُ َ
م
جهَن ّ َ ن َ طوا وَإ ِ ّ س َ
فت ْن َةِ َ فت ِّني أل ِفي ال ْ ِ ن ِلي َول ت َ ْ ل ائ ْذ َ ْ قو ُ ن يَ ُ م ْ م َ من ْهُ ْ ))وَ ِ
ن(( ِ ِ َري ف َ
كا ْ ل با
ٌ ِة َ ط حي م ِ لَ ُ
]التوبة .[49 :
فل يصح لقائل أن يقول أنه يجب البتعاد في الدعوة إلى الله سبحانه عن كل
ما من شأنه أن يجر على الداعية الذى والمحن ! ،إن صاحب هذا القول قد
نسي أو تناسى سنة الله عز وجل في الصراع بين الحق والباطل ،وسنته
مّنالآ َ قو ُ ن يَ ُم ْ س َ ن الّنا ِ م َ سبحانه في البتلء والتمحيص ؛ قال تعالى )) :وَ ِ
َ ّ ُ
ن َرب ّ َ
ك م ْ صٌر ِ جاَء ن َ ْ ن َ ب اللهِ وَلئ ِ ْ ذا ِ س ك َعَ َة َ الّنا ِ ل فِت ْن َ َ جعَ َ ِبالل ّهِ فَإ َِذا أوذِيَ ِفي الل ّهِ َ
َ
ن الل ّ ُ
ه م ّ ن ،وَل َي َعْل َ َ مي َدورِ ال َْعال َ ِ ص ُ ما ِفي ُ م بِ َه ب ِأعْل َ َ س الل ّ ُ م أوَل َي ْ َ معَك ُ ْ ن إ ِّنا ك ُّنا َ قول ُ ّ ل َي َ ُ
ن(( ]العنكبوت . [11 ، 10 : قي َ ن ال ْ ُ
مَنافِ ِ م ّ مُنوا وَل َي َعْل َ َ نآ َ ذي َ ال ّ ِ
نعم إن من بيننا من يريد المغنم من الدعوة ول يريد المغرم ،بدليل عدم
العداد والستعداد لي أذى يعترضه في الطريق ولو كان قليل ً ،وإنما مادام
المن والسلمة والراحة فهو نشيط ومتحرك ،فإذا ظهرت المحن وبدايات
البتلء والتمحيص آثر السلمة والراحة ،وعلل ذلك بالبتعاد عن الفتن ودرء
المفاسد .
ول يعني ما سبق من الكلم أن يبحث الداعية عن الذى والبتلء ،كل ،
فالمطلوب سؤال الله العافية وعدم تمني البلء ،كما ل يفهم منه أيضا ً
الدعوة إلى التهور والطيش معاذ الله ،فلبد من وجود المنطلقات الشرعية
في كل التصرفات ،لكن المراد أن ل نغفل عن سنة الله سبحانه في ابتلء
المؤمنين ،وأن نوطن أنفسنا على هذه المور ،لنه لبد منها لكل من ادعى
در للدعوة والجهاد ،ولبد منها ليتميز الخبيث من الطيب ،ولبد اليمان وتص ّ
منها لتمحيص القلوب والصفوف ،ولو قلبنا تاريخ النبياء عليهم الصلة
والسلم ،وتاريخ الدعاة والمصلحين لرأينا ذلك المعَلم ظاهرا ً وقاسما ً
مشتركا ً عندهم جميعا ً .
)(6 /
وقريب من هؤلء أولئك الذين يبررون كسلهم وحبهم للراحة وضعف همتهم
بالتواضع البارد والزهد في المسؤولية ،لنه يعرف أن الدعوة إلى الله
سبحانه ل يعرف صاحبها الراحة ،وتحتاج إلى همة عالية ،لكنه عوضا ً من أن
يعترف بضعفه هذا ،فإنه يغالط نفسه وغيره ،ويسعى إلى ترقيعه بإلقاء هذا
الضعف على الخوف من المسؤولية واحتقار النفس ،وأن هناك من هو أولى
وأتقى وأفضل ..إلخ .
-4المداهنة وضعف الولء والبراء بحجة المداراة والتسامح ومصلحة المة :
إن الخلط بين المداراة والمداهنة ،والتميع في الولء والبراء بحجة التسامح ،
كل ذلك ينتجعنه آثار خطيرة على الدين وأهله ،وذلك بما يفرزه هذا الخلط
واللبس من المغالطة والتضليل على المة في أن ما يقع من الملبسين من
مداهنة وموالة لعداء هذا الدين إنما هو مداراة .
وإيضاحا ً لهذا المر :أنقل كلما ً لهل العلم يزيل اللبس في مسألة المداراة
والمداهنة ومسألة الولء والتسامح .
قال البخاري رحمه الله في باب المداراة مع الناس :ويذكر عن أبي
الدرداء :إنا لنكشر في وجوه قوم وإن قلوبنا لتلعنهم ،وعن عائشة رضي
103
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الله عنها أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال :ائذنوا له
فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة فلما دخل ألن له الكلم ،فقلت له
:يا رسول الله ،قلت ثم ألنت له في القول ،فقال :أي عائشة ،إن شر
من َتركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه ]. [2الناس منزلة عند الله َ
ويعلق ابن حجر رحمه الله على حديث عائشة بقوله :قال ابن بطال :
المداراة من أخلق المؤمنين ،وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك
الغلظ في القول ،وذلك من أقوى أسباب اللفة ،وظن بعضهم أن المداراة
هي المداهنة فغلط ؛ لن المداراة مندوب إليها ،والمداهنة محرمة ،والفرق :
أن المداهنة من الدهان ،وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه ،وفسرها
العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه،
والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهي عن فعله
وترك الغلظ عليه ،حيث ل يظهر ما هو فيه ،والنكار عليه بلطف القول
والفعل ،ل سيما إذا احتيج إلى تألفه ،ونحو ذلك ]. [3
ومن هذا يتبين ما هي المداراة وما هي المداهنة ،وأنهما ضدان ل يجتمعان ،
إذ إن المداراة صفة مدح وهي لهل اليمان ،بينما المداهنة صفة ذم وهي
لهل النفاق ،فهل بقي بعد هذا البيان مجال لللتباس في هذا المر ؟ ! .
ثم إن مكمن الخطر في هذا الخلط ليس في مداهنة الفساق وأهل المعاصي
من المسلمين فحسب ،وإنما الخطر من ذلك هو :مداهنة الكفار بمشاربهم
المختلفة تحت غطاء المداراة ومصلحة المة ،حتى اهتز جانب الولء والبراء
الذي هو الركن الركين في عقيدة التوحيد وبدأ حاجز البغض للكفر وأهله
يضعف ،بل اهتز عند بعضهم ،والسبب في ذلك :الجهل بحقيقة المداراة
والمداهنة ،أو المغالطة فيهما عن علم وهوى .
-5النفتاح على الدنيا والركون إليها ،بحجة التعفف عن الناس وإنفاق المال
في وجوه الخير :
وفي هذه الصورة مدخل خفي للشيطان يتسرب منه إلى نفس النسان ،يبلغ
اللبس في هذا المرمن الخفاء بحيث ل يفطن له إل المجاهد لنفسه،
المفتش لقلبه ،الحذر الخائف من الدنيا وغرورها ،ومكمن اللبس هنا في أن
التعفف عن الناس أمر مطلوب ،ويحث عليه الشرع في أكثر من آية وحديث،
وكذلك النفاق في سبيل الله وبذل المال في أوجه البر المختلفة ،كل هذا
حق ل ريب فيه ،لكن الشيطان ل يألو جهدا ً في إغواء بني آدم وجرهم إلى
حزبه خطوة خطوة ،ولهذا :فهو يبدأ مع النسان ليجره إلى الدنيا وغرورها
من باب التعفف عن الناس ،ومساعدة المحتاج ،وإغاثة الملهوف ..إلخ ،ثم
بعد ذلك ،وبعد إشغاله بالمال وطرق جمعه ومشاكله وشبهاته نبحث عن
صاحبنا الذي كنا نراه في لقاءات الخير والدعوة إلى الله سبحانه فل نراه إل
ل ،وهكذا ،حتى ينفتح على الدنيا ،ويركن إليها ،ويضع له الشيطان في كل قلي ً
ً
وادٍ من أوديتها شغل ً وهما يتشعب فيهما الفكر ،ويتشتت فيهما الذهن ويتحول
المال المكتسب إلى استثمارات جديدة وتوسع في المباحات وإسراف في
المآكل والمراكب والمساكن ،وقد كان الهدف في البداية هو التعفف
والسهام في وجوه الخير والبر ،والغريب في المر أن هذا المغالط عندما
ذر من الدنيا ،وسرعة زوالها ،وخطر الركون إليها ، كر باليات التي تح ّيذ ّ
فإنه بدل ً من أن يشعر بالخطر ويسعى لتدارك المر ؛ فإنا نجده يصر على
المغالطة واللبس ،ويقول :إن التعفف عن الناس مطلوب ،ولبد للداعية أن
يكون له مصدر يستغني به عن الناس وينفع به دعوته ،ويساهم في الخير،
وهو يعلم أن ليس هذا قصده ،وإنما أراد تغطية حبه للدنيا والركون إليها بهذا
104
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(7 /
والجواب ل أملكه ،لنها معادلة صعبة يختلف حلها من شخص لخر ،ويكفي
في حلها أن يعلم الله سبحانه من أنفسنا أننا نريد التعفف والبذل بصدق في
سبيل الله سبحانه ،فعندئذ يحمينا برحمته من الدنيا وزخرفها ،ويخرجها من
قلوبنا لتبقى في أيدينا ،وكل إنسان على نفسه بصيرة .
-6الحتجاج بيسر الشريعة وضغط الواقع :
إن القول بيسر الشريعة وسماحتها حق ل شك فيه ،ولكن الحتجاج بهذا
التيسير للتفلت من أحكام الشريعة والتحايل عليها ،وإتباع الهوى في الخذ
بالرخص والشذوذات الفقهية ،كل هذا باطل وتلبيس وتضليل ،يتبنى ذلك
أهل الهواء الذين يتبعون الشهوات ،يريدون بذلك تحلل المجتمع المسلم من
أحكام الشريعة باسم التيسير وترك التشديد ،وصدق الله العظيم َ )) :والل ّ ُ
ه
ظيمًا(( َ َ
مي ْل ً عَ ِ ميُلوا َ ن تَ ِتأ ْ وا ِ شهَ َ ن ال ّن ي َت ّب ُِعو َ ريد ُ ال ّ ِ
ذي َ ب عَل َي ْك ُ ْ
م وَي ُ ِ ن ي َُتو َريد ُ أ ْ
يُ ِ
]النساء .[27 :
ومن رحمة الله عز وجل أنه لم يكل مصالح العباد إلى أهواء البشر
وشهواتهم ،بل وضع سبحانه شريعة كاملة مبرأة من الجهل والهوى ،ومبرأة
من النقص والقصور ،لن مصدرها منه سبحانه الذي له السماء الحسنى
والصفات العل ،ولو أن تقرير مصالح العباد كان في أيدي البشر لحصل من
ذلك شر وفساد كبير ،وذلك لما عليه البشر من الجهل والنقص والهوى
والشهوة ،وهذا مشاهد في الواقع ؛ فالمجتمعات التي ل يحكمها شرع الله
سبحانه وتحكمها أنظمة البشر وقوانينهم نرى فيها من الفساد والشرور
والظلم والستعباد والضنك والضيق ما تعج منه الرض والسماوات ،وتبرأ
َ
مواَءهُ ْ حقّ أهْ َ منه الوحوش في البريات ،وصدق الله العظيم )) :وَل َوِ ات ّب َعَ ال ْ َ
فسدت السماوات واْل َرض ومن فيهن ب ْ َ
ن ذِك ْرِهِ ْ
م م عَ ْ م فَهُ ْ م ب ِذِك ْرِهِ ْل أت َي َْناهُ ْ ّ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ ْ ِ ِ ّ َ لَ َ َ َ ِ
ن(( ]المؤمنون . [71 : ضو َ معْرِ ُ ُ
إن الذين يتشدقون بالتيسير ويغالطون به بغير علم ول هدى من الله سبحانه،
ظن فيها لو كان المر بأهوائهم لعطلوا كثيرا ً من أحكام الشريعة التي قد ي ُ َ
المشقة والضيق مع أن مآلها اليسر والسعادة في الدارين ،فالله سبحانه
الرحيم بعباده ،هو الذي يعلم ما يصلح شؤونهم ،وييسر أمورهم ،ويعلم ما
يشق عليهم وما ل يشق ،إنه حكيم عليم .
-7التشهير بالدعاة والمصلحين واغتيابهم بحجة النصيحة والتحذير من
الخطاء :
عن أبي برزة السلمي ،والبراء بن عازب )رضي الله عنهما( ،قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل
اليمان قلبه :ل تغتابوا المسلمين ،ول تتبعوا عوراتهم ،فإنه من يتبع عورة
أخيه المسلم ،تتبع الله عورته ،ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف
بيته ]. [4
والمقصود من إيراد هذه الصورة هو الحذر من تزيين الشيطان وتلبيسه في
إظهار الغيبة أو النميمة أو التشهير في قالب النصيحة ،والتحذير من الخطاء
والغيرة على دين الله وتعظيم حرمات الله عز وجل ،إن هذاهو الخطير في
105
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(8 /
-8التلبيس على الناس برفع لفتات إسلمية تخفي وراءها الكيد للدين وأهله:
إن من أخطر ما يهدد المة في عقيدتها وأخلقها أن تعيش في جو من اللبس
والتضليل والخداع ،فل ترى الحق بصورته المضيئة ول الباطل بصورته
القاتمة المظلمة ،بل قد يصل بها المكر والخداع إلى أن ترى الحق باطل ً
والباطل حقًا ،ويلتبس سبيل المجرمين بسبيل المؤمنين ،ومن أعظم
اللتباس بين السبيلين أن يقوم المجرمون من أعداء المسلمين سواء من
الكفار الصرحاء أو المنافقين الدخلء برفع لفتات ،ظاهرها السلم ومحبة
الدين والدعوة إلي ،وباطنها الكيد والمكر والخداع ،ويحصل من جراء ذلك :
أن ُيخدع كثير من المسلمين بهذه اللفتات فينشغلون بها ،ويثنون على أهلها
بدل ً من فضحها وكشف عوارها وتعرية باطلها ،وعن خطورة التباس سبيل
المجرمين بسبيل المؤمنين ،
يقول ابن القيم رحمه الله :فإن اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو
أحدهما ؛ كما قال عمر بن الخطاب :إنما تنقض عرى السلم عروة عروة
إذا نشأ في السلم من لم يعرف الجاهلية ،وهذا من كمال علم عمر رضي
الله عنه ،فإنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها ،وهو كل ما خالف ما جاء به
106
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الرسول صلى الله عليه وسلم ،فإنه من الجاهلية ،فإنها منسوبة إلى الجهل ،
وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل ،فمن لم يعرف سبيل المجرمين ،
ولم تستبن له أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين ،
كما وقع في هذه المة من أمور كثيرة في باب العتقاد والعلم والعمل ،هي
من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل ،أدخلها من لم يعرف أنها من
سبيلهم في سبيل المؤمنين ،ودعا إليها وكفر من خالفها واستحل منه ما
حرمه الله ورسوله ]. [6
وقد قص الله سبحانه علينا في كتابه الكريم قصة قوم من المنافقين أرادوا
خداع الرسول -صلى الله عليه وسلم -ومن معه من المؤمنين برفع لفتة
إسلمية على صرح من صروح النفاق ،لكن الله )عز وجل( فضحهم وفضح
لفتتهم وعّرى باطلهم ،ليكونوا عبرة للمسلمين في وقتهم ،وعبر التاريخ
الطويل لمن يأتي بعدهم ممن يرفع لفتة إسلمية يخفي وراءها خبثه
ومكره ،ويكيد بها المسلمين في أي زمان ومكان ،وهذه القصة ذكرها الله
سبحانه في سورة التوبة بما يعرف بمسجد الضرار ،حيث أنزل فيها قرآنا ً
فرا ًضَرارا ً وَك ُ ْ جدا ً ِ س ِ م ْ ذوا َ خ ُن ات ّ َ ذي َيتلى إلى قيام الساعة ،قال سبحانه َ )) :وال ّ ِ
ن
ن إِ ْ ف ّحل ِ ُ ل وَل َي َ ْن قَب ْ ُ م ْ ه ِ سول َ ُ ه وََر ُ ب الل ّ َ حاَر َن َ م ْ صاد َا ً ل ِ َ
ن وَإ ِْر َ مِني َ ن ال ْ ُ
مؤْ ِ ريقا ً ب َي ْ َ ف ِ وَت َ ْ
س س ُ أ د ج س م َ ل ً ا بد َ أ ه في م ُ ق ت ل ، ن بو ذ َ
كا َ ل م هن إ د ه ْ
ش ي ه ّ ل وال نى س ح ْ لا ّ
ل إ نا َ
َ ْ ِ ٌ ّ َ َ ْ ِ ِ َ ُِ َ َ ُ َ َ ُ ِّ ُ ْ ُ ْ َ ِ أَرد ْ َ
ن ي َت َط َهُّروا حبو َ َ َ قوى م َ
نأ ْ ل يُ ِ ّ َ جا ٌ م ِفيهِ ِفيهِ رِ َ قو َ ن تَ ُحق ّ أ ْ ل ي َوْم ٍ أ َ ن أوّ ِ ِ ْ عََلى الت ّ ْ َ
ن(( ]التوبة ، [108 ،107 :واللفتات المرفوعة اليوم ري َ مط ّهّ ِ ب ال ْ ُ ح ّ ه يُ ِ َوالل ّ ُ
كثيرة وماكرة ،أقتصر منها على بعض المثلة :
ما يرفعه الذين بدلوا شرع الله عز وجل ورفضوا التحاكم إليه في بلدهم من
لفتات يخدعون بها شعوبهم المسلمة ،مثل إقامة الذكرى السنوية لحراق
المسجد القصى المبارك ،فترى هؤلء المجرمين الخائنين لله سبحانه
ورسوله صلى الله عليه وسلم يخدعون المسلمين بإحياء ذكرى حرق
المسجد القصى كأنهم يهتمون بالمسلمين ومقدساتهم ،وهم قد خانوا الله
سبحانه من قبل بتنحية شريعته واستحلل محرماته ،وخانوا أمتهم بعد ذلك
بالتذلل لليهود والنصارى ،وما أصدق ما قاله الشيخ عبد الرحمن الدوسري
رحمه الله في محاضرة له مسجلة :إن إحراق المسجد القصى بل إحراق
مساجد الدنيا كلها ليس أعظم جرما ً من العتداء على شرع الله وحكمه
وسلطانه في الرض من قبل النظمة التي تتباكى على القصى وإحراقه .
__________
] [1عمدة التفسير ،ج ، 4ص . 156158
] [2مجموع الفتاوى ،ج ، 28ص . 168
] [3البخاري ،كتاب الدب ،وانظر :فتح الباري ،ج ، 10ص . 528
] [4رواه الترمذي وأبو داود ،وصححه اللباني في مشكاة المصابيح )(5044
.
] [5مجموع الفتاوى ،ج ، 28ص . 237238
] [6الفوائد ،ص . 109
)(9 /
107
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
قوله تعالى } :حتى إذا فشلتم وتنازعتم في المر { )آل عمران (152:في
وقعة ُأحد؛ وقوله سبحانه } :ولو أراكهم كثيًرا لفشلتم ولتنازعتم في المر {
)النفال (43:وذلك في غزوة بدر؛ ثم قوله } :ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب
ريحكم { )النفال (46:ولنا مع هذه الية الخيرة وقفة .
م .والفشل :الوهن والعياء والجبن ص ُ
والتنازع :التخالف والختلف والتخا ُ
وانحطاط القوة ،مادية أو معنوية .
ويلحظ أن الخطاب القرآني قد ربط بين هذه المعاني ،ورتب بعضها على
ب المعلول على علته؛ وهذا شأن منهج بعض؛ َرْبط النتيجة بسببها ،وت ََرت ّ َ
ما ،ل يتبدل ول يتغير، القرآن الكريم في كثير من آياته ،التي تقرر قانوًنا عا ً
ن ثابت مطرد ل اختلل فيه ول تبديل } فلن تجد لسنت سن َ ٍ
بل يجري على َ
الله تبديل ولن تجد لسنت الله تحويل { )فاطر. (43:
فقوله تعالى } :ول تنازعوا فتفشلوا { إخبار واضح ،ونهي جازم ،وسنة ثابتة،
يدل على أن الفشل والتراجع -على مستوى المة أو الفراد -إنما مرجعه
إلى التنازع والختلف؛ إذ العلقة بين المرين علقة تلزمية ،كعلقة السبب
سَنن الحياة الكونية ،كأن تصبح قوة ما ،ل تتخلف إل إذا تخلفت ُ بالمسّبب تما ً
الجاذبية إلى السماء ل إلى الرض !
وعلى ما تقدم ،فإن النهي عن التنازع يقتضي المر بمنع أسباب التنازع
وموجباته ،من شقاق واختلف وافتراق؛ والمر بتحصيل أسباب التفاهم
ومحصلته ،من تشاور وتعاون ووفاق .
ولما كان التنازع من شأنه أن ينشأ عن اختلف الراء والتوجهات ،وهو أمر
جب ِّلة البشرية ،بسط القرآن القول فيه ببيان سيئ مركوز في الفطرة وال ِ
آثاره ،ومغبة مآله ،ورتب عليه في الية هنا أمرين :الفشل } فتفشلوا {
وذهاب القوة } وتذهب ريحكم { والفشل في الية هنا على حقيقته ،إذ يعني
الفشل في مواجهة العدو ومدافعته؛ وذهاب الريح في الية ،كناية عن ذهاب
القوة ،والدخول في حالة الضعف والوهن .
وإنما كان التنازع مفضًيا إلى الفشل ،لنه ُيثير التباغض والشحناء ،وُيزيل
التعاون واللفة بين النفوس ،ويدفع بها إلى أن يتربص بعضها ببعض ،ويمكر
مع العداء فيها ،ويشجعهم على النيل منها، كل طرف بالخر ،مما ي ُط ْ ِ
ُ
ويجرئهم على خرق حرماتها ،واختراق محارمها .وكم أتيت أمة السلم على
مر تاريخها -القديم والحديث -من جهة التنازع والتباغض ،مع وضوح النص
وصراحته في النهي عن هذا .
م ،جاء صدر الية آمًرا بطاعة الله ورسوله ،إذ بطاعتهما ُتتلشى ومن ث َ ّ
أسباب التنازع والختلف ،وبالتزام أمرهما تتجمع أسباب النصر المادي
والمعنوي؛ فما يتنازع الناس إل حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه ،وحين
جه الساس للراء والفكار ،فإذا استسلم الناس يكون الهوى المطاع هو المو ّ
لمر الله ورسوله ،وجعلوا أهواءهم على وَْفق ما يحب الله ورسوله انتفى
ضبطت ن الشرع الحنيف ،و ُ سن َ ِ
النزاع والتنازع بينهم ،وسارت المور على َ
بأحكامه وتوجيهاته .
على أّنه من المهم هنا حمل ) الفشل ( في الية على معنى أعم وأوسع،
بحيث يشمل الفشل في أمور الحياة كافة ،القتصادية والجتماعية
والسياسية ،بحيث ل يقتصر الفشل على ساحات الوغى والقتال فحسب -
كما هو السبب الذي وردت لجله الية الكريمة -وهو معنى ل تأباه اللغة ،ول
من تتّبع مقاصد القرآن، يمنعه الشرع؛ وهذا أولى بفهم الية ،كما ُيعلم ذلك ِ
وكلياته الساسية .
108
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وحاصل القول في الية :أن الختلف والتنازع عاقبته الفشل والخسران ،وأن
التعاون والوفاق سبب للفوز والنجاح في الدنيا والخرة؛ والقارئ لتاريخ المم
والشعوب -بما فيها تاريخ أمتنا السلمية -ل يعجزه أن يقف على العديد من
الحداث والشواهد والمشاهد -وعلى المستويات كافة -التي تصدق ما أخبر
به القرآن الكريم .وصدق الله إذ يقول } :واعتصموا بحبل الله جميًعا ول
تفرقوا { )آل عمران (103:فهل يعمل المسلمون بهذا المر اللهي ،أم ما
زالوا عنه غافلين ؟ .
المصدر :الشبكة السلمية
)(1 /
ولؤنا لمن؟
المحتويات
مدخل
معنى الولء
أقسام الناس في الولء والبراء
القسم الول
القسم الثاني
القسم الثالث
لوازم الولء للمؤمنين ونتائجه
المر الول :المحبة للمؤمنين
المر الثاني :التألم لمصائبهم وآلمهم
المر الثالث :التأييد والعانة
المر الرابع :حق النصرة
المر الخامس :المناصحة
المر السادس :حسن الظن والعفو عن الخطأ
خوارم الولء للمؤمنين
أولها :وأشنعها إعانة الكفار عليهم
الثاني :الولء القبلي والعرقي
الثالث :الولء القليمي
الرابع :الولء الحزبي
الخامس :الولء على أساس المسائل الجتهادية
مدخل
الحمد لله القائل في كتابه ) إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين
آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون(.
أحمد الله سبحانه وتعالى وأستغفره وأتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أل
إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم عبده
ورسوله أول من خاطبه الله سبحانه وتعالى بقوله) قد كانت لكم أسوة
حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤ منكم ومما تعبدون
من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا ً حتى تؤمنوا
بالله وحده( ،أما بعد …
فإن عقيدة الولء والبراء من أسس عقيدة أهل السنة والجماعة ،وهي ليست
109
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
110
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وأما ما يجوز من التعامل معهم في البيع والشراء ونحو ذلك فهذا باب آخر
غير المودة والمحبة القلبية والوقوف معهم ونصرتهم.
)(1 /
هذا هو الصنف الول وهم الكفار على اختلف مللهم ونحلهم ،والواجب هو
إظهار العداوة والبغضاء وإعلنها لهذا الصنف وهذه الطائفة.
القسم الثاني
من يوالى جملة وهم المؤمنون ،وتتفاوت درجات الولء والمحبة للمؤمنين
داخل هذه الدائرة ،فهم يشتركون في أصل الولء لكن درجات الولء والمحبة
تتفاوت تبعا ً لقربهم من الله سبحانه وتعالى وطاعتهم له ،فل شك أن
للصالحين والتقياء ولء ليس لعامة المسلمين ،وللدعاة والقائمين بأمر الله
سبحانه وتعالى والقائمين بدين الله عز وجل ولء ليس لغيرهم ،لكنهم جميعا ً
يشتركون في هذا الصل أل وهو الولء والمحبة وما يترتب على ذلك من
اللوازم التي سيأتي الحديث عنها بمشيئة الله.
القسم الثالث
من يجتمع فيهم الولء والبراء ،وهو من اجتمعت فيه الطاعة و المعصية من
فساق المسلمين ،أو من جمع بين السنة والبدعة التي ل تخرجه عن دين
السلم ،فهذا قد اجتمع فيه موجبان :موجب الولء والمحبة وهو اليمان
والطاعة لله سبحانه وتعالى ،وموجب البراء والبغض وهو المعصية لله
سبحانه وتعالى ،سواء كان عن هوى أو عن شبهة أو عن شهوة.
ويتفاوت الناس داخل هذه الدائرة تبعا ً لمدى قربهم من المؤمنين الخّلص
ومدى بعدهم عنهم.
قال شيخ السلم ابن تيميه رحمه الله " :ليعلم أن المؤمن تجب موالته وإن
ظلمك واعتدى عليك ،والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك ،فإن
الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله فيكون الحب
لوليائه والبغض لعدائه ،فإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور،
وطاعة ومعصية ،وسنه وبدعة ،استحق من الموالة والثواب بقدر ما فبه من
الخير واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر؛ فيجتمع في
الشخص الواحد موجبات الكرام والهانة -إلى أن قال رحمه الله -هذا هو
الصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة وخالفهم الخوارج والمعتزلة
ومن وافقهم عليه ".
وكلمة طويل في تقرير هذه القضية رحمه الله ،وهي قضية قد يغفل عنها
ويخطئ فيها كثير من الخّيرين؛ فحينما يقع من بعض المسلمين مخالفة إما
معصية أو شبهة أو هوى أو بدعة فإنه يتبرأ منه جملة ول يمنح له أي قدر من
الولء.
لوازم الولء للمؤمنين ونتائجه
هذا الولء للمؤمنين ينشأ عنه لوازم وأمور ،سواء قلنا هي أصل الولء أم من
لوازمه ونتائجه ،فل مشاحة في الصطلح ،ومن هذه المور:
المر الول :المحبة للمؤمنين
لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ممن يظلهم الله سبحانه وتعالى في
ظله يوم ل ظل إل ظله رجلن تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ،وأخبر
صلى الله عليه وسلم أن المرء يحشر يوم القيامة مع من أحب ،وأخبر صلى
الله عليه وسلم أيضا ً أن ذلك طريق لتحقيق وحصول لذة اليمان وحلوته
111
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
فقال ":ثلث من كن فيه وجد بهن حلوة اليمان أن يكون الله ورسوله أحب
إليه مما سواهما وأن يحب المرء ل يحبه إل لله وأن يكره أن يعود في الكفر
بعد أن أنقده الله منه كما يكره أن يقذف في النار " ،فجعل النبي صلى الله
عليه وسلم من شروط تحقيق حلوة اليمان وحصول لذته أن يحب المرء ل
يحبه إل لله ،فالمسلم متعبد بمحبة إخوانه المؤمنين.
المر الثاني :التألم لمصائبهم وآلمهم
وهي قضية ل يعذر بها أحدا ً أبدًا ،فالمشاعر القلبية أمر يملكه كل الناس،
وليعجز عنه أضعفهم ،يملك المسلم أن يتألم للم إخوانه المسلمين ،وأن
يتفاعل مع مصائبهم وإن عجز عن أن يقوم بنصرتهم بماله أو نفسه .
ويشبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالجسد الواحد إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ،فما مدى تحقق هذا الوصف
فينا؟ وما مدى مراعاتنا لهذا المر؟ ما مدى تألمنا للم المسلمين ومصائبهم
سواء أكانوا من عامة المسلمين أم من الدعاة والمصلحين؟
إن أبشع أنواع انتهاكات حقوق النسان وأبشع أنواع الظلم والضطهاد يسام
فيه إخواننا المسلمون ،سواء أكانوا من الدعاة وهؤلء لهم ولء أعظم وأتم
من غيرهم ،أم كانوا من عامة المسلمين المستضعفين وهؤلء أيضا ً لهم حق
الولء والمحبة والنصرة.
وها نحن الن لنفيق من مصيبة من مصائب إخواننا المسلمين حتى نصاب
بمصيبة أخرى ،حتى أصبحت مصائب إخواننا المسلمين بعضها يشغل عن
بعض.
المر الثالث :التأييد والعانة
ً
فمن حق المؤمن أن نقف معه و نؤيده ،خاصة عندما يكون قائما بأمر الله
سبحانه وتعالى داعيا ً لدين الله عز وجل يسعى إلى تطبيق شرع الله سبحانه
وتعالى بين الناس ،فل يعذر أحد أبدا ً من المسلمين في ترك الوقوف معه
وإعانته وتأييده ولو بالدعاء أو المقال واللسان .
)(2 /
ولقد كان علماء أهل السنة قديما ً وحديثا ً يعنون بذلك عناية واضحة ،كان أسد
بن الفرات قائما ً بمنهج أهل السنة في بلد المغرب وكان مواجها ً للمبتدعة
فكتب له أسد بن موسى رحمه الله رسالة يؤيده فيها ويعينه ،وقد روى هذه
الرسالة ابن وضاح في كتابه) البدع والنهي عنها( يقول":اعلم أي أخي أن ما
حملني على الكتابة إليك ما ذكر أهل بلدك من صالح ما أعطاك الله من
إنصافك للناس ،وحسن حالك ،مما أظهرت من السنة وعيبك لهل البدعة،
وكثرة ذكرك لهم وطعنك عليهم؛ فقمعهم الله بك ،وشد بك ظهر أهل السنة،
وقواك عليهم بإظهار عيبهم والطعن عليهم فأذلهم الله بذلك ،وصاروا
ببدعتهم مستترين ،فأبشر أي أخي بثواب ذلك واعتد به أفضل حسناتك من
الصلة والصيام والحج والجهاد ،وأين تقع هذه العمال من إقامة كتاب الله
وإحياء سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ -إلى أن قال -فاغتنم يا أخي هذا
الفضل وكن من أهله؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثة
حمرإلى اليمن وأوصاه قال )) :لن يهدي الله بك رجل ً واحدا ً خير لك من َ
كذا وكذا (( وأعظم القول فيه ،فاغتنم ذلك وادع إلى السنة حتى يكون لك
في ذلك إلفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث فيكونون أئمة بعدك
فيكون لك ثواب ذلك إلى يوم القيامة ".
112
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
فأسد بن الفرات لم يكن غائبا ً عنه أن هذا العمل فاضل ،ولم يكن غائبا ً عنه
أثر إحياء السنة بل الذي دفع أصل ً أسد بن موسى إلى الكتابة إليه هو ما
سمع عنه من قيامة بدين الله سبحانه وتعالى ،لكن البشر مهما كانوا
يحتاجون إلى العانة.
ومن هنا كان من حق المؤمنين علينا وبخاصة القائمين بأمر الله سبحانه
وتعالى والدعاة إلى الله عز وجل أن نؤيدهم ونعينهم ونقف معهم؛ فالكلمة
التي تقولها لحد القائمين لمر الله ربما زادته حماسة وقناعة بما هو عليه،
فازداد عمل ً فصار لك أنت نصيب من هذا العمل.
إن هذا القائم بدين الله ل بد أن يواجه مضايقة ،ول بد أن يواجه حربا ً
وفتنة) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون * ولقد فتنا
الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين( ومن هنا فهو
بحاجة إلى من يؤيده ،ومن يدعمه ويقف معه.
وهذا موقف آخر يسلكه الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله ،فقد سمع عن
صديق حسن خان وهو من علماء بلد الهند وكان قائما ً بالسنة ومنهج أهل
السنة فأرسل رسالة طويلة لكني أكتفي بجزء مما ورد فيها:
يقول الشيخ رحمه الله ":من حمد بن عتيق إلى المام المعظم والشريف
المقدم المسمى محمد الملقب صديق ،زاده الله من التحقيق وأجاره في
ماله من عذاب الحريق ،السلم عليكم ورحمة الله وبركاته ،أما بعد :
فالموجب للكتاب إبلغ السلم والتحفي والكرام شيد الله بك قواعد السلم،
ونشر بك السنة والحكام ،اعلم وفقك الله أنه كان يبلغنا أخبار سارة بظهور
أخ صادق ذي فهم راسخ وطريقة مستقيمة يقال له صديق ،فنفرح بذلك
وُنسر لغربة الزمان وقلة الخوان ،وكثرة أهل البدع والغلل ثم وصل إلينا
كتاب الحطة وتحرير الحاديث من تلك الفصول فازددنا فرحا ً وحمدا ً لربنا
العظيم ،ثم قال :فبينما نحن كذلك إذ وصل إلينا التفسير بكامله فرأينا أمرا ً
عجيبا ً ما كنا نظن أن الزمان سيسمح بمثله وما قرب منه -ثم أثنى على
التفسير الذي قرر فيه مذهب السلف ثم أبدى له بعض النصائح؛ وذلك أنه
ذكر بعض أقوال المبتدعة وأحسن الظن بهم ،فقال له بأسلوب لطيف -إني
اجترأت عليك محبة لك ،ولما أسمع عنك أنك تحب النصح -ثم اقترح عليه أن
يشرح نونية ابن القيم وبعد ذلك قال :إن لي ابنا ً وآمل أن يأتي ويطلب العلم
عندك ".
ما أثر هذه الرسالة على صديق رحمه الله وهو هناك في بلد الهند تأتيه هذه
الرسالة تجوب الفيافي والقطار وتقطع المحيطات من بلد الجزيرة ،تأتي
إليه مثل هذه الرسالة فتشد من عضده وتؤيده وتعينه.
وقد كتب أحد علماء الدعوة وهو الشيخ راشد بن جريس ،رسالة أخرى إلى
صديق خان ،حين كان في تركيا ،فعثر على بعض كتبه ،ومما جاء في رسالته:
" كنا نظن أن هذه الطريقة لنا وليس لنا فيها مشارك في الدنيا حتى وقفنا
على بعض مؤلفاتك الشريفة فازددت بها فرحا ً وسرورا ً ولي أصحاب على
معتقدكم الطاهر ومؤلفات مشايخنا مطابقة لما أنتم عليه ".
المر الرابع :حق النصرة
وهو قريب من حق التأييد والعانة لكننا نعني بالتأييد ماكان ابتداء ،أما النصرة
فهي عندما يتعرض المؤمن للظلم ،وهذه النصرة على درجات :
)(3 /
113
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الدرجة الولى :النصرة باليد وذلك أن يدفع عنه الظلم قال عز وجل ):وإن
استنصروكم في الدين فعليكم النصر إل على قوم بينكم وبينهم ميثاق( ،فإذا
اعتدي على المسلمين في أي بلد كان واجب على المسلمين جميعا ً أن يهبوا
لنصرتهم ،أن ينصروهم باليد و بالسلح أما مجرد النصرة باللسان وإظهار
التعاون معهم فهذا أمر إنما هو لعامة المسلمين وآحادهم ،أما الذين ولهم
الله أمر المسلمين فأقل ما يجب عليهم تجاه إخوانهم المسلمين هو يقفوا
معهم وقوفا ً ظاهرا ً وأن ينصروهم ويؤيدوهم قال صلى الله عليه وسلم فيما
رواه البخاري " :انصر أخاك ظالما ً أو مظلومًا ،فسئل الرسول صلى الله
عليه وسلم :يا رسول الله نصرته مظلوما ً فكيف أنصره ظالما ً فقال :تردعه
عن الظلم فذلك نصره ".
وما من امرئ مسلم يخذل أخاه في موقف يحب أن ينصر فيه إل خذله الله
في موقف يحب أن ينصره فيه ،فمن خذل المسلم خذله الله ،وهذه العقوبة
ل بد أن تأتي في دار الدنيا عاجل ً قبل الخرة ،وأما ما عند الله فهو أشد
وأبقى ،واليام دول ومن يتصور أن حركة التاريخ ل بد أن تكون ثابتة
مستقرة؟ فقد تتبدل الحوال فنحتاج إلى أن ينصرنا هذا المسلم الذي تخلينا
عن نصرته وعن إعانته وعن الوقوف معه وتأييده.
والمسلم حينما ينصر أخاه المسلم ،فدافعه لذلك القيام بالواجب الشرعي ،ل
أن يتحقق له هو النصر في الدنيا حين يحتاج إليه.
الدرجة الثانية :النصرة باللسان؛ بأن ينصر أخاه المؤمن بلسانه سواء عندما
ينال من عرضه أو يغتاب أو يظلم في نفسه أو ماله أو ولده ،وليس له قدرة
على نصرته بيده وعلى إعانته؛ فالواجب عليه أن ينصره بلسانه لقول النبي
صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق " :انصر أخاك ظالما ً أو مظلوما"،
ً
ويقول صلى الله عليه وسلم أيضًا ":من ذب عن عرض أخيه المؤمن ذب الله
عن وجهه النار يوم القيامة " ،وهذا عندما يذب المؤمن عن عرض عامة
ً
إخوانه المؤمنين من عامة الناس فما بالك بخاصة الناس كمن كان عالما أو
طالب علم أو صاحب طريقة مستقيمة ودعوة إلى الله سبحانه وتعالى؟ ل
شك أن أولئك ممن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالذب عن أعراضهم
والدفاع عنهم ،في الحديث الخر الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة يقول
قال النبي صلى الله عليه وسلم " :المؤمن مرآة المؤمن ،والمؤمن أخ
المؤمن يكف عنه ضيعته ويحوطه من وراءه ".
وانظر إلى هذا الخلق كيف يتمثل به معاذ رضي الله عنه فعندما تخلف كعب
بن مالك عن تبوك سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه :قال ما فعل
كعب ،فقال رجل حبسه برداه والنظر إلى عطفيه ،فقال معاذ رضي الله عنه
:بئس ما قلت والله ما نعلم عليه إل خيرًا ،فهذا معاذ يتكلم بهذه الكلمة في
مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينتظر أن يتكلم النبي صلى الله عليه
وسلم ،ومعاذ رضي الله عنه ل يدري مالسبب والمانع الذي منع كعب بن
مالك من التخلف عن غزوة تبوك ،ومع ذلك يقوم ويدافع عن عرضه في
محضر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لنه لو سكت فالنبي صلى الله عليه
وسلم بشر قد يظن أن هذا الرجل الذي ذكر ما ذكر إنما قاله عن علم
وإحاطة ،والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال " :إنما أنا بشر وإنكم
ي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بالحجة من بعض ". تختصمون إل ّ
ً
ودأب أهل السنة أيضا النتصار للمؤمنين والذب عنهم باللسان ولذلك المام
الذهبي له مواقف كثيرة يدركها من يقرأ في كتابه سير أعلم النبلء فهو
كثيرا ً ما يدافع وينافح عن أئمة أهل السنة ومن ذلك ما ذكره عن وكيع فقد
114
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ذكر الفتنة التي أصيب بها في مكة ثم استطرد وقال بعد ذلك وهذا بحث
معترض في العتذار عن إمام من أئمة المسلمين وقد قام في الدفاع عنه
مثل إمام الحجاز سفيان بن عيينة .
)(4 /
وحصل أن صارت فتنة بين بعض أمراء نجد فاستعان أحدهم بالتراك على
أخيه فألف أحد العلماء ـ يقال له ابن عجلن ـ رسالة يجيز فيها الستعانة
بالمشركين فرد عليه الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله ،وأغلظ حتى حكم عليه
بالردة فلمه الناس وأكثروا عليه فكتب الشيخ عبد اللطيف " وهذا هو
الشاهد" في رسالة إلى زيد بن محمد آل سليمان قال " :وبلغني أن بعضهم
دخل في هذا الباب واعترض على ابن عتيق وصرح بجهله ونال من عرضه
وتعاظم هذه العبارة وزعم أنه غل وتجاوز الحد فحصل بذلك تنفيس لهل
الجفاء وعباد الهوى والرجل وإن صدر منه بعض الخطأ في التعبير ،فل ينبغي
معارضة من انتصر لله وكتابه وذب عن دينه وأغلظ في أمر الشرك
والمشركين على من تهاون ورخص وأباح في بعض شعبه ،وفتح بعض وسائله
وذرائعه الغريبة المفضية إلى ظهوره وعلوه ورفض التوحيد ونكس أعلمه
ومحو أثاره وقلع أصوله وفروعه ومسبة من جاء به ،رأى قولة رآها وعبارة
نقلها وما دراها -يقصد ابن عجلن -من إباحة الستعانة بالمشركين مع الغفلة
والذهول عن صورة المر الحقيقية ،فيجب حماية عرض من قام لله وسعى
في نصر دينه والذي شرعة وارتضاه وترك اللتفات إلى زلته والعتراض
على عبارته ،فمحبة الله والغيرة لدينه ونصرة كتابه ورسوله مترتبة عليه
محبوبة له مرضية يغتفر فيها العظيم من الذنوب ،ول ينظر معها إلى تلك
العتراضات الواهية والمناقشات التي تفت من عضد الداعي إلى الله
والملتمس لرضاه وحبه كما قيل فالمر سهل في جانب تلك الحسنات " ثم
قال بعد ذلك " ولما قال المتوكل لبن الزيات ،يا ابن الفاعلة وقذف أمه قال
المام أحمد ":أرجو الله أن يغفر له نظرا ً إلى حسن قصده في نصر السنة
وقمع البدعة وذكر بعد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " وما يدريك
لعل الله اطلع على أهل بدر فقال:اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم ".
فالشيخ عبد اللطيف رحمه الله يقر بأن الشيخ حمد قد صدر منه خطأ وقد
تجاوز ،وهذا أمر من شأن البشر؛ فحين يكون عند النسان غيرة لله ورسوله
وحمية لدين الله فقد يقع في الخطأ ،وقد يتجاوز ،وهاهم أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم حين جاء العرابي وبال في المسجد قاموا إليه وانتهروه،
وفي مواضع عديدة يقول أحدهم :يا رسول الله دعني أضرب عنقه فقد
نافق ،فقائل هذه المقولة قد تجاوز الحد الواجب في النكار على مثل هذا
الرجل ،فلماذا يلم بعد ذلك من قام غيرة وحمية لدين الله سبحانه وتعالى؟
فقد يتجاوز في عباراته وقد يقع في بعض الخطأ ولكن هذا ل يسقط حق
الولء والنصرة والوقوف معه.
إن من الخلل بواجب الولء للمؤمنين أل نرى في هذه المواطن إل الخطأ
والزلل.
المر الخامس :المناصحة
ً ً
قال النبي صلى الله عليه وسلم " :انصر أخاك ظالما أو مظلوما " قيل يا
رسول الله نصرته مظلوما ً فكيف أنصره إذا كان ظالما ً قال " :تردعه عن
الظلم فذلك نصرك إياه " ،فمن حقه علينا أن نناصحه ،بل بلغت منزلة
115
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
النصيحة أن يبايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها ،كما قال جرير
رضي الله عنه " :بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع
والطاعة والنصح لكل مسلم".
بل يجعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين هو النصيحة كما قال " :الحج
عرفة " وكما قال " :إنما الربا في النسيئة " ،قال صلى الله عليه وسلم "
الدين النصيحة ،الدين النصيحة ،الدين النصيحة " ،قالوا لمن يا رسول الله
قال :لك ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم ".
فمن حق المؤمن علينا أن نناصحه ،وعندما نناصح المؤمن -وخاصة من يقوم
لدين الله سبحانه وتعالى وينتصر له ثم يقع في الخطأ -فيجب أن نسلك
السلوب المناسب ،فليست المناصحة أن نؤلف كتابا ً فنرد عليه ونشنع في
أخطائه ،وليست المناصحة أن نتكلم بهذا المر على المنابر أمام الناس،
ونتحدث به في المجالس العامة ،ونقول إن هذه نصيحة فإن كان صادقا ً وإن
كان جادا ً فليقبلها ،المناصحة لمثل هؤلء تختلف عن النسان المظهر لفسوقه
وفجوره وحربه لدين الله.
المر السادس :حسن الظن والعفو عن الخطأ
ً
قال الله عز وجل ):يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن
إثم ول تجسسوا ول يغتب بعضكم بعضًا( ،والظن أكذب الحديث؛ فمن حق
المسلم علينا أن نحسن الظن به فقد يقول كلما ً أو يعمل عمل ً فحينئذٍ يجتهد
الناس في تفسيره وتحميله ما ل يحتمل ،بل يصل المر ببعضهم أن يقول:
إنك تقصد كذا وكذا ،وتقصد فلنا ً وفلنا ً من الناس ،وكأن هذا المنتقد قد
درجة عالية من العلم أو الكشف فأصبح أعلم من الناس بمقاصدهم
ونواياهم.
وفي المقابل فمن يقع عليه خطأ من إخوانه الذين يسيئون فهم مايقول،
فالواجب في حقه أن يعفو عنهم ويتنازل؛ فكما أني أريد الناس أن يتحملوا
أخطائي وكما أنني أقول للناس دائما ً عندما يلوموني على خطأ إني بشر ،غير
مجرد من الهوى غير مجرد من الظلم ل أستطيع أن أتخلى عن هذه الطبائع
التي فطر الله الناس عليها فكذلك يجب أن أعامل الناس بهذا المنطق.
)(5 /
116
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الناس أمة واحدة كلهم لدم ،لشرف ول نسب يفرق بينهم؛ فهذا أبو لهب في
غاية الشرف والمكانة والمنزلة في قريش ومع ذلك ما نفعته مكانته ،وأنزل
الله فيه سورة تتلى إلى يوم القيامة) تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه
ماله وما كسب سيصلى نارا ً ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها
حبل من مسد( ،وهذا هو بلل رضي الله عنه الله عنه يسمع النبي صلى الله
عليه وسلم خشخشة نعاله في الجنة.
الثالث :الولء القليمي
كانت معايير الولء لدى أهل الجاهلية تتمثل في ولء القبيلة ،ول يزال في
الكثير من المسلمين شيء من ذلك ،وحين نجح أعداء السلم في تفريق
المسلمين إلى بلد وشيع وأحزاب ،نشأ الولء القليمي.
فهذه الحدود الجغرافية بين بلد المسلمين طارئة ،ول يمكن أن نعلق عليها
أحكاما ً شرعية وننسى أن ذلك بني على أصل فاسد وهي هذه الفوارق؛
فالمسلمون أمة واحدة.
كثير من المسلمين بل من الناس الخيار ومن طلبة العلم أصبحوا يوالون
على هذا الساس ،فمن ليس من بلدهم له معاملة خاصة ،فهو يسمى أجنبيا ً
ولو كان مسلمًا ،والصل فيه الخيانة وعدم الثقة ،بل ربما الصل فيه فساد
الديانة ،وليس له حق في الثراء كأن هؤلء هم الذين بأيديهم خزائن
السماوات والرض.
وينعكس أثر هذه النظرة عليه ،فيبادلنا الشعور نفسه ،ويتحين الفرصة لرد
الصاع صاعين ،فنحتج بذلك نحن على سوئه ،وكنا السبب في تكوين هذا
الشعور لديه.
وكيف يعامل الن المسلم الوافد من بلد الهند أو بلد بنجلدش أو الشرق أو
الغرب ،وكيف يعامل العلج الصليبي القادم من أمريكا أو من أوروبا؟ فهل
نحن نتمثل في ذلك عقيدة الولء والبراء؟ هل نحن نشعر بأن هذا المسلم أخ
لنا له حق ومكانه ونشعر بأن ذاك علج صليبي حاقد؟.
إن مراجعة هذه القضية وتصحيحها ل يمكن أن يتم بمجرد كلمات وانتقاد؛ فهو
خلل تربوي يحتاج إلى وقت وجهود.
وأحيانا ً يكون الولء القليمي داخل حدود الدولة الواحدة ،وقد يكون له أثر
في التأهل لوظائف شرعية !
إنه ولء جاهلي أسوأ من ولء الحزاب والجماعات السلمية المعاصرة على
أساس النتماء الحزبي .
الرابع :الولء الحزبي
وهو الولء على حسب الحزاب أو التجمعات أو التجاهات الفكرية أو غيرها،
وقد نما هذا الداء مع انتشار الحركات والجماعات السلمية في هذا العصر.
ولشيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله -رسالة قيمة بعنوان " الوصية الكبرى
" ،وهي موجودة في الفتاوى ضمن المجلد " " 28أرسلها إلى أصحاب عدي
بن مسافر وهو أحد الزهاد ترجم له الذهبي في السير وأثنى عليه وكان له
أتباع وأصحاب غلوا فيه ،فأرسل له رسالة يناصحهم فيها ويبين لهم عقيدة
أهل السنة وكان مما قاله الشيخ رحمه الله " :وكذلك التفريق بين المة
وامتحانهم بما ل يأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،مثل أن يقال
للرجل أنت شكيلي أو قرفندي فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من
سلطان " ثم قال ":بل السماء التي قد يسوغ أن نسمى بها ،مثل انتساب
الناس إلى إمام كالحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي ،أو إلى شيخ
كالقادري والعدوي ونحوهم ،أو مثل النتساب إلى القبائل كالقيسي ،أو إلى
117
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
المصار كالشامي أو العراقي والمصري ،ول يجوز لحد أن يمتحن الناس بها
ول يوالي بهذه السماء ول يعادي عليها ،بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من
أي طائفة كان ،وأولياء الله هم أولياؤه الذين آمنوا وكانوا يتقون " .فأقر
رحمه الله النتساب والتسمي ،لكنه أنكر الولء على أساس السماء.
)(6 /
ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم لما كسع غلم رجل من المهاجرين رجل ً
من النصار فقال المهاجري ياللمهاجرين وقال الخر ياللنصار قال النبي
صلى الله عليه وسلم " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم " فقد سوغ لهم
النبي صلى الله عليه وسلم أن يتسموا بهذا السم ،وأن ينتسبوا إلى
المهاجرين وأن ينتسبوا إلى النصار ،بل هذا مصطلح شرعي ،جاء في كتاب
الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لكن هذا النتساب
والنتماء حين يكون أساسا ً يوالي عليه ويعادي عليه تصبح المسألة من دعوى
الجاهلية.
ً
فل بد أن نربي أنفسنا على التجرد ،فل يوالي أحدنا فلنا لنه من تلمذة
شيخه ،أو لنه يلتقي معه في مدرسه فكرية أو تجمع أو ..أو ..إلى آخر ذلك،
بل إذا ساغ التسمي -كما قال الشيخ -إلى مذهب أو إلى طريق أو إلى غير
ذلك فل يسوغ أن يكون هذا أصل ً يوالى ويعادى عليه.
الخامس :الولء على أساس المسائل الجتهادية
سبق أن قررنا في مقدمة الحديث أن المؤمن إذا وقعت منه معصية أو بدعة
أو اجتهاد خاطئ فهذا ل يخرجه عن الولء جملة ،وإن كان قد يحصل له من
البراء بقدر ما حصل عنده من الجهل والهوى.
أما المسائل الجتهادية التي يسوغ فيها الجتهاد فل يجوز أن تؤثر بحال على
الولء؛ فل نصنف من يخالف في المسائل الجتهادية ضمن ذلك الصنف الذين
يجتمع فيهم الولء والبراء ،بل هو من المؤمنين الذين تجب موالتهم
ونصرتهم وتأييدهم إذا حصل له هذا المر عن طريق اجتهاد سائغ.
وعلى هذا الشأن كان أئمة أهل السنة ،قال المام أحمد عن إسحاق " :لم
يعبر الجسر مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء فإن الناس لم يزل
يخالف بعضهم بعضا ً ".
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ":أما إذا كانت المسألة من
مسائل الختلف عند الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية ،فتلك مسألة
أخرى ل توجب خلفا ً ول عداوة بين المسلمين".
أليس من الخطأ والتجاوز والخلل بهذا المفهوم أن تجعل المسائل الجتهادية
معيارا ً أو أساسا ً للولء والبراء فمن يوافقني على اجتهادي في هذه القضية
له الولء والمحبة والوقوف معه ومن يخالف في مثل هذه المسألة فإنه
مبتدع ضال زائغ أشد على السلم من أعدائه؟
أليس من الخطأ والظلم والحيف والتجني أن تكون هذه المسألة الجتهادية
معيارا ً لتقويم الناس؟ فمن قال بتحريم هذا المر فهو أخ لي ،وهو النسان
صاحب الدعوة على المنهج الصحيح إلى غير ذلك ،ومن خالف فيها فهو مبتدع
مخالف للمنهج إلى غير ذلك من الوصاف.
وهب أن فلنا ً من الناس اجتهد فرأى هذه الوسيلة وسيلة دعوية جائزة وهو
اجتهاد سائغ ،وأنت تعتقد أنها محرمة فهل يعني هذا أن تسقط كل ما يقوم
به؟ وهل يعني هذا أل ننظر إلى فلن من الناس إل من هذه الزاوية الحادة؟
118
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
هل يعني هذا أن نجعل هذه القضية هي قضية القضايا عندنا فمن رأى هذا
العمل حرام وبدعة فهو صاحب منهج سليم ،ومن رأى أن هذا العمل جائز أو
مشروع فهذا رجل مبتدع ضال؟
ومن صور ذلك :أن تجد الشاب معجبا ً بفلن من الناس يثني عليه ويدافع عنه
ويتبنى أراءه فحينما يسمع له اجتهادا ً في مثل هذه المسائل يسقطه جمل ً
ل ،ويحول ذلك المنطق الذي كان يستعمله في الثناء عليه والذب عنه وتفصي ً
إلى الذم.
ومن صور الخلل بواجب الولء لخواننا المسلمين ،أنه حينما يجتهد بعضهم
فيتخذ موقفا ً نرى أنه خلف المصلحة ،ويترتب على ذلك تسلط العداء عليه،
نلوم إخواننا ونرى أنهم يستحقون ما أصابهم ،وننصب أنفسنا محامين
ومدافعين عن الباطنيين ومدافعين عن العلمانيين ومدافعين عن أعداء الله
الذين يسلكون الوسائل ويعقدون المؤتمرات ،ويجرون البحوث والدراسات
ويستقدمون المستشارين من أعداء الله عز وجل كل ذلك من أجل حرب
السلم وحرب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ،ونرى أنهم محقين فيما
فعلوا تجاه إخواننا.
والواجب الشرعي في ذلك ،أن نبين الخطأ بالسلوب الشرعي ،ثم نمنح
ولءنا لخواننا حين يكون عدوهم عدونا جميعا ً وهم أهل العلمنة والفساد،
الذين ليفرقون بيننا مادمنا دعاة إلى منهج السلم الشامل لمور الحياة.
هذا بعض ما تيسر قوله حول هذا الموضوع ،والمر كما قلت يحتاج إلى أكثر
من ذلك ،وكل ما قلته إنما هو اجتهاد ،واقتناعات شخصية فإن أصبت فمن
الله سبحانه وتعالى ،وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان و الله سبحانه
وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بريئان مما أقول.
)(7 /
119
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
120
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
121
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وعلقاته وأفكاره ،ألقيتما البذر ثم تركتموه حتى الحصاد بغير رعاية أو عناية.
طا استراتيجية تقدر على أقل مستواها بالخمس سنوات إن الدول تضع خط ً
لصيانة البنية التحتية من صحة وتعليم وإعلم وخدمات وغيرها وهي في ذلك
عا قومًيا تصرف له الموال تصف النقلت في البناء والتعمير بوصفها مشرو ً
وتنشغل به الفكار والعقول وتبذل له الوقات.
ابنك مشروعك القومي:
سا وتتعلق به النظار معجبة إن رجل ً يحقق المال وينشئ الحلم واقًعا ملمو ً
بما بذل وما وصل إليه ،إن رجل ً مثل هذا ليحتاج أن يكون في بداية نشأته قد
تم التعامل معه على أنه مشروع قومي صرفت عليه الموال وبذلت له
الوقات وانشغل به المحيطون ،ووفروا له كل ما يستلزمه نجاح هذا
المشروع القومي.
سؤال :هل ولدك 'أعظم الناس' هو مشروعك القومي؟
وهنا سيتركنا بعض الباء مقتنعين أن الجابة لديهم ل ،فيبرر ذلك حقيقة
صدمتهم في أولدهم بينما الغلبية ستظل معنا مجيبة على سؤالنا السابق
بنعم فننطلق بهم إلى الفقرة التالية .نعم لقد كان ابننا مشروعنا القومي،
فلقد عشنا من أجله ووفرنا له الموال لتحقيق رغباته وطموحاته ،ولم نمنعه
من شيء ،بل وضحينا في سبيل ذلك براحتنا ورغباتنا وتحملنا الكثير من
المشاق ،وأحياًنا الغربة الجسدية وأحياًنا أخرى الغربة الروحية بالعمل طوال
اليوم ،نعم ولدنا 'أعظم الناس' هو مشروعنا القومي مأكله ومشربه وملبسه
ونفقاته ورغباته ومطالبه.
)(1 /
وا سيدي لنا هنا وقفة ..ابنك ليس مدينة تبنى لكنه نفخة من روح
لكن عف ً
ومسكة من طين إنه كتلة من المشاعر والفكار والحاسيس والتفاعلت ،هل
تراك أيها الب الفاضل قد تلمست حاجات ولدك الحقيقية؟ ثم هل تراك بعد
ذلك قد أحسنت ترتيب أولوياتك؟ وبعد فمن سيتبقى الن بصحبتنا من الباء
والمهات هم هؤلء الذين اعتبروا ابنهم مشروعهم القومي فبذلوا له الوقات
تسبق الموال ،وأيقنوا أن الجانب النفسي والعاطفي والفكري له الولوية
في تحقيق التوازن النفسي والقتراب من تحقيق صورة الكمال في تنفيذ
المشروع القومي.
لكننا سنجد من بين هؤلء الباء والمهات من ما زالت لديهم تلك الشكاوى
وهذه الدهشة التي تعتريهم أحياًنا من تصرفات أولدهم ومن تغيرات
سلوكياتهم خاصة عند انتقالهم من مرحلة إلى أخرى في فترات عمرهم فإلى
هؤلء نقول:
* إنه ل بد لوصول الباء والمهات إلى الصواب في التعامل مع أبنائهم إلى
التصال بذوي الختصاص من علماء الشريعة والمختصين بالتربية للنشء
المسلم ممن يتمتعون بقاعدة علمية شرعية قوية ،ومن أصحاب الخبرة
والمشهود لهم بالعمل الدعوى الواقعي عميق الثر في المجتمع المسلم.
* ل بد لك أيها الب الفاضل والم الفاضلة من مراعاة العتدال والتوازن في
التعامل مع الظواهر الخاصة بالبن أو ما يمكننا أن نطلق عليه عبارة 'بين'
وفيما يلي بعض من هذه الشارات بين الفراط والتفريط.
1ـ بين السطحية والعمق:
في تعامل كثير من الباء والمهات مع تصرفات البناء نجد أنها تفتقد التوازن
122
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
123
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
ابن يقدم أمه وأباه على زوجته ويبرهما في كبرها يسأل عليهما يكرمهما ،ول
يهينهما ،يبر أقرباءهما وأصدقاءهما ،يدعو لهما ،يخدمهما ،وهو سبب شرفهما،
وقرة عينهما وفخر قلوبهما في الدنيا بما حققه من استكمال مستلزمات
وظيفة الستخلف في لرض ،وفي الخرة بالشرف الكريم ،إذ يلبسان حلة
الكرامة وتاج الكرامة ،فيقال :بم هذا؟ فينادي بأخذ ولدكما القرآن .فكم تهون
حينذاك تلك الساعات الطوال المبذولة في النشغال بمعاناته ومشاركته
فكره والصبر عليه ،وتنبه فكما تقول عند الفطار في الصيام' :ذهب الظمأ
وابتلت العروق وثبت الجر إن شاء الله' فها هنا نقول' :ذهب الرق ،والقلق
واللم والمعاناة ،وأنس القلب وفرح وانشرح الصدر وانفسح ،وثبت الجر إن
شاء الله ,فهنيًئا لمن ُرِزق بكنز فحافظ عليه وأدى أمانته فكوفئ جزاء أمانته
وصبره' ،وما يلقاها إل الذين صبروا'.
)(3 /
124
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ن")النمل :من شعُُرو َ م ل يَ ْجُنود ُه ُ وَهُ ْن وَ ُ ما ُ سل َي ْ َم ُمن ّك ُ ْحط ِ َم ل يَ ْ ساك ِن َك ُ ْ م َ خُلوا َ اد ْ ُ
الية ! (18
تأمل كيف لم تشغل هذا النبي الكريم لحظة الستماِع لحديث هذه النملة !
ول لحظة الستمتاع بمعرفة لغة هذه الحشرات الصغيرة التي حجبت لغتها
عن غيره من البشر !
لم يشغله ذلك كله عن التوجه إلى من أنعم عليه بهذه النعمة ،بل حّرك فيه
مه منطق الطير ! هذا المشهد الرغبة في الشكر لمستحقه ،فهو الذي عل ّ
ما رأى عرش بلقيس مستقرا ً ويتكرر مشهد الشكر عند هذا النبي الكريم ،ل ّ
َ َ ل َرّبي ل ِي َب ْل ُوَِني أ َأ َ ْ
ما شك ََر فَإ ِن ّ َن َم ْ م أك ْ ُ
فُر وَ َ شك ُُر أ ْ ض ِن فَ ْ م ْذا ِ عنده ـ فيقول " :هَ َ
م" )النمل.(40: ري ٌ َ
يك ِ ن َرّبي غَن ِ ّ فَر فَإ ِ ّ َ
نك َ م ْسهِ وَ َ ف ِ شك ُُر ل ِن َ ْ يَ ْ
إنها حال الشاكرين ،فسليمان ـ عليه الصلة والسلم ـ لم تذهله هذه الية
العظيمة ،وهي حضور عرش بلقيس بسرعةٍ هي أقل من طرفة العين،
ويوضع عنده مستقرًا ،وكأنما هو عنده منذ مدة من شدة استقراره ،لم
تذهله عن شكر المنعم بها ،بل لهج بالثناء والحمد ـ والحمد رأس الشكر ـ !
وهكذا تستمر القافلة المباركة ؛ لتقف عند أكمل الخلق شكرا ً واستغفارا ً ،أل
وهو نبينا ،فبعد حياةٍ حافلة بالبلغ ،والجهاد ،والصبر ،والبذل ،والعطاء ،تتنزل
على قلبه سورة النصر ،تلك السورة العجيبة التي جمعت ـ رغم قصرها ـ
بين البشرى بالفتح ،وبين نعي أكرم نفس بشرية،فيمتثل _صلوات الله
وسلمه عليه_ هذا المر في أمرين :أحدهما قولي ،والخر فعلي :
أما القولي فتحدثنا أمنا عائشة عنه ،فتذكر أنه كان يكثر أن يقول ـ في
ركوعه وسجوده ـ سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ،يتأول
القرآن ،أي :يمتثل أمر الله له بالتسبيح والستغفار ،والحديث في
الصحيحين.
وأما المتثال الفعلي ،فيتجلى في دخوله ـ بأبي هو وأمي ونفسي ـ مكة عام
الفتح منكسا ً رأسه ،متخشعًا ،معلنا ً بذلك خضوعه ،وتواضعه ،وتذلله لربه
_جل وعل_ ،ثم شفع هذه الهيئة المعبرة عن التواضع العظيم بثمان ركعات
من الضحى ،شكرا ً لله _تعالى_ على هذه النعمة الكبرى.
وأنت إذا تأملت القرآن وجدت أن الله _تعالى_ صّرح بالثناء على صفوة خلقه
من أولي العزم من الرسل _عليهم الصلة والسلم_ بأنهم كانوا من
كرا ً ِ شاَ " كورًا" ،وإبراهيم بأنه كان ش ُن عَْبدا ً َ كا َ الشاكرين ،فوصف نوحا ً بأنه " َ
ل من موسى ومحمد ـ عليهما الصلة والسلم ـ " :وَك ُ ْ
ن مهِ " ،وقال لك ٍ َل َن ْعُ ِ
ن" ،وقد كانا ـ والله ـ كذلك. ري َ شاك ِ ِ ن ال ّ م َ ِ
فتأمل في كلمة )شكور ( فهي صيغة مبالغة ،وتأمل في كلمة )شاكر( كيف
جاءت على صيغة اسم الفاعل الدال على الستمرار.
)(1 /
فإذا كان هذا حال سادة الرسل ،فغيرهم أحوج ما يكون إلى أن تكون هاتان
العبادتين شعارا ً لهم ودثارًا ،وخصوصا ً في ختام مواسم الطاعات ،أو عند
نجاح بعض المشاريع الخيرية ،ونحو ذلك ،فإن حاجة العاملين تشتد إلى
الكثار من هاتين العبادتين ،مع أهمية بقائهما حاضرتين ل يفتر اللسان عنهما
ما دام في الجسد روح ،فبالشكر تدوم النعمة ،وبالستغفار ُتغفر الزلة وتقال
العثرة.
ً ً
وهانحن نودع موسما من أعظم مواسم الطاعات ،وسوقا من أعظم أسواق
125
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الخرة ،وغني عن القول أن كل عامل ـ مهما عمل ـ ففي عمله نقص بوجه
من الوجوه ،ولو لم يكن إل أنه ل يبلغ مكافأة نعمة واحدة من نعم الله
_تعالى_ فقط ،فكيف بنعمه كلها ؟!
لذا فنحن مضطرون أشد الضطرار إلى أن تتواطأ ألسنتنا مع قلوبنا على
ن بهشكرٍ يحفظ النعمة ،واستغفارٍ يرقع الخلل ،عسى ربنا أن يتقبل ما م ّ
صرنا فيه ،وما أكثره ! علينا ،ويتجاوز عما ق ّ
ً
وفي هذه المناسبة بالذات نجد أمرا خاصا بالشكر ،فبعد أن ذكر الله _تعالى_ ً
فرضية الصيام ،وشيئا ً من أحكامه ،جاء التعليل الرباني لهذه الحكام بقوله :
ه عََلى
مُلوا ال ْعِد ّة َ وَل ِت ُك َب ُّروا الل ّ َ م ال ْعُ ْ
سَر وَل ِت ُك ْ ِ ريد ُ ب ِك ُ ُ
سَر َول ي ُ ِ م ال ْي ُ ْ ريد ُ الل ّ ُ
ه ب ِك ُ ُ " يُ ِ
شكُرون")البقرة :من الية ، (185والمعنى :ولتشكروا ُ م تَ ْ ُ ّ
م وَلعَلك َْ ُ
داك ْ ما هَ َ َ
الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق.
يقول التابعي الجليل بكر بن عبد الله المزني ـ رحمه الله ـ :قلت لٍخ لي :
أوصني ! فقال :ما أدرى ما أقول ! غير أنه ينبغي لهذا العبد أل يفتر من
ب ،ول تصلح النعمة إل بالحمد الحمد والستغفار ،فإن ابن آدم بين نعمةٍ وذن ٍ
والشكر ،ول يصلح الذنب إل بالتوبة والستغفار.
ل إضاعة الشكر، ُ
ويقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ " :وما أتي من أتي إل من قِب َ ِ
وإهمال الفتقار والدعاء ،ول ظفر من ظفر ـ بمشيئة الله وعونه ـ إل بقيامة
ك ذلك :الصبر ،فإنه من اليمان بمنزلة مل ُ بالشكر ،وصدق الفتقار والدعاء ،و ِ
الرأس من الجسد ،فإذا قطع الرأس فل بقاء للجسد".
دم ،فإن الرب أعظم وحري بمن وفق للشكر أن يلقي من ربه أعظم مما ق ّ
شكرًا.
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ " :والله _تعالى_ يشكر عبده إذا أحسن طاعته،
ويغفر له إذا تاب إليه ،فيجمع للعبد بين شكره لحسانه ،ومغفرته لساءته،
إنه غفور شكور .
والله _تعالى_ أولى بصفة الشكر من كل شكور ،بل هو الشكور على
الحقيقة ،فإنه يعطي العبد ،ويوفقه لما يشكره عليه ،ويشكر القليل من
العمل والعطاء ،فل يستقله أن يشكره ،ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى
أضعاف مضاعفة ،ويشكر عبده بقوله ،بأن يثنى عليه بين ملئكته ،وفي ملئه
العلى ،ويلقي له الشكر بين عباده ،ويشكره بفعله ،فإذا ترك له شيئا ً أعطاه
أفضل منه ،وإذا بذل له شيئا ً رده عليه أضعافا ً مضاعفة ،وهو الذي وفقه
كره على هذا وذاك "...انتهى ،وهو كلم نفيس أنصح ش َ للترك والبذل ،و َ
بمراجعة بقيته في آخر كتابه )عدة الصابرين( .
والحمد الله رب العالمين ،وصى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين.
كاتب المقال :الشيخ /عمر المقبل
المصدر :موقع المسلم
)(2 /
126
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ينبغي ،حيث بين شهادة كل من له تعلق بالمسألة ببراءته وشهادة الله له
بذلك واعتراف إبليس به.
أما الذين لهم تعلق بتلك الواقعة فهم :يوسف ،والمرأة ،وزوجها ،والنسوة،
والشهود.
-أما جزم يوسف بأنه بريء من تلك المعصية فقد ذكره الله -تعالى -في
ل رب السج َ
ما م ّ ي ِ ب إل َ ّ ح ّ نأ َ ّ ْ ُ سي( وقولهَ) :قا َ َ ّ ف ِ عن ن ّ ْ ي َراوَد َت ِْني َ قوله) :هِ َ
ه.( ... َ
عون َِني إلي ْ ِ ي َد ْ ُ
ه
س ِ ف ِ عن ن ّ ْ ه َ قد ْ َراَودت ّ ُ َ
-أما اعتراف المرأة بذلك ففي قولها للنسوة) :ول َ
َ َ
ن
م َ هل ِ سهِ وإن ّ ُ ف ِ عن ن ّ ْ ه َ حقّ أَنا َراَودت ّ ُ ص ال َ ح َ ص َ ح ْ ن َ م( وقولها) :ال َ ص َست َعْ َ َفا ْ
ن(. صادِِقي َ ال ّ
م
ظي ٌ
ن عَ ِ ُ
ن كي ْد َك ّ َ نإ ّ ُ
من كي ْدِك ّ َ ه ِ ل إن ّ ُ -وأما اعتراف زوج المرأة ففي قولهَ) :قا َ
ُ * يوس ُ َ
ن(. خاط ِِئي َ ن ال َ م َ ت ِ ك كن ِ ك إن ّ ِ ري ل ِذ َن ْب ِ ِ ِ ف
ست َغْ ِذا وا ْ ن هَ َ ض عَ ْ ف أعْرِ ْ ُ ُ
ن َ َ شهِد َ َ -وأما اعتراف الشهود بذلك ففي قوله) :و َ
ن أهْل َِها إن كا َ م ْ شاهِد ٌ ّ
ن.( .. كاذِِبي َ ن ال َ م َت وهُوَ ِ صد َقَ ْ ل فَ َ من قُب ُ ٍ ه قُد ّ ِ ص ُ مي ُ قَ ِ
سوءَه ال ّ ف عَن ْ ُ صرِ َ ك ل ِن َ ْ -وأما شهادة الله -جل وعل -ببراءته ففي قوله) :ك َذ َل ِ َ
ن(.صي َ خل َ ِ م ْ عَبادَِنا ال ُ ن ِ م ْ ه ِ شاَء إن ّ ُ ح َ ف ْوال ْ َ
ك -وأما إقرار إبليس بطهارة يوسف ونزاهته ففي قوله -تعالى ) :-فَب ِعِّزت ِ َ
ل ُغْوينه َ
ن(. صي َ خل َ ِ م ْ م ال ُ من ْهُ ُ ك ِ عَباد َ َ ن * إل ّ ِ مِعي َ ج َ مأ ْ َُِّ ْ
فأقر بأنه ل يمكنه إغواء المخلصين ،ول شك أن يوسف من المخلصين ،كما
ن( فظهرت دللة القرآن صي َخل َ ِ م ْ عَبادَِنا ال ُ ن ِ م ْ ه ِ صرح -تعالى -به في قوله) :إن ّ ُ
من جهات متعددة على براءته مما ل ينبغي.
فإن قيل :قد بينتم دللة القرآن على براءته -عليه السلم -مما ل ينبغي في
اليات المتقدمة.
م ب َِها(؟ فالجواب من وجهين: ولكن ماذا تقولون في قوله -تعالى ) :-وهَ ّ
م يوسف بها خاطر قلبي صرف عنه وازع التقوى. الول :إن المراد به ّ
وقال بعضهم :هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى ،وهذا
ل معصية فيه لنه أمر جبلي ل يتعلق به التكليف ،كما في الحديث عنه -صلى
الله عليه وسلم -أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول » :اللهم هذا
قسمي فيما أملك « يعني ميل القلب الطبيعي.
ومثال هذا :ميل الصائم إلى الماء البارد ،مع أن تقواه يمنعه من الشرب وهو
صائم.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم » :-ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له
حسنة كاملة «.
لنه ترك ما تميل إليه نفسه بالطبع خوفا من الله ،و امتثال ً لمره ،كما قال - ً
َ
ي
ة هِ َ جن ّ َ ن ال َ وى * َفإ ّ ن الهَ َ س عَ ِ ف َ م َرب ّهِ ون ََهى الن ّ ْ قا َ م َ ف َ خا َ ن َ م ْ ما َ تعالى )-وأ ّ
مأ َْوى(.. ال َ
ً
الثاني :وهو اختيار أبي حيان :أن يوسف لم يقع منه هم أصل ،بل هو منفي
عنه لوجود البرهان.
ثم قال الشنقيطي -رحمه الله :-هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو
أجرى القوال على اللغة العربية ،لن الغالب في القرآن وكلم العرب :أن
كنُتم الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه كقوله) :فَعَل َي ْهِ ت َوَك ُّلوا إن ُ
ن( أي إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه ،فالول دليل الجواب المحذوف مي َ سل ِ ِ م ْ ّ
ل نفس الجواب ،لن جواب الشرط وجواب لول ل يتقدم ،ولكن يكون
المذكور قبله دليل ً عليه..
127
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
وبهذا تعلم أنه ل ينبغي التجرؤ على القول في نبي الله يوسف اعتمادا ً على
مثل هذه الروايات.
]أضواء البيان [60-2/49قال شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله :-وأما
ه(. ن َرب ّ ِ ها َول َأن ّرَأى ب ُْر َ م ب َِها ل َ ْ
ت ب ِهِ وهَ ّم ْ قد ْ ه َ ّقوله) :ول َ َ
م إصرار. م خطرات وه ّ مان ه ّ فالّهم اسم جنس ،كما قال المام أحمد :الهم ه ّ
موقد ثبت في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أن العبد إذا ه ّ
بسيئة لم تكتب عليه.
وإذا تركها لله كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له سيئة واحدة ،وإن تركها من
غير أن يتركها لله لم تكتب له حسنة ول تكتب عليه سيئة ،ويوسف -عليه
ما تركه لله ،ولذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء لخلصه، مه ّ السلم -ه ّ
ّ
وذلك إنما يكون إذا قام المقتضى للذنب وهو الهم ،وعارضه الخلص
الموجب لنصراف القلب عن الذنب لله ،فيوسف -عليه السلم -لم يصدر
ف م َ
طائ ِ ٌ سهُ ْ وا إَذا َ
م ّ ق ْن ات ّ َ ذي َن ال َ ِمنه إل حسنة يثاب عليها وقال -تعالى ) :-إ ّ
ن(. صُرو َ
مب ْ ِ
هم ّ ن ت َذ َك ُّروا َفإَذا ُطا ِشي ْ َ ن ال ّ
م َ
ّ
وأما ما ينقل من أنه حل سراويله ،وجلس مجلس الرجل من المرأة ،وأنه
رأى صورة يعقوب عاضا ً على يده ،وأمثال ذلك فكله مما لم يخبر الله به ول
رسوله ،وما لم يكن كذلك ،فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم
الناس كذبا ً على النبياء ،وقدحا ً فيهم ،وكل من نقله من المسلمين فعنهم
نقله ،لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا -صلى الله عليه وسلم -حرفا ً واحدًا..
]دقائق التفسير [273 - 3/272
http://www.albayan-magazine.comالمصدر:
)(2 /
128
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
...ولكن...
د .عبد الكريم بكار 15/10/1426
17/11/2005
إذا تأملنا في بنية الخطاب السلمي الحالي وجدنا أنه يتجه شيًئا فشيًئا نحو
التعقيد والتركيب ،حيث الخوض في التفاصيل ،وحيث استخدام الستدراكات
والستثناءات والحترازات على نحو واسع ومتسع .وهذا يشكل علمة إيجابية
على تطور الفكر السلمي واكتسابه المزيد من الحساسية حيال التنوع
العظيم الذي فطر الله –جل وعل -عليه الشياء والحداث .كما أنه يعبر عن
شعور أعظم بالمسؤولية تجاه التفاصيل الحياتية الكثيرة .هذا كله ل ينفي
وجود شريحة إسلمية ليست قليلة ،من الكتاب والمتحدثين ،مازالت مفتونة
بالتقريرات الجازمة والحكام الصارمة؛ ظًنا منها أن ذلك يعبر عن التمكن
العلمي ،كما أنه يحفز الناس على العمل الصالح؛ إذ يحشرهم في الزاوية
الضيقة! والخبر الساّر هنا هو أن هذه الشريحة تسير في اتجاه التقلص
دد والتساع .ولعلنا نلقي بعض الضواء على هذه وليس في اتجاه التم ّ
المسألة عبر المفردات التية:
-1إننا حين نستخدم أدوات مثل )لكن( و )إل( و)ربما( فإننا نعّبر في الحقيقة
عن عدد من المعاني ،قد يكون أهمها الشعور بقصور النظام اللغوي الذي
نستخدمه .ونحن نعرف أنه ليس هناك نظام لغوي كامل ،وذلك القصور كثيًرا
ما يتجلى في قصور القواعد التي نعبر من خللها عن الظواهر ،مما يلجئنا
في النهاية إلى استخدام أدوات تدل على الستثناء ،ونحن نعبر عن ذلك
القصور بقولنا" :لكل قاعدة شواذ" ،إلى جانب الشعور بعدم كفاءة النظام
اللغوي نشعر أننا نتحدث عن ظواهر مركبة ،يصعب التعبير عنها بجمل جامعة
أو بجمل بسيطة ومختصرة ،ولهذا الشعور دللة على النضج الفكري الذي
يتجسد في الوعي على امتلك الرؤى المركبة ذات البعاد المتعددة .إن
حرم من التزّود بالمعرفة الجيدة يقنعون بأي من في حكمهم ممن ُ الطفال و َ
تعبير ،ويسارعون إلى تصديق أي مقولة؛ لنهم ل يملكون من النضج العقلي
والثراء المعرفي ما يجعلهم يبحثون عن المهمل والمسكوت عنه والشاذ
والقليل من الظواهر المطروحة للبحث والتداول .ولك أن تتخذ من هذا
معياًرا للتقدم العقلي ،فالذين يكثرون من الستدراك والتحرز في كلمهم
ويحاولون نقد المقولت والقواعد العامة يكشفون عن وعي بالطبيعة المركبة
لمعظم ظواهر الوجود ،والذي يحفزهم من جهته على الناة في إصدار
الحكام واقتراح طرق المعالجة .أما الذين ما زالوا في أول طريق النضج،
فإنهم يفرحون بحفظ القوانين العامة والجمل ذات الدللت المطلقة،
ويتضايقون ممن يجادلهم في شيء منها .وإن المتعمق في كثير من الحكم
سط عن والمثال الموروثة والحديثة يجد أنها تنزع إلى التعمق والتعبير المب ّ
قى من لدن كثيرين بشيء من الفهم الحرفي ،مع أنها قضايا كبرى ،لكنها ت َُتل ّ
في الصل رؤى وخبرات لشخاص معينين ،أي أنها نابعة من نظرة خاصة أو
جزئية .وأتمنى أن يتفّرغ لعادة النظر فيها بعض الباحثين النابهين بغية وضع
المور في نصابها.
-2الرشد الفكري يعني أشياء عديدة ،ومن أهم ما يعنيه وضوح الرؤية،
وينبغي أن نفترض ابتداء أن المعرفة النامية والخبرة المتراكمة تتيح للمتأخر
أن يرى ميزات الشياء وسلبياتها على نحو أفضل من رؤية المتقدم لها .إن
المتأخر أشبه بمن يقف على كتفي عملق ،فهو يرى ما يراه العملق ،وما ل
يراه .لكن هذا ل يتم إذا اعتقدنا أننا محرومون من المواهب التي حبا الله بها
129
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
السابقين ،أو اعتقدنا أن كل ما قاله السابقون يظل أقرب إلى الصواب؛ على
حين يظل ما نقوله نحن يظل أقرب إلى الخطأ .إن الله –سبحانه -أتاح
للمتأخرين من الطلع على قوانين الكون أضعاف أضعاف ما أتاحه
للسابقين؛ ول مانع يمنع من أن نتمكن من كشف سنن نفسية واجتماعية
وإصلحية وتربوية كانت غائبة عن استيعاب معظم من سبقنا؛ فالمعطي
هاب رب السابقين واللحقين ،ول على حاجر على فضله .إن هذا الكلم الو ّ
دمنا اليوم ربما كان
من تق ّ
قد يثير الوحشة لدى بعض الناس ،مع أن كثيًرا ِ
مرتب ً
طا بالعمل وفق معطياته ولوازمه.
)(1 /
130
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
-1حين نتحدث عن ظواهر كبرى أو أوضاع عامة ،فإن المشكلة التي قد
تواجهنا كثيًرا ما تتمثل في تحديد المستثنى والمستثنى منه أو الخط العام،
وما هو شاذ عنه أو دخيل عليه :هل المة الن في حالة صحوة ،يتخللها بعض
الشكالت والسلبيات؟ أو أن المة في غفوة على الرغم مما نشاهده من
شرات والنجازات؟ هل أوضاعنا تسير نحو الحسن أو بعض الشراقات والمب ّ
أنها تسير نحو السوأ؟
عشرات السئلة التي نطلقها هنا وهناك من أجل توفير نقطة ارتكاز للفهم أو
توفير مدخل للوعي .ويكون الجواب في معظم الحيان متعدًدا ومتبايًنا .وحين
يصل المر إلى هذا الحد من التشويش فإن كل أشكال البحث والنقاش تصبح
من غير معنى ،ومن غير جدوى ،كيف يكون في إمكاننا التغلب على هذه
المشكلة والصيرورة إلى درجة من الوضوح تسمح بالمعالجة الجيدة؟
في اعتقادي أن الوصول إلى وضعية متألقة ينقطع معها الجدل ،ليس في
حيز الممكن؛ لسباب معروفة ،لكن يمكن أن نحصل على شيء جيد إذا
خطونا الخطوات التية:
أ – تحديد التعريفات والمصطلحات المراد استخدامها في عملية )التقييم(،
ومحاولة التفاق عليها قدر المكان .وأذكر في هذا السياق أنني طالما
سمعت من الشباب الغيور الخّير من يقول :متى النصر؟ متى نرى رايات
السلم خفاقة في كل مكان؟
دت على سؤال أحدهم بسؤال جديد ،هو :ما وأذكر أنني في إحدى المرات رد َ ْ
الذي تعنيه بالنصر؟ هناك نصر عسكري ،وهناك نصر سياسي وآخر تربوي
ورابع تعليمي وخامس اقتصادي ....فعن أيّ نصر تسأل؟ ولم يجد ذلك الشاب
ما يجيب به.
حين يقول قائل :ما أسباب سقوط العالم السلمي اليوم؟ فلنقل قبل أن
نتحدث عن أسباب السقوط :ما المقصود بالسقوط؟ وما المكان الشاهق
الذي كانت تحتله المة في المجالت التي أشرنا إليها؟ وما الشواهد
والحصاءات التي تدل على تراجع المة في كل ذلك؟
لو أننا اتخذنا هذا المنهج في تناول الشياء ،فسوف نجد أن معظم الناس
يتحدثون عن أشياء كثيرة ,ل يعرفون عنها إل القليل .وكثير من الناس يقول
دا عن أي مناقشة أو محاكمة! ما يقوله من باب التقليد بعي ً
)(2 /
ب – تقسيم الظواهر موضع البحث إلى أصغر أجزاء ممكنة .إن من الصعب
ومن غير الموضوعي أن تقول :إن التعليم لدينا ينتقل من سيئ إلى أسوأ ،أو
من حسن إلى أحسن؛ إذ إن هذا الحكم يشمل عشرات اللوف من المدارس
والمؤسسات التعليمية .وإذا نظرنا بتأمل إلى واقع المدارس ،فإننا سنجد
دا ،ربما كان أفضل مما تقدمه
ما متميًزا ج ً
قطًعا أن بعضها يقدم تعلي ً
المدارس المناظرة في العديد من الدول المتقدمة .كما أننا سنجد أن بعضها
يسيء إلى عقول الطلب ونفوسهم أكثر مما تفعله مدارس مناظرة في
الكثير من دول العالم .لكن السؤال الذي ُيطرح بعد هذا هو :ما الذي يمنح
للتعليم في هذا البلد مسحته العامة أو وضعه الطبيعي :أهي المدارس السيئة
أم الممتازة؟ وما الذي يشكل الشاذة والستثنائي؟ وللجابة عن هذا السؤال
فإنه ل مناص من الخوض في التفاصيل والقيام بإجراء المسوح والدراسات
المساعدة.
131
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ما عن رؤية محدودة وجزئية ،وإن الحصاء المنهجي هو إن النسان يصدر دائ ً
الذي يحول دون الفرق في ذلك.
ّ
جـ -المقارنة مساعد آخر على كشف المطرد من الشاذ والمستثنى من
المستثنى منه .يمكن لنا حتى نتعرف على الوضعية الحقيقية لمؤسسة أو
جماعة أو هيئة ...أن نقوم بمقارنتها بنظيراتها المعاصرة ،أو التي كانت
موجودة في مرحلة تاريخية معينة .ولكن علينا أن نحذر في هذا السياق من
ود كثير من الناس أن يقارنوا أشياء بأشياء ل المقارنات الخاطئة؛ إذ تع ّ
سا
تناظرها ول تماثلها .من خلل المقارنة نصل إلى بعض التحديد ،ونوفر أسا ً
لصدار الحكام .إن مقارنة الشياء المحسوسة بأخرى مثلها تأتي بنتائج
واضحة؛ لن السس التي تقوم عليها المقارنة تكون محددة بشكل جيد؛
فنحن اليوم نقارن مثل ً بسهولة الناتج القومي لي بلد إسلمي مع أي بلد
آخر ،ونحصل على نتائج ذات مغزى ،وذلك لن حساب الناتج يقوم على
أساس مّتفق عليه ،وهو جمع قيم السلع والخدمات التي ينتجها القطر،
وتقسيم حاصل الجمع على عدد السكان ،لكن من الصعب أن نقارن مقارنة
جيدة بين الناتج الدبي والدعوي والتربوي لجماعة إسلمية وجماعة مسيحية.
يمكن –بالطبع -أن نقارن تنظيم إحداها بتنظيم الخرى ،أو نقارن التقان في
الداء أو سرعة الحركة لمعالجة الخطاء.
-2الخطاب الوعظي والتعليم التلقيني مسؤولن إلى حد بعيد عن تشكيل
دي( الذي يطرب للمطلقات والكلمات الكبيرة ،وينفر من التقييد )التفكير الح ّ
منقن يظن أن َ والستثناء والستدراك .إن كل ً من الواعظ والمعلم المل ّ
أمامه غير صالح للنقاش والحوار ،وغير صالح لستيعاب التفاصيل؛ كما أن
دد وصارم تدفع في اتجاه الرغبة الجامحة في خروج المتلقي بشيء مح ّ
تناسي الشذوذات –والتي قد تشكل ظواهر كبرى -والعراض عن
الستثناءات.
أما الخطاب المشوب بالنقد والحرص على بيان العلل والسباب وكشف
كب القادر على رؤية الشياء من العلقات فإنه يساعد على بناء العقل المر ّ
زوايا مختلفة ،وعلى مستويات متباينة ،ومن شأن التعليم القائم على الحوار
مش الستبداد الفكري ،وتحّبذ البحث والتساؤل والستنتاج إشاعة ثقافة ته ّ
والتأمل والهتمام بالمستثنى والمهمل والمنزوي.
دي العاطفي الجانح إلى التعميم و)البيع بالجملة( تأثير -3سيظل للخطاب الح ّ
واسع في الجماهير العريضة ،وسيظل كل ما يخرج عن القواعد العامة
ق المستوى المعرفي للناس ،وما لم تنتشر فيهم مصدًرا للمضايقة ،ما لم يرت ِ
المفاهيم الدقيقة والمعّبرة عن حساسية فكرية عالية .إن أصحاب الثقافة
الشفهية يعتمدون على الذاكرة في حفظ ما يحصلون عليه من معرفة ،ولهذا
فإنهم يميلون إلى المختصرات والعبارات المقننة خوًفا من النسيان .مع
حر في المعرفة وانتشار الثقافة الكتابية تنفتح شهية الناس إلى الشرح التب ّ
ّ
والتوضيح والتفاصيل المملة .وإلى أن يحدث هذا لدى الجماهير المسلمة،
فإن علينا مراقبة تعبيراتنا ونشر وعي جديد بأهمية )لكن وأخواتها(.
)(3 /
132
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
هذا العنوان جملة من درر المام الناقد الذهبي -رحمه الله -كررها مرارا ً في
موسوعته العجيبه "سير أعلم النبلء" ،وهو يأسف على عدم النصاف في
بعض القوال والتصرفات.
ة
ً أم الناس يجعل أن يشأ لم العالمين رب أن وإن من سنن الله الكونية
واحدة ً في التوجه والتفكير والتصور ،ولو شاء ربك لفعل؛ فهو سبحانه وحده
سألون" .وبناًء عليه فإن رب العالمين خلق الذي "ل يسأل عما يفعل وهم ي ُ ْ
ل) وفي الحديث: النسان والخطأ والعجلة من طبيعته (وكان النسان عجو ً
"كل ابن آدم خطاء."..
والعجيب أن هاتين السنتين الكونيتين مع ظهورهما وتسليم الناس لهما
وإنعقاد الجماع عليهما؛ يعارضهما كثيٌر من أبناء هذه المة -على اختلف
مستوياتهم ومنازعهم -ليس من ناحية التنظير )فالتنظير يحسنه كل أحد(
ولكن من ناحية التطبيق والممارسة! وهو المحك وهو العمل الذي يصدق
التنظير أو يكذبه!!
والذي بات ملحظا في تصرفات بعض ممن يرجى منهم العدل والنصاف أنها ً
تأتي أحيانا ً على خلف ماقرره الله تعالى وفطر خلقه عليه ،فترى منهم من
طئهم بناًء على رأيه وتوجهه ،ويجعل من رأيه يحاكم الناس ويصوبهم أو يخ ّ
معيارا ً لمعرفة الحق وتصنيف الناس والحكم على الشياء!! وهو بذلك ومن
حيث ل يشعر -غالبًا -يتعامل مع الناس وكأنه يريد منهم أن يكونوا على جبل ٍ
ة
واحدة ورأي واحد ،هو رأيه
وتصوره وحسب! فإن حادوا عن ذلك فقد تنكبوا الصراط وحادوا عن
ة ،ويريد ة رباني ً
السبيل!! ول يعلم أو قل :ل يشعر أنه بهذا التصور يعارض سن ً
لخلق الله غير ما أراده الله!! ويا سبحان الله!!
وآخرون يتعاملون مع الخرين وكأنهم )أعني الخرين( منزهون معصومون
ة كبرت أو صغرت، عن الخطأ والزلل ،حتى إذا ما أخطأ أحدهم خطأ أو زل زل ً
أقام الدنيا عليه ولم يقعدها! وهنا أمران لبد من مراعاتهما:
ل :إن من يتعامل مع الخرين -مهما علت أقدارهم أو غزر علمهم -وينتظر أو ً
منهم عدم الخطأ والهفوة والزلة؛ فقد ناقض سنة الله في خلقه ،وأراد من
خلق الله مالم يرده الله! فقد خلق الخلق وهم غير معصومين إل من عصم
الله من النبياء والمرسلين.
ثانيا ً :أن حكمه على الخرين بالخطأ ليس بالحكم القطعي؛ بل هو ظني في
أغلب الحوال ،وذلك أن المر ليخلو من إحدى ثلث حالت:
-1أن تكون نسبة الخطأ إلى الخر صحيحة وهي قسمان :أ -نسبة صحيحة
قطعيه )وهذا ل يكون إل في الخطأ في مخالفة ما انعقد عليه الجماع ،أو
فيما اتفق عليه العقلء من سائر المور(.
ب :نسبة صحيحة ظنيه )ومن ذلك مسائل الخلف التي ظهر فيها الدليل
بترجيح رأي ما ،بحيث يظهر سقوط الرأي الخر وعواره ظهورا ً واضحًا(.
-2أن تكون نسبة الخطأ إلى الخر غير صحيحة قطعا ً .
-3أن تكون نسبة الخطأ إلى الخر تحتمل الصحة ،ولكن الرأي أو التصرف
المقابل قد يكون له وجاهته ودليله؛ فترجيحي لرأي ل يلزم منه بالضرورة
بطلن الخر ،وهذا النوع من التفكير ل يخرج عن قول السابقين من علماء
السلف المنصفين" :قولي صواب يحتمل الخطأ ،وقول غيري خطأ يحتمل
الصواب"! فلله درهم ما أرقى تفكيرهم وأزكى نفوسهم.
أخي المسلم في كل مكان :إن من تقوى الله :العدل في القول حتى مع
الخصومه فذلك أقرب للتقوى ،قال الله )..وليجرمنكم شنئان قوم على أل
133
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
وللبقار....أخطاؤها!!
بدرية العبد الرحمن 2/1/1427
01/02/2006
أعرف أن موضوعي هو موضوع الساحة السلمية السخن هذه اليام...ربما
يبدو لكثير منكم مكرورا ً أن أتحدث عن الحماقة الدنماركية التي احتشدت لها
مشاعر المسلمين بامتداد العالم...وكيف يمكننا أن نقرأ ونهدئ الوضع المنذر
بأمور ليحمد عقباها ...
_ما الحكاية؟
كيف يمكننا تفسير هذا التصرف الستثنائي جيدًا؟
ج للتعصب الديني في قرن هل يمكننا قراءته مثل ً على أنه استيقاظ ف ّ
صب؟! التسامح والل تع ّ
أو أنه استيقاظ أكثر فجاجة للتعصب اللديني ضد الدين والديان والرموز
الدينية ؟!
العجب أن يحدث ذلك في دولة هادئة مسالمة ومنعزلة عن القرار العالمي
مساسها( وبعدها بشكل ملحوظ...بل ربما كان ركودها السياسي و)ل ِ
الجغرافي عن مناطق الصدامات الحضارية والفكرية مع المسلمين
خاصة..ومع الحضارات الخرى عامة أمرا ً مثيرا ً للجدل....
أن تتحصل مبادرة )ولو كانت استثنائية( من مجلة ما لستفزاز حفيظة أتباع
الدين السلمي الذي يعتنقه المليين عبر العالم...
والدهى أن يحدث هذا الستفزاز لعلى سبيل إرادة الخير أو تحريك مستنقع
134
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الحوار مع الخر...وإنما على سبيل تكوين )ذات أنواط( إسلمية تعّلق عليها
مطة المحددة سلفا لديننا... التهم والصور المن ّ
كل ذلك المشهد كان حماقة )دنماركية( بالغة الفداحة ،ل أظن أنها ستمرر
عبر التاريخ بسهولة...ولأظن أن بلد البقر والزبدة بصورتها البالغة الطيبة
والسذاجة كانت بحاجة لن تفتل عضلتها _حين أرادت أن تفتلها_ باستفزاز
السلميين والمسلمين باختلف أطيافهم ...
_لماذا السلم وحده...؟
م تسويق وبأكبر مايرمز لهذا الدين وهو نبيه الكريم عليه الصلة والسلم...ت ّ
صورة جيدة الصفاقة دقيقة التنميط عن السلم بوصفه دين القنابل
والموت...بصورة قاطعة...بصورة أقطع من قاطعة...لن وظيفة الكاريكاتور
في الجريدة هي تكريس صورة واقعة...حقيقية مسّلمة ليماري فيها إل
السفهاء !...
هكذا بكل بساطة نختزل وُيختزل تاريخ طويل لدين كبير في رسم
كاريكاتوري مهين لنا وحدنا دون غيرنا من الديان والتيارات الفكرية في
العالم ،والتي باسم كثير منها ارُتكبت فظائع وجرائم بحق العالم كله..ليبقى
السلم وحده متفردا ً على قائمة الموت ...
صبية حد الخطوط الحمراء، هكذا ُتنتهك المقدسات وُتطال المساسات التع ّ
وتتجاوزها بمئات المتار بدون أدنى حياء أو تحكيم للعقل...وكأن الديان قد
أصبحت بضاعة وسلعا ً كاسدة ل أهمية لما ترمز إليه وماتقوم به ،وما تفعله
في نفوس معتنقيها...
إنها بكل اختصار...قلة أدب وصفاقة في عرف الفكر...في عرف
السياسة...في كل العراف ،لشيء يعّبر عن هذه الحماقة سوى أنها قلة
أدب لتنتظر منه الدنمارك بعدها أي تصرف أحمق يجري ضدها بسببه...
لنها كانت بكل اختصار )أعقّ وأظلما(...
بؤسا ً لهذه الصورة وتعسًا...ليس فقط لنها مغلوطة وقبيحة...ولكن لنها أيضا ً
توقظ أمورا ً متخّثرة منذ قرون في العقل الغربي ضد السلمي..السلمي ذو
الموت والسيف والخيل وقطع الرقاب في سبيل الله...لأكثر..
كر صفو الوفاق النسبي الذي يعيشه المسلمون خواثر وجدت من يحّركها ليع ّ
صبيين )من أي جنس فكري( في الغرب ،وفي الدنمارك تحديدا ً بسبب تع ّ
ليدركون خطورة مايفعلونه...
ماالذي فعلته الدنمارك بنفسها بحق الله؟!
وكيف تريد أن تكسب احترامنا لها بعد كل ما حصل؟!
وكيف يمكنها ان تأمن على رعاياها في البلد السلمية ،وفي كل مكان بعد
الغضبة المضرية التي غضبها المسلمون الن؟!
مجرد تساؤلت ،ل أدري هل دارت أو تدور في العقل الدنماركي ورأيه العام
وصّناع قراره...أم أن هذا العقل مازال مشغول ً بحلب أبقاره ودهن زبدتها
دون أن يعي حجم المأزق الذي أوقعه فيه طاقم تحرير مجلة أصبحت الن
هي كل دنماركي في عقل كل مسلم!...
_نقاطع ...من أجل أن نكون!..
وال واليميل لمقاطعة المنتجات إن الدعوات المتوحدة عبر رسائل الج ّ
حي وجيد أؤيده بدون أي ضوابط.. الدنماركية والتشنيع عليها لهي مظهر ص ّ
منذ زمن مقاطعة البضائع المريكية والسرائيلية والعقل العربي السلمي
يتوثب ويصنع لاءاته الكثيرة الثقيلة والعسرة في بعض الحيان...ولكن
بصورة جميلة وتبعث على العجاب ولو اختلفنا معه...
135
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
)(2 /
136
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
مقدمة
منزلة السماء والصفات بين أبواب التوحيد
أول ً :منزلتها من القرآن
ثانيا ً :اليمان بالسماء والصفات
ثالثا ً :ختم اليات بالسماء والصفات
رابعا ً :المر بالدعاء بها
خامسًا :من أحصاها دخل الجنة
آثار اليمان بالسماء والصفات
أول :تعظيم الله سبحانه وتعالى
ثانيا ً :الستهانة بالمخلوقين
ثالثا ً :التوبة
رابعا ً :الدعوة إلى الله ومواجهة العداء
خامسًا :مراقبة الله سبحانه وتعالى
مقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي
له ،وأشهد أن ل إله إل الله وحده لشريك له وأشهد أن محمدا ً صلى الله
عليه وسلم عبده ورسوله ،أما بعد :
فموضوعنا في هذا اللقاء هو – ولله السماء الحسنى – ولشك أن الحديث
يأخذ قيمته وشأنه و مكانته مما يتحدث عنه ،والحديث عن أسماء الله سبحانه
وتعالى وصفاته حديث يأخذ بالقلوب ،وينقل المرء من عالم الدنيا وعالم
المحسوسات إلى عالم آخر ،وحينها يشعر بعظمة الله سبحانه وتعالى
وسلطانه وملكه وكبريائه ،ويدرك فقره وذله وحاجته لله سبحانه وتعالى.
السماء والصفات باب واسع من أبواب العقيدة بل صارت في مرحلة من
المراحل هي المعلم البارز في اعتقاد أهل السنة ،فن صنف من أهل السنة
والجماعة لبد أن يبدأ في الحديث عن السماء والصفات وكما أخبر النبي
صلى الله عليه وسلم أن هذه المة ستفترق ،وأن هذه الفرق كلها في النار
إل طائفة واحدة ناجية وهي أهل السنة والجماعة ،وباب السماء والصفات
من أوسع البواب التي ضلت فيها الطوائف والفرق ،ودار فيها جدل طويل
بين هؤلء وبين أهل السنة ،ولشك أن علماء أهل السنة الذين كانوا يذبون
عنها ويسعون لبيانها للناس كان يعينهم بدرجة أولى أن يستقر المعتقد
السليم والصحيح عند الناس ،وأن يدفعوا تلك الشبه التي كان يثيرها أولئك
الضالون زعما ً منهم أنهم يريدون تنزيه الله سبحانه وتعالى وتعظيمه عز
وجل ،وهذا بل شك ترك أثره البارز على منهج عرض السماء والصفات
والحديث عنه فصار أهل السنة حينما يتحدثون عن السماء والصفات في
مرحلة من المراحل ُيعنون بدرجة كبيرة بقضية الثبات وقضية الجدل مع
المخالفين ودفع شبههم ،وحينها يتوقفون عند هذا القدر وذلك أن الناس كانوا
يقرؤون القرآن ويتدبرونه وكانوا يُعون هذه المعاني وكان القدر الذي
يحتاجون إليه حينها هو أن يتضح لهم ما يجب عليهم اعتقاده في حق تجاه
الله سبحانه وتعالى.
دهية يدركها أي مسلم يشعر بتعظيم الله عز وجل ،ويعلم أنه وهي قضايا ب َ َ
سبحانه ل يمكن أن يقاس بخلقه ،وأنه ليس له الحق بأن يتجرأ على ذات الله
سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته فيفهمها من خلل عقله القاصر ،ويتعامل مع
هذه النصوص من خلل فهمه وقياسه العقلي ،وهو يدرك أن سبحانه وتعالى
137
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
لقد صار بعض المسلمين يتصور أن قضية التوحيد قضية جدلية فلسفية بحتة،
وأضرب لكم أمثلة سريعة حول هذا ثم أعود إلى موضوع الحديث ،من أسس
عقيدة التوحيد أن ل إله إل الله وهذا يعني أن ل أحد يستحق العبادة ول
الخضوع غير الله سبحانه وتعالى ،عبادته عز وجل بشعائر التعبد والخضوع له
سبحانه وتعالى ،والتشريع والتعظيم إنما هو حق لله سبحانه وتعالى ،إن
قضية ل إله إل الله حينما تضعها على بساط النقاش المعرفي الجدلي البحت
تراها واضحة مقررة عند المسلمين ،لكنك ترى هذا قد يخضع لغير الله
سبحانه وتعالى ،ويتوجه بقلبه لغير الله سبحانه وتعالى ،إنه يخاف من
قر بعقيدةالمخلوقين ويحسب ألف حساب للمخلوق ،وهو نفسه الذي ي ّ
التوحيد وبأن الله سبحانه وتعالى هو الذي ينبغي أن ُيخاف ويخشى ويرجى
عز وجل.
ولئن كان العلم النافع ل بد أن يترك أثره على صاحبه ،فكيف بالعلم بالسماء
والصفات الذي هو من أشرف العلوم ،قال ابن العربي رحمه الله" :شرف
العلم بشرف المعلوم ،والباري أشرف المعلومات ،والعلم بأسمائه أشرف
العلوم ".
138
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وقال ابن القيم – رحمه الله –":وكما أن كل موجود سواه فبإيجاده ،فوجود
سواه تابع لوجوده ،تبع المفعول المخلوق لخالقه ،فكذلك العلم به أصل للعلم
بكل ما سواه ،فالعلم بأسمائه وإحصاؤها أصل لسائر العلوم ،فمن أحصى
أسماءه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم ،إذ إحصاء أسمائه أصل
لحصاء كل معلوم لن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها ،وتأمل
صدور الخلق والمر عن علمه وحكمته تعالى ،ولهذا ل تجد فيها خلل ً ول
تفاوتًا؛ لن الخلل الواقع فيما يأمر به العبد أو يفعله ،إما أن يكون لجهل به،
أو لعدم حكمته ،وأما الرب تعالى فهو العليم الحكيم ،فل يلحق فعله ول أمره
خلل ول تفاوت ول تناقض".
منزلة السماء والصفات بين أبواب التوحيد
لو سألت أي شخص عن أنواع التوحيد لقال :توحيد الربوبية ،وتوحيد اللوهية،
وتوحيد السماء والصفات ولو تصفحت أحد كتب العقيدة لوجدت أن السماء
والصفات تأخذ حديثا ً واسعًا ،بل إن هناك طوائف منشأ وجودها وخلفها مع
أهل السنة خلفها في السماء والصفات.
أول ً :منزلتها من القرآن
حين تتأمل كتاب الله عز وجل ل تكاد تفقد الحديث عن السماء والصفات؛
ففي سورة من السور أو صفحة من الصفحات تجد أحيانا ً سردا ً لسماء الله
عز وجل وصفاته وحديثا ً عن عظمة الله سبحانه وتعالى ،وأحيانا ً تأتي تعقيبا ً
على آية من اليات في وعد أو وعيد أو حكم شرعي ،أو حديث عن المكذبين
الضالين ،أو عن أنبيائه ورسله ،فلماذا هذا الحديث المستفيض في القرآن
الكريم عن السماء والصفات؟
أليس هذا موحيا ً بأهمية المر؟ ثم أليس هذا موحيا بأن هناك واجب آخر وأن
ً
هناك أثر آخر لقضية اليمان بالسماء والصفات ينبغي أن نعينه؟ وأل نقف
عند مجرد الثبات وحده ،وهو أمر مهم ،بل النحراف فيه ضلل.
ثانيا ً :اليمان بالسماء والصفات
اليمان بالسماء والصفات عند أهل السنة يتضمن إثبات معناها ،فهي معلومة
المعنى مجهولة الكيف ،ولهذا حكموا بضلل أهل التفويض الذين يقولون إن
المعنى مجهول أو إن ظاهرها غير مراد.
إنك حين تسأل مسلما ً عامّيا ل يقرأ ول يكتب،وتقول له إن الله سبحانه غفور
حليم تواب رحيم ،فهل يعرف من هذه الكلمة معنى أنه عز وجل شديد
العقاب ،وأن بطشه شديد؟ أل يفهم من هذا فهما ً يترك أثرا ً على نفسه بغض
النظر عن قدرته عن التعبير الدقيق عما فهمه؟
وحينما يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم " :ينزل ربنا إلى السماء
الدنيا حين يبقى ثلث الليل الخر؛ فيقول :هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل
من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ " أل يفهم منه معنى
معينًا؟ اقرأ هذا الحدييث على أحد العامة ،وانظر أثره على نفسه.
فإذا كان إثبات معاني السماء والصفات على ما يليق بجلل الله عز وجل
من واجبات المسلم و داخل ً ضمن اعتقاد أهل السنة ،فالمعنى ينبغي أن
يكون له أثر على من يؤمن به.
ثالثا ً :ختم اليات بالسماء والصفات
)(2 /
139
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
نجد اليات كثيرا ً ما تختم بالسماء والصفات ،وهي تختم ختما ً مناسبا ً بمعنى
ما دلت عليه الية ،ويحكون أن أعرابيا ً سمع رجل ً يقرأ قول الله عز وجل :
]والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال ً من الله والله غفور
رحيم[ فقال هذا العرابي لست قارئا ً للقرآن ولكن عز فحكم فقطع ،ولو
غفر ورحم لما قطع ،ولهذا تجد ختم الية مناسب لمعناها ،قال عز وجل] :قد
سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع
تحاوركما إن الله سميع بصير[ ،وفي آية الزكاة يقول الله عز وجل ] :إنما
الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب
والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم[
،وهذا الختم فيه مناسبة ظاهرة كما في آية الفرائض ]يوصيكم الله في
أولدكم للذكر مثل حظ النثيين [..ختمها عز وجل بقوله ]:آباؤكم وأبناؤكم ل
تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ً فريضة من الله إن الله كان عليما ً حكيمًا[ ،فحين
يقرأ أحد هذه الية فقد يتساءل ولم يعط البن أكثر من الب ،ولم يفضل
الذكر على النثى؟ لكن حين يسمع قوله عز وجل] :آباؤكم وأبناؤكم ل تدرون
أيهم أقرب لكم نفعا ً فريضة من الله إن الله كان عليما ً حكيمًا[ ،يشعر أن
الله اتصف بصفة العلم والحكمة سبحانه وتعالى ،وهو سبحانه يضع الشياء
في مواضعها.
وحين قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ]:ليس لك من المر شئ
[ تعقيبا ً على دعائه صلى الله عليه وسلم على الذين شجوا رأسه صلى الله
عليه وسلم ختمها عز وجل بقوله ]:يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله
غفور رحيم[ ،بينما قال في سورة المائدة ]:يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء
والله على كل شيء قدير[ ،فهذا السياق يختلف عن ذاك ،ولهذا ختمت الية
بهذه الصفة وهناك ختمت بذلك السم.
إذا ً ختم اليات بالسماء والصفات يعطينا دللة على الرتباط بين السم
والصفة ،وبين ما سبق في الية ،ثم تجد عجبا ً حينما تتأمل الفرق بين ما قد
يبدو لنا أنها مترادفة وليست كذلك ،فأحبانا ً يأتي )غفور رحيم( وأحيانا ً )غفور
حليم( وبينهما فرق دقيق ،وأحيانًا) عليم حكيم( وأحيانا ً )عليم حليم( ،ولو
قرأت في كتب التفسير لوجدت عجبا ً في ذلك .
رابعا ً :المر بالدعاء بها
لقد أمر الله تبارك وتعالى عباده بأن يدعوه بأسمائه فقال]:ولله السماء
الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه] ،وفي القرآن الكريم
في مواضع عدة أخبر الله سبحانه وتعالى عن جمع من أنبيائه أنهم يدعونه
عز وجل بأسمائه وصفاته ،قوله تعالى[:وأيوب إذ نادة ربه أني مسني الضر
وأنت أرحم الراحمين[ ،ودعاء يونس عليه السلم ]:ل إله إل أنت سبحانك
إني كنت من الظالمين[ .ونرى ذلك في السنة فيما نقل عن النبي صلى الله
عليه وسلم من أدعية دعا بها أو أمرنا أن ندعو بها ،نجد كثيرا ً من هذه
النصوص فيها الدعاء بالسماء والصفات ،ومن ذلك قوله صلى الله عليه
وسلم ":اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في
كتابك ، "..والدعاء نوعان :دعاء ثناء ،ودعاء مسألة ،فحينما يقول المسلم ":
أمسينا وأمسى الملك لله …" فهذا دعاء لكنه دعاء ثناء على الله سبحانه
وتعالى .
والدعاء بأسماء الله وصفاته ينبغي أن يتناسب مع ما يدعو به المسلم ،كما
قال ابن العربي ":يطلب بكل اسم ما يليق به ،تقول :يا رحيم ارحمني ،يا
حكيم احكم لي ،يا رّزاق ارزقني ،يا هادي اهدني".
140
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وقال ابن القيم ": :يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيا ً لذلك
المطلوب ،فيكون السائل متوسل ً بذلك السم ،ومن تأمل أدعية الرسل
وجدها مطابقة لهذا".
والدعاء بالسماء الحسنى والصفات العلى له آثار على المسلم ،ومنها :الثناء
على الله عز وجل بين يدي الدعاء له سبحانه" ،ول أحد أحب إليه الثناء من
الله عز وجل" كما قال صلى الله عليه وسلم .وكان النبي صلى الله عليه
وسلم في كل خطبة يبدأ بحمد الله والثناء عليه ،فالمسلم حينما يدعو الله
بأسمائه يثني على الله عز وجل ويتوسل بين يدي الدعاء بعمل صالح يقربه
إلى الله عز وجل.
ثانيًا :الثر النفسي على النسان حينما يدعو بهذا السم ،فهذا يدعوه إلى
اليقين بالجابة ،واليقين بالجابة سبب من أسباب استجابة الدعاء ،تأمل دعاء
الستخارة "اللهم إني أستخيرك بعلمك ،وأستقدرك بقدرتك ،وأسألك من
فضلك العظيم فإنك تقدر ول أقدر وتعلم ول أعلم وأنت علم الغيوب ،الله إن
كان هذا المر خير لي …" ،فحين يستخير المسلم ويدعو هذا الدعاء ،سيتبرأ
من حوله وقوته ،ويشعر أنه سلم نفسه بين يدي الله عز وجل ،وحينها
سيشعر أنه محتاج لدعاء الله ومحتاج لن يختار الله له ،ومحتاج لتوفيق الله
وعونه ،لن الله يقدر وهو ل يقدر ،ويعلم وهو ل يعلم وهو صاحب الفضل
سبحانه وتعالى.
)(3 /
ثالثًا :العبودية والخضوع لله والفتقار بين يدي الله تعالى حين يعيش آثار هذه
السماء والصفات ومعانيها ،ولهذا كان الدعاء هو العبادة كما قال النبي صلى
الله عليه وسلم ،فالعبادة كلها تجتمع في الدعاء لن فيها فقر وذل وخضوع
بين يدي الله عز وجل.
خامسًا :من أحصاها دخل الجنة
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ":إن لله تسعا وتسعين اسمًا،
مائة إل واحدا ً من أحصاها دخل الجنة " وفي رواية " من حفظها دخل الجنة"
وقد اختلف أهل العلم في معنى "من أحصاها" ،فمنهم من فسرها بقول الله
عز وجل ]:علم أن لن تحصوه[ فقال إحصاؤها إطاقتها ،ومنهم من قال :من
قام بحقها وتأمل معانيها وقام بآثارها ،ومنهم من قال :المقصود عدها ،ومنهم
من قال :أن يدعو الله بها ،ومنهم من قال :أن يقرأ القرآن لنها في القرآن
فإذا قرأ القرآن يكون قد أحصاها ،ومنهم من قال :حفظها.
وأشار ابن القيم رحمه الله إلى أن الحصاء مراتب وذكر بأنه لو قررنا أن
المعنى هو حفظها فحفظ القرآن الكريم على سبيل المثال معروف ثواب
حفظه ،كما قال صلى الله عليه وسلم ":الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع
السفرة الكرام البررة " ،فلو فرضنا أن منافقا ً حافظ للقرآن لكنه ل يحل حل
له ول يحرم حرامه فهل ينفعه حفظه للقرآن ؟ وهل تنفعه تلوته للقرآن؟
فالقرآن حجة للمرء أو عليه ،فكذلك هذه السماء حينما تكون مجرد حفظ
فقط ل ينفعه حفظها ،لكن يحفظها ويتأمل معانيها ويلزم نفسه بمقتضياتها.
آثار اليمان بالسماء والصفات
ومن خلل كل ما سبق نصل إلى أن اليمان بالسماء والصفات ل بد أن يترك
آثارا ً على نفس المسلم ،وهي آثار عظيمة نشير إلى جزء يسير منها:
أول :تعظيم الله سبحانه وتعالى
141
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ذلك أن المسلم الذي يعلم أن الله حليم ،وأنه عز وجل غفور رحيم كريم،
وأنه شديد العقاب يبطش ويمكر بمن يمكر ،يكيد بالكافرين ول يعجزه شيء،
إذا أراد شيئا ً إنما يقول له كن فيكون ،ويعلم أن الله يسمع ويبصر ،حين يعلم
هذه السماء والصفات فإنه يزداد تعظيما ً له سبحانه ويزداد خضوعًا.
ولله المثل العلى وهو سبحانه ل يقاس بخلقه لو رأيت إنسانا ً حليما ً قد بلغ
الغاية في الحلم ،فإنك تزداد إعجابا ً به وسردا ً لتلك القصص التي تحكي حلمه
وصبره على من يجفوه ،فكيف لو اتصف مع ذلك بالكرم والعفو والحسان
إلى الناس ونصرة المظلوم والشجاعة والحياء؟
فالله سبحانه أعلى وأجل من أن يقاس بخلقه ،وله المثل العلى فالله حليم
لكن حلم المخلوقين ل يمكن أن يكون كحلم الله سبحانه ،والله سبحانه كريم
لمنه ليقاس بخلقه ،قوي عليم سميع بصير رزاق لخلقه يجيب من دعاه
ويعطي من سأله ويجير من استجار به.
ً
إن المسلم حين يتأمل هذه المعاني يزداد تعظيما لله سبحانه وتعالى ،وكلما
ازداد تعظيما ً ازداد عبودية وخضوعا ً له .
ثانيا ً :الستهانة بالمخلوقين
فالمسلم حينما يعلم أسماء الله وصفاته يستهين بالمخلوقين ،ويشعر أن
المخلوق ل يساوي شيئًا ،وهاهو العز بن عبد السلم حين أنكر على السلطان
وهو بخيله وخيلئه وسأله أحد تلميذه أما خفت السلطان؟ قال :تذكرت
عظمة الله عز وجل فصار السلطان أمامي كالهر ،بل انظر إلى أثر هذا المر
عند هودعليه السلم ،هود حينما عاداه قومه رد عليهم مستهينا ً بجبروتهم
]قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك
بمؤمنين[ فعلم هود أنهم قوم ل يعرفون إل منطق التحدي ،وقوم ل يعرفون
منطق الحوار فقال لهم متحديا ً [قال إني أشهد الله وأشهدوا أني بريء مما
تشركون من دونه فكيدوني جميعا ً ثم ل تنصرون .إني توكلت على الله ربي
وربكم ما من دابة إل هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم] إن علمه
بأن نواصي العباد بيد الله هو الذي دفعه إلى أن يستهين بجبروتهم وببطشهم.
وحين يدرك المسلم أن نواصي العباد بين يدي الله عز وجل يشعر أن
المخلوق ل يساوي شيئًا؛ فل يمكن أن يتوجه إلى المخلوق ،ول يرجو نفعا ول
ً
نوالً ،ول يخاف من المخلوق ويرهبه.
ثالثا ً :التوبة
حينما يعلم المسلم أن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده
بالنهار ليتوب مسيء الليل ،وحينما يعلم أن الله ينزل إلى السماء الدنيا
فيقول :هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ حينها يقبل
على الله عز وجل ويتوب إلى الله ويشعر أن الله رحيم رؤوف وأنه سيقبل
التوبة.
رابعا ً :الدعوة إلى الله ومواجهة العداء
حين قال موسى وهارون ]:قال ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن
يطغى[قال تعالى لهما ]:ل تخافا إنني معكما أسمع وأرى[ .فزادهما ذلك ثباتا ً
ويقينا ً وعزيمة على مواجهة فرعون وبطشه.
خامسًا :مراقبة الله سبحانه وتعالى
)(4 /
142
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
قالت عائشة رضي الله عنها :سبحان الذي وسع سمعه الصوات لقد كانت
المجادلة تجادل النبي صلى الله عليه وسلم وهي في طائفة الحجرة وأنا
أسمع ثم نزل قول الله ]:قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها [...وفي
السورة نفسها يقول تعالى ]:ما يكون من نجوى ثلثة إل هو رابعهم ول
خمسة إل هو سادسهم ول أدنى من ذلك ول أكثر إل هو معهم أين ما كانوا[،
حينها يعرف المسلم أن أي كلمة سيقولها سيسمعها الله ،ويعلم أن الله ل
تخفى عليه خافية ]سواء منكم من أسر القول أو جهر به ومن هو مستخف
بالليل وسارب بالنهار[ ،فل يمكن أن يتجرأ على المعصية حين يخلو ول يراه
أحد لنه يعلم أن سبحانه يراه ،يقول الشاعر :
وإذا خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الله وقل لها *** إن الذي خلق الظلم يراني
فحين يستشعر المسلم هذه المعاني يراقب الله ،ويعلم أن الله سبحانه ل
تخفى عليه خافية.
أختم هذا الحديث بكلم طويل لبن القيم حول هذا المعنى يقول بعد أن
تحدث عن ألوهية الله عز وجل وما في ذلك الشهود الغنى التام":وليس هذا
صا بألوهيته تعالى فقط ،بل جميع ما يبدو للقلوب من صفات الله سبحانه مخت ّ
يستغني العبد بها بقدر حظه وقسمه من معرفتها وقيامه بعبوديته؛ فمن شهد
علو الله على خلقه وفوقيته على عباده واستواءه على عرشه كما أخبر بها
أعرف الخلق وأعلمهم به الصادق المصدوق وتعبد بمقتضى هذه الصفة بحيث
يصير لقلبه صمد يعرج إليه مناجيا ً له مطرقا ً واقفا ً بين يديه وقوف العبد
الذليل بين يدي الملك العزيز؛ فيشعر أن كلمه وعمله وعلمه صاعد إليه
معروض عليه مع أوفى خاصته وأوليائه؛ فيستحي أن يصعد إليه من كلمه ما
يخزيه ويفضحه هناك ،ويشهد نزول المر والمراسيم اللهية إلى أقطار
العوالم كل وقت بأنواع التدبير والتصرف من الماتة والحياء والعطاء و المنع
والخفض والرفع وكشف البلء وإرساله إلى غير ذلك من التصرفات في
المملكة التي يتصرف فيها سواه ،فمراسيمه نافذة فيها كما يشاء يدبر المر
من السماء إلى الرض ثم يعرج فيه في يوم كان مقداره ألف سنة مما
تعدون ،فمن أعطى هذا المشهد حقه معرفة وعبودية استغنى به ،وكذلك من
شهد مشهد العلم المحيط الذي ل يعزب عنه مثقال ذرة في الرض ول في
السماوات ول في قرار البحار ول تحت أطباق الجبال بل أحاط بذلك علمه
علما ً تفصيلّيا ثم تعّبد بمقتضى هذا الشهود من حراسة خواطره وإرادته
وجميع أحواله وعزماته وجوارحه علم أن حركاته الظاهرة والباطنة وخواطره
وإرادته وجميع أحواله ظاهرة مكشوفة لديه علنية بادية ل يخفى عليه فيها
شيء ،وكذلك إذا أشعر قلبه صفة سمعه سبحانه وتعالى لصوات عباده على
اختلفها وجهرها وخفائها وسواء عنده من أسر القول أو جهر به ل يشغله
جهر من جهر عن سمعه صوت من أسر ،ول يشغله سمع عن سمع ول تغلطه
الصوات على كثرتها واختلفها واجتماعها بل هي عنده كلها كصوت واحد،
كما أن خلق الخلق وبعثهم عنده بمنزلة نفس واحدة .وكذلك إذا شهد معنى
اسمه البصير جل جلله الذي يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء
في الليلة الظلماء ،ويرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة ومخها وعروقها
وحركتها ويرى مد البعوضة جناحها في ظلمة الليل ،وأعطى هذا المشهد حقه
من العبودية تيقن أنه بمرأى منه سبحانه ومشاهدته ل يغيب عنه منها شيء.
وكذلك إذا شهد مشهد القيومية الجامع لصفات الفعال وأنه قائم على كل
شيء وقائم على كل نفس بما كسبت ،وأنه تعالى هو القائم بنفسه المقيم
143
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
لغيره ،القائم عليهم بتدبيره وربوبيته وقهره وإيصال جزاء المحسن وجزاء
المسيء إليه ،وأنه بكمال قيوميته ل ينام ول ينبغي له أن ينام يخفض القسط
ويرفعه ،وُيرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل،
ل تأخذه سنة ول نوم ول يضل ول ينسى" إلى آخر كلمه -رحمه الله –.
والمقصود أن هذه السماء الحسنى الصفات الُعلى لله سبحانه وتعالى ينبغي
أن تترك أثرا ً في نفوسنا وفي أعمالنا وفي سلوكنا ،وأن نشعر أن من كمال
ف الله سبحانه بهاص َ
التعبد لله سبحانه وتعالى لهذه السماء والصفات أن ن ً ِ
كما يليق بجلله وعظمته سبحانه وتعالى ،وأن ننزهه عن مشابهة خلقه ،ومع
ذلك أيضا ً نتعبد الله سبحانه وتعالى بمقتضى هذه السماء والصفات؛ فالذي
يعرف أنه هو الرازق ذو القوة المتين ل يمكن أن تطمح عينه إلى ما حرم ،أو
أن يخشى من غيره أن يقطع رزقه.
هذا ما تيسر أن نقوله بين يدي هذا المر ،والمر أوسع وأعظم وأجل من أن
تحيط به لغة البشر القاصر والعبد المذنب المسيء ،لكن هذه محاولة أن
نتأمل بعض ما يجب علينا تجاه أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته عز وجل .
)(5 /
مان عل ْ َ
ولن ترضى عنك بنو ِ
سنة ربانية من سنن الله تعالى سنها منذ قام على هذه الرض الحق
والباطل ،الشر والخير ،أهل اليمان وأهل الكفر ،معسكر الهدى ومعسكر
الضلل ،فل يزال أهل الكفر والنفاق يناوئون أهل اليمان ويكيدون لهم
ويحاربونهم في دينهم ما بقي على الرض مسلم وما دعا إلى الله داع ،بيد
أن هذه الحرب سجال واليام بين المعسكرين دول فُينال من أهل الحق حينا ً
وينالون من عدوهم حينا ً آخر ولكن العاقبة للمتقين ،والنصر لهل اليمان
واليقين كما أخبر بذلك رب العالمين.
وصور هذا الكيد والمكر تتلون وتتغير حسب قوة أهل الحق وضعفهم ،وقلتهم
وكثرتهم ،فتارة تكون الحرب عسكرية حربية وتارة تكون اقتصادية مادية
وتارة تكون إعلمية وسياسية وغير ذلك من أساليب الحرب القذرة التي
مَلته ،والتاريخ القديم والحديث يشهد ح َ يشنها أعداء الله على أهل السلم و َ
ن أعداء الله في هذا العصر تفّتقت عقولهم لهذه الصور المتعددة كلها ،غير أ ّ
المتشبعة ببغض هذا الدين وأهله عن حرب جديدة وأساليب ماكرة لمحاربة
الدين حربا ً تناسب العصر وتواكب العولمة الحديثة تلكم هي محاربة
"المنهج".
إن أعداء الله ل يقلقهم مناهج عباد القبور ول مناهج الرافضة ول مناهج
المعتزلة والعصرانية ،إن الذي يقض مضاجعهم وينغص عيشهم هو المنهج
الذي تربى عليه سلف هذه المة من الصحابة ومن جاء بعدهم ،منهج الحنيفية
السمحة الوسطية العدل ،ملة إبراهيم حنيفا ً كما جاء بها القرآن والسنة وكما
فهمها سلف هذه المة .لقد مارس أعداء الله كل أساليب الحرب والبادة
لطفاء هذا الدين وإخماد جذوته من حين بدأ رسول الله صلى الله عليه
ك أ َْو
فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َن كَ َذي َك ال ّ ِمك ُُر ب ِ َ
وسلم دعوته حيث قال الله عنهم) :وَإ ِذ ْ ي َ ْ
ن( )النفال(30: ري َ
ماك ِ ِ ْ
خي ُْر ال َ ه َ ّ
ه َوالل ُ مك ُُر الل ّ ُ مك ُُرو َ
ن وَي َ ْ جو َ
ك وَي َ ْ ك أ َوْ ي ُ ْ
خرِ ُ قت ُُلو َ
يَ ْ
فمكرهم ماضي وكيدهم مستمر حتى يردوا المسلمين عن دينهم وعقيدتهم.
لقد أدرك أعداء الله أن محاربة المنهج ليست من السهولة بمكان ومن
الخطأ الستراتيجي – حسب ظنهم – القضاء على المنهج بشكل سريع أو
144
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الدخول المباشر في هذه المواجهة التي ربما أفسدت عليهم خططهم ،ولكن
من يستطيع أن يمارس هذا الدور بشكل فعال هناك من أذنابهم وأعوانهم َ
وبنتائج باهرة فكان توظيفهم لطابور العلمنة والنفاق في بلد المسلمين لجل
التشكيك في ثوابت المة ومقومات دينها ولمز أئمتها وعلمائها وبدأ ذلك
بشكل واضح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وارتفعت وتيرة هذه
الحرب بعد دخول قوات الصليب عاصمة الخلفة العباسية بغداد المسلمة.
إن التاريخ يشهد أن بني علمان مهما أصاغ المسلمون لهم السمع وحققوا
بعض مطالبهم بحجة الصلح وجمع الكلمة وغير ذلك من الشعارات الزائفة
لن يقفوا عند حد ولن يرضوا بذلك حتى يتحقق "ما لقيصر لقيصر وما لله
لله" وحتى يروا علمانيتهم الكافرة تضرب بأطنابها في بلد المسلمين
ومجتمعاتهم ،وقصة صراع العلمانية مع السلم في مصر خير شاهد على
ذلك ،فكيف يرضى أهل الدعوة وحماة المنهج أن يتحقق للعلمانيين ذلك وقد
أمرهم ربهم تعالى بأن يكون الدين كله لله؟؟.
إن الواجب على المسلمين عموما ً وعلى أهل الدعوة وأصحاب الرأي
خصوصا ً الوقوف صفا ً واحدا ً وبحزم تجاه هذه الهجمة الشرسة على دين
المة وثوابتها وأل ّ يتنازل أهل المنهج ولو قيد شعرة عن دينهم وثوابتهم ،إن
حماية هذا "المنهج" مسئولية الجميع كل فيما يخصه ويحسنه أفرادا ً
ومؤسسات ،حكاما ً ومحكومين ،مع أهمية أن تكون هذه المقاومة لهذه
الهجمة ضمن خطط مدروسة وبرامج عمل جادة طويلة المدى وأل ّ تكون
برامجنا ومواقفنا ردود أفعال مؤقتة قصيرة النفس ،محددة العمر ما تلبث أن
تضعف ثم تتلشى.
إن بني علمان مهما كادوا ومكروا فإن كيدهم ضعيف ومكرهم واهٍ إذا
واجههم أهل الحق بالحجة والبرهان وقاموا بما أوجب الله عليهم من بيان
الحق وكشف عوار المفسدين والمنافقين وتبيين المنهج الصحيح والدعوة
إليه ،ومع ذلك ربما يبتلون ويؤذون ويتهمون وهذا كله ليس بمستغرب فهي
سنة أخرى من سنن الله تعالى في ابتلء المؤمنين وتمحيصهم وهي من قدر
الله الغالب وسننه الماضية.
محمد بن فهد الرشيد
)(1 /
145
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ة
كر ولحظ ِ ل به في كل ساعة تف ّ كلما وقعت عينه على آية من خلقه؛ ويتص َ
مل. تأ ّ
ن للتفكر في ملكوت السموات والرض ،وأن ت آي التنزيل تدعو النسا َ وتتابع ْ
ظ وعين ِ ٍ ق ي وقلب مرهف س
ٍ بح رة؛ ّ م أول يراها كان لو كما النظر إليها يعيد
وره أجرامها من مبصرة؛ ليلحظ ما فيها من آيات البداع والتقان ،وما تص ّ
ة له وتوقيرًا. عظمة الخالق وقدرته وحسن تقديره ،فيزداد إيمانا ً به ،ومهاب ً
ويتجدد له هذا الشعور ُتجاه خالقه كلما جدد النظر في أجرام الكون الفسيح
ب ه قَل ْ ٌ ن لَ ُ كا َ ن َ م ْ ك ل َذِك َْرى ل ِ َ ن ِفي ذ َل ِ َ قظ )إ ِ ّ س متي ّ بقلب شاهد وبصر نافذ وح ّ
د( ]ق [37:لنستمع إلى دعوة القرآن للتفكر في هذا شِهي ٌ معَ وَهُوَ َ س ْ قى ال ّ أ َوْ أ َل ْ َ
ن ت َوالن ّذ ُُر عَ ْ ما ت ُغِْني اْليا ُ ض وَ َ ِ ت َواْل َْر ماَوا ِ س َ ماَذا ِفي ال ّ ل ان ْظ ُُروا َ الكون) :قُ ِ
َ ْ ُ َ ُ َ َ
ض
ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ت ال ّ ملكو ِ م ي َن ْظُروا ِفي َ ن( ]يونس) .[101:أوَل ْ مُنو َ قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ
َ َ َ
نما ب َي ْ َ م ي ََرْوا إ ِلى َ يٍء](...العراف :من الية ) ،[185أفَل ْ ش ْ ن َ م ْه ِ خل َقَ الل ُ
ّ ما َ وَ َ
ة َ َ َ ْ ْ َ
ن آي َ ٍ م ْ ن ِ ض](...سبأ :من الية ) ،[9وَكأي ّ ْ ماِء َوالْر ِ س َ ن ال ّ م َ م ِ فهُ ْ خل َ ما َ م وَ َ ديهِ ْ أي ْ ِ
َْ
ن( ]يوسف.[105: ضو َ معْرِ ُ م عَن َْها ُ ن عَل َي َْها وَهُ ْ مّرو َ ض يَ ُ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ِفي ال ّ
صلنا التفكر في هذا الملكوت العجيب بالخالق -جل جلله -فإن التفكرّ وكما ي ِ
في هذا الملكوت وفي تقلب الليل والنهار واختلفهما ،وفي تعاقب فصول ّ
عه واخضراِره ثم ُيبسه وموته؛ ت ثم إينا ِ السنة ،وما يتبع ذلك من حياة النبا ِ
ر
ض الكب ِ كرنا بها؛ حتى ليتخي ّ ُ صُلنا بعالم الخرة ويذ ّ
ل لنا مشهد البعث والعر ِ لي ِ
يوم القيامة ،ومشهد ُ الجنة والنار في نظرات التفكر هذه.
ض َليا ٍ َ ْ
ت ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ه ِفي ال ّ خل َقَ الل ّ ُ ما َ ل َوالن َّهارِ وَ َ ف الل ّي ْ ِ خِتل ِ ن ِفي ا ْ )إ ِ ّ
كر في ذلك باعثا على التقوى لول ً ن(] .يونس .[6:وكيف يكون التف ّ قو َ قوْم ٍ ي َت ّ ُ لِ َ
ما في اختلف الليل والنهار وبديع خلق السموات والرض من إيماء وتذكير
بالخرة.
ب ْ َ ْ ُ َ ّ َ ْ ْ
ت ِلوِلي اللَبا ِ ل َوالن َّهارِ ليا ٍ ف اللي ْ ِ خِتل ِ ض َوا ْ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ق ال ّ خل ِ ن ِفي َ )إ ِ ّ
تماَوا ِ س َ ق ال ّ ْ ّ َ ً
ه قَِياما وَقُُعودا وَعَلى ُ ً ّ ن ي َذ ْكُرو َ ُ ال ّ ِ
خل ِ ن ِفي َ فكُرو َ م وَي َت َ َ جُنوب ِهِ ْ ن الل َ ذي َ
َ
ب الّناِر( ]آل عمران-190: ذا َ قَنا عَ َ ك فَ ِ حان َ َ
سب ْ َ ذا َباط ِل ً ُ ت هَ َ ق َ خل َ ْ ما َ ض َرب َّنا َ َوالْر ِ
ْ
ر
كر ،تذك ِ كر والتف ّ ة أمام هذا الرتباط العجيب بين التذ ّ .[191وتأخذنا الدهش ُ
النار عند لحظات التفكر في خلق السموات والرض واختلف الليل والنهار:
)ربنا ما خلقت هذا باطل ً سبحانك فقنا عذاب النار( ،أيّ مناسبة تلك التي
اقتضت هذا الرتباط العجيب بين المشهدين :بين مشهد السموات والرض
ومشهد ِ عذاب النار؟! ويا لله العجب كيف قادهم هذا التفكر في ملكوت
السموات والرض إلى تذكر الخرة وما فيها من العذاب الشديد؟!
ل ،وأرق مشهدًا ،وأرهف حسًا، أما إنه لتفكٌر فريد ٌ ،هو أعمق أثرًا ،وأطول تأم ً
فزة لكل مشهد من كر انفرد به نظر أولي اللباب المتح ّ وأوسع تدبرًا ،إنه تف ّ
مشاهد عظمة الله ل كنظر الغافلين ،الذين يمرون باليات ،وهم عنها
من ألفه حسه ،بتكّرر معرضون ،وينظرون إلى بديع هذا الخلق العجيب نظَر َ
قظ له. منظره فلم ي َعُد ْ يتي ّ
إن التفكر في هذا الملكوت وفي تعاقب الليل والنهار وحركة الجرام وتتابع
فصول العام لهو عبادة تزيد اليمان وتذكر بالخرة ،وتمل القلب من تعظيم
الله ومهابته.
)(1 /
146
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وكل ما في الدنيا فهو مذكر بالخرة ودليل عليها ،وها هي دورة ُ حياةِ النبات
كر بحقيقة الدنيا وتفضح زخرفها تكشف للمرء ِقصر المد في هذه الحياة ،وتذ ّ
خت َل َ َ َ
تط ب ِهِ ن ََبا ُ ماِء َفا ْ س َن ال ّ م َ ماٍء أن َْزل َْناه ُ ِ حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ ل ال ْ َ مث َ ُ ما َ الزائل) ،إن ّ َ
ن َ ظ و ت ن ي ز وا ها َ ف ر خ ز ض ر َ ل ْ ا ت َ ذ خ َ أ َ
ذا إ تى ح م عا َ
ن ل ْ وا س نا ال ُ
ل ُ ك اْل َرض م ِما يأ ْ
ْ ُ ُ ْ ُ َ َ َّ ّ َ ْ َ ّ َ ِ ّ ُ ََ ْ َ َُ َ ّ ِ ْ ِ ِ ّ َ
َ ً ْ ً َ َ َ َ َ
ن
ْ ْ َ َْ غ ت م ل ن أ َ ك ا صيد ح
َ َ َ َ َ ِ ها نا ل ع ج َ ف ا هار ْ ََ ن و أ ً ل ي ل
َْ َ َ ْ ُ َ ْ نا ر م أ ها تا أ ها ي ل َ ع م َ ُِ َ
ن رو د قا أهْل َُها أن ّهُ ْ
َ
دي سلم ِ وَي َهْ ِ عو إ َِلى َدارِ ال ّ ه ي َد ْ ُ ن َوالل ّ ُ فك ُّرو َ قوْم ٍ ي َت َ َ ت لِ َ ل اْليا ِ ص ُ ف ّ ك نُ َ س ك َذ َل ِ َ م ِ ِباْل ْ
م( ]يونس .[25-24:ويحضرنا في هذه اليام قي ٍ ست َ ِ م ْ ط ُ صَرا ٍ شاُء إ َِلى ِ ن يَ َ م ْ َ
صل القلوب ة من آيات التفكر...مشهد ٌ ي ِ مشهد ٌ آخر من مشاهد العتبار وآي ٌ
بخالقها ،وينفذ بها إلى عالم الخرة؛ حيث كربة الموقف في العرصات ،وحيث
الناُر بسمومها وعذابها.
سه اللهبة وظلهّ سمومه اللفح وحّره المؤذي وشم ِ ظ الشديد ب َ إنه هذا القي ُ
ل نظر ،بل هو فصل معتاد اليحموم .وليس هو بالحدث الجديد الذي يلفت ك ّ
ّ
فناه وعرفنا تفسيَره وتجلت لنا مألوف معروف السبب ،ومهما اعتدناه وأل ِ ْ
أسبابه فذلك ل ُيذهب ما فيه من مشهد العظة والذكرى ،فلقد كان القرآن
كر الخرة عند لحظات التفكر ،ويلفت أنظارنا إلى يعطف بصائَرنا إلى تذ ّ
مجهَن ّ َ ل َناُر َ حّر قُ ْ فُروا ِفي ال ْ َ مشهد النار إذا ُذكر حّر القيظ ...) ،وََقاُلوا ل ت َن ْ ِ
ن(]التوبة :من الية ,[81وفي نار الدنيا ما يذكر بنار قُهو َ ف َ كاُنوا ي َ ْ حّرا ً ل َوْ َ شد ّ َ أَ َ
َ الخرة )أ َفَرأ َيتم النار ال ّتي تورون أ َأ َنتم أ َن َ ْ
شُئو َ
ن من ْ ِ ن ال ْ ُ ح ُ م نَ ْ جَرت ََها أ ْ ش َ م َ شأت ُ ْ َ ُْ ُ ّ َ ِ ُ ُ َ ُْ ْ ْ
ن( ]الواقعة .[73-71:وكذلك كان يفعل وي َ ق ِ م ْمَتاعا ً ل ِل ْ ُ ها ت َذ ْك َِرة ً وَ َ جعَل َْنا َ ن َ ح ُ نَ ْ
ة لتذكر صلى الله عليه وسلم ،كان يجعل من مشاهد الحياة المألوفة صل ً
عاَلم الخرة" ،إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلة فإن شدة الحر من فيح جهنم".
سموم جهنم، وقال صلى الله عليه وسلم" :أشد ما تجدون من الحر من َ
وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم".
ب السموم يوم القيامة ،وإذا آذانا حر م هذا القيظ عذا َ فلنتذكر إذا لفحنا سمو ُ
ل حين نفّر من لهيب الشمس إلى الظل م ،ولنتمث ّ ْ ْ الهاجرة فلنتذكر حّر جهن َ
ت الشمس من الخلئق قدر م العرض على الله وقد دن ِ ذلك اليوم العظيم...يو َ
ميل ،ل يجدون ظل ً إل ظل عرشه جل جلله ،ول ُيظل فيه إل من يستحقه
من صالحي عباده ،فإين هي شمس الدنيا من شمس الخرة ،وما تبلغ
سويعات الهاجرة من يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة.
إن الستباق إلى الظل في عرصات يوم القيامة ل يتأتى بحث الخطا
والسراع إليه ركضًا ،إنما هو بالستباق بالخيرات والمنافسةِ في الطاعات.
وكم ُيشعرنا هذا بمنة الظل الذي يقينا حر الشمس ،والقرآن يذكرنا هذه
نم َ م ِ ل ل َك ُ ْ جعَ َ ظلل ً وَ َ خل َقَ ِ ما َ م ّم ِ ل ل َك ُ ْ جعَ َ ه َ النعمة في آيتين من آياتهَ) :والل ّ ُ
ْ ْ ال ْجبا َ
م ك َذ َل ِ َ
ك سك ُ ْ م ب َأ َ قيك ُ ْ ل تَ ِ سَراِبي َ حّر وَ َ م ال َ قيك ُ ُ ل تَ ِ سَراِبي َ م َ ل ل َك ُ ْ جعَ َ ل أك َْنانا ً وَ َ ِ َ ِ
م ُ ه ر َ ثْ ك يت ِم ن ِعمته عَل َيك ُم ل َعل ّك ُم تسل ِمون يعرُفون ن ِعمت الل ّه ث ُم ينكرونها وأ َ
ُ ُ ُ َ َ َ ِ ْ ُ ّ ِ َ َ ْ َ ِ ْ َ َ ْ ْ ُ ُ َ ْ ْ َ
ُ ّ ْ َ ُ
ّ
مد ّ الظ ّ
ل َ م ت ََر إ ِلى َرب ّ َ َ َ َ ال ْ َ
ف َ ك كي ْ َ ن( ]النحل [83- 82:وقال جل جلله) :أل ْ كافُِرو َ
ل( ]الفرقان .[45:ـ وكما س عَل َي ْهِ د َِلي ً م َ ش ْ جعَل َْنا ال ّ م َ كنا ً ث ُ ّ سا ِ ه َ جعَل َ ُ شاَء ل َ َ وَل َوْ َ
و
ة لدن ّ للقيظ في حره وسمومه آية ،فله في سببه آيه ،فما القيظ إل نتيج ٌ
ل ،حالتان ل ،كما أن زمهرير الشتاء من انصرافها عنا قلي ً الشمس نحونا قلي ً
متضادتان ،سببهما دنوّ يسير أو انصراف يسير ،ولو دنت أكثر لحرقت ،ولو
بعدت أكثر لماتت.
ة من آيات الله ،يخوف الله بها والشمس ـ كما أخبر صلى الله عليه وسلم ـ آي ٌ
عباده ،سخرها لهم لتكون سببا ً لبعض النعم التي يجود بها عليهم ،فهي نعمة
من النعم وآية من اليات الباهرات .ولها في حركتها وتنقلها في منازلها شأن
147
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
ظ وإن كان يؤذي إل أنه نافع تقتضيه ضرورة الحياة لبعض إن هذا القي َ
ظ لما كان لها ثمر ،فل الكائنات ،وبه يكتمل نموها ويينعُ ثمُرها ،ولو لم يكن قي ٌ
ت ظاهرة .والله سبحانه ل كم بالغة وآيا ٍ ح َ ُينسينا إيذاؤه تذك َّر ما لله فيه من ِ
در ول يخلق عبثًا ،إنما خلق لحكمة وقدر لغاية ،وله في كل تحريكة يق ّ
ً
ديرا()الفرقان :من الية .(2 ق ِ يٍء فَ َ
قد َّره ُ ت َ ْ ل َ
ش ْ ُ َ
خل ق َ ك ّ
وتسكينة شاهد ...) ،وَ َ
تبارك الله...
ّ
أل وإن التفكر في شدة القيظ وتذكر الخرة به ل يستدعي التعرض للحر ول ّ
قظ مرهف وقلب شاهد س متي ّ البروَز للشمس ،فالمر ل يتطلب سوى ح ّ
سموم من أجل تذكر ّ لل والتعرض ونظر ثاقب ،وأما التعّبد لله بالبروز للشمس
ة من ضللت الجهال ،ومن تعّبد الله بذلك الخرة ووعظ النفس به فذلك بدع ٌ
فقد أعظم عليه الفرية ،وأساء وتعدى وظلم.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ" :وأما مجرد بروز النسان للحر والبرد .بل
منفعة شرعية ,واحتفاؤه وكشف رأسه ,ونحو ذلك مما يظن بعض الناس
أنه من مجاهدة النفس ,فهذا إذا لم يكن فيه منفعة للنسان ,وطاعة لله ,فل
خير فيه ,بل قد ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم -رأى رجل ً
قائما في الشمس ,فقال :ما هذا؟ قالوا :هذا أبو إسرائيل ,نذر أن يقوم في
الشمس ,ول يستظل ,ول يتكلم ,ويصوم .فقال :مروه فليجلس ,وليستظل,
وليتكلم ,وليتم صومه" )الفتاوى الكبرى (2/148
ثم كيف يكون ذلك مستحبا ً وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم -إذا اشتد ّ
قة طريقا ً الحّر أن ُنبرد َ بالصلة .وعلى هذا فل يجوز للمسلم أن يتعنى المش ّ
للعبادة وهو يجد طريقا ً إليها أيسر ،وإنما المشقة التي ُيؤجر المرء على
تحملها تلك المشقة الملزمة للعبادة ،بحيث ل يتأّتى تحقيقها إل باحتمال تلك
المشقة ،فمثل ً ل يشرع الوضوء بالماء الحميم مع وجود غيره ،ول الوضوء
بالماء البارد في الليلة الشاتية مع وجود الدافئ ،وإنما ُيؤجر من توضأ بذلك
وهو ل يجد غيره
)(3 /
148
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
جا فيه قد تستطيع المحبة وحدها حفظ الزواج لبعض الوقت ،وإن كان زوا ً
الكثير من الخلفات والمشكلت ،وإنما ل بد مع الحب من الفهم العميق
والصحيح للفروق بين الرجل والمرأة ،ومعرفة الطريقة النسب للتعامل مع
الجنس الخر.
ـ وكثير من الناس يقرون ويعرفون نظرًيا أن هناك فروًقا بين الجنسين ،إل
أن طبيعة هذه الفروق قد ل تكون واضحة ،إل إذا كانت الفروق جسدية أو
ربما انفعالية وعاطفية.
قا عن الخر ،وهذا الفهم ما عمي ً
ودراسة الفروق بين الجنسين تكون لدينا فه ً
ضا ،وهذا الفهم سيولد نوعية من العميق يولد المحبة والمودة والحترام أي ً
القتراحات والبدائل لحل كثير من المشكلت على ضوء هذا الفهم.
كيف تبدأ المشكلت؟
ً
تبدأ المشكلت بداية عندما ينسى الرجل أو تنسى المرأة أن كل منهما
مختلف عن الخر وأن لكل منهما طبيعة خاصة به جبله الله عليها ،فيتوقع من
الخر فعل ً أو رد فعل معيًنا يتناسب مع طبيعته هو ،ثم يكون الفعل غير ما
توقع لختلف الطبيعة ،فالرجل يريد من المرأة أن تطلب ما يود هو الحصول
ما.
عليه ،وتتوقع المرأة منه أن يشعر بما تشعر هي به تما ً
إن كل ً منهما يفترض خطأ ،أنه إن كان الخر يحبه فسوق يتصرف بنفس
الطريقة التي يتصرف فيها هو ما يعبر عن حبه وتقديره ،وهذا الفتراض
الخاطئ سيكون عند صاحبه خيبات المل المتكررة ،وسيضع الحواجز الكثيرة
بين الزوجين.
ولذلك كان من الواجب على كل طرف منهما التعرف على معالم الفروق
بينه وبين الخر لتلفى كثير من المشكلت ولخلق جو من الحوار المثمر
والفهم المتبادل بين الطرفين يثمر عن حياه هادئة وسعيدة.
معالم الفروق بين الذكر والنثى:
وهذه المعالم كما ذكرها د /مأمون مبيض في كتابه التفاهم بين الزوجين
نذكرها مختصرة.
] [1اختلف القيم والنظرة إلى المور:
فالرجل يخطئ عندما يبادر إلى تقديم الحلول العملية للمشكلت ،ول يرى
أهمية لشعور المرأة بالنزعاج أو اللم ،وهذا ما يزعج المرأة من حيث ل
يدري.
والمرأة تبادر إلى تقديم النصائح والتوجيهات للرجل ،وهذا ما يزعجه كثيًرا
من حيث ل تدري.
فالمرأة عندما ينتابها أمر أو تحل عليها مشكلة ،تحب أن تتكلم وتحب من
يستمع إليها فإن ذلك يشعرها بالحب والرعاية ،ول تطرح المشكلة للبحث
صا في بداية الطرح ولكن لتحس أن هناك من يهتم بها عن حل وخصو ً
ويرعاها ويقدر ما هي فيه من البلء.
في حين أن الرجل عندما تنتابه مشكلة فهو يرى أن عليه المسئولية في حلها
وأن أي نصح للمرأة في هذه الحالة دون طلب ذلك منه فإنه يشعره أنها ترى
أنه عاجز وأنه غير قادر على حلها وهو بدوره يبحث عن الحل بنفسه أو يسأل
من يظن أنه خبير ويستطيع الحل.
] [2اختلف الوسائل في التعامل مع المشاكل:
فالرجل عندما يواجه مشكلة ما ،فإنه يميل بطبعه إلى النعزال بنفسه
والتفكير بهدوء في مخرج من هذه المشكلة التي تواجه ،بينما تميل المرأة
إلى الرغبة في الجلوس مع الخرين ،والحديث فيما يشغل بالها ،والمرأة كلما
149
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
كانت المشكلة كبيرة ،شغلت بالها كثيًرا وكانت في حاجة إلى الكلم كثيًرا
والعكس من ذلك الرجل.
] [3اختلف المحفزات والدوافع للعمل والعطاء:
فالرجل يقوم ويعمل ويعطي ما عنده عندما يشعر أن هناك من يحتاج إليه.
بينما تميل المرأة للعمل والتقديم والعطاء عندما تشعر أن هناك من يرعاها.
] [4القرب من الطرف الخر:
فعندما يقترب الرجل من المرأة يشعر بالحاجة الملحة للبتعاد لبعض الوقت،
وليعواد للقتراب من جديد ،مما يشعره باستقلليته المتجددة ،بينما تميل
المرأة في علقتها ومشاعرها إلى الصعود والهبوط كموح البحر ،وفهم هذه
الفروق يساعد المرأة على التعامل المثل مع الوقات التي يميل فيها الرجل
لبعض البتعاد ،ويعين الرجل على التعامل الفضل مع المرأة عندما تتغير
فجأة طبيعة مشاعرها ،وكيف يقدم لها ما تحتاج في هذه الوقات.
] [5تقدير أعمال الخر:
حيث تقوم المرأة باعتبار تقدير كل العطايا وما يقدمه الرجل بنفس الدرجة
تقريًبا ،فمثل ً إذا اشترى لها مجوهرات بمبلغ كبير فقدره عندها كخاتم صغير
من الذهب ،بينما يميل الرجل إلى التركيز على عمل واحد كبير ،أو تضحية
عظيمة ،ويهمل العمال الخرى الصغيرة.
ما على حق ،مما يشعر المرأة بعدم ما وكأنه دو ً
وأخيًرا فالرجل يتصرف دائ ً
صحة مشاعرها وعواطفها.
] [6اختلف الحاجات العاطفية:
فالرجل يحتاج إلى الحب الذي يحمل معه الثقة به وقبوله كما هو ،والحب
الذي يعبر عن تقدير جهوده وما يقدمه.
)(1 /
بينما تحتاج المرأة إلى الحب الذي يحمل معه رعايتها وأنه يستمع إليها ،وأن
مشاعرها تفهم وتقدر وتحترم.
وبالطبع فهذه المعالم ليست كل الفروق بين الرجل والمرأة ولكنها أهمها،
وبداية حل أي مشكلة هي تفهم دوافع الطرف الخر ]ما حملك على هذا؟[
وفهم طبيعة وجبلة الطرف الخر يعين على التفاهم معه
)(2 /
150
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
رأينا من قومنا من أهل العلم والفكر والرأي من ندد بالحدث واستنكره بغض
النظر عن ظروفه المكانية ،وفيهم من مّرره وبّرره ،وفيهم من تغاضى
عنه ،كما رأينا من يبارك هذه الحرب ضد ما يسمى )الرهاب( أيا ً كانت
الجهة المقصودة ،ومهما يترتب عليها ،وبأي وسيلة كانت ،ورأينا في المقابل
من يستهجنها وينكرها .
كما سمعنا ،ومازلنا نسمع كيل التهامات ومباركة الحكام الصوارم في حق
كل شخص أو جهة أو مبدأ ينقم عليه الغرب ،وفي غمضة عين انقلبت
مفاهيمنا السابقة ،فأصبح الجهاد والمقاومة إرهابا ً ،وأصبح المجاهد إرهابيا ،
ً
وكل مجتمع مسلم يعتز بإسلمه فهو محل اتهام ،فما مرد ذلك ؟
أهو بسبب هول الحدث وما نتج عنه من ذهول ،أم بسبب وسائل العلم
التي تقوم بتهويل الحدث وترويج الشائعات وإلقاء الرعب ،وهي -في غالبها-
وسائل إعلم غربي ،تعنى بالمصالح الغربية ليس إل .
أم ترى ذلك بسبب غياب العلم السلمي الرزين الذي يتعامل مع الحدث
بعقلنية وموازين إسلمية ،ويتصدى للزمات بعزم وحزم .
أم تراه بسبب غياب الرأي العام السلمي الذي يحتوي مرئيات جماهير
المسلمين ونظراتهم إلى الحداث ،وتنبع – من ثم – القرارات والمواقف
الثابتة .أم مرد ّ ذلك إلى غياب المرجعية العلمية العليا التي يرجع إليها الناس
عند كل أمر ذي بال يحتاج إلى حكم شرعي ويقفون عند رأيها .
إنها تساؤلت متسلسلة ،بل قل متداخلة تستحق الوقوف الطويل ،عسى
أن نصل إلى شيء من الجابات المفيدة .
أما الحدث ذاته فهو مهول ،ولذلك فقد يكون لصدمته رد فعل غير شعوري
لكل من رآه ممن يعنيه أمره أو ل يعنيه ،كما حصل لعمر بن الخطاب –
رضي الله عنه – حينما سمع بوفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
حيث استنكر ذلك ونفاه .لكن أبا بكر – رضي الله عنه – كان أكثر صلبة منه
مع ما هو مطبوع عليه من الرقة ،فتعامل مع المر بواقعية أكثر ،وأحل
السكينة محل الضطراب ،فكانت تلك من أعظم مناقبه .
وهذا هو السلوب المثل تجاه الحداث العظام ،فالتسرع ليس من شيم
المسلم ،وقد مدح النبي – صلى الله عليه وسلم – أشج عبد القيس
بخصلتين طبع عليهما الحلم والناه .
أما التساؤل الخر :وهو دور وسائل العلم الغربي في تهويل الحداث فهذا
أمر مشهود ،وليس فقط مجرد التهويل ،ولكنه الستغلل للحدث ،بحيث
يكون ) قضية الساعة ( .
ثم يأتي أساطينه – وغالبهم من اليهود – فيوظفون القضية لمصالح الغرب
بصفة عامة ،ولمصلحة الصهيونية والصليبية بصفة خاصة سواء عن طريق
الخبر ،أو التحليل ،أو التصوير ،أو الرسم أو التمثيل ،أو الحوار ..إلى غير
ذلك .
ً ً ً
أما إعلم العرب أو المسلمين فإنه يأتي لحقا ومحاكيا ،وربما متسول عن
طريق وكالت العلم الغربية وفضائياته .حتى ل يكاد يسمع للعرب
والمسلمين صوت ،أو يقرأ لهم رأي مميز.
وكم يكون الناس -في شرق الرض وغربها -محتاجين إلى العلم الرشيد ،
الذي يتعامل مع الحداث بعقل وعلم ،بعيدا ً عن الشطح والتطرف ،أو
النهزامية والتذلل .
وننتقل إلى التساؤل الخاص بالرأي العام فهو ) الرأي العام ( في نظري من
أهم الموجهات والمؤثرات في صناعة القرارات في كل المجتمعات النسانية
151
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
بغض النظر عن هذه القرارات ومواءمتها للحق ؛ وذلك لكونه أثرا ً من آثار
ثقافة المجتمع وأسلوب تفكيره .
والنظام الغربي ) الديمقراطي ( يعتمد على الرأي العام بشكل ملحوظ في
كثير من شؤونه السياسية والقتصادية والجتماعية ،وغيرها ،سواء في
سياسته الداخلية أم الخارجية .
ل القرارات تكتسب صفة التأييد الشعبي ،مهما كانت قناعات ج ّ
ولذلك فإن ُ
الشعب ،حقيقية كانت أو مموهة .
أما في السلم الذي يختلف عن النظام الديمقراطي في كثير من الصول
والمنطلقات ،فإن في المسألة تفصيل ً .فكل قضية أو شأن منصوص عليه
شرعا ً فليس محل نظر أو استطلع رأي .
" وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ً أن يكون لهم الخيرة
من أمرهم " "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " .بل على
المسلم ،أيا ً كان موقعه ،المتثال والستجابة .
)(1 /
وإذا كان لهل العلم والرأي مجال – هنا -فهو في أسلوب التطبيق ،كما في
أسلوب جباية الزكاة أو الطواف والسعي والرمي ،وكذا مثل الجهاد ،وتنفيذ
الحدود ..إلخ .
أما ما كان محل اجتهاد في مسائل الدين فمرّده إلى أهل العلم المجتهدين ،
فهم الذين يرجحون ويناقشون أو يحسمون الخلف .وأما شؤون الحياة
التفصيلية فمرجعها أهل الختصاص والخبرة والتجربة .
ومن التكلف الظاهر إيجاد الحواجز بين الدين وشؤون الحياة ،فيقال :هذا
أمر ديني مرجعه الشياخ من العلماء ،وهذه دنيا ليس لهم إليها من سبيل
،اللهم إل في تنظيم المور الدنيوية البحتة وتنفيذها ،أما تفصيل أحاكمها فهو
إلى الشياخ وليس إلى العامة .على أن مجالت الحياة واسعة سواء في
تنظيمها أو تنفيذها ،المر الذي يجعل للرأي مجال ً رحبا ً ،وهو ما يلحظ في
أسلوب المؤسسات والجهات الحكومية وغير الحكومية ،التي تقدم
مشروعات ومقترحات من خلل مشاورات ومداولت كثيرة تصل في نهاية
المطاف إلى تنظيمات أو قرارات .
وربما كان لوسائل العلم زمام المبادرة إلى إبداء الملحوظات ،ثم
المقترحات في أمور غير محصورة ؛ المر الذي يؤكد أهمية الرأي العام في
مجتمعاتنا المسلمة .
لكن ) الرأي العام ( ليس مصدر صناعة العلم فقط ،بل ثمة مصادر أخرى
ل تقل أهمية ،يأتي في مقدمتها :
أ( المنبر المسجدي :حيث يفترض أن من يعتليه من الخطباء هم على
مستوى رفيع من العلم والوعي ،بحيث تكون خطبهم مصدر إلهام
للمستمعين ،تجمع بين العظة والتعقل وُبعد النظر والتعليم والتفقيه .وهذه
مميزات ل تتوافر بالضرورة في العلم الذي يعتمد الثارة في وسائله في
أكثر مواده العلمية .
ث أصحابه ومن هنا ينبغي التوكيد على أهمية هذا المصدر )أعني المنبر ( وح ّ
على الستثمار الجيد ،الذي يزرع في القلوب اليمان والتقوى ،والخشية في
السر والعلنية ونشر الوعي العام بين الناس .ويكون من الخطأ البّين
التهوين من شأن هذا المصدر وشأن الخطيب ،وأن وظيفتهما محصورة في
152
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
153
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(3 /
وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم
الخيرة ... ...
يقول الله -تعالى ":-وما كان لمؤمن ول مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمرا ً
ٍ
أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلل ً
مبينًا".
هذه الية من آيات البلء والمتحان والتمحيص ،تضع المؤمن على المحك
الحقيقي ليمانه ليتميز الصادق من الدعي ،والكّيس من العاجز ...يا لها من
آية عظيمة تكشف حقيقة اليمان عندما يصطدم أمر الشرع مع هوى النفس
وعندما يكون أمر الله ورسوله في كفة وحظوظ النفس وشهواتها في كفة.
كلنا نحب السلم ...وكلنا نحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم ...-وكلنا
نطمع في رضوان الله وجنته ...وكلنا يتمنى أن يكون مؤمنا ً صادق اليمان.
ولكن هل المسألة بالتمني والدعاء أم بالعمل والخلص ،هل نريد اليمان بل
عمل ونرجوه بل ثمن؟! أل إن سلعة الله غالية أل إن سلعة الله هي الجنة.
أخي الكريم :إنها أية تستحق منا التوقف عندها وتأمل كلماتها واستيعاب
مدلولتها ثم مقارنتها بالواقع الذي نحياه والنهج الذي نعيشه .إن هذه الية
تحمل معنى السلم أل وهو الستسلم لله والنقياد له والخضوع له بالطاعة.
فهو استسلم وانقياد وخضوع ول مجال فيه للختيار بين قبول ورفض ول بين
أخذ ورد .إذا جاء أمر الله ورسوله في مسألة من المسائل فليس غير السمع
والطاعة .ل اعتبار وقتها لهوى النفس ول لعادات المجتمع ول لي اعتبار آخر،
هذا هو معنى الستسلم لله والنقياد له أما إذا تخيرنا من شرع الله ما يوافق
أهواءنا ورغباتنا وعاداتنا وجئنا به على أنه دين خالص لله وفي نفس الوقت
تركنا ما يخالف أهواءنا وعاداتنا وتقاليدنا بحجج واهية وأعذار ملفقة فذلك هي
الخيرة التي لم يرتضيها لنا ربنا -سبحانه و تعالى -بنص الية الكريمة.
إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -المبلغ عن ربه -تبارك و تعالى -كما
أمرنا بالصلة والصيام والزكاة أمرنا بغض البصر وحفظ الفرج وصلة
الجماعة وطاعة الوالدين وصلة الرحام وإرخاء اللحى وحجاب النساء ونهانا
عن الغيبة والنميمة وأكل الربا والسبال وأذى الجار وسماع الغناء وغيرها من
الوامر والنواهي مما ل يخفى على مسلم ول مسلمة.
فليقف أخي الكريم كل منا مع نفسه وقفة محاسبة في ساعة صدق مع
النفس وليسأل نفسه :هل أنا ممن يأخذ من دين الله ما يوافق هواه ويترك
154
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ماعدا ذلك؟ فمن وجد خيرا ً فليحمد الله وليسأله الثبات ومن وجد غير ذلك
فليثب إلى رشده وليقصر نفسه على الحق قسرًا .فالمر جد ل هزل فيه
وحق ل مراء فيه .والموعد :يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب
سليم ،والموعود :جنة نعيم أو عذاب مقيم .اللهم إنا نسألك عمل ً صالحا ً ونية
صادقة وقلبا ً خاشعا ً ولسانا ً ذاكرا ً وعلما ً نافعًا ،اللهم إنا نسألك الخلص في
القول والعمل وحسن القصد والتوكل وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين... ... .
)(1 /
155
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
امسك بحلمك وأمنيتك ،فهي أول الطريق إلى تحصيل مرادك ،ثم أتبعها بعد
ذلك بالجد والجتهاد والبذل والسعي؛ تكتمل لك منظومة تحقيق مرادك بإذن
الله ،واحرص على أن يوافق حلمك وأمنيتك مراد الله ول يخالفه؛ تنل ما
تريد ،ول تنس أن أول النيل التمني.
ما:
وختا ً
إذا غامرت في أمر مروم *** فل تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في امر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيم
وإلى لقاء قريب بإذن الله لكم مني خير تحية وأطيب سلم
والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته
)(2 /
156
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
157
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
الهجرة إلى المدينة .تلك الهجرة التي انعكس بها السحر على الساحر ،فإن
هؤلء المهجرين الممكور بهم ،هم الذين دقوا أعناق أكابر المجرمين في بدر
بعد أعوام قليلة ،وهم الذين فتحوا القرية ))مكة(( بعد ذلك ،وأذلوا كبرياء
المجرمين الكابر فيها ولهذا ،فإن ثمة سؤال ،ينبغي أن يعاد طرحه ،وُتعاد
الجابة عليه في ضوء ما حدث في دعوات المرسلين ومكر المجرمين بها.
هذا السؤال هو)) :ما هو دور المجرمين في انتصار الدعوات التي
يحاربون((؟.
ً
وهو سؤال ربما يبدو غريبا ...ولكنها الحقيقة التي نطق بها القرآن لو تأملنا،
فالله -تعالى -يقول)) :وما يمكرون إل بأنفسهم وما يشعرون(( .وقال:
))وما يحيق المكر السيئ إل بأهله(( ]فاطر .[43/وقال] :وقد مكروا مكرهم
وعند الله مكرهم(( ]إبراهيم .[46/وقال)) :سيصيب الذين أجرموا صغار عند
الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون(( ]النعام ،[124/فالمكر يعود على أهل
الكفر ويحيق بهم في الدنيا والخرة ،أما في الخرة فظاهر ،وأما في الدنيا
فعلينا أن نستعرض نتائج مكر الكفار برسلهم ،ونتائج مكر الكفار من أهل
الكتاب والمشركين برسولنا -صلى الله عليه وسلم -خلل سنوات بعثته
سبق بمكر من المجرمين كبير. وحتى لقي ربه ،وسوف نجد أن كل انتصار ُ
)(1 /
فالخسران كله في الدنيا والخرة لحق ويلحق بأكابر المجرمين .ومن عجيب
نظم القرآن الكريم ،أنه قصر ضرر مكرهم عليهم ))وما يمكرون إل
بأنفسهم(( وهذه الية -كما كانت تسلية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم
، -لكي يستصحب معناها أثناء تصديه لمهمة إبلغ الدين والجهاد في سبيله،
وينبغي أن تكون كذلك سلوى لكل داعية إلى هذا الدين في كل عصر .فليعلم
الدعاة أن أساليب المكر والدهاء والحيل التي يلجأ إليها المجرمون في
مطاردة المصلحين والتضييق عليهم وتنفير الناس عن دعوتهم ،ستعود -بإذن
الله -أثرا ً إيجابيا ً على الدعوة وعلى الدعاة .فليطمئن الدعاة على دين الله،
ماداموا هم أمناء عليه في أنفسهم وأهليهم .قال -تعالى -لرسوله -صلى
الله عليه وسلم )) :-واصبر وما صبرك إل بالله ،ول تحزن عليهم ول تك في
ضيق مما يمكرون .إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون(( ]النحل/
... ... .[128 ،127
)(2 /
158
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
منيت بهم وتوالت عليهم ،حتى المسلمون الخروج من قمقم الهزائم التي ُ
أصبحت صفة ملزمة لهم؟! ومتى سيكون ذلك؟! أم أن على المسلمين
الستسلم لتلك الضربات المتوالية التي تلحق بهم ،وفي كل مكان من
العالم ،لكي تستأصل شأفتهم وتزيل دولهم ،ومن ثم وجودهم من على
خريطة العالم؟!!
وفي الواقع فإن المتبصر بأمر الدين ل يعتريه مثل هذا الشعور المحبط ،بل
على العكس تجده واثقا في قدرة الله .فكل ما يحدث للمسلم هو خير له.
وحسبك تلك النازلة العظيمة التي حدثت ببيت النبي صلى الله عليه وسلم ،
وما قيل في عرضه ،وما ُاتهمت به أعز زوجاته إليه وأحبهن إلى قلبه من
حادثة الفك .فإذا بالوحي يتنزل قائل بأن كل ذلك إنما هو في حد ذاته خير
خي ٌْر
ل هُوَ َ شّرا ل َك ُ ْ
م بَ ْ سُبوه ُ َ
ح َ
للمسلمين وليس شرا ،حيث قال تعالى ? :ل ت َ ْ
م ? [ النور. ] 11 :ل َك ُ ْ
إذن ما يحدث للمسلمين في جميع أنحاء العالم من حولنا إنما هو في حقيقة
در رباني يجري وفقا لسنن الله الكونية التي يستحيل تغييرها إل إذا المر قَ َ
تغير مضمونها .فإذا أردنا الخروج من الزمة التي ألمت بنا حاليا ،فعلينا العمل
من أجل تغيير الواقع من حولنا حتى نسمح لسنن الله التي تساند المسلمين
من العمل مرة أخرى .ونوضح هذا المر فيما يلي:
مفاهيم ينبغي ترسيخها في النفس
هل يريد المسلمون حقا تحقيق النصر؟!! هذا سؤال هام لبد لكل منا أن
يسأله لنفسه ويحدد إجابته عليه .إن نصر الله يتنزل وفقا لسنن ربانية لبد
من تحققها .وحين يريد المسلمون أن يتحقق ذلك النصر في أرض الواقع
فلبد من عدة أمور تستقر في عقيدتهم تكون محركا ودافعا لهم على
النطلق ،حتى يستفيدوا من " معية الله " في المعركة إلى جانبهم:
)(1 /
? التخلي عن المعاصي واللجوء إلى الله :فلن يتم النصر إل بذلك ،فاليمان
أقوى سلح لتحقيق النصر .ولنستعرض في ذلك ما كتبه عمر بن الخطاب
رضي الله عنه إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ومن معه من الجناد
حينما أرسله في أحد فتوح العراق :أما بعد ،فإني آمرك ومن معك من الجناد
بتقوى الله على كل حال ،فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو ،وأقوى
المكيدة في الحرب .وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي
صُر
منكم من عدوكم ،فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم .وإنما ُين َ
المسلمون بمعصية عدوهم لله ،ولول ذلك لم تكن لنا بهم قوة ،لن عددنا
ليس كعددهم ،ول عدتنا كعدتهم .فإذا استوينا في المعصية ،كان لهم الفضل
صْر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا .واعلموا أن عليكم علينا في القوة ،وإل ن ُن ْ َ
حيوا منهم ،ول تعملوا ة من الله يعلمون ما تفعلون ،فاست َ ْ فظ َ ً
ح َ
في مسيركم َ
ّ
بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله ،ول تقولوا إن عدّونا شٌر منا فلن ُيسلط
سّلط على بني سّلط عليهم شٌر منهم ،كما ُ ب قوم ُ علينا وإن أسأنا ،فُر ّ
ل الد َّياِر َ
خل َسوا ِ فاُر المجوس ? فَ َ
جا ُ ُ
إسرائيل – لما عملوا بمساخط الله – ك ّ
ن على أنفسكم كما فُعول ً ? [ السراء . ] 5 :واسألوا الله العو َ م ْ
دا َ
ن وَعْ ً وَ َ
كا َ
تسألونه النصر على عدّوكم .اسأل الله ذلك لنا ولكم ] .[2وانظر إلى هذا
صُر المسلمون بمعصية عدوهم لله ،ولول ذلك لم تكن القول الملهم :وإنما ُين َ
لنا بهم قوة ،لن عددنا ليس كعددهم ،ول عدتنا كعدتهم .فهنا يتجلى سر نصر
159
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
المؤمنين في معاركهم .فمتى تحقق هذا الشرط ،جاء النصر بإذن الله ول
ريب .وإل فقل لي بربك كيف ينصر الله قوما يخذلون نبيهم صلى الله عليه
وسلم ،ويكرهون تطبيق سنته المطهرة ،ول يجدون في وقتهم متسعا لقراءة
القرآن ،ويبارزون الله بالمعاصي جهارا نهارا؟!! فالنصر لن يتحقق إل بعد
التمحيص ،أي تنقية المسلمين وإفراز القلة المتمسكة بدين الله .قال
ن ? [ آل عمران. ] 141 : ري َ حقَ ال ْ َ
كافِ ِ م َ
مُنوا وَي َ ْ
نآ َذي َه ال ّ ِ ص الل ّ ُ ح َ م ّ
تعالى ? :وَل ِي ُ َ
قال القرطبي في تفسيره :فيه ثلثة أقوال :يمحص :يختبر .الثاني :يطهر; أي
من ذنوبهم ...والمعنى :وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا ...الثالث :يمحص:
يخلص ...فالمعنى ليبتلي المؤمنين ليثيبهم ويخلصهم من ذنوبهم " .ويمحق
الكافرين " :أي يستأصلهم بالهلك .أ .هـ .فلبد للمة من القلع عن الذنوب
التي يرتكبها أفرادها ليل نهار ،سرا وجهرا .والمثلة كثيرة :القلع عن
التدخين ،التخلي عن الكذب ،عدم النميمة والغيبة ،ترك النفاق ...الخ .فقد
أصبحت تلك المعاصي متفشية كالسرطان الخبيث في جسد المة .ولبد أن
تتيقن أنك أنت -بذنبك الذي تصر عليه – من يؤخر النصر عن المة .فابدأ
بنفسك وأعلنها توبة شاملة لله لعل نصر الله يتنزل على المة بسببك.
? جهاد النفس في مرضاة الله :ذلك أن نصر يتحقق بعد العمل بتشريعه
والكف عن مناهيه ،قبل أن يتحقق الجهاد في ميدان القتال .قال تعالى? :
سب ُل ََنا ? [ العنكبوت .] 69 :قال القرطبي في م ُ دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ جاهَ ُ ن َ َوال ّ ِ
ذي َ
تفسيره :أي جاهدوا الكفار في الله ،أي في طلب مرضاة الله ...وقال ابن
عباس وإبراهيم بن أدهم :هي في الذين يعملون بما يعلمون ...وقال عمر بن
عبد العزيز :إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا ،تقصيرنا في العمل بما علمنا .ولو
قوالورثنا علما ل تقوم به أبداننا .قال الله تعالىَ ? :وات ّ ُ عملنا ببعض ما علمناُ ،
ه ? [ البقرة .] 282 :وقال أبو سليمان الداراني :ليس م الل ّ ُمك ُ ْ ه وَي ُعَل ّ ُ
الل ّ َ
الجهاد في الية قتال الكفار فقط ،بل هو نصر الدين والرد علي المبطلين;
وقمع الظالمين; وتعظيم المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ومنه مجاهدة
النفوس في طاعة الله ،وهو الجهاد الكبر .وقال سفيان بن عيينة لبن
المبارك :إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله
تعالى يقول " :لنهدينهم " .والجهاد في عمل الطاعات يستلزم إرغام النفس
على الستيقاظ لداء صلة الفجر في جماعة ،وقيام الليل ،وقراءة جزء من
القرآن على القل يوميا ،وأداء جميع الصلوات في جماعة ،وإخراج جزء من
مالك للفقراء من حولك ،ومساعدة المشردين من المسلمين في أنحاء
العالم .كل هذه أمثلة على الجهاد في سبيل مرضاة الله.
)(2 /
160
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
? انفراد الله تعالى وحده بالقدرة :وأن ما في العالم من غلبة وغيرها إنما
ه ل ِل ّهِ ? [ آل لإ ّ َ
مَر ك ُل ّ ُن ا ْل ْ هي منه وبإرادته وقدرته .فقال عز من قائل ? :قُ ْ ِ
َ َ
ل ن قَب ْ ُم ْمُر ِ ميًعا ? [ الرعد ? ، ] 31 :ل ِل ّهِ ا ْل ْ ج ِمُر َ ل ل ِل ّهِ ا ْل ْ
عمران ? ، ] 154 :ب َ ْ
ن ب َعْد ُ ? [ الروم .] 4 :أي النصر بيد الله ينصر من يشاء ويخذل من يشاء. م ْ وَ ِ
أي هو المالك لجميع المور ,الفاعل لما يشاء منها ,فكل ما تلتمسونه إنما
يكون بأمر الله .وهذا دحض للنظرية التي مفادها أن " %99من أوراق اللعبة
بيد أمريكا " .بل جميع مقدرات المر بيد الله ،ول تملك ل أمريكا ول غيرها أيا ً
من مقدرات المور ،ول حتى نصف بالمائة! فالله سبحانه ينصر من يشاء،
ويخذل من يشاء ،ويرفع من يشاء ،ويذل من يشاء .تلك العقيدة يجب أن
تستقر في النفوس ،وتكون هي الموجه الول والخير لنا في كل تحركاتنا.
? ترسيخ مفهوم الستطاعة :وهو أن المطلوب منا إعداد ما في الطاقة،
ط
ن رَِبا ِ ن قُوّةٍ وَ ِ
م ْ م ْم ِ ست َط َعْت ُ ْ
ما ا ْ دوا ل َهُ ْ
م َ ع ّوليس كل شيء .قال تعالى ? :وَأ َ ِ
ل ? [ النفال .] 60 :وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ،ولم يقل كل ال ْ َ
خي ْ ِ
القوة .إذن ما استطعتم أي ما في أيديكم .وقوله تعالى " :من قوة " :أي من
كل ما يتقوى به في الحرب من عددها .وهذه القوة تتحقق بما يتحقق به
معناها ،وهو القدرة على تنفيذ إرادة صاحبها .فقد يكون تحقيقها بإعداد
السلح للجند ،وتدريبهم على فنون القتال ،وتربيتهم على معاني اليمان التي
تهيئهم للقتال في سبيل الله والرغبة في الشهادة في سبيله ] .[3إذن توافر
اليقين مع القوة المؤمنة هو المحك الصلي للجهاد وليس العدة أو العدد .قال
القرطبي في تفسيره " :وأعدوا لهم " أمر الله سبحانه المؤمنين بإعداد
القوة للعداء بعد أن أكد تقدمة التقوى .فإن الله سبحانه لو شاء لهزمهم
بالكلم والتفل في وجوههم وبحفنة من تراب ,كما فعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم .ولكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض بعلمه السابق وقضائه
النافذ .ولذلك فإن السيف الخشب الذي أخذه عكاشة بن محصن من رسول
الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر قتل به الكفار ،لنه كان يضرب بإذن
الله .فقد شهد عكاشة بن محصن بدرا وأبلى فيها بلء حسنا ،وانكسر في يده
جونا – أو عودا – فعاد سيف ،فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عُْر ُ
في يده سيفا يومئذ شديد المتن ،أبيض الحديدة ،فقاتل به حتى فتح الله عز
وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم ،ثم لم يزل يشهد به المشاهد مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،حتى ُقتل في الردة وهو عنده ،وكان ذلك
ون ].[4 السيف يسمى العَ ْ
? إرجاع النصر لله :بمعنى أنه حتى مع تحقق العدة الكافية في أيدي الفئة
المؤمنة ،وحين يتحقق النصر لهذه الفئة ،فإن هذه الفئة يجب أن ُترجع هذا
النصر لله ،وأل تنسب تحقيق هذا النصر لنفسها .وذلك مصداقا لقوله
مى ? [ النفال .] 17 :فما يتحقق ه َر َن الل ّ َ ت وَل َك ِ ّ ت إ ِذ ْ َر َ
مي ْ َ مي ْ َ
ما َر َ
تعالى ? :وَ َ
من نصر فمرجعه الله وحده ،وليس كثرة العدد أو تطور المكانيات.
)(3 /
161
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
انظر إلى قول خالد بن الوليد ،حينما سار إلى الحيرة بعد فراغه من أمر
اليمامة ،فخرج إليه أشرافهم مع أميرهم الذي عّينه عليها كسرى .فقال له
خالد ولصحابه :أدعوكم إلى الله وإلى السلم ،فإن أجبتم إليه فأنتم من
المسلمين ،لكم ما لهم وعليكم ما عليهم ،فإن أبيتم فالجزية ،فإن أبيتم
الجزية فقد أتيكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة ،جاهدناكم
حتى يحكم الله بيننا و بينكم ] .[5فهذه هي ثقافة السلم ،أو ثقافة الدار
الخرة التي يحملها السلم .الحرص فيها على الخرة يكون مثل حرص غير
المسلمين على دنياهم ،التي هي جنتهم .إن أهم شيء في حياة المسلم هو
نظرته إلى الدار الخرة ،حتى وإن كان ثمن ذلك حياته.
? تغيير ما بأنفسنا :فلبد أن يستشعر كل فرد منا بفداحة الوضع الذي أصبحنا
عليه الن .فالمر ليس هزل .ولبد لكل فرد أن يتغير ،وأن يستشعر هذا
التغيير في كل مفردات حياته .فما لم يحدث ذلك ،فلن ُينزل الله نصره علينا.
م ? [ الرعد11 : سهِ ْ ما ب َِأن ُ
ف ِ حّتى ي ُغَي ُّروا َ
قوْم ٍ َما ب ِ َ ه ل ي ُغَي ُّر َ ن الل ّ َقال تعالى ? :إ ِ ّ
] .إن نصر الله ل يتنزل على قوم إل إذا كانوا قد اتخذوا منهج الله شريعة
لهم تحكمهم ويتمسكون بتطبيقها مستقبل بعد تحقق نصر الله لهم .فهل
ينزل نصر الله علينا الن ،ونحن لم نتغير بعد ،حتى إذا انتهت المعركة ،عدنا
لدارة حياتنا بالطريقة التي كان أعداؤنا يديرون بها حياتهم؟! كل! لن يحدث
موا ال َّ َ ْ َ
وا الّز َ
كاةَ صلة َ َوآت َ ْ ض أَقا ُ
م ِفي الْر ِ مك ّّناهُ ْ ن َن إِ ْ ذي َهذا .قال تعالى ? :ال ّ ِ
َ
من ْك َرِ ? [ الحج.] 41 : ن ال ْ ُوا عَ ْ ف وَن َهَ ْمعُْرو ِ مُروا ِبال ْ َ
وَأ َ
مواقف من السنة المطهرة
ومن أهم المواقف التي تثبت عدم سريان قانون المكانيات مع رسوخ عقيدة
اليمان والتوكل على الله في العهد النبوي ،موقف الصحابة في غزوة مؤتة.
فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى مؤتة في جمادى
ن من الهجرة ،واستعمل عليهم زيد بن حارثة .وقال :إن الولى سنة ثما ٍ
أصيب زيد ،فجعفر بن أبي طالب على الناس .فإن أصيب جعفر ،فعبد الله
بن رواحة على الناس.
فتجهز الناس ،ثم تهيئوا للخروج ،وهم ثلثة آلف .فلما حضر خروجهم ودع
الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وسلموا عليهم .ثم مضوا
حتى نزلوا مكانا قريبا من أرض الشام .فبلغ الناس أن هرقل زعيم الروم،
إحدى أكبر إمبراطوريتين في ذلك الوقت ،قد نزل بالقرب منهم في مائة
ألف من الروم ،وانضم إليهم من القبائل القريبة مائة ألف آخرين .مائتي ألف
في مواجهة ثلثة آلف!! وإمبراطورية عريقة ضالعة في الحروب في مواجهة
دولة فتية ناشئة لم تثبت أركانها بعد!!
فلما بلغ ذلك المسلمين ،أقاموا في مكانهم ليلتين يفكرون في أمرهم.
وقالوا :نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا ،فإما
أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له .فوقف عبد الله بن رواحة
يشجع الناس ،وقال :يا قوم! والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون:
الشهادة! وما نقاتل الناس بعدد ول قوة ول كثرة ،ما نقاتلهم إل بهذا الدين
الذي أكرمنا الله به .فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين :إما ظهور وإما
شهادة .فقال الناس :قد والله صدق ابن رواحة ،فمضى الناس .وذهبوا للقاء
عدوهم .أرأيت إلى قول عبد الله بن رواحة :وما نقاتل الناس بعدد ول قوة
ول كثرة ،ما نقاتلهم إل بهذا الدين الذي أكرمنا الله به .هذا هو سر الحرب
لدى المسلمين .ولنتابع بقية القصة.
ثم بدأت المعركة .فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه
162
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وسلم ،حتى استشهد برماح القوم .فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب يقاتل
تحت لوائها .وقد أخذ جعفر الراية بيمينه ،فقطعت .فأخذها بشماله ،فقطعت.
فاحتضنها بعضديه ،حتى ُقتل رضي الله عنه .فأثابه الله بذلك جناحين في
الجنة يطير بهما حيث شاء .ويقال إن رجل من الروم ضربه يومئذ ضربة
فقطعه نصفين.
فلما استشهد جعفر ،أخذ عبد الله بن رواحة الراية ثم تقدم بها ،وهو على
فرسه .فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد .ثم حسم أمره وتقدم نحو
العدو .فلما كان في طريقه نحو العدو ،أتاه ابن عم له بعرق من لحم .فقال:
شد بهذا صلبك ،فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت .فأخذه من يده ،ثم
انتهس منه نهسة ،ثم سمع الحطمة في ناحية الناس .فقال لنفسه :وأنت في
الدنيا!! يريد أن المعركة حامية وهو مازال بأكله عرق اللحم هكذا يفكر في
الدنيا! ثم ألقى عرق اللحم من يده ،وأخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى ُقتل.
)(4 /
ثم أخذ الراية أحد المسلمين ،وقال :يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل
منكم .فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ،فلما أخذ الراية دافع القوم
وحاول تثبيت مواقع الجيش حتى نزول الظلم .فلما أصبح بدأ في إعادة
ترتيب جيشه :فجعل مقدمة الجيش مكان ساقته ،وساقة الجيش مكان
مقدمته .وميمنة الجيش مكان ميسرته ،وميسرة الجيش مكان ميمنته .فلما
رأى الروم جيش المسلمين بهذه الهيئة ،أنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم
وهيئاتهم .وقالوا :قد جاءهم مدد! وهم قد كانوا رأوا العاجيب من هذه القلة
التي تقاتلهم ،فما بالك بمدد يأتيهم ليشد أزرهم .فُرعبوا وانكشفوا منهزمين،
فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم .فأين كانت المكانيات التي قاتل بها المسلمون
في هذه الموقعة؟!!
بل قد تكون الوفرة في العدد والعدة سببا في نزول الهزيمة بالمسلمين ،إذا
تمسكوا بأسبابها ولم يتجهوا إلى حول الله وقوته .وأكبر دليل على ذلك ما
شهدته غزوة حنين في بادئ المر من هزيمة ماحقة للمسلمين حين اتكلوا
على أنفسهم .فلما فاءوا إلى الله وتمسكوا بحبله ،أنزل نصره وسكينته على
ن إ ِذ ْ
حن َي ْ ٍ
م ُن ك َِثيَرةٍ وَي َوْ َ
واط ِ َ م َ ه ِفي َ م الل ّ ُ
صَرك ُ ْ قد ْ ن َ َ المؤمنين .وقال تعالى ? :ل َ َ
َ َ
ت ثُ ّ
م حب َ ْما َر ُ ض بِ َم ا ْلْر ُ ت عَل َي ْك ُ ْ ضاقَ ْ شي ًْئا وَ َ م َ ن عَن ْك ُ ْ م ت ُغْ ِم فَل َ ْم ك َث َْرت ُك ُ ْ جب َت ْك ُ ْ
أعْ َ
ن ? [ التوبةُ ، ] 25 :يعلم تبارك وتعالى أن النصر ليس على كثرة ري َ مد ْب ِ ِم ُ وَل ّي ْت ُ ْ
العدد ول بلبس اللمة والِعدد ،وإنما النصر من عنده تعالى .كما قال تعالى? :
ن ? [ البقرة: ري َصاب ِ ِ
معَ ال ّ ه َ ن الل ّهِ َوالل ّ ُ ة ك َِثيَرة ً ب ِإ ِذ ْ ِ ت فِئ َ ً ن فِئ َةٍ قَِليل َةٍ غَل َب َ ْ م ْ م ِ كَ ْ
. ] 245
مواقف من جيل الصحابة
كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه :أما
بعد ،فقد جاءني كتابك تذكر ما جمعت الروم من الجموع .وأن الله لم ينصرنا
مع نبيه صلى الله عليه وسلم بكثرة عدد ول بكثرة جنود .وقد كنا نغزو مع
سان ،وإن نحن إل نتعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معنا إل فََر َ
البل .وكنا يوم ُأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معنا إل فرس
واحد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبه ،وقد كان يظهرنا ويعيننا
على من خالفنا ].[6
ومما يروى في ذلك ،قول خالد حين قال له رجل :ما أكثر الروم وأقل
163
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
المسلمين! فقال خالد :ما أكثر المسلمين وأقل الروم ،إنما تكثر الجنود
بالنصر ،وتقل بالخذلن ل بعدد الرجال ،والله لوددت أن الشقر ) اسم فرس
خالد ( براء ،وأنهم أضعفوا ) أي :زادوا ( في العدد ].[7
وفي فتوح العراق ،كان الفرس قد فروا بكمالهم إلى المدائن ،وتحصنوا بها.
وقد فروا إليها عن طريق نهر دجلة وأخذوا كل سفنهم معهم .فلما وصل
سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين في فتوح العراق إلى شاطئ دجلة لم
يجد شيئا من السفن ،ورأى دجلة قد زادت زيادة عظيمة وأسود ماؤها.
فوقف سعد يخطب في المسلمين على شاطئ دجلة .فأوضح للمسلمين أن
عدوهم قد اعتصم منهم بهذا البحر ...فهم ل يستطيعون الوصول إلى هذا
العدو بسببه ،بينما هم يستطيعون الوصول إلى المسلمين متى شاءوا .وأنظر
إلى تلك العبارة الرائعة التي قالها لهم في هذا الموقف :وليس وراءكم شيء
تخافون أن ُتؤتوا منه ،وقد رأيت أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل أن
تحصدكم الدنيا .أل إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم ] .[8انظر إلى
هذه الكلمات الرائعة التي يبثها القائد في جنوده .فالمسلمون ل يهمهم شيء
أن يفوتهم إذا ما قورن بالجهاد .فالجهاد هو أفضل العمال في السلم.
والشهادة في سبيل الله هي أسمى ما يتوق المسلم لنيله .والموت قادم ل
محالة .فمن لم يمت بالسيف مات بغيره .فالنهاية محتومة .فلماذا ل تكون
شهادة ومنزلة رفيعة في الخرة ،بدل من حياة ذليلة يعقبها موت أيضا ،ولكن
في درجة متدنية من الجنة أو في النار نعوذ بالله منها! وقد عزم على خوض
البحر إليهم بل سفن يمتلكها! يمضي في البحر هكذا! بل إمكانيات! يواجه
جيش إمبراطورية فارس بعدتها وعتادها بل سفن!! ل ...إنه يواجه ذلك
بسلح أقوى من أي سلح آخر ...إنه سلح اليمان .ولذلك فقد طلب منهم
إخلص نياتهم لله ،وقد كان.
)(5 /
ونعود للقصة .فقد وافق الجند على خوض البحر مع سعد رضي الله عنه.
فانتدب لذلك كتيبة تسمى في كتب التاريخ بكتيبة الهوال .وهي كذلك
بالفعل .وكانت هذه الكتيبة تتكون من ستين فارس من ذوي البأس ،وكان
عاصم بن عمرو أميرا عليها .وكانت مهمة هذه الكتيبة عبور البحر إلى العدو
وتأمين ثغرة المخاضة من الناحية الخرى حتى تستطيع بقية الجيش أن تعبر
هذه المخاضة وهم آمنين .تأمل هذا الموقف ...العدو واقف على شاطئ
النهر ،يرصد تحركاتك ،ويشهر سلحه في وجهك ،وأنت تقف على الشاطئ
الخر ،تريد أن تعبر هذا النهر لكي تصل إلى العدو ،وتشتبك معه ،وتتحصن
ؤمن من خللها الطريق لبقية الجيش في بقعة تكون بمثابة نقطة ارتكاز ت ُ ّ
حتى يعبر ويستقر فيها وينطلق للبدء في عملياته منها .موقف في غاية
الصعوبة!
وقد أحجم أفراد الكتيبة في بادئ المر عندما فكروا في هذا المر بهذه
الطريقة المنطقية .إلى أن تقدم رجل من المسلمين وقال لهم :أتخافون من
َ َ
ن الل ّهِ ك َِتاًبا
ت ّإل ب ِإ ِذ ْ ِ
مو َن تَ ُ
سأ ْف ٍ
ن ل ِن َ ْ ما َ
كا َ هذه النقطة؟ ثم تل قوله تعالى ? :وَ َ
جل ً ? [ آل عمران . ] 145 :ثم أقحم فرسه فيها ومضى .فلما رأى الناس مؤ َ ّ
ُ
ذلك اقتحموا معه .هنا زالت العقلنية المثبطة ،وارتفعت سحائب اليمان
والثقة بالله وبوعده للمؤمنين ،فبدأوا في اجتياز المخاضة.
فلما رآهم الفرس يقفون على وجه الماء ،قالوا :مجانين! مجانين! ثم قالوا:
164
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
والله ما تقاتلون إنسا بل تقاتلون جنا! وحاولوا منع هؤلء المتقدمين نحوهم
عن طريق الماء ليمنعوهم من الخروج منه .ولكن المسلمين شرعوا لهم
الرماح وتوخوا العين ،فقلعوا عيون الخيول .فرجعوا أدراجهم من حيث أتوا،
وواصل المسلمون تقدمهم .حيلة بسيطة استخدمها المسلمون ،وهداهم الله
إليها لما رأى شدة تمسكهم به ،فأدت إلى السيطرة على النقطة الحصينة
التي ستكون محور تحرك الجيش بعد ذلك.
ثم نزلت الكتيبة الثانية فالثالثة .ثم أمر سعد بقية الجيش بالنزول في الماء،
وذلك بعد تحصن الجانب الخر بوجود نقاط الرتكاز السلمية فيه .وقد أمر
سعد المسلمين عند دخول الماء أن يقولوا :نستعين بالله ونتوكل عليه.
حسبنا الله ونعم الوكيل .ول حول ول قوة إل بالله العلي العظيم ] .[9هذه
هي مبادئ النصر في الحرب في السلم .تفويض مطلق للمر لله ،ثم تضرع
وابتهال له بأن ينزل نصره وسكينته على المسلمين.
يقول المؤرخون :وسار الناس في النهر كأنما يسيرون على وجه الرض،
حتى ملؤوا ما بين الجانبين .فل يرى وجه الماء من الفرسان والرجالة .وجعل
الناس يتحدثون على وجه الماء كما يتحدثون على وجه الرض ،وذلك لما
حصل لهم من الطمأنينة والمن ،والوثوق بأمر الله ووعده ونصره وتأييده.
فكان ذلك معجزة بكل المقاييس.
ثم أكمل المسلمون معاركهم انطلقا من هذه النقطة وأكملوا بقية فتوحات
العراق .فأين هي المكانيات التي كانت متاحة للمسلمين في ذلك الوقت.
إنها لم تكن إل بقدر الستعانة المطلوبة ،ولكن جيشان اليمان في الصدور
هو الذي يقف وراء هذه النتصارات الباهرة.
وكان سعد يقول :والله لينصرن الله وليه ،وليظهرن الله دينه ،وليهزمن الله
عدوه ،إن لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات ] .[10وهكذا
يحدد سعد بن أبي وقاص مفاتيح النصر في المعركة .عدم وجود بغي أو
ذنوب تغلب الحسنات.
والمتأمل في تاريخ المسلمين يجد الكثير والكثير من المواقف التي وقف
فيها المسلمين يواجهون أعتى الظروف ،من أسود وفيلة وغيرها ،بمجرد
إيمانهم القوي المتدفق من صدورهم ،ليكتب الله لهم النصر في معاركهم
التي خاضوها.
مواقف معاصرة
ومن المثلة الحديثة على هذه القضية ،ما حدث في جهاد الشعب الفغاني
ضد روسيا .فقد كان هذا الجهاد هو الذي أعاد لذهان المسلمين مفهوم
الجهاد في الونة الخيرة .لقد واجه الشعب الفغاني الدبابات الروسية أول
أمره بالحجارة والصخور .لقد آمن الشعب الفغاني بالحقيقة اليمانية البديهية
التي تمثلها المعادلة التالية :الله أقوى من روسيا .الله ل ُيقهر ول ُيهزم! إذن
سُتهزم روسيا وُتقهر بإذن الله.
ومن المواقف المثيرة التي واجهتها المقاومة الفغانية في ذلك الوقت ،أنها
تعرضت على مدى سبعة أشهر تقريبا لقصف الطائرات الروسية كل يوم
مرتين إلى خمس مرات ،ولم يستشهد واحد من المجاهدين ،وذلك لنهم
كانوا يدعون الله قائلين :اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا تجاه
الطائرات ،فيحميهم الله.
ويقول أحد المجاهدين :ما هجمت الطائرات علينا مرة إل ورأيت الطيور
تحتها ،فأقول للمجاهدين :جاء نصر الله! ولقد توقف ذات مرة مضاد
الطائرات ،فدعوت الله ،فساق الله علينا الغمام تغطينا من الطائرات.
165
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ويقول :لقد هجمت علينا ستمائة دبابة وناقلة ،وكنا مجموعة من المجاهدين
ليس معنا سوى ) ( 14بندقية مع العصي والسيوف ،وهزمهم الله!
)(6 /
ويحكي أحد المجاهدين الفغان :كانت معنا قذيفة واحدة مع مضاد واحد
للدبابات .فصلينا ودعونا الله أن تصيبهم هذه القذيفة ،وكان مقابلنا مائتا دبابة
وآلية .فضربنا القذيفة ،فإذا بها تصيب السيارة التي تحمل الذخيرة
والمتفجرات ،فانفجرت ودمرت ) ( 85دبابة وناقلة وآلية ،وانهزم العدو،
وغنمنا كثيرا ].[11
كما أن ما قامت به المقاومة الفلسطينية مؤخرا يعطي أكبر الدللة كذلك
على هذه القضية .فعلى الرغم من قلة إمكانيات المقاومة ،وعلى الرغم من
تطوير العدو الصهيوني لعرباته المدرعة ودباباته بحيث فشلت أسلحة
المقاومة المتمثلة في قذائف الر بي جي في وقف زحف الدبابة ميركافا من
قبل ،وخاصة بعد تطوير وتحديث هذه الدبابة لتكون الحدث والولى في
س كبيرة في نفوس البطال عندما استعدوا العالم ،حيث ترك هذا التطوير مآ ٍ
لها في مخيم جنين ،ولكن كانت طلقات الر بي جي ل تفعل معها شيئا.
وبالرغم من ذلك نجد المقاومة قادرة اليوم على تفجير هذه الدبابة بعد أن
قامت المقاومة بتطوير أسلحتها هي أيضا ،فأصبحت قادرة على النيل من
هذه الدبابة وتدميرها.
فهذه إرادة التحدي التي يبثها الله في قلوب عباده المخلصين ليثبتهم
وينصرهم على عدوهم هي التي جعلت المقاومة تستطيع إدخال التطوير على
نوعية سلحها ،بحيث استطاعت تفجير هذه الدبابة حتى بعد تطويرها ،لتصيب
وعت المقاومة الفلسطينية أسلحتها من العدو بالصدمة والذهول .لقد ن ّ
سام وهاون حماس والعمليات الستشهادية. الحجارة إلى صواريخ الق ّ
ويقول أحد قادة لواء ) حبعاتي ( الذي سقط جنوده على أيدي عناصر
المقاومة ،في معرض تعليقه على ثبات وبسالة المقاومة :كان بإمكان
الفلسطينيين أن يتركونا ننسحب متذرعين بتفوقنا الهائل عليهم .لكنهم
تحدونا وتجاهلوا مظهر تفوقنا .إن المقاتل الفلسطيني ل يهاب أي شيء.
وأضاف ضابط آخر في نفس اللواء :ماذا لو كان هؤلء يملكون عشرة بالمائة
من إمكاناتنا؟ بكل تأكيد لبد أن شكل هذه المنطقة كان قد تغير منذ زمن
بعيد.
ونفس الشيء يحدث في الفلوجة .فئة قليلة ل تكاد تملك من حطام الدنيا
وأسلحتها إل الشيء اليسير تقف بالمرصاد في مواجهة أعتى ترسانة للسلح
في العالم اليوم ،وتجبرها على التراجع والنسحاب مذعورة من المدينة.
إن الفلوجة هي الكثر وضوحا والعمق في هذا الطار ،لنها مدينة صغيرة
) حوالي 200ألف نسمة ( ،وهي تواجه أكبر قوة غاشمة في التاريخ ،فليس
بعد الوليات المتحدة قوة الن .وبالتالي فإن درس الفلوجة هو الدرس
الوضح ،الذي ل يمكن أن يكابر أحد أو يغالط أحد في أننا أمة قادرة على
المواجهة والصمود .وأن أصغر قرية في العالم ،وبالذات العالم العربي
والسلمي ،لسباب حضارية وثقافية ودينية مرتبطة بالجهاد والستشهاد،
قادرة على مواجهة الوليات المتحدة والصمود أمامها ،بل وإنزال أكبر الذى
بها.
إن ظهور المقاتلين في فلسطين والفلوجة يمسكون المصحف الشريف بيد،
166
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
والبندقية أو أي سلح آخر باليد الخرى ،هو دللة هامة على تطور البعد
السلمي والعقائدي في الصراع ضد العدو ،وهو شرط ضروري للصمود
والنتصار في معاركنا.
الخاتمة
يجب أن يسود بين المسلمين مفهوم الستعلء على قوى الكفر بديل عن
النبطاح والتركيع .فالمسلمون الوائل عند مجابهة حضارة الروم والفرس
كانوا يشعرون أنهم هم العلون حتى وإن كان الروم والفرس متفوقون
عليهم في التقدم العلمي وتقنيات الحياة .لكن كان إيمانهم يعطيهم دفعة
كبيرة للستعلء على سائر من حولهم ،وذلك تطبيقا لقوله تعالى ? :وَل َ ت َهُِنوا
َ
ن ? [ آل عمران. ] 139 : مؤ ْ ِ
مِني َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م ُ م ا ْل َعْل َوْ َ
ن إِ ْ حَزُنوا وَأن ْت ُ ْوَل َ ت َ ْ
سنة التي يتعامل بها الله سبحانه وتعالى معنا تتمثل في وجوب أن إن ال ُ
نتصف بعدة صفات :عدم معصية الله ،وإعداد ما في الستطاعة ،واليقين في
نصر الله ،وصدق اللجوء إلى الله ،وضرورة مراجعة النفس وتغييرها إلى
الفضل .فمتى تقاعسنا عن تحقيق أحد هذه الشروط ،تساوينا مع العداء
سنة ربانية أخرى ،تتمثل في إحراز الفئة القوى عند الله ،فعندئذ تسود ُ
للنصر.
إن المتأمل في واقع خطط العداء في القديم والحديث يجدها تتمثل في
إغراق الشعوب في الملذات والملهيات والشهوات ،حتى تغدو كالقطعان
السائمة التي ل تعرف معروفا ول ُتنكر منكرا ،بحيث تصبح شعوبا ل هم لها
إل الترفيه والتسلية .وتنفق الوليات المتحدة وربيبتها دولة يهود الكثير والكثير
على إضلل الشعوب ،فهذا سلحهم وطبعهم منذ القديم.
)(7 /
167
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
-----------------------
] [1صحيح /صحيح سنن أبي داود لللباني4297 ،
] [2العقد الفريد.1/119 :
] [3عبد الكريم زيدان ،السنن اللهية في المم والجماعات ،مؤسسة
الرسالة .2002 ،ص ص.67-66 :
] [4أسد الغابة في معرفة الصحابة.4/65 :
] [5تاريخ المم والملوك.2/307 :
] [6سعيد عبد العظيم ،طبيعة الصراع بين المسلمين واليهود ،دار اليمان،
.2001ص.60 :
] [7الكامل في التاريخ.2/260 :
] [8البداية والنهاية.7/53 :
] [9البداية والنهاية.7/53 :
] [10البداية والنهاية.7/54 :
] [11كل هذه الروايات مأخوذة من :عبد الله عزام ،آيات الرحمن في جهاد
الفغان.
] [12عبد الله التل ،جذور البلء ،المكتب السلمي .1998 ،ص.276 :
)(8 /
168
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
شيخ السلم ابن تيمية الصفح الجميل على أنه »صفح بل عتاب« نعم صفح ل
أذية فيه ،نقابل فيه إساءة المسيء بالحسان ،فصفح يبين للمخطئ خطأه
وتقصيره لكن من غير أذى بقول أو فعل أو توبيخ ،لن الهم عند الداعية هو
تصحيح الخطأ وكسب المخطئ.صفح يتناسى فيه الداعية ذاته وشخصه في
سبيل دعوته إلى الله ،حتى إذا أوذي وأوذي ،والصفة الملزمة للصفح الجميل
هي العفو عند المقدرة ،فعم عفو عند المقدرة على الرد والنفاذ ،فقد جاء
في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» :من كظم غيظا
وهو قادر على أن ينفذه ،دعاه الله على رؤوس الخلئق حتي يخيره من أي
الحور شاء« وفي حديث آخر ...» :مل الله جوفه أمنا وإيمانا« ويدخل في
مفهوم الصفح الجميل ترك المدافعة والمحاججة ولو كنا على حق ،يقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم» :أنا زعيم بيت في وسط الجنة لمن ترك
المراء ولو كان محقا« ،فالداعية أرفع من أن يقضي دهره في إثبات ذاته
وقدراته على حساب دعوته ومبادئه ،فيا ترى كم ببيت فرطنا؟ وكم من
الحور العين ضيعنا؟ وكم افتقدنا من المن وقرارة النفس ،وسمو
اليمان!...؟الهجر الجميل!...قال تعالى) :واصبر على ما يقولون واهجرهم
هجرا جميل( المزمل 10تبين هذه الية للداعية الموقف الرباني من قضيتين:
الولى :موقف الداعية من المجتمع الذي يعيش فيه ،والثانية :موقف الداعي
من المدعويين بشتى أصنافهم.وحتى يكون الهجر جميل ،وجب أن يكون هجرا
دون أذى ،هجر يكون حيث اقتضت المصلحة ،هجر لقوال وأفعال المدعوين
مع الستمرار في دعوتهم ،إنه هجر يحمي نفس الداعية من النخراط في
براثن المنكر والفحشاء ،فالداعية هنا يرى المنكر ول يعايشه ول هو بمعرض
عنه إعراضا بل توجيه ،بل يهجره هجرا جميل يحمي النفس من الضعف
ويعلي الهمة للنكار والعمل والدعوة والنصيحة ،يقول الصادق المصدوق
صلى الله عليه وسلم» :المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير
من المؤمن الذي ل يخالط الناس ول يصبر على أذاهم« إنها إذن ليست
مخالطة تعايش مع المنكر والباطل وإنما هي معايشة للبذل والنصح
والتضحية والتغيير.ولبن مسعود رضي الله عنه وصف جميل للهجر الجميل
حيث يقول» :خالطوا الناس وزايلوهم وصافحوهم ودينكم ل تكلموه« ـ ل
تكلموه بمعنى ل تجرحوه والمزايلة بمعنى البراءة القلبية .كانت هذه إذن
ثلث ومضات دعوية ،أشار إليها القرآن إشارات لطيفة بديعة ،تنير لها
الطريق بإذن الله للوصول إلى المبتغى.
الدريسي الخمليشي رضوان
)(1 /
169
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
170
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
ويؤكد تقرير الكلية الملكية للطباء في بريطانيا " :أن المخاطر الصحية
المتعلقة بتعاطي الخمور ليست ناتجة بالدرجة الولى من العدد القليل الذي
يتناول الكحول بكميات كبيرة ،ولكن الخطر العظم على الصحة العامة هو
من العداد الكبيرة التي تتناول الكحول باعتدال وانتظام "
ويقول كتاب : Alcoholismإن التخريب الحاصل في أنسجة الجسم نتيجة
شرب الخمر مرة واحدة يمكن أن يكون تخريبا دائما غير قابل للتراجع .
ول غرابه حينئذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم شرب الكحول
مهما كانت الكمية صغيرة " :ما أسكر كثيره فقليله حرام " .
هل في القليل من الخمر فوائد ؟
شاعت بين الطباء والناس في الغرب فكرة تقول :إن شرب القليل من
الخمر ينقص نسبة الوفيات من جلطة القلب ،حيث يزيد من مستوى
الكولسترول المفيد . HDL
والحقيقة أن الباحثين اليابانيين اكتشفوا حديثا أن المادة التي ترفع مستوى
الكولسترول المفيد موجودة أصل في قشر العنب الحمر وتسمى هذه المادة
171
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
172
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
173
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ملهوفين فحق علينا نصرهم بالدعاء لهم ،والدعاء على كفرة أهل الكتاب،
والسعي إلى إغاثتهم ودعمهم من أجل دفع هذا العدو الصليبي الصائل عنهم،
فل ينبغي أن يكون كفار مكة خيرا ً منا حيث اجتمعوا في حلف الفضول على
التعاون مع العدل ونصرة المظلوم ،وكما في الحديث عنه -صلى الله عليه
ف حقه من القوي وهو غير وسلم ) -إن الله ل يقدس أمة ل يأخذ الضعي ُ
متعتع( أخرجه البيهقي ،وصححه اللباني في صحيح الجامع الصغير ج )
.(1853
الشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف
...
)(1 /
174
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
المتقابلت ،إن إكرام القرباء ل ينبغي أن يتم على حساب الخرين ول بخرق
النظام العام ،وإل كان شرا ً وبلًء .
ولعلنا ل نبالغ إذا قلنا إن من أشد ما عاناه التمدن السلمي في تاريخنا
الطويل كان نقل العرب من مرحلة )القبيلة( إلى مرحلة )الدولة( حيث يتم
الفصل شبه الكامل بين العلقات والحقوق الشخصية وغير الشخصية ،ونجد
إلى جانب هذا في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم -وسلوك أصحابه
الكرام موازنة دقيقة في هذا الشأن ،فالنبي -صلى الله عليه وسلم -هو
الذي قال :يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت فإني ل أغني عنك
من الله شيئا ً ] [1وهو الذي قال .... :لو أن فاطمة بنت محمد سرقت
لقطعت يدها ]. [2
ً
-2النجاح في البتلء يقتضي نوعا من اليقظة لجميع قوانا العقلية والروحية،
حتى ل نقع في أسر اللحظة الحاضرة ونستسلم لخيرها وشرها رضائها
وكربها ،وهذا يعني نوعا ً من الستعلء على الواقع وعدم الركون إليه ،
والذوبان فيه ،وذلك إنما يقع عند الغفلة عن )نواة( البتلء الكامنة فيه ،على
نحو ما حدث من غفلة الرماة يوم أحد عن نواة البتلء في أمر النبي -صلى
الله عليه وسلم -لهم بالبقاء في مواقعهم مهما كان اتجاه المعركة ،فأدى
ذلك إلى تحويل النصر الذي كان يلوح في مستهل المعركة إلى هزيمة ! لكن
النبي -صلى الله عليه وسلم -لم يدع المسلمين يستسلمون لمرارة الهزيمة ،
ويغرقون في التلوم والندم ،وإنما اندفع بهم إلى ساحة ابتلء جديد بأمره
لهم بالتوجه إلى حمراء السد حيث تحولت مشاعر الفّر والنكسار إلى
مشاعر المبادأة والمطاردة للعدو ! ]. [3
ولعل مما يعصم عن الغرق في الحالة الراهنة تعود الستبصار وتقليب النظر
في الحالة الراهنة خيرها وشرها ،ومحاولة فهم المنطقية واللية التي أدت
إلى ولدتها وتجسدها ،وإذا ما تم ذلك أمكن أن نسيطر على تلك الحالة ،
ونتصرف إلى اتجاهات سيرها وتطورها ،فإذا كان البتلء عبارة عن خير أي
خير أصابه المؤمن ثمرة لجهده وكفاحه وجب عليه أن يستمر في ذلك الجهد
على نفس الوتيرة التي كان عليها ،وإذا كان قد أصابه من غير تعب كمن
ورث مال ً وْفرا ً وجب عليه أن يشكر الله على ذلك أول ً ،وأن يقوم ثانيا ً ببحث
السباب والعوامل التي تؤدي إلى المحافظة عليه وتنميته وتزكيته ،حتى ل
يشعر يوما ً ما أن النعمة التي هبطت عليه لم يكن يستحقها ! .
)(1 /
175
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
كمن كان يدفع العجلة إلى أن أصبح يجري وراءها مستسلما ً لقوة اندفاعها .
-3إن مبدأ )الزوجية( ملحوظ في الكثير الكثير من المخلوقات
والموجودات ،وهذا المبدأ كما أنه سبب في تكاثر الكائن الحي ونمو النوع
كذلك هو سبب في تحول حالت الرخاء والشدة ،ففي رحم كل رخاء )نواة(
لمحنة ،كما أن في أحشاء كل شدة نواة لرخاء ومنحة وهذا واضح في قوله
جل وعل } :فإن مع العسر يسرا ،إن مع العسر يسرا { )الشرح (6 ، 5 :
إن فهم هذه المسألة يقتضي منا أن نضع الحالة الراهنة التي نعيشها في
السياق التاريخي والسببي ،حتى يتبين لنا أنها ليست أكثر من حلقة في
سلسلة غير متجانسة من النجود والوهاد والنجاحات والخفاقات .
إن هذه الدنيا ليست هي الظرف المناسب لتموضع )الحوال النهائية( في
خير أو شر ،وإنما هناك دائما ً خلف الباب محنة تنتظر إذا ما نحن أسأنا
جر التصرف بالمكانات التي بين أيدينا ،وفي المقابل فإن الشدائد والمحن تف ّ
روح المقاومة والصرار والعناد ،تلك الروح التي كثيرا ً ما تظل هاجعة خامدة
إلى أن تأتيها صدمة قوية توقظها من سباتها ،وهكذا فالمطلوب دائما ً أن
نكون في الموقع الصحيح لمواجهة البتلء .
إن طبيعة البتلء تقوم على قاعدة من التوازنات العميقة والدقيقة ،
والنسان المبتلى يشبه في كثير من الحيان الذي يسير على حبل مشدود
فهو يطالب حتى ل يقع بأن يستنفذ كل قواه العقلية والجسمية على نحو
دقيق ومتوازن وإل ...
-4تمتلك أمة السلم بحمد الله عددا ً من المنظومات المعيارية والرمزية
التي تمكنها من اختراق الحالة التي تعايشها ومعرفة أوجه البتلء فيها ،بل
وتمكن الصفوة الممتازة من أبنائها من معرفة نسب الخير والشر وحجم
اليجابيات والسلبيات في الواقع المعاش ،وهذه المعرفة تنظم أيضا ً ردود
أفعالنا على الطوارئ والوافدات الجديدة رفضا ً ومدافعة وتعديل ً وتهذيبا ً
وقبول ً وترحيبا ً ،وهذا يعني أن كل ابتلء جديد ل يدخل في حياة المة )الحية(
إل بعد أن يمر بمصفاة قيمها ومبادئها و )عقيدتها الجتماعية( ] [4أيضا ً ،
وكلما كان وقع البتلء الجديد حادا ً ومكشوفا ً استطاع أن يستفز ردود أفعال
المة عليه بصورة قوية وسريعة ،فظاهرة الردة الولى كانت ابتلء كبيرا ً جدا ً
واجهته دولة الخلفة الوليدة في زمان أبي بكر رضي الله عنه بالقوة
والسرعة المكافئة ،لكن البتلء )المتدرج( الذي حصل بعد ذلك في صورة
فرق وعقائد فاسدة وانحرافات سلوكية وفي صورة تجديد أطر الدولة وفق
اتساع أمة السلم لم يستوفز الطاقات الكامنة في المة ،فلم تقم بواجبها
تجاهه ،ولعل هذا يدفعنا إلى القول :إن أخطر ما يغيب الحساس بالبتلء
على مستوى الفرد والجماعة معا ً ليس الكوارث الكبرى ول الجوائح العظيمة
وإنما )التغيرات البطيئة( التي تدخل من أضيق المسام ،فتتكيف المة معها
سلبيا ً على سبيل التدرج ،وهذا ما حصل بالنسبة لمة السلم وما حدث لدول
عظمى في عصرنا الحديث ،فقد بدأت بريطانيا العظمى تتراجع عن مركزها
العالمي ،وبدأت الشيخوخة تدب في أوصالها منذ أكثر من قرن لكن ذلك لم
يظهر إل في الحرب العالمية الثانية .
ومن الطريف أن بعض علماء )الحياء( جاءوا بضفدع ،ووضعوه في إناء
وأوقدوا تحته نارا ً هادئة ،فصارت درجة حرارة الماء ترتفع بمنتهى البطء ،
س بسخونة الماء لكن حدوث وكان المأمول أن يقفز الضفدع عندما يح ّ
در( وكانت التسخين على نحو بطيء أدى إلى أن يتحول )المحّرض( إلى )مخ ّ
النتيجة أن الضفدع انسلق دون أن يبدي أية مقاومة !
176
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
وهنا تبرز مهمة العلماء الربانيين العظام والمفكرين المبدعين الذين يمتلكون
حاسة )الستشعار عن بعد( حيث يرون عواقب المور قبل فوات الوان ،
ويقومون بما تستحقه من مواجهة وعمل ،وفي هذا يقول سفيان الثوري
رحمه الله :الفتنة إذا أدبرت عرفها كل الناس ،وإذا أقبلت لم يعرفها إل
العالم .
وحتى ننجح في مواجهة البتلء )التغيرات البطيئة( فإن علينا أن نقوم بأمرين:
)(2 /
أ -النشداد إلى الصول والثوابت في المنشط والمكره والتأبي على انصهار
منهجيتنا وحاستنا النقدية في المعطيات الجديدة مع محاولة استيعاب تأثير
المستجدات على تلك الصول ومحاولة إيجاد التكييفات والتوظيفات التي
ترسخها ،وتجعلها تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها .
ب -المتابعة الجادة والدقيقة لمجمل التغيرات التي تطرأ على حياتنا ل من
خلل الحدس والتخمين والملحظة العامة ،وإنما من خلل ) الرقم (
والساليب الكمية ،حتى نتعرف بدقة على سيرورة أحوالنا المختلفة
والمآلت الصائرة إليها ،وهذا لن يتم إل من خلل إعادة تنظيم حياتنا
ومؤسساتنا المختلفة على أسس جديدة بحيث تخصص كل جهة أو مؤسسة
قسما ً أو موظفا ً يتولى جمع المعلومات الخاصة بها ونشرها حتى ينمو
إحساس الناس ب )الكم( وطريقة قياسه ،وليس من المستفز اليوم ذلك
التلزم التام والمطلق بين درجة تحضر الدولة ودرجة تقدم الحصاء فيها .
إن على المسلم أن يظل يكافح ويجاهد في سبيل التعرف على مراضي الله
تعالى في كل حالة من أحواله ،ويستشرف بعد ذلك عاقبة المتقين .
__________________
) (1أخرجه البخاري .
) (2أخرجه البخاري .
) (3انظر الرحيق المختوم . 318 :
) (4العقيدة الجتماعية عبارة عن جماع المبادئ والمصالح ومركز التوازن
بينهما .
أ.د .عبدالكريم بكار
)(3 /
________________________________________
ونطق التاريخ قبل أن ينطق الحجر
رئيسي :عقائد :الثلثاء 21ربيع الول 1425هـ 11-مايو 2004م
الحمد لله ،وبعد،،،
فإننا في زمن الستسلم باسم السلم ،والتنازل باسم المفاوضات ،زمن
قا ،والناصح شريًرا ،والملتزم بالدين
أحلمه وفكره وأدبه يصور العدو صدي ً
والقيم إرهابًيا ،والرافض للنحلل رجعًيا ،إنه زمان كثرت فيه معاول الهدم
التي تحطم جدار الولء والبراء ،وتغير نظرتنا للعداء ،وتغيب مفاهيم الجهاد
والعزة في سبيل الله ،وكم تحتاج المة والحالة هذه إلى معرفة الداء
والدواء ،وذلك بالرجوع إلى موردها الصافي.
وهذه معالم في تاريخ المعركة مع اليهود ،أسوقها تذكره لنا بحقيقة العداء،
177
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ولنبين خطرهم على المة ،إنها معالم سوداء في صفحات اليهود ،وحقائق
ذكرها الله عن اليهود ،وهي من القرآن والسنة والشواهد التاريخية الصادقة،
وهذه المعالم التي سنذكرها ينبغي أن نعلمها وُنعلمها وأن نسوقها لجيالنا؛
حتى ل نغتر باليهود ،وحتى ل نسالم اليهود ،وحتى ل نتنازل مع اليهود.
ومن أبرز هذه المعالم التي جاءت في القرآن عن اليهود:
معلم الول :عدواتهم للنسانية عامة ،وللمؤمنين خاصة: ال َ
َ ّ ْ ّ َ
كوا]{[82]...سورة شَر ُنأ ْ ذي َ
مُنوا الي َُهود َ َوال ِ
نآ َذي َ
داوَة ً ل ِل ِ
س عَ َ نأ َ
شد ّ الّنا ِ }ل َت َ ِ
جد َ ّ
المائدة[ .قال ابن كثير' :ما ذلك إل لن كفر اليهود كفر عناد وجحود ومباهتة
للحق ،وغمط للناس ،وتنقص بحملة العلم؛ ولذلك قتلوا كثيًرا من النبياء حتى
هموا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم ذات مرة ،وسموه وألبوا عليه
أشباههم من المشركين ،عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة'.
فعداوة اليهود هذه تشهد بخستها القرون الغابرة ،وتؤكدها العصار اللحقة،
أذكر منها:
ما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم فحاولوا أكثر من مرة قتله ،فلم
يفلحوا ،تعاونوا مع المشركين ومع المنافقين لحربه ولكنهم لم يوفقوا ،بل
وأعلنوا العداوة بكل وقاحة وصراحة مع كونهم يعترفون بنبوته ،ولكنهم كفروا
دا وبغًيا حتى الممات ،فهذا زعيم من زعماء بني إسرائيل الغابرين به؛ حس ً
حيي بن أخطب زعيم يهود بني النضير سأله أخوه أبو ياسر :أهو هو؟ قال:
نعم والله إنه لمحمد ،قال :أتعرفه وتثبته؟ قال :نعم ،قال :فما في نفسك
منه؟ قال :عدواته والله ما بقيت.
واستمرت عداوة اليهود للسلم والمسلمين:فبعد وفاة النبي صلى الله عليه
وسلم في أيام الخلفاء الراشدين يخرج ذلك القذر عبد الله بن سبأ اليهودي
ليشعل الفتنة ،ويبذر الخلف بين المسلمين ،وكانت الفتنة وكانت الحروب.
ونتجاوز الزمن ونقف عند الدولة العثمانية :حاول اليهود ليسمح لهم بالهجرة
إلى فلسطين ،ليستوطنوا فيها ،فأصدر السلطان عبد الحميد أمًرا بمنع اليهود
القادمين لزيارة بيت المقدس من القامة في القدس أكثر من ثلثة أشهر،
ثم يعيدون الكرة مع السلطان عبد الحميد الثاني ،ويعيدونه ويمنونه بالهبات
والموال والقتصاد ..لقد وعدوه بسداد الديون المستحقة على بني عثمان،
وعلى تقديم القروض الئتمانية لتطوير الزراعة والقتصاد في دولة بني
عثمان ،وعلى إنشاء جامعة في اسنطبول تغني الطلبة التراك من أن
يسافروا إلى أوروبا ..كل هذه الوعود والهبات ،مقابل إنشاء مستعمرة قرب
القدس ،فهل تنازل المسلم؟
ل ..بل أجابهم بالرفض التام والتوبيخ كما في الوثائق المشهورة عنه ،فماذا
فعلوا مع هذا السلطان؟ لقد حققوا أهدافهم وتآمروا مع الدول الكبرى
لسقاط الدولة العثمانية ،فأسقطوها ،واختاروا الزعماء المناسبين لها ،الذين
أعلنوا العلمانية ،وفعلوا بالمسلمين ما فعلوا.
خا مضى وانتهى ،بل هي ويستمر العداء ويؤكده الخلف ،فليست عداوتهم تاري ً
عقيدة راسخة يلقنها الباء للبناء ،فهذا مناحم بيجن يقول ':أنتم أيها
السرائيليون ل يجب أن تشعروا بالشفقة حتى تقضوا على عدوكم ول عطف
ول رثاء حتى تنتهوا بإبادة ما يسمى بالحضارة السلمية التي سنبني على
أنقاضها حضارتنا' .ويقول بن غوريون ':نحن ل نخشى الشتراكيات ول
الثوريات ،ول الديمقراطيات ،نحن فقط نخشى السلم ،هذا المارد الذي نام
طويًل وبدأ يتململ' .وهذا إسحاق شامير يقول -في حفل استقبال اليهود
السوفيت المهاجرين إلى إسرائيل':-إن إسرائيل الكبرى :من البحر إلى
178
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
النهر ،وهي عقيدتي وحلمي شخصًيا ،وبدون هذا الكيان لن تكتمل الهجرة ،ول
الصعود على أرض الميعاد ،ولن يتحقق أمننا ول سلمنا'.
هكذا يخططون ،ويأبى الله والمؤمنون أن يتحقق لهم ما يريدون ،وفينا أهل
الجهاد ،وفينا أهل الجد والعمل.
معلم الثاني -وهو بارز في تاريخ اليهود -فهو نقضهم للعهود ،وخيانتهم
ال َ
للمواثيق:
)(1 /
179
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
180
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
َ
ما س َ ت ل َب ِئ ْ َ ح َ س ْم ال ّ ن وَأك ْل ِهِ ُ ن ِفي اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ عو َ سارِ ُ م يُ َ من ْهُ ْ }وَت ََرى ك َِثيًرا ِ
َ َ
م وَأك ْل ِهِ ُ
م م اْل ِث ْ َ ن قَوْل ِهِ ُ حَباُر عَ ْ ن َواْل ْ م الّرّبان ِّيو َ ن][62ل َوَْل ي َن َْهاهُ ُ مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ َ
ن]]{[63سورة المائدة[ .ولم تستخدم كلمة صن َُعو َ كاُنوا ي َ ْ ما َ س َ ت ل َب ِئ ْ َ ح َ س ْ ال ّ
السحت في القرآن إل في حق اليهود.
المعلم السابع:من المعالم التي ذكرها الله عن اليهود:
أن القوة الرهيبة هي التي تحملهم على اللتزام بالشرائع ،وتطبيق العهود
والمواثيق :فالشخصية اليهودية ملتوية تطلق لنفسها العنان في الفساد،
وتبحر في بحار الشهوات بل ضابط ،ول قيود ،لقد جاءهم موسى عليه السلم
عظ َ ً َ
ة مو ْ ِ يٍء َ شُ ْ ل َ ن كُ ّ م ْ واِح ِ
َ ه ِفي اْْلل ْ َ بألواح التوراة كما قال تعالى} :وَك َت َب َْنا ل َ ُ
ْ صيًل ل ِك ُ ّ
م َداَر سأِريك ُ ْ سن َِها َ ح َ ذوا ب ِأ ْ خ ُ ك ي َأ ُ م َ مْر قَوْ َ قوّةٍ وَأ ُ ها ب ِ ُ خذ ْ َ يٍء فَ ُ ش ْ ل َ ف ِ وَت َ ْ
ن]]{[145سورة العراف[. قي َ س ِ فا ِ ال ْ َ
قال بن جرير ':قال بن عباس رضي الله عنه :أمرهم موسى بالذي أمره الله
أن يبلغهم إياه من الوظائف والشرائع ثقلت عليهم ،وأبوا أن يقروا بها ،حتى
نتق الله الجبل فوقهم كأنه ظله ،قال :رفعته الملئكة فوق رءوسهم' .
المعلم الثامن:كثرة إشعالهم للحروب والفتن ،وإفسادهم في الرض:
َ ب أ َط َ
ْ َ
ها فأ َ حْر ِ دوا َناًرا ل ِل ْ َ ما أوْقَ ُ ولكن الله تولى إخماد حربهم وإفسادهم} :ك ُل ّ َ
َْ
ن]]{[64سورة دي َ س ِ ف ِ م ْ ب ال ْ ُ ح ّ ه َل ي ُ ِ ساًدا َوالل ّ ُ ض فَ َ ن ِفي الْر ِ سعَوْ َ ه وَي َ ْ الل ّ ُ
المائدة[ .ومع تكبر اليهود وفسادهم ومع كل لما مضى من خبرهم وحقائقهم
دا
يأبى الله إل أن ينتقم من هذه الحثالة الفاسدة في الحياة الدنيا ،فيبعث جن ً
من جنده لتقليم أظافر اليهود كلما تطاولت إلى يوم القيامة ،وبتسليط
َ
الشعوب والمم عليهم كلما طغوا وأفسدوا وتجبروا ،وصدق الله} :وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ
ن
ع
ري ُ س ِ ك لَ َ ن َرب ّ َ ب إِ ّ ذا ِ سوَء ال ْعَ َ م ُ مهُ ْ سو ُ ن يَ ُ م ْمةِ َ قَيا َ م إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ ن عَل َي ْهِ ْ ك ل َي َب ْعَث َ ّ َرب ّ َ
م]]{[167سورة العراف[. حي ٌ فوٌر َر ِ ه لغَ ُ َ ب وَإ ِن ّ ُ قا ِ ال ْعِ َ
لقد حكم الله عليهم بالهزيمة في الدنيا كلما عادوا إلى الفساد مع ما يدخره
م
جهَن ّ َ جعَل َْنا َ م عُد َْنا وَ َ ن عُد ْت ُ ْ لهم في الخرة من العذاب والنكال الشديد...} :وَإ ِ ْ
صيًرا]]{[8سورة السراء[.هذا في القرآن. ح ِ ن َ ري َ كافِ ِ ل ِل ْ َ
وفي صحيح السنة أخبر الصادق المصدوق عن الملحم التي تكون في آخر
ن
مو َ سل ِ ُ م ْ ل ال ْ ُ قات ِ َ حّتى ي ُ َ ة َ ساعَ ُ م ال ّ قو ُ الزمان ،ومن بينها الحرب مع اليهود ] :ل ت َ ُ
ر
ج ِ ش َ جرِ َوال ّ ح َ ْ
ن وََراِء ال َ م ْ ئ ال ْي َُهودِيّ ِ خت َب ِ َ حّتى ي َ ْ ن َ مو َ سل ِ ُ م ْ م ال ْ ُ قت ُل ُهُ ْ ال ْي َُهود َ فَي َ ْ
َ
ل َفاقْت ُل ْ ُ
ه في فَت ََعا َ خل ْ ِ ذا ي َُهودِيّ َ م َيا عَب ْد َ الل ّهِ هَ َ سل ِ ُم ْ جُر َيا ُ ش َ جُر أوْ ال ّ ح َ ل ال ْ َ قو ُ فَي َ ُ
جرِ ال ْي َُهود ِ [ رواه مسلم. ش َ ن َ م ْ ه ِ إ ِّل ال ْغَْرقَد َ فَإ ِن ّ ُ
هذه معالم وحقائق في تاريخ المعركة الصراع مع اليهود ،ونحن ننتظر
المعركة الفاصلة مع بني صهيون كما أخبر الصادق المصدوق ،ول شك أن
العلم بهذه المعالم والحقائق مهم في كل زمان ،وهو في أزماننا هذه أهم،
وقد قيل :أن معرفة المؤمنين بحالهم وحال أعدائهم هي نصف المعركة.
نعم ..تنظير المشكلة ،ومعرفة العدو وماذا يخطط وماذا يفعل؟ نصف
المعركة.
)(3 /
وهذا منهج قرآني فربنا تكلم عن اليهود في غير ما آية ،وتكلم عن أهل
م ال ْعَد ُوّ
الكتاب ،وتكلم عن المنافقين؛ لنحذرهم ونستعد للمعركة...} :هُ ُ
م]{[4]...سورة المنافقون[ .حتى ل تنخدع بأحابيلهم مهما أرضونا َفا ْ
حذ َْرهُ ْ
بالكلم المعسول من السلم ،من العدل ،من المصالحة ،من حقوق النسان،
181
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ولكن ما تخفي صدورهم أكبر ،ما تجن لنا نواياهم من الحقد والشر أكبر
وأعظم.
ويبقى شق مهم :وهو العمل والستعداد مجرد أن تعلم حقيقة العداء ،هذا ل
ست َط َعْت ُ ْ
م ما ا ْ م َ دوا ل َهُ ْ ع ّ يكفينا يجب أن نعمل ،وأن نستعد ،وأن نعد العدة } :وَأ َ ِ
م َل ن ُدون ِهِ ْ م ْ ن ِ ري َ خ ِم َوآ َ ن ب ِهِ عَد ُوّ الل ّهِ وَعَد ُوّك ُ ْ ل ت ُْرهُِبو َ خي ْ ِط ال ْ َ ن رَِبا ِ م ْ ن قُوّةٍ وَ ِ م ْ ِ
م]{[60]...سورة النفال[ .ول بد أن نقوم بالنصرة. ه مَ
ُ َْ ُ ُ ْل عي ه ّ لال م َ
تَ ْ ُ َ ُ ُ
ه نمو ل ع
هذه الحقائق والمعالم عن اليهود وعن أخلقهم وعداوتهم ونقضهم للعهود
هي من الكتاب والسنة ل يلغيها تخاذل متنازل قبل النزال ،ويمحوها من
ذاكرة الوجود تراخي وخور منافق ألقى السلح ،وترك الكتاب ،وبدأ يهرول
في اتجاه العدو في مسرحية وجهز له السلح .ويريدون تغييبنا إعلمًيا،
نتعرض لتغييب بالتلعب باللفاظ والمفاهيم ،فيسمى الجهاد ثورة ،والقتال
انتفاضة ،والمجاهد متطرًفا.
نتعرض لتغييب شباب المة عن معاني الجهاد والكرامة والعزة و الستعداد،
يغيبون شبابنا بالجنس والشهوة والرياضة .يغيبون شبابنا عن معالي المور،
يلهون شبابنا بالدنيا .نتعرض إلى تغييب في مناهج التعليم بسبب التطبيع .هل
بعد ما ذكره ربنا يتلعب بمناهجنا التي تعادي بني إسرائيل؟!
ن ]]{[7سورة ضاّلي َ م وََل ال ّ ب عَل َي ْهِ ْ ضو ِ مغْ ُ لن يمسحوا من قلوبنا}:غَي ْرِ ال ْ َ
َ
مُنوا نآ َ ذي َداوَة ً ل ِل ّ ِ س عَ َ شد ّ الّنا ِ نأ َ جد َ ّ الفاتحة[ .ولن يمسحوا من صدورنا } :ل َت َ ِ
كوا]{[82]...سورة المائدة[ . شَر ُ ن أَ ْ ذي َ ال ْي َُهود َ َوال ّ ِ
ففروا إلى ربكم ،وإلى سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم :ول يغرنكم كثرة
هّ
ن الل َ صُره ُ إ ِ ّ ن ي َن ْ ُم ْ ه َ ن الل ّ ُ صَر ّ عدوكم فإن الله تكفل بنصرة هذا الدين } :وَل َي َن ْ ُ
َ
نكو َ ن يَ ُ سى أ ْ ل عَ َ مَتى هُوَ قُ ْ ن َ قوُلو َ زيٌز]]{[40سورة الحج[...} .وَي َ ُ ِ قوِيّ عَ لَ َ
َ
ب]]{[214سورة ري ٌ صَر الل ّهِ قَ ِ ن نَ ْ ريًبا]]{[51سورة السراء[ ...} .أَل إ ِ ّ قَ ِ
البقرة[.
ول يغرنكم ما عندهم من القنابل النووية ،أو غيرها ،ل يغرنك كل هذا ،فهذه
تزول أمام صيحات التكبير ،وهذه تتلشى أمام عزائم المجاهدين الصادقين:
فُروا ِفي ال ْب َِلِد]]{[196سورة آل عمران[ .قوة عما ن كَ َ ذي َ ب ال ّ ِ قل ّ ُ
ك تَ َ } َل ي َغُّرن ّ َ
ْ
مَهاُد]]{[197سورة آل س ال ْ ِم وَب ِئ ْ َ جهَن ّ ُ م َ مأَواهُ ْ م َ ل ثُ ّ مَتاع ٌ قَِلي ٌ قليل تتلشىَ } ..
عمران[.
ولتعلم أمة السلم أنها لن ترجع إل بالجهاد والعمل الجاد ،فماذا فعلنا يا عباد
الله؟
هل جاهدنا؟هل تحركنا؟ نعم لقد جاهدنا بالجتماعات التي نهايتها الشجب
والستنكار وامتصاص غضب الجماهير.
لقد حررنا ولكن بالصياح ،لقد تحركنا ولكن بالخطب الرنانة ،شجبنا بالكلم
ولم نحمل سلح ،ولم نركب على سفينة.
نشكو إلى مجلس المن الدعي!
إن الصياح والشجب والتنديد والستنكار لن يداوي جراحات المسلمين ،ولن
ضا مسلوًبا. قا مغتصًبا ،أو عر ً يعيد للمة ح ً
إن التسول على عتبات هيئة المم ومجالس المن لن يوقف حمامات الدم.
لن يوقف ذلك إل غضبة كغضبة المعتصم.
لقد جربنا لغة التفاوض ،ولغة السلم ،فلم تفلح معهم إن اللغة التي يفهموها
هي لغة القوة ،وليس غير القوة ،إن القوة هي الترجمة الحقيقة لما يجيش
في صدورنا:
أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدى
182
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(4 /
ومن رضى الحياة بغير دينا فقد جعل الفناء لها قريًنا.
إذا أردنا النصر فل بد أن نعتز بالسلم ..هذا الفاروق عمر رضي الله تعالى
عنه حرر القدس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بـ 6سنوات ،حررها
بثياب مرقعة ،لكنه كان يقول وهو في الطريق إليها ':نحن قوم أعزنا الله
بالسلم فمهما ابتغينا العزة بغيرة أذلنا الله'.
أيا يا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهي وتأمر
أمة السلم إن عزتنا ورفعتنا بالجهاد في سبيل الله ،والمة حين تغيب نفسها
عن الجهاد في سبيل الله ،وحينما تتقاعس عن هذه الفريضة التي أصبحت
في زمننا المعاصر فريضة غائبة؛ فإن الهوان والذل سيلحقها ،قال صلى الله
ب ال ْب َ َ خذ ْت َ َ
م ِبالّزْرِع وَت ََرك ْت ُ ْ
م ضيت ُ ْقرِ وََر ِ م أذ َْنا َ م ِبال ِْعين َةِ وَأ َ ُ ْ عليه وسلم ] :إ َِذا ت ََباي َعْت ُ ْ
م [ رواه أبوداود ُ َ
جُعوا إ ِلى ِدين ِك ْ حّتى ت َْر ِ ه َ َ ّ
م ذ ُل ل ي َن ْزِعُ ُ ه عَل َي ْك ُ ْ ط الل ّ ُ
سل ّ َ ال ْ ِ
جَهاد َ َ
وأحمد .
ولنثق بموعود ،وأن الله قادر على أن يخلق من الضعف قوة ،وسلطة مهما
ادعت موازين البشر أن النصر بعيد ،وأن عدد المة قليلة ،مهما قالوا هذا
الكلم ،فإن السنن اللهية ،وإن إرادة الله جل وعل ل تعترف بالقلة والكثرة:
ن]{[249 ري َ
صاب ِ ِ
معَ ال ّ ه َن الل ّهِ َوالل ّ ُ ة ك َِثيَرةً ب ِإ ِذ ْ ِت فِئ َ ً ن فِئ َةٍ قَِليل َةٍ غَل َب َ ْ م ْم ِ}...ك َ ْ
]سورة البقرة[.
قا في البحر يبسا، والله جل وعل هو الذي قدر على أن يشق لموسى طري ً
سبحانه قادر على أن ينجي المستضعفين في كل مكان ،ويحمي النساء من
الجلدين ،قادر سبحانه على أن يحفظ المجاهدين ،والذي نصر القلة في بدر
ومؤتة قادر على نصرة المجاهدين في كل مكان اللهم انصر إخواننا
المجاهدين نصًرا مؤزًرا .كن لهم ولًيا ،ومعيًنا ،ونصيًرا .
من خطبة ':ونطق التاريخ قبل أن ينطق الحجر' للشيخ /محمد بن إبراهيم
السبر
)(5 /
183
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
184
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(1 /
185
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
بالمسيح ) نحن نؤمن بالمسيح( وبأن المسيح هو الفيلسوف الذي يتلقى منه
الحكمة والسدادة ،ومن المفارقات أن اليهود في أمريكا أثاروا ضجة كبرى
حول مسألة )عدم اليمان( بالمسيح عيسى ابن مريم عليه السلم ؟ لماذا
لنهم لم يؤمنوا به ل بالمس ول اليوم.
وفي ظل هذا النبعاث المسيحي حصل ارتباط قوي بين جامعات عديدة وبين
الكنيسة ،ومن هذه الجامعات :الجامعة المريكية وجامعة جورج تاون في
واشنطن ،وجامعتا ديتون في ولية أوهايو ،وبيلور في ولية تكساس ،وجامعة
أموري في مدينة أتلنتا ،وجامعة دنفر في كوالورادو وجامعة ديوك في
كارولينا الشمالية ،كما نشأت مؤسسات تعليمية دينية كثيرة منها) :جامعة
الحرية( التي أسسها أشهر قس أمريكي هو )جيري فولويل( الذي قدر :أن
يصل عدد طلب هذه الجامعة 50ألف طالب مع نهاية القرن الماضي،
ويتعلم الطلب في هذه الجامعة علوم اللهوت من منظور يهودي ،كما أنشأ
هذا القس أكثر من 20ألف مدرسة دينية وهذا مثال فحسب .أما في المجال
العلمي فإن الحركة المسيحية الصولية تسيطر على معظم شبكة محطات
الكنيسة المرئية والمسموعة ،أي المحطات التلفزيونية والذاعية.
ومع اجتناب الوقوع في خطأ التعميم ،فمن المؤكد أنه يصدر عن هذه
المؤسسات ما يؤيد الظلم والرهاب الصهيونيين.
ومن ذلك ما قاله جيري فولويل إذ قال :إن الوقوف ضد إسرائيل هو معارضة
ل -هو المعبر عن إرادة الله! ويصدر عن هذه لله" ،وكان )شارون( – مث ً
المؤسسات ما يتعمد تقبيح وجه العرب ،ومن ذلك ما قاله القس )بات
روبرتسون( إذ قال" :إن الله يقف بجانب إسرائيل ،وليس بجانب العرب
السرائيليين" .هذه العقليات التي تزكي الرهاب وتشوه صورة العرب
والمسلمين ،ألم تتكون في جامعات ومدارس دينية في الوليات المتحدة؟
ثانيًا -المؤسسة الصهيونية:
إن العنف والرهاب الذي مارسته ول تزال تمارسه هذه المؤسسة ،إن هو إل
ثمرة )التعليم الديني( اليهودي ،فمع السنوات الولى لنشأة الكيان الصهيوني
في فلسطين المحتلة؛ صدر قانون التعليم الذي قسم المدارس إلى نوعين:
مدارس حكومية تضم ثلثي الطلب ومدارس حكومية ينتظم فيها الثلث
الباقي ،ومع ملحظة أن نصيب التعليم الديني كبير جدا ً في المدارس
الصهيونية العامة ،وثمة مادة بعنوان )الوعي اليهودي( يدرسها الطلب كافة.
وفي هذه المدارس تخرج غلة الصهاينة الذين احترفوا الرهاب ،ويمارسون
قتل )الغيار( بنفسية من يمارس هوايته المفضلة!! إن )إيجال عامير( – وهو
ابن حاخام -الذي اغتال إسحاق رابين قد تربى ونشأ وتكون على تعاليم
)المدارس التلمودية( ومن أفضل الكتب التي كان هذا القاتل يدمن على
قراءتها )سيرة باروخ جولد شتاين( الذي قتل 27فلسطينيا ً مسلما ً وهم
يؤدون صلة الفجر في المسجد البراهيمي.
فهل تنتظم الدعوة إلى تغيير المناهج الدينية :مناهج الجامعات والكليات
والمدارس الدينية في كل من الوليات المتحدة وإسرائيل؟
وهل يوافق أصحاب هذه الدعوة على ) خيار الصفر اليديولوجي( الذي
اقترحناه -من قبل ،-أم أن المطلوب – فحسب -هو :أن يهجر المسلمون –
وحدهم -دينهم ومصادر هويتهم؛ وإل فهم )إرهابيون( بالهوية والجبلة
والديانة؟!
)(2 /
186
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
187
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ن.
م المهاجري َ
ن إخواِنه ُ النخ َ
ل بين َْهم وب َي ْ َ
ن:شَر المؤمني َ معا ِ
)(1 /
ص ن وخلو ِ ق اليما ِ صد ْ ِ ل عَلى ِ ة تد ّ ة ثاني ٌ ل رائ ِعٌ آخُر ،وصورة ٌ مشرِقَ ٌ وهذا مثا ٌ
ي -صلى الله عليه وسلم -إذ ْ رَوى أبو هريرةَ ب النب ّ المحب ّةِ واليثارِ َلدىَ أصحا ِ
ل:ي -صلى الله عليه وسلم -فقا َ ن رجل جاَء إلى النب ّ -رضي الله عنه -أ ّ
ه
ض نسائ ِ ِ ل إلى بع ِ ن الجوِع -فأرس َ م َ ة ِ ق ُ جهْد ُ والمش ّ ه ال َ ي مجهود ٌ -أيْ أصَاب ُ إن ّ
ك، ل ذل ِ َ مث ْ َ ت ِ َ
م إلى أخَرى فقال ْ دي إل ماٌء ،ث ّ ك بالحقّ ما عن ِ ت :والذي بعث َ َ فقال َْ
ي- ل النب ّ عْندي إل ماٌء .فقا َ ك بالحقّ ما ِ ك :ل والذي بعث َ َ ل ذل ِ َ مث ْ َ ن ِ ن كله ّ ّ ْ
حّتى قُل َ
ن النصارِ - م ْ ل ِ ل رج ٌ ة؟" فقا َ هذا الليل َ ف َ ضي ُ ن يُ ِ م ْ صلى الله عليه وسلم َ ":-
مي ه :أكرِ ِ ْ ل لمرأت ِ ِ حل ِهِ فقا َ ه ،فانطلقَ بهِ إلى َر ْ ل الل ِ ة :-أنا يا رسو َ وهوَ أبو طلح َ
ك شيٌء؟ عن ْد َ ِ ل ِ ة :هَ ْ ل اللهِ -صلى الله عليه وسلم ،-وفي رواي ٍ ف رسو ِ ضي َ
م، ميه ْ م بشيٍء وإذا أرادوا الَعشاَء َفنوّ ِ ل :فَعَلِليه ْ ّ صْبياِني .قا َ ت ِ ت :ل ،إل قو ُ قال َ ْ
ف وباتا ل الضي ُ قَعدوا وأك َ ل ،ف َ ج وأِريهِ أّنا نأك ُ َ خ َ
سرا َ فِئي ال ّ فنا فأط ِ ل ضي ُ وإذا د َ َ
صِنيعِكماُ ن َ م ْ ه ِ ب الل ُ ج َ قد ْ ع َ ِ ي فقال ":ل َ َ دا على النب ّ َ حغ َ َ ما أصب َ ن ،فل ّ
َ طاوِي َي ْ ِ
ة
ص ٌ صا َ خ َ م َ ن ب ِهِ ْ َ
م وَلوْ كا َ َ سهِ ْ ف ِ ن عَلى أن ُ َ ه } وَي ُؤث ُِرو َ ْ ة" فأنزل الل ُ َ كما الليل َ ف ُ بضي ِ
ي البخار ه ج ]أخر { 9 الحشر: { } ن حو ل ْ ف م ْ ل ا م ه َ
ك ئَ ل و ُ أ َ ف ه س ْ ف ن ح ُ
ش
ّ َ ُ ُ ِ ُ َ ُ ُ ْ ِ ّ َ ِ ِ من ُ َ
ق يو وَ َ
ة. ج ٌ ي :حا َ ة ،أ ْ ص ٍ صا َ خ َ م[.ومعَنى َ ومسل ٌ
سيرا ً َ
كينا ً وَي َِتيما ً وَأ ِ س ِ م ْ حب ّهِ ِ م عََلى ُ ن الط َّعا َ مو َ م } وَي ُط ْعِ ُ ل الحقّ ِفيه ْ وصدقَ قو ُ
كورا ً } النسان. { 8: ش ُ جَزاًء وَل َ ُ م َ منك ُ ْ ريد ُ ِ جهِ الل ّهِ ل َ ن ُ ِ م ل ِوَ ْ مك ُ ْ ما ن ُط ْعِ ُ ) (8إ ِن ّ َ
جد ْ ما ق إذا لم ي َ ِ ن العمي ِ حْز ِ سى وال ُ ل إلى ال َ ل بهِ الحا ُ ص ُ س يَ ِ ض النا ِ ن بع َ لإ ّ بَ ْ
ةَ
حيل ُ ه ال ِ س قَد ْ أعْي َت ْ ُ ف النا َ ف ُ ع ،أوْ ساِئل ي ََتك ّ ف ،أو جاَرهُ الجائ َ ي ُؤْث ُِر بهِ أخاه ُ الملهو َ
هي رحم ُ ل الشافع ّ ه ،كما قا َ ب الناِزلةِ ب ِ ن المصائ ِ ِ م َ ك ِ ة ،وَي َعُد ّ ذل ِ َ ه الفاقَ ُ مت ْ ُ ول َزِ َ
ه: الل ُ
ْ َ ّ ُ يا ل َهْ َ
ت مُروءا ِ ل ال ُ ن أهْ ِ م ْ ن ِ قلي َ م ِ ه على ال ُ ل أفَّرقُ ُ سي على ما ٍ ف ِ ف نَ ْ
َ
ت ن إحدى المصيبا ِ م ْ دي ل َِ عن ْ ِ س ِ سأل ُِني ما لي َ ن جاَء ي َ ْ م ْ ن اعتذاِري إلى َ إ ّ
دى ن الهُ َ م َ ة ،ونفَعنا جميعا بما فيهما ِ ً سن ّ ِ ن وال ّ م في القرآ ِ ه لي ولك ْ باَرك الل ُ
ن ؛ فاستغفروهُ وتوبوا م المّنا َ ه الكري َ ن وأستغفُر الل َ ة ،أقول ما تسمعو َ ُ م ِ حك ْ َ وال ِ
ن. فرا ِ وى والغُ ْ ه هوَ أهل التق َ ُ ه ،إن ّ ُ إلي ِ
الخطبة الثانية
ه إل ّ ن ل إل َ فى ،وأشهد ُ أ ْ ي المصط َ م عَلى النب ّ فى ،والصلةُ والسل ُ الحمد ُ للهِ وك َ
ه المجت ََبى ،صّلى الل ُ
ه ن محمدا ً عبد ُهُ ورسول ُ ُ ك له ،وأشهد ُ أ ّ ه وحد َهُ ل شري َ الل ُ
شَرَفا. جَباِء ال ّ ل اليثارِ والوَفا ،والتابعين لهم الن ّ َ عليهِ وعلى آلهِ وآصحاب ِهِ أه ِ
د: ما بع ُ أ ّ
لم ،وأفض ُ مت ُ ْ وى اللهِ خيُر ما قد ّ ْ ن تق َ م؛ فإ ّ عباد َ اللهِ -ما استطعت ْ هِ - فاتقوا الل َ
خْرُتم. ما اد ّ َ
ة: عّز ُ ن ال ِ أّيها المسلمو َ
ة
س المطمئن ِ ّ ُ ُ
ن إل في النفو ِ م ،ل يسك ُ خلقٌ عظي ٌ م ،و ُ ن اليثاَر طبعٌ كري ٌ إ ّ
ة، مو بالرعاي ِ ن ،فين ُ وى والعِْرفا ِ ب العامرةِ بالتق َ خ إل في القلو ِ ّ س ُ ن ،ول ير َ باليما ِ
ة، ن بالمجاهدةِ والمصاَبر ِ ً ُ
ق المؤم ِ ن أخل ِ م ْ خلقا ِ ح ُ ة ،حّتى ُيصب ِ َ ويزداد ُ بالعناي ِ
ة
شد ّةِ المحب ّ ِ نو ِ مع قوّةِ اليقي ِ ُ ةَ ، ل في حقيقةِ الدنيا الغابر ِ م ِ والنظرِ والتأ ّ
ة. ن اللهِ ونعيم ِ الخر ِ ضوا ِ ة؛ ابتغاَء رِ ْ ق ِ والصبرِ على المش ّ
188
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(2 /
ه، مت َ ُ ن قِ ّ ن اليقي ِ م َ ه ،و ِ ن ذِْروَت َ ُ ن اليما ِ م َ كهذا سيبلغُ ِ ن مجتمعا ً َ لأ ّ ك عاقِ ٌ ش ّ ل يَ ُ
ك
مل ِ ِ ْ
عن طاعةِ ال َ ن ،ويصدُر َ ه ،وسيجتمعُ على مائدةِ اليما ِ َ ب غاي َت َ ُ ح ّ ن ال ُ م َو ِ
ن بي ج ئ الوشا وى أق د تنعق ة م ّ ظ المع م ي ق وال ة، المبارك ق الخل ه ذ وبه ن، ال ّ ِ
ديا
َ ِِ َ ُ َ ِ ِ َ ِ ِ ِ ِ ِ
م، حه ْ ت مصال ِ ُ م ،وت َن َوّعَ ْ ت ِدياُرهُ ْ م ،وتباعَد َ ْ سهُ ْ ت أجنا ُ ف ْ مْهما اختل َ َ أفرادِهِ َ
ة
ن حيا ِ م َل ِ ن الوّ ِ ن والنصارِ في الزم ِ ل مجتمعَ المهاجري َ مث ّ َ م؛ ل ِي ُ َ ت ُلغاُته ْ وتفاوت َ ْ
ف أهل ِهِ فقا َ ل -عَلى مواقِ ِ ج ّ ُ
ل: ه -عّز و َ ة ،الذي أث َْنى الل ُ مةِ الخال ِد َ ِ هذِهِ ال ّ
ن
دو َ ج ُ م وََل ي َ ِ جَر إ ِل َي ْهِ ْ ها َ ن َ م ْن َ حّبو َ م يُ ِ من قَب ْل ِهِ ْ ن ِ ما َ لي َ ِ داَر َوا ْ ؤوا ال ّ ن ت َب َوّ ُ ذي َ } َوال ّ ِ
ة
ص ٌ صا َ خ َ م َ ن ب ِهِ ْ كا َ م وَل َوْ َ سهِ ْ ف ِ ن عََلى َأن ُ ما أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ
ُ
م ّ ة ّ ج ً حا َ م َ دورِهِ ْ ص ُ ِفي ُ
ن { } الحشر. { 9: ْ َ
سهِ فَأوْلئ ِ َ ُ من ُيوقَ ُ
حو َ فل ِ ُم ْم ال ُ ك هُ ُ ف ِ ح نَ ْ ش ّ وَ َ
ق
فَر والفسو َ ُ َ
ه في قلوِبنا ،وكّره ْ إلينا الك ْ ن وزي ّن ْ ُ ب إلينا اليما َ حب ّ ْ م ِ الله ّ
تن والمسلما ِ فْر ِللمسلمي َ م اغ ِ ن ،الله ّ دي َ ن الراش ِ م َ ن واجعلنا يا رّبنا ِ ْ صيا َ والعِ ْ
ل عملهما َ َ
ي عهدِهِ ل ُِهداك ,واجع ْ م وفّقْ أميَرنا وول ّ ت ،الله ّ ن والمؤمنا ِ والمؤمني َ
حةِ ب الص ّ سهما ثو َ َ ْ َ ْ في ِرضا َ
م احفظهما بحفظ ِك ,واكلهما ِبرعاي َت ِك ,وألب ِ ْ ك ،الله ّ
هذا البلد َ آمًنا مطمئ ِّنا ل َ م اجع ْ م ،الله ّ ل والكرا ِ ن ,يا ذا الجل ِ والعافِي َةِ واليما ِ
ن
م شهداَءنا وشهداَء المسلمي َ ل الله ّ ن ,وتقب ّ ِ سخاًء رخاًء وسائ َِر بلد ِ المسلمي َ
ن. أجمعي َ
)(3 /
189
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
مملكته آمرا ناهيا ..باعثا لرسله ..منزل كتبه ..فينزل المر من عنده بتدبير
مملكته ..فيكلم عبده جبريل و يرسله الى من يشاء بما يشاء ..ملئكته
يخافونه من فوقهم ,و ينفذون أوامره في أقطار ملكه في السماوات
والرض و ما بينهما ..تصعد المور اليه و تعرض عليه ..له المر و ليس لحد
معه شيء بل المر كله له معبود مطاع ل شريك له و ل مثيل و ل عدل
موصوف بصفات الكمال ...منعوت بنعوت الجلل ..منزه عن العيوب
والنقائص قائما بالملك والتدبير فل حركة ول سكون و ل نفع ول ضر و ل
عطاء و ل منع و ل قيض ول بسط ال بقدرته و تدبيره فقيام الكون كله به و
ح
فات ِ ُم َ عن ْد َه ُ َ قيامه سبحانه بنفسه فهو القائم بنفسه ..المقيم لكل ما سواه )وَ ِ
ن وََرقَةٍ إ ِل ّ م ْ ط ِ ق ُ س ُ ما ت َ ْ حرِ وَ َ ما ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ م َ مَها إ ِل ّ هُوَ وَي َعْل َ ُ ب ل ي َعْل َ ُ ال ْغَي ْ ِ
َ
ن(مِبي ٍ ب ُ س إ ِل ّ ِفي ك َِتا ٍ ب َول َياب ِ ٍ ض َول َرط ْ ٍ ت الْر ِ ما ِ حب ّةٍ ِفي ظ ُل ُ َ مَها َول َ ي َعْل َ ُ
ويقول صلى الله عليه وسلم )مفاتح الغيب خمس :إن الله عنده علم
الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا
و ما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير( رواه البخاري
وهو يتكلم سبحانه و تعالى يأمر و ينهى و يتأذى و يفرح و يسمع ويبصر و
يرصى و يغضب و يحب و يسخط و يجيب دعوة المضطر من عباده و يغيث
ملهوفهم و يعين محتاجهم و يجبر كسيرهم و يغني فقيرهم و يميت و يحيى و
يمنع و يعطي و يثيب و يعاقب مالك الملك يؤتي الملك من يشاء و ينزع
الملك ممن يشاء و يعز من يشاء و يذل من يشاء بيده الخير و هو على كل
َ
ن( يغفر ذنبا و يفرج كربا و كو ُ ن فَي َ ُ ه كُ ْ ل لَ ُ قو ُ ما ي َ ُ مرا ً فَإ ِن ّ َ ضى أ ْ شيء قدير )إ َِذا قَ َ
يفك عانيا و ينصر مظلوما و يقصم ظالما و يرحم مسكينا و يغيث ملهوفا و
يسوق القدار الى مواقيتها و يجريها على نظامها و يقدم ما يشاء تقديمه و
يؤخر ما يشاء تأخيره فأزمة المور كلها بيده و مدار تدبير الممالك كلها إليه
فله الجلل والجمال والكمال والعزة والسلطان.
يرحم إذا استرحم و يغفر اذا استغفر و يعطي إذا سئل و يجيب إذا دعي و
يقيل إذا استقيل قال صلى الله عليه وسلم )ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة
الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الخر فيقول :أنا الملك أنا الملك ..
من يدعوني فأستجيب له ..من يسألني فأعطيه ..من يستغفرني فأغفر له (
متفق عليه
هو سبحانه و تعالى أكبر من كل شيء و أعظم من كل شيء و اعز من كل
شيء و أقدر من كل شيء و اعلم من كل شيء و أحكم من كل شيء...
بصير بحركات العالم علويه وسفليه و أشخاصه و ذواته سميع لصواتهم
رقيب على ضمائرهم و أسرارهم ويرى أفعالهم و حركاتهم يشاهد بواطنهم
َ َ َ
ض
ما ِفي َ الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َس َ ما ِفي ال ّ م َ ه ي َعْل َ ُ ن الل ّ َ م ت ََرى أ ّ كما يشاهد ظواهرهم )أل َ ْ
ن م ْ م َول أد َْنى ِ سهُ ْ سادِ ُ سةٍ إ ِل ّ هُوَ َ م َ خ ْ م َول َ وى َثلث َةٍ إ ِل ّ هُوَ َراب ِعُهُ ْ ج َ ن نَ ْ م ْ ن ِ كو ُ ما ي َ ُ َ
هّ ل ال ن إ ةم يا ق ْ لا م و ي لوا ُ م َ ع ما ب م ه ُ ئ ب ن ي م ُ ث نوا َ
كا ما ن يَ أ م ه عم وُ ه ّ ل إ ر َ ثْ كَ أ ول كَ ِ ل ذَ
َ ّ َ ِ ِ َ ِ َ ْ َ ِ ُ ْ ِ َ ّ َ ُ ّ ُ َ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ِ َ
م( يٍء عَِلي ٌ ش ْ ل َ ُ
ب ِك ّ
سميع يسمع ضجيج لصوات باختلف اللغات على تنوع الحاجات فل يشغله
سمع عن سمع و ل تغلطه المسائل ول يتبرم بإلحاح الملحين سواء عنده من
أسر القول و من جهر به فالسر عنده علنيه والغيب عنده شهادة يرى و
يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء و يرى و
يسمع نبض عروقها و مجاري الطعام في أعضائها
يمسك السماوات و الرض أن تزول و يمسك البحار أن تغيض أو تفيض على
العالم و يمسك السماء أن تقع على الرض و يمسك الطير في الهواء
190
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
صافات و يقبضن
يجعل سبحانه و تعالى السماوات يوم القيامة على أصبع والرضين على أصبع
والجبال والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع ثم يهزهن فيقول انا
الملك أنا الملك ..الكبرياء رداءه و العظمة إزاره يقول سبحانه و تعالى في
الحديث القدسي )فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار( رواه مسلم
)(1 /
ملكه عظيم عظيم يقول سبحانه و تعالى ) يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري
فتضروني ...و لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ....يا عبادي لو أن أولكم و آخركم
و إنسكم و جنكم كانوا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا
على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن
أولكم وآخركم و إنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص
ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في
صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إل
كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم
أوفيكم إياها ،فمن وجد خيرا فليحمد الله ،ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل
نفسه .رواه مسلم .
فهو حي ل يموت قيوم ل ينام عليم ل يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات
ول في الرض ما شاء كان و ما لم يشأ لم يكن ل تتحرك ذرة إل بإذنه
والخلق مقهورين تحت قبضته و هو رب العالمين و أرحم الراحمين و أقدر
القادرين وأحكم الحاكمين الذي له الخلق والمر المعروف بالفطره الذي
أقرت به العقول و دلت عليه كل الموجودات و شهدت بوحدانيته و ربوبيته
جميع المخلوقات
فإذا علمنا أنه ل رب غيره و ل يملك الضر و النفع والعطاء والمنع إل هو
فعليك بالسعي في طلب الوصول أليه بفعل الواجبات وال نوافل ...و ترك
المحرمات والغفله فإنك إن فعلت فتح لك أبواب الخير واليمان والتقوى و
بتذكرك أسماء الله و صفاته و أفعاله دائما بالليل والنهار ينشأ نور اليمان في
قلبك ...يريك ذلك النور أنك واقف بين يدي ربك عز و جل فتستحي منه في
خلواتك و جلواتك و ترزق عند ذلك دوام المراقبه للرقيب و دوام التطلع الى
حضرة العليم العظيم حتى كأنك تراه و تشاهده من فوق سماواته مستويا
على عرشه ناظرا الى خلقه سامعا لصواتهم مشاهدا لبواطنهم فاذا استولى
عليك هذا الشاهد أزال عنك هموم الدنيا كلها و تعلقت بربك واتخذته وحده
وكيل فسمت روحك و دخلت جنته في هذه الدنيا قبل جنته التي في الخره
فتأمل و تفكر واقرأ هذا الكلم لتشاهد ربك في الدنيا بعيني قلبك و سوف
تراه يوم القيامه ببصرك فإنه )إذا دخل أهل الجنة يقول الله تبارك و تعالى :
تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون :ألم تبيض و وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنه و
تنجنا من النار ؟ فيكشف سبحانه و تعالى الحجاب ,فما أعطوا شيئا أحب
أليهم من النظر الى ربهم عز و جل ( رواه مسلم
وأما من كان في هذه أعمى فهو في الخرة أعمى وأضل سبيل فإنها ل تعمى
البصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور
)(2 /
191
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
192
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
:Is:7:3فقال الرب لشعياء أخرج لملقاة آحاز أنت وشآرياشوب -ابنك -إلى
صار )(SVDطرف قناة البركة العليا إلى سكة حقل الق ّ
ي هاتين
:Is:7:4وقل له :احترز واهدأ ،ل تخف ول يضعف قلبك من أجل ذنب ْ
الشعلتين المدخنتين بحمو غضب رصين وأرام وابن رمليا(SVD) .
:Is:7:5لن أرام تآمرت عليك بشر مع أفرايم وابن رمليا قائلة )(SVD
وضها ونستفتحها لنفسنا ونمّلك في وسطها ملكا ً :Is:7:6نصعد على يهوذا ونق ّ
ابن طبئيل )(SVD
:Is:7:7هكذا يقول السيد الرب ل تقوم ل تكون(SVD) .
:Is:7:8لن رأس أرام دمشق ورأس دمشق رصين ،وفي مدة خمس وستين
سنة ينكسر أفرايم حتى ل يكون شعبًا(SVD) .
:Is:7:9ورأس أفرايم السامرة ورأس السامرة ابن رمليا إن لم تؤمنوا فل
تأمنوا )(SVD
:Is:7:10ثم عاد الرب فكلم آحاز قائل ً )(SVD
:Is:7:11اطلب لنفسك آية من الرب إلهك ،عمق طلبك أو رّفعه إلى فوق) .
(SVD
:Is:7:12فقال آحاز :ل أطلب ول أجرب الرب(SVD) .
:Is:7:13قال اسمعوا يا بيت داود هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى
تضجروا إلهي أيضًا(SVD) .
)(1 /
:Is:7:14ولكن يعطيكم السيد نفسه آية ها العذراء تحبل وتلد ابنا ً وتدعو
اسمه عمانوئيل(SVD) .
:Is:7:15زبدا ً وعسل ً يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير(SVD) .
:Is:7:16لنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير تخلى الرض
التي أنت خاش من ملكيها )(SVD
:Is:7:17يجلب الرب عليك وعلى شعبك وعلى بيت أبيك أياما ً لم تأتي منذ
يوم اعتزال أفرايم عن يهوذا أي ملك أشور(SVD) .
:Is:7:18ويكون في ذلك اليوم أن الرب يصفر للذباب الذي في أقصى ترع
مصر وللنحل الذي في أرض أشور )(SVD
:Is:7:19فتأتي وتحل جميعها في الودية الخربة وفي شقوق الصخور وفي
كل غاب الشوك وفي كل المراعي(SVD) .
:Is:7:20في ذلك اليوم يحلق السيد بموسى مستأجرة في عبر النهر بملك
أشور الرأس وشعر الرجلين وتنزع اللحية أيضًا(SVD) .
:Is:7:21ويكون في ذلك اليوم أن النسان يربي عجلة بقر وشاتين(SVD) .
:Is:7:22ويكون أنه من كثرة صنعها اللبن يأكل زبدا ً فإن كل من أبقي في
الرض يأكل زبدا ً وعس َ
ل(SVD) .
:Is:7:23ويكون في ذلك اليوم أن كل موضع كان فيه ألف جفنة بألف من
الفضة يكون للشوك والحسك(SVD) .
:Is:7:24بالسهام والقوس يؤتى إلى هناك لن كل الرض تكون شوكا ً
وحسكًا(SVD) .
:Is:7:25وجميع الجبال التي تنقب بالمعول ل يؤتى إليها خوفا ً من الشوك
والحسك فتكون لسرح البقر ولدوس الغنم )(SVD
:Is:8:1وقال لي الرب خذ لنفسك لوحا ً كبيرا ً واكتب عليه بقلم إنسان لمهير
193
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
194
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
عمانوئيل ابن النبية؟ فأقول :ومن أخبرك أيها القارىء الكريم أن الكلمة
العبرية الصلية كانت )عذراء(؟!
نعم! إن الكلمة في الصل العبري هي )عالما (almaw:وترجمتها الحرفية
)الفتاة الشابة( .وإليك الترجمة النكليزية:
)JPS) Therefore the Lord Himself shall give you a sign: behold, the young
.woman shall conceive, and bear a son, and shall call his name Immanuel
)BBE) For this cause the Lord himself will give you a sign; a young woman
is now with child, and she will give birth to a son, and she will give him the
.name Immanuel
)(2 /
195
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
م
شِلي َ جاُءوا إ َِلى ُأوُر َ ق قَد ْ َ ش َرِ ِ م ْ ن ال ْ َ م َ س ِ جو ٌ م ُ َ
ق م ْ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ
شرِ ِ ه ِفي ال َ م ُ ج َ مل ِك الي َُهوِد؟ فإ ِن َّنا َرأي َْنا ن َ ْ موْلود ُ َ ن هُوَ ال َ ن :أي ْ َ Mat 2:2قائ ِِلي َ
َ
ه.جد َ ل َ ُ س ُ وَأت َي َْنا ل ِن َ ْ
ه.
معَ ُ م َ شِلي َ ميعُ ُأوُر َ ج ِ ب وَ َ ضط ََر َ كا ْ مل ِ ُ س ال ْ َ هيُرود ُ ُ مع َ ِ س ِ ما َ Mat 2:3فَل َ ّ
َ َ
ح؟ سي ُ م ِ ن ُيول َد ُ ال ْ َ م :أي ْ َ سأل َهُ ْ ب وَ َ شعْ ِ ساِء ال ْك َهَن َةِ وَك َت َب َةِ ال ّ ل ُرؤَ َ مع َ ك ُ ّ ج َ Mat 2:4فَ َ
َ
ي ):(2 ب ِبالن ّب ِ ّ مك ُْتو ٌ ذا َ ه هَك َ َ حم ِ ال ْي َُهودِي ّةِ لن ّ ُ ت لَ ْ هِ :في ب َي ْ ِ قاُلوا ل َ ُ Mat 2:5فَ َ
َ َ َ
ساِء ي َُهوَذا ل ْ
ن ن ُرؤَ َ صغَْرى ب َي ْ َ ت ال ّ س ِ ض ي َُهوَذا ل َ ْ حم ٍ أْر َ ت لَ ْ ت َيا ب َي ْ َ Mat 2:6وَأن ْ ِ
ل. سَراِئي َ شعِْبي إ ِ ْ عى َ مد َب ٌّر ي َْر َ ج ُ خُر ُ ك يَ ْ من ْ ِ ِ
وبهذا النص يقرر كاتب إنجيل مّتى بأن رؤساء الكهنة وكتبة الشعب كانوا
يعلمون ،بل وينتظرون ولدة السيد المسيح في بيت لحم ،والدليل )ماهو
مكتوب بالنبي( ،فأين ذكر هذا الكلم في العهد القديم؟
إنه يقصد النص الموجود بسفر ميخا القائل:
ف ي َُهوَذا ُ ُ ُ َ Mic 5:2أ َما أ َنت يا بيت ل َحم أ َفْرات َ َ
ن ألو ِ ن ت َكوِني ب َي ْ َ صِغيَرة ٌ أ ْ ت َ ة وَأن ْ ِ ّ ْ ِ َ َ ْ َ ْ َِ َ َ
من ْذ ُ ديم ِ ُ ق ِ ْ
من ْذ ُ ال َ ه ُ ج ُ خارِ ُ م َل وَ َ سَراِئي َ سّلطا عَلى إ ِ ْ َ ً مت َ َ ن ُ كو ُ ذي ي َ ُ ج ِلي ال ّ ِ خُر ُ ك يَ ْ من ْ ِ فَ ِ
ل. َ َ
أّيام ِ الَز ِ
ترى هل حقا ً تنطبق هذه النبوءة على السيد المسيح حسب النص
)المنسوخ(؟ تعال لنتابع قصة هذا النص )المقتطع( منذ البداية ،وسأترك
الحكم للقارئ:
جاء في سفر النبي ميخا الصحاح الرابع العدد واحد وما بعده ما نصه:
ْ َ
ل
جَبا ِ س ال ْ ِ ن َثاِبتا ِفي َرأ ِ
ً كو ُ ب يَ ُ ت الّر ّ ل ب َي ْ ِ جب َ َ ن َ خرِ ال َّيام ِ أ ّ ن ِفي آ ِ كو ُ Mic 4:1وَي َ ُ
ب. شُعو ٌ ري إ ِل َي ْهِ ُ ج ِ ل وَت َ ْ فعُ فَوْقَ الت ّل َ ِ وَي َْرت َ ِ
ُ
ت إ ِل َ ِ
ه ب وَإ َِلى ب َي ْ ِ ل الّر ّ جب َ ِ صعَد ْ إ َِلى َ م نَ ْ ن :هَل ُ ّ قوُلو َ م ك َِثيَرةٌ وَي َ ُ م ٌ سيُر أ َ Mic 4:2وَت َ ِ
َ ُ ُ
ةريعَ ُ ش ِ ج ال ّ خُر ُ ن تَ ْ صهْي َوْ َ ن ِ م ْ ه ِ ه .لن ّ ُ سب ُل ِ ِ ك ِفي ُ سل َ ن طُرقِهِ وَن َ ْ م ْ مَنا ِ ب فَي ُعَل ّ َ قو َ ي َعْ ُ
ُ
ب. ة الّر ّ م ُ م ك َل ِ َ شِلي َ ن أوُر َ م ْ وَ ِ
ْ ُ
نمم ٍ قَوِي ّةٍ ب َِعيد َةٍ فَي َطب َُعو َ
ُ
ف ِل َ ص ُ
ُ
ن .ي ُن ْ ِ ري َ ب ك َِثي ِ شُعو ٍ ن ُ ضي ب َي ْ َ ق ِ Mic 4:3فَي َ ْ
ن
مو َ ّ
سْيفا وَل َ ي َت َعَل ُ ً مةٍ َ ة عَلى أ ّ َ م ٌ ل .ل َ ت َْرفَعُ أ ّ ج َ مَنا ِ م َ حهُ ْ ما َ سككا وَرِ َ ً َ م ِ سُيوفَهُ ْ ُ
د.
ما ب َعْ ُ َ في ِ ب َ ر ال ْ ْ
ح
َ
بع ُ ن ي ُْر ِ م ْ ن َ كو ُ ت ِتين َت ِهِ وَل َ ي َ ُ ح َ مت ِهِ وَت َ ْ ت ك َْر َ ح َ حد ٍ ت َ ْ ل َوا ِ ن كُ ّ سو َ جل ِ ُ ل يَ ْ Mic 4:4ب َ ْ
م. ّ َ
جُنود ِ ت َكل َ ب ال ُ ْ م َر ّ ن فَ َ لَ ّ
)(3 /
سم ِك ِبا ْ سل ُ ُ ن نَ ْ ح ُ سم ِ إ ِل َهِهِ وَن َ ْ حد ٍ ِبا ْ ل َوا ِ ن كُ ّ كو َ سل ُ ُ ب يَ ْ شُعو ِ ميعَ ال ّ ج ِ ن َ Mic 4:5ل َ ّ
ب إ ِل َهَِنا إ َِلى الد ّهْرِ َوال َب َ ِ
د. الّر ّ
ّ
مطُرود َة َ َوالِتي ْ ْ َ ّ َ ُ ْ َ
م ال َ ض ّ ة وَأ ُ معُ الظال ِعَ َ ج َ
بأ ْ قول الّر ّ ِ Mic 4:6في ذل ِك الي َوْم ِ ي َ ُ
ت ب َِها َ
ضَرْر ُ أ ْ
ُ َ
م ِفي ب عَل َي ْهِ ْ ك الّر ّ مل ِ ُ ة وَي َ ْ ة قَوِي ّ ً م ً صاةَ أ ّ ق َ م ْ ة َوال ْ ُ قي ّ ً ة بَ ِ ظال ِعَ َ ل ال ّ جعَ ُ Mic 4:7وَأ ْ
ن إ َِلى ال َب َ ِ
د. ن ال َ م َ ن ِ صهْي َوْ َ ل ِ جب َ َِ
حك ُْ
م ْ لا ُ ء جي ي و تي. ْ أ ي ك ي َ ل إ ن و ي ه ص ت ن ب ة م َ ك َ أ ع طي َ ق ْ ل ا ج ر ب يا ت ن َ أ و Mic 4:8
ُ ََ ِ ِ َ ِْ ِ ِ ْ َ ْ َ ِ ْ ِ َ َ ِ ِ َ ْ َ َ ُْ َ
م. َ لي
ِ ش َ ت ُأوُر ك ب ِن ْ ِ مل ْ ُل ُ ال َوّ ُ
م هَل َ َ خين صراخًا؟ أ َل َيس فيك مل ِ ٌ َ
حّتى ك َ شيُر ِ م ِ ك ُ كأ ْ ْ َ ِ ِ َ صُر ِ َ ُ َ ماَذا ت َ ْ ن لِ َ َ Mic 4:9ال َ
ة؟ وال ِد َ ِ كال ْ َجع ٌ َ ك وَ َ خذ َ ِ أَ َ
دين َةِ ن ال ْ َ
م ِ م َ ن ِ جي َ خُر ِ ن تَ ْ ك ال َ وال ِد َةِ ل َن ّ ِ كال ْ َ
ن َ صهْي َوْ َ ت ِ ي اد ْفَِعي َيا ب ِن ْ َ Mic 4:10ت َل َوّ ِ
ن إ َِلى َباب ِ َ ْ
ن ي َدِم ْ ب ِ ك الّر ّ دي ِ ف ِ ك يَ ْن .هَُنا َ ذي َ ق ِك ت ُن ْ َ ل .هَُنا َ ن ِفي ال ْب َّري ّةِ وَت َأِتي َ سك ُِني َ وَت َ ْ
196
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
ك. َ
دائ ِ ِ أعْ َ
ُ
س
ن :ل ِت َت َد َن ّ ْ قوُلو َ ن يَ ُ ذي َ م ك َِثيَرةٌ ال ّ ِ م ٌ كأ َ ت عَل َي ْ ِ معَ ْ جت َ َ ن قَدِ ا ْ َ Mic 4:11وال َ
ن. صهْي َوْ َ س عُُيون َُنا ِفي ِ فّر ْ وَل ْت َت َ َ
َ
حَزم ٍ م كَ ُ معَهُ ْ ج َ ه قَد ْ َ صد َه ُ إ ِن ّ ُ ن قَ ْ مو َ فهَ ُ ب وَل َ ي َ ْ كاَر الّر ّ ن أفْ َ م ل َ ي َعْرُِفو َ Mic 4:12وَهُ ْ
إ َِلى ال ْب َي ْد َِر.
َ َ َ
ك ديدا ً وَأظ ْل َفَ ِ ح ِ ك َ ل قَْرن َ ِ جعَ ُ ن لّني أ ْ صهْي َوْ َ ت ِ سي َيا ب ِن ْ َ مي وَُدو ِ ُ Mic 4:13قو ِ
ُ َ
سي ّدِم لِ َ ب وَث َْروَت َهُ ْ م ِللّر ّ مت َهُ ْ م غَِني َ حّر ُ ن وَأ َ ري َ شُعوبا ً ك َِثي ِ ن ُ قي َ ح ِ س َ حاسا ً فَت َ ْ جعَل َُها ن ُ َ أ ْ
ض. ِ ل ال َْر كُ ّ
َ َ ْ َ
ن ضرُِبو َ ة .ي َ ْ س ً مت َْر َ م عَلي َْنا ِ ش! قَد ْ أَقا َ جُيو ِ ت ال ُ ن َيا ب ِن ْ َ شي َ جي ّ ِ ن ت َت َ َ Mic 5:1ال َ
ه. خد ّ ِ ب عَلى َ َ ضي ٍ ق ِ ل بِ َ سَراِئي َ ي إِ ْ ض َ َقا ِ
ف ي َُهوَذا ُ ُ ُ َ َ م ِ أفَْرات َ َ َ َ َ َ
ن ألو ِ ن ت َكوِني ب َي ْ َ صِغيَرة ٌ أ ْ ت َ ة وَأن ْ ِ ح َ تل ْ ت َيا ب َي ْ َ ما أن ْ ِ Mic 5:2أ ّ
من ْذ ُ ديم ِ ُ ق ِ ْ
من ْذ ُ ال َ ه ُ ج ُ خارِ ُ م َ ل وَ َ سَراِئي َ سلطا عَلى إ ِ ْ َ ً ّ مت َ َ ن ُ ذي ي َكو ُ ُ ج ِلي ال ِّ خُر ُ ك يَ ْ من ْ ِ فَ ِ
ل. َ َ
أّيام ِ الَز ِ
ه
خوَت ِ ِ ة إِ ْ قي ّ ُ جع ُ ب َ ِ م ت َْر ِ ت َوال ِد َة ٌ ث ُ ّ ن قَد ْ وَل َد َ ْ كو ُ ما ت َ ُ حين َ َ م إ َِلى ِ مهُ ْ سل ّ ُ ك يُ َ Mic 5:3ل ِذ َل ِ َ
ل. سَراِئي َ إ َِلى ب َِني إ ِ ْ
َ ب إ ِل َهِهِ وَي َث ْب ُُتو َ
ن
ه ال َ ن .لن ّ ُ سم ِ الّر ّ مةِ ا ْ ب ب ِعَظ َ َ قد َْرةِ الّر ّ عى ب ِ ُ ف وَي َْر َ ق ُ Mic 5:4وَي َ ِ
َ َ
ض. صي الْر ِ م إ َِلى أقا ِ َ ي َت َعَظ ّ ُ
َ َ لمًا .إ َِذا د َ َ س َ Mic 5:5وَي َ ُ
صورَِنا س ِفي قُ ُ ضَنا وَإ َِذا َدا َ شوُر ِفي أْر ِ لأ ّ خ َ ذا َ ن هَ َ كو ُ
ُ
س
مَراِء َالّنا ِ نأ َ م ْ ة ِ مان ِي َ ً عاةٍ وَث َ َ ة ُر َ سب ْعَ َ م عَل َي ْهِ َ قي ُ نُ ِ
ن م ُ ذ ُ ف ن يَ ف ها ب وا بَ أ في د رو م ن ض ر أ و ف ي س بال ر شو ّ َ أ ض ر َ أ ن عو ر ي َ ف
ِ ْ َْ ْ َ َِ َ ِ ّ ْ ِ َ ْ َ ِ ْ ُ َ ِ َْ ُ َ ْ َ Mic 5:6
مَنا. خو َ خ َ َ شوَر إ َِذا د َ َ أَ ّ
َ ُ ضَنا َ ِ َ َ ُ
ت س دا ذا إ و ل أْر َ
ب عن ْدِ الّر ّ ن ِ م ْ دى ِ كالن ّ َ ن َ ري َ ب ك َِثي ِ شُعو ٍ ط ُ س ِ ب ِفي وَ َ قو َ ة ي َعْ ُ قي ّ ُ ن بَ ِ كو ُ Mic 5:7وَت َ ُ
ر. ش ِ صب ُِر ل ِب َِني ال ْب َ َ سانا ً وَل َ ي َ ْ ذي ل َ ي َن ْت َظ ُِر إ ِن ْ َ ب ال ّ ِ ش ِ ل عََلى ال ْعُ ْ واب ِ ِ كال ْ َ َ
َ ن َ ُ
ن
سد ِ ب َي ْ َ كال َ ري َ ب ك َِثي ِ شُعو ٍ ط ُ س ِ مم ِ ِفي وَ َ ن ال َ ب ب َي ْ َ قو َ ة ي َعْ ُ قي ّ ُ ن بَ ِ كو ُ Mic 5:8وَت َ ُ
ّ ْ ْ َ ش ال ْوَعْرِ ك َ ِ
س
فت َرِ ُ س وَي َ ْ دو ُ ذي إ َِذا عَب ََر ي َ ُ ن الغَن َم ِ ال ِ ن قُطَعا ِ سد ِ ب َي ْ َ ل ال َ شب ْ ِ حو ِ وُ ُ
ذ. ق ُ ن ي ُن ْ ِ م ْ س َ وَل َي ْ َ
قرض ك ُ ّ َ
ك! دائ ِ َ ل أعْ َ ك وَي َن ْ َ ِ ْ ضي َ مب ْغِ ِ ك عََلى ُ فعْ ي َد ُ َ Mic 5:9ل ِت َْرت َ ِ
سط ِكَ َ َ َ
ب أّني أقْطعُ َ َ َ قو ُ ن ِفي ذ َل ِك الي َوْم ِ ي َ ُ ْ َ ُ
ن وَ َ م ْ خي ْلك ِ ل الّر ّ » Mic 5:10وَي َكو ُ
ك. مْرك ََبات ِ َ ُ
وَأِبيد ُ َ
ك. صون ِ َ م كُ ّ Mic 5:11وأ َقْط َع مدن أ َرض َ َ
ح ُ ل ُ ك وَأهْدِ ُ ُ ُ ُ َ ْ ِ َ
هل هناك داع لشرح؟؟ وهل هناك مايشير إلى أن الذي يخرج )في ذلك اليوم
الذي هو في آخر اليام( من بيت لحم الذي )يكون متسلطًا( على إسرائيل
ومخارجه من القديم إلى الزل )وليس -مدبر -يرعى شعبي إسرائيل حسب
مّتى( كان هو السيد المسيح؟!!
هل سلم السيد المسيح جيوش بنت صهيون إلى آشور؟؟ وهل رجع بقية
)إخوته( إلى بني إسرائيل؟؟
هل وقف ورعى )بقدرة الرب إلهه(؟؟ وأقام سبعة رعاة وثمانية من أمراء
الناس ليرعوا أرض أشور بالسيف وأرض نمرود في أبوابها؟؟
رعى بقدرة الرب إلهه؟؟!!! )أو ليس السيد المسيح برأي المسيحيين هو
سد..المصلوب والمهان من أجل )الخلص((. الرب المتج ّ
وهل كان السيد المسيح يوما ً )متسلطًا( على إسرائيل؟؟!! أم مكذوبا ً
ومضطهدا ً )ومصلوبًا( على أيديهم؟؟!!
وبالتالي وجب عليك أيها القارئ الكريم أن تجيب على السؤال المطروح
"بنفسك":
197
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
)(4 /
هل كان رؤساء الكهنة وكتبة الشعب يعلمون بولدة السيد المسيح ومكانه؟؟
وينتظرونه حسب النص المستشهد حقًا؟ ولو كانت تلك صفاته كما تتابعت به
النبوءة فلماذا اضطهدوه و )صلبوه(
مد كتبة الناجيل الكذب على الله! نموذج ثالث لتع ّ
هل ذهب السيد المسيح إلى مصر )وُدعي( من هناك؟
مرة ثانية يظهر ملك الرب ليوسف النجار ،واسمع للقصة كما يرويها مّتى
في إنجيله.
م ُ ً
حلم ٍ قائ ِل :ق ْ َ ْ ف ِفي ُ س َ ب قد ْ ظهََر ل ُِيو ُ َ َ ملك الّر ّ ُ َ صَرفوا إ َِذا َ ُ ما ان ْ َ Mat 2:13وَب َعْد َ َ
س َ َ َ َ ُ َ َ ُ َ ُ
هيُرود ُ َ ن ِ حّتى أقول لك .ل ّ ن هَُناك َ صَر وَك ْ م ْ ب إ ِلى ِ ه َواهُْر ْ م ُ ي وَأ ّ صب ِ ّ خذِ ال ّ وَ ُ
ه. ي ل ِي ُهْل ِك َُ ب ص ال ب ُ ل ْ ط ي ن مزمع أ َ
ّ ِ ّ َ ُ ْ ِ ٌ ْ َ
صَر م لى َ إ ف ر ص ن وا ً ل ي َ ل ه م ُ أ و ي ب ص ال َ ذ خَ َ أ و م قا َ َ ف Mat 2:14
ِ ْ ّ ِ ّ َ ّ ُ ْ َ ْ َ َ َ ِ َ َ
ي:
ب ِبالن ّب ِ ّ ن الّر ّ م َ ل ِ ما ِقي َ م َ ي ي َت ِ ّ س ل ِك َ ْ هيُرود ُ َ ك إ َِلى وََفاةِ ِ ن هَُنا َ كا َ Mat 2:15وَ َ
ت اب ِْني. صَر د َعَوْ ُ م ْ ن ِ م ْ ِ
وحتى يفهم قراءنا الفاضل كلمة بالنبي تعني الشارة إلى سفر من أسفار
العهد القديم -الذي يطلق عليه التوراة مجازًا .-إذا ً فالنبوءة كانت تتحدث عن
دعوة السيد المسيح )من مصر( لنه )ابن الله( ،وهذا ما كان يعني كاتب
إنجيل مّتى )إثبات البنوة لله( والعياذ بالله! فهل وفق في ذلك؟؟ تعالوا نرى
ونتأمل في أصل تلك النبوءة:
كانت تلك العبارة موجودة في سفر هوشع وجاءت من البداية )قبل القتطاع(
على الشكل التالي:
َ ً
ت اب ِْني. صَر د َعَوْ ُ م ْ ن ِ م ْ ه وَ ِ حب َب ْت ُ ُ ل غلما أ ْ َ ُ سَراِئي ُ ن إِ ْ كا َ ما َ Hos 11:1ل َ ّ
ن ل ِل ْب َعِْليم ِ وَي ُب َ ّ َ Hos 11:2ك ُ ّ
ل ماِثي ِ ن ِللت ّ َ خُرو َ حو َ م ي َذ ْب َ ُ مهِ ْ ما ِ نأ َ م ْ م ذ َهَُبوا ِ عوهُ ْ ما د َ ُ ل َ
ة.
حوت َ ِ من ْ ُ ال ْ َ
َ َ َ َ
م. في ْت ُهُ ْ ش َ م ي َعْرُِفوا أّني َ م فَل َ ْ عهِ ْ م ب ِأذ ُْر ِ سكا ً إ ِّياهُ ْ م ِ م ْ م ُ ت أفَْراي ِ َ ج ُ Hos 11:3وَأَنا د َّر ْ
َ َ ُ ْ ْ َ
ن ي َْرفَعُ الّنيَر م ك
َ َ ّ ِ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ م ه ل ت ن ك و ة ب ح م لا طج ُُِ ْ ِ ِ َ ِ َ ِ ُِ ُ ِ
ب ر ب ر ش َ ب ل ا ل با ح ب م ه ب ذ تأ ْ Hos 11:4ك ُن ْ ُ
عَ َ
ه. مط ِْعما ً إ ِّيا ُ ت إ ِل َي ْهِ ُ مد َد ْ ُ م وَ َ ن أعَْناقِهِ ْ ْ
جُعوا ر ي ن شور هُو مل ِك ُه .ل َنهم أ َبوا أ َ ّ ل أَ ْ ب ر ص م ض ر Hos 11:5ل َ يرجع إَلى أ َ
ْ َْ ِ ُّ ْ ُ ُ َ َ ُ ْ ِ ِ ْ َ َ َْ ِ ُ ِ
عصيها ويأ ْك ُل ُهم من أ َ
م. ه ِ ئ را
ِ َّ ََ ُ ْ ِ ْ ْ ِ َ ِ ْ آ ل ج ِ ف ُ ِ ل ت ي
ُ ُ ِ ْ َُْ و م ه ِ ن د م في ِ ف
ُ س ْ
ي Hos 11:6ي َُثوُر ال ّ
َ
حد ٌ ي وَل َ أ َ م إ َِلى ال ْعَل ِ ّ عون َهُ ْ داد ِ عَّني فَي َد ْ ُ ن إ َِلى ال ِْرت ِ َ حو َ جان ِ ُ شعِْبي َ Hos 11:7وَ َ
ه. ي َْرفَعُ ُ
َ ُ َ ُ َ ُ َ
ة
م َ ك ك َأد َ َ جعَل َ فأ ْ ل؟! ك َي ْ َ سَراِئي ُ ك َيا إ ِ ْ صي ُّر َ مأ َ ك َيا أفَْراي ِ ُ جعَل َ فأ ْ Hos 11:8ك َي ْ َ
ميعا!ً َ ْ َ َ َ
ج ِ مي َ ح ِ مَرا ِ ت َ م ْ ضطَر َ ي قَلِبي .ا ْ ب عَل ّ قل َ م؟! قَدِ ان ْ َ صُبوِيي َ ك كَ َ صن َعُ َ أ ْ
َ َ عود ُ أ َ ْ ضِبي .ل َ أ َ ُ ُ
نسا ٌ ه ل َ إ ِن ْ َ م لّني الل ّ ُ ب أفَْراي ِ َ خرِ ُ موّّ غَ َ ح ُ ري ُ ج ِ Hos 11:9ل َ أ ْ
ط. خ ٍ س َ ك فَل َ آِتي ب ِ َ سط ِ َ س ِفي وَ َ دو ُ ق ّ ال ْ ُ
َ
نم َ ن ِ سرِعُ ال ْب َُنو َ جُر فَي ُ ْ م ِ ه ي َُز ْ جُر .فَإ ِن ّ ُ م ِ سدٍ ي َُز ْ ن .ك َأ َ شو َ م ُ ب يَ ْ Hos 11:10وََراَء الّر ّ
ر.ح ِ ال ْب َ ْ
ُ َ َ
م
سك ِن ُهُ ْ شوَر فَأ ْ ضأ ّ ن أْر ِ م ْ مةٍ ِ ما َ ح َ صَر وَك َ َ م ْ ن ِ م ْ فورٍ ِ ص ُ ن ك َعُ ْ عو َ سرِ ُ Hos 11:11ي ُ ْ
ب. ل الّر ّ قو ُ م يَ ُ ِفي ب ُُيوت ِهِ ْ
م ي ََزل ي َُهوَذا ْ َ ْ ْ َ َ ْ ْ َ َ َ َ
مكرِ وَل ْ سَراِئيل ِبال َ ت إِ ْ ب وَب َي ْ ُ م ِبالكذِ ِ حاط ِبي أفَراي ِ ُ Hos 11:12قد ْ أ َ
ن. َ ْ ّ ً َ
مي ِ س ال ِ دو ِ ق ّ ن ال ُ ن اللهِ وَعَ ِ شاِردا عَ ِ
هل يشك عاقل حكيم أن النبوءة والخبر كان عن إسرائيل الذي دعاه الله
حين كان صغيرا ً )ابنه( فدعاه من مصر )أي أنبأه بخروج شعبه -الذي أطلق
198
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
عليه فيما بعد شعب إسرائيل) -أخرجهم( من مصر إلى أرض أبيهم
إسرائيل؟؟
وة هنا إنما هو استعارة تعني )عبده( وهي كذلك في الصول وأن لفظ البن ّ
العبرية ،ولكنها استبدلت إلى )فتى( ومن ثم إلى )غلم( كما في تحريف
التراجم بين هذين النصين:
:Mt:12:17لكي يتم ما قيل باشعياء النبي القائل(SVD) .
:Mt:12:18هوذا فتاي الذي اخترته حبيبي الذي سّرت به نفسي.اضع روحي
عليه فيخبر المم بالحق(SVD) .
والصحيح في النص المقتطع من اشعياء في العهد القديم هو هكذا :
َ
تضعْ ُ سي .وَ َ ف ِ
ت ب ِهِ ن َ ْ
سّر ْ
ذي ُ خَتاِري ال ّ ِ م ْ
ضد ُه ُ ُذي أعْ ُ دي ال ّ ِ Isa 42:1هُوََذا عَب ْ ِ
م. ُ ْ حي عَل َي ْهِ فَي ُ ْ
م ِحقّ ل ِل َ ج ال َخرِ ُ ُرو ِ
ً
* وتلك ايضا نبوءة "مكذوبة" منسوبة باطل إلى السيد المسيح ،مقتطعة
وملصوقة في إنجيل مّتى سيأتي ذكرها فيما بعد(*
ونعود إلى ذات النص فنجد فيه مال يخفى عن أحد ،النبوءة التي تحدثت عن
إخراج الله ودعوته )لبني إسرائيل( من مصر ونصرهم على سكان أرض
ن
عو َ سرِ ُأشور الذين كانوا يذبحون )للبعليم( ويبخرون للتماثيل المنحوتة ي ُ ْ
ُ
ب ،وحالهم مع سيدنا قو ُ
ل الّر ّ م يَ ُ
م ِفي ب ُُيوت ِهِ ْ سك ِن ُهُ ْ صَر ،فَأ ْ م ْ ن ِ م ْ فورٍ ِ ك َعُ ْ
ص ُ
موسى وإعراضهم عن الوصايا وما بدر منهم )بارتدادهم واتخاذهم العجل(
داد ِ عَّني.. ن إ َِلى ال ِْرت ِ َ حو َ جان ِ ُ
شعِْبي َ وَ َ
)(5 /
وأجمل ما في ذلك النص "ماتغافل عنه كاتب إنجيل مّتى" والذي فيه معلن
بأن )الله( عز وجل ليس إنسانًا( وهو وحده جل وعل القدوس المين.
ن ..ال ْ ُ َ
ك..... سط ِ َ س ِفي وَ َ دو ُ ق ّ سا ٌ ه ل َ إ ِن ْ َ Hos 11:9لّني الل ّ ُ
فهل كان كما أراد أن يصوره كاتب إنجيل مّتى بأن السيد المسيح هو ابن
الله ،وأنه دعي من مصر؟؟
ثم أل تكفي تلك العبارة والشهادة في تلك النبوءة ،بأن الله العلي القدير
)ليس إنسان( ل بذاته ولبصفته ،ول ينبغي أن يكون له ولد سبحانه وتعالى
عما يصفون ،فهو القدوس العلي العظيم؟؟
فانظر كيف يكذب ،وأنظر كيف يبتر من النص ويأخذ منه كما يحلو له كلمة
من أوله وكلمة من آخره وكلمة من عنده نفسه ،ليخرج بما لم يقله الكتاب
المقدس.
حقّ وَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ ْ لا ر يَ غ م ُ كن دي في ْ ا ُ
لو غ
َْ ت َ ل ب تا ك ْ ل ا َ
ل هَ أ يا لْ ُ ق } الكتاب: ويا أهل
َ ِ ِ ْ َْ ِ َِ ِ َ ْ
ضّلوا ْ َ َ َ
ل{ سِبي ِ واء ال ّ س َ
عن َ ضّلوا ْ ك َِثيرا ً وَ َل وَأ َ من قَب ْ ُ ضّلوا ْ ِ واء قَوْم ٍ قَد ْ َ
أهْ َ
]المائدة.[77:
)(6 /
199
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
صعودها في قرون الخيرية التي أشار إليها رسول الله -صلى الله عليه
وسلم -في قوله " :خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
وقد تعرض هذا المنحنى لفترات استعلء وظهور ثم انحسار بلغت ذروته
بسقوط الخلفة عام 1924م ،إل أن هذه المة تحمل بداخلها عوامل القوة
والستمرار ،لذا كان ل بد لها من أن تنهض من جديد لتحمل معالم مرحلة
أخرى في هذا المنحنى وهي مرحلة البعث والنهوض ،وذلك مصداقا ً لقوله
صلى الله عليه وسلم " :ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل
يضرهم من خالفهم أو خذلهم "....الحديث .وقوله صلى الله عليه وسلم" :إن
الله يبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه المة أمر دينها".
وانطلقا ً من سنة التدافع ،وطبيعة الصراع الزلي بين قوى الخير والشر،
والحق والباطل ،لم يترك أعداء المة للعاملين على تحقيق هذه الهداف
السامية مجال ً للعمل؛ بل كان التضييق ومحاولت الوأد والتعذيب هو ديدنهم
تجاه هؤلء العاملين .وبلغت ذروة هذا الكيد وتلك المحاولت للقضاء على
صا بعد أحداث الحادي عشر من هذه المة مداها خلل الفترة الخيرة خصو ً
سبتمبر وسفور الوجه الكريه لعداء المة .لذا كان ل بد من وقفة جادة
ونظرة متفحصة وتشخيص دقيق للوضع الراهن سواء كان دوليا ً أو محلياً،
والبحث عن عوامل القوة ومصادرها في هذه المة في محاولة متأنية
وواقعية للتعامل مع هذا الوضع بجهد صادق وواقعية منطقية ،وذلك من خلل
وضع ممارسات عملية تتلءم مع إمكانياتنا والظروف المحيطة بنا.
أول :التحديات الخارجية و الوضاع العالمية الراهنة:
لقد قدر لهذه المة أن تعيش في ظل أوضاع ومعطيات عالمية وإقليمية
مضطربة أوجبت عليها ابتداًء حصرها والتعرف عليها كي تتمكن من صياغة
الحلول المثلى لتجاوزها والتغلب على آثارها السلبية ،ولعل أبرز وأهم هذه
الوضاع سيطرة أمريكا على العالم بنظام القطب الواحد ،والذي ترتبت عليه
آثار متعددة منها:
-1السيطرة على منابع الغاز والنفط والطاقة بشكل عام.
-2النفراد المريكي بمؤسسات المم المتحدة المختلفة وجعلها تدور في
فلكها ووفق إرادتها.
ً
-3التحكم في المؤسسات التي تلعب أدوارا فاعلة في عجلة القتصاد الدولي
مثل :منظمة تحرير التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي،
وإدارة دفة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى ،وغير ذلك..
-4الضغوط السياسية على حكومات دول العالم الثالث وفرض شروط مذلة
عليها تصب في نهاية المطاف في مصلحتها فقط ،ومن أمثلة ذلك:
التسهيلت المنية ،والحصار القتصادي والسياسي ،وتجميد الرصدة
والحسابات ....إلخ.
-5إعلن الحرب ضد السلم تحت مسمى وزعم محاربة الرهاب ،وجاءت
أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتكمل الحلقة في هذه السلسلة من خلل
تلفيق الّتهم وتزوير الحقائق وقلب الموازين والمفاهيم ،وحصار الدعاة
والمؤسسات السلمية والدعوية والغاثية وتجفيف منابعهم الفكرية والمادية
والملحقة المستمرة لهم.
ثانيا :التحديات الداخلية التي تواجه نهضة المة:
-1تفرق المة وعدم اتحادها بل وموالة أعدائها والدوران في فلكهم ومحاربة
كل ما هو إسلمي.
-3الستبداد والدكتاتورية وكبت الحريات والفساد الداري في كثير من الدول
200
مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية http://www.balligho.com
السلمية.
-4الحتكام إلى القوانين والدساتير الوضعية وإهمال شرع الله.
-5عدم وجود أهداف وتوجهات كبرى تجتمع عليها المة.
-6غياب البناء القتصادي الموحد للمة الذي تتكامل فيه مواردها رغم وجود
التكتلت الدولية في هذا المجال.
-7فقدان الهوية والتأثر بكل جديد وإن خالف مبادئ السلم في كافة
المجالت وخاصة مجال الفكر والثقافة ،وإفساح المجال لمنحرفي الفكر
لترويج أفكارهم الهدامة عن السلم والمسلمين.
-8ضعف مستوى التعليم وانتشار الجهل ،وارتفاع نسبة المية بين أبناء المة.
-9الفساد الجتماعي و الخلقي وضعف دور السرة كلبنة في بناء المجتمع
المسلم.
ورغم كل هذه التحديات الداخلية والخارجية؛ إل أن لهذه المة خصائص
تميزها عن غيرها وتساعد على نهوضها مرة أخرى.
ثالثا:خصائص المة السلمية.
تختص هذه المة بعدة خصائص تميزها عن غيرها من المم وحتى إن وجدت
بعض هذه الخصائص أمة أخرى؛ إل أنها ل تجتمع إل في أمة السلم! .وهذه
الخصائص مجتمعة هي بل شك مصدر عزها واستمرارها وتأهيلها لمكان
الريادة بين المم قاطبة .ومن أهم الخصائص ما يلي:
-1السلم وهو الدين الخاتم وآخر صلة بين السماء والرض ،وهو المهيمن
على جميع الديانات والرسالت السابقة ،قال تعالى ) :قل يا أيها الناس إني
رسول الله إليكم جميعًا( ،وقال ) :وما أرسلناك إل رحمة للعالمين(.
)(1 /
201