You are on page 1of 212

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫جليس السوء يا أبت كنافخ الكير كما شبهه صلى الله عليه وسلم وليس من‬
‫وصف أبلغ من هذا الوصف‪ .‬لقد كنت يا أبت تنهاني فعل ً عن جليس السوء‬
‫لكني اكتشفت فيما بعد أن مفهوم السوء يحتاج إلى تحرير وتحديد‪ .‬لقد‬
‫سألتني عن صديقي محمد فقلت لك إنه ابن فلن‪ ،‬فقلت ‪ :‬نعم الرجل والده‬
‫فقد كان صاحبا ً لي وخّيرًا‪ ،‬وكأني يا أبت سوف أصاحب والده‪ ،‬ومحمد يا أبت‬
‫من أسوأ الشباب الذين صحبتهم‪ ،‬وأبناء خالي كانوا ليقلون عنه سوءًا‪ ،‬وقد‬
‫كان لهم عظيم الثر علي في مقتبل حياتي‪ ،‬ومع ذلك كانت قرابتهم هي‬
‫المؤهل الوحيد لديك لتزكيتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫إن القرابة يا أبت‪ ،‬ومعرفة والد الصديق ليست معيارا في صلحه‪.‬‬
‫السيارة يا أبت‪:‬‬
‫يا أبت لأنسى ذاك اليوم الذي سلمتني فيه مفتاح السيارة‪ ،‬ومعه بعض‬
‫الوصايا العاجلة‪ ،‬لقد فرحت بها‪ ،‬وقدرت لك الموقف في حينه‪ ،‬وكنت أقدم‬
‫لك مايرضيك للحصول على هذا المطلب‪ ،‬وبعد أن تقدم بي العمر اكتشفت‬
‫يا أبت‪ ،‬أنه كان الولى أن يتأخر هذا القرار‪.‬‬
‫معذرة يا أبت إن قلت لك إنك اشتريت السيارة استجابة لضغط أمي‬
‫وإلحاحها‪ ،‬وثانيا ً لكفيك أمور المنزل وحاجات الهل‪ ،‬إن من حقك يا أبت أن‬
‫تبحث عما يرضي ابنك‪ ،‬ومن حقك تجاه ابنك وواجبه نحوك أن يكفيك مؤنة‬
‫المنزل وأعباءه؛ لكن ذلك ينبغي أن ليكون على حساب التربية يا أبت‪.‬‬
‫نعم أقولها يا أبت وبكل أسف لقد كنت قبل أن يهديني الله أذهب بسيارتي‬
‫إلى حيث ماليرضي الله‪ ،‬دون أن تعلم أبت أين أذهب‪ ،‬أو حتى والدتي‪ ،‬ومع‬
‫اعترافي يا أبت بأني أتحمل الجزء الكبر من المسؤولية إل أني أعتقد أن من‬
‫أعطاني السيارة في ذاك الوقت يتحمل جزءا ً ليقل عما أتحمله أنا‪.‬‬
‫وسائل اللهو‪:‬‬
‫يا أبت ‪ :‬من الذي أحضر جهاز التلفاز في البيت‪ ،‬وبعده جهاز الفيديو‪ ،‬وبعده‬
‫صحن الستقبال‪ ،‬من الذي سمح لي باقتناء المجلت الهابطة‪ ،‬والغاني‬
‫الساقطة‪ ،‬أليس أبي؟ ويطالبني بعد ذلك بالتزان‪ ،‬بالجد في الدراسة والتفرغ‬
‫لها‪ ،‬وقد تاه قلبي في أودية وشعاب أخرى لتخفى عليك يا أبت‪.‬‬
‫أل ترى أن الولى كان يا أبت هو ذكر مساويء هذه الجهزة‪ ،‬والتحذير منها‪،‬‬
‫والنهي عنها بدل ً من تأمينها‪ ،‬أو السماح باقتنائها‪.‬‬
‫بين الدراسة وصلة الفجر‪:‬‬
‫لقد حفظت يا أبت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬أثقل‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصلة على المنافقين صلة العشاء والفجر "‪ ،‬وقوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫" ليتخلف عنها إل منافق "‪ ،‬وأبي يوقظني لصلة الفجر أحيانًا‪ ،‬لكنه ليزيد‬
‫على أن يوقظني بكلمة واحدة ثم ينصرف‪ ،‬وكم من مرة تخلفت عن الصلة‬
‫فلم أسمع منه كلمة عتاب‪ ،‬أما الجازة فأنت تعلم متى كنت أصليها‪.‬‬
‫أما حين تخلفت يا أبت عن الدراسة فتعلم ماذا صنعت معي يا أبت‪ ،‬أترضى‬
‫يا أبت أن يقول الناس عنك إن الصلة أقل شأنا ً وأهون قدرا ً لديك من‬
‫الدراسة وأمور الدنيا ؟ اسمح لي يا أبت إن قلت إن صنيعك يشعر الناس‬
‫بذلك‪.‬‬
‫وكم كنت أتمنى أن تصنع كما يصنع والد جارنا محمد فهو يحدثني عن والده‬
‫أنه يوقظه للصلة بكل هدوء‪ ،‬ثم يصحبه إلى المسجد‪ ،‬وهذا شأنه من الصغر‬
‫حتى اعتاد على ذلك‪ .‬وذات يوم تأخر عن الصلة فدعاه والده وقال له يابني‬
‫لتخفى عليك قيمة الصلة وفضلها‪ ،‬وخاصة صلة الفجر‪ .‬واليوم لم تستيقظ‬
‫للصلة‪ ،‬فأرجو أن تفكر مليا ً ما السبب في ذلك ؟ فإن اكتشفت أنه السهر‬
‫حرصت على النوم مبكرًا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫يالها من تربية عالية يا أبت‪.‬‬
‫حين اكتشفت الشرارة‪:‬‬
‫لزال في خاطري وهاجسي يا أبت موقفك حين اكتشفت أول مظهر من‬
‫مظاهر النحراف عند أخي ‪ -‬وقد كان ذلك بالطبع عن طريق الصدفة وبعد‬
‫وقت طويل ‪ -‬أتذكر يا أبت كيف كان موقفك ؟ كلمات لذعة كالعادة‪ ،‬وتأنيب‬
‫قاس‪ ،‬وماهي إل أيام وكأن شيئا ً لم يكن‪ ،‬حتى استمرأ أخي ماهو عليه‪ ،‬وألف‬
‫الفساد‪.‬‬
‫ما رأيك يا أبت لو كان البديل أن جلست معه جلسة خاصة‪ ،‬وفتحت له قلبك‪،‬‬
‫وسألته المصارحة‪ .‬ما السبب ؟ ومتى ؟ ولماذا ؟ أتعرف عواقب هذا الطريق‬
‫؟ وما ذا أستطيع أن أعينك به ؟ وهذا كله مع قدر من الحزم والجدية‪ ،‬أل ترى‬
‫أن هذا البديل قد يكون أنجع‪ ،‬وأن هذا الحل قد يكون أولى‪.‬‬
‫التعليم‪:‬‬
‫أعتقد يا أبت أن التربية أبعد مدىً من مجرد المر بالصلة‪ ،‬والنهي عن‬
‫المنكرات‪ ،‬والتي حتى لنسمعها إل بلغة أعلنت المقاطعة التامة مع الرفق‬
‫والحكمة‪ .‬أليس من حقي يا أبت عليك أن تأخذ بيدي في وصية بالغة‪ ،‬أو‬
‫موعظة‪ ،‬أو تذكير‪ ،‬أو تعليم مسألة من المسائل‪.‬‬
‫لقد قرأت يا أبت في كتاب الله عن لقمان الذي آتاه الله الحكمة وصيته‬
‫الجامعة الفذة لبنه؛ وكم كنت أتمنى أن أتلقى منك مثل هذا التوجيه‬
‫والتعليم‪.‬‬
‫يا أبت أخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن الحسن بن علي رضي الله‬
‫عنهما قال‪ :‬علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في‬
‫الوتر ‪ " :‬اللهم اهدني فيمن هديت‪ ،‬وعافني فيمن عافيت‪" ....‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫قال مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ‪ :‬كان سعد يعلمنا خمسا ً‬
‫يذكرهن عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬اللهم إني أعوذ بك من البخل‪،‬‬
‫وأعوذ بك من الجبن‪ ،‬وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر‪ ،‬وأعوذ بك من فتنة‬
‫الدنيا‪ ،‬وأعوذ بك من عذاب القبر " رواه البخاري‪.‬‬
‫قال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ‪ :‬كان أبي يعلمنا المغازي‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والسرايا ويقول ياَبني إنها شرف آبائكم فل تضيعوا ذكرها‪.‬‬


‫يا أبت ‪ :‬قال ابن سحنون في كتابه آداب المعلمين عن القاضي الورع عيسى‬
‫بن مسكين أنه كان يقرئ بناته وحفيداته‪ .‬قال عياض‪ :‬فإذا كان بعد العصر‬
‫دعا ابنتيه‪ ،‬وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم‪ ،‬وكذلك كان يفعل قبله أسد‬
‫بن الفرات بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة‪.‬‬
‫لقد كان السلف يا أبت يعنون بتعليم أبنائهم وتوجيههم ومن ثم حفظ لنا‬
‫التاريخ الوصايا الكثيرة التي تلقوها من آبائهم‪ .‬روى الخطيب البغدادي في‬
‫الجامع لخلق الراوي وآداب السامع أن إبراهيم بن الحبيب بن الشهيد قال‪:‬‬
‫قال لي أبي ‪ :‬ائت الفقهاء والعلماء وتعلم منهم‪ ،‬وخذ من أدبهم وأخلقهم‬
‫وهديهم‪ ،‬فإن ذاك أحب إلي من كثير من الحديث‪.‬‬
‫ً‬
‫وحين سافرت يأبت مع أستاذي في رحلة مدرسية عشت فيها جوا أستذكر‬
‫طيفه وخياله كل يوم‪ ،‬فكنت أسمع التوجيه‪ ،‬والموعظة‪ ،‬والتأديب‪ ،‬والفائدة‬
‫من أستاذي بلغة التعليم‪ ،‬والتربية‪ .‬مما كنت ل أسمعه من أبي وللسف‪ .‬ومما‬
‫حفظته في المدرسة يا أبت ‪_:‬‬
‫عود بنيك على الداب في الصغر ***كيما تقر بهم عيناك في الكبر‬
‫فإنما مثل الداب تجمعها*** في عنفوان الصبا كالنقش في الحجر‬
‫يصلح إذا كبر‪:‬‬
‫كنت أقدم الشاي يوما ً للضيوف وأسمع بالطبع مايدور بينكم من نقاش كان‬
‫يهمني بدرجة كبيرة لنه حديث عنا معشر البناء‪ .‬وصدمت بتعليقك ‪ ) :‬يكبر‬
‫حين يصلح‪ ...‬هكذا الشباب‪ ...‬وقد كنا نحن في الصغر كذلك حتى هدانا الله‪...‬‬
‫( وقلت في نفسي نعم تقول كنا كذلك لنك للسف يا أبت لم تعلم ماذا‬
‫نصنع‪ ،‬ولتدري ماذا نمارس‪ ،‬ولو علمت بذلك كان لك منطق آخر ولغة أخرى‪،‬‬
‫وقد تساءلت بمرارة يا أبت عن هذا المنطق يكبر حين يصلح‪ ،‬فمن يضمن‬
‫ذلك‪ ،‬ولم ليكون البديل يزداد إيغال ً في السوء والنحراف؟ ثم هل تضمن له‬
‫أن يكبر يا أبت ؟‪ .‬أتذكر قبل شهرين حين توفي اثنين من زملئي تغمدهم‬
‫الله برحمته‪ ،‬وبعدهم بأسبوعين توفي اثنان كذلك‪ ،‬ولم تتصور أن ابنك لن‬
‫يكون كهؤلء فيتخطفه الجل قبل الموعد الموهوم الذي تنتظر أن يتوب فيه‪.‬‬
‫أزمة الثقة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أجد يا أبت فرقا شاسعا بين ما ألقاه منك من تعامل حين أكون مع الناس‪،‬‬
‫وبين مافي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب وعن يمينه غلم‪ ،‬وعن يساره الشياخ‪،‬‬
‫فقال للغلم‪ ":‬أتأذن لي أن أعطي هؤلء ؟" فقال الغلم ‪ :‬ل والله يارسول‬
‫الله لأوثر بنصيبي منك أحدًا‪ ،‬فتله – أي وضعه – رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫روى الشيخان يا أبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه ‪" :‬‬
‫من الشجر شجرة ليسقط ورقها ومثلها مثل المسلم فحدثوني ماهي؟"‬
‫فذهب الناس في شجر البوادي وكان ابن عمر أصغر القوم فاستحيا أن يقول‬
‫إنها النخلة‪ ،‬وحين أخبر أباه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له ‪ :‬لو كنت‬
‫قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا‪.‬‬
‫يا أبت لقد تجرأ ابن عمر رضي الله عنه أن يحدث أباه بعد ذلك بما دار في‬
‫نفسه‪ ،‬وشجعه أبوه رضي الله عنه على أن يكون قالها‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬
‫لم يعاتبه ويوبخه على عدم قوله لها‪.‬‬
‫كنت أقرأ في التاريخ يا أبت عن سيرة أسامة بن زيد رضي الله عنه‪،‬‬
‫وعبدالله بن عمر‪ ،‬والرقم بن الرقم‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ ،‬وغيرهم من‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شباب الصحابة الذين كانت لهم أدوار محمودة في تاريخ أمتهم‪ ،‬وفكرت يوما ً‬
‫من اليام أن أتطلع لكون مثلهم‪ ،‬وأقتدي بهم‪ .‬لكني وجدت أن أبي قد رباني‬
‫على أني لست مؤهل ً إل ليصال الهل للسوق‪ ،‬وإحضار الخبز للمنزل؛ حتى‬
‫الفاكهة لست مؤهل ً لشرائها من السوق‪ ،‬فضل ً عن الذبيحة‪ ،‬ومع ذلك لست‬
‫مؤهل ً لستقبال الضيوف‪ ،‬أو الجلوس معهم إل حين أقوم بتقديم القهوة‬
‫والشاي فقط‪.‬‬
‫أل ترى يا أبت أن هذا قد أدى إل طمس الثقة بنفسي حتى أصبحت أشعر‬
‫أني لست مؤهل ً لي دور في الحياة‪.‬‬
‫مشاعري غالية يا أبت‪:‬‬
‫أتذكر يا أبت حين كان الضيوف لديك فأحضرت الشاي‪ ،‬وتعثرت في الطريق‪،‬‬
‫أتذكر كلمات التأنيب أمام عمومتي وأقاربي؟ إن كنت نسيتها فإن الصافع‬
‫ينسى مالينساه المصفوع‪ ،‬وهل تتصور أني نسيت يا أبت حين قدمت إليك‬
‫وقد أخفقت في امتحان الدور الول في حين نجح إخوتي وفي مجلس قريب‬
‫من المجلس نفسه فلقيت من النتقاد والسخرية منك ما لقيت؟ وهل تريدني‬
‫أن أنسى ذاك التأنيب القاسي الذي وجهته لي أمام زملئي وأصحابي؟‬

‫)‪(4 /‬‬

‫بل أحيانا ً يا أبت تحملني ما لم أتحمل؛ ففي ذات مساء أمرتني أن أحضر‬
‫الطيب للضيوف فذهبت إلى أمي فوجدته لم ينته بعد وعدت إليك‪ ،‬ألم يكن‬
‫لديك بديل عن التأنيب لي ولمي ؟ أو ليس الولى أن تقدر في نفسك أنه‬
‫لما ينته بعد؟ وهب أنه تأخر لدقائق وما ذا في المر؟ أعتذر لك يا أبت عن‬
‫الستطراد في هذه المثلة لقول لك بعد ذلك أل تتصور أني إنسان أحمل‬
‫مشاعر وأحتاج كغيري للحترام والعتراف بشخصيتي ؟‬
‫لقد حفظت يا أبت في عمدة الحكام أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتذر‬
‫لحد أصحابه حين أهدى له صيدا ً وهو محرم‪ ،‬فلما رأى مافي وجهه دعاه‪،‬‬
‫واعتذر له وقال‪ ":‬لم نرده عليك إل أنا حرم"‪.‬‬
‫أعطني جزءا ً من وقتك يا أبت ‪:‬‬
‫كم هما شخصيتان متخلفتان يا أبت‪ ،‬شخصية أبي حين يكون مع أصحابه‬
‫وزملئه يتحدث وإياهم بكل انبساطة وسعة بال‪ ،‬وقد علته ابتسامة مشرقة‪،‬‬
‫والشخصية الثانية لبي نفسه حين يجلس معنا فل نراه إل على وجبة الطعام‪،‬‬
‫والسكوت قد خيم على الجميع ليقطعه إل الوامر التي ترد منه تارة وتارة‪.‬‬
‫أما أن يصحبنا في نزهة‪ ،‬أو يباسطنا الحديث‪ ،‬أو يسأل عن أحوالنا فهذا ما‬
‫ليمكن‪ .‬إني حين أراك يا أبت مع أقرانك يؤسفني أن أقول إني أحدق النظر‬
‫ل‪ .‬لقد كنت أشعر أني يتيم حين‬ ‫فيك‪ ،‬وأعيده مرة وأخرى‪ .‬أهذا هو أبي فع ً‬
‫حفظت في المدرسة ‪-:‬‬
‫ليس اليتيم من انتهى أبواه من *** هم الحياة وخلفاه ذليل ً‬
‫إن اليتيم الذي تلقى له*** أما ً تخلت أو أبا مشغول ً‬
‫يا أبت أقترح عليك أن تمسك ورقة وقلما ً وتسجل فيه كم ساعة تقضيها في‬
‫العمل الرسمي من وقتك ؟ ثم كم ساعة للراحة ؟ وكم ساعة للزملء ؟ وكم‬
‫ساعة لمشاغلك الخاصة ؟ وأخيرا ً كم ساعة لتربية أبنائك ؟ أخشى أن تجد‬
‫إجابة مزعجة يا أبتك أخبرك عنها سلفا ً لني أعرفك جيدًا‪ .‬ستجد أن وقت‬
‫التربية ‪ -‬إن استطعت أن تحسبه ‪ -‬ليمثل إل نسبة تافهة من وقتك لتسحتق‬
‫الذكر‪ .‬هل فكرت ياأبي أن تقرأ كتابا ً أو تسمع شريطا ً عن التربية وأسسها‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أهكذا قدر أبنائك عندك ؟ وقيمتهم لديك ؟‬


‫يا أبت لقد دعاني ذلك أن أمنح زملئي الثقة المفرطة‪ ،‬وأن أستأمنهم على‬
‫مشكلتي‪ ،‬وأستشيرهم في أموري‪ ،‬وأستأمرهم في قراراتي‪ ،‬مع أنني أدرك‬
‫أن أبي أكثر خبرة‪ ،‬وأصدق لهجة‪ ،‬وأعمق نصحا ً من زملئي‪ ،‬لكني لأجد‬
‫الوقت المناسب له لفاتحه الحديث‪ ،‬ولو وجدت الوقت لكانت أمامي العقبة‬
‫التية‪:‬‬
‫المصارحة يا أبت ‪:‬‬
‫لقد حدثتني نفسي مرة يا أبت أن أصارحك ببعض مشكلتي ومعاناتي حين‬
‫كنت وإياك على مائدة الطعام وقد سيطر عليها الصمت المطبق كالعادة‪،‬‬
‫ولكني لم أستطع لني أعرف أن الجواب سيأتيني قبل أن أكمل حديثي‪ ،‬لني‬
‫أعرف أني لن أعطى الفرصة للحديث‪ ،‬ناهيك عن أن تناقش مشكلتي بهدوء‬
‫وتجرد وبموضوعية بعيدة عن التشنج والغضب‪.‬‬
‫يا أبت أل توافقني أن البن يحتاج إلى أن يفتح الب له صدره‪ ،‬حتى يفضي له‬
‫بما يريد‪ ،‬ويشكو له مما يعاني؟ وأن لغة النقد والتشنج تقضي على كل‬
‫حماسة منه للمصارحة يدفعه لها حرارة المشكلة؟‬
‫الواقعية يا أبت‪:‬‬
‫كم مرة يا أبت دعوتني وأنا خارج من المنزل لتكلفني بإيصال أهلي‪ ،‬أو‬
‫إحضار طلب معين لك‪ ،‬فأخبرك أني على موعد مع أصحابي‪ ،‬فأطلب فرصة‬
‫للعتذار منهم على القل‪ ،‬أو أطلب تأخير طلبك لوقت آخر وهو قابل للتأخير‪.‬‬
‫فل ألقى منك إل الزجر والتأنيب‪.‬‬
‫يا أبت ‪ :‬لشك أن من حقك أن لأتردد في تلبية أمرك‪ ،‬وأن لأقدم عليك‬
‫أحدًا؛ لكن أل توافقني يا أبت أنك لو كنت تعاملني بمرونة أكثر فتخبرني‬
‫بطلبك قبل وقت كاف‪ ،‬وتسألني عن الوقت المناسب لي‪ ،‬وتؤخر لي أحيانا ً‬
‫ما يحتمل التأخير‪ ،‬ويبقى قدر بعد ذلك ليتسع له هذا المجال يمكن أن أضحي‬
‫فيه‪ ،‬أما أن يكون هذا هو القاعدة فقديما ً قيل إذا أردت أن تطاع فأمر بما‬
‫يستطاع‪ ،‬أل ترى يا أبت أن هذا السلوب يشعرني بالحترام والتقدير‪،‬‬
‫ويشعرني بالثقة في النفس‪ ،‬ويدعوني لداء ماتطلبه بنفس راضية مطمئنة؟‬
‫الخوف والجبن‪:‬‬
‫إننا يا أبت أمة رسالة‪ ،‬أمة جهاد في سبيل الله‪ ،‬والجهاد ماض إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ومن لم يغز أو يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق‪ ،‬أليس‬
‫من حقي عليك يا أبت أن تربي لدي الشجاعة‪ ،‬وعدم الخوف مما سوى الله‬
‫سبحانه وتعالى؟‬
‫أترى أن أساليب التخويف في الصغر من الهر‪ ....‬من اللص‪ ....‬من‬
‫العفاريت‪ ....‬من عامل النظافة‪ -...‬وليتغير حين يتقدم بي السن إل السلوب‬
‫فقط ‪ -‬أترى أن هذه الساليب تخرج شابا ً مؤهل لحمل الرسالة‪ ،‬والجهاد في‬
‫سبيل الله والتضحية لجله سبحانه؟ وهل تظن يا أبت أنت أو أمي أن مثل‬
‫ذلك سيخرج أمثال خالد بن الوليد‪ ،‬أو صلح الدين‪ ،‬أو نور الدين الشهيد؟‬
‫لقد كانت الشجاعة مضربا ً للمثل في الثناء والمدح عند العرب‪ ،‬يربون‬
‫أبناءهم عليها‪ ،‬ويغرسونها فيهم‪ ،‬ويعير أحدهم بالجبن‪ .‬أفينكل عنها من‬
‫اختارهم الله ليكونوا حملة الدين والرسالة؟‬
‫كيف يعالج الخطأ‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخطأ يا أبت ليخلو منه بشر فهو صفة ملزمة للنسان‪ ،‬فكيف بالشاب‬
‫الصغير؟ ومن واجب الب أن يصحح خطأ ابنه‪ ،‬وأن يوقفه على أخطائه‪،‬‬
‫والجميع يوافقه بل ينتظر منه ذلك‪.‬‬
‫ولكن أل تشعر يا أبت أن أسلوبك في معالجة الخطأ يحتاج إلى بعض‬
‫المراجعة فهل يسوغ أن لتترك صغيرة أو كبيرة إل واجهتني بها؟ ثم لماذا‬
‫تعالج الخطاء بالقسوة دائمًا؟ كثيرة هي المرات يا أبت التي أتلقى فيها ضربا ً‬
‫مبرحًا‪ ،‬أو لوما ً عنيفًا‪ ،‬أو صدا ً وإعراضًا‪ ،‬والسبب خطأ تافه ليستحق مجرد‬
‫الوقوف عنده‪ ،‬بل يا أبت إن بعض المواقف لأكتشف خطئي فيها‪ ،‬أو لأقتنع‬
‫أن مافعلته خطأ فضل ً عن أن يصل إلى حد العقوبة‪.‬‬
‫ما رأيك يا أبت لو تم علج الخطأ من خلل المناقشة الهادئة‪ ،‬والشارة‪،‬‬
‫والتلميح‪ ،‬والتغاضي عن بعض الخطاء أحيانًا‪ ،‬أل تتصور يا أبت أن هذا أولى؟‬
‫وأود أن تطرح على نفسك هذا التساؤل ‪ :‬هل المقصود من الجراء النتقام‬
‫لني أخطأت ؟ أم المقصود التخلص من الخطأ وتجاوز آثاره ؟‪ .‬وعلى ضوء‬
‫الجابة يتحدد السلوب المثل في معالجته‪ .‬ويؤسفني يا أبت إن قلت لك إني‬
‫مع يقيني أن مقصودك علج الخطأ‪ .‬إل أن أسلوبك يشعرني أن المقصود هو‬
‫الول‪.‬‬
‫القسوة والغلظة يا أبت ‪:‬‬
‫وتصور يا أبت أن بعض الباء يسجن ابنه في دورة المياه أعزك الله‪ ،‬والخر‬
‫قد جهز غرفة في المنزل لسجن ابنه حين يقع في الخطأ‪ ،‬والثالث قد أعد‬
‫سلسلة من الحديد يربط فيها ابنه حين يقع في الخطأ‪.‬‬
‫أما الضرب المبرح والقاسي فهو ليخفى عليك سنة يمارسها الكثير من‬
‫الباء‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إنك توافقني يا أبت أن هذا السلوك ينتج ابنا عدوانيا‪ ،‬متبلد الحساس‪ ،‬ينظر‬
‫إلى والده نظرة الكراهية والشمئزاز‪ ،‬ويتمنى فراقه بأي وسيلة ولو كانت‬
‫الوفاة يا أبت‪.‬‬
‫والبديل لذلك يا أبت ليس هو التدليل وترك الحبل على الغارب كما ليخفى‬
‫عليك يا أبت‪.‬‬
‫الرحمة والحنان يا أبت‪:‬‬
‫لست أدري أين يذهب هؤلء عن قول معلم البشرية ومربي المة " إنما‬
‫يرحم الله من عباده الرحماء "وقوله‪" :‬من ليرحم ليرحم "وقوله‪" :‬‬
‫الراحمون يرحمهم الرحمن "وقوله‪ " :‬اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا ً بهم‬
‫فرفق بهم فارفق به‪ ،‬ومن ولي من أمر أمتي شيئا ً فشق عليهم فاشقق عليه‬
‫"‪.‬‬
‫وقوله في الثناء على النساء ‪ ":‬خير نساء ركبن البل صالح نساء قريش‪،‬‬
‫أحناه على ولد في صغره‪ ،‬وأرعاه على زوج في ذات يده "‪.‬‬
‫حفظت يا أبت في عمدة الحكام أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو‬
‫حامل أمامه بنت ابنته زينب‪.‬‬
‫وجاء الحسن يتعثر في ثوبه وهو صلى الله عليه وسلم يخطب فينزل من‬
‫المنبر ويحمله ويقول‪":‬إن ابني هذا سيد وسوف يصلح الله به بين طائفتين‬
‫من المسلمين" كم هو عظيم ذاك القلب الرحيم الذي يرعى حق الذرية‬
‫ويحسن إليهم حتى وهو يحمل عبء الرسالة والدعوة‪ ،‬وحتى وهو يصلي‬
‫بالناس‪ ،‬أو يخطب فيهم‪ .‬أقول لك يا أبت إني مع العتذار الشديد كنت أحتاج‬
‫إلى هذه المعاني فهل استدركتها في حق إخوتي الصغار‪.‬‬
‫المكافأة‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قرأت يا أبت في مستدرك الحاكم أن ابن عباس رضي الله عنه وضع للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم َوضوءا ً فقال له ‪ " :‬اللهم فقهه في الدين وعلمه‬
‫التأويل "‪.‬‬
‫أورد الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث عن النضر بن الحارث‬
‫قال ‪ :‬سمعت إبراهيم بن أدهم يقول ‪ :‬قال لي أبي ‪ :‬يابني اطلب الحديث‬
‫فكلما سمعت حديثا ً وحفظته فلك درهم فطلبت الحديث على هذا‪.‬‬
‫ل‪ ،‬بل الثناء الحسن‪ ،‬بل السؤال وحده‬ ‫ليس بالضرورة أن يكون الثواب ما ً‬
‫كاف ليمنح التشجيع والحث‪ ،‬كم مرة يا أبت استخدمت هذا السلوب مع ابنك‬
‫؟ كم مرة سمع منك الثناء والتقدير ؟ فضل ً عن المكافأة ؟ وهل يمكن أن‬
‫نضع ثوابك وعقابك في كفتين ؟‪.‬‬
‫الفجوة الحضارية يا أبت ‪:‬‬
‫لقد عشت يا أبت في جيل وعصر له ظروف وملبسات‪ ،‬وتبدلت الحوال‪،‬‬
‫وتقلبت المور بعدك يا أبت‪ ،‬فها نحن نعيش في عصر جديد‪ ،‬تختلف موازينه‪،‬‬
‫ومتغيراته‪ ،‬وقيمه‪ .‬عشت يا أبت في بيئة محافظة في قريتنا العامرة لتعرف‬
‫إل الخير والفضيلة‪ ،‬ولترى ما وراء أسوار القرية‪ ،‬لكن نجلك يا أبت قد عاش‬
‫في عصر آخر‪ ،‬عصر عمت فيه الفتن‪ ،‬وازدادت فيه المغريات‪ ،‬وأصبحت يا‬
‫أبت أستيقظ وأصبح وأمسي عليها‪ .‬لقد كان غاية ماتعترض له يا أبت من‬
‫فتنة امرأة ترتدي عباءتها وتسير تحت الحائط قد أثر في جنبها من التصاقها‬
‫به‪ ،‬أما أنا يا أبت‪ ،‬فحين أخرج من المنزل تقابلني يفوح العطر منها وقد أبدت‬
‫مفاتنها‪ ،‬وأخرج بعد ذلك للمدرسة فأجلس مع زملئي فأسمع منهم من‬
‫الحاديث مايثير الغافل‪ ،‬ويوقظ الساهي‪ ،‬وأعود إلى المنزل فأراها أمامي‬
‫على الشاشة فاتنة سافرة‪ ،‬تتكسر وتتغنج‪ ،‬وحين أذهب إلى المحل التجاري‬
‫أرى المجلت وقد زينت أغلفتها بهذه الصور‪ ،‬أما جهاز الفديو يا أبت فليخفى‬
‫عليك مافيه‪ ،‬ويجهز علي مابقي جهاز الستقبال الذي أصبح يعرض أمام‬
‫ناظري قنوات العالم بأسره‪ .‬هذا ما أواجهه يا أبت وهذا ما أعاني منه‪.‬‬
‫فهل لزالت بعد ذلك يا أبت تعاملني بعقلية العصر الذي عشته وألفته‪.‬‬
‫فارق العمر يا أبت ‪-:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وبعيدا ً عما قلته يا أبت في الصفحة السابقة أنت بلغت أشدك‪ ،‬وأنا لزلت‬
‫شابا ً مراهقًا‪ ،‬أنت متزوج من اثنتين‪ ،‬وأنا لزلت أعزبًا‪ ،‬فتجلس معي أمام‬
‫شاشة التلفاز‪ ،‬فيثيرني ماليثيرك‪ ،‬ويحرك مشاعري ماليحرك لديك ساكنًا‪،‬‬
‫فهل فكرت يا أبت وأنت ترى ما أنا عليه‪ ،‬بل وحتى تقييم أعمالي‪ ،‬وأخطائي‪،‬‬
‫هل فكرت في سني ومبلغي من العمر؟‬
‫الزواج يا أبت ‪:‬‬
‫ومع ماسردته لك يا أبت من معاناتي مع الشهوات والفتن‪ ،‬فلست بحاجة إلى‬
‫أن أذكرك بوصية النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬يامعشر الشباب من‬
‫استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج "‪ .‬أتخشى أل‬
‫أقوم بأعباء الزواج وقد قال الله الذي بيده الرزاق ]وأنكحوا اليامى منكم‬
‫والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله‬
‫واسع عليم[‪.‬‬
‫تعتذر يا أبت بعدم القدرة‪ ،‬لكنك بعد ذلك تزوجت الزوجة الثانية‪ ،‬وهذا أمٌر‬
‫من حقك ول أتدخل فيه‪ .‬لكني أتصور يا أبت أن حاجتي أكثر إلحاحا ً من‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حاجتك للزوجة الثانية‪ .‬وأظن أيضا ً أنك قادٌر على تزويجي بأقل من نصف‬
‫مادفعته أنت للزوجة الثانية‪.‬‬
‫وبعد ذلك اشتريت لي السيارة بمبلغ كان يكفي أقل منه‪ ،‬فيوفر جزء من ذلك‬
‫لما أنا أحوج إليه أل وهو الزواج‪.‬‬
‫الناس معادن يا أبت‪:‬‬
‫لقد من الله يا أبت على أخي محمد بذكاء‪ ،‬وفطنة‪ ،‬وشخصية جادة تتعلق‬
‫بمعالي المور‪ ،‬وصبر وجلد ليس لغيره من إخوته وأنا كذلك مثلهم‪ .‬لكن ياأبي‬
‫مابالك دائما ً تريدنا أن نكون مثل محمد حتى في الذكاء‪ ،‬والحفظ‪ ،‬والفطنة‪،‬‬
‫مما لنملكه‪ ،‬ودائما ً تذكرنا به‪ ،‬وتعيرنا أنا لم نكن مثله مما أوغر صدورنا‬
‫تجاهه‪ ،‬وجعله يتكبر علينا‪.‬‬
‫لقد اكتشفت يا أبت حين تقدم بي العمر أن الناس مواهب وطاقات‪ ،‬وأن‬
‫الله قسم العقول كما قسم الرزاق‪ ،‬فهل أخذت هذا في حسبانك يا أبت‬
‫وأنت تعامل أبناءك؟‬
‫القدوة يا أبت‪:‬‬
‫كم مرة يا أبت أوصيتني أن أقول لمن يطلبك في الهاتف إن والدي غير‬
‫موجود‪ ،‬وحين أوصلتني للمدرسة قبل أن تشتري لي السيارة أمرتني أن‬
‫أعتذر بأعذار غير صادقة‪ .‬في حين سمعت المام بعد صلة العصر مرارا ً يقرأ‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إن الصدق يهدي إلى البر‪ ،‬وإن البر يهدي إلى‬
‫الجنة‪ ،‬وإن الكذب يهدي إلى الفجور‪ ،‬وإن الفجور يهدي إلى النار "‪ .‬وقوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬أربع من كن فيه كان منافقا ً خالصًا‪ ،‬ومن كانت فيه‬
‫خصلة منهن كانت فيه خصلة النفاق حتى يدعها ‪ :‬إذا حدث كذب‪ ،‬وإذا وعد‬
‫أخلف‪ ." ...‬وسمعت من أستاذي‪ ،‬ومن خطيب الجمعة النهي عن الكذب‬
‫والتغليظ على من فعله‪ ،‬أل ترى يا أبت أني تعلمت الكذب وبكل أسف في‬
‫المنزل‪ ،‬وممن ؟ ممن كان الولى به أن يكون القدوة الحسنة‪ ،‬من أكبر رجل‬
‫في المنزل‪ ،‬وقل مثل ذلك في السماع الحرام‪ ،‬والنظر الحرام‪ ،‬والتهاون‬
‫بالصلة‪.‬‬
‫أليست التربية يا أبت بالقدوة من أول وأهم جوانب التربية ؟‪.‬‬
‫مجالس الباء حين يحضرها البن‪:‬‬
‫حين تجلس يا أبت مع أصحابك‪ ،‬وأقدم لكم الشاي دون أن أقول كلمة ‪-‬‬
‫كالعادة ‪ -‬أسمع ما يجري بينكم مما أرى أنه كان ينبغي الترفع عنه ولو أمامي‬
‫على القل يا أبت‪.‬‬
‫ل أفهم يا أبت كيف تفيضون في أمور النساء‪ ،‬وغالب حديثكم ل يجاوز ما بين‬
‫السرة والركبة‪ .‬وأمامكم شاب مراهق‪ ،‬لديه من الشهوة مال يفتقر إلى ما‬
‫يثيره‪ ،‬فيسمع مثل هذا الحديث‪ .‬هل سألت يا أبت نفسك عن أثر مثل هذا‬
‫الحديث على أمثالي‪.‬‬
‫أليس مدعاة لن تثور الشهوة لدي وأنت تعلم أني ل أجد المصرف الشرعي‪.‬‬
‫أليس مدعاة إلى قدوة سيئة‪ ،‬واستمراء لمثل هذا الحديث في مجالسي مع‬
‫أصحابي‪ ،‬وهناك حيث ل يضبطها ضابط‪ ،‬أو يمنعها وازع‪ ،‬فقد تتطور إلى‬
‫ماليخفى عليك‪.‬‬
‫مرحلة اللتزام ‪:‬‬
‫لقد عشت يا أبت مرحلة من الغفلة والصبوة كما قلت لك في بداية رسالتي‬
‫ثم من الله علي بالهداية وانتقلت إلى مرحلة جديدة‪ ،‬أستأذنك يا أبت أن‬
‫أحدثك قليل ً عنها ‪:‬‬
‫هل كان لك دور يا أبت؟‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كم كنت أتمنى أن يكون صاحب الفضل في التزامي واستقامتي بعد الله هو‬
‫أحب الناس وأقربهم إلي هو أنت يا أبت‪.‬‬
‫ولكن كم يؤسفني أن هذا الرجل لم يكن له أي دور؛ بل وحين هداني الله‬
‫كنت أنتظر التشجيع‪ ،‬أن أرى تغيرًا؛ ولكن وللسف لم أجد شيئا ً يذكر‪.‬‬
‫لماذا تكون عائقا ً يا أبت ؟‬
‫وحيث لم أجد ذلك يا أبت هل وقفت موقف الحياد‪ ،‬أم أن المر تغير بالتجاه‬
‫المعاكس‪ .‬كم أعاني يا أبت حين أريد أن أسافر للعمرة‪ ،‬أو أشارك مع طلب‬
‫الحلقة‪.‬‬
‫ولست أدري يا أبت ما أقول هاهنا؟ كم مرة ودعت أصحابي ودموعي تذرف‬
‫لني لم أصحبهم للشيء إل أن أبي لم يوافق؟ كم من ورقة أحضرتها من‬
‫المدرسة تطلب الموافقة على المشاركة في برامج الجمعية المدرسية‪،‬‬
‫وكان إمضائك دائما ً في زاوية ل أوافق؟‬
‫أتدري يا أبت كم حفظت من القرآن ؟‬

‫)‪(7 /‬‬

‫لقد التحقت بعد أن هداني الله يا أبت في حلقة لتحفيظ القرآن الكريم‪،‬‬
‫ومضيت في حفظ كتاب الله بجدية وعزيمة‪ ،‬وها أنا الن قد أتممت حفظ‬
‫القرآن‪ ،‬وابتدأت بحفظ عمدة الحكام‪ ،‬ومع ذلك يؤسفني يا أبت أن أقرب‬
‫الناس إلي لم يعلم عن ذلك شيئًا‪ ،‬إنه لم يوجه إلي سؤال ً في يوم من اليام‪.‬‬
‫ماذا حفظت ؟ أي درس حضرت ؟ ماذا علمت ؟‪.‬‬
‫أي أثر يتركه يا أبت ذاك الب الذي يسأل ابنه ماذا حفظ؟ وماذا تعلم؟ وما‬
‫أخبار الحلقة‪ ،‬وأخبار الدرس السبوعي في المسجد؟ ويصحب ذلك‬
‫ً‬
‫بالتشجيع‪ ،‬والحث‪ ،‬والثناء والدعاء‪ ":‬اللهم فقهه في الدين‪ ،‬وزده علما وعمل ً‬
‫"‪.‬‬
‫أتعرف أصحابي ؟‬
‫ً‬
‫كم مرة تقابلهم يا أبت لدى الباب‪ ،‬فل يحظون منك بالسلم فضل عن‬
‫الترحيب‪ ،‬والتقدير‪ ،‬أو الجلوس معهم‪ ،‬والتعرف عليهم‪ ،‬ومعرفة أحوالهم‪ .‬أل‬
‫ترى يا أبت أن ذلك يشعرني بالتقدير‪ ،‬بالهتمام‪ ،‬بالثقة‪ ،‬بالرجولة؟‬
‫هل أنا متشدد فعل ً ؟‬
‫كم سمعت منك هذا الوصف يا أبت؟ ولست أدري هل انتقلت إليك العدوى‬
‫من وسائل العلم الغربية؟ فما أن أفوه بكلمة وما أن تراني على عمل حتى‬
‫تنهاني عن التشدد‪ ،‬وحتى صيام النفل مدرج في القائمة لدى أبي ضمن‬
‫التشدد‪ ،‬فضل ً عن قيام الليل‪ ،‬وحتى إنكار المنكر‪ ،‬وآلت اللهو هو الخر يعتبر‬
‫تشددًا‪.‬‬
‫ً‬
‫ل أنكر يا أبت أني قد أقع في الخطأ‪ ،‬وقد أبالغ أحيانا لكن أهكذا تؤخذ‬
‫المور ؟ فضل ً عن أن يكون الحق وفق ما رأيت‪.‬‬
‫أختي يا أبت ‪:‬‬
‫وأخيرا ً والوقت يلحقنا يا أبت أستأذنك في أن أحدثك عن معاناة أختي‪ ،‬والتي‬
‫شأنها شأني لم تجد وقتا ً للحديث‪ ،‬أو مجال ً للمصارحة‪ ،‬يا أبت تعلم مايخطط‬
‫العداء للمرأة المسلمة‪ ،‬ومايعملون لجرها إلى الرذيلة والفساد‪ ،‬وأختي‬
‫واحدة من هؤلء‪.‬‬
‫فهل تستطيع أن تشكي لك مشكلة؟ أو تصارحك بهم يا أبت؟ بل هل تستطيع‬
‫أن تجلس معك دقائق؟‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صا؟ هل ترى‬ ‫يا أبت أل ترى أن خلفك مع والدتي ينبغي أن يؤجل ليكون خا ّ‬
‫مما يخدم المصلحة‪-‬وبالذات مع أختي‪ -‬أن تؤنب والدتي أمام الجميع‪ ،‬وعلى‬
‫أمور تافه ربما زيادة أو نقص كمية الملح أو السكر في الطعام؟‬
‫يا أبت ‪ :‬أليس من حق أختي أن تعجل موضوع زواجها‪ ،‬بل أن تبحث لها أنت‬
‫عن الزوج الصالح‪ ،‬ولنا سلف يا أبت في عمر حين عرض ابنته على الصديق‪.‬‬
‫يا أبت ‪ :‬أليس من حق أختي أن تأخذ رأيها في الزواج ؟ وأن ل تكون ضحية‬
‫معرفتك وصداقتك لوالد زوجها‪ ،‬والذي معيار تزكيته لديك معرفتك لوالده‬
‫وأخواله؟‬
‫أليست أجهزة اللهو مما يدمر أختي يا أبت؟ أتدري يا أبت أن أختي تعلمت‬
‫مصطلحات الحب‪ ،‬العشق‪ ،‬الغرام‪ ،‬العلقة العاطفية‪ ..‬ومن أين؟ مما أمنه لها‬
‫والدي ليسليها ويقضي وقت فراغها الذي وفرته لها الخادمة النصرانية‪.‬‬
‫وأخيرا ‪:‬‬
‫وأخيرا ً يا أبت فهذا حصاد الخاطر المكدود‪ ،‬وهذه نتيجة العزيمة التي دفعتني‬
‫إلى هذا الحديث الصريح‪ ،‬الذي أرجو أل يكون فيه افتئات عليك‪ ،‬أو سوء أدب‬
‫معك‪ ،‬أو إخلل بحقك في البر والحسان‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ي القيوم‬ ‫كلوا على الح ّ‬ ‫ب الُهموم ِ تو ّ‬ ‫يا أصحا َ‬


‫د‪ .‬محمد عمر دولة*‬
‫متقّلبة بأهِلها‪:‬‬ ‫ل الدنيا ال ُ‬ ‫ور حا َ‬ ‫ل التهامي رحمه الله ُيص ّ‬ ‫قا َ‬
‫ل منه‬ ‫ب وتنا ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫مصا ِ‬ ‫من عبدٍ إل تمّر عليه في حياِته َ‬ ‫وصدقَ رحمه الله؛ فما ِ‬
‫ت‬‫من العالمين مهما كان حاله‪ ،‬وعظم ْ‬ ‫ب‪ ،‬ل ُيستثَنى من ذلك أحد ٌ ِ‬ ‫مصائ ُ‬ ‫نو َ‬ ‫فِت َ ٌ‬
‫ُ‬
‫عياله‪.‬‬ ‫ت ِ‬‫أمواله‪ ،‬وعّز سلطاُنه‪ ،‬وكثر ْ‬ ‫ُ‬
‫من‬ ‫ل جلله‪) :‬ولن َب ْلوّنكم بشيٍء ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ة فقال الله ج ّ‬ ‫ن هذه الحقيق َ‬ ‫وقد قّرَر القرآ ُ‬
‫شر الصابرين الذين‬ ‫ت وب َ ّ‬ ‫س والثمرا ِ‬ ‫ل والنف ِ‬ ‫ص من الموا ِ‬ ‫ف والجوِع ونق ٍ‬ ‫الخو ِ‬
‫ة قالوا إّنا للهِ وإنا إليه راجعون(]‪ [1‬وقال تبارك وتعالى‪:‬‬ ‫مصيب ٌ‬ ‫إذا أصاب َْتهم ُ‬
‫س أن ُيتَركوا أن يقولوا آمّنا وهم ل ُيفَتنون ولقد فتّنا الذين‬ ‫)الم أحسب النا ُ‬
‫ن الكاذبين(‪[2].‬‬ ‫ه الذين صدقوا وليعلم ّ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫من قبِلهم فََليعل َ َ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫ه النوائ ُ‬ ‫ي الله يعقوب؛ فإنه ما لذ بأحد ٍ حينما أصاب َت ْ ُ‬ ‫ه على نب ّ‬ ‫وصلى الل ُ‬ ‫ّ‬
‫سرون هذا المعنى عند‬ ‫ب إل الله عز وجل! فقد ذكر المف ّ‬ ‫وتوالت عليه المصائ ُ‬
‫ن يوسف‬ ‫ِ‬ ‫فقدا‬ ‫بعد‬ ‫ولداه‬ ‫عنه‬ ‫غاب‬ ‫حينما‬ ‫السلم‬ ‫عليه‬ ‫يعقوب‬ ‫الكلم عن حال‬
‫ت عيناه من‬ ‫ض ْ‬ ‫عليه السلم )وتوّلى عنهم وقال يا أسفا على يوسف وابي ّ‬
‫ض عن ب َِنيه؛ وقال‬ ‫الحزن فهو كظيم(]‪ [3‬قال ابن كثير رحمه الله‪" :‬أي أعَر َ‬
‫ن‬‫حز ُ‬ ‫جد ّد َ له ُ‬ ‫ن يوسف القديم الّول‪) :‬يا أسفا على يوسف(؛ َ‬ ‫حز َ‬ ‫كرا ً ُ‬ ‫متذ ّ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫َ َ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫منه‬ ‫ظهر‬ ‫"أي‬ ‫الله‪:‬‬ ‫رحمه‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫السعد‬ ‫وقال‬ ‫[‬ ‫‪4‬‬ ‫دفين"!]‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ُ َ‬‫حز‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ْ ْ ِ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ب‬‫ال‬
‫مقيم"!]‪[5‬‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ق‬‫ِ‬ ‫والشو‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫القدي‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫اله‬ ‫من‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ّ‬
‫ل َتوك َ‬ ‫سواه‪ ،‬ب َ ْ‬ ‫ك حاله إلى ِ‬ ‫َ‬ ‫ش ُ‬ ‫فقد أناب يعقوب عليه السلم إلى موله‪ ،‬ولم ي َ ْ‬
‫ق اللتجاء؛‬ ‫ل والنابةِ والّرجاِء وصد ِ‬ ‫ي التربوية للتوك ّ ِ‬ ‫ن المعان َ‬ ‫على الله؛ وهذا ُيبي ّ ُ‬
‫ل يعقوب عليه السلم‪) :‬إنما أشكو بّثي‬ ‫ب الظلل في تفسير قو ِ‬ ‫كما قال صاح ُ‬
‫ّ‬
‫وحزني إلى الله وأعلم من الله ما ل تعلمون(]‪" :[6‬في هذه الكلمات يتجلى‬
‫ب الموصول؛ كما تتجّلى هذه الحقيقة ذاتها‬ ‫الشعور بالُلوهّية في هذا القل ِ‬
‫ن باللهِ ومعرفِته سبحانه هذا‬ ‫ة اليما ِ‬ ‫بجللها الغامر وللئها الباهر‪ ...‬وهذه قيم ُ‬
‫َ‬
‫ملبسة قدرِته وقد َِره‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ن من المعرفة‪ :‬معرفة التجّلي والشهود‪ ،‬و ُ‬ ‫اللو َ‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن هذه‬ ‫ملمسة رحمِته وِرعايِته‪ ،‬وإدراك شأن اللوهّية مع العبيد الصالحين؛ إ ّ‬ ‫و ُ‬


‫الكلمات)وأعلم من الله ما ل تعلمون( تجلو هذه الحقيقة بما ل تملك كلماتنا‬
‫نحن أن تجلوها وتعرض مذاقا ً يعرفه من ذاق مثله؛ فيدرك ماذا تعني هذه‬
‫الكلمات في نفس العبد الصالح يعقوب"!]‪[7‬‬
‫من‬ ‫ل عن هذه المعاني؛ فنتعّلق ِ‬ ‫عنا اليومي مع الحياةِ قد نغف ُ‬ ‫ولكننا في صرا ِ‬
‫ب‬
‫ب السبا ِ‬ ‫مسب ّ َ‬ ‫هثين وراَء السباب؛ وننسى ُ‬ ‫حيث ل ندري بالعبادِ وَنجري ل ِ‬
‫حاء الليل والنهار‪،‬‬ ‫ن السماوات والرض‪ ،‬يده س ّ‬ ‫ب العباد الذي عنده خزائ ُ‬ ‫ور ّ‬
‫الذي تفيض رحمته على عباده ول تغيض‪.‬‬
‫مجّرد ِ السباب‪،‬‬ ‫كلين على ُ‬ ‫متو ّ‬ ‫جها ُ‬‫ب التي ن َل ِ ُ‬ ‫سد ّ البوا ُ‬ ‫ن سرعان ما ت ُ َ‬ ‫ولك ْ‬
‫ل إل‬ ‫سب ُ ُ‬
‫معلقين َرجاَءنا بالعباِد؛ فيخيب الرجاُء إل في الله وتنقطعُ ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وندخلها ُ‬
‫م ـ وليس‬ ‫ن الجاز ُ‬ ‫ن ُيجيب المضطّر إذا دعاه(‪ .‬فيعود إلينا اليقي ُ‬ ‫م ْ‬‫إلى الله؛ )أ ّ‬
‫الخبُر كالمعاينة ـ بأنه ل ناصَر إل الله )وما النصُر إل من عند الله العزيز‬
‫ه رّبكم له‬ ‫الحكيم(‪ ،‬فهو القادُر على قضاء الحوائج وتيسير السباب‪) ،‬ذلكم الل ُ‬
‫ك والذين يدعون من دوِنه ما يملكون من ِقطمير(‪[8].‬‬ ‫مل ُ‬ ‫ال ُ‬
‫مه وأبيه‪ ،‬كما‬ ‫م بالعبد من أ ّ‬ ‫م على الحقيقةِ هو الله؛ فهو أرح ُ‬ ‫ن والراح ُ‬ ‫مِعي ُ‬ ‫فال ُ‬
‫ً‬
‫ي صبي ّا فألزقْته‬ ‫ت تلك المرأة ُ من السب ِ‬ ‫قال صلى الله عليه وسلم حين أخذ ْ‬
‫دها(!]‪ [9‬وهو العزيز الحكيم‬ ‫ِ‬ ‫بول‬ ‫هذه‬ ‫من‬ ‫م بعباِده ِ‬ ‫ه أرح ُ‬ ‫ببطِنها فأرضعْته‪) :‬ل َل ّ ُ‬
‫ده‪:‬‬ ‫ل عليه وح َ‬ ‫ض المرِ بالتوك ّ ِ‬ ‫ل في معر ِ‬ ‫السميع العليم‪ ،‬كما قال الله عّز وج ّ‬
‫جدين إنه‬ ‫م وتقل َّبه في السا ِ‬ ‫ل على العزيزِ الرحيم ِ الذي يراك حين تقو ُ‬ ‫)وتوك ّ ْ‬
‫ب على الله تعالى في‬ ‫هو السميعُ العليم(‪ [10].‬فـ"التوكل هو اعتماد ُ القل ِ‬
‫ل مطلوِبه؛ فإنه‬ ‫ن ظّنه بحصو ِ‬ ‫ب المنافع ودفِع المضاّر مع ثقِته به‪ ،‬وحس ِ‬ ‫جل ِ‬
‫ده‪ ،‬وبرحمِته به‬ ‫ل الخيرِ ودفِع الشر عن عب ِ‬ ‫عزيٌز رحيم‪ ،‬بعّزِته يقدر على إيصا ِ‬
‫يفعل ذلك"‪[11].‬‬
‫ب الرحمةِ إل‬ ‫ده يستحضُر على الدوام ِ أّنه ل يفتح أبوا َ‬ ‫ل على اللهِ وح َ‬ ‫فالمتوك ُ‬
‫ً‬
‫ة ورزقا إل‬ ‫ل العبد ُ نعم ً‬ ‫ع‪ ،‬ول ينا ُ‬ ‫الله‪ ،‬فهو وحده تبارك وتعالى الذي َيضّر وينف ُ‬
‫س من رحمةٍ فل ممسكَ‬ ‫من عند الله‪ ،‬كما قال عز وجل‪) :‬ما يفتح الله للنا ِ‬
‫س اذكروا‬ ‫ده وهو العزيز الحكيم يا أيها النا ُ‬ ‫من بع ِ‬ ‫ل له ِ‬ ‫س َ‬ ‫مر ِ‬ ‫ك فل ُ‬ ‫س ْ‬ ‫لها وما ُيم ِ‬
‫ض ل إله إل‬ ‫من السماِء والر ِ‬ ‫ق غير الله يرزقكم ِ‬ ‫من خال ٍ‬ ‫ة الله عليكم هل ِ‬ ‫نعم َ‬
‫هو فأّنى ُتؤفكون(‪[12].‬‬‫َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫س‪ ،‬ول تطمعُ فيما بين‬ ‫مُر هذه المعاني قلوَبنا؛ فل تتعلقُ بما عند النا ِ‬ ‫وحينما ت ُعَ ّ‬
‫ق السباب وفاطرِ السماوات‬ ‫ب العباد وخال ِ‬ ‫جه إلى الله ر ّ‬ ‫أيديهم‪ ،‬بل تتو ّ‬
‫ج‬‫فَر ُ‬ ‫ج ويأتي ال َ‬ ‫مخر ُ‬ ‫ن؛ فيكون‪ ,‬حينئذٍ يبدو ال َ‬ ‫ض الذي يقول للشيء‪ :‬ك ْ‬ ‫والر ِ‬
‫ة فيستقبل‬ ‫ل عليه الرحم ُ‬ ‫ً‬
‫ويصيُر العسُر ُيسرا من حيث ل يحتسب العبد ُ وتتنّز ُ‬
‫ده ويشعر بحلوة العبودية‬ ‫ه وح َ‬ ‫مها العليل‪ ،‬ويتفّيأ ظّلها الظليل؛ فيحمد الل َ‬ ‫نسي َ‬
‫ب من قيود ِ السباب‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ب من الله بعد أن تحّرَر القل ُ‬ ‫قر ِ‬ ‫س ال ُ‬ ‫ولذة الطاعة وأن ِ‬
‫م؛‬ ‫م والغ ّ‬ ‫ب العالمين يتحققُ عند اشتدادِ اله ّ‬ ‫ح لله ر ّ‬ ‫ه الصحي َ‬ ‫ن التوج َ‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫قد الرفيق ول‬ ‫ق‪ ،‬حينما ُيف َ‬ ‫ب والضي ِ‬ ‫ب وساعات الكر ِ‬ ‫لسيما في أيام ِ المصائ ِ‬
‫ل‬‫ل؛ أظهَر الذ ّ ّ‬ ‫سب ُ‬
‫مه ال ّ‬ ‫ت أما َ‬ ‫ضّر وانسد ّ ْ‬
‫ينفعُ الصديق؛ فالعبد ُ إذا أصاَبه ال ّ‬
‫محتاجا ً‬ ‫هبا‪ ،‬وُيقبل عليه ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫سرٍ يدعوه َرغبا وَر َ‬ ‫منك ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ل على الله بقل ٍ‬ ‫والفقَر‪ ،‬وأقب َ‬
‫ب‪ ،‬خاشعا ً متضّرعًا‪ ،‬ويقوم بين يديْ رّبه رافعا ً‬ ‫ن القل ِ‬ ‫ن الدمِع حزي َ‬ ‫مضطّرًا‪ ،‬ثخي َ‬
‫ة إنابِته‬ ‫صدقَ التجائه وحقيق َ‬ ‫ه ِ‬ ‫حوِْله وقُوِّته؛ فإذا رأى الل ُ‬ ‫حاجَته متبّرئا ً من َ‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫س النسا َ‬ ‫ل نجاَته‪ ،‬كما قال تعالى‪) :‬وإذا م ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ج كرَبه وع ّ‬ ‫وحرارةَ دعائه؛ فّر َ‬
‫ُ‬
‫ي ما كان يدعو إليه من قبل(‪،‬‬ ‫ة منه نس َ‬ ‫خوّله نعم ً‬ ‫َ‬ ‫منيبا ً إليه ثم إذا َ‬ ‫ضّر دعا رّبه ُ‬
‫ة لئن‬ ‫خفي ً‬ ‫ً‬
‫جيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا و ُ‬ ‫]‪) [14‬قل من ُين ّ‬
‫ب ثم أنتم‬ ‫ٍ‬ ‫كر‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫ومن‬ ‫منها‬ ‫جيكم‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬ ‫قل‬ ‫ُ‬ ‫الشاكرين‬ ‫ن من‬ ‫أنجانا لنكون ّ‬
‫ه‬
‫ب الله أو أتْتكم الساعة أغيَر الل ِ‬ ‫ن أتاكم عذا ُ‬ ‫تشركون(‪) [15].‬قل أرأيتكم إ ْ‬
‫تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء‬
‫وتنسون ما ُتشركون(‪[16].‬‬
‫ورحم الله البخاري فقد أخرج في كتاب )الذان( باب )إذا بكى المام في‬
‫ج عمر وأنا في آخر الصفوف‬ ‫ت نشي َ‬ ‫ل عبد الله بن شداد‪) :‬سمع ُ‬ ‫الصلة( قو َ‬
‫يقرأ )إنما أشكو بّثي وحزني إلى الله(‪[17].‬‬
‫من رحمةِ الله أن تحس برحمة الله؛‬ ‫ولله در صاحب الظلل حيث قال‪ِ " :‬‬
‫ن شعورك بوجوِدها هو الرحمة‪،‬‬ ‫فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك ولك ّ‬
‫ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة‪ ،‬وثقتك بها وتوقعها في كل أمرٍ هو‬
‫ل؛‬
‫ن ول في أيّ حا ٍ‬ ‫ب في أي مكا ٍ‬ ‫الرحمة‪ ...‬ورحمة الله ل تعز على طال ٍ‬
‫ب‬‫ج ّ‬ ‫م عليه السلم في النار‪ ،‬ووجدها يوسف عليه السلم في ال ُ‬ ‫دها إبراهي ُ‬ ‫وج َ‬
‫كما وجدها في السجن‪ ،‬ووجدها يونس عليه السلم في بطن الحوت في‬
‫مجّرد ٌ من كل‬ ‫ل ُ‬ ‫م وهو طف ٌ‬ ‫ت ثلث‪ ،‬ووجدها موسى عليه السلم في الي ّ‬ ‫ظلما ٍ‬
‫ص به‬ ‫ل حراسة‪ ،‬كما وجدها في قصر فرعون وهو عدوّ له مترب ّ ٌ‬ ‫قوةٍ ومن ك ّ‬
‫ب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور‬ ‫ويبحث عنه‪ ،‬ووجدها أصحا ُ‬
‫ض‪) :‬فأووا إلى الكهف ينشْر لكم رّبكم من رحمته(‪،‬‬ ‫ضهم لبع ٍ‬ ‫دور؛ فقال بع ُ‬ ‫وال ّ‬
‫م يتبعونهما‬ ‫ووجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحُبه في الغار والقو ُ‬
‫منقطعا ً‬ ‫ل من سواها؛ ُ‬ ‫ل من آوى إليها يأسا ً من ك ّ‬ ‫ويقصون الثار‪ ،‬ووجدها ك ّ‬
‫ده دون‬ ‫ب اللهِ وح َ‬ ‫ً‬
‫ة‪ ،‬قاصدا با َ‬ ‫مظ ِن ّةٍ في رحم ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ة‪ ،‬وعن ك ّ‬ ‫شبهةٍ في قو ٍ‬ ‫ل ُ‬‫من ك ّ‬ ‫ِ‬
‫البواب"!]‪[18‬‬
‫سواه؛‬ ‫جى أحد ٌ ِ‬ ‫جأوا إلى الله؛ فل ي ُْر َ‬ ‫ْ‬
‫ل الُهموم ِ والُغموم‪ ،‬وال َ‬ ‫قوا برّبكم يا أه َ‬ ‫فث ِ ُ‬
‫ن السموات‬ ‫ب العالمين الذي بيده خزائ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ُيجيب المضطّر إذا دعاه(! فهو ر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫)أ ّ‬
‫ن عن‬ ‫دي َ‬ ‫ضي ال ّ‬ ‫م الكرمين الذي َيق ِ‬ ‫حمين وأكر ُ‬ ‫م الرا ِ‬ ‫والرض‪ ،‬وهو أرح ُ‬
‫ف بعباِده‪،‬‬ ‫مين‪ .‬وهو اللطي ُ‬ ‫مو ِ‬ ‫م المه ُ‬ ‫سه ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫مكروبين وُين ّ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ج كر َ‬ ‫ديِنين وُيفّر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ال َ‬
‫م بهم من آبائهم وأمهاِتهم؛‬ ‫حهم‪ ،‬وهو أرح ُ‬ ‫جهم‪ ،‬الخبيُر بمصال ِ‬ ‫م بحوائ ِ‬ ‫العلي ُ‬
‫ل شيٍء‬ ‫ه لك ّ‬ ‫ُ‬ ‫الل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫جع‬ ‫قد‬ ‫ه‬
‫ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫أم‬ ‫ُ‬ ‫غ‬ ‫بال‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫إ‬ ‫به‬ ‫ُ‬ ‫حس‬ ‫فهو‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫على‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ك‬‫يتو‬ ‫من‬ ‫)و َ‬
‫ب‬‫ي القويّ العزيز الرحيم؛ فهو أقر ُ‬ ‫قدرًا(‪" [19].‬وإذا كان المُر في كفالةِ الغن ّ‬
‫ن وعليه التكلن‪.‬‬ ‫مسَتعا ُ‬ ‫ل شيٍء"‪ [20].‬فهو ال ُ‬ ‫إلى العبد ِ من ك ّ‬
‫____________________‬
‫]‪ [1‬البقرة ‪.156-155‬‬
‫]‪ [2‬العنكبوت ‪.3-1‬‬
‫]‪ [3‬يوسف ‪.84‬‬
‫]‪ [4‬تفسير القرآن العظيم لبن كثير ‪.2/633‬‬
‫]‪ [5‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المّنان ص ‪.404‬‬
‫]‪ [6‬يوسف ‪.86‬‬
‫]‪ [7‬في ظلل القرآن لسّيد قطب رحمه الله ‪.13/2016‬‬
‫]‪ [8‬فاطر ‪.13‬‬
‫]‪ [9‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫]‪ [10‬الشعراء ‪.220-217‬‬
‫]‪ [11‬تيسير الكريم الرحمن ص ‪.599‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [12‬فاطر ‪.3-2‬‬


‫ر‬
‫ة واحدة ٌ تدل على كس ِ‬
‫]‪ [13‬قال ابن فارس‪" :‬الهاء والياء والضاد‪ :‬كلم ٌ‬
‫ض عظمه‪ :‬كسره بعد الجبر‪ "..‬معجم مقاييس‬ ‫شيٍء‪ ،‬وما أشبهه‪ ،‬يقال‪ :‬ها َ‬
‫اللغة لبن فارس ‪.6/24‬‬
‫]‪ [14‬الزمر ‪.8‬‬
‫]‪ [15‬النعام ‪.64-63‬‬
‫]‪ [16‬النعام ‪.41-40‬‬
‫]‪ [17‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ .‬لبن حجر ‪.2/441‬‬
‫]‪ [18‬في ظلل القرآن ‪.22/2923‬‬
‫]‪ [19‬الطلق ‪.3‬‬
‫]‪ [20‬تيسير الكريم الرحمن ص ‪.871‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يا أمتي ل تحزني إن الله معنا!‬


‫د‪ .‬عوض بن محمد القرني ‪30/1/1424‬‬
‫‪02/04/2003‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن واله أما‬
‫بعد‪:‬‬
‫فإن الحداث الجارية أصابت كثيرا ً من الناس باليأس والقنوط والهلع والجزع‪،‬‬
‫فأحببت أن أسهم قدر المكان في مواجهة هذا الطوفان‪ ،‬وقد كان مما‬
‫علمناه من كتاب الله أن من سنن الله تعالى في خلقه بقاء الصراع بين‬
‫الحق والباطل والخير والشر‪ ،‬ليميز الله الخبيث من الطيب ‪ ،‬وليعلي‬
‫بالتمحيص درجات أهل اليمان ‪ ،‬وليرفع بالبتلء درجات بعضهم فوق بعض‬
‫ولتتم مقتضيات حكمته تعالى في إيقاظ الهمم بالنوازل ‪،‬وتحريك العزائم‬
‫بالمحن وإحياء الحمية اليمانية بالمحن‪.‬‬
‫ومن ذلك ما نراه اليوم من حشود وأعمال وتحركات من أمريكا ابتداًء بما‬
‫سمي )الحرب على الرهاب( وانتهاًء بما نراه من حرب على العراق وفي‬
‫المقابل ما نراه من تخاذل ووهن من الشعوب والجيوش والحكومات‪،‬وكل‬
‫ذلك ينبئ بأحداث‪ ،‬ضخام وتحولت كبيرة ‪ ،‬تنطوي على أمور قد تكرهها‬
‫النفوس وأحداث تضيق بها القلوب؛ سيكون مآلها الخير –بإذن الله – النصر‬
‫والعز للمسلمين‪ ،‬والتمكين لعباد الله الصالحين ‪،‬و تطاير الزبد ‪،‬وذهاب الغثاء‬
‫‪ ،‬وانقشاع أسباب الذلة والهوان‪.‬‬
‫وقد ضرب الله لنا أمثال بالمم والنبياء قبلنا ‪ ،‬ومن أكثر القصص في القرآن‬
‫قصص بني إسرائيل ‪ ،‬وذلك لوجود بعض أوجه الشبه بينهم وبين هذه المة ‪،‬‬
‫وقد عاشوا سنين عديدة تحت الذل والهوان‪ ،‬والتسلط الفرعوني بعد أن‬
‫سوا بها وركنوا إلى الشهوات وحب‬ ‫َ‬
‫نسوا ما ذكروا به‪ ،‬وتعلقوا بالدنيا وأن ِ ُ‬
‫الحياة‪ ،‬ثم اشتد عليهم العسف والذى قبيل ميلد موسى عليه السلم ‪،‬ولما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن قَب ْ ِ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬‫بلغ أشده وأكرم بالنبوة زاد عليهم الذى والظلم ‪ ،‬حتى قالوا )أوِذيَنا ِ‬
‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫فك ُ ْ‬
‫خل ِ َ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ك عَد ُوّك ُ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫ن ي ُهْل ِ َ‬
‫مأ ْ‬‫سى َرب ّك ُ ْ‬ ‫ل عَ َ‬‫جئ ْت ََنا َقا َ‬
‫ما ِ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ت َأت ِي ََنا وَ ِ‬
‫أ ْ‬
‫ن( )العراف‪(129:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ض فَي َن ْظ َُر ك َي ْ َ‬ ‫َْ‬
‫ف ت َعْ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫و مكثوا على هذا الحال من الضطهاد سنين عديدة وفيهم أهل اليمان بالله‪:‬‬
‫موسى وهارون ومن استجاب لهما‪ ،‬ونبي الله يعدهم بالنصر والستخلف في‬
‫الرض وهلك العدو‪،‬وبعد هذه السنين الطوال أمروا بالخروج وركوب البحر ‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شارِقَ‬‫م َ‬‫ن َ‬ ‫فو َ‬


‫ضعَ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬ ‫قو ْ َ‬‫فخرجوا من الذلة والهوان )وَأ َوَْرث َْنا ال ْ َ‬
‫سَنى عََلى ب َِني‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫َْ‬
‫ح ْ‬ ‫ت َرب ّ َ‬‫م ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَغارِب ََها ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها وَت َ ّ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ن(‬‫شو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْرِ ُ‬ ‫ه وَ َ‬‫م ُ‬ ‫ن وَقَوْ ُ‬ ‫صن َعُ فِْرعَوْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫مْرَنا َ‬
‫صب َُروا وَد َ ّ‬
‫ما َ‬ ‫ل بِ َ‬‫سرائي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫)العراف‪.(137 :‬‬
‫وفي هذا دليل على أن نصر الله تعالى آت‪ ،‬وزمانه مقبل‪ ،‬ولكنه ل يحسب‬
‫خل ِقَ النسان‬ ‫بحساب أعمارنا القصيرة‪ ،‬ول يقاس وفق قياسات زمنية قريبة ) ُ‬
‫ُ‬
‫ن( ) النبياء‪.(37:‬‬ ‫جُلو ِ‬ ‫م آَياِتي َفل ت َ ْ‬
‫ست َعْ ِ‬ ‫سأِريك ُ ْ‬‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫وعلى ضوء ما ذكر؛ وفي ظل الحداث الراهنة من الحرب المريكية الظالمة‬
‫ضد العراق‪ ،‬وما قد يؤدي إليه من ضربات مضادة تطال الدول المجاورة‬
‫وخاصة التي أعلنت وقوفها العلني مع الوجود العسكري لمريكا ‪ ،‬مثل‬
‫الكويت والبحرين وقطر ودولة اليهود‪،‬وإن كان هذا الحتمال ضعيفا ً ‪ ،‬وقد‬
‫يستتبع ذلك تداعيات عسكرية في فلسطين والردن‪،‬وربما غيرها‪ ،‬هذا فيما‬
‫يتعلق بالجانب العسكري‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بالتحرك الفكري والجتماعي فسوف تواصل أمريكا سعيها في‬
‫الضغط لتغيير المناهج ‪،‬وتقليص النفوذ الديني والعلوم الشرعية‬
‫‪،‬والمؤسسات الخيرية ‪ ،‬والتغيير الجتماعي من خلل المرأة أول‪ ،‬والسعي‬
‫لتغيير التجاه العام للمجتمعات من خلل تغيير سياسات التعليم والعلم‬
‫وبعض نظم الحكم‪،‬ومن خلل التمكين للمنافقين من العلمانيين وأضرابهم‬
‫والشهوانيين وأشياعهم‪ ،‬والذين بدأوا بالتحرك والظهور والمطالبة‪.‬‬
‫ولذا فإن الواجب في هذه الحوال الستمساك بالعروة الوثقى‪ ،‬والسترشاد‬
‫بالهدى المبين من كتاب الله‪ ،‬وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫والوثوق بوعد الله واليقين بنصر الله وأن الله سبحانه لن يسلط على هذه‬
‫المة من يستبيح بيضتها‪،‬وأنها أمة مرحومة‪ ،‬كما أخبر الصادق المصدوق نبينا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ولذا ينبغي أن تكون هذه الحداث مهما كانت مؤلمة موئل تفاؤل ورجاء؛ ل‬
‫مصدر يأس وخوف‪ .‬وأسباب ذلك كثيرة ومنها‪-:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ – 1‬صدق وعدالة ما نحن عليه من دين‪ ،‬وأحقية وخيرية ما نطالب به من‬


‫قضايا‪ ،‬فالثبات على الموقف العادل‪ ،‬والمبدأ الصادق نصر بذاته‪ .‬و المسلم‬
‫يقاتل عن دينه وعرضه من هاجم بلده ظلما ً وعدوانًا‪ ،‬والعالم كله يشهد أن‬
‫أمريكا سارعت إلى العدوان على المسلمين‪ ،‬وأعلنت ما كانت تداريه تحت‬
‫قَرى‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ستائر السياسة وهذا يبشر بانتقام الله من الظالم ولو بعد حين )وَت ِل ْ َ‬
‫عدًا( )الكهف‪) ، (59:‬فَت ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ك ب ُُيوت ُهُ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مهْل ِك ِهِ ْ‬ ‫جعَل َْنا ل ِ َ‬ ‫موا وَ َ‬ ‫ما ظ َل َ ُ‬ ‫م لَ ّ‬ ‫أهْل َك َْناهُ ْ‬
‫ل‬‫قو ْ ُ‬ ‫ن( )النمل‪) ، (52:‬وَوَقَعَ ال ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫ك َلي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫موا إ ِ ّ‬ ‫ما ظ َل َ ُ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫خاوِي َ ً‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سُبوا‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ُ‬ ‫م َ‬ ‫صاب َهُ ْ‬‫ن( )النمل‪) ، (85:‬فَأ َ‬ ‫قو َ‬ ‫م ل ي َن ْط ِ ُ‬ ‫موا فَهُ ْ‬ ‫ما ظل ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عَلي ْهِ ْ‬
‫ن(‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫معْ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫سُبوا وَ َ‬ ‫َ‬
‫ما ك َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ُ‬ ‫م َ‬ ‫صيب ُهُ ْ‬ ‫سي ُ ِ‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫موا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫َْ‬
‫ض‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫س وَي َب ُْغو َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل عََلى ال ّ ِ‬ ‫سِبي ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫)الزمر‪) ، (51:‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫حقّ ُأول َئ ِ َ‬
‫م( )الشورى‪. (42:‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ك لهُ ْ‬ ‫ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬
‫‪ – 2‬البغي والستكبار والغرور والستعلء التي اتصفت بها أمريكا‪ :‬مستكبرة‬
‫ة قدرة الله عليها‪،‬وذلك مقدمات‬ ‫بقوتها وكثرتها وعددها وعتادها‪ ،‬متناسي ً‬
‫الخذلن لها بل الدمار مثلما أخبر الله تعالى عن من قبلهم فقال سبحانه‪:‬‬
‫َ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫م ي ََرْوا‬ ‫مّنا قُوّة ً أوَل َ ْ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ وََقاُلوا َ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ست َكب َُروا ِفي الْر ِ‬
‫عاد ٌ َفا ْ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫)فَأ ّ‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن( )فصلت‪(15:‬‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫كاُنوا ِبآيات َِنا ي َ ْ‬ ‫م قُوّة ً وَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫م هُوَ أ َ َ‬ ‫قهُ ْ‬‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫‪ – 3‬ما في هذه الحداث من كشف للمرتابين المنافقين ومرضى القلوب‬
‫وعبدة الهوى والدنيا والوظيفة والجاه عند الخلق‪ :‬و في هذا الكشف خير‬
‫ه ل ِي َذ ََر‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫عظيم‪ ،‬كما حدث يوم أحد ويوم الحزاب‪ .‬قال تعالى‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ميَز ال ْ َ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مُنوا ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫شاُء َفآ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫سل ِهِ َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬‫جت َِبي ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب وَل َك ِ ّ‬ ‫م عََلى ال ْغَي ْ ِ‬ ‫ل ِي ُط ْل ِعَك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م( )آل عمران‪ (179:‬و يبقى بعد‬ ‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫قوا فَلك ُ ْ‬ ‫مُنوا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬ ‫سل ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫وَُر ُ‬
‫ذلك معالجة السماعين لهم والمتأثرين بهم ‪.‬‬
‫‪ – 4‬ما نراه من حصول الوعي والعبرة للمسلمين ؛أفرادا‪ ،‬وشعوبا‪ ،‬ودول؛ بما‬
‫في هذه الزمات من دروس وعبر‪ ،‬ورفض المشاركة مستقبل مع العدو أو‬
‫التحفظ في المشاركة هذه المرة‪ ،‬وهذه خطوة جيدة في الطريق الصحيح‪،‬‬
‫ودليل على أن إنكار الظلم ورد المنكر يثمر ولو بعد حين‪ ،‬وأن الشعوب بيدها‬
‫الشيء الكثير مهما كان ضعفها وأل نيأس من الحكومات مهما بدر منها‪.‬‬
‫‪ - 5‬وضوح السبيل والمفاصلة العقدية‪ :‬وذلك من خلل استمساك جملة‬
‫كبيرة من العامة بمبدأ الولء للمسلمين والبراء من الكافرين وإدراكهم لبعض‬
‫مآرب الكفار وبعض مخططات العدو الماكر‪ ،‬وهو ما كان مشوشا ً في أزمات‬
‫ي‬ ‫ن هَل َ َ‬ ‫فُعول ً ل ِي َهْل ِ َ‬ ‫مرا ً َ‬ ‫قضي الل ّ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حَيى َ‬ ‫ن ب َي ّن َةٍ وَي َ ْ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫سابقة )ل ِي َ ْ ِ َ‬
‫م( )النفال‪(42:‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن ب َي ّن َةٍ وَإ ِ ّ‬ ‫عَ ْ‬
‫‪ - 6‬انكشاف أمريكا‪ ،‬وظهور زيف شعاراتها عن العدالة الحرية والنسانية‬
‫والحضارة وحق الشعوب في تقرير المصير‪ ...‬الخ حتى في تعاملها مع‬
‫ضاُء‬‫ت ال ْب َغْ َ‬ ‫مواطنيها من المسلمين ‪-‬فكان المر كما قال الله تعالى‪ ) :‬قَد ْ ب َد َ ِ‬
‫ُ‬ ‫خفي صدورهُ َ‬ ‫م َ‬
‫ن()آل‬ ‫قلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫م اْليا ِ‬ ‫م أك ْب َُر قَد ْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُ‬ ‫ُ ُ ُ ْ‬ ‫ما ت ُ ْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫عمران‪ :‬من الية ‪ -(118‬وإمكانية مخاطبة الحكومات وإشعارها ‪ -‬بحسب‬
‫الوسائل المتاحة – بأن ما تريده أمريكا استبدال الواقع بجميع أبعاده‪ ،‬بما في‬
‫ذلك البعد السياسي بواقع آخر يكون أكثر انسجاما ً مع المشاريع الصهيونية‬
‫في المنطقة‪ ،‬وأكثر أمانا ً لمستقبل إسرائيل‪.‬‬
‫‪ – 7‬ما يتوقع من تخفيف ضغط العولمة – ولو إلى حين – وهذه فرصة للتأني‬
‫والنظر البصير‪ ،‬والستعداد لمواجهتها بخطط متعقلة وبرامج محكمة‪ .‬وقد‬
‫يؤدي ذلك إلى تركيز الهتمام على التعامل بين البلدان السلمية فتكون‬
‫خطوة ثم تعقبها خطوات بإذن الله‪.‬‬
‫‪ – 8‬التقليل من أسباب الفساد الفكري والسلوكي‪ ،‬ومن أهمها‪ :‬السياحة في‬
‫الدول الغربية‪ ،‬فالمعاملة غير النسانية للمسافرين والمقيمين المسلمين‬
‫والتي مورست فعل ‪،‬وإن أصابت بعض الصالحين فسينفع الله بها كثيرا ً من‬
‫الطالحين الذين ينفقون سنويا ً عشرات البليين في أماكن اللهو وأوكار‬
‫الفساد ومباءات الفجور هناك‪ ،‬ثم يعودون لبلدهم بكل شر وبلء‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ – 9‬إحياء جملة طيبة من المعالم الشرعية المنسية مثل‪ :‬قضية الجهاد‬


‫والولء والبراء‪ ،‬وفقه السياسة الشرعية كأحكام "دار الكفر" و "دار السلم"‬
‫والراية ‪ ،‬والملحم مع أهل الكتاب والقامة في بلد الكفر‪ ،‬والهدنة والعهد‪،‬‬
‫وأحكام عصمة النفس والمال‪ ،‬وكذلك الحكام المتعلقة بالتحالف أو الستعانة‬
‫بالمسلمين على المشركين‪،‬و التعددية وتداول السلطة والرقابة على الولة‪،‬‬
‫قه ووزن المور بميزان‬ ‫وما أشبه ذلك مما سيكون مادة خصبة للجتهاد والتف ّ‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشرع الحكيم‪.‬‬
‫‪ – 10‬ظهور فتاوى شرعية مؤصلة – جماعية وفردية – في جملة من بلد‬
‫المسلمين‪ ،‬في القضايا الراهنة واهتمام بعض الغربيين بهذه الفتاوى‪ ،‬واطلع‬
‫وي مرجعية أهل العلم واليمان في أمور‬ ‫كثير من المسلمين عليها‪ ،‬مما يق ّ‬
‫المة فيسهم في إحياء أصالة المة ووحدتها‪.‬‬
‫‪ – 11‬القبال الكبير على السلم في أمريكا وأوروبا‪ ،‬وقد وردت الخبار‬
‫والدلة على ذلك حتى أصبح في حكم المتواتر‪ ،‬ويتوقع أن يتزايد هذا المر‬
‫بعد الحرب ‪،‬وهذا في ذاته نصر عظيم وآية بينة على صدق رسالة محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وغيظ لليهود والنصارى وللمنافقين من أبناء‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫‪ – 12‬تقوية الربط بين الحداث وبين القضية الكبرى للمسلمين )قضية‬
‫فلسطين(‪ ،‬واقتناع كثير من الناس داخل أمريكا ‪ -‬فضل ً عن خارجها ‪-‬‬
‫بضرورة التعامل العادل معها‪ ،‬مما يعضد النتفاضة المباركة ويسند جهاد‬
‫المسلمين لليهود‪ ،‬ويزيد قضية فلسطين رسوخا ويزيل كثيرا من الغبش‬
‫العلماني والشهواني عن مساراتها‪.‬‬
‫‪ – 13‬يمكن للعاملين للسلم ‪-‬خلل هذه الحداث وبعدها‪ -‬القيام بترسيخ‬
‫مبادئ الدعوة إلى الصلح الشامل لحال المة ليطابق كتاب الله وسنة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم ويسترشد بهدي الخلفاء الراشدين وعصور‬
‫العزة والتمكين‪ ،‬وذلك بواسطة برامج ودراسات ُتنشر للمة ويخاطب بها‬
‫الحكام والعلماء والقادة والعامة وستفتح الحداث بابا واسعا لتطوير وسائل‬
‫الدعوة لمواكبة المواجهة العالمية الشاملة بين الكفر واليمان‪،‬فبالضافة إلى‬
‫الشريط أو النشرة أو الكتيب مثل ً يضاف القنوات الفضائية المتعددة اللغات‬
‫والصحافة المتطورة‪ ،‬ومراكز الدراسات المتخصصة‪ ...‬والمؤسسات التعليمية‬
‫حكمة التخطيط‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫والخيرية ال ُ‬
‫ت وجماعات وأفراد‪ -‬أن يدركوا قيمة‬ ‫‪ -14‬يجب على العاملين للسلم ‪-‬حكوما ٍ‬
‫هذه الفرصة العظيمة )من خلل ما ذكر سابقا وغيره(وأن يجعلوا هذه‬
‫الحداث منطلقا ً للمرحلة الصلحية التالية على مستوى الشعوب)دعوة‪،‬‬
‫وجهادا‪ ،‬وتربية‪ ،‬وتزكية(‪ :‬وهي مرحلة الجهاد الكبير بالقرآن كما قال تعالى‬
‫}وجاهدهم به جهادا ً كبيرًا{‬
‫‪ – 15‬قد تنجلي الحداث وتكون الحتمالت التي بعدها كثيرة ومختلفة ‪:‬فقد‬
‫يحاول الغزاة فرض أساليب جديدة للحياة في المنطقة تحت مسمى‬
‫الديمقراطية والمشاركة السياسية‪ ،‬أو السعي لتمزيق المنطقة وتفتيتها‪ ،‬أو‬
‫إبقاء شكل الدول وتبديل مضمونها إلى السواء‪ ،‬أو اللزام بقيام مؤسسات‬
‫المجتمع المدني كالحزاب والنقابات والعلم الحر‪ ،‬وهذا يقتضي العداد لهذه‬
‫المرحلة بكافة احتمالتها والتي ستكون – في الغالب – مختلفة عما هو‬
‫موجود الن‪ ،‬وتكاتف الجهود‪ ،‬والحفاظ على وحدة المة ‪.‬‬
‫‪ – 16‬هذه فرصة كبيرة لتحريك المة كلها لمواجهة أعدائها المتكالبين عليها‬
‫من كل مكان‪ ،‬وترك الستهانة بأي قوة في هذه المة لفرد أو جماعة وبأي‬
‫جهد من أي مسلم‪ ،‬ونبذ فكرة حصر الهتمام بالدين على فئة معينة يسمون‬
‫بـ "الملتزمين" فالمة كلها مطالبة بنصرة الدين والدفاع عن المقدسات‬
‫والرض والعرض والمصالح العامة‪ .‬وكل مسلم ل يخلو من خير‪ .‬واليمان‬
‫شَعب منها الظاهر ومنها الباطن‪ ،‬ورب ذي مظهر إيماني وقلبه خاوٍِ أو غافل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ورب ذي مظهر ل يدل على ما في قلبه من خير وما في عقله من حكمة‬
‫شَعب الدين ظاهرا ً‬ ‫ورشد‪ .‬وهذا ل يعني إهمال تربية المة على استكمال ُ‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وباطنًا‪ ،‬بل المراد إجادة تحريك المة وتجييش طاقاتها لنصرة الدين وتحريك‬
‫اليمان في قلوب المسلمين هو من أسباب النصر والقوة‪ ،‬ومن دواعي تزكية‬
‫الصالح‪ ،‬وتوبة العاصي ويقظة الغافل‪ .‬وهذا جيش النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم خير الجيوش لم يكن كله من السابقين الولين بل كان فيه العراب‬
‫خَلط عمل ً صالحا ً‬
‫من َ‬‫الذين أسلموا ولما يدخل اليمان في قلوبهم‪ ،‬وفيه َ‬
‫جون لمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم‪ ،‬وفيه من‬ ‫وآخر سيئًا‪ ،‬وفيه ال ُ‬
‫مر َ‬
‫قاتل حمية عن أحساب قومه‪ ،‬فضل ً عن المنافقين المعلومين وغير‬
‫المعلومين‪ ،‬وإنما العبرة بالمنهج والراية والنفوذ التي لم تكن إل بيد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ثم بيد أهل السابقة والثقة والستقامة من بعده‪.‬‬
‫ولو لم نبدأ إل بتحريك اليمان والغيرة في قلوب مرتادي المساجد ‪ ،‬وكذلك‬
‫الجيران والقرباء والعشيرة وزملء المهنة وإن تلبسوا بشيء من المعاصي‬
‫الظاهرة‪،‬لكان لذلك أعظم الثار‪،‬وأينع الثمار بإذن الله‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والمراد أن ُيعَلم أن حالة المواجهة الشاملة بين المة وأعدائها تقتضي اعتبار‬
‫مصلحة الدين والمصالح العامة قبل كل شيء‪ ،‬فالمجاهد الفاسق – بأي نوع‬
‫من أنواع الجهاد والنصرة – خير من الصالح القاعد في هذه الحالة‪.‬‬
‫‪ –17‬تتيح هذه الحداث الفرصة الجيدة لتوعية المة بمفهوم نصرة الدين‬
‫وتولي المؤمنين‪ ،‬التي هي فرض عين على كل مسلم‪ ،‬وأن ذلك يشمل ما ل‬
‫يدخل تحت الحصر من الوسائل‪ ،‬ول يقتصر على القتال وحده‪ ،‬فالجهاد‬
‫بالمال نصرة‪ ،‬وكذلك العلم وبالرأي والمشورة وبنشر العلم‪ ،‬وبالعمل‬
‫الخيري‪ ،‬وبنشر حقائق اليمان ولسيما عقيدة الولء والبراء‪ ،‬وبالقنوت‬
‫والدعاء‪ ،‬وبالسعي الجاد لجعل المجتمعات القرب إلى التمسك والمحافظة‬
‫قلعا ً ونماذج يمكن أن يفيء إليها بقية الناس‪ ،‬وبجعل منارات العلم والشرع‬
‫مرجعيات للستشارة والفتوى‪،‬وتفويت الفرصة على العلمانيين والشهوانيين‪.‬‬
‫حد‬‫‪ –18‬الفرصة الن متاحة بشكل جيد لتحويل وحدة الرأي والتعاطف إلى تو ّ‬
‫عملي ومنهجي لكل العاملين للسلم في كل مكان‪ ،‬يقوم على الثوابت‬
‫والقطعيات في العتقاد والعمل‪ ،‬ويدرس الفروع والجتهادات بأسلوب الحوار‬
‫البناء‪ .‬فاجتماع كلمة المة أصل عظيم ل يجوز التفريط فيه بسبب تنوع‬
‫الجتهاد واختلف الوسائل‪ .‬وما يجمع المسلمين أكثر وأقوى مما يفرقهم‪.‬‬
‫والشرط الوحيد لهذا هو أن يكون المصدر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم وسيرته‪ ،‬وما كان عليه الئمة المتبعون في عصور عز السلم‬
‫فمن أعظم أسباب ما أصابنا من بلء التفرق والختلف‪.‬‬
‫‪ – 19‬أصبحت إمكانية مطالبة الحكومات بفتح باب الحوار مع الشعوب‪،‬‬
‫وتفهم هموم الشباب ومشكلته‪ ،‬واستيعاب حماسته فيما يخدم السلم‬
‫حقيقة أكثر من ذي قبل لشعور الجميع بالخطر مع التأكيد على أن هؤلء‬
‫الشباب في الصل طاقة ذات حدين إن لم تستصلح وتهذب أصبحت وبال ً‬
‫وبلًء‪ ،‬وهم إذا رأوا الصدق من أحد وثقوا فيه وقبلوا توجيهه‪ ،‬وإذا ارتابوا في‬
‫ذروا منه‪ ،‬فلبد في التعامل معهم من حكمة وأناة وصبر‪.‬‬ ‫أحد أعرضوا عنه وح ّ‬
‫ولبد من الكف عن العمال والعلم والمواقف المسيئة للدين ولهم‪ ،‬وترك‬
‫ما يستفزهم من المنكرات‪ ،‬وأن تلغي من تعاملها الحل المني الذي ثبت أنه‬
‫ل يؤدي إل إلى رّدات فعل أعنف والدخول في نفق مظلم ل نهاية له‪.‬‬
‫‪ –20‬الوقت الن مناسب لتذكير الناس عامة وخاصة‪ :‬أن أمة تعيش حالة‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحرب الشاملة يجب أن تكون أبعد الناس عن اللهو والترف‪ .‬وأن تصرف‬
‫جهودها وطاقتها للتقرب إلى الله ورجاء ما عنده‪ ،‬وأن تحرص على التأسي‬
‫بالنبياء الكرام والسلف الصالح في الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله‪،‬‬
‫فهي في رباط دائم وثغور متوالية‪ ،‬ول قوة لها إل بالله‪ ،‬ويجب أن يصحب‬
‫أعمالها كلها إخلص لله تعالى وصدق في التوجه إليه وتوكل عليه ويقين في‬
‫نصره‪ ،‬وعلى أهل العلم والدعوة أن يكونوا قدوة للناس في هذا كله وأن‬
‫يضعوه في أولويات برامجهم الدعوية‪ ،‬فإن الله سبحانه وتعالى لم يعلق‬
‫وعده بالنصر والنجاة والعلء والعزة لمن اتصف بالسلم بل خص به أهل‬
‫اليمان كما في قوله تعالى‪} :‬إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا‬
‫ويوم يقوم الشهاد{‪ .‬وقوله‪} :‬وكان حقا ً علينا نصر المؤمنين{‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫}ونجينا الذي آمنوا وكانوا يتقون{‪ .‬وقوله‪} :‬ول تهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون‬
‫إن كنتم مؤمنين{‪ .‬وقوله‪} :‬ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين{‪.‬‬
‫ومن هنا يمكننا ‪ -‬بإذن الله ‪ -‬إذا لم نمنع وقوع الحداث أن نقوم بتقليل‬
‫مفاسدها وسلبياتها وأن نوظفها قدر المكان لمصلحتنا‪ ،‬وهذا هو حال المؤمن‬
‫س ول متشائم قال تعالى‪:‬‬ ‫‪-‬صاحب القلب الحي والعقل المستبصر‪ -‬غير يائ ٍ‬
‫) وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله‬
‫وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ‪ ،‬وما كان قولهم إل أن قالوا‬
‫ربنا أغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم‬
‫الكافرين ‪ ،‬فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الخرة والله يحب المحسنين‬
‫( آل عمران ‪.148-146‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫يا أمة السلم ما أرداك عاجزة ‪..‬‬


‫)) هدية الشعر ((‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ورجعي الل ّحن م َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫صوِغي ِ‬ ‫شعْرِ ‪ُ !..‬‬ ‫س ال ّ‬ ‫ره ‪ ... ...‬عََرائ ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫مَزا ِ‬ ‫حَلى َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ‬ ‫ََ ّ‬
‫ه‬
‫واهِرِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫موْك ِب ِ ِ‬ ‫شذ َىَ في َزهْوِ َ‬ ‫حي بال ّ‬ ‫مرِهِ ‪َ ... ...‬وفوّ ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مخا ب ِن َدِيّ ِ‬ ‫ً‬ ‫ض ّ‬ ‫م َ‬
‫ة‬
‫ق ً‬ ‫م َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هرهِ ‪ ... ...‬وَفّتقي الوَْرد َ أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من َ ّ‬ ‫شكال ُ‬ ‫ت إ ِلى ُدنيا أزا ِ‬ ‫حن ّ ْ‬ ‫بالّروض ‪َ ! ...‬‬
‫منا ً‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عََلى ُر َ‬
‫ه َز َ‬ ‫ذي ذوّب ْت ُ ُ‬ ‫صي ْد ُ ال ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫عرِهِ ‪ ... ...‬هَُنا ال َ‬ ‫شا ِ‬ ‫ب في أْزكى َ‬ ‫ؤى الغَي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫با َ‬
‫ت‬‫ف ْ‬ ‫ن غَ َ‬ ‫ل ‪ ....‬أي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫س ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ألت َ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫عرِهِ ‪ ... ...‬وَقُ ْ‬ ‫ن شا ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫سّرا ً على أ ْ‬ ‫لمس ِ‬
‫ة‬
‫م َزاهي َ ً‬ ‫حل َ‬ ‫ت هَُنا ال َ ْ‬ ‫جل َوْ ُ‬ ‫مَنائ ِرِهِ ‪ ... ...‬حّتى َ‬ ‫على َ‬ ‫جى أ َ ْ‬ ‫ن الد ّ َ‬ ‫ُتضيُء ب َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ف ب َِها‬ ‫كرا ً َتر ّ‬ ‫ت بِ ْ‬ ‫ض ْ‬ ‫ف َ‬ ‫واك ِرِهِ ‪ ... ...‬ك َأّنها انت َ‬ ‫ن بَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫ن َفا َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫مَعال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ِ ٍ‬ ‫رد‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ِ ْ‬ ‫م‬ ‫لها‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫في‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫وا‬
‫َ ْ ِ ْ َ َ ِ ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ج‬ ‫ها‬ ‫ق‬ ‫ْ ِ‬ ‫و‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫غن‬ ‫َ‬
‫* * * ‪* * * ... ...‬‬
‫ه‬
‫مَناب ِعِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫سك ُ ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فو ٌ ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫ره ‪ ... ...‬هَُنا الخوّة ُ َ‬ ‫مَزاهِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َرّيا ِ‬ ‫ت َْرِوي وت َ ْ‬
‫ة‬
‫ق ٌ‬‫خافِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ما ِ‬ ‫دى الَيقين ‪َ ...‬رى ال ِي ْ َ‬ ‫ضره ‪ ... ...‬هُ َ‬ ‫صل الماضي ِبحا ِ‬ ‫هوىً وَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫حي َ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ه‬
‫ؤاد ٍ في ت َب َت ّل ِ ِ‬ ‫ل فُ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ن َبشائ ِرِهِ ‪َ ... ...‬‬ ‫م ْ‬ ‫فق ٌ ِ‬ ‫خ ْ‬‫شع ّ و َ‬ ‫ُنوٌر ي َ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ما َر َ‬ ‫قَيانا ‪ .....‬فَ َ‬ ‫ةل ْ‬ ‫مد ّ َراح َ‬ ‫دى مآِثرهِ ‪ ... ...‬أ ُ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ح َ‬ ‫إل ّ وَقَد ْ َ‬
‫ه‬
‫نل ُ‬ ‫داوي وغَ ّ‬ ‫ف عََلى المن ْب َرِ ال ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫مناب ِرِهِ ‪ ... ...‬فَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ر" هَّز ْ‬ ‫شعْ ِ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫" هَدِي ّ َ‬
‫* * * ‪* * * ... ...‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫جَزةً‬ ‫ما أْرَداك عا ِ‬ ‫حقّ ‪َ ! ..‬‬ ‫ة ال َ‬ ‫م َ‬ ‫واِترهِ ‪َ ... ...‬يا أ ّ‬ ‫ضى ب َ َ‬ ‫ك الُهدى أم َ‬ ‫حَبا ِ‬ ‫وَقَد ْ َ‬
‫ح ب َِها‬ ‫ك آيات ِهِ ُنورا ً ُيزي ُ‬ ‫حَبا ِ‬ ‫جرِهِ ‪َ ... ...‬‬ ‫ن د ََيا ِ‬ ‫ظلم ِ ‪ ...‬وَي ُْزِوي م ْ‬ ‫ج ال ّ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫َ‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة‬
‫ماضي ِ ً‬ ‫ل الله َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫خط ْوَ سائ ِرِهِ ‪َ ... ...‬وسن ّ ً‬ ‫ذي َ‬ ‫شقّ د َْربا ً ي ُغَ ّ‬ ‫تَ ُ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مكُر َ‬ ‫ت َ‬ ‫شئ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما إ ْ‬ ‫سكي ِبه َ‬ ‫م ّ‬ ‫صرِهِ ‪ ... ...‬ت َ َ‬ ‫ن أَوا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حَبال ِ‬ ‫عَْزما َيشد ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مَعادِن َِها‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ك في ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫مَغان ِي ْ ِ‬ ‫ف ناث ِرِهِ ‪َ ... ...‬وفي َ‬ ‫هى ك ّ‬ ‫ن الخي ْرِ أوْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك َن ٌْز ِ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما ط َ َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ي نَ ْ‬ ‫شَته ْ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫حَبا ِ‬ ‫مَناظ ِرِهِ ‪َ ... ...‬‬ ‫ن عََلى أغَْنى َ‬ ‫إل َي ْهِ عَي ْ ٌ‬
‫ر‬
‫خ ٍ‬ ‫مد ّ َ‬ ‫ن الْرض ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ل ب ِب َط ْ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ضرهِ ‪ِ ... ...‬‬ ‫شرى َنوا ِ‬ ‫كتافَِها ب ُ ْ‬ ‫َوفوْقَ أ َ ْ‬
‫قد ٍ‬ ‫واِء منع ِ‬ ‫ج َ‬ ‫خيرٍ عََلى ال َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ره ‪ ... ...‬وَك ُ ّ‬ ‫واط ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قا ً ِ‬ ‫وادِيَ د َفَ َ‬ ‫ي َْروي الب َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حَتها‬ ‫سا َ‬ ‫خ َ‬ ‫جل الّتاري ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ره ‪ ... ...‬وَ ِ‬ ‫واهِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ها أغْلى َ‬ ‫ن د ُّر َ‬ ‫م ْ‬ ‫صاغ َ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ة‬
‫زل ً‬ ‫من ْ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫د َّفاقَ َ‬
‫ن ُرُبوِع الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫سط ْ‬ ‫صادِرِهِ ‪ ... ...‬ت َوَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ديا ِ‬ ‫ة الّنورِ هَ ْ‬
‫* * * ‪* * * ... ...‬‬
‫عجب َا ً‬ ‫دود ‪َ ....‬وا َ‬ ‫ما ُ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُر ال َ‬ ‫ل والن ّ َ‬ ‫ت عن َنواظ ِرِهِ ‪ ... ...‬ال َ‬ ‫ن ‪...‬؟ غاب َ ْ‬ ‫ن المليي ُ‬ ‫أي ْ َ‬
‫شّرد َةً‬ ‫م َ‬ ‫ك ‪ ...‬في الد ّْرب ‪ ..‬قِط َْعانا ً ُ‬ ‫فائ ِرِهِ ‪ ... ...‬هَُنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫وى َ‬ ‫ل ِفي ب َل ْ َ‬ ‫سوُْقها الذ ّ ّ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫قاَء ‪ ...‬ثاِغي َ ً‬ ‫م َ‬ ‫ح ْ‬ ‫مد ّ أعَْناقََها‪َ ...‬‬ ‫جرِهِ ‪ ... ...‬ت َ ُ‬ ‫خَنا ِ‬ ‫فارِ عَد ُوّ أوْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫عََلى ِ‬
‫دمي عََلى َرعْ َ‬ ‫َ‬
‫جَتها‬ ‫مهْ َ‬ ‫شةِ الذلل ُ‬ ‫حَرائ ِرِهِ ‪ ... ...‬ي ُ ْ‬ ‫ن أغَْلى َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ت عَلى العْر ِ‬
‫َ‬ ‫ص ْ‬ ‫غَ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سُرٍر‬ ‫متي ظ ِل ّ عََلى ُ‬ ‫ت يا أ ّ‬ ‫فو ْ ِ‬ ‫سادِرِهِ ‪ ... ...‬غَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جهْ ِ‬ ‫ن الل ّْهو‪ ...‬أو من َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ة‬
‫ح ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫فت ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫وابا ُ‬ ‫ك أب َ‬ ‫ت َداَر ِ‬ ‫جَرائ ِرِهِ ‪ ... ...‬ت ََرك ِ‬ ‫مى َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل ِكل غازٍ عَلى ُ‬
‫ه‬
‫ست ِ ِ‬ ‫ب غْر َ‬ ‫َ‬ ‫ض ط ِي ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وَي َد ْفَعُ الد ّ َ‬
‫ن كل َروْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫جت َ ّ‬ ‫جازِرِهِ ‪ ... ...‬ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ن َْهرا في َ‬
‫* * * ‪* * * ... ...‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب عَد ُوّ أ َوْ أ َ‬
‫َ‬
‫صِغي لن ِّتها‬ ‫مأ ْ‬ ‫ل (( ‪ ...‬أ ْ‬ ‫كو)) لكابو َ‬ ‫ش ُ‬
‫َ‬
‫ظافِرِهِ ‪ ... ...‬أ ْ‬ ‫عََلى ن ُُيو ِ‬
‫ت‬ ‫سلم ِ ما اضط ََرب َ ْ‬ ‫ن ال ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِبثائ ِرِهِ ‪ ... ...‬بأيّ َدارٍ ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ل وَل َ َ‬ ‫قَتا ِ‬ ‫ح ال ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫َ‬
‫ق‪..‬‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫أبكي‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن(‪..‬‬ ‫طي‬ ‫س‬ ‫)فل‬ ‫بكي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫محا‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫بر‬ ‫ك‬ ‫عي‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح َ ْ ُ َ ْ‬
‫د‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫م‬‫وك َْ‬
‫خفيهِ ‪ ...‬وَي َن ْث ُُرهُ‬ ‫واث ِرِهِ ‪ ... ...‬إَباَءةُ العَْزم ِ ت ُ ْ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫جراِح عَ ِ‬ ‫عََلى ال ِ‬
‫شوَت َِنا‬ ‫جُرنا في َزهْوِ ن َ ْ‬ ‫حَنا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ح ْ‬ ‫جرِهِ ‪ ... ...‬ب ُ ّ‬ ‫حَنا ِ‬ ‫ت في َ‬ ‫مسا ٍ‬ ‫ت هَ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خت َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫خ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ض ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫مَياِدي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫مّر َ ب َي ْ َ‬ ‫مرِهِ ‪ ... ...‬أ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫َفل أَرى َوثَبا ٍ‬
‫ة‬ ‫جلى ك ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َفأط ْب َ َ‬
‫حي َ ٍ‬ ‫ل نا ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫جرِهِ ‪ ... ...‬كأّنما ال َ‬ ‫ن د ََيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫واد ٍ ِ‬ ‫ت في ب َ َ‬ ‫ق ْ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م ِ‬ ‫مأت َ ِ‬ ‫حانا ً ل ِ َ‬ ‫شعُْر أل َ‬ ‫ح ال َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫قاب ِرِهِ ‪ ... ...‬وأ َ‬ ‫م َ‬ ‫وى َ‬ ‫ج َ‬ ‫جد ِ في ن َ ْ‬ ‫ة الم ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ق أكاب ِد ُهُ‬ ‫شو ْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫حَنان َي ْ ِ‬ ‫شرهِ ‪ ... ...‬لكُنو ‪َ ! ...‬‬ ‫حنا ل َِنا ِ‬ ‫هاهَُنا ل ْ‬ ‫ه َ‬ ‫معْت ُ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫صوغ ب ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ى نورا ن َ ُ‬ ‫ً‬ ‫ج ِ‬ ‫شقّ الد ّ َ‬ ‫خرِهِ ‪ ... ...‬هَُنا ن َ ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫شْعر َوحي ْا ِ‬ ‫ً‬ ‫م ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫مل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ةَ‬
‫جل ٍ‬ ‫جل ِ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ً‬
‫واط ِرِهِ ‪ ... ...‬وََنست َِعيد ُ د َوِي ّا ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ساح فْيضا ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ت على ال ّ‬ ‫عاد َ ْ‬ ‫َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫شواك‪..‬صاعدةً‬ ‫ضد ُ ال َ ْ‬‫خ ُ‬ ‫خطا ‪..‬ت َ ْ‬ ‫ضي ال ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َبصاِئرهِ ‪ ... ...‬ت َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫دى الله آيا ً ِ‬ ‫عََلى هُ َ‬
‫ت‬ ‫شاِدي إذا وَقَ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ض الد َ ُ‬ ‫ضرهِ ‪ ... ...‬ل ي ََنه ُ‬ ‫وا ِ‬‫ح َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫واد ٍ ِ‬‫حُروُفه في ن َ َ‬ ‫ُ‬
‫معَْرك َ ً‬
‫ة‬ ‫سلم‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫نما‬ ‫لك‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫حا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫و‬‫ل ِرنة النصل أ َ‬
‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ ّ ِ ّ ْ ِ ْ َ ٍ َ ِ ِ ِ‬
‫* * * ‪* * * ... ...‬‬
‫‪15/6/1401‬هـ‬
‫‪19/4/1981‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من ديوان جراح على الدرب ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي ‪) ..‬صفا ً واحدًا(‬ ‫يا أنصار النب ّ‬


‫الشيخ‪ /‬عبدالله بن مرزوق القرشي ‪15/3/1427‬‬
‫‪13/04/2006‬‬
‫كتب عن مؤتمر البحرين لنصرة نبينا محمد ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫قرأت شيئا ً مما ُ‬
‫وسلم‪ ,-‬ومع أني ل أتفق مع بعض الطروحات التي تناولت المؤتمر‪ ,‬غير أني‬
‫ل أود ّ أن ذلك لم يحصل!‬
‫در أن المؤتمر وما تله من مناقشات هو عبارة عن درس جديد ُيكتب‬ ‫إنني أق ّ‬
‫هذه الونة في ثقافتنا العملية‪ .‬ومثل هذه الدروس ل ُيكتب لها البقاء‬
‫والستمرار والتأثير حتى تأخذ حقها من المداولة والنظر والتفاعل المشترك‬
‫كتب هذا الدرس كان مكتوبا ً بمداد ٍ من الحياة ل‬ ‫بين الراء المختلفة‪ .‬حتى إذا ُ‬
‫تذروه الرياح‪ ،‬ول تمحوه الليالي واليام‪ ,‬ناصعا ً يتوهج للجيال الحاضرة‬
‫ث عن‬ ‫ي‪ ,‬والبح ِ‬ ‫والقادمة‪ .‬والشرط المهم في مداولتنا هذه التركيز على الرأ ِ‬
‫الحقيقة التي ربما تكتمل بأجزاء من هذا الرأي وذاك‪ .‬وهنا ل مكان للتعصب‬
‫لشخاصنا؛ إذ إنا ل نعلق على حدث سابق بقدر ما نريد أن نشارك في صياغة‬
‫درس للمستقبل‪ .‬إن هذا التفاعل الكبير مع نصرة نبينا محمد ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬هو حدث استثنائي وفرصة كبيرة لن نستخلص ولو درسا ً واحدا ً‬
‫لمسيرتنا الطويلة نحن ‪-‬أمة السلم ‪.-‬‬
‫أما بعد‪ :‬فهذا تعليقي على ما جرى في المؤتمر وما تله‪ ،‬أرتبه في النقاط‬
‫التالية‪:‬‬
‫ل‪ :‬بعد أن أساءت الصحيفة لنفسها‪ ،‬وأساءت لمشاعرنا في التعرض لنبينا‬ ‫أو ً‬
‫ة صادقة‪ ,‬غيرةً‬ ‫ْ‬
‫ة فِطرِي ّ ً‬ ‫محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬هّبت المة السلمية هب ّ ً‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫كر أن ثمة مخلصين هم م ْ‬ ‫ونصرة ً لمن هداها من الظلمات إلى النور‪ .‬ول أن ْ ِ‬
‫بادروا بتعريف المة واستنهاضها‪ ,‬غير أن استجابة المة كانت أسرع وأكبر من‬
‫أن نتذكر من هؤلء الشخاص‪ ,‬جزاهم الله عن نبيهم وأمتهم خير الجزاء‪.‬‬
‫إننا ‪ -‬أمة السلم ‪ -‬أردناها نصرة لنبينا ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وحسب‪ .‬ول‬
‫أستثني من ذلك أحدًا‪ .‬وهذا مبدأ ينبغي أن نلتزمه في حواراتنا حول هذا‬
‫الموضوع‪ .‬فل يجوز التشكيك في النيات بأي حال من الحوال‪ ,‬حتى لو أن‬
‫بيننا أحدا ً أرادها لغير الله‪ ،‬فل يجوز أن نعامله على هذا الساس‪ ،‬إل أن يكون‬
‫بأيدينا دليل )وليس قرينة( على نيته السيئة‪ .‬علينا بالظاهر‪ ،‬والله يتولى‬
‫السرائر‪ .‬ذلك منهج نبينا الذي ننصره بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫عامل الناس على ظواهرهم حتى المنافقين أجرى عليهم حكم السلم لما ّ‬
‫أظهروا إسلمهم وأبطنوا كفرهم‪ .‬إن التهامات والتخوين والتشكيك نفق‬
‫مظلم طويل‪ ,‬من دخله أجهد نفسه دون أن يهتدي إلى نهاية صحيحة‪ .‬وما‬
‫زال هذا النفق هو مهرب المبطلين كلما أشرقت عليهم شمس الحقيقة‪ ،‬كما‬
‫مك ٌْر‬ ‫ذا ل َ َ‬ ‫ن هَ َ‬
‫قال كبيرهم فرعون حين ظهر الحق على يدي نبي الله موسى )إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن(‪ .‬ومع وضوح هذا‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬ ‫من َْها أهْل ََها فَ َ‬
‫سو ْ َ‬ ‫جوا ْ ِ‬ ‫خرِ ُ‬
‫دين َةِ ل ِت ُ ْ‬ ‫موه ُ ِفي ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫مك َْرت ُ ُ‬
‫ّ‬
‫المبدأ )عدم التشكيك في النيات‪ ،‬وأخذ الناس على ظاهرهم( إل أن المرء‬
‫ن الممارسات‬ ‫يلمس من نفسه‪ ،‬ومن بعض إخوانه بعض التفريط فيه إّبا َ‬
‫العملية‪ .‬ولذلك كان التذكير بهذا المبدأ في فاتحة الحديث‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الخلف في بعض وجوهه تنوّعٌ وثراء‪ ,‬ومشاركة ممتعة‪ .‬ول مانع هنا أن‬
‫يوجد الصواب عند أحد التباع كما حدث هذا مع الحباب بن المنذر في غزوة‬
‫بدر‪ ,‬وربما يجري الحق طّيبا ً سائغا ً على لسان امرأةٍ متوارية خلف خبائها كما‬
‫حصل لمنا أم سلمة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬في صلح الحديبية في حل أزمة تباطؤ‬
‫ب حاد ّ‬ ‫الصحابة عن التحّلل من عمرتهم‪ .‬وربما لمع السداد في ذهن شا ٍ‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذهن‪ .‬ولذلك كان عمر يستشير الشباب يبتغي حدة أذهانهم‪ ,‬كما قاله‬
‫وع الراء‪ -‬دون حجر على أحد ‪ -‬في معالجة‬ ‫الزهري‪ .‬فل غرابة إذن أن تتن ّ‬
‫أزمة الرسوم المسيئة‪ ,‬وما هي الطريقة الحسن في التعامل مع هذا الحدث‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثالثًا‪ :‬ولكن في أي شيء يكون الخلف؟ وإلى متى يستمر الخلف؟ وإذا‬
‫احتجنا إلى حسم الخلف فمن له الحق في ذلك؟ وهذه أسئلة كبيرة ل يمكن‬
‫الجابة عنها جميعًا‪ .‬ولكن نأخذ من ذلك ما يهمنا في هذا الموقف )موقف‬
‫وع الراء‬ ‫الرسوم والنصرة(‪ .‬ول ريب أن هذا الموقف هو مما يحتمل تن ّ‬
‫واختلفها‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فإنه موقف عملي ينبغي أن نتفق‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ف قويّ واحد )إ ِ ّ‬ ‫حد حتى نخرج بموق ٍ‬ ‫فيه على رأي مو ّ‬
‫َ‬
‫ص(‪ .‬وَنرجع إلى معينه الصافي‬ ‫صو ٌ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ن ّ‬ ‫َ‬
‫فا كأن ُّهم ُبنَيا ٌ‬ ‫ص ّ‬ ‫سِبيل ِهِ َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬
‫يُ َ‬
‫سيرته العملية صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين‬
‫المهديين من بعدي"‪ .‬لنرى كيف كان يتعامل مع مثل هذه المواقف‪ .‬وحريّ بنا‬
‫أن نرجع دائما ً لسيرته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لسيما ونحن نناقش نصرته‪.‬‬
‫فليكن أول ما ننصره به اتباع طريقته وهديه في مواقفه العملية‪ .‬وأشير‬
‫وع الراء‬ ‫باختصار إلى غزوة أحد حين سمح النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بتن ّ‬
‫في كيفية مواجهة جيش المشركين‪ ,‬وكان رأيه أن يقاتل في المدينة‪ ،‬ورأي‬
‫الشباب أن يخرجوا إلى أحد‪ .‬فلما جاء وقت العمل حسم الخلف لحد‬
‫ما ذهب إلى‬ ‫الرأيين )وكان في ذلك الموقف هو رأي القتال خارج المدينة(‪ .‬فل ّ‬
‫ي بن سلول الجيش بحجة أن رأيه كان خيرا ً من رأي‬ ‫أحد ترك عبد الله بن أب ّ‬
‫الشباب وانهزم بثلث الجيش ‪ ..‬فهنا طريقتان‪ :‬طريقة رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫ي بن‬ ‫عليه وسلم‪ -‬الجتماع ولو على رأي مفضول‪ ,‬وطريقة عبد الله بن أب ّ‬
‫سلول التفّرق بحجة الحرص على الرأي الفاضل‪ .‬فلينظر امرؤ ما يختار‬
‫لنفسه!‪ .‬إن الجتماع على رأي مفضول خير من التفّرق على رأي فاضل‪) .‬وَل َ‬
‫وع وتقليب الراء‬ ‫م(‪ .‬إذن ل مانع من التن ّ‬ ‫حك ُ ْ‬
‫ب ِري ُ‬ ‫شُلوا ْ وَت َذ ْهَ َ‬ ‫عوا ْ فَت َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ت ََناَز ُ‬
‫ي‪ ,‬فإذا جاءت المواقف العملية فيجب أن‬ ‫والخلف حتى يبدأ الموقف العمل ّ‬
‫نتنازل عن بقية الراء‪ ،‬ونجتمع على رأي واحد‪ ،‬ونخرج للمم الخرى صفا ً‬
‫دد هذا الرأي دون بقية الراء الباقية؟ من‬ ‫واحدًا‪ .‬ويبقى السؤال هنا‪ :‬من يح ّّ‬
‫يحق له الختيار؟‬
‫ونعود لمسألتنا في مؤتمر البحرين لنقول‪ :‬إن أكبر تجمع للعلماء – حسب‬
‫اطلعي – هو مؤتمر البحرين‪ .‬حضر فيه جماعة من العلماء الجلء‪ ,‬ووفود‬
‫ظمته مؤسسات وهيئات إسلمية‬ ‫من المراكز السلمية في الدنمرك‪ ,‬ون ّ‬
‫معروفة بجهودها السلمية‪ ،‬وجهودها في حملة النصرة لخاتم النبياء‬
‫والمرسلين‪ .‬فأرى من المناسب أن نتنازل عن آرائنا الخرى لرأي هؤلء‬
‫ي ل يحتمل المنازعة والتفرق‪.‬‬ ‫العلماء الجلء‪ ,‬لسيما أننا الن في موقف عمل ّ‬
‫كر إخواني بأن ثمة نموذجين داخل واقعنا السلمي فيما‬ ‫واستطرادا ً فإني أذ ّ‬
‫كز على النظام وأهمل الدليل‪,‬‬ ‫يتعلق بالختلف والتفرق‪ .‬فهناك نموذج ر ّ‬
‫فخرج بمواقف منظمة ومرتبة‪ ,‬لكنه أهمل النظر للدليل حتى أصبح سلطان‬
‫النص يتراجع كثيرا ً أمام سلطان المراجع الدينية‪ .‬وصورته الغالية تصل إلى ما‬
‫ذوا ْ أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬
‫ه( )‪ (31‬سورة التوبة‪.‬‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫من ُدو ِ‬‫م أْرَباًبا ّ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫وصف الله )ات ّ َ‬
‫وهناك نموذج آخر ركز على سلطة الدليل واحترام النص‪ ,‬وأهمل التنظيم‬ ‫ّ‬
‫والخروج بمواقف مرتبة‪ ،‬حتى غدا حال هذا النموذج فوضى عارمة‪ ،‬ل يعرف‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لذي قدرٍ قدره‪ .‬وواجبنا حيال هذا الواقع أن نضع نموذجا ً ثالثا ً يحفظ لنا )صفنا‬
‫ولنا إلى )اتخاذ الحبار والرهبان أربابا ً من دون الله(‪.‬‬
‫الواحد(‪ ،‬دون أن يح ّ‬
‫رابعًا‪ :‬وماذا عن قرار المؤتمر وبيان الشيخين الشيخ يوسف القرضاوي‬
‫والشيخ سلمان العودة؟ وأقول‪ :‬ابتداَء فإني من الناحية العملية أرى موافقة‬
‫المؤتمر وعدم التفّرق والتنازع سواء كان هناك اقتناع بالطريقة التي أقرها‬
‫المؤتمر أم ل؛ فاجتماعنا على رأي مفضول خير من تفّرقنا على رأي فاضل‪.‬‬
‫وإن كان ثمة تسامح فل تثريب في المخالفة‪ ،‬على أل ّ يكون إنكار ل يتناسب‬
‫مع طبيعة المواقف العملية‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ما رأيي الخاص – ومن أنا حتى يكون لي رأيٌ خاص‬ ‫هذا من حيث المبدأ ‪ .‬أ ّ‬
‫في مقابل هؤلء الجلء ؟! ولكن مجرد مشاركة نظرية – فربما كان الصواب‬
‫مع أحد التباع أو أحد الشباب ! ‪ .‬فأرى أن رأي المؤتمر كان رأيا ً موفقا‬
‫وسديدا ً ‪ .‬ذلك أن المقاطعة وسيلة وليست هدفا ً ‪ .‬فأهدافنا في هذه الحملة ‪-‬‬
‫ف السفهاء عن النيل من مقدساتنا ‪ .‬وتبليغُ الناس رسالت‬ ‫إن صح التعبير – ك ّ‬
‫الله وهداياته كما نراها نحن ل كما يراها خصومنا ‪ .‬ومن أجل تحقيق هذه‬
‫الهداف سنجد وسائل كثيرة من أهمها المقاطعة ‪ .‬ومن المهم أن نتعامل مع‬
‫هذه الوسيلة بذكاء ووعي حتى نحصد منها أكبر مكاسب ممكنة‪ .‬بالمقاطعة‬
‫تستطيع أن تلفت انتباه الشعوب إليك لتقول لهم ما تشاء ‪ .‬بالمقاطعة‬
‫تستطيع أن تعاقب الخصم المعاند ‪ .‬بالمقاطعة تستطيع أن تحقق مكاسب‬
‫للسلم في بلدان الغرب ‪ .‬إن المقاطعة ليست عاطفة بسيطة فحسب بل‬
‫ن وذكاء ‪ .‬ولذلك فل بد لهذه المقاطعة من إدارة‬ ‫هي صناعة ومهارة ‪ ,‬وف ٌ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫تصّرف هذه الوسيلة وتقلبها بما يحقق لنا مكاسب أكبر ‪ ,‬تماما كالدراهم‬
‫تجعلها في يد تاجر ماهر يقلبها في أنواع التجارة في السوق ليرّدها إليك‬
‫أضعافا ً مضاعفة ‪ .‬وهؤلء العلماء والمؤسسات المنظمة هي أفضل الخيارات‬
‫الممكنة لدارة الموقف ‪ .‬إن أمانة المؤتمر حين رفعت المقاطعة عن شركة‬
‫" آرل " لجهودها التي اعتب ََرْتها كافية لستثنائها من القائمة = قد جعلت‬
‫الشركات تتنافس لمحاولة رفع المقاطعة عنها‪ .‬والمانة ستشترط على كل‬
‫شركة ما تراه مناسبا ً لكسب الجولة بيننا وبين خصومنا ‪ .‬ومعنى هذا أن أمانة‬
‫كت الحصار عن الجالية المسلمة في الدنمارك ‪ .‬وتحولت هذه‬ ‫المؤتمر ف ّ‬
‫التكتلت القتصادية العملقة إلى طوق يحاصر الحكومة اليمينية ‪ ,‬ومثل هذا‬
‫القرار الحكيم الواعي غّير قواعد اللعبة داخل الدنمارك ‪ .‬فأصبح إخواننا‬
‫المسلمون مع الجماهير من الشعب والشركات الضخمة ‪ ,‬أصبحوا ضد أقلّية‬
‫تصر على الساءة لنا ‪ .‬بعد أن كان إخواننا أقلّية محاصرة‪ .‬وبهذا يظهر أن‬
‫المؤتمر ليس ضد المقاطعة ‪ ,‬بل هو مع المقاطعة ومع استثمار المقاطعة‬
‫بصورة أكبر ‪ .‬وفي الجملة فإني أرى ما حصل تقدما ً ظاهرا ً في تعاطي‬
‫المسلمين مع قضاياهم ‪ ..‬عواطف " الجماهير " الصادقة ‪ ,‬تلتقي بإدارة "‬
‫الحكماء " الواعية! ‪.‬‬
‫وعودا ً إلى بداية الحديث فإن الدرس المستخلص هو ما كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يكرره على أصحابه مع كل صلة ‪ ,‬حتى إن النسان مع‬
‫كثرة قراءة النص وتأمله لكأنه يسمع صوته صلى الله عليه وسلم وهو يقول ‪:‬‬
‫)) سووا صفوفكم (( ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا‬


‫دكتور ‪ :‬عثمان قدري مكانسي‬
‫مإن سمعنا المؤذن يقيم الصلة حتى كبر المام وتبعه المصلون و قرأ المام‬
‫الفاتحة بصوته الشجي ثم هدأ قليل ً ليبدأ بعدها قراءة آيات مباركات ‪ ...‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا ‪ ...‬وتوقف قليل ً ‪ ..‬قلت في نفسي ‪ :‬لم توقف ؟ هل نسي ما يود‬
‫قراءته؟ ‪ ...‬فليبدأ بأية آية غيرها ‪ ،‬فلم يزل في البداية ‪ .‬لكنه كررها مرة‬
‫أخرى وكأنه ينادينا بصوت يخرج من أعماق قلبه " يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا‬
‫الكافرين أولياء من دون المؤمنين ‪ ،‬أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا ً‬
‫مبينا ً ؟ إن المنافقين في الدرك السفل من النار ‪ ،‬ولن تجد لهم‬
‫نصيرا ً ‪ " ........‬كان قلبي يرتج كبناء أصيب بزلزال هزه هزا ً شديدا ً فبأ‬
‫يترنح ‪ ،‬يكاد يسقط ‪ ....‬فالمام إذا ً كان بوقوفه هذا مع تكرار " يا أيها الذين‬
‫آمنوا " يريد أن يوصل لنا النداء ‪ ،‬وأن نتفاعل مع كل كلمة بعده ‪ ،‬ولم يكن‬
‫يريد لنا صلة ميتة يسرح فيها الواقف هنا وهناك في هذه الدنيا الواسعة ‪ ،‬ل‬
‫يدري كيف تنتهي الصلة ولم يِع منها شيئا ً ‪ .‬ثم يظن أحدنا أنه أدى الصلة‬
‫وأرضى الله تعالى !! ‪ ..‬كان يريدنا أن نتلقى الرسالة و نفهم ما يتلوه على‬
‫مسامعنا‪ ،‬وأن نكون فعل ً واقفين بخشوع أمام ملك الملوك ومالك الملك ‪،‬‬
‫ب ذكي ‪ .‬فما بعد النداء أمر خطير جهله الناس‬ ‫ي ول ّ‬‫وأن نتدبر آياته بقلب ح ّ‬
‫على كثرة ما يتلى عليهم ‪.‬‬
‫" يا أيها الذين آمنوا " ‪ :‬لبيك وسعديك – يارب – والمر كله بين يديك ‪ .‬نحن –‬
‫معشر المؤمنين – عبادك ‪ ....‬لك المر‪ ،‬وعلينا الطاعة والمتثال إن كنا‬
‫مؤمنين ‪ .‬وسنكون بإذنك ومشيئتك مؤمنين دائما ‪ ،‬تحبنا وترضى عنا ‪.....‬‬
‫وتداعى إلى ذاكرتي بهذا النداء العلويّ الرائع الذي يرفعنا إلى مرتبة العبودية‬
‫لله تعالى مدى حبه تعالى للمؤمنين ‪ ،‬إذ تكرر هذا النداء سبعا ً وثمانين مرة‬
‫يوضح الطريق المستقيم إلى مرضاته سبحانه ‪ ،‬ويبين السبيل القوم للحياة‬
‫الطيبة في الدنيا والواعدة في الخرى ‪.‬‬
‫ي – إخوتي الحبة –‬ ‫" ل تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين " والول ّ‬
‫الصديق الوفي ‪ ،‬والخ الصدوق ‪ ،‬والناصح المين ‪ .‬وهل يعقل أن يكون‬
‫الكافر الذي يكرهنا ويسعى جاهدا ً لليقاع بنا وإيذائنا ‪ ،‬والذي يعمل ليل نهار‬
‫على استئصال شأفتنا والكيد بنا أخا وصاحبا ً ونصوحا ً ؟!! إنهم كما قال تعالى‬
‫" ل يرقبون في مؤمن إل ّ ول ذمة ‪ ،‬وأولئك هم المعتدون " ‪ ..‬وهل يعقل أن‬
‫ترى ذكيا ً لبيبا ً بعد ذلك يتخذهم أولياء يلقي إليهم بالموّدة ؟! إن من يفعل‬
‫ي أو منافق أظهر السلم‬ ‫ذلك واحد من اثنين ل ثالث لهما ‪ :‬غافل لهٍ غب ّ‬
‫وأبطن الكفر ‪.‬‬
‫أما الغافل اللهي فقد أساء إلى نفسه دون أن يدري حيث استحق تتمة الية‬
‫" أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا ً مبينا ً " إنه حين يرضى لنفسه‬
‫مصاحبة الكافر عدو الله فقد حكم على نفسه بالهلك والويل والثبور وعظائم‬
‫المور ‪ ،‬فضل ً عن غضب الله تعالى على من أسلم قياده وزمامه لعدو الله "‬
‫إن الطيور على أشكالها تقع " وما يأمن لكافر إل السفيه الغّرير ‪.‬‬
‫وأما المنافق فله عذاب أليم جزاًء وفاقا ً ‪ ،‬بل " إن المنافقين في الدرك‬
‫السفل من النار " و الدْرك منازل النار والدرجة منازل الجنة " فأولئك لهم‬
‫الدرجات العل ‪ ،‬جنات عدن تجري من تحتها النهار " ‪ .‬والدرك في النار سبع‬
‫منازل أشدها ‪ :‬الهاوية ثم الجحيم ثم سقر ثم السعير ثم الحطمة ثم لظى ثم‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جهّنم ‪.‬وللمنافقين أسفلها وهو "الهاوية " ‪ .‬لغلظ كفرهم وشدة غوائلهم ‪،‬‬
‫وتمكنهم من المسلمين ‪ .‬نعوذ بالله أن نكون منافقين ‪.. .‬‬
‫قال ابن مسعود رض الله عنه ‪ :‬للمنافقين في الهاوية توابيت من حديد ‪،‬‬
‫مقفلة في النار تقفل عليهم ‪ .‬وقال ابن عمر رضي الله عنهما ‪ :‬إن أشد‬
‫الناس عذابا ً يوم القيامة ثلثة ‪:‬‬
‫المنافقون ‪ " :‬إن المنافقين في الدرك السفل من النار "‬
‫من كفر من أصحاب المائدة ‪ " :‬إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد ُ منكم فإني‬
‫أعذبه عذابا ً ل أعذبه أحدا ً من العالمين "‬
‫آل فرعون ‪ " :‬النار يعرضون عليها غُد ُوّا ً وعشي ّا ً ‪ ،‬ويوم تقوم الساعة أدخلوا‬
‫آل فرعون أشد العذاب " ‪.‬‬
‫أما درجات الجنة فهي مئة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إن في‬
‫الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ‪ ،‬ما بين الدرجتين كما بين‬
‫السماء والرض " ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهل هناك من ينصر هؤلء المنافقين ؟! حاشا وكل ‪ ..‬إن الله خصيمهم ‪".‬‬
‫ولن تجد لهم نصيرا ً " ومن يقف أمام الله تعالى ؟! بل " من ذا الذي يشفع‬
‫عنده إل بإذنه " وهل يشفع أحد إل لمن يريد الله تعالى له الخير ؟ " ول‬
‫يشفعون إل لمن ارتضى " ‪.‬‬
‫ومن رحمة الله تعالى بعباده أن يترك لهم باب المل مفتوحا ً على مصراعيه ‪،‬‬
‫ولو فعلوا ما فعلوا ‪ ،‬أل نقرأ دائما ً " بسم الله الرحمن الرحيم " في كل‬
‫لحظة من حياتنا ؟ فهو الرحيم بعباده ‪ ،‬الرؤوف بهم ‪ ،‬الغفور لزلتهم ‪.‬‬
‫العطوف عليهم ‪ ،‬المسامح الكريم ‪ ،‬ل إله إل ّ هو ‪ ...‬يدعوهم إليه كل حين ‪" ،‬‬
‫إل الذين ‪....‬‬
‫‪ -1‬تابوا ‪،‬‬
‫‪ -2‬وأصلحوا ‪،‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -3‬واعتصموا بالله ‪،‬‬


‫‪ -4‬وأخلصوا دينهم لله ‪،‬‬
‫فأولئك مع المؤمنين ‪...............‬‬
‫ه المؤمنين أجرا ً عظيما "‬
‫ً‬ ‫وسوف يؤتي الل ُ‬
‫فل بد من التوبة النصوح التي ل رجوع بعدها إلى الكفر والشرك ‪ .‬والعمل‬
‫الصالح الذي يجب ما قبله ويمحوه ‪ ،‬ويؤكد توبة صاحبه ويدل على صدق‬
‫توجهه ‪ .‬واللجوء إلى الله تعالى أن يبدل السيئات حسنات ‪ ،‬ويغفر الذنب‬
‫ويستر العيب ‪ ،‬ويعين على التوبة والعمل الصالح ‪ ،‬فبالله المستعان دائما ‪.‬‬
‫والخلص في المور كلها لله تعالى ‪ ،‬فبالنية الخالصة تقبل العمال " إنما‬
‫العمال بالنيات ‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى " ‪ .‬وهنا يضمهم الله تعالى إلى‬
‫ركب المؤمنين الصالحين الذين وعدهم الله عز وجل بالجر العظيم ‪.‬‬
‫ن فيه‬‫ث من ك ّ‬‫ن له ‪ ،‬وثل ٌ‬
‫ن فيه ك ّ‬
‫قال مكحول رحمه الله تعالى ‪ :‬أربعٌ من ك ّ‬
‫ن عليه ‪.‬‬ ‫ك ّ‬
‫ن في ميزان حسناته (‬ ‫ن له ) أي ك ّ‬
‫ن فيه ك ّ‬‫أما أربع الصفات التي إن ك ّ‬
‫فاليمان والشكر ‪ " :‬ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ‪ ،‬وكان الله‬
‫شاكرا ً عليما ً "‬
‫والستغفار ‪ " :‬وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ‪ ،‬وما كان الله معذبهم وهم‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستغفرون " ‪.‬‬


‫والدعاء ‪ " :‬قل ‪ :‬ما يعبأ بكم ربي لول دعاؤكم " ‪.‬‬
‫ً‬
‫ن وبال عليه (‬
‫وأما ثلث الصفات التي إن كن فيه كن عليه ) أي ك ّ‬
‫يء إل بأهله " ‪.‬‬
‫فالمكر ‪ " :‬ول يحيق المكر الس ّ‬
‫والبغي ‪ " :‬يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم " ‪.‬‬
‫والنكث ‪ " :‬فمن نكث فإنما ينكث على نفسه "‬

‫)‪(2 /‬‬

‫) يا إخواننا الدعاة ل تنسوا أهل السنة في العراق (‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا‬
‫محمد وآله وصحبه وبعد ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض(( )التوبة ‪:‬‬ ‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ‬
‫ت ب َعْ ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مَنا ُ‬ ‫ن َوال ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫فيقول الله عز وجل ‪َ)) :‬وال ُ‬
‫‪.(71‬‬
‫ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ‪)) :‬مثل المؤمنين في توادهم‬
‫وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد‬
‫بالسهر والحمى((‪.‬‬
‫ثم أن ما يقفه المسلمون اليوم وبخاصة رموز الدعوة والعلم فيهم مما يجري‬
‫من الحداث المؤلمة في لبنان لموقف يذكر لهم ويشكر وذلك في‬
‫استنكارهم القصف الوحشي من اليهود الظلمة للبرياء من أهل لبنان‬
‫وإدانتهم لهذا العمل الجرامي نسأل الله عز وجل أن يقصم الظالمين وأن‬
‫يلطف بالمسلمين ويرفع عنهم المحنة والبلء ‪.‬‬
‫ومع الفرح بهذا الموقف المشرف من دعاة المسلمين إزاء ما يحدث في‬
‫لبنان إل أن في النفس لوم وعتاب على بعضهم أرجو أن يتقبلوه بصدر رحب‬
‫وأن ل يضيقوا به ذرعا ً فإن المؤمنين نصحة والمنافقين غششة ول زال‬
‫المؤمنون يناصح بعضهم بعضا ً وقلوبهم سليمة ول يقدح ذلك في مودة‬
‫بعضهم بعضا ً ‪ ،‬وقبل أن أدخل في العتاب أود أن أنوه أن من أكره الشياء‬
‫إلي النفس نشر العتب بين الخوان في منابر عامة‪ ،‬ولكن رأيت كلما ً‬
‫منشورا ً للناس عامة في مواقع النترنت وفي بعض وسائل العلم المرئية‬
‫والمسموعة ل يصبر عليه ‪ ،‬أسأل الله عز وجل أن يهدينا لما اختلف فيه من‬
‫الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ‪.‬‬
‫وألخص هذا العتاب لبعض إخواني الدعاة فيما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إن الدعوة من بعضهم إلى دعم )حزب الله( بقيادة حسن نصر الله في‬
‫حربه الغامضة ضد اليهود لمر مستغرب جدا ً ومستنكر‪ ،‬ولقد بينت شناعة‬
‫هذا الموقف في مقالة نشرت بعنوان )احذروا فنتة حسن نصر الله وشيعته(‬
‫وإن المرء ليقف محتارا ً من هذه المواقف ويتساءل ؟ أل يعرف إخواننا‬
‫هداهم الله حقيقة الرافضة في القديم والحديث ؟ إن كانوا ل يعرفون فتلك‬
‫مصيبة ‪ ،‬وندعوهم أن يعرفوا ‪ .‬وإن كانوا يعرفون فالمصيبة أعظم على‬
‫أنفسهم وعلى المسلمين الذين يضلون بسبب هذه المواقف ‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إذا كان من يدعو إلى دعم نصر الله وحزبه قد درس المر من الناحية‬
‫الشرعية وانتهى إلى قناعة شرعية بموقف يدين الله به ‪ ،‬فإن السؤال الكبير‬
‫هنا هو ‪ :‬أين الدعوة إلى دعم إخوانكم السنة في بلد الرافدين ‪ ،‬الذين‬
‫يواجهون البادة و التهجير من المريكان و إخوانهم الرافضة! أين دعوتكم‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للمسلمين بالوقوف معهم ودعمهم في جهادهم مساواة بدعم داعي الرفض‬


‫والتشيع في لبنان ؟! فهل كان المكيال واحد ؟!‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ومع تألمنا لما أصاب البرياء في )قانا( وغيرها من جراء العدوان‬
‫اليهودي الغاشم فإننا نسأل إخواننا الدعاة الذين نددوا واستنكروا ـ وهذا أمر‬
‫يشكرون عليه ـ ولكننا نسألهم أين استنكاركم لما يصيب إخوانكم السنة في‬
‫بلد الرافدين ‪ ،‬والقتلى ليسوا بالعشرات بل بالمئات ‪ ،‬أين استنكاركم عندما‬
‫ضربت الفلوجة بالطنان من القنابل والقنابل الفسفورية التي تفتت اللحم‬
‫وتذيب الصخر ؟ وأين استنكاركم لما ضربت تل عفر وسامراء والعظمية‬
‫والرمادي وغيرها من مدن أهل السنة ؟ هل كان المكيال واحد ؟ إن الله عز‬
‫و جل سيسألنا عن نطقنا وصمتنا فهل اعددنا للسؤال جوابا ً ‪،،‬‬
‫أسأل الله عز وجل أن يهدينا جميعا ً للحق وأن يجعلنا من أنصار دينه الذين‬
‫يحبهم ويحبونه‪ ،‬والذين يجاهدون في سبيل الله ل يخافون لومة لئم ‪...‬‬
‫والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا الله ‪ ...‬يا الله ‪ ...‬يا الله‬


‫أ‪ .‬محمد مصطفى المصراتي‬
‫إذا ضاقت في وجهك الدنيا فقل ‪ ...‬يا الله إذا سدت في وجهك البواب‬
‫وقطعت أمامك السباب فتوجه إلى رب السباب و المسببات وقل يا الله إذا‬
‫غدر بك الصديق وخانك الحبيب وسد في طريقك كل سبيل فقل يا الله إذا‬
‫انقطع عنك الرزق وقل في يدك المال وتكاثرت الديون و الهموم وزادت‬
‫عليك الحزان فقل يا الله ‪...‬يا الله ‪...‬يا الله ‪ .‬فلن يضيع ندائك ولن يخيب‬
‫رجاؤك فأنت تلجأ إلى الرب الرحيم اللطيف الخبير الذي رحمته وسعت كل‬
‫شيء‪...‬‬
‫فهل دعوته بقلب خاشع ونفس طائعة واثقة ل تزعزعها الظروف فهو قريب‬
‫يجيب دعوة الداع ‪ ..‬ويكشف السوء و الضر كيف تخاف الفقر و الغني‬
‫الكريم موجود ‪ ،‬وكيف تهاب الغير والقوي الناصر ل تأخذه سنة ول نوم ‪ ...‬أما‬
‫وعيت لتلك المور !!‬
‫لقد خلقنا الله في الوجود وله حكمة في كل شيء‪...‬وحكمة وراء كل شيء‬
‫وحكمة في خلق كل شيء في اللم حكمة وفي المرض حكمة وفي العذاب‬
‫حكمة وفي الفشل حكمة وفي العجز حكمة وفي كل شيء حكمة فلنعمل‬
‫معا ً راضين بقضائه وقدره غير ساخطين ول متبرمين بل طائعين ولنكسب‬
‫أوقاتنا في رضاه و البتعاد عما يغضبه وما ينهانا عنه لماذا ننسى في معترك‬
‫حياتنا وفي لحظات الفشل و الضيق و الضياع أننا في كون يملكه الله الواحد‬
‫فالله موجود' معك ُ َ‬
‫صيٌر' فليطمأن القلب‬ ‫مُلو َ‬
‫ن بَ ِ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫م أي ْ َ‬‫َ َ ْ‬
‫وترتاح النفس ويسكن الفؤاد ويزول القلق فالحق ل بدان يصل لصحابه ‪...‬و‬
‫الدموع لن تذهب سدى ولن يمضى الصبر بل ثمرة ولن يكون الخير بل مقابل‬
‫ولن يمر الشر بل رادع ولن تفلت الجريمة بل قصاص عندما يكون خالقك‬
‫وربك رحمن رحيم لطيف خبير كريم عليم حي قيوم صمد فهل تلجأ إلى غيره‬
‫أما تحتمي بحماه وتقصد بابه فتطرق أبوابه وتسعى في أرضائه وتتوب إليه‬
‫وتدعوه يا الله يا الله يا الله ‪...‬‬
‫أنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك فارحمني يا الله يريدك ربك أن ل تعرف اليأس‬
‫ول تذوق القنوط ول تهاب العوائق ول تسأم السدود و العقبات ول تركن إلى‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ل َ ي َي ْأ ُ‬
‫س‬ ‫من ّروِْح الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫سوا ْ ِ‬
‫أهواء النفس و أن ل تيأس من روح الله ' وَل َ ت َي ْأ ُ‬
‫ن' وأن تشكو بثك وحزنك إلى الله ‪ ،‬فمن‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫من ّروِْح الل ّهِ إ ِل ّ ال ْ َ‬
‫قو ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫يفرج الكروب وينفس الهموم ويرزق من يشاء بغير حساب إل الله الرزاق‬
‫جَعل ل ُّ‬
‫ه‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬
‫من ي َت ّ ِ‬
‫سًرا' ويقول 'وَ َ‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫الكريم ‪ .‬أل يقول لنا الله 'إ ِ ّ‬
‫ه ' وإن‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ فَهُوَ َ‬ ‫من ي َت َوَك ّ ْ‬ ‫ب وَ َ‬‫س ُ‬ ‫حت َ ِ‬‫ث َل ي َ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جا * وَي َْرُزقْ ُ‬ ‫خَر ً‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫الضيق يأتي وفي طياته الفرج فأي بشرى ابعث للطمئنان من هذه البشرى‬
‫ففروا إلى الله فكل القوه عنده وكل الرزق عنده وكل العلم عنده 'واتقوا‬
‫الله ويعلمكم الله ' وكل الخير عنده فهو الوطن و هو الحمى و الملجأ و‬
‫السند و الصمد واحد أحد ل شريك له ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا ً‬
‫أحد ‪...‬‬
‫أل يدفعك ذلك إلى الحساس بالسكن و الطمأنينة وراحة البال و التفاؤل و‬
‫الهمة و القبال و النشاط والحماس و العمل بل ملل وبل فتور وبل كسل‬
‫وتلك ثمرة ' ل إله إل الله ' في نفس قائلها الذي يشعر بها ويتمثلها ويؤمن‬
‫بها ويعيشها وتلك هي الصيدلية التي تداوي كل أمراض النفس وتشفي كل‬
‫علل العقول وتبرئ بأذن الله كل تقلبات القلوب ‪ ،‬وتلك هي صيحة التحرير‬
‫التي تحطم أغلل اليدي و الرجل و العناق وهي أيضا ً مفتاح الطاقة‬
‫المكنوزة في داخلنا ‪ ،‬وكلمة السر التي حركت أجدادنا ليقطعوا في زمن‬
‫قصير ما قطعه الغير في عقود وقرون ففتحوا المصار و أناروا النفوس و‬
‫فكوا العباد من أغلل عبودية العباد إلى حرية عبودية رب العباد فتعال ندعو‬
‫الله معا ً يا الله يا الله استودعك نفسي استودعك همي وكربي وحزني وضيق‬
‫عيشي فحفني بعنايتك وعفوك وكرمك ورزقك الكريم ‪ ،‬وثبتني على الحق و‬
‫على الصراط المستقيم و ألهمني العزيمة على الرشد و شكر نعمتك وحسن‬
‫عبادتك اللهم انس وحشتي و أمن روعتي وأهدني وسددني ‪ ،‬و أسألك أن‬
‫تأتيني في الدنيا حسنة وفي الخرة حسنة وقني عذاب النار ‪...‬‬
‫يا الله يا الله يا الله أسألك العفو و المعافاة و العافية في ديني ودنياي اللهم‬
‫تولى أمري كله ودبر لي حالي كله و أصلح لي شأني كله ‪ ،‬وارزقني من حيث‬
‫احتسب ومن حيث ل احتسب يا ارحم الراحمين ‪ .‬يا الله يا الله يا الله آتي‬
‫نفوسنا تقواها وزكها فأنت خير من زكاها أنت وليها ومولها ‪ .‬يا لله يا الله يا‬
‫الله علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وتقبل منا صلتنا وصيامنا و زكاتنا‬
‫وسائر أعمالنا بجزيل الجر و عظيم الثواب و استجاب دعائنا بأفضل ما تكون‬
‫الجابة و أحسن ما يكون القبول برحمتك يا حي يا قيوم ‪ ...‬يا الله يا الله يا‬
‫الله علمنا كيف نخشاك وكيف ندعوك وكيف ترضى عنا وكيف نكون من‬
‫عبادك المتقين الصالحين المحسنين الهادين المهتدين بالله يا ارحم الراحمين‬
‫‪ ...‬آمين آمين آمين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والصلة و السلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يا بنتي‬
‫محمد بن عبدالله الدويش‬
‫دار القاسم‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يا بنتي‬
‫لو دون المرء المور المهمة في حياته فسيجد قائمة طويلة‪ ،‬لكنه حين يعمد‬
‫إلى ترتيبها حسب الولويات فسيأتي في رأس القائمة أولده و ذريته فهم‬
‫أغلى من المال‪ ،‬من الراحة‪ ،‬من رغباته و شهواته‪ ،‬و مطالبه في الدنيا و‬
‫الدليل على ذلك يا بنتي أنه حين يمرض أحد أولده مرضا ً مزعجا ً فهو يسهر و‬
‫يسافر هنا و هناك و يدفع من أمواله ما يدفع بل ربما اقترض و استدان‪ ،‬كل‬
‫ذلك من أجل و لده‪ ،‬لذلك فهو حين يخاطب و لده و يناصحه فسوف يكون‬
‫صادقا ً غاية الصدق و مخلصا ً غاية الخلص و قديما قيل " الرائد ل يكذب‬
‫أهله "‪.‬‬
‫يا بنتي‬
‫لقد صدمت اليوم بما رأيته من واقع الفتاة المسلمة‪ ،‬تعيش في دوامة من‬
‫الصراع‪ ،‬فتسمع تارة ذلك الصوت النشاز الذي يدعوها إلى الرتكاس و‬
‫التخلي عن كل معاني العفة‪ ،‬و تسمع أخرى الصوت الصادق يهز من داخلها‬
‫هزا ً عنيفا ً ليقول لها رويدك فهو طريق الغواية و بوابة الهلك‪ .‬و تتصارع هذه‬
‫الصوات أمام سمعها و تتموج هذه الفكار في خاطرها‪.‬‬
‫يا بنتي‬
‫لنكن صريحين صراحة منضبطة بضوابط الشرع‪ ،‬و واضحين وضوحا ً محاطا ً‬
‫بسياج الحياء و العفة لتكون خطوة للتصحيح و نقلة للصلح‪.‬‬
‫بعيدا ً عن العاطفة و عن سرابها الخادع‪ ،‬لو كانت هذه الفتاة التي تقيم هذه‬
‫العلقة المحرمة منطقية مع نفسها و طرحت هذا السؤال‪ ،‬ماذا يريد هذا‬
‫الشاب ؟ ما الذي يدفعه إلى هذه العلقة ؟ بل ماذا يقول لزملئه حين يلتقي‬
‫بهم ؟ و بأي لغة يتحدثون عني ؟‬
‫إنني أجزم يا بنتي انها حين تزيح وهم العاطفة عن تفكيرها فستقول و بملء‬
‫صوتها إن مراده هو الشهوة و الشهوة الحرام ليس إل‪ ،‬إذن أل تخشين‬
‫الخيانة ؟ أترين هذا أهل ً للثقة ؟ شاب خاطر لجل بناء علقة محرمة‪ ،‬شاب ل‬
‫يحميه دين أو خلق أو وفاء‪ ،‬شاب ل يدفعه إل الشهوة أول ً و آخرًا‪ ،‬أتأمنه على‬
‫نفسها بعد ذلك ؟ لقد خان ربه و دينه و أمته و لن تكون هذه الفتاة أعز ما‬
‫لديه‪ ،‬و ما أسرع ما يحقق مقصوده لتبقى ل سمح الله صريعة السى و‬
‫الحزن و الندم‪.‬‬
‫و حين يخلو هؤلء الشباب التائهون يا بنتي بأنفسهم تعلو ضحكاتهم بتلك التي‬
‫خدعوها‪ ،‬أو التي ينطلي عليها الوعد الكاذب و الحاديث المعسولة‪.‬‬
‫يا بنتي‬
‫إن الله حكيم عليم ما خلق شيء إل لحكمة‪ ،‬علم ابن آدم أو جهل‪ .‬لقد شاء‬
‫الله بحكمته أن تكون المرأة ذات عاطفة جياشة ‪ -‬تتجاوب مع ما يثيرها‬
‫للتتفجر رصيدا ً هائل ً من المشاعر التي تصنع سلوكها أو توجهه‪ .‬و حين تصاب‬
‫الفتاة بالتعلق بفلن من الناس قرب أو بعد فأي هيام سيبلغ بها ؟ فتاة تعشق‬
‫رجل ً فتقبل شاشة التلفاز حين ترى صورته‪ ،‬و أخرى تعشق حديثه و صوته‬
‫فتنتظر على أحر من الجمر لتشنف سمعها بأحاديثه‪ ،‬و حين تغيب عن ناظرها‬
‫صورته‪ ،‬أو تفقد أذنها صوته يرتفع مؤشر القلق لديها‪ ،‬و يتعالى انزعاجها فقد‬
‫غدى هو البلسم الشافي‪.‬‬
‫يا بنتي‬
‫بعيدا ً عن تحريم ذلك و عما فيه من مخالفة شرعية ماذا بقي في قلب هذه‬
‫الفتاة من حب الله و رسوله و حب الصالحين بحب الله ) ماذا بقي لتلوة‬
‫كتاب الله و التلذذ به ؟ ( أين تلك التي تنتظر موعد المكالمة على أحر من‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجمر في وقت النزول اللهي حين يبقى ثلث الليل الخر !؟ أينها عن‬
‫النطراح بين يدي الله و التلذذ بمناجاته ؟ بل و أينها عن مصالح دنياها فهي‬
‫على أتم الستعداد لن تتخلف عن الدراسة من أجل اللقاء به ؟ و أن تهمل‬
‫شؤون منزلها من أجله‪.‬‬
‫إن هذا الركام الهائل من العواطف المهدرة ليتدفق فيغرق كل مشاعر الخير‬
‫و الوفاء للوالدين الذين لم يعد لهما في القلب مكانه‪ ،‬و يقضي على كل‬
‫مشاعر الحب و العاطفة لشريك العمر الزوج الذي تسكن إليه و يسكن إليها‪.‬‬
‫و بعد حين ترزق أبناء تتطلع لبرهم فلن تجد رصيدا ً من العواطف تصرفه لهم‬
‫فينشؤون نشأة شاذة و يتربون تربية نشازًا‪.‬‬
‫إن العاقل حين يملك المال فإنه يكون رشيدا ً في التصرف فيه حتى ل يفقده‬
‫حين يحتاجه‪ ،‬فما بالها تهدر هذه العواطف و المشاعر فتصرفها في غير‬
‫مصرفها و هي ل تقارن بالمال‪ ،‬و ل تقاس بالدنيا ؟‬
‫يا بنتي‬
‫لقد خص الله سبحانه و تعالى الفتاة بهذه العاطفة و الحنان لحكم يريدها الله‬
‫سبحانه و منها أن تبقى هذه العاطفة رصيدا ً يمد الحياة الزوجية بعد ذلك بماء‬
‫الحياة و الستقرار و الطمأنينة‪ ،‬رصيدا ً يدر على البناء و الولد الصالحين‬
‫حتى ينشؤوا نشأة صالحة‪ .‬فلم تهدر هذه العواطف لتجني صاحبتها وحدها‬
‫الشقاء في الدنيا و تضع يدها على قلبها خوفا ً من الفضيحة في النهاية ؟‬
‫يا بنتي‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حين تعودين إلى المنزل و تستلقين على الفراش تفضلي على نفسك بدقائق‬
‫فاسترجعي صورة الفتاة الصالحة القانتة‪ ،‬البعيدة عن مواطن الريبة‪ ،‬و قارني‬
‫بينها و بين الفتاة الخرى التي أصابها من لوثة العلقات المحرمة ما أصابها‪،‬‬
‫بالله عليك أيهما أهنأ عيشا ً و أكثر استقرارا ً ؟ أيهما أولى بصفات المدح و‬
‫الثناء تلك التي تنصر على نفسها و رغبتها و تستعلي على شهواتها‪ ،‬و هي‬
‫تعاني من الفراغ كما يعاني غيرها‪ ،‬و تشكو من تأجج الشهوة كم يشتكين‪ .‬أم‬
‫الخرى التي تنهار أمام شهوتها ؟ تساؤل يطرح نفسه و يفرضه الواقع‪ ،‬لماذا‬
‫هذه الفتاة تنجح و تلك ل تنجح ؟ لماذا تجتاز هذه العقبات و تنهزم تلك أمامها‬
‫؟‬
‫يا بنتي‬
‫لقد عجبت أشد العجب عندما رأيت فتاة السلم تسير بلهاث مستمر وراء ما‬
‫يريده العداء‪ ،‬فتساير الموضة‪ ،‬و تتمرد على حجابها و حيائها‪ ،‬و ها نحن نرى‬
‫كل يوم صورة جديدة و لونا ً جديدا ً من ألوان هذا التمرد‪ ،‬إنها يا بنتي تتحايل‬
‫على الحجاب بحيل مكشوفة‪ ،‬لست بحاجة أن أسوق لك فتاوى حول ما تقع‬
‫فيه كثير من الفتيات‪ ،‬لكن المؤمن الحق يا بنتي يخاف الله و يتقيه و رائده‬
‫قول الرسول ‪ } :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك { و هو يدرك أن اللتفاف‬
‫على الحكام و الحتيال عليها لن ينفعه يوم يلقى الله العليم بما تخفي‬
‫الصدور‪.‬‬
‫يا بنتي‬
‫ً‬
‫ها أنت تتطلعين في المرآة فترين صورة وجه وضيء يتدفق حيوية و شبابا‪.،‬‬
‫ها أنت تغدين و تروحين و أنت تتمتعين بوافر الصحة و قوة الشباب‪ .‬و لكن‬
‫ألم تزوري جدتك يومًا‪ ،‬أو تري عجوزا ً قد رق عظمها‪ ،‬و خارت قواها ؟! لقد‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كانت يوما ً من الدهر شابة مثلك‪ ،‬و زهرة كزهرتك‪ ،‬و لكن سرعان ما مضت‬
‫السنون و انقضت اليام فاندفنت زهرة الشباب تحت ركام الشيخوخة و‬
‫مضت أيام الصبوة لتبقى صورة منقوشة في الذاكرة‪ .‬و ها أنت يا بنتي على‬
‫الطريق‪ ،‬و ما ترينه من صورة شاحبة و شيخوخة ستصيرين إليها بعد سنوات‬
‫إذا ً فإياك أن تهدري وقت الشباب و زهرته‪ ،‬و تضيعي الحيوية فيما ل يعود‬
‫عليك إل بالندم و سوء العاقبة‪.‬‬
‫يا بنتي‬
‫لو فكر أهل الشهوات و المتاع الزائل في الدنيا بحقيقة مصيرهم لعادوا‬
‫النظر كثيرا ً في منطلقاتهم‪ ،‬تصوري يا بنتي من حصل كل متاع الدنيا و ذاق‬
‫لذائذها و لم ير يوما ً من اليام ما يكدره‪ .‬إن كل هذا سينساه لو غمس‬
‫غمسة واحدة في عذاب النار حمانا الله و إياك‪.‬‬
‫و الخر الذي عاش من الحياة أشقاها سينسى هذا الشقاء لو غمس غمسة‬
‫واحدة في النعيم‪ ،‬عن انس بن مالك قال قال رسول الله ‪ } :‬يؤتى بأنعم‬
‫أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال‪ :‬يا ابن‬
‫آدم هل رأيت خيرا ً قط ؟ هل مر بك نعيم قط فيقول ل و الله يا رب و يؤتى‬
‫بأشد الناس بؤسا ً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا‬
‫ابن آدم هل رأيت بؤسا ً قط ؟ هل مر بك شدة قط فيقول ل و الله يا رب ما‬
‫مر بي بؤس قط و ل رأيت شدة قط { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫وأخيرا ً أسأل الله العزيز القدير أن ينفعك بهذه الرسالة و صلى الله على نبينا‬
‫محمد‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يا بني توجيه رفيق ‪1/4/1425‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله رب العالمين‪،‬والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ما زلنا مع سورة يوسف‪ ،‬ونقف اليوم مع آية يعلمنا فيها يعقوب ‪ -‬عليه‬
‫السلم ‪ -‬أسلوبا ً فريدا ً في التربية والتوجيه‪ ،‬يقول الله ‪ -‬تعالى‪" :-‬إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِلي‬ ‫مَر َرأي ْت ُهُ ْ‬
‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫كبا ً َوال ّ‬‫شَر ك َوْ َ‬
‫حد َ ع َ َ‬‫تأ َ‬ ‫ت إ ِّني َرأي ْ ُ‬‫ف َل َِبيهِ َيا أب َ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ُيو ُ‬
‫ن‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا لك كْيدا إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫كي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خوَت ِك في َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ؤياك عَلى إ ِ ْ‬ ‫ص ُر ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ي ل تَ ْ‬ ‫َ‬
‫ن قال َيا ب ُن َ ّ‬‫َ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬‫سا ِ‬‫َ‬
‫ن" )يوسف‪ .(5 ،4:‬أسلوب رائع في التعامل بين‬ ‫بي‬ ‫م‬ ‫و‬‫د‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫َ ِ ِْ َ ِ َ ُ ّ ُ ِ ٌ‬‫سا‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ّ‬
‫ال ْ‬
‫ي‬ ‫ش‬
‫الب وابنه‪ ،‬فيعقوب ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬يربي أبناءه على الرجوع إليه كلما حدث‬
‫لهم ما يثير انتباههم‪ ،‬حتى يوجههم التوجيه المناسب‪ ،‬فأنت ترى ابنه يوسف –‬
‫عليه السلم‪ -‬يرى رؤيا فيبادر بقصها على أبيه ول يتردد‪ ،‬وهذا يشير إلى‬
‫طبيعة العلقة الحميمة بينهما‪.‬‬
‫ثم لما قص عليه الرؤيا أولها ما تستحقه من الهتمام‪ ،‬فل هو أهملها كما‬
‫يفعل الكثيرون‪ ،‬ول هو بالغ في الهتمام بها‪ .‬كثير من الناس يظن أن رؤيا‬
‫الطفال ل أهمية لها والواقع أنها قد تكون أصدق من رؤى الكبار؛ لنهم ما‬
‫زالوا على الفطرة ولم يتعودوا الكذب وفي الحديث الصحيح "أصدقكم رؤيا‬
‫أصدقكم حديثًا")‪ .(1‬كذلك المبالغة في الهتمام برؤى الصغار ليس أمرا ً‬
‫مرضيًا؛ لنه ربما دفعهم إلى الكذب لينالوا ما يرونه من تشجيع‪.‬‬
‫ومن اللفتات في هذه أن يوسف ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬لم يقصص رؤياه على أبيه‬
‫أمام إخوته‪ ،‬وهذا ما ينبغي أن يراعى لئل تدفع المنافسة الصغار لختلق‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرؤى‪.‬‬
‫ً‬
‫وفي تأكيد أبيه على عدم قصها مصداقا لما روي عن نبينا ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وصححه بعض أهل العلم)‪" (2‬اقضوا حوائجكم بالكتمان‪ ،‬فكل ذي‬
‫نعمة محسود"‪ ،‬وإذا كان هذا قد يقع بين الخوان‪ ،‬فوقوعه مع العامة أحرى‪،‬‬
‫ومراعاته إذن أولى‪.‬‬
‫كبًا" )يوسف‪ :‬من الية ‪ (4‬فهمها يعقوب ‪ -‬عليه‬ ‫شَر ك َوْ َ‬ ‫حد َ ع َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تأ َ‬ ‫قوله‪" :‬إ ِّني َرأي ْ ُ‬
‫السلم‪-‬؛ لنه كان ممن يعبر الرؤى‪ ،‬وعلم ما سيحدث لبنه من عز وشرف‪،‬‬
‫لذا نبهه أل يقص الرؤيا على إخوته لئل يحسدوه عليها‪ ،‬ثم لم يكتف بالنهي‬
‫لئل يبقى في نفس الصغير شيء‪ ،‬فيتساءل لم يكد له إخوانه؟ وماذا صنع‬
‫لهم! فقال له‪ :‬إنهم سيفعلون ذلك بكيد من الشيطان فبقيت في نفس‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن ن ََزغَ ال ّ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬
‫م ْ‬
‫يوسف ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فعلل بها في آخر القصة " ِ‬
‫خوَِتي" )يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(100‬وهنا إشارة لواجب الباء في‬ ‫ن إِ ْ‬‫ب َي ِْني وَب َي ْ َ‬
‫السيطرة على مشاعر أبنائهم بحسن التوجيه لئل ينشأ بينهم التباغض‬
‫والحسد‪.‬‬
‫ومن اللفات هنا أن يوسف ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬من أهل بيت آتاه الله الحكمة‪،‬‬
‫وعرف بتأويل الرؤى صغاره وكباره‪ ،‬ولهذا قال يعقوب ‪ -‬عليه السلم‪" :-‬ل‬
‫ك" )يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(5‬فعَِلم أنهم سوف يعلمون‬ ‫خوَت ِ َ‬ ‫ك عََلى إ ِ ْ‬ ‫ؤيا َ‬ ‫ص ُر ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫ق ُ‬‫تَ ْ‬
‫تأويلها فربما نزغهم الشيطان إلى الكيد‪ ،‬فأمره بعدم قصها عليهم‪.‬‬
‫ومن اللفتات أيضا ً مبالغة يعقوب – عليه السلم ‪ -‬في تحذيره فهو لم يقل‪:‬‬
‫من معنى فعل‬ ‫ض ّ‬‫ك" )يوسف‪ :‬من الية ‪ (5‬ف َ‬ ‫دوا ل َ َ‬‫كي ُ‬‫فيكيدوك‪ ،‬بل قال‪" :‬فَي َ ِ‬
‫يتعدى باللم‪ ،‬ليفيد معنى فعل الكيد‪ ،‬مع إفادة معنى الفعل المضمن‪ ،‬فيكون‬
‫آكد وأبلغ في التخويف‪ ،‬وذلك نحو‪ :‬فيحتالوا لك‪.‬‬
‫واللفتات التربوية في هذه الية كثيرة‪ ،‬ولعل من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬البدء بما يسترعي انتباه البن أو الطالب أو المقصود بالتوجيه‪ ،‬وهنا‬
‫استرعى يعقوب سمع ابنه يوسف ‪ -‬عليهما السلم ‪ -‬بعبارة حانية محببة يقول‬
‫فيها‪) :‬يا بني(! وفرق بين أن تجذب انتباه من تريد توجيهه بعبارة تلفت‬
‫انتباهه نحو ما تقول فيلتفت إليك بوجهه وعقله‪ ،‬وبين أن تجذب انتباهه بعبارة‬
‫زاجرة تجعل جل همه التفكير فيما يخلصه من الصراخ أو الزجر أو التوبيخ‪،‬‬
‫فيترك ما نهي عنه للحظة‪ ،‬ثم يعود بعد مدة؛ لنه ما تنبه إلى الحكم‬
‫والسباب‪ ،‬وإنما كان همه التخلص من العبارة المرعدة المرعبة‪" :‬يا ولد"! أو‬
‫"يا ‪!"...‬‬
‫‪ -2‬اختار يعقوب ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬عبارة تأطر البن على طاعة أمر والده‪،‬‬
‫فهذه العبارة الحانية )يا بني!( والتي فيها نسبة البن إلى نفسه‪ ،‬تنبه البن‬
‫إلى معاني البوة في الكلم المقبل على تلقيه‪ ،‬فهو يعلم أن ما سيأتي بعدها‬
‫أمر أبوي يفيض بحب الخير للبناء‪ ،‬وكراهة كل ما يسوؤهم‪ ،‬وطاعة مثل هذا‬
‫المر أقرب من عصيانه‪ ،‬كما أن النداء بـ )يا بني!( مشعر بنوع شفقة وحرص‬
‫أبوي يناسب مقام النهي والتحذير‪ ،‬والسامع للعبارة يستشف منها معنى‪ :‬أنت‬
‫مني‪ ،‬ولذا أشفق عليك فل تفعل‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ؤيا َ‬
‫ك‬ ‫ص ُر ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫‪ -3‬لم يكتف بالنهي المجرد‪ ،‬بل أتبعه بتعليله‪ ،‬فقال أو ً‬
‫ل‪" :‬ل ت َ ْ‬
‫ك ك َْيدًا"‬
‫دوا ل َ َ‬ ‫ك" )يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(5‬وعقب بقوله‪" :‬فَي َ ِ‬
‫كي ُ‬ ‫عََلى إ ِ ْ‬
‫خوَت ِ َ‬
‫)يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(5‬فالجسام البشرية ليست مجرد آلت تتحرك بالوامر‪،‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فما أسرع الناس لمخالفة ما لم يعرفوا حكمته‪ ،‬أو يقفوا على علته‪ ،‬بل ما‬
‫أسرعهم إلى أن يعيبوا ما ل علم لهم به –كما قالت أم المؤمنين عائشة ‪-‬‬
‫رضي الله عنها‪.-‬‬
‫ولهذا قرر علماء التربية في العصر الحاضر أن توجيه الطفال لبد أن يصحبه‬
‫شيء من التعليل‪ ،‬وإل ّ كانت النتيجة امتثال المر أمام الباء‪ ،‬ومخالفتهم فور‬
‫تولية ظهورهم!‬
‫إن هذه النمط الديكتاتوري في التربية‪ :‬افعل "وبس"! لم يكن يعرفه أعظم‬
‫المربين ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫هاهو ذا يوجه ابن عباس في كلمات تلحظ الشبه بينها وبين كلمات يعقوب –‬
‫عليهما السلم‪ -‬هذه فيقول‪" :‬يا غلم إني أعلمك كلمات"‪ ..‬وينهى الخر الذي‬
‫طاشت يده في الصحفة بأسلوب أكثر بلغة وإبداعًا‪ ،‬فيقول‪" :‬يا غلم سم‬
‫الله وكل بيمينك وكل مما يليك"‪ ،‬فيا لله أي معلم هذا! يقول علماء التربية‬
‫الغربيون‪ :‬إذا أردت أن تنهى ابنك أو من توجه‪ ،‬عن فعل أمر‪ ،‬فحاول أن‬
‫يكون ذلك بصيغة المر قدر المستطاع‪ ،‬فإن النهي المباشر مصادمة لرادة‬
‫الطفل أو الموجه‪ ،‬وصرفه عن خطئه بإرشاده إلى الصواب توجيه وتسديد‬
‫لرادته‪ ،‬ولهذا قال‪" :‬كل بيمينك‪ ..‬كل مما يليك"‪ ،‬ومن هذا القبيل أيضا ً قوله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬للحسن عندما امتدت يده إلى تمر الصدقة‪" :‬كخ كخ"‬
‫تنبيه! "ارم بها" توجيه بالمر لبالنهي! "أما علمت أنها ل تحل لنا" تعليل‪،‬‬
‫فأين هذا السلوب من السلوب العسكري الدكتاتوري الذي ينتهجه بعض‬
‫الباء! لتكون النتيجة تربية ديكتاتوريين صغار ليصبحوا في المستقبل‬
‫دكتاتوريو رجال الغد! بينما يتنازل الحسن –رضي الله عنه‪ -‬الذي رباه النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬على الفهم والتعليل عن الخلفة وأي خلفة!‬
‫وهنا يعقوب ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ينهى عن محذور لم تتوجه إليه إرادة الطفل‬
‫ولكنه محتمل‪ ،‬فناسب أن يكون النهي نهيا ً صريحًا‪ ،‬ومع ذلك علله بقوله‪:‬‬
‫ك ك َْيدًا" )يوسف‪ :‬من الية ‪ (5‬فهو ليس نهيا ً مجردا ً بل نهي معلل‬ ‫دوا ل َ َ‬ ‫"فَي َ ِ‬
‫كي ُ‬
‫مقنع‪.‬‬
‫دوا لك كْيدا" )يوسف‪ :‬من الية ‪ (5‬فيه دليل على فطنة‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كي ُ‬ ‫َ‬
‫‪ -4‬قوله‪" :‬في َ ِ‬
‫يعقوب‪ ،‬إلى تصرفات وسلوك بنيه‪ ،‬فلم يكن يعقوب ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬سيئ‬
‫الظن‪ ،‬ولكنها فراسة المؤمن قادته إليها يقظته وفطنته‪ ،‬فهو يعلم أحوال‬
‫أبنائه من حوله‪ ،‬ويستشف من تصرفاتهم شيئا ً ربما وجد في نفوسهم‪ ،‬ويعمل‬
‫جاهدا ً على أل يستفحل المر فيخرج إلى نطاق ل يمكن تداركه‪ ،‬فتراه يقطع‬
‫كل سبيل ربما قاد إلى تفاقمه‪ ،‬وهكذا ينبغي أن يكون المربي فطنا ً لبقا ً‬
‫يحسن قراءة نفوس طلبه ومن حوله بناًء على تصرفاتهم‪ ،‬ويتعامل مع تلك‬
‫النفوس بما يناسبها‪ ،‬وليحذر من اليغال في الريبة والشك فليرتاب بغير‬
‫م" )الحجرات‪ :‬من الية ‪،(12‬‬ ‫ن إ ِث ْ ٌ‬‫ض الظ ّ ّ‬ ‫ن ب َعْ َ‬ ‫مبرر ظاهر ومحض ظنون‪ ،‬فـ "إ ِ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كما ليحذر من أن يكون الحاضر الغائب‪ ،‬ليعلم شيئا وليحلظ أمرا حتى تقع‬
‫الفأس كما يقولون على الرأس! ولت ساعة مندم‪.‬‬
‫‪ -5‬وأخيرا ً حرصه على سلمة صدور الخوة بعضهم تجاه بعض‪ ،‬ولهذا نسب‬
‫إلى أحد الدوافع والسباب‪ ،‬وهي وسوسة الشيطان )عدو النسان(‪ ،‬وفي هذا‬
‫فائدة أخرى‪ ،‬وهي استثمار المواطن المناسبة‪ ،‬لبيان العدو الحقيقي‪ ،‬وتوطيد‬
‫ن" )يوسف‪ :‬من الية ‪،(5‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ن عَد ُوّ ُ‬ ‫سا ِ‬‫ن ل ِْل ِن ْ َ‬ ‫طا َ‬‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫بغضه‪ ،‬ولهذا قال‪" :‬إ ِ ّ‬
‫ض النظر عن الزمان أو‬ ‫فذكر عداوته وعّبر بالمصدر )عدو( فهو عدو بغَ ّ‬
‫المكان‪ ،‬وليست عداوته عداوة خفية‪ ،‬بل هي عداوة بينة جلية‪ ،‬كيف ل وقد‬
‫م" )العراف‪ :‬من الية‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫صَراط َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫أخبر الله عن قوله ‪َ" :‬ل َقْعُد َ ّ‬
‫ن ل َهُ ْ‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.(16‬‬
‫نسأل الله أن يجنبنا الشيطان وكيده‪ ،‬وأن يلهمنا رشدنا‪ ،‬وأن يرزقنا متابعة‬
‫النبياء في أسلوب تربية الناشئة والبناء‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد‬
‫وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫____________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم ‪.4/1773‬‬
‫)‪ (2‬انظر السلسلة الصحيحة رقم ‪.1453‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يا بني‬
‫المحتويات‬
‫مدخل بين يدي الرسالة‬
‫حديث حول العقوق‬
‫حين يخطيء الوالد‬
‫حديث من شيخ إلى شاب‬
‫مشكلة الشهوة‬
‫ما المر الذي يهمك؟‬
‫قصة مجتمعك‬
‫مدخل بين يدي الرسالة‬
‫معشر الخوة الكرام‪ :‬إن المصارحة مع أنفسنا مطلب ضروري‪ ،‬والتخلي عنها‬
‫ليسهم إل في دفن الحقائق‪ ،‬وخلق سحب وضبابية حول كثير من أخطائنا‪،‬‬
‫وصنع السلك الشائكة حول أرض المحاسبة‪ ،‬وخلق الخطوط الحمراء‬
‫ستكون ضريبته استمرار الخطاء وتضاعف التجاوزات‪.‬‬
‫إن مواجهة النفس‪ ،‬والتخلص من الحيل النفسية مطلب ملح هو الخر ولن‬
‫يجني غيرنا ثمرة المخادعة والتزويق‪.‬‬
‫معشر الخوة الكرام‪ :‬ثمة مشكلت في حياتنا الجتماعية‪ ،‬وأخطاء‪،‬‬
‫وتجاوزات‪ :‬في علقة الب بأبنائه‪ ،‬والبن بوالديه‪ ،‬والزوج بزوجته‪ ،‬والزوجة‬
‫بزوجها‪ .‬والمدير بالموظف‪ ،‬ورب العمل بالعامل‪ .‬وحين نكون جادين في‬
‫التخلص من هذه المشكلت وتصحيح هذه الخطاء فل مناص من طرح هذه‬
‫الموضوعات تحت ضوء الشمس فلم تعد أسرارًا‪ ،‬بل صار يدركها حتى‬
‫المغفل‪ ،‬ويبصرها العشى والعمش‪.‬‬
‫ولشك أن ذلك يعني أن تثار بمحضر الخصم‪ ،‬وبمسمع الطرف الخر‪ ،‬فسوف‬
‫يسمع البن مشكلة أبيه‪ ،‬والزوجة مشكلة زوجها‪ ،‬وقد يكون هناك حساسية‬
‫وحرج ولكن‪ :‬لماذا تطغى هذه الحساسيات على تفكيرنا لتكون عائقا ً عن أي‬
‫خطوة في التصحيح والمصارحة‪ ،‬ولماذا نتوهم أن مشكلتنا ليعلم عنها غيرنا؟‬
‫معشر الخوة الكرام‪ :‬إن الحقيقة مرة‪ ،‬والمصارحة مؤلمة‪ .‬لكن ذلك أهون‬
‫بحال من مرارة النتائج الفادحة لستمراء الخطأ وإلف المخالفة‪.‬‬
‫لقد طرحنا قضية الباء ومشكلتهم مع أبنائهم في رسالة واضحة بعنوان )يا‬
‫أبت(‪ .‬وآن الوان لطرح الحوار مع الطرف الخر فإلى رسالة يا بني‪-:‬‬
‫يا بني‪ :‬السلم عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد‪-:‬‬
‫فأحمد الله إليك وهو للحمد أهل‪ ،‬وأثني عليه ول أحد أحب إليه الثناء منه عز‬
‫وجل‪ .‬ثم إني مسطر لك كلمات خطها مداد النصيحة‪ ،‬ومعبر لك عن كوامن‬
‫في الصدر فجرها دافع المحبة‪ .‬فمعذرة يا بني إن كان في اللفاظ خشونة‪،‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو كان في التعبير قسوة لكنها قسوة المحب‪ .‬والدرن يا بني قد ل يزول إل‬
‫مع بعض القسوة‪.‬‬
‫يابني‪ :‬تتسابق الكلمات‪ ،‬وتتدافع الموضوعات حين أريد أن أسطر لك‪ .‬فأشعر‬
‫أن حيز هذه الرسالة قد ل يتسع لما أريد قوله‪ .‬فآثرت أن أشير إلى أهمه‪،‬‬
‫تنبيها ً وتلميحًا‪ ،‬والحر تكفيه الشارة‪ .‬وما لم أسطره لك يابني فإنما حال دونه‬
‫شعوري أنه مستقر لديك ولم يعد بحاجة إلى إشارة ‪ .‬أو شعوري بأن غيره‬
‫احتل المساحة دونه‪.‬‬
‫يابني‪ :‬تحوم هذه الرسالة حول البر وحقيقته‪ ،‬وترحل بك إلى واقع السلف‬
‫لترى نماذج من ذلك‪ .‬وتعرج على شؤم العقوق ووباله‪ ،‬منبهة على العقوق‬
‫في الفكر والمنهج وهو نوع معاصر من العقوق‪ .‬ثم تدلف بك إلى وصايا حول‬
‫الفتن والشهوات‪ ،‬والهتمامات والدوافع‪ .‬مذكرة لك‪ .‬بمواعظ عاجلة‪ .‬حاكية‬
‫لك قصة هذا المجتمع مما لم تره بعينك ورآه والدك‪ .‬ورأيت يا بني تسهيل ً‬
‫عليك‪ .‬أن أجعلها في فصول متتابعة‪ :‬فصل عن البر‪ .‬وفصل عن العقوق‪.‬‬
‫وفصل بعنوان حين يخطئ الوالد‪ .‬وفصل بعنوان حديث من شيخ إلى شاب‪.‬‬
‫وفصل بعنوان قصة مجتمعك‪ .‬وفصل بعنوان مواعظ ووصايا‪.‬‬
‫فأرعني سمعك وحكم عقلك‪ ،‬وقبل ذلك موازين الشرع المطهر‪.‬‬
‫يا بني‪ :‬ها أنت بلغت سن التكليف‪ ،‬فأصبحت رجل ً مسؤول ً عن أعمالك‪،‬‬
‫ومحاسب مجزي عليها‪ .‬يا بني ‪ :‬إن بلوغك يعني أنك أصبحت مخاطبا ً بسائر‬
‫التكاليف الشرعية‪ .‬فقد جاوزت مرحلة الطفولة إلى غير رجعة‪ ،‬ودخلت بوابة‬
‫جديدة إلى الحياة‪ .‬وآن لي أن أبوح لك بحديث طالما كان يعتلج في صدري‪،‬‬
‫ويكنه فؤادي‪ ،‬كان يحبسه انتظار بلوغك ما بلغت الن‪ .‬ومع ما كان يعتلج في‬
‫صدري‪ ،‬ويدور في خاطري فقد قلبت الطرف‪ ،‬وقرأت ما سطره بعض‬
‫الوائل والواخر‪ ،‬من رسائل لبنائهم‪ ،‬ووصايا لفلذات أكبادهم‪ ،‬فضمنت‬
‫وصيتي بعض ما قالوه‪ ،‬وزينتها ببعض ما صاغوه‪ .‬فهل أنت مصغ لي سمعك؟‪.‬‬
‫وفاتح لي فؤادك؟ عل الله أن ينفعك ببعض ماتسمع‪.‬‬
‫يا بني‪ :‬كم كان سروري وأمك حين بلغنا نبأ حملها بك‪ ،‬وكنا نتردد على‬
‫الطبيب للفحص والمتابعة‪ .‬وحين كانت تلك الساعة التي خرجت فيها إلى‬
‫الدنيا‪ .‬لم تكن تدري كم كان مبلغ سرورنا‪ ،‬وبهجتنا‬
‫لقد كانت آمالنا معقودة عليك‪ ،‬وكنا ننتظر تلك الساعة التي تبلغ فيها السعي‪،‬‬
‫كانت أمك تردد في نفسها‪ ،‬وتناجيك وأنت صغير رضيع تؤمل المال العريضة‪،‬‬
‫وتتمنى المنيات الغالية أن تبلغ ما تبلغ‪.‬‬
‫ل‪ ،‬إل أن خواطره كانت حبيسة الفؤاد‪ ،‬تعتلج في‬ ‫وكان والدك ل يقل عنها حا ً‬
‫صورة أمنيات‪.‬‬
‫يا بني‪ :‬طالما سمعت أن الله قرن حق الوالدين بحقه ]وقضى ربك أل تعبدوا‬
‫إل إياه وبالوالدين إحسانًا[‪ .‬إن هذا وحده يا بني كاف في تعظيم حق الوالدين‬
‫وعلو شأنهما‪ .‬كاف دون سرد المثلة والنماذج والشواهد‪.‬‬
‫يابني‪ :‬لم يأمر الله بالذل إل للوالدين والمؤمنين ]واخفض لهما جناح الذل من‬
‫الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا[‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يابني‪ :‬الجهاد ذروة سنام السلم وتحديث النفس به شرط للبراءة من‬
‫النفاق‪ .‬ومع ذلك يابني فإذن الوالدين شرط للمشاركة في الجهاد فقد‬
‫استأذن رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال‪" :‬أحي‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والداك؟" قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪" :‬ففيهما فجاهد"‪ .‬متفق عليه من حديث عبدالله بن‬
‫عمرو‪.‬‬
‫وروى هذا المعنى مسلم من حديث أبي هريرة‪ .‬وأبويعلى والطبراني من‬
‫حديث أنس‪ .‬والوقت يابني يطول عن سرد النصوص في ذلك‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬يبلغ حق الوالدين درجة ل تسقط معها الصلة حتى ولو كانا مشركين‬
‫]وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فل تطعهما[ وفي‬
‫الصحيحين من حديث أسماء رضي الله عنها قالت‪ " :‬قدمت علي أمي وهي‬
‫مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قلت‪ :‬قدمت علي أمي وهي راغبة‪ ،‬أفأصل أمي؟ قال‪:‬‬
‫صِلي أمك"‪.‬‬‫"نعم ِ‬
‫ي‬
‫يابني ‪ :‬أتدري من أحق الناس بحسن صحابتك؟ سأل رجل هذا السؤال النب ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم قائل ً ‪:‬من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال‪ ":‬أمك"‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثم من؟ قال‪":‬أمك"‪ ،‬قال ثم من؟ قال‪" :‬أبوك"‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬كم يحتل أصدقاؤك من مكانة في قلبك تستوجب قائمة طويلة من‬
‫التضحية‪ ،‬واليثار‪ ،‬والمشاورة‪ ،‬والمجاملة؟ ولكن أل تعلم يابني أن أمك‪،‬‬
‫وأباك أحقّ الناس بحسن صحابتك‪.‬‬
‫أتريد يابني أن تعرف عظم وجد الم على ابنها فاسمع معي هذه البيات‪-:‬‬
‫لمك حق لو علمت كبير*** كثيرك ياهذا لديه يسير‬
‫فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي *** لها من جؤاها أنة وزفير‬
‫وفي الوضع لوتدري عليها مشقة *** فمن غصص منها الفؤاد يطير‬
‫وكم غسلت عنك الذى بيمينها *** وما حجرها إل لديك سرير‬
‫وتفديك مماتشتكيه بنفسها *** ومن ثديها شرب لديك نمير‬
‫وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها *** حنانا ً وإشفاقا وأنت صغير‬
‫يابني‪ :‬أتدري كم يبلغ فرط الم وشوقها عليك حين تغادر المنزل حتى تعود؟‬
‫كم مرة أيقظتني من النوم لتقول‪ :‬إن ابني لم يعد‪ ،‬كم مرة أزعجتني حين‬
‫سافرت لتسأل متى يعود؟ وما شأنه؟ وأنت يابني سادر تعيش في عالم آخر‪.‬‬
‫فتغيب عن المنزل دون أن تشعرها‪ ،‬وحين تسافر تنتظر اتصالك على أحر‬
‫من الجمر لكنها لتجد إل اللمبالة‪ .‬أهذا حق أمك يابني؟‪.‬‬
‫يابني !‪ :‬إنكم حين تواجهوا أنفسكم بالسؤال الصريح وتبحثوا عن موقعكم في‬
‫خارطة البر أو العقوق‪ ،‬تدركون لماذا يكرر ويبدأ الموضوع ويعاد‪ ،‬لست‬
‫بحاجة يابني لفيض في الحديث عن حق الوالدين وعظم منزلتهما‪ ،‬لكني‬
‫أسألك بصراحة أن تحدد موقعك أفي سياج البر‪ ،‬أم العقوق‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬أتريد رضا الله عز وجل‪ .‬فهو مرتبط برضا الوالد يخبرنا بذلك أعلم‬
‫الخلق بالله سبحانه وتعالى فيقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي‬
‫والحاكم عن عبدالله بن عمرو ‪":‬رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في‬
‫سخط الوالد"‪.‬‬
‫أرأيت يابني أي بوار وهلك يجنيه من يسخط والده‪ ،‬حيث يستجلب على‬
‫نفسه سخط رب السماء والرض؟‪ .‬ومن ذا يابني يطيق هذا الوعيد الشديد؟‬
‫يابني ‪ :‬إن الجنة مطلب الجميع‪ ،‬ومسعى من سهروا وهجروا الرقاد ‪،‬ومطلب‬
‫من بذلوا الرواح والمهج رخيصة لّله‪ .‬أتدري بعد ذلك يابني أن الوالد أوسط‬
‫أبواب الجنة‪.‬‬
‫ويندب صلى الله عليه وسلم من أضاع هذه الفرصة فيقول‪ " :‬رغم أنفه‪ ،‬ثم‬
‫رغم أنفه‪ ،‬ثم رغم أنفه" قيل‪ :‬من يارسول الله؟ قال‪" :‬من أدرك والديه عند‬
‫الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة " رواه مسلم‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م به الخطوب‪ ،‬وحن تقفل‬ ‫يابني ‪ :‬إن الدعاء هو الملجأ للمسلم حين تدله ّ‬
‫البواب أمامه‪ .‬أتعلم أن بر الم من أسباب إجابة الدعاء؟ لقد كان أول الثلثة‬
‫الذين انطبقت عليهم الصخرة‪ ،‬فدعا الله بصالح عمله‪ :‬رجل باّرا بأمه‪.‬‬
‫وخير التابعين أويس القرني رضي الله عنه كان بّرا بأمه فكان مجاب الدعوة‬
‫يوصي النبي صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه أن يطلب منه الدعاء‪.‬‬
‫وهذا فوق أنه شهادة بر وصلح لويس فهو رسالة إلى كل من كان له أم أن‬
‫برها من أسباب استنزال النصر‪ ،‬واستحقاق إجابة الدعوة‪.‬‬
‫فدونك فارغب في عميم دعائها *** فأنت لما تدعو إليه فقير‬
‫يابني ‪ :‬أعرفت الن أن البر ينتج لصاحبه رضا الله‪ ،‬ودخول الجنة‪ ،‬وإجابة‬
‫الدعاء؟‬
‫ي لهما باّر‬ ‫ً‬
‫يابني ‪ :‬توهم نفسك كثيرا أن حق والديك عليك أعظم‪ ،‬وأنك وف ّ‬
‫ً‬
‫بهما‪ .‬لكني أذكر أنك ذات يوم اعتذرت عن إجابة دعوة أمك محتجا بالتعب‬
‫والرهاق‪ ،‬وحينها قدم زميلك محمد وهو شاب خير ل مطعن فيه‪ ،‬فنسيت ما‬
‫بك من بأس وفقدت التعب والعياء‪ ،‬أهكذا يابني مفهوم البّر لديك؟‬
‫يابني ‪ :‬إليك صورة من حقيقة البر؛ لتدرك أن إحضار الخبز‪ ،‬أو اليصال‬
‫لزيارة‪ ،‬أو الوفاء بمطلب ليس هو منتهى البر وأداء الحق‪.‬‬
‫عن أبى هريرة رضي الّله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"ليجزي ولد ٌ والده إل أن يجده مملوكا ً فيعتقه " رواه مسلم وأهل السنن‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويدرك ابن عمر رضي الله عنهما أن البر يمتد حتى بعد موت الوالد فيلقى‬
‫أعرابيا ً في الطريق فيركبه راحلته‪ ،‬ويعطيه عمامة له على رأسه ‪ .‬فقيل له‬
‫إنهم أعراب يرضون باليسير‪ .‬فيقول رضي الّله عنهما إن أبا هذا كان ودا ً‬
‫لعمر بن الخطاب‪ ،‬وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬إن‬
‫أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه" رواه مسلم‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬نقف وإياك سريعا ً مع بعض صور البر لدى سلف المة علك تدرك أن‬
‫الكثير مما يظنه البعض من شبابنا برا ً ليرقى لذلك‪:‬‬
‫محمد بن المنكدر المام الحافظ القدوة شيخ السلم كان برا ً بأمه وكان يضع‬
‫خده على الرض ثم يقول لمه قومي ضعي قدمك على خدي‪ .‬وقال سعيد‬
‫بن عامر عنه‪ :‬بات أخي يصلي وبت أغمز قدم أمي ‪ ،‬وما أحب أن ليلتي‬
‫بليلته‪.‬‬
‫وكهمس الحنفي البصري العابد أبو الحسن من كبار الثقات‪ .‬أراد قتل عقرب‬
‫فدخلت في جحر فأدخل إصبعه خلفها فضربته‪ ،‬فقيل له‪ .‬قال خفت أن تخرج‬
‫فتجىء إلى أمي تلدغها‪.‬‬
‫وعبدالله بن عون المام القدوة عالم البصرة نادت أمه فأجابها فعل صوته‬
‫صوتها فأعتق رقبتين‪.‬‬
‫ّ‬
‫وابن سيرين شيخ السلم مولى أنس رضي الله عنه إذا كان عند أمه لو رآه‬
‫رجل ل يعرفه ظن أن به مرضا ً من خفض كلمه عندها‪.‬‬
‫أما عروة بن الزبير المام الفقيه فتزداد حساسيته فيرى أن من شد الطرف‬
‫إلى والده فلم يبره‪.‬‬
‫ولقد كانت الرحلة في طلب العلم من أشد مايعنى به السلف‪ ،‬وكانوا يعدونها‬
‫كالماء للسمك‪ .‬والهواء للطائر‪ .‬ومع ذلك تركها جمع منهم برا ً بأمهاتهم‪.‬‬
‫وممن فعل ذلك يابني ُبندار المام الحافظ راوية السلم‪ ،‬وأبو العباس أحمد‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بن علي البار الحافظ المتقن المام الرباني‪ ،‬والمام العلمة محدث الشام‬
‫الحافظ ابن عساكر‪ ،‬وغير هؤلء كثير‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬لقد أتبع الله العقوق والعصيان بالشرك به ]قل تعالوا أتل ما حرم‬
‫ربكم عليكم أن ل تشركوا به شيئا ً وبالوالدين إحسانًا[ وهاهو معلم البشرية‬
‫ومرسي معالم العلقات النسانية صلى الّله عليه وسلم يربط العقوق‬
‫بالشرك بالّله‪ ،‬ويدرجه ضمن قائمة أكبر الكبائر‪.‬‬
‫حديث حول العقوق‬
‫يابني ‪ :‬إن العقوق شؤمه عاجل‪ ،‬وعقوبته قريبة في الدنيا‪ ،‬روى الطبراني‬
‫عن أبي بكرة رضي الّله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬اثنان‬
‫يعجلهما الّله في الدنيا‪ :‬البغي‪ ،‬وعقوق الوالدين "‪ .‬وروى الحاكم في‬
‫المستدرك من حديث أنس رضي الله عنه‪ " :‬بابان معجلن عقوبتهما في‬
‫الدنيا‪ :‬البغي و العقوق"‪ .‬فهل يأمن العاّقون يابني أن تحل بهم كارثة أو‬
‫تصيبهم مصيبة؟‬
‫ّ‬
‫يابني ‪ :‬أتدري مانتائج العقوق‪ :‬كبيرة من أكبر الكبائر تقرن بالشرك بالله عز‬
‫وجل‪ .‬ومجلبة لسخط الّله سبحانه‪ .‬ومدعاة لتعجيل العقوبة في الدنيا‪،‬‬
‫وأزيدك الخرى حين يسيء البن إلى والديه يدعوه ذلك للدعاء عليه‪ .‬وهي‬
‫دعوة مستجابة يقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ثلث دعوات مستجابات‬
‫لشك فيهن‪ :‬دعوة الوالد على ولده‪ ،‬ودعوة المسافر‪ ،‬ودعوة المظلوم "‬
‫رواه أحمد وأبو داود والترمذي‪ .‬حينئذ ٍ ‪ .‬يجتمع على هذا البن عمل ضعيف‬
‫ل‪ ،‬وعقوق تعجل له فيه عقوبة أو قارعة‪ ،‬ويأتي‬ ‫زهيد يبعده من رحمة الله أص ً‬
‫بعد ذلك الدعاء الذي ليرد‪ ،‬إنها مصائب يابني يجنيها العاق‪ ،‬واحدة منها كافية‬
‫لوعظه وردعه إن كان له قلب‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬إن العقوق أبواب كثيرة‪ ،‬ومجالت شتى‪ ،‬ولكن العقوق غاية العقوق‬
‫يابني عقوق المنهج والسلوك والفكر؛ فحين يكون الب صالحا ً عابدا ً قانتا ً‬
‫والبن خلف ذلك‪ ،‬حين يكون الب يفزع للصلة عند سماع النداء‪ ،‬ويتخلص‬
‫من كل مشاغله حين يطرق مسامعه صوت حي على الفلح‪ .‬حين يكون‬
‫كذلك‪ .‬أفليس من العقوق أن يكون البن سادرا ً غافل ً بعيدا ً عن إجابة النداء؟‬
‫وحين يعود الب للصلة والدعاء يعود البن من سهرة مع رفقة ساقطة‪،‬‬
‫وحين يكون الب مبادرا ً إلى الصلة حين يسمع النداء أما البن فغاية تبكيره‬
‫أن يدرك الركعة الخيرة‪ ،‬ومنتهى مبادرته أن يأتي قبل سلم المام هذا إذا‬
‫أدى الصلة مع الجماعة‪ ،‬وحين يكون الب ورعا ً عن الشبهات‪ ،‬بعيد عن‬
‫المريبات والبن ساعيا ً للحرام‪ ،‬حين يكون المر كذلك فهذا والّله هو العقوق‬
‫الشد والنكى‪.‬‬
‫حين يخطيء الوالد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يابني ‪ :‬الب ناصح حنون‪ ،‬ومشفق ودود‪ .‬وما خلت يوما أن أبا يود الشر لبنه‪،‬‬
‫أو يحسده على أن حقق خيرا ً دونه‪ ،‬لكن يا بني ‪ :‬قد يضل بعض الباء‬
‫الطريق‪ ،‬أو يخطئ السبيل‪ .‬فيدرك البن أن مايقوله أبوه ليس حقًا‪ ،‬وما‬
‫يدعوه إليه ليسوغ بحكم الشرع ومنطق العقل‪ .‬فكيف يتعامل البن مع خطأ‬
‫والده يابني؟‬
‫ل‪ :‬حين يقع الب في مخالفة شرع الله فليس له فيه قدوة‪ ،‬والطاعة إنما‬ ‫أو ً‬
‫هي في المعروف وقد عاب الّله الذين قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة‪ ،‬والب‬
‫له حق عظيم لكن حق الله أعظم‪ .‬وواجب محتم لكن وجب الّله اتم وأولى‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثانيًا‪ :‬حين يشعر البن يابني أنه يختلف مع أبيه في رأي‪ ،‬أو ل يوافقه في‬
‫مسالة أيعني ذلك إسقاط حق حسن الصحبة والجرأة على العقوق؟ لقد‬
‫أوصى الله ببر الب ولو كان مشركًا‪ ،‬ولو دعا ابنه للشرك‪ ،‬فكيف إذا كان‬
‫خطؤه عن اجتهاد‪ ،‬ومجانبته للصواب عن رغبة في الصلح؟‬
‫ثالثًا‪ :‬حين يهمل أب ولده في شأن التربية‪ .‬ويغفل عن أداء واجب النصيحة‪،‬‬
‫بل حين يسعى لتسهيل المعصية له وشرائها بحر ماله‪ ،‬أفيعني ذلك يابني أن‬
‫البن معذور عند الله؟ أبدا ً يابني‪ ،‬إن ذلك قد يكون سببا ً في انحرافه وصبوته‪،‬‬
‫ومدعاة لن يجازى الب على ذلك يوم القيامة‪ ،‬لكنه يابني ليس عذرا ً أمام‬
‫الله بحال‪ .‬لقد قتل الشبان من بني قريظة كفارًا‪ ،‬وما كان لهم عذرا ً أن‬
‫آباءهم كذلك‪ ،‬بل ول أنهم دعوهم للكفر وصدوهم عن اليمان‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬وحين يلمس البن الخطأ من أبيه‪ ،‬أفيعني ذلك أن يسلك مسلك‬
‫التمشيخ والستاذية لوالده؟ أيعجز البن الشاب أن يسلك مسلكا ً حكيما ً في‬
‫الصلح‪ ،‬وسليما ً في التوجيه؟‬
‫يابني ‪ :‬كثير هم الشباب الذين يسيئون طريق الصلح‪ ،‬ويجهلون طريق‬
‫الدعوة لبائهم وأمهاتهم‪ .‬فرفع الصوت‪ ،‬وخشونة الكلمة‪ ،‬وقسوة اللهجة‬
‫منطق إن ساغ يابني مع أحد لم يسغ مع الوالدين بحال‪.‬‬
‫حديث من شيخ إلى شاب‬
‫مشكلة الشهوة‪:‬‬
‫يابني ‪ :‬أعرف أنك الن بلغت سن التكليف وأعرف ‪-‬وقد مررت بالمرحلة‬
‫التي أنت فيها وقاسيت منها ما قاسيت‪ -‬جيدا ً يابني مايعانيه الشاب في هذه‬
‫السن وأن مشكلة الشهوة هاجس ليفارق خياله‪ ،‬فهل لي يا بني أن أحدثك‬
‫عنها بصراحة ووضوح؟ نعم يابني؛ فهي والّله خير من أن تكون ضحية خبرة‬
‫أصحابك‪ ،‬وتوجيه خلنك‪.‬‬
‫يا بني‪ :‬إن من حكمة الله سبحانه في عباده أن يبتليهم بالشهوات والمكاره؛‬
‫فقد قال صلى الله عليه وسلم‪":‬حجبت الجنة بالمكاره وحجبت النار‬
‫بالشهوات"‪.‬‬
‫نعم يابني لقد زين للناس في هذه الدار حب الشهوات من النساء والبنين‬
‫والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والنعام والحرث‪،‬‬
‫وركب في النسان يابني غرائز تدعوه إلى مقارفة الشهوة و ارتكابها‪.‬‬
‫وأعرف يابني أن المر لم يقتصر على الدافع الفطري ‪ -‬وهو وحده كاف في‬
‫البتلء‪ -‬كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم ‪":‬ماتركت بعدي فتنة أضر على‬
‫الرجال من النساء وإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"‪ .‬بل زاد المر‬
‫يابني فصارت الصورة المحرمة تلحق الشاب والفتاة في الشارع والمنزل‪،‬‬
‫في المجلة والمشهد‪ ،‬في المرأة المتبرجة في السوق والمنتزهات‪ ،‬وحين‬
‫يسلم من ذلك ‪-‬ول إخاله ‪ -‬فإنه يابني لن يسلم من حديث زميله في‬
‫المدرسة‪ ،‬وقد يريه الصورة‪ ،‬ويحدثه عن المغامرة‪ ،‬وعن التخطيط للمارسة‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬يكون الشاب عفيفا ً لكنه حين يخلو بنفسه يتيه في أودية التفكير‪،‬‬
‫وشعاب الخواطر فتتقاذفه يمنة ويسرة‪ ،‬ويشعل النار على نفسه‪ ،‬وحينها‬
‫يسأل عن العلج‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬إن غض البصر‪ ،‬والكف عن المحارم هو الخطوة الولى والساس‪ .‬ألم‬
‫تقرأ قوله تعالى ]قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك‬
‫أزكى لهم[‪ .‬ألم تعجب مثلي يابني لمن يتجرؤون على المخالفة ومن ثم‬
‫يبحثون عن العلج‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬والّله ماصدقوا إذ قالوا هذا أمر ابتلينا به ولمخرج لنا منه‪ ،‬إذا ً فلماذا‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تنقلهم أقدامهم إلى مواقع الفتنة؟ ولماذا تتحرك أيديهم لجيوبهم ليشتروا‬
‫الصورة المحرمة ويبحثوا عنها؟‬
‫يابني ‪ :‬نعم إنه أمر يحتاج للمجاهدة لكنه ليس بالمستحيل‪ ،‬وشتان بين أن‬
‫ل‪ ،‬إنهم وإن حببت إليهم الشهوات‪ ،‬فقد خلق الّله‬ ‫يكون المر صعبا ً أو مستحي ً‬
‫لهم عقول ً يميزون فيها مايضرهم وما ينفعهم‪ ،‬ومنحهم سبحانه إرادة يختارون‬
‫بها‪ ،‬ويسيطرون بها على نفوسهم ودوافعها‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬أعرف أن من أشد ألقاب الذم والهجاء أن يقال للشاب إنك غير‬
‫مكتمل الرجولة‪ ،‬وإنك ضعيف الشخصية‪ ،‬فما رأيك فيمن ينهار أمام شهوته‪،‬‬
‫وينهزم أمام داعي هواه أليس مهزوز الرادة؟ ضعيف الشخصية؟ فاقد‬
‫الرجولة؟‬
‫يا بني‪ :‬لن أستطيع في هذه العجالة أن أسهب في هذا الحديث لكنها خواطر‬
‫عاجلة فإن أردت فارجع إلى مادون فيه من كتب‪ ،‬أو ألقي عنه من‬
‫محاضرات‪.‬‬
‫ما المر الذي يهمك؟‬
‫يابني ‪ :‬تتفاوت اهتمامات الناس وهمومهم في هذا الزمن فمنهم من همه‬
‫تحصيل شهوته فبها يفكر‪ ،‬وبها يعيش‪ ،‬ومن أجلها يسعى ويحفد‪ ،‬ومنهم من‬
‫فتن بالرياضة فأسرت لبه‪ ،‬واسترقت فؤاده‪ ،‬ألم تعلم مثلي أن البعض من‬
‫الشباب ذات ليلة شهد صلة الفجر خلف العادة‪ .‬أتدري لماذا يابني ؟ لقد‬
‫علمت بعدها أن مباراة كانت في الثلث الخير من الليل حين ينزل ربنا إلى‬
‫سماء الدنيا‪ ،‬فاستيقظوا لمتابعتها‪ ،‬وربما لم يناموا حتى يدركوها‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫والشيء بالشيء يذكر يابني‪ ،‬لقد عهدنا هؤلء ليشهدون صلة الصبح مع‬
‫جماعة المسلمين‪ ،‬ويرون أنهم ليطيقون ذلك‪ ،‬فلماذا يستيقظون ويطيقون‬
‫الن؟ أوَ ما علموا أن أثقل الصلة على المنافقين صلة العشاء والفجر؟ أَو‬
‫مايخافون من الجبار حتى يستفتحون اليوم بمعصيته؟ أوَ مايعلمون أن أول‬
‫عمل يحاسبون عليه يوم القيامة الصلة؟ ولقد عهدتهم أيام المتحان‬
‫يستيقظون مبكرين يابني أفشأنها أعلى عندهم من دينهم؟‬
‫ل‪ ،‬تتفاوت في مضمونها واتجاهاتها‪،‬‬ ‫وا وسف ً‬‫يابني ‪ :‬تتفاوت همم الناس عل ّ‬
‫فمنهم من تقف همته على تحصيل شهادة يتوظف بها ويسترزق‪ ،‬ومنهم من‬
‫يطمح أكثر للحصول على وظيفة أعلى‪ ،‬ومنهم من تكون همته تحصيل علم‬
‫شرعي ينفع الّله به المة‪ ،‬فأين أرى همتك تقف يابني؟‬
‫يابني‪ :‬لقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن المرء على دين خليله‪ ،‬وأن‬
‫المرء يحشر يوم القيامة مع من أحب‪ ،‬وقديما ً قيل‪-:‬‬
‫يقاس المرء بالمرء***إذا ما المرء ماشاه‬
‫وذو العُّر إذا احتك *** ذا الصحة أعداه‬
‫وللشيء من الشيء *** مقاييس وأشباه‬
‫وللروح على الروح *** دليل حين يلقاه‬
‫أل ترى يابني أن الكثير من الشباب مع إدراكه لهذا المعنى‪ ،‬ووضوحه لديه‬
‫يفتقر إلى المعايير السليمة في اختيار الصدقاء؟‬
‫قصة مجتمعك‪:‬‬
‫ً‬
‫يابني ‪ :‬أستأذنك في أن أقص عليك قصة مجتمعك‪ ،‬لقد كان مجتمعا يابني‬
‫محافظًا‪ ،‬مجتمعا ً متدينًا‪ ،‬مجتمعا ً عفيفًا‪ ،‬لقد كنا يابني قبل سنيات نرى على‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جنبات الحائط أثرًا‪ ،‬أتدري مم ذاك يابني ؟ لقد كانت المرأة فيه يابني قلما‬
‫تخرج وحن تخرج تراها ملتصقة بالحائط‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬لقد كنا إذا أجدبت السماء فزع الناس‪ ،‬وتصدقوا وأنفقوا‪،‬‬
‫واستسقوالله ففي أحيان كثيرة يا بني كان المطر ينزل علينا ونحن في‬
‫المصلى‪ ،‬وإن تأخر فلن يجاوز اليوم الذي صلينا فيه‪.‬‬
‫يابني !‪ :‬لقد كان الناس إذ ذاك يبغضون الكافر‪ ،‬وينفرون منه‪ ،‬بل وكل مظهر‬
‫يذكرهم به من لباس ومطعم ومشرب فهو مظهر منبوذ مرفوض‪.‬‬
‫أما الصورة الداعرة‪ ،‬والمشهد الفاتن‪ ،‬والتبرج والسفور‪ ،‬فهذه قل من يسمع‬
‫عنها فضل ً عن أن يراها‪ ،‬ولن ترى أحدا ً إذ ذاك يابني يفهم مصطلح‬
‫) المخدرات‪ ،‬الغتصاب‪ ،‬البتزاز‪ ،‬الختطاف…( فضل ً عن أن تكون مرت‬
‫بطيفه أو خياله‪ ،‬فضل ً عن أن يكون رآها‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬دارت اليام دورتها وتوالت السنون‪ ،‬وبين غفلة منا وذنوب وإهمال‪،‬‬
‫وتآمر من العدو الظاهر والكامن‪ ،‬فتحولت المور وصار الناس غيَر الناس‪،‬‬
‫والحال غيَر الحال‪ ،‬أحدثك يابني عن مجتمعك وأنت تراه بعينك وعيانك؟‬
‫ولئن كان حالنا أهون من حال غيرنا من المجتمعات يابني‪ ،‬فمؤامرات العداء‬
‫لم تنقطع‪ ،‬وحقدهم لم يتوقف‪ ،‬ولن يرضوا يابني حتى يروا الفتاة تسير في‬
‫شوارعنا كما تسير في باريس ولندن‪ ،‬وحتى يرو الخمرة تباع جهارا ً كما تباع‬
‫المرطبات ]ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم[ وأنت يابني‬
‫حصيف عاقل تدرك تآمرهم‪ ،‬وترى مكرهم وكيدهم‪ ،‬وتعرفهم في لحن القول‪،‬‬
‫فإياك إياك أن تخدع‪.‬‬
‫ثم إني سائلك يابني ‪ :‬هذا الواقع مسؤولية من؟ ومن تريد أن يقف في وجه‬
‫تيار الفساد؟ ومن تريد أن يساهم في الصلح والتغيير؟‪ ،‬فالمال يابني عليك‬
‫وعلى أقرانك‪ ،‬فالّله الّله في أمتكم‪ ،‬والّله الّله في مجتمعاتكم‪ ،‬وقولوا يا بني‬
‫لحال الغفلة واللهو وداعا ً إلى غير رجعة‪.‬‬
‫يا بني ‪ :‬روي أن الحسن البصري رحمه الله تعالى أعطي شربة ماء بارد‪،‬‬
‫فلما أخذ القدح غشي عليه وسقط من يده‪ ،‬فلما أفاق قيل له‪ :‬مابالك يا أبا‬
‫سعيد؟ قال‪ :‬ذكر أمنية أهل النار حين يقولون لهل الجنة [ أن أفيضوا علينا‬
‫من الماء أو مما رزقكم الّله]‪.‬‬
‫يابني ‪ :‬كم مرة أغلقت على نفسك الباب ولم يعد يراك إل الملك الجبار‪،‬‬
‫علم الغيوب‪ ،‬والمطلع على مافي الصدور‪ ،‬أفتراك حين تغلق الباب‪ ،‬وترخي‬
‫الحجاب‪ ،‬تهم بمعصية الملك التواب؟‪ ،‬أو لم تقرأ قوله تعالى [الله يعلم‬
‫ماتحمل كل أنثى وماتغيض الرحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار‪ ،‬عالم‬
‫الغيب والشهادة الكبير المتعال‪ ،‬سواء منكم من أسر القول ومن جهر به‬
‫ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار]‪.‬‬
‫أتراك يابني حين تطفئ المصباح تذكر ظلمة القبور‪ ،‬وأنك إذ تنام قد ل توقظ‬
‫إل يوم النشور‪ ،‬أم أراك تعصي مولك وقد سمعت قول الحبيب " ليأتين‬
‫أقوام من أمتي معهم حسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيصيرها الله هباًء‬
‫منثورا ً "‪ ،‬لقد كانوا يابني يصلون كما يصلي الناس ‪ ،‬ويصومون كما يصوم‬
‫الناس‪ ،‬ويقرأون كما يقرأ الناس‪ ،‬لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها‪.‬‬
‫يا بني ‪ :‬أعرف أن كثيرا ً من الشبان يخشى أن يراه والده وهو على معصية‪،‬‬
‫أو يسمعه وهو يهم بسوء‪ ،‬أتراه يابني نسي أن الله يراه ول تخفى عليه‬
‫خافية‪ ،‬ويسمعه وقد وسع سمعه الصوات؟‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يابني ‪ :‬لقد رفع الله مقام الذين يخشونه بالغيب فقال ]إن الذين يخشون‬
‫ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير[ وقال ]وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد‪.‬‬
‫هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ‪ .‬من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب‬
‫منيب‪ .‬ادخلوها بسلم ذلك يوم الخلود‪ .‬لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد[ فهل‬
‫لك يابني أن تعقد الصفقة‪ ،‬وتتم البيعة‪ ،‬فالسوق رائجة‪ ،‬والمتسابقون قد‬
‫شمروا؟‬
‫يابني ‪ :‬نحن في هذه الدار دار سفر وغربة‪ ،‬ووحدة ووحشة‪ ،‬والمسافر لبد له‬
‫من زاد فهل سألت نفسك أين الزاد؟‬
‫يابني ‪ :‬أرأيت جدك محمد وقد أعياه الكبر‪ ،‬فرق عظمه‪ ،‬وخارت قواه‪ ،‬فلم‬
‫تعد تحمله قدماه‪ ،‬لقد كان قبل ذلك شابا ً مثلك غض الشباب‪ ،‬قوي البنية‪ ،‬وما‬
‫لبث أن رد إلى أرذل العمر وبلغ من الكبر عتّيا‪ ،‬وغيره يابني ‪-‬ولو كان شابا ً –‬
‫في الطريق إل إن مات دون ذلك‪ ،‬وهما يابني أمران أحلهما مر‪ ،‬فهل ترى يا‬
‫بني أن الشباب يفكرون بحق في هذا المصير؟ فيأخذون للمر أهبته‬
‫ويغتنمون سني الشباب‪ ،‬وقد أوصى صلى الله عليه وسلم الشباب بذلك‬
‫ل‪" :‬اغتنم شبابك قبل هرمك ‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪ ،‬وصحتك قبل مرضك"‪.‬‬ ‫قائ ً‬
‫يابني ‪ :‬حين ترى بعض الشباب تظن أنهم ل يدرون أنهم سيموتون‪ ،‬أو يرون‬
‫أن الموت لن يأتيهم إل حين يشيخون‪ ،‬أتذكر زميلك الذي توفي في إجازة‬
‫الربيع‪ ،‬وابن عمك الذي توفي قبل أسابيع؟ فضع يابني هادم اللذات نصب‬
‫عينيك‪ ،‬واعرف أنك يوشك أن يدعوك داعيه يومًا‪ ،‬فل خيار لك إل الجابة‪،‬‬
‫فماذا أعددت للرحيل‪ ،‬وأين زادك وقد قرب الفراق؟‬
‫يابني ‪ :‬حين مات ذر بن عمر وقف والده على قبره وهو يقول‪ :‬يابني‪ ،‬شغلني‬
‫الحزن لك عن الحزن عليك‪ ،‬فليت شعري ما قلت وما قيل لك‪ ،‬اللهم إنك‬
‫أمرته بطاعتك وببري‪ ،‬فقد وهبت له ما قصر فيه من حقي‪ ،‬فهب له ما قصر‬
‫فيه من حقك‪ ،‬انطلقنا وتركناك‪ ،‬ولو أقمنا ما نفعناك‪ ،‬فنستودعك أرحم‬
‫الراحمين‪ ،‬أتراك يابني تقول هذا الكلم أم يقال لك؟‬
‫يابني‪ :‬في يوم القيامة حين تدنو الشمس من الخلئق فتكون منهم قدر ميل‬
‫فيعرقون حتى ينزل عرقهم سبعون ذراعًا‪ ،‬ويبلغ منهم على قدر أعمالهم‪ ،‬في‬
‫ذاك الموطن يا بني سبعة يظلهم الّله في ظله يوم لظل إل ظله‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫شاب نشأ في طاعة الله أتعجز يابني أن تكون واحدا ً من هؤلء؟ والله ليس‬
‫المر بالمستحيل‪ ،‬ول هو بالبعيد‪ ،‬فكن عالي الهمة‪ ،‬واسلك الطريق تصل إلى‬
‫مبتغاك‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫يا جندنا هيا بنا‬


‫جن ْد ََنا هَّيا ب َِنا‬ ‫َيا ُ‬
‫دنا إلى الُعل هَّيا ب َِنا‬ ‫ج َ‬ ‫م ْ‬ ‫جن ْد ََنا يا َ‬ ‫يا ُ‬
‫خيَرنا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حْتى ن ُِعيد َ ما لَنا ول ُنضيعَ َ‬ ‫َ‬
‫دنا هّيا ِبنا‬ ‫جن ْ َ‬ ‫يا ُ‬
‫شعُْبنا يأبى الَرَدى ول ُيبالي بالعدا‬ ‫ف َ‬
‫سَرنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مهما َتعالى أو طَغى أو َزاد َ ِفيَنا أ ْ‬
‫دنا هّيا ِبنا‬ ‫جن ْ َ‬ ‫يا ُ‬
‫ن ن َب َْتغي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ال َ‬
‫ملل ْ‬ ‫ب البي الظل َ‬ ‫شعْ ِ‬ ‫موط ِ َ‬ ‫يا َ‬
‫ضنا‬ ‫َ‬
‫معي حتى ُنعيد َ أْر َ‬ ‫خواني َ‬ ‫ضوا إ ِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫فا ْ‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دنا هّيا ِبنا‬ ‫جن ْ َ‬ ‫يا ُ‬


‫َ‬
‫م في السرِ أخي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ت َن ْطفي ما دا َ‬ ‫َناُر اللظى ل ْ‬
‫َ‬
‫ن هَذا د َْرب َُنا‬ ‫َ‬ ‫ة الك ُ ْ‬ ‫يا د َوْل َ َ‬
‫عي أ ْ‬ ‫فرِ ِ‬
‫دنا هّيا ِبنا‬ ‫جن ْ َ‬ ‫يا ُ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫سَنا‬
‫جُر وال ّ‬ ‫ف ْ‬‫سنا أْنتي الَهوى وأْنتي ال َ‬ ‫يا قُد ْ َ‬
‫َ‬ ‫ن أَ ُ‬
‫حنا‬ ‫جْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن أنا إذا ما عش ُ‬ ‫ن إذ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فَ َ‬
‫دنا هّيا ِبنا‬ ‫جن ْ َ‬ ‫يا ُ‬
‫قي‬ ‫ن ي َت َ ِ‬ ‫م ْ‬
‫مع ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ْ‬
‫كي فَلي َ ْ‬ ‫شت َ ِ‬ ‫ي يَ ْ‬ ‫سَرى الَنب ِ‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫ً‬
‫حتما لنا‬ ‫ن الّنصُر َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ب‬
‫ُ‬ ‫قلو‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫متى‬
‫ِ‬
‫شعر ‪ :‬إبراهيم بن عبد العزي‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا حجر اتباع ل ابتداع‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله الذي أتم النعمة‪ ،‬وأكمل دين المة‪ ،‬ورضي السلم ملة‪ ،‬والصلة‬
‫والسلم على من سن سنن الهدى‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن لثارهم وسنتهم‬
‫اقتفى‪ ،‬ثم أما بعد‪:‬‬
‫فهذه وقفة مع تقبيل عمر –رضي الله عنه‪ -‬الحجر السود‪ ،‬وبيان لما في‬
‫صنيعه من التساء والتباع‪ ،‬ل الحداث أو البتداع‪ ،‬وإلى هذا نبه فقال كما في‬
‫الصحيح عندما قبل الحجر‪" :‬إني أعلم أنك حجر ل تضر ول تنفع‪ ،‬ولول أني‬
‫رأيت النبي _صلى الله عليه وسلم_ يقبلك ما قبلتك"‪ ،‬وقد علم أن الحجر ل‬
‫ك أعني واسمعي يا جارة!‬ ‫ينتفع بهذا الخطاب‪ ،‬ولكن كما قال القائل‪ :‬إيا ِ‬
‫ً‬
‫فقال عمر _رضي الله عنه_ قولته المشهورة تنبيها للعباد إلى أن العبادات‬
‫المحضة ليس للرأي فيها مجال‪ ،‬بل هي توقيفية‪ ،‬ل تدرك بقياس‪ ،‬ولذلك أنكر‬
‫ابن عباس على معاوية _رضي الله عنهما_ استلمه بقية أركان البيت‪ ،‬فقد‬
‫صح أن ابن عباس طاف مع معاوية فجعل معاوية يستلم الركان كلها‪ .‬فقال‬
‫له بن عباس‪ :‬لم تستلم هذين الركنين‪ ،‬ولم يكن رسول الله _صلى الله عليه‬
‫وسلم_‪ ،‬يستلمهما؟‬
‫فقال معاوية‪ :‬ليس شيء من البيت مهجورا!ً‬
‫فقال ابن عباس‪" :‬لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"‪ ،‬فقال معاوية‪:‬‬
‫صدقت‪] .‬والزيادة الخيرة من تصديق معاوية عند أحمد[‪ ،‬ولهذا قال بعض‬
‫أهل العلم‪" :‬وهذا الخلف قد ارتفع وأجمع من بعدهم على أنه ل يستلم إل‬
‫اليمانيين"‪.‬‬
‫ولشك أن من جملة التوحيد الذي أهل به النبي _صلى الله عليه وسلم_‬
‫توحيد العبادة‪ ،‬المعلن في التلبية‪ ،‬ومنه أن ل يعبد الله بغير ما شرع‪:‬‬
‫حيد ِ َتو ‪... ...‬‬ ‫عي الّتو ِ‬ ‫ذا وََثاِني َنو َ‬ ‫هَ َ‬
‫ن‬
‫م ِ‬ ‫ك ِللّرح َ‬ ‫من َ‬ ‫حيد ُ العَِباد َةِ ِ‬‫ِ‬
‫َ‬
‫عبدا وَ ل ‪... ...‬‬‫ً‬ ‫ن ل َِغيرِهِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أن ل ت َكو َ‬
‫ن‬‫ما ِ‬ ‫لي َ‬
‫ريعَةِ ا ِ‬ ‫َتعُبد ب َِغيرِ َ‬
‫ش ِ‬
‫ً‬
‫وفي هذا تأكيد على بعض مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله‪ ،‬بالحض على‬
‫المتابعة للنبي _صلى الله عليه وسلم_‪ ،‬فيفعل ما فعله من قربة‪ ،‬ويترك ما‬
‫ترك‪ ،‬وإن ظنها قربة لشبهها بغيرها‪ ،‬اعتمادا ً على النص‪ ،‬فالعبادات توقيفية‪،‬‬
‫فيلزم ترك القياس في العبادات التي ل يعقل معناها‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإذا أدركت أيها القارئ الكريم هذا المعنى‪ ،‬وجدت البون الواسع والفرق‬
‫الشاسع بين هؤلء وبين من يأتون بعبادات محدثة ما أنزل الله بها من‬
‫سلطان‪ ،‬وما أقبحها يوم تصرف على حساب غيرها مما شرعه الله‪ ،‬في‬
‫أشرف البقاع‪ ،‬عند المناسك والمشاعر‪ ،‬والمواقيت والمناحر‪ ،‬وقد مررت‬
‫ببعض المخيمات وقت غروب شمس عرفة‪ ،‬فوجدتها تهتز وأهلها يقولون‬
‫بصوت رجل واحد )هو هو هو( وبينما وقف الموفقون يدعون ويتضرعون‬
‫ولسان حالهم‪:‬‬
‫ً‬
‫ضّرعا ‪... ...‬‬ ‫َ‬ ‫ب َ‬ ‫َأدعو َ‬
‫ت تَ َ‬ ‫مر َ‬ ‫كما أ َ‬ ‫ك َر ّ‬
‫م‬
‫ح ُ‬ ‫من ذا َير َ‬ ‫ت َيدي فَ َ‬ ‫فَِإذا َرَدد َ‬
‫ة إ ِل ّ الَرجا ‪... ...‬‬ ‫َ‬
‫ك َوسيل ٌ‬ ‫ما لي إ َِلي َ‬
‫َ‬ ‫عفوِ َ‬
‫م‬
‫مسل ِ ُ‬ ‫م أّني ُ‬ ‫ك ثُ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫جمي ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ن ‪... ...‬‬ ‫س ٌ‬ ‫مح ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ل َيرجوك إ ِل ُ‬ ‫ِإن كا َ‬
‫م!‬ ‫مجرِ ُ‬ ‫من َيلوذ ُ وََيسَتجيُر ال ُ‬ ‫فَب ِ َ‬
‫فلله ما أعظم الحرمان‪ .‬وآخرون مغبونون بنوع آخر فتراهم قد أرهقهم‬
‫العياء جراء الزدحام على صعود الجبل‪ ،‬الذي يسمونه جبل الرحمة‪ ،‬على‬
‫حساب الذكر والتضرع والدعاء‪.‬‬
‫وطائفة شغلها النشاد الذي أحسن أحواله الباحة عن الذكر والقرآن‪.‬‬
‫هذا مع أن نبينا _صلى الله عليه وسلم_ قد بلغ الرسالة وأدى المانة‪ ،‬وأوصانا‬
‫في ذلك المقام‪ ،‬فقال‪" :‬خذوا عني مناسككم"‪" ،‬لتأخذوا عني مناسككم"‪.‬‬
‫فالموفق من وفقه الله لتعلم حج النبي _صلى الله عليه وسلم_‪ ،‬ثم رزقه‬
‫الله بعد ذلك التباع والعمل بما شرع الله للناس وبينه لهم رسول الله _صلى‬
‫الله عليه وسلم_‪ ،‬والمحروم من ترك ذلك الذي أمر به أو بعضه واستعاضه‬
‫بأمور حادثات‪ ،‬ل تقرب من رب الرض والسماوات إن لم تبعد‪.‬‬
‫وخير المور السالفات على الهدى ‪... ...‬‬
‫وشر المور المحدثات فبعد‬
‫رزقني الله وإياكم لموافقة السنة‪ ،‬واتباع صابحها _عليه أفضل الصلة‬
‫والسلم_‪ ،‬ورزقنا من حبه ما يحرك في قلبونا بغض مخالفة نهجه‪ ،‬أو سلوك‬
‫غير سبيله‪ .‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا حسرة على العباد‪!!...‬‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين خليل ‪6/9/1426‬‬
‫‪09/10/2005‬‬
‫ليس تفسيرا ً ‪-‬وحاشا لله‪ -‬ولكنها مقاربة أو محاولة للفهم‪ ،‬قد تخطئ وقد‬
‫تصيب‪ ،‬إل أن النية التي تكمن وراءها ربما تشفع لها أمام الله ‪..‬‬
‫ور للوجود‪،‬‬
‫شفت لي فجأة عن تص ّ‬ ‫هّزتني مقاطع من سورة العراف ‪ ..‬تك ّ‬
‫كما يعرضه كتاب الله‪ ،‬ما خطر على بالي من قبل بهذا الوضوح والرتباط‪.‬‬
‫ودائما ً كنت أقول بأن وقفة متأملة‪ ،‬أو محاولة جادة للمقاربة مع مقطع من‬
‫كتاب الله‪ ،‬قد تفتح المغاليق‪ ،‬وقد تكون أكثر جدوى من عشر ختمات للقرآن‬
‫الكريم!‬
‫هذا الكتاب الذي ل تنقضي عجائبه ول يخلق على كثرة الرد ّ ‪ ..‬صدقت يا‬
‫رسول الله؛ فأنت بكلماتك هذه أوجزت المعجزة وقلت فيها ما يكفي ‪ ..‬ولكن‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ختمت‬ ‫س‪ ،‬والعقول التي ترى‪ ،‬وكيف ُتكسر القفال التي ُ‬ ‫أين القلوب التي تح ّ‬
‫بالشمع الحمر على الفئدة والسماع والبصار؟!‬
‫هزتني مقاطع من سورة العراف؛ إذ وجدتني ـ فجأة ـ قبالة حالة أو وضع‬
‫يريد الله ـ جّلت قدرته ـ أن يتحقق في هذا العالم‪ ..‬مع النسان تماما ً ‪..‬‬
‫حدًا‪ ،‬وأم ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫لصالحه تماما ً ‪ ..‬على كل المستويات ‪ ..‬سعادة‪ ،‬ورفاهية‪ ،‬وتو ّ‬
‫ل‪ ،‬وانسجاما ً ‪..‬‬
‫وأمنًا‪ ،‬وإصلحًا‪ ،‬وعطاًء‪ ،‬وعمرانًا‪ ،‬وعد ً‬
‫ل في عله‪ ،‬إلى‬ ‫وإزاء حالة مضادة في الوقت نفسه‪ ،‬تسعى كلمات الله ج ّ‬
‫ً‬
‫هدمها‪ ،‬وتدميرها‪ ،‬والنقلب عليها‪ ،‬وإزالتها من الوجود‪ ..‬ضد النسان تماما ‪..‬‬
‫ضد مصلحته ووضعه البشري على كل المستويات ‪ :‬تعاسة‪ ،‬وفقرًا‪ ،‬وتمزقًا‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وتشتتًا‪ ،‬وظلما ً ‪..‬‬‫ويأسًا‪ ،‬وخوفًا‪ ،‬وإفسادًا‪ ،‬وتخريبًا‪ ،‬وكس ً‬
‫أكثر من هذا‪ :‬إن الحالة الولى تتجاوز الوفاق مع الذات والخر‪ ..‬تتجاوز‬
‫المجتمع والبشرية والعالم‪ ،‬صوب الطبيعة والوجود والكون‪ ،‬لكي تجعلها‬
‫جميعا ً في صيغة توافق‪ ،‬وتضادٍ مشترك‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وتسخير‪ ،‬وتبادل في‬
‫الداء ‪ ..‬يؤول في نهاية المطاف إلى أقصى حالت النسجام بين النسان‬
‫والعالم والطبيعة والوجود والكون ‪ ..‬يشكل البيئة التي تتوحد فيها الظواهر‬
‫والشياء ‪ ..‬اليقاع الذي يتحرك‪ ،‬وهو يسّبح بحمد الله‪ ،‬ويتوجه إليه وحده بل‬
‫شريك ‪ ..‬وحده بل ند ّ ‪ ..‬لكي يرتفع بالنسان‪ ،‬أكثر فأكثر‪ ،‬يصّعد به في‬
‫المراقي‪ ،‬يصنع النسان الكوني الذي يتجاوز شد الرض وجاذبيتها إلى فوق ‪..‬‬
‫وهو في مهرجانه المتسامي هذا‪ ..‬بالنسان والجماعة والحياة‪ ..‬يستجيش كل‬
‫سية والوجدانية‪ ..‬ويوظف‬ ‫الطاقات والقدرات البشرية‪ :‬الروحية والعقلية والح ّ‬
‫كل إمكانات الطبيعة والعالم والوجود‪ ،‬بدًءا من دفق الضوء القمري ودفء‬
‫الشمس‪ ،‬وانتهاء بالينابيع والجداول والنهار والمطار والنبات والحيوان ‪ ..‬كلها‬
‫تتلءم وتتواءم‪ ،‬لكي تقدم أقصى ما تستطيع أن تقدمه للنسان‪ ،‬وبأكبر قدر‬
‫حد والمحبة والتناغم والنسجام ‪..‬‬ ‫من ا ُ‬
‫للفة الميتافيزيقية والود ّ والتو ّ‬
‫وات التي تتحدث عنها مقاطع سورة العراف هذه‪ ،‬انما هي في نهاية‬ ‫والنب ّ‬
‫المر وبدئه‪ ،‬نبوة واحدة ‪ ..‬هي الدعوة نفسها ‪ ..‬الصوت والنداء والفاعلية‬
‫المتواصلة في الزمن والمكان‪ ،‬من أجل الخروج بالنسان من ضيق الدنيا إلى‬
‫سعتها‪ ،‬ومن جور الديان إلى عدل السلم‪ ،‬ومن عبادة العباد إلى عبادة الله‬
‫وحده ‪..‬‬
‫إن الحالة الضد ّ التي تتحدث عنها اليات البيّنات حينًا‪ ،‬وتتركها حينا ً آخر‪ ،‬لكي‬
‫لها الذهن كصيغة مضادة للقيم والمرتكزات اليجابية التي ألمحنا إليها‬ ‫يتم ّ‬
‫قبل قليل ‪ ..‬هذه الحالة التي يدينها كتاب الله ويعلن الحرب عليها ‪ ..‬ما الذي‬
‫تصنعه بالنسان ‪ ..‬وإلى أي المآزق تقوده‪ ،‬وعبر أي من الطرق المعوجة‬
‫تمضي به لكي ما تلبث أن تمّرغه بالتراب‪ ،‬وتحجر عليه في الثقوب الضّيقة‪،‬‬
‫وتدفن وجوده البشري في لزوجة الطين وشد ّ الجاذبية ‪ ..‬وتضّيق الخناق على‬
‫وضعه في العالم لكي يغدو بموازاة عالم النحل والنمل والنعام والحيوان‪..‬؟!‬
‫تريد الحالة الولى أن يصير النسان إنسانا ً ‪ ،‬وأن تكون قامته مرفوعة إلى‬
‫فوق‪ ،‬عالية بما هي قامة إنسان ُأريد له أن يكون سيد المخلوقات جميعًا‪..‬‬
‫وتريد الحالة الثانية أن يتضاءل النسان‪ ،‬ويتقّزم‪ ،‬وتنكمش قامته‪ ،‬وينكفئ في‬
‫قة كما تنكمش الحشرات‪ ،‬وهي تأوي إلى ثقوبها تحت الرض‪،‬‬ ‫الجحور الضي ّ‬
‫ً‬
‫وكما تلجأ النعام إلى حظائرها خوفا من البرد والمطر والزمهرير ‪..‬‬
‫نداء التوحيد والنبوة هو النداء الوحيد لتحرير النسان من مصير كهذا‪ ..‬وهو‬
‫الدرب الوحيد لجتياز المحنة‪ ،‬والنطلق إلى الفق العريض المضيء‬
‫المفتوح‪ ،‬ليس فقط على ساحة العالم‪ ،‬وإنما على مدى الكون كّله ‪ ..‬وليس‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وراء ذلك إل ّ الضياع‪ ،‬والحيرة‪ ،‬والضلل‪ ..‬وليس ثمة طريق ثالث ‪ ..‬أبدا ً ‪ ..‬إما‬
‫هذا أو ذاك ‪..‬‬
‫يعجز القلم عن ملحقة اليماضات التي تشع بها آيات سورة العراف تلك ‪..‬‬
‫عن التعبير عن العالم الجميل السعيد المتوافق المضيء الذي ترسمه وتومئ‬
‫ذر من‬ ‫إليه ‪ ..‬وعن نقيضه البشع ‪ ..‬الشقي ‪ ..‬الممزق ‪ ..‬المعتم الذي تح ّ‬
‫الندفاع إليه ‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يعجز القلم ‪ ..‬رغم أنه يملك مفردات واحدة من أكثر لغات العالم خصبًا‪ ،‬عن‬
‫جرها كلمات الله‪ ..‬لكل‬ ‫أن يحقق التغطية الشاملة لكل المعاني التي تف ّ‬
‫الومضات التي تنقدح في الذهن والوجدان‪ ،‬قبالة هذا المقطع أو غيره‪ ،‬فل‬
‫تقدر اللغة ـ مهما دّقت ورّقت ـ أن تعبر تمامًا‪ ،‬وبالصدق المطلوب‪ ،‬عما‬
‫يتشكل في ذهن النسان ووجدانه‪ ،‬فيما تريد اليات البّينات أن تقوله‪،‬‬
‫ض عليه‪.‬‬ ‫وترسمه‪ ،‬وتغري به‪ ،‬وتح ّ‬
‫مهما يكن من أمر‪ ،‬فإنها مرة أخرى‪ ،‬محاولة للفهم ‪ ..‬مقاربة‪ ،‬كما يصطلح‬
‫ل هذا‬ ‫الدباء المحدثون‪ ،‬لحافات المنظور القرآني للعالم والحياة ‪ ..‬ولع ّ‬
‫يكفي ‪..‬‬
‫ت‪ ..‬وعبر عدد من اليات ل يتجاوز البضع‬ ‫ّ‬ ‫الس‬ ‫الصفحات‬ ‫تتجاوز‬ ‫ل‬ ‫مساحة‬ ‫في‬
‫والربعين من سورة العراف‪ ،‬يتحدث كتاب الله عن هذا كله ‪ ..‬يمنحنا ـ‬
‫بعبارة أدق ـ هذا كّله ‪ ..‬فمن يختار بعدها التعاسة على السعادة‪ ،‬والتمّزق‬
‫حد‪ ،‬والحزن على الفرح‪ ،‬والظلم على العدل‪ ،‬والنكماش على‬ ‫على التو ّ‬
‫النتشار‪ ،‬والقيد على الحرية‪ ،‬والجحور الضيقة على الفضاء الواسع‪ ،‬وضيق‬
‫الدنيا على سعتها‪ ،‬وجور الديان على عدل السلم‪ ،‬وعبادة العباد واللهة‬
‫سك‬ ‫والطواغيت والظنون والشهوات والهواء على عبادة الله وحده‪ ،‬والتم ّ‬
‫دني ذي‬ ‫بحبله الذي تتقطع دونه الحبال‪ ..‬وبسّلمه الواصل بالخلود‪ ..‬وبعلمه الل ّ‬
‫المصداقية المطلقة الذي يعلو‬
‫على المتغّيرات والنسبيات‪ ،‬والذي تتضاءل دونه وتتهافت كل المعارف‬
‫والعلوم التي ل تستهدي بهديه‪ ،‬ول تتلقى عنه الضوء والشارة ‪..‬‬
‫ت يجد المرء نفسه قبالة عقيدة ليست‬ ‫في مساحة ل تتجاوز الصفحات الس ّ‬
‫كالعقائد‪ ،‬ودين ليس كالديان‪ ،‬وعبادة ليست كالعبادات‪ ..‬ويجد معها حالة من‬
‫الحزن والشجن على النسان الضائع‪ ،‬والمسيرة البشرية التائهة التي‬
‫تتقاذفها الطواغيت والرباب‪ ،‬والمصير السود الكالح الذي ُيساق إليه بنو آدم‪،‬‬
‫بقوة الغراء الشيطاني‪ ،‬المضّلل‪ ،‬المخادع‪ ،‬الدجال‪ ..‬ويتذكر الية الكريمة‪،‬‬
‫ْ‬
‫ل ِإل‬‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأِتيهِ ْ‬ ‫سَرةً عََلى ال ْعَِباد ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫والنداء اللهي المؤثر‪ ،‬المحزن‪َ) :‬يا َ‬
‫ن( ]ّيس‪ [30:‬ويتذكر ‪ ،‬بالسى والشجن نفسه‪ ،‬وعد الله‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬
‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه لك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬
‫شي ْطا َ‬ ‫دوا ال ّ‬ ‫ن ل ت َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬‫م َيا ب َِني آد َ َ‬ ‫م أعْهَد ْ إ ِلي ْك ُ ْ‬‫وأكذوبة الشيطان‪] :‬أل ْ‬
‫م( ]ّيس‪[61-60:‬‬ ‫ٌ‬ ‫دوِني هَ َ‬ ‫َ‬
‫قي ٌ‬
‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫صَراط ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫ن وَأ ِ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫عَد ُوّ ُ‬
‫بإيجاز بالغ‪ :‬إنه الصراط الذي تصوغه وتضيئه عبادة الله وحده‪ ..‬وليس ثمة‬
‫وراءه‪ ،‬قبله أو معه أو بعده‪ ،‬إل ّ التيه والتخبط والضلل ‪ ..‬لنه ما من طريق‪،‬‬
‫غير هذا الطريق‪ ،‬إل ّ وهو من عمل الشيطان الذي يسوق عباده إلى مصيدة‬
‫دد‪ ،‬والضياع ‪..‬‬ ‫الشرك‪ ،‬والتع ّ‬
‫دبر معا ما‬ ‫وما لنا أل ّ نقرأ معا المقطع المذكور من سورة العراف لكي نت ّ‬ ‫ً‬
‫تريد أن تقوله لنا آياته البّينات‪:‬‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون )‪ (52‬هل‬
‫ينظرون إل ّ تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل‪ :‬قد جاءت رسل‬
‫ربنا بالحق‪ ،‬فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا‪ ،‬أو نرد فنعمل غير الذي كنا‬
‫نعمل؟ قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون)‪ (53‬إن ربكم الله‬
‫الذي خلق السماوات والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي‬
‫الليل النهار‪ ،‬يطلبه حثيثًا‪ ،‬والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره‪ ،‬أل له‬
‫الخلق والمر تبارك الله رب العالمين )‪ (54‬ادعوا ربكم تضرعا ً وخفية إنه ل‬
‫يحب المعتدين)‪ (55‬ول تفسدوا في الرض بعد إصلحها وادعوه خوفا ً وطمعا ً‬
‫إن رحمة الله قريب من المحسنين)‪ (56‬وهو الذي يرسل الرياح بشرا ً بين‬
‫يدي رحمته‪ ،‬حتى إذا أقّلت سحابا ً ثقال ً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء‬
‫فأخرجنا به من كل الثمرات‪ ،‬كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون)‪ (57‬والبلد‬
‫الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث ل يخرج إل نكدًا‪ ،‬كذلك نصّرف اليات‬
‫لقوم يشكرون)‪.(58‬‬
‫ً‬
‫في مقطع قرآني ل تتجاوز آياته السبع عددا‪ ،‬نجد أنفسنا قبالة حوارٍ محتدم‪،‬‬
‫أو مجابهة حاسمة ـ بعبارة أدق ـ بين قيم الخير والشر ‪ ..‬بين الستقامة‬
‫والعوجاج‪ ،‬وبين الهدى والضلل‪ ..‬بين حياة آمنة‪ ،‬عاملة‪ ،‬مبدعة‪ ،‬متجددة‪،‬‬
‫طيبة‪ ،‬يدعونا إليها القرآن ‪ ..‬وحياة وجلة‪ ،‬ساكنة‪ ،‬مفسدة‪ ،‬نكدة‪ ،‬خبيثة‪،‬‬
‫ميّتة ‪ ..‬يغرينا بها الشيطان ‪..‬‬
‫في الخطاب القرآني نجد أنفسنا إزاء مفردات العلم‪ ،‬والهدى‪ ،‬والرحمة‪،‬‬
‫والحق‪ ،‬والعمل‪ ،‬والصلح‪ ،‬والحسان‪ ،‬والبشرى‪ ،‬والطيب‪ ،‬والبعث‪ ،‬والشكر‪..‬‬
‫وفي الغواء الشيطاني نجد أنفسنا إزاء مفردات‪ :‬النسيان‪ ،‬والخسران‪،‬‬
‫والضلل‪ ،‬والفتراء‪ ،‬والعدوان‪ ،‬والفساد‪ ،‬والموت‪ ،‬والخبث‪ ،‬والنكد ‪..‬‬
‫فمن منا يرتضي لنفسه أن يذهب مع الثانية ويتجاوز الولى فيضع نفسه في‬
‫دائرة الضنك والضيق والتعاسة والضلل ‪ ..‬؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنها صفقة خاسرة بكل المعايير ‪ ..‬ومن أجل ذلك يمضي المقطع التالي في‬
‫وات وهي ترفع الخطاب نفسه‪ ،‬على‬ ‫كتاب الله‪ ،‬عبر رحلة مكثفة مع النب ّ‬
‫تقّلبها في الزمان والمكان‪) ،‬أبلغكم رسالت ربي وأنصح لكم ‪) (62)(...‬‬
‫‪...‬أبلغكم رسالت ربي وأنا لكم ناصح أمين( )‪ ...) (68‬يا قوم! لقد أبلغتكم‬
‫رسالة ربي ونصحت لكم ولكن ل تحبون الناصحين )‪... ) (79‬يا قوم! لقد‬
‫أبلغتكم رسالت ربي ونصحت لكم‪.(93)(!...‬‬
‫ومرة أخرى نتذكر ـ ونحن نتابع مأساة النسان الضائع في العالم‪ ،‬المتكّبر‬
‫على النصح‪ ،‬المتأّبي على الصلح‪ ،‬المتخّبط في مصيدة الشّر والضلل ـ‬
‫نتذكر النداء اللهي المؤثر المحزن‪) .‬يا حسرة على العباد ما يأتيهم من‬
‫رسول إل ّ كانوا به يستهزئون( ] ياسين‪ .. [ 30 :‬ونتذكر‪ ،‬بالسى والشجن‬
‫نفسه‪ ،‬وعد الله وأكذوبة الشيطان‪) :‬ألم أعهد إليكم يا بني‬
‫آدم أل ّ تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين‪ .‬وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم(‬
‫]ياسين ‪ 60:‬ـ ‪.[61‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صبي‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ت وج َ‬ ‫طر ْ‬ ‫يا دماًء ع ّ‬


‫زاهية بنت البحر‬
‫ب‬
‫ضحى في المغر ِ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ت شم ُ‬ ‫صبي = فارتم ْ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ت وج َ‬ ‫طر ْ‬ ‫يا دماًء ع ّ‬
‫حّر أب ّْ‬
‫ي‬ ‫ن ُ‬ ‫ن مؤم ٍ‬ ‫ت أنواَرها في دمعةٍ = فوقَ جف ٍ‬ ‫أوَْدع ْ‬
‫ب‬‫ن العر ِ‬ ‫دما أبكي هوا َ‬ ‫ن أكن= بال ّ‬ ‫مني يا صغيري إ ْ‬ ‫ل تل ْ‬
‫ب؟‬ ‫م كيدِ الخادِِع المغتص ِ‬ ‫ن يحمُلها = رغ َ‬ ‫ة السلم ِ م ْ‬ ‫راي ُ‬
‫ة = للعل أدعو بعزم ٍ للّنبي‬ ‫ت إل راي ً‬ ‫ليتني ما كن ُ‬
‫ل القوم ِ عند الجنبي‬ ‫عنا= بعد َ ذ ّ‬ ‫ت بها أسما ُ‬ ‫ة ضاق ْ‬ ‫صرخ ٌُ‬
‫ب‬
‫ة من له ِ‬ ‫ت = في حروفي دمع ٌ‬ ‫ن غد ْ‬ ‫سامحيني يا بلدي إ ْ‬
‫ت حكم ِ الظالم ِ الوغد ِ الغبي‬ ‫ّ‬ ‫متي الّثكلى أراها بالعنا = تح َ‬ ‫أ ّ‬
‫ب‬‫ف المخل ِ‬ ‫ب أنوارا بها = ناشُر الفسق ردي ُ‬ ‫ً‬ ‫در َ‬ ‫قد أضاء ال ّ‬
‫ب‬ ‫ْ‬
‫م ي َطَر ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫سامع أ ْ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬
‫م يلغي وعَيهم = طرِ َ‬ ‫ف القو َ‬ ‫يستخ ّ‬
‫ب‬
‫م نصَر الَعر ِ‬ ‫ن لنا = إن طلبنا اليو َ‬ ‫من ترى في دربنا عو ٌ‬
‫ب‬
‫ض قول واحدا =إن نسْر نحو العدا في موك ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سوف نلقى الّرف َ‬
‫ب‬
‫م في الكل أو في المشَر ِ‬ ‫ب من ذل بهِ = علق ٌ‬ ‫ّ‬ ‫فقْ يا شع ُ‬ ‫فاست ِ‬
‫ب‬
‫منا = قد ْ وقْعنا في خطيرِ الغْيه ِ‬ ‫ت بنا أّيا ُ‬ ‫رّبنا ضاق ْ‬
‫ب‬‫ِ‬ ‫مطل‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫غ‬
‫ِ‬ ‫بلو‬ ‫في‬ ‫بنا‬
‫ْ‬ ‫أج‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫=‬ ‫ف‬
‫ٍ‬ ‫واج‬ ‫ب‬‫ٍ‬ ‫بقل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫قد دعونا‬

‫)‪(1 /‬‬

‫خمار‬ ‫ت ال ِ‬ ‫يا ذا َ‬
‫ن‬‫حي ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫فرِ في ك ُ ّ‬ ‫خد ّ الك ُ ْ‬ ‫فعي َ‬ ‫ص َ‬ ‫ا ْ‬
‫غما ً‬ ‫قذاَرةِ ُر ْ‬ ‫ملِئي أْفواه َ ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وا ْ‬
‫ب‬‫سود ِ قُلو ٍ‬‫ُ‬ ‫سك ُِبي نارا فَوْقَ ُ‬ ‫ً‬ ‫َوا ْ‬
‫دى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ح ّ‬ ‫ة ت َت َ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ت يا أ ْ‬ ‫أن ْ ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حم ٍ‬ ‫كوام ِ فَ ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ت يا أ ْ‬ ‫أن ْ ِ‬
‫مةٍ ت ََرى العُهَْر عارا ً‬ ‫أ َنت م ُ‬
‫نأ ّ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬
‫ض ُتناِدي‬ ‫ب الَبغي ِ‬ ‫وََنواِدي الغَْر ِ‬
‫ش‪ ،‬هَّيا‬ ‫ح ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫»َأنا داُر الُعصاةِ وال ُ‬
‫ق‬
‫س ٍ‬‫ب فِ ْ‬ ‫حرا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫صّلوا في ظ ِ ّ‬ ‫»ول ْت ُ َ‬
‫ت‬
‫س كان ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م‪ ،‬إل ّ إذا ال ّ‬ ‫ت منه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫مسى‬ ‫لأ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ت منهم‪ ،‬إل إذا العَ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫ت نادي الت ّعَّري‬ ‫مسا ِ‬ ‫مو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ْ‬
‫ل وُقوِلي‬ ‫َ‬
‫ضل ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َفاهَْزئي ِ‬
‫س ظ َّنوا‬ ‫جن ْدٍ لب ِْلي َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫يا ل َهُ ْ‬
‫سّنوا‬ ‫فتاةِ و َ‬ ‫ة ال َ‬ ‫ف َ‬ ‫ع ّ‬ ‫حظ َُروا ِ‬ ‫َ‬
‫خّلى‬ ‫ن ت َت َ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ربا‬ ‫ب ال َ‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ك‪ ،‬فََرنسا‬ ‫سوا ِ‬ ‫ل فََرْنسا‪ ،‬ول ِ‬
‫ع‪ ،‬أ َْبقى‬ ‫من َ ُ‬ ‫ن الحياِء أ ْ‬ ‫حصو ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫ل إ ِْبصارِ نوٍر‬ ‫َفأميُتوه ُ قَب ْ َ‬
‫حواِر« ب َِعيدا ً‬ ‫ة »ال ِ‬ ‫واْرك ُُلوا ب ِد ْعَ َ‬
‫ب‪ ،‬فِّروا‬‫ج« في الغَْر ِ‬ ‫دما َ‬ ‫ضوا »الن ِ‬ ‫واْرفُ ُ‬
‫سبى؟!‬ ‫ة تُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫حكامي والكرا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫أي ْ َ‬
‫ري بقايا افِتخاٍر‬ ‫ْ‬ ‫سل َُبوا خاط ِ ِ‬ ‫َ‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مةِ أ ُْنثى‬ ‫حْر َ‬ ‫فى« ل ِ ُ‬ ‫هو »المصط َ َ‬ ‫ها ُ‬


‫رها الَيهود ُ فنالوا‬ ‫َ‬ ‫ست ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫نا َ‬
‫ت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫واّلتي في »زب َط َْر َ‬
‫س صاح ْ‬ ‫م َ‬ ‫ة« ال ْ‬
‫شد ُ ثأرا ً‬ ‫ن الّرشيد ِ ي َن ْ ُ‬ ‫ف اب ُ‬ ‫ح َ‬ ‫َز َ‬
‫زيٌز‬ ‫خماُر عَ ِ‬ ‫ك فال ِ‬ ‫ل‪» :‬ل َب ّي ْ ِ‬ ‫قا َ‬
‫ختاه‪ ،‬ل‪ ،‬ل َتهوِني‬ ‫ل ت َُهوني أ ْ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫فد ٍَع وُذبا ٍ‬ ‫ض ْ‬ ‫ل ُتباِلي ب ِ ِ‬
‫َ‬
‫ق‬ ‫م ٍ‬ ‫خمارِ بعُ ْ‬ ‫سَرةَ ال ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫دي َ‬ ‫م ِ‬ ‫أغْ ِ‬
‫ن أّنا‬ ‫شهَد ُ الك َوْ ُ‬ ‫صُرخي‪» :‬سوف ي َ ْ‬ ‫وا ْ‬
‫ي يوما ً‬ ‫ن الك َِتاب ِ ّ‬ ‫فت ِ ُ‬ ‫ن ل نَ ْ‬ ‫»نح ُ‬
‫ري‬ ‫م الذي شاَء قَهْ ِ‬ ‫ن الحك َ‬ ‫ْ‬ ‫»غَي َْر أ ّ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫حل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قي ِ‬
‫ل الي َ ِ‬ ‫ت َ‬
‫ة نورٍ ‪ ... ...‬ب ِي َد ٍ أودِعَ ْ‬ ‫جرِ فيهِ دول ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫عد ُ ال َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫صى وال َطي ِ‬ ‫من الح َ‬ ‫ب ُِرجوم ٍ ِ‬
‫ن‬ ‫ن أني ِ‬ ‫ن دو َ‬ ‫صَرعُ الحاِقدي َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ش عُهْرٍ َيصول كالت ّّني ِ‬ ‫ب َط َ‬
‫ن‬ ‫س فريد ٍ ثمي ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ما ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫د ُّرة ٌ ِ‬
‫ن‬‫َ ِ‬ ‫جبي‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫تا‬ ‫ر‬ ‫ّ َْ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫وَترى‬
‫ن«‬ ‫»أقِْبلوا أقِبلوا إلى الّتو ِ‬
‫ن«‬ ‫ل تبالوا بعِ ّ َ‬
‫فةٍ أوْ ِدي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ن«‬ ‫ِ‬ ‫مجو‬ ‫ُ‬ ‫في‬ ‫كم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫يل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫قيموا‬ ‫ِ‬ ‫ول ْت ُ‬
‫ن‬
‫ط الظُنو ِ‬ ‫ّ‬ ‫دجى وَرهْ ِ‬ ‫معاني ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫جنو ِ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ح أهْ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة في َ‬ ‫سن ّ ً‬ ‫ُ‬
‫ت ِبالب ِكيني‬ ‫ّ‬ ‫ن الّراِقصا ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫أو‬
‫ن«‬ ‫متي ِ‬ ‫شد ٍ َ‬ ‫ت ُر ْ‬ ‫ب ذا ُ‬ ‫»أنا يا ر ّ‬
‫ن«‬ ‫َ‬
‫ي »المي ِ‬ ‫ح َ‬ ‫في الَهوى ما َيفوقُ وَ ْ‬
‫ن‬ ‫شي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫ِللَبغايا اب ِْتداَر ك ُ ّ‬
‫ن‬ ‫عن الّرداِء الّرزي ِ‬ ‫خد ْرٍ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ذا ُ‬
‫ن‬ ‫تحام ِ الَعري ِ‬ ‫ت على اق ِ‬ ‫ْ‬ ‫قاِدرا ٌ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عمى الُعيو ِ‬ ‫حظرِ أ ْ‬ ‫ن قرارٍ ل ِل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ني‬ ‫الج‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫كوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫وا‬
‫ِ ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫مكي‬ ‫ِ ٍ َ‬ ‫ع‬ ‫صرا‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫فالحضارا‬
‫ن‬‫ِ ْ ِ ِ‬ ‫لي‬ ‫س‬ ‫غ‬ ‫بال‬ ‫ض‬
‫ُ‬ ‫يفي‬ ‫جحيم ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن؟‬ ‫ؤو‬ ‫ُ‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫أْ َ َ ْ َ ّ‬
‫د‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫ف عَب َْر القرو ِ‬ ‫سل ِ‬ ‫عهودِ ال ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مبي ِ‬ ‫صرٍ ُ‬ ‫ت ب ِن َ ْ‬ ‫حْربا جاَء ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ش ّ‬
‫ن)‪(1‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خي َْر طْرٍد‪ ،‬والب ِّر طْرد ُ اللِعي ِ‬ ‫َ‬
‫ن َتهوِني«‬ ‫ب‪» :‬ل ل ْ‬ ‫َ‬ ‫جوا ُ‬ ‫َفأتاها ال َ‬
‫ن)‪(2‬‬ ‫صو ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫جن ْد َ الّروم ِ ب َي ْ َ‬ ‫شوى ُ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫ن)‪«(3‬‬ ‫جفو ِ‬ ‫ض أْثمان ِهِ اقِْتلع ُ ال ُ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫ن)‪(4‬‬ ‫فتو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ش ال َ‬ ‫َواْرُفضي فَْتوى الطائ ِ ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫قهِ َوالطِني ِ‬ ‫قي ِ‬ ‫ن نَ ِ‬
‫َ‬
‫م ْ‬ ‫واهَْزِئي ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫ب الْوغاد ِ كالسكي ِ‬ ‫في ُقلو ِ‬
‫ن‬ ‫كي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫عد َ الت ّ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ل‪َ ،‬‬ ‫شد ُ العَد ْ َ‬ ‫ن َن ْ ُ‬
‫ن‬ ‫مسي وَِلي غَد ٌ ِذي ُ‬ ‫َ‬ ‫ذا َ‬
‫شجو ِ‬ ‫كأ ْ‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫لَ َ‬
‫ن‬ ‫ن أراه ُ ب ِغَي ْرِ ث َوْ ِ‬
‫ب الد ِّفي ِ‬ ‫ْ‬
‫ن قرآن كريم‬‫ديو ِ‬
‫سدادِ ال ّ‬ ‫شرِ في َ‬ ‫مل الب ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫الشاعر أيمن القادري‬
‫‪2004 -01 -29‬‬
‫‪ -1‬الشارة هنا إلى بني قينقاع الذين احتالوا على امرأة ل ِي َن ْ َ‬
‫كشف ما تحت‬
‫خمارها‪ ،‬فنفاهم النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.-‬‬
‫مورية‪.‬‬‫‪ -2‬الشارة هنا إلى الخليفة المعتصم وفتح ع ّ‬
‫دنا عن ديننا‪.‬‬
‫‪ -3‬أي اقتلع الجفون الطامعة بص ّ‬
‫‪ -4‬الشارة هنا إلى فتوى شيخ الزهر الطنطاو‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا راحل ً وجمي ُ‬


‫ل الصبرِ يتبُعه‬
‫المصدر‪/‬المؤلف‪ :‬محمد بن سّرار اليامي‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فلقد دار الدهر دورته‪ ،‬ومضت اليام تلو اليام‪ ،‬وإذا بشهرنا تغيض أنواره‪..‬‬
‫وتبلى أستاره‪ ..‬ويأفل نجمه بعد أن سطع‪ ،‬وُيظلم ليله بعد أن لمع‪ ،‬وُيخيم‬
‫السكون على الكون‪ ..‬بعدما كان الوجود كل والوجود يستعد‪ ،‬ويتأهب للقاء‬
‫هذا الضيف الكريم‪..‬‬
‫أنا ل أدري وأنا أرقم هذه الجمل‪ ..‬ءأهنيكم بحلول عيد الفطر المبارك؟ أم‬
‫أعزيكم بفراق شهر العتق والغفران؟‬
‫ن لتدمع‪ ،‬وإّنا على فراقك يا رمضان لمحزونون‪...‬‬ ‫ب ليحزن‪ ،‬وإن العي َ‬ ‫إن القل َ‬
‫لحن الخلود‬
‫ن بمداد‬ ‫مِلي على بناتي عبارات السى واللوعة‪ ،‬فتكتب البنا ُ‬ ‫إن قلبي لي ُ ْ‬
‫ت أن تستقي على صفحات دفاتري‪ ..‬إل‬ ‫ن الخلود‪ ،‬وتأبى الكلما ُ‬ ‫المدامع لح َ‬
‫حينما أعظها بواحدة‪ ..‬حينما أعظها بأن الله قد جعل من سننه في هذه‬
‫م وافترق‪..‬‬ ‫الحياة‪ ..‬أن للشمل التما ٌ‬
‫ستر السنا وتحجبت شمس الضحى *** وتغيبت بعد الشروق بدوُر‬ ‫ُ‬
‫ومضى الذي أهوى وجرعني السى *** وعدت بقلبي جذوةٌ وسعيُر‬
‫يا ليته لما نوى عهد النوى *** وافى العيون من الظلم نذيُر‬
‫ناهيك ما فعلت بماء حشاشتي *** ناٌر لها بين الضلوع زفيُر‬
‫انقضى رمضان‪ ..‬ويا وَل ِْهي عليه‪ ..‬انقضت أيامه ولياليه‪ ..‬ذهب‪ ..‬ليعود على‬
‫من بقى‪ ،‬وليودع من كان أجله قد حان‪ ..‬نعم‪ ..‬ذهبت يا رمضان‪ ..‬فجرت‬
‫المدامع‪..‬‬
‫ق‬
‫ه *** هل من سبيل إلى لقياك يتف ُ‬ ‫يا راحل ً وجميل الصبر يتبع ُ‬
‫ق‬
‫ة *** ول وفى لك قلبي وهو يحتر ُ‬ ‫ما أنصفتك دموعي وهي دامي ٌ‬
‫نعم‪ ..‬انقضى رمضان‪ ..‬ولكن‪ ..‬ماذا بعده؟!‬
‫إن عمل المؤمن ل ينقضي أبدًا‪..‬‬
‫انقضى رمضان‪ ،‬وقد اعتاد كثيٌر من أبنائه الصلة مع جماعة المسلمين‪..‬‬
‫هديت‪ ،‬واستمر عليه‪ ..‬نعم اجعل رمضان‬ ‫فيا من أ َِلف الحق‪ ..‬تمسك به ُ‬
‫كقاعدة تنطلق منها للمحافظة على الصلة في باقي الشهور‪ ..‬نعم اجعل‬
‫ل الله جل وعز أن يغفر لك بما‬ ‫رمضان منطلقا ً لترك الذنوب والمعاصي‪ ..‬عَ ّ‬
‫عباد رمضان‪..‬‬ ‫قدمت‪ ،‬وإياك ثم إياك أن تكون من ُ‬
‫إن من علمات قبول العمل المواصلة فيه‪ ،‬والستمرار عليه‪ ..‬فاحكم أنت‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل أم مردود؟ نعم احكم أنت‪..‬‬ ‫على صيامك‪ ..‬هل هو مقبو ٌ‬


‫خواطر صائم في لحظات الوداع‬
‫أخي الصائم‪ ..‬أختي الصائمة‪:‬‬
‫ة ل تبلى‪ ..‬حرقة الوداع‬ ‫ٌ‬ ‫لوع‬ ‫ولوعتها‬ ‫تنسى‪،‬‬ ‫تل ُ‬ ‫إن لحظات الوداع لحظا ٌ‬
‫ُتلهب الحشاء‪ ،‬ودموعه تحرق الوجنات بحرارة العبرات‪..‬‬
‫عي‬‫ي مود ّ‬ ‫لم ُيبكني إل حديث فراقكم *** لما أسّر به إل ّ‬
‫م *** في مسمعي أجريته من مدمعي‬ ‫هو ذلك الدر الذي أودعت ُ‬
‫فيا من صام لسانه في رمضان عن الغيبة والنميمة والكذب واصل مسيرتك‪،‬‬
‫غض‬ ‫ه في رمضان عن النظر المحرم‪ُ ..‬‬ ‫جد ّ في الطلب‪ ..‬ويا من صامت عين ُ‬ ‫و ُ‬
‫طرفك ما بقيت‪ ..‬يورث الله قلبك حلوة اليمان ما حييت‪..‬‬
‫ويا من صامت أذنه في رمضان عن سماع ما يحرم من القول‪ ،‬وما ُيستقذر‪..‬‬
‫من سماع غيبة‪ ،‬أو نميمة‪ ،‬أو غناء‪ ،‬أو لهو‪ ..‬اتق الله‪ ،‬و ل تعد‪ ،‬اتق الله‪ ،‬ول‬
‫تعد‪..‬‬
‫ويا من صام بطنه في رمضان عن الطعام‪ ،‬وعن أكل الحرام‪ ..‬اتق الله في‬
‫صيامك‪ ،‬ول تذهب أجرك بذنبك‪ ،‬وإياك ثم إياك من أكل الربا‪ ..‬فإن آكله‬
‫محارب لله ولرسوله ‪ ..‬فهل تطيق ذلك؟!‬
‫ويا من صام بطنه‪ ..‬تذكر إخوانا ً لك في رمضان‪ ،‬وغيره يبيتون على الجوع‬
‫والُعري‪ ..‬ول يجد أحدهم ما يسد ّ به جوعته‪ ،‬ول فاقة عياله‪ ..‬تذكر أنهم‬
‫ينتظرون منك‪ ..‬نعم‪ ..‬منك أنت ومن أمثالك من ُيمد ّ لهم يد العون‪،‬‬
‫والمساعدة‪..‬‬
‫حان الوداع‬
‫وأخيرا ً أخي الصائم‪ ..‬أختي الصائمة‪..‬‬
‫إن العيد على البواب‪ ،‬وإن رمضان آذن بوادع‪ ،‬وكم هي شاقة هذه الكلمة‬
‫)وداع(‪ ،‬ولكنني أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يعيده علينا وعلى‬
‫سائر المسلمين أياما ً عديدة‪ ..‬وأزمنة مديدة‪ ..‬وقد تحقق للمة السلمية ما‬
‫ي ذلك‪ ،‬والقادر‬‫تصبو إليه من عز وتمكين‪ ،‬وسؤدد في العالمين‪ ..‬إن الله ول ّ‬
‫عليه‪..‬‬
‫يا لئمي في البكا زدني به كلفا ً‬
‫واسمع غريب أحاديث وأشعار‬
‫ما كان أحسننا والشمل مجتمع‬
‫منا المصلي ومنا القانت القاري‬
‫وفي التراويح للراحات جامعة‬
‫فيها المصابيح تزهو مثل أزهار‬
‫شهٌر به ُيعتق الله العصاة وقد‬
‫جرف من حصة النار‬ ‫أشفوا على ُ‬
‫فابكوا على ما‬
‫مضى في الشهر واغتنموا‬
‫ما قد بقي فهو‬
‫حقٌ عنكم جاري‬
‫فرحة العيد‬
‫ل الله جل وعز أن يكتبها في‬ ‫إلى كل صائم وصائمة‪ ..‬أوجه هذه العبارات‪ ..‬ع ّ‬
‫ميزان الحسنات‪ ..‬أقول‪:‬‬
‫أخي‪ ..‬أختي‪ :‬حينما تشرق شمس صباح العيد‪ ،‬فيجتمع الشمل‪ ،‬وُيلبس‬
‫الجديد‪ ،‬ويؤكل ما لذ ّ وطاب‪..‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تذكروا ذلكم الطفل اليتيم‪ ..‬الذي ما وجد والدا ً يبارك له بالعيد‪ ،‬ول ُيقّبله‪ ،‬ول‬
‫يمسح على رأسه‪ ..‬قتل أبوه في جرح من جراِح هذه المة‪..‬‬
‫وتذكروا تلكم الطفلة الصغيرة‪ ..‬حينما ترى بنات جيرنها يرتدين الجديد‪ ،‬وهي‬
‫يتيمة الب‪ ..‬إنها تخاطب فيكم مشاعركم‪ ،‬وأحاسيسكم‪ ..‬إنها تقول لكم‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أنا طفلة صغيرة‪ ،‬ومن حقي أن أفرح بهذا العيد‪ ..‬نعم‪ ..‬من حقي أن ارتدي‬
‫ثوبا ً حسنا ً لئقا ً بيوم العيد‪ ..‬من حقي‪ ..‬أن أجد الحنان والعطف‪ ..‬أريد قبلة‬
‫من والدي‪ ،‬ومسحة حانية على رأسي‪ ..‬أريد حلوى‪ ،‬ولكن السؤال المّر‪..‬‬
‫الذي لم أجد له جوابا ً حتى الن هو‪ ..‬أين والدي؟ أين والدي؟ أين والدي؟!!‬
‫فيا أخي‪ ..‬ويا أختي‪ ..‬قدموا لنفسكم‪ ،‬واجعلوا فرحة هذا العيد المبارك‪ ..‬تعم‬
‫أرجاء عالمنا السلمي‪..‬‬
‫شّرعة‬ ‫م َ‬
‫فها هي المبرات‪ ،‬ودور الصدقات‪ ،‬ولجان الغاثة‪ ،‬والمساعدات‪ُ ..‬‬
‫أبوابها‪ ،‬فهلموا إليها‪ ..‬وما تقدموا لنفسكم تجدوه عند الله‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والله يرعاكم ويتولنا وإياكم جعل الله صيامنا‪ ،‬وصيامكم مقبول‪ ،‬خالصا لوجهه‬
‫الكريم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يا شاعَر العشق‬


‫مد إقبال رحمه الله (‬
‫) إلى شاعر السلم الكبير ‪ :‬مح ّ‬
‫شعر ‪:‬أنس إبراهيم الدغيم‬
‫ت أم أبقى أسيَر قراري‬ ‫أأمو ُ‬
‫جارِ ؟‬ ‫أم أنحني لمشيئة الف ّ‬
‫ئ ضائعٌ‬ ‫أنا بين ذاك و ذاك شي ٌ‬
‫وهنت قواي و حوربت أفكاري‬
‫ح قضيتي‬ ‫ت ستموت رو ُ‬ ‫م ْ‬‫أنا إن أ ُ‬
‫وحكايتي و ستنتهي أشعاري‬
‫م عّزاهم فقد‬ ‫ت أما َ‬ ‫و إن انحني ُ‬
‫ت شعاري‬ ‫ت قرآني و خن ُ‬ ‫ضّيع ُ‬
‫ع‬
‫ئ ضائ ٌ‬ ‫أنا بين ذاك و ذاك شي ٌ‬
‫ت سفينتي‬ ‫يا سّيدي إني صنع ُ‬
‫ت مجدافي فأين بحاري ؟‬ ‫و صنع ُ‬
‫ل يوم ٍ نورها‬ ‫ثك ّ‬ ‫س تبع ُ‬ ‫و الشم ُ‬
‫جة الدنيا فأين نهاري ؟‬ ‫في ل ّ‬
‫ب في البلد ِ و ها أنا‬ ‫ت أضر ُ‬ ‫سافر ُ‬
‫ت أسفاري‬ ‫ت البلد َ و ما انته ْ‬ ‫طف ُ‬
‫ث عن قوافيك التي‬ ‫ت أبح ُ‬ ‫سافر ُ‬
‫وة المختاِر‬ ‫ت دمي بنب ّ‬ ‫مل ْ‬
‫ت عنك فما وجدُتك في رؤى‬ ‫و بحث ُ‬
‫ت نزاِر‬ ‫س و ل في لفتا ِ‬ ‫قي ٍ‬
‫ت أّنك فوق ما قالوا وما‬ ‫فعلم ُ‬
‫نظموا و فوق الّنظم و الشعاِر‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة التي‬ ‫ماذا تخّبر عنك قرطب ُ‬


‫تبكيك في الصال و البكارِ ؟‬
‫ة و الهوى‬ ‫و بما يبوح نسيم مك َ‬
‫مّر و إنك صاحب التذكارِ ؟‬
‫ه‬
‫تب ِ‬ ‫ك النبويّ كم عرج ْ‬ ‫يا صوت َ‬
‫فوقَ السماِء حناجُر الطيارِ ؟‬
‫ت بها‬ ‫ك الحمراُء كم سار ْ‬ ‫أشواق َ‬
‫ب سرائُر السحارِ ؟‬ ‫فوق الترا ِ‬
‫ن أسعفني فقد‬ ‫ي الد ّ ّ‬‫يا أعجم ّ‬
‫ت على شفةِ الهوى أوتاري‬ ‫يبس ْ‬
‫يا سيدي هبني شعاعا ً خالدا ً‬
‫ت أنواري‬ ‫من ذاتكم فقد انطو ْ‬
‫ث بنورك في حياتي مثلما‬ ‫و ابع ْ‬
‫واِر‬ ‫يسري الّندى في برعم الن ّ ّ‬
‫ب في ليل النوى‬ ‫ت الدر َ‬ ‫إّني أضع ُ‬
‫ة من ناِر‬ ‫ح سراجي شعل ً‬ ‫فامن ْ‬
‫ً‬ ‫ة‬ ‫قو‬ ‫فؤادي‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫امن‬ ‫و‬ ‫سيدي‬ ‫يا‬
‫ة الركان و السراِر‬ ‫علوي ّ َ‬
‫حّتى إذا زرع الفؤاد ُ وروَده‬
‫ت أمام قوادم ِ العصاِر‬ ‫وقف ْ‬
‫ِ‬
‫م الّنار‬
‫ف أما َ‬
‫• ‪ -‬هذه القصيدة من ديوان ‪ :‬حرو ٌ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا شباب !! رفقا ً بعلماء السنة‬


‫ه‬
‫عَبادِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شى الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫الحمد لله القائل في محكم التنزيل ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ماء { ‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد سيد النبياء والمرسلين ‪ ،‬وعلى‬ ‫ال ْعُل َ َ‬
‫آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه ودعا بدعوته إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فالذي ينظر لحال المة ‪ ,‬يرى واقعا مريرا خيم على أغلب شباب الصحوة ‪,‬‬
‫ويكمن ذلك في تنكرهم للعلم والعلماء ‪ ,‬وذلك ‪ :‬إما بسبب جهلهم بالعلم‬
‫وحقيقته وحال العلماء ‪ ,‬أو بسبب غلبة الهوى ‪ ..‬وهذا ما دفعني في هذه‬
‫الكلمات لبيان فضل العلم والعلماء وواجب المة نحوهم ‪.‬‬
‫فقد أشاد سبحانه وتعالى – أيما إشادة ! – بفضل أهل العلم ‪ ،‬ورفع من‬
‫كلم ِ‬ ‫شأنهم ‪ ،‬وأعلى من قدرهم ‪ ،‬بما يعجز عن بيانه إل البيان المبين ‪ ،‬من َ‬
‫ب العالمين‬ ‫َر ّ‬
‫شُهودٍ‬ ‫شُهودٍ ‪ ,‬وقرنهم بخير ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫فقد جعلهم سبحانه وتعالى شهود ٌ ؛ على أج ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫شهد الل ّ َ‬
‫ما‬‫ة وَأوْلوا العِلم ِ َقائ ِ ً‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ َوال ْ َ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫ه أن ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل ت ََعاَلى ‪َ ِ َ } :‬‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫م { ] سورة آل عمران ‪[ 18 :‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫زيُز ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِل هُوَ العَ ِ‬ ‫َ‬
‫ط ل إ ِل َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ِبال ْ ِ‬
‫وقد ذكر سبحانه فضله ومنته على أنبيائه ورسله وعباده بما آتاهم من العلم ‪,‬‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ض ُ‬ ‫ول فَ ْ‬ ‫ل ت ََعاَلى ‪} :‬وَل َ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫فذكر سبحانه نعمته على خاتم أنبيائه ورسله فَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ضّلو َ‬ ‫ة منه َ‬ ‫ت َ‬
‫ما‬‫م وَ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل أن ُ‬ ‫ضلو َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن يُ ِ‬‫مأ ْ‬ ‫ف ٌ ِ ُْ ْ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫م ْ‬‫ه ل َهَ ّ‬‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬
‫ك وََر ْ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن ت َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَعَل ّ َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬‫ه عَل َي ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫يٍء وَأنَز َ‬ ‫ش ْ‬‫ك من َ‬ ‫ضّرون َ َ‬ ‫يَ ُ‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظيما ً )‪] {(113‬سورة النساء ‪[113 :‬‬ ‫ك عَ ِ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫عْلما ً وَك َذ َل ِ َ‬ ‫كما ً وَ ِ‬ ‫َ‬
‫ما ب َل َغَ أ ُ‬
‫ك‬ ‫ح ْ‬ ‫شد ّهُ آت َي َْناه ُ ُ‬ ‫وقال في يوسف عليه السلم ‪} :‬وَل َ ّ‬
‫ن )‪] {(22‬سورة يوسف ‪[22 :‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫زي ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫عْلما ً وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫َ ِ‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫كم‬ ‫ْ‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫آ‬ ‫وى‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫وا‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ش‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫غ‬
‫َ ّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫موسى‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫لي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫وقال‬
‫ََْ ُ ُ‬ ‫ّ ُ َ ْ َ َ‬ ‫ِ ِ ِ ُ‬
‫ن )‪] {(14‬سورة القصص ‪[14 :‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫زي ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫ك‬‫مِتي عَل َي ْ َ‬ ‫م اذ ْك ُْر ن ِعْ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ه َيا ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫سيِح ‪}:‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫م ِ‬ ‫حقّ ال ْ َ‬ ‫وقال في َ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مت ُ َ‬
‫ك‬ ‫مهْد ِ وَك َهْل ً وَإ ِذ ْ عَل ْ‬ ‫م الّناس ِفي ال َ‬ ‫س ت ُك َل ُ‬ ‫قد ُ ِ‬ ‫ك ب ُِروِح ال ُ‬ ‫ك إ ِذ ْ أّيدت ّ َ‬ ‫على َوال ِد َت ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ل{ ]سورة المائدة ‪ [110 :‬فجعل تعليمه‬ ‫جي َ‬ ‫لن ِ‬ ‫ة َوالت ّوَْراة َ َوا ِ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫مما بشر به أمه وأقر عينها به ‪.‬‬
‫ب )‪{(20‬‬ ‫خطا ِ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ِ‬‫ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ة وَفَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حك َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه َوآت َي َْناهُ ال ِ‬ ‫ملك ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫شد َد َْنا ُ‬ ‫حقّ داود ‪} :‬وَ َ‬ ‫وقال في َ‬
‫]سورة ص ‪[20 :‬‬
‫عَبادَِنا آت َي َْناهُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ً‬
‫دا عَْبدا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫حقّ الخضر صاحب موسى وفتاه ‪} :‬فَوَ َ‬ ‫وقال في َ‬
‫علما { ]سورة الكهف ‪[65 :‬‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫مَناه ُ من لد ُّنا ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫عن ْدَِنا وَعَل ْ‬ ‫ة من ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫قوْم ِ وَكّناُ‬ ‫م ال َْ‬ ‫َ‬
‫ت ِفيهِ غن َ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ث إ ِذ ْ ن َ َ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ن ِفي ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫حك َ‬ ‫ُ‬ ‫ن إ ِذ ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬‫َ‬ ‫}وََداُوود َ وَ ُ‬
‫ن { ]سورة النبياء ‪[79 - 78 :‬‬ ‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ها ُ‬ ‫مَنا َ‬ ‫فهّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (78‬ف َ‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫حك ْ ِ‬ ‫لِ ُ‬
‫فذكر النبيين الكريمين وأثنى عليهما بالحكم والعلم ‪ ,‬وخص أحدهما بفهم‬
‫القضية ‪.‬‬
‫شى الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫خ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ل ت ََعاَلى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬ ‫قا َ‬ ‫وحصر سبحانه الخشية منه على العلماء ‪ ,‬فَ َ‬
‫فوٌر { ] سورة فاطر‪[ 28 :‬‬ ‫زيٌز غ َ ُ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ماُء إ ِ ّ‬ ‫عَبادِهِ ال ْعُل َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ما ي َت َذ َك ُّر‬‫ن إ ِن َّ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫َْ ُ َ َ‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫لذين‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫وي‬ ‫َ‬
‫َ ْ ِ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫عا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫وَ‬
‫ب { ] سورة الزمر ‪. [ 9 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أوْلوا اللَبا ِ‬
‫ل تعاَلى ‪ } :‬يرفَع الل ّه اّلذين آمنوا منك ُم وال ّذي ُ‬
‫ت َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫جا ٍ‬ ‫م د ََر َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ِ ْ ْ َ ِ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ْ‬ ‫وََقا َ َ َ‬
‫خِبيٌر { ] سورة المجادلة ‪. [ 11 :‬‬ ‫ن َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫بِ َ‬
‫سل َكَ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ‪ :‬وَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫جن ّةِ ‪(1) .‬‬ ‫ْ‬
‫قا إ ِلى ال َ‬ ‫َ‬ ‫ري ً‬ ‫َ‬
‫ه ب ِهِ ط ِ‬ ‫َ‬
‫هل ُ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫سهّ َ‬ ‫ما ؛ َ‬ ‫عل ً‬ ‫ْ‬ ‫س ِفيهِ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫قا ي َلت َ ِ‬ ‫ري ً‬ ‫طَ ِ‬
‫فحملة العلم هم العلماء ‪ ,‬وأعني بهم العلماء الربانيين الذين ل يأخذون على‬
‫علمهم أجرا ‪ ,‬ول ينتظرون ثناء الناس أو مدحهم ‪ ,‬ويقومون بتعليم الناس‬
‫بالكتاب والسنة ‪ ,‬على فهم السلف رضي الله عنهم من الصحابة ومن تبعهم‬
‫بإحسان ‪.‬‬
‫ن فانظر ممن تأخذ دينك ‪ ,‬فإن وجدت من تأمنه على دينك ؛‬ ‫فالعلم دي ٌ‬
‫طريق إلى الجنة ‪.‬‬ ‫خطى ؛ فقد سهل الله لها ال ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫طاك أشر ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ف ُ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ت َأ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ‪َ ,‬فان ْظ ُُروا عَ ّ‬ ‫م ِدي ٌ‬ ‫ذا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ل ‪ :‬إِ ّ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ري َ‬ ‫سي ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مد ِ ب ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫م ‪(2) .‬‬ ‫ِدين َك ُ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مَراِتب ؟ قلت ‪ :‬ما أنت‬ ‫ل ال ْ َ‬‫ما أ َن ْب َ ُ‬


‫شيد ‪َ :‬‬ ‫ل لي الّر ِ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫وعن يحيى بن أكثم َقا َ‬
‫ل ‪ :‬لكني‬ ‫مّني ؟! قلت ‪ :‬ل ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ج ّ‬ ‫َ‬ ‫ل ‪ :‬فَت َعْرِ ُ‬ ‫فيه يا أمير المؤمنين ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل ِ‬ ‫فأ َ‬
‫سو ُ‬
‫ل الله‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫َ‬
‫ن فُل ٍ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫َ‬
‫حد ّث ََنا فُل ٌ‬ ‫أعرفه ‪ ,‬رجل يقول في حلقة ‪َ :‬‬
‫ل ‪ :‬ن ََعم ويلك ! هذا‬ ‫مين ؟! َقا َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ي عَهْدِ ال ُ‬ ‫سّلم ‪ ,‬قلت ‪ :‬وَوَل ِ ّ‬ ‫صّلى الله عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬ل‬ ‫مّني ‪ ,‬لن اسمه مقتر ٌ‬ ‫خي ٌْر ِ‬‫َ‬
‫ماُء باقون ما بقي الد ّهُْر ‪(3) .‬‬ ‫َ‬
‫دا ‪ ,‬نحن نموت ونفنى ‪ ,‬والعُل َ‬ ‫يموت أب ً‬
‫ل أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي ‪ :‬سمعت الستاذ بن العميد يقول ‪:‬‬ ‫َقا َ‬
‫دنيا حلوةً ألذ ّ من الّرئاسةِ والوزارةِ التي أنا فيها ؛‬ ‫ما كنت أظن أن في ال ّ‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جَعابي‬ ‫طبراني ‪ ,‬وأبي بكر ال ِ‬ ‫مذاكرة سليمان بن أحمد ال ّ‬ ‫حتى شهدت ُ‬


‫جَعابي يغلب‬ ‫جَعابي بكثرةِ حفظه ‪ ,‬وكان ال ِ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ي يغل ُ‬ ‫بحضرتي ‪ ,‬فكان الطبران ّ‬ ‫ّ‬
‫طبراني بفطنته وذكاء أهل بغداد ‪ ,‬حتى ارتفعت اصواتهما ‪ ,‬ول يكاد أحدهما‬ ‫ال ّ‬
‫دنيا إل عندي ‪,‬‬ ‫ث ليس في ال ّ‬ ‫جَعابي ‪ :‬عندي حدي ٌ‬ ‫يغلب صاحبه ‪ ,‬فقال ال ِ‬
‫دث‬ ‫فقال ‪ :‬هاته ‪ ,‬فقال ‪ :‬حدثنا أبو خليفة الجمحي ‪ ,‬ثنا سليمان بن أيوب ‪ ,‬وح ّ‬
‫طبراني ‪ :‬أنا سليمان بن أيوب ‪ ,‬ومنى سمع أبو خليفة ‪,‬‬ ‫ث ‪ ,‬فقال ال ّ‬ ‫بحدي ٍ‬
‫ل‬‫ج َ‬ ‫خ ِ‬ ‫فاسمع مني حتى يعلو إسنادك ‪ ,‬فإنك تروي عن أبي خليفة عني ‪ ,‬ف َ‬
‫ن الوزارة‬ ‫َ‬ ‫طبراني ‪َ ,‬قا َ‬ ‫جَعابي ‪ ,‬وغلبه ال ّ‬
‫ل ابن العميد ‪ :‬فوددت في مكاني أ ّ‬ ‫ال ِ‬
‫والّرئاسة ليتها لم تكن لي ؛ وكنت أنا الطبراني ‪ ,‬وفرحت مثل الفرح الذي‬ ‫ّ‬
‫ل ‪(4) .‬‬ ‫فرحه لجل الحديث ‪ ,‬أو كما َقا َ‬
‫ت‬ ‫مَرته ‪ ،‬فرأي ُ‬ ‫ت على إسحاق بن سليمان في إ ْ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ل الجاحظ )‪ : (5‬ولقد د َ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ت ِفرشته وب ِّزته‬ ‫ن على رءوسهم الطير ‪ ،‬ورأي ُ‬ ‫مُثول كأ ّ‬ ‫ً‬ ‫ل ُ‬ ‫جا َ‬ ‫طين)‪ (6‬والّر َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ت كتِبه‪ ،‬وحواليه السفاط)‪(7‬‬ ‫ُ‬ ‫معُْزول ‪ ،‬وإذا هو في بي ِ‬ ‫ت عليه وهو َ‬ ‫ْ‬
‫خل ُ‬ ‫‪ ،‬ثم د َ َ‬
‫طر والمحاِبر ‪ ،‬فما رأيته قط‬ ‫دفاتر والمسا ِ‬ ‫طر)‪ (9‬وال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ق َ‬ ‫والّرقوق)‪ ، (8‬وال َ‬
‫ة‬
‫معَ مع المهاب َ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ب ول أجزل منه في ذلك اليوم ‪ ،‬لنه َ‬ ‫َ‬ ‫ل ‪ ،‬ول أهي َ‬ ‫م ول أنب َ‬ ‫أفخ َ‬
‫ة ‪ .‬اهـ‪.‬‬ ‫حكم َ‬ ‫سؤددِ ال ِ‬ ‫خامةِ الحلوةَ ‪ ،‬ومع ال ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ة ‪ ،‬ومع ال َ‬ ‫المحب ّ َ‬
‫ولما كان العلماء ورثة النبياء‪ ،‬فقد أوجب الله عليهم بيان الحق للناس‪،‬‬
‫خذ َ الل ّه ميَثاقَ ال ّذي ُ‬ ‫وحّرم عليهم كتمانه‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬وَإ ِذ َ أ َ َ‬
‫ب‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ ِ‬
‫منا ً قَِليل ً فَب ِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫شت ََروْا ْ ب ِهِ ث َ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ذوه ُ وََراء ظ ُُهورِهِ ْ‬ ‫ه فَن َب َ ُ‬ ‫مون َ ُ‬ ‫س وَل َ ت َك ْت ُ ُ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ل َت ُب َي ّن ُن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ما أنَزل َْنا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ن { ]آل عمران‪ .[187:‬وقال‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫شت َُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬‫يل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫أو‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ما‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫دى‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫ن { ]البقرة‪ .[159:‬والمعني بهاتين اليتين كل من كتم علما من دين‬ ‫عُنو َ‬ ‫الل ِ‬ ‫ّ‬
‫الله يعلمه‪ ،‬وكان الناس بحاجة إليه ‪.‬‬
‫علم ٍ‬
‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َنارٍ ‪(10) .‬‬ ‫م ْ‬ ‫جام ٍ ِ‬ ‫مةِ ب ِل ِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه أل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م كت َ َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫عَل ِ َ‬
‫وكما أوجب سبحانه وتعالى على العلماء أن يبّينوا الحق للناس ول يكتمونه‪،‬‬
‫فقد أوجب على الناس أن يعودوا إلى علمائهم فيستفتوهم ويسألوهم ‪ ،‬قال‬
‫ن { ]النبياء‪. [7:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ل الذ ّك ْرِ ِإن ُ‬ ‫سأ َُلوا ْ أ َهْ َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬فا ْ‬
‫ولبد للسائل أن يختار العالم المتمكن في علمه ‪ ،‬ويحذر من الجهلة الذين‬
‫دعون العلم ‪.‬‬ ‫ي ّ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ص َقا َ‬ ‫ن الَعا ِ‬
‫ْ‬
‫رو ب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫ض‬
‫قب ِ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن ال ْعَِباد ِ وَل َك ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫عا ي َن ْت َزِعُ ُ‬ ‫م ان ْت َِزا ً‬ ‫ض ال ْعِل ْ َ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫ه َل ي َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫سئ ُِلوا‬ ‫جّهاًل فَ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫س ُرُءو ً‬ ‫خذ َ الّنا ُ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫عال ِ ً‬ ‫ق َ‬ ‫م ي ُب ْ ِ‬ ‫حّتى إ َِذا ل َ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫ض ال ْعُل َ َ‬ ‫قب ْ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ال ْعِل ْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضلوا ‪(11) .‬‬ ‫ضلوا وَأ َ‬ ‫علم ٍ فَ َ‬ ‫وا ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫فَأفْت َ ْ‬
‫ول أظن أحدا ً يجهل أمر هؤلء الرؤساء الجهلة الذين أسند إليهم الوظائف‬
‫الدينية ‪ ،‬فأسرفوا في المتاجرة بدين الله إرضاًء لسادتهم ‪ ،‬وطمعا ً بمزيد من‬
‫الهبات والعطايا التي تقدم لهم ‪ ..‬كما ل أظن أحدا ً يجهل فتاوى الغلة الذين‬
‫أخطأوا في فهم أقوال أئمة السلم التي يستدلون بها‪ ،‬وأخطأوا في إسقاطها‬
‫على واقع المة ‪ ،‬وأخطأوا مرة ثالثة عندما تصدوا لمهمة ليسوا أهل ً لها‪.‬‬
‫فالعلماء الدعاة وحدهم هم القادرون على حسم هذه الفوضى ‪ ،‬وتحديد‬
‫المسار الصحيح لمة السلم ‪.‬‬
‫هذا وإن العلماء الصالحين المصلحين ل يخلو منهم عصر من العصار ‪ ,‬ول‬
‫مصر من المصار والحمد لله‪ ،‬ولن يجد الناس صعوبة في الهتداء إليهم‪ ،‬لن‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله سبحانه وتعالى قد خصهم بكثير من الصفات التي كان يمتاز بها الهداة‬
‫المهديون من أئمة هذا الدين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن مسؤولية هؤلء العلماء كبيرة وكبيرة جدًا‪ ،‬والمل فيهم بعد الله يتضاعف‪،‬‬
‫لن المطلوب منهم إصلح الناس ‪ ،‬ومطلوب منهم عدم تأخير البيان عند‬
‫الحاجة ‪.‬‬
‫والعلماء في هذا الزمان كغيرهم من علماء كل زمان يصيبون ويخطئون ‪,‬‬
‫الواجب معهم عند الخطأ ؛ النصيحة والبيان ل التشهير والهجران ‪ ,‬وقد نبغ‬
‫في زمننا هذا فئة من الناس ‪ ,‬همهم فتح العين والذان على كل خطأ أو زلل‬
‫لعالم ل يوافق الهوى والوجدان ‪ ,‬فإذا سمعوا كلمة طاروا بها في كل مكان ‪,‬‬
‫فإلى الله المشتكى من غثاء هذا الزمان ‪.‬‬
‫ولقد كان علماء السلف على ورع عجيب في أمر الجرح والتعديل ‪ ,‬وذلك‬
‫حينما بلغ المر فيه الغاية من التشديد لحفظ السنة ‪ ,‬فهذا يحى بن معين‬
‫شيخ المحدثين كيف كان يتعامل مع علماء زمانه ؟!‬
‫قال يحيى بن معين "إمام الجرح والتعديل" ‪ :‬ما رأيت على رجل خطأ إل‬
‫سترته ‪ ,‬وأحببت أن أزين أمره ‪ ,‬وما استقبلت رجل في وجهه بأمر يكرهه ‪,‬‬
‫ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه ‪ ,‬فإن قبل ذلك وإل تركته ‪(12) .‬‬
‫بل ننظر لحالهم في من تلبس ببدعة ‪ ,‬ووضحت وشانت ‪.‬‬
‫ففي ترجمة قتادة‬
‫ابن دعامة بن قتادة السدوسي‬
‫قال الذهبي ‪ :‬وكان من أوعية العلم وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ‬
‫سماع ‪ ,‬فإنه مدلس معروف بذلك ‪ ,‬وكان يرى‬ ‫وهو حجة بالجماع إذا بّين ال ّ‬
‫القدر نسأل الله العفو ‪ ,‬ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه ‪,‬‬
‫ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه ‪,‬‬
‫وبذل وسعه ‪ ,‬والله حكم عدل لطيف بعباده ‪ ,‬ول يسأل عما يفعل ‪ ,‬ثم إن‬
‫الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ‪ ,‬وعلم تحريه للحق ‪ ,‬واتسع علمه ‪,‬‬
‫ه ‪ ,‬ول نضلله‬‫وظهر ذكاؤه وعرف صلحه وورعه واتباعه ‪ ,‬يغفر له زل ّت َ ُ‬
‫ونطرحه ‪ ,‬وننسى محاسنه ‪ ,‬نعم ؛ ول نقتدي به في بدعته وخطئه ‪ ,‬ونرجوا‬
‫له التوبة من ذلك ‪(13) .‬‬
‫بل نراهم على ورع تام في من جاوز الحد في التجريح ‪ ,‬كما وقع للقاضي‬
‫أبي بكر بن العربي مع ابن حزم رغم ما تلبس به ابن حزم في شأن الصفات‬
‫‪.‬‬
‫قال الذهبي ‪-‬في شأن القاضي ابن العربي ‪ -‬قلت ‪ :‬ولم أنقم على القاضي‬
‫رحمه الله إل إقذاعه في ذم ابن حزم واستجهاله له ‪ ,‬وابن حزم أوسع دائرة‬
‫من أبي بكر في العلوم ‪ ,‬وأحفظ بكثير ‪ ,‬وقد أصاب في أشياء وأجاد وزلق‬
‫في مضايق كغيره من الئمة ‪ ,‬والنصاف عزيز ‪(14) .‬‬
‫ثم قال في موطن آخر ‪ :‬لم ينصف القاضي أبو بكر رحمه الله شيخ أبيه في‬
‫العلم ول تكلم فيه بالقسط ‪ ,‬وبالغ في الستخفاف به ‪ ,‬وأبو بكر فعلى‬
‫عظمته في العلم ل يبلغ رتبة أبي محمد ول يكاد ‪ ,‬فرحمهما الله وغفر لهما ‪.‬‬
‫)‪(15‬‬
‫بل حينما وقع العداء المفرط بين المام مالك وبين محمد بن إسحاق صاحب‬
‫المغازي وأفرط كل منهما في الخر ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال الذهبي ‪ -‬قلت ‪ :‬لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط‬
‫النادر ‪ ,‬ول من الكلم بنفس حاد فيمن بينهم وبينه شحناء وإحنة ‪ ,‬وقد علم‬
‫أن كثيرا من كلم القران بعضهم في بعض مهدر ل عبرة به ‪ ,‬ول سيما إذا‬
‫وثق الرجل جماعة يلوح على قولهم النصاف ‪ ,‬وهذان الرجلن ‪ -‬يعني المام‬
‫مالك ومحمد بن إسحاق ‪ -‬كل منهما قد نال من صاحبه ‪ ,‬لكن أثر كلم مالك‬
‫في محمد بعض اللين ‪ ,‬ولم يؤثر كلم محمد فيه ول ذرة ‪ ,‬وارتفع مالك وصار‬
‫كالنجم ‪ ,‬والخر ‪ -‬يعني ابن إسحاق ‪-‬فله ارتفاع بحسبه ‪ ,‬ول سيما في‬
‫السير ‪ ,‬وأما في أحاديث الحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة‬
‫الحسن ‪ ,‬إل فيما شذ فيه فإنه يعد منكرا ‪ ,‬هذا الذي عندي في حاله ‪ -‬والله‬
‫أعلم ‪(16) .‬‬
‫ولما تكلم محمد بن نصر المروزي في مسألة اليمان ‪ ,‬قام عليه جماعة من‬
‫أهل العلم كابن منده وغيره ‪ -‬كما ساق الذهبي القصة ‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو عبد الله بن مندة في مسألة اليمان ‪ :‬صرح محمد بن نصر‬
‫في كتاب اليمان بأن اليمان مخلوق ‪ ,‬وأن القرار والشهادة وقراءة القرآن‬
‫بلفظه مخلوق ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬وهجره على ذلك علماء وقته ‪ ,‬وخالفه أئمة‬
‫خراسان والعراق ‪.‬‬
‫‪ .‬قلت ‪ -‬أي الذهبي رحمه الله ‪ :‬الخوض في ذلك ل يجوز ‪ ,‬وكذلك ل يجوز أن‬
‫يقال اليمان والقرار والقراءة والتلفظ بالقرآن غير مخلوق ‪ ,‬فإن الله خلق‬
‫العباد وأعمالهم ‪ ,‬واليمان فقول وعمل ‪ ,‬والقراءة والتلفظ من كسب القارئ‬
‫‪ ,‬والمقروء الملفوظ هو كلم الله ووحيه وتنزيله ‪ ,‬وهو غير مخلوق ‪ ,‬وكذلك‬
‫كلمة اليمان ‪ ,‬وهي قول ل إله إل الله محمد رسول الله داخلة في القرآن ‪,‬‬
‫وما كان من القرآن فليس بمخلوق ‪ ,‬والتكلم بها من فعلنا ‪ ,‬وأفعالنا‬
‫مخلوقة ‪ .‬ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا‬
‫له ‪ ,‬قمنا عليه وبدعناه وهجرناه ‪ ,‬لما سلم معنا ل ابن نصر ‪ ,‬ول ابن مندة ‪,‬‬
‫ول من هو أكبر منهما ‪ ,‬والله هو هادي الخلق إلى الحق ‪ ,‬وهو أرحم الراحمين‬
‫‪ ,‬فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة ‪(17) .‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قال الذهبي ‪ :‬ثم قد تكلم خلق من التابعين بعضهم في بعض ‪ ,‬وتحاربوا‬


‫وجرت أمور ل يمكن شرحها ‪ ,‬فل فائدة في بثها ‪ ,‬ووقع في كتب التواريخ ‪,‬‬
‫وكتب الجرح والتعديل أمور عجيبة ‪ ,‬والعاقل خصم نفسه ‪ ,‬ومن حسن إسلم‬
‫المرء تركه ما ل يعنيه ‪ ,‬ولحوم العلماء مسمومة ‪ ,‬وما نقل من ذلك لتبيين‬
‫غلط العالم وكثرة وهمه أو نقص حفظه ‪ ,‬فليس من هذا النمط ‪ ,‬بل لتوضيح‬
‫الحديث الصحيح من الحسن ‪ ,‬والحسن من الضعيف ‪(18) .‬‬
‫ن الله تعالى‬ ‫والذي يتتبع أخطاء العلماء يرى كما عظيما ل تحتويه الكواغد ‪ ,‬فإ ّ‬
‫ه‬
‫ف ِ‬ ‫ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ي َد َي ْهِ و ل ِ‬
‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة إل لكتابه الذي } ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫أبى العصم َ‬
‫ّ‬
‫ميد ٍ { ‪ ،‬و لنبّيه صلى الله عليه و سلم في تبليغ الرسالة ‪ ،‬و‬ ‫ح ِ‬
‫كيم ٍ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫زي ٌ‬
‫ت َن ْ ِ‬
‫جته على خلقه ‪.‬‬ ‫ذلك مقتضى حفظ دينه ‪ ،‬و إقامة ح ّ‬
‫صهم بالفهم و‬ ‫ف عدوله و خ ّ‬ ‫َ‬ ‫ل خل ٍ‬ ‫و اصطفى تعالى لحمل العلم من ك ّ‬
‫جة و بيان‬ ‫خروا ما آتاهم الله من فضله في إقامة الح ّ‬ ‫الستنباط السليم ‪ ،‬فس ّ‬
‫ب العالمين فقاموا‬ ‫عظم واجب التبليغ و التوقيع عن ر ّ‬ ‫َ‬ ‫جة ‪ ،‬و استشعروا ِ‬ ‫المح ّ‬
‫قا على من عَرف فضلهم ‪ ،‬و خبَر‬ ‫ً‬ ‫مل و أداًء ‪ ،‬و كان ح ّ‬ ‫ً‬ ‫به خيَر قيام ٍ ‪ ،‬تح ّ‬
‫ف وهم أهل‬ ‫ب عن أعراضهم ‪ ،‬كي َ‬ ‫سبقهم أن يتقّرب إلى الله بحّبهم و الذ ّ‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سل َْنا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫ما أْر َ‬ ‫الذكر الذين أمرنا بسؤالهم و طاعتهم ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ل الذ ّك ْرِ إ ِ ْ‬‫سأ َُلوا أ َهْ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫حي إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫جال ً ُنو ِ‬ ‫ك ِإل رِ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫] النحل ‪. [ 43 :‬‬
‫فأعظم القرب وأجل المنن التقرب إلى الله بحب العلماء ‪ ,‬وتعظيمهم وذكر‬
‫فضلهم ‪.‬‬
‫ن في دينه أو علمه ‪ ،‬إل ّ قّيض الله له من‬ ‫ل بقدرهِ ‪ ،‬طاع ٍ‬ ‫م بجاه ٍ‬ ‫ي عال ٌ‬ ‫و ما ابُتل َ‬
‫ل أحواله ‪.‬‬ ‫ي في أق ّ‬ ‫عرضه ‪ ،‬و هذا واجب كفائ ّ‬ ‫ب عن ِ‬ ‫ينافح عنه و يذ ّ‬
‫ّ‬
‫وأهل الحق والنصاف يقدمون التماس العذر للعالم في زلته ‪ ،‬و التأّدب في‬
‫خ ّ‬ ‫َ‬ ‫رد مقالته عَ َ‬
‫طاٌء‬ ‫م َ‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل كُ ّ‬
‫ل اب ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫سأ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ض للخطأ ‪ ،‬و‬ ‫ٌ‬ ‫ن ‪ ، (19) .‬و العاِلم في هذا كغيره ؛ معّر ٌٌ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫واُبو َ‬ ‫ن الت ّ ّ‬ ‫خطاِئي َ‬ ‫خي ُْر ال َ‬ ‫وَ َ‬
‫وهم ِ ‪ ،‬و النسيان ‪.‬‬ ‫ال َ‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله وهو يتكلم عن أعراض العلماء ‪ :‬نعوذ‬
‫بالله سبحانه مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض الئمة ‪ ،‬أو انتقاص أحد‬
‫منهم ‪ ،‬أو عدم المعرفة بمقاديرهم و فضلهم ‪ ،‬أو محادتهم و ترك محبتهم و‬
‫موالتهم ‪ ،‬و نرجو من الله سبحانه أن نكون ممن يحبهم و يواليهم و يعرف‬
‫من حقوقهم و فضلهم ما ل يعرفه أكثر التباع ‪ ،‬و أن يكون نصيبنا من ذلك‬
‫أوفر نصيب و أعظم حظ ‪ ،‬و ل حول و ل قوة إل بالله ‪. (20) .‬‬
‫ف‬‫صا ُ‬ ‫ن اْل ِن ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬‫مع َ ا ْ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫معَهُ ّ‬ ‫ج َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ث َ‬ ‫ماٌر ‪ :‬ث ََل ٌ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫وقد علق البخاري ‪ :‬وََقا َ‬
‫ن اْل ِقَْتارِ ‪ .‬قال الحافظ في الفتح ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫فاقُ ِ‬ ‫سَلم ِ ل ِل َْعال َم ِ َواْل ِن ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ك وَب َذ ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫قال أبو الزناد بن سراج و غيره ‪ :‬إنما كان من جمع الثلث مستكمل ً لليمان‬
‫لن مداره عليها ; لن العبد إذا اتصف بالنصاف لم يترك لموله حقا ً واجبا ً‬
‫عليه إل أداه ‪ ,‬و لم يترك شيئا ً مما نهاه عنه إل اجتنبه ‪ ,‬و هذا يجمع أركان‬
‫اليمان ‪. (21) .‬‬
‫شٌر يصيبون و‬ ‫فينبغي عليك يا طالب العلم أن تذكر نفسك أن العلماء ب َ‬
‫يخطئون ‪ ،‬و إن كانوا في معظم الحوال موافقين للحقّ فيما يقولون و‬
‫س أو‬ ‫ّ‬
‫قع منهم زلة ‪ ،‬في حال التبا ٍ‬ ‫يفعلون ‪ ،‬و أّنهم عنه ل يعدلون ‪ ،‬إل أن ت َ‬
‫غفلة ‪ ,‬فإن وقعت فالتمس لهم العذار وإل فأين من تجده معصوما من‬ ‫َ‬
‫الخطأ والزلت ؟!‪.‬‬
‫فيا طالب العلم ! عود نفسك النصاف ‪ ,‬وإياك والسراف ‪ ,‬فإن لحوم العلماء‬
‫مسمومة وعادة الله في منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء‬
‫بالسلب ابتله الله قبل موته بموت القلب ‪.‬‬
‫كتبه‬
‫أبو محمد‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم )‪. (2699‬‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم )المقدمة( ‪.‬‬
‫)‪ (3‬أدب الملء )‪. (20‬‬
‫)‪ (4‬ترجمة الطبراني "للصبهاني" )‪. (344‬‬
‫)‪ (5‬حياة الحيوان )‪. (1/61‬‬
‫)‪ (6‬الصفوف من الجنود ‪.‬‬
‫)‪ (7‬ما يخبأ فيه الطيب ونحوه ‪.‬‬
‫)‪ (8‬ما بكتب فيه ‪.‬‬
‫)‪ (9‬أماكن وضع الكتب ‪.‬‬
‫)‪ (10‬رواه أبو داود والترمذي وقال ‪ :‬حديث حسن ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫)‪(11‬‬


‫سير أعلم النبلء )‪. (11/83‬‬ ‫)‪(12‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪. (5/271‬‬ ‫)‪(13‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪. (20/203‬‬ ‫)‪(14‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪. (18/190‬‬ ‫)‪(15‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪. (7/40‬‬ ‫)‪(16‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪. (14/39‬‬ ‫)‪(17‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪. (10/94‬‬ ‫)‪(18‬‬
‫رواه الترمذي و ابن ماجة و أحمد بإسناد ٍ حسن ‪.‬‬ ‫)‪(19‬‬
‫الفتاوى الكبرى ‪. 92 / 6 :‬‬ ‫)‪(20‬‬
‫فتح الباري ‪. 83 / 1 :‬‬ ‫)‪(21‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫يا شباب ‪...‬‬


‫الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا ً بصيرًا‪ ،‬وتبارك الذي جعل في السماء بروجا ً‬
‫وجعل فيها سراجا ً وقمرا ً منيرًا‪ ،‬وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد‬
‫أن يذكر أو أراد شكورًا‪.‬‬
‫والصلة والسلم على من بعثه ربه هاديا ً ومبشرا ً ونذيرًا‪ ،‬وداعيا ً إلى الله بإذنه‬
‫وسراجا ً منيرًا‪ ،‬بلغ الرسالة‪ ،‬وأدى المانة‪ ،‬ونصح المة‪ ،‬ورفع الله به رؤوسنا‬
‫وكانت مخفوضة‪ ،‬وشرح به صدورنا وكانت ضيقة‪ ،‬وأسمع به آذاننا وكانت‬
‫صر به عيوننا وكانت عميًا‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرًا‪.‬‬ ‫صمًا‪ ،‬وب ّ‬
‫دمة خاوية‪،‬‬ ‫إن أمة بل إيمان قطيع من البهائم‪ ،‬ومدرسة بل إيمان ثكنة مته ّ‬
‫وقلبا ً بل إيمان كتلة من لحم ميتة‪ ،‬وأستاذا ً بل إيمان جثمان هامد ل حراك‬
‫فيه‪ ،‬وكتابا ً بل إيمان أوراق مصففة‪ ،‬وخطبة بل إيمان كلم ملفف‪.‬‬
‫فما هو اليمان؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به‬ ‫يقول ‪ -‬سبحانه وتعالى‪ " :-‬أوَ َ‬
‫س بخارج منها " )النعام‪ :‬الية ‪.(122‬‬ ‫من مثله في الظلمات لي َ‬ ‫في الناس ك َ َ‬
‫كانت هذه المة قبل السلم‪ ،‬أمة ل تعرف معروفًا‪ ،‬ول تنكر منكرًا‪ ،‬أمة بل‬
‫حضارة أو تقدم‪ ،‬أو تاريخ أو ثقافة‪.‬‬
‫فلما بعث الله فينا هذا الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ابتعثنا من جديد‪" :‬‬
‫كيهم ويعّلمهم‬ ‫ميين رسول ً منهم يتلوا عليهم آياته وُيز ّ‬ ‫هو الذي بعث في ال ّ‬
‫الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين " )الجمعة‪ :‬الية ‪.(2‬‬
‫ولما حصر مفهوم اليمان في مسائل ضيقة أصبح الجيل كما ترون إل من‬
‫رحم ربي‪.-‬‬
‫قالوا‪ :‬اليمان معناه‪ :‬أن تصلي صلة الظهر والعصر والمغرب والعشاء‬
‫والفجر‪.‬‬
‫واليمان‪ :‬أن تغتسل من الجنابة‪.‬‬
‫واليمان‪ :‬أن تتوضأ‪.‬‬
‫واليمان‪ :‬أن تضحي يوم الضحى‪ ،‬وأن تحج وأن تعتمر‪.‬‬
‫ثم تركوا السلوك والدبيات في شخصية المسلم‪ ،‬فلم يتعرضوا لها‪.‬‬
‫تركوا البيوت‪ ،‬والمجتمعات تخوض في المحرمات‪ ،‬وكأن ل علقة لليمان‬
‫فيهما‪.‬‬
‫وهذا من أكبر الخطأ والخلل‪ ،‬لنه ل تأثير لليمان‪ ،‬إذا كان مجرد طقوس‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعبدية فحسب‪.‬‬
‫فما وجدت الغنية الماجنة في المجتمع المسلم‪ ،‬وأبعد القرآن من البيت إل‬
‫خرج اليمان من القلوب‪.‬‬
‫وما دخلت المجلة الخليعة إلى البيوت إل يوم اضمحل اليمان في القلوب‪.‬‬
‫وما جلس مع رفقة السوء‪ ،‬وأهديت السجائر في الجلسات‪ ،‬وقضيت الليالي‬
‫الحمراء في السهرات‪ ،‬وكثر الذهاب والياب فيما يغضب الواحد الحد‪ ،‬وما‬
‫خولفت سنته ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إل يوم ضعف اليمان في القلب‪.‬‬
‫فالحل الوحيد لجميع مشكلتنا هو‪ :‬اليمان‪.‬‬
‫واليمان معناه‪ :‬أن تكون مؤمنا ً بالله خلل يومك وليلك‪ ،‬وفي قيامك‬
‫وقعودك‪ ،‬وحّلك وترحالك‪.‬‬
‫اليمان بالله هو‪ :‬أن يكون الله رقيبا ً عليك في حركاتك وسكناتك‪.‬‬
‫اليمان بالله‪ :‬أن تجلس على الكرسي‪ ،‬وأن تستمع للكلمة وللدرس‪ ،‬وقد‬
‫سلمت قلبك للحي القيوم‪.‬‬
‫واليمان مستويات‪:‬‬
‫ً‬
‫ل‪ :‬المدير في مدرسته أو معهده واجبه أن يكون مؤمنا بالله‪ ،‬وأن يرعى‬ ‫فمث ً‬
‫هذه الرعية برعاية الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬وأل يقطع حبله من الله ‪ -‬عز وجل ‪،-‬‬
‫يقول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " :-‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ")‪،(1‬‬
‫وهذا الجيل أمانة في عنقه‪ ،‬إما أن يهديهم إلى جنة عرضها السماوات‬
‫والرض‪ ،‬وإما أن يتركهم يتردون في النار على وجوههم‪ ،‬نعوذ بالله من ذلك‪.‬‬
‫وهذه هي المانة‪" :‬إنا عرضنا المانة على السماوات والرض والجبال فأبين‬
‫أن يحملنها وأشفقن منها وحملها النسان إنه كان ظلوما ً جهول ً " )الحزاب‪:‬‬
‫الية ‪.(72‬‬
‫ً‬
‫وأمانة الستاذ‪ :‬أن يأتي من بيته صباحا‪ ،‬وأكبر قضية يحملها في ذهنه‪ ،‬هي‪:‬‬
‫قضية اليمان‪ ،‬وكيف ينقله إلى قلوب طلبه‪.‬‬
‫ويعلم أنه وراث محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬وأنه خليفة له‪ ،‬وأن‬
‫المسلمين قد وضعوا أبناءهم أمانة بين يديه‪ ،‬وقد أخرجوا فلذات أكبادهم‪،‬‬
‫وطرحوا قلوبهم‪ ،‬ووجناتهم‪ ،‬ومقلهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬اتق الله في أبنائنا‪.‬‬
‫وليس معنى اليمان‪ :‬أنه إذا درس التوحيد أن يكون موحدًا‪ ،‬وإذا درس التاريخ‬
‫أن يكون مؤرخًا‪ ،‬وإذا درس الجغرافيا أن يكون جغرافي ًّا‪.‬‬
‫ل‪ ..‬إن هذه المواد إذا لم تربط بحبل اليمان‪ ،‬فإن الله سوف يسأل هذا‬
‫المعلم عنها يوم القيامة‪.‬‬
‫إن اليمان ل بد أن يكون في الدرس وفي المحاضرة‪ ،‬وفي الندوة‪ ،‬وفي‬
‫الكلمة‪ ،‬بربط جميع جزئيات ما يتحدث عنه باليمان بالله‪ ،‬وبقدرته‪ ،‬وبعظمته‬
‫‪ -‬سبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫حتى ينشأ الجيل مؤمنا ً موحدا‪ً.‬‬
‫وأما الطلب والشباب المتعلم فواجباتهم أربع‪:‬‬
‫أولها وأعظمها‪ :‬رقابة الله في هذا العلم‪ ،‬وأن تأتي بلهف وشوق وحرص إليه‪،‬‬
‫ونحمد الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬على أن شّرفنا وجعلنا طلبة علم‪ ،‬ثم نسأله ‪ -‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬دائما ً وأبدا ً أن يفتح علينا من فتوحاته‪.‬‬
‫وأعظم الفتوحات التي يفتحها الله عليك‪ :‬أن يجعلك عبدا ً له‪.‬‬
‫ولقد رأينا وأبصرنا شبابا ً ضيعوا الله‪ ،‬فضيعهم الله في الحياة‪ ،‬وسوف‬
‫يضيعون إن لم يتوبوا في الخرة‪.‬‬
‫فهم لما ضيعوا الله في الستقامة‪ ،‬ضاعوا في الدراسة‪ ،‬وضاعوا في المناهج‪،‬‬
‫وضاعوا في المستقبل‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأخذوا مرغمين إلى السجون‪ ،‬وحبسوا وضربوا بالسياط‪ ،‬وقيدوا بالحديد‪،‬‬


‫وأصبحوا في ذلة وفي حقارة وفي صغار‪ ،‬لنهم ما حفظوا الله‪.‬‬
‫فالزم يديك بحبل الله معتصما ً‬
‫فإنه الركن إن خانتك أركان‬
‫يا متعب الجسم كم تسعى لراحته‬
‫أتعبت جسمك فيما فيه خسران‬
‫أقبل على الروح واستكمل فضائلها‬
‫فأنت بالروح ل بالجسم إنسان‬
‫إن الذي ل يحفظ الله يضيعه الله‪ ،‬ولذلك كان ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫يوقف الصحابي الواحد من أصحابه ويقول له‪ " :‬احفظ الله يحفظك "‪(2) .‬‬
‫فرغون طاغية‪ ،‬ضيع الله فضيعه الله في اليم‪.‬‬
‫وأبو لهب طاغية‪ ،‬ضيع الله فرده الله في نار ذات لهب‪.‬‬
‫وأبو جهل طاغية‪ ،‬لما لم يسلم لل إله إل الله ضاع‪.‬‬
‫وأنتم تستقرئون من قرابتكم ومن مجتمعاتكم أن من ضيع الله ضيعه الله ‪-‬‬
‫عز وجل ‪.-‬‬
‫فأكبر قضية نريدها هي‪ :‬حفظ الله ‪ -‬عز وجل ‪.-‬‬
‫إن رقابة الستاذ‪ ،‬أو الدارة‪ ،‬أو السلطة ل يمكن أن تنفذ إلى قلبك‪ ،‬إذا لم‬
‫تراقب الله ‪ -‬عز وجل ‪.-‬‬
‫يقول ‪ -‬سبحانه وتعالى‪ " :-‬وذروا ظاهر الثم وباطنه " )النعام‪ :‬الية ‪،(120‬‬
‫فظاهر الثم قد تتركه خوفا ً من السلطة‪ ،‬لكن باطن الثم ل يترك إل خوفا ً‬
‫من الله ‪ -‬تعالى ‪.-‬‬
‫الثاني‪ :‬يا أيها الحباب‪ ،‬أن نحمل العبودية كطلبة علم‪.‬‬
‫فهل يرضيكم أن تروا طالب علم يقرأ قال الله‪ ،‬وقال رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،-‬وبين أساتذة أخيار أبرار‪ ،‬ول تظهر عليه معالم السنة‬
‫والستقامة‪ ،‬كأنه خرج من نادٍ من باريس‪ ،‬أو من لندن‪ ،‬أو من واشنطن؟‬
‫فأين أثر ما طلب وما درس على محياه وعلى كلمه؟‬
‫فل بد من العمل مع العلم‪ ،‬لن العلم وحده ل ينجي عند الله يوم القيامة‪،‬‬
‫فإبليس علم ولم يعمل‪ ،‬فعلمتم ما هو مصيره‪.‬‬
‫ولذلك كثيرا ً ما يقرن الله ‪ -‬سبحانه وتعالى‪ -‬بين العلم واليمان‪ ،‬كما في‬
‫قوله‪ " :‬وقال الذين أوتوا العلم واليمان " )الروم‪ :‬الية ‪ .(56‬لن العلم بل‬
‫إيمان يؤدي إلى النحراف وإلى اللحاد والعياذ بالله‪.‬‬
‫فل بد إذن من العبودية بجانب العلم‪.‬‬
‫والعبودية تكون وتظهر على عدة أعضاء‪ ،‬من أبرزها هذا القلب كتلة اللحم‬
‫الذي تحمله بين جنبيك‪ ،‬فهو حياتك وموتك‪ ،‬وواجبك أمام الله أن تدخل فيه‬
‫اليمان كما قال ‪ -‬سبحانه ‪ " :-‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم‬
‫الرحمن وُد ّا ً " )مريم‪ :‬الية ‪ " ،(96‬والعصر إن النسان لفي خسر إل الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " )العصر‪ :‬اليات ‪-1‬‬
‫‪.(3‬‬
‫أيضًا‪ :‬أن تمله بالخلص والنية الطيبة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن نحيي سنته ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في حياتنا المعاصرة‪.‬‬
‫ول يتحقق ذلك إل بدراسة سيرته والتأمل في أحداثها وإيحاءاتها التربوية التي‬
‫تهم واقع الشباب‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإن لم تفعل ذلك فما صدقت في حبك له‪.‬‬


‫يا مدعي حب طه ل تخالفه‬
‫الخلف يحرم في دنيا المحبينا‬
‫أراك تأخذ شيئا ً من شريعته‬
‫وتترك البعض تدوينا ً وتهوينا‬
‫خذها جميعا ً تجد خيرا ً تفز به‬
‫أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا‬
‫فل بد للشباب من تحقيق سيرة هذا الرسول الكريم ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،-‬وإقامتها حقا ً على سلوكه‪ ،‬وعلى مظهره‪ ،‬دون أن يرد بعضها‪ ،‬أو يهون‬
‫ل‪ ،‬لن الجميع قد جاء به ‪ -‬صلى الله‬ ‫ناحية من نواحيها كاللحية والثوت مث ً‬
‫عليه وسلم ‪ ،-‬ول يكمل إيمان العبد حتى ينشرح صدره بجميع ما جاء به ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.-‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن نحرص على أوقاتنا أن تضيع من بين أيدينا هدرا‪ ،‬قال ‪ -‬سبحانه ‪" :-‬‬
‫ً‬
‫أفحسبتم أّنما خلقناكم عبثا ً وأنكم إلينا ل ترجعون ف‪ -‬تعالى ‪ -‬الله المل ُ‬
‫ك‬
‫ب العرش الكريم " )المؤمنون‪ :‬اليات ‪.(116-115‬‬ ‫الحقّ ل إله إل هو ر ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فل بد لنا أن ننظم أوقاتنا تنظيما دقيقا‪ ،‬لننا أمة الدقة والنظام‪.‬‬
‫يقول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في الصحيح‪ " :‬نعمتان مغبون فيهما كثير من‬
‫الناس‪ :‬الصحة والفراغ "‪(3) .‬‬
‫ول يكون ذلك كما قلت إل بالتنظيم‪ ،‬بان تقسم أوقاتك إلى أجزاء‪ ،‬وتجعل في‬
‫كل جزء ما يناسبه‪ ،‬فالصلة في وقتها جماعة‪ ،‬وتجعل وقتا ً للحفظ والتلوة‪،‬‬
‫ووقتا ً للطلع والقراءة‪ ،‬ووقتا ً للزيارات وصلة الرحم‪ ،‬ووقتا ً للهل‬
‫ومتطلباتهم‪ ،‬ووقتا ً للترويح عن النفس في غير المحرم‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ولن يتم لك الستفادة من وقتك إل بمثل هذا التنظيم‪ ،‬وقد جرب الكثير ذلك‬
‫فعلموا مصداق هذا‪.‬‬
‫لن العشوائية في الوقت ل تحقق الستفادة التامة منه‪ ،‬بل يصبح النسان‬
‫يراوح في مكانه سنوات طويلة دون أن يثمر من وقته شيئًا‪.‬‬
‫فيا شباب‪ ،‬عليكم قبل هذه المسائل الربع بالصدق مع الله في الحياة‪ ،‬فإنه‬
‫من يصدق الله يصدقه‪.‬‬
‫ول يكون الصدق إل بالمبادرة إلى النوافل والطاعات‪ ،‬حتى يتحقق لنا حب‬
‫الله ومعونته‪ ،‬فإنه القائل كما في الحديث الصحيح‪ " :‬ول يزال عبدي يتقرب‬
‫ي بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي‬ ‫إل ّ‬
‫يبصره به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي يمشي بها‪ ،‬ولئن سألني‬
‫لعطينه‪ ،‬ولئن استعاذني لعيذنه "‪(4) .‬‬
‫ً‬
‫فالنوافل والطاعات الجتهادية تزيدك قربا منه ‪ -‬سبحانه ‪.-‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫واعلم‪ ،‬أنه لن يتم لك تحقيق ما تصبو إليه‪ :‬من استغلل وقتك‪ ،‬أو التزود‬
‫بالطاعات والنوافل‪ ،‬إل بأن تتخلى كليا ً عن رفقاء السوء الذين يعيدونك إلى‬
‫سابق عهدك‪ ،‬ويصرفونك عن الجد والجتهاد‪.‬‬
‫فعليك أن تفر منهم فرارك من السد‪.‬‬
‫لن الجليس يؤثر في جليسه حتمًا‪ ،‬ل سيما إذا كان فاسدا‪ ،‬لن الفساد ينتشر‬
‫ً‬
‫أعظم من انتشار الخير لنه سهل وله وسائله المغرية‪.‬‬
‫والهدم كما هو معلوم أسهل من البناء‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالبناء يحتاج إلى ترّو‪ ،‬وإلى زمن‪ ،‬وإلى اختيار‪.‬‬


‫وأما الهدم فل يحتاج إل إلى عشوائية‪ ،‬ول يحتاج أكثر من لحظات يبيع فيها‬
‫المسلم دينه مع أولئك الرفقاء السيئين‪.‬‬
‫ول يغررّنك الشيطان بخطواته عندما يوهمك بأنك أنت المؤثر ل المتأثر‪ ،‬لنك‬
‫لو كنت كذلك فترة من الزمن‪ ،‬فإنك ل شك ستنتقل إلى جانب التأثر‪،‬‬
‫والتقبل بعد فترة أخرى‪ ،‬لن المرء ل يدوم على حال‪.‬‬
‫خر " )المدثر‪ :‬الية ‪،(37‬‬‫دم أو يتأ ّ‬‫كما قال ‪ -‬تعالى ‪ " :-‬لمن شاء منكم أن يتق ّ‬
‫فهو إما التقدم للخير‪ ،‬أو التأخر عنه‪.‬‬
‫هذه بعض الوصايا العاجلة لطائفة الشباب‪ ،‬لعلها أن تنفعهم في حياتهم‪،‬‬
‫فيكونوا خير زاد للسلم في مرحلته المقبلة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬أخرجه البخاري )‪ ،(5200 ،893‬ومسلم )‪ (1829‬عن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬الحديث صحيح‪ ،‬أخرجه أحمد )‪ ،(1/293‬والترمذي )‪ ،(2516‬والحاكم )‬
‫‪ ،(6304‬وانظر‪ :‬المشكاة )‪.(5302‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري )‪ (6412‬من حديث ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪.-‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري )‪ (6502‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬وقد‬
‫سبق‪.‬‬
‫المراجع د‪ .‬عايض القرني‪ ،‬للشباب خاصة‪129-121 ،‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يا شرق‬
‫شعر‪ :‬مصطفى الغلييني‬
‫جِع‬
‫ج بالمو ِ‬ ‫ب البلى واستبدل المُبه َ‬ ‫ك ثو َ‬ ‫شرقُ فانزع عن َ‬
‫فقد كفى أهليك ما نابهم حتى أضاعوا واضح المهي َِع‬
‫سهى الرفع‬ ‫كان لهم ما كان من عزةٍ أرفعَ من أوج ال ّ‬
‫ن شذا ذكرهم من موضع يسري إلى موضع‬ ‫قد مل الكو َ‬
‫ب القطا الشّرع‬ ‫ً‬
‫فما ترى إل قلوبا له ترنو كأسرا ِ‬
‫مشَرع‬ ‫ة الطير على ال ُ‬ ‫ت من حولها وُْلها ً رفرف َ‬ ‫قد رفرف ْ‬
‫م ما حل في الرُبع‬ ‫ّ‬ ‫ق وأهل الحجى حسُبك ُ‬ ‫فيا بني الشر ِ‬
‫جعبة عقل عالم ألمعي‬ ‫ع‬ ‫و‬
‫ٍ ْ َ ِ ُ‬‫ر‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫حاز‬ ‫م من‬ ‫هل فيك ُ‬
‫يكسر قيد الجهل عن عقلنا وينزع الرمح من الضلع‬
‫وة المصرِع‬ ‫وليس بدعا ً إن نكن نرتقي لمجدنا من هُ ّ‬
‫فالشمس بعد الكسف تبدو لنا وتنجلي في رائع المطلِع‬
‫ي المنجع‬ ‫ت المنى واليأس يقصي دان َ‬ ‫جد ّ ُيدني شائعا ِ‬ ‫وال ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا طالب العلم ابدأ بهذا أول‬


‫فإن من أول ما يجب على طالب العلم معرفته وإدراكه قبل طلب العلم‬
‫وتحصيله؛ أن يعلم أن هناك صفات يجب أن تلزم طالب العلم‪ ،‬وأن تصاحبه‬
‫في عمره وسيره إلى الله عز وجل‪ ،‬فإن أخل بهذه الصفات أخل بمكانته في‬
‫العلم وتعثر في طريقه إلى الخرة‪...‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فمن هذه الصفات أنه ينبغي له أن يتصف بأنواع الجود والكرم كلها‪ ،‬فيجود‬
‫بنفسه في طاعة الّله وفي سبيل نشر العلم‪ ،‬ويجود بوقته في تحصيل العلم‬
‫وبلوغ الغاية منه‪ ،‬ويجود براحته تعًبا في التعلم وتعليم غيره‪ ،‬ويجود بعلمه‬
‫فينشره بين الناس‪ ،‬ويجود بجاهه فيشفع لصحاب الحاجات‪ ،‬ويجود ببدنه في‬
‫من اغتابه أو‬ ‫لصلح بينهم وإعانتهم‪ ،‬ويجود بعرضه فيعفو ع ّ‬ ‫خدمة الناس وا ِ‬
‫سّبه‪ ،‬ويجود بصبره فيصبر على أذى الناس‪ ،‬ويجود بالخلق الحسن وبشاشة‬
‫الوجه والبسطة‪ ،‬ويجود بما في أيدي الناس فيزهد فيه ول يلتفت إليه‪ ،‬وكل‬
‫أنواع الجود والكرم ينبغي أن يأخذ منها طالب العلم أكبر الحظ والنصيب‪،‬‬
‫إقتداء بنبيه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ومن أهم هذه الخصال وأرفعها "زهده فيما في أيدي الناس"‪ ،‬وعدم التطلع‬
‫له‪ ،‬وهذا ما أوقع الكثير من طلبة العلم في النكبات‪ ،‬والرتكاس والتدني بعد‬
‫العلو والرفعة ‪.‬‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫عَ َ‬
‫جاَء َر ُ‬ ‫عدِيّ ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪َ :‬‬ ‫سا ِ‬ ‫سعْدٍ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ل بْ ِ‬ ‫سهْ ِ‬ ‫ن أبي العَّباس َ‬ ‫ْ‬
‫ل‪ ,‬إ َِذا‬ ‫م ٍ‬ ‫ل الل ّهِ د ُل ِّني عََلى عَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فَ َ‬ ‫إلى الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫حب ّ َ‬ ‫ل‪) :‬اْزهَد ْ ِفي الد ّن َْيا‪ ,‬ي ُ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫س‪ ،‬فَ َ‬ ‫حب ِّني الّنا ُ‬ ‫ه‪ ,‬وَأ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫حب ّن ِ َ‬ ‫ه‪ ,‬أ َ‬ ‫مل ْت ُ ُ‬
‫أَنا عَ ِ‬
‫س( ]حديث حسن‪ ،‬رواه ابن ماجه‪ ،‬وغيره‬ ‫ك الّنا ُ‬ ‫حب ّ َ‬ ‫س‪ ,‬ي ُ ِ‬ ‫عْند الّنا ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫َواْزهَد ْ ِفي َ‬
‫بأسانيد حسنة[‬
‫س(‪ ،‬يعني ل‬ ‫ك الّنا ُ‬ ‫حب ّ َ‬ ‫س‪ ,‬ي ُ ِ‬ ‫عْند الّنا ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫فقوله صلى الله عليه وسلم )َواْزهَد ْ ِفي َ‬
‫يكن قلبك متعلقا بما في أيدي الناس‪ ،‬فإذا فعلت ذلك‪ ،‬فأخرجت نفسك مما‬
‫في أيدي الناس من التعلق ومن الهتمام‪ ،‬وكان ما عند الناس في قلبك ل‬
‫ن الناس يرون فيك‬ ‫قيمة له‪ ،‬سواًء عظم أم قل‪ ،‬فإّنه بذلك يحبك الناس؛ ل ّ‬
‫أنك غير متعلق بما في أيديهم‪ ،‬ل تنظر إلى ما أنعم الله به عليهم نظر رغبة‪،‬‬
‫ول نظر طلب‪ ،‬وإنما تسأل الله جل وعل لهم التخفيف من الحساب‪ ،‬وتحمد‬
‫الله جل وعل على ما أعطاك‪ ،‬وما أنت فيه‪ ،‬فهذا إخراج ما في أيدي الناس‬
‫من القلب‪ ،‬فهذه حقيقة الزهادة فيما عند الناس‪ ،‬وإذا فعل ذلك المرء أحبه‬
‫جِبلوا على أنهم ل يحبون من نازعهم ما يختصون به‪ ،‬مما‬ ‫الناس؛ لن الناس ُ‬
‫يملكون‪.‬‬
‫وهذا يعكر صفو المحبة‪ ،‬فوطن نفسك أن ما عند الناس شيء قليل ل قيمة‬
‫له‪ ،‬حقير ل وزن له مهما بلغ‪ ،‬وهذا في الحقيقة ل يكون إل لقلب زاهد متعلق‬
‫بالخرة‪ ،‬ل ينظر إلى الدنيا أما من ينظر إلى الدنيا‪ ،‬فإنه يكون متعلقا بما في‬
‫ملك هذا تعلق به‪،‬‬ ‫ملك هذا تعلق به‪ ،‬وإذا نظر إلى ُ‬ ‫أيدي الناس‪ ،‬فإذا نظر إلى ُ‬
‫ول يزال يسأل‪ ،‬أو ينظر إليه‪ ،‬أو يتمّتع به حتى ل يكون محبوبا عند الناس‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وع َ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫سأُلوا َر ُ‬ ‫صارِ َ‬ ‫ن اْلن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن َنا ً‬ ‫ي‪ :‬أ ّ‬ ‫ّ‬ ‫خد ْر‬ ‫سِعيدٍ ال ْ ُ‬ ‫ن أِبي َ‬
‫ما‬ ‫)‬ ‫ل‪:‬‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ما‬ ‫د‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ع‬ ‫طاهم ث ُم سأ َُلوه فَأ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ع‬‫َعل َيهْ وسل ّم فَأ َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ِ َ َ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ست َغْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ف ي ُعِ ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خَرهُ عَن ْك ُ ْ‬ ‫ن أد ّ ِ‬ ‫خي ْرٍ فَل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫عن ْ ِ‬‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫م ْ‬ ‫سع ُ ِ‬ ‫خي ٌْر وَأوْ َ‬ ‫حد ٌ عَطاًء هُوَ َ‬ ‫يأ َ‬ ‫ما أعْط ِ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫صب ّْرهُ الل ُ‬ ‫صب ّْر ي ُ َ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ي ُغْن ِهِ الل ُ‬
‫ر(‪].‬متفق عليه[ ‪.‬‬ ‫صب ْ ِ‬
‫ال ّ‬
‫فهذا الحديث اشتمل على أربع جمل جامعة نافعة‪.‬‬
‫ه «‪.‬‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ف ي ُعِ ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫إحداها‪ :‬قوله‪ » :‬وَ َ‬
‫ه «‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُغْن ِهِ الل ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫والثانية‪ :‬قوله‪ » :‬وَ َ‬
‫وهاتان الجملتان متلزمتان‪ ،‬فإن كمال العبد في إخلصه لله رغبة ورهبة‬
‫وتعلقا به دون المخلوقين‪ .‬فعليه أن يسعى لتحقيق هذا الكمال‪ ،‬ويعمل كل‬
‫سبب يوصله إلى ذلك‪ ،‬حتى يكون عبدا لله حقا‪ ،‬حرا من رق المخلوقين‪،‬‬
‫وذلك بأن يجاهد نفسه على أمرين‪ :‬انصرافها عن التعلق بالمخلوقين‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن عَب ْدِ الل ّهِ‬ ‫بالستعفاف عما في أيديهم‪ ،‬فل يطلبه بمقاله ول بلسان حاله‪ ،‬عَ ْ‬
‫هّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬
‫مَر ي َ ُ‬‫ت عُ َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ه عَن ْهُ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر َر ِ‬ ‫ن عُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بْ ِ‬
‫خذهُْ‬ ‫قال‪ُ ) :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مّني ف َ‬ ‫َ‬
‫قُر إ ِلي ْهِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن هُوَ أف َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫طيِني العَطاَء فأقول أعْط ِهِ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م ي ُعْ ِ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫عَلي ْهِ وَ َ‬
‫ما َل فََل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫ذ‬
‫َ ِ ٍ ُ ُ َ َ‬‫خ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ئ‬ ‫سا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫م‬
‫ْ َ ْ َ ُْ ُ ِ ٍ َ‬ ‫ر‬‫ي‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ٌ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫ل‬‫َ ِ‬ ‫ما‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ذا‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ِ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫جاَء‬‫إ َِذا َ‬
‫ك(‪].‬رواه البخاري ومسلم[‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ت ُت ْب ِعْ ُ‬
‫فقطع الشراف في القلب والسؤال باللسان‪ ،‬تعففا وترفعا عن منن الخلق‪،‬‬
‫وعن تعلق القلب بهم‪ ،‬سبب قوي لحصول العفة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وتمام ذلك‪ :‬أن يجاهد نفسه على المر الثاني‪ :‬وهو الستغناء بالله والثقة‬
‫بكفايته‪ ،‬فإنه من يتوكل على الله فهو حسبه‪ ،‬وهذا هو المقصود‪ ،‬والول‬
‫وسيلة إلى هذا‪ ،‬فإن من استعف عما في أيدي الناس وعما يناله منهم‪،‬‬
‫أوجب له ذلك أن يقوى تعلقه بالله‪ ،‬ورجاؤه وطمعه في فضل الله وإحسانه‪،‬‬
‫ويحسن ظنه وثقته بربه‪ ،‬والله تعالى عند حسن ظن عبده به‪ ،‬إن ظن خيرا‬
‫فله‪ ،‬وإن ظن غيره فله‪ ،‬وكل واحد من المرين يمد الخر فيقويه‪ ،‬فكلما قوي‬
‫تعلقه بالله ضعف تعلقه بالمخلوقين وبالعكس‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫سل َ‬‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ن عَب ْدِ الل ّهِ عَ ْ‬ ‫ومما صح من الدعاء َعَ ْ‬
‫ف َوال ْغَِنى(‪].‬رواه مسلم[‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫سأل ُ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫فا‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫َ َ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫وال‬
‫َ ّ‬ ‫دى‬‫ك ُ َ‬
‫ه‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‪) :‬الل ّهُ ّ‬
‫م إ ِّني أ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫فجمع الخير كله في هذا الدعاء‪ ،‬فالهدى‪ :‬هو العلم النافع‪ ،‬والتقى‪ :‬هو العمل‬
‫الصالح‪ ،‬وترك المحرمات كلها‪ ،‬هذا صلح الدين‪.‬‬
‫وتمام ذلك بصلح القلب‪ ،‬وطمأنينته بالعفاف عن الخلق‪ ،‬والغنى بالله‪ ،‬ومن‬
‫كان غنيا بالله فهو الغني حقا‪ ،‬وإن قلت حواصله‪ ،‬فليس الغنى عن كثرة‬
‫العرض‪ ،‬إنما الغنى غنى القلب‪ ،‬وبالعفاف والغنى يتم للعبد الحياة الطيبة‪،‬‬
‫والنعيم الدنيوي‪ ،‬والقناعة بما آتاه الله‪.‬‬
‫ه «‪.‬‬‫صب ّْرهُ الل ّ ُ‬
‫صب ّْر ي ُ َ‬‫ن ي َت َ َ‬
‫م ْ‬‫والثالثة قوله‪ » :‬وَ َ‬
‫ثم ذكر في الجملة الرابعة‪ :‬أن الصبر إذا أعطاه الله العبد فهو أفضل العطاء‬
‫ر‬
‫صب ْ ِ‬‫ست َِعيُنوا ِبال ّ‬ ‫وأوسعه وأعظمه إعانة على المور‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬وا ْ‬
‫صَلةِ { ] البقرة ‪ .[ 45 :‬أي‪ :‬على أموركم كلها‪.‬‬ ‫َوال ّ‬
‫والصبر كسائر الخلق يحتاج إلى مجاهدة للنفس وتمرينها‪ ،‬فلهذا قال‪» :‬‬
‫ه « ويعينه‪ ،‬وإنما كان‬ ‫صب ّْرهُ الل ّ ُ‬
‫صب ّْر « أي‪ :‬يجاهد نفسه على الصبر » ي ُ َ‬ ‫ن ي َت َ َ‬‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫الصبر أعظم العطايا‪ ،‬لنه يتعلق بجميع أمور العبد وكمالته‪ ،‬وكل حالة من‬
‫أحواله تحتاج إلى صبر‪.‬‬
‫وقد وعد الله الصابرين في كتابه وعلى لسان رسوله أمورا عالية جليلة‪،‬‬
‫وعدهم بالعانة في كل أمورهم‪ .‬وأنه معهم بالعناية والتوفيق والتسديد‪ ،‬وأنه‬
‫يحبهم ويثبت قلوبهم وأقدامهم‪ ،‬ويلقي عليهم السكينة والطمأنينة‪ ،‬ويسهل‬
‫لهم الطاعات‪ ،‬ويحفظهم من المخالفات‪ ،‬ويتفضل عليهم بالصلوات والرحمة‬
‫والهداية عند المصيبات‪ ،‬والله يرفعهم إلى أعلى المقامات في الدنيا والخرة‪،‬‬
‫وعدهم النصر‪ ،‬وأن ييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى‪ ،‬ووعدهم بالسعادة‬
‫والفلح والنجاح‪ ،‬وأن يوفيهم أجرهم بغير حساب‪ ،‬وأن يخلف عليهم في الدنيا‬
‫أكثر مما أخذ منهم من محبوباتهم وأحسن‪ ،‬يعوضهم عن وقوع المكروهات‬
‫عوضا عاجل يقابل أضعاف أضعاف ما وقع عليهم من كريهة ومصيبة وهو في‬
‫ابتدائه صعب شديد وفي انتهائه سهل حميد العواقب‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫والصبر مثل اسمه مر مذاقته‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لكن عواقبه أحلى من ‪ii‬العسل‬


‫فلذلك يجب على طالب العلم أن يتصبر ويلعق العلقم حتى ينال المراد‪.‬‬
‫قال الشوكاني رحمه الله تعالى‪ :‬ول يحول بينك وبين هذا المطلب الشريف‬
‫ما تنازعك نفسك إليه من مطالب الدنيا التي تروقها وتود الظفر بها‪ ،‬فإنها‬
‫حاصلة لك على الوجه الذي تحب‪ ،‬والسبيل الذي تريد‪ ،‬بعد تحصيلك لما‬
‫أرشدتك إليه من الرتبة العلمية‪ ،‬وتكون إذ ذاك مخطوبا ً ل خاطبًا‪ ،‬ومطلوبا ً ل‬
‫طالبًا‪.‬‬
‫وعلى فرض أنها تكدي عليك المطالب‪ ،‬وتعاند السباب‪ ،‬فلست تعدم الكفاف‬
‫الذي ل بد لك منه‪ .‬فما رأينا عالما ً ول متعلما ً مات جوعًا‪ ،‬ول أعوزه الحال‬
‫حتى انكشفت عورته عريًا‪ ،‬أو لم يجد مكانا ً يكنه‪ ،‬ومنزل ً يسكنه‪ ،‬وليس الدنيا‬
‫إل هذه المور‪ ،‬وما عداها فضلت مشغلة للحياء مهلكة للموات‪.‬‬
‫أنا إن عشت لست أعدم قوتا ً‬
‫وإذا مت لست أعدم ‪ii‬قبرا ً‬
‫وعلى العاقل أن يعلم أنه لن يصيبه إل ما كتبه الله له‪ ،‬ول يعدوه ما قدره له‪،‬‬
‫وأنه قد فرغ من أمر رزقه الذي فرضه الله له‪ .‬فل القعود يصده‪ ،‬ول السعي‬
‫وأتعاب النفس يوجب الوصول إلى ما لم يأذن به الله تعالى‪.‬‬
‫وهذا معلوم من الشرع‪ ،‬قد توافق عليه صريح الكتاب والسنة‪ ،‬وتطابقت عليه‬
‫الشرائع‪.‬‬
‫وإن أعظم ما يريده الله منه‪ ،‬ويقربه إليه‪ ،‬ويفوز به عنده‪ ،‬أن يشغل نفسه‬
‫ويستغرق أوقاته في طلب معرفة هذه الشريعة التي شرعها الله لعباده‪،‬‬
‫وينفق ساعاته في تحصيل هذا المر الذي جاءت به رسل الله إلى عباده‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وما وعدهم‬ ‫ونزلت به ملئكته‪ .‬فإن جميع ما يريده الله من عباده عاجل ً وآج ً‬
‫به من خير وشر‪ ،‬قد صار في هذه الشريعة‪.‬‬
‫فأكرم برجل تاقت نفسه عن أن يكون عبد بطنه إلى أن يكون مهتما بأمر‬
‫دينه‪ ،‬حتى يناله على الوجه الكمل‪ ،‬ويعرفه على الوجه الذي أراده الله منه‪،‬‬
‫ويرشد إليه من عباده من أراد له الرشاد‪ ،‬ويهدي به من استحق الهداية‪.‬‬
‫فانظر أعزك الله كم الفرق بين الرجلين‪ ،‬وتأمل قدر مسافة التفاوت بين‬
‫المرين ؟!‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫هذا يستغرق جميع أوقاته وينفق كل ساعاته في تحصيل طعامه وشرابه‬


‫وملبسه وما ل بد منه قام أو قعد سعى أو وقف‪ ،‬وهذا يقابله بسعي غير هذا‬
‫السعي وعمل غير ذلك العمل‪ ،‬فينفق ساعاته ويستغرق أوقاته في طلب ما‬
‫جاء عن الله وعن رسوله‪ ،‬من التكاليف التي كلف بها عباده‪ ،‬وما أذن به من‬
‫إبلغه إليهم من أمور دنياهم وأخراهم لينتفع بذلك‪ ،‬ثم ينفع به من يشاء الله‬
‫من عباده‪ ،‬ويبلغ إليهم حجة الله‪ ،‬ويعرفهم شرائعه‪.‬‬
‫فلقد تعاظم الفرق بين النوعين‪ ،‬وتفاوت تفاوتا ً يقصر التعبير عنه‪ ،‬ويعجز‬
‫البيان له‪ ،‬إل على وجه الجمال بأن يقال إن أحد النوعين قد التحق بالدواب‪،‬‬
‫والخر بالملئكة؛ لن كل واحد منهما قد سعى سعيا ً شابه من التحق به‪ ،‬فإن‬
‫الدابة يستعملها مالكها في مصالحه‪ ،‬ويقوم بطعامها وشرابها وما يحتاج إليه‪.‬‬
‫ومع هذا فمن نظر في المر بعين البصيرة‪ ،‬وتأمله حق التأمل‪ ،‬وجد عيش‬
‫من شغل نفسه بالطاعة‪ ،‬وفرغها للعلم‪ ،‬ولم يلتفت إلى ما تدعو إليه الحاجة‬
‫من أمر دنياه‪ ،‬تجده أرفه‪ ،‬وحاله أقوم‪ ،‬وسروره أتم‪ ،‬وتلك حكمة الله البالغة‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي يتبين عندها أنه لن يعدو المرء ما قدر له‪ ،‬ولن يفوته ما كان يدركه‪.‬‬
‫وكما أن هذا المعنى الذي ذكرناه‪ ،‬ثابت في الشريعة‪ ،‬مصرح به في غير‬
‫موطن منها‪ ،‬قد أجراه الله على لسان الجبابرة من عباده وعتاة أمته‪ ،‬حتى‬
‫قال الحجاج بن يوسف الثقفي في بعض خطبه ما معناه‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إن الله‬
‫كفانا أمر الرزق‪ ،‬وأمرنا بالعبادة‪ ،‬فسعينا لما كفيناه‪ ،‬وتركنا السعي للذي‬
‫أمرنا به‪ ،‬فليتنا أمرنا بطلب الرزق‪ ،‬وكفينا العبادة‪ ،‬حتى نكون كما أراده الله‬
‫منا‪ .‬هذا معنى كلمه ل لفظه‪ .‬فلما بلغ كلمه هذا بعض السلف المعاصرين له‬
‫قال‪ :‬إن الله ل يخرج الفاجر من هذه الدار وفى قلبه حكمة ينتفع بها العباد إل‬
‫أخرجها منه‪ ،‬وإن هذا مما أخرجه من الحجاج‪.‬‬
‫فانظر هذا الجبار كيف لم يخف عليه هذا المر‪ ،‬مع ما هو فيه من التجبر‪،‬‬
‫وسفك الدماء‪ ،‬وهتك الحرم‪ ،‬والتجرؤ على الله‪ ،‬وعلى عباده‪ ،‬وتعدي حدوده‪.‬‬
‫فما أحقه بأن ل يخفى على من هو ألين منه قلبا ً وأقل منه ظلمًا‪ ،‬وأخف منه‬
‫تجبرًا‪ ،‬وأقرب منه خيرا‪ ،‬وأبعد منه من شرا‪.‬‬
‫وإن من تصور هذا المر حق التصور وتعقله كما ينبغي انتفع به انتفاعا ً عظيما ً‬
‫ونال به من الفوائد جسيما‪ ،‬والهداية بيد الهادي جل جلله وتقدست‬
‫أسماؤه‪>.‬ينظر كتابي"ترجمة الشوكاني رحمه الله" )‪<(64‬‬
‫فيجب على طالب العلم توطين النفس على التعلق بالله وحده‪ ،‬في أمور‬
‫معاشه ومعاده‪ ،‬فل يسأل إل الله‪ ،‬ول يطمع إل في فضله‪ ،‬ويوطن نفسه على‬
‫اليأس مما في أيدي الناس; فإن اليأس عصمة‪ ،‬ومن آيس من شيء استغنى‬
‫عنه‪ .‬فكما أنه ل يسأل بلسانه إل الله‪ ،‬فل يعلق قلبه إل بالله‪ .‬فيبقى عبدا لله‬
‫حقيقة‪ ،‬سالما من عبودية الخلق‪ .‬قد تحرر من رقهم‪ ،‬واكتسب بذلك العز‬
‫والشرف؛ فإن المتعلق بالخلق يكتسب الذل والسقوط بحسب تعلقه بهم‪.‬‬
‫فيكون الباعث له في جميع العمال‪ :‬امتثال أمر الله‪ ،‬واجتناب نهيه‪ ،‬والعلم‬
‫بأنه ما شاء الله كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬يقود صاحبه إلى الرضا بالقليل‪،‬‬
‫والعفاف عما في أيدي الناس‪ ،‬ويبعده عن التملق لغير الله‪ ،‬أو النشغال بغير‬
‫عبادة الله ورضاه‪ ،‬أو إرضاء الناس بسخط الله‪ ،‬ويورث العزم في متانة‪،‬‬
‫ويربط القلب‪ ،‬فيمضي صاحبه حتى يبلغ الغاية‪.‬‬
‫ومن جميل السخاِء سخاُء المرء عما في أيدي الناس‪ ،‬فل يلتفت إليه‪ ،‬ول‬
‫يستشرف له بقلبه‪ ،‬ول يتعّرض له بحاله ولسانه‪.‬‬
‫ض إ ِّل عََلى الل ّهِ رِْزقَُها( ]سورة هود‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫َْ‬
‫من َداب ّةٍ ِفي الْر ِ‬
‫ما ِ‬
‫قال تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫‪.[6‬‬
‫فهذا هو طريق الستعلء أن تنظَر إلى السماء‪ ،‬وأن نلح بالدعاء‪ ،‬لن الشكوى‬
‫ن شديد‪.‬‬ ‫إلى الله تشعرك بالقوةِ والسعادة‪ ،‬وأنك تأوي إلى رك ٍ‬
‫أما الشكوى إلى الناس‪ ،‬والنظرِ إلى ما في أيدي الناس فيشعرك بالضعف‬
‫والذل والهانةِ والتبعية‪.‬‬
‫ولكن إذا غلبت النفس وتدنت وتطلعت إلى ما في أيدي الناس‪ ،‬وأوجبت على‬
‫العبد تعريضها للحاجة والسؤال إذا مسته الحاجة إلى المال‪ .‬فطلب الرزق‬
‫الحلل والعمل لمن هذه حاله في أي حرفة أو طلب معاش أنفع له وأجدر‬
‫حتى ولو فاته من العلم‪ ،‬لن العلم وسيلة وليس بغاية‪ ،‬فإن لم يصلح العبد‬
‫قلبه بالعلم ويصون به عرضه فل خير في هذا العلم‪.‬‬
‫ولقد كان شأن العلماء هو الترفع عما في أيدي الناس مهما بلغ بهم العوز‬
‫والحاجة ول يلجئون إل إلى خالقهم ورازقهم رب السموات والرض‪.‬‬
‫فهذا‪:‬‬
‫سفيان الثوري‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من تأمل سيرته وجده من أفضل أهل زمانه؛ رغم ما مر به من محن ونكبات‬
‫وعوز وضيق‪.‬‬
‫عن يوسف بن أسباط قال‪ :‬خلف سفيان مائتي دينار‪ ،‬كانت مع رجل يتبضع‬
‫بها >الذهبي "تاريخ السلم" )‪<(4/557‬‬
‫وقال أبو نعيم‪ :‬قال الثوري‪ :‬لول بضيعتنا تل عب بنا هؤلء ‪-‬يعني الملوك‪.‬‬
‫وعنه قال‪ُ :‬أحب أن يكون صاحب العلم في كفاية‪ ,‬فإن الفات إليه أسرع‪,‬‬
‫واللسنة إليه أسرع ‪>.‬الذهبي"سير أعلم النبلء")‪<(7/254‬‬
‫ولذلك ربما نقض سقف بيته‪ ,‬أو أساسه إذا اضطر إليه‪ ,‬فباعه دون أن يسأل‬
‫أحدا‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فعن محمد بن عبيد قال‪ :‬كان سفيان الثوري إذا أبطأت عليه بضاعته؛ نقض‬
‫جذوع بيته‪ ,‬فباعها‪ ,‬فإذا رجعت بضاعته؛ أعادها‪> .‬ابن أبي حاتم " مقدمة‬
‫الجرح والتعديل" )‪<(99‬‬
‫وعن زيد بن الحباب قال‪ :‬نفدت نفقة سفيان الثوري بمكة فقدم عليه رجل‬
‫ن أين؟ قال من‬ ‫م ْ‬
‫من قومه‪ ,‬فقال لسفيان‪ :‬لك معي عشرة دراهم‪ ,‬قال‪ِ :‬‬
‫غزل فلنة‪ ,‬قال‪ :‬ائتني بهم فإني منذ ثلث أستف الرمل‪> .‬أبو نعيم "الحلية"‬
‫)‪<(7/63‬‬
‫ل‪ ,‬فقال‪ :‬إني مررت بفلن‪,‬‬ ‫وعن حسين بن روح قال‪ :‬أتى سفيان الثوري رج ٌ‬
‫صّرة فيها ألف دينار أعطيك إياها‪ ,‬فقال له سفيان فمررت بأختي‬ ‫فأعطاني ُ‬
‫صّرة‬‫فأعطتك شيئا من دقيق؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فأتني بصرة الدقيق‪ ،‬وُرد ّ ُ‬
‫الدنانير‪ ,‬قال‪ :‬فكان يختبز منها أقراصا ويأكل‪> .‬ابن أبي حاتم " مقدمة‬
‫الجرح والتعديل" )‪<(101‬‬
‫وعن عبد العزيز بن أبى عثمان قال‪ :‬خرجت إلى مكة فبعث معي المبارك بن‬
‫سعيد إلى سفيان الثوري بجراب من دقيق‪ ,‬وهو مختف بمكة‪ .‬قال‪ :‬فلما‬
‫قدمت مكة‪ ,‬جعلت أسأل عنه فلم ي َد ُّلوني؛ حتى قلت لبعض أصحابه‪ :‬إنه‬
‫ليسّره لو قد رآني‪ ,‬قال‪ :‬فد َّلوني عليه‪ ,‬فدخلت عليه‪ ,‬فقلت له‪ :‬إن المبارك‬
‫ي‪ ,‬فإن بنا إليه حاجة شديدة‪.‬‬ ‫ب من دقيق‪ ,‬فقال‪ :‬عجل به عل ّ‬ ‫بعث إليك بجرا ٍ‬
‫>ابن أبي حاتم " مقدمة الجرح والتعديل" )‪<(91‬‬
‫وعن أبى شهاب الحناط قال‪ :‬أرسل معي المبارك بن سعيد إلى سفيان وهو‬
‫بمكة‪ ,‬بجراب من خبز مدقوق‪ ,‬فلقيته في المسجد وهو متكئ‪ ،‬فسلم وهو‬
‫متكئ كأنه ضعيف‪ ,‬فقلت‪ :‬إن معي جرابا أرسل به مبارك‪ ,‬فقعد! فقلت‪:‬‬
‫ت معي شيء فقعدت! قال‪ :‬فكأنه‬ ‫ت عليك وأنت مضطجع‪ ,‬ثم لما قل ُ‬ ‫سلم ُ‬
‫استحيا‪ ,‬وقال‪ :‬ويحك إنه أتاني على حاجة؛ أي شيء هو؟ قلت‪ :‬جراب خبز‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬ما نلت شيئا منذ يومين‪> .‬ابن أبي حاتم " مقدمة الجرح والتعديل" )‬
‫‪<(93‬‬
‫عن سفيان بن عيينة قال‪ :‬جاع سفيان الثوري جوعا شديدا‪ ,‬مكث ثلثة أيام ل‬
‫عرس فدعته نفسه إلى أن يدخل فعصمه الله‪,‬‬ ‫يأكل شيئا‪ ,‬فمر بدار فيها ُ‬
‫ومضى إلى منزل ابنته فأتته بقرص‪ ،‬فأكله وشرب ماء ثم تجشى‪ ,‬وجعل‬
‫يتمثل بهذه البيات >ابن أبي حاتم " مقدمة الجرح والتعديل" )‪:<(98‬‬
‫ُ‬
‫ه‬
‫ب ‪ُii‬دون َ ُ‬ ‫ما أغْل ِقَ الَبا ُ‬ ‫ك عَ ّ‬ ‫في َ‬‫سي َك ْ ِ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫جْرد َ ُ‬ ‫ح ‪ii‬وَ َ‬ ‫ْ‬
‫مل ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وا ُ‬ ‫ن ب ِهِ الق َ‬ ‫ض ّ‬ ‫وَ َ‬
‫دي‬ ‫ت وَت َغْت َ ِ‬ ‫ُ‬
‫ماٍء فَرا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬‫شَر ُ‬ ‫وَت َ ْ‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫تعارض أ َ‬
‫مل َب ّقُ‬ ‫ب الّثريد ِ ‪ii‬ال ْ ُ‬ ‫حا َ‬‫ص َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ ِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ج ّ‬
‫ما‬‫شوا ‪ii‬كأن ّ َ‬ ‫م تَ َ‬
‫ما هُ ْ‬ ‫شى إ َِذا َ‬ ‫ج ّ‬ ‫تَ َ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ص ‪ii‬تفت ّ ُ‬ ‫خِبي ِ‬ ‫واِع ال َ‬ ‫ظ َلل َ‬
‫ت ب ِأن ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وكان ل يذل نفسه لحد قط‪.‬‬
‫عن النضر بن أبى زرعة قال‪ :‬قال لي المبارك بن سعيد ‪-‬أخو سفيان الثوري‪-‬‬
‫بالموصل‪ :‬ائت سفيان فأخبره أن نفقتي قد نفدت‪ ,‬وثيابي قد تخرقت‪ ,‬فقل‬
‫له‪ :‬يكتب إلى والي الموصل لعله يصلني بمال أكتسي‪ ,‬قال‪ :‬فقدمت الكوفة‬
‫فأتيت سفيان فأخبرته بما قال مبارك‪ .‬فدخل الدار فأخرج دورقا فيه كسر‬
‫يابسة‪ ,‬فنثرها على الرض‪ ,‬ثم قال‪ :‬لو رضي مبارك بمثل هذا!لم يكن له‬
‫بالموصل عمل‪ ,‬ما له عندنا كتاب‪> .‬ابن أبي حاتم " مقدمة الجرح والتعديل"‬
‫)‪<(1/92‬‬
‫الفضيل بن عياض‬
‫فقد نال القدح المعلى في الزهد والصبر وعفة النفس‪ ،‬فقد أرسل بعض‬
‫الخلفاء إلى الفقهاء بجوائز فقبلوها؛ وردها الفضيل‪ ,‬فقالت له امرأته‪ :‬ترد‬
‫عشرة آلف‪ ,‬وما عندنا قوت يومنا؟! فقال‪ :‬مثلي ومثلكم كقوم لهم بقرة‬
‫يحرثون عليها‪ ,‬فلما هرمت ذبحوها‪ ,‬وكذا أنتم أردتم ذبحي على كبر سني‪,‬‬
‫موتوا جوعا قبل أن تذبحوا فضيل‪> .‬المناوي "فيض القدير")‪<(5/436‬‬
‫العمش‬
‫وهذا العمش رغم ما كان فيه من شدة‪ ،‬ولو مال إلى حكام زمانه لبسطت‬
‫له الدنيا بأسرها‪.‬‬
‫قال عبد الله بن داود الخريبي‪ :‬مر أبو جعفر فبعث إلى العمش فخرج إليه‬
‫فقال‪ :‬يا أبا محمد لك حاجة؟ فقال‪ :‬أما أنا فليس لي إليك حاجة وقد ترى ما‬
‫الناس فيه من هذه الحال فاتق الله فيهم‪.‬‬
‫قال أبو حرب‪ :‬وكان الناس في ذلك الزمان يموتون جوعا‪ ،‬وكان يباع قفيز‬
‫س عليه<‬‫ضعُ النا ُ‬
‫فيُز من المكاييل معروف وهو مكيال تتوا َ‬ ‫ق ِ‬ ‫دقيق>ال َ‬
‫بدانق>الدانق وهو سدس الدرهم< ولم تكن دراهم‪»> .‬أمالي اليزيدي«)‬
‫‪<.(1/21‬‬
‫ابن جرير وابن خزيمة ومحمد بن نصر المروزي والروياني‬
‫وهؤلء الئمة الربعة كادوا في أول الطلب أن يهلكوا لول عناية الله ورعايته‬
‫لهم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قال أبو العباس البكري‪ :‬جمعت الرحلة بين ابن جرير وابن خزيمة ومحمد بن‬
‫نصر المروزي ومحمد بن هارون الروياني بمصر‪ ،‬فأرملوا ولم يبق عندهم ما‬
‫يقوتهم‪ ،‬وأضر بهم الجوع‪ ،‬فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه‪ ،‬فاتفق‬
‫رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة‪ ،‬فمن خرجت عليه القرعة سأل‬
‫لصحابه الطعام‪ ،‬فخرجت القرعة على ابن خزيمة‪ ،‬فقال لصحابه‪ :‬أمهلوني‬
‫حتى أصلي صلة الخيرة‪ ،‬قال‪ :‬فاندفع في الصلة‪ ،‬فإذا هم بالشموع وخصي‬
‫من قبل والي مصر يدق الباب‪ ،‬ففتحوا‪ ،‬فقال‪ :‬أيكم محمد بن نصر؟ فقيل‪:‬‬
‫هو ذا‪ ،‬فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه‪ .‬ثم قال‪ :‬و أيكم محمد‬
‫ابن جرير؟ فأعطاه خمسين دينارا‪ ،‬وكذلك للروياني وابن خزيمة‪ .‬ثم قال‪ :‬إن‬
‫المير كان قائل بالمس‪ ،‬فرأى في المنام أن المحامد جياع‪ ،‬قد طووا‬
‫ي‬
‫كشحهم‪ ،‬فأنفذ إليكم هذه الصرر‪ ،‬وأقسم عليكم إذا نفذت فابعثوا إل ّ‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحدكم‪> .‬سير أعلم النبلء )‪<(14/270‬‬


‫الخطيب البغدادي‬
‫وهذا الخطيب كان على نفس الطريقة والهدي‪.‬‬
‫قال الفضل ابن عمر النسوي‪ :‬كنت بجامع صور عند أبي بكر الخطيب‪ ،‬فدخل‬
‫علوي وفي كمه دنانير‪ ،‬فقال‪ :‬هذا الذهب تصرفه في مهماتك‪.‬‬
‫فقطب في وجهه‪ ،‬وقال‪ :‬ل حاجة لي فيه‪ ،‬فقال‪ :‬كأنك تستقله‪ ،‬وأرسله من‬
‫كمه على سجادة الخطيب‪.‬‬
‫وقال‪ :‬هذه ثلث مئة دينار‪.‬‬
‫فقام الخطيب خجل محمرا وجهه‪ ،‬وأخذ سجادته‪ ،‬ورمى الدنانير‪ ،‬وراح‪.‬‬
‫فما أنسى عز الخطيب وذل العلوي وهو يلتقط الدنانير من شقوق الحصير‪.‬‬
‫>»سير أعلم النبلء«)‪<(18/277‬‬
‫أخي الحبيب طالب العلم‪ :‬هناك باب يجب أن تدخل منه في أول الطلب؛ قد‬
‫غاب عن الكثير‪ ،‬وهو باب عفة النفس والفضيلة‪ ،‬فقف عليه واصبر وسيفتح‬
‫لك إن شاء الله‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫يا عباد الله فاثبتوا‬


‫ما‪ ،‬ووسع كل‬ ‫ً‬ ‫عل‬ ‫شيء‬ ‫بكل‬ ‫أحاط‬ ‫الخبير‪،‬‬ ‫اللطيف‬ ‫البصير‪،‬‬ ‫الحمد لله السميع‬
‫ما‪ ،‬هو الحليم الشكور‪ ،‬العزيز الغفور‪ ،‬قائم على كل نفس‬ ‫شيء رحمة وحل ً‬
‫بما كسبت‪ ،‬يحصي على العباد أعمالهم‪ ،‬ثم يجزيهم بما كسبت أيديهم‪ ،‬ول‬
‫دا‪ ،‬هو العلي القدير‪ ،‬العليم بذات الصدور‪ .‬أحمد ربي وأشكره‪،‬‬ ‫يظلم ربك أح ً‬
‫وأتوب إليه وأستغفره‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ب النهج‬ ‫دا عبده ورسوله‪ ،‬البشير النذير والسراج المنير‪ ،‬صاح ُ‬ ‫نبينا محم ً‬
‫ل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد‪،‬‬ ‫الرشِيد والقول السديد‪ ،‬اللهم ص ّ‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫ه وَي َّتقه فأولئك‬ ‫ّ‬
‫خش الل َ‬ ‫شوه‪ ،‬ومن ي َ ْ‬‫ما بعد‪ ،‬فيا إخوة السلم‪ :‬اّتقوا الله واخ َ‬ ‫أ ّ‬
‫ْ‬
‫م الفاِئزون‪.‬‬
‫ه ُ‬
‫واثبتوا على دين الله وشرعته‪ ،‬وليكن كل منا زاده التقوى‪ ،‬وشعاره الجهاد‪،‬‬
‫وحصنه اليمان‪ ،‬وعدته الصبر‪ ،‬وخلقه القرآن‪ ،‬وقدوته سيد النام عليه الصلة‬
‫والسلم‪ .‬أمنيته الشهادة في سبيل الله؛ ليكون الدين كله لله‪ ،‬وغايته تلك مع‬
‫الجنة ورضوان الله‪ .‬كذا كان جيل الصحابة رضوان الله عليهم‪ ،‬جيل حمل‬
‫فكرا ً ساميا ً لغاية أسمى‪ ..‬والذي ل إله إل هو لول النقل الصحيح المتواتر‬
‫القطعي لقيل‪:‬‬
‫ذاك طيف من خيال بل هو الشيء المحال‬
‫محال! ذاك ضرب من خيال‬ ‫قد تقولون‪ُ :‬‬
‫قد تقولون‪ ..‬ولكني أقول‪ :‬إنها تربية السبع الطوال‪ !..‬ل محال‪...‬‬
‫إنه هدي الكتاب ل محال‪...‬‬
‫ضّر التلل ل محال‪...‬‬ ‫فعلى وقع التلوات تخ َ‬
‫إنهم جيل المصاحف ل محال‪...‬‬
‫إنه جيل المحاريب وأساد النبال إنهم شم الجبال ل محال‪...‬‬
‫هل تغير النبع؟!‬
‫هل تغير المنهج الذي تربوا عليه؟!‬
‫مهما تقادم جوهر في عتقه فهو الثمين وليس يبرح جوهرا‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقد كان رسول الله أشجع الناس‪ ،‬وأثبتهم في دين الله؛ فعن أبي هريرة قال‪:‬‬
‫كنا إذا صحبنا رسول الله )صلى الله عليه وسلم( في سفر تركنا له أعظم‬
‫دوحة وأظلها فينزل تحتها‪ ،‬فنزل ذات يوم تحت شجرة‪ ،‬وعلق سيفه فيها‬
‫فجاء رجل فأخذه فقال‪ :‬يا محمد من يمنعك مني؟ فقال رسول الله )صلى‬
‫الله عليه وسلم(‪ :‬الله يمنعني منك‪ ،‬ضع عنك السيف فوضعه‪ ،‬فنزلت‪ :‬والله‬
‫يعصمك من الناس‪.‬‬
‫فيا عباد الله فاثبتوا‬
‫فكيف تخاف من زيد ومن عمرو *** وعند الله رزقك والقضاء‬
‫* حنين كثرة عدد‪ ..‬ولكن‬
‫خرج صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومعه ألفان من أهل مكة‪ ،‬وعشرة آلف من‬
‫أصحابه الذين فتح الله بهم مكة‪ ،‬فكانوا اثني عشر ألفًا‪ .‬فلما استقبلوا وادي‬
‫حنين‪ ،‬انحدروا في واد من أودية تهامة أجوف في عماية الصبح‪ .‬قال جابر‪:‬‬
‫وكانوا قد سبقونا إليه‪ ،‬فكمنوا في شعابه ومضايقه‪ ،‬قد تهيئوا‪ .‬فوالله ما راعنا‬
‫إل الكتائب‪ ،‬قد شدوا علينا شدة رجل واحد‪ ،‬فانشمر الناس راجعين ل يلوي‬
‫أحد على أحد‪ .‬وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين‪ ،‬ثم‬
‫قال‪:‬أيها الناس ! أنا رسول الله‪ ،‬أنا محمد بن عبد الله‪ ،‬وبقي معه نفر من‬
‫المهاجرين‪ ،‬وأهل بيته‪ ،‬فاجتلد الناس فوالله ما رجعت الناس من هزيمتهم‬
‫حتى وجدوا السرى عند رسول الله‪ .‬وكانوا حين رأوا كثرتهم قالوا‪ :‬لن نغلب‬
‫اليوم عن قلة‪ ،‬فوقع بهم ما وقع من ابتلء الله لقولهم ذلك‪.‬‬
‫فلما اختلط الناس‪ ،‬اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته‬
‫وأصلت السيف‪ ،‬حتى تراجع الناس‪ ،‬وكروا كرة رجل واحد‪.‬‬
‫أنا النبي ل كذب‬
‫قال العباس‪ :‬إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪-‬وكنت امرءا ً جسيما ً‬
‫شديد الصوت‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حين رأى ما رأى من‬
‫ي أيها الناس‪ ،‬أنا النبي ل كذب‪ ،‬أنا ابن عبد المطلب‪ ،‬فلم أر الناس‬ ‫الناس‪ :-‬إل ّ‬
‫يلوون على شئ‪ ،‬فقال‪ :‬أي عباس‪ ،‬اهتف بأصحاب السمرة‪ ،‬فناديت‪ :‬يا‬
‫أصحاب السمرة ! يا أصحاب سورة البقرة ! فكان الرجل يريد أن يرد بعيره‬
‫فل يقدر‪ ،‬فيأخذ سلحه‪ ،‬ويقتحم عن بعيره‪ ،‬ويخلي سبيله‪ ،‬ويؤم الصوت‪ ،‬فأتوا‬
‫من كل ناحية‪ :‬لبيك‪ ،‬لبيك‪ ،‬حتى إذا اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم منهم مائة استقبلوا الناس‪ ،‬فكانت الدعوة أو ً‬
‫ل‪ :‬يا للنصار‪ ،‬يا للنصار‪،‬‬
‫ثم خلصت الدعوة‪ :‬يا لبني الحارث بن الخزرج‪ ،‬وكانوا صبرا ً عند الحرب‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم‪ :‬ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات‪ ،‬فرمى‬
‫بها وجوه القوم‪ ،‬ثم قال‪ :‬انهزموا‪ ،‬ورب محمد‪ ،‬فما هو إل أن رماهم‪ ،‬فما‬
‫ل‪ ،‬وأمرهم مدبرًا‪ .‬وانهزم المشركون‬‫زلت أرى حدهم كلي ً‬
‫فيا عباد الله فاثبتوا‬
‫ديق رضي الله عنه وأرضاه‪ ،‬عندما حدثت وفاة رسول الله‬ ‫**وها هو الص ّ‬
‫صلى الله وعليه وسلم‪ ،‬قد ثبت ثبات الجبال الشم الرواسي‪ ،‬حيث خارت‬
‫عزائم جل الصحابة‪ ،‬وفت في عضدهم‪ ،‬إذ قال المغيرة‪ :‬يا عمر! مات رسول‬
‫الله‪ ،‬فقال عمر‪ :‬كذبت! بل أنت رجل تحوسك فتنة‪ .‬إن رسول الله ل يموت‬
‫حتى يفني الله المنافقين‪ .‬فخرجا على الناس‪ ،‬وقام عمر يخطب الناس‬
‫ويتوعد من قال مات بالقتل والقطع‪ ،‬ويقول‪ :‬والله ما مات رسول الله‪،‬‬
‫وليبعثه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فلما اختلفوا في موته ذهب سالم بن عبيد إلى الصديق بمنزله وأخبره‪ ،‬وكان‬
‫الصديق حين صلى الفجر ورأى رسول الله بخير انصرف إلى منزله‪ ،‬فجاء‬
‫فكشف عن رسول الله فقّبله فقال‪ :‬بأبي أنت وأمي‪ ،‬طبت حيا وميتا‪ ،‬والذي‬
‫نفسي بيده ل يذيقك الله الموتتين أبدا‪ ،‬ثم خرج وعمر يكلم الناس‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اجلس يا عمر‪ ،‬فأبى عمر أن يجلس‪ ،‬فقال‪ :‬اجلس يا عمر‪ ،‬فأبى عمر أن‬
‫يجلس‪ :‬فلما تكلم أبو بكر جلس عمر‪ ،‬فحمد الله وأثنى عليه‪ ،‬وقال‪ :‬أل من‬
‫كان يعبد محمدا فإن محمد قد مات‪ ،‬ومن كان يعبد الله فإن الله حي ل‬
‫يموت‪ .‬قال تعالى‪ :‬إنك ميت وإنهم ميتون‪ ،‬وقال‪ :‬وما محمد إل رسول قد‬
‫خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب‬
‫على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين‪.‬‬
‫فنشج الناس يبكون‪ ،‬وقال عمر‪ :‬والله ما هو إل أن سمعت أبا بكر تلها‬
‫فعرفت أنه الحق‪ ،‬فعقرت حتى ما تقّلني رجلي‪ ،‬وهويت إلى الرض‪ ،‬وعرفت‬
‫حين سمعته تلها أن رسول الله قد مات‪.‬‬
‫ديق اتخذ الله معبوده‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم دليله‬ ‫إنه الص ّ‬
‫وإمامه‪ ،‬فرجح إيمانه‪.‬‬
‫ب كما حف أرجاَء العيون المحاجُر‬ ‫فحفت به العلياء من كل جان ٍ‬
‫واجتمعت النصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا‪ :‬مّنا أمير‬
‫ومنكم أمير‪ .‬فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة‪ ،‬فذهب عمر يتكلم‬
‫فأسكته أبو بكر‪ ،‬وكان عمر يقول‪ :‬أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلمه‪:‬‬
‫نحن المراء وأنتم الوزراء‪ .‬فقال حباب بن المنذر‪ :‬ل والله ل تفعل‪ ،‬مّنا أمير‬
‫ومنكم أمير‪ .‬فقال أبو بكر‪ :‬ل‪ ،‬ولكنا المراء‪ ،‬وأنتم الوزراء‪ ،‬هم أوسط العرب‬
‫دارا‪ ،‬وأعربهم حسبا‪ ،‬فبايعوا عمرا أو أبا عبيدة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬بل نبايعك أنت‪،‬‬
‫فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله‪ ،‬فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه‬
‫الناس‪ ،‬وذلك يوم الثنين الذي توفي فيه رسول الله‪.‬‬
‫لما أشار بعض المسلمين على أبي بكر رضي الله عنه بأل يبعث جيش أسامة‬
‫لحتياجه إليه‪ ،‬قال‪]] :‬والله لو أن الطير تخطفني‪ ،‬وأن السباع من حول‬
‫ت جيشا ً وجهه‬ ‫المدينة‪ ،‬وأن الكلب جرت بأرجل أمهات المؤمنين؛ ما ردد ُ‬
‫ت لواًء عقده رسول الله صلى الله‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول حلل ُ‬
‫ً‬
‫قَرى غيري لنفذته‪ ،‬أفأطيعه حيا وأعصه‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬والله لو لم يبقَ في ال ُ‬
‫ميتًا! [[ فأنفذه‪.‬‬
‫يقول‪]] :‬لست تاركا ً شيئا ً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إل‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫حذ َرِ ال ّ ِ‬‫عملت به‪ ،‬إني أخشى إن تركت من أمره شيئا ً أن أزيغ [[ فَل ْي َ ْ‬
‫م ]النور‪.[63:‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فون عَن أ َمره أ َن تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬
‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ْ ْ ِ ِ ْ ُ ِ َُ ْ َِْ‬ ‫خال ِ ُ َ‬
‫يُ َ‬
‫كرها من أبى واستكبرا‬ ‫ً‬ ‫‪ ....................‬فانقاد ُ‬
‫ب وبعيد ْ‬ ‫من يخف سلطان ذي العرش المجيد ْ خافه كل قري ٍ‬ ‫َ‬
‫ثم أعلنها حربا ً على المرتدين‪ ،‬فقيل له‪]] :‬إنهم يقولون‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬قال‪:‬‬
‫عقال ً‬‫عناقا ً أو ِ‬ ‫والله لقاتلن من فرق بين الصلة والزكاة‪ ،‬والله لو منعوني َ‬
‫كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه [[ فنصر الله به‬
‫دين الله‪:‬‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫ن بجرأة ومهارة كالطود نحو مسيرة ل ت ُهَْز ُ‬ ‫قاد السفي َ‬
‫م؟‬ ‫من يفه ُ‬ ‫ت همم الرجال فصاح‪ :‬هل َ‬ ‫وارتدت العرب الغلظ فأشفق ْ‬
‫َ‬
‫عقال نويقةٍ أّدوه نحو المصطفى لن َيسلموا‬ ‫والله لو منعوا ِ‬
‫م‬ ‫ومضى أبو بكر لغايته إلى أن أخضع المرتد وهو مرغ ُ‬
‫ن قَي ّ ُ‬
‫م‬ ‫م ودي ٌ‬ ‫ل وأعل ٌ‬ ‫مث ُ ٌ‬‫هذا هو السلم في عليائه ُ‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من رضي بالله ربًا‪ ،‬وبالسلم دينًا‪ ،‬وبمحمد صلى الله عليه‬ ‫ذاق طعم اليمان َ‬
‫ل‪ ،‬وتلك سهلة بالدعوى واللسان؛ لكنها صعبة عند التحقيق‬ ‫وسلم رسو ً‬
‫والمتحان‪.‬‬
‫م‬‫ُ‬ ‫يستسل‬ ‫ل‬ ‫الله‬ ‫شرع‬ ‫ولغير‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫تابع‬ ‫العقيدة‬ ‫بعرى‬ ‫مستمسكا ً‬
‫فيا عباد الله فاثبتوا‬
‫** لما أسلم عمر رضي الله عنه وأرضاه قال المشركون‪]] :‬صبأت‪ ،‬فقال‬
‫دقت‪ ،‬فثاروا إليه‪ ،‬فما زال يقاتلهم ويقاتلونه‬ ‫عمر‪ :‬كذبتم! ولكني أسلمت وص ّ‬
‫حتى قامت الشمس على رءوسهم‪ ،‬وأعيى من التعب فقعد‪ ،‬فقاموا على‬
‫رأسه وهو يقول‪} :‬افعلوا ما بدا لكم! أحلف بالله أن لو كنا ثلثمائة لقد‬
‫َ‬ ‫تركناها لكم أو تركتموها لنا [‪ ،‬وحاله‪ :‬إ ِّني أ ُ ْ‬
‫ما‬
‫م ّ‬
‫ريٌء ِ‬
‫دوا أّني ب َ ِ‬
‫شهَ ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫شهِد ُ الل ّ َ‬
‫ن ]هود‪.[55-54:‬‬ ‫م ل ت ُن ْظ ُِرو ِ‬‫ميعا ً ث ُ ّ‬‫ج ِ‬‫دوِني َ‬ ‫كي ُ‬‫ن ُدون ِهِ فَ ِ‬
‫م ْ‬‫ن* ِ‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫تُ ْ‬
‫ل تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم وأن نكف الذى عنكم وتؤذونا‬
‫م أل تحبونا‬ ‫م ول نلومك ُ‬ ‫الله يعلم أنا ل نحبك ُ‬
‫ً‬
‫ل له نية في بغض صاحبه بالله نبغضكم دوما وتقلونا‬ ‫ك ٌ‬
‫الله أكبر! ما كان بين إسلمه رضي الله عنه وبين أن قاتلهم وقاتلوه‪ ،‬وقال‪] :‬‬
‫افعلوا ما بدا لكم[ إل سويعات عديدة‪ ،‬وحاله‪:‬‬
‫إذا كان قلبي ل يغار لدينه فما هو لي قلب ول أنا صاحبه‬
‫إن أعداء الله ومبادئهم كذوات السموم؛ نحن معهم على افتراق وبراء وعداء‬
‫حتى يدخلوا في ديننا‪.‬‬
‫ب؟!‬ ‫ة؟! أو لمستم رقة من عقر ِ‬ ‫هل لمحتم طيبة من حي ٍ‬
‫إّنا حين نسايرهم ولو خطوة واحدة فإنا نفقد الطريق إلى العلياء‪ ،‬ونتيه في‬
‫بيداء الضللة أذلء‬
‫س‬
‫وليس يجهل ما ينوي الخصوم لنا إل الجواميس أو شبه الجوامي ِ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫وحين نتميز ونفاصل ول نلتقي إل على نبع الوحي الصافي نكون بحق أجلء‬
‫الرفعة والعلء‪ ،‬وأهل العطاء والسمو للسماء‪.‬‬
‫إن الطيور وإن قصصت جناحها‬
‫ن‬
‫تسمو بفطرتها إلى الطيرا ِ‬
‫فيا عباد الله فاثبتوا‬
‫أحمد والمعتزلة‬
‫أظهر المعتزلة القول بخلق القرآن في عهد هارون الرشيد‪ ،‬ولكن هارون‬
‫وقف بالمرصاد أمام دعوته وقال‪" :‬بلغني أن بشر المريسي زعم أن القرآن‬
‫مخلوق ولله علي إن أظفرني الله به لقتلنه قتلة ما قتلها أحد قط" وكان‬
‫المين على صرامة أبيه‪ ،‬ولما جاء المأمون أقنعه المعتزلة فكرة خلق القرآن‬
‫حتى حمل الناس على اليمان بها بقوة السيف‪.‬‬
‫ك أعورا ً والقلب أعمى فكل الخلق في عينيه عوُر‬ ‫ومن ي ُ‬
‫وثبت أحمد ثباتا شديدا وعذبه المأمون‪ ،‬ثم عذبه المعتصم وسجنه أعواما‬
‫عديدة‪ ،‬وهو ثابت ل يلين ول يتراجع عن قولة الحق حتى نصره الله نصرا‬
‫مؤزرا‪.‬‬
‫فيا عباد الله فاثبتوا‬
‫قا‪ ،‬فأكسبه ذلك اليمان عزة‪ ،‬جعل يكلم هشام بن‬ ‫هاهو أخر قد آمن بالله ح ً‬
‫ضا في‬ ‫ً‬
‫ما غليظا جافًيا‪ ،‬فقال هشام له‪ :‬وتتكلم أي ً‬‫عبد الملك الخليفة كل ً‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن‬ ‫ل َ‬ ‫جادِ ُ‬
‫س تُ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫م ت َأ ِْتي ك ُ ّ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫مجلسي؟! فقال‪ :‬يقول الله –جل وعل‪) :-‬ي َوْ َ‬
‫سَها( أفنجادل الله جدال‪ ،‬ول نكلمك يا هشام؟! فما كان من هشام إل أن‬ ‫ف ِ‬
‫نّ ْ‬
‫دا بعزة‬ ‫دا‪ ،‬فقال ما شاء وانصرف راش ً‬ ‫قال‪ :‬قل ما شئت‪ ،‬ثم انصرف راش ً‬
‫ن( إنها‬ ‫مو‬
‫َْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ف‬ ‫نا‬
‫ُ َ ِ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫مؤ ْ ِ ِ َ َ ِ ّ‬
‫ل‬‫و‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫سول ِهِ وَل ِل ْ ُ‬
‫المؤمن )وَل ِل ّهِ ال ْعِّزةُ وَل َِر ُ‬
‫دا‪.‬‬
‫العّزة‪ ،‬أثر إيماني يظهر صاحبه الحق‪ ،‬ل يخشى دون الله أح ً‬
‫نحن نهدي الخلق زهرا ً وثمارا ً وسوانا يبعث النار ضراما‬
‫كل نمرود إذا أوقد نارا ً عادت النيران بردا ً وسلما‬
‫فيا عباد الله فاثبتوا‬
‫من ل يخاف‬ ‫** وهاهو الوزاعي كان واحد زمانه وإمام عصره وأوانه‪ ،‬وكان م ّ‬
‫في الله لومة لئم‪ ،‬نّهاء على المنكر مقوال بالحقّ ل يخاف سطوة العظماء‪،‬‬
‫من مواقفه أيضا حديثه مع عبد الله بن علي الشيعي لما قدم الشام وقتل‬
‫بني أمّية‪ ،‬فإّنه استدعى الوزاعي‪ ،‬وعبد الله في جنده وسيوفهم مسلولة‬
‫وقال له‪ " :‬ما تقول في دماء بني أمّية"؟‬
‫قال‪ " :‬قد كانت بينك وبينهم عهود؟ وكان ينبغي أن تفوا بها"‪.‬‬
‫قال عبد الله‪" :‬ويحك أجعلتني وإيّاهم ل عهد بيننا"‪ .‬يقول الوزاعي‪ :‬فأجهشت‬
‫نفسي وكرهت القتل فذكرت مقامي بين يدي الله‪ ،‬فلفظتها فقلت‪" :‬دماؤهم‬
‫عليك حرام"‪.‬‬
‫قال هذه الكلمة أمام الجبار وسيوف رجاله مصلتة تريد أن تنال من دم‬
‫المام‪ ،‬ولكن‬
‫ب‬‫ليس الليث من جوع يقاد ُ إلى جيف تحيط بها كل ُ‬
‫فغضب عبد الله بن علي الشيعي وانتفخت عيناه وأوداجه‪ ،‬و قال‪ " :‬ويحك‬
‫ولم؟"فقال له الوزاعي‪ " :‬قال رسول الله صّلى الله عليه و سّلم‪ :‬ل يح ّ‬
‫ل‬
‫دم امرئ مسلم إل بإحدى ثلث‪ :‬ثّيب زان ونفس بنفس وتارك لدينه مفارق‬
‫للجماعة"‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال‪ :‬و يحك‪ ،‬أو ليس المر لنا ديانة؟ أليس كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسّلم أوصى لعلي؟‬
‫كم الحكمين‪ ،‬فسكت واجتمع غضبا‪ ،‬يقول‬ ‫قال الوزاعي‪ :‬لو أوصى إليه ما ح ّ‬
‫الوزاعي‪ :‬وجعلت أتوّقع رأسي يسقط بين يدي‪ ،‬فأومأ أن أخرجوه فخرجت‪.‬‬
‫حُلم‪.‬‬‫إنما هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وما سواهما ُ‬
‫ك ما كان اسمه الحلما‬ ‫يا مفني العمر في التفتيش عن حلم لو كان ُيدَر ُ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يا عقلء السلم اقتلوا هذا الترابي الزنديق(‬


‫أو أودعوه مصحة للمراض العقلية‬
‫لقد أقر الرجل بأقوال الكفر؛ فحق أن ُيستتاب ثلثة أيام ثم ُيقتل‪ .‬فإن قيل‬
‫إن عقله قد ذهب‪ ،‬فلبد أن يدع مصحة للمراض العقلية؛ ليتولى الطباء‬
‫إجراء الكشف على قواه العقلية ويحددون ما يحتاجه من جلسات كهربية أو‬
‫غيرها من أنواع الدواء‪.‬‬
‫إن ذلك المخرف قد صرح بأقوال وأفعال تثبت عليه الكفر‪ .‬وهو‪ ،‬إن لم يكن‬
‫مجنونا‪ ،‬فقد تحققت فيه شروط تكفير المعّين‪ ،‬وانتفت عنه موانعه‪ .‬ويكفي‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه يزعم أن أبا البشر حواء وليس أدم !‪.‬‬
‫‪ -2‬وإباحته للردة ‪ ،‬وعدم إقامة الحد على المرتد‬
‫‪ -3‬وقوله عن سلمان رشدي ‪ " :‬لو كان عندنا في السودان لما حكمنا عليه‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالردة‬
‫‪ -4‬وأنه يدعو إلى توحيد الديان على أساس الملة البراهيمية وتحت راية‬
‫حزب يسميه الحزب البراهيمي !‬
‫‪ -5‬زعمه أن اليهود والنصارى ليسوا كفارا ً الكفر العتقادي !! إنما كفرهم من‬
‫قبيل الكفر العملي ‪.‬زعمه أن الصحابة ليسوا عدول ً كلهم‪.‬‬
‫‪ - 6‬واستعماله لللفاظ القبيحة مع أنبياء الله عليهم السلم والصحابة الكرام‬
‫رضي الله عنهم ؛ كقوله إن ‪ " :‬يونس شرد " " وإبراهيم كان " يبحث عن‬
‫ربه " أو قوله عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم بشر مثلنا يوحى إليه ‪ ،‬ما حيفسر القرآن لهذا اليوم ‪ :‬لنه ل‬
‫يعرف هذا اليوم "!‬
‫‪ -7‬إنكاره لعصمة النبياء ! وحصره العصمة في عصمتهم من الناس فقط ‪.‬‬
‫‪ - 8‬إنكاره لجهاد الطلب !‬
‫‪ - 9‬وأنه ل يؤمن بنزول عيسي عليه السلم آخر الزمان !‬
‫‪"- 10‬قوله عن حديث " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم ‪ " ..‬بأنه ‪ " :‬يأخذ فيه‬
‫برأي الطبيب الكافر ‪ ،‬ول يأخذ فيه بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم " !‬
‫‪ - 11‬وكقوله عن ابن عباس رضي الله عنهما " ابن عباس زروه "‪.‬‬
‫‪-12‬إباحته للغناء ‪ ،‬وتضليله الشباب بقوله ‪ :‬إن الشتغال بالغناء والموسيقى‬
‫عبادة !! ) كما في رسالته ‪ :‬حوار الدين والفن(‬
‫‪ -13‬زعمه أن العقيدة ل ينبغي أن تكون سلفية! (‪.‬‬
‫** فيا أيها العقلء المسلمون‪ ،‬أما من مطالبة ونصيحة لمن بيده القدرة‬
‫والستطاعة بتنفيذ حد الله في هذا الزنديق‪ ،‬أو القبض عليه وإيداعه‬
‫المصحة؟؟‬
‫قال الحافظ ابن حجر في كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬بعد أن‬
‫أورد الحيث‪:‬‬
‫)حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة‬
‫قال‬
‫ُأتي علي‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬بزنادقة فأحرقهم‪ .‬فبلغ ذلك ابن عباس‪ ،‬رضي الله‬
‫عنهما‪ ،‬فقال‪" :‬لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬ل تعذبوا بعذاب الله"‪ ،‬ولقتلتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬من بدل دينه فاقتلوه"‪ (.‬قال‪:‬‬
‫وعند الطبراني في الوسط من طريق سويد بن غفلة " أن عليا بلغه أن‬
‫قوما ارتدوا عن السلم فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى السلم فأبوا ‪,‬‬
‫فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم‬
‫الحطب فأحرقهم ثم قال ‪ :‬صدق الله ورسوله "‬
‫وفي رواية‪ :‬فلما كان اليوم الثالث قال لئن قلتم ذلك لقتلنكم بأخبث قتلة‪،‬‬
‫فأبوا إل ذلك‪ .‬فقال يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرروهم فخد لهم أخدودا بين‬
‫باب المسجد والقصر‪ ،‬وقال ‪ :‬احفروا فأبعدوا في الرض‪ .‬وجاء بالحطب‬
‫فطرحه بالنار في الخدود وقال ‪ :‬إني طارحكم فيها أو ترجعوا‪ .‬فأبوا أن‬
‫يرجعوا فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال‪:‬‬
‫إني إذا رأيت أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا‬
‫وهذا سند حسن‪.‬‬
‫وقد وقع في حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى‬
‫اليمن قال له " أيما رجل ارتد عن السلم فادعه فإن عاد وإل فاضرب‬
‫عنقه ‪ ,‬وأيما امرأة ارتدت عن السلم فادعها فإن عادت وإل فاضرب عنقها "‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسنده حسن‪ .‬أهـ‬


‫وقد تعرض الشيخ علي الحلبي للترابي في كتابه " العقلنيون أفراخ المعتزلة‬
‫العصريون"‪ ،‬حيث قال ‪ :‬ويؤكد الترابي في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس‬
‫برس‪ :‬انه ل ديانة ول جنس الرئيس يمكن أن تطرحا أي مشكلة‪ ،‬ردا علي‬
‫سؤال إن كان يمكن للسودان أن يختار رئيسا نصرانيا‪.‬‬
‫ويقول إذا كان هناك مرشح نصراني نزيه وقادر علي مقاومة التأثير الفاسد‬
‫للمنصب الحكومي‪ ،‬وكان نزيها ولن يستخدم نفوذه ضد الخرين‪ ،‬سأنتخبه‪.‬‬
‫ويضيف كما انه ل توجد لدي مشكلة في أن انتخب امرأة ‪.‬‬
‫ويقول الترابي‪ :‬إن الناس ل يفهمون ما هي الشريعة‪ .‬إنهم يعتقدون أنها نظام‬
‫قانوني‪ ،‬لكنها في الحقيقة نمط حياة ‪.‬‬
‫ويقول الترابي في كتابه ‪ " :‬تجديد الفكر السلمي " )ص‪ " : ( 26 :‬أما‬
‫المصدر الذي يتعين علينا أن نعيد إليه اعتباره كأصل له مكانته فهو العقل ‪...‬‬
‫" !!‬
‫ولقد أداه نظره ) العقلني ( هذا إلى اعتبار الكتفاء بالكتاب والسنة )وهما ً‬
‫شائعا ً ( فتراه يقول في الكتاب نفسه ) ص ‪ " : ( 25 :‬ومن المعوقات ‪ :‬هناك‬
‫من يقول ‪ :‬بأن عندنا ما يكفينا من الكتاب والسنة وهذا وهم شائع ‪ ،‬إذ ل بد‬
‫أن ينهض علماء فقهاء ‪ ،‬فنحن بحاجة إلى فقه جديد لهذا الواقع الجديد " !!‬
‫ما هو هذا الفقه الجديد ؟!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هل هو خارج عن الكتاب والسنة غير متصل بهما ؟!‬


‫أم صادر عنهما منبعث منهما ؟!‬
‫إن كان الول ـ وهو ما يريده ـ فهو مردود مرفوض ! بل هو من أبواب‬
‫الردة ‪ ،‬ـ نسأل الله العافية ‪.‬‬
‫وإن كان الثاني ـ وهو ما وهمه ـ فهو إبطال لكلمه من أساسه ! بل انظر إلى‬
‫تلك الباقعة العظيمة التي تقيأها هذا الترابي حيث يقول في محاضرة عنوانها‬
‫" تحكيم الشريعة " ) مبيحا ً ( الردة عن السلم ‪ " :‬وأود أن أقول ‪ :‬إنه في‬
‫إطار الدولة الواحدة ‪ ،‬والعهد الواحد ‪ :‬يجوز للمسلم ـ كما يجوز للنصراني ـ‬
‫أن يبدل دينه " !! والعياذ بالله تعالى! ولقد أنكر الترابي ـ فيما أنكر بأسلوبه‬
‫العقلني الوافد ـ حد الرجم ‪ ،‬كما نقله عنه الدكتور محمود الطحان في كتابه‬
‫" مفهوم التجديد بين السنة النبوية وأدعياء التجديد المعاصرين " ) ص ‪:‬‬
‫‪ ( 31‬وكذا صاحب كتاب " الصارم المسلول " ) ص ‪ ( 12 :‬ثم تراه ينتقد‬
‫) منهج السلف ( والمنتسبين إليه إعلء لمنهجه ) العقلني ( ) التجديدي (‬
‫بقوله ‪ " :‬ولكن يتسمي بالسلفية آخرون يرون الدين متمثل ً في تاريخ‬
‫المتدينين )!( فهم بحسن نية يتعصبون لذلك التاريخ ‪ ،‬وينسون أن مغزاه في‬
‫وجهته ل في صورته ! ويقلدون السلف )!( ل في مناهجهم )!( وسننهم‬
‫الصولية )!( بل في شكل كسبهم المعين )!( ‪ ،‬ويعتبرون بالصحابة والتابعين‬
‫حرف )!( أقوالهم وأعمالهم ‪ ،‬ويرون التباع ل في المضي على المنهج‬
‫السالك قدما ً )!( إلى الله بل في الموقف عند حد الولين ومبلغهم ‪!! " ...‬‬
‫بل انظر إلى قوله بعد ذلك مباشرة ‪ " :‬والغالب في الذين يرجعون إلى‬
‫الصور السالفة في تطبيق الشريعة ل إلى مغزى أحكامها أنهم أهل ثقافة‬
‫صاغها النغلق على القديم ‪ !! " ..‬لذلك ‪ ...‬أجاز ـ بانفتاحه على الحديث‬
‫والجديد ـ الكفر بالردة عن السلم ـ كما سبق ـ !! وأنكر حد الرجم !! وجعل‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حد شارب الخمر " ل يتعدى الجلد بين عشرين وأربعين )!!( ول يتعدى‬
‫السجن نحو شهر أو أكثر من ذلك بقليل )!( وغرامة قليلة )!!( ( ‪.‬‬
‫**عجيب فعل ما يقوله هذا الكائن؛ إذ أن المعروف أن أصحاب رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه و سلم ‪ -‬قد اكتفوا بالقرآن والسنة ‪ ،‬وكان كل حسب علمه‬
‫وفهمه‪ ،‬وصلح أمرهم على ذلك فلما تباعد الزمان احتجنا للفقهاء ليبينوا لنا‬
‫القرآن والسنة الصحيحة وهدي السلف في فهم الكتاب و السنة‪ ،‬واستقام بنا‬
‫الحال ‪ ،‬إذ أن المراد في القتداء بالسلف الصالح هو العمل بالكتاب والسنة‬
‫على الوجه القرب لفعل رسول الله وما أقر عليه أصحابه ‪ ،‬و هو نوع من‬
‫التشبه الدال على الحب والتباع ‪.‬‬
‫أما عن تلك الخرافات حول المطالبة بفقه جديد فلقد تركنا رسول الله على‬
‫البيضاء ‪ ،‬و أتم الله أمر الدين منذ ‪ 1400‬عام تقريبا فل نعرف أن الحلل مثل‬
‫قد يتحول في عصرنا إلى حرام ول الحرام والفواحش تتحول إلى فضل‬
‫وكرم ‪ ،‬ول يمكن مثل أن يصبح في الفقه الجديد الزنا وشرب الخمر من‬
‫فضائل العمال ‪ ،‬والمعروف عندنا معشر العقلء أن الحلل بين والحرام‬
‫بين ‪ ،‬وأن علينا اتقاء الشبهات ‪ ،‬والسكوت عما سكت الشرع عنه ‪ ،‬واتباع‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ -‬سواء عرفنا سبب المر أو النهي أو لم‬
‫نعرفه ‪ ،‬فالعاقل هو من سلم نفسه لله ‪ ،‬فالله أعلم بعباده ‪ ،‬و هو بذلك‬
‫يجعل توكله على من ل حدود لعلمه و قوته ‪ ،‬و بذلك يفوز بدل من أن يتكل‬
‫على عقله الذي يؤكد أنه لن يدرك كل ما يدور حوله في الوجود ‪ -‬سواء ضاق‬
‫و دق هذا المر أو اتسع و وضح ‪ -‬فالتوكل على الله ‪ ،‬والعبودية و التسليم له‬
‫هي السبيل للنجاة في الدنيا و الخرة‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يا علماءنا اتحدوا‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ أ‪.‬د‪.‬عبد الله قادري الهدل‬
‫ابتعد غالب قادة الشعوب عن تطبيق شريعتنا‪ ،‬وذهبوا يستغيثون بمبادئ‬
‫غربية وشرقية‪ ،‬وجربوا كل مذهب ومبدأ سلبيين على شعوبنا‪ ،‬الشيوعية‬
‫واللحاد والدكتاتورية الشرقية‪ ،‬والرأسمالية والباحية ]لتي سموها‬
‫الحرية[والقومية الغربية معاملين شعوبهم معاملة التجارب الطبية على‬
‫الفئران والقرود والخنازير‪ ،‬فقتلوا تلك الشعوب وحطموا معنوياتها‪ ،‬وأبعدوا‬
‫كثيرا من أبنائها عن حقيقة دينها الحنيف‪ ،‬وحلوا ما كان بينها من روابط‬
‫العقيدة والخوة والجتماع‪.‬‬
‫فأصبح كل شعب مكون من عدة قرى ومدن‪ ،‬ينظر إلى جاره المماثل له‬
‫نظرة أجنبي لجنبي‪ ،‬فتنافرت النفوس‪ ،‬وتحاقدت القلوب‪ ،‬وحمل الخ سلحه‬
‫ضد أخيه‪ ،‬ورأى أعداء السلم هذه الشعوب وما تملكه من خيرات‪ ،‬شبيهة‬
‫بجواهر ثمينة يرمقها السارق ل حرز لها ول حامي‪.‬‬
‫بل وجدوا من أبنائها من اقتدى برئيس المنافقين‪ ،‬الذي والى المشركين‬
‫واليهود في حب الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام فأخذوا‬
‫يترسمون خطاه في حرب الشعوب السلمية‪ ،‬ينادون الصليبيين واليهود‪ :‬أن‬
‫هلموا إلى قصعتنا الشهية فانهبوها‪ ،‬وهلموا إلى مقدساتنا فدنسوها‪ ،‬وهلموا‬
‫إلى ديننا فاستأصلوه!‬
‫فأصبحت الشعوب السلمية‪ ،‬بقيادة زعمائها من جاكرتا إلى نواكشوط تتحكم‬
‫فيها شرذمة تجمعت من آفاق الرض تجمعا لم تنله في أحقاب التاريخ في‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلب الرض المباركة لهذه المة‪ ،‬هذه‪.‬‬


‫هذا حصل ويحصل‪ ،‬ونحن ندعو الله تعالى أن يعيد هؤلء القادة إلى رشدهم‬
‫ويجمعوا كلمتهم على الحق‪ ،‬ويعطوا الخطر اليهودي والصليبي حقه من‬
‫مقاومته والدفاع عن دينهم وشعوبهم‪ ،‬بل وعن أنفسهم إذا أرادوا البقاء‪.‬‬
‫ولكن بقي عندنا أمل في أن ل يتمكن هذا التنازع وهذا التفرق إلى علماء‬
‫المة السلمية وجماعاتهم ومفكريهم وأحزابهم‪ ،‬لنهم يجب أن يكونوا قدوة‬
‫لشعوبهم وشبابهم في جمع الكلمة واتحادها على الحق‪ ،‬متبعين النص من‬
‫القرآن والسنة فيما اختلفوا فيه إن وجد‪ ،‬وإل الجتهاد والشورى بقواعدها‬
‫وضوابطها فيما ل نص فيه‪ ،‬أو فيه نص يحتاج إلى اجتهاد في كيفية التطبيق‪.‬‬
‫وأن يحجزهم ذلك عن التنازع المؤدي إلى الفشل‪ ،‬والظهر أمام أتباعهم‬
‫بمظهر التمزق وعدم العتصام بحبل الله تعالى‪ ،‬وهو في نفس الوقت مغر‬
‫لعدائهم من المحتلين والمغتصبين وأذنابهم الذين ظاهروهم ودعوهم إلى‬
‫احتلل بلد المسلمين‪.‬‬
‫ويسرنا كثيرا أن نرى علماءنا في العراق المسلم‪ ،‬مجتمعي الكلمة‪ ،‬متعاونين‬
‫على تحقيق مصالح بلدهم‪ ،‬ويحزننا كثيرا أن نرى بينهم تفرقا واختلفا‪ ،‬مع‬
‫تعاون ومظاهرة أعدائهم في الداخل والخارج عليهم‪.‬‬
‫ولقد اطلعت على خبر يحكي فتوى عدد منهم تقول‪:‬‬
‫‪ 64‬إماما عراقيا مع النضمام لقوات المن‬
‫‪[http://www.islamonline.net/Arabic/news/2005-04/02/article01.shtml‬‬
‫وخبر آخر في نفس الموقع‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫هيئة العلماء تتبرأ من فتوى أم القرى‬
‫‪[http://www.islam-online.net/Arabic/news/2005-04/02/article11.shtml‬‬
‫وساءني ذلك كثيرا وساء كل مهتم بشئون المسلمين‪ ،‬ول سيما ما يجري من‬
‫أعداء السلم في العراق‪.‬‬
‫أيها العلماء في العراق‪ ،‬أل تقدرون في هذه الفترة العصيبة‪ ،‬أن تفرزوا من‬
‫الطراف المختلفة‪ ،‬من تتوسمون فيهم التقى والعلم والورع أن يجتمعوا‬
‫وتفوضوهم في الجتهاد فيما أنتم فيه مختلفون وتزودهم بما عندكم من حجج‬
‫ليتدارسوها‪ ،‬ويصلوا إلى نتيجة فيها تجمع كلمتكم‪ ،‬وتوحدكم بدل من الفتاوى‬
‫المتناقضة التي زادت قلوبنا جروحا على الجروح النازفة بسبب ما نراه من‬
‫العدوان عليكم‪.‬‬
‫إذا كنا قد سئمنا من تنازع واختلفات زعماء الشعوب السلمية‪ ،‬فهل يليق‬
‫بعلمائنا الذين هم قدوتنا أن يسيروا في نفس الطريق المحزن‪:‬‬
‫نحن ل نقول‪ :‬إن الختلف ل يجوز أن يحصل بنيكم يا علماءنا فيما يحتاج إلى‬
‫اجتهاد‪ ،‬ونعرف أن غالب المور السياسية والعسكرية ونحوهما هي من‬
‫القضايا الجتهادية القابلة للختلف‪ ،‬ولكن الذي ل يقبل الختلف انفراد كل‬
‫فئة من الفئات المختلفة برأيها بدون تنسيق بينها وبين الفئة الخرى اختلفا‬
‫يجعل المختلفين يهدرون جلب مصالحهم ودفع مضارهم أمام عدوهم‬
‫المشترك‪ ،‬وهذا مال يرضاه الله تعالى من عباده المؤمنين‪ ،‬وبخاصة العلماء‬
‫الذين تتبعهم المة‪:‬‬
‫وماذا عسانا أنقول لربنا إذا سألنا‪ :‬ماذا فعلتم في تطبيق أمري ونهيي لكم‬
‫عندما قرأتم قوله تعالى‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬


‫م إ ِذ ْ ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫فّرُقوا َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ميعا ً َول ت َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫)َواعْت َ ِ‬
‫ن‬ ‫م عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫فَرةٍ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫وانا وَكن ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬‫مت ِهِ إ ِ ْ‬ ‫م ب ِن ِعْ َ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫صب َ ْ‬‫م فأ ْ‬ ‫ن قلوب ِك ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫داًء فأل َ‬ ‫أعْ َ‬
‫ن )‪ (103‬وَل ْت َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫م آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ‬ ‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قذ َك ُ ْ‬ ‫الّنارِ فَأ َن ْ َ‬
‫من ْك َرِ وَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫من ك ُ ُ‬
‫ك‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ِ ْ ْ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬
‫ِ ْ َْ ِ َ َ ُ ْ‬ ‫ما‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫فوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬
‫َ َ‬‫خ‬
‫ْ‬ ‫وا‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫ِ َ َ ّ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫كا‬‫َ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬
‫كو‬
‫َ َ ُ‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫(‬ ‫‪104‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫ما ُ ِ ُ َ‬
‫حو‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫هُ ْ‬
‫ُ‬
‫م(‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫ت وَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ال ْب َي َّنا ُ‬
‫)‪ (105‬آل عمران‪.‬‬
‫أل تخافون على أنفسكم من أن تؤتى أمتكم من قبل تنازعكم المؤدي إلى‬
‫الفشل‪:‬‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫عوا فَت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫صب ُِروا إ ِ ّ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫حك ْ‬ ‫ب ِري ُ‬ ‫شلوا وَت َذ ْهَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َول ت ََناَز ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫)وَأ ِ‬
‫ن ( النفال)‪(46‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫َ‬
‫إنكم أحق من يتذكر هذه اليات وما جاء في معناها من الحاديث الثابتة‪ ،‬مثل‬
‫قوله صل الله عليه وسلم في حديث‬
‫ل‬‫مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه‪ :‬قا َ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬أل أخبركم بأفضل من درجة الصيام‬
‫والصلة والصدقة قالوا بلى قال صلح ذات البين‪ ،‬فإن فساد ذات البين هي‬
‫الحالقة ( سنن الترمذي )‪ (4/663‬وقال‪" :‬قال أبو عيسى هذا حديث صحيح"‬
‫ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪) :‬هي الحالقة ل أقول تحلق‬
‫الشعر ولكن تحلق الدين(‬
‫وفي حديث ابن عمر قال‪ :‬خطبنا عمر بالجابية فقال يا أيها الناس إني قمت‬
‫فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا‪ ،‬فقال أوصيكم بأصحابي‬
‫ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم‪ ...‬إلى أن قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)عليكم بالجماعة‪ ،‬وإياكم والفرقة‪ ،‬فإن الشيطان مع الواحد وهو من الثنين‬
‫أبعد من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة( سنن الترمذي )‬
‫‪(4/465‬وقال‪":‬قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه‬
‫وقد رواه بن المبارك عن محمد بن سوقة وقد روي هذا الحديث من غير وجه‬
‫عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم"‬
‫وفي حديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم –عندما بعثه ومعاذا إلى اليمن ‪-‬قال لهما‪) :‬يسرا ول تعسرا وبشرا‬
‫ول تنفرا وتطاوعا ول تختلفا( صحيح البخاري )‪(3/1104‬‬
‫إن أحباءكم يدعون لكم ليل ونهارا‪ ،‬ويرجون أن يجمع الله كلمتكم على الحق‬
‫وأن ينصركم على عدوكم فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يا عيني فلتذرفي الدموع‬


‫مواعظ و أذكار لي أصحاب مسافرين معي قد تجهزوا وما تجهزت معهم ‪،‬‬
‫لقد حملوا طيبات كثيرة وما حملت ‪ ....‬ل ‪ ،‬بل لي حمل أثقل كاهلي ‪ ...‬حمل‬
‫يضر ول ينفع ‪ ..‬فليت شعري ما الذي جعلني أحمل ما يضر ول ينفع ؟‬
‫ن صحبي حولي أراهم قد حملوا الطيبات فسعدوا‬ ‫ثم ليت شعري إ ّ‬
‫وارتاحوا ‪ ...‬أما نفوسهم فراضية مطمئنة ‪ ،‬وأما نفسي فحزينة متألمة‪..‬‬
‫كم مرة راودتني نفسي أن أكون معهم ؟‬
‫لكن خطواتي ثقيلة ل تتقدم نحوهم !!‬
‫فقلت لها يا نفسي إن لم تتحركي من أجل ما ينفعك فل أقل من أن تتخلصي‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مما تحملين ‪.‬‬


‫يا نفس لكم أثقلك ما تحملين ‪ ...‬يا نفس لكم ضرك وما نفعك‪ ...‬فلماذا‬
‫تواصلين الحمل ؟‬
‫فلم تجبني‪..‬‬
‫فناديت ‪ :‬يا عيني فلتذرفي الدموع ‪.‬‬
‫قرب وقت السفر واشتد الجمع له ‪ ،‬فمن حولي أمثال دوي خلية النحل من‬
‫العمل والسعي الدءوب من أجل السفر ‪.‬‬
‫نعم لنه ليس سفرا مهما وفقط ‪ ،‬بل أهم سفر سنسافره جميعا ‪ ...‬إنه‬
‫السفر للخرة ‪ ،‬وهل هناك سفر أهم منه ؟‬
‫ل وألف ل ‪ ...‬إنه أهم سفر منذ ولدتنا أمهاتنا ‪ ...‬سفر ل رجعة فيه ‪ ..‬فحق له‬
‫أن يكون أهم سفر في حياتنا ‪.‬‬
‫ومع هذا فلم يحركني كل هذا ‪ ،‬فناديت يا عيني فلتذرفي الدموع ‪.‬‬
‫تقاربت اليام ولكن اليوم ليس ككل يوم‪..‬‬
‫أحس ذلك ولكن ل أدري لماذا ؟‬
‫لكن هال عيني ما رأت من هذا ؟ من هؤلء ؟‬
‫أحقا هي النهاية ؟ هل بدأ السفر ؟‬
‫ما بال أطرافي قد بردت ؟‬
‫لقد أيقنت أنها النهاية ‪ ...‬نعم بدأ السفر ‪ ،‬ولكن أين الزاد ؟ أحقا سأرحل بل‬
‫زاد ؟ ‪ ....‬أحقا سأرحل بل زاد ؟‬
‫لكن أشغلني أمٌر آخر ‪ ..‬لقد وجدتني أحمل حمل ً سيئا ‪ ...‬إنه فرصة للتخلص‬
‫منه ‪ ،‬ولكن مالي ل أستطيع ؟‬
‫هل أنادي يا عيني فلتذرفي الدموع ؟ لكن حتى هذه ل أستطيع ‪.‬‬
‫اللسان ل يتحرك ‪ ،‬والجسد كله هامد ‪ ،‬فل إله إل الله ‪.‬‬
‫} كل إذا بلغت الترقي وقيل من راق وظن أنه الفراق { } فلول إذا بلغت‬
‫الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن ل تبصرون{ أفي‬
‫هذه اللحظة توبة ؟ كل وربي ‪.‬‬
‫ما هذا ؟ وإلى أين ؟ إنه عالم جديد كل من يدخله يوزن بما معه من زاد ‪.‬‬
‫لقد هالني ذلك عن النوم على التراب ‪ ،‬ومفارقة الحباب ‪ ،‬لكن كل هذا يهون‬
‫أمام الميزان ‪...‬‬
‫أين الزاد أين ؟ أين ؟‬
‫ولكن يا ويحي مما أحمل ‪ ..‬أتراني سأضعه في الميزان أيضا ؟‬
‫ياعيني فلتذرفي الدموع ‪.‬‬
‫حتى إذا شاء الله أن تحق الحاقة وتقرع القارعة فإذ بالرض قد زلزلت‬
‫زلزالها ‪ ،‬وأخرجت أثقالها ‪ ،‬فقمت مع من قاموا حفاة عراة غرل ‪.‬‬
‫فيا لهول ما أرى ‪ ...‬إن منهم من يغطي العرق نصفه ومنهم يلجمه العرق ‪،‬‬
‫ومنهم من يحمل أوزارا مثل الجبال ولكن أين؟؟‬
‫إنه يحملها على ظهره يسعى بها إلى الحشر ‪.‬‬
‫ومنهم من يطوق أرضا ‪ ...‬في رقبته ولكن أي أرض ؟ إن شبرا من أرض‬
‫الدنيا يطوق اليوم في الرقبة إلى سبع أراضين ‪.‬‬
‫وها أنا كم أحمل ‪ ...‬فيا عيني فلتذرفي الدموع ‪.‬‬
‫حتى إذا شاء الله ـ بعد وقوف طويل ـ أن يفصل بين الخلئق فتطايرت‬
‫الصحف فآخذ باليمين وآخذ بالشمال ‪ ،‬فإلى أين هؤلء ؟ وإلى أين أولئك ؟‬
‫أهل اليمين في نعيم مقيم ‪ ...‬فأطلق لخيالك العنان ليسبح في هذا النعيم‬
‫حتى يصل إلى غايته ‪ ،‬فهناك تعرف أنه أعلى من ذلك كيف ل ؟ وفيها ما ل‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر ‪.‬‬


‫أما أهل الشمال فـ } في سموم وحميم وظل من يحموم ل بارد ول‬
‫كريم { ‪ ...‬ينادى على أحدهم } خذوه فغّلوه ثم الجحيم صّلوه ثم في‬
‫سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه {‬
‫دث ول حرج ‪ ...‬تقرح العيون ‪ ،‬وتفطر القلوب ‪ ،‬وتهتك الجلود ‪ ،‬ولكن ‪...‬‬ ‫فح ّ‬
‫} كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب {‬
‫فعفوك يا رب الرباب ‪.‬‬
‫أخي وحبيبي ‪ .....‬أرجوك ل تنادي ‪ :‬يا عيني فلتذرفي الدموع ؛ فأمامك‬
‫الفرصة بعد أن عدت من رحلتك تلك ـ إن شاء الله ـ بالِعبرة ‪.‬‬
‫وإلى لقاء مع أهل اليمين أسأل الله أن يجمعنا هناك ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا فارس الكرسي‬


‫عبد الرحمن العشماوي‬
‫ً‬
‫هم أكسبوك من السباق رهانا ‪ ...‬فربحت أنت وأدركواالخسرانا‬
‫مناك بغدرهم ‪ ...‬فأذقتهم فوق الهوان هوانا‬ ‫هم أوصلوك إلى ُ‬
‫إني لرجو أن تكون بنارهم ‪ ...‬لما رموك بها‪ ،‬بلغت جنانا‬
‫غدروا بشيبتك الكريمة جهرة ‪ ...‬أبشر فقد أورثتهم خذلنا‬
‫أهل الساءة هم‪ ،‬ولكن ما دروا ‪ ...‬كم قدموا لشموخك الحسانا‬
‫لقب الشهادة مطمح لم تدخر ‪ ...‬وسعا ً لتحمله فكنت وكانا‬
‫ها ‪ ...‬بالصمت‪ ،‬كان الصمت منك بيانا ٍ‬ ‫يا أحمد الياسين‪ ،‬كنت مفو ّ‬
‫ما كنت إل همة وعزيمة ‪ ...‬وشموخ صبر أعجز العدوانا‬
‫فرحي بنيل مناك يمزج دمعتي ‪ ...‬ببشارتي ويخفف الحزانا‬
‫وّثقت بالله اتصالك حينما ‪ ...‬صليت فجرك تطلب الغفرانا‬
‫وتلوت آيات الكتاب مرتل ًَ ‪ ...‬متأمل ً تتدبر القرآنا‬
‫ووضعت جبهتك الكريمة ساجدا ً ‪ ...‬إن السجود ليرفع النسانا‬
‫وخرجت يتبعك الحبة‪ ،‬ما دروا ‪ ...‬أن الفراق من الحبة حانا‬
‫كرسيك المتحرك اختصر المدى ‪ ...‬وطوى بك الفاق والزمانا‬
‫علمته معنى الباء‪ ،‬فلم يكن ‪ ...‬مثل الكراسي الراجفات هوانا‬
‫ل‪ ،‬وصار إباؤه عنوانا‬ ‫معك استلذ الموت‪ ،‬صار وفاؤه ‪ ...‬مث ً‬
‫أشلء كرسي البطولة شاهد ‪ ...‬عدل يدين الغادر الخوانا‬
‫لكأنني أبصرت في عجلته ‪ ...‬ألما ً لفقدك‪ ،‬لوعة وحنانا‬
‫حزنا ً لنك قد رحلت‪ ،‬ولم تعد ‪ ...‬تمشي به‪ ،‬كالطود ل تتوانى‬
‫إني لتسألني العدالة بعدما ‪ ...‬لقيت جحود القوم‪ ،‬والنكرانا‬
‫هل أبصرت أجفان أمريكا اللظى ‪ ...‬أم أنها ل تملك الجفانا؟!‬
‫وعيون أوربا ُتراها لم تزل ‪ ...‬في غفلة ل ُتبصر الطغيانا‬
‫عيانا؟!‬ ‫ما تناثر في الصباح ِ‬ ‫هل أبصروا جسدا ً على كرسيه ‪ ...‬ل ّ‬
‫أين الحضارة أيها الغرب الذي ‪ ...‬جعل الحضارة جمرة‪ ،‬ودخانا؟!‬
‫عذرًا‪ ،‬فما هذا سؤال تعطف ‪ ...‬قد ضل من يستعطف البركانا‬
‫هذا سؤال ل يجيد جوابه ‪ ...‬من يعبد الهواء‪ ،‬والشيطانا‬
‫يا أحمد الياسين‪ ،‬إن ودعتنا ‪ ...‬فلقد تركت الصدق واليمانا‬
‫أنا إن بكيت فإنما أبكي على ‪ ...‬مليارنا لما غدوا قطعانا‬
‫أبكي على هذا الشتات لمتي ‪ ...‬أبكي الخلف المّر‪ ،‬والضغانا‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبكي ولي أمل كبير أن أرى ‪ ...‬في أمتي من يكسر الوثانا‬


‫يا فارس الكرسي‪ ،‬وجهك لم يكن ‪ ...‬إل ربيعا ً بالهدى مزدانا‬
‫في شعر لحيتك الكريمة صورة ‪ ...‬للفجر حين يبشر الكوانا‬
‫فرحت بك الحور الحسان كأنني ‪ ...‬بك عندهن مغردا ً جذلنا‬
‫ت في الدنيا المهور وربما ‪ ...‬بشموخ صبرك قد عقدت قرانا‬ ‫قدم َ‬
‫هذا رجائي يا ابن ياسين الذي ‪ ...‬شيدت في قلبي له بنيانا‬
‫دمك الزكي هو الينابيع التي ‪ ...‬تسقي الجذور وتنعش الغصانا‬
‫رّويت بستان الباء بدفقه ‪ ...‬ما أجمل النهار والبستانا!‬
‫مقعدا ً جعل العدو جبانا‬ ‫ستظل نجما ً في سماء جهادنا ‪ ...‬يا ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا فتاة‬
‫المحتويات‬
‫فهناك سؤال يفرض نفسه ‪:‬‬
‫من أخاطب ؟‬
‫معذرة على المصارحة‬
‫ك؟‬ ‫ماذا يريدون من ِ‬
‫ليتني لم أتخذ فلنا خليل‬
‫لماذا إهدار العاطفة ؟‬
‫ألهذا الحد ترخص المرأة ؟‬
‫قارني بين صورتين‬
‫من أولى بالقدوة‬
‫ألم تدخلي المصلى؟‬
‫قبل أن تذبل الزهرة‬
‫ما للفتاة والرياضة ؟‬
‫العذراء في خدرها‬
‫ل مجال للمخاطرة‬
‫صور من حياة المرأة في الغرب‬
‫ل‪ :‬هكذا تهان المرأة‬ ‫أو ً‬
‫ثانيا‪ :‬العلقات غير الشرعية‬
‫ثالثا‪ :‬العائلة‬
‫ت‬
‫ك أن ِ‬
‫القرار بيد ِ‬
‫فهناك سؤال يفرض نفسه ‪:‬‬
‫لماذا الحديث إلى الفتاة ولماذا نخصها بالخطاب ؟ أعرف أن الجابة موجودة‬
‫ى لو قلت إني أتحدث لك ‪-:‬‬ ‫َ‬
‫ك سلفا ولكن ماذا عَل ّ‬ ‫لدي ِ‬
‫‪ -1‬لنك أمي وهل خرج أحد للدنيا دون أم؟ وهل تنفس الصعداء قبل أن‬
‫يعيش في بطن أمه شهورا؟ وبين أحضانها سنيات من عمره وهى ترعاه‬
‫وتعاهده؟ وحين يشب طوقه ويصلب عوده يعود به الحنين‪ ،‬فطرة فطر‬
‫عليها‪ ،‬يعود به الحنين ليلتصق بشريكة الحياة فالمرأة والرجل لصيقان يبدأ‬
‫حياته وتاريخه من خللها‪ ،‬ويودع الدنيا كذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬لن الكثير يتحدثون عنك يا فتاة‪ ،‬ويرفعون شعار نصرة قضيتك فالديب قد‬
‫سخر شعره ونثره‪ ،‬والكاتب قد وظف قلمه‪ ،‬والصحفي قد استنفر قوته‬
‫فالجميع أجلبوا بخيلهم ورجلهم ما بين كاتب ومفكر وعامل ومنفذ‪ .‬الجميع‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نزلوا بثقلهم ليتحدثوا عنك يا فتاة‪ ،‬عن قضية المرأة وحقوق المرأة‪ .‬ويعلو‬
‫ضجيج وصخب الصوات المأجورة ليذيب الصوت الصادق والناصح الذي لم‬
‫تعد تسمعه الفتاة إل خافتا‪.‬‬
‫ألم تسمعي يا فتاة ذلك الصوت القائل يوما من الدهر ‪-:‬‬
‫حينما كنا صغارا ً في الكتاتيب ***علمونا أن وجه المرأة عورة‬
‫والقائل ‪-:‬‬
‫مزقيه ذات البرقع ل تخافي مزقيه‬
‫وابن بلدك القائل ‪-:‬‬
‫محجبة تريك سفور جهل *** ومسفرة تريك حجاب علم‬
‫إنها أصوات ل أشك أنك تسمعينها وتقرئينها هنا وهناك‪ .‬ويعلو ضجيجها ويرتفع‬
‫صخبها‪ ،‬وكلها تدعو إلى دعوة واحدة‪ ،‬وتتحدث عن قضية واحدة هي قضيتك‪.‬‬
‫لقد زعموا أنك مظلومة لقد زعموا أنك مهانة وزعموا أنهم يتحدثون باسمك‬
‫ونقلوا وكالة دون موافقة صاحب الشأن ودون موافقة الوكيل فصار الجميع‬
‫يتحدث ويبدئ ويعيد في قضية المرأة‪.‬‬
‫يا فتاة ‪ :‬يعلو ضجيج وصخب هذه الصوات المأجورة ليذيب الصوت الصادق‬
‫والناصح الذي لم تعد تسمعه الفتاة إل خافًتا‪.‬‬
‫أل يحق بعد ذلك للناصحين أن يرفعوا هاماتهم‪ ،‬وينادون بصوت مسموع‬
‫رافعين الراية ليقولوا هاهنا الطريق يا فتاة وإياك وبنيات الطرق وأزقة‬
‫الغفلة؟‬
‫‪ -3‬ونتحدث إليك لن النبي صلى الله عليه وسلم يوليك يا فتاة عناية واهتماما‬
‫يليقان بمقامك ؛ ففي كل عيد يخطب فيه المسلمين‪ ،‬ينصرف إلى النساء‪،‬‬
‫إلى العواتق وذوات الخدور ليحدثهن ويعظهن‪ ،‬وتستقل النسوة هذا المر‬
‫فتطمع بالمزيد‪ .‬وتتطلع إلى ما فوق ذلك ؛ فتأتى إحداهن إليه صلى الله عليه‬
‫وسلم قائلة ‪ :‬ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا يوما من نفسك فيعدهن صلى‬
‫صا ل شأن للرجال به‪.‬‬ ‫الله عليه وسلم ويحدثهن حديثا ً خا ّ‬
‫وحين نتصفح دواوين السنة ونقرأ ما سطر فيها‪ ،‬نرى الكثير من النصوص‬
‫التي توصي بحقك ورعايتك والعناية بك‪ ،‬ولقد كان صلى الله عليه وسلم في‬
‫مجمع عظيم في حجة الوداع يجعل قضية المرأة من أهم القضايا فيقول‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬الله الله في النساء‪ ،‬اتقوا الله في النساء "‪.‬‬
‫ويجعل النبي صلى الله عليه وسلم التعامل مع المرأة معياًرا تقاس من خلله‬
‫خيرية الرجل فيقول ‪ :‬صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لهله‪ ،‬وأنا‬
‫خيركم لهلي "‪.‬‬
‫بل إن المر يتجاوز مجرد هذا التوجيه لنرى هديه صلى الله عليه وسلم في‬
‫المكانة التي يعليها المرأة‪ .‬فيحبس صلى الله عليه وسلم الجيش لماذا ؟ لن‬
‫دا لها‪ .‬فيأتي إليها أبو بكر الصديق‬ ‫زوجه عائشة رضي الله عنها قد فقدت عق ً‬
‫رضي الله عنه فينتهرها فيقول ‪ :‬حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء‪ ،‬وحين قام البعير وجدوا العقد‬
‫تحته‪ .‬فنزلت آية التيمم‪ .‬فقال أسيد بن حضير رضي الله عنه ‪ :‬ما هي بأول‬
‫بركتكم يا آل أبي بكر‪.‬‬
‫ويرتفع شأن المرأة عند النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬فتأتي أم هانئ رضي‬
‫الله عنها إلى النبي صلى الله عليه سلم فتقول‪ :‬يا رسول الله صلى الله عليه‬
‫ل رجل ً قد أجرُته‪ .‬فقال صلى الله عليه‬ ‫وسلم زعم ابن أختك أنه قات ُ‬
‫وسلم ‪":‬قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ"‪.‬‬
‫فللمرأة مكانة وقيمة يرفعها إليها النبي صلى الله عليه وسلم فتصبح كلمتها‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نافذة على المسلمين‪ ،‬وحين تجير رجل ً فتقبل إجارتها ول يسوغ لي امرئ أّيا‬
‫كان أن يغفل جوار هذه المرأة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -4‬ونتحدث إليك لنك أم المصلحين‪ ،‬والمجددين‪ .‬أقرأت سير المجاهدين‬


‫الصادقين‪ .‬وهل خفيت عليك صفحات العلماء العاملين‪ ،‬تأملي في التاريخ‬
‫وارفعي الرأس وانظري إلى سماء أمتك لتري هناك نجوما تلوح في الفق‬
‫ساهمت في صياغة تاريخ المة وصناعة مجدها‪ ،‬وخطت صفحاته البيضاء‪.‬‬
‫فليس يغيب عن ناظريك أبدا ً اسم الشافعي وعمر بن عبد العزيز وابن تيمية‬
‫ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم ممن حاز قصب التجديد وأخذ منه بنصيب‬
‫ي سير نور الدين الشهيد‪ ،‬أو صلح الدين‪ ،‬أو الغزنوي أو‬‫س ْ‬
‫وافر‪ .‬ولن تن َ‬
‫غيرهم ممن حمل روحه على كفه وسار في ميدان الوغى وشعاره ولسان‬
‫حاله يقول ‪:‬‬
‫أذا العرش إن حانت وفاتي فل تكن *** على شرجع يعلى بخضر المطارف‬
‫ولكن أحن يومي سعيدا ً بصحبة *** يمسون في فج من الرض خائف‬
‫مرجله على‬ ‫يتغنى بها صادقا من قلبه‪ ،‬وقد صفا لخوانه أهل السلم وغل ِ‬
‫أهل الوثان‪ .‬وهاهى صفحات سيرة أبى حنيفة ومالك وأحمد والعز بن عبد‬
‫السلم وغيرهم كثير ممن أراد الله بهم خيرا ففقههم في الدين فساروا‬
‫ينشرون ميراث محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقبل الجميع صحابة رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫يا فتاة كم تهزك هذه السماء هزا‪ ،‬وكم تطرب أذنك ويتشنف سمعك حين‬
‫تسمعين بها‪ .‬لكن ل تنسي أن أولئك وغيرهم كان لكل منهم أم برة صادقة‬
‫طالما دعت الله عز وجل أن يجعل ابنها قرة عين لها‪ ،‬وكان له شريكة حياة‬
‫يسكن لها ويطمئن إليها وهي تقول له كل صباح والله ل يخزيك الله أبدًا‪،‬‬
‫وتحتمل اللواء معه وتصبر وتصابر وكانت خير زاد له ومعين‪.‬‬
‫فإذا كنت أنت أم الدعاة وأم المصلحين‪ ،‬وأنت بعد ذلك الزوجة الوفية لهم‬
‫فيحق لنا يا فتاة أن نخاطبك ونخصك بالحديث‪.‬‬
‫من أخاطب ؟‬
‫يافتاة ‪ -:‬من أخاطب في هذه الرسالة ؟ ولمن أتحدث ؟‬
‫إنى أخاطب الفتاة الحصان الرزان‪ ،‬الطاهرة العفيفة‪ .‬فتاة ولدت من أبوين‬
‫فاضلين‪ ،‬وعاشت في بيت محافظ تستيقظ وتنام وتغدو وتروح وهي تسمع‬
‫الدعاء لها بالستر والعافية‪ .‬ولكنها مع فتن العصر وصوارفه‪ ،‬ومع الغربة‬
‫الحالكة بدأت تنظر ذات اليمين والشمال‪ ،‬وتلتفت إلى الوراء‪ ،‬فترفع سماعة‬
‫الهاتف لتخاطب شاّبا لم تعرفه إل من كلمه‪ ،‬وتسهر أحيانا على فلم ينسخ‬
‫من ذاكرتها كل صور البراءة والعفة لتتراءى أمام ناظريها مظاهر السفور‬
‫والعلقة المحرمة‪.‬‬
‫فتعيش في دوامة من الصراع‪ ،‬فتسمع تارة هذا الصوت النشاز‪ ،‬الذي يدعوها‬
‫إلى الرتكاس في الحمأة والتخلي عن كل معاني العفة‪ .‬وتسمع أخرى‬
‫الصوت الصادق يهزها من داخلها هّزا عنيفا ً ليقول لها رويدك فهو طريق‬
‫الغواية وبوابة الهلك‪ ،‬وتتصارع هذا الصوات أمام سمعها وتتموج هذه الفكار‬
‫في خاطرها‪.‬‬
‫إنها تؤمن بالله واليوم الخر حق اليمان‪ ،‬وتعرف الجنة والنار‪ ،‬وتؤمن بالحلل‬
‫والحرام‪ ،‬ولكن الصراع مع الشهوة قد رجح لغير كفتها‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومع ذلك كله فقد رزقت أبا ً غافل قد شغل بتجارته وعلقته مع أصدقائه‬
‫ما بعيدة عنها كل البعد ل يعنيها شأنها ولتشغلها قضيتها‪ ،‬ولم تعتد‬
‫وزملئه‪ ،‬وأ ّ‬
‫أن تتلقى منهم البتسامة الصادقة والكلمة الوادة‪ ،‬ولم تر منهم القلب‬
‫الحنون‪ ،‬ولم تر منهم من يفتح ذراعيه لها‪ ،‬وحينئذ وجدت بغيتها وضالتها في‬
‫صاحبتها صاحبة السوء التي تلقاها في المدرسة‪ ،‬وربما كانت الضالة في‬
‫شاب تائه غاو ضال يغويها بمعسول الكلم‪.‬‬
‫دري‬‫يا فتاة ‪ -:‬إن كنت كذلك فما أجدرك أن نخاطبك‪ ،‬وما أجدرك أن تق ّ‬
‫ل‪ ،‬وإن كان‬ ‫كمي عقلك‪ ،‬فإن سمعت خيرا فحيه ً‬ ‫ي لصوتي وح ّ‬ ‫موقفي‪ ،‬فاصغَ ْ‬
‫ت من أهل الصلح والستقامة فاسمعي‬ ‫غير ذلك فأنت وما تريدين‪ .‬أما إن كن ِ‬
‫ما أقول وكوني رسولة خير‪ ،‬وترجمان صدق لمن وراءك وأسهمي معنا في‬
‫إبلغ هذا الصوت الذي أصبح نشازا قد اختفي تحت ركام الصوات الهائلة‬
‫التي تدعو الفتاة إلى الغواية والضلل والنحراف‪ ،‬والتي صارت تتاجر بقضية‬
‫المرأة وحيائها وعفتها‪ ،‬بل صارت تتاجر بحياة المة وعفتها وعفافها‪ .‬لقد‬
‫اختفت الصوات الناصحة الصادقة‪ ،‬وبقيت حبيسة تحت هذا الركام من آلف‬
‫المجلت الوافدة والمسلسلت الساقطة‪ ،‬والصوات التي تعلو هنا وهناك‪،‬‬
‫والتي تدعو الفتاة والشباب جميعا ً إلى هذا الطريق وتقول لهم بلسان الحال‬
‫والمقال هيت لكم‪.‬‬
‫يا فتاة ‪ -:‬لست أتحدث من فراغ‪ ،‬ول أبني قصورا في الرمال بل أتحدث عن‬
‫واقع رأيته ولمسته‪ ،‬وحدثني عنه الثقات‪ .‬فقد قرأت بعيني رسالة عتاب على‬
‫جفاء صديق لم يستقبلها بالحضان‪ ،‬واعتذر عن مبادلة القبلت فعاشت‬
‫جحيما ً ل يطاق لتك َد ّرِ خاطر من كان ل يزول عنها الهم إل بسماع صوته‪.‬‬
‫نعم قرأت تلك الرسالة التي سطَرْتها أناملها لصديق السوء‪ .‬والرسالة‬
‫الخرى التي كانت من شاب لم يدرك قيمة عمله ومهنته وما استؤمن عليه‬
‫فسطر رسالة غرام مكتوبة باللة الكاتبة‪ ،‬وعلى ورق رسمي ليرسلها إلى‬
‫صديقته‪ .‬وسمعت الرواية بسند متصل رجاله ثقات عن مكالمة هاتفية تفيض‬
‫عاطفة وقد عل نشيج الفتاة بالبكاء وهى تسمع التهديد بالقطيعة واختيار‬
‫البديل فصاحبها يعرف عشرين فتاة غيرها سيختار أوفاهن له‪ ،‬وما أبعده عن‬
‫الوفاء !!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنها صور كثيرة يا فتاة‪ ،‬ل أظن أني ‪ -‬مهما بلغت من الحاطة‪ ،‬وحفظت من‬
‫النماذج ‪ -‬أحيط بما لم تحيطين به‪ ،‬أو أدرك مال تدركين‪.‬‬
‫معذرة على المصارحة‬
‫يا فتاة ‪ -:‬إن مبدأ المبالغة‪ ،‬واتهام الناس أن عهودهم قد مرجت‪ ،‬ووصم‬
‫الفتيات أن عفافهن قد اندرس‪ .‬إن هذا المبدأ مرفوض جملة وتفصيل‪ ،‬فل‬
‫يزال في الناس بقايا من خير‪ .‬وإن الحديث عن أخطاء شخصية وفضائح‬
‫لفلنة أو فلن هو خرق لسياج العفة في المجتمع وإشاعة للفاحشة‪.‬‬
‫ولكن في مقابل ذلك ل يسوغ أن نتغافل ونتعامى بحجة أن المجتمع بخير‪،‬‬
‫وأننا أفضل من غيرنا إذ أن هذه اللغة قد ولى وقتها إلى غير عودة‪.‬‬
‫يا فتاة ‪ -:‬فلنكن صرحاء صراحة منضبطة بضوابط الشرع‪ ،‬وواضحين وضوحا‬
‫محاطا بسياج الحياء والعفة‪ ،‬لتكون خطوة للتصحيح ونقله للصلح‪.‬‬
‫وهاهنا لن أتحدث عن السباب وتحليل الظاهرة إنما هي دعوة عاجلة‬
‫للمراجعة‪ ،‬وإعادة الحساب‪ .‬إن غاية ما أريد أن أقوله في هذا المجلس هي‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدعوة هي دعوة أرفع بها صوتي لكل فتاة تؤمن بالله واليوم الخر أن تعود‬
‫إلى طريق الستقامة والصلح‪ ،‬وأن تسلك الطريق التي خلقها الله عز وجل‬
‫ما للجيال‪.‬‬‫من أجله واختارها سبحانه وتعالى لتكون سائرة عليه‪ ،‬ولتكون أ ّ‬
‫م فلن نفيض في‬ ‫هذا هو ما نريد أن نصل إليه من خلل هذا الحديث‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫عجلى نضم‬ ‫الحديث عن السباب ومظاهر النحراف والخلل ؛ إنما هي إلمامة ُ‬
‫بعد ذلك صوتنا فيها إلى أصوات الناصحين والمنادين بضرورة العودة إلى‬
‫الطريق وتصحيح المسار‪.‬‬
‫ك؟‬ ‫ماذا يريدون من ِ‬
‫ت صوته عبر‬ ‫يا فتاة ‪ -:‬لقد رأيتيه في السوق‪ ،‬وعند بوابة المدرسة‪ ،‬وسمع ِ‬
‫ت معه وسمعت اللفاظ المعسولة والكلمات التي‬ ‫جهاز الهاتف وربما التقي ِ‬
‫تسيل رقة وعاطفة‪ ،‬مصحوبة باليمان المغلظة على صدق المحبة وعمق‬
‫ك تفيض بمعاني العشق والغرام‪.‬‬ ‫المودة‪ ،‬وقد تكون يده قد خطت رسالة ل ِ‬
‫وربما دار في خاطرك أن هذا زوج المستقبل‪.‬‬
‫يا فتاة ‪ -:‬بعيدا عن العاطفة‪ ،‬وعن سرابها الخادع‪ ،‬كوني منطقية مع نفسك‬
‫واطرحي هذا السؤال‪ ،‬ماذا يريد ؟ ما الذي يدفعه لهذه العلقة ؟ إن الصراحة‬
‫خير من دفع الثمن الباهظ في المستقبل ماذا يقول لزملئه حين يلتقي بهم ؟‬
‫وبأي لغة يتحدث عنك ؟‬
‫إننى أجزم يا فتاة أنك حين ُتزيحين وهم العاطفة عن تفكيرك فستقولين‬
‫وبملء‪ ،‬صوتك إن مراده هى الشهوة والشهوة الحرام ليس إل‪.‬‬
‫يا فتاة ‪ -:‬أل تخشين الخيانة ؟ أُترين هذا أهل للثقة ؟ شاب خاطر لجل بناء‬
‫علقة محرمة‪ ،‬شاب ل يحميه دين أو خلق أو وفاء‪ ،‬شاب ل يدفعه إل الشهوة‬
‫أول وآخرا ً أتأمنينه على نفسك بعد ذلك؟‬
‫لقد خان ربه‪ ،‬ودينه‪ ،‬وأمته ولن تكوني أنت أعز ما لديه‪ ،‬وما أسرع ما يحقق‬
‫مقصوده لتبقي ل سمح الله صريعة السى والحزن والندم ‪.‬‬
‫ليتني لم أتخذ فلنا خليل‬
‫يا فتاة ‪ -:‬هبي أنك قد بنيت علقة مع فلن من الناس‪ ،‬وزادت المودة‪ ،‬وقويت‬
‫فّيا تبثينه الشجان‪ ،‬وتأسين لفراقه‪ ،‬وتحزنين‬‫ص ِ‬
‫العلقة حتى صار خليل و َ‬
‫لوداعه ولكن ألم تحدثي نفسك يوما من اليام بالمستقبل‪.‬‬
‫ً‬
‫ألم تسمعي أن هناك من ندمت أشد الندم‪ ،‬وتمنت أنها لم تعرف فلنا‪ ،‬ولم‬
‫يمر طيفه بخيالها ؟‪ .‬وإن لم تكن ندمت في الدنيا فقد تقول يوم القيامة‬
‫))ليتني لم أتخذ فلنا ً خليل ً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان‬
‫للنسان خذو ً‬
‫ل((‪.‬‬
‫لماذا إهدار العاطفة ؟‬
‫يا فتاة ‪ -:‬إن الله حكيم عليم ما خلق شيئا إل لحكمة‪ ،‬ول قضى قضاء إل وفيه‬
‫الخير‪ .‬علم ابن آدم أو جهل‪.‬‬
‫لقد شاء الله بحكمته أن تكون المرأة ذات عاطفة جياشة تتجاوب مع ما‬
‫يثيرها لتتفجر رصيدا هائل ً من المشاعر التي تصنع سلوكها أو توجهه‪ .‬وحين‬
‫تصاب الفتاة بالتعلق بفلن من الناس قرب أو بعد فأيّ هيام سيبلغ بها‪ .‬فتاة‬
‫تعشق رجل فتقبل شاشة التلفاز حين ترى صورته‪ ،‬أو أخرى تعشق حديثه‬
‫وصوته فتنتظره على أحر من الجمر لتشنف سمعها بأحاديثه‪ .‬وحين تغيب عن‬
‫ناظرها صورته‪ ،‬أو تفقد أذنها صوته يرتفع مؤشر القلق لديها‪ ،‬ويتعالى‬
‫انزعاجها فقد غدا هو البلسم الشافي‪.‬‬
‫يا فتاة ‪ -:‬بعيدا عن تحريم ذلك وعما فيه من مخالفة شرعية‪ ،‬ماذا بقي في‬
‫قلب هذه الفتاة من حب لله ورسوله‪ ،‬وحب للصالحين بحب الله؟ ماذا بقي‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لتلوة كلم الله والتلذذ به؟ أين تلك التي تنتظر موعد المكالمة على أحر من‬
‫الجمر في وقت النزول اللهي حين يبقى ثلث الليل الخير عن الطراح بين‬
‫يدي الله والتلذذ بمناجاته؟‬
‫بل وأينها عن مصالح دنياها‪ ،‬فهي على أتم الستعداد لن تتخلف عن الدراسة‬
‫من أجل اللقاء به‪ ،‬وأن تهمل شؤون منزلها من أجله‪.‬‬
‫بل وما بالها تعيش هذا الجحيم والسى فيبقى قلبها نهبا ً للعواطف المتناقضة‬
‫والمشاعر المتضاربة‪.‬‬
‫فما في الرض أشقى من محب *** وإن وجد الهوى حلو المذاق‬
‫تراه باكيا في كل حال *** مخافة فرقة أو لشتياق‬
‫فيبكي إن نأوا شوقا إليهم *** ويبكي إن دنوا حذر الفراق‬
‫إن هذا الركام الهائل من العواطف المهدرة ليتدفق فيغرق كل مشاعر الخير‬
‫والحب والوفاء للوالدين الذين لم يعد لهما في القلب مكانة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ويقضى على كل مشاعر الحب والعاطفة لشريك العمر الزوج الذي تسكن‬
‫إليه ويسكن إليها‪.‬‬
‫وبعد حين ترزق أبناء تتطلع لبرهم فلن تجد رصيدا من العواطف تصرفه لهم‬
‫فينشأون نشأة شاذة ويتربون تربية نشازا‪.‬‬
‫يا فتاة ‪ -:‬العاقل حين يملك المال فإنه يكون رشيدا في التصرف فيه حتى ل‬
‫يفقده حين يحتاجه‪ .‬فما بالك تهدرين هذه العواطف والمشاعر فتصرفيها في‬
‫غير مصرفها وهى ل تقارن بالمال‪ ،‬ول تقاس بالدنيا؟‬
‫يا فتاة ‪ :‬لقد خصك الله سبحانه وتعالى بهذه العاطفة والحنان وهذه الرقة‬
‫وهذا التجاوب مع هذه المشاعر لحكمة يريدها سبحانه وتعالى ؛ ليبقى هذا‬
‫رصيدا يمد الحياة الزوجية بعد ذلك بماء الحياة والستقرار والطمأنينة رصيدا ً‬
‫يدر على البناء والولد الصالحين حتى ينشأوا نشأة صالحة‪ ،‬فما بالك تهدرين‬
‫هذه العواطف لتجني أنت وحدك الشقاء في الدنيا؟ فتارة تشتاقين إلى‬
‫اللقاء‪ ،‬وأخرى تبكين خوف الفراق والسى‪ ،‬وأخيرا تضعين يدك على قلبك‬
‫خوف النهاية والفضيحة‪ ،‬خوف هذه النهاية المؤلمة‪ ،‬التي أهدرت عواطفك‬
‫وأهدرت أعز ما تملكين من أجل أن تصلي إليها ‪.‬‬
‫ألهذا الحد ترخص المرأة ؟‬
‫يا فتاة ‪ -:‬مظهر ل أشك أنك ترفضينه غاية الرفض‪ ،‬وتمقتينه غاية المقت‪ ،‬إنه‬
‫يمثل إهدارا لشخصيتك وإهانة لمقومات أنوثتك‪ ،‬إنه تحويل للمرأة التي كرمها‬
‫الله سبحانه وتعالى وجعل لها حقا ومنزلة وأوصى ببرها وحسن صحابتها‬
‫وربط ذلك برضاه سبحانه‪ ،‬وقرن عقوقها بالشرك به وعده من أكبر الكبائر‪.‬‬
‫أي إهدار رخيص لقيمة المرأة أن ُتجعل وسيلة للدعاية والعلن لترويج السلع‬
‫والمنتجات‪ .‬فهل تصل قيمة الفتاة عند هؤلء أن توضع صورتها على علبة‬
‫للصابون أو المناديل؟ وما معنى أن تزين أغلفة المجلت بصورة فتاة جميلة‪،‬‬
‫أليس هذا وسيلة للغراء والثارة ولترويج المطبوعة ؟! أل تشعرين يا فتاة أن‬
‫في هذا إهانة وتحويل ً لك إلى مصدر للثراء ولجمع المال أّيا كان مصدره‪.‬‬
‫لقد بدأت حتى أفجر الممثلت في الغرب يشعرن بسقوط المرأة أمام قدمي‬
‫الرجل ونفسيته الجشعة فقد نشرت إحدى الصحف أن ممثلة فرنسية بينما‬
‫كانت تمثل مشهدا عاريا ً أمام الكاميرا ثارت ثورة عارمة وصاحت في وجه‬
‫الممثل والمخرج قائلة‪ :‬أيها الكلب‪ ،‬أنتم الرجال ل تريدون منا نحن النساء إل‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أجسادنا؛ حتى تصبحوا من أصحاب المليين على حسابنا ثم انفجرت باكية‪.‬‬


‫لقد استيقظت فطرة هذه المرأة في لحظة واحدة على الرغم من الحياة‬
‫الفاسدة التي تغرق فيها‪ ،‬استيقظت لتقدم الدليل القاطع على عمق المأساة‬
‫التي تعيشها المرأة التي قالوا عنها إنها متقدمة‪.‬‬
‫قارني بين صورتين‬
‫خر وقته‬‫الصورة الولى ‪ -:‬شاب مستقيم محافظ على طاعة موله‪ ،‬قد س ّ‬
‫وجهده لعبادة ربه‪ ،‬وأفنى شبابه لطاعته‪ .‬والثاني شاب تائه زائغ تقيمه شهوته‬
‫وتقعده‪ .‬الول تعرض له الفتنة‪ ،‬وتبدو أمام ناظريه مظاهر الغراء والثارة‬
‫فيعرض عنها‪ ،‬ويغض بصره‪ ،‬بل وينأى عن مواقعها‪ ،‬إنه كالخرين لديه شهوة‬
‫ولديه العواطف لكنه يشعر أنها مأسورة بإطار الشرع ومحاطة بسياجه‪.‬‬
‫تحادثه الفتاة وتنبري أمامه وتسعى ليقاعه‪ ،‬لكن لسان حاله يقول ))معاذ‬
‫الله إنه ربي أحسن مثواي((‪.‬‬
‫والثاني ينهار أمام شهوته ورغبته؛ فيقضي سحابة نهاره في التسكع في‬
‫السواق وأمام التجمعات النسائية‪ ،‬في قراءة مجلة داعرة‪ ،‬أو البحث عن‬
‫صورة فاتنة‪ .‬ويمضي ليلة عند سماعه الهاتف أو مقابل فيلم ساقط ومشهد‬
‫داعر‪.‬‬
‫يا فتاة ‪ :‬كوني واقعية‪ ،‬ومنطقية واحكمي بعيدا ً عن العاطفة‪ ،‬أيهما أكثر‬
‫رجولة؟ ومن أحق بالثناء والعجاب‪ ،‬الشاب الذي ينتصر على شهوته‬
‫ويستعلي على رغبته استجابة لمرضاة الله؟ أم الشاب الذي ينهار أمام داعي‬
‫الشهوة ويسعى لتحقيقها على أشلء كل خلق وفضيلة؟‬
‫من أولى بالقدوة‬
‫يا فتاة ‪ :‬لكل أمة تاريخ تفخر به‪ ،‬ولكل امرئ مجد ينافح عنه ويتطلع إليه‪،‬‬
‫وتتحكم ثقافة المرء وخلفيته الفكرية في اختيار المحتوى التاريخي الذي‬
‫يفتخر به وينتمي إليه‪ .‬فهناك من غاية التراث لديه موروثات قديمة‪ ،‬ومقتنيات‬
‫الباء والجداد من الدوات و الواني و الثاث‪ .‬وهناك من يشعر أن المنهج‪،‬‬
‫والفكر‪ ،‬والمبدأ أثمن من هذا كله‪ ،‬فيعتبر أن هذا هو تراثه الحقيقي‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫يا فتاة ‪ :‬حين نطبق هذه القاعدة على الفتيات فسنجد الصورة نفسها‪ ،‬فمنهن‬
‫من ل تذكر من التاريخ إل روايات جدتها وحكاياتها قبل النوم‪ ،‬وهناك من ترى‬
‫التراث في إناء وموروثات قديمة‪ ،‬ومنهن من تمتد في التاريخ امتدادا ً أفقّيا‬
‫مع الجيل الحاضر والمم المعاصرة؛ فترى قدوتها في عارضة أزياء كافرة‪ ،‬أو‬
‫ممثلة فاجرة‪ ،‬أو مغنية ساقطة‪ .‬ومنهن من تمتد امتدادا ً رأسّيا لترى قدوتها‬
‫في أم عمارة نسيبة بنت كعب‪ ،‬أو ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر‪ ،‬أو في‬
‫اللواتي أثنى عليهن الله ))إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت‬
‫ويطهركم تطهيرًا(( وقال تعالى ‪)):‬قانتات تائبات عابدات سائحات((‪ .‬ويتجاوز‬
‫هذا المدى ليدرج ضمن هذه القائمة امرأة فرعون ‪)):‬إذ قالت رب ابن لي‬
‫عندك بيتا ً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين((‪.‬‬
‫يا فتاة ‪ :‬أدعوك مرة أخرى لتحكمي وبمنطق العقل والموضوعية ؛ من أولى‬
‫بالقدوة ؟ ومن الحق بالسوة ؟‪.‬‬
‫يا فتاة ‪ :‬لو وضع لك الخيار أن تكوني كإحدى الطائفتين فأين أراك تختارين؟‬
‫حزب عائشة وزينب وأسماء وآسية‪ .‬أم حزب عارضات الزياء والممثلت؟‬
‫يا فتاة ‪ :‬حين يهديك عقلك الراشد إلى اختيار أحد الحزبين‪ ،‬وخير الطائفتين‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فسوف تسعين حتما ً للقتداء بمن تختارين‪ ،‬والسير في ركابه‪ ،‬وإن لم تصلي‬
‫النهاية التي وصلن إليها‪ ،‬إل أنك في الطريق‪.‬‬
‫واليك النهاية التي تصل إليها هذه الساقطات‪:‬‬
‫إحدى الممثلت الساقطات‪ .‬الممثلة الراحلة كما يقال مارلين منرو نالت‬
‫المال الذي تستطيع أن تحصل به على كل شيء‪ ،‬والشهرة التي جعلت‬
‫اسمها وصورتها تمل صحف العالم‪ ،‬والجمال الذي يشد أنظار الرجال إليها‬
‫ويجذبهم نحوها‪ ،‬لقد وجد المحقق الذي درس قضية انتحار هذه الممثلة‬
‫الشهيرة رسالة محفوظة في صندوق المانات في بنك منهاتن في نيويورك‪،‬‬
‫فتح المحقق الرسالة وجدها مكتوبة بخط مارلين منرو نفسها وهي موجهة‬
‫إلى فتاة تطلب نصيحة مارلين عن الطريق إلى التمثيل فتقول في رسالتها‬
‫إليها ‪ :‬احذري المجد ‪ ،‬احذري كل من يخدعك بالضواء ‪ ،‬إنني أتعس امرأة‬
‫ما‪ .‬إني امرأة افضل البيت ‪ ،‬أفضل‬ ‫على هذه الرض لم أستطع أن أكون أ ّ‬
‫الحياة العائلية على كل شيء‪ ،‬إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية‬
‫الشريفة الطاهرة بل إن هذه الحياة لهي رمز سعادة المرأة بل النسانية‬
‫‪.‬انتهى كلمها‪.‬‬
‫وصرح بعض النقاد بأن الجاني هو كل فرد في المجتمع الغربي‪ .‬قال أحدهم‬
‫في إيطاليا إنها لم تنتحر نحن الذين قتلناها نحن الذين نشاهد الفلم ونقرأ‬
‫المجلت‪ ،‬بل اعتبرها أديب آخر إنسانة لم تطق استمرار العيش في قاذورات‬
‫تلك الحضارة‪ ،‬ولم تجد مفرا من موتها اليومي إل بالموت النهائي‪.‬‬
‫نعم لقد وجدت هذه الممثلة في النتحار خلصا من شقائها وتحررا من واقعها‬
‫ونجاة من مستغليها والمثرين على حساب أنوثتها‪ .‬قارني بين هذه الصورة‬
‫وبين صورة تلك المرأة التي تقول ‪:‬‬
‫) رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من‬
‫القوم الظالمين (‪.‬‬
‫ألم تدخلي المصلى؟‬
‫يا فتاة ‪ :‬ألم تنقلك قدميك إلى المصلى ؟ تفضلي علينا بدقائق من وقتك‬
‫وادلفي خطوات إلى مصلى الكلية‪ ،‬إلى حيث يجتمع ثلة من الصالحات‬
‫القانتات‪ ،‬وألقي عليهن نظرة عاجلة فإحداهن تقرأ القرآن‪ ،‬والثانية تصلي‬
‫الضحى‪ ،‬والثالثة في مجلس علم وذكر‪ .‬في حين يتحلق غيرهن على موائد‬
‫اللحوم البشرية‪ .‬واحتفظي بهذه الصورة في الذاكرة‪.‬‬
‫وحين تعودين إلى المنزل وتستلقين على الفراش تفضلي على نفسك‬
‫بدقائق فاسترجعي تلك الصورة‪ ،‬وقارني بينها وبين فتاة تقف عند بوابة‬
‫المدرسة‪ ،‬أو أمام محل تجاري وهي تسارع خطاها‪ ،‬وأنظارها في كل اتجاه‬
‫هل جاء صاحبها أم ل؟ ثم هل يراكم من أحد؟ أو بين تلك التي تتصفح مجلة‬
‫ساقطة‪ ،‬أو تحملق أمام الشاشة أو تمسك بسماعة الهاتف‪.‬‬
‫بالله عليك أيهما أهنأ عيشًا‪ ،‬وأكثر استقرارًا؟ أيهما أولى بصفات المدح‬
‫والثناء‪ ،‬تلك التي تنتصر على نفسها ورغبتها‪ ،‬وتستعلي على شهواتها‪ ،‬وهي‬
‫تعاني من الفراغ كما تعانين‪ ،‬وتشكو من تأجج الشهوة كما تشتكين‪ .‬أم‬
‫الخرى التي تنهار أمام شهوتها؟‬
‫يا فتاة ‪ :‬تساؤل يطرح نفسه ويفرضه الواقع ‪ :‬لماذا هذه الفتاة تنجح ول أنجح‬
‫أنا ؟ لماذا تجتاز هذه العقبات وأنهزم أمامها ؟‪.‬‬
‫أليس هذا أكبر دليل ودافع لك أنك أنت قادرة على أن تسيري في ركاب‬
‫التائبات القانتات العابدات الصالحات؟ أنك قادرة على أن تودعي حياة الغفلة‬
‫والعراض؟ وهاأنت ترين نموذج القدوة أمامك‪ ،‬بعيدا عن أن نفتش لك‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صفحات التاريخ‪ ،‬أو أن نطلب منك العودة بالذاكرة إلى الوراء‪ .‬وها هي صورة‬
‫شاخصة أمام عينيك ترينها كل صباح في المدرسة ترينها كل مساء في‬
‫مناسبات عائلية أو مناسبة أفراح‪ ،‬ترين هذه الصورة وأجزم أنك وأنت‬
‫تواجهينها بسخرية لذعة والكلمة الجارحة أنك تقولين من الداخل كلما آخر‬
‫غير هذا كله‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فلماذا ل تكونين صريحة ؟ وتعلني هذا الكلم الذي بداخلك؟ لماذا ل تفكرين‬
‫مرة أخرى بمنطق العقل كيف تستطيع هذه الفتاة السير في هذا الطريق ول‬
‫أستطيع أنا؟‬
‫إن كل ما تطرحين من عائق‪ ،‬أو تتوهمين من عقبة‪ ،‬أو تفتعلين من حاجز‬
‫دون طريق الستقامة والصلح‪ .‬إن هذا كله موجود لدى هذا الصنف من‬
‫الفتيات‪ ،‬وربما كان أكثر‪.‬‬
‫قبل أن تذبل الزهرة‬
‫يافتاة ‪ :‬هاأنت تتطلعين في المرآة فترين صورة وجه وضيء يتدفق حيوية‬
‫وشبابًا‪ ،‬هاأنت تغدين وتروحين وأنت تتمتعين بوافر الصحة وقوة الشباب‪.‬‬
‫ولكن ألم تزوري جدتك يومًا‪ ،‬أو تري عجوزا ً قد رق عظمها‪ ،‬وخارت قواها‪،‬‬
‫لقد كانت يوما ً من الدهر شابة مثلك‪ ،‬وزهرة كزهرتك‪ ،‬ولكن سرعان ما‬
‫مضت السنون وانقضت اليام فاندفنت زهرة الشباب تحت ركام الشيخوخة‪،‬‬
‫ومضت أيام الصبوة لتبقى صورة منقوشة في الذاكرة؟ وهاأنت يا فتاة على‬
‫الطريق‪ ،‬وما ترينه من صورة شاحبة وشيخوخة ستصيرين إليها بعد سنيات‪.‬‬
‫إذا ً فكيف تهدرين وقت الشباب وزهرته‪ ،‬وتضيعين الحيوية فيما ل يعود عليك‬
‫إل بالندم وسوء العاقبة؟‬
‫يا فتاة لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬سبعة يظلهم الله في ظله يوم‬
‫ل ظل إل ظله وذكر منهم صلى الله عليه وسلم شابا ً نشأ في طاعة الله عز‬
‫من يظل الله في ظله يوم ل‬ ‫وجل والخطاب للرجال تدخل فيه النساء‪ ،‬إذا فم ّ‬
‫ظل إل ظله شاب نشأ في طاعة الله‪ ،‬أو فتاة نشأت في طاعة الله عز‬
‫وجل‪ ،‬ومتى هذا الوعد ؟ ومتى هذا النعيم ؟ إنه في يوم تدنو الشمس فيه‬
‫من الخلئق حتى تكون منهم على قدر ميل‪ ،‬فيعرقون ويذهب عرقهم في‬
‫الرض سبعون ذراعا؛ فيرتفع عرقهم في الرض‪ ،‬فمنهم من يبلغ إلى كعبيه‪،‬‬
‫ومنهم إلى ركبتيه‪ ،‬ومنهم إلى حقويه‪ ،‬ومنهم من يلجمه العرق إلجاما‪ ..‬فهل‬
‫فكرت أيتها الفتاة أن تكوني من اللواتي في عرش الرحمن يوم ل ظل إل‬
‫ظله؟‬
‫ما للفتاة والرياضة ؟‬
‫يا فتاة ‪ :‬هل صحيح ما سمعنا عنك‪ ،‬أنك قد ل تحضرين للدراسة حين يكون‬
‫هناك مباراة هامة‪ ،‬وأحيانا ً تستأذنين من المحاضرة لتتصلي بالهاتف فتسألي‬
‫عن أخبار المباراة ومن الفريق المنتصر؟ وأنك تعجبين بلعب أو رياضي‬
‫جم إلى تصرفات شاذة‪ ،‬ومسالك‬ ‫ماهر‪ ،‬فيزيد حد العجاب عن المعقول‪ ،‬لي ُت َْر َ‬
‫غير منضبطة‪.‬‬
‫ً‬
‫يا فتاة ‪ :‬اللهو المباح المنضبط من حق كل إنسان رجل كان أو امرأة لكن هل‬
‫العناية بالرياضة تليق بأنوثة المرأة وطبيعتها ؟! أم أنها نشاز وشذوذ عما‬
‫فطرها الله عليه‪.‬‬
‫فهل يليق بمربية الجيال‪ ،‬وأم الدعاة‪ ،‬ومنجبة القادة أن تكون هذه نهاية‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اهتماماتها وغاية طموحاتها ؟‪.‬‬


‫يا فتاة ‪ :‬فاز الفريق وانتصر وحصل على كذا وكذا من النقاط وكذا وكذا من‬
‫الهداف فماذا حصل ؟ وأي ثمرة جنتها المة وحققتها وراء ذلك؟ وماذا‬
‫ستحصل عليه الفتاة حين تشغل نفسها بذلك إل إهدار الوقت‪ ،‬والتلعب‬
‫بالمشاعر والعواطف‪ ،‬ومخالفة طبيعة النوثة والمومة؟‬
‫العذراء في خدرها‬
‫يا فتاة ‪ :‬يمتدح الرجال بالنخوة والشجاعة والكرم‪ ،‬وأما المرأة فتمدح بالحياء‬
‫وحين يوصف الرجل بالحياء يشبه بالعذراء‪ ..‬ولهذا كان صلى الله أشد حياًء‬
‫من العذراء في خدرها‪ ،‬أتظنين يا فتاة أنك حين تطيلين اللسان وترفعين‬
‫اللهجة‪ ،‬وحين تزيلين عنك غشاوات الحياء أتظنين أنك تبلغين مبلغا ً عاليا ً‬
‫ساميا ً أم أنك تضحين بشيء من أغلى ما تمدحين وتوصفين به؟‬
‫ل مجال للمخاطرة‬
‫قد يقود الفراغ ‪ -‬وربما الفضول ‪ -‬الفتاة لمكالمة هاتفية خاطفة تكون بداية‬
‫مأساة لهذه الفتاة‪-:‬‬
‫‪ –1‬فإما أن ‪ :‬يعرف ذلك أحد الوالدين‪.‬‬
‫‪ -2‬أو أن يتم اللقاء والفضيحة وتدمير المستقبل‪.‬‬
‫في مجلة مرآة المة الصادرة بتاريخ ‪22/7/1987‬م نقرأ هذه المأساة " أنا‬
‫فتاة أبلغ من العمر التاسعة عشرة‪ ،‬في السنة الولى في الجامعة اعتدت أن‬
‫أراه في ذهابي وعند عودتي من الجامعة‪ ،‬في كل مرة يبادلني التحية‪،‬‬
‫وتصادف أن التقينا في مكان عام‪ ،‬وشعرت معه بمعنى الحياة‪ ،‬تعاهدنا على‬
‫الزواج‪ ،‬ثم تقدم لخطبتي‪ ،‬وعشت أياما ً سعيدة‪.‬‬
‫وفي ذات يوم حدث بيني وبينه لقاء فقدت فيه عذيرتي ووعدني أن يسرع‬
‫بالزواج ‪ ،‬وبعد عدة شهور من لقائنا اختفي من حياتي وأرسل والدته لتنهي‬
‫الخطوبة‪ ،‬ولتنهي معها حياتي كلها‪ ،‬فالحزن ل يفارق عيني أعيش في سجن‬
‫مظلم مليء بالحسرة واللوعة والسى‪ ،‬ول تقولي لي إن اليام كفيلة بأن‬
‫تداويني بنعمة النسيان‪ .‬فكيف أنسى ما أصابني من الذي أعطيته كل شيء‪،‬‬
‫وجعلني ل أساوي شيئا ً " إنها النهاية التي قد تصل إليها من تسلك هذا‬
‫المسلك؟‬
‫صور من حياة المرأة في الغرب‬
‫يا فتاة ‪ :‬لقد قص الله عز وجل علينا قصص المم الكافرة والمم الغابرة‬
‫لنتعظ ولتكون عبرة لنا‪ .‬والن لنقف مع صور من حياة المرأة في عالم‬
‫الغرب‪ ،‬الصورة المقابلة للمجتمع المحافظ‪ ،‬وهي النهاية لي طريق يدعو إلى‬
‫رمي عفة الفتاة وحيائها‪ ،‬وهي صور سيئة ساقطة يطول الحديث عنها‪ ،‬ولكننا‬
‫هاهنا نتحدث بإيجاز عن جوانب في تلك الصورة لتعرف الفتاة ما هو الطريق‬
‫الذي يراد بها أن تساق إليه‪:‬‬
‫‪<p‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬هكذا تهان المرأة ‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫في دراسة أمريكية أجريت في عام ‪1407‬هـ‪ ،‬أشارت إلى أن ‪ %79‬من‬


‫الرجال يقومون بضرب النساء‪ ،‬وبخاصة إذا كانوا متزوجين منهن‪.‬‬
‫وفي دراسةٍ فحص فيها ‪ 1360‬سجل ّ للنساء في المستشفيات‪ ،‬تقول إن‬
‫عا للجروح التي تصاب‬
‫ضرب النساء في أمريكا ربما كان أكثر السباب شيو ً‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بها النساء‪ ،‬وأنها تفوق حتى ما يلحق بهن من أذى نتيجة حوادث السيارات‬
‫والسرقة والغتصاب مجتمعة‪.‬‬
‫وفي فرنسا تتعرض حوالي مليون امرأة للضرب‪ ،‬وأمام هذه الظاهرة التي‬
‫تقول الشرطة أنها تمثل حوالي ‪ %10‬من العائلت الفرنسية‪ ،‬أعلنت‬
‫الحكومة أنها ستبدأ حملة توعية لمنع أن تبدو أعمال العنف هذه كأنها ظاهرة‬
‫طبيعية‪ .‬وقالت أمينة سر الدولة لحقوق المرأة‪ :‬إن الحيوانات تعامل أحياًنا‬
‫أحسن منهن‪ ،‬فلو أن رجل ً ضرب كلًبا في الشارع فسيتقدم شخص ما‬
‫ل زوجته في‬ ‫بالشكوى إلى جمعية الرفق بالحيوان‪ .‬ولكن إذا ضرب رج ٌ‬
‫الشارع فلن يتحرك أحد‪ .‬ونقلت صحيفة ‪ FRANSAR‬عن الشرطة أن ‪%60‬‬
‫من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة الخدمة في باريس أثناء الليل هي‬
‫نداءات استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن‪.‬‬
‫وقد وضع في تصرف الرجال سريعي الغضب خط هاتفي على مدى ‪24‬‬
‫ساعة‪ ،‬يتصل به الزوج ليفرغ غضبه إلى طرف آخر لعله يغنيه عن ضرب‬
‫زوجته‪ .‬ونشرت مجلة ‪ TIMES‬المريكية أن حوالي ‪ 4000‬زوجة من حوالي ‪6‬‬
‫مليين زوجة مضروبة‪ ،‬تنتهي حياتهن نتيجة ذلك الضرب‪ .‬وأشار خبر نشره‬
‫مكتب التحقيقات الفيدرالية جاء فيه أن ‪ %40‬من حوادث قتل السيدات‬
‫ارتكبها أزواجهن‪.‬‬
‫وجانب آخر من صورة المرأة في الغرب‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬العلقات غير الشرعية‪:‬‬
‫دلت الدراسات على أن في الوليات المتحدة نفسها أكثر من ‪ 35‬مليون‬
‫متزوج يقيم علقات غير شرعية خارج عش الزوجية‪ ،‬أي نسبة تصل إلى‬
‫‪ %70‬من الرجال المتزوجين‪ .‬وبعبارة أخرى فإن ‪ %70‬من الزوجات‬
‫المريكيات مأسورات بقيد الخيانة‪ ،‬خيانة أزواجهن لهن‪.‬‬
‫وقد دفعت المعاناة الزوجات اللواتي يخونهن أزواجهن إلى تشكيل تجمع‬
‫نسائي جديد في أمريكيا‪ ،‬يضمهن أطلق عليه اسم ‪ .WAHS‬أما صورة أخرى‬
‫فهي صور الغتصاب الذي تتعرض له المرأة‪ .‬وفي الوليات المتحدة تقول‬
‫التقارير الخاصة بالغتصاب إن حادثة الغتصاب تسجل كل ‪ 6‬دقائق‪ ،‬وإن‬
‫جريمة الغتصاب أكثر جريمة تسجيل في محاضر الشرطة والمدن المريكية‪.‬‬
‫ويقول المحللون إن ‪ %90‬من حوادث الغتصاب لتصل إلى سجلت البوليس‬
‫وهذا يعني بحسبة بسيطة أن عشر حوادث للغتصاب تتم كل ‪ 6‬دقائق أو‬
‫جريمتين كل دقيقة تقريًبا‪.‬‬
‫وفي ‪ LOS ANGELES‬التي أصبحت تشتهر بأنها عاصمة حوادث الغتصاب‬
‫في العالم‪.‬‬
‫ما معرضة للغتصاب‪ .‬وقد بلغ الحال‬ ‫واحدة من ثلث فتيات فوق سن ‪ 14‬عا ً‬
‫دا أن دفع بحاكم ولية ‪ CALIFORNIA‬لن يعلن في حديث‬ ‫من السوء ج ّ‬
‫تلفزيوني حرًبا لمدة عشر سنوات بكلفة ‪ 5‬مليارات دولر لمكافحة الجريمة‪.‬‬
‫وتحدث الحاكم واسمه ‪ JER BRAUON‬عن الحال التي وصلت إليها الوضاع‬
‫وا من‬ ‫في المدينة بقوله إن مستوى الخوف ودرجة العنف البشعة أنشأت ج ّ‬
‫شأنه تقويض حقنا الساسي في أن نكون أحراًرا في مجتمعنا‪.‬‬
‫وأما في فرنسا‪ ،‬فقد أذاع الراديو الفرنسي في يوم الحد ‪25/9/1977‬م‬
‫إحصائية ذكر فيها أن في فرنسا ‪ 5‬مليين امرأة متزوجة على علقة جنسية‬
‫بغير أزواجهن‪ .‬وأذاع التلفزيون الفرنسي في القناة الولى في ‪23/9/1977‬م‬
‫أن المحكمة الفرنسية ردت الدعوى التي قدمها الزوج بحق زوجته التي‬
‫تخونه‪ ،‬وبعد تقديم الدليل قالت المحكمة‪ ،‬ليس من حق الزوج أن يتدخل في‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشؤون الخاصة بزوجته‬


‫ثالثا‪ :‬العائلة‪:‬‬
‫)أنقذوا العائلة من الموت‪ ،‬أنقذوا العائلة من الموت(‪ .‬هذا النداء الدراماتيكي‬
‫أطلقه العالم الجتماعي الفرنسي ‪ JERNARD OREL‬وهو النداء الثالث الذي‬
‫يطلقه خلل ‪ 30‬سنة الماضية‪ .‬كان الول ‪ :‬أنقذوا العائلة من الستلب‪ ،‬وكان‬
‫الثاني ‪ :‬أنقذوا العائلة من التفتت‪ .‬وهو يطلق النداء الثالث لن المعطيات‬
‫التي توفرت لديه حول وضع العائلة في الغرب تثبت جميعها أنه قد حان‬
‫الوقت لكي تقرع أجراس النذار في كل بيت من نصف الكرةالشمالي‪.‬‬
‫وقد قام الباحث الغربي على امتداد سنتين ماضيتين بمسح ميداني للعائلة‬
‫الغربية تنقل بين مختلف البلد الوروبية وعبر الطلسي إلى الوليات المتحدة‬
‫وكندا ليعود بجعبة مليئة بالصوات التي تحذر من اتجاه العائلة الغربية نحو‬
‫الهلك‪ .‬هذه الصوات مع تحليل واف لها جمعها ‪ OPEL‬في كتاب أطلق عليه‬
‫عنوان ‪ :‬أنقذونا‪ .‬والصوات تلك هي عبارة عن الحوارات القصيرة التي‬
‫أجراها المؤلف مع نساء وأطفال وآباء وأجداد حول طبيعة علقة كل واحد‬
‫دا بل هي‬‫منهم بأفراد العائلة الخرين‪ ،‬والصوات البعيدة كانت نادرة ج ّ‬
‫استثنائية‪.‬‬
‫وها هي المرأة الغربية تنادي ‪ :‬أريد أن أعود إلى منزلي‪ .‬وهذا عنوان كتاب‬
‫ألفته إحدى المفكرات الفرنسيات‪.‬‬
‫في إحصائية في السويد تقول إن المرأة السويدية فجأة اكتشفت أنها‬
‫اشترت وهما هائل تقصد الحرية التي أعطيت لها بثمن مفزع وهو سعادتها‬
‫الحقيقية‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫والكاتبة النجليزية ‪ LADY COOK‬أحست بعواقب الختلط الوخيمة‪ .‬وكتبت‬


‫قبل عشر سنين في صحيفة ‪ ALAIEO‬تقول ‪ :‬إن الختلط يألفه الرجال‪،‬‬
‫ولهذا طبعت المرأة بما يخالف فطرتها‪ .‬وعلى قدر كثرة الختلط تكون كثرة‬
‫أولد الزنى وهنا البلء العظيم على المرأة‪ .‬ثم تقول ‪ :‬أما آن لنا أن نبحث‬
‫عما يخفف إذا لم نقل عما يزيل هذه المصائب العائدة بالعار على المدنية‬
‫قا تمنع قتل اللف من الطفال الذين ل ذنب‬ ‫الغربية‪ .‬أما آن لنا أن نتخذ طري ً‬
‫لهم بل الذنب على الرجل الذي أغرى المرأة المجبولة على رقة القلب‪ .‬يا‬
‫أيها الوالدان ل يعنيكما دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن في المعامل‬
‫ونحوها‪ ،‬ومصيرهن إلى ما ذكرنا‪ .‬علموهن البتعاد عن الرجال‪ ،‬أخبروهن‬
‫بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد‪ .‬لقد دلتنا الحصائيات على أن البلء الناتج‬
‫من حمل الزنا يعظم ويتفاقم حيث يكثر اختلط النساء بالرجال‪ .‬ألم تروا أن‬
‫أكثر أمهات أولد الزنا من المشتغلت في المعامل والخادمات في البيوت ‪،‬‬
‫وكثير من السيدات معرضات للنظار‪ ،‬ولول الطباء الذين يعطون أدوية‬
‫السقاط لرأينا أضعاف ما نرى الن‪ .‬لقد أدت بنا الحال إلى حد من الدناءة‬
‫لم يكن تصورها في المكان‪ ،‬وهذا غاية الهبوط بالمدنية‪.‬‬
‫هذا ما قالته تلك الكاتبة الغربية‪.‬‬
‫فها هي يا فتاة‪ ،‬ها هي المرأة الغربية تنادي بأعلى صوتها‪ ،‬أريد العودة إلى‬
‫منزلي‪ ،‬فقد جربت ورأت نهاية الحياة التعيسة‪.‬‬
‫ت‪:‬‬
‫ك أن ِ‬
‫القرار بيد ِ‬
‫إن القتناع بخطأ طريق الغفلة‪ ،‬والممارسة الشاذة‪ ،‬والسلوك المنحرف ‪ .‬أمر‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يشترك فيه الكثير من الشباب والفتيات ممن هم كذلك‪ .‬بل أكثرهم يقتنع‬
‫بحاجته إلى اللتزام والستقامة‪ ،‬ولكن هذا القرار الشجاع‪ ،‬الحاسم يقف‬
‫المرء معه مترددا ً متهيبًا‪.‬‬
‫لست أدري ما مصدر هذا التردد ؟ ما دام القتناع قد تكون لدى الفتاة بخطأ‬
‫طريقها‪ ،‬وسلمة الطريق الخر فما ذا تنتظر ؟ إنه التخوف أحيانا من‬
‫المستقبل‪ ،‬الذي ل مبرر له‪.‬‬
‫القضية باختصار يا فتاة قرار جريء وشجاع تتخذينه وبعد ذلك يتغير مجرى‬
‫ك تلقائيا‪ ،‬ويهون ما بعده‪ ،‬فهل تعجزين عن اتخاذ هذا القرار ؟ ل أخالك‬ ‫حيات ِ‬
‫ك في‬ ‫ن شركاء ل ِ‬‫كذلك وأنت الفتاة الجريئة في حياتك كلها‪ .‬واسألي من ك ّ‬
‫الماضي‪ ،‬فاتخذن القرار‪ ،‬وسلكن طريق الهداية‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫يا ليل الصب‬


‫شعر‪ :‬الضرير القيرواني‬
‫م الساعةِ موعد ُهُ‬ ‫صب متى غده أقيا ُ‬ ‫يا ليل ال ّ‬
‫ن يرد ّد ُهُ‬ ‫ف للبي ِ‬ ‫ه أس ٌ‬ ‫َ‬
‫ماُر وأّرق ُ‬ ‫س ّ‬‫رقد َ ال ّ‬
‫ما يرعاه ويرصد ُهُ‬ ‫م ورقّ له م ّ‬ ‫فبكاه النج ُ‬
‫ه‬
‫ّ ُ ُ‬‫د‬ ‫ي‬ ‫تص‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫فع‬ ‫النوم‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫رك‬
‫َ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫له‬ ‫ت عينا َ‬
‫ي‬ ‫صب َ ْ‬ ‫نَ َ‬
‫معَْربد ُهُ‬ ‫ظ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن الل ّ ْ‬
‫مهِ سكرا ُ‬ ‫جَنى ف ِ‬ ‫صاٍح والخمُر َ‬
‫ديه توّرد ُهُ‬ ‫ت عيناه دمي وعلى خ ّ‬ ‫ن سفك ْ‬ ‫يا م ْ‬
‫حد ُهُ‬ ‫ج َ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫م جفون ُ َ‬ ‫ك قد اعترفا بدمي فعل َ‬ ‫دا َ‬ ‫خ ّ‬ ‫َ‬
‫سعِد ُهُ‬ ‫ل خيالك ي ُ ْ‬ ‫ب المشتاقَ ك ََرى فلع ّ‬ ‫بالله هَ ِ‬
‫ك عليه عُوّد ُهُ‬ ‫ْ‬
‫مقا فَلي َب ْ ِ‬‫ً‬ ‫ك به َر َ‬ ‫ق هوا َ‬ ‫م ي ُب ْ ِ‬‫ل ْ‬
‫ن نظرٍ يتزوّد ُهُ‬ ‫م ْ‬ ‫وغدا يقضي أو بعد َ غد ٍ هل ِ‬ ‫ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا مجلس الحكم‬


‫مع العتذار للفضلء الوطنيين من أعضائه‪.‬‬
‫الدكتور محمد الجهني‬
‫كفي عن اللوم أقسى اللوم ما عظما‬
‫و أعظم الذنب ما أوسعته ‪ii‬ندما‬
‫دار الخلفة لو أبصرت ‪ii‬ماصنعت‬
‫بك الخطوب لعنت العرب و القمما‬
‫ل الجاهلية ترضى أن نكون ‪ii‬لها‬
‫إن لمتني فلقد كلفتني ‪ii‬شططا ً‬
‫لو كنت تدرين كم في القلب ‪ii‬لعجة‬
‫لكنت أشفق من أم على ‪ii‬ولد‬
‫ماعاد في القلب من سلوى تعلله‬
‫قد كان كل مصاب قبلها ‪ii‬جلل ً‬
‫كأنها لم تكن يوما ً ‪ii‬مملكة‬
‫يستخرج الكفر من رذالها ‪ii‬بطل ً‬
‫لو أن قحطان يدري بعض ما ‪ii‬صنعت‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل قيس غيلن أو ذبيان ‪ii‬يمنعها‬


‫إذا نظرت اليها خلتها ‪ii‬عربا ً‬
‫فما تراها على ذل ترد ‪ii‬يدا ً‬
‫با عوا العراق فبئس البائعون ‪ii‬هم‬
‫ل يرتضون لهم من ديننا حكما ً‬
‫أو يغضبون متى نيشت ‪ii‬كرامتهم‬
‫ماأسقط الكفر من أصنامنا ‪ii‬صنما‬
‫فالخوف أقرب من روح إلى جسد‬
‫إن الذي نال صداما ًً ‪ii‬لنائلها‬
‫يا مجلس الحكم عش ماشئت ‪ii‬محتميا ً‬
‫ل عمرك الله في أرض غدرت بها‬
‫لئن اراق لنا صدام بعض ‪ii‬دم‬
‫غدا ً ترى من يقود الجيش ‪ii‬منتصرا ً‬
‫ل يستوي من يلقي الموت مبتسما ً‬
‫بع ماتشاء من الدنيا التي بقيت‬
‫أغاية الفخر تستعدي على ‪ii‬رحم‬
‫يا افخر الفخر أنت الذي أسلمتها ‪ii‬بيد‬
‫تطوف في ردهات الكفر ‪ii‬مختبل ً‬
‫فل تلمها متى ثارت ‪ii‬حميتها‬
‫يفديك بغداد من لنت ‪ii‬مرؤته‬
‫بغداد لو كانت الدنيا تخط ‪ii‬بها‬
‫متى نرى الحق يابغداد ‪ii‬منتقما ً‬
‫والجيش مصطدما ً والطعن ‪ii‬محتدما ً‬
‫اليوم يحميك في بغداد ‪"ii‬مرتزق"‬
‫غدا ً نراك تجوب الرض ‪ii‬منكسرا ًً‬
‫إني لخشى على السلم ‪ii‬منقلبا‬
‫فلن تزول بنو صهيون عن ‪ii‬خطط‬
‫ما كشر الغرب عن أنيابه ‪ii‬غضبا ً‬
‫والجاهلي يراعى الشهر ‪ii‬الحرما‬
‫لولكم ما إستطاع الكفر ‪ii‬يقسمنا‬
‫يا سوأة العرب العرباء ‪ii‬روضها‬
‫فكلما التفتت عيني ‪ii‬رأيت‬
‫فما ترى عربيا ً في ‪ii‬عباءته‬
‫يسير في الرض ل الرحام ‪ii‬تسعفه‬
‫يبدل الظلم من أماله ‪ii‬ألما ً‬
‫فما ترى القلب إل كان ‪ii‬ملتهبا ً‬
‫مشردا ً في فيافي الرض تدفعه‬
‫يرى اليهود لهم في أرضه ‪ii‬ذمما ً‬
‫يا أيها الغاصب المشئوم طائره‬
‫ل تسألوه عن الشيخ الذي ‪ii‬قتل‬
‫أو التراث الذي لم تحوه ‪ii‬أمم‬
‫إن كمنتمو تستطيعون السوأل سلوا‬
‫ماعدت ابصر في بغداد ‪ii‬منقلبا ً‬
‫هذي جيوش بني العباس قادمة‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فما تمر بجيش من ‪ii‬جيوشهم‬


‫بغداد ماعاد لي قلب ‪ii‬يبلغني‬
‫فخففي أو فزيدي لوعتي ‪ii‬فلقد‬
‫ترى الثكالى سئمن العيش ‪ii‬نازفة‬
‫لو أن قبر صلح الدين ‪ii‬تبلغه‬
‫لما سألت إمام المسلمين ‪ii‬بها‬
‫فل قياس إذا صار الفرات ‪ii‬دما ً‬
‫‪ ...‬ندا ً فنستقسم النصاب و ‪ii‬الزلما‬
‫وإن عذرت فكم أوليتني نعما‬
‫من الهموم تذود الشعر و ‪ii‬الكل‬
‫وما أصخت لمن أغراك ‪ii‬متهما‬
‫بعد العراق ول شكوى تغيث ‪ii‬فما‬
‫=فصار كل مصاب بعدها ‪ii‬لمما‬
‫ولم تكن لهضيم الحق ‪ii‬معتصما‬
‫و ينصب البغي من شذاذها ‪ii‬علما‬
‫بها العروبة ما أبقى لها ‪ii‬رحما‬
‫من الشقاق ول عوفا ً ول ‪ii‬هرما‬
‫وإن عجمت لغاها خلتها ‪ii‬عجما‬
‫ول تراها على هون تقول لما‬
‫وسلموا للغزاة الشكم و ‪ii‬اللجما‬
‫أو يرتضون لنا من دينهم ‪ii‬حكما‬
‫ويغضبون إذا ما لعب ‪ii‬هزما‬
‫إل أقام لنا من بعده ‪ii‬صنما‬
‫والموت أقرب من "جحر" لمن ‪ii‬سلما‬
‫إن لم تؤد حقوق الله ‪ii‬لجرما‬
‫بالغاصبين فلن تلقى هناك ‪ii‬حمى‬
‫وما حفظت بها اليمان ‪ii‬والقسما‬
‫لقد جعلت لنا كل العراق ‪ii‬دما‬
‫ومن يعض على سبابة ‪ii‬ندما‬
‫ومن يقبل في واشنطن ‪ii‬القدا‬
‫فلن تبيع لنا مجدا ً ول ‪ii‬كرما‬
‫من ل يراعي لها حل ً ول حرما‬
‫غدرا ً وقدت إليها الجحفل ‪ii‬العرما‬
‫حتى جلبت إليها الحادث ‪ii‬العمما‬
‫وأمطرتك كما أمطرتها ‪ii‬ديما‬
‫ومن يسومك ل دينا ً ول ‪ii‬شيما‬
‫أقدارها كنت منها اللوح ‪ii‬والقلما‬
‫و الغيم مبتسما ً والصدع ‪ii‬ملتئما‬
‫والموت مضطرما ً والنقع ‪ii‬مزدحما‬
‫فمن يجيرك إن ولك منهزما‬
‫ويسأل المجد عنك البيد و ‪ii‬الكما‬
‫يروع الشام و الفسطاط و ‪ii‬الحرما‬
‫حتى تجاوز في أسوارها إرما‬
‫إل وكنتم له المصقولة ‪ii‬الخذما‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و أنتم لم تراعوا الشهر الحرما‬


‫ولم يجد بيننا قسما ً ول ‪ii‬قسما‬
‫وغد ‪ .........‬وألقى بينها ‪ii‬التهما‬
‫وكلما نظرت عيني رأيت دمى‬
‫إل ويحمل من آماله ‪ii‬حطما‬
‫ول يرى العيش إل البؤس واللما‬
‫ويجدع الذل من عرنينه ‪ii‬شمما‬
‫ول ترى الدمع إل كان ‪ii‬منسجما‬
‫جحافل الظلم ل ماًء ول ‪ii‬أدما‬
‫ول يرى في مغانيها له ‪ii‬ذمما‬
‫لنت أخبث من ولى ومن ‪ii‬حكما‬
‫أو تسألوه عن البيت الذي ‪ii‬هدما‬
‫فصار بين وحوش الغاب ‪ii‬مقتسما‬
‫عن جهله وسلوه أين ما زعما؟‬
‫للخائنين ول عزما ً ول ‪ii‬همما‬
‫ويمل الرعب منها السهل والعلما‬
‫إل و تجعل من أسواره ‪ii‬حمما‬
‫إلى هواك وقد أبليته سقما‬
‫و هبتك القلب مكلوما ً و مضطرما‬
‫عيونهن دما ً والبغي ما سئما‬
‫صيحاتهن لحيت أعظما ً ‪ii‬رمما‬
‫عن القياس أجاب السيف ‪ii‬واللمما‬
‫ول قياس إذا ماظالم ‪ii‬ظلما‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا من تجرأتم على حبيب الله‪ ..‬صبرا ً نزار محمد عثمان*‬


‫جزى الله الشيخ رائد حليحل ومن معه في لجنة نصرة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم كل خير؛ لجل كشفهم لتعدي صحيفة دنماركية على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم؛ فهم بفعلهم هذا بينوا للمسلمين عظم الحقد والحسد‬
‫الذي يمور في قلوب كثيرين في الغرب للسلم والمسلمين؛ ليس الصحيفة‬
‫وحدها‪ ،‬ول الحكومة الدنماركية فقط؛ بل التحاد الوربي كله‪ ،‬والغرب في‬
‫معظمه!!‪ ..‬ثم جزاهم الله خيرا ً كذلك؛ لنهم سيسجلون إعجازا ً جديدا ً‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم برصد الخاتمة )الليمة( لكل من استهزأ به‬
‫صلى الله عليه وسلم ولم يتب‪ ..‬ليس ذلك رجما ً بالغيب؛ وإنما معرفة بسنن‬
‫الله‪ ،‬واستقراًءا للتاريخ؛ فقد أثبتت وقائعه أنه ما تظاهر أحد بالستهزاء‬
‫برسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وبما جاء به إل أهلكه الله‪ ،‬وقتله شر‬
‫قتلة!!‪ ..‬فقديما تظاهر بالستهزاء به كل من‪ :‬الوليد بن المغيرة‪ ،‬والسود بن‬
‫عبد يغوث‪ ،‬والسود بن المطلب‪ ،‬والحارث بن عبطل السهمي‪ ،‬والعاص بن‬
‫وائل؛ فكفى الله رسوله شرهم؛ فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو‬
‫يريش نبل ً فأصاب أكحله فقطعها‪ ،‬وأما السود بن المطلب فنزل تحت سمرة‬
‫طعنت بالشوك في‬ ‫ي! أل تدفعون عني؟!؛ قد هلكت‪ ،‬و ُ‬ ‫فجعل يقول‪) :‬يابن ّ‬
‫ً‬
‫ي(؛ فجعلوا يقولون‪) :‬ما نرى شيئا(‪ ..‬فلم يزل كذلك حتى عتمت عينا‪،‬‬ ‫عين ّ‬
‫وأما السود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها‪ ،‬وأما الحارث‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأخذه الماء الصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه‪ ،‬وأما‬
‫العاص فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل من أخمص قدمه‬
‫شوكة فقتلته‪.‬‬
‫كما روى البخاري في صحيحه أن أنس رضي الله عنه قال‪) :‬كان رجل‬
‫نصراني‪ ,‬فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران‪ ,‬وكان يكتب للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬فعاد نصرانيًا‪ ,‬فكان يقول‪ :‬ل يدري محمد إل ما كتبت له‪ ,‬فأماته الله‪,‬‬
‫فدفنوه‪ ,‬فأصبح وقد لفظته الرض‪ ,‬فقالوا‪) :‬هذا فِْعل محمدٍ وأصحابه؛ نبشوا‬
‫عن صاحبنا؛ فألقوه؛ فحفروا في الرض ما استطاعوا؛ فأصبح قد لفظته؛‬
‫فعلموا أنه ليس من الناس؛ فألقوه(‪ ..‬وقد عّلق ابن تيمية على الحديث قائل‪:‬‬
‫)فهذا الملعون ‪ -‬الذي قد افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ل يدري‬
‫إل ما كتب له ‪ -‬قصمه الله‪ ،‬وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مرارًا‪..‬‬
‫وهذا أمر خارج عن العادة؛ يدل كل أحد على أن هذا كان عقوبة لما قاله‪,‬‬
‫دول‪،‬‬ ‫حد ّث ََناه أعداد ٌ من المسلمين العُ ُ‬ ‫وأنه كان كاذبًا(‪ ،‬ثم قال‪) :‬ونظير هذا ما َ‬
‫صرِ الحصون والمدائن‬ ‫ح ْ‬‫ت متعددةٍ في َ‬ ‫ما جربوه مرا ٍ‬ ‫أهل الفقه والخبرة‪ ،‬ع ّ‬
‫التي بالسواحل الشامية‪ ،‬لما حصر المسلمون فيها بني الصفر في زماننا؛‬
‫ع‬
‫ن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتن ٌ‬ ‫ص َ‬‫ح ْ‬ ‫صُر ال ِ‬
‫ح ُ‬
‫قالوا‪ :‬كنا نحن ن َ ْ‬
‫ة‬
‫ِ‬ ‫والوقيع‬ ‫الله‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫رسو‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ل‬
‫ُ ِ َ ّ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫أه‬ ‫تعرض‬ ‫إذا‬ ‫حتى‬ ‫منه؛‬ ‫نيأس‬ ‫علينا حتى نكاد‬
‫سر‪ ،‬ولم يكد يتأخر إل يوما ً أو يومين أو نحو ذلك‪،‬‬ ‫جلنا فتحه وتي َ ّ‬ ‫ضه ت َعَ ّ‬
‫في عر ِ‬
‫ثم يفتح المكان عنوة‪ ،‬ويكون فيهم ملحمة عظيمة(‪.‬‬
‫يا من تجرأتم على حبيب الله‪ ..‬صبرًا؛ فاليام بيننا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا من تخلف عن الصلة‬


‫المصدر‪/‬المؤلف‪ :‬أبو سلمان ‪ ...‬أرسلها لصديق‬
‫عرض للطباعة‬
‫عدد القّراء‪5391 :‬‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫يقول الرسول ‪ } :‬لتنقضن عرى اليمان عروة عروة فكلما انتقضت عروة‬
‫تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضا ً الحكم وآخرهن الصلة {‪.‬‬
‫فالصلة هي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات وهي أول ما يحاسب عليه‬
‫العبد وهي آخر وصية أوصى بها رسول الله أمته عند موته فقال‪ } :‬الصلة‬
‫الصلة وما ملكت أيمانكم { وهي آخر مايفقد من الدين فإن ضاعت ضاع‬
‫الدين كله‪.‬‬
‫فالصلة شرط أساسي للهداية والتقوى فقال تعالى‪ :‬ألم )‪ (1‬ذلك الكتاب‬
‫لريب فيه هدى للمتقين فمنهم هؤلء المتقين قال‪ :‬الذين يؤمنون بالغيب‬
‫ويقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون ‪.‬‬
‫وحينما ذكر الله سبحانه وتعالى أصحاب الخلق الذميمة في قوله‪ :‬إن‬
‫النسان خلق هلوعا ً إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ً إستثنى الله‬
‫تعالى منهم المحافظين على الصلة فقال‪ :‬إل المصلين الذين هم على‬
‫صلتهم دائمون ‪.‬‬
‫وقد حذر سبحانه وتعالى من إضاعة الصلة وتوعد مضيعها بالعذاب الشديد‬
‫ف أضاعوا الصلة واتبعوا الشهوات فسوف‬ ‫فقال تعالى‪ :‬فخلف من بعدهم خل ٌ‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يلقون غيا ‪ .‬والغي‪ :‬هو واد في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر جعله الله لمن‬
‫أضاع الصلة واتبع الشهوات‪.‬‬
‫فسعيد بن المسيب من شدة حرصه على الصلة حافظ على دخول المسجد‬
‫قبل الذان لمدة تزيد عن ‪ 40‬سنه‪ .‬وقد قال النبي ‪} :‬أل أدلكم على ما‬
‫يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ { قالوا‪ :‬بلى يارسول الله‪ .‬قال‪} :‬‬
‫إسباغ الوضوء على المكاره‪ ،‬وكثرة الخطا إلى المساجد‪ ،‬وانتظار الصلة بعد‬
‫الصلة‪ ،‬فذالكم الرباط فذالكم الرباط {‪.‬‬
‫أما في زماننا فل يحلوا للبعض النوم إل في وقت الصلة والبعض يسمع‬
‫صوت المنبه للصلة ولكن ليستيقظ‪ ،‬وأخرون يوقظون للصلة ول يستجيبون‬
‫ولكن لو سمعوا بأن لصا في البيت أو أن صافرة النذار انطلقت لرأيت‬
‫سرعة النتباه وقوة الوثبة‪.‬‬
‫‪-‬فالمؤمن الحق هو المؤمن السريع الستجابة لمر الله ماستطاع إلى ذالك‬
‫سبيل‪ .‬فقد قال تعالى‪ :‬إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله‬
‫ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ‪ .‬فالمؤمن إذا استجاب لمر ربه تبارك‬
‫وتعالى وامتثل أوامره‪ .‬فإن الله تعالى يلقي في نفسه الراحة والطمئنان‪ .‬ول‬
‫يلزم أن يعلم عن الحكمة من مشروعية بعض النواهي التي نهى الله عنها‪.‬‬
‫فقد تكون الحكمة عن النواهي معلومة‪ ،‬وقد تكون غير معلومة ولكن ليكن‬
‫شعار المؤمن ) سمعنا وأطعنا (‪ .‬والله تعالى يقول‪ :‬إنما كان قول المؤمنين‬
‫إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ‪ .‬وقال‬
‫سبحانه‪ :‬ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فسيظهر معنى‬
‫الستجابة لمر الله تعالى في قول النبي ‪ } :‬إن الله فرض فرائض فل‬
‫تضيعوها‪ ،‬وحد حدودا فل تعتدوها‪ ،‬وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان‬
‫فل تسألوا عنها { قال تعالى‪ :‬ياأيها الذين آمنوا لتسألوا عن أشياء إن تبد لكم‬
‫تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها ‪.‬‬
‫وقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم مثل رائعا في الطاعة وعدم السؤال عما‬
‫ليهم‪ .‬فقد قال النبي ‪):‬إن الله يضحك( فلم يسأل الصحابة رضي الله عنهم‬
‫عن كيفية الضحك‪ .‬وهل ضحكه سبحانه وتعالى مثل ضحك المخلوقين؟ لم‬
‫يسألوا عن هذا أبدًا‪ .‬بل قالوا‪):‬لنعدم الخير من رب يضحك(‬
‫فالصلة أمرها عظيم جدا‪ .‬يقول أبو بكر بن عبدالله المزني‪ ) :‬من مثلك يا‬
‫ابن آدم‪ ،‬خلي بينك وبين الماء والمحراب متى شئت تطهرت ودخلت على‬
‫ربك عز وجل ليس بينك وبينه ترجمان ولحاجب (‪ .‬فالسلف أعطوا الصلة‬
‫حقها وأنزلوها منزلتها ولذلك كانت عندهم المقياس الول كما أكد ذلك‬
‫عمربن الخطاب بقوله‪ ) :‬إذا رأيت الرجل يضيع من الصلة هو و الله لغيرها‬
‫أشد تضييعا (‪ .‬ويقول أحدهم‪ :‬كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام فأول‬
‫ماأتفقد من أمره صلته فإن وجدته يقيمها ويتمها أقمت وسمعت منه‪ .‬وإن‬
‫وجدته يضيعها رجعت ولم أسمع منه وقلت‪ :‬هو لغير الصلة أضيع‪.‬‬
‫وكان سعيد بن عبدالعزيز إذا فاتته صلة الجماعة بكى ولم تكن صلة‬
‫الجماعة تعدل عندهم شيئا من امور الدنيا التي نلهث وراءها وربما نؤخر‬
‫الصلة من أجل الدنيا‪ .‬وقد جاء أحد السلف الصالح إلى المسجد فقيل له‪ :‬إن‬
‫الناس قد انصرفوا فقال‪ :‬إنا لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬لفضل هذه الصلة أحب‬
‫إلي من ولية العراق‪.‬‬
‫والبعض منا يفوت صلة الجماعة لمر بسيط وشغل قليل من امور الدنيا‬
‫ليعد شيئا يذكر‪ ،‬فما بالك بولية العراق؟!!‬
‫وقد ليكتب للرجل من صلته إل بعضها كما قال النبي صلي الله عليه وسلم‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫} إن الرجل لينصرف ماكتب له إل عشر صلته‪ ،‬تسعها‪ ،‬ثمنها‪ ،‬سدسها‪،‬‬


‫خمسها‪ ،‬ربعها‪ ،‬ثلثها‪ ،‬نصفها { لماذا? لنه لم يأتي بأركان الصلة وواجباتها‬
‫وسننها ومستحباتها على الوجه الكمل‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد قال عمر بن الخطاب على المنبر‪ ) :‬إن الرجل ليشيب عارضاه في‬
‫السلم وما أكمل لله تعالى صلة (‪ .‬قيل‪ :‬وكيف ذلك؟ قال‪ ) :‬ليتم خشوعها‬
‫وتواضعها وإقباله على الله عز وجل (‪ .‬هذا قول عمربن الخطاب في صدر‬
‫السلم فماذا عن واقعنا نحن اليوم! والكثير إل من رحم الله تذهب به أموال‬
‫الدنيا وأسواقها يبيع ويشتر ويزيد وينقص وهو في الصلة وما ذلك إلمن‬
‫غفلتنا‪.‬‬
‫يقول الشيخ عبدالرحمن الدوسري رحمه الله تعالى في تفسير سورة البقرة‬
‫في قوله تعالى‪ :‬ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلة قد أظهر الطب‬
‫الحديث فائدة للصلة‪ ،‬وهي أن الدماغ ينتفع انتفاعا كبيرا بالصلة ذات‬
‫الخشوع وهذا من الدلة التي تبين سبب قوة تفكير الصحابة رضي الله عنهم‬
‫وسلمة عقولهم ونفوذ بصيرتهم‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله تعالى‪ :‬إن في الصلة علجا شافيا من أمراض اجتماعية‬
‫فتكت بالناس وهي الهم والحزن‪ ،‬والعجز والكسل‪ ،‬والجبن والبخل‪ ،‬وضلع‬
‫الدين وقهر الرجال‪ .‬وذلك أن هذه الثمانية التي تعوذ منها النبي مقسمة إلى‬
‫أزواج‪ ،‬وكل زوجين منها قريبان ومترادفان من بعض‪ .‬فالهم والحزن إخوان‪،‬‬
‫والعجز والكسل إخوان‪ ،‬والجبن والبخل إخوان‪ ،‬وضلع الدين وقهر الرجال‬
‫إخوان‪.‬‬
‫فالمكروه المؤلم إذا ورد على القلب فإما أن يكون سببه ماضيا أومستقبل‪:‬‬
‫‪ -‬فان كان ماضيا أوجب له الحزن‪ ،‬وان كان مستقبل أوجب له الهم‪.‬‬
‫‪ -‬وتفويت المصالح على النسان أو تخلفه عن تحقيقها بالسعي والطلب إما‬
‫أن يكون من عدم الرادة فهو الكسل‪.‬‬
‫‪ -‬وحبس الخير عن الغير إما أن يكون بالنفس والبدن فهو الجبن وإما إن‬
‫يكون بالمال فهذا هو البخل‪.‬‬
‫‪ -‬وقهر الرجال إما أن يكون بحق فهو غلبة الدين‪ ،‬وإما أن يكون بباطل فهو‬
‫قهر الرجال‪ .‬والمصلي الصحيح الذي يقيم الصلة بكامل حق إقامتها ينجيه‬
‫الله من ذلك كله‪.‬‬
‫فالله تعالى يقول‪ :‬واستعينوا بالصبر والصلة فجمع الله بين الصبر الذي‬
‫يستعان به على تحمل المشاق والمكاره‪ ،‬وبين الصلة التي توطن النفس‬
‫وتروضها وتصلها بربها‪ ،‬وتبعث الراحة والطمأنينة‪ .‬وقال النبي ‪ } :‬أرحنا بها يا‬
‫بلل { فمن لم يجد راحته وهو يصلي فأين يجدها؟‬
‫وأما عن صلة الفجر فحدث ولحرج قل من يشهد صلة الفجر مع الجماعة‬
‫في المسجد وأصبحت ثقيلة إل على من رحم الله تعالى فالمؤمن الذي يهب‬
‫من فراشه مسرعا ويترك لذة النوم ولين الفراش يردد مع المؤذن مايقول‬
‫ثم يسير إلى صلة الفجر بخطوات مطمئنة وقد يكون في برد قارس وضلم‬
‫دامس‪ .‬فالنبي يبشره بالنور التام يوم القيامة كما قال النبي عليه الصلة‬
‫والسلم‪ } :‬بشروا المشاءين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم‬
‫القيامة {‪ ،‬وعلى النسان أن يخلص في عملة لله وحده لشريك له وأن‬
‫يصلح باطنه وظاهره مخلصا لله‪ ،‬يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه‪:‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ماأسر احد سريرة إل أبداها الله تعالى على صفحات وجهه‪ ،‬وفلتات لسانه‬
‫والغرض الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه ( فالمؤمن إذا كانت‬
‫سريرته صحيحة مع الله تعالى أصلح الله ظاهره فالذي يصلح باطنه يصلح‬
‫الله له ظاهره‪ .‬كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ) :‬من أصلح‬
‫سريرته أصلح الله علنيته (‪.‬‬
‫والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يا من فقدناه في المسجد‬


‫محمد بن سرار اليامي‬
‫دار الوطن‬
‫ً‬
‫إلى من غاب عن الساحة‪ ،‬إلى من يحمل قلبا ملؤه الخير‪ ،‬إليك أخي الحبيب‪:‬‬
‫أخاطب فيك قلبا ً طالما خشع لربه سبحانه‪.‬‬
‫أخاطب فيك حسا ً مرهقًا‪ ،‬نعم إنك تحمل قلبا ً ل ككل القلوب‪ ،‬أعلم أنك تحب‬
‫مكارم الخلق‪ ،‬نعم وأعلم أنك تحب الصدق مع كل الناس حتى مع نفسك‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬تحب الصدق حتى مع نفسك‪ ،‬وإن الصدق ليهدي إلى البر‪ ،‬وإن البر‬
‫ليهدي إلى الجنة‪.‬‬
‫إلى من فقدناه في المسجد إليك أخي الحبيب‪ :‬أحمل قلمي ومحبرتي‪،‬‬
‫وأسطر هذه الكلمات‪ ،‬عل الله أن يكتبها في ميزان الحسنات‪.‬‬
‫أخي الحبيب‪ :‬يا من فقدناه في المسجد‪ ،‬إن رحمة الله قريب من المحسنين‬
‫فكن منهم‪ ،‬إن الله يحب المتقين‪ ،‬فكن منهم‪ ،‬إن الله ل يضيع أجر من أحسن‬
‫ل‪ ،‬فكن ممن أحسن‪.‬‬ ‫عم ً‬
‫أخي الحبيب‪ :‬إن جماعة مسجد ليتساءلون وإن حيطان المسجد لتنتظر‪ ،‬وإن‬
‫مصلك لخالي‪ ،‬ينتظرك‪ ،‬نعم ينتظرك أنت‪.‬‬
‫أخي الحبيب‪ :‬أما علمت أن ربك العظيم الغني الحميد يستزيرك‪ ،‬فهل تعرض‬
‫عن زيارته‪ ،‬أل تسمع مناديه كل يوم وليلة خمس مرات أن‪ ) :‬حي على‬
‫الصلة … حي على الفلح (‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فقل لبلل العزم إن كنت صادقا أرحنا بها إن كنت حقا مصليا أما سمعت‬
‫قول عليه الصلة والسلم‪" } :‬من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر"‬
‫قالوا وما العذر؟ قال‪" :‬خوف أو مرض‪ ،‬لم تقبل منه الصلة التي صلى" {‬
‫]رواه أبو داود[‪.‬‬
‫بل قبل ذلك قول الله جل وعز‪ :‬واركعوا مع الراكعين أما علمت أنه ل صلة‬
‫لجار المسجد إل في المسجد؟ أما علمت أن أثقل الصلة على المنافقين‬
‫صلة العشاء والفجر‪ .‬أما علمت أن نبي الله هم أن يحرق بيوت بعض من‬
‫عن الصلة في الجماعة كما في البخاري؟ أما علمت أن صلة الرجل في‬
‫الجماعة تزيد على صلة الفرد بـ ‪ 27‬درجة؟ أما سمعت قول ابن مسعود‬
‫رضي الله عنه‪" :‬لقد رايتنا وما يتخلف عنها إل منافق قد علم نفاقه" فأين‬
‫أنت من زيارة بيت ربك الذي خلقك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك؟ أي‬
‫أنت م زيارة ملك الملوك … ما ذا تنتظر؟ أتنتظر الموت يأخذك على حين‬
‫غرة؟ ثم تقول‪ :‬رب ارجعون‪ ،‬لعلي أعمل صالحا ً فيما تركت ما ذا تقول‪:‬‬
‫أتقول‪ :‬ياليتني كنت ترابا ً أم تقول‪ :‬ياليتني لم أوت كتابيه أما تعلم أن ربك‬
‫وهو أغنى الغنياء ليفرح بتوبة عبده فرحا ً عظيما ً يليق بجلله وعظمته‪ ،‬أما‬
‫تعلم أن ربك أرحم بك من الوالدة بولدها‪ ،‬ومن رحمته بك أن كونك من‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ ،‬وجعل لك السمع والبصر والفؤاد ثم قال‪ :‬كل‬ ‫نطفة قذرة حتى أصبحت رج ً‬
‫أولئك كان عنه مسؤول ً والله ثم والله إن القلب عليك ليحزن‪ ،‬وإنا على‬
‫فراقك لمحزونون‪ ،‬نريد أن نرى صفحة وجهك المشرق معنا في بيت الله‪،‬‬
‫نريد أن تكثر سود المسلمين بين يدي الله‪ ،‬نريد لك خيري الدنيا والخرة‪،‬‬
‫نريد لك حياة السعادة والطمأنينة أل بذكر الله تطمئن القلوب نريد لك بعدا ً‬
‫عن ضيق الصدر وعن الهموم والمصائب والحزان‪ ،‬وأن ل تكون كمن قال‬
‫الله فيهم‪ :‬ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة‬
‫أعمى‪ ،‬قال ربي لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا‪ ،‬قال كذلك أتتك آياتنا‬
‫فنسيتها‪ ،‬وكذلك اليوم تنسى ول أحسبك إل مستجيبا ً لهذه النداءات من‬
‫أحبابك جمعة المسجد‪ .‬فالحق بنا على ركب الهدى‪ ،‬وقائد هذا الركب هو‬
‫محمد ابن عبد الله ‪ ،‬وأفراد هذا الركب هم كل خير حمل القرآن والسنة‬
‫منهجا ً ودينًا‪.‬‬
‫أخي الحبيب‪ :‬الله الله في الصلة‪ ،‬فإنها كانت آخر وصية أوصى بها‬
‫المعصوم ‪ ،‬إن فلبي ليتمزق‪ ،‬وإن عيني لتذرف‪ ،‬ويعلم الله عن أحوالنا التي ل‬
‫نشكوها إل له سبحان ولكن هيا بنا‪ ،‬نعم هيا بنا‪ ،‬إلى روضة من ضياء‪ ،‬وإلى‬
‫قبس من نور‪ ،‬إلى حيث البر والحسان‪ ،‬وإلى حيث الخشوع والذعان‪ ،‬إلى‬
‫بيت ربنا‪.‬‬
‫إلى الله نادى منادي الرحيل *** فهبوا إلى الله يا أوفياء‬
‫وسيروا على بركان الله *** فإن الله جزيل العطاء‬
‫أخي الحبيب‪ :‬وفي الختام …نريد … نعم … نريد أن نراك في مسجدنا …‬
‫فل تحرمنا رؤياك‪.‬‬
‫وإلى لقاء قريب بإذن الله في روضة المسجد إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫مع تحيات إخوانك في جماعة المسجد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا منصور كل الناس مسرور إل أنا‬


‫شريف عبد العزيز‬
‫‪shreef@islammemo.cc‬‬
‫مفكرة السلم‪ :‬ربما ل يعرف الناس من قائل العبارة أو متى قيلت وما‬
‫مناسبتها‪،‬وربما ل يخطر ببالهم من منصور هذا الذى يخاطب بهذه العبارة‬
‫الحزينة المبكية‪،‬ولكنها كانت دوما ً تقفز أمام ناظرى وتقتحم ذاكرتى إقتحاما ً‬
‫كلما هل علينا العيد خاصة عيد الضحى‪ ،‬عيد المة الكبير‪،‬أتدرون لماذا؟‬
‫اسمعوا معى الخبر وعندها تعرفون لماذا؟‬
‫]كان عصر الحاجب المنصور بن أبى عامر من سنه ‪392-369‬هجرية‪ ،‬هو‬
‫العصر الذهبى للندلس‪،‬حيث بلغت دولة السلم فى الندلس أوج قوتها‬
‫وأقصى إتساعها‪ ،‬وكان المنصور شغوفا ً بالجهاد فى سبيل الله‪ ،‬ل ينقطع عنه‬
‫صيفا ً ول شتاًء‪،‬وقد انزوى الصليبيون فى عهده فى أقصى شمال الندلس‬
‫وأقصى أمانيهم أن يكف المنصور عن غزو بلدهم‪،‬وذات مرة خرج للجهاد فى‬
‫سبيل الله‪،‬وبعد أن حقق النصر كعادته على السبان‪ ،‬عاد إلى قرطبة ووافق‬
‫رجوعه صلة عيد الضحى والناس فى المصلى يكبرون ويهللون‪ ،‬وقبل أن‬
‫ينزل من على صهوة جواده‪ ،‬اعترضت طريقه امرأة عجوز‪ ،‬وقالت له بقلب‬
‫متفطر باكى‪ :‬يا منصور كل الناس مسرور إل أنا‪ ،‬قال المنصور‪:‬وما ذاك؟‬
‫قالت‪:‬ولدى أسير عند الصليبيين فى حصن رباح ‪،‬فإذا بالبطل العظيم الذى لم‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ينزل بعد من على ظهر جواده‪ ،‬والذى يعلم قدر المسئولية الملقاة على‬
‫عاتقه تجاه أمة السلم‪ ،‬والذب عن حياض المة والدين‪ ،‬إذا به يلوى عنق‬
‫فرسه مباشرة وينادى فى جيشه أل ينزل أحد من على فرسه ثم ينطلق‬
‫متوجها إلى حصن رباح ويظل يجاهدهم حتى يجبرهم على إطلق سراح‬
‫أسرى المسلمين عندهم ومنهم ولد العجوز[‬
‫والناظر إلى هذا الموقف‪،‬والعبارة التى أطلقتها العجوز يجد أن تنطبق على‬
‫واقع أمتنا السلمية الن‪ ،‬فالناس من حولنا من شتى الجناس والملل‬
‫والنحل‪،‬ينعمون ويفرحون وعلى أشلء أمتنا يرقصون‪،‬أمتنا التى سرقت من‬
‫على شفاه أطفالها البسمة والسرور والفرح‪،‬فلسان حال أمتنا الن‪ :‬كل‬
‫الناس مسرور إل أنا‪ ،‬فأطفال فلسطين ل يمكنهم الفرح والسرور‬
‫واللعب‪،‬ليس بسبب الحزن على من فقدوه من أب وأخ وصاحب‪،‬فهم قد‬
‫اعتادوا ذلك منذ زمن‪ ،‬ولكن لن السلطة الفلسطينية التى ولدت سفاحا من‬
‫رحم أوسلو وغيرها‪ ،‬قد أصدرت قرارا ً بمنع الحتفالت بالعيد الكبير تعاطفا ً‬
‫مع الشعب السرائيلى الصديق والجار!‬
‫في مصابه بزعيمه وقائده رجل السلم السفاح شارون!‪ ،‬ورياحين العراق‬
‫وزهورها‪ ،‬ل يستطيعون الخروج للعب والسرور فى ربوع العراق و مروجها‬
‫حتى ل تحصدهم طائرات الباتشى المريكية‪،‬أو فيالق بدر الرافضية‪ ،‬أو‬
‫مغاوير الشرطة العميلة‪ ،‬وأما أطفال النيجر ومالى وتشاد والصومال ‪ ،‬فهم‬
‫ل‪،‬ولم يعرفوا يوما معنى السرور‬ ‫لم يدركوا يوما معنى العيد أو ما هو العيد أص ً‬
‫والفرح بالكلية‪،‬فقد ماتوا وهلكوا قبل أن يعرفوا هذه المعانى ‪،‬قتلهم القحط‬
‫والجوع وإهمال إخوانهم المسلمين لهم‪،‬وأطفال الشيشان وأفغانستان‬
‫وكشمير والبوسنة وكوسوفو وبورما وتايلند والفلبين والوجادين و……‬
‫…………………‪ .‬القائمة طويلة‪ ،‬كل هؤلء ل يعرفون للعيد طعما ً ول فرحة‬
‫أبدا ً‬
‫ونحن لنملك أمام هذه المأساة العامة أل أن نهتف بأعلى صوت لربنا‬
‫عزوجل فى عله قائلين ]اللهم أعد علينا المنصور وأيامه[‬

‫)‪(1 /‬‬

‫معّلم‪ ..‬عّلم د‪ .‬عبد الرحمن صالح العشماوي*‬‫يا ُ‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المعلم قدوة لطلبه شاء ذلك أو أبى‪ ،‬وإذا غاب عن المعلم أو المعلمة‬
‫شعورهما بصفة القدوة فقد جنيا على التعليم والتربية جناية كبيرة‪ ،‬وإذا لم‬
‫يكونا قدوة حسنة للطلب والطالبات فل مناص من أن يكونا قدوة سيئة أو‬
‫سلبية باهتة الثر عديمة الجدوى‪.‬‬
‫هنالك مشكلة واضحة في مستوى كثير من المعلمين والمعلمات من حيث‬
‫العلم والثقافة والخلق والجد والحساس بالمسؤولية وتقدير معنى المانة‪،‬‬
‫وهي مشكلة خطيرة جدًا؛ لنها تتعلق بالجيال الناشئة وبنائها العلمي‬
‫والثقافي والخلقي والتربوي‪ ،‬فهذه الجيال تتعلق بالنماذج التربوية وتتأثر بها‬
‫وتقّلدها‪ ،‬وتتلقى منها دون ترّدد‪ ،‬وتعتقد أن كل سلوك يصدر من نماذج‬
‫القدوة مقبول مباح‪ ،‬وأن كل معلومة أو فكرة تصدر عنها صحيحة ثابتة‪ ،‬وقد‬
‫أكدت جميع الدراسات الميدانية التربوية والنفسية‪ ،‬وجميع الستبانات‪ ،‬أن‬
‫النسبة الكبرى من الطلب والطالبات يتأثرون بصور متعددة ونسب متفاوتة‬
‫بثقافة وإخلص وسلوك معّلميهم ومعّلماتهم‪ ،‬وأن نسبة كبيرة من الباء‬
‫والمهات يثقون بنسبة متفاوتة أيضا ً في المعّلمين والمعّلمات‪ ،‬ومعنى ذلك‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جهون أولدهم إلى المدارس أن المعلمين والمعلمات‬ ‫أنهم يفترضون حينما يو ّ‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫سيقومون بواجب التربية والتعليم خير قيام‪ ،‬وسيحملون عبئا كبيرا كان‬
‫المنزل يحمله وحيدا ً قبل التحاق الولد بالمدرسة‪.‬‬
‫هذه المعاني كّلها يجب أن تكون حاضرة حضورا ً قويا ً في وجدان المعلم‬
‫والمعلمة‪ ،‬ول يصح لحد منهم أن يتهاون بها‪ ،‬أو يغفل عنها‪ ،‬أو يقّلل من‬
‫أهميتها مهما كانت السباب‪.‬‬
‫وهنا نتساءل‪ :‬ما مدى إحساس جميع المعلمين والمعلمات بهذه المسؤولية‬
‫التربوية والتعليمية والتثقيفية؟ وبأي صورة من الهتمام والعناية يتعاملون‬
‫معها؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هنالك نماذج مضيئة ناجحة نجاحا ملموسا من المعلمين والمعلمات في‬
‫مدارسنا ل يخفى أثرهم اليجابي على أحد منا‪ .‬وإنما نتساءل هنا عن النماذج‬
‫الخرى التي ل تنظر إلى التعليم إل بعين العمل الروتيني والمصلحة المادية‪،‬‬
‫ول تبذل من اهتمامها ووقتها وجهدها ما يحقق الهدف المنشود من التعليم‬
‫والتربية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نتساءل عن المعلمين الذين ل يملكون علما غزيرا‪ ،‬ول ثقافة واسعة‪ ،‬ول‬
‫تعامل ً حسنًا‪ ،‬ول يهتمون بتطوير أنفسهم وتثقيفها وضبط سلوكها‪ ،‬ول يحبون‬
‫درون مكانة العلم مع أنهم في‬ ‫القراءة مع أنهم يعلمون القراءة‪ ،‬ول يق ّ‬
‫مجالت علمية‪ ،‬ول يلتفتون إلى أهمية القدوة مع أنهم في موقع القدوة‪.‬‬
‫نتساءل عن هؤلء‪ :‬إلى متى يبقون في هذه الدائرة السلبية المظلمة؟ وإلى‬
‫متى تبقى وزارة التربية والتعليم بعيدة عن اعتماد البرامج التدريبية المكثفة‬
‫لتحقيق معالم الشخصية اليجابية في نفوسهم؟!‬
‫المعلم مسؤول مسؤولية مباشرة عن نفسه؛ لنه يعرف ما يجب على مثله‬
‫في موقعه ومسؤوليته‪ ،‬فهو يدرك أن التعليم ليس وظيفة ذات دخل مادي‬
‫فقط‪ ،‬ولكنه عمل حضاري مهم تقوم عليه المجتمعات البشرية‪.‬‬
‫المعلم مسؤول أمام الله عن نفسه التي يشغلها بما ل يفيد من دوريات‬
‫يجتمع فيها مع ثلة من زملئه وأصدقائه ليس فيها إل الهرج والمرج ونكت‬
‫والت‪ ،‬وأخبار الرياضيين والفنانين‪ ،‬وكبسات الرز واللحم ذات اللوان‬ ‫الج ّ‬
‫والشكال‪.‬‬
‫المعلم مسؤول أمام الله عن رسالته العظيمة التي سُيسأل عنها‪ ،‬وسيلقى‬
‫دم فيها؛ إن خيرا ً فخيرًا‪ ،‬وإن شرا ً فشرًا‪.‬‬‫جزاء ما ق ّ‬
‫إشارة‪:‬‬
‫ص؛ فإّنك مسؤول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يا معلم‪ ..‬علم بإخل ٍ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫معّلم‪ ..‬عّلم‬
‫يا ُ‬
‫د‪ .‬عبد الرحمن صالح العشماوي*‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لبه شاء ذلك أو أبى‪ ،‬وإذا غاب عن المعلم أو المعلمة‬ ‫المعلم قدوة لط ّ‬
‫شعورهما بصفة القدوة فقد جنيا على التعليم والتربية جناية كبيرة‪ ،‬وإذا لم‬
‫يكونا قدوة حسنة للطلب والطالبات فل مناص من أن يكونا قدوة سيئة أو‬
‫سلبية باهتة الثر عديمة الجدوى‪.‬‬
‫هنالك مشكلة واضحة في مستوى كثير من المعلمين والمعلمات من حيث‬
‫العلم والثقافة والخلق والجد والحساس بالمسؤولية وتقدير معنى المانة‪،‬‬
‫وهي مشكلة خطيرة جدًا؛ لنها تتعلق بالجيال الناشئة وبنائها العلمي‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والثقافي والخلقي والتربوي‪ ،‬فهذه الجيال تتعلق بالنماذج التربوية وتتأثر بها‬
‫وتقّلدها‪ ،‬وتتلقى منها دون ترّدد‪ ،‬وتعتقد أن كل سلوك يصدر من نماذج‬
‫القدوة مقبول مباح‪ ،‬وأن كل معلومة أو فكرة تصدر عنها صحيحة ثابتة‪ ،‬وقد‬
‫أكدت جميع الدراسات الميدانية التربوية والنفسية‪ ،‬وجميع الستبانات‪ ،‬أن‬
‫النسبة الكبرى من الطلب والطالبات يتأثرون بصور متعددة ونسب متفاوتة‬
‫بثقافة وإخلص وسلوك معّلميهم ومعّلماتهم‪ ،‬وأن نسبة كبيرة من الباء‬
‫والمهات يثقون بنسبة متفاوتة أيضا ً في المعّلمين والمعّلمات‪ ،‬ومعنى ذلك‬
‫جهون أولدهم إلى المدارس أن المعلمين والمعلمات‬ ‫أنهم يفترضون حينما يو ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سيقومون بواجب التربية والتعليم خير قيام‪ ،‬وسيحملون عبئا كبيرا كان‬
‫المنزل يحمله وحيدا ً قبل التحاق الولد بالمدرسة‪.‬‬
‫هذه المعاني كّلها يجب أن تكون حاضرة حضورا ً قويا ً في وجدان المعلم‬
‫والمعلمة‪ ،‬ول يصح لحد منهم أن يتهاون بها‪ ،‬أو يغفل عنها‪ ،‬أو يقّلل من‬
‫أهميتها مهما كانت السباب‪.‬‬
‫وهنا نتساءل‪ :‬ما مدى إحساس جميع المعلمين والمعلمات بهذه المسؤولية‬
‫التربوية والتعليمية والتثقيفية؟ وبأي صورة من الهتمام والعناية يتعاملون‬
‫معها؟‬
‫هنالك نماذج مضيئة ناجحة نجاحا ً ملموسا ً من المعلمين والمعلمات في‬
‫مدارسنا ل يخفى أثرهم اليجابي على أحد منا‪ .‬وإنما نتساءل هنا عن النماذج‬
‫الخرى التي ل تنظر إلى التعليم إل بعين العمل الروتيني والمصلحة المادية‪،‬‬
‫ول تبذل من اهتمامها ووقتها وجهدها ما يحقق الهدف المنشود من التعليم‬
‫والتربية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نتساءل عن المعلمين الذين ل يملكون علما غزيرا‪ ،‬ول ثقافة واسعة‪ ،‬ول‬
‫تعامل ً حسنًا‪ ،‬ول يهتمون بتطوير أنفسهم وتثقيفها وضبط سلوكها‪ ،‬ول يحبون‬
‫درون مكانة العلم مع أنهم في‬ ‫القراءة مع أنهم يعلمون القراءة‪ ،‬ول يق ّ‬
‫مجالت علمية‪ ،‬ول يلتفتون إلى أهمية القدوة مع أنهم في موقع القدوة‪.‬‬
‫نتساءل عن هؤلء‪ :‬إلى متى يبقون في هذه الدائرة السلبية المظلمة؟ وإلى‬
‫متى تبقى وزارة التربية والتعليم بعيدة عن اعتماد البرامج التدريبية المكثفة‬
‫لتحقيق معالم الشخصية اليجابية في نفوسهم؟!‬
‫المعلم مسؤول مسؤولية مباشرة عن نفسه؛ لنه يعرف ما يجب على مثله‬
‫في موقعه ومسؤوليته‪ ،‬فهو يدرك أن التعليم ليس وظيفة ذات دخل مادي‬
‫فقط‪ ،‬ولكنه عمل حضاري مهم تقوم عليه المجتمعات البشرية‪.‬‬
‫المعلم مسؤول أمام الله عن نفسه التي يشغلها بما ل يفيد من دوريات‬
‫يجتمع فيها مع ثلة من زملئه وأصدقائه ليس فيها إل الهرج والمرج ونكت‬
‫والت‪ ،‬وأخبار الرياضيين والفنانين‪ ،‬وكبسات الرز واللحم ذات اللوان‬ ‫الج ّ‬
‫والشكال‪.‬‬
‫المعلم مسؤول أمام الله عن رسالته العظيمة التي سُيسأل عنها‪ ،‬وسيلقى‬
‫دم فيها؛ إن خيرا ً فخيرًا‪ ،‬وإن شرا ً فشرًا‪.‬‬‫جزاء ما ق ّ‬
‫إشارة‪:‬‬
‫ص؛ فإّنك مسؤول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يا معلم‪ ..‬علم بإخل ٍ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫يا نفس ل تقنطي‬


‫د‪ .‬يوسف محمد صديق*‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال تعالى‪ ) :‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة‬
‫الله(‪،‬‬
‫ْ‬
‫قُنوط‪ :‬اليأس من الخير‪ ،‬وقيل‪ :‬أشد ّ اليأس من الشيء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قال ابن منظور‪ :‬ال ُ‬
‫ط من رحمة ربه ِإل الضالون ( ويقال‪ :‬شر الناس‬ ‫قن ُ ُ‬ ‫وفي التنزيل قال‪) :‬ومن ي َ ْ‬
‫سونهم‪ ،‬وقال أيضأ‪ :‬الي َْأس‪:‬‬ ‫َ‬
‫طون الناس من رحمة الله أي ي ُؤْي ِ ُ‬ ‫قن ّ ُ‬ ‫الذين ي ُ َ‬
‫قنوط‪ ،‬وقيل‪ :‬الي َأس نقيض الرجاء‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ال ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ضى‬ ‫ما قَ َ‬ ‫هل ّ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم َقا َ‬
‫ل‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ عَ ِ‬ ‫وع َ ْ‬
‫ضِبي(‬ ‫ت غَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫مِتي َ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫شهِ إ ِ ّ‬ ‫عن ْد َه ُ فَوْقَ عَْر ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫خل ْقَ ك َت َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ضِبي( هو إشارة إلى سعة‬ ‫مِتي تغلب غَ َ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫قال الجزري قوله تعالى‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫الرحمة وشمولها الخلق‪ ،‬كما يقال غلب على فلن الكرم أي هو أكثر خصاله‬
‫وإل فرحمة الله وغضبه صفتان راجعتان إلى إرادته للثواب والعقاب وصفاته‬
‫ل توصف بغلبة إحداهما الخرى‪ ،‬وقال الطيبي أي لما خلق الخلق حكم حكما‬
‫جازما ووعد وعدا لزما ل خلف فيه بأن رحمتي سبقت غضبي فإن المبالغ‬
‫في حكمه إذا أراد إحكامه عقد عليه سجل (‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حاُء‬
‫س ّ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫ضَها ن َ َ‬ ‫ملى ل ي َِغي ُ‬ ‫سبحانه الغني المغني و في الصحيح ) ي َد ُ الل ّهِ َ‬
‫ض‬
‫م ي َغِ ْ‬‫ه لَ ْ‬‫ض فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ت َواْلْر َ‬
‫َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫من ْذ ُ َ‬ ‫فق َ ُ‬ ‫ما أ َن ْ َ‬ ‫م َ‬
‫ل والنهار وَقا َ َ َ‬
‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫الل ّي ْ َ َ ّ َ َ َ‬
‫خَرى ال ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ماِء وَب ِي َدِهِ اْل ْ‬
‫ض وَي َْرفَعُ ( و‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ميَزا ُ‬ ‫ه عََلى ال ْ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ل عَْر ُ‬ ‫ما ِفي ي َدِهِ وََقا َ‬ ‫َ‬
‫م جميل السجايا‪ُ ،‬يصلح كبوته و يعتدل‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ك‬
‫ُ ِ ُ ِ ّ ِ ٌ‬ ‫ر‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫الفقير‬ ‫المسكين‬ ‫العبد‬
‫مع خالقه‪ ،‬و يسدد رميه‪ ،‬و يقارب‪ ،‬و يمضي نحو غرضه بهمة و روٍح عالية ‪،‬‬
‫مستظل ً برحمة الرحمن الرحيم غير المتناهية‪ ،‬و التي ل يبلغ كنه معرفتها أحد‬
‫عية مختار نحو الخلود في أعلى الجنان ـ و‬ ‫ما َ‬ ‫‪ ،‬و المؤمن قد اختص بأنه ط َ َ‬
‫ه بقوله‪) :‬ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون( ـ‬ ‫معَ ُ‬ ‫الله الرحيم قد أط ْ َ‬
‫متعطش للخلد‪ ،‬والثبات الدائم‪ ،‬والبقاء اللزم الذي ل ينقطع‪ ،‬مترنم بقول‬
‫امرؤ القيس‪:‬‬
‫و أمة محمد مرحومة مبشرة بالبشير‪ ،‬ما ترك ثغرة للقنوط يتسرب عبرها‬
‫ت الصحابة ما وجدته في نفوسها‪ ،‬عالج‬ ‫شك َ ِ‬ ‫إلى أفئدة و نفوس أتباعه و لما َ‬
‫ذلك بإغلق باب الشك و القنوط في رحمة الله بأبلغ عبارة وأصرحها؛ عن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ ):‬قلنا ما لنا يا رسول الله إذا كنا عندك كانت‬
‫قلوبنا في الخرة فإذا رجعنا ذهب‪ ،‬فقال لو كنتم تكونون إذا رجعتم كهيئتكم‬
‫عندي لزارتكم الملئكة في بيوتكم ولصافحتكم بأكفها ولو كنتم ل تذنبون‬
‫لجاء الله بخلق يذنبون فيغفر لهم قلت يا رسول الله أخبرنا عن الجنة ما‬
‫بناؤها قال لبنة من ذهب ولبنة من فضة ملطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ‬
‫والياقوت وتربتها الورس والزعفران من يدخلها يخلد ل يموت وينعم ل يبؤس‪،‬‬
‫ل تخرق ثيابهم ول يبلى شبابهم(‬
‫قُنوط‪ ،‬مرارة الحباط ملزمة لحنجرته‪ ) ،‬إنه ل‬ ‫م مختص بال ُ‬ ‫ب ل َِئي ٌ‬‫خ ّ‬ ‫و الكافر ِ‬
‫ييأس من روح الله إل القوم الكافرون(‪ ،‬و لو يعلم المرء ما يأتيه بعد الموت‬
‫من الهوال والشدائد ما أكل أكلة ول شرب شربة إل وهو يبكي‪ ،‬ويضرب‬
‫على صدره حيرة ودهشا‪ ،‬قال الغزالي‪ ):‬فعلى العاقل التفكر في عقاب‬
‫الخرة وأهوالها وشدائدها وحسرات العاصين في الحرمان من النعيم‬
‫المقيم ( فالتفريج والتنفيس والترويح في التعلق بحبل الرجاء‪ ،‬و التذلل‬
‫لرحمة الله‪.‬‬
‫و اليأس من روح الله‪ ،‬والقنوط من عفوه وكرمه‪ ،‬هو منهج الكافرين‪ ،‬ل‬
‫يشبه سبيل المؤمنين‪ ،‬بل يجافي منهج الموحدين‪ ،‬وهو من الكبائر و القبائح‪:‬‬
‫)الكبائر أربعة اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والمن من مكر‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله والشرك بالله( و عن ابن عباس رضي الله عنه ) أن رجل قال يا رسول‬
‫الله‪ :‬ما الكبائر؟ قال الشرك بالله‪ ،‬والياس من روح الله‪ ،‬والقنوط من رحمة‬
‫الله ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪) :‬أكبر الكبائر الشراك بالله‪،‬‬
‫والمن من مكر الله‪ ،‬والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله (‪ ،‬و عليه‬
‫يعتبر القنوط نقض لعرى الشريعة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫و الفأل الحسن و الرجاء الواسع‪ ،‬مطلب الصالحين‪ ،‬و سنة الراشدين‬


‫المهديين‪ ،‬وسبيل الناجين الفائزين‪ ،‬قال علي رضي الله عنه لهل العراق‬
‫)إنكم تقولون إن أرجى آية في كتاب الله عز وجل‪ ) :‬قل يا عبادي الذين‬
‫أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة الله(‪ ،‬قالوا إنا نقول ذلك‪ ،‬قال‬
‫ولكنا أهل البيت نقول إن أرجى آية )ولسوف يعطيك ربك فترضى(‪ ،‬وفي‬
‫الحديث لما نزلت هذه الية قال النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬إذا ً والله ل‬
‫أرضى و واحد من أمتي في النار (‪ ،‬فواجب المسلم معاداة القنوط من رحمة‬
‫الله جل وعل‪ ،‬و التوسط وعدم المبالغة في التكال على سعة رحمته تعالى‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ماَء ب ِن ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫بالهمال و التقاعس و التلهي عن العمل الصالح‪ ،‬و في حديث أ ْ‬
‫ل‬‫قو ُ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ي َ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫مي ّةِ َقال َ ْ‬ ‫خث ْعَ ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫مي ْ ٍ‬ ‫عُ َ‬
‫جب َّر‬ ‫ت‬ ‫د‬
‫ُ ََ ِ ِ َ َ ْ ُ َْ ٌ َ َ‬‫ب‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬
‫ِ َ‬ ‫بي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬‫ََ ِ َ‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫تا‬ ‫)ب ِئ ْ َ َ ْ ُ َ ْ ٌ َ َ ّ َ ْ َ‬
‫خ‬ ‫وا‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫س‬
‫قاب َِر َوال ْب َِلى‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫سَها وَل ََها وَن َ ِ‬ ‫س ال ْعَب ْد ُ عَب ْد ٌ َ‬ ‫جّباَر اْلعَْلى ب ِئ ْ َ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫دى وَن َ ِ‬ ‫َواعْت َ َ‬
‫ل الد ّن َْيا‬ ‫خت ِ ُ‬ ‫س ال ْعَب ْد ُ عَب ْد ٌ ي َ ْ‬ ‫من ْت ََهى ب ِئ ْ َ‬ ‫دا َوال ْ ُ‬ ‫مب ْت َ َ‬ ‫ي ال ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫س ال ْعَب ْد ُ عَب ْد ٌ عََتا وَط ََغى وَن َ ِ‬ ‫ب ِئ ْ َ‬
‫س‬‫قود ُه ُ ب ِئ ْ َ‬ ‫مع ٌ ي َ ُ‬ ‫س ال ْعَب ْد ُ عَب ْد ٌ ط َ َ‬ ‫ت ب ِئ ْ َ‬ ‫شب َُها ِ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫خت ِ ُ‬ ‫س ال ْعَب ْد ُ عَب ْد ٌ ي َ ْ‬ ‫ن ب ِئ ْ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ِبال ّ‬
‫ه( ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ب ي ُذِل ُ‬ ‫س العَب ْد ُ عَب ْد ٌ َرغَ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ه ب ِئ ْ َ‬ ‫ضل ُ‬ ‫ّ‬ ‫وى ي ُ ِ‬ ‫ال ْعَب ْد ُ عَب ْد ٌ هَ ً‬
‫ل الل ّهِ صلى الله‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫وظواهر النصوص ترشدنا لذلك؛ عَ َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ أ ّ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫جن ّت ِ ِ‬ ‫مع َ ب ِ َ‬ ‫ما ط َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ما‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ل‪ ) :‬ل َوْ ي َعْل َ ُ‬ ‫عليه وسلم َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫د( عَ ْ‬ ‫ح ٌ‬ ‫جن ّت ِهِ أ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَن َط ِ‬ ‫مةِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َ اللهِ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ال ْكافُِر َ‬ ‫َ‬ ‫حد ٌ وَل َوْ ي َعْل َ ُ‬ ‫أ َ‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫م َ‬ ‫خل َقَ ي َوْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬إ ِ ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫َ‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫ض فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مةٍ ك ّ‬ ‫ُ‬ ‫مائ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫مةٍ ط َِباقَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َر ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ة َر ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬
‫َ‬
‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ضَها‬ ‫ش َوالطي ُْر ب َعْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫ها َوالوَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وال ِد َة ُ عَلى وَلدِ َ‬ ‫َ‬ ‫ف ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ة فب َِها ت َعْط ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ض َر ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫من َْها ِفي الْر ِ‬ ‫ِ‬
‫مةِ ( ‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫ملَها ب ِهَذِهِ الّر ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مةِ أك َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن ي َوْ ُ‬ ‫ض فإ َِذا كا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫عَلى ب َعْ ٍ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫ّ‬ ‫سو‬ ‫م عَلى ر ُ‬ ‫َ‬ ‫ه قال ) قدِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب أن ّ ُ‬ ‫خطا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬
‫ن السبي تبتغي إَذا وجد َت ص ِبيا في السبي أ َخذ َته فَأ َ‬ ‫َ‬ ‫مَر ب ْ ِ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ه‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ص‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ ُ‬
‫ه صلى الله عليه وسلم أ َت ِرون هَذه ال ْمرأةََ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ِ َ َ َ ْ َ ِّ ِ‬ ‫ّ ْ ِ ََْ ِ‬ ‫ْ َ ٌ ِ َ‬
‫َ‬ ‫س ْ ٍ ِ‬
‫إ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫بِ َ‬
‫ََ ْ َ ِ ِ َ ْ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ل ََنا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ضعَت ْ ُ‬ ‫ب ِب َط ْن َِها وَأْر َ‬
‫َ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن َل ت َط َْر َ‬ ‫قدُِر عََلى أ ْ‬ ‫ي تَ ْ‬ ‫ها ِفي الّنارِ قُل َْنا َل َوالل ّهِ وَهِ َ‬ ‫ة وَل َد َ َ‬ ‫ح ً‬ ‫طارِ َ‬ ‫َ‬
‫ن هَذِهِ ب ِوَل َدِ َ‬ ‫َ‬
‫ها ( ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫م ب ِعَِبادِهِ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ه أْر َ‬ ‫الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل َل ّ ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل‪َ ) :‬قا َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم َقا َ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫وع َ َ‬
‫لل ْ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ أ ّ‬ ‫ْ‬
‫ر‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫ّ َ ْ ُ‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫روا‬ ‫ْ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫ذ‬ ‫وا‬ ‫ه‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ما‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ط‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫را‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ي َعْ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مَر الل ُ‬ ‫ن فَأ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الَعال ِ‬ ‫م َ‬ ‫دا ِ‬ ‫ح ً‬ ‫هأ َ‬ ‫ذاًبا ل ي ُعَذ ّب ُ ُ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ه عَلي ْهِ لي ُعَذ ّب َن ّ ُ‬ ‫ن قَد ََر الل ُ‬ ‫واللهِ لئ ِ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شي َت ِكَ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫م فَعَل َ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ما ِفيهِ ث ُ ّ‬ ‫مع َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫مَر الب َّر فَ َ‬ ‫ما ِفيهِ وَأ َ‬ ‫مع َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫حَر فَ َ‬ ‫ال ْب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه( واليه الشارة بقوله تعالى‪) :‬وكان بالمؤمنين رحيما(‪.‬‬ ‫فَر ل َ ُ‬ ‫م فَغَ َ‬ ‫ت أعْل َ ُ‬ ‫وَأن ْ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كاُنوا قَد ْ قَت َُلوا‬ ‫ك َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫عَن ابن عَباس رضي الله عنه‪) :‬أ َن ناسا م َ‬
‫شْر ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ّ َ ً ِ ْ‬ ‫َِ ْ ِ ّ ٍ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫ن ال ِ‬ ‫قالوا إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ف َ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫وا ُ‬ ‫َ‬
‫وا وَأكثُروا فأت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫وَأك ْث َُروا وََزن َ ْ‬
‫ن َل‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ) َوال ّ ِ‬ ‫فاَرة ً فَن ََز َ‬ ‫مل َْنا ك َ ّ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫خب ُِرَنا أ ّ‬ ‫ن ل َوْ ت ُ ْ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫عو إ ِل َي ْهِ ل َ َ‬ ‫ل وَت َد ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫حقّ وََل‬ ‫ُ ِ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫َ ّ َ‬‫ر‬ ‫ح‬ ‫تي‬ ‫َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ال‬
‫ِ ِ ً َ َ َ َ ُ َ ّ‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫آ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫يَ ْ ُ َ َ َ‬
‫ع‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫د‬
‫قن َ ُ‬ ‫م َل ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫سَرُفوا عََلى أن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫طوا ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَبادِيَ ال ّ ِ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫ت ) قُ ْ‬ ‫ن ( وَن ََزل َ ْ‬ ‫ي َْزُنو َ‬
‫مةِ الل ّهِ ( قال ابن عباس وعطاء‪ ) :‬نزلت في وحشي قاتل حمزة لنه ظن‬ ‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫أن الله ل يقبل إسلمه (‪ ،‬فإذا كان قاتل أسد الله حمزة رضي الله عنه عم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لم يقنط من رحمة الله‪ ،‬فما بال من غيره‬
‫يقنط‪ ،‬و قوله تعالى‪ ):‬قل يا عبادي‪ ،‬أفهم بالضافة تخصيص المؤمنين و نداء‬
‫ودعوة من الله لمة المعصوم صلى الله عليه وسلم المرحومة‪ ،‬فوجب أن‬
‫نستجيب‪ ،‬و نفرح و نسعد بصفح الله و عفوه‪ ،‬و قوله تعالى‪ ) :‬الذين أسرفوا(‬
‫أي جاوزوا الحد على أنفسهم بالنهماك في المعاصي )ل تقنطوا( ل تيأسوا‬
‫من رحمة الله مغفرته أول وتفضله ثانيا‪ .‬قوله تعالى‪) :‬إن الله يغفر الذنوب‬
‫جميعا( يسترها بعفوه ولو بل توبة إذا شاء‪ ،‬و إذا وعد الله الكفار أعداء الله و‬
‫قتلة النبياء و أعداء النسانية‪ ،‬بالمغفرة ) قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم‬
‫ما قد سلف(‪ ،‬فكيف يسوغ للمؤمن الموحد أن يسمح لضميره بالشك في‬
‫ن‬‫عفوه جل وعل‪ .‬و قد شرعت أبواب الرجاء والمحبة أمامه متسعة عَ ْ‬
‫فرٍ فَب َي َْنا‬ ‫س َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ِفي َ‬ ‫معَ الن ّب ِ ّ‬ ‫ل قال‪) :‬كنا َ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫ن بْ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫َ‬
‫ل الل ِّ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫را‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬
‫َ َ ُ َ ُ‬ ‫َ ِ ّ ِ َ ْ ٍ ُ َ ْ َ ِ ّ َ ُ َ ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫نَ ْ ُ ْ َ ُ ِ َ َ ُ‬
‫ه‬ ‫دا‬ ‫نا‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ح‬
‫صوْت ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫ك اغ ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه وَي ْ َ‬ ‫قل َْنا ل َ ُ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫هاؤُ ُ‬ ‫صوْت ِهِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ح ً‬ ‫صلى الله عليه وسلم ن َ ْ‬
‫ل َوالل ّهِ لَ‬ ‫قا َ‬ ‫ذا فَ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم وَقَد ْ ن ُِهي َ‬ ‫عن ْد َ الن ّب ِ ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫فَإ ِن ّ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مْرُء‬ ‫ي ‪ :‬ال َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫مف َ‬ ‫حقْ ب ِهِ ْ‬ ‫ما ي َل َ‬ ‫م وَل ّ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫مْرُء ي ُ ِ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ل العَْراب ِ ّ‬ ‫ض َقا َ‬ ‫ض ُ‬ ‫أغْ ُ‬
‫مع م َ‬
‫ب‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن قِب َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حّتى ذ َك ََر َباًبا ِ‬ ‫حد ّث َُنا َ‬ ‫ل يُ َ‬ ‫ما َزا َ‬ ‫مةِ فَ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب ي َوْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سب ِْعي َ‬ ‫ن أوْ َ‬ ‫ضهِ أْرب َِعي َ‬ ‫ب ِفي عَْر ِ‬ ‫سيُر الّراك ِ ُ‬ ‫ه أوْ ي َ ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫ما عَْر ُ‬ ‫عا ً‬ ‫ن َ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫سيَرةُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫حا‬‫فُتو ً‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫شا‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫س‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫قا‬ ‫ما‬ ‫ً‬ ‫عا‬ ‫َ‬
‫ي صلى‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه(‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫حّتى ت َط ْ‬ ‫ي َعِْني ِللت ّوْب َةِ َل ي ُغْل َقُ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سى هَ َ‬
‫ذا‬ ‫عي َ‬ ‫ل أبو ِ‬ ‫م ي ُغَْرِغْر َقا َ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ة ال ْعَب ْد ِ َ‬ ‫ل ت َوْب َ َ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫الله عليه وسلم َقا َ‬
‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم َقا َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫سى عَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن أِبي ُ‬ ‫ب(‪ ،‬وعَ ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن غَ ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫سط ي َد َه ُ ِبالن َّهاِر‬ ‫ُ‬ ‫سيُء الن َّهارِ وَي َب ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ل ل ِي َُتو َ‬ ‫ّ‬
‫سط ي َد َه ُ ِباللي ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫جل ي َب ْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫) إِ ّ‬
‫مغْرِب َِها(‪ ،‬و ينزل ربنا في كل ليلة‬ ‫ْ ُ ِ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫ت‬
‫ْ ِ َ ّ َ‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫سي‬ ‫ل ِي َُتو َ ُ ِ‬
‫م‬ ‫ب‬
‫صّلى‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫يدعو عباده ليغفر و يستجيب لهم؛ عن أبى هَُري َْرةَ قال‪َ :‬قا َ‬
‫َ‬
‫ث الل ّي ْ ِ‬
‫ل‬ ‫ل أوْ ل ِث ُل ُ ِ‬ ‫شط ُْرِ الل ّي ْ ِ‬ ‫ماِء الد ّن َْيا ل ِ َ‬
‫َ‬
‫س َ‬ ‫ه ِفي ال ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫م ‪) :‬ي َن ْزِ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫الّله عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫سأل ُِني فَأعْط ِي َ ُ‬ ‫ه أوْ ي َ ْ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫عوِني فَأ ْ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫خرِ فَي َ ُ‬ ‫اْل ِ‬
‫م( و قد عقد المحدثون البواب و الفصول عن سعة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض غَي َْر عَ ِ‬
‫ديم ٍ وَل ظلو ٍ‬ ‫قرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫رحمة الله و ساقوا بأسانيدهم الصحاح و الحسان الكثير من كلم المعصوم‬
‫صلى الله عليه وسلم في بيان سعة رحمة الله ‪ ،‬ما يذهب هم القنوط‪ ،‬قال‬
‫ابن أبي شيبة في مصنفه ) كتاب ذكر رحمة الله ‪ -‬ما ذكر في سعة رحمة‬
‫الله تعالى( عن أبي أيوب رضي الله عنه قال‪ ) :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ) لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم(‪ ،‬وعن سلمان‬
‫رضي الله عنه قال) لما أري إبراهيم ملكوت السماوات والرض رأى عبدا‬
‫على فاحشة فدعا عليه فهلك ثم رأى آخر فدعا عليه فهلك ثم رأى آخر فدعا‬
‫عليه فهلك فقال الله أنزلوا عبدي ل تهلكوا عبادي (‪.‬‬
‫عباد الله ل تقنطوا من رحمة الله‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي يطعم ول يطعم من علينا فهدانا‬
‫وأطعمنا وسقانا وكل بلء حسن أبلنا الحمد لله الذي أطعم من الطعام‬
‫وسقى من الشراب وكسى من العري وهدى من الضللة وبصر من عمى‬
‫وفضل على كثير ممن خلق تفضيل الحمد لله رب العالمين اللهم صل وسلم‬
‫وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد أيها الحبة في الله‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته هذه ليلة الحد الموافق للثامن من الشهر‬
‫السادس للعام السابع عشر بعد الربعمائة واللف وفي هذا الجامع المبارك‬
‫جامع الملك فهد بمدينة <بريدة> نلتقي بهذه الوجوه الطيبة المباركة وفي‬
‫مجلس من مجالس الذكر يا سامعا لكل شكوى يا خالقا الكوان أنت‬
‫المرتجى وإليك وحدك ترتقي صلواتي يا خالقي ماذا أقول وأنت تعلمني وأنت‬
‫تعلمني وتعلم حاجتي وشكايتي يا خالقي ماذا أقول يا خالقي ماذا أقول وأنت‬
‫مطلع على شكواي والنات اللهم يا موضع كل شكوى ويا سامع كل نجوى ويا‬
‫شاهد كل بلوى ويا عالم كل خفية ويا كاشف كل بلية يا من يملك حوائج‬
‫السائلين ويعلم ضمائر الصامتين ندعوك دعاء من اشتدت فاقته وضعفت‬
‫قوته وقلت حيلته دعاء الغرباء المضطرين الذين ل يجدون لكشف ما هم فيه‬
‫إل أنت يا أرحم الراحمين اكشف ما بنا وبالمسلمين من ضعف وفتور وذل‬
‫وهوان يا سامعا لكل شكوى أعن المساكين والمستضعفين وارحم النساء‬
‫الثكالى والطفال اليتامى وذا الشيبة الكبير إنك على كل شيء قدير معاشر‬
‫الخوة والخوات إن في تقلب الدهر عجائب وفي تغير الحوال مواعظ توالت‬
‫العقبات وتكاثرت النكبات وطغت الماديات على كثير من الخلق فتنكروا‬
‫لربهم ووهنت صلتهم به اعتمدوا على السباب المادية البحتة فسادت موجات‬
‫القلق والضطراب والضعف والهوان وعم الخوف والهلع من المستقبل بل‬
‫قَراء‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س أنت ُ ُ‬‫وعلى المستقبل تخلوا عن ربهم فتخلى الله عنهم )َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ميد ُ ( جميع الخلق مفتقرون إلى الله مفتقرون‬ ‫ح ِ‬‫ي ال ْ َ‬
‫ه هُوَ ال ْغَن ِ ّ‬
‫إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫إلى الله في كل شئونهم وأحوالهم وفي كل كبيرة وصغيرة وفي هذا العصر‬
‫تعلق الناس بالناس وشكا الناس إلى الناس ول بأس أن يستعان بالناس فيما‬
‫يقدرون عليه لكن أن يكون المعتمد عليهم والسؤال إليهم والتعلق بهم فهذا‬
‫هو الهلك بعينه فإن من تعلق بشيء وكل إليه نعتمد على أنفسنا وذكائنا بكل‬
‫غرور وعجب ‪....‬أما أن نسأل الله العون والتوفيق ونلح عليه بالدعاء ونحرص‬
‫خر ما يفكر‬ ‫على دوام الصلة بالله في كل الشياء وفي الشدة والرخاء فهذا آ ِ‬
‫فيه بعض الناس‬
‫فقيرا جئت بابك يا إلهي‬
‫ولست إلى عبادك بالفقير‬
‫غني عنهم بيقين قلبي‬
‫وأطمع منك بالفضل الكبير‬
‫إلهي ما سألت سواك عونا‬
‫فحسبي العون من رب قدير‬
‫إ لهي ما سألت سواك عفوا‬
‫فحسبي العفو من رب غفور‬
‫إلهي ما سألت سواك هديا‬
‫فحسبي الهدي من رب بصير‬
‫إذا لم أستعن بك يا إلهي‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فمن عوني سواك ومن مجيرِ‬


‫أيها الخوة إن الفرار إلى الله واللجوء إليه في كل حال وفي كل كرب وهم‬
‫هو السبيل للتخلص من فتورنا وضعفنا وذلنا وهواننا إن في هذه الدنيا‬
‫مصائب ورزايا ومحن وبليا آلما تضيق بها النفوس ومزعجات تورث الخوف‬
‫والجزع كم في الدنيا من عين باكية وكم فيها من قلب حزين وكم فيها من‬
‫الضعفاء والمعدومين قلوبهم تشتعل ودموعهم تسيل هذا يشكو علة وسقما‬
‫وذاك حاجة وفقرا وآخر هما وقلقا عزيز قد ذل وغني افتقر وصحيح مرض‬
‫رجل يتبرم من زوجه وولده وآخر يشكو ويئن من ظلم سيده وثالث كسدت‬
‫وبارت تجارته شاب أو فتاة يبحث عن عروس وطالب يشكو كثرة المتحانات‬
‫والدروس هذا مسحور وذاك مدين وآخر ابتلي بالدمان والتدخين ورابع أصابه‬
‫الخوف ووسوسة الشياطين تلك هي الدنيا تضحك وتبكي وتجمع وتشتت‬
‫م وَلَ‬ ‫ْ‬
‫وا عََلى َ‬
‫ما َفات َك ُْ‬ ‫شدة ورخاء وسراء وضراء وصدق الله العظيم )ل ِك َي َْل ت َأ َ‬
‫س ْ‬
‫خورٍ ( أيها الخوة السؤال الذي‬ ‫ل فَ ُ‬
‫خَتا ٍ‬
‫م ْ‬ ‫ب كُ ّ‬
‫ل ُ‬ ‫ح ّ‬‫ه َل ي ُ ِ‬
‫م َوالل ّ ُ‬
‫ما آَتاك ُ ْ‬
‫حوا ب ِ َ‬
‫فَر ُ‬
‫تَ ْ‬
‫يجب أن يكون؛ هؤلء إلى من يشكون وأيديهم إلى من يمدون يجيبك واقع‬
‫الحال على بشر مثلهم يترددون وللعبيد يتملقون يسألون ويلحون وفي الثناء‬
‫والمديح يتقلبون وربما على السحرة والكهنة يتهافتون نعم والله تؤلمنا‬
‫شكاوي المستضعفين وزفرات المساكين وصرخات المنكوبين وتدمع أعيننا‬
‫يعلم الله لهات المتوجعين وأنات المظلومين وانكسار الملذوعين لكن أليس‬
‫إلى الله وحده المشتكي أليس إلى الله وحده المشتكي أين اليمان بالله أين‬
‫التوكل على الله أين الثقة واليقين بالله‬
‫وإذا عرفت بلية فاصبر لها‬
‫صبر الكريم فإنه بك أرحم‬
‫وإذا شكوت إلى ابن أدم فإنما‬
‫تشكو الرحيم إلى الذي ل يرحم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ألم نسمع عن أناس كانوا يشكون إلى الله حتى انقطاع شسع نعلهم نعم‬
‫حتى سير النعل كانوا يشكون إلى الله بل كانوا يسألون الله حتى الملح يا‬
‫أصحاب الحاجات أيها المرضى أيها المدينون أيها المكروب والمظلوم أيها‬
‫المعسر والمهموم أيها الفقير والمحروم يا من يبحث عن السعادة الزوجية يا‬
‫من يشكو العقم ويبحث عن الذرية يا من يريد التوفيق في الدراسة‬
‫والوظيفة يا من يهتم لمر المسلمين يا كل محتاج يا من ضاقت عليه الرض‬
‫بما رحبت لماذا ل نشكو إلى الله أمرنا لماذا ل نشكو إلى الله أمرنا وهو‬
‫َ‬
‫م ( لماذا ل نرفع أكف الضراعة إلى الله وهو‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬
‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫القائل )ادعون أ ْ‬
‫ُ‬
‫ن ( لماذا ضعف الصلة بالله‬
‫ُ‬ ‫عا ِ‬‫ب د َعْوَة َ الداعي إ َِذا د َ َ‬ ‫جي ُ‬ ‫بأ ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫القائل )فَإ ِّني قَ ِ‬
‫م(‬ ‫عاؤُك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما ي َعْب َأ ب ِك ُ ْ‬
‫م َرّبي لوْل د ُ َ‬ ‫ل َ‬ ‫وقله في العتماد على الله وهو القائل )قُ ْ‬
‫لول دعاؤكم أيها المؤمنون أيها المسلمون يا أصحاب الحاجات ألم نقرأ في‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ضّراء ( لماذا ) ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ساء َوال ّ‬ ‫م ِبال ْب َأ َ‬ ‫القرآن قول الحق عز وجل )فَأ َ‬
‫خذ َْناهُ ْ‬
‫ن ( فأين نحن من الشكوى لله أين نحن من اللحاح والتضرع لله‬ ‫عو َ‬‫ضّر ُ‬
‫ي َت َ َ‬
‫سبحان الله ألسنا بحاجة لربنا أنعتمد على قوتنا وحولنا والله ثم والله ل حول‬
‫لنا ول قوة إل بالله والله ل شفاء إل بيد الله ول كاشف للبلوى إل الله ل‬
‫توفيق ول فلح ول سعادة ول نجاح إل من الله العجيب والغريب أيها الخوة‬
‫أن كل مسلم يعلم هذا ويعترف بهذا بل ويقسم على هذا فلماذا إذن تتعلق‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القلوب بالضعفاء والعاجزين ولماذا نشكو إلى الناس ونلجأ للمخلوقين‬


‫سل الله ربك ما عنده‬
‫ول تسأل الناس ما عندهم‬
‫ول تبتغي من سواه الغنى‬
‫وكن عبده ل تكن عبدهم‬
‫فيا من إذا بليت سلك أحبابك وهجرك أصحابك يا من نزلت به نازلة أو حلت‬
‫به كارثة يا من بليت بمصيبة أو بلء ارفع يديك إلى السماء وأكثر الدمع‬
‫والبكاء وألح على الله بالدعاء وقل يا سامعا لكل شكوى " إذا استعنت‬
‫فاستعن بالله وإذا سألت فاسأل الله " وقل يا سامعا لكل شكوى توكل على‬
‫الله وحده وأعلن بصدق أنك عبده واسجد لله بخشوع وردد بصوت مسموع يا‬
‫سامعا لكل شكوى ‪:‬‬
‫أنت الملذ إذا ما أزمة شملت‬
‫وأنت ملجأ من ضاقت به الحيل‬
‫أنت المنادى به في كل حادثة‬
‫أنت الله وأنت الذخر والمل‬
‫أنت الرجاء لمن سدت مذاهبه‬
‫أنت الدليل لمن ضلت به السبل‬
‫إنا قصدناك والمال واقعة‬
‫عليك والكل ملهوف ومبتهل‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن النبياء والرسل وهم خير الخلق وأحب الناس إلى الله نزل بهم البلء‬
‫واشتد بهم الكرب فماذا فعلوا وإلى من لجئوا ؟ أخي الحبيب أختصر لك‬
‫الجابة إنه التضرع والدعاء والفتقار لرب الرض والسماء إنها الشكاية لله‬
‫وحسن الصلة بالله هذا نوح عليه السلم يشكو أمره إلى الله ويلجأ إلى‬
‫َ‬
‫ب‬‫ن ال ْكْر ِ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل َ ُ‬ ‫ن وَن َ ّ‬ ‫جيُبو َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ح فَل َن ِعْ َ‬ ‫قد ْ َناَداَنا ُنو ٌ‬ ‫موله قال تعالى )وَل َ َ‬
‫ظيم ِ ( كانت المناجاة كانت المناجاة فكانت الجابة من الرحمن الرحيم‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫َ‬
‫ظيم ِ (‬ ‫ب ال ْعَ ِ‬ ‫ن ال ْك َْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل َ ُ‬ ‫ه فَن َ ّ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬‫ل َفا ْ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫حا إ ِذ ْ َناَدى ِ‬‫وقال )وَُنو ً‬
‫ماء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وا َ‬ ‫حَنا أب ْ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫صْر ف َ‬ ‫ب فانت َ ِ‬ ‫مغْلو ٌ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫عا َرب ّ ُ‬ ‫وقال عز من قائل )فد َ َ‬
‫مرٍ ( هذا أيوب عليه السلم ابتله الله بالمرض ثمانية عشر عاما حتى أن‬ ‫من ْهَ ِ‬
‫الناس ملوا زيارته لطول المدة فلم يبق معه إل رجلن من إخوانه يزورانه‬
‫لكنه لم ييئس عليه السلم بل صبر واحتسب وأثنى الله عليه فقال )إ ِّنا‬
‫ب ( أواب أي رجاع منيب إلى ربه ظل على‬ ‫وجدناه صابرا ن ِعم ال ْعبد إن َ‬
‫ه أّوا ٌ‬ ‫َ َ َْ ُ َ ِ ً ْ َ َ ْ ُ ِّ ُ‬
‫صلته بربه وثقته به ورضاه بما قسم له توجه إلى ربه بالشكوى ليرفع عنه‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الضر والبلوى قال تعالى )وأ َيوب إذ ْ نادى رب َ‬
‫ح ُ‬ ‫ت أْر َ‬ ‫ضّر وَأن َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سن ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫َ ّ َ ِ َ َ َ ّ ُ‬
‫ن ( فماذا كانت النتيجة قال الحق عز وجل العليم البصير بعباده‬ ‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫الّرا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه فَك َ‬ ‫َ‬
‫مث ْلُهم‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫ضّر َوآت َي َْناه ُ أهْل ُ‬ ‫من ُ‬ ‫ما ب ِهِ ِ‬ ‫فَنا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫جب َْنا ل ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫الرحمن الرحيم قال )َفا ْ‬
‫ن ( هذا يونس عليه السلم رفع الشكاية‬ ‫دي َ‬ ‫ْ‬
‫عندَِنا وَذِكَرى ل ِلَعاب ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬
‫ةم ْ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫م َر ْ‬ ‫معَهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أن‬ ‫ضًبا فَظ ّ‬ ‫مَغا ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن ِإذ ذهَ َ‬ ‫لله فلم يناج ولم يناد إل الله قال تعالى )وََذا الّنو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ُ‬
‫حان َك إ ِّني كن ُ‬ ‫َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ه ِإل أن َ‬ ‫ت أن ل إ ِل َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫قدَِر عَل َي ْهِ فََناَدى ِفي الظ ّل ُ َ‬ ‫لن ن ْ‬
‫جي‬ ‫َ‬
‫م وَكذ َل ِك ُنن ِ‬ ‫َ‬ ‫ن الغَ ّ‬‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫جي َْناه ُ ِ‬ ‫ه وَن َ ّ‬ ‫َ‬
‫جب َْنا ل ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن ( فماذا كانت النتيجة ) َفا ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن ( وذكريا عليه السلم قال الحق عز وجل عنه )وذكريا إ ِذ ْ َناَدى َرب ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن ( الذين يشكون العقم وقلة الولد‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ب َل ت َذ َْرِني فَْرًدا وَأن َ‬ ‫َر ّ‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ن ( فماذا كانت‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ب َل ت َذ َْرِني فَْرًدا وَأن َ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫)وذكريا إ ِذ ْ َناَدى َرب ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫م كاُنوا ي ُ َ‬ ‫ه إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه َزوْ َ‬ ‫حَنا ل ُ‬ ‫صل ْ‬ ‫حَيى وأ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ه وَوَهَب َْنا ل ُ‬ ‫جب َْنا ل ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫النتيجة ) َفا ْ‬
‫ن ( إذن لماذا استجاب الله‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫كاُنوا ل ََنا َ‬ ‫عون ََنا َرغًَبا وََرهًَبا وَ َ‬ ‫ت وَي َد ْ ُ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ِفي ال ْ َ‬
‫دعاءه لنهم كانوا يسارعون في الخيرات كانوا ل يملون الدعاء بل كان القلب‬
‫ن ؛ خاشعين متذللين‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫كاُنوا ل ََنا َ‬ ‫متصل متعلقا بالله لذلك قال الله عنهم وَ َ‬
‫معترفين بالتقصير فالشكاية تخرج من القلب قبل اللسان يعقوب عليه‬
‫َ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫ن(‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حْزِني إ َِلى الل ّهِ وَأعْل َ ُ‬ ‫كو ب َّثي وَ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫السلم قال )إ ِن ّ َ‬
‫ما ل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫انظروا إلى اليقين انظروا للمعرفة لرب العالمين )وَأعْل ُ‬
‫ن ( فاستجاب الله دعاه وشكواه ورد عليه يوسف وأخاه وهذا يوسف‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫عليه السلم ابتله الله بكيد النساء فلجأ إلى الله وشكا إليه ودعاه فقال )وَإ ِل ّ‬
‫ف‬‫صَر َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ه َرب ّ ُ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫كن م َ‬ ‫ن وَأ َ ُ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ّ‬
‫ص ُ‬ ‫نأ ْ‬
‫ف عَني ك َيدهُ َ‬
‫ْ َ ّ‬ ‫صرِ ْ ّ‬ ‫تَ ْ‬
‫م ( وأخبر الله عن نبينا محمد صلى الله عليه‬ ‫ْ‬
‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫س ِ‬‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ه كي ْد َهُ ّ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫م ( استغاثة لجاءة إلى الله‬ ‫ُ‬
‫ن َرب ّك ْ‬ ‫ست َِغيُثو َ‬ ‫وسلم وأصحابه فقال تعالى )إ ِذ ْ ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م أّني‬ ‫ب لك ْ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م فا ْ‬ ‫ن َرب ّك ْ‬ ‫ست َِغيُثو َ‬ ‫شكوى وصلة لله سبحانه وتعالى )إ ِذ ْ ت َ ْ‬
‫َ‬
‫ن ( وهكذا أيها الحبة إننا حينما نستعرض‬ ‫مْردِِفي َ‬ ‫ن الملئكة ُ‬ ‫فم َ‬ ‫كم ب ِأل ْ ٍ‬ ‫مد ّ ُ‬ ‫م ِ‬‫ُ‬
‫حياة الرسل جميعا كما قصها علينا القرآن الكريم نرى أن البتلء والمتحان‬
‫كانا مادتها وماؤها وأن الصبر وحسن الصلة بالله ودوام اللتجاء وكثرة الدعاء‬
‫وحلوة الشكوى كان قوامها وما أشرنا إليه إنما هي نماذج من الستجابة‬
‫للدعاء ومن نظر في كتب السير والتفاسير وقف على شدة البلء الذي‬
‫أصاب النبياء وعلم أن الستجابة جاءت بعد إلحاح ودعاء واستغاثة ونداء إنها‬
‫آيات بينات وبراهين واضحات وتقول بل وتعني أن من توكل واعتمد على الله‬
‫وأحسن الصلة بموله استجاب الله دعاءه وحفظه ورعاه فإن لم يكن ذلك‬
‫في الدنيا كان في الخرة وما عند الله خير وأبقى إنها صفحات من البتلء‬
‫والصبر معروضة للبشرية لتسجل أن ل اعتماد إل على الله وأن ل فارج للهم‬
‫ول كاشف للبلوى إل الله هذا هو طريق الستعلء أن ننظر إلى السماء وأن‬
‫نلح بالدعاء لن الشكوى إلى الله تشعرك بالقوة والسعادة وأنك تأوي إلى‬
‫ركن شديد أما الشكوى إلى الناس والنظر لما في أيدي الناس سيشعرك‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بالضعف والذل والهانة والتبعية يا أخا التوحيد أليس هذا أصل من أصول‬
‫التوحيد إن من أصول التوحيد أن تتعلق القلوب بخالقها في وقت الشدة‬
‫والرخاء والخوف والمن والمرض والصحة بل وفي كل حال وزمان وما نراه‬
‫اليوم من تعلق القلوب بالمخلوقين وبالسباب وحدها دون اللجوء إلى الله‬
‫لهو والله نذير خطر لزعزعة عقيدة التوحيد في النفوس أيها الحبة إن‬
‫الشكوى لله والتضرع إلى الله وإظهار الحاجة إليه والعتراف بالفتقار إليه‬
‫من أعظم عرى اليمان وثوابت التوحيد وبرهان ذلك الدعاء واللحاح في‬
‫السؤال والثقة واليقين بالله في كل حال ولقد زخرت كتب السنة بأنواع من‬
‫الدعاء تجعل المسلم على صلة بربه وفي حرز من عدوه يقضي أمره‬
‫ويقضي همه في كل مناسبة دعاء في اليقظة والمنام والحركة والسكون‬
‫قياما وقعودا وعلى الجنوب ابتهال وتضرع في كل ما أهم العبد وهل إلى غير‬
‫الله مفر أم هل إلى غيره ملذ ففي المرض مثل الدعية كثيرة والحاديث‬
‫مستفيضة إليك على سبيل المثال ما أخرجه ]البخاري[ و]مسلم[ من حديث‬
‫]عائشة[ رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو"‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن رسول الله كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد‬
‫وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عليه بيده رجاء بركتها" وأخرج البخاري ومسلم‬
‫أيضا من حديث عائشة قالت" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا‬
‫اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال ‪ :‬اذهب الباس رب الناس واشف‬
‫أنت الشافي ل شفاء إل شفاؤك شفاء ل يغادر سقما "أي ل يترك سقما وفي‬
‫صحيح مسلم وسنن أبي داود ]والترمذي[ عن ]عثمان بن أبي العاص[ رضي‬
‫الله تعالى عنه أنه شكي رسول الله أو شكي إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال له صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫انظروا لرسول الله لقدوتنا وحبيبنا يربي الناس يربي أصحابه على العتماد‬
‫واللجوء إلى الله فقال له صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي تألم من‬
‫جسدك ضع يدك الرشاد أول لله التعلق أول بالله لم يرشده أول لطبيب‬
‫حاذق ول بأس بهذا لكن التعلق بالله هو أول " ضع يدك على الذي تألم من‬
‫جسدك وقل بسم الله بسم الله بسم الله ثم قل سبعا أعوذ بعزة الله‬
‫وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " وفي رواية امسحه بيمينك سبع مرات وفي‬
‫رواية قال عثمان فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر بها أهلي‬
‫وغيرهم ‪.‬سبحان الله اسمعوا لحسن الصلة بالله والتوكل على الله فلم أزل‬
‫آمر بها أهلي وغيرهم أيها المريض اعلم أن من أعظم أسباب الشفاء التداوي‬
‫بالرقى الشرعية من القرآن والدعية النبوية ولها أثر عجيب في شفاء‬
‫المريض وزوال علته لكنها تريد قلبا صادقا وذل وخضوعا لله رددها أنت‬
‫بلسانك فرقيتك لنفسك أفضل وأنجى فأنت المريض وأنت صاحب الحاجة‬
‫وأنت المضطر وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة وما حك جلدك‬
‫مثل ظفرك فتوكل على الله بصدق وألح عليه بدون ملل وأظهر ضعفك‬
‫وعجزك وحالك وفقرك إليه وستجد النتيجة العجيبة إن شاء الله ثقة بالله‬
‫فإلى كل مريض مهما كان مرضه أقول أخي الحبيب شفاك الله وعافاك اعلم‬
‫أن المراض من جملة ما يبتلي الله به عباده والله عز وجل ل يقضي شيئا إل‬
‫وفيه الخير والرحمة بعباده وربما ربما كان مرضك لحكمة لحكمة خفيت‬
‫عليك أو خفيت على عقلك البشري الضعيف وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير‬
‫لكم أيها المحب شفاك الله هل علمت أن للمراض والسقام فوائد وحكم‬
‫أشار ]ابن القيم[ إلى أنه أحصاها فزادت على مائة فائدة وانظر كتاب شفاء‬
‫العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل صفحة خمسة وعشرين‬
‫وخمسمائة أيها المسلم أيها المسلم أسأل الله العظيم رب العرش العظيم‬
‫أن يشفيك ويعافيك هل سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما‬
‫من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إل حط الله به سيئاته كما تحط‬
‫الشجرة ورقها" والحديث متفق عليه من حديث ]ابن مسعود[ وهل سمعت‬
‫أنه صلى الله عليه وسلم زار أم العلء وهي مريضة فقال "لها ابشري يا أم‬
‫العلء فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما يذهب خبث الذهب‬
‫والفضة أو كما تذهب النار خبث الذهب والفضة" والحديث أخرجه ]أبو داود[‬
‫وحسنه ]المنذري[ وقال ]اللباني[ في صحيحه هذا سند جيد قال] ابن عبد‬
‫البر[ رحمه الله الذنوب تكفرها المصائب واللم والمراض والسقام وهذا‬
‫أمر مجتمع عليه ‪.‬انتهى كلمه رحمه الله والحاديث والثار في هذا مأثورة‬
‫ليس هذا مقام بسطها لكن المراد هنا أننا نرى حال بعض الناس إذا مرض‬
‫يفعل كل السباب المادية من ذهاب للطباء وأخذ للدواء وبذل للموال وسفر‬
‫للقريب والبعيد ول شك أن هذا مشروع محمود ولكن المر الغريب أن يطرق‬
‫كل البواب وينسى باب مسبب السباب بل ربما لجأ للسحرة والمشعوذين‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نعوذ بالله من الشرك والمشركين ألم يقرأ في القرآن ) وإذا مرضت فهو‬
‫يشفين ( أيها المريض اعلم أن الشافي الله ول شفاء إل شفاؤه أيها المريض‬
‫بل يا كل مصاب أيا كانت مصيبته هل سألت نفسك لماذا‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ابتلك الله بهذا المرض أو بهذه المصيبة ربما لخير كثير ولحكم ل تعلمها‬
‫ولكن الله يعلمها ألم يخطر ببالك أنه أصابك بهذا البلء ليسمع صوتك وأنت‬
‫تدعوه ويرى فقرك وأنت ترجوه فمن فوائد المصائب استخراج مكنون‬
‫عبودية الدعاء قال أحدهم سبحان من استخرج الدعاء بالبلء وفي الثر "أن‬
‫الله ابتلى عبدا صالحا من عباده وقال لملئكته لسمع صوته" يعني بالدعاء‬
‫واللحاح أيها المريض المرض يريك فقرك وحاجتك إلى الله وأنه ل غنى لك‬
‫عنه طرفة عين فيتعلق قلبك بالله وتقبل عليه بعد أن كنت غافل عنه وصدق‬
‫من قال فربما صحت الجسام بالعلل فارفع يديك ارفع يديك وأسل دمع‬
‫عينيك وأظهر فقرك وعجزك واعترف بذلك وضعفك في رواية عن ]سعيد بن‬
‫عنبسة[ قال بينما رجل جالس وهو يعبث بالحصى ويحذف به إذ رجعت حصاة‬
‫منها عليه فصارت في أذنه فجهدوا بكل حيلة فلم يقدروا على إخراجها‬
‫فبقيت الحصاة في أذنه مدة وهي تؤلمه فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع‬
‫قارئا يقرأ ) أم من يجيب المضطر إذا دعاه ( فقال الرجل يا رب يا رب أنت‬
‫المجيب وأنا المضطر فاكشف عني ضر ما أنا فيه فنزلت الحصاة من أذنه‬
‫في الحال ل تعجب إن ربي لسميع الدعاء إذا أراد شيئا قال له كن فيكون أيها‬
‫المريض إياك وسوء الظن بالله إن طال بك المرض فتعتقد أن الله أراد بك‬
‫سوءا أو أنه ل يريد معافاتك أو أنه ظالم لك فإنك إن ظننت ذلك إنك على‬
‫خطر عظيم أخرج ]المام أحمد[ بسند صحيح في السنة الصحيحة من حديث‬
‫]أبي هريرة[ أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى يقول " أنا عند ظن‬
‫عبدي بي إن ظن خيرا فله وإن ظن شرا فله" يعني ما كان في ظنه فإني‬
‫فاعله به فأحسن الظن بالله تجد خيرا إن شاء الله ل تجزعن إذا نالتك‬
‫موجعة‬
‫ل تجزعن إذا نالتك موجعة‬
‫واضرع إلى الله مسرع نحوك الفرج‬
‫ثم استعن بجميل الصبر محتسبا‬
‫فصب يسرك بعد العسر ينثلج‬
‫فسوف يدرج عنك الهم مرتحل‬
‫وإن أقام قليل سوف يندلج‬
‫هذا في المرض وأطلت فيه لكثرة المرضى وحاجة الناس إلى مثل هذه‬
‫التوجيهات وهي تحتاج إلى دروس ومحاضرات لكن حسبي ما ذكرته الن لن‬
‫الموضوع عام في المصائب واللم ومن المصائب واللم التي يحتاج الناس‬
‫فيها الشكوى إلى الله تراكم الديون وكثرة المعسرين كم من مدين عجز عن‬
‫الوفاء وكم من معسر يعيش في شقاء هم في الليل وذل في النهار أحزان‬
‫وآلم ل يغمض في منام ول يهنأ في طعام طريد للغرماء أو مع السجناء صبية‬
‫صغار وبيت لليجار وزوجة مسكينة ل تدري أتطرق أبواب المحسنين أو‬
‫تسلك طريق الفاسقين هذه الرسالة رسالة مؤلمة من زوجة إلى زوجها في‬
‫السجن بسبب الديون جاء فيها تقول الزوجة ‪ :‬لم أتمتع معك في حياتنا‬
‫الزوجية إل فترة من الزمن حتى غيبوك في غياهب السجون كم سنة غبت‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عني ل أدري ماذا فعل الله بك ول أدري عنك أحي فترجى أم ميت فتنعى‬
‫ليتك ترى حالي وحال أولدك ليتك ترى حال صغارك لست أدري هل أخون‬
‫أمانة الله وأمانتك وأطلب الرزق لهؤلء بطرق محرمة وأنا في ذمتك وعهدك‬
‫أم أطلب الطلق ويضيع أولدك إلى آخر الرسالة ذكرها صاحب كتاب نداء‬
‫إلى الدائنين والمدينين وأقول أيها الحبة تصوروا حال هذا الزوج كيف يكون‬
‫وهو يقرأ هذه الكلمات ديون وسجون وهموم وأولد ذل وخضوع للناس‬
‫واسمعوا لهذا الرجل وهو يشكو حاله فيقول أنا رجل سجين علي مبلغ من‬
‫المال وصار لي في السجن أكثر من سنة ونصف ول يقبل خصمي الكفيل‬
‫فأنا معسر وصاحب عائلة فهل يجوز سجني إلى هؤلء وأمثالهم أقول لماذا‬
‫طرقتم البواب كلها ونسيتم باب من" يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن‬
‫يردهما صفرا خائب اليدين "كما في ]أبي داود[ و]الترمذي[ وقال ] أبن حجر[‬
‫سنده جيد قال ] السريقسطي [ كن مثل الصبي إذا اشتهى على أبويه شهوة‬
‫فلم يمكناه قعد يبكي عليهما فكن أنت مثله فإذا سألت ربك ولم يعطك‬
‫فاقعد فابك عليه فاقعد فابكي عليه كما في شعب اليمان ] للبيهقي[ ‪:‬‬
‫ولرب نازلة يضيق بها الفتى‬
‫زرعا وعند الله منها مخرج‬
‫كملت فلما استحكمت حلقاتها ‪...‬‬
‫فرجت وكان يظنها ل تفرج‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ومن الدعية في قضاء الدين ما أخرجه أبي داود في سننه من حديث ]أبي‬
‫سعيد الخدري[ قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم فرأى‬
‫فيه رجل من النصار يقال له أبو أمامة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫إني أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلة قال هموم لزمتني وديون يا‬
‫رسول الله قال صلى الله عليه وسلم أفل أعلمك كلما يعلق القلوب يعلق‬
‫القلوب بالله صلوات الله وسلمه عليه "أفل أعلمك كلما إذا قلته أذهب الله‬
‫همك وقضى عنك دينك قال قلت بلى يا رسول الله قال قل إذا أصبحت وإذا‬
‫أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل‬
‫وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال قال‬
‫ففعلت ذلك فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى عني ديني" وروى‬
‫]البيهقي[ في فضائل العمال عن ]حماد بن سلمة[ عن ] عاصم بن أبي‬
‫إسحاق [ شيخ القراء في زمانه قال أصابتني خصاصة أي حاجة وفاقة فجئت‬
‫إلى بعض إخواني فأخبرته بأمري فرأيت في وجهه الكراهة فخرجت من‬
‫منزله إلى الجبانة أي إلى الصحراء فصليت ما شاء الله تعالى ثم وضعت‬
‫وجهي على الرض وقلت يا مسبب السباب ويا مفتح البواب ويا سامع‬
‫الصوات يا مجيب الدعوات يا قاضي الحاجات اكفني بحللك عن حرامك‬
‫وأغنني بفضلك عمن سواك يلح على الله بهذا الدعاء قال والله ما رفعت‬
‫رأسي حتى سمعت وقعة بقربي فرفعت رأسي فإذا بحدأة طرحت كيسا‬
‫أحمر فأخذت الكيس فإذا فيه ثمانين دينارا وجوهرا ملفوف في قطنه فبعت‬
‫الجواهر بمبلغ عظيم وأفضلت أي أبقيت الدنانير فاشتريت بها عقارا وحمدت‬
‫الله تعالى على ذلك ل نعجب أيها الخوة إن ربي لسميع الدعاء ومن يتوكل‬
‫على الله فهو حسبه ومن الدعية عند الهم والقلق ما أخرجه أحمد في‬
‫المسند من حديث ]عبد الله بن مسعود [ رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال رسول‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله صلى الله عليه وسلم " ما أصاب أحدا قط هم ول حزن فقال اللهم إني‬
‫عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك‬
‫أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا‬
‫من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي‬
‫ونور صدري وجلء حزني وذهاب همي إل أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه‬
‫فرجا وفي رواية فرحا قال فقيل يا رسول الله أل نتعلمها فقال بلى ينبغي‬
‫لمن سمعها أن يتعلمها" صححه ابن حبان وحسنه ابن حجر كما في الفتوحات‬
‫الربانية أيها الخوة إن النسان منا ضعيف ضعيف فكيف إذا اجتمعت عليه‬
‫الهموم والحزان وشواغل الدنيا ومشاكلها فزادته ضعفا وجعلته فريسة للهم‬
‫والقلق والتمزق النفسي انظروا للعيادات النفسية وكثرة المراجعين لها‬
‫شباب وفتيات في أعمار الزهور أين هؤلء من العتصام بالله والتصال‬
‫والشكوى للذي يقدر أو للذي قدر الهموم والغموم وقضى بالمصائب‬
‫والحزان يتصل به متذلل معترفا بذنبه طارقا بابه مستعينا به مستيقنا بأنه هو‬
‫القادر على كشفها دون سواه وما سواه ؛السباب هو الذي يهيئها ويقدرها‬
‫للعبد إن الله تعالى يقول )خلق النسان ضعيفا( قال ] ابن القيم [ في طريق‬
‫الهجرتين فإنه أي النسان ضعيف البنية ضعيف القوة ضعيف الرادة ضعيف‬
‫العلم ضعيف الصبر‪ ،‬والفات إليه مع هذا أسرع من السيل في طيب الحدوق‬
‫فالضطرار ل بد له من حافظ معين يقويه ويعينه وينصره ويساعده فإن‬
‫تخلى عنه هذا المساعد المعين فالهلك أقرب إليه من نفسه إلى آخر كلمه‬
‫إذن فلنتعلم هذا الحديث كما نصحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن‬
‫فيه خضوعا لله فيه اعتراف بالذل والعبودية لله فيه توسل واستغاثة بجميع‬
‫أسماء الله ما يعرف منها وما ل يعرف ما كتب وما أخفى وأبشر أخي الحبيب‬
‫فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول " ما يصيب المسلم من نصب ول‬
‫وصب ول هم ول حزن ول أذى ول غم حتى الشوكة يشاكها إل كفر الله له بها‬
‫من خطاياه" كم في البخاري ومسلم‬
‫يا صاحب الهم إن الهم منفرج‬
‫أبشر بخير فإن الفارج الله‬
‫إذا بليت فثق بالله وارض به‬
‫إن الذي يكشف البلوى هو الله‬
‫ومن الدعية عند النوازل والفتن والخوف ما أخرجه ] أبو داود والنسائي [‬
‫عن ] أبي موسى [ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول أو كان إذا خاف‬
‫قوما قال " اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم "وكان يقول‬
‫صلى الله عليه وسلم عند لقاء العدو" اللهم أنت عضدي وأنت ناصري بك‬
‫أصول وبك أجول وبك أقاتل" كما عند أبي داود والترمذي وأحمد وفي صحيح‬
‫البخاري من حديث ]ابن عباس[ قال حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم‬
‫عليه السلم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال‬
‫له الناس إن الناس قد جمعوا لكم فإذا كان المحيي والمميت والرزاق هو‬
‫الله فلماذا التعلق بغير الله لماذا التعلق بغير الله ولماذا الخوف من الناس‬
‫وصلى الله عليه وسلم يقول " واعلم أن المة لو اجتمعوا على أن يضروك‬
‫بشيء لن يضروك إل بشيء قد كتبه الله عليك" أيها المسلم ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أيها الخوة والخوات إن من أعظم البليا وأشد الرزايا ما يصيب المسلمين‬


‫كل يوم من غزو واجتياح وتعديات ومظالم وفقر وتجويع حتى أصاب بعض‬
‫النفوس الضعيفة أصابها اليأس والقنوط والحباط وفقدان الثقة والمل لماذا‬
‫أيها الخوة أليس المر لله من قبل ومن بعد أليس حسبنا الله وكفى بالله‬
‫حسيبا أليس الله بقادر أليس الله أو أليس هو الناصر وكفى بالله نصيرا أل‬
‫يعلم الله مكرهم ألم يقل ) ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (‬
‫)أليس الله بكاف عبده() أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد( ألم يقل‬
‫) إنا كفيناك المستهزئين ( ألم يقل ) فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم (‬
‫معاشر الخوة اسمعوا وعوا وأعلنوا واعلموا إن مصيبتنا ليست في قوة‬
‫عدونا إنما هي بضعف صلتنا بربنا وضعف ثقتنا وقلة اعتمادنا عليه لنفتش في‬
‫أنفسنا عند وقوعنا في الشدائد والمحن أين الضراعة والشكوى لله أين‬
‫اللجاءة والمناجاة لله ليس شيء أفضل عند الله من الدعاء لن فيه إظهار‬
‫الفقر والعجز والتذلل والعتراف بقوة الله وقدرته وغناه أيها المسلمون نريد‬
‫أن نتعلم فن الدعاء والتذلل والخضوع والبكاء لنعترف بالفقر إليه ولنظهر‬
‫العجز والضعف بين يديه أليس لنا في رسول الله قدوة أليس لنا أسوة أوذي‬
‫أشد الذى وكذب أشد التكذيب اتهم بعرضه وخدشت كرامته وطرد من بلده‬
‫عاش يتيما وافتقر ومن شدة الجوع ربط على بطنه الحجر قيل عنه كذاب‬
‫وساحر ومجنون وشاعر توضع العراقيل في طريقه وسلى الجزور على‬
‫ظهره يشج رأسه وتكسر ثنيته يقتل عمه جمعوا عليه الحزاب وحاصروه‬
‫المشركون والمنافقون واليهود يذهب إلى الطائف ليبلغ دعوته فيقابل‬
‫بالتكذيب والسب والشتم ويطرد ويلحق ويرمى بالحجارة فماذا فعل بأبي‬
‫وأمي صلوات الله وسلمه عليه أين ذهب من يسأل إلى من يشكو إلى ذي‬
‫الجبروت والملكوت إلى القوي العزيز فأعلن صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫الشكوى ورفع يديه بالنجوى دعا وألح وبكى وتظلم وتألم وشكا لكن اسمع‬
‫لفن الشكوى وإظهار الضعف والعجز والفتقار منه صلى الله عليه وسلم قال‬
‫" اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم‬
‫الراحمين إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري إن لم‬
‫تكن ساخطا علي فل أبالي غير أن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الكريم‬
‫الذي أضاءت له السماوات وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا‬
‫والخرة أن تحل علي غضبك أو تنزل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ول‬
‫حول ول قوة إل بك " هكذا كان صلى الله عليه وآله وسلم ضراعة ونجوى‬
‫لربه والحديث أخرجه ]الطبراني[ كما في الكبير وقال ]الهيثمي[ في المجمع‬
‫رواه الطبراني وفيه ]ابن إسحاق[ وهو مدلس ثقة ورجاله ثقات ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫أيها الخوة لماذا نشكو إلى الناس ونبث الضعف والهوان والهزيمة النفسية‬
‫في مجالسنا وننسى أو نتكاسل عن الشكوى لمن بيده المر من قبل ومن‬
‫بعد ) قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا‬
‫من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ( أليس‬
‫فينا من بينه وبين الله أسرار أليس فينا أيها الحبة أشعث أغبر ذي طمرين لو‬
‫أقسم على الله لبره أليس فينا من يرفع يديه إلى الله في ظلمة الليل‬
‫يسجد ويركع ينتحب إلى الله يرفع الشكوى إلى الله فلنشكو إلى الله ولنقوي‬
‫الصلة بالله والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون ومن الدعية‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في المصيبة والكرب والشدة والضيق ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث‬


‫ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫يقول عند الكرب ل إله إل الله العظيم الحليم ل إله إل الله رب العرش‬
‫العظيم ل إله إل الله رب السماوات ورب الرض رب العرش الكريم" وفي‬
‫رواية كان إذا أحزبه أمر قال ذلك قال] النووي[ في شرح مسلم هو حديث‬
‫جليل ينبغي العتناء به والكثار منه عند الكرب والمور العظيمة قال الطبري‬
‫كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب وأخرج] أبو داود[ و]أحمد [عن‬
‫]أبي بكرة [ رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "‬
‫دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو فل تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح‬
‫لي شأني كله ل إله إل أنت " حسنه ] ابن حجر[ كما في الفتوحات الربانية‬
‫و] اللباني [ كما في صحيح الجامع وأخرج ] الترمذي ] و] أحمد [ عن ] سعد‬
‫بن أبي وقاص[ رضي الله تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم دعوة ]ذي النون [إذ دعا وهو في بطن الحوت ) ل إله إل أنت سبحانك‬
‫إني كنت من الظالمين ( فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إل‬
‫استجاب الله له حسنه ]ابن حجر[ كما في الفتوحات وصححه اللباني كما‬
‫في صحيح الجامع لما قالها ]يونس [عليه السلم وهو في بطن الحوت قال‬
‫الله عز وجل ) فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين( قال‬
‫]ابن كثير[ في تفسيره ) وكذلك ننجي المؤمنين (أي إذا كانوا في الشدائد‬
‫ودعونا منيبين إلينا ول سيما إذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلء فقد جاء‬
‫الترغيب في الدعاء فيها عن سيد النبياء انتهى كلمه ‪.‬‬
‫وأخرج مسلم في صحيحه من حديث ] أم سلمة [ رضي الله تعالى عنها أنها‬
‫قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من مسلم تصيبه‬
‫مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي‬
‫واخلف لي خيرا منها إل أخلف الله له خيرا منها قالت فلما مات أبو سلمة‬
‫قلت أي قالت في نفسها أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر‬
‫إلى رسول الله ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم " إذن فالسترجاع ملجأ وملذ لذوي المصائب ومعناه باختصار إن لله‬
‫توحيد وإقرار بالعبودية والملك وإنا لله وإنا إليه راجعون إقرار بأن الله‬
‫يمسكنا ثم يبعثنا إذا ً فالمر كله لله فل ملجأ منه إل إليه والله عز وجل يقول‬
‫) وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون‬
‫أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ( ‪.‬‬
‫وإليكم أيها الحبة إليكم أمثلة ومواقف للذين لجئوا إلى حصن اليمان وسلح‬
‫الدعاء وأدركوا أن المفزع بعد اليمان هو الدعاء؛ السلح الذي يستدفع به‬
‫البلء ويرد به شر القضاء عن ] أصبغ بن زيد [ قال مكثت أنا ومن عندي ثلثا‬
‫لم نطعم شيئا أي من الجوع فخرجت إلى ابنتي الصغيرة وقالت يا أبت‬
‫الجوع؛ تشكو الجوع قال فأتيت الميضأة انظروا إلى من اللجاءة انظروا إلى‬
‫من يلجئون فأتيت الميضأة وتوضأت وصليت ركعتين وألهمت دعاء دعوت به‬
‫في آخره اللهم افتح على منك رزقا ل تجعل علي لحد منة ول لك علي في‬
‫الخرة فيه تبعة برحمتك يا أرحم الراحمين ثم انصرفت إلى البيت فإذا بابنتي‬
‫الكبيرة قد قامت إلي وقالت يا أبه جاء رجل يقول إنه عمي بهذه الصرة من‬
‫الدراهم وبحمال عليه دقيق وحمال عليه من كل شيء في السوق وقال‬
‫أقرئوا أخي السلم وقولوا له إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء تأتك‬
‫حاجتك قال أصبغ بن زيد والله ما كان لي أخ قط ول أعرف من كان هذا‬
‫القائل ولكن الله على كل شيء قدير‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقلت للفكر لما صار مضطربا‬


‫وحارني الصبر والتفريط والجلد‬
‫دعها سماوية تجري على قدر‬
‫ل تعترضها بأمر منك تنفسد‬
‫تحفني بخفي اللطف خالقنا‬
‫نعم الوكيل ونعم العون والمدد‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وعن ]شقيق[ ‪....‬قال كنت في بيتي قاعدا فقال لي أهلي قد ترى ما بهؤلء‬
‫الطفال من الجوع ول يحل لك أن تحمل عليهم ما ل طاقة لهم به قال‬
‫فتوضأت نرجع إلى السبب الذي كانوا يدورون حوله رضي الله تعالى عنهم‬
‫وتوضأت وكان لي صديق ل يزال يقسم علي بالله إن يكن لي حاجة أعلمه‬
‫بها ول أكتمها عنه فخطر ذكره ببالي فلما خرجت من المنزل مررت‬
‫بالمسجد فذكرت ما روي عن ]أبي جعفر[ قال من عرضت له حاجة إلى‬
‫مخلوق فليبدأ فيها بالله فليبدأ فيها بالله بالله عز وجل قال فدخلت المسجد‬
‫فصليت ركعتين فلما كنت في التشهد أفرغ علي النوم فرأيت في منامي أنه‬
‫قيل يا شقيق أتدل العباد على الله ثم تنساه يا شقيق أتدل العباد على الله‬
‫ثم تنساه قال فاستيقظت وعلمت أن ذلك تنبيه نبهني به ربي فلم أخرج من‬
‫المسجد حتى صليت العشاء الخرة ثم تركت الذهاب لصاحبي وتوكلت على‬
‫الله وانصرفت إلى المنزل فوجدت الذي أردت أن أقصد قد حركه الله‬
‫وأجرى لهلي على يديه ما أغناهم إن ربي لسميع الدعاء فل نعجب أيها الحبة‬
‫) ومن يتوكل على الله فهو حسبه ( واسمع لدعاء] ابن القيم [ بالفاتحة يقول‬
‫ومكثت بمكة مدة يعتريني أدواء ل أجد لها طبيبا ول دواء فكنت أعالج نفسي‬
‫بالفاتحة فأرى لها تأثيرا عجيبا فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألما فكان كثير‬
‫منهم يبرأ سريعا ذكر ذلك في الجواب الكافي وذكره أيضا في زاد المعاد‬
‫وفي حديث ]أبي سعيد الخدري[ المتفق عليه لما قرأ على سيد الحي الفاتحة‬
‫قال فكأنما نشط من عقال فهذا يشهد أيضا بفضل الفاتحة ‪.‬‬
‫ومن المواقف الجميلة في الدعاء المواقف الطريفة أنه كان ]لسعيد بن‬
‫جبير[ ديك كان يقوم من الليل لصياحه فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح‬
‫ل قيام الليل فشق عليه ذلك فقال ما له‬ ‫ل سعيد تلك الليلة أي لم يص ّ‬
‫فلم يص ّ‬
‫قطع الله صوته يعني الديك وكان سعيد مجاب الدعوة فما سمع للديك صوت‬
‫بعد ذلك الدعاء فقالت أم سعيد يا بني ل تدع على شيء بعدها ذكر ذلك‬
‫]الذهبي[ في السير وذكر أحد الدعاة في بعض رسائله أن رجل من العباد‬
‫كان مع أهله في الصحراء في جهة البادية وكان عابدا قانتا ذاكرا منيبا لله‬
‫قال فانقطعت المياه المجاورة لنا وذهبت ألتمس ماء لهلي فوجدت أن‬
‫الغدير قد جف فعدت إليهم ثم التمسنا الماء يمنة ويسرة فلم نجد ولو قطرة‬
‫وأدركنا الظمأ واحتاج أطفالي إلى الماء فتذكرت رب العزة سبحانه القريب‬
‫المجيب فقمت فتيممت واستقبلت القبلة وصليت ركعتين ثم رفعت يدي‬
‫وبكيت وسالت دموعي وسألت الله بإلحاح وتذكرت قوله ) أم من يجيب‬
‫المضطر إذا دعاه ( قال والله وما هو أل أن قمت من مقامي وليس بالسماء‬
‫من سحاب ول غيم وإذا بسحابة قد توسطت مكاني ومنزلي في الصحراء‬
‫واحتكمت على المكان ثم أنزلت ماءها فامتلت الغدران من حولنا وعن‬
‫يميننا وعن يسارنا فشربنا واغتسلنا وتوضأنا وحمدنا الله سبحانه وتعالى ثم‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ارتحلت قليل خلف هذا المكان وإذا الجدب والقحط فعلمت أن الله ساقها‬
‫طوا‬‫ما قَن َ ُ‬
‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ل ال ْغَي ْ َ‬
‫ث ِ‬ ‫ذي ي ُن َّز ُ‬
‫لي بدعائي فحمدت الله عز وجل )وَهُوَ ال ِ‬
‫ميد ُ ( وذكر أيضا أن رجل مسلما ذهب إلى إحدى‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ه وَهُوَ ال ْوَل ِ ّ‬
‫مت َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫وََين ُ‬
‫شُر َر ْ‬
‫الدول والتجأ بأهله إليها وطلب بأن تمنحه الجنسية قال فأغلقت في وجهه‬
‫البواب وحاول هذا الرجل كل المحاولة قال واستفرغ جهده وعرض المر‬
‫على كل معارفه فبارت الحيل وسدت السبل ثم لقي عالما ورعا فشكا إليه‬
‫الحال قال له عليك بالثلث الخير من الليل ادع مولك فإنه الميسر سبحانه‬
‫وتعالى قال هذا الرجل فوالله لقد تركت الذهاب إلى الناس وطلب‬
‫الشفاعات وأخذت أداوم على الثلث الخير كما أخبرني ذلك العالم وكنت‬
‫أهتف لله في السحر وأدعوه فما هو إل بعد أيام وتقدمت بمعروض عادي‬
‫ولم أجعل بيني وبينهم واسطة فذهب هذا الخطاب وما هي إل أيام وفوجئت‬
‫بالبيت أني أدعى وأسلم الجنسية وكانت لي ظروف صعبة إن الله سميع‬
‫مجيب ولطيف قريب لكن التقصير منا ل بد أن نلح على الله وندعوه وأبشروا‬
‫إن ربي لسميع الدعاء ‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وأذكر أيها الخوة أذكر أن طالبا متميزا في دراسته حصل له ظرف في ليلة‬
‫امتحان إحدى المواد ولم يستطع أن يذاكر جميع المنهج المقرر للمادة إل‬
‫بقدر الثلث فاهتم واغتم وضاقت عليه نفسه ولم يستطع الفادة من باقي‬
‫الوقت لقتراب النفس وطول المنهج فما كان منه إل أن توضأ وصلى ركعتين‬
‫وألح على الله بأسمائه وصفاته وباسمه العظم يقول الطالب فدخلت قاعة‬
‫المتحان ووزعت أوراق السئلة وقبل أن أنظر فيها دعوت الله عز وجل‬
‫ورددت بعض الذكار ثم قلبت الورقة فإذا السئلة أكثرها من ذلك الثلث الذي‬
‫درسته فبدأت بالجابة ففتح الله علي فتحا عجيبا لم أكن أتصوره ولكن ربي‬
‫سميع مجيب فإلى كل الطلب والطالبات أقول لماذا غفلتم عن الدعاء‬
‫والشكوى لله وأنتم تشكون لبعضكم وتذكرون وتتوجعون لماذا يعتمد الكثير‬
‫منكم على نفسه وذكائه بل ربما اعتمد البعض على الغش والحتيال إن‬
‫النفس مهما بلغت من الكمال والذكاء فإنها ضعيفة وهي عرضة للغفلة‬
‫والنسيان نعم لنفعل السباب ولنحفظ ولنذاكر ونجتهد ولكنها كلها ل شيء إن‬
‫لم يعنك الله ويفتح عليك ول حول ول قوة إل بالله في كل شيء فهل طلبت‬
‫العون من الله توكل على الله وافعل السباب وارفع يديك إلى السماء وقل‬
‫يا سامعا لكل شكوى وأظهر ضعفك وفقرك لله وسترى النتائج بإذن الله‬
‫وأنت أيها المدرس والمدرسة بل يا كل داعية لماذا نعتمد على أنفسنا‬
‫الضعيفة في التوجيه والتعليم هب أننا أعددنا الدرس جيدا وفعلنا كل السباب‬
‫هل يكفي هذا لعلك تسأل ما بقي أقول هل سألت الله العون والتوفيق عند‬
‫تحضير الدرس هل سألت الله أن يفتح لك القلوب وأن يبارك في كلماتك‬
‫وأن ينفع بها هل سألت الله العون والتوفيق وأنت تلقي الدرس هل دعوت‬
‫لطلبك أن يبارك الله لهم وأن ينفع بهم وأن يصلحهم وأن ييسر عليهم هذه‬
‫بعض المثلة والمواقف وما يعرف ويحكى أكثر وأكثر ولكننا نريد العمل‬
‫والتطبيق ‪ ،‬تنبيه مهم فكثير من الناس إذا وقع في شدة عمد إلى الحرام‬
‫كمن يذهب للسحرة والكهان أو يتعامل بالربا والحرام فإذا نصح أو ذكر قال‬
‫إنه مضطر أو كما يقول البعض ليس من رجله في النار كمن رجله في الماء‬
‫ولعلي أيها الحبيب أذكرك بآية ربما أنك نسيتها في خضم المصيبة والشدة‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي وقعت فيها إن الله عز وجل يقول ) أم من يجيب المضطر إذا دعاه‬
‫ويكشف السوء ( والمضطر الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل‬
‫الدهر ؛إلى اللجوء والتضرع إلى الله كما يقول ]الزمخشري[ وأنت أيها الخ‬
‫أو أيتها الخت تذكر أنك مضطر والمضطر وعده الله بالجابة حتى وإن كان‬
‫فاسقا فإذا كان الله أجاب دعوة المشركين عند الضطرار فإن إجابته‬
‫للمسلمين مع تقصيرهم من باب أولى ‪.‬‬
‫جاء رجل إلى ]مالك بن دينار[ فقال أنا أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مضطر‬
‫فقال له فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا‬
‫دعاه إن الله عز وجل قد ذم من ل يستكين له ول يتضرع إليه عند الشدائد‬
‫وانتبهوا أيها الحبة ل بد من الضراعة والستكانة لله عند الشدة كما أخبر الله‬
‫فقال عز من قائل ) ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون‬
‫( أي لو استكانوا لربهم وتضرعوا لكان أمرا آخر فكيف بحال من يقع في‬
‫الشرك والحرام عند البلء والشدة فيزيد الطين بلة كيف يريد الشفاء أو‬
‫انكشاح البلء وهو يطلبه من مخلوقين مثله ضعفاء ‪.‬‬
‫قال بعض السلف قرأت في بعض الكتب المنزلة يقول الله عز وجل "يؤمل‬
‫غيري للشدائد والشدائد بيدي وأنا الحي القيوم ويرجى غيري ويطرق بابه‬
‫بالبكورات‬
‫وبيدي مفاتيح الخزائن وبابي مفتوح لمن دعاني من ذا الذي أملني لنائبة‬
‫فقطعت به أو من الذي رجاني لعظيم فقطعت رجاءه ومن ذا الذي طرق‬
‫بابي فلم أفتحه له أنا غاية المال فكيف تنقطع المال دوني أبخيل أنا‬
‫فيبخلني عبدي أليست الدنيا والخرة والكرم والفضل كله لي فما يمنع‬
‫المؤملون أن يؤملوني ولو جمعت أهل السماوات وأهل الرض ثم أعطيت‬
‫كل واحد منهم ما أعطيت الجميع وبلغت كل واحد منهم أمله لم ينقص ذلك‬
‫من ملكي عضو ذرة وكيف ينقص ملك أنا قيومه فيا بؤسا للقانطين من‬
‫رحمتي ويا بؤسا لمن عصاني ووثب على محارمي "ذكر ذلك ]ابن رجب[ في‬
‫نور القتباس والسرائيليات يعتبر بها ول يعتمد عليها كما يقول شيخ‬
‫السلم] ابن تيميه[ رحمه الله ‪.‬‬
‫أيها الخوة إن الله يحب أن يسأل ويغضب على من ل يسأله فإنه يريد من‬
‫عباده أن يرغبوا إليه ويسألوه ويدعوه ويفتقروا إليه ويحب الملحين في‬
‫الدعاء بل وينادي في كل ليلة هل من سائل فأعطيه وهل من داع فأستجيب‬
‫له فأين المضطرون أين أصحاب الحاجات أين من وقع في الشدائد والكربات‬
‫‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫معاشر الخوة والخوات اقرءوا وانظروا في حادث الفك وفي حديث الثلثة‬
‫أصحاب الغار وحديث المقترض الذي وضع المال في الخشبة وألقاها في‬
‫البحر وحديث الثلثة الذين خلفوا وغيرها من القصص النبوي في الصحاح‬
‫والسنن فرج عنهم لسؤالهم لله وإلحاحهم بالدعاء رفعوا أيديهم إلى الله‬
‫وأعلنوا الذل والخضوع لله وهذا الذل ل يصلح إل لله لحبيبه وموله‬
‫ذل الفتى في الحب مكرمة وخضوعه لحبيبه شرف‬
‫فالعبودية لله عز ورفعة ولغيره ذل ومهانة وفي سؤال الله عبودية عظيمة‬
‫لنها إظهار للفتقار إليه واعتراف بقدرته على قضاء الحوائج‬
‫فإذا ابتليت ببذل وجهك سائل‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فابذله للمتكرم المفضال‬


‫كان ]يحيى بن معاذ[ يقول يا من يغضب على من ل يسأله ل تمنع من قد‬
‫سألك وكان ]بكر المزني [يقول من مثلك يا ابن آدم متى شئت تطهرت ثم‬
‫ناجيت ربك ليس بينك وبينه حجاب ول ترجمان وسأل رجل بعض الصالحين‬
‫أن يشفع له في حاجة إلى بعض المخلوقين فقال له أنا ل أطرق بابا مفتوحا‬
‫وأذهب إلى باب مغلق هكذا فلتكن الثقة بالله والتوكل على الله وقبل الختام‬
‫وحتى نصل إلى ما نريد من فن الشكوى وحسن النجوى تنبه لهذه التوجيهات‬
‫‪:‬‬
‫أول ‪ :‬الدعاء له آداب وشروط ل بد من تعلمها والحرص عليها واسمع لهذا‬
‫الكلم الجميل النفيس ]لبن القيم[ رحمه الله قال وإذا جمع العبد مع الدعاء‬
‫حضور القلب وصادف وقتا من أوقات الجابة وخشوعا في القلب وانكسارا‬
‫بين يدي الرب وذل له وتضرعا ورقة واستقبل الداعي القبلة وكان على‬
‫طهارة ورفع يديه إلى الله وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلة على‬
‫رسول الله ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والستغفار ثم دخل على الله وألح‬
‫عليه في المسألة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته‬
‫وتوحيده وقدم بين يدي دعاءه صدقة فإن هذا الدعاء ل يكاد يرد أبدا ول سيما‬
‫إذا صادف الدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الجابة‬
‫وأنها متضمنة السم العظم انتهى بتصرف من الجواب الكافي لبن القيم‬
‫صفحة تسعة عشر ‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬الصدقة وقد أكد عليها ابن القيم في كلمه السابق ولها أثر عجيب في‬
‫قبول الدعاء بل وفعل المعروف أيا كان فصنائع المعروف تقي مصارع السوء‬
‫كما قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وبعضهم يرفعه إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم والله عز وجل يقول عن يونس عليه السلم ) فلول أنه‬
‫كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ( ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬عليك بالصبر وإياك واليأس والقنوط وفي هذا توجيهات ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أعلم أن الدعاء عبادة ولو لم يتوفر لك من دعاءك إل الجر على هذا‬
‫الدعاء بعد إخلصك لله عز وجل فيه لكفى ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن تعلم أن الله أعلم بمصلحتك منك فيعلم سبحانه أن مصلحتك بتأجيل‬
‫الجابة أو عدمها ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬ل تجزع من عدم الجابة فربما دفع عنك بهذا الدعاء شرا كان سينزل‬
‫بك فعن ]عبادة بن الصامت[ رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال "ما على الرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إل أتاه الله‬
‫إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم فقال رجل‬
‫من القوم إذن نكثر قال الله أكثر" رواه ]الترمذي[ وقال حديث حسن صحيح‬
‫ورواه ]الحاكم[ من رواية ]أبي سعيد[ وزاد فيه أو يدخر له من الجر مثلها ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬ربما كان عدم الجابة أو تأخيرها امتحان لصبرك وتحملك وجلدك هل‬
‫تستمر في الدعاء وفي هذه العبادة أم تستحسر وتمل وتترك الدعاء ففي‬
‫الحديث عن [أبي هريرة [ رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال "يستجاب لحدكم ما لم يعجل أو ما لم يعجل يقول قد‬
‫دعوت ربي ولم يستجب لي "متفق عليه وفي جزء من رواية ابن مسلم قيل‬
‫يا رسول الله ما الستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب‬
‫لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬أن تلقي باللوم على نفسك وهي من أهمها أن تلقي باللوم على‬
‫نفسك فقد يكون سبب عدم الجابة وقوعك أنت في بعض المعاصي أو‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التقصير أو إخللك في الدعاء أو تعديك فيه فمن أعظم المور أن تتهم نفسك‬
‫بالتقصير وتنسب عدم الجابة لنفسك فهذا من أعظم الذل والفتقار لله‪،‬‬
‫واسمع أيضا لهذا الكلم الجميل النفيس ]لبن رجب[ رحمه الله في نور‬
‫القتباس يقول إن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه ول سيما بعد كثرة‬
‫الدعاء وتضرعه ولم يظهر له أثر الجابة رجع إلى نفسه باللئمة يقول لها إنما‬
‫أوتيت من قبلك ولو كان فيك خير لجبت وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير‬
‫من الطاعات فإنه يوجب انكسار العبد لموله واعترافه له بأنه ليس بأهل‬
‫لجابة دعائه فلذلك يسرع إليه حينئذ بإجابة الدعاء وتفريج الكرب فإنه تعالى‬
‫عند المنكسرة قلوبهم من أجله وعلى قدر الكسر يكون الجبر انتهى كلمه‬
‫رحمه الله ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫رابعا ‪ :‬من التوجيهات الساسية تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة‬
‫قال ]سلمان الفارسي[ ‪ :‬إذا كان للرجل دعاء في السراء فنزلت به ضراء‬
‫فدعا الله عز وجل قالت الملئكة صوت معروف فشفعوا له وإذا كان ليس‬
‫له دعاء في السراء فنزلت به ضراء فدعا الله عز وجل قالت الملئكة صوت‬
‫ليس بمعروف فل يشفعون له ذكر ذلك ابن رجب ‪.‬‬
‫أيها الخوة وأنا أتأمل في حديث الثلثة؛ أصحاب الغار وهم يدعون ويتوسلون‬
‫إلي الله بصالح أعمالهم وأخلصها لله أقول في نفسي وأفتش فيها أين ذلك‬
‫العمل الصالح الخالص لله الخالي من حظوظ النفس الذي سألجأ إلى الله‬
‫فيه عند الشدة فلنرجع إلى أنفسنا ولنسألها مثل هذا السؤال لنبحث في‬
‫أعمالنا وعن الخلص لله فيها ولنكن على صلة بالله في الرخاء وصدق من‬
‫قال‬
‫إذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ذخرا يكون كصالح العمال ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬إن اليمان بالقضاء والقدر ركن من أركان اليمان بالله تعالى وفيه‬
‫اطمئنان للنفس وراحة للقلب فاعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما‬
‫أخطأك لم يكن ليصيبك وتذكر دائما أن كل شيء بقضاء وقدر وأنه من عند‬
‫الله ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬احرص على أكل الحلل احرص على أكل الحلل فهو شرط من‬
‫شروط إجابة الدعاء وفي الحديث "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر‬
‫يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه‬
‫حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له "أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة‬
‫فالله الله بالحلل فإن له أثرا عجيبا في إجابة الدعاء ربما قصرنا في وظائفنا‬
‫أي نوع من التقصير وكان ذلك التقصير سببا في رد الدعاء وإجابته فلنتنبه‬
‫إلى هذا أيها الحبة ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬وأخيرا في التوجيهات حتى تكون مجاب الدعوة إن شاء الله أكثر من‬
‫الستغفار في الليل والنهار فلو لم يكن فيه إل قول الحق عز وجل ) فقلت‬
‫استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال‬
‫وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ( فأين من يشكو الفقر والعقم‬
‫والقحط عن هذه الية هذه توجيهات سبع انتبه لها قبل أن ترفع يديك إلى‬
‫السماء لتكن إن شاء الله مجابا للدعاء‪.‬‬
‫إلى كل مصاب ومنكوب وإلى كل من وقع بشدة وضيق أقول اطمئنوا فقد‬
‫سبقكم أناس في هذا الطريق وما هي إل أيام سرعان ما تنقضي‪ .‬في الكتب‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المصنفة في الفرج بعد الشدة ]للتنوخي[ و]ابن أبي الدنيا[ و]السيوطي[‬


‫وغيرهم مئات القصص لمن مرضوا أو افتقروا أو عذبوا أو شردوا أو حبسوا‬
‫أو عذبوا فجاءهم الفرج ساقه لهم السميع المجيب فلك في المصابين أسوة‬
‫قال ابن القيم في زاد المعاد كلما جميل أيضا ً فاسمع قال ومن علج المصيبة‬
‫أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأصحاب المصائب وليعلم أنه في كل واد‬
‫بنو سعد ولينظر يمنة فهل يرى إل محنة ثم ليعطف يسرة فهل يرى إل‬
‫حسرة وأنه لو فتش العالم لن يرى فيهم إل مبتلى إما بفوت محبوب أو‬
‫حصول مكروه وأن سرور الدنيا أحلم نوم أو كظل زائل إن أضحكت قليل‬
‫أبكت كثيرا وإن سرت يوما ساءت دهرا وإن متعت قليل منعت طويل وما‬
‫ملئت دارا حبرة أي سعادة إل ملتها عبرة ول سرته في يوم بسرور إل خبأت‬
‫له يوم شرور انتهى كلمه رحمه الله‪.‬‬
‫فيا أيها الخوة والخوات أحصوا القرآن والحاديث في كتب السنة والقصص‬
‫والمواقف في كتب الفرج بعد الشدة والحداث والعبر في واقعنا المعاصر‬
‫جميعها تخبرنا أن الشدائد مهما طالت ل تدوم على أصحابها ‪.‬‬
‫إذا اشتملت على اليأس القلوب‬
‫وضاقت بها الصدر الرحيب‬
‫وأوطنت المكاره واطمئنت ‪...‬‬
‫وأرست في أماكنها الخطوب‬
‫ولن ترى لنكشاف الضر وجها‬
‫ول أغني بحيلته الريب‬
‫أتاك على قنوط منك غوث‬
‫‪ ...‬يجيئ به القريب المستجيب‬
‫وكل الحادثات إذا تناهت‬
‫فموصول بها الفرج القريب‬
‫ولو لم يكن في المصائب والبليا إل أنها سبب لتكفير الذنوب وكسر لجماح‬
‫النفس وغرورها ونيل للثواب بالصبر عليها وتذكير بالنعمة التي غفل عن‬
‫شكرها وهي تذكر العبد بذنوبه فربما تاب وأقلع عنها وهي تجلب عطف‬
‫الناس ووقوفهم مع المصاب بل من أعظم ثمار المصيبة أن يتوجه العبد بقلبه‬
‫إلى الله ويقف ببابه ويتضرع إليه فسبحان مستخلف الدعاء بالبلء فالبلء‬
‫يقطع قلب المؤمن عن اللتفات إلى المخلوقين ويوجب له القبال على‬
‫الخالق وحده وهذا هو الخلص والتوحيد فإذا علم العبد أن هذه من ثمار‬
‫المصيبة أنس بها وارتاح ولم ينزعج ولم يقنط فإلى ذوي المصائب والحاجات‬
‫والشدائد والكربات إن منهج القرآن يقول وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير‬
‫لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم بل اسمعوا لهذه الية العجيبة ففيها‬
‫عزاء وتطمين لكل المسلمين قال تعالى ‪ ) :‬فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل‬
‫الله فيه خيرا كثيرا ( فلماذا التسخط والجزع والشكوى والنين فلعل فيما‬
‫حصل خير لك فتفاءل وأبشر واعتمد على الله وارفع يديك إلى السماء وقل‬
‫يا سامعا لكل شكوى وأحسن الظن بالله وقل ‪:‬‬
‫صبرا جميل ما أسرع الفرج‬
‫من صدق الله في المور نجا‬
‫من خشي الله لم ينله أذى‬
‫ومن رجا الله كان حيث رجا‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الكلمات كلمات لتسلية المحزونين وتفريج كرب الملذوعين وهي عزاء‬
‫للمصابين وتطييب للمنكسرين أسأل الله أن ينفع بها المسلمين وأن يغفر لي‬
‫ولكم أجمعين ‪.‬‬
‫فيا سامعا لكل شكوى ويا عالما بكل نجوى يا سابغ النعم ويا دافع النقم ويا‬
‫فارج الغمم ويا كاشف الظلم ويا أعدل من حكم ويا حسيب من ظلم ويا ولي‬
‫من ظلم يا من ل تراه العيون ول تخالطه الظنون ول يصفه الواصفون ول‬
‫تغيره الحوادث ول الدهور يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد قطر‬
‫المطار وعدد ورق الشجار وعدد ما يظلم عليه الليل ويشرق عليه النهار كم‬
‫من نعمة أنعمت بها علينا قل لك عندها شكرنا وكم من بلية ابتليتنا بها قل‬
‫عندها صبرنا فيا من قل عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا ويا من قل عند بلئه‬
‫صبرنا فلم يخذلنا اقذف في قلوبنا رجاءك اللهم اقذف في قلوبنا رجاءك‬
‫واقطع رجاءنا عمن سواك حتى ل نرجو أحدا غيرك‬
‫اللهم إنا نسألك إيمانا ثابتا ويقينا صادقا حتى نعلم أنه لن يصيبنا إل ما كتبت‬
‫لنا اللهم ل نهلك وأنت رجاؤنا احرسنا بعينك التي ل تنام وبركنك الذي ل يرام‬
‫يا سامعا لكل شكوى ويا عالما بكل نجوى يا كاشف كربتنا ويا مستمع دعوتنا‬
‫ويا راحم عبرتنا ويا مقيل عثرتنا يا رب البيت العتيق اكشف عنا وعن‬
‫المسلمين كل شدة وضيق واكفنا والمسلمين ما نطيق وما ل نطيق اللهم‬
‫فرج عنا وعن المسلمين كل هم وغم وأخرجنا والمسلمين من كل حزن‬
‫وكرب يا فارج الهم يا كاشف الغم يا منزل القطر يا مجيب دعوة المضطر يا‬
‫سامعا لكل شكوى احفظ إيماننا وأمن هذه البلد ووفق ولة المر لما فيه‬
‫صلح السلم والعباد يا كاشف كل ضر وبلية ويا عالم كل سر وخفية نسألك‬
‫فرجا قريبا للمسلمين وصبرا جميل للمستضعفين يا ذا المعروف الذي ل‬
‫ينقضي أبدا ويا ذا النعم التي ل تحصى عددا أسألك أن تصلي على محمد‬
‫وعلى آل محمد أبدا اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ل إله إل أنت نستغفرك‬
‫ونتوب إليك ‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ياطالب العلم‬
‫خالدبن عبد العزيز أباالخيل* ‪15/5/1424‬‬
‫‪15/07/2003‬‬
‫إن كنت تشكو من البلهة في العلم فل تبتأس إذا كان فيك بقية من ُتقى!‬
‫حذقا ً في النظر فل يستخفك الفرح إذا خل‬ ‫وإن منحك الله دقة في الفهم و ِ‬
‫قلبك من الورع!‬
‫قال الذهبي ‪ :‬قاتل الله الذكاء بل علم ‪ ،‬ورضي الله عن البلهة مع التقوى ‪.‬‬
‫يا طالب العلم ‪:‬‬
‫ً‬
‫إذا لم يورثك علمك خشية الله فسيورثك نقيضها ‪ :‬رياء ونفاقا!!‬
‫ه من عباده العلماء‬‫إنما يخشى الل َ‬
‫وإن لم يستبن لك الحال فتفقد نفسك في موطن المر والنهي! وحينها تقف‬
‫على الحقيقة!‬
‫يا طالب العلم ‪:‬‬
‫إن رمت العلم وحفظته فما بقي عليك إل العمل ! وإن استأخرت دونه ‪،‬‬
‫وقصرت بك همتك عن بلوغه ‪ ،‬فيا الله ما أعظم مصيبتك بعلمك ! وما أشد‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بليتك بنفسك! فتدّبر أمرك ‪ ،‬وحاسب نفسك ‪ ،‬وإل فعد إلى بيتك ‪ ،‬وكن ناسكا ً‬
‫في محراب جدتك فهو خيٌر لك مما أنت فيه!!‬
‫يا طالب العلم ‪:‬‬
‫اجعل لك وردا ً من سير نجوم الهدى ومصابيح الدجى ! لتقوى في موطن‬
‫الضعف ‪ ،‬وتضعف في موطن الكبر!‬
‫واستعن بذلك على إلجام نفسك والمطامنة من كبريائها‪:‬‬
‫فإذا رأيت من نفسك نبوغا ً في علم السنة فاقرأ في ترجمة البخاري!‬
‫وإن رأيت منها نظرا ً دقيقا ً في الفقه فدونك سيرة الشافعي!‬
‫وإذا أوحت إليك نفسك ببلوغ القمة في الصول والمقاصد فدونك الشاطبي!‬
‫حزت الفنون ! فل تنس قول الشافعي ـ‬ ‫وإن ظننت يوما ً إنك نلت العلوم و ُ‬
‫م في ثمان خصال ‪:‬إمام في الحديث ‪ ،‬إمام في‬ ‫في أحمد بن حنبل ‪ :‬أحمد إما ٌ‬
‫الفقه ‪ ،‬إمام في اللغة ‪ ،‬إمام في القرآن ‪ ،‬إمام في الفقر‪ ،‬إمام في الزهد ‪،‬‬
‫إمام في الورع‪ ،‬إمام في السّنة!!‬
‫وإن خادعتك نفسك بأنك معرض عن الدنيا وزاهد ٌ فيها فاقرأ في سيرة‬
‫إبراهيم الحربي!‬
‫ٌ‬
‫وإن توهمت أنك ممسك بناصية الورع فتأمل حياة أيوب وابن سيرين ‪،‬‬
‫والحسن البصري!‬
‫يا طالب العلم ‪:‬‬
‫إن كان يخفق قلبك فرحا ً عند إبانتك لغامض مسألة ‪ ،‬أو كشفك لعويصها ‪،‬‬
‫وما يخفق عند سماع النداء للصلة ! فثق أنه ليس لك حاسد ! وما مثلك‬
‫مغبوط ! ففتش في خبايا نفسك وستجد مكنون السر فيها!!‬
‫يا طالب العلم ‪:‬‬
‫ً‬
‫اخفض جناح الذل لخوانك‪ ،‬وكن رفيقا بهم ‪ ،‬واحذر الجفاء والجلفة !وإياك‬
‫وغمط الناس ورد الحق! واحترس من داء التعالم والُعجب!! فإنه داء دقيق‬
‫حجاج!‬ ‫المسلك ‪ ،‬سريع النفوذ ! وأشد ما يكون نفوذا ً حال اللجاج وال ِ‬
‫يا طالب العلم ‪:‬‬
‫كن كثير الرماد ‪ ،‬كريم المعشر ‪ ،‬باسم الثنايا!‬
‫وإذا عِلمت ـ يوم الطلب ـ أن من أسباب دخول الجنة إطعام الطعام فما‬
‫بالك اليوم تضيق ذرعا ً بزوارك وطلبك؟! يأتي أحدهم إليك مستفتيا ً أو‬
‫مستشيرا ً فتقف في الباب معترضًا! خشية أن يتسلل إلى بيتك فينعم بظلك‪،‬‬
‫أويشرب من ماءك!‬
‫وإن اعتذرت بضيق الوقت والحرص عليه فاعلم أن ما تقضيه في نفع أخيك‬
‫خيٌر لك من كثير مما تشتغل به !‬
‫يا طالب العلم ‪:‬‬
‫الوقت يمر مّر البرق ‪ ،‬وصوارف الحق تعرض كل حين ‪ ،‬ول مخرج لك من‬
‫كل هذا إل حبل الله المتين ‪ ،‬فتشبث به‪ ،‬واشدد يديك عليه ‪ ،‬وأعلم أن رأس‬
‫مال العمل هو الخلص‪ ،‬فإن اخطأت طريقه فل تلم إل نفسك إن تخطفتك‬
‫طيور الهوى‪ ،‬أو هوت بك رياح الشهوات في مكان سحيق ‪.‬‬
‫ختاما ً يا طالب العلم‪:‬‬
‫الطريق مخوف‪ ،‬ولسالكه ثمنا ً يدفعه من ماله وجسده‪ ،‬ودون الغاية صوارف‬
‫وقواطع‪ ،‬ولكن في آخره جنة مستطابة ‪،‬وسعادة دائمة‪ ،‬فتوكل على الله‪،‬‬
‫وامض في طريقك‪ ،‬واجعل حداءك ‪ )) :‬والذين جاهدوا فينا لنهدينهم‬
‫سبلنا ((* معيد في قسم السنة بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ياعباد الله اثبتوا‬


‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على من لنبي بعده وبعد ‪:‬‬
‫فحين تتوالى المدلهمات وتتنادى الخطوب وتتلون الفتن يتكاثر المتساقطون‬
‫على قارعة الطريق ‪ ،‬منهم من يسقط خوفا ومنهم من يسقط جزعا ومنهم‬
‫من يسقط طمعا ومنهم من يسقط وهو يظن السلمة في الحور بعد الكور ‪.‬‬
‫وفي هذه الزمنة المتأخرة التي كثرت فيها الفتن وتوالت فيها المغريات‬
‫وأقبلت الدنيا حاشدة رجلها وخيلها وعسكرها مغررة بالقلوب ومغرية للنفس‬
‫بنعيم الدنيا الزائف ومتاعها المرجف الراجف ‪ ،‬في هذه الزمنة ما أحوجنا‬
‫إلى ذلك الصوت النبوي الحاني ‪ " :‬ياعباد الله اثبتوا"‪.‬‬
‫إن الثبات أمام الشدائد والمحن والخطوب وأمام تلون الدنيا ومغرياتها سمة‬
‫من سمات عباد الراشدين الذين يعلمون أن الفتن إنما هي تمحيص للمؤمنين‬
‫وفتنة للغافلين اللهين ‪ ،‬والفئة المؤمنة لتغير من إيمانها الكروب سلبا بل إن‬
‫الكروب تزيدها قناعة بنصاعة الطريق الذي تسير عليه ولذا تجد في محطات‬
‫اللم والغربة والكربة والبتلء جلء لما صدأ من إيمانها‪.‬‬
‫إن الثبات معناه أن يستمر المرء في طريق الهداية واللتزام بمقتضيات هذا‬
‫الطريق والمداومة على الخير والسعي الدائم للستزاده ومهما فتر المرء إل‬
‫أن هناك مستوى معين ليقبل منه النزول دونه أو التقصير فيه وإن زلت‬
‫قدمه فل يلبث أن يئوب ويتوب لله علم الغيوب‪.‬‬
‫لقد ذكر الله عزوجل في محكم التنزيل صورا متعددة للثبات في حياة‬
‫المسلم وما ذلم إل لكي يستشعر المسلم خطورة هذه القضية وأهميتها ومن‬
‫تلك الصور التي ذكرها القرآن العظيم صورة الثبات في المعركة أمام‬
‫جحافل أعداء الله ورسوله فالربانيون ليزيدهم صليل السيوف وزمجرة‬
‫الموت إل ثباتا وتضحية واطراحا بين يدي الواحد الحد مؤملين في عونه‬
‫ومدده ومغفرته " وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم‬
‫في سبيل الله وماضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * ووما كان‬
‫قولهم إل أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا‬
‫وانصرنا على القوم الكافرين "‪.‬‬
‫نعم في أحلك ساعات الخوف والشدة والكربة ثبات على الحق وإيمان عميق‬
‫يقود إلى تماسك وتمسك وعبودية مطلقة للواحد الحد وهكذا هم رجال‬
‫الموقف ورجال الحسم الذين لتعصف بهم الرياح كما تعصف بغيرهم من‬
‫أصحاب اليمان الواهن الضعيف " ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ‬
‫علينا صبرا وثبت أقدامنا " ‪ ،‬لقد كانت نتيجة ذلك الصبر والثبات حميدة‬
‫سعيدة في الدنيا مع ماينتظر أصحابها من حسن الجزاء في الخرة‪.‬‬
‫لقد كانت مسألة الثبات على دين الله عزوجل الشغل الشاغل لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وكانت هي القضية التي تشغل فكر أصحابه من بعده‬
‫وهي القضية التي كدت أذهان العلماء والصلحاء والفضلء ‪ ،‬فلقد كان رسولنا‬
‫صلى الله عليه وسلم كما في مسند المام أحمد رحمه الله كثيرا مايدعو "‬
‫يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " وهاهو حذيفة رضي الله عنه يحذر‬
‫العلماء بقوله " يامعشر القراء استقيموا فإن أخذتم يمينا وشمال لقد ضللتم‬
‫ضلل بعيدا " ‪ ،‬وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كثيرا مايدعو بهذا‬
‫الدعء " ألله إني أسألك إيمانا ليرتد ونعيما لينفد " ‪ ،‬ويقول شداد بن أوس‬
‫رضي الله عنه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات ندعو‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بهن في صلتنا ‪ :‬أللهم إني أسألك الثبات في المر وأسألك عزيمة الرشد "‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن الثبات على الدين معلم بارز من معالم الستقامة‬
‫لن المتردد والخائف والمضعضع ليقدر على الثبات ول يقوى على تكاليف‬
‫الستقامة ‪.‬‬
‫وإن من صور الثبات على الدين الثبات في الفتن نعم الثبات في أيام الصبر‬
‫التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ‪ ) :‬الصبر فيهن مثل‬
‫القبض على الجمر ( ‪ ،‬وما أروع تلك الصورة اليمانية تتجلى في ذلك العبد‬
‫المنيب الذي يهرع حال الفتن إلى تجسيد معنى اليمان بثباته وصبره بل‬
‫واستزاده من الخير وترقيه في درجات الصلح مع يعصف بالكون حوله من‬
‫الفتن ومع ذلك فهو متشبث بأهداب دينه متلمس لطريق نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم وفي أحلك الظروف وأكثرها شدة ليتحكم بتصرفاته وأعمال إل‬
‫الوامر الربانية والتوجيهات المحمدية النورانية التي تشحذ همته وترتقي به‬
‫إلى عنان الجوزاء فيحقق العبودية والخبات لله رب العالمين والناس من‬
‫حوله في أمر مريج ‪ ،‬ومثل هذا استحق أجر خمسين من الصحابة نظرا لما‬
‫هو عليه من خير عظيم عند ثباته حال الفتن ‪ ) :‬يأتي على الناس زمان‬
‫الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر( و ) إن من ورائكم أيام الصبر ‪،‬‬
‫للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم(‪.‬‬
‫إننا ونحن نرى هذه الجور العظيمة ما أحوجنا لن نربي أنفسنا على هذا‬
‫المعنى اليماني وخصوصا في هذه الزمنة المتأخرة لكي ننهض بهممنا‬
‫وننفض غبار الكسل عنا فهل نتنبه لذك ؟ ‪ ،‬عسى الله أن يجعل لقلوبنا من‬
‫بعد ذلك فرجا قريبا وصلى الله على محمد‪.‬‬
‫ماجد بن محمد الجهني‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪mm_gohani@hotmail.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يانصيب الحصول على الجنسية المريكية‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬القمار والرهان والميسر‬
‫التاريخ ‪02/05/1425 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫ما هو الحكم الشرعي في )يانصيب الحصول على الجنسية المريكية(‬
‫بالدليل؟‪.‬‬
‫الجواب‬
‫اليانصيب كما عرفها القانون هي‪ :‬لعبة يسهم فيها عدد من الناس‪ ،‬بأن يدفع‬
‫كل منهم مبلغا ً صغيرا ً ابتغاء كسب النصيب‪ ،‬وهو عبارة عن مبلغ نقدي كبير‪،‬‬
‫أو سلعة من السلع يوضع تحت السحب‪ ،‬ويكون لكل مساهم رقم‪ ،‬ثم توضع‬
‫أرقام للمساهمين في مكان‪ ،‬ويسحب منها عن طريق الحظ رقم أو أرقام‪،‬‬
‫فمن خرج رقمه كان هو الفائز بالنصيب‪ ،‬وهذا من القمار المحرم‪ ،‬كما في‬
‫حديث أبي هريرة –رضي الله عنه‪ -‬مرفوعًا‪" :‬من حلف باللت والعزى فليقل‪:‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل إله إل الله‪ ،‬ومن قال لصاحبه‪ :‬تعال أقامرك فليتصدق" رواه البخاري)‬
‫‪ ،(4860‬ومسلم)‪ (1647‬من حديث أبي هريرة‪-‬رضي الله عنه‪ -‬والقمار هو‬
‫َ‬
‫سُر‬
‫مي ْ ِ‬‫مُر َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫مُنوا إ ِن ّ َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الميسر المحرم بنص القرآن "َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ن إ ِن ّ َ‬
‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬ ‫جت َن ُِبوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬‫ن َفا ْ‬ ‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ب َواْلْزل ُ‬
‫م رِ ْ‬ ‫َواْلن ْ َ‬
‫صا ُ‬
‫طا َ‬
‫صد ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سرِ وَي َ ُ‬ ‫مي ْ ِ‬‫مرِ َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬‫ضاَء ِفي ال ْ َ‬ ‫داوَة َ َوال ْب َغْ َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ن ُيوقِعَ ب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫شي ْ َ ُ‬‫ريد ُ ال ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن"]المائدة‪ ،[91-90:‬وسبب تحريم‬ ‫من ْت َُهو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬‫صلةِ فَهَ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ذِك ْرِ اللهِ وَعَ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫الميسر في الية هو أن المشركين في مكة كانوا يتقامرون على الجزور ناقة‬
‫يرونها يتوازعونها أسهما ً بينهم تبلغ )‪ (29‬سهمًا‪ ،‬ثم يضعون هذه السهم في‬
‫خريطة ‪ -‬كيسة ‪ -‬ويخبصونها ثم يبدأ كل واحد منهم يسحب سهمًا‪ ،‬فمن ظهر‬
‫له رقم من هذه السهم دفع جزءا ً من قيمة الجزور يماثل قيمة سهمه الذي‬
‫خرج له‪ ،‬وهكذا حتى النهاية ثم يدفعون قيمة هذه السهم الـ )‪ (29‬إلى‬
‫صاحب الجزور‪ ،‬ثم يذبحونها ويتصدقون بلحمها على الفقراء منهم‪ ،‬فجاءت‬
‫الية بالتحريم‪ ،‬هذا عن الشق الول لسؤالك وهو حكم )اليانصيب(‪.‬‬
‫أما الشق الثاني‪ :‬وهو تجنس المسلم بالجنسية المريكية أو غيرها‪ ،‬فأقول إذا‬
‫كان السفر والقامة المؤقتة في بلد الكفار لغير غرض شرعي فمنهي عنها؛‬
‫لحاديث كثيرة منها ما رواه أبو داود)‪ (2645‬والترمذي)‪" :(1604‬أنا بريء‬
‫من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"‪ ،‬قالوا يا رسول الله ولم؟ قال‪" :‬ل‬
‫تراءى ناراهما"‪ ،‬فإن النهي عن التجنس بجنسية الدولة الكافرة من باب‬
‫أولى؛ لنها إقامة دائمة‪ ،‬فالنهي عنها أشد وأعظم‪ ،‬وقد تدعوه الحال إلى أن‬
‫يتحاكم إلى محاكمها وأنظمتها الكفرية‪ ،‬والقامة بين أظهر الكفار تسّبب‬
‫ضعف الدين ورقته وضياع الولد والهل‪ ،‬واستمراء المعاصي والمنكرات؛‬
‫لن كثرة المساس تذهب الحساس‪ ،‬كما يقال‪ ،‬هذا كله إذا كان التجنس‬
‫بجنسية الدولة الكافرة أو القامة فيها لغير ضرورة شرعية‪ ،‬أما إذا كان هناك‬
‫ضرورة تدعوه لخذ جنسية الدولة الكافرة‪ ،‬كأن ل يأمن على نفسه أو أهله‪،‬‬
‫فهو يلحق ظلما ً وعدوانًا‪ ،‬أو ل يستطيع طلب الرزق له ولولده في بلده‬
‫التي نشأ بها‪ ،‬ولم يجد دولة مسلمة تؤيه‪ ،‬كما هو الحال اليوم مع كثير من‬
‫الدعاة أو المعارضين لحكوماتهم‪ ،‬أو يكون المسلمون )القلية المسلمة( في‬
‫بلد الكفار بحاجة إلى من يعلمهم دينهم‪ ،‬ول يحصل لهم هذا إل إذا تجّنس من‬
‫يدعوهم بجنسية دولتهم‪ ،‬ففي مثل هذه الحالت يجوز أخذ جنسية دولة كافرة‬
‫بشروط منها‪:‬‬
‫)‪ (1‬أن يكون ولؤه الحقيقي ومحبته القلبية لمته المسلمة‪ ،‬ولو خالط الكفار‬
‫وعاشرهم في الظاهر إنما لحمله جنسيتهم‪.‬‬
‫)‪ (2‬أن ل يترتب على أخذه الجنسية ارتكابه لمحظور شرعي قطعي الدللة‪.‬‬
‫)‪ (3‬أن يتمكن من إظهار شعائره التعبدية من صلة وصيام وزكاة ونحوها‪.‬‬
‫)‪ (4‬أن يكون مضطر ضرورة شرعية ل محالة له منها للقاعدة الصولية‬
‫)الضرورات تبيح المحظورات( والضرورة تقدر بقدرها‪ ،‬أو يكون طلبه‬
‫للجنسية باعثه حاجة ملحة ل مندوحة له منها؛ للقاعدة الفقهية )إن الحاجة‬
‫تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة( وإذا جازت القامة في بلد الكفار‬
‫لغرض شرعي جاز أخذ الجنسية؛ لنها متفرعة عنها في كل حال‪ ،‬وما قد يرد‬
‫على أخذ الجنسية من التحاكم إلى محاكم الكفر وقوانينه يرد على المقيم‬
‫في ديار الكفر‪ ،‬فإنه ملزم باتباع أنظمة البلد وقوانينها‪ ،‬ومثله من أسلم في‬
‫دار الكفر أو ولد فيها مسلمًا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإذا جاز للمسلم أن يتوظف في حكومة كافرة‪ ،‬ويطبق من أنظمة الدولة ما‬
‫يوافق شرع الله‪ ،‬كما كان من تولي نبي الله يوسف ‪-‬عليه السلم‪ -‬وظيفة‬
‫ض‬ ‫َْ‬ ‫جعَل ِْني عََلى َ‬
‫ن الْر ِ‬ ‫خَزائ ِ ِ‬ ‫المالية والخزانة لفرعون مصر قال تعالى‪ " :‬قال ا ْ‬
‫م"]يوسف‪ :‬من الية ‪ ،[55‬فإن أخذ الجنسية من الدولة‬ ‫ظ عَِلي ٌ‬ ‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬‫إ ِّني َ‬
‫الكافرة أهون من هذا‪ ،‬ورحم الله شيخ السلم ابن تيمية )السابق لعصره(‬
‫حيث يقول في مجموع الفتاوى)‪) :(30/55‬الولية وإن كانت جائزة أو‬
‫مستحبة أو واجبة فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب أو أحب‪،‬‬
‫فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوبا ً تارة واستحبابا ً أخرى‪ ،‬ومن هذا الباب تولي‬
‫يوسف الصديق – عليه السلم ‪-‬على خزائن الرض لملك مصر‪ ،‬بل ومسألته‬
‫له أن يجعله على خزائن الرض‪ ،‬وكان هو وقومه كفارًا‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫م‬‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬‫م ِفي َ‬ ‫ما زِل ْت ُ ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫ل ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫س ُ‬‫م ُيو ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬‫"وَل َ َ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أأْرَبا ٌ‬ ‫جَ ِ‬
‫س ْ‬‫ي ال ّ‬ ‫حب َ ِ‬
‫صا ِ‬
‫ه"]غافر‪ :‬من الية ‪ ،[34‬وقال تعالى عنه‪َ" :‬يا َ‬ ‫بِ ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ها‬
‫مو َ‬‫مي ْت ُ ُ‬
‫س ّ‬ ‫ماًء َ‬ ‫س َ‬‫ن ُدون ِهِ إ ِل أ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫قّهاُر َ‬ ‫حد ُ ال َ‬ ‫وا ِ‬‫ه ال َ‬ ‫خي ٌْر أم ِ الل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫فّرُقو َ‬ ‫مت َ َ‬‫ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما أن َْز َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن"]يوسف‪ ،[40-39 :‬ومعلوم أنه مع‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ب َِها ِ‬‫ل الل ُ‬ ‫م َ‬ ‫م َوآَباؤُك ْ‬ ‫أن ْت ُ ْ‬
‫كفرهم ل بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الموال وصرفها على حاشية‬
‫الملك وأهل بيته وجنده ورعيته‪ ،‬ول تكون تلك جارية على سنة النبياء‬
‫وعدلهم‪ ،‬ولم يكن يوسف – عليه السلم‪ -‬يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما‬
‫يراه من دين الله‪ ،‬فإن القوم لم يستجيبوا له‪ ،‬لكن فعل الممكن من العدل‬
‫والحسان‪ ،‬ونال يوسف – عليه السلم‪ -‬بالسلطان من إكرام المؤمنين من‬
‫أهل بيته‪ ،‬وهم مسلمون‪ ،‬بل وفيهم أبوه نبي الله يعقوب – عليه السلم‪ -‬ما‬
‫لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك‪ ،‬وهذا كله داخل في قوله تعالى‪" :‬فاتقوا‬
‫الله ما استطعتم"]التغابن‪ [16 :‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫واستنباطا ً من كلم شيخ السلم ابن تيمية هذا نقول‪ :‬إذا كان نبي الله‬
‫يوسف – عليه السلم‪ -‬لم يستطع أن يفعل كل ما يريده فيمنع فرعون‬
‫وجنده‪ ،‬وحاشيته من استئثارهم بالمال العام وتبذيره وحفظه لصالح المة‪،‬‬
‫مع أنه ‪-‬عليه السلم‪ -‬هو المشرف والمتولي للخزانة العامة لدولة فرعون‪،‬‬
‫وإنما فعل يوسف – عليه السلم‪ -‬من العدل والحسان ما تمكن منه وقدر‬
‫عليه‪ ،‬إذا كان هذا جائزا ً في حق يوسف ‪-‬عليه السلم‪ -‬وهو نبي يوحى إليه‪،‬‬
‫فإنه في حق غيره من البشر أولى‪ ،‬ومنهم المتجنس بجنسية الكفار‬
‫اضطرارًا‪ ،‬فإن عليه أن يفعل الممكن من العدل والحسان‪ ،‬وأخيرا ً ولو كان‬
‫قليل ً مما اشتملت عليه أنظمة تلك البلد وقوانينها وإظهار شعائر دينه من‬
‫صلة وصيام‪ ،‬وخلصة الجواب‪ :‬أن ما تفعله بعض المكاتب التجارية من‬
‫اليانصيب للقتراع للحصول على الجنسية المريكية أعتقد أنه مزايدة تجارية‪،‬‬
‫ول يمكن لدولة أن تجعل أنظمتها كالتجنس بأيدي تجار يزيدون عليها‪ ،‬ولو‬
‫فرض وقوعه في دولة من الدول لمتنع في أمريكا‪ ،‬وبالخص بعد أحداث‬
‫الحادي عشر من سبتمبر التي غيرت مجرى التاريخ أو كادت‪ ،‬والتجنس‬
‫بالجنسية المريكية أو غيرها جائز إذا توفرت في طالبها الشروط السابق‬
‫ذكرها‪ .‬والله تعالى أعلم‪ ،‬وصلى الله على نبينا محمد‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يتفكرون ويعتبرون‬
‫بقلم‪ :‬أ‪.‬د‪/‬محمد أديب الصالح‬
‫رئيس تحرير مجلة حضارة السلم‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حين يكرم الله المسلم بتفتح البصيرة ويقظة القلب ‪ ،‬يحس بعبوديته لله وأن‬
‫صدق هذه العبودية كائن في تسخير الجوارح لطاعة الله والجهاد في سبيله ‪،‬‬
‫لذا تجده دائم الفكرة ‪ ،‬ينظر فيعتبر‪ ،‬ل تبطره النعمة ‪ ،‬ول تصرفه الدنيا‬
‫وملذاتها عن الجهاد في سبيل الله والعمل للخرة التي هي خير وأبقى ‪،‬‬
‫وتراه حين يراه‪ ،‬ل يفتر عن ذكر الله ‪ ،‬والتفكر في آلئه ‪ ،‬يذكر الموت فل‬
‫يغتر بالحياة الدنيا ‪ ،‬ويذكر ما أعد الله للمؤمنين في دار كرامته فيصغر في‬
‫عينيه كل ما يعظمه أولئك الذين غرهم بالله الغرور ‪.‬‬
‫ولقد وصف الله أولي اللباب في سورة آل عمران فقال ‪:‬‬
‫]إن في خلق السماوات والرض واختلف الليل والنهار ليات لولي اللباب ‪.‬‬
‫الذين يذكرون الله قياما ً وقعودا ً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات‬
‫والرض ربنا ما خلقت هذا باطل ً سبحانك فقنا عذاب النار[ )‪.(1‬‬
‫وللربانيين أهل الخشية من علماء هذه المة ورجالها كلمات تنم عن مدى‬
‫تذوقهم لهاتين الصفتين من صفات أولي اللباب ‪ ،‬وصفاء إحساسهم بنعم‬
‫الله ودللتها على قدرته وحكمته جل وعل ‪.‬‬
‫فقد روي عن الحسن البصري قوله ‪) :‬الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك(‬
‫وإذن فلبد للمسلم من أن يجلو هذه المرآة دائما ً لتريه حسناته فيزداد منها‬
‫وسيئاته فيتوب إلى الله ويقلع عنها ‪.‬‬
‫وقال سفيان بن عيينة ‪) :‬الفكرة نور يدخل القلب( وربما تمثل بهذا البيت ‪:‬‬
‫إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة‬
‫ولم يكن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بمنأى عن هذه الساحة المشرقة‬
‫المباركة ‪ ،‬فقد كانت حياته ‪-‬وهو يحمل مسؤولية المارة‪ -‬صورة صادقة عن‬
‫هذا الصفاء الذي ارتفع به إلى النابة الدائمة لله عز وجل فكان ـ وهو يحكم‬
‫الناس ـ رجل الخرة في عدله وجهاده وتقواه فقد روي عنه قوله ‪:‬‬
‫)الكلم بذكر الله عز وجل حسن ‪ ،‬والفكرة في نعم الله من أفضل العبادة(‪.‬‬
‫كما روي أنه بكى يوما ً بين أصحابه ‪ ،‬فسئل عن ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬فكرت في‬
‫الدنيا ولذاتها وشهواتها ‪ ،‬فاعتبرت بها ‪ ،‬ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها‬
‫مرارتها ‪ ،‬ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر‪ ،‬إن فيها مواعظ لمن ادكر(‪.‬‬
‫رحم الله الحسن وسفيان ‪ ،‬ورحم الله خامس الراشدين ورضي عنه ‪ ،‬فلقد‬
‫برز في تاريخ هذه المة أنموذجا ً لمعنى التقوى والصلح ‪ ،‬وإن ذلك ليس‬
‫مقصورا ً على الفرد في نفسه وإنما هو قضية عظيمة تنعكس على المجتمع ‪،‬‬
‫فعمر بن عبد العزيز لم يكن عابدا ً في صومعته ‪ ،‬ولكن عبد الله بتحكيم‬
‫شريعة السلم ‪ ،‬وإقامة العدل بين الناس ‪ ،‬وزهادته في الدنيا وهي مذللة‬
‫بين يديه ـ وقاد جيوش الجهاد إلى ساحات القتال في سبيل الله ‪ ،‬والتمكين‬
‫لمة السلم في الرض ‪.‬‬
‫أجل ‪ :‬لقد كان صلح عمر بن عبد العزيز ضياء على طريق المسلمين في‬
‫إعزاز دين الله ‪ ،‬والتوطيد لكلمة الحق في المجتمع ‪ ،‬وإقامة صروح العدل‬
‫الذي جاء به السلم ‪ ..‬ذلكم هو الرجل الرباني الذي استطاع أن يحقق ـ‬
‫بصدقه وإخلصه ـ في زمن يسير ما تعجز عن تحقيقه السنون وهكذا يعلم‬
‫الربانيون ‪.‬‬
‫)‪ (1‬سورة آل عمران ‪ 190 :‬ـ ‪. 191‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يخرب بيتك يا قانون‪!!...‬‬


‫محمد العبد الكريم ‪15/3/1427‬‬
‫‪13/04/2006‬‬
‫إذا أردت استفزاز هيئة سوق المال فإنك حقا ً تفعل المستحيل؛ لن الضرب‬
‫في الميت حرام‪...‬‬
‫هيئة سوق المال هي استكبار في الرض ومكر سيئ‪ ،‬ونحن مطمئنون أن‬
‫المكر السيئ ل يحيق إل بأهله‪.‬‬
‫مطمئنون يا سادة أعضاء الهيئة الموقرة إلى أن السحر ينقلب على الساحر‪،‬‬
‫ويوما ً ما ستتجلي الحقائق‪ ،‬وسيكون النتقام عنيفا ً وقاسيًا‪ ،‬وأرجو أل ّ يكون‬
‫دمويًا‪.‬‬
‫هذه ليست رسالة تهديد!!‬
‫إنها الواقعية كما أعتقد؛ إذ لكل فعل عنيف رد عنيف قد يساويه وقد يزيد‬
‫عليه‪.‬‬
‫الحساس الميت لدى الهيئة والتعالي والستكبار والتنطيش والتجاهل‪...‬‬
‫الستهبال السبوعي والمكايدة اليومية والستعراض الدكتاتوري والتصريحات‬
‫الباهتة‪...‬‬
‫كلها أثمان باهظة وفاتورة مكلفة‪ ،‬تنعكس سلبا ً إلى ما ل ُتحمد عقباه‪.‬‬
‫زد ْ على ذلك إغلق شبه تام لجمعيات التعبير والتنفيس )الحقيقية(‪ ،‬يتبعه‬
‫ضغط ثم المصير حتما ً إلى انفجار ل نعلم حجمه‪ ،‬أو مقداره‪ ،‬لكننا متأكدون‬
‫أنه نوع مدمر‪.‬‬
‫قد يكون الدمار نفسيا‪ً.‬‬
‫وقد يكون الدمار انتحارًا‪.‬‬
‫وقد يكون الدمار طلقًا‪.‬‬
‫وقد يكون كارثة سياسية‪ ،‬تماما ً كما يحدث الضغط على المؤشر‪ ،‬حتى يهبط‬
‫إلى القاع ويتم تركيع السوق بالكامل‪ ،‬ثم يتنظر الناس بعد ذلك أمرا ً ملكي‬
‫عله أن يبعد شبح الكارثة السياسية ل سمح الله‪.‬‬
‫ن‬‫المواطن السعودي يا سادة‪ ،‬يا أعضاء الهيئة‪ ،‬مواطن كريم ترّبى على معا ٍ‬
‫إيمانية عظيمة‪ :‬متصدق ومنفق‪.‬‬
‫لديه لمسات عاطفية جّبارة‪.‬‬
‫يحن على البعيد‪.‬‬
‫يمسح دمعة اليتيم‪.‬‬
‫بسيط إلى حد ل يصدق‪.‬‬
‫يحسن الظن في كل شيء وهذه سذاجة‪.‬‬
‫ً‬
‫لكنها من وجه آخر‪ ،‬تخبر عن إنسان يحمل قيما‪ ،‬ول يريد الذي يسمونه‬
‫قانونًا‪.‬‬
‫هذا قدره‬
‫ولكل شيء قدر!‬
‫ومواطن بكل هذه المواصفات‪ ،‬ل يجد من يحميه!! ول يعرف كيف ينتصف‬
‫لنفسه!!‬
‫قد أكلت المساهمات العقارية نصف ماله‪.‬‬
‫وأكل توظيف الموال بعضه‪.‬‬
‫ثم أتت قوانين الهيئة لتستأثر بفتاته‪ ،‬ولتضيف إلى مأساته بيع تسهيلته؛‬
‫ليبقى عائل ً يبحث عن سكن في نادي خط الفقر‪.‬‬
‫لن أقول‪ :‬إن الهيئة جاءت لحماية عشرة مليين مستثمر؛ فهذا لغو‪ ،‬وأتمنى‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منها أن ترفع قضية عاجلة ضد هذه التهمة‪ ،‬ويا ليتها تفعل ولن تفعل‪.‬‬
‫من يجّرمها؛ لنها تدرك في داخلها معنى أكبر من الجريمة‪،‬‬ ‫فهي ل تبحث ع ّ‬
‫ّ‬
‫وتعرف أنها ُتحمى من سلطة النظام الذي أكد في عّز النهيار المالي‬
‫والنفسي أنه يدعم جميع قراراتها!! )إحباط( شعرت يومها أن الحيوانات في‬
‫مرابعها أكثر إحساسا ً بوجودها مني كمواطن‪.‬‬
‫وللسف الشديد ليس لدى الهيئة جواب على كل باقعة إل أن قانون الهيئة‬
‫هيك! يعني من ل يعجبه القانون فأمامه بحر من كل جهة فليشرب‬
‫وليستمتع!!‬
‫وحينها تسمع في داخلك صوت يصرخ‪ :‬يخرب بيتك يا قانون!!‬
‫مالكم كيف تحكمون؟!‬
‫ّ‬
‫ُتشهرون أسماء الشركات التي تعلق بها آلف مؤلفة‪ ،‬وتتكتمون على أسماء‬
‫المتحايلين‪.‬‬
‫َ‬
‫يا ُترى هل يجوز في قانون الشرف أن يغتصب رجل امرأة‪ ،‬ثم ُيعلن اسم‬
‫فظ باسم الغاصب لحين انتهاء التحقيق؟!‬ ‫المرأة بالتفصيل وُيحت َ‬
‫أين في قانون الشرف‪ :‬سحق الصغار حتى يخاف الكبار!!‬
‫هذه جاهلية لم يعرفها أبو لهب‪ ،‬ولم تكن من وسواس إبليس‬
‫وإذا كانت الهيئة تحتج بالقانون‪ ،‬فمتى كان القانون عندنا سيدا ً للموقف؟‬
‫نحن نتقن الفوضى والتسّيب‪ ،‬وحكم القويّ على الضعيف‪ ،‬ول نعرف من‬
‫القوانين إل أنها ُتطّبق على الضعفاء‪ ،‬ومن ل سند له يحميه‪.‬‬
‫كنا نتمنى أن هناك قانونا ً يحكم ويضرب على يد السفيه‪ ،‬حتى ل نرى متحدثا ً‬
‫منهم يخرج على الفضائيات ليزيد معدلت الموت البطيء!‬
‫وإذا كانت الهيئة ترى عملها عمل ً مقننا ً فأين موافقة قانونهم لعقود المعاملت‬
‫خل أعلى سلطة في‬ ‫في الشريعة التي تبطل عقود الغرر‪ ،‬وتجيز بل توجب تد ّ‬
‫الدولة لمنع الضرر‪ ،‬وهم يحتجون على امتناع الدولة من التدخل بأن جميع‬
‫خل؟ يعني مرجعيتنا قوانين سوق‬ ‫قوانين سوق المال في العالم تمنع التد ّ‬
‫المال في العالم‪ ،‬ومع التسليم جدل ً بأن قوانين سوق المال العالمية ُتعد ّ‬
‫مرجعًا‪ ،‬فإن قوانين هيئة سوق المال السعودية ل تصح ‪-‬جدل ً ول منطقًا‪ -‬أن‬
‫تكون معيارا ً للعمل؛ فإن تطبيقاتها الحالية تدل على سوء انتقائها‪ ،‬ول جدال‬
‫سن فإن المشكلة في ظني تتعلق‬ ‫في سوء تطبيقهم‪ ،‬لكن التطبيق مهما تح ّ‬
‫بنوعية ما تقّنن لديهم‪ ،‬والمشكلة السوأ أن قانون هيئة سوق المال بل ضمير‬
‫وانعدام شبه تام لمعاني النسانية‪ ،‬في بلد يعتز بالقيم أكثر من اعتززاه‬
‫بتطبيق القانون حتى لو كان ضده!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يسر السلم في أحكام حج بيت الله الحرام‬


‫وفيه التحقيق لجواز رمي الجمار قبل الزوال‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد الله الذي هدانا للسلم ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬شهادة من قال‪:‬‬
‫) ربي الله ثم استقام( واستسلمت جوارحه لقام الصلة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪،‬‬
‫والصيام وحج بيت الله الحرام ‪.‬‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬الذي رفع ببعثته عن أمته الصار والغلل‬
‫فشرع الحكام ‪ ،‬وبين للناس الحلل والحرام ‪ ،‬وسكت عن أشياء رحمة منه‬
‫غير نسيان‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللهم صل على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله وصحبه ‪ ،‬ومن اتبعهم‬
‫بإحسان‪.‬‬
‫أما بعد ــ فإن الله سبحانه قد أكمل لعباده الدين ‪ ،‬وأتم عليهم النعمة ‪،‬‬
‫بإرسال هذا النبي الصادق المين )عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم‬
‫بالمؤمنين رؤوف رحيم ( ‪ .‬وجعله رحمة لمن اتبعه وسعادة لن تمسك بهديه ‪،‬‬
‫وقال‪ « :‬بعثت بحنيفية سمحة » فالدين الذي جاء به هو دين السهولة واليسر‬
‫« ما جعل عليكم في الدين من حرج » ‪ « ،‬يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم‬
‫العسر» ‪ ،‬وقال‪ « :‬ونيسرك لليسرى » ‪ ،‬أي للشريعة التي تفضل غيرها‬
‫بالسماحة واليسر ‪ ،‬فمن رأفته وسماحة شريعته ‪ ،‬أنه يشق عليه كل ما يعنت‬
‫أمته وكان يقول لصحابه‪ « :‬يسروا ول تعسروا » ‪ ،‬ويقول ‪ « :‬أ كلفوا من‬
‫العمل ما تطيقون فإن الله ل يمل حتى تملوا »‪.‬‬
‫وكل من تأمل شرائع السلم التي جاء بها ــ عليه الصلة والسلم ــ وجدها‬
‫في مواردها ومصادرها تفر من مضائق الشدة والعنت واليسر إلى فضاء‬
‫السهولة واليسر ‪.‬‬
‫فما من شيء من العبادات تشق على الناس مشقة زائدة على المعتاد إل‬
‫كان لها بدل من التيسير حاضر عتيد « ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي‬
‫المر منهم لعمله الذين يستنبطونه منهم»‪.‬‬
‫فمن ذلك الصلة التي هي آكد العبادات ‪ ،‬لما كان من شروطها الطهارة‬
‫بالماء وقد أعوز استعماله ‪ ،‬إما لمشقة طلبه ‪ ،‬أو لحبس الماء خوفا على‬
‫نفسه أو رفقته أو تضرر العضو العليل به‪ ،‬بحيث يخشى أن يزيد في مرضه‬
‫أو يؤخر من برئه ‪ ،‬قام التيمم بدله ومثله عادم الطهورين يصلي على حسب‬
‫حاله ول إعادة عليه ‪ ،‬وكذا القيام ي صلة الفرض فإنه ركن من أركان صحة‬
‫الصلة وينوب القعود عنه عند وجد ما يمنعه ‪ ،‬ومثله صيام رمضان ‪ ،‬فإنه أحد‬
‫أركان السلم ‪ ،‬وقد قال تعالى ‪ « :‬فمن كان منكم مريضا ً أو على سفر‬
‫فعدة من أيام أخر » ‪ ،‬ورخص للشيخ الكبير الذي يشق عليه الصيام فوق‬
‫المشقة المعتادة بأن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا‪ ،‬وكذا الحج‪ ،‬فإنه‬
‫فرض العمر مرة واحدة‪ « :‬والله على الناس حج البيت من استطاع سبيل »‪.‬‬
‫وفسر استطاعة السبيل بوجود الزاد والراحلة وأمن الطريق ‪ ،‬ونص الفقهاء‬
‫على سقوطه بظن حصول الضرر على نفسه وأهله ولو يأخذ خفارة من ماله‬
‫مجحفة ‪ ،‬وقيل أو غير مجحفة‪ ،‬وهكذا سائر العبادات ما قدر عليه منها فعله‬
‫وما أعجزه سقط عنه ‪ ،‬إما سقوطا كليا أو إلى بدل‪ ،‬وهذه قاعدة مطردة في‬
‫سائر الشرائع الدينية تعرف بالتتبع والستقرار ‪ ،‬لن الشرائع منزلة على‬
‫مصالح العباد في المعاش والمعاد ‪ ،‬لنها إما مصلحة يطلب جبلها وتكثيرها ‪،‬‬
‫وإما مفسدة يطلب درأها وتقليلها ‪ ،‬فيه دائما تطلب الفعل فتعلله بما فيه من‬
‫نفع أو تنهى عنه لما فيه من ضر ‪ ،‬وهذا الطلب وإن لم يكن مستمرا لفظا ً ‪،‬‬
‫فإنه ثابت حقيقة ‪ ،‬ومعنى إذ ليس العقول بقادرة على إدراك جميع أسرار‬
‫الشرائع‪.‬‬
‫ولهذا نرى العلماء تختلف أفهامهم في حكمة الشيء الواحد ‪ ،‬فيحكى كل‬
‫واحد منهم الحكمة على حسب ما أدى فيهمه ‪ ،‬فينهون الكلم في حكمة‬
‫الشيء الواحد في ثلثة أقوال أو أربعة أو أكثر‪ ،‬فيمكن إدراك تلك القوال أو‬
‫بعضها لسر الحكمة ‪ ،‬ويمكن عجزها عن إدراكها ‪ ،‬فإن من أسرار الشرائع ما‬
‫أمكن الناس الوصول إلى معرفته ‪ ،‬ومنها ما عجزوا عن أسرار حكمته‪ ،‬لكنهم‬
‫مع جهلهم بها يؤمنون بكل ما جاء عن الله ورسوله إيمانا ً جازما ً ليس‬
‫مشروطا ‪ ،‬بعدم معارض‪ ،‬وإن الله في كتابه وعلى لسان نبيه لم يخبر بما‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يكذبه العقل ولم يشرع ما ينافي الميزان والعدل‬


‫« وتمت كلمة ربك صدقا ً وعدل »‪.‬‬
‫ومن ذلك سائر مناسك الحج ومشاعره ‪ ،‬مثل التجرد عن الثياب للحرام ‪،‬‬
‫والطواف والضبطاع فيه والرمل والسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي‬
‫الجمار والحلق غير ذلك‪ .‬فهذه وإن خفي على الناس أسرار حكمتها ‪ ،‬فإنها‬
‫إنما شرعت لقامة ذكر الله وطاعته وتوجيه جميع المسلمين في صلتهم‬
‫وطوافهم إلى قبلة بيت ربهم واجتماعهم في البلد الحرام « سواء العاكف‬
‫فيه والباد » والذي من دخله كان آمنا ً ‪ ،‬فيتذاكرون بهداية السلم والقيام‬
‫بشرائعه على التمام ولما طاف عمر بن الخطاب بالكعبة وقبل الحجر قال‪:‬‬
‫« إني أعلم أنك حجر ول تضر ول تنفع ولول أني رأيت رسول الله يقبلك ما‬
‫قبلتك » ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهكذا سائر أعمال الحج تجري على هذا المنهج كما روى الترمذي في‬
‫صحيحه عن عائشة أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال‪ « :‬إنما جعل‬
‫رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لقامة ذكر الله ــ عز وجل ــ يقول‬
‫الله ‪ « :‬فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه‬
‫كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ‪ ،‬ثم أفيضوا من حيث أفاض‬
‫الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم » ‪ ،‬وقال‪ « :‬واذكروا الله في أيام‬
‫معدودات فمن تعجل في يومين فل إثم عليه ومن تأخر فل إثم عليه لمن‬
‫اتقى »‪.‬‬
‫وقد حكى بعض العلماء الجماع على أن اليام المعدودات هي أيام التشريق‬
‫الثلثة‪ :‬حادي عشر ـ ثاني عشر ـ ثالث عشر ‪ ،‬ويدل له حديث عبد الرحمن‬
‫بن يعمر عند أحمد وأصحاب السنن الربعة ‪ « :‬أن أناسا من أهل نجد جاءوا‬
‫إلى رسول الله وهو واقف بعرفة فسألوا فأمر مناديا ً ينادي الحج عرفة من‬
‫جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك » ‪ ،‬وقال‪ :‬وأيام منى ثلثة أيام‬
‫فمن تعجل في يومين فل إثم عليه ومن تأخر فل إثم عليه ‪ ،‬وأمر رجل ينادي‬
‫بهن ليعرف الناس الحكم ‪.‬‬
‫وذكر الله المأمور به في هذه اليام المعدودات يشمل الذكر والتكبير في‬
‫إدبار الصلوات والتكبير عند نحر النسك ‪ ،‬والتكبير والدعاء عند رمي الجمار ‪،‬‬
‫فهذه كلها داخلة في عموم الذكر المأمور به في اليام المعدودات ‪ ،‬وكان‬
‫النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يخص الجمرة الولى والوسطى بتطويل‬
‫الوقوف عندها للدعاء ويقف الناس معه صفوفا يدعون ويتضرعون كما في‬
‫صحيح البخاري عن ابن عمر‪ « :‬أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ‪،‬‬
‫يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم فيسهل فيستقبل القبلة ثم يدعو فيرفع‬
‫يديه ويقوم طويل ثم يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي ول يقف عندها‪ ،‬ثم‬
‫يقول ‪ :‬هكذا رأيت رسول الله يفعل » وروى أبو داود « أن ابن عمر كان‬
‫يدعو عند الجمار بدعائه الذي يدعو به بعرفة » ‪ ،‬وفي صحيح مسلم عن‬
‫نبشة الهذلي أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال‪ « :‬أيام التشريق أيام‬
‫أكل وشرب وذكر لله عز وجل »‪.‬‬
‫وإنما خص الله المر بالذكر في هذه اليام المعدودات من أجل أن الذكر هو‬
‫روح الدين وإنما شرع الرمي للتذكير به ‪ ،‬وقد حكى بعض العلماء أنه إنما‬
‫شرع الرمي حفظا للتكبير ‪ ،‬وقد تركه وكبر أجزأه ‪ ،‬رواه ابن جرير الطبري‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن عائشة ‪ ،‬وإنما خص النبي ــ صلى الله عليه وسلم طول الوقوف عند‬
‫الجمار للدعاء والتضرع حتى قيل أنه وقف بقدر سورة البقرة ‪ ،‬كله من أجل‬
‫أن رمي الجمار ختام عمل الحج ‪ ،‬فهو يدعو ويتضرع بقبول عمله ‪ ،‬وكذلك‬
‫أصحابه وقفوا صفوفا ً يدعون ويتضرعون ‪ ،‬فهذا المشعر الذي شرع للدعاء‬
‫والتضرع وللذكر والتكبير قد انقلب إلى تزاحم وتلكم وتدافع وخطر على‬
‫الرواح كبير ‪ ،‬وصار الناس يذهبون إليها وهم متذمرون للمدافعة وقصد‬
‫المغالبة ‪ ،‬يؤيد بعضهم بعضا وصار أكثر الناس ل يباشرون الرمي بأنفسهم‬
‫خوفا على حياتهم ‪ ،‬وإنما يستنيبون القوياء الجلداء في الرمي عنهم وأكثرهم‬
‫تقع جمارهم بعيدة عن الحواض من أجل شدة الزحام والخوف من السقوط‬
‫تحت القدام‪.‬‬
‫ومن شرط صحة الرمي العلم بحصول الجمار في المرمى ‪ ،‬كما نص على‬
‫ذلك الفقهاء وليس كذلك الزحام في الطواف ‪ ،‬فإن الناس يسيرون فيه ول‬
‫يقفون ‪ ،‬وكل المسجد الحرام مجال للطواف وليس الطواف محصورا بوقت‬
‫دون وقت ‪ ،‬بخلف رمي الجمار ‪ ،‬فإن الجمع كثير وحوض المرمى صغير‬
‫وزمن الرمي قصير ‪ ،‬وكل واحد يقف حتى يتمم رمي جماره واحدة بعد‬
‫أخرى‪.‬‬
‫فهذا العمل بهذه الصفة قد أفضى بالناس إلى الحرج والضيق ‪ ،‬لكون هذا‬
‫الوقت القصير‬
‫ل يسع أداء واجب الخلق الكثير‪.‬‬
‫ثم إن هذا التحديد بما بين الزوال إلى الغروب ليس له أصل ل من الكتاب ول‬
‫من السنة‬
‫ول القياس ول الجماع ‪ ،‬فل تجوز نسبة القبول به إلى الشرع أو إلى الدين‪،‬‬
‫مع عدم ما يدل على صحته وصار الحكم باللزام به مستلزما للعجز عنه ‪ ،‬إذ‬
‫هو من تكليف ما ل يستطاع « ل يكلف الله نفسا إل وسعها »‪.‬‬
‫وفي الحديث أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال‪ « :‬إذا أمرتكم بأمر‬
‫فأتوا منه ما استطعتم » ‪ ،‬فل يقول باللزام به في مثل هذا الزمان إل من‬
‫يحاول حطمة الناس وعدم رحمتهم‪:‬‬
‫وإذا شئت أن تعصى وإن كنت قادرا‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫فمر بالذي ل يستطاع من المر‬
‫تعاليم النبي‬
‫لحكام الحج قول منه وفعل‬

‫)‪(2 /‬‬

‫والنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قد بين للناس في حجهم جميل ما يحتاجون‬
‫إليه ‪ ،‬وما يجب أن يفعلوه وما ينبغي أن يتقوه ‪ ،‬فحدد لهم المواقيت الزمانية‬
‫والمكانية ‪ ،‬وحدد لهم الوقوف بعرفة زمانه ومكانه ‪ ،‬فقال ‪ « :‬عرفة كلها‬
‫وموقف وارفعوا عن بطن عرنة » ‪ ،‬وقال‪ « :‬من جاء ليلة جمع قبل أن يطلع‬
‫الفجر فقد أدرك »‪ ،‬وقال‪ « :‬أيام منى ثلثة أيام من تعجل في يومين فل إثم‬
‫عليه ومن تأخر فل إثم عليه » ‪ ،‬ونهى أن تصام هذه اليام إل لمن لم يجد‬
‫الهدي ‪ ،‬وقال‪ « :‬منى مناخ لمن سبق» ‪ ،‬وقال‪ « :‬فجاج مكة كلها منحر» ‪،‬‬
‫وقال‪ « :‬ل يلبس المحرم القميص ول العمائم ول السراويلت والبرانص ول‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخفاف إل أحد ل يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ‪،‬‬
‫ول تلبسوا شيئا مسه الزعفران ول الورس » ‪ ،‬خطب بهذا في المدينة لكنه‬
‫ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس ‪ ،‬قال‪ « :‬سمعت رسول الله‬
‫يخطب بعرفة يقول‪ :‬السراويلت لمن لم يجد الزار والخفاف لمن يجد‬
‫النعلين » ‪ ،‬وروى مسلم عن جابر بلفظ‪ « :‬من لم يجد نعلين فليلبس الخفين‬
‫ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل » ‪ ،‬ولم يذكر قطع الخفين ‪ ،‬وهذا هو آخر‬
‫المرين من رسول الله ‪ ،‬وقال في الذي وقصته ناقته بعرفة فمات‪« :‬‬
‫غسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ‪ ،‬أو قال‪ :‬في ثوبين ول تخمروا رأسه‪،‬‬
‫وجنبوه الطيب ‪ ،‬فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا»‪.‬‬
‫وروى أبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي ‪ ،‬قال‪ « :‬خطبنا‬
‫رسول الله ونحن بمنى ففتحنا أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في‬
‫منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع إصبعيه السبابتين ‪ ،‬ثم‬
‫قال بحصا الخذف ‪ ،‬وفي رواية بمثل حصا الخذف ‪ ،‬فارموا وإياكم والغلو إلى‬
‫غير ذلك من التعليمات الكافية الشافية »‪.‬‬
‫فلو كان ما قبل الزوال وقت نهي غير قابل للرمي لحذر منه النبي أمته ‪ ،‬إذ‬
‫ل يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ‪ ،‬وهذا واضح جلي ‪ ،‬ل مجال للشك‬
‫في مثله‪.‬‬
‫والذي جعل المر يشكل على بعض الناس هو أن النبي ــ صلى الله عليه‬
‫وسلم ــ إنما حج حجة واحدة من أجل أن قريشا صدته عن الحج فلم تمكنه‬
‫من دخول مكة حتى فتحها عام ثمان من الهجرة ‪ ،‬وفي السنة التاسعة أمر‬
‫رسول الله أبا بكر بأن يحج بالناس وأمر عليا ـ رضي الله عنه ـ بأن ينادي في‬
‫الناس بسورة براءة ‪ ،‬وأن ل يحج بعد العام مشرك ل يطوف بالبيت عريان ‪،‬‬
‫ومن كان له عند رسول الله عهد فأجله إلى مدته « إن الله بريء من‬
‫المشركين ورسوله »‪.‬‬
‫صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وفي السنة العاشرة أذن في الناس أن رسول الله حاج ‪ ،‬فقدم المدينة بشر‬
‫كثير كلهم يريد أ‪ ،‬يأتم برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويعمل مثل‬
‫عمله ‪ ،‬فخرج رسول الله من المدينة حتى نزل ذا الحليفة وبات بها حتى‬
‫طلعت الشمس ثم اغتسل وتطيب ‪ ،‬قالت عائشة ‪ :‬طيبت رسول الله‬
‫لحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت ‪ ،‬لهذا كان يرى وبيص‬
‫الطيب في مفرق رسول الله وهو محرم ‪ ،‬ولبس ثياب إحرامه إزارا ورداء ثم‬
‫صلى ركعتين في مسجد ذي الحليفة وتسمى ركعتي الحرام ثم أهل‬
‫بالتوحيد‪ :‬لبيك اللهم لبيك ل شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ل‬
‫شريك لك ‪ ،‬وأهل الناس بالذين يهلون به ولزم رسول الله تلبيته‪.‬‬
‫وولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ‪ ،‬وأرسلت إلى رسول الله ‪:‬‬
‫كيف أصنع؟ فقال‪ « :‬اغتسلي واستشفري بثوب واحرمي » ‪ ،‬ثم أنه لقي ركبا‬
‫بالروحاء ‪ ،‬فقال‪ « :‬من القوم؟ قالوا‪ :‬المسلمون قالوا‪ :‬من أنت؟ قال‪ :‬أنا‬
‫رسول الله ‪ ،‬فرفعت امرأة إليه صبيا ‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول الله ا لهذا حج؟ قال‪:‬‬
‫نعم ولك أجر واعترضت له امرأة من خثعم ‪ ،‬وقالت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن‬
‫فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا ل يثبت على الراحلة‬
‫أفأحج عنه؟ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬حجي عنه وذلك في حجة الوداع ‪ ،‬وسألته امرأة من‬
‫جهينة وقالت‪ :‬يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت‬
‫أفأحج عنها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أرأيت لو كان على أمك دين أ كنت قاضيته ‪ ،‬اقضوا‬
‫الله فالله أحق بالوفاء »‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسميت هذه الحجة بحجة الوداع لكونه ودع الناس فيها وقال‪ « :‬لعلكم ل‬
‫تلقوني بعد عامي هذا‪ ،‬وأنزل الله عليه بعرفة يوم الجمعة ‪ « :‬اليوم أكملت‬
‫لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا» ‪ ،‬كما أنزل الله‬
‫عليه في أوسط أيام التشريق سورة النصر‪ « :‬إذا جاء نصر الله والفتح ‪،‬‬
‫ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ‪ ،‬فسبح بحمد ربك واستغفره إنه‬
‫كان توابا »‪ ،‬وفي هذه السورة الشعار باقتراب أجل رسول الله ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ كما فسرها بذلك ابن عباس‪.‬‬
‫ولهذا توفي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد حجته ببضعة وثمانين يوما‪،‬‬
‫وكان غالب من حج مع النبي هم أهل المدينة ومن حول مكة من العراب‬
‫لكونه لم يفتح في زمنه شيء من البلدان ما عدا الطائف ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولهذا يعد العلماء تحديد المواقيت من معجزات نبوته ‪ ،‬حيث حددها قبل‬
‫إسلم أهلها‪ ،‬فوقت لهل المدينة ذا الحليفة ‪ ،‬ولهل الشام الحجفة ‪ ،‬ولهل‬
‫نجد قرن المنازل‪ ،‬ولهل اليمن يلملم هن لهن ولمن أتى عليهن من غير‬
‫أهلهن ‪ ،‬فمن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك‪ ،‬فمن حيث إن شاء حتى‬
‫أهل مكة من مكة‪ .‬رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس‪ ،‬ولهذا قال‬
‫ابن عبد القوي ‪:‬‬
‫وتحديدها من معجزات نبينا‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫لتعينه م قبل فتح المعدد‬
‫فالناس ل يعرفون أحكام حجة السلم إل من طريقه ـ عليه الصلة والسلم ـ‬
‫فهم يتبعونه في سائر أفعاله من الواجبات والمستحبات ‪ ،‬كما يتبعونه في‬
‫الصلة ‪ ،‬ولهذا توسع الخلف جدا بين الئمة وفقهاء المذاهب في مسائل‬
‫الحج كلها اختلفا ل يعهد له نظير في سائر العبادات‪ ،‬اختلفوا في إحرام‬
‫رسول الله ‪ ،‬فمنهم من قال‪ :‬أحرم مفردا ‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬أحرم متمتعا ‪،‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬أحرم قارنا ‪ ،‬واختلفوا في إحرام التمتع ‪ ،‬فمنهم من قال‪:‬‬
‫بإستحبابه ‪ ،‬ومنهم من قال بمنعه‪ ،‬واختلفوا في السعي بين الصفا والمروة ‪،‬‬
‫فمنهم من قال‪ :‬هو ركن‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬هو واجب‪ ،‬ومنهم من قال‪:‬‬
‫مستحب‪ ،‬واختلفوا هل يجب على المتمتع طوافان وسعيان أم يكفيه طواف‬
‫واحد وسعي واحد كالقارن ‪ ،‬إلي غير ذلك من الختلف‪.‬‬
‫والمر الثابت عن رسول الله ‪ ،‬أنه تجرد لحرامه واغتسل وتطيب ثم أحرم‬
‫ولبى قارنا ‪ ،‬وكذا أمر عائشة ‪ ،‬حين حاضت بسرف بأن تدخل عمرتها على‬
‫الحج حتى تصير قارنة وأن تفعل ما يفعل الناس غير أن ل تطوف بالبيت‬
‫حتى تطهر ‪ ،‬وقال لها‪ :‬إن طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك‬
‫لحجك وعمرتك‪.‬‬
‫وطاف رسول الله طواف القدوم وطاف الناس معه‪ ،‬ثم صلى ركعتي‬
‫ً‬
‫الطواف بالمقام ‪ ،‬ثم خرج إلى الصفا فسعى بين الصفا والمروة سبعا ‪ ،‬وعند‬
‫إنتهائه قال لصحابه عند المروة‪ « :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما‬
‫سقت الهدي ولجعلتها عمرة ‪ ،‬فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل‬
‫وليجعلها عمرة ‪ ،‬حتى قال سراقة بن مالك بن خثعم ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أ‬
‫لعامنا هذا أم للبد؟ فقال‪ :‬ل بل لبد البد» دخلت العمرة في الحج إلى يوم‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القيامة ‪ ،‬فحل الناس كلهم وقصروا إل رسول الله ومن كان معه هدي حتى‬
‫قال رجل‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬الحل ماذا ؟ فقال‪ :‬الحل كله » فحلوا من إحرامهم‬
‫ولبسوا ثيابهم ودارت المجامر بينهم وأوجب الله عليهم عن هذا الترفة‬
‫والتمتع ذبح هدي لقول الله تعالى‪ « :‬فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما‬
‫استيسر من الهدي » ‪ ،‬وفي اليوم الثامن أحرم بالحج كل الذين من حلوا من‬
‫إحرامهم وتوجهوا إلى منى فنزلوا بها ‪ ،‬حتى إذا كان يوم عرفة أتى إلى نمرة‬
‫حتى إذا زاغت الشمس صلى بالناس الظهر والعصر جمع تقديم بأذان‬
‫وإقامتين ثم خطب الناس وعلمهم كيفية حجهم من وقوفهم وانصرافهم ولم‬
‫يزل واقفا بعرفة يدعو ويتضرع حتى غابت الشمس ‪ ،‬فانصرف وقد شنف‬
‫للقصوى الزمام حتى أن رأسها ‪ ،‬ليصيب مورك‪ ،‬ورحل رسول الله ويقول‪:‬‬
‫أيها الناس السكينة ‪ .‬السكينة ‪ ،‬كلما أتى حبل من الحبال أرخى لها قليل حتى‬
‫تصعد حتى أتى مزدلفة ‪ ،‬فصلى بها المغرب والعشاء قصرا وجمعا بأذان‬
‫وإقامتين ورخص رسول الله للضعفة وللنساء أن يدفعن قبله ليل وبات هو‬
‫وأصحابه بمزدلفة حتى وصلوا بها الفجر‪ ،‬ثم وقف يدعو ويستغفر الله حتى‬
‫أسفر جدا ‪ ،‬ثم دفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتي منى فبدأ برمي جمرة‬
‫العقبة فرماها ضحى بسبع حصيات وهو على راحلته ‪ ،‬ثم انصرف إلى المنحر‬
‫فنحر هديه ) وعدده مائة بدنة نحر منها ثلثا وستين بدنة بيده وكن يزدلفن‬
‫بين يديه‪ ،‬أي تبرك الناقة قبل الخرى ووكل عليا فنحر الباقي( ‪ ،‬ثم حلق‬
‫رأسه ثم حل من إحرامه ‪ ،‬ولبس ثيابه وتطيب‪.‬‬
‫ثم خطب الناس يوم العيد وبين لهم ما ينبغي أن يفعلوه وجعل الناس‬
‫يسألونه ‪ ،‬فما سئل عن شيء من التقديم والتأخير إل قال‪ « :‬إفعل ول حرج‬
‫»‪.‬‬
‫فبعد أن أكل من لحم هديه وشرب من مرقه ركب راحلته ودفع إلى مكة‬
‫والناس معه فطاف بالبيت طواف الفاضة وصلى ركعتي الطواف عند‬
‫المقام‪ ،‬ثم أتي بني عبد المطلب ‪ ،‬وهم يسقون في زمزم ‪ ،‬فقال‪ « :‬انزعوا‬
‫بني عبد المطلب ‪ ،‬فلول أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ‪،‬‬
‫فناولوه دلوا فشرب منه وهو قائم » ‪ ،‬ثم صلى بالناس الظهر في المسجد‬
‫الحرام قصرا ‪ ،‬وقال‪ « :‬يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر» ‪ ،‬ثم رجع إلى منى‬
‫وبات بها‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وفي اليوم الثاني جعل الناس يسألونه ‪ ،‬فما سئل عن شيء قدم ول أخر إل‬
‫قال‪ « :‬افعل ول حرج» حتى قال رجل‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬رميت بعدما أمسيت‪،‬‬
‫فقال‪ « :‬إرم ول حرج » رواه البخاري من حديث ابن عباس والليل يدخل في‬
‫مسمى المساء حتى إذا زالت الشمس قام لرمي الجمار وقام الناس معه ‪،‬‬
‫فبدأ بالجمرة الولى فرماها بسبع حصيات ‪ ،‬ثم وقف عندها طويل يدعو‬
‫ويتضرع ووقف الناس صفوفا يدعون ويتضرعون ‪ ،‬ثم رمى الثانية مثل ذلك‬
‫ووقف عندها طويل يدعو ويتضرع ‪ ،‬ثم رمى جمرة العقبة ولم يقف عندها ‪،‬‬
‫قيل من أجل ضيق المكان ‪ ،‬ثم انصرف إلى مسجد الخيف فصلى بالناس‬
‫الظهر ركعتين قصرا من غير جمع ‪ ،‬لن من هدي رسول الله أنه كان يصر‬
‫الصلة في منى ول يجمع‪ ،‬وإنما يصلي كل فرض في وقته ‪ ،‬قال ابن مسعود‪:‬‬
‫« من حدثكم أن رسول الله كان يجمع في منى فقد كذب عليه » ففعل في‬
‫اليوم الثاني والثالث مثل ذلك ‪ ،‬يرمي الجمار بعد الزوال ثم ينصرف إلى‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مسجد الخيف فيصلي بالناس الظهر وكأنه حاول الرفق بالناس ليخرج بهم‬
‫مخرجا واحدا لرمي الجمار وللصلة في مسجد الخيف لكون حجه صادف‬
‫شدة حر‪ ،‬حتى أن بلل يظلله عن الشمس عند الجمار‪.‬‬
‫ولهذا نرى كثيرا من الفقهاء يذكرون في كتبهم استحباب الصلة بعد رمي‬
‫الجمار في مسجد الخيف ‪ ،‬تأسيا بفعل النبي وأصحابه ‪ ،‬ثم أنه عمل الخلفاء‬
‫الراشدون بمثل عمله ‪ ،‬يرمون الجمار بعد الزوال ثم يصلون صلة الظهر في‬
‫مسجد الخيف‪.‬‬
‫ثم أخذ أمراء الحاج من بني أمية وبني العباس يعملون بمثل ذلك ‪ ،‬ثم استمر‬
‫عمل الناس على ذلك ‪ ،‬لن مجموع الحاج يكونون قليلين بالنسبة إلى هذه‬
‫السنين فيختارون للرمي من الوقت أفضله ويتمكنون من القيام‬
‫بمشروعيته ‪ :‬الدعاء والتضرع ‪ ،‬والذكر والتكبير عند هذا المقام من أجل‬
‫قلتهم وسعة المكان وقبل أن يوجد في منى شيء من البنيان‪.‬‬
‫)اتفاق أئمة المذاهب على القول برمي أيام التشريق بعد الزوال(‬
‫أنه في القرن الثاني من خلفة بني العباس ‪ ،‬عند ابتداء تدوين العلم‬
‫والحديث والفقه ‪ ،‬قرر الفقهاء في كتبهم تحديد الرمي في أيام التشريق بما‬
‫بين الزوال إلى الغروب اجتهادا منهم في ذلك وأخذوا بعضهم ينقل عن بعض‬
‫القول به والحكم بموجبه حتى انتشر في كتب الصحاب من ساير المذاهب ‪،‬‬
‫وحتى صار عند كثير من الناس بمثابة المر الواجب ودليلهم في ذلك ما روى‬
‫البخاري عن جابر قال‪ :‬رمي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم النحر‬
‫ضحى ‪ ،‬وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس ‪ ،‬وعن ابن عمر وعائشة بمعناه‬
‫وكلها أحاديث صحيحة ‪ ،‬لكنها ليست بصريحة في الدللة على التحديد بما‬
‫ذكروا‪.‬‬
‫لهذا ظن من ظن أن هذا حكم عام لزم للناس في جميع الحوال والزمان‬
‫وأنه لو رمى قبل الزوال أو بالليل لم يجزيه‪.‬‬
‫وخفي عليهم بأن هذا التحديد جرى على حسب الجتهاد من الفقهاء يؤجرون‬
‫على اجتهادهم فيه ول يجب أن يبايعوا عليه‪ ،‬إذ ليس بلزم أن يقبل ما يقوله‬
‫الفقيه بدون دليل يؤيده ‪ ،‬ول قياس يعضده ‪ ،‬لكون التحديد بابه التوقيف ‪ ،‬فل‬
‫يجوز المصير إليه برأي مجرد ‪ ،‬سيما وليس له أصل يرد إليه ‪ ،‬و نظر يقاس‬
‫عليه ‪ ،‬ولو فرض أنهم وجدوا دليل ابتداءه بالزوال ‪ ،‬استنادا واستدلل بفعل‬
‫رسول الله وأصحابه ‪ ،‬لن يجدوا دليل بانتهائه بالغروب ‪ ،‬لنه بمقتضى التتبع‬
‫والستقراء لكتب الصحاح والسنن والمسانيد والتفاسير لم يجد عن النبي ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ حديثا صحيحا ول حسنا ول ضعيفا ‪ ،‬يأمر فيه بتحديد‬
‫الرمي بما بين الزوال إلى الغروب حتى نلتزم العمل به طاعة لله ورسوله ‪،‬‬
‫ومع عدمه فإنه ل يجوز لنا أن نسمى ما قبل الزوال‪ ،‬وقت نهي بدون أن‬
‫ينهى عنه رسول الله ‪ ،‬وغاية المر أنه مسكوت عنه رحمة منه بالناس كما‬
‫في الحديث‪ :‬أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‪ « :‬إن الله فرض فرائض‬
‫فل تضيعوها وحد حدودا فل تعتدوها وحرم أشياء فل تنتهوها وسكت عن أشياء‬
‫رحمة لكم غير نسيان فل تبحثوا عنها » والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رمى‬
‫الجمرة يوم العيد قبل الزوال ‪ ،‬ثم رمى بقيته أيام التشريق بعد الزوال ‪،‬‬
‫فعليه في هذا وهذا هو مشروع منه بسعة وقته لمته تأجل العمل الرمي به‬
‫إلى وقت الحاجة إليه‪ ،‬فمن قال بإختصاص قبل الزوال بيوم العيد دون أيام‬
‫التشريق استدلل واستنادا منه إلى فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لزمه‬
‫أن يقول بوجوب الحلق يوم العيد ضحى ‪ ،‬ووجوب النحر يوم العيد ضحى ‪،‬‬
‫كما فعل رسول الله ولم يقل بذلك أحد ‪ ،‬بل جعله العلماء موسعة تفعل في‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أي ساعة من أيام التشريق ليل ونهارا ‪ ،‬وكذلك الرمي إذ هو نظيرها في‬
‫الحكم والوجوب إذ ليس عندنا أن رميها فيما بين الزوال إلى الغروب كان‬
‫على المؤمنين كتابا موقوتا ‪ ،‬كيف والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطب‬
‫الناس يوم العيد وخطبهم في أوسط أيام التشريق ‪ ،‬وجعل الناس يسألونه‬
‫فما سئل عن شيء من التقديم والتأخير إل قال‪ « :‬افعل ول حرج » وهذا‬
‫النص قاطع للنزاع ودافع للخلف إلى مواقع الجماع‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وأما اختياره لما بعد الزوال للرمي في أيام التشريق ‪ ،‬فقد ذكرنا سببه ‪ ،‬وأنه‬
‫أراد أن ل يحرج أمته ‪ ،‬بل يخرج بهم مخرجا واحدا لرمي الجمار ولصلة‬
‫الظهر في مسجد الخيف ‪ ،‬لكون حجه صادف شدة الحر ‪ ،‬على أن هذا فعل‬
‫والفعل ل يقتضي تحديد المفعول فيه بمجرده لكون الفعال الصادرة من‬
‫رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ موقوفة على دلئلها‪ ،‬فما كان منها‬
‫للوجوب صير إليه أو للستحباب صير إليه أو للباحة صير إليه ‪.‬‬
‫ثم إن القائلين بوجوب الرمي بعد الزوال ‪ ،‬وأنه لو رمى قبل الزوال فعليه دم‬
‫استدلل بحديث جابر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رمي جمرة العقبة‬
‫يوم العيد أضحى ‪ ،‬وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس فإنهم يخالفون هذا‬
‫الحديث نفسه ‪ ،‬حيث يرمون جمرة العقبة بالليل وهم أصحاء أقوياء ‪ ،‬عمل‬
‫بظاهر المذهب من أنه يجوز رميها بعد نصف الليل وهو الظاهر من مذهب‬
‫الشافعي ‪ ،‬وذهب المام أبوحنيفة ومالك ‪ ،‬إلى أنه ل يجوز رميها بالليل ول‬
‫يعتد به لما روى أحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي عن ابن عباس قال‪« :‬‬
‫أرسلنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أغيلمة بني عبد المطلب على‬
‫حمراة لنا من جمع بليل فجعل يلطخ على أفخاذنا ويقول‪ :‬أي بني ل ترموا‬
‫الجمرة حتى تطلع الشمس » قال الترمذي ‪:‬حديث صحيح ‪ ،‬وهذا النص‬
‫يقتضي المنع لكون الرمي لجمرة العقبة يعتبر من عمل يوم العيد أشبه النحر‬
‫والحلق ‪ ،‬ولنه عمل يفعل قبل التحلل من الحج ‪ ،‬فناسب الحتياط فيه ‪،‬‬
‫ولهذا خرج النهي مخرج الزجر عنه ‪ ،‬وإنما رخص للنساء في الرمي بالليل‬
‫من أجل ضعفهن عن مزاحمة الناس‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم في تهذيب السنن‪ :‬إن حديث ابن عباس هو أصح من‬
‫حديث عائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬أرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأم سلمة ليلة‬
‫النحر‪ ،‬فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت ‪ ،‬لن ابن عباس من‬
‫جملة المدفوعين وقد جرى الحديث على يده ‪ ،‬فهو أعرف الناس به ‪ ،‬وحديث‬
‫أم سلمة فيه اضطراب ‪ ،‬ثم على تقدير فرض صحته ‪ ،‬فإن الجمع بين‬
‫الحديثين ممكن ‪ ،‬وأن وقت الرمي يدخل بطلوع الشمس في حق من ل عذر‬
‫له من الصبيان والرجال وأما النساء ‪ ،‬فإنه يجوز لهن الرمي قبل طلوع‬
‫الشمس للخوف عليهن من زحمة الناس وحطتهم ‪ ..‬انتهي‪.‬‬
‫ويدل له ما في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر ‪ ،‬أنها دفعت ليلة جمع من‬
‫مزدلفة بعدما غابت القمر فرمت الجمرة قبل الفجر ‪ ،‬ثم رجعت فصلت‬
‫الصبح وقالت‪ :‬إن رسول الله أذن للضعن والمقصود أن هؤلء الذين يدفعون‬
‫من مزدلفة بالليل ويرمون جمرة العقبة بالليل وهم أصحاء أقوياء قد خالفوا‬
‫في سنتين صحيحتين من سنن الحج ‪ ،‬إحداهما‪ :‬دفعهم بالليل وهو خلف‬
‫عمل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعمل خلفائه وأصحابه ‪ ،‬كما أنه‬
‫خلف نص القرآن في قوله ‪ « :‬فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المشعر الحرام واذكروا كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ‪ ،‬ثم‬
‫أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم » ‪،‬‬
‫والناس هم الرسول وأصحابه ‪ ،‬وإنما أفاضوا من مزدلفة بعدما صلوا الصبح‬
‫بغلس ‪ ،‬ثم وقفوا يذكرون الله وستغفرونه ويدعونه ‪ ،‬ثم دفعوا إلى منى‬
‫بعدما أسفروا جدا ‪ .‬والمخالفة الثانية‪ :‬رميهم جمرة العقبة بالليل‪ ،‬وقد نهى‬
‫رسول الله عن ذلك بصيغة الزجر ‪ ،‬وقال‪ « :‬ل ترموا الجمرة حتى تطلع‬
‫الشمس » ‪ ،‬والمخالفة الثالثة ‪ :‬طوافهم للفاضة الذي هو ركن الحج بالليل‬
‫من ليلة العيد ‪ ،‬وإنما طاف رسول الله وأصحابه ضحى يوم العيد فتساهلوا‬
‫فيما ينبغي للحتياط فيه وشددوا فيما ينبغي التساهل فيه ‪ ،‬فإن رمي أيام‬
‫التشريق يقع بعد التحلل الثاني من عمل الحج فناسب التسهيل فيه وعدم‬
‫التشديد‪.‬‬
‫فيما أنه ثبت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه نحر يوم العيد‬
‫ضحى وحلق يوم العيد ضحى وحلق يوم العيد ضحى وطاف طواف الفاضة‬
‫يوم العيد ضحى وسكت عن التحديد فجعله العلماء موسعا تفعل في أي‬
‫ساعة من أيام التشريق ‪ ،‬فكذلك الرمي ‪ ،‬ويدل لذلك ما روى البخاري ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا أبونعيم ‪،‬حدثنا مسعر عن وبرة قالت‪ :‬سألت ابن عمر متى أرمي‬
‫الجمار؟ فقال‪ :‬إذا رمى أمامك فارمه‪ .‬فأعدت عليه المسألة ‪ ،‬فقال‪ :‬كنا‬
‫نتحين فإذا زالت الشمس رمينا ‪ ،‬فهذا ابن عمر الذي هو أحرص الناس على‬
‫اتباع السنة قد أحال هذا السائل على اتباع إمامه فيه عند أول سؤاله ‪ ،‬لعلمه‬
‫بسعة وقته ‪ ،‬ولو كان يرى أنه محدد بالزوال كوقت الظهر لما وسعه كتمانه ‪،‬‬
‫لن العلم أمانة ‪ ،‬ولنه لو سأله سائل فقال‪ :‬متى أصلي الفجر ليلة المزدلفة‬
‫لم يجر أن يقول‪ :‬إذا صلى إمامك فصل لكونه يعرف أن الئمة من يؤخر‬
‫الصلة عن وقتها ‪ ،‬وقد يقدمها قبل وقتها كما أخبر النبي عنهم ‪ ،‬وكذلك‬
‫الرمي والحمد لله الذي جعل هذا التحديد من قول من ليسوا بمعصومين من‬
‫الخطأ ولم يكن من كلم رسول الله الذي ل ينطق عن الهوى إن هو إل وحي‬
‫يوحى‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫فإن التحديد بهذا الزمن القصير قد أفضى بالناس إلى الحرج والضيق حتى‬
‫شغلهم شدة الزحام عن الذكر والتكبير وعن الدعاء والتضرع عند هذا المقام‬
‫‪ ،‬بل وعن العلم بوقوع الجمار في موقعها المشروع من الحواض ‪ ،‬وهذا‬
‫الزحام من المحتمل أن يزداد عاما ً بعد عام ‪ ،‬متى كان التحديد على هذه‬
‫الحال‪ ،‬وذلك لعوامل تساعد على ذلك لم تكن معروفة في السنين السابقة ‪،‬‬
‫فمنها فتح مشارق الرض ومغاربها باللت الحديثة من الطائرات والسيارات‬
‫وسائر الوسائل التي قضت بقصر المسافة وتسهيل السفر حتى صارت الدنيا‬
‫كلها كمدينة واحدة ‪ ،‬وكأ‪ ،‬عواصمها بيوت متقاربة ‪ ،‬وقد أشارت المعجزة إلى‬
‫الخبار بهذا الشي قبل وقوعه كما روى ابن أبي الدنيا عن مكحول مرسل‪ :‬أن‬
‫رجل قال‪ :‬يا رسول الله متى الساعة ؟ قال‪ :‬ما المسئول عنها بأعلم من‬
‫السائل ‪ ،‬ولكن لها أشراط وتقارب أسواق ‪ ،‬وفي البخاري من أشراطها‬
‫تقارب الزمان وليس من الممكن أن يفسر تقارب السواق بانضمام الرض‬
‫بعضها إلى بعض ولكن باللت البرية والبحرية والهوائية وسائر الوسائل‬
‫الناقلة للذوات والصوات والتي كان الناس قبلها يقاسون الشدائد في‬
‫السفار ‪ ،‬يسيرون المدة الطويلة من الزمان ول يبلغون منتهى قصدهم من‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وصول مثل هذه الديار ‪ ،‬أضف إليه ما يعرض لهم من المهالك والخطار ‪ ،‬وما‬
‫يلقونه من المخاوف والوجال لكون الحاج في زمن لم يبعد في التاريخ كان‬
‫هدفا للغراض ونهبا ً للعراب يعدون العتداء عليهم بالنهب والسلب من‬
‫أعظم أو يعولون عليه في منع هذا الظلم المستمر سوى تعززهم بالخفراء‬
‫المستأجرين ‪ ،‬أل أنه ل يدفع عنهم الخطر بجلمته ‪ ،‬لكنه قد يقلله ولجله‬
‫يكون الحجاج بجملتهم قليلين‪ ،‬بالنسبة إلى هذه السنين ‪ ،‬لنه ل يحج في‬
‫الغالب إل الناس المعدودون بالقرب من مكة ‪ ،‬أما أهل البلدان البعيدة فل‬
‫يحج منهم إل النادر ‪ ،‬لبعد الشقة وشدة المشقة ووحشة الطريق ونصب‬
‫وسائل التعويق ‪ ،‬وفهم ل يستطيعون لوصوله حيلة ول يهتدون سبيل‪.‬‬
‫كيف الوصول إلى سعاد ودونها‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫قلل الجبال ودونهن حتوف‬
‫الرجل حافية ومالي مركب‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫والكف صقر والطريق مخوف‬
‫أما الن وفي هذا الزمان ‪ ،‬وقد قصرت المسافات وسهلت المواصلت ‪،‬‬
‫ودكت عقبات التعويق وقطع دابر قطاع الطريق ‪ ،‬وزد عليه حصول المن‬
‫المستتب في أنحاء الحرم ‪ ،‬وسائر السبل المفضية إليه حتى أن الناس فيه‬
‫وض الناس إلى الحج من كل فج‪،‬‬ ‫آمن منهم في أوطانهم ‪ ،‬فمن أجله ق ّ‬
‫فأقبلوا إليه يجرؤن وهم من كل حدب ينسلون ‪ ،‬وفي كل زمان يزيدون ‪،‬‬
‫فاشتد الزحام عند هذا المقام وشق الرمي على الخاص والعام من أجل‬
‫الفقهاء حددوه بما بين الزوال إلى الغروب ‪ ،‬وهو ل يسع الخلق الكثير فصار‬
‫من تكليف ما ل يستطاع ‪ ،‬إن القول به مستلزم للعجز عنه في هذا الزمان ‪،‬‬
‫والله ل يكلف نفسا إل وسعها ونم المعلوم أن للفقهاء ـ رحمهم الله ـ‬
‫تحديدات وتقييدات يستقين العلم الصحيح نفيها ‪ .‬ويقوي في القياس ضعفها ‪،‬‬
‫كما حددوا مسافة السفر المبيح للقصر بيومين وكما حددوا القامة الموجبة‬
‫لتمام الصلة بأربعة أيام ‪ ،‬وكما حددوا صحة الجمعة بحضور أربعين من أهل‬
‫وجوبها إلى غير ذلك من التحديدات والتقييدات التي‬
‫ل أصل لها ‪.‬‬
‫وتحديد الرمي بما بين الزوال إلى الغروب هو نوع من ذلك ‪ ،‬وقد خطب‬
‫النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم عرفة ثم يوم العيد ‪ ،‬ثم أوسط أيام‬
‫التشريق وبين للناس ما يحتاجون إليه وجعل الناس يسألونه فما سئل عن‬
‫شيء من التقديم والتأخير إل قال‪ « :‬افعل ول حرج » حتى سأله رجل فقال‪:‬‬
‫يا رسول الله رميت بعدما أمسيت؟ فقال‪ « :‬ارم ول حرج »‪ .‬رواه البخاري‬
‫من حديث ابن عباس ‪ ،‬والليل يدخل في مسمى المساء‪.‬‬
‫فنفى رسول الله وقوع الحرج من كل ما يفعله الحاج من التقديم والتأخير‬
‫لعمال الحج التي تفعل في يوم العيد وأيام التشريق‪.‬‬
‫وهذا الحكم قاطع للنزاع يعيد الخلف إلى مواقع الجماع ‪ ،‬فلو كان يوجد في‬
‫أيام التشريق وقت نهي غير قابل للرمي لبينه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫للناس بنص جلي قطعي الرواية والدللة وارد ومورد التشريع العام ‪ ،‬إذ ل‬
‫يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ‪.‬‬
‫وأما الستدلل باستمرار عمل الناس على الرمي بعد الزوال من النبي وزمن‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلفائه وأصحابه إلى هذه السنين ‪.‬‬


‫فجوابه ‪ :‬إننا ل ننكر أن ما بعد الزوال هو أفضل ما يرمي فيه لو وسع الناس‬
‫كلهم ‪ ،‬لكننا ل نقول بفرضه فيه ‪ ،‬وإنما غاية ما يقال أن ما بعد الزوال هو‬
‫وقت الفضيلة وما قبل الزوال وبالليل وقت إباحة ‪ ،‬أشبه الوقوف بعرفة ‪،‬‬
‫فإن ما بعد الزوال إلى الغروب هو أفضل ما يوقف فيه اقتداء بفعل رسول‬
‫الله وفعل خلفائه وأصحابه والليل كله إلى فجر يوم العيد وقت إباحة للوقوف‬
‫‪ ،‬وإن لم يستمر عليه عمل الناس ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫والحالة الن هي حالة ضرورة توجب على العلماء والحكام إعادة النظر فيما‬
‫يزيل هذا الضرر ويؤمن الناس من مخاوف الخطر الحاصل من شدة الزحام‬
‫والسقوط تحت القدام ‪ ،‬إذ شدة هذا الزحام تزداد عاما بعد عام ‪ ،‬كما أنها لو‬
‫ضاقت مني عن مناخ الناس كان من الجائز أن ينزلوا بما قرب مني منها‬
‫حتى ولو في وادي محسر ‪ ،‬لن ما جاور الشيء يعطي حكمه ‪ ،‬كما قالوا في‬
‫زوايد المسجد الحرام على حدوده السابقة ‪ ،‬بأن حكم الزائد حكم المزيد في‬
‫الحد والفضيلة ‪.‬‬
‫ولن المقصود من نزول مني هو إتمام أعمال الحج المتعلقة بمنى مثل النحر‬
‫والحلق والرمي ‪ ،‬ولنها حالة ضرورة وقد قيل‪ :‬إن الحاجة في هي أم‬
‫التحقيقات وللضرورة حالت ويتعلق بها أحكام غير أحكام السعة والختيار‪.‬‬
‫ولو فكروا في نصوص الدين بإمعان ونظر لوجدوا فيه الفرج من هذا الحرج ‪،‬‬
‫لن نصوص الدين كفيلة بحل كل ما يقع الناس فيه من الشدات والمشكلت‬
‫يؤكده أن الرمي أيام التشريق يقع بعد التحلل الثاني من عمل الحج ‪ ،‬بحيث‬
‫يباح للحاج أن يقع كل شيء من محظورات الحرام حتى النكاح ولكون‬
‫النسان إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد وحلق رأسه فقد تحلل التحلل الول‬
‫لحديث عائشة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‪ « :‬إذا رميتم وحلقتم‬
‫فقد حل لكم الطيب وكل شيء إل النساء » ‪ .‬رواه أبو داود ‪ .‬فإذا طاف‬
‫طواف الفاضة فقد تحلل التحلل الثاني‪ ،‬بحيث لو مات لحكم بتمام حجه ‪،‬‬
‫فناسب التسهيل وعدم التشديد في التحديد ‪ ،‬إذ هي من فروع المسائل‬
‫الجتهادية يوضحه أن الفقهاء من الحنابلة والشافعية قالوا ‪ :‬إنه لو جمع‬
‫الجمار كلها حتى جمرة العقبة يوم العيد فرماها في اليوم الثالث من أيام‬
‫التشريق اجزأت أداء لعتبار أن أيام منى كلها كالوقت الواحد قاله في‬
‫المغني والشرح الكبير ‪ ،‬وكذا في القناع والمنتهى ‪ ،‬وهو المذهب ‪ ،‬وحكى‬
‫النووي في المجموع ‪ :‬أنه الظاهر من مذهب الشافعي ‪.‬‬
‫فمتى كان المر بهذه الصفة وأن أيام منى كالوقت الواحد حسبما ذكروا ‪،‬‬
‫فإذا ل وجه للنكار على من رمى قبل الزوال والحالة هذه ‪ ،‬فإن من أنكر‬
‫الرمي قبل الزوال أو بالليل بحجة مخالفتها لفعل النبي ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ وفعل أصحابه وقال‪ :‬بجواز رميها مجموعة في اليوم الثالث ‪ ،‬فإنه‬
‫من المتناقضين الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه ‪ ،‬فإن‬
‫رمى كل يوم في يومه ولو قبل الزوال أقرب إلى إصابة السنة ‪ ،‬بحيث‬
‫يصدق عليه أنه رمى في اليوم الذي رمى فيه رسول الله ‪ ،‬سيما إذا صحب‬
‫هذا الرمي ما يترتب عليه من الذكر والتكبير والدعاء والتضرع ‪ ،‬بخلف‬
‫جمعها ثم رميها في اليوم الثالث في حالة الزحام حتى ل يدري أصاب الهدف‬
‫أن وقعت بعيدا منه ‪ ،‬فإن جمعها ثم رميها في اليوم الثالث إنما ورد في حق‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعذورين برعاية البل من أجل غيبتهم عن منى ‪ ،‬على أن كل من المرين‬


‫صحيح إن شاء الله ‪ ،‬لدخول الناس كلهم في واسع العذر بداعي مشقة‬
‫الزحام والخوف من السقوط تحت القدام ‪.‬‬
‫وكل من تأمل الفتاوى الصادرة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد‬
‫التحلل الثاني يجدها تتمشى على غاية السهولة واليسر ‪ ،‬فقد استأذنه‬
‫العباس في أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له على أن هذا‬
‫الذن مستلزم لترك واجبين وهما المبيت والرمي ‪ ،‬ولم يأمره في أن‬
‫يستنيب من يرمي عنه ول من يسقي عنه على أن الستنابة فيكل المرين‬
‫ممكنة ‪ ،‬وقيل له ‪ :‬أن صفية قد حاضت قال‪ :‬فهل طافت طواف الفاضة‬
‫قالوا ‪ :‬قال‪ :‬فلتنفر إذا فأسقط عناه طواف الوداع وهو معدود من الواجبات ‪،‬‬
‫ولم يأمرها في أن تستنيب من يطوف بدلها ورخص لرعاة البل في المبيت‬
‫عن منى ‪ ،‬بأن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا جمار اليام الثلثة يرمونها يوم‬
‫النفر في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار ‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫واختلف العلماء في المعذور مثل المريض الذي ل يستطيع الرمي والشيخ‬


‫الكبير والمرآة الكبيرة وكل من ل يستطيع الوصول إلى الجمار هل يسقط‬
‫عنه الرمي سقوطا كليا أم يجب عليه أن يستنيب من يرمي عنه ‪ ،‬فعند‬
‫الفقهاء من الحنابلة والشافعية أنه يجب عليه أن يستنيب من يرمي عنه‬
‫كالمعذور ‪ ،‬وإن لم يفعل فعليه دم ‪ ،‬وبنوا على ذلك كون العذر في المبيت‬
‫يسقط الثم والدم والعذر في الرمي يسقط الثم دون الدم ‪،‬وهذا تفريق بين‬
‫متماثلين ل يقتضيه النص ول يوافقه القياس ‪ ،‬فإن النبي ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ لم يأمر العباس في أن يستنيب من يرمي عنه لم يأمر الحائض في‬
‫أن تستنيب من يطوف عنها طواف الوداع وهو معدود من الواجبات ‪ ،‬على‬
‫أن الستنابة في كل المرين ممكنة ‪ ،‬يؤكده إنما ترك من الواجبات للعذر‬
‫وعدم القدرة على الفعل‪ ،‬فإنه بمنزلة المأتي به في عدم الثم ‪ ،‬ولن الدم‬
‫إنما يجب في ترك المأمور وفعل المحظور بالختيار وهذا لم يترك مأمورا‬
‫ولم يفعل محظورا باختياره وإنما تركه عجزا والله ل يكلف نفسا إل وسعها‬
‫وفي الحديث‪ « :‬أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‪ :‬إذا أمرتكم بأمر‬
‫فأتوا منه ما استطعتم » ‪ ،‬لن الله سبحانه إنما أوجب فرض الحج على‬
‫المستطيع ‪ ،‬وقد نص الفقهاء على سقوطه بظن حصول الضرر على نفسه ‪،‬‬
‫أو أهله أو ماله فإذا كان هذا السقوط في أصل الحج فما بالك بفرعه ‪ ،‬ولن‬
‫العبادات كلها ما قدر عليه منها فعله وما أعجزه سقط عنه وهذه قاعدة‬
‫مطردة في سائر الشرائع الدينية تعرف بالتتبع والستقراء ‪ ،‬ولهذا تجب‬
‫الصلة بحسب المكان وما عجز عنه من شروطها وواجباتها سقط عنه ‪.‬‬
‫على أن شروط الصلة وواجباتها آكد من شروط الحج وواجباته ‪ ،‬فإنه لو ترك‬
‫شيئا من واجبات الصلة عمدا بطلت صلته ‪ ،‬بخلف لو ترك شيئا من واجبات‬
‫الحج عمدا ‪ ،‬فإنه ل يبطل بذلك حجه ويجبره بدم ‪.‬‬
‫وأما الستدلل على وجوب الستنابة بحديث جابر قال‪ « :‬حججنا مع رسول‬
‫الله ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم » رواه أحمد وابن‬
‫ماجة ‪ ،‬فهذا ل يدل على الوجوب قطعا ‪ ،‬فإن أصل الحج ل يجب على الصبي‬
‫وكذلك فرعه ولن التلبية عنه ليست بواجبة وكذلك الرمي وغاية المر أن‬
‫يقال ‪ :‬أن استنابة المعذور من يرمي عنه أنها أحوط خروجا من خلف من‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال بوجوبه‪.‬‬
‫وأما الستدلل بحديث‪ :‬لتأخذوا عني مناسككم ‪ ،‬وأن الرمي بعد الزوال هي‬
‫من المناسك التي فعلها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي أمر أن تؤخذ‬
‫عنه ‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذه كلمة جامعة ‪ ،‬فإن المناسك التي نسكها رسول الله والتي‬
‫أمر أن تؤخذ عنه تشمل الواجبات و المستحبات مثل الغتسال لحرام‬
‫والتلبية و الضطباع في الطواف والرمل وتقبيل الحجر وصلة ركعتي‬
‫الطواف ‪ ،‬و غير ذلك من العبادات التي نسكها رسول الله في حجه و هي‬
‫من المستحبات ‪ ،‬و كل من عرف قواعد الشريعة و أصولها المعتبرة و ما‬
‫تشتمل عليه من الحكمة و المصلحة و الرحمة و منافاتها للخرج و المشقة ‪،‬‬
‫عرف حينئذ تمام المعرفة أن في الشريعة السمحة ما يخرج الناس عن هذه‬
‫الشدة والمشقة التي يعانيها الناس عند الجمار ‪ ،‬لن الدين عدل الله في‬
‫أرضه و رحمته لعباده لم يشرعه إل لسعادة البشر في أمورهم الروحية و‬
‫الجسدية و الجتماعية ومن قواعده أنه إذا ضاق المر اتسع و المشقة تجلب‬
‫التيسير ‪ « :‬و ما جعل عليكم في الدين من حرج ‪ ،‬يريد الله بكم اليسر و ل‬
‫يريد بكم العسر» ‪.‬‬
‫فهذه المشقة التي يعانيها الناس عند الجمار ل يجوز نسبة القول بها إلى‬
‫الشرع و هو ل دليل على هذا التحديد ل من الكتاب و ل من السنة و ل قياس‬
‫و ل إجماع ‪.‬‬
‫غاية القول فيها أنه جرى على حسب الجتهاد من الفقهاء الذين ليسوا‬
‫بمعصومين من الخطأ ‪ ،‬و ليس من كلم رسول الله الذي ل ينطق عن الهوى‬
‫إن هو إل وحي يوحي ‪ ،‬فإن رمى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ و خلفائه و‬
‫أصحابه فيما بين الزوال إلى الغروب هو بمثابة وقوفهم بعرفة فيما بين‬
‫الزوال إلى الغروب ‪ ،‬على أنه لم ينته بذلكم حد الوقوف ‪ ،‬بل الليل كله وقت‬
‫للوقوف ‪.‬‬
‫و بما أن الرمي من واجبات الحج ‪ ،‬فإنه يتمشى مع نظائره من الواجبات‬
‫مثل النحر و الحلق و التقصير فيدخل بدخولها في الزمان ‪ ،‬و يجاريها في‬
‫الميدان إذ الكل من واجبات الحج الذي يقاس بعضها على بعض عند عدم ما‬
‫يدل على الفرق ‪ ،‬و قد دلت نصوص الشريعة السمحة على أن الصواب في‬
‫مثل هذه المسألة هو وجوب التوسعة ‪ ،‬و عدم التحديد بالزوال ‪ ،‬بل يجوز‬
‫قبله و بالليل ‪ ،‬كما دلت عليه نصوص طائفة من العلماء فلم تجمع الئمة و‬
‫لله الحمد على المنع و ل على وجوب هذا التحديد ‪ ،‬إذ كانوا يردون ما تنازعوا‬
‫فيه إلى الله و إلى الرسول ‪ ،‬فيتبين لهم بذلك كمال دين الله و حكمة‬
‫شريعته و كونه صالحا لكل زمان و مكان ‪ ،‬قد نظم حياة الناس أحسن نظام‬
‫في شئون عباداتهم من حجهم و صلتهم و صيامهم ‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫و بالجملة ‪ ،‬فإن القول بجواز رمي أيام التشريق قبل الزوال مطلقا هو‬
‫مذهب طاوس و عطاء و نقل في التحفة عن الرافعي أحد شيخي مذهب‬
‫الشافعي الجزم بجوازه ‪ ،‬قال ‪ :‬و حققه السنوي و زعم أنه المعروف‬
‫مذهبا ‪.‬‬
‫و ذهب المام أبو حنيفة إلى أنه يجوز الرمي قبل الزوال للمستعجل مطلقا‬
‫وهي رواية عن المام أحمد ‪ ،‬ساقها في الفروع بصيغة الجزم بقوله ‪ :‬وعنه‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يجوز رمي متعجل قبل الزوال ‪ ،‬قال في النصاف ‪ :‬وجوز ابن الجوزي الرمي‬
‫قبل الزوال ‪ ،‬وقال في الواضح‪ :‬ويجوز الرمي بعد طلوع الشمس في اليام‬
‫الثلثة وجزم به الزركشي ونقل في بداية المجتهد عن أبي جعفر محمد بن‬
‫علي ‪ ،‬أنه قال‪ :‬رمي الجمار من طلوع الشمس ‪ ،‬وروى الدار قطني عن‬
‫عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله أرخص للرعاة أن يرموا‬
‫جمارهم بالليل أو أية ساعة من النهار‪ ،‬قال الموفق في كتابه الكافي ‪ :‬وكل‬
‫ذي عذر من مرض أو خوف على نفسه أو ماله كالرعاة في هذا لنهم في‬
‫معناهم ‪ ،‬قال‪ :‬فيرمون كل يوم في الليلة المستقبلة ‪ ،‬قال‪ :‬في النصاف‬
‫وهذا هو الصواب ‪ ،‬وقاله في القناع والمنتهي وهو المذهب ‪ ،‬فعلم من هذه‬
‫القوال أن للعلماء المتقدمين مجال في الجتهاد في القضية وأنهم قد‬
‫استباحوا الفتاء بالتوسعة ‪ ،‬فمنهم من قال بجواز الرمي قبل الزوال مطلقا ‪،‬‬
‫أي سواء كان لعذر أو لغير العذر ‪ ،‬ومنهم من قال بجوازه لحاجة التعجل ‪،‬‬
‫ومنهم من قال بجوازه لكل ذي عذر ‪ ،‬كما هو الظاهر من المذهب ‪ ،‬فمتى‬
‫أجيز لذوي العذار في صريح المذهب أن يرموا جمارهم في أية ساعة شاءوا‬
‫من ليل أو نهار‪ ،‬فل شك أن العذر الحاصل للناس في هذا الزمان من مشقة‬
‫الزحام والخوف من السقوط تحت القدام أنه أشد وآكد من كل عذر فيدخل‬
‫به جميع الناس في الجواز بنصوص القرآن والسنة وصريح المذهب ‪ ،‬والنبي ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ ما سئل يوم العيد و ل في أيام التشريق عن شيء‬
‫من التقديم والتأخير إل قال‪ « :‬افعل ول حرج » ‪ ،‬فلو وجد وقت نهي غير‬
‫قابل للرمي أمام السائلين لحذرهم منه ‪ ،‬إذ‬
‫ل يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ‪ ،‬فسكوته عن تحديد وقته هو من‬
‫الدليل الواضح على سعته ‪ ،‬والحمد لله الذي جعل هذا التحديد من قول من‬
‫ليسوا بمعصومين عن الخطأ ولم يكن من كلم من ل ينطق عن الهوى ‪ .‬فإن‬
‫الحلل ما أحله الله ورسوله ‪ ،‬والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما‬
‫شرعه الله ورسوله ‪ ،‬وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عفوه واحمدوا‬
‫الله على عافيته ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ‪ ،‬ول تقتلوا أنفسكم إن الله‬
‫كان بكم رحيما ‪ ،‬وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫حرر في ‪ 5‬شعبان عام ‪1393‬هـ‬

‫)‪(10 /‬‬

‫يطفئ نيران غضب المة التي ُأدميت بقتل رجالها؟!‬


‫ما يثير غضب المة‪ ،‬ويؤجج النيران في صدور أبنائها‪ ،‬ويثير مشاعر الغيظ في‬
‫قلوب الغيورين على مصالحها‪ ،‬ليس هو سقوط خيرة أبنائها شهداء غيلة‬
‫وغدرا ً على أيدي أعدائها‪ ،‬وإنما هو عدم القتصاص لهؤلء الشهداء من‬
‫عدوهم‪ ،‬وعدم النتصار لهم‪ ،‬وعدم وجود دولة تتبنى قضيتهم‪ ،‬وتدافع عن‬
‫دمائهم‪ ،‬وتذود عن حرماتهم‪.‬‬
‫هّ‬ ‫ُ‬
‫لقد صدق الحق سبحانه عندما قال – وقوله الحق‪َ } :-‬قات ِلوهُ ْ‬
‫م ي ُعَذ ّب ْهُ ُ‬
‫م الل ُ‬
‫ب غَي ْظَ‬ ‫َ‬
‫ن ‪ 14‬وَي ُذ ْهِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫دوَر قَوْم ٍ ّ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ص ُ‬
‫ف ُ‬
‫ش ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬
‫م وََين ُ‬
‫خزِهِ ْ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫م وَي ُ ْ‬ ‫ب ِأي ْ ِ‬
‫قُُلوب ِِهم { ‪.‬‬
‫فالله سبحانه بّين في هذه الية الكريمة –وبيانه هو الحق والعدل‪ -‬أن الصدور‬
‫ل ُتشفى‪ ،‬وأن غيظ القلوب ل يزول‪ ،‬إل بقتال العداء‪ ،‬وقتلهم بأيدي‬
‫المؤمنين‪ ،‬وإلحاق الخزي بهم‪ ،‬والنتصار عليهم‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولقد ُأدميت هذه المة الكريمة في هذه اليام بقتل أشرافها ورموزها‪،‬‬
‫وأغيظت بعدم الثأر لقتلها‪ ،‬وعدم النتقام لهم‪.‬‬
‫واغتيال الرنتيسي في فلسطين‪ ،‬وقتل أبي الوليد الغامدي في الشيشان‪،‬‬
‫وقتل اللوف من مجاهدي هذه المة ومناضليها‪ ،‬هو قتل لرموز المة‪ ،‬وهو‬
‫استهداف لمعاني العزة والكرامة والجهاد فيها‪ .‬ول فرق بين أن يكون‬
‫المناضلون والمجاهدون في فلسطين‪ ،‬أم أفغانستان‪ ،‬في أوزبيكستان‪ ،‬أم‬
‫في الشيشان‪ .‬فالكل مستهدف‪ ،‬والكل مطلوب‪ ،‬والكل إرهابي أو أصولي‬
‫متطرف‪ .‬هذه هي نظرة أميركا الن للمخلصين من أبناء هذه المة العريقة‪.‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬إلى متى تظل حكومات البلدان السلمية صامتة‬
‫عاجزة خانعة؟ بل إلى متى تستمر هذه الحكومات في التدليس على‬
‫شعوبها‪ ،‬وإيهامهم بأنها تدافع عن رموز المة وأشرافها مع أنها من الواضح‬
‫أنها تتآمر ضدهم مع أعداء المة؟‬
‫إنه إذا كان الفراد والشعوب يكتفون بإطلق صيحات الغضب شاجبين‪،‬‬
‫مستنكرين‪ ،‬منددين بهذه الغتيالت الجبانة‪ ،‬فإنه ليس مقبول ً من الحكومات‬
‫البتة فعل ذلك‪ .‬لن الحكومات ليست عزلء كالشعوب‪ ،‬وهي تملك الفعل‬
‫إلى جانب الكلمة‪ ،‬ول مبرر أن تكتفي بالكلمة وتدع الفعل‪ ،‬وهي تملك أن‬
‫تفعل أشياء كثيرة‪ ،‬مؤثرة‪ ،‬وفاعلة‪ ،‬غير إطلق تصريحات الشجب‪ ،‬والتنديد‪،‬‬
‫والستنكار‪ ،‬فهي تستطيع مثل ً أن تقوم بتحريك الجيوش‪ ،‬وقطع العلقات‪،‬‬
‫ووقف التصالت‪ ،‬وطرد السفراء‪ ،‬وإلغاء المفاوضات‪ ،‬وإلغاء العقود‪ ،‬وتصفية‬
‫ل‪ ،‬فعلى‬ ‫المشاريع وما شابهها‪ .‬ومثل هذه الفعال يكون مؤثرًا‪ ،‬ومنتجًا‪ ،‬وفاع ً‬
‫الحكومات إن كانت صادقة‪ ،‬وإن أرادت مثل ً أن ترد على اغتيال أحمد ياسين‪،‬‬
‫والرنتيسي‪ ،‬والغامدي‪ ،‬وعلى جميع الذين سقطوا وهم يدافعون عن دين‬
‫المة‪ ،‬وشرفها وكرامتها‪ ،‬عليها إن أرادت‪ ،‬أن تفعل‪ ،‬وأن تتحرك‪ ،‬بفعل‬
‫وحركة يشكلن ردا ً مكافئا ً لحجم هذه الكوكبة من الشهداء الذين رووا‬
‫بدمائهم الزكية ثرى البلد السلمية المغتصبة‪.‬‬
‫ً‬
‫على أن الحكومات إن صدقت –ول نظن بصدقيتها‪ -‬أن تقطع مثل علقاتها‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬والقتصادية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬مع أميركا و)إسرائيل( وحلفائها‪،‬‬
‫وعليها إن أخلصت لشعوبها –ول نظنها تفعل‪ -‬أن تعمل على كنس الوجود‬
‫الميركي واليهودي‪ ،‬من بلد المسلمين‪ ،‬كنسا ً شامل ً بجميع نواحيه العسكرية‪،‬‬
‫والسياسية‪ ،‬والقتصادية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬عليها أن ل تسمح لميركا وحلفائها بوجود‬
‫قواعد أو قوات على أراضي المسلمين‪ ،‬وأن ل تقبل بوجود تسهيلت أو‬
‫امتيازات لها في البلد السلمية‪ ،‬وأن ل تتعامل مع الشركات والستثمارات‬
‫الميركية‪ ،‬وأن ل تنظر في مبادرات أميركا ومشاريعها‪ ،‬وبالمحصلة عليها أن‬
‫تجعل من القطيعة مع أميركا تامة ومن المقاطعة معها شاملة‪.‬‬
‫وبهذا فقط يمكن أن نبتر اليادي الميركية القذرة بترا ً تامًا‪ ،‬فل تعود للعبث‬
‫بمقدرات المة يوما ً من اليام‪.‬‬
‫أما أن تستنكر هذه الحكومات جرائم أميركا وإسرائيل اليوم‪ ،‬وتتفاوض معها‬
‫غدا َ فهذا هو النفاق بذاته‪ ،‬وهذه هي الخيانة بعينها‪.‬‬
‫لقد آن الوان للمة أن تصرخ في وجه حكامها‪ ،‬وأن تأخذ على أيديهم‪ ،‬وأن‬
‫تأطرهم على الحق أطرًا‪ ،‬وتأصرهم عليه أصرًا‪ ،‬وتحملهم على التوقف عن‬
‫الثرثرة والكلم‪ ،‬وتجعلهم يقومون بالفعال التي تعيد للمة هيبتها وكرامتها‪،‬‬
‫وحضورها بين المم‪ ،‬وعزتها لتعود أمة عزيزة شامخة‪ ،‬أمة العدل والخير بين‬
‫المم‪.‬‬
‫لقد مّلت الشعوب السلمية من خطاب حكوماتها‪ ،‬وخطاب الشعارات‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الزائفة المخادعة‪ ،‬وخطاب التبريرات الساقطة‪ ،‬المتهالكة‪ ،‬التي امتهنها رجال‬


‫السياسة الذين مردوا على التبعية‪ ،‬والنفاق‪ ،‬والخنوع‪ ،‬ردحا ً طويل ً من الزمن‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬لقد انكشف هذا الخطاب الجوف لجماهير المة‪ ،‬فبان عواره‪ ،‬وظهر‬
‫تعفنه‪ ،‬وأزكمت رائحته النوف‪ ،‬وما عاد صالحا ً للتغطية على عيوب هؤلء‬
‫المرتزقة سياسيًا‪ ،‬والتستر على أولئك المستوزرين دبلوماسيًا‪ ،‬الذين اتخذوا‬
‫من الشعارات العاجزة قدوة لهم‪ ،‬من مثل "الرضا بالمر الواقع" وَ "خذ‬
‫وطالب" وما شاكلها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فغضب المة على هذه الغتيالت لن يطفئه إل دولة تقارع أميركا‪ ،‬وتسحق‬
‫إسرائيل‪ ،‬وتزيل الوسط السياسي الفاسد‪ ،‬وتفرض نفسها على العالم‬
‫عزيزة‪ ،‬منيعة‪ ،‬قوية‪ ،‬مهابة الجانب‪.‬‬
‫وغضب المة لن يطفئه إل دولة تطبق السلم على الناس وتجاهد في سبيل‬
‫الله وتأمر بالمعروف‪ ،‬وتنهى عن المنكر‪ ،‬وتقيم العدل‪ ،‬وتحكم بالسوية‪،‬‬
‫وتجعل من الكتاب والسنة أساسا ً للدستور ول أساس غيره‪.‬‬
‫وغضب المة لن يطفئه أيضا ً إل إزالة هؤلء الحكام الرويبضات الذين‬
‫يتحكمون في رقاب الناس بإسناد أميركا وحلفائها‪ ،‬فينطقون باسمها بالتافه‬
‫من القول‪ ،‬ويصنعون في الشعوب ما يريده منهم السياد القابعون في‬
‫واشنطن ولندن وتل أبيب‪.‬‬
‫وأخيرا ً فإن غضب المة لن يطفئه إل مبايعة خليفة واحد يحكم المسلمين‬
‫جميعا ً في شتى بقاع الرض‪ ،‬يوحدهم في دولة واحدة تقيم فيهم شرع الله‬
‫وترفع العنت عنهم وتجلب لهم العزة والكرامة والنتصارات قرآن كريم‬
‫أحمد الخطيب ‪ -‬القدس‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يا َأرض كابول !‬


‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫مُلني‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬ ‫ض تَ ْ‬ ‫ب ُ‪ ...‬فَأيّ الْر ِ‬ ‫ري ُ‬ ‫أَنا الغَ ِ‬
‫دمي‬ ‫حه ب ِ َ‬ ‫جْر َ‬ ‫سي ُ‬ ‫ب أَوا ِ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ِإلى غَ ِ‬
‫**‬
‫*‬
‫**‬
‫زما ً‬
‫من ْهَ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫قي ْ ِ‬ ‫م َأل َ‬ ‫كاُبول"‪ !..‬ك َ ْ‬ ‫ض" َ‬ ‫َيا أْر َ‬
‫َ‬
‫من ْهَزِم ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫معَ الد ّهْرِ في أ َع ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ة‬
‫ق ٍ‬
‫ل شاهِ َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫هب ْ‬ ‫ت ‪ !..‬وَ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫وَك َ ْ‬
‫مم ِ‬ ‫سَعى إلى قِ َ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫م ً‬
‫ذرى قِ ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ت‬‫ق ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جوّ وان ْطل َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ت في عََنا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ساب َ َ‬ ‫تَ َ‬
‫مم ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عّز وَ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫مَراقِ َ‬ ‫ِإلى َ‬
‫ن لَنا‬ ‫َ‬ ‫جد ِ إ ِ ّ‬ ‫ت الم ْ‬ ‫ل في وَث ََبا ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫د َْفقا ِإلى المو ِ‬ ‫ً‬
‫ب العَرِم ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫سْيل الَغا ِ‬ ‫ت َ‬
‫َ‬
‫ت‬‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫م فائ ْت َل َ‬ ‫سل ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي عَّزني ال ِ ْ‬ ‫أنا ال َ ِ‬
‫م‬
‫م َ‬ ‫ق تَ َ‬ ‫ح ب ُِنورٍ دافِ ٍ‬ ‫طا ْ‬ ‫مُر الب َ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ُ‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه‬ ‫حت َ ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ليما ِ‬ ‫ولةِ ا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ت في َ‬ ‫مد َد ْ ُ‬ ‫َ‬


‫مي‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت كل ك ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫مَيادِِينه أطل ْ‬ ‫َوفي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو‬ ‫حني الذَرى لهُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫س أن ت ُ ْ‬ ‫معُ الّروْ ُ‬ ‫أي َط ْ َ‬
‫شيم ِ‬ ‫عّزةُ ال ّ‬ ‫هاما ً وَقَد ْ َرفَعَت َْها ِ‬ ‫َ‬
‫جوْل َِتها‬ ‫َ ْ َ ْ َ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫جال‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫كو"‪!.‬‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫َ َ َ ُ ْ‬ ‫م‬ ‫"‬ ‫ح‬ ‫وي‬ ‫يا‬
‫َ‬
‫م‬
‫َ ْ ٍ َ ِ‬ ‫خ‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫سر‬ ‫م‬ ‫في‬ ‫سها‬ ‫ف َ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫وَأوقَعَ ْ‬
‫فَها ط ََرفا ً‬ ‫َ‬
‫ت في ك َ ّ‬ ‫سك َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫في ل ُعْب َةٍ أ ْ‬
‫ت ط ََرفا ً في ك َ ّ‬ ‫َ‬
‫م")‪(2‬‬ ‫م ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ف "ذي َ‬ ‫وَأفْل َت َ ْ‬
‫مَعها‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫سد ّ ْ‬ ‫ن" َ‬ ‫ُ‬ ‫في ك َ ّ‬
‫ف " واشن ْط ِ‬ ‫َ‬
‫ن \ظال ِم ِ غَل ِم ِ )‪(3‬‬ ‫َ‬ ‫ت عَي َْنها عَ ْ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬ ‫وأغ ْ ْ‬
‫ة‬ ‫جل َ ً‬ ‫جل ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ة د َوّ ْ‬ ‫ح ً‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ما وَعَ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫فط ِم ِ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ل غَي ْرِ ُ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ساِء ‪ ..‬وَط ِ ْ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ة‬
‫مسا ل َِغاَني ٍ‬ ‫ً‬ ‫ت هَ ْ‬ ‫مع ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ُترى َ‬ ‫وَك ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ت َزهْوَةَ الكَرم ِ‬ ‫من الَيهود ِ فأوْف ْ‬
‫داه ُ أسى‬ ‫تي َ‬ ‫مد ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن")‪ (4‬ك ْ‬ ‫َ‬ ‫شّر "ري َْغا َ‬ ‫َيا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قم ِ‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫ه أحقاد َ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫تك ّ‬ ‫وَأفَْرغ ْ‬
‫مي على ب َل َدٍ‬ ‫دا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫من ْ َ‬ ‫هوىَ ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَك َ ْ‬
‫َ‬
‫سم ِ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َزْرٍع وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫حقَ الْر َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫جبا ً‬ ‫حد ََثا عَ َ‬ ‫ن است َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫هَُنا الت َ َ‬
‫مم ٍ‬ ‫ن غَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شّر وَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫واليس ِ‬ ‫ن الك َ َ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ل " قَِناعَُهما‬ ‫ض" َ‬ ‫َ‬
‫كاُبو ٍ‬ ‫ت يا أر َ‬ ‫ن ََزعْ ِ‬
‫ضَرم ِ‬ ‫ما في وَقْد َةِ ال ّ‬ ‫فهُ َ‬ ‫وََبان َزي ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ح ً‬ ‫س َ‬ ‫ت كا ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ف ال َ‬ ‫حو ِ‬ ‫وَأقَْبل ب ُِز ُ‬
‫ف العَرِم ِ‬ ‫جارِ ِ‬ ‫ي ال َ‬ ‫واهِقَ ط َ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫َتطوي ال ّ‬
‫ل‬‫جب َ ٍ‬ ‫حرٍ إلى َ‬ ‫ّ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شَعل الّنار ِ‬ ‫وَأ َ ْ‬
‫َ‬
‫جم ِ‬ ‫ض ِإلى أ َ‬ ‫ن َروْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫إلى فََياَفي ِ‬
‫َ‬
‫ض َزلَزلها‬ ‫الْر ِ‬ ‫ت‬ ‫ما راسَيا ُ‬ ‫ك َأن ّ َ‬
‫ل من الل ّي َ‬
‫خم ِ‬ ‫مةِ الت ّ ُ‬ ‫ل أو في عَت ْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫هَوْ ٌ ِ َ‬
‫ة‬
‫ج ُ‬ ‫هائ ِ َ‬ ‫ي َ‬ ‫عي وَهْ َ‬ ‫منَها الَفا ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫ت َن ْ َ‬
‫م‬ ‫د‬
‫ّ ّ َ ْ َ َِ ْ ِ َ َ َ ِ‬ ‫ق‬ ‫دف‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ض‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل ِت َد ْ َ‬
‫ع‬ ‫ف‬
‫م‬ ‫م ب ِهِ ْ‬ ‫ما قَد ْ أل َ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫س َ‬ ‫ت ََناث ََر الَنا ُ‬
‫ك َوالت ّهَم ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ة لل َ‬ ‫وى ن ُهْب َ ً‬ ‫عََلى الهَ َ‬
‫ل‬‫سب ُ ٍ‬ ‫حي َْرى عََلى ُ‬ ‫طوةُ ال َ‬ ‫ت الخ ْ‬ ‫وََتاهَ ِ‬
‫مهٍ َداٍج َوفي ب ُهُم ِ )‪(4‬‬ ‫مهْ َ‬ ‫شّتى َوفي َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫خطى‬ ‫جوِء ُ‬ ‫ت أد ْفَعُ في د ُن َْيا الل ُ‬ ‫وَعُد ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خَيمي‬ ‫من ِ‬ ‫وخي و ِ‬ ‫نك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وَأْزَرعُ الفْقَ ِ‬
‫ي‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫ب ‪ ..‬ي َ َ‬ ‫َ‬
‫شَرقُ ب ِ ْ‬ ‫كاد ُ الد ّْر ُ‬ ‫ري ُ‬ ‫أنا الغ ِ‬
‫َُ‬ ‫ة الل ّي ْ ِ‬ ‫وَظ ُل ْ َ‬
‫مْيني إلى ظلم ِ‬ ‫ل ت َْر ِ‬ ‫م ُ‬
‫**‬
‫*‬
‫**‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مض ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ف الخالِيا ُ‬ ‫سأل ‪ :‬كي ْ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫وَعُد ْ ُ‬
‫قم ِ‬ ‫ما وثب َْنا ل ِد َفِع الشّر و الن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وَ َ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫دها‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫وي‬ ‫وك ْ َ َ ّ َ ُ ّ‬
‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫َ‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ق َوال ُ ُ‬ ‫على َدافيء ال ْ‬


‫حلم ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عَْيني َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫ح ً‬
‫فت ّ َ‬
‫م َ‬‫ت ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َدارِيَ قد ْ ظل ْ‬ ‫ك َأ ّ‬
‫شّرعا ً للّزا ِ‬ ‫واب َُها ُ‬ ‫َ‬
‫ف الن ّهِم ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫أب ْ َ‬
‫َ‬
‫خد ٍَر‬‫ن ‪!..‬؟ في ل َهْوٍ َوفي َ‬ ‫ليي ُ‬ ‫ن اَلم َ‬ ‫أي ْ َ‬
‫مم ِ ‪!.‬؟‬ ‫َ‬
‫فوُ الّنهِج والهِ َ‬ ‫ص ْ‬
‫أين الدعاة و َ‬
‫**‬
‫*‬
‫**‬
‫‪23/11/1405‬هـ‬
‫‪8/8/1985‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· من ملحمة الُغرباء ‪.‬‬
‫دت أذنيها ‪،‬‬
‫مم " إشارة إلى الوليات المتحدة المريكية التي س ّ‬ ‫ص َ‬
‫)‪ " (1‬ذي َ‬
‫واغمضت عينها عن اكتساح التحاد السوفياتي لحدود أفغانستان على وحشية‬
‫احتلل ‪.‬‬
‫)‪ (2‬غَل ِم ِ ‪ :‬الهائج الثائر ‪.‬‬
‫ن الرئيس السابق للوليات المتحدة المريكية ‪ ،‬وعند دخول التحاد‬ ‫)‪ (3‬ريغا َ‬
‫السوفياتي لفغانستان كان كارتر هو رئيس الوليات المتحدة ‪ ،‬والسياسة‬
‫واحدة ل تتغير بتغير الرؤساء ‪.‬‬
‫)‪ (4‬ب ُهُم ِ ‪ :‬جمع بهيم وهو الليل الذي ل ضوء فيه حتى الصباح والجمع بضمة‬
‫وبضمتين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا ُقد ُ‬
‫س ‍!‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫جوى الّزمان و ل َْهف َ‬
‫جملي‬
‫ك ! فأ ْ‬ ‫ل على ُرَبا ِ‬ ‫مط ِ ّ‬ ‫ق ال ُ‬ ‫ة الـ ‪ ... ...‬أفُ ِ‬ ‫س ! َيا ن ْ‬ ‫يا ُقد ُ‬
‫‪... ...‬‬
‫جِلي‬ ‫صب ِْح ال َ‬ ‫مع ال ّ‬ ‫ت َ‬ ‫ة طلع ْ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫جر الن ّد ِ ‪ ... ...‬يّ وبسم ً‬ ‫ف ْ‬‫س ! َيا إشراقة ال َ‬ ‫َيا ُقد ُ‬
‫‪... ...‬‬
‫ل‬‫ي المرفِ ِ‬ ‫ل الغن ّ‬ ‫م ِ‬ ‫جت على ال َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة ‪َ ... ...‬‬ ‫دهور ونفح ً‬ ‫عطَر ال ّ‬ ‫س ! َيا ِ‬ ‫َيا ُقد ُ‬
‫‪... ...‬‬
‫ل‬
‫خاشٍع متبت ّ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ل َقل ٍ‬ ‫من ك ّ‬ ‫ة ‪ِ ... ...‬‬ ‫فق ً‬‫خ ْ‬ ‫حنين و َ‬ ‫ف ال َ‬ ‫س ! يا ر ّ‬ ‫يا ُقد ُ‬
‫‪... ...‬‬
‫ل‬‫ف ِ‬ ‫ح ُقرن ْ ُ‬ ‫ك فو َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت برّيا ال ِ‬ ‫ساَر ْ‬ ‫ة ‪َ ... ...‬‬ ‫فُتوِح ونسم ً‬ ‫س ! َيا عَب َقَ ال ُ‬ ‫يا ُقد ُ‬
‫‪... ...‬‬
‫ل‬
‫من ْهَ ِ‬‫صفاء ال َ‬ ‫ت و َيا َ‬ ‫داجيا ِ‬ ‫ت ‪ ... ...‬في ال ّ‬ ‫س ! يا ُنور الّنبوّةِ أشرقَ ْ‬ ‫يا ُقد ُ‬
‫‪... ...‬‬
‫ل‬ ‫ّ‬
‫مَتهل ِ‬ ‫ها ال ُ‬ ‫ك ب ُِنورِ َ‬ ‫ً‬
‫شوقا ِإلي ِ‬ ‫ت ‪َ ... ...‬‬ ‫سعَ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ت الِتي ب ُعِث َ ْ‬ ‫ل الن ُّبوا ِ‬ ‫ك ّ‬
‫‪... ...‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬
‫م ِ‬ ‫ئ بالّنبي ّ الك َ‬ ‫ة ‪ ... ...‬للهِ ت ُن ْب ِ ُ‬ ‫ل ساٍح آي ٌ‬ ‫ت في ك ّ‬ ‫م أشَرقَ ْ‬ ‫ك َ‬
‫‪... ...‬‬
‫ُ‬
‫ل‬‫لمام ِ العد ِ‬ ‫م ! َيا ل ِ‬ ‫مد ٍ ‪ ... ...‬ل ِي َؤُ ّ‬
‫مهُ ْ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ي ُ‬ ‫سريَ بالّنب ّ‬ ‫كأ ْ‬ ‫فَِإلي ِ‬
‫‪... ...‬‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‬ ‫من ْزِ ِ‬ ‫ؤى أو َ‬ ‫ت بهِ َأعلى ُر َ‬ ‫صولةٍ ‪ ... ...‬ب ََلغ ْ‬ ‫قى لمعارٍِج مو ُ‬ ‫م ارت َ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫‪... ...‬‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مظل ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ض أغ ّ‬ ‫س الُهدى ‪ ... ...‬فيها على َروْ ٍ‬ ‫ة و أنفا ُ‬ ‫داٌر مباَرك ٌ‬
‫‪... ...‬‬
‫جّلل‬‫م َ‬
‫صور ُ‬ ‫دى العُ ُ‬ ‫جد ٍ ب ِهُ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صى ِبساحك ! يا له ‪ ... ...‬من َ‬ ‫سجد القْ َ‬ ‫الم ْ‬
‫‪... ...‬‬
‫سل‬ ‫مْر َ‬ ‫وة أو ُ‬ ‫ل ن ُب ُ ّ‬ ‫هك ّ‬ ‫ملت ْ َ‬ ‫ح َ‬
‫بالحقّ بالسلم بالدين الذي ‪َ ... ...‬‬
‫‪... ...‬‬
‫ل‬
‫هنا ان ْزِ ِ‬ ‫قيل ُ‬ ‫جلوّا ! فَ ِ‬ ‫ً‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ض وان َْتهى ‪ ... ...‬لُرَبا ِ‬ ‫جمال بك ّ‬
‫ل أر ٍِ‬ ‫طاف ال َ‬
‫‪... ...‬‬
‫مكلل‬ ‫ّ‬ ‫ن بالجلل ُ‬ ‫خفقَ الهوى ‪ ... ...‬في ك ّ‬ ‫وإذا رباك َ‬
‫ل رك ٍ‬ ‫ة َ‬ ‫غني ّ ٌ‬
‫‪... ...‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫ق ِ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ديد ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫سرٍ َ‬ ‫مةٍ ‪ ... ...‬تركْتك في أ ْ‬ ‫دثي عن أ ّ‬ ‫حم ح ّ‬ ‫ض المل ِ‬ ‫أر َ‬
‫‪... ...‬‬
‫صل‬ ‫مت َن َ ّ‬ ‫ل ُ‬ ‫سلم ٍ أو جاهِ ٍ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ‪ُ ... ...‬‬ ‫ن غافِ ٍ‬ ‫دثي عَ ْ‬ ‫حم ح ّ‬ ‫أرض المل ِ‬
‫‪... ...‬‬
‫دماء و هّللي‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫دده‬ ‫َ ّ‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫أم‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫شرقي‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫بة‬‫َ‬ ‫الحبي‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫فلسطي‬ ‫طيبي‬
‫‪... ...‬‬
‫قِبل‬ ‫م ْ‬
‫ة ‪ ... ...‬للمؤمنين و عَهْد َ يوم ُ‬ ‫ح ً‬ ‫ضك بالملحم سا َ‬ ‫ل أر ُ‬ ‫سَتظ ّ‬
‫‪... ...‬‬
‫ل‬ ‫ْ‬
‫ل ألي َ ِ‬ ‫ت لي ْ ٍ‬‫َ‬ ‫ن ظلما ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شق ّ ِ‬ ‫ة ‪ ... ...‬لت َ ُ‬ ‫َ‬
‫شعْل ً‬ ‫ك بالملحم ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫ل أر ُ‬ ‫ست َظ َ ّ‬‫َ‬
‫‪... ...‬‬
‫ُ‬ ‫ل تيأسي ! فال ُفْقُ مْزد َ ِ‬
‫جَهل‬ ‫م تُ ْ‬ ‫مةٍ موصولةٍ ل ْ‬ ‫م بطْلـ ‪ ... ...‬ــعَةِ أ ّ‬ ‫ح ٌ‬
‫‪... ...‬‬
‫ل‬
‫م ِ‬ ‫ج َ‬ ‫صرٍ أعّز و أ ْ‬ ‫صةٍ ل ت َْنثني ‪ ... ...‬إل على ن َ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ب َ‬ ‫وكتائ ٍ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫الربعاء‬
‫‪15/2/1422‬هـ‬
‫‪9/5/2001‬م ‪... ... ...‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ق‬
‫ق للشوا ِ‬ ‫ة الشوا ِ‬ ‫يا لهف َ‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ق‬‫ن ليوم تل ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ة الشواق للشواق ‪ ... ...‬وحنين فُْر َ‬ ‫يا لهف َ‬
‫ق‬
‫ة الحدا ِ‬ ‫ل ولمح َ‬ ‫ب الخيا ِ‬ ‫ضاَءها ‪ ... ...‬وث ْ َ‬ ‫شق ّ ف َ َ‬ ‫ف أجنحة ت َ ُ‬ ‫ورفي َ‬
‫ق‬
‫فا ِ‬
‫حها الخ ّ‬ ‫جنا ِ‬‫م َ‬ ‫شوقُ عَْز ُ‬ ‫حْيها الَهوى ‪ ... ...‬وال ّ‬ ‫جَنا َ‬
‫عيا َ‬ ‫ت فما أ ْ‬ ‫طاف ْ‬
‫ق‬
‫مهٍ وخنا ِ‬ ‫مهْ َ‬ ‫ت في َ‬ ‫شّعب ْ‬ ‫بت َ‬ ‫درو ‪ِ ... ...‬‬ ‫فتوا ما لل ّ‬ ‫سائرون تل ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ق‬
‫سد ّ مطالعَ الفا ِ‬ ‫لي ُ‬ ‫سب ُ ٍ‬ ‫من َْعقد ٌ على ‪ُ ... ...‬‬ ‫ل ُ‬ ‫سرى ‍! واللي ُ‬ ‫طال ال ّ‬
‫ق‬
‫ت على الكبادِ والعنا ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫حْيرة ٌ ‪ ... ...‬ع ّ‬ ‫لله ما تشكو القلوب و َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫شقا ِ‬ ‫م وناُر ِ‬ ‫ما بين مدمعها وبين أنيِنها ‪ ... ...‬ث َكلى وأْيتا ٌ‬
‫دم الدّفا ِ‬
‫ق‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ل فوقَ جماجم ٍ ‪ ... ...‬ومجازٌر هو ُ‬ ‫م تنها ُ‬ ‫وجماج ٌ‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫ق‬
‫سا ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ْ‬
‫ت أْبواُبها ‪ ... ...‬للمجرمين ووثبةِ ال ُ‬ ‫فّتح ْ‬ ‫ديار ت َ َ‬ ‫ما لل ّ‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب ِلفْتنةٍ ‪ ... ...‬ت َْغزو وظلمةِ فُْرقةٍ وِنفا ِ‬


‫ق‬ ‫قُلو ُ‬‫ت تلك ال ُ‬ ‫وتفّتح ْ‬
‫ق‬
‫ن وطول ِفرا ِ‬ ‫هو ٍ‬ ‫ً‬
‫شَيعا على ُ‬ ‫سائرون على الطريق تفّرقوا ‪ِ ... ...‬‬ ‫ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ق‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ة ‪ ... ...‬نورا ي َشقّ طريقهم لتل ِ‬ ‫سن ّ ٌ‬
‫بو ُ‬ ‫م الكتا ُ‬ ‫ده ُ‬ ‫عجبا وعن َ‬ ‫ً‬
‫ة واقي‬ ‫ُ‬ ‫وعزم‬ ‫بها‬ ‫د‬
‫ُ ّ‬‫تش‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫عر‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ة‬
‫ّ ٌ‬ ‫و‬ ‫أخ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫أي‬ ‫!‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫الفا‬ ‫ت‬
‫ف ُ‬ ‫تتل ّ‬
‫ق‬
‫ده ‪ ... ...‬صدقُ اليقين وعزمة الميثا ِ‬ ‫م َيم ّ‬ ‫ط المستقي ُ‬ ‫صرا ُ‬ ‫هذا ال ّ‬
‫ق‬‫ق مشتا ِ‬ ‫ت للْهفةِ صاد ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫يمضون للمل العظيم وجن ّةٍ ‪ ... ...‬فُت ِ َ‬
‫ق‬
‫ص في ‪ ... ...‬عَهْدٍ أبّر وجولةٍ وسبا ِ‬ ‫م البناُء ُير ّ‬ ‫فا ً كأن ّهُ ُ‬ ‫ص ّ‬
‫ق‬
‫ة الشرا ِ‬ ‫ل وطلع ُ‬ ‫م ‪ ... ...‬فجٌر أط ّ‬ ‫م وكأّنه ْ‬ ‫ح الدنيا له ُ‬ ‫فت ّ ُ‬ ‫تت َ‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫‪ ... ...‬الرياض‬
‫‪1/1/1424‬هـ‬
‫‪5/3/2003‬م‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يا ديار الشآم‬


‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫شآم ! ُ‬
‫دار‬ ‫طوَبى ل ِ َ‬ ‫يا دَِيار ال ّ ِ‬
‫عوادي )‪(1‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حها ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ظ الله َ‬ ‫ف َ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫غن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫رباها‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫رك‬ ‫با‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ة ال َْنجاِد‬ ‫مى الله وث ْب َ َ‬ ‫و َ َ‬ ‫ح‬
‫ح َ‬ ‫َ‬
‫جندٍ‬‫شُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ض الّرباط ! َ‬ ‫ت أر ُ‬ ‫أن ِ‬
‫مَعاد ِ )‪(2‬‬ ‫شٌر صادقٌ ل َِيوم ِ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫َ‬
‫جا‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫ني‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫ضك‬ ‫ُ‬ ‫أر‬ ‫ت‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫َ‬
‫ف وِتلدِ‬ ‫دا ً وزهوا ً من طار ٍ‬
‫م خيُرة الله من أ َْر‬ ‫ت يا شا ُ‬ ‫أن ْ ِ‬
‫َ‬
‫شِتدادِ‬ ‫حم ٍ وا ْ‬ ‫ض ود ُْنيا مل ِ‬ ‫ٍ‬
‫صد ْ‬ ‫مباَرك وحمى ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ت مأوى ُ‬ ‫أن ِ‬
‫ة في البلدِ‬ ‫ب فِْتن ٌ‬ ‫ق إذا ه ّ‬ ‫ٍَ‬
‫س فيها‬ ‫ص النا ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ح ُيم ّ‬ ‫سا ُ‬ ‫ت َ‬ ‫أن ْ ِ‬
‫مَعادِ‬ ‫ن ُ‬ ‫في ابتلٍء مع الّزما ِ‬
‫حمةٍ ك ُْبـ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫طها و َ‬ ‫سطا ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫يال ِ ُ‬
‫جادِ‬ ‫غوطةٍ " ون ِ َ‬ ‫ل" ُ‬ ‫ـرى وإطل ِ‬
‫ت‬
‫شقٌ " ن ِْعم المنازل هَب ّ ْ‬ ‫و" ِدم ْ‬
‫ن ُرَباها طلئ ِعُ الّرّوادِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫صى َتمد ّ ي َد َْيها‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫ر‬‫و ُ‬ ‫ديا‬ ‫ِ‬
‫شوق والوفا وُتناِدي‬ ‫ة ال ّ‬ ‫لهف َ‬
‫دور الليالي‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫بين أكناِفها ت َ ُ‬
‫ق الميعادِ‬ ‫هي ت َْهفو لصادِ ِ‬ ‫و ْ‬
‫ل عيسى وُنوٍر‬ ‫شرى ُنزو ِ‬ ‫يالب ُ ْ‬
‫ن والنجادِ‬ ‫ق بالَيقي ِ‬ ‫شر ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫شرقـ‬ ‫عَندها المَنارة ُ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫شرقَ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫جَهادِ‬ ‫ق بآي َةٍ و ِ‬ ‫ش ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫يّ د ِ َ‬
‫سـ‬ ‫شر الحقّ دعوة َ الله لل ْ‬ ‫ي َن ْ ُ‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذرا وَبين الوهادِ‬ ‫ــلم فوقَ ال ّ‬


‫سـ‬
‫ب وُيحيي ُ‬ ‫صلي َ‬ ‫كسر ال ّ‬ ‫ومضى ي َ ْ‬
‫ل بادِ‬ ‫جل ٍ‬ ‫ة الحقّ في َ‬ ‫ــن ّ َ‬
‫جل عند الّلـ‬ ‫َ ّ‬ ‫د‬ ‫الم‬ ‫م‬ ‫ر‬
‫ْ ِ َ‬ ‫ج‬ ‫الم‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫قت‬
‫يَ ْ‬
‫سادِ‬ ‫ن فِت ْن َةٍ وفَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫طوي ِ‬ ‫ــد ّ ي َ ْ‬
‫ة العَد ْ‬ ‫وإذا الرض ك ُّلها آي َ ُ‬
‫سَعادِ‬ ‫ن وال ْ‬ ‫سا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ل وُنوُر ال ِ ْ‬ ‫ِ‬
‫***‬
‫***‬
‫‪1421‬هـ‬
‫‪2000‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· ملحمة أرض الرسالت‬
‫)‪ (1‬بلد الشام ‪ ،‬أو الشام ‪ :‬تعني فلسطين وسوريا والردن ولبنان ‪ .‬فهي‬
‫الرض المعنّية بهذه ـ اللفظة ـ الشام ـ في كتب التاريخ والتفسير ول تعني‬
‫مدينة دمشق وحدها ‪.‬‬
‫)‪ (2‬عن أبي ذر عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ‪ )) :‬الشام أرض‬
‫المحشر والمنشر (( ‪ .‬رواه أحمد ابن ماجة عن ميمونة بنت سعد صحيح‬
‫الجامع الصغير )ط‪ (2:‬ـ ) رقم ‪. (3620 :‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يف تحدث القرآن عن النوثة??‬


‫عزيزي القارئ‪:‬‬
‫هل تحدث القرآن عن النوثة ؟ وكيف تحدث عنها ؟‬
‫مفكرة السلم ‪ :‬نعم لقد تحدث القرآن عن المرأة وكان التركيز كله في‬
‫اليات الكريمة على إخفاء أنوثة المرأة أمام الرجال الغرباء؛ لن طبيعة‬
‫المرأة التي جبلها الله عليها تفيض أنوثة ورقة ونعومة‪ ،‬ويؤكد رأينا هذا قوله‬
‫تعالى‪} :‬أ َومن ين ّ ُ‬
‫ة{ ]الزخرف‪.[18 :‬‬ ‫حل ْي َ ِ‬
‫شأ ِفي ال ْ ِ‬ ‫َ َ ْ َُ‬
‫وقد جاء في تفسير هذه الية من كتاب 'في ظلل القرآن' لسيد قطب رحمه‬
‫الله‪:‬‬
‫شأ في الحلية والدعة‬ ‫'أفما كان من اللياقة والدب أل يخصوا الله بمن ُين ّ‬
‫والنعومة'‪.‬‬
‫عزيزي القارئ‪:‬‬
‫إذا تجولنا مًعا في آيات القرآن التي تتحدث عن المرأة لرأينا العجب الُعجاب‬
‫صا الزوج‪ .‬فتعالوا‬
‫على ما ينبغي أن تكون عليه المرأة مع محارمها وخصو ً‬
‫معنا لنقف مع بعض اليات هذه الوقفات‪.‬‬
‫ة{ ]الزخرف‪.[18 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن ي ُن َ ّ‬ ‫َ‬
‫حلي َ ِ‬ ‫شأ ِفي ال ِ‬ ‫م ْ‬‫الوقفة الولى مع قوله تعالى‪} :‬أوَ َ‬
‫أي ُتنشأ المرأة منذ أن تكون طفلة في الحلية والدعة والنعومة كما جاء في‬
‫تفسير في ظلل القرآن والحلية هي الزينة‪ ...‬وهنا يأتي السؤال ما معنى‬
‫التزين؟‬
‫التزين هو‪ :‬اتخاذ الزينة وهي ما ُيستعمل استجلًبا لحسن المنظر من الحلي‬
‫وغيره‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت{ ]يونس‪ ،[24 :‬أي‬ ‫خُرفَها َواّزي ّن َ ْ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫خذ َ ِ‬
‫حّتى إ َِذا أ َ‬ ‫ومنه قوله تعالى‪َ } :‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حسنت وبهجت بالنبات‪.‬‬


‫والتزين يكون بالزيادة المنفصلة عن الصل ]أي أصل الخلقة[ قال تعالى‪:‬‬
‫ح{ ]فصلت‪.[12 :‬‬ ‫صاِبي َ‬‫م َ‬ ‫ماَء الد ّن َْيا ب ِ َ‬
‫س َ‬
‫}وََزي ّّنا ال ّ‬
‫قال القرطبي‪ :‬الزينة المكتسبة ما تحاول المرأة أن تحسن نفسها به كالثياب‬
‫د{‬‫ج ٍ‬‫س ِ‬‫م ْ‬‫ل َ‬‫عن ْد َ ك ُ ّ‬
‫م ِ‬ ‫ذوا ِزين َت َك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬‫والحلي والكحل والخضاب‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫]العراف‪.[31 :‬‬
‫والسؤال هنا لمن تتزين المرأة ؟‬
‫م لهذا الجمال من أثر على حالتها‬ ‫ل؛ ل ِ َ‬‫وفي رأيي أن المرأة تتزين لنفسها أو ً‬
‫النفسية‪.‬‬
‫ما الستحباب‬ ‫ثم تتزين للزوج ولمحارمها وللنساء‪ .‬والصل في التزين عمو ً‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ج ل ِعَِبادِهِ َوالط ّي َّبا ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ة الل ّهِ ال ِّتي أ َ ْ‬ ‫م ِزين َ َ‬ ‫حّر َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫لقوله تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫ق{ ]العراف‪.[32 :‬‬ ‫الّرْز ِ‬
‫وانظروا معنا إلى هذا المشهد من حياة الرسول الحبيب صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬فقد روى مكحول عن عائشة رضي الله عنها قالت‪' :‬كان نفر من‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب فخرج‬
‫يريدهم‪ ،‬وفي الدار ركوة فيها ماء فجعل ينظر في الماء ويسوي لحيته‬
‫وشعره‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله وأنت تفعل هذا ؟ قال‪]] :‬نعم‪ ،‬إذا خرج الرجل‬
‫إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال[[ هكذا كان يفعل‬
‫الحبيب صلى الله عليه وسلم فكان يتزين ويحسن هيئته عند مقابلة أصحابه‪،‬‬
‫فأين التزين للزوج؟‬
‫ضا على الزوج أن يتزين لزوجته كما‬ ‫ونحن ل نخص المرأة بالتزين ولكن أي ً‬
‫كان يفعل ابن عباس الذي كان يمشط شعره ويقول‪' :‬إني أحب أن أتزين‬
‫لزوجتي كما أحب أن تتزين لي'‪.‬‬
‫من َْها{‬ ‫َ‬
‫ما ظهََر ِ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل َ‬ ‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫دي َ‬‫وتأمل معي عزيزي القارئ قوله تعالى‪َ} :‬ول ي ُب ْ ِ‬
‫]النور‪.[31 :‬‬
‫أي ل يبدين الزينة الباطنة كالقلدة والخلخال والسوار‪ .‬والذي يظهر هو‬
‫الثياب‪.‬‬
‫لماذا اهتم الله سبحانه وتعالى بعدم إظهار المرأة لزينتها؟‬
‫ضا جمالها وأنوثتها ونعومتها‪ ،‬وهذا ل‬ ‫ل شك أن إظهار زينة المرأة ُيظهر أي ً‬
‫يرضاه الله أن تفعله خارج بيتها وللغرباء من الرجال‪ .‬وعلى العكس طبًعا فهو‬
‫دا للزوج بل واجب للزوج لحصانه ومساعدته‬ ‫أمر مستحب وجائز وهام ج ً‬
‫على غض البصر ومل نفسه وعينه وقلبه‪.‬‬
‫ُ‬
‫جاهِل ِي ّةِ اْلوَلى{ ]الحزاب‪:‬‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫ن ت َب َّر َ‬‫ج َ‬ ‫الوقفة الثانية مع قوله تعالى‪َ} :‬ول ت َب َّر ْ‬
‫‪.[33‬‬
‫يقول صاحب كتاب 'في ظلل القرآن'‪:‬‬
‫'لقد كانت المرأة في الجاهلية تتبرج ولكن جميع الصور التي ُتروى عن تبرج‬
‫الجاهلية الولى تبدو ساذجة أو محتشمة حين ُتقاس إلى تبرج أيامنا هذه في‬
‫جاهليتنا الحاضرة'‬
‫قال مجاهد‪ :‬كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال‪ ،‬وكانت لهن مشية تكسر‬
‫وتغنج كما جاء في تفسير ابن كثير فنهى الله تعالى عن ذلك‪ .‬فأين المشية‬
‫والتكسر والتغنج للزوج عزيزتي الزوجة؟‬
‫وقال مقاتل بن حيان‪ :‬والتبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ول تشده فيداري‬
‫قلئدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها‪ .‬وذلك التبرج‪.‬‬
‫هيا بنا عزيزي القارئ لنغوص أكثر في هذه الية‪ .‬ولنبدأ بالسؤال ما معنى‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التبرج؟‬
‫التبرج‪ :‬هو إظهار محاسن المرأة ]من بدنها[ وزينتها ]مما ُيلبس فوق البدن[‬
‫أمام الرجال‪.‬‬
‫وإذا أردنا الغوص أكثر لنعرف معنى التبرج‪ ،‬ولمن يكون التبرج؟‬
‫تابعونا في المقال التالي والذي هو بعنوان‪:‬‬
‫'أين التبرج للزوج؟'‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يقظة الوعي الحضاري ‪..‬هل ُينهي زمن الغفوة؟‬


‫د‪ .‬مسفر بن علي القحطاني ‪3/1/1427‬‬
‫‪02/02/2006‬‬
‫كل غياب فقه مقاصد الشريعة وُبعده عن فقه الحكام التكليفية وعزله‬ ‫يش ّ‬
‫عن الفروعيات الجزئية‪ -‬أزمة واقعية على المستوى الفكري والتطبيقي‬
‫للسلم؛ فأصبحت الحكام الشرعية نتيجة لهذا الغياب عبارة عن أفعال‬
‫ديناميكية تصدر من اللشعور العتيادي عند ممارسة الفرد لها دون فهم‬
‫حقيقي لمراد الشرع الحنيف من هذه التكاليف أومقصد الدين من هذه‬
‫العبادات‪ ,‬كما أّدى هذا الغياب في فهم المقاصد إلى تأطير الشريعة في‬
‫مجالت محدودة من الحياة‪ ,‬وقصر التعّبد على نواٍح معدودة من العبادات‬
‫العملية‪ ,‬فأثر هذا الفصام في تهميش دورها التفاعلي في "حفظ نظام المة‬
‫واستدامة صلح هذا النظام الشامل بصلح المهيمن عليه‪ ،‬وهو النوع‬
‫النساني" ‪ ..‬كما قال المام الطاهر بن عاشور ‪-‬رحمه الله‪ -‬في معرض ذكره‬
‫عن المقصد الرئيس لهذه الشريعة‪.‬‬
‫إن الزمة الحقيقية التي تمر بها مجتمعاتنا السلمية في عصورنا الراهنة هي‬
‫أزمة وعي بالدور الحضاري للمة التي أراد الله –عزوجل‪ -‬أن تكون شاهدة‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬‫خي َْر أ ّ‬
‫م َ‬ ‫على كل المم وفي كل العصور!! يقول الحق تبارك وتعالى ‪ ):‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ه‪](...‬آل‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن عَ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬
‫ِ‬ ‫ت ِللّنا‬ ‫ج ْ‬
‫خرِ َ‬‫أُ ْ‬
‫سطا ً ل ِت َ ُ‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫كوُنوا‬ ‫ة وَ َ‬
‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫عمران‪ :‬من الية ‪ [110‬و قال سبحانه ‪):‬وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫شِهيدًا‪](...‬البقرة‪ :‬من الية ‪[143‬‬ ‫م َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬‫سو ُ‬‫ن الّر ُ‬ ‫كو َ‬ ‫س وَي َ ُ‬ ‫َ‬
‫داَء عَلى الّنا ِ‬ ‫شهَ َ‬‫ُ‬
‫ّ‬
‫فالخيرية التي ُوصفت بها المة إنما هي معللة بالدور الذي يجب أن تؤديه‬
‫لتلك المجتمعات الرضية من أمر بالمعروف بكل ما يشمله هذا المفهوم‪,‬‬
‫وكذلك النهي عن المنكر بنفس الشمول أيضًا‪ ،‬وهذا المعنى الزائد عن‬
‫الوصف هو من أهم السس في شهودنا الحضاري على المم‪ ,‬وقد نبه عمر‬
‫‪-‬رضي الله عنه‪ -‬على حقيقة هذا المفهوم الشامل الذي يتعدى الحكام‬
‫الفردية إلى الممارسات الحياتية المختلفة إلى الهيئات الخارجية للناس‪,‬‬
‫ما رأى في أحد الحجج التي حجها هيئة سيئة للناس ل تليق بمقام أهل‬ ‫وذلك ل ّ‬
‫السلم‪ ،‬حينها قرأ قوله تعالى‪) :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس ‪ (..‬ثم قال ‪:‬‬
‫"يأيها الناس‪ ،‬من سره أن يكون من تلك المة فليؤد شرط الله منها"‪.‬‬
‫إن المراد بحقيقة هذه الزمة التي تعاني منها المة يكمن في أن رسالتها في‬
‫جّنهم‪ ،‬بّرهم وفاجرهم‪ ،‬جمادهم‬ ‫الشهود الحضاري على الخلق جميعًا‪ :‬إنسهم و ِ‬
‫وحيوانهم غير واضحة في وعيهم الديني فضل ً عن وجود هذه المعاني في‬
‫واقع حياتهم ‪ ..‬بل أصبحت مغّيبة من دروس العلم وخطب الوعظ ولقاءات‬
‫ومؤتمرات وكتابات أهل الفكر والعلم والنظر‪ -‬إل من رحم ربك‪ -‬وأظن أن‬
‫عددهم قليل بالنسبة لجموع أولئك النخب‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الهمية ل مجال لبسط الحديث حولها في مثل هذا المقال؛ بل يحتاج‬
‫المر إلى فصول وأبواب حتى يتم تشكيل الوعي المدرك بالخطوة الولى في‬
‫مدارج العمل الراشد للتحضر ‪ ..‬ولعل الهم في هذه المرحلة أن نثير أهل‬
‫العزم والحزم من علماء ودعاة المة السلمية بأن يبعثوا من جديد هذا‬
‫الوعي في عقول الجميع‪ ,‬ويقدموا لفراد المة العدة الكافية والعتاد اللزم‬
‫لخوض المعركة الحضارية التي زاد سعارها بعد اندفاع سيل العولمة في كل‬
‫أودية الفكر والثقافة والقتصاد في مجتمعاتنا؛ حتى الحملت العسكرية‬
‫وغ بأنها دفاع عن‬‫ن على بعض البلد السلمية وغيرها ُتس ّ‬ ‫الغربية التي ُتش ّ‬
‫القيم والمبادئ الحضارية‪ ،‬ول يقصدون هنا سوى حضارتهم دون غيرها‪.‬‬
‫فُأقحمنا ‪-‬شئنا ذلك أم أبينا‪ -‬أمام صدام عملي بين الحضارات العالمية‪ ،‬وإن‬
‫قل ً ‪ -‬ومع هذا التحفظ‬ ‫كان المفهوم النظري لهذا الصدام أكثر تسامحا ً وتع ّ‬
‫على المصطلح ‪ -‬فإن الدوات الفاعلة في هذه الحرب المستعرة هي للعلم‬
‫والتقدم والتسابق التقني والتنافس القتصادي على الموارد والطاقة‪ ،‬وليست‬
‫في حقيقتها سباقا ً في التسلح أو من خلل عسكرة الحرب‪.‬‬
‫فالمعركة ضارية‪ ،‬وتحتاج منا إلى تأهل يدفعنا إلى معرفة موقعنا على خارطة‬
‫المم‪ ،‬ومحاولة اليقظة العاجلة بالعودة إلى أسس المدافعة والبناء‪ ،‬ولن يتم‬
‫ذلك إل بالبناء العلمي‪ ،‬وإشاعة العدل والمساواة‪ ،‬واحترام النسان والحسان‬
‫إلى كل شيء‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وبالعودة الصادقة الواعية للدين نضمن الحصول على كل تلك الدوات‬


‫الفاعلة للنهوض الحضاري‪ ,‬كما استخدمها النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في‬
‫بعثه الول للمة ‪..‬فالعلم فريضة في شريعتنا على كل مسلم ومسلمة‪،‬‬
‫والعدل والمساواة قواعد كلية عليها قامت كل أحكام الدين و الدنيا‪ ,‬واحترام‬
‫النسان جاء من خلل حفظ كلياته الخمس‪ :‬دينه ونفسه ونسله وعقله وماله‪،‬‬
‫وانتظمت كل الحكام الشرعية في تلك المقاصد الكلية‪ ,‬أما الحسان فقد‬
‫كتبه الله –عزوجل‪ -‬على كل شيء حتى في أعنف حالت التعامل مع‬
‫الخرين‪ ,‬كما قال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" : -‬إن الله كتب الحسان في‬
‫كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة‪ ،‬وليحد ّ‬
‫أحدكم شفرته‪ ،‬وليرح ذبيحته" حتى الجماد والبيئة لم ُيغفل حقها من‬
‫التشريع؛ كما في النهي عن البول في الماء الراكد أو تحت الشجار أو‬
‫ب الدهر‪ ،‬والريح‪ ،‬أو قطع الشجار المثمرة‪،‬‬ ‫طرقات الناس‪ ،‬وكذا نهيه عن س ّ‬
‫إلى غيرها من صور التحضر الواعي الذي افتقدناه في مجتمعاتنا التي‬
‫أصبحت مضرب المثل في التخلف والفقر‪ ،‬وشيوع المراض‪ ،‬وانعدام الحياة‬
‫كل يقظة الوعي لدينا الفاقة اللزمة‬ ‫الكريمة للفرد العادي‪ ,‬فهل ستش ّ‬
‫لغفوتنا الحضارية الراهنة‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يقولون ل دليل على منع الختلط ‪ ،‬بل كان موجودا ً ‪ ،‬لذا نحن ندعوا إليه !‬
‫‪20-5-2005‬‬
‫بقلم ندى العبدالله‬
‫ل على حرمة الختلط وهو سبب لتفسِخ‬ ‫"‪...‬هذه المور والدلة كلها قرائن تد ُ‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المجتمعات ونزول العقوبات ‪ ،‬وهناك قاعدة في الشرِع المطهر ‪ ،‬أن الله‬


‫سبحانة وتعالى إذا حرم شيئا ً حرم السباب المفضية إليه ‪"...‬‬
‫فٌر‬‫ك عن دِْين الُهدى ن َ َ‬ ‫خدعَن ّ َ‬ ‫ل َ يَ ْ‬
‫م ي ُْرَزُقوا في التماس الحق تأييدا‬ ‫لَ ْ‬
‫عمي القلوب عَُروا عن كل َقائ ِد َ ٍ‬
‫ة‬ ‫ُ‬
‫قل ِْيدا‬
‫لنهم كفروا بالله ت َ ْ‬
‫شربت قلوبها بالزيِغ‬ ‫نقرأ بين الفينة والخرى مقولت لفئام من الناس ‪ ,‬أ ُ‬
‫حد ُرِ مجتمعنا السلمي إلى‬ ‫ل تَ َ‬‫والنحراف ‪ ,‬فيسعون سعيا ً حثيثا ً من أج ِ‬
‫ل‬‫التحلل من القيم النبيلة والنسلِخ من التعاليم الجليلة ‪ ,‬وذلك بدعوته إلى ك ِ‬
‫ذرعُ به إلى الثام في عصرِ الفتن‬ ‫كل ذريعة ت َ ْ‬ ‫خْلة و منادته ل ُ‬ ‫م ِ‬‫منقصة ُ‬
‫والشرور ‪.‬‬
‫فحينما ُيحذر أهل العلم والبصيرة المستنيرة المسلمين من الختلط ومغبته ‪,‬‬
‫في أماكن العمل والدراسة والمؤتمرات والندوات والتجمعات وحتى في‬
‫المساجد ‪ُ ,‬يقال بكل جهالة ‪ :‬لقد كان الختلط موجودا ً في عهد رسول الله ‪,‬‬
‫فالنساء كن يذهبن للسواق والمساجد ‪ ,‬ويشهدن المعارك والغزوات ‪,‬‬
‫ملبسين الحق بالباطل ‪ ,‬يلوون بذلك عنق الخبار والحوادث ‪ ,‬والغرب من‬
‫ذلك حينما يستطردون كلمهم بقولهم ‪ :‬ليس هناك دليل شرعي يدل على‬
‫حرمة الختلط !‬
‫فما هذه إل تخبطات وت َّرنحات يناقض بعضها البعض ‪ ,‬مرةً بمناداتها للختلط‬
‫وحذوِ مسالك اليهود والنصارى من الغربيين ‪ ,‬وأخرى بدعواها أنها لم تخالف‬
‫م عندهم‬ ‫جَر َ‬‫ل على حرمة الختلط ‪ ,‬فل َ‬ ‫تعاليم الدين السلمي ‪ ,‬ول دليل يد ُ‬
‫ان تجلس المرأة في مكتبها بجانب زميلها في العمل وهي محجبة ! ‪ ,‬ول‬
‫ف وهي محجبة ! وتعمل في‬ ‫شبان في الص ِ‬ ‫ضي َِر ان تكون معلمة ُتعلم ال ُ‬ ‫َ‬
‫ت طويلة في‬ ‫م ل ؟ فهي محجبة ! وتخالط هذا لساعا ِ‬ ‫المرور والشرطة ‪ ..‬فل َ‬
‫ح ذاك ‪ ,‬وتتناول الغداء مع آخر ‪ ,‬وتقضي الساعات مستئنسة‬ ‫العمل ‪ ,‬وتماز ُ‬
‫بالحاديث معه ‪ ,‬فتفتح أبواب الذرائع المؤدية إلى مالُيحمد عقباه ‪.‬‬
‫قرب‬ ‫وهذا للسف بعيد كل البعد عن سنة وتعاليم رسول الله ‪ ,‬قريب كل ال ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ريد ُ أ ْ‬ ‫من شهوات القلب وأهواء النفس ‪ ,‬يقول الله سبحانه وتعالى ) َوالل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫َ‬
‫ما ( ‪.‬‬ ‫مي ًْل عَ ِ‬
‫ظي ً‬ ‫ميُلوا َ‬‫ن تَ ِ‬
‫تأ ْ‬ ‫وا ِ‬
‫شهَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬
‫ذي َ‬‫ريد ُ ال ّ ِ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م وَي ُ ِ‬ ‫ي َُتو َ‬
‫فها هو نبي المة ُيخصص في مسجده بابا ً خاصا ً للنساء ‪ _ ,‬اضغط هنا _ ‪,‬‬
‫ويأمر النساء وهن خروج من مسجده بتجنب الختلط بالرجال ‪ ,‬ويتجلى ذلك‬
‫واضحا ً في قوله ‪ ) :‬عليكن بحافات الطريق ( _ إضغط هنا _ ولقد كان بأبي‬
‫وأمي هو صلوات الله وسلمه عليه ينتظر بعد صلته حتى ينصرف النساء‬
‫لبيوتهن _ إضغط هنا _ ولم يكن لحد معرفة نساء المؤمنين من شدة الغلس‬
‫_ إضغط هنا _ و كانت صفوف النساء في آخر المسجد بعيدة معزولة عن‬
‫صفوف الرجال ‪ ,‬بل إن خير صفوف النساء آخرها ‪ ,‬هذا في الصلة ‪ ,‬فكيف‬
‫بما عداها من المور الخرى ! _ إضغط هنا _ فالمجتمع السلمي معروف‬
‫بأنه مجتمع فردي ‪ -‬أي غير مختلط ‪ -‬فللمرأة مجتمعها الخاص بها‪ ,‬وللرجل‬
‫مجتمعه الخاص به ‪ ,‬وذلك بإستثناء الرجل مع زوجتة وأهله ‪ ,‬والمرأة مع‬
‫محارمها وزوجها ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومن المعلوم أيضا ‪ ,‬أن نظر المرأة للرجل عمدا محرم والرجل للمرأة أيضا ‪,‬‬ ‫ً‬
‫ومصافحة الرجل للمرأة ومسه إياها محرم ‪ ,‬وخلوة الرجل بالمرأة ‪ ,‬وإذا ورد‬
‫المر بالتفريق بين الصبيان في المضاجع ‪ ,‬فكيف بالختلط بين البالغين !‬
‫ل على حرمة الختلط وهو سبب لتفسِخ‬ ‫فهذه المور والدلة كلها قرائن تد ُ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المجتمعات ونزول العقوبات ‪ ,‬وهناك قاعدة في الشرِع المطهر ‪ ,‬أن الله‬


‫سبحانة وتعالى إذا حرم شيئا ً حرم السباب المفضية إليه ‪ ,‬منعا ً من الوصول‬
‫إلية ‪ ,‬فلما حرم الله الزنا حرم السباب المفضية إليه من التكشف والسفور‬
‫والتبرج والختلط والخضوع في القول ‪ ,‬ولو حرم الله أمرا ً وأباح الوصول‬
‫إليه لكان ذلك نقضا ً للتحريم ‪ ,‬وحاشا شريعة رب العالمين ‪.‬‬
‫وختاما ً ‪ ..‬لتكن لنا المجتمعات السلمية التي عم فيها هذا البلء عبرة وعظة ‪,‬‬
‫فلننظر إلى الدول المجاورة كيف انتشرت فيها البليا ‪ ,‬من تفكك المجتمعات‬
‫وإنتشار الرذائل ‪ ..‬كإنتشار الزنا ‪ ..‬وتبعه سقوط حد الزنا ‪ ..‬وجود الحمل‬
‫السفاح ‪ ,‬عزوف الشباب عن الزواج ‪ ,‬تزايد أعداد العنوسة ‪ ,‬قلة النسل ‪,‬‬
‫الطلق ‪ ,‬حلول العقوبات اللهيه من الفقر والقحط ونزع البركة وقبل ذلك‬
‫كله ضياع الدين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يكفرون وهم ل يعلمون ‪...‬‬


‫الحمدلله الذي فرق بين الحق والباطل وبين الكفر واليمان ‪ ،‬جعل للجنة أهل‬
‫وخلن ‪ ،‬وجعل للنار صحبا وسكان ‪.‬‬
‫إلى كل من يريد أن يكون من أهل النجاة اعلم أنه لن يبلغ المرء درجة‬
‫الصالحين حتى يتعلق بقلبه الخوف من الله‪ ،‬والخوف من الوقوع في الشرك‬
‫والكفر وهذه هي سنة النبياء عليهم الصلة والسلم قال الله عن إبراهيم ‪} :‬‬
‫واجنبني وبني أن نعبد الصنام { قال إبراهيم‪ ) :‬ومن يأمن البلء بعد‬
‫إبراهيم ( ‪ .‬وحق لخليل الله أن يخاف إذ أنه ل ينفع بعد الكفر طاعة قال‬
‫تعالى‪ } :‬إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن شاء{ ‪.‬‬
‫وبعد هذا وجب علينا جميعا أن نعرف طرق الكفر والشرك وصوره حتى‬
‫يستقيم ديننا وتصلح أحوالنا والله الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬
‫أيكفر المسلم وهو ل يعلم ؟!‬
‫قال تعالى ‪ } :‬ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم { التوبة ‪66‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬بادروا بالعمال فتنا ً كقطع الليل المظلم‪،‬‬
‫يصبح الرجل مؤمنا ً ويمسي كافرًا‪ ،‬ويمسي مؤمنا ً ويصبح كافرًا‪ ،‬يبيع دينه‬
‫بعرض من الدنيا ( رواه مسلم‬
‫وفي الصحيح عن أبي سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب وغيرهما عنه صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪ ) :‬يخرج في هذه المة قوم‪ ،‬تحقرون صلتكم إلى‬
‫صلتهم‪ ،‬وصيامكم إلى صيامهم‪ ،‬وقراءتكم إلى قراءتهم‪ ،‬وعملكم إلى‬
‫عملهم‪ ،‬يقولون من خير قول البرية‪ ،‬يقرؤون القرآن لينا ً رطبًا‪ ،‬ل يجاوز‬
‫حناجرهم‪ ،‬يحسبونه لهم وهو عليهم‪ ،‬يمرقون من السلم كما يمرق السهم‬
‫من الرمية‪ ،‬ثم ل يعودون فيه‪ ،‬هم شر الخلق والخليقة‪ ،‬من أبغض خلق الله‬
‫إليه (‪.‬‬
‫ولكن ما هو الكفر ؟؟!‬
‫الكفر في اللغة ‪ :‬هو التغطية والستر والجحود‬
‫وفي الشرع ‪ :‬فعل ما ينافي اليمان ‪ ..‬وهو نوعان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬كفر أكبر ‪ :‬وهو نقض اليمان بترك ما ل يصح السلم إل به‪ ،‬مما دلت‬
‫عليه النصوص الشرعية‪ ،‬بل عذر شرعي‪ ،‬وهو خمسة أنواع ‪:‬‬
‫)‪ (1‬التكذيب‬
‫)‪ (2‬الشك‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (3‬العراض مع التصديق‪ :‬إهمال ً أو استكبارا أو عنادا ً‬


‫)‪ (4‬الشرك‬
‫)‪ (5‬النفاق‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬كفر أصغر ‪ :‬وهو نقص اليمان بفعل أعمال محرمة سميت في‬
‫الشرع كفرا ً لتضمنها جحد حق عظيم لحد‪ ،‬ول تخرج من السلم‪ ،‬ول تحبط‬
‫جميع العمال ومنها‪:‬‬
‫)‪ (1‬كفر النعمة‬
‫)‪ (2‬تكفير المسلم‬
‫)‪ (3‬قتال المسلم‬
‫)‪ (4‬كفران العشير‬
‫)‪ (5‬الطعن في النساب‬
‫)‪ (6‬النياحة‬
‫)‪ (7‬أبق العبد‬
‫)‪ (8‬انتساب المرء لغير أبيه‪.‬‬
‫صور من الكفر الكبر المخرج من السلم‬
‫لتعلم أن فقهاء السلم عقدوا بابا ً مستقل في كتبهم الفقهية بإسم » باب‬
‫ً‬
‫أحكام الردة « ذكروا فيه العشرات من العمال والقوال والعتقادات التي‬
‫تخرج المسلم من السلم إذا فعل واحدا ً منها‪ ...‬فلترجع إلى أقوالهم ولتتأكد‬
‫من صحة إسلمك وتوحيدك !! وأذكر لك صورا ً من الكفر الكبر‪:‬‬
‫‪ -1‬الدعوة إلى العلمانية أو الرضى بها وقبولها ) وحقيقتها محاربة الدين‬
‫لقصائه عن مظاهر الحياة وأنظمة الدولة( وكذا النتماء إلى المذهب‬
‫اللحادية الخرى‪ :‬كالشيوعية والرأسمالية‪.‬‬
‫‪ -2‬من يرى أن القوانين الوضعية أحسن من السلم‪ ،‬أو يرى أن السلم‬
‫قديم‪ ،‬أو ل يناسب عصرنا‪ .‬وكما أنه يجب على الحكام أن يحكموا بما أنزل‬
‫الله‪ ،‬فكذلك هو واجب على الرعية في أنفسهم وفيما بينهم‪.‬‬
‫‪ -3‬اعتقاد أن الدين فقط هو العبادات الكبيرة وهي ‪) :‬الصلة والزكاة والحج‬
‫والصيام( وأنه ل يشمل كل جوانب الحياة‪ ،‬وكذا العتقاد أن بوسع أحدا ً أن‬
‫يخرج من الدين أو من الشريعة السلمية‪.‬‬
‫‪ -4‬محاربة أو كره أو الستهزاء بشيء مما أمر الله به‪ ،‬ولو عمل به‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫)الحجاب‪ ،‬أو عدم الختلط‪ ،‬أو إعفاء اللحية‪ ،‬أو تقصير الثوب(‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم فهم معنى » شهادة ل إله إل الله « فقولها بل معرفة لمعناها ل ينفع‬
‫القائل ول يدخله السلم‪ ،‬ومعناها‪ :‬أعبد الله وحده بالعبادات الشرعية‪ ،‬ول‬
‫أعبد أو أشرك غيره معه‪ ،‬فهو إلهي وحده‪ ،‬ل إله لي سواه‪ ،‬إليه أتوجه‬
‫بالصلة والدعاء والتوكل والرجاء‪ ،‬والطاعة المطلقة‪ ،‬والمحبة الصادقة‪ ،‬فل‬
‫معبود بحق إل الله وحده‪ ،‬ومن الخطاء الشنيعة اعتقاد أن معناها‪» :‬ل خالق‬
‫ول رازق إل الله« أي توحيد الربوبية فقط‪.‬‬
‫‪ -6‬العتقاد بأن »ل إله إل الله« كلمة تقال باللسان‪ ،‬وليس وراءها عمل‪.‬‬
‫‪ -7‬العراض الكلي والتام عن السلم‪ ،‬ل يتعلمه‪ ،‬ول يعمل به‪ ،‬ول يأبه به‪.‬‬
‫‪ -8‬ترك الصلة وعدم التيان بها بتاتًا‪.‬‬
‫‪ -9‬تكفير الصحابة أو اعتقاد أنهم ضلل‪ ،‬جميعهم أو معظمهم‪.‬‬
‫‪ -10‬من لم يكفر المشركين أو أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ،‬أو شك في‬
‫كفرهم‪.‬‬
‫‪ -11‬موالة الكفار من النصارى واليهود‪ ،‬وغيرهم بمحبتهم ومعاونتهم على‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -12‬النتماء للحزاب الجاهلية والقوميات العنصرية المخالفة للسلم‪.‬‬


‫‪ -13‬الشرك ‪ ) :‬قال الله تعالى ‪ :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل‬
‫عمل أشرك فيه معي غيري تركته و شركه ( رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪ -14‬السحر‪ :‬بأن يتعلمه أو يعمله بواسطة الشياطين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -15‬إدعاء علم الغيب ومن صوره ‪ ) :‬قراءة الكف والفنجان‪ ،‬والنظر في‬
‫مال‪ ،‬والمندل‪،‬‬‫النجوم لمعرفة الغيب »المنجم«‪ ،‬والكهانة‪ ،‬والسحر‪ ،‬والر ّ‬
‫والعراف (‪ ،‬وهؤلء كلهم مشعوذون كذابون‪ ،‬يدعون علم الغيب في‬
‫المستقبل أو الماضي أو الحاضر‪ ،‬ويدعون القدرة على علج المرضى‪،‬‬
‫وكشف الحقائق‪ ،‬وهم يستخدمون في ذلك كل الجن والشياطين والطلسم‬
‫الشركية‪ ،‬والحروف المختلفة‪ ،‬ويتمتمون بكلم ل يعرف‪ ،‬ويطلبون اسم أم‬
‫المريض‪ ،‬ويطلبون أيضا ً ما فيه رائحة المريض‪ ،‬وذبح حيوان‪ ،‬ويخبرون‬
‫المريض بمعلومات تتعلق به لكي يتعلق بهم ويتوكل عليهم‪ ..‬ولتعلم بأنه في‬
‫بلد عربي واحد‪ 300 :‬ألف مشعوذ‪ ،‬وينفق الشعب على الشعوذة عشر‬
‫مليارات ريال‪.‬‬
‫‪ -16‬يكفر من يعتقد أن هناك من يعلم الغيب مع الله‪ ،‬فيأتيه ويسأله‪ ،‬ولو‬
‫بالهاتف أو في برامج إذاعية‪ ،‬ويصدقه‪ ،‬أو يأخذ بكلمه‪ ،‬ومن صوره‪) :‬قراءة‬
‫البخت‪ ،‬أو أبراج الحظ في الجرائد والمجلت‪ ،‬وهذه يجب مقاطعتها(‪ .‬لنه‬
‫مكذب بقوله تعالى‪ } :‬قل ل يعلم من في السماوات والرض الغيب إل‬
‫الله {‪ .‬وأما إذا أتاه ولم يصدقه فل يكفر‪ ،‬لكنه فعل كبيرة‪ ) ،‬ول تقبل له‬
‫صلة أربعين يوما ً ( كما قال صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -17‬من أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬مع قيام الحجة عليه من‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬كحرمة‪ :‬الخمر‪ ،‬والزنا‪ ،‬واللواط‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫محرمات متنوعة هي بدع وخرافات أو شركيات‬
‫‪ -1‬التبرك بالتمسح بالكعبة ‪ :‬بجدرانها‪ ،‬وستائرها‪ ،‬وبابها‪ ،‬باستثناء ما ورد فيه‬
‫الشرع وهو‪ :‬استلم الحجر السود وتقبيله‪ ،‬واستلم الركن اليماني بل تقبيل‪.‬‬
‫‪ -2‬التمسح بأبواب وجدران وشبابيك المسجد الحرام أو غيره‪ ،‬وكذا جدران‬
‫الحجرة النبوية‪.‬‬
‫‪ -3‬التبرك‪ :‬بغار ثور‪ ،‬أو غار حراء‪ ،‬أو أي بقعة مّر عليها الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم أو أحد الصحابة أو أحد الصالحين‪.‬‬
‫‪ -4‬اعتقاد أن تعليق التمائم والحجب على النسان‪ ،‬أو في المنزل‪ ،‬أو جعلها‬
‫تحت الوسادة‪ ،‬أو في السيارة‪ ،‬سبب لدفع الذى والعين والحسد‪ ،‬سواء كانت‬
‫هذه التمائم والحجب من الخرز أو من اليات معدنية‪» .‬وكذا لو كانت من‬
‫اليات القرآنية أو الحاديث النبوية على الصحيح من أقوال أهل العلم«‪.‬‬
‫‪ -5‬اعتقاد أن لبس الحلق والخيوط ونحوها سبب لرفع البلء أو دفعه‪.‬‬
‫‪ -6‬التوسل نوعان ‪:‬‬
‫)الول( الدعي‪ :‬وهو دعاء الله والتوسل له بما لم يشرعه‪ ،‬مثل التوسل ‪:‬‬
‫)‪ (1‬بجاه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫)‪ (2‬أو بذوات المخلوقين‬
‫)‪ (3‬أو بحقهم كأن يقول‪ :‬اللهم إني أسالك بجاه نبيك أو حقه‪ ،‬أو مكانته‬
‫عندك ‪...‬‬
‫)‪ (4‬أو بحق فلن‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (5‬أو بروح فلن الميت أو الحي‪.‬‬


‫)الثاني( التوسل الجائز هو‪:‬‬
‫)‪ (1‬بأسماء الله وصفاته‬
‫)‪ (2‬باليمان والعمل الصالح‬
‫)‪ (3‬أن يطلب من الصالحين الحياء الدعاء له‪.‬‬
‫‪ -7‬الولء للقبيلة أو البلد أو الحزب أو الجماعة بدل ً من الولء لليمان وأهله‬
‫وبحسب قرب العبد من الله تعالى‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -8‬إقامة الحفلت المتنوعة بقصد التقرب بها إلى الله‪ ،‬أو تقليدا للكفار من‬
‫أهل الكتاب وغيرهم‪ ،‬مقل ‪:‬‬
‫)‪ (1‬الحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫)‪ (2‬بالهجرة‬
‫)‪ (3‬برأس السنة الهجرية أو الميلدية‬
‫)‪ (4‬ليلة السراء والمعراج‬
‫)‪ (5‬ليلة النصف من شعبان أو إحيائها‬
‫)‪ (6‬ليلة سبعة وعشرين من رمضان‬
‫)‪ (7‬عيدا لم‬
‫)‪ (8‬عيد الميلد‬
‫)‪ (9‬التقرب إلى الله بالذكر مع ضرب الطبول والدفوف والشعار ونحوها‬
‫)‪ (10‬إقامة الذكار الجماعية المبتدعة‪.‬‬
‫‪ -9‬التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم‪.‬‬
‫‪ -10‬إقامة التماثيل والتصوير وتعليق الصور‪.‬‬
‫‪ -11‬التشأوم والتطير وهو ‪ ) :‬تعليق أو توقع حدوث البلء والشر على شيء‬
‫بل مستند شرعي ول حسي ( مثل‪ :‬التشاؤم من شهر صفر‪ ،‬فل يتزوج فيه‬
‫النسان‪ ،‬ول يسافر‪ ،‬ول يتأخر‪...‬‬
‫‪ -12‬اتباع الطرق المبتدعة الضالة المنحرفة والتي لم يفعلها الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم والسلف الصالح‪ ،‬مثل‪ ) :‬التيجانية‪ ،‬والشاذلية‪ ،‬والقادرية‪،‬‬
‫والجيلنية‪(...‬‬
‫‪ -13‬إساءة الظن بالله تعالى ‪ ) :‬بأن يظن بأنه ل يتوب عليه إن تاب‪ ،‬ول‬
‫يستجيب دعاءه‪ ،‬ول يرحمه‪.(....‬‬
‫‪ -14‬توزيع نشرات وكتب تشمل على بدع ومحرمات‪ ،‬مثل ‪ ) :‬الوصية‬
‫المكذوبة على الشيخ أحمد خادم المسجد النبوي الشريف (‪.‬‬
‫ألفاظ محرمة مخالفة للعقيدة‬
‫‪ -1‬فلن‪ ) :‬أغنى الغنياء‪ ،‬ملك الملوك‪ ،‬يفعل ما يشاء‪ ،‬حاكم الحكام‪ ،‬قاضي‬
‫القضاة (‪ ) .‬إن أخنع إسم عند الله رجل تسمى‪ :‬ملك الملك‪ ،‬ل مالك إل الله‬
‫(‪.‬‬
‫‪ -2‬اللهم أغفر لي أو أعطني إن شئت‪ ) .‬إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ول‬
‫يقولن‪( ...‬‬
‫‪ -3‬يا كافر‪ ،‬يا يهودي‪ ،‬يا نصراني‪ ،‬يا عدو الله ) أيما رجل قال لخيه‪ ،‬يا كافر‬
‫فقد باء بها أحدهما (‪.‬‬
‫‪ -4‬شاءت القدار‪ ،‬شاءت الظروف أو الطبيعة‪ ،‬شاءت قدرة الله‪ ،‬شاء القدر‪،‬‬
‫تدخل القدر‪) .‬لنها ل مشيئة له ا(‬
‫‪ -5‬ما تستاهل ‪ ،‬أو فلن ما يستاهل المرض أو المصيبة ) محرم لكونه‬
‫اعتراض على الله (‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -6‬فلن بعيد عن المغفرة‪ ،‬أو الخير‪ ،‬أو الهداية‪ ،‬أو الجنة‪ ،‬أو رحمة الله‪ ...‬قال‬
‫ي أن ل أغفر لفلن إني قد غفرت له‪ ،‬وأحبطت‬ ‫الله ‪ } :‬من ذا الذي يتألى عل ّ‬
‫عملك{‪.‬‬
‫‪ -7‬الله يظلمك‪ ،‬الله يسأل عن حالك‪ ،‬خان الله من يخون‪ ،‬ربنا افتكر فلن‬
‫) للميت(‪ ،‬يأكل معك الرحمن‪ ،‬ماذا فعلت يا رب‪ ،‬غدا ً سأفعل كذا ) لنه لم‬
‫يقل ‪ :‬إن شاء الله (‪ ،‬لو أني فعلت كذا لكان كذا لقوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫) لو تفتح عمل الشيطان (‪ ،‬فلن دفن في مثواه الخير‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬السيد فلن‬
‫لقوله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬السيد الله (‪ ،‬ألفاظ سب الدهر‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يمين الكرام‬
‫راشد بن فهد آل حفيظ)‪19/3/1425 (#‬‬
‫‪08/05/2004‬‬
‫الحمد لله نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي‬
‫له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده‬
‫ورسوله صلى الله عليه‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬وسلم‬
‫تسليمًا‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن مسألة يمين الكرام مسألة مهمة‪ ،‬يكثر وقوعها‪ ،‬واستعمالها‪ ،‬والسؤال‬
‫عنها‪ ،‬ومن أجل ذلك أحببت أن أكتب هذا البحث عنها‪ ،‬وقد رتبته في مبحثين‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬تعريف مفردات عنوان البحث‪ ،‬وفيه ثلثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬تعريف اليمين‪ ،‬وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع الول‪ :‬تعريف اليمين في اللغة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تعريف اليمين في الصطلح‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬تعريف الكرام‬
‫المطلب الثالث‪ :‬المراد بيمين الكرام‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الكفارة في يمين الكرام‪.‬‬
‫والله أسأل أن يجعل عملي خالصا ً لوجهه موافقا لمرضاته نافعا لعباده إنه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قريب مجيب‪.‬‬
‫المبحث الول‬
‫تعريف مفردات عنوان البحث‬
‫المطلب الول‬
‫تعريف اليمين‬
‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع الول‪ :‬تعريف اليمين في اللغة‪.‬‬
‫ن منها‪:‬‬ ‫تطلق اليمين في اللغة على معا ٍ‬
‫الول‪ :‬القوة والقد )‪ ،(1‬ومنه قوله تعالى‪) :‬لخذنا منه باليمين()‪ (2‬أي بالقوة‬
‫والقدرة)‪.(3‬‬
‫الثاني‪ :‬اليد اليمنى)‪ ،(4‬ومنه قوله تعالى‪) :‬فراغ عليهم ضربا ً باليمين()‪ (5‬أي‬
‫باليد اليمنى)‪.(6‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثالث‪ :‬الحلف والقسم)‪ (7‬ومنه قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬يمينك على ما‬
‫دقك به إذا حلفت‬ ‫دقك به صاحبك)‪(8‬أي يجب عليك أن تحلف على ما يص ّ‬ ‫يص ّ‬
‫له()‪.(9‬‬
‫الرابع‪ :‬العهد والميثاق)‪ (10‬ومنه قوله تعالى‪) :‬وإن نكثوا أيمانهم()‪ (11‬أي‬
‫عهودهم ومواثيقهم)‪ (12‬الفرع الثاني‪ :‬تعريف اليمين في الصطلح‪.‬‬
‫يمكننا تعريف اليمين اصطلحا ً – من خلل ما ذكره الفقهاء في تعريفها – بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫توكيد الشيء بذكر معظم )‪(13‬بصيغة مخصوصة)‪.(15)(14‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫تعريف الكرام‬
‫الكرام‪ :‬إيصال النفع للغير بل غضاضة‪ ،‬وبل عوض )‪.(16‬‬
‫أو العطاء بسهولة‪ ،‬وبطيب نفس)‪.(17‬‬
‫أو إيصال الخير للغير‪ ،‬من بذل‪ ،‬وجود وإحسان‪ ،‬وحسن خلق)‪(18‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫المراد بيمين الكرام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يمين الكرام‪ :‬الحلف على الغير بأن يفعل شيئا قاصدا – أي الحالف – بذلك‬
‫الكرام)‪ (19‬كمن حلف على غيره بأن يتغذى عنده‪ ،‬أو يجلس في مكان‬
‫معين‪ ،‬قاصدا ً بذلك الكرام‪ ،‬ل اللزام )‪.(20‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫الكفارة في هذه اليمين‬
‫لقد ذهب جماهير الفقهاء – الحنفية )‪(21‬والمالكية)‪(22‬والشافعية)‪(23‬‬
‫والحنابلة)‪ -((24‬إلى وجوب الكفارة في هذه اليمين بالحنث‪.‬‬
‫واستدلوا بعموم الدلة‪ ،‬ومنها ما يلي‪:‬‬
‫الدليل الول‪:‬‬
‫قوله تعالى ‪ ) :‬ل يؤاخذكم الله باللغو )‪(25‬في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما‬
‫كسبت قلوبكم والله غفور حليم()‪ . (26‬وقوله تعالى ‪ ) :‬ل يؤاخذكم الله‬
‫باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان ()‪.(27‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬
‫أن عموم هاتين اليتين يشمل كل من عقد اليمين )‪ (28‬وكسبها بقلبه)‪(29‬‬
‫سواء قصد بها الكرام أم ل‪.‬‬
‫الدليل الثاني‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬من حلف على يمين‪ ،‬فرأى غيرها خيرا ً منها‪،‬‬
‫فليكفر عن يمينه‪ ،‬وليفعل الذي هو خير")‪ ،(30‬وفي رواية ‪ " :‬فليأت الذي هو‬
‫خير‪ ،‬وليفكر عن يمينيه"‪.‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬
‫ً‬
‫أن هذا الحديث عام‪ ،‬يشمل كل من حلف قاصدا اليمين على أمر مستقبل‪،‬‬
‫سواء قصد بها الكرام أو ل‪.‬‬
‫هذا ما ذهب إليه جماهير الفقهاء‪ ،‬وهو القول الول في هذه المسألة‪.‬‬
‫أما القول الثاني فهو عدم وجوبها في هذه اليمين وإليه ذهب شيخ السلم‬
‫ابن تيمية)‪ ، (31‬ورجحه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ )‪.(32‬‬
‫واستدل شيخ السلم بدليلين‪:‬‬
‫الدليل الول‪:‬‬
‫قصة أبي بكر – رضي الله عنه‪ -‬لما صلى بالناس‪.‬‬
‫وفيها ‪ :‬أن النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬جاء والناس في الصلة‪ ،‬فتخلص‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى وقف في الصف فصفق الناس‪ ،‬وكان أبو بكر ل يلتفت في صلته‪ ،‬فلما‬
‫أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم‪ -‬فأشار‬
‫إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن امكث مكانك‪ .....،‬ثم استأخر أبو‬
‫بكر حتى استوى في الصف‪ ،‬وتقدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫فصلى‪ ،‬فلما انصرف قال‪ :‬يا أبا بكر‪ :‬ما منعك أن تثبت إذ أمرتك" ‪.‬فقال أبو‬
‫بكر‪ :‬ما كان لبن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.(33) -‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬
‫أن الرسول – صلى الله عليه وسلم‪ -‬لم ينكر على أبي بكر‪ ،‬عدم امتثاله‬
‫لمره‪ ،‬مع أن امتثال أمره واجب‪ ،‬مما يدل على أن المر إذا أريد به الكرام‬
‫لم يلزم امتثا )‪(34‬ولم ُيعد مخالفه عاصيًا‪ ،‬وعليه فاليمين التي يراد بها‬
‫الكرام كذلك‪ ،‬ل يعد مخالفها حانثًا)‪ (35‬ونوفش‪:‬‬
‫بأن من أكد أمره باليمين‪ -‬سواء قصد به الكرام أم ل‪ -‬داخل في عموم قوله‬
‫–تعالى‪ ) -‬ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان()‪ (36‬وحينئذ ٍ ُتعد ُ مخالفة أمره‬
‫حنثًا‪ ،‬لكونه قد أكده باليمين‪.‬‬
‫الدليل الثاني‬

‫)‪(1 /‬‬

‫سر الرؤيا‪ ،‬فقال له النبي‪ -‬صلى‬ ‫قصة أبي بكر‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬أيضًا‪ ،‬لما ف ّ‬
‫الله عليه وسلم‪ " : -‬أصبت بعضا ً وأخطأت بعضًا" فقال أبو بكر‪ :‬فوالله‪،‬‬
‫لتحدثني بالذي أخطأت‪ ،‬فقال النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ " : -‬ل تقسم")‬
‫‪.(37‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬
‫فر‪،‬‬‫أن النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬لم يأمره بالكفارة‪ ،‬ولم يذكر عنه أنه ك ّ‬
‫لكونه لم يرد القسام على النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬ول إلزامه بأن‬
‫يخبره مع المصلحة المقتضية للكتم‪ ،‬مما يدل على أنه ل كفارة على الحالف‬
‫الذي يريد الكرام ل اللزام)‪.(38‬‬
‫ونوقش‪:‬‬
‫بأن عدم أمره بالكفارة ل يدل على سقوط وجوبها‪ ،‬لكونه قد علم من‬
‫نصوص أخرى )‪ (39‬كقوله – تعالى‪ ) :-‬ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان( )‬
‫‪ (40‬ويمكن أن يستدل لما ذهب إليه شيخ السلم ابن تيمية‪-‬أيضًا‪. -‬‬
‫وا الكل قبله‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫بقصة أبي بكر‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬مع أضيافه‪ ،‬عندما أب ْ‬
‫والله‪ ،‬ل أطعمه الليلة‪ ،‬فقالوا‪ :‬والله‪ ،‬ل نطعمه حتى تطعمه‪ ،‬فسمى فأكل‪،‬‬
‫فأكلوا‪ ،‬فلما أصبح غدا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقال‪ :‬يا رسول‬
‫الله‪ ،‬بروا وحنثت‪ ،‬فقال النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ " -‬بل أنت أبرهم‬
‫وأخيرهم")‪.(41‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬
‫أن الرسول – صلى الله عليه وسلم‪ -‬لم يأمر أبا بكر بالكفارة‪ ،‬بل قال له‪" :‬‬
‫أنت أبرهم"‪ ،‬لكونه قد قصد بيمينه الكرام‪ ،‬مما يدل على أنه ل كفارة على‬
‫الحالف الذي يريد الكرام‪.‬‬
‫ونوقش‪:‬‬
‫بأن عدم أمره بالكفارة ل يدل على سقوط وجوبها‪ ،‬لكونه قد علم من‬
‫نصوص أخرى)‪ (42‬كقوله – تعالى‪ ) :-‬ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان()‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ (43‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا ً‬
‫منها‪ ،‬فليأت الذي هو خير‪ ،‬وليكفر عن يمينه" )‪.(44‬‬
‫أما قوله صلى الله عليه وسلم‪ " : -‬أنت أبرهم" فمعناه‪ :‬أكثرهم طاعة وخير‬
‫منهم‪ ،‬لنك حنثت في يمينك حنثا ً مندوبا ً إليه محثوثا ً عليه – كما في قوله‪:‬‬
‫"فليأت الذي هو خير" فأنت أفضل منهم)‪.(45‬‬
‫علل لما ذهب إليه شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬بما يلي‪:‬‬ ‫و ُ‬
‫أن الكرام قد حصل بمجرد اليمين‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬والله إني أكرمك بهذا‪ ،‬وقد‬
‫تم )‪ (46‬هذا ما ذهب إليه شيخ السلم – رحمه الله‪ -‬فيه وجاهد‪ ،‬تخفيف‬
‫على الناس‪ -‬بل شك‪ -‬لكن عموم الدلة يقتضي خلفه؛ إذ يقتضي وجوب‬
‫الكفارة في هذه اليمين)‪.(47‬‬
‫وإلى هنا انتهى ما أردناه‪ ،‬والحمد الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬
‫المراجع والمصادر‬
‫‪ .1‬الخبار العلمية من الختيارات الفقهية لشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬للبعلي‪،‬‬
‫دار العاصمة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ .2‬إغاثة اللهفان في طلق الغضبان‪ ،‬لبن القيم‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .3‬الفصاح عن معاني الصحاح‪ ،‬لبن هيبرة الطبعة الثانية‪1366 ،‬هـ‪ ،‬المكتبة‬
‫الحلبية‪ ،‬حلب‪.‬‬
‫‪ .4‬القناع لطالب النتفاع‪ ،‬للحجاوي‪ ،‬دار هجر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .5‬الم‪ ،‬للمام الشافعي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1393‬هـ‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .6‬النصاف في معرفة الراجح من الخلف للمرادوي‪ ،‬الطبعة الولى‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .7‬التعريفات‪ ،‬للجرجاني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .8‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬لبن كثير‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .9‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬لبن جرير‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .10‬حاشية ابن عابدن )رد المحتار(‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .11‬حاشية الشيخ محمد بن عثيمين على الروض‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .12‬الدر المختار شرح تنوير البصار‪ ،‬للحصكفي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .13‬الذخيرة‪ ،‬للقرافي‪ ،‬دار الغرب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .14‬روضة الطالبين وعمدة المفتين‪ ،‬للنووي‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .15‬زاد المسير في علم التفسير‪ ،‬لبن الجوزي‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .16‬شرح الرزكشي عل مختصر الخرقي‪ ،‬دار أولي النهى‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .17‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬للنووي‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪.‬‬
‫‪ .18‬شرح منتهى الرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهى‪،‬‬
‫للبهوتي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .19‬صحيح البخاري‪ ،‬دار الريان‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .20‬صحيح مسلم‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪.‬‬
‫‪ .21‬العزيز شرح الوجير‪ ،‬للرافعي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .22‬فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ‪ ،‬مطبعة‬
‫الحكومة بمكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ .23‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬لبن حجر‪ ،‬دار الريان للتراث‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ .24‬فتح القدير‪ ،‬لبن الهمام‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .25‬الفروع‪ ،‬لبن مفلح‪ ،‬عالم الكتب ‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .26‬العقود )نظرية العقد( لشيخ السلم بن تيمية‪ ،‬دار السلفية المحمدية‪،‬‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫توزيع مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬


‫‪ .27‬الكافي في فقه المام أحمد‪ ،‬لبن قدامة‪ ،‬دار هجر‪.‬‬
‫‪ .28‬كشاف القناع عن متن القناع‪ ،‬للبهوتي‪ ،‬الناشر مكتبة نزار الباز‪ ،‬مكة‬
‫المكرمة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ .29‬لسان العرب‪ ،‬لبن منظور‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .30‬المبسوط‪ ،‬للسرخسي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .31‬مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬دار عالم الكتب‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ .32‬مختار الصحاح للرازي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .33‬المدونة للمام مالك‪ ،‬مؤسسة الحلبي وشركاه‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ .34‬المصباح المنير‪ ،‬للفيومي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬


‫‪ .35‬المطلع على أبواب المقنع للبعلي‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .36‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬المقلعجي ‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .37‬المغني‪ ،‬لبن قدامه‪ ،‬دار هجر ‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ .38‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬للصفهاني‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ .39‬فتح الجليل على مختصر خليل‪ ،‬لمحمد عليش‪ ،‬الناشر مكتبة النجاح‪،‬‬
‫طرابلس‪.‬‬
‫‪ .40‬نزهة العين النواظر في علم الوجوه والنظائر‪ ،‬لبن الجوزي‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .41‬نيل الوطار شرح منتقى الخبار للشوكاني‪ ،‬دار زمزم‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫)‪ (#‬القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر لسان العرب ‪ ،13/461‬والمصباح المنير ‪ ،2/682‬ومختار الصحاح‬
‫ص ‪.745‬‬
‫)‪ (2‬سورة الحاقة الية رقم )‪(45‬‬
‫)‪ (3‬انظر جامع البيان عن تأويل أي القرآن ‪.1/73‬‬
‫)‪ (4‬انظر لسان العرب ‪ ،13/462‬ومختار الصحاح ص ‪.745‬‬
‫)‪ (5‬سورة الصافات الية رقم )‪.(93‬‬
‫)‪ (6‬انظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن ‪1/73‬‬
‫)‪ (7‬انظر لسان العرب ‪ ،13/462‬ومختار الصحاح ص ‪745‬‬
‫)‪ (8‬أخرجه مسلم في كتاب اليمان‪ ،‬باب يمين الحالف على نية المستحلف‪،‬‬
‫برقم ‪ ،11/68 ،1653‬نووي‪ ،‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (9‬لسان العرب ‪13/311‬‬
‫)‪ (10‬انظر لسان العرب ‪ ،13/311‬ومختار الصحاح ص ‪ ،460‬ومفردات‬
‫ألفاظ القرآن ص ‪894-893‬؟‬
‫)‪ (11‬سورة التوبة الية رقم )‪(12‬‬
‫)‪ (12‬انظر جامع البيان ‪.89-6/87‬‬
‫)‪ (13‬يشمل العظيم في نفسه‪ ،‬أو عند الحالف‪ .‬انظر شرح الزركشي ‪،7/64‬‬
‫وشرح منتهى الرادات ‪.3/419‬‬
‫)‪ (14‬أي صيغة القسم انظر الزركشي ‪ 7/64‬وشرح منتهى الردات ‪.3/419‬‬
‫)‪ (15‬انظر شرح الزركشي ‪ ،7/64‬والمبدع ‪ ،9/252‬والقناع ‪ ،4/335‬وفتح‬
‫الباري بشرح صحيح البخاري ‪.11/525‬‬
‫)‪ (16‬انظر التعريفات للجرجاني ص ‪ ،184‬ومفردات ألفاظ القرآن ص ‪.707‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (17‬انظر التعريفات للجرجاني ص ‪ ،184‬ومعجم لغة الفقهاء ص ‪.380‬‬


‫)‪ (18‬انظر لسان العرب ‪ ،12/510‬والمطلع ص ‪.130‬‬
‫)‪ (19‬انظر الفروع لبن مفلح ‪ ،6/390‬والخبار العلمية من الختيارات‬
‫الفقهية لشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬للبعلي ص ‪ ،387‬والنصاف ‪ 9/116‬وكشاف‬
‫القناع ‪.5/2906‬‬
‫)‪ (20‬انظر المصادر السابقة‪.‬‬
‫)‪ (21‬انظر فتح القدير ‪ ،5/192‬والدر المختار مع حاشية ابن عابدين ‪-5/675‬‬
‫‪.676‬‬
‫)‪ (22‬انظر المدونة ‪ ،2/104‬وفتح الجليل ‪،1/625‬و الذخيرة ‪.4/15‬‬
‫)‪ (23‬انظر الم ‪ ،7/62‬وروضة الطالبين ‪ ،11/4‬والعزيز ‪.12/230‬‬
‫)‪ (24‬انظر الفروع ‪ ،6/390‬والنصاف ‪ ،9/116‬والقناع ‪ ،3/531‬وكشاف‬
‫القناع ‪5/2706‬‬
‫)‪ (25‬اللغو في اليمان‪ :‬ما ل عقد فيه‪ ،‬ول قصد‪ ،‬ول إرادة‪.‬انظر لسان العرب‬
‫‪ ،15/250‬والمصباح المنير ‪ ،2/55‬ومختار الصحاح ص ‪ 600‬ونزهة العين‬
‫النواظر ص ‪ ،531‬ومفردات ألفاظ القرآن ص ‪ ،742‬ويمين اللغو‪ :‬ما يجري‬
‫على اللسان بغير قصد‪ ،‬أما اليمين على ما يظنه حقا ً وليس كذلك فليست‬
‫من لغو اليمين‪ ،‬لتحقق القصد فيها‪ ،‬لكن مع ذلك هي في حكم اليمين اللغو‪،‬‬
‫ليس فيها كفارة‪ .‬انظر الم ‪ ،7/63‬وروضة الطالبين ‪ ،11/3‬والعزيز ‪،12/229‬‬
‫والمغني ‪ ،13/451‬الكافي ‪ ،6/6‬ومجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‬
‫‪ ،33/212‬والقناع ‪ ،4/341‬ونيل الوطار ‪.8/272‬‬
‫)‪ (26‬سورة البقرة الية رقم )‪.(225‬‬
‫)‪ (27‬سورة المائدة الية رقم )‪.(89‬‬
‫)‪ (28‬عقد الشيء‪ :‬ربطه وشده‪ .‬وانعقاد اليمان‪ :‬إحكامها‪ ،‬وتأكيدها‪ ،‬وتوثيقها‪،‬‬
‫وتثبيتها‪ .‬انظر لسان العرب ‪ ،297- 3/296‬والمصباح المنير ‪ ،2/41‬وزاد‬
‫المسير ‪ ،413-2/412‬وتفسير القرآن العظيم ‪ .2/83‬واليمين المنعقدة ‪ :‬هي‬
‫التي قصدها الحالف على أمر مستقبل‪ .‬انظر الفصاح ‪ ،2/461‬والمبسوط‬
‫‪ 8/126،130‬والمدونة ‪ ، 2/102‬والمغني ‪.13/445‬‬
‫)‪ (29‬كسب القلب‪ :‬قصده‪ ،‬وإرادته‪ .‬انظر تفسير القرآن العظيم ‪-1/233‬‬
‫‪ ،2/83 ،234‬وإغاثة اللهفان ص ‪.46‬‬
‫)‪ (30‬أخرجه البخاري‪ ،‬في كتاب اليمان والنذور‪ ،‬باب قول الله –تعالى‪ ) : -‬ل‬
‫يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم( برقم ‪ 6622‬وفي كتاب كفارات اليمان‪،‬‬
‫باب الكفارة قبل الحنث وبعده برقم ‪ 6721‬ورقم ‪ 11/616 ، 6722‬فتح‪،‬‬
‫ومسلم في كتاب اليمان‪ ،‬باب ندب من حلف يمينًا‪ ،‬فرأي غيرها خيرا ً منها‪،‬‬
‫أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه ‪ ،‬برقم ‪ ،1649‬ورقم ‪11/156 ،1650‬‬
‫نووي‪.‬‬
‫)‪ (31‬انظر الخبار العلمية من الختيارات الفقهية لشيخ السلم ابن تيمية ص‬
‫‪ ،387‬والفروع ‪ ،6/390‬والنصاف ‪ ،9/116‬وكشاف القناع ‪ ،5/2706‬وحاشية‬
‫الشيخ العلمة محمد بن عثيمين على الروض المربع ص ‪.583‬‬
‫)‪ (32‬انظر فتاواه ‪.231-12/230‬‬
‫)‪ (33‬أخرجه البخاري‪ ،‬في كتاب الذان‪ ،‬باب من دخل ليؤم الناس فجاء‬
‫المام‪ ،...‬برقم ‪ 2/196 ، 684‬فتح‪ ،‬ومسلم‪ ،‬في كتاب الصلة باب تقديم‬
‫الجماعة من يصلي بهم‪....‬برقم ‪ 4/190 ،421‬نووي‪ ،‬كلهما من حديث سهل‬
‫بن سعد الساعدي‪ -‬رضي الله عنه‪-‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫)‪ (34‬قال ابن حجر‪ ) :‬وفيه – أي الحديث‪ ....‬أن من أكرم بكرامة يتخير بين‬
‫القبول والترك إذا فهم المر على غير جهة اللزوم وكان القرينة التي بينت‬
‫لبي بكر ذلك هو كونه – صلى الله عليه وسلم‪ -‬شق الصفوف إلى أن انتهى‬
‫إليه فكأنه فهم من ذلك أن مراده أن يؤم الناس‪ ،‬وأن أمره إياه بالستمرار‬
‫في المامة من باب الكرام‪ ،‬والتنويه بقدره( أ‪.‬هـ من فتح الباري ‪2/199‬‬
‫)‪ (35‬انظر مجموع فتاوى شيخ السلم ‪ ،33/209‬والعقود )نظرية العقد(‬
‫لشيخ السلم ص ‪ ،50‬والفروع ‪ ،6/390‬والخبار العلمية ص ‪ ،387‬والنصاف‬
‫‪.9/116‬‬
‫)‪ (36‬سورة المائدة الية رقم ‪.89‬‬
‫)‪ (37‬أخرجه البخاري ‪ ،‬في كتاب التعبير‪ ،‬باب من لم ير الرؤيا لول عابر إذا‬
‫لم يصب برقم ‪ 12/450 ،7046‬فتح‪ ،‬ومسلم‪ ،‬في كتاب الرؤيا‪ ،‬باب تأويل‬
‫الرؤيا‪ ،‬برقم ‪ 42-2269،15/41‬نووي‪ ،‬كلهما من حديث عبد الله بن عباس‪-‬‬
‫رضي الله عنهما‪.-‬‬
‫)‪ (38‬انظر الفروع ‪ ،6/390‬والخبار العلمية ص ‪ ،387‬والنصاف ‪،9/116‬‬
‫وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ‪.231-12/230‬‬
‫)‪ (39‬انظر شرح صحيح مسلم للنووي ‪ ،14/30‬وفتح الباري ‪.6/694‬‬
‫)‪ (40‬سورة المائدة الية رقم ‪89‬‬
‫)‪ (41‬أخرجه البخاري‪ ،‬في كتاب الداب‪ ،‬باب ما يكره من الغضب والجزع‬
‫عند الضيف‪ ،‬برقم ‪ 6140‬رقم ‪ 10/551 ،6141‬فتح‪ ،‬ومسلم‪ ،‬في كتاب‬
‫الشربة‪ ،‬باب إكرام الضيف وفضل إيثاره‪ ،‬برقم ‪ ،14/30 ،2057‬نووي‪،‬‬
‫كلهما من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر – رضي الله عنهما‪.-‬‬
‫)‪ (42‬انظر شرح صحيح مسلم للنووي ‪ ،14/30‬وفتح الباري ‪.6/694‬‬
‫)‪ (43‬سورة المائدة الية رقم ‪89‬‬
‫)‪ (44‬سبق تخريجه هامش )‪.(30‬‬
‫)‪ (45‬انظر شرح صحيح مسلم للنووي ‪ ،14/30‬وفتح الباري ‪.6/694‬‬
‫)‪ (46‬انظر كشاف القناع ‪5/2706‬‬
‫)‪ (47‬قال الشيخ العلمة محمد بن صالح العثيمين‪ -‬رحمه الله‪ " : -‬ظاهر‬
‫النصوص خلف كلمه‪ -‬يقصد شيخ السلم" أ‪.‬هـ من تعليقه على كتاب اليمان‬
‫من صحيح البخاري‪ ،‬الشريط رقم )‪ (1‬آخر الوجه الول‪ .‬وقال – رحمه الله‪-‬‬
‫في موضع آخر‪ " :‬هذا القول فيه فرج للناس‪ "..‬فسئل‪ :‬هل في هذه اليمين‬
‫كفارة؟ فقال‪ -‬رحمه الله‪ " : -‬على كل حال انظر ما هو القرب إلى الصواب‬
‫واعتمده" أ‪.‬هـ من شرحه للزاد‪ ،‬شريط رقم )‪ (3‬آخر الوجه الثاني‪ .‬فسألته‪-‬‬
‫رحمه الله‪ -‬عن ذلك فقلت‪ :‬هل ترجحون ما اختاره شيخ السلم ابن تيمية‬
‫في يمين الكرام من أنه ل كفارة فيها؟‪ .‬فقال الشيخ –رحمه الله‪ -‬ل ‪ .‬أ‪.‬هـ‬
‫‪25/10/1417‬هـ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫يهوذا السخريوطي‪ ..‬إذ ْ )يخ ّ‬


‫ون(المسيح‪!..‬‬
‫د‪ .‬محمد الحضيف‬
‫>‪TD/‬‬
‫هنا قصة افتراضية ‪!..‬‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أصل القصة يقول ‪ :‬أن يهوذا السخريوطي‪ ،‬كان من تلميذ المسيح عيسى‪،‬‬
‫عليه السلم‪ ..‬فخانه‪ ،‬بتحريض من اليهود ‪ ،‬وأسلمه للرومان الذين أرادوا‬
‫قتله‪.‬‬
‫الجزاء الفتراضية للقصة ‪ ،‬أخذت أشكال عديدة‪ .‬أحدها ‪ ..‬أن يهوذا ‪ ،‬ندم‬
‫على خيانته المسيح‪ ،‬ودللته للرومان على مكانه ‪ ،‬ورجع عن دعواه ‪ ،‬وقوله‬
‫بأن تعاليم المسيح هرطقة ‪ ،‬ومحاولة لتقويض )سلطة( الرومان ‪.‬‬
‫خص هذا الجزء‪ ،‬أن يهوذا‬ ‫هناك جزء افتراضي للقصة‪ ،‬لم ينتشر كثيرا ‪ .‬مل ّ‬
‫كر لـ )مبادئه( ‪ ..‬متقربا للرومان‪،‬‬ ‫السخريوطي‪ ،‬حين )خان( المسيح ‪ ،‬وتن ّ‬
‫ساهم في ترويج )أسطورة( الصلب‪ ،‬التي تهدف إلى )تبشيع( نهاية المخالف‪،‬‬
‫وتوحي بغلبة الرومان على المسيح‪ .‬كان له دور كذلك‪ ،‬في إشاعة حملة‬
‫تشويه وأكاذيب‪ ،‬ينسجها اليهود ‪ :‬عن فساد المسيح‪ ،‬وضلله‪ ،‬وشقه لصف‬
‫)المؤمنين(‪ ،‬وترويجه خطابا ً مملوءا ً بالكراهية‪ ،‬وإقصاء )الخر(‪!..‬‬
‫الذي حدث ‪ ..‬أن تعاليم المسيح انتشرت‪ ،‬وصار رمزا للتضحية والصلح‪ ،‬لدى‬
‫عموم الطبقات الكادحة والمهمشة‪ ،‬التي ذاقت ويلت الستبداد‪ ،‬وعانت من‬
‫الستغلل‪ ،‬القائم على الطبقية ‪ ،‬ونظام السخرة‪ .‬لذلك‪ ..‬كان ل بد من‬
‫دب يهوذا‪ ،‬للقيام بدور مختلف‪.‬‬ ‫استراتيجية جديدة‪ ،‬فُانت ِ‬
‫الرومان الذين مثلوا رمز الظلم‪ ،‬وحصار الحقيقة‪ ..‬عبر سلطة مطلقة‪،‬‬
‫وعبروا عن شكل بشع للستبداد‪ ،‬الذي يصادر حق اليمان‪ ،‬وجدوا في يهوذا‬
‫السخريوطي‪ ..‬أو هكذا توهموا‪ ،‬وسيلة ناجعة لللتفاف على تعاليم المسيح‬
‫م اختراقها‪ ..‬لتدميرها من الداخل‪ ،‬بدل مواجهتها‪ ،‬ومصادمة‬ ‫وتطويقها‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫أتباعها‪ .‬دْأب كل الدكتاتوريات‪ ،‬التي ترى في )اليمان( ‪،‬وحق القلوب في‬
‫إسلم قيادها للخالق‪ ..‬تهديدا لسلطتها المطلقة‪.‬‬
‫جّرب )الرومان( كل وسائل القمع‪ ،‬والمصادرة‪ ،‬والحصار‪ ..‬و )تجفيف‬
‫المنابع(‪ ،‬واستعانوا بكل حَيل اليهود‪ .‬كانت النتيجة إفلسًا‪ ..‬يتبعه إفلس‪ .‬كلما‬
‫حطموا فانوسًا‪ ،‬تطايرت جزيئات حطامه‪ ..‬لتشتعل مصابيح في كل زاوية‪،‬‬
‫تنثر النور في كل اتجاه‪.‬‬
‫يهوذا السخريوطي‪) ،‬الخارج( من عمق تعاليم المسيح‪ ،‬تلميذه الثير‪ ..‬الذي‬
‫)خانه(‪ ،‬سيكون هو من سيدق إسفين الفناء‪ ،‬في نعش )الحركة( الصاعدة‪،‬‬
‫المولودة من الضوء‪ ،‬في يوم )صحو(‪ ..‬استيقظت فيه الجموع المهمشة‪،‬‬
‫المضللة‪ ،‬لتتلمس طريقها‪ .‬هذه كانت إستراتيجية الرومان الجديدة‪ ،‬التي‬
‫أوحى بها اليهود‪ :‬بذرة فناء الشيء‪ ،‬تخرج منه‪.‬ليس غير يهوذا‬
‫السخريوطي‪،‬من سيصيب ميراث المسيح في مقتل‪.‬‬
‫يهوذا الذي التحق بالمسيح‪ ،‬باحثا ً عن مكان في )حركة صحو( وليدة‪ ،‬ثم‬
‫خانه‪ ..‬باحثا عن شهوة ومكانة‪ ..‬التقطه الرومان‪ ،‬ودفعه اليهود‪ ،‬ليؤدي الدور‬
‫دم له الرومان المنابر‪..‬‬‫المطلوب‪ .‬رفع اليهود )يهوذا السخريوطي(‪ ،‬وق ّ‬
‫وقدموه في المحافل‪.‬‬
‫ً‬
‫يهوذا‪ ..‬كان قبل )المسيح( صفرا‪ ،‬فالتحق بالمسيح‪ ..‬فصار )شيئا(‪ ،‬ثم خانه‪..‬‬
‫فانتهى أجيرا ً للرومان‪ ،‬ومطية لغراض اليهود‪.‬‬
‫فاصلة‪:‬‬
‫عرف النفاق بين عرب المدينة‪ ،‬ولم يظهر في عرب مكة‪ ..‬لوجود‬ ‫ً‬
‫"تاريخيا‪ُ ..‬‬
‫اليهود في المدينة‪ .‬منذ ذلك التاريخ‪ ،‬ارتبط اليهود بالنفاق والمنافقين‪ ،‬وصار‬
‫ل المنافقين‪ ..‬على مدار التاريخ‪ ،‬مطية‬ ‫هناك حلف‪ ،‬غير معلن‪ ،‬بينهم‪ .‬ظ ّ‬
‫لليهود‪ ،‬لتحقيق أهدافهم‪ ..‬في صراعهم ضد السلم"‪.‬‬
‫طاف يهوذا بمدرجات الرومان‪ ،‬وارتقى عتبات ك ُُنس اليهود‪ ،‬وأعلن‪..‬‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحاخامات فوق رأسه‪ ،‬وجنود الرومان عن يمينه وشماله‪:‬‬


‫ن المسيح خائن"‪.‬‬ ‫"أ ّ‬
‫أقسم يهوذا أن المسيح )خائن(‪ ..‬فتناظر الناس‪ .‬يهوذا يقف بين )الحاكم(‬
‫الروماني‪ ..‬وحاخام يهودي‪ ،‬ليعلن أن المسيح خائن‪.‬‬
‫إنه يهوذا‪ ،‬الذي وقف يوما بجوار )المسيح(‪ ،‬بين تلميذه‪ ..‬يحلف أن )الرومان(‬
‫كفار وثنيون‪ ،‬ويدحض زعم اليهود‪) ..‬نفاقًا(‪ ،‬أن الله‪ ،‬أودع فيهم سره ‪،‬‬
‫ومنحهم حقا ً مقدسا في الملك‪.‬‬
‫أقسم يهوذا‪ ،‬وهو يوزع نظراته بين الحاكم الروماني والحاخام‪ ،‬أن المسيح‬
‫يكذب‪ ،‬في حديثه عن التسامح والمحبة‪ .‬انتشى‪ ..‬وهو يرى مكانه بين الحاكم‬
‫والحاخام‪ ..‬فهّز قبضته في الهواء‪ ،‬وصاح بملء فيه‪:‬‬
‫‪ -‬لقد كان المسيح إقصائيا‪ ،‬يبشر بثقافة إرهاب وكراهية‪ ،‬تنفي الخر‪ ،‬وتحّرض‬
‫على قتله‪ .‬ل تصدقوه‪ ..‬حين قال‪ " :‬إذا صفعك شخص على خدك اليسر‪،‬‬
‫فأدر له خدك اليمن"‪ .‬هذا حق أريد به باطل‪ .‬إنه فقط‪ ..‬يريد أن يلتفت‬
‫صوب أتباعه المتربصين‪ ،‬الذين ينتظرون إشارته‪ ،‬لينقضوا على مخالفيهم‪.‬‬
‫هذا هو معنى " أدر خدك اليمن" عندهم‪!..‬‬
‫ً‬
‫تناظر الناس‪ :‬إنه يهوذا‪ ..‬الذي جادل )المسيح( يوما‪ ،‬رافضا منهج الرفق‬
‫والسكينة‪ ،‬ولغة اللين والمحبة‪ ..‬وداعيا ً للعنف ‪:‬‬
‫مة الله‪ ..‬الرومان أسكرتهم شهوة الملك والسلطة‪ ،‬و)اليهود( عينهم‬ ‫‪ -‬يا ك َل ِ َ‬
‫الخائنة‪ ..‬طابور خامس‪ .‬اشنق آخر حاكم روماني‪ ،‬بأمعاء آخر حاخام يهودي‪.‬‬
‫قل على مدرجات‬ ‫يظل يهوذا السخريوطي‪ ،‬إلى هزيع الليل الخير‪ ،‬يتن ّ‬
‫ً‬
‫ذرا من المضامين‬ ‫ونا ً المسيح‪ ،‬ومح ّ‬ ‫المسرح الروماني‪ ..‬صوته يدوي‪ ،‬مخ ّ‬
‫الرهابية‪ ،‬والطبيعة القصائية لتعاليمه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الناس يأخذهم العياء‪ ،‬كل مأخذ‪ .‬تشرئب أعناقهم‪ ،‬ويتناظرون‪ ..‬لحظة ترتفع‬
‫نبرة صوت يهوذا‪ ،‬متحدثا ً عن )خيانة( المسيح‪ ،‬و)كاشفًا( الطبيعة المبطنة‬
‫للعنف في تعاليمه‪!..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يتذكر الناس‪ ،‬أن يهوذا كان يوما تلميذا للمسيح‪) ..‬فخانه( ‪ ،‬ويتذكرون أنه‬
‫جادله في منهجه‪ ،‬وخرج عليه‪ ..‬داعيا ً )للعنف(‪.‬‬
‫في أعلى المدرج‪ ،‬حيث يخطب يهوذا )تحتهم(‪ ،‬يميل الحاخام على الحاكم‬
‫الروماني‪ ..‬ويهمس‪:‬‬
‫‪ -‬ليس غير يهوذا السخريوطي‪ ،‬من سيصيب ميراث المسيح في مقتل‪.‬‬
‫فاصلة‪:‬‬
‫ي‪ .‬حيث قام عالم‬ ‫" نجح العلم في القيام بأول عملية )استنساخ( لكائن ح ّ‬
‫بريطاني‪ ،‬في أحد مراكز البحث‪ ،‬باستنساخ النعجة )دوللي(‪ ،‬من إحدى‬
‫خلياها" ‪.‬‬
‫يهوذا السخريوطي مات‪ ،‬وانتهى حكم الرومان‪ ..‬وألفا عام ونّيف مّرت‪.‬‬
‫الوصياء على ميراث يهوذا السخريوطي أرادوا استعادته ‪ ..‬بقناع جديد ‪ ،‬و‬
‫بعثه بقوم قد )تلبرلوا( ‪ .‬وجدوا في استنساخ )دوللي( ضالتهم‪.‬‬
‫إذا كان الرومان هلكوا‪ ،‬وناب عنهم غيرهم‪ ..‬لهم طبع الرومان وأخلقهم‪..‬‬
‫ودكتاتوريتهم‪ ،‬فإن يهوذا السخريوطي‪ ،‬ل يمكن أن ينوب عنه غيره‪ ..‬فما‬
‫السبيل‪..‬؟ هل يجدون لدى صاحب )دوللي( العلج ؟‬
‫يهوذا السخريوطي اندرس‪ ،‬وأكلته الرض‪ ..‬لكن أخلق اليهود لم تندرس‪،‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهل كان يهوذا‪ ،‬إل ّ زبدة أخلق اليهود‪..‬؟‬


‫صنع صاحب النعجة دوللي‪ ،‬خليطا ً من أخلق اليهود‪ ،‬ومزجه بحديث يهوذا عن‬
‫خيانة المسيح‪ ،‬وأضاف إلى ذلك‪ ،‬قصة السامري وعجله‪ ،‬فاستنسخ من تلك‬
‫ف مثل الدود ‪ ..‬انتشروا‪ .‬نكصوا‪..‬‬ ‫العجينة )يهوذا ً اسخريوطيًا(‪..‬فتناسل منه َ‬
‫خل ٌ‬
‫وارتدوا على )الصحوة( ينهشونها‪ ،‬ليس لهم منها‪ ،‬إل ما ناله السامري من‬
‫)الوحي( ‪" :‬قبضة من أثر الرسول‪."..‬‬
‫ي له خوار‪ ..‬فضائيات وصحف‪ ،‬ظلوا عليها‬ ‫ل( أمريك ّ‬ ‫و بقي لهم‪) ..‬عج ٌ‬
‫عاكفين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يوسف القرضاوي يتلعب بعقيدة المسلمين‬


‫]الكاتب‪ :‬محمد بن محمد الفزازي[‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫سألت سائلة‪ :‬هل النصارى كفار؟‬
‫فأجاب الدكتور القرضاوي على هذا السؤال في حلقة يوم الحد؛‬
‫‪/22‬جمادى‪/‬الولى ‪ ،1419‬موافق‪ 13/9/1998 :‬من برنامج "الشريعة‬
‫والحياة" التي تبثه قناة الجزيرة‪ ،‬بما يمكن أن نجد له وجها ً من الحق وإن‬
‫كان في كلمه ما يتعب المسلم الموحد‪.‬‬
‫إل أنه بعد ذلك تدخل مقدم البرنامج أحمد منصور بشبهة أفسدت على الشيخ‬
‫كل شيء‪) :‬يعني هنا‪ ...‬هم كفار بديننا وليسوا كفارا ً بالله‪ ...‬هذه القضية‬
‫ينبغي أن توضح لن هناك فهما ً لدى كثير من الناس‪ ...‬بأنهم كفار بالله(‪.‬‬
‫ل‪) :‬ليسوا‬ ‫وهنا استأنف الشيخ القرضاوي كلمه متأثرا ً بتوجيه أحمد منصور قائ ً‬
‫كفارا ً بالله‪ ...‬ويؤمنون بالله‪ ،‬ويؤمنون باليوم الخر‪ ،‬ويؤمنون بعبادة الله‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬ويؤمنون بالقيم الخلقية‪ ،‬ولذلك نحن دعونا إلى الحوار‬
‫َ‬
‫جادُِلوا أهْ َ‬
‫ل‬ ‫السلمي المسيحي لن هناك أرضية مشتركة بيننا وبينهم‪َ} ،‬ول ت ُ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلي ْك ْ‬‫ل إ ِل َي َْنا وَُأنزِ َ‬
‫ذي ُأنزِ َ‬‫مّنا ِبال ّ ِ‬
‫ن ]‪ ،[...‬وُقوُلوا آ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫يأ ْ‬ ‫ب إ ِل ّ ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫ال ْك َِتا ِ‬
‫ن{ ]العنكبوت‪ - ([46 :‬وقد أسقط من‬ ‫مو َ‬
‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ح ُ‬‫حد ٌ وَن َ ْ‬
‫م َوا ِ‬‫وَإ ِل َهَُنا وَإ ِل َهُك ُ ْ‬
‫م{‪ ،‬ومكانه بين القوسين‪ ،‬ولعله‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫موا ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬‫ذي َ‬‫الية قوله تعالى‪} :‬إ ِل ّ ال ّ ِ‬
‫مجرد سهو ‪-‬‬
‫ثم أردف قائل‪) :‬فنحن نؤمن بالله‪ ،‬ونؤمن بالفضائل‪ ،‬ونؤمن بالعبادات‪ ،‬ونؤمن‬ ‫ً‬
‫بالخرة‪ .‬هذه قواسم مشتركة بيننا وبينهم‪ .‬إنما ليسوا مسلمين يقينًا‪ ،‬هم‬
‫يعتبروننا كفارًا‪ ،‬ونحن نعتبرهم كفارًا‪ ،‬هذا أمر طبيعي‪ ...‬نحن كفار بدينهم‪ ،‬ل‬
‫نؤمن بالمسيحية الموجودة‪ ،‬وهم كفار بديننا ل يؤمنون برسالة محمد وأن‬
‫القرآن كلم الله‪ ،‬هذا أمر طبيعي يجب أن ]‪ ،[...‬ومع هذا‪ ...‬السلم يدعو إلى‬
‫التسامح مع هؤلء الناس‪ ،‬وأباح مؤاكلتهم ومصاهرتهم والتزوج منهم‪ ...‬رابطة‬
‫اجتماعية نسبا ً وصهرا ً ]‪ [...‬المصاهرة إحدى الروابط الساسية‪ ،‬هذا هو‬
‫الذي‪.(...‬‬
‫أضف إلى ذلك أنه خاطب نصرانيا من لبنان‪ ،‬بعد أن علم بنصرانيته‪ ،‬خاطبه‪:‬‬ ‫ً‬
‫)يا أخي‪ ...‬يا أخي‪ ،(...‬في لين بليغ وعبارات ودودة‪.‬‬
‫وقبل تحليل كلم القرضاوي وفسخه‪ ،‬وبيان ما فيه من التدليس والتلبيس‬
‫على المسلمين‪ ،‬أحب أن أنبه أن الشيخ القرضاوي مجرح في فتاواه عند أهل‬
‫العلم‪ ،‬ونظرة شرعية خاطفة على كتاباته وفتواه تكفي لمعرفة مدى التسيب‬
‫والتلعب بالدين عند الرجل‪ .‬حيث إنه يتتبع رخص الولين والخرين‪ ،‬ويم ّ‬
‫ط‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دائرة الضرورة من غير ضرورة شرعية حتى أحل بذلك كثيرا ً مما حرم الله‪...‬‬
‫جريا ً خلف ما يسميه التيسير على المسلمين‪ ،‬والتبشير بالسلم‪ ،‬فنسج على‬
‫منوال التمييع أثوابا ً قذرة تعكس طعونا ً بليغة في ثوابت الدين المحكمة‪.‬‬
‫ونحن مع التيسير والتبشير‪ ،‬ولسنا مع التعسير والتنفير‪ ،‬لكن دون أن يكون‬
‫هذا ذريعة للجتهاد في ما ل يجوز فيه الجتهاد‪ ،‬كما يفعل القرضاوي وهو‬
‫ل كثيرا ً من النصوص بالهوى‪ ،‬مداهنة لمن طغى وغوى‪ ،‬فصار علما ً‬ ‫الذي أو َ‬
‫في التأويل الفاسد‪ ...‬وهاهو اليوم يشكك المسلمين في دينهم‪ ،‬ويشوه‬
‫عقيدتهم عبر الفضائيات‪ ،‬حتى أصبح محط المدح المفرط من طرف‬
‫النصارى والفساق والمتسيبين‪ ،‬فضل ً عن الطوائف والفرق الدينية المبتدعة‬
‫ظرا ً وإماما ً وهاديا ً إلى صراط معوج‪ ...‬فما عاد ينفع حوار‪،‬‬ ‫من َ ّ‬‫التي اتخذته ُ‬
‫والقرضاوي عندهم أعلم من يهدي‪ ،‬وأهدى من يعلم‪.‬‬
‫الرد على القرضاوي‪ ،‬ل ينتهي‪ ،‬فمنكراته ومثالبه ل أول لها ول آخر‪ ،‬ولقد‬
‫رددت بعضا ً من جهالته الفظيعة حول مفهومه "للديموقراطية" في كتابي‬
‫"الشورى المفترى عليها والديموقراطية"‪ ،‬ورد عليه آخرون وآخرون‪ ،‬في هذا‬
‫وفي غير هذا‪.‬‬
‫والرجل ليس في حاجة إلى نصح أو موعظة‪ ،‬إنما هو في حاجة إلى استتابة‪،‬‬
‫والمطلوب أن يصدر فيه العلماء الحرار تحذيرهم ونذيرهم حتى ل يستفحل‬
‫المر أكثر‪ ،‬ول سيما وقد بدأت ترخيصاته وتيسيراته المزعومة تتحول إلى‬
‫دين وسلوك للمسلمين‪ ...‬فوجب البيان‪.‬‬
‫***‬
‫وردا ً عليه حول ما سبق ذكره‪ ،‬أبدأ في هذه العجالة بمخاطبته للنصراني‬
‫اللبناني في تودد مكشوف‪) :‬يا أخي‪ ! ...‬يا أخي‪:(...‬‬
‫فأقول‪ :‬لن كانت هذه الخوة المعلنة دينية‪ ،‬فهي ردة واضحة ول أبا بكر لها‪،‬‬
‫ة{ ]الحجرات‪ [10 :‬بالحصر‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫خو َ ٌ‬
‫ن إِ ْ‬
‫مُنو َ‬‫مؤْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫والله تعالى يقول‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وا الّزكاةَ فَإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]التوبة‪،[11 :‬‬‫دي ِ‬
‫م ِفي ال ّ‬‫وان ُك ْ‬
‫خ َ‬ ‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫}فِإن َتاُبوا وَأَقا ُ‬
‫واليهود والنصارى وغيرهم من الكفار ليسوا إخوة للمسلمين‪ ،‬ولم يصبحوا‬
‫وإيانا بنعمة الله إخوانًا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أما إن كانت هذه الخوة في جانبها النساني‪ ،‬باعتبارنا جميعا ً أبناء آدم وحواء‬
‫هوًدا{‬
‫م ُ‬ ‫عاد ٍ أ َ َ‬
‫خاهُ ْ‬ ‫عليهما السلم؛ على نحو ما ورد في قوله تعالى‪} :‬وَإ َِلى َ‬
‫حا{ ]العراف‪:‬‬ ‫صال ِ ً‬‫م َ‬
‫خاهُ ْ‬ ‫مود َ أ َ َ‬
‫]العراف‪ ،[65 :‬وفي قوله سبحانه‪} :‬وَإ َِلى ث َ ُ‬
‫شعَي ًْبا{ ]هود‪ ،[84 :‬وما أشبه‬ ‫م ُ‬‫خاهُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫‪ ،[73‬وقوله عز ثناؤه‪} :‬وَإ َِلى َ‬
‫مد ْي َ َ‬
‫ذلك‪ ،‬فبعيد بكل تأكيد‪ ،‬ومعلوم أن هذه الخوة المشار إليها في اليات بين‬
‫أولئك النبياء وأقوامهم الكفرة أخوة على نحو ما ذكر المفسرون‪.‬‬
‫قال المام القرطبي رحمه الله في آية العراف )‪) : (65‬أي وأرسلنا إلى عاد‬
‫أخاهم هودا‪ ،‬قال ابن عباس أي ابن أبيهم‪ ،‬وقيل‪ :‬أخاهم في القبيلة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫أي بشرا ً من بني أبيهم آدم‪ ،‬وفي مصنف أبي داود أن أخاهم هودا أي‬
‫صاحبهم‪] (...‬الجامع لحكام القرآن للقرطبي[‪.‬‬
‫وبالتأكيد ليس في هذا للقرضاوي معض ول مستمسك‪ ،‬فليس ذلك النصراني‬
‫اللبناني ابن أبيه أو ابن أبي المصريين جميعهم‪ ،‬وليس أخا ً لهم في القبيلة‪،‬‬
‫وليس صاحبهم‪ ،‬إل أن يكون بشرا ً من بني آدم‪ ،‬فنعود إلى الخوة النسانية‪،‬‬
‫وهو ما ل يشي به سياق الحوار في البرنامج؛ ذلك الحوار المطبوع بالذلة‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخفض الجناح للنصارى‪ ،‬في حين كانت عباراته في حقي‪ ،‬أنا المسلم‪ ،‬تنبعث‬
‫منها رائحة الكراهية والسخط‪ ،‬كأني أفوت عليهم فرصة للتقارب أكيدة يقوم‬
‫على أساسها جلء الجيوش النصرانية من بلد السلم شرقا ً وغربًا‪.‬‬
‫ونقطة أخرى قبل التحول إلى غيرها؛ وهي أن اليات السالفة الذكر فيها‬
‫الخبار من الله تعالى على تلك الخوة وفق ما فسر أهل التفسير‪ ،‬وليس‬
‫فيها أن نبيا ً من النبياء عليهم السلم قال لكافر من الكفار‪" :‬يا أخي‪ ،‬يا‬
‫ن إ ِل َ ٍ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬‫كم ّ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫أخي‪ ،"...‬أو "يا إخواني‪ ،"...‬بل يقول‪َ} :‬ياقَوْم ِ اعْب ُ ُ‬
‫ن{ ]هود‪ ،[65 :‬ومثيلتها‪ ،‬فبطل القياس لهذا الفارق‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫غَي ُْره ُ أ ََفل ت َت ّ ُ‬
‫زد على هذا أن القرضاوي وأمثاله ل يقولون للشيوعيين والبوذيين‬
‫ل؛ يا إخوان‪ ،‬مع أن النسانية جامعة‪ ،‬فهل هي إل أخوة المحبة‬ ‫والهندوس‪ ...‬مث ً‬
‫مع النصارى؟‬
‫من هنا كانت إثارة هذه الخوة مع النصراني اللبناني‪ ،‬الحربي بمفهوم الشرع‪،‬‬
‫تلبيسا ً خسيسا ً ل يشي إل بالخوة المحرمة‪ ،‬والتي هي ثمرة العقيدة اللجلجة‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬
‫ن َِباللهِ َوالي َوْم َِ‬ ‫مُنو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫في جانب الولء والبراء‪ .‬قال الله تعالى‪} :‬ل ت َ ِ‬
‫م أْو‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫كاُنوا آَباَءهُ ْ‬ ‫ه وَل َوْ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ال ِ‬
‫م{ ]المجادلة‪.[22 :‬‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫عَ ِ‬
‫وأقرب المرين في مخاطبة النصراني‪" :‬يا أخي‪ ...‬يا أخي‪ "...‬أنه إلقاء المودة‬
‫المحرمة إليه ضدا ً على السلم الذي ينهى المؤمنين عن ذلك‪ .‬فيقول‪َ} :‬ياأ َي َّها‬
‫فُروا‬ ‫موَد ّةِ وَقَد ْ ك َ َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫م أ َوْل َِياَء ت ُل ْ ُ‬ ‫ذوا عَد ُّوي وَعَد ُوّك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫م بِ َ‬ ‫موَد ّةِ وَأنا أعْل َ ُ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫سّرو َ‬ ‫ق{ إلى قوله تعالى‪} :‬ت ُ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫جاَء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ل{ ]الممتحنة‪.[1 :‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫واَء ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫فعَل ُ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما أعْلنت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫في ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬
‫والقرضاوي يعلن هذه المودة ول يسر بها‪ ،‬والمفروض شرعا ً ‪ -‬أقول‬
‫المفروض وليس المستحب ‪ -‬أن تبدو العداوة والبغضاء بين المسلمين‬
‫والكافرين‪ ،‬ولنا في ذلك السوة الحسنة في أب النبياء إبراهيم عليه الصلة‬
‫ه إ ِذ ْ َقاُلوا‬ ‫كانت ل َك ُ ُ‬
‫معَ ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفي إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫والسلم‪} :‬قَد ْ َ َ ْ‬
‫م‬‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ‬‫م وَب َ َ‬ ‫فْرَنا ب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ك َ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫م إ ِّنا ب َُرآُء ِ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه{ ]الممتحنة‪ ،[4 :‬فليتفضل‬ ‫حد َ ُ‬ ‫مُنوا ِباللهِ وَ ْ‬ ‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ضاُء أب َ ً‬ ‫داوَة ُ َوالب َغْ َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫القرضاوي وليظهر لنا علمه في هذا‪ ،‬وليقل لنا فيما؛ إذا كان النصارى يؤمنون‬
‫بالله وحده‪ ،‬أم يؤمنون بأن الله ثالث ثلثة‪ ،‬وأنه سبحانه هو المسيح ابن‬
‫مريم؟ تعالى الله عن قولهم علوا ً كبيرًا‪.‬‬
‫***‬
‫النصارى كفار بالله واليوم الخر‪:‬‬
‫إن ما نؤاخذه على القرضاوي في ما نقلناه عنه بأمانة‪ ،‬هو الطلقات التي‬
‫أطلقها في النصارى من حيث وصفهم بأنهم مؤمنون و‪ ...‬إلى آخره‪ ،‬وهذه‬
‫الطلقات من شأنها أن ُتفَهم فهما ً يكتنفه كثير من الخلط‪ ،‬وكثير من التيه‬
‫والضياع‪ ،‬وبالتالي تتسبب في التشويش على المؤمنين حيال هؤلء النصارى‬
‫واليهود المشركين بالله‪ ،‬ل سيما وأن هناك كتمانا ً من طرف الشيخ من حيث‬
‫ضرورة التفصيل في أنواع الكفار محاربين ومعاهدين وذميين ومستأمنين‪...‬‬
‫وكيف هي الحكام الشرعية مختلفة باختلف هذه النواع من الكافرين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فالتسامح السلمي الذي يدندن حوله القرضاوي ليس على إطلقه‪ ،‬ولكنه‬
‫مقيد ومحدود في حق أهل الذمة والعهود‪ ،‬بالشروط العمرية‪ ،‬وليس لهل‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحرب فيه نصيب‪ ،‬كما أن دعوته إلى ما أسماه "الحوار السلمي" بناء على‬
‫الرضية المشتركة المزعومة ليست دعوة سليمة ول مستقيمة‪ ،‬وخاصة وهي‬
‫محكومة من طرف حكومات ل علقة لها بالسلم البتة ‪ -‬حكومة إيطاليا مثل ُ‬
‫‪ -‬وتضم عناصر من الفقهاء هم أقرب للقوانين الوضعية الوضيعة منهم‬
‫للشريعة السلمية‪.‬‬
‫لذا أحببت هنا تفنيد هذه الدعاوى التي أسماها القرضاوي "قواسم مشتركة‬
‫بيننا وبين النصارى"‪ ،‬وأنها مجرد حيلة ابتدعها الكفار أنفسهم للحيلولة دون‬
‫انتشار الوعي السلمي بضرورة إحياء فريضة الجهاد في سبيل الله‪ ،‬حتى ل‬
‫تكون فتنة ويكون الدين كله لله‪ ،‬ذلك لن الجهاد وحده هو الذي يحرر بلد‬
‫المسلمين من قبضة الكافرين‪ ...‬حيلة سيق إليها المخدوعون‪ ،‬واعتمدها‬
‫المنافقون‪.‬‬
‫م{‬‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬
‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ ال َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ُ‬
‫ن َقالوا إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫فَر ال ِ‬ ‫َ‬
‫قد ْ ك َ‬ ‫َ‬
‫‪ (1‬قال الله عز ثناؤه‪} :‬ل َ‬
‫]المائدة‪ ،[17 :‬وهذه الية قرأها القرضاوي خلل جوابه‪ ،‬إل أنه استشهد بها‬
‫على كون النصارى كفارا ً بديننا وليسوا كفارا ً بالله‪ ،‬وهذا تحريف للقرآن‬
‫وتخريف في معانيه‪.‬‬
‫ح{؛ يفيد أنهم كفار بالله‪ ،‬ول سيما‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫فقولهم عن الله تعالى‪} :‬هُوَ ال َ‬
‫باستعمال ضمير الفصل الذي يفيد الحصر‪ ،‬حيث وجب أن يكون الله تعالى‬
‫فَر‪{...‬؛‬ ‫قد ْ ك َ َ‬‫عندهم هو المسيح ابن مريم ل غيره‪ ،‬وبالتالي فقوله سبحانه‪} :‬ل َ َ‬
‫هو الكفر بالله ل بأي شيء آخر‪ ،‬وقوم بلغ بهم الكفر هذا المبلغ ل نتأدب‬
‫معهم على نحو ما يهذي به القرضاوي والمهزومون من ضرورة الدب‬
‫والخلق وما إلى ذلك‪.‬‬
‫وانظر إلى أدب الئمة الجهابذة أمثال الحافظ ابن كثير رحمه الله الذي قال‬
‫في أثناء تفسير هذه الية نفسها‪) :‬وهذا رد ّ على النصارى عليهم لعائن الله‬
‫المتتابعة إلى يوم القيامة( ]تفسير القرآن العظيم‪ :‬ج‪/2 :‬ص‪.[34 :‬‬
‫وذكر المام ابن كثير في تفسيره للية )‪ (116‬من سورة البقرة‪} :‬وقالوا‬
‫اتخذ الله ولدا‪ ،‬سبحانه{ حديثا ً قدسيا ً أخرجه البخاري رحمه الله بسنده قال‪:‬‬
‫عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬قال الله تعالى‪ :‬كذبني‬
‫ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فيزعم‬
‫أني ل أقدر أن أعيده كما كان‪ ،‬وأما شتمه إياي فقوله إن لي ولدا فسبحاني‬
‫أن اتخذ صاحبة أو ولدا(‪.‬‬
‫أرأيت يا شيخ يوسف أدب العلماء مع من يسبون الله تعالى؟ وفي المقابل‪،‬‬
‫أرأيت كيف تتأدب أنت مع من يشتم ربك ورب الناس أجمعين؟ والن ما‬
‫حكم من يشتم الله عز وجل؟ هل هو مؤمن بالله أم كافر به؟‬
‫أترك الجواب للمفتي الكبير القرضاوي‪.‬‬
‫ة{ ]المائدة‪:‬‬ ‫ث َثلث َ ٍ‬ ‫ه َثال ِ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ُ‬
‫ن َقالوا إ ِ ّ‬‫ذي َ‬ ‫فَر ال ّ ِ‬ ‫قد ْ ك َ َ‬ ‫‪ (2‬وقال الله تعالى‪} :‬ل َ َ‬
‫‪.[73‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال ابن جرير الطبري رحمه الله‪) :‬قالوا كفرا بربهم وشركا‪" :‬الله ثالث‬
‫ثلثة" وهذا قول كان عليه جمهور النصارى‪] (...‬جامع البيان للطبري[‪.‬‬
‫أرأيت مرة أخرى يا شيخ‪" ...‬قالوا كفرا ً بربهم وشركًا"‪ ،‬فالكفر بالرب تعالى‬
‫والشرك بالرب تعالى‪ ،‬ومعنى "ثالث ثلثة"‪) :‬الله سبحانه‪ ،‬وعيسى‪ ،‬ومريم(‬
‫]فتح القدير للشوكاني[‪ ،‬فهل اليمان بالتثليث والقول بأن الله متعدد إيمان‬
‫بالله تعالى؟‬
‫قلت‪ :‬وهذه الية ذكرها القرضاوي في معرض جوابه عن السؤال‪ :‬هل‬
‫النصارى كفار؟ لكن ذكرها مع تأكيده أنهم ليسوا كفارا ً بالله في حين هي‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نص في كونهم كفارا ً به جل وعل‪ ،‬ثم جاء بالقول ونقيضه حيث اعترف أنهم‬
‫كفار بديننا‪ ،‬وأننا كفار بدينهم‪ ،‬وفاته أنه ذكر بالحرف‪) :‬إن النصارى لهم عقائد‬
‫معينة‪ ،‬القرآن اعتبرها كفرا ً بالتوحيد( ]نفس الحلقة[‪ ،‬فهل الكفر بالتوحيد‬
‫إيمان بالله؟‬
‫‪ (3‬يقول القرضاوي بالحرف‪) :‬وهم ‪ -‬أي النصارى ‪ -‬كفار بديننا‪ ،‬ل يؤمنون‬
‫برسالة محمد وأن القرآن كلم الله(‪.‬‬
‫فالنصارى إذن ل يؤمنون برسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫ويسمون النبي الكريم؛ الكذاب‪ ،‬وفي هذا ل يغضب القرضاوي وأتباعه لوجه‬
‫الله‪ ،‬وغيرة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬وعلى القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬بل يقولون عن هؤلء الملعين "إخواننا"‪.‬‬
‫وأنصح مقدم البرنامج "أحمد منصور" أن يتقي الله في هذا‪ ،‬وقد ذكرهم بهذه‬
‫الخوة غير مرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإنكار ما أنزل الله تعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫إنكار لكل الرسالت‪ ،‬وطعن في ذات الله جل جلله‪ ،‬وهم بهذا ما قدروا الله‬
‫من‬ ‫ه عََلى ب َ َ‬
‫شرٍ ِ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫حقّ قَد ْرِهِ إ ِذ ْ قاُلوا َ‬ ‫ما قَد َُروا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫حق قدره‪} :‬وَ َ‬
‫يٍء{ ]النعام‪.[91 :‬‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬
‫قال ابن أبي العز في كتابه "شرح العقيدة الطحاوية" ‪) :‬بل إنكار رسالته‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم طعن في الرب تبارك وتعالى‪ ،‬ونسبته إلى الظلم‬
‫والسفه‪ ،‬تعالى الله عن ذلك علوا ً كبيرًا‪ ،‬بل جحد للرب بالكلية وإنكار( ]ص‪:‬‬
‫‪ ،[153‬ثم بين ذلك بالدلة والبراهين‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ومن المعلوم أن القرضاوي لّبس على المسلمين في كون النصارى أهل‬


‫كتاب‪ ،‬وقال‪) :‬ونناديهم بأهل الكتاب(‪ ،‬كأنه يستثقل نعتهم بالكفر‪ ،‬وبأن‬
‫السلم‪) :‬يدعو إلى التسامح مع هؤلء الناس‪ ،‬وأباح مؤاكلتهم ومصاهرتهم‬
‫والتزوج منهم‪ ،(...‬على حد قوله‪.‬‬
‫ومن المعلوم لدى صغار طلبة العلم أن كون اليهود والنصارى أهل كتاب‪ ،‬ل‬
‫يعني بحال من الحوال الشرعية أنهم مؤمنون بالله‪ ،‬بل قد صرح القرآن بأن‬
‫من أهل الكتاب من ل يؤمن بالله ول باليوم الخر مع كونهم من أهل الكتاب؛‬
‫خرِ َول‬ ‫ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫وذلك في قوله سبحانه‪َ} :‬قات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫ب‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬
‫حقّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ن ِدي َ‬ ‫ديُنو َ‬‫ه َول ي َ ِ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫حّر ُ‬
‫يُ َ‬
‫ن{ ]التوبة‪ ،[29 :‬وهذا صريح جدًا‪،‬‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬‫عن ي َد ٍ وَهُ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫جْزي َ َ‬ ‫طوا ال ْ ِ‬‫حّتى ي ُعْ ُ‬ ‫َ‬
‫خاصة إذا علمنا أن الية نزلت في محاربة الروم‪ ،‬فغزا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم بعد نزولها غزوة تبوك ]تفسير الطبري للية[‪.‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الية‪) :‬فهم في نفس المر لما كفروا‬
‫بمحمد صلى الله عليه وسلم لم يبق لهم إيمان صحيح بأحد الرسل ول بما‬
‫جاءوا به وإنما يتبعون آراءهم وأهواءهم وآباءهم فيما هم فيه‪ ،‬ل لنه شرع‬
‫الله ودينه‪ ،‬لنهم لو كانوا مؤمنين بما بأيديهم إيمانا صحيحا ً لقادهم ذلك إلى‬
‫اليمان بمحمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لن جميع النبياء بشروا به وأمروا‬
‫علم أنهم ليسوا متمسكين‬ ‫باتباعه‪ .‬فلما جاء كفروا به وهو أشرف الرسل ُ‬
‫بشرع النبياء القدمين لنه من الله‪ .‬بل لحظوظهم وأهوائهم فلهذا ل ينفعهم‬
‫إيمانهم ببقية النبياء وقد كفروا بسيدهم وأفضلهم وخاتمهم وأكملهم‪ ،‬ولهذا‬
‫هّ‬
‫م الل ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫خرِ َول ي ُ َ‬‫ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال ‪َ} :‬قات ُِلوا ال ّ ِ‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ورسول ُه ول يدينون دين ال ْحق من ال ّذي ُ‬
‫ب{(‪.‬‬‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫ِ َ‬ ‫َ ّ ِ َ‬ ‫ََ ُ ُ َ َ ِ ُ َ ِ َ‬
‫ت‪ :‬ولئن ادعى أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالله واليوم الخر‪ ،‬فليس هو‬ ‫قل ُ‬
‫اليمان المعتبر شرعا‪ ،‬هم مؤمنون بزعمهم‪ ،‬لكنهم كافرون في شرعنا‪،‬‬‫ً‬
‫والعبرة بما عندنا ل بما يأفكون‪.‬‬
‫وطبعا ً القرضاوي ل يحب الكلم في الجزية وأحكامها ول في مشروعيتها‬
‫إبقاًء على مودته للنصارى‪ ،‬وخصوصا ً أقباط مصر الذين تربطه بهم مودة‬
‫المواطنة‪ ،‬وعذوبة النيل‪.‬‬
‫وقد يقول المفتونون به‪ :‬ليس الوقت وقته!‬
‫ونقول‪ :‬بل وقته‪ ،‬والسلم كله صالح للزمان كله والمكان كله إلى قيام‬
‫الساعة‪ ،‬وإل‪ ،‬هل الوقت وقت المرأة القاضية في السلم؟ فأين السلم؟‬
‫ولماذا الدندنة حول الملكة بلقيس يوم أن كانت كافرة‪ ،‬وقبل أن تسلم وجهها‬
‫لله مع سليمان عليه السلم؟ بل لماذا ولية المرأة بما كان في شريعة من‬
‫قبلنا المنسوخة بشريعتنا؟‬
‫وفي كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" لشيخ‬
‫السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى ]جاء في الصفحة ‪ 215‬منه[ قوله‪) :‬وإذا‬
‫كانت المشابهة في القليل ذريعة ووسيلة إلى بعض هذه القبائح كانت‬
‫محرمة‪ ،‬فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله؟ من التبرك بالصليب ‪ -‬قلت‪:‬‬
‫فالتبرك بالصليب إيمان بهذا الصليب‪ ،‬وهو تكذيب مباشر لرب العالمين‪،‬فهل‬
‫هو إل الكفر بالله كما قال شيخ السلم؟ ‪ ...-‬والتعميد في المعمودية‪ ،‬أو قول‬
‫القائل "المعبود واحد‪ ،‬وإن كانت الطرق مختلفة" ونحو ذلك من القوال‬
‫دلتين‬
‫والفعال التي تتضمن‪ :‬إما كون الشريعة النصرانية واليهودية المب ّ‬
‫المنسوختين موصلة إلى الله‪ ،‬وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين‬
‫الله‪ ،‬والتدين بذلك أو غير ذلك مما هو كفر بالله وبرسوله وبالقرآن وبالسلم‬
‫بل خلف بين المة الوسط في ذلك؟(‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬بل خلف بين المة الوسط في ذلك‪ ،‬فما هي تلك الوسطية وذاك‬
‫العتدال الذي يرفع القرضاوي رايته‪،‬وقد خالف المة الوسط بل خلف؟‬
‫وبخصوص المناكحة والمصاهرة والمؤاكلة‪ ،‬فهذه من المور التي ينبغي إمعان‬
‫النظر فيها اليوم‪ ،‬ذلك لن النصارى واليهود في هذا الزمان حربيون وليس‬
‫منهم ذمي واحد‪ ،‬وأن أغلبيتهم اليوم ل علقة لهم ل بالتوراة ول بالنجيل‪،‬‬
‫على ما فيهما من تحريف‪ ،‬وكل ما لدى النصارى اليوم مثل ً هو إنجيل مّتى‬
‫وإنجيل ماركوس وإنجيل يوحنى وإنجيل لوقا‪ ،‬وليس عندهم إنجيل عيسى‬
‫عليه السلم‪ ،‬ولو كان عندهم إنجيل عيسى عليه السلم وهم مؤمنون به‬
‫لمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫ونستحضر هنا أن من الصحابة رضي الله عنهم من كان ل يرى الزواج‬
‫والمصاهرة‪ ...‬إل من حرائر وعفائف الذميين‪ ،‬وليس من الحربيين‪ ،‬هذه‬
‫واحدة‪.‬‬
‫ومنهم من كان يرى أن امرأة تقول "عيسى ابن الله" هي مشركة ل تحل‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قال ابن كثير في التفسير‪) :‬وقيل المراد بذلك الذميات دون الحربيات لقوله‬
‫}قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر‪ ...‬الية{‪ ،‬وقد كان عبد الله بن‬
‫عمر ل يرى التزويج بالنصرانية ويقول؛ ل أعلم شركا أعظم من أن تقول إن‬
‫ربها عيسى‪ ،‬وقد قال الله تعالى‪} :‬ول تنكحوا المشركات حتى يؤمن‪...‬‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الية{(‪.‬‬
‫صحيح خالفه الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬للعتبارات التي ذكرها ابن كثير رحمه‬
‫الله‪ ،‬وهو ما نعيبه على القرضاوي الذي يفتي في أمور كثيرة وخطيرة دون‬
‫أن يشير إلى ما هنالك من أقوال للسلف‪ ،‬ودون ما وضعه أولئك السلف من‬
‫قيود وشروط‪ ...‬لذا جاءت فتاوى القرضاوي في كثير من القضايا متسيبة‬
‫سقيمة‪.‬‬
‫أما أهل الكتاب الحقيقيون؛ فهم أهل الكتاب الحقيقي‪ ،‬الكتاب الذي أنزله‬
‫الله تعالى من توراة وإنجيل‪ ،‬قبل التحريف‪.‬‬
‫أما بعد التحريف؛ فلم يعد أحدهما الكتاب الذي أنزله الله‪ ،‬ول أتباع المحرف‬
‫منهما أهل الكتاب الذين يؤمنون بالله‪ ،‬إل وفق ما تعارف عليه الكفار‬
‫وزعموه لنفسهم من أنهم أهل دين وإيمان‪ ،‬والعبرة بما في ديننا ل بما في‬
‫أفواههم‪ ،‬كما علمت‪.‬‬
‫***‬
‫ً‬
‫ومما ينبغي أن يعلمه المسلمون؛ أن التسامح المطلوب شرعا مع غيرهم‪،‬‬
‫مقيد وليس مطلقًا‪ ،‬كما قلت آنفًا‪ ،‬والقرضاوي ذكر قول الله تعالى‪َ} :‬ول‬
‫َ‬ ‫جادُِلوا أ َهْ َ‬
‫ن{ ]العنكبوت‪ ،[46 :‬وعامة المسلمين‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ب إ ِل ّ ِبال ِّتي هِ َ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫تُ َ‬
‫ل يفهمون ما هي هذه التي هي أحسن‪ ،‬ول ما هي طبيعة تلك المجادلة‪،‬‬
‫وعلى أي أساس وبأية شروط‪ ،‬إل من كان دارسًا‪ ،‬واستغلل جهل المسلمين‬
‫من طرف أصحاب راية العتدال المزيفة‪ ،‬استغلل خبيث خال من تقوى الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫فهل ذكر القرضاوي للناس بأن ما استشهد به هنا منسوخ على حد قول‬
‫التابعي الجليل قتادة وغيره‪ ،‬رضي الله عنهم؟ أو أنها محكمة لكن في حق‬
‫طلب الحق من أهل الكتاب؟‬
‫وهذا كما قال المفسر الكبير ابن كثير رحمه الله في تفسيره للية‪) :‬قال‬
‫قتادة وغير واحد‪ :‬هذه الية منسوخة بآية السيف‪ ،‬ولم يبق معهم مجادلة‪،‬‬
‫وإنما هو السلم أو الجزية أو السيف‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬بل هي باقية محكمة‬
‫لمن أراد الستبصار منهم في الدين‪ ،‬فيجاَدل بالتي هي أحسن ليكون أنجع‬
‫فيه‪ ،‬كما قال تعالى }ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‪...‬‬
‫الية{(‪.‬‬
‫إلى قوله‪) :‬قال مجاهد‪} :‬إل الذين ظلموا منهم{؛ يعني أهل الحرب ومن‬
‫امتنع منهم من أداء الجزية( اهـ‪.‬‬
‫وهذا هو القيد في التسامح السلمي‪ ،‬فهل نتبع سلفنا الصالح‪ ،‬أهل العلم‬
‫والعمل‪ ،‬أم نتبع الدكتور وصاحبه أحمد منصور؟!‬
‫ول شك أن الفهم الصحيح للقرآن الكريم هو فهم السلف ل فهم الخلف‬
‫المخالف‪ ،‬والذين يتجاوزون أقوال الئمة وحفاظ المة ويذهبون إلى مزبلة‬
‫الفكار البشرية قوم ل يعقلون‪.‬‬
‫ثم إن القرضاوي كتم على المسلمين الستثناء القرآني في الية‪ ،‬فأوردها‬
‫ناقصة في المبنى والمعنى‪ ،‬وهو عبث بعقيدة المسلمين ل يخدم إل مراد‬
‫الكافرين والمنافقين‪ ،‬والمستثنى من الجدال بالتي هي أحسن‪ ،‬وفق ما تم‬
‫م{ ولئن كان إسقاطها عن سهو‪،‬‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫موا ِ‬‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫بيانه‪ ،‬هو قوله تعالى‪} :‬إ ِل ّ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫كما رجحنا‪ ،‬فإسقاط معناها كان عن عمد‪ ،‬وهذا هو الخطر على الشيخ‪،‬‬
‫ونقول عن عمد‪ ،‬لن كل ما بنى عليه من اجتهادات كان على هذا الخرم‬
‫الفاضح للقرآن الكريم‪ ،‬أم نقول جاهل؟‬
‫وهؤلء الذين ظلموا منهم‪ ،‬هم أهل الحرب ومن امتنع منهم من أداء الجزية؛‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما قال مجاهد رضي الله عنه‪ ،‬وهم اليوم الذين يصولون ويجولون‬
‫ويسرحون ويمرحون في بلد المسلمين‪ ،‬بل يقتلون ويغتصبون ويرهبون‬
‫وينهبون ويحاصرون‪ ...‬كما فعل المريكان ‪ -‬ول يزالون ‪-‬‬
‫ويعصرني اللم وأنا أسمع إدانة القرضاوي لليهود باعتبارهم يفعلون في‬
‫فلسطين المسلمة ما يفعلون‪ ،‬ويبرئ ساحة النصارى على ما هم عليه من‬
‫عدوان وإجرام في حق أمتنا‪ ،‬وكأني به يجهل أن النصارى هم وراء زرع‬
‫الكيان اليهودي في قلب أمتنا‪ ،‬وهم الذين يحمون اليهود وينصرونهم بالرجال‬
‫والموال والعتاد والتكنلوجيا والدعاية والعلم والفيتو‪ ...‬وغير ذلك‪ ،‬ويتجاهل‬
‫أن النصارى محاربون بكل معاني الكلمة‪ ،‬كما يدل على ذلك الوضع في‬
‫جنوب السودان وفي احتلل المدينتين المسلمتين سبتة ومليلية‪ ،‬بل واحتلل‬
‫بلد الجزيرة العربية الن احتلل ً مسلحًا‪ ،‬وإن كان مقّنعًا‪.‬‬
‫بل إن النصارى في مصر والردن وسوريا ولبنان وغيرها محاربون بكل‬
‫المعاني الشرعية‪ ،‬وأنهم حقيقة هم وأمثالهم الذين استثناهم الله تعالى‬
‫م{‪ ،‬فهؤلء ليسوا معنيين بالجدال بالتي هي‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫موا ِ‬ ‫بقوله‪} :‬إ ِل ّ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫أحسن‪ ،‬ولو على فهم المهزومين‪.‬‬
‫***‬
‫ونأتي الن إلى المور المشتركة المزعومة بيننا وبين أهل الكتاب‪:‬‬
‫فقد ذكر القرضاوي أن هناك أمورا ً مشتركة بيننا وبين النصارى‪ ،‬ينبغي أن‬
‫تشكل قاعدة التسامح والتعايش؛ وهي اليمان بالله واليوم الخر‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وقد سبق أن بينا بالنصوص القاطعة أن النصارى واليهود ل يؤمنون بالله‬


‫تعالى‪ ،‬وأن كل من ل يؤمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬أو بالسلم‪ ،‬أو‬
‫بشيء منه؛ فهو ل يؤمن بالله تعالى‪.‬‬
‫والقول؛ بأنهم مؤمنون بالله ولكنهم كفار بديننا ‪ -‬كما قال القرضاوي ‪ -‬قول‬
‫سقيم ل يمت إلى العلم بأدنى صلة‪ ،‬ذلك لن الله الذي يؤمن به اليهود له ابن‬
‫اسمه عزير‪ ،‬والله الذي يؤمن به النصارى له ابن اسمه المسيح‪ ،‬والله الذي‬
‫نؤمن به ‪ -‬نحن المسلمين ‪ -‬لم يلد ولم يولد‪ ،‬فهل الله هو هو في عقيدة‬
‫هؤلء وهؤلء؟ اللهم ألف ل‪.‬‬
‫فإن قالوا‪ :‬إنهم يؤمنون بالله!‬
‫فليس الله الذي يؤمنون به هو الله الذي نعلم نحن أسماءه وصفاته وأفعاله‬
‫التي هي في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬وإن‬
‫إبراهيم عليه السلم الذي نجتمع فيه ‪ -‬نحن الثلثة ‪ -‬مسلمين ويهودا ً‬
‫ونصارى‪ ،‬والذي هو أيضا ً من القواسم المشتركة بيننا وبينهم كما يقول‬
‫صَران ِّيا‬‫م ي َُهودِّيا َول ن َ ْ‬ ‫هي ُ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫الجاهلون‪ ،‬كان مسلما ً ولم يكن مشركًا‪َ } :‬‬
‫ن{ ]آل عمران‪ ،[67 :‬وفي‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬‫ما وَ َ‬ ‫سل ِ ً‬‫م ْ‬ ‫فا ّ‬ ‫حِني ً‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫كن َ‬ ‫وَل َ ِ‬
‫قوله تعالى‪} :‬وما كان من المشركين{ إشارة إلى أن اليهود والنصارى‬
‫هّ‬ ‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬ ‫خ ُ‬
‫ن الل ِ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫م أْرَباًبا ّ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫مشركون‪ .‬كيف ل وهم الذين }ات ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِل هُوَ ُ‬ ‫َ‬
‫دا ل إ ِل َ‬ ‫ح ً‬‫دوا إ ِلًها َوا ِ‬ ‫مُروا إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ن{‪ ،‬وكذلك المر في‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن{ ]التوبة‪ ،[31 :‬أجل‪ُ } :‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫فا‬
‫حِني ً‬ ‫ّ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫دوا قُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قوله تعالى‪} :‬وََقالوا كوُنوا ُ‬
‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫ة إ ِب َْرا ِ‬
‫مل َ‬ ‫ل ِ‬ ‫صاَرى ت َهْت َ ُ‬ ‫هوًدا أوْ ن َ َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[135 :‬‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫***‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأختم بما بدأ القرضاوي به‪ ،‬قال‪) :‬كلمة كفار‪ ،‬يعني إيه؟ ملحدون؟ ليسوا‬
‫ملحدين(‪ ،‬قالها بنبرة غاضبة‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬بل هم ملحدون بلغة الشرع‪ ،‬وأعلم أنه يقصد ما تعارف الناس عليه‬
‫اليوم من أن الملحدين هم الدهريون والشيوعيون وأمثالهم الذين ينكرون‬
‫اليوم الخر‪ ،‬إل أن تغليب لغة الشرع في فتاوانا ينبغي أن يكون سائدًا‪ ،‬لنه‬
‫هو الصواب‪ ،‬ونفي اللحاد عن أهل الكتاب بهذا الطلق ل ينم إل عن‬
‫الهشاشة العلمية‪ ،‬أو الكتمان لشهادة الحق عياذا ً بالله‪ ،‬فما هو اللحاد؟‬
‫)اللحاد‪ :‬الميل وترك القصد; يقال‪ :‬ألحد الرجل في الدين‪ ،‬وألحد إذا مال‪،‬‬
‫ومنه اللحد في القبر؛ لنه في ناحيته( ]تفسير القرطبي[‪.‬‬
‫)وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ :‬اللحاد التكذيب‪ ،‬وأصل اللحاد في‬
‫كلم العرب العدول عن القصد والميل والجور والنحراف‪] ( ...‬تفسير القرآن‬
‫العظيم[‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ت‪ :‬واليهود والنصارى مالوا ميل عظيما‪ ،‬وتركوا القصد المطلوب‪ ،‬وكذبوا‬ ‫قل ُ‬
‫ل‪ ،‬وطعنوا في أسماء الله جل وعل طعنا ً بليغا‪ً،‬‬ ‫بدين الله تعالى جملة وتفصي ً‬
‫ن{ ]البقرة‪.[89 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫ة الل ّهِ عََلى ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫وجاروا وانحرفوا وانجرفوا‪} ،‬فَل َعْن َ ُ‬
‫***‬
‫فيا شيخ يوسف القرضاوي‪ ،‬اتق الله تعالى‪ ،‬فقد بلغت من الكبر عتيًا‪ ،‬ولم‬
‫يعد أمامك عمر مديد‪ ،‬وانظر كيف تلقى ربك‪.‬‬
‫وعد إلى ذلك الماضي المشرق في حياتك يوم كنت طليقا ً في سجن أعدائك‪،‬‬
‫وقبل أن تصبح أسيرا ً في عالم ساداتك وكبرائك اليوم‪ ،‬حيث كنت يومها‬
‫تنشدنا من وراء القضبان‪:‬‬
‫النور في قلبي‪ ،‬وقلبي بين يدي ربي‪ ،‬وربي ناصري ومعيني‪...‬‬
‫سأظل معتصما ً بحبل عقيدتي‪ ،‬وأموت مبتسما ً ليحيى ديني‪...‬‬
‫فل تمت عبوسا ً ليحيى دين شنودة‪.‬‬
‫وإياك أن تأخذك العزة بالثم‪.‬‬
‫اللهم قد بلغت‪ ،‬اللهم فاشهد‪.‬‬
‫وكتبه؛ محمد بن محمد الفزازي‬
‫طنجة‪ 24 ،‬جمادى الولى ‪1419‬هـ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫يوم الهوال‪ ...‬فاللهم سلم ‪...‬سلم‬


‫أخيتي الغالية‪ ،‬بعد أن عشنا سويا مع القبر وسكرته ‪ ،‬والقبر وظلمته‪ ،‬نعيش‬
‫اليوم مع يوم ل مفر منه‪ ...‬يوم ل ينفع فيه إل العمل الصالح ‪ ...‬ول يفوز فيه‬
‫ك فيه الجميع حتى والداك رغم‬ ‫إلى من أتى الله بقلب سليم‪ ...‬يوم يتخلى عن ِ‬
‫ك‪ ،‬وزوجك وأولدك‪ ،‬فالجميع يعلو منهم كلمة واحدة‪:‬‬ ‫حبهما الجم ل ِ‬
‫] نفسي ‪ ...‬نفسي [‪.‬‬
‫يوم القيامة يا له من يوم‪:‬‬
‫إنه اليوم الذي يقبض فيه الحقّ جل وعل الرض بيده‪ ،‬ويطوي السماوات‬
‫بيمينه‪ ،‬كما قال تبارك وتعالى‪:‬‬
‫عدا ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ق ن ِّعيد ُه ُ وَ ْ‬‫خل ٍ‬‫ل َ‬ ‫ما ب َد َأَنا أوّ َ‬ ‫َ‬
‫بك َ‬ ‫ُ‬ ‫ج ّ‬
‫ل ل ِلكت ُ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ماء ك َط َ ّ‬
‫ي ال ّ‬ ‫س َ‬‫وي ال ّ‬ ‫م ن َط ْ ِ‬‫]] ي َوْ َ‬
‫ن [[ ]النبياء‪.[104:‬‬ ‫عَل َي َْنا إ ِّنا كّنا َفا ِ‬
‫عِلي َ‬ ‫ُ‬
‫ت[[‬ ‫جَر ْ‬ ‫إنه اليوم الذي تتفجر فيه البحار‪ ،‬وتشتعل ناًرا‪]] ،‬وَإ َِذا ال ْب ِ َ‬
‫حاُر فُ ّ‬
‫]النفطار‪[3:‬‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كثبان الرمل‪،‬‬ ‫سف فيه الجبال الراسيات‪ ،‬لتصبح كثيًبا مهيًل ك ُ‬ ‫إنه اليوم الذي ُتن َ‬
‫بعد أن كانت حجارةً صماء‪:‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ج ُ َ‬
‫مِهيل[[ ]المزمل‪[14:‬‬ ‫ً‬ ‫جَبال كِثيبا ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫َ‬
‫جَبال وَكان َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ض َوال ْ ِ‬ ‫ف اْلْر ُ‬ ‫م ت َْر ُ‬ ‫]]ي َو َ‬
‫صفا ً ]‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ص‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫قاع‬ ‫َ‬ ‫ها‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫[‬ ‫‪105‬‬ ‫]‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫سف‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫س‬ ‫ين‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫]]وي ْسأ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ِ َ َ ّ َ ْ‬
‫عوجا ً وَل أ َ‬
‫ِ َ ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬
‫متا ً ]‪] [[ [107‬طه‪.[107-105:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ِ َ‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫رى‬ ‫ََ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫‪[106‬‬
‫إنه اليوم الذي تصبح فيه هذه السماء الجميلة المزينة بالكواكب واهية‬
‫ة[[ ]الحاقة‪.[16:‬‬ ‫مئ ِذ ٍ َواهِي َ ٌ‬ ‫ي ي َوْ َ‬ ‫ماء فَهِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ضعيفة‪َ]] :‬وان َ‬
‫ور ويذهب‬ ‫و الشمس التي جعلها الله سبًبا من أسباب الحياة؛ فإنها ُتجمع وُتك ّ‬
‫ت [[ ]التكوير‪.[1:‬‬ ‫س ك ُوَّر ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ضوؤها ] إ َِذا ال ّ‬
‫والقمر الذي نراه في أبهى وأجمل صورة ؛ فإنه يخسف ويذهب ضوؤه‪ ،‬قال‬
‫مُر [[ ]القيامة‪[8-7:‬‬ ‫ق َ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫خ َ‬ ‫صُر ]‪ [7‬وَ َ‬ ‫تعالى‪]] :‬فَإ َِذا ب َرِقَ ال ْب َ َ‬
‫وهذه النجوم‪ ،‬وتلك الكواكب التي ُتزين السماء؛ فإنها تنكدر وتتناثر‪]] :‬وَإ َِذا‬
‫ت [ ]التكوير‪.[2:‬‬ ‫م انك َد ََر ْ‬ ‫جو ُ‬ ‫الن ّ ُ‬
‫وها هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما‬
‫تأخر يشيب رأسه من سماع هذه الهوال‪ ،‬فتجد الصديق رضي الله عنه يقول‬
‫شبت يا رسول الله قال‪ ]] :‬شيبتني هود‪ ،‬والواقعة‪ ،‬والمرسلت‪،‬‬ ‫له‪ :‬أراك قد ِ‬
‫وعم يتساءلون‪ ،‬وإذا الشمس كورت [[‪ .‬صححه اللباني في صحيح الجامع‪.‬‬
‫فيا أيتها الخت الغالية‪ ،‬ما غرك بربك الكريم‪ ،‬حيث أغلقت البواب وأرخيت‬
‫ت عن الخلئق‪ ،‬وقد رآك على معاصيك الخالق‪ ،‬فماذا تفعلين‬ ‫الستور‪ ،‬واستتر ِ‬
‫ك؟ فما أعظم غفلة الغافلين‪.‬‬ ‫ك وأعضاؤ ِ‬ ‫وقد شهدت عليك جوارح ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ِفي غَ ْ‬
‫ما ي َأِتيِهم‬ ‫ن ]‪َ [1‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫فلةٍ ّ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫ساب ُهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫ب ِللّنا ِ‬ ‫قال تعالى‪]] :‬اقْت ََر َ‬
‫سّروا ْ‬ ‫ة قُُلوبهم وأ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ُُ ْ َ َ‬ ‫ن ]‪ [2‬لهِي َ ً‬ ‫م ي َلعَُبو َ‬ ‫مُعوه ُ وَهُ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ث إ ِل ا ْ‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫من ّرب ِّهم ّ‬ ‫من ذِك ْرٍ ّ‬ ‫ّ‬
‫ن[[‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صُرو َ‬ ‫م ت ُب ْ ِ‬‫حَر وَأنت ُْ‬ ‫س ْ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫تو‬‫ُ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ٌ ّ‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ا‬‫مو‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫وى‬ ‫َ‬ ‫ج‬‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬
‫]النبياء‪[3-1:‬‬
‫مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور‬
‫عرق يفضح المفرطين‪:‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى‬
‫تكون منهم كمقدار ميل [[‪ ،‬قال سليم بن عامر‪ :‬والله ما أدرى ما يعنى‬
‫بالميل‪ :‬مسافة الرض؟ أو الميل التي تكحل به العين؟!‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق‪،‬‬
‫فمنهم من يكون إلى كعبيه‪ ،‬ومنهم من يكون إلى ُركبتيه‪ ،‬ومنهم من يكون‬
‫ما [[ وأشار رسول الله صلى الله‬ ‫مه العرق إلجا ً‬ ‫ج ُ‬ ‫إلى حقويه‪ ،‬ومنهم من ُيل ِ‬
‫عليه وسلم بيده إلى ِفيه‪ .‬صححه اللباني في صحيح الترهيب والترغيب‪.‬‬
‫فكل إنسان يعرق على قدر معاصيه‪ ،‬فكلما حسن عمله؛ كان عرقه أقل‪،‬‬
‫وكلما زادت قبائحه؛ فإن كثرة عرقه تفضحه عياًذا بالله‪.‬‬
‫قا لمن بدل بعدي ‪:‬‬ ‫سح ً‬
‫وُيكرم الله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف العظيم بكرامة‬
‫ضا واسع الرجاء‪ ،‬ماؤه أبيض من اللبن‪ ،‬وأحلى من‬ ‫خاصة؛ فيعطيه حو ً‬
‫العسل‪ ،‬وريحه أطيب من المسك‪ ،‬وكيزانه كنجوم السماء‪ ،‬يأتي هذا الماء‬
‫الطيب من نهر الكوثر‪ ،‬الذي أعطاه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في‬
‫مته؛ فيسقيهم صلى الله عليه وسلم منه بيده الشريفة‬ ‫الجنة‪ ،‬ت َرِد ُ عليه أ ّ‬
‫دا‪.‬‬‫ربها ل يظمأ بعدها أب ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ة‪ ،‬من َ‬ ‫شرب ً‬
‫مته في يوم الحشر‪،‬‬ ‫ولكن كيف يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أ ّ‬
‫الذي تجتمع فيه كل الخلئق‪ ،‬منذ أن خلق الله الخلق إلى يوم القيامة؟ قال‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬نعم‪ ،‬لكم سيما ليست لحد ٍ من المم‪ ،‬ت َرُِدون عل ّ‬
‫غُّرا ً مح ّ‬
‫جلين‪ ،‬من أثر الوضوء [[‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫فمن استقام في حياته على أداء الصلة؛ فإنه يأتي يوم القيامة بعلمةٍ بيضاء‬
‫تكون في شعره‪ ،‬ويديه‪ ،‬ورجليه‪ ،‬من آثار الوضوء‪ ،‬استعداًدا للوقوف بين يدي‬
‫الله جل وعل‪.‬‬
‫ولكن بعض المصلين الذين يعرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه‬
‫العلمة تمنُعهم الملئكة من الحوض‪ ،‬فيا ترى ما السر؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬إني فرطكم على الحوض‪ ،‬من مّر بي شرب‪،‬‬
‫ي أقوام‪ ،‬أعرفهم ويعرفوني‪ ،‬ثم ُيحال‬ ‫ن عل ّ‬ ‫دا‪ ،‬وليرد ّ‬ ‫ومن شرب لم يظمأ أب ً‬
‫بيني وبينهم‪ ،‬فأقول‪ :‬إنهم مني! فيقال‪ :‬إنك ل تدري ما أحدثوا بعدك‪ ،‬فأقول‪:‬‬
‫سحقا ً سحقا ً لمن بدل بعدي [[‪ .‬صححه اللباني في صحيح الجامع‪.‬‬
‫كيعات ُيؤّدونها في جفاء‬ ‫فهؤلء الذين تخّلوا عن أمانة الدين‪ ،‬واكتفوا ببعض ُر َ‬
‫قلب‪ ،‬أما حياتهم كّلها‪ ،‬فبعيدة ُبعد المشرقين عن شرع الله‪ ،‬وعن سنة‬
‫قوا أن يعيشوا هذا الموقف‬ ‫م؛ استح ّ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫مخزي‪ ،‬يوم أن تطُردهم الملئكة عن الحوض‪.‬‬ ‫ال ُ‬
‫جهنم تزفر‪:‬‬
‫ثم تكتمل أهوال ذلك اليوم‪ ،‬بإتيان جهنم في أرض المحشر‪ ،‬كما قال‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬يؤتى بجهّنم يومئذ ٍ لها سبعون ألف‬
‫زمام‪ ،‬مع كل زمام ٍ سبعون ألف ملك يجرونها [[‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫فإذا أقبلت جهّنم‪ ،‬وأحاطت بالخلئق‪ ،‬ورأت الخلق؛ َزفََرت وزمجرت؛ غضًبا‬
‫منها لغضب الله جل وعل‪ ،‬عند ذلك؛ تجثوا جميع المم على الّركب من‬
‫ة كُ ّ ُ‬ ‫الخوف والذلة‪]] :‬وترى ك ُ ّ ُ‬
‫ن‬
‫جَزوْ َ‬ ‫م تُ ْ‬‫عى إ َِلى ك َِتاب َِها ال ْي َوْ َ‬ ‫مةٍ ت ُد ْ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫جاث ِي َ ً‬ ‫مةٍ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َََ‬
‫ن [[ ]الجاثية‪.[28:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫وليس ذلك فقط‪ ،‬بل يحدث ما تشيب منه الرؤوس‪ ،‬وتنخلع له القلوب!! قال‬
‫عنقٌ من الّنار‪ ،‬له عينان ُيبصران‪،‬‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬يخرج ُ‬
‫ل جّبار عنيد‪ ،‬وبكل‬ ‫ّ‬
‫ن ينطق‪ ،‬يقول‪ :‬إني وُكلت بثلثة‪ :‬بك ّ‬ ‫وأذنان يسمعان‪ ،‬ولسا ٌ‬
‫ورين [[‪ .‬صححه اللباني في صحيح الجامع‪.‬‬ ‫من دعا مع الله إلها ً آخر‪ ،‬وبالمص ّ‬
‫اللهم سلم سلم‪:‬‬
‫في هذا اليوم الذي ترتعد منه الفرائص‪ ،‬وتشيب له الرؤوس‪ ،‬ويهتّز الوجدان‪،‬‬
‫حتى إن النبياء وهم صفوة الله من البشر يقولون‪ :‬اللهم سّلم سّلم!! هذه‬
‫دعوتهم يومها‪ ،‬ل ينطقون بغيرها‪ ،‬ترى ما السر في ذلك؟!‬
‫لك ّ‬
‫ل‬ ‫مله بشر‪ ،‬فيومها تذهَ ُ‬ ‫إن هول القيامة‪-‬أخيتي الحبيبة‪ -‬شديد‪ ،‬ل يكاد يتح ّ‬
‫ل حملها‪ ،‬وينتاب الناس الهلع‬ ‫ل ذات حم ٍ‬ ‫مرضعةٍ عن رضيعها‪ ،‬وتضع ك ّ‬ ‫ُ‬
‫ن عذاب الله‬ ‫ّ‬ ‫ولك‬ ‫سكارى؛‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫هم‬ ‫وما‬ ‫سكارى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أنهم‬ ‫إليك‬ ‫ليخيل‬ ‫حتى‬ ‫والرعب؛‬
‫شديد‪.‬‬
‫يومئذ ٍ يفّر المرء من أخيه‪ ،‬وأمه وأبيه‪ ،‬وصاحبته وبنيه‪ ،‬يومها ترمي الم‬
‫ل يقول‪ :‬نفسي نفسي؛ حتى النبياء!!!‬ ‫الحنون بطفلها في غير وعي‪ ،‬والك ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن أَ ِ‬
‫حب َت ِهِ وَب َِنيهِ ]‬
‫صا ِ‬ ‫مهِ وَأِبيهِ ]‪ [35‬وَ َ‬ ‫خيهِ ]‪ [34‬وَأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫مْرُء ِ‬ ‫فّر ال ْ َ‬‫م يَ ِ‬‫قال تعالى ] ي َوْ َ‬
‫ه[[ ]عبس ‪.[ 37 – 34 :‬‬ ‫ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ َ‬ ‫‪ [36‬ل ِك ُ ّ‬
‫ن ي ُغِْني ِ‬ ‫شأ ٌ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ئ ّ‬ ‫مرِ ٍ‬‫لا ْ‬
‫وفي ذلك اليوم العصيب‪ ،‬الذي يقف فيه الناس على أقدامهم‪ ،‬خمسين ألف‬
‫سنة بموازين الخرة؛ يبلغ الكرب والضيق بالناس إلى الدرجة التي يتمّنون‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ض الموقف‪ ،‬وينصرفوا منه ولو إلى الّنار‪.‬‬ ‫معها أن ينف ّ‬


‫الحبيب لم ينسانا‪ ،‬فهل تذكرناه؟‬
‫من يستغيثون به‪ ،‬ليشفع لهم عند ربهم‪ ،‬حتى يأذن جل‬ ‫وهنا يبحث الناس ع ّ‬
‫وعل ببدء الحساب‪ ،‬والفصل بين العباد‪ ،‬فل يجدون إل النبياء صلوات الله‬
‫شفاعة لهم عند الله‬ ‫وسلمه عليهم أجمعين‪ ،‬فيذهبون إليهم ليطلبوا منهم ال ّ‬
‫جل وعل‪ ،‬فيقول صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬إذا كان يوم القيامة‪ ،‬ماج الناس‬
‫بعضهم في بعض‪ ،‬فيأتون آدم فيقولون‪ :‬اشفع لنا إلى ربك‪ ،‬فيقول‪ :‬لست لها‪،‬‬
‫ولكن عليكم بإبراهيم‪ ،‬فإنه خليل الرحمن ‪ ،‬فيأتون إبراهيم ‪ ،‬فيقول‪ :‬لست‬
‫لها‪ ،‬ولكن عليكم بموسى ‪ ،‬فإنه كليم الله‪.‬‬
‫فيأتون موسى‪ ،‬فيقول‪ :‬لست لها‪ ،‬ولكن عليكم بعيسى‪ ،‬فإنه روح الله‬
‫وكلمته‪ ،‬فيأتون عيسى ‪ ،‬فيقول‪ :‬لست لها‪ ،‬ولكن عليكم بمحمد ‪ ،r‬فيأتوني‪،‬‬
‫فأقول‪ :‬أنا لها‪.‬‬
‫فأستأذن على ربي‪ ،‬فيؤذن لي‪ ،‬ويلهمني بمحامد أحمده بها‪ ،‬ل تحضرني الن‪،‬‬
‫دا فيقول‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ارفع رأسك‪ ،‬وقل‬ ‫فأحمده بتلك المحامد‪ ،‬وأخر له ساج ً‬
‫ُيسمع لك‪ ،‬وسل ُتعط‪ ،‬واشفع ُتشفع‪ ,‬فأقول‪ :‬يا رب‪ ،‬أمتي أمتي‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫انطلق‪ ،‬فانظر فيها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان‪ ،‬فأنطلق‪،‬‬
‫فأفعل‪.‬‬
‫دا‪ ،‬فيقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬ارفع‬ ‫َ‬
‫خّر له ساج ً‬‫ثم أعود‪ ،‬فأحمده بتلك المحامد‪ ،‬ثم أ ِ‬
‫رأسك‪ ،‬وقل يسمع لك‪ ،‬وسل تعط‪ ،‬واشفع تشفع‪ ,‬فأقول‪ :‬يا رب‪ ،‬أمتي أمتي‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬انطلق‪ ،‬فانظر فيها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان‬
‫فأخرجه‪ ،‬فأنطلق‪ ،‬فأفعل‪.‬‬
‫دا‪ ،‬فيقول‪ :‬يا محمد‪ ،‬ارفع‬ ‫ثم أعود‪ ،‬فأحمده بتلك المحامد‪ ،‬ثم أخر له ساج ً‬
‫رأسك‪ ،‬وقل يسمع لك‪ ،‬وسل تعط‪ ،‬واشفع تشفع‪ ,‬فأقول‪ :‬يا رب‪ ،‬أمتي أمتي‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬انطلق‪ ،‬فانظر من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل‬
‫من إيمان‪ ،‬فأخرجه من النار‪ ،‬فأنطلق فأفعل [[‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫ّ‬
‫ك الحبيب صلى الله عليه وسلم في الخرة ؛ فهل تذكرتيه في‬ ‫هكذا لم ينسا ِ‬
‫ت على سّنته‪،‬‬ ‫سر ِ‬
‫الدنيا؟ هل خفق قلُبك بحّبه صلى الله عليه وسلم؟ هل ِ‬
‫ت على أمانة الدين التي تركها صلى الله‬ ‫واّتبعته في كل شأن؟ هل حافظ ِ‬
‫عليه وسلم في أعناق أمته؟!‬
‫يومئذ تعرضون ل تخفى منكم خافية‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وبعد أن يستجيب المولى تعالى لشفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ يأذن‬
‫ل إنسان بنداٍء‬ ‫تبارك وتعالى ببدء الحساب والعرض عليه جل وعل‪ ،‬وُيفاجأ ُ ك ّ‬
‫ومي وتهّيئي‬ ‫مهيب من ِقبل ملئكةِ الجّبار جل وعل‪ :‬يا فلنة بنت فلن‪ ،‬ق ُ‬ ‫َ‬
‫للعرض على دّيان السماوات والرض‪ ،‬وساعتها ستعرف كل إنسانة أنها‬
‫المقصودة بهذا النداء‪ ،‬ولو تشابه اسمها مع المليين من البشر‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬ما منكم أحد إل سيكلمه ربه‪ ،‬ليس بينه وبينه‬
‫ترجمان‪ ،‬فينظر أيمن منه؛ فل يرى إل ما قدم من عمله‪ ،‬وينظر أشأم منه؛‬
‫فل يرى إل ما قدم‪ ،‬وينظر بين يديه؛ فل يرى إل النار تلقاء وجهه‪ ،‬فاتقوا النار‪،‬‬
‫ولو بشق تمرة [[‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫ة مهيبة ل كمحاكم الدنيا‪،‬‬ ‫ة عظيم ٌ‬
‫صب محكمة العدل اللهية‪ ،‬محكم ٌ‬ ‫وحينها ُتن َ‬
‫ة قاضيها الحكم العدل‪ ،‬الله الذي ل يعزب عنه مثقال ذّرةٍ في الرض‬ ‫محكم ٌ‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول في السماء‪.‬‬
‫دث بما ارُتكب عليها‬ ‫ض ُتح ّ‬ ‫ً‬
‫شهودها كثيرون جدا‪ ،‬من ملئكةٍ كرام ٍ كاتبين‪ ،‬وأر ٌ‬ ‫و ُ‬
‫دث بما ارتكبت من الفضائح‪.‬‬ ‫ح وأعضاٌء ُتح ّ‬ ‫من خيرٍ أو شر‪ ،‬وجوار ٌ‬
‫وفي هذه المحكمة‪ ،‬ل نقض‪ ،‬ول استئناف‪ ،‬بل يظهر الحكم الّنهائي فورا ً في‬
‫كم العدل على عبده‪ ،‬بالنضمام إلى أحد أصناف‬ ‫ح َ‬‫نفس المحاكمة من ال َ‬
‫ثلثة‪:‬‬
‫فصنف يدخل الجّنة بغير حساب‪ ...‬هل تعرفيه؟ وصنف ثان يحاسب حساًبا‬
‫ت عنه ؟ ومنه نسأل الله العفو والعافية‪ ..‬من يحاسب‬ ‫يسيًرا ‪ ...‬هل سمع ِ‬
‫حساًبا عسيًرا؟‬
‫ك الختيار أيهم تريدين أن تكوني؟ بعد أن تتعرفي معهم علينا في‬ ‫‪ ،‬وأترك ل ِ‬
‫المقالة القادمة إن شاء الله‪.‬‬
‫المصادر ‪..‬‬
‫هزة اليمان‪ .‬فريد مناع‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يوم الجمعة فضله وآدابه‬


‫الحمد لله أسبغ علينا من النعم مال يحصيه إل هو‪ ،‬وهو صاحب المن والفضل‪،‬‬
‫ونسأله دوام نعمائه والتوفيق لداء شكرها‪ ،‬وأشهد أل إله إل الله وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬وأشهد أن سيدنا محمدا ً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وأصحابه‪ ،‬ومن اهتدى بهديه‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬معشر المسلمين‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى التي ل فوز ول‬
‫نجاح ول فلح بدونها‪ .‬واعلموا أن الله تعالى اختار من خلقه ما شاء ففضله‬
‫مَنا ب َِني‬ ‫على سائر المخلوقات‪ ،‬فضل النسان على كثير من خلقه ? وَل َ َ‬
‫قد ْ ك َّر ْ‬
‫م عََلى ك َِثي ٍ‬
‫ر‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬
‫ت وَفَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ وََرَزقَْنا ُ‬
‫هم ّ‬ ‫مل َْناهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَ َ‬‫آد َ َ‬
‫ضيل?]السراء‪.[70 :‬‬ ‫ً‬ ‫ف ِ‬‫قَنا ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬‫ّ‬
‫وجعل مكة أشرف بقاع الرض‪ ،‬اختصها ببيته الحرام أفضل بيوت الله‪ ،‬وفضل‬
‫شهر رمضان على سائر الشهور‪ ،‬وفضل ليلة القدر على سائر الليالي‪ :‬كما‬
‫فضل يوم الجمعة على سائر اليام‪ ،‬روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬خير يوم طلعت عليه‬
‫الشمس‪ ،‬يوم الجمعة‪ ،‬فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها‪ ،‬ول‬
‫تقوم الساعة إل في يوم الجمعة"‪ ،‬ولجل ذلك الفضل فإن الله تعالى خصه‬
‫بأمور ل توجد في غيره من أيام السبوع‪ ،‬فهو اليوم الذي تكرم الله بأن جعله‬
‫عيدا ً لمة محمد صلى الله عليه وسلم ففرض عليهم تعظيمه كما جعل‬
‫السبت لليهود‪ ،‬والحد للنصارى‪ ،‬ففي صحيح مسلم‪ ،‬عن حذيفة قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا‪،‬‬
‫فكان لليهود يوم السبت‪ ،‬وكان للنصارى يوم الحد‪ ،‬فجاء الله بنا فهدانا ليوم‬
‫الجمعة فجعل الجمعة والسبت والحد‪ ،‬وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة‪.‬‬
‫نحن الخرون من أهل الدنيا‪ ،‬والولون يوم القيامة‪ ،‬المقضي لهم قبل‬
‫الخلئق"‪،‬‬
‫ً‬
‫وفي يوم الجمعة ساعة الجابة‪ ،‬ل يسأل الله العبد فيها شيئا إل استجاب له‪،‬‬
‫ما لم يسأل حرامًا‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال‪" :‬فيه ساعة ل يوافقها عبد مسلم وهو‬
‫يصلي يسأل الله شيئا‪ ،‬إل أعطاه إياه"‪ ،‬وروى مسلم أيضا ً أن هذه الساعة‪ ،‬ما‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بين أن يجلس المام إلى أن تقضى الصلة‪ ،‬كما روي أنها ساعة بعد العصر‪،‬‬
‫وأنها آخر ساعة من يوم الجمعة‪ ،‬وفي إبهامها ترغيب للكثار من الصلة عليه‪،‬‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬فمما روي عنه صلى الله عليه وسلم قول‪" :‬فأكثروا‬
‫من الصلة لي في يوم الجمعة‪ ،‬فإن صلتكم معروضة علي"‪ .‬وفرض الله في‬
‫هذا اليوم صلة الجمعة وتوعد تاركها والمتهاون بها أشد الوعيد‪ ،‬كما ثبت ذلك‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم روى أحمد ومسلم عن ابن مسعود‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن‬
‫الجمعة‪" :‬لقد هممت أن آمر رجل ً يصلي بالناس‪ :‬ثم احرق على رجال‬
‫يتخلفون عن الجمعة بيوتهم‪.‬‬
‫وروى مسلم أيضا عن أبي هريرة وابن عمر‪" :‬لينتهين أقوام عن ودعهم‬
‫الجمعات‪ ،‬أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين"‪ ،‬وروى‬
‫الخمسة وأحمد "من ترك ثلث جمع تهاونا ً طبع الله على قلبه"‪.‬‬
‫وللجمعة سنن وآداب ينبغي المحافظة عليها من ذلك‪ :‬الغتسال يوم الجمعة‬
‫والتطيب ولبس أحسن الثياب والتبكير إلى المسجد والدنو من المام والكثار‬
‫من الصلة وإذا خرج المام أمسك عن الكلم روى أحمد والبخاري عن‬
‫سلمان الفارسي رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬ل يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من‬
‫دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ول يفرق بين اثنين ثم‬
‫يصلي ما كتب له ثم ينصت للمام إذا تكلم إل غفر له ما بين الجمعة إلى‬
‫الجمعة الخرى"‪ .‬وفي رواية "وزيادة ثلثة أيام"‬
‫وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثم يصلي ما كتب‬
‫له‪ ،‬ما يدل على أنه لم يكن هناك يوم الجمعة من نوافل الصلة ما هو معين‬
‫بعدد أو وقت ولكن من أتى المسجد فله أن يصلي ما يشاء قبل أن يدخل‬
‫المام في الخطبة إل أن الداخل ل ينبغي له أن يجلس حتى يصلي ركعتين‬
‫سواء جاء والمام يخطب أو جاء قبل ذلك‪ ،‬عن جابر بن عبد الله رضي الله‬
‫عنه قال‪" :‬دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم‬
‫الجمعة فقال‪ :‬أصليت قال ل؛ قال قم فصل ركعتين"‪.‬‬
‫ويخطئ الذين يقومون والمام يخطب فيصلون بعد أن كانوا قد صلوا‬
‫وجلسوا فهذا مخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فليس بعد دخول‬
‫المام في الخطبة من ذكر ول كلم إل ركعتي التحية للمسجد للداخل‪.‬‬
‫ويحرم الكلم والمام يخطب كما يحرم الشتغال بكل ما يصرف عن‬
‫الستماع للمام والصغاء لما يقول‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إذا‬
‫قلت لصاحبك‪ :‬أنصت يوم الجمعة والمام يخطب فقد لغوت"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفي رواية لحمد "ومن لغا فل جمعة له"فإذا كان قولك أنصت لصاحبك وهو‬
‫أمر بمعروف يحرمك من أجر الجمعة فبالولى غيره من الكلم بل لقد شبه‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يتكلم والمام يخطب بالحمار يحمل‬
‫أسفارًا‪ ،‬وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬من تكلم يوم الجمعة‬
‫والمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ً والذي يقول له أنصت‪:‬ليس‬
‫له جمعة "أي كما أن الحمار ل ينال من حمل الكتب إل التعب والمشقة دون‬
‫أن يستفيد شيئا ً مما فيها فكذلك الذي يحضر الجمعة ثم يتكلم ليس له من‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جمعته إل تعبه ومجيئه إلى المسجد دون أن يكسب من وراء ذلك من الجر‬
‫شيئًا‪ ،‬واحذروا رحمكم الله من تخطي الرقاب عند دخول المسجد‪ ،‬فقد ورد‬
‫النهي عن ذلك فيما رواه أبو داؤود والنسائي وأحمد عن عبد الله بن بسر‬
‫رضي الله عنه قال‪) :‬جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " اجلس فقد‬
‫آذيت"‪.‬‬
‫وقد روى أحمد أيضا عن أرقم بن أبي الرقم المخزومي رضي الله عنه أن‬ ‫ً‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬الذي يتخطى رقاب الناس يوم‬
‫الجمعة ويفرق بين الثنين بعد خروج المام كالجار قصبة في النار"‪ ،‬أي‬
‫كالذي يجر أمعاءه في النار لذلك ينبغي على من أتى الجمعة أن يبكر ول‬
‫يقعد في صف حتى يعلم أن الصف الذي أمامه ل يوجد فيه مكان ومن ابتلي‬
‫بالتأخر فل يجوز له أن يتخطى رقاب الناس إل أن العلماء أجازوا التخطي‬
‫لثنين للمام إذا لم يكن له باب من جهة القبلة يدخل فيه ولمن وجد فرجة ل‬
‫يصل إليها إل بالتخطي والذي يترك الفرجة أمامه ول يسدها حتى يأتي آخر‬
‫فيتخطاه إلى تلك الفرجة يكون هو الجاني على نفسه والمهدر حق نفسه من‬
‫حرمة التخطي‪.‬‬
‫هذه الحقوق والسنن والداب التي تتعلق بالجمعة‪ ،‬فاحرصوا عليها تقبل بها‬
‫صلتكم ويضاعف لكم الجر وتكونوا قد أديتم حق الجمعة لما أرشدكم إلى‬
‫ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫َ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬‫جيُبوا ْ ل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫مُنوا ْ ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ? َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫مْرِء وَقَل ْب ِهِ وَأن ّ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ل ب َي ْ َ‬‫حو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫موا ْ أ ّ‬
‫م َواعْل َ ُ‬
‫حِييك ُ ْ‬
‫ما ي ُ ْ‬ ‫عا ُ‬
‫كم ل ِ َ‬ ‫إ َِذا د َ َ‬
‫ن?]النفال‪ .[24 :‬وأستغفر الله‪.‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬
‫تُ ْ‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫الحمد لله يهدي لنوره من يشاء نحمده جعل عبادته ومرضاته غاية أحبابه‬
‫وأوليائه وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأن محمد عبده ورسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته والسائرين على منهاجه‬
‫إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬عباد الله فقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله‪) :‬لو يعلم‬
‫الناس ما في النداء والصف الول أي ما يجده المؤذن والمصلي في الصف‬
‫الول من الجر‪ -‬ثم لم يجدوا إل أن يستهموا عليه لستهموا(‪.‬‬
‫وقوله‪) :‬ل يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله( ‪ ،‬أي يتأخرون عن الصلة‬
‫في الصفوف الولى حتى يؤخرهم الله عن رحمته وعظيم ثوابه وفضله ورفيع‬
‫منزلة أهل قربه‪ .‬إننا نشاهد كثيرا ً من المصلين يقعدون عن المسابقة في‬
‫مواطن الخير فيؤثرون الصلة في مؤخرة المسجد في حين أن الصفوف‬
‫الولى غير تامة ولكي ينال المصلي مجلسا ً في الصفوف الولى ويسلم من‬
‫إيذاء الناس وتخطيهم فعليه بالتبكير‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬من اغتسل يوم الجمعة غسل‬
‫الجنابة ثم راح –أي خرج في الساعة الولى فكأنما قرب بدنه ومن راح في‬
‫الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة‪ ،‬ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب‬
‫كبشا ً أقرن‪ ،‬ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة‪ ،‬ومن راح في‬
‫الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج المام حضرت الملئكة‬
‫يستمعون الذكر"‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن أراد أن يصلي نافلة بعد صلة الجمعة فليصل أربعا في المسجد أو‬
‫ركعتين في البيت أو ركعتين في المسجد وركعتين في البيت كل ذلك ثبت‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية عبد الله‬
‫بن عمر وغيره‪.‬‬
‫وهذا الذي ذكرناه عن الجمعة لم نستقص فيه كل ما جاء في السنة عنها‬
‫ويتبين بذلك ما لهذا اليوم من عظيم الفضل وما يجب على المسلمين فيه‬
‫من المزيد في الشكر لربهم المنعم المتفضل جل وعل‪.‬‬
‫وأن يشتد حرصهم على كل ساعة من ساعاته‪ ,‬فيكثرون فيه من القرب‬
‫وفعل الخيرات ولكن الذي يؤسف له أن كثيرا ً من الناس يحولون هذه‬
‫المقاصد الشرعية الحسنة إلى مقاصد سيئة يسهرون ليلة الجمعة في اللهو‬
‫واللعب والثم‪ ،‬فل ينامون إل في ساعة متأخرة من الليل حتى يؤدي بهم ذلك‬
‫إلى تضييع صلة الفجر وربما ضيع بعضهم صلة الجمعة أيضا ً أما نهار يوم‬
‫الجمعة فالمر أدهى من ذلك وأمر‪ ,‬تراهم يخرجون في هذا اليوم العظيم‬
‫وكأنه يوم مجون وخلعة وفسوق يخرج الكثير بعوائلهم وقد حسرت المرأة‬
‫فَتن‪ ،‬ثم يجاهرون ربهم بالمعاصي في ساعات فضيلة‬ ‫فِتن ثم ت ُ ْ‬
‫عن ثيابها ل ِت َ ْ‬
‫من هذا اليوم حيث يجتمع الرجال والنساء في أماكن السباحة والخلعة دون‬
‫حياء ول خجل‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫رض ل يحل‬ ‫هذا ما يجب علينا من التنبيه والبيان والحجة على من يسمع وي ُعْ ِ‬
‫حلل ً ول يحرم حراما ً ول يجعل قيمة لوامر الله ونهيه والله شهيد على ما‬
‫تعملون‪.‬‬
‫تأليف الدكتور‪ /‬عبد الوهاب الديلمي‪.‬‬
‫مراجعة ‪ :‬عبد الحميد أحمد مرشد‪.‬‬
‫‪ -‬مسلم ج ‪ ،2‬كتاب الجمعة باب فضل يوم الجمعة برقم ‪ 585 : 18‬محمد‬
‫فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫‪ -‬مسلم ج ‪ ،2‬كتاب الجمعة باب هداية هذه المة ليوم الجمعة برقم ‪-22‬‬
‫‪ ،856‬صـ ‪.586‬‬
‫‪ -‬مسلم ‪ ،583 /2‬حديث رقم‪,852 :‬‬
‫‪ -‬راجع مسلم ج ‪ 2‬كتاب الجمعة باب في الساعة التي يوم الجمعة ‪،852-13‬‬
‫‪ ،853-16‬وصحيح سنن أبي داود ج ‪.1046-1/924‬‬
‫‪ -‬مسلم ج ‪ 1‬كتاب المساجد مواضع الصلة ‪.652-254‬‬
‫‪ -‬مسلم ج ‪ ،2‬كتاب الجمعة باب التغليظ في ترك الجمعة برقم ‪.865-40‬‬
‫‪ -‬صحيح الترمذي ج ‪ 504-414 1‬وقال اللباني صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬البخاري ج ‪ 1‬الجمعة ‪ .843‬وفي المسند ج ‪ .9/23771‬صدقي محمد جميل‬
‫العطار ‪.‬‬
‫ـ الزيادة عند مسلم ‪ ، 587 /2‬حديث رقم‪. 857 :‬‬
‫‪ -‬البخاري ‪ ،889 /1‬ومسلم ج ‪ 2‬الجمعة برقم ‪.596 / 55‬‬
‫‪ -‬مسلم ‪ ،2‬كتاب الجمعة باب النصات يوم الجمعة في الخطبة ‪،583 /12‬‬
‫وفي صحيح أبي داود ‪ 1112-1/983‬قريبا ً من هذا‪.‬‬
‫‪ -‬الفتح الرباني ‪ 6/62‬رقم ‪.1563‬‬
‫‪ -‬الفتح الرباني ‪ 6/97‬رقم ‪ 1599‬من حديث بن عباس‪ ،‬باب المنع من الكلم‬
‫والمام يخطب‪.‬‬
‫‪ -‬الفتح الرباني ‪ 6/71‬رقم ‪ 1573‬وصحيح أبي داؤود ‪ ،1/989‬وفي النسائي‬
‫‪ 3/103‬رقم ‪ ،1399‬وقال اللباني صحيح‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬أحمد ‪ ،3/417‬قال الهيثمي في مجمع الزوائد ‪ : 2/179‬فيه هشام بن زياد‬


‫وقد أجمعوا على ضعفه أنظر الميزان ‪ 4/298‬برقم ‪.9223‬وضعفه اللباني‬
‫في سلسلة الضعيفة ‪6/312‬‬
‫ـ البخاري ‪ ، 222 /2‬حديث رقم‪ ،590 :‬ومسلم ‪ ، 325 /1‬حديث رقم‪.437 :‬‬
‫ـ مسلم ‪ ، 325 /1‬حديث رقم‪.438 :‬‬
‫‪ -‬البخاري ‪ .1/841‬مسلم ‪ ،2/10/850‬وفي صحيح أبي داؤود ‪.351-1/338‬‬
‫وفي صحيح الترمذي ج ‪.503-1/413‬‬
‫‪ -‬مسلم ‪ 2‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب الصلة بعد الجمعة باب ‪ ،881-67‬وباب‬
‫‪.68/600‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يوم الفرقان انتصار وقلب لموازين القوى‬


‫أحدثت معركة بدر الكبرى‪ ،‬تحويل ً كبيرا ً في مجريات الحداث داخل الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬كما غيرت كثيرا ً من المعالم الجتماعية والسياسية والعسكرية‬
‫والقتصادية‪ ،‬ولعل أبرز ما أحدثته بادئ ذي بدء‪ ،‬ذلك الشرح الكبير في‬
‫موازين القوى بين التجمعات السكانية والعشائر العربية‪ ،‬ولم يكن أحد من‬
‫سكان الجزيرة العربية يتوقع آنذاك أن تغير هذه المعركة مجريات المور‬
‫وأحداث الحياة‪ ،‬وكانت تسكن الجزيرة ‪ -‬بعد الهجرة بسنتين ‪ -‬فئات مختلفة‬
‫نوزعت بين الحواضر والبادية‪ ،‬كما اختلفت تحالفات تلك الفئات تبعا ً لعقائدها‪،‬‬
‫حيث انقسمت الجزيرة العربية بسكانها قسمين رئيسين‪ ،‬مجتمع الكفر‬
‫والضلل والجاهلية‪ ،‬ويشمل فئات متعددة‪ ،‬أبرزها مجتمع مكة الجاهلي‪ ،‬ثم‬
‫مجتمع العشائر والقبائل العربية التي تعيش في البادية‪ ،‬وهناك طائفة اليهود‬
‫التي كانت تقبع حول المدينة المنورة‪ ،‬وتعتبر هذه التجمعات هي أركان‬
‫المجتمع الكافر بين يدي غزوة بدر‪ ،‬وأما القسم الثاني من سكان الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬فهم المسلمون الذين اتخذوا المدينة المنورة سكنا ً لهم‪ ،‬وهم‬
‫المهاجرون والنصار‪ ،‬وسوف أتناول هنا أثر معركة بدر على كل فئة من هذه‬
‫الفئات‪.‬‬
‫غزوة بدر في مجتمع المدينة المسلم‪:‬‬
‫ومجتمع المدينة مجتمع صغير‪ ،‬يجمع بين المهاجرين‪ ،‬والوس والخزرج من‬
‫النصار‪ ،‬بايعوا الله ورسوله على اليمان والسلم والجهاد في سبيل الله‬
‫لعلء كلمته‪ ،‬وبعد انتهاء معركة بدر‪ ،‬أرسل الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬رجلين إلى المدينة؛ ليزفوا البشرى لهلها بنصر الله‪ ،‬وأحد هذين الرجلين‬
‫من النصار وهو عبد الله بن رواحه شاعر الدعوة‪ ،‬والخر زيد بن حارثة وهو‬
‫من المهاجرين‪ ،‬ولما غنم أهل المدينة بنصر إخوانهم في معركة اليمان‬
‫والشرك الفاصلة‪ ،‬خرج رؤوسهم يستبقون وصول رسول الله إلى المدينة‪،‬‬
‫ولما وصل الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إلى منطقة الروحاء‪ ،‬التقى‬
‫بكبار رجال المدينة المسلمة‪ ،‬الذين قدموا له ولمن شهد بدرا ً معه تهانئ‬
‫النصر فرحين مستبشرين بنصر الله‪ ،‬وهذا موقف فيه كثير من الدللت‪ ،‬لقد‬
‫وفد المسلمون دون ما خوف أو هلع أو خشية‪ ،‬جاءوا مرفوعي الرأس بما‬
‫منحهم الله من نصر‪ ،‬وكانوا يعانون من الظلم والرهق والعناد الذي كانت‬
‫تواجههم به مجتمعات الكفر‪ ،‬فلقد رفعت غزوة بدر من معنويات المسلمين‪،‬‬
‫فشد الله أزرهم بذلك‪ ،‬فازدادوا بذلك نصًرا فوق نصرهم‪ ،‬وأثناء تهنئة وفود‬
‫المدينة للرسول وصحبة‪ ،‬قال لهم أحد المقاتلين‪ ،‬وهو سلمه بن سلمة‪ ،‬ما‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي تهنئوننا به؟ فوالله إن لقينا إل عجائز صلعا ً كالبدن‪ ،‬فتبسم رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وقال‪ :‬يا ابن أخي‪ ،‬أولئك المل‪ ،‬وقد قصد ‪ -‬رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنهم الشراف‪ ،‬وفي ذلك ما فيه من معاني‬
‫العزة السلمية‪ ،‬فوصف سلمة بن سلمة لصناديد المشركين أثناء القتال‬
‫بأنهم عجائز صلع كالبدن‪ ،‬يدل على مدى القوة التي منحها السلم العظيم‬
‫لجنود بدر‪ ،‬بحيث كان كل جندي يستصغر فراعين قريش‪ ،‬وكفارها العتاة‪،‬‬
‫الذين أذاقوا ضعاف المسلمين في مكة سوء العذاب‪ ،‬فقد كانوا هم‬
‫الشراف‪ ،‬وكانوا يعاملون المسلمين بأسوء أشكال العنف والضطهاد‪.‬‬
‫أما موقف المتخلفين عن بدر من أهل المدينة المسلمين‪ ،‬فقد كان موقفا ً‬
‫مؤثرا ً جدًا‪ ،‬كيف ل؟ وهم ل يعرفون أن إخوانهم وقائدهم سوف يخوضون‬
‫هذه المعركة الفاصلة‪ ،‬التي انتصرت فيها القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة‬
‫المشركة‪ ،‬ولعل في قول الصحابي أسيد بن الخضير ما يبوح بذلك‪ ،‬ففي‬
‫الروجاء‪ ،‬كان أسيد مع وفود التهنئة‪ ،‬وقد خاطب الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫ل‪" :‬يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر‪ ،‬وأنا أظن أنك تلقى‬ ‫وسلم ‪ -‬قائ ً‬
‫عدًوا‪ ،‬ولكن ظننت أنها عبر‪ ،‬ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت‪..‬‬
‫أما مجتمع المدينة فقد كان ينتظر نتائج المعركة على أحر من الجمر‪ ،‬ولما‬
‫وصلهم البشيران )ابن رواحه وأن حارثه( علت أصوات المسلمين بالتهليل‬
‫ذل المنافقون واليهود الذين كانوا يبشرون المسلمين بخسارة‬ ‫خ ِ‬
‫والتكبير‪ ،‬و ُ‬
‫محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وصحبه‪ ،‬وكان هؤلء يحاولون زرع الشكوك‬
‫وبث الرعب في صفوف المسلمين‪ ،‬إل أن خبر النصر أزعجهم‪ ،‬بينما عمت‬
‫البهجة والسرور نفوس المسلمين‪ ،‬وزالت عنهم الهواجس المزعجة‪ ،‬التي‬
‫انتابتهم نتيجة الشاعات الكاذبة‪ .‬والرجاف المقصود‪ ،‬الذي نظمه اليهود‬
‫والمنافقون‪ ،‬وهذا شأنهم في كل عصر وفي كل مكان‪ ،‬فهما فريقان متفقان‬
‫دائما ً على الكيد للمسلمين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولما دخل الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬المدينة استقبله أهلها استقبال ً‬
‫رائعًا‪ ،‬أما اليهود والمنافقون فقد اسودت وجوههم‪ ،‬واستبد بهم الخوف‬
‫والحقد في آن واحد بينما ارتفعت معنويات المسلمين‪ ،‬وعلت شوكتهم على‬
‫المشركين والمنافقين واليهود‪ ،‬وتسامع العرب في أرجاء الجزيرة بانتصار‬
‫القلة المؤمنة‪ ،‬على الكثرة الكافرة‪ ،‬فدخلت هيبة السلم والمسلمين في‬
‫قلوبهم‪ ،‬وكان لهذا أثر كبير في إيمان كثير من القبائل ودخولها في معاهدات‬
‫وأحلف مع المسلمين‪ ،‬بل ودخول بعضها في السلم فيما بعد‪.‬‬
‫صدى المعركة في مكة وآثارها على المشركين‪:‬‬
‫قلنا إن معركة بدر انتهت بتغيير موازين القوى الروحية والسياسية‬
‫والعسكرية والجتماعية في الجزيرة العربية‪ ،‬وكان أن قفزت سمعة‬
‫المسلمين العسكرية والقتالية إلى الوج‪ ،‬فأصبحوا سادة الموقف‪ ،‬ول سيما‬
‫في منطقة المدينة وما يحوط بها‪ ،‬وبالمقابل‪ ،‬فإن سمعة قريش الكافرة‬
‫تدهورت سياسيا ً وعسكريا ً وما عادت لها هيبتها السابقة‪.‬‬
‫أما أخبار المعركة في مكة‪ ،‬فقد عم الذهول أرجاء مكة آنذاك‪ ،‬فعندما تلقى‬
‫المشركون النبأ لم يصدقوا المر بادئ ذي بدء‪ ،‬حيث كانوا يتهمون ناقلي‬
‫الخبار بالجنون‪ ،‬فما كان يخطر ببالهم أن ينتصر المسلمون‪ ،‬وما كانوا‬
‫يتصورون أن ألف مقاتل يضم خيرة شباب قريش وأمهر قادتها وأشجع‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زعمائها سوف يولون الدبار أو يقتلون أو يصابون بما لم يعهدوه من الخسارة‬


‫والهزيمة‪ ،‬بل الهزيمة النكراء أمام ثلثمائة مقاتل من المسلمين‪ ،‬وكان أول‬
‫من وصل من بدر على مكة‪ ،‬الحيسمان بن أياس الخزامي‪ ،‬الذي كان أول‬
‫الفارين‪ ،‬وقد تجمع حوله الناس يسألونه عن نتيجة المعركة‪ ،‬فأبلغهم خبر‬
‫الهزيمة التي نزلت بجيش مكة‪ ،‬وبينما كان يعدد لهم بعض أسماء الصرعى‬
‫من زعماء مكة وقادتها وقف عليه صفوان بن أمية‪ ،‬وهو أحد زعماء‬
‫المشركين الذين لم يشهدوا بدرا ً فذهل وانقلب به الوعي‪ ،‬إل أن كبرياءه‬
‫وعتوه وعناده وبغضه للمسلمين آنذاك‪ ،‬حاد به عن تصديق المر‪ ،‬فعاد يكذب‬
‫الحيسمان وأخباره‪ ،‬وراح يؤكد لمن حضر من القرشيين أنه مجنون‪ ،‬ورغبة‬
‫منه في التأكيد الزائد التفت إلى المجتمعين وخاطبهم‪ ،‬اسالوه ‪ -‬يقصد‬
‫الحيسمان ‪ -‬عني إن كان يعقل‪ ،‬فقال القوم للحيسمان‪ :‬ما فعل صفوان بن‬
‫أمية! فقال‪ :‬هو ذاك جالس في الحجر‪ ،‬وقد ازدادت دهشتهم حين قال لهم‪:‬‬
‫لقد رأيت أباه وأخاه حين قتل‪.‬‬
‫أما هذه النباء فقد اختلط الحابل بالنابل في مكة‪ ،‬أسقط في أيدي الزعماء‬
‫العتاة‪ ،‬الذين علت صيحات التشكيك من أفواههم‪ ،‬وهاج عامة الناس‪،‬‬
‫واختلطت أقوالهم وتحليلتهم للموقف وما عاد المرء منهم يعرف صوابه‬
‫لهول الصدمة وعنف الخبر‪ ،‬وقد زاد المر تأكيدا ً عليهم‪ ،‬مجيء ابن سفيان بن‬
‫الحارث‪ ،‬وهو أحد القادة المشركين الكبار‪ ،‬الذين قادوا المعركة وأداروها‪،‬‬
‫وترأسوا دفة القتال ضد المسلمين في المعركة‪ ،‬فبدأ أقواله بجميع ما‬
‫أخبرهم به الحيسمان‪ ،‬وأدلهم على هزيمة فرسان الشرك وجيوشه أمام‬
‫النصر الساحق للمسلمين القلة‪ ،‬وفي حديث الحارث لبي لهب ما يوضح‬
‫الموقف على لسان أحد القادة‪ ،‬فقد سأله أبو لهب عن خبر المعركة فأجابه‪،‬‬
‫"والله ما هو إل أن لقينا القوم‪ ،‬فمنحناهم أكتافنا يقلبوننا كيف شاءوا‪ ،‬وأيم‬
‫الله – مع ذلك ‪ -‬ما لمت الناس‪ ،‬لقينا رجال بيض على خيل يلقون‪ ،‬من بين‬
‫السماء والرض‪ ،‬والله ل يقوم لها شيء‪.‬‬
‫وهكذا تأكد خبر الهزيمة‪ ،‬حيث عرف كل بيت في مكة بمصابه‪ ،‬وعرف‬
‫المقتولين منه‪ ،‬فقامت المناحات‪ ،‬إل أن زعماء مكة أصدروا أمًرا بأن ل ينوح‬
‫أحد على قتيل من قتلى هذه المعركة‪ ،‬وطلبوا من جميع الناس التزام‬
‫الصمت والسكوت مع إظهار الجلد‪ ،‬وقد دفعهم إلى ذلك رغبتهم في عدم‬
‫شمات المسلمين بهم‪ ،‬والحق أن نتيجة المعركة كانت فاجعة أليمة في مكة‪،‬‬
‫فلم يكد ينجو بيت هناك من مأتم على قتيل‪ ،‬ولقد بلغ المصاب أن بعض‬
‫الشراف والزعماء‪ ،‬فقد أكثر من قتيل من أسرته في هذه المعركة التي‬
‫أشعلها أو جهل بدافع من كبريائه وخيلئه دون أن يكون لها مبرر في نظر‬
‫كثير من المشركين والقادة‪ ،‬ومن ذلك أن صفوان بن أمية فقد في هذه‬
‫المعركة أباه‪ ،‬كما فقد أخاه علًيا‪ ،‬أما أبو سفيان فقد فقد ابنه خنظله وأسر‬
‫ابنه الثاني عمرو‪ ،‬وقد طهت هذه المعركة حياة العتاة الكبار وعلى رأسهم‬
‫أبو جهل‪ ،‬الذي ما فتئ طيلة حياته يكيد للسلم والمسلمين فكان بذلك‬
‫فرعونا ً كبيرا ً يكيد للدعوة وللمسلمين‪ ،‬وعلى الرغم من أن المعركة حطمت‬
‫رؤوس طواغيت الشرك‪ ،‬إل أنهم لم يستكينوا‪ ،‬فبعد أن أفاقوا من هول‬
‫الصدمة‪ ،‬أخذوا يواصلون اجتماعاتهم وينظمون مؤتمراتهم‪ ،‬ويبحثون عن‬
‫السبل التي تمكنهم من غسل العار الذي حاق بهم‪ ،‬فقد ازدادوا حقدا ً على‬
‫رسول الله وازدادوا بغضا ً للمسلمين‪ ،‬فكان أن أعنلوا التعبئة العامة لخوض‬
‫معركة الثأر‪ ،‬ومنعوا كل رجل في مكة من اعتناق السلم وحاربوه أشد ما‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تكون الحرب‪.‬‬
‫موقف اليهود والمنافقين من المعركة وأثرها عليهم‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكان هؤلء يسكنون المدينة‪ ،‬أما اليهود فكانوا معروفين‪ ،‬وأما المنافقون‬
‫فكانوا يتغلغلون في صفوف المسلمين‪ ،‬وكانوا جميعا ً يتمنون اندحار‬
‫المسلمين‪ ،‬بل إنهم كانوا يتوقعون هزيمة المسلمين القلة‪ ،‬ونصر المشركين‬
‫الكثر الشداء القوياء‪ ،‬وقد قام كل من اليهود والمنافقين بتنظيم حملة‬
‫ضخمة من الشائعات المرجفة‪ ،‬وذلك لبلبلة الفكار وخلخلة المسلمين‪ ،‬وكان‬
‫أن أشاعوا في المدينة بين المسلمين‪ ،‬خبر مقتل النبي ‪ -‬عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ -‬كما أشاعوا خبر هزيمة المسلمين‪ ،‬وتمزيق جيشهم منذ بدء‬
‫المعركة‪ ،‬وعلى الرغم من مجيء أخبار نصر المسلمين‪ ،‬واندحار جيش الكفر‬
‫القرشي‪ ،‬فقد حاول اليهود المنافقون تكذيب أخبار نصر جيش محمد ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ .-‬واستمروا في إرجافهم وبث شائعاتهم‪ ،‬حتى إن أحد‬
‫المنافقين‪ ،‬عندما شاهد زيد بن حارثة يركب القصواء ناقة رسول الله هتف‪:‬‬
‫لقد قتل محمد‪ ،‬وهذه ناقته نعرفها‪ ،‬وهذا زيد ل يدري ما يقول من الرعب‪،‬‬
‫وجاء فل ً أي مهزومًا‪ .‬كما قالت اليهود‪ :‬ما جاء زيد إل ف ً‬
‫ل‪ ،‬وكان لهذه‬
‫الرجافات والشاعات المتلحقة التي تعاون اليهود والمنافقون على نشرها‪،‬‬
‫بعض الثر في قلق المؤمنين في المدينة‪ ،‬حيث ظلت فئة منهم تترقب عودة‬
‫جيش المسلمين كامل ً لتقف بنفسها على حقيقة النصر الذي كتبه الله للفئة‬
‫المؤمنة‪.‬‬
‫إل أن رؤوس الكفر من اليهود والمنافقين صعقوا مرة واحدة لدى وصول‬
‫جيش رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إلى المدينة‪ ،‬فعلى الرغم من‬
‫استمرارهم بأساليب الرجاف والكيد‪ ،‬فإن حقيقة نصر المؤمنين سكنت‬
‫كيدهم الذي كادوه‪ ،‬فعندما شاهدوا طليعة الجيش المنتصر‪ ،‬رجعوا واتلفأوا‬
‫على أنفسهم خاسئين‪ ،‬وقد كادوا أن يتهموا أبصارهم عندما شاهدوا صناديد‬
‫قريش وأقوياءها أسرى في يد المسلمين‪ ،‬فقد دهشوا أشد دهشة عندما رأوا‬
‫سهيل بن عمرو‪ ،‬ونوفل بن الحارث‪ ،‬وعمرو بن أبي سفيان‪ ،‬والعباس بن عبد‬
‫المطلب‪ ،‬والوليد بن الوليد أسرى مكبلين يقودهم المسلمين كالنعاج‪ ،‬وقد‬
‫شدت أيديهم إلى الوراء يتعثرون في خطاهم كما تتعثر الدابة المكبلة‪ ،‬وقد‬
‫صار اليهود والمنافقون في حالة من الذعر والذلة ل توصف‪ ،‬وذلك عندما‬
‫دخل رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬المدينة منتصرًا‪ ،‬حيث استقبلته‬
‫المدينة استقبال ً رائعًا‪ ،‬مما زاد من إذلل وجود اليهود المنافقين الذين دأبوا‬
‫على الرجاف والمكيدة‪.‬‬
‫ً‬
‫فقد قلبت معركة بدر الموازين رأسا على عقب‪ ،‬فقد أصبحت السيطرة‬
‫للمسلمين‪ ،‬أما مشركوا المدينة فقد خافوا على بعضهم‪ ،‬فما كان إل أن‬
‫تظاهروا بالسلم مع بقائهم على كفرهم‪ ،‬فازداد عدد المنافقين‪ ،‬وكان على‬
‫رأسهم المنافق الكبير عبد الله بن أبي بن سلول‪ ،‬فقد نصح أصحابه آنذاك أن‬
‫يعلنوا إسلمهم‪ ،‬وقد قال مشيرا ً إلى قوة المسلمين واشتداد شوكتهم‪) :‬هذا‬
‫أمر قد توجه ‪ -‬أي استمر ‪ -‬فل مطمع في إزالته‪ ،‬ثم أعلن ابن سلول إسلمه‪،‬‬
‫وتبعته أحزاب النفاق‪ ،‬حيث تظاهروا بالسلم خوفا ً على نفوسهم أو ً‬
‫ل‪،‬‬
‫وليكيدوا للسلم والمسلمين من داخل الصفوف المؤمنة‪ ،‬فظلوا يتربصون‬
‫الدوائر لسقاط الدعوة الجديدة‪ ،‬ولجأوا في محاربة الرسول وأصحابه إلى‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سلوك سبيل الدس والخيانة والخديعة‪ ،‬وصاروا يرسمون الخطط سرا ً لليقاع‬
‫بالنبي‪ ،‬وينتهزون الفرص لتفكيك وحدة أصحابه وإضعاف قوتهم‪.‬‬
‫ويضاف إلى هذا بعض اليهود‪ ،‬وهم الذين عاهدوا الرسول على عدم اليذاء‬
‫فخالفوا عهدهم‪ ،‬وأعلنوا سخطهم على الرسول وأصحابه بعد هذه المعركة‬
‫التي حاقت بالمشركين‪ ،‬فصاروا يحرضون أهل مكة على الفتك بالنبي‬
‫والقضاء على دعوته‪ ،‬وصاروا يقدمون لهم أيضا ً كل مساعدة‪ ،‬وضربوا بذلك‬
‫عهدهم الذي أعطوه للرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬وهكذا فقد أفقد‬
‫النصر الذي أحرزه المسلمون اليهود صوابهم‪ ،‬فاشتد حقدهم على السلم‪،‬‬
‫وتضاعف نشاطهم ضد الدعوة‪ ،‬إل أن المسلمين ابتعدوا عن الصدام مع‬
‫اليهود آنذاك‪ ،‬حتى تفاقم المر‪ ،‬واتسع الخلف بين المسلمين واليهود بسبب‬
‫ما كان يكيده هؤلء للسلم‪ ،‬مما اضطر رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫أن يقضي على بعضهم وأن يبعد القسم الخر عن المدينة‪ ،‬لتطهيرها من‬
‫فتنهم ودسائسهم ومؤامراتهم‪.‬‬
‫المعركة وأعراب الجزيرة العربية‪:‬‬
‫عمت أخبار نصر المسلمين في بدر سائر الجزيرة العربية‪ ،‬وسمعت بها‬
‫عشار العراب المتفرقة حول الحواضر وفي البادية‪ ،‬وكان هؤلء يكنون‬
‫لقريش احتراما ً شديدًا‪ ،‬لذلك فقد أثرت فيهم أخبار النتصار السلمي في‬
‫بدر تأثيرا ً كبيرًا‪ ،‬فقد اضطرب كثير منهم وبخاصة العراب الذين يسكنون‬
‫قرب المدينة‪ ،‬عندما خافوا أن تشتد قبضة المسلمين‪ ،‬مما يحول بينهم وبين‬
‫مبدأ حياتهم القائمة على السلب والنهب‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فقد كانوا يعيشون على الغارة وسلب أرزاق الخرين‪ ،‬ويرى محمد أحمد‬
‫باشميل أن خوف العراب من الدعوة السلمية لم يكن موقفا ً عقائديًا‪ ،‬ذلك‬
‫أن "مسألة الكفر واليمان ليست ذات أهمية بالنسبة لهؤلء العراب‪ ،‬إذا‬
‫قيست بمسألة حرصهم وإصرارهم على إخضاع المنطقة لرماحهم‪ ،‬ينهبون‬
‫ويسلبون في ظلها‪ ،‬كما هي شرعة الجاهلية في جميع مناطق العراب"‪.‬‬
‫ويميز باشميل بين موقف مشركي مكة والعراب من الدعوة السلمية قائل‪ً:‬‬
‫"فباعث قلق العراب من انتصار المسلمين في هذه المعركة‪ ،‬وانتشار‬
‫نفوذهم‪ ،‬لم يكن باعثا ً سياسيا ً أو عقائديًا‪ ،‬وهذا عكس ما عليه أهل مكة الذين‬
‫يعتبرون أنفسهم حراس الوثنية وسدنة الكعبة‪ ،‬والزعماء الروحيين لجميع‬
‫المشركين في الجزيرة بحكم وجودهم في منطقة الحرم التي يعظمها ويحج‬
‫لها جميع الوثنيين على اختلفهم في تعدد اللهة التي يعبدون من دون الله‪،‬‬
‫كما أن قريشا ً كانت تعتبر من الناحية السياسية والعسكرية في الدرجة‬
‫الولى بالنسبة لجميع سكان الجزيرة‪ ،‬مما أعطاها مركز ممتازا ً بين جميع‬
‫قبائل العرب في كل من الميادين‪ ،‬ولهذا كان حقد قريش على محمد‪،‬‬
‫وبغضهم للسلم قائما ً على بواعث عقائدية وسياسية في الدرجة الولى‪،‬‬
‫ومن هنا صاروا أشد سكان الجزيرة حرصا ً على القضاء على محمد وقتل‬
‫دعوته على أن امتداد قوة المسلمين فيما بعد‪ ،‬كان سببا ً في دخول كثير من‬
‫القبائل في السلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهكذا نرى أن معركة بدر كانت حدا فاصل بين الكفر على اختلف اتجاهاته‪،‬‬
‫وبين اليمان الذي رسخ في القلوب‪ ،‬واستقر في العقول‪ ،‬فعقبت به الرواح‬
‫نصرا ً مبينًا‪ ،‬فقد تغيرت موازين القوى لصالح المسلمين‪ ،‬واندحر الكفر‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫باندحار قريش وخيبة أمل اليهود والمنافقين‪.‬‬


‫عبد العزيز عبد اللطيف‬

‫)‪(4 /‬‬

‫"يوم الفلوجة"‬
‫معروف الرصافي‬
‫قالها في مدينة الفلوجة البطلة ومقاومتها ضد الستعمار عام ‪1941‬م‪:‬‬
‫أيها "النكليز" لن ‪ii‬نتناسى‬
‫ي الله إل‬ ‫ذاك بغي لن يشف َ‬
‫هو كرب تأبى الحمية ‪ii‬أّنا‬
‫هو خطب أبكى ‪"ii‬العراقيين"‬
‫حّلها جيشكم يريد ‪ii‬انتقاما ً‬
‫يوم عاثت ذئاب "آشور" ‪ii‬فيها‬
‫فاستهنتم بالمسلمين ‪ii‬سفاها‬
‫ل كأسا ً‬ ‫وأدرتم فيها على العْز ِ‬
‫واستبحتم أموالها ‪ii‬وقطعتم‬
‫أفهذا تمدن‪ii ،‬وعلء‬
‫ب‬‫أم سكرتم لما غلبتم ‪ii‬بحر ٍ‬
‫قد نتجنا لقوحها عن ‪ii‬خداج‬
‫هل نسيتم جيشا ً لكم ‪ii‬مبذعرا)‪(1‬‬
‫ً‬
‫وهوى بانهزامه حصن ‪"ii‬اقريط"‬
‫سوف ينأى بخزيه ‪ii‬وبعار‬
‫ل تغرنكم شبا ٌ‬
‫ك ‪ii‬كبار‬
‫لستم اليوم في المسالك ‪ii‬إل‬
‫ت فيه غير ‪ii‬سعيد‬ ‫ن عش ُ‬ ‫وط ٌ‬
‫أتمنى فيه السعادة ‪ii‬لكن‬
‫أخصب الله أرضه ولو ‪ُii‬اني‬
‫كل يوم بعزه ‪ii‬أتغنى‬
‫ما حياة النسان بالذل ‪ii‬إل‬
‫فثناء "للرافدين" ‪ii‬وشكرا ً ‪ ... ...‬بغيكم في مساكن ‪ii‬الفلوجة‬
‫بالمواضي؛ جريحه ‪ii‬وشجيجه‬
‫ف نبتغي ‪ii‬تفريجه‬ ‫بسوى السي ِ‬
‫ن الب ِْنيةِ ‪ii‬المحجوجه‬ ‫والشام ورك َ‬
‫وهو مغرٍ بالساكنين ‪ii‬علوجه‬
‫عيشة تحمل الشنار ‪ii‬سميجه‬
‫واتخذتم من اليهود ‪ii‬وليجه‬
‫من دماء بالغدر كانت ‪ii‬مزيجه‬
‫بين أهل الديار كل ‪ii‬وشيجه‬
‫دعي إليه عروجه‬ ‫شعبكم ي ّ‬
‫لم تكن في انبعاثها بنضيجه‬
‫فلذاك انتهت بسوء ‪ii‬النتيجه‬
‫شهدت جبنه سواحل ‪"ii‬إيجه"‬
‫وأمسى قذى على "عين ‪ii‬فيجه‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن بلد تريد منها ‪ii‬خروجه‬


‫أصبحت لصطيادنا ‪ii‬منسوجه‬
‫جمل ً تحت صدره ُدحروجه‬
‫عيش حر يأبى على الدهر عوجه‬
‫ليس لي فيه ناقة ‪ii‬منتوجه‬
‫لست أرعى رياضه ‪ii‬ومروجه‬
‫جاعل ً ذكر عزه ‪ii‬أهزوجه‬
‫سوها ‪ii‬ممجوجه‬ ‫ح ْ‬
‫مرة عند َ‬
‫وسلما ً عليك يا ‪"ii‬فلوجه"‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫)‪(1‬متفرقا‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يوم المسلم بين الحفظ والضياع‬


‫أخي المسلم ‪:‬‬
‫سلم الله عليك ورحمته وبركاته وبعد ‪.‬‬
‫احفظ الله يحفظك ‪ ،‬احفظ الله تجده تجاهك ‪.‬‬
‫هل حفظت الله تعالى في صلة الفجر فصليتها جماعة ‪ .‬فقد صح عنه ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬أنه قال ‪)) :‬من صلى الفجر في جماعة فهو ذمة الله(( ))أي‬
‫في حفظه ورعايته(( ‪.‬‬
‫هل صليت الصلوات الخمس بخشوع وخضوع وحضور قلب ‪ .‬قال تعالى‬
‫}حافظوا على الصلوات والصلة الوسطى وقوموا لله قانتين{ وهل أدينت‬
‫السنن الرواتب هل جددت التوبة كل يوم وأكثرت من الستغفار }يا أيها‬
‫الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا{ ] التحريم ‪. [ 8 :‬‬
‫عمل يسير عليك أيها المسلم يجزئك عن كل مفصل من جسمك ركعتا‬
‫الضحى هي صلة الوابين الصادقين ‪.‬‬
‫يوم ل تقرأ فيه شيئا ً من القرآن يوم مظلم ل بركة فيه ‪ ،‬لن بركة الوقت‬
‫تؤخذ من القرآن }كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا‬
‫اللباب{ ] ص ‪. [ 29 :‬‬
‫قسوة القلب مصيبة من أعظم المصائب دواؤها ذكر الله عز وجل }أل بذكر‬
‫الله تطمئن القلوب{ ومنها أذكار الصلوات وأذكار الصباح والمساء كيف‬
‫يسلم لك أيها المسلم إيمانك وقد أطلقت نظرك إلى الحرام }قل للمؤمنين‬
‫يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم{ ] النور ‪. [ 30 :‬‬
‫يومك المبارك يوم تتصدق بصدقة أو تدخل السرور على مسلم أو تصلح بين‬
‫متشاجرين }ل خير في كثير من نجواهم إل ّ من أمر بصدقة أو معروف أو‬
‫إصلح بين الناس{ ] النساء ‪. [ 114 :‬‬
‫وأنت في طريقك إلى اليوم الخر ل تنس زادك }وتزودوا فإن خير الزاد‬
‫التقوى{ قيام الليل ‪ ،‬صيام النوافل ‪ ،‬زيارة المريض ‪ ،‬زيارة القبور ‪ ،‬تشييع‬
‫الجنائز ‪ ،‬مجالس الذكر ‪ ،‬البكاء من خشية الله ‪ ،‬التفكر في آيات الله تعالى ‪،‬‬
‫سلمة الصدر ‪ ،‬حفظ اللسان ‪ ،‬حب الصالحين ‪.‬‬
‫كلها نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ‪.‬‬
‫صلة وسلما ً على محمد نبي الهدى والرحمة والل والصحب والتابعين ‪.‬‬
‫أخوكم‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفقير إلى عفو ربه‬


‫عائض بن عبدالله القرني‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يوم تبلى السرائر‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله‪ ،‬نبينا‬
‫محمد وآله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪.‬‬
‫كر الله سبحانه‬ ‫ة عظيمة من كتاب الله عز وجل‪ُ ،‬يذ ّ‬ ‫فعنوان هذه المقالةِ آي ٌ‬
‫عباده فيها بشأن القلوب‪ ،‬وأعمالها وسرائرها‪ ،‬مما ل يعلمه الناس وهو بها‬
‫ه الله عز وجل من خلل هذه اليةِ على أن هذه السرائر ستبلى‬ ‫عالم‪ ،‬كما ينب ُ‬
‫وتختبر يوم القيامة‪ ،‬ويظهر ما فيها من الخلص‪ ،‬والمحبة والصدق‪ ،‬أو ما‬
‫يضادها من النفاق والكذب والرياء‪.‬‬
‫وذلك في يوم القيامة‪ ،‬يوم الجزاء والحساب‪ ،‬وهذا واضح من الية وما قبلها‬
‫سَرائ ُِر‬‫م ت ُب َْلى ال ّ‬ ‫جعِهِ ل َ َ‬
‫قادٌِر ي َوْ َ‬ ‫ه عََلى َر ْ‬‫وبعدها‪ ،‬حيث يقول الله عز وجل‪ )) :‬إ ِن ّ ُ‬
‫صرٍ (( )الطارق‪. (10:‬‬ ‫ن قُوّةٍ َول َنا ِ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫ما ل َ ُ‬
‫فَ َ‬
‫ط نظر الله عز وجل‪ ،‬وعليه يدور القبول والرد‪ ،‬كما قال ‪-‬‬ ‫والقلب هو مح ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ )) : -‬إن الله ل ينظر إلى أجسامكم ول إلى صوركم‬
‫ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم (( ]‪.[1‬‬
‫والسريرة إذا صلحت صلح شأن العبد كله‪ ،‬وصلحت أعماله الظاهرة ولو‬
‫كانت قليلة‪ ،‬والعكس من ذلك عندما تفسد السريرة‪ ،‬فإنها تفسد بفسادها‬
‫ل العبد وأعماله‪ ،‬وتكون أقرب إلى النفاق والرياء عياًذا بالله تعالى‪،‬‬ ‫أقوا ُ‬
‫ح هذا المر قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ )) : -‬أل وإن في الجسد‬ ‫ويوض ُ‬
‫مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله أل وهي‬
‫القلب (( ]‪. [2‬‬
‫ويشرح هذا ما نقله صاحب الحلية‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬عن وهب قوله‪ ) :‬ول‬
‫ن مثل العلنية مع السريرة‪ ،‬كمثل‬ ‫تظن أن العلنية هي أنجح من السريرة‪ ،‬فإ ّ‬
‫ورق الشجر مع عرقها‪ ،‬العلنية ورقها‪ ،‬والسريرة عرقها‪ .‬إن ُنخر العرق‬
‫هلكت الشجرة كلها‪ ،‬ورقها وعودها‪ ،‬وإن صلحت صلحت الشجرة كلها‪ ،‬ثمرها‬
‫ل ما ظهر من الشجرة في خيرٍ ما كان عرقها مستخفًيا‪ ،‬ل‬ ‫وورقها‪ ،‬فل يزا ُ‬
‫حا ما كان له سريرة ً صالحة‪ ،‬يصدق‬ ‫ُيرى منه شيء‪ ،‬كذلك الدين ل يزال صال ً‬
‫ن العلنية تنفعُ مع السريرة الصالحة‪ ،‬كما ينفع عرق‬ ‫الله بها علنيته‪ ،‬فإ ّ‬
‫الشجرة صلح فرعها‪ ،‬وإن كان حياتها من قبل عرقها‪ ،‬فإن فرعها زينتها‬
‫ن العلنية معها تزين الدين‬ ‫وجمالها‪ ،‬وإن كانت السريرة هي ملك الدين‪ ،‬فإ ّ‬
‫وتجمله‪ ،‬إذا عملها مؤمن ل يريد بها إل رضاء ربه عز وجل ( ]‪.[3‬‬
‫م‬
‫ويقول المام ابن القيم‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬في تفسير قوله تعالى‪ )) :‬ي َوْ َ‬
‫ن العمال‬ ‫سَرائ ُِر (( ‪ ) :‬وفي التعبير عن العمال بالسر لطيفة‪ ،‬وهو أ ّ‬ ‫ت ُب َْلى ال ّ‬
‫حا ‪ ،‬فتبدو‬ ‫ه صالحة‪ ،‬كان عمله صال ً‬ ‫نتائج السرائر الباطنة‪ ،‬فمن كانت سريرت ُ‬
‫سريرته على وجهه نوًرا وإشراًقا وحياء‪ ،‬ومن كانت سريرته فاسدة‪ ،‬كان‬
‫عمله تابًعا لسريرته‪ ،‬ل اعتبار بصورته‪ ،‬فتبدو سريرته على وجهه سواًدا‬
‫وظلمة وشيًنا‪ ،‬وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله ل سريرته‪،‬‬
‫فيوم القيامة تبدو عليه سريرته‪ ،‬ويكون الحكم والظهور لها ( ]‪. [4‬‬
‫سَرائ ُِر (( أي‬ ‫م ت ُب َْلى ال ّ‬ ‫ضا في تفسير هذه الية ‪ :‬قوله تعالى ‪ )) :‬ي َوْ َ‬ ‫وقال أي ً‬
‫تختبر‪ ،‬وقال مقاتل‪ :‬تظهر وتبدو‪ ،‬وبلوت الشيَء إذا اختبرته‪ ،‬ليظهر لك‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه وبين‬ ‫باطنه‪ ،‬وما خفي منه‪ ،‬والسرائر جمع سريرة‪ ،‬وهي سرائر الله التي بين ُ‬
‫عبده في ظاهره وباطنه لله‪ ،‬فاليمان من السرائر‪ ،‬وشرائعه من السرائر‪،‬‬
‫فُتختبر ذلك اليوم‪ ،‬حتى يظهر خيُرها من شرها‪ ،‬ومؤّديها من مضيعها‪ ،‬وما‬
‫كان لله مما لم يكن له؛ قال عبد الله بن عمر‪ -‬رضي الله عنهما‪ُ :-‬يبدي الله‬
‫يوم القيامة كل سرٍ فيكون زينا ً في الوجوه‪ ،‬وشيًنا فيها‪ ،‬والمعنى تختبر‬
‫السرائر بإظهارها‪ ،‬وإظهار مقتضياتها من الثواب والعقاب‪ ،‬والحمد والذم ( )]‬
‫‪ ([5‬أهـ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ث إّنها محط نظر الله عز‬ ‫مما سبق يتبين لنا عظم شأن القلب والسريرة‪ ،‬حي ُ‬
‫وجل‪ ،‬وعليها مداُر القبول عنده سبحانه‪ ،‬وحسب صلحها وفسادها يكون‬
‫حسن الخاتمة وسوؤها‪ ،‬وكلما صلحت السريرة نمت العمال الصالحة‪،‬‬
‫ة والعكس‪ ،‬من ذلك في قلة بركة العمال‪ ،‬حينما تفسد‬ ‫وزكت‪ ،‬ولو كانت قليل ً‬
‫السريرة ويصيبها من الفات ما يصيبها‪ ،‬وهذا هو الذي يفسر لنا تفوق أصحاب‬
‫محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬على غيرهم‪ ،‬ممن جاء بعدهم‪ ،‬والذي قد‬
‫يكون أكثر من بعض الصحابة عبادةً وقربات‪.‬‬
‫ل بين العباد عند الله عز وجل‪ ،‬هو ما وقَر في القلب‬ ‫ن أساس التفاض ِ‬ ‫حيث إ ّ‬
‫من سريرةٍ صالحة‪ ،‬حشوها المحبة والتعظيم‪ ،‬والخلص لله تعالى‪.‬‬
‫فعن عبد الله بن مسعود ? قال ‪ )) :‬أنتم أطول صلة‪ ،‬وأكثر اجتهاًدا من‬
‫أصحاب رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬وهم كانوا أفضل منكم‪ ،‬قيل‬
‫له‪ :‬بأي شيء؟ قال‪ :‬إنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الخرة منكم (( ]‬
‫‪.[6‬‬
‫وعن القاسم بن محمد قال‪ :‬كّنا ُنسافر مع ابن المبارك‪ ،‬فكثيًرا ما كان يخطُر‬
‫ببالي فأقول في نفسي‪ :‬بأيّ شيٍء ُفضل هذا الرجل علينا‪ ،‬حتى اشتهر في‬
‫الناس هذه الشهرة‪ ،‬إن كان يصلي إنا لنصلي‪ ،‬ولئن كان يصوم إنا لنصوم‪،‬‬
‫ج إنا لنحج‪.‬‬
‫وإن كان يغزو فإّنا لنغزو‪ ،‬وإن كان يح ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ت إذ طفئ‬ ‫قال ‪ :‬فكّنا في بعض مسيرنا في طريق الشام‪ ،‬ليلة نتعشى في بي ٍ‬


‫ة ثم جاء‬ ‫السراج‪ ،‬فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يستصبح‪ ،‬فمكث هنيه ً‬
‫ت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع‪ ،‬فقلت‬ ‫بالسراج‪ ،‬فنظر ُ‬
‫ه حين فقد السراج‪،‬‬ ‫ُ‬
‫في نفسي‪ :‬بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا‪ ،‬ولعل ُ‬
‫فصار إلى الظلمة ذكر القيامة ]‪. [7‬‬
‫وأخبار السلف في حرصهم على أعمال القلوب‪ ،‬وإصلح السرائر كثيرة‬
‫ومتنوعة‪ ،‬وبخاصة فيما يتعلق بمحبة الله عز وجل‪ ،‬والخوف منه وإخلص‬
‫العمل له سبحانه‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫* قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‪ )) :‬القوة في العمل أن ل تؤخر‬
‫عمل اليوم للغد‪ ،‬والمانة أل ّ تخالف سريرة ٌ علنية‪ ،‬واتقوا الله عز وجل‪،‬فإنما‬
‫التقوى بالتوقي‪،‬ومن يتق الله يقه (( ]‪. [8‬‬
‫ّ‬
‫* وعن عثمان رضي الله عنه قال ‪ ) :‬ما أسّر أحد ٌ سريرة إل أظهرها الله‬
‫ت وجهه‪ ،‬وفلتات لسانه( ‪.‬‬ ‫على صفحا ِ‬
‫دا ارتفع‬ ‫ت أح ً‬
‫* وعن نعيم بن حماد قال‪ :‬سمعت ابن المبارك يقول‪ :‬ما رأي ُ‬
‫ه كثيُر صلة ول صيام‪ ،‬إل ّ أن تكون له سريرة ]‪. [9‬‬ ‫مثل مالك‪ ،‬ليس ل ُ‬
‫ت مسلمة بن عبد الملك فقال‪ :‬يا خالد‪:‬‬ ‫* وعن خالد بن صفوان قال‪ :‬لقي ُ‬
‫أخبرني عن حسن أهل البصرة قلت‪ :‬أصلحك الله‪ ،‬أخبرك عنه بعلم ٍ أنا جاره‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى جنبه‪ ،‬وجليسه في مجلسه‪ ،‬وأعلم من قبلي به‪ ،‬أشبه الناس سريرةً‬
‫بعلنية‪ ،‬وأشبهه قول ً بفعل‪ ،‬إن قعد على أمرٍ قام به‪ ،‬وإن قام على أمرٍ قعد‬
‫عليه‪ ،‬وإن أمر بأمرٍ كان أعمل الناس به‪ ،‬وإن نهى عن شيٍء كان أتر ُ‬
‫ك‬
‫ه مستغنًيا عن الناس‪ ،‬ورأيت الناس محتاجين إليه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫الناس له‪ ،‬رأيت ُ‬
‫حسبك كيف يضل قوم هذا فيهم]‪. [10‬‬
‫ل وعمل‪ ،‬وعملك‬ ‫* وعن الحسن‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬قال‪ :‬ابن آدم‪ ،‬لك قو ٌ‬
‫أولى بك من قولك‪ ،‬ولك سريرةٌ وعلنية‪ ،‬وسريرتك أولى بك من علنيتك ]‬
‫‪. [11‬‬
‫* وعن ابن عيينة‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬قال ‪ )) :‬إذا وافقت السريرة العلنية‬
‫فذلك العدل‪ ،‬وإذا كانت السريرة أفضل من العلنية فذلك الفضل‪ ،‬وإذا كانت‬
‫العلنية أفضل من السريرة فذلك الجور]‪. [12‬‬
‫* وعن عبد الله بن المبارك‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬قال‪ :‬قيل لحمدون بن أحمد‪،‬‬
‫ما بال كلم السلف أنفعُ من كلمنا؟! قال‪ :‬لّنهم تكلموا لعّز السلم‪ ،‬ونجاة‬
‫م لعز النفوس‪ ،‬وطلب الدنيا‪ ،‬ورضا الخلق‬ ‫النفوس‪ ،‬ورضا الرحمن‪ ،‬ونحن نتكل ُ‬
‫]‪. [13‬‬
‫ب على‬ ‫* ويقول ابن القيم‪ -‬رحمه الله تعالى‪ )) : -‬فكل محبةٍ لغيره فهي عذا ٌ‬
‫صاحبها‪ ،‬وحسرةٌ عليه‪ ،‬إل ّ محبته‪ ،‬ومحبة ما يدعو إلى محبته‪ ،‬ويعين على‬
‫طاعته ومرضاته‪ ،‬فهذه هي التي تبقى في القلب يوم تبلى السرائر(( ]‪. [14‬‬
‫ونكتفي بهذه المقتطفات من وصايا السلف‪ ،‬في إصلح السرائر‪ ،‬لنتعرف‬
‫على بعض العلمات الدالة على صلح السريرة‪ ،‬وسلمة القلب‪ ،‬ومنها نعرف‬
‫ما يضادها من المظاهر‪ ،‬التي تدل على فساد في السريرة ومرض في‬
‫القلب‪.‬‬
‫ومن هذه العلمات‪:‬‬
‫)‪ (1‬عناية العبد بأعمال القلوب‪ ،‬ومنها إخلص العمال والقوال لله عز وجل‪،‬‬
‫ومحاولة إخفائها عن الناس‪ ،‬وكراهة الشهرة والظهور‪ ،‬والزهد في ثناء‬
‫الناس‪ .‬ويضاد ذلك الرياء‪ ،‬وإرادة الدنيا بعمل الخرة‪ ،‬وحب الظهور‪.‬‬
‫)‪ (2‬التواضع والشعور بالتقصير‪ ،‬والنشغال بإصلح النفس وعيوبها‪ ،‬ويضاد‬
‫ذلك الكبر والعجب‪ ،‬والولع بنقد الخرين‪.‬‬
‫)‪ (3‬النابة إلى الدار الخرة‪ ،‬والتجافي عن الدنيا‪ ،‬والستعداد للرحيل‪ ،‬وحفظ‬
‫الوقت‪ ،‬وتدارك العمر‪ ،‬ويضاد ذلك الركون إلى الدنيا‪ ،‬وامتلُء القلب بهمومها‬
‫ومتاعها الزائل‪ ،‬ونسيان الخرة‪ ،‬وقلة ذكر الله عز وجل‪ ،‬وتضييع الوقات‪.‬‬
‫ل والحسد‪ ،‬ويضاد ُ ذلك امتلؤه بهذه‬ ‫)‪ (4‬سلمة القلب من الحقدِ والغ ِ‬
‫المراض‪ -‬عياًذا بالله ‪.-‬‬
‫)‪ (5‬التسليم لمر الله عز وجل‪ ،‬وأمر رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬دون‬
‫لماذا وكيف؟؟ ويضاد ذلك الولوع بالمتشابهات‪ ،‬والخواطر الرديئة‪.‬‬
‫)‪ (6‬الهتمام بأمر الدين والدعوة إلى الله عز وجل‪ ،‬والجهاد في سبيله ج ّ‬
‫ل‬
‫وعل‪ ،‬ومحبة كل داعيةٍ إلى الخير والحق‪ ،‬والدعاء له والتعاون معه على البر‬
‫والتقوى‪ ،‬ويضاد ذلك القعود عن تبليغ دين الله عز وجل‪ ،‬وعدم الهتمام به‪،‬‬
‫بل إذا صفى له مأكله ومشربه ومسكنه‪ ،‬وغير ذلك من متاع الدنيا الزائل‪ ،‬فل‬
‫ف المر في فساد السريرةِ عند هذا الحد‪ ،‬بل‬ ‫يهمه بعد ذلك شيء‪ ،‬وقد ل يق ُ‬
‫قد يتعداه إلى مناصبة الداعين إلى الحق العداء‪ ،‬أو التشهير بهم‪ ،‬والتشكيك‬
‫في نواياهم‪ ،‬ومحاولة إحباط جهودهم الخيرة‪.‬‬
‫ة‬
‫)‪ (7‬شدة الخوف من الله عز وجل‪ ،‬ومراقبته في السر والعلن‪ ،‬والمبادر ِ‬
‫بالتوبة والنابة من الذنب‪ ،‬ويضاد ذلك ضعف الوازع الديني‪ ،‬وقلة الخوف من‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة‬
‫ل وعل‪ ،‬بحيث إذا خل بمحارم الله عز وجل انتهكها‪ ،‬وإذا فعل معصي ً‬‫الله ج ّ‬
‫لم يتب منها‪ ،‬بل أصر عليها وكابر وتبجح‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫)‪ (8‬الصدق في الحديث‪ ،‬والوفاء بالعهود وأداء المانة‪ ،‬وإنفاذ الوعد‪ ،‬وتقوى‬
‫ل على صلٍح في السريرة‪،‬‬ ‫ل هذه الخصال تد ُ‬ ‫الله عز وجل في الخصومة‪ ،‬فك ّ‬
‫ن أضداد هذه الصفات إنما هي من خصال المنافقين‪ ،‬الذين فسدت‬ ‫ل ّ‬
‫سرائرهم‪،‬كما أخبر بذلك الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬بقوله‪ )) :‬أربع من‬
‫صا‪ ،‬ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه خلة من‬ ‫قا خال ً‬ ‫كن فيه كان مناف ً‬
‫نفاق‪:‬إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر(( )]‬
‫‪ ،([15‬ويدخل في ذلك ذو الوجهين‪ ،‬الذي يلقى هؤلء بوجه‪ ،‬وهؤلء بوجه‪.‬‬
‫)‪ (9‬قبول الحق والتسليم له‪ ،‬من أي جهة كان‪ ،‬ويضاد ذلك التعصب للخطاء‪،‬‬
‫والجدال بالباطل‪ ،‬وإتباع الهوى في ذلك‪.‬‬
‫ل على ما‬ ‫وأكتفي بذكر هذه العلمات على صلح الباطن والسريرة‪ ،‬لتد ّ‬
‫سواها‪ ،‬مما لم أذكره ها هنا‪.‬‬
‫ن في نهاية هذه المقالة‪ ،‬الشارةُ إلى بعض الثمرات العظيمةِ لصلح‬ ‫ويحس ُ‬
‫السريرة‪ ،‬وذلك فيما يلي‪:‬‬
‫ب من صلحت سريرته وثباته‪ ،‬أمام فتن‬ ‫ِ‬ ‫قل‬ ‫في‬ ‫والسكينة‬ ‫‪ -1‬نزول الطمأنينة‬
‫الشبهات والشهوات‪ ،‬وابتلءات الخير والشر‪.‬‬
‫ه الثر في قبول‬ ‫‪ -2‬إلقاء المحبة لمن صلحت سريرته بين الناس‪ ،‬مما يكون ل ُ‬
‫كلمه ونصحه‪ ،‬وأمره ونهيه‪.‬‬
‫‪ -3‬أثر صلح الباطن والسريرة في حسن الخاتمة‪ ،‬حيث ما سمع ول علم ‪-‬‬
‫ختم له بسوء‪،‬‬ ‫ولله الحمد ‪ -‬بأن صاحب السريرة الصالحة‪ ،‬والقلب السليم قد ُ‬
‫ه الموت قبل إصلح الطوية‪.‬‬ ‫وإنما يكون ذلك لمن فسدت سريرته‪ ،‬وباغت ُ‬
‫‪ -4‬القبول عند الله عز وجل يوم القيامة‪ ،‬ومضاعفة الحسنات‪ ،‬وتكفير‬
‫هَ‬
‫مل ُ‬ ‫سي َّئات ِهِ وَي ُعْظ ِ ْ‬
‫ه َ‬
‫فْر عَن ْ ُ‬ ‫ق الل ّ َ‬
‫ه ي ُك َ ّ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬
‫م ْ‬‫السيئات‪ ،‬قال الله عز وجل‪ )) :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫جرا ً (( ) الطلق ‪. ( 5 :‬‬ ‫أ ْ‬
‫ن(( )المائدة‪. (27 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬‫ل الل ّ ُ‬‫قب ّ ُ‬
‫ما ي َت َ َ‬
‫وقال تعالى ‪ )) :‬إ ِن ّ َ‬
‫‪ -5‬تفريج الكربات‪ ،‬وإعانة الله عز وجل للعبد عند حدوث الملمات‬
‫والضائقات‪ ،‬كما حصل لصحاب الغار‪.‬‬
‫‪ -6‬الهداية إلى الحق‪ ،‬والتوفيق إلى الصواب‪ ،‬عندما تحتار العقول والفهام‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫]‪ [1‬مسلم ‪. ( 2564 ) :‬‬
‫]‪ [2‬البخاري كتاب اليمان ) ‪ ، ( 52‬مسلم كتاب المساقات ) ‪. ( 1599‬‬
‫]‪ [3‬حلية الولياء ‪. 70 / 4‬‬
‫]‪ [4‬بدائع التفسير ‪. 185 / 5‬‬
‫]‪ [5‬بدائع التفسير ‪. 185 / 5‬‬
‫]‪ [6‬صفة الصفوة ‪. 420 / 1‬‬
‫]‪ [7‬المصدر السابق ‪. 145 / 4‬‬
‫]‪ [8‬سير أعلم النبلء ‪. 572 / 2‬‬
‫]‪ [9‬المصدر السابق ‪. 97 / 8‬‬
‫]‪ [10‬سير أعلم النبلء ‪. 576 / 4‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مدارج السالكين ‪. 436 / 1‬‬ ‫]‪[11‬‬


‫صفة الصفوة ‪. 234 / 2‬‬ ‫]‪[12‬‬
‫المصدر السابق ‪. 122 / 4‬‬ ‫]‪[13‬‬
‫روضة المحبين ص ‪. 280‬‬ ‫]‪[14‬‬
‫البخاري ‪ ،‬كتاب اليمان ) ‪ ، ( 34‬مسلم ) ‪ ( 58‬واللفظ له ‪.‬‬ ‫]‪[15‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يوم تبلى السرائر ‪...‬‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله‪ ،‬نبينا‬
‫ة عظيمة من كتاب‬ ‫محمد وآله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪ .‬فعنوان هذه المقالةِ آي ٌ‬
‫كر الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬عباده فيها بشأن القلوب‪ ،‬وأعمالها‬ ‫الله ‪ -‬عز وجل ‪ُ ،-‬يذ ّ‬
‫ه الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬من‬ ‫وسرائرها‪ ،‬مما ل يعلمه الناس وهو بها عالم‪ ،‬كما ينب ُ‬
‫خلل هذه اليةِ على أن هذه السرائر ستبلى وتختبر يوم القيامة‪ ،‬ويظهر ما‬
‫فيها من الخلص‪ ،‬والمحبة والصدق‪ ،‬أو ما يضادها من النفاق والكذب‬
‫والرياء‪.‬‬
‫وذلك في يوم القيامة‪ ،‬يوم الجزاء والحساب‪ ،‬وهذا واضح من الية وما قبلها‬
‫م ت ُب َْلى‬ ‫قادٌِر ي َوْ َ‬‫جعِهِ ل َ َ‬ ‫ه عََلى َر ْ‬
‫وبعدها‪ ،‬حيث يقول الله ‪ -‬عز وجل ‪)) :-‬إ ِن ّ ُ‬
‫ط نظر‬ ‫ر(( )الطارق‪ .(10 :‬والقلب هو مح ّ‬ ‫ن قُوّةٍ َول َنا ِ‬
‫ص ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫ما ل َ ُ‬
‫سَرائ ُِر فَ َ‬
‫ال ّ‬
‫الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬وعليه يدور القبول والرد‪ ،‬كما قال‪)) :‬إن الله ل ينظر إلى‬
‫أجسامكم ول إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم(( ]‪.[1‬‬
‫والسريرة إذا صلحت صلح شأن العبد كله‪ ،‬وصلحت أعماله الظاهرة ولو‬
‫كانت قليلة‪ ،‬والعكس من ذلك عندما تفسد السريرة‪ ،‬فإنها تفسد بفسادها‬
‫ل العبد وأعماله‪ ،‬وتكون أقرب إلى النفاق والرياء عياًذا بالله ‪ -‬تعالى ‪،-‬‬ ‫أقوا ُ‬
‫ح هذا المر قوله‪)) :‬أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد‬ ‫ويوض ُ‬
‫كله وإذا فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب(( ]‪.[2‬‬
‫ويشرح هذا ما نقله صاحب الحلية ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬عن وهب قوله‪) :‬ول‬
‫ن مثل العلنية مع السريرة‪ ،‬كمثل‬ ‫تظن أن العلنية هي أنجح من السريرة‪ ،‬فإ ّ‬
‫ورق الشجر مع عرقها‪ ،‬العلنية ورقها‪ ،‬والسريرة عرقها‪ .‬إن ُنخر العرق‬
‫هلكت الشجرة كلها‪ ،‬ورقها وعودها‪ ،‬وإن صلحت صلحت الشجرة كلها‪ ،‬ثمرها‬
‫ل ما ظهر من الشجرة في خيرٍ ما كان عرقها مستخفًيا‪ ،‬ل‬ ‫وورقها‪ ،‬فل يزا ُ‬
‫حا ما كان له سريرة ً صالحة‪ ،‬يصدق‬ ‫ُيرى منه شيء‪ ،‬كذلك الدين ل يزال صال ً‬
‫ن العلنية تنفعُ مع السريرة الصالحة‪ ،‬كما ينفع عرق‬ ‫الله بها علنيته‪ ،‬فإ ّ‬
‫الشجرة صلح فرعها‪ ،‬وإن كان حياتها من قبل عرقها‪ ،‬فإن فرعها زينتها‬
‫ن العلنية معها تزين الدين‬ ‫وجمالها‪ ،‬وإن كانت السريرة هي ملك الدين‪ ،‬فإ ّ‬
‫وتجمله‪ ،‬إذا عملها مؤمن ل يريد بها إل رضاء ربه ‪ -‬عز وجل ‪.[3] (-‬‬
‫م‬
‫ويقول المام ابن القيم ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬في تفسير قوله ‪ -‬تعالى ‪)) :-‬ي َوْ َ‬
‫ن العمال‬ ‫سَرائ ُِر((‪) :‬وفي التعبير عن العمال بالسر لطيفة‪ ،‬وهو أ ّ‬ ‫ت ُب َْلى ال ّ‬
‫حا‪ ،‬فتبدو‬ ‫ه صالحة‪ ،‬كان عمله صال ً‬ ‫نتائج السرائر الباطنة‪ ،‬فمن كانت سريرت ُ‬
‫سريرته على وجهه نوًرا وإشراًقا وحياء‪ ،‬ومن كانت سريرته فاسدة‪ ،‬كان‬
‫عمله تابًعا لسريرته‪ ،‬ل اعتبار بصورته‪ ،‬فتبدو سريرته على وجهه سواًدا‬
‫وظلمة وشيًنا‪ ،‬وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله ل سريرته‪،‬‬
‫فيوم القيامة تبدو عليه سريرته‪ ،‬ويكون الحكم والظهور لها( ]‪.[4‬‬
‫سَرائ ُِر(( أي‬ ‫م ت ُب َْلى ال ّ‬ ‫ضا في تفسير هذه الية‪ :‬قوله ‪ -‬تعالى ‪)) :-‬ي َوْ َ‬ ‫وقال أي ً‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تختبر‪ ،‬وقال مقاتل‪ :‬تظهر وتبدو‪ ،‬وبلوت الشيَء إذا اختبرته‪ ،‬ليظهر لك‬
‫ه وبين‬ ‫باطنه‪ ،‬وما خفي منه‪ ،‬والسرائر جمع سريرة‪ ،‬وهي سرائر الله التي بين ُ‬
‫عبده في ظاهره وباطنه لله‪ ،‬فاليمان من السرائر‪ ،‬وشرائعه من السرائر‪،‬‬
‫فُتختبر ذلك اليوم‪ ،‬حتى يظهر خيُرها من شرها‪ ،‬ومؤّديها من مضيعها‪ ،‬وما‬
‫كان لله مما لم يكن له؛ قال عبد الله بن عمر‪ -‬رضي الله عنهما‪ُ :-‬يبدي الله‬
‫يوم القيامة كل سرٍ فيكون زينا ً في الوجوه‪ ،‬وشيًنا فيها‪ ،‬والمعنى تختبر‬
‫السرائر بإظهارها‪ ،‬وإظهار مقتضياتها من الثواب والعقاب‪ ،‬والحمد والذم( )]‬
‫‪ ([5‬أهـ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ث إّنها محط نظر الله ‪-‬‬ ‫مما سبق يتبين لنا عظم شأن القلب والسريرة‪ ،‬حي ُ‬
‫عز وجل ‪ ،-‬وعليها مداُر القبول عنده ‪ -‬سبحانه ‪ ،-‬وحسب صلحها وفسادها‬
‫يكون حسن الخاتمة وسوؤها‪ ،‬وكلما صلحت السريرة نمت العمال الصالحة‪،‬‬
‫ة والعكس‪ ،‬من ذلك في قلة بركة العمال‪ ،‬حينما تفسد‬ ‫وزكت‪ ،‬ولو كانت قليل ً‬
‫السريرة ويصيبها من الفات ما يصيبها‪ ،‬وهذا هو الذي يفسر لنا تفوق أصحاب‬
‫محمد على غيرهم‪ ،‬ممن جاء بعدهم‪ ،‬والذي قد يكون أكثر من بعض الصحابة‬
‫عبادةً وقربات‪.‬‬
‫ل بين العباد عند الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬هو ما وقَر في‬ ‫ن أساس التفاض ِ‬ ‫حيث إ ّ‬
‫القلب من سريرةٍ صالحة‪ ،‬حشوها المحبة والتعظيم‪ ،‬والخلص لله ‪ -‬تعالى ‪.-‬‬
‫فعن عبد الله بن مسعود ? قال‪)) :‬أنتم أطول صلة‪ ،‬وأكثر اجتهاًدا من‬
‫أصحاب رسول الله ‪ ،‬وهم كانوا أفضل منكم‪ ،‬قيل له‪ :‬بأي شيء؟ قال‪ :‬إنهم‬
‫كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الخرة منكم(( ]‪.[6‬‬
‫وعن القاسم بن محمد قال‪ :‬كّنا ُنسافر مع ابن المبارك‪ ،‬فكثيًرا ما كان يخطُر‬
‫ببالي فأقول في نفسي‪ :‬بأيّ شيٍء ُفضل هذا الرجل علينا‪ ،‬حتى اشتهر في‬
‫الناس هذه الشهرة‪ ،‬إن كان يصلي إنا لنصلي‪ ،‬ولئن كان يصوم إنا لنصوم‪،‬‬
‫ج إنا لنحج‪.‬‬
‫وإن كان يغزو فإّنا لنغزو‪ ،‬وإن كان يح ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ت إذ طفئ‬ ‫قال‪ :‬فكّنا في بعض مسيرنا في طريق الشام‪ ،‬ليلة نتعشى في بي ٍ‬


‫ة ثم جاء‬ ‫السراج‪ ،‬فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يستصبح‪ ،‬فمكث هنيه ً‬
‫ت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع‪ ،‬فقلت‬ ‫بالسراج‪ ،‬فنظر ُ‬
‫ه حين فقد السراج‪،‬‬ ‫ُ‬
‫في نفسي‪ :‬بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا‪ ،‬ولعل ُ‬
‫فصار إلى الظلمة ذكر القيامة ]‪.[7‬‬
‫وأخبار السلف في حرصهم على أعمال القلوب‪ ،‬وإصلح السرائر كثيرة‬
‫ومتنوعة‪ ،‬وبخاصة فيما يتعلق بمحبة الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬والخوف منه وإخلص‬
‫العمل له ‪ -‬سبحانه ‪ ،-‬ومن ذلك‪:‬‬
‫* قول عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪)) :-‬القوة في العمل أن ل تؤخر‬
‫عمل اليوم للغد‪ ،‬والمانة أل ّ تخالف سريرة ٌ علنية‪ ،‬واتقوا الله ‪ -‬عز وجل ‪،-‬‬
‫فإنما التقوى بالتوقي‪ ،‬ومن يتق الله يقه(( ]‪.[8‬‬
‫ّ‬
‫* وعن عثمان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪) :‬ما أسّر أحد ٌ سريرة إل أظهرها الله‬
‫ت وجهه‪ ،‬وفلتات لسانه(‪.‬‬ ‫على صفحا ِ‬
‫دا ارتفع‬ ‫ت أح ً‬‫* وعن نعيم بن حماد قال‪ :‬سمعت ابن المبارك يقول‪ :‬ما رأي ُ‬
‫ه كثيُر صلة ول صيام‪ ،‬إل ّ أن تكون له سريرة ]‪.[9‬‬ ‫مثل مالك‪ ،‬ليس ل ُ‬
‫ت مسلمة بن عبد الملك فقال‪ :‬يا خالد‪:‬‬ ‫* وعن خالد بن صفوان قال‪ :‬لقي ُ‬
‫أخبرني عن حسن أهل البصرة قلت‪ :‬أصلحك الله‪ ،‬أخبرك عنه بعلم ٍ أنا جاره‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى جنبه‪ ،‬وجليسه في مجلسه‪ ،‬وأعلم من قبلي به‪ ،‬أشبه الناس سريرةً‬
‫بعلنية‪ ،‬وأشبهه قول ً بفعل‪ ،‬إن قعد على أمرٍ قام به‪ ،‬وإن قام على أمرٍ قعد‬
‫عليه‪ ،‬وإن أمر بأمرٍ كان أعمل الناس به‪ ،‬وإن نهى عن شيٍء كان أتر ُ‬
‫ك‬
‫ه مستغنًيا عن الناس‪ ،‬ورأيت الناس محتاجين إليه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫الناس له‪ ،‬رأيت ُ‬
‫حسبك كيف يضل قوم هذا فيهم]‪.[10‬‬
‫ل وعمل‪ ،‬وعملك‬ ‫* وعن الحسن ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬قال‪ :‬ابن آدم‪ ،‬لك قو ٌ‬
‫أولى بك من قولك‪ ،‬ولك سريرةٌ وعلنية‪ ،‬وسريرتك أولى بك من علنيتك ]‬
‫‪.[11‬‬
‫* وعن ابن عيينة ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬قال‪)) :‬إذا وافقت السريرة العلنية‬
‫فذلك العدل‪ ،‬وإذا كانت السريرة أفضل من العلنية فذلك الفضل‪ ،‬وإذا كانت‬
‫العلنية أفضل من السريرة فذلك الجور]‪.[12‬‬
‫* وعن عبد الله بن المبارك ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬قال‪ :‬قيل لحمدون بن أحمد‪،‬‬
‫ما بال كلم السلف أنفعُ من كلمنا؟! قال‪ :‬لّنهم تكلموا لعّز السلم‪ ،‬ونجاة‬
‫م لعز النفوس‪ ،‬وطلب الدنيا‪ ،‬ورضا الخلق‬ ‫النفوس‪ ،‬ورضا الرحمن‪ ،‬ونحن نتكل ُ‬
‫]‪.[13‬‬
‫ب على‬ ‫* ويقول ابن القيم‪ -‬رحمه الله ‪ -‬تعالى‪)) :-‬فكل محبةٍ لغيره فهي عذا ٌ‬
‫صاحبها‪ ،‬وحسرةٌ عليه‪ ،‬إل ّ محبته‪ ،‬ومحبة ما يدعو إلى محبته‪ ،‬ويعين على‬
‫طاعته ومرضاته‪ ،‬فهذه هي التي تبقى في القلب يوم تبلى السرائر(( ]‪.[14‬‬
‫ونكتفي بهذه المقتطفات من وصايا السلف‪ ،‬في إصلح السرائر‪ ،‬لنتعرف‬
‫على بعض العلمات الدالة على صلح السريرة‪ ،‬وسلمة القلب‪ ،‬ومنها نعرف‬
‫ما يضادها من المظاهر‪ ،‬التي تدل على فساد في السريرة ومرض في‬
‫القلب‪.‬‬
‫ومن هذه العلمات‪:‬‬
‫* عناية العبد بأعمال القلوب‪ ،‬ومنها إخلص العمال والقوال لله ‪ -‬عز وجل‬
‫‪ ،-‬ومحاولة إخفائها عن الناس‪ ،‬وكراهة الشهرة والظهور‪ ،‬والزهد في ثناء‬
‫الناس‪ .‬ويضاد ذلك الرياء‪ ،‬وإرادة الدنيا بعمل الخرة‪ ،‬وحب الظهور‪.‬‬
‫* التواضع والشعور بالتقصير‪ ،‬والنشغال بإصلح النفس وعيوبها‪ ،‬ويضاد ذلك‬
‫الكبر والعجب‪ ،‬والولع بنقد الخرين‪.‬‬
‫* النابة إلى الدار الخرة‪ ،‬والتجافي عن الدنيا‪ ،‬والستعداد للرحيل‪ ،‬وحفظ‬
‫الوقت‪ ،‬وتدارك العمر‪ ،‬ويضاد ذلك الركون إلى الدنيا‪ ،‬وامتلُء القلب بهمومها‬
‫ومتاعها الزائل‪ ،‬ونسيان الخرة‪ ،‬وقلة ذكر الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬وتضييع الوقات‪.‬‬
‫ل والحسد‪ ،‬ويضاد ُ ذلك امتلؤه بهذه المراض‪-‬‬ ‫* سلمة القلب من الحقدِ والغ ِ‬
‫عياًذا بالله ‪.-‬‬
‫* التسليم لمر الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬وأمر رسوله ‪ e‬دون لماذا وكيف؟؟ ويضاد‬
‫ذلك الولوع بالمتشابهات‪ ،‬والخواطر الرديئة‪.‬‬
‫* الهتمام بأمر الدين والدعوة إلى الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬والجهاد في سبيله ‪ -‬جل‬
‫وعل ‪ ،-‬ومحبة كل داعيةٍ إلى الخير والحق‪ ،‬والدعاء له والتعاون معه على البر‬
‫والتقوى‪ ،‬ويضاد ذلك القعود عن تبليغ دين الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬وعدم الهتمام‬
‫به‪ ،‬بل إذا صفى له مأكله ومشربه ومسكنه‪ ،‬وغير ذلك من متاع الدنيا الزائل‪،‬‬
‫ف المر في فساد السريرةِ عند هذا الحد‪،‬‬ ‫فل يهمه بعد ذلك شيء‪ ،‬وقد ل يق ُ‬
‫بل قد يتعداه إلى مناصبة الداعين إلى الحق العداء‪ ،‬أو التشهير بهم‪،‬‬
‫والتشكيك في نواياهم‪ ،‬ومحاولة إحباط جهودهم الخيرة‪.‬‬
‫ة‬
‫* شدة الخوف من الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬ومراقبته في السر والعلن‪ ،‬والمبادر ِ‬
‫بالتوبة والنابة من الذنب‪ ،‬ويضاد ذلك ضعف الوازع الديني‪ ،‬وقلة الخوف من‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله ‪ -‬جل وعل ‪ ،-‬بحيث إذا خل بمحارم الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬انتهكها‪ ،‬وإذا فعل‬
‫ة لم يتب منها‪ ،‬بل أصر عليها وكابر وتبجح‪.‬‬
‫معصي ً‬

‫)‪(2 /‬‬

‫* الصدق في الحديث‪ ،‬والوفاء بالعهود وأداء المانة‪ ،‬وإنفاذ الوعد‪ ،‬وتقوى الله‬
‫ل على صلٍح في السريرة‪،‬‬ ‫ل هذه الخصال تد ُ‬ ‫‪ -‬عز وجل ‪ -‬في الخصومة‪ ،‬فك ّ‬
‫ن أضداد هذه الصفات إنما هي من خصال المنافقين‪ ،‬الذين فسدت‬ ‫ل ّ‬
‫قا‬
‫سرائرهم‪ ،‬كما أخبر بذلك الرسول ‪e‬بقوله‪)) :‬أربع من كن فيه كان مناف ً‬
‫صا‪ ،‬ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه خلة من نفاق‪ :‬إذا حدث كذب وإذا‬ ‫خال ً‬
‫عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر(( )]‪ ،([15‬ويدخل في ذلك ذو‬
‫الوجهين‪ ،‬الذي يلقى هؤلء بوجه‪ ،‬وهؤلء بوجه‪.‬‬
‫* قبول الحق والتسليم له‪ ،‬من أي جهة كان‪ ،‬ويضاد ذلك التعصب للخطاء‪،‬‬
‫والجدال بالباطل‪ ،‬وإتباع الهوى في ذلك‪.‬‬
‫ل على ما‬ ‫وأكتفي بذكر هذه العلمات على صلح الباطن والسريرة‪ ،‬لتد ّ‬
‫سواها‪ ،‬مما لم أذكره ها هنا‪.‬‬
‫ن في نهاية هذه المقالة‪ ،‬الشارةُ إلى بعض الثمرات العظيمةِ لصلح‬ ‫ويحس ُ‬
‫السريرة‪ ،‬وذلك فيما يلي‪:‬‬
‫ب من صلحت سريرته وثباته‪ ،‬أمام فتن‬ ‫ِ‬ ‫قل‬ ‫في‬ ‫والسكينة‬ ‫*‪ -‬نزول الطمأنينة‬
‫الشبهات والشهوات‪ ،‬وابتلءات الخير والشر‪.‬‬
‫ه الثر في قبول‬ ‫* ‪ -‬إلقاء المحبة لمن صلحت سريرته بين الناس‪ ،‬مما يكون ل ُ‬
‫كلمه ونصحه‪ ،‬وأمره ونهيه‪.‬‬
‫* ‪ -‬أثر صلح الباطن والسريرة في حسن الخاتمة‪ ،‬حيث ما سمع ول علم ‪-‬‬
‫ختم له بسوء‪،‬‬ ‫ولله الحمد ‪ -‬بأن صاحب السريرة الصالحة‪ ،‬والقلب السليم قد ُ‬
‫ه الموت قبل إصلح الطوية‪.‬‬ ‫وإنما يكون ذلك لمن فسدت سريرته‪ ،‬وباغت ُ‬
‫*‪ -‬القبول عند الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يوم القيامة‪ ،‬ومضاعفة الحسنات‪ ،‬وتكفير‬
‫هَ‬
‫مل ُ‬‫سي َّئات ِهِ وَي ُعْظ ِ ْ‬
‫ه َ‬
‫فْر عَن ْ ُ‬ ‫ق الل ّ َ‬
‫ه ي ُك َ ّ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫السيئات‪ ،‬قال الله ‪ -‬عز وجل ‪)) :-‬وَ َ‬
‫َ‬
‫جرًا(( )الطلق‪.(5 :‬‬ ‫أ ْ‬
‫ن(( )المائدة‪.(27 :‬‬ ‫قي َ‬‫مت ّ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫قب ّ ُ‬
‫ما ي َت َ َ‬
‫وقال ‪ -‬تعالى ‪)) :-‬إ ِن ّ َ‬
‫*‪ -‬تفريج الكربات‪ ،‬وإعانة الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬للعبد عند حدوث الملمات‬
‫والضائقات‪ ،‬كما حصل لصحاب الغار‪.‬‬
‫*‪ -‬الهداية إلى الحق‪ ،‬والتوفيق إلى الصواب‪ ،‬عندما تحتار العقول والفهام‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫‪ 15/2/1426‬هـ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل ‪ -‬موقع نور السلم‬
‫‪--------------------‬‬
‫]‪ [1‬مسلم‪.(2564) :‬‬
‫]‪ [2‬البخاري كتاب اليمان )‪ ،(52‬مسلم كتاب المساقات )‪.(1599‬‬
‫]‪ [3‬حلية الولياء ‪.70 / 4‬‬
‫]‪ [4‬بدائع التفسير ‪.185 / 5‬‬
‫]‪ [5‬بدائع التفسير ‪.185 / 5‬‬
‫]‪ [6‬صفة الصفوة ‪.420 / 1‬‬
‫]‪ [7‬المصدر السابق ‪.145 / 4‬‬
‫]‪ [8‬سير أعلم النبلء ‪.572 / 2‬‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [9‬المصدر السابق ‪.97 / 8‬‬


‫]‪ [10‬سير أعلم النبلء ‪.576 / 4‬‬
‫]‪ [11‬مدارج السالكين ‪.436 / 1‬‬
‫]‪ [12‬صفة الصفوة ‪.234 / 2‬‬
‫]‪ [13‬المصدر السابق ‪.122 / 4‬‬
‫]‪ [14‬روضة المحبين ص ‪.280‬‬
‫]‪ [15‬البخاري‪ ،‬كتاب اليمان )‪ ،(34‬مسلم )‪ (58‬واللفظ له‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يوم عاشوراء أهميته وحكم صيامه‬


‫الشيخ عطية صقر ـ إسلم أون لين‬
‫محّرم أول شهور الّتقويم‬ ‫م عاشوراَء وهو اليوم العاشر من شهر الله ال ُ‬ ‫يو ُ‬
‫خليقة كما تحكي الروايات‬ ‫سع أبوابه منذ بدء ال َ‬ ‫الهجري ـ دخل التاريخ من أو َ‬
‫ي عند ِرجال الحديث‪.‬‬ ‫مد أكثُرها أمام النقد العلم ّ‬ ‫التي ل يص ُ‬
‫ول مجرى التاريخ‬ ‫ل منهما أثُره في تح ّ‬ ‫منا من هذه البواب بابان كان لك ّ‬ ‫وي ُهِ ّ‬
‫جى الله موسى ـ‬ ‫الديني والتشريعي في اليهودّية والسلم‪ ،‬أحدهما يوم أن ن ّ‬
‫مه الظالمين‪ ،‬وكان‬ ‫ّ‬ ‫ن وقو َ‬ ‫ن‪ ،‬وأغرقَ فرعو َ‬ ‫عليه السلم ـ وجماعَته السرائيليي َ‬
‫ن في تاريخ اليهود‪ ،‬عَهْدٍ ذاُقوا فيه العذاب ألواًنا حين‬ ‫ً‬
‫ما فاصل بين عهدي ِ‬ ‫يو ً‬
‫َ‬
‫ل‬
‫نآ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جي َْناك ُ ْ‬ ‫ه به في قوله‪) :‬وإذ ْ ن َ ّ‬ ‫كرهم الل ُ‬ ‫ن‪ ،‬كما ي ُذ َ ّ‬ ‫كانوا تحت حكم ِ فرعو َ‬
‫َ‬
‫م وِفي‬ ‫ن ِنساَءك ُ ْ‬ ‫حُيو َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م وي َ ْ‬ ‫ن أْبناَءك ُ ْ‬ ‫ب ي ُذ َّبحو َ‬ ‫سوَء الَعذا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مون َك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫فِْرعَوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وأغَْرقَْنا آ َ‬
‫ل‬ ‫جي َْناك ُ ْ‬ ‫حَر فَأن ْ َ‬ ‫م الب َ ْ‬ ‫م ‪ .‬وإذ ْ فََرقَْنا ب ِك ُ ْ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َبلٌء ِ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫ن( )سورة البقرة ‪ ،(49،50 :‬وعَهْدِ الّتحّرر والتجاه إلى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ت َن ْظُرو َ‬ ‫ن وأن ْت ُ ْ‬ ‫فِْرعَوْ َ‬
‫ل ما لِبث أن تقلبت به الحداث ما بين صعود وهبوط‬ ‫ّ‬ ‫مع مستق ّ‬ ‫تأسيس مجت َ‬
‫جله القرآن الكريم‬ ‫ب العِّزة في كتابه وس ّ‬ ‫واجتماع وتفّرق‪ ،‬كما قضى بذلك ر ّ‬
‫ن ِفي‬ ‫سد ّ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫ب لت ُ ْ‬ ‫كتا ِ‬ ‫ل ِفي ال ِ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ضي َْنا إ َِلى ب َِني إ ِ ْ‬ ‫في أوائل سورة السراء )وقَ َ‬
‫وا ك َِبيًرا(‪ ،‬وفي البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن‬ ‫ن عُل ُ ّ‬ ‫ن ول َت َعْل ّ ّ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫دم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬ ‫عباس رضي الله عنهما أنه قال‪ :‬قَ ِ‬
‫مونه" ؟‬ ‫المدينة فرأى اليهود يصومون عاشوراَء فقال لهم "ما هذا الذي تصو ُ‬
‫مه‪،‬‬ ‫ن وقو َ‬ ‫مه وأغرقَ فرعو َ‬ ‫ه فيه موسى قو َ‬ ‫جى الل ُ‬ ‫عظيم‪ ،‬ن َ ّ‬ ‫م َ‬ ‫فقالوا‪ :‬هذا يو ٌ‬
‫صيام يوم عاشوراء‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ن فب َ ِ‬ ‫صيام رمضا َ‬ ‫ض ِ‬ ‫مه حّتى جاَء فر ُ‬ ‫مه وأمَر بصيا ِ‬ ‫فصا َ‬
‫مندوًبا‪.‬‬ ‫َ‬
‫مه شكًرا لله على َنجاة موسى‪ ،‬فإن تحديد‬ ‫َ‬ ‫صو‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ر‬‫ش‬‫ْ‬
‫َ َ‬ ‫ي‬ ‫الصحيح‬ ‫الخبر‬ ‫كان‬ ‫وإذا‬
‫كتبهم التي‬ ‫هذا اليوم وَربطه بنجاة آبائهم هو خبُر اليهود‪ ،‬كما جاء في ُ‬
‫ي‬
‫ضا عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النب ّ‬ ‫تواَرثوها‪ ،‬والثابت في الصحيحين أي ً‬
‫كة إلى‬ ‫ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يصوم عاشوراء قبل هجرِته من م ّ‬
‫عا لقريش في صيام هذا اليوم في الجاهلّية‪ ،‬ويعّلل عكرمة صيام‬ ‫المدينة اتبا ً‬
‫ش له بأّنهم أذَنبوا ذنًبا في الجاهلّية فعَظم في صدورهم فقيل لهم‪:‬‬ ‫ُ‬
‫قري ٍ‬
‫ذنب‪ ،‬فهل كان ذلك تقليدا لليهود في صيام يوم‬ ‫ً‬ ‫فر ذلك ال ّ‬ ‫َ‬
‫صوموا عاشوراَء ي ُك ّ‬ ‫ُ‬
‫شرعة إبراهيم‬ ‫فارة "يوم كبور" أو بناء على شرع سابق؟ والمعروف أن ِ‬ ‫الك ّ‬
‫من الشريعة التي جاءت بها َتوراة‬ ‫كة هي أسبقُ ِ‬ ‫وإسماعيل التي كانت في م ّ‬
‫مه‪.‬‬ ‫ن وقو ِ‬ ‫جاه الله من فرعو َ‬ ‫موسى الذي ن ّ‬
‫روى البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت‪ :‬كان يوم عاشوراء‬
‫ما تصومه قريش في الجاهلية‪ ،‬وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬ ‫يو ً‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن قال‬ ‫رض رمضا ُ‬ ‫ما فُ ِ‬


‫مه فل ّ‬‫مه‪ ،‬وأمَر الناس بصيا ِ‬ ‫دم المدينة صا َ‬ ‫ما ق ِ‬ ‫مه‪ .‬فل ّ‬ ‫يصو ُ‬
‫َ‬
‫شاَء ت ََركه"‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مه و َ‬ ‫شاَء صا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫" َ‬
‫ي مندوًبا كسائر اليام‬ ‫ق َ‬‫ن صوم يوم عاشوراء ب َ ِ‬ ‫منا كمسلمين أ ّ‬ ‫إن الذي يه ّ‬
‫ن‬ ‫أ‬ ‫من‬ ‫ر‬ ‫بأكث‬ ‫المسلمين‬ ‫من‬ ‫د‬ ‫أح‬ ‫له‬ ‫ه‬ ‫ب‬‫التي يندب فيها الصيام‪ ،‬ولم يكن يأ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُْ َ‬
‫صيام فيه له فضله الذي َورد فيه قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما‬ ‫ال ّ‬
‫خلفاء‬ ‫ة" وجرى المر على ذلك في عهد ال ُ‬ ‫سنة الماضي َ‬ ‫فر ال ّ‬ ‫رواه مسلم "ي ُك َ ّ‬
‫شر من المحّرم سنة إحدى وستين من‬ ‫م الجمعة العا ِ‬ ‫الراشدين‪ ،‬حتى كان يو ُ‬
‫ن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ‬ ‫الهجرة‪ ،‬وهو اليوم الذي اسُتشِهد فيه الحسي ُ‬
‫مق‬ ‫خ مّرة أخرى من باب واسع‪ ،‬ع ّ‬ ‫في ك َْرِبلء‪ ،‬فدخل يوم عاشوراء التاري َ‬
‫ل البيت‪.‬‬ ‫الشعوَر بالتشّيع ل ِ‬
‫َ‬
‫وعلى الرغم من مرور أربعة عشر قرًنا على هذا الحادث‪ ،‬فإن آثاره ما زالت‬
‫كراه‪ ،‬فهو في إيران والِعراق وغيرهما يوم حزن‬ ‫باقية‪ ،‬تظَهر في الحتفال بذ ْ‬
‫ي لوصف مظاهره‪ ،‬وهو في بلد المغرب وغيرها من البلد التي‬ ‫عميق ل داع َ‬ ‫َ‬
‫هدايا‬ ‫َ‬
‫ُتبّرر ما صنعه رجال البيت المويّ للحتفاظ بالسلطان يوم فَرح و َ‬
‫ل ما لذ ّ وطاب‪.‬‬ ‫وى وك ّ‬ ‫سعة وترفيهٍ بالحل َ‬ ‫وتو ِ‬
‫رعت أقاويل وحكايات‪ ،‬بل ُوضعت‬ ‫وفي ظل هذه العواطف ظهرت ِبدع واخت ُ ِ‬ ‫ّ‬
‫مبالغة في‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫على‬ ‫الولين‬ ‫جع‬ ‫ّ‬ ‫تش‬ ‫ـ‬ ‫ي ـ صّلى الله عليه وسلم‬ ‫ث على النب ّ‬ ‫أحادي ُ‬
‫سرور‪ ،‬ونكتفي‬ ‫فَرح وال ّ‬ ‫جع الخرين على المبالغة في ال َ‬ ‫حزن‪ ،‬وتش ّ‬ ‫سى وال ُ‬ ‫ال َ‬
‫حة‬
‫رف مدى ص ّ‬ ‫بهذا القدر في بيان استغلل يوم عاشوراء استغلًل سياسّيا لنع ِ‬
‫سعة على الِعيال في يوم عاشوراء أثٌر من آثار النزاع بين‬ ‫ما ُيقال إن التو ِ‬
‫ي فنقول‪:‬‬ ‫البيت الموي والهاشم ّ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫جاء في كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللد ُن ّّية للقسطلني " ج ‪ 8‬ص‬
‫سع‬ ‫عياله في يوم عاشوراء و ّ‬ ‫سع على ِ‬ ‫من وَ ّ‬ ‫ن الحديث الذي يقول ‪َ " :‬‬ ‫‪ "123‬أ ّ‬
‫ة كلها" رواه الطبراني والبيهقي وأبو الشيخ‪ ،‬وقال البيهقي إن‬ ‫ّ‬ ‫سن َ‬
‫الله عليه ال ّ‬
‫ة‪ ،‬قال العراقي‬ ‫ضها إلى بعض أفاد َ قوّ ً‬ ‫م بع ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ده كلها ضعيفة‪ ،‬ولكن إذا ُ‬ ‫أساني َ‬
‫ضها ابن ناصر الحافظ‪ ،‬وأورده‬ ‫ح بع ُ‬‫ح َ‬ ‫ُ‬
‫في أماليه‪ :‬لحديث أبي هريرة طرق ص ّ‬
‫ابن الجوزي في الموضوعات‪ .‬وذلك لن سليمان بن أبي عبد الله الراوي عن‬
‫أبي هريرة مجهول‪ ،‬لكن جَزم الحافظ في تقريبه بأنه مقبول‪ ،‬وذكره ابن‬
‫طرق عن جابر‬ ‫ن على رأيه‪.‬قال العراقي ‪ :‬وله ُ‬ ‫س ٌ‬ ‫حبان في الّثقات والحديث ح َ‬
‫طرقه‪.‬‬ ‫ح ُ‬‫على شرط مسلم أخرجها ابن عبد الب َّر في "الستيعاب" وهي أص ّ‬
‫رواه ابن عبد البر والدارقطني بسند جّيد عن عمر ـ رضي الله عنه ـ موقوًفا‬
‫عليه‪.‬‬
‫شف‬ ‫شعيرة عاشوراء‪ ،‬وهو يقوم على الّزهد والتق ّ‬ ‫قد يقال‪ :‬إذا كان الصوم َ‬
‫سعة‬ ‫سعة على الِعيال والهل؟ لِئن كانت هناك تو ِ‬ ‫فكيف يّتفق ذلك مع التو ِ‬
‫سعة‬ ‫ن من شيء فإن التو ِ‬ ‫ن على الفقراء كالب ِّر في رمضان‪ ،‬ومهما يك ْ‬ ‫فلتك ْ‬
‫ن بعد نفسه هو على أهله‪ ،‬وكل ذلك في‬ ‫مندوبة وأفضل دينار ُينفقه النسا ُ‬
‫كرين أن "العيال" المذكورين في هذا الحديث‬ ‫وسع‪ ،‬ورأى بعض المف ّ‬ ‫حدود ال ُ‬
‫سعة مع الصيام‪ .‬وجاء‬ ‫ة في التو ِ‬ ‫فقراء‪ ،‬وهنا تظهر الحكم ُ‬ ‫هم عيال الله وهم ال ُ‬
‫خضاب والّدهان‬ ‫ضا أن ما يذكر من فضيلة الغتسال فيه وال ِ‬ ‫َ‬ ‫في الزرقاني أي ً‬
‫حسين‪ ،‬كما صّرح به غيُر واحد‪.‬‬ ‫ة ال ُ‬ ‫عها قتل ُ‬ ‫والكتحال ونحو ذلك فِبدعة ابتد َ َ‬
‫فر ذنوب‬ ‫َ‬
‫ن صيامه ي ُك ّ‬ ‫هذا‪ ،‬والولى القتصاُر على ما جاء في الحديث من أ ّ‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضا لحديث رواه مسلم عن ابن عباس‬ ‫ن صيام يوم التاسع أي ً‬ ‫س ّ‬ ‫سنة‪ ،‬كما ي ُ َ‬ ‫َ‬
‫م رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم عاشوراَء وأمر‬ ‫ّ‬ ‫ما صا َ‬ ‫قال‪ :‬ل ّ‬
‫م ُتعظمه اليهود والّنصارى فقال‪" :‬إذا كان‬ ‫ّ‬ ‫صيامه قالوا‪ :‬يا رسول الله إّنه يو ٌ‬ ‫ب ِ‬
‫مقبل‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫العام‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫يأ‬ ‫فلم‬ ‫قال‪:‬‬ ‫سع"‬ ‫ِ‬ ‫التا‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫اليو‬ ‫منا‬ ‫ص‬
‫ُ ْ‬ ‫ـ‬ ‫الله‬ ‫شاء‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫إ‬ ‫ـ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ب‬
‫ُ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫م‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫العا‬
‫ي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ .‬وروى أحمد "خاِلفوا الَيهوَد‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫تو‬‫حّتى ُ‬
‫ده"‪.‬‬‫ما بع َ‬ ‫ما قبَله ويو ً‬ ‫موا يو ً‬ ‫صو ُ‬
‫ن صيام عاشوراَء على ثلث مراِتب‪:‬‬ ‫وقد ذكر العلماء أ ّ‬
‫سع والعاشر والحادي عشر‪ .‬والمرتبة‬ ‫المرتبة الولى صوم ثلثة أيام‪ :‬التا ِ‬
‫ده‪.‬‬
‫الثانية صوم التاسع والعاشر‪ ،‬والمرتبة الثالثة صوم العاشر وح َ‬
‫وموضوع صيام عاشوراء مبسوط في كتاب "زاد المعاد لبن القيم ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ 164‬وما بعدها‪.‬‬
‫م الذي تاب فيه‬ ‫هذا ‪ ،‬وقد جاء في الترمذي بإسناد حسن أّنه قد يكون هو اليو َ‬
‫على قوم ويتوب على آخرين‪ ،‬ولكن ليس في الحديث تعِيين لهذا اليوم ول‬
‫ح من حديث أبي إسحاق عن السود بن يزيد قال‪ :‬سألت‬ ‫لهؤلء القوام‪ ،‬وص ّ‬
‫م‪ ،‬فيه‬ ‫محّرم شهر الله الص ّ‬ ‫عمير عن صيام يوم عاشوراء فقال‪ :‬ال ُ‬ ‫عبيد بن ُ‬ ‫ُ‬
‫مّر بك إل وأنت صائم فافعل‬ ‫ت أل ي ُ‬ ‫ب فيه على آدم‪ ،‬فإن استطع َ‬ ‫يوم ِتي َ‬
‫)تفسير القرطبي ج ‪ 1‬ص ‪(324‬وهو حديث غير مرفوع إلى النبي ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫ت فيه سفينة نوح‬ ‫وجاء في مسند أحمد أنه ربما يكون هو اليوم الذي استو ْ‬
‫ي‪.‬‬‫على الجود ّ‬
‫ول أعلم درجة هذا الحديث‪ ،‬كما جاء في الكتب حوادث أخرى في يوم‬
‫عاشوراء ليس لها سند صحيح‪ ،‬منها مولد الخليل إبراهيم ومولد موسى‬
‫ب عن قوم يونس‪،‬‬ ‫ومولد عيسى‪ ،‬وب ََرَدت فيه الناُر على إبراهيم ‪ ،‬وَرْفع الَعذا ِ‬
‫ب‪،‬‬‫ج ّ‬ ‫خروج يوسف من ال ُ‬ ‫ضر عن أيوب‪ ،‬ورد ّ البصر على يعقوب ‪ ،‬و ُ‬ ‫شف ال ّ‬ ‫وك ْ‬
‫حرة‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ويوم الّزينة الذي غَلب فيه موسى ال ّ‬ ‫َ‬
‫كة فكان كصيام قريش لمتابعتهم في‬ ‫ي يوم عاشوراء في م ّ‬ ‫أما صيام النب ّ‬
‫ما وجد‬ ‫مه بعد الهجرة ل ّ‬ ‫مر به أصحاَبه‪ ،‬وصا َ‬ ‫ج ولم يأ ُ‬ ‫الخير كمتابعتهم في الح ّ‬
‫ي أو باستدامة‬ ‫ح ٍ‬‫مه في المدينة كان بو ْ‬ ‫اليهود يصومونه قال العلماء‪ :‬إن صيا َ‬
‫كة وزاد تأكيده بشكر الله على نجاة موسى‪ .‬وليس صيامه‬ ‫صيامه في م ّ‬ ‫ِ‬
‫متابعة لليهود في شريعِتهم‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إنه اجِتهاد من النبي ـ صّلى الله‬
‫مر فيه بشيء‪،‬‬ ‫ل الكتاب فيما لم يؤ َ‬ ‫ة أه ِ‬ ‫ب موافق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫عليه وسّلم ـ لّنه كان ي ُ ِ‬
‫دس في الصلة‪.‬‬ ‫مق ِ‬‫جه إلى بيت ال َ‬ ‫ولعل هذا من باب تأليف قلوبهم‪ ،‬كالتو ّ‬
‫كة وقَوِيَ السلم خاَلف‬ ‫ما ُفتحت م ّ‬ ‫وكانت هذه الموافقة في أول السلم‪ ،‬فل ّ‬
‫كتاب‪ ،‬بل أمَر بمخاَلفِتهم في شكل الصيام ل في أصله‪ ،‬ودليل ذلك أّنه‬ ‫أهل ال ِ‬
‫مه أصحابه ـ قيل له‪:‬‬ ‫ً‬
‫في أواخر حياته ـ وكان يصوم عاشوراء استحبابا ويصو ُ‬
‫م‬‫ظمه اليهود ُ والنصارى فقال ـ كما رواه مسلم ـ "إذا كان العا ُ‬ ‫إّنه يوم تع ّ‬
‫ل حتى ُتوّفي‪.‬‬ ‫مقب ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ت العا ُ‬ ‫م التاسع" فلم يأ ِ‬ ‫منا اليو َ‬ ‫ص ْ‬‫ل‪ ،‬إن شاء الله‪ُ ،‬‬ ‫مقب ِ ُ‬ ‫ال ُ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ة‬
‫صغائر‪ ،‬وهي ذنوب سن ٍ‬ ‫ذنوب ال ّ‬ ‫مراد بها ال ّ‬
‫صيام عاشوراء ال ُ‬ ‫ذنوب ب ِ‬ ‫و تكفير ال ّ‬
‫َ‬
‫من الكبائر‪،‬‬ ‫فف ِ‬ ‫خ ّ‬‫ن صغائ ُِر ُ‬‫ت من الصائم‪ ،‬فإن لم تك ْ‬ ‫ماضيةٍ أو آتية إن وقع ْ‬
‫فرها إل التوبة الّنصوح‪،‬‬ ‫فإن لم تكن كبائ ُِر ُرفَِعت الدرجات ‪ .‬أما الكبائر فل تك ّ‬
‫ث‬ ‫ُ‬
‫ج فلم ي َْرف ْ‬
‫ح ّ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬‫فق عليه " َ‬ ‫مبرور‪ ،‬لعموم الحديث المت ّ َ‬ ‫ج ال َ‬
‫ح ّ‬
‫فرها ال َ‬ ‫وقيل يك ّ‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م وَل َد َْته أ ّ‬
‫مه"‪.‬‬ ‫سق رجعَ كيو َ‬ ‫ولم يف ُ‬
‫رع قبلَ‬‫ش ِ‬ ‫ل السلم حين ُ‬ ‫قال النووي‪ :‬اخُتلف في حكم صوم عاشوراء في أو ِ‬
‫رمضان‪ ،‬فقال أبو حنيفة كان واجًبا لظواهر الحاديث‪ ،‬ولصحاب الشافعي‬
‫رع‪ .‬لكن كان‬ ‫ة حين ُ‬
‫ش ِ‬ ‫سن ّ ً‬
‫ل ُ‬ ‫ه كأبي حنيفة‪ ،‬والشهر أنه لم يز َ‬ ‫وجهان‪ :‬وج ٌ‬
‫ل من الّول‪.‬‬‫ن صار استحباُبه أق ّ‬ ‫ض رمضا ُ‬ ‫ما فُرِ َ‬ ‫ب‪ ،‬فل ّ‬ ‫كد الستحبا ِ‬ ‫متأ ّ‬
‫سِئل‬
‫هذا‪ ،‬وقد ثبت في الصحيحين أن ابن مسعود أفطَر يوم عاشوراَء‪ ،‬ولما ُ‬
‫مه قبل أن ينزل صوم رمضان‪،‬‬ ‫ي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصو ُ‬ ‫قال‪ :‬كان النب ّ‬
‫م‬
‫ن صو َ‬ ‫كه‪ ،‬والتفسير الصحيح لفعل ابن مسعود وقوله أ ّ‬ ‫ن تر َ‬‫فلما ن ََزل رمضا ُ‬
‫ك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجوَبه بعد فرض صيام رمضان‪،‬‬ ‫عاشوراء ت ََر َ‬
‫ل عليه الروايات الخرى‬ ‫حّبا كما تد ّ‬ ‫قي مست َ َ‬ ‫وب ِ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يوم عاشوراء ‪ ..‬أحكام وفوائد ‪...‬‬


‫ما المناسبات السلمية إل اصطفاء من الله ـ تعالى ـ لبعض الزمان‬
‫وتخصيص لها بعبادات ووظائف‪.‬‬
‫تأتي تلك المناسبات الكريمة فتحرك الشعور السلمي في أهله لُيقبلوا على‬
‫الله ـ عز وجل ـ فيزدادوا طهرا ً وصفاءا ً ونقاءًا‪.‬‬
‫ُيقبل شهر الله المحرم فيدعو المسلمين للصيام؛ حيث يقول النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم")‪.(1‬‬
‫كرنا فيه هذا الشهر بهجرة المصطفى صلى الله عليه‬ ‫وفي الوقت الذي يذ ّ‬
‫كرنا بانتصار‬‫وسلم ـ بداية ظهور الدعوة وقيام دولة السلم ـ نجد فيه يوما ً يذ ّ‬
‫نبي آخر هو موسى ـ عليه الصلة والسلم ـ‪ .‬ذلكم هو يوم عاشوراء ـ العاشر‬
‫من المحرم ـ‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فضاعف فيه أجر الصيام‪ .‬ثم كان للناس فيه‬ ‫ولقد حبا الله هذا اليوم فض ً‬
‫طرائق فأدخلوا فيه وأحدثوا وزادوا‪ ..‬إما رغبة في الخير‪ ،‬أو مجاراة للناس‪،‬‬
‫وإما اتباعا ً للهوى وزهدا ً في السنة‪.‬‬
‫من هنا نشأت الحاجة لبيان فضل هذا اليوم‪ ،‬وما يشرع فيه‪ ،‬وبيان أحوال‬
‫الناس في تعظيمه‪ ،‬مع وقفات تبرز من خلل المطالعة والبحث في هذا‬
‫الموضوع‪ ،‬أسأل الله ـ تعالى ـ الهدى والسداد‪ ،‬وأن ينفع بهذه السطور‪.‬‬
‫ل‪ :‬خصوصية عاشوراء وفضل صومه‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫جى الله فيه نبيه موسى ـ عليه الصلة‬ ‫جاء في فضل عاشوراء أنه يوم ن ّ‬
‫والسلم ـ والمؤمنين معه‪ ،‬وأغرق فيه فرعون وحزبه؛ فعن ابن عباس ـ رضي‬
‫الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة‪ ،‬فوجد اليهود‬
‫صياما ً يوم عاشوراء‪ ،‬فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما هذا‬
‫اليوم الذي تصومونه؟" فقالوا‪ :‬هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه‪،‬‬
‫وغّرق فرعون وقومه‪ ،‬فصامه موسى شكرًا‪ ،‬فنحن نصومه ‪ .‬فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬فنحن أحق وأْولى بموسى منكم" فصامه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه)‪ ،(2‬وها يحتمل أن الله ـ تعالى ـ‪:‬‬
‫"أوحى إليه بصدقهم‪ ،‬أو تواتر عنده الخبر بذلك")‪.(3‬‬
‫وقد جاء بيان فضل صيام يوم عاشوراء في حديث أبي قتادة أن النبي صلى‬
‫فر السنة الماضية"‪،‬‬ ‫الله عليه وسلم سئل عن صوم عاشوراء‪ ،‬فقال‪" :‬يك ّ‬
‫وفي رواية‪" :‬صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي‬
‫قبله")‪ ،(4‬وفي حديث آخر‪" :‬ومن صام عاشوراء غفر الله له سنة")‪.(5‬‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فرها؛‬‫قال البيهقي‪" :‬وهذا فيمن صادف صومه وله سيئات يحتاج إلى ما يك ّ‬
‫فرت سيئاته بغيره انقلبت زيادة في درجاته‪ ،‬وبالله‬ ‫فإن صادف صومه وقد ك ُ ّ‬
‫التوفيق")‪.(6‬‬
‫بل إن صيامه يعدل صيام سنة‪ ،‬كما في رواية‪" :‬ذاك صوم سنة")‪.(7‬‬
‫ويصور ابن عباس حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صيامه فيقول‪" :‬ما‬
‫ضله على غيره إل هذا‬ ‫رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحّرى صيام يوم ف ّ‬
‫اليوم يوم عاشوراء‪ ،‬وهذا الشهر‪ ،‬يعني‪ :‬شهر رمضان")‪.(8‬‬
‫عرف من فضله فقد كان للسلف حرص كبير على إدراكه‪ ،‬حتى كان‬ ‫ما ُ‬‫ول ِ َ‬
‫بعضهم يصومه في السفر؛ خشية فواته‪ ،‬كما نقله ابن رجب عن طائفة منهم‬
‫ابن عباس‪ ،‬وأبو إسحاق السبيعي‪ ،‬والزهري‪ ،‬وقال‪" :‬رمضان له عدة من أيام‬
‫أخر‪ ،‬وعاشوراء يفوت‪ ،‬ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر")‪.(9‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حالت صوم عاشوراء‪:‬‬
‫مّر صوم يوم عاشوراء بأحوال عدة)‪:(10‬‬
‫الولى‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء بمكة‪ ،‬ول يأمر‬
‫الناس بصومه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬لما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه‪ ،‬فصامه وأمر الناس بصيامه‪،‬‬
‫حتى أمر من أكل في ذلك اليوم أن يمسك بقية ذلك اليوم‪ .‬وكان ذلك في‬
‫السنة الثانية من الهجرة؛ لنه قدم المدينة في ربيع الول‪.‬‬
‫خ وجوب صوم عاشوراء‪ ،‬وصار‬ ‫س َ‬
‫الثالثة‪ :‬لما فرض رمضان في السنة الثانية ن ُ ِ‬
‫مستحبًا‪ ،‬فلم يقع المر بصيامه إل سنة واحدة)‪.(11‬‬
‫ويشهد لهذه الحالت أحاديث‪ ،‬منها‪ :‬حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت‪:‬‬
‫كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية‪ ،‬وكان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يصومه‪ ،‬فلما هاجر إلى المدينة‪ ،‬صامه وأمر بصيامه‪ ،‬فلما فرض شهر‬
‫رمضان قال‪" :‬من شاء صامه‪ ،‬ومن شاء تركه")‪.(12‬‬
‫وذ قالت‪ :‬أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة‬ ‫وعن الّرب َّيع بنت مع ّ‬
‫م‬ ‫ً‬
‫عاشوراء إلى قرى النصار التي حول المدينة‪" :‬من كان منكم صائما فليت ّ‬
‫صومه‪ ،‬ومن كان أصبح مفطرا ً فليتم بقية يومه"‪ ،‬فكنا بعد ذلك نصومه‪،‬‬
‫وم صبياننا الصغار منهم‪ ،‬إن شاء الله‪ ،‬ونذهب بهم إلى المسجد‪ ،‬ونصنع‬ ‫ونص ّ‬
‫لهم اللعبة من العهن‪ ،‬فنذهب به معنا‪ ،‬فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة‬
‫تلهيهم‪ ،‬حتى يتموا صومهم")‪.(13‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومن العلماء من قال‪ :‬إنه لم يكن واجبا ً أصل ً )‪(14‬؛ احتجاجا ً بقول معاوية ـ‬
‫رضي الله عنه ـ لما خطب يوم عاشوراء فقال‪" :‬ولم يكتب الله عليكم‬
‫صيامه")‪ ،(15‬قال الحافظ ابن حجر‪" :‬ول دللة فيه؛ لحتمال أن يريد‪ :‬ولم‬
‫ص‬
‫خ ّ‬ ‫م ُ‬
‫يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان‪ ،‬وغايته‪ :‬أنه عا ّ‬
‫دم وجوبه‪ ،‬أو المراد‪ :‬أنه لم يدخل في قوله ـ تعالى ـ‪:‬‬ ‫بالدلة الدالة على تق ّ‬
‫م(( ]البقرة‪ ،[183 :‬ثم‬ ‫ُ‬
‫من قَب ْل ِك ْ‬
‫ن ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب عَلى ال ِ‬ ‫ُ‬
‫ما كت ِ َ‬ ‫َ‬
‫مك َ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫))ك ُت ِ َ‬
‫فسره بأنه شهر رمضان‪ ،‬ول يناقض هذا المر السابق بصيامه الذي صار‬
‫منسوخًا‪،‬ويؤيد ذلك‪ :‬أن معاوية إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫سنة الفتح‪ ،‬والذين شهدوا أمره بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه في‬
‫السنة الولى أوائل العام الثاني‪ .‬ويؤخذ من مجموع الروايات أنه كان واجبا؛ً‬
‫لثبوت المر بصيامه‪ ،‬ثم تأكد المر بذلك‪ ،‬ثم زيادة التأكيد بالنداء العام‪ ،‬ثم‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زيادته بأمر من أكل بالمساك‪ ،‬ثم زيادته بأمر المهات أل ّ يرضعن فيه‬
‫ض رمضان ترك‬ ‫الطفال‪ ،‬وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم‪" :‬لما فُرِ َ‬
‫عاشوراء"‪ ،‬مع العلم بأنه ما ترك استحبابه‪ ،‬بل هو باق‪ ،‬فدل على أن‬
‫المتروك وجوبه")‪.(16‬‬
‫فكما كان واجبا ً أول ً فهو الن مستحب غير واجب‪ ،‬كما نقل ابن عبد البر‬
‫الجماع على هذا)‪.(17‬‬
‫واستحبابه متأكد يدل عليه قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ‪" :‬ما رأيت‬
‫ضله على غيره إل هذا اليوم‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم ف ّ‬
‫يوم عاشوراء‪ ،‬وهذا الشهر‪ ،‬يعني‪ :‬شهر رمضان")‪.(18‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬وأما قول بعضهم‪ :‬المتروك تأكد استحبابه‪ ،‬والباقي مطلق‬
‫ق‪ ،‬ول سيما مع استمرار‬ ‫استحبابه‪ ..‬فل يخفى ضعفه‪ ،‬بل تأ ّ‬
‫كد استحبابه با ٍ‬
‫الهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول‪" :‬لئن‬
‫فر سنة‪ ،‬وأي‬ ‫عشت لصومن التاسع والعاشر"‪ ،‬ولترغيبه في صومه وأنه يك ّ‬
‫تأكيد أبلغ من هذا؟!")‪.(19‬‬
‫وش على هذا ما روي من أن ابن عمر كان ل يصومه إل أن يوافق‬ ‫ول يش ّ‬
‫صيامه)‪ ،(20‬وأنه كان يكره إفراده بالصوم‪ ،‬فهو اجتهاد منه ل ُتعاَرض به‬
‫الحاديث الصحيحة‪ ،‬وقد انقرض القول بذلك)‪.(21‬‬
‫الحالة الرابعة‪ :‬المر بمخالفة اليهود في صيام عاشوراء‪:‬‬
‫"كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه‬
‫بشيء")‪ ،(22‬حتى ُأمر بمخالفتهم‪ ،‬وُنهي عن موافقتهم‪ ،‬فعزم على أن ل‬
‫يصوم عاشوراء مفردًا‪ ،‬فكانت مخالفته لهم في ترك إفراد عاشوراء بالصوم‪.‬‬
‫ويشهد لذلك أحاديث منها‪ :‬عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال‪ :‬حين‬
‫صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء‪ ،‬وأمر بصيامه‪ ،‬قالوا‪ :‬إنه‬
‫يوم تعظمه اليهود والنصارى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬فإذا‬
‫كان العام المقبل ـ إن شاء الله ـ صمنا اليوم التاسع"‪ .‬قال‪ :‬فلم يأت العام‬
‫المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم)‪ ،(23‬والمراد‪ :‬أنه عزم‬
‫على صوم التاسع مع العاشر‪ .‬يشهد لذلك قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما‬
‫ـ‪" :‬أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر")‪،(24‬‬
‫وقوله‪" :‬خالفوا اليهود‪ ،‬وصوموا التاسع والعاشر")‪ ،(25‬وعن عائشة ـ رضي‬
‫الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء يوم العاشر)‬
‫‪.(26‬‬
‫أما جواب ابن عباس لمن سأله عن صيام عاشوراء‪ ،‬فقال‪" :‬إذا رأيت هلل‬
‫ح يوم التاسع صائمًا")‪ ،(27‬فل إشكال فيه‪ ،‬قال ابن‬ ‫المحرم فاعدد‪ ،‬وأصب ِ ْ‬
‫القيم‪" :‬فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس تبين له زوال الشكال وسعة‬
‫علم ابن عباس؛ فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع‪ ،‬بل قال للسائل‪:‬‬
‫صم اليوم التاسع‪ ،‬واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر‬
‫الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء‪ ،‬فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه")‬
‫‪.(28‬‬
‫وعن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬صوموا يوم‬
‫عاشوراء‪ ،‬وخالفوا فيه اليهود‪ ،‬وصوموا قبله يوما ً أو بعده يومًا")‪ .(29‬وعلى‬
‫صحة هذا الحديث فإن من لم يصم التاسع فإنه يصوم الحادي عشر؛ لتتحقق‬
‫له مخالفة اليهود في عدم إفراد عاشوراء بالصوم‪.‬‬
‫أما رواية‪" :‬صوموا يوما ً قبله‪ ،‬ويوما ً بعده" فهي ضعيفة)‪.(30‬‬
‫وعن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال‪ :‬كان يوم عاشوراء يوما ً تعظمه‬

‫‪208‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليهود‪ ،‬وتتخذه عيدًا‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬فصوموه‬
‫أنتم")‪.(31‬‬
‫ً‬
‫قال ابن رجب‪" :‬وهذا يدل على النهي عن اتخاذه عيدا‪ ،‬وعلى استحباب صيام‬
‫أعياد المشركين؛ فإن الصوم ينافي اتخاذه عيدًا‪ ،‬فيوافقون في صيامه مع‬
‫صيام يوم آخر معه‪ ...‬فإن في ذلك مخالفة لهم في كيفية صيامه أيضًا‪ ،‬فل‬
‫يبقى فيه موافقة لهم في شيء بالكلية")‪.(32‬‬
‫ثالثًا‪ :‬كيفية مخالفة اليهود في صوم يوم عاشوراء‪:‬‬
‫يظهر مما تقدم من الحاديث ـ والله أعلم ـ أن الكمل هو صوم التاسع‬
‫والعاشر؛ لنه هو الذي عزم على فعله النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ما" فإنه قال بمشروعية‬ ‫ما‪ ،‬أو بعده يو ً‬


‫ومن صحح حديث‪" :‬وصوموا قبله يو ً‬
‫صيام الحادي عشر لمن لم يصم التاسع‪ ،‬لتحصل له مخالفة اليهود التي قصد‬
‫إليها النبي صلى الله عليه وسلم؛ خاصة أن من أهل العلم من يرى كراهية‬
‫إفراد العاشر بالصوم؛ لما فيه من موافقة اليهود ومخالفة المر بمخالفتهم‪،‬‬
‫ضا خشية فوات العاشر)‪.(33‬‬ ‫وأي ً‬
‫ومن أهل العلم من قال بأفضلية صوم الثلثة أيام‪ :‬التاسع والحادي عشر مع‬
‫ضا‪:‬‬ ‫ما بعده"‪ ،‬وأي ً‬
‫ما قبله‪ ،‬ويو ً‬
‫العاشر‪ ،‬وحجتهم الرواية المتقدمة‪" :‬صوموا يو ً‬
‫الحتياط لدراك العاشر‪ ،‬ولنه أبلغ في مخالفة اليهود)‪.(34‬‬
‫رابعًا‪ :‬أعمال الناس في عاشوراء في ميزان الشرع‪:‬‬
‫الناظر في حال الناس اليوم يرى أنهم يخصصون عاشوراء بأمور عديدة‪.‬‬
‫ومن خلل سؤال عدد من الناس من بلدان عدة تبين أن من العمال‬
‫المنتشرة التي يحرص عليها الناس في عاشوراء‪ :‬الصيام ـ وقد عرفنا‬
‫مشروعيته ـ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬إحياء ليلة عاشوراء‪ ،‬والحرص على التكلف في الطعام‪ ،‬والذبح عموما ً‬
‫لجل اللحم‪ ،‬وإظهار البهجة والسرور‪ ،‬ومنها‪ :‬ما يقع في بلدان كثيرة من‬
‫المآتم المشتملة على طقوس معينة مما يفعله الروافض وغيرهم‪.‬‬
‫وحتى نعرف مدى شرعية تلك العمال فتكون مقربة إلى الله‪ ،‬أو عدم‬
‫مشروعيتها لتصير بدعا ً ومحدثات ُتبِعد العبد عن الله؛ فإنه ل بد أن نعلم جيدا ً‬
‫أن للعمل المقبول عند الله ـ تعالى ـ شروطا ً منها‪ :‬أن يكون العامل متابعا ً ـ‬
‫في عمله ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم)‪.(35‬‬
‫وإذا نظرنا في أفعال الناس في عاشوراء ـ سواء ما كان منها في الحاضر أو‬
‫الماضي أو الماضي القريب)‪ (36‬ـ رأينا أنها على صور عدة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ما كان منها في باب العبادات؛ حيث خصوا هذا اليوم ببعض العبادات‬
‫كقيام ليلة عاشوراء‪ ،‬وزيارة القبور فيه‪ ،‬والصدقة‪ ،‬وتقديم الزكاة أو تأخيرها‬
‫عن وقتها لتقع في يوم عاشوراء‪ ،‬وقراءة سورة فيها ذكر موسى فجر يوم‬
‫عاشوراء ‪ ...‬فهذه ونحوها وقعت المخالفة فيها في سبب العمل وهو‬
‫ث عليه‪ ،‬كما‬‫تخصيصه بوقت لم يخصه الشارع بهذه العمال‪ ،‬ولو أراده لح ّ‬
‫حث على الصيام فيه‪ ،‬فُيمنع من فعلها بهذا التقييد الزمني‪ ،‬وإن كانت‬
‫مشروعة في أصلها‪.‬‬
‫ولن باب البدع ل يقف عند حد ّ فإن البدع في العبادات قد تنال كيفية العبادة‪،‬‬
‫كما اختلقوا حديثا ً موضوعا ً مكذوبا ً في صلة أربع ركعات ليلة عاشوراء‬
‫ويومها‪ ،‬يقرأ فيها ))قل هو الله أحد(( ]الخلص‪ [1 :‬إحدى وخمسين مرة)‬

‫‪209‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،(37‬وخرافة رقية عاشوراء‪ ،‬ونعي الحسين ـ رضي الله عنه ـ على المنابر‬
‫يوم الجمعة)‪ ،(38‬وكالمنكرات المصاحبة لزيارة القبور‪.‬‬
‫ً‬
‫ب ‪ -‬ما كان من باب العادات التي تمارس في عاشوراء تشبيها له بالعيد‪،‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫الغتسال‪ ،‬والكتحال‪ ،‬واستعمال البخور‪ ،‬والتوسع في المآكل والمشارب‪،‬‬
‫وطحن الحبوب‪ ،‬وطبخ الطعام المخصوص‪ ،‬والذبح لجل اللحم‪ ،‬وإظهار‬
‫البهجة والسرور‪ .‬ومنها عادات ل تخلو من منكرات قبيحة‪.‬‬
‫وهذه في أصلها نشأت وظهرت رد فعل لمآتم الشيعة التي يقيمونها حزنا ً‬
‫على مقتل الحسين ـ رضي الله عنه ـ فكان من الناصبة)‪ (39‬أن أظهروا‬
‫الشماتة والفرح‪ ،‬وابتدعوا فيه أشياء ليست من الدين‪ ،‬فوقعوا في التشبه‬
‫باليهود الذين يتخذونه عيدا ً ـ كما تقدم ـ)‪.(40‬‬
‫وأما ما روي من الحاديث في فضل التوسعة على العيال في عاشوراء فإن‬
‫طرقها ضعيفة‪ ،‬وهي وإن رأى بعض العلماء أنها قوية فإن ضعفها ل ينجبر‪ ،‬ول‬
‫ينهض لدرجة الحسن‪.‬‬
‫ما أشار‬ ‫أما الغتسال والكتحال والختضاب فلم يثبت فيه شيء البتة)‪ ،(41‬ول ّ‬
‫ابن تيمية إلى ما روي من الحاديث في فضل عاشوراء قال‪" :‬وكل هذا كذب‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لم يصح في عاشوراء إل فضل‬
‫صيامه")‪.(42‬‬
‫وبذلك تعرف أن الشرع لم يخص عاشوراء بعمل غير الصيام‪ ،‬وهذا منهج‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬
‫سوَة ٌ َ‬ ‫سو ِ‬‫م ِفي َر ُ‬‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫كا َ‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪)) ،‬ل َ َ‬
‫ه ك َِثيرا(( ]الحزاب‪ .[12 :‬وكم فات‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫خَر وذ َك ََر الل َ‬ ‫ه وال ْي َوْ َ‬
‫م ال ِ‬ ‫جو الل ّ َ‬‫ن ي َْر ُ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫لّ َ‬
‫على أولئك المنشغلين بتلك البدع من اّتباع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫والعمل بسنته!‬
‫ج ‪ -‬مآتم الشيعة )الرافضة والباطنية(‪:‬‬
‫أما بالنسبة لمآتم الشيعة فإنه ل نزاع في فضل الحسين ـ رضي الله عنه ـ‬
‫ومناقبه؛ فهو من علماء الصحابة‪ ،‬ومن سادات المسلمين في الدنيا والخرة‬
‫الذين عرفوا بالعبادة والشجاعة والسخاء ‪ ،...‬وابن بنت أشرف الخلق صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬والتي هي أفضل بناته‪ ،‬وما وقع من قتله فأمر منكر شنيع‬
‫محزن لكل مسلم‪ ،‬وقد انتقم الله ـ عز وجل ـ من قتلته فأهانهم في الدنيا‬
‫ل من نجا منهم‪.‬‬ ‫وجعلهم عبرة‪ ،‬فأصابتهم العاهات والفتن‪ ،‬وق ّ‬
‫والذي ينبغي عند ذكر مصيبة الحسين وأمثالها هو الصبر والرضى بقضاء الله‬
‫وقدره‪ ،‬وأنه ـ تعالى ـ يختار لعبده ما هو خير‪ ،‬ثم احتساب أجرها عند الله ـ‬
‫تعالى ـ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫ح ُ‬
‫ظ‬ ‫ولكن ل يحسن أبدا ً ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي ُيل َ‬
‫ي أفضل منه وُقتل‪ ،‬ولم يتخذوا‬ ‫التصنع والتكلف في أكثره‪ ،‬وقد كان أبوه عل ّ‬
‫موته مأتمًا‪ ،‬وقتل عثمان وعمر ومات أبو بكر ـ رضي الله عنهم ـ‪ ،‬وكلهم‬
‫أفضل منه ‪ ..‬ومات سيد الخلق صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولم يقع في يوم موته‬
‫ما هو حاصل في مقتل الحسين‪ .‬وليس اتخاذ المآتم من دين المسلمين أصل‪ً،‬‬
‫بل هو أشبه بفعل أهل الجاهلية)‪.(43‬‬
‫ً‬
‫قال ابن رجب عن يوم عاشوراء‪" :‬وأما اتخاذه مأتما كما تفعله الرافضة؛‬
‫لجل قتل الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ فيه ‪ ..‬فهو من عمل من ضل‬

‫‪210‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعًا‪ ،‬ولم يأمر الله ول رسوله‬
‫باتخاذ أيام مصائب النبياء وموتهم مأتمًا‪ ،‬فكيف بمن دونهم؟")‪.(44‬‬
‫ولقد كانت بعض تصرفات الرافضة في مآتمهم موضع انتقاد من بعض‬
‫علمائهم‪ ،‬مع إصرار الجميع على المآتم والحزن‪.‬‬
‫ففي مقابلة مع أحد مراجعهم)‪ (45‬سئل‪" :‬هناك أيضا ً قضية عاشوراء التي ل‬
‫تحبذها؟" فأجاب‪" :‬عاشوراء ل بد أن تتحرك مع الخط العاطفي‪ ،‬ولكن ل‬
‫أوافق على الحتفال بعاشوراء بطريقة ضرب الرؤوس بالسيوف‪ ،‬وجلد‬
‫الجساد بالسلسل الحديدية‪ ،‬وأنا قد حرمت هذا"‪ .‬ثم طالب بأساليب للتعبير‬
‫عن العاطفة أكثر )عصرية(‪ ،‬وذكر منها استخدام المسرح‪ ،‬حتى يكون‬
‫لعاشوراء امتداد في العالم!)‪.(46‬‬
‫والملحظ أن مآتم الرافضة في عاشوراء لم ترتبط بأصل إسلمي من قريب‬
‫أو بعيد؛ إذ ل علقة لها بنجاة موسى \‪ ،‬ول بصيام النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫بل الواقع أنهم حولوا المناسبة إلى اتجاه آخر‪ ،‬وهذا من جنس تبديل دين الله‬
‫ـ عز وجل ـ‪.‬‬
‫سا‪ :‬وقفات وفوائد‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫‪ -1‬حين يعظم الكفار بعض الشعائر‪:‬‬
‫تقدم في حديث عائشة الصحيح أن قريشا ً كانت تصوم عاشوراء في‬
‫الجاهلية‪ ،‬وعنها قالت‪ :‬كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان‪ ،‬وكان‬
‫ست َُر فيه الكعبة ‪ ،(47)"...‬وقد قيل في سبب صيامهم أنهم أذنبوا ذنبا ً‬ ‫يوما ً ت ُ ْ‬
‫فعظم في صدورهم‪،‬فقيل لهم‪ :‬صوموا عاشوراء)‪ ،(48‬وقيل‪ :‬أصابهم قحط‪،‬‬
‫ثم رفع عنهم‪ ،‬فصاموه شكرًا)‪،(49‬و"لعلهم تلقوه من الشرع السالف‪ ،‬ولهذا‬
‫كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة‪ ،‬وغير ذلك")‪.(50‬‬
‫وأيا ً كان الحامل لهم على ذلك فإنه ليس غريبا ً بقاء أثارة من تدين عند‬
‫الكفرة والمشركين‪ ،‬وهذا ـ غالبا ً ـ هو حال المبدلين شرع الله‪ .‬ولكن وجود‬
‫شيء من ذلك ل يعني استحسان حالهم العامة بإطلق مع بقائهم على‬
‫ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الشرك والكفر؛ لن ميزان التفضيل هو التزام الدين قلبا وقالبا عن رض ً‬
‫وقبول ـ كما أراده الله ـ‪ ،‬ل تجزئة الدين واليمان ببعض الكتاب والكفر‬
‫ببعض‪ ،‬ول التعلق بمجرد شعائر خالية من اليقين واليمان الخالص الذي هو‬
‫دليل الشكر الصادق‪ ،‬وسبب التكفير والمغفرة ـ لمن سعى لذلك ـ‪.‬‬
‫شركي َ‬
‫ن‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫شا‬ ‫جد َ الل ّهِ‬ ‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫مُروا َ‬ ‫ن أن ي َعْ ُ‬ ‫م ْ ِ ِ َ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫يقول الله ـ عز وجل ـ‪َ )) :‬‬
‫َ‬ ‫فرِ أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫عََلى َأن ُ‬
‫ما‬ ‫ن )‪ (17‬إن ّ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫م َ‬ ‫م وِفي الّنارِ هُ ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫سِهم ِبال ْك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫َ‬
‫كاةَ ول َ ْ‬
‫م‬ ‫صلةَ وآَتى الّز َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خرِ وأَقا َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬‫جد َ الل ّهِ َ‬ ‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫مُر َ‬ ‫ي َعْ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سى أوْل َئ َ َ‬
‫ن(( ]التوبة‪.[18 ،17 :‬‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬
‫كوُنوا ِ‬ ‫ك أن ي َ ُ‬ ‫ه فَعَ َ‬ ‫ش إل ّ الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫وهكذا الحال بالنسبة لبعض المنتسبين لهذه المة في التزامهم بعض شعائر‬
‫السلم وتركهم كثيرا ً منها؛ فذلك شبه باليهود الذين أنكر الله عليهم بقوله‪:‬‬
‫َ‬
‫م إل ّ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫جَزاُء َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ب ِب َعْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ب وت َك ْ ُ‬ ‫ض الك َِتا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ب ِب َعْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫))أفَت ُؤْ ِ‬
‫ل‬
‫ه ب َِغافِ ٍ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫بو َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫شد ّ العَ َ‬ ‫ن إَلى أ َ َ‬ ‫مةِ ي َُرّدو َ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وي َوْ َ‬ ‫خْزيٌ ِفي ال َ‬ ‫ِ‬
‫ن(( ]البقرة‪ .[85 :‬كحال من يكتفي من السلم بصيام رمضان‪ ،‬أو‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫عَ ّ‬
‫الحسان إلى الناس مثل‪ ،‬مع فساد المعتقد‪ ،‬أو إهمال الصلوات‪ ،‬أو الركون‬ ‫ً‬
‫إلى الكفرة وتوليهم‪.‬‬
‫‪ - 2‬مخالفة أهل الكتاب من أعظم مقاصد الشريعة)‪:(51‬‬
‫مخالفة الكفار من أبرز مظاهر تحقيق البراء من الكافرين الذي ل يتم اليمان‬
‫إل به‪ ،‬وقد شدد الشارع على المتشبهين بهم‪ ،‬حتى قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬من تشبه بقوم فهو منهم")‪ ،(52‬وقد ذكر ابن تيمية أن هذا أقل‬

‫‪211‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحواله التحريم‪ ،‬وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم)‪.(53‬‬


‫وفي ترك إفراد عاشوراء بالصوم درس عظيم‪ ،‬فإنه مع فضل صوم ذلك‬
‫اليوم‪ ،‬وحث النبي صلى الله عليه وسلم على صومه‪ ،‬وكونه كفارة سنة‬
‫ماضية ‪ ..‬إل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمخالفة اليهود فيه‪ ،‬وعزم‬
‫على ضم التاسع إليه‪ ،‬فوقعت المخالفة في صفة ذلك العمل‪ ،‬مع أن صوم‬
‫عاشوراء مشروع في الشريعتين‪ ،‬أو أنه مشروع لنا وهم يفعلونه‪ ،‬فكيف بما‬
‫كان دون ذلك من المباح أو المحرم وما كان من شعائر دينهم؟! ل شك أن‬
‫في ذلك من المفاسد ما ل يظهر أكثره لكثر الخلق)‪.(54‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪212‬‬

You might also like