Professional Documents
Culture Documents
فل
1
ممد باقر الصدر
2
فلسَفتنا
دراسة موضوعية ف معترك الصراع الفكري القائم بي متلف
التيارات الفلسفية وخاصة الفلسفة السلمية والادية الديالكتيكية
(الاركسية)
طبعة جديدة
مصححة ومنقحة
3
•الؤلف :الشهيد آية ال العظمى السيد ممد باقر
الصدر
•الناشر :الجمع العلمي للشهيد الصدر (قده)
4
5
غزا العال السلمي ,منذ سقطت الدولة السلمية صريعة بأيدي
الستعمرين ,سيل جارف من الثقافات الغربية ,القائمة على أسسهم
الضارية ,ومفاهيمهم عن الكون ,والياة والجتمع .فكانت تد الستعمار
إمدادا فكريا متواصلً ,ف معركته الت خاضها للجهاز على كيان المة,
وسر أصالتها ,التمثل ف السلم.
وفدت بعد ذلك إل أراضي السلم السلبية ,أمواج أخرى من تيارات
الفكر الغرب ,ومفاهيمه الضارية ,لتنافس الفاهيم الت سبقتها إل اليدان,
وقام الصراع بي تلك الفاهيم الواردة ,على حساب المة ,وكيانا الفكري
والسياسي الاص.
وكان ل بد للسلم أن يقول كلمته ,ف معترك هذا الصراع الرير,
وكان ل بد أن تكون الكلمة قوية عميقة ,صرية واضحة ,كاملة شاملة,
للكون ,والياة ,والنسان ,والجتمع ,والدولة والنظام ,ليتاح للمة أن
تعلن كلمة (ال) ف العترك ,وتنادي با ,وتدعو العال إليها ,كما فعلت ف
فجر تاريها العظيم.
وليس هذا الكتاب ,إل جزء من تلك الكلمة ,عولت فيه مشكلة
الكون ,كما يب أن تعال ف ضوء السلم ,وتتلوه الجزاء الخرى ,الت
يستكمل فيها السلم علجه الرائع ,لختلف مشاكل الكون والياة.
○فلسفتنا
فلسفتنا هو :مموعة مفاهيمنا الساسية عن العال ,وطريقة التفكي فيه .ولذا
كان الكتاب ـ باستثناء التمهيد ـ ينقسم إل بثي :أحدها نظرية
العرفة ,والخر الفهوم الفلسفي للعال.
6
ومسؤولية البحث الول ف الكتاب تتلخص فيما يلي:
أولً :الستدلل على النطق العقلي ,القائل ,بصحة الطريقة العقلية ف
التفكي وان العقل ,با يلك من معارف ضرورية فوق التجربة ,هو القياس
الول ف التفكي البشري ,ول يكن أن توجد فكرة فلسفية .أو علمية دون
إخضاعها لذا القياس العام ,وحت التجربة الت يزعم التجريبيون أنا
القياس الول ,ليست ف القيقة إل أداة لتطبيق القياس العقلي ,ول غن
للنظرية التجريبية عن النطق العقلي.
وثانيا :درس قيمة العرفة البشرية بالتدليل على أن العرفة ,إنا يكن
التسليم لا بقيمة على أساس النطق العقلي ل النطق الديالكتيكي الذي يعجز
عن إياد قيمة صحيحة للمعرفة.
وهدفنا الساسي من هذا البحث ,هو تديد منهج الكتاب ف السالة
الثانية ,لن وضع مفهوم عام للعال ,يتوقف قبل كل شيء على تديد الطريقة
الرئيسية ف التفكي ,والقياس العام للمعرفة الصحيحة ,ومدى قيمتها .ولذا
كانت السألة الول ف القيقة بثا تهيديا للمسألة الثانية .والسألة الثانية هي
7
وف اللقة الثالثة ندرس مبدأ العلية وقوانينها الت تسيطر على العال ,وما
تقدمه لنا من تفسي فلسفي شامل له ,ونعال عدة شكوك فلسفية ,نشأت ف
ضوء التطورات العلمية الديثة.
وننتقل بعد ذلك إل اللقة الرابعة الادة أو ال ,وهو البحث ف الرحلة
النهائية من مراحل الصراع بي الادية واللية ,لنصوغ مفهومنا اللي للعال,
ف ضوء القواني الفلسفية ,وف ضوء متلف العلوم الطبيعية والنسانية.
وأما اللقة الخية ,فندرس فيها مشكلة من أهم الشاكل الفلسفية,
وهي الدراك ,الذي يثل ميدانا مهما من ميادين الصراع بي الادية
واليتافيزيقية .وقد عول البحث على أساس فلسفي ,وف ضوء متلف العلوم
ذات الصلة بالوضوع ,من طبيعة وفسيولوجية وسيكولوجية.
هذا هو الكتاب ف مطط إجال عام ,تده الن بي يديك ,نتيجة جهود
متظافرة طيلة عشرة اشهر ,أدت إل إخراجه كما ترى وكل أملي أن يكون قد
أدى شيئا من الرسالة القدسة بأمان وإخلص.
وارجوا من القارئ العزيز ,أن يدرس بوث الكتاب دراسة موضوعية,
بكل إمعان وتدبر ,تاركا الكم له أو عليه ,إل ما يلك من القاييس
الفلسفية والعلمية الدقيقة ,ل إل الرغبة والعاطفة .ول أحب له أن يطالع
الكتاب ,كما يطالع كتابا روائيا ,أو لونا من ألوان الترف العقلي والدب.
8
9
○ تهيد ○
ڤ....................................................السألة الجتماعية
مشكلة العال الت تل فكر النسانية اليوم ,وتس واقعها بالصميم هي
مشكلة النظام الجتماعي الت تتلخص ف ماولة إعطاء أصدق إجابة عن
السؤال الت:
ما هو النظام الذي يصلح للنسانية وتسعد به ف حياتا الجتماعية؟
ومن الطبيعي أن تتل هذه الشكلة مقامها الطي ,وان تكون ف تعقيدها
وتنوع ألوان الجتهاد ف حلها مصدرا للخطر على النسانية ذاتا ,لن النظام
داخل ف حساب الياة النسانية ومؤثر ف كيانا الجتماعي ف الصميم.
وهذه الشكلة عميقة الذور ف الغوار البعيدة من تاريخ البشرية ,وقد
واجهها النسان منذ نشأت ف واقعه الياة الجتماعية ,وانبثقت النسانية الماعية
تتمثل ف عدة أفراد تمعهم علقات وروابط مشتركة .فإن هذه
العلقات الت تكونت تقيقا لتطلبات الفطرة والطبيعة ف حاجة بطبيعة الال
إل توجيه وتنظيم ,وعلى مدى انسجام هذا التنظيم مع الواقع النسان ومصاله
يتوقف استقرار الجتمع وسعادته.
وقد دفعت هذه الشكلة بالنسانية ف ميادينها الفكرية والسياسية ال
خوض جهاد طويل ,وكفاح حافل بختلف ألوان الصراع ,وبشت مذاهب
العقل البشري الت ترمي إل إقامة البناء الجتماعي وهندسته ,ورسم خططه
ووضع ركائزه ,وكان جهادا مرهقا يضج بالآسي والظال ,ويزخر بالضحكات
10
والدموع ،وتقترن فيه السعادة مع الشقاء ,كل ذلك لا كان يتمثل ف تلك
اللوان الجتماعية من مظاهر الشذوذ والنراف عن الوضع الجتماعي
الصحيح .ولول ومضات شعت ف لظات من تاريخ هذا الكوكب ,لكان
الجتمع النسان يعيش ف مأساة مستمرة ,وسبح دائم ف المواج الزاخرة.
ول نريد أن نستعرض الن أشواط الهاد النسان ف اليدان الجتماعي
لننا ل نقصد بذه الدراسة أن نؤرخ للنسانية العذبة .وأجوائها الت تقلبت
فيها منذ الماد البعيدة .وإنا نريد أن نواكب النسانية ف واقعها الاضر,
وف أشواطها الت انتهت إليها ,لنعرف الغاية الت يب أن ينتهي إليها
الشوط ,والساحل الطبيعي الذي ل بد للسفينة أن تشق طريقها إليه ,وترسو
عنده لتصل إل السلم والي ،وتؤوب إل الياة مستقرة ,يعمرها العدل
والسعادة ,بعد جهد وعناء طويلي وبعد تطواف عريض ف شت النواحي
ومتلف التاهات.
ڤ .....................................................الذاهب الجتماعية
إن أهم الذاهب الجتماعية الت تسود الذهنية النسانية العامة اليوم,
ويقوم بينها الصراع الفكري أو السياسي على اختلف مدى وجودها
الجتماعي ف حياة النسان هي مذاهب أربعة:
1ـ النظام الديقراطي الرأسال.
2ـ النظام الشتراكي.
3ـ النظام الشيوعي.
4ـ النظام السلمي.
ويتقاسم العال اليوم إثنان من هذه النظمة الربعة .فالنظام الديقراطي
الرأسال هو أساس الكم ف بقعة كبية من الرض ,والنظام الشتراكي هو
السائد ف بقعة كبية أخرى .وكل من النظامي يلك كيانا سياسيا عظيما,
يميه ف صراعه مع الخر ،ويسلحه ف معركته البارة الت يوضها أبطاله ف
سبيل الصول على قيادة العال ,وتوحيد النظام الجتماعي فيه.
11
وأما النظام الشيوعي والسلمي فوجودها بالفعل فكري خالص ,غي أن
النظام السلمي مر بتجربة من أروع النظم الجتماعية وانحها ,ث
عصفت به العواصف بعد إن خل اليدان من القادة البدئيي أو كاد ,وبقيت
التجربة ف رحة أناس ل ينضج السلم ف نفوسهم ,ول يل أرواحهم بروحه
وجوهرة فعجزت عن الصمود والبقاء ,فتقوض الكيان السلمي ,وبقي نظام
السلم فكرة ف ذهن المة السلمية ،وعقيدة ف قلوب السلمي ,وأملً
يسعى إل تقيقه أبناؤه الجاهدون .وأما النظام الشيوعي فهو فكرة غي مربة
حت الن تربة كاملة ,وإنا تتجه قيادة العسكر الشتراكي اليوم إل تيئة جو
اجتماعي له بعد أن عجزت عن تطبيقه حي ملكت زمام الكم فأعلنت
النظام الشتراكي وطبقته كخطوة إل الشيوعية القيقة.
فما هو موضعنا من هذه النظمة؟
وما هي قضيتنا الت يب أن ننذر حياتنا لا ,ونقود السفينة إل
شاطئها؟
أولً ـ الديقراطية الرأسالية
ولنبدأ بالنظام الديقراطي الرأسال .هذا النظام الذي أطاح بلون من
الظلم ف الياة القتصادية ,وبالكم الدكتاتوري ف الياة السياسية .وبمود
الكنيسة وما إليها ف الياة الفكرية ,وهيأ مقاليد الكم والنفوذ لفئة حاكمة
جديدة حلت مل السابقي ,وقامت بنفس دورهم الجتماعي ف أسلوب
جديد.
وقد قامت الديقراطية الرأسالية على اليان بالفرد إيانا ل حد له .وبان
مصاله الاصة بنفسها تكفل ـ بصورة طبيعية ـ مصلحة الجتمع ف متلف
اليادين ...وان فكرة الدولة إنا تستهدف حاية الفراد ومصالهم الاصة,
فل يوز أن تتعدى حدود هذا الدف ف نشاطها ومالت عملها.
ويتلخص النظام الديقراطي الرأسال ف إعلن الريات الربع:
12
السياسية ,والقتصادية ,والفكرية ,والشخصية.
فالرية السياسية تعل لكل فرد كلما مسموعا ورأيا مترما ف تقرير
الياة العامة للمة :وضع خططها ,ورسم قوانينها ,وتعيي السلطات القائمة
لمايتها .وذلك لن النظام الجتماعي للمة ,والهاز الاكم فيها ,مسألة
تتصل اتصالً مباشرا بياة كل فرد من أفرادها ,وتؤثر تأثيا حاسا ف سعادته
أو شقائه ,فمن الطبيعي حينئذ أن يكون لكل فرد حق الشاركة ف بناء النظام
والكم.
وإذا كانت السألة الجتماعية ـ كما قلنا مسألة حياة أو موت ,ومسألة
سعادة أو شقاء للمواطني ,الذين تسري عليهم القواني والنظمة العامة...
فمن الطبيعي ,أيضا أن ل يباح الضطلع بسؤوليتها لفرد ,أو لجموعة
خاصة من الفراد ـ مهما كانت الظروف ـ ما دام ل يوجد الفرد الذي يرتفع ف
نزاهة قصده ورجاحة عقله ,على الهواء والخطاء.
فل بد إذن من إعلن الساواة التامة ف القوق السياسية بي الواطني
كافة ,لنم يتساوون ف تمل نتائج السألة الجتماعية ,والضوع لقتضيات
السلطات التشريعية والتنفيذية .وعلى هذا الساس قام حق التصويت ومبدأ
النتخاب العام ,الذي يضمن انبثاق الهاز الاكم ـ بكل سلطاته وشعبه ـ عن
أكثرية الواطني.
والرية القتصادية ترتكز على اليان بالقتصاد الر ,وتقرر فتح جيع
البواب ,وتيئة كل اليادين ...أمام الواطن ف الجال القتصادي .فيباح
التملك للستهلك وللنتاج معا ,وتباح هذه اللكية النتاجية الت يتكون منها
رأس الال من غي حد وتقييد ,وللجميع على حد سواء .فلكل فرد مطلق
الرية ف إنتاج أي أسلوب وسلوك أي طريق ,لكسب الثروة وتضخيمها,
ومضاعفاتا ,على ضوء مصاله ومنافعه الشخصية.
وف زعم بعض الدافعي عن هذه الرية القتصادية أن قواني القتصاد
السياسي ,الت تري على أصول عامة بصورة طبيعية ,كفيلة بسعادة الجتمع
وحفظ التوازن القتصادي فيه ...وإن الصلحة الشخصية ,الت هي الافز
13
النتجي والتجرين ف حقهم من الرية القتصادية ,يكفي وحده لتحقيق روح
العدل والنصاف ,ف شت التفاقات والعاملت .فالقواني الطبيعية للقتصاد
تتدخل ـ مثلً ـ ف حفظ الستوى الطبيعي للثمن ,بصورة تكاد أن تكون آلية,
وذلك أن الثمن إذا ارتفع عن حدوده الطبيعية العادلة ,انفض الطلب
بكم القانون الطبيعي الذي يكم بأن ارتفاع الثمن يؤثر ف انفاض
الطلب ,وانفاض الطب بدوره يقوم بتخفيض الثمن ,تقيقا لقانون طبيعي
آخر ,ول يتركه حت ينخفض به إل مستواه السابق ويزول الشذوذ بذلك.
والصلحة الشخصية تفرض على الفرد دائما التفكي ف كيفية ازادة النتاج
وتسينه ,مع تقليل مصاريفه ونفقاته .وذلك يقق مصلحة الجتمع ,ف نفس
الوقت الذي يعتب مسالة خاصة بالفرد أيضا.
والتنافس يقتضي ـ بصورة طبيعية ـ تديد أثان البضائع وأجور العمال
والستخدمي بشكل عادل ,ل ظلم فيه ول إجحاف .لن كل بائع أو منتج
يشى من رفع أثان بضائعه ,أو تفيض أجور عماله ,بسبب منافسة
الخرين له من البائعي والنتجي.
والرية الفكرية تعن أن يعيش الناس أحرارا ف عقائدهم وأفكارهم.
يفكرون حسب ما يتراءى لم ويلو لعقولم ,ويعتقدون ما يصل إليه
اجتهادهم أو ما توحيه إليهم مشتهياتم وأهواؤهم بدون عائق من السلطة.
والعلن عن أفكاره ومعتقداته ,والدفاع عن وجهات نظره واجتهاده.
والرية الشخصية تعب عن ترر النسان ف سلوكه الاص من متلف
ألوان الضغط والتحديد .فهو يلك إرادته وتطويرها وفقا لرغباته الاصة ,مهما
نم عن استعماله لسيطرته هذه على سلوكه الاص من مضاعفات ونتائج,
ما ل تصطدم بسيطرة الخرين على سلوكهم .فالد النهائي الذي تقف عنده
الرية الشخصية لكل فرد :حرية الخرين .فما ل يسها الفرد بسوء فل جناح
عليه أن يكيف حياته باللون الذي يلو له ويتبع متلف العادات والتقاليد
والشعائر والطقوس الت يستذوقها ,لن ذلك مسالة خاصة تتصل بكيانه
وحاضره ومستقبله ,وما دام يلك هذا الكيان فهو قادر على التصرف فيه كما
يشاء.
14
وليست الرية الدينية ـ ف رأي الرأسالية الت تنادي با ـ إل تعبيا عن
الرية الفكرية ف جانبها العقائدي ,وعن الرية الشخصية ف الانب
العملي ,الذي يتصل بالشعائر والسلوك.
ويتلخص من هذا العرض أن الط الفكري العريض لذا النظام ـ كما
الحنا إليه ـ هو :أن مصال الجتمع بصال الفراد .فالفرد هو القاعدة الت
يب أن يرتكز عليها النظام الجتماعي ,والدولة الصالة هي الهاز الذي
يسخر لدمة الفرد وحسابه ,والدارة القوية لفظ مصاله وحايتها.
هذه هي الديقراطية الرأسالية ف ركائزها الساسية ,الت قامت من
اجلها جلة من الثورات ,وجاهد ف سبيلها كثي من الشعوب والمم .ف ظل
قادة كانوا حي يعبون عن هذا النظام الديد ويعدونم بحاسنه ,يصفون
النة ف نعيمها وسعادتا ,وما تفل به من انطلق وهناء وكرامة وثراء .وقد
أجريت عليها بعد ذلك عدة من التعديلت ,غي أنا ل تس جوهرها
بالصميم ,بل بقيت متفظة بأهم ركائزها وأسسها.
ڤ..........................................التاه الادي ف الرأسالية
ومن الواضح أن هذا النظام الجتماعي نظام مادي خالص ,أخذ فيه
النسان منفصلً عن مبدئه ,وآخرته ,مدودا بالانب النفعي من حياته
الادية ,وافترض على هذا الشكل .ولكن هذا النظام ف نفس الوقت الذي
كان مشبعا بالروح الادية الطاغية ...ل يب على فلسفة مادية للحياة وعلى
دراسة مفصلة لا .فالياة ف الو الجتماعي لذا النظام ,فصلت عن كل
علقة خارجة عن حدود الادة والنفعة ,ولكن ل يهيأ لقامة هذا النظام فهم
فلسفي كامل لعملية الفصل هذه .ول أعن بذلك أن العال ل يكن فيه
مدارس للفلسفة الادية وأنصار لا ,بل كان فيه إقبال على النعة الادية :تأثرا
15
بالعقلية التجريبية الت شاعت منذ بداية النقلب الصناعي( )1وبروح الشك
والتبلبل الفكري الذي أحدثه انقلب الرأي ,ف طائفة من الفكار كانت تعد
من أوضح القائق وأكثرها صحة( )2وبروح التمرد والسخط على الدين
الزعوم ,الذي كان يمد الفكار والعقول ,ويتملق للظلم والبوت ,وينتصر
للفساد الجتماعي ف كل معركة يوضها مع الضعفاء والضطهدين(.)3
فهذه العوامل الثلثة ساعدت على بعث الادية ,ف كثي من العقليات
الغربية...
كل هذا صحيح ,ولكن النظام الرأسال ل يركز على فهم فلسفي مادي
للحياة ,وهذا هو التناقض والعجز ,فان السألة الجتماعية للحياة تتصل
ـ فإن التجر بة اكت سبت أه ية كبى ف اليدان العل مي ,ووف قت توفي قا ل 1
ـ فإن الكنيسة لعبت دورا هاما ف استغلل الدين استغللً شنيعا ,وجعل 3
16
بواقع الياة ,ول تتبلور ف شكل صحيح إل إذا أقيمت على قاعدة مركزية,
تشرح الياة وواقعها وحدودها ,والنظام الرأسال يفقد هذه القاعدة ,فهو
ينطوي على خداع وتضليل أو على عجلة وقلة أناة ,حي تمد السألة الواقعية
للحياة وتدرس السألة الجتماعية منفصلة عنها ,مع أن قوام اليزان الفكري
للنظام بتحديد نظرته منذ البداية إل واقع الياة ,الت تون الجتمع بالادة
الجتماعية ـ وهي العلقات التبادلة بي الناس ـ وطريقة فهمه لا ,واكتشاف
اسراها وقيمها .فالنسان ف هذا الكوكب إن كان من صنع قوة مدبرة
مهيمنة ,عالة بأسراره وخفاياه ,بظواهره ودقائقه ,قائمة على تنظيمه
وتوجيهه ...فمن الطبيعي أن يضع ف توجيهه وتكييف حياته لتلك القوة
الالقة ,لنا أبصر بأمره وأعلم بواقعه ,وأنزه قصدا وأشد اعتدالً منه.
وأيضا ,فإن هذه الياة الحدودة إن كانت بداية الشوط لياة خالدة تنبثق
عنها ,وتتلون بطابعها ,وتتوقف موازينها على مدى اعتدال الياة الول
ونزاهتها فمن الطبيعي أن تنظم الياة الاضرة با هي بداية الشوط لياة
ل فناء فيها ,وتقام على أسس القيم العنوية والادية معا.
وإذن فمسالة اليان بال وانبثاق الياة عنه ,ليست مسألة فكرية خالصة
ل علقة لا بالياة ,لتفصل عن مالت الياة ويشرع لا طرائقها ودساتيها,
مع اغفال تلك السالة وفصلها ,بل هي مسألة تتصل بالعقل والقلب والياة
جيعا.
والدليل على مدى اتصالا بالياة من الديقراطية الرأسالية نفسها أن
الفكرة فيها تقدم على أساس اليان بعدم وجود شخصية أو مموعة من
الفراد ,بلغت من العصمة ف قصدها وميلها وف رأيها واجتهادها ,إل
الدرجة الت تبيح إيكال السألة الجتماعية اليها ,والتعويل ف إقامة حياة
صالة للمة عليها .وهذا الساس بنفسه ل موضع ول معن له ,ال إذا أقيم
على فلسفة مادية خالصة ,ل تعترف بإمكان انبثاق النظام إل عن عقل بشري
مدود.
فالنظام الرأسال مادي بكل ما للفظ من معن ,فهو إما أن يكون قد
استبطن الادية ,ول يرأ على العلن عن ربطه با وارتكازه عليها .وإما أن
يكون جاهلً بدى الربط الطبيعي ,بي السألة الواقعية للحياة ومسألتها
الجتماعية .وعلى هذا فهو يفقد الفلسفة ,الت ل بد لكل نظام اجتماعي أن
17
يرتكز عليها .وهو ـ بكلمة ـ نظام مادي .وإن ل يكن مقاما على فلسفة مادية
واضحة الطوط .
ڤ.........................................موضع الخلق من الرأسالية
وكان من جراء هذه الادية الت زخر النظام بروحها أن أقصيت الخلق
من الساب ,ول يلحظ لا وجود ف ذلك النظام ,أو بالحرى تبدلت
مفاهيمها ومقاييسها ,وأعلنت الصلحة الشخصية كهدف أعلى ,والريات
جيعا كوسيلة لتحقيق تلك الصلحة .فنشأ عن ذلك أكثر ما ضج به العال
الديث من من وكوارث ,ومآسي ومصائب.
وقد يدافع أنصار الديقراطية الرأسالية ,عن وجهة نظرها ف الفرد
ومصاله الشخصية قائلي أن الدف الشخصي بنفسه يقق الصلحة
الجتماعية ,وأن النتائج الت تققها الخلق بقيمها الروحية تقق ف الجتمع
الديقراطي الرأسال ,لكن ل عن طريق الخلق بل عن طريق الدوافع
الاصة وخدمتها .فإن النسان حي يقوم بدمة اجتماعية يقق بذلك
مصلحة شخصية أيضا ,باعتباره جزءا للمجتمع الذي سعى ف سبيله ,وحي
ينقذ حياة شخص تعرضت للخطر فقد أفاد نفسه أيضا ,لن حياة الشخص
سوف تقوم بدمة للهيئة الجتماعية فيعود عليه نصيب منها ,وإذن فالدافع
الشخصي والس النفعي يكفيان لتأمي الصال الجتماعية وضمانا ,ما
دامت ترجع بالتحليل إل مصال خاصة ومنافع فردية.
وهذا الدفاع أقرب ال اليال الواسع منه إل الستدلل .فتصور بنفسك
أن القياس العملي ف الياة لكل فرد ف المة ,إذا كان هو تقيق منافعه
ومصاله الاصة ,على أوسع نطاق وأبعد مدى ,وكانت الدولة توفر للفرد
حرياته وتقدسه بغي تفظ ول تديد .فما هو وضع العمل الجتماعي من
قاموس هؤلء الفراد؟! وكيف يكن ان يكون اتصال الصلحة الجتماعية
بالفرد كافيا لتوجيه الفراد نو العمال الت تدعو إليها القيم اللقية؟! .مع
أن كثيا من تلك العمال ل تعود على الفرد بشيء من النفع ,وإذا اتفق أن
كان فيها شيء من النفع باعتباره فردا من الجتمع فكثيا ما يزاحم هذا النفع
الضئيل ,الذي ل يدركه النسان إل ف نظره تليلة ,بفوات منافع عاجلة أو
18
مصال فردية ,تد ف الريات ضمانا لتحقيقها ,فيطيح الفرد ف سبيلها بكل
برنامج اللق والضمي الروحي.
ڤ ...................................................مآسي النظام الرأسال
وإذا أردنا أن نستعرض اللقات التسلسلة من الآسي الجتماعية ,الت
انبثقت عن هذا النظام الرتل ل على أساس فلسفي مدروس ...فسوف
يضيق الجال الحدود لذا البحث ,ولذا نلمح إليها:
فأول تلك اللقات :تكم الكثرية ف القلية ومصالها ومسائلها
اليوية .فإن الرية السياسية كانت تعن أن وضع النظام والقواني وتشيتها
من حق الكثرية ,ولنتصور أن الفئة الت تثل الكثرية ف المة ملكت زمام
الكم والتشريع ,وهي تمل العقلية الديقراطية الرأسالية ,وهي عقلية
مادية خالصة ف اتاهها ,ونزعاتا وأهدافها وأهوائها فماذا يكون مصي الفئة
الخرى؟ أو ماذا ترتقب للقلية من حياة ف ظل قواني تشرع لساب
الكثرية ولفظ مصالها؟! ,وهل يكون من الغريب حينئذ إذا شرعت
الكثرية القواني على ضوء مصالها خاصة ,وأهلت مصال القلية واتهت
ال تقيق رغباتا اتاها محفا بقوق الخرين؟ فمن الذي يفظ لذه القلية
كيانا اليوي ويذب عن وجهها الظلم ,ما دامت الصلحة الشخصية هي
مسألة كل فرد وما دامت الكثرية ل تعرف للقيم الروحية والعنوية مفهوما ف
عقليتها الجتماعية ؟؟ وبطبيعة الال ,إن التحكم سوف يبقى ف ظل النظام
كما كان ف السابق وأن مظاهر الستغلل والستهتار بقوق الخرين
19
على هذا النحو الذي عرضناه سابقا ,وأجازت متلف أساليب الثراء وألوانه
مهما كان فاحشا ,ومهما كان شاذا ف طريقته وأسبابه ,وضمنت تقيق ما
أعلنت عنه .ف الوقت الذي كان العال يتفل بانقلب صناعي كبي ,والعلم
يتمحض عن ولدة اللة الت قلبت وجه الصناعة وكسحت الصناعات اليدوية
ونوها ,فانكشف اليدان عن ثراء فاحش من جانب القلية من أفراد المة,
من أتاحت لم الفرص وسائل النتاج الديث وزودتم الريات الرأسالية
غي الحدودة بضمانات كافية لستثمارها واستغللا إل أبعد حد ,والقضاء با
على كثي من فئات المة الت اكتسحت اللة البخارية صناعتها ,وزعزعت
ل للصمود ف وجه التيار ,ما دام أرباب الصناعات
حياتا ,ول تد سبي ً
الديثة مسلحي بالرية القتصادية وبقوق الريات القدسة كلها ,وهكذا
خل اليدان إل من تلك الصفوة من أرباب الصناعة والنتاج ,وتضاءلت الفئة
الوسطى واقتربت إل الستوى العام النخفض ,وصارت هذه الكثرية الحطمة
تت رحة تلك الصفوة ,الت ل تفكر ول تسب إل على الطريقة الديقراطية
الرأسالية .ومن الطبيعي حينئذ ان ل تد يد العطف والعونة إل هؤلء,
لتنشلهم من الوة وتشركهم ف مغانها الضخمة .ولاذا تفعل ذلك؟! ما دام
القياس اللقي هو النفعة واللذة ,وما دامت الدولة تضمن لا مطلق الرية
فيما تعمل ,وما دام النظام الديقراطي الرأسال يضيق بالفلسفة العنوية
للحياة ومفاهيمها الاصة؟!.
فالسألة إذا يب أن تدرس بالطريقة الت يوحي با هذا النظام ,وهي أن
يستغل هؤلء الكباء حاجة الكثرية إليهم ومقوماتم العيشية ,فيفرض على
القادرين العمل ف ميادينهم ومصانعهم ,ف مدة ل يكن الزيادة عليها,
وبأثان ل تفي إل بالياة الضرورية لم .هذا هو منطق النفعة الالص
الذي كان من الطبيعي أن يسلكوه ,وتنقسم المة بسبب ذلك إل فئة ف قمة
الثراء ,وأكثرية ف الهوى السحيق.
وهنا يتبلور الق السياسي للمة من جديد بشكل آخر .فالساواة ف
القوق السياسية بي أفراد الواطني ,وإن ل تح من سجل النظام ,غي أنا
ل تعد بعد هذه الزعازع إل خيالً وتفكيا خالصا .فإن الرية القتصادية
حي تسجل ما عرضناه من نتائج ,تنتهي إل النقسام الفظيع الذي مر ف
العرض ,وتكون هي السيطرة على الواقف والاسكة بالزمام ,وتقهر الرية
20
السياسية أمامها .فإن الفئة الرأسالية بكم مركزها القتصادي من الجتمع,
وقدرتا على استعمال جيع وسائل الدعاية ,وتكنها من شراء النصار
والعوان ...تيمن على تقاليد الكم ف المة ,وتتسلم السلطة لتسخيها ف
مصالها والسهر على مآربا ,ويصبح التشريع والنظام الجتماعي خاضعا
لسيطرة رأس الال ,بعد أن كان الفروض ف الفاهيم الديقراطية أنه من حق
المة جعاء .وهكذا تعود الديقراطية الرأسالية ف ناية الطاف حكما تستاثر
به القلية ,وسلطانا يمي به عدة من الفراد كيانم على حساب الخرين,
بالعقلية النفعية الت يستوحونا من الثقافة الديقراطية الرأسالية.
ونصل هنا إل أفظع حلقات الأساة الت يثلها هذا النظام ,فإن هؤلء
السادة الذين وضع النظام الديقراطي الرأسال ف أيديهم كل نفوذ ,وزودهم
بكل قوة وطاقة ...سوف يدون أنظارهم ـ بوحي من عقلية هذا النظام ـ إل
الفاق ويشعرون بوحي من مصالهم وأغراضهم أنم ف حاجة إل مناطق
نفوذ جديدة وذلك ,لسببي:
الول :إن وفرة النتاج تتوقف على مدى توفر الواد الولية وكثرتا ,فكل
من يكون حظه من تلك الواد اعظم تكون طاقاته النتاجية أقوى وأكثر.
وهذه الواد منتشرة ف بلد ال العريضة .وإذا كان من الواجب الصول
عليها ,فالزم السيطرة على البلد الت تلك الواد لمتصاصها واستغللا.
الثان :إن شدة حركة النتاج وقوتا ,بدافع من الرص على كثرة الربح
من ناحية ,ومن ناحية أخرى انفاض الستوى العيشي لكثي من الواطني,
بدافع من الشره الادي للفئة الرأسالية ,ومغالبتها للعامة على حقوقها
بأساليبها النفعية ,الت تعل الواطني عاجزين عن شراء النتجات
واستهلكها ـ كل ذلك يعل كبار النتجي ف حاجة ماسة إل أسواق جديدة
لبيع النتجات الفائضة فيها ,وإياد تلك السواق يعن التفكي ف بلد
جديدة.
وهكذا تدرس السألة بذهنية مادية خالصة .ومن الطبيعي لثل هذه
الذهنية الت ل يرتكز نظامها على القيم الروحية واللقية ,ول يتعرف مذهبها
الجتماعي بغاية إل إسعاد هذه الياة الحدودة بختلف التع والشهوات...
ان ترى ف هذين السببي مبرا ومسوغا منطقيا للعتداء على البلد المنة,
وانتهاك كرامتها والسيطرة على مقدراتا ومواردها الطبيعية الكبى واستغلل
21
ثرواتا لترويج البضائع الفائضة .فكل ذلك أمر معقول وجائز ف عرف
الصال الفردية الت يقوم على أساسها النظام الرأسال والقتصاد الر.
وينطلق من هنا عملق الادة يغزو ويارب ,ويقيد ويكبل ,ويستعمر
ويستثمر ,إرضاء للشهوات وإشباعا للرغبات.
فانظر ماذا قاست النسانية من ويلت هذا النظام ,باعتباره ماديا ف
روحه وصياغته وأساليبه وأهدافه ,وإن ل يكن مركزا على فلسفة مددة تتفق
مع تلك الروح والصياغة ,وتنسجم مع هذه الساليب والهداف كما العنا
إليه؟!!.
وقدر بنفسك نصيب الجتمع الذي يقوم على ركائز هذا النظام ومفاهيمه
من السعادة والستقرار ,هذا الجتمع الذي ينعدم فيه اليثار والثقة التبادلة,
والتراحم والتعاطف القيقي ,وجيع التاهات الروحية الية ,فيعيش الفرد
فيه وهو يشعر بأنه السؤول عن نفسه وحده ,وأنه ف خطر من قبل كل
مصلحة من مصال الخرين الت قد تصطدم به .فكأنه ييا ف صراع دائم
ومغالبة مستمرة ,ل سلح له فيها إل قواه الاصة ,ول هدف له منها إل
مصاله الاصة.
22
العروف .وإنا جاء (كارل ماركس) إل هذا النطق وتلك الفلسفة فتبناها,
وحاول تطبيقهما على جع ميادين الياة ,فقام بتحقيقي:
أحدها :ان فسر التاريخ تفسيا ماديا خالصا بطريقة ديالكتيكية.
والخر :زعم فيه أنه اكتشف تناقضات رأس الال والقيمة الفائضة ,الت
يسرقها صاحب الال ف عقيدته من العامل ( .)1واشاد على أساس هذين
التحقيقي إيانه بضرورة فناء الجتمع الرأسال ,وإقامة الجتمع الشيوعي
والجتمع الشتراكي ,الذي اعتبه خطوة للنسانية ال تطبيق الشيوعية تطبيقا
كاملً.
فاليدان الجتماعي ف هذه الفلسفة ميدان صراع بي التناقضات ,وكل
وضع اجتماعي يسود ذلك اليدان فهو ظاهرة مادية خالصة ,منسجمة مع
سائر الظواهر والحوال الادية ومتاثرة با ,غي أنه ف نفس الوقت يمل
نقيضه ف صميمه ,وينشب حينئذ الصراع بي النقائض ف متواه ,حت
تتجمع التناقضات وتدث تبدل ف ذلك الوضع وانشاءا لوضع جديد...
وهكذا يبقى العراك قائما حت تكون النسانية كلها طبقة واحدة ,وتتمثل
مصال كل فرد ف مصال تلك الطبقة الوحدة ...ف تلك اللحظة يسود
الوئام ,ويتحقق السلم ,وتزول نائيا جيع الثار السيئة للنظام الديقراطي
الراسال لنا إنا كانت تتولد من تعدد الطبقة ف الجتمع ,وهذا التعدد إنا
نشأ من انقسام الجتمع إل منتج وأجي .وإذا فل بد من وضع حد فاصل
لذا النقسام ,وذلك بإلغاء اللكية ,وتتلف هنا الشيوعية عن الشتراكية ف
بعض الطوط القتصادية الرئيسية ,وذلك لن القتصاد الشيوعي يرتكز:
أولً :على الغاء اللكية الاصة وموها موا تاما من الجتمع ,وتليك
الثروة كلها للمجموع وتسليمها إل الدولة ,باعتبارها الوكيل الشرعي عن
الجتمع ف إدارتا واستثمارها لي الجموع .واعتقاد الذهب الشيوعي
بضرورة هذا التأميم الطلق ,وإنا كان رد الفعل الطبيعي لضاعفات اللكية
الاصة ف النظام الديقراطي الراسال .وقد برر هذا التاميم بأن القصود منه
إلغاء الطبقة الرأسالية وتوحيد الشعب ف طبقة واحدة ليختم بذلك الصراع,
23
ويسد على الفرد الطريق ال استغلل شت الوسائل والساليب لتضخيم
ثروته ,إشباعا لشعه واندفاعا بدافع الثرة وراء الصلحة الشخصية.
ثانيا :على توزيع السلع النتجة على حسب الاجات الستهلكية
للفراد ,ويتلخص ف النص الت( :من كل حسب قدرته ولكل حسب
حاجته) ,وذلك أن كل فرد له حاجات طبيعية ل يكنه الياة بدون توفيها,
فهو يدفع للمجتمع كل جهده فيدفع له الجتمع متطلبات حياته ويقوم
بعيشته.
ثالثا :على منهاج اقتصادي ترسه الدولة ,وتوفق فيه بي حاجة الجموع
والنتاج ف كميته وتنويعه وتديده ,لئل ين الجتمع بنفس الدواء والزمات
الت حصلت ف الجتمع الرأسال ,حينما اطلق الريات بغي تديد.
24
أشرنا إليه ,حيث أخذ الفراد يتقاعسون عن القيام بوظائفهم والنشاط ف
عملهم ,وتربون من واجباتم الجتماعية ,لن الفروض تأمي النظام
لعيشتهم وسد حاجاتم كما أن الفروض فيه عدم تقيق العمل والهد مهما
كان شديدا لكثر من ذلك .فعلم إذن يهد الفرد ويكدح ويهد ,ما دامت
النتيجة ف حسابه ,هي النتيجة ف حال المول والنشاط ؟! ,ولاذا يندفع إل
توفي السعادة لغيه وشراء راحة الخرين بعرقه ودموعه وعصارة حياته
وطاقاته ,ما دام ل يؤمن بقيمة من قيم الياة إل القيمة الادية الالصة؟!!
فاضطر زعماء هذا الذهب إل تميد التاميم الطلق.
كما اضطروا أيضا إل تعديل الط الثان من خطوط القتصاد الشيوعي
أيضا :وذلك بعل فوارق بي الجور ,لدفع العمال إل النشاط والتكامل ف
العمل ,معتذرين بأنا فوارق موقتة سوف تزول حينما يقضي على العقلية
الرأسالية ,وينشأ النسان إنشاءا جديدا .وهم لجل ذلك يرون التغييات
الستمرة على طرائقهم القتصادية وأساليبهم الشتراكية ,لتدارك فشل كل
طريقة بطريقة جديدة .ول يوفقوا حت الن للتخلص من جيع الركائز
الساسية ف القتصاد الرأسال .فلم تلغ مثلً القروض الربوية نائيا ,مع
أنا ف الواقع أساس الفساد الجتماعي ف القتصاد الرأسال.
ول يعن هذا كله أن أولئك الزعماء مقصرون ,أو انم غي جادين ف
مذهبهم وغي ملصي لعقيدتم ...وإنا يعن أنم اصطدموا بالواقع حي
أرادوا التطبيق ,فوجدوا الطريق مليئا بالعاكسات والناقضات ,الت تضعها
الطبيعة النسانية أمام الطريقة النقلبية للصلح الجتماعي الذي كانوا
يبشرون به ,ففرض عليهم الواقع التراجع آملي أن تتحقق العجزة ف وقت
قريب أو بعيد.
وأما من الناحية السياسية ,فالشيوعية تستهدف ف ناية شوطها الطويل
إل مو الدولة من الجتمع ,حي تتحقق العجزة وتعم العقلية الماعية كل
البشر ,فل يفكر الميع إل ف الصلحة الادية للمجموع وأما قبل ذلك ,ما
دامت العجزة غي مققة ,وما دام البشر غي موحدين ف طبقة ,والجتمع
ينقسم إل قوى رأسالية وعمالية ...فاللزم أن يكون الكم عماليا
خالصا ,فهو حكم ديقراطي ف حدود دائرة العمال ,وديكتاتوري بالنسبة إل
25
العموم .وقد عللوا ذلك بأن الديكتاتورية العمالية ف الكم ضرورية ف كل
الراحل ,الت تطويها النسانية بالعقلية الفردية ,وذلك حاية لصال الطبقة
العاملة ,وخنقا لنفاس الرأسالية ,ومنعا لا عن البوز إل اليدان من
جديد.
والواقع أن هذا الذهب ,الذي يتمثل ف الشتراكية الاركسية ,ث ف
الشيوعية الاركسية ...يتاز على النظام الديقراطي الرأسال بأنه يرتكز على
فلسفة مادية معينة ,تتبن فهما خاصا للحياة ,ل يعترف لا بميع الثل والقيم
ل ل موضع فيه لالق فوق حدود الطبيعة ,ول لزاء
العنوية ,ويعللها تعلي ً
مرتقب وراء حدود الياة الادية الحدودة .وهذا على عكس الديقراطية
الرأسالية ,فانا وإن كانت نظاما ماديا ,ولكنها ل تب على أساس فلسفي
مدود فالربط الصحيح بي السألة الواقعية للحياة والسألة الجتماعية ,آمنت
به الشيوعية الادية ,ول تؤمن به الديقراطية الرأسالية ,أو ل تاول إيضاحه.
وبذا كان الذهب الشيوعي حقيقا بالدرس الفلسفي ,وامتحانه عن
طريق اختبار الفلسفة الت ركز عليها وانبثق عنها ,فإن الكم على كل نظام
يتوقف على مدى ناح مفاهيمه الفلسفية ,ف تصوير الياة وادراكها.
ومن السهل أن ندرك ف أول نظرة نلقيها على النظام الشيوعي الخفف أو
الكامل ,ان طابعه العام هو إفناء الفرد ف الجتمع ,وجعله آلة مسخرة
لتحقيق الوازين العامة الت يفترضها .فهو على النقيض تاما من النظام
الرأسال الر الذي يعل الجتمع للفرد ويسخره لصاله .فكأنه قد قدر
للشخصية الفردية والشخصية الجتماعية ـ ف عرف هذين النظامي ـ أن
تتصادما وتتصارعا .فكانت الشخصية الفردية هي الفائزة ف أحد النظامي
الذي أقام تشريعه على أساس الفرد ومنافعه الذاتية ,فمن الجتمع بالآسي
القتصادية الت تزعزع كيانه وتشوه الياة ف جيع شعبها .وكانت الشخصية
الجتماعية هي الفائزة ف النظام الخر ,الذي جاء يتدارك أخطاء النظام
السابق ,فساند الجتمع وحكم على الشخصية الفردية بالضمحلل والفناء
فأصيب الفراد بحن قاسية قضت على حريتهم ووجودهم الاص ,وحقوقهم
الطبيعية ف الختيار والتفكي.
ڤ............................................الؤاخذات على الشيوعية
26
والواقع أن النظام الشيوعي وإن عال جلة من أدوات الرأسالية الرة,
بحوه للملكية الفردية ,غي أن هذا العلج له مضاعفات طبيعية تعل ثن
العلج باهظا ,وطريقة تنفيذه شاقة على النفس ل يكن سلوكها إل إذا فشلت
سائر الطرق والساليب .هذا من ناحية ,ومن ناحية أخرى هو علج ناقص
ل يضمن القضاء على الفساد الجتماعي كله ,لنه ل يالفه الصواب ف
تشخيص الداء ,وتعيي النقطة الت انطلق منها الشر حت اكتسح العال ف ظل
النظمة الرأسالية ,فبقيت تلك النقطة مافظة على موضعها من الياة
الجتماعية ف الذهب الشيوعي .وبذا ل تظفر النسانية بالل الاسم
لشكلتها الكبى ,ول تصل على الدواء الذي يطيب أدواءها ويستأصل
أعراضها البيثة.
أما مضاعفات هذا العلج فهي جسيمة جدا :فإن من شأنه القضاء على
حريات الفراد ,لقامة اللكية الشيوعية مقام اللكيات الاصة .وذلك لن هذا
التحويل الجتماعي الائل على خلف الطبيعة النسانية العامة ,إل حد الن
على القل ـ كما يعترف بذلك زعماؤه ـ باعتبارأن النسان الادي ل يزال يفكر
تفكيا ذاتيا ,ويسب مصاله من منظاره الفردي الحدود .ووضع تصميم
جديد للمجتمع يذوب فيه الفراد نائيا ,ويقضي على الدوافع الذاتية قضاء
تاما ...موضع التنفيذ ,يتطلب قوة حازمة تسك زمام الجتمع بيد حديدية,
وتبس كل صوت يعلو فيه ,وتنق كل نفس يتردد ف أوساطه ,وتتكر جيع
وسائل الدعاية والنشر ,وتضرب على المة نطاقا ل يوز أن تتعداه بال,
وتعاقب على التهمة والظنة ,لئل يفلت الزمام من يدها فجأة.
وهذا أمر طبيعي ف كل نظام يراد فرضه على المة ,قبل ان تنضج فيها
عقلية ذلك النظام وتعم روحيته.
نعم لو أخذ النسان الادي يفكر تفكيا اجتماعيا ,ويعقل مصاله بعقلية
جاعية ,وذابت من نفسه جيع العواطف الاصة والهواء الذاتية والنبعاثات
النفسية ,لمكن أن يقوم نظام يذوب فيه الفراد ,ول يبقى ف اليدان إل
العملق الجتماعي الكبي .ولكن تقيق ذلك ف النسان الادي ,الذي ل
يؤمن إل بياة مدودة ول يعرف معن لا إل اللذة الادية يتاج إل معجزة
27
تلق النة ف الدنيا ,وتنل با من السماء إل الرض .والشيوعيون يعدوننا
بذه النة ,وينتظرون ذلك اليوم الذي يقضي فيه العمل على طبيعة
النسان ,ويلقه من جديد انسانا مثاليا ف أفكاره وأعماله ,وإن ل يكن يؤمن
بذرة من القيم الثالية والخلقية .ولو تققت هذه العجزة فلنا معهم حينئذ
كلم.
28
وبي الياة الادئة الستقرة .كما أن انسانا يعيش مهددا ف كل لظة ,ماسبا
على كل حركة ,معرضا للعتقال بدون ماكمة ,وللسجن والنفي والقتل لدنـى
بادرة ...لو انسان مروع مرعوب ,يسلبه الوف حلوة العيش ,وينغص
الرعب ملذ الياة.
والنسان الثالث الطمئن إل معيشته ,الواثق بكرامته وسلمته ,هو حلم
النسانية العذب .فكيف يتحقق هذا اللم؟ ومت يصبح حقيقة واقعة؟
وقد قلنا أن العلج الشيوعي للمشكلة الجتماعية ناقص مضافا إل ما
أشرنا إليه من مضاعفات .فهو وإن كان تتمثل فيه عواطف ومشاعر انسانية.
أثارها الطغيان الجتماعي العام ,فأهاب بملة من الفكرين إل الل
الديد ,غي أنم ل يضعوا أيديهم على سبب الفساد ليقضوا عليه ,وإنا قضوا
على شيء آخر ,فلم يوفقوا ف العلج ول ينجحوا ف التطبيب.
إن مبدأ اللكية الاصة ليس هو الذي نشأت عنه آثام الرأسالية الطلقة,
الت زعزعت سعادة العال وهناءه ,فل هو الذي يفرض تعطيل الليي من
العمال ف سبيل استثمار آلة جديدة تقضي على صناعاتم .كما حدث ف فجر
النقلب الصناعي ,ول هو الذي يفرض التحكم ف أجور الجي وجهوده بل
حساب ,ول هو الذي يفرض على الرأسال أن يتلف كميات كبية من
منتوجاته ,تفظا على ثن السلعة وتفضيل للتبذير على توفي حاجات الفقراء
با ,ول هو الذي يدعوه إل جعل ثروته رأس مال كاسب يضاعفه بالربا,
وامتصاص جهود الديني بل إنتاج ول عمل ,ول هو الذي يدفعه إل شراء
جيع البضائع الستهلكية من السواق ليحتكرها ويرفع بذلك من أثانا,
ول هو الذي يفرض عليه فتح أسواق جديدة .وإن انتهكت بذلك حريات
المم وحقوقها وضاعت كرامتها وحريتها...
كل هذه الآسي الروعة ل تنشأ من اللكية الاصة ,وإنا هي وليدة
الصلحة الادية الشخصية الت جعلت مقياسا للحياة ف النظام الرأسال,
والبر الطلق لميع التصرفات والعاملت .فالجتمع حي تقام أسسه على
هذا القياس الفردي والبر الذات ل يكن أن ينتظر منه غي ما وقع .فإن من
طبيعة هذا القياس تنبثق تلك اللعنات والويلت على النسانية كلها ,ل من
29
مبدأ اللكية الاصة ,فلو أبدل القياس ووضعت للحياة غاية جديدة مهذبة,
30
قد يضع حدا لياته بالنتحار ,إذا وجد أن تمل أل الوت أسهل عليه من
تمل اللم الت تزخر با حياته.
فالواقع الطبيعي القيقي إذن ,الذي يكمن وراء الياة النسانية كلها
ويوجهها بأصابعه هو حب الذات ,الذي نعب عنه بب اللذة وبغض الل.
ول يكن تكليف النسان أن يتحمل متارا مرارة الل دون شيء من اللذة ,ف
سبيل أن يلتذ الخرون ويتنعموا ,إل إذا سلبت منه انسانيته ,وأعطي طبيعة
جديدة ل تتعشق اللذة ول تكره الل.
وحت اللوان الرائعة من اليثار ,الت نشاهدها ف النسان ونسمع با
عن تاريه ...تضع ف القيقة أيضا لتلك القوة الحركة الرئيسية( :غريزة
حب الذات) .فالنسان قد يؤثر ولده أو صديقه على نفسه ,وقد يضحي ف
سبيل بعض الثل والقيم ...ولكنه لن يقدم على شيء من هذه البطولت ما
ل يس فيها بلذة خاصة ,ومنفعة تفوق السارة الت تنجم عن إيثاره لولده
وصديقه ,أو تضحيته ف سبيل مثل من الثل الت يؤمن با.
وهكذا يكننا أن نفسر سلوك النسان بصورة عامة ,ف مالت النانية
واليثار على حد سواء .ففي النسان استعدادات كثية لللتذاذ بأشياء
متنوعة :مادية كاللتذاذ بالطعام والشراب وألوان التعة النسية وما إليها من
اللذائذ الادية .أو معنوية ,كاللتذاذ اللقي والعاطفي ,بقيم خلقية أو أليف
روحي أو عقيدة معينة ,حي يد النسان أن تلك القيم أو ذلك الليف أو
هذه العقيدة جزء من كيانه الاص .وهذه الستعدادات الت تيء النسان
لللتذاذ بتلك التع التنوعة ,تتلف ف درجاتا عند الشخاص ,وتتفاوت ف
مدى فعليتها ...باختلف ظروف النسان وعوامل الطبيعة والتربية الت تؤثر
فيه .فبينما ند أن بعض تلك الستعدادات تنضج عند النسان بصورة
طبيعية ,كاستعداده لللتذاذ النسي مثلً ,ند أن ألوانا أخرى منها قد ل
تظهر ف حياة النسان ,وتظل تنتظر عوامل التربية الت تساعد على نضجها
وتفتحها .وغريزة حب الذات من وراء هذه الستعدادات جيعا تدد سلوك
النسان وفقا لدى نضج تلك الستعدادات .فهي تدفع انسانا إل الستئثار
31
بطعام على آخر وهو جائع ,وهي بنفسها تدفع إنسانا آخر ليثار الغي بالطعام
على نفسه .لن استعداد النسان الول لللتذاذ بالقيم اللقية والعاطفية الذي
يدفعه إل اليثار كان كامنا .ول تنج له عوامل التربية الساعدة على تركيزة
وتنميته .بينما ظفر الخر بذا اللون من التربية ,فأصبح يلتذ بالقيم اللقية
والعاطفية ,ويضحي بسائر لذاته ف سبيلها.
فمت أردنا أن نغي من سلوك النسان شيئا ,يب أن نغي من مفهوم
اللذة والنفعة عنده ,وندخل السلوك القترح ضمن الطار العام لغريزة حب
الذات.
فإذا كانت غريزة حب الذات بذه الكانة من دنيا النسان ,وكانت
الذات ف نظر النسان عبارة عن طاقة مادية مددة ,وكانت اللذة عبارة عما
تيئة الادة من متع ومسرات ...فمن الطبيعي أن يشعر النسان بأن مال
كسبه مدود ,وان شوطه قصي وان غايته ف هذا الشوط أن يصل على مقدار
من اللذة الادية .وطريق ذلك ينحصر بطبيعة الال ف عصب الياة الادية
وهو الال ,الذي يفتح أمام النسان السبيل إل تقيق كل أغراضه وشهواته.
هذا هو التسلسل الطبيعي ف الفاهيم الادية ,الذي يؤدي إل عقلية
رأسالية كاملة.
ل حاسا إذا رفضنا مبدأ اللكية الاصة ,وأبقينا
أفترى أن الشكلة تل ح ً
تلك الفاهيم الادية عن الياة ,كما حاول أولئك الفكرون ؟! وهل يكن أن
ينجو الجتمع من مأساة تلك الفاهيم ,بالقضاء على اللكية الاصة فقط,
ويصل على ضمان لسعادته واسقراره؟! ,مع أن ضمان سعادته واستقراره,
يتوقف إل حد بعيد على ضمان عدم انراف السؤولي عن مناهجهم
وأهدافهم الصلحية ,ف ميدان العمل والتنفيذ.
والفروض ف هؤلء السؤولي أنم يعتنقون نفس الفاهيم الادية
الاصة ,عن الياة الت قامت عليها الرأسالية ,وإنا الفرق أن هذه الفاهيم
أفرغوها ف قوالب فلسفية جديدة ,ومن الفرض العقول الذي يتفق ف كثي
من الحايي ,أن تقف الصلحة الاصة ف وجه مصلحة الجموع ,وأن يكون
الفرد بي خسارة وأل يتحملها لساب الخرين ,وبي ربح ولذة يتمتع بما
على حسابم ,فماذا تقدر للمة وحقوقها ,وللمذهب وأهدافه ,من ضمان ف
32
مثل هذه اللحظات الطية ,الت تر على الاكمي؟! والصلحة الذاتية ل
تتمثل فقط ف اللكية الفردية ,ليقضي على هذا الفرض الذي افترضناه,
بالغاء مبدأ اللكية الاصة بل هي تتمثل ف أساليب ,وتتلون بألوان شت.
ودليل ذلك ما أخذ يكشف عنه زعماء الشيوعية اليوم من خيانات الاكمي
السابقي ,والتوائهم على ما يتبنون من أهداف.
إن الثروة تسيطر عليها الفئة الرأسالية ف ظل القتصاد الطلق,
والريات الفردية ,وتتصرف فيها بعقليتها الادية ...تسلم ـ عند تأميم الدولة
لميع الثروات ,والغاء اللكية الاصة ـ إل نفس جهاز الدولة ,الكون من
جاعة تسيطر عليهم نفس الفاهيم الادية عن الياة ,والت تفرض عليهم
تقدي الصال الشخصية بكم غريزة حب الذات ,وهي تأب أن يتنازل
النسان عن لذة ومصلحة بل عوض .وما دامت الصلحة الادية هي القوة
السيطرة ,بكم مفاهيم الياة الادية ,فسوف تستانف من جديد ميادين
للصراع والتنافس ,وسوف يعرض الجتمع لشكال من الطر والسغلل.
فالطر على النسانية يكمن كله ف تلك الفاهيم الادية ,وما ينبثق عنها
من مقاييس للهداف والعمال .وتوحيد الثروات الرأسالية ـ الصغية أو
الكبية ـ ف ثروة كبى يسلم أمرها للدولة ,من دون تطوير جديد للذهنية
النسانية ...ل يدفع ذلك الطر ,بل يعل من المة جيعا عمال شركة
واحدة ,ويربط حياتم وكرامتهم باقطاب تلك الشركة وأصحابا.
نعم إن هذه الشركة تتلف عن الشركة الرأسالية ف أن أصحاب تلك
الشركة الرأسالية هم الذين يلكون أرباحها ,ويصرفونا ف أهوائهم
الاصة .وأما أصحاب هذه الشركة فهم ل يلكون شيئا من ذلك ,ف
مفروض النظام ,غي أن ميادين الصلحة الشخصية ل تزال مفتوحة ,والفهم
الادي للحياة ـ الذي يعل من تلك الصلحة هدفا ومبرا ـ ل يزال قائما.
33
أحدها :أن يبدل النسان غي النسان ,أو تلق فيه طبيعة جديدة تعله
يضحي بصاله الاصة ,ومكاسب حياته الادية الحدودة ...ف سبيل
الجتمع ومصاله ,مع إيانه بأنه ل قيم إل قيم تلك الصال الادية ول
سبيل إل مكاسب هذه الياة الحدودة .وهذا إنا يتم إذا انتزع من صميم
طبيعته حب الذات ,وأبدل بب الماعة ,فيولد النسان وهو ل يب ذاته,
إل باعتبار كونه جزءً من الجتمع ,ول يلتذ لسعادته ومصاله ,إل با أنا
تثل جانبا من السعادة العامة ومصلحة الجموع .فإن غريزة حب الماعة
تكون ضامنة حينئذ للسعي وراء مصالها وتقيق متطلباتا ,بطريقة ميكانيكية
وأسلوب آل.
والسبيل الخر ,الذي يكن للعال سلوكه لدرء الطر حاضر
النسانية ومستقبلها هو أن يطور الفهوم الادي للنسان عن الياة ,وبتطويره
تتطور طبيعيا أهدافها ومقاييسها ,وتتحقق العجزة حينئذ من أيسر طريق.
والسبيل الول هو الذي يلم أقطاب الشيوعيي بتحقيقه للنسانية ف
مستقبلها ,ويعدون العال بأنم سوف ينشؤونا إنشا ًء جديدا .يعلها تتحرك
ميكانيكيا إل خدمة الماعة ومصالها .ولجل أن يتم هذا العمل البار,
يب أن نوكل قيادة العال اليهم ,كما يوكل أمر الريض إل الراح ,ويفوض
إليه تطبيبه وقطع الجزاء الفاسدة منه ,وتعديل العوج منها .ول يعلم أحد
كم تطول هذه العملية الراحية الت تعل النسانية تت مبضع جراح .وإن
استسلم النسانية لذلك لو أكب دليل على مدى الظلم الذي قاسته ف النظام
الديقراطي الرأسال ,الذي خدعها بالريات الزعومة ,وسلب منها أخيا
كرامتها ,وامتص دماءها ,ليقدمها شرابا سائغا للفئة الت يثلها الاكمون.
والفكرة ف هذا الرأي ,القائل بعالة الشكلة عن طريق تطوير النسانية
وانشائها من جديد ...ترتكز على مفهوم الاركسية عن حب الذات .فإن
الاركسية تعتقد أن حب الذات ليس ميلً طبيعيا وظاهرة غريزية ف كيان
34
وحلت اللكية الماعية والشتراكية مل اللكية الاصة ...فسوف تنعكس
الثورة ف كل أرجاء الجتمع وف الحتوى الداخلي للنسان ,فتنقلب مشاعره
الفردية إل مشاعر جاعية ,ويتحول حبه لصاله ومنافعه الاصة إل حب
لنافع الماعة ومصالها ,وفقا لقانون التوافق بي حالة اللكية الساسية
ومموع الظواهر الفوقية الت تتكيف بوجبها.
والواقع أن هذا الفهوم الاركسي لب الذات ,يقدر العلقة بي الواقع
الذات (غريزة حب الذات) ,وبي الوضاع الجتماعية بشكل مقلوب .وإل
فيكف نستطيع أن نؤمن بأن الدافع الذات وليد اللكية الاصة ,والتناقضات
الطبقية الت تنجم عنها؟! فإن النسان لو ل يكن يلك سلفا الدافع الذات ,لا
أوجد هذه التناقضات ,ول فكر ف اللكية الاصة والستئثار الفردي .ولاذا يستاثر
النسان بكاسب النظام ,ويضعه بالشكل الذي يفظ مصاله على
حساب الخرين ,ما دام ل يس بالدافع الذات ف أعماق نفسه؟! فالقيقة
بأن الظاهر الجتماعية للنانية ف القل القتصادي والسياسي ...ل تكن
إل نتيجة للدافع الذات ,لغريزة حب الذات .فهذا الدافع أعمق منها ف كيان
النسان ,فل يكن أن يزول وتقتلع جذوره بإزالة تلك الثار ,فان عملية
كهذه ل تعدو أن تكون استبدا ًل لثار بأخرى قد تتلف ف الشكل والصورة,
لكنها تتفق معها ف الوهر والقيقة.
أضف إل ذلك ,أننا لو فسرنا الدافع الذات( :غريزة حب الذات)
تفسيا موضوعيا ,ـ بوصفه انعكاسا لظواهر الفردية ف النظام الجتماعي,
كظاهرة اللكية الاصة ـ كما صنعت الاركسية ,فل يعن هذا أن الدافع الذات
سوف يفقد رصيده الوضوعي وسببه من النظام الجتماعي ,بإزالة اللكية
الاصة لنا وإن كانت ظاهرة ذات طابع فردي ,ولكنها ليست هي الوحيدة
من نوعها ,فهناك ـ مثلً ـ ظاهرة الدراة الاصة ,الت يتفظ با حت النظام
الشتراكي .فان النظام الشتراكي وإن كان يلغي اللكية الاصة لوسائل النتاج,
غي أنه ل يلغي إدارتا الاصة من قبل هيئات الهاز الاكم ,الذي
يارس ديكتاتورية البوليتاريا ,ويتكر الشراف على جيع وسائل النتاج
وإدارتا .إذ ليس من العقول أن تدار وسائل النتاج ف لظة تأميمها إدارة
جاعية اشتراكية .من قبل أفراد الجتمع كافة .فالنظام الشتراكي يتفظ أذن
35
بظواهر فردية بارزة ,ومن الطبيعي لذه الظواهر الفردية ان تافظ على الدافع
الذات ,وتعكسه ف الحتوى الداخلي للنسان باستمرار ,كما كانت تصنع
ظاهرة اللكية الاصة.
وهكذا نعرف قيمة السبيل الول لل الشكلة :السبيل الشيوعي الذي
ل وحده
يعتب إلغاء تشريع اللكية الاصة وموها من سجل القانون ...كفي ً
بل الشكلة وتطوير النسان.
وأما السبيل الثان ـ الذي مر بنا ـ فهو الذي سلكه السلم ,إيانا منه بأن
الل الوحيد للمشكلة تطوير الفهوم الادي للنسان عن الياة .فلم يبتدر إل
مبدأ اللكية الاصة ليبطله ,وإنا غزا الفهوم الادي عن الياة ووضع للحياة
مفهوما جديدا ,وأقام على أساس ذلك الفهوم نظاما ل يعل فيه الفرد آلة
ميكانيكية ف الهاز الجتماعي ,ول الجتمع هيئة قائمة لساب الفرد ,بل
وضع لكل منهما حقوقه ,وكفل للفرد كرامته العنوية والادية معا .فالسلم
وضع يده على نقطة الداء القيقية ف النظام الجتماعي للديقراطية ,وما إليه
من أنظمة ...فمحاها موا ينسجم مع الطبيعة النسانية .فان نقطة الرتكاز
الساسية لا ضجت به الياة البشرية من أنواع الشقاء وألوان الآسي ...هي
النظرة الادية إل الياة الت نتصرها بعبارة مقتضبة ف افتراض حياة النسان
ف الدنيا هي كل ما ف الساب من شيء ,وإقامة الصلحة الشخصية مقياسا
لكل فعالية ونشاط.
إن الديقراطية الرأسالية نظام مكوم عليه بالنيار والفشل الحقق ف
نظر السلم ,ولكن ل باعتبار ما يزعمه القتصاد الشيوعي من تناقضات
رأس الال بطبيعته ,وعوامل الفناء الت تملها اللكية الاصة ف ذاتا...
36
فل بد إذن من معي آخر ـ غي الفاهيم الادية عن الكون ـ يستقي منه
النظام الجتماعي .ول بد من وعي سياسي صحيح ينبثق عن مفاهيم حقيقية
للحياة ,ويتبن القضية النسانية الكبى ,ويسعى إل تقيقها على قاعدة تلك
الفاهيم ,ويدرس مسائل العال من هذه الزاوية .وعند اكتمال هذا الوعي
السياسي ف العال ,واكتساحه لكل وعي سياسي آخر ,وغزوه لكل مفهوم
للحياة ل يندمج بقاعدته الرئيسية ...يكن أن يدخل العال ف حياة جديدة,
مشرقة بالنور عامرة بالسعادة.
إن هذا الوعي السياسي العميق هو رسالة السلم القيقي ف العال وأن
هذه الرسالة النقذة لي رسالة السلم الالدة ,الت استمدت نظامها
الجتماعي ـ الختلف عن كل ما عرضناه من أنظمة ـ من قاعدة فكرية جديدة
للحياة والكون.
وقد أوجد السلم بتلك القاعدة الفكرية النظرة الصحيحة للنسان إل
حياته ,فجعله يؤمن بأن حياته منبثقة عن مبدأ مطلق الكمال ,وانا اعداد
للنسان ال عال ل عناء فيه ول شقاء ,ونصب له مقياسا خلقيا جديدا ف كل
خطواته وأدواره ,وهو :رضا ال تعال .فليس كل ما تفرضه الصلحة
الشخصية فهو جائز ,وكل ما يؤدي ال خسارة شخصية فهو مرم وغي
مستساغ ...بل الدف الذي رسه السلم للنسان ف حياته هو الرضا
اللي ,والقياس اللقي الذي توزن به جيع العمال إنا هو مقدار ما يصل
با من هذا الدف القدس ,والنسان الستقيم هو النسان الذي يقق هذا
37
مشتهياته ...بالساليب البدائية الت حفظ با حياته وأبقى وجوده ,وبالتال
خوض الياة الجتماعية والندماج ف علقات مع الخرين ,تقيقا لتلك
الاجات ودفعا لتلك الخطار .ولا كان حب الذات يتل هذا الوضع من
طبيعة النسان ,فأي علج حاسم للمشكلة النسانية الكبى يب أن يقوم
على أساس اليان بذه القيقة .وإذا قام على فكرة تطويرها أو التغلب
عليها ,فهو علج مثال ل ميدان له ف واقع الياة العملية الت يعيشها
النسان.
ڤ.............................................................رسالة الدين
ويقوم الدين هنا برسالته الكبى الت ل يكن أن يضطلع باعبائها غيه,
ول أن تقق أهدافها البناءة وأغراضها الرشيدة إل على اسسه وقواعده ,فيبط
بي القياس اللقي الذي يضعه للنسان وحب الذات التركز ف فطرته.
وف تعبي آخر :إن الدين يوحد بي القياس الفطري للعمل والياة,
وهو حب الذات ,والقياس الذي ينبغي أن يقام للعمل والياة ,ليضمن
السعادة والرفاه والعدالة.
إن القياس الفطري يتطلب من النسان أن يقدم مصاله الذاتية على
مصال الجتمع ومقومات التماسك فيه ,والقياس الذي ينبغي أن يكم
38
النسان إل الشاركة ف إقامة الجتمع السعيد والحافظة على قضايا العدالة
فيه ,الت تقق رضا ال تعال ,لن ذلك يدخل ف حساب ربه الشخصي,
ما دام كل عمل ونشاط ف هذا اليدان يعوض عنه بأعظم العوض وأجله.
فمسألة الجتمع هي مسالة الفرد أيضا ,ف مفاهيم الدين عن الياة
وتفسيها .ول يكن أن يصل هذا السلوب من التوفيق ف ظل فهم مادي
للحياة ,فان الفهم الادي للحياة يعل النسان بطبيعته ل ينظر إل إل ميدانه
الاضر وحياته الحدودة ,على عكس التفسي الواقعي للحياة الذي يقدمه
السلم ,فانه يوسع من ميدان النسان ,ويفرض عليه نظرة أعمق إل
مصاله ومنافعه ,ويعل من السارة العاجلة ربا حقيقيا ف هذه النظرة
العميقة ,ومن الرباح العاجلة خسارة حقيقية ف ناية الطاف:
(مَ ْن َع ِملَ صَاِلحًا َفلِنَ ْفسِهِ َومَ ْن َأسَاء فَ َعلَ ْيهَا).
ك يَ ْد ُخلُونَ اْلجَنّ َة
( َومَ ْن َعمِ َل صَاِلحًا مّن َذ َك ٍر أَ ْو أُنثَى َوهُوَ ُمؤْمِ ٌن فَأُوْلَِئ َ
ُيرْ َزقُونَ فِيهَا ِبغَ ْيرِ حِسَابٍ).
39
وأما السلوب الثان الذي يتخذه الدين ,للتوفيق بي الدافع الذات
والقيم أو الصال الجتماعية فهو التعهد بتربية اخلقية خاصة ,تعن بتغذية
النسان روحيا ,وتنمية العواطف النسانية والشاعر اللقية فيه .فان ف طبيعة
النسان ـ كما العنا سابقا ـ طاقات واستعدادات ليول متنوعة ,بعضها ميول
مادية تتفتح شهواتا بصورة طبيعية كشهوات الطعام والشراب والنس,
وبعضها ميول معنوية تتفتح وتنمو بالتربية والتعاهد ,ولجل ذلك كان من
الطبيعي للنسان ـ إذا ترك لنفسه ـ أن تسيطر عليه اليول الادية لنا تتفتح
بصورة طبيعية ,وتظل اليول العنوية واستعداداتا الكامنة ف النفس مستترة.
والدين باعتباره يؤمن بقيادة معصومة مسددة من ال ,فهو يوكل أمر تربية
النسانية وتنمية اليول العنوية فيها إل هذه القيادة وفروعها ,فتنشا بسبب
ذلك مموعة من العواطف والشاعر النبيلة .ويصبح النسان يب القيم
اللقية والثل الت يربيه الدين على احترامها ويستبسل ف سبيلها ,ويزيح عن
40
ولنعب دائما عن فهم الياة على أنا تهيد لياة أبدية بالفهم العنوي
للحياة .ولنعب أيضا عن الشاعر والحاسيس ,الت تغذيها التربية اللقية
بالحساس اللقي بالياة.
فالفهم العنوي للحياة والحساس اللقي با ,ها الركيزتان اللتان يقوم
على أساسهما القياس اللقي الديد ,الذي يضعه السلم للنسانية وهو:
رضا ال تعال .ورضا ال ـ هذا الذي يقيمه السلم مقياسا عاما ف
الياة ـ هو الذي يقود السفينة البشرية إل ساحل الق والي والعدالة.
فاليزة الساسية للنظام السلمي تتمثل فيما يرتكز عليه من فهم معنوي
للحياة وإحساس خلقي با ,والط العريض ف هذا النظام هو :اعتبار الفرد
والجتمع معا ,وتأمي الياة الفردية والجتماعية بشكل متوازن .فليس الفرد
هو القاعدة الركزية ف التشريع والكم ,وليس الكائن الجتماعي الكبي هو
الشيء الوحيد الذي تنظر إليه الدولة وتشرع لسابه.
وكل نظام اجتماعي ل ينبثق عن ذلك الفهم والحساس فهو إما نظام
يري مع الفرد ف نزعته الذاتية ,فتتعرض الياة الجتماعية لقسى
الضاعفات وأشد الخطار ,وأما نظام يبس ف الفرد نزعته ويشل فيه طبيعته
لوقاية الجتمع ومصاله .فينشأ الكفاح الرير الدائم بي النظام وتشريعاته
والفراد ونزعاتم ,بل يتعرض الوجود الجتماعي للنظام دائما للنتكاس على
يد منشئه ما دام هؤلء ذوي نزعات فردية أيضا ,وما دامت هذه النعات تد
لا ـ بكبت النعات الفردية الخرى وتسلم القيادة الاسة ـ مالً واسعا
وميدانا ل نظي له للنطلق والستغلل.
وكل فهم معنوي للحياة وإحساس خلقي با ل ينبثق عنهما نظام كامل
للحياة يسب فيه لكل جزء من الجتمع حسابه ,وتعطى لكل فرد حريته الت
هذبا ذلك الفهم والحساس ,والت تقوم الدولة بتحديدها ف ظروف الشذوذ
عنهما ...أقول أن كل عقيدة ل تلد للنسانية هذا النظام فهي ل ترج عن
كونا تلطيفا للجو وتفيفا من الويلت وليست علجا مدودا وقضا ًء حاسا
على أمراض الجتمع ومساوئه .وإنا يشاد البناء الجتماعي التماسك على فهم
معنوي للحياة وإحساس خلقي با ينبثق عنهما ,يل الياة بروح هذا
الحساس وجوهر ذلك الفهم.
41
وهذا هو السلم ف أخصر عبارة وأروعها .فهو عقيدة معنوية وخلقية,
ينبثق عنها نظام كامل للنسانية ,يرسم لا شوطها الواضح الحدد ,ويضع لا
هدفا أعلى ف ذلك الشوط ,ويعرفها على مكاسبها منه.
وأما أن يقضي على الفهم العنوي للحياة ,ويرد النسان عن إحساسه
اللقي با ,وتعتب الفاهيم اللقية أوهاما خالصة خلقتها الصال الادية,
والعامل القتصادي هو اللق لكل القيم والعنويات وترجى بعد ذلك سعادة
للنسانية ,واسقرار اجتماعي لا ,فهذا هو الرجاء الذي ل يتحقق إل إذا
تبدل البشر ال أجهزة ميكانيكية يقوم على تنظيمها عدة من الهندسي الفنيي.
وليست اقامة النسان على قاعدة ذلك الفهم العنوي للحياة والحساس
اللقي با عملً شاقا وعسيا ,فإن الديان ف تاريخ البشرية قد قمت بأداء
رسالتها الكبية ف هذا الضمار ,وليس لميع ما يفل به العال اليوم من
مفاهيم معنوية ,وأحاسيس خلقية ,ومشاعر وعواطف نبيلة ...تعليل أوضح
وأكثر منطقية من تعليل ركائزها وأسسها بالهود البارة الت قامت با الديان
لتهذيب النسانية والدافع الطبيعي ف النسان ,وما ينبغي له من حياة وعمل.
وقد حل السلم الشعل التفجر بالنور ,بعد أن بلغ البشر درجة خاصة
من الوعي ,فبشر بالقاعدة العنوية واللقية على أوسع نطاق وأبعد مدى,
ورفع على أساسها راية إنسانية ,وأقام دولة فكرية ,أخذت بزمام العال ربع
قرن ,واستهدفت إل توحيد البشر كله ,وجعه على قاعدة فكرية واحدة ترسم
أسلوب الياة ونظامها .فالدولة السلمية لا وظيفتان :إحداها تربية النسان
على القاعدة الفكرية ,وطبعه ف اتاهه وأحاسيسه بطابعها ,والخرى مراقبته
من خارج ,وإرجاعه إل القاعدة إذا انرف عنها عمليا.
ولذلك فليس الوعي السياسي للسلم وعيا للناحية الشكلية من الياة
الجتماعية فحسب ,بل هو وعي سياسي عميق ,مرده إل نظرة كلية كاملة نو
الياة والكون والجتماع والسياسة والقتصاد والخلق فهذه
النظرة الشاملة هي الوعي السلمي الكامل.
وكل وعي سياسي آخر فهو إما أن يكون وعيا سياسيا سطحيا ل ينظر
إل العال من زاوية معينة ,ول يقيم مفاهيمه على نقطة ارتكاز خاصة أو يكون
42
وعيا سياسيا يدرس العال من زاوية الادة البحتة ,الت تون البشرية بالصراع
والشقاء ف متلف أشكالة وألوانه.
ڤ .................................................................وأخيا
ً
واخيا ,وف ناية مطافنا ف الذاهب الجتماعية الربعة ,نرج بنتيجة
هي أن الشكلة الساسية الت تتولد عنها كل الشرور الجتماعية وتنبعث منها
متلف ألوان الثام ل تعال العالة الصحيحة الت تسم الداء وتستاصله من جسم
الجتمع البشري ف غي الذهب الجتماعي للسلم من مذاهب.
فل بد أن نقف عند البدأ السلمي ف فلسفته عن الياة والكون ,وف
فلسفته عن الجتماع والقتصاد ,وف تشريعاته ومناهجه لنحصل على الفاهيم
الكاملة للوعي السلمي ,والفكر السلمي الشامل مقارني بينه وبي
البادئ الخرى فيما يقرر من مناهج ويتبن من عقيدة.
وبطبيعة الال أن دراستنا لكل مبدأ تبدأ بدراسة ما يقوم عليه من عقيدة
عامة من الياة والكون وطريقة فهمهما ,فمفاهيم كل مبدأ عن الياة والكون
تشكل البنية الساسية لكيان ذلك البدأ ,واليزان الول لمتحان البادئ هو
اختبار قواعدها الفكرية الساسية الت يتوقف على مدى أحكامها وصحتها
أحكام البنيات الفوقية وناحها.
ولجل ذلك فسوف نصص هذه اللقة الول من (كتابنا) لدراسة البنية
الول الت هي نقطة النطلق للمبدأ وندرس البنيات الفوقية ف اللقات
الخرى إن شاء ال تعال.
والنظام الرأسال الديقراطي ليس منبثقا من عقيدة معينة عن الياة
والكون ول مرتكزا على فهم كامل لقيمها الت تتصل بالياة الجتماعية وتؤثر
فيها .وهو لذا ليس مبدأ بالعن الدقيق للفظ البدأ ,لن البدأ عقيدة ف
الياة ينبثق عنها نظام للحياة.
وأما الشتراكية والشيوعية الاركسيتان فقد وضعتا على قاعدة فكرية وهي
(الفلسفة الادية الدلية) ,ويتص السلم بقاعدة فكرية عن الياة لا طريقتها
الاصة ف فهم الياة وموازينها العينة لا.
43
فنحن اذن بي فلسفتي ل بد من دراستهما لنتبي القاعدة الفكرية
الصحيحة للحياة الت يب أن نشيد عليها وعينا الجتماعي السياسي لقضية
العال كله ,ومقياسنا الجتماعي والسياسي الذي نقيس به قيم العمال ونزن
به أحداث النسانية ف مشاكلها الفردية والدولية.
والقاعدة الت يرتكز عليها البدا تتوي على الطريقة والفكرة :أي على
تديد طريقة التفكي وتديد الفهوم للعال والياة .ولا كنا ل نستهدف ف هذا
الكتاب إل الدراسات الفلسفية لذاتا وانا نريد دراسة القواعد الفكرية
للمبادئ ,فسوف نقتصر على درس العنصرين الساسيي لكل قاعدة فكرية
ينبثق عنها نظام ,وها :طريقة التفكي ,والفهوم الفلسفي للعال .فهاتان
السألتان ها مدار البحث ف هذا الكتاب .ولا كان من الضروري تديد
الطريقة قبل تكوين الفاهيم فنبدأ بنظرية العرفة الت تتوي على تديد معال
التفكي وطريقته وقيمته ,ويتلو بعد ذلك درس الفهوم الفلسفي العام عن
العال بصورة عامة.
ويسن بالقارئ العزيز أن يعرف قبل البدء أن الستفاد من السلم
بالصميم إنا هو الطريقة والفهوم ,أي الطريقة العقلية ف التفكي والفهوم
اللي للعال .وأما أساليب الستدلل وألوان البهنة على هذا وذاك فلسنا
نضيفها جيمعا ال السلم ,وإنا هي حصيلة دراسات فكرية لكبار الفكرين
من علماء السلمي وفلسفتهم.
44
1
نظريّة العرفة
45
46
○ 1ـ الصدر الساسي للمعرفة ○
تدور حول العرفة النسانية مناقشات فلسفية حادة تتل مركز رئيسيا ف
الفلسفة وخاصة الفلسفة الديثة ,فهي نقطة النطلق الفلسفي لقامة فلسفة
متماسكة عن الكون والعال ,فما ل تدد مصادر الفكر البشري ومقاييسه وقيمه
ل يكن القيام بأية دراسة مهما كان لونا.
47
وإحدى تلك الناقشات الضخمة هي الناقشة الت تتناول مصادر العرفة
ومنابعها الساسية بالبحث والدرس ,وتاول أن تستكشف الركائز الولية
للكيان الفكري البار الذي تلكه البشرية فتجيب بذلك على هذا السؤال:
كيف نشأت العرفة عند النسان ,وكيف تكونت حياته العقلية بكل ما تزخر
به من أفكار ومفاهيم ,وما هو الصدر الذي يد النسان بذلك السيل من
الفكر والدراك؟؟
إن النسان ـ كل إنسان ـ يعلم أشياء عديدة ف حياته وتتعدد ف نفسه
الوان من التفكي والدراك ,ول شك ف أن كثيا من العارف النسانية ينشأ
بعضها عن بعض ,فيستعي النسان بعرفة سابقة على تكوين معرفة جديدة.
والسألة هي أن نضع يدنا على اليوط الولية للتفكي ,على الينبوع العام
للدراك بصورة عامة.
ويب أن نعرف قبل كل شيء أن الدراك ينقسم بصورة رئيسية إل
نوعي ,احدها التصور وهو الدراك الساذج .والخر التصديق وهو الدراك
النطوي على حكم .فالتصور ,كتصورنا لعن الرارة أو النور أو الصوت,
والتصديق ,كتصديقنا بأن الرارة طاقة مستوردة من الشمس ,وان الشمس
1ــ ولبعـض الفلسـفة السـيي (كجون سـتورات ميـل) نظريـة خاصـة فـ
الت صديق حاولوا ب ا تف سيه بت صورين متداعي ي .فمرد الت صديق إل قوان ي تدا عي
العان ,وليس الحتوى النفسي ال تصور الوضوع وتصور الحمول ,ولكن القيقة
أن تداعي العان يتلف عن طبيعة التصديق كل الختلف ,فهو قد يتحقق ف كثي
من الجالت ول يو جد ت صديق ,فالرجال التارييون الذ ين ت سبغ علي هم ال ساطي
ألوانا مـن البطولت يقترن تصـورهم فـ ذهننـا بتصـور تلك البطولت ,وتتداعـى
الت صورات ,و مع ذلك ف قد ل ن صدق بش يء من تلك ال ساطي .فالت صديق اذن
عن صر جد يد يتاز على الت صور الالص ,وعدم التمي يز ب ي الت صور والت صديق ف
عدة من الدرا سات الفل سفية الدي ثة أدى إل جلة من الخطاء ,وج عل عدة من
48
ونبدأ الن بالتصورات البشرية لدرس أسبابا ومصادرها ,ونتناول بعد
ذلك التصديقات والعارف.
ڤ...........................................التصور ومصدره الساسي
ونقصد بكلمة (الساسي) الصدر القيقي للتصورات والدراكات
البسيطة .ذلك أن الذهن البشري ينطوي على قسمي من التصورات :احدها
العان التصورية البسيطة ,كمعان الوجود والوحدة والرارة والبياض وما إل
ذلك من مفردات للتصور البشري ,والقسم الخر العان الركبة أي
ل
التصورات الناتة عن المع بي تلك التصورات البسيطة .فقد نتصور (جب ً
من تراب) ونتصور (قطعة من الذهب) ث نركب بي هذين التصورين
فيحصل بالتركيب تصور ثالث وهو (تصور جبل من الذهب) .فهذا التصور
مركب ف القيقة من التصورين الولي وهكذا ترجع جيع التصورات الركبة
إل مفردات تصورية بسيطة.
والسألة الت نعالها هي ماولة معرفة الصدر القيقي لذه الفردات
الفلسـفة يدرسـون مسـألة تعليـل العرفـة والدراك مـن دون ان يضعوا فارقا بيـ
التصور والتصديق .وستعرف أن النظرية السلمية تفصل بينهما وتشرح السألة ف
كل منهما بأسلوب خاص.
49
الثابتة ,وذهلت عنها ذهول تاما ,ولكنها تبدأ باسترجاع ادراكاتا عن طريق
الحساس بالعان الاصة والشياء الزئية ,لن هذه العان والشياء كلها
ظلل وانعكاسات لتلك الثل والقائق الزلية الالدة ف العال الذي كانت
تعيش النفس فيه .فمت أحست بعن خاص انتقلت فورا إل القيقة الثالية
الت كانت تدركها قبل اتصالا بالبدن ,وعلى هذا الساس يكون ادراكنا
للنسان العام أي لفهوم النسان بصورة كلية عبارة عن استذكار لقيقة مردة
كنا قد غفلنا عنها ,وإنا استذكرناها بسبب الحساس بذا النسان الاص أو
ذاك من الفراد الت تعكس ف عال الادة تلك القيقة الجردة.
فالتصورات العامة سابقة على الحساس ,ول يقوم الحساس إل بعملية
استرجاع واستذكار لا ,والدراكات العقلية ل تتعلق بالمور الزئية الت
تدخل ف نطاق الس ,وإنا تتعلق بتلك القائق الكلية الجردة.
وهذه النظرية ترتكز على قضيتي فلسفيتي :أحداها أن النفس موجودة
قبل وجود البدن ف عال اسى من الادة ,والخرى ان الدراك العقلي عبارة
عن إدراك القائق الجردة الثابتة ف ذلك العال السى والت يصطلح عليها
افلطون بكلمة (الثل).
وكلتا القضيتي خاطئتان كما أوضح ذلك ناقدو الفلسفة الفلطونية
فالنفس ف مفهومها الفلسفي العقول ليس شيئا موجودا بصورة مردة قبل
وجود البدن ,بل هي نتاج حركة جوهرية ف الادة ,تبدأ النفس با مادية
متصفة بصائص الادة وخاضعة لقوانينها ,وتصبح بالركة والتكامل وجودا
مردا عن الادة ل يتصف بصفاتا ول يضع لقوانينها ,وإن كان خاضعا
لقواني الوجود العامة ,فإن هذا الفهوم الفلسفي عن النفس هو الفهوم الوحيد
الذي يستطيع أن يفسر الشكلة ,ويعطي إيضاحا معقول عن العلقة القائمة
بي النفس والادة ,بي النفس والبدن .وأما الفهوم الفلطون الذي يفترض
للنفس وجودا سابقا على البدن فهو أعجز ما يكون عن تفسي هذه العلقة,
وتعليل الرتباط القائم بي البدن والنفس ,وعن إيضاح الظروف الت جعلت
النفس تبط من مستواها إل الستوى الادي.
كما أن الدراك العقلي يكن إيضاحه مع إبعاد فكرة الثل عن مال البحث
با شرحه أرسطو ف فلسفته من أن العان الحسوسة هي نفسها العان العامة
50
الت يدركها العقل بعد تريدها عن الصائص الميزة للفراد واستبقاء العن
الشترك ,فليس النسان العام الذي ندركه حقيقة مثالية سبق أن شاهدناها ف
عال أسى ,بل هو صورة هذا النسان أو ذاك بعد إجراء عملية التجريد
عليها واستخلص العن العام منها.
2ـ النظريات العقلية:
وهي لعدد من كبار فلسفة أوروبا كـ (ديكارت( ))1و(كانت) وغيها.
وتتلخص هذه النظرية ف العتقاد بوجود منبعي للتصورات :احدها
الحساس ,فنحن نتصور الرارة والنور والطعم والصوت لجل احساسنا
1ـ راجع :مدخل ال فلسفة ديكارت ـ سلسلة الكتبة الفلسفية رقم 5
منشورات عويدات.
51
بذلك كله ,والآخر الفطرة بعن أن الذهن البشري يلك معان وتصورات ل
تنبثق عن الس وإنا هي ثابتة ف صميم الفطرة ,فالنفس تستنبط من ذواتا.
وهذه التصورات الفطرية عند (ديكارت) هي فكرة (ال والنفس والمتداد
والركة) وما إليها من أفكار تتميز بالوضوح الكامل ف العقل البشري .وأما
عند (كانت) فالانب الصوري للدراكات والعلوم النسانية كله فطري با يشتمل
عليه من صورت الزمان والكان والقولت الثنت عشرة العروفة عنه.
فالس على أساس هذه النظرية مصدر فهم للتصورات والفكار
البسيطة ,ولكنه ليس هو السبب الوحيد ,بل هناك الفطرة الت تبعث ف
الذهن طائفة من التصورات.
والذي اضطر العقليي إل اتاذ هذه النظرية ف تعليل التصورات
البشرية ,هو أنم ل يدوا لطائفة من العان والتصورات مبرا لنبثاقها عن
الس لنا معان غي مسوسة ,فيجب أن تكون مستنبطة للنفس استنباطا ذاتيا
من صميمها ,ويتضح من هذا أن الدافع الفلسفي إل وضع النظرية العقلية
يزول تاما إذا استطعنا أن نفسر التصورات الذهنية تفسيا متماسكا من دون
حاجة إل افتراض أفكار فطرية .ولجل ذلك يكننا تفنيد النظرية العقلية عن
طريقي:
احدها :تليل الدراك تليل يرجعه برمته إل الس وييسر فهم كيفية
تولد التصورات كافة عنه .فان مثل هذا التحليل يعل نظرية الفكار الفطرية
بل مبر مطلقا لنا ترتكز على فصل بعض العان عن مال الس
فصل نائيا ,فإذا أمكن تعميم الس لشت ميادين التصور ل تبق ضرورة
للتصورات الفطرية ,وهذا الطريق هو الذي اتذه (جون لوك) للرد على
(ديكارت) ونوه من العقليي ,وسار عليه رجال البدأ السي مثل (باركلي)
و (دافيد هيوم) بعد ذلك.
والطريق الخر ,هو السلوب الفلسفي للرد على التصورات الفطرية
ويرتكز على قاعدة أن الثار الكثية ل يكن أن تصدر عن البسيط باعتباره
بسيطا ,والنفس بسيطة فل يكن أن تكون سببا بصورة فطرية لعدة من
الفاعـل ,وأمـا كثرة القابـل ,وأمـا الترتـب النطقـي بيـ الثار ذواتاـ ,وأمـا كثرة
52
ونقد هذا البهان بصورة كاملة يتطلب منا أن نشرح القاعدة الت قام
على أساسها؛ ونعطي إيضاحا عن حقيقة النفس وبساطتها ,وهذا ما ل يتسع
له مالنا الن .ولكن يب أن نشي:
أولً :إل أن هذا البهان ـ إذا أمكن قبوله ـ فهو ل يقضي على نظرية
الفكار الفطرية تاما لنه إنا يدلل على عدم وجود كثرة من الدراكات
بالفطرة ,ول يبهن على أن النفس ل تلك بفطرتا شيئا مدودا من
التصورات يتفق مع وحدتا وبساطتها ,وتتولد عنه عدة أخرى من التصورات
بصورة مستقلة عن الس.
ونوضح ثانيا :أن النظرية العقلية إذا كانت تعن وجود أفكار فطرية
ل
بالفعل لدى النفس النسانية أمكن للبهان الذي قدمناه أن يرد عليها قائ ً
أن النفس بسيطة بالذات فكيف ولدت ذلك العدد الضخم من الفكار
الفطرية ,بل لو كان العقليون ينحون إل اليان بذلك حقا لكفي وجداننا
البشري ف الرد على نظريتهم ,لننا جيعا نعلم أن النسان لظة وجوده على
وجه الرض ل توجد لديه أية فكرة مهما كانت واضحة وعامة ف الذهنية
البشرية.
سمْعَ
(وَال ّلهُ َأ ْخ َر َجكُم مّن ُبطُو ِن ُأ ّمهَاِتكُمْ لَ تَ ْع َلمُو َن شَيْئًا َوجَ َع َل َلكُمُ الْ ّ
ش ُكرُونَ ).
وَالَبْصَارَ وَالَ ْفئِدَةَ َل َع ّلكُمْ َت ْ
53
والنظرية العقلية على ضوء هذا التفسي ل يكن أن ترد بالبهان بالفلسفي
أو الدليل العلمي السابق ذكرها.
3ـ النظرية السية:
وهي النظرية القائلة أن الحساس هو المون الوحيد للذهن البشري
بالتصورات والعان ,والقوة الذهنية هي القوة العاكسة للحساسات الختلفة ف
الذهن .فنحن حي نس بالشيء نستطيع أن نتصوره ـ أي ان نأخذ صورة
عنه ف ذهننا ـ وأما العان الت ل يتد إليها الس فل يكن للنفس ابتداعها
وابتكارها ذاتيا وبصورة مستقلة.
وليس للذهن بناء على هذه النظرية إل التصرف ف صور العان
الحسوسة ,وذلك بالتركيب والتجزئة بأن يركب بي تلك الصور أو يزئ
الواحدة منها ,فيتصور جبل من ذهب او يزئ الشجرة الت ادركها ال قطع
وأجزاء .أو التجريد والتعميم ,بأن يفرز خصائص الصورة ويردها عن
صفاتا الاصة ليصوغ منها معن كليا ,كما إذا تصور زيدا وأسقط من
الساب كل ما يتاز به عن عمرو ,فإن الذهن بعملية الطرح هذه يستبقي
معن مردا يصدق على زيد وعمرو معا.
ولعل البشر الول بذه النظرية السية هو (جون لوك) الفيلسوف
النكليزي الكبي الذي بزغ ف عصر فلسفي زاخر بفاهيم (ديكارت) عن
الفكار الفطرية ,فبدأ ف تفنيد تلك الفاهيم ,ووضع لجل ذلك دراسة
مفصلة للمعرفة النسانية ف كتابه (مقالة ف التفكي النسان) ,وحاول ف هذا
الكتاب ارجاع جيع التصورات والفكار إل الس ,وقد شاعت هذه النظرية
بعد ذلك بي فلسفة أوروبا وقضت إل حد ما على نظرية الفكار الفطرية,
وانساق معها جلة من الفلسفة إل أبعد حدودها حت انتهت إل فلسفات
خطرة جدا كفلسفة (باركلي) و (دافيد هيوم) كما سوف نتبي ذلك إن شاء ال
تعال.
والاركسية تبنت هذه النظرية ف تعليل الدراك البشري ,تشيا مع رأيها
ف الشعور البشري وأنه انعكاس للواقع الوضوعي ,فكل ادراك يرجع أل
انعكاس لواقع معي ويصل هذا النعكاس عن طريق الحساس ,وما يرج
عن حدود النعكاسات السية ل يكن أن يتعلق به الدراك أو الفكر ,فنحن
54
ل نتصور إل احساساتنا الت تشي إل القائق القائمة ف العال
الارجي.
قال جورج بوليتزير:
(ولكن ما هي نقطة البدء ف الشعور أو
الفكر ,انا الحساس ,ث أن مصدر
الحساسات الت يعالها النسان بدافع من
احتياجاته الطبيعية)(( .)1الرأي الاركسي يعن إذن
أن متوى شعورنا ليس له من مصدر سوى
الزئيات الوضوعية الت تقدمها لنا الظروف
الارجية الت نعيش فيها .وتعطى لنا ف
الحساسات وهذا كل ما ف المر(.)2
وقال ماوتسي تونغ موضحا الراي الاركسي ف السالة:
(إن مصدر كل معرفة يكمن ف احساسات
55
الوان الس فهو ل يستطيع أن يتصور العان ذات العلقة بذلك الس
الاص.
وهذه التجارب ـ إذا صحت ـ إنا تبهن علميا على أن الس هو الينبوع
الساسي للتصور ,فلول الس لا وجد تصور ف الذهن البشري ولكنها ل
تسلب عن الذهن قدرة توليد معان جديدة ـ ل تدرك بالس ـ من العان
الحسوسة ,فليس من الضروري أن يكون قد سبق تصوراتنا البسيطة جيعا
الحساس بعانيها كما تزعم النظرية السية.
فالس على ضوء التجارب النفة الذكر هو البنية الساسية الت يقوم على
قاعدتا التصور البشري ,ول يعن ذلك تريد الذهن عن الفعالية وابتكار
تصورات جديدة على ضوء التصورات الستوردة من الس.
ويكننا أن نوضح فشل النظرية السية ف ماولة ارجاع جيع مفاهيم
التصور البشري إل الس ...على ضوء دراسة عدة من مفاهيم الذهن
البشري كالفاهيم التالية :العلة والعلول ,الوهر والعرض ,المكان
56
التعاقبة ,فنستطيع بوضع الاء على النار أن ندرك حرارة الاء وتضاعف هذه الرارة
وأخيا بغليان الاء ,وأما أن هذا الغليان منبثق عن بلوغ الرارة
درجة معينة فهذا ما ل يوضحه الانب السي من التجربة ,وإذا كانت
تاربنا السية قاصرة عن كشف مفهوم العلية فكيف نشأ هذا الفهوم ف
الذهن البشري وصرنا نتصوره ونفكر فيه.
وقد كان (دافيد هيوم) ـ أحد رجال البدأ السي ـ أدق من غيه ف تطبيق
النظرية السية ,فقد عرف أن العلية بعناها الدقيق ل يكن أن تدرك
بالس ,فأنكر مبدأ العلية ,وأرجعها إل عادة تداعي العان قائل :ان أرى
كرة البلياردو تتحرك فتصادف كرة أخرى فتتحرك هذه ,وليس ف حركة الول
ما يظهرن على ضرورة ترك ثانية ,والس الباطن يدلن على أن حركة
العضاء ف تعقب أمر الرادة ,ولكن ل أدرك به إدراكا مباشرا علقة
ضرورية بي الركة والمر.
57
ونواجه نفس الشكلة ف الفاهيم الخرى الت عرضناها آنفا ,فهي جيعا
ليست من العان الحسوسة ,فيجب طرح التفسي السي الالص للتصور
البشري والخذ بنظرية النتزاع.
4ـ نظرية النتزاع:
وهي نظرية الفلسفة السلميي بصورة عامة .وتتلخص هذه النظرية ف
تقسيم التصورات الذهنية إل قسمي :تصورات أولية ,وتصورات ثانوية.
فالتصورات الولية هي الساس التصوري للذهن البشري ,وتتولد هذه
التصورات من الحساس بحتوياتا بصورة مباشرة .فنحن نتصور الرارة لننا
أدركناها باللمس ,ونتصور اللون لننا أدركناه بالبصر ,ونتصور اللوة لننا
أدركناها بالذوق ,ونتصور الرائحة لننا أدركناها بالشم .وهكذا جيع العان
الت ندركها بواسنا فإن الحساس بكل واحد منها هو السبب ف تصوره
ووجود فكرة عنه ف الذهن البشري .وتتشكل من هذه العان القاعدة الولية
للتصور وينشئ الذهن بناء على هذه القاعدة التصورات الثانوية ,فيبدأ بذلك
دور البتكار والنشاء ,وهو الذي تصطلح عليه هذه النظرية بلفظ (النتزاع)
فيولد الذهن مفاهيم جديدة من تلك العان الولية ,وهذه العان الديدة
خارجة عن طاقة الس وإن كانت مستنبطة ومستخرجة من العان الت يقدمها
الس إل الذهن والفكر.
وهذه النظرية تتسق مع البهان والتجربة ويكنها أن تفسر جيع الفردات
التصورية تفسيا متماسكا.
فعلى ضوء هذه النظرية نستطيع أن نفهم كيف انبثقت مفاهيم العلة
والعلول ,والوهر والعرض ,والوجود والوحدة ,ف الذهن البشري .أنا كلها
مفاهيم انتزاعية يبتكرها الذهن على ضوء العان الحسوسة ,فنحن نس مثلً
بغليان الاء حي تبلغ درجة حرارته مائة ,وقد يتكرر احساسنا باتي
الظاهرتي ـ ظاهرت الغليان والرارة ـ آلف الرات ول نس بعلية الرارة
للغليان مطلقا ,وإنا الذهن هو الذي ينتزع مفهوم العلية من الظاهرتي اللتي
يقدمهما الس إل مال التصور.
58
ول نتسطيع ف مالنا الحدود أن نعرض لكيفية النتزاع الذهن وألوانه
وأقسامه لننا ل نتناول ف دراستنا الاطفة هذه إل الشارة ال خطوط
العريضة.
ڤ........................................التصديق ومصدره الساسي:
ننتقل الن من درس الدراك الساذج ـ التصور ـ إل درس الدراك
التصديقي الذي ينطوي على الكم ويصل به النسان على معرفة موضوعية.
فكل واحد منا يدرك عدة من القضايا ويصدق با تصديقا ,ومن تلك
القضايا ما يرتكز الكم فيها على حقائق موضوعية جزئية ,كما ف قولنا :الو
حار ,الشمس طالعة وتسمى القضية لجل ذلك جزئية .ومن القضايا ما يقوم
الكم فيها بي معنيي عامي كما ف قولنا الكل أعظم من الزء ,والواحد
نصف الثني ,والزء الذي ل يتجزأ مستحيل ,والرارة تولد الغليان,
والبودة سبب للتجمد .وميط الدائرة اكب من قطرها ,والكتلة حقيقة نسبية,
ال غي ذلك من القضايا الفلسفية والطبيعية والرياضية وتسمى هذه القضايا
بالقضايا الكلية والعامة .والشكلة الت تواجهنا هي مشكلة أصل العرفة
التصديقية والركائز الساسية الت يقوم عليها صرح العلم النسان ,فما هي
اليوط الولية الت نسجت منها تلك الجموعة الكبية من الحكام والعلوم,
وما هو البدا الذي تنتهي اليه العارف البشرية ف التعليل ,ويعتب مقياسا أوليا
عاما لتمييز القيقة عن غيها؟
وف هذه السالة عدة مذاهب فلسفية تتناول بالدرس منها الذهب العقلي
والذهب التجريب ,فالول هو الذهب الذي ترتكز عليه الفلسفة السلمية,
وطريقة التفكي السلمي بصورة عامة .والثان هو الرأي السائد ف عدة
مدارس للمادية ومنها الدرسة الاركسية.
1ـ الذهب العقلي:
تنقسم العارف البشرية ف رأي العقليي ال طائفتي :احداها معارف
ضرورية أو بديهية .ونقصد بالضرورة هنا أن النفس تضطر إل الذعان بقضية
معينة من دون أن تطالب بدليل أو تبهن على صحتها ,بل تد من طبيعتها
ضرورة اليان با ايانا غنيا عن كل بينة واثبات ,كايانا ومعرفتها بالقضايا
59
التية( :النفي والثبات ل يصدقان معا ف شيء واحد) (الادث ل يوجد من
دون سبب)( ,الصفات التضادة ل تنسجم ف موضوع واحد)( ,الكل أكب
من الزء)( ,الواحد نصف الثني).
والطائفة الخرى معارف ومعلومات نظرية .فان عدة من القضايا ل تؤمن
النفس بصحتها إل على ضوء معارف ومعلومات سابقة فيتوقف صدور الكم
منها ف تلك القضايا على عملية تفكي واستنباط للحقيقة من حقائق أسبق
وأوضح منها كما ف القضايا التية( :الرض الكروية) (الركة سبب الرارة),
(التسلسل متنع)( ,الفلزات تتمدد بالرارة)( ,زوايا الثلث تساوي قائمتي),
(الادة تتحول إل طاقة) وما ال ذلك من قضايا الفلسفة والعلوم .فإن هذه
القضايا حي تعرض على النفس ل تصل على حكم ف شأنا إل بعد مراجعة
للمعلومات الخرى .ولجل ذلك فالعارف النظرية مستندة ال العارف الولية
الضرورية ,فلو سلبت تلك العارف الولية من الذهن البشري ل يستطع
التوصل ال معرفة نظرية مطلقا ـ كما سنوضح ذلك فيما بعد إن شاء ال.
فالذهب العقلي يوضح .أن الجر الساسي للعلم هو العلومات
العقلية الولية ,وعلى ذلك الساس تقوم البنيات الفوقية للفكر النسان الت
تسمى بالعلومات الثانوية.
والعملية الت تستنبط با معرفة نظرية من معارف سابقة هي العملية الت
نطلق عليه اسم الفكر والتفكي .فالتفكي جهد يبذله العقل ف سبيل اكتساب
تصديق وعلم جديد من معارفه السابقة .بعن أن النسان حي ياول أن
يعال قضية جديدة كقضية (حدوث الادة) ـ مثلًـ ليتأكد من أنا حادثة أو
قدية يكون بي يديه أمران :أحدها الصفة الاصة وهي (الدوث) ,والخر الشيء
الذي يريد أن يتحقق من اتصافه بتلك الصفة وهو (الادة) .ولا ل
تكن القضية من الوليات العقلية فالنسان سوف يتردد بطبيعته ف إصدار
الكم والذعان بدوث الادة ,ويلجأ حينئذ ال معارفه السابقة ليجد فيها ما
يكنه أن يركز عليه حكمه ويعله واسطة للتعرف على حدوث الادة ,وتبدأ
بذلك عملية التفكي باستعراض العلومات السابقة ,ولنفترض أن من جلة
تلك القائق الت كان يعرفها الفكر سلفا هي (الركة الوهرية) الت تقرر ان
60
الادة حركة مستمرة وتدد دائم ,فإن الذهن سيضع يده على هذه القيقة
حينما تر أمامه ف الستعراض الفكري ويعلها هزة الوصل بي الادة
والدوث ,لن الادة لا كانت متجددة فهي حادثة حتما لن التغي الستمر يعن
الدوث على طول الط وتتولد عندئذ معرفة جديدة للنسان وهي أن الادة حادثة
لنا متحركة ومتجددة وكل متجدد حادث.
61
فل يكن التأكد فيها من نفي أو إثبات ما دامت التجربة هي القياس
الساسي الوحيد ,كما يزعم الذهب التجريب.
ثانيا :إ السي الفكري ف رأي العقليي يتدرج من القضايا العامة إل
قضايا أخص منها ,من الكليات ال الزئيات ,وحت ف الجال التجريب
الذي يبدو لول وهلة ان الذهن ينتقل فيه من موضوعات تريبية جزئية ال
قواعد وقواني عامة يكون النتقال والسي فيه من العام ال الاص ـ كما
سنوضح ذلك عند الرد على الذهب التجريب.
ول بد أنك تتذكر ما ذكرنا مثالً لعملية التفكي وكيف انتقلنا فيه من
معرفة عامة ال معرفة خاصة ,واكتسبنا العلم بأن (الادة حادثة) من العلم بأن
(كل متغي حادث) ,فقد بدأ الفكر بذه القضية الكلية (كل تغي حادث)
وانطلق منها ال قضية أخص منها وهي (أن الادة حادثة).
وأخيا يب أن ننبه على أن الذهب العقلي ل يتجاهل دور التجربة البار
ف العلوم والعارف البشرية وما قدمته من خدمات ضخمة للنسانية وما
كشفت عنه من أسرار الكون وغوامض الطبيعة ,ولكنه يعتقد أن التجربة
بفردها ل تكن تستطيع أن تقوم بذا الدور البار ,لنا تتاج ف استنتاج أية
حقيقة علمية منها ال تطبيق القواني العقلية الضرورية ـ أي أن يتم ذلك
الستنتاج على ضوء العارف الولية ,ول يكن أن تكون التجربة بذاتا الصدر
الساسي والقياس الول للمعرفة ,فشأنا شأن الفحص الذي يريه الطبيب
على الريض ,فان هذا الفحص هو الذي يتيح له أن يكشف عن حقيقة الرض
وملبساته ولكن هذا الفحص ل يكن ليكشف عن هذا لول ما يلكه الطبيب
قبل ذلك من معلومات ومعارف ,فلو ل تكن تلك العلومات لديه لكان
فحصه لغوا ومردا عن كل فائدة ,وهكذا التجربة البشرية بصورة عامة ل
تشق الطريق ال نتائج وحقائق إل على ضوء معلومات عقلية سابقة.
2ـ الذهب التجريب:
وهو الذهب القائل بأن التجربة هي الصدر الول لميع العارف
البشرية ,ويستند ف ذلك ال أن النسان حي يكون مردا عن التجارب
بختلف ألوانا ل يعرف أية حقيقة من القائق مهما كانت واضحة ,ولذا يولد
62
النسان خاليا من كل معرفة فطرية ,ويبدأ وعيه وإدراكه بابتداء حياته
العملية ,ويتسع علمه كلما اتسعت تاربه ,وتتنوع معارفه كلما تنوعت تلك
التجارب.
فالتجريبيون ل يعترفون بعارف عقلية ضرورية سابقة على التجربة
ويعتبون التجربة الساس الوحيد للحكم الصحيح والقايس العام ف كل
مال من الجالت ,وحت تلك الحكام الت ادعى الذهب العقلي أنا معارف
ضرورية ل بد من اخضاعها للمقياس التجريب والعتراف با بقدار ما
تدده التجربة ,لن النسان ل يلك حكما يستغن عن التجربة ف إثباته,
وينشأ من ذلك:
أولً :تديد طاقة الفكر البشري بدود اليدان التجريب ويصبح من
العبث كل بث ميتافيزيقي أو دراسة لسائل ما وراء الطبيعة ,على عكس
الذهب العقلي تاما.
وثانيا :انطلق السي الفكري للذهن البشري بصورة معاكسة لا يعتقده
الذهب العقلي ,فبينما كان الذهب العقلي يؤمن بأن الفكر يسي دائما من العام
ال الاص يقرر التجريبيون أنه يسي من الاص ال العام ,ومن حدود
التجربة الضيقة ال القواني والقواعد الكلية ,ويترقى دائما من القيقة الزئية
التجريبية ال الطلق ,وليس ما يلكه النسان من قواني عامة وقواعد كلية إل
حصيلة التجارب ,ونتيجة هذا الرتقاء من استقراء الزئيات ال الكشف عن
حقائق موضوعية عامة.
ولجل ذلك يعتمد الذهب التجريب على الطريقة الستقرائية ف
الستدلل والتفكي لنا طريقة الصعود من الزئي إل الكلي ,ويرفض مبدأ
الستدلل القياسي الذي يسي فيه الفكر من العام إل الاص كما ف الشكل
الت من القياس( :كل انسان فان وممد انسان) فـ (ممد فان) .ويستند
هذا الرفض ال إن هذا الشكل من الستدلل ل يؤدي ال معرفة جديدة ف
النتيجة ,مع أن أحد شروط الستدلل هو أن يؤدي ال نتيجة جديدة ليست
متواة ف القدمات ,وإذن فالقياس بصورته الذكورة يقع ف مغالطة (الصادرة
63
على الطلوب) ,لننا إذا ما قبلنا القدمة (كل انسان فان) فإنا ندخل ف
الوضوع ـ إنسان ـ كل أفراد الناس ,وبعدئذ إذا ما عقبنا عليها بقدمة ثانية
(بأن ممدا انسان) فأما أن نكون على وعي بأن ممدا كان فردا من أفراد
الناس الذين قصدنا إليهم ف القدمة الول ,وبذلك نكون على وعي كذلك
بأنه (فان) قبل أن ننص على هذه القيقة ف القدمة الثانية ,وأما أن ل نكون
على وعي بذلك فنكون ف القدمة الول قد عممنا بغي حق لنا ل نكن نعلم
الفناء عن كل أفراد الناس كما زعمنا.
هذا عرض موجز للمذهب التجريب الذي ند أنفسنا مضطرين ال
رفضه للسباب التية:
الول :إن نفس هذه القاعدة (التجربة هي القياس الساسي لتمييز
القيقة) هل هي معرفة أولية حصل عليها النسان من دون تربة سابقة؟ أو
أنا بدورها أيضا كسائر العارف البشرية ليست فطرية ول ضرورية؟ فإذا
كانت معرفة أولية سابقة على التجربة بطل الذهب التجريب الذي ل يؤمن
بالعارف الولية ,وثبت وجود معلومات إنسانية ضرورية بصورة مستقلة عن
التجربة ,وإذا كانت هذه العرفة متاجة ال تربة سابقة فمعن ذلك أنّا ل
ندرك ف بداية المر أن التجربة مقياس منطقي مضمون الصدق ,فكيف يكن
البهنة على صحته واعتباره مقياسا بتجربة ما دمت غي مضمونة الصدق
بعد؟!.
وبكلمة أخرى ,إن القاعدة الذكورة الت هي ركيزة الذهب التجريب إن
كانت خطأ سقط الذهب التجريب بانيار قاعدته الرئيسية ,وإن كانت صوابا
صح لنا أن نتساءل عن السبب الذي جعل التجريبيي يؤمنون بصواب هذه
القاعدة ,فان كانوا قد تأكدوا من صوابا بل تربة فهذا يعن أنا قضية بديهية
وأن النسان يلك حقائق وراء عال التجربة ,وإن كانوا تاكدوا من صوابا
بتجربة سابقة فهو أمر مستحيل لن التجربة ل تؤكد قيمة نفسها.
الثان :إن الفهوم الفلسفي الذي يرتكز على الذهب التجريب يعجز عن
إثبات الادة ,لن الادة ل يكن الكشف عنها بالتجربة الالصة بل كل ما يبـدو
للحس ف الجالت التجريبية إنا هو ظواهر الادة وأعراضها وأما نفس الادة
بالذات ـ الوهر الادي الذي تعرضه تلك الظواهر والصفات ـ فهي ل تدرك
64
بالس ,فالوردة الت نراها على الشجرة أو نلمسها بيدنا إنا نس برائحتها
ولونا ونعومتها .وحت إذا تذوقناها فاننا نس بطعمها ول نس ف جيع تلك
الحوال بالوهر الذي تلتقي جيع هذه الظواهر عنده ,وإنا ندرك هذا الوهر
ببهان عقلي يرتكز على العارف العقلية الولية ـ كما سنشي إليه ف البحوث
القبلة ـ ولجل ذلك أنكر عدة من الفلسفة السيي التجريبيي وجود الادة.
فالسند الوحيد لثبات الادة هو معطيات العقل الولية ,ولولها لا كان ف
طاقة الس أن يثبت لنا وجود الادة وراء الرائحة واللون الحر والطعم
الاص للوردة.
وهكذا يتضح لنا أن القائق اليتافيزقية ليست هي وحدها الت يتاج
إثباتا ال اتاذ الطريقة العقلية ف التفكي بل الادة نفسها كذلك أيضا.
وهذا العتراض إنا نسجله بطبيعة الال على من يؤمن بوجود جوهر مادي ف
الطبيعة على أسس الذهب التجريب ,وأما من يفسر الطبيعة بجرد ظواهر
تدث وتتغي دون أن يعترف لا بوضوع تلتقي عنده ...فل صلة له بذا
العتراض.
الثالث :إن الفكر لو كان مبوسا ف حدود التجربة ول يكن يلك معارف
مستقلة عنها لا اتيح له أن يكم باستحالة شيء من الشياء مطلقا ,لن
الستحالة ـ بعن عدم إمكان وجود الشيء ـ ليس ما يدخل ف نطاق التجربة
ول يكن للتجربة أن تكشف عنه ,وقصارى ما يتاح للتجربة أن تدلل عليه
هو عدم وجود أشياء معينة ,ولكن عدم وجود شيء ل يعن استحالته ,فهناك
عدة أشياء ل تكشف التجربة عن وجودها بل دلت على عدمها ف نطاقها
الاص ,ومع ذلك فنحن ل نعتبها مستحيلة ول نسلب عنها إمكان الوجود
كما نسلبه عن الشياء الستحيلة فكم يبدو الفرق جليا بي اصطدام القمر
بالرض أو وجود بشر ف الريخ أو وجود انسان يتمكن من الطيان لرونة
خاصة ف عضلته من ناحية ,وبي وجود مثلث له أربعة أضلع ووجود جزء
أكب من الكل ووجود القمر حال انعدامه من ناحية أخرى .فإن هذه القضايا
جيعا ل تتحقق ول تقم عليها تربة .فلو كانت التجربة هي الصدر الرئيسي
الوحيد للمعارف لا صح لنا أن نفرق بي الطائفتي لن كلمة التجربة فيهما معا
على حد سواء ,وبالرغم من ذلك فنحن جيعا ند الفرق الواضح بي
65
الطائفتي ,فالطائفة الول ل تقع ولكنها جائزة ذاتيا ,وأما الطائفة الثانية فهي
ليست معدومة فحسب بل ل يكن أن توجد مطلقا ,فالثلث ل يكن أن
يكون له أضلع أربعة سواء اصطدم القمر بالرض أم ل .وهذا الكم
بالستحالة ل يكن تفسيه إل على ضوء الذهب العقلي بأن يكون من العارف
العقلية الستقلة عن التجربة.
وعلى هذا الضوء يكون التجريبيون بي سبيلي ل ثالث لما :فاما أن
يعترفوا باستحالة أشياء معينة كالشياء الت عرضناها ف الطائفة الثانية وأما أن
ينكروا مفهوم الستحالة من الشياء جيعا.
فان آمنوا باستحالة أشياء كالت الحنا إليها كان هذا اليان مستندا ال
معرفة عقلية مستقلة ل إل التجربة ,لن عدم ظهور شيء ف التجربة ل يعن
استحالته.
وإن انكروا مفهوم الستحالة ول يقروا باستحالة شيء مهما كان غريبا
لدى العقل فل يبقى على أساس هذا النكار فرق بي الطائفتي اللتي
عرضناها وادركنا ضرورة التفرقة بينهما ,واذا سقط مفهوم الستحالة ل يكن
التناقض مستحيل ـ أي وجود الشيء وعدمه ,وصدق القضية وكذبا ف لظة
واحدة ـ وجواز التناقض يؤدي ال انيار جيع العارف والعلوم وعدم تكن
التجربة من إزاحة الشك والتردد ف أي مال من الجالت العلمية ,لن
التجارب والدلة مهما تضافرت على صدق قضية علمية معينة كقضية (الذهب
عنصر بسيط) ,فل يكننا أن نزم بأنا ليست كاذبة ما دام من المكن أن
تتناقض الشياء وتصدق القضايا وتكذب ف وقت معا.
الرابع :إن مبدأ العلية ل يكن إثباته عن طريق الذهب التجريب فكما
أن النظرية السية كانت عاجزة عن إعطاء تعليل صحيح للعلية كفكرة
تصويرية كذلك الذهب التجريب يعجز عن البهنة عليها بصفتها مبدأ وفكرة
تصديقية .فإن التجربة ل يكنها أن توضح لنا إل التعاقب بي ظواهر معينة,
فنعرف عن طريقها أن الاء يغلي إذا صار حارا بدرجة مائة ,وأنه يتجمد حي
تنخفض درجة حرارته ال الصفر ,واما سببية أحدى الظاهرتي للخرى
والضرورة القائمة بينهما فهي ما ل تكشفها وسائل التجربة مهما كانت دقيقة
66
ومهما كررنا استعمالا .وإذا انار مبدأ العلية انارت جيع العلوم الطبيعية كما
ستعرف.
وقد اعترف بعض التجريبيي كـ (دافيد هيوم) و (جون ستيورات ميل)
بذه القيقة ,ولذلك فسر (هيوم) عنصر الضرورة ف قانون العلة والعلول
بأنه راجع ال طبيعة العملية العقلية الت تستخدم ف الوصول ال هذا القانون
قائل :إن إحدى عمليات العقل اذا كانت تستدعي دائما عملية أخرى تتبعها
بدون تلف فانه ينمو بي العمليتي بضي الزمن رابطة قوية دائمة هي الت
نسميها رابطة تداعي العان ,ويصحب هذا التداعي نوع من اللزام العقلي
بيث يصل ف الذهن العن التصل بإحدى العمليتي العقليتي كما حدث
العن التصل بالعملية الخرى ,وهذا اللزام العقلي أساس ما نسميه
بالضرورة الت ندركها ف الرابطة بي العلة والعلول.
وليس من شك ف أن هذا التفسي للضرورة القائمة بي العلة والعلول
ليس صحيحا لا يات:
أول :أنه يلزم على هذا التفسي أن ل نصل ال قانون العلية العام إل
بعد سلسلة من الوادث والتجارب التكررة الت تكم الرباط بي فكرت
العلة والعلول ف الذهن ,مع أنه ليس من الضروري ذلك ,فان العال الطبيعي
يستطيع أن يستنتج علقة علية وضرورة بي شيئي يقعان ف حادثة واحدة,
ول يزداد يقينه شيئا عما كان عليه عند مشاهدته الادثة للمرة الول ,كما ل
تزداد علقة العلية قوة بتكرار حوادث أخرى يوجد فيها العلول والعلة نفسها.
ثانيا :لندع الظاهرتي التعاقبتي ف الارج ولنلحظ فكرتيهما ف
الذهن ـ أي فكرة العلة وفكرة العلول ـ فهل العلقة القائمة بينهما علقـة
ضرورية أو علقة مقارنة كما يقترن تصورنا للحديد بتصورنا للسوق الذي يباع
فيه؟ فان كانت علقة ضرورية فقد ثبت مبدأ العلية واعترف ضمنا بقيام
علقة غي تريبية بي فكرتي وهي علقة الضرورة ,فإن الضرورة سواء
أكانت بي فكرتي أم بي واقعي موضوعيي ل يكن إثباتا بالتجربة السية.
وإن كانت العلقة مرد مقارنة فلم يتحقق لـ (دافيد) ما أراد من تفسي عنصر
الضرورة ف قانون العلة والعلول.
67
وثالثا :إن الضرورة الت ندركها ف علقة العلية بي علة ومعلول ليس
فيها مطلقا أي أثر للزام العقل باستدعاء إحدى الفكرتي عند حصول الفكرة
الخرى فيه ,ولذا ل تتلف هذه الضرورة الت ندركها بي العلة والعلول بي
ما إذا كانت لدينا فكرة معينة عن الصلة وما إذا ل تكن ,فليست الضرورة ف
مبدأ العلية ضرورة سيكولوجية بل هي ضرورة موضوعية.
ورابعا :إن العلة والعلول قد يكونان مقترني تاما ومع ذلك ندرك علية
أحدها للخر ,كحركة اليد وحركة القلم حال الكتابة ,فإن حركة اليد
وحركة القلم توجدان دائما ف وقت واحد ,فلو كان مرد الضرورة والعلية ال
استتباع أحدى العمليتي العقليتي للخرى بالتداعي لا أمكن ف هذا الثال
أن تتل حركة اليد مركز العلة حركة القلم ,لن العقل قد أدرك الركتي ف
وقت واحد فلماذا وضع إحداها موضع العلة والخرى موضع العلول؟!.
وبكلمة أخرى :إن تفسي العلية بضرورة سيكولوجية يعن أن العلة إنا
اعتبت علة ل لنا ف الواقع الوضوعي سابقة على العلول ومولدة له ,بل
لن ادراكها يتعقبه دائما ادراك العلول بتداعي العان فتكون لذلك علة له,
وهذا التفسي ل يكنه أن يشرح لنا كيف صارت حركة اليد علة لركة القلم
مع أن حركة القلم ل تيء عقب حركة اليد ف الدراك ,وإنا تدرك الركتان
معا فلو ل يكن لركة اليد سبق واقعي وسببية موضوعية لركة القلم لا أمكن
اعتبارها علة.
وخامسا :إن التداعي كثيا ما يصل بي شيئي دون العتقاد بعلية
احدها للخر ,فلو صح لـ (دافيد هيوم) أن يفسر العلة والعلول بأنما حادثان
ندرك تعاقبهما كثيا حت تصل بينهما رابطة تداعي العان ف الذهن لكان
الليل والنهار من هذا القبيل .فكما أن الرارة والغليان حادثان تعاقبا حت
نشأت بينهما رابطة التداعي كذلك الليل والنهار وتعاقبهما وتداعيهما ,مع أن
عنصر العلية والضرورة الذي ندركه بي الرارة والغليان ليس موجودا بي
الليل والنهار ,فليس الليل علة للنهار ول النهار علة الليل ,فل يكن إذن
تفسي هذا العنصر بجرد التعاقب التكرر والؤدي ال تداعي العان كما حاوله
(هيوم).
68
ونلص من ذلك ال أن الذهب التجريب يؤدي حتما ال إسقاط مبدأ
العلية ,والعجز عن إثبات علقات ضرورية بي الشياء ,وإذا سقط مبدأ
العلية انارت جيع العلوم الطبيعية باعتبار ارتكازها عليه كما ستعرف.
إن العلوم الطبيعية الت تريد التجريبيون إقامتها على أساس التجربة
الالصة هي بنفسها تتاج ال اصول عقلية اولية سابقة على التجارب ,ذلك
أن التجربة انا يقوم العال با ف متبه على جزئيات موضوعية مددة ,فيضع
نظرية لتفسي الظواهر الت كشفتها التجربة ف الختب وتعليلها بسبب واحد
مشترك ,كالنظرية القائلة بأن سبب الرارة هو الركة استنادا ال عدة تارب
فسرت بذلك ,ومن حقنا على العال الطبيعي أن نسأله عن كيفية إعطائه
للنظرية بصفة قانون كلي ينطبق على جيع الظروف الماثلة لظروف التجربة,
مع أن التجربة ل تقع إل على عدة أشياء خاصة ,أفليس هذا التعميم يستند
ال قاعدة وهي أن الظروف التماثلة والشياء التشابة ف النوع والقيقة يب
أن تشترك ف القواني والنواميس؟ وهنا نتساءل مرة أخرى عن هذه القاعدة ,كيف
توصل اليها العقل؟ ول يكن للتجريبي هنا أن يزعموا أنا قاعدة
تريبية بل يب أن تكون من العارف العقلية السابقة على التجربة ,لنا لو
كانت مستندة ال تربة فهذه التجربة الت ترتكز عليها القاعدة هي أيضا ل
تتناول بدورها إل موارد خاصة ,فكيف ركزت على أساسها قاعدة عامة؟!
فبناء قاعدة عامة وقانون كلي على ضوء تربة واحدة أو عدة تارب ل يكن
أن يتم إل بعد التسليم بعارف عقلية سابقة.
وبذا يتضح أن جيع النظريات التجريبية ف العلوم الطبيعية ترتكز على عدة
معارف عقلية ل تضع للتجربة ,بل يؤمن العقل با إيانا مباشرا وهي:
أول :مبدأ العلية بعن امتناع الصدفة ,ذلك أن الصدفة لو كانت جائزة
لا أمكن للعال الطبيعي أن يصل ال تعليل مشترك للظواهر التعددة الت
ظهرت ف تاربه.
ثانيا :مبدأ النسجام بي العلة والعلول الذي يقرر أن المور التماثلة ف
القيقة ل بد أن تكون مستندة ال علة مشتركة.
ثالثا :مبدأ عدم التناقض الاكم باستحالة صدق النفي والثبات معا.
69
فاذا آمن العال بذه العارف السابقة على التجربة ث أجرى تاربه
الختلفة على أنواع الرارة وأقسامها ,استطاع أن يقرر ناية الطاف نظرية
ف تعليل الرارة بختلف أنواعها بعلة واحدة ـ مثل ـ وهذه النظرية
ل يكن ف الغالب تقريرها بشكل حاسم وصورة قطعية ,لنا إنا تكون
كذلك إذا أمكن التأكد من عدم إمكان وجود تفسي آخر لتلك الظواهر وعدم
صحة تعليلها بعلة أخرى .وهذا ما ل تققه التجربة ف أغلب الحيان,
ولذا تكون نتائج العلوم الطبيعية ظنية ف أكثر الحايي ,لجل نقص ف
التجربة وعدم استكمال الشرائط الت تعل منها تربة حاسة.
ويتضح لنا على ضوء ما سبق أن استنتاج نتيجة علمية من التجربة يتوقف
دائما على الستدلل القياسي ,الذي يسي فيه الذهن البشري من العام ال
الاص ,ومن الكلي ال الزئي كما يرى الذهب العقلي تاما فان العال ت له
استنتاج النتيجة ف الثال الذي ذكرناه بالسي من البادئ الولية الثلثة الت
عرضنا (مبدأ العلية) (مبدأ النسجام) (مبدأ عدم التناقض) ,ال تلك النتيجة
الاصة على طريقة القياس.
وأما العتراض الذي يوجهه التجريبيون ال الطريقة القياسية ف
الستدلل بأن النتيجة فيها ليست إل صدى للكبى من القدمتي وتكريرا
لا ,فهو اعتراض ساقط على أصول الذهب العقلي ,لن الكبى لو كنا نريد
اثباتا بالتجربة ول يكن لنا مقياس غيها لكان علينا أن نفحص جيع القسام
والنواع لنتأكد من صحة الكم ,وتكون النتيجة حينئذ قد درست ف الكبى
بذاتا أيضا ,وأما إذا كانت الكبى من العارف العقلية الت ندركها بل حاجة
إل التجربة :كالوليات البديهية والنظريات العقلية الستنبطة منها ,فل يتاج
الستدل لثبات الكبى ال فحص الزئيات حت يلزم من ذلك أن تتخذ
النتيجة صفة التكرار والجترار(.)1
1ــ ومـن الغريـب حقـا مـا حاوله الدكتور زكـي نيـب ممود .مـن تركيـز
العتراض ال سابق الذ كر على ال ستدلل القيا سي ك ما ف قول نا ( :كل ان سان فان
وممد انسان فمحمد فان) قائل( :قد تكون ولكن حي أعمم ف القدمة الول ل
أريـد الناس فردا فردا لن احصـاءهم على هذا النحـو مسـتحيل ,إناـ أريـد النوع
70
ومرة أخرى نؤكد على أننا ل ننكر على التجربة فضلها العظيم على
النسانية ومدى خدمتها ف ميادين العلم ,وإنا نريد أن يفهم هؤلء
التجريبيون أن التجربة ليست هي القياس الول والنبع الساسي للفكار
والعارف النسانية ,بل القياس الول والنبع الساسي هو العلومات الولية
العقلية الت نكتسب على ضوئها جيع العلومات والقائق الخرى ,حت أن
التجربة بذاتا متاجة ال ذلك القياس العقلي ,فنحن والخرون على حد
سواء على ضرورة العتراف بذلك القياس الذي ترتكز عليه أسس فلسفتنا
اللية ,وإذا حاول التجريبيون بعد ذلك أن ينكروا ذلك القياس ليبطلوا علينا
فلسفتنا ,فهم ينسفون بذلك السس الت تقوم عليها العلوم الطبيعية ول تثمر
بدونا التجارب السية شيئا.
وف ضوء الذهب العقلي نستطيع أن نفسر صفة الضرورة واليقي الطلق
الت تتاز با الرياضيات على قضايا العلم الطبيعي ,فان مرد هذا المتياز إل
أن القواني والقائق الرياضية الضرورية تستند ال مبادئ العقل الول ول
تتوقف على مستكشفات التجربة وعلى العكس من ذلك قضايا العلم فان تدد
الديد بالرارة ليس من العطيات الباشرة لتلك وإنا يرتكز على
معطيات التجربة ,فالطابع العقلي الصارم هو سر الضرورة واليقي الطلق ف
تلك القائق الرياضية.
71
وأما إذا درسنا الفارق بي الرياضيات والطبيعيات ف ضوء الذهب
التجريب فسوف لن ند مبرا حاسا لذا الفرق ما دامت التجربة هي
الصدر الوحيد للمعرفة العلمية ف كل اليداني.
وقد حاول بعض أنصار الذهب التجريب تفسي الفرق على أساسه
الذهب عن طريق القول بأن قضايا الرياضيات تليلية ليس من شأنا أن تأت
بديد ,فعندما نقول 4= 2+2ل نتحدث بشيء جديد لنفحص درجة يقيننا
به فان الربعة هي نفسها تعبي آخر عن 2+2فالعملية الرياضية النفة
الذكر ف تعبي صريح ليست إل أن أربعة تساوي أربعة وكل قضايا
الرياضيات امتداد لذا التحليل ولكنه امتداد يتفاوت ف درجة تعقيده ,وأما
العلوم الطبيعية فليست كذلك لن قضاياها تركيبية أي أن الحمول فيها
يضيف ال الوضوع علما جديدا أي ينبئ بديد على أساس التجربة ,فاذا
قلت أن الاء يغلي تت ضغط كذا عندما تصبح درجة حرارته مائة مثل فأن
أفيد علما لن كلمة ماء ل تتضمن كلمة حرارة وضغط وغليان ولجل ذلك كانت
القضية العلمية عرضة للخطأ والصواب.
ولكن من حقنا أن نلحظ على هذه الحاولة لتبير الفرق بي الرياضيات
والطبيعيات ,أن اعتبار القضايا الرياضية تليلية ل يفسر الفرق على أساس
72
ونلص من هذه الدراسة ال أن الذهب العقلي هو وحده الذهب الذي
يستطيع أن يل مشكلة تعليل العرفة ويضع لا مقاييسها ومبادئها الولية.
ولكن بقي علينا أن ندرس من الذهب العقلي نقطة واحدة وهي :أن
العلومات الولية اذا كانت عقلية وضرورية ,فكيف يكن أن يفسر عدم
وجودها مع النسان منذ البداية وحصوله عليها ف مرحلة متأخرة عن ولدته؟!
وبكلمة أخرى أن تلك العلومات اذا كانت ذاتية للنسان فيجب أن توجد
بوجوده ويستحيل أن يلو منها لظة من حياته ,واذا ل تكن ذاتية لزم أن
يوجد لا سبب خارجي لا وهو التجربة ,وهذا ما ل يوافق عليه العقليون.
والواقع أن العقليي حي يقررون أن تلك البادئ ضرورية ف العقل
البشري يعنون بذلك أن الذهن اذا تصور العان الت ترتبط بينها تلك البادئ
فهو يستنبط البدأ الول دون حاجة ال سبب خارجي .ولنأخذ مبدأ عدم
التناقض مثال ,إن هذا البدأ ـ الذي يعن الكم التصديقي بأن وجود الشيء
وعدمه ل يتمعان ـ ليس موجودا عند النسان ف لظة وجوده الول ,لنه
يتوقف على تصور الوجود ,وتصور العدم ,وتصور الجتماع .وبدون تصور
هذه المور ل يكن التصديق بأن الوجود والعدم ل يتمعان .فان التصديق
النسان بشيء ل يتصوره أمر غي معقول ,وقد عرفنا عند ماولة تعليل
التصورات الذهنية أنا ترجع جيعا ال الس وتنبثق عنه بصورة مباشرة أو غي
مباشرة ,فيجب أن يكتسب النسان مموعة التصورات الت يتوقف عليها مبدأ
عدم التناقض عن طريق الس ليتاح له أن يكم بذا البدأ ويصدق به,
فتأخر ظهور هذا البدأ ف الذهن البشري ل يعن أنه ليس ضروريا وليس
منبثقا عن صميم النفس النسانية بل حاجة ال سبب خارجي ,بل هو
ضروري ونابع عن النفس بصورة مستقلة عن التجربة ,ولكن التصورات
الاصة شرائط وجوده وصدوره عن النفس ,واذا شئت فقس النفس والبادئ
الولية بالنار وإحراقها ,فكما أن إحراق النار فعالية ذاتية للنار ومع ذلك ل
توجد هذه الفعالية إل ف ظل شروط ,أي ف ظرف ملقاة النار لسم يابس,
كذلك الحكام الولية فانا فعاليات ضرورية وذاتية للنفس ف الظروف الت
تكتمل عندها التصورات اللزمة.
73
وإذا أردنا أن نتكلم على مستوى أرفع قلنا أن العارف الولية وإن كانت
تصل للنسان بالتدريج ,إل أن هذا التدريج ليس معناه أنا حصلت بسبب
التجارب الارجية ,لننا برهنا على أن التجارب الارجية ل يكن أن تكون
الصدر الساسي للمعرفة ,بل التدرج إنا هو باعتبار الركة الوهرية والتطور
ف النفس النسانية ,فهذا التطور والتكامل الوهري هو الذي يعلها تزداد
كمال ووعيا للمعلومات الولية والبادئ الساسية فيفتح ما كمن فيها من
طاقات وقوى.
وهكذا يتضح أن العتراض على الذهب العقلي بأنه :لاذا ل توجد
العلومات الولية مع النسان حي ولدته ينبن على عدم العتراف بالوجود
بالقوة ,وباللشعور الذي تدل عليه الذاكرة بكل وضوح ,وإذن فالنفس
النسانية بذاتا تنطوي بالقوة على تلك العارف الولية ,وبالركة الوهرية
يزداد وجودها شدة ,حت تصبح تلك الدركات بالقوة مدركات بالفعل.
ڤ................................................الاركسية والتجربة
ان الذهب التجريب الذي عرضناه سابقا يطلق على رأيي ف مسألة
العرفة ,أحدها الرأي القائل بأن العرفة كلها تتوفر ف الرحلة الول أي
مرحلة الحساس والتجارب البسيطة .والخر الرأي القائل بأن للمعرفة
خطوتي :الطوة السية والطوة العقلية ,أو التطبيق والنظرية ,أو مرحلة
التجربة ومرحلة الفهوم والستنتاج .فنقطة النطلق للمعرفة هي الس
والتجربة ,والدرجة العالية لا هي تكوين مفهوم علمي ونظرية تعكس الواقع
التجريب بعمق ودقة.
وهذا الرأي الثان هو الرأي الذي اتذته الاركسية ف مسالة العرفة,
ولكنها ل حظت أن هذا الرأي سوف ينتهي با بصورته الظاهرة ال الذهب
العقلي ,لنه يفرض ميدانا ومال للمعرفة النسانية خارج حدود التجربة
البسيطة فوضعته على أساس وحدة النظرية والتطبيق .وعدم إمكان فصل
74
أحدها عن الخر ,وبذلك احتفظت للتجربة بقامها ف الذهب التجريب ,واعتبارها
القياس العام للمعارف البشرية.
○ قال ما وتسي تونغ:
[ الطوة الول ف عملية اكتساب العرفة هي التصال
الول بالحيط الارجي ـ مرحلة الحاسيس ـ ,الطوة الثانية
هي جع العلومات الت نصل عليها من الدراكات السية
وتنسيقها وترتيبها ـ مرحلة الفاهيم والحكام والستنتاجات ـ ,
وبالصول على معلومات كافية كاملة من الدراكات السية
(ل جزئية أو ناقصة) ,ومطابقة هذه العلومات للوضع
القيقي (ل مفاهيم خاطئة) عند هذا فقد يصبح ف الستطاع
أن نصوغ على أساس هذه العلومات مفهوما ومنطقا
صحيحي](.)1
○ وقال أيضا:
[إن استمرار التطبيق الجتماعي يؤدي إل أن تتكرر
مرات متضاعفة ف تطبيق الناس أشياء يسونا وتلق فيهم
انطباعا ,وعندها يدث تغي مفاجئ (طفرة) ف العقل
البشري خلل عملية اكتساب العرفة فينتج عند ذلك
مفاهيم] (.)2
وإليكم هذا النص الذي تؤكد فيه الاركسية على أن النظرية ل يكن أن
تنفصل عن التطبيق أي وحدة النظرية والتطبيق:
[فمن الهم إذن أن نفهم معن وحدة النظرية
والتطبيق ...ومعن ذلك أن من يهمل النظرية يقع ف فلسفة
المارسة فيسلك كما يسلك العمى ويتخبط ف الظلم ,أما
ذلك الذي يهمل التطبيق فيقع ف المود الذهب ويتحول ال صاحب مذهب ل
75
أكثر ,وصاحب تدليلت عقلية
()1
جوفاء]
وبذا أكدت الاركسية موقفها التجريب ,وان التجربة هي القياس الذي
يب أن يطبق على كل معرفة ونظرية ,ول توجد معرفة بصورة منفصلة عنه كما
صرح بذلك ما وتسي تونغ فيما يلي:
[إن نظرية العرفة ف الادية الديالكتيكية تضع التطبيق ف
القام الول ,فهي ترى أن اكتساب الناس للمعرفة يب أن
ل يفصل بأية درجة كانت عن التطبيق ,وتشن نضال ضد
كل النظريات الاطئة الت تنكر أهية التطبيق أو تسمح
بانفصال العرفة عن التطبيق] (.)2
إن الاركسية كما يبدو تعترف بوجود مرحلتي للمعرفة البشرية ,ومع ذلك
76
بفردها لتكوين نظرية أي لنقل النسان بصورة طبيعية أو ديالكتيكية إل
الطوة الثانية للمعرفة القيقية .فما هو الشيء الذي يعلنا ننتقل من الطوة
الول إل الطوة الثانية؟.
إن ذلك الشيء هو معارفنا العقلية الستقلة عن التجربة الت يرتكز على
أساسها الذهب العقلي ,فان تلك العارف هي الت تتيح لنا أن نعرض عدة
من النظريات والفاهيم ونلحظ مدى انسجام الظواهر النعكسة ف تاربنا وحواسنا
معها ,فنستبعد كل مفهوم ل يتفق مع تلك الظواهر حت نصل على الفهوم الذي
ينسجم مع الظواهر الحسوسة والتجريبية بكم العارف العقلية الولية ,فنضعه
كنظرية تفسر جوهر الشيء وقوانينه الاكمة فيه.
وإذا استبعدنا من أول المر العارف العقلية الستقلة عن التجربة فسوف
يتعذر علينا نائيا أن نتخطى دور الحساس ال دور النظرية والستنتاج ,أو
أن نتأكد من صحة النظرية والستنتاج بالرجوع ال التطبيق وتكرار التجربة.
ونلص من ذلك ال أن التفسي الوحيد للخطوة الثانية من
العرفة ـ الكم والستنتاج ـ هو ما ارتكز عليه الذهب العقلي من القول بأن
عدة من قواني العال العامة يعرفها النسان معرفة مستقلة عن التجربة ,كمبدأ
عدم التناقض ,ومبدأ العلية ,ومبدأ التناسب بي العلة والعلول وما ال ذلك
من مبادئ عامة ,وحي تقدم له التجربة العلمية ظواهر الطبيعة وتعكسها ف
إحساسه يطبق عليها البادئ العامة ويدد مفهومه العلمي عن واقع الشيء
وجوهره على ضوء تلك البادئ ,بعن أنه يستكشف ما وراء الظواهر
التجريبية ويتخطى ال حقائق أعمق بالقدار الذي يتطلبه تطبيق البادئ
العامة ويكشف عنه ,وتضاف هذه القائق العمق ال معلوماته السابقة
ويكون بذلك أكثر ثروة حينما ياول أن يل لغزا جديدا للطبيعة ف مال
تريب آخر ,ولسنا نعن بذا أن التطبيق والتجربة العلمية ليس لما دور مهم
ف العرفة البشرية للطبيعة وقوانينها .فان دورها ف ذلك ل شك فيه .وإنا
نريد أن نؤكد على استبعاد كل معرفة منفصلة عن التجربة ورفض العارف
العقلية بصورة عامة ...يكون سببا لستحالة تطي الرحلة الول من
الدراك ,أي مرحلة الس والتجربة.
ڤ...........................................التجربة والكيان الفلسفي
77
ول يقف هذا التناقض الستقطب بي الذهب العقلي والذهب التجريب
عند حدود نظرية العرفة فحسب ,بل يتد أثره الطي ال الكيان الفلسفي كله
لن مصي الفلسفة بوصفها كيانا أصيل مستقل عن العلوم الطبيعية والتجريبية
مرتبط ال حد كبي بطريقة حل هذا التناقض بي الذهبي العقلي والتجريب,
فالبحث ف القياس العام للمعرفة البشرية والبادئ الول لا هو الذي يقدم
للفلسفة مبرات وجودها .أو يكم عليها بالنسحاب والتخلي عن وظيفتها للعلوم
الطبيعية.
وقد واجه الكيان الفلسفي هذه الحنة أو هذا المتحان منذ نشأت
الطريقة التجريبية وغزت القول العلمية بكفاءة ونشاط ,وإليكم قصة ذلك:
كانت الفلسفة قبل أن يسود التاه التجريب وف مطلع فجرها تستوعب
تقريبا كل العارف البشرية النظمة بشكل عام ,فالرياضيات والطبيعيات تطرح
على الصعيد الفلسفي كمسائل اليتافيزيقا تاما ,وتتحمل الفلسفة بعناها العام
الشامل مسؤولية الكشف عن القائق العامة ف كل مالت الكون والوجود,
وكانت أداة العرفة الت تسخدمها الفلسفة ف تلك القول جيعا هي
القياس ـ الطريقة العقلية ف التفكي أو السي الفكري من القضايا العامة ال
قضايا أخص منها.
وظلت الفلسفة تسيطر على الوقف الفكري للنسانية حت بدأت التجربة
تشق طريقها وتقوم بدورها ف حقول كثية وهي تتدرج ف العرفة من
الزئيات ال الكليات ,من موضوعات التجربة ال قواني أعم وأشل ,فكان
على الفلسفة أن تنكمش وتقصر على مالا الصيل وتفسح الجال
لزاحها ـ العلم ـ لينشط ف سائر الجالت الخرى وبذلك انفصلت العلوم عن
الفلسفة وتددت لكل منهما أداته الاصة وماله الاص ,فالفلسفة تصطنع
القياس أداة عقلية للتفكي ,والعلم يستخدم الطريقة التجريبية ويتدرج من الزئيات
ال قواني أعلى ,كما أن العلم ـ كل علم ـ يتناول شعبة من الوجود ونوعا
خاصا له يكن اخضاعه للتجربة فيبحث عن ظواهره وقوانينه ف ضوء التجارب
الت يارسها ,وأما الفلسفة فتتناول الوجود بصورة عامة دون تديد
أو تقييد وتبحث عن ظواهره وأحكامه الت ل تضع للتجربة الباشرة .فبينما يبحث
العال الطبيعي عن قانون تدد الفلزات بالرارة ,والعال الرياضي عن
78
النسبة الرياضية بي قطر الدائرة وميطها ,يدرس الفيلسوف ما إذا كان للوجود
مبدأ أول انبثق منه الكون كله ,وما هو جوهر العلقة بي العلة والعلول,
وهل يكن أن يكون لكل سبب سبب ال غي ناية؟ وهل الحتوى النسان
مادي مض أو مزاج من الادية والروحية؟.
واضح من أول نظرة ان متوى السئلة الت يثيها العال يكن اخضاعها
للتجربة ففي إمكان التجربة أن تقدم الدليل على أن الفلزات تتمدد بالرارة,
14
3يساوي ميط الدائرة .وعلى العكس من وأن القطر مضروبا بـ
100
ذلك الحتوى الباشر للسئلة الفلسفية فان البدأ الول وجوهر العلقة بي
العلة والعلول ,والتصاعد اللنائي ف السباب ,والعنصر الروحي ف
النسان أمور ميتافيزيقية ل يتد إليها الس التجريب ول يكن تسليط
الضواء ف العمل عليها.
وهكذا قامت الثنائية بي الفلسفة والعلم على أساس اختلفهما ف أداة
التفكي وموضوعه ,وقد بدت هذه الثنائية أو هذا التوزيع للعمال الفكرية
بي الفلسفة والعلم أمرا مشروعا ومقبول عند كثي من العقليي الذين يؤمنون
بالطريقة العقلية ف التفكي ويعترفون بوجود مبادئ ضرورية أول للمعرفة
البشرية .وأما أنصار الذهب التجريب الذين آمنوا بالتجربة وحدها وكفروا
بالطريقة العقلية ف التفكي فقد كان من الطبيعي لم أن يوجهوا هجوما عنيفا
على الفلسفة بوصفها كيانا مستقل عن العلم لنم ل يقرون كل معرفة ما ل
ترتكز على التجربة وما دامت الوضوعات الت تعالها الفلسفة خارجة عن
حدود البة والتجربة فل أمل ف الوصول إل معرفة صحيحة فيها ,فيجب
على الفلسفة ف رأي الذهب التجريب أن تتخلى عن وظيفتها وتعترف بتواضع
أن الجال الوحيد الذي يكن للنسانية درسه إنا هو مال التجربة الذي
تقاسته العلوم ول تدع للفلسفة منه شيئا.
وهكذا نعرف أن شرعية الكيان الفلسفي ترتبط بنظرية العرفة وما تقرره
من اليان بالطريقة العقلية ف التفكي أو رفضها.
وعلى هذا الساس شجبت عدة من مدارس الفلسفة الادية الحدثة كيان
الفلسفة الستقل القائم على أساس الطريقة العقلية ف التفكي ,وسحت بقيام فلسفة
79
ترتكز على أساس الحصول الفكري لجموع العلوم والتجارب السية
ول تتميز عن العلم ف طريقها وموضوعها ,وتستخدم هذه الفلسفة العلمية
للكشف عن العلقات والروابط بي العلوم ولوضع نظريات علمية عامة
تعتمد على حصيلة التجربة ف مموع القول العلمية كما أن لكل علم فلسفته
80
فللتفاحة مثل جوهر هو التفاحة ف ذاتا فوق ما نسه منها بالبصر واللمس
والذوق) فانك لن تد فرقا ف الواقع الارجي بي أن تصدق هذه العبارة أو
تكذب بدليل أنك إذا تصورت التفاحة ف حال وجود جوهر لا غي ما تدركه
81
قبلية ف صميم العقل البشري يرتكز عليها الكيان العلمي ف متلف حقول
82
تتم تفسي العطيات السية بافتراض علة أول ,إل أن التجربة تبهن على
استحالة وجود هذه العطيات بدون العلة الول ,وما ل تبهن التجربة على
ذلك ل يكن أن تعتب تلك العطيات عطاء للقضية الفلسفية ولو بصورة غي
مباشرة.
وهذا القول ليس إل تكرارا من جديد للمذهب التجريب ,وما دمنا
قد عرفنا سابقا أن استنتاج الفاهيم العلمية العامة من العطيات السية مدين
لعارف عقلية قبلية ,فل جناح على القضية الفلسفية إذا ارتبطت مع معطياتا
السية بروابط عقلية وف ضوء معارف قبلية.
وال هنا ل ند الوضعية شيئا جديدا غي معطيات الذهب التجريب
ومفاهيمه عن اليتافيزيقا الفلسفية ,غي أن الصفة الثالثة تبدو لنا شيئا جديدا
لن الوضعية تقرر فيها أن القضية الفلسفية ل معن لا إطلقا ول تعتب قضية
بل هي شبه قضية.
ويكننا القول بأن هذا التام هو أشد ضربة وجهت ال الفلسفة من
الدارس الفلسفية للمذهب التجريب ,فلنفحص متواه باهتمام.
ولكي يتاح لنا ذلك يب أن نعرف بالضبط ماذا تريد الوضعية بكلمة
العن ف قولنا أن القضية الفلسفية ل معن لا وإن أمكن تفسيها ف قواميس
اللغة؟
وييب على ذلك الستاذ آير ـ إمام الوضعية النطقية الديثة ف
انكلترا ـ بأن كلمة معن ف رأي الوضعية تدل على العن الذي يكن التثبت
من صوابه أو خطئه ف حدود البة السية ,ونظرا ال أن القضية الفلسفية ل
يكن فيها ذلك فهي قضية بدون معن.
وف هذا الضوء تصبح العبارة القائلة (القضية الفلسفية ل معن لا)
معادلة تاما لقولنا (متوى القضية الفلسفية ل يضع للتجربة لنه يتصل با
وراء الطبيعة) وبذلك تكون الوضعية قد قررت حقيقة ل شك فيها ول
جدال ,وهي أن مواضيع اليتافيزيقا الفلسفية ليست تريبية ول تأت بشيء
جديد إل تطوير كلمة العن ودمج التجربة فيها ,وتريد القضية الفلسفية عن
83
العن ف ضوء هذا التطوير للكلمة ل يتناقض مع التسليم بأنا ذات معن ف
استعمال آخر للكلمة ل تدمج فيه التجربة ف العن.
ول أدري ماذا يقول الستاذ آير وأمثاله من الوضعيي عن القضايا الت
تتصل بعال الطبيعة ,ول يلك النسان القدرة على التثبت من صوابا أو
خطئها بالتجربة ,كما إذا قلنا (إن الوجه الخر للقمر الذي ل يقابل الرض
زاخر بالبال والوديان) فاننا ل نلك وقد ل يتاح لنا ف الستقبل أن نلك
المكانات التجريبية لستكشاف صدق هذه القضية أو كذبا بالرغم من أنا
تتحدث عن الطبيعة ,فهل يكن أن نعتب هذه القضية خاوية ل معن لا مع
أننا نعلم جيعا أن العلم كثيا ما يطرح قضايا من هذا القبيل على صعيد
البحث قبل أن يلك التجربة الاسة بصددها ويظل يبحث عن ضوء ليسلطه
عليها حت يده ف ناية الطاف أو يعجز عن الظفر به ,فلماذا كل هذا الهد
العلمي لو كانت كل قضية ل تمل بيدها دليل صدقها أو كذبا من التجربة
خواء ولغوا من القول؟
وتاول الوضعية ف هذا الجال أن تستدرك ,فهي تقول أن الهم هو
المكان النطقي ل المكان الفعلي ,فكل قضية كان مكنا من الوجهة النظرية
الصول على تربة هادية بشأنا ,فهي ذات معن وجديرة بالبحث وإن ل
نلك هذه التجربة فعل.
ونن نرى ف هذه الحاولة ,أن الوضعية قد استعارت مفهوما ميتافيزيقيا
لتكميل بنائها الذهب الذي شادته لنسف اليتافيزيقا ,وذلك الفهوم هو
المكان النطقي الذي ميزته عن المكان الفعلي ,وإل فما هو العطى السي
للمكان النطقي؟ تقول الوضعية أن التجربة ما دامت غي مكنة ف الواقع,
فماذا يبقى للمكان النظري من معن غي مفهومه اليتافيزيقي الذي ل أثر له
على صورة الواقع الارجي ول تتلف العطيات السية تبعا له ,أفلم يصبح
مقياس الوضعية للكلم الفهوم ميتافيزيقيا ف ناية الشوط ,وبالتال كلما غي
مفهوم ف رأيها؟
ولنترك الستاذ آير ,ولنأخذ كلمة العن بدلولا التعارف دون أن ندمج
84
فيه التجربة ,فهل نستطيع أن نكم على القضية الفلسفية بأنا غي ذات
معن؟ كل طبعا ,فإن العن هو ما يعكسه اللفظ ف الذهن من صور,
والقضية الفلسفية تعكس ف أذهان أنصارها وخصومها على السواء صورا من
هذا القبيل .وما دامت هناك صورة تقذفها القضية الفلسفية ال أفكارنا فهناك
مال للصدق والكذب وبالتال هناك قضية كاملة جديرة بذا السم ف العرف
النطقي ,فان الصورة الت تقذفها القضية الفلسفية ال ذهننا إن كانت تطابق
شيئا موضوعيا خارج حدود الذهن واللفظ فالقضية صادقة وإل فهي كاذبة.
فالصدق والكذب ـ وبالتال الطابع النطقي للقضية ـ ليسا من معطيات التجربة
لنقول عن القضية الت ل تضع للتجربة أنا ل توصف بصدق أو كذب,
وإنا ها تعبيان بشكل إياب أو سلب عن التطابق بي صورة القضية ف
الذهن وبي أي شيء موضوعي ثابت خارج حدود الذهن واللفظ.
الاركسية والفلسفة
وموقف الاركسية من الفلسفة يشبه بصورة جوهرية الوقف الوضعي,
فهي ترفض كل الرفض فلسفة عليا تفرض على العلوم ول تنبثق منها ,لن
الاركسية تريبية ف منطقها وأداة تفكيها ,فمن الطبيعي أن ل تد
للميتافيزيقا مال ف بوثها ,ولذا نادت بفلسفة علمية وهي الادية
الديالكتيكية وزعمت أن فلسفتها هذه ترتكز على العلوم الطبيعية وتستمد
رصيدها من التطور العلمي ف متلف القول.
قال ليني:
(فالادية الديالكتيكية ل تعد باجة ال فلسفة توضع
فوق العلوم الخرى وإن ما يبقى من الفلسفة القدية هو
نظرية الفكر وقوانينه ـ النطق الشكلي والديالكتيك)(.)1
85
(سوف تكون مهمة النظرية الادية للمعرفة على وجه
التحديد أن ل تقطع أبدا الفكر الفلسفي عن الفكر العالي
ول عن النشاط العملي التاريي)(.)2
وبالرغم من إصرار الاركسية على الطابع العلمي لفلسفتها ورفض أي
لون من التفكي اليتافيزيقي ,ند أن الاركسية ل تتقيد ف فلسفتها بالدود
العلمية للبحث ,ذلك أن الفلسفة الت تنبع من البة العلمية يب أن تارس
مهمتها ف القل العلمي ول تتجاوزه ال غيه ,فالجال الشروع لفلسفة
علمية كفلسفة الاركسية ف زعمها وإن كان أوسع من الجال النفرد لكل علم
لنا تستهدي بختلف العلوم ,ولكن ل يوز بال من الحوال أن يكون
أوسع من الجالت العلمية متمعة أي الجال العلمي العام وهو الطبيعة الت
يكن اخضاعها للتجربة أو اللحظة السية النظمة ,فليس من صلحية
الفلسفة العلمية أن تتناول ف البحث مسائل ما وراء الطبيعة وتكم فيها
بشيء إياب أو سلب لن رصيدها العلمي ل يدها ف تلك السائل بشيء,
فالقضية الفلسفية القائلة (للعال مبدأ أول وراء الطبيعة) ليس من حق الفلسفة
العلمية أن تتناولا بنفي أو إثبات لن متواها خارج عن مال التجربة.
وبالرغم من ذلك نرى أن الاركسية تتدخل ف هذا اللون من القضايا
وتيب عليها بالنفي المر الذي يعلها تتمرد على حدود الفلسفة العلمية
وتنساق ال بث ميتافيزيقي ,لن النفي فيما يتصل با وراء عال الطبيعة
كالثبات وكلها من الفلسفة اليتافيزيقية وبذلك يبدو التناقض بي الدود
الت يب أن نقف عندها الاركسية ف بثها الفلسفي بوصفها صاحبة فلسفة
علمية وبي انطلقها ف البحث ال أوسع من ذلك.
وبعد أن ربطت الاركسية فلسفتها بالعلم وآمنت بضرورة تطور الحصول
الفلسفي وفقا للعلوم الطبيعة ومشاركة الفلسفة للعلم ف نوه وتكامله تبعا
لرتفاع مستوى البة التجريبية وتعميقها على مر الزمن ,كان من الطبيعي لا
أن ترفض كل مطلق فلسفي فوق العلم.
86
وقد نشأ هذا من خطأ الاركسية ف نظرية العرفة وإيانا بالتجربة
وحدها ,وأما ف ضوء الذهب العقلي واليان بعارف قبلية فالفلسفة ترتكز
على قواعد أساسية ثابتة وهي تلك العارف العقلية القبلية الثابتة بصورة مطلقة
ومستقلة عن التجربة ,ولجل ذلك ل يكون من التم أن يتغي الحتوى
الفلسفي باستمرار تبعا للكتشافات التجريبية.
ونن ل نعن بذلك انقطاع الصلة بي الفلسفة والعلم فان الترابط بينهما
وثيق لن العلم يقدم ف بعض الحايي القائق الاصة ال الفلسفة لتطبق
عليها مبادئها الطلقة فتخرج بنتائج فلسفية جديدة ( ,)1كما أن الفلسفة تنجد
السلوب التجريب ف العلوم ببادئ وقواعد عقلية يستخدمها العال ف سبيل
الرتقاء من التجارب الباشرة ال قانون علمي عام ( .)2فالعلقة بي الفلسفة
والعلم قوية ( ,)3غي أن الفلسفة بالرغم من ذلك قد ل تتاج ف بعض
1ـ ومثال ذلك أن العلوم الطبيعية تبهن على امكان تويل العناصر البسيطة
بعضها ال بعض .فهذه حقيقة علمية تتناولا الفلسفة كمادة لبحثها وتطبق عليها
القانون العقلي القائل بأن الوصف الذات ل يتخلف عن الشيء فنستنتج أن صورة
العنصر البسيط كالصورة الذهبية ليست ذاتية لادة الذهب وإل لا زالت عنها وإنا
هي صفة عارضة.
ث تضي الفلسفة أكثر من ذلك فتطبق القانون القائل أن لكل صفة عارضة علة
خارجية فتصل ال هذه النتيجة أن الادة لكي تكون ذهبا أو ناسا أو شيئا آخر
باجة ال سبب خارجي فهذه نتيجة فلسفية مستندة ال ما أدت إليه الطريقة العقلية
من قواعد عامة لدى تطبيقها على الادة الام الت قدمتها العلوم للفلسفة.
2ـ كما ضربنا المثلة على ذلك آنفا فقد رأينا كيف أن النظرية العلمية القائلة أن
الركة هي سبب الرارة أو جوهرها تطلبت عدة من البادئ العقلية القبلية.
3ـ حت يكن القول ف ضوء ما قررناه ـ خلفا للتاه العام الذي واكبناه ف
الكتاب ـ بعدم وجود حدود فاصلة بي قواني الفلسفة وقواني العلم كالد
الفاصل القائل أن كل قانون قائم على أساس عقلي فهو فلسفي وكل قانون قائم
على أساس تريب فهو علمي ,لننا عرفنا بوضوح أن الساس العقلي والتجربة
مزدوجان ف عدة من القضايا الفلسفية والعلمية فل القانون العلمي وليد التجربة
بفردها ,وإنا هو نتيجة تطبيق السس العقلية على مضمون التجربة العلمية ,ول
القانون الفلسفي ف غن عن التجربة دائما ,بل قد تكون التجربة العلمية مادة
للبحث الفلسفي أو صغرى ف القياس على حد تعبي النطق الرسطي ,وإنا الفارق
بي الفلسفة والعلم أن الفلسفة قد ل تتاج ال صغرى تريبية ول تفتتقر ال مادة
خام تستعيها من التجربة كما سنشي إليه بعد لظة ,وأما العلم فهو ف كل قوانينه
87
الحيان إل تربة إطلقا بل تستخلص النظرية الفلسفية من العارف العقلية
القبلية ( )1ولجل هذا قلنا ليس من التم أن يتغي الحتوى الفلسفي باستمرار
تبعا للتجربة ,ول من الضروري أن يواكب الكل الفلسفي قطار العلم ف
سية التدرج.
88
○ 2ـ قيمة العرفة ○
كنا ندرس ف السألة السابقة الصادر الساسية للمعرفة أو للدراك
البشري بصورة عامة ,والن نتناول العرفة من ناحية اخرى لنحدد قيمتها
الوضوعية ومدى امكان كشفها عن القيقة ,فان الطريق الوحيد الذي تلكه
النسانية لستكناه القائق والكشف عن أسرار العال هو مموعة العلوم والعارف
الت لديها ,فيجب أن نتساءل قبل كل شيء عما اذا كان هذا
89
الطريق موصل حقا ال الدف ,وعما إذا كانت النسانية قادرة على الوصول
ال واقع موضوعي با تلك من معارف وطاقات فكرية.
والفلسفة الاركسية تؤمن ف هذه السالة بإمكان معرفة العال ,وبطاقة
الفكر البشري على الكشف عن القائق الوضوعية وترفض الشك والسفسطة:
[خلفا للمثالية الت تنكر إمكان معرفة العال وقوانينه,
ول تؤمن بقيمة معارفنا ,ول تعترف بالقيقة الوضوعية,
وتعتب أن العال ملوء باشياء قائمة بذاتا ,ولن يتوصل العلم
أبدا ال معرفتها ,تقوم الادية الفلسفية الاركسية على البدأ
القائل :أنه من المكن تاما معرفة العال وقوانينه ,وان
معرفتنا لقواني الطبيعة تلك العرفة الت يققها العمل
والتجربة هي معرفة ذات قيمة ولا معن حقيقة موضوعية,
وأن ليس ف العال أشياء ل تكن معرفتها ,وإنا فيه أشياء ل
تزال مهولة وستكشف وتصبح معروفة بوسائل العلم
والعمل] (.)1
90
[إن أقوى تفنيد لذا الوهم الفلسفي ـ أي وهم (كانت)
وهيوم وغيه من الثاليي ـ ولكل وهم فلسفي آخر هو العمل
والتجربة والصناعة بوجه خاص ,فإذا استطعنا أن نبهن على
صحة فهمنا لظاهرة طبيعية مابلقنا هذه الظاهرة بأنفسنا
وبأحداثنا لا بواسطة توفر شروطها نفسها .وفوق ذلك اذا
استطعنا استخدامها ف تقيق أغراضنا كان ف ذلك القضاء
البم على مفهوم الشيء ف ذاته العصي على الدراك الذي
أتى به (كانت)] (.)1
هذه التصريات تقرر بوضوح أن الفلسفة الاركسية ل ترض بالوقوف ال
صف السفسطة ومدارس النكار أو الشك الت أعلنت إفلسها ف الضمار
الفلسفي ,لن الصرح الذي تاول بناءه يب أن يرتفع على ركائز فلسفية
قاطعة وقواعد فكرية جازمة ,وما ل تكن الركائز يقينية ل يكن أن يتماسك
ويتركز البناء الفكري القائم عليها.
وناول الن أن نعرف ما اذا كان من حق هذه الفلسفة أن تزعم لنفسها
اليقي الفلسفي وتدعي إمكان العرفة الازمة ,بعن أن الفلسفة الاركسية الت
تفكر ,على طريقة ديالكتيكية ,هل تستطيع أن تؤمن بعرفة حقيقية للعال
وقوانينه وتتخلص من قبضة الشك أو السفسطة؟.
وف تعبي آخر هل العرفة الت يصح للفيلسوف الاركسي أن يتبجح با
على أعلى قيمة وأرفع شأنا من العرفة ف فلسفة (كانت)؟ أو لدى الثاليي أو
الاديي النسبيي من فلسفة مدارس الشك الذين نقدتم الاركسية
وهاجتهم؟.
ولجل أن نعرف الشكلة ونتبي مدى إمكان حلها على أساس الفلسفة
الاركسية ووجهة نظر الفلسفة السلمية فيها ,يب أن نشي بصورة سريعة
ال أهم الذاهب الفلسفية الت عالت هذه الشكلة ,حت يتحدد بلء
91
موقف الاركسية منها ,وماذا يب أن تتخذ من رأي ف مسألة العرفة على ضوء
أصولا الرئيسية؟ وما هو حق الشكلة من التحليل والتحقيق؟.
1ـ آراء اليونان:
اجتاحت التفكي اليونان موجة من السفسطة ف القرن الامس قبل
اليلد ,ف عصر راجت فيه طريقة الدل ف ميادين الطابة والحاماة
وتضاربت فيه الراء الفلسفية والفرضيات غي التجريبية تضاربا شديدا ,ول
يكن الفكر الفلسفي قد تبلور ول تبلغ درجة عالية من الرشد العقلي ,فكان
هذا الصراع والتضارب بي التناقضات الفلسفية سببا لبلبلة فكرية وارتياب
جذري.
وكانت ملكة الدل تغذي ذلك با تلهم أبطالا الدليي من شبهات
وأقيسة خاطئة ,أنكروا على أساسها العال برفض جيع الركائز الفكرية
للنسان وإنكار الحسوسات والبديهيات.
وقد وضع (غورغياس) ـ أحد أبطال هذه الدرسة ـ كتابا ف (اللوجود)
وحاول أن يبهن فيه عدة قضايا :الول ,ل يوجد شيء .الثانية ,إذا
كان يوجد شيء فالنسان قاصر عن إدراكه .الثالثة ,إذا فرضنا أن إنسانا
أدركه فلن يستطيع أن يبلغه لغيه.
وقد عاشت السفسطة ردحا من الزمن تتفنن ف عبثها بالفلسفة والعلم
حت بزغ سقراط ,وأفلطون ,وارسطو ,فكانت لم مواقف جبارة ضدها.
ووضع أرسطو للكشف عن مغالطات السفسطة وتنظيم الفكر النسان
منطقه العروف ,وخلصة مذهبه ف نظرية العرفة .ان العلومات السية
والعلومات العقلية الولية أو الثانوية الت تكتسب براعاة الصول النطقية هي
حقائق ذات قيمة قاطعة .ولذا أجاز ف البهان ـ الدليل القاطع ف مصطلحه
النطقي ـ استعمال الحسوسات والعقولت معا.
وقامت بعد ذلك ماولة للتوفيق بي التاهي التعارضي ,بي التاه
الذي ينح ال النكار القاطع وهو السفسطة ,والتاه الذي يؤكد على
92
الثبات وهو اتاه النطق الرسطي .وكانت هذه الحاولة تتمثل ف مذهب الشك
الذي يعتب (بيون) من البشرين الساسيي به.
وتعرف عن (بيون) حججه العشر على ضرورة الشك الطلق ,فكل
قضية ف نظره تتمل قولي ,ويكن إيابا وسلبها بقوة متعادلة.
ولكن مذهب اليقي سيطر أخيا على الوقف الفلسفي ,وتربع العقل على
عرشه الذي أقعده عليه (أرسطو) يكم ويقرر مقيدا بقاييس النطق ,وخدت
جذوة الشك طيلة قرون ,حت حوال القرن السادس عشر إذ نشطت العلوم
الطبيعية واكتشفت حقائق ل تكن بالسبان وخاصة ف اليئة ونظام الكون
العام .وكانت هذه التطورات العلمية بثابة قوة الدل ف العصر اليونان,
فبعثت مذاهب الشك والنكار من جديد ,واستانفت نشاطها باسأليب
متعددة ,وقام الصراع بي اليقينيي أنفسهم ف حدود اليقي الذي يب أن
يعتمد عليه النسان.
وف هذا الو الشبع بروح الشك والتمرد على سلطان العقل نبغ
(ديكارت) ,وطلع على العال بفلسفة يقينية كان لا تأثي كبي ف إرجاع التيار
الفلسفي حدا ما ال اليقي.
2ـ ديكارت:
وهو من أقطاب الفلسفة العقليي ومؤسسي النهضة الفلسفية ف أوروبا.
بدأ فلسفته بالشك ,الشك الارف العاصف ,لن الفكار متضاربة فهي إذن
ف معرض الطأ ,والحساسات خداعة ف كثي من الحايي فهي أيضا
ساقطة من الساب ,وبذا وذاك تثور عاصفة الشك فتقتلع العال الادي
والعنوي معا ما دام الطريق إليهما هو الفكر والحساس.
ويؤكد (ديكارت) على ضرورة هذا الشك الطلق ,ويدلل على منطقيته
بأن من الائز أن يكون النسان واقعا ف رحة قوة تيمن على وجوده وعقله
وتاول خداعه وتضليله ,فتوحي إليه بأفكار مقلوبة عن الواقع وادراكات
93
خاطئة .ومهما كانت هذه الأفكار والدراكات واضحة فل نستطيع استبعاد هذا
الفرض الذي يضطرنا ال اتاذ الشك مذهبا مطردا.
ولكن (ديكارت) يستثن حقيقة واحدة تصمد ف وجه العاصفة ول تقوى
على زعزعتها تيارات الشك ,وهي( :فكره) .فانه حقيقة واقعة ل شك فيها
ول يزدها الشك إل ثباتا ووضوحا ,لن الشك ليس إل لونا من ألوان
الفكر ,وحت تلك القوة الداعة لو كان لا وجود فهي ل تستطيع أن تدعنا
ف إياننا بذا الفكر لنا إنا تدعنا عن طريق الياء بالتفكي الاطئ إلينا,
ومعن ذلك أن التفكي حقيقة ثابتة على كل حال ,سواء أكانت مسألة الفكر
النسان مسألة خداع وتضليل أم مسألة فهم وتقيق.
وتكون هذه القيقة ف فلسفة (ديكارت) حجر الزاوية ونقطة النطلق
لليقي الفلسفي ,الذي حاول أن يرج به من التصور ال الوجود ,ومن
الذاتية ال الوضوعية ,بل حاول أن يثبت عن طريق تلك القيقة الذات
والوضوع معا ,فبدأ بذاته واستدل على وجودها بتلك القيقة قائل( :أنا
أفكر ,فأنا إذن موجود).
وقد يلحظ على ديكارت ف هذا الستدلل أنه يتوي ـ ل شعوريا ـ على
اليان بقائق ل زالت حت الن ف موضع الشك عنده ,فان هذا الستدلل
تعبي غي فن عن الشكل الول من القياس ف النطق الرسطي ,ويرجع فنيا
ال الصيغة التية( :أنا أفكر ,وكل مفكر موجود فأنا موجود) .ولجل أن
يصح هذا الستدلل عند ديكارت يب ان يؤمن بالنطق ,ويعتقد بأن الشكل
الول من القياس منتج وصحيح ف انتاجه ,مع أنه ل يزال ف بداية الشوط
الول ,ول يزال الشك مهيمنا ف عقله على جيع العارف والقائق ومنها
النطق وقوانينه.
ولكن الواقع الذي يب أن ننبه عليه هو :أن ديكارت ل يكن يس
باجة ال اليان بالشكال القياسية ف النطق حي بدأ الرحلة الستدللية
من تفكيه بـ (أنا أفكر ,فأنا إذن موجود) ,بل كان يرى ان معرفة وجوده عن
طريق فكره أمر بديهي ل يتاج ال تشكيل قياس والتصديق بصغراه وكباه.
94
ولا كانت هذه القضية صادقة لأنا بديهية بشكل ل يقبل الشك ,فكل ما
هو على درجتها ف البداهة صادق أيضا ,وبذا عطف قضية أخرى على
البديهية الول وسلم بأنا حقيقة وهي أن الشيء ل يرج من ل شيء.
وبعد أن آمن بالناحية الذاتية ,أخذ ف إثبات الواقع الوضوعي فرتب
الفكار النسانية ف ثلث طوائف:
الول :أفكار غريزية أو فطرية ,وهي الفكار الطبيعية ف النسان الت
تبدو ف غاية الوضوح واللء كفكرة :ال والركة والمتداد والنفس.
الثانية :أفكار غامضة تدث ف الفكر بناسبة حركات واردة على الواس
من الارج ,وليست لا أصالة ف الفكر النسان.
الثالثة :أفكار متلفة ,وهي الفكار الت يصطنعها النسان ويركبها من
أفكاره الخرى ,كصورة انسان له رأسان.
وأخذ ـ أول ما أخذ ـ فكرة (ال) من الطائفة الول ,فقرر أنا فكرة ذات
حقيقة موضوعية إذ هي ف حقيقتها الوضوعية تفوق النسان الفكر وكل ما فيه
من أفكار ,لنه ناقص مدود وفكرة (ال) هي فكرة الكامل الطلق الذي ل
ناية له .ولا كان قد آمن سلفا ,بأن الشيء ل يرج من ل شيء ,فهو
يعرف أن لذه الصورة الفطرية ف فكره سببا ,ول يكن أن يكون هو السبب
لا لنا أكب منه وأكمل والشيء ل ييء أكب من سببه وإل لكانت الزيادة ف
السبب قد نشأت من ل شيء .فيجب أن تكون الفكرة منبثقة عن الكائن
اللنائي الذي يوازيها كمال وعظمة ,وذلك الكائن هو أول حقيقة موضوعية
خارجية تعترف با فلسفة (ديكارت) وهي( :ال).
وعن طريق هذا الكائن الكامل الطلق أثبت أن كل فكر فطري ف
الطبيعة النسانية ,فهو فكر صادق يتوي على حقيقة موضوعية ,لن الفكار
العقلية ـ الطائفة الول ـ صادرة عن ال ,فاذا ل تكن صادقة كان تزويد ال
للنسان با خدعة وكذبا ,وهو مستحيل على الكامل الطلق.
ولجل ذلك آمن ديكارت بالعرفة الفطرية (العقلية) للنسان وأنا معرفة
95
صحيحة وصادقة ,ول يؤمن بغي تلك الأفكار الفطرية من الفكار الت تنشأ باسباب
خارجية ,وكان من نتيجة هذا ان قسم الفكار عن الاديات ال
قسمي:
احدها الفكار الفطرية ,كفكرة المتداد.
والخر افكار طارئة تعب عن انفعالت خاصة للنفس بالؤثرات الارجية
كفكرة الصوت ,والرائحة ,والضوء ,والطعم ,والرارة ,واللون.
فتلك كيفيات اولية حقيقية ,وهذه كيفيات ثانوية ل تعب عن حقائق
موضوعية وانا تتمثل ف انفعالت ذاتية ,فهي صور ذهنية تتعاقب وتثور ف
دنيا الذهن بتأثي الجسام الارجية ,ول يشابها شيء من تلك الجسام.
هذا عرض خاطف جدا لنظرية العرفة عند ديكارت.
ويب ان نعرف قبل كل شيء ان القاعدة الساسية الت اقام عليها
مذهبه ويقينه الفلسفي وهي (انا افكر فانا اذن موجود) ,قد نقضت ف
الفلسفة السلمية قبل ديكارت بعدة قرون؛ حي عرضها الشيخ الرئيس ابن
سينا ونقدها بانا ل يكن ان تعتب اسلوبا من الستدلل العلمي على وجود
النسان الفكر ذاته ,فليس للنسان ان يبهن على وجوده عن طريق فكره,
لنه حي يقول (انا افكر فانا موجود) ,ان كان يريد ان يبهن على وجوده
بـ (فكره الاص) فقط ,فقد اثبت وجوده الاص من اول المر واعترف
بوجوده ف نفس الملة الول .وان كان يريد ان يعل (الفكر الطلق) دليلً
على وجوده ,فهو خطأ ,لن الفكر الطلق يكم بوجود مفكر مطلق ل مفكر
خاص ,واذن فالوجود الاص لكل مفكر يب ان يكون معلوما له علما أوليا
بصرف النظر عن جيع العتبارات با فيها شكه وفكره.
وبعد ذلك نرى ديكارت يقيم صرح الوجود كله على نقطة واحدة وهي
ان الفكار الت خلقها ال ف النسان تدل على حقائق موضوعية ,فلو ل تكن
مصيبة ف ذلك لكان ال خادعا ,والداع مستحيل عليه.
وبسهولة يكن ان نتبي اللط بي العرفة التأملية والعرفة العملية ف
96
برهانه .فان قضية (الداع مستحيل) هي الترجة غي المنية لقضية (الداع قبيح)
وهذه القضية ليست قضية فلسفية وانا هي فكرة عملية فكيف شك (ديكارت) ف
كل شيء ول يشك ف هذه العرفة العملية ,الت جعلها اساسا
للمعرفة التأملية الفلسفية؟!!.
اضف ال ذلك ان تسلسل العرفة ف مذهب ديكارت ينطوي على دور
واضح ,فانه حي آمن بالسالة اللية اقام ايانه هذا على قضية يفترض
صدقها سلفا وهي ان الشيء ل يرج من ل شيء .وهذه القضية تتاج
بدورها ال اثبات السالة اللية لتكون مضمونة الصدق ,فما ل يثبت ان
النسان مكوم لقوة حكيمة غي خادعة ,ل يوز لديكارت ان يثق بذه
القضية ويقضي على شكه ف سيطرة قوة خداعة للفكر النسان.
واخيا فلسنا باجة لتوضيح خلط آخر صدر منه بي (فكرة ال)
و (القيقة الوضوعية الت تدل عليها) حي آمن باستحالة انبثاق هذه الفكرة
عن النسان لنا اكب منه .والال انا ل تزيد على فكرة ,وانا يستحيل على
النسان ان يلق لذه الفكرة حقيقتها الوضوعية.
وليس هدفنا بالفعل التوسع ف مناقشة (ديكارت) ,وانا نعن عرض
وجهة نظره ف قيمة العرفة النسانية الت تتلخص ف اليان بالقيمة القاطعة
للمعارف العقلية الفطرية خاصة.
3ـ جون لوك:
وهو المثل الساسي للنظرية السية والتجريبية كما عرفنا سابقا .ورأيه ف
نظرية العرفة ان العارف تنقسم كما يات:
أ ـ العرفة الوجدانية .وهي العرفة الت ل يتاج الفكر ف سبيل الصول عليها
ال ملحظة شيء آخر .كمعرفتنا بان الواحد نصف الثني.
ب ـ العرفة التأملية .وهي ل تصل من دون استعانة بعلومات سابقة,
كمعرفتنا بأن مموع زوايا الثلث يساوي قائمتي.
ج ـ العرفة الناشئة من وقوع الس على العن العلوم.
97
ويعتقد (لوك) ان العرفة الوجدانية معرفة حقيقية ذات قيمة كاملة من
الناحية الفلسفية ,وكذلك العرفة التاملية الت يكن توضيحها باستدلل
صحيح .واما العرفة السية فل قيمة لا فلسفيا وان كانت معتبة ف مقاييس
الياة العملية ونظرا لذلك ل يؤمن موضوعيا بميع خواص الادة الدركة
بالس ,بل اعتب بعضها خواصا حقيقية موضوعية كالشكل والمتداد,
والركة ,واعتب بعضها الخر انفعال ذاتيا كاللون والطعم والرائحة وما اليها
من صفات.
ونظرية (لوك) هذه ف العرفة ووزنا الفلسفي ل يتفق مع رأيه الاص ف
تليل العرفة ,ذلك ان الدراك ف زعم (لوك) يرجع كله ال الس
والتجربة ,وحت العارف البديهية ـ كمبدأ عدم التناقض ونوه من البادئ
الساسية ف الفكر البشري ـ ل توجد لدى النسان ال عن هذا الطريق .وهذا
الس الذي هو الصدر الساسي لتلك الدراكات ليس ذا قيمة فلسفية قاطعة
ف نظرية العرفة عند (لوك) ,والنتيجة الطبيعية لذلك هي الشك الطلق ف قيمة
كل معرفة انسانية لنا ليست ف حقيقتها ونواتا الساسية ال ادراكا حسيا
اكتسب بالتجربة الظاهرية او الباطنية.
وهكذا يبدو ان تنويعه للمعرفة ال اقسام ثلثة ,والتفريق بينها من ناحية
العتبار الفلسفي يتناقض مع السس الت اقامها.
كما ان تقسيمه لواص الجسام الحسوسة ال طائفتي ـ كما فعل
ديكارت ـ ليس منطقيا على اسسه ,وان كان منطقيا ال حد ما على أساس
(ديكارت) ,ذلك ان (ديكارت) كان يقسم العرفة ال عقلية وحسية ,ويؤمن
باعتبار الول من ناحية فلسفية دون الثانية ,وقد زعم ان فكرة النسان عن
بعض خواص السم من الفكار العقلية الفطرية ,وفكرته عن بعضها الخر
حسية ,فصح له بسبب ذلك ان ينوع تلك الواص إل أولية وثانوية ،ويؤمن بأن
الواص الولية حقيقية وموضوعية دون الواص الثانوية .واما (جون
لوك) فقد بدأ بناءه الفلسفي بإبعاد الفكار الفطرية واليان بسيادة الس على
الدراك كله فخواص الجسام ل سبيل ال ادراكها ال الس ,فما هو الفارق
الفلسفي بي بعضها والبعض الخر.
98
4ـ الثاليون:
والذهب الثال عميق الذور ف تاريخ الفكر النسان ومتعدد الساليب,
ولفظ الثالية هو أيضا من اللفاظ الت لعبت ادوارا مهمة عب التاريخ
الفلسفي ,وتبلور ف عدة مفاهيم فلسفية تبادلت عليه ,وأكسبته بسبب ذلك
لونا من الغموض واللتباس.
وقد ابتدأت الثالية دورها الول ف الصطلح الفلسفي على يد افلطون,
حي قال بنظرية خاصة ف العقل والعلم النسان ,وسيت تلك النظرية
بنظرية (الثل الفلطونية) ,فقد كان افلطون فيلسوفا مثاليا ,ولكن مثاليته ل
تكن تعن انكار القائق الحسوسة وتريد الدراكات السية عن القائق
الوضوعية الستقلة عن مال التصور والدراك ,بل كان يعتقد بوضوعية
الحساس ,غي انه ذهب ال اكثر من ذلك فاعتقد بوضوعية الدراكات
العقلية الت هي اعلى درجة من الدراكات السية مقررا ان الدراك
العقليـوهو ادراك النواع العامة كادراك معان النسان والاء والنور_ ذو حقيقة
موضوعية مستقلة عن التعقل ,كما سبق ايضاحه ف الزء الول من هذه
السالة.
وهكذا نعرف ان الثالية القدية كانت لونا من الوان السراف ف اليان
بالواقع الوضوعي ,لنا آمنت بالواقع الوضوعي للحساس ـ ادراك العان
الاصة بالس ـ ,وللتعقل ـ ادراك العان بصورة عامة ـ ,ول تكن انكارا
للواقع او شكا فيه.
واتذت الثالية ف التاريخ الديث مفهوما آخر يتلف كل الختلف عن
الفهوم السابق ,فبينما كانت الثالية الفلطونية تؤكد على وجود القيقة
الوضوعية للدراكات العقلية والسية معا جاءت الثالية ف لونا الديث
لتزعزع أساس الواقع الوضوعي وتعلن عن مذهب جديد ف نظرية العرفة
النسانية تلغي به قيمتها الفلسفية .والفهوم الثال الديد هو الذي يعنينا
درسه ومعالته ف بثنا هذا..
وقد اختلفت على هذا الفهوم الوان متعددة وصياغات كثية ,وتوسع
99
بعض كتاب الفلسفات فيه حت اعتبوا الثالية وصفا لكل فلسفة ترتكز على
الشك ,او تنطوي على ماولة لبعاد جانب من الشياء الوضوعية عن نطاق
العرفة النسانية او تؤمن ببدأ غيب للعال.
فالروحانية ,واللأدرية ,والتجريبية ,والعقلئية ,والنقدية ,والظاهراتية
الوجودية ,كلها فلسفات مثالية ف زعمهم (.)1
لجل ان يتضح دور الثالية ف نظرية العرفة النسانية نتناول بالدرس
التاهات الهمة للمثالية الديثة وهي :التاه الفلسفي ,والتاه الفيزيائي,
والتاه الفسيولوجي.
أ ـ الثالية الفلسفية:
والمثل الساسي لا (باركلي) الذي يعد إمام الثالية الديثة ,وتعتب
فلسفته نقطة النطلق للتاه الثال او النعة التصورية ف قرون الفلسفة
الخية.
وجوهر الثالية ف مذهب (باركلي) يتلخص ف عبارته الشهورة( :ان يوجد
هو :ان يُدرِك او ان يُدرَك) ,فل يكن ان يقر بالوجود لشيء ما ل يكن ذلك
الشيء مدرِكاَ او مدرَكا ,والشيء الدرِك هو النفس ,والشياء الدركة هي
التصورات والعان القائمة ف مال الس والدراك .فمن الضروري ان نؤمن
بوجود النفس ووجود هذه العان ,واما الشياء الستقلة عن حيز
الدراك ـ الشياء الوضوعية ـ فليست موجودة لنا ليست مدركة.
ويتناول (باركلي) ف بثه بعد ذلك الجسام الت يسميها الفلسفة
بالواهر الادية ليخفيها عن مسرح الوجود قائل :اننا ل ندرك من الادة الت
يفترضونا ال مموعة من التصورات الذهنية والظواهر السية ,كاللون
والطعم والشكل والرائحة وما اليها من صفات.
100
ويعقب (باركلي) على مفهومه الثال عن العال مؤكدا انه ليس سوفسطائياً
ول شاكا ف وجود العال وما فيه من حقائق وكائنات ,بل هو يعترف بوجود
ذلك كله من ناحية فلسفية ول يتلف من هذه الناحية عن سائر الفلسفة,
وانا يتفاوت عنهم ف تديد مفهوم الوجود .فالوجود عند (باركلي) ليس بعناه
عند الخرين ,فما هو موجود ف رايهم يؤمن (باركلي) بوجوده أيضا ولكن على
طريقته الاصة ف تفسي الوجود ,الت تعن ان وجود الشيء عبارة عن وجوده
ف ادراكنا ـ أي ادراكنا له.
ويعترض بعد ذلك سؤال بي يدي (باركلي) هو اذا كانت الادة غي
موجودة فمن اين يكن اذن ان نات بالحساسات الت تنبثق ف داخلنا كل
لظة ,من دون ان يكون لرادتنا الذاتية تاثي ف انبثاقها وتتابعها؟.
والواب عند (باركلي) جاهز وهو ان ال نفسه يبعث تلك الحساسات
فينا.
وهكذا انتهى (باركلي) من مطافه الفلسفي وقد احتفظ لنفسه بقيقتي
ال جانب الدراك :احداها العقل (الذات الدركة) ,والخرى هي ال
(القيقة اللقة لحساساتنا).
وهذه النظرية تلغي مسالة العرفة النسانية ودراسة قيمتها من ناحية
موضوعية إلغاء تاما ,لنا ل تعترف بوضوعية الفكر والدراك ووجود شيء
خارج حدودها.
وينتاب الفهوم الثال عند باركلي شيء من الغموض قد يعل من المكن
ان يقدم له عدة تفسيات ,تتفاوت مفاهيمها ف درجة مثاليتها وتعمقها ف
النعة التصورية .ونن ناخذ اعمق تلك الفاهيم ف الثالية وهو الفهوم الثال
البحث ,الذي ل يعترف بشيء عدا وجود النفس الدركة والحساسات
والدراكات الت تتتابع ف داخلها ,وهذا الفهوم هو الذي يشع من اكثر بياناته
الفلسفية وينسجم مع الدلة الت حاول اثبات مفهومه الثال با ,وتتلخص
الدلة على هذا الفهوم فيما يأت:
101
الدليل الول :ان جيع الدراكات البشرية ترتكز على الس وترجع
اليه ,فالس هو القاعدة الرئيسية لا ,واذا حاولنا اختبار هذه القاعدة
وجدناها مشحونة بالتناقضات والخطاء .فحاسة البصر تتناقض دائما ف رؤيتها
للجسام عند قربا وبعدها ,فهي تدركها صغية الجم اذا كانت بعيدة
عنها ,وتدركها بجم اكب اذا كانت قريبة منها ,وحاسة اللمس هي ايضا
تتناقض ,فقد ندرك با شيئا واحدا ادراكي متلفي ,ويوضح باركلي بعد ذلك
فيقول :اغمس يديك ف ماء دافئ بعد ان تغمس احداها ف ماء ساخن
والخرى ف ماء بارد ,أفل يبدو الاء باردا لليد الساخنة وساخنا لليد الباردة؟
فهل يب اذن ان نقول عن الاء انه ساخن وبارد ف نفس الوقت؟! او ليس
هذا هو الكلم الفارغ بعينه؟! واذن فلتستنتج معي ان الاء ف ذاته ل يوجد
كمادة مستقل عن وجودنا ,فهو ليس سوى اسم نطلقه نن على إحساسنا,
فالاء يوجد فينا نن .وف كلمة واحدة ,الادة هي الفكرة الت نضعها عن
الادة .واذا كانت الحساسات فارغة عن كل حقيقة موضوعية للتناقضات
اللحوظة فيها ل تبق للمعرفة البشرية قيمة موضوعية مطلقا ,لنا ترتكز
بصورة عامة على الس واذا انارت القاعدة انار الرم كله.
وهذا الدليل ل قيمة له للسباب التية:
اول :ان العارف البشرية ل ترتكز كلها على الس والتجربة ,لن
الذهب العقلي الذي درسناه ف الزء السابق من السالة ـ الصدر الساسي
للمعرفة ـ يقرر وجود معارف اولية ضرورية للعقل البشري ,وهذه العارف
الضرورية ل تنشأ من الس ول يبدو فيها شيء من التناقضات مطلقا ,فل
يكن اقتلع هذه العارف بالعاصفة الت تثار على الس والدراكات السية,
وما دمنا نلك معارف ف منجاة عن العاصفة فمن اليسور ان نقيم على
أساسها معرفة موضوعية صحيحة.
وثانيا :ان هذا الدليل يتناقض مع القاعدة الفلسفية لثالية
(باركلي) ـ أي مع النظرية السية والذهب التجريب ,ذلك ان باركلي فيه يعتب
مبدأ عدم التناقض حقيقة ثابتة ويستبعد من بداية المر إمكان التناقض ف
102
الواقع الوضوعي .وترتيبا على ذلك يستنتج من تناقض الدراكات والتجارب
السية خلوها من الواقع الوضوعي ,وغاب عنه ان مبدأ عدم التناقض ليس
ف الذهب التجريب ال مبدأ تريبيا يدلل عليه بالتجربة السية ,فاذا كانت
الدراكات والتجارب متناقضة كيف صح لباركلي ان يؤمن ببدا عدم
التناقض ,ويبهن عن هذا الطريق على عدم وجود واقع موضوعي؟! ولاذا ل
يصح عنده وجود واقع موضوعي تتناقض فيه الظواهر والشياء؟! والقيقة ان
باركلي استند ـ ل شعوريا ـ ال فطرته الاكمة ببدا عدم التناقض بصورة
مستقلة عن الس والتجربة.
وثالثا :من الضروري ان نيز بي مسألتي :احداها مسالة وجود واقع
موضوعي للدراكات والحساسات ,والخرى مسالة مطابقة هذا الواقع لا
يبدو لنا ف ادراكنا وحواسنا .واذا ميزنا بينهما استطعنا ان نعرف ان تناقض
الحساسات ل يكن ان يتخذ برهانا على عدم وجود واقع موضوعي ـ كما
حاول باركلي ـ وانا يدل على عدم التكافؤ بي العن الدرك بالس ,والواقع
الوضوعي ف الارج ـ أي ان الحساس ل يب ان يكون مطابقا كل الطابقة
للشياء الارجية .وهذا شيء غي ما حاوله باركلي من انكار موضوعية
الحساس ,فنحن حي نغمس يدينا بالاء فتحس احداها بالرارة وتس
الخرى بالبودة ,ل نضطر لجل استبعاد التناقض ان ننكر موضوعية
الحساس بصورة مطلقة ,بل يكننا ان نفسر التناقض على وجه آخر وهو ان
إحساساتنا عبارة عن انفعالت نفسية بالشياء الارجية ,فل بد من شيء
خارجي حينما نس وننفعل .ولكن ليس من الضروري تكافؤ الحساس مع
الواقع الوضوعي لن الحساس لا كان انفعال ذاتيا فهو ل يتجرد عن الناحية
الذاتية .ويكننا على هذا الساس ان نكم فورا ف شأن الاء الذي افترضه
باركلي بانه ماء دافئ ليس ساخنا ول باردا ,وان هذا الدفء هو الواقع
الوضوعي الذي اثار فينا الحساسي التناقضي ,وقد تناقض الحساسان
بسبب الناحية الذاتية الت نضيفها على الشياء حي ندركها وننفعل با.
الدليل الثان :ان العتقاد بوجود الشياء خارج روحنا وتصورنا انا يقوم
على أساس اننا نراها ونلمسها ـ أي اننا نعتقد بوجودها ,لنا تعطينا
103
احساسات ما ,إل ان احساساتنا ليست سوى افكار تتويها ارواحنا ,واذن
فالشياء الت تدركها حواسنا ليست سوى افكار ,والفكار ل يكن ان توجد
خارج روحنا.
وباركلي ف هذا الدليل ياول ان يعل مسالة اليان بالواقع الوضوعي
للشياء متوقفة على التصال بذلك الواقع بصورة مباشرة ,وما دام ل يتاح لنا
ف حال من الحوال ان نتصل اتصال مباشرا بالشياء خارج روحنا ,وما دمنا
مضطرين ال ادراكها ف تصوراتنا وافكارنا خاصة ...فل وجود ف القيقة
ال لذه التصورات والفكار .ولو اطحنا با ل يبق شيء نستطيع ان ندركه,
او ان نعترف بوجوده.
ويب ان نلحظ قبل كل شيء ان هذه الجة الت حاول باركلي ان
يبهن با على مفهومه الثال ليست صحيحة ,حت عند باركلي نفسه ,فانه
يتفق معنا ـ بصورة غي شعورية ـ على دحضها وعدم كفايتها لتبير الفهوم
الثال ,ذلك انا تؤدي ال مثالية ذاتية تنكر وجود الشخاص الخرين كما
تنكر وجود الطبيعة على السواء .فان القيقة اذا كانت مقتصرة على نفس
الدراك والشعور باعتبار اننا ل نتصل بشيء وراء حدود الذهن ومتوياته
الشعورية ,فهذا الدراك والشعور هو ادراكي وشعوري انا ,وانا ل اتصل
بادراك الخرين وشعورهم كما ل اتصل بالطبيعة ذاتا ,وهذا يفرض عليّ عزلة
عن كل شيء عدا وجودي وذهن فليس ل الق بالتسليم بوجود الناس
الخرين لنم ليسوا ال تصورات ذهن وفكري الذات .وهكذا تنتهي السالة
ال مثالية فردانية فظيعة ,فهل كان يكن لـ (باركلي) ان يندفع مع حجته ال
اقصى مداها ويرج منها بثالية كهذه؟ واذا كان قد حاول شيئا من هذا
فسوف يتناقض مع نفسه قبل غيه ,وال فمع من كان يتحدث؟! ولن كان
يكتب ويؤلف؟! ولساب من كان يلقي ماضراته ودروسه؟! اليس ذلك
تاكيدا قاطعا من باركلي على الواقع الوضوعي للشخاص الخرين؟!.
وهكذا يتضح ان باركلي نفسه يشاركنا ف عدم قبول الجة الت يتبناها
والتصديق ـ ولو ل شعوريا ـ ببطلنا.
104
ويبقى علينا بعد هذا ان نوضح سر الغالطة ف هذا الدليل ,لنفهم
السبب ف عدم حصول القناعة الواقعية به حت لـ (باركلي) نفسه.
وف هذا الصدد يلزمنا ان نستذكر ما عرفناه ف الزء الول من
السالة ـ الصدر الساسي للمعرفة ـ من انقسام الدراك البشري ال قسمي
رئيسي وها التصديق والتصور .وان نعرف للتصديق ميزته الساسية على
التصور ,هذه اليزة الت تعل من العرفة التصديقية هزة الوصل بيننا وبي
العال الارجي.
وإيضاح ذلك ,ان التصور عبارة عن وجود صورة لعن من العان ف
مداركنا الاصة ,فقد توجد الصورة ف حواسنا فيكون وجودها كذلك مكونا
للحساس با ,وقد توجد الصورة ف ميلتنا فيحصل بذلك التخيل ,وقد توجد
الصورة بعناها التجريدي العام ف الذهن ويسمى وجودها هذا تعقل.
فالحساس والتخيل والتعقل الوان من التصور واناء لوجود صور الشياء ف
الدارك البشرية .فنحن نتصور التفاحة على الشجرة بالحساس با عن طريق
الرؤية ,ومعن احساسنا با وجود صورتا ف حواسنا ,ونتفظ بعد ذلك بذه
الصورة بعد انصرافنا عن الشجرة ف ذهننا وهذا الوجود هو التخيل ,ويكننا
بعد ذلك ان نسقط من الصورة الصائص الت تتاز با عن التفاحات
الخرى ,ونستبقي العن العام منها ـ أي معن التفاحة بصفة كلية ,وهذه
الصورة الكلية هي التعقل .فهذه مراحل ثلث من التصور يتازها الدراك,
البشري وهو ل يعب ف كل مرحلة إل عن وجود صورة ف بعض مداركنا,
فالتصور بصفة عامة ل يعدو أن يكون وجودا لصورة شيء ما ف مداركنا,
سواء أكان تصورا واضحا جليا كالحساس ,أم باهتا وضئيل كالتخيل
والتعقل ,وهو لذلك ل يكن أن يشق لنا الطريق ال ما وراء هذه الصورة
الت نتصورها ف مداركنا ,ول يكفي للنتقال من الجال الذات ال الجال
الوضوعي ,لن وجود صورة للمعن ف مداركنا شيء ,ووجود ذلك العن
بصورة موضوعية ومستقلة عنا ف الارج شيء آخر ,ولذا قد يعلنا الحساس
نتصور أمورا عديدة ل نؤمن بان لا واقعا موضوعيا مستقل ,فنحن نتصور
العصا الغموسة ف الاء وهي مكسورة ,ولكننا نعلم بان العصا ل تنكسر ف
105
الاء حقاً ,وانا نسها كذلك بسب انكسار الشعة الضوئية ف الاء .ونتصور الاء
الدافئ حارا جدا حي نضع يدنا فيه وهي شديدة البودة ,مع يقيننا بان
الرارة الت احسسنا با ليس لا واقع موضوعي.
واما التصديق ـ أي القسم الخر من الدراك البشري ـ فهو الذي يصح
ان يكون نقطة النطلق لنا من التصورية ال الوضوعية ,فلنلحظ كيف يتم
ذلك؟.
ان العرفة التصديقية عبارة عن حكم النفس بوجود حقيقة من القائق
وراء التصور ,كما ف قولنا :ان الط الستقيم اقصر مسافة بي نقطتي .فان
معن هذا الكم هو جزمنا بقيقة وراء تصوراتنا للخطوط الستقيمة والنقاط
والسافات ,ولذلك يتلف كل الختلف عن الوان التصور الساذج ,فهو:
اولً :ليس صورة لعن معي من العان الت يكن ان نسها ونتصورها,
بل فعل نفسيا يربط بي الصور ,ولذا ل يكن ان يكون واردا ال الذهن
عن طريق الحساس ,وانا هو من الفعاليات الباطنية للنفس الدركة.
ثانيا :يلك خاصة ذاتية ل تكن موجودة ف شيء من الوان التصور
واقسامه ,وهي خاصة الكشف عن واقع وراء حدود الدراك ,ولذلك كان من
المكن ان تتصور شيئا وان تس به ول تؤمن بوجوده ف واقع وراء الدراك
والشعور ,ولكن ليس من العقول ان تكون لديك معرفة تصديقية ـ أي ان
تصدق بأن الط الستقيم هو اقرب مسافة بي نقطتي ـ وتشك مع ذلك ف
وجود حقيقة موضوعية يكي عنها ادراكك وشعورك.
وهكذا يتضح ان العرفة التصديقية هي وحدها الت يكن ان ترد على
حجة باركلي القائلة :انا ل نتصل بالواقع مباشرة وانا نتصل بافكارنا فل
وجود ال لفكارنا .فالنفس وان كانت ل تتصل مباشرة ال بادراكاتا ال ان
هناك لونا من الدراك يكشف بطبيعته كشفا ذاتيا عن شيء خارج حدود
الدراك وهو الكم ـ أي العرفة التصديقية .فحجة باركلي كانت تقوم على
اللط بي التصور والتصديق ,وعدم ادراك الفوارق الساسية بينهما.
وعلى هذا الضوء نتبي ان الذهب التجريب والنظرية السية يؤديان ال
106
النعة الثالية ,فهما مضطران ال قبول الجة الت قدمها باركلي ,لن النفس
البشرية بقتضى هذين البداين ل تلك ادراكا ضروريا او فطريا مطلقا ,وانا
تنشأ ادراكاتا جيعا من الس وترتكز معارفها عليه ,والس ليس ال لونا من
الوان التصور ,فمهما كثر وتنوع ل يعدو حدوده التصورية ,ول يكن ان يطو
به النسان ال الوضوعية خطوة واحدة.
الدليل الثالث :ان الدراكات والعارف البشرية اذا كانت لا خاصة
الكشف الذات عن مال وراء حدودها وجب ان تكون جيع العلوم والعارف
صحيحة ,لنا كاشفة بكم طبيعتها وذاتا ,والشيء ل يتخلى عن وصفه
الذات ,مع ان جيع مفكري البشرية يعترفون بأن كثيا من العلومات
والحكام الت لدى الناس هي ادراكات خاطئة ول تكشف شيئا من الواقع,
بل قد يمع العلماء على العتقاد بنظرية ما ويتجلى بعد ذلك بكل وضوح انا
ليست صحيحة ,فكيف يفهم هذا على ضوء ما تزعمه الفلسفة
الواقعية ـ من ان العلم يتمتع بالكشف الذات؟! وهل لذه الفلسفة من مهرب
ال التنازل عن منح العلم هذه الصفة؟! واذا تنازلت عن ذلك كانت الثالية
امرا متما ,لنا ل نستطيع ان نصل حينئذ ال الواقع الوضوعي عن طريق
افكارنا ما دمنا قد اعترفنا بانا ل تلك كشفا ذاتيا عن ذلك الواقع.
ولجل ان نيب على هذا الدليل يلزمنا ان نعرف ما هو معن الكشف
الذات للعلم؟ ان الكشف الذات للعلم معناه ان يرينا متعلقه ثابتا ف الواقع
الارج عن حدود ادراكنا وشعورنا .فعلمنا بأن الشمس طالعة وان الثلث غي
الربع يعلنا نرى طلوع الشمس ومغايرة الثلث للمربع ثابتي ف واقع مستقل
عنا ,فهو يقوم بدور الرآة ,واراءته لنا ذلك هي كشفه الذات ,وليس معن
هذه الراءة ان طلوع الشمس موجود ف الارج حقا ,وان مغايرة الثلث
للمربع ثابتة ف الواقع .فان كون الشيء ثابتا ف الواقع غي كونه مرئيا
كذلك ,وبذلك نعرف ان الكشف الذات للعلم ل يتلف عنه حت ف موارد
الطا والشتباه ,فان علم القدماء بان الشمس تدور حول الرض كان له من
الكشف الذات بقدار ما لعلمنا بدوران الرض حول الشمس من
كشف ـ بعن انم كانوا يرون دوران الشمس حول الرض امرا ثابتا ف
107
الواقع بصورة مستقلة عنهم ,فوجود هذا الدوران بصورة موضوعية كان مرئيا
لم أي انم كانوا يصدقون بذلك وان ل يكن ثابتا ف الواقع(.)1
فالنسان بطبيعته اذن يرج من التصورية ال الوضوعية بالعلم التصديقي
لكان كشفه الذات ,سواء اكان العلم مصيبا ف الواقع ام مطئا ,فانه علم
وكشف على كل تقدير.
الدليل الرابع :ان العارف التصديقية اذا كانت تطئ ول يكن
كشفها الذات يصونا عن ذلك فلماذا ل يوز ان تكون جيع معارفنا التصديقية
خطأ؟! وكيف يكننا ان نعتمد على الكشف الذات للعلم ما دام هذا الكشف
صفة لزمة للعلم ف موارد الطأ والصواب على حد سواء.
وهذه الحاولة تتلف ف هدفها عن الحاولة السابقة ,ففي تلك الحاولة
كانت تستهدف الثالية ال اعتبار العارف البشرية اشياء ذاتية ل تشق لنا
الطريق ال الواقع الوضوعي ,وقد احبطنا تلك الحاولة بايضاح ما للمعارف
التصديقية من كشف ذات تتاز به على التصور الالص .واما هذه الحاولة
فهي تقصد ازالة العارف التصديقية نائيا من التفكي البشري ,لنا ما دامت
قد تطئ ,او ما دام كشفها الذات ل يعن صحتها دائما ,فلماذا ل نشك
فيها ونتخلى عنها جيعا؟! ول يوجد لدينا بعد ذلك ما يضمن وجود العال
الوضوعي.
وبطبيعة الال ,ان التفكي البشري لو ل يكن يلك عدة معارف مضمونة
الصحة بصورة ضرورية ,لكان هذا الشك لزما ول مهرب عنه ,ولا امكننا
ان نعلم بقيقة مهما كانت ما دام هذا العلم ل يستند ال ضمان ضروري,
والنكشـف بالعرض وهـو الشيـء الارج عـن حدود العلم ,ليـس ثابتا بيـ وجود
الكاشف ووجود النكشف بالعرض ,ليمتنع انفكاك احدها عن الخر ,وانا هو بي
الكاشف ية الذات ية للعلم والنكشف ية بالعرض للش يء الارج عن حدود العلم ,و من
الواضح ان المرين متلزمان ول يكن انفكاكهما مطلقا.
108
وكان الطأ متمل ف كل مال .ولكن الذي يقضي على هذا الشك هو
الذهب العقلي ـ الذي درسناه ف الزء الول من نظرية العرفة (الصدر
الساسي للمعرفة) ـ فهو يقرر وجود معارف ضرورية مضمونة الصحة ل يقع
فيها الطأ مطلقا ,وانا يقع احيانا ف طريقة الستنتاج منها .وعلى هذا التقسيم
العارف البشرية ـ كما سبق ف تلك الدراسة ـ ال معارف ضرورية مضمونة
تتشكل منها القاعدة الرئيسية للتفكي ,ومعارف ثانوية تستنتج من تلك القاعدة
وهي الت قد يقع فيها الطا.
فنحن اذن مهما شككنا ,ل نستطيع ان نشك ف تلك القاعدة لنا
مضمونة الصدق بصورة ضرورية.
ونريد ان نتبي الن ما اذا كان ف وسع الفيلسوف الثال باركلي ان ينكر
تلك القاعدة الضمونة ,ول يقر بوجود معارف ضرورية فوق الطا والشتباه
او ل؟.
ول شك ف ان الواب هو النفي ,فانه مضطر ال العتراف بوجود
معارف مضمونة الصدق ما دام قد حاول الستدلل على مثاليته بالدلة
السابقة ,فان النسان ل يكنه ان يستدل على شيء ما ل يركز استدلله على
اصول وقواعد مضمونة الصدق عنده ,ونن اذا لحظنا ادلة باركلي وجدناه
مضطرا ال العتراف:
أول :ببدأ عدم التناقض الذي ارتكز عليه الدليل الول ,فان التناقض
اذا كان مكنا ,فل يصح ان يستنتج من تناقض الحساسات عدم
موضوعيتها.
وثانيا :ببدأ العلية والضرورة ,فهو لو ل يكن يعترف بذا البدأ لكان
استدلله عبثا ,لن النسان انا يقيم دليلً على رأيه ليانه بأن الدليل علة
ضرورية للعلم بصحة ذلك الراي .فاذا ل يكن يعتقد ببدأ العلية والضرورة
جاز ان يكون الدليل صحيحا ,ومع ذلك ل يثبت به الراي الطلوب.
واذا ثبت وجود معارف مضمونة الصدق ف التفكي البشري ,فل شك ف
109
ان من تلك العارف معرفتنا بوجود العال الوضوعي الستقل عنا ,فان العقل
يد نفسه مضطرا ال التصديق بوجود عال خارجي على سبيل الجال ورفض
كل شك ف ذلك ,مهما وقعت من مفارقات بي حسه والواقع ,او بي فكره
والقيقة ,بل يعد التشكيك ف وجود العال الستقل ضربا من النون.
ونلص من مناقشاتنا للمثالية الفلسفية ال ان الواقعية ترتكز على اساسي:
الول ,اليان بوجود كشف ذات للمعارف التصديقية ,والثان ,العتقاد
بقاعدة اساسية للمعرفة البشرية مضمونة الصدق بصورة ضرورية .وكل هذين
الساسي قد وجدنا باركلي مضطرا ال العتراف بما ,فانه لول الكشف
الذات للمعرفة التصديقية لا عرف الشخاص الخرين ,ولا كيّف حياته على
اساس وجودهم ,ولول وجود معارف مضمونة الصدق ف التفكي البشري لا
امكنه ان يستدل على مزاعمه الثالية.
ب ـ الثالية الفيزيائية:
كانت الفيزياء قبل قرن من الزمان تفسر الطبيعة تفسيا واقعيا ماديا
تكمه قواني اليكانيك العامة .فالطبيعة واقعية عند الفيزيائيي بعن انا
موجودة بصورة مستقلة عن الذهن والشعور ,وهي مادية أيضا لن مرد
الطبيعة ف تليلهم العلمي ال جزئيات صلبة صغية ل تقبل التغي ول
النقسام ,وهي الواهر الفردة الت نادى با ديوقريطس ف الفلسفة اليونانية,
وهذه الزئيات او الكتل الولية للطبيعة ف حركة مستمرة .فالادة هي مموع
تلك الزئيات ,والظاهرات الطبيعية فيها ناتة عن انتقال تلك الكتل وحركتها
ف الكان.
ولا كانت هذه الركة باجة ال تفسي من العلم فقد فسرتا الفيزياء
تفسيا آليا كما تفسر الركة ف رقاص الساعة او المواج الصوتية ,وافترض
وجود قوى ف الكتل او علقات خاصة بي تلك الكتل ,لحاولة تكميل
التفسي الل لظواهر الطبيعة .وهذه القوى والعلقات بدورها يب ان تضع
للتفسي الل ايضا فنشأ من ذلك ف الفيزياء الفهوم الفرضي لـ (الثي),
واسندت اليه عدة مهام كانتشار الضوء الذي افترض الثي حاملً له عند
110
انتقاله من بعض الجسام ال بعض ,كما يمل أيضا الرارة والكهرباء
ونوها من قوى الطبيعة.
ويتلخص هذا العرض ف ان الطبيعة واقع موضوعي مادي يكمه نظام
آل كامل.
ول يستطع ,هذا الفهوم الفيزيائي ان يصمد للكشوف الديثة الت
فرضت على العلماء ان يقلبوا نظرياتم عن الطبيعة راسا على عقب ,وبرهنت
لم على ان العقل العلمي ل يزال ف البداية ,وكان من اهم تلك الكشوف
العلمية اكتشاف الكهارب الذي دل على وجود بنية مركبة للذرة واكتشاف
انللا الشعاعي.
فبينما كانت الذرة هي الوحدة الادية الساسية الت تتألف منها الطبيعة
عادت بدورها مركبة ,ول تقف القصة عند هذا الد بل واصبح من المكن
ان تتبخر كهرباء .وبينما كانت الركة مدودة ف حدود الركات اليكانيكية
الت تتسق مع التفسي الل للطبيعة ,اكتشفت الوان اخرى من الركة .وبينما
كان الراي السائد يزعم ان كتلة الادة ـ وهي التعبي الرياضي عن الوهر
الادي ـ دائمة وغي قابلة للتغيي ,ثبت ف البهان العلمي انا ليست ثابتة بل
هي نسبية ول تعب ف مفهومها الواقعي ال عن طاقة مكتنة ولذا تتلف كتلة
السم باختلف حركته.
وهكذا بدا للفيزيائيي واضحا ان الادية قد ماتت وان الفهوم الادي
للعال اصبح يتعارض مع العلم والباهي التجريبية.
ولجل ذلك استطاع العلماء ان يكونوا عن العال مفهوما جوهريا اعمق
من الفهوم الادي ,وليست الادية ال وجها من وجوه هذا الفهوم الديد ,بل
ذهب بعض الفيزيائيي ال اكثر من ذلك فزعم ان مرد العال ال حركة
خالصة ماول الستغناء عن اضافة أي حقيقة جوهرية اليها.
فقد قال (أوزوالد):
[ان العصا الت تضرب (سكابان) ل تنهض على وجود
111
العال الارجي ,هذه العصا ليست موجودة وليس موجودا ال
طاقتها الركية].
وقال (كارل بيسون):
[الادة هي اللمادي الذي هو ف حركة] .
وف غمرة هذه الكشوف الديدة الت زعزعت الكيان الادي واظهرت ان
الادة هي الوهم البشري العام عن العال ل الفهوم العلمي الطابق للعال,
ظهر التاه الثال ف الفيزياء واستهوى كثيا من الفيزيائيي ,فقالوا :ما دام
العلم يقدم ف كل يوم براهي جديدة ضد القيمة الوضوعية للمعرفة البشرية,
وضد الصفة الادية للعال ,فليست الذرات او البنيات الساسية للمادة ,بعد
ان تبخرت على ضوء العلم ,ال طرقا مناسبة للتعبي عن الفكر ,واستعارات
واشارات ل تتضمن من القيقة الواقعية شيئا.
قال أدينغتون:
[ليس ثة ف منظومة قواني علم الطبيعة كلها شيء
واحد ل يكن استنتاجه بوضوح من اعتبارات نظرية العرفة
الشاملة الطلقة وتأملتا ,والدماغ الذي يكون غي عال
بكوننا ولكنه يعرف نظام التفكي الذي يفسر بوساطته العقل
البشري تربته السية ,يكون بقدوره ان يبلغ جيع معارف
علم الطبيعة الحصلة من طريق التجربة ,وف النهاية اقول:
ان ما ادركه عن الكون هو تاما وبصورة صحيحة دقيقة
الشيء نفسه الذي نضيفه ال الكون ليصبح مفهوما] .
وأعرب بعد ذلك عن امله ف:
[ان يعرف ف السنوات القريبة القادمة ما كان خبيئا ف
النواة الذرية رغم ما ينشأ ف اذهاننا من ظن بان هذا قد
خبئ من قبلنا] .
والواقع ان التاه الثال عند هؤلء الفيزيائيي ناتج عن خطا ف التفكي
الفلسفي ل عن برهان فيزيائي ف الجال العلمي ,ذلك ان السالة الساسية ف
112
الفلسفة الت انقسم الفلسفة ف الواب عنها ال مثاليي وواقعيي بدت لم
مغلوطة.
فالسالة الساسية هي مسالة ما اذا كان للعال واقع موضوعي مستقل عن
ذهننا وشعورنا ,وقد فهمها اولئك الفيزيائيون على انا ل تقبل سوى اجابتي
على الوجه الت فقط:
اما ان مرد العال ال الذهن والشعور فل وجود له بصورة موضوعية ,واما
ان العال واقع مادي موجود خارج الذهن والشعور.
فاذا استبعدنا الجابة الثانية بالباهي والتجارب العلمية الت دلت على
ان الادية ليست ال قناعا للحقيقة الت ينطوي عليها العال ,لزمنا الخذ
بالجابة الول والعتقاد بالفهوم الثال البحث للعال.
ولكن القيقة ان الجابتي ل توضعا وضعا صحيحا فيما سبق ,ذلك ان
تقدي اجابة تناقض الجابة الثالية ل تتم علينا اليان بلزوم الصفة الادية
للواقع الوضوعي ,فان الواقعية الت تالف الثالية بصورة متقابلة ل تعن اكثر
من العتراف بوجود واقع موضوعي مستقل عن الذهن والشعور ,واما ان هذا
الواقع الوضوعي الستقل هل هو الادة او القوة او الركة او الوج
الكهربائي ...فذلك سؤال آخر يب على الواقعية الت امنت بالعال
الوضوعي ان تيب عنه على ضوء العلم والكتشافات التجريبية.
ومت فرقنا بي السألتي تفريقا تاما استطعنا ان نرد التاه الثال السابق
الذكر ال الطأ الذي يرتكز عليه.
فقد عرفنا ان السؤال الول هو :هل للعال واقع مستقل عن الذهن
البشري؟.
والجابتان عن هذا السؤال ها للمثالية والواقعية .فالثالية تيب بالنفي
والواقعية تيب بالثبات .وكلتا الجابتي يب ارتكازها على أساس فلسفي
بت ول كلمة للعلم والتجربة ف هذا الوضوع.
والسؤال الخر ,ما هو الواقع الوضوعي الستقل؟ وهل تلزمه خصائص
113
الادة وصفاتا او ل؟ وهذا السؤال انا يتجه ال الواقعية ول مال له على
أساس الفهوم الثال .وييب بعض الواقعيي عن هذا السؤال باعطاء الفهوم
الادي للواقع الوضوعي الستقل ,وييب الخرون باعطاء مفاهيم اخرى,
وللعلم ف هذه الجابات كلمته ,فالتجارب والكشوف العلمية هي الت تكون
الفهوم العلمي للواقعيي عن العال الوضوعي.
فاذا ابطل العلم الفهوم الادي للعال فهو ل يعن ان العلم رفض الواقعية
وصار مثاليا ,لن الكشف العلمي ل يبهن على عدم وجود الواقع الوضوعي
الستقل ,وانا دلل على عدم لزوم الصفة الادية له ,فليكن مرد العال ال
القوة او ال الركة او ال أي شيء آخر غي الادة ,فان ذلك ل يضر بالواقعية
ول يبهن على الثالية ما دام لذلك الشيء واقع موضوعي موجود بصورة
مستقلة عن الذهن والشعور ,فالادة اذا تبخرت كهرباء على ضوء العلم,
والكتلة اذا تولت ال طاقة ,والطاقة اذا تولت ال كتلة ,والطبيعة اذا كانت
تعب عن حركة خالية من الادة ,اذا صح ذلك كله فلن يغي ذلك من موقفنا
تاه السؤال الول شيئا ,لننا نؤمن على كل تقدير بان القيقة ليست نتاج الشعور
فحسب ,بل هي وليدة الواقع الستقل.
وانا يكون لذه النظريات العلمية تأثي اذا فرغنا عن الجابة على السؤال
الول ,وتناولنا السؤال الثان لنعرف كيف هو العال؟.
وبذا نعرف ان كشوف العلم الديث ل ترد على الواقعية بشيء ,وانا
ترد على الادية الت تزعم ان الادية هي الوصف اللزم لذلك الواقع بصورة
عامة.
ومن الغريب ماولة بعض الاديي الحتفاظ للمادية بقامها ,والرد على
الباهي العلمية والتجريبية بأنا ل تبهن على سلب الصفة الادية عن العال,
وانا تكون سببا ف تعمق فهمنا للمادة وخصائصها.
قال ليني:
[إن تلشي الادة يعن ان الد الذي وصلت اليه معرفتنا
بالادة يتلشى ,وان وعينا يتعمق ,فثمة خصائص للمادة
114
كعدم قابليتها للختراق وعدم الركة والكتلة ..كانت تبدو
لنا من قبل مطلقة ثابتة أولية وهي تتلشى الن ,وقد عرفت
بأنا نسبية ملزمة فقط لبعض حالت الادة ,ذلك ان
الاصة الوحيدة للمادة ,الت يدد التسليم با الادية الفلسفية
انا هي كونا ـ أي الادة ـ حقيقة موضوعية ,وانا موجودة
خارج وعينا](.)1
[إن دعائم الفهوم الادي عن العال ل يكن ان يزعزعها
أي تغيي للمفهوم العلمي لصائص الادة ,وليس ذلك لن
الدرك الفلسفي عن الادة يكون دون علقة لدرك علمي
مزعوم ,وانا لن الادة ل يكن ان تفقد هذه الاصة
الساسية من خصائصها وهي كونا ـ أي الادة ـ حقيقة واقعية
موضوعية] (.)2
بذا اراد ليني ان يزيف الثالية الفيزيائية ويدعم مفهومه الادي.
ويبدو واضحا من كلمه تاهله لكل فلسفة واقعية عدا الواقعية القائمة
على أساس مادي ,ولجل ان يل التناقض بي الفهوم الادي وحقائق العلم
والفيزياء شرح مفهوم الادة شرحا غريبا ,وأعطاه من السعة والشمول ما جعله يعب
عن الواقع الوضوعي الستقل بالادة ,ماول بذلك ان يقدم الادية كحل فلسفي
وحيد لسألة وجود العال ف مقابل الثالية .ومن الواضح ان الادة اذا
كانت تعبيا مساويا للواقع الوضوعي الستقل .وكانت خصيصتها الوحيدة اللزمة
لا هي موضوعيتها ووجودها بصورة مستقلة عن وعينا ,فالفلسفة التيافيزيقية اللية
تكون فلسفة مادية تاما باعتبار هذا الفهوم الديد للمادة ,ويرتفع التعارض نائيا
بي الفلسفة اليتافيزيقية والفلسفة الادية ومفهومها عن
العال.
115
فالفيلسوف الالي الذي يؤمن با وراء الطبيعة يقول نفس الكلمة تاما
عن العال .فالعال عنده واقع موضوعي مستقل عن وعينا ,وليس البدأ اللي
ل عن وعينا.
الذي تعتقد به الفلسفة اليتافيزقية ال واقعا موضوعيا مستق ً
والقيقة ان التلعب باللفاظ ل يدي شيئا ,فتوسعة الفهوم الادي ال
حد ينطبق على الفهوم العارض له وينسجم معه ل يعن ال تليه عن واقعه
الفلسفي الاص ,وعجزه عن الرد على ما يعارضه من مفاهيم.
اضف ال ذلك ان الادية الدلية ل تسمح لليني ان يعترف بقيقة
مطلقة ,لن ذلك يتناف مع الدل القائل بتطور جيع القائق طبقا للتناقضات
الحتواة فيها ,فهل الاصة الساسية للمادة ف مفهومها اللينين الديد خاصة
مطلقة ل تتطور ول تضع لقانون الدل وتناقضاته ,فان كانت كذلك فقد
وجدت اذن القيقة الطلقة الت يرفضها الديالكتيك ول يقرها اصول الدل
الاركسي .وان كانت هذه الاصة جدلية ومتوية على التناقضات
الدافعة لا ال التطور والتغي كسائر حقائق العال ,فمعن ذلك ان الادية تشكو
هي أيضا من التناقض وتضطر لجل ذلك ال التغي والتبدل ونزع الصفة
الساسية للمادة عنها.
والنتيجة الت نرج با هي ان النعة الثالية عند الفيزيائيي نشأت عن
عدم التمييز بي السألتي الفلسفيتي اللتي شرحناها ,وليست وليدة الدلة
العلمية بصورة مباشرة.
ومع هذا فيجب ان نشي ال عامل آخر لعب دورا مهما ف زعزعة يقي
العلماء بالواقع الوضوعي ,وهو انيار السلمات العلمية ف اليدان العلمي
الديث ,فبينما كانت تعتب تلك السلمات حقائق قاطعة ل تقبل الشك
استطاع العلم ان يزيفها ويبهن على خطئها فذابت ,ف لظة ذرات (جون
دالتون) وتزعزع قانون عدم فناء الادة ,ودللت التجارب على ان الادة وهم
عاش فيه البشر آلف السني ,فكان رد الفعل لذلك ان ثار الشك من جديد
وطغى على افكار عدة من العلماء ,فاذا كانت مسلمات العلم بالمس اخطاء
اليوم فلماذا ل يوز لنا ان نرتاب ف كل حقيقة مهما بدت لنا واضحة ,ولاذا
116
نفترض السألة الساسية ـ مسالة وجود الواقع الوضوعي للعال ـ فوق
الريب والشك؟.
وهكذا انبثقت النعة الثالية او اللأدرية ل باعتبار برهنة العلم على
صحتها وصوابا ,بل باعتبار تزعزع عقيدة العلماء بالعلم وزوال ايانم
بسلماته القاطعة ,ولكن هذا العامل ل يعدو ان يكون باعثا نفسيا او ازمة
نفسية اوحت بالتمايل نو الثالية ,وتزول هذه الزمة النفسية بادن ملحظة
حي تدرس السألة دراسة فلسفية ,ذلك ان العتقاد بوجود الواقع الوضوعي
للعال ليس ناشئا من براهي التجربة والعلم ,فقد عرفنا سابقا ان التجارب ل
يكن ان تبعث على هذا العتقاد وترج النسان من التصورية ال الوضوعية,
بل هو اعتقاد فطري ضروري ف الطبيعة النسانية ولجل ذلك فهو عام
يشترك فيه الميع حت الثاليون التمردون عليه بلسانم ,فانم أيضا يعتقدون
هذا العتقاد تاما كما تدل عليه حياتم العملية .واما السلمات الت ظهر
خطأها فهي تدور كلها حول بنية العال الوضوعي وتديد واقعه وعناصره
الساسية ,ومن الواضح ان مسلمات كهذه انا تثبت بالتجربة العلمية,
فانيارها ووضوح خطئها ـ بسبب نقصان التجارب الت ارتكزت عليها عدم
دقتها ,او عدم صحة الستنتاج العقلي للنظرية من التجربة ـ ل يعن بال من
الحوال ان يوز الطا على السلمات العقلية الضرورية.
ج ـ الثالية الفيزيولوجية:
وهذا لون آخر من الثالية يبدو عند بعض علماء الفيزيولوجيا ,ويعتمد ف
زعمهم على القائق الفيزيولوجية الت يكشفها العلم .وينطلق هذا التاه
الثال من نقطة ل نقاش فيها ,وهي ان الشكل الذات للحساس البشري
يتوقف تديده على تركيب حواسنا وعلى الهاز العضوي بصورة عامة .فليست
طبيعة الحساس الت من العال الارجي هي الت تدد بفردها شكل الشيء
ف احساسنا ,بل هو رهي بطبيعة الهاز العصب قبل كل شيء ,وقد زعموا
بناء على ذلك ان الاسة ل تعطينا انباء عن العال الارجي ,وانا هي تنبئنا
عن جهازنا العضوي الاص ,وليس معن ذلك ان الحساس ل صلة له
117
بالشيء الارجي ,بل الشياء الارجية هي ان السباب الولية لثارة
العمليات السية ف اعضائنا ,ولكن طبيعة الهاز الاص هي الت تبلور
عملية الحساس ف الكيفية الت يعب با عن نفسه ,ولجل هذا فالحساس
يكن ان يعتب بثابة رمز وليس بثابة صورة ,ذلك لن الصورة يتطلب منها
بعض الشبه مع الشيء الذي تثله ,واما الرمز فل يلزم ان يكون له أي شبه
مع الشيء الذي يعنيه.
وهذا التاه الثال من الضاعفات اللزمة للمفهوم الادي للدراك الذي
نرفضه كل الرفض ,فان الدراك اذا كان عبارة عن عملية فيزيولوجية
خالصة .وتفاعل مادي خاص بي الهاز العصب والشياء الوضوعية ف
الارج ,فيجب ان تكون كيفية هذا العمل الفيزيولوجي هنا مرتبطة بطبيعة
الهاز العصب ,او بطبيعة الهاز وطبيعة الشيء الوضوعي معا .وهذا وان
يكن مؤديا ال مثالية صرية ونفي لواقع العال الوضوعي ما دمنا قد احتفظنا
للشياء الارجية بصفة السببية لعمليات الهاز العصب ,ال انه قد يسمح
بالتشكيك ف مدى مطابقة الحساس للواقع الوضوعي ,والريب ف ان ل
يكون الدراك مرد انفعال خاص يدل على سببه بصورة رمزية من دون تشابه
ف القيقة والحتوى .وسوف نعود ال هذا الفهوم الثال الفيزيولوجي عن
قريب.
5ـ انصار الشك الديث:
ومرد هذا الشك الديث ف القيقة ال مذهب الشك القدي ,الذي
اتذته الدرسة الشكية الغريقية وبشر له (بيون) زاعما عجز النسان عن
اعطاء أي حكم على الشياء .وقد نشأت الشكية الديثة ف ظروف مشابة
للظروف الت اكتنفت تلك الدرسة القدية وساعدت على انشائها ,فالشكية
الغريقية جاءت كحل وسط للصراع الذي قام على أشده بي السفسطة
والفلسفة .فقد كانت السفسطة قد ولدت قبل الشكية بقرون .وتردت على
جيع القائق وانكرت القضايا العلمية والسية كافة .وقام الفلسفة ف وجهها
يظهرون تناقضاتا ويكشفون عن انيارها بي يدي النقد حت تضاءلت موجة
118
النكار ,فانبثقت عند ذلك فكرة الشك الت اعلنت عن (ل أدرية) مطلقة,
وحاولت تبير ذلك باظهار تناقضات الواس وتضارب الفكار الذي يسلب
عنها صفة الوقوف العلمي ,فكانت تفيفا للسفسطة .وكذلك المر ف الشكية
الديثة ,فان اصحابا حاولوا تقديها كحل للتناقض القائم بي الثالية
والواقعية ,ان صح ان يعتب الستسلم ال الشك حل لذا التناقض وكانت
بسبب ذلك صورة مففة عن الثالية.
ول تعتمد الشكية الديثة على اظهار تناقضات الحساس والدراك
فحسب ,بل على تليل العرفة الذي يؤدي ال الشك ف زعمها .فقد كان
(دافيد هيوم) الذي بشر بفلسفة الشك على اثر فلسفة (باركلي) يرى ان التأكد
من القيم الوضوعية للمعرفة البشرية امر غي ميسور ,لن اداة العرفة هي
الذهن او الفكر ,ول يكن ان يضر ف الذهن سوى ادراكات ,ومن المتنع
ان نتصور ان نكوّن معن شيء يتلف عن التصورات والنفعالت ,فلنوجه
انتباهنا ال الارج ما استطعنا ولتثب ميلتنا ال السماوات او ال اقاصي
الكون فلن نطو ابدا خطوة ال ما بعد انفسنا .ولذا فل يكن ان نيب
على السالة الساسية ف الفلسفة الت يتصارع عندها الثاليون والواقعيون.
فالثالية تزعم ان الواقع قائم ف الشعور والدراك ,والواقعية تؤكد على انه
موجود بصورة موضوعية مستقلة .والشكية ترفض ان تيب على السالة لن
الرد عليها مستحيل فلترجا السالة ال البد.
والواقع ان (دافيد هيوم) ل يزد على حجج (باركلي) شيئا ,وان زاد عليه
ف الشك والعبث بالقائق ,فلم يقف ف شكيته عند الادة الارجية ,بل
اطاح بالقيقتي اللتي احتفظ بما (باركلي) ف فلسفته ـ وها النفس
وال ـ تشيا مع البدأ السي ال النهاية ,فقد اتذ لذلك نفس اسلوب باركلي
وطريقته .فكما ان الوهر الادي ل يكن ف رأي باركلي ال مموعة من
الظواهر الركبة تركيبا صناعيا ف الذهن ,كذلك النفس ما هي ال جلة من
الظواهر الباطنية وعلقاتا ,ول يكن اثبات (النا) ـ النفس ـ بالشعور ,لنن
حي انفذ ال صميم ما اسيه (أنا) اقع على ظاهرة جزئية ,فلو ذابت
الدراكات جيعا ل يبق شيء استطيع ان اسيه (أنا).
119
وفكرة (ال) تقوم على مبدأ العلية ,ولكن هذا البدا ل يكن التسليم
بصحته بزعم (دافيد) ,لن الس ل يطلعنا على ضرورة بي الظواهر
والوادث ,وانا ترجع فكرة العلية ال مرد عادة ,او ال لون من الوان
تداعي العان.
وهكذا بلغ (دافيد) بالنظرية السية والذهب التجريب ال ذروتما الت
يؤديان اليها طبيعيا ,وبدل من ان يبهن عن هذا الطريق على رفض البدا
السي والتجريب ف الفكر انساق معه حت انطلق به ال النهاية الحتومة.
ول نريد ان نناقش (دافيد هيوم) من جديد ما دامت حججه اجترارا من
ادلة باركلي وآرائه ,وانا نتناول نقطة واحدة وهي العادة الت ارجع اليها مبدأ
العلية وكثيا من العلقات القائمة بي الشياء ف الفكر ,لنتساءل :ما هي
العادة؟ فان كانت عبارة عن ضرورة قائمة بي فكرة العلة والعلول ,فهي
تعبي آخر عن مبدأ العلية ,وان كانت شيئا آخر فهي ل تتلف عن العلية ف
كونا معن غيبيا ليس لدينا احساس او انفعال يقابله ,فكان يب عليه رفضه
كما رفض جيع القائق الت ل يتد اليها الس ,وقد سبق ف نقد الذهب
التجريب الرد على هذا التفسي الفاشل للعلية الذي حاوله (هيوم),
فليلحظ .
6ـ النسبيون:
تعتب النسبية من الذاهب الفلسفية القائلة بوجود القيقة وامكان العرفة
البشرية ,ولكن هذه العرفة او القيقة الت يكن للفكر النسان ان يظفر با
هي معرفة او حقيقة نسبية ,بعن انا ليست حقيقة خالصة من الشوائب
الذاتية ومطلقة ,بل هي مزيج من الناحية الوضوعية للشيء ,والناحية الذاتية
للفكر الدرك ,فل يكن ان تفصل القيقة الوضوعية ف التفكي عن الناحية
الذاتية وتبدو عارية عن كل اضافة اجنبية.
وف النسبية اتاهان رئيسيان يتلفان ف معن النسبية وحدودها ف العلوم
البشرية ,احدها التاة النسب ف فلسفة (عما نؤيل كانت) والخر التاه
120
النسب لعدة من الفلسفة الاديي الحدثي الذي مهد للنسبية التطورية الت
نادت با الادية الديالكتيكية.
أ ـ نسبية كانت:
يب ان تعرف قبل كل شيء ان الكم العقلي عند (كانت) على
قسمي:
احدها :الكم التحليلي ,وهو الكم الذي يستعمله العقل لجل
التوضيح فحسب ,كما ف قولنا :السم متد ,والثلث ذو اضلع ثلثة .فان
مرد الكم هنا ال تليل مفهوم الوضوع (السم او الثلث) ,واستخراج
العناصر التضمنة فيه ـ كالمتداد التضمن ف مفهوم السم ,والضلع الثلثة
التضمنة ف مفهوم الثلث ـ وردها ال الوضوع .والحكام التحليلية ل تتحفنا
بعرفة جديدة للموضوع ,ول تقوم ال بدور التفسي والتوضيح.
والخر :الكم التركيب ,وهو الذي يزيد مموله شيئا جديدا على
الوضوع ,كما ف قولنا :السم ثقيل ,والرارة تدد الفلزات ,و 4=2+2
فان الصفة الت نسبغها على الوضوع ف هذه القضايا ليست مستخرجة منه
بالتحليل ,وانا تضاف فتنشأ بسبب ذلك معرفة جديدة ل تكن قبل ذلك.
والحكام التركيبية ,تارة تكون أحكاما اولية ,واخرى تكون أحكاما ثانوية.
فالحكام الولية هي الحكام الثابتة لدى العقل قبل التجربة ,كالحكام
الرياضية نظي قولنا :الط الستقيم اقرب مسافة بي نقطتي .وسوف يأت ما
هو السبب ف كونا كذلك .والحكام التركيبية الثانوية هي الحكام الثابتة ف
العقل بعد التجربة ,نظي الكم بان ضوء الشمس يسخن الجر وان كل
جسم له وزن.
وتتلخص نظرية (كانت) عن العرفة ,ف تقسيم العارف او الحكام
العقلية ال ثلث طوائف(.)1
1ـ ينبغي للقارئ ان يعرف شيئا عن تليل العرفة ف راي (كانت) لتتضح له
نظريته ف قيمة العرفة وامكانا ,فهو يرى ان الس التجريب يستورد الوضوعات
التجريبية بصورة مشوشة فتنشأ بذلك احساسات متفرقة .فالطعم الذي جاء على
اللسان ,ل يرتبط بالرائحة الت سلكت عن طريق النف ,ول باللمعة الاطفة من
الضوء الت اثرت على شبكية العي ,ول بالصوت الذي طرق الذن .وهذه الشتات
السية تتوحد ف قالبي موجودين ف الس بالفطرة ,وها قالبا الزمان والكان ,فينتج
عن ذلك ادراك حسي او معرفة حسية لشيء معي ,فهذه العرفة ف مادتا مستوردة من
التجربة وف صورتا فطرية ترجع ال الزمان والكان .والدراكات السية بدورها هي
مواد خام تقدم بي يدي العقل لتتكون منها معرفة عقلية .والعقل يلك عدة قوالب
121
الول :الرياضيات .والحكام العقلية فيها كلها احكام تركيبية اولية
سابقة على التجربة ,لنا تعال موضوعات فطرية ف النفس البشرية.
فالندسة تتص بالكان ,والساب موضوعه هو العدد ,والعدد عبارة عن
تكرار الوحدة ,والتكرار معناه التعاقب والتتابع ,وهذا هو الزمن ف مفهومه
الفلسفي عند (كانت) .وإذن فالقطبان الرئيسيان اللذان تدور حولما البادئ
الرياضية ها الكان والزمان .والكان والزمان ف رأي (كانت) صورتان
فطريتان ف الساسية الصورية للنسان ,أي ان صورتيهما موجودتان ف الس
الصوري بصورة مستقلة عن التجربة ,وينتج من ذلك ان كل ما نعزوه
للشياء من احكام متعلقة بكانا او زمانا فهو مستمد من فطرتنا ,ول نعتمد
فيه على ما اتانا من الارج بواسطة الس .وعلى ذلك فكل القضايا الرياضية
مشتقة من طبائع عقولنا ,بعن اننا نن خلقناها بانفسنا ول نستوردها من
الارج ,اذ هي تدور حول الزمان والكان الفطريي .وبذا تصبح الرياضية
والبادئ الرياضية مكنة العرفة ,وتصبح القائق الرياضية حقائق يقينية مطلقة
فطرية نظي القوالب الت يلكها الس ,فيصب تلك الواد الام ف هذه القوالب,
ويبلورها ف تلك الطارات فتحصل العرفة العقلية.
وهكذا تكون الشياء الحسوسة مركبة من مادة ادركت بالس ,وصورة زمانية
ومكانية انشاتا الساسية الصورية ,أي الساسية الت تلق الصورة الوحدة
للحساسات الختلفة .وتتالف الشياء العقولة أيضا من مادة وهي الظواهر الت
تصوغها الساسية الصورية ف اطار الزمان والكان ,وصورة وهي القوالب الت ينشئها
الفهم الصوري ويوحد با تلك الظواهر.
122
فل تتسع ف اليدان الرياضي للخطأ او التناقض ,ما دام اليدان الرياضي هو
اليدان الفطري للنفس ,وما دامت قضاياه منشأة من قبلنا وليست مقتسبة من
واقع موضوعي منفصل عنا لنشك ف مدى امكان معرفته واستكناه سره.
والثانية :الطبيعيات ,أي العارف البشرية عن العال الوضوعي الذي
يدخل ف نطاق التجربة.
ويبدأ (كانت) هنا باستبعاد الادة عن هذا النطاق لن الذهن ل يدرك من
الطبيعة ال ظواهرها .فهو يتفق مع (باركلي) على ان الادة ليست موضوعا
للدراك والتجربة ,ولكنه يتلف عنه من ناحية اخرى .فهو ل يعتب ذلك
دليل على عدم وجود الادة ومبرا لنفيها فلسفيا كما زعم باركلي.
واذا سقطت الادة من الساب فل يبقى للعلوم الطبيعية ال الظواهر الت
تدخل ف حدود التجربة ,فهذه الظواهر هي موضوع هذه العلوم ولذلك
كانت الحكام فيها تركيبية ثانوية لنا ترتكز على درس الظواهر الوضوعية
للطبيعة ,وهذه الظواهر انا تدرك بالتجربة.
واذا اردنا ان نلل هذه الحكام التركيبية الثانوية من قبل العقل,
وجدناها مركبة ف القيقة من عنصرين :احدها تريب ,والخر عقلي .اما
الانب التجريب من تلك الحكام العقلية فهو الحساسات الستوردة
بالتجربة من الارج ,بعد صب الس الصوري لا ف قالب الزمان والكان.
واما الانب العقلي فهو الرابطة الفطرية الت يسبغها العقل على الدركات
السية ,ليتكون من ذلك علم ومعرفة عقلية .فالعرفة اذن مزيج من الذاتية
والوضوعية ,فهي ذاتية ف صورتا ,وموضوعية ف مادتا ,لنا نتيجة التوحيد
بي الادة التجريبية الستوردة من الارج ,واحدى الصور العقلية الاهزة
فطريا ف العقل .فنحن نعرف ـ مثل ـ ان الفلزات تتمدد بالرارة ,واذا اخذنا
هذه العرفة بشيء من التحليل نتبي ان موادها الام ,وهي ظاهرة التمدد ف
الفلزات وظاهرة الرارة ,جاءت عن طريق التجربة ,ولولها لا استطعنا ان
ندرك هذه الظواهر .واما الناحية الصورية ف العرفة أي سببية احدى
الظاهرتي للخرى فليست تريبية ,بل مردها ال مقولة العلية الت هي من
123
مقولت العقل الفطرية ,فلو ل نكن نلك هذه الصورة القبلية لا تكونت
معرفة .كما أنّا لو ل نصل على الواد بالتجربة لا تققت لنا معرفة ايضا.
فالعرفة توجد بتكييف العقل للموضوعات التجريبية باطاراته وقوالبه الاصة,
أي مقولته الفطرية ,ال ان العقل هو الذي يتكيف وان اطاراته وقوالبه هي
الت تتبلور تبعا للموضوعات الدركة .فالعقل ف ذلك نظي شخص ياول ان
يضع كمية من الاء ف اناء ضيق ل يسعها ,فيعمد ال الاء فيقلل من كميته
ليمكن وضعه فيه بدل عن ان يوسع الناء ليستوعب الاء كله.
وهكذا يتضح النقلب الفكري الذي احدثه (كانت) ف مسالة الفكر
النسان ,اذ جعل الشياء تدور حول الفكر وتتبلور طبقا لطاراته الاصة ,بدل
عما كان يعتقده الناس من ان الفكر يدور حول الشياء ويتكيف تبعا لا.
وعلى هذا الضوء وضع (كانت) حدا فاصل بي (الشيء ف ذاته)
و (الشيء لذاتنا) .فالشيء ف ذاته هو الواقع الارجي دون أي اضافة من ذاتنا
اليه .وهذا الواقع الجرد عن الضافة الذاتية ل يقبل العرفة ,لن العرفة
ذاتية وعقلية ف صورتا .والشيء لذاتنا هو الزيج الركب من الوضوع
التجريب ,والصورة الفطرية القبلية الت تتحد معه ف الذهن .ولذا تكون
النسبية مفروضة على كل حقيقة تثل ف ادراكاتنا للشياء الارجية ,بعن ان
ادراكنا يدلنا على حقيقة الشيء لذاتنا ,ل على حقيقة الشيء ف ذاته.
وبذلك تتلف العلوم الطبيعية عن العلوم الرياضية ,فان العلوم الرياضية
لا كان موضوعها موجودا ف النفس بصورة فطرية ل تقم فيها اثنينية بي
الشيء ف ذاته والشيء لذاتنا ,وعلى عكس ذلك العلوم الطبيعية ,فانا تتناول
الظواهر الارجية الت تقع عليها التجربة ,وهي ظواهر موجودة بصورة مستقلة
عنا ونن نعلمها ف قوالبنا الفطرية ,فل غرو ان يفصل بي الشيء ف ذاته
والشيء لذاتنا.
الثالثة :اليتافيزيقا .ويرى (كانت) استحالة التوصل فيها ال معرفة عن
طريق العقل النظري ,وان أي ماولة لقامة معرفة ميتافيزيقية على أساس
فلسفي هي ماولة فاشلة ليست لا قيمة ,وذلك انه ل يصح ف القضايا
124
اليتافيزيقية شيء من الحكام التركيبية الولية والحكام التركيبية الثانوية .اما
الحكام التركيبية الولية فهي لا كانت احكاما مستقلة عن التجربة ,فل يصح
ال على موضوعات ملوقة للنفس بصورة فطرية وجاهزة ف الذهن بل تربة,
كموضوعي العلوم الرياضية من الزمان والكان ,وليست الشياء الت تتناولا
اليتافيزيقا ـ وهي ال والنفس والعال ـ كذلك ,فان اليتافيزيقا ل تعال امورا
ذهنية ,وانا تاول البحث عن اشياء موضوعية قائمة ف نفسها.
واما الحكام التركيبية الثانوية فهي الحكام الت تعال موضوعات
تريبية ,كموضوعات العلوم الطبيعية الت تدخل ف اليدان التجريب ,ولذلك
صارت ثانوية باعتبار احتياجها ال التجربة ,ومن الواضح ان مواضيع
اليتافيزيقا ليست تريبية فل يكن ان يتكون فيها حكم تركيب ثانوي ,ول
يبقى للميتافيزيقا بعد ذلك متسع ال للحكام التحليلية ,أي الشروح
والتفاسي للمفاهيم اليتافيزيقية ,وهذه الحكام ليست من العرفة القيقية
بشيء ,كما عرفنا سابقا.
والنتيجة الت يلص اليها (كانت) من ذلك:
اولً :ان احكام العلوم الرياضية تركيبية اولية وهي ذات قيمة مطلقة.
ثانيا :ان الحكام الت تقوم على أساس التجربة ف العلوم الطبيعية
احكام تركيبية ثانوية ,والقيقة فيها ل يكن ان تكون اكثر من حقيقة نسبية.
ثالثا :ان موضوعات اليتافيزيقا ل يكن ان توجد فيها معرفة عقلية
صحيحة ,ل على أساس الحكام التركيبية الولية ول على أساس الحكام
التركيبية الثانوية.
والنقطة الرئيسية ف نظرية (كانت) هي ان الدراكات العقلية الولية
ليست علوما قائمة بنفسها ذات وجود مستقل عن التجربة ,بل هي روابط
تساعد على تنظيم الشياء ووصلها بعضها ببعض .فدورها الوحيد هو انا
تعلنا ندرك الشياء التجريبية ف اطاراتا الاصة.
ويترتب على ذلك طبيعيا الغاء اليتافيزيقا ,لن تلك الدراكات الولية
125
ليست علوماً بل هي روابط ,ولجل ان تكون علما تتاج ال موضوع ينشئه
الذهن او يدركه بالتجربة ,والوضوعات اليتافيزيقية ليست من منشآت الذهن
ول من مدركات التجربة ,كما يترتب عليه أيضا ان القيقة ف العلوم الطبيعية
نسبية دائما ,لن تلك الروابط داخلة ف صميم معارفنا عن الظواهر الارجية,
وهي روابط ذاتية .فيختلف الشيء ف ذاته عن الشيء لذاتنا.
وتنطوي نظرية (كانت) هذه على خطأين اساسيي:
الول :انا تعتب العلوم الرياضية منشئة للحقائق الرياضية ومبادئها,
وبذا العتبار ارتفع (كانت) ببادئ الرياضة وحقائقها عن امكان الطأ
والتناقض ,ما دامت ملوقة للنفس ومستنبطة منها وليست مستوردة من الارج
ليشك ف خطئها او تناقضها.
ولكن القيقة الت يب ان تقوم عليها كل فلسفة واقعية هي ان العلم
ليس خلقا ومنشئا ,وانا هو كاشف عما هو خارج حدوده الذهنية الاصة,
ولول هذا الكشف الذات لا أمكن الرد على الفهوم الثال مطلقا ,كما سبق.
فعلمنا بأن 4=2+2هو علم بقيقة رياضية معنية ,وليس معن علمنا با
اننا ننشؤها ونلقها ف داخل نفوسنا ـ كما تاول الثالية ان تفسر العلم
بذلك ـ بل العلم ف طبيعته كالرآة ,فكما ان الرآة تدلل على وجود واقع
للصورة النعكسة فيها خارج حدودها ,كذلك العلم يكشف عن حقيقة
مستقلة ,ولجل ذلك كان ,4=2+2سواء اكان يوجد مفكر رياضي على
وجه الرض ام ل ,وسواء ادرك هذه القيقة انسان ام ل .ومعن ذلك ان
البادئ والقائق الرياضية لا واقع موضوعي ,فهي قواني تعمل وتريء,
وليست العلوم الرياضية ال انعكاسات لا ف الذهن البشري .وعلى هذا
تكون كالبادئ والقواني الطبيعية تاما من حيث كونا واقعا مستقل ينعكس
ف العقل ,فنواجه السؤال عن انعكاسها الذهن ومدى صحته ودقته ,كما
نواجه ذلك السؤال ف سائر العلوم .وليس لذا السؤال ال جواب واحد وهو
الواب الذي يقدمه الذهب العقلي القائل بان تلك النعكاسات للمبادئ
الرياضية ف الذهن البشري لا كانت فطرية وضرورية فهي مضمونة الصحة
126
بصورة ذاتية ,فالقائق الرياضية مكنة العرفة ل لننا نن نلقها ,بل لننا
نعكسها ف علوم فطرية ضرورية.
الثان :ان (كانت) يعتب القواني التأصلة ف العقل البشري قواني
للفكر ,وليست انعكاسات علمية للقواني الوضوعية الت تتحكم ف العال
وتسيطر عليه بصورة عامة ,بل ل تعدو ان تكون مرد روابط موجودة ف
العقل بالفطرة ينظم با ادراكاته السية .وقد سبق ان هذا الطأ هو الذي
نتج عنه القول بنسبية القائق الدركة عن عال الطبيعة ,والقول بتعذر درس
اليتافيزيقا دراسة عقلية ,وعدم إمكان اقامتها على أساس تلك الدراكات
العقلية الفطرية ,لنا مرد روابط ينظم العقل با ادراكاته السية ,وليست
لدينا ادراكات فيما يص موضوعات اليتافيزيقا لتنظم بتلك الروابط.
والنسياق مع الذهب النقدي هذا يؤدي ال الثالية حتما ,لن الدراكات
الولية ف العقل اذا كانت عبارة عن روابط معلقة تنتظر موضوعا لتظهر فيه,
فكيف يتاح لنا ان نرج من التصورية ال الوضوعية؟! وكيف نستطيع ان
نثبت الواقع الوضوعي لحاسيسنا الختلفة ـ أي ظواهر الطبيعة الت يعترف
بوضوعيتها (كانت)؟! فنحن نعلم ان طريق اثبات الواقع الوضوعي
للحساس هو مبدأ العلية ,الذي يكم بان كل انفعال حسي ل بد ان ينبثق
عن سبب أثار ذلك النفعال الاص ,فاذا رجعت العلية ف مفهوم (كانت)
ال رابطة بي الظواهر الحسوسة ,فهي عاجزة بطبيعة الال عن القيام باي
وظيفة اكثر من الربط بي احساساتنا وما يبدو فيها من ظاهرات ,ومن حقنا
حينئذ ان نسأل (كانت) عن البرات الفلسفية ف نظرة للعتقاد بواقع
موضوعي للعال الحسوس ,ما دمنا ل نلك معرفة فطرية كاملة كمبدأ العلية
لنبهن با على ذلك الواقع ,وانا نلك عدة روابط وقواني لتنظيم الفكر
والدراك.
وعلى هذا ,فالواقعية ل بد لا ان تعترف بان الدراكات الفطرية ف
العقل عبارة عن انعكاسات علمية لقواني موضوعية مستقلة ,وتزول بذلك
نسبية (كانت) الت زعمها ف معارفنا عن الطبيعة ,ذلك ان كل معرفة ف
127
العلوم الطبيعية ,وان كانت باجة ال ادراك فطري يقوم على اساسه
الستنتاج العلمي من التجربة ,ولكن هذا الدراك الفطري ليس ذاتيا خالصا
بل هو انعكاس فطري موضوعي مستقل عن حدود الشعور والدراك.
فمعرفتنا بان الرارة سبب لتمدد الفلزات تستند ال ادراك حسي تريب
للحرارة والتمدد ,وادراك عقلي ضروري لبدا العلية ,وكل من الدراكي
يعكس واقعا موضوعيا ,وقد نتجت معرفتنا بتمديد الرارة للفلزات عن
معرفتنا بالواقعي الوضوعيي لذينك الدراكي ,فليس ما يطلق عليه (كانت)
اسم الصورة ,صورة عقلية خالصة للعلم ,بل هو علم يتمتع بصائص
العلم الكشف الذات وانعكاس واقع مستقل فيه.
واذا عرفنا ان العقل يلك بصورة فطرية علوما ضرورية بعدة قواني
وحقائق موضوعية ,صار باستطاعتنا ان نبن قضايا اليتافيزيقا على أساس
فلسفي بدراستها على ضوء تلك العلوم الضرورية ,لنا ليست مرد روابط
خالصة بل هي معارف اولية وف امكانا ان تنتج للفكر البشري علوما
جديدة.
ب ـ النسبية الذاتية:
ييء بعد (كانت) دور النسبيي الذاتيي ,وهم الذين يؤكدون على
الطابع النسب ف جيع القائق الت تبدو للنسان ,باعتبار الدور الذي يلعبه
عقل كل فرد ف عملية اكتسابه لتلك القائق .فليست القيقة ـ ف هذا
الفهوم الديد ـ ال المر الذي تقتضيه ظروف الدراك وشرائطه .ولا كانت
هذه الظروف والشرائط تتلف ف الفراد والالت التنوعة .كانت القيقة ف
كل مال حقيقة بالنسبة ال ذلك الجال الاص با ينطوي عليه من ظروف
وشرائط .وليست القيقة هي مطابقة الفكرة للواقع لتكون مطلقة بالنسبة ال
جيع الحوال والشخاص.
وهذه النسبة وان كانت تمل شعار القيقة ,ولكنه شعار مزيف,
فليست هي كما يبدو بكل وضوح ال مذهبا من مذاهب الشك والريب ف كل
واقع موضوعي.
128
ويساند النسبية الذاتية هذه التاه الفيزيولوجي للمثالية القائل ان
الحساس ل يعدو ان يكون رمزا ,وان الذي يدد كيفيته ونوعيته ليس هو
الشيء الارجي بل طبيعة الهاز العصب.
والواقع ان السبب الصيل الذي اتاح الظهور لذه النسبية الذاتية هو
التفسي الادي للدراك ,واعتباره متوى عملية مادية يتفاعل فيها الهاز
العصب الدرك والشيء الوضوعي ,كالضم الذي تققه عملية تفاعل خاص
بي الهاز الاضم والواد الغذائية .فكما ان الغذاء ل يتفاعل ول يهضم ال
باجراء عدة تصرفات وتطويرات عليه ,كذلك الشيء الذي ندركه ل يتاح لنا
ادراكه ال بالتصرف فيه والتفاعل معه.
وتتلف هذه النسبية عن نسبية (كانت) ف نقطتي:
الول :انا تضع جيع القائق للطابع النسب الذات من دون استثناء,
خلفا لـ (كانت) اذ كان يعتب البادئ والعارف الرياضية حقائق مطلقة.
فـ 4=2+2حقيقة مطلقة ل تقبل الشك ف راي (كانت) ,واما ف راي
النسبيي الذاتيي فهي حقيقة نسبية ,بعن انا الشيء الذي تقتضيه طبيعة
ادراكنا وجهازنا الاص فحسب.
الثانية :ان القيقة النسبية ف رأي النسبيي الذاتيي تتلف ف الفراد,
وليس من الضروري ان يشترك جيع الناس ف حقائق معينة ,لن لكل فرد
دورا ونشاطا خاصا ,فل يكن الكم بان ما يدركه فرد هو نفس ما يدركه
الفرد الخر ما دام من المكن اختلفهما ف وسائل الدراك او طبيعته .واما
(كانت) فالقوالب الصورية عنده قوالب فطرية تشترك فيها العقول البشرية
جيعا ,ولذا كانت القائق النسبية مشتركة بي الميع .وسوف يات ف
مستقبل دراستنا الديث عن التفسي الادي للدراك ,الذي ارتكزت عليه
النسبية الذاتية وتفنيده.
ڤ................................................الشك العلمي
رأينا قبل ساعة ان الشك الذي تسرب ال صفوف العلماء الطبيعيي حي
129
قاموا بفتوحاتم الكبى ف حقل الفيزياء ل يكن شكا علميا ول مرتكزا على
برهان علمي ,وانا هو شك قائم على خطا فلسفي او ازمة نفسية.
ولكننا ند ف حقول اخرى نظريات علمية تؤدي حتما ال الشك والقول
بانكار قيمة العرفة البشرية ,بالرغم من ان بعض اصحابا ل يفكروا ف
الوصول ال هذه النتيجة بل ظلوا مؤمني بقيمة العرفة وموضوعيتها ,ولجل
ذلك اطلقنا اسم الشك العلمي على الشك الناتج عن تلك النظريات لنا
علمية او ذات مظهر علمي على اقل تقدير.
ومن اهم تلك النظريات:
1ـ السلوكية الت تفسر علم النفس على أساس علم الفزلة.
2ـ مذهب التحليل النفسي عند فرويد.
3ـ الادية التاريية الت تدد آراء الاركسية ف علم التاريخ.
اما السلوكية فهي احدى الدارس الشهية ف علم النفس الت تعب عن
التاه الادي فيه ,واطلق عليها اسم السلوكية لنا اتذت من سلوك الكائن
الي وحركاته السمية الت يكن اخضاعها للحس العلمي والتجربة موضوعا
لعلم النفس ,ورفضت العتراف با وراء ذلك من موضوعات غي تريبية
كالعقل والشعور ,وحاولت ان تفسر سيكولوجية النسان وحياته النفسية
والشعورية كلها بدون ان تفترض له عقل وما اليه من العان الغيبية لن
الباحث النفسي ل يد ول يس علميا حي اجراء تاربه على الخرين
بعقولم وانا يس بسلوكهم وحركاتم ونشاطهم الفيزيولوجي ,فيجب لكي
يكون البحث علميا ,ان تفسر كل الظواهر السيكولوجية ضمن النطاق
الحسوس وذلك بالنظر ال النسان بوصفه آلة يكن تفسي كل ظواهرها
وحركاتا على الطريقة اليكانيكية وف ضوء مبدأ العلية بالنبهات الارجية الت
ترد على اللة فتؤثر فيها ,فل يوجد لدينا ونن ندرس الظواهر النفسية من
وجهة راي السلوكية عقل او شعور او ادراك ,وانا نن امام حركات
ونشاطات مادية فيزيولوجية توجد باسباب مادية باطنية او خارجية .فحي
نقول ,مثل ,ان استاذ التاريخ يفكر ف اعداد ماضرة عن تاريخ اللكية
130
الفردية عند الرومان ,نكون قد عبنا ف القيقة عن نشاطات وحركات مادية
ف جهازه العصب نشأت ميكانيكيا عن اسباب خارجية او باطنية كحرارة
الوقد الذي جلس امامه استاذ التاريخ او عمليات الضم الت اعقبت تناوله
وجبة الغذاء.
وقد وجدت السلوكية ف النبهات الشرطية القائمة على تارب بافلوف
مسندا كبيا يتيح لا التأكيد على كثرة النبهات الت يتلقاها النسان (بسبب
نوها وزيادتا عن طريق الشراط) حت اصبح بالمكان القول بان مموع
النبهات (الطبيعية والشرطية) يتكافأ مع مموع الفكار ف حياة النسان ,واما
كيف استفادت السلوكية من تارب بافلوف ,وما هي النبهات الشرطية الت
كشفت عنها هذه التجارب فضاعفت من عدد النبهات الت تفسر السلوكية ف
ضوئها افكار النسان وال أي مدى يكن لتجارب بافلوف ان تبهن على
وجهة النظر السلوكية ,فهذا ما سنجيب عنه ف البحث الخصص للدراك من
بوث هذا الكتاب ـ وهو الزء الامس من القسم الثان ف هذا
الكتاب ـ وانا يهمنا الن ابراز وجهة النظر السلوكية الت تضع الياة الفكرية
عند النسان للتفسي اليكانيكي وتفهم الفكر والشعور بوصفه نشاطا
فيزيولوجيا تثيه اسباب مادية متنوعة.
ومن الواضح ان أي ماولة لوضع نظرية للمعرفة ف ضوء السلوكية هذه
يؤدي حتما ال موضوع سلب تاه قيمة العرفة وال عدم العتراف بقيمتها
الوضوعية ,وبالتال يصبح كل بث عن صحة هذه الفكرة العلمية او هذا
الذهب الفلسفي او ذاك الراي الجتماعي عبثا ل مبر له لن كل فكرة,
مهما كان طابعها او مالا العلمي او الفلسفي او الجتماعي ,ل تعب عن
شيء سوى حالت خاصة تدث ف اجسام اصحاب الفكرة انفسهم .فل
نستطيع ان نتساءل على الصعيد الفلسفي أي الفلسفتي على صواب :مادية
ابيقور او الية ارسطو ,ول ان نتساءل على الصعيد العلمي ايهما على صواب:
نيوتن ف فكرته القائلة بتفسي الكون على أساس الاذبية ,او آنشتي ف نسبيته
العامة ,ماركس ف تفكيه القتصادي ,او ريكاردو مثل .وهكذا ف كل
الجالت ,لن تساؤلنا هذا يبدو ف ضوء السلوكية شبيها تامـا بالتساؤل عـن
131
عمليات الضم عند الباحثي الختلفي وأيهما هو الصحيح ,فكما ل يصح ان
نساءل ايهما هو القيقة ,عمليات الضم عند أبيقور ونيوتن وماركس او عند
ارسطوا وانشتي وريكاردو .كذلك ل يصح ان نتساءل أي مذاهبهم وافكارهم
هو القيقة لن افكار هؤلء الفكرين ,كعمليات الضم الختلفة ف معدهم,
ليست ال وظائف جسمية ونشاطات عضوية ,فمت أمكن لنشاط العدة ف
عمليات الضم ان يكشف لنا عن نوعية الغذاء ويصف لنا طبيعته يتاح
للنشاط العصب ف الدماغ ان يعكس شيئا من القائق الارجية ,وما دام ل
يوز لنا ان نتساءل عن نشاط العدة أهو صادق او كاذب فكذلك بالنسبة ال
النشاط الفكري.
وند ايضا بوضوح ان الفكرة ف راي الدرسة السلوكية مرتبطة بنبهاتا
ل بدليلها ,وبذلك تفقد الثقة بكل معرفة بشرية لن من الائز ان تتبدل
وتعقبها فكرة مناقضة اذا اختلفت النبهات والشروط الارجية ويعود من عبث
القول مناقشة الفكر ف فكرته وأدلتها وانا يب الفحص عن النبهات الادية
لتلك الفكرة وازالتها .فاذا كانت الفكرة قد نشأت مثل من حرارة الوقد ف
الغرفة الت يفكر وعملية الضم كان السبيل الوحيد للقضاء على الفكرة
تغيي جو الغرفة وايقاف عمليات الضم مثل ,وهكذا تصبح العرفة البشرية
خواء وخلوا من القيمة الوضوعية.
ومذهب التحليل النفسي عند فرويد يسجل نفس النتائج الت انتهت
اليها السلوكية فيما يتصل بنظرية العرفة ,فهو وان كان ل ينكر العقل ولكنه
يقسمه لفئتي احداها العناصر الشعورية وهي مموعة الفكار والعواطف
والرغبات الت نس با ف نفوسنا ,والخر العناصر اللشعورية ف العقل أي
شهواتنا وغرائزنا الختزنة وراء شعورنا وهي قوى عقلية عميقة الغور ف
اعماقنا ول يكن لنا السيطرة على نشاطها او التحكم ف تكوينها وتطورها,
وكل العناصر الشعورية تعتمد على هذه العناصر الفية الت ل نشعر با,
وليست اعمال الشخص الشعورية ال انعكاسا مرفا لتلك الشهوات والدوافع
الختزنة ف اللشعور ,فالشعور اذن اتى عن طريق اللشعور حت يكن القول
132
لدى اصحاب التحليل النفسي بان اللشعور هو الذي يدد متويات الشعور
وبالتال يتحكم ف كل افكار النسان وسلوكه .وعلى هذا الساس تصبح
شهواتنا الغريزية هي الساس القيقي لا نعتقد بصحته ,وليست عمليات
الستدلل الت تدينا ال النتائج الفروضة علينا سلفا من قبل شهواتنا
وغرائزنا ال اعلء لتلك الغرائز وتساميا با ال منطقة الشعور الت تشكل
القسم العلى من العقل ,بينما تشكل العناصر اللشعورية والغرائز والشهوات
الختزنة الطابق الرضي او القسم السفل الساسي.
وبسهولة نستطيع ان ندرك اثر هذا الذهب التحليلي على نظرية العرفة.
فان الفكر ف ضوئه ليس اداة لتصوير الواقع والدس بالقيقة وانا وظيفته
التعبي عن متطلبات اللشعور ,والنتهاء حتما ال النتائج الت تفرضها شهواتنا
وغرائزنا الختزنة ف اعماقنا ,وما دام العقل آلة طيعة ف خدمة غرائزنا والتعبي
عنها ل عن القيقة والواقع فليس هناك ما يدعو ال العتقاد بانه يعكس
القيقة لن من الائز ان تكون القيقة على خلف رغباتنا اللشعورية الت
تتحكم ف عقلنا .ومن الستحيل ان نفكر ف تقدي أي ضمان للتوافق بي
قوانا العقلية اللشعورية وبي القيقة لن هذا التفكي ذاته ينبثق ايضا عن
رغباتنا اللشعورية ويعب عنها ل عن الواقع والقيقة.
وييء بعد هذا دور الادية التاريية لتنتهي ال نفس النتيجة الت اسفرت
عنها مذاهب السلوكية والتحليل النفسي بالرغم من ان اصحابا يرفضون كل
لون للشك ويؤمنون على الصعيد الفلسفي بقيمة العرفة وقدرتا على كشف
القيقة.
والادية التاريية تعب عن الفهوم الكامل للماركسية عن التاريخ والجتمع
وقواني تركبه وتطوره وهي لذلك تعال الفكار والعارف النسانية عامة
بوصفها جزءا من تركيب الجتمع النسان فتعطي رأيها ف كيفية نشوء سائر
الوضاع السياسية والجتماعية.
والفكرة الساسية ف الادية التاريية هي ان الوضع القتصادي الذي
تدده وسائل النتاج هو الساس الواقعي للمجتمع بكل نواحيه فجميع
133
الظواهر الجتماعية تنشأ عن الوضع القتصادي وتتطور تبعا لتطوره .ففي
بريطانيا مثل حينما توّل وضعها القتصادي من القطاع ال الرأسالية وحلت
الطاحونة البخارية مل الطاحونة الوائية تبدلت جيع اوضاعها الجتماعية
وتكيفت وفقا للحالة القتصادية الديدة.
ومن الطبيعي للمادية التاريية ,بعد ان آمنت بذا ,ان تربط العرفة
النسانية عموما بالوضع القتصادي أيضا بوصفها جزءا من الكيان الجتماعي
الذي يرتكز كله على العامل القتصادي ,ولذلك ند انا تؤكد على ان
العرفة النسانية ليست وليدة النشاط الوظيفي للدماغ فحسب ,وانا يكمن
سببها الصيل ف الوضع القتصادي ,ففكر النسان انعكاس عقلي للوضاع
القتصادية وما ينشأ عنها من علقات وهو ينمو ويتطور طبقا لتلك الوضاع
والعلقات.
و من الي سي ان نل حظ ه نا ان القوى القت صادية احتلت ف الاد ية التاري ية
مو ضع العنا صر اللشعور ية من الغرائز والشهوات ف نظر ية فرو يد ,فبين ما كان
الف كر ع ند فرو يد ت عبيا حتم يا عن متطلبات الغرائز والشهوات الكتنة ي صبح
فـ رأي الاديـة التارييـة تعـبيا حتميا عـن متطلبات القوى القتصـادية والوضـع
القتصـادي العام .والنتيجـة واحدة فـ الاليـ وهـي انعدام الثقـة بالعرفـة
وفقدان ا لقيمت ها لن ا اداة لتنف يذ متطلبات قوة صارمة م سيطرة على التفك ي هي
قوة اللشعور او قوة الوضـع القتصـادي ,ول يكننـا ان نعرف مـا اذا كان
الوضـع القتصـادي يلي فـ عقولنـا القيقـة او ضدهـا ,وحتـ اذا وجدت هذه
العر فة ف هي بدور ها ايضا ت عبي جد يد عن متطلبات الو ضع القت صادي ال ت ل
نعرف بعد كيف نثق بتطابقها مع الواقع.
وبذا نعرف ان مذهـب الاركسـية فـ التاريـخ كان يفرض عليهـا الشـك,
غي انا ل تضع للشك واعلنت ف فلسفتها عن ايانا بالعرفة وقيمتها.
وسوف نعرض فيما بعد لنظرية العرفة عند الاركسية على الصعيد الفلسفي,
وانا نريد ان نشي هنا ال ان النتائج الحتومة للمذهب الاركسي ف
التاريخ ـ أي الادية التاريية ـ تناقض نظرية الاركسية الفلسفية عن العرفة لن
134
الربط الحتوم بي الفكر والعامل القتصادي ف الذهب التاريي للماركسية
يزيل الثقة بكل معرفة بشرية خلفا لنظرية العرفة الاركسية الت تؤكد على
هذه الثقة كما سنرى.
وسوف لن ندخل ف نقاش الن مع هذه النظريات الثلث (السلوكية
واللشعورية والادية التاريية) فاننا ناقشنا السلوكية ورصيدها العلمي الزعوم من
تارب بافلوف ف دراستنا للدراك ـ الزء الامس من القسم الثان لذا
الكتاب ـ واستطعنا ان نبهن على ان السلوكية ل تكفي تفسيا مقبولً للفكر,
كما تناولنا ف كتاب (اقتصادنا) الادية التاريية بالدرس والنقد الوسع بوصفها
الساس العلمي للقتصاد الاركسي ,وانتهينا ال نتائج تدين الادية التاريية ف
ارصدتا الفلسفية والعلمية وتبز الوان التناقض بينها وبي اتاه الركة
التاريية ف واقع الياة .واما نظرية فرويد ف التحليل النفسي فلها موضعها
من البحث ف كتاب متمعنا.
فنحن هنا اذن لسنا بصدد نقاش تلك النظريات ف مالتا الاصة .وانا
سوف نقتصر على الديث عنها بالقدر الذي يتصل بنظرية العرفة.
ففي حدود العلقة بي تلك النظريات ونظرية العرفة نستطيع القول بأن
البهنة ضد العرفة البشرية وقيمتها الوضوعية بنظرية علمية تنطوي على
تناقض وبالتال على استحالة فاضحة لن النظرية العلمية الت تقدم ضد
العرفة البشرية ولزالة الثقة با سوف تكم على لذاتا أيضا وتنسف اساسها
وتسقط عن العتبار لنا ليست ال احدى تلك العارف الت تاربا وتشك او
تنكر قيمتها ,ولذلك كان من الستحيل ان تتخذ النظرية العلمية دليل على
الشك الفلسفي ومبرا لتجريد العرفة من قميتها.
فالنظرية السلوكية تصور الفكر باعتباره حالة مادية تدث ف جسم الفكر
بأسباب مادية كما تدث حالة ضغط الدم فيه .ولجل ذلك تنتهي بتجريده
من قيمته الوضوعية ,غي ان هذه النظرية ليست هي من وجهة نظر السلوكية
نفسها ال حالة خاصة حدثت ف اجسام اصحاب النظرية انفسهم ول تعب
عن شيء سوى ذلك.
135
كما ان نظرية فرويد جزئ من حياته العقلية الشعورية ,فاذا صح ان
الشعور تعبي مرّف عن القوى اللشعورية ونتيجة متومة لتحكم تلك القوى ف
سيكولوجية النسان فسوف تفقد نظرية فرويد قيمتها لنا ف هذا الضوء
ليست أداة للتعبي عن القيقة وانا هي تعبي عن شهواته وغرائزه الخبوءة ف
اللشعور.
وقل الشيء نفسه عن الادية التاريية الت تربط الفكر بالوضع
القتصادي ,وبالتال تعل من نفسها نتيجة لوضع اقتصادي معي عاشه
ماركس وانعكس ف ذهنه معبا عن متطلباته ف مفاهيم الادية التاريية ويصبح
من الحتوم على الادية التاريية ان تتغي وفقا لتغي الوضع القتصادي.
ڤ............................................نظرية العرفة ف فلسفتنا
والن نستطيع ان نستخلص من دراسة الذاهب السابقة ونقدها الطوط
العريضة لذهبنا ف الوضوع ,وتتلخص فيما يأت:
الط الول :ان الدراك البشري على قسمي :احدها التصور ,والخر
التصديق .وليس للتصور بختلف ألوانه قيمة موضوعية ,لنه عبارة عن وجود
الشيء ف مداركنا ,وهو ل يبهن ـ اذا جرد عن كل اضافة ـ على وجود
الشيء موضوعيا خارج الدراك ,وانا الذي يلك خاصة الكشف الذات عن
الواقع الوضوعي هو التصديق او العرفة التصديقية .فالتصديق هو الذي
يكشف عن وجود واقع موضوعي للتصور.
الط الثان :ان مرد العارف التصديقية جيعا ال معارف اساسية
ضرورية ,ل يكن إثبات ضرورتا بدليل او البهنة على صحتها ,وانا يشعر
العقل بضرورة التسليم والعتقاد بصحتها ,كمبدا عدم التناقض ومبدأ العلية
والبادئ الرياضية الولية ,فهي الضواء العقلية الول ,وعلى هدي تلك
الضواء يب ان تقام سائر العارف والتصديقات ,وكلما كان الفكر ادق ف
تطبيق تلك الضواء وتسليطها كان ابعد عن الطأ .فقيمة العرفة تتبع مقـدار
136
ارتكازها على تلك السس ومدى استنباطها منها ,ولذلك كان من المكن
استحصال معارف صحيحة ف كل من اليتافيزيقا والرياضيات والطبيعيات على
ضوء تلك السس ,وان اختلفت الطبيعيات ف شيء ,وهو ان الصول على
معارف طبيعية بتطبيق السس الولية يتوقف على التجربة الت تيء للنسان
شروط التطبيق ,واما اليتافيزيقا والرياضيات فالتطبيق فيها قد ل يتاج ال
تربة خارجية.
وهذا هو السبب ف ان نتائج اليتافيزيقا والرياضيات نتائج قطعية ف
الغالب ,دون النتائج العلمية ف الطبيعيات .فان تطبيق السس الولية ف
الطبيعيات لا كان متاجا ال تربة تييء شروط التطبيق ,وكانت التجربة ف
الغالب ناقصة وقاصرة عن كشف جيع الشروط ,فل تكون النتيجة القائمة
على اساسها قطعية.
ولنأخذ لذلك مثال من الرارة .فلو اردنا ان نستكشف السبب الطبيعي
للحرارة ,وقمنا بدراسة عدة تارب علمية ,ووضعنا ف ناية الطاف النظرية
القائلة ان (الركة سبب الرارة) ,فهذه النظرية الطبيعية ف القيقة نتيجة
تطبيق لعدة مبادئ ومعارف ضرورية على التجارب الت جعناها ودرسناها,
ولذا فهي صحيحة ومضمونة الصحة بقدار ما ترتكز على تلك البادئ
الضرورية.فالعال الطبيعي يمع اول المر كل مظاهر الرارة الت هي
موضوع البحث ,كدم بعض اليوانات والديد الحمى والجسام الحترقة
وغي ذلك من آلف الشياء الارة ,ويبدأ بتطبيق مبدأ عقلي ضروري عليها
وهو مبدأ العلية القائل (ان لكل حادثة سببا) .فيعرف بذلك ان لذه الظاهر
من الرارة سببا معينا ,ولكن هذا السبب حت الن مهول ومردد بي طائفة
من الشياء ,فكيف يتاح تعيينه من بينها؟.
ويستعي العال الطبيعي ف هذه الرحلة ببدأ من البادئ الضرورية
العقلية ,وهو البدأ القائل (باستحالة انفصال الشيء عن سببه) ,ويدرس على
ضوء هذا البدا تلك الطائفة من الشياء الت يوجد بينها السبب القيقي
للحرارة ,فيستبعد عدة من الشياء ويسقطها من الساب ,كدم
137
اليوان ـ مثلً ـ فهو ل يكن ان يكون سببا للحرارة لن هناك من
اليوانات ما دماؤها باردة ,فلو كان هو السبب للحرارة لا أمكن ان تنفصل عنه
ويكون باردا ف بعض اليوانات .ومن الواضح ان استبعاد دم اليوان عن السببية
ل
يكن ال تطبيقا للمبدأ النف الذكر الاكم بان الشيء ل ينفصل عن سببه,
وهكذا يدرس كل شيء ما كان يظنه من اسباب الرارة فيبهن على عدم
كونه سببا بكم مبدأ عقلي ضروري .فان امكنه ان يستوعب بتجاربه العلمية
جيع ما يتمل ان يكون سببا للحرارة ,ويدلل على عدم كونه سببا ـ كما فعل
ف دم اليوان ـ ,فسوف يصل ف ناية التحليل العلمي ال السبب
القيقي ـ حتما ـ بعد اسقاط الشياء الخرى من الساب ,وتصبح النتيجة
العلمية حينئذ حقيقة قاطعة ,لرتكازها بصورة كاملة على البادئ العقلية
الضرورية ,واما اذا بقي ف ناية الساب شيئان او اكثر ول يستطع ان يعي
السبب على ضوء البادئ الضرورية ,فسوف تكون النظرية العلمية ف هذا
الجال ظنية.
وعلى هذا نعرف:
أولً :ان البادئ العقلية الضرورية هي الساس العام لميع القائق
العلمية ,كما سبق ف الزء الول من السألة.
ثانيا :ان قيمة النظريات والنتائج العلمية ف الجالت التجريبية موقوفة
على مدى دقتها ف تطبيق تلك البادئ الضرورية على مموعة التجارب الت
امكن الصول عليها .ولذا فل يكن اعطاء نظرية علمية بشكل قاطع ال اذا
استوعبت التجربة كل امكانيات السالة ,وبلغت ال درجة من السعة والدقة
بيث أمكن تطبيق البادئ الضرورية عليها ,واقامة استنتاج علمي موحد
على أساس ذلك التطبيق.
ثالثا :ف الجالت غي التجريبية ـ كما ف مسائل اليتافيزيقا ـ ترتكز
النظرية الفلسفية على تطبيق البادئ الضرورية على تلك الجالت ,ولكن هذا
التطبيق
قد يتم فيها بصورة مستقلة عن التجربة .ففي مسألة اثبات العلة الول
للعال ـ مثل ـ يب على العقل ان يقوم بحاولة تطبيق مبادئه الضرورية على
138
هذه السألة ,حت يضع بوجبها نظريته اليابية او السلبية ,وما دامت السألة
ليست تريبية فالتطبيق يصل بعملية تفكي واستنباط عقلي بت بصورة
مستقلة عن التجربة.
وبذا تتلف مسائل اليتافيزيقا عن العلم الطبيعي ف كثي من مالتا.
ونقول (ف كثي من مالتا) لن استنتاج النظرية الفلسفية او اليتافيزيقية من
البادئ الضرورية ف بعض الحايي يتوقف على التجربة أيضا ,فيكون
للنظرية الفلسفية حينئذ نفس ما للنظريات العلمية من قيمة ودرجة.
الط الثالث :عرفنا ان العرفة التصديقية هي الت تكشف لنا عن
موضوعية التصور ,ووجود واقع موضوعي للصورة الت توجد ف ذهننا.
وعرفنا أيضا ان هذه العرفة التصديقية مضمونة بقدار ارتكازها على البادئ
الضرورية .والسالة الديدة هي مدى التطابق بي الصورة الذهنية ـ فيما اذا
كانت دقيقة وصحيحة ـ والواقع الوضوعي الذي صدقنا بوجوده من ورائها.
والواب على هذه السألة ,هو ان الصورة الذهنية الت نكونا عن واقع
موضوعي معي فيها ناحيتان :فهي من ناحية صورة الشيء ووجوده الاص
ف ذهننا .ول بد لجل ذلك ان يكون فيها الشيء متمثل فيها ,وال ل تكن
صورة له (ولكنها من ناحية اخرى تتلف عن الواقع الوضوعي اختلفا
أساسيا .لنا ل تلك الصائص الت يتمتع با الواقع الوضوعي لذلك
الشيء ,ول تتوفر فيها ما يوجد ف ذلك الواقع من الوان الفعالية والنشاط.
فالصورة الذهنية الت نكونا عن الادة او الشمس او الرارة مهما كانت دقيقة
ومفصلة ل يكن ان تقوم بنفس الدوار الفعالة الت يقوم با الواقع الوضوعي
لتلك الصورة الذهنية ف الارج.
وبذلك نستطيع ان ندد الناحية الوضوعية للفكرة ,والناحية الذاتية.
أي الناحية الاخوذة عن الواقع الوضوعي ,والناحية الت ترجع ال التبلور
الذهن الاص .فالفكرة موضوعية باعتبار تثل الشيء فيها لدى الذهن,
ولكن الشيء الذي يثل لدى الذهن ف تلك الصورة يفقد كل فعالية ونشاط
ما كان يتمتع به ف الجال الارجي ,بسبب التصرف الذات ,وهذا الفارق
139
بي الفكرة والواقع هو ف اللغة الفلسفية الفارق بي الاهية والوجود ,كما
سندرس ذلك ف السألة الثانية من هذا الكتاب (.)1
ڤ................................................النسبية التطورية:
والن ,وقد طفنا على شت الذاهب الفلسفية ف نظرية العرفة ,نصل ال
دور الديالكتيك فيها .فقد حاول الاديون الديالكتيكيون إبعاد فلسفتهم عن
الشك والسفسطة ,فرفضوا الثالية والنسبية الذاتية ,وما انتهت اليه عدة
مذاهب من ألوان الشك والرتياب ,وأكدوا على امكان العرفة القيقية للعال.
وبذلك ظهرت نظرية العرفة على أيديهم ف إطار من اليقي الفلسفي ,الرتكز
على اسس النظرية السية والذهب التجريب.
فماذا رصدوا لذا الشروع البار والتصميم الفلسفي الضخم؟.
كان رصيدهم هو التجربة لتفنيد الثالية.
وكان رصيدهم هو الركة لرفض النسبية.
ڤ................................................التجربة والثالية:
قال انلز عن الثالية:
[إن أقوى تفنيد لذا الوهم الفلسفي ,ولكل وهم
1ـ وهذه الناحية الذاتية الت تنطوي عليها الصور الذهنية ف رأينا ,تتلف
عن الناحية الذاتية الت يقول با (كانت) .والت ينادي با النسبيون الذاتيون.
فليست الذاتية ف رأينا باعتبار الانب الصوري من العلم كما يزعم (كانت) ول
باعتبار كون الدراك حصيلة تفاعل مادي ,والتفاعل يستدعي التصرف من
الانبي ,بل هي على اساس التفرقة بي لون الوجود :الذهن والارجي .فالشيء
الوجود ف الصورة الذهنية هو الشيء الوجود ف الارج خلفا للنسبيي ,ولكن
لون وجوده ف الصورة يتلف عن لون وجوده الارجي.
140
فلسفي آخر هو العمل والتجربة والصناعة بوجه خاص .فاذا
استطعنا ان نبهن على صحة فهمنا لظاهرة طبيعية ما,
بلقنا هذه الظاهرة بانفسنا ,واحداثنا لا بواسطة توفر
شروطها نفسها ,وفوق ذلك اذا استطعنا استخدامها ف تقيق
أغراضنا كان ف ذلك القضاء البم على مفهوم الشيء ف ذاته
العصي على الدراك الذي اتى به (كانت)](.)1
وقال ماركس:
[إن مسألة معرفة ما اذا كان بوسع الفكر النسان ان
ينتهي ال حقيقة موضوعية ليس بسألة نظرية ,بل انا مسالة
عملية ,ذلك انه ينبغي للنسان ان يقيم الدليل ف مال
المارسة على حقيقة فكره](.)2
وواضح من هذه النصوص ان الاركسية تاول ان تبهن على الواقع
الوضوعي بالتجربة ,وتل الشكلة الساسية الكبى ف الفلسفة ـ مشكلة
الثالية والواقعية ـ بالساليب العلمية.
وهذا مظهر واحد من مظاهر عديدة وقع فيها اللط بي الفلسفة
والعلوم ,فإن كثيا من القضايا الفلسفية حاول بعض دراستها بالساليب
العلمية ,كما ان عدة من قضايا العلم درسها بعض الفكرين دراسة فلسفية.
فوقع الطأ ف هذه وتلك.
والشكلة التـ يتصـارع حولاـ الثاليون والواقعيون هـي مـن تلك الشاكـل
التـ ل يكـن اعتبار التجربـة الرجـع العلى فيهـا ,ول إعطاؤهـا الصـفة العلميـة,
لن السـألة التـ يرتكـز عليهـا البحـث فيهـا هـي مسـالة وجود واقـع موضوعـي
لل حس التجر يب .فالثال يز عم ان الشياء ل تو جد ال ف ح سنا وإدراكات ــنا
141
التجريبية ,والواقع يعتقد بوجود واقع خارجي مستقل للحس والتجربة.
ومن البديهي ان هذه السألة تضع الس التجريب بالذات موضع المتحان
والختبار ,فل يكن ان يبهن على موضوعية التجربة والس بالتجربة والس
نفسهما ,ول الرد على الثالية با ,مع انا هي موضع النقاش والبحث بي
الفريقي الثاليي والواقعيي.
فكل مشكلة موضوعية انا يكن اعتبارها علمية ,وحلها بأساليب العلم
التجريبية ,فيما اذا كان من العترف به سلفا صدق التجربة العلمية
وموضوعيتها .فمشكلة حجم القمر ,او بعد الشمس عن الرض ,او بنية
الذرة ,او تركيب النبات ,او عدد العناصر البسيطة ,يكن انتهاج الطرق
العلمية ف دراستها وحلها .واما اذا طرحت نفس التجربة على بساط البحث,
وثار النقاش حول قيمتها الوضوعية ,فل موضع للستدلل العلمي ف هذا
الجال على صدق التجربة وقيمتها الوضوعية بالتجربة نفسها.
فواقعية الس والتجربة اذن هي الساس الذي يتوقف عليه كيان العلوم
جيعا ,ول تتم دراسة او معالة علمية ال بناء عليه ,فيجب ان يعال هذا
الساس معالة فلسفية خالصة قبل الخذ بأي حقيقة علمية.
واذا درسنا السألة دراسة فلسفية ند ان الحساس التجريب ل يعدو
ان يكون لونا من ألوان التصور ,فمجموعة التجارب مهما تنوعت انا تون
النسان بادراكات حسية متنوعة .وقد مر بنا التحدث عن الحساسات ف
دراستنا للمثالية ,وقلنا انا ما دامت مرد تصورات فل يبهن على الواقع
الوضوعي ودحض الفهوم الثال.
وانا يب علينا ان ننطلق من الذهب العقلي لنشيد على أسسه الفهوم
الواقعي للحس والتجربة ,فنؤمن بوجود مبادئ تصديقية ضرورية ف العقل,
وعلى ضوء تلك البادئ نثبت موضوعية أحاسيسنا وتاربنا.
ولنأخذ لذلك مثالً مبدأ العلية ,الذي هو من تلك البادئ الضرورية.
فان هذا البدأ يكم بان لكل حادثة سببا خارجا عنه ,وعلى أساسه نتأكد من
وجود واقع موضوعي للحساسات والشاعر الت تدث ف نفوسنا ,لنا باجة
142
ال سبب تنبثق عنه ,وهذا السبب هو الواقع الوضوعي.
وهكذا نستطيع ان نبهن على موضوعية الس والتجربة ببدأ العلية.
فهل يكن للماركسية ان تتخذ هذا السلوب؟ طبعا ل ,وذلك:
أولً :لنا ل تؤمن ببادئ ضرورية عقلية ,فليس مبدأ العلية ف عرفها
ال مبدأ تريبيا تدلل به التجربة ,فل يصح ان يعتب أساسا لصد التجربة
وموضوعيتها.
وثانيا :ان الديالكتيك يفسر تطورات الادة وحوادثها بالتناقضات الحتواة
ف داخلها .وليست الوادث الطبيعية ف تفسيه متاجة ال سبب خارجي,
كما سندرس ذلك بكل تفصيل ف السألة الثانية .فاذا كان هذا التفسي
الديالكتيكي كافيا لتبير وجود الوادث الطبيعية ,فلماذا نذهب بعيدا؟!
ولاذا نضطر ال افتراض سبب خارجي وواقع موضوعي لكل ما يثور ف
نفوسنا من إدراك؟! بل يصبح من الائز ان تقول الثالية ف ظواهر الدراك
والس ما قاله الديالكتيك عن الطبيعة تاما ,وتزعم ان هذه الظواهر ف
حدوثها وتعاقبها مكومة لقانون نقض النقض ,الذي يضع رصيد التغي
والتطور ف الحتوى الداخلي.
وبذا نعرف ان الديالكتيك ل يجبنا عن سبب خارج الطبيعة فحسب,
بل يجبنا بالتال عن هذه الطبيعة بالذات ,وعن كل شيء خارج دنيا
الشعور والدراك (.)1
ـ و قد جاء ف كلم انلز ال سابق التأك يد على ناح ية القي مة الوضوع ية 1
للق ظاهرة وانشائها ,وان ف ذلك الرد الاسم على النعات الثالية .ول اظن هذا
التاك يد ح ي ي صدر من الدر سة الارك سية ينطوي على مع ن فل سفي خاص ,وان
أمكـن للباحـث الفلسـفي ان يصـوغ مـن ذلك دليل خاصـا على إثبات ان الواقـع
الوضو عي يرت كز على العلم الضوري ,نظرا ال ان الفا عل يعلم بآثاره ,و ما يلق
علما حضوريا ,والعلم الضوري بشيء هو نفس وجوده الوضوعي .فالنسان اذن
يتصل بالواقع الوضوعي لا يعلمه علما حضوريا .فالثالية اذا اسقطت من حساب
العر فة الوضوع ية العلم ال صول الذي ل نت صل ف يه ال بافكار نا ,ك فى للواقع ية
العلم الضوري ولكـن هذا الدليـل يقوم على فهـم مغلوط للعلم الضوري ,فان
ا ساس معرفت نا للشياء ان ا هو العلم ال صول .وا ما العلم الضوري ف هو ل يع ن
اك ثر من حضور العلوم الواق عي لدى العال ,ولذلك كان كل ان سان يعلم بنف سه
علمـا حضوريـا ,مـع ان كثيا مـن الناس انكـر وجود النفـس .ول تتسـع حدودنـا
الاصة ف هذه الدراسة للفاضة ف هذه الناحية.
143
ولنعرض شيئا من النصوص الاركسية الت حاولت معالة الشكلة با ل يتفق
مع طبيعتها وطابعها الفلسفي:
أ ـ قال (روجيه غارودي):
[ تعلمنا العلوم ان النسان ظهر على وجه الرض ف
زمن متأخر جدا ,وكذلك الفكر معه .ولكي نؤكد ان الفكر
كان موجودا ,متقدما على الرض ,على الادة ,يب اذن التأكد
بأن هذا الفكر ل يكن فكر النسان .ان الثالية ف جيع
أشكالا ل تستطيع ان تنجو من اللهوت](.)1
[لقد وجدت الرض حت قبل كل كائن ذي حساسية,
قبل كل كائن حي .وما كان لية مادة عضوية ان توجد على
الكرة الرضية ف اول مراحل وجودها .فالادة غي العضوية
سبقت الياة اذن وكان على الياة ان تنمو وتتطور خلل
آلف آلف السني قبل ان يظهر النسان ومعه العرفة.
العلوم تقودنا اذن ال التأكد بأن العال قد وجد ف حالت ل
(.)2
يكن فيها أي شكل من اشكال الياة او الساسية مكنا]
هكذا يعتب (روجيه) القيقة العلمية ـ القائلة بضرورة تقدم نشأة الادة
غي العضوية على الادة العضوية ـ دليل على وجود العال الوضوعي لن الادة
العضوية ما دامت نتاجا لتطور طويل ومرحلة متأخرة من مراحل نو الادة ,فل
144
يكن ان تكون الادة ملوقة للوعي البشري ,الذي هو متأخر بدوره عن وجود
كائنات عضوية حية ذات جهاز عصب مركز ,فكانه افترض مقدما ان الثالية
تسلم بوجود الادة العضوية ,فشاد على ذلك استدلله ,ولكن هذا الفتراض
ل مبر له ,لن الادة بختلف الوانا واقسامها ـ من العضوية وغيها ـ ليست ف
الفهوم الثال ال صورا ذهنية ,نلقها ف ادراكاتنا وتصوراتنا .فالستدلل
الذي يقدمه لنا (روجيه) ينطوي على مصادرة ,وينطلق من نقطة ل تعترف با
الثالية.
ب ـ قال ليني:
[اذا اردنا طرح السالة من وجهة النظر الت هي وحدها
صحيحة ـ يعن من وجهة النظر الديالكتيكية الادية ـ ينبغي ان
نتساءل هل الكهارب والثي ...ال موجودة خارج الذهن
البشري ,وهل لا حقيقة موضوعية ام ل؟ عن هذا السؤال
ينبغي ان ييب علماء التاريخ الطبيعي .وهم ييبون دائما
ودون تردد بالياب ,نظرا لنم ل يترددون بالتسليم بوجود
الطبيعة وجودا اسبق من وجود النسان ,وجود الادة
العضوية] (.)1
ونلحظ ف هذا النص نفس الصادر الت استعملها (روجيه) ,مع
التشدق بالعلم واعتباره الفاصل النهائي ف السالة .فما دام علم التاريخ
الطبيعي قد أثبت وجود العال قبل ظهور الشعور والدراك ,فما على الثاليي
ال ان يركعوا امام القائق العلمية وياخذوا با .ولكن علم التاريخ الطبيعي
ما هو ال لون من الوان الدراك البشري .والثالية تنفي الواقع الوضوعي
لكل ادراك مهما كان لونه ,فليس العلم ف مفهومها ال فكرا ذاتيا خالصا,
افليس العلم حصيلة التجارب التنوعة؟! او ليست هذه التجارب
والحساسات التجريبية هي موضع النقاش ,الدائرة حول ما اذا كانت تلك
واقعا موضوعيا أو ل؟! فكيف يكون للعلم كلمته الفاصلة ف الوضوع؟!.
145
ج ـ قال جورج بوليتزير:
[ليس هناك من يشك ف ان الياة الادية للمجتمع توجد
مستقلة عن وعي الناس ,اذ ليس ثة من يتمن الزمة
القتصادية ,سواء كان رأساليا او بروليتاريا ,رغم ان هذه
الزمة تدث حتما](.)1
وهذا لون جديد يتخذه الاركسيون للرد على الثالية ,فـ (جورج) ل يستند
ف هذا النص ال حقائق علمية ,وانا يركز استدلله على حقائق وجدانية,
نظرا ال ان كل واحد منا يشعر بوجدانه انه ل يتمن كثيا من الوادث الت
تدث ,ول يرغب ف وجودها ,ومع ذلك هي تدث وتوجد خلفا لرغبته,
فل بد اذن ان يكون للحوادث وتسلسلها الطرد واقع موضوعي مستقل.
وليست هذه الحاولة الديدة بادن ال التوفيق من الحاولت السابقة ,لن
الفهوم الثال ـ الذي ترجع فيه الشياء جيعا ال مشاعر وادراكات ـ ل يزعم
ان هذه الشاعر والدراكات تنبثق عن اختيار الناس وإراداتم الطلقة ,ول
تتحكم فيها قواني ومبادئ عامة ,بل الثالية والواقعية متفقتان على ان العال
يسي طبقا لقواني ومبادئ تري عليه وتتحكم فيه ,وانا يتلفان ف تفسي
هذا العال واعتباره ذاتيا موضوعيا.
والنتيجة الت نؤكد عليها مرة اخرى هي ان من غي المكن اعطاء مفهوم
صحيح للفلسفة الواقعية ,والعتقاد بواقعية الس والتجربة ال على اساس
الذهب العقلي ,القائل بوجود مبادئ عقلية ضرورية مستقلة عن التجربة.
واما اذا بدأنا البحث ف مسالة الثالية والواقعية من التجربة او الس ـ اللذين
ها مورد الناع الفلسفي بي الثاليي والواقعيي ـ فسوف ندور ف حلقة
مفرغة ,ول يكن ان نرج منها بنتيجة ف صال الواقعية الفلسفية.
146
ڤ..........................................التجربة والشيء ف ذاته:
تارب الاركسية فكرة الشيء لذاته الت عرضها (كانت) ,ف بعض
أشكالا ,كما تارب الفكار التصويرية الثالية ,فلننظر ال أسلوبا ف ذلك.
قال جورج بوليتزير:
[والواقع ان الدل ـ وحت الدل الثال عند
هيجل ـ يقول ان التمييز بي صفات الشيء والشيء ذاته
تييز اجوف ,فاذا عرفنا كل صفات شيء ما عرفنا الشيء
ذاته ,ث يبقى ان تكون هذه الصفات مستقلة عنا ,وف هذا
بالذات يتحدد معن الادية العال ولكن ما دمنا نعرف
صفات هذا الواقع الوضوعي ,فل يكن ان يقال عنه انه
غي قابل للمعرفة .فمن السخف ان نقول ـ مثل ـ شخصيتك
شيء وصفاتك وعيوبك شيء آخر ,وانا اعرف صفاتك
وعيوبك ولكن ل اعرف شخصيتك ,ذلك لن الشخصية
هي بالضبط مموع العيوبب والصفات ,وكذلك فن التصوير
هو جاع اعمال الصور ,فمن السخف ان نقول هناك
اللوحات والرسامون واللوان والساليب والدارس ,ث هناك
(التصوير) ف ذاته معلقا فوق الواقع وغي قابل للمعرفة.
فليس هناك قسمان للواقع ,بل الواقع كل واحد نكشف
بالتطبيق وجوهه الختلفة على التوال .وقد علمنا الدل ان
الصفات الختلفة للشياء تكشف عن نفسها بواسطة الصراع
الباطن للضداد ,وهو الذي يصنع التغيي ,فحالة السيولة ف
ذاتا هي بالضبط حالة التزان النسب ,الذي ينكشف
تناقضه الباطن ف لظة التجمد او الغليان .ومن هنا قال
ليني( :ل يوجد ول يكن ان يوجد أي فارق مبدئي بي
الظاهرة والشيء ف ذاته ,وليس ثة فرق بي ما هو معروف
147
وبي ما يعرف بعد) فكلما ازداد عمق معرفتنا للواقع اصبح
الشيء ف ذاته تدرييا شيئا لذاتنا](.)1
ولجل ان ندرس الاركسية ف هذا النص ,يب ان نيز بي معنيي
لفكرة فصل الشيء ف ذاته عن الشيء لذاتنا:
الول :ان العلم البشري لا كان يرتكز ـ ف نظر البدأ السي
التجريب ـ على الس ,والس ل يتناول ال ظواهر الطبيعة ,ول ينفذ ال
الصميم والوهر ,فهو مقصور على هذه الظواهر الت يتد اليها الس
التجريب ,وتقوم بذلك هوة فاصلة بي الظواهر والوهر .فالظواهر هي
الشياء لذاتنا ,لنا الانب السطحي القابل للدراك من الطبيعة ,والوهر
هو الشيء ف ذاته ول تنفذ اليه العرفة البشرية.
وياول جورج بوليتزير القضاء على هذه الثنائية بذف الادة او الوهر
من الواقع الوضوعي ,فهو يؤكد على ان الدل ل ييز بي صفات الشيء
والشيء ف ذاته ,بل يعتب الشيء عبارة عن مموعة الصفات والظواهر .ومن
الواضح ان هذا لون من الوان الثالية الت نادى با (باركلي) حي احتج على
اعتقاد الفلسفة بوجود مادة وجوهر وراء الصفات والظواهر الت تبدو لنا ف
تاربنا ,وهو لون من الثالية يتمه البدأ السي والتجريب .فما دام الس هو
القاعدة الساسية للمعرفة ,وهو ل يدرك سوى الظواهر ,فل بد من اسقاط
الوهر من الساب .واذا سقط فل يبقى ف اليدان ال الظواهر والصفات
القابلة للدراك.
الثان :ان الظواهر ـ الت يكن ادراكها ومعرفتها ـ ليست هي ف مداركنا
وحواسنا كما هي ف واقعها الوضوعي .فالثنائية ليست هنا بي الظاهرة
والوهر ,بل بي الظاهرة كما تبدو لنا والظاهرة كما هي موجودة بصورة
موضوعية مستقلة.
فهل تستطيع الاركسية ان تقضي على هذه الثنائية؟ وتبهن على ان الواقع
148
الوضوعي يبدو لنا ف أفكارنا وحواسنا كما هو ف ماله الارجي الستقل؟.
ونيب بالنفي مادام الدراك ف الفهوم الادي عمل فيزيولوجيا خالصا.
ويلزمنا ف هذا الصدد ان نعرف لون العلقة القائمة بي الدراك او
الفكرة او الحساس ,والشيء الوضوعي ف الفهوم الادي .على أساس الادية
اللية ,وعلى أساس الادية الديالكتيكية معا.
اما على أساس الادية اللية ,فالصورة او الدراك السي انعكاس للواقع
الوضوعي ف الهاز العصب انعكاسا آليا ,كما تنعكس الصورة ف الرآة او
العدسة .فان الادية اللية ل تعترف للمادة بركة ونشاط ذات ,وتفسر جيع
الظواهر تفسيا آليا ,ولذلك ل يكنها ان تفهم علقات الادة الارجية بالنشاط
الذهن للجهاز العصب ,ال ف ذلك الشكل الامد من النعكاس.
وتواجه حينئذ السؤالي التاليي:
هل يوجد ف الحساس شيء موضوعي ,أي شيء ليس متعلقا بالنسان
وانا انتقل ال الس من الواقع الارجي للمادة؟.
واذا كان يوجد شيء من هذا القبيل ف الحساس ,فكيف انتقل هذا
الشيء من الواقع الوضوعي ال الحساس؟.
والادية اللية ل تستطيع ان تيب على السؤال الول بالثبات ,لنا اذا
اثبتت وجود شيء موضوعي ف الحساس لزمها ان تبر كيفية انتقال الواقع
الوضوعي ال الحساس الذات ,أي ان تيب على السؤال الثان وتفسر عملية
النتقال ,وهذا ما تعجز عنه ,ولذا فهي مضطرة ال ان تضع نظرية
النعكاس ,وتفسر العلقة بي الفكرة والشيء الوضوعي ,كما تفسر العلقة
بي صورة الرآة او العدسة ,والواقع الوضوعي الذي ينعكس فيهما.
واما الادية الديالكتيكية ـ الت ل تيز الفصل بي الادة والركة ,وتعتب
كيفية وجود الادة هي الركة ـ فقد حاولت ان تعطي تفسيا جديدا لعلقة
الفكرة بالواقع الوضوعي على هذا الساس ,فزعمت ان الفكرة ليست صورة
آلية مضا لذلك الواقع ,بل الواقع يتحول ال فكرة ,لن كل منهما شكل
149
خاص من اشكال الركة ,والفرق الكيفي بي اشكال الركة وألوانا ل ينع
من تليل النتقال من شكل ال آخر فالادة الوضوعية لا كانت ف كيفية
ل خاصا من الركة ,فتتحول هذه الركة الفيزيائية للشيء ال
وجودها شك ً
حركة نفسية فيزيولوجية ف حواسنا ,وتتحول الركة الفيزيولوجية ال حركة
نفسية للفكرة ( ,)1فليس موقف الفكر موقفا سلبيا ,وليس النعكاس انعكاسا
آليا كما هو مفهوم الفكر لدى الادية اللية.
وهذه الحاولة من الادية الديالكتيكية ل يكن ان تنجح ف كشف علقة
بي الشيء والفكرة ,عدا علقة سبب بنتيجة ,وعلقة واقع بصورة منعكسة
عنه ,نظرا ال ان تول الركة الفيزيائية للشيء ال حركة
فيزيولوجية ـ وبالتال ال حركة نفسية ـ ليس هو الفهوم الصحيح او التفسي
العقول للحس او الفكر .فان التحول يعن فناء الشكل الول من الركة
والنتقال ال شكل جديد ,كما نقول ف حركة الطرقة على السندان :انا
تتحول ال حرارة .والرارة والركة اللية شكلن من اشكال الركة .فالقوة الت
كانت تعب عن وجودها ف شكل خاص من الركة ـ وهو الركة
اللية ـ تولت من ذلك الشكل ال تعبي جديد لا ف شكل جديد ,وهو
الرارة .فالرارة ,تفظ بنفس مقدار القوة الت كانت تعب عن وجودها
بالركة اللية .هذا هو التحول بعناه الدقيق للحركة من لون ال آخر,
ولنفترض انه امر معقول ,ولكن ليس من العقول تفسي الس او الفكر بعملية
تول كهذه ,وذلك لن الركة الفيزيائية للواقع الوضوعي الحسوس ل
تتحول بالحساس ال حركة نفسية ,لن التحول يعن تبدل الركة من شكل
ال شكل ,ومن الواضح ان الركة الطبيعية او الفيزيائية للمادة الحسوسة ل
تتبدل هكذا ال حركة فيزيولوجية او فكرية ,اذ ان معن تبدلا كذلك زوال
الشكل الول من الركة ,وبالتال زوال الادة الت تعب عن وجودها ف ذلك
الشكل الاص.
150
فليست الركة الوضوعية للشيء الحسوس كحركة الطرقة ,وليس
الحساس تويل لتلك الركة الوضوعية ـ الت هي كيفية وجود الادة ـ ال
حركة نفسية ,كما تتحول حركة الطرقة ال حرارة ,وال لكان الحساس
عملية تبديل للمادة ال فكرة كما تتبدل الركة اللية ال حرارة.
وعلى هذا فليست مسالة الدراك مسألة تول الركة الفيزيائية ال حركة
نفسية ,الذي هو بعينه عبارة عن تول الواقع الوضوعي ال فكرة ,بل يوجد
للشيء الحسوس والدرك واقع موضوعي وللحساس وجود آخر ف نفوسنا,
ما دام هناك وجودان وجود ذات للحساس او الفكر ووجود موضوعي للشيء
الحسوس ,فل نستطيع ان نفهم الصلة بي هذين الوجودين ال كما نفهم
الصلة بي سبب ونتيجة ,وكما نفهم العلقة بي واقع وصورة منعكسة عنه,
ونواجه عند هذا بكل وضوح السألة الساسية الت نن بصددها ,وهي :ان
الفكرة ما دامت نتيجة للشيء الوضوعي ,وما دامت العلقة الفهومة بينهما
هي علقة السببية ,فلماذا يب ان نفترض ان هذه النتيجة وسببها يتلفان
عن سائر النتائج وأسبابا ويتازان عليها باصة وهي ان النتيجة تصور لنا
سببها وتعكسه انعكاسا تاما؟.
فهناك كثي من الوظائف الفيزيولوجية هي نتائج أسباب خارجية معينة,
ول ند ف واحدة من النتائج القدرة على تصوير سببها ,وانا تدل دللة
غامضة على وجود اسباب لا خارج نطاقها ,فكيف نستطيع ان نعترف للفكرة
بأكثر من هذه الدللة الغامضة؟!.
وهب ان الاركسية نحت ف تفسي الفكر والدراك ,بعملية تول
للحركة الفيزيائية ال حركة نفسية ,فهل يعن هذا ان الفكرة تستطيع ان
تطابق الواقع الوضوعي بصورة كاملة؟! ان هذا التفسي يعلنا ننظر ال الفكرة
وواقعها الارجي كما ننظر ال الرارة والركة اللية الت تتحول اليها .ومن
الواضح ان الختلف الكيفي بي شكلي الركة فيهما يعلهما غي متطابقي.
فكيف نفترض التطابق بي الفكرة وواقعها الوضوعي؟!.
ويبدو على الدرسة الاركسية لون من الضطراب والتشويش عند مواجهة
151
هذه الشكلة .ويكننا ان نستخلص دليلي لا على هذه النقطة من عدة
نصوص متفرقة ومشوشة احدها ,دليل فلسفي ,والخر دليل بيولوجي
علمي.
اما الدليل الفلسفي فيلخصه النص التال:
[ان الفكر يستطيع ان يعرف الطبيعة معرفة تامة ,ذلك
لنه يؤلف جزءا منها ,ذلك لنه نتاجها والتعبي العلى عنها.
ان الفكر هو الطبيعة تعي ذاتا ف ضمي النسان .يقول
ليني( :ان الكون هو حركة للمادة تضع لقواني ولا ل تكن
معرفتنا ال نتاجا أعلى للطبيعة ل يسعها ال ان تعكس هذه
القواني) .ولقد كان أنلز يبي ف كتابه (آنت دوهرنغ) :ان
الادية الفلسفية هي وحدها الت تستطيع تأسيس قيمة العرفة
على دعائم متينة .حي يؤخذ الوعي والفكر على انما شيئان
معطيان ,كانا ف زمان يتعارضان مع الطبيعة ومع الكائن
عندئذ يؤدي ذلك بنا حتما ال ان ند ـ رائعا ـ جدا ـ كون
وعينا للطبيعة وتفكي الكائن وقواني الفكر متطابقة ال أبعد
حد .ولكن اذا تساءلنا ما هو الفكر؟ وما هو الوعي؟ ومن
أين يأتيان؟ وجدنا ان النسان هو نفسه نتاج للطبيعة ,نا ف
بيئة ومع نو هذه البيئة ,وعندئذ يصبح ف غن عن البيان:
كيف ان منتوجات الذهن البشري الت هي أيضا عند آخر
تليل منتوجات الطبيعة ليست ف تناقض وانا ف توافق مع
سائر الطبيعة التراصة] (.)1
ان الفكرة ف الفهوم الاركسي جزء من الطبيعة او نتاج أعلى لا.
ولنفترض ان هذا صحيح ـ وليس هو بصحيح ـ فهل يكفي ذلك لجل ان
نبهن على امكان معرفة الطبيعة بصورة كاملة؟!.
152
صحيح ان الفكر اذا كان جزءا من الطبيعة ونتاجا لا فهو يثل بطبيعة
الال قوانينها ,ولكن ليس معن هذا ان الفكر بذا العتبار يصبح معرفة
صحيحة للطبيعة وقوانينها.
او ليس الفكر اليتافيزيقي او الثال فكرا ,وبالتال جزءا من الطبيعة
ونتاجا لا ـ ف الزعم الادي؟! او ليست جيع متويات العمليات الفيزيولوجية
ظواهر طبيعة ونتاجا للطبيعة؟!..
فقواني الطبيعة تتمثل اذن ف تفكي الادي الدل وتري عليه ,وف
التفكي الثال واليتافيزيقي على السواء ,كما تتمثل ف جيع العمليات والظواهر
الطبيعة ,فلماذا يكون الفكر الاركسي معرفة صحيحة للطبيعة دون غيه من
هذه المور؟ مع انا جيعا نتاجات طبيعية تعكس قواني الطبيعة .وبذا نعرف
ان مرد اعتبار الفكر ظاهرة للطبيعة ونتاجا منها ,ل يكفي لن يكون معرفة
حقيقيقة للطبيعة ,بل ل يضع بي الفكرة وموضوعها ال علقة السببية الثابتة
بي كل نتيجة وسببها الطبيعي وانا تكون الفكرة معرفة حقيقية اذا آمنا فيها
باصة الكشف والتصوير ,الت تتاز با على كل شيء آخر.
واما الدليل البيولوجي على مطابقة الدراك او الحساس للواقع
الوضوعي ,فهو ما يعرضه لنا النص التال:
[ل تستطيع ان تكون وهي ف مستوى الحساس نافعة
بيولوجيا ف حفظ الياة ,ال اذا كانت تعكس الواقع
الوضوعي] ([ .)1واذا كان صحيحا ان الحساس ليس ال
رمزا دون ايا شبه بالشيء واذا كان يكن بالتال تطابق اشياء
عديدة متغايرة ,او اشياء وهية ومثلها تاما اشياء واقعية,
عندئذ يكون التعود البيولوجي على البيئة مستحيل ,اذا
افترضنا ان الواس ل تتيح لنا تعيي اتاهنا بيقي وسط
الشياء ,والرد عليها بفعالية ,بيد ان كل النشاط العملي
153
البيولوجي للنسان واليوان يدلنا على درجات اكتمال هذا
الشعور](.)1
واضح ان النسبة ف الس ل تعن ان اشياء عديدة ومتغايرة تشترك ف
رمز حسي واحد ,ليسقط هذا الرمز عن القيمة نائيا ,ويعجز عن تعيي
التاه الذي يفظ لنا حياتنا ويدد موقفنا من الشياء الارجية ,بل النظرية
النسبية الفيزيولوجية تقوم على أساس ان كل لون من الحساس فهو رمز
يتص بواقع موضوعي معي ,ل يكن ان يرمز اليه بلون آخر من الوان
الس ,ويتاح حينئذ لنا ان ندد موقفنا من الشياء على ضوء تلك الرموز,
ونرد عليها بالفعالية الت تنسجم مع الرمز وتتطلبها طبيعة الياة تاهه.
ڤ.......................................الركة الديالكتيكية ف الفكر:
وتناولت الاركسية بعد ذلك الذهب النسب ف القيقة ,فاعتبته نوعا من
السفسطة ,لن النسبة فيه تعن تغي القائق من ناحية ذاتية ,وقررت النسبية
بشكل جديد ,اوضحت فيه تغي القائق طبقا لقواني التطور والتغي ف الادة
الارجية.
فليست ف الفكر النسان حقائق مطلقة ,وانا القائق الت ندركها نسبية
دائما .وما يكون حقيقة ف وقت يكون بنفسه خطأ ف وقت آخر .وهذا ما
تتفق عليه النسبية والاركسية معا .وتزيد الاركسية بالقول ان هذه النسبية
وهذه التغيات والتطورات ,ف القيقة ليست ال انعكاسا لتغيات الواقع,
وتطورات الادة الت نتمثلها ف حقائقنا الفكرية .فالنسبية ف القيقة بنفسها
نسبية موضوعية ,وليست نسبية ذاتية ناشئة من جانب الذات الفكرة ,ولذلك
فهي ل تعن عدم وجود معرفة حقيقة للنسان ,بل القيقة النسبية التطورة
الت تعكس الطبيعة ف تطورها ,هي العرفة القيقية ف النطق الديالكتيكي.
154
قال ليني:
[ان الرونة التامة الشاملة للمفاهيم ,وهي الرونة الت
تذهب ال حد تاثل الضداد ,ذلك جوهر القضية .ان هذه
الرونة اذا استخدمت على نو ذات تفضي ال النتقائية
والسفسطة .والرونة الستخدمة موضوعيا يعن بكونا تعكس
جيع جوانب حركة التطور الادية ووحدتا ,انا هي
الديالكتيك ,وهي النعكاس الصحيح للتطور البدي للعال.
الدفاتر الفلسفية ص .)1(]84
وقال أيضا:
[نستطيع بانطلقنا من الذهب النسب البحت تبير كل
نوع من انواع السفسطة .الدفاتر الفلسفية ص .)2( ]328
وقال كيدروف:
[ولكن قد توجد ثة نزعة ذاتية ,ليس فقط حينما نعمل
على أساس النطق الشكلي بقولته الساكنة الامدة ,وانا
أيضا حينما نعمل بواسطة مقولت مرنة متحولة .ففي الالة
الول نصل ال الغيبة ,وف الثانية نصل ال الذهب النسب
والسفسطائية والنتقائية](. )3
وقال أيضا:
[ يقتضي النطق الديالكتيكي الاركسي ,ان يطابق انعكاس
العال الوضوعي ف ضمي النسان الشيء النعكس .وان ل
يتضمن شيئا غريبا عنه ,شيئا جيء به على نو ذات .ان
التفسي الذات وفقا لوجهة النظر النسبية ولرونة الفاهيم ,هو
155
إضافة غريبة تاما ,كمبالغة الغيبة الذاتية ف تريدات النطق
الشكلي] (.)1
هذه النصوص تدل على الحاولة الت اتذتا الاركسية لترفع على اساسها
يقينها الفلسفي .وهي ماولة تطبيق قانون الديالكتيك على القيقة.
فالنسان وان ل تكن لديه حقيقة مطلقة ف مموع افكاره ,غي ان سلبية
امكان القيقة الطلقة عن افكاره ليس لجل انا كومة من اخطاء مطلقة تعل
العرفة الصحيحة مستحيلة على النسان نائيا ,بل لن القائق الت يلكها
الفكر النسان حقائق تطويرية ,تنمو وتتكامل على طبق قواني الديالكتيك,
فهي لذلك حقائق نسبية وف حركة مستمرة.
قال ليني:
[يب ان ل يتصور الفكر (يعن النسان) القيقة ف
شكل مرد مشهد (صورة) شاحبة (باهتة) ,بدون حركة.
ان العرفة هي القتراب اللمتناهي البدي للفكر نو
الشيء .يب فهم انعكاس الطبيعة ف فكر النسان ليس
كشيء جامد مرد ,بدون حركة ,بدون تناقضات ,وانا
كعملية تطور أبدية للحركة لولدة التناقضات وحل هذه
التناقضات .الدفاتر الفلسفية ص 167ـ .)2( ] 168
وقال أيضا:
[من الهم ف نظرية العرفة ـ كما ف جيع حقول العلم
الخرى ـ ان يكون التفكي دائما ديالكتيكيا ,أي ان ل يفرض
مطلقا كون وعينا ثابتا ل يتطور] (.)3
156
وقال كيدروف:
[اما النطق الديالكت فهو ل يواجه هذا الكم كأنه
شيء مكتمل ,بل بوصفه تعبيا عن فكرة قادرة على ان تنمو
وان تتحرك .وأيا ما كانت بساطة حكم ما ,ومهما بدا عاديا
هذا الكم ,فهو يتوي على بذور او عناصر تناقضات
ديالكتيكية ,تتحرك وتنمو ـ داخل نطاقها ـ العرفة البشرية
كلها] (.)1
وأشار كيدروف ال كلمـة يدد فيهـا لينيـ اسـلوب النطـق الديالكتـ فـ
التفكي اذ يقول:
[يقتضي النطق الديالكت ان يؤخذ الشيء ف تطوره ,ف
نائه ,ف تغيه] وعقب على ذلك بقوله[ :وخلفا للمنطق
الديالكت ,يعمد النطق الشكلي ال حل مسألة القيقة حل
أوليا ال ابعد حد ,بواسطة صيغة (نعم ـ ل) .انه يعلم
الجابة بكلمة واحدة وبصورة قاطعة ,على السؤال :هل
الظاهرة تلك موجودة ام ل؟ والجابة مثل بـ (نعم) على
السؤال :هل الشمس موجودة؟ وبـ (ل) على السؤال :هل
الدائرة الربعة موجودة؟ ف النطق الشكلي يقف النسان عند
حد اجابات بسيطة جدا ,نعم أو ل ,أي عند حد تييز
نائي بي القيقة والطا .لذا السبب تواجه القيقة
باعتبارها شيئا معطى ساكنا ثابتا نائيا ,ومتعارضا تعارضا
مطلقا مع الطا] (.)2
تلص معنـا مـن هذه النصـوص الاركسـية آراء ثلثـة ,يرتبـط بعضهـا ببعـض
كل الرتباط .
157
الول :ان القيقة ف نو وتطور ,يعكس نو الواقع وتطوره.
الثانـ :ان القيقـة والطـأ يكـن ان يتمعـا ,فتكون الفكرة الواحدة خطـأ
وحقيقـة ,وليـس هناك تعارض مطلق بيـ الطـأ والقيقـة ,كمـا يؤمـن بـه النطـق
الشكلي ,على حد تعبي كيدروف.
الثالث :ان أي حكـم مهمـا بدت القيقـة فيـه واضحـة فهـو يتوي على
تناقـض خاص ,وبالتال على جانـب مـن الطـأ .وهذا التناقـض هـو الذي يعـل
العرفة والقيقة تنمو وتتكامل.
فهل القيقة القائمة ف فكر النسان تتطور وتتكامل حقيقة؟.
وهل يكن للحقيقة ان تتمع مع الطأ؟.
وهل تتوي كل حقيقة على نقيضها وتنمو بذا التناقض الداخلي؟.
هذا ما نريد ان نتبينه فعلً.
أ ـ تطور القيقة وحركتها:
يبـ قبـل كـل شيـء ان نعرف ماذا يراد بالقيقـة القائمـة فـ الفكـر
الن سان ,ال ت آم نت الارك سية بنمو ها وتكامل ها؟ .ان الفل سفة الواقع ية تؤ من
بواقـع خارج حدود الشعور والذهـن وتعتـب التفكيـ أي تفكيـ كان ,ماولة
لعكـس ذلك الواقـع وادراكـه .وعلى هذا ,فالقيقـة هـي الفكرة الطابقـة لذلك
الواقـع والماثلة له .والطـأ يتمثـل فـ الفكرة او الرأي او العقيدة التـ ل يتطابـق
الواقـع ول تاثله .فالقياس الفاصـل بيـ القـ والباطـل ,بيـ القيقـة والطـا,
هو مطابقة الفكرة للواقع.
والقيقة بذا الفهوم الواقعي ,هي موضوع العراك الفلسفي العنيف بي
الواقعيي من ناحية ,والتصوريي والسفسطائي من ناحية اخرى .فالواقعيون
يؤكدون على امكانا ,والتصوريون او السفسطائيون ينفونا او يترددون ف
القدرة البشرية على الظفر با.
غيـ ان لفـظ القيقـة قـد اسـتخدمت له عدة معان اخرى ,تتلف كـل
158
الختلف عـن مفهومهـا الواقعـي الآنـف الذكـر ,وابتعـد بذلك عـن اليدان
الساسي للصراع بي فلسفة اليقي ,وفلسفات الشك والنكار.
فمـن تلك التطويرات الديثـة التـ طرأت على القيقـة ,تطويـر النسـبية
الذاتيـة الذي شاء ان يضـع للفـظ القيقـة مفهوما جديدا .فاعتـب القيقـة عبارة
عـن الدراك الذي يتفـق مـع طبيعـة الهاز العصـب وشروط الدراك فيـه .وقـد
مـر حديثنـا عـن النسـبية الذاتيـة ,وقلنـا ان اعطاء القيقـة هذا الفهوم,يعنـ اناـ
لي ست اك ثر من ت عبي عن ش يء ذا ت ,فل ت صبح القي قة حقي قة ال من ناح ية
اسـية فقـط .وبذلك تفقـد القيقـة فـ الفهوم النسـب الذاتـ صـفتها كموضوع
للناع والصـراع الفلسـفي ,بيـ اتاهات اليقيـ والشـك والنكار فـ الفلسـفة.
فالنسبية الذاتية مذهب من مذاهب الشك يتبقع بستار من القيقة.
وهناك تفسي فلسفي آخر للحقيقة ,وهو الذي قدمه لنا (وليم جيمس) ف
مذهبه الديد ف العرفة النسانية (الباجاتزم او مذهب الذرائع) .وليس هذا
التفسي بادن ال الواقعية او ابعد عن فلسفات الشك والنكار من التفسي
السابق ,الذي حاولته النسبية الذاتية .ويتلخص مذهب (الباجاتزم) ف
تقدي مقياس جديد ,لوزن الفكار والفصل فيها بي الق والباطل وهو
مقدرة الفكرة العينة على اناز اغراض النسان ف حياته العملية .فان
تضاربت الراء وتعارضت ,كان احقها واصدقها هو انفعها واجداها ,أي
ذلك الذي تنهض التجربة العملية دليلً على فائدته .والفكار الت ل تقق
قيمة عملية ول يوجد لا آثار نافعة فيما تصادف من تارب الياة ,فليست من
القيقة بشيء ,بل يب اعتبارها ألفاظا جوفاء ل تمل من العن شيئا .فمرد
القائق جيعا ف هذا الذهب ال حقيقة عليا ف الوجود ,وهي الحتفاظ
بالبقاء أولً ,ث الرتفاع بالياة نو الكمال ثانيا .فكل فكرة يكن استعمالا
كأداة للوصول ال تلك القيقة العليا فهي حق صريح وحقيقة يب
تصديقها ,وكل فكرة ل تصنع شيئا ف هذا الضمار فل يصح الخذ با.
وعلى هذا الساس عرف (برغسون)( )1القيقة بأنا اختراع شيء جديد,
1ـ برغسون :حياته ,فلسفته ,سلسلة :زدن علما رقم 25ـ منشورات عويدات.
159
وليست اكتشافا لشيء سبق وجوده .وعرفها (شلر) بأنا ما تدم النسان
وحده .وحدد (ديوي) وظيفة الفكرة قائل ان الفكرة اداة لترقية الياة ,وليست
وسيلة ال معرفة الشياء ف ذاتا.
وف هذا الذهب خلط واضح بي القيقة نفسها ,والدف الساسي من
ماولة الظفر با .فقد ينبغي ان يكون الغرض من اكتساب القائق ,هو
استثمارها ف الجال العملي والستنارة با ف تارب الياة ,ولكن ليس هذا
هو معن القيقة بالذات .ونلخص الرد عليه فيما يات:
أولً :ان اعطاء العن العملي البحت للحقيقة ,وتريدها من خاصة
الكشف عما هو موجود وسابق ,استسلم مطلق للشك الفلسفي ,الذي
تارب التصويرية والسفسطة لجله .وليس مرد الحتفاظ بلفظة القيقة ف
مفهوم آخر كافيا للرد عليه او التخلص منه.
ثانيا :ان من حقنا التساؤل عن هذه النفعة العملية ,الت اعتبت
مقياسا للحق والباطل ف (الباجاتزم) ,أهي منفعة الفرد الاص الذي
يفكر؟! او منفعة الماعة؟! ومن هي الماعة؟ وما هي حدودها؟ وهل
يقصد با النوع النسان بصورة عامة؟ او جزء خاص منه؟ وكل من هذه
الفتراضات ل تعطي تفسيا معقول لذا الذهب الديد .فالنفعة الشخصية
اذا كانت هي العيار الصحيح للحقيقة ,وجب ان تتلف القائق باختلف
مصال الفراد ,فتحدث بسبب ذلك فوضى اجتماعية مريعة ,حي يتار كل
فرد حقائقه الاصة ,دون أي اعتناء بقائق الخرين النبثقة عن مصالهم.
وف هذه الفوضى ضرر خطي عليهم جيعا .واما اذا كانت النفعة النسانية
العامة هي القياس ,فسوف يبقى هذا القياس معلقا ف عدة من البحوث
والجالت ,لتضارب الصال البشرية واختلفها ف كثي من الحايي .بل ل
يكن البت حينئذ بقيقة مهما كانت ,ما ل تر بتجربة اجتماعية طويلة المد .ومعن
ذلك ان (جيمس) نفسه ,ل يكنه ان يعتب مذهبه (الباجاتزم) صحيحا
ما ل ير بذه التجربة ,ويثبت جدارته ف الياة العملية .وهكذا يوقف
الذهب نفسه.
160
ثالثاً :ان وجود مصلحة للنسان ف صدق فكرة ما ,ل يكفي لمكان
التصديق با فاللحد ل يكنه ان يصدق بالدين ,ولو آمن بدوره الفعال ف
تسلية النسان ,وانعاش آماله ومؤاساته ف حياته العملية .فهذا (جورج
سنتيانا) يصف اليان بانه غلطة جيلة ,اكثر ملءمة لنوازع النفس من الياة
نفسها .فليس التصديق بفكرة نظي اللوان الخرى من النشاط العملي ,الت
يكن للنسان ان يقوم با اذا تقق من فائدتا .وهكذا يقوم (الباجاتزم) على
عدم التفرقة بي التصديق ـ النشاط الذهن الاص ـ ومتلف النشاطات
العملية ,الت يباشرها النسان على ضوء مصاله وفوائده.
ونلص مـن هذه الدراسـة ال ان الفهوم الوحيـد للحقيقـة ,الذي يكـن
للفلسفة الواقعية اتاذه ,هو (الفكرة الطابقة للواقع).
والاركسية الت تنادي بامكان العرفة القيقية ,وترفض لجل ذلك
النعات التصويرية والشكية والسفسطائية ,ان كانت تعن بالقيقة مفهوما آخر
غي مفهومها الواقعي ,فهي ل تتعارض مع تلك الذاهب مطلقا ,لن مذاهب الشك
والسفسطة انا ترفض القيقة بعن الفكرة الطابقة للواقع ,ول ترفض
لفظ القيقة بأي مفهوم كان .فل يكن للماركسية ان تبأ من نزعات الشك
والسفسطة ,لجرد اتاذ لفظ القيقة وبلورته ف مفهوم جديد.
فيجـب اذن لجـل رفـض تلك النعات حقـا ,ان تاخـذ الاركسـية القيقـة
بفهومهـا الواقعـي الذي ترتكـز عليـه الفلسـفة الواقعيـة ,حتـ يكـن اعتبارهـا
فلسفة واقعية مؤمنة بالقيم الوضوعية للفكر حقا.
واذا عرف نا الفهوم الواق عي ال صحيح للحقي قة حان ل نا ان ن تبي ما اذا كان
مـن المكـن للحقيقـة بذا الفهوم الذي تقوم على اسـبابه الواقعيـة ان تتطور
وتتغي بركة صاعدة كما تعتقد الاركسية أولً؟.
ان القيقة ل يكن ان نتطور وتنمو ,وان تكون مدودة ف كل مرحلة من
مراحل تطورها بدود تلك الرحلة الاصة ,بل ل ترج الفكرة ـ كل
فكرة ـ عن احد امرين :فهي اما حقيقة مطلقة واما خطأ.
161
ـم يقذفون
ـي ,وتعلهـ
ـا اعلم ان هذه الكلمات تثيـ اشئزاز الاركسـ
وانـ
الف كر اليتافيزي قي ب ا تعودوا ال صاقه به من ت م ,فيقولون ان الف كر اليتافيزي قي
ي مد الطبي عة ويعتب ها حالة اثبات و سكون ,ل نه يعت قد بالقائق الطل قة ,ويأ ب
عـن قبول مبدأ التطور والركـة فيهـا ,وقـد انار مبدأ القائق الطلقـة تامـا,
باستكشاف تطور الطبيعة وحركتها.
ولكن الواقع الذي يب ان يفهمه قارئنا العزيز ان اليان بالقائق
الطلقة ورفض التغي والركة فيها .ل يعن مطلقا تميد الطبيعة .ول ينفي
تطور الواقع الوضوعي وتغيه .ونن ف مفاهيمنا الفلسفية نعتقد بان التطور
قانون عام ف عال الطبيعة ,وان كينونته ف صيورة مستمرة ,ونرفض
ف نفس الوقت كل توقيت للحقيقة وكل تغي فيها.
ولنفرض ـ ليضاح ذلك ـ ان سببا معينا جعل الرارة تشتد ف ماء
خاص .فحرارة هذا الاء بالفعل ف حركة مستمرة ,وتطور تدريي .ومعن
ذلك ان كل درجة من الرارة يبلغها الاء فهي درجة مؤقتة ,وسوف يعبها
الاء بصعود حرارته ال درجة اكب .فليس للماء ف هذا الال درجة حرارة
مطلقة .هذا هو حال الواقع الوضوعي القائم ف الارج ,فاذا قسنا حرارته ف
لظة معينة ,فكانت الرارة فيه حال تأثر القياس با قد بلغت
( )90ـ مثل ـ ,فقد حصلنا على حقيقة عن طريق التجربة ,وهذه القيقة
هي ان درجة حرارة الاء ف تلك اللحظة العينة كانت ( )90وانا تقول عنها
انا حقيقة لنا فكرة تأكدنا من مطابقتها للواقع ,أي لواقع الرارة ف لظة
خاصة .ومن الطبيعي ان حرارة الاء سوف ل تقف عند هذه الدرجة ,بل أنا
سوف تتصاعد حت تبلغ درجة الغليان.
ولكن القيقة الت اكتسبناها هي القيقة ل تتغي ,بعن انا مت ل حظنا
تلك اللحظة الاصة الت قسنا حرارة الاء فيها ,نكم ـ بكل تأكيد ـ بأن
حرارة الاء كانت بدرجة ( )90فدرجة ( )90من الرارة الت بلغها الاء وان كانت
درجة مؤقتة بلحظة خاصة من الزمان وسرعان ما اجتازتا الرارة ال
درجة اكب منها ,ال ان الفكرة الت حصلت لنا بالتجربة ـ وهي ان الرارة ف
162
لظة معينة كانت ف درجة ( )90ـ فكرة صحيحة وحقيقة مطلقة ,ولذا
نستطيع ان نؤكد صدقها دائما .ول نعن بالتأكيد على صدقها بصورة دائمة ان
درجة ( )90كانت هي الدرجة الثانية لرارة الاء على طول الط ,فإن القيقة الت
اكتسبناها بالتجربة ل تتناول حرارة الاء ال ف لظة معينة ,فحي نصفها
بأنا حقيقة مطلقة .وليست مؤقتة ,نريد بذلك ان الرارة ف تلك اللحظة
العينة قد تعينت ف درجة ( )90بشكل نائي ,فالاء وان جاز ان تبلغ حرارته درجة
( )100مثل عقيب تلك اللحظة ,ولكن من غي الائز ان يعود ما
عرفناه من درجة الرارة عن تلك اللحظة الاصة خطا بعد ان كان حقيقة.
واذا عرفنا ان القيقة هي الفكرة الطابقة للواقع ,وتبينا ان الفكرة اذا
كانت مطابقة للواقع ف ظرف معي ,فل يكن ان تعود بعد ذلك فتخالف
الواقع ف ذلك الظرف بالذات ,اقول :اذا علمنا ذلك كله يتجلى بوضوح
الطا ف تطبيق قانون الركة على القيقة ,لن الركة تثبت التغي ف
القيقة ,وتعلها دائما حقيقة نسبية ومؤقتة برحلتها الاصة من التطور ,وقد
عرفنا انه ل تغي ول توقيت ف القائق ,كما ان التطور والتكامل ف القيقة
يعن ان الفكرة تصبح بالركة حقيقية بشكل اقوى ,كما ان الرارة ترتقي بالركة
ال درجة اكب مع ان القيقة تتلف عن الرارة .فالرارة يكن ان
تشتد وتقوى ,واما القيقة فهي ـ كما عرفنا تعب عن الفكرة الطابقة للواقع ول
يكن ان تقوى مطابقة الفكرة للواقع وتشتد ,كما هو شان الرارة ,وانا يوز
ان ينكشف للفكر النسان جانب جديد من ذلك الواقع ل يكن يعلم به قبل
ذلك ,غي ان هذا ليس تطورا للحقيقة العلومة سلفا ,وانا هو حقيقة جديدة
يضيفها العقل ال القيقة السابقة .فاذا كنا نعرف ـ مثل ـ ان ماركس تأثر
بنطق هيجل .فهذه العرفة هي القيقة الول الت عرفناها عن علقة ماركس
بفكر هيجل .وحي نطالع بعد ذلك تاريه وفلسفته نعرف انه كان على
النقيض من مثالية هيجل .كما نعرف انه اتذ جدله فطبقه تطبيقا ماديا على
التاريخ والجتماع ال غي ذلك من العلقات الفكرية بي الشخصي .فكل
هذه معارف جديدة تكشف عن جوانب متلفة من الواقع ,وليست نوا وتطورا
للحقيقة الول الت حصلنا عليها منذ البدء.
163
ول يس ت مس الدر سة الارك سية لخضاع القي قة لقانون الر كة والتطور,
ال لجل القضاء على القائق الطلقة الت تؤمن با الفلسفة اليتافيزيقية.
وقد فاتا أنا تقضي على مذهبها بالماس لذا القانون ,لن الركة اذا
كانت قانونا عاما للحقائق فسوف يتعذر اثبات أية حقيقة مطلقة ,وبالتال
يسقط قانون الركة بالذات عن كونه حقيقة مطلقة.
فمن الطريف ان الاركسية تؤكد على حركة القيقة وتغيها طبقا لقانون
الديالكتيك ,وتعتب ان هذا الكشف هو النقطة الركزية لنظريتهم ف العرفة,
وتتغافل عن ان هذا الكشف بنفسه حقيقة من تلك القائق الت آمنوا بركتها
وتغيها ,فاذا كانت هذه القيقة تتحرك وتتغي كما تتحرك سائر القائق
بالطريقة الديالكتيكية ,فهي تتوي على تناقض سوف ينحل بتطورها وتغيها
كما يتم ذلك الديالكتيك ,واذا كانت هذه القيقة مطلقة ل تتحرك ول تتغي,
كفى ذلك ردا على تعميم قواني الديالكتيك والركة للحقائق والعارف
وبرهانا على ان القيقة ل تضع لصول الركة الديالكتيكية ,فالديالكتيك
الذي يراد اجراؤه على القائق والعارف البشرية ,ينطوى على تناقض فاضح
وحكم صريح باعدام نفسه على كل الالي .فهو اذا اعتب حقيقة مطلقة
انتقضت قواعده ,وتلى ان الركة الديالكتيكية ل تسيطر على دنيا القائق
لنا لو كانت تسيطر عليها لا وجدت حقيقة مطلقة ,ولو كانت هذه القيقة
هي الديالكتيك نفسه .واذا اعتب حقيقة نسبية خاضعة للتطور والركة
بقتضى تناقضاتا الداخلية ,فسوف تتغي هذه القيقة ويزول النطق
الديالكتيكي ويصبح نقيضه حقيقة قائمة.
ب ـ اجتماع القيقة والطأ:
سبق فيما عرضنا من نصوص الاركسية أنا تعيب على النطق الشكلي,
على حد تعبيها ,ايانه بالتعارض الطلق بي الطأ والقيقة ,مع أنما
يتمعان ما دام الطأ والقيقة امرين نسبيي ,وما دمنا ل نلك حقيقة مطلقة.
والفكرة الاركسية القائلة باجتماع القيقة والطأ ترتكز على فكرتي:
164
احداها :الفكرة الاركسية عن تطور القيقة وحركتها .القائلة :ان كل
حقيقة تتحرك وتتغي بصورة مستمرة .والخرى ,الفكرة الاركسية على
تناقضات الركة ,القائلة ان الركة عبارة عن سلسلة من التناقضات.
فالشيء التحرك ف كل لظة هو ف نقطة معينة وليس هو ف تلك النقطة,
ولذلك تعتب الاركسية الركة نقضا لبدأ الوية.
فكان مـن نتيجـة هاتيـ الفكرتيـ ان القيقـة والطـأ يتمعان وليـس بينهمـا
تعارض مطلق ,ذلك ان القيقـة لاـ كانـت فـ حركـة ,وكانـت الركـة تعنـ
التناقض الستمر فالقيقة اذن حقيقة وليست بقيقة بكم تناقضاتا الركية.
وقد تبينا فيما قدمناه ,مدى خطأ الفكرة الول عن حركة القيقة
وتطورها .وسوف نعرض بكل تفصيل للفكرة الثانية عند تناول الديالكتيك
بالدرس الستوعب ف السالة الثانية (الفهوم الفلسفي للعال) ,وسوف يزداد
وضوحا عند ذاك الطا والشتباه ف قواني الديالكتيك بصورة عامة ,وف
تطبيقه على الفكرة بصورة خاصة.
ومـن الواضـح ان تطـبيق قوانيـ الديالكتيـك مـن التناقـض والتطور على
الفكار والقائق بالشكــل الزعوم ,يؤدي ال انيار القيمــة الؤكدة لميــع
العارف والحكام العقليـة مهمـا كانـت واضحـة وبديهـة .وحتـ الحكام النطقيـة
او الرياضيـة البسـيطة تفقـد قيمتهـا ,لناـ تضـع ــ بوجـب التناقضات الحتواة
فيها على الراي الديالكتيكي ـ لقواني التطور والتغي الستمر ,فل يؤمن على ما
ندر كه الن من القائق ـ نظ ي 4=2+2والزء ا صغر من ال كل ـ ان يتغ ي
.
()1
بكم التناقضات الديالكتيكية فندركه على شكل اخر
1ــ ومـن الطريـف حقـا تلك الحاولت التـ تتخـذ باسـم العلم ,لتفنيـد
البدهيات العقليـة ,مـن رياضـة ومنطقيـة ,مـع ان العلم ل يكـن ان يقوم ال على
أساسها .وفيما يلي امثلة من تلك الحاولت للدكتور نوري جعفر ,ذكرها ف كتابه
فل سفة الترب ية ص ( :66و ف ضوء ما ذكر نا ن ستطيع ان نقول :ان ج يع القوان ي
العلم ية قوان ي ن سبية ,تع مل ف مالت معي نة ل تتعدا ها ,وي صدق ما ذكرناه على
قواني الرياضيات وبعض مظاهرها الت تبدو لول وهلة ,كأنا من المور البديهية,
الت ل تتغي بتغي الزمان والكان .فحاصل جع 2زائد 2مثل ل يساوي 4دائما.
ـ حجميـ من الكحول مع حجميـ من الاء,
من ذلك ــ مثل ــ ان نا اذا جعن ا
فالنتيجة تكون اقل من 4حجوم مزوجة ,وسبب ذلك راجع ال ان السائلي تتلف
جزئيات احدهاـ فـ شدة تاسـكها عـن الخـر فتنفـذ عنـد الزج جزئيات السـائل
الكثـر تاسـكا (الاء) مـن بيـ الفراغات النسـبية الوجودة بيـ جزئيات الكحول,
وتكون النتي جة مشاب ة للط مقدار من البتقال مع مقدار من الر قي ح يث ين فذ
165
ڤ................................التعديلت العلمية والقائق الطلقة:
وقـد كتـب انلز ينقـد مبدأ القيقـة الطلقـة القائل بسـلبية امكان اجتماعهـا
مـع الطـا ,عـن طريـق التعديـل الذي يطرأ على النظريات والقوانيـ العلميـة,
فقال:
(ولنسـتشهد على ذلك بقانون (بويـل) الشهيـ ,الذي ينـص على ان حجوم
الغازات تتناسـب عكسـيا مـع الضغـط الواقـع عليهـا اذا بقيـت درجـة حرارتاـ
ثابتة.
166
وجـد (رينـو) بأن هذا القانون ل يصـح فـ حالت معينـة ,ولو كان (رينـو)
احـد فلسـفة الواقعيـة ل نتهـى مـن ذلك ال السـتخلص التال :باـ ان قانون
(بويـل) قابـل للتغيـ فهـو ليـس بقيقـة مضـة ,أي انـه ليـس بقيقـة البتـة ,فهـو
إذن قانون باطـل ولو نجـ (رينـو) هذا النهـج لرتكـب خطـأ افضـع ماـ تضمنـه
167
قانون (بويل) ولتاهت ذرة القيقة النطوي عليها نقده لذا القانون ,واندفعت
بيـ رمال صـحراء الباطـل ,ولفضـى به المـر أخيا ال تشويـه النتي جة الصـائبة
التـ ادركهـا ,وال احالتهـا ال نتيجـة واضحـة الخطاء اذا مـا قورنـت مـع
النتيجـة التـ ادركهـا قانون (بويـل) ,الذي يبدو صـحيحا رغـم مـا هـو عالق بـه
من اخطاء جزئية) (.)1
ويتلخص هذا النقد ف ان الفكر اليتافيزيقي لو كان على صواب فيما
يؤمن به للحقائق من اطلق وتعارض مطلق مع الطأ ,لوجب رفض كل
قانون علمي لجرد وضوح عدم صحته جزئيا ,وف حالت معينة .فقانون
(بويل) بكم الطريقة اليتافيزيقية ف التفكي اما ان يكون حقيقة مطلقة ,واما
ان يكون خطأ مضا ,فاذا تبي ف اليدان التجريب عدم صحته احيانا فيجب
ان يكون لجل ذلك خطأ مطلقا ,وان ل يكون فيه شيء من القيقة ,لن
القيقة ل تتمع مع الطا .ويسر العلم بذلك جانب القيقة من ذلك
القانون .واما ف الطريقة الديالكتيكية فل يعتب ذلك الطا النسب دليل على
سقوط القانون مطلقا ,بل هو حقيقة نسبية ف نفس الوقت ,فان القيقة
تتمع مع الطأ.
ولو كان (انلز) قد عرف النظرية اليتافيزيقية ف العرفة معرفة دقيقة,
وفهم ما تعن من القيقة الطلقة لا حاول ان يوجه مثل هذا النقد اليها .ان
الصحة والطأ ل يتمعا ف حقيقة واحدة ل ف قانون بويل ول ف غيه من
القواني العلمية .فالقيقة من ذلك القانون هي حقيقة مطلقة ل خطأ فيها وما
هو خطأ منه فهو خطا مض ,والتجارب العلمية الت قام با (رينو) ـ والت
اوضحت له ـ مثل ـ ان قانون (بويل) ل يصح فيما اذا بلغ الضغط الد الذي
تتحول فيه الغازات ال سوائل ـ ل تقلب القيقة ال خطأ وانا شطرت القانون
ال شطرين ,واوضحت ان احد هذين الشطرين خطا مض .فاجتماع الطأ
والقيقة اجتماع اسي وليس اجتماعا بعناه الصحيح.
168
وف تعبي واضح ان كل قانون علمي صحيح فهو يتوي على حقائق
بعدد الالت الت يتناولا وينطبق عليها ,فاذا اظهرت التجربة خطأه ف بعض
تلك الالت ,وصوابه ف البعض الخر ,فليس معن ذلك ان القيقة نسبية
وانا اجتمعت مع الطا ,بل معن ذلك ان متوى القانون يطابق الواقع ف
بعض الالت دون بعض .فالطأ له موضع وهو ف ذلك الوضع خطأ
مض ,والقيقة لا موضع آخر وهي ف ذلك الوضع حقيقة مطلقة.
والفكر اليتافيزيقي ل يتم على العال الطبيعي ان يرفض القانون نائيا اذا
ما تبي عدم ناحه ف بعض الالت ,لنه يعتب كل حالة تثل قضية خاصة
با ,ول يب ان تكون القضية الاصة بالة ما خطأ ,اذا ما كانت القضية
الاصة بالالة الخرى كذلك.
وكان يب على (انلز) ـ عوضا عن تلك الحاولت الصبيانية لتبير
القيقة النسبية واجتماعها مع الطأ ـ ان يتعلم الفرق بي القضايا البسيطة
والقضايا الركبة ويعرف ان القضية البسيطة هي الت ل يكن ان تنقسم ال
قضيتي ,كما ف قولنا :مات افلطون قبل ارسطو .وان القضية الركبة هي
القضية الت تتالف من قضايا متعددة ,نظي قولنا :الفلزات تتمدد بالرارة.
فان هذا القول مموعة من قضايا ,ويكننا ان نعب عنه ف قضايا متعددة
فنقول :الديد يتمدد بالرارة ,والذهب يتمدد بالرارة ,والرصاص يتمدد
بالرارة...
والقضية البسيطة ـ باعتبارها قضية مفردة ـ ل يكن ان تكون حقيقة من
ناحية وخطأ من ناحية اخرى ,فموت افلطون قبل ارسطو اما ان يكون
حقيقة واما ان يكون خطأ .واما القضية الركبة فلما كانت ف القيقة ملتقى
قضايا متعددة ,فمن الائز ان توجد القيقة ف جانب منها والطأ ف جانب
آخر؛ كما اذا افترضنا ان الديد يتمدد بالرارة دون الذهب ,فان القانون
الطبيعي العام وهو الفلزات تتمدد بالرارة يعتب صحيحا على ناحية وخطأ من
ناحية اخرى .ولكن ليس معن ذلك ان القيقة والطأ اجتمعا فكانت
القضية الواحدة خطا وحقيقة ,بل الطا انا يوجد ف قضية الديد يتمدد
169
بالرارة ـ مثل ـ فلم يكن الطأ حقيقة ول القيقة خطأ.
وف عودتنا على الركة التطورية ف القيقة والعرفة ,بصفتها جزءا من
الديالكتيك ـ الذي خصصنا لدراسته الزء الثان من السألة التية (الفهوم
الفلسفي للعال) ـ سنستعرض مدارك الاركسية والوان استدللا ,على تطور
القيقة والعرفة ,ومدى ضعفها ومغالطتها .وعلى الخص ما حاولته الاركسية
من اعتبار العلوم الطبيعية ,ف تطورها الرائع على مر الزمن ,ونشاطها
التضاعف ,وقفزاتا البارة ,مصداقا للحركة التطويرية ف القائق والعارف,
مع ان تطور العلوم ف تاريها الطويل ل صلة له بتطور القيقة والعرفة,
بعناه الفلسفي الذي تاوله الاركسية .فالعلوم تتطور ل بعن ان حقائقها تنمو
وتتكامل ,بل بعن ان حقائقها تزداد وتتكاثر ,واخطاءها تقل وتتقلص.
ونوكل ايضاح ذلك ال البحث القبل ف السالة الثانية.
ويلص معنا من هذه الدراسة:
ـي
ـع الوضوعـ
ـة وغي ـ متطورة ,وان كان الواقـ
ـة مطلقـ
أولً :ان القيقـ
للطبيعة متطورا ومتحركا على الدوام.
ثانيا :ان القيقة تتعارض تعارضا مطلقا مع الطأ ,فالقضية البسيطة
الواحدة ل يكن ان تكون حقيقة وخطأ.
ثالثا :ان اجراء الديالكيتـك على القيقـة والعرفـة يتـم علينـا الشـك الطلق
ف كل حقي قة ,ما دا مت ف تغ ي وترك م ستمرين ,بل ي كم على نف سه بالعدام
والتغيـ ايضـا ,لنـه بذاتـه مـن تلك القائق التـ يبـ ان تتغيـ بكـم منطقـه
التطوري الاص.
ڤ.......................................انتكاس الاركسية ف الذاتية:
وف النهاية يب ان نشي ال ان الاركسية بالرغم من اصرارها على رفض
النسبية الذاتية بترفع وتاكيدها على الطابع الوضوعي لنسبيتها وانا نسبية
تواكب الواقع التطور وتعكس نسبيته بالرغم من ذلك كله ارتدت الاركسية
170
مرة أخرى فانتكست ف أحضان النسبية الذاتية حي ربطت العرفة بالعامل
الطبقي وقررت ان من الستحيل للفلسفة مثل ان تتخلص من الطابع الطبقي
والزب حت قال موريس كونفورت (كانت الفلسفة دوما تعب ول تستطيع ال
ان تعب عن وجهة نظر طبقية)(.)1
وقال تشاغي( :لقد ناضل ليني بثبات واصرار ضد النعة الوضوعية ف
النظرية) (.)2
وواضح ان هذا التاه الاركسي يطبع كل معرفة بالعنصر الذات ولكنها
ذاتية طبقية ل ذاتية فردية كما كان يقرر النسبيون الذاتيون وبالتال تصبح
القيقة هي مطابقة الفكرة للمصال الطبقية للمفكر لن كل مفكر ل يستطيع
ان يدرك الواقع ال ف حدود هذه الصال ول يكن لحد ف هذا الضوء ان
يضمن وجود القيقة ف أي فكرة فلسفية او علمية بعن مطابقتها للواقع
الوضوعي وحت الاركسية نفسها ل تستطيع ما دامت تؤمن بتمية الطابع
الطبقي ان تقدم لنا مفهومها عن الكون والجتمع بوصفه تعبيا مطابقا للواقع
وانا كل ما تستطيع ان تقرره هو انه يعكس ما يتفق مع مصال الطبقة
العاملة من جوانب الواقع (.)3
2
الفهوم الفلسَفي للعَال
171
172
ـ 1ـ
○ الفهوم الفلسفي ○
ان لسـألة تكويـن مفهوم فلسـفي عام عـن العال ,مركزا رئيسـيا فـ العقـل
البشري ,منذ حاولت النسانية تديد علقاتا بالعال الوضوعي وارتباطها به.
ولسنا ناول ف دراستنا هذه ان نؤرخ للمسالة ف سيها الفلسفي والدين
والعلمي ,وتطورها على مر الزمن منذ آمادها البعيدة ,وانا نستهدف ان
نعرض الفاهيم الساسية ف القل الفلسفي الديث ,لنحدد موقفنا منها ,وما
هو الفهوم الذي يب ان تتبلور نظرتنا العامة على ضوئه ويرتكز مبدأنا ف
الياة على اساسه؟.
ومرد مسألتنا هذه ال مسألتي :احدها ,مسالة الثالية والواقعية.
والخرى ,مسألة الادية واللية.
ففـي السـألة الول يعرض السـؤال على الوجـه التال :ان هذه الكائنات
التـ يتشكـل منهـا العال ,هـل هـي حقائق موجودة بصـورة مسـتقلة عـن الشعور
والدراك؟ او اناـ ليسـت ال الوانـا مـن تفكينـا وتصـورنا ,بعنـ ان الفكـر او
الدراك هو القي قة ,و كل ش يء ير جع ف نا ية الطاف ال الت صورات الذهن ية؟
فاذا اســقطنا الشعور او الـــ (انــا) فان الواقــع كله يزول .فهذان تقديران
للمسـألة ,والجابـة بالتقديـر الول تلخـص الفلسـفة الواقعيـة او الفهوم الواقعـي
للعال ,والجابة بالتقدير الثان هي الت تقدم الفهوم الثال للعال.
و ف ال سألة الثان ية يو ضع ال سؤال على ضوء الفل سفة الواقع ية هكذا :اذا ك نا
نؤ من بوا قع موضو عي للعال ف هل ن قف ف الواقع ية على حدود الادة الح سوسة,
فتكون هـي السـبب العام لميـع ظواهـر الوجود والكون باـ فيهـا مـن ظواهـر
173
الشعور والدراك؟ او نتخطاهـا ال سـبب اعمـق ,ال سـبب ابدي ول نائي
بصفة البدأ الساسي لا ندركه من العال بكل ماليه الروحي والادي معا؟.
وبذلك يوجد ف القل الفلسفي للواقعية مفهومان :يعتب احدها ,ان
الادة هي القاعدة الساسية للوجود ,وهو الفهوم الواقعي الادي .ويتخطى
الخر الادة ال سبب فوق الروح والطبيعة معا ,وهو الفهوم الواقعي اللي.
ـي
ـة للعال :الفهوم الثال ,والفهوم الواقعـ
ـم ثلثـ
ـا اذن مفاهيـ
ـبي يدينـ
فـ
الادي ,والفهوم الواقعـي الليـ .وقـد يعـب عـن الثاليـة بالروحيـة نظرا ال اعتبار
الروح ,او الشعور ,الساس الول للوجود.
ڤ.....................................................تصحيح أخطاء:
وعلى هذا الضوء يبـ ان نصـحح عدة أخطاء وقـع فيهـا بعـض الكتاب
الحدثي:
الول :ماولة اعتبار الصـراع بيـ الليـة والاديـة مظهـر مـن مظاهـر
التعارض بيـ الثاليـة والواقعيـة ,فلم يفصـلوا بيـ السـألتي اللتيـ قدمناهاـ,
وزعموا ان الفهوم الفلسـفي للعال احـد امريـن :امـا الفهوم الثال ,وامـا الفهوم
الادي .فتفسـي العال ل يكـن ان يقبـل سـوى وجهيـ اثنيـ ,فاذا فسـرت العال
تفسـيا تصـويريا خالصـا ,وآمنـت بان التصـور او النـا هـو الينبوع السـاسي,
فأنـت مثال واذا اردت ان ترفـض الثاليـة والذاتيـة ,وتؤمـن بواقـع موضوعـي
مسـتقل عـن الــ (أنـا) ,فليـس عليـك ال ان تأخـذ بالفهوم الادي للعال ,وتعتقـد
ان الادة هـي البدأ الول وان الفكـر والشعور ليـس ال انعكاسـا لاـ ودرجـة
خاصة من تطورها.
وهذا ل يت فق مع الوا قع مطل قا ك ما عرف نا ,فان الواقع ية لي ست وق فا على
الفهوم الادي ,كمـا ان الثاليـة ,او الذاتيـة ,ليسـت هـي الشيـء الوحيـد الذي
يعارض الفهوم الادي ,ويقـف امامـه على الصـعيد الفلسـفي ,بـل يوجـد مفهوم
آخـر للواقعيـة هـو الفهوم الواقعـي الليـ ,الذي يعتقـد بواقـع خارجـي للعال
174
والطبيعة ,ويرجع الروح والادة معا ال سبب اعمق فوقهما جيعا.
الثانـ :مـا اتمـ بـه بعـض الكتاب الفهوم الليـ ,مـن انـه يمـد مبدأ
العلميـة فـ دنيـا الطبيعـة ,ويلغـي قوانينهـا ونواميسـها التـ يكشفهـا العلم وتزداد
وضوحا يوما بعد يوم ,فهو ف زعمهم يربط كل ظاهرة وكل وجود بالبدأ اللي.
ول قد ل عب هذا التام دورا فعالً ف الفل سفة الاد ية ,ح يث اع تبت فكرة
ال هـي فكرة وضـع سـبب العقول لاـ يشاهده النسـان مـن ظواهـر الطبيعـة
وحوادثهـا .وماولة لتـبير وجودهـا ,فتزول الاجـة اليهـا تامـا حيـ نسـتطيع ان
نسـتكشف بالعلم والتجارب العلميـة حقيقـة السـباب ,والقوانيـ الكونيـة التـ
تتحكـم فـ العال ,وتتولد باعتبارهـا الظواهـر والوادث .وسـاعد على تركيـز هذا
التام ما كا نت تلع به الكني سة ف بدا ية النه ضة العلم ية ف أورو با ,من أدوار
خبيثـة فـ ماربـة التطور العلمـي ,ومعارضـة مـا يكشفـه العلم مـن اسـرار الطبيعـة
ونواميسها.
ـباب
ـن السـ
ـتغناء عـ
والقيقـة ,ان الفهوم الليـ للعال ل يعنـ السـ
الطبيعيـة ,او التمرد على شيـء مـن حقائق العلم الصـحيح واناـ هـو الفهوم
الذي يعتـب ال سـببا اعمـق ,ويتـم على تسـلسل العلل والسـباب ان يتصـاعد
ال قوة فوق الطبيعـة والادة .وبذا يزول التعارض بينـه وبيـ كـل حقيقـة علميـة
تاما ,لنـه يطلق للعلم اوسـع مال لسـتكشاف اسـرار الطبيعـة ونظامهـا,
ويت فظ لنف سه بالتف سي الل ي ف نا ية الطاف ,و هو مو ضع ال سبب الع مق ف
مبدأ أعلى مـن الطبيعـة والادة .فليسـت السـالة الليـة كمـا يشاء ان يصـورها
خصـومها ,مسـألة أصـابع تتـد مـن وراء الغيـب ,فتقطـر الاء فـ الفضاء تقطيا,
او تجـب الشمـس عنـا ,او تول بيننـا وبيـ القمـر ,فيوجـد بذلك الطـر
والكسـوف والسـوف ,فاذا كشـف العلم عـن اسـباب الطـر وعوامـل التبخيـ
فيـه ,واذا كشـف عـن سـبب الكسـوف وعرفنـا ان الجرام السـماوية ليسـت
متسـاوية البعاد عـن الرض ,وان القمـر اقرب اليهـا مـن الشمـس ,فيتفـق ان
يرـ القمـر بيـ الرض والشمـس فيحجـب نورهـا عنـا ,واذا كشـف العلم عـن
سبب السوف وهو وقـوع القمر ف ظـل الرض ,الذي يتد وراءها ال مسافة
175
( )900الف ميل تقريباً ,اقول اذا كملت هذه العلومات لدى النسان ,ييل
لولئك الادييـ ان السـألة الليـة ل يبـق لاـ موضوع ,وان الصـابع الغيبيـة التـ
تجـب الشمـس او القمـر عنـا ,عوض عنهـا العلم بالتعليلت الطبيعيـة وليـس
هذا ال لسـوء فهـم للمسـالة الليـة ,وعدم تييـز لوضـع السـبب الليـ مـن
سلسلة السباب.
الثالث :ان الطابـع الروحـي غلب على الثاليـة والليـة معا ,حتـ اخـذ
يبدو ان الروحيـة فـ الفهوم الليـ هـي بعناه فـ الفهوم الثال ,ونشأت عـن
ذلك عدة اشتباهات ,ذلك ان الروحيـة قـد تعتـب وصـفا لكـل مـن الفهوميـ.
ولكننـا ل نيـز مطلقـا ان يهمـل التمييـز بيـ الروحيتيـ ,بـل يبـ ان نعرف ان
الروحيـة فـ العرف الثال ,يقصـد باـ الجال القابـل للمجال الادي الحسـوس,
أي مال الشعور والدراك والنـا .فالفهوم الثال روحـي على أسـاس انـه يفسـر
كـل كائن وكـل موجود فـ نطاق هذا الجال ,ويرجـع كـل حقيقـة وكـل واقـع
اليـه .فالجال الادي مرده فـ الزعـم الثال ال مال روحـي ,وامـا الروحيـة فـ
الفهوم الليـ او العقيدة الليـة ,فهـي طريقـة للنظـر ال الواقـع بصـورة عامـة,
ـبب الجرد
ـن بالسـ
ـة التـ تؤمـ
ـا مقابل للمجال الادي .فالليـ
ل مال خاصـ
الع مق ,تعت قد ب صلة كل ما هو موجود ف الجال العام ـ سواء أكان روح يا ام
ماديـا ــ بذلك السـبب العمـق ,وترى ان هذه الصـلة هـي التـ يبـ ان يدد
ـان ,تاه الشياء جيعــا.
ـي للنسـ
ـف العملي والجتماعـ
ـا ,الوقـ
على ضوئهـ
فالروحيـة فـ العرف الليـ اسـلوب فـ فهـم الواقـع ,ينطبـق على الجال الادي
والجال الروحي ـ بعناه الثال ـ على السواء.
ويتلخص من العرض السابق ان الفاهيم الفلسفية عن العال ثلثة.
وقـد درسـنا فـ نظريـة العرفـة الفهوم الثال باعتباره مرتبطـا باـ كـل
الرتباط ,واسـتعرضنا اخطاءه ,فلنتناول فـ هذه السـألة دراسـة الفهوميـ
الخرين :الادي واللي.
وف الفهوم الادي اتاهان :التاه الل او اليكانيكي ,والتاه
الديالكتيكي والتناقض ,او الادية الديناميكية.
176
ڤ....................................ايضاح عدة نقاط عن الفهومي:
وقبـل ان نعرض للمفهوم الادي بكل اتاهيـه يبـ ان نسـتوضح عدة نقاط
حول الفهوم اللي والادي ,وذلك ف السئلة التية:
1ـ السؤال الول :ما هي اليزة الساسية لكل من التاه الادي
(الدرسة الادية للفلسفة) ,والتاه اللي (الدرسة اللية) على الخر؟ وما
هو الفارق الرئيسي الذي جعل منهما اتاهي متعارضي ,ومدرستي
متقابلتي؟.
ونظرة واحدة نلقيهـا على الدرسـتي تدد لنـا جوابـا واضحـا على هذا
السـؤال ,وهـو ان الائز السـاسي للمدرسـة الاديـة فـ الفلسـفة ,هـو النفـي او
الناحيـة السـلبية ,لاـ يتراءى انـه فوق طاقـة العلوم التجريبيـة .فل يوجـد فـ
القـل العلمـي اذن ــ أي فـ النواحـي اليابيـة للعلم التـ تـبهن عليهـا
التجربـة ــ اليـ ومادي .فالفيلسـوف سـواء أكان إليا ام ماديـا ,يؤمـن بالانـب
اليا ب من العلم ,فه ما من الناح ية العلم ية ي سلمان ـ مثل ـ بأن (الراديوم)
يولد طاقـة مـن الشعاع نتيجـة لنقسـام داخلي ,وبان الاء يأتلف مـن أوكسـجي
وهيدروجيـ ,وبان عنصـر اليدروجيـ هـو اخـف العناصـر فـ وزنـه الذري.
ويؤمنان معـا بسـائر القائق اليابيـة التـ تظهـر على الصـعيد العلمـي .فليـس فـ
السـألة العلميـة فيلسـوف اليـ واخـر مادي ,واناـ توجـد هاتان الفلسـفتان
وتتعارض الاديـة مـع الليـة ,حينمـا تعرض مسـألة الوجود فيمـا وراء الطبيعـة.
فالليـ يعتقـد بلون مـن الوجود مرد عـن الادة ,أي موجود خارج القـل
التجريـب ,وظواهره وقواه .والادي ينكـر ذلك ويقصـر الوجود على ذلك القـل
الاص ,ويع تب ال سباب الطبيع ية ,ال ت كش فت عن ها التجر بة وامتدت الي ها يد
العلم ,هـي السـباب الوليـة للوجود ,وان الطبيعـة هـي الظهـر الوحيـد له.
فبينمـا يقرر التاه الليـ ان الروح النسـانية او الــ (أنـا) ,ذات مردة عـن
الادة ,وان الدراك والفكـر ظواهـر مسـتقلة عـن الطبيعـة والادة ,ينكـر الادي
ذلك زاعما انـه حلل جسـم النسـان ,وراقـب عمليات الهاز العصـب ,فلم
يدـ شيئا خارج الدود الطبيعيـة والاديـة ,كمـا يدعـي الليون .وكذلك يؤمـن
177
التاه الليـ بان التطورات والركات ,التـ يكشـف عنهـا العلم ــ سـواءكانت
حركات ميكانيكيـة تضـع لسـبب مادي خارجـي ,أم حركات طبيعيـة غيـ ناشئة
من مؤثرات ماد ية معي نة بالتجر بة ـ تر جع ف النها ية ال سبب خار جي ,وراء
سـياج الطبيعـة والادة .ويعارض فـ ذلك الادي زاعمـا ان الركـة اليكانيكيـة
والركـة الطبيعيـة ,ل تتصـلن بسـبب مرد ,وان الركـة الطبيعيـة ديناميكيـة,
فهـي تكتفـي بنفسـها ,لن القـل التجريـب ل يبـد فيـه مـا اعتقده الليون مـن
سبب مرد.
وهكذا يتضح بكل جلء ان التعارض بي اللية والادية ,ليس ف
القائق العلمية .فان اللي كالادي يعترف بميع القائق العلمية ,الت
توضحها التجارب الصحيحة عن جسم النسان وفزلة اعضائه ,وعن التطور
والركة ف الطبيعة ,وانا يزيد بوضع حقائق أخرى ,والعتراف با .فهو
يبهن على وجود جانب روحي مرد للنسان ,غي ما ظهر منه ف اليدان
التجريب ,وعلى سبب مرد اعلى للحركات الطبيعة واليكانيكية فوق الجال
الحسوس.
ومـا دمنـا قـد عرفنـا ان اليدان العلمـي ليـس فيـه اليـ ومادي ,نعرف ان
الكيان الفلسفي للمادية ـ باعتبارها مدرسة مقابلة لللية ـ انا يرتكز على نفي
ـــة والادة ل على حقائق
القائق الجردة ,وانكار الوجود خارج حدود الطبيعـ
علمية ايابية.
2ــ السـؤال الثانـ :اذا كان التعارض بيـ الليـة والاديـة ,هـو تعارض
الثبات والنفـي ,فأي الدرسـتي يقـع على مسـؤوليتها السـتدلل والبهنـة ,على
اتاهها الاص الياب او السلب؟.
ـؤولية
ـن مسـ
ـض الادييـ ف ـ هذا الجال ان يتخلص مـ
ـد يلو لبعـ
وقـ
ال ستدلل ,ويع تب الل ي هو ال سؤول عن التدل يل على مدعاه ,لن الل ي هو
صـاحب الوقـف اليابـ ,أي مدعـي الثبوت ,فيجـب عليـه ان يـبر موقفـه
ويبهن على وجود ما يدعيه.
ولكـن الواقـع ان كل منهمـا مكلف بتقديـ الدلة والدارك لتاهـه الاص,
178
فكما ان اللي يب عليه ان يبهن على الثبات ,كذلك الادي هو مسؤول
أيضا عـن الدليـل على النفـي ,لنـه ل يعـل القضيـة اليتافيزيقيـة موضـع شـك,
واناـ نفاهـا نفيـا قاطعـا ,والنفـي القاطـع كالثبات القاطـع ,يفتقـر ال الدليـل.
فالادي حيـ زعـم ان السـبب الجرد ل وجود له ,ادعـى فـ هذا الزعـم ضمنا
انـه احاط بالوجود كله ,ول يدـ فيـه موضعـا للسـبب الجرد ,فل بـد ان يقدم
دليل على هذه الحاطة العامة ,وتبيرا للنفي الطلق.
ونتسـاءل هنـا مـن جديـد ,مـا هـي طبيعـة الدليـل الذي يكـن للليـ او
للمادي ان يقدمـه فـ هذا الجال؟ ونيـب ان دليـل الثبات او النفـي ,يبـ
ان يكون هـو العقـل ,ل التجربـة الباشرة خلفـا للماديـة ,التـ درجـت على
اعتبار التجربـة دليل على مفهومهـا الاص ,زاعمـة ان الفهوم الليـ او القضايـا
اليتافيزيقيـة بصـورة عامـة ل يكـن اثباتاـ بالتجربـة ,وان التجربـة هـي التـ ترد
على تلك الزاعـم ,لناـ تلل النسـان والطبيعـة ,وتدلل على عدم وجود اشياء
مردة فيه ما ذلك ان التجارب والقائق العلم ية اذا صح للماد ية ما تزع مه ,من
اناــ ل تقوم دليل على التاه الليــ ,فهــي ايضا ل تصــلح دليل للنفــي
الطلق ,الذي يدد التاه الادي ,فقـد عرفنـا ان القائق العلميـة على اختلف
الواناـ ليسـت موضعـا للنقاش بيـ الليـة والاديـة ,واناـ النقاش فـ التفسـي
الفلسـفي لتلك القائق ,أي فـ وجود سـبب اعلى وراء حدود التجربـة ,ومـن
الواضـح ان التجربـة ل يكـن ان تعتـب برهانـا على نفـي حقيقـة خارج حدودهـا.
فالعال الطـبيعي اذا ل يدـ السـبب الجرد فـ متـبه ,ل يكـن هذا دليل ال على
ـي وجوده ف ـ مال فوق مالت
ـا نفـ
ـة ,وامـ
عدم وجوده ف ـ ميدان التجربـ
التجربة ,فل يكن ان يستنتج من التجربة ذاتا.
ونؤكد بذا البيان على امرين:
(احدهاـ) ,ان الاديـة باجـة ال دليـل على الانـب السـلب ,الذي ييزهـا
عـن الليـة ,كحاجـة اليتافيزيقـا ال برهان على الياب والثبات .و (الخـر),
ان الاديـة اتاه فلسـفي كالليـة ,ول توجـد لدينـا ماديـة علميـة ,أي تريبيـة ,لن
العلم ك ما عرف نا ل يث بت الفهوم الادي للعال ,لتكون الاد ية علم ية ,بل كل ما
179
يكشـف عنـه العلم مـن حقائق وأسـرار فـ عال الطبيعـة ,يترك مال لفتراض
سـبب اعلى فوق الادة ,فالتجربـة العلميـة ــ مثل ــ ل يكـن ان تدل على ان
الادة ليسـت ملوقـة لسـبب مرد او على ان اشكال الركـة والوان التطور ,التـ
اسـتكشفها العلم فـ شتـ جوانـب الطبيعـة ,هـي حركات وتطورات مكتفيـة
ذاتيـا ,وليسـت منبثقـة عـن سـبب فوق حدود التجربـة ومالتاـ .وهكذا كـل
حقيقـة علميـة .فالدليـل على الاديـة اذن ل يكـن ان يرتكـز على القائق
العلميـة ,او التجارب بصـورة مباشرة ,واناـ يصـاغ فـ تفسـي فلسـفي لتلك
ـل على الليــة تامــا .ولنأخــذ التطور لذلك مثل,
القائق والتجارب,كالدليـ
فالعلم يثبـت وجود التطور الطـبيعي فـ عدة مـن الجالت ,ويكـن ان يوضـع
لذا التطور تف سيان فل سفيان احده ا ا نه منب ثق عن صميم الش يء ,ونا تج عن
صـراع يفترض فيـه بيـ التناقضات ,وهذا هـو تفسـي الاديـة الديالكتيكيـة.
والخـر انـه ناتـج عـن سـبب اعلى مرد ,فالطبيعـة التطورة ل توي فـ ذاتاـ
التناقضات ,واناـ تنطوي على امكان التطور ,وذلك السـبب هـو الذي يقـق
للمكان الوجود الفعلي ,وهذا هـو التفسـي الفلسـفة الليـة .فنحـن نلحـظ
بوضوح ان الفهوم العلمــي اناــ هــو وجود التطور الطــبيعي ,وامــا هذان
الفهومان عـن الركـة فهمـا مفهومان فلسـفيان ,ول يكـن ان يتأكـد مـن صـحة
احدها ,وخطأ الخر بالتجربة الباشرة.
3ــ السـؤال الثالث :اذا ل تكـف التجربـة العلميـة بذاتاـ للبهنـة على
الفهوم الليـ والادي على السـواء ,فهـل يكـن للفكـر البشري ان يسـتدل على
ا حد الفهوم ي ما دا ما م عا خارج ي عن النطاق التجر يب او ا نه ي صبح مضطرا
ال السـتسلم للشـك ,وتميـد مسـالة الليـة والاديـة ,والنصـراف ال الجال
العلمي الثمر؟.
والواب :ان القدرة الفكريـة للبشـر كافيـة لدرس هذه السـألة ,والنطلق
في ها من التجر بة ذات ا ,ول كن ل على ان تكون التجر بة هي الدل يل البا شر على
الفهوم ,الذي نكونـه عـن العال ,بـل تكون التجربـة نقطـة البتداء ويوضـع
الفهوم الفلسفي الصحيح للعال ـ وهو الفهوم اللي ـ على ضوء تفسي التجربة
والظواهر التجريبية ,بالعلومات العقلية الستقلة.
180
ول بـد ان القارئ يتذكـر دراسـتنا ــ فـ نظريـة العرفـة (السـألة
الول) ــ للمذهـب العقلي ,وكيـف اوضحنـا بالبهان وجود معارف عقليـة
مسـتقلة ,على شكـل تـبي ان اضافـة معارف عقليـة ال التجربـة امـر ضروري,
ل ف م سألتنا الفل سفية فح سب ,بل ف ج يع ال سائل العلم ية .ف ما من نظر ية
علميـة ترتكـز على أسـاس تريـب بتـ ,واناـ تقوم على أسـاس التجربـة ,وعلى
ضوء العلومات العقليـة السـتقلة .فل تتلف قضيتنـا الفلسـفية التـ تتناول
الب حث ع ما وراء عال الطبي عة ,عن كل قض ية علم ية تب حث عن ا حد قوان ي
الطبيعـة ,او تكشـف شيئا مـن قواهـا وأسـرارها .فالتجربـة فـ جيـع ذلك نقطـة
النطلق ,وهـي مـع ذلك باجـة ال تفسـي عقلي ,لتسـتنتج منهـا القيقـة
الفلسفية او العلمية.
ونرج من هذه النقاط بالنتائج التالية:
أولً :ان الدرسـة الاديـة تفترق عـن الدرسـة الليـة فـ ناحيـة سـلبية ,أي
النكار لا هو خارج القل التجريب.
ثانيا :ان الاد ية م سؤولة عن ال ستدلل على الن في ,ك ما ي ب على الل ية
الستدلل على الثبات.
ثالثا :ان التجربـة ل يكـن ان تعتـب برهانـا على النفـي ,لن عدم وجدان
السـبب العلى فـ ميدان التجربـة ل يـبهن على عدم وجوده فـ مال اعلى ,ل
تتد اليه يد التجربة الباشرة.
رابعا :ان السـلوب الذي تتخذه الدرسـة الليـة للسـتدلل على مفهومهـا
الليـ هـو نفـس السـلوب الذي نثبـت بـه علميـا جيـع القائق والقوانيـ
العلمية.
ڤ.................................التاه الديالكتيكي للمفهوم الادي
قلنـا ان للماديـة اتاهيـ احدهاـ :اتاه الليـة اليكانيكيـة ,والخـر ,اتاه
الادية الديالكتيكية.
181
وقد استعرضنا التاه الول استعراضا سريعا ف الزء الثان من نظرية
العرفة ,حي تناولنا بالدرس والتمحيص الثالية الفيزيائية الت قامت على
حطام الادية اليكانيكية.
وامـا التاه الادي الخـر ,الذي يفسـر العال تفسـيا ماديـا بقوانيـ
الديالكتيـك ,فهـو التاه الذي اتذتـه الدرسـة الاركسـية ,فوضعـت مفهومهـا
الادي عن العال على أساس هذا التاه.
قال ستالي:
[تسي مادية ماركس من البدأ القائل :ان العال بطبيعته
مادي ,وان حوادث العال التعددة هي مظافر متلفة للمادة
التحركة ,وان العلقات التبادلة بي الوادث وتكييف بعضها
بعضا بصورة متبادلة ,كما تقررها الطريقة الديالكتيكية ,هي
قواني ضرورية لتطور الادة التحركة ,وان العال يتطور تبعا
لقواني حركة الادة ,وهو ليس باجة لي عقل كلي] (.)1
ويعتـب الفهوم الادي الادة ــ الوجود ــ هـو النقطـة الركزيـة فـ الفلسـفة
الاركسـية ,لناـ التـ تدد نظرة الاركسـية ال الياة ,وتنشىء لاـ فهمـا خاصـا
للواقـع وقيمـه ,ومـن دوناـ ل يكـن ان تقام السـس الاديـة الالصـة للمجتمـع
والياة.
وقـد فرضـت هذه النقطـة على الذهـب الاركسـي تسـلسل فكريـا خاصـا,
واقتضت منه ان يقيم شت جوانبه الفلسفية لصالها.
فلجـل ان تلك الاركسـية القـ فـ تقريـر النقطـة الركزيـة تقريرا نائيا,
اختارت ان تكون يقينيـة ,كمـا عرفنـا فـ نظريـة العرفـة ,واعلنـت ان لدى
النسـان مـن الطاقات العلميـة مـا يتيـح له الزم بفلسـفة معينـة عـن الياة,
واسـتكناه أسـرار الوجود والعال ,ورف ضت مذهـب الشـك الطلق ,وحتـ النسـبية
الامدة ,وحاولت بذلك ان تعطـي صـفة قطعيـة للمحور الرئيسـي ,أي الفهوم
الادي.
182
ـة,
ـة ف ـ التجربـ
ـة والقيقـ
ـد ذلك القياس العام للمعرفـ
ـت بعـ
ووضعـ
واسـتبعدت العارف العقليـة الضروريـة ,وانكرت وجود منطـق عقلي مسـتقل عـن
التجربـة ,كـل ذلك حذرا مـن إمكان موـ النقطـة الركزيـة بالنطـق العقلي ,وحدا
للطاقة البشرية باليدان التجريب خاصة.
وواجهت الاركسية ف هذه الرحلة مشكلة جديدة ,وهي ان اليزان
الفكري للنسان اذا كان هو الس والتجربة ,فل بد ان تكون العلومات الت
يكونا عن طريق الس والتجربة صحيحة دائما ,ليمكن اعتبارها ميزانا اوليا
توزن به الفكار والعارف .فهل نتائج الس العلمي كذلك حقا؟ وهل
النظريات القائمة على التجربة مضمونة الصدق ابدا؟.
وهكذا وقعت الاركسية بي خطرين :فان اعترفت بان العلومات القائمة
على أساس التجربة ليست معصومة من الطأ ,فقد سقطت التجربة عن كونا
ميزانا أوليا للحقائق والعارف .وان ادعى الاركسيون ان النظرية الستمدة من
التجربة والتطبيق فوق الطا والشتباه ,اصطدموا بالواقع الذي ل يسع لحد
انكاره ,وهو ان كثيا من النظريات العلمية ,بل القواني الت توصل اليها
النسان عن طريق درس الظواهر الحسوسة ,قد ظهر خطأها وعدم مطابقتها
للواقع ,فسقطت عن عرشها العلمي بعد ان تربعت عليه مئات السني.
واذا كانت الفاهيم العلمية التجريبية قد تطئ .وكان النطق العقلي
ساقطا من الساب ,فكيف يعلن عن فلسفة يقينية؟! او تشاد مدرسة ذات
صفة جزمية ف افكارها؟!.
و قد ا صرت الارك سية على و ضع التجر بة مقيا سا اعلى ,وتل صت من هذا
الازق بوضـع قانون الركـة والتطور فـ العلوم والفكار ,نظرا ال ان الفكـر
جزء مـن الطبيعـة ,وهـو بذا العتبار يقـق قوانيـ الطبيعـة كاملة .فيتطور وينمـو
كما تتطور الطبيعة .وليس التطور العلمي يعن سقوط الفهوم العلمي السابق ,وانا
يعب عن حركة تكاملية ف القيقة والعرفة .فالقيقة والعرفة هي القيقة والعرفة,
غي انا تنمو وتتحرك وتتصاعد بصورة مستمرة.
وهكذا قضـى بذلك على جيـع البدهيات والقائق لن كـل فكـر سـائر فـ
183
سراط التطور والتغ ي ,فلي ست تو جد حقي قة ثاب تة ف دن يا الف كر مطل قا ,ول
يؤمـن على مـا ندركـه الن مـن البديهيات (نظيـ ادراكنـا :ان الكـل اكـب مـن
الزء ,وان )4=2+2ان يكتسـب شكلً آخـر فـ حركتـه التطوريـة ,فندرك
القيقة عند ذاك على وجه آخر.
ولا كانت الركة الت وضعتها الاركسية كقانون للفكر ,وللطبيعة بصورة
عامة ,ل تنبثق ال عن قوة وسبب ,ول تكن ف العال حقيقة ال الادة ف
زعمها ,فقد قالت :ان الركة حصيلة تناقضات ف الحتوى الداخلي للمادة,
وان هذه التناقضات تتصارع فتدفع بالادة وتطورها .ولذا ألغت الاركسية
مبدأ عدم التناقض ,واتذت من الديالكتيك طريقة لفهم العال ,ووضعت
مفهومها الادي ف اطاره.
وهكذا يتضح ان جيع الوانب الفلسفية الادية الديالكتيكية ,مرتبطة
بالنقطة الركزية (الفهوم الادي) ,وقد صيغت لجل تركيزها والفاظ عليها.
وليس اسقاط البديهيات وجعلها عرضة للتغي ,او اليان بالتناقض واعتباره
قانونا عاما للطبيعة ,وما اليها من النتائج الغربية الت انتهت اليها الاركسية,
ال تسلسل حتميا للنطلق الذي بدأ من الفهوم الادي الاركسي ,وتبيرا له
ف الجال الفلسفي.
184
ـ 2ـ
○ الديالكتيك أو الدل ○
ان الدل كان يعنـ فـ النطـق الكلسـيكي طريقـة خاصـة فـ البحـث,
وأسـلوبا مـن اسـاليب الناظرة ,التـ تطرح فيهـا التناقضات الفكريـة ,ووجهات
الن ظر التعار ضة ,بق صد ان تاول كل واحدة من ها ان تظ هر ما ف نقيض ها من
نقاط الضعـف ومواطـن الطـأ ,على ضوء العارف السـلمة والقضايـا العترف باـ
سـلفا .وهكذا يقوم الصـراع بيـ النفـي والثبات فـ ميدان البحـث والدل,
ح ت ينت هي ال نتي جة تتقرر في ها احدى وجهات الن ظر الت صارعة ,او تن شق عن
ـة رأي جديدة ,توفـق بيـ الوجهات
ـراع الفكري بيـ التناقضات وجهـ
الصـ
كلها ,بعد اسقاط تناقضاتا ,وافراز نقاط الضعف من كل واحدة منها.
ولكـن الدل فـ الديالكتيـك الديـد ,او الدل الديـد ,ل يعـد منهجـا فـ
الب حث وا سلوبا لتبادل الراء ,بل ا صبح طري قة لتف سي الوا قع ,وقانو نا كون يا
عامـا ,ينطبـق على متلف القائق والوان الوجود .فالتناقـض ليـس بيـ الراء
ووجهات الن ظر فح سب ,بل هو ثا بت ف صميم كل وا قع وحقي قة ,ف ما من
قضية ال وهي تنطوي ف ذاتا على نقيضها ونفيها.
وكان هيجـل اول مـن اشاد منطقـا كامل على هذا السـاس ,فكان التناقـض
الديالكتي كي هو النق طة الركز ية ف ذلك الن طق ,والقاعدة ال ساسية ال ت يقوم
عليهـا فهـم جديـد للعال ,وتنشـأ بـه نظريـة جديدة نوه ,تتلف كـل الختلف
عن النظرة الكلسيكية ,الت اعتادها البشر منذ قدر له ان يدرك ويفكر.
وليـس هيجـل هـو الذي ابتدع اصـول الديالكتيـك ابتداعـا ,فان لتلك
ال صول جذورا واعما قا ف عدة من الفكار ,ال ت كا نت تظ هر ب ي ح ي وآ خر
185
على مسـرح العقـل البشري ,غيـ اناـ ل تتبلور على اسـلوب منطـق كامـل,
وا ضح ف تف سيه ونظر ته ,مدد ف خط طه وقواعده ,ال على يد هي جل .ف قد
أنشـأ هيجـل فلسـفته الثاليـة كلهـا على أسـاس هذا الديالكتيـك ,وجعله تفسـيا
كافيـا للمجتمـع ,والتاريـخ ,والدولة ,وكـل مظاهـر الياة .وتبناه بعده ماركـس
فوضع فلسفته الادية ف تصميم ديالكتيكي خالص.
فالدل الديـد فـ زعـم الديالكتيكيـ قانون للفكـر والواقـع على السـواء.
ولذلك فهو طريقة للتفكي ,ومبدأ يرتكز عليه الواقع ف وجوده وتطوره.
قال ليني:
[فاذا كان ثة تناقضات ف افكار الناس ,فذلك لن
الواقع الذي يعكسه فكرنا يوي تناقضات .فجدل الشياء
ينتج جدل الفكار ,وليس العكس] (.)1
وقال ماركس:
[ليست حركة الفكر ال انعكاسا لركة الواقع ,منقولة
(.)2
ومولة ف مخ النسان]
والنطـق اليجلي باـ قام عليـه مـن أسـاس الديالكتيـك والتناقـض ,يعتـب فـ
النق طة القابلة ـ للمن طق الكل سيكي ,او الن طق البشري العام ـ تاما ,ذلك ان
النطـق العام يؤمـن ببدأ عدم التناقـض ,ويعتـبه البدأ الول الذي يبـ ان
تقوم كل معر فة على ا ساسه ,والبدأ الضروري الذي ل ي شذ ع نه ش يء ف دن يا
الوجود ,ول يكن ان يبهن على حقيقة مهما كانت لوله.
ويرفـض النطـق اليجلي هذا البدا كـل الرفـض ,ول يكتفـي بالتأكيـد على
امكان التنا قض ,بل ي عل التنا قض ـ بدل عن سلبه ـ البدأ الول ل كل معر فة
ـن
ـة مـ
ـر الكون كله بجموعـ
ـن العال ,والقانون العام الذي يفسـ
ـحيحة عـ
صـ
التناقضات ,فكـل قضيـة فـ الكون تعتـب اثباتـا ,وتثيـ نفيهـا فـ نفـس الوقـت,
ويأتلف الثبات والنفـي فـ اثبات جديـد .فالنهـج التناقـض للديالكتيـك ,او
186
ـة
ـى :الطروحـ
ـل تدعـ
ـن ثلث مراحـ
ـم العال ,يتضمـ
الدل ,الذي يكـ
والطباق ,والتركيـب .وفـ تعـبي آخـر :الثبات ,والنفـي ونفـي النفـي وبكـم
هذا النهـج الدل يكون كـل شيـء متمعـا مـع نقيضـه ,فهـو ثابـت ومنفـي,
وموجود ومعدوم ,ف وقت واحد.
و قد اد عى الن طق اليجلي ا نه ق ضى ـ ب ا زع مه للوجود من جدل ـ على
الطوط الرئيسية للمنطق الكلسيكي ,وهي ـ ف زعمه ـ كما يأت:
أولً :مبدأ عدم التناقض .وهو يعن ان الشيء الواحد ل يكن ان
يتصف بصفة ,وبنقيض تلك الصفة ف وقت واحد.
ثانيا :مبدأ الوية .وهو البدأ القائل ان كل ماهية فهي ما هي
بالضرورة ,ول يكن سلب الشيء عن ذاته.
ثالثا :مبدأ السكون والمود ف الطبيعة الذي يرى سلبية الطبيعة وثباتا,
وينفي الديناميكية عن دنيا الادة.
فالبدأ الول ل موضع له ف النطق الديد ,ما دام كل شيء قائما ف
حقيقته على التناقض .واذا ساد التناقض كقانون عام ,فمن الطبيعي ان
يسقط البدأ الثان للمنطق الكلسيكي ايضا ,فان كل شيء تسلب عنه هويته
ف لظة الثبات بالذات ,لنه ف صيورة مستمرة ,وما دام التناقض هو
الذر الساسي لكل حقيقة ,فل غرو فيما اذا كانت القيقة تعن شيئي
متناقضي على طول الط .ولا كان هذا التناقض الركز ف صميم كل حقيقة
مثيا لصراع دائم ف جيع الشياء ,والصراع يعن الركة والندفاع ,فالطبيعة
ف نشاط وتطور دائم ,وف اندفاعة وصيورة مستمرة.
هذه هي الضربات الت زعم النطق الديالكتيكي انه سددها ال النطق
النسان العام ,والفهوم الالوف للعال ,الذي ارتكزت عليه اليتافيزيقية الف
السني.
وتتلخص الطريقة الديدة لفهم الوجود ف افتراض قضية اول ,وجعلها
أصل ,ث ينقلب هذا الصل ال نقيضه ,بكم الصراع ف الحتوى الداخلي
187
بي التناقضات ,ث يأتلف النقيضان ف وحدة ,وتصبح هذه الوحدة بدورها
أصلً ونقطة انطلق جديد ,وهكذا يتكرر هذا التطور الثلثي تطورا ل ناية
له ول حد ,يتسلسل مع الوجود ,ويتد ما امتدت ظواهره وحوادثه.
وقد بدأ هيجل بالفاهيم والقولت العامة ,فطبق عليها الديالكتيك,
واستنبطها بطريقة جدلية قائمة على التناقض ,التمثل ف الطروحة ,والطباق,
والتركيب .وأشهر ثواليثه ف هذا الجال وأولا هو :الثالوث الذي يبدأ من
ابسط تلك الفاهيم واعمقها ,وهو مفهوم الوجود .فالوجود موجود ,وهذا هو
الثبات او الطروحة ,بيد انه ليس شيئا ,لنه قابل لن يكون كل شيء.
فالدائرة وجود ,والربع ,والبيض ,والسود ,والنبات ,والجر ,كل هذا هو
موجود .فليس اذن شيئا مددا ,وهو بالتال ليس موجودا ,وهذا هو الطباق
الذي أثارته الطروحة ,وهكذا حصل التناقض ف مفهوم الوجود ,ويل هذا
التناقض ف التركيب بي الوجود واللوجود .الذي ينتج موجودا ل يوجد على
التمام ,أي صيورة وحركة ,وهكذا ينتج ان الوجود الق هو الصيورة.
هذا مثال سقناه لنوضح كيف يتسلسل ابو الدل الديث ف استنباط
الفاهيم العامة ,من العم ال الخص ,ومن الكثر خواء وضعفا ,ال الكثر
ثراء والقرب ال الواقع الارجي.
وليس هذا الدل ف استنباط الفاهيم عنده ال انعكاسا لدل الشياء
بذاتا ف الواقع ,فاذا استثارت فكرة من الفكار فكرة مقابلة لا ,فلن الواقع
الذي تثله هذه الفكرة يتطلب الواقع الضاد.
ونظرة بسيطة على الطروحة ,والطباق ,والتركيب ,ف قضية الوجود,
الت هي اشهر ثواليثه ,تدلنا بوضوح على ان هيجل ل يفهم مبدأ عدم
التناقض حق الفهم حي الغاه ووضع موضعه مبدأ التناقض .ول ادري كيف
يستطيع هيجل ان يشرح لنا التناقض ,او النفي والثبات ,الجتمعي ف
مفهوم الوجود؟! ان مفهوم الوجود مفهوم عام دون شك ,وهو لذلك قابل
لن يكون كل شيء ,قابل لن يكون نباتا او جادا ,ابيض او اسود ,دائرة او
188
مربعاً .ولكن هل معن هذا ان هذه الضداد والشياء التقابلة متمعة كلها ف
هذا الفهوم ,ليكون ملتقى للنقائض والضداد؟ طبعا ل ,فان اجتماع المور
التقابلة ف موضوع واحد شيء ,وامكان صدق مفهوم واحد عليها شيء
آخر .فالوجود مفهوم ليس فيه من نقاط السواد والبياض ,او النبات والماد
شيء ,وانا يصح ان يكون هذا او ذاك ,ل انه هو هذا وذاك معا ف وقت
واحد (.)1
ولندع مقولت هيجل ,لندرس الدل الاركسي ,ف خطوطه العريضة
الت وضع تصميمها الساسي هيجل نفسه.
والطوط الساسية اربعة ,وهي حركة التطور ,وتناقضات التطور,
وقفزات التطور ,والقرار بالرتباط العام.
ـ اضف ال ذلك ان هذا التناقض الزعوم ف ثالوث الوجود ,يرتكز على خلط 1
آخر بي فكرة الشيء ,والواقع الوضوعي لذلك الشيء .فان مفهوم الوجود ليس
ال عبارة عن فكرة الوجود ف اذهاننا ,وهي غي الواقع الوضوعي للوجود .واذا
ميزنا بي فكرة الوجود وواقع الوجود زال التناقض ,فان واقع الوجود معي
ومدد ل يكن سلب صفة الوجود عنه مطلقا ,واما فكرتنا عن الوجود فهي
ليست وجودا واقعيا ,وانا هي الفهوم الذهن الأخوذ عنه.
189
190
1ـ حركة التطور
قال ستالي:
[ان الديالكتيك خلفا للميتافيزية ,ل يعتب الطبيعة حالة
سكون وجود ,حالة ركود واستقرار ,بل يعتبها حالة حركة
وتغي دائمي ,حالة تدد وتطور ل ينقطعان .ففيها دائما
شيء يولد ويتطور وشيء ينحل ويضمحل .ولذا تريد
الطريقة الديالكتيكية ان ل يكتفي بالنظر ال الوادث من
حيث علقات بعضها لبعض ,بصورة متقابلة ,بل ان ينظر
اليها أيضا من حيث حركتها ,من حيث تغيها وتطورها ,من
حيث ظهورها واختفائها] (.)1
وقال انلز:
[ينبغي لنا ال ننظر ال العال وكأنه مركب من اشياء
ناجزة ,بل ينبغي ان ننظر اليه وكأنه مركب ف ادمغتنا .ان
هذا الرور ينم عن تغي ل ينقطع من الصيورة والنلل,
حيث يشرق نار النمو التقدم ف النهاية ,رغم جيع الصدف
الظاهرة والعودات الوقتة ال الوراء] (.)2
فكل شيء خاضع لقواني التطور والصيورة ,وليس لذا التطور او
الصيورة حد يتوقف عنده ,لن الركة هي السالة اللمتناهية للوجود كله.
191
مطلقي ,فهو ل يعكس الطبيعة على واقعها التطور التحرك .فالفرق بي
النطق الدل الذي يعتقد ف الطبيعة حركة دائمة وصاعدة أبدا ,والنطق
الشكلي ـ ف زعمهم ـ كالفرق بي شخصي ,ارادا ان يسبا اغوار كائن حي ف
شت ادواره ,فأجرى كل منهما تاربه عليه ,ث وقف احدها يراقب تطوره وحركته
الستمرة ,ويدرسه على ضوء تطوراته كلها ,واكتفى الخر بالتجربة الول ,معتقدا
ان ذلك الكائن جامد ف كيانه ,ثابت ف هويته وواقعه.
برمتها شانا شان هذا الكائن الي ,من النبات او اليوان ,ف
تطوره ونوه ,فل يواكبها الفكر ال اذا جاراها ف حركتها وتطورها.
والواقع ان قانون التطور الديالكتيكي ,الذي يعتبه الدل الديث من
ميزاته الساسية ,ليس شيئا جديدا ف الفكر النسان ,وانا الديد طابعه
الديالكتيكي الذي يب نزعه عنه ,كما سنعرف .فهو ف حدوده الصحيحة
ينسجم مع النطق العام ,ول صلة له بالديالكتيك ,ول فضل للديالكتيك ف
اكتشافه ,فليس علينا لجل ان نقبل هذا القانون ,ونعرف سبق اليتافيزيقا
اليه ,ال ان نرده عن قالب التناقض ,واساس الدل القائم عليه ف عرف
الديالكتيك.
ان اليتافيزيقي ف زعم الديالكتيكي يعتقد ان الطبيعة جامدة ييم عليها
السكون ,وان كل شيء فيها ثابت ل يتغي ول يتبدل ,كأن اليتافيزيقي
السكي قد حرم من كل الوان الدراك ,وسلب منه الشعور والس معا,
فاصبح ل يس ول يشعر با يشعر به جيع الناس ,وحت الطفال ,من
ضروب التغي والتبدل ف دنيا الطبيعة.
ومن الواضح لدى كل احد ,ان اليان بوجود التغي ف عال الطبيعة
مسألة ل تتاج ال دراسات علمية سابقة ,وليست موضعا للف او نقاش,
وانا الدير بالدرس هو ماهية هذا التغي ,ومدى عمقه وعمومه .فان التغي
نوان :احدها التعاقب البحت ,والخر الركة .والتاريخ الفلسفي يروي
192
صراعاً حادا ,ل ف مسألة التغي بصورة عامة ,بل ف كنهه وتفسيه الفلسفي
الدقيق .ويدور الصراع حول الواب عن السئلة التالية:
هل التغي الذي يطرا على السم حي يطوي مسافة ما ,عبارة عن
وقفات متعددة ف اماكن متعددة ,تعاقبت بسرعة ,فتكونت ف الذهن فكرة
الركة؟ او ان مرد هذا التغي ال سي واحد متدرج ,ل وقوف فيه ول
سكون؟ وهل التغي الذي يطرأ على الاء حي تتضاعف حرارته وتشتد ,يعن
مموعة من الرارات التعاقبة ,يتلو بعضها بعضا؟ او انه يعب عن حرارة
واحدة تتكامل وتتحرك وتترقى درجتها؟.
وهكذا نواجه هذا السؤال ف كل لون من الوان التغي ,الت تتاج ال
شرح فلسفي باحد الوجهي اللذين يقدمهما السؤال.
والتاريخ الغريقي يدث عن بعض الدارس الفلسفية ,أنا أنكرت
الركة ,واخذت بالتفسي الخر للتغي ,الذي يرد التغي ال تعاقب امور
ساكنة ,من رجالت تلك الدرسة (زينون) ,الذي أكد على ان حركة السافر
من اقصى الرض ال اقصاها ,ليست ال سلسلة من سكنات متعاقبة .فهو
ل يتصور التدرج ف الوجود والتكامل فيه ,بل يرى كل ظاهرة ثابتة ,وان
التغي يصل بتعاقب المور الثابتة ,ل بتطور المر الواحد وتدرجه .وعلى هذا
تكون حركة النسان ف مسافة ما ,عبارة عن وقوفه ف النقطة الول من تلك
السافة ,فوقوفه ف النقطة الثانية ,ففي الثالثة ,وهكذا ...فاذا راينا شخصي
احدها واقف ف نقطة معينة ,والخر يشي ساكن نو اتاه خاص ,فكلها ف
رأي (زينون) واقف ساكن ,غي ان الول ساكن ف نقطة معينة على طول
الط ,واما الخر فله سكنات متعددة ,لتعدد النقاط الت يطويها ,وله ف كل
لظة مكانية خاصة ,وهو ف كل تلك اللحظات ل يتلف مطلقا عن
الشخص الول الواقف ف نقطة معينة .فهما معا ساكنان ,وان كان سكون
الول مستمرا وسكون الثان يتبدل بسرعة ال سكون آخر ,ف نقطة اخرى
من السافة .فالختلف بينهما هو الختلف بي سكون قصي المد وسكون
طويل المد.
هذا ما كان ياوله (زينون) وبعض فلسفة الغريق .وقد برهن على وجه
193
نظره بالدلة الربعة الشهورة عنه ,الت ل يقدر لا النجاح والتوفيق ف اليدان
الفلسفي ,لن مدرسة ارسطو ـ وهي الدرسة الفلسفية الكبى ف العهد
الغريقي ـ امنت بالركة ,وردت على تلك الدلة وزيفتها ,وبرهنت على
وجود الركة والتطور ف ظواهر الطبيعة وصفاتا ,بعن ان الظاهرة الطبيعية
قد ل توجد على التمام ف لظة ,بل توجد على التدريج وتستنفذ امكاناتا
شيئا فشيئا ,وبذلك يصل التطور ويوجد التكامل .فالاء حي تتضاعف
حرارته ,ل يعن ذلك انه ف كل لظة يستقبل حرارة بدرجة معينة ,توجد
على التمام ث تفن وتلق من جديد حرارة اخرى بدرجة جديدة ,بل متوى
تلك الضاعفة ان حرارة واحدة وجدت ف الاء .ولكنها ل توجد على التمام,
بعن انا ل تستنفذ ف لظتها الول كل طاقاتا وامكاناتا ,ولذلك اخذت
تستنفذ امكاناتا بالتدريج ,وتترقى بعد ذلك وتتطور .وبالتعبي الفلسفي انا
حركة مستمرة متصاعدة .ومن الواضح ان التكامل ـ او الركة التطويرية ـ ل
يكن ان يفهم ال على هذا الساس ,واما تتابع ظواهر متعددة يوجد كل
واحدة منها بعد الظاهرة السابقة ,وتفسح الجال بفنائها لظاهرة جديدة ,فليس
هذا نوا وتكامل ,وبالتال ليس حركة وانا هو لون من التغي العام.
فالركة سي تدريي للوجود ,وتطور للشيء ف الدرجات الت تتسع لا
امكاناته .ولذلك حدد الفهوم الفلسفي للحركة بانا خروج الشيء من القوة
ال الفعل تدرييا (.)1
ويرتكز هذا التحديد على الفكرة الت قدمناها عن الركة ,فان
الركة ـكما عرفنا ـ ليست عبارة عن فناء الشيء فناء مطلقا ووجود شيء آخر
جديد ,وانا هي تطور الشيء ف درجات الوجود .فيجب اذن ان تتوي كل
حركة على وجود واحد مستمر .منذ تنطلق ال ان تتوقف .وهذا الوجود هو
الذي يتحرك ,بعن انه يتدرج ويثرى بصورة مستمرة ,وكل درجة تعب عن
مرحلة من مراحل ذلك الوجود الواحد ,وهذه الراحل انا توجد بالركة فالشيء
التحرك او الوجود التطور ل يكلها قبل الركة وال لا وجدت حركة .بل هو
194
ف لظة النطلق يتمثل لنا ف قوى وامكانات ,وبالركة تستنفذ تلك
المكانات ,ويستبدل ف كل درجة من درجات الركة المكان بالواقع والقوة
بالفعلية .فالاء قبل وضعه على النار ل يلك من الرارة الحسوسة ال
امكانا ,وهذا المكان الذي يلكه ليس إمكانا لدرجة معينة من الرارة بل
هي بميع درجاتا ـ الت تؤدي ال الالة الغازية ف النهائية ـ مكنة للماء وحي
يبدأ بالنفعال والتأثر برارة النار تبدأ حرارته بالركة والتطور ,بعن ان
القوى والمكانات الت كانت تلكها تتبدل ال حقيقة ,والاء ف كل مرحلة
من مراحل الركة يرج من امكان ال فعلية ,ولذلك تكون القوة والفعلية
متشابكتي ف جيع ادوار الركة ,وف اللحظة الت تستنفذ جيع المكانات
تقف الركة .فالركة اذن ف كل مرحلة ذات لوني :فهي من ناحية فعلية
وواقعية ,لن الدرجة الت تسجلها الرحلة موجودة بصورة واقعية وفعلية ومن
ناحية اخرى هي امكان وقوة للدرجات الخرى الصاعدة ,الت ينتظر من
الركة ,ان تسجلها ف مراحلها الديدة .فالاء ف مثالنا اذا ل حظناه ف لظة معينة
من الركة ,ند انه ساخن بالفعل بدرجة ثاني مثل ,ولكنه ف نفس
الوقت ينطوي على امكان تطي هذه الدرجة ,وقوة تطور للحرارة ال اعلى.
ففعلية كل درجة ف مرحلتها الاصة مقارنة لقوة فنائها .ولنأخذ مثال اعمق
للحركة ,وهو الكائن الي الذي يتطور بركة تدريية ,فهو بويضة ,فنطفة,
فجني ,فطفل ,فمراهق ,فراشد .ان هذا الكائن ف مرحلة مدودة من
حركته هو نطفة بالفعل ,ولكنه ف نفس الوقت شيء آخر مقابل للنطفة,
وارقى منها جني بالقوة ,ومعن هذا ان الركة ف هذا الكائن قد
ازدوجت فيها الفعلية والقوة معا .فلو ل يكن ف الكائن الي قوة درجة
جديدة وامكاناتا لا وجدت حركة ,ولو ل يكن شيئا من الشياء بالفعل لكان
عدما مضا ,فل توجد حركة ايضا .فالتطور يأتلف دائما من شيء بالفعل
وشيء بالقوة .وهكذا تستمر الركة ما دام الشيء يتوي على الفعلية والقوة
معا ,على الوجود والمكان معا ,فاذا نفذ المكان ,ول تبق ف الشيء طاقة
على درجة جديدة ,انتهى عمر الركة.
هذا هو معن خروج الشيء من القوة ال الفعل تدرييا ,او تشابك القوة
195
والفعل او اتادها ف الركة.
وهذا هو الفهوم الفلسفي الدقيق الذي تعطيه الفلسفة اليتافيزيقية
للحركة .وقد اخذته الادية الديالكتيكية فلم تفهمه ول تتبينه على وجهه
الصحيح .فزعمت ان الركة ل تتم ال بالتناقض ,التناقض الستمر ف
صميم الشياء .كما سوف نعرف عن قريب.
وجاء بعد ذلك دور الفلسفة السلمية .على يد الفيلسوف السلمي
الكبي صدر الدين الشيازي فوضع نظرية الركة العامة ,وبرهن فلسفيا على
ان الركة بفهومها الدقيق الذي عرضناه ,ل تس ظواهر الطبيعة وسطحها
العرضي فحسب ,بل الركة ف تلك الظواهر ليست ال جانبا من التطور
يكشف عن جانب اعمق ,وهو التطور ف صميم الطبيعة وحركتها الوهرية.
ذلك ان الركة السطحية ف الظواهر ,لا كان معناها التجدد والنقضاء,
فيجب لذا ان تكون علتها الباشرة أمرا متجددا ,غي ثابت الذات ايضا ,لن
علة الثابت ثابتة ,وعلة التغي التجدد متجددة ,فل يكن ان يكون
السبب الباشر للحركة امرا ثابتا وال ل تنعدم اجزاء الركة ,بل تصبح قرارا
وسكونا (.)1
196
ول يبهن الفيلسوف الشيازي على الركة الوهرية فحسب ,بل اوضح ان
مبدأ الركة ف الطبيعة من الضرورات الفلسفية للميتافيزيقية .وفسر على
ضوئه صلة الادث بالقدي ( )1وعدة من الشاكل الفلسفية الخرى ,كمشكلة
ي ب ان تكون علة ل ا ينا سبها ,ويت فق مع ها ف القدم والزل ية .وعلى هذا ال ساس
خيل لعدة من اليتافيزيقيي ,ان اليان بالالق الزل يتم من ناحية فلسفية العتقاد
بقدم العال وازليته ,لئل ينفصل العلول عن علته .وقد حل الشيازي هذه الشكلة
على ضوء الركـة الوهريـة ,القائلة :ان عال الادة فـ تطور وتدد مسـتمر ,فان
حدوث العال على هذا الساس كان نتيجة حتمية لطبيعته التجددية ,ول يكن لجل
حدوث العلة وتدد الالق الول.
197
الزمان ( )1ومسالة ترد الادة وعلقة النفس بالسم (.)2
فهل يصح بعد هذا كله اتام اللية او اليتافيزيقية ,بانا تؤمن بمود
الطبيعة وسكونا؟.
والقيقة ان هذا التام ل مبر له ال سوء فهم الادية الديالكتيكية
للحركة ,بعناها الفلسفي الصحيح.
فما هو الفارق بي الركة وقانونا العام ف فلسفتنا ,ونظرية الركة
الديالكتيكية ف الادية الدلية؟.
ان الختلف بي الركتي يتلخص ف نقطتي اساسيتي:
النقطة الول :ان الركة ف مفهومها الديالكتيكي ,تقوم على أساس
التناقض والصراع بي التناقضات .فهذا التناقض والصراع هو القوة
الداخلية ,الدافعة للحركة والالقة للتطور .وعلى عكس ذلك ف مفهومنا
الفلسفي عن الركة فانه يعتب الركة سيا من درجة مقابلة ,من
دون ان تتمع تلك الدرجات التقابلة ف مرحلة واحدة من مراحل الركة.
ولجل ان يتضح ذلك يب ان نيز بي القوة والفعل ,ونلل الغالطة
الاركسية الت ترتكز على اعتبار القوة والفعل وحدة متناقضة .ان الركة مركبة
من قوة وفعل .فالقوة والفعل متشابكان ف جيع ادوار الركة ,ول يكن ان
توجد ماهية الركة دون احد هذين العنصرين ,فالوجود ف كل دور من ادوار
سيه التكاملي ,يتوي على درجة معينة بالفعل ,وعلى درجة ارقى منها بالقوة,
فهو ف اللحظة الت يتكيف فيها بتلك الدرجة يسي ف اتاه متصاعد ويتخطى
درجته الاضرة.
وقد خيل للماركسية ان هذا لون من التناقض ,وان الوجود التطور
ـ فقد قدم الشيازي تفسيا جديدا للزمان ,يرده فيه ال الركة الوهرية 1
للطبيعة ,وبذا اصبح الزمان ف مفهومه الفلسفي هذا مقوما للجسم ,ول يعد
شيئا مردا مستقل عنه.
ـ سوف نعرض لتجرد الادة ,وعلقة النفس بالسم ,ف الفصل الخي من هذه 2
السألة.
198
يتوي على الشيء ونقيضه ,وان هذا الصراع بي النقيضي هو الذي يولد
الركة.
قال أنلز:
[ان الوضع يتلف كل الختلف ,اذ ننظر ال الكائنات
وهي ف حالة حركتها ,ف حالة تغيها ,ف حالة تأثياتا
التبادلة على بعضها البعض ,حيث ند أنفسنا بدء هذه
النظرة بأننا مغمورون ف التناقضات ,فالركة نفسها هي
تناقض ان ابسط تغي ميكانيكي ف الكان ل يكن ان يدث
ال بواسطة كينونة جسم ما ,ف مكان ما ,ف لظة ما ,وف
نفس تلك اللحظة كذلك ,ف غي ذلك الكان ,أي كينونته
وعدم كينونته معا ف مكان واحد ,ف نفس اللحظة الواحدة,
فتتابع هذا التناقض تتابعا مستمرا ,وحل هذا التناقض حل
متواقتا مع هذا التتابع ,هو ما يسمى بالركة] (.)1
انظروا ما اسخف مفهوم الركة ف الادية الدلية ,هذا الفهوم الذي
يشرحه انلز على أساس التناقض ,وهو ل يعلم ان درجتي من الركة لو
كانتا موجودتي بالفعل ,ف مرحلة معينة منها ,لا أمكن التطور ,وبالتال
لمدت الركة ,لن الركة انتقال للموجود من درجة ال درجة ,ومن حد
ال حد ,فلو كانت الدود والنقاط كلها متمعة بالفعل ,لا وجدت حركة,
فمن الضروري ان ل تفسر الركة ال على ضوء مبدأ عدم التناقض,
وال ـ لو جاز التناقض ـ فمن حقنا ان نتساءل هل ان الركة تنطوي على
التغي ف درجات الشيء التطور ,والتبدل ف حدوده ونوعيته او ل؟ فان ل
يكن فيها شيء من التغي والتجدد فليست هي حركة ,بل هي جود وثبات.
وان اعترفت الاركسية بالتجدد والتغي ف الركة ,فلماذا هذا التجدد ,اذا
كانت التناقضات كلها موجودة بالفعل ,ول يكن بينها تعارض؟ ان أبسط
تليل للحركة يطلعنا على انا مظهر من مظاهر التمانع ,وعدم امكان
199
الجتماع بي النقائض والتقابلت ,الذي يفرض على الوجود التطور ,التغي
الستمر لدرجته وحدّه .وليس التناقض او الديالكتيك الزعوم ف الركة ,ال
باعتبار اللط بي القوة والفعل.
فالركة ف كل مرحلة ل تتوي على درجتي ,او فعلتي متناقضتي ,وانا
تتوي على درجة خاصة بالفعل ,وعلى درجة اخرى بالقوة ,ولذلك كانت
الركة خروجا تدرييا من القوة ال الفعل.
ولكن عدم الوعي الفلسفي الكامل ,هو الذي صار سببا ف تزوير مفهوم
الركة.
وهكذا يتضح ان قانون نقض النقض ,وتفسي الركة به ,وكل ما أحيط
به ذلك ,من ضوضاء وضجيج وصخب وسخرية بالفكار اليتافيزيقية ,الت
تؤمن ببدأ عدم التناقض ,ان كل ذلك مرده ال الفهوم الفلسفي الذي
عرضناه للحركة ,والذي اساءت الاركسية فهمه ,فاعتبت تشابك القوة
والفعل او اتادها ,ف جيع مراحل الركة ,عبارة عن اجتماع فعليات
متقابلة ,وتناقض مستمر ,وصراع بي التناقضات فرفضت لجل ذلك مبدأ
عدم التناقض ,واطاحت بالنطق العام كله .وليست هذه الحاولة الاركسية
هي الول ف بابا ,فان بعض الفكرين اليتافيزيقيي حاولوا شيئا من ذلك,
ف التاريخ الفلسفي القدي مع فارق واحد ,وهو ان الاركسية ارادت ان تبر
التناقض بذه الحاولة ,واما اولئك فحاولوا ان يبهنوا على سلبية امكان
الركة ,باعتبار انطوائها على التناقض .وللفخر الرازي ماولة من هذا القبيل أيضا,
ذكر فيها ان الركة عبارة عن التدرج ,أي وجود الشيء على سبيل التدريج,
وزعم ان التدرج ف الوجود غي معقول ,لنه يؤدي ال لون من
التناقض .وقد اوضح الحققون من الفلسفة انا نشأت من عدم الوعي
الصحيح لعن التدرج والوجود التدريي.
ولا كنا نعرف الن بكل وضوح ,ان الركة ليست صراعا بي فعليات
متناقضة دائما ,بل هي تشابك بي القوة والفعل ,وخروج تدريي للشيء من
أحدها ال الخر ,نستطيع ان نـدرك ان الركة ل يـكن ان تكتفي ذاتيا عن
200
السبب ,وان الوجود التطور ل يرج من الفعل ال لسبب خارجي ,وليس
الصراع بي التناقضات هو العلة الداخلية لذلك اذ ليست ف الركة وحدة
للتناقضات والضداد لتنجم الركة عن الصراع بينها .فما دام الوجود التطور
ف لظة انطلق الركة خاليا من الدرجات او النوعيات ,الت سوف يصل
عليها ف مراحل الركة ,ول يكن ف متواه الداخلي ال امكان تلك الدرجات
والستعداد لا ,فيجب ان يوجد سبب لخراجه من القوة ال الفعل ,لتبديل
المكان الثابت ف متواه الداخلي ال حقيقة.
وبذا نعرف ان قانون الركة العامة ف الطبيعة يبهن بنفسه على ضرورة
وجود مبدأ خارج حدودها الادية ,ذلك ان الركة بوجب هذا القانون هي
كيفية وجود الطبيعة .فوجود الطبيعة عبارة اخرى عن حركتها وتدرجها,
وخروجها الستمر من المكان ال الفعلية .وقد انارت لدينا نظرية الستغناء
الذات للحركة بتناقضاتا الداخلية ,الت تنبثق الركة عن الصراع بينها ـ ف
زعم الاركسيي ـ اذ ل تناقض ول صراع ,فيجب ان يوجد التعليل ,وان
يكون التعليل بشيء خارج حدود الطبيعة ,لن أي شيء موجود ف الطبيعة
فوجوده حركة وتدرج ,اذ ل ثبات ف عال الطبيعة بوجب قانون الركة
العامة ,فل يكن ان نقف بالتعليل عند شيء طبيعي.
النقطة الثانية :ان الركة ف الراي الاركسي ل تقف عند حدود الواقع
الوضوعي للطبيعة ,بل تعم القائق والفكار البشرية أيضا .فكما يتطور
الواقع الارجي للمادة وينمو ,كذلك تضع القيقة والدراكات الذهنية
لنفس قواني التطور والنمو ,الت تري على دنيا الطبيعة ,وعلى هذا الساس
ل توجد ف الفهوم الاركسي للفكرة حقائق مطلقة.
قال ليني:
[فالديالكتيك هو اذن ـ ف نظر ماركس ـ علم القواني
العامة للحركة ,سواء ف العال الارجي ام الفكر
البشري] (.)1
201
وعلى العكس من ذلك قانون الركة العامة ,ف رأينا ,فانه قانون طبيعي
يسود عال الادة ,ول يشمل دنيا الفكر والعرفة .فالقيقة او العرفة ل توجد
فيها ,ول يكن ان يوجد فيها ,تطور بعناه الفلسفي الدقيق ,كما أوضحنا
ذلك بكل جلء ,ف السألة الول (نظرية العرفة).
وما نرمي اليه الن من درس الركة الديالكتيكية الزعومة ف العرفة او
القيقة ,هو استعراض الحاولت الرئيسية الت اتذتا الاركسية ,للستدلل
على ديالكتيك الفكر وحركته .وتتلخص ف ثلث ماولت:
الحاولة الول :ان الفكر او الدراك انعكاس للواقع الوضوعي ولجل
ان يكون مطابقا له يب ان يعكس قوانينه وتطوره وحركته .فالطبيعة تتطور
وتتغي باستمرار ,طبقا لقانون الركة ,ول يكن للحقيقة ان تصورها ف
الذهن البشري اذا كانت ممدة ساكنة ,وانا توجد القيقة ف افكارنا ,اذا
اخذت هذه الفكار على اعتبار انا تنمو وتتطور ديالكتيكيا ,لتكون مفاهيمنا
عن الشياء مواكبة للشياء ذاتا.
ويسن بنا ان نلحظ ف هذا الجال النصوص التية:
(ان الواقع ينمو ,والعرفة الت تنشأ من هذا الواقع
تعكسه وتنمو مثله ,وتصبح عنصرا فعالً من عناصر نوه .ان
الفكر ل يدث موضوعه ,وانا الفكر يعكس الواقع
الوضوعي ويصوره ,باكتشاف قواني نوه) (.)1
(ان الفرق بي النطق الشكلي والنطق الديالكتيكي ,ينحصر
ف واقع انما يواجهان بصورة متلفة ,السالة الساسية
للمنطق ,وهي مسألة القيقة .فمن وجهة نظر النطق
الديالكتيكي ليست القيقة شيئا معطى مرة واحدة ل غي,
ليست شيئا مكتمل مددا ممدا ساكنا ,بل المر خلف
202
ذلك .فالقيقة هي عملية نو معرفة النسان للعال
الوضوعي)(.)1
(يتناول النطق الديالكت الاركسي ,الشيء الذي يدرسه
من وجهة نظر تاريية ,من حيث هو عملية نو تطويرية ,انه
يطابق التاريخ العام للمعرفة ,يطابق تاريخ العلوم)(.)2
ول ريب ان الفكر والدراك يصور الواقع الوضوعي لونا من الوان
التصوير ,ولكن هذا ل يعن ان تنعكس فيه حركة الواقع الوضوعي ,فينمو
ويتحرك تبعا له ,وذلك:
اول :ان عال الطبيعة ـ عال التغي ,والتجدد ,والركة ـ يتوي حتما على
قواني عامة ثابتة .وهذا ما ل يكن لي منطق انكاره ,ال اذا انكر نفسه,
لن النطق ل يكن ان يكون منطقا ,ال اذا اقام طريقته ف التفكي وفهم
العال على قواني معينة ثابتة .وحت الديالكتيك نفسه ,يعتب عدة قواني
تسيطر على الطبيعة وتتحكم فيها بصورة دائمة ,ومنها قانون الركة .فعال
الطبيعة اذن سواء صح عليه النطق البشري العام ,ام منطق الديالكتيك
والدل ,توجد فيه قواني ثابتة تعكس حقائق ثابتة ,ف دنيا الفكر وحقل
العرفة البشرية.
والديالكتيكيون ازاء هذا العتراض بي أمرين :اما ان يعتبوا قانون
الركة ثابتا ودائما ,فقد وجدت القيقة الدائمة اذن .واما ان يكون نفس هذا
القانون متغيا ,فمعن هذا ان الركة ليست دائمة ,وانا قد تتبدل ال
ثبات ,وتعود القائق ثابتة بعد ان كانت متحركة .ومن كل الالي يكون
الديالكتيك مرغما على العتراف بوجود حقيقة ثابتة.
ثانيا :ان الفكر او الدراك او القائق ل تعكس الصائص الواقعية
للطبيعة ,فقد سبق ان اوضحنا ف (نظرية العرفة) ,ان الذهن البشري يدرك
203
من الشياء الوضوعية ,مفاهيمها وما هياتا ,والفهوم الذي ينعكس فيه عن
تلك الشياء يتلف عن الواقع الارجي ,ف الوجود والصائص .فالعال
يكنه ان يكون فكرة علمية دقيقة عن اليكروب وتركيبه,ونشاطه الاص
وتفاعلته مع جسم النسان ,ولكن الفكرة مهما كانت دقيقة ومفصلة ,ل
توجد فيها خواص اليكروب الارجي ,ول يكنها ان تؤدي نفس الدور
الذي يؤديه واقعها الوضوعي .والفيزيائي قد يكتسب مفهوما علميا دقيقا عن
ذرة الراديوم ,وكمية وزنا الذري ,وعدد ما تويه من كهارب ,وشحنات
سالبة وموجبة ,وكمية الشعاع الذي ينبثق عنها ,ونسبته العلمية الدقيقة ال
الشعاع الذي ترسله ذرات الورانيوم ,ال غي ذلك من العلومات
والتفاصيل ...غي ان هذا الفهوم مهما تعمقنا فيه ,او تعمق ف الكشف عن
اسرار عنصر الراديوم ,لن يكتسب خواص الواقع الوضوعي ,أي خواص
الراديوم ,ولن يشع الشعاع الذي تولده ذرات هذا العناصر ,وبالتال لن
يتطور مفهومنا عن الذرة ال اشعاع ,كما تتطور بعض الذرات ف الجال
الارجي.
وهكذا يتضح ان قواني الواقع الوضوعي وخواصه ,ل توجد ف الفكرة
ذاتا .ومن تلك القواني والواص الركة ,فهي وان كانت من الواص
العامة للمادة ,ومن قوانينها الثابتة ,ولكن القيقة ف ذهننا ,او الفكرة الت
تعكس الطبيعة ,ل توجد فيها تلك الاصية ,فل يب ف الفكرة الصحيحة ان
تعكس الواقع الوضوعي ,بصائصه والوان نشاطه الختلفة ,وال ل نكن
نلك فكرة حقيقية ف جيع افكارنا.
فاليتافيزيقية ,مع ايانا بان الطبيعة هي عال الركة والتطور الدائم,
تتلف عن الديالكتيك ,وترفض عموم قانون الركة للمفاهيم الذهنية ,لنا
ل يكن ان تتوفر فيها جيع خصائص الواقع الوضوعي .وليس معن هذا ان
اليتافيزيقيي اذا كونوا مفهوما عن الطبيعة ف مرحلة من مراحلها جدوا
افكارهم ,واوقفوا بوثهم ,واعتبوا ذلك الفهوم كافيا لستكناه اسرار
الطبيعة ,ف شت مراحلها ,فل نعرف عاقل يكتفي مثل بالفهوم العلمي,
الذي يكونه عن البويض ,فل يتابع سي الكائن الي ف الرحلة الثانية,
204
ويكتفي با كونه من الفهوم العلمي عنه ف تلك الرحلة العينة.
فنحن اذن نؤمن بتطور الطبيعة ,ونرى من الضروري دراستها ف كل
دور من ادوار نوها وحركتها ,وتكوين مفهوم عنه .وليس هذا من متصات
الديالكتيك .وانا الذي يرفضه التفكي اليتافيزيقي .هو وجود حركة ديناميكية
طبيعية ف كل مفهوم ذهن .فاليتافيزيقية تطالب بالتمييز بي البويض,
ومفهومنا العلمي عنه .فالبويض يتطور وينمو طبيعيا ,فيغدو نطفة ث جنينا
واما مفهومنا الذهن عنه ,فهو مفهوم ثابت ,ل يكن ان ينمو ويصي نطفة ف
حال من الحوال وانا يب لجل معرفة ما هي النطفة ,ان نكون مفهوما
آخر على ضوء مراقبة البويض ف مرحلة جديدة .فمثل التفكي ف ذلك كمثل
الشريط السينمائي ,الذي يلتقط عددا من الصور التلحقة .فليست الصورة
الول ف الشريط هي الت تتطور وتتحرك ,وانا التتابع بي الصور هو الذي
يشكل الشريط السينمائي.
وعلى هذا فالدراك البشري ل يعكس الواقع ,ال كما يعكس الشريط
الوان الركة والنشاط ,الت يفل با الفيلم السينمائي .فالدراك ل يتطور
ول ينمو ديالكتيكيا تبعا للواقع النعكس ,وانا يب تكون ادراك ثابت ف كل
مرحلة من مراحل الواقع.
ولنأخذ مثالً آخر من عنصر (اليورانيوم) ,الذي يشع بأشعة (ألفا)
و (بيتا) و(جاما) ,ويتحول بالتدريج ال عنصر اخر ,اخف منه ف وزنه
الذري ,وهو عنصر (الراديوم) ,الذي يتحول بدوره وبالتدريج ال عنصر
اخف منه ,وير ف ادوار حت ينتهي ال الرصاص .فهذا واقع موضوعي
يشرحه العلم ,ونكون على ضوئه مفهومنا الاص عنه ,فماذا تعن الاركسية
بتطور الفهوم الذهن او القيقة ديالكتيكيا طبقا لتطور الواقع؟ فان كانت تعن
بذلك ان نفس مفهومنا العلمي عن (اليورانيوم) ,يتطور تطورا ديالكتيكيا
وطبيعيا ,تبعا لتطور اليورانيوم نفسه ,فيشع اشعته الاصة ,ويتحول ف ناية
الطاف ال رصاص .فهذا اقرب ال حديث الظرف والفكاهة ,منه ال
الديث الفلسفي العقول .وان ارادت الاركسية ,ان النسان يب ان ل
205
ينظر ال اليورانيوم ,كعنصر جامد ل يتحرك ,بل يتابع سيه وحركته ,ويكون
مفهوما عنه ف كل مرحلة من مراحله ,فليس ف ذلك موضع للنقاش ,ول
يعن حركة ديالكتيكية ف القائق والفاهيم ,فان كل مفهوم نكونه عن مرحلة
معينة من مراحل تطور اليورانيوم ,ثابت ول يتطور ديالكتيكيا ال مفهوم آخر,
وانا يضاف اليه مفهوم جديد .وف ناية الطاف نلك عدة من الفاهيم
والقائق الثابتة ,يصور كل منها درجة خاصة ,من الواقع الوضوعي ,فاين
الدل والديالكتيك ف الفكر؟ واين ذلك الفهوم الذي يتطور طبيعيا .تبعا
لتطور الواقع الارجي؟!.
هذا كل ما يتصل بالحاولة الاركسية الول وتفنيدها.
الحاولة الثانية :الت اتذتا الاركسية للتدليل على ديالكتيك الفكر
وتطوره هي ان الفكر او الدراك ظاهرة من ظواهر الطبيعة ,ونتاج عال
للمادة ,وبالتال جزء من الطبيعة ,فتحكمه نفس القواني الت تسيطر على
الطبيعة ,ويتحرك وينمو ديالكتيكيا ,كما تتحرك وتنمو جيع ظواهر الطبيعة.
ويلزمنا ان ننبه على ان هذا الدليل يتلف عن الدليل السابق .فهي
الحاولة السابقة كانت الاركسية تبهن على وجود الركة ف الفكر ,عن طريق
كونه انعكاسا للواقع التحرك ,والنعكاس ل يصل بصورة تامة ,اذا ل
ينعكس الواقع التحرك ف الفكر على حركته ونوه .واما ف هذه الحاولة
فتستدل الاركسية على الركة الديالكتيكية ف الفكر ,باعتباره جزءا من
الطبيعة ,فقواني الديالكتيك تري على الادة والدراك معا ,وتشمل الواقع
والفكر على السواء لن كل منهما جانب من الطبيعة .فالفكرة او القيقة متطورة
ونامية ,ل لنا تعكس واقعا متطورا وناميا فحسب ,بل لنا هي بذاتا جزء
من العال التطور طبقا لقواني الديالكتيك .فالديالكتيك كما ينص على وجود
الركة الديناميكية القائمة على أساس التناقض الداخلي ,ف متوى كل ظاهرة
موضوعية من ظواهر الطبيعة ,كذلك ينص عليها ف ظواهر الفكر والدراك
جيعا.
ولنقرأ فيما يتصل بالوضوع ف هذا النص:
206
(ان الكون هو حركة للمادة ,تضع لقواني .ولا ل
تكن معرفتنا ال نتاجا أعلى للطبيعة ,ل يسعها ال ان تعكس
هذه القواني)(.)1
(اذا تساءلنا ما هو الفكر؟ وما هو الوعي؟ ومن اين
يأتيان؟ ,وجدنا ان النسان هو نفسه نتاج للطبيعة ,نا ف
بيئة ,ومع نو هذه البيئة .وعندئذ يصبح ف غن عن البيان,
كيف ان منتوجات الذهن البشري ,الت هي أيضا عند آخر
تليل منتوجات للطبيعة ليست ف تناقض وأنا ف توافق مع
سائر الطبيعة الترابطة؟)(.)2
والنقطة الساسية الت يرتكز عليها هذا الستدلل ,هي الخذ بالتفسي
الادي البحت للدراك ,الذي يفرض اشتراكه مع الطبيعة ف جيع قوانينها
ونواميسها ,با فيها قانون الركة .وسوف نقوم بتحليل تلك النقطة الساسية
ف جزء مستقل من هذه السألة .ولكنا ناول ان نتساءل هنا من الاركسيي:
هل التفسي الادي للفكر او الدراك ,يتص بافكار الديالكتيكيي خاصة؟ او
يعم افكار غيهم من ل يؤمن بالديالكتيك ايضا؟ فان كان يعم الفكار
كافة ـ كما تتمه الفلسفة الادية ـ وجب ان تضع جيعا لقواني التطور العام ف
الادة .ويبدو لجل ذلك من التناقض الطريف ,ان تتهم الاركسية الفكار
الخرى بالمود والقرار ,وتعتب فكرها وحده هو الفكر التطور النامي,
باعتباره جزءا من الطبيعة التطورة .مع ان الفكار البشرية جيعا ف الفهوم
الادي ليست ال نتاجا طبيعيا .وقصارى ما ف الوضوع ان اصحاب النطق
العام او الشكلي ـكما يزعمون ـ ل يؤمنون بتطور الفكار ديالكتيكيا ,كما يؤمن
الاركسيون .ولكن مت كان اليان بقانون من قواني الطبيعة ,شرطا من
شرائط وجوده؟! أليس جسم (باستور) الكتشف للميكروب ,وجسم (ابن
سينا) ,الذي ل يكن يعرف عنه شيئا يشتركان معا ف التفاعل مع تلك
207
الراثيم ,طبقا لقوانينها الطبيعية الاصة؟! وهكذا الشأن ف كل قانون
طبيعي .فاذا كان الديالكتيك قانونا طبيعيا ,يعم الفكر والادة معا ,فهو يسري
على الفكار البشرية على السواء ,وان كان ف اكتشافه شيء فهو السراع
بركة التطور فحسب.
الحاولة الثالثة :استغلل التطور والتكامل العلمي ف شت اليادين,
واعتباره دليل تريبيا على ديالكتيكية الفكر وتطوره .فتاريخ العلوم ـ ف الزعم
الاركسي ـ هو بنفسه تاريخ الركة الديالكتيكية ف التفكي البشري ,التكامل
على مر الزمن.
قال كيدروف:
[والقيقة الطلقة ,الناتة من حقائق نسبيه هي حركة
تطور تاريية ,هي حركة العرفة .ولذا السبب بالضبط
يتناول النطق الديالكت الاركسي .الشيء الذي يدرسه من
وجهة نظر تاريية ,من حيث هو عملية نو تطويرية .انه
يطابق التاريخ العام للمعرفة ,يطابق تاريخ العلوم ,وليني اذ
يبي ف الوقت نفسه ,باستخدامه مثل العلوم الطبيعية
والقتصاد السياسي والتاريخ .ان الديالكتيك يستمد
استنتاجاته من تاريخ الفكر ,يؤكد ان على تاريخ الفكر ف
النطق ان يطابق جزئيا وكليا قواني الفكر] (.)1
اما ان تاريخ العارف والعلوم النسانية زاخر بتقدم العلم وتكامله ف
شت اليادين ,ومتلف ابواب الياة والتجربة ,فهذا ما ل يتلف فيه اثنان,
ونظرة واحدة نلقيها على العلم ف يومه وأمسه ,تعلنا نؤمن كل اليان بدى
التطور السريع والتكامل الرائع ,الذي حصل عليه ف اشواطه الخية .ولكن
هذا التطور العلمي ليس من ألوان الركة بفهومها الفلسفي ,الذي تاوله
الاركسية بل ل يعدو ان يكون تقلصا كميا ف الخطاء ,وزيادة كمية ف
208
القائق .فالعلم يتطور ل بعن ان القيقة العلمية تنمو وتتكامل ,بل بعن
ان حقائقه تزيد وتتكاثر ,واخطاءه تقل وتتناقص ,تبعاً لتوسع النطاق
التجريب ,والتعمق ف التجربة وتدقيق وسائلها .ومن الضروري ليضاح
ذلك ان نعطي فكرة عن سي التطور العلمي ,واسلوب التدرج والتكامل ف
النظريات والقائق العلمية ,لنتبي مدى الفرق بي ديالكتيك الفكر الزعوم
من ناحية ,والتطور التاريي للعلوم البشرية من ناحية اخرى.
ان القائق العلمية تبدأ بأسلوب نظري ,كافتراض بت ,يطر على
ذهن العال الطبيعي ,بسبب عدة من العلومات السابقة ,والشاهدات العلمية
او البسيطة .فالفرضية هي الرحلة الول ,الت تر با النظرية العلمية ف
سيها التطوري ,ث يشرع العال ف بث علمي ,ودراسة تريبية لتلك
الفرضية ,فيقوم بختلف الوان الفحص ,عن طريق الشاهدات العلمية
الدقيقة والتجارب التنوعة ,ف القل الذي يص الفرضية ,فاذا جاءت نتائج
الشاهدات او التجربة ,مؤيدة للفرضية .ومنسجمة مع طبيعتها وطبيعة
آثارها ,اكتسبت الفرضية طابعا جديدا ,وهو طابع القانون العلمي ,وتدخل
النظرية الرحلة الثانية من سيها العلمي .ولكن هذا التطور الذي ينقل
النظرية من درجة الفرضية ,ال درجة القانون ,ليس معناه ان القيقة العلمية
اخذت بالنمو والركة .وانا معناه ان فكرة معينة كان مشكوكا فيها ,فبلغت
درجة الوثوق او اليقي العلمي .فنظرية (باستور) عن الكائنات الية
اليكروبية ,الت وضعها على أساس حدسي ,ث أيدتا الشاهدات الدقيقة
بالوسائل العلمية الديثة ,ونظرية الاذبية العامة الت أثار افتراضها ف ذهن
(نيوتن) مشهد بسيط ,مشهد سقوط تفاحة على الرض ,جعله يتساءل :لاذا
ل تكون القوة الت جعلت التفاحة تسقط على الرض ,هي بعينها الت تفظ
للقمر توازنه ,وترسم له حركته؟ ث ايدت التجارب او الشاهدات العلمية
بعد ذلك ,تعميم الاذبية للجرام السماوية ,واعتبارها قانونا عاما قائما على
نسبة معينة .والنظرية القائلة بأن مرد اختلف الجسام ف سرعة سقوطها ,ال
مقارنة الواء ,ل ال اختلف كتلتها ...الت ولدت كحدس علمي ,ث
استطاع العلم ان يوضح صدقها بالتجارب ,الت اجريت على الجسام
209
التنوعة ,ف مكان خال من الواء ,فدلت على انا تشترك جيعاً ف درجة معينة
من السرعة ,اقول :ان هذه النظريات وآلف النظريات الخرى ,الت مرت
كلها بالرحلة الت اشرنا اليها من التطور ,باجتيازها درجة الفرضية ال درجة
القانون ,ل تعب ف اجتيازها وتطورها هذا ,عن نو ف نفس القيقة ,بل عن
الختلف ف درجة التصديق العلمي با .فالفكرة هي الفكرة ,غي انا
نحت ف المتحان العلمي ,وانكشفت لذلك انا حقيقة ,بعد ان كان
مشكوكا فيها.
ث ان هذه النظرية بعد ان تتل موضعها من القواني العلمية ,تأخذ
مالا ف التطبيق ,وتكسب صفتها كمرجع علمي لتفسي ظواهر الطبيعة ,الت
تبدو لدى الشاهدة او التجربة ,واستكشاف حقائق واسرار جديدة .ومهما
استطاعت ان تستكشف مزيدا من القائق الجهولة ,ث تؤكد التجربة بعد ذلك
صحة استكشافها ,ازدادت رسوخا ووضوحا ف الذهنية العلمية .ولذلك عد
من النتصارات الكبى لقانون الاذبية العامة ,ان استكشف العلماء كوكب
(نبتون) ,على ضوء قانون الاذبية ,ومعادلته الرياضية ,ث ايدت وجوده
الشاهدات العلمية بعدئذ .وهذا أيضا ليس ال لونا من الوان شدة الوثوق
العلمي ,بصحة النظرية وصوابا.
ث ان حالف التوفيق النظرية ف الجال العلمي على طول الط ,ثبتت
نائيا .واما اذا بدأت تضيق عن النطباق على الواقع الدروس علميا ,بعد
تدقيق الجهزة والوسائل ,وتعميق اللحظة والفحص؛ فتبدأ النظرية عند ذاك
مرحلة التعديل والتجديد ,وف هذه الرحلة قد تضطر الشاهدات والتجارب
الديدة ,ال تكميل النظرية العلمية السابقة ,بفاهيم جديدة ,تضاف ال
النظرية السالفة ,ليتم بذلك تفسي موحد للواقع التجريب كله .وقد تكشف
الدلئل العلمية عن خطا النظرية السابقة ,فتنهار ويعوض عنها بنظرية اخرى,
على ضوء التجارب والشاهدات.
وف كل ذلك ل يكن ان نفهم التطور العلمي فهما ديالكتيكيا ,او ان
نتصور القيقة كما يفترضها الدل ,تنمو وتتحرك بوجب التناقضات الحتواة
210
ف داخلها ,فتتخذ ف كل دور شكلً جديدا ,وهي ف تلك الشكال جيعا
حقيقة علمية متكاملة .فان هذا بعيد كل البعد عن الواقع العلمي للتفكي
البشري .بل الشيء الذي يدث ف مال التعديل العلمي ,هو الظفر بقائق
جديدة تضاف ال القيقة العلمية الثابتة ,او انكشاف خطأ النظرية السابقة,
وصحة فكرة اخرى لتفسي الواقع.
فمن قبيل الول( :الظفر بقائق جديدة تضاف ال القيقة العلمية
الثابتة) ما وقع للنظرية الذرية (نظرية اتيسم) فانا كانت فرضية ,ث صارت
قانونا علميا بوجب التجارب ,وبعد ذلك استطاعت الفيزياء ,ان نتوصل على
ضوء التجارب ,ال ان الذرة ليست هي الوحدة الولية ف الادة ,بل هي
تأتلف أيضا من اجزاء .وهكذا كملت النظرية الذرية بفهوم علمي جديد,
عن النواة والكهارب الت تتركب منها الذرة ,فلم تنم القيقة وانا زادت
القائق العلمية ,والزيادة الكمية غي النمو الديالكتيكي والركة الفلسفية ف
القيقة.
ومن قبيل الثان( :انكشاف خطأ النظرية السابقة وصحة فكرة اخرى) ما
حصل ف قانون الاذبية العامة ,أي التفسي اليكانيكي الاص للعال ف
نظريات (نيوتن) .فان هذا التفسي قد لوحظ عدم اتفاقه مع عدة من الظواهر
الكهربائية والغناطيسية ,وعدم صلحيته لتفسي كيفية صدور النور وانتشاره,
ال غي ذلك ما قام دليل عند جلة من الفيزيائيي التأخرين ,على خطأ الفهوم
(النيوتن) للعال .وعلى هذا الساس وضع (آنشتي) نظريته النسبية ,الت
صبها ف تفسي رياضي للعال ,يتلف كل الختلف عن تفسي (نيوتن) ,فهل
يكننا ان نقول ان نظرية (نيوتن) ,ونظرية (آنشتي) ف تفسي العال ,نظريتان
حقيقيتان معا ,وان القيقة تطورت ونت ,فأصبحت ف قالب النظرية
النسبية ,بعد ان كانت ف قالب الاذبية العامة؟! وهل الزمان والكان والثقل,
هذا الثالوث الثابت الطلق ف تفسي (نيوتن) ,هو القيقة العلمية الت نت
وتركت ,طبقا لقانون التطور الديالكتيكي فتبدلت ال نسبية ف الزمان والكان
والثقل؟! او هل القوة الاذبية ف نظرية (نيوتن) تطورت ال انناء ف
الفضاء ,فأصبحت القوة اليكانيكية بالركة خاصة هندسة للعال ,تفسر با
211
حركة الرض حول الشمس ,وسائر الركات الخرى ,كما يفسر با انراف
الشعة النووية؟!.
ان الشيء الوحيد العقول ,هو ان دقة التجارب او تضافرها ,ادى ال
ظهور خطا النظرية السابقة ,وعدم تثل القيقة فيها .والتدليل على تثل
القيقة ف تفسي اخر جديد(.)1
وهكذا يتضح ف النهاية ما أكدنا عليه ,من ان التطور العلمي ل يعن ان
القيقة تنمو وتندرج ,وانا معناه تكامل العلم ,باعتباره كلً ,أي باعتباره
مموعة نظريات وقواني ,ومعن تكامله كذلك زيادة حقائقه وقلة اخطائه
كميا.
وأخيا نريد ان نعرف ماذا تستهدف الاركسية من تطور القيقة؟ ان
الاركسية ترمي من وراء القول بتطور القيقة ,وتطبيق الديالكتيك عليها ال
امرين:
أولً :نفي القيقة الطلقة .لن القيقة اذا كانت ف حركة ونو دائمي,
فل توجد حقائق ثابتة باشكال مطلقة ,وبالتال تتهدم القائق الثابتة
اليتافيزيقية ,الت تدين با اللية.
ثانيا :نفي الطأ الطلق ف سي التطور العلمي .فالتطور العلمي ف
عرف الديالكتيك ل يعن ان النظرية السابقة خطأ بصورة مطلقة ,بل هي
حقيقة نسبية .أي انا حقيقة ف مرحلة خاصة من التطور والنمو .وبذا
وضعت الاركسية ضمانات القيقة ف متلف ادوار التكامل العلمي.
وينهار كل هذين المرين ,على ضوء التفسي الصحيح العقول للتطور
العلمي ,بالعن الذي شرحناه ,فهو بوجب هذا التفسي ليس نوا لقيقة
ـ قارن ما ذكرناه ,بالتف سي الارك سي للتحول ف علم اليكان يك ,الذي قد مه الدكتور 1
(تقي آرن) ,ف كتابه (ماتر يالسيم ديالكتيك) ص . 23اذ اقامه على اساس وجود القيقة ف
ميكانيك (نيوتن) ,واليكانيك النسب معا ,وتطورها فيهما طبقا للديالكتيك.
212
معينة ,بل انكشافات جديدة لقائق ل تكن معلومة ,وتصحيحات لخطاء
سابقة ,وكل خطا يصحح هو خطأ مطلق ,وكل حقيقة تستكشف هي حقيقة
مطلقة.
اضف ال ذلك ان الاركسية وقعت ف خلط اساسي ,بي القيقة بعن
الفكرة ,والقيقة بعن الواقع الوضوعي الستقل .فاليتافيزيقا تعتقد بوجود
حقيقة مطلقة بالعن الثان ,فهي تؤمن بواقع موضوعي ثابت وراء حدود
الطبيعة ,ول يتناف هذا مع عدم ثبات القيقة بالعن الول ,وتطورها
الستمر ,فهب ان القيقة ف ذهن النسان ,متطورة ومتحركة أبدا ودائما,
فأي ضرر يلحق من ذلك بالواقع اليتافيزيقي الطلق ,الذي تعتقد به اللية,
ما دمنا نقبل امكان وجود واقع موضوعي مستقل عن الشعور والدراك؟ .وانا
يتم للماركسية ما تريد اذا اخذنا بالفلسفة الثالية ,وقلنا :ان الواقع هو
القيقة الوجودة ف ذهننا فحسب ,فاذا كانت القيقة ف فكرنا متطورة
ومتغية ,فل متسع لليان بواقع مطلق ,واما اذا فرقنا بي الفكرة والواقع,
وآمنا بإمكان وجود واقع بصورة مستقلة عن الوعي والتفكي ,فل ضي ف ان
يوجد واقع مطلق خارج حدود الدراك ,وان ل توجد حقيقة مطلقة ف
افكارنا.
○ 2ـ تناقضات التطور ○
قال ستالي:
[ان نقطة البتداء ف الديالكتيك ,خلفا للميتافيزية,
هي وجهة النظر القائمة ,على ان كل اشياء الطبيعة
وحوادثها ,توي تناقضات داخلية ,لن لا جيعها ,جانبا]
سلبيا ,وجانبا ايابيا ,ماضيا وحاضرا .وفيها جيعا عناصر
تضمحل او تتطور .فنضال هذه التضادات هو الحتوى
213
الداخلي ,لتحول التغيات الكمية ال تغيات كيفية](.)1
وقال ما وتسي تونغ:
[ان قانون التناقض ف الشياء ,أي قانون وحده
الضداد ,وهو القانون الساسي الهم ف الديالكتيك
الادي].
قال ليني:
[الديالكتيك بعناه الدقيق ,هو دراسة التناقض ف
صميم جوهر الشياء].
(وكثيا ما كان ليني يدعو هذا القانون ,بوهر الديالكتيك ,كما كان
يدعوه بلب الديالكتيك)(.)2
هذا هو القانون الساسي؛ الذي يزعمه الديالكتيك صالا لتفسي
الطبيعة والعال ,وتبير الركة الصاعدة ,وما تزخر به من تطورات وقفزات.
فهو حي اقصى من فلسفته مفهوم البدأ الول ,واستبعد بصورة نائية
افتراض السبب الارجي العمق ,وجد نفسه مضطرا ال اعطاء تبير
وتفسي ,للجريان الستمر ,والتغي الدائم ف عال الادة ,ليشرح كيف تتطور
الادة وتتلف عليها اللوان؟ أي ليحدد رصيد الركة ,والسبب العمق
لظواهر الوجود ,فافترض ان هذا الرصيد يوجد ف الحتوى الداخلي للمادة.
فالادة تنطوي على التموين الستمر للحركة .ولكن كيف تلك الادة هذا
التموين؟ وهذا هو السؤال الرئيسي ف الشكلة ,الت تيب عنه الادية
الديالكتيكية ,بان الادة وحدة اضداد ,ومتمع نقائض .واذا كانت الضداد
والنقائض كلها تنصهر ف وحدة معينة ,فمن الطبيعي ان يقوم بينها الصراع
لكسب العرفة ,وينبثق التطور والتغي عن هذا الصراع ,وبالتال تقق الطبيعة
مراحل تكاملها عن هذا الطريق .وعلى هذا الساس تلت الاركسية عن مبدأ
214
عدم التناقض ,واعتبته من خصائص التفكي اليتافيزيقي ,ومن أسس النطق
الشكلي ,التداعية بعول الدل القوي ,كما يقرر كيدروف قائل:
[نفهم بكلمة النطق الشكلي النطق الذي يرتكز فقط على
قواني الفكر الربعة :الوية ,والتناقض ,والعكس,
والبهان .والذي يقف عند هذا الد .اما النطق الديالكت,
فنحن نعتب انه علم الفكر ,الذي يرتكز على الطريقة
الاركسية ,الميزة بذه الطوط الساسية الربعة :القرار
بالترابط العام ,وبركة التطور ,وبقفزات التطور,
وبتناقضات التطور] (.)1
هكذا نرى ان الديالكتيك ,اقصى عن ميدانه اكثر الفكار البشرية
بدهية .فأنكر مبدأ عدم التناقض ,وافترض التناقض ـ عوضا عنه ـ قانونا عاما
للطبيعة والوجود .وهو ف النكار والفتراض ,يطبق مبدأ عدم التناقض
بصورة ل شعورية ,فان الدل حي يؤمن بالتناقضات الدلية ,وبالتفسي
الديالكت للطبيعة ,يد نفسه مضطرا ال رفض مبدأ عدم التناقض ,والتفسي
اليتافيزيقي لا .ومن الواضح ان هذا ليس ال لجل ان الطبيعة البشرية ل
يكن ان توفق بي السلب والياب معا ,بل تشعر ذاتيا بالتعارض الطلق
بينهما ,وال فلماذا رفضت الاركسية مبدأ عدم التناقض ,واعتقدت ببطلنه؟!
أليس ذلك لنا آمنت بالتناقض ,ول يسعها ان تؤمن بعدمه ,ما دامت آمنت
بوجوده؟!.
وهكذا نعرف ان مبدأ عدم التناقض ,هو البدأ الساسي العام ,الذي ل
يتجرد عنه التفكي البشري .حت ف لظة التحمس للجدل والديالكتيك.
وقد كان من نتاج التناقض الديالكتيكي ,ان اسقط مبدأ الوية (أ هي أ)
من قاموس الدل أيضا ,واجيز ان يكون الشيء غي نفسه ,بل التناقض
الديالكتيكي العام يتم ذلك ,لن كل شيء متضمن لنقيضه ,ومعب عن نفيه
215
ف لظة اثباته ,فليست (أ هي أ) بصورة مطلقة ,بل كان كائن هو نقيض ذاته
ونفيها ,كما يكون إثباتا لا ,لن كيانه متناقض بالصميم ,ويتوي على النفي
والثبات التصارعي دائما ,والفجرين للحركة بذا الصراع .ول ياول
الاركسيون ان يبهنوا على تناقضات الشياء ,أي على قانون الديالكتيك
وأساسه الدل ,ال بشد من المثلة والظواهر ,الت حاولوا ان يبزوا با
تناقضات الطبيعة وجدلا .فالتناقض انا كان من قواني النطق الديالكتيكي,
لن الطبيعة بنفسها متناقضة وديالكتيكية .بدليل ما يقدم لنا الس ,او
يكشف عنه العلم ,من ضروب التناقض ,الت تطيح ببدا عدم التناقض,
وتعله غي منسجم مع واقع الطبيعة وقوانينها الاكمة ف متلف ميادنيها
ومالتا.
وقد ألعنا سابقا ال ان الاركسية ل تد سبيل لديناميكية الطبيعة ,وجعل
القوى الفعالة للحركة ,متوى داخليا لنفس الادة التطورة ,ال بان تنطلق من
التناقض ,وتؤمن باجتماع النقائض ف وحدة متطورة ,تبعا لنضال تلك
النقائض وصراعها.
فالسألة ف نظر الاركسية ذات حدين ل ثالث لما :فاما ان نصوغ فكرتنا
عن العال ,على البدأ القائل بعدم التناقض ,فل يوجد النفي والثبات ,ف
صميم الشياء ,ول يقوم فيها صراع التناقضات ,وبالتال يتعي ان نفحص
عن رصيد الركة والتطور ,ف سبب اعلى من الطبيعة وتطوراتا .واما ان
نشيد منطقنا على العتقاد بنفوذ التناقض ,ال صميم الشياء ,وتوحد الضداد
او النفي والثبات( ,)1ف كل كائن .فنكون بذلك قد وجدنا سر التطور ف
التناقض الداخلي.
1ـ يلحظ ف جيع النصوص الاركسية ,أنا تسيء استعمال كلمت التناقض
والتضاد ,فتعتبها بعن واحد ,مع ان الكلمتي ليستا مترادفتي ف الصطلحات
الفلسفية .فان التناقض هي حالة النفي والثبات .والتضاد يعن اثباتي متعاكسي.
فاستقامة الط وعدم استقامته نقيضان ,لنما من النفي والثبات .واما استقامة
الط وانناؤه فهما ضدان ,ول يصدق عليهما التناقض بفهومه الفلسفي ,لن كل
من الستقامة والنناء ,ليس نفيا للخر ,وانا هو اثبات يقابل اثبات الخر.
وكذلك اساءت الاركسية فهم التضاد ,او استعمال كلمة التضاد ,فاعتبت الشيء
الختلف عن الخر ضدا له .فالفرخ ضد البيضة ,والدجاجة ضد الفرخ .مع ان
التضاد ف الصطلحات الفلسفية ,ليس مرد اختلف بي الشياء فحسب ,بل الضد
هو الوصف الذي ل يكن ان يتمع مع الوصف الخر ف شيء واحد ,ونن نري
ف الكتاب طبقا للستعمالت الاركسية ,لجل التسهيل والتوضيح.
216
ولا كانت الطبيعة ف زعم الاركسية ,تقدم الشواهد والدلئل ف كل مال
وميدان ,على ثبوت التناقض واجتماع النقائض والضداد ,فيجب الخذ
بوجهة النظر الثانية.
والواقع ان مبدأ عدم التناقض هو اعم القواني ,وأكثرها شول لميع
مالت التطبيق ,ول تشذ عنه ظاهرة من ظواهر الوجود والكون مطلقا .وكل
ماولة ديالكتيكية تستهدف الرد عليه ,او اظهار الطبيعة بظهر تناقض ,فهي
ماولة بدائية ,قائمة على سوء فهم لبدأ عدم التناقض ,او على شيء من
التضليل .فلنشرح قبل كل شيء مبدأ التناقض بفهومه الضروري,
الذي اعتبه النطق العام قاعدة رئيسية للفكر البشري ,ونتناول بعد ذلك
مظاهر التناقض الزعوم ف الطبيعة والوجود ,الت تستند اليها الاركسية ف
تركيز منطقها الديالكت والطاحة ببدأي عدم التناقض والوية .فنوضح
انسجام تلك الظواهر معهما ,وخلوها عن التناقضات الديالكتيكية ,وبذلك
يفقد الديالكتيك سنده من الطبيعة ,ودليله الادي ,وبالتال نقرر مدى عجزه
عن تفسي العال ,وتبير وجوده.
ڤ............................................ما هو مبدأ عدم التناقض؟
اما مبدأ عدم التناقض ,هو البدأ القائل بأن التناقض مستحيل ,فل
يكن ان يتفق النفي والثبات ,ف حال من الحوال .وهذا واضح .ولكن ما
هو هذا التناقض الذي يرفضه هذا البدأ ,ول يكن للعقل قبوله؟ فهل هو كل
217
نفي واثبات؟ كل .فان كل نفي ل يناقض أي اثبات ,وكل اثبات ل
يتعارض مع كل نفي ,وانا يتناقض الثبات مع نفيه بالذات ل مع نفي
اثبات آخر ,ووجود الشيء يتعارض بصورة اساسية مع عدم ذلك الشيء ,ل
مع عدم شيء آخر .ومعن تعارضهما انما ل يكن ان يتوحدا او يتمعا.
فالربع ذو اربعة اضلع .وهذه حقيقة هندسية ثابتة ,والثلث ليس له اربعة
اضلع ,وهذا نفي صحيح ثابت أيضا ,ول تناقض مطلقا بي هذا النفي
وذاك الثبات ,لن كل منهما يتناول موضوعا خاصا ,يتلف عن الوضوع
الذي يتناوله الخر .فالضلع الربعة ثابتة ف الربع ,ومنفية ف الثلث فلم
ننف ما أثبتنا او نثبت ما نفينا .وانا يوجد التناقض اذا كنا نثبت للمربع
اضلعا اربعة ,ونفيها عنه أيضا ,او نثبتها للمثلث وننفيها عنه ف نفس
الوقت.
وبذا العتبار نص النطق اليتافيزيقي ,على ان التناقض انا يكون بي
النفي والثبات الوحدين ف ظروفهما .فاذا اختلفت ظروف النفي مع ظروف
الثبات .ل يكن الثبات والنفي متناقضي .ولنأخذ عدة امثلة للنفي والثبات
الختلفي ف ظروفهما:
أ ـ الربعة زوج .الثلثة ليست زوجا .فالنفي والثبات ف هاتي
القضيتي ,ل تناقض بينهما ,لختلف كل منهما عن الخر بالوضوع الذي
يعاله .فالثبات تعلق بالربعة ,والنفي تعلق بالثلثة.
ب ـ النسان سريع التصديق حال الطفولة .النسان ليس سريع
التصديق ف دور الشباب والنضوج .فقد تعلق النفي والثبات ف هاتي
القضيتي بالنسان .ولكن كل منهما له زمانه الاص ,الذي يتلف عن زمان
الخر ,فل يوجد تناقض بي النفي والثبات.
جـ ـ الطفل ليس عالا بالفعل .الطفل عال بالقوة .أي يكن ان يكون
عالا .وهنا أيضا نواجه نفيا واثباتا غي متناقضي ,لننا ف القضية الول ل
ننف نفس الثبات ,الذي تتويه القضية الثانية ,فالقضية الول تنفي وجود
صفة العلم لدى الطفل ,والقضية الخرى ل تثبت وجود الصفة .وانا تثبت
218
امكانا ,أي قابلية الطفل واستعداده الاص لكتسابا .فقوة العلم هي الت
تثبتها هذه القضية للطفل .ل وجود العلم له فعل.
وهكذا نعرف ان التناقض بي النفي والثبات ,انا يتحقق فيما اذا اشتركا
ف الوضوع الذي يتناولنه ,واتفقا ف الشروط والظروف الكانية والزمانية
وغيها .واما اذا ل يتحدد النفي والثبات ف كل هذه الشروط والظروف,
فليس بينهما تناقض .ول يوجد الشخص او النطق الذي يكم باستحالة
صدقهما ف هذا الال.
ڤ.................................كيف فهمت الاركسية التناقض؟
بعد ان درسنا مفهوم التناقض ,ومتوى البدأ الساسي للمنطق العام
(مبدأ عدم التناقض) ,يب ان نلقي ضوءا على فهم الاركسية لذا البدأ,
والبرات الت استندت اليها ف الرد عليه.
وليس من الصعب ان يدرك النسان ان الاركسية ل تستطع ,او ل تشأ
ان تعي هذا البدا بفهومه الصحيح .فأنكرته تقيقا لاديتها .وحشدت عددا
من المثلة الت ل تنسجم معه ,ف زعمها ,وبالتال وضعت التناقض
والصراع بي النقائض والضداد قاعدة لنطقها الديد .وملت الدنيا ضجيجا
بذه القاعدة وتبجحا على النطق البشري العام بابتكارها او اكتشافهما.
ولجل ان نتبي مدى الطأ الذي وقعت فيه الاركسية ,والذي دفعها ال
رفض مبدأ عدم التناقض ,وما يقوم عليه من مبادئ عامة للمنطق
اليتافيزيقي ,يب ان نفرق بوضوح بي امرين :احدها الصراع بي اضداد
ونقائض خارجية ,والخر الصراع بي اضداد ونقائض متمعة ف وحدة
معينة .فالثان هو الذي يتناف مع مبدأ عدم التناقض .واما الول فل علقة
له بالتناقض مطلقا ,لنه ل يعن اجتماع النقيضي او الضدين .بل مرده ال
وجود كل منهما بصورة مستقلة ,وقيام كفاح بينهما يؤدي ال نتيجة معينة.
فشكل الشاطئ ـ مثل ـ نتج عن فعل متبادل بي امواج الاء وتياراته ,الت
219
تصطدم بالرض فتقرض الضفة من ناحية .وصمود الرض ف وجه التيار,
ودفعها لتلك المواج ال درجة معينة من ناحية اخرى .وشكل الناء من
الزف نتج عن عملية قامت بي كتلة من الطي ,ويد الزاف.
فاذا كانت الادية الديالكتيكية ,تعن هذا اللون من الصراع بي الضداد
الارجية ,فهذا ل يتعارض مطلقا مع مبدأ عدم التناقض ,ول يدعو ال
اليان بالتناقض ,الذي قام الفكر البشري منذ نشأ على رفضه ,لن الضداد
ل تتمع ف وحدة ,وانا وجد كل منهما بوجود مستقل ف ماله الاص,
واشتركا ف عمل متبادل ,حصل به على نتيجة معينة ,وأيضا فهو ل يبر
الكتفاء الذات ,والستغناء عن سبب خارجي .فشكل الشاطئ او شكل
الناء ,ل يتحدد ول يوجد بتطور ,قائم على أساس التناقضات الداخلية ,وانا
حصل بعملية خارجية حققها ضدان مستقلن .وهذا النحو من الصراع بي
الضداد الارجية ,وعملياتا الشتركة ,ليس من مستكشفات الادية او
الديالكتيك ,بل هو أمر واضح يقره كل منطق وكل فيلسوف ـ سواء كان ماديا
أم كان اليا ـ منذ أبعد عصور الفلسفة الادية واللية ,وال اليوم .ولناخذ
مثل على ذلك أرسطو ,إمام الدرسة اليتافيزيقية ف فلسفة اليونان ,وانا نأخذه
بالصوص ل لنه فيلسوف الي فحسب ,بل لنه واضح قواعد النطق
العام ـ الذي يسميه الاركسيون بالنطق الشكلي ـ ومبادئه وأسسه .فهو يؤمن
بالصراع بي الضداد الارجية ,مع إقامته للمنطق على مبدأ عدم التناقض,
ول يطر على فكره ان شخصا سينبغ بعد مئات السني ,فيعتب ذلك الصراع
دليل على سقوط هذا البدأ الضروري .وفيما يلي شيء من نصوص أرسطو,
ف شأن الصراع بي الضداد الارجية:
[وعلى جلة من القول ,ان شيئا مانسا يكن ان يقبل
فعل من قبل الشيء الجانس .والسبب فيه ان جيع الضداد
هي ف جنس واحد ,وان الضداد تفعل بعضها ف بعض,
وتقبل بعضها من قبل البعض الخر](.)1
220
[فبحسب الصورة قد انضم شيء ما لكل جزء كيف ما
اتفق ,ولكن ل بسب الادة ,ومع ذلك فان الكل صار
أعظم ,لن شيئا جاء وانضم اليه .وهذا الشيء يسمى
الغذاء ,ويسمى أيضا الضد ,ولكن هذا الشيء ل يزيد من
ان يتغي ف النوع بعينه ,كمثل ما يأت الرطب ينضم ال
اليابس ,وبانضمامه اليه يتغي ,بان يصي هو نفسه يابسا,
وف الواقع يكن معا ان الشبيه ينمو بالشبيه ,وبهة اخرى
ان يكون ذلك باللشبيه] (.)1
وهكذا يتضح ان العمليات الشتركة للضداد الارجية ,ليست كشفا
للديالكتيك ,ول نقضا للمنطق اليتافيزيقي ,ول شيئا جديدا ف اليدان
الفلسفي وانا هي حقيقة مقررة بكل وضوح ف متلف الفلسفات ,منذ فجر
التاريخ الفلسفي ,وليس فيها ما يقق أغراض الاركسية الفلسفية ,الت
تستهدف تقيقها على ضوء الديالكتيك.
واما اذا كانت الاركسية تعن بالتناقض ,مفهومه القيقي ,الذي يعل
للحركة رصيدا داخليا ,ويرفضه البدأ الساسي ف منطقنا .فهذا ما ل يكن
لفكر سليم قبوله ,ول تلك الاركسية شاهدا عليه من الطبيعة ,وظواهر الوجود
مطلقا .وكل ما تعرض لنا الاركسية من تناقضات الطبيعة الزعومة ,فهو ل
يت ال الديالكتيك بصلة.
ولنعرض عدة من تلك الشواهد ,الت حاولت ان تبهن با على منطقها
الديالكتيكي ,لنتبي مدى عجز الاركسية وفشلها ,ف الستدلل على منطقها
الاص:
1ـ تناقضات الركة ,قال هنري لوفافر:
[حي ل يري شيء ,فليست ثة مناقضة .ومن ناحية
مقابلة ,حي ل يكون ثة مناقضة ل يدث شيء ,ول
221
يوجد أي شيء ول يلحظ ظهور أي نشاط ,ول يظهر شيء
جديد .وسواء أكان المر يتعلق بال من الركود ,ام التوازن
الؤقت ,ام بلحظة من الزدهار ,فان الكائن او الشيء غي
التناقض ف ذاته ,يكون ف مرحلة ساكنة موقتا](.)1
وهذه النصوص توضح ان الاركسية تؤمن بوجود تعارض بي قانون
التطور والتكامل ,وقانون عدم التناقض .وتعتقد ان التطور والتكامل ل
يتحقق ,ال على أساس تناقض مستمر .وما دام التطور او الركة مققي ف
دنيا الطبيعة ,فيجب طرح فكرة عدم التناقض .والخذ بالديالكتيك ,ليفسر
لنا الركة بختلف أشكالا وألوانا.
وقد ألعنا سابقا ـ عند درس حركة التطور ـ ال ان التطور والتكامل ل
يتناف مطلقا مع مبدأ عدم التناقض ,وان الفكرة القائلة بوجود التناف بينهما,
تقوم على أساس اللط بي القوة والفعل .فالركة هي ف كل درجة اثبات
بالفعل ونفي بالقوة .فالكائن الي حينما تتطور جرثومته ف البيض ,حت
تصبح فرخا ,ويصبح الفرخ دجاجة ,ل يعن هذا التطور ان البيضة ل تكن
ف دورها الول بيضة بالفعل ,بل هي بيضة ف الواقع ,ودجاجة بالقوة ,أي
يكن ان تصبح دجاجة .فقد اجتمع ف صميم البيضة ,إمكان الدجاجة
وصفة البيضة .ل صفة البيضة وصفة الدجاجة معا .بل قد عرفنا اكثر من
ذلك ,عرفنا ان الركة التطورية ل يكن فهمها ,ال على ضوء مبدأ عدم
222
التناقض .فان التناقضات لو كان من المكن ان تتمع حقاً ف صميم
الشيء ,لا حصل تغي ,ولا تبدل الشيء من حالة ال حالة ,ولا وجد بالتال
تغي وتطور.
واذا كانت الاركسية تريد ان تدلنا على تناقض ف عملية الركة ,يتناف
مع مبدأ عدم التناقض حقا ,فلتقدم مثال للتطور توجد فيه حركة ول توجد,
أي يصح فيه النفي والثبات على التطور معا .فهل يوز ف مفهومها بعد ان
أسقطت مبدأ عدم التناقض ,ان يتطور الشيء ول يتطور ف وقت معا؟! فإن
كان هذا جائزا فلتدلنا على شاهد له ف الطبيعة والوجود ,وان ل يز فليس
ذلك ال اعترافا ببدأ عدم التناقض ,وقواعد النطق اليتافيزيقي.
2ـ تناقضات الياة ,او السم الي .قال هنري لوفافر:
[ورغم ذلك أفليس من الواضح ان الياة هي الولدة
والنمو والتطور؟ غي ان الكائن الي ل يكن ان ينمو ,دون
ان يتغي ويتطور ,يعن دون ان يكف عن كونه ما كان .وكي
يصي رجل عليه ان يترك الصبا ويفقده ,وكل شيء يلزم
السكون ينحط ويتأخر ...ال ان يقول :فكل كائن حي
اذن يناضل الوت ,لنه يمل موته ف طوية ذاته](.)1
وقال انلز:
[رأينا فيما سبق بأن قوام الياة ,هو ان السم الي ف
كل لظة هو هو نفسه ,وف عي تلك اللحظة هو ليس إياه,
هو شيء آخر سواه .فالياة اذن هي تناقض مستحكم ,ف
الكائنات والعمليات ذاتا](.)2
ل شك ف ان الكائن الي يتوي على عمليتي ـ حياة
وموت ـ متجددتي ,وما دامت هاتان العمليتان تعملن عملهما فالياة قائمة.
223
ولكن ليس ف ذلك شيء من التناقض ,لأننا اذا حللنا هاتي العمليتي,
اللتي نضيفهما بادئ المر ال كائن حي واحد ,ونعرف ان عملية الوت
وعملية الياة ل تتفقان ف موضوع واحد .فالكائن الي يستقبل ف كل دور
خليا جديدة ,ويودع خليا بالية .فالوت والياة يتقاسان الليا,
واللية الت تفن ف لظة ,غي اللية الت توجد وتيا ف تلك اللحظة .وهكذا
يبقى الكائن الي الكبي متماسكا ,لن عملية الياة تعوضه عن الليا ,الت
ينسفها الوت بليا جديدة ,فتستمر عملية الياة تعوضه عن الليا ,الت
ينسفها الوت بليا جديدة ,فتستمر الياة حت تنتهي امكاناته .وتنطفئ
شعلة الياة منه .وانا يوجد التناقض لو ان الوت والياة استوعبا ف لظة
خاصة ,جيع خليا الكائن الي .وهذا ما ل نعرفه من طبيعة الياة,
والحياء .فان الكائن الي ل يمل ف طياته ال امكان الوت ,وامكان الوت
ل يناقض الياة ,وانا يناقضها الوت بالفعل.
3ـ التناقض ف مقدرة النسان على العرفة ,قال أنلز يعرض مبدأ
التناقض ف الديالكتيك:
[كما رأينا بأن التناقض مثل ,بي مقدرة النسان على
العرفة مقدرة متاصلة ول مدودة .وبي تقيق هذه القدرة
تققا فعليا ف البشر ,الذين هم مقيدون بظروفهم الارجية,
وبقابلياتم الذهنية ,يد حلوله ف تعاقب الجيال تعاقبا ل
مدودا ,ف التقدم اللمتناهي ,بالنسبة لنا على القل,
وبسب وجهة النظر العملية](.)1
ند ف هذا مثالً جديدا ,ل على مبدأ التناقض ,بل على عدم اجادة
الاركسية فهم مبدأ عدم التناقض .فانه اذا كان من الصحيح ان البشرية قادرة
على العرفة الكاملة ,وان كل بشر غي قادر على اكتساب تلك العرفة بفرده,
فليس هذا مصداقا للديالكتيك ,ول ظاهرة شاذة عن النطق اليتافيزيقي,
ومبدئه الساسي ,بل هو نظي تأكيدنا على ان اليش قادر على الدفاع عن
224
البلد ,وان كل فرد منهم ل يلك هذه القدرة .فهل هذا هو التناقض؟! وهل
هذا هو الذي ارتكز النطق اليتافيزيقي على رفضه؟! كل .فان التناقض انا
يقوم بي النفي والثبات ,فيما اذا تناول موضوعاً واحدا .واما اذا تناول
الثبات البشرية بجموعها ,وتناول النفي كل فرد بصورة مستقلة ـ كما ف
الثال الذي عرضه أنلز ـ فل يوجد عندئذ تعارض بي النفي والثبات.
4ـ التناقض ف الفيزياء ,بي الكهربائية الوجبة والسالبة (.)1
وهذا التناقض الزعوم ,ينطوي على خطاين:
الول :اعتبار الشحنة الوجبة والسالبة ,من قبيل النفي والثبات,
والسلب والياب ,نظرا ال التعبي العلمي عن إحداها بالوجبة ,وعن
الخرى بالسالبة ,مع انا جيعا نعلم ان هذا التعبي ,مرد اصطلح فيزيائي,
ول يعن انما نقيضان حقيقة ,كما يتناقض النفي والثبات ,او السلب
والياب .فالكهربائية الوجبة هي المالثة للكهربائية التولدة ف القضيب
الزجاجي ,الدلوك بقطعة من الرير .والكهربائية السالبة هي الماثلة
للكهربائية التولدة على اليوني ,الدلوك بلد الر .فكل من الكهربائيتي
نوع خاص من الشحنات الكهربائية ,وليست احداها وجود الشيء,
والخرى عدما لذلك الشيء.
الثان :اعتبار التجاذب لونا من الجاع .وعلى هذا الساس فسرت
علقة التجاذب القائمة بي الشحنة الوجبة ,والشحنة السالبة بالتناقض,
واعتب هذا التناقض ,مظهرا من مظاهر الديالكتيك ,مع ان الواقع ان السلبية
واليابية الكهربائيتي ,ل تتمعا ف شحنة واحدة ,وانا ها شحنتان
مستقلتان تتجاذبان ,كما يتجاذب القطبان الغناطيسيان الختلفان ,من دون ان
يعن ذلك وجود شحنة واحدة موجبة وسالبة ف وقت واحد ,او وجود قطب
مغناطيسي شال وجنوب معا .فالتجاذب بي الشحنات التخالفة ,لون من
ألوان التفاعل بي الضداد الارجية ,الستقل بعضها ف الوجود عن بعض.
225
وقد عرفنا فيما سبق ,ان التفاعل بي الضداد الارجية ليس من الديالكتيك
بشيء ,ول يت ال التناقض الذي يرفضه النطق اليتافيزيقي بصلة ,فالسألة
مسألة قوتي ,تؤثر احداها ف الخرى ,ل مسألة قوة تتناقض ف متواها
الداخلي ,كما يزعم الديالكتيك.
5ـ تناقض الفعل ,ورد الفعل ف اليكانيك ( .)1فالقانون
اليكانيكي ـ القائل ان لكل فعل رد فعل ,يساويه ف القدار ويعاكسه ف
التاه ـ مظهر من مظاهر التناقض الديالكت ,ف زعم الاركسية .ومرة اخرى
ند انفسنا ,مضطرين ال التاكيد ,على ان قانون نيوتن هذا ,ل يبر
التناقضات الديالكتيكية ,بلون من اللوان ,لن الفعل ورد الفعل ,قوتان
قائمتان بسمي ,ل نقيضان متمعان ف جسم واحد .فعجلتا السيارة
اللفيتان ,تدفعان الرض بقوة ,وهذا هو الفعل .والرض تدفع عجلت
السيارة بقوة اخرى ,مساوية ف القدار ومعاكسة ف التاه للول ,وهذا هو
رد الفعل ,وبسببه تتحرك السيارة .فلم يتو السم الواحد على دفعي
متناقضي ,ول يقم ف متواه الداخلي ,صراع بي النفي والثبات ,بي
النقيض والنقيض ,بل السيارة تدفع الرض من ناحية ,والرض تدفع السيارة
من ناحية اخرى ,والديالكتيك انا ياول ان يشرح كيفية نو الشياء
وحركتها ,باحتوائها داخليا على قوتي متدافعتي ,ونقيضي متخاصمي,
يصارع كل منهما الخر لينتصر عليه ,ويبلور الشيء تبعا له .واين هذا من
قوتي خارجيتي ,يتولد من احداها فعل خاص ,ومن الخرى رد الفعل.
ونن نعرف جيعا ان الزخي التعاكسي ,اللذين يولدها الفعل ورد الفعل,
يقومان ف جسمي ,ول يكن ان يكونا ف جسم واحد ,لنما متعاكسان
ومتنافيان ,وليس هذا ال لجل مبدأ عدم التناقض.
6ـ تناقضات الرب ,الت يعرضها ماوتسي تونغ ف قوله:
[والواقع ان الجوم والدفاع ف الرب ,والتقدم
والتراجع ,والنصر والزية .كلها ظواهر متناقضة ,ول وجود
226
للواحدة من دون الثانية .وهذان الطرفان يتصارعان ,كما أنما
يتحدان بعضهما فيؤلفان مموع الرب ويفرضان تطورها,
ويلن مشكلتا](.)1
وف الواقع ان هذا النص اكثر النصوص السابقة غرابة ,اذ يعتب فيها
ماوتسي تونغ الرب ,كائنا حقيقيا ينطوي على النقيضي ,على النصر
والزية ,مع ان هذا الفهوم عن الرب ,ل يصح ال ف ذهنية بدائية,
تعودت على اخذ الشياء ,ف اطارها العام .فالرب ف التحليل الفلسفي؛
عبارة عن كثرة من الوادث ,ل تتوحد ال ف اسلوب التعبي .فالنصر غي
الزية ,واليش النتصر غي اليش النهزم ،والوسائل او نقاط القوة ,الت
مهدت للنتصار ,غي الوسائل او نقاط الضعف ,الت أدت ال الزية.
والنتائج الاسة ,الت أدت إليها الرب ,ل تكن بسبب صراع ديالكتيكي,
وتناقضات موحدة ,بل بسبب الصراع بي قوتي خارجيتي ,وغلبة احداها
على الخرى.
7ـ تناقضات الكم ,كما يتحدث عنها كيدروف قائل:
[ايام كانت بساطة حكم ,ومهما بدا عاديا هذا الكم,
فهو يتوي على بذور ,او عناصر تناقضات ديالكتية ,تتحرك
وتنمو ,داخل نطاق العرفة البشرية كلها](.)2
ويؤكد على ذلك ليني ف قوله:
[البدء بأية قضية كانت ,بأبسط القضايا ,واكثرها عادية
وشيوعا ...ال ...اوراق الشجر خضراء ,إيفان هو
رجل( ,جوتشكا) هي كلبة ال ...فحت هنا ايضا...
ديالكتيك .فالاص هو عام ...يعن ان الضداد ـ والاص
هو ضد العام ـ هي متماثلة ...وحت هنا أيضا ثة مبادئ
اولية ,ثة مفاهيم ضرورية ثة صلة موضوعية للطبيعة
227
ال ...فالعرضي والضروري ,والظاهر ,والوهر موجودة
هنا فأنا اذ اقول :ايفان هو رجل ,وجوتشكا هي كلبة,
وهذه ورقة شجر ال ...انا أنبذ سلسلة من الرواميز,
باعتبارها عرضية وافصل الوهري عن السطحي ,واثبت
التعارض بينهما .وهكذا ف كل قضية ـ كما ف كل
خلية ـ نستطيع ان نكشف بذور جيع عناصر الديالكتيك] (.)1
ولكن من حقنا ان نسأل ليني ,عن صفة العموم ,الت اسبغها على
مدلول كلمة رجل ,فهل هي صفة للفكرة ,الت نكونا ف ذهننا عن كلمة
رجل ,او للواقع الوضوعي لذه الكلمة؟ ول يتاج هذا السؤال ال مزيد من
التامل ,ليحصل على الجابة الصحيحة .وهي ان العموم صفة الفكر ل صفة
الواقع .ففكرتنا عن كلمة رجل تكون مفهوما عاما ,يعب عن مسميات جزئية
كثية ,فايفان رجل ,وكيدروف رجل ,وليني رجل ,بعن ان الفكرة الت
نلكها عن لفظ الرجل ,هي الصيلة الذهنية الشتركة لتلك الفراد ,واما
الواقع الوضوعي للرجل فهو شيء معي مدود دائما .واذا اخذنا هذه
اللحظة بعي العتبار ,استطعنا ان نعرف ,ان التناقض ف قولنا إيفان رجل,
انا يوجد اذا اردنا ان نكم على فكرتنا الاصة عن إيفان ,بأنا نفس الفكرة
العامة ,الت نلكها عن الرجل ,فان هذا تناقض واضح ,وهو ل يصح
مطلقا ,لن الفكرة الاصة عن ايفان ,ل يكن ان تكون هي نفس الفكرة
العامة عن الرجل ,وال لكان العام والاص شيئا واحدا ,كما حاوله ليني.
فنحن اذن اذا اخذنا إيفان كفكرة خاصة ,ورجل كفكرة عامة ,فسوف
ند انفسنا ف تناقض ,حي ناول ان نوحد بي الفكرتي ,ولكن قولنا
إيفان رجل ,ل يعن ف الواقع التوحيد بي الفكرتي ,بل التوحيد بي الواقع
الوضوعي ,لكلمة ايفان ,والواقع الوضوعي ,لكلمة رجل ,بعن ان اللفظي
واقعا موضوعيا واحدا ,ومن الواضح ان واقع رجل ل يناقض الواقع الارجي
ليفان ,بل هو نفسه بالذات .فل ينطوي التوحيد بينهما على تناقض ,وهكذا
228
يتضح ان التناقض ـ الذي زعمته الاركسية ف قضية (إيفان رجل) ـ يقوم على
أساس تفسي خاطئ للقضية ,يعتبها توحيدا بي فكرتي احداها عامة
والخرى خاصة ,ل بي واقعي موضوعيي.
ومرة اخرى نسـال عـن هذا التناقـض الزعوم ,فـ قضيـة (إيفان رجـل) ,مـا
هـي حصـيلته؟ ومـا هـو الصـراع الذي ينتـج عـن هذا التناقـض؟ ومـا هـو التطور
النب ثق ع نه؟ فان التناقضات الداخل ية تش عل ـ ف رأي الارك سية ـ ال صراع,
وتعتـب وقودا للتطور ,فكيـف تسـتطيع الاركسـية ان تشرح لنـا ,كيـف تتطور
قضية (إيفان رجل) ,وهل تعود بسبب تناقضاتا على شكل آخر؟!.
ونلص من دراستنا للتناقضات الديالكتيكية الزعومة ,ال نتيجة وهي ان كل ما
عرضته الاركسية من تناقضات ,ف القل الفلسفي او العلمي ,أوالجالت
العتيادية العامة ,ليست من التناقض ,الذي يرفضه البدأ الساسي للمنطق
اليتافيزيقي.ول
يكن ان تعتب دليل على تفنيد هذا البدأ ,بل لتعدوأن تكون كمعارضات (أوبوليدس)
اللطي قبل ألفي سنة ,لبدأ عدم تناقض .فقد كان يرد على هذا البدأ قائل :إذا تقدم
ابوك اليك ,وكان مقنعا فانك ل تعرفه .اذن انت تعرف اباك ,ول تعرفه ف آن واحد.
ومن البديهي ان هذه اللوان من العارضة الساذجة ,ل يكن ان تطم البدأ الضروري
العام ,ف التفكي البشري ,مبدأ عدم التناقض.
والقيقة الت تبيناها ف عدة من امثلة التناقض الديالكتيكي ,هي الصراع
والتفاعل بي الضداد الارجية .وقد عرفنا فيما سبق ان هذا اللون من
التفاعل بي الضداد ,ليس من ميزات الديالكتيك ,بل هو من مقررات
اليتافيزيقية ,كما عرفناها ف نصوص أرسطو.
ولو اردنا ان نقطع النظر ,عن اخطاء الاركسية ف فهم التناقض ,وفشلها
ف ماولت الستدلل ,على قانون الديالكتيك ,فسوف ند مع ذلك ان
التناقض الدياكت ل يقدم لنا تفسيا مقبولً للعال ,ول يكن فيه التعليل
الصحيح ,كما سوف نتبي ذلك ف الزء الرابع من هذه السالة (الادة وال).
()1
ومن الطريف ان نشي ال مثل للتناقض قدمه احد الكتاب الحدثي
229
ل ان مبدأ عدم التناقض يقرر ان كل كمية اما
لتزييف مبدأ عدم التناقض قائ ً
ان تكون متناهية او غي متناهية ول يكن ان تكون متناهية وغي متناهية ف
وقت واحد لستحالة التناقض ,فاذا كان المر كذلك فان نصف كمية متناهية
يب ان تكون متناهية دائما ,أنا ل يكن ان تكون ل متناهية ,وال كان
مموع كميتي ل متناهيتي متناهيا وهذا خلف ,ففي السلسلة الحتوية على
الكميات.
1 1 1 1 1
ـ ،ـ ،ـ ،ــ ،ــ
الت لكل واحدة منها نصف الكمية السابقة يب ان يكون كل جزء منها
متناهيا مهما امتدت السلسلة ,فاذا استمرت ال غي ناية كان لدينا تتابع
لمتناه من كميات كل واحدة منها متناهية فمجموع اجزاء السلسلة هو الن
مموع عدد ل متناه لكميات متناهية ,وهكذا فل بد ان يكون ل متناهيا,
ولكن قليل من علم الساب يظهر لنا انه متناه اذ هو (.)2
وهكذا يريد الكاتب ان يستنتج ان التناقض بي التناهي وغي التناهي
سح للقطبي التناقضي ان يتمعا ف كمية واحدة ,ولكن فاته ان الكمية
الت ليست متناهية ف مثاله هي غي الكمية التناهية فل تناقض ال ان الكمية
واحدة هي متناهية وغي متناهية بالرغم من مبدأ عدم التناقض ,كما ياول ان
يستنتج.
وذلك ان هذه الكميات الت افترضها ف السلسلة وكان لكل واحدة منها
نصف الكمية السابقة ,يكننا ان ناخذها با هي وحدات لنعدها كما نعد
وحدات الوز او كما نعد حلقات سلسلة حديدية طويلة .وف هذه الالة
سوف نواجه عددا ل يتناهى من الوحدات ,فالعدد الصحيح ( )1هو الوحدة
1 الوحدة الثالثة .وهكذا
الول والكسر هو الوحدة الثانية والكسر هو 1
ـ ـ
230
يزيد الجموع واحدا بعد واحد ال غي ناية فليس أمامنا ونن نمع تلك
العداد كوحدات ( )2وانا نواجه عددا هائل ل ينتهي ,واما اذا اردنا ان
نمع الكميات الت ترمز اليها تلك العداد فسوف نصل على ( )2فقط لن
الجموع الرياضي لتلك الكميات التناقصة هو ذلك ,فغي التناهي اذن هو
كمية نفس العداد التعاطفة با هي وحدات نمع بعضها ال بعض كما
نمع قلما ال قلم او جوزة ال جوزة ,والتناهي ليس هو كمية العداد
التعاطفة بوصفها وحدات واشياء يكن جعها بل الكميات الت ترمز اليها تلك
العداد ,وبكلمة اخرى هناك كميتان احداها كمية نفس العداد با هي
وحدات ,والخرى كمية مدلولتا الرياضية باعتبار ان كل عدد ف السلسلة
يرمز ال كمية معينة ,والول غي متناهية ومن الستحيل ان تتناهى والثانية
متناهية ومن الستحيل ان تكون غي متناهية.
ڤ...............................الدف السياسي من الركة التناقضية
الركة والتناقض ـ وها الطان الدليان ,اللذان نقدناها بكل
تفصيل ـ يشكلن معا قانون الركة الديالكتيكية ,او قانون التناقض الركي,
التطور على اسس الديالكتيك ,ابدا ودائما.
وقد تبنت الاركسية هذا القانون ,بصفته الناموس البدي للعال.
واستهدفت من ورائه ان تستثمره ف القل السياسي لصالها الاص .فكان
العمل السياسي هو الدف الول ,الذي فرض على الاركسية ان تصبه ف
قالب فلسفي ,يساعدها على انشاء سياسي جديد للعال كله .وقد قالا
ماركس ف شيء من التلطيف:
[ان الفلسفة ل يفعلوا شيئا ,غي تأويل العال ,بطرق
متلفة ,بيد ان المر هو امر تطويره](.)1
231
فالسألة اذن هي مسألة التطوير السياسي القترح ,الذي ل بد ان يد
منطقا مبرا له ,وفلسفة يرتكز على قوائمها .ولذلك كانت الاركسية تضع
القانون ,الذي يتفق مع مططاتا السياسية ,ث تفتش ف اليادين العلمية عن
دليله ,مؤمنة سلفا ـ وقبل كل دليل ـ بضرورة تبن ذلك القانون ,ما دام يلقي
شيئا من الضوء على طريق العمل والكفاح .ويسن بنا ان نستمع بذه الناسبة
لنلز ,وهو يدث عن بوثه الت قام با ف كتابه ضد دوهرنك:
[وغن عن البيان ,بانن كنت قد عمدت ال سرد
الواضيع ,ف الرياضيات والعلوم الطبيعية( ,سردا عاجلً)
وملخصا ,بغية ان اطمئن تفصيل ـ ال ما ل اكن ف شك منه
بصورة عامة ـ ال ان نفس القواني الديالكتيكية للحركة,
الت تسيطر على العفوية الظاهرة للحوادث ف التاريخ ,تشق
طريقها ف الطبيعة](.)1
ففي هذا النص تلخص الاركسية لنا اسلوبا ,ف ماولتا الفلسفية,
وكيف وثقت كل الوثوق ,باستكشاف قواني العال ,وآمنت بصحتها .قبل ان
تتبي مدى واقعيتها ,ف الجالت العلمية والرياضية ,ث حرصت بعد ذلك
على ان تطبقها على تلك الجالت ,وتضع الطبيعة للديالكتيك ف (سرد
عاجل) ـ على حد تعبي أنلز ـ مهما كلفها المر ,ولو اثار ذلك احتجاج علماء
الرياضيات او الطبيعيات انفسهم ,كما يعترف بذلك أنلز ف عبارة قريبة من
النص الذي نقلناه.
ولا كان الغرض الساسي من انشاء هذا النطق الديد ,اياد سلح
فكري للماركسية ف معركتها السياسية ,فمن الطبيعي اذن ان تبدأ ـ اول وقبل
كل شيء ـ بتطبيق القانون الديالكتيكي ,على القل السياسي والجتماعي.
فقد فسرت الجتمع بكل اجزائه ,طبقا لقانون الركة التناقضية ,او التناقض
الركي واخضعته للديالكتيك ,الذي هو ف زعمها قانون الفكر والعال
232
جديدا ,ينسجم مع الوجود الطبقي الغالب ف الجتمع ,ويبدأ الصراع بعد
ذلك من جديد ,على أساس التناقضات الحتواة ف ذلك الشكل .وترتيبا على
ذلك استنتجت الاركسية ان الحتوى التحليلي للمجتمع الراسال ,هو
الصراع بي التناقضات ,الت ينطوي عليها ,بي الطبقة العاملة من ناحية,
والطبقة الرأسالية من ناحية اخرى .وان هذا الصراع يد الجتمع بالركة
التطورية ,الت سوف تل التناقض الراسال ,حي تسلم القيادة ال الطبقة
العاملة ,التمثلة ف الزب القائم على أساس الادية الديالكتيكية ,والذي
يستطيع ان يتبن مصالها باسلوب علمي رصي.
ونن ل نريد ـ الن ـ ان نناقش الاركسية ف تفسيها الديالكتيكي
للمجتمع وتطوراته ,هذا التفسي الذي ينهار طبيعيا ,بنقد الديالكتيك كمنطق
عام وتزييفه ,كما حققناه ف دراستنا هذه ,فان الادية التاريية ,سوف نصها
بدراسة نقدية مفصلة ف كتاب متمعنا او اقتصادنا ( .)1وانا نرمي الن ال
توضيح نقطة مهمة ,ف هذا التطبيق الجتماعي للديالكتيك ,يس النطق
الديالكت نفسه بصورة عامة ,وهذه النقطة هي ان التطبيق الجتماعي
والسياسي للديالكتيك ,على النحو الذي تقوم به الاركسية ,يؤدي ال نفض
الديالكتيك راسا .فان الركة التطويرية للمجتمع ,اذا كانت تستمد وقودها
الضروري من الصراع الطبقي بي التناقضات ,الت يضمها اليكل
الجتماعي العام .واذا كان هذا التعليل التناقضي للحركة ,هو التفسي
الوحيد للتاريخ والجتمع ,فسوف تسكن الركة ف ناية الطاف حتما ,وتصبح
فوارق التناقضات ,وحياتا الركية سكونا وجودا .ذلك ان الاركسية تعتب
الرحلة الت تتوفر على انشائها ,وتاول ايصال الركب البشري اليها ,هي
الرحلة الت تنعدم فيها الطبقية ,ويعود الجتمع فيها متمع الطبقة الواحدة.
واذا قضي على التنوع الطبقي ف الجتمع الشتراكي القترح ,انطفأت شعلة
الصراع ,وتلشت الركات التناقضية نائيا ,وجد الجتمع على شكل ثابت ل
ييد عنه ,لن الوقود الوحيد للتطور الجتماعي ـ ف رأي الاركسية ـ هو
اسطورة التناقض الطبقي ,الت اخترعها ,فاذا زال هذا التناقض ,كان معن
1ـ وقد صدر كتاب (اقتصادنا) وهو يستوعب اوسع دراسة للمادية التاريية ف
ضوء السس الفلسفية وف ضوء الجرى العام لتاريخ النسانية ف واقع الياة.
233
ذلك ترر الجتمع من اسر الديالكتيك ,فيتنحى الدل عن مقام السيطرة
والتحكم ف العال.
وهكذا نعرف ان تفسي الاركسية للتطور الجتماعي ,على اساس
التناقض الطبقي ,والصول الديالكتيكية ,يؤدي ال فرض حد نائي لذا
التطور ,وعلى العكس من ذلك ما اذا وضعنا جذوة التطور ,او وقود الركة
ف الوعي او الفكر ,او أي شيء غي التناقض الطبقي ,الذي تتخذه الاركسية
رصيدا عاما ,لميع التطورات والركات.
افليس من الدير بعد هذا ,ان ننعت التفسي الديالكت للتاريخ
والجتمع ,بانه هو وحده التفسي الذي يتم على البشرية المود والثبات,
دون التفسي الذي يضع رصيد التطور ف معي ل ينضب .وهو الوعيي
بختلف الوانه؟!.
ودع عنك بعد هذا ما من به التطور الديالكت للفكر البشري الذي
تتشدق به الاركسية ,من تميد على يد الاركسية نفسها حي اتذ الديالكتيك
حقيقة مطلقة ,ول نائية للعال ,وتبنته الدولة مذهبا رسيا ,فوق كل بث
وجدال ومرجعا اعلى يب اخضاع كل علم ومعرفة له ,وتجي كل فكر او
جهد ذهن ,ل ينسجم معه ول ينطلق من عنده فعادت الفكار البشرية ف
متلف مالت الياة اسية منطق خاص ,واصبحت الواهب والمكانات
الفكرية ,مضغوطة كلها ف الدائرة الت رسها للبشرية فلسفة الدولة
الرسيون ...
اما كيف ندحض اسطورة التناقض الطبقي وكيف نكشف الستار عن
مغالطات الدل الاركسي ,ف تعيي تناقضات اللكية ,وكيف نقدم التفسي
234
[ان الديالكتيك خلفا للميتافيزيقية ,ل يعتب حركة
التطور حركة نو بسيطة ,ل تؤدي التغيات الكمية فيها ال
تغيات كيفية ,بل يعتبها تطورا ينتقل من تغيات كمية
ضئيلة ,وخفية ,ال تغيات الكيفية ليست تدريية ,بل هي
كيفية .وهذه التغيات الكيفية ليست تدريية ,بل هي
سريعة فجائية ,وتدث بقفزات ,من حالة ال اخرى,
وليست هذه التغيات جائزة الوقوع ,بل هي ضرورية ,وهي
نتيجة تراكم تغيات كمية غي مسوسة ,وتدريية .ولذلك
تعتب الطريقة الديالكتيكية ,ان من الواجب فهم حركة
التطور ل من حيث هي حركة دائرية ,او تكرار بسيط
للطريق ذاته ,بل من حيث هي حركة تقدمية صاعدة,
وانتقال من الالة الكيفية القدية ال حالة كيفية جديدة] (.)1
يقرر الديالكتيك ف هذا الط ,ان التطور الديالكتيكي للمادة لونان:
احدها تغي كمي تدريي ,يصل ببطء ,والخر تغي نوعي فجائي ,يصل
بصورة دفعية ,نتيجة للتغيات الكمية التدرجة ,بعن ان التغيات
الكمية ـ حي تبلغ نقطة النتقال ـ تتحول من كمية ال كيفية جديدة.
وليس هذا التطور الديالكت حركة دائرية للمادة ,ترجع فيها ال نفس
مبدئها ,بل هي حركة تكاملية صاعدة ابدا ودائما.
وحي يعترض على الاركسية هنا ,بان الطبيعة قد تتحرك حركات دائرية,
كما ف الثمرة الت تتطور ال شجرة ,ث تعود بالتال ال ثرة كما كانت ,تيب
بأن هذه الركة هي ايضا تكاملية ,وليست دائرية ,كالركات الت يرسها
الفرجال ,غي ان مرد التكامل فيها ال الناحية الكمية ل الكيفية ,فالثمرة وان
عادت ف ناية شوطها الصاعد ثرة ايضا ,غي انا تكاملت تكامل كميا ,لن
235
الشجرة ـ الت انبثقت عن ثرة واحدة ـ افرغت من مئات الثمرات ,فلم
يتحقق رجوع للحركة أبدا.
وقبل كل شيء يب ان نلحظ الدف الكامن وراء هذا الط الديالكت
الديد ,فقد عرفنا ان الاركسية تضع الطة العملية ,للتطوير السياسي
الطلوب ,ث تفتش عن البرات النطقية والفلسفية لتلك الطة ,فما هو
التصميم الذي انشىء هذا القانون الديالكت لسابه؟.
ومن اليسور جدا الواب على هذا السؤال ,فان الاركسية رأت ان
الشيء الوحيد الذي يشق الطريق ال سيطرتا السياسية ,او ال السيطرة
السياسية للمصال الت تتبناها ,هو النقلب .فذهبت تفحص عن مستمسك
فلسفي لذا النقلب فلم تده ف قانون الركة والتناقض ,لن هذين
القانوني انا يتمان على الجتمع ان يتطور ,تبعا للتناقضات التوحدة فيه.
واما طريقة التطور ودفعيته ,فل يكفي مبدأ الركة التناقضية ليضاحها.
ولذلك صار من الضروري ان يوضع قانون آخر ,ترتكز عليه فكرة
النقلب .وكان هذا القانون هو قانون قفزات التطور ,القائل بتحولت
دفعية للكمية ال كيفية .وعلى أساس هذا القانون ل يعد النقلب جائزا
فحسب ,بل يكون ضروريا وحتميا ,بوجب القواني الكونية العامة.
فالتغيات الكمية التدريية ف الجتمع تتحول ,بصورة انقلبية ف منعطفات
تاريية كبى ال تغي نوعي .فيتهدم الشكل الكيفي القدي للهيكل
الجتماعي العام ,ويتحول ال شكل جديد.
236
وتقيقها ,ال بدم كل النظام الجتماعي التقليدي ,بالعنف
والقوة](.)1
وقال ليني:
[ان الثورة البوليتارية غي مكنة بدون تطيم جهاز
الدولة البورجوازي بالعنف](.)2
وما على الاركسية بعد ان وضعت قانون القفزات التطويرية ,ال ان
تفحص عن عدة أمثلة (فتسردها سردا عاجلً ,على حد تعبي أنلز) للتدليل
با على القانون الزعوم ,بعمومه وشوله .وهذا ما قامت به الاركسية تاما,
فقدمت لنا عددا من المثلة ,واقامت على اساسها قانونا العام.
ومن هاتيك المثلة الت ضربتها عليه ,هو مثال الاء ,حي يوضع على
النار ,فترتفع درجة حرارته بالتدريج ,وتدث بسبب هذا الرتفاع التدريي,
تغيات كمية بطيئة ,ول يكون لذه التغيات ف بادئ المر ,تاثي ف حالة
الاء ,من حيث هو سائل ,ولكن اذا زيدت حرارته ال درجة ( )100فسوف
ينقلب ف تلك اللحظة ,عن حالة السيلن ال الغازية ,وتتحول الكمية ال
كيفية ,وهكذا المر اذا هبطت درجة حرارة الاء ال الصفر ,فان الاء سوف
يتحول ف آن واحد ويصبح جليدا (.)3
237
ونن ل نشك ف ان التطور الكيفي ,ف جلة من الظواهر الطبيعية ,يتم
بقفزات ودفعات آنية ,كتطور الاء ف الثال الدرسي السابق الذكر ,وتطور
الوامض العضوية (الكربونية) ف حالت الغليان والنصهار وكما ف جيع
الركبات ,الت تكون طبيعتها وخواصها متعلقة بالنسبة الت يتألف بسبها كل
منها .ولكن ليس معن ذلك ,ان من الضروري دائما ,وف جيع الجالت,
ان يقفز التطور ف مراحل معينة ,ليكون تطورا كيفيا .ول تكفي عدة امثلة
للتدليل العلمي او الفلسفي ,على حتمية هذه القفزات ف تاريخ التطور,
وخصوصا حي تنتقيها الاركسية انتقاء ,وتمل المثلة الت كانت تستعملها
ليضاح قانون آخر من قواني الديالكتيك ,ل لشيء ال لنا ل تتفق مع هذا
القانون الديد .فقد كانت الاركسية تثل لتناقضات التطور ,بالرثومة الية ف
داخل البيضة ,الت تنح ال ان تكون فرخا ( )1وبالبذرة الت تنطوي على
نقيضها ,فتتطور بسبب الصراع ف متواها الداخلي ,فتكون شجرة .أفليس
من حقنا ان نطالب الاركسية باعادة النظر ف هذه المثلة ,لكي نعرف كيف
تستطيع ان تشرح لنا قفزات التطور فيها؟ فهل صيورة البذرة شجرة ,او
الرثومة فرخا (تطور تزال آنت تز) ,او صيورة الفرخ دجاجة (تطور آنت تز
ال سنتز) ,تتأتى بقفزة من قفزات التطور الديالكتيكية ,فتتحول الرثومة ف
آن واحد ال فرخ ,والفرخ ال دجاجة ,والبذرة ال شجرة ,وان هذه
238
الخرى .ويتدرج ف حالة الليونة فل هو بالصلب ول هو بالسائل ,حت
يستحيل مادة سائلة.
ولناخذ مثل آخر من الظواهر الجتماعية وهو اللغة بوصفها ظاهرة تتطور
وتتحول ول تضع لقانون الديالكتيك فان تاريخ اللغة ل يدثنا عن تولت
كيفية آنية ف سيها التاريي وانا يعب عن تولت تدريية ف اللغة من
الناحية الكمية التدريية ال تغي دفعي حاسم لكنا نستطيع ان نضع اصابعنا
على نقاط فاصلة ف حياة اللغة ,تتحول فيها من شكل ال شكل نتيجة
للتغيات الكمية البطيئة ,وهذا ما ل نده ف كل اللغات الت عاشها
النسان واستخدمها ف حياته الجتماعية.
فنستطيع ان نعرف اذن ,على ضوء مموعة ظواهر الطبيعة ,ان القفزة
والدفعة ليستا ضروريتي للتطور الكيفي ,وان التطور كما يكون دفعيا ,يكون
تدرييا ايضا.
ولنأخذ بعد ذلك الثال الدرسي السابق ,مثال الاء ,ف انماده وغليانه,
فنلحظ عليه:
اولً :ان الركة التطويرية الت يتويها الثال ,ليست حركة ديالكتيكية لن
التجربة ل تبهن على انبثاقها ,عن تناقضات الحتوى الداخلي للماء ,كما
تفرضه تناقضات التطور ف الديالكتيك .فنحن جيعا نعلم ان الاء لول الرارة
الارجية ,لبقي الاء ,ولا تطور ال غاز ,فلم يتم التطور النقلب للماء اذن
بصورة ديالكتيكية .فاذا اردنا ان نعتب القانون ,الذي يتحكم ف النقلبات
الجتماعية هو نفس القانون الذي يتم بوجبه النقلب الدفعي ف الاء ,او ف
سائر الركبات الكيمياوية ـ كما تاول الاركسية ـ لدى ذلك ال نتيجة مغايرة
لا
رمت اليه ,اذ تصبح القفزات التطورية ف النظام الجتماعي ,انقلبات
منبثقة عن عوامل خارجية ,ل عن مرد التناقضات الحتواة ف نفس النظام,
وتزول صفة التمية عن تلك القفزات ,وتكون غي ضرورية اذا ل تكتمل
العوامل الارجية.
239
ومن الواضح اننا كما يكننا ان نتحفظ على حالة السيلن للماء ,ونبعده
عن العوامل الت تعله يقفز ال حالة الغازية ,كذلك يصبح بالمكان الفاظ
على النظام الجتماعي ,والبتعاد به عن السباب الارجية ,الت تكتب عليه
الفناء .وهكذا يتضح ان تطبيق قانون ديالكت واحد ,على التطورات الدفعية
للماء ,ف غليانه وتمده ,وعلى الجتمع ف انقلباته ,يسجل نتائج معكوسة لا
يترقب الديالكتيك.
ثانيا :ان الركة التطورية ف الاء ليست حركة صاعدة ,بل هي حركة
دائرية ,يتطور فيها الاء ال بار ,ويعود البخار كما كان .دون ان ينتج عن
ذلك تكامل كمي او كيفي .فاذا اعتبت هذه الركة ديالكتيكية ,كان معناه
انه ليس من الضروري ,ان تكون الركة صاعدة وتقدمية دائما ,ول من
الحتوم ان يكون التطور الديالكت ,ف ميادين الطبيعة ,او الجتماع تكامليا
وارتقائيا.
ثالثا :ان نفس القفزة التطورية للماء ال غاز ,الت حققها بلوغ الرارة
درجة معينة ,ل يب ان تستوعب الاء كله ف وقت واحد .فان كل انسان
يعلم ان البحار والحيطات ,تتبخر كميات متلفة من مياهها تبخرا تدرييا,
ول تقفز بجوعها مرة واحدة ال الالة الغازية .وهذا ينتج ان التطور
الكيفي ـ ف الجالت الت يكون فيها دفعيا ـ ل يتحتم ان يتناول الكائن
240
واخيا فان تول الكمية ال كيفية ل يكن ان نطبقه بأمانة على مثال
الاء ,الذي يتحول ال غاز او جليد وفقا لصعود درجة الرارة فيه .وهبوطها
كما صنعت الاركسية ,لن الاركسية اعتبت الرارة كمية والغاز او الليد
كيفية ,فقررت ان الكمية ف الثال تولت ال كيفية وهذا الفهوم الاركسي
للحرارة او للغاز والليد ل يقوم على اساس ,لن التعبي الكمي عن الرارة
الذي يستعمله العلم حي يقول ان درجة حرارة الاء مئة او خسة ليس هو
جوهر الرارة وانا هو مظهر للسلوب العلمي ف رد الظواهر الطبيعية ال
كميات ليسهل ضبطها وتديدها .فعلى أساس الطريقة العلمية ل تعتب الرارة
الشياء ,يكن ان تعتب الرارة كمية ,غي ان الطريقة العلمية ل تعتب الرارة
ظاهرة كمية فحسب بل ان تول الاء ال بار مثل ,يتخذ تعبيا كميا ايضا,
فهو ظاهرة كمية ف اللغة العلمية كالرارة تاما ,لن العلم يدد النتقال من
الالة السائلة ال الغازية بضغط يكن قياسه كميا ,او بعلقات وفواصل بي
الذرات تقاس كميا كما تقاس الرارة ,ففي النظار العلمي اذن ل توجد ف
الثال ال كميات تتحول بعضها ال بعض ,واما ف النظار السي أي ف
مفهومنا الذي يوحي به احساسنا بالرارة حي نغمس يدنا ف الاء ,او
احساسنا بالغاز حي نرى الاء يتحول بارا ,فالرارة كالغاز حالة كيفية وهي
241
والرأسال الثابت .فاستشهد بقضية العامل ,الذي يشتغل ثان ساعات,
لنفسه ,أي ف انتاج قيمة اجوره ويشتغل الساعات الربع التالية للراسال,
ف انتاج القيمة الزائدة ,الت يربها صاحب الال .ومن الحتم على
الراسال ف هذه الالة ,ان يكون تت تصرفه مقدار من القيم ,يكفي
لتمكينه من تزويد عاملي بالواد الام ,وادوات العمل ,والجور ,بغية ان
يتلك يوميا قيمة زائدة ,تكفي لتمكينه من ان يقتات با ,كما يقتات احد
عامليه .ولكن با ان هدف الرأسال ليس هو مرد القتيات ,بل زيادة
الثروة ,فان منتجنا هذا سيظل ـ بعامليه هذين ليس براسال .ولكيما يتسن
له ان يعيش عيشة ,تكون ف مستواها ضعف عيشة العامل العتيادي ,مع
تويل نصف القيمة الزائدة النتجة ال راسال ,يتحتم عليه ان يكون متمكنا
من تشغيل ثانية عمال.
واخيا علق ماركس على ذلك قائل :وف هذا كما ف العلم الطبيعي تتأيد
صحة القانون ,الذي اكتشفه هيجل ,قانون تول التغيات الكمية اذ تبلغ
242
تويل النصف ال رأسال من جديد .وما ل يبلغ هذه الدرجة ,ل يوجد فيه
التغي الكيفي الساسي ,ول يكون رأسال .فرأس الال اذن ,لفظ يطلقه
ماركس على مقدار معي من النقود .ولكل انسان مطلق الرية ف اطلقه
ومصطلحاته ,فلتكن هذه التسمية صحيحة ,ولكن ليس من الصحيح ,ول
من الفهوم فلسفيا ,ان يعتب بلوغ النقد هذا الد الاص ,تول كيفيا له,
وقفزة من نوع ال نوع .فان بلوغ النقد ال هذا الد ,ل يعن ال زيادة
كمية ,ول ينتج عنها تول كيفي ف النقد ,غي ما كان ينتج عن الزيادات
الكمية التدريية ,على طول الط .واذا شئنا فلنرجع ال الراحل السابقة,
من تطور النقد ,لعناصره ,ف تغياته الكمية التتالية .فلو ان الالك الفردي
كان يلك النقد ,الذي يتيح له ان يهز سبعة عمال ,بادواتم واجورهم,
فماذا كان يربح على زعم ماركس؟ انه كان يربح قيمة فائضة ,تعادل أجور
243
شيء يتصل بالناحية اللفظية فقط ,وهو ان هذا النقد ل يكن يتفضل عليه
ماركس ,باطلق لفظ رأس الال ,واما الن فيصح ان يسمى بذا اللفظ.
افهذا هو التغي النوعي والتحول الكيفي الذي يطرأ على النقد؟! ..وهل كل
امتياز هذه الرحلة من النقد ,عن الراحل السابقة ,ناحية لفظية خالصة
بيث لو كنا نطلق لفظ رأس الال ,على مرحلة سابقة لدث التغي الكيفي
ف زمان أسبق؟!.
244
هذا ـ للميتافيزيقية ,كافية لدحضها ,وتفنيد نظرتا النعزالية ال الطبيعة
الناقضة لروح الرتباط الكي ,بي اجزاء الكون .ولكن لتقل لنا الاركسية
من كان يشك ف هذا الرتباط؟! وأي ميتافيزيقية هذه الت ل تقره ,اذا
افرزت منه نقاط الضعف ,الت تثل الطابع الدياكت له ,واقيم على اساس
فلسفي متي من مبدأ العلية وقوانينها (الت خصصنا الزء الثالث من هذه
السالة لدراستها)؟! فان الوادث ف النظرة العامة للكون ,ل تعدو احد
ـ والسئلة الربعة هي كما يلي :ما هو؟ وهل هو موجود؟ وكيف هو؟ ولاذا وجد؟ 1
ـذ الرارة,
ـة .فلنأخـ
ـر الطبيعيـ
ـئلة على احدى الظواهـ
ـق هذه السـ
ـل اليضاح نطبـ
ولجـ
لواجهـة هذه السـئلة فيهـا :مـا هـي الرارة؟ ونعنـ بذا السـؤال ماولة شرح مفهومهـا
الاص ,فنجيـب على ذلك ــ مثل ــ :ان الرارة نوع مـن انواع الطاقـة .وهـل الرارة
ـا
ـي ظواهرهـ
ـا هـ
ـي ,أي مـ
ـف هـ
ـا .وكيـ
ـب بالياب طبعـ
ـة؟ ونيـ
موجودة فـ الطبيعـ
وخواصـها؟ وهذا مـا تيـب عنـه الفيزياء ,فيقال ــ مثل ــ بأن مـن خواصـها التسـخي,
والتمديــد ,والتقليــص ,وتغييــ بعــض الصــفات الطبيعيــة للمادة ال ...واخيا فلماذا
وجدت الرارة؟ ومرد هذا السـؤال ال السـتفهام عـن عوامـل الرارة وعللهـا ,والشروط
الارج ية ال ت ترت بط ب ا ,فيجاب ع نه ــ مثل ــ ان الطا قة الراريـة ت ستوردها الرض مـن
الشمس ,وتنبثق عنها ال.
245
فهذا يعن بكل وضوح ان اليتافيزيقية ل تقر مطلقا امكان عزل الادثة عن
ميطها وشروطها ,وتميد السؤال عن علقاتا بالوادث الخرى.
فليس العتقاد بالرتباط العام اذن ,وقفا على الديالكتيك ,بل هو ما
تؤدي اليه حتما السس الفلسفية ,الت شيدتا اليتافيزية ,ف بوث العلية
وقوانينها.
واما مططات هذا الرتباط ,القائم بي اجزاء الطبيعة ,والكشف عن
تفاصيله وأسراره ,فذلك ما توكله اليتافيزية ال العلوم ,على اختلف الوانا.
فان النطق الفلسفي العام للعال ,انا يضع الط العريض .ويقيم نظريته
الرتباطية على ضوء العلية قوانينها الفلسفية .ويبقى على العلم بعد ذلك ,ان
يشرح التفاصيل ف اليادين ,الت تتسع لا الوسائل العلمية ,ويوضح اللوان
الواقعية للرتباط ,واسرارها ,ويضع فيها النقاط على الروف.
واذا اردنا ان ننصف الديالكتيك واليتافيزية حقهما معا ,كان علينا ان
نسجل ان الشيء الديد ,الذي جاء به الديالكتيك الاركسي .ليس هو نفس
قانون الرتباط العام ,الذي سبقت اليه اليتافيزية ,بطريقتها الاصة ,والذي
هو ف نفس الوقت واضح لدى الميع ,وليس موضع النقاش ..وانا سبقت
الاركسية ال الغراض السياسية ,او بالحرى ال التطبيقات السياسية
الاصة ,لذلك القانون ,الت توفر لا امكان تنفيذ خططها وخرائطها .فنقطة
البتكار تتصل بالتطبيق ,ل بالقانون ,من حيث وجهته النطقية والفلسفية.
ولنقرا بذه الناسبة ما سجله الكاتب الاركسي (اميل برنز) ,عن الرتباط ف
الفهوم الاركسي ,اذ كتب يقول:
[ان الطبيعة او العال ,وبضمنه الجتمع النسان ,ل
تتكون من اشياء متمايزة مستقلة ,تام الستقلل عن بعضها
البعض .وكل عال يعرف ذلك ,ويد صعوبة قصوى ف
تديد التقديرات ,حت لهم العوامل الت قد تؤثر ف الشياء
الاصة ,الت يدرسها .ان الاء ماء ,ولكن اذا زيدت حرارته
ال درجة معينة ,تول ال بار ,واذا انفضت حرارته,
وبذا تعرف ان النطـق اليتافيزي ,وضـع مسـألة ارتباط الشيـء بأسـبابه وظروفـه فـ
مصاف السائل الرئيسية الخرى ,الت تتناول حقيقته ووجوده وخواصه.
246
استحال ثلجا .كما ان هناك عوامل اخرى تؤثر عليه .ويدرك
كل شخص عامي ايضا ,اذا ما خبز الشياء ,انه ل يوجد
247
ڤ.........................................نقطتان حول الرتباط العام:
ومن الضروري ان نشي ف سياق الديث ,عن نظرية الرتباط العام ف
اليتافيزية ,ال نقطتي مهمتي:
النقطة الول :ان ارتباط كل جزء من اجزاء الطبيعة والكون ,با يتصل
به من اسباب ,وشرائط ,وظروف ـ ف الفهوم اليتافيزيقي ـ ل يعن عدم
امكان ملحظته بصورة مستقلة ,ووضع تعريف خاص به .ولذلك كان
التعريف احد الواضيع الت يبحثها النطق اليتافيزيقي .وأكب الظن ان ذلك
هو الذي بعث الاركسية ,ال اتام اليتافيزيقيا بانا ل تؤمن بالرتباط العام,
ول تدرس الكون على ذلك الساس .اذ وجدت اليتافيزيقي ياخذ الشيء
الواحد ,فيحاول تديده وتعريفه ,بصورة مستقلة عن سائر الشياء الخرى,
فيخيل لا بسبب ذلك ,انه ل يقر بوجود الرتباط بي الشياء ,ول يتناولا
بالدرس ال ف حال عزل بعضها عن الخر .فكأنه حي عرف النسانية
بانا :حياة وفكر .وعرف اليوانية ,بانا حياة وارادة ,قد عزل النسانية او
اليوانية عن ظروفهما وملبستهما ,ونظر اليهما نظرة مستقلة.
ولكن الواقع ان التعريفات ,الت درج النطق اليتافيزي على اعطائها
لكل شيء ,بصورة خاصة ,ل تتناف مطلقا مع البدأ القائل بالرتباط العام
بي الشياء ,ول يقصد منه التفكيك بي الشياء ,والكتفاء من دراستها
باعطاء تلك التعريفات الاصة با .فنحن حي نعرف النسانية بانا حياة
وفكر ,ل نرمي من وراء ذلك ال انكار ارتباط النسانية ,بالعوامل والسباب
الارجية ,وانا نقصد بالتعريف ان نعطي فكرة للشيء ,الذي يرتبط بتلك
العوامل والسباب ,ليتاح لنا ان نبحث عما يتصل به من عوامل واسباب.
وحت الاركسية نفسها ,تتخذ التعريف اسلوبا لتحقيق هذا الدف نفسه ,فهي
تعرف الديالكتيك ,وتعرف الادة ال ..فقد عرف ليني الديالكتيك بانه:
[علم القواني العامة للحركة] (.)1
248
وعرف الادة بانا:
[هي الواقع الوضوعي العطى لنا ف الحاسيس] (.)1
افيكون من مفهوم هذه التعاريف ,ان ليني فصل الديالكتيك عن سائر
اجزاء العرفة البشرية من العلوم ,ول يعتقد باتصالا به؟! وانه نظر ال الادة
بصورة تريدية ,ودرسها متغاضيا عما فيها من ارتباطات وتفاعلت؟! كل.
فان التعريف ل يعن ف كثي او قليل ,تطي الرتباط القائم بي الشياء
واهاله ,وانا يدد لنا الفهوم ,الذي ناول الكشف عن روابطه وعلقاته
التنوعة ,ليسهل علينا التحدث عن تلك الروابط والعلقات ودرسها.
النقطة الثانية :ان الرتباط بي أجزاء الطبيعة ,ل يكن دوريا.
ونقصد بذلك ان الادثتي الرتبطتي ـ كالسخونة والرارة ـ ل يكن ان تكون
كل منهما شرطا لوجود الادثة الخرى .فالرارة لا كانت شرطا لوجود
الغليان ,فل يكن ان يكون الغليان شرطا لوجود الرارة أيضا (.)2
فلكل جزء من الطبيعة ـ ف سجل الرتباط العام ـ درجته الاصة الت
تدد له ما يتصل به من شرائط تؤثر ف وجوده ,ومن ظواهر يؤثر هو ف
وجودها .واما ان يكون كل من الزئي او الادثي سببا لوجود الخر ,ومدينا
له بوجوده ف نفس الوقت ,فذلك يعل الرتباط السبب دائريا يرجع من
حيث بدأ وهو غي معقول.
وأخيا ,فلنقف لظة عند أنلز ,وهو يتحدث عن الرتباط العام,
وتضافر الباهي العلمية عليه قائلً:
249
[على ان ثة اكتشافات ثلثة بوجه خاص ,قد تقدمت
بطوات العمالقة بعرفتنا ,لترابط العمليات التطورية
الطبيعة .أول :اكتشاف اللية ,بصفتها الوحدة الت تنمو
منها العضوية النباتية واليوانية كلها ,بطريق التكاثر والتمايز,
بيث ل نعرف بان تطور سائر العضويات العليا ونوها,
يتتابعان وفق قانون عام فحسب ,بل ان قدرة اللية كذلك
على التحول ,تبي الطريق الذي تستطيع العضويات
بقتضاه ,ان تغي انواعها ,فتجتاز بذلك تطورا اكثر من ان
يكون فرديا .ثانيا :اكتشاف تول الطاقة الذي يبي ان سائر
القوى بجموعها ,هي ظواهر متلفة للحركة الكلية ,تر كل
منها ال الخرى بنسب كمية معينة ...واخيا البهان
الشامل ,الذي كان (داروين) اول من جاء به ,والذي
ينص على ان جلة ما ييط بنا ف الوقت الاضر من منتجات
الطبيعة ـ با ف ذلك البشر ـ ان هي ال نتائج عملية طويلة
من التطور] (.)1
والواقع ان الكتشاف الول ,هو من الكشوف العلمية الت انتصرت فيها
اليتافيزيقا ,لنه برهن على ان مبدأ الياة هو اللية الية (البوتوبلسم),
فأزاح بذلك الوهم القائل بامكان قيام الياة ف أي مادة عضوية ,تتوفر فيها
عوامل مادية خاصة ,ووضع حدا فاصلً بي الكائنات الية وغيها ,نظرا ال
ان جرثومة الياة الاصة ,وهي وحدها الت تمل سرها العظيم .فاكتشاف
اللية الية ,ف نفس الوقت الذي دلنا على اصل واحد للجسام الية .دلنا
ايضا على مدى البون بي الكائن الي وغيه.
واما الكتشاف الثان ,فهو الخر أيضا يعد ظفرا عظيما للميتافيزيقا ,لنه
يثبت بطريقة علمية ان جيع الشكال ـ الت تتخذها الطاقة ,با فيها الصفة
الادية ـ هي صفات وخصائص عرضية .فتكون باجة ال سبب خارجي ,كما
سنوضح ذلك ف الزء الرابع من هذه السالة .اضف ال ذلك ان الكتشاف
250
الذكور ,يتعارض مع قواني الديالتيك .الت يزعم الدل الاركسي صدقها على
ثابتة ,ل تضع للحركة الديالكتيكية .الت يزعم الدل الاركسي صدقها على
جيع جوانب الطبيعة وظواهرها .واذا اثبت العلم استثناء جانب ف الطبيعة
من قواني الديالكتيك ,فقد زالت ضرورته وصفته القطعية.
واما نظرية داروين عن تطور النواع وخروج بعضها من بعض فهي ل
تتفق أيضا مع قواني الديالكتيك ,ول يكن ان تتخذ سندا علميا للطريقة
الديالكتيكية ف تفسي الحداث ,فان داروين وبقض الساهي معه ف بناء
النظرية وتعديلها يفسرون تطور نوع ال نوع آخر على أساس ما يظفر به
بعض أفراد النوع القدي من ميزات وخصائص عن طريق صدفة ميكانيكية او
اسباب خارجية مددة ,كالبيئة والحيط وكل ميزة يصل عليها الفرد تظل ثابتة
فيه وتنتقل بالوراثة ال ابنائه ,وبذلك ينشا جيل قوي بفضل هذه اليزات
الكتسبة وف خضم الصراع ف سبيل القوت والبقاء بي القوياء من هذا
اليل وبي الضعاف من أفراد النوع الذين ل يظفروا بثل تلك اليزات,
يعمل قانون تنازع البقاء عمله فيفن الضيعف ويبقى الفراد القوياء .وتتجمع
الزايا عن طريق توريث كل جيل مزاياه الت حصل عليها بسبب ظروفه وبيئته
الت عاشها للجيل الذي يتلوه ,وهكذا حت ينشا نوع جديد يتمتع بجموع
الزايا الت اكتسبها اسلفه على مر الزمن.
ونن نستطيع ان ندرك بوضوح مدى التناقض بي نظرية داروين هذه
وبي الطريقة الديالكتيكية العامة.
فهناك الطابع اليكانيكي للنظرية يبدو بوضوح من خلل تفسي داروين
لتطور اليوان باسباب خارجية ,فاليزات والفروق الفردية الت يصل عليها
اليل القوي من أفراد النوع ليست نتيجة لعملية تطورية ول ثرة لتناقض
داخلي وانا هي وليدة مصادفة ميكانيكية او عوامل خارجية من البيئة والحيط,
251
داخلي حت تول اليوان ال نوع جديد ,وانا تظل ثابتة وتنتقل بالوراثة دون
ان تتطور وتبقى بشكل تغي بسيط ساكن ,ث تضاف ال اليزة السابقة ميزة
اخرى تتولد هي الخرى أيضا ميكانيكيا بسبب الظروف الوضوعية ,فيحصل
تغي بسيط آخر ,وهكذا تتولد اليزات بطريقة ميكانيكية وتواصل وجودها ف
البناء عن طريق الوراثة وهي ساكنة ثابتة ,وحي تتجمع يتكون منها اخيا
الشكل الرقى للنوع الديد.
وهناك أيضا فرق كبي بي قانون تنازع البقاء ف نظرية داروين وفكرة
الصراع بي الضداد ف الديالكتيك ,فان الفكرة الصراع بي الضداد عند
الديالكتيكيي تعب عن صراع بي ضدين يسفر ف النهاية عن توحدها ف
مركب اعلى وفقا لثالوث الطروحة والطباق والتركيب.
ففي صراع الطبقات مثل تشب العركة بي الضدين ف الحتوى الداخلي
للمجتمع ,وها الطبقة الرأسالية والطبقة العاملة ,وينتهي الصراع بامتصاص
الطبقة العاملة للطبقة الرأسالية وتوحد الطبقتي معا ف متمع ل طبقي ,كل
افراده يلكون ويعملون ,واما تنازع البقاء والصراع بي القوي والضعيف ف
نظرية داروين فهو ليس صراعا ديالكتيكيا لنه ل يسفر عن توحد الضداد ف
مركب ارقى وانا يؤدي ال افناء احد الضدين والحتفاظ بالخر ,فهو يزيل
الضعاف من أفراد النوع ازالة نائية ويبقي القوياء ول ينتج مركبا جديدا
يتوحد فيه الضعفاء والقوياء ,الضدان التصارعان كما يفترض الديالكتيك ف
ثالوث الطروحة والطباق والتركيب.
واذا طرحنا فكرة تنازع البقاء او قانون النتخاب الطبيعي بوصفها تفسيا
لتطور النواع واستبدلناها بفكرة الصراع بي اليوان والبيئة الذي يكيف
252
تظل الطروحة والطباق دون تركيب .فالضدان التصارعان هنا ـ البيئة
والحيط ـ وان كانا موجودين معا ف ناية العركة ول يضمحل احدها خلل
الصراع ولكنهما ل يتوحدان ف مركب جديد كما تتوحد الطبقة الرأسالية
والطبقة العاملة ف مركب اجتماعي جديد.
وأخيا فأين الدفعية وأين التكامل ف التطور البيولوجي عند داروين فان
الديالكتيك يؤمن بأن التحولت الكيفية تصل بصورة دفعية خلفا للتغيات
الكمية الت تنمو ببطء ,كما انه يؤمن ان الركة ف اتاه متكامل وصاعد
دائما ,ونظرية داروين او فكرة التطور البيولوجي تبهن على امكان العكس
تاما ,فقد بي علماء البيولوجيا بان ف الطبيعة الية حالت انتقال تدريية,
كما ان فيها حالت انتقال بشكل قفزات مفاجئة ( )1كما ان التفاعل الذي يدده
داروين بي الكائن الي والطبيعة ليس من الضروري فيه ان يضمن تكامل
الكائن التطور ,بل قد يفقد بسبب ذلك شيئا ما كان قد حصل عليه من
الكمال طبقا للقواني الت يددها ف نظريته للتفاعل بي الياة والطبيعة
كاليوانات الت اضطرت منذ ابعد الماد ال العيش ف الكهوف وترك حياة
النور ففقدت بصرها ف رأي داروين بسبب تفاعلها بحيطها الاص وعدم
استعمالا لعضو البصار ف مالتا العيشية ,وبذلك ادى التطور ف التركيب
العضوي ال النطاط خلفا للماركسية الت تعتقد ان العمليات التطورية الترابطة ف
الطبيعة النبثقة عن تناقضات داخلية تستهدف التكامل دائما لنا عمليات تقدمية
صاعدة.
ـ3ـ
○ مبدأ العلية ○
ان من أوليات ما يدر كه الب شر ف حيا ته العتياد ية ,مبدأ العل ية القائل ان
لكـل شيـء سـببا وهـو مـن البادئ العقليـة الضروريـة ,لن النسـان يدـ فـ
صـميم طـبيعته ,الباعـث الذي يبعثـه ال ماولة تعليـل مـا يدـ مـن اشياء ,وتـبير
وجود ها ,با ستكشاف ا سبابا ,وهذا البا عث موجود ب صورة فطر ية ,ف الطبي عة
1ـ الروح الزبية ف العلوم ص . 44
253
النسـانية ,بـل قـد يوجـد عنـد عدة انواع مـن اليوان ايضـا .فهـو يلتفـت ال
مصـدر الركـة غريزيـا ,ليعرف سـببها ,ويفحـص عـن منشـأ الصـوت ليدرك
علتـه .وهكذا يواجـه النسـان دائما سـؤال :لاذا ...؟ مقابـل كـل وجود وظاهرة
يسـ بمـا ,حتـ انـه اذا ل يدـ سـببا معينـا ,اعتقـد بوجود سـبب مهول ,انبثـق
عنه الادث.
وعلى أساس مبدأ العلية يتوقف:
أولً :اثبات الواقع الوضوعي للحساس.
ثانيا :كل النظريات ,او القواني العلمية ,الستندة ال التجربة.
ثالثا :جواز السـتدلل وانتاجـه ,فـ أي ميدان مـن الياديـن الفلسـفية او
العلميـة .فلول مبدأ العليـة وقوانينهـا ,لاـ أمكـن اثبات موضوعيـة الحسـاس ,ول
شيـء مـن نظريات العلم وقوانينـه ,ولاـ صـح السـتدلل بأي دليـل كان ,فـ
متلف مالت العرفة البشرية .وفيما يلي توضيح ذلك:
ڤ.........................................العلية وموضوعية الحساس
سـبق ان اوضحنـا فـ نظريـة العرفـة ,ان السـ ل يعدو ان يكون لونـا مـن
ألوان الت صور .ف هو وجود ل صورة الش يء الح سوس ف مدارك ال س ,ول
يلك صـفة الكشـف التصـديقي عـن واقـع خارجـي ,ولذلك قـد يسـ النسـان
بأشياء ,فـ حالت مرضيـة ,ول يصـدق بوجودهـا .فالحسـاس اذن ليـس سـببا
كافيا للتصديق او الكم ,او العلم ,بالواقع الوضوعي.
ولكـن السـالة التـ تواجهنـا حينئذ ,هـي ان الحسـاس اذا ل يكـن بذاتـه
دليل ,على وجود الحسـوس ,خارج حدود الشعور والدراك .فكيـف نصـدق
اذن بالوا قع الوضو عي؟ والواب جا هز على ضوء درا ستنا لنظر ية العر فة ,و هو
ان التصـديق بوجود واقـع موضوعـي للعال تصـديق ضروري اول ,فهـو لجـل
ذلك ل يتاج ال دليـل ,ولكـن هذا التصـديق الضروري اناـ يعنـ وجود واقـع
خارجـي للعال على سـبيل الجال .وامـا الواقـع الوضوعـي لكـل احسـاس ,فهـو
ليـس معلومـا علمـا ضروريـا ,واذن فنحتاج ال دليـل لثبات موضوعيـة كـل
254
اح ساس ب صورة خا صة وهذا الدل يل هو مبدأ العل ية وقوانين ها ,ذلك ان حدوث
صورة لش يء مع ي ,ف ظروف وشروط معي نة ,يك شف عن وجود على خارج ية
له ,تطبيقـا لذلك البدا .فلول هذا البدا لاـ كشـف الحسـاس ,او وجود الشيـء
فـ السـ ,عـن وجوده فـ مال آخـر .ولجـل هذا السـبب قـد يسـ النسـان
باشياء ,او ييـل له انـه يبصـرها ,فـ حالت مرضيـة خاصـة ,ول يسـتكشف مـن
ذلك واقعـا موضوعيـا لتلك الشياء ,حيـث ان تطـبيق مبدأ العليـة ,ول يدلل على
وجود هذا الواقـع ,مـا دام يكـن تعليـل الحسـاس بالالة الرضيـة الاصـة ,واناـ
يثبـت الواقـع الوضوعـي للحـس ,فيمـا اذا ل يكـن له تفسـي على ضوء مبدا
العلية ,ال بواقع موضوعي ينشأ الحساس منه.
ويستنتج من ذلك القضايا الثلث التية:
الول :ان الحسـاس وحده ,ل يكشـف عـن وجود واقـع موضوعـي ,لنـه
تصور ,وليس من وظائف التصور ـ بختلف الوانه ـ الكشف التصديقي.
الثانيـة :ان العلم بوجود واقـع للعال ,على سـبيل الجال ,حكـم ضروري
اول ,ل يتاج ال دليـل ,أي ال علم سـابق .وهـو النقطـة الفاصـلة بيـ الثاليـة
والواقعية.
الثالثــة :ان العلم بوجود واقــع موضوعــي ,لذا الســ او ذاك ,اناــ
يكتسب على ضوء مبدأ العلية.
ڤ.............................................العلية والنظريات العلمية
ـف
ـة والشاهدة ,تتوقـ
ـن التجربـ
ـة ف ـ متلف مياديـ
ان النظريات العلميـ
بصـورة عامـة على مبدأ العليـة وقوانينهـا ,توقفـا اسـاسيا .واذا سـقطت العليـة
ونظامهـا الاص ,مـن حسـاب الكون ,يصـبح مـن التعذر تامـا تكويـن نظريـة
علميـة فـ أي حقـل مـن القول .وليتضـح هذا ندـ مـن الضروري ان نشيـ ال
عدة قوانيـ مـن الجموعـة الفلسـفية للعليـة التـ يرتكـز عليهـا العلم ,وهـي كمـا
يلي:
أ ـ مبدأ العلية القائل :ان لكل حادثة سببا.
ب ــ قانون التميـة ,القائل :ان كـل سـبب يولد النتيجـة الطبيعيـة له,
بصورة ضرورية ,ول يكن للنتائج ان تنفصل عن اسبابا.
255
ج ــ قانون التناسـب ,بيـ السـباب والنتائج ,القائل :ان كـل مموعـة
متفقـة فـ حقيقتهـا ,مـن ماميـع الطبيعـة ,يلزم ان تتفـق أيضا ,فـ السـباب
والنتائج.
فعلى ضوء مبدأ العل ية ,نعرف ـ مثل ـ ان الشعاع ,الذي ينب ثق عن ذرة
الراديوم ,له سـبب ,وهـو النقسـام الداخلي فـ متوى الذرة .وعلى ضوء قانون
التميـة ,نسـتكشف ان هذا النقسـام ,عنـد اسـتكمال الشروط اللزمـة ,يولد
الشعاع الاص ,بصـورة حتميـة ,وليـس مـن المكـن الفصـل بينهمـا .وعلى
اسـاس قانون التناسـب ,نسـتطيع ان نعمـم ظاهرة الشعاع ,وتفسـيها الاص,
لميـع ذرات الراديوم ,فنقول :مـا دامـت جيـع ذرات هذا العنصـر ,متفقـة فـ
القي قة في جب ان تت فق ف ا سبابا ونتائج ها ,فاذا كش فت التجر بة العلم ية عن
اشعاع فـ بعـض ذرات الراديوم ,أمكـن القول باعتباره ظاهرة عامـة ,لسـائر
الذرات الماثلة ,ف الظروف الشخصة الواحدة.
256
الطـبيعي فـ متـبه ,ل يكـن ان تسـتوعب جيـع جزئيات الطبيعـة ,واناـ تتناول
عدة جزئيات مدودة متف قة ف حقيقت ها فتك شف عن اشتراك ها ف ظاهرة معي نة,
وح يث يتا كد العال من صحة التجر بة ودقت ها وموضوعيت ها ,ي ضع فورا نظري ته
او قانونـه العام ,الشامـل لميـع مـا ياثـل موضوع تربتـه مـن اجزاء الطبيعـة.
وهذا التعميـم ,الذي هـو شرط اسـاسي لقامـة علم طـبيعي ,ل مـبر له ال
قوانيـ العليـة بصـورة عامـة ,وقانون التناسـب منهـا بصـورة خاصـة ,القائل :ان
كل ممو عة متف قة ف حقيقت ها ,ي ب ان تت فق ـ أيضا ـ ف العلل والثار .فلو
ل تكــن فــ الكون علل وآثار ,وكانــت الشياء تري على حســب التفاق
البحـث ,لاـ أمكـن للعال الطـبيعي القول :ان مـا صـح فـ متـبه الاص ,يصـح
على كـل جزء مـن الطبيعـة على الطلق .ولنأخـذ لذلك مثال بسـيطا ,مثال
العال الطـبيعي ,الذي اثبـت بالتجربـة ان الجسـام تتمدد حال حرارتاـ ,فانـه ل
يطـ بتجاربـه جيـع الجسـام ,التـ يتويهـا الكون طبعا ,واناـ اجرى تاربـه على
عدة اجسـام متنوعـة ,كعجلت العربـة الشبيـة ,التـ توضـع عليهـا اطارات
حديدية اصغر منها حال سخونتها ,فتنكمش الطارات اذا بردت وتشتد على
الشب ,ولنفرض انه كرر التجربة عدة مرات على اجسام اخرى ,فلن ينجو
ف ناية الطاف التجريب ,عن مواجهة هذا السؤال :ما دمت ل تستقص
جيع الزئيات ,فكيف يكنك ان تؤمن ,بان اطارات جديدة اخرى غي الت
جربتها ,تتمدد هي الخرى أيضا بالرارة؟ والواب الوحيد على هذا
السؤال ,هو مبدأ العلية وقوانينها .فالعقل حيث انه ل يقبل الصدفة
والتفاق ,وانا يفسر الكون بالعلية وقوانينها ,من التمية والتناسب ,يد ف
التجارب الحدودة ,الكفاية لليان ,بالنظرية العامة ,القائلة بتمدد الجسام
بالرارة ,لن هذا التمدد ,الذي كشفت عنه التجربة ,ل يكن صدفة ,وانا
كان حصيلة الرارة ومعلول لا ,وحيث ان قانون التناسب ف العلية ,ينص
على ان الجموعة الواحدة من الطبيعة ,تتفق ف اسبابا ونتائجها وعللها
وآثارها ,فل غرو ان تصل كل البرات حينئذ ,للتاكيد على شول ظاهرة
التمدد لسائر الجسام.
257
وهكذا نعرف ,ان وضع النظرية العامة ,ل يكن ميسورا ,دون النطلق
من مبدأ العلية .فمبدأ العلية هو الساس الول ,لميع العلوم والنظريات
التجريبية.
وبتخليص :ان النظريات التجريبية ,ل تكتسب صفة علمية ,ما ل تعمم
لجالت اوسع من حدود التجربة الاصة ,وتقدم كحقيقة عامة .ول يكن
تقديها كذلك ال على ضوء مبدأ العلية وقوانينها ,فل بد للعلوم عامة ان تعتب
مبدأ العلية ,وما اليها من قانون التمية والتناسب ,مسلمات اساسية ,وتسلم
با بصورة سابقة ,على جيع نظرياتا وقوانينها التجريبية.
ڤ...................................................العلية والستدلل
مبدأ العلية هو الركيزة الت تتوقف عليها جيع ماولت الستدلل ,ف
كل مالت التفكي النسان ,لن الستدلل بدليل على شيء من الشياء,
يعن ان الدليل اذا كان صحيحا ,فهو سبب للعلم بالشيء الستدل عليه.
فحي نبهن على حقيقة من القائق بتجربة علمية ,او بقانون فلسفي ,او
باحساس بسيط ,انا ناول بذلك ان يكون البهان ,علة للعلم بتلك
القيقة .فلول مبدأ العلية والتمية ,لا اتيح لنا ذلك ,لننا اذا طرحنا قواني
العلية من الساب ول نؤمن بضرورة وجود اسباب معينة لكل حادث ,ل تبق
صلة بعد ذلك بي الدليل الذي نستند اليه ,والقيقة الت ناول اكتسابا
بسببه ,بل يصبح من الائز ان يكون الدليل صحيحا ,ول ينتج النتيجة
الطلوبة ,ما دامت قد انفصمت علقة العلية .بي الدلة والنتائج ,بي
السباب والثار.
وهكذا يتضح ان كل ماولة للستدلل ,تتوقف على اليان ببدأ العلية,
وال كانت عبثا غي مثمر .وحت الستدلل على رد مبدأ العلية ,الذي ياوله
بعض الفلسفة او العلماء ,يرتكز على مبدأ العلية أيضا ,لن هؤلء الذين
ياولون انكار هذا البدأ ,والستناد ف ذلك ال دليل ,ل يكونوا يقومون بذه
الحاولة ,لو ل يؤمنوا بأن الدليل الذي يستندون اليه ,سبب كاف للعلم
ببطلن مبدأ العلية .وهذا بنفسه تطبيق حرف لذا البدأ.
ڤ............................................اليكانيكية والديناميكية
258
يترتب على ما سبق النتائج التالية:
أ ـ ان مبدأ العلية ل يكن اثباته ,والتدليل عليه بالس ,لن الس ل
يكتسب صفة موضوعية ,ال على ضوء هذا البدا .فنحن نثبت الواقع
الوضوعي لحاسيسنا ,استنادا ال مبدأ العلية ,فليس من العقول ان يكون
هذا البلد ,مدينا للحس ف ثبوته ,ومرتكزا عليه ,بل هو مبدأ عقلي يصدق به
النسان ,بصورة مستغنية عن الس الارجي.
ب ـ ان مبدأ العلية ليس نظرية علمية تريبية ,وانا هو قانون فلسفي
عقلي فوق التجربة ,لن جيع النظريات العلمية تتوقف عليه .ويبدو هذا
واضحا كل الوضوح ,بعد ان عرفنا ان كل استنتاج علمي ,قائم على
259
وعلى هذا الضوء يكننا ان نضع الد الفاصل ,بي اليكانيكية
والديناميكية ,وبي مبدأ العلية ,ومبدأ الرية .فان التفسي اليكانيكي للعلية
كان يقوم ,على أساس اعتبارها مبدأ تريبيا ,فهي ليست ف رأي اليكانيكية
الادية ال رابطة مادية ,تقوم بي ظواهر مادية ف القل التجريب ,وتستكشف
بالوسائل العلمية .ولجل ذلك كان من الطبيعي ,ان تنهار العلمية اليكانيكية,
اذا عجزت التجربة ف بعض الجالت العلمية ,عن الكشف عما وراء
الظاهرة من علل وأسباب ,لنا ل تتم ال على أساس تريب ,فاذا خانتها
التجربة ,ول يبهن عليها التطبيق العملي سقطت عن درجة الوثوق العلمي
والعتبار.
واما على رأينا ف العلية ,القائل انا مبدأ عقلي فوق التجربة.
فالوقف يتلف كل الختلف من جوانب عديدة.
أولً :ان العلية ل تقصر على الظواهر الطبيعية الت تبدو ف التجربة بل
هي قانون عام للوجود ف ماله الوسع الذي يضم الظواهر الطبيعية ونفس
الادة وما وراء الادة من الوان الوجود.
ثانيا :ان السبب ,الذي يكم بوجوده مبدأ العلية ,ليس من الضروري
ان يضع للتجربة ,او ان يكون شيئا ماديا.
ثالثا :ان عدم كشف التجربة ,عن وجود سبب معي ,لصيورة ما او
لظاهرة ما ,ل يعن فشل مبدأ العلية ,اذ ان هذا البدأ ل يرتكز على التجربة,
ليتزعزع بسبب عدم توفرها .فبالرغم من عجز التجربة ,عن استكشاف
السبب ,يبقى الوثوق الفلسفي بوجوده ـ طبقا لبدأ العلية ـ قويا ,ويرجع فشل
التجربة ف الكشف عن السبب ال امرين :اما قصورها وعدم احاطتها
بالواقع الادي ,واللبسات الاصة للحادثة ,واما ان السبب الجهول خارج
عن القل التجريب ,وموجود فوق عال الطبيعة والادة.
وبا سبق ,يكننا ان نيز الفوارق الساسية ,بي فكرتنا عن مبدأ العلية,
والفكرة اليكانيكية عنه .ونتبي ان الشك الذي اثي حول مبدأ العلية ,ل يكن
ال نتيجة لتفسيه على أساس الفهوم اليكانيكي الناقص.
ڤ..........................................مبدأ العلية واليكروفيزياء
260
نستطيع على ضوء النتائج ,الت انتهينا اليها ف مبدأ العلية ,ان ندحض
تلك الملت الشديدة ,الت شنت ف اليكروفيزياء ,ضد قانون التمية,
وبالتال ضد مبدأ العلية بالذات .فقد وجد ف الفيزياء الذرية ,التاه القائل
ان الضبط التمي ,الذي تؤكد عليه العلية وقوانينها ,ل يصح ف مستوى
اليكروفيزياء .فقد يكون من الصحيح ,ان السباب ذاتا تولد النتائج
نفسها ,ف مستوى الفيزياء الدرسية ,او فيزياء العي الجردة .وان تأثي
261
يسمى (علقات الرتياب) ,او (قواني الحتمال) ,الت نادى با
(هايزنبغ) ,مصرا على ان العلوم الطبيعية ـ كالعلوم النسانية ـ ل تستطيع
ان تتنبأ تنبؤا يقينيا ,حينما تنظر ال العنصر البسيط ,بل ان كل ما تستطيعه,
هو ان تصوغ احتمال من الحتمالت.
والواقع ان جيع هذه الشكوك والرتيابات العلمية ,الت أثارها العلماء ف
اليكروفيزياء ,ترتكز على فهم خاص لبدأ العلية وقوانينها ,ل يتفق مع فهمنا
وتليلنا الفلسفي له .فنحن ل نريد ان نناقش هؤلء العلماء ف تاربم ,او
ندعوهم ال التغاضي عن مستكشفاتا ,والتخلي عنها ,ول نرمي ال التقليل
من شأنا وخطرها ,وانا نتلف عنهم ف مفهومنا العام عن مبدأ العلية,
وعلى أساس هذا الختلف ,تصبح كل الحاولت السابقة لدحض مبدأ
العلية وقوانينها ,غي ذات معن.
ومفصل الديث حول ذلك ,ان (مبدأ العلية) لو كان مبدأ علميا ,قائما
على أساس التجارب والشاهدات ,ف حقل الفيزياء العتيادية ,لكان رهن
التجربة ف ثبوته وعمومه ,فاذا ل نظفر بتطبيقات واضحة ,ف ميادين
الفيزياء الذرية ,ول نستطع ان نستكشف لا نظاما حتميا قائما عل مبدأ العلية
وقوانينها ,كان من حقنا ان نشك ف قيمة البدا بالذات ,ومدى صحته او
عمومه .غي انا اوضحنا فيما سبق ,ان تطبيق مبدأ العلية على الجالت
العتيادية للفيزياء ,والعتقاد بالعلية كنظام عام للكون فيها ,ل يكن بدليل
تريب بت .وان مبدأ العلية مبدأ ضروري فوق التجربة .وال ل يستقم
علم طبيعي على الطلق .واذا تبينا هذا ,ووضعنا مبدأ العلية ف موضعه
الطبيعي ,من تسلسل الفكر النسان ,فسوف ل يزعزع به عدم تكننا من
تطبيقه تريبيا ,ف بعض ميادين الطبيعة .والعجز عن استكشاف النظام
التمي الكامل فيها بالساليب العلمية .فان كل ما جعه العلماء من
ملحظات ,على ضوء تاربم اليكروفيزيائية ,ل يعن ان الدليل العلمي ,قد
برهن على خطا مبدأ العلية وقوانينها ,ف هذا الجال الدقيق من مالت
الطبيعة التنوعة .ومن الواضح ان عدم توفر المكانيات العلمية والتجريبية ل
يس مبدأ العلية ف كثي او قليل .ما دام مبدأ ضروريا فوق التجربة .ويوجد
262
عندئذ لفشل التجارب العلمية .ف ماولة الظفر بأسرار النظام التمي للذرة
تفسيان:
الول :نقصان الوسائل العلمية ,وعدم توفر الدوات التجريبية ,الت
تتيح للعال الطلع على جيع الشروط والظروف الادية .فقد يعمل العال بأداة
واحدة ,على موضوع واحد عدة مرات ,فيصل ال نتائج متلفة ,ل لن
الوضوع الذي عمل عليه ,متحرر من كل نظام حتمي ,بل لن الوسائل
263
ول يبهن ذلك على حريتها ,ول يبر إدخال اللحتمية ال مال الادة,
وإسقاط قواني العلية من حساب الكون.
264
بالصدفة ,نظرا ال اعتقادها بوجود مبدأ أول ,ل ينشا من سبب ول تتقدمه
علة .فهذا الوجود الزعوم لللية ,لا كان شاذا عن مبدأ العلية ,فهو صدفة,
وقد اثبت العلم ان ل صدقة ف الوجود ,فل يكن التسليم بوجود البدأ
اللي ,الذي تزعمه الفلسفية اليتافيزيقية.
وهكذا اخطا هؤلء مرة اخرى ,حي أرادوا استكشاف سر الاجة ال
العلة ,ومعرفة حدود العلية ,ومدى اتساعها عن طريق التجارب العلمية ,كما
أخطأوا سابقا ف ماولة استنباط مبدأ العلية بالذات ,وبصورة رئيسية من
التجربة والستقراء العلمي للكون .فان التجارب العلمية ل تعمل ال ف
حقلها الاص ,وهو نطاق مادي مدود ,وقصارى ما تكشف عنه هو خضوع
الشياء ف ذلك النطاق لبدأ العلية ,فالنفجار ,او الغليان ,او الحتراق ,او
الرارة ,او الركة ,وما ال ذلك من ظواهر الطبيعة ,ل توجد دون اسباب,
وليس ف المكانات العلمية للتجربة ,التدليل على ان سر الاجة ال العلة
كامن ف الوجود بصورة عامة ,فمن الائز ان يكون السر ثابتا ف ألوان خاصة
من الوجود ,وان تكون الشياء الت ظهرت ف الجال التجريب من تلك
اللوان الاصة.
فاعتبار التجربة دليل على ان الوجود بصورة عامة خاضع للعلل
والسباب ,ليس صحيحا ـ اذن ـ ما دامت التجربة ل تباشر ال القل الادي
من الوجود ,وما دام نشاطها ف هذا القل الذي تباشره ل يتخطى ايضاح
السباب والثار النبثقة عنها ,ال الكشف عن السبب الذي جعل هذه الثار
باجة ال تلك السباب .واذا كانت التجربة ووسائلها الحدودة ,قاصرة عن
تكوين اجابة واضحة ف هذه السالة ,فيجب درسها على السس العقلية,
وبصورة فلسفية مستقلة .فكما ان مبدأ العلية نفسه من البادئ الفلسفية
الالصة ـ كما عرفت سابقا ـ كذلك أيضا البحوث التصلة به ,والنظريات الت
تعال حدوده.
ويب ان نشي ال ان اتام فكرة البدأ الول ,بأنا لون من اليان
بالصدفة ,ينطوي على سوء فهم لذه الفكرة ,وما ترتكز عليه من مفاهيم,
265
ذلك ان الصدفة عبارة عن الوجود ,من دون سبب؛ لشيء يستوي بالنسبة
اليه الوجود والعدم ,فكل شيء ينطوي على إمكان الوجود ,وإمكان العدم
بصورة متعادلة ,ث يوجد من دون علة فهو الصدفة .وفكرة البدأ الول
تنطلق من القول بان البدا الول ل يتعادل فيه الوجود والعدم ,فهو ليس
مكن الوجود والعدم معا ,بل ضروري الوجود ,ومتنع العدم .ومن البدهي
ان العتقاد بوجب هذه صفته ,ل ينطوي على التصديق بالصدفة مطلقا.
ب ـ نظرية الدوث:
وهي النظرية الت تعتب حاجة الشياء ال أسبابا ,مستندة ال حدوثها.
فالنفجار ,او الركة ,او الرارة ,انا تتطلب لا اسبابا ,لنا أمور حدثت
بعد العدم .فالدوث هو الذي يفتقر ال علة ,وهو الباعث الرئيسي الذي
يثي فينا سؤال :لاذا وجد؟ امام كل حقيقة من القائق ,الت نعاصرها ف
هذا الكون .وعلى ضوء هذه النظرية ,يصبح مبدأ العلية مقتصرا على الوادث
خاصة .فاذا كان الشيء موجودا بصورة مستمرة ودائمة ول يكن حادثا بعد
العدم ,فل توجد فيه حاجة ال السبب ,ول يدخل ف النطاق الاص لبدأ
العلية.
وهذه النظرية اسرفت ف تديد العلية ,كما أسرفت النظرية السابقة ف
تعميمها ,وليس لا ما يبرها من ناحية فلسفية .فمرد الدوث ف القيقة ال
وجود الشيء بعد العدم ,كوجود السخونة ف ماء ل يكن ساخنا ,ول يفترق
لدى العقل ,ان توجد هذه السخونة بعدم العدم ,وان تكون موجودة بصورة
دائمة ,فانه يتطلب على كل حال سببا خاصا لا .فالصعود بعمر الشيء
وتاريه ال ابعد الماد ل يبر وجوده ,ول يعله مستغنيا عن العلة .وبكلمة
اخرى :ان وجود السخونة الادثة ,لا كان باجة ال سبب ,فل يكفي
لتحريره من هذه الاجة ان ندده لن تديده سوف يعلنا نصعد بالسؤال عن
العلة مهما اتسعت عملية التمديد.
ج ـ د ـ نظرية المكان الذات ,والمكان الوجودي:
وهاتان النظريتان تؤمنان ,بأن الباعث على حاجة الشياء ال اسبابا ,هو
المكان .غي ان لكل من النظريتي مفهومها الاص عن المكان ,الذي
266
تتلف به عن الخرى ,وهذا الختلف بينهما ,مظهر لختلف فلسفي
أعمق ,حول الاهية والوجود .وحيث ان حدود هذا الكتاب ,ل تسمح
بالتحدث عن ذلك الختلف ,وتحيصه ,فسوف نقتصر على نظرية المكان
الوجودي ف مسالتنا ,نظرا ال ارتكازها على الرأي القائل بأصالة الوجود (أي
الراي الصحيح ف الختلف الفلسفي العمق الذي اشرنا اليه).
ونظرية المكان الوجودي ,هي للفيلسوف السلمي الكبي (صدر
الدين الشيازي) وقد انطلق فيها من تليل مبدأ العلية نفسه ,وخرج من
تليله ظافرا بالسر ,فلم يكلفه الظفر بالسبب القيقي لاجة الشياء ال
عللها ,اكثر من فهم مبدأ العلية ,فهما فلسفيا عميقا.
والن نبدأ كما بدأ ,فنتناول العلية بالدرس والتمحيص.
ل شك ف ان العلية علقة قائمة بي وجودين :العلة ,والعلول .فهي
لون من الوان الرتباط بي شيئي .وللرتباط ألوان وضروب شت ,فالرسام
مرتبط باللوحة الت يرسم عليها ,والكاتب مرتبط بالقلم الذي يكتب به,
والطالع مرتبط بالكتاب الذي يقرأ فيه ,والسد مرتبط بسلسلة الديد الت
تطوق عنقه ,وهكذا سائر العلقات والرتباطات بي الشياء .ولكن شيئا
واضحا يبدو بلء ,ف كل ما قدمناه من المثلة للرتباط ,وهو ان لكل من
الشيئي الرتبطي وجودا خاصا ,سابقا على ارتباطه بالخر .فاللوحة والرسام
كلها موجودان ,قبل ان توجد عملية الرسم ,والكاتب والقلم موجودان,
قبل ان يرتبط أحدها بالخر ,والطالع والكتاب كذلك وجدا بصورة مستقلة,
ث عرض لما الرتباط .فالرتباط ف جيع هذه المثلة علقة تعرض للشيئي
بصورة متاخرة عن وجودها ,ولذلك فهو شيء ووجودها شيء آخر ,فليست
اللوحة ف حقيقتها ارتباطا بالرسام ,ول الرسام ف حقيقته مرد ارتباط
باللوحة ,بل الرتباط صفة توجد لما بعد وجود كل منهما بصورة مستقلة.
وهذه الفارقة بي حقيقة الرتباط ,والكيان الستقل لكل من الشيئي
الرتبطي ,تتجلى ف كل انواع الرتباط ,باستثناء نوع واحد ,وهو ارتباط
شيئي برباط العلية .فلو ان (ب) ارتبط بـ (أ) ,ارتباطا سببيا ,وكان معلولً
267
له ومسببا عنه ,لوجد لدينا شيئان :احدها معلول وهو (ب) والخر علة وهو
(أ) .واما العلية الت تقوم بينهما ,فهي لون ارتباط احدها بالخر .والسألة
هي ان (ب) هل يلك وجودا ,بصورة مستقلة عن ارتباطه بـ (أ) ,ث يعرض
له الرتباط ,كما هو شأن اللوحة بالضافة ال الرسام؟ ول نتاج ال كثي من
الدرس ,لنجيب بالنفي ,فان (ب) لو كان يلك وجودا حقيقيا ,وراء ارتباطه
بسببه ,ل يكن معلولً لـ (أ) ,لنه ما دام موجودا بصورة مستقلة عن ارتباطه
به ,فل يكن ان يكون منبثقا عنه وناشئا منه .فالعلية بطبيعتها تقتضي ,ان ل
يكون للمعلول حقيقة وراء ارتباطه بعلته ,وال ل يكن معلول ,ويتضح بذلك
ان الوجود العلول ليس له حقيقة ,ال نفس الرتباط بالعلة والتعلق با.
وهذا هو الفارق الرئيسي ,بي ارتباط العلول بعلته ,وارتباط اللوحة بالرسام,
او القلم بالكاتب ,او الكتاب بالطالع .فان اللوحة والقلم والكتاب ,اشياء
تتصف بالرتباط مع الرسام والكاتب والطالع .وأما (ب) فهو ليس شيئا له
ارتباط وتعلق بالعلة ـ لن افتراضه كذلك ,يستدعي ان يكون له وجود
مستقل ,يعرضه الرتباط كما يعرض اللوحة الوجودة بي يدي الرسام ,ويرج
بذلك عن كونه معلول ـ بل هو نفس الرتباط بعن ان كيانه ووجوده ,كيان
ارتباطي ووجود تعلقي ,ولذلك كان قطع ارتباطه بالعلة إفناء له ,وإعداما
لكيانه ,لن كيانه يتمثل ف ذلك الرتباط .على عكس اللوحة ,فانا لو ل
ترتبط بالرسام ف عملية رسم معينة ,لا فقدت كيانا ووجودها الاص.
واذا استطعنا ان نرج بذه النتيجة الهمة ,من تليل مبدأ العلية,
أمكننا ان نضع فورا الواب على مسألتنا الساسية ,ونعرف السر ف احتياج
الشياء ال أسبابا .فان السر ف ذلك على ضوء ما سبق ,هو ان القائق
الارجية ,الت يري عليها مبدأ العلية .ليست ف الواقع ال تعليقات
وارتباطات .فالتعلق والرتباط مقوم لكيانا ووجودها .ومن الواضح ان
القيقة اذا كانت حقيقة تعلقية ,أي كانت عي التعلق والرتباط ,فل يكن
ان تنفك عن شيء تتعلق به ,وترتبط به ذاتيا ,فذلك الشيء هو سببها
وعلتها ,لنا ل يكن ان توجد مستقلة عنه.
وهكذا نعرف ان السر ف احتياج هذه القائق الارجية الت
268
نعاصرها ...ال سبب ,ليس هو حدوثها ,ول امكان ماهياتا ,بل السر
كامن ف كنهها الوجودي ,وصميم كيانا .فان حقيقتها الارجية عي التعلق
والرتباط ,والتعلق او الرتباط ,ل يكن ان يستغن عن شيء يتعلق به
ويرتبط .ونعرف ف نفس الوقت ـ أيضا ـ ان القيقة الارجية ,اذا ل تكن
حقيقة ارتباطية وتعلقية ,فل يشملها مبدأ العلية .فليس الوجود الارجي
بصورة عامة مكوما ببدأ العلية ,بل انا يكم مبدأ العلية على الوجودات
التعلقية ,الت تعب ف حقيقتها عن الرتباط والتعلق.
ڤ........................................التأرجح بي التناقض والعلية
بالرغم من ان الاركسية اتذت من تناقضات الديالكتيك شعارا لا ف
بوثها التحليلية لكل مناحي الكون والياة والتاريخ ل تنج بصورة نائية من
التذبذب بي تناقضات الديالكتيك ومبدأ العلية ,فهي بوصفها ديالكتيكية,
تؤكد ان النمو والتطور ينشأ عن التناقضات الداخلية كما مر مشروحا ف
البحوث السابقة ,فالتناقض الداخلي هو الكفيل بان يفسر كل ظاهرة من
الكون دون حاجة ال سبب اعلى ,ومن ناحية اخرى تعترف بعلقة العلة
والعلول وتفسر هذه الظاهرة او تلك بأسباب خارجية وليس بالتناقضات
الخزونة ف اعماقها.
ولنأخذ مثال لذا التذبذب من تليلها التاريي ,فهي بينما تصر على
وجود تناقضات داخلية ف صميم الظواهر الجتماعية كفيلة بتطويرها ضمن
حركة ديناميكية .تقرر من ناحية اخرى ان الصرح الجتماعي الائل يقوم كله
على قاعدة واحدة ,وهي قوى النتاج ,وان الوضاع الفكرية والسياسية وما
اليها ,ليست ال بن فوقية ف ذلك الصرح وانعكاسات بشكل وآخر لطريقة
النتاج الت قام البناء عليها ,ومعن هذا ان العلقة بي هذه البن الفوقية
وبي قوى النتاج هي علقة معلول بعلة .فليس هناك تناقض داخلي وانا
توجد علية (.)1
269
ديالكتيكا ورفضت مفهومها اليكانيكي ,وسحت لنفسها على هذا الساس
ان تستعمل ف تليلها طريقة العلة والعلول ف إطارها الديالكتيكي الاص.
فالاركسية ترفض السببية الت تسي على خط مستقيم والت تظل فيها العلة
خارجية بالنسبة ال معلولا ,والعلول سلبيا بالنسبة ال علته لن هذه السببية
تتعارض مع الديالكتيك ,مع عملية النمو والتكامل الذات ف الطبيعة .اذ ان
العلول طبقا لذه السببية ل يكن ان ييء حينئذ اثرى من علته واكثر نوا
لن هذه الزيادة ف الثراء والنمو تبقى دون تعليل ,واما العلول الذي يولد من
نقيضه فيتطور وينمو بركة داخلية ,طبقا لا يتوي من تناقضات ليعود ال
النقيض الذي أولده فيتفاعل معه ويقق عن طريقه الندماج به مركبا جديدا
اكثر اغتناء وثراء من العلة والعلول منفردين ,فهذا هو ما تعنيه الاركسية
بالعلة والعلول لنه يتفق مع الديالكتيك ويعب عن الثالوث الديالكتيكي
(الطروحة والطباق والتركيب) .فالعلة هي الطروحة والعلول هو الطباق
والجموع الترابط منهما هو التركيب ,والعلية هنا عملية نو وتكامل عن طريق
ولدة العلول من العلة أي الطباق من الطروحة ,والعلول ف هذه العملية ل
يولد سلبيا بل يولد مزودا بتناقضاته الداخلية الت تنميه وتعله يتضن علته
اليه ف مركب ارقى واكمل.
وقد سبق ف حديثنا عن الديالكتيك رأينا ف هذه التناقضات الداخلية
الت ينمو الكائن وفقا لتوحدها وصراعها ف اعماقه ,ونستطيع ان نعرف الن
ف ضوء مفهومها العمق عن العلقة بي العلة والعلول خطأ الاركسية ف
مفهومها عن العلية وما تؤدي اليه من نو العلول وتكامل العلة بالندماج مع
معلولا ,فان العلول حيث كان لون من ألوان التعلق والرتباط بعلته ,ول
يكن للعلة ان تتكامل به ف مركب ارقى .وقد استعرضنا ف كتاب (اقتصادنا)
ص ( )23بعض تطبيقات ماركس لفهومه الديالكت عن العلية على الصعيد
التاريي حيث حاول ان يبهن على ان العلة تكاملت بعلولا وتوحدت معه ف
مركب أثري ,واستطعنا ان نوضح ف دراستنا تلك ان هذه التطبيقات نشأت
من عدم الضبط الفلسفي والدقة ف تديد العلة والعلول ,فقد توجد علتان
ومعلولن .وكل من العلولي يكمل علة الخر ,فحي ل ندقق ف التمييز بي
العلتي يبدو كأن العلول يكمل علته ,كما قد يصبح العلول سببا ف تكامل
270
احد شروط وجوده ,غي ان شروط الوجود غي العلة الت ينبثق منها ذلك
الوجود ,وللتوضيح اكثر من ذلك يراجع البحث ف كتاب (اقتصادنا).
التعاصر بي العلة والعلول
لا كنا نعرف الن ,ان وجود العلول مرتبط ارتباطا ذاتيا بوجود العلة,
فنستطيع ان نفهم مدى ضرورة العلة للمعلول ,وان العلول يب ان يكون
معاصرا للعلة ,ليتبط با كيانه ووجوده ,فل يكن له ان يوجد بعد زوال
العلة ,او ان يبقى بعد ارتفاعها .وهذا هو ما شئنا ان نعب عنه بقانون
(التعاصر بي العلة والعلول).
وقد أثيت حول هذا القانون مناقشتان راميتان ال إثبات ان من المكن
بقاء العلول بعد زوال علته .احداها للمتكلمي ,والخرى لبعض علماء
اليكانيك الديث.
ڤ...................................................الناقشة الكلمية:
وهي تستند ال أمرين:
الول :ان الدوث هو سبب حاجة الشياء ال أسبابا .فالشيء انا
يتاج ال سبب ,لجل ان يدث ,فاذا حدث ,ل يكن وجوده بعد ذلك
مفتقرا ال علة .وهذا يرتكز على نظرية الدوث ,الت تبينا خطأها فيما سبق,
وعرفنا ان حاجة الشيء ال العلة ,ليست لجل الدوث ,بل لن وجوده
مرتبط بسببه الاص ارتباطا ذاتيا.
الثان :ان قانون التعاصر بي العلة والعلول ,ل يتفق مع طائفة من
ظواهر الكون ,الت تكشف بوضوح عن استمرار وجود العلول ,بعد زوال
271
سجلها شخص بطه ,تبقى بعده مئات السني ,تكشف للناس عن الياة
ذلك الشخص وتاريه .فهذه الظواهر تبهن ,على ان العلول يلك حريته
بعد حدوثه ,وتزول حاجته ال علته ,والواقع ان عرض هذه الظواهر ,كأمثلة
لتحرر العلول بعد حدوثه من علته ,نشأ من عدم التمييز بي العلة وغيها.
فنحن اذا ادركنا العلة القيقية لتلك المور ـ من بناء الدار ,وجهاز السيارة,
وكتابة الذكرات ـ نتبي ان تلك المور ل تستغن عن العلة ,ف لظة من
لظات وجودها ,وان كل أثر طبيعي يعدم ف الن الذي يفقد فيه سببه .فما
هو العلول للعمال الشتغلي ببناء العمارة ,انا هو نفس عملية البناء ,وهي
عبارة عن عدة من الركات والتحريكات ,يقوم با العامل بقصد جع مواد
البناء الام من الجر والديد والشب وما اليها ...وهذه الركات ل يكن
ان تستغن عن العمال ف وجودها ,بل تنقطع حتما ف الوقت الذي يكف فيه
العمال عن العمل .واما الوضع الذي حصل لواد البناء على أثر عملية
التعمي ,فهو ف وجوده واستمراره معلول لصائص تلك الواد ,والقوى
الطبيعية العامة ,الت تفرض على الادة الحافظة على وضعها وموضعها.
وكذلك المر ف سائر المثلة الخرى .وهكذا يتبخر الوهم النف الذكر ,اذا
اضفنا كل معلول ال علته ,ول نطئ ف نسبة الثار ال أسبابا.
ڤ.................................................العاوضة اليكانيكية
وهي العارضة الت أثارها اليكانيك الديث ,على ضوء القواني الت
وضعها (غاليلو) و(نيوتن) للحركة اليكانكية ,مدعيا ـ على أساس تلك
القواني ـ ان الركة اذا حدثث بسبب فهي تبقى حتما ,ول يتاج استمرارها
ال علة ,خلفا للقانون الفلسفي الذي ذكرناه.
ونن اذا تعمقنا ف درس هذه العارضة ,وجدنا انا تؤدي ف القيقة ال
الغاء مبدأ العلية رأسا ,لن حقيقة الركة ـ كما سبق ف الدراسات
السابقة ـ عبارة عن التغي والتبدل ,فهي حدوث مستمر ,أي حدوث متصل
بدوث ,وكل مرحلة من مراحلها حدوث جديد ,وتغي عقيب تغي .فاذا
امكن للحركة ان تستمر دون علة ,كان ف المكان ان تدث الركة دون
272
علة ,وان توجد الشياء ابتداء بل سبب ,لن استمرار الركة يتوي على
حدوث جديد دائما ,فتحرره من العلة يعن ترر الدوث من العلة أيضا.
ولجل ان يتضح عدم وجود مبر لذه العارضة ,من ناحية علمية ,يب
ان ندث القارئ عن قانون القصور الذات ,ف اليكانيك الديث ,الذي
ارتكزت عليه العارضة.
ان التفكي السائد عن الركة قبل (غاليلو) ,هو انا تتبع القوة الحركة,
ف مدى استمرارها وبقائها .فهي تستمر ما دامت القوة الحركة موجودة ,فاذا
زالت سكن السم .ولكن اليكانيك الديث ,وضع قانونا جديدا للحركة,
وفحوى هذا القانون ,ان الجسام الساكنة والتحركة ,تبقى كذلك (ساكنة او
متحركة) ,ال ان تتعرض لتاثي قوة اخرى كبى بالنسبة لا ,تضطرها ال
تبديل حالتها.
والسند العلمي لذا القانون ,هو التجربة ,الت توضح ان جهازا
ميكانيكيا متحركا بقوة خاصة ف شارع مستقيم ,اذا انفصلت عنه القوة
الحركة ,فهو يتحرك بقدار ما بعد ذلك ,قبل ان يسكن نائيا .ومن المكن
ف هذه الركة ,الت حصلت بعد انفصال الهاز عن القوة الارجية الحركة,
ان يزاد ف امدها ,بتدهي آلت الهاز ,وتسوية الطريق ,وتفيف الضغط
الارجي .غي ان هذه المور ل شأن لا ,ال تفيف الوانع عن الركة من
الصطكاك ونوه ,فاذا استطعنا ان نضاعف من هذه الخففات ,نضمن
مضاعفة الركة ,واذا افترضنا ارتفاع جيع الوانع ,وزوال الضغط الارجي
نائيا ,كان معن ذلك استمرار الركة ال غي حد بسرعة معينة ,فيعرف من
ذلك ان الركة اذا أثيت ف جسم ,ول تعترضها قوة خارجية مصادمة ,تبقى
بسرعة معينة .وان ابطلت القوة .فالقوى الارجية انا تؤثر ف تغيي السرعة
عن حدها الطبيعي ,تنل او ترتفع با .ولذلك كان مدى السرعة ـ من حيث
الشدة والضعف والبطء ـ يتوقف على الضغط الارجي ,الوافق او العاكس.
واما نفس الركة واستمرارها بسرعتها الطبيعية ,فل يتوقف ذلك على عوامل
خارجية.
ومن الواضح ان هذه التجربة حي تكون صحيحة ,ل تعن ان العلول
بقي من دون علة ,ول تعاكس القانون الفلسفي الذي ذكرناه ,لن التجربة ل
273
توضح ما هي العلة القيقية للحركة ,لنعرف ما اذا كانت تلك العلة قد
زالت مع استمرار الركة .وكأن هؤلء ,الذين حاولوا ان يدللوا با على
بطلن القانون الفلسفي ,زعموا ان العلة القيقية للحركة هي القوة الارجية
الحركة ,ولا كانت هذه القوة قد انقطعت صلتها بالركة ,واستمرت الركة
بالرغم من ذلك ,فيكشف ذلك عن استمرار الركة بعد زوال علتها .ولكن
الواقع ان التجربة ل تدل على ان القوة الدافعة من خارج هي العلة القيقية,
ليستقيم لم هذا الستنتاج ,بل من الائز ان يكون السبب القيقي للحركة,
شيئا موجودا على طول الط .والفلسفة السلميون ,يعتقدون ان الركات
العرضية ـ با فيها الركة اليكانيكية للجسم ـ تتولد جيعا من قوة قائمة بنفس
السم .فهذه القوة هي الحركة القيقية ,والسباب الارجية؛ انا تعمل
لثارة هذه القوة واعدادها للتأثي .وعلى هذا الساس قام مبدأ الركة
الوهرية ,كما اوضحناه ف الزء السابق من هذه السألة .ولسنا نستهدف
الن الفاضة ف هذا الديث ,وانا نرمي من ورائه ال توضيح ان التجربة
العلمية ,الت قام على اساسها قانون القصور الذات ,ل تتعارض مع قواني
العلية ,ول تبهن على ما يعاكسها مطلقا.
ڤ ..............................................................النتيجة
ول يبق علينا لجل ان نصل ال النتيجة ,ال ان نعطف على ما سبق
قانون النهاية ,وهو القانون القائل ان العلل التصاعدة ف الساب الفلسفي,
الت ينبثق بعضها عن بعض ,يب ان يكون لا بداية ,أي علة أول ل تنبثق
عن علة سابقة .ول يكن ان يتصاعد تسلسل العلل تصاعدا ل نائيا ,لن
كل معلول ـ كما سبق ـ ليس ال ضربا من التعلق والرتباط بعلته ,فالوجودات
العلولة جيعا ارتباطات وتعلقات ,والرتباطات تتاج ال حقيقة مستقلة,
تنتهي اليها .فلو ل توجد لسلسلة العلل بداية ,لكانت اللقات جيعا معلولة,
واذا كانت معلولة فهي مرتبطة بغيها ,ويتوجه السؤال حينئذ ,عن الشيء
الذي ترتبط به هذه اللقات جيعا .وف عرض آخر ,ان سلسلة السباب,
اذا كان يوجد فيها سبب غي خاضع لبدا العلية ,ول يتاج ال علة ,فهذا
هو السبب الول ,الذي يضع للسلسلة بدايتها؛ ما دام غي منبثق عن سبب
274
آخر يسبقه .واذا كان كل موجود ف السلسلة متاجا ال علة ـ طبقا لبدا
العلية ـ دون استثناء ,فالوجودات جيعا تصبح باجة ال علة ,ويبقى سؤال
لاذا؟ ـ هذا السؤال الضروري ـ منصبا على الوجود بصورة عامة ,ول يكن ان
نتخلص من هذا السؤال ,ال بافتراض سبب اول متحرر من مبدأ العلية,
فاننا حينئذ ننتهي ف تعليل الشياء اليه ,ول نواجه فيه سؤال لاذا وجد؟ لن
هذا السؤال انا نواجهه ف الشياء الاضعة لبدأ العلية خاصة.
فنأخذ الغليان مثل ,فهو ظاهرة طبيعية متاجة ال سبب ,طبقا لبدا
العلية ,ونعتب سخونة الاء سببا لا ,وهذه السخونة هي كالغليان ف افتقارها
ال علة سابقة .واذا اخذنا الغليان والسخونة كحلقتي ف سلسلة الوجود ,او
ف تسلسل العلل والسباب ,وجدنا من الضروري ان نضع للسلسلة حلقة
اخرى ,لن كل من اللقتي باجة ال سبب ,فل يكنهما الستغناء عن
حلقة ثالثة ,واللقات الثلث تواجه بجموعها نفس السألة ,وتفتقر ال مبر
لوجودها ,ما دامت كل واحدة منها خاضعة لبدأ العلية .وهذا هو شأن
السلسلة دائما وأبدا ,ولو احتوت على حلقات غي متناهية .فما دامت حلقاتا
جيعا متاجة ال علة ,فالسلسلة بجموعها مفتقرة ال سبب ,وسؤال (لاذا
وجد؟) يتد ما امتدت حلقاتا ,ول يكن تقدي الواب الاسم عليه ,ما ل
ينته التسلسل فيها ال حلقة غنية بذاتا ,غي متاجة ال علة ,فتقطع
1ـ وبالتعبي الفلسفي الدقيق ,ان الشيء ل يوجد ال اذا امتنع عليه جيع أناء العدم,
ومن جلة اناء العدم ,عدمه بعدم جيع اسبابه وهذا ل يتنع ال اذا كان يوجد ف جلة اسبابه
واجب بالذات.
275
او العلة الول ,فهو يقول ان السؤال عن العلة الول ل معن له ,فالتفسي
العلي ـ او السبب ـ يستلزم دائما حدين اثني مرتبطا احدها بالخر ,ها العلة
والعلول ,او السبب والسبب ,فعبارة (علة اول) فيها تناقض ف الدود اذ ان
كلمة علة تستلزم حدين كما راينا ,لكن كلمة اول تستلزم حدا واحدا فالعلة
ل يكن ان تكون (اول) وتكون (علة) ف نفس الوقت ,فاما ان تكون اول
دون ان تكون علة ,او بالعكس.
ول ادري من قال له ان كلمة علة تستلزم علة قبلها .صحيح ان التفسي
السبب يستلزم دائما حدين ها العلة والعلول ,وصحيح ان من التناقض ان
نتصور علة بدون معلول ناتج عنها لنا ليست عندئذ علة وانا هي شيء
عقيم ,وكذلك من الطأ ان نتصور معلول ل علة له ,فكل منها يتطلب
الخر ال جانبه ,ولكن العلة بوصفها علة ,ل تتطلب علة قبلها وانا تتطلب
معلول ,فالدان متوافران معا ف فرضية (العلة الول) لن العلة الول لا
معلولا الذي ينشأ منها ,وللمعلول علته الول ل يتطلب العلول دائما معلول
ينشأ منه ,اذا قد تتولد ظاهرة من سبب ول يتولد عن الظاهرة شيء جديد
كذلك العلة ل تتطلب علة فوقها وانا تتطلب معلول لا (.)1
ـ4ـ
○ الادة أو ال ○
انتهينا من الزء السابق ال نتيجة ,هي ان الرد الساسي العمق
للكون والعال ـ بصورة عامة ـ هو العلة الواجبة بالذات ,الت ينتهي اليها
تسلسل السباب .والسألة الديدة هي ان هذه العلة الواجبة بالذات ,الت
تعتب الينبوع الول للوجود ,هل هي الادة نفسها او شيء آخر فوق
حدودها؟ وبالصيغة الفلسفية للسؤال نقول ان العلة الفاعلية للعال ,هل هي
نفس العلة الادية او ل؟
لجل التوضيح نأخذ مثال ,وليكن هو الكرسي .فالكرسي عبارة عن
صفة او هيئة خاصة .تصل من تنظيم عدة أجزاء مادية تنظيما خاص.
1ـ الدكتور ممد عبد الرحن مرحبا ,السالة الفلسفية ص ,80منشورات عويدات.
276
ولذلك فهو ل يكن ان يوجد ,دون مادة من خشب او حديد
ونوها .وبذا العتبار يسمى الشب علة مادية للكرسي الشب ,لنه ل
يكن من المكن ,ان يوجد الكرسي الشب من دون الشب .ولكن من
الواضح جدا ,ان هذه العلة الادية ليست هي العلة القيقية ,الت صنعت
الكرسي .فان الفاعل القيقي للكرسي شيء غي مادته ,وهو النجار .ولذا
تطلق الفلسفة على النجار اسم العلة الفاعلية .فالعلية الفاعلية للكرسي,
ليست هي نفس علته الادية ,من الشب او الديد .فاذا سئلنا عن مادة
الكرسي ,اجبنا ان مادته هي الشب ,واذا سئلنا عن الصانع له (العلة
الفاعلية) ,ل نب بانه الشب ,وانا نقول ان النجار صنعه بآلته ووسائله
الاصة .فالقارنة بي الادة والفاعل ف الكرسي( ,او ف التعبي الفلسفي:
بي العلة الادية ,والعلة الفاعلية) ,واضحة كل الوضوح .وهدفنا الرئيسي
من السألة ,ان نتبي نفس الفارقة ف نفس العال ,بي مادته الساسية
(العلة الادية) والفاعل القيقي (العلة الفاعلية) .فهل فاعل هذا العال
وصانعه شيء آخر ,خارج عن حدود الادة ومغايرة لا ,كما ان صانع الكرسي
مغاير لادته الشبية؟ او انه نفس الادة الت تتركب منها كائنات العال؟
وهذه هي السالة الت تقرر الرحلة الخية ,من مراحل الناع
الفلسفي ,بي اللية والادية .وليس الديالكتيك ال احدى الحاولت
الفاشلة ,الت قامت با الادية ,للتوحيد بي العلة الفاعلية والعلة الادية
للعال ,طبقا لقواني التناقض الديالكتيكية.
والتزاما بطريقة الكتاب ,سوف نبحث السألة بدراسة الادة دراسة
فلسفية ,على ضوء القررات العلمية ,والقواعد الفلسفية ,متحاشي العمق
الفلسفي ف البحث ,والتفصيل ف العرض.
الادة على ضوء الفيزياء
ف الادة فكرتان علميتان ,تناولما العلماء بالبحث والدرس منذ آلف
السني:
277
احداها :ان جيع الواد العروفة ف دنيا الطبيعة .انا تتركب من عدة
مواد بسيطة مدودة ,تسمى بالعناصر .والخرى :ان الادة تتكون من
دقائق صغية جدا ,تسمى الذرات.
اما الفكرة الول فقد اخذ با الغريق بصورة عامة .وكان الرأي
السائد هو اعتبار الاء ,والواء ,والتراب ,والنار ,عناصر بسيطة ,وارجاع
جيع الركبات اليها ,بصفتها الواد الولية ف الطبيعة .وحاول بعض علماء
العرب بعد ذلك ,ان يضيفوا ال هذه العناصر الربعة ثلثة عناصر اخرى
هي الكبيت ,والزئبق ,واللح .وقد كانت خصائص العناصر البسيطة ـ ف
رأي القدمي ـ حدودا فاصلة بينها ,فل يكن ان يتحول عنصر بسيط ال
عنصر بسيط آخر.
278
عامة .فالعال وان بدا لول نظرة ,مموعة هائلة من القائق والنواع
الختلفة ,ولكن هذا الشد الائل التنوع ,يرجع ف التحليل العلمي ال
تلك العناصر الحدودة.
والجسام ـ بناء على هذا ـ قسمان احدها جسم بسيط ,وهو الذي
يتكون من احد تلك العناصر ,كالذهب ,والنحاس ,والديد,
والرصاص ,والزئبق .والخر هو السم الركب من عنصرين ,او عدة
عناصر بسيطة ,كالاء الركب من ذرة اوكسجي وذرتي من اليدروجي ,او
الشب الركب ف الغالب من الوكسجي والكربون واليدروجي.
وفيما يص الفكرة الثانية ,برهنت الفيزياء الديثة علميا ,على النظرية
النفصالية ,وان العناصر البسيطة مؤلفة من ذرات صغية ودقيقة ال حد ان
الليمتر الواحد من الادة ,يتوي على مليي من تلك الذرات .والذرة عبارة
عن الزء الدقيق من العنصر ,الذي تزول بانقسامه خصائص ذلك العنصر
البسيط.
والذرات تتوي على نواة مركزية لا ,وعلى كهارب تدور حول النواة,
بسرعة هائلة ,وهذه الكهارب هي اللكترونات .واللكترون هو وحدة
الشحنة السالبة .كما ان النواة تتوي على بروتونات ونيوترونات .فالبوتونات
هي الدقائق الصغية .وكل وحدة من وحداتا تمل شحنة موجبة ,تساوي
شحنة اللكترون السالبة .والنيوترونات دقائق اخرى تتويها النواة ,وليس
عليها أي شحنة كهربائية.
وقد لوحظ على ضوء الختلف الواضح ,بي طول موجات الشعة,
الت تنتج عن قذف العناصر الكيماوية بقذائف من اللكترونات ,ان هذا
الختلف بي العناصر ,اناحصل بسبب اختلفها ف عدد اللكترونات,
الت تتويها ذرات هذه العناصر .واختلفها ف عدد اللكترونات ,يقتضي
تفاوتا ف مقدار الشحنة الوجبة ف بقدار السالبة .ولا كانت زيادة عدد
شحناتا كهربائيا ,فالشحنة الوجبة فيها بقدار السالبة .ولا كانت زيادة عدد
اللكترونات ,ف بعض العناصر على بعض ,يعن زيادة وحدات الشحنة
السالبة فيها ,فيجب ان تكون نواتا ,متوية على شحنة موجبة معادلة.
279
وعلى هذا الساس اعطيت الرقام التصاعدة للعناصر .فاليدروجي = (,)1
بسب رقمه الذري .فهو يتوي ف نواته على شحنة واحدة موجبة ,يملها
بروتون واحد ,وييط با الكترون واحد ذو شحنة سالبة .والليوم أرقى منه
ف الدول الذري للعناصر ,لنه = ( ,)2باعتباره يتوي ف نواته على ضعف
الشحنة الوجبة ,الرتكزة ف نواة اليدروجي أي على بروتوني وييط بنواتا
الكترونات .ويأخذ الليثيوم الرقم الثالث .وهكذا تتصاعد الرقام الذرية ال
اليورانيوم ـ وهو اثقل العناصر الستكشفة لد الن ـ فرقمه الذري = (,)92
بعن ان نواته الركزية تشتمل على ( )92وحدة ,من وحدات الشحنة
الوجبة ,وييط با ما ياثل هذا العدد من اللكترونات ,أي من وحدات
الشحنة السالبة.
وف هذا التسلسل للرقام الذرية ,ل يبدو للنيوترونات الكامنة ف النواة
أدن تأثي ,لنا ل تمل شحنة مطلقا ,وانا تؤثر ف الوزن الذري
للعناصر ,لنا ف وزنا مساوية للبوتونات .ولجل ذلك كان الوزن الذري
للهليوم ـ مثل ـ يعادل وزن اربع ذرات من اليدروجي ,باعتبار اشتمال نواته
على نيوتروني وبروتوني ,ف حال ان النواة اليدروجينية ,ل تتوي ال على
بروتون واحد.
ومن القائق الت اتيح للعلم اثباتا هو امكان تبدل العناصر بعضها
ببعض وعمليات التبدل ـ هذه ـ بعضها يتم بصورة طبيعية ,وبعضها يصل
بالوسائل العلمية.
فقد لوحظ عن عنصر اليورانيوم ,يولد أنواعا ثلثة من الشعة ,هي
اشعة الفا ,وبيتا ,وجاما .وقد وجد (رذرفورد) ـ حي فحص هذه النواع ـ ان
اشعة (الفا) مكونة من دقائق صغية ,عليها شحنات كهربائية سالبة ,وقد
ظهر نتيجة للفحص العلمي ,ان دقائق (اللفا) هي عبارة عن ذرات
هليوم ,بعن ان ذرات هليوم ترج من ذرات اليورانيوم ,او بتعبي آخر ان
عنصر هليوم يتولد من عنصر اليورانيوم.
كما ان عنصر اليورانيوم ,بعد ان شع الفا ,وبيتا ,وجاما ,يتحول
تدرييا ال عنصر آخر ,وهو عنصر الراديوم .والراديوم اخف ف وزنه الذري
280
من اليوارنيوم ,وهو بدوره ير بعدة تولت عنصرية ,حت ينتهي ال عنصر
الرصاص.
وقام (رذرفورد) بعد ذلك باول ماولة لتحويل عنصر ال عنصر آخر,
وذلك انه جعل نوى ذرات اليلوم (دقائق اللفا) ,تصطدم بنوى ذرات,
الزوت ,فتولدت البوتونات ,أي نتجت ذرة هيدروجي من ذرة الزوت,
وتولت ذرة الزوت ال اوكسجي .واكثر من هذا ,فقد ثبت ان من
المكن ,ان تتحول بعض اجزاء الذرة ال جزء آخر ,فيمكن لبوتون ـ اثناء
عملية انقسام الذرة ـ ان يتحول ال نيوترون ,وكذلك العكس.
وهكذا اصبح تبديل العناصر من العمليات الساسية ف العلم.
ول يقف العلم عند هذا الد ,بل بدأ بحاولة تبديل الادة ال طاقة
خالصة ,أي نزع الصفة الادية للعنصر بصورة نائية ,وذلك على ضوء جانب
من النظرية النسبية لـ (آينشتي) ,اذ قرر ان كتلة السم نسبية ,وليست
ثابتة ,فهي تزيد بزيادة السرعة ,كما تؤكد التجارب الت اجراها علماء
الفيزياء الذرية ,على اللكترونات الت تتحرك ف مال كهربائي قوي,
ودقائق (بيتا) النطلقة من نويات الجسام الشعة .ولا كانت كتلة السم
التحرك تزداد بزيادة حركته ,وليست الركة ال مظهرا من مظاهر الطاقة,
فالكتلة التزايدة ف السم هي اذن طاقته التزايدة ,فلم يعد ف الكون
عنصران متمايزان ,احدها الادة الت يكن مسها وتتمثل لنا ف كتلة .والخر
الطاقة ,الت ل يكن ان ترى ,وليس لا كتلة ,كما كان يعتقد العلماء
سابقا ,بل اصبح العلم يعرف ان الكتلة ليست ال طاقة مركزة.
ويقول آنشتي ف معادلته :ان الطاقة = كتلة الادة * مربع سرعة الضوء
(وسرعة الضوء تساوي ( )186.000ميل ف الثانية) كما ان الكتلة
= الطاقة ÷ مربع سرعة الضوء.
وبذلك ثبت ,ان الذرة با فيها من بروتونات والكترونات ليست ف
القيقة ال طاقة متكاثفة ,يكن تليلها وارجاعها ال حالتها الول .فهذه
الطاقة هي الصل العلمي للعال ف التحليل الديث ,وهي الت تظهر ف
اشكال متلفة ,وصور متعددة ,صوتية ,ومغناطيسية ,وكهربائية,
وكيمياوية ,وميكانيكية.
281
وعلى هذا الضوء ,ل يعد الزدواج بي الادة والشعاع ,بي السميات
والوجات ,او بي ظهور الكهرب على صورة مادة احيانا ,وظهوره على
صورة كهرباء احيانا اخرى .اقول ,ل يعد هذا غريبا بل اصبح مفهوما
بقدار ,ما دامت كل هذه الظاهر صورا لقيقة واحدة ,وهي الطاقة.
وقد اثبتت التجارب عمليا صحة هذه النظريات ,اذ أمكن للعلماء ان
يولوا الادة ال طاقة ,والطاقة ال مادة .فالادة تولت ال طاقة ,عن طريق
التوحيد بي نواة ذرة اليدروجي ونواة ذرة ليثيوم .فقد نتج عن ذلك نواتان
282
أ ـ ان الادة الصلية للعال ,حقيقة واحدة مشتركة ,بي جيع كائناته
وظواهره ,وهذه القيقة الشتركة هي الت تظهر بختلف الشكال ,وتتنوع
بشت التنوعات.
283
تتلف آثارها ,وتتباين افعالا .فالتحليل العلمي للماء ,والشب,
والتراب ,وللحديد ,والزوت ,والرصاص ,والراديوم ,ادى ف ناية
284
ڤ..................................................مع التجريبيي
ولنقف قليل ,عند أولئك الذين يقدسون التجربة والس العلمي,
ويعلنون بكل صلف ,اننا ل نؤمن بأي فكرة ,ما ل تثبت بالتجربة ,ول
يبهن عليها عن طريق الس .وما دامت السألة اللية مسألة غيبية ,وراء
حدود الس والتجربة ,فيجب ان نطرحها جانبا ,وننصرف ال ما يكن
الظفر به ف اليدان التجريب ,من حقائق ومعارف ..نقف عندهم
لنسألم ,ماذا تريدون بالتجربة؟ وماذا تعنون برفض كل عقيدة ل برهان
عليها من الس؟
فان كان فحوى هذا الكلم ,انم ليؤمنون بوجود شيء ,ما ل يسوا
بوجوده احساسا مباشرا ,ويرفضون كل فكرة ما ل يدركوا واقعها الوضوعي,
بأحد حواسهم ,فقد نسفوا بذلك الكيان العلمي كله ,وابطلوا جيع القائق
الكبى ,البهن عليها بالتجربة الت يقدسونا .فان اثبات حقيقة علمية
بالتجربة ليس معناه الحساس الباشر بتلك القيقة ,ف اليدان التجريب.
فـ (نيوتن) ـ مثل ـ حي وضع قانون الاذبية العامة ,على ضوء التجربة ,ل
يكن قد احس بتلك القوة الاذبية .بشيء من حواسه المس ,وانا
استكشفها عن طريق ظاهرة أخرى مسوسة ,ل يد لا تفسيا ال بافتراض
وجود القوة الاذبة .فقد رأى ان السيارات ل تسي ف خط مستقيم ,بل
تدور دورانا ,وهذه الظاهرة ل يكن ان تتم ـ ف نظر نيوتن ـ لو ل تكن هناك
قوة جاذبة ,لن مبدأ القصور الذات يقضي بسي السم التحرك ,ف اتاه
مستقيم ,ما ل يفرض عليه اسلوب آخر من قوة خارجية .فانتهى من ذلك
ال قانون الاذبية ,الذي يقرر ان السيارات تضع لقوة مركزية ,هي
الاذبية.
وان كان يعن هؤلء ,الذين ينادون بالتجربة ويقدسونا ,نفس
السلوب الذي ت به علميا استكشاف قوى الكون وأسراره ,وهو درس
ظاهرة مسوسة ثابتة بالتجربة ,واستنتاج شيء آخر منها استنتاجا عقليا,
باعتبار التفسي الوحيد لوجودها .فهذا هو اسلوب الستدلل على السألة
285
اللية تاما .فان التجارب السية والعلمية ,قد اثبتت ان جيع خصائص
الادة الصلية ,وتطوراتا وتنوعاتا ,ليست ذاتية ,وانا هي عرضية,
كحركة السيارات الشمسية حول الركز .فكما ان دورانا حوله ليس ذاتيا
لا ,بل هي تقتضي بطبيعتها التاه الستقيم ف الركة طبقا لبدأ القصور
الذات ..كذلك خصائص العناصر والركبات .وكما ان ذلك الدوران لا ل
يكن ذاتيا ,اتاح لنا ان نبهن على وجود قوة خارجية جاذبة ,كذلك هذا
التنوع والختلف ف خصائص الادة الشتركة ,يكشف أيضا عن سبب وراء
الادة .ونتيجة ذلك هي ان العلة الفاعلية للعال غي علته الادية ,أي ان
سببه غي الادة الام ,الت تشترك فيها الشياء جيعا.
ڤ......................................................مع الديالكتيك
قد مر بنا الديث عن الديالكتيك ,ف الزء الثان من هذه السالة,
وكشفنا عن الخطاء الرئيسية الت ارتكز عليها ,كالغاء مبدأ عدم التناقض
ونوه .ونريد الن ان نبهن .على عجزه من جديد عن حل مشكلة
العال ,وتكوين فهم صحيح له ,بقطع النظر عما ف ركائزه وأسسه ,عن
اخطاء وتافت.
يزعم الديالكتيك ان الشياء تنتج عن حركة ف الادة ,وان حركة الادة
ناشئة ذاتيا عن الادة نفسها ,باعتبار احتوائها على النقائض ,وقيام الصراع
الداخلي بي تلك النقائص.
فلنمتحن هذا التفسي الديالكيكي ,بتطبيقه على القائق العلمية ,الت
سبق ان عرفناها عن العال ,لنرى ماذا تكون النتيجة؟ ان العناصر البسيطة
عدة انواع ,ولكل عنصر بسيط رقم ذري خاص به ,وكلما كان العنصر ارقى
كان رقمه اكثر ,حت ينتهي التسلسل ال اليورانيوم ,ارقى العناصر واعلها
درجة .وقد اوضح العلم ايضا ,ان مادة هذه العناصر البسيطة واحدة
ومشتركة ف الميع ,ولذا يكن تبديلها البعض بالبعض ,فكيف وجدت
انواع العناصر العديدة ف تلك الادة الشتركة؟ والواب على اسس التغي
286
الديالكتيكي ,يتلخص ف ان الادة قد تطورت من مرحلة ال مرحلة ارقى,
حت بلغت درجة اليورانيوم .وعلى هذا الضوء يب ان يكون عنصر
اليدروجي ,نقطة البتداء ف هذا التطور ,باعتباره اخف العناصر
البسيطة .فاليدروجي يتطور ديالكتيكيا بسبب التناقض الحتوي ف داخله,
فيصبح بالتطور الديالكتيكي عنصرا ارقى ,أي عنصر الليوم ,وهذا العنصر
بدوره ينطوي على نقيضه ,فيشتعل الصراع من جديد ,بي النفي
والثبات ,بي الوجه السالب والوجه الوجب ,حت تدخل الادة ف مرحلة
جديدة ,ويوجد العنصر الثالث ,وهكذا تتصاعد الادة طبقا للجدول
الذري.
هذا هو التفسي الوحيد ,الذي يكن للديالكتيك ان يقدمه ف هذا
الجال ,تبيرا لديناميكية الادة .ولكن من السهل جدا ,ان نتبي عدم
امكان الخذ بذا التفسي ,من ناحية علمية ,لن اليدروجي لو كان مشتمل
بصورة ذاتية على نقيضه ,ومتطورا بسبب ذلك طبقا لقواني الديالكتيك
الزعوم ,فلماذا ل تتكامل جيع ذرات اليدروجي ؟! وكيف اختص هذا
التكامل الذات ببعض دون بعض؟! فان التكامل الذات ل يعرف
التخصيص ,فلو كانت العوامل اللقة للتطور والترقي ,موجودة ف صميم
الادة الزلية ,لا اختلفت آثار تلك العوامل ,ولا اختصت بجموعة معينة
من اليدروجي ,تولا ال هليوم وتترك الباقي .فنواة اليدروجي
(البوتون) ,بدل من بروتون واحد ,لنتج عن ذلك زوال الاء عن وجه
بروتوني ,بدل من بروتون واحد ,لنتج عن ذلك زوال الاء عن وجه
الرض تاما ,لن الطبيعة اذا فقدت نوى ذرات اليدروجي ,وتولت جيعا
ال نوى ذرات الليوم ,ل يكن من المكن ان يوجد بعد ذلك ماء.
فما هو السبب الذي جعل تطور اليدروجي ال هليوم ,مقتصرا على
كمية معينة ,واطلق الباقي من اسر هذا التطور البي؟!
وليس التفسي الديالكت للمركبات ,ادن ال التوفيق من تفسي الديالكتيك
للعناصر البسيطة .فالاء اذا كان قد وجد طبقا لقواني الديالكتيك فمعن
ذلك ان اليدروجي يعتي اثباتا ,وان هذا الثبات يثي نفي نفسه ,بتوليده
287
للوكسجي ,ث يتحد النفي والثبات معا ,ف وحدة هي الاء ,او ان
نعكس العتبار ,فنفرض الوكسجي اثباتا ,واليدروجي نفيا ,والاء هو
الوحدة الت انطوت على النفي والثبات معا ,وحصلت نتيجة تكاملية
للصراع الديالكت بينهما ,فهل يكن للديالكتيك ان يوضح لنا ان هذا
التكامل الديالكتيكي ,لو كان يتم بصورة ذاتية وديناميكية ,فلماذا اختص
بكمية معينة من العنصرين ,ول يصل ف كل هيدروجي واوكسجي؟؟
ول نريد بذا ان نقول ان اليد الغيبية هي الت تباشر كل عمليات
الطبيعة وتنوعاتا ,وان السباب الطبيعية ل موضع لا من الساب ,وانا
نعتقد ان تلك التنوعات والتطورات ,ناشئة من عوامل طبيعية خارج الحتوى
الذات للمادة ,وهذه العوامل تتسلسل ,حيث تصل ف ناية التحليل
الفلسفي ,ال مبدأ وراء الطبيعة ,ل ال الادة ذاتيا.
والنتيجة ,هي ان وحدة الادة الصلية للعال ,الت برهن عليها العلم
من ناحية ,وتنوعاتا واتاهاتا الختلفة ,الت دل العلم على انا عرضية
وليست ذاتية من ناحية اخرى ,تكشف عن السر ف السألة الفلسفية ,وتوضح
ان السبب العلى لكل هذه التنوعات والتاهات ,ل يكمن ف الادة ذاتا,
بل ف تعمل على تنويع الادة وتديد اتاهاتا.
ڤ......................................................الادة والفلسفة
كنا ننطلق ف برهاننا على السألة اللية ,من الادة بفهومها العلمي,
الت برهن العلم على اشتراكها ,وعرضية الصائص بالضافة اليها .والن
نريد ان ندرس السالة اللية ,على ضوء الفهوم الفلسفي للمادة.
ولجل ذلك يب ان نعرف ما هي الادة؟ وما هو مفهومها العلمي
والفلسفي؟
نعن بادة الشيء ,الصل الذي يتكون منه الشيء .فمادة السرير هي
الشب ,ومادة الثوب هي الصوف .ومادة الورق هي القطن ,بعن ان
الشب والصوف والقطن ,هي الشياء الت يتكون منها السرير والثوب
والورق .ونن كثيا ما نعي مادة للشيء ,ث نرجع ال تلك الادة لنحاول
288
معرفة مادتا ,أي الصل الذي تتكون منه ,ث نأخذ هذا الصل ,فنتكلم
عن مادته واصله ايضا .فالقرية اذا سئلنا مِم تتكون؟ اجبنا بأنا تتكون من
عدة عمارات ,ودور .فالعمارات والدور هي مادة القرية ,ويتكرر السؤال
عن هذه العمارات والدور ,ما هي مادتا؟ وياب عن السؤال بانا تتركب
من الشب والجر والديد .وهكذا نضع لكل شيء مادة ,ث نضع للمادة
بدورها اصل تتكون منه ,ويب ان ننتهي ف هذا التسلسل ال مادة
اساسية ,وهي الادة الت ل يكن ان يوضع لا مادة بدورها.
ومن جراء ذلك انبثق ف الجال الفلسفي والعلمي ,السؤال عن الادة
الساسية والصلية للعال ,الت ينتهي اليها تليل الشياء ف اصولا وموادها.
وهذا السؤال يعتب من اهم السئلة الرئيسية ف التفكي البشري ,العلمي
والفلسفي .ويقصد بالادة العلمية ,اعمق ما تكشفه التجربة من مواد للعال,
فهي الصل الول ف التحليلت العلمية .ويقصد بالادة الفلسفية ,اعمق مادة
للعال ,سواء اكان من المكن ظهورها ف الجال التجريب ام ل.
وقد مر بنا التحدث عن الادة العلمية ,وعرفنا ان اعمق مادة توصل اليها
العلم هي الذرة ,باجزائها من النوى والكهارب ,الت هي تكاثف خاص
للطاقة .ففي العرف العلمي ,مادة الكرسي هي الشب ,ومادة الشب هي
العناصر البسيطة الت يأتلف منها ,وهي :الوكسجي ,والكربون,
واليدروجي .ومادة هذه العناصر هي الذرات ,ومادة الذرة هي اجزاؤها
الاصة من البوتونات واللكترونات وغيها .وهذه الجموعة الذرية ,او
الشحنات الكهربائية التكاثفة ,هي الادة العلمية العميقة ,الت اثبتها العلم
بالوسائل التجريبية.
وهنا ييء دور الادة الفلسفية ,لنعرف ما اذا كانت الذرة ف القيقة هي
اعمق وابسط مادة للعال ,او انا بدورها مركبة أيضا من مادة وصورة؟
فالكرسي كما عرفنا مركب من مادة وهي الشب ,وصورة هي هيئته الاصة.
289
والراي الفلسفي السائد ,هو ان الادة الفلسفية اعمق من الادة العلمية
بعن ان الادة الول ف التجارب العلمية ,ليست هي الادة الساسية ف النظر
الفلسفي ,بل هي مركبة من مادة ـ ابسط منها ـ وصورة ,وتلك الادة البسط,
ل يكن اثباتا بالتجربة ,وانا يبهن على وجودها بطريقة فلسفية.
ڤ....................................................تصحيح الخطاء
وعلى ضوء ما سبق ,يكن ان نعرف ان النظرية الذرية لـ (ديقريطس),
ـ القائلة ,بأن اصل العال عبارة عن ذرات اصلية ل
تتجزأ ـ لا جانبان :احدها علمي ,والخر فلسفي .فالانب العلمي هو ان
بنية الجسام مركبة من ذرات صغية ,يتخلل بينها الفراغ ,وليس السم كتلة
متصلة ,وان بدا لواسنا كذلك ,وتلك الوحدات الصغية هي مادة الجسام
جيعا .والانب الفلسفي ,هو ان ديقرايطس زعم ان تلك الوحدات
والذرات ,ليست مركبة من مادة وصورة ,اذ ليست لا مادة اعمق وابسط
منها ,فهي الادة الفلسفية ,أي اعمق وابسط مادة للعال.
وقد اختلط هذان الانبان من النظرية ,على كثي من الفكرين ,فبدا لم
ان عال الذرة ,الذي كشفه العلم الديث بالساليب التجريبية ,يبهن على
صحة النظرية الذرية .فلم يعد من المكن تطئة (ديقريطس) ف تفسي
للجسام ـ كما خطأه الفلسفة السابقون ـ بعد ان تلى للعلم عال الذرة
الديد ,وان اختلف التفكي العلمي الديث ,عن تفكي ديقريطس ,ف
تقدير حجم الذرة وتصوير بنيتها.
ولكن الواقع ان التجارب العلمية الديثة عن الذرة ,انا تثبت صحة
الانب العلمي ,من نظرية ديقريطس ,فهي تدل على ان السم مركب من
وحدات ذرية ,ويشتمل على فراغ يتخلل بي تلك الذرات ,وليس متصل كما
يصوره الس لنا .وهذه هي الناحية العلمية من النظرية ,الت يكن للتجربة
ان تكشف عنها .وليس للفلسفة كلمة ف هذا الوضوع ,لن السم من ناحية
فلسفية ,كما يكن ان يكون متصل ,كذلك يكن ان يكون متويا ,على فراغ
تتخلله اجزاء دقيقة.
290
واما الانب الفلسفي ف نظرية ديقريطس ,فل تسه الكشوف العلمية
بشيء ,ول تبهن على صحته ,بل تبقى مسالة وجود مادة ابسط من الادة
العلمية ف ذمة الفلسفة ,بعن ان الفلسفة يكنها ان تاخذ اعمق مادة,
توصل اليها العلم ف اليدان التجريب ,وهي الذرة ومموعتها الاصة ,فتبهن
على انا مركبة من مادة ابسط وصورة .ول يتناقض ذلك مع القائق العلمية,
لن هذا التحليل والتركيب الفلسفي ,ليس ما يكن ان يظهر ف القل
التجريب.
وكما أخطأ هؤلء ف زعمهم ,ان التجارب العلمية تدلل على صحة
النظرية بكاملها ,مع انا متصلة بانبها العلمي فقط ,كذلك أخطأ عدة من
الفلسفة القدمي ,الذين رفضوا الانب الفلسفي من النظرية ,فعمموا
الرفض للناحية العلمية ايضا ,وادعوا ـ من دون سند علمي او فلسفي ـ ان
الجسام متصلة ,وانكروا الذرة والفراغ ف متواها الداخلي.
والوقف الذي يب ان نقفه ف السألة ,هو ان نقبل الانب العلمي من
النظرية ,الذي يؤكد ان الجسام ليست متصلة ,وانا مركبة من ذرات دقيقة
ال الغاية .فان هذا الانب قد كشفت عنه الفيزياء الذرية ,بصورة ل تدع
مال للشك .واما الانب الفلسفي من النظرية ,القائل ببساطة تلك
الوحدات ,الت تكشف عنها الفيزياء الذرية .فنرفضه ,لن الفلسفة تبهن
على ان الوحدة ,الت تكشف عنها الفيزياء ـ مهما كانت دقيقة ـ مركبة من
صورة ومادة .ونطلق على هذه الادة اسم الادة الفلسفية ,لنا الادة
البسط ,الت يثبت وجودها بطريقة فلسفية ل علمية .وقد حان لنا الن ان
ندرس هذه الطريقة الفلسفية.
291
ان الاء يتمثل ف مادة سائلة ,وهو ف نفس الوقت قابل لن يكون
غازا ,ومركز هذه القابلية ليس هو السيلن ,لن صفة السيلن ل يكن ان
تكون غازا ,بل مركزه الادة الحتواة ف الاء السائل .فهو ـ اذن ـ مركب من
حالة السيلن ,ومادة تتصف بتلك الالة ,وهي قابلة للغازية ايضا.
والكرسي يتمثل ف خشب مصنوع على هيئة خاصة ,وهو يقبل ان يكون
منضدة ,وليست هيئة الكرسي هي الت تقبل ان تكون منضدة ,بل الادة.
فعرفنا من ذلك ان الكرسي مركب من هيئة معينة ,ومادة خشبية تصلح لن
تكون منضدة ,كما صلحت لن تكون كرسيا .وهكذا ف كل مال ,اذا
لوحظ ان الكائن الاص قابل للتصاف ,بنقيض صفته الاصة ,فان
الفلسفة تبهن بذلك ,على ان له مادة وهي الت تقبل للتصاف بنقيض تلك
الصفة الاصة.
ولنأخذ مسألتنا على هذا الضوء .فقد عرفنا ان العلم يوضح ان السم
ليس شيئا واحدا ,بل هو مركب من وحدات اساسية ,تسبح ف فراغ.
وهذه الوحدات باعتبارها الوحدات الخية ,ف التحليل العلمي ,فهي
بدورها ليست مركبة من ذرات اصغر منها ,وال ل تكن الوحدات النهائية
للمادة .وهذا صحيح ,فالفلسفة تعطي للعلم حريته الكاملة ,ف تعيي
الوحدات النهائية ,الت ل يتخللها فراغ ول تتوي على اجزاء .وحينما يعي
العلم تلك الوحدات ,ييء دور الفلسفة ,فتبهن على انا مركبة من صورة
ومادة ابسط .فنحن ل نتصور وحدة مادية من دون اتصال ,لنا لو ل تكن
متصلة اتصال حقيقيا ,لكانت متوية على فراغ تتخلله اجزاء ,كالسم.
فمعن الوحدة هي ان تكون متصلة ,فل تكون وحدة حقيقيقة بل اتصال,
ولكنها ف نفس الوقت قابلة للتجزئة والنفصال ايضا .ومن الواضح ان ما
يقبل التجزئة والنفصال ,ليس هو نفس التصالية القومة للوحدة الادية,
لن التصال ل يكن ان يتصف بالنفصال كما ان السيولة ل يكن من المكن
ان تتصف بالغازية .فيجب ان تكون للوحدة مادة بسيطة ,وهي الت تقبل
التجزئة والنفصال .ويؤدي ذلك ال اعتبارها مركبة من مادة ,وصورة.
فالادة هي القابلة للتجزئة والنفصال ,الادم للوحدة ,كما انا هي القابلة
الت ل يكن ان نتصور وحدة مادية من دونا.
292
ولكن السألة الت تواجهنا ف هذه الرحلة ,هي ان الفلسفة كيف يكنها
معرفة ,ان الوحدات الساسية ف الادة قابلة للتجزئة والنفصال؟ وهل يوجد
سبيل ال ذلك ال بالتجربة العلمية؟ والتجربة العلمية ل تثبت قابلية
الوحدات الساسية ف الادة ,للتجزئة والنقسام.
ومرة اخرى نؤكد ,على ضرورة عدم اللط بي الادة العلمية والادة
الفلسفية .وذلك ان الفلسفة ل تدعي ان تزئة الوحدة امر ميسور ,بالجهزة
والوسائل العلمية الت يلكها النسان ,فان هذه الدعوى من حق العلم
وحده ,وانا تبهن على ان كل وحدة فهي قابلة للنقسام والتجرئة ,وان ل
يكن تقيق النقسام خارجا بالوسائل العلمية ,ول يكن ان يتصور وحدة من
دون قابلية النقسام ,أي ل يكن ان يتصور جزء ل يتجزأ.
ڤ...........................................الزء والفيزياء والكيمياء
فمسألة الزء الذي ل يتجزأ ليست مسألة علمية ,وانا هي فلسفية
خالصة .وبذلك نعرف ان الطرق او القائق العلمية الت اتذت للجابة عن
هذه السألة ,والتدليل على وجود الزء الذي ل يتجزا ,او على نفيه ..
ليست صحيحة مطلقا .ونشي ال شيء منها:
أ ـ قانون النسب ,الذي وضعه (والت) ف الكيمياء ,ليضاح ان
التاد الكيمياوي بي العناصر ,يري طبقا لنسب معينة وركزه على اساس
293
اقل من تلك القادير ,واما من الناحية الفلسفية ,فل يثبت ان تلك القادير
هل هي اجزاء ل تتجزا أول ,ول صلة لذلك بالانب الكيميائي من القانون
مطلقا.
ب ـ الرحلة الول من الفيزياء الذرية ,الت حصل فيها اكتشاف
الذرة ,فقد بدا آنذاك لبعض ,ان الفيزياء ف هذه الرحلة قد وضعت حدا
فاصل للناع ف مسألة الزء الذي ل يتجزأ ,لنا كشفت عن هذا الزء
بالساليب العلمية .ولكن من الواضح ـ على ضوء ما سبق ـ ان هذا
الكتشاف ل يثبت الزء الذي ل يتجزا بعناه الفلسفي ,لن وصول التحليل
العلمي ال ذرة ل يستطيع ان يزئها ,ل يعن انا غي قابلة للتجزئة بد
ذاتا.
ج ـ الرحلة الثانية من الفيزياء الذرية ,الت اعتبت ـ على العكس من
الرحلة الول ـ دليل قاطعا على نفي الزء الذي ل يتجزا لن العلم استطاع
ف هذه الرحلة ,ان يزئ الذرة ويفجرها ,وتبخرت بذلك فكرة الزء
الذي ل يتجزأ.
وليست هذه الرحلة ال كالرحلة السابقة ,ف عدم صلتها بسألة الزء
الذي ل يتجزأ ,من ناحيتها الفلسفية .ذلك ان انقسام الذرة او تطيم
نواتا ,انا يغي فكرتنا عن الزء ول يقضي بصورة نائية على نظرية الزء
294
كالرحى :احداها ف داخل الخرى ,ونقطة الوسط ف الرحى هي مركز كلتا
الدائرتي ,ونضع نقطة على موضع معي من ميط الدائرة الكبية ,ونقطة
موازية لا على ميط الدائرة الصغية .ومن الواضح اننا
اذا حركنا الرحى تركت كلتا الدائرتي فلنحرك الرحى ونعل
النقطة الت وضعناها على الدائرة الكبية ,تتحرك
طبقا لركتها ,ولكن ل نسمح لا بالركة ال بقدار احدى الوحدات
الادية ,ث نلحظ ف تلك اللحظة النقطة الوازية لا ,ف الدائرة الصغية,
لنتساءل هل طوت من السافة نفس القدار ,الذي طوته النقطة القابلة لا من
الدائرة الكبية وهو وحدة كاملة ,او ل تطو ال بعضه؟ اما انا طوت نفس
القدار ,فهو يعن ان النقطتي سارتا مسافة واحدة ,وهذا مستحيل ,لننا
نعلم ان النقطة مهما كانت ابعد عن الركز الرئيسي للدائرة ,تكون حركتها
اسرع ,ولذا تطوي ف كل دورة مسافة اطول ما تطويه النقطة القريبة ف تلك
الدورة ,فل يكن ان تتساوى النقطتان فيما طوتما من السافة .واما ان
النقطة القريبة طوت جزءا من السافة ,الت طوتا النقطة البعيدة ,فهذا يعن
ان الوحدة الت اجتازتا النقطة البعيدة ,يكن تزئتها وتقسيمها ,وليست
وحدة ل تتجزا .وهكذا يتضح ان اصحاب الفكرة القائلة بالوحدة الت ل
تتجزأ .يواجهون موقفا حرجا ,لنم ل يكنهم ان يعتبوا النقطة البعيدة
والقريبة متساويتي ,ف مقدار الركة ,ول متلفتي .ول يبق لم ال ان
يزعموا لنا ان النقطة الوازية ف الدائرة الصغية كانت ساكنة ول تتحرك,
وكلنا نعلم ان الدائرة القريبة من الركز ,لو كانت ساكنة ف اللحظة الت
تركت فيها الدائرة الكبية ,لترتب على ذلك تفكك اجزاء الرحى
وتصدعها.
وهذا البهان يوضح لنا ان أي وحدة مادية نفترضها ,فهي قابلة
للتجزئة ,لنا حينما تطويها النقطة البعيدة عن الركز ف حركتها ,تكون
النقطة القريبة قد قطعت جزءا منها.
295
واذا كانت الوحدة الادية قابلة للتجزئة والنفصال ,فهي مؤتلفة ـ اذن ـ
من مادة بسيطة ,تركز فيها قابلية التجزئة ,واتصالية مقومة لوحدتا .وهكذا
يتضح ان وحدات العال الادي مركبة من مادة وصورة.
ڤ...........................................النتيجة الفلسفية من ذلك
وحي يتبلور الفهوم الفلسفي للمادة ,القاضي بائتلفها من مادة
وصورة ,نعرف ان الادة العلمية ,ل يكن ان تكون هي البدأ الول
للعال ,لنا بنفسها تنطوي على تركيب بي الادة والصورة .ول يكن لكل
ل عن الخر ,فيجب ان يوجد فاعل
من الصورة والادة ,ان يوجد مستق ً
اسبق لعملية التركيب ,تلك الت تقق للوحدات الادية وجودها.
وبكلمة اخرى ,ان البدأ الول هو اللقة الول من سلسلة الوجود,
وتسلسل الوجود يبدأ حتما بالواجب بالذات ,كما عرفنا ف الزء السابق ف
هذه السالة .فالبدأ الول هو الواجب بالذات ,وباعتباره كذلك يب ان
يكون غنيا ف كيانه ووجوده عن شيء آخر .والوحدات الساسية ف الادة
ليست غنية ف كيانا الادي ,عن فاعل خارجي ,لن كيانا مؤتلف من مادة
وصورة ,فهي باجة اليهما معا ,وكل من الادة والصورة باجة ال الخر
ف وجوده ,فينتج من ذلك كله ان نعرف ان البدأ الول ,خارج عن حدود
الادة ,وان الادة الفلسفية للعال ـ القابلة للتصال والنفصال ـ باجة ال
سبب خارجي ,يدد وجودها التصال او النفصال.
الادة والركة
الادة ف حركة مستمرة وتطور دائم ,وهذه حقيقة متفق عليها بيننا جيعا
والركة تتاج ال سبب مرك لا .وهذه حقيقة اخرى مسلمة بل جدال.
والسألة الساسية ف فلسفة الركة ,هي ان الادة التحركة ,هل يكن ان
تكون هي علة للحركة وسببا لا؟ وف صيغة اخرى ان التحرك موضوع
الركة ,والحرك سبب الركة ,فهل يكن ان يكون الشيء الواحد ,من
الناحية الواحدة ,موضوعا للحركة وسببا لا ف وقت واحد؟
والفلسفة اليتافيزيقية تيب على ذلك ,مؤكدة ان من الضروري تعدد
التحرك والحرك ,لن الركة تطور وتكامل تدريي للشيء الناقص ,ول
296
يكن للشيء الناقص ان يطور نفسه ,ويكمل وجوده تدرييا بصورة ذاتية,
فان الناقص ل يكون سببا ف الكمال .وعلى هذا الساس وضعت ف الفهوم
الفلسفي للحركة قاعدة ثنائية بي الحرك والتحرك ,وف ضوء هذه القاعدة
نستطيع ان نعرف ,ان سبب الركة التطورية للمادة ف صميمها وجوهرها,
ليس هو الادة ذاتا ,بل مبدأ وراء الادة ,يدها بالتطور الدائم ,ويفيض
عليها الركة الصاعدة والتكامل التدرج.
وعلى العكس من ذلك الادية الديالكتيكية ,فانا ل تعترف بالثنائية بي
الادة التحركة وسبب الركة ,بل تعتب الادة نفسها سببا لركتها وتطورها.
297
بالفعل ,او انا موجودة بالقوة؟ ث يستبعد الواب الول نائيا ,لن
التناقضات ل يكن لا ـ بكم مبدأ عدم التناقض ـ ان تتمع بالفعل ,ولو
اجتمعت بالفعل لمدت الادة وسكنت .ويبقى بعد ذلك الواب الثان,
وهو ان تلك النقائض موجودة بالقوة ,ومعن وجودها بالقوة أن الادة فيها
استعداد لتقبل التطورات التدرجة ,وامكانية للتكامل الصاعد بالركة .وهذا
يعن انا فارغة ف متواها الداخلي عن كل شيء ,سوى القابلية
والستعداد .والركة ف هذا الضوء خروج تدريي من القابلية ال الفعلية,
ف مال التطور الستمر ,وليست الادة هي العلة الدافعة لا ,لنا خالية من
درجات التكامل ,الت تققها اشواط التطور والركة ,ول تمل ال امكانا
واستعدادها .فل بد ـ اذن ـ من التفتيش عن سبب الركة الوهرية للمادة,
ومونا الساسيي خارج حدودها ,ول بد ان يكون هذا السبب هو ال
298
الصورة الالدة ونظمتها ,با يدعو ال الدهشة والعجاب والتقديس.
وهكذا ل تدع القائق الت اعلنها العلم الديث ,مال للريب ف مسألة
الله القادر الكيم .فاذا كانت الباهي الفلسفية ,تل العقل يقينا
واعتقادا ,فان الكتشفات العلمية الديثة ,تل النفس ثقة وإيانا بالعناية
اللية ,والتفسي الغيب للصول الول للوجود.
ڤ................................................الادة والفيزيولوجيا
خذ اليك فيزيولوجيا النسان ,ف حقائقها الدهشة ,واقرأ فيها عظمة
الالق ودقته ,ف كل ما تشرحه من تفاصيل ,وتوضحه من اسرار .فهذا
جهاز الضم ,أعظم معمل كيميائي ف العال ,با يتفنن به من اساليب تليل
الغذية ,الختلفة تليل كيميائيا مدهشا ,وتوزيع الواد الغذائية الصالة توزيعا
عادل ,على بليي الليا الية ,الت يأتلف منها جسم النسان ,اذ تتلقى
كل خلية مقدار حاجتها ,فيتحول ال عظام ,وشعر ,واسنان ,وأظافر,
واعصاب ,طبق خطة مرسومة للوظائف الفروضة عليها ,ف نظام ل تعرف
النسانية أدق منه وأروع.
ونظرة واحدة ال تلك الليا الية ,الت تنطوي على سر الياة ,تل
النفس دهشة واعجابا باللية ,حي تتكيف بقتضيات موضعها وظروفها.
فكأن كل خلية تعرف هندسة العضو ,الذي تتوفر على اياده مع سائر الليا
الشتركة معها ف ذلك العضو ,وتدرك وظيفته ,وكيف يب ان يكون.
وجهاز الس البصري ,الصغي التواضع ف حجمه .ل يقل عن كل
ذلك روعة واتقانا ,ودللة على الرادة الواعية ,والعقل الالق .فقد ركب
تركيبا دقيقا كامل ,ل يكن يتم البصار بدون شيء من اجزائه .فالشبكية
الت تعكس العدسة عليها النور ,تتكون من تسع طبقات منفصلة ,مع انا
ل تزيد ف سكها على ورقة رقيقة ,والطبقة الخية منها تتكون من ثلثي
مليونا من العواد ,وثلثة مليي من الخروطات ,وقد نظمت هذه العواد
299
والخروطات ,تنظيما مكما رائعا ,غي ان الشعة الضوئية ترتسم عليها,
بصورة معكوسة ,ولذا شاءت العناية الالقة ,ان يزود جهاز البصار ـ وراء
تلك الشبكة ـ بليي من خريطات العصاب ,وعندها تدث بعض
التغيات الكيميائية ,ويصل أخيا ادراك الصورة بوضعها الصحيح.
فهل يكون هذا التصميم البار ,الذي يضمن عملية البصار على افضل
وجه من فعل الادة على غي هدى وقصد ,مع ان مرد كشفه يتاج ال جهود
فكرية جبارة؟!
ڤ................................................الادة والبيولوجيا
وخذ اليك بعد ذلك البيولوجيا ,وعلم الياة .فانك سوف تد سرا
آخر من السرار اللية الكبى ,سر الياة الغامض ,الذي يل الوجدان
البشري اطمئنانا بالفهوم اللي ,ورسوخا فيه .فقد انارت ف ضوء علم
الياة ,نظرية التولد الذات ,الت كانت تسود الذهنية الادية ,ويعتقد با
السطحيون والعوام بصورة عامة ,ويسوقون للستشهاد عليها أمثلة عديدة,
من الشرات الت تبدو ـ ف زعمهم ـ وكأنا تولدت ذاتيا ,تت عوامل
طبيعية معينة ,دون ان تتسلل من احياء اخرى ,كالديدان الت تتكون ف
المعاء ,او ف قطعة من اللحم اذا عرضت للهواء مدة من الزمان ,ونو
ذلك من المثلة ,الت كانت توحي با سذاجة التفكي الادي .ولكن
التجارب العلمية القاطعة ,برهنت على بطلن نظرية التولد الذات ,وان
الديدان ل تكن لتتولد ال بسبب جراثيم الياة ,الت كانت تشتمل عليها
قطعة اللحم ...
وقد استأنفت الادية حلتها من جديد ,لتركيز نظرية التولد الذات ,حي
صنع اول مهر مركب ,على يد (انطون فان لوينهوك) ,فاكتشف به عالا
جديدا من العضويات الصغية ,واستطاع هذا الجهر ,ان يبهن على ان
قطرة الاء من الطر ,ل توجد فيها جراثيم ,وانا تتولد هذه الراثيم بعد
نزولا ال الرض .فرفع الاديون اصواتم وهللوا للنصر الديد ,ف ميدان
اليوانات اليكروبية بعد ان عجزوا عن اقصاء النطفة ,وتركيز نظرية التوالد الذات
ف اليوانات الرئية بالعي الجردة .وهكذا تراجعوا ال اليدان ,ولكن على مستوى
300
اخفض ,واستمر الدال حول تكوين الياة بي الاديي وغيهم ,ال القرن التاسع
عشر ,حيث وضع (لويس باستور) حدا لذلك الصراع ,واثبت بتجاربه
العلمية ,ان الراثيم واليكروبات ,الت تعيش ف الاء كائنات عضوية مستقلة,
ترد ال الاء من الارج ث تتوالد فيه.
ومرة اخرى ,حاول الاديون ان يتعلقوا بيط من المل الوهوم ,فتركوا
ميادين فشلهم ال ميدان جديد ,هو ميدان التخمي ,حيث حاول بعضهم
ان يطبق نظرية التوالد الذات ,على الكائنات العضوية الجهرية ,الت ينشأ
بسببها الختمار .ولكن سرعان ما باءت هذه الحاولة بالفشل ,كالحاولت
السابقة ,وذلك على يد (باستور) أيضا ,حي أظهر ان التخمي ل يصل
ف الادة لو حفظت بفردها ,وقطعت علقتها بالارج ,وانا يوجد بسبب
انتقال كائنات عضوية معينة اليها ,وتوالدها فيها.
وهكذا ثبت ف ناية الطاف ,على شت اقسام اليوان ـ وحت اليوانات
الدقيقة ,الت اكتشفت حديثا ول يكن من المكن رؤيتها بالجهر العادي ـ ان
الياة ل تنشأ ال من الياة ,وان النطفة ل التولد الذات هي القانون العام
السائد ف دنيا الحياء.
ويقف الاديون عند هذه النتيجة الاسة ,موقفا حرجا ,لن نظرية
التوالد الذات ,اذا كانت قد سقطت من الساب ,ف ضوء البحوث
العلمية ,فكيف يكنهم ان يعللوا نشوء الياة على وجه الرض ؟! وهل يبقى
للوجدان البشري مستساغ ـ بعد ذلك ـ لغماض عينيه ف النور ,وغض
بصره عن القيقة اللية الناصعة ,الت اودعت سر الياة ف اللية ,او
الليا الول؟! وال فلماذا كفت الطبيعة عن عملية التوالد الذات ال
البد ,بعن ان التفسي الادي للية الياة الول ,بالتوالد الذات ,لوكان
صحيحا ,فكيف يكن للمادية ان تعلل عدم حدوث التوالد الذات مرة اخرى
ف الطبيعة ,على مر الزمن منذ الماد البعيدة؟! والواقع انه سؤال مي
للمادية ,ومن الطريف ان ييب عليه العال السوفيات (اوبارين) قائل :اذا
كان يبعث الياة عن طريق التفاعل الادي ,الطويل المد ,ل يزال مكنا ف
كواكب اخرى غي كوكبنا ـ يعن الرض ـ ففي هذا الكوكب ل يعد له
مكان ,ما دام هذا البعث اصبح يدث عن طريق اسرع واقرب ,وهو
301
طريق التوالد البشري الزواجي ,ذلك لن التفاعل الديد حل مل التفاعل
البدائي البيولوجي والكيمي ,وجعله غي ذي لزوم (.)1
هذا هو كل جواب (اوبارين) على الشكلة ,وهو جواب غريب حقا
فانظر اليه كيف يعل استغناء الطبيعة عن عملية التولد الذات ,بسبب انا
عملية ل لزوم لا ,بعد ان وجدت الطريق السرع والقرب ,ال انتاج
الياة ,كأنه يتكلم عن قوة عاقلة واعية ,تترك عملية شاقة ,بعد ان تيأ لا
الوصول ال الدف من طريق أيسر .فمت كانت الطبيعة تترك نواميسها
وقوانينها ,لجل ذلك؟! واذا كان التولد الذات قد جرى اول المر ,طبقا
لقواني ونواميس معينة ،كما يتولد الاء من التركيب الكيميائي الاص ،بي
الوكسجي واليدروجي ,فمن الضروري ان يتكرر طبقا لتلك القواني
والنواميس ,كما يتكرر وجود الاء مت وجدت العوامل الكيميائية الاصة,
سواء كان للماء لزوم ام ل .اذ ليس اللزوم ف عرف الطبيعة ,ال الضرورة
النبثقة عن قوانينها ونواميسها ,فبأي سبب اختلفت تلك القواني
والنواميس ؟!
ڤ................................................الادة وعلم الوارثة
ولندع ذلك ال علم الوراثة ,الذي أخذ بجامع الفكر البشري
ويطأطئ له النسان اعظاما واكبارا .فكم ندهش اذا عرفنا ان الياث
العضوي للفرد ,تضمه كله الادة النووية الية لليا التناسل ,الت تسمى
(الر مبلزم) ,وان مرد جيع الصفات الوراثية ,ال اجزاء مهرية بالغة
الدقة وهي الينات ,الت تتويها تلك الادة الية ف دقة وانتظام .وقد اوضح
العلم ان هذه الادة ل تشتق من خليا جسمية ,بل من (جرمبلزم)
الوالدين ,فالجداد ,وهكذا وف ضوء ذلك انار الوهم الداروين ,الذي اقام
داروين على اساسه نظرية التطور والرتقاء ,القائلة بأن التغيات والصفات,
الت يصل عليها اليوان أثناء الياة ,بنيتجة البة والمارسة او بالتفاعل مع
الحيط ,او نوع من الغذاء ,يكن ان تنتقل بالوراثة ال ذريته .اذ ثبت على
اساس التمييز بي الليا السمية ,والليا التناسلية ,ان الصفات الكتسبة
ل تورث .وهكذا اضطر الناصرون لنظرية التطور والرتقاء ,ال ان ينفضوا
302
يدهم من جيع السس والتفصيلت الداروينية تقريبا ,ويضعوا فرضية
جديدة ف ميدان التطور العضوي ,وهي فرضية نشوء النواع بواسطة
الطفرات .ول يلك العلماء اليوم رصيدا علميا لذه النظرية ,ال ملحظة
بعض مظاهر التغي الفجائي ,ف عدة من الالت ,الت دعت ال افتراض
ان تنوع اليوان نشأ عن طفرات من هذا القبيل ,بالرغم من ان الطفرات
الشاهدة ف اليوانات ,ل تبلغ ال حد تكوين التغيات الساسية النوعة,
وان بعض التغيات الدفعية ل تورث.
ولسنا بصدد مناقشة نظرية من هذا القبيل ,وانا نستهدف التلميح ال
نظام الوراثة الدقيق ,والقوة الدهشة ف الينات الدقيقة ,الت تواجه با جيع
خليا السم ,وتنشئ للحيوان شخصيته وصفاته .فهل يكن ف الوجدان
البشري ان يدث كل ذلك صدفة واتفاقا؟!
ڤ...................................................الادة وعلم النفس
وأخيا فلنقف لظة عند علم النفس ,لنطل على ميدان جديد من
ميادين البداع اللي ,ولنلحظ من قضايا النفس بصورة خاصة ,قضية
الغرائز الت تني للحيوانات طريقها وتسددها ف خطواتا ,فانا من آيات
الوجدان البينات ,على ان تزويد اليوان بتلك الغرائز ,صنع مدبر حكيم,
وليس صدفة عابرة .وال فمن علم النحل بناء الليا السدسة الشكال,
وعلم كلب البحر بناء السدود على النار ,وعلم النمل الدهشات ف اقامة
مساكنه ,بل من علم ثعبان البحر ان ل يضع بيضه ال ف بقعة من قاع
البحر ,تقرب نسبة اللح فيها ,% 35وتبعد عن سطح البحر با ل يقل عن
( )1200قدما ,ففي هذه البقعة يرص الثعبان على رمي بيضه حيث ل
ينضج ال مع توافر هذين الشرطي.
ومن الطريف ما يكى من ان عالا صنع جهازا خاصا ,وزوده بالرارة
الناسبة ,وببخار الاء وسائر الشروط الت تتوفر ف عملية طبيعية لتوليد
كتاكيت من البيض ,ووضع فيه بيضا ليحصل منه على دجاج ,فلم يصل
على النتيجة الطلوبة ,فعرف من ذلك ان دراسته لشرائط التوليد الطبيعي
ليست كاملة ,فاجرى تارب اخرى على الدجاجة ,حال احتضانا البيض,
303
وبعد دقة فائقة ف اللحظة والفحص ,اكتشف ان الدجاجة تقوم ف ساعات
معينة ,بتبديل وضع البيضة وتقليبها ,من جانب ال جانب ,فاجرى
التجربة ف جهازه الاص مرة اخرى ,مع اجراء تلك العملية الت تعلمها
من الدجاجة ,فنجحت ناحا باهرا.
فقل ل بوجدانك ,من علم الدجاجة هذا السر الذي خفي على ذلك
العال الكبي؟ او من ألمها هذه العملية الكيمة الت ل يتم التوليد ال با؟!
واذا اردنا ان ندرس الغرائز بصورة اعمق ,كان علينا ان نعرض أهم
النظريات ف تعليلها وتفسيها ,وهي عديدة:
النظرية الول :ان اليوان اهتدى ال الفعال الغريزية ,بعد ماولت
وتارب كثية ,فأدمن عليها وصارت بسبب ذلك عادة موروثة ,يتوارثها
البناء عن الباء ,دون ان يكون ف تعلمها موضع للعناية الغيبية.
وتتوي هذه النظرية على جزءين ,احدها ان اليوان توصل اول المر
ال العمل الغريزي ,عن طريق الحاولة والتجربة .والخر انه انتقل ال
الجيال التعاقبة ,طبقا لقانون الوراثة .ول يكن الخذ بكل الزأين.
اما الزء الول من النظرية ,فهو غي صحيح ,لن استعباد اليوان
للمحاولة الاطئة ,والتزامه بالحاولة الناحجة وحرصه عليها ,يعن انه ادرك
ناحها وخطأ غيها من الحاولت ,وهذا ما ل يكن العتراف به
للحيوان ,وخاصة فيما اذا كان ناح الحاولة ل يظهر ال بعد موت اليوان,
كما ف الفراش حي يصل ال الطور الثالث من حياته ,اذ يضع بيضه على
هيئة دوائر على الوراق الضراء ,فل يفقس ال ف الفصل التال ,فيخرج
على هيئة ديدان صغية ,ف الوقت الذي تكون فيه الم قد ماتت ,فكيف
اتيح للفراش ان يعرف ناحه فيما قام به من عمل ,ويدرك انه هيأ بذلك
للصغار رصيدا ضخما من الغذاء ,مع انه ل يشهد ذلك؟! اضف ال ذلك
ان الغريزة لو صح انا وليدة التجربة ,لوجب ذلك تطور الغريزة وتكاملها ف
اليوانات على مر الزمن ,وتعزيزها على ضوء ماولت ومارسات اخرى ,مع
ان شيئا من هذا ل يدث.
304
واما الزء الثان من النظرية ,فهو يرتكز على الفكرة القائلة بانتقال
الصفات الكتسبة بالوراثة .وقد انارت هذه الفكرة على ضوء النظريات
الديدة ف علم الوراثة ,كما ألعنا اليه سابقا.
وهب ان قانون الوراثة يشمل العادات الكتسبة ,فكيف تكون العمال
الغريزية عادات موروثة ,مع ان بعض العمال الغريزية ,قد ل يؤديها
اليوان ال مرة او مرات معدودة ف حياته؟!
النظرية الثانية :تبدأ من حيث بدأت النظرية الول ,فتفترض ان
اليوان اهتدى ال العمل الغريزي ,عن طريق الحاولت التكررة ,وانتقل
ال الجيال التعاقبة ,ل عن طريق الوراثة ,بل بلون من ألوان التفهيم
والتعليم ,اليسورة للحيوانات.
وتشترك هذه النظرية مع النظرية السابقة ,ف العتراض الذي وجهناه
ال الزء الول منها .وتتص بالعتراض على ما زعمته ,من تناقل العمل
الغريزي عن طريق التعليم والتفهيم .فان هذا الزعم ل ينسجم مع الواقع
الحسوس ,حت لو اعترفنا للحيوان بالقدرة على التفاهم ,لن عدة من
الغرائز تظهر ف اليوان منذ أول تكونه ,قبل ان توجد أي فرصة لتعليمه,
بل قد تولد صغار اليوان بعد موت امهاتا ,ومع ذلك توجد فيها نفس
غرائز نوعها .فهذه ثعابي الاء ,تاجر من متلف البك والنار ال
العماق السحيقة ,لتضع بيضها ,وقد تقطع ف هجرتا آلف الميال,
لنتخاب البقعة الناسبة ,ث تضع البيض وتوت ,وتنشأ الصغار ,فتعود
بعد ذلك ال الشاطئ الذي جاءت منه امهاتا ,وكأنا قد اشبعت خريطة
العال تقيقا وتدقيقا .فعلى يد من تلقت صغار الثعابي دروس الغرافيا؟!
النظرية الثالثة :اعلنتها الدرسة السلوكية ف علم النفس ,اذ حاولت ان
تلل السلوك اليوي بصورة عامة ,ال وحدات من الفعل النعكس.
وفسرت الغرائز بأنا تركيبات معقدة من تلك الوحدات ,أي سلسلة من
افعال منعكسة بسيطة ,فل تعدو الغريزة ان تكون ,كحركة جذب اليد عند
وخزها بالدبوس ,وانكماشة العي عند تسليط ضوء شديد عليها ,غي ان
305
هذين الفعلي منعكسان بسيطان ,والغريزة منعكس مركب.
وهذا التفسي الل للغريزة ل يكن الخذ به ,لدلئل متعددة يضيق
الجال عن الفاضة فيها .فمنها ان الركة النعكسة آليا انا تثار بسبب
خارجي ,كما ف انكماشة العي الت تثيها شدة الضوء ,مع ان بعض
العمال الغريزية ليس لا مثي خارجي .فأي مثي يعل اليوان منذ يوجد يفتش
عن غذائه .ويهد ف سبيل الصول عليه؟! اضف ال ذلك ان العمال
النعكسة آليا ,ليس فيها موضع لدراك وشعور ,مع ان مراقبة العمال
الغريزية ,تزودنا بالشواهد القاطعة على مدى الدراك والشعور فيها .فمن
تلك الشواهد تربة اجريت على سلوك زنبار ,يبن عشه من عدد من
الليا ,اذ كان ينتظر القائم بالتجربة ,ان يتم الزنبار علمه ف خلية ما,
فيخدشها بدبوس فاذا اتى الزنبار لعمل اللية التالية ووجد ان النسان قد
أفسد عليه عمله ,عاد اليه فأصلحه ,ث سار ف عمل اللية التالية ,وكرر
الجرب تربته هذه عددا من الرات ,أيقن بعدها ان تتابع اجراء السلوك
الغريزي ,ليس تتابعا آليا ,ول حظ الجرب ان الزنبار عندما يعود ويرى ان
اللية ـ الت تت ـ قد أصابا التلف ,يقوم بركات ,ويرج اصواتا تدل
على ما يشعر به من غضب وضيق.
وبعد سقوط هذه النظرية الادية ,يبقى تفسيان للغريزة ,احدها ان
العلم الغريزي يصدر عن قصد وشعور ,غي ان غرض اليوان ليس ما ينتج
عنه من فوائد دقيقة ,بل اللتذاذ الباشر به ,بعن ان اليوان ركب تركيبا
يعله يلتذ من القيام بتلك العمال الغريزية ,ف نفس الوقت الذي تؤدي له
أعظم الفوائد والنافع ,والتفسي الخر ,ان الغريزة الام غيب الي,
بطريقة غامضة ,زود به اليوان ,ليعوض عما فقده من ذكاء وعقل .وسواء
أصح هذا أم ذاك ,فدلئل القصد والتدبي واضحة وبدهية ,ف الوجدان
البشري ,وال فكيف حصل هذا التطابق الكامل ,بي العمال الغريزية
وأدق الصال وأخفاها على اليوان؟!
ال هنا نقف ,ل لن دلئل العلم على السألة اللية قد استنفدت
ـ وهي ل تستنفد ف ملدات ضخام ـ بل حفاظا على طريقتنا ف الكتاب.
306
ولنلتفت ـ بعد كل ما سقناه من دلئل الوجدان ,على وجود القوة
الكيمة اللقة ـ ال الفرضية الادية ,لنعرف ف ضوء ذلك مدى سخفها
وتفاهتها .فان هذه الفرضية ,حي تزعم ان الكون با زخر به من أسرار
النظام ,وبدائع اللقة والتكوين ,وقد اوجدته علة ل تلك ذرة من الكمة
والقصد ,تفوق ف سخفها وغرابتها آلف الرات ,من يد ديوانا ضخما من
أروع الشعر وأرقاه ,او كتابا علميا زاخرا بالسرار والكتشافات ,فيزعم ان
طفل كان يلعب بالقلم على الورقة ,فاتفق ان ترتبت الروف ,فتكون منها
ديوان شعر ,او كتاب علم.
سهِ ْم حَتّى يَتَبَيّنَ َلهُ ْم أَنّهُ اْلحَ ّق أَوَلَمْ
(سَُنرِيهِ ْم آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُ ِ
ك أَنّ ُه َعلَى ُك ّل َشيْءٍ َشهِيد).
َي ْكفِ ِبرَّب َ
307
ـ5ـ
○ الدراك ○
السـألة الفلسـفية الكـبى فـ الدراك ,هـي ماولة صـياغة فـ مفهوم
فلسـفي ,يكشـف عـن حقيقتـه وكنهـه ,ويوضـح مـا اذا كان الدراك ظاهرة
ماديـة ,توجـد فـ الادة حيـ بلوغهـا مرحلة خاصـة مـن التطور والتكامـل ,كمـا
تزعـم الاديـة ,او ظاهرة مردة عـن الادة ,ولونـا مـن الوجود وراءهـا ووراء
ظواهرها ,كما هو معن الدراك ف مفهومه الفلسفي ,لدى اليتافيزيقية؟
والاركسـية بصـفتها مدرسـة ماديـة ,تؤكـد بطبيعـة الال على الفهوم الادي
للفكر والدراك ,كما يتضح من النصوص التالية:
قال ماركس:
[ل يكــن فصــل الفكــر عــن الادة الفكرة .فان هذه الادة هــي
جوهر كل التغيات](.)1
308
وقال أنلز:
[ان شعورنا وفكرنا ـ مهما ظهرا لنا متعاليي ـ ليسا سوى
نتاج عضوي مادي جسدي .هو الدماغ] ([ .)1ان كل ما
يدفع الناس ال الركة ,ير ف ادمغتهم بالضرورة ,حت
الطعام والشراب ,اللذان يبدءان باحساس الوع او العطش
وهو احساس يشعر به الخ أيضا .ان ردود فعل العال
309
وليس الفهوم الفلسفي ,هو الفهوم الوحيد للدراك ,الذي يكن تقديه
على صعيد البحث والدروس ,لن الدراك ملتقى لكثي من البحوث
والدراسات .ولكل دراسة من تلك الدراسات العلمية مفهومها الاص,
الذي يعال احدى مشاكل الدراك التنوعة ,وجانبا من أسرار الياة العقلية
الثية ,بغموضها وتعقيدها .ووراء تلك الفاهيم العلمية جيعا ,الفهوم
الفلسفي ,الذي يقوم فيه الصراع بي الادية واليتافيزية ,كما سبق.
فموضوعنا اذن مثار للوان شت من البحوث الفلسفية والعلمية.
وقد وقع كثي من الكتاب والباحثي ,ف الطأ وعدم التمييز بي النواحي
الت ينبغي للدراسات العلمية ان تتوافر على تحيصها وتليلها ,وبي الناحية
الت من حق البحث الفلسفي ,ان يعطي كلمة فيها .وعلى أساس هذا
الطأ قام الزعم الادي القائل بان الدراك ف مفهومه الفلسفي لدى
اليتافيزية ,يتعارض مع الدراك ف مفاهيمه العلمية .فقد رأينا كيف ياول
جورج بوليتزير ,ان يبهن على مادية الدراك من ناحية فلسفية ,بدلئل
العلوم الطبيعية وقد قام غيه بنفس ماولته أيضا.
ولذلك ند لزاما علينا ان ندد الوقف الفلسفي ف السألة ,لنقضي
على الحاولت الرامية ال اللط ,بي الجال الفلسفي والجال العلمي,
وال اتام التفسي اليتافيزي للدراك ,بجافاة العلم ومنافاته لقائقه
ومقرراته.
وعلى هذا سنقوم بتصفية للموقف العام ,تاه الدراك ,ونلتقي على
ألوان البحث العلمي شيئا من الضوء ,يدد لنا نقاط اختلفنا مع الادية
عامة ,ومع الاركسية على وجه الصوص ,كما يدد لنا النواحي الت يكن
للدراسات العلمية ان تسها وتبحثها ,حت يصبح من الواضح ,ان هذه
الدراسات ل يكن اعتبارها مستمسكا للمادية ,ف معتركها الفكري الذي
توضه مع اليتافيزية ,ف سبيل وضع الفهوم الفلسفي الكمل للدراك.
وقد العنا فيما سبق ,ال تعدد تلك النواحي ,الت مستها تلك البحوث
العلمية او عالتها ,من الدراك ,لتعدد ما يتصل بوانبه الختلفة من
علوم ,بل لتعدد الدارس العلمية من العلم الواحد ,الت عالت كل واحدة
منها الدراك بنظارها الاص ,فهناك بوث الفيزياء والكيمياء ,تدرس جانبا
310
من جوانب الدراك ,وهناك الفيزيولوجيا تأخذ بظها من الدراسة ,وهناك
أيضا السيكولوجيا بختلف مدارسها ,من الدرسة الستبطانية ,والسلوكية,
والوظيفية ,وغيها من مدارس علم النفس ,تتوفر جيعا على درس جوانب
عديدة من الدرك .وييء بعد ذلك كله دور علم النفس الفلسفي,
ليتناول الدراك من ناحيته الاصة ,ويبحث عما اذا كان الدراك ف حقيقته,
حالة مادية قائمة بالهاز العصب ,او حالة روحية مردة؟
وفيما يلي نضع النقاط على الروف ف تلك النواحي التشعبة ,بالقدار
311
فالراكز الركية تقع ف الفص البهي ,والراكز السية الت تتلقى الرسائل
من السم ,تقع ف الفص الداري .وكذلك حواس اللمس والضغط .أما
312
يؤدي تطبيقه على الياة السيكولوجية ,ال نظرة آلية خالصة تاه النسان,
وسيأت الديث عن ذلك.
313
التجريب ,وتدرسها ف ضوء القواني الفلسفية العامة ,وعلى هدى تلك
314
عشر ,افتراضا منهم ان اللكة اذا كانت قوية او ضعيفة عند شخص ,كانت
قوية او ضعيفة ف كل شيء .ومن الواضح ان هذه النظرية داخلة ف النطاق
التجريب لعلم النفس ,فهي نظرية علمية ,لنا تضع للمقاييس
العلمية ,فيمكن ان يرب مدى تاثر الذاكرة بصورة عامة ,بالتدريب على
استذكار مادة معينة ,ويتاح للعلم حينئذ ان يعطي كلمته ف ضوء تارب من
هذا القبيل ,وتقدم حينذاك النتيجة العلمية للتجربة ال فلسفة العلم
السيكولوجي ,ليدرس مدلولا الفلسفي ,وما تعنيه من تعدد اللكات او
وحدتا .ف ضوء القواني الفلسفية.
والثال الثان :نأخذه من صلب الوضوع الذي نعاله ,وهو عملية
الدراك البصري ,فانا من مواضيع البحث الرئيسية ف القل العلمي
والفلسفي على السواء.
ففي البحث العلمي ,يثور نقاش حاد حول تفسي عملية الدراك ,بي
الرتباطيي من ناحية ,وانصار مدرسة الشكل والصيغة (الشطالت) من
ناحية اخرى .والرتباطيون هم الذين يعتبون التجربة السية هي الصل
الوحيد للمعرفة .فكما يلل علماء الكيمياء الركبات الكيميائية ,ال عناصرها
البدائية ,يلل هؤلء متلف البات العقلية ,ال احساسات أولية ,ترتبط
وتتركب بعمليات آلية ميكانيكية ,طبقا لقواني التداعي .وف هذه النظرية
الرتباطية ناحيتان :الول ,ان مرد التركيب ف البات العقلية .ال
احساسات اولية (معان بسيطة ادركت بالس) .والثانية ,ان هذا التركيب
يوجد بطريقة آلية ,وطبقا لقواني التداعي .اما الناحية الول فقد درسناها
ف نظرية العرفة عند الديث عن الصدر الساسي للتصور البشري,
والنظرية السية لون لوك ,الذي يعتب الؤسس الول للمدرسة الرتباطية,
وانتهينا من دراستنا ال ان بعض مفردات التصور والعان العقلية ل ترجع ال
الس ,بل هي من النشاط الفعال الياب للنفس .واما الناحية الثانية,
فهي الت قامت بعالتها مدرسة (الشطالت) فرفضت الدراسة التحليلية
للحالت الشعورية ,وردت على التفسي الرتباطي الل لعمليات الدراك,
مؤكدة على ضرورة دراسة كل واحدة من البات ككل ,وان الكلية ليست
315
مرد صهر البات السية والتركيب بينها ,بل لا طبيعة التنظيم العقلي
الدينامي السائر طبق قواني معينة.
ولنر الن ,بعد ايضاح التاهي السابقي ,تفسيها العلمي لعمليات
الدراك البصري .ففي ضوء التاه الرتباطي يقال ان الصورة الت تنشأ على
شبكية العي للبيت مثل ,تنتقل جزءا جزءا ال الدماغ حيث توجد ف جزء
مدد منه ,صورة ماثلة للصورة الادثة على شبكية العي .وينشط العقل,
فيضفي على هذه الصورة ف الدماغ ,من خبته السابقة ,العان الت ترتبط
ف اذهاننا بالبيت ,طبقا لقواني التداعي اللية ,وينتج
عن ذلك الدراك العقلي لصورة البيت ,واما ف ضوء التاه
الشكلي او الكلي ,فالدراك يتعلق بالشياء بملتها وهيئاتا العامة ,منذ
الوهلة الول ,لن هناك صيغا واشكال اولية ف العال الارجي ,تناسب
صيغ العقل وأشكاله ,فيمكننا ان نفسر تنظيم الياة العقلية ,بتنظيم قواني
العال الارجي نفسها ,ل بالتركيب والتداعي .فالزء ف الصيغة او الكل,
انا يدرك تبعا للكل ,ويتغي تبعا لتغي الصيغة.
وانا نطلق على تفسي الدراك البصري بذا ,اسم التفسي العلمي,
لنه يدخل ف الجال التجريب ,او اللحظة النظمة .فان ادراك الصيغة,
وتغي الزء تبعا لتغيها تريب ,ولذلك برهنت مدرسة (الشطالت) على
نظريتها بالتجربة ,الت توضح ان النسان ل يدرك الجزاء فحسب ,بل
يدرك شيئا آخر كالشكل او النغم ,ولذلك قد تتمع الجزاء جيعا ,ومع
ذلك ل يدرك ذلك الشكل او النغم .فهناك اذن الصيغة ,الت تكشف
الجزاء جيعا .ول نريد الن ان نتوسع ف شرح التفسيات العلمية,
لعملية الدراك البصري ودراستها ,وانا نرمي ـ من وراء ما قدمناه ـ ال
تديد موضع التفسي الفلسفي الذي ناوله منها .فنقول بذا الصدد :ان
الدراك العقلي للصورة البصرة ,يثي ـ بعد تلك الدراسات العلمية كلها ـ
سؤال ,يواجهه الشكليون والرتباطيون على السواء ,وهو السؤال عن هذه
الصورة الت ادركها العقل ,وتكونت طبقا لقواني التداعي الل ,او طبقا
لقواني الصيغة والشكل .فما هو كنهها؟ وهل هي صورة مادية او صورة
316
مردة عن الادة؟ وهذا السؤال الساسي هو الذي يصوغ الشكلة الفلسفية,
الت يب على علم النفس الفلسفي دراستها ومعالتها ,وهو الذي ترد عليه
الادية واليتافيزيقية ,بوابي متناقضي.
ويبدو الن من الواضح جدا ,ان السيكولوجيا العلمية ـ أي علم النفس
التجريب ـ ل تستطيع ف هذا الجال ,ان تؤكد على التفسي الادي للدراك,
وتنفي وجود شيء ف الياة العقلية خارج الادة ,كما تزعم الفلسفة الادية.
لن التجارب السيكولوجية ـ سواء منها الذاتية والوضوعية ـ ل تتد ال ذلك
الجال.
ڤ........................................الدراك ف مفهومه الفلسفي
لنبدأ الن بدراستنا للدراك ـ بعد ان أوضحنا مغزاها وصلتا
بختلف الدراسات العملية ـ طبقا للمنهج الفلسفي ف الدراسات النفسية,
والذي يتلخص ـ كما ألعنا اليه سابقا ـ ف أخذ القائق العلمية ,والسلمات
التجريبية وبثها على ضوء القواني والصول القررة ف الفلسفة ,لستنتاج
حقيقة جديدة ,وراء ما كشفت عنه التجارب من حقائق.
ولنأخذ الدراك العقلي للصورة البصرة ,نوذجا حيا للحياة العقلية
العامة ,الت تتصارع حول تفسيها الفلسفتان ,اليتافيزية ,والادية,
فمفهومنا الفلسفي للدراك يرتكز:
اول ,على الصائص الندسية للصورة الدركة.
ثانيا ,على ظاهر الثبات ,ف عمليات الدراك البصري.
1ـ (اما الول) فنبدأ فيه من حقيقة بدهية ,نأخذها من حياتنا
اليومية ,ومتلف تاربنا العتيادية ,وهي ان الصورة الت تتحفنا با العملية
العقلية للدراك البصري ,تتوي على الصائص الندسية ,من الطول,
والعرض ,والعمق ,وتبدو بختلف الشكال والجوم .فلنفرض اننا زرنا
حديقة تتد آلف المتار والقينا عليها نظرة واحدة ,استطعنا فيها ان ندرك
317
الديقة كل متماسكا ,تبدو فيه النخيل ,والشجار ,وبركة الاء الكبية,
وألوان الياة التدفقة ,ف الزهار والوراد ,والكراسي الوضوعة بانتظام
حول بركة الاء ,والبلبل ,والطيور الت تشدو على الغصان .والسؤال
الذي يعترضنا حول هذه الصورة الرائعة ,الت ادركنا بنظرة مستوعبة هو:
ما هي هذه الصورة الت ندركها؟ وهل هي نفس الديقة وواقعها الوضوعي
بالذات ,او صورة مادية تقوم بعضو مادي خاص ف جهازنا العصب ,او ل
هذا ول ذاك بل صورة مردة عن الادة ,تاثل الواقع الوضوعي وتكي
عنه ؟؟
اما ان الديقة بواقعها الارجي ,هي الصورة التمثلة ف ادراكنا
العقلي ,فقد كانت تنادي بذلك نظرية قدية ف الرؤية ,تفترض ان النسان
يدرك الواقع الوضوعي للشياء نفسه ,بسبب خروج شعاع خاص من
العي ,ووقوعه على الرئي ,ولكن هذه النظرية سقطت ـ اول ـ من الساب
الفلسفي ,لن خداع الواس الذي يعلنا ندرك صورا معينة ,على اشكال
خاصة ل واقع لا يبهن على ان الصورة الدركة ,ليست هي الواقع
الوضوعي ,وال فما هو الواقع الوضوعي الدرك ف الدركات السية الادعة؟!
ـ ثانيا ـ وسقطت من الساب العلمي ,اذ اثبت العلم ,ان
الشعة الضوئية ,تنعكس من الرئيات على العي ل من العي عليها ,وانا ل
نلك من الشياء الرئية ,ال الشعة النعكسة منها على الشبكية .حت لقد
اثبت العلم ,ان رؤيتنا للشيء قد تدث بعد انعدام ذلك الشيء بسني.
فنحن ل نرى الشعرى ف السماء مثل ,ال حي تصل الوجات الضوئية
الصادرة عن الشعرى ال الرض بعد عدة سني من انطلقها عن مصدرها,
فتقع على شبكية العي .فنقول نن نرى الشعرى غي ان هذه الوجات
الضوئية الت تؤدي بنا ال رؤية الشعرى انا تنبئنا عنها كما كانت قبل عدة
سني .ومن الائز ان تكون الشعرى قد انعدمت من السماء قبل رؤيتنا لا
بأمد طويل ,وهذا يبهن علميا على ان الصورة الت نس با الن ليست
هي الشعرى الحلقة ف السماء ,أي الواقع الوضوعي للنجم.
ويبقى ف حسابنا بعد ذلك ,الفتراضان الخيان .فالفتراض الثان ـ
318
القائل ان الصورة الدركة نتاج مادي قائم بعضو الدراك ف الهاز العصب ـ
هو الذي يدد الذهب الفلسفي للمادية .والفتراض الثالث ـ القائل ان
الصورة الدركة ـ او الحتوى العقلي لعملية الدراك ـ ل توجد ف الادة ,وانا
هي لون من الوجود اليتافيزيقي ,خارج العال الادي ,هو الذي يثل الذهب
الفلسفي للميتافيزيقية.
وف هذه الرحلة من البحث ,يكننا ان نستبعد الفتراض الادي,
استبعادا نائيا .وذلك لن الصورة الدركة ,بجمها وخصائصها الندسية,
وامتدادها طول وعرضا ,ل يكن ان توجد ف عضو مادي صغي ,ف الهاز
العصب .فنحن وان كنا نعتقد ,ان الشعة الضوئية تنعكس على الشبكية,
وتتصور ف صورة خاصة ,ث تنتقل ف اعصاب الس ال الدماغ ,فتنشا ف
موضع مدد منه ,صورة ماثلة للصور الت حدثت على الشبكية ...ولكن
هذه الصورة الادية ,غي الصورة الدركة ف عقلنا ,لنا ل تلك ما تلكه
الصورة الدركة من خصائص هندسية .فكما ان الديقة الت ادركناها ف نظرة
واحدة ,ل يكن ان نأخذ عنها صورة فوتوغرافية ,موازية لا ف السعة
والشكل والمتداد ,على ورقة مسطحة صغية ,كذلك ل يكن ان ناخذ عنها
صورة عقلية ,او ادركية ـ تاكيها ف سعتها ,وشكلها ,وخصائصها
الندسية ـ على جزء ضئيل من الخ ,لن انطباع الكبي ف الصغي مستحيل.
واذن فيصبح من الضروري ,ان ناخذ بالفتراض الثالث ,وهو ان
الصورة الدركة ,الت هي الحتوى القيقي للعملية العقلية ,صورة
ميتافيزيقية ,موجودة وجودا مردا عن الادة ,وهذا هو كل ما يعنيه الفهوم
الفلسفي اليتافيزيقي للدراك.
وقد يطر هنا على بعض الذهان ,ان مسألة ادراك الصورة ف اشكالا,
وحجومها ,وابعادها ومسافاتا ,قد اجاب عليها العلم ,وعالتها البحوث
السيكولوجية .اذ اوضحت ان هناك عدة عوامل بصرية وعضلية ,تساعدنا
على ادراك تلك الصائص الندسية .فحاسة البصر ل تدرك سوى الضوء
واللون ,واما ادراك الصائص الندسية للشياء ,فهو يتوقف على ارتباط
319
ادراك الشكال والجوم ,حت انا كنا نعجز عن التمييز بي كرة ومكعب,
وذلك لن الكيفيات الولية والشكال ,من مدركات اللمس .وبتكرار
التجربة اللمسية ,ينشا تقارن بي مدركات اللمس .من تلك الكيفيات,
وبي عدة من الحساسات البصرية كاختلفات خاصة ف الضواء واللوان
البصرة ,وعدد من الركات العضلية كحركة تكييف العي لرؤية الشياء,
القريبة والبعيدة ,وحركة التلقي ف حالة البصار بالعيني .وبعد ان ينشأ
هذا التقارن ,يكننا ان نستغن ف ادراك الجوم والشكال ,عن
الحساسات اللمسية ,با اقترن با من احساسات وحركات عضلية فاذا
أبصرنا كرة بعد هذا ,استطعنا ان ندد شكلها ,وحجمها دون ان نلمسها
اعتمادا على الحساسات والركات العضلية ,الت اقترنت بدركات اللمس.
وهكذا ندرك أخيا الشياء ,بصائصها الندسية ,ل بالحساس البصري
فحسب ,بل البصار مع ألوان أخرى من حركات حسية ,اصبحت ذات
مدلول هندسي ,بسبب اقترانا بدركات اللمس ,غي ان العادة ل تعلنا
نشعر بذلك.
ونن ل نريد ان ندرس نظرية العوامل العضلية والبصرية ,من ناحية
علمية ,لن ذلك ل يهم البحث الفلسفي ,فلنأخذ با كمسلمة علمية,
ولنفترض انا صحيحة ,فان هذا الفتراض ل يغي من موقفنا الفلسفي
شيئا ,كما يظهر ذلك ف ضوء ما قدمناه من تديدات للدراسة الفلسفية ف
بوث النفس ,اذ ان مؤدى النظرية ,هو ان الصورة العقلية الدركة,
بصائصها الندسية ,وطولا وعرضها ,وعمقها ,ل توجد بسبب الحساس
البصري البسيط فحسب ,بل بالتعاون مع احساسات بصرية ,وحركات
عضلية اخرى ,اكتسبت مدلول هندسيا ,بارتباطها باللمس واقترانا معه ف
التجارب التكررة .وسوف نواجه بعد التسليم بذا ,نفس السؤال الفلسفي
الول ,وهو السؤال عن هذه الصورة العقلية ,الت كونا الحساس
البصري ,بالشتراك مع احساسيس وحركات اخرى ,أين توجد؟ وهل هي
صورة مادية قائمة ف عضو مادي ,او صورة ميتافيزيقية مردة عن الادة؟
ومرة اخرى ند انفسنا مضطرين ال الخذ بوجهة النظر اليتافيزيقي لن هذه
الصورة بصائصها وامتدادها آلف المتار ,ل يكن ان توجد ف عضو
320
مادي صغي ,كما ل يكن ان توجد على ورقة صغية ,فيجب اذن ان تكون
مردة عن الادة.
هذا ما يتصل بظاهرة الصائص الندسية للصورة العقلية الدركة.
2ـ (واما الظاهرة الثانية) ,الت يتاح لفهومنا الفلسفي ,ان يرتكز عليها,
فهي ظاهرة الثبات ,ونعن با ان الصورة العقلية الدركة تيل ال الثبات,
ول تتغي طبقا لتغيات الصورة النعكسة ,على الهاز العصب .فهذا قلم
اذا وضعناه على بعد متر واحد منا ,انعكست عنه صورة ضوئية خاصة,
واذا ضاعفنا السافة الت تفصلنا عنه ,ونظرنا اليه على بعد مترين ,فان
الصورة الت يعكسها سوف تقل ال نصف ما كانت عليه ,ف حالتها
الول ,مع ان ادراكنا لجم القلم لن يتغي تغيا يذكر ,أي ان الصورة العقلية
للقلم الت نبصرها ,تبقى ثابتة بالرغم من تغي الصورة الادية النعكسة.
وهذا يبهن بوضوح ,على ان العقل والدراك ليس ماديا ,وان الصورة
الدركة ميتافيزيقية .ومن الواضح ,ان هذا التفسي الفلسفي لظاهرة الثبات
ل يتعارض مع أي تفسي علمي لا يكن ان يقدم ف هذا الضمار .فيمكنك
ان تفسر الظاهرة ,بان ثبات الوضوعات الدركة ـ ف مظاهرها الختلفة ـ
يرجع ال البة والتعلم كما يكنك ان شئت ان تقولـفي ضوء التجارب العلمية ـ
ـ ان هناك علقات مددة بي الثبات ف متلف مظاهره ,والتنظيم الكان
للموضوعات الارجية الت ندركها .فان هذا ل يعن حل الشكلة من ناحية
فلسفية ,اذ ان الصورة البصرة ـ الت ل تتغي طبقا للصورة الادية ,بل ظلت
ثابتة بفضل خبة سابقة ,او بكم تنظيمات مكانية خاصة ـ ل يكن ان
تكون هي الصورة النعكسة عن الواقع الوضوعي ,على مادة الهاز
العصب ,لن هذه الصورة النعكسة تتغي تبعا لزيادة البعد ,بي العي
والواقع ,وتلك الصورة البصرة ثابتة.
321
الادي ,فهو يلك من الصائص الندسية ـ أول ـ ومن الثبات ـ ثانيا ـ ما ل
تلكه أي صورة مادية منعكسة على الدماغ .وعلى هذا الساس تؤمن
اليتافيزيقية ,بان الياة العقلية ـ با تزخر به من ادراكات وصور ـ أثرى
الوان الياة وارقاها ,لنا حياة ترتفع عن مستوى الادة وخصائصها .ولكن
السألة الفلسفية الخرى الت تنبثق ما سبق ,هي ان الدراكات والصور,
الت تتشكل منها حياتنا العقلية ,اذا ل تكن صورا قائمة بعضو مادي ,فأين
هي قائمة اذن؟ وهذا السؤال هو الذي دعا ال استكشاف حقيقة فلسفية
جديدة ,وهي ان تلك الصور والدراكات ,تتمع او تتتابع كلها على صعيد
واحد ,هو صعيد النسانية الفكرة ,وليست هذه النسانية الفكرة شيئا من
الادة ,كالدماغ او الخ ,بل هي درجة من الوجود مردة عن الادة ,يصلها
الكائن الي ف تطوره وتكامله .فالدرك والفكر هو هذه النسانية اللمادية.
ولكي يتضح الدليل على ذلك بكل جلء ,يب ان نعلم انا بي ثلثة
عروض :احداها ان ادراكنا لذه الديقة ,او لذلك النجم ,صورة مادية
قائمة بهازنا العصب ,وهذا ما نبذناه ودللنا على رفضه .وثانيها ان
ادراكاتنا ليست صورا مادية ,بل هي صور مردة عن الادة ,وموجودة بصورة
مستقلة عن وجودنا ـ وهذا افتراض غي معلول ايضا ,لنا اذا كانت موجودة
بصورة مستقلة عنا ,فما هي صلتنا با؟! وكيف اصبحت ادراكات لنا؟!
واذا نفضنا يدينا من هذا وذاك ,ل يبق لدينا ال التفسي الثالث للموقف,
وهو ان تلك الدراكات والصور العقلية ,ليست مستقلة ف وجودها عن
النسان كما انا ليست حالة او منعكسة ف عضو مادي ,وانا هي ظواهر
مردة عن الادة ,تقوم بالانب اللمادي من النسان .فهذه النسانية
اللمادية (الروحية) هي الت تدرك وتفكر ,ل العضو الادي ,وان كان
322
الفكري والعقلي ،فليس النسان مرد مادة معقدة وإنا هو مزدوج الشخصية
من عنصر مادي وآخر ل مادي.
وهذا الزدواج يعلنا نابه موقفا عسيا ف سبيل استكشاف نوعية
العلقة والصلة بي الانبي الادي والروحي من النسان ونن نعلم قبل
كل شيء ان العلقة بينهما وثيقة حت ان احدها يؤثر ف الخر باستمرار،
فإذا خيل إل شخص انه يرى شبحا ف الظلم اعترته قشعريرة ،وإذا كتب
على شخص ان يطب ف حفل عام آخذ العرق يتصبب منه ،وإذا بدأ احدنا
يفكر حدث نشاط خاص ف جهازه العصب ،فهذا أثر العقل أو الروح ف
السم ،كما ان للجسم أثره ف العقل ،فإذا دبت الشيخوخة ف السد وهن
النشاط العقلي ،وإذا أفرط شارب المر ف السكر قد يرى الشيء شيئي,
فكيف يتاح للجسم والعقل ان يؤثر احدها ف الخر إذا كانا متلفي ل
يشتركان ف صفة من الصفات ،فالسم قطعة من الادة له خصائصها من
ثقل وكتلة وشكل وحجم ،وهو يضع لقواني الفيزياء .وأما العقل ـ أو
الروح ـ فهو موجود غي مادي ينتسب إل عال وراء عال الادة ،ومع هذه الوة
الفاصلة يصعب تفسي التأثي التبادل بينهما .فقطعة من الجارة يكن ان
تسحق نبتة ف الرض لنما معا ماديان وقطعتان من الجر يكن ان تصطكا
وتتفاعل .وأما أن يدث الصطكاك والتفاعل بي موجودين من عالي فهذا
ما يتاج إل شيء من التفسي وهو الذي عاق التفكي الوروب الديث على
الغلب عن الخذ بفكرة الزدواج بعد ان رفض التفسي الفلطون القدي
للعلقة بي الروح والسم بوصفها علقة بي قائد وعربة يسوقها ،فقد كان
أفلطون يتصور أن الروح جوهر قدي مرد عن الادة يعيش ف عال وراء دنيا
الادة ث يهبط إل البدن ليدبره كما يهبط السائق من منله ويدخل العربة
ليسوقها ويدبر أمرها .وواضح ان هذه الثنائية الصرية والوة الفاصلة بي
الروح والسم ف تفسي أفلطون ل تصلح لتفسي العلقة الوثيقة بينهما الت
تعل كل إنسان يشعر بأنه كيان موحد وليس شيئي من عالي مستقلي التقيا
على ميعاد.
323
وقد ظل التفسي الفلطون قاصرا عن حل الشكلة بالرغم من
التعديلت الت أجريت على التفسي الفلطون من قبل أرسطو بإدخال فكرة
الصورة والادة ،ومن قبل ديكارت الذي جاء بنظرية الوازنة بي العقل
والسم القائلة بأن العقل والسم ـ الروح والسد ـ يسيان علي خطي
متوازيي وكل حادث يقع ف احدها يصاحبه حادث يقابله يقع ف الخر،
وهذا التلزم بي الحداث العقلية والسمية ل يعن ان احدها سبب للخر
إذ ل معن للتأثي التبادل بي شيء مادي وآخر غي مادي بل ان هذا التلزم
بي النوعي من الحداث مرده ال العناية اللية الت شاءت ان يصاحب
الحساس بالوع دائما حركة اليد لتناول الطعام دون ان يكون الحساس
سببا للحركة ،ومن الواضح أن نظرية الوازنة هذه تعبي جديد عن ثنائية
افلطون وهوته الفاصلة بي العقل والسم.
وقد ادت الشاكل الت تنجم عن تفسي النسان على أساس الروح
والسد معا ال بلورة اتاه حديث ف التفكي الوروب ال تفسي النسان
بعنصر واحد فنشأت الادية ف علم النفس الفلسفي القائلة ان النسان مرد
مادة وليس غي كما تولدت النعة الثالية الت تنح ال تفسي النسان كله
تفسيا روحيا.
واخيا وجد تفسي النسان على أساس العنصرين الروحي والادي
تصميمه الفضل على يد الفيلسوف السلمي صدر التألي الشيازي فقد
استكشف هذا الفيلسوف الكبي حركة جوهرية ف صميم الطبيعة هي الرصيد
العمق لكل الركات الطارئة الحسوسة الت تزخر با الطبيعة ,وهذه الركة
الوهرية هي السر الذي كشفه الشيازي بي الادة والروح ,فان الادة ف
حركتها الوهرية تتكامل ف وجودها وتستمر ف تكاملها حت تتجرد عن ماديتها
ضمن شروط معينة وتصبح كائنا غي مادي أي كائنا روحيا فليس بي الادي
والروحي حدود فاصلة بل ها درجتان من درجات الوجود والروح بالرغم من
انا ليست مادية ذات نسب مادي لنا الرحلة العليا لتكامل الادة ف حركتها
الوهرية.
وف هذا الضوء نستطيع ان نفهم العلقة بي الروح والسم ,ويبدو من
الألوف ان يتبادل العقل والسم ـ الروح والادة ـ تأثياتما لن العقل ليس
324
شيئا مفصول عن الادة بوة سحيقة كما كان ييل لديكارت حي اضطر ال
انكار التأثي التبادل والقول بجرد الوازنة ,بل ان العقل نفسه ليس ال صورة
مادية عند تصعيدها ال اعلى من خلل الركة الوهرية ,والفرق بي الادية
والروحية فرق درجة فقط كالفرق بي الرارة الشديدة والرارة القل منها
درجة.
ولكن هذا ل يعن ان الروح نتاج للمادة وأثر من آثارها ,بل هي نتاج
للحركة الوهرية ,والركة الوهرية ل تنبع من نفس الادة لن الركة! كل
حركة ـ خروج للشيء من القوة ال الفعل تدرييا ـ كما عرفنا ف مناقشتنا
للتطور عند الديالكتيك ـ والقوة ل تصنع الفعل ,والمكان ل يصنع الوجود
فللحركة الوهرية سببها خارج نطاق الادة التحركة ,والروح الت هي
الانب غي الادي من النسان ـ نتيجة لذه الركة .والركة نفسها هي
السر بي الادية والروحية.
ڤ.........................................النعكس الشرطي والدراك
ليس اختلفنا مع الاركسية ,ف حدود مفهومها الادي للدراك فحسب,
لن الفهوم الفلسفي للحياة العقلية ,وان كان هو النقطة الرئيسية ف معتركنا
الفكري معها ,ولكننا نتلف أيضا ف مدى علقة الدراك والشعور
325
بالفعل ,لجرد رؤية الطبق الذي فيه الطعام ,او الحساس باقتراب الادم
الذي تعود احضاره .ومن الواضح ان رؤية الشخص ,او خطواته ,ل
يكن اعتبارها منبها طبيعا لذه الستجابة ,كما ينبهها وضع الطعام ف الفم,
بل ل بد ان تكون هذه الشياء ,قد ارتبطت بالستجابة الطبيعية ف مرى
التجربة الطويل ,حت استخدمت كعلمة مبدئية على النبه الفعلي.
وعلى هذا يكون افراز اللعاب ,عند وضع الطعام ف الفم ,فعل
منعكسا طبيعيا ,يثيه منبه طبيعي .واما افزاز اللعاب عند اقتراب الادم او
رؤيته ,فهو فعل منعكس شرطي ,أثي بسبب منبه مشروط ,يستعمل
كعلمة على النبه الطبيعي ,ولول اشراطه بالنبه الطبيعي ,لا وجدت
استجابة بسببه.
وبسبب عمليات اشراط كهذا ,وجد اول نظام اشاري لدى الكائن
الي ,تلعب فيه النبهات الشروطة دورا ,ف الشارة ال النبه الطبيعي,
واستشارة الستجابة الت يستحقها .وبعد ذلك وجد النظام الشاري الثان,
الذي عوض فيه عن النبهات الشرطية ف النظام الول ,باشارات ثانوية ال
تلك النبهات الشرطية ,الت اشرطت هذه الشارات الثانوية با ,ف تارب
326
والحتوى القيقي للعمليات ,ما دام من الائز ان يكون للدراك حقيقة وراء
حدود التجربة.
اضف ال ذلك ان السلوكية ف رأيها هذا القائل بأن الفكار استجابات
شرطية تقضي على نفسها وتنع القدرة على الكشف عن الواقع والقيمة
الوضوعية ,ل من سائر الفكار فحسب ,بل من السلوكية ذاتا أيضا
بوصفها فكرة تضع للتفسي السلوكي ,لن تفسي السلوكية للفكر النسان له
أثره الطي ف نظرية العرفة وتقدير قيمتها ومدى قدرتا على استكشاف
الواقع .فالعرفة ـ كل معرفة ـ ل تعدو وفقا للتفسي السلوكي ان تكون
استجابة حتمية لنبه شرطي كسيلن اللعاب من فم الكلب ف تارب
بافلوف ,وليست نتيجة للستدلل والبهان ,وبالتال تصبح كل معرفة تعبيا
عن وجود منبه شرطي لا ل عن وجود مضمونا ف الواقع الارجي ,والفكرة
السلوكية نفسها ل تشذ عن هذه القاعدة العامة ول تتلف عن كل الفكار
الخرى ف تأثرها بالتفسي السلوكي وسقوط قيمتها وعدم امكان دراستها بأي
لون من اللوان.
والواقع هو عكس ما رامته السلوكية تاما ,فليس الدراك والفكر فعل
فيزيولوجيا ,ينعكس عن منبه شرطي ,نظي افزاز اللعاب ,كما يزعم
السلوكيون ,بل نفس افزاز اللعاب هذا ,يعن شيئا غي مرد رد الفعل
النعكس ,يعن ادراكا وهذا الدراك هو السبب ف اثارة النبه الشرطي
للستجابة النعكسة .فالدراك هو القيقة الت تتبينها وراء ردود فعل النبه
الشرطي ,وليس لونا من الوان تلك الردود ,ونعن بذا ان افزاز الكلب
لعابه ,عند حدوث النبه الشرطي ,ل يكن مرد فعل آل بت ,كما تعتقد
السلوكية ,بل كان نتيجة ادراك الكلب مدلول النبه الشرطي ,فخطوات
الادم ,باقترانا مع ميء الطعام ف تارب متكررة ,اصبحت تدل على
ميئه ,وأصبح الكلب يدرك ميء الطعام ,عند ساعها ,فيفرز لعابه
استعدادا للموقف الذي يبشر به النبه الشرطي .وكذلك الطفل اذ يبدو عليه
شيء من الرتياح ,عند تيؤ مرضعته لرضاعه ,بل اخباره بجيئها ,اذا
كان يلك فهما لغويا .فان هذا الرتياح ليس مرد فعل فيزيولوجي ينعكس
327
عن شيء خارجي ارتبط بالثي الطبيعي ,بل هو منبثق عن ادراك الطفل
مدلول النبه الشرطي ,اذ يستعد حينئذ للرتضاع ,ويشعر بارتياح ,ولذا
ند فرقا ف درجات الرتياح ,بي الرتياح الذي يثيه نفس النبه الطبيعي,
وبي الرتياح الذي تثيه النبهات الشرطية ,لجل ان ذاك ارتياح أصيل,
وهذا ارتياح المل والترقب.
ويكننا ان نبهن علميا على عدم كفاية التفسي السلوكي للتفكي عن
طريق التجارب الت قام على أساسها مذهب الشطالت ف علم النفس ,اذ
برهنت هذه التجارب على ان من الستحيل ان نفسر حقائق الدراك على
اساس سلوكي بت وبوصفها مرد استجابات للمنبهات الادية الت يتلقى
الدماغ رسائلها ف صورة عدد من الدوافع العصبية التفرقة ,بل يب ,لكي
نفسر حقائق الدراك تفسيا كامل ,ان نؤمن بالعقل ودوره الياب الفعال
وراء النفعالت والستجابات العصبية الت تثيها النبهات ,ولنأخذ الدراك
328
متلف اعضاء السم مزأة ضمن عدد من الدوافع العصبية التفرقة فكيف
اتيح لنا ان ندرك نظام العلقات بي الشياء وكيف اتيح للدراك ان ينصب
أول على الكل فل ندرك الشياء ال ضمن كل مترابط بدل عن ادراك
الشياء متفرقة كما تنتقل ال الدماغ ,كيف أمكن ذلك كله لو ل يكن هناك
دور اياب فعال للعقل وراء النفعالت والالت السمية الجزأة ,وبكلمة
اخرى ,ان الشياء الارجية قد تقذف الدماغ برسائل متفرقة وهي
استجاباتنا للمنبهات الارجية ف عرف السلوكية ,وقد يلو للسلوكية ان
تقول ان هذه الستجابات والرسائل الادية الت تر ف العصاب ال الخ هي
وحدها الحتوى القيقي لدراكنا ,ولكن ماذا تقول عن ادراكنا لنظام من
العلقات بي الشياء يعلنا نس أول بالكل الوحد وفقا لتلك العلقات,
مع ان النظام العلقات هذا ليس شيئا ماديا ليثي انفعال ماديا ف جسم الفكر
واستجابة او حالة جسمية معينة ,فل يكننا ان نفسر ادراكنا لذا النظام,
وبالتال ادراكنا للشياء ضمنه على أساس سلوكي بت.
واما الاركسية فقد اخذت بنظريات (بافلوف) ورتبت عليه:
أول :ان الشعور ,يتطور طبقا للظروف الارجية وذلك لنه حصيلة
العمال النعكسة الشرطية الت تثيها النبهات الارجية.
قال جورج بوليتزير:
[وبذه الطريقة اثبت (بافلوف) ان ما يدد أساسا
شعور النسان ,ليس جهازه العضوي ...بل يدده على
عكس ذلك الجتمع ,الذي يعيش فيه النسان ,والعرفة
الت يصل عليها منه .فالظروف الجتماعية للحياة ,هي
النظم القيقي للحياة العضوية الذهنية](.)1
ثانيا :ان ولدة اللغة ,كانت هي الدث الساسي ,الذي نقل البشر
ال مرحلة الفكر ,لن فكرة الشيء ف الذهن ,انا تنجم عن منبه خارجي
شرطي ,فلم يكن من المكن ان توجد للنسان فكرة عن شيء ,ما ل تقم
أداة كاللغة بدور النبه الشرطي.
قال ستالي:
329
[يقال ان الفكار تأت ف روح النسان ,قبل ان نعب
عن نفسها ف الديث ,وانا تولد دون ادوات اللغة .ال
ان هذا خطأ تاما ,فمهما كانت الفكار ,الت تأت ف روح
النسان ,فل يكن ان تولد او توجه ال على أساس ادوات
اللغة ...فاللغة هي الواقع الباشر للفكر](.)1
330
ولكن كيف نفسر غفلتنا عن الصناديق الخرى؟! ولاذا زال الشراط فورا
بجرد قضاء حاجتنا ؟!
ففي ضوء المثلة ,تعرف ان الفكرة نشاط اياب فعال للنفس ,وليس
رهن ردود الفعل الفيزيولوجية ,كما انه ليس هو الواقع الباشر للعلة ,كما
زعمت الاركسية ,بل اللغة أداة لتبادل الفكار ,وليست هي الكونة لتلك
الفكار ,ولذا قد نفكر ف شيء ونفتش طويل عن اللفظ الناسب له,
للتعبي به عنه ,وقد نفكر ف موضوع ,ف نفس الوقت الذي تتكلم فيه عن
موضوع آخر.
وقد قمنا ف دراستنا الوسعة للمادية التاريية ف كتاب (اقتصادنا) بنقد
مستوعب لنظريات الاركسية عن الدراك البشري من ناحية علقته بالظروف
الجتماعية والادية وتفسيه على أساس الظروف القتصادية ,كما تناولنا
بتفصيل ,الرأي الاركسي القائل بانبثاق الفكر من اللغة وارتباطه با .ولجل
هذا نكتفي هنا با جاء ف الطبعة الول من هذا الكتاب استغناء بدارستنا
الوسعة ف اللقة الثانية ـ اقتصادنا ـ
فالياة الجتماعية والظروف الادية ـ اذن ـ ل تدد افكار الناس
ومشاعرهم ـ بصورة آلية ـ عن طريق النبهات الارجية.
نعم ان النسان قد يكيف أفكاره تكييفا اختياريا بالبيئة والحيط كما نادت
بذلك الدرسة الوظيفية ف علم النفس تأثرا بنظرية التطور عند ل مارك ف
البيولوجيا ,فكما ان الكائن الي يتكيف عضويا تبعا لحيطه ,كذلك المر
ف حياته الفكرية.
ولكنا يب ان نعلم:
أول :ان هذا التكيف يوجد ف الفكار العملية ,الت وظيفتها تنظيم
الياة الارجية ,ول يكن ان يوجد ف الفكار التأملية ,الت وظيفتها
الكشف عن الواقع .فالبادىء النطقية ,او الرياضية ,وغيها من الفكار
التأملية ,تنبع من العقل ,ول تتكيف بقتضيات البيئة الجتماعية ,وال
لكان مصي ذلك ال الشك الفلسفي الطلق ,ف كل حقيقة ,اذ لو كانت
الفكار التأملية جيعا ,تتكيف بعوامل الحيط ,وتتغي تبعا لا ,ل يؤمن على
أي فكرة حقيقة من التغي والتبدل.
331
ثانيا :ان تكيف الفكار العملية ,بقتضيات البيئة وظروفها ,ليس آليا
بل هو تكيف اختياري ,ينشأ من دوافع ارادية ف النسان ,تسوقه ال جعل
النظام النسجم مع ميطه وبيئته ,وبذلك يزول التعارض ـ تاما ـ بي الدرسة
332
○ الفهرس ○
الصفحة الوضوع
كلمة الؤلف 7 .......................................................
تهيد 11 ..................................................................
السألة الجتماعية ـ الذاهب الجتماعية ـ الديقراطية الرأسالية ـ التاه
الادي ف الرأسالية ـ موضع الخلق من الرأسالية ـ مآسي النظام
الرأسال ـ الشتراكية والشيوعية ـ التعليل الصحيح للمشكلة ـ كيف تعال
الشكلة؟ ـ رسالة الدين.
1
نظرية العرفة
1ـ الصدر الساسي للمعرفة 51 ..........................................
التصور ومصدره الساسي 52 .....................................
– 1نظريات الستذكار الفلطونية 53 .........................
– 2النظريات العقلية 54 .................................
– 3النظرية السية 57 ..........................................
– 4نظرية النتزاع 61 ..........................................
التصديق ومصدره الساسي 63 ....................................
1ـ الذهب العقلي 63 ..........................................
2ـ الذهب التجريب 66 ........................................
الاركسية والتجربة 79 ..........................................
التجربة والكيان الفلسفي 82 .....................................
الدرسة الوضعية والفلسفة 90 ......................................
333
2ـ قيمة العرفة 95 ...............................................
1ـ آراء اليونان 97 ..........................................
2ـ الديكارت 98 ..............................................
3ـ جون لوك 102 ...........................................
4ـ الثاليون 104 .............................................
أ ـ الثالية الفلسفية 115 .......................................
ب ـ الثالية الفيزيائية 122 ......................................
5ـ أنصار الشك الديث 123 ...............................
6ـ النسبيون 125 .............................................
أ ـ نسبية كانت 126 ...........................................
ب ـ النسبية الذاتية 133 ........................................
الشك العلمي 134 ............................................
نظرية العرفة ف فلسفتنا 141 .....................................
النسبية التطورية 145 ..........................................
التجربة والثالية 145 ..........................................
التجربة والشيء ف ذاته 152 .....................................
الركة الديالكتيكية ف الفكر 159 ................................
أ ـ تطور القيقة وحركتها 163 ..................................
ب ـ اجتماع القيقة والطأ 169 ..............................
التعديلت العلمية والقائق الطلقة 175 ...........................
334
2
335
الصفحة الوضوع
لاذا تتاج الشياء ال علة 272 ....................................
أ ـ نظرية الوجود 272 ..........................................
ب ـ نظرية الدوث 274 .........................................
ج و د ـ نظرية المكان الذات والمكان الوجودي 274 ..........
التأرجح بي التناقض والعلية 277 .................................
التعاصر بي العلة والعلول 279 ....................................
الناقشة الكلمية 279 ..........................................
العارضة اليكانيكية 280 ..........................................
الادة أو ال 285 ..........................................................
الادة على ضوء الفيزياء 286 ......................................
نتائج الفيزياء الديثة 291 .....................................
النتيجة الفلسفية من ذلك 292 ....................................
مع التجريبيي 294 ......................................
مع الديالكتيك 295 .......................................
الادة والفلسفة 297 ..........................................
الزء والفيزياء والكيمياء 302 .....................................
الزء والفلسفة 304 ..........................................
النتيجة الفلسفية 305 ..........................................
الادة والركة 306 ..........................................
الادة والوجدان 308 ..........................................
الادة والفيزيولوجيا 309 ..........................................
الادة والبيولوجيا 310 ..........................................
الادة وعلم الوراثة 312 ..........................................
الادة وعلم النفس 313 ..........................................
الدراك 319 ...............................................................
336
الصفحة الوضوع
الدراك ف مستوى الفيزياء والكيمياء 322 .........................
الدراك ف مستوى الفيزيولوجيا .............................
322
الدراك ف البحوث النفسية .............................
324
الدراك ف مفهومه الفلسفي .............................
328
الانب الروحي ف النسان .............................
334
النعكس الشرطي والدراك .............................
336
الفهرس ..........................................................
345
337