You are on page 1of 390

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫فاتحة الكتاب‬

‫]تفسير آية الفاتحة )‪[(1‬‬


‫اسم الشيء ما يعرف به‪ ،‬فأسماء ال تعالى هي الصور النوعية التي تدل بخصائصها وهوياتها على صفات ال وذاته‪،‬‬
‫وبوجودها على وجهه‪ ،‬وبتعينها على وحدته‪ ،‬إذ هي ظواهره التي بها يعرف‪ .‬و ‪‬ال‪ ‬اسم للذات اللهيهة مهن حيهث ههي‬
‫هي على الطلق‪ ،‬ل باعتبار اتصافها بالصفات‪ ،‬ول باعتبار ل اتصافها‪ .‬و ‪‬الرحمن) هههو المفيههض للوجههود والكمههال‬
‫على الكل بحسب مهها تقتضههي الحكمههة وتحتمههل القوابههل علههى وجههه البدايههة‪ .‬و ‪‬الرحيههم‪ ‬هههو المفيههض للكمههال المعنههوي‬
‫المخصوص بالنوع النساني بحسب النهاية‪ ،‬ولهذا قيل يا رحمههن الههدنيا والخههرة‪ ،‬ورحيههم الخههرة‪ .‬فمعنههاه بالصههورة‬
‫النسانية الكاملة الجامعة الرحمة العامة والخاصة‪ ،‬التي هي مظهر الذات اللهي والحق العظمي مههع جميههع الصههفات‬
‫ابدأ واقرأ‪ ،‬وهي السم العظم وإلى هذا المعنى أشار النههبي ‪ ‬بقههوله ))أوتيههت جوامههع الكلههم‪ ،‬وبعثههت لتمههم مكههارم‬
‫الخلق((‪ ،‬إذ الكلمات حقائق الموجودات وأعيانها‪ .‬كمهها سههمي عيسههى ‪ ‬كلمههة مههن الهه‪ ،‬ومكههارم الخلق كمالتههها‬
‫وخواصها التي هي مصادر أفعالها جميعها محصورة في الكون الجامع النساني‪ .‬وههنا لطيفة وهي أن النبياء عليهههم‬
‫السلم وضعوا حروف التهجي بإزاء مراتب الموجههودات‪ .‬وقههد وجههدت فههي كلم عيسههى ‪ r‬وأميههر المههؤمنين علههي ‪‬‬
‫وبعض الصحابة ما يشير إلى ذلك‪ .‬ولهذا قيل ظهرت الموجودات من بههاء بسهم اله إذ ههي الحهرف الههذي يلههي اللههف‬
‫الموضوعة بإزاء ذات ال‪ .‬فهي إشارة إلى العقل الول الذي هو أول ما خلق ال المخاطب بقوله تعالى )ما خلقت خلقًا‬
‫أحب إلي ول أكرم علي منك‪ ،‬بك أعطي‪ ،‬وبك آخذ‪ ،‬وبك أثيههب‪ ،‬وبههك أعههاقب‪ (...‬الحههديث‪ .‬والحههروف الملفوظهة لهههذه‬
‫الكلمة ثمانية عشر‪ ،‬والمكتوبة تسعة عشر‪ .‬وإذا انفصههلت الكلمههات انفصههلت الحههروف إلههى اثنيههن وعشههرين‪ ،‬فالثمانيههة‬
‫عشر إشارة إلى العوالم المعبر عنها بثمانية عشر ألف عالم‪ ،‬إذ اللف هو العدد التام المشتمل على باقي مراتب العداد‬
‫فهو أم المراتب الذي ل عدد فوقه‪ ،‬فعبر بها عن أمهات العوالم التي هي عههالم الجههبروت‪ ،‬وعههالم الملكههوت‪ ،‬والعههرش‪،‬‬
‫والكرسي‪ ،‬والسموات السبع‪ ،‬والعناصر الربعة‪ ،‬والمواليد الثلثة التي ينفصل كل واحههد منههها إلههى جزئيههاته‪ .‬والتسهعة‬
‫ل فههي عههالم الحيههوان إل أنهه باعتبههار شههرفه وجههامعيته للكههل‬‫عشر إشارة إليها مع العالم النسههاني‪ ،‬فههإنه وإن كههان داخ ً‬
‫وحصره للوجود عالم آخر له شأن وجنس برأسه لههه برهههان‪ ،‬كجبريههل مههن بيهن الملئكههة فههي قههوله تعههالى ‪ ‬وملئكتههه‬
‫ورسله وجبريل‪] ‬البقرة‪ ،‬الية ‪ .[98‬واللفات الثلثة المحتجبة التي هي تتمة الثنين والعشرين عنههد النفصههال إشههارة‬
‫إلى العالم اللهي الحق‪ ،‬باعتبار الذات‪ ،‬والصفات‪ ،‬والفعال‪ .‬فهي ثلثة عوالم عند التفصيل‪ ،‬وعالم واحد عند التحقيق‪،‬‬
‫والثلثة المكتوبة إشارة إلى ظهور تلك العوالم على المظهر العظمي النساني‪ ،‬والحتجاب العالم اللههي‪ .‬حيهن سههئل‬
‫رسول ال ‪ ‬عن ألف الباء من أين ذهبت ؟ قال ‪)) ‬سرقها الشيطان((‪ .‬وأمر بتطويههل بههاء بسههم اله تعويضهًا عههن‬
‫ألفها إشارة إلى احتجاب ألوهية اللهية في صورة الرحمة النتشارية وظهورها في الصورة النسانية بحيث ل يعرفها‬
‫إل أهلها‪ ،‬ولهذا نكرت في الوضع‪ .‬وقد ورد في الحديث ))إن ال تعالى خلههق آدم علههى صههورته((‪ ،‬فالههذات محجوبههة‬
‫بالصفات‪ ،‬والصفات بالفعال‪ ،‬والفعال بالكوان والثار‪ ،‬فمن تجلت عليه الفعال بارتفاع حجب الكوان توكل‪ ،‬ومههن‬
‫تجلت عليه الصفات بارتفاع حجب الفعال رضي وسلم‪ .‬ومن تجلههت عليههه الههذات بانكشههاف حجههب الصههفات فنههي فههي‬
‫ل ما فعل وقارئًا ما قرأ بسههم اله الرحمههن الرحيههم‪ ،‬فتوحيههد الفعههال مقههدم علههى توحيههد‬ ‫الوحدة فصار موحدًا مطلقًا فاع ً‬
‫الصفات وهو على توحيد الذات وإلى الثلثة أشار ‪ ‬في سجوده بقوله ))أعوذ بعفوك مههن عقابههك‪ ،‬وأعههوذ برضههاك‬
‫من سخطك‪ ،‬وأعوذ بك منك((‪.‬‬
‫]آية ‪[5 - 2‬‬
‫‪‬الحمد ل رب العالمين‪ ‬إلى آخر السورة‪ ،‬الحمد بالفعل ولسان الحهال ههو ظههور الكمهالت وحصهول الغايهات مهن‬
‫الشياء إذ هي أثنية فاتحة ومدح رائعة لموليها بما يستحقه‪ .‬فالموجودات كلها بخصوصياتها وخواصها‪ ،‬وتوجههها إلهى‬
‫غاياتها‪ ،‬وإخراج كمالتها من حيز القوة إلى الفعل‪ ،‬مسبحة‪ ،‬حامدة‪ ،‬كما قههال تعههالى ‪‬وإن مههن شههيء إل يسههبح بحمههده‬
‫]السراء‪ ،‬الية ‪ ،[44‬فتسبيحها إياه تنزيهه عن الشريك وصفات النقص والعجز باستنادها إليه وحههده‪ ،‬ودللتههها علههى‬
‫وحدانيته وقدرته‪ ،‬وتحميدها إظهار كمالتههها المترتبههة‪ ،‬ومظهريتههها لتلههك الصههفات الجلليههة والجماليههة‪ .‬وخههص بههذاته‬
‫بحسب مبدئيته للكل‪ ،‬وحافظيته ومدبريته له التي هي معنى الربوبية للعالمين‪ ،‬أي لكل ما هو علههم له يعلههم بههه كالخههاتم‬
‫لما يختم به‪ ،‬والقالب لما يقلب فيه‪ ،‬وجمع جمع السلمة لشتماله علههى معنههى العلههم أو للتغليههب‪ ،‬وبههإزاء إفاضههة الخيههر‬
‫العام والخاص‪ ،‬أي النعمة الظاهرة كالصحة والرزق‪ .‬والباطنة كالمعرفة والعلههم‪ .‬وباعتبههار منتهههائيته الههتي هههي معنههى‬
‫مالكية الشياء في يوم الدين إذ ل يجزي في الحقيقة إل المعبود الذي ينتهي إليه الملك وقت الجزاء بإثابة النعمة الباقيههة‬
‫عن الفانية عند التجرد عنها بالزهد وتجليات الفعال عند انسلخ العبد عن أفعههاله‪ ،‬وتعهويض صهفاته عنهد المحهو عهن‬
‫ل وأبهدا علههى حسههب‬ ‫صفاته وإبقائه بذاته‪ ،‬وهبته لهه الوجهود الحقهاني عنههد فنههائه فلههه تعهالى مطلههق الحمهد ومههاهيته أز ً‬
‫استحقاقه إياه بذاته باعتبار البداية والنهاية وما بينهما فههي مقههام الجمههع علههى ألسههنة التفاصههيل‪ ،‬فهههو الحامههد والمحمههود‬
‫ل وجمعًا‪ ،‬والعابد والمعبود مبدأ ومنتهى‪ .‬ولما تجلى في كلمه لعبههاده بصههفاته شههاهدوه بعظمتههه وبهههائه‪ ،‬وكمههال‬ ‫تفصي ً‬
‫ل بتخصيص العبادة به‪ ،‬وطلب المعونة منه‪ ،‬إذ ما رأوا معبودًا غيههره‪ ،‬ول حههول ول‬ ‫ل وفع ً‬‫قدرته وجلله‪ ،‬فخاطبوه قو ً‬
‫قوة لحد إل به‪ .‬فلو حضروا لكانت حركاتهم وسكناتهم كلها عبادة له وبه‪ ،‬فكانوا على صههلتهم دائميههن داعيههن بلسههان‬
‫المحبة لمشاهدتهم جماله من كل وجه على كل وجه‬
‫‪] .‬آية ‪[7 - 6‬‬
‫‪‬اهدنا الصراط المستقيم‪ ‬أي ثبتنا على الهداية ومكنا بالستقامة في طريق الوحدة التي هههي طريههق المنعههم عليهههم‬
‫بالنعمههة الخاصههة الرحيميههة الههتي هههي المعرفههة والمحبههة والهدايههة الحقانيههة الذاتيههة مههن النههبيين والشهههداء والصههديقين‬
‫ل وآخرًا وظاهرًا وباطنًا‪ ،‬فغابوا في شهودهم طلعة وجهه البهاقي عهن وجهود الظهل الفهاني‪.‬‬ ‫والولياء‪ ،‬الذين شاهدوه أو ً‬
‫‪‬غير المغضوب عليهم‪ ‬الذين وقفوا مع الظواهر‪ ،‬واحتجبوا بالنعمة الرحمانية‪ ،‬والنعيههم الجسههماني‪ ،‬والههذوق الحسههي‬
‫عن الحقههائق الروحانيههة‪ ،‬والنعيههم القلههبي‪ ،‬والههذوق العقلههي كههاليهود إذ كههانت دعههوتهم إلههى الظههواهر والجنههان والحههور‬
‫والقصور‪ ،‬فغضب‬
‫عليهم لن الغضب يستلزم الطرد والبعد والوقوف مع الظواهر التي هي الحجب الظلمانية غاية البعد‪ .‬ول الضالين‪‬‬
‫الذين وقفوا مع البواطن التي هي الحجب النورانية واحتجبوا بالنعمة الرحيميههة عههن الرحمانيههة‪ ،‬وغفلههوا عههن ظاهريههة‬
‫الحق‪ ،‬وضلوا عن سواء السبيل‪ ،‬فحرموا شهود جمال المحبوب فههي الكهل كالنصههارى إذ كهانت دعهوتهم إلههى البهواطن‬
‫وأنوار عالم القدوس ودعوة المحمديين الموحدين إلى الكل‪ ،‬والجمع بين محبة جمال الذات‪ ،‬وحسن الصفات‪ ،‬كمهها ورد‬
‫في القرآن الكريم ‪‬وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة‪] ‬آل عمران‪ ،‬الية ‪،[133‬ه ‪‬اتقوا ال وءامنوا برسههوله يههؤتكم‬
‫كفلين من رحمته ويجعل لكم نورًا تمشون به‪] ‬الحديد‪ ،‬الية ‪،[28‬ه ‪‬واعبدوا ال ول تشههركوا بههه شههيئا‪] ‬النسههاء اليههة‬
‫‪ .[36‬فأجابوا الدعوات الثلث‪ .‬كما جاء في حقهم ‪‬ويرجون رحمته ويخافون عذابه‪] ‬السراء‪ ،‬اليههة ‪،[57‬ه ‪‬يقولههون‬
‫ربنا أتمم لنا نورنا‪] ‬التحريم‪ ،‬الية ‪،[8‬ه ‪‬إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقموا‪] ‬فصلت‪ ،‬الية ‪ .[30‬فأثيبوا بالجميع علههى‬
‫ما أخبر ال تعالى ‪‬جزاؤهم عند ربهم جنات عدن‪] ‬البينة‪ ،‬الية ‪ ،[8‬لهم أجرهم ونورهم‪] ‬الحديد‪ ،‬الية ‪ ،[19‬فأينما‬
‫تولوا فثم وجه ال‪] ‬البقرة‪ ،‬الية ‪ ،[115‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة‪]‬يونس‪ ،‬الية ‪.[26‬‬

‫سورة البقرة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫]تفسير آية البقرة ‪[1‬‬
‫‪‬الم ذلك الكتاب‪ ‬أشار بهذه الحروف الثلثة إلى كل الوجود من حيث هو كل لن )أ( إشارة إلى ذات الههذي هههو أول‬
‫الوجود على ما مر‪ .‬و )ل( إلى العقل الفعال المسمى جبريل‪ ،‬وهو أوسط الوجود الذي يستفيض من المبدأ ويفيض إلههى‬
‫المنتهى‪ .‬و )م( إلى محمد الذي هو آخر الوجود تتم به دائرته وتتصل بأولها‪ ،‬ولهذا ختم وقال ((إن الزمان قههد اسههتدار‬
‫كهيئته يوم خلق ال السموات والرض))‪ .‬وعن بعض السلف أن )ل( ركبت من ألفين‪ ،‬أي وضههعت بههإزاء الههذات مههع‬
‫صفة العلم اللذين هما عالمان من العوالم الثلثة اللهية التي أشرنا إليها‪ ،‬فهو اسم من السماء ال تعالى‪ ،‬إذ كل اسم هو‬
‫عبارة عن الذات مع صفة ما‪ .‬وأما )م( فهههي إشههارة إلههى الههذات مههع جميههع الصههفات والفعههال الههتي احتجبههت بههها فههي‬
‫الصورة المحمدية التي هي اسم ال العظم‪ ،‬بحيث ل يعرفها إل من يعرفها‪ .‬أل تدري أن )م( التي هههي صههورة الههذات‬
‫كيف احتجب فيها‪ ،‬فإن الميم فيها الياء‪ ،‬وفي الياء ألف‪ .‬والسر في وضع حروف التهجي هو أن ل حرف إل وفيه ألف‪،‬‬
‫ويقرب من هذا قول من قال معناه القسم بال العليم الحكيم‪ ،‬إذ جبريل مظهر العلههم‪ ،‬فهههو اسههمه العليههم‪ .‬ومحمههد مظهههر‬
‫الحكمة‪ ،‬فهو اسمه الحكيم‪ .‬ومن هذا ظهر معنى قول من قال تحت كل اسم من أسماءه تعالى أسماء بغير نهاية‪ .‬والعلههم‬
‫ل يتم ول يكمل إل إذا قرن بالفعل في عالم الحكمههة الههذي ههو عههالم السههباب والمسههببات‪ ،‬فيصههير حكمههة‪ .‬ومههن ثههم ل‬
‫يحصل السلم بمجرد قول ل إله إل ال‪ ،‬إل إذا قرن بمحمد رسول ال‪ .‬فمعنى الية ‪‬الههم ذلههك الكتههاب‪ ‬الموعههود‪ ،‬أي‬
‫صورة الكل المومى إليها بكتاب الجفر والجامعة المشتملة على كل شيء‪ ،‬الموعههود بههأنه يكههون مههع المهههدي فههي آخههر‬
‫الزمان ل يقرأه كما هو بالحقيقة إل هو‪ ،‬والجفر لوح القضاء الذي هو عقل الكل والجامعهة لهوح القهدر الهذي ههو نفهس‬
‫الكل‪ ،‬فمعنى كتاب الجفر والجامعة المحتويان على كل ما كان ويكون‪ ،‬كقولك سورة )البقرة( وسورة )النمل(‪.‬‬
‫]آية ‪[2‬‬
‫‪‬ل ريب فيه‪ ‬عند التحقيق بأنه الحق‪ ،‬وعلى تقدير القول معناه بالحق الذي هو الكل من حيث هو كل لنه مبين لذلك‬
‫الكتاب الموعود على ألسنة النبياء وفي كتبهم بهأنه سهيأتي كمها قهال عيسهى ‪) ‬نحهن نهأتيكم بالتنزيهل‪ ،‬وأمها التأويهل‬
‫فسيأتي به المهدي في آخر الزمان(‪ .‬وحذف جواب القسم لدللة ذلههك الكتههاب عليههه‪ ،‬كمهها حههذف فههي غيههر موضههع مههن‬
‫القرآن مثل )والشمس( )والنازعات( وغير ذلك‪ .‬أي إنا منزلون لذلك الكتاب الموعود في التوراة والنجيههل بههأن يكههون‬
‫مع محمد حذف لدللة قوله ‪‬ذلك الكتاب‪ ‬عليه أي ذلك الكتاب المعلوم في العلم السابق‪ ،‬الموعود في التوراة والنجيههل‬
‫حق بحيث ل مجال للريب فيه‪ .‬هدى للمتقين‪ ‬أي هدى في نفسه للذين يتقون الرذائل والحجههب المانعههة لقبههول الحههق‬
‫فيه‪ .‬واعلم أن الناس بحسب العاقبة سبعة أصناف لنهم إما سعداء‪ ،‬وإما أشههقياء‪ .‬قههال اله تعههالى ‪‬فمنهههم شههقي وسههعيد‪‬‬
‫]هود‪ ،‬الية ‪ ،[105‬والشقياء أصحاب الشمال‪ ،‬والسعداء إما أصحاب اليمين‪ ،‬وإما السابقون المقربون‪ ،‬قال ال تعالى‬
‫‪‬وكنتم أزواجا ثلثة ‪ ]‬الواقعة‪ ،‬الية ‪ [7‬الية‪ .‬وأصحاب الشههمال إمهها المطههرودون الهذين حههق عليههم القهول وهههم أههل‬
‫ل‪ ،‬كما قال تعالى ‪‬ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والنس‪] ‬العراف‪،‬‬ ‫الظلمة والحجاب الكلي المختوم على قلوبهم أز ً‬
‫الية‪ [179 ،‬إلى آخر الية‪ .‬وفههي الحههديث الربههاني ))هههؤلء خلقتهههم للنههار ول أبههالي(( وأمهها المنههافقون الههذين كههانوا‬
‫مستعدين في الصل‪ ،‬قابلين للتنور بحسب الفطرة والنشأة‪ ،‬ولكن احتجبت قلوبهم بالرين المستفاد من اكتسههاب الههرذائل‬
‫وارتكاب المعاصي‪ ،‬ومباشرة العمال البهيمية‪ ،‬والسبعية‪ ،‬ومزاولة المكايد الشههيطانية‪ ،‬حههتى رسهخت الهيئات الفاسههقة‬
‫والملكات المظلمة في نفوسهم‪ ،‬وارتكمت على أفئدتهههم فبقههوا شههاكين حيههارى تههائهين‪ ،‬قههد حبطههت أعمههالهم‪ ،‬وانتكسههت‬
‫ل مههن الفريههق الول لمنافههاة مسههكة اسههتعدادهم لحههالهم‪ .‬والفريقههان هههم أهههل الههدنيا‬
‫رؤوسهم فهم أشههد عههذابًا وأسههوأ حهها ً‬
‫وأصحاب اليمين‪ .‬أما أهل الفضل والثواب‪ ،‬الذين آمنوا وعملوا الصالحات للجنة راجين لها‪ ،‬راضين بههها‪ ،‬فوجههدوا مهها‬
‫عملوا حاضرًا على تفاوت درجاتهم‪ ،‬ولكل درجههات ممهها عملههوا‪ .‬ومنهههم أهههل الرحمههة البههاقون علههى سههلمة نفوسهههم‪،‬‬
‫وصفاء قلوبهم‪ ،‬المتبوئون درجات الجنة على حسب استعداداتهم من فضل ربهم‪ ،‬ل على حسب كمههالتهم مههن ميههراث‬
‫ل صالحًا وآخر سيئًا‪ ،‬وهم قسمان المعفههو عنهههم رأسهها لقههوة اعتقههادهم‪ ،‬وعههدم‬ ‫عملهم‪ .‬وأما أهل العفو الذين خلطوا عم ً‬
‫رسوخ سيئاتهم لقلة مزاولتهم إياها‪ ،‬أو لمكان توبتهم عنها‪ .‬فأولئك يبدل ال سيئاتهم حسنات‪ ،‬والمعذبون حينًا بحسب ما‬
‫رسخ فيهم من المعاصي حتى خلصوا عن دون ما كسبوا‪ ،‬فنجوا وهم أهل العدل والعقههاب‪ ،‬والههذين ظلمههوا مههن هههؤلء‬
‫سيصيبهم سيئات ما كسههبوا‪ .‬لكههن الرحمههة تتههداركهم وثلثتهههم أهههل الخههرة‪ .‬والسههابقون إمهها محبههون وإمهها محبوبههون‪،‬‬
‫فالمحبون هم الذين جاهدوا في ال حق جهاده‪ ،‬وأنابوا إليه حق إنابته‪ ،‬فهداهم سبله‪ .‬والمحبوبون هم أهل العناية الزلية‬
‫‪ -‬الذين اجتباهم وهداهم إلى صراط مستقيم‪ .‬والصنفان هما أهههل الهه‪ ،‬فههالقرآن ليههس هههدى للفريههق الول مههن الشههقياء‬
‫لمتناع قبولهم للهداية لعدم استعدادهم‪ ،‬ول للثاني لزوال استعدادهم ومسخهم وطمسهم بالكلية بفساد اعتقادهم‪ ،‬فهم أهل‬
‫الخلود في النار إل ما شاء ال‪ .‬فبقي هدى للخمسة الخيرة الذين يشملهم المتقون‪ ،‬والمحبوب يحتاج إلى هدايههة الكتههاب‬
‫بعد الجذب والوصول لسلوكه في ال لقوله تعالى لحههبيبه ‪‬كههذلك لنثبههت بههه فههؤادك‪]‬الفرقههان‪ ،‬اليههة ‪ ،[32‬وقههوله ‪‬وكل‬
‫نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك‪] ‬هود‪ ،‬الية ‪ [120‬والمحب يحتاج إليههه قبههل الوصههول والجههذب وبعههده‬
‫لسلوكه إلى ال وفي ال‪ .‬فعلى هذا‪ ،‬المتقون في هذا الموضع هم المستعدون الذين بقوا على فطرتهم الصلية‪ ،‬واجتنبوا‬
‫رين الشرك والشك لصفاء قلوبهم وزكاء نفوسهم‪ ،‬وبقاء نورهم الفطري‪ ،‬فلههم ينقضههوا عهههد الهه‪ .‬وهههذه التقههوى مقدمههة‬
‫على اليمان‪ ،‬ولها مراتب أخرى متأخرة عنه كما سيأتي إن شاء ال‪ .‬الهذين يؤمنهون بهالغيب ويقيمهون الصهلة‪ ‬أي‬
‫بما غاب عنهم اليمان التقليدي‪ ،‬أو التحقيقي العلمي‪ ،‬فإن اليمان قسمان تقليدي وتحقيقي‪ .‬والتحقيقي قسمان استدللي‬
‫وكشفي‪ ،‬وكلهما إما واقف على حد العلم والغيب‪ ،‬وإما غير واقف‪ .‬والول هو اليقههان المسههمى علههم اليقيههن‪ .‬والثههاني‬
‫إما عيني‪ ،‬وهو المشاهدة المسمى عين اليقين‪ ،‬وإما حقي‪ ،‬وهو الشهود الذاتي المسمى حق اليقين‪ .‬والقسههمان الخيههران‬
‫ل يدخلن تحت اليمان بالغيب‪ ،‬واليمان بالغيب يستلزم العمال القلبية الههتي هههي التزكيههة‪ ،‬وهههي تطهيههر القلههب عههن‬
‫الميل إلى السعادات البدنية الخارجية‪ ،‬الشاغلة عن إحراز السعادة الباقية‪ .‬فإن السعادات ثلث قلبية‪ ،‬وبدنية‪ ،‬وما حول‬
‫البهدن‪ .‬فالقلبيهة ههي المعهارف‪ ،‬والحكهم‪ ،‬والكمهالت العلميهة والعمليهة الخلقيهة‪ .‬والبدنيهة ههي الصهحة والقهوة واللهذات‬
‫الجسمانية والشهوات الطبيعية‪ .‬وما حول البدن هي الموال والسباب‪ ،‬كما قال أمير المههؤمنين ‪) ‬أل وإن مههن النعههم‬
‫سعة المال‪ ،‬وأفضل من سعة المههال صههحة الجسهد‪ ،‬وتقهوى القلههب(‪ .‬ويجههب الحهتراز عهن الولييهن لحههراز الخيهرة‬
‫المطلوبة بالزهد والعبادة‪ .‬فإقامة الصلة تههرك الراحههات البدنيههة وإتعههاب اللت الجسههدية‪ ،‬وهههي أم العبههادات الههتي إذا‬
‫وجدت لم يتأخر عنها البواقي ‪‬إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر‪] ‬العنكبوت‪ ،‬الية ‪ [45‬إذ هي تحامل علههى البههدن‬
‫والنفس‪ ،‬ومشقة فادحة عليهما‪ ،‬والتفاق المههال هههو العههراض عههن السههعادة الخارجيههة المحبوبههة إلههى النفههس المسههمى‬
‫بالزهد‪ ،‬فإن النفاق ربما كان أشد عليها من بذل الروح للزوم الشح إياها‪ ،‬ولم يكتف بالقدر الواجب فقال ‪‬ومما رزقناهم‬
‫ينفقون‪ ‬ليعتاد القلب ترك الفضول المالية بالجود والسخاء وبذل المال‪ ،‬في وجوه المروات‪ ،‬والهبات‪ ،‬والصههدقات الغيهر‬
‫الواجبة‪ ،‬فيوقي شح نفسه‪ ،‬وخصهص النفهاق بهالبعض بهإيراد مهن التبعيضهية لئل يقهع فهي رذيلهة التبهذير ببهذل القهدر‬
‫الضروري فيحرم فضيلة الجود الذي هو من باب التخلق بأخلق ال‪ .‬والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنههزل مههن‬
‫قبلك‪ ‬أي اليمان التحقيقي الشامل للقسام الثلثة المستلزم للعمال القلبية التي هي التحلية‪ ،‬وهي تفرس القلههب بههالحكم‬
‫والمعارف المنزلة في الكتب اللهية والعلوم المتعلقة بأحوال المعاد‪ ،‬وأمور الخههرة‪ ،‬وحقههائق علههم القههدس‪ .‬ولهههذا قههال‬
‫‪‬وبالخرة هم يوقنون‪ ‬وأهل الخرة الذين ما جاوزوا حد التزكية‪ ،‬ولم يصلوا إلى التحليلة التي هي ميراثها‪ ،‬لقههوله عليههه‬
‫‪)) ‬من عمل بما علم ورثة ال علم ما لم يعلم((‪ .‬وأهل ال الموقنون الجامعون لها كلهم على هدى من ربههم إمهها إليهه‬
‫وإما إلى داره‪ ،‬دار السلمة والفضل والثواب واللطف‪ ،‬وهم أهل الفلح ل غير إما من العقاب وإما من الحجاب ولهههذا‬
‫قال ‪‬أولئك‪ ‬أي الموصههوفون بهههذه الصههفات المههذكورة مههن التزكيههة والتحليههة‪ .‬علههى هههدى مههن ربهههم وأولئك هههم‬
‫المفلحون‪ ‬لجلها‪ ،‬فعلى هذا الذين يؤمنون مبتدأ‪ ،‬والذين يؤمنون الثاني معطوف عليه‪ ،‬وأولئك خهبره‪ ،‬ولهو جعهل صهفة‬
‫للمتقين لكان المراد بهم الكاملين في التقوى بعد الهداية‪ .‬وكان مجازا من باب تسمية الشيء بما سيؤول إليه‪.‬‬
‫]آية ‪[9 - 6‬‬
‫‪‬إن الذين كفروا‪ - ‬إلى قوله ‪ -‬عظيم‪ ‬هم الفريق الول من الشقياء الهذين هههم أههل القهههر اللهههي ل ينجههح فيهههم‬
‫النذار ول سبيل إلى خلصهم من النار‪ ،‬أولئك حقت عليهم كلمة ربك أنهم ل يؤمنون‪ ،‬وكذلك حقههت كلمههة ربههك علههى‬
‫الذين كفروا أنهم أصحاب النار‪ ،‬سدت عليهم الطرق‪ ،‬وأغلقت عليهم البواب‪ ،‬إذ القلب هههو المشههعر اللهههي الههذي هههو‬
‫محل اللهام‪ ،‬فحجبههوا عنههه بختمههه‪ .‬والسههمع والبصههر همهها المشههعران النسههيان‪ ،‬أي الظههاهران اللههذان همهها بابهها الفهههم‬
‫والعتبار‪ ،‬فحرموا عن جدواهما لمتناع نفوذ المعنى فيهما إلههى القلههب‪ ،‬فل سههبيل لهههم فههي البههاطن إلههى العلههم الههذوقي‬
‫الكشفي ول في الظاهر إلى العلم التعلمي والكسبي‪ ،‬فحسبوا في سجون الظلمات‪ ،‬فما أعظم عذابهم‪ .‬ومن الناس من‬
‫يقول آمنا‪ ‬هم الفريق الثاني من الشقياء‪ ،‬سلب عنهم اليمان مع ادعائهم له بقولهم ‪‬آمنا بال‪ ‬لن محل اليمان هو القلب‬
‫ل اللسان‪ .‬قالت العراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمهها يهدخل اليمهن فهي قلهوبكم‪] ‬الحجهرات‪ . ،‬اليهة‬
‫‪ .[14‬ومعنى قولهم ‪‬آمنا بال وباليوم الخر‪ ‬ادعاء علمي التوحيد والمعاد اللذين هما أصل الدين وأساسههه أي لسههنا مههن‬
‫المشركين المحجوبين عن الحق ول من أهل الكتاب المحجوزين عن الدين والمعاد‪ ،‬لن اعتقههاد أهههل الكتههاب فههي بههاب‬
‫المعاد ليس مطابقًا للحق‪ .‬واعلم أن الكفر هو الحتجاب‪ ،‬والحجاب إما عن الحق كمهها للمشههركين وإمهها عههن الههدين كمهها‬
‫لهل الكتاب‪ ،‬والمحجوب عن الحق محجوب عن الدين الذي هو طريق الوصول إليه ضههرورة‪ ،‬وأمهها المحجههوب عههن‬
‫الدين فقد ل يحجب عن الحق‪ ،‬فهؤلء ادعوا رفع الحجابين معًا فكذبوا بسلب اليمان عن ذواتهم‪ ،‬أي ليسوا بمؤمنين ما‬
‫داموا إياهم يخادعون‪ .‬المخادعة اسههتعمال الخهدع مهن الجهانبين‪ ،‬وههو إظههار الخيهر واسههتبطان الشهر‪ .‬ومخادعهة اله‬
‫مخادعة رسوله ‪ ‬لقوله ‪‬من يطع الرسول فقد أطاع ال‪] ‬النساء‪ ،‬الية ‪ ،[180‬وقوله تعالى ‪‬وما رميت إذ رميت ولكن‬
‫ال رمى‪] ‬النفال الية ‪ [17‬ولنه حبيبه‪ .‬وقد ورد في الحديث ))ل يزال العبد يتقرب إلي بالنوافههل حههتى أحبههه‪ ،‬فههإذا‬
‫أحببته كنت سمعه الذي به يسمع‪ ،‬وبصره الذي به يبصر‪ ،‬ولسانه الذي به يتكلم‪ ،‬ويده التي بها يبطش‪ ،‬ورجله التي بها‬
‫يمشي(( فخداعهم ل وللمههؤمنين إظهههار اليمههان والمحبههة‪ ،‬واسههتبطان الكفههر والعههداوة‪ ،‬وخههداع اله والمههؤمنين إيههاهم‬
‫مسالمتهم وإجراء أحكام السلم عليهم بحقن الدماء وحصن الموال وغير ذلك‪ ،‬وادخار العذاب الليم والمآل الههوخيم‪،‬‬
‫وسوء المغبة لهم وخزيهم فهي الهدنيا لفتضههاحهم بإخبهاره تعههالى وبههالوحي عهن حههالهم لكهن الفهرق بيههن الخهداعين أن‬
‫خداعهم ل ينجح إل في أنفسهم بإهلكها وتحسيرها وإيراثها الوبال والنكال بازديههاد الظلمههة والكفههر والنفههاق واجتمههاع‬
‫أسباب الهلكة والبعد والشقاء عليها‪ ،‬وخداع ال يؤثر فيهم أبلغ تأثير ويوبقهم أشد إيبهاق‪ ،‬كقهوله تعهالى ‪‬ومكهروا ومكهر‬
‫ال وال خير الماكرين‪] ‬آل عمران‪ ،‬الية ‪ [54‬وهم من غاية تعمقهم في جهلهم ل يحسون بذلك المر الظاهر‪.‬‬
‫]آية ‪[11 - 10‬‬
‫‪‬في قلوبهم مرض‪ ‬أي شك ونفاق تنكير المرض‪ .‬وإيراد الجملة الظرفية إشهارة إلهى عهروض المهرض واسهتقراره‬
‫ورسوخه فيها كما أشرنا إليه في التقسيم‪ ،‬وإل لقال قلهوبهم مرضهى أو مهوتى‪ .‬فزادهههم اله مرضهها‪ ‬أي آخهر حقهدًا‬
‫ل بإعلء كلمة الدين‪ ،‬ونصرة الرسهول والمهؤمنين‪ ،‬والهرذائل كلهها أمهراض القلهوب لنهها أسهباب ضهعفها‬ ‫وحسدًا وغ ً‬
‫وآفتها في أفعالها الخاصة‪ ،‬وهلكها في العاقبههة‪ .‬وفههرق بيههن العههذابين بههاللم للمنههافقين‪ ،‬والعظههم للكههافرين‪ ،‬لن عههذاب‬
‫المطرودين في الزل أعظم فل يجدون شدة ألمه لعدم صفاء إدراك قلوبهم‪ ،‬كحال العضو الميههت‪ ،‬أو المفلههوج والخههدل‬
‫بالنسبة إلى ما يجري عليه من القطع والكي وغير ذلك من اللم‪ .‬وأما المنافقون فلثبوت استعدادهم فههي الصههل وبقههاء‬
‫إدراكهم يجدون شدة اللم فل جرم كان عذابهم مؤلمًا مسببًا عن المرض العارض المزمن الههذي هههو الكههذب ولههواحقه‪.‬‬
‫وإذا نهوا عن الفساد في الرض‪ ،‬أي في الجهة السفلية التي هي النفوس وما يتعلق بها من المصهالح بتكهدير النفهوس‪،‬‬
‫وتهييج الفتن والحروب‪ ،‬والعداوة والبغضاء بين الناس‪ ،‬أنكروا وبالغوا في إثبات الصلح لنفسهم‪ ،‬إذ يرون الصهلح‬
‫في تحصيل المعاش وتيسير أسبابه‪ ،‬وتنظيم أمور الدنيا لنفسهم خاصة‪ ،‬لتوغلهم في محبة الههدنيا وانهمههاكم فههي اللههذات‬
‫البدنيههة‪ ،‬واحتجههابهم بالمنههافع الجزئيهة‪ ،‬والملذ الحسههية عهن المصهالح العامهة الكليههة‪ ،‬واللهذات العقليهة‪ ،‬وبهذلك يتيسهر‬
‫مرادهم‪ ،‬ويتسهل مطلوبهم وهم ل يحسون بإفسادهم المدرك بهالحس‪ .‬وإذا دعهوا إلههى اليمههان الحقيقهي‪ ،‬كإيمههان فقههراء‬
‫المسلمين والصعاليك المجردين‪ ،‬سفهوهم لمكان تركهم لحطام الدنيا وإعراضهم عن متاعها ولذاتها وطيباتها‪ ،‬لزهههدهم‬
‫الحقيقي‪ .‬إذ قصارى همومهم‪ ،‬وقصوى مقاصد عقولهم السيرة في قيد الهوى المشوبة بالوهم‪ ،‬المؤدية لهم إلى الههردى‬
‫هي تلك اللذات يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الخههرة هههم غهافلون‪ ،‬ول يعلمههون أن غايههة السههفه ههو اختيههار‬
‫الفاني الخس على الباقي الشرف‪ .‬وفرق بين الفاضلتين بالشعور والعلم‪ ،‬لن تأثير خداعهم في أنفسهم وإفسههادهم فههي‬
‫الرض أمر بين كالمحسوس‪ .‬وأما ترجيح نعيم الخرة على نعيم الدنيا المستلزم للفرق بين السفه والحكمههة فههأمر فههأمر‬
‫استدللي عقلي صرف‪.‬‬
‫]آية ‪[14 - 12‬‬
‫‪‬وإذا لقوا الذين آمنوا‪ ‬حكاية لنفاقهم اللزم لحصول استعدادين فيهم الفطري النوري‪ ،‬الضعيف المغلوب‪ ،‬القريههب‬
‫من النطفاء‪ ،‬الذي ناسبوا به المؤمنين‪ ،‬والكسبي الظلماني القوي الغالب الذي تألفوا به الكفار‪ ،‬إذ لو لم يكن فيهههم أدنههى‬
‫ل كغيرهم من الكفار لتنافي الضروري بين النههور والظلمههة مههن‬ ‫نور لم يقدروا على مخالطة المؤمنين ومصاحبتهم أص ً‬
‫جميع الوجوه‪ .‬والشيطان فيعهال مهن الشههطون‪ ،‬الههذي ههو البعههد‪ ،‬وشهياطينهم المتعمقهون فههي البعههد وههم المطهرودون‪،‬‬
‫ورؤساهم البالغون في النقاق واستهزاؤهم بالمؤمنين يدل على ضعف جهة النور وقوة جهة الظلمة فيههم‪ ،‬إذ المسهتخف‬
‫بالشيء هو الذي يجد ذلك الشيء في نفسه خفيفًا‪ ،‬قليل الوزن والقدر‪ .‬فهم يستخفون النههورانيين لخفههة النههور عنههدهم‪ ،‬إذ‬
‫بالنور يعرف قدر النور‪ ،‬وبرجحان الظلمة فيهم أووا إلى الكفار وألفوهم‪.‬‬
‫]آية ‪[16 - 15‬‬
‫‪‬ال يستهزئ بهم‪ ‬أي يستخفهم‪ ،‬لن الجهة التي هم بها ناسبوا الحضرة اللهية فيهم خفيفة‪ ،‬ضعيفة‪ .‬فبقرر ما فنيت‬
‫فيهم الجهة اللهية ثبتوا عند أنفسهم‪ ،‬كما أن المؤمنين بقدر ما فنيت فيهم أينيتهههم النفسههانية وجههدوا عنههد اله شههتان بيههن‬
‫المرتبتين‪ .‬ويمدهم‪ ‬في ظلماتهم البهيمية والسبعية التي هي الصههفات الشههيطانية والنفسههانية بتهيئة موادههها وأسههبابها‬
‫التي هي مشتهياتهم ومستلذاهم وأموالهم ومعايشهم من الدنيا التي اختاروها بهواهم في حالة كههونهم متحيريههن‪ .‬فههي‬
‫طغيانهم يعمهون‪ ‬والعمه عمى القلب‪ .‬وطغيانهم التعدي عن حدهم الذي كان ينبغي أن يكونههوا عليههه‪ ،‬وذلههك الحههد هههو‬
‫الصدر‪ ،‬أي وجه القلب الذي يلي النفس كما أن الفؤاد وجهه الذي يلي الروح‪ ،‬فههإنه متوسههط بينهمهها ذو وجهيههن إليهمهها‪.‬‬
‫والوقوف على ذلك الحد هو التعبد بأوامر ال تعالى ونواهيه‪ ،‬مع التوجه إليه طلبًا للتنور ليستنير ذلك الوجه فتننههور بههه‬
‫النفس‪ .‬كما أن الوقوف على الحد الخر هو تلقههي المعههارف والعلههوم والحقههائق والحكههم والشههرائع اللهيههة لينتقههش بههها‬
‫الصدر‪ ،‬فتنزين به النفس‪ .‬فالطغيان هو النهماك في الصفات النفسانية البهيمية والسبعية والشيطانية واسههتيلؤها علههى‬
‫القلب ليسود ويعمى‪ ،‬فتتكدر الروح‪ .‬أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى‪ ‬أي الظلمة‪ ،‬والحتجاب عن طريق الحق‬
‫الذي هو الدين‪ ،‬أو عن الحق‪ .‬فإن الضللة تنقسم بإزاء الهداية بالنور الستعدادي الصلي ‪‬فما ربحت تجارتهم‪ ‬إذ كههان‬
‫رأس مالهم من عالم النههور والبقههاء ليكتسههبوا بههه مهها يجانسههه مههن النهور الفيضههي الكمههالي‪ ،‬بههالعلوم والعمههال والحكههم‬
‫والمعارف والخلق والملكات الفاضلة‪ ،‬فيصيرون أغنياء في الحقيقة‪ ،‬مستحقين للقرب والكرامة والتعظيههم والوجاهههة‬
‫عند ال‪ ،‬فما ربحوا بكسبها وضاعت الهدايههة الصهلية الههتي كههانت بضههاعتهم ورأس مهالهم بإزالههة اسهتعدادهم وتكهدير‬
‫قلوبهم بالرين الموجب للحجاب والحرمان البدي‪ ،‬فخسروا بالخسران السرمدي‪ ،‬أعاذنا ال من ذلك‪.‬‬
‫]آية ‪[18 - 17‬‬
‫‪‬مثلهم‪ ‬أي صفتهم في النفاق كصفة المستوقد للضاءة الذي إذا أضاءت ما حوله مهن الشهياء القريبهة منهه خمهدت‬
‫ناره وبقي متحيرًا‪ ،‬لن نور استعدادهم بمنزلة النار الموقدة‪ ،‬وإضاءتها لما حولهم هي اهتداؤهم إلههى مصههالح معاشهههم‬
‫القريبة منهم دون مصالح المعاد البعيدة بالنسبة إليهم وصحبة المؤمنين وموافقتهم في الظاهر وخمودها سههريعًا انطفههاء‬
‫نورهم الستعدادي وسرعة زوال ما تمتعوا به من دنياهم ووشك انقضائه‪ .‬ذهب ال بنورهم‪ ‬السههتعدادي بإمههدادهم‬
‫في الطغيان‪ ،‬وخلهم محجوبين عن التوفيق في ظلمات صفات النفس ‪‬ل يبصرون‪ ‬ببصر القلههب‪ ،‬ووجههه المخههرج ول‬
‫ما ينفعهم من المعارف كمن تنطفئ ناره وهو في تيه بين أشغال وأسباب‪ .‬صم بكم عمي‪ ‬بالحقيقة لحتجهاب قلههوبهم‬
‫عن نور العقل الذي به تسمع الحق وتنطق به‪ ،‬وتراه في الظاهر لعدم فوائدها‪ ،‬لنسداد الطرق مههن تلههك المشههاعر إلههى‬
‫القلب لمكان الحجاب‪ ،‬فلم يصل إليها نور القلب ليحتفظوا بفوائدها ولههم تههرد مههدركاتها علههى القلههب ليفهمههوا ويعتههبروا‪.‬‬
‫‪‬فهم ل يرجعون‪ ‬إلى ال لوجود السدين المضروبين على قلوبهم المذكورين في قوله ‪‬وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن‬
‫خلفهم سدا‪] ‬يس‪ ،‬الية ‪ .[9‬وفائدة التشبيه تصوير المعقول بصورة المحسوس‪ ،‬ليتمثل في نفوس العامة‪ .‬ثم شبههم ثانيًا‬
‫بقوم أصابهم مطر فيه ظلمات ورعد وبرق‪ ،‬فالمطر هههو نههزول الههوحي اللهههي ووصههول إمههداد الرحمههة إليهههم ببركههة‬
‫صحبة المؤمنين‪ ،‬وبقية استعدادهم مما يفيد قلوبهم أدنى لين‪ ،‬وحصول النعم الظاهرة لهم بموافقتهم في الظاهر‪.‬‬
‫]آية ‪[20 - 19‬‬
‫والظلمات هي الصفات النفسانية‪ ،‬والشكوك الخيالية والوهمية‪ ،‬والوساوس الشيطانية مما تحيرهههم وتوحشهههم‪ .‬والرعههد‬
‫هو التهديد اللهي والوعيد القهري الوارد في القرآن واليات والثههار المسههموعة والمشههاهدة ممهها يخههوفهم فيفيههد أدنههى‬
‫انكسار لقلوبهم الطاغية وانهزام لنفوسهم البيهة‪ .‬والهبرق ههو اللوامهع النوريهة والتنبههات الروحيهة عنهد سهماع الوعهد‬
‫وتذكير اللء والنعماء مما يطمعهم ويرجيهم‪ ،‬فيفيدهم أدنى شوق وميل إلههى الجابههة‪ .‬ومعنههى ‪‬يجعلههون أصههابعهم فههي‬
‫آذانهم من الصواعق حذر الموت‪ ‬يتشاغلون عن الفهم بالملهي والملعب عن سماع آيات الوعيد‪ ،‬ولكي ل ينجع فيهههم‬
‫فيقطعهم عن اللذات الطبيعية بهم الخرة‪ ،‬إذ النقطاع عن اللذات الحسية هو موتهم‪ ،‬وال قادر عليهم‪ ،‬قاطع إياهم عههن‬
‫تلك اللذات المألوفة بالموت الطبيعي‪ ،‬قدرة المحيط بالشيء الذي ل يفوته منههه‪ ،‬فل فههائدة لحههذرهم‪ .‬يكهاد الههبرق‪ ‬أي‬
‫اللمع النوري ‪‬يخطف أبصارهم‪ ‬أي عقولهم المحجوبة بالنعاس عن نور الهداية والكشف‪ ،‬إذ العقل بصر القلب ‪‬كلمهها‬
‫أضاء لهم مشوا فيه‪ ‬أي ترقوا وقربوا من قبول الحههق والهههدى‪ ،‬وإذا أظلههم عليهههم قههاموا‪ ‬أي ثبتههوا علههى حيرتهههم فههي‬
‫ظلمتهم ‪‬ولو شاء ال لذهب بسمعهم وأبصارهم‪ ‬لطمس أفهامهم وعقولهم‪ ،‬ومحا نور استعدادهم‪ ،‬كما للفريههق الول فلههم‬
‫ل ‪‬إن ال على كل شيء قدير‪ ‬الشيء الموجود الخارجي الواجب والممكن‪ ،‬والموجود الذهني‬ ‫يتأثروا بسماع الوحي أص ً‬
‫الممكن والممتنع‪ ،‬إذ اللشيء هو المعدوم الصرف الذي ليس في الذهن ول في الخارج‪ ،‬لكن تعلق القدرة بههه خصصههه‬
‫بالممكن وأخرج عنه الواجب والممتنع بدليل العقل‪ .‬هذا آخر الكلم في الصناف السبعة على سههبيل الجمههال‪ ،‬وفصههل‬
‫بين فريقي الشقياء وأوجز ذكر الفريق الول وأعرض عنهم‪ ،‬إذ الكلم فيهم ل يجدي‪ .‬وبالغ فههي ذكههر الفريههق الثههاني‪،‬‬
‫وذمهم‪ ،‬وتعييرهم‪ ،‬وتقبيح صههورة حههالهم‪ ،‬وتهديههدهم‪ ،‬وإبعههادهم‪ ،‬وتهجيههن سههيرهم‪ ،‬وعهاداتهم لمكههان قبههولهم للهدايههة‬
‫وزوال مرضهم العارض‪ ،‬واشتعال نور قرائحهم بمدد التوفيق اللهي عسى التقريع يكسههر أعههواد شههكائمهم‪ ،‬والتوبيههخ‬
‫يقلع أصول رذائلهم‪ ،‬فتتزكى بواطنهم وتتنههور قلههوبهم بنههور الرادة‪ ،‬فيسههلكوا طريههق الحههق‪ .‬ولعههل موادعههة المههؤمنين‬
‫وملطفتهم إياهم ومجالستهم معهم‪ ،‬تستميل طباعهم فتهيج فيهم محبة ما‪ ،‬وشوقًا تلين به قلوبهم إلى ذكر ال‪ ،‬وتنقاد بههه‬
‫نفوسهم لمر ال‪ ،‬فيتوبوا ويصلحوا كما قال ال تعالى ‪‬إن المنافقين في الدرك السفل من النار ولن تجد لهم نصيرًا إل‬
‫الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بال وأخلصوا دينهم له فههإولئك المههؤمنين وسههوف يههؤت اله المههؤمنين أجههرًا عظيمهًا‪‬‬
‫]النساء‪ ،‬اليات ‪.[146 - 145‬‬
‫]آية ‪[22 - 21‬‬
‫‪‬يا أيها الناس‪ ‬ثم لما فرغ من ذكر السعداء والشقياء‪ ،‬دعاهم إلى التوحيهد‪ .‬وأول مراتهب التوحيهد توحيهد الفعهال‪،‬‬
‫فلهذا علق العبوديهة بالربوبيههة ليستأنسههوا برؤيهة النعمهة‪ ،‬فيحبهوه‪ ،‬كمهها قههال ))خلقههت الخلهق وتحببههت إليهههم بههالنعم((‪.‬‬
‫فيشكروه بإزائها‪ ،‬إذ العبادة شكر فل تكون إل في مقابلة النعمة‪ ،‬وخصص ربوبيته بهههم ليخصههوا عبههادتهم بههه‪ ،‬وقصههد‬
‫رفع الحجاب الول من الحجب الثلثة التي هي حجب الفعال والصفات والذات‪ ،‬ببيهان تجلهي الفعهال لن الخلهق فههي‬
‫الثلثة كلهم محجوبون عن الحق بالكون مطلقًا‪ ،‬فنسب إنشاءهم وإنشاء ما توقف عليه وجودهم من المبههادئ والسههباب‬
‫والشرائط كمن قبلهم من الباء والمهههات‪ ،‬وجعههل الرض فراشهًا لهههم لتكههون مقرهههم ومسههكنهم‪ ،‬وجعههل السههماء بنههاء‬
‫لتظلهم‪ ،‬وأنزل الماء من السماء وأخرج النبات به من الرض ليكون رزقًا لهم إلى نفسه لعلهم يتقههون نسههبة الفعههل إلههى‬
‫غيره‪ ،‬فيتنزهون عن الشرك في الفعال عند مشاهدة جميعها من ال‪ ،‬ولهذا ذكر نتيجة ههذه المقههدمات بالفههاء فقهال ‪‬فل‬
‫تجعلوا ل أندادًا وأنتم تعلمون‪ ،‬ما ذكرنا من المقدمات كأنه قال هو الذي فعل هذه الفعال‪ ،‬فل تحق العبادة إل لههه‪ ،‬ول‬
‫تنبغي أن تجعل لغيره‪ ،‬فل تجعلوا له ندًا بنسبة الفعل إليه‪ ،‬فيستحق أن يعبد عندكم فتعبدوه مع علمكم بهذا‪ .‬فعبادتهم إنما‬
‫هي للصانع‪ ،‬وربهم هو المتجلي في صورة الصنع‪ ،‬إذ كل عابد ل يعبد إل ما يعرفه‪ ،‬ول يعرف اله إل بقههدر مهها وجههد‬
‫من اللوهية في نفسه‪ ،‬وهم ما وجدوا إل الفاعل المختار فعبدوه‪ .‬وغاية هذه العبادة الوصول إلى الجنة التي هههي كمههال‬
‫عالم الفعال‪ ،‬فال مهد لهم أراضي نفوسهم‪ ،‬وبنى عليها سموات أرواحهم‪ ،‬وأنزل من تلههك السههموات مههاء علههم توحيههد‬
‫الفعال‪ ،‬فأخرج به من تلك الرض نبات الستسلم والعمال والطاعات والخلق الحسنة ليرزق قلوبهم منها ثمرات‬
‫اليقان والحوال والمقامات‪ ،‬كالصبر والشكر والتوكههل‪ .‬ولمهها أثبههت التوحيههد‪ ،‬اسههتدل علههى إثبههات النبههوة ليصههح بهمهها‬
‫السلم‪ ،‬فإنه ل يصح إل بشهادتين لن مجرد التوحيد هو الحتجاب بالجمع عن التفصيل وهو محههض الجههبر المههؤدي‬
‫إلى الزندقة والباحة‪ ،‬ومجرد إسناد الفعل والقول إلى الرسول‪ ،‬احتجاب بالتفضيل عن الجمع الههذي هههو صههرف القههدر‬
‫المؤدي إلى المجوسية والثنوية‪ ،‬والسلم طريق بينهما بالجمع بين قولنا ل إله إل ال‪ ،‬وبين قولنا محمد رسههول الهه‪،‬‬
‫واعتقاد مظهريته لفعاله تعالى‪ .‬فإن أفعال الخلق بالنسبة إلى أفعال الحق كالجسد بالنسبة إلى الههروح‪ ،‬فكمهها أن مصههدر‬
‫الفعل هو الروح ول يتم إل بالجسد‪ ،‬فكذلك مبدىء الفعل هو الحق ول يظهر إل بالخلق‪ .‬ول بد من الرسالة لن الخلههق‬
‫بسبب احتجابهم وبعدهم عن الحق ل يمكنهم تلقي المعارف من ربهههم‪ ،‬فيجههب وجههود واسههطة يجههانس بروحههه الشههاهدة‬
‫للحق الحضرة اللهية‪ ،‬وبنفسه المخالطة للخلق الرتبة البشرية‪ ،‬ليتلقى قلبه من روحه الكلمات الربانية‪ ،‬ويلقي إلى نفسه‬
‫القدسية‪ ،‬ويقبل منه الخلق برابطة الجنسية فقال‬
‫]آية ‪[23‬‬
‫‪‬وإن كنتم في ريب مما نزلنا‪ ‬أي في تنزيلنا على محمد فتشكوا في حقية نبوته‪ ،‬فروزوا قواكم البشههرية‪ ،‬وأحههرزوا‬
‫عقولكم المحتنكة بالقياس‪ ،‬المحجوبة عهن نهور الهدايهة‪ ،‬وأفكهاركم الدريهة بهتركيب الكلم ونظهم المعهاني‪ ،‬وأنتهم ومهن‬
‫حضركم من أبناء جنسكم‪ ،‬هل تقدرون على التيان بسورة أي طائفة من الكلم مثله ‪‬إن كنتم صادقين‪ ‬فههي نسههبته إلههى‬
‫محمد‪.‬‬
‫]آية ‪[24‬‬
‫‪‬فإن لم تفعلوا‪ ‬فأذعنوا وأسلموا وآمنوا‪ ،‬واتركوا العناد المفضي بكم إلى النار‪ .‬فحذف الملزوم الههذي هههو اليمههان أو‬
‫السلم‪ ،‬وأقام لزمه الذي هو اتقاء النار مقامه ليكون أدل على أن النكار موجب لدخول النار وحصول العههذاب لهههم‪.‬‬
‫وقوله ‪‬ولن تفعلوا‪ ‬اعتراض على طريق الخبار بههالغيب للعلههم بامتنههاع عقههول المحجههوبين وعههن مثلههه‪ .‬والمههراد بالنههار‬
‫احههتراقهم بثههورة نفوسهههم‪ ،‬وشههرر طبههاعهم المصههروفة عههن الههروح القدسههي الروحههاني‪ ،‬والنسههيم الههذوقي الرحمههاني‪،‬‬
‫المحرومة عن لذة برد اليقين‪ ،‬وسلمة دار القرار المقطوعة بالمألوفات الحسية‪ ،‬واللذات البدنية الممنوعة‪ ،‬بما خبريت‬
‫به وألفته مع بقاء حنينها إليه وولهها‪ ،‬ورسوخ هيئات التعلق بالمور السفلية‪ ،‬ومحبة الجساد الرضية فيههها الههتي هههي‬
‫سبب استيقاد نيرانها‪ ،‬ولهذا قال ‪‬وقودها الناس والحجارة‪ ‬أي المههور الجاسههية‪ ،‬السههفلية‪ ،‬الصههامتة‪ ،‬الههتي تعلقههوا بههها‬
‫بالمحبة فرسخت صورها في أنفسهم‪ ،‬وسجنت نفوسهم بميلهم إليها‪ ،‬كما قههال رسههول اله ‪)) ‬المههرء يحشههر مههع مههن‬
‫أحب حتى لو أحب أحدكم حجرًا حشر معه((‪ ،‬وكيف ل‪ ،‬وقد ركزت صورته فهي نفسههه بالمحبهة بحيههث صههار صهورة‬
‫قلبه صورته‪ .‬وأعلم أن حرارة النار تابعة لصورتها النوعية التي هي روحانيتها وملكوتها‪ ،‬وإل ساوت سههائر الجسههام‬
‫في خواصها‪ ،‬وتلك الروحانية شر من نار‪ ،‬قهر ال المعنوية بعد تنزلهها فهي مراتهب كهثيرة كتنزلهها فهي مرتبهة النفهس‬
‫بثورة الغضب‪ ،‬إذ ربما تؤثر ثورة الغضب في إحراق الخلق ما ل تهؤثر النهار فهي الحطههب‪ .‬ومهن ههذا يعلهم أن كههل‬
‫مسخن ل يجب أن يكون حارًا‪ .‬وإذا كانت النار الجسمانية أثههرًا للنههار الروحانيههة‪ ،‬فل جههرم أن إيلمههها أشههد وأدوم مههن‬
‫إيلم هذه النار‪ ،‬كيف وكل قوة جسمانية متناهية دون القوى الروحانية ؟ ولهذا المعنى يقال إن نار جهنم غسلت بالمههاء‬
‫سبعين مرة‪ ،‬ثم أنزلت إلى الدنيا ليمكن النتفاع بها ‪‬أعدت للكافرين‪ ‬المحجوبين عن الدين لنقطاعهم دون مرادهم‪.‬‬
‫]آية ‪[26 - 25‬‬
‫‪‬وبشر الذين آمنوا‪ ‬بالصانع وعملوا ما يصلحهم للجنة بمقتضى علمهم بتوحيد الفعال أن لهههم مراداتهههم ومشههتهياتهم‬
‫فوق ما تصوروا وتمنوا‪ ،‬التنكير الجنات‪ ،‬والجنات الجارية من تحتها النهار أبههى وأطيهب مها يكهون مهن مقهام‪ ،‬وألهذ‬
‫وأحلى ما يكون من مرام لهل الدنيا‪ ،‬فهي لنفوسهم من جنس جنات الدنيا‪ ،‬وأصفى منها بحسب المعاد الجسماني‪ ،‬فههإنه‬
‫حق كما ستعلم‪ .‬كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قهالوا ههذا الهذي رزقنها مهن قبهل‪ ‬فهي الهدنيا‪ ،‬فإنهها مهألوفهم ‪‬وأتهوا‪‬‬
‫ل‪ ،‬وروضات عالم القدوس التي تنشههأ مههن كههل مرتبههة منههها أنهههار‬ ‫بالرزق ‪‬متشابها‪ ‬ولقلوبهم هي مقاماتهم‪ ،‬كالتوكل مث ً‬
‫علوم تنفع السالكين‪ ،‬وتنفع علة المتعطشين المشتاقين‪ .‬والثمرات هي الحكم والمعارف‪ ،‬وقههولهم ‪‬هههذا الههذي رزقنهها مههن‬
‫قبل‪ ‬إشارة إلى أن تلك العلوم والحكم كانت ثابتة للقلب حالة التجرد‪ ،‬فاحتجبت عنها بالتوغل في المههور الطبيعيههة عنههد‬
‫التعليق فنسيتها‪ ،‬ثم تذكرت حين تجردت عن ملبسها لقوله ‪)) ‬الحكمة ضالة المههؤمن((‪ .‬والزواج لنفوسهههم الحههور‬
‫العين المطهرة عن الطمث والفواحش‪ ،‬ولقلوبهم النفوس القدسية المطهرة عن دنس الطبائع وكههدر العناصههر‪ ،‬ول جنههة‬
‫لرواحهم لحتجابهم عن المشاهدة‪ .‬إن ال ل يستحي‪‬ل يمتنه المستحيي ‪‬أن يضههرب مثل مهها بعوضههة فمهها فوقههها‪ ‬إذ‬
‫الكافر عنده أحقر من بعوضة‪ ،‬والدنيا من جناحها‪ ،‬كما نطلق به الحديث‪)) .‬أنه الحق مههن ربهههم)) لمناسههبة الممثههل بههه‬
‫الممثل له ‪‬وما يضل به إل الفاسقين‪ ‬الذين خرجوا من مقهام القلهب إلهى مقهام النفهس‪ ،‬ومهن طاعهة الرحمهن إلهى طاعهة‬
‫الشيطان‪ .‬وهم الفريق الثاني من الشقياء ل الفريق الول‪ ،‬فإنهم ضالون في نفس المههر علههى أي حههال كههان ل بههه ول‬
‫بسبب آخر‪ .‬وإضللهم به مسبب عن فسههقهم فهي الحقيقهة‪ ،‬إذ ترتيهب الحكههم علهى الوصههف يشهعر بالعليههة وهههي زيههادة‬
‫عنادهم وإنكارهم وحقدهم وغلبة صفات نفوسهم على قلوبهم بورود القرآن فيزيدهم بعدًا وظلمة على ظلمههة‪] .‬آيههة ‪[27‬‬
‫‪‬الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه‪ ‬هو الذي أشار إليه في قوله ‪‬وإذ أخذ ربك من بني آدم مهن ظههورهم ذريتههم‬
‫وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى‪] ‬العهراف‪ ،‬اليهة ‪ .[172‬وقهد ورد فهي الحهديث ))أن اله تعهالى مسهح‬
‫ظهر آدم بيده وأخرج ذريته منه كهيئة الذر((‪....‬الحديث‪ .‬فيههد اله ههو العقههل القههداس‪ ،‬والههروح الول الههذي هههو روح‬
‫العالم المسمى يمين الرحمن‪ ،‬وآدم هو النفههس الناطقههة الكليهة الههتي هههي قلههب العههالم‪ .‬ومسههحه ظهههره تههأثير العقههل فيههها‬
‫وتنويره إياها بنوره بالتصال الروحاني‪ ،‬وإخراج ذريته منه إيجاد النفوس الشخصية الجزئية التي كههانت فيههها بههالقوة‪،‬‬
‫وإخراجها إلى الفعل‪ .‬وعهد ال إليهم بقوله ‪‬ألست بربكم‪ ‬إيداع علم التوحيد في ذواتهههم وميثههاق ذلههك العهههد ركههز أدلههة‬
‫التوحيد في عقولهم وإلزام ذلك العلم إياهم وجعله مهن اللهوازم الذاتيهة لههم‪ ،‬بحيهث إذا تجهردوا عهن الصهفات النفسهانية‬
‫والغواشي الجسمانية تبين لهم ذلك‪ ،‬وانكشف عليهم أظهر شههيء وأبينههه وهههو إشهههادهم علههى أنفسهههم لكههون ذلههك العلههم‬
‫ضروريًا حينئذ‪ ،‬وإجابتهم لذلك بقولهم ‪‬بلي‪ ‬قبولهم الذاتي له‪ ،‬ونقض ذلك العهد انهماكهم في اللذات البدنيههة والغواشههي‬
‫الطبيعية وتعبدهم لهواهم وشهواتهم‪ ،‬بحيث احتجبوا بها عن وحدة ال وتعبده‪ ،‬وقطعهم ما أمههر ال ه بوصههله إعراضهههم‬
‫عن اتصال روح القدس والمبادئ العالية والرواح السماوية التي هي المل العلى‪ ،‬وسكان الحضرة اللهيههة مههن أهههل‬
‫الجبروت والملكوت الذين يجانسونهم بذواتهم وصفاتهم‪ ،‬وهم أهل قرابتهم الحقيقية‪ ،‬ورحمهم الظاهر المههأمور بوصههله‬
‫حقيقة بتوجههم إلى العالم السفلي ومحبتهم للجواهر الفاسقة المظلمة‪ ،‬وعشقهم وشغفهم بالمور الخسيسة الفانية‪ .‬ولهههذا‬
‫قال عليه ‪)) ‬إن ال يحب معالي المور وأشرافها‪ ،‬ويبغض سفاسفها((‪ ،‬إذ كلما كان مطلوب النفس أخس كههانت عههن‬
‫العالم الشريف أبعد‪.‬‬
‫ضروب الناس عشاق ضروبا فأغدرهم أشقهم جيوبا‬
‫وقد مر تفسير الفساد في الرض‪ ،‬والخسران الذي هو تضييع الجوهر النوري الباقي لجل الظلماني الفاني‪.‬‬
‫]آية ‪[29 - 28‬‬
‫‪‬كيف تكفرون بال‪ ‬أي على أي حال تحجبون عنه ‪‬و‪ ‬الحال أنكم ‪‬كنتم أمواتًا‪ ‬نطفًا في أصلب آبائكم ‪‬فأحياكم‪ ‬أي‬
‫لم ل تستدلون بالخلق على الخالق ‪‬ثم يميتكم‪ ‬بالموت الطبيعي ‪‬ثم يحييكم‪ ‬بههالبعث‪ ،‬إذ الول معلههوم بالمشههاهدة‪ ،‬والثههاني‬
‫بالستدلل عليه بالنشاء الول ‪‬ثم إليه ترجعون‪ ‬للمجازاة‪ ،‬أو ثم يميتكم عن أنفسكم بالموت الرادي الذي هو الفناء في‬
‫الوحدة ثم يحييكم بالحياة الحقيقية التي هي البقاء بعد الفناء بالوجود الموهوب الحقههاني‪ .‬ثههم إليههه ترجعههون للمشههاهدة إن‬
‫كانت الوحدة وحدة الصفات‪ ،‬أو الشهود إن كانت وحدة الذات‪ .‬هو الذي خلق لكم ما في الرض جميعهها‪ ‬أي الجهههة‬
‫السفلية التي هي العالم العنصري جميعهًا لكونهها مبهادئ خلقكهم ومهواد وجهودكم وبقهائكم ‪‬ثهم اسهتوى‪ ‬أي قصهد قصهدًا‬
‫مستويًا إلى الجهة العلوية‪ ،‬وثم للتفاوت بين الجهتين واليجادين البههداعي والتكههويني ل للههتراخي بيههن الزمههانين ليلههزم‬
‫تقدم خلق الرض على السماء‪ .‬فعدلهن سبع سموات بحسب ما تراه العامة‪ ،‬إذ الثههامن والتاسههع هههو الكرسههي والعههرش‬
‫الظاهران‪ .‬والحقيقة أن الجهة السفلية هي العالم الجسماني كالبدن وأعضائه لههدنو رتبتههه بالنسههبة إلههى العههالم الروحههاني‬
‫الذي هو الجهة العلوية المعبر عنها بالسماء‪ .‬وثم للتفاوت بين الخلق والمر‪ .‬وسواهن سبع سموات إشهارة إلهى مراتهب‬
‫عالم الروحانيات‪ ،‬فالول هو عالم الملكوت الرضية والقوى النفسانية والجههن‪ .‬والثههاني عههالم النفههس‪ .‬والثههالث عههالم‬
‫القلب‪ .‬والرابع عالم العقل‪ .‬والخامس عالم السر‪ .‬والسادس عالم الروح‪ .‬والسابع عالم الخفاء الذي هو السر الروحي‬
‫غير السر القلبي‪ .‬وإلى هذا أشار أمير المؤمنين ‪ ‬بقوله)سلوني عن طرق السماء‪ ،‬فإني أعلم بها من طرق الرض(‪،‬‬
‫وطرقها الحوال والمقامات كالزهههد‪ ،‬والتوكههل‪ ،‬والرضهها‪ ،‬وأمثالههها‪ .‬واعلههم أن العقههل باصههطلح الحكمههة هههو الههروح‬
‫باصطلح أهل التصوف‪ ،‬والذي سميناه ههنا بالعقل على اصطلح المتصوفة هو القوة العاقلة التي للنفس الناطقة عنههد‬
‫الحكماء‪ .‬ولهذا قالت المتصوفة العقل هو موضع صقيل من القلب‪ ،‬متنور بنههور الههروح‪ .‬والقلههب هههو النفههس الناطقههة‪،‬‬
‫فاحفظه لئل يتشوش الفهم باختلف الصطلح‪.‬‬
‫]آية ‪[30‬‬
‫‪‬وإذ قال ربك للملئكة‪ ‬إذ إشارة إلى السرمد الذي هو من الزل إلى البد‪ ،‬والقول هو إلقههاء معنهى تعلههق مشههيئة اله‬
‫تعالى بإيجاد آدم في الذوات القدسية الجبروتية التي هههي الملئكههة المقربههون والرواح المجههردة والملكوتيههة الههتي هههي‬
‫النفوس السماوية إذ كل ما يحدث في عالم الكون له صورة قبل التكوين في عالم الروح الذي هو عالم القضاء السههابق‪،‬‬
‫ثم في عالم القلب الذي هو قلب العالم المسمى باللوح المحفوظ‪ ،‬ثم في عالم النفس أي نفس العالم الذي هو لههوح المحههو‬
‫والثبات المعبر عنه بالسماء الدنيا في التنزيل كما قال تعالى ‪‬وإن من شيء إل عندنا خزائنه وما ننزله إل بقدر معلوم‪‬‬
‫]الحجر‪ ،‬الية ‪ ،[21‬فذلك قوله تعالى للملئكة ‪‬إني جاعل في الرض خليفة‪ ‬واعتههبر بحالههك فههي نفسههك‪ ،‬فههإن كههل مهها‬
‫يظهر على جوارحك التي هي عالم كونك وشهادتك من القول والفعل‪ ،‬له وجود فههي روحههك الههتي هههي مهها وراء غيههب‬
‫غيبك‪ ،‬ثم في غيب‪ ،‬ثم في نفسك التي هي غيبك الدنى وسماؤك الههدنيا‪ ،‬ثههم يظهههر علههى جوارحههك‪ .‬والجعههل أعههم مههن‬
‫البداع والتكوين‪ ،‬فلم يقل ‪‬خالق‪ ‬لن النسان مركب من العالمين خليفههة يتخلههق بههأخلقي‪ ،‬ويتصههف بأوصههافي‪ ،‬وينفههذ‬
‫أمري‪ ،‬ويسوس خلقي‪ ،‬ويدبر أمرهم‪ ،‬ويضبط نظامهم‪ ،‬ويدعوهم إلى طههاعتي‪ .‬وإنكههار الملئكههة بقههولهم ‪‬قههالوا أتجعههل‬
‫فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء‪ ‬وتعريضهم بأولويتهم لذلك بقولهم ‪‬ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك‪ ‬هو احتجههابهم عههن‬
‫ظهور معنى اللهيههة والوصههاف الربانيههة فيههه الههتي هههي مههن خههواص الهيئة الجتماعيههة والههتركيب الجههامع للعههالمين‬
‫الحاصر لما في الكونين‪ .‬وعلمهم بصدور الفعال البهيمية التي هي الفساد في الرض‪ ،‬والسبعية المعههبر عنههها بسههفك‬
‫الدماء اللتين هما من خواص قوة الشهههوة والغضههب الضههروري وجودهمهها فههي تعلههق الههروح البههدن‪ ،‬وبنزاهههة ذواتهههم‬
‫وتقدس نفوسهم عن ذلك‪ ،‬إذ كل طبقة من الملئكة المقدسة تطلع على ما تحتها وما في أنفسها ول تطلع على ما فوقهها‪،‬‬
‫فهي تعلم أنه ل بد في تعلق الروح العلهوي النهوراني بالبهدن السهفلي الظلمهاني مهن واسهطة تناسهب الهروح مهن وجهه‪،‬‬
‫وتناسب الجسم من وجه‪ ،‬هي النفس‪ ،‬وهي مأوى كل شر‪ ،‬ومنبع كل فساد‪ .‬ول تعلم أن الجمعية النسههانية جالبههة للنههور‬
‫اللهي الذي هو سر ‪‬إني أعلم مهها ل تعلمههون‪ ‬والفههرق بيههن التسههبيح والتقههديس‪ ،‬أن التسههبيح هههو التنزيههة عههن الشههريك‬
‫والعجز والنقص‪ .‬والتقديس هو التنزية عن التعلق بالمحل وقبول النفعال وشوائب المكان والتعدد فههي ذاتههه وصههفاته‬
‫وكون شيء من كمالته بالقوة‪ .‬فالتقديس أخص‪ ،‬إذ كل مقدس مسبح وليس كل مسبح مقدسًا‪ ،‬فالملئكة المقربون الههذين‬
‫هم الرواح المجردة بتجردهم وعدم احتجابهم عن نور ربهم وقهرهم مهها تحتهههم بإفاضههة النههور عليهههم‪ ،‬وتههأثيرهم فههي‬
‫غيرهم‪ ،‬وكون جميع كمالتهم بالفعل مقدسون وغيرهههم مههن الملئكههة السههماوية والرضههية مسههبحون ببسههاطة ذواتهههم‬
‫وخواص أفعالهم وكمالتهم‪.‬‬
‫]آية ‪[33 - 31‬‬
‫‪‬وعلم آدم السماء كلها‪ ‬أي ألقى في قلبه خواص الشياء التي تعرف بها هي ومنافعها ومضارها ‪‬ثم عرضهههم‪ ‬أي‬
‫عرض مسمياتها ‪‬على الملئكة‪ ‬بشهودهم البنية النسانية ومرافقتهم لدم في التنزيل‪ .‬ومعنى قوله ‪‬فقال أنبئوني بأسماء‬
‫هؤلء إن كنتم صادقين‪ ‬إرادته لنتعاشهم ببعهض معلومهات النسهان باقتضهاء الهتركيب النسهاني‪ ،‬وتهأذي محسوسهاته‬
‫ومعلوماته المتنوعة منها والحادثة فيه بخاصية التركيب والهيئة الجتماعية إلى ذواتهم بعد ما لم تكن‪ ،‬إذ علومهم تابعة‬
‫لعلمه وهو معنى إفحامهم وتعلق إرادته بذلك أمر آدم باللنباء إذ جميع القوى النسانية والملئكة التي بحضرته تنتعش‬
‫بما ل تنتعش هي في غير ذلك المحل‪ ،‬وهو معنى إنباء آدم إياهم‪ .‬ومعنى قوله ‪‬قالوا سبحانك ل علههم لنهها إل مهها علمتنهها‬
‫إنك أنت العليم الحكيم‪ ‬شهادة وجوداتهم بالدللة وألسههنة الحههال علههى قصههورهم عههن الكمههالت النسههانية وتخلفهههم عههن‬
‫شأوها‪ ،‬وبتنزيه ال عن فعل ما فيه مفسدة بالجمال‪ ،‬وعلمهم بامتناع ترقيهم إلههى مراتبهههم بكسههب العلههوم‪ ،‬إذ كمههالتهم‬
‫مقارنة لوجوداتهم‪ ،‬وبأن علمه تعالى فوق علمهم فهو العليم المطلق‪ ،‬والحكيم الذي ل يفعل إل ما ينبغي‪ .‬ولهذا قههال ‪‬يهها‬
‫آدم أنبئهم‪ ‬ولم يقل علمهم‪ ،‬لن العلم المكتسب الموجب للترقي هو من خاصية الجمعية النسانية فل يقبل كل منها إل ما‬
‫ل من كثرة مبصراته ل يزيد علمًا ورتبة ول يقبل إل مهها هههو‬ ‫في طباعه من جنس مدركاته ل غير‪ ،‬وكما أن البصر مث ً‬
‫من جنس المبصرات فقط‪ ،‬وإن تكثرت عنده فكذلك حال كل قوة باطنة‪ .‬ومعنى ‪‬ألم أقل‪ ‬تقريره في طبههاع الملئكههة أنههه‬
‫تعالى يعلم ما ل يعلمون من غيب السموات والرض الذي هو سر المعرفة والمحبة المودع في النسههان الههذي اسههتأثر‬
‫ال بعلمه ‪‬وأعلم ما تبدون‪ ‬من علمكم بمفاسد النسان ‪‬وما كنتم تكتمون‪ ‬من ترجيحكم ذواتكم عليه لنزاهتها وتقدسها‪.‬‬
‫]آية ‪[34‬‬
‫‪‬وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم‪ ‬سجودهم لدم انقيادهم وتذللم له‪ .‬ومطاوعتهم وتسههخرهم لههه ‪‬فسههجدوا إل إيلبههس أبههى‬
‫واستكبر‪ ‬وإبليس هو القوة الوهمية لنها ليست من الملئكة الرضية الصههرفة المحجوبههة عههن إدراك المعههاني بههإدراك‬
‫الصور‪ ،‬فيذعن بالقهر مطاوعة لمر ال‪ ،‬ول من السماوية العقلية فتدرك شرف آدم وتوافق عقله فيذعن بالمحبة طالبهًا‬
‫لرضا ال‪ .‬وكان جنيًا أي من جملة الملكوت السههفلية والقههوى الرضههية‪ ،‬نشههأ وتربههى بيههن ظهههور الملئكههة السههماوية‬
‫لدراكه المعاني الجزئية وترقيه إلى الفق العقلي ولهذا كان في الحيوانات العجم بمنزلة العقل في النسان وإباؤه عههدم‬
‫انقياده للعقل‪ ،‬وامتناعه لقبول حكمه‪ ،‬واستكباره تفوقه على الخلقة الطينية والملئكة السههماوية والرضههية بعههدم وقههوفه‬
‫على حده من إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات وتعديه عن طوره بخوضههه فههي المعههاني العقليههة والحكههام‬
‫ل عن نور الوحدة‪.‬‬ ‫الكلية‪ .‬وكان من الكافرين‪ ‬المحجوبين في الزل عن النوار العقلية والزوجية فض ً‬
‫]آية ‪[35‬‬
‫‪‬وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة‪ ‬زوجته هي النفس‪ ،‬وسميت حواء لملزمتههها الجسههم الظلمههاني إذ الحيههاة هههي‬
‫اللون الذي يغلب عليه السواد كما أن القلب سمي آدم لتعلقه بالجسم دون الملزمة بالنطباع إذ الدمههة هههي السههمرة أي‬
‫اللون الذي يضرب إلى السواد ولول تعلقه لما سمي آدم‪ .‬والجنة المأمور بملزمتهما إياها هي سماء عالم الههروح الههتي‬
‫هي روضة القدس أي ألزمهها سههماء الههروح‪ .‬وكل منههها رغههدا حيههث شههئتما‪ ‬أي توسههعا وتفسههحا فههي تلقههي معانيههها‬
‫ومعارفها وحكمها التي هي القوات القلبية والفواكه الروحية توسعًا بالغًا على أي وجههه ومههن أي مرتبههة وحههال ومقههام‬
‫شئتما إذ هي دائمة غير منقطعههة ول محجههورة ‪‬فتكونهها مههن الظههالمين‪ ‬الواضههعين النههور فههي محههل الظلمههة الههذي ليههس‬
‫موضعه والناقصين من نور استعدادكما وحظكما من عالم النور‪ ،‬فهإن الظلهم فهي العهرف ههو وضهع الشهيء فهي غيهر‬
‫موضعه وفي اللغة نقص الحق والحظ الواجب‪.‬‬
‫]آية ‪[37 - 36‬‬
‫‪‬فأزلهما الشيطان عنها‪ ‬أي حملهما على الزلة من مقامهما إلى مهوى الطبيعة عههن الجنههة بتسههويل الملذ الجسههمانية‬
‫ودوامها عليهما ‪‬فأخرجهما مما كان فيه‪ ‬مههن النعيههم والههروح الههدائم‪ .‬وقيههل بينمهها همهها يتفرجههان فههي الجنههة إذ راعهمهها‬
‫طاووس تجلى لهما على سور الجنة‪ ،‬فدنت حواء منه وتبعها آدم فوسوس لهما الشيطان من وراء الجدار‪ .‬وقيل توسههل‬
‫بحية تتسور الجنة فأخذ بذنبها وصعد الجنة‪ .‬والول إشارة إلى توسله من قبل الشهوة خارج الجنة‪ .‬والثاني إلى توسههله‬
‫بالغضب‪ .‬وتسوره جدار الجنة إشارة إلى أن الغضب أقرب إلى الفق الروحاني والحيز القلبي من الشهههوة‪ .‬وقلنهها‬
‫اهبطوا‪ ‬أي ألزمناهم الهبوط إلى الجهة السفلية التي هي العالم الجسماني ‪‬بعضكم لبعض عدو‪ ‬حال من الهبوط مقيد لههه‬
‫إذ الهبوط إلى الدنيا التي هي الجهة السفلية يستلزم كون مطالبها جزئية في ضيق المادة محصههورة ل تحتمههل الشههركة‪.‬‬
‫وكلما حظي بها أحد حرم منها غيره فمنعه‪ ،‬فيقع بينهما العداوة والبغضاء بخلف المطالب الكلية وجمههع الخطههاب لن‬
‫خطابهما خطاب النوع إذ الصل يتناول الفرع ‪‬ولكم في الرض‪ ‬أي في هذه الجهة ‪‬مستقر‪ ‬استقرار ‪‬ومتاع‪ ‬تمتع ‪‬إلى‬
‫حيههن‪ ‬أي حيههن تجردهمهها بههالموت الرادي وانقطههاع حظوظهمهها بههالموت الطههبيعي وقيههام أحههد القيههامتين الكههبرى أو‬
‫الصغرى‪ .‬فتلقى آدم من ربه كلمات‪ ‬أي استقبل من جهة ربه أنوارًا وأطوارًا‪ ،‬أي مراتب من الملكوت والجبروت‬
‫وأرواحًا مجردة‪ ،‬إذ كل مجرد كلمة لنه من عالم المر كما سمي عيسى كلمة أو تلقهن منهه معههارف وعلومهًا وحقهائق‪.‬‬
‫‪‬فتاب عليه‪ ‬تقبل رجوعه إليه بالتجرد عهن الملبهس الطبيعيهة والنخهراط فهي سهلك النهوار الملكوتيهة‪ ،‬والتصهاف‬
‫بالكمالت القدسية‪ ،‬والتجلي بالعلوم الحقيقية‪ .‬وأصل تاب عليه ألقى الرجوع عليهه وجعلهه راجعهًا‪ .‬ولعمهري إنهها ههي‬
‫التوبة المقبولة ل الرجوع الناشئ من قبله‪ .‬إنه هو التواب‪ ‬الكثير القبول لتوبههة عبههادة ‪‬الرحيههم‪ ‬الههذي سههبقت رحمتههه‬
‫غضبه‪ ،‬فيرحم عبده في حين غضبه‪ ،‬كما جعل غضبه على آدم سبب كماله ورجوعه إليه وبعده ليتقرب منه‪.‬‬
‫]آية ‪[40 - 38‬‬
‫‪‬قلنا اهبطوا منها جميعا‪ ‬كرر ذلك المر بالهبوط ليفيههد أنههه هههو الههذي أراد ذلههك ولههول إرادتههه لمهها قههدر إبليههس علههى‬
‫إغوائهم‪ ،‬لهذا أسند الهباط إلى نفسه مجردًا عن التعليق بالسبب بعد إسناد إخراجهما إلى الشيطان‪ ،‬فهو قريب مما قههال‬
‫لنبيه ‪‬وما رميت إذ رميت ولكن ال رمى‪] ‬النفال‪ ،‬الية ‪ [17‬فتفطن منه سر قضائه وقدره وبين وجه حكمههة الهبههاط‬
‫بتعقيبه بقوله ‪‬فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فل خوف عليهم ول هم يحزنون‪ ‬وإيراده بالفاء إذ لههول الهبههوط لمهها‬
‫أمكنهم من متابعة الهدى‪ ،‬ولما تميز السعيد والشقي‪ ،‬ول حصل استحقاق الثواب والعقاب‪ ،‬ولبطل دار الجزاء من الجنة‬
‫والنار‪ ،‬بل ما وجدت‪ .‬والهدى هو الشرع فمن تبعه أمن سوء العاقبة فلم يخف مما يأتي من العقاب والفناء‪ ،‬وتسلى عههن‬
‫الشهوات واللذات‪ ،‬فلم يحزن على ما فاته من حطام الدنيا ونعيمها لكتحال بصيرته بنور المتابعههة واهتههدائه إلههى مها ل‬
‫يقاس بلذات الدنيا من الذواق الروحانية‪ ،‬والفتوحات السرية‪ ،‬والمشاهدات القلبية‪ ،‬والعلوم العقلية‪ ،‬والمواجيد النفسههية‪.‬‬
‫‪‬والذين كفروا‪ ‬أي حجبوا عن الدين لكونه في مقابلة اتباع الهدى‪ ،‬وإردافه بقوله ‪‬وكذبوا بآياتنا أولئك أصههحاب النههار‬
‫أي نار الحرمان ‪‬هم فيها خالدون‪ ‬يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيههاي‬
‫فارهبون‪ ‬بنو إسرائيل هم أهل اللطف اللهي‪ ،‬وأرباب نعمة الهدايههة والنبههوة‪ ،‬دعههاهم بههاللطف وتههذكير النعمههة السههابقة‪،‬‬
‫والعهد السالف المأخوذ منهم في التوراة بتوحيد الفعال بعد العهد الزلي كما هو عادة الحباب عند الجفاء‪.‬‬
‫ألم يك بيننا رحم ووصل وكان بنا المودة والخاء‬
‫وهذه الدعوة مخصوصة بتوحيد الصفات الذي هو رفع الحجاب الثاني‪ ،‬فهي أخص من الههدعوة الولههى العامههة لتههذكير‬
‫النعمة الدينية والعهد والتجلي بصفة المنعم والولي‪ ،‬والتهديد على عدم إجابتها بالرهبهة الهتي ههي أخهص مهن الخهوف‪،‬‬
‫فإن الخوف إنما يكون من العقاب‪ ،‬والرهبة من السخط والقهر‪ ،‬والعراض والحتجاب والخشههية أخههص منههها لكونههها‬
‫مخصوصة باحتجاب الذات‪ .‬قال ال تعالى ‪‬ويخشون ربهم ويخافون سوء الحسههاب‪] ‬الرعههد‪ ،‬اليههة ‪ .[21‬وكههذا الهيبههة‬
‫لنها قرنت بعظمة الذات‪.‬‬
‫]آية ‪[43 - 41‬‬
‫‪‬وآمنوا بما أنزلت‪ ‬من القرآن على حبيبي من توحيد الصفات ‪‬مصدقا لما معكم‪ ‬في التههوراة مههن توحيههد الفعههال ‪‬ول‬
‫تكونوا أول كافر به‪ ‬أي أول محجوب عنه لحتجابكم باعتقادكم ‪‬ول تشتروا‪ ‬أي ل تستبدلوا ‪‬بآياتي‪ ‬الدالة على تجليههات‬
‫ذاتي وصفاتي كسورة ‪‬الخلص‪ ‬وآية ‪‬الكرسي‪ ‬وأمثالهما‪ ،‬ثمنا قليل‪ ‬أي جنتكم النفسية لتألفكم بههالملذ الحسههية وثههواب‬
‫العمال بتوحيد الفعال‪ .‬وإن اتقيتم عن الشرك فاتقوا سطوة قهري وجللي وحجابي بابتغههاء رضههاي فل تثبتههوا صههفة‬
‫لغيري‪ .‬ول تلبسوا الحق بالباطل‪ ‬أي ول تخلطوا صفاته تعالى الثابتة كعلمههه وقههدرته وإرادتههه بالباطههل الههذي هههو‬
‫صفات نفوسكم بظهورها بصفاتها وعدم تمييزكههم بيههن دواعيههها وخواطرههها ودواعههي الحههق وخههواطره‪ ،‬ول تكتموههها‬
‫بحجاب صفات النفس وسترها إياها عند ظهورها ‪‬وأنتم تعلمون‪ ‬من علم توحيد الفعال أن مصههدر الفعههل هههو الصههفة‪،‬‬
‫فكما لم تسندوا الفعل إلى غيره ل تثبتوا صفة لغيره‪ .‬وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة‪ ‬طلبًا لمرضاتي ل رجاء لثوابي‪،‬‬
‫ومصداقه قوله ‪‬واركعوا مع الراكعين‪‬إذ الركوع هو الخضوع والذعهان لمها يفعهل بهه فهههو علمهة الرضها الههذي ههو‬
‫ميراث تجلي الصفات وغايته‪ ،‬أي ارضوا بقضائي عند مطالعة صفاتي والتوجه عند القيام بالفعل علمة طلب الثواب‬
‫والجر لستقلل النفس بصورتها‪ ،‬والسجود الذي هو غاية الخضوع علمة الفناء في الوحدة عند تجلي الذات‪.‬‬
‫]آية ‪[48 - 44‬‬
‫‪‬أتأمرون الناس بالبر‪ ‬الذي هو الفعل الجميل المهوجب لصههفاء القلهب‪ ،‬وزكهاء النفههس الهزائد منهها بههالتنور ‪‬وتنسههون‬
‫أنفسكم‪ ‬أفل تفعلون ما ترتقون به من مقام تجلي الفعال إلى تجلي الصفات ‪‬وأنتههم تتلههون‪ ‬كتههاب فطرتكههم الههذي يههأمركم‬
‫باتباع محمد في دينه السالك بكم سبيل التوحيد ‪‬أفل تعقلون‪ ‬تعيير بالغ‪ ،‬وتهييج لحميتهم‪ .‬واستعينوا‪ ‬واطلبههوا العههون‬
‫والمدد ممن له القدرة‪ ،‬إذ ل قدرة لكم على أفعالكم ‪‬بالصبر‪ ‬على مهها تكرهههون ممهها يفعههل بكههم وتكلفكههم ونيتكههم بهه لكههي‬
‫تصلوا إلى مقام الرضا ‪‬والصلة‪ ‬التي هي حضور القلب لتلقي تجليات الصفات ‪‬وإنها‪ ‬وإن المراقبة أي الحضور القلبي‬
‫‪‬لكبيرة‪ ‬لشاقة ثقيلة ‪‬إل على الخاشعين‪ ‬المنكسرة‪ ،‬اللينة قلوبهم لقبول أنوار التجليات اللطيفة واستيلء سطوات التجليات‬
‫القهرية‪ ،‬الذين يتيقنون أنهم بحضرة ربهم‪ ،‬أي حضرة الصفات لدللة الرب عليها في حال لقائه‪ ،‬وأنهم إليه راجعههون‬
‫ل ولطهف بههم وفضهلهم علهى عهالمي زمهانهم‬ ‫بفناء صفاتهم ومحوها في صفاته‪ .‬كرر الخطاب ليفيد أن الذي ههداهم أو ً‬
‫المحجوبين بالهداية إلى رفع الحجاب الول هو الذي يهديهم ثانيًا‪ ،‬فكما لم يرد بهم شرًا فههي الهدايههة الولههى فكههذلك فههي‬
‫الثانية ل يريد بهم إل خيرًا‪ .‬واتقوا يوما ل تجزي‪ ‬أي حال تجلي صفة القهر حين ل تغني ‪‬نفس عن نفس شيئا‪ ‬مههن‬
‫الغناء لعدم القدرة لحد ‪‬ول يقبل منها شفاعة‪ ‬لعدم الشفاعة والمدد إذ كلهم مسلوب الصفات والفعال‪ ،‬كقوله‬
‫ول ترى الضب بها ينجحر‬
‫‪‬ول يؤخذ منها عدل‪ ‬أي فدية لعدم الملك لحد ‪‬ول هم ينصرون‪ ‬لمتناع القههوة والنصههرة لغيههره تعههالى ]آيههة ‪- 49‬‬
‫‪ [50‬وإذ نجيناكم من آل فرعون‪ ‬ظاهره وتفسيره على ما يفهم من تذكير النعمة لتهييج المحبة وباطنه وتأويله ‪‬وإذ‬
‫نجيناكم من آل فرعون‪ ‬النفس المارة المحجوبة بأنانيتها المستعلية على ملك الوجود ومصر مدينة البدن التي استعبدت‬
‫هي وقواها التي هي الوهم والخيال والتخلية والغضب والشهوة والقوى الروحانيههة الههتي هههي أبنهاء صهفوة اله يعقهوب‬
‫الروح والقوى الطبيعية البدنية من الحواس الظاهرة والقوى النباتيههة‪ .‬يسههومونكم سههوء العههذاب‪ ‬يكلفههولكم المتههاعب‬
‫الصعبة والكد والعمال الشاقة في جمع المال وادخاره بالحرص والمل وترتيب القوات والملبس وغيرها مما يكدح‬
‫فيه الحراص من أبناء الدنيا ويستعبدونكم في التفكر فيههها والهتمههام بههها وضههبطها وتحصههيل لههذاتهم الههتي هههي عههذاب‬
‫لمنعها إياكم عن لذاتكم‪ .‬يذبحون أبناءكم‪ ‬التي هي تلك القوى الروحانية عن العاقلة النظرية‪ ،‬والعاقلة العمليههة اللههتين‬
‫هما عينا القلب النظرية اليمنى والعملية اليسرى‪ ،‬والفهم الذي ههو سهمع القلهب‪ ،‬والسهر الهذي ههو قلهب القلهب‪ ،‬والفكهر‬
‫والذكر ‪‬ويستحيون نساءكم‪ ‬القهوى الطبيعيهة المهذكورة بمنهع الطائفهة الولهى عهن أفعالهها الخاصهة بهالقهر والسهتيلء‬
‫وحجبها عن حياة نور الروح ومددها وإقدار الطائفة الثانية عن أفعالها وتمكينها‪ .‬وفي ذلكههم‪ ‬النجههاء نعمههة عظيمههة‬
‫‪‬من ربكم‪ ‬هي نعمة مطالعة صفات جلله وجماله‪ ،‬أو في ذلكههم التعههذيب نقمههة عظيمههة مههن ربكههم هههي نقمههة الحتجههاب‬
‫والحرمان والبعد‪ ،‬إذ البلء الذي هو المتحان يحصل بهما‪ .‬قال اله تعههالى ‪‬وبلههونهم بالحسههنات والسههيئات‪] ‬العههراف‪،‬‬
‫]آية ‪ .[168‬وإذ فرقنا‪ ‬بوجودكم ‪‬البحر‪ ‬أي البحر السود الزعاق الهذي ههو المهادة الجسههمانية لنفلقهها بوجهودكم‬
‫انفلق الرض من النبات ‪‬فأنجينههاكم‪ ‬بههالتجرد منههها ‪‬وأغرقنهها آل فرعههون‪ ‬أي القههوى النفسههانية فيههها بملزمتههها إياههها‬
‫وهلكها بفسادها‪ ،‬وأنتم‪ ‬تشاهدون ذلك‪ .‬وعلى هذا يمكن أن يؤول بنو إسرائيل في أول الخطاب بتلك القوى الروحانيههة‬
‫والنعمة التي أنعم بها عليهم هي التهدي إلى قبول النوار الفائضة عليههها مههن عههالم الههروح وتلقههي المعههارف والحكههم‪،‬‬
‫وإيفاؤهم بالعهد‪ ،‬وإبرازهم ما ركز فيهها بحسهب السهتعداد الول مهن الدلهة التوحيديهة والمعهاني الكليهة الكامنهة فيهها‬
‫بالتصفية ومزاولة ما يختص بها من الفعههال‪ ،‬وإيفههاؤه بعهههدهم إفاضههة النههور الكمههالي عليههها عنههد قيامههها بحههق النههور‬
‫السههتعدادي بالتصههفية واسههتعمال مهها عنههدهم مههن المعههاني‪ .‬وإن كنتههم رهبتههم شههيئًا فههارهبوا احتجههاب أنههواري بههزوال‬
‫استعدادكم‪ ،‬وآمنوا أي واقبلوا ما أفيض عليكم من الشراقات النورية والسواغ الغيبية مصههدقًا لمهها فههي اسههتعدادكم مههن‬
‫النور الفطري‪ ،‬ول تكونوا في أول رتبة المحتجبين عن قبولها بالتوجه إلى الجهة السفلية ول تستبدلوا بها لههذات النفههس‬
‫ومقاصدها‪ ،‬ول تخلطوا حق المعارف الروحية والنوار القدسية بباطل المطالب الحسههية والصههفات النفسههية‪ ،‬وتكتمههوا‬
‫تلك النوار والمعارف بظهور هذه عليكههم‪ .‬وأقيمههوا وأديمههوا التههوجه إلههى حضههرة الههروح وامتثههال أمههره‪ ،‬وآتههوا زكههاة‬
‫معلوماتكم التي هي أموالكم بتصهفحها وتركيبهها لتحهرزوا بهها ثهواب النتهائج واللهوازم‪ .‬وأنفقوهها علهى فقرائكهم الهذين‬
‫بحضرتكم من القوى البدنية الطبيعية ليعيشوا بها‪ ،‬ويكتسبوا بهها الخلق الفاضههلة والملكهات الجميلههة‪ ،‬وعلموههها أبنههاء‬
‫جنسكم ليكملوا بها‪ ،‬واركعوا واخضعوا لقبول الوامر العقلية والنوار الروحية والعمال القلبية‪ .‬أتأمرون الناس بههالبر‬
‫وتنسون أنفسكم ؟ أتسوسون ما تحتكههم مههن القههوى بالعبههادات الجميلههة والداب الحسههنة والههترقي إلههى مقههامكم والتههأدب‬
‫بآدابكم وتنسون أنفسكم في التأدب بين يدي ال بآداب الروحانيين والتمرن في المراقبة‪ ،‬والتنور بأنوار الروح في مقههام‬
‫المشاهدة والترقي إلى مقامه عند الفناء في الوحدة‪ ،‬وأنتم تتلون كتاب المعقولت النازلة من رب الههروح بواسههطة ملههك‬
‫العقل إلى نبي القلب‪ .‬أفل تعقلون بالعقل المجرد عن شوب الهوى والوهم ؟ واسهتعينوا بالصهبر علهى مها يظههر عليكهم‬
‫ويرد من سلطنة أنوار سلطان الروح وأحكامه وقهر تجليات العظموت والحضور مع الحق‪ ،‬وأن هذه الستعانة لشههاقة‬
‫إل على الخاشعين‪ ،‬المرتاضين‪ ،‬المههذعنين لنقيههاد أمههر القلههب والههروح‪ ،‬المههتيقنين بههأنهم بحضههرته وفههي لقههائه‪ ،‬وأنهههم‬
‫يرجعون إليه في قبول أنواره‪ .‬وتفضيلهم على العالمين هو شرفهم على جميع ما في النسان من القوى‪.‬‬
‫]آية ‪[54 - 51‬‬
‫‪‬وإذ واعدنا موسى‪ ‬بعد فراغه من مقاومة آل فرعون وإهلكهم ‪‬أربعين ليلههة‪ ‬يخلههص لنهها فيههها لههترفع بههها الغشههاوات‬
‫الطبيعية التي حجبت قلبه عن معدن النور في الربعين التي خلق فيها بدنه عند تكههونه جنين هًا واواحتجههابه بالنشههأة عههن‬
‫الفطرة كما ورد في الحديث ))خمر طينة آدم بيده أربعين صباحًا((‪ .‬وعن وجه قلبه‪ ،‬وتظهههر حكمههة التههوراة مههن قلبههه‬
‫على لسانه ^ ‪‬ثم اتخذتم‪ ‬عجل النفس الحيوانية الناقصة إلها من بعد اعتزاله وغيبتههه عنكههم‪‬وأنتههم ظههالمون‪ ‬واضههعون‬
‫العبادة في غير موضعها‪ .‬ثم عفونا عنكم من بعد ذلك‪ ‬الفعل الشنيع‪ ،‬والظلم القبيح‪ ،‬بتوبتكم عند رجوع موسى إليكم‬
‫لكي تشكروا نعمة عفوي بتصور تلك النعمهة عهن المنعهم فتسههتعدوا لقبههول تجلهي صهفة المنعهم‪ .‬وعلههى التأويههل الثهاني‬
‫‪‬واعدنا موسى‪ ‬القلب عند تعلقه بالبدن واحتجابه عن قومه القوى الروحانية الربعين التي خلقت فيها بنية بدنه ثم تعبدتم‬
‫عجل النفس الحيوانية الطفل من بعد غيبتهه واحتجهابه فههي حهال الصههبا ‪‬ثههم عفونهها عنكهم مهن بعهد ذلههك‪ ‬التعبههد بهالبلوغ‬
‫الحقيقي‪ ،‬وظهور نور القلب بتجردكم لكي تشكروا نعمة توفيقي إيههاكم لههذلك التجههرد وتهيئتههي لسههباب كمههالكم بسههلوك‬
‫سبيل صفاتي‪ .‬وإذ آتينا موسى‪ ‬القلب كتاب المعقولت والحكم والمعارف والتمييز الفارق بين الحق والباطههل‪ ،‬لكههي‬
‫تهتدوا بنور هداه‪ .‬وعلى الهوجه الول غنههي عهن التأويههل‪ .‬ظلمتههم أنفسههكم‪ ‬نقصههتم حقوقههها وحظوطههها مههن الثهواب‬
‫والتجليات المذكورة ‪‬فتوبوا‪ ‬إلى خالقكم برفع الحجاب الول لدللة ذكر البارئ عليههه ‪‬فههأقتلوا أنفسههكم‪ ‬بسههيف الرياضههة‬
‫ومنعها عن حظوظها وأفعالها الخاصة بها على سبيل الستقلل وقمع هواها التي هي روجها التي تحيا هي بها‪ ،‬وعلى‬
‫الثاني ألهم القلب قواه أنكم نقصتم حقوقكم بتعبد النفس فارجعوا إلى بارئكم بنور هههداه فههامنعوا أنفسههكم بالرياضههة عمهها‬
‫ضربتم فاقتلوها عن حياتها العارضة لها بغلبة الهوى لتحيوا بحياتكم الصلية فتقبل توبتكم‪.‬‬
‫]آية ‪[57 - 55‬‬
‫‪‬وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن‪ ‬لجل هدايتك اليمان الحقيقي حتى تصل إلى مقام المشههاهدة والعيههان ‪‬فأخههذتكم‪ ‬صههاعقة‬
‫الموت الذي هو الفناء في التجلي الذاتي ‪‬وأنتم‪ ‬تراقبون أو تشاهدون‪ .‬ثم بعثناكم‪ ‬بالحياة الحقيقية والبقههاء بعههد الفنههاء‬
‫لكي تشكروا نعمة التوحيد والوصول بالسلوك في ال ‪‬وظللنا عليكم‪ ‬غمام تجلي الصههفات لكونههها حجههب شههمس الههذات‬
‫المحرقة بالكلية‪ ،‬وأنزلنا عليكههم‪ ‬مههن الحههوال والمقامههات الذوقيههة الجامعههة بيههن الحلوة وإسهههال رذائل أخلق النفههس‬
‫كالتوكل والرضا‪ ،‬وسلوى الحكم‪ ،‬والمعارف والعلوم الحقيقية التي تحشرها عليكم رياح الرحمة‪ ،‬والنفحات اللهية فههي‬
‫تيه الصفات عند سلوككم فيهها‪ .‬كلهوا‪ ‬أي تنهاولوا وتلقهوا هههذه الطيبههات ‪‬ومهها ظلمونهها‪ ‬مها نقصهوا حقوقنهها وصهفاتنا‬
‫باحتجابهم بصفات نفوسهم ‪‬ولكن كانوا‪ ‬ناقصين حقوق أنفسهم بحرمانها وخسرانها‪ .‬هذا على التأويلين‪ ،‬والخطههاب وإن‬
‫كان عامًا لكنه مخصوص بالسبعين المختارين‪.‬‬
‫]آية ‪[58‬‬
‫‪‬وإذا قلنا أدخلوا هذه القرية‪ ‬أي روضة الروح المقدسة التي هي مقام المشاهدة ‪‬وادخلوا الباب‪ ‬الذي هو الرضهها كمهها‬
‫ورد في الحديث ))الرضهها بالقضههاء بههاب اله العظههم((‪ ،‬سههجدا‪ ‬منحنيههن‪ ،‬خاضههعين‪ ،‬لمهها يههرد عليكههم مهن التجليههات‬
‫الوصفية والفعلية والحملية‪ .‬وقوله ‪‬وقولوا حطة‪ ‬أي اطلبوا أن يحط ال عنكم ذنوب صفاتكم وأخلقكم وأفعالكم ‪‬نغفههر‬
‫لكم خطاياكم‪ ‬تلويناتكم وذنوب أحوالكم ‪‬وسنزيد المحسنين‪ ‬أي المشاهدين لقوله عليه ‪)) ‬الحسان أن تعبد ال ه كأنههك‬
‫تراه((‪ .‬ثواب إحسانهم الذي هو كشف الذات أو إحسانهم بالسلوك في ال‪.‬‬
‫]آية ‪[59‬‬
‫‪‬فبدل الذين ظلموا قول غير الذي قيل لهم‪ ‬أي طلبوا التصاف بصفات النفس ابتغاء حظوظها سوى طلب التصاف‬
‫بصفات ال ابتغاء الحظوظ الروحية‪ .‬كما روي عنهم حنطًا سمقاثًا أي نطلب غذاء النفههس‪ .‬فأنزلنهها‪ ‬علههى الظههالمين‬
‫خاصة ‪‬رجزا‪ ‬عذابًا وضنكًا وضيقًا وظلمة في حبس النفس وأسرًا في وثاق التمني واحتجابًا في قيههد الهههوى‪ ،‬وحرمانهًا‬
‫ل بمحبة المادة السفلية وتغيرها وزوالها من جهة قهر سماء الروح‪ ،‬ومنع اللطههف والههروح عنهههم بسههبب فسههقهم أي‬ ‫وذ ً‬
‫خروجهم عن طاعة القلب إلى طاعة النفس‪ ،‬وتركنا التأويل الثاني لقربه منه جدًا‪.‬‬
‫]آية ‪[60‬‬
‫‪‬وإذ استسقى موسى‪ ‬طلب نزول أمطار العلوم والحكم والمعاني من سماء الروح‪ ،‬فأمرناه بضرب عصا النفس الههتي‬
‫يتوكأ عليها في تعلقه بالبدن وثباته على أرضه بالفكر على حجر الدماغ الذي هو منشأ العقل ‪‬فانفجرت منه اثنتا عشرة‬
‫عينا‪ ‬من مياه العلوم علهى عهدد المشهاعر النسهانية الهتي ههي الحهواس الخمهس الظهاهرة‪ ،‬والخمهس الباطنهة‪ ،‬والعاقلهة‬
‫النظرية والعملية‪ .‬ولهذا قال‪(( ‬من فقد حسا فقد فقد علمًا(( ‪‬قد علم كل أناس مشربهم‪ ‬أي أهل كل علههم مشههربهم‬
‫من ذلك العلهم‪ ،‬كأههل الصهناعات‪ ،‬والعلمهاء العهاملين مهن مشهرب العقهل العملهي‪ ،‬والحكمهاء والعهارفين مهن النظهري‬
‫والصباغين من علم اللوان المبصرة‪ ،‬وأهل صناعة الموسيقى من علم الصههوات وغيههر ذلههك‪ .‬وعلههى التأويههل الثههاني‬
‫أمرنا موسى القلب‪ ،‬بضرب عصا النفس على حجر الدماغ‪ ،‬فانفجرت منه اثنتا عشههرة عينهها‪ ‬هههي المشههاعر المههذكورة‬
‫التي تختص كل واحدة منها بقوة من القوى الثنتي عشرة المذكورة التي هي أسباط يعقوب الههروح‪ ،‬قههد علههم كههل منههها‬
‫مشربه ‪‬كلوا واشربوا من رزق ال‪ ‬أي انتفعوا بما رزقكم ال من العلم والعمل والحوال والمقامات‪ .‬ول تعثوا في‬
‫الرض مفسدين‪ ‬ول تبالغوا في الفساد بالجهل‪.‬‬
‫]آية ‪[61‬‬
‫‪‬لن نصبر على طعام واحد‪ ‬أي الغذاء الروحاني من العلم والمعرفة والحكمههة ‪‬فههادع لنهها ربههك‪ ‬أي اسههأل لنهها ربههك‬
‫يوسع علينا‪ ،‬ويرخص لنا فيما تنبته أرض نفوسنا من الشهوات الخبيثة واللذات الخسيسة والتفكهات الباردة وكل ما فيه‬
‫حظ النفس وعذابها‪ .‬اهبطوا مصرا‪ ‬أي مدينة البدن ‪‬فإن لكم‪ ‬فيها ‪‬ما سألتم وضههربت عليهههم الذلههة‪ ‬اللزمههة لتبههاع‬
‫الشهوات والحرص في المقتنيات ‪‬والمسكنة‪ ‬أي دوام الحتياج ودوام سكنى الجهة السفلية ‪‬وباؤوا‪ ‬واسههتحقوا ‪‬بغضههب‪‬‬
‫البعد والطرد ‪‬من ال ذلك‪ ‬باحتجابهم عن آيات ال وتجلياته‪ ،‬والباقي ظاهر‪ .‬وعلى الوجه الثاني وبقتلهم أنبيههاء القلههوب‬
‫بغير أمر ثابت لهم عليهم يتوجه به ذلك بههل بصههرف بههاطلهم ذلههك بعصههيانهم أوامههر القلههوب والعقههول واعتههدائهم عههن‬
‫ظهورهم‪] .‬آية ‪ [62‬إن الههذين آمنههوا‪ ‬اليمههان التقليههدي‪ ،‬والظههاهريين والبههاطنيين والههذين تعبههدوا ملئكههة العقههول‪،‬‬
‫لحتجابهم بالمعقولت وكواكب القوى النفسانية لحتجابهم بالوهميات والخياليات ‪‬من آمن‪ ‬منهم اليمان الحقيقههي ‪‬بههال‬
‫والمعاد وأيقنوا علم التوحيد والقيامههة‪ ،‬وعملهوا مهها يصههلحهم للقهاء اله ونيهل السههعادة فههي المعهاد‪ ،‬فلهههم الثهواب البهاقي‬
‫الروحاني عند ربهم من جنات الفعال والصفات ‪‬ول خوف عليهم‪ ‬من عقوبة أفعالهم ‪‬ول هم يحزنون‪ ‬بفههوات تجليههات‬
‫الصفات‪ .‬والجملة اعتراض بين خطاب بني إسرائيل‪.‬‬
‫]آية ‪[64 - 63‬‬
‫‪‬وإذ أخذنا ميثاقكم‪ ‬أي عهدكم السابق أو اللحق المأخوذ منهم في التوراة أو بدلئل العقل بتوحيد الفعههال والصههفات‬
‫‪‬ورفعنا فوقكم‪ ‬طور الدماغ للتمكن من فهم المعاني وقبولها‪ .‬وقلنا ‪‬خذوا‪ ‬أي اقبلوا ‪‬ما آتيناكم‪ ‬من التوراة أو كتاب العقل‬
‫الفرقاني بجد ‪‬واذكروا‪ ‬وعوا ما فيه من الحكم والمعارف والعلوم والشههرائع‪ ،‬لكههي تتقههوا الشههرك والجهههل والفسههق ‪‬ثههم‬
‫أعرضتم ‪‬من بعد ذلك‪ ‬بإقبالكم إلى الجهة السفلية ‪‬فلول فضل ال عليكم‪ ‬بهدايته العقل ‪‬ورحمته‪ ‬بنور البصيرة والشههرع‬
‫‪‬لكنتم من الخاسرين‪‬‬
‫]آية ‪[66 - 65‬‬
‫‪‬ولقد علمتم الذين اعتدوا‪ ‬اعلم أن الناس لو أهملوا وتركوا وخلي بينهم وبين طباعهم لتوغلوا وانهمكوا فههي اللههذات‬
‫الجمسانية‪ ،‬والغواشي الظلمانية لضراوتهم بها واعتيادهم من الطفولية والصبا حهتى زالهت اسهتعداداتهم وانحطهوا عهن‬
‫رتبة النسانية‪ ،‬فمسخوا كما قال تعالى ‪‬من لعنه ال وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير‪] ‬المائدة‪ ،‬الية ‪،[60‬‬
‫وإن حفظوا وروعوا بالسياسات الشرعية والعقلية والحكم والداب والمواعظ الوعدية والوعيدية ترقههوا وتنههوروا‪ ،‬كمهها‬
‫قال الشاعر‬
‫وإن تبتعث نحو الفضائل تبهج‬ ‫هي النفس إن تهمل تلزم خساسة‬
‫فلهذا وضعت العبادات‪ ،‬وفرض عليهم تكرارها في الوقات المعينة لتزول عنهم بها درن الطباع المههتراكم فههي أوقههات‬
‫الغفلت وظلمة الشواغل العارضة فههي أزمنههة اتخههاذ اللههذات‪ ،‬وارتكههاب الشهههوات‪ .‬فتتنههور بههواطنهم بنههور الحضههور‪،‬‬
‫وتنتعش قلوبهم بالتوجه إلى الحق عن السقوط في هاوية النفس والعثور‪ ،‬وتسهتريح بهروح الهروح‪ ،‬وحهب الوحهدة عهن‬
‫وحشة الهوى‪ ،‬وتعلق الكثرة‪ ،‬كما قال ‪)) ‬الصلة بعد الصلة كفارة ما بينهما من الصغائر إذا اجتنبت الكبههائر((‪ .‬أل‬
‫ترى كيف أمرهم عنهد الحهدث الكهبر ومباشهرة الشههوة بتطهيهر الغسهل‪ ،‬وعنهد الصهغر بالوضهوء‪ ،‬وعنهد الشهتغال‬
‫بالشغال الدنيوية في ساعات اليوم والليل بالصلوات الخمس المزيلة لكههدورات الحهواس الخمههس الحاصههلة فههي النفههس‬
‫بسببها‪ ،‬كل بما يناسبه‪ ،‬فلهذلك وضهعوا بهإزاء وحشهة تفرقهة السهبوع وظلمهة انفرادههم بهدؤوب الشهغال والمكاسهب‪،‬‬
‫والملبس البدنية‪ ،‬والملذ النفسانية‪ ،‬اجتماع يوم واحههد علههى العبههادة والتههوجه لههتزول وحشههة التفرقههة بههأنس الجتمههاع‬
‫وتحصل بينهم المحبة والنس وتزول ظلمة الشتغال بالمور الدنيوية والعراض عههن الحههق بنههور العبههادة والتههوجه‪،‬‬
‫ويحصل لهم التنور فوضع لليهود أول أيام السابيع لكونهم أهل المبههدأ والظههاهر‪ ،‬وللنصههارى بعههده لنهههم أهههل المعههاد‬
‫والروحاني والباطن المتأخرين عن المبدأ والظاهر بالنسبة إلينا‪ ،‬وللمسلمين آخرها الههذي هههو يههوم الجمعههة لكههونهم فههي‬
‫آخر الزمان أهل النبوة الخاتمة وأهل الوحدة الجامعة للكل‪ ،‬وإن جعل السبت آخههر اليههام ‪ -‬علههى مهها نقههل أنههه السههابع ‪-‬‬
‫فبالنسبة إلى الحق تعالى لن عالم الحس الذي إليه دعوة اليهود هو آخر العوالم‪ ،‬وعالم العقل الذي إليه دعوة النصارى‬
‫ل زال نههور اسههتعداده‪ ،‬فمسههخ كمهها‬ ‫أولها‪ ،‬والجمعة هي يوم الجمع والختم‪ ،‬فمن لم يراع هذه الوضاع والمراقبات أص ه ً‬
‫مسخت أصحاب السبت‪ .‬نهوا عن الصيد‪ ،‬أي إحراز الحظوظ النفسانية واقتنائها في يوم السبت‪ ،‬فاحتالوا فيههه فاتخههذوا‬
‫حياضًا على ساحل البحر ليحبسوا فيها الحيتان ويصطادوها يوم الحد‪ .‬أي ادخروا فههي سههائر أيههام السههبوع مههن مههاء‬
‫بحههر الهيههولى الجرميههة والجرمانيههات الماديههة فههي حيههاض بيههوتهم فجمعههوا بههها أنههواع المطههاعم والمشههارب والملذ‬
‫والملهي‪ ،‬فاجتمع لهم كل الحظوظ النفسانية في يوم السبت ما اكتفوا به سائر أيام السبوع ليفرغوا فيها إلى الشههتغال‬
‫بالمكاسب والصناعات والمهن‪ ،‬كما هو عادة اليهود اليوم وشطار المسلمين في الجماعات فإن أكثر فسقهم فيههها‪ ،‬فههذلك‬
‫اعتيادهم في السبت وهو يدل على أن جميع أوقات حضورهم مصروفة في هموم الدنيا وطلب حظوظ النفس والهههوى‪.‬‬
‫كما ترى اليوم واحدا من المسلمين قالبه في المسجد في الصلة وقلبه في السوق في المعاملة‪ ،‬حتى قال أحهدهم جريهدة‬
‫حسابي هي الصلة أي إذا فرغت من أشغال الدنيا إلى الصلة أخذ قلبي في تصفح تجاراتي وما لي على النههاس ومهها‬
‫للناس علي‪ ،‬وذلك موجب للنحطاط عن العالم العلوي النساني إلى الفق السفلي الحيواني‪ .‬وهو معنى قوله ‪‬فقلنا لهههم‬
‫كونوا قردة‪ ‬أي مشابهين الناس في الصورة وليسوا بهم ‪‬خاسئين‪ ‬بعيدين‪ ،‬طريدين‪ .‬والمسخ بالحقيقة حق غير منكر في‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬ووردت به اليات والحاديث كقوله تعالى ‪‬وجعل منهم القردة والخنازير‪] ‬المههائدة‪ ،‬اليههة ‪ ،[60‬وقههول‬
‫رسول ال ‪)) ‬يحشر بعض الناس على صور يحسن عندها القردة والخنازير(( وقد روي عنه عليههه ‪)) ‬المسههوخ‬
‫ثلثة عشر((‪ ،‬ثم عدهم وبين أعمالهم ومعاصيهم وموجبات مسخهم‪ ،‬والحاصل أن من غلب عليه وصف من أوصههاف‬
‫الحيوانات ورسخ فيه بحيث أزال استعداده وتمكن في طباعه وصار صورة ذاتية له كالماء الذي منبعه معدن الكههبريت‬
‫ل صار طباعه طباع ذلك الحيوان ونفسه نفسه‪ ،‬فاتصلت روحه عند المفارقههة ببههدن بناسههب صههفته فصههارت صههفته‬ ‫مث ً‬
‫صورته وال أعلم بذلك‪.‬‬
‫]آية ‪[71 - 67‬‬
‫‪‬وإذ قال موسى لقومه إن ال يأمركم أن تذبحوا بقههرة‪ ‬هههي النفههس الحيوانيههة‪ ،‬وذبحههها قمههع هواههها الههذي هههو حياتههها‬
‫ومنعها عن أفعالها الخاصة بها بشفرة سكين الرياضة ‪‬قالوا أتتخذنا‪ ‬مهزوا بنا‪ ،‬وتستخفنا لنطيعك ونتسخر لك كما جههاء‬
‫في حق فرعون ‪‬فاستخف قومه فأطاعوه‪. ‬قال أعوذ بال أن أكون مههن الجههاهلين‪ ‬السههتخفاف والسههتهزاء وطلههب‬
‫الترؤس هو فعل الجهال‪ .‬قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي‪ ‬أي سل لنا ربك ما هي ‪‬إنههها بقههرة ل فههارض‪ ‬أي غيههر‬
‫مسنة لزوال استعدادها ورسوخ اعتقادها وضراوتها بعاداتها كما قيل الصههوفي بعههد الربعيههن بههارد‪ .‬ول بكههر‪ ‬أي‬
‫عوان نصفة ‪‬بين‪ ‬ما‬
‫‪‬‬ ‫فتية‪ ،‬لقصور استعدادها عما يراد منها وعسر احتمالها للرياضة لغلبة القوى الطبيعية وقوتها فيها ‪‬‬
‫ل‪ ،‬ولون النفس النباتية أحضههر لظهههور النوريههة فيههها‪ ،‬وغلبههة‬ ‫ذكر ‪‬صفراء‪ ‬لن لوح الجسم أسود لعدم النورية فيه أص ً‬
‫السواد عليها لعدم إدراكها‪ ،‬ولون القلب أبيض لتجرده عن الجسم‪ ،‬وقوة إدراكههه‪ ،‬وكمههال نههوريته‪ .‬فلههزم أن يكههون لههون‬
‫النفس الحيوانية في الحيوانات العجم أحمر لتركب نورية إدراكها وسواد تعلقها بالجسههم‪ ،‬إذ الحمههرة لههون بيههن البيههاض‬
‫والسواد ومركب منهما‪ ،‬لكن السواد فيه أكثر‪ .‬وفي النسان أصههفر لغلبههة نوريههة إدراكههها بمجههاورة القلههب‪ ،‬إذ الصههفرة‬
‫حمرة عليههها البيههاض ‪‬فهاقع لونهها‪ ‬لصهفاء اسههتعدادها وشعشههعان شههعاع نههور القلهب عليهها ‪‬تسهر النههاظرين‪ ‬لقهوة نهور‬
‫استعدادها وتشعشعها والناظرون هم الكاملون المطلعون على الستعدادات لوجههوب محبتهههم للمسههتعدين المستبصههرين‬
‫وذوقهم بحضورهم‪ .‬إن البقر تشابه علينا‪ ‬لكثرة البقر الموصوف بهذه الصفة‪ ،‬أي كثرة أصناف المستعدين وما كل‬
‫ل ول كل قابل طالبًا‪ ،‬ول كل طالب صهابرًا‪ ،‬ول كهل صههابر واجههدًا‪ .‬وإنها إن‬ ‫مستعد طالبًا‪ .‬كما قيل ما كل طبع قاب ً‬
‫شاء ال لمهتدون‪ ‬إلى ذبح هذه البقرة‪ .‬وقولهم إن شاء ال‪ ،‬دليل على استعدادهم لعلمهم بأن المور متعلقة بمشههيئة الهه‪،‬‬
‫ميسرة بتوفيقه‪ .‬ولهذا قال رسول ال ‪)) ‬لو لم يستثنوا لما ظفروا بها أبد الدهر(( ‪‬ل ذلول‪ ‬غير مذللة‪ ،‬منقادة لمر‬
‫الشرع ‪‬تثير‪ ‬أرض الستعداد بالعمال الصالحة والعبادات ‪‬ول تسقي‪ ‬حرث المعارف والحكم التي فيها بالقوة باسههتقاء‬
‫ماء العلوم الكسبية والفكار الثاقبة‪ ،‬لعدم احتياج مثل هذه البقرة إلى الذبح ‪‬مسلمة‪ ‬سههلمها أهلهها لههترعى‪ ،‬غيهر مسوسهة‬
‫برسوم وعادات وشرائع وآداب ‪‬ل شية فيها‪ ‬أي لم يرسخ فيها اعتقاد ومذهب لعدم صلحيتها للذبههح‪ .‬جئت بههالحق‬
‫الثابت في بيان المستعد المشتاق‪ ،‬الطالب للكمال ‪‬فذبحوها وما كادوا يفعلون‪ ‬لكثرة سههؤالتهم ومبالغههاتهم وتعمقهههم فههي‬
‫البحث والتفتيش عن حالها‪ ،‬وفضول كلمهم في بيانها التي تدل علهى عهدم انقيههاد النفههس بالسهرعة‪ ،‬وإبائهها للرياضهة‪،‬‬
‫وغلبة الفضول عليها‪ ،‬وتعذر مطلوبهم‪ ،‬وتأخرهم عنه بسبب ذلك‪ .‬ولهذا قال رسول ال ‪)) ‬لو اعترضوا أدنههى بقههرة‬
‫فذبحوها لكفتهم‪ ،‬ولكن شددوا فشدد ال عليهم((‪ ،‬أي لو لههم يكههن منهههم كههثرة فضههول البحههث والسههؤال لمهها عههز عليهههم‬
‫مطلوبهم لقوة قبولهم وإرادتهم‪ ،‬فكان سلس القياد‪ ،‬سهل النقياد‪ ،‬ونهى ‪ ‬عن كثرة السؤال‪ ،‬وقال ‪)) ‬إنما هلك من‬
‫كان قبلكم بكثرة السؤال((‪ .‬قال ال تعالى ‪‬ل تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم‪] ‬المائدة‪ ،‬الية ‪ .[101‬وقيل في قصتها‬
‫إن شيخًا من بني إسرائيل نتجت له عجلة على هذه الصفة‪ ،‬وكان له ابن طفل‪ ،‬فجهاء بهها إلهى عجهوز وقهال إنههها لهههذا‬
‫الطفل‪ ،‬سلميهما في مرعاها عساها تنفعه إذا بلغ‪ .‬فلما وقعت هذه الواقعة وسعى بنو إسرائيل فههي طلههب البقههرة أربعيههن‬
‫سنة سمعت العجوز بها‪ ،‬فأخبرت ابنها بما فعل أبوه وقد ترعرع‪ ،‬فجاء إلى المرعى فوجههدها‪ ،‬فههأتى بههها فسههاوموه فههي‬
‫شرائها ومنعته العجوز عن بيعها حتى اشتروها بملء مسكها ذهبًا‪ .‬فالشيخ هو الههروح‪ ،‬والعجههوز الطبيعههة الجمسههانية‪،‬‬
‫وابنه الطفل هو العقل الذي هو نتيجة الروح‪ ،‬والشاب المقتول هو القلههب‪ .‬سههلم شههيخ الههروح عجههل النفههس إلههى عجههوز‬
‫الطبع ليرعى في مرعى اللذات الطبيعية حتى يكبر عسى طفل العقل أن ينتفع بها وقت البلههوغ فههي انههتزاع المعقههولت‬
‫من محسوساتها واستعمال الفكر الذي هو من قواها في اكتساب العلوم العقلية‪ .‬وهو الذي جاء بها مههن المرعههى وسههعي‬
‫بني إسرائيل أربعين سنة إشارة إلى السير إلى اله بالعمههال والداب والتخلههق بههالخلق‪ ،‬إلههى أوان البلههوغ الحقيقههي‪،‬‬
‫وتجرد القلب‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪‬بلغ أشده وبلغ أربعين سنة‪] ‬الحقاف الية ‪ .[15‬ومساومتهم إياها فههي شههرائها إشههارة‬
‫إلى طلب القوى الروحانية المنورة بنور الهداية الشهرعية والرادة‪ ،‬وانتزاعهها مهن العقهل المشهوب بهالوهم‪ ،‬واسهتعباد‬
‫العقل إياها بالمقعولت القياسية‪ ،‬وتسخيرها بالفكريات‪ ،‬وحجبها عن نههور الهدايههة الشههرعية بالقياسههات العقليههة‪ ،‬وعههدم‬
‫تحليتها بالشرعيات‪ .‬وهذا هو الموجب لتشددهم في السؤال وتههأخرهم وتبههاطئهم فههي المتثههال‪ .‬ومنههع العجههوز إيههاه هههو‬
‫ممانعة الطبع في النقياد للشرع‪ ،‬وموافقة العقل إياه في ذلك لرعاية العقل جانب الطبههع فههي مصههالح المعههاش وترفيهههه‬
‫إياه‪ ،‬وترخيصه والتوسيع عليه أكثر من الشرع‪ .‬وبيعها بملء مسكها ذهبًا إشارة إلى تحليها بعد الذبههح والسههلخ بههالعلوم‬
‫النافعة الشرعية والعقلية الخلقية والحكام الفرعية الدينية‪ ،‬واشتمال صورتها عليها التي توافق العقل والطبهع وتنفعهمها‬
‫باستعمالهما إياها في تحصيل مصالح المعاش والمباغي الطبيعيههة والمطههالب العقليههة العمليههة بههإذن الشههرع مههن الههوجه‬
‫الحلل والتصرف المباح وأنواع الرخص في جميع التمتعات بعد حصول الكمال وتمام السلوك‪.‬‬
‫]آية ‪[72‬‬
‫‪‬إذا قتلتم نفسًا فادراءتم فيها‪ ‬إشارة إلى بيان سبب المر بذبح البقرة‪ ،‬وهو أنه كان شيخ موسر من بني إسرائيل ولهه‬
‫ابن شاب فقتله ابنا عمه‪ ،‬أو بنو عمه‪ ،‬طمعًا في ميراث أبيه وطرحوه بين أسباط بني إسرائيل علههى الطريههق‪ ،‬فتههدافعوا‬
‫في قتله‪ ،‬فورد المر بذبح البقرة وضربه ببعضها ليحيا فيخبر بالقاتل‪ .‬فالشاب هو القلب الذي هو ابههن الههروح الموسههر‬
‫بأموال المعارف والحكم‪ ،‬وقتله منعه عن حياته الحقيقية وإزالة العشههق الحقيقهي الههذي ههو حيههاته عنهه باسهتيلء قههوتي‬
‫الشهوة والغضب اللذين هما ابنا عمه النفس الحيوانية أو جميع قواها عليه‪ ،‬إذ الروح والنفس أخوان باعتبار فيضههانهما‬
‫وولدتهما من أب هو العقل الفعال المسمى )روح القدس( على قياس ما ورد في الحههديث ))أكرمههوا عمتكههم النخلههة‪،‬‬
‫فإنها خلقت من بقية طين آدم((‪ .‬فإن النفس النباتية الكاملة التي إذا كانت عمة النفس النسههانية‪ ،‬كههانت النفههس الحيوانيههة‬
‫عمتها‪ .‬قتله طمعًا في استعمال المعاني العقلية والحكم التي هي ميراث أبيه في تحصيل مطالبهما وكمالتهما ولههذاتهما‬
‫بأنواع الحيل والمكر وصناعة الفكر‪ .‬وطرحاه على طرق القوى الروحانية والطبيعية بين محالها وتدافعهم في قتله هههو‬
‫إحاله كل قوة منها الفساد والثم إلى الخرى‪ ،‬والصههلح والههبراءة إلههى نفسههها لتنازعههها وتجاذبههها فههي أفعالههها ولههذاتها‬
‫واحتجاب كل منها بما يلئمها عما يلئم الخرى ورؤيتها الصهلح فيهه والفسهاد فهي ضهده‪ .‬واله مخهرج مها كنتهم‬
‫تكتمون‪ ‬من نور القلب وحياته‪ ،‬بالستيلء عليه‪.‬‬
‫]آية ‪[73‬‬
‫‪‬فقلنا اضربوه ببعضها‪ ‬بذنبها أو لسانها‪ ،‬على ما ورد في القصة‪ ،‬ليحيا‪ ،‬فيخبركم بالقاتل‪ .‬وضرب الذنب إشارة إلى‬
‫ل وسههائر‬ ‫إماتة النفس وتبقية أضعف قواها وآخرها‪ ،‬وجهتها التي تلي النفس النباتية ورابطتههها بههها كههالحس اللمسههي مث ً‬
‫الحواس الظاهرة فإنها ذنبها‪ .‬وضرب اللسان إشارة إلى تعديل أخلقها وقواها وتبقيههة فكرههها الههذي هههو لسههانها‪ ،‬وهمهها‬
‫طريقان طريق الرياضة وإماتة الغضب والشهوة‪ ،‬كما هو طريهق التصهوف وههو بههالنفوس القويهة الجانيهة المسههتولية‬
‫الطاغية أولى‪ ،‬وطريق التحصيل وتعديل الخلق كما هو سبيل العلماء والحكماء‪ ،‬وهههو بههالنفوس الضههعيفة والصههافية‬
‫المنقادة اللينة أولى‪ .‬فضربوه‪ ،‬فقام وأوداجه تشخب دمًا‪ ،‬وأخبر بقاتليه‪ ،‬أي صار حيًا قائمًا بالحياة الحقيقية وعليههه أثههر‬
‫القتل لتعلقه بالبدن وتلوثه بمطالبه بحسب الضرورة‪ ،‬وعرف حال القوى البدنية في منعها إياه عن إدراكههه وحجبههها لههه‬
‫عن نوره‪ .‬كذلك يحيي ال الموتى‪ ‬أي مثل ذلك الحياء العظيههم‪ ،‬يحيههى اله مههوتى الجهههل بالحيههاة الحقيقههة العمليههة‬
‫‪‬ويريكم‪ ‬دلئله وآيات صفاته لكي تعقلون‪.‬‬
‫]آية ‪[74‬‬
‫‪‬ثم قست قلوبكم‪ ‬أي بعد تطاول المد‪ ،‬وتراخي مدة الفترة‪ ،‬وتتابع التلوينات‪ ،‬وتوالي النزغات‪ ،‬قست قلوبكم بكثرة‬
‫أو شههيء‬ ‫مباشرة المور واللذات البدنية‪ ،‬وملبسة الصفات النفسانية ‪‬فهي كالحجارة‪ ‬مههن عههدم تأثرههها بههالنفش العلمههي ‪ ‬‬
‫ل‪ .‬ثم بين أن الحجارة ألين منها بأن حالها منحصر في الوجههوه الثلثههة المههذكورة‪ ،‬فأفههاد أن‬ ‫‪‬أشد قسوة‪ ‬منها‪ ،‬كالحديد مث ً‬
‫القلوب أربعة قلب تنور بالنور اللهي منطمسًا فيه‪ ،‬واستغرق في البحر العلمي منغمسًا فيه‪ ،‬فانفجرت منه أنهار العلم‪،‬‬
‫فمن شرب منها يحيا أبدًا كقلوب أهل ال السابقين وههو المشهار إليهه بقهوله تعههالى ‪‬وإن مهن الحجههارة لمهها ينفجهر منهه‬
‫النهار‪ ‬وقلب ارتوى من العلم‪ ،‬فحفظ ووعى‪ ،‬فانتفع به الناس‪ ،‬كقلوب العلماء الراسخين وهو المشار إليههه بقههوله ‪‬وإن‬
‫منها لما يشقق فيخرج منه الماء‪ ‬وقلب خشعو وانقاد واستسلم وأطاع‪ ،‬كقلوب العباد والزهاد من المسلمين‪ ،‬وهو المشار‬
‫إليه بقوله ‪‬وإن منها لما يهبط من خشية ال‪ ‬وأدنى أحوال حاله هو الهبوط من خشية ال‪ ،‬أي النقياد لما أمههر ال ه مههن‬
‫الميل إلى المركز بالسلسة‪ .‬وبقي قلهب لهم يتهأثر قهط بهالعلم ولهم يتليهن بهالخوف آبيهًا للههدى‪ ،‬متكهبرًا‪ ،‬ممتلئًا بهالهوى‪،‬‬
‫متمردًا‪ ،‬فل يوجد من الجواهر ما يشبهه لقبول جميعهًا ما أمر ال به‪ ،‬فكيف بالحديد الذي يلين لما يراد منه ؟ قال النبي‬
‫‪)) ‬مثل ما بعثني ال به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير‪ ،‬أصههاب أرضهًا فكههانت طائفههة منههها طيبههة قبلههت المههاء‬
‫وأنبتت الكل والعشب الكثير‪ ،‬وكانت منها طائفة أخاذات أمسكت الماء‪ ،‬فنفع ال بههها النههاس فشههربوا وسههقوا وزرعههوا‪،‬‬
‫وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان ل تمسك ماء ول تنبت كل‪ .‬فذلك مثل من فقه في الدين فعلم وعلم‪ ،‬ومثل من‬
‫لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى ال الذي أرسلت به((‪ .‬فبين ‪ ‬القلوب الثلثة الخيرة‪ ،‬والول من الربعة هو القلب‬
‫المحمدي‪ .‬وما ال بغافل عما تعملون‪ ‬تهديد للقاسية قلوبهم‪ ،‬أي ال مطلع فيحجبهم عن نوره ويتركهم في ظلماتهم‪،‬‬
‫واليات التي تتلوها ظاهرة‪ .‬وتأويل الولى‬
‫]آية ‪ [78 - 75‬أفتطمعون‪ ‬أن يوحدوا بتوحيد الصفات لجل هدايتكم ‪‬وقد كان فريق منهم‪ ‬يقبلون صفات اله ثههم‬
‫يحرفونها بنسبتها إلى أنفسهم ‪‬من بعد ما عقلوه‪ ‬أي علموا توحيد الصفات ومهها وجههدوه بالعيههان ‪‬وهههم يعلمههون‪ ‬أن تلههك‬
‫الصفات ل‪ ،‬لكن نفوسهم ينتحلونها بالشراك حالة ذهول العقل عههن اسههتيلئها علههى القلههب لعههدم كههون توحيههدهم ملكههة‬
‫ل‪ ،‬بل علمًا‪.‬‬
‫وحا ً‬
‫]آية ‪[79‬‬
‫‪‬فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم‪ ،‬أي ويل لمن بقيت منه بقايا صفات النفس وهو ل يشعر بها أو يشعر فيحتههال أو‬
‫ل يحتفل بها فيفعل ويقول بنفسه وصفاتها‪ ،‬ويدعي أنه من عند ال ليكتسب به حظًا من حظههوظ النفههس‪ ،‬بههل عيههن ذلههك‬
‫القول والفعل ونسبته إلى ال حظ تام لها وذنب ل ذنب أقوى منههه‪ .‬ويمكههن أن تههؤول اليههات الثلث الول علههى الههوجه‬
‫الثاني المبني على التطبيق فيقال أفتطمعون‪ ،‬أيتههها القههوى الروحانيههة‪ ،‬أن تههؤمن هههذه القههوى النفسههانية لجههل هههدايتكم‬
‫منقادة‪ .‬وقد كان فريق منهم كالوهم والخيال يسمعون كلم ال‪ ،‬أي يتلقفون المعاني الواردة من عند ال علههى القلههب ثههم‬
‫يحرفونه بالمحاكاة وكثرة النتقالت وجعلها جزئية‪ ،‬وإعطائها أحكام الجزئيات كما في المنامات والواقعههات‪ .‬مههن بعههد‬
‫ما عقلوه‪ ،‬أي أدركوه على حاله وهم يعلمون تحريفها وانتقالتها إلى اللوازم والشباه والضههداد‪ .‬وإذا لقههوكم بههالتوجه‬
‫نحوكم‪ ،‬وتلقن مدركاتكم عند حضههوركم‪ ،‬ومشههايعتها إيههاكم‪ ،‬وعروجههها‪ ،‬أذعنههوا وصههدقوا‪ .‬وإذا خل بعضهههم إلههى‬
‫بعض‪ ‬في أوقات الغفلت‪ ،‬منع بعضهم بعضًا عن إلقاء ما فتح ال عليهم من مدركاتهم المحسوسة والمخيلة والموهومة‬
‫ليركبوا منها الحجج ويحاجوهم بها في الحضرة الروحانية عند ربهم‪ .‬أول يعلمون أن ال يعلم ما يسرون‪ ‬عنكم من‬
‫مدركاتهم ‪‬وما يعلنون‪ ‬فيطلعكم عليها وينصركم عليهم ‪‬ومنهم‪ ‬أي القوى الطبيعية الغيههر المدركههة والحههواس الظههاهرة‬
‫‪‬ل يعلمون‪ ‬كتاب المعاني المعقولة ‪‬إل أماني‪ ‬لذاتهم وشهواتهم وما يتيقنون خاتمة عاقبتها ومضرتها في طريق الكمههال‪،‬‬
‫بل يظنون نفعها وخيريتها‪.‬‬
‫]آية ‪[82 - 80‬‬
‫‪‬وقالوا لن تمسنا النار‪ ‬إلى آخر الية‪ .‬اعتقدوا أن زمان العقاب يساوي زمان مباشرة الذنب‪ ،‬ولم يعلموا أن الذنب إذا‬
‫كان معتقدًا فاسدًا‪ ،‬ثابتًا في النفس‪ ،‬وهيئة راسخة فيها‪ ،‬وصار ملكة كصورة ذاتية لها‪ ،‬كان سههببًا لتخليههد العههذاب‪ .‬وهههو‬
‫معنى قوله تعالى ‪‬وأحاطت به خطيئته‪ ‬أي استولت عليه واستوعبت كالسواد المستوعب للثوب‪ .‬ولو لم يكن كذلك لمهها‬
‫كانت الطاعة أيضًا سبب خلود الثواب‪.‬‬
‫]آية ‪[83‬‬
‫‪‬وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل‪ ‬عاهدناهم بالتوحيد‪ .‬ومقتضى التوحيد ملحظهة الحضهرة الربوبيهة ومشهاهدة تجلياتههها‬
‫في مظاهرها‪ ،‬والقيام بحقها على حسب ظهور أوصافها‪ .‬وأول من يظهر عليه صههفات الربوبيههة وآثارههها فههي الظههاهر‬
‫وعالم الشهادة هما البوان لمكان النسبة والتربية والعطوفية‪ ،‬التي هي آثار الموجد الرب الرحيههم فيهمهها لههه‪ .‬فالحسههان‬
‫إليهما يجب أن يلي عبادة ال بحسب ظهوره في مظهريهما‪ ،‬ثم ذوي القربى لظهور المواصلة والمرحمههة اللهيههة فيهههم‬
‫بالنسبة إليه‪ ،‬ثم اليتامى لختصاص وليته وحفظه تعالى بهم فوق من عداهم إذ هو ولي مههن ل ولههي لههه‪ ،‬ثههم المسههاكين‬
‫لتوليته رعايتهم ورزقهم بنفسههه بل واسههطة غيههره‪ ،‬ثههم سههائر النههاس للرحمههة العامههة بينهههم الههتي هههي ظههل الرحمانيههة‪،‬‬
‫فالحسان المأمور به في الية على درجاته وتفاضله في مراتبههه هههو تخصههيص العبههادة بههال مههع مشههاهدة صههفاته فههي‬
‫مظاهرها ورعاية حقوق تجلياتها وأحكامها‪.‬‬
‫]آية ‪[84‬‬
‫‪‬وإذ أخذنا ميثاقكم ل تسفكون دماءكم‪ ‬بهواكم إلههى مقهار النفهس وصههفاتها وميلكهم إلههى هواههها وطباعهها‪ ،‬ومتههاركتكم‬
‫حياتكم الحقيقية‪ ،‬وخواص أفعالكم لجل تحصيل مآربها ولذاتها ‪)‬ول تخرجون أنفسكم‪ ‬أي ذواتكم‪ .‬إذ يعبر بالنفس عن‬
‫الههذات ‪‬مههن ديههاركم) أي مقههاركم الروحانيههة والروضههات القدسههية ‪‬ثههم أقررتههم‪ ‬بقبههولكم لههذلك ‪‬وأنتههم تشهههدون‪ ‬عليههه‬
‫باستعداداتكم الولية وعقولكم الفطرية‪.‬‬
‫]آية ‪[86 - 85‬‬
‫‪‬ثم أنتم هؤلء‪ ‬الساقطون عن الفطرة‪ ،‬المحتجبون عن نور السههتعداد الصههلي ‪‬تقتلههون أنفسههكم‪ ‬بغههوايتكم ومتههابعتكم‬
‫للهوى ‪‬وتخرجون فريقا منكم من ديارهم‪ ‬أوطانهم القديمة الصههلية‪ ،‬بههإغوائهم وإضههللهم وتحريضهههم علههى ارتكههاب‬
‫المعاصي واتباع الهوى ‪‬تظاهرون عليهم‪ ‬تتعاونون عليهم ‪‬بالثم‪ ‬بارتكاب الفواحش والمعاصي ليروكم فيتبعههوكم فيههها‬
‫‪‬والعدوان‪ ‬والستطالة على الناس ليتعدى إليهم ظلمكم‪ ،‬وإلزامكم إياهم رذائل القوتين البهيمية والسبعية وتحريضكم لهههم‬
‫عليها‪ ،‬وتزيينكم لهم إياها كما هو عادة ملحدة المسلمين من أهل الباحة المدعين للتوحيد‪ .‬وإن يأتوكم أسهارى‪ ‬فهي‬
‫قيد تبعات ارتكبوها وشين أفعالهم القبيحة‪ ،‬أخذتكم الندامة وعيرتهم عقولهم وعقول أبناء جنسههم بمها لحقههم مهن العهار‬
‫والشنار ‪‬تفادوهم‪ ‬بكلمات الحكمة والموعظة والنصيحة الدالة على أن اللذات المستعلية هي العقليهة والروحيهة وعاقبهة‬
‫إتباع الهوى والنفس والشيطان وخيمة‪ ،‬ومشاركة البهائم والهوام في أفعالها مذمومة رديئة‪ ،‬فيتيقظوا بها ويتخلصوا من‬
‫قيد الهوى سويعة كما نشاهد من حال علوج مدعي التوحيد والمعرفة والحكمة وأتباعهم في زماننهها هههذا‪ .‬أفتؤمنههون‬
‫ل وإقرارًا‪ ،‬فتقههرون بهه وتصهدقونه وههو أن اتبهاع الههوى والنفهس مههذموم‪،‬‬ ‫ببعض الكتاب‪ ‬أي كتاب العقل والشرع قو ً‬
‫ل فل تنتهون عما نهاكم عنه‪ ،‬وهو إباحتهم واسههتحللهم‬ ‫ل وعم ً‬ ‫موجب للوبال والهلك والخسران ‪‬وتكفرون ببعض‪ ‬فع ً‬
‫للمحرمات والمنهيات ‪‬فما جزاء من يفعل ذلك منكم إل خههزي‪ ‬افتضههاح وذلههة ‪‬فههي الحيههاة الههدنيا ويههوم القيامههة‪ ‬أي حههال‬
‫المفارقة التي هي القيامة الصغرى ‪‬يردون إلى أشد العذاب‪ ‬الذي هو تعذيبهم بههالهيئات المظلمههة الراسههخة فههي نفوسهههم‬
‫واحتراقهم بنيرانها أو مسخهم عن صورهم بالكلية‪ ،‬وتضاعف البلية ‪‬وما ال بغافل‪ ‬عن أعمالكم‪ ،‬أحصاها وضبطها في‬
‫أنفسكم وكتبها عليكم‪ ،‬كما قال تعالى ‪‬يوم يبعثهم ال جميعًا فينبئهم بما عملوا أحصاه ال ونسوه‪] ‬المجادلة‪ ،‬الية ‪[6‬‬
‫]آية ‪( : [101 - 92] [91 - 87‬ولقد آتينا موسى الكتاب) إلى قوله ‪( : :‬ل‬
‫يعلمون) ظاهر ومعلوم مما مر‪ .‬والظاهر أن جبرائيل هو العقل الفعال‪.‬‬
‫وميكائيل هو روح الفلك السادس‪ ،‬وعقله المفيض للنفس النباتية الكلية‬
‫الموكلة بأرزاق العباد‪ .‬وإسرافيل هو روح الفلك الرابع‪ ،‬وعقله المفيض‬
‫للنفس الحيوانية الكلية‪ ،‬والموكلة بالحيوانات‪ .‬وعزرائيل هو روح الفلك‬
‫السابع الموكل بالرواح النسانية كلها‪ ،‬يقبضها بنفسه أو بالوسايط التي‬
‫هي أعوانه ويسلمها إلى الله تعالى‪] .‬آية ‪( : [102‬واتبعوا) أي ‪ :‬اتبع اليهود‬
‫والقوى الروحانية ‪( :‬ما تتلوا) شياطين النس الذين هم المتمردة العصاة‬
‫الشرار‪ ،‬القوياء‪ ،‬وشياطين الجن وهم الوهام والخيالت والمتخيلت‬
‫المحجوبة عن نور الروح‪ ،‬العاصية لمر العقل المتمردة عن طاعة القلب ‪( :‬‬
‫علي) عهد ‪( :‬ملك سليمان) النبي أو سليمان الروح من كتب السحر‬
‫وعلومه‪ ،‬يزعمون أنه علم سليمان وبه استولى على الملك وسخر ما سخر‬
‫من الجن والنس والطير وعلم الحيل والشعبذة والموهومات والمتخيلت‬
‫والسفسطة‪( : .‬وما كفر سليمان) بإسناد التأثير إلى غير الله‪ ،‬إذ السحر‬
‫كفر واحتجاب عن مؤثرية الله‪ ،‬بإسناد التأثير إلى غيره ‪( :‬ولكن الشياطين‬
‫كفروا) احتجبوا ولم يعلموا أن ل مؤثر إل الله ‪( :‬يعلمون الناس السحر وما‬
‫أنزل على الملكين) أي ‪ :‬العقل النظري والعملي المائلين إلى النفس‬
‫المنكوسين من بئر الطبيعة لتوجههما إليها باستجذاب النفس إياهما‬
‫إليها ‪( :‬ببابل) الصدر المعذبين بضيق المكان بين أبخرة المواد وأدخنة نيران‬
‫الشهوات من العلوم والعمال من باب الحيل والنيرنجات والطلسمات على‬
‫التأويلين ‪( :‬وما يعلمان من أحد حتى يقول إنما نحن فتنة) امتحان وبلء من‬
‫الله لقوة النورية وبقية الملكوتية فيهما‪ ،‬فينبهان على حالهما بالنور‬
‫العقلي ‪( :‬فل تكفر) باستعمال هذا العلم في المفاسد والمناهي وإسناد‬
‫التأثير إليه ‪( :‬فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين) القلب والنفس‪ ،‬وبين‬
‫الروح والنفس‪ ،‬وتكدير القلب ‪( :‬وما هم بضارين به من أحد إل بإذن‬
‫الله) أي ‪ :‬إل إذا أراد الله أن يضره عند ذلك الفعل‪ ،‬فيفعل ما يريد ويكون‬
‫زيادة ابتلء للساحر وإمهال ً له في كفره واحتجابه لرؤيته ذلك من تأثير‬
‫سحره‪( : .‬ويتعلمون ما يضرهم) بزيادة الحتجاب وشدة الميل والهوى ‪( :‬ول‬
‫ينفعهم) في رفع الحجاب برؤيتهم ذلك ابتلء من الله واستعاذاتهم بالله‬
‫ليقيهم من شره‪( : .‬ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الخرة من خلق) أي‬
‫‪ :‬نصيب‪ ،‬لقباله على النفس والهوى بالكلية واستعمال ذلك في اكتساب‬
‫حطام الدنيا وتمتعاتها‪] .‬آية ‪( : [105 - 103‬ولو أنهم آمنوا) برؤية الفعال‬
‫من الله ‪( :‬واتقوا) الشرك بنسبة التأثير إلى غيره ‪( :‬لمثوبة) دائمة كائنة ‪( :‬‬
‫من عند الله) من النوار الروحية‪ ،‬والمواهب الفتوحية‪ ،‬والحوال القلبية‪،‬‬
‫والمعارف اللهية ‪( :‬خير لو كانوا يعلمون)‪] .‬آية ‪( : [107 - 106‬ما ننسخ من‬
‫آية) بإبطال حكمها وإبقاء لفظها ومعناها‪ ،‬أو لفظها دون معناها‪ ،‬كآية‬
‫الرجم ‪( :‬نأت بخير منها) أي ‪ :‬بما هو أصلح في بابه منها في بابها أو‬
‫يساويها في الخير والصلح‪ .‬واعلم أن الحكام المثبتة في اللوح المحفوظ‬
‫إما مخصوصة وإما عامة‪ ،‬والمخصوصة إما أن تختص بحسب الشخاص وإما‬
‫أن تختص بحسب الزمنة‪ ،‬فإذا نزلت بقلب الرسول فالتي تختص بالشخاص‬
‫تبقى بقاء الشخاص‪ ،‬والتي تختص بالزمنة تنسخ وتزال بانقراض تلك‬
‫الزمنة‪ ،‬قصيرة كانت كمنسوخات القرآن‪ ،‬أو طويلة كأحكام الشرائع‬
‫المتقدمة‪ .‬ول ينافي ذلك ثبوتها في اللوح إذ كانت فيه كذلك‪ ،‬والعامة تبقى‬
‫ما بقي الدهر كتكلم النسان واستواء قامته مث ً‬
‫ل‪( : .‬ألم تعلم أن الله له‬
‫ملك السماوات والرض) أي ‪ :‬له ملك سموات عالم الرواح وأرض الجساد‬
‫وهو المتصرف فيهما بيد قدرته بل كله ظاهره وباطنه فلم يبق شيء غيره‬
‫ينصركم ويليكم‪] .‬آية ‪( : [112 - 108‬أم تريدون أن تسألوا رسولكم) من‬
‫قبل اللذات الدينية الحسية والشهوات الخسيسة النفسية ‪( :‬كما سئل‬
‫موسى من قبل ومن يتبدل) الظلمة بالنور ‪( :‬فقد ضل) الطريق المستقيم‪.‬‬
‫‪( :‬وقالوا لن يدخل الجنة إل من كان هودا أو نصارى) أي ‪ :‬قالت اليهود ‪ :‬لن‬
‫يدخل الجنة المعهودة عندهم‪ ،‬أي ‪ :‬جنة الظاهر وعالم الملك التي هي جنة‬
‫الفعال وجنة النفس إل من كان هودًا‪ .‬وقالت النصارى ‪ :‬لن يدخل الجنة‬
‫المعهودة عندهم‪ ،‬أي ‪ :‬جنة الباطن وعالم الملكوت التي هي جنة الصفات‪،‬‬
‫وجنة القلب إل من كان نصرانيًا‪ .‬ولهذا قال عيسى ‪ u‬في دعوتهم إلى‬
‫جنتهم ‪( : :‬لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين)‪ ،‬وكانت دعوته إلى‬
‫السماء‪ ،‬أي ‪ :‬السماء الروحانية ‪( :‬تلك أمانيهم) أي ‪ :‬غاية مطالبهم التي‬
‫وقفوا على حدها واحتجبوا بها عما فوقها ‪( :‬قل هاتوا برهانكم) أي ‪:‬‬
‫دليلكم الدال على نفي دخول غيركم جنتكم ‪( :‬إن كنتم صادقين) في‬
‫دعواكم‪ ،‬بل الدليل دل على نقيض مدعاكم‪ .‬فإن ‪( :‬من أسلم وجهه) أي ‪:‬‬
‫ذاته الموجودة مع جميع لوازمها وعوارضها ‪( :‬لله) بالتوحيد الذاتي عند‬
‫المحو الكلي والفناء في ذات الله ‪( :‬وهو محسن) أي ‪ :‬مستقيم في أحواله‬
‫بالبقاء بعد الفناء‪ ،‬مشاهد ربه في أعماله‪ ،‬راجع من الشهود الذاتي إلى‬
‫مقام الحسان الصفاتي الذي هو المشاهدة بالوجود الحقاني لمكان‬
‫الستقامة والعبادة‪ ،‬ل بالوجود النفساني ‪( :‬فله أجره عند ربه) أي ‪ :‬ما‬
‫ذكرتم من الجنة وأصفى وألذ لختصاصها بمقام العندية أي المشاهدة التي‬
‫احتجبتهم عنها ‪( :‬ول خوف عليهم ول هم يحزنون) أي ‪ :‬وزيادة على ما لكم‬
‫من الجنة وهو عدم خوفهم من احتجاب الذات وبقاء النفس اللزم لوجود‬
‫بقيتهم وعدم حزنهم على ما فاتهم بسبب الوقوف بحجاب جنة الفعال‬
‫والصفات والتلذذ بها والستراحة فيها والستدامة إليها من شهود جمال‬
‫الذات‪ .‬فإنهم وإن تركوها بالشوق إلى تجلي الذات فإنها حاصلة لهم وأدنى‬
‫مقامهم تحت جنة الذات‪] .‬آية ‪( : [114 - 113‬وقالت اليهود ليست النصارى‬
‫على شيء) لحتجابهم بدينهم عن دينهم‪ ،‬وكذا قالت النصارى لحتجابهم‬
‫بالباطن عن الظاهر كما احتجب اليهود بالظاهر عن الباطن على ما هو حال‬
‫أهل المذاهب اليوم في السلم‪( : .‬وهم يتلون الكتاب) وفيه ما يرشدهم‬
‫إلى رفع الحجاب‪ ،‬ورؤية حق كل دين ومذهب‪ ،‬وليس أهل ذلك الدين‬
‫والمذهب حقهم بباطل لتقيدهم بمعتقدهم‪ ،‬فما الفرق بينهم وبين الذين ل‬
‫علم لهم ول كتاب‪ ،‬كالمشركين‪ ،‬فإنهم يقولون مثل قولهم بل هم أعذر‪ ،‬إذ‬
‫ليس عليهم إل حجة العقل وهم بحجة العقل والشرع ‪( :‬فالله يحكم‬
‫بينهم) بالحق في اختلفاتهم ‪( :‬يوم( ‪( :‬قيام) )القيامة) الكبرى وظهور‬
‫الوحدة الذاتية عند خروج المهدي ‪ .u‬وفي الحديث ما معناه ‪( : :‬إن الله‬
‫يتجلى لعباده في صورة معتقداتهم فيعرفونه‪ ،‬ثم يتحول عن صورته إلى‬
‫صورة أخرى فينكرونه)‪ ،‬وحينئذ يكونون كلهم ضالين محجوبين إل ما شاء‬
‫الله وهو الموحد الذي لم يتقيد بصورة معتقده‪( : .‬ومن أظلم) أي ‪ :‬أنقص‬
‫حقا ً وأبخس حظا ً ‪( :‬ممن منع مساجد الله) أي ‪ :‬مواضع سجود الله التي هي‬
‫القلوب التي يعرف فيها فيسجد بالفناء الذاتي ‪( :‬أن يذكر فيها‬
‫اسمه) الخاص الذي هو السم العظم‪ ،‬إذ ل يتجلى بهذا السم إل في‬
‫القلب‪ ،‬وهو التجلي بالذات مع جميع الصفات أو اسمه المخصوص بكل واحد‬
‫منها‪ ،‬أي الكمال اللئق باستعداده المقتضي له‪( : .‬وسعى في‬
‫خرابها) بتكديرها بالتعصبات الباردة وغلبة واستيلء التمنيات عليها‪ ،‬ومنع‬
‫أهلها المستعدين عنها بالهرج والمرج وتهييج الفتن اللزمة لتجاذب قوى‬
‫النفس ودواعي الشيطان والوهم ‪( :‬أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إل‬
‫خائفين) ويصلوا إليها‪ ،‬أي ‪ :‬منكسرين لظهور تجلي الحق فيها ‪( :‬لهم في‬
‫الدنيا خزي) أي ‪ :‬افتضاح وذلة بظهور بطلن دينهم ومعتقدهم‪ ،‬وفسخه‬
‫بدين الحق وانقهارهم وتحسرهم ومغلوبيتهم‪( : .‬ولهم في الخرة عذاب‬
‫عظيم) هو الحتجاب عن الحق بدينهم‪] .‬آية ‪( : [115‬والله المشرق) أي ‪:‬‬
‫عالم النور والظهور الذي هو جنة النصارى وقبلتهم بالحقيقة هو باطنه ‪( :‬‬
‫والمغرب) أي ‪ :‬عالم الظلمة والختفاء الذي هو جنة اليهود وقبلتهم‬
‫بالحقيقة هو ظاهره ‪( :‬فأينما تولوا) أي ‪ :‬أي جهة تتوجهوا من الظاهر‬
‫والباطن ‪( :‬فثم وجه الله) أي ‪ :‬ذات الله المتجلية بجميع صفاته‪ ،‬أو ولله‬
‫الشراق على قلوبكم بالظهور فيها والتجلي لها بصفة جماله حالة شهودكم‬
‫وفنائكم‪ ،‬والغروب فيها بتستره واحتجابه بصورها وذواتها‪ ،‬واختفائه بصفة‬
‫جلله حالة بقائكم بعد الفناء‪ .‬فأي جهة تتوجهوا حينئذ فثم وجهه لم يكن‬
‫شيء إل إياه وحده ‪( :‬إن الله واسع) جميع الوجود شامل لجميع الجهات‬
‫والوجودات ‪( :‬عليم) بكل العلوم والمعلومات‪] .‬آية ‪( : [117 - 116‬وقالوا‬
‫اتخذ الله ولدا) أي ‪ :‬أوجد موجودا ً مستقل ً بذاته مخصوصا ً دونه ‪( :‬‬
‫سبحانه) ننزهه عن أن يكون غيره شيء فضل ً عما يجانسه ‪( :‬بل له ما في‬
‫السماوات والرض) أي ‪ :‬له عالم الرواح والجساد وهي باطنه وظاهره‪،‬‬
‫كما تقول ‪ :‬له الذات والوجه والصفات وأمثال ذلك‪( : .‬كل له‬
‫قانتون) موجودون بوجوده‪ ،‬فاعلون بفعله‪ ،‬معدومون بذواتهم‪ ،‬وهو غاية‬
‫الطاعه والقيام بحقه إذ هو الوجود المطلق‪ ،‬فل يوجد بدونه شيء‪.‬‬
‫والوجودات المعينة صفاته وأسماؤه لمتيازها بتعيناتها التي هي أمور‬
‫إمكانية عدمية ليست عينه بالعتبار العقلي الذي يقسمها إلى الوجود‬
‫والماهية التي هي بدون الوجود ليست شيئا ً في الخارج‪ ،‬لكن في العقل‪.‬‬
‫والعقليات باطنه‪ ،‬فهي في الحقيقة ليست غيره فل يكون غيره موجودا ً‬
‫حتى يكون ولدًا‪ ،‬أي ‪ :‬معلول ً أو مخلوقا ً أو ما شئت فسمه‪( : .‬بديع‬
‫السماوات والرض) أي ‪ :‬مبدع سمواته وأرضه غير مسبوقة بمادة ومدة‪ ،‬بل‬
‫هي ظلل ذاته ومنشأ عالميته منورة باسمه النوراني‪ ،‬موجودة بوجوده‬
‫الخارجي ولو لم يكن جهات المكان واعتبارات العقل بحسب اليقينيات لما‬
‫اعتبرت وجوداتها أصل ً إذ هي بل هو غير شيء فل تكون معه موجودة‬
‫بالمقارنة بل بالتحقيق بوجوده‪ ،‬ول تكون غيره بالمفارقة بل بالعتبار‬
‫العقلي‪ .‬فهي باعتبار تعيناتها خلق‪ ،‬وباعتبار حقيقتها حق‪( : .‬وإذا قضى‬
‫أمرا) أي حكم به ‪( :‬فإنما يقول له كن فيكون) أي ‪ :‬فل يكون إل تعلق إرادته‬
‫به فيوجد بل تخلل زمان ول توسط شيء‪ ،‬بل معًا‪ .‬وذلك التعلق هو قوله‬
‫وإل لم يكن ثم قول ول صوت‪] .‬آية ‪( : [124 - 118‬وقال الذين ل‬
‫يعلمون) علم التوحيد من المشركين ‪( :‬لول يكلمنا الله أو تأتينا آية) إلى‬
‫قوله ‪( : :‬تشابهت قلوبهم) في الجهل بعلم التوحيد وبكلم الله وآياته‪ ،‬إذ‬
‫العلم بهما فرع علم التوحيد ‪( :‬قد بينا) دلئل التوحيد وكيفية المكالمة لهل‬
‫اليقان ‪( :‬ول تسئل عن أصحاب الجحيم) أي ‪ :‬ول تؤخذ باحتجابهم وما عليك‬
‫أن تنقذهم من ظلمات حجبهم‪ ،‬إنما عليك أن تدعوهم بالبشارة والنذار‪( : .‬‬
‫قل إن هدى الله هو الهدى) أي ‪ :‬طريق الوحدة المخصوصة بالحق هو‬
‫الطريق ل غير‪ .‬كما قال علي عليه السلم ‪( : :‬اليمين والشمال مضلة‪،‬‬
‫والطريق الوسطى هي الجادة)‪( : .‬ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من‬
‫العلم) أي ‪ :‬من علم التوحيد والمعرفة ‪( :‬ما لك من الله من ولي ول‬
‫نصير) لمتناع وجود غيره‪( : .‬وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) أي ‪ :‬بمراتب‬
‫الروحانيات‪ ،‬كالقلب والسر والروح والخفاء والوحدة والحوال والمقامات‪،‬‬
‫التي يعبر بها على تلك المراتب كالتسليم والتوكل والرضا وعلومها ‪( :‬‬
‫فأتمهن) بالسلوك إلى الله وفي الله حتى الفناء ‪( :‬قال إني جاعلك للناس‬
‫إمامًا) بالبقاء بعد الفناء‪ ،‬والرجوع إلى الخلق من الحق تؤمهم وتهديهم‬
‫سلوك سبيلي ويقتدون بك فيهتدون‪( : .‬قال ومن ذريتي) أي ‪ :‬واجعل بعض‬
‫ذريتي أيضا ً إماما ً ‪( :‬قال) قد يكون منهم ظالمون ‪( :‬ول ينال عهدي) إياهم‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ل يكونون خلفائي ول أعهد إلى الظالمين بالمامة‪] .‬آية ‪( : [125‬وإذ‬
‫جعلنا البيت( ‪( :‬القلب) )مثابة) أي ‪ :‬مرجعا ً ومبوأ ‪( :‬للناس وأمنا) ومحل‬
‫أمن أو سبب أمن وسلمة لهم يأمنون بالوصول إليه والسكون فيه شر‬
‫غوائل صفات النفس وفتك فتاك القوى الطبيعية وإفسادها‪ ،‬وتخييل‬
‫شياطين الوهم والخيال‪ ،‬وإغوائهم ومكائدهم ‪( :‬واتخذوا من مقام‬
‫إبراهيم) الذي هو ومقام الروح مقام الخلة ‪( :‬مصلى) موطنا ً للصلة‬
‫الحقيقية التي هي المشاهدة والمواصلة اللهية والخلة الذوقية ‪( :‬وعهدنا‬
‫إلى إبراهيم وإسمعيل) أمرناهما بتطهير بيت القلب من قاذورات أحاديث‬
‫النفس‪ ،‬ونجاسات وساوس الشيطان‪ ،‬وأرجاس دواعي الهوى‪ ،‬وأدناس‬
‫صفات القوى ‪( :‬للطائفين) أي ‪ :‬للسالكين المشتاقين الذين يدورون حول‬
‫القلب في سيرهم ‪( :‬والعاكفين) الواصلين إلى مقام القلب بالتوكل الذي‬
‫هو توحيد الفعال المقيمين فيه بل تلوينات النفس وإزعاجها منه ‪( :‬‬
‫والركع) أي ‪ :‬الخاضعين الذين بلغوا إلى مقام تجلي الصفات‪ ،‬وكمال مرتبة‬
‫الرضا والسجود الفانين في الوحدة‪] .‬آية ‪( : [126‬وإذ قال إبراهيم رب‬
‫اجعل هذا) الصدر الذي هو حرم القلب ‪( :‬بلدا ً آمنا) من استيلء صفات‬
‫النفس واغتيال العدو اللعين‪ ،‬وتخطف جن القوى البدنية أهله ‪( :‬وارزق‬
‫أهله) من ثمرات معارف الروح أو حكمه وأنواره ‪( :‬من آمن منهم بالله‬
‫واليوم الخر) من وحد الله منهم وعلم المعاد )قال ومن كفر) أي ‪ :‬ومن‬
‫احتجب أيضا ً من الذين سكنوا الصدر ول يجاوزون حده بالترقي إلى مقام‬
‫العين لحتجابهم بالعلم الذي وعاؤه الصدر ‪( :‬فأمتعه) تمتيعا ً ‪( :‬قليل) من‬
‫المعاني العقلية‪ ،‬والمعلومات الكلية النازلة إليهم من عالم الروح على قدر‬
‫ما تعيشوا به ‪( :‬ثم أضطره إلى عذاب) نار الحرمان والحجاب ‪( :‬وبئس‬
‫المصير) مصيرهم‪ ،‬لتعذبهم بنقصانهم وتألمهم بحرمانهم‪] .‬آية ‪- 127‬‬
‫‪( : [133‬وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) قيل ‪ :‬إن الكعبة أنزلت من‬
‫السماء في زمان آدم ولها بابان إلى المشرق والمغرب‪ ،‬فحج آدم ‪ u‬من‬
‫أرض الهند واستقبله الملئكة أربعين فرسخا ً فطاف بالبيت ودخله‪ .‬ثم‬
‫رفعت في زمان طوفان نوح ‪ ،u‬ثم أنزلت مرة أخرى في زمان إبراهيم‬
‫صلوات الله عليه‪ ،‬فزارها ورفع قواعدها وجعل بابيها بابا ً واحدًا‪ .‬وقيل ‪ :‬ثم‬
‫تمخض أبو قبيس فانشق عن الحجر السود وكان ياقوته بيضاء من يواقيت‬
‫الجنة نزل بها جبرائيل فخبئت فيه في زمان الطوفان إلى زمن إبراهيم ‪،u‬‬
‫فوضعه إبراهيم مكانه‪ ،‬ثم اسود بملمسة النساء الحيض‪ .‬فنزولها في زمان‬
‫آدم إشارة إلى ظهور القلب في زمانه بوجوده عليه‪ .‬وكونه ذا بابين شرقي‬
‫وغربي إشارة إلى ظهور علم المبدأ والمعاد‪ ،‬ومعرفة عالم النور‪ ،‬وعالم‬
‫الظلمة في زمانه دون علم التوحيد‪ .‬وقصده زيارتها من أرض الهند إشارة‬
‫إلى توجهه بالتكوين والعتدال من عالم الطبيعية الجسمانية المظلمة إلى‬
‫مقام القلب‪ ،‬واستقبال الملئكة إشارة إلى تعلق القوى الحيوانية والنباتية‬
‫بالبدن وظهور آثارها فيه قبل أثار القلب في الربعين التي تكونت فيها‬
‫بنيته وتخمرت طينته أو توجهه بالسير واللسلوك من عالم النفس الظلماني‬
‫إلى مقام القلب‪ .‬واستقبال الملئكة تلقي القوى النفسانية والبدنية إياه‬
‫بقبول الذعان والخلق الجميلة والملكات الفاضلة والتمرن فيها والتنقل‬
‫في المقامات قبل وصوله إلى مقام القلب‪ .‬وطوافه بالبيت إشارة إلى‬
‫وصوله إلى مقام القلب وسلوكه فيه مع التلوين‪ ،‬ودخوله إشارة إلى تمكنه‬
‫واستقامته فيه‪ .‬ورفعه في زمان الطوفان إلى السماء إشارة إلى احتجاب‬
‫الناس بغلبة الهوى وطوفان الجهل في زمان نوح ‪ u‬عن مقام القلب‪.‬‬
‫وبقاؤه في السماء الرابعة‪ ،‬أي ‪ :‬البيت المعمور الذي هو قلب العالم ونزوله‬
‫مرة أخرى في زمان إبراهيم ‪ u‬إشارة إلى اهتداء الناس في زمانه إلى مقام‬
‫القلب بهدايته‪ .‬ورفع إبراهيم قواعده وجعله ذا باب واحد إشارة إلى تلقي‬
‫القلب بسلوكه ‪ u‬من مقامه إلى مقام الروح الذي هو السر وارتفاع مراتبه‬
‫ووصوله إلى مقام التوحيد‪ ،‬إذ هو أول من ظهر عليه التوحيد الذاتي كما‬
‫قال ‪( : : u‬إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض خينفا ً وما أما‬
‫من المشركين ]آية ‪] [79‬النعام‪ ،‬الية ‪ .[79 :‬والحجر السود إشارة إلى‬
‫الروح‪ .‬وتمخض أبي قبيس وانشقافه عنه إشارة إلى ظهوره بالرياضة‬
‫وتحرك آلت البدن باستعمالها بالتفكر والتبعد في طلب ظهوره‪ ،‬ولهذا قيل‬
‫‪ :‬خبئت فيه‪ ،‬يعني ‪ :‬احتجبت بالبدن‪ .‬واسوداده بملمسة النساء الحيض‬
‫إشارة إلى اختفائه وتكدره بغلبة القوى النفسانية على القلب واستيلئها‬
‫عليه وتسويدها الوجه النوراني الذي يلي الروح منه‪ .‬وكذا إسماعيل أيضا ً‬
‫كان من الموحدين لعطفه عليه في رفع قواعد البيت‪( : .‬ربنا واجعلنا‬
‫مسلمين لك) أي ‪ :‬ل تكلنا إلى أنفسنا فنسلم بأنفسنا بل بك وبجعلك ‪( :‬ربنا‬
‫وابعث فيهم رسول) هو محمد ‪ ،e‬ولهذا قال ‪( : : e‬أنا دعوة أبي إبراهيم‪،‬‬
‫وبشرى عيسى‪ ،‬ورؤيا أمي) وقد رأت في المنام أن نورا ً خرج منها فأضاءت‬
‫لها قصور الشام‪( : .‬ومن يرغب عن ملة إبراهيم) أي ‪ :‬ملة التوحيد ‪( :‬إل من‬
‫سفه نفسه) إل من احتجب عن نور العقل بالكلية وبقي في مقام ظلمة‬
‫نفسه‪ .‬أي ‪ :‬سفه نفسا ً على التمييز أو في نفسه على انتزاع الخافض ‪( :‬‬
‫ولقد اصطفيناه) أي ‪ :‬من كان من المحبوبين المرادين بالسابقة الزلية‬
‫فاخترناه حالة الفناء في التوحيد ‪( :‬وهو في الخرة) أي ‪ :‬حالة البقاء بعد‬
‫الفناء من أهل الستقامة الصالحين لتدبير النظام وتكميل النوع ‪( :‬إذ قال‬
‫له ربه أسلم) أي ‪ :‬وحد وأسلم ذاتك إلى الله‪ ،‬يعني ‪ :‬جعله في الزل من‬
‫أهل الصف الول مسلما ً موحدا ً مذعنا ً لرب العالمين‪ ،‬فانيا ً فيه ‪( :‬ووصى‬
‫بها) أي ‪ :‬بكلمة التوحيد ‪( :‬إبراهيم بنيه ويعقوب) بنيه تأسيا ً ‪( :‬يا بني إن‬
‫الله اصطفى لكم الدين) أي ‪ :‬دينه الذي يدين به الموحد‪ ،‬ل دين له غيره‪ ،‬ول‬
‫ذات‪ ،‬فدينه دين الله وذاته ذات الله ‪( :‬فل تموتن) إل على هذا الدين‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫تموتن بالموت الطبيعي موت الجهل‪ ،‬بل كونوا ميتين بأنفسكم‪ ،‬أحياء بالله‬
‫أبدًا‪ ،‬فيدرككم موت البدن على هذه الحالة‪] .‬آية ‪( : [134‬تلك أمة قد‬
‫خلت) أي ‪ :‬ل تكونوا مقلدين ول تكتفوا بالتقليد الصرف في الدين إذ ل‬
‫اعتماد على النقل‪ ،‬فليس لحد إل ما كسب من العلم والعمل والعتقاد‬
‫والسيرة‪ ،‬ل يجازى أحد بمعتقد غيره ول بعمله‪ ،‬فكونوا على بصائركم‬
‫واطلبوا اليقين واعملوا عليه‪] .‬آية ‪( : [141 - 135‬وقالوا كونوا هودا أو‬
‫نصارى) كل محجوب بدينه يزعم أن الحق دينه ل غير ‪( :‬قل بل ملة إبراهيم)‬
‫فإن الهدى المطلق هو التوحيد الذي يشمل كل دين‪ ،‬ويرفع كل حجاب كما‬
‫ذكر بعده في قوله ‪( :‬قولوا آمنا بالله) إلى آخره ‪( :‬ل نفرق بين أحد‬
‫منهم) ينفي دين البعض وإبطال ملته وإثبات الخر وحقيته‪ ،‬بل نقول‬
‫باجتماعهم على الحق واتفاقهم على التوحيد‪ ،‬ونقبل جميع أديانهم بالتوحيد‬
‫الشامل لكلها ‪( :‬فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به) من التوحيد الجامع من كل‬
‫دين ومذهب ‪( :‬فقد اهتدوا) الهتداء المطلق‪ ،‬أي ‪ :‬كل الهتداء ‪( :‬وإن تولوا‬
‫فإنما هم) في طرف من الدين وشق من الهداية يشاقونكم فيه‪( : .‬صبغة‬
‫الله) أي ‪ :‬آمنا بالله وصبغنا الله صبغة‪ ،‬فإن كل ذي اعتقاد ومذهب باطنه‬
‫مصبوغ بصبغ اعتقاده ودينه ومذهبه‪ .‬فالمتعبدون بالملل المتفرقة‬
‫مصبوغون بصبغ نيتهم‪ ،‬والمتمذهبون بصبغ إمامهم وقائدهم‪ ،‬والحكماء‬
‫بصبغ عقولهم‪ ،‬وأهل الهواء والبدع المتفرقة بصبغ أهوائهم ونفوسهم‪،‬‬
‫والموحدون بصبغة الله خاصة التي ل صبغ أحسن منها ول صبغ بعدها‪ .‬كما‬
‫قال رسول الله ‪( : : e‬إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم‬
‫من نوره‪ ،‬فمن أصاب من ذلك النور اهتدى‪ ،‬ومن أخطأ ضل)‪ .‬فذلك النور هو‬
‫صبغته‪] .‬آية ‪( : [142‬سيقول السفهاء من الناس) سماهم سفهاء خفاف‬
‫العقول‪ ،‬لعدم وفاء عقولهم بإدراك حقيقة دين السلم وقضائها على ما‬
‫عرفت بحق مذهبها ووقوفها به‪ ،‬ولذلك كانت محاجتهم في الله مع اتفاقهم‬
‫في التوحيد واختصاص المسلمين بالخلص‪ ،‬إذ لو أدركوا الحق لدركوا‬
‫إخلصهم فلم تبق محاجتهم معهم‪ .‬ولو كانت عقولهم رزينة لستدلت‬
‫باليات وأدركت في كل دين ومذهب حقه‪ ،‬وفرقت بين ذلك الدين الحق‬
‫الذي هو كالروح لذلك‪ ،‬وبين باطل أهله الذي اختلط به ولبسه خاصة دين‬
‫السلم‪ ،‬فإن كله حق‪ ،‬بل هو حق الحقوق ولذلك جعلوا أمة وسطا ً أي ‪ :‬عدل ً‬
‫بين المم‪ ،‬فضلء شهداء عليهم‪( : .‬ما ولهم عن قبلتهم التي كانوا‬
‫عليها) لنهم كانوا مقيدين بالجهة فلم يقبلوا إل مقيدا ً ولم يعرفوا التوحيد‬
‫الوافي بالجهات كلها ‪( :‬قل لله المشرق والمغرب) على ما مر من التأويلين‬
‫‪( :‬يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) أي ‪ :‬طريق الوحدة التي تتساوى‬
‫الجهات بالنسبة إليها لكون الحق المتوجه إليه ل في جهة‪ ،‬وكون الجهات‬
‫كلها فيه وبه وله‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬فأينما تولوا فثم وجه الله) ]البقرة‪،‬‬
‫الية ‪] .[115 :‬آية ‪ [143‬ومعنى شهادتهم على الناس وشهادة الرسول‬
‫عليهم‪ ،‬اطلعهم بنور التوحيد على حقوق الديان ومعرفتهم بحق أهل كل‬
‫دين وحق‪ ،‬كل ذي دين من دينه وباطلهم الذي ليس حقهم الذي هو‬
‫مخترعات نفوسهم وتمنياتهم وأكاذيب أخبارهم وملفقاتهم‪ ،‬ووقوفهم على‬
‫حد دينهم‪ ،‬وإبطالهم لما عداه من الديان‪ ،‬واحتجابهم وتقيدهم بظاهره دون‬
‫التعمق إلى باطنه وأصله وإل عرفوا حقية دين السلم لن طريق الحق‬
‫واحد فل يستخفون بحق سائر الديان وخاصة دين السلم الذي هو الحق‬
‫العظم الظهر‪ ،‬والرسول مطلع على رتبة كل متدين بدينه في دينه‪،‬‬
‫وحقيقته التي هو عليها من دينه‪ ،‬وحجابه الذي هو به محجوب عن كمال‬
‫دينه‪ ،‬فهو يعرف ذنوبهم وحدود إيمانهم وأعمالهم وحسناتهم وسيئاتهم‬
‫وإخلصهم ونفاقهم وغير ذلك بنور الحق‪ ،‬وأمته يعرفون ذلك من سائر‬
‫المم بنوره‪( : .‬وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إل لنعلم) بالعلم التفصيلي‬
‫التابع لوقوع المعلوم ل العلم السابق في عين جميع أول الوجود فإنه‬
‫معلوم له بذلك العلم قبل وجوده‪ ،‬لن العلم كله له ل علم لحد غيره‪.‬‬
‫فعلومنا التي نعلم بها الشياء تظهر على مظاهرنا من علمه وذلك علمه‬
‫التفصيلي أي ‪ :‬علمه في تفاصيل الموجودات‪ .‬فهو يعلم بذلك العلم‬
‫التفصيلي الظاهر في مظاهرنا الشياء بعد وجودها‪ ،‬كما يعلمها بالعلم‬
‫الول الذي هو في عين الجمع قبل وجودها‪( : .‬من يتبع الرسول) في‬
‫توحيده ‪( :‬ممن ينقلب على عقبيه) لحتجابه بالتقييد بالدين ‪( :‬وإن كانت‬
‫لكبيرة) أي ‪ :‬أنه كانت التحويلة لكبيرة لشاقة ثقيلة ‪( :‬إل على الذين) هداهم‬
‫الله إلى التوحيد ونجاهم عن الحتجاب بالتقييد ‪( :‬وما كان الله ليضيع‬
‫إيمانكم) أي ‪ :‬صلتكم إلى بيت المقدس لكونها لله‪ ،‬وإذا كانت له فحيثما‬
‫توجهتم قبلها‪ .‬ولعمري إنها إنما شقت على طائفتين ‪ :‬المحجوبين بالحق‬
‫عن الخلق‪ ،‬والمحجوبين بالخلق عن الحق‪ .‬فإن الولى عرفت أن التحويلة‬
‫الولى التي كانت من الكعبة إلى بيت المقدس هي صورة العروج من مقام‬
‫القلب والسر‪ ،‬أي ‪ :‬المكاشفة والمكالمة إلى مقام الروح والخفاء‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫المشاهدة والمعاينة فحسبوا التحويلة الثانية التي كانت صورة الرجوع إلى‬
‫مقام القلب حالة الستقامة والتمكين للدعوة والنبوة ومشاهدة الجمع في‬
‫عين التفصيل‪ ،‬والتفصيل في عين الجمع‪ ،‬حيث ل احتجاب عن الخلق بالحق‪،‬‬
‫ول عن الحق بالخلق‪ ،‬هو النزول بعد العروج‪ ،‬والبعد بعد القرب‪ .‬وظنوا ضياع‬
‫السعي إلى المقام الشرف وحصول الهجر بعد الوصول‪ ،‬والسقوط عن‬
‫الرتبة‪ ،‬فشق عليهم ذلك‪ .‬وأما الطائفة الثانية فتقيدوا بصورة نسكهم‬
‫وعملهم وما عرفوا حكمة التحويلة‪ ،‬فظنوا صحة العبادة الثانية دون الولى‪،‬‬
‫فشق عليهم ضياعها وبطلنها الذي توهموه فهدينا إلى خلف ما توهموه‬
‫بما فهم من الية‪( : .‬إن الله بالناس لرؤوف) يرؤف بهم بشرح الصدر‪،‬‬
‫ورفع الحجاب حال البقاء بعد الفناء للولى‪ ،‬وبقبول ما عملت الثانية‬
‫بصدقهم‪ ،‬وإن لم يعلموا ما يفعلون ‪( :‬رحيم) يرحمهم بالوجود الحقاني‬
‫للولى وثواب العمال والهداية إلى الحقيقة للثانية‪ ،‬وتوفيقهم للترقي من‬
‫حالهم ومقامهم إلى مقام اليقين‪] .‬آية ‪( : [144‬قد نرى نقلب وجهك) في‬
‫جهة سماء الروح في مقام الجمع عند الستغراق في الوحدة والحتجاب‬
‫بالحق عن الخلق يؤدك وزر النبوة ومقام الدعوة‪ ،‬لعدم التفاتك إلى الكثرة‪،‬‬
‫ويعسر عليك الرجوع إلى الحق في أول حال البقاء بعد الفناء قبل التمكن‬
‫لقوة توجهك إلى الحق ‪( :‬فلنولينك قبلة ترضاها) فلنجعلن وجهك يلي قبلة‬
‫القلب بانشراح الصدر‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬ألم نشرح لك صدرك ووضعنا‬
‫عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) ]الشرح‪ ،‬اليات ‪ [3 - 1 :‬فإنها قبلة ترضاها‬
‫لوجود الجمع هناك في صورة التفصيل وعدم احتجاب الوحدة بالكثرة‪،‬‬
‫فترضى تلك القبلة بدعوة الخلق إلى الحق مع بقاء شهود الوحدة ‪( :‬فول‬
‫وجهك شطر المسجد الحرام) جانب الصدر المشروح المحرم من وصول‬
‫صفات النفس‪ ،‬ودواعي الهوى والشيطان ‪( :‬وحيث ما كنتم) أيها المؤمنون‬
‫والمحققون‪ ،‬سواء كنتم في جهة مشرق الروح ومغرب النفس ‪( :‬فولوا‬
‫وجوهكم) جانبه ليتيسر عليكم المر بالمعروف والنهي عن المنكر في‬
‫الولى‪ ،‬أي ‪ :‬الجهة الشرقية‪ .‬والترقي عن حالكم ومقامكم‪ ،‬والتوقي عن‬
‫احتجابكم بدواعي الهوى والشيطان في الثانية‪( : .‬وإن الذين أوتوا‬
‫الكتاب) أي ‪ :‬التوراة والنجيل وكتاب العقل الفرقاني‪ ،‬أي ‪ :‬العقل‬
‫المستفاد ‪( :‬ليعلمون أنه الحق من ربهم) لهتدائهم بما في الكتاب من‬
‫توحيد الفعال‪ ،‬والصفات‪ ،‬والدللة على التوحيد المحمدي الذاتي إليه‪ ،‬أو‬
‫بنور العقل المنور بالنور الشرعي ل المحجوب بالقياس الفكري‪] .‬آية‬
‫‪( : [145‬ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية) دالة على صحة نبوتك‬
‫وحقية قبلتك ولو من كتابهم‪ ،‬أو ما كانت عقلية قطعية ‪( :‬ما تبعوا‬
‫قبلتك) لحتجابهم بدينهم ومعقولهم وتقيدهم به ‪( :‬وما أنت بتابع‬
‫قبلتهم) لعلوك عن رتبة دينهم وترقيك عن مقامهم ‪( :‬وما بعضهم بتابع‬
‫قبلة بعض) لحتجاب كل بدينه وتضاد وجههم الناشىء من التضاد المركوز‬
‫في طباعهم ‪( :‬ولئن اتبعت أهواءهم) المتفرقة ‪( :‬من بعد ما جاءك‬
‫من) علم التوحيد الجامع إياك ‪( :‬إنك إذا لمن) الناقصين حقك وحق مقامك‪.‬‬
‫]آية ‪( : [148 - 146‬الذين آتيناهم الكتاب) إيتاء فهم ودراية ‪( :‬يعرفونه كما‬
‫يعرفون أبناءهم) أي ‪ :‬كالمحسوس المشاهد‪ ،‬القريب الدائم الحساس‬
‫لقربهم منه بالحقيقة‪ ،‬وتوسمهم إياه بالدلئل الواضحة ‪( :‬ولكل وجهة هو‬
‫موليها) أي ‪ :‬ولكل أحد منكم غاية وكمال بحسب استعداده الول‪ ،‬الله موجه‬
‫وجهه إليها أو هو نفسه موجه نفسه إليها ويتوجه نحوها بمقتضى هويته‬
‫واستعداده بإذن الله ‪( :‬فاستبقوا الخيرات) المور المقربة إياكم من كمالكم‬
‫وغايتكم التي خلقتم لجلها وندبتم إليها ‪( :‬أينما تكونوا) من مقام وحال‬
‫دونها أو تخالفها لكونها في مقابلها ‪( :‬يأت بكم الله جميعا) إلى تلك الغاية‬
‫قريبا ً أو بعيدا ً بحسب اقتضاء المقربات واستباقها ‪( :‬إن الله على كل شيء‬
‫قدير) ]آية ‪( : [150 - 149‬ومن حيث خرجت) من طرق حواسك وميلك إلى‬
‫حظوظك والهتمام بمصالحك ومصالح المؤمنين ‪( :‬فول وجهك شطر‬
‫المسجد الحرام) أي ‪ :‬فكن حاضرا ً للحق في قلبك‪ ،‬مواجها ً صدرك‪ ،‬تشاهد‬
‫مشاهد فيه‪ ،‬مراعيا ً جانبه لتكون في الشياء بالله ل بالنفس ‪( :‬وحيث ما‬
‫كنتم) أيها المؤمنون ‪( :‬فولوا وجوهكم) جانب الصدر‪ ،‬تشاهدون مشاهدكم‬
‫فيه‪ ،‬مراعين له غير معرضين عنه في حال ‪( :‬لئل يكون للناس عليكم‬
‫حجة) سلطنة بوقوعهم في أعينكم واعتباركم إياهم عند غيبتكم عن الحق‪،‬‬
‫وترفعهم عليكم‪ ،‬أو غلبة بالقول أو الفعل في مقاصدكم ومطالبكم لكونكم‬
‫بالحق فيها حينئذ‪ ،‬بل يخضعون) وينقادون لكم‪ ،‬فإن حزب الله هم‬
‫الغالبون ‪( :‬إل الذين ظلموا منهم) أي ‪ :‬الكفار المردودين الذين احتجبوا عن‬
‫الحق مطلقًا‪ ،‬فإنهم يرتفعون عليكم ول يخضعون‪ ،‬ول ينقادون لعدم‬
‫انفعالهم عن الحق مطلقًا‪ .‬وسمى شبهتهم التي يسوقونها مساق الحجة‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وترفهم عليهم في أنفسهم حجة‬ ‫واعتراضهم على المسلمين قول ً وفع ً‬
‫مجازًا‪ .‬وقرئ إل للتنبيه واستؤنف الذين ظلموا ‪( :‬فل تخشوهم) لنهم ل‬
‫يغلبونكم ول يضرونكم ‪( :‬واخشوني) كونوا على هيبة من تجلي عظمتي لئل‬
‫يقعوا في قلوبكم وأعينكم ول يميلوا صدوركم فتميلوا إلى موافقتهم إجلل ً‬
‫لهم وتعظيما ً لكونكم في الغيبة وبالنفس‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين ‪( : : u‬‬
‫عظم الخالق عندك يصغر المخلوق في عينك)‪ .‬ولتمامي نعمة الكمال عليكم‬
‫ولرادتي اهتداؤكم أمرتكم بدوام الحضور والمراقبة‪] .‬آية ‪( : [154 - 151‬‬
‫كما أرسلنا) أي ‪ :‬كما ذكرتم بإرسال رسول ‪( :‬فيكم) من جنسكم ليمكنكم‬
‫التلقي والتعلم‪ ،‬وقبول الهداية منه لجنسية النفس ورابطة البشرية ‪( :‬‬
‫فاذكروني) بالجابة والطاعة والرادة ‪( :‬أذكركم) بالمزيد والتوالي للسلوك‬
‫وإفاضة نور اليقين ‪( :‬واشكروا لي) على نعمة الرسال والهداية بسلوك‬
‫صراطي على قدم المحبة أزدكم عرفاني ومحبتي ‪( :‬ول تكفرون) بالفترة‬
‫والحتجاب بنعمة الدين عن المنعم‪ ،‬فإنه كفران بل كفر‪( : .‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا) اليمان العياني ‪( :‬استعينوا بالصبر) معي عند سطوات تجليات‬
‫عظمتي وكبريائي ‪( :‬والصلة) أي ‪ :‬الشهود الحقيقي بي ‪( :‬إن الله مع‬
‫الصابرين) المطيقين لتجليات أنواره‪( : .‬ول تقولوا لمن يقتل في سبيل‬
‫الله) أي ‪ :‬يجعل فانيا ً مقتولة نفسه في سلوك سبيل التوحيد ميتا ً عن هواه‪،‬‬
‫كما قال رسول الله ‪( : : e‬موتوا قبل أن تموتوا)‪ .‬هم ‪( :‬أموات) أي ‪ :‬عجزة‬
‫مساكين ‪( :‬بل) هم ‪( :‬أحياء) عند ربهم بالحياة الحقيقية‪ ،‬وحياة الله الدائمة‬
‫السرمدية‪ ،‬شهداء الله بالحضور الذاتي‪ ،‬قادرون به ‪( :‬ولكن ل‬
‫تشعرون) لعمى بصيرتكم وحرمانكم عن النور الذي تبصر به القلوب أعيان‬
‫عالم القدوس وحقائق الرواح‪] .‬آية ‪( : [155‬ولنبلونكم بشيء من‬
‫الخوف) أي ‪ :‬خوفي الموجب لنكسار النفس وانهزامها ‪( :‬والجوع) الموجب‬
‫لنهك البدن‪ ،‬وضعف قواه‪ ،‬ورفع حجاب الهوى‪ ،‬وسد طريق الشيطان إلى‬
‫القلب ‪( :‬ونقص من الموال) التي هي مواد الشهوات المقوية للنفس‬
‫الزائدة في طغيانها ‪( :‬والنفس) المستولية على القلب بصفاتها‪،‬‬
‫والمستغنية بذاتها‪ ،‬ليزيد بنقصها القلب ويقوى‪ ،‬أو أنفس القرباء‬
‫والصدقاء الذين تأوون إليهم وتستظهرون بهم لتنقطعوا إلي وتبتلوا ‪( :‬‬
‫والثمرات) أي ‪ :‬الملذ والمتمتعات النفسانية لتلتذوا بالمكاشفات والمعارف‬
‫القلبية‪ ،‬والمشاهدات الروحية عند صفاء بواطنكم بالنقطاع منها وخلوص‬
‫بصائر قلوبكم بنار الرياضة والبلء والعزلة من غش صفات نفوسكم‪( : .‬‬
‫وبشر الصابرين) يعني ‪ :‬الصابرين عن مألوفاتهم بلذة محبتي وقوة إرادتي‪.‬‬
‫]آية ‪( : [158 - 156‬الذين إذا أصابتهم مصيبة) من تصرفاتي فيهم دائما ً‬
‫شاهدوا آثار قدرتي‪ ،‬بل أنوار تجليات صفتي و ‪( :‬قالوا إنا لله) أي ‪ :‬سلموا‬
‫وأيقنوا أنهم ملكي‪ ،‬أتصرف فيه ‪( :‬وإنا إليه راجعون) أي ‪ :‬تفانوا في‪،‬‬
‫وشاهدوا تهلكهم في بي ‪( :‬أولئك عليهم صلوات من ربهم) بالوجود‬
‫الموهوب لهم بعد الفناء الموصوف بصفاتي المنور بأنواري ‪( :‬ورحمة) ونور‬
‫وهداية يهدون بها الخلق إلي ‪( :‬وأولئك هم المهتدون) بهداي كما ورد في‬
‫الدعاء ‪( : :‬واجعلنا هادين مهديين غير ضالين ول مضلين)‪( : .‬إن الصفا‬
‫والمروة) أي ‪ :‬إن صفاء وجود القلب ومروة وجود النفس ‪( :‬من شعائر الله)‬
‫من أعلم دينه ومناسكه القلبية كاليقين‪ ،‬والرضا‪ ،‬والخلص‪ ،‬والتوكل‪،‬‬
‫والقالبية‪ ،‬كالصلة والصيام وسائر العبادات البدنية ‪( :‬فمن حج البيت) أي ‪:‬‬
‫بلغ مقام الوحدة الذاتية ودخل الحضرة اللهية بالفناء الذاتي الكلي ‪( :‬أو‬
‫اعتمر) نار الحضرة بتوحيد الصفات والفناء في أنوار تجليات الجمال‬
‫والجلل ‪( :‬فل جناح عليه) حينئذ في ‪( :‬أن يطوف بهما) أي ‪ :‬يرجع إلى‬
‫مقامهما‪ ،‬ويتردد بينهما‪ ،‬ل بوجودهما التكويني‪ ،‬فإنه جناح‪ ،‬وذنب‪ ،‬بل‬
‫بالوجود الموهوب بعد الفناء عند التمكين ولهذا نفي الحرج‪ ،‬فإن في هذا‬
‫الوجود سعة بخلف الول ‪( :‬ومن تطوع خيرا) أي ‪ :‬ومن تبرع خيرا ً من باب‬
‫التعاليم وشفقة الخلق والنصيحة ومحبة أهل الخير والصلح بوجود القلب‪،‬‬
‫ومن باب الخلق‪ ،‬وطرق البر والتقوى‪ ،‬ومعاونة الضعفاء والمساكين‪،‬‬
‫وتحصيل الرفق لهم ولعياله بوجود النفس بعد كمال السلوك والبقاء بعد‬
‫الفناء ‪( :‬فإن الله شاكر) يشكر عمله بثواب المزيد ‪( :‬عليم) بأنه من باب‬
‫التصرف في الشياء بالله ل من باب التكوين والبتلء والفترة‪] .‬آية ‪- 159‬‬
‫‪( : [160‬إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) أي ‪ :‬يكتمون ما‬
‫أفضنا عليهم من بينات أنوار المعارف وعلوم تجليات الفعال والصفات‪،‬‬
‫وهدى الحوال والمقامات أو الهداية إلى التوحيد الذاتي بطريق علم‬
‫اليقين‪ ،‬فإن العياني ل ينكتم بالتلوينات النفسية أو القلبية الحاجبة‬
‫للمكاشفات القلبية والمسامرات السرية والمشاهدات الروحية ‪( :‬من بعد ما‬
‫بيناه للناس) في كتاب عقولهم المنورة بنور المتابعة المدركة لثار أنوار‬
‫القلوب والرواح ببركة الصحبة ‪( :‬أولئك يلعنهم الله) يردهم ويطردهم ‪( :‬‬
‫ويلعنهم اللعنون) من المل العلى بخذلنهم وترك إمدادهم من عالم البد‬
‫والنور‪ ،‬ومن المستعدين المشتاقين الذين كانوا قد استأنوا بنور قلوبهم‬
‫واستفاضوا منهم النور بقوة صدقهم‪ ،‬واستراحوا إلى صحبتهم وملزمتهم‬
‫يتبركون بهم وبأنفاسهم عند استشراق لمعان أحوالهم بالهجران والنقطاع‬
‫عن صحبتهم والصد والعراض عنهم لفقدانهم ذلك واستشعارهم بتكدر‬
‫صفائهم ‪( :‬إل الذين تابوا) أي ‪ :‬رجعوا عن ذنوب أحوالهم وعلموا أن ذلك‬
‫كان ابتلء من الله ‪( :‬وأصلحوا) أحوالهم بالنابة والرياضة ‪( :‬وبينوا) أي ‪:‬‬
‫كشفوا وأظهروا بصدق المعاملة مع الله والخلص ما احتجب عنهم ‪( :‬‬
‫فأولئك) أتقبل توبتهم وألقي التوبة عليهم ‪( :‬وأنا التواب الرحيم(‪] .‬آية‬
‫‪( : [161‬إن الذين كفروا) حجبوا عن الدين أو الحق ‪( :‬وماتوا وهم‬
‫كفار) أي ‪ :‬بقوا على احتجابهم حتى زال استعدادهم وانطفأ نور فطرتهم‬
‫بدين الحجاب‪ ،‬وانقطعوا عن السباب التي يمكن بها رفع حجاب الموت ‪( :‬‬
‫أولئك عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين) أي ‪ :‬استحقوا البعد‬
‫والحرمان والطرد الكلي عن الحق وعن عالم الملكوت وعن الفطرة‬
‫النسانية المعبر عنه بالطمس‪] .‬آية ‪( : [164 - 162‬خالدين فيها) لطموس‬
‫استعدادهم وانطفاء نور فطرتهم ‪( :‬ل يخفف عنهم العذاب) لرسوخ‬
‫هيئاتهم المعذبة في جواهر نفوسهم ‪( :‬ول هم ينظرون) للزوم تلك الهيئات‬
‫المظلمة إياهم ‪( :‬وإلهكم إله واحد) ومعبودكم الذي خصصتموه بالعبادة أيها‬
‫الموحدون معبود واحد بالذات‪ ،‬واحد مطلق ل شيء في الوجود غيره‪ ،‬ول‬
‫موجود سواه فيعبد‪ ،‬فكيف يمكنكم الشرك به وغيره لعدم البحث فل شرك‬
‫إل للجهل به‪( : .‬الرحمن) الشامل الرحمة لكل موجود ‪( :‬الرحيم) الذي يخص‬
‫رحمة هدايته بالمؤمنين الموحدين وهي أول آية نزلت في التوحيد بحسب‬
‫الرتبة‪ ،‬أي ‪ :‬أقدم توحيد من جهة الحق ل من جهتنا‪ .‬فإن أول التوحيد من‬
‫طرفنا توحيد الفعال وهذا هو‪ ،‬توحيد الذات ولما بعد هذا التوحيد عن مبالغ‬
‫أفهام الناس تنزل إلى مقام توحيد الفعال ليستدل به عليه فقال ‪( : :‬إن‬
‫في خلق السماوات والرض) إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬أن في إيجاد سموات الرواح‬
‫والقلوب والعقول وأرض النفوس ‪( :‬واختلف) النور والظلمة بينهما وفلك‬
‫البدن التي تجري في بحر الجسم المطلق ‪( :‬بما ينفع الناس) في كسب‬
‫كمالتهم ‪( :‬وما أنزل الله من السماء) أي ‪ :‬الروح من ماء العلم ‪( :‬فأحيا به)‬
‫أرض النفس بعد موتها بالجهل ‪( :‬وبث فيها من كل دابة) القوى الحيوانية‬
‫الحية بحياة القلب ‪( :‬وتصريف) عصوف زيادة الفعال الحقانية‪ ،‬وسحاب‬
‫تجلي الصفات الربانية المسخر المهيأ بين سماء الروح وأرض النفس ‪( :‬‬
‫ليات) لدلئل ‪( :‬لقوم يعقلون) بالعقل المنور بنور الشرع‪ ،‬المجرد عن‬
‫شوب الوهم‪] .‬آية ‪( : [165‬ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم‬
‫كحب الله) أي ‪ :‬من يعبد من دون الله أشياء إما أناسي من جنسهم‬
‫كالزواج‪ ،‬والولد‪ ،‬والباء‪ ،‬والجداد‪ ،‬والخوان‪ ،‬والحباب‪ ،‬والرؤساء‪،‬‬
‫والملوك‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وإما غير أناسي كالحيوانات‪ ،‬والجمادات‪ ،‬وسائر‬
‫أموالهم‪ ،‬بالقبال عليهم والتوجه نحوهم‪ ،‬ومراعاتهم‪ ،‬وحفظهم‪ ،‬والهتمام‬
‫بهم وبحالهم‪ ،‬والتفكر في بابهم‪ ،‬يحبونهم كحب الله‪ ،‬أي ‪ :‬كما يجب أن‬
‫يحب الله‪ ،‬فتكون تلك الشياء عندهم مساوية في المحبة مع الله فتكون‬
‫أندادا ً أو شركاء لله بالنسبة إليهم‪ ،‬أو تكون هي محبوباتهم ومعبوداتهم ل‬
‫غير‪ ،‬فهي آلهتهم كما أن الله إله الخلق فهم جعلوا لنفسهم آلهه أندادا ً‬
‫لله سائر الخلق‪ ،‬إله العالمين‪( : .‬والذين آمنوا أشد حبا لله) من غيره لنهم‬
‫ل يحبون إل الله‪ ،‬ل يختلط حبهم له بحب غيره ول يتغير‪ ،‬ويحبون الشياء‬
‫بمحبة الله ولله‪ ،‬وبقدر ما يجدون فيها من الجهة اللهية كما قال بعضهم ‪: :‬‬
‫(الحق حبيبنا‪ ،‬والخلق حبيبنا وإذا اختلفا فالحق أحب إلينا) أي ‪ :‬إذا لم تبق‬
‫جهة اللهية فيهم بمخالفتهم إياه لم تبق محبئنا لهم‪ ،‬أو أشد حبا ً من‬
‫محبتهم للهتهم لنهم يحبون الشياء بأنفسهم لنفسهم‪ ،‬فل جرم تتغير‬
‫مجبتهم بتغيير إعراض النفوس أنفسهم عند خوف الهلك ومضرة النفس‬
‫عليهم والمؤمنون يحبون الله بأرواحهم وقلوبهم‪ ،‬بل بالله لله‪ ،‬ل تتغير‬
‫محبتهم لكونها ل لغرض‪ ،‬ويبذلون أرواحهم وأنفسهم لوجهه ورضاه‪،‬‬
‫ويتركون جميع مراداتهم لمراده ويحبون أفعاله وإن كانت بخلف هواهم‪،‬‬
‫كما قال أحدهم‪) % .‬أريد وصاله ويريد هجري ‪ %‬فأترك ما أريد لما يريد(‬
‫‪( : %‬ولو يرى الذين ظلموا) أي ‪ :‬أشركوا بمحبة النذار في وقت رؤيتهم‬
‫عذاب الحتجاب بآلهتهم ‪( :‬أن القوة الله) أي ‪ :‬القدرة كلها لله ليس‬
‫للهتهم شيء منها‪ ،‬وشدة عذاب الله بقرنهم بآلهتهم في نار الحرمان‬
‫بالسلسل النارية المستفاد من محبتهم إياها‪ ،‬لكان ما ل يدخل تحت الوصف‬
‫ولهذا المعنى حذف جواب لو‪( : [168 - 166] .‬إذ تبرأ) بدل من ‪ :‬إذ يرون‬
‫العذاب‪ ،‬أي ‪ :‬وقت رؤيتهم العذاب هو وقت تبرئ المتبوعين من التابعين مع‬
‫لزوم كل منهما الخر بمقتضى المحبة التي كانت بينهم لتعذب كل منهم‬
‫بالخر وتقيده واحتجابه به عن كمالته ولذاته وانقطاع السباب والوصل‬
‫الموجبة للفوائد والتمتعات التي كانت بينهم في الدنيا من القرابة‪ ،‬والرحم‪،‬‬
‫واللفة‪ ،‬والعهد‪ ،‬وسائر المواصلت الدنيوية الجالبة للنفع واللذة‪ ،‬فإنها‬
‫تنقطع كلها بانقطاع لوازمها وموجباتها دون المواصلت الخيرية والمحبات‬
‫اللهية المبنية على المناسبة الروحية والتعارف الزلي‪ ،‬فإنها تبقى ببقاء‬
‫الروح أبدا ً وتزيد في الخرة بعد رفع الحجب البدنية لقتضائها محبة الله‬
‫المفيدة في الخرة‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬وجبت محبتي للمتحابين في)‪.‬‬
‫والواو في ‪( :‬ورأوا العذاب) واو الحال‪ ،‬أي ‪ :‬تبرؤوا عنهم في حال رؤيتهم‬
‫العذاب وتقطع الوصل بينهم‪ ،‬يعني ‪ :‬حال ظهور شر المقارنة وتبعتها‪،‬‬
‫ونفاد خيرها وفائدتها‪ ،‬كحال سفاح الكلب مثل ً ‪( :‬وقال الذين اتبعوا لو أن‬
‫لنا كرة) أي ‪ :‬ليت لنا كرة ‪( :‬كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) أي ‪:‬‬
‫تنقلب محباتهم وما يبنى عليها من العمال حسرات عليهم‪ ،‬وكذا يكون حال‬
‫القوى الروحانية المصادقة للقوى النفسانية التابعة لها‪ ،‬المسخرة إياها في‬
‫تحصيل لذاتها‪( : .‬يا أيها الناس كلوا مما في الرض) أي ‪ :‬تناولوا من اللذات‬
‫والتمتعات التي في الجهة السفلية من عالم النفس والبدن على وجه يحل‬
‫ويطيب‪ ،‬أي ‪ :‬على قانون العدالة بإذن الشرع واستصواب العقل بقدر‬
‫الحتياج والضرورة‪ ،‬ول تخطو حد العتدال الذي به تطيب وتنفع إلى حدود‬
‫السراف‪ ،‬فإنها خطوات الشيطان‪ .‬ولهذا قال تعالى ‪( : :‬إن المبذرين كانوا‬
‫إخوان الشياطين) ]السراء‪ ،‬الية ‪ [27 :‬فإنه عدو لكم‪ .‬بين العداوة يريد أن‬
‫يهلككم ويبغضكم إلى ربكم بارتكاب السرافات المذمومة فإنه ل يحب‬
‫المسرفين‪ .‬واعلم أن العداوة في عالم النفس هي ظل اللفة في عالم‬
‫القلب‪ ،‬والعتدال ظلها في عالم البدن‪ ،‬واللفة ظل المحبة في عالم الروح‬
‫وهي ظل الوحدة الحقيقية‪ .‬فالعتدال هو الظل الرابع للوحدة والشيطان‬
‫يفر من ظل الحق ول يطيقه فيخطوا أبدا ً في مجال تلك الظلل إلى جوانب‬
‫السرافات وحيث يعجز فإلى جوانب التفريطات كما في المحبة واللفة‪،‬‬
‫ولهذا قال أمير المؤمنين علي ‪( : : u‬ل ترى الجاهل إل مفرطا ً أو مفرطا)‪،‬‬
‫ً‬
‫فإن الجاهل سخرة الشيطان‪] .‬آية ‪( : [172 - 169‬إنما يأمركم‬
‫بالسوء) الضرار والذى الذي هو إفراط القوى الغضبية ‪( :‬والفحشاء) أي ‪:‬‬
‫القبائح التي هي إفراط القوة الشهوانية ‪( :‬وأن تقولوا على الله ما ل‬
‫تعلمون) الذي هو إفراط القوة النطقية لشوب العقل بالوهم الذي هو‬
‫الشيطان المسخر له ‪( :‬إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله) من مراعاة حد‬
‫العتدال والعدالة في كل شيء على الوجه المأمور به في الشرع ‪( :‬قالوا‬
‫بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) من السرافات المذمومة في الجاهلية تقليدا ً‬
‫لهم أتتبعونهم ‪( :‬ولو أن آباؤهم ل يعقلون شيئًا) من الدين والعلم ‪( :‬ول‬
‫يهتدون) إلى الصواب في العلم لجهلهم‪( : .‬ومثل الذين كفروا) أي ‪ :‬مثل‬
‫داعي الكفار المردودين ‪( :‬كمثل) الناعق بالبهائم فإنها ل تسمع إل صوتا ً‬
‫ول تفهم ما معناه فكذا حالهم ‪( :‬يا أيها الذين آمنوا) إن كنتم موحدين‬
‫تخصون العبادة بالله فل تتناولوا إل من طيبات ما رزقناكم‪ ،‬أي ‪ :‬ما ينبغي‬
‫في العدالة أن يستعمل من المرزوقات ‪( :‬واشكروا لله) باستعمالها فيما‬
‫يجب أن تستعمل على الوجه الذي ينبغي أن تستعمل بالقدر الذي ينبغي‪،‬‬
‫فإن التوحيد يقتضي مراعاة العتدال والعدالة في كل شيء اقتضاء الذات‬
‫ظلها ولزمها عن النبي ‪ e‬عن الله تعالى ‪( : :‬إني والجن والنس في نبأ‬
‫عظيم‪ ،‬أخلق ويعبد غيري‪ ،‬وأرزق ويشكر غيري)‪] .‬آية ‪( : [177 - 173‬إنما‬
‫حرم عليكم الميتة) لجمود الدم فيها‪ ،‬وبعدها عن العتدال بانحراف المزاج ‪:‬‬
‫(والدم) لختلطه بالفضلت النجسة البعيدة عن قبول الحياة والعدالة‬
‫والنورية وعدم صلحيته لذلك بعد لقصور النضج ‪( :‬ولحم الخنزير) لغلبة‬
‫السبعية والشره ومباشرة القاذورات والدياثة على طبعه فيولد في أكله‬
‫مثل ذلك ‪( :‬وما أهل به لغير الله) أي ‪ :‬رفع الصوت بذبحه لغير الله يعني ما‬
‫قصد بذبحه وأكله الشرك لمنافاته التوحيد سفيرا ً عن الشرك‪ .‬ويفهم منه ما‬
‫يقوى آكله به على الكلم ورفع الصوت لغير الله أي ‪ :‬كل ما يؤكل ل على‬
‫التوحيد فهو محرم على آكله ‪( :‬فمن اضطر) أي ‪ :‬من الجماعة ‪( :‬غير‬
‫باغ) على مضطر آخر باستئثاره ‪( :‬ول عاد) سد الرمق ‪( :‬فل إثم عليه)‪( : .‬ما‬
‫يأكلون في بطونهم) أي ‪ :‬ملء بطونهم إل ما هو وقود نار الحرمان وسبب‬
‫اشتعال نيران الطبيعة الحاجبة عن نور الحق المعذبة بهيئات السوء‬
‫المظلمة الموقعة صاحبها في جحيم الهيولى الجسمانية ‪( :‬ول يكلمهم الله‬
‫ول ينظر إليهم) عبارة عن شدة غضبه عليهم وبعدهم عنه‪( : .‬ليس البر أن‬
‫تولوا وجوهكم) مشرق عالم الرواح ومغرب عالم الجساد‪ ،‬فإنه تقيد‬
‫واحتجاب ‪( :‬ولكن البر) بر الموحدين الذين آمنوا بالله والمعاد في مقام‬
‫الجمع‪ ،‬إذ التوحيد في مقام الجمع يلزمه البقاء البدي الذي هو المعاد‬
‫الحقيقي‪ ،‬وشاهدوا الجمع في تفاصيل الكثرة ولم يحتجبوا بالجمع عن‬
‫التفصيل الذي هو باطن عالم الملئكة وظاهر عالم النبيين‪( : .‬‬
‫والكتاب) الذي جمع بين الظاهر بالحكام والمعارف‪ ،‬وأفاد علم الستقامة‬
‫ثم استقاموا بعد تمام التوحيد جمعا ً وتفصيل ً بالعمال المذكورة‪ ،‬فإن‬
‫الستقامة عبارة عن وقوف جميع القوى على حدودها بالمر اللهي لتنورها‬
‫بنور الروح عند تحقق صاحبها بالله في مقام البقاء بعد الفناء وذلك مقام‬
‫العدالة‪ ،‬فتكون هي في ظل الحق منخرطة في سلك الوحدة بكليتها‪( : .‬‬
‫على حبه) أي ‪ :‬في حال الحتياج إليه والشح به‪ ،‬كما قال ابن مسعود ‪ :‬أن‬
‫تؤتيه وأنت صحيح شحيح‪ ،‬تأمل العيش‪ ،‬وتخشى الفقر‪ ،‬ول تمهل حتى إذا‬
‫بلغت الحلقوم‪ ،‬قلت لفلن ‪ :‬كذا‪ ،‬ولفلن ‪ :‬كذا‪ .‬قال الله تعالى ‪( :‬ويؤثرون‬
‫على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) ]الحشر‪ ،‬الية ‪ [59 :‬أو على حب الله‬
‫لئل يشغل قلبه عنه ولنه تعالى يرضى بإيتائه أو على حب اليتاء‪ ،‬يعني ‪:‬‬
‫بطيب النفس‪ ،‬فإن الكريم هو الفرح وطيب النفس بالعطاء‪ .‬ومن‬
‫قوله ‪( : :‬وآتى المال) إلى قوله ‪( : :‬وآتى الزكاة) من باب العفة التي هي‬
‫كمال القوة الشهوانية ووقوفها على حدها فيما يتعلق بها‪ ،‬وقوله ‪( : :‬‬
‫والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) من باب العدالة المستلزمة للحكمة التي هي‬
‫كمال القوة النطقية فإنها ما لم تعلم تبعه الغدر والخيانة وفائدة الفضيلة‬
‫المقابلة لهما‪ ،‬لم تف بالعهد‪ .‬وقوله ‪( : :‬والصابرين في البأساء) أي ‪:‬‬
‫الشدة والفقر ‪( :‬والضراء) أي ‪ :‬المرض والزمانة ‪( :‬وحين البأس) أي ‪:‬‬
‫الحرب من باب الشجاعة التي هي كمال القوة الغضبية ‪( :‬‬
‫أولئك) الموصوفون بهذه الفضائل كلها‪ ،‬الثابتون في مقام الستقامة ‪( :‬‬
‫الذين صدقوا) الله في مواطن التجريد بأفعالهم التي هي البر كله ‪( :‬‬
‫وأولئك هو المتقون) عن محبة غير الله حتى النفس‪ ،‬المجردون عن‬
‫غواشي النشأة والطبيعة‪ .‬ويمكن أن يؤول المال بالعلم الذي هو مال‬
‫القلب‪ ،‬لنه يقوى به ويستغنى‪ ،‬أي ‪ :‬أعطي العلم مع كونه محبوبا ً ذوي‬
‫قربى القوى الروحانية لقربها منه‪ ،‬ويتامى القوى النفسانية لنقطاعها عن‬
‫نور الروح الذي هو الب الحقيقي ومساكين القوى الطبيعية لكونها دائمة‬
‫السكون لثواب البدن وعلمها علم الخلق والسياسات الفاضلة‪ .‬ثم إذا‬
‫ارتوى من العلم‪ ،‬علم المعارف والخلق والداب والمعايش جملة وتفصيل ً‬
‫وفرغ من نفسه‪ ،‬أفاض على أبناء السبيل‪ ،‬أي ‪ :‬السالكين والسائلين‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫طلبة العلم وفي فك رقاب عبدة الدنيا والشهوات من أسرهم بالوعظ‬
‫والخطابة وأقام صلة الحضور‪ ،‬أي ‪ :‬أدامها بالمشاهدة‪ ،‬وآتى ما يزكي نفسه‬
‫عن النظر إلى الغير‪ ،‬والتفاتات الخواطر بالنفي‪ ،‬ومحو الصفات‪ ،‬والموفون‬
‫بعهد الزل بملزمة التوحيد وإفناء الذات والتية‪ ،‬والصابرين في بأساء‬
‫الفتقار إلى الله دائمًا‪ ،‬وضراء كسر النفس وقمع الهوى‪ ،‬وحين بأس‬
‫محاربة الشيطان‪ ،‬أولئك الذين صدقوا الله في الوفاء بعهده وعزيمة‬
‫السلوك وعقده‪ ،‬وأولئك هم المتقون عن الشرك‪ ،‬المنزهون عن البقية‪] .‬آية‬
‫‪ [184 - 178‬القصاص قانون من قوانين العدالة‪ ،‬فرض لزالة عدوان القوة‬
‫السبعية‪ ،‬وهو ظل من ظلل عدله تعالى فإنه إذا تصرف في عبده بإفنائه‬
‫فيه عوضه عن حر روحه روحا ً موهوما ً خيرا ً منه‪ ،‬وعن عبد قلبه قلبا ً موهوبا‪ً.‬‬
‫وعن أنثى نفسه نفسا ً موهوبة كاملة‪( : .‬ولكم) في مقاصة الله إياكم بما‬
‫ذكر ‪( :‬حياة) عظمية‪ ،‬أي ‪ :‬حياة ل يوصف كنهها ‪( :‬يا أولي اللباب) أي ‪:‬‬
‫العقول الخالصة عن قشر الوهام وغواشي العينيات والجرام‪ .‬فكذا في‬
‫هذا القصاص ‪ -‬لكي تتقوا تركه وتحافظوا عليه ‪ -‬الوصية والمحافظة عليها‬
‫قانون آخر فرض لزالة نقصان القوة الملكية‪ ،‬أي ‪ :‬القوى النطقية‬
‫وقصورها عما يقتضي الحكمة من التصرف في الموال‪ ،‬والسلطنة على‬
‫القوتين الخريين بنور الحق وحكم الشرع‪ ،‬ومنعها عن عدوانها أيضا ً بتبديل‬
‫الوصية الذي هو نوع من الجريمة والخيانة‪ ،‬وتحريضها على التحقيق‬
‫والتدقيق في باب الحكمة التي هي كمالها بالصلح بين الموصى لهم على‬
‫مقتضى الحكمة‪ ،‬إذا توقع وعلم من الموصي إضرارا ً بالسهو والعمد ‪-‬‬
‫الصيام قانون آخر مما فرض لزالة عدوان القوة البهيمية وتسلطها ‪ -‬وأعلم‬
‫أن قصاص أهل الحقيقة ما ذكر‪ ،‬ووصيتهم هي بالمحافظة على عهد الزل‬
‫بترك ما سوى الحق‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬ووصى بها إبراهيم بنيه‬
‫ويعقوب) ]البقرة‪ ،‬الية ‪ .[132 :‬وصيامهم هو المساك عن كل قول وفعل‬
‫وحركة وسكون ليس بالحق للحق‪] .‬آية ‪( : [187 - 185‬شهر رمضان) أي ‪:‬‬
‫احتراق النفس بنور الحق ‪( :‬الذي أنزل فيه) في ذلك الوقت ‪( :‬القرآن) أي ‪:‬‬
‫العلم الجامع الجمالي‪ ،‬المسمى بالعقل القرآني الموصل إلى مقام الجمع‬
‫‪ -‬هداية للناس إلى الوحدة باعتبار الجمع ‪( :‬وبينات من الهدى) ودلئل‬
‫متصلة من الجمع والفرق‪ ،‬أي ‪ :‬العلم التفصيلي المسمى بالعقل الفرقاني‬
‫‪ -‬فمن حضر منكم في ذلك الوقت‪ ،‬أي ‪ :‬بلغ مقام شهود الذات ‪( :‬‬
‫فليصمه) أي ‪ :‬فليمسك عن قول وفعل وحركة ليس بالحق فيه ‪( :‬ومن كان‬
‫مريضا) أي ‪ :‬مبتلى بأمراض قلبه من الحجب النفسانية المانعة من ذلك‬
‫الشهود ‪( :‬أو على سفر) أي ‪ :‬في سلوك بعد ولم يصل إلى الشهود الذاتي‪،‬‬
‫فعليه مراتب أخر يقطعها حتى يصل إلى ذلك المقام ‪( :‬يريد الله بكم‬
‫اليسر) بالوصول إلى مقام التوحيد والمتداد بقدرة الله ‪( :‬ول يريد بكم‬
‫العسر) أي ‪ :‬تكلف الفعال بالنفس الضعيفة العاجزة ‪( :‬ولتكملوا‬
‫العدة) ولتتمموا تلك المراتب والحوال والمقامات الموصلة‪ .‬ولتعظموا الله‬
‫وتعرفوا عظمته وكبرياءه على هدايته إياكم إلى مقام الجمع ‪( :‬ولعلكم‬
‫تشكرون) بالستقامة أمركم بذلك‪( : .‬وإذا سألك عبادي) السالكون‬
‫الطالبون المتوجهون إلي‪ ،‬عن معرفتي ‪( :‬فإني قريب) ظاهر ‪( :‬أجيب‬
‫دعوة) من يدعوني بلسان الحال والستعداد بإعطائه ما اقتضى حاله‬
‫واستعداده ‪( :‬فليستجيبوا لي) بتصفية الستعداد بالزهد والعبادة‪ ،‬فإني‬
‫أدعوهم إلى نفسي وأعلمهم كيفية السلوك إلي‪ ،‬وليشاهدوني عند‬
‫التصفية‪ ،‬فإني أتجلى عليهم في مرائي قلوبهم لكي يرشدوا بالستقامة‪،‬‬
‫أي ‪ :‬لكي يستقيموا ويصلحوا‪( : .‬أحل لكم) أي ‪ :‬أبيح لكم ‪( :‬ليلة الصيام) أي‬
‫‪ :‬في وقت الغفلة الذي يتخلل ذلك المساك المذكور في زمان حضوركم ‪( :‬‬
‫الرفث إلى نسائكم) التنزل إلى مقارفة نفوسكم بحظوظها إذ ل مصابرة‬
‫لكم عنها لكونها تلبسكم وكونكم تلبسونها بالتعلق الضروري ‪( :‬علم الله‬
‫أنكم كنتم تختانون أنفسكم) باستراق الحظوظ في أزمنة تلك السلوك‬
‫والرياضة والحضور ‪( :‬فتاب عليكم وعفا عنكم) ‪( :‬فالن) أي ‪ :‬في وقت‬
‫الستقامة والتمكين حال البقاء بعد الفناء ‪( :‬باشروهن) في أوقات الغفلت‬
‫‪( :‬وأبتقوا ما كتب الله لكم) من التقوى والتكمن بتلك الحظوظ على توفير‬
‫حقوق الستقامة والقيام بما أمر الله به من العبودية والدعوة إليه ‪( :‬وكلوا‬
‫واشربوا) أي ‪ :‬كونوا مع رفقها ‪( :‬حتى يتبين لكم الحبط البيض من الخيط‬
‫السود من الفجر) حتى تظهر عليكم بوادي الحضور ولوامعه وتغلب آثاره‬
‫وأنواره على سواد الغفلة وظلمتها‪ ،‬ثم كونوا على المساك المذكور‬
‫بالحضور مع الحق حتى يأتي زمان الغفلة‪ ،‬لول ذلك لما أمكنه القيام بمصالح‬
‫معاشه ومهماته‪ .‬ول تقاربوهن في حال كونكم معتكفين مقيمين حاضرين‬
‫في مساجد قلوبكم وإل لتشوش وقتكم بظهورها‪] .‬آية ‪( : [189 - 188‬ول‬
‫تأكلوا أموالكم) معارفكم ومعلوماتكم ‪( :‬بينكم) بباطل شهوات النفس‬
‫ولذاتها بتحصيل مآربها واكتساب مقاصدها الحسية والخيالية باستعمالها ‪( :‬‬
‫وتدلوا بها) وترسلوا إلى حكام النفوس المارة بالسوء ‪( :‬لتأكلوا فريقا من‬
‫أموال) القوى الروحانية ‪( :‬بالثم) أي ‪ :‬بالظلم لصرفكم إياها في ملذ‬
‫القوى النفسانية ‪( :‬وأنتم تعلمون) أن ذلك إثم ووضع للشيء في غير‬
‫موضعه‪( : .‬يسئلونك عن الهلة) أي ‪ :‬عن الطوالع القلبية عند إشراق نور‬
‫الروح عليها ‪( :‬قل هي مواقيت للناس) أي ‪ :‬أوقات وجوب المعاملة في‬
‫سبيل الله وعزيمة السلوك‪ ،‬وطواف بيت القلب‪ ،‬والوقوف في مقام‬
‫المعرفة ‪( :‬وليس البر بأن تأتوا) بيوت قلوبكم ‪( :‬من ظهورها) من طرق‬
‫حواسكم ومعلوماتكم المأخوذة من المشاعر البدنية فإن ظهر القلب هو‬
‫الجهة التي تلي البدن ‪( :‬ولكن البر) بر ‪( :‬من اتقى) شواغل الحواس‬
‫وهواجس الخيال ووساوس النفس ‪( :‬وأتوا البيوت من أبوابها) الباطنة التي‬
‫تلي الروح والحق‪ ،‬فإن باب القلب هو الطريق الذي انفتح منه إلى الحق ‪( :‬‬
‫واتقوا الله) في الشتغال بما يشغلكم عنه ‪( :‬لعلكم تفلحون)‪] .‬آية ‪- 190‬‬
‫‪( : [194‬وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) من الشيطان وقوى‬
‫النفس المارة ‪( :‬ول تعتدوا) في قتالها بأن تميتوها عن قيامها بحقوقها‬
‫والوقوف على حدودها حتى تقع في التفريط والقصور والفتور ‪( :‬إن الله‬
‫ل يحب المعتدين) لكونهم خارجين عن ظل المحبة والوحدة الذي هو‬
‫العدالة‪( : .‬واقتلوهم حيث) وجدتموهم أزيلوا حياتهم وامنعوهم عن أفعالها‬
‫بقمع هواها الذي هو روحها حيث كانوا ‪( :‬وأخرجوهم) من مكة الصدر عند‬
‫استيلئها عليها كما أخرجوكم عنها باستنزالكم إلى بقعة النفس وإخراجكم‬
‫عن مقر القلب‪ .‬وفتنتهم التي هي عبادة هواها وأصنام لذاتها أشد من قمع‬
‫هواها وإماتتها الكلية‪ ،‬أو محنتكم وابتلؤكم بها عند استيلئها أشد عليكم‬
‫من القتل الذي هو طمس غرائزكم ومحو استعدادكم بالكلية لزيادة اللم‬
‫هناك ‪( :‬ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام) الذي هو مقام القلب‪ ،‬أي ‪ :‬عند‬
‫الحضور القلبي إذا وافقوكم في توجهكم فإنها أعوانكم على السلوك حينئذ‬
‫‪( :‬حتى يقاتلوكم فيه) وينازعوكم في مطالبهم ويجروكم عن جناب القلب‬
‫ودين الحق إلى مقام النفس ودينهم الذي هو عبادة العجل ‪( :‬وقاتلوهم‬
‫حتى ل تكون فتنة) من تنازعهم ودواعيهم وتعبدهم ‪( :‬ويكون الدين‬
‫لله) بتوجه جميعها إلى جناب القدس ومشايعتها للسر في التوجه إلى‬
‫الحق‪ ،‬ليس للشيطان والهوى فيه نصيب ‪( :‬فإن انتهوا فل عدوان) عليهم‬
‫إل العادين المجاوزين عن حدودهم‪( : .‬الشهر الحرام بالشهر الحرام) أي ‪:‬‬
‫وقت منعها إياكم عن مقصدكم ودينكم وهو بعينها وقت منعكم إياها عن‬
‫عقوقها حتى ترضى بالوقوف على حدودها‪ ،‬وشهرها الحرام هو وقت‬
‫قيامها بحقوقها‪ ،‬وشهركم الحرام هو وقت الحضور والمراقبة‪] .‬آية ‪- 195‬‬
‫‪] [196‬آية ‪( : [196‬وأنفقوا في سبيل الله) ما معكم من العلوم بالعمل بها‬
‫ول تدخروها لوقت آخر عسى ل تدركونه فل شيء أضر من التسويف ‪( :‬ول‬
‫تلقوا بأيديكم إلى) تهلكة التفريط وتأخير العمل بالعلم وإنفاقه في مصالح‬
‫النفس فإنه موجب للحرمان ‪( :‬وأحسنوا) أي ‪ :‬وكونوا في عملكم مشاهدين‬
‫‪( :‬إن الله يحب المحسنين) المشاهدين في أعمالهم ربهم‪ ،‬مخلصين له‬
‫فيها‪( : .‬وأتموا) حج توحيد الذات وعمرة توحيد الصفات بإتمام جميع‬
‫المقامات والحوال‪ ،‬بالسلوك إلى الله وفي الله‪( : ،‬فإن أحصرتم) بمنع‬
‫كفار النفس المارة إياكم عنهما ‪( :‬فما استيسر من الهدي) فجاهدوا في‬
‫الله بسوق هدي النفس وذبحها بفناء كعبة القلب أو عرضة ما تمنى منها‬
‫القلب من المقام‪ .‬وما استيسر إشارة إلى أن النفوس مختلفة في‬
‫استعداداتها وصفاتها‪ ،‬فبعضها موصوف بصفات حيوان ضعيف‪ ،‬وبعضها‬
‫بصفات حيوان قوي‪ .‬ولكل ما تيسر أو بعضها بصفات حيوان ذلول سهل‬
‫النقياد‪ ،‬وبعضها بصفات حيوان صعب عسر النقياد‪ ،‬وربما كان لبعضها‬
‫صفة لم يتيسر قمعها وإن تيسر قمع سائر صفاتها‪ .‬ومثل هذا الحاج محصر‬
‫أبدًا‪( : .‬ول تحلقوا رؤوسكم) ول تزيلوا آثار الطبيعة وتختاروا طيب القلب‬
‫وفراغ الخاطر من الهموم والتعلقات كلها‪ ،‬والعادات والعبادات وتقتصروا‬
‫على صفاء الوقت كما هو مذهب القلندرية ‪( :‬حتى يبلغ) هدي النفس ‪( :‬‬
‫محله) أي ‪ :‬مكانه‪ ،‬وهو مذبحه أو منحره الذي يقتضي أن تكون أفعالها التي‬
‫كانت محرمة عند حياتها بهواها تصير حل عند قتلها لكونها بالقلب فتأمنوا‬
‫من بقاياها‪ ،‬وإل لتشوش وقتكم وتكدر صفاؤكم بظهورها ونشاطها‬
‫بالدعوى عند بسط القلب كما هو حال أكثر القلندرية اليوم‪( : .‬فمن كان‬
‫منكم مريضا) أي ‪ :‬ضعيف الستعداد مملوء القلب بعوارض لزمة في جبلتها‬
‫أو مكتسبة من العادات ‪( :‬أو به أذى من رأسه) أو ممنوعا ً مبتلى بهموم‬
‫وتعلقات ورذائل وهيئات‪ ،‬ولم يتيسر له السلوك والمجاهدة على ما ينبغي‬
‫وأراد أن يقتصر على طيب القلب وصفاء الوقت ليبقى على الفطرة ول‬
‫ينتكس وينحط عن درجته وإن لم يترق‪ .‬فعليه فدية من إمساك عن بعض‬
‫لذاته وشواغله النفسانية‪ .‬أو فعل بر أو رياضة ومجاهدة تقمع بعض القوى‬
‫المزاحمة‪ ،‬فليحفظ وقته وليراع صفاءه بزهد ما أو عبادة أو مخالفة‬
‫نفس ‪( :‬فإذا أمنتم) من العدو المحصر ‪( :‬فمن تمتع) بذوق تجلي الصفات‬
‫متوسل ً به إلى حج تجلي الذات ‪( :‬فما استيسر من الهدي) بحسب حاله ‪( :‬‬
‫فمن لم يجد) لضعف نفسه وخمودها وانقهارها ‪( :‬فصيام ثلثة أيام) فعليه‬
‫المساك عن أفعال القوى التي هي الصول القوية في وقت التجلي‬
‫والستغراق في الجمع والفناء في الوحدة فإنها ل بد من أن تحجب وتجر‬
‫إلى حضيض النفس والصدر‪ ،‬وهي العقل والوهم والمتخيلة ‪( :‬وسبعة إذا‬
‫رجعتم) إلى مقام التفصيل والكثرة وهي الحواس الخمس الظاهرة‬
‫والغضب والشهوة ليكون عند الستقامة في الشياء بالله ‪( :‬تلك عشرة‬
‫كاملة) فذلكة‪ ،‬أي ‪ :‬تلك المساكات المذكورة عن أفعال هذه القوى‬
‫والمشاعر جميع التفاصيل الكاملة الموجبة لفاعيل قوى وجوده الموهوب‬
‫بالحق عند حصول الكمال‪ ،‬كما قال ‪( : :‬كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره‬
‫الذي يبصر به) إلى آخر الحديث‪( : .‬ذلك) الحكم ‪( :‬لمن لم يكن أهله حاضري‬
‫المسجد الحرام) من المحبوبين الكاملين الحاضري مقام القلب في الوحدة‪،‬‬
‫فإنه ل هدى له ول مجاهدة ول رياضة في وصوله وسلوكه إلى الله‪ ،‬بل هو‬
‫للمحبين‪] .‬آية ‪( : [199 - 197‬الحج أشهر معلومات) أي ‪ :‬وقت الحج أزمنة‬
‫معلومة‪ ،‬وهو من وقت بلوغ الحلم إلى الربعين‪ ،‬كما قال تعالى في وصف‬
‫البقرة ‪( : :‬ل فارض ول بكر عوان بين ذلك) ]البقرة‪ ،‬الية ‪( : ،[68 :‬فمن‬
‫فرض فيهن الحج) على نفسه بالعزيمة والتزم ‪( :‬فل رفث) أي ‪ :‬فاحشة‬
‫ظهور القوة الشهوانية ‪( :‬ول فسوق) أي لسباب يعني خروج القوة‬
‫الغضبية عن طاعة القلب ‪( :‬ول جدال) أي ‪ :‬تعدي القوى النطقية‬
‫بالشيطنة ‪( :‬في الحج) أي ‪ :‬في قصد بيت القلب ‪( :‬وما تفعلوا من خير) من‬
‫فضيلة من أفعال هذه القوى الثلث بأمر الشرع والعقل دون رذائلها ‪( :‬‬
‫يعلمه الله) ويثبكم عليه ‪( :‬وتزودوا) من فضائلها التي يلزمها الجتناب عن‬
‫رذائلها ‪( :‬فإن خير الزاد التقوى) منها ‪( :‬واتقون) في أعمالكم ونياتكم ‪( :‬يا‬
‫أولي اللباب) فإن قضية اللب أي ‪ :‬العقل الخالص من شوب الوهم وقشر‬
‫المادة اتقائي‪( : .‬ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضل من ربكم) أي ‪ :‬ل حرج‬
‫عليكم عند الرجوع إلى الكثرة في أن تطلبوا رفقا ً لنفسكم وتمتعوها‬
‫بحظوظها على مقتضى الشرع بإذن الحق‪ ،‬فإن حظها حينئذ يقويها على‬
‫موافقة القلب في مقاصده ولنها غير طاغية لتنورها بنور الحق ‪( :‬فإذا‬
‫أقضتم) أي ‪ :‬دفعتم أنفسكم من مقام المعرفة التامة الذي هو نهاية مناسك‬
‫الحج وأمها كما قال النبي ‪( : : e‬الحج عرفة)‪( : .‬فاذكروا الله عند المشعر‬
‫الحرام) أي ‪ :‬شاهدوا جمال الله عند السر الروحي المسمى بالخفي‪ ،‬فإن‬
‫الذكر في هذا المقام هو المشاهدة‪ ،‬والمشعر هو محل الشعور بالجمال‬
‫المحرم من أن يصل إليه الغير ‪( :‬واذكروه كما هداكم) إلى ذكره في‬
‫المراتب فإنه تعالى هدى أول ً إلى الذكر باللسان وهو ذكر النفس ثم إلى‬
‫الذكر بالقلب وهو ذكر الفعال الذي تصدر نعماء الله آلؤه منه‪ .‬ثم ذكر‬
‫السر وهو معاينة الفعال ومكاشفة علوم تجليات الصفات‪ .‬ثم ذكر الروح‬
‫وهو مشاهدة أنوار تجليات الصفات مع ملحظة نور الذات‪ .‬ثم ذكر الخفي‬
‫وهو مشاهدة جمال الذات مع بقاء الثنينية‪ .‬ثم ذكر الذات وهو الشهود‬
‫الذاتي بارتفاع البقية ‪( :‬وإن كنتم من قبله) أي ‪ :‬من قبل الوصول إلى‬
‫عرفات المعرفة والوقوف بها ‪( :‬لمن الضالين) عن هذه الذكار‪( : .‬ثم‬
‫أفيضوا من حيث أفاض الناس) ثم أفيضوا إلى ظواهر العبادات والطاعات‬
‫وسائر وظائف الشرعيات والمعاملت من حيث‪ ،‬أي ‪ :‬من مقام إفاضة سائر‬
‫الناس فيها‪ ،‬وكونوا كأحدهم‪ .‬قيل لجنيد رحمة الله عليه ‪ :‬ما النهاية ؟ قال ‪:‬‬
‫الرجوع إلى البداية‪( : .‬واستغفروا الله) من ظهور النفس وتبرمها بالحال‬
‫وطغيانها‪ .‬قال النبي ‪( : : e‬إنه ليغان على قلبي‪ ،‬وإني لستغفر الله في‬
‫اليوم سبعين مرة)‪ .‬وقال ‪( : : e‬اللهم ثبتني على دينك)‪ ،‬فقيل له في ذلك‬
‫فقال ‪( : : e‬أو ما يؤمنني‪ ،‬إن مثل القلب كمثل ريشة في فلة‪ ،‬تقلبها‬
‫الرياح كيف شاءت)‪ .‬ولما تورمت قدماه فقالت له عائشة رضي الله عنها ‪:‬‬
‫أما غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال ‪( : : e‬أفل أكون عبدا ً‬
‫شكورًا)‪ .‬وقال أمير المؤمنين ‪( : : u‬أعوذ بالله من الضلل بعد الهدى)‪] .‬آية‬
‫‪( : [205 - 200‬فإذا قضيتم مناسككم) وفرغتم من الحج ‪( :‬فاذكروا الله‬
‫كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) أي ‪ :‬فل تكونوا كأهل العادة مشغولين بذكر‬
‫النساب والمفاخرات وسائر أحوال الدنيا‪ ،‬فإن ذلك يكدر وقتكم ويقسي‬
‫قلوبكم بل كونوا مشتغلين بأنواع الذكر والمذاكرة مع الخوان مثل ما كنتم‬
‫تذكرون أحوال النساب وسائر أحوال الدنيا قبل السلوك أو كما يذكر الناس‬
‫هذه الحوال بالعادة وأبلغ أو أقوى وأكثر ذكرا ً منها ليبقى صفاؤكم ويهتدي‬
‫بكم الناس ‪( :‬فمن الناس من يقول ربنا) أي ‪ :‬ل يطلب إل متاع الدنيا ول‬
‫يشتغل إل بذكرها ول يعبد الله إل لجلها ‪( :‬وما له في الخرة من‬
‫خلق) فإن توجهه إلى الخس يمنعه عن قبول الشرف لعدم نهوض همته‬
‫إليه واكتساب الظلمة المنافية للنور‪( : .‬ومنهم من يقول ربنا آتنا) أي ‪:‬‬
‫يطلب خير كل من الدارين ويحترز عن الحتجاب بالظلمة والتعذب بنيران‬
‫الطبيعة والحرمان عن أنوار الرحمة ‪( :‬أولئك لهم نصيب مما كسبوا) من‬
‫حظوظ الخرة وأنوار دار القرار واللذات الباقية بالعمال الصالحة بعد‬
‫المحاسبة وحط بعض الحسنات بالسيئات والتعذيب بحسبها أو العفو‪( : .‬‬
‫واذكروا الله في أيام معدودات) أي ‪ :‬مراتب معدودة بعد الفراغ من الحج‪،‬‬
‫وهو مرتبة الروح والقلب والنفس‪ ،‬لن الواصل إذا رجع‪ ،‬رجع إلى هذه‬
‫المراتب وعليه في المراتب الثلث أن يكون بالله فذلك ذكره ‪( :‬فمن تعجل‬
‫في يومين فل إثم عليه) أي ‪ :‬فمن تجعل إلى حظوظه في مرتبة الروح‬
‫والقلب فل إثم عليه إذ الروح والقلب وحظوظهما ل يحجبان ول يضران‪.‬‬
‫ومعنى التعجل هو أن الحركة إذا كانت بالله كانت أسرع ول يكون معها لبث‬
‫ول وقوف ريثما يظهر القلب أو الروح ويصير حجابا ً نوريا ً كما يكون لصحاب‬
‫التلوين ‪( :‬ومن تأخر) إلى الثالث الذي هو مرتبة النفس ‪( :‬فل إثم عليه لمن‬
‫اتقى) أي ‪ :‬ذلك الحكم لمن اتقى أن يكون مع حظوظ النفس بالنفس‪ ،‬فإن‬
‫النفس ألزم لحظها من صاحبيها وحظها أغلظ وأبعد من النور من‬
‫حظوظهما وسريعا ً ما تظهر للزوم الطيش والحركة إياها بخلف صاحبيها‬
‫وحظها أيضا ً كثيرا ً ما يحجب‪ ،‬وإذا حجب كان حجابه غليظا ً ظلمانيا ً فالحتراز‬
‫هناك والحتياط واجب وأولى من الباقيين لنهما إن ظهرا رق حجابهما‬
‫وسهل زواله‪ ،‬أو ذلك التخيير لمن اتقى في المراتب الثلث‪( : .‬واتقوا‬
‫الله) في المواطن الثلثة من ظهور النانية والنية حتى تكونوا في‬
‫الحظوظ به ل بالنفس ول بالقلب ول بالروح ‪( :‬واعلموا أنكم إليه تحشرون)‬
‫أي ‪ :‬أنكم محشورون معه تحشرون من اسم إلى اسم حاضرون بحضرته‬
‫فأنتم على خطر عظيم بخلف سائر الناس كما ورد في الحديث ‪( : :‬‬
‫المخلصون على خطر عظيم)‪ .‬وعن النبي ‪ e‬عن الله تعالى ‪( : :‬بشر‬
‫المذنبين بأني غفور وأنذر الصديقين بأني غفور)‪( : .‬ومن الناس من‬
‫يعجبك) أي ‪ :‬يدعي المحبة وهو ألد الخصام لكونه في مقام النفس زنديقا‪،‬‬
‫ولهذا قال‪( : ،‬قوله في الحيوة الدنيا) إذ ليس له قول في الخرة بالقلب ‪( :‬‬
‫وإذا تولى سعى في الرض) لباحته وتزندقه كما ترى عليه أكثر مدعي‬
‫المحبة والتوحيد ‪( :‬والله ل يحب الفساد) أي ‪ :‬هو مفسد ويدعي محبة الله‪.‬‬
‫وكيف تتأتى له والمحب ل يفعل إل ما يحب محبوبه‪ ،‬والله ل يحب ما يفعله‬
‫فل يكون صادقا ً في دعواه‪ ،‬كما قال الشاعر ‪) % :‬تعصي الله وأنت تظهر‬
‫حبه ‪ %‬هذا قبيح بالفعال بديع( ‪) % %‬لو كان حبك صادقا ً لطعته ‪ %‬إن‬
‫المحب لمن يحب مطيع( ‪] %‬آية ‪( : [212 - 206‬وإذا قيل له اتق الله أخذته‬
‫العزة بالثم) أي ‪ :‬حملته الحمية النفسانية حمية الجاهلية على الثم لجاجا ً‬
‫وأشرا ً لظهور نفسه حينئذ وزعمه أنه أعلم بما يفعل من ناصحه ‪( :‬فحسبه‬
‫جهنم) أي ‪ :‬غايته عمق حضيض رتبته التي هو فيها وظلمتها‪ ،‬فإن جهنم‬
‫معناه ‪ :‬مهوى بعيد العمق مظلمة ‪( :‬يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) يبذل‬
‫نفسه في سلوك سبيل الله طلبا ً لرضاه ‪( :‬ادخلوا في السلم) أي ‪ :‬في‬
‫الستسلم وتسليم الوجوه لله‪ ،‬إذ معاداة القوى بعضها بعضًا‪ ،‬وعدم‬
‫موافقتها في التسليم لمر الله دليل تتبع الشيطان‪ ،‬وهو يريد أن تستحقوا‬
‫قهر الله بارتكاب السرافات المذمومة لعداوته الغريزية لكم لختلف جبلته‬
‫وجبلتكم‪ ،‬وقصوره عن نور فطرتكم‪ ،‬لكونه ناري الخلقة ل يطلب منكم إل‬
‫أن تكونوا ناريين مثله ل نورانيين‪ ،‬فهو عدو في الحقيقة في صورة المحب‪.‬‬
‫‪( :‬فإن زللتم) عن مقام التسليم لمر الله ‪( :‬من بعد ما جاءتكم) دلئل‬
‫تجليات الفعال والصفات ‪( :‬فاعلموا أن الله عزيز) غالب يقهركم ‪( :‬‬
‫حكيم) ل يقهر إل على مقتضى الحكمة‪ ،‬والحكمة تقتضي قهر المخالف‬
‫المنازع‪ ،‬ليعتبر المطيع الموافق ويزيد في الطاعة‪( : .‬هل ينظرون) أي ‪:‬‬
‫هل ينتظرون ‪( :‬إل أن يأتيهم) يتجلى ‪( :‬الله في ظلل) صفات الهوية من‬
‫جملة تجليات الصفات وصور ملئكة القوى السماوية‪ .‬وقضى في اللوح أمر‬
‫إهلكهم ‪( :‬وإلى الله ترجع المور) فيقابل كل امرىء بجزانة أو تزهق إليه‬
‫بالفناء‪] .‬آية ‪( : [215 - 213‬كان الناس أمة واحدة) أي ‪ :‬على الفطرة ودين‬
‫الحق‪ ،‬كما قال ‪( : : e‬كل مولود يولد على الفطرة)‪ ،‬وهو في عهد الفطرة‬
‫الولى على الحقيقة‪ ،‬أو في زمن الطفولة‪ ،‬أو في عهد آدم ‪( : u‬كان الناس‬
‫أمة واحدة) ثم اختلفوا في النشأة بحسب اختلف طبائعهم وغلبة صفات‬
‫نفوسهم‪ ،‬وتفرق أهوائهم‪ .‬فإن تضاد أصول بنيتهم ومراكز أبدانهم باختلف‬
‫البقاع والهوية‪ ،‬اقتضى ذلك وكذا ما في طباعهم من جذب النفع الخاص‬
‫ودفع الضر الخاص لحتجاب كل بمادة بدنه واقتضاء الحكمة اللهية ذلك‬
‫لمصلحة النشوء والنماء يقتضي التعادي والتخالف ‪( :‬فبعث الله‬
‫النبيين) ليدعوهم من الخلف إلى الوفاق‪ ،‬ومن الكثرة إلى الوحدة‪ ،‬ومن‬
‫العداوة إلى المحبة‪ ،‬فتفرقوا وتحزبوا عليهم وتميزوا‪ ،‬فأما السفليون الذين‬
‫رسخت في طباعهم محبة الباطل وغلب على قلوبهم الرين وطبع عليها‬
‫وعميت وزال استعدادهم بغلبة هواهم‪ ،‬فازدادوا خلفا ً وعنادًا‪ ،‬فكأنهم ما‬
‫اختلفوا إل عند بعثهم وإتيانهم بالكتاب الذي هو سبب ظهور الحق والوفاق‬
‫حسدا ً بينهم‪ ،‬ناشئا ً من عند أنفسهم‪ ،‬وغلبة هواهم واحتجابهم‪ ،‬وأما‬
‫العلويون الذين بقوا على الصفاء الصلي والستعداد الول فهداهم الله‬
‫إلى الحق الذي اختلفوا فيه وزال خلفهم وسلكوا الصراط المستقيم‪( : .‬أم‬
‫حسبتم أن تدخلوا) جنة تجلي الجمال ‪( :‬ولما يأتكم) حال ‪( :‬الذين) مضوا ‪( :‬‬
‫من قبلكم مستهم) بأساء الترك والتجريد والفقر والفتقار‪ ،‬وضراء‬
‫المجاهدة والرياضة وكسر النفس بالعبادة ‪( :‬وزلزلوا) بدواعي الشوق‬
‫والمحبة عن مقار نفوسهم ليظهروا ما في استعدادهم بالقوة ‪( :‬حتى‬
‫يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) أي ‪ :‬حتى تضجروا من طول‬
‫مدة الحجاب‪ ،‬وكثرة الجهاد من الفراق‪ ،‬وعيل صبرهم عن مشاهدة الجمال‪،‬‬
‫وذوق الوصال‪ ،‬وطلبوا نصر الله بالتجلي على قمع صفات النفوس مع قوة‬
‫مصابرتهم‪ ،‬وحسن تحملهم‪ ،‬لما يفعل المحبوب ويريد بهم من ابتلئهم‬
‫بالهجران‪ ،‬وإذاقتهم الفرقة لشتداد قوة المحبة‪ ،‬فكيف بغيرهم ؟ فأجبيوا‬
‫إذا بلغ جهدهم ونفذت طاقتهم وقيل لهم ‪( :‬أل إن نصر الله قريب) أي ‪:‬‬
‫رفع الحجاب وظهرت آثار الجمال‪( : .‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم‬
‫وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو شر لكم‬
‫والله يعلم وأنتم ل تعلمون‪) .‬كتب عليكم( قتال النفس والشيطان وهو‬
‫مكروه لكم أمر من طعم العلقم‪ ،‬وأشد من ضغم الضيغم ‪( :‬وعسى أن‬
‫تكرهوا شيئا ً وهو خير لكم) لحتجابكم بهوى النفس وحب اللذة العاجلة عما‬
‫في ضمنه من الخير الكثير‪ ،‬واللذة العظيمة الروحانية التي تستحقر تلك‬
‫الشدة السريعة‪ ،‬النقضاء بالقياس إلى ذلك الخير الباقي‪ ،‬واللذة السرمدية‬
‫وكذا عكسه ‪( :‬والله يعلم) ما في المور من الخير والشر ‪( :‬وأنتم ل‬
‫تعلمون) ذلك لحتجابكم بالعاجل عن الجل‪ ،‬وبالظاهر عن الباطن‪ .‬يسئلونك‬
‫عن الشهر الحرام قتال فيه) يسألونك عن جهاد النفس وأعوانها‪،‬‬
‫والشيطان وجنوده في وقت التوجه والسلوك إلى الحق وجمعية الباطن‬
‫الحرام فيه حركة السر ‪( :‬قل) الجهاد في ذلك الوقت أمر عظيم شاق‪،‬‬
‫وصرف وجوهكم عن سبيل الله‪ ،‬ومقام السر‪ ،‬ومحل الحضور احتجاب عن‬
‫الحق‪ ،‬وإخراج أهل القلب الذين هم القوى الروحانية عن مقارهم أعظم‬
‫وأكبر عند الله‪ ،‬وفتنة الشرك والكفر وبلؤهما عليكم أشد من قتلكم إياهم‬
‫بسيف الرياضة‪ .‬ول تزال تلك القوى النفسانية والهواء الشيطانية‬
‫يقاتلونكم بذبكم عن دينكم ومقصدكم‪ ،‬ودعوتكم إلى دين الهوى‬
‫والشيطان ‪( :‬حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن‬
‫دينه) باتباعهم ‪( :‬فأولئك حبطت أعمالهم) التي عملوها في الستسلم‬
‫والنقياد ‪( :‬وأولئك أصحاب) نار الحجاب والتعذيب ‪( :‬هم فيها خالدون)‪( : .‬‬
‫إن الذين آمنوا) يقينا ً ‪( :‬وهاجروا) أوطان النفس ومألوفات الهوى ‪( :‬‬
‫وجاهدوا في سبيل الله) وجنود الشيطان والنفس المارة ‪( :‬أولئك يرجون‬
‫رحمة الله) تجليات الصفات وأنوار المشاهدة‪( : .‬يسئلونك عن) خمر الهوى‬
‫وحب الدنيا وميسر احتيال النفس في جدب الحظ ‪( :‬قل فيهما إثم) الحجاب‬
‫والبعد ‪( :‬ومنافع للناس) في باب المعاش وتحصيل اللذة النفسانية‪ ،‬والفرح‬
‫بالذهول عن الهيئات الرديئة المشوشة والهموم المكدرة‪( : .‬ألم تر إلى‬
‫الذين خرجوا من ديارهم) أي ‪ :‬أوطانهم المألوفة ومقار نفوسهم المعهودة‬
‫ومقاماتهم ومراتبهم من الدنيا وما ركنوا إليها بدواعي الهوى‪ ،‬وهم قوم‬
‫كثير ‪( :‬حذر الموت) الجهل والنقطاع عن الحياة الحقيقية والوقوع في‬
‫المهاوي الطبيعية ‪( :‬فقال لهم الله موتوا) أي ‪ :‬أمرهم بالموت الرادي‪ ،‬أو‬
‫أماتهم عن ذواتهم بالتجلي الذاتي‪ ،‬حتى فنوا في الوحدة ‪( :‬ثم‬
‫أحياهم) بالحياة الحقيقية العلمية‪ ،‬أو به بالوجود الموهوب الحقاني‪ ،‬والبقاء‬
‫بعد الفناء‪ .‬ول يبعد أن يريد به ما أراد من قصة عزير‪ ،‬أي ‪ :‬خرجوا هاربين‬
‫من الموت الطبيعي فأماتهم الله ‪( :‬ثم أحياهم) بتعلق أرواحهم بأبدان من‬
‫جنس أبدانهم ليحصلوا بها كمالهم‪( : .‬وقاتلوا في سبيل الله) النفس‬
‫والشيطان على الول والثاني‪ .‬وعلى الثالث ل تخافوا من الموت في‬
‫مقاتلة العداء‪ ،‬فإن الهرب منه ل ينفع كما لم ينفع أولئك‪ .‬والله يحييكم كما‬
‫أحياهم ‪( :‬قرضا حسنا) هو بذل النفس بالجهاد‪ ،‬أو بذل المال باليثار ‪( :‬‬
‫والله يقبض ويبسط) أي ‪ :‬هو مع معاملتكم في القبض والبسط‪ ،‬فإنكم‬
‫بأوصافكم تستنزلون أوصافه‪ .‬إن تبخلوا بما في أيديكم يضيق عليكم ويقتر‪،‬‬
‫وإن تجودوا يوسع عليكم بحسب جودكم كما ورد في الحديث ‪ ' :‬تنزل‬
‫المعونة على قدر المؤونة '‪ .‬للتفسير سورة البقرة من آية ‪ 246‬إلى آية[‬
‫‪( : [248‬طالوت) كان رجل ً فقيرًا‪ ،‬ل نسب له‪ ،‬ول مال‪ ،‬فما قبلوه للملك‪.‬‬
‫لن استحقاق الملك والرياسة عند العامة إنما هو بالسعادة الخارجية التي‬
‫هي المال والنسب‪ ،‬فنبه نبيهم على أن الستحقاق إنما يكون بالسعادتين‬
‫الخريين ‪ :‬الروحانية التي هي العلم‪ .‬والبدنية ‪ :‬التي هي زيادة القوى وشدة‬
‫البنية والبسطة‪ ،‬بقوله ‪( : :‬وزاده بسطة في العلم والجسم) والله أعلم‬
‫بمن يستحق الملك فيؤتيه ‪( :‬من يشاء والله واسع) كثير العطاء‪ ،‬يؤتي‬
‫المال كما يؤتي الملك ‪( :‬عليم) بمن له الستحقاق وما يحتاج إليه من المال‬
‫الذي يعتضد به‪ ،‬فيعطيه‪ .‬ثم بين أن استحقاق الملك له علمة أخرى وهي‬
‫‪:‬إذعان الخلق له‪ ،‬ووقوع هيبته ووقاره في القلوب‪ ،‬وسكون قلوبهم إليه‪،‬‬
‫ومحبتهم له‪ ،‬وقبولهم لمره على الطاعة والنقياد‪ .‬وهو الذي كان يسميه‬
‫العاجم من قدماء الفرس ' خوره '‪ .‬وما يختص بالملوك كيان خوره‪ ،‬ثم من‬
‫بعدهم سموه ' فر ' فقالوا ‪ :‬كان فر للملك في أفريدون‪ ،‬وذهب عن‬
‫كيكاؤوس فر الملك‪ ،‬فطلبوا من له الفر‪ ،‬فوجدوا للملك المبارك كيخسرو‬
‫وسماه ' التابوت ' أي ‪ :‬ما يرجع إليه من المور‪ .‬لن التابوت فعلوت من‬
‫التوب‪ ،‬أي ‪ :‬يأتيكم من جهته ما يرجع في ثبوت ملكه من الذعان والطاعة‬
‫والنقياد والمحبة له بإلقاء الله له ذلك في قلوبكم‪ ،‬كما قال النبي ‪' : e‬‬
‫نصرت بالرعب مسيرة شهر '‪ .‬أو ما يرجع إليه من الحالة النفسانية‪ ،‬والهيئة‬
‫الشاهدة له على صحة ملكه ‪( :‬فيه سكينة من ربكم) أي ‪ :‬ما تسكن قلوبكم‬
‫إليه ‪( :‬وبقية مما تراك آل موسى وآل هارون) في أولدهم من المعنى‬
‫المسمى ' فر ' وهو نور ملكوتي تستضيء به النفس باتصالها بالملكوت‬
‫السماوية‪ ،‬واستفاضتها ذلك من عالم القدرة مستلزم لحصول علم السياسة‬
‫وتدبير الملك والحكمة المزينة لها ‪( :‬تحمله الملئكة) أي ‪ :‬ينزل إليكم‬
‫بتوسط الملئكة السماوية‪ .‬ويمكن أنه كان صندوقا ً فيه طلسم من باب‬
‫نصرة الجيش وغيره من الطلسمات التي تذكر أنها للملك على ما يرى من‬
‫أنه كان فيه صورة لها رأس كرأس الدمي والهر‪ ،‬وذنب كذنبه كالذي كان‬
‫في عهد أفريدون المسمى ' درفش كاويان '‪ .‬إن الله مبتليكم بنهر) هو‬
‫منهل الطبيعة الجسمانية ‪( :‬فمن شرب منه فليس مني) أي ‪ :‬من كرع فيه‬
‫مفرطا ً في الري منه‪ .‬لن أهل الطبيعة وعبدة الشهوات أذل وأعجز خلق‬
‫الله‪ ،‬ل قوة لهم بقتال جالوت النفس المارة‪ ،‬ول بجالوت عدو الدين‪ ،‬إذ ل‬
‫حمية لهم ول تشدد ‪( :‬إل من اغترف غرفة بيده) أي ‪ :‬إل من اقتنع منه بقدر‬
‫الضرورة والحتياج من غير حرص وانهماك فيه ‪( :‬فشربوا منه) أي ‪ :‬كرعوا‬
‫فيه وانهمكوا ‪( :‬إل قليل منهم) إذ المتنزهون عن القذار الطبيعية‪،‬‬
‫المتقدسون عن ملبسها‪ ،‬المتجردون عن غواشيها قليلون بالنسبة إلى من‬
‫عداهم‪ .‬قال الله تعالى ‪( : :‬وقليل ما هم) ]ص‪ ،‬الية ‪( : ،[24 :‬وقليل من‬
‫عبادي الشكور) ]سبأ‪ ،‬الية ‪ [13 :‬وهم الذين آمنوا معه من أهل اليقين‬
‫الذين كانوا يعلمون بنور يقينهم أن الغلبة ليست بالكثرة‪ ،‬بل بالنصرة‬
‫اللهية‪ ،‬فصبروا على ما عاينوا بقوة يقينهم‪ ،‬فظفروا‪) % .‬وقل من جد في‬
‫أمر يطالبه ‪ %‬واستصحب الصبر إل فاز بالظفر( ‪] %‬تفسير سورة البقرة‬
‫آية ‪( : [255‬الله ل إله إل هو) في الوجود‪ ،‬فكل ما عبد دونه لم تقع العبادة‬
‫إل له‪ ،‬علم أو لم يعلم‪ ،‬إذ ل معبود ول موجود سواه ‪( :‬الحي) الذي حياته‬
‫عين ذاته‪ ،‬وكل ما هو حي لم يحيى إل بحياته ‪( :‬القيوم) الذي يقوم بنفسه‬
‫ويقوم كل ما يقوم به‪ .‬فلول قيامه ما قام شيء في الوجود ‪( :‬ل‬
‫تأخذه) غفوة ونعاس‪ ،‬كما يعتري الحياء من غير قصدهم‪ .‬فإن ذلك ل يكون‬
‫إل لمن حياته عارضة‪ ،‬فتغلبه الطبيعة بالحالة الذاتية طلبا ً للهدوء والراحة‬
‫والبدال عن تحليل اليقظة‪ .‬فأما من حياته عين ذاته‪ ،‬فل يمكن له ذلك‪.‬‬
‫وبين كون حياته غير عارضة بقوله ‪( :‬ول نوم) فإن النوم ينافي كون الحياة‬
‫ذاتية‪ ،‬لنه أشبه شيء بالموت‪ .‬ولهذا قيل ‪ :‬النوم أخو الموت‪ .‬ومن ل نوم‬
‫له لذاته‪ ،‬لمنافاته كون الحياة غير ذاته‪ ،‬فل سنة له‪ ،‬إذ السنة من مقدماته‬
‫وآثاره كما تقول ‪ :‬ليس له ضحك ول تعجب‪ ،‬وقوله ‪( : :‬ل تأخذه سنة ول‬
‫نوم) بيان لقيوميته ‪( :‬له ما في السماوات وما في الرض) نواصيهم بيده‪،‬‬
‫يفعل بهم ما يشاء‪( : .‬من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه) إذ كلهم له وبه‬
‫يتكلم من يتكلم به وبكلمه‪ ،‬فكيف يتكلم بغير إذنه وإرادته ‪( :‬يعلم) ما‬
‫قبلهم وما بعدهم‪ ،‬فكيف بهم وبحالهم‪ .‬أي ‪ :‬علمه شامل للزمنة‬
‫والشخاص والحوال كلها‪ ،‬فيعلم المستحق للشفاعة‪ ،‬وغير المستحق‬
‫لها ‪( :‬ول يحيطون بشيء من علمه إل بما شاء) أي ‪ :‬بما اقتضت مشيئته أن‬
‫يعلمهم‪ ،‬فعلم كل ذي علم شيء من علمه ظهر على ذلك المظهر‪ ،‬كما‬
‫قالت الملئكة ‪( : :‬ل علم لنا إل ما علمتنا) ]البقرة‪ ،‬الية ‪( : .[32 :‬وسع‬
‫كرسيه السماوات والرض) أي ‪ :‬علمه‪ ،‬إذ الكرسي مكان العلم الذي هو‬
‫القلب‪ .‬كما قال أبو يزيد البسطامي رحمة الله عليه ‪ :‬لو وقع العالم وما فيه‬
‫ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به لغاية سعته‪.‬‬
‫ولهذا قال الحسن ‪ :‬كرسيه ‪ :‬عرشه‪ ،‬مأخوذ من قوله ‪ ' : e‬قلب المؤمن من‬
‫عرش الله '‪ .‬والكرسي في اللغة ‪ :‬عرش صغير ل يفضل عن مقعد القاعد‪،‬‬
‫شبه القلب به تصويرا ً وتخييل ً لعظمته وسعته‪ .‬وأما العرش المجيد الكبر‬
‫فهو الروح الول وصورتهما ومثالهما في الشاهد الفلك العظم‪ ،‬والثامن‬
‫المحيط بالسماوات السبع وما فيهن ‪( :‬ول يؤده) أي ‪ :‬ول يثقله ‪( :‬‬
‫حفظهما) لنهما غير موجودين بدونه ليثقله حملهما‪ ،‬بل العالم المعنوي كله‬
‫باطنه والصوري ظاهره‪ ،‬فل وجود لهما إل به وليسا غيره‪( : .‬وهو‬
‫العلي) الشأن الذي ل يعلوه شيء وهو يعلو كل شيء‪ ،‬ويقهره بالفناء ‪( :‬‬
‫العظيم) الذي ل يتصور كنه عظمته‪ ،‬وكل عظمة تتصور لشيء فهي رشحة‬
‫من عظمته‪ ،‬وكل عظيم فبنصيب من عظمته وحصة منها عظيمة‪ .‬فالعظمة‬
‫مطلقا ً له دون غيره‪ ،‬بل كلها له‪ ،‬ليس لغيره فيها نصيب‪ .‬وهي أعظم آية‬
‫في القرآن لعظم مدلولها‪ .‬تفسير سورة البقرة من آية ‪ 256‬إلى آية‬
‫‪( : 258‬ل إكراه في الدين) لن الدين في الحقيقة هو الهدى المستفاد من‬
‫النور القلبي‪ ،‬اللزم للفطرة النسانية‪ ،‬المستلزم لليمان اليقيني‪ .‬كما قال‬
‫تعالى ‪( : :‬فأقم وجهك للدين حنيفا ً فطرت الله التي فطر الناس عليها ل‬
‫تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) ]الروم‪ ،‬الية ‪ ،[30 :‬والسلم الذي هو‬
‫ظاهر الدين مبتن عليه وهو أمر ل مدخل للكراه فيه‪ .‬والدليل على أن‬
‫باطن الدين وحقيقته اليمان كما أن ظاهره وصورته السلم ما بعده ‪( :‬قد‬
‫تبين) أي تميز ‪( :‬الرشد من الغي) بالدلئل الواضحة لمن له بصيرة وعقل‪،‬‬
‫كما قيل ‪ :‬قد أضاء الصبح لذي عينين‪( : .‬فمن يكفر بالطاغوت) أي ‪ :‬ما‬
‫سوى الله وينفي وجوده وتأثيره ‪( :‬ويؤمن بالله) إيمانا ً شهوديا ً حقيقيا ً ‪( :‬‬
‫فقد استمسك بالعروة الوثقى) أي ‪ :‬تمسك بالوحدة الذاتية التي وثوقها‬
‫بنفسها‪ ،‬فل شيء أوثق منها‪ ،‬إذ كل وثيق بها موثوق‪ ،‬بل كل وجود بها‬
‫موجود وبنفسه معدوم‪ ،‬فإذا اعتبر وجوده فله انفصام في نفسه لن‬
‫الممكن وثاقته ووجوده بالواجب‪ ،‬فإذا قطع النظر عنه فقد انقطع وجود‬
‫ذلك الممكن ولم يكن في نفسه شيئًا‪ .‬ول يمكن انفصامه عن وجود عين‬
‫ذاته‪ ،‬إذ ليس فيه تجزووإثنينية‪ ،‬وفي النفصام لطيفة وهو أنه انكسار بل‬
‫انفصال‪ .‬ولما لم ينفصل شيء من الممكنات من ذاته تعالى‪ ،‬ولم يخرج منه‪،‬‬
‫لنه إما فعله وإما صفته‪ ،‬فل انفصال قطعًا‪ ،‬بل إذا اعتبره العقل بانفراده‬
‫كان منفصمًا‪ ،‬أي ‪ :‬منقطع الوجود متعلقا ً وجوده بوجوده تعالى ‪( :‬والله‬
‫سميع) يسمع قول كل ذوي دين ‪( :‬عليم) بنياتهم وإيمانهم‪( : .‬الله ولي‬
‫الذين آمنوا) متولي أمورهم ومحبتهم ‪( :‬يخرجهم) من ظلمات صفات‬
‫النفس وشبه الخيال والوهم‪ ،‬إلى نور اليقين والهدى وقصناء عالم‬
‫الروح ‪( :‬والذين كفروا أولياؤهم) ما يعبدون من دون الله ‪( :‬يخرجونهم) من‬
‫نور الستعداد والهداية الفطرية إلى ظلمات صفات النفس والشكوك‬
‫والشبهات‪] .‬تفسير سورة البقرة آية ‪( : [259‬أو كالذي مر على قرية) أي ‪:‬‬
‫أرأيت مثل الذي مر على قرية باد أهلها‪ ،‬وسقطت سقوفها‪ ،‬وحزت جدرانها‬
‫عليها‪ ،‬فتعجب من إحيائها لكونه طالبا ً سالكا ً لم يصل إلى مقام اليقين بعد‪،‬‬
‫ولم يستعد لقبول نور تجلي اسم المحيي والمشهور أنه كان عزير ‪( :‬فأماته‬
‫الله) أي ‪ :‬فأبقاه على موت الجهل‪ .‬كما قال ‪( : :‬أمتنا اثنتين) ]غافر‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ [11‬على قول‪ ،‬وقال تعالى ‪( : :‬وكنتم أمواتا ً فأحيكم) ]البقرة‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪( : .[28‬مائة عام) يمكن أن يكون العام في عهدهم كان مبنيا ً على دور‬
‫القمر‪ ،‬فيكون ثمانية أعوام وأربعة أشهر‪ ،‬وأن يكون مبنيا ً على فصول‬
‫السنة فيكون خمسة وعشرين سنة‪ ،‬وأن تكون أعمارهم في ذلك الزمان‬
‫كانت طويلة ‪( :‬ثم بعثه) بالحياة الحقيقية وطلب منه الوقوف على مدة‬
‫اللبث فما ظنها إل يوما ً أو بعض يوم‪ ،‬استصغارا ً لمدة اللبث في موت الجهل‬
‫المنقضية بالنسبة إلى الحياة البدية ولعدم شعوره بمرور المدة كالنائم‬
‫الغافل عن الزمان ومروره‪ .‬ثم لما تفكر نبهه الله تعالى على طول مدة‬
‫الجهل وموت الغفلة‪ ،‬بأنه مائة عام‪ ،‬أو أماته بالموت الرادي في إحدى‬
‫المدد المذكورة‪ ،‬فتكون المدة زمان رياضته وسلوكه ومجاهدته في سبيل‬
‫الله‪ ،‬أو أماته حتف أنفه بالموت الطبيعي فتعلق روحه ببدن آخر من جنسه‬
‫لكتساب الكمال إما بعد زمان وإما في الحال حتى مر عليه إحدى المدد‬
‫الثلث المذكورة‪ ،‬وهو ل يطلع على حاله فيها‪ ،‬ولم يشعر بمبدئه ومعاده‬
‫وكان ميتا ً ثم بالحياة الحقيقية فاطلع بنور العلم على حاله وعرف مبدأه‬
‫ومعاده‪ .‬وقوله ‪( : :‬لبثت يوما أو بعض يوم) كقوله تعالى ‪( : :‬ويوم يحشرهم‬
‫كأن لم يلبثوا إل ساعة من النهار) ]يونس‪ ،‬الية ‪ ،[45 :‬وقوله تعالى ‪( : :‬‬
‫كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إل عشية أو ضحاها ‪] )46‬النازعات‪ ،‬الية ‪،[46 :‬‬
‫وقوله ‪( : :‬ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة) ]الروم‪،‬‬
‫الية ‪ [55 :‬كل ذلك لغفلتهم عن مرور الزمان وكذا مفارق أخا ً أو مصاحبا ً أو‬
‫شيئا ً آخر إذا أدرك الوصال بعد طول مدة الفراق كأن تلك المدة حينئذ لم‬
‫تكن‪ ،‬إذ ل يحس بها بعد مضيها وإن قاساها قبل الوصال ‪( :‬وانظر إلى‬
‫طعامك وشرابك لم يتسنه) قيل ‪ :‬طعامه التين والعنب‪ ،‬وشرابه الخمر‬
‫واللبن‪ ،‬فالتين إشارة إلى المدركات الكلية لكونه لبا ً كله‪ ،‬وكون الجزئيات‬
‫فيها بالقوة‪ ،‬كالحبات التي في التين‪ ،‬والعنب إشارة إلى الجزئيات لبقاء‬
‫اللواحق المادية معها في الدراك كالثجير والعجم‪ .‬واللبن إشارة إلى العلم‬
‫النافع كالشرائع‪ .‬والخمر إشارة إلى العشق والرادة وعلوم المعارف‬
‫والحقائق‪ .‬لم يتسنه أي ‪ :‬لم يتغير عما كان في الزل بحسب الفطرة مودعا ً‬
‫فيك‪ ،‬فإن العلوم مخزونة في كل نفس بحسب استعدادها‪ ،‬كما قال ‪' : e‬‬
‫الناس معادن كمعادن الذهب والفضة '‪ .‬فإن حجبت بالمواد وخفيت مدة‬
‫بالتقلب في البرازخ وظلماتها‪ ،‬لم تبطل ولم تتغير عن حالها‪ .‬حتى إذا رفع‬
‫الحجاب بصفاء القلب ظهرت كما كانت‪ ،‬ولهذا قال ‪ ' : e‬الحكمة ضالة‬
‫المؤمن '‪( : .‬وانظر إلى حمارك) أي ‪ :‬بدنك بحاله على الوجه الول والثاني‪،‬‬
‫وكيف نخرت عظامه وبليت على الوجه الثالث ‪( :‬ولنجعلك آية للناس) أي ‪:‬‬
‫ولنجعلك دليل ً للناس على البعث‪ ،‬بعثناك ‪( :‬وانظر إلى العظام كيف‬
‫ننشزها) أي ‪ :‬نرفعها ‪( :‬ثم نكسوها لحما) على كل الوجهين ظاهر‪ ،‬فإنه إذا‬
‫بعث وعلم حاله وتجرده عن البدن علم تركيب بدنه برفع العظام وجمعها‬
‫وكسوتها لحما ً ‪( :‬فلما تبين له) ذلك البعث والنشور ‪( :‬قال أعلم أن الله‬
‫على كل شيء قدير)‪] .‬تفسير سورة البقرة آية ‪( : [260‬وإذ قال إبراهيم‬
‫رب أرني كيف تحيي الموتى) أي ‪ :‬بلغني إلى مقام العيان من مقام العلم‬
‫اليقاني‪ .‬ولهذا قرر إيمانه بهمزة الستفهام التقريرية‪ .‬ف ‪( :‬قال أو لم‬
‫تؤمن) أي ‪ :‬أو لم تعلم ذلك يقينا ً ؟‪ ،‬وأجاب إبراهيم ‪ u‬بقوله ‪( : :‬بلى ولكن‬
‫ليطمئن قلبي) أي ‪ :‬ليسكن وتحصل طمأنينته بالمعاينة‪ ،‬فإن عين اليقين‬
‫إنما يوجب الطمأنينة ل علمه ‪( :‬قال فخذ أربعة من الطير) أي ‪ :‬القوى‬
‫الربعة التي تمنعه عن مقام العيان وشهود الحياة الحقيقية‪ .‬وقيل ‪ :‬كانت‬
‫طاووسا ً وديكا ً وغرابا ً وحمامة‪ .‬وفي رواية بطة‪ ،‬فالطاووس هو العجب‪،‬‬
‫والديك الشهوة‪ ،‬والغراب الحرص‪ ،‬والحمامة حب الدنيا لتألفها وكرها‬
‫وبرجها‪ .‬والظاهر أنها بطة فتكون إشارة إلى الغالب عليها ‪( :‬فصرهن إليك)‬
‫أي ‪ :‬أملهن واضممهن إليك بضبطها ومنعها عن الخروج إلى طلب لذاتها‬
‫والنزوع إلى مألوفاتها‪ .‬وقيل ‪ :‬أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويخلط لحومها‬
‫ودماءها بالدق ويحفظ رؤوسها عنده‪ ،‬أي ‪ :‬يمنعها عن أفعالها ويزيل هيئاتها‬
‫عن النفس‪ ،‬ويقمع دواعيها وطبائعها وعاداتها بالرياضة‪ ،‬ويبقي أصولها‬
‫فيه‪( : .‬ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) أي ‪ :‬من الجبال التي بحضرتك‪،‬‬
‫وهي العناصر الربعة التي هي أركان بدنه‪ ،‬أي ‪ :‬اقمعها وأمتها حتى ل‬
‫يبقى إل أصولها المركوزة في وجودك وموادها المعدة في طبائع العناصر‬
‫التي فيك‪ .‬كانت الجبال سبعة‪ ،‬فعلى هذا يشير بها إلى العضاء السبعة‬
‫التي هي أجزاء البدن ‪( :‬ثم ادعهن) أي ‪ :‬أنها إذا أنت حييت بحياتها كانت‬
‫غير طيعة مستولية عليك‪ ،‬وحشية ممتنعة عن قبول أمرك‪ ،‬فإذا قتلتها كنت‬
‫حيا ً بالحياة الحقيقية الموهوبة بعد الفناء والمحو‪ .‬فتصير هي حية بحياتك ل‬
‫بحياتها‪ ،‬حياة النفس مطيعة لك منقادة لمرك فإذا دعوتها ‪( :‬يأتينك سعيا) ‪:‬‬
‫(واعلم أن الله عزيز) غالب على قهر النفوس ‪( :‬حكيم) ل يقهرها إل‬
‫بحكمة‪ .‬ويمكن حمله على حشر الوحوش والطيور‪ ،‬وعلى هذا فيكون جعل‬
‫أجزائها على الجبال تغذية الجسم بها ودعاؤه وإتيانه إليه ساعية توجهها‬
‫إلى النسان بعد النشور‪] .‬تفسير سورة البقرة من آية ‪ 261‬إلى آية ‪: [262‬‬
‫(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) ذكر سبحانه ثلث إنفاقات‬
‫وفاضل بينها في الجزاء‪ ،‬أولها ‪ :‬النفاق في سبيل الله وهو إنفاق في‬
‫عالم الملك عن تجلي الفعال يعطيه صاحبه ليثيبه الله تعالى‪ ،‬فأثابه‬
‫سبعمائة أضعاف ما أعطى ثم زاد في الضعاف إلى ما ل يتناهى بحسب‬
‫المشيئة لن يده تعالى أبسط وأطول من يده بما ل يتناهى‪( : .‬والله‬
‫واسع) كثير العطاء‪ ،‬ل يتقدر بأعطيتنا عطاؤه ‪( :‬عليم) بنيات المعطين‬
‫واعتقاداتهم أنه من فضل الله تعالى‪ ،‬فيثيبهم على حسب ذلك‪ .‬وثانيها ‪:‬‬
‫النفاق عن مقام مشاهدة الصفات على ما سيأتي‪ ،‬وهو النفاق لطلب‬
‫رضاء الله كما أن الولى هو النفاق لطلب عطاء الله‪ .‬وثالثها ‪ :‬النفاق‬
‫بالله‪ ،‬وهو عن مقام شهود الذات ‪( :‬ثم ل يتبعون ما أنفقوا منا ول أذى) نبه‬
‫على أن النفاق يبطله المن والذى‪ ،‬لن النفاق إنما يكون محمودا ً لثلثة‬
‫أوجه ‪ :‬كونه موافقا ً للمر بالنسبة إلى الله تعالى‪ ،‬وكونه مزيل ً لرذيلة البخل‬
‫بالنسبة إلى نفس المنفق‪ ،‬وكونه نافعا ً مريحا ً بالنسبة إلى المستحق‪ .‬فإذا‬
‫من صاحبه فقد خالف أمر الله لنه منهي وظهرت نفسه بالستطالة‬
‫والعتداد بالنعمة والعجب والحتجاب بفعلها ورؤية النعمة منها ل من الله‪،‬‬
‫وكلها رذائل أردأ من البخل‪ ،‬لزمة له‪ ،‬ولو لم يكن له إل رؤية نفسه‬
‫ل‪ .‬وأما الوجه الثالث الذي هو بالنسبة إلى المستحق‪،‬‬ ‫بالفضيلة لكفاه مبط ً‬
‫فيبطله الذى المنافي للراحة والنفع والمن أيضا ً مبطل له لقتضائه الترفع‬
‫وإظهار الصطناع وإثبات حق عليه‪.‬‬
‫ثم قال ‪( : :‬قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) إذ القول‬
‫الجميل‪ ،‬وإن كان بالرد‪ ،‬يفرح قلبه‪ ،‬ويروح روحه‪ ،‬والصدقة إنما تنفع جسده‬
‫ول تفرح القلب إل بالتبعية وتصور النفع‪ ،‬فإذا قارن ما ينفع الجسد ما يؤذي‬
‫الروح تكدر النفع وتنغص‪ ،‬ولم يقع في مقابلة الفرح الحاصل من القول‬
‫الجميل‪ ،‬ولو لم يكن مع التنغيص أيضا ً لن الروحانيات أشرف وأحسن وأوقع‬
‫في النفوس ‪( :‬والله غني) عن الصدقة المقرونة بالذى‪ ،‬فيعطي المستحق‬
‫من خزائن غيبه ‪( :‬حليم) ل يعاجل بالعقوبة‪( : .‬مثل الذين ينفقون أموالهم‬
‫ابتغاء مرضاة الله) هذا هو القسم الثاني من النفاق‪ .‬فضله على الول‬
‫بتشبيهه بالجنة‪ ،‬فإن الجنة مع إيتاء أكلها تبقى بحالها بخلف الحبة‪ ،‬فأشار‬
‫بها أنه ملك لهم كأنه صفة ذاتية ولهذا قال ‪( : :‬وتثبيتا من أنفسهم) أي ‪:‬‬
‫توطينا ً لها على الجود الذي هو صفة ربانية‪ ،‬وقوله ‪( : :‬بربوة) إشارة إلى‬
‫ارتفاع رتبة هذا النفاق وارتقائه عن درجة الول ‪( :‬أصابها وابل) أي ‪ :‬حظ‬
‫كثير من صفة الرحمة الرحمانية ومدد وافر من فيض جوده لنها ملكة‬
‫التصال بالله تعالى بمناسبة الوصف واستعداد قبوله والتصاف به ‪( :‬فإن‬
‫لم يصبها وابل) أي ‪ :‬حظ كثير‪ ،‬فحظ قليل ‪( :‬والله بما تعملون‬
‫بصير) بأعمالكم يرى أنها من أي القبيل‪] .‬تفسير سورة البقرة من آية ‪266‬‬
‫إلى آية ‪( : 268‬أيود أحدكم) تمثيل لحال من عمل صالحا ً إنفاقا ً كان أو غيره‬
‫متقربا ً به إلى الله مبتغيا ً رضاه‪ ،‬كما في هذا القسم من النفاق‪ ،‬ثم ظهرت‬
‫نفسه فيه‪ ،‬وتحركت‪ ،‬فكانت حركاتها المتخالفة بحركة الروح ودواعيها‬
‫المتفاوتة المضادة لداعية القلب إعصارًا‪ ،‬فافترض الشيطان حركتها‬
‫واتخذها مجال ً له بالوسوسة‪ ،‬فنفث فيها رؤية عملها أو رياء فكان ذلك‬
‫النفث نارا ً أحرقت عملها أحوج ما يكون إليه‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين علي ‪u‬‬
‫‪ ' :‬اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك ثم خالفه قلبي '‪( : .‬انققوا من طيبات‬
‫ما كسبتم) أمر بالقسم الثالث من النفاق من طيبات ما كسبتم‪ ،‬إذ المختار‬
‫بالله يختار الشرف من كل شيء للمناسبة كما قال أمير المؤمنين علي ‪: u‬‬
‫' إن الله جميل يحب الجمال ' ومن كان في إنفاقه بالنفس ل يقدر على‬
‫إنفاق الشرف لضن النفس ومحبتها إياه‪ ،‬واستئثارها به عن تخصيصه بالله‪،‬‬
‫فما كان بالنفس ليس ببر أصل ً لقوله تعالى ‪( : :‬لن تنالوا البر حتى تنفقوا‬
‫مما تحبون) ]آل عمران‪ ،‬الية ‪( : ،[92 :‬ول تيمموا الخبيث منه‬
‫تنفقون) تخصونه بالنفاق كعادة المنفقين بالنفس والطبيعة ‪( :‬ولستم‬
‫بآخذيه إل أن تغمضوا فيه) لمحبتكم الطيب من المال لنفسكم لختصاص‬
‫محبتكم بالذات إياها‪ ،‬ولهذا ل تؤثرون الله بالمال عليها فتنفقوا أطيبه‬
‫له ‪( :‬واعلموا أن الله غني) فاتصفوا بغناه فتستفيضوا به عن المال ومحبته‬
‫‪( :‬حميد) ل يفعل إل الفعل المحمود‪ ،‬فاقتدوا به‪( : .‬الشيطان يعدكم الفقر‬
‫ويأمركم بالفحشاء) أي ‪ :‬الخصلة القبيحة التي هي البخل‪ ،‬فتعوذوا منه‬
‫بالله‪ ،‬فإنه ‪( :‬يعدكم مغفرة منه) أي ‪ :‬سترا ً لصفات نفوسكم بنوره ‪( :‬‬
‫وفضل) وموهبة من مواهب صفاته لكم وتجلياتها كالغنى المطلق فل يبقى‬
‫فيكم خوف الفقر ‪( :‬والله واسع) يسع ذواتكم وصفاتكم وعطاؤكم ل يضيق‬
‫وعاء جوده بالعطاء ول ينفد عطاياه ‪( :‬عليم) بمواقع تجلياته واستعدادها‬
‫واستحقاقها‪] .‬تفسير سورة البقرة من آية ‪ 269‬إلى آية ‪( : [272‬يؤتي‬
‫الحكمة من يشاء) لخلصه في النفاق وكونه فيه بالله‪ ،‬فيعطيه حكمة‬
‫النفاق لينفق من الحكمة اللهية لكونه متصفا ً بصفاته ‪( :‬ومن يؤت الحكمة‬
‫فقد أوتي خيرا كثيرا) لنها أخص صفات الله ‪( :‬وما يذكر) أن الحكمة أشرف‬
‫الشياء وأخص الصفات ‪( :‬إل أولو اللباب) الذين نور الله عقولهم بنور‬
‫الهداية فصفاها عن شوائب الوهم وقشور الرسوم والعادات وهو النفس‪.‬‬
‫فجزاء النفاق الول هو الضعاف‪ ،‬وجزاء الثاني هو الجنة الصفاتية المثمرة‬
‫للضعاف‪ ،‬وجزاء الثالث هو الحكمة اللزمة للوجود والموهوب‪ .‬فانظر كم‬
‫بينها من التفاوت‪( : .‬وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله‬
‫يعلمه) من أي القبول هو‪ ،‬فيجازيكم بحسبه ‪( :‬وما للظالمين) أي ‪:‬‬
‫المنفقين رئاء الناس‪ ،‬الواضعين النفاق في غير موضعه‪ ،‬أو الناقصين‬
‫حقوقهم برؤية إنفاقهم أو ضم المن والذى إليه أو بالنفاق من الخبيث ‪( :‬‬
‫من أنصار) يحفظوا لهم من بأس الله ‪( :‬فهو خير لكم) لبعدها عن الرياء‬
‫وكونها أقرب إلى الخلص ‪( :‬ليس عليك هداهم) إلى النفاقات الثلثة‬
‫المذكورة المبرأة عن المن والذى والرياء ورؤية النفاق وكونه من الخبيث‬
‫أي ‪ :‬ل يجب عليك أن تجعلهم مهديين إنما عليك تبليغ الهداية ‪( :‬ولكن الله‬
‫يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلنفسكم) فلم تمنون به على الناس‬
‫وتؤذونهم ‪( :‬وما تنفقون إل ابتغاء وجه الله) فما لكم تستطيلون به على‬
‫الناس ؟ وكيف تراؤون فيه ؟ ‪( :‬وما تنفقوا من خير يوف إليكم) ليس‬
‫لغيركم فيه نصيب‪ ،‬فل تنفقوا إل على أنفسكم في الحقيقة‪ ،‬ل على غيركم‬
‫فل ينقص به شيء منكم‪ ،‬فما لكم تقصدون الخبيث بالنفاق منه فثلثتها‬
‫مصروفة إلى القسام الثلثة المذكورة من النفاق للتحذير عن آفاتها‬
‫بتصوير غاياتها‪] .‬تفسير سورة البقرة من آية ‪ 273‬إلى آية ‪( : [275‬‬
‫للفقراء) أي ‪ :‬اقصدوا بصدقاتكم الفقراء ‪( :‬الذين) أحصرهم المجاهدة ‪( :‬‬
‫في سبيل الله) ‪( :‬ل يستطيعون ضربا في الرض) للتجارة والكسب‬
‫لشتغالهم بالله واستغراقهم في الحوال وصرف أوقاتهم في العبادات‪( : .‬‬
‫يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) عن السؤال والستغناء عن الناس ‪( :‬‬
‫تعرفهم بسيماهم) من صفرة وجوههم‪ ،‬ونور جباههم‪ ،‬وهيئة سحناتهم‪،‬‬
‫أنهم عرفاء فقراء‪ ،‬أهل الله‪ ،‬ل يعرفهم إل الله ومن هو منهم ‪( :‬ل يسألون‬
‫الناس إلحافا) أي ‪ :‬إلحاحًا‪ .‬والمراد نفي مسئلة الناس بالكلية كقوله ‪% :‬‬
‫)على لحب ل يهتدى بمناره ‪ % (%‬والمراد نفي المنار والهتداء جميعًا‪ ،‬أو‬
‫نفي اللحاف وإثبات التعطف في المسألة‪( : .‬وما تنفقوا من خير) على أي‬
‫من أنفقتم‪ ،‬غنيا ً كان أو فقيرا ً ‪( :‬فإن الله به عليم) أي ‪ :‬بأن ذلك النفاق له‬
‫أو لغيره‪ ،‬فيجازي بحسبه‪( : .‬الذين ينفقون) عمم النفاق أول ً وثانيا ً بحسب‬
‫الوقات والحوال ليعلم أنه ل يتفاوت بها‪ ،‬بل بالقصد والنية ‪( :‬الذين‬
‫يأكلون الربا ل يقومون) إلى آخره‪ ،‬آكل الربا أسوأ حال ً من جميع مرتكبي‬
‫الكبائر‪ ،‬فإن كل مكتسب له توكل ما في كسبه قليل ً كان أو كثيرًا‪ ،‬كالتاجر‬
‫والزارع والمحترف‪ ،‬إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم ولم تتعين لهم قبل‬
‫الكتساب فهم على غير معلوم في الحقيقة‪ ،‬كما قال رسول الله ‪ ' : e‬أبى‬
‫الله أن يرزق المؤمن إل من حيث ل يعلم '‪ .‬وأما آكل الربا فقد عين على‬
‫آخذه مكسبه ورزقه سواء ريح الخذ أو خسر‪ ،‬فهو محجوب عن ربه بنفسه‬
‫ل‪ ،‬فوكله الله تعالى إلى نفسه وعقله‪،‬‬ ‫وعن رزقه بتعيينه‪ ،‬ل توكل له أص ً‬
‫وأخرجه من حفظه وكلءته‪ ،‬فاختطفه الجن وخبلته‪ ،‬فيقوم يوم القيامة ول‬
‫رابطة بينه وبين الله كسائر الناس المرتبطين به بالتوكل‪ ،‬فيكون‬
‫كالمصروع الذي مسه الشيطان فتخبطه ل يهتدي إلى مقصد ‪( :‬ذلك بأنهم‬
‫قالوا) أي ‪ :‬ذلك بسبب احتجابهم بقياسهم وأول من قاس إبليس فيكونون‬
‫من أصحابه مطرودين مثله‪ .‬تفسير سورة البقرة من آية ‪ 276‬إلى آية‬
‫‪( : [283‬يمحق الله الربا) وإن كان زيادة في الظاهر ‪( :‬ويربي‬
‫الصدقات) وإن كان نقصانا ً في الشاهد‪ ،‬لن الزيادة والنقصان إنما يكونان‬
‫باعتبار العاقبة والنفع في الدارين‪ .‬والمال الحاصل من الربا ل بركة له‪ ،‬لنه‬
‫حصل من مخالفة الحق فتكون عاقبته وخيمة وصاحبه يرتكب سائر‬
‫المعاصي إذ كل طعام يولد في أكله دواعي وأفعال ً من جنسه‪ ،‬فإن كان‬
‫حراما ً يدعوه إلى أفعال محرمة‪ ،‬وإن كان مكروها ً فإلى أفعال مكروهة‪ ،‬وإن‬
‫كان مباحا ً فإلى مباحة‪ ،‬وإن كان من طعام الفضل فإلى مندوبات‪ ،‬وكان في‬
‫ل‪ ،‬وإن كان بقدر الواجب من الحقوق فأفعاله تكون‬ ‫أفعاله متبرعا ً متفض ً‬
‫واجبة ضرورية‪ ،‬وإن كان من الفضول والحظوظ فأفعاله تكون كذلك‪ ،‬فعليه‬
‫إثم الربا وآثار أفعاله المحرمة المتولدة من أكله على ما ورد في الحديث ‪' :‬‬
‫الذنب بعد الذنب عقوبة للذنب الول '‪ ،‬فتزداد عقوباته وآثامه أبدًا‪ ،‬ويتلف‬
‫الله ماله في الدنيا فل ينتفع به أعقابه وأولده فيكون ممن خسر الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬وذلك هو المحق الكلي‪ .‬وأما المتصدق‪ ،‬فلكون ماله مزكى‪ ،‬يبارك‬
‫الله في تثميره مع حفظ الصل وآكله ل يكون إل مطيعا ً في أفعاله‪ ،‬ويبقى‬
‫ماله في أعقابه وأولده منتفعا ً به وذلك هو الزيادة في الحقيقة‪ ،‬ولو لم‬
‫تكن زيادته إل ما صرف في طاعة الله لكفى به زيادة‪ ،‬وأي زيادة أفضل مما‬
‫تبقى عند الله‪ ،‬ولو لم يكن نقصان الربا إل حصوله من مخالفة الله وارتكاب‬
‫نهيه لكفى به نقصًا‪ ،‬وأي نقصان أفحش مما يكون سبب حجاب صاحبه‬
‫وعذابه ونقصان حظه عند الله‪( : .‬والله ل يحب كل كفار أثيم) أي ‪ :‬آكل‬
‫الربا كفار أثيم بفعله والله ل يحب من كان كذلك‪] .‬تفسير سورة البقرة آية‬
‫‪( : [284‬لله ما في السماوات) أي ‪ :‬في العالم الروحاني كله‪ ،‬بواطنه‬
‫وصفاته وأستار غيوبه ودفائن وجوده ‪( :‬وما في الرض) أي ‪ :‬في العالم‬
‫الجسماني كله ظواهره وأسماؤه وأفعاله‪ ،‬تشهد العالمين‪ ،‬وهو على كل‬
‫شيء شهيد ‪( :‬وإن تبدوا ما في أنفسكم) يشهده بأسمائه وظواهره‪،‬‬
‫فيعلمه ويحاسبكم به‪ ،‬وإن تخفوه يشهده بصفاته وبواطنه فيعلمه‬
‫ويحاسبكم به ‪( :‬فيغفر لمن يشاء) لتوحيده وقوة يقينه‪ ،‬وعروض سيئاته‪،‬‬
‫وعدم رسوخها في ذاته‪ ،‬فإن مشيئته مبنية على حكمته ‪( :‬ويعذب من يشاء)‬
‫لفساد اعتقاده‪ ،‬ووجود شكه‪ ،‬أو رسوخ سيئاته في نفسه ‪( :‬والله على كل‬
‫شيء قدير) فيقدر على المغفرة والتعذيب جميعًا‪( : .‬آمن الرسول بما أنزل‬
‫إليه من ربه) صدقه بقبوله والتخلق به‪ ،‬كما قالت عائشة ‪ ' :‬كان خلقه‬
‫القرآن والترقي بمعانيه والتحقق '‪( : .‬والمؤمنون كل آمن بالله) وحده‬
‫جميعا ً ‪( :‬وملئكته وكتبه ورسله) أي ‪ :‬وحده تفصيل ً عند الستقامة مشاهدا ً‬
‫لوحدته في صورة تلك الكثرة معطيا ً لكل تجل من تجلياته في مظهر من‬
‫مظاهره وحكمه ‪( :‬ل نفرق) أي ‪ :‬يقولون ‪ :‬ل نفرق بينهم برد بعض وقبول‬
‫بعض‪ ،‬ول نشك في كونهم على الحق وبالحق لشهود التوحيد ومشاهدة‬
‫الحق فيهم بالحق ‪( :‬وقالوا سمعنا) أي ‪ :‬أجبنا ربنا في كتبه ورسله ونزول‬
‫ملئكته واستقمنا في سيرنا ‪( :‬غفرانك ربنا) أي ‪ :‬اغفر لنا وجوداتنا‬
‫وصفاتنا وامحها بوجودك ووجود صفاتك ‪( :‬وإليك المصير) بالفناء فيك‪( : .‬ل‬
‫يكلف الله نفسا إل وسعها) ل يحملها إل ما يسعها‪ ،‬ول يضيق به طوقها‬
‫واستعدادها من التجليات‪ ،‬فإن حظ كل أحد من الكشوف والتجليات ما يطيق‬
‫به وعاء استعداده الموهوب له في الزل من الفيض القدس‪ ،‬ول يضيق‬
‫عليه ‪( :‬لها ما كسبت) من الخيرات والعلوم والكمالت والكشوف على أي‬
‫وجد‪ ،‬سواء كانت بقصدها أو ل بقصدها‪ ،‬فإنها من عالم النور فالخيرات كلها‬
‫ذاتية لها‪ ،‬ترجع فائدتها إليها دون الشرور من الجهالت والرذائل والمعاصي‬
‫والنقائص‪ ،‬فإنها أمور ظلمانية غريبة عن جوهرها فل تضرها ول تلحق‬
‫تبعتها بها إل إذا كانت منجذبة إليها متوجهة بالقصد والعتمال لتكسبها‬
‫ولهذا ورد في الحديث ‪ ' :‬إن صاحب اليمين يكتب كل حسنة تصدر عن‬
‫صاحبها في الحال‪ ،‬وصاحب الشمال ل يكتب حتى تمضي عليه ست ساعات‪،‬‬
‫فإن استغفر فيها وتاب أو ندم‪ ،‬فلم يكتب‪ ،‬وإن أصر كتب '‪ .‬والمراد بالنفس‬
‫ها هنا الذات وإل لكان المر بالعكس‪ ،‬فيكون حينئذ معناه ل يكلفها إل ما‬
‫يسعها ويتيسر لها من العمال دون مدى الجهد والطاقة وذكر الكسب في‬
‫موضع الخير لكونها غير معتنية به معتملة له‪ ،‬والكتساب في موضع الشر‬
‫لكونها منجذبة إليه‪ ،‬معتملة له بالقصد‪ ،‬لكونها مأوى الشر‪( : .‬ربنا ل تؤاخذنا‬
‫إن نسينا) عهدك ‪( :‬أو أخطأنا) في العمل لما سواك‪ ،‬والقران على فراقك‬
‫محتجبين عنك‪ ،‬فإنا غرباء‪ ،‬بعداء‪ ،‬طال العهد بنا مسافرين عنك‪ ،‬ممتحنين‬
‫في الظلمات بأنواع البلء‪ ،‬ول قدر ول مقدار لنا في حضرتك‪ ،‬حتى تؤاخذنا‬
‫بذنوبنا ‪( :‬ربنا ول تحمل علينا إصرا) في ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا‪ ،‬فتأصرنا‬
‫وتحبسنا في مكاننا مهجورين عنك‪ ،‬فإنه ل ثقل أثقل منها ‪( :‬كما حملته‬
‫على الذين من قبلنا) من المحتجبين بظواهر الفعال أو بواطن الصفات ‪( :‬‬
‫ربنا ول تحملنا ما ل طاقة لنا به) من ثقل الهجران والحرمان عن وصالك‪،‬‬
‫ومشاهدة جمالك‪ ،‬بحجب جللك ‪( :‬واعف عنا) سيئات أفعالنا وصفاتنا فإنها‬
‫كلها سيئات حجبتنا عنك‪ ،‬وحرمتنا برد عفوك ولذة رضوانك ‪( :‬واغفر‬
‫لنا) ذنوب وجوداتنا فإنها أكبر الكبائر كما قيل‪) % .‬إذا قلت ما أذنبت قالت‬
‫مجيبة ‪ %‬وجودك ذنب ل يقاس به ذنب( ‪( : %‬وارحمنا) بالوجود الموهوب‬
‫بعد الفناء ‪( :‬أنت مولنا) ناصرنا ومتولي أمورنا ‪( :‬فانصرنا) فإن من حق‬
‫الولي أن ينصر من يتوله‪ ،‬أو سيدنا‪ ،‬ومن حق السيد أن ينصر عبيده ‪( :‬على‬
‫القوم الكافرين) من قوى نفوسنا المارة وصفاتها‪ ،‬وجنود شياطين أوهامنا‬
‫وخيالتنا‪ ،‬المحجوبين عنك‪ ،‬الحاجبين إيانا بكفرها وظلمتها‪.‬‬

‫)سورة آل عمران(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم(‬

‫]تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 1‬إلى آية ‪( : [6‬الم الله ل إله إل هو الحي‬
‫القيوم) مر تأويله ‪( :‬نزل عليك الكتاب بالحق) أي ‪ :‬رقاك رتبة فرتبة‪ ،‬ودرجة‬
‫فدرجة‪ ،‬بتنزيل الكتاب عليك منجما ً إلى العلم التوحيدي الذي هو الحق‬
‫باعتبار الجمع المسمى بالعقل القرآني ‪( :‬مصدقا لما بين يديه) من التوحيد‬
‫الزلي السابق المعلوم في العهد الول المخزون في غيب الستعداد ‪( :‬‬
‫وأنزل التوراة والنجيل من قبل) هكذا ثم ‪( :‬أنزل الفرقان) أي ‪ :‬التوحيد‬
‫التفصيلي الذي هو الحق باعتبار الفرق المسمى بالعقل الفرقاني‪ ،‬وهو‬
‫منشأ الستقامة ومبدأ الدعوة ‪( :‬إن الذين كفروا) أي ‪ :‬احتجبوا عن هذين‬
‫التوحيدين بالمظاهر والكوان التي هي آيات التوحيد في الحقيقة ‪( :‬لهم‬
‫عذاب شديد) في البعد والحرمان ‪( :‬والله عزيز) أي ‪ :‬قاهر ‪( :‬ذو انتقام) ل‬
‫يقدر وصفه ول يبلغ كنهه ول يقدر على مثله‪ ،‬منتقم ‪( :‬ل يخفى عليه‬
‫شيء) في العالمين‪ ،‬فيعلم مواقع النتقام ‪( :‬منه آيات محكمات)‪] .‬تفسير‬
‫سورة آل عمران من آية ‪ 7‬إلى آية ‪ [12‬سمت من أن يتطرق إليها الحتمال‬
‫والشتباه ل يحتمل إل معنى واحدا ً ‪( :‬هن أم) أي ‪ :‬أصل ‪( :‬الكتاب وأخر‬
‫متشابهات) تحتمل معنيين فصاعدا ً ويشتبه فيها الحق والباطل‪ ،‬وذلك أن‬
‫الحق تعالى له وجه هو الوجه المطلق الباقي بعد فناء الخلق ل يحتمل‬
‫التكثر والتعدد‪ ،‬وله وجوه متكثرة إضافية متعددة بحسب مرائي المظاهر‪.‬‬
‫وهي ما يظهر بحسب استعداد كل مظهر فيه من ذلك الوجه الواحد‪ ،‬يلتبس‬
‫فيها الحق بالباطل‪ ،‬فورد التنزيل كذلك لتنصرف المتشابهات إلى وجوه‬
‫الستعدادات فيتعلق كل بما يناسبه‪ ،‬ويظهر البتلء والمتحان‪ .‬فأما‬
‫العارفون المحققون الذين يعرفون الوجه الباقي في أية صورة وأي شكل‬
‫كان‪ ،‬فيعرفون الوجه الحق من الوجوه التي تحتملها المتشابهات فيردونها‬
‫إلى المحكمات متمثلين بمثل قول الشاعر ‪) % :‬وما الوجه إل واحد غير أنه‬
‫‪ %‬إذا أنت أعددت المزايا تعددا( ‪ %‬وأما المحجوبون ‪( :‬الذين في قلوبهم‬
‫زيغ) عن الحق ‪( :‬فيتبعون ما تشابه) لحتجابهم بالكثرة عن الوحدة‪ .‬كما أن‬
‫المحققين يتبعون المحكم‪ ،‬ويتبعونه المتشابه‪ ،‬فيختارون من الوجوه‬
‫المحتملة ما يناسب دينهم ومذهبهم ‪( :‬ابتغاء الفتنة) أي ‪ :‬طلب الضلل‬
‫والضلل الذي هم بسبيله ‪( :‬وابتغاء تأويله) بما يناسب حالهم وطريقتهم‪.‬‬
‫‪) %‬إذا اعوج سكين فعوج قرابه ‪ % (%‬فهم كما ل يعرفون الوجه الباقي‬
‫في الوجوه‪ ،‬لزم أن ل يعرفوا المعنى الحق من المعاني‪ ،‬فيزداد حجابهم‬
‫ويغلظ ليستحقوا به العذاب ‪( :‬وما يعلم تأويله إل الله والراسخون في‬
‫العلم) العالمون‪ ،‬يعلمون بعلمه‪ ،‬أي ‪ :‬إنما يعلمه الله جميعا ً وتفصيل ً ‪( :‬‬
‫يقولون آمنا به) يصدقون علم الله به‪ ،‬فهم يعلمون بالنور اليماني ‪( :‬كل‬
‫من عند ربنا) لن الكل عندهم معنى واحد غير مختلف ‪( :‬وما يذكر) بذلك‬
‫العلم الواحد المفصل في التفاصيل المتشابهة المتكثرة إل الذين صفت‬
‫عقولهم بنور الهداية وجردت عن قشر الهوى والعادة‪( : .‬ربنا ل تزغ قلوبنا)‬
‫عن التوجه إلى جنابك‪ ،‬والسعي في طلب لقائك‪ ،‬والوقوف ببابك‪ ،‬بالفتتان‬
‫بحب الدنيا وغلبة الهوى‪ ،‬والميل إلى النفس وصفاتها‪ ،‬والوقوف مع‬
‫حظوظها ولذاتها ‪( :‬بعد إذ هديتنا) بنورك إلى صراطك المستقيم‪ ،‬والدين‬
‫القويم‪ ،‬وبسبحات وجهك إلى جمالك الكريم ‪( :‬وهب لنا من لدنك‬
‫رحمة) رحيمية تمحو صفاتنا بصفاتك وظلماتنا بأنوارك ‪( :‬إنك أنت الوهاب) ‪:‬‬
‫(ربنا إنك جامع الناس ليوم ل ريب فيه) أي ‪ :‬يجمعهم ليوم الجمع الذي هو‬
‫الوصول إلى مقام الوحدة الجامعة للخلئق أجمعين الولين والخرين‪ ،‬فل‬
‫يبقى لهم شك في مشهدهم ذلك ‪( :‬لن تغني عنهم أموالهم ول أولدهم من‬
‫الله شيئًا) بل هي سبب حجابهم وبعدهم من الله وتعذيبهم بعذابه لشدة‬
‫تعلقهم بهم ومحبتهم إياهم‪] .‬تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 13‬إلى آية‬
‫‪( : 14‬قد كان لكم آية) يا معشر السالكين دالة على كمالكم وبلوغكم إلى‬
‫التوحيد ‪( :‬في فئتين التقتا فئة) القوى الروحانية الذين هم أهل الله‬
‫وجنوده ‪( :‬تقاتل في سبيل الله وأخرى) هي جنود النفس وأعوان‬
‫الشياطين محجوبة عن الحق‪ .‬ترى الفئة الولى‪ ،‬مع قلة عددهم‪ ،‬مثليهم عند‬
‫التقائهما في معركة البدن لتأييد الفئة الولى بنور الله وتوفيقه وخذلن‬
‫الفئة الثانية وذلهم وعجزهم وضعفهم وانقطاعهم عن عالم اليد والقدرة‪.‬‬
‫فغلبت الولى الثانية وقهروهم بتأييد الله ونصره‪ ،‬وصرفوا أموالهم التي‬
‫هي مدركاتهم ومعلوماتهم في سبيل معرفة الله وتوحيده ‪( :‬والله يؤيد‬
‫بنصره من يشاء) من أهل عنايته المستعدين للقائه ‪( :‬إن في ذلك لعبرة) أي‬
‫‪ :‬اعتبارا ً أو أمرا ً يعتبر به في الوصول إلى الحقيقة للمستبصرين الذين‬
‫انفتحت أعين بصائرهم واكتحلت بنور اليقان العلمي من أهل الطريقة‬
‫يعتبرون به أحوالهم في النهاية‪( : .‬زين للناس حب الشهوات) لن النسان‬
‫مركب من العالم العلوي والسفلي‪ ،‬ومن نشأته وولدته تحجبت فطرته‬
‫وخمدت نار غريزته وانطفأ نور بصيرته بالغشاوات الطبيعية والغواشي‬
‫البدنية‪ ،‬والماء الجاج من اللذات الحسية‪ ،‬والرياح العواصف من الشهوات‬
‫الحيوانية‪ ،‬فبقي مهجورا ً من الحق في أوطان الغربة وديار الظلمة يسار به‪،‬‬
‫مبلوا ً بأنواع النصب والتعب‪ ،‬فإذا هو بشعشعة نور من التميز ولمعان برق‬
‫من عالم العقل‪ ،‬وداع ينادينه من الهوى والشيطان‪ ،‬فتبعه فصادف منزل ً‬
‫نزهًا‪ ،‬وروضة أنيقة‪ ،‬فيها ما تشتهي النفس وتلذ العين‪ ،‬فاستوطنه وشكر‬
‫سعيه ورضيه مسكنا ً وقال ‪) % :‬عند الصباح يحمد القوم السري ‪ %‬والداعي‬
‫قد هيئ له القرى( ‪ %‬فذلك حب الشهوات‪ ،‬أي ‪ :‬المشتهيات المذكورة‬
‫وتزيينها له وهو تمتيع له بحسب ما فيه من العالم السفلي‪ ،‬وكمال لحياته‬
‫حجب به من تمتيع الحياة الخرى وكمالها‪ ،‬بحسب ما فيه من العالم العلوي‪،‬‬
‫ولم يتنبه على أنها أبهى وألذ وأصفى مع ذلك وأبقى‪ ،‬وهو معنى قوله ‪( : :‬‬
‫والله عنده حسن المآب)‪ .‬فإن أدركه التوفيق اللهي والتنبيه السري‪،‬‬
‫وقارنه النباء النبوي كما قال ‪( : :‬قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) انبعث من‬
‫باطنه شوق وعشق لحركة العلوي إلى مركزه‪ ،‬واشتعلت ناره التي قد‬
‫خمدت‪ ،‬وتتتابع عليه لوامع النوار اللهية وطوالع الشراقات القدسية‪،‬‬
‫فاستنار نور بصيرته الذي قد انطفأ‪ ،‬ورقت الحجب التي منعت فطرته عن‬
‫طلب المقر والمأوى‪ ،‬وتنغص عيشه الذي هو فيه فتكدر ما هو عليه‪،‬‬
‫واستظلم ما كان قد استصفاه من الحياة الدنيا وسكنت في نفسه سورة‬
‫الهوى بغلبة الجزء الروحاني على الجسماني‪ ،‬وذاق طعم ماء فرات الحياة‬
‫الحقيقية فلم يصبر على الملح الجاج وباشر قلبه خطرات اليقين بجريعات‬
‫شربها من الماء المعين‪ ،‬فعلم أنه كان أكمن في سرب من الرض‪،‬‬
‫فاستلمع ضوء الكواكب ليل ً وظنه نهارًا‪ ،‬فخرج فإذا هو ببرية فيها ماء زعاق‬
‫وأنواع من الحشائش كالخمخم والجرجير ونحوها‪ ،‬فظنها رياحين وثمارًا‪،‬‬
‫فجلس بما وجد عن ضياء الشمس وألوان الطيب والفواكه‪ ،‬فعزم على‬
‫رحيل الوبة وغشيته وحشة الغربة‪ ،‬فانتقى ما استطاب واستحلى‪ ،‬ثم سار‬
‫وخلى حتى إذا أضاء نور صبح عين اليقين‪ ،‬وحان وقت طلوع شمس الوحدة‪،‬‬
‫رأى جنة تحير فيها بصره ودهش في وصفها عقله‪ ،‬وكان ما كان مما ل عين‬
‫رأت‪ ،‬ول أذن سمعت‪ ،‬ول خطر على قلب بشر‪ .‬فإذا أفاق وقد طلعت‬
‫الشمس‪ ،‬وجد فيها ألفا ً وأحبابا ً وعرف أنه كان له مثوى ومآبًا‪ ،‬ورجع إليه‬
‫النس‪ ،‬ونزل محلة القدس‪ ،‬بدار القرار في جوار الملك الغفار‪ ،‬وأشرقت‬
‫عليه سبحات وجهه الكريم‪ ،‬وحل بقلبه روح الرضا العميم‪ ،‬وذلك معنى قوله‬
‫‪( : :‬للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها النهار) إلى قوله ‪( : :‬والله‬
‫بصير بالعباد)‪ ،‬فالجنات جنات الفعال‪ ،‬والزواج أصناف روحانيات عالم‬
‫القدس‪ ،‬والرضوان جنات الصفات‪( : .‬الذين يقولون ربنا إننا آمنا) بأنوار‬
‫أفعالك وصفاتك ‪( :‬فاغفر لنا ذنوبنا) أي ‪ :‬ذنوب وجوداتنا بذاتك ‪( :‬وقنا‬
‫عذاب النار) أي ‪ :‬نار الهجران ووجود البقية ‪( :‬الصابرين) على غصص‬
‫المجاهدة والرياضة ‪( :‬والصادقين) في المحبة والرادة ‪( :‬والقانتين) في‬
‫السلوك إليه وفيه ‪( :‬والمنفقين) ما عداه من أموالهم وأفعالهم وصفاتهم‬
‫ونفوسهم وذواتهم ‪( :‬والمستغفرين) عن ذنوب تلويناتهم وبقياتهم في‬
‫أسحار أيام التجليات النورية عند طلوع طوالع النوار‪ ،‬وظهور تباشير صبح‬
‫يوم القيامة الكبرى بالفق العلى‪ ،‬فأجابهم وقت طلوع شمس الذات من‬
‫مغرب وجودهم‪ ،‬فلم يبق مغربا ً بقوله ‪( :‬شهد الله أنه ل إله إل هو) طلع‬
‫الوجه الباقي‪ ،‬فشهد بذاته في مقام الجمع على وحدانيته‪ ،‬إذ لم يبق شاهد‬
‫ول مشهود غيره‪ .‬ثم رجع إلى مقام التفصيل فشهد بنفسه مع غيره على‬
‫وحدانيته في ذلك المشهد فقال ‪( : :‬والملئكة وأولو العلم قائما‬
‫بالقسط) أي ‪ :‬مقيما ً للعدل في تفاصيل مظاهره‪ ،‬وصور كثرتها الذي هو‬
‫ظل الوحدة في غير الجمع بإعطاء كل ذي حق بحسب استعداده واستحقاقه‬
‫حقه من جوده وكماله وتجليه فيه على قدر سعة وعائه ‪( :‬ل إله إل هو) في‬
‫المشهدين ‪( :‬العزيز) القاهر الذي يقهر كل شيء باعتبار الجمع فل يصل‬
‫إليه أحد ‪( :‬الحكيم) الذي يدبر بحكمته كل شيء‪ ،‬فيعطيه ما يليق به باعتبار‬
‫التفصيل‪( : .‬إن الدين عند الله) هو هذا التوحيد الذي قرره بنفسه‪ .‬فإن دينه‬
‫دين إسلم الوجوه كما قال إبراهيم ‪ ' : e‬أسلمت وجهي لله ' أي ‪ :‬نفسي‬
‫وجملتي‪ ،‬وانخلعت عن أنانيتي‪ ،‬ففنيت فيه‪ .‬وأمر الله تعالى حبيبه عليه ‪e‬‬
‫فيما بعد بقوله ‪( : :‬فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن)‪( : .‬إن‬
‫الذين يكفرون بآيات الله) أي ‪ :‬المحجوبين عن الدين ‪( :‬ويقتلون النبيين‬
‫بغير حق) لكونهم محجوبين بدينهم ل يقبلون إل ما هم عليه من التقيد‬
‫والتقليد‪ ،‬والنبياء دعوهم إلى التوحيد ومنعوهم عن التقيد فقتلوهم ‪( :‬‬
‫ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس) من أتباعهم‪ ،‬إذ العدل ظل‬
‫التوحيد‪ ،‬فمن لم يكمل له ل يمكنه العدل‪ ،‬وهم قد حجبوا بتقييدهم بدينهم‪،‬‬
‫فقد حجبوا بظلمهم عن العدل فخالفوهم وقتلوهم‪( : .‬أولئك الذين حبطت‬
‫أعمالهم) التي عملوها على دين نبيهم‪ ،‬لنهم كانوا بتقليد نبيهم ناجين‬
‫بالمتابعة‪ ،‬وأنبياؤهم كانوا شفعاءهم بتوسطهم بينهم وبين الله في وصول‬
‫الفيض إليهم‪ ،‬فإذا أنكروا النبيين وأتباعهم العادلين فقد خالفوا نبيهم لن‬
‫النبياء كلهم على ملة واحدة في الحقيقة هي ملة التوحيد‪ ،‬ل نفرق بين‬
‫أحد منهم في كونهم على الحق فمن خالف واحدا ً فقد خالف الكل‪ ،‬وكذا‬
‫من خالف أهل العدل من أتباع النبيين فقد ظلم‪ ،‬ومن ظلم فقد خرج‬
‫بظلمة عن المتابعة وأيضا ً فمنكر التباع منكر المتبوعين‪ ،‬ومنكر الظل منكر‬
‫الذات خارج عن نورها‪ .‬وإذا خالفوا نبيهم لم يبق بينهم وبينه من الوصلة‬
‫والمناسبة ما تمكن به الستفاضة من نوره‪ ،‬فحجبوا عن نوره وكانت‬
‫أعمالهم منورة بنوره لجل المتابعة‪ ،‬ل نور ذاتي لها‪ ،‬إذ لم تكن صادرة عن‬
‫يقين‪ ،‬فإذا زال نورها العارضي باحتجابهم عن نبيهم فقد أظلمت وصارت‬
‫كسائر السيئات من صفات النفس المارة‪ ،‬وفيه ما سمعت غير مرة من‬
‫قتل كفار قوي النفس المارة أنبياء القلوب والمرين بالقسط من القوى‬
‫الروحانية‪] .‬تفسير سورة آل عمران آية ‪( : [26‬قل اللهم مالك الملك) تملك‬
‫ملك عالم الجسام مطلقًا‪ ،‬تتصرف فيه ل مالك ول متصرف ول مؤثر فيه‬
‫غيرك ‪( :‬تؤتي الملك من تشاء) تجعله متصرفا ً في بعضه ‪( :‬وتنزع الملك‬
‫ممن تشاء) بجعل التصرف في يد غيره ول غير ثمة بل تقلبه من يد إلى يد‪،‬‬
‫فأنت المتصرف فيه على كل حال بحسب اختلف المظاهر ‪( :‬وتعز من‬
‫تشاء) بإلقاء نور من أنوار عزتك عليه فإن العزة لله جميعا ً ‪( :‬وتذل من‬
‫تشاء) بسلب لباس عزتك عنه فيبقى ذليل ً ‪( :‬بيدك الخير) كله‪ ،‬وأنت القادر‬
‫مطلقًا‪ ،‬تعطي على حسب مشيئتك‪ ،‬تتجلى تارة على بعض المظاهر بصفة‬
‫العز والكبرياء‪ ،‬فتكسوه لباس العز والبهاء‪ ،‬وتارة بصفة القهر والذلل‬
‫ل‪ ،‬وتارة بصفة‬ ‫فتكسوه لباس الهوان والصغار‪ ،‬وتارة بصفة المعز فتكون مذ ً‬
‫المذل فتكون معزًا‪ ،‬وتارة بصفة الغني فتعطي المال‪ ،‬وتارة بصفة المغني‬
‫فتفقره‪ ،‬أي ‪ :‬تجعله مستغنيا ً عن المال‪ ،‬فقيرا ً ل يحتاج إلي شيء‪( .‬تولج‬
‫الليل في النهار وتولج النهار في الليل) تدخل ظلمة النفس في نور القلب‬
‫فيظلم‪ ،‬وتدخل نور القلب في ظلمة النفس فتستنير بخلطهما معا ً مع بعد‬
‫المناسبة بينهما ‪( :‬وتخرج الحي) أي ‪ :‬حي القلب ‪( :‬من الميت) أي ‪ :‬من‬
‫ميت النفس‪ ،‬وميت النفس من حي القلب‪ ،‬بل تخرج حي العلم والمعرفة‬
‫من ميت الجهل‪ ،‬وتخرج ميت الجهل من حي العلم تحجبه عن النور‪ ،‬كحال‬
‫بلعم بن باعورا ‪( :‬وترزق من تشاء) من النعمة الظاهرة والباطنة جميعًا‪ ،‬أو‬
‫من إحداهما ‪( :‬بغير حساب) ‪( :‬ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون‬
‫المؤمنين) إذ ل مناسبة بينهم في الحقيقة‪ ،‬والولية ل تكون إل بالجنسية‬
‫والمناسبة‪ ،‬فحينئذ ل يمكن أن تكون المحبة بينهم ذاتية‪ ،‬بل مجعولة‬
‫مصنوعة بالتصنع والرياء والنفاق وهي خصال مبعدة عن الحق إذ كلها حجب‬
‫ظلمانية ولو لم يكن فيهم ظلمة تناسب حال الكفرة ما قدروا على‬
‫مخالطتهم ومصاحبتهم ‪( :‬ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) أي ‪:‬‬
‫من ولية الله في شيء‪ ،‬معتد به‪ ،‬إذ ليس فيهم نورية صافية يناسبون بها‬
‫الحضرة اللهية ‪( :‬إل أن تتقوا منهم تقاة) أي ‪ :‬إل أن تخافوا من جهتهم‬
‫أمرا ً يجب أن يتقى‪ ،‬فتوالوهم ظاهرا ً ليس في قلوبكم شيء من محبتهم‪،‬‬
‫وذلك أيضا ً ل يكون إل لضعف اليقين‪ .‬إذ لو باشر قلوبهم اليقين لما خافوا‬
‫إل الله تعالى وشاهدوا معنى قوله تعالى ‪( : :‬وإن يمسسك الله بضر فل‬
‫كاشف له إل هو وإن يردك بخير فل راد لفضله) ]يونس‪ ،‬الية ‪ [107 :‬فما‬
‫خافوا غيره ولم يرجوا غيره‪ ،‬ولذلك عقبه بقوله ‪( : :‬ويحذركم الله‬
‫نفسه) أي ‪ :‬يدعوكم إلى التوحيد العياني كي ل يكون حذركم من غيره بل‬
‫من نفسه ‪( :‬وإلى الله المصير) فل تحذروا إل إياه فإنه المطلع على‬
‫أسراركم وعلنياتكم‪ ،‬القادر على مجازاتكم إن توالوا أعداءه أو تخافوهم‬
‫سرا ً أو جهرًا‪ .‬تفسير سورة آل عمران آية ‪( : [30‬يوم تجد كل نفس) الية‪،‬‬
‫كل ما يعمله النسان أو يقوله يحصل منه أثر في نفسه وتنتقش نفسه به‬
‫وإذا تكرر صار النقش ملكة راسخة‪ ،‬وكذا ينتقش في صحائف النفوس‬
‫السماوية‪ ،‬لكنه مشغول عن هيئات نفسه ونقوشها بالشواغل الحسية‬
‫والدراكات الوهمية والخيالية‪ ،‬ل يفرغ إليها‪ ،‬فإذا فارقت نفسه جسدها ولم‬
‫يبق ما يشغلها عن هيئاتها ونقوشها وجدت ما عملت من خير أو شر‬
‫محضرًا‪ ،‬فإذا كان شرا ً تتمنى بعد ما بينها وبين ذلك اليوم أو ذلك العمل‬
‫لتعذيبها به‪ ،‬فتصير تلك الهيئات والنقوش صورتها إن كانت راسخة وإل‬
‫وجدت جزاءها بحسبها وتكرر ‪( :‬ويحذركم الله نفسه) تأكيدا ً لئل يعملوا ما‬
‫يستحقون به عقابه ‪( :‬والله رؤوف بالعباد) فلذا يحذرهم عن السيئات تحذير‬
‫الوالد المشفق لولده عما يوبقه‪] .‬تفسير سورة آل عمران آية[ ‪( : [31‬قل‬
‫إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) لما كان عليه ‪ e‬حبيبه فكل من‬
‫يدعي المحبة لزمه اتباعه لن محبوب المحبوب محبوب‪ ،‬فتجب محبة النبي‪،‬‬
‫ومحبته إنما تكون بمتابعته وسلوك سبيله قول ً وعمل ً وخلقا ً وحال ً وسيرة‬
‫وعقيدة‪ ،‬ول تمشي دعوى المحبة إل بهذا فإنه قطب المحبة ومظهره‬
‫وطريقته طلسم المحبة‪ ،‬فمن لم يكن له من طريقته نصيب لم يكن له من‬
‫المحبة نصيب‪ ،‬وإذا تابعه حق المتابعة ناسب باطنه وسره وقلبه ونفسه‬
‫باطن النبي ‪ e‬وسره وقلبه ونفسه وهو مظهر المحبة‪ .‬فلزم بهذه المناسبة‬
‫أن يكون لهذا المتابع قسط من محبة الله تعالى بقدر نصيبه من المتابعة‪،‬‬
‫فيلقي الله تعالى محبته عليه ويسري من باطن روح النبي ‪ e‬نور تلك‬
‫المحبة إليه‪ ،‬فيكون محبوبا ً لله‪ ،‬محبا ً له‪ ،‬ولو لم يتابعه لخالف باطنه باطن‬
‫النبي ‪ ،e‬فبعد عن وصف المحبوبية وزالت المحبية عن قلبه أسرع ما يكون‪،‬‬
‫إذ لو لم يحبه الله تعالى لم يكن محبا ً له ‪( :‬ويغفر لكم ذنوبكم) كما غفر‬
‫لحبيبه‪ .‬قال تعالى ‪( : :‬ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ]الفتح‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ [2‬وذنبه المتقدم ذاته‪ ،‬والمتأخر صفاته‪ ،‬فكذا ذنوب المتابعين كما قال‬
‫تعالى ‪ ' :‬ل يزال العبد يتقرب إلي‪ ' ....‬إلى آخر الحديث‪( : .‬والله‬
‫غفور) يمحو ذنوب صفاتكم وذواتكم ‪( :‬رحيم) يهب لكم وجودا ً وصفات‬
‫حقانية خيرا ً منها‪ .‬ثم نزل عن هذا المقام لنه أعز من الكبريت الحمر‪.‬‬
‫ودعاهم إلى ما هو أعم من مقام المحبة‪ ،‬وهو مقام الرادة‪] .‬تفسير سورة‬
‫آل عمران من آية ‪ 32‬إلى آيه ‪ [34‬فقال ‪( : :‬قل أطيعوا الله‬
‫والرسول) أي ‪ :‬إن لم تكونوا محبين ولم تستطيعوا متابعة حبيبي فل أقل‬
‫من أن تكونوا مريدين‪ ،‬مطيعين لما أمرتم به‪ ،‬فإن المريد يلزمه متابعة المر‬
‫وامتثال المأمور به ‪( :‬فإن تولوا فإن الله ل يحب الكافرين) أي ‪ :‬إن أعرضوا‬
‫عن ذلك أيضًا‪ ،‬فهم كفار منكرون محجوبون‪ ،‬والله ل يحب من كان كافرًا‪.‬‬
‫فبترك الطاعة يلزم الكفر‪ ،‬وبترك المتابعة ل يلزم‪ ،‬لن تارك المتابعة يمكن‬
‫أن يكون مطيعا ً بمتابعة المر‪ .‬ومعنى ‪( :‬أطيعوا الله والرسول) ‪ :‬أطيعوا‬
‫رسول الله ‪ e‬لقوله تعالى ‪( : :‬من يطع الرسول فقد أطاع الله) ]النساء‪،‬‬
‫الية ‪( : .[80 :‬إن الله اصطفى آدم ونوحا) الصطفاء أعم من المحبة‬
‫والخلة‪ ،‬فيشمل النبياء كلهم لنهم خيرة الله وصفوته‪ ،‬وتتفاضل فيه‬
‫مراتبهم‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) ]البقرة‪،‬‬
‫الية ‪ ،[253 :‬فأخص المراتب هو المحبة‪ ،‬وأشار إليه بقوله تعالى ‪( : :‬ورفع‬
‫بعضهم درجات) ]البقرة‪ ،‬الية ‪ [253 :‬فلذلك كان أفضلهم حبيب الله محمدا ً‬
‫‪ e‬ثم الخلة التي هي صفة إبراهيم ‪ ،u‬وأعمها الصطفاء‪ ،‬أي ‪ :‬صفة آدم ‪( : u‬‬
‫ذرية بعضها من بعض) في الدين والحقيقة‪ ،‬إذ الولية قسمان ‪ :‬صورية‬
‫ومعنوية‪ ،‬وكل نبي يتبع نبيا ً آخر في التوحيد والمعرفة‪ ،‬وما يتعلق بالباطن‬
‫من أصول الدين فهو ولده كأولد المشايخ في زماننا هذا‪ .‬وكما قيل ‪ :‬الباء‬
‫ثلثة ‪ :‬أب ولدك‪ ،‬وأب رباك‪ ،‬وأب علمك‪ .‬فكما أن وجود البدن في الولدة‬
‫الصورية يتولد في رحم أمه من نطفة أبيه‪ ،‬فكذلك وجود القلب في الولدة‬
‫الحقيقية يظهر في رحم استعداد النفس من نفحة الشيخ والمعلم‪ .‬وإلى‬
‫هذه الولدة أشار عيسى ‪ u‬بقوله ‪ ' :‬لن يلج ملكوت السموات من لم يولد‬
‫مرتين '‪ .‬واعلم أن الولدة المعنوية أكثرها يتبع الصورية في التناسل‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ثم ثمر شجرة واحدة‪ ،‬فإن عمران‬ ‫ولذلك كان النبياء في الظاهر أيضا ً نس ً‬
‫بن يصهر أبا موسى وهارون كان من أسباط لوي بن يعقوب بن إسحاق بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬وعمران بن ماثان أبا مريم أم عيسى ‪ u‬كان من أسباط يهود بن‬
‫يعقوب‪ ،‬وكون محمد عليه ‪ e‬من أسباط إسماعيل بن إبراهيم مشهور وكذا‬
‫كون إبراهيم من نوح ‪ .u‬وسببه أن الروح في الصفاء والكدورة يناسب‬
‫المزاج في العتدال وعدمه وقت التكون‪ ،‬فلكل مزاج يناسبه ويخصه‪ ،‬إذ‬
‫الفيض يصل بحسب المناسبة وتفاوت الرواح في الزل بحسب صنوفها‬
‫ومراتبها في القرب والبعد‪ ،‬فتتفاوت المزجة بحسبها في البد لتتصل بها‪.‬‬
‫والبدان المتناسلة بعضها من بعض متشابهة في المزجة على الكثر‪ ،‬اللهم‬
‫إل لمور عارضة اتفاقية‪ ،‬فكذلك الرواح المتصلة بها متقاربة في الرتبة‪،‬‬
‫متناسبة في الصفة‪ .‬وهذا مما يقوي أن المهدي ‪ u‬من نسل محمد (والله‬
‫سميع) حين قالت امرأة عمران ‪( : :‬رب إني نذرت) إلى قولها ‪( : :‬‬
‫عليم) بنيتها كما شهدت بقولها ‪( :‬إنك أنت السميع العليم)‪ .‬واعلم أن النيات‬
‫وهيئات النفس مؤثرة في نفس الولد‪ ،‬كما أن الغذية مؤثرة في بدنه‪ .‬فمن‬
‫كان غذاؤه حلل ً طيبا ً وهيئات نفسه نورية ونياته صادقة حقانية‪ ،‬جاء ولده‬
‫مؤمنا ً صديقا ً أو وليا ً أو نبيًا‪ .‬ومن كان غذاؤه حراما ً وهيئات نفسه ظلمانية‬
‫خبيثة ونياته فاسدة رديئة جاء ولده فاسقا ً أو كافرا ً خبيثًا‪ .‬إذ النطفة التي‬
‫يتكون الولد منها متولدة من ذلك الغذاء‪ ،‬مرباة بتلك النفس‪ ،‬فتناسبها‪.‬‬
‫ولهذا قال رسول الله ‪ ' : e‬الولد سر أبيه '‪ ،‬فكان صدق مريم وبنوة عيسى‬
‫عليهما السلم بركة صدق أبيها ‪( :‬وجد عندها رزقا) يجوز أن يراد به الرزق‬
‫الروحاني من المعارف والحقائق والعلوم والحكم الفائضة عليها من عند‬
‫الله‪ ،‬إذ الختصاص بالعندية يدل على كونها من الرزاق اللدنية‪] .‬تفسير‬
‫سورة آل عمران من آية ‪ 38‬إلى آية ‪( : [42‬هنالك دعا زكريا ربه) كان زكريا‬
‫شيخا ً هرمًا‪ ،‬وكان مقدما ً للناس‪ ،‬إمامًا‪ ،‬طلب من ربه ولدا ً حقيقيا ً يقوم‬
‫مقامه في تربية الناس وهدايتهم كما أشار إليه في سورة )كهيعص( فوهب‬
‫له يحيى من صلبه بالقدرة‪ ،‬بعدما أمر باعتكاف ثلثة أيام ولك التأويل‬
‫بالتطبيق على أحوالك وتفاصيل وجودك كما علمت‪ ،‬وهو أن الطبيعة‬
‫الجسمانية‪ ،‬أي ‪ :‬القوة البدنية‪ .‬امرأة عمران الروح نذرت ما في قوتها من‬
‫النفس المطمئنة لله تعالى بانقيادها لمر الحق ومطاوعتها له‪ ،‬فوضعت‬
‫أنثى النفس فكفلها الله‪ ،‬زكريا الفكر‪ ،‬بعدما تقبلها لكونها زكية‪ ،‬قدسية‪،‬‬
‫فكلما دخل عليها زكريا الفكر محراب الدماغ وجد عندها رزقا ً من المعاني‬
‫الحدسية التي انكشفت عليها بصفائها من غير امتياز الفكر إياها‪ .‬فهنالك‬
‫دعا زكريا الفكر‪ ،‬تركيب تلك المعاني واستوهب من الله ولدا ً طيبا ً مقدسا ً‬
‫عن لوث الطبيعية‪ ،‬فسمع الله دعاءه‪ ،‬أي ‪ :‬أجاب‪ ،‬فنادته ملئكة القوى‬
‫الروحانية وهو قائم بأمره في تركيب المعلومات‪ ،‬يناجي ربه باستنزال‬
‫النوار‪ ،‬ويتقرب إليه بالتوجه إلى عالم القدس في محراب الدماغ‪( : .‬أن‬
‫الله يبشرك بيحيى) العقل بالفعل ‪( :‬مصدقا) بعيسى القلب‪ ،‬مؤمنا ً به‪ ،‬وهو‬
‫كلمة من الله لتقدسه عن عالم الجرام والتولد عن المواد ‪( :‬وسيدا) لجميع‬
‫أصناف القوى ‪( :‬وحصورا) مانعا ً نفسه عن مباشرة الطبيعة الجسمانية‬
‫وملبسة طبائع القوى البدنية ‪( :‬ونبيا) بالخبار عن المعارف والحقائق‬
‫الكلية‪ ،‬وتعليم الخلق الجميلة‪ ،‬والتدابير السديدة بأمر الحق ‪( :‬من‬
‫الصالحين)‪ .‬ومن جملة المفارقات والمجردات التي تصلح بأفعالها أن تكون‬
‫من مقربي حضرة الله تعالى بعد أن بلغ الفكر كبر منتهى طوره ولم يكن‬
‫منتهيا ً إلى إدراك الحقائق القدسية‪ ،‬والمعارف الكلية‪ .‬وكانت امرأته التي‬
‫هي طبيعة الروح النفسانية لنها محل تصرف الفكر عاقرا ً بالنور المجرد‪.‬‬
‫وعلمة ذلك‪ ،‬أي ‪ :‬علمة حصول النور المجرد وظهوره من النفس الزكية‪،‬‬
‫إمساكه عن مكالمة القوى البدنية في تحصيل مطالبهم ومآربهم‬
‫ومخالطتهم في فضول لذاتهم وشهواتهم ثلثة أيام‪ ،‬كل يوم عقد تام من‬
‫أطوار عمره عشر سنين‪ ،‬إل أن يرمز إليهم بإشارة خفية‪ ،‬ويأمرهم‬
‫بتسبيحهم المخصوص بكل واحد منهم من غير أن يدنو منهم في مقاصدهم‪،‬‬
‫وأن يشتغل في اليام الثلثة التي مداها ثلثون سنة من ابتداء سن التمييز‪،‬‬
‫الذي هو العشر الول‪ ،‬بذكر ربه في محراب الدماغ والتسبيح المخصوص به‬
‫دائمًا‪] .‬تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 42‬إلى آية ‪ [46‬وكذا قالت ملئكة‬
‫القوى الروحانية لمريم النفس الزكية الطاهرة‪( : .‬إن الله‬
‫اصطفاك) لتنزهك عن الشهوات ‪( :‬وطهرك) عن رذائل الخلق والصفات‬
‫المذمومة ‪( :‬واصطفاك على نساء) نفوس الشهوانية الملونة بالفعال‬
‫الذميمة والملكات الرديئة ‪( :‬يا مريم) أطيعي لربك بوظائف الطاعات‬
‫والعبادات ‪( :‬واسجدي) في مقام النكسار والذل والفتقار والعجز‬
‫والستغفار ‪( :‬واركعي) في مقام الخضوع والخشوع مع الخاضعين‪( .‬ذلك‬
‫من أنباء الغيب) أي ‪ :‬أحوال غيب وجودك ‪( :‬نوحيه إليك) يا نبي الروح ‪( :‬وما‬
‫كنت لديهم) لدى القوى الروحانية والنفسانية‪ ،‬أي ‪ :‬في رتبتهم‬
‫ومقامهم ‪( :‬إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم) أي ‪ :‬يتسابقون في‬
‫سهامهم ويتبادرون في حظوظهم أيهم يدبر مريم النفس ويكفلها بحسب‬
‫رأيه ومقتضى طبعه يترأس عليها ويأمرها بما يراه من مصلحة أمره ‪( :‬وما‬
‫كنت لديهم) في مقام الصدور الذي هو محل نزاع القوى الروحانية‬
‫والنفسانية ومحل نزاعهم الذي هو الصدر ‪( :‬إذ يختصمون) يتنازعون‬
‫ويتجاذبون في طلب الرياسة عند ظهوره قبل الرياضة وفي حالها‪ ،‬إذ غلبت‬
‫ملئكة القوى الروحانية بتوفيق الحق بعد الرياضة‪ .‬وقالت لمريم‬
‫النفس ‪( : :‬إن الله يبشرك بكلمة) القلب موهوبا ً ‪( :‬منه اسمه المسيح) لنه‬
‫يمسحك بالنور ‪( :‬وجيها في الدنيا) لدراكه الجزئيات وتدبير مصالح المعاش‬
‫أجود وأصفى وأصوب ما يكون‪ ،‬فيطيعه ويذعن له‪ ،‬ويحتشمه ويعظمه‪ ،‬أنس‬
‫القوى الظاهرة وجن القوى الباطنة ‪( :‬و) في ‪( :‬الخرة) لدراكه المعاني‬
‫الكلية والمعارف القدسية وقيامه بتدبير المعاد والهداية إلى الحق‪ ،‬فنعطيه‬
‫ملكوت سماء الروح‪ ،‬ونكرمه‪ .‬ومن جملة مقربي حضرة الحق قابل ً لتجلياته‬
‫ومكاشفاته ‪( :‬ويكلم الناس) في مهد البدن ‪( :‬وكهل) بالغا ً إلى قرب طور‬
‫شيخ الروح‪ ،‬غالبا ً عليه بياض نوره ‪( :‬ومن الصالحين) لمقام المعرفة‪.‬‬
‫]تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 47‬إلى آية ‪ 51‬ي ‪( :‬قالت رب أنى يكون‬
‫لي ولد) تعجب النفس من حملها وولدتها من غير أن يمسها بشر‪ ،‬أي من‬
‫غير تربية شيخ وتعليم معلم بشري‪ ،‬وهو معنى بكارتها ‪( :‬قال كذلك الله‬
‫يخلق ما يشاء) أي ‪ :‬يصطفي من شاء بالجذب والكشف ويهب له مقام‬
‫القلب من غير تربية وتعليم كما هو حال المحبوبين وبعض المحبين‪( : .‬‬
‫ويعلمه) بالتعليم الرباني‪ ،‬كتاب العلوم المعقولة‪ ،‬وحكم الشرائع‪ ،‬ومعارف‬
‫الكتب اللهية من التوراة والنجيل‪ ،‬أي معارف الظاهر والباطن ‪( :‬‬
‫ورسول) إلى المستعدين الروحانيين من أسباط يعقوب الروح ‪( :‬أني قد‬
‫جئتكم بآية من ربكم) تدل على أني آتيكم من عنده ‪( :‬أني أخلق‬
‫لكم) بالتربية والتزكية والحكمة العملية من طين نفوس المستعدين‬
‫الناقصين ‪( :‬كهيئة الطير) الطائر إلى جناب القدس من شدة الشوق ‪( :‬‬
‫فأنفخ فيه) من نفث العلم اللهي ونفس الحياة الحقيقية بتأثير الصحبة‬
‫والتربية ‪( :‬فيكون طيرا) أي ‪ :‬نفسا ً حية طائرة بجناح الشوق والهمة إلى‬
‫جناب الحق ‪( :‬وأبرئ الكمه) المحجوب عن نور الحق الذي لم تنفتح عين‬
‫بصيرته قط ولم تبصر شمس وجه الحق ول نوره ولم يعرف أهله بكحل نور‬
‫الهداية ‪( :‬والبرص) المعيوب نفسه بمرض الرذائل والعقائد الفاسدة ومحبة‬
‫الدنيا ولوث الشهوات بطب النفوس ‪( :‬وأحيي) موتى الجهل بحياة العلم ‪( :‬‬
‫بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون) تتناولون من مباشرة الشهوات واللذات ‪( :‬وما‬
‫تدخرون في بيوتكم) أي ‪ :‬في بيوت غيوبكم من الدواعي والنيات ‪( :‬إن في‬
‫ذلك لية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة) أي ‪ :‬من‬
‫توراة علم الظاهر ‪( :‬ولحل لكم بعض الذي حرم عليكم) من أنوار‬
‫الباطن ‪( :‬وجئتكم بآية) بدليل ‪( :‬من ربكم) هو التوحيد الذي لم يخالفني‬
‫فيه نبي قط ‪( :‬فاتقوا الله) في مخالفتي‪ ،‬فإني على الحق ‪( :‬‬
‫وأطيعون) في دعوتكم إلى التوحيد‪] .‬تفسير سورة آل عمران من آية ‪52‬‬
‫إلى آية ‪( : [55‬فلما أحس عيسى) القلب من القوى النفسانية ‪( :‬‬
‫الكفر) الحتجاب والنكار والمخالفة ‪( :‬قال من أنصاري إلى الله) أي ‪:‬‬
‫اقتضى من القوة الروحانية نصرته عليهم في التوجه إلى الله ‪( :‬قال‬
‫الحواريون) أي ‪ :‬صفوته وخالصته من الروحانيات المذكورة ‪( :‬نحن أنصار‬
‫الله آمنا بالله) بالستدلل وبالتنور بنور الروح ‪( :‬واشهد بأنا‬
‫مسلمون) مذعنون منقادون ‪( :‬ربنا آمنا بما أنزلت) من علم التوحيد وفيض‬
‫النور ‪( :‬واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) الحاضرين لك‪ ،‬المراقبين‬
‫لمرك‪ ،‬أو من الشاهدين على وحدانيتك‪( : .‬ومكروا) أي ‪ :‬الوهام والخيالت‬
‫في اغتيال القلب وإهلكه بأنواع التسويلت ‪( :‬ومكر الله) بتغليب الحجج‬
‫العقلية‪ ،‬والبراهين القاطعة عن تخيلتها وتشكيكاتها ورفع عيسى القلب‬
‫إلى سماء الروح‪ ،‬وألقى شبهه على النفس ليقع اغتيالهم ‪( :‬والله خير‬
‫الماكرين) إذا غلب مكره‪ .‬وقال لعيسى ‪( : :‬إني متوفيك) أي ‪ :‬قابضك إلي‬
‫من بينهم ‪( :‬ورافعك إلي) أي ‪ :‬إلى سماء الروح في جواري ‪( :‬ومطهرك‬
‫من) رجز جوار ‪( :‬الذين كفروا) من القوى الخبيثة ومكرهم وخبث صحبتهم ‪:‬‬
‫(وجاعل الذين اتبعوك) من الروحانيين ‪( :‬فوق الذين كفروا) من‬
‫النفسانيات إلى يوم القيامة الكبرى والوصول إلى مقام الوحدة ‪( :‬ثم( ‪( :‬‬
‫يومئذ) )إلي مرجعكم فأحكم بينكم( ‪( :‬بالحق) )فيما كنتم فيه‬
‫تختلفون) قبل الوحدة من التجاذب والتنازع الواقع من القوى‪ .‬فأقر كل في‬
‫مقره هناك وأعطيه ما يليق به من عندي فيرتفع التخالف والتنازع‪] .‬تفسير‬
‫سورة آل عمران من آية ‪ 56‬إلى آية ‪( : [58‬فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا ً‬
‫شديدًا) بالحرمان عن مقام القلب‪ ،‬والحتجاب بهيئات أعمالهم ‪( :‬وأما الذين‬
‫آمنوا) من الروحانيات ‪( :‬وعملوا الصالحات) من أنواع التزكية والتحلية‬
‫والتصفية في إعانة القلب على النفس ومتابعته في التوجه إلى الحق ‪( :‬‬
‫فيوفيهم أجورهم) من النوار القدسية والشراقات الروحية عليهم ‪( :‬والله‬
‫ل يحب) الذين ينقصون الجور من الحقوق‪ .‬وأما التأويل بغير التطبيق‪ ،‬فهو‬
‫أنهم مكروا ببعث من يغتال عيسى ‪ ،u‬فشبه لهم صورة جسدانية هي مظهر‬
‫عيسى روح الله ‪ u‬بصورة حقيقة عيسى‪ ،‬فظنوها عيسى فقتلوها وصلبوها‪،‬‬
‫والله رفع عيسى ‪ u‬إلى السماء الرابعة لكون روحه ‪ u‬فائضا ً من روحانية‬
‫الشمس‪ ،‬ولم يعلموا لجهالتهم أن روح الله ل يمكن قتله‪ .‬ولما تيقن حاله‬
‫قبل الرفع قال لصحابه ‪ ' :‬إني ذاهب إلى أبي وأبيكم السماوي '‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫أتطهر من عالم الرجس‪ ،‬وأتصل بروح القدس الواهب الصور‪ ،‬المفيض‬
‫للرواح والكمالت‪ ،‬المربي للناس بالنفث في الروح‪ ،‬فأمدكم من فيضه‪.‬‬
‫وكان إذ ذاك ل تقبل دعوته ول يتبع مثله‪ ،‬فأمر الحواريين بالتفرق بعده في‬
‫البلد والدعوة إلى الحق‪ ،‬فقالوا ‪ :‬كيف ذاك إذا لم تكن معنا ؟ والن أنت‬
‫بين أظهرنا ول تجاب دعوتنا ؟ قال ‪ ' :‬علمة إمدادي إياكم قبول الخلق‬
‫دعوتكم بعدي '‪ .‬فلما رفع لم يدع أصحابه أحدا ً إل أجابهم‪ ،‬وظهر لهم‬
‫القبول في الخلق‪ ،‬وعلت كلمتهم‪ ،‬وانتشر دينهم في أقطار الرض‪ .‬ولما لم‬
‫يصل إلى السماء السابعة التي عرج بمحمد إليها‪ ،‬المعبر عنها ب ' سدرة‬
‫المنتهى ' أعني ‪ :‬مقام النهاية في الكمال‪ ،‬ولم ينل درجة المحبة‪ ،‬لم يكن‬
‫له بد من النزول مرة أخرى في صورة جسمانية‪ ،‬يتبع الملة المحمدية لنيل‬
‫درجتها‪ ،‬والله أعلم بحقائق المور‪] .‬تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 59‬إلى‬
‫آية ‪( : [60‬إن مثل عيسى) أي ‪ :‬إن صفته عند الله في إنشائه بالقدرة من‬
‫غير أب ‪( :‬كمثل آدم) في إنشائه من غير أبوين‪ .‬واعلم أن عجائب القدرة ل‬
‫تنقضي ول قياس ثمة على أن لتكون النسان من غير البوين نظيرا ً من‬
‫عالم الحكمة‪ ،‬فإن كثيرا ً من الحيوانات الناقصة الغريبة الخلقة تتولد خلقا ً‬
‫في ساعة‪ ،‬ثم تتناسل وتتوالد‪ ،‬فكذا النسان‪ ،‬يمكن حدوثه بالتولد في دور‬
‫من الدوار‪ ،‬ثم بالتولد‪ ،‬وكذا التكون من غير أب‪ ،‬فإن مني الرجل أحر كثيرا ً‬
‫من مني المرأة‪ ،‬وفيه القوة العاقدة أقوى كما في النفحة بالنسبة إلى‬
‫الجبن‪ ،‬والمنعقدة في مني المرأة أقوى‪ ،‬كما في اللبن فإذا اجتمعا تم‬
‫العقد وانعقد‪ ،‬ويتكون الجنين‪ .‬فيمكن وجود مزاج إناثي قوي يناسب المزاج‬
‫الذكوري كما يشاهد في كثير من النسوان‪ ،‬فيكون المتولد في كليتها‬
‫اليمنى بمثابة مني الذكر لفرط حرارته بمجاورة الكبد لمن مزاج كبدها‬
‫صحيح قوي الحرارة‪ ،‬والمتولد في كليتها اليسرى بمثابة مني النثى فإذا‬
‫احتملت المرأة لستيلء صورة ذكورية على خيالها في النوم واليقظة بسبب‬
‫اتصال روحها بروح القدس وبملك آخر‪ ،‬ومحاكاة الخيال‪ ،‬ذلك كما قال تعالى‬
‫‪( : :‬فتمثل لها بشرا سويا) ]مريم‪ ،‬الية ‪ [17 :‬سبق المنيان من الجانبين‬
‫إلى الرحم فتكون في المنصب من الجانب اليمن قوة العقد أقوى‪ ،‬وفي‬
‫المنصب من الجانب اليسر قوة النعقاد‪ ،‬فيتكون الجنين ويتعلق به الروح‪.‬‬
‫وقوله ‪( : :‬كن فيكون) إشارة إلى نفخ الروح وكونه من عالم المر ليس‬
‫مسبوقا ً بمادة ومدة‪ ،‬كخلق الجسد‪ ،‬فيتناسب آدم وعيسى بما ذكر في‬
‫اشتراكهما في خرق العادة وبكون جسديهما مخلوقين من تراب العناصر‪،‬‬
‫مسبوقين بمادة ومدة وكون روحهما مبدعا ً من عالم المر ليس مسبوقا ً‬
‫بمادة ومدة‪] .‬تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 61‬إلى آية ‪( : [63‬فمن حاجك‬
‫فيه) أي ‪ :‬في عيسى‪ ،‬الية‪ .‬إن لمباهلة النبياء تأثيرا ً عظيما ً سببه اتصال‬
‫نفوسهم بروح القدس وتأييد الله إياهم به‪ ،‬وهو المؤثر بإذن الله في العالم‬
‫العنصري فيكون انفعال العالم العنصري منه كانفعال بدننا من روحنا‬
‫بالهيئات الواردة عليه كالغضب والحزن والفكر في أحوال المعشوق وغير‬
‫ذلك من تحرك العضاء عند حدوث الرادات والعزائم وانفعال النفوس‬
‫البشرية منه كانفعال حواسنا وسائر قوانا من هيئات أرواحنا‪ .‬فإذا اتصل‬
‫نفس قدسي به أو ببعض أرواح أجرام السماوية والنفوس الملكوتية كان‬
‫تأثيرها في العالم عند التوجه التصالي تأثير ما يتصل به فتنفعل أجرام‬
‫العناصر والنفوس الناقصة النسانية منه بما أراد‪ .‬ألم تر كيف انفعلت‬
‫نفوس النصارى من نفسه ‪ e‬بالخوف وأحجمت عن المباهلة وطلبت‬
‫الموادعة بقبول الجزية‪( : .‬وما من إله إل الله) أي ‪ :‬ليس عيسى من اللهية‬
‫في شيء‪ ،‬فل يستحق العبادة بمجرد تجرد ذاته‪ ،‬فإن عالم الملكوت‬
‫والجبروت كله كذلك‪ .‬اتصال نفوسهم بروح القدس وتأييد الله إياهم به‪،‬‬
‫وهو المؤثر بإذن الله في العالم العنصري فيكون انفعال العالم العنصري‬
‫منه كانفعال بدننا من روحنا بالهيئات الواردة عليه كالغضب والحزن والفكر‬
‫في أحوال المعشوق وغير ذلك من تحرك العضاء عند حدوث الرادات‬
‫والعزائم وانفعال النفوس البشرية منه كانفعال حواسنا وسائر قوانا من‬
‫هيئات أرواحنا‪ .‬فإذا اتصل نفس قدسي به أو ببعض أرواح أجرام السماوية‬
‫والنفوس الملكوتية كان تأثيرها في العالم عند التوجه التصالي تأثير ما‬
‫يتصل به فتنفعل أجرام العناصر والنفوس الناقصة النسانية منه بما أراد‪.‬‬
‫ألم تر كيف انفعلت نفوس النصارى من نفسه ‪ e‬بالخوف وأحجمت عن‬
‫المباهلة وطلبت الموادعة بقبول الجزية‪( : .‬وما من إله إل الله) أي ‪ :‬ليس‬
‫عيسى من اللهية في شيء‪ ،‬فل يستحق العبادة بمجرد تجرد ذاته‪ ،‬فإن عالم‬
‫الملكوت والجبروت كله كذلك‪( .‬سواء بيننا وبينكم) أي ‪ :‬لم يختلف في كلمة‬
‫التوحيد نبي ول كتاب قط ‪( :‬وما كان لبشر أن يؤتيه الله) الية ‪ :‬الستنباء ل‬
‫يكون إل بعد مرتبة الولية والفناء في التوحيد‪ .‬ما ينبغي لبشر محا الله‬
‫بشريته بإفنائه عن نفسه وأثابه وجودا ً نورانيا ً حقانيا ً قابل ً للكتاب والحكمة‬
‫اللهية‪ ،‬ثم يدعو الخلق إلى نفسه‪ ،‬إذ الداعي إلى نفسه يكون محجوبا ً‬
‫بالنفس كفرعون وأضرابه من الذين علموا التوحيد وما وجدوه حال ً وذوقًا‪،‬‬
‫ولم يصلوا إلى العيان ونفوسهم باقية ما ذاقت طعم الفناء‪ ،‬فاحتجبوا بها‪،‬‬
‫فدعوا الخلق إلى نفوسهم وهم ممن قال فيهم رسول الله ‪ ' : e‬شر الناس‬
‫من قامت القيامة عليه وهو حي '‪( : .‬ولكن) يقول ‪( :‬كونوا‬
‫ربانيين) منسوبين إلى الرب لستيلء الربوبية عليهم وطمس البشرية‬
‫بسبب كونهم عالمين عاملين معلمين تالين لكتب الله‪ ،‬أي ‪ :‬كونوا عابدين‬
‫مرتاضين بالعلم والعمل والمواظبة على الطاعات حتى تصيروا ربانيين‬
‫بغلبة النور على الظلمة ‪( :‬ول يأمركم) بتعبد معين والتقيد بصورة‪ ،‬فإنه‬
‫حجاب وكفر ول يأمر النبي ‪ e‬بالحتجاب بعد إسلمكم الوجود لله‪ .‬تفسير‬
‫سورة آل عمران آية ‪( : [81‬وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) إلى آخره‪ ،‬إن بين‬
‫النبيين تعارفا ً أزليا ً بسبب كونهم أهل الصف الول‪ ،‬عرفاء بالله‪ ،‬وكل‬
‫عارف يعرف مقام سائر العرفاء ومتعهدهم من الله بعهد التوحيد عام لبني‬
‫آدم‪ ،‬كما ذكر‪ ،‬وعهد النبيين خاص بهم وبمن يعرفهم بحق المتابعة‪ ،‬فقد أخذ‬
‫الله من النبيين عهدين أحدهما ما ذكر في قوله ‪( : :‬وإذ أخذ ربك من بني‬
‫آدم) ]العراف‪ ،‬الية ‪ [172 :‬إلى آخره‪ .‬وثانيهما ما ذكر في قوله تعالى ‪( : :‬‬
‫وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى‬
‫ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا ً غليظا ً ‪] )7‬الحزاب‪ ،‬الية ‪ [7 :‬وهو عهد‬
‫التعارف بينهم‪ ،‬وإقامة الدين‪ ،‬وعدم التفرق به بتصديق بعضهم بعضا ً ودعوة‬
‫الحق إلى التوحيد‪ ،‬وتخصيص العبادة بالله تعالى‪ ،‬وطاعة النبي ‪ ،e‬وتعريف‬
‫بعضهم بعضا ً إلى أممهم وخصوصه بسبب أن معرفة الله تعالى في صورة‬
‫التفاصيل‪ ،‬وحجب الصفات‪ ،‬وتكثر المظاهر أدق وأخفى من معرفته في‬
‫عين الجمع وهم من رزق حق المتابعة عارفون بذلك وبأحكام تجليات‬
‫الصفات التي هي الشرائع خاصة دون من عداهم‪] .‬تفسير سورة آل عمران‬
‫من آية ‪ 82‬إلى آية ‪( : [84‬فمن تولى بعد ذلك) أي ‪ :‬بعدما علم عهد الله مع‬
‫النبيين وتبليغ النبياء إليه ما عهد الله إليهم ‪( :‬فأولئك هم‬
‫الفاسقون) الخارجون عن دين الله ول دين غيره معتد به في الحقيقة إل‬
‫توهما ً ‪( :‬أفغير دين الله يبغون) وكل من في السموات والرض يدين بدينه ‪:‬‬
‫(طوعا) كما عدا النسان والشيطان ‪( :‬وكرها) كالنسان والشيطان إذ الكفر‬
‫ل يسع موجودا ً سواهما‪ ،‬فكلهم ممتثلون لما أمرهم الله‪ ،‬طائعون‪ .‬والنسان‬
‫لحتجابه بإرادته ونسيانه عهد الله وقبوله لدعوة الشيطان لمناسبته إياه‬
‫بالظلمة النفسانية ل يؤمن ول ينقاد إل كرهًا‪ ،‬اللهم إل من عصمه الله‬
‫واجتباه‪ ،‬والشيطان لحتجابه بعجبه وأنيته في قوله ‪( :‬أنا خير‬
‫منه) ]العراف‪ ،‬الية ‪ [12 :‬وإبائه‪ ،‬واستكباره كفر‪ ،‬وهو مع ذلك يعلم‬
‫عصيانه ويؤمن كرهًا‪ ،‬ويتحقق أن كفره بإرادته تعالى وذلك عين اليمان‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪( : :‬كمثل الشيطان إذ قال للنسان اكفر فلما كفر قال إني‬
‫برئ منك إني أخاف الله رب العالمين ‪] )16‬الحشر‪ ،‬الية ‪ ،[16 :‬وقال تعالى‬
‫‪( : :‬وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من الناس‬
‫وإني جار لكم فلما ترآءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم‬
‫إني أرى ما ل ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ‪] )48‬النفال‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ ،[48‬وفي موضع آخر ‪( : :‬وقال الشيطان لما قضي المر إن الله وعدكم‬
‫وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إل أن دعوتكم‬
‫فاستجبتم لي فل تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم‬
‫بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل) ]إبراهيم‪ ،‬الية ‪ ،[22 :‬فهذه‬
‫اليات دالة على إيمانه ولكن حين ل ينفعه ‪( :‬وإليه ترجعون) في العاقبة‪،‬‬
‫فل يبقى دين غير دين الله بل الكل عند الرجوع يدين بدينه‪) % .‬كل يدين‬
‫بدين الحق لو فطنوا ‪ %‬وليس دين لغير الحق مشروع ‪.‬‬
‫ومن يبتغ غير السلم دينا) المراد من السلم ههنا ‪ :‬التوحيد الذي هو دين‬
‫الله في قوله ‪( : :‬أسلمت وجهي لله) وهو المذكور في الية التي قبلها‪،‬‬
‫وما وصف شموله لجميع الديان ويلزمه النقياد التام الطوعي المذكور في‬
‫فاصلة الية بقوله ‪( : :‬ونحن له مسلمون) ]البقرة‪ ،‬الية ‪( : ،[133 :‬فلن‬
‫يقبل منه) لعدم وصول دينه إلى الحق تعالى لمكان الحجاب ‪( :‬وهو في‬
‫الخرة من الخاسرين) الذين خسروا باشترائهم أنفسهم وما حجبوا به‬
‫بالحق‪( : .‬كيف يهدي الله قوما) إلى آخره‪ ،‬أنكر هدايته تعالى لقوم قد‬
‫هداهم أول ً بالنور الستعدادي إلى اليمان‪ ،‬ثم بالنور اليماني إلى أن عاينوا‬
‫حقية الرسول ‪ e‬وأيقنوا بحيث لم يبق لهم شك‪ ،‬وانضم إليه الستدلل‬
‫العقلي بالبينات ثم ظهرت نفوسهم بعد هذه الشواهد كلها بالعناد واللجاج‬
‫وحجبت أنوار قلوبهم وعقولهم وأرواحهم الشاهدة ثلثتها بالحق للحق‬
‫لشؤم ظلمهم وقوة استيلء نفوسهم المارة عليهم الذي هو غاية الظلم‪،‬‬
‫فقال ‪( : :‬والله ل يهدي القوم الظالمين) لغلظ حجابهم وتعمقهم في البعد‬
‫عن الحق‪ ،‬وقبول النور وهم قسمان ‪ :‬قسم رسخت هيئة استيلء النفوس‬
‫المارة على قلوبهم فيهم وتمكنت وتناهوا في الغي والستشراء‪ ،‬وتمادوا‬
‫في البعد والعناد‪ ،‬حتى صار ذلك ملكة ل تزول‪ ،‬وقسم لم يرسخ ذلك فيهم‬
‫بعد ولم يصر على قلوبهم رينًا‪ ،‬ويبقى من وراء حجاب النفس مسكة من‬
‫نور استعدادهم عسى أن تتداركهم رحمة من الله وتوفيق‪ ،‬فيندموا‬
‫ويستحيوا بحكم غريزة العقول‪ .‬فأشار إلى القسم الول بقوله ‪( : :‬إن‬
‫الذين كفروا بعد إيمانهم) إلى آخره‪ .‬وإلى الثاني بقوله ‪( : :‬إل الذين تابوا‬
‫من بعد ذلك وأصلحوا) بالمواظبة على العمال والرياضات ما أفسدوا‪( .‬فلن‬
‫يقبل من أحدهم ملء الرض ذهبا) إذ ل تقبل هناك إل المور النورانية‬
‫الباقية لن الخرة هي عالم النور والبقاء‪ ،‬فل وقع ول خطر للمور‬
‫الظلمانية فيها الفانية‪ .‬وهل كان سبب كفرهم واحتجابهم إل محبة هذه‬
‫الفواسق الفانية ؟‪ ،‬فكيف تكون سبب نجاتهم وقربهم وقبولهم وندبتهم‬
‫وهي بعينها سبب هلكهم وبعدهم وخسرانهم وحرمانهم‪( : .‬لن تنالوا‬
‫البر) كل فعل يقرب صاحبه من الله فهو بر‪ ،‬ول يمكن التقرب إليه إل‬
‫بالتبري عما سواه‪ ،‬فمن أحب شيئا ً فقد حجب عن الله تعالى به وأشرك‬
‫شركا ً خفيا ً لتعلق محبته بغير الله‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬ومن الناس من يتخذ‬
‫من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله) ]البقرة‪ ،‬الية ‪ [156 :‬وآثر نفسه به‬
‫على الله‪ ،‬فقد بعد من الله بثلثة أوجه وهي ‪ :‬محبة غير الحق‪ ،‬والشرك‪،‬‬
‫وإيثار النفس على الحق‪ .‬فإن آثر الله به على نفسه وتصدق به وأخرجه من‬
‫يده‪ ،‬فقد زال البعد وحصل القرب‪ ،‬وإل بقي محجوبا ً وإن أنفق من غيره‬
‫أضعافه فما نال برا ً لعلمه تعالى بما ينفق وباحتجابه بغيره‪( : .‬كل الطعام‬
‫كان حل لبني إسرائيل) أي ‪ :‬العقلء بحكم الصل‪ ،‬إذ العقل يحكم بأن‬
‫الشياء خلقت لمنافع العباد مطلقا ً فما يكون من جملة المطعومات خلقت‬
‫لتناولها ‪( :‬إل ما حرم إسرائيل) الروح ‪( :‬على نفسه) بالنظر العقلي عند‬
‫التجربة والقياس ومعرفة مضارها ومنافعها على التفصيل بعد الحكم‬
‫الجمالي بحلها‪ ،‬فإن العقل يحكم بحرمة ما يضر أو يهلك‪( : .‬من قبل أن‬
‫تنزل التوراة) أي ‪ :‬من قبل نزول الحكم الشرعي بالتوراة وسائر الكتب‬
‫اللهية وذلك أن الناس اختلفوا بعدما كانوا أمة واحدة على دين الحق‪ ،‬كما‬
‫ذكر‪ ،‬فبعث الله النبيين لهدايتهم وإصلح أحوال معاشهم ومعادهم‪ ،‬وردهم‬
‫إلى الحق والتفاق‪ ،‬فما اقتضت الحكمة اللهية بحسب أحوالهم المختلة‬
‫وطباع قلوبهم المخرفة ونفوسهم المريضة‪ ،‬حرمته من المألوفات والشياء‬
‫الصارفة عن الحق الحاجبة بينهم وبين الله‪ ،‬والمهيجة للهوى والشهوات‬
‫وسائر المفاسد والفتن المانعة إياهم عن كمالهم واهتدائهم حرم عليهم‪( .‬‬
‫إن أول بيت وضع للناس) قيل ‪ :‬هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق‬
‫السماء والرض‪ ،‬خلقه قبل الرض بألفي عام‪ ،‬وكان زبدة بيضاء على وجه‬
‫الماء‪ ،‬فدحيت الرض تحته‪ .‬فالبيت إشارة إلى القلب الحقيقي‪ ،‬وظهوره‬
‫على وجه الماء تعلقه بالنطفة عند سماء الروح الحيواني‪ ،‬وأرض البدن‬
‫وخلقه قبل الرض إشارة إلى قدمه‪ ،‬وحدوث البدن وتعيينه بألفي عام‬
‫إشارة إلى تقدمه على البدن بطورين ‪ :‬طور النفس‪ ،‬وطور القلب‪ .‬تقدما ً‬
‫بالرتبة‪ ،‬إذ اللف رتبة تامة كما سبقت الشارة إليه‪ ،‬وكونه زبدة بيضاء‬
‫إشارة إلى صفاء جوهره‪ ،‬ودحو الرض تحته إشارة إلى تكون البدن من‬
‫تأثير‪ ،‬وكون أشكاله وتخطيطاته وصور أعضائه تابعة لهيئاته فهذا تأويل‬
‫الحكاية‪ .‬واعلم أن محل تعلق الروح بالبدن‪ ،‬واتصال القلب الحقيقي به أول ً‬
‫هو القلب الصوري‪ ،‬وهو أول ما يتكون من العضاء‪ ،‬وأول عضو يتحرك وآخر‬
‫عضو يسكن فيكون أول بيت وضع للناس ‪( :‬للذي ببكة) الصدر صورة أو أول‬
‫متعبد ومسجد وضع للناس للقلب الحقيقي الذي ببكة الصدر المعنوي‪ ،‬وذلك‬
‫الصدر أشرف مقام من النفس وموضع ازدحامات القوى المتوجهة إليه ‪( :‬‬
‫مباركا) ذا بركة إلهية من الفيض المتصل منه بجميع الوجود والقوة والحياة‪،‬‬
‫فإن جميع القوى التي في العضاء تسري منه أول ً إليها ‪( :‬وهدى‬
‫للعالمين) سبب هداية ونور يهتدى به إلى الله ‪( :‬فيه آيات بينات) من العلوم‬
‫والمعارف والحكم والحقائق ‪( :‬مقام إبراهيم) أي ‪ :‬العقل الذي هو موضع‬
‫قدم إبراهيم الروح‪ ،‬يعني محل اتصال نوره من القلب ‪( :‬ومن دخله) من‬
‫السالكين والمتحيرين في بيداء الجهالت ‪( :‬كان آمنا) من إغواء سعالى‬
‫المتحيلة‪ ،‬وعفاريت أحاديث النفس‪ ،‬واختطاف شياطين الوهم‪ ،‬وجن‬
‫الخيالت‪ ،‬واغتيال سباع القوى النفسانية وصفاتها‪( : .‬ولله على الناس حج)‬
‫هذا ‪( :‬البيت) والطواف به ‪( :‬من استطاع إليه سبيل) من السالكين‪،‬‬
‫المستعدين الصادقين في الرادة‪ ،‬القادرين على زاد التقوى‪ ،‬وراحلة قوة‬
‫العزم دون من عداهم من الضعاف في الستعداد‪ ،‬القاعدين من الضعف‬
‫والمرض وسائر الموانع الخلقية أو العارضة النفسانية أو البدنية ‪( :‬ومن‬
‫كفر) أي ‪ :‬حجب استعداده مع القدرة وأعرض عنه بهوى النفس ‪( :‬فإن الله‬
‫غني) عنه و ‪( :‬عن العالمين) كلهم‪ ،‬أي ‪ :‬ل يلتفت إليه لبعده وكونه غير‬
‫قابل لرحمته في ذل الحجاب‪ ،‬وهو أن الحرمان مخذول ً مردودًا‪( .‬ومن‬
‫يعتصم بالله) بالنقطاع عما سواه‪ ،‬والتمسك بالتوحيد الحقيقي ‪( :‬فقد‬
‫هدي إلى صراط مستقيم) إذ الصراط المستقيم هو طريق الحق تعالى‪ ،‬كما‬
‫قال ‪( : :‬إن ربي على صراط مستقيم) ]هود‪ ،‬الية ‪ ،[56 :‬فمن انقطع إليه‬
‫بالفناء في الوحدة كان صراطه صراط الله ‪( :‬اتقوا الله حق تقاته) في بقايا‬
‫وجودكم‪ ،‬فإن حق اتقائه هو أن يتقى كما يجب‪ ،‬ويحق وهو الفناء فيه‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫اجعلوه وقاية لكم في الحذر عن بقايا ذواتكم وصفاتكم‪ ،‬فإن في الله خلفا ً‬
‫عن كل ما فات ‪( :‬ول تموتن) إل على حال إسلم الوجوه له‪ ،‬أي ‪ :‬ليكن‬
‫موتكم هو الفناء في التوحيد‪] .‬تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 103‬إلى آية‬
‫‪( : [105‬واعتصموا بحبل الله جميعا) أي ‪ :‬بعهده في قوله ‪( : :‬ألست بربكم)‬
‫]العراف‪ ،‬الية ‪ [172 :‬مجتمعين على التوحيد ‪( :‬ول تفرقوا) باختلف‬
‫الهواء‪ ،‬فإن التفرق عن الحق إنما يكون باختلف الطبائع واتباع الهوى‬
‫وتجاذب القوى‪ ،‬والموحد عنها بمعزل‪ ،‬إذ تنور قلبه بنور الحق واستنارت‬
‫نفسه من فيض القلب فتسالمت القوى وتصادقت‪( : .‬واذكروا نعمة الله‬
‫عليكم) بالهداية إلى التوحيد المفيد للمحبة في القلوب ‪( :‬إذ كنتم‬
‫أعداء) لحتجابكم بالحجب النفسانية والغواشي الطبيعية‪ ،‬بعداء عن النور‬
‫والمقاصد الكلية التي تقبل الشركة وتزال بالتفاق في مهوى الظلمة ‪( :‬‬
‫فألف بين قلوبكم) بالتحاب في الله لتتنور بنوره ‪( :‬فأصبحتم بنعمته إخوانا)‬
‫في الدين‪ ،‬أصدقاء في الله ‪( :‬وكنتم على شفا حفرة من النار) هي مهوى‬
‫الطبيعة الفاسقة ومحل الحرمان والتعذيب ‪( :‬فأنقذكم منها) بالتواصل‬
‫الحقيقي بينكم إلى سدرة مقام الروح‪ ،‬وروح جنة الذات ‪( :‬كذلك يبين الله‬
‫لكم آياته) بتجليات الصفات اللطيفة والشراقات النورية (لعلكم‬
‫تهتدون) إلى جماله وتجلي ذاته‪( : .‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) أي ‪:‬‬
‫ليكن من جملتكم جماعة عالمون‪ ،‬عاملون‪ ،‬عارفون‪ ،‬أولو استقامة في‬
‫الدين كشيوخ الطريقة ‪( :‬يدعون إلى الخير) فإن من لم يعرف الله لم‬
‫يعرف الخير‪ ،‬إذ الخير المطلق هو الكمال المطلق الذي يمكن للنسان‬
‫بحسب النوع من معرفة الحق تعالى‪ ،‬والوصول إليه‪ ،‬والضافي ما يتوصل به‬
‫إلى المطلق أو الكمال المخصوص بكل أحد على حسب اقتضاء استعداده‬
‫الخاص‪ .‬فالخير المدعو إليه‪ ،‬إما الحق تعالى‪ ،‬وإما طريق الوصول‪.‬‬
‫والمعروف كل أمر واجب أو مندوب في الدين‪ ،‬يتقرب به إلى الله تعالى‪،‬‬
‫والمنكر كل محرم أو مكروه يبعد عن الله تعالى ويجعل فاعله عاصيا ً أو‬
‫مقصرا ً مذمومًا‪ .‬فمن لم يكن له التوحيد والستقامة‪ ،‬لم يكن له مقام‬
‫الدعوة ول مقام المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬لن غير الموحد ربما‬
‫يدعو إلى طاعة غير الله وغير المستقيم في الدين وإن كان موحدا ً ربما أمر‬
‫بما هو معروف عنده‪ ،‬منكر في نفس المر وربما نهى عما هو منكر عنده‪،‬‬
‫معروف في نفس المر‪ ،‬كمن بلغ مقام الجمع واحتجب بالحق عن الخلق‪،‬‬
‫فكثيرا ً ما يستحل محرما ً كبعض المسكرات والتصرف في أموال الناس‪،‬‬
‫ويحرم حلل ً بل مندوبا ً كتواضع الخلق ومكافأة الحسان وأمثال ذلك ‪( :‬‬
‫وأولئك هم) الخصاء بالفلح‪ ،‬الذين لم يبق لهم حجاب وهم خلفاء الله في‬
‫أرضه‪( : .‬ول تكونوا) ناشئين بمقتضى طباعكم غير متابعين لمام ول‬
‫متفقين على كلمة واحدة باتباع مقدم يجمعكم على طريقة واحدة ‪( :‬‬
‫كالذين تفرقوا) واتبعوا الهواء والبدع ‪( :‬واختلفوا من بعد ما جاءهم) الحجج‬
‫العقلية والشرعية الموجبة لتحاد الوجهة‪ ،‬واتفاق الكلمة‪ .‬فإن للناس طبائع‬
‫وغرائز مختلفة وأهواء متفرقة‪ ،‬وعادات وسيرا ً متفاوتة‪ ،‬مستفادة من‬
‫أمزجتهم وأهويتهم‪ ،‬ويترتب على ذلك فهوم متباينة‪ ،‬وأخلق متعادية‪ ،‬فإن‬
‫لم يكن لهم مقتدى وإمام تتحد عقائدهم وسيرهم وآراؤهم بمتابعته‪ ،‬وتتفق‬
‫كلماتهم وعاداتهم وأهواؤهم بمحبته وطاعته كانوا مهملين متفرقين‬
‫فرائس للشيطان كشريدة الغنم تكون للذئب‪ ،‬ولهذا قال أمير المؤمنين‬
‫علي عليه السلم ‪ ' :‬ل بد للناس من إمام بر أو فاجر '‪ .‬ولم يرسل نبي الله‬
‫‪ e‬رجلين فصاعدا ً لشأن إل وأمر أحدهما على الخر وأمر الخر بطاعته‬
‫ومتابعته ليتحد المر وينتظم‪ ،‬وإل وقع الهرج والمرج‪ ،‬واضطرب أمر الدين‬
‫والدنيا‪ ،‬واختل نظام المعاش والمعاد‪ .‬قال رسول الله ‪ ' : e‬من فارق‬
‫الجماعة قيد شبر لم ير بحبوحة الجنة '‪ .‬وقال ‪ ' :‬الله مع الجماعة '‪ .‬أل ترى‬
‫أن الجمعية النسانية إذا لم تنضبط برياسة القلب وطاعة العقل كيف اختل‬
‫نظامها وآلت إلى الفساد والتفرق الموجب لخسارة الدنيا والخرة‪ ،‬ولما‬
‫نزل قوله تعالى ‪( : :‬وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل‬
‫فتفرق بكم عن سبيله) ]النعام‪ ،‬الية ‪ .[153 :‬خط رسول الله ‪ e‬خطا ً‬
‫فقال ‪ ' :‬هذا سبيل الرشد '‪ ،‬ثم خط عن يمينه وشماله خطوطا ً فقال ‪' :‬‬
‫هذه سبل كل سبيل شيطان يدعوه إليه '‪] .‬تفسير سورة آل عمران من آية‬
‫‪ 106‬إلى آية ‪( : 109‬يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) ابيضاض الوجه عبارة‬
‫عن تنور وجه القلب بنور الحق للتوجه إليه والعراض عن الجهة السفلية‬
‫النفسانية المظلمة‪ ،‬وذاك ل يكون إل بالتوحيد والستقامة فيه بتنور النفس‬
‫أيضا ً بنور القلب‪ .‬فتكون الجملة متنورة بنور الله واسوداده ظلمة وجه‬
‫القلب بالقبال على النفس الطالبة حظوظها والعراض عن الجهة النورية‬
‫الحقية لمصادقة النفس ومتابعة الهوى في تحصيل لذاتها‪ ،‬وذلك إنما يكون‬
‫باتباع السبل المتفرقة الشيطانية‪( : .‬فأما الذين اسودت وجوههم) فيقال‬
‫لهم ‪( : :‬أكفرتم بعد إيمانكم) أي ‪ :‬احتجبتم عن نور الحق بصفات النفس‬
‫الظلمانية‪ ،‬وسكنتم في ظلماتها بعد هدايتكم وتنوركم بنور الستعداد‪،‬‬
‫وصفاء الفطرة وهداية العقل ‪( :‬فذوقوا) عذاب الحرمان باحتجابكم عن‬
‫الحق ‪( :‬وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله) التي هي روح الوصال‬
‫ونور القدس وشهود الجمال ‪( :‬هم فيها خالدون)‪] .‬تفسير سورة آل عمران‬
‫من آية ‪ 110‬إلى آية ‪( : [111‬كنتم خير أمة) لكونكم موحدين‪ ،‬قائمين بالعدل‬
‫الذي هو ظله ‪( :‬تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) إذ ل يقدر على ذلك‬
‫إل الموحد العادل لعلمه بالمعروف والمنكر‪ ،‬كما مر في تأويل قوله ‪( : :‬‬
‫وكذلك جعلناكم أمة وسطا) ]البقرة‪ ،‬الية ‪ .[143 :‬قال أمير المؤمنين ‪' : u‬‬
‫نحن النمرقة الوسطى‪ ،‬بنا يلحق التأويل‪ ،‬وإلينا يرجع الغالي '‪ .‬فيأمرون‬
‫المقصر بالمعروف الذي يوصله إلى مقام التوحيد‪ ،‬وينهون الغالي المحجوب‬
‫بالجمع عن التفصيل وبالوحدة عن الكثرة‪( : .‬وتؤمنون بالله) أي ‪ :‬تثبتون‬
‫في مقام التوحيد الذي هو الوسط‪ ،‬وكذا في كل تفريط وإفراط واعتدال‬
‫في باب الخلق ‪( :‬ولو آمن أهل الكتاب) لكانوا مثلكم‪( : .‬لن يضروكم إل‬
‫أذى) لكونهم منقطعين عن أصل القوى والقدر‪ ،‬كائنين في الشياء بالنفس‬
‫التي هي محل العجز والشر‪ ،‬وأنتم معتصمون بالله‪ ،‬معتضدون به‪ ،‬كائنون‬
‫في الشياء بالحق الذي هو منبع القهر‪ .‬فقدرتهم ل تبلغ إل حد الطعن‬
‫باللسان والخبث واليذاء الذي هو حد قدرة النفس ونهايتها‪ ،‬وقدرتكم تفوق‬
‫كل قدرة بالقهر والستئصال لتصافكم بصفات الله تعالى‪ ،‬فل جرم‬
‫ينهزمون منكم عند المقاتلة ول ينصرون‪] .‬تفسير سورة آل عمران آية‬
‫‪( : [112‬ضربت عليهم الذلة) لن العزة لله جميعًا‪ ،‬فل نصيب فيها لحد إل‬
‫لمن تخلق بصفاته بمحو صفات البشرية‪ ،‬كالرسول والمؤمنين الذين هم‬
‫مظاهر عزته‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪( : :‬ولله العزة ولرسوله‬
‫وللمؤمنين) ]المنافقون‪ ،‬الية ‪ ،[8 :‬فمن خالفهم فهو مضاد لصفة العزة‪،‬‬
‫مباين للعزاء‪ ،‬فتلزمه الذلة وتشمله على أي حال يكون‪ ،‬إل برابطة ما بينه‬
‫وبين أهل العزة كقوله ‪( : :‬إل بحبل من الله وحبل من الناس) أي ‪ :‬ذمة‬
‫وعهد‪ ،‬وذلك يكون أمرا ً عارضيا ً ل أصل له مرتبطا ً برابطة مجعولة فل تقابل‬
‫صفتهم الذاتية اللزمة لهم التي هي الذلة الناشئة من أصل نفوسهم‪.‬‬
‫واستحقوا غضبا ً شديدا ً من عند الله لبعدهم وإعراضهم عن الحق‪ ،‬ولزمتهم‬
‫المسكنة لنقطاعهم عن الله إلى نفوسهم فوكلهم إلى أنفسهم‪] .‬تفسير‬
‫سورة آل عمران من آية ‪ 113‬إلى ‪( : [117‬ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة‬
‫قائمة) أي ‪ :‬بالله‪ ،‬ثم وصفهم بأحوال أهل الستقامة‪ ،‬أي منهم أهل التوحيد‬
‫والستقامة ‪( :‬وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) أي ‪ :‬كل ما يصدر منكم مما‬
‫يقربكم عند الله يتصل به جزاؤه ومنه لن تحرموا شيئا ً منه‪ .‬قال الله‬
‫تعالى ‪ ' :‬من تقرب إلي شبرا ً تقربت إليه ذراعًا‪ ،‬ومن تقرب إلي ذراعا ً‬
‫تقربت إليه باعًا‪ ،‬ومن أتاني مشيا ً أتيته هرولة '‪ ....‬الحديث‪ .‬وقال تعالى ‪' :‬‬
‫أنا جليس من ذكرني‪ ،‬وأنيس من شكرني‪ ،‬ومطيع من أطاعني ' أي ‪ :‬كما‬
‫أطعتموه بتصفية الستعداد والتوجه نحوه‪ ،‬أطاعكم بإفاضة الفيض على‬
‫حسبه والقبال إليكم ‪( :‬والله عليم) بالذين اتقوا ما يحجبهم عنه فيتجلى‬
‫لهم بقدر زوال الحجاب‪( : .‬مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا) الفانية‬
‫ولذاتها السريعة الزوال‪ ،‬طلبا ً للشهوات أو رياء وسمعة في المفاخر‪ ،‬وطلب‬
‫محمدة الناس‪ ،‬ل يطلبون به وجه الله‪ ،‬وما تهلكه وتفنيه بالكلية من ريح‬
‫هوى النفس التي فيها برد دنياتكم الفاسدة وأغراضكم الباطلة كالرياء‬
‫ونحوه ‪( :‬كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم) بالشرك‬
‫والكفر ‪( :‬فأهلكته) عقوبة من الله لظلمهم ‪( :‬وما ظلمهم الله) بإهلك‬
‫حرثهم ‪( :‬ولكن) كانوا أنفسهم يظلمون لنه مسبب عن ظلمهم‪ ،‬كما قيل ‪:‬‬
‫مهل ً فيداك‪ ،‬وكتا وفوك نفخ‪] .‬تفسير سورة آل عمران آية ‪( : [118‬ل‬
‫تتخذوا بطانة من دونكم) بطانة الرجل صفيه وخليصه الذي يبطنه ويطلع‬
‫عليه أسراره‪ ،‬ول يمكن وجود مثل هذا الصديق إل إذا اتحدا في المقصد‬
‫واتفقا في الدين والصفة‪ ،‬متحابين في الله ل لغرض كما قيل في الصدقاء‬
‫‪ :‬نفس واحدة في أبدان متفرقة‪ ،‬فإذا كان من غير أهل اليمان فبأن يكون‬
‫كاشحا ً أحرى‪ .‬ثم بين نفاقه واستبطانه العداوة بقوله ‪( : :‬ل يألونكم‬
‫خبال) إلى آخره‪ ،‬إذ المحبة الحقيقية الخالصة ل تكون إل بين الموحدين‪،‬‬
‫لكونها ظل الوحدة فل تكون بين المحجوبين لكونهم في عالم التضاد‬
‫والظلمة‪ .‬فأين الصفاء والوفاق في عالمهم ؟ بل ربما تتآلفهم الجنسية‬
‫العامة النسانية لشتراكهم في النوع والمنافع والملذ واحتياجهم إلى‬
‫التعاون فيها‪ ،‬فإذا لم تتحصل أغراضهم من النفع واللذة تهارشوا وتباغضوا‬
‫وبطلت اللفة التي كانت بينهم‪ ،‬لكونها مسببة عن أمر قد تغير إذ النفس‬
‫منشأ التغير والمنافع الدنيوية ل تبقى بحالها‪ ،‬واللذات النفسانية سريعة‬
‫النقضاء فل تدوم المحبة عليها بخلف المحبة الولى‪ ،‬فإنها مستندة إلى‬
‫ل‪ ،‬هذا إذا كانت فيما بينهم‪ ،‬فكيف إذا كانت بينهم وبين‬ ‫أمر ل تغير فيه أص ً‬
‫من يخالفهم في الصل والوصف ؟ وأنى يتجانس النور والظلمة ؟ ومن أين‬
‫يتوافق العلو والسفل ؟ فبينهما عداوة حقيقية وتخالف ذاتي ل تخفى آثاره‬
‫كما بين الله تعالى بقوله ‪( : :‬قد بدت البغضاء من أفواههم) لمتناع اختفاء‬
‫الوصف الذاتي‪ .‬قال النبي ‪ ' : e‬ما أضمر أحد شيئا ً إل وأظهره الله في‬
‫فلتات لسانه وصفحات وجهه '‪( : .‬وما تخفي صدورهم أكبر) لنه نار وهذا‬
‫شرار‪ ،‬ذاك أصل‪ ،‬وهذا فرعه ‪( :‬قد بينا لكم اليات) دلئل المحبة والعداوة‬
‫وأسبابهما ‪( :‬إن كنتم تعقلون) أي ‪ :‬تفهمون من فحوى الكلم‪] .‬تفسير‬
‫سورة آل عمران آية ‪( : [119‬ها أنتم أولء تحبونهم) بمقتضى التوحيد‪ ،‬إذ‬
‫الموحد يحب الناس كلهم بالحق للحق‪ ،‬ويراهم متصلين بنفسه اتصال‬
‫الحماء والقرباء بل اتصال الجزاء‪ ،‬فينظر إليهم بنظر الرحمة اللهية‬
‫والرأفة الربانية‪ ،‬ويعطف عليهم مترحما ً إذ يراهم أهل الرحمة شغلوا‬
‫بالباطل‪ ،‬وابتلوا بالقدر ول يحبونكم بمقتضى الحجاب والبقاء في ظلمة‬
‫النفس وتضاد الطبع‪( : .‬وتؤمنون بالكتاب) أي بجنس الكتاب ‪( :‬كله) لشمول‬
‫علمكم التوحيدي‪ ،‬ول يؤمنون للتقيد بدينهم والحتجاب بما هم عليه ‪( :‬وإذا‬
‫لقوكم قالوا آمنا) لنفاقهم المستجلب لغراضهم العاجلة ‪( :‬وإذا خلوا عضوا‬
‫عليكم النامل من الغيظ) نحقدهم الذاتي وبغضهم الكامن والباقي ظاهر‪.‬‬
‫]تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 120‬إلى آية ‪( : [125‬وإن تصبروا) على ما‬
‫يبتليكم الله به من الشدائد والمحن والمصائب‪ ،‬وتثبتوا على مقتضى‬
‫التوحيد والطاعة ‪( :‬وتتقوا) الستعانة بهم في أموركم واللتجاء إلى‬
‫وليتهم ‪( :‬ول يضركم كيدهم شيئًا) لن المتوكل على الله‪ ،‬الصابر على‬
‫بلئه‪ ،‬المستعين به ل بغيره‪ ،‬ظافر في طلبته‪ ،‬غالب على خصمه‪ ،‬محفوظ‬
‫بحسن كلءة ربه‪ ،‬والمستعين بغيره مخذول موكول إلى نفسه‪ ،‬محروم عن‬
‫نصرة ربه‪ .‬كما قال الشاعر ‪) % :‬من استعان بغير الله في طلب ‪ %‬فإن‬
‫ناصره عجز وخذلن( ‪( : %‬إن الله بما يعملون) من المكايد ‪( :‬‬
‫محيط) فيبطلها ويهلكها‪ ،‬وقد قيل ‪ :‬إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد‬
‫فضل ً في نفسك‪ .‬فالصبر والتقوى من أجمل الفضائل إن لزمتموهما‬
‫تظفروا على عدوكم‪( : .‬بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم) الية‪ ....‬الصبر‬
‫على مضض الجهاد وبذل النفس في طاعة الله‪ ،‬وتحمل المكروه طلبا ً لرضا‬
‫الله ل يكون إل عند التقوى بتأييد الحق وتنوره بنور اليقين‪ ،‬وثباته بنزول‬
‫السكينة والطمأنينة عليه‪ ،‬والتقوى في مخالفة أمر الحق والميل إلى النفع‬
‫والغنيمة‪ ،‬وخوف تلف النفس ل تكون إل عند انكسار النفس تحت قهر‬
‫سلطان القلب والروح‪ ،‬إذ الثبات والوقار صفة الروح والطيش‪ ،‬والضطراب‬
‫صفة النفس‪ ،‬فإذا استولى سلطان الروح على القلب وأخذ مملكته عصمه‬
‫من استيلء صفات النفس وجنودها عليه‪ ،‬فيعشقه القلب ويسكن إليه‬
‫لنورانيته المحبوبة لذاتها ويتقوى به على النفس وقواها فيهزمها ويكسرها‬
‫ويدفع غلبتها وظلمتها عن نفسه‪ ،‬ويجعلها ذلول ً مطيعة مطمئنة إليه فيزول‬
‫عنها الضطراب وتتنور بنوره وعند ذلك تنزل الرحمة‪ ،‬ويناسب القلب‬
‫ملكوت السماء في نورانيتها وقهرها لما تحتها‪ ،‬ومحبتها وشوقها لما‬
‫فوقها‪ .‬وبذلك التناسب يصل بها ويستنزل قواها وأوصافها في أفعاله‬
‫خصوصا ً عند اهتياجه وانقلعه عن الجهة السفلية‪ ،‬وانقطاعه بقوة اليقين‬
‫والتوكل إلى الجهة العلوية‪ .‬ويستمد من قوى قهرها على من يغضب عليه‬
‫فذلك نزول الملئكة‪ ،‬وإذا جزع وهلع وتغير وخاف أو مال إلى الدنيا غلبته‬
‫النفس وقهرته واستولت عليه وحجبته بظلمة صفاتها عن النور‪ ،‬فلم تبق‬
‫تلك المناسبة‪ ،‬فانقطع المدد ولم تنزل الملئكة‪ .‬تفسير سورة آل عمران‬
‫من آية ‪ 126‬إلى آية ‪( : [132‬وما جعله الله إل بشرى لكم) أي ‪ :‬ما جعل‬
‫المداد بالملئكة إلى لتستبشروا به فتزداد قوة قلوبكم وشجاعتكم ونجدتكم‬
‫ونشاطكم في التوجه إلى الحق والتجريد للسلوك ‪( :‬ولتطمئن به‬
‫قلوبكم) فتتحقق الفيض بقدر التصفية والخلف بقدر الترك‪( : .‬وما النصر‬
‫إل من عند الله) ل من الملئكة ول من غيرهم‪ ،‬فل تحتجبوا بالكثرة عن‬
‫الوحدة‪ ،‬ول بالخلق عن الحق‪ ،‬فإنها مظاهر ل حقيقة لها ول تأثير‪( : ،‬‬
‫العزيز) القوي الغالب بقهره ‪( :‬الحكيم) الذي ستر قهره ونصرته بصور‬
‫الملئكة بحكمته‪( : .‬ليقطع طرفا من الذين كفروا) يقتل بعضهم تقوية‬
‫للمؤمنين ‪( :‬أو يكبتهم) يخزيهم ويذلهم بالهزيمة إعزازا ً للمؤمنين ‪( :‬أو‬
‫يتوب عليهم) بالسلم تكثيرا ً لسواد المؤمنين ‪( :‬أو يعذبهم) بسبب ظلمهم‬
‫وإصرارهم على الكفر تفريحا ً للمؤمنين‪ .‬وأوقع بين المعطوف والمعطوف‬
‫عليه في أثناء الكلم قوله ‪( : :‬ليس لك من المر شيء) اعتراضا ً لئل يغفل‬
‫رسول الله ‪ e‬فيرى لنفسه تأثيرا ً في بعض هذه المور‪ ،‬فيحتجب عن التوحيد‬
‫ول يزول‪ ،‬وتتغير شهوده في القسام كلها‪ ،‬أي ‪ :‬ليس لك من أمرهم شيء‬
‫كيفما كان‪ ،‬ما أنت إل بشر مأمور بالنذار‪ ،‬إن عليك إل البلغ‪ ،‬إنما أمرهم‬
‫إلى الله‪( : .‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا الربا) أي ‪ :‬توكلوا على الله في‬
‫طلب الرزق فل تكسبوه بالربا‪ ،‬فإنه واجب عليكم كما يجب عليكم التوكل‬
‫عليه في طلب الفتح وجهاد العدو لئل تجبنوا بكلءة الله وحفظه‪ .‬واعلموا‬
‫أن جزاء المرابي هو جزاء الكافر‪ ،‬فاحذروه لكونه محجوبا ً عن أفعاله تعالى‬
‫كما أن الكافر محجوب عن صفاته وذاته‪ ،‬والمحجوب غير قابل للرحمة وإن‬
‫اتسعت‪ ،‬فارفعوا الحجاب بالطاعة وترك المخالفة كي تدرككم رحمة الله‪.‬‬
‫]تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 133‬إلى آية ‪( : [134‬وسارعوا إلى) ستر‬
‫أفعالكم التي هي حجابكم عن مشاهدة أفعال الحق بأفعاله تعالى‪ ،‬فإنما‬
‫حرمتم عن التوكل وجنة عالم الملك التي هي تجلي الفعال برؤية أفعالكم‪،‬‬
‫أي ‪ :‬إلى ما يوجب ستر أفعالكم بأفعاله‪ ،‬وجنة الفعال من الطاعات بعد كما‬
‫ورد ‪ ' :‬أعوذ بعفوك من عقابك '‪ .‬ولن المراد بالجنة هنا جنة الفعال‪ ،‬وصف‬
‫عرضها بمساواة عرض السماوات والرض‪ ،‬إذ توحيد الفعال هو توحيد عالم‬
‫الملك وإنما قدر طولها لن الفعال باعتبار السلسلة العرضية‪ ،‬وهي توقف‬
‫كل فعل على فعل آخر تنحصر في عالم الملك الذي يتقدره الناس‪ .‬وأما‬
‫باعتبار الطول فل تنحصر فيه ول يقدرها‪ ،‬إذ الفعل مظهر الوصف‪،‬‬
‫والوصف مظهر الذات‪ ،‬فل نهاية له ول حد‪ .‬فالمحجوبون عن الذات‬
‫والصفات ل يرون إل عرض هذه الجنة‪ ،‬وأما البارزون لله الواحد القهار‬
‫فعرض جنتهم عين طولها ول حد لطولها فل يقدر قدرها طول ً ول‬
‫عرضًا‪( : .‬أعدت للمتقين) الذين يتقون حجب أفعالهم وشرك نسبة الفعال‬
‫إلى غير الحق‪( : .‬الذين ينفقون في السراء والضراء) ل تمنعهم الحوال‬
‫المضادة عن النفاق لصحة توكلهم على الله برؤية جميع الفعال منه ‪( :‬‬
‫والكاظمين الغيظ) لذلك أيضًا‪ ،‬إذ يرون الجناية عليهم فعل الله فل‬
‫يعترضون‪ ،‬ولو لم يغيظوا كانوا في مقام الرضا وجنة الصفات ‪( :‬والعافين‬
‫عن الناس) لما ذكرنا‪ ،‬ولتعوذهم بعفوه تعالى عن عقابه ‪( :‬والله يحب‬
‫المحسنين) الذين يشاهدون تجليات أفعاله تعالى‪] .‬تفسير سورة آل عمران‬
‫من آية ‪ 135‬إلى آية ‪( : [136‬والذين إذا فعلوا فاحشة) كبيرة من الكبائر‪،‬‬
‫برؤية أفعالهم صادرة عن قدرتهم ‪( :‬أو ظلموا أنفسهم) نقصوا حقوقها‬
‫بارتكاب الصغائر وظهور أنفسهم فيها ‪( :‬ذكروا الله) في صدور أفعالهم‬
‫برؤيتها واقعة بقدرة الله وتبرأ عنها إليه لرؤيتهم ابتلءه إياهم بها ‪( :‬‬
‫فاستغفروا) طلبوا ستر أفعالهم التي هي ذنوبهم بأفعاله بالتبري عن‬
‫الحول والقوة إليه ‪( :‬ومن يغفر الذنوب) أي وجودات الفعال ‪( :‬إل الله) أي‬
‫علموا أن ل غافر إل هو ‪( :‬ولم يصروا على ما فعلوا) في غفلتهم وحالة‬
‫ظهور أنفسهم‪ ،‬بل تابوا ورجعوا إليه في أفعالهم ‪( :‬وهم يعلمون) أن ل‬
‫فعل إل الله ‪( :‬ونعم أجر العاملين) بمقتضى توحيد الفعال‪] .‬تفسير سورة‬
‫آل عمران من آية ‪ 137‬إلى آية ‪( : [142‬قد خلت من قبلكم) بطشات ووقائع‬
‫مما سنه الله في أفعاله بالذين كذبوا بالنبياء في توحيد الفعال ‪( :‬فسيروا‬
‫في الرض فانظروا) في آثارها فتعلموا كيف كان عاقبتهم ‪( :‬هذا) الذي‬
‫ذكر ‪( :‬بيان للناس) من علم توحيد الفعال وتفصيل المتقين الذين هم أهل‬
‫التمكين في ذلك‪ ،‬والتائبين الذين هم أهل التلوين‪ ،‬والمصرين المحجوبين‬
‫عنه المكذبين به‪ ،‬وزيادة هدى وكشف عيان وتثبت واتعاظ للذين اتقوا روية‬
‫أفعالهم أو هدى لهم إلى توحيد الصفات والذات‪( : .‬ول تهنوا) في الجهاد‬
‫عند استيلء الكفار ‪( :‬ول تحزنوا) على ما فاتكم من الفتح وما جرح‬
‫واستشهد من إخوانكم ‪( :‬وأنتم العلون) في الرتبة لقربكم من الله وعلو‬
‫درجتكم بكونكم أهل الله ‪( :‬إن كنتم) موحدين‪ ،‬لن الموحد يرى ما يجري‬
‫عليه من البلء من الله فأقل درجاته الصبر إن لم يكن رضا يتقوى به فل‬
‫يحزن ول يهن ‪( :‬اليام) الوقائع وكل ما يحدث من المور العظيمة يسمى‬
‫يوما ً وأيامًا‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬وذكرهم بأيام الله) ]إبراهيم‪ ،‬الية ‪،[14 :‬‬
‫وقد مر تفسير ‪( :‬وليعلم الله) من ظهور العلم التفصيلي التابع لوقوع‬
‫المعلوم‪( : .‬ويتخذ منكم شهداء) الذين يشهدون للحق فيذهلون عن‬
‫أنفسهم‪ ،‬أي ‪ :‬نداول الوقائع بين الناس لمور شتى وحكم كثيرة‪ ،‬غير‬
‫مذكورة‪ ،‬من خروج ما في استعدادهم إلى الفعل من الصبر والجلد وقوة‬
‫اليقين‪ ،‬وقلة المبالة بالنفس‪ ،‬واستيلء القلب عليها‪ ،‬وقمعها وغير ذلك‪.‬‬
‫ولهذين العلتين المذكورتين ولتخليص المؤمنين من الذنوب والغواشي التي‬
‫تبعدهم من الله بالعقوبة والبلية إذا كانت عليهم‪ ،‬ومحق الكافرين وقهرهم‬
‫وتدميرهم إذا كانت لهم‪ .‬وقد اعترض بين العلل قوله ‪( : :‬والله ل يحب‬
‫الظالمين) ليعلم أن من ليس على صفة اليمان والشهادة وتمحيص الذنوب‬
‫وقوة الثبات لكمال اليقين‪ ،‬بل حضر القتال لطلب الغنيمة أو لغرض آخر‬
‫فهو ظالم والله ل يحبه‪] .‬تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 143‬إلى آية‬
‫‪( : [144‬ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه) الية‪ ،‬كل موقن إذا لم‬
‫يكن يقينه ملكة بل كان خطرات‪ ،‬فهو في بعض أحواله يتمنى أمورا ً ويدعي‬
‫أحوال ً بحسب نفسه دائمًا‪ ،‬وكذلك حال غير اليقين وعند إقبال القلب هو‬
‫صادق ما دام موصوفا ً بحاله‪ .‬أما في غير تلك الحالة‪ ،‬وعند الدبار‪ ،‬فل يبقى‬
‫من ذلك أثر وكذا كل من لم يشاهد حال ً ولم يمارسه‪ ،‬ربما يتمناه لتصوره‬
‫في نفسه وعدم تضرره به حال التصور‪ .‬أما في حال وقوعه وابتلئه فل‬
‫يطيق تحمل شدائده كما حكي عن سمنون المحب رحمه الله لما قال في‬
‫أبياته ‪) % :‬فكيفما شئت فاختبرني ‪ % (%‬فابتلي بالسر‪ ،‬فلم يطق‪ ،‬فكان‬
‫يتردد في الطرق ويرضخ إلى الصبيان ما يلعبون به كالجوز‪ ،‬ويقول ‪ :‬ادعوا‬
‫على عمكم الكذاب‪ .‬وفي هذا المعنى قال الشاعر ‪) % :‬وإذا ما خل الجبان‬
‫بأرض ‪ %‬طلب الطعن وحده والنزال( ‪ %‬فل يلتفت بحال إل إذا صار مقاما‪ً،‬‬
‫ول يعتبر مقاما ً إل إذا امتحن في مواطنه‪ ،‬فإذا خلص من المتحان فقد صح‬
‫وهذا أحد فوائد مداولة اليام بينهم ليتمرنوا بالموت ويتقوى يقينهم ويتوفر‬
‫صبرهم ويتحقق مقامهم بالمشاهدة كما قال ‪( : :‬فقد رأيتموه) من قتل‬
‫إخوانكم بين أيديكم ‪( :‬وأنتم) تشاهدون ذلك‪ .‬وفيه توبيخ لهم على أن‬
‫يقينهم كان حال ً ل مقامًا‪ ،‬ففشلوا في الموطن‪( : .‬وما محمد إل رسول) أي‬
‫‪ :‬إنه رسول بشر‪ ،‬سيموت أو يقتل كحال النبياء قبله‪ ،‬فمن كان على يقين‬
‫من دينه فبصيرة من ربه ل يرتد بموت الرسول وقتله‪ ،‬ول يفتر عما كان‬
‫عليه‪ ،‬لنه يجاهد لربه ل للرسول كأصحاب النبياء السالفين‪ .‬وكما قال أنس‬
‫عم أنس بن مالك يوم أحد حين أرجف بقتل رسول الله ‪ e‬وشاع الخبر‪،‬‬
‫وانهزم المسلمون‪ ،‬وبلغ إليه تقاول بعضهم ‪ :‬ليت فلنا ً يأخذ لنا أمانا ً من‬
‫أبي سفيان‪ .‬وقول المنافقين ‪ :‬لو كان نبيا ً ما قتل !‪ ،‬يا قوم‪ ،‬إن كان محمد‬
‫قد قتل فإن رب محمد حي ل يموت !‪ ،‬وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله ؟‬
‫فقاتلوا على ما قاتل عليه‪ ،‬وموتوا على ما مات عليه‪ .‬ثم قال ‪ :‬اللهم إني‬
‫أعتذر إليك مما يقول هؤلء‪ ،‬وأبرأ إليك مما جاء به هؤلء‪ .‬ثم شد بسيفه‬
‫وقاتل حتى قتل‪( : .‬ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) إنما ضر‬
‫نفسه بنفاقه وضعف يقينه ‪( :‬وسيجزي الله الشاكرين) لنعمة السلم‪،‬‬
‫كأنس بن النضر وأضرابه من الموقنين ‪( .‬وما كان لنفس أن تموت إل بإذن‬
‫الله كتابا مؤجل) فمن كان موقنا ً شاهد هذا المعنى‪ ،‬فكان من أشجع الناس‬
‫كما حكى حاتم بن الصم عن نفسه أنه شهد مع الشقيق البلخي رحمهما‬
‫الله‪ ،‬بعض غزوات خراسان‪ .‬قال ‪ :‬فلقيني شقيق وقد حمى الحرب‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫كيف تجد قلبك يا حاتم ؟ قلت ‪ :‬كما كان ليلة الزفاف‪ ،‬بين الحالين‪ .‬فوضع‬
‫سلحه وقال ‪ :‬أما أنا فهكذا‪ .‬ووضع رأسه على ترسه ونام بين المعركة حتى‬
‫سمعت غطيطه‪ .‬وهذا غاية في سكون القلب إلى الله ووثوقه به لقوة‬
‫اليقين ‪( :‬سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) الية‪ ،‬جعل إلقاء الرعب‬
‫في قلوب الكفار مسببا ً عن شركهم‪ ،‬لن الشجاعة وسائر الفضائل‬
‫اعتدالت في قوى النفس من وقوع ظل الوحدة عليها عند تنورها بنور‬
‫القلب المنور بنور الوحدة‪ ،‬فل تكون تامة حقيقة إل للموحد الموقن في‬
‫توحيده‪ .‬وأما المشرك فلنه محجوب عن منبع القوة والقدرة بما أشرك‬
‫بالله من الموجود المشوب بالعدم لمكانه الخفي الوجود‪ ،‬الضعيف‪ ،‬الذي لم‬
‫يكن له بحسب نفسه قوة ول وجود ول ذات في الحقيقة‪ ،‬ولم ينزل الله‬
‫بوجوده حجة لوجوده أصل ً لتحقق عدمه بحسب ذاته‪ ،‬فليس له إل العجز‬
‫والجبن وجميع الرذائل‪ ،‬إذ ل يكون أقوى من معبوده وإن اتفقت له دولة أو‬
‫صولة أو شوكة فشيء ل أصل له ول ثبات ول بقاء كنار العرفج مثلما كانت‬
‫دولة المشركين‪] .‬تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 152‬إلى آية ‪( : [153‬‬
‫ولقد صدقكم الله وعده) أي ‪ :‬وعدكم النصر إن تصبروا وتتقوا‪ ،‬فما دمتم‬
‫على حالكم من قوة الصبر على الجهاد وتيقن النصر والثبات على اليقين‬
‫واتفاق الكلمة بالتوجه إلى الحق والتقاء عن مخالفة الرسول وميل‬
‫النفوس إلى زخرف الدنيا والعراض عن الحق‪ ،‬مجاهدين لله ل للدنيا‪ ،‬كان‬
‫الله معكم بالنصر‪ ،‬وإنجاز الوعد‪ ،‬وكنتم تقطعونهم بإذنه وتهزمونهم ‪( :‬حتى‬
‫إذا فشلتم) أي ‪ :‬جبنتم بدخول الضعف في يقينكم وفساد اعتقادكم في حق‬
‫نفسه بتجويز غلوله في الغنيمة ‪( :‬وتنازعتم) في أمر الحرب بعد التفاق‬
‫وما صبرتم عن حظ الدنيا‪ ،‬وعصيتم الرسول بترك ما أمركم به من ملزمة‬
‫المركز‪ ،‬وملتم إلى زخرف الدنيا ‪( :‬من بعد ما أراكم ما تحبون) من الفتح‬
‫والغنيمة وحان زمان شكركم لله‪ ،‬وشدة إقبالكم عليه‪ ،‬فذهلتم عنه‪ ،‬فكان‬
‫أشرفكم يريد الخرة والباقون يريدون الدنيا‪ ،‬ولم يبق فيكم من يريد الله‬
‫منعكم نصره ‪( :‬ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) بما فعلتم فكان البتلء لطفا ً‬
‫بكم وفضل ً ‪( :‬والله ذو فضل على المؤمنين) في الحوال كلها‪ ،‬إما بالنصرة‬
‫وإما بالبتلء‪ ،‬فإن البتلء فضل ولطف خفي ليعلموا أن أحوال العباد جالبة‬
‫لظهور أوصاف الحق عليهم فما أعدوا له نفوسهم موهوب لهم من عند الله‬
‫كما مر في قوله ‪ ' :‬مطيع من أطاعني '‪ .‬كما يكونون مع الله يكون الله‬
‫معهم‪ ،‬ولئل يناموا إلى الحوال دون المسلكات‪ ،‬وليتمرنوا بالصبر على‬
‫الشدائد‪ ،‬والثبات في المواطن‪ ،‬ويتمكنوا في اليقين‪ ،‬ويجعلوه ملكا ً لهم‪،‬‬
‫ومقامًا‪ ،‬ويتحققوا أن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‪ ،‬ول‬
‫يميلوا إلى الدنيا وزخرفها‪ ،‬ول يذهلوا عن الحق‪ ،‬ول يبيعوه بالدنيا والخرة‪،‬‬
‫وليكون عقوبة عاجلة للبعض فيتمحصوا عن ذنوبهم وينالوا درجة الشهادة‬
‫برفع الحجب‪ ،‬خصوصا ً حجاب محبة النفس‪ ،‬فيلقوا الله طاهرين‪ .‬ولهذا قال‬
‫تعالى ‪( : :‬ولقد عفا عنكم) ]آل عمران‪ ،‬الية ‪ ،[152 :‬إذ البتلء كان سبب‬
‫العفو‪( : .‬فأثابكم غما بغم) أي ‪ :‬صرفكم عنهم فجازاكم غما ً بسبب غم لحق‬
‫رسول الله من جهتكم‪ ،‬بعصيانكم إياه‪ ،‬وفشلكم وتنازعكم‪ ،‬أو غما ً بعد بغم‬
‫أي ‪ :‬غما ً مضاعفا ً لتتمرنوا بالصبر على الشدائد والثبات فيها‪ ،‬وتتعودوا رؤية‬
‫الغلبة والظفر والغنيمة وجميع الشياء من الله ل من أنفسكم فل ‪( :‬تحزنوا‬
‫على ما فاتكم) من الحظوظ والمنافع ‪( :‬ول ما أصابكم) من الغموم‬
‫والمضار‪] .‬تفسير سورة آل عمران آية ‪( : [154‬ثم) خلى عنكم الغم بالمن‬
‫وإلقاء النعاس على الطائفة الصادقين دون المنافقين الذين ‪( :‬أهمتهم‬
‫أنفسهم) ل نفس الرسول ول الذين وافقوا علمة للعفو ‪( :‬لبرز الذين كتب‬
‫عليهم القتل إلى مضاجعهم) لقوله تعالى ‪( : :‬ما أصاب من مصيبة في‬
‫الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها) ]الحديد‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪( .[22‬وليبتلي الله ما في صدوركم) أي ‪ :‬وليمتحن ما في استعدادكم من‬
‫الصدق والخلص واليقين والصبر والتوكل والتجرد وجميع الخلق‬
‫والمقامات‪ ،‬ويخرجها من القوة إلى الفعل ‪( :‬وليمحص ما في قلوبكم) أي ‪:‬‬
‫وليخلص ما برز منها من مكمن الصدر إلى مخزون القلب من عثرات‬
‫وساوس الشيطان ودناءة الحوال وخواطر النفس‪ ،‬فعل ذلك فإن البلء‬
‫سوط من سياط الله يسوق به عباده إليه بتصفيتهم عن صفات نفوسهم‬
‫وإظهار ما فيهم من الكمالت‪ ،‬وانقطاعهم عنده من الخلق ومن النفس‬
‫إلى الحق‪ .‬ولهذا كان متوكل ً بالنبياء ثم الولياء ثم المثل‪ .‬وقال رسول الله‬
‫‪ e‬بيانا ً لفضله ‪ ' :‬ما أوذي نبي مثل ما أوذيت '‪ ،‬كأنه قال ‪ :‬ما صفى نبي مثل‬
‫ما صفيت‪ .‬ولقد أحسن من قال ‪) % :‬لله در النائبات فإنها ‪ %‬صدأ اللئام‬
‫وصيقل الحرار( ‪ %‬إذ ل يظهر على كل منهم إل ما في مكمن استعداده‬
‫كما قيل ‪ :‬عند المتحان يكرم الرجل أو يهان‪] .‬تفسير سورة آل عمران آية‬
‫‪( : [155‬استزلهم) أي ‪ :‬طلب منهم الزلة ودعاهم إليها‪ ،‬وهي زلة التولي ‪( :‬‬
‫ببعض ما كسبوا) من الذنوب‪ .‬فإن الشيطان إنما يقدر على وسوسة الناس‬
‫وإنفاذ أمره إذا كان له مجال بسبب أدنى ظلمة في القلب‪ ،‬حادثة من ذنب‪،‬‬
‫وحركة من النفس كما قيل ‪ :‬الذنب بعد الذنب عقوبة للذنب الول‪( : .‬ولقد‬
‫عفا الله عنهم) بالعتذار ‪ -‬والندم‪] .‬تفسير سورة آل عمران من آية ‪156‬‬
‫إلى‪( : [16 .‬ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم) أي ‪ :‬يجعل ذلك القول‬
‫والعتقاد ضيقا ً وضنكا ً وغما ً في قلوبهم لرؤيتهم القتل والموت مسببا ً عن‬
‫فعل‪ ،‬ولو كانوا موقنين موحدين لرأوا أنه من الله‪ ،‬فكانوا منشرحي الصدور‬
‫‪( :‬والله يحيي) من يشاء في السفر والجهاد وغيره ‪( :‬ويميت) من يشاء في‬
‫الحضر وغيره ‪( :‬لمغفرة من الله ورحمة) أي ‪ :‬لنعيمكم الخروي من جنة‬
‫الفعال وجنة الصفات خير لكم من الدنيوي لكونكم عاملين للخرة و ‪( :‬للى‬
‫الله تحشرون) لمكان توحيدكم‪ ،‬فحالكم فيما بعد الموت أحسن من حالكم‬
‫قبله‪( : .‬فبما رحمة من الله) أي ‪ :‬فباتصافك برحمة رحيمية‪ ،‬أي ‪ :‬رحمة‬
‫تامة‪ ،‬كاملة‪ ،‬وافرة‪ ،‬هي صفة من جملة صفات الله‪ ،‬تابعة لوجودك الموهوب‬
‫اللهي ل الوجود البشري ‪( :‬لنت لهم ولو كنت فظا) موصوفا ً بصفات‬
‫النفس التي منها الفظاظة والغلظة ‪( :‬لنفضوا من حولك) لن الرحمة‬
‫اللهية الموجبة لمحبتهم إياك تجمعهم ‪( :‬فاعف عنهم) فيما يتعلق بك من‬
‫جنايتهم لرؤيتك إياه من الله بنظر التوحيد وعلو مقامك من التأذي بفعل‬
‫البشر‪ ،‬والتغيظ من أفعالهم‪ ،‬وتشفي الغيظ بالنتقام منهم ‪( :‬واستغفر‬
‫لهم) فيما يتعلق بحق الله لمكان غفلتهم وندامتهم واعتذارهم ‪( :‬‬
‫وشاورهم) في أمر الحرب وغيره مراعاة لهم واحترامًا‪ ،‬ولكن إذا عزمت‬
‫ففوض المر إلى الله بالتوكل عليه ورؤية جميع الفعال والفتح والنصر‬
‫والعلم بالصلح والرشد منه‪ ،‬ل منك‪ ،‬ول ممن تشاوره‪ .‬ثم حقق معنى‬
‫التوكل والتوحيد في الفعال بقوله ‪( : :‬إن ينصركم الله) إلى آخره‪] .‬تفسير‬
‫سورة آل عمران من آية ‪ 161‬إلى آية ‪( : [169‬وما كان لنبي أن يغل) لبعد‬
‫مقام النبوة وعصمة النبياء عن جميع الرذائل‪ ،‬وامتناع صدور ذلك منهم مع‬
‫كونهم منسلخين عن صفات البشرية‪ ،‬معصومين عن تأثير دواعي النفس‬
‫والشيطان فيهم‪ ،‬قائمين بالله متصفين بصفاته ‪( :‬يأت بما غل) أي ‪ :‬يظهر‬
‫على صورة غلوله بما غل بعينه‪( : .‬أفمن اتبع رضوان الله) أي ‪ :‬النبي في‬
‫مقام الرضوان التي هي جنة الصفات‪ ،‬لتصافه بصفات الله‪ ،‬والغال في‬
‫مقام السخط لحتجابه بصفات نفسه ‪( :‬ومأواه) أسفل حضيض النفس‬
‫المظلمة‪ ،‬فهل يتشابهان ؟ ‪( :‬هم درجات) أي ‪ :‬كل من أهل الرضا وأهل‬
‫السخط ذوو درجات متفاوتات أو هم مختلفون اختلف الدرجات ‪( :‬قل هو‬
‫من عند أنفسكم) ل ينافي قوله تعالى ‪( : :‬قل كل من عند الله) ]النساء‪،‬‬
‫الية ‪ [78 :‬لن السبب الفاعلي في الجميع هو الحق تعالى‪ ،‬والسبب‬
‫القابلي أنفسهم‪ ،‬ول يفيض من الفاعل إل ما يليق بالستعداد ويقتضيه‪،‬‬
‫وباعتبار الفاعل يكون من عند الله‪ ،‬وباعتبار القابل يكون من عند أنفسهم‪.‬‬
‫واستعداد النفس إما أصلي وإما عارضي‪ ،‬والصلي من فيضه القدس على‬
‫مقتضى مشيئته‪ ،‬والعارضي من اقتضاء قدره‪ .‬فهذا الجانب أيضا ً ينتهي‬
‫إليه‪ ،‬ومن وجه آخر ما يكون من أنفسهم أيضا ً يكون من الله نظرا ً إلى‬
‫التوحيد‪ ،‬إذ ل غير ثمة ‪( :‬وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا) أي ‪:‬‬
‫وليتميز المؤمنون والمنافقون في العلم التفصيلي‪( : .‬ول تحسبن الذين‬
‫قتلوا في سبيل الله) سواء كان قتلهم بالجهاد الصغر‪ ،‬وبذل النفس طلبا ً‬
‫لرضا الله‪ ،‬أو بالجهاد الكبر‪ ،‬وكسر النفس‪ ،‬وقمع الهوى بالرياضة ‪( :‬أمواتا‬
‫بل أحياء عند ربهم) بالحياة الحقيقية مجردين عن دنس الطبائع‪ ،‬مقربين‬
‫في حضرة القدس ‪( :‬يرزقون) من الرزاق المعنوية‪ ،‬أي المعارف والحقائق‬
‫واستشراق النوار‪ ،‬ويرزقون في الجنة الصورية كما يرزق سائر الحياء‪.‬‬
‫فإن للجنان مراتب بعضها معنوية وبعضها صورية‪ ،‬ولكل من المعنوية‬
‫والصورية درجات على حسب العمال‪ ،‬فالمعنوية جنة الذات وجنة الصفات‬
‫وتفاضل درجاتها على حسب تفاضل درجات أهل الجبروت والملكوت‪،‬‬
‫والصورية جنة الفعال وتفاوت درجاتها على حسب تفاوت درجات عالم‬
‫الملك من السموات العلى‪ ،‬وجنات الدنيا وعن النبي ‪ ' : e‬لما أصيب إخوانكم‬
‫بأحد‪ ،‬جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر‪ ،‬تدور في أنهار الجنة‪ ،‬وتأكل‬
‫من ثمارها‪ ،‬وتأوي إلى قناديل من ذهب‪ ،‬معلقة في ظل العرش '‪ .‬فالطير‬
‫الخضر ‪ :‬إشارة إلى الجرام السماوية‪ ،‬والقناديل هي الكواكب‪ ،‬أي تعلقت‬
‫بالنيرات من الجرام السماوية لنزاهتها‪ ،‬وأنهار الجنة منابع العلوم‬
‫ومشارعها‪ ،‬وثمارها الحوال والمعارف والنهار‪ ،‬والثمار الصورية على‬
‫حسب جنتهم المعنوية أو الصورية‪ .‬فإن كل ما وجد في الدنيا من المطاعم‬
‫والمشارب والمناكح والملبس وسائر الملذ والمشتهيات‪ ،‬موجود في‬
‫الخرة وفي طبقات السماء ألذ وأصفى مما في الدنيا‪( .‬فرحين بما آتاهم‬
‫الله من فضله) من الكرامة والنعمة والقرب عند الله ‪( :‬ويستبشرون) بحال‬
‫إخوانهم ‪( :‬الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) ولم ينالوا درجاتهم بعد من‬
‫خلفهم لستسعادهم عن قريب بمثل حالهم ولحوقهم بهم ‪( :‬أل خوف‬
‫عليهم ول هم يحزنون) بدل اشتمال من الذين‪ ،‬أي ‪ :‬يستبشرون بأنهم‬
‫آمنوا‪ ،‬ل خوف عليهم ول هم يحزنون ‪( :‬يستبشرون بنعمة) أي ‪ :‬أمنهم‬
‫بنعمة عظيمة ل يعلم كنهها‪ ،‬هي جنة الصفات بحصول مقام الرضوان‬
‫المذكورة بعده لهم ‪( :‬وفضل) وزيادة عليها هي جنة الذات والمن الكلي‬
‫من بقية الوجود وذلك كمال كونهم شهداء الله‪ ،‬ومع ذلك فإن الله ل يضيع‬
‫أجر إيمانهم الذي هو جنة الفعال وثواب العمال‪( : .‬الذين استجابوا‬
‫لله) بالفناء في الوحدة الذاتية ‪( :‬والرسول) بالمقام بحق الستقامة ‪( :‬من‬
‫بعد ما أصابهم القرح) أي ‪ :‬كسر النفس ‪( :‬للذين أحسنوا منهم) أي ‪ :‬ثبتوا‬
‫في مقام المشاهدة ‪( :‬واتقوا) بقاياهم ‪( :‬أجر عظيم) وراء اليمان هو روح‬
‫المشاهدة‪ .‬تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 173‬إلى آية ‪( : [178‬الذين قال‬
‫لهم الناس) قبل الوصول إلى المشاهدة ‪( :‬إن الناس قد جمعوا لكم‬
‫فاخشوهم) أي ‪ :‬اعتبروا لوجودكم واعتدوا بكم فاعتدوا بهم ‪( :‬‬
‫فزادهم) ذلك القول ‪( :‬إيمانا) أي ‪ :‬يقينا ً وتوحيدا ً بنفي الغير وعدم المبالة‬
‫به‪ ،‬وتوصلوا بنفي ما سوى الله إلى إثباته بقولهم ‪( :‬حسبنا الله) فشاهدوه‬
‫ثم رجعوا إلى تفاصيل الصفات بالستقامة فقالوا ‪( : :‬ونعم الوكيل) وهي‬
‫الكلمة التي قالها إبراهيم ‪ u‬حين ألقي في النار فصارت بردا ً وسلما ً عليه ‪:‬‬
‫(فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) أي ‪ :‬رجعوا بالوجود الحقاني في جنة‬
‫الصفات والذات كما مر آنفا ً ‪( :‬لم يمسسهم سوء) البقية ورؤية الغير‪( : .‬و)‬
‫هم ‪( :‬اتبعوا رضوان الله) الذي هو جنة الصفات في حال سلوكهم حين لم‬
‫يعلموا ما أخفي لهم من قرة أعين وهي جنة الذات المشار إليها بقوله ‪( : :‬‬
‫والله ذو فضل عظيم) فإن الفضل هو المزيد على الرضوان ‪( :‬يخوف‬
‫أولياءه) المحجوبين بأنفسهم مثله من الناس أو يخوفكم أولياءه ‪( :‬فل‬
‫تخافوهم) ول تعتدوا بوجودهم ‪( :‬وخافون إن كنتم) موحدين‪ ،‬أي ل تخافوا‬
‫غيري لعدم عينه وأثره ‪( :‬ول يحزنك الذين يسارعون في الكفر) لحجابهم‬
‫الصلي وظلمتهم الذاتية خوف أن يضروك ‪( :‬إنهم لن يضروا الله‬
‫شيئا) إملء الكفار وطول حياتهم سبب لشدة عذابهم وغاية هوانهم‬
‫وصغارهم لزديادهم بطول عمرهم حجابا ً على حجاب‪ ،‬وبعدا ً على بعد‪ .‬وكلما‬
‫ازدادوا بعدا ً عن الحق الذي هو منيع العزة ازدادوا هوانًا‪] .‬تفسير سورة آل‬
‫عمران من آية ‪ 179‬إلى آية ‪( : [180‬ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم‬
‫عليه) من ظاهر السلم وتصديق اللسان ‪( :‬حتى يميز الخبيث) من صفات‬
‫النفس وشكوك الوهم وحظوظ الشيطان‪ ،‬ودواعي الهوى من طيبات‬
‫صفات القلب كالخلص واليقين والمكاشفة ومشاهدات الروح ومناغيات‬
‫السر ومسامراته‪ ،‬وتخلص المعرفة والمحبة لله بالبتلء ووقوع الفتن‬
‫والمصائب بينكم‪( : .‬وما كان الله ليطلعكم على) غيب وجودكم من الحقائق‬
‫والحوال الكامنة فيكم بل واسطة الرسول لبعد ما بينكم وبينه وعدم‬
‫المناسبة وانتفاء استعداد التلقي منه ‪( :‬ولكن الله يجتبي من رسله من‬
‫يشاء) فيطلعه على أسراره وحقائقه بالكشف ليهديكم إلى ما غاب عنكم‬
‫من كنوز وجودكم وأسراره للجنسية النفسانية التي بينه وبينكم‪ ،‬الموجبة‬
‫لمكان اهتدائكم به ‪( :‬فآمنوا بالله ورسله) بالتصديق القلبي والرادة‬
‫والتمسك بالشريعة ليمكنكم التلقي والقبول منهم ‪( :‬وإن تؤمنوا) بعد ذلك‬
‫اليمان بالتحقيق والسلوك إلى اليقين والمتابعة في الطريقة ‪( :‬‬
‫وتتقوا) الحجب النفسانية وموانع السلوك ‪( :‬فلكم أجر عظيم) من كشف‬
‫الحقيقة ‪( :‬بما آتاهم الله من فضله) من المال والعلم والقدرة والنفس ول‬
‫ينفقونه في سبيل الله على المستحقين والمستعدين والنبياء والصديقين‬
‫في الذب عنهم أو الفناء في الله ‪( :‬سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) أي‬
‫‪:‬يجعل غل أعناقهم وسبب تقيدهم وحرمانهم عن روح الله ورحمته وموجب‬
‫هوانهم وحجابهم عن نور جماله لمحبتهم له وتعلقهم به ‪( :‬ولله ميراث‬
‫السماوات والرض) من النفوس وصفاتها كالقوى والقدر والعلوم والموال‬
‫وكل ما ينطبق عليه اسم الوجود فما لهم يبخلون بماله عنه‪] .‬لتفسير سورة‬
‫آل عمران من آية ‪ 181‬إلى آية[ ‪( :‬لقد سمع الله) إلى قوله ‪( :‬إن كنتم‬
‫صادقين) روي أن أنبياء بني إسرائيل كانت معجزتهم أن يأتوا بقربان‬
‫فيدعوا الله فتأتي نار من السماء تأكله‪ .‬وتأويله ‪ :‬أن يأتوا بنفوسهم‬
‫يتقربون بها إلى الله ويدعون الله بالزهد والعبادة‪ ،‬فتأتي نار العشق من‬
‫سماء الروح تأكله وتفنيه في الوحدة‪ ،‬فبعد ذلك صحت نبوتهم وظهرت‬
‫فسمع به عوام بني إسرائيل فاعتقدوا ظاهره‪ ،‬وإن كان ممكنا ً من عالم‬
‫القدرة فاقترحوا على كل نبي تلك الية كما توهموا من إقراض الله الذي‬
‫هو بذل المال في سبيل الله بالنفاق لستيفاء الثواب وبذل الفعال‬
‫والصفات بالمحو في السلوك لستبدال صفات الحق وأفعاله وتحصيل مقام‬
‫البدال‪ ،‬فقر الحق وغناهم‪ ،‬أو كابروا النبياء في الموضعين بعدما فهموا‪.‬‬
‫]تفسير سورة آل عمران من آية ‪ 188‬إلى آية ‪( [191‬ل تحسبن الذين‬
‫يفرحون بما أتوا) أي ‪ :‬يعجبوا بما فعلوا من طاعة وإيثار‪ ،‬وكل حسنة من‬
‫الحسنات‪ ،‬ويحجبون برؤيته ‪( :‬ويحبون أن يحمدوا) أي ‪ :‬يحمدهم الناس‪،‬‬
‫فهم محجوبون بعرض الحمد والثناء من الناس‪ ،‬أو أن يكونوا محمودين في‬
‫نفس المر‪ ،‬عند الله ‪( :‬بما لم يفعلوا) بل فعله الله على أيديهم إذ ل فعل‬
‫إل لله‪( : ،‬والله خلقكم وما تعملون) ]الصافات‪ ،‬الية ‪ [96 :‬فائزين من‬
‫عذاب الحرمان ‪( :‬ولهم عذاب أليم) لمكان استعدادهم واحتجابهم عما فيه‪،‬‬
‫وكان من حقهم أن ينسبوا الفضيلة والفعل الجميل إلى الله ويتبرأوا عن‬
‫حولهم وقوتهم إليه ول يحتجبوا برؤية الفعل من أنفسهم‪ ،‬ول يتوقعوا به‬
‫المدح والثناء‪( : .‬ولله ملك السماوات والرض) ليس لحد فيها شيء حتى‬
‫يعطي غيره فيعجب بعطائه ‪( :‬والله على كل شيء قدير) ل يقدر غيره على‬
‫فعل ما‪ ،‬حتى يعجب برؤيته‪ ،‬فيفرح به فرح إعجاب‪( : .‬الذين يذكرون‬
‫الله) في جميع الحوال وعلى جميع الهيئات ‪( :‬قياما) في مقام الروح‬
‫بالمشاهدة ‪( :‬وقعودا) في محل القلب بالمكاشفة ‪( :‬وعلى جنوبهم) أي ‪:‬‬
‫تقلباتهم في مكان النفس بالمجاهدة ‪( :‬ويتفكرون) بألبابهم أي ‪ :‬عقولهم‬
‫الخالصة عن شوب الوهم ‪( :‬في خلق) عالم الرواح والجساد‪ .‬يقولون عند‬
‫الشهود ‪( :‬ربنا ما خلقت هذا) الخلق ‪( :‬باطل) أي ‪ :‬شيئا ً غيرك‪ ،‬فإن غير‬
‫الحق هو الباطل‪ ،‬بل جعلته أسماءك ومظاهر صفاتك ‪( :‬سبحانك) ننزهك أن‬
‫يوجد غيرك‪ ،‬أي ‪ :‬يقارن شيء فردانيتك أو يثني وحدانيتك ‪( :‬فقنا‬
‫عذاب) نار الحتجاب بالكوان عن أفعالك‪ ،‬وبالفعال عن صفاتك‪ ،‬وبالصفات‬
‫عن ذاتك وقاية مطلقة تامة كافية‪] .‬تفسير سورة آل عمران من آية ‪192‬‬
‫إلى آية ‪( : 195‬ربنا إنك من تدخل النار) بالحرمان ‪( :‬فقد أخزيته) بوجود‬
‫البقية التي كلها ذل وعار وشنار ‪( :‬وما للظالمين) الذين أشركوا برؤية‬
‫الغير مطلقا ً أو البقية ‪( :‬من أنصار) ‪( :‬ربنا إننا سمعنا) بأسماع قلوبنا ‪( :‬‬
‫مناديا) من أسرارنا التي هي شاطئ وادي الروح اليمن ‪( :‬ينادي) إلى‬
‫اليمان العياني ‪( :‬أن آمنوا بربكم) أي ‪ :‬شاهدوا ربكم‪ ،‬فشاهدنا ‪( :‬ربنا‬
‫فاغفر لنا) ذنوب صفاتنا بصفاتك ‪( :‬وكفر عنا) سيئات أفعالنا برؤية‬
‫أفعالك ‪( :‬وتوفنا) عن ذواتنا في صحبة البرار من البدال الذين تتوفاهم‬
‫بذاتك عن ذواتهم‪ ،‬ل البرار الباقين على حالهم في مقام محو الصفات غير‬
‫المتوفين بالكلية ‪( :‬ربنا وآتنا ما وعدتنا على) اتباع ‪( :‬رسلك) أو محمول ً‬
‫على رسلك من البقاء بعد الفناء‪ ،‬والستقامة بالوجود الموهوب بعد التوحيد‬
‫‪( :‬ول تخزنا يوم القيامة) الكبرى ووقت بروز الخلق لله الواحد القهار‬
‫بالحتجاب بالوحدة عن الكثرة‪ ،‬وبالجمع عن التفصيل ‪( :‬إنك ل تخلف‬
‫الميعاد) فتبقى مقاما ً وراءنا لم نصل إليه‪( : .‬فاستجاب لهم ربهم أني ل‬
‫أضيع عمل عامل منكم من ذكر) القلب من العمال القلبية كالخلص‬
‫واليقين والكشف ‪( :‬أو أنثى) النفس من العمال القالبية‪ ،‬كالطاعات‬
‫والمجاهدات والرياضات ‪( :‬بعضكم من بعض) يجمعكم أصل واحد وحقيقة‬
‫واحدة هي الروح النسانية‪ ،‬أي ‪ :‬بعضكم منشأ من بعض‪ ،‬فل أثيب بعضكم‬
‫وأحرم بعضا ً ‪( :‬فالذين هاجروا) عن أوطان مألوفات النفس ‪( :‬وأخرجوا من)‬
‫ديار صفاتها أو هاجروا من أحوالهم التي التذوا بها‪ ،‬وأخرجوا من مقاماتهم‬
‫التي يسكنون إليها ‪( :‬وأوذوا في سبيلي) أي ‪ :‬ابتلوا في سبيل سلوك‬
‫أفعالي بالبليا والمحن والشدائد والفتن ليتمرنوا بالصبر‪ ،‬ويفوزوا بالتوكل‬
‫في سبيل سلوك صفاتي بسطوات تجليات الجلل والعظمة والكبرياء‬
‫ليصلوا إلى الرضا ‪( :‬وقاتلوا) البقية بالجهاد في ‪( :‬وقتلوا) وأفنوا في‬
‫بالكلية ‪( :‬لكفرن عنهم سيئاتهم) كلها من الصغائر والكبائر‪ ،‬أي ‪ :‬سيئات‬
‫بقاياهم ‪( :‬ولدخلنهم) الجنات الثلثة المذكورة ‪( :‬ثوابا) أي ‪ :‬عوضا ً لما‬
‫أخذت منهم من الوجودات الثلثة ‪( :‬والله عنده حسن الثواب) أي ‪ :‬ل يكون‬
‫عند غيره الثواب المطلق الذي ل يبقى منه شيء‪ ،‬ولهذا قال ‪ :‬والله‪ ،‬لنه‬
‫السم الجامع لجميع الصفات‪ ،‬فلم يحسن أن يقول ‪ :‬والرحمن‪ ،‬في هذا‬
‫الموضع أو اسم آخر غير اسم الذات‪( .‬ل يغرنك تقلب الذين كفروا) أي ‪:‬‬
‫حجبوا عن التوحيد الذي هو دين الحق في المقامات والحوال‪( : .‬متاع‬
‫قليل) أي ‪ :‬هو يعني الحتجاب بالمقامات والتقلب فيها تمتع قليل ‪( :‬ثم‬
‫مأواهم جهنم) الحرمان ‪( :‬وبئس المهاد) ‪( :‬لكن الذين اتقوا ربهم) من‬
‫المؤمنين‪ ،‬أي ‪ :‬تجردوا عن الوجودات الثلثة‪ ،‬لهم الجنات الثلث‪( : ،‬‬
‫نزل) معدا ً ‪( :‬من عند الله) ‪( :‬وإن من أهل الكتاب) أي ‪ :‬المحجوبين عن‬
‫التوحيد‪ ،‬والمذكورين بصفة التقلب في الحوال والمقامات ‪( :‬لمن يؤمن‬
‫بالله) أي ‪ :‬يتحقق بالتوحيد الذاتي ‪( :‬وما أنزل إليكم) من علم التوحيد‬
‫والستقامة ‪( :‬وما أنزل إليهم) من علم المبدأ والمعاد ‪( :‬خاشعين‬
‫لله) قابلين لتجلي الذات‪( : .‬ل يشترون بآيات الله) التي هي تجليات صفاته‬
‫ثمن البقية الموصوف بالقلة ‪( :‬أولئك لهم أجرهم عند ربهم) من الجنان‬
‫المذكورة ‪( :‬إن الله سريع الحساب) يحاسبهم ويجازيهم فيعاقب على بقايا‬
‫من بقي منه شيء‪ ،‬أو يثيب بنفي البقايا على حسب درجاتهم في المواطن‬
‫الثلثة‪( : .‬يا أيها الذين آمنوا اصبروا) لله ‪( :‬وصابروا) مع الله ‪( :‬‬
‫ورابطوا) بالله‪ ،‬أي ‪ :‬اصبروا في مقام النفس بالمجاهدة‪ ،‬وصابروا في‬
‫مقام القلب مع سطوات تجليات صفات الجلل بالمكاشفة‪ ،‬ورابطوا في‬
‫مقام الروح ذواتكم بالمشاهدة حتى ل يغلبكم فترة أو غفلة أو غيبة‬
‫بالتلوينات ‪( :‬واتقوا الله) في مقام الصبر عن المخالفة والرياء‪ ،‬وفي‬
‫المصابرة عن العتراض والمتلء وفي المرابطة عن البقية والجفاء لكي‬
‫تفلحوا الفلح الحقيقي السرمدي الذي ل فلح وراءه‪ ،‬إن شاء الله‪.‬‬

‫)سورة النساء(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم(‬

‫تفسير سورة النساءآية ‪( : [1‬يا أيها الناس اتقوا ربكم) احذروه في انتحال‬
‫صفته عند صدور الخيرات منكم‪ ،‬واتخذوا الصفة وقاية لكم في صدور ما‬
‫صدر منكم من الخير‪ ،‬وقولوا صدر عن القادر المطلق ‪( :‬الذي خلقكم من‬
‫نفس واحدة) هي النفس الناطقة الكلية‪ ،‬التي هي قلب العالم‪ ،‬وهو آدم‬
‫الحقيقي ‪( :‬وجعل منها زوجها) أي ‪ :‬النفس الحيوانية الناشئة منها‪ .‬وقيل ‪:‬‬
‫إنها خلقت من ضلعه اليسر من الجهة التي تلي عالم الكون‪ ،‬فإنها أضعف‬
‫من الجهة التي تلي الحق‪ ،‬ولول زوجها لما أهبط إلى الدنيا‪ .‬كما اشتهر أن‬
‫إبليس سول لها أول ً فتوسل بإغوائها إلى إغواء آدم ول شك في أن التعلق‬
‫البدني ل يتهيأ إل بواسطتها ‪( :‬وبث منهما رجال كثيرا) أي ‪ :‬أصحاب قلوب‬
‫ينزعون إلى أبيهم ‪( :‬ونساء) أصحاب نفوس وطبائع ينزعون إلى أمهم ‪( :‬‬
‫واتقوا الله) في ذاته عن إثبات وجودكم‪ ،‬واجعلوه وقاية لكم عند ظهور‬
‫البقية منكم في الفناء في التوحيد حتى ل تحتجبوا برؤية الفناء ‪( :‬الذي‬
‫تساءلون به) ل بكم ‪( :‬والرحام) أي ‪ :‬احذروا الرحام الحقيقية‪ ،‬أي أقربة‬
‫المبادئ العالية من المفارقات وأرواح النبياء والولياء في قطعها بعدم‬
‫المحبة‪ ،‬واجعلوها وقاية لكم في حصول سعاداتكم وكمالتكم‪ ،‬فإن قطع‬
‫الرحم يققد المحبة توجه عن التصال والوحدة إلى النفصال والكثرة‪ ،‬وهو‬
‫المقت الحقيقي والبعد الكلي عن جناب الحق تعالى‪ ،‬ولهذا قال عليه ‪' : e‬‬
‫صلة الرحم تزيد في العمر '‪ ،‬أي ‪ :‬توجب دوام البقاء‪ .‬واعلم أن الرحم من‬
‫الظاهر صورة التصال الحقيقي في الباطن‪ ،‬وحكم الظاهر في التوحيد‬
‫كحكم الباطن‪ ،‬فمن ل يقدر على مراعاة الظاهر فهو أحرى بأن ل يقدر‬
‫على مراعاة الباطن ‪( :‬إن الله كان عليكم رقيبا) يراقبكم لئل تحتجبوا عنه‬
‫بظهور صفة من صفاتكم‪ ،‬أو بقية من بقاياكم فتتعذبوا‪( .‬وآتوا‬
‫اليتامى) يتامى قواكم الروحانية‪ ،‬المنقطعين عن تربية الروح القدسي الذي‬
‫هو أبوهم ‪( :‬أموالهم) أي ‪ :‬معلوماتهم وكمالتهم‪ ،‬وربوهم بها ‪( :‬ول تتبدلوا‬
‫الخبيث) من المحسوسات والخياليات والوساوس ودواعي الوهم وسائر‬
‫قوى النفس التي هي أموالها ‪( :‬بالطيب) من أموالهم ‪( :‬ول تأكلوا أموالهم‬
‫إلى أموالكم) أي ‪ :‬ل تخلطوها بها‪ ،‬فيشتبه الحق بالباطل وتستعملوها في‬
‫تحصيل لذاتكم الحسية وكمالتكم النفسية‪ ،‬فتنتفعوا بها في مطالبكم‬
‫الخسيسة الدنيوية وتجعلوها غذاء نفوسكم ‪( :‬إنه كان حوبا كبيرا) حجبة‬
‫وحرمانًا‪] .‬تفسير سورة النساء من آية ‪ 31‬إلى آية ‪( : [36‬إن تجتنبوا كبائر‬
‫ما تنهون عنه) من إثبات الغير في الوجود الذي هو الشرك ذاتا ً وصفة‬
‫ل‪ ،‬فإن أكبر الكبائر إثبات وجود غير وجوده تعالى كما قيل ‪) % :‬وجودك‬ ‫وفع ً‬
‫ذنب ل يقاس به ذنب ‪ % (%‬ثم إثبات الثنينية في الذات بإثبات زيادة‬
‫الصفات عليها‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين ‪ .u‬وكما قال ‪ ' :‬الخلص له نفي‬
‫الصفات عنه '‪( : .‬نكفر عنكم سيئاتكم) بظهور النفس والقلب بصفة من‬
‫صفاتها أحيانًا‪ ،‬فإنها بعد ظهور نور التوحيد ل تثبت ‪( :‬وندخلكم مدخل‬
‫كريما) أي ‪ :‬حضرة عين الجمع ل كرم إل فيها ‪( :‬ول تتمنوا ما فضل الله به‬
‫بعضكم على بعض) من الكمالت المرتبة بحسب الستعدادات الولية‪ ،‬فإن‬
‫كل استعداد يقتضي بهويته في الزل كمال ً وسعادة تناسبه‪ ،‬وحصول ذلك‬
‫الكمال الخاص لغيره محال‪ .‬ولذلك ذكر بلفظ التمني الذي هو طلب ما يمتنع‬
‫حصوله للطالب لمتناع سببه ‪( :‬للرجال) أي ‪ :‬الفراد الواصلين ‪( :‬نصيب مما‬
‫اكتسبوا) بنور استعدادهم الصلي ‪( :‬وللنساء) أي ‪ :‬الناقصين القاصرين عن‬
‫الوصول ‪( :‬نصيب مما اكتسبن) بقدر استعدادهن ‪( :‬واسألوا الله من‬
‫فضله) أي ‪ :‬اطلبوا منه إفاضة كمال يقتضيه استعدادكم بالتزكية والتصفية‬
‫حتى ل يحول بينكم وبينه فتحتجبوا وتتعذبوا بنيران الحرمان منه ‪( :‬إن الله‬
‫كان بكل شيء) مما يخفى عليكم‪ ،‬كامنا ً في استعدادكم بالقوة ‪( :‬‬
‫عليما) فيجيبكم بما يليق بكم كما قال ‪( : :‬وءاتكم من كل ما‬
‫سألتموه) ]إبراهيم‪ ،‬الية ‪ [34 :‬أي ‪ :‬بلسان الستعداد الذي ما دعاه أحد به‬
‫إل أجاب‪ ،‬كما قال ‪( : :‬ادعوني أستجب لكم) ]غافر‪ ،‬الية ‪( : .[40 :‬واعبدوا‬
‫الله) خصصوه بالتوجه إليه‪ ،‬والفناء فيه‪ ،‬الذي هو غاية التذلل ‪( :‬ول تشركوا‬
‫به شيئا) بإثبات وجوده ‪( :‬وبالوالدين إحسانا) وأحسنوا بالروح والنفس‬
‫اللذين تولد القلب منهما وهو حقيقتكم‪ ،‬لستم إل إياه‪ ،‬ووفوا حقوقهما‬
‫وراعوهما حق المراعاة بالستفاضة من الول‪ ،‬والتوجه إليه بالتسليم‬
‫والتعظيم وتزكية الثانية‪ ،‬وحفظها من أدناس محبة الدنيا‪ ،‬والتذلل بالحرص‬
‫والشره وأمثالهما‪ ،‬ومن شر الشيطان وعداوته إياها وأعينوها بالرأفة‬
‫والحمية بتوفير حقوقها عليها‪ ،‬ومنع الحظوظ عنها ‪( :‬وبذي القربى) الذي‬
‫يناسبكم في الحقيقة بحسب القرب في الستعداد الصلي والمشاكلة‬
‫الروحانية ‪( :‬واليتامى) المستعدين المنقطعين عن نور الروح القدسي الذي‬
‫هو الب الحقيقي‪ ،‬بالحتجاب عنه ‪( :‬والمساكين) العاملين الذين ل مال‬
‫لهم‪ ،‬أي ‪ :‬ل حظ من العلوم والمعارف والحقائق‪ ،‬فسكنوا ولم يقدروا على‬
‫المسير وهم السعداء الصالحون الذين مآلهم إلى جنة الفعال‪( : .‬والجار ذي‬
‫القربى) الذي هو في مقام من مقامات السلوك‪ ،‬قريب من مقامك ‪( :‬‬
‫والجار الجنب) الذي هو في مقامه بعيد من مقامك‪( : ،‬والصاحب‬
‫بالجنب) والرفيق الذي هو في عين مقامكم ويرافقكم في سيركم ‪( :‬وابن‬
‫السبيل) أي ‪ :‬السالك في طريق الحق‪ ،‬الداخل في الغربة عن مأوى النفس‬
‫الذي لم يصل إلى مقام من مقامات أهل الله ‪( :‬وما ملكت أيمانكم) من‬
‫أهل إرادتكم ومحبتكم‪ ،‬الذين هم عبيدكم كل ً بما يناسبه ويليق به من أنواع‬
‫الحسان‪ ،‬وإن شئت أولت ذي القربى بما يتصل به من الملكوت العالية من‬
‫المجردات واليتامى بالقوى الروحانية كما مر‪ .‬والمساكين بالقوى النفسانية‬
‫من الحواس الظاهرة وغيرها‪ .‬والجار ذي القربى بالعقل‪ ،‬والجار الجنب‬
‫بالوهم‪ ،‬والصاحب بالجنب بالشوق والرادة‪ ،‬وابن السبيل بالفكر‪ ،‬والمماليك‬
‫بالملكات المكتسبة التي هي مصادر الفعال الجميلة‪( : .‬إن الله ل يحب من‬
‫كان مختال) يسعى في السلوك بنفسه ل بالله‪ ،‬معجبا ً بأعماله ‪( :‬‬
‫فخورا) مبتهجا ً بأحواله ومقاماته وكمالته‪ ،‬محتجبا ً برؤيتها ورؤية اتصافه‬
‫بها‪( .‬الذين يبخلون) أول ً بإمساك كمالتهم وعلومهم في مكامن قرائحهم‬
‫ومطامير غرائزهم‪ ،‬ل يظهرونها بالعمل بها في وقتها ثم بالمتناع عن‬
‫توفير حقوق ذوي الحقوق عليهم‪ ،‬ل يبذلون صفاتهم وذواتهم بالفناء في‬
‫الله لمحبتهم لها‪ ،‬ول ينفقون أموال علومهم وأخلقهم وكمالتهم على ما‬
‫ذكرنا من المستحقين‪( : .‬ويأمرون الناس بالبخل) يحملونهم على مثل‬
‫حالهم ‪( :‬ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) من التوحيد والمعارف والخلق‬
‫والحقائق في كتم الستعداد وظلمة القوة كأنها معدومة ‪( :‬وأعتدنا‬
‫للكافرين) المحجوبين عن الحق ‪( : %‬عذابا مهينا) في ذل وجوههم وشين‬
‫صفاتهم‪( : .‬والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس) أي ‪ :‬يبرزون كمالتهم من‬
‫كتم العدم‪ ،‬ويخرجونها إلى الفعل‪ ،‬محجوبين برؤيتها لنفسهم‪ ،‬يراؤون‬
‫الناس بأنها لهم ‪( :‬ول يؤمنون بالله) اليمان الحقيقي‪ ،‬فيعلمون أن الكمال‬
‫المطلق ليس إل له‪ ،‬ومن أين لغيره وجود حتى يكون له ؟ فيتخلصون عن‬
‫حجاب رؤية الكمال لنفسهم‪ ،‬وينجون عن إثم العجب‪( : .‬ول باليوم‬
‫الخر) أي ‪ :‬الفناء في الله والبروز للواحد القهار‪ ،‬فيتبرؤون من ذنب‬
‫الشرك‪ ،‬وذلك لمقارنة شيطان الوهم إياهم ‪( :‬ومن يكن الشيطان له قرينا‬
‫فساء قرينا) لنه يضله عن الهدى‪ ،‬ويحجبه عن الحق ‪( :‬وماذا عليهم لو آمنوا‬
‫بالله) أي ‪ :‬لو صدقوا الله بالتوحيد والفناء فيه‪ ،‬ومحو كمالتهم التي رزقهم‬
‫الله بإضافتها إلى الله ؟ ‪( :‬وكان الله بهم عليما) يجازيهم بالبقاء بعد الفناء‪،‬‬
‫وكونهم مع تلك الصفات والكمالت بالله ل بأنفسهم‪( : .‬إن الله ل‬
‫يظلم) أي ‪ :‬ل ينقص من تلك الكمالت بالفناء فيه ‪( :‬مثقال ذرة) بل‬
‫يضاعفها بالتأييد الحقاني ‪( :‬وإن تك حسنة يضاعفها) ول تكون حسنة إل إذا‬
‫كانت له ‪( :‬ويؤت من لدنه أجرا عظيما) هو ما أخفي له من قرة أعين‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫الشهود الذاتي الذي ل حجبة معه عن تفاصيل الصفات‪( : .‬فكيف إذا جئنا‬
‫من كل أمة بشهيد) إلى آخره‪ ،‬الشهيد والشاهد ‪ :‬ما يحضر كل أحد مما بلغه‬
‫من الدرجة في العرفان‪ ،‬وهو الغالب عليه‪ ،‬فهو يكشف عن حاله وعمله‬
‫وسعيه ومبلغ جهده مقاما ً كان أو صفة من صفات الحق أو ذاتًا‪ ،‬فلكل أمة‬
‫شهيد بحسب ما دعاهم إليه نبيهم وعرفه لهم وما دعاهم إل إلى ما وصل‬
‫إليه من مقامه في المعرفة‪ ،‬ول يبعث نبي إل بحسب استعداد أمته فهم‬
‫يعرفون الله بنور استعدادهم في صورة كمال نبيهم‪ .‬ولهذا ورد في الحديث‬
‫‪ :‬إن الله يتجلى لعباده في صورة معتقدهم‪ ،‬فيعرفه كل واحد من الملل‬
‫والمذاهب‪ ،‬ثم يتحول عن تلك الصورة‪ ،‬فيبرز في صورة أخرى فل يعرفه إل‬
‫الموحدون الداخلون في حضرة الحدية من كل باب‪ .‬وكما أن لكل أمة‬
‫شهيدًا‪ ،‬فكذلك لكل أهل مذهب شهيد‪ ،‬ولكل واحد شهيد يكشف عن حال‬
‫مشهوده‪ ،‬وأما المحمديون فشهيدهم الله المحبوب الموصوف بجميع‬
‫الصفات لمكان كمال نبيهم وكونه حبيبا ً مؤتى جوامع الكلم‪ ،‬متمما ً لمكارم‬
‫الخلق‪ ،‬فل جرم يعرفونه عند التحول في جميع الصور إذا تابعوا نبيهم حق‬
‫المتابعة‪ ،‬وكانوا أوحديين محبوبين كنبيهم‪] .‬تفسير سورة النساء من آية ‪42‬‬
‫إلى آية ‪( : [43‬يومئذ يود الذين كفروا) بالحتجاب عن الحق ‪( :‬وعصوا‬
‫الرسول) بالحتجاب عن الدين ‪( :‬لو تسوى بهم) أرض الستعداد‪ ،‬فتنطمس‬
‫نفوسهم أو تصير ساذجة ل نقش فيها من العقائد الفاسدة الرذائل الموبقة‬
‫‪( :‬ول يكتمون الله حديثا) أي ‪ :‬ل يقدرون على كتم حديث من تلك النقوش‬
‫حتى ل يتعذبون بعقابه‪( : .‬يا أيها الذين آمنوا) باليمان العلمي‪ ،‬فإن المؤمن‬
‫باليمان العيني ل يكون في صلته غافل ً ‪( :‬ل تقربوا الصلة) أي ‪ :‬ل تقربوا‬
‫مقام الحضور والمناجاة مع الله في حال كونكم ‪( :‬سكارى) من نوم الغفلة‪،‬‬
‫أو من خمور الهوى ومحبة الدنيا ‪( :‬حتى تعلموا ما تقولون) في مناجاتكم‬
‫ول تشتغل قلوبكم بأشغال الدنيا ووساوسها فتذهلوا عنه‪ ،‬ول في حال‬
‫كونكم بعداء عن الحق بشدة الميل إلى النفس ومباشرة لذاتها وشهواتها‬
‫وحظوظها والركون إليها ‪( :‬إل عابري سبيل) أي ‪ :‬مارين عليها‪ ،‬سالكي‬
‫طريق من طرق تمتعاتها بقدر الضرورة والمصلحة كعبور طريق الغتذاء‬
‫بالمطعم والمشرب لسد الرمق وحفظ القوة‪ ،‬والكتساء لدفع الحر والبرد‬
‫وستر العورة‪ ،‬والمباشرة لحفظ النسل ل منجذبين إليها بالكلية بمجرد‬
‫الهوى فتنطبع فيكم فل يمكن زوالها أو يتعذر ‪( :‬حتى تغتسلوا) أي ‪:‬‬
‫تتطهروا عن تلك الهيئة الحاصلة من النجذاب إلى الجهة السفلية بماء‬
‫التوبة والستغفار وعيون التنصل والعتذار ‪( :‬وإن كنتم مرضى) القلوب‪،‬‬
‫فاقدي سلمتها بأمراض العقائد الفاسدة والرذائل المهلكة ‪( :‬أو على سفر)‬
‫في تيه الجهل والحيرة لطلب لذة النفس ومادة الرجس بالحرص ‪( :‬أو جاء‬
‫أحد منكم) من الشتغال بلوث المال وكسب الحطام ملوثا ً بهيئة محبته‬
‫وميله راسخة فيه تلك الهيئة ‪( :‬أو لمستم النساء) لزمتم النفوس‬
‫وباشرتموها في لذاتها وشهواتها ‪( :‬فلم تجدوا ماء) علما ً يهديكم إلى‬
‫التفصي منها ويهذبكم بالتطهر عنها ‪( :‬فتيمموا صعيدا طيبا) فتوجهوا صعيد‬
‫استعدادكم الطيب‪ ،‬واقصدوه وارجعوا إلى أصل الستعداد الفطري ‪( :‬‬
‫فامسحوا) من نوره ‪( :‬بووهكم وأيديكم) أي ‪ :‬ذواتكم الموجودة وصفاتكم‬
‫بالنزول ومحو هيئات التعلق بها‪ ،‬والتصرف فيها‪ ،‬فإن ذلك التراب يمحو‬
‫آثارها ويذرها صافية كما كانت ‪( :‬إن الله كان عفوا) يعفو عن تلك الهيئات‬
‫المظلمة ورسوخ تلك الملكات الحاجبة بتركها والعراض عنها‪ ،‬فيزيلها‬
‫بالكلية فيصفو استعدادكم وتستعدوا للقائه ومناجاته ‪( :‬غفورا) يستر‬
‫صفاتكم وذواتكم بصفاته وذاته‪] .‬تفسير سورة النساء من آية ‪ 44‬إلى آية‬
‫‪( : [46‬ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) أي ‪ :‬بعضا ً هو اعترافهم‬
‫بالحق مع احتجابهم عن الدين ‪( :‬يشترون الضللة) يستبدلون الحتجاب عن‬
‫الدين الذي هو طريق الحق بنور هداية استعدادهم ويريدون بكم ذلك أيضا ً‬
‫وهم أعداؤكم‪ ،‬علم الله عداوتهم إياكم إذا ً ‪( :‬وكفى بالله وليا) يلي أمركم‬
‫بالتوفيق لطريق التوحيد‪ ،‬ونصيرا ً ينصركم على أعدائكم بالقمع‪] .‬تفسير‬
‫سورة النساء آية ‪( : [47‬يا أيها الذين أوتوا الكتاب) كتاب الستعداد ‪( :‬آمنوا)‬
‫إيمانا ً حقيقيا ً عيانيا ً بإخراج ما في كتاب استعدادكم إلى الفعل من توحيد‬
‫الذات ‪( :‬من قبل أن نطمس وجوها) بإزالة استعدادها ومحوه ‪( :‬فنردها‬
‫على أدبارها) التي هي أسفل سافلي عالم الجسم الذي هو خلف كل عالم ‪:‬‬
‫(أو نلعنهم) نعذبهم بالمسخ كما مسخنا ‪( :‬أصحاب السبت) ‪( :‬وكان أمر الله‬
‫مفعول) أي ‪ :‬مقضيا ً إلى البد‪ ،‬ل يغيره أحد ول ينقضه‪ .‬تفسير سورة النساء‬
‫من آية ‪ 48‬إلى آية ‪( : [55‬إن الله ل يغفر أن يشرك به) إشارة إلى أن‬
‫الشقاوة العلمية العتقادية مخلدة ل تتدارك أبدا ً دون العملية‪ ،‬أي ‪ :‬ل يستر‬
‫بوجوده ول يفني بذاته من يثبت غيره في الوجود وكيف وأنه يناوبه‬
‫بوجوده‪( : .‬ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) أي ‪ :‬يزيلون صفات نفوسهم‬
‫بنفوسهم‪ ،‬وذلك غير ممكن كما ل يمكن لحدنا حمل نفسه إذ هي لوازم‬
‫النفس باقية لزمة لها‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪( : :‬ومن يوق شح نفسه) ]الحشر‪،‬‬
‫الية ‪ ،[9 :‬إذ الرذائل معجونة فيها‪ ،‬باقية ببقائها‪ .‬وقال عليه ‪ ' : e‬شر الناس‬
‫من قامت عليه القيامة وهو حي ' أي ‪ :‬يقف على علم التوحيد ونفسه لم‬
‫تمت بالفناء حتى تحيى بالله‪ ،‬فإنه حينئذ زنديق قائل بالباحة في‬
‫الشياء‪( : .‬بل الله يزكي من يشاء) بمحو صفاته وإزالتها بصفاته تعالى ‪( :‬‬
‫ول يظلمون فتيل) أي ‪ :‬ل ينقصون شيئا ً حقيرا ً من صفاتهم وحقوقها فإن‬
‫الله ل يأخذ شيئا ً منها مع ضعفها وسرعة انقضائها حتى يعطي بدله من‬
‫صفاته مع قوتها ودوامها ‪( :‬انظر كيف يفترون على الله الكذب) بادعاء‬
‫تزكية نفوسهم من صفاتها وما تزكت‪ ،‬أو بانتحال صفات الله إلى أنفسهم‬
‫لوجود نفوسهم‪( : .‬ألم تر) إلى آخره‪( : ،‬يؤمنون بالجبت‬
‫والطاغوت) لثباتهم وجود الغير‪ ،‬وذلك إضللهم عن الدين الذي هو طريق‬
‫التوحيد ‪( :‬ويقولون) لجل الذين حجبوا عن الحق ‪( :‬هؤلء أهدى) من‬
‫الموحدين ‪( :‬سبيل) لموافقتهم في الشرك دون المؤمنين‪ ،‬فإنهم‬
‫يخالفونهم في الطريق والمقصد‪ ،‬إذ المعترفون بالتوحيد لما ضلوا السبيل‬
‫لم يصلوا إلى المقصد الذي اعترفوا به فلزمهم شرك خفي قريب من حال‬
‫المحجوبين عن الحق الذين أشركوا شركا ً جليا ً فناسبوهم وصوبوهم وزعموا‬
‫انهم أهدى الموحدين على ما نرى عليه بعض الظاهريين من السلميين ‪( :‬‬
‫أولئك الذين لعنهم الله) بمسخ الستعداد‪ ،‬ومن طرده الله فل يمكن لحد‬
‫نصرته بالهداية والتقريب والنجاء‪( .‬إن الذين كفروا بآياتنا) أي ‪ :‬حجبوا عن‬
‫تجليات صفاتنا وأفعالنا ‪ :‬إذ مطلع الية كونه متجليا ً بالعلم والحكمة والملك‬
‫في آل إبراهيم ‪( :‬سوف نصليهم) نار شوق الكمال لقتضاء غرائزهم‬
‫وطبائعهم بحسب استعدادهم ذلك مع رسوخ الحجاب ولزومه‪ ،‬أو نار قهر‬
‫من تجليات صفات قهره تناسب أحوالهم‪ ،‬أو نار شره نفوسهم وحدة‬
‫شوقها وطلبها لما ضريت بها من كمالت صفاتها وشهواتها مع حرمانها‬
‫عنها ‪( :‬كلما نضجت جلودهم) رفعت حجبهم الجسمانية بانسلخهم عنها ‪( :‬‬
‫بدلناهم) حجبا ً غيرها جديدة ‪( :‬ليذوقوا العذاب) نيران الحرمان ‪( :‬إن الله‬
‫كان عزيزا) قويا ً يقهرهم ويذلهم بذل صفات نفوسهم‪ ،‬ويحرقهم بنيران‬
‫توقانها إلى كمالتهم مع حرمانهم أبدا ً ‪( :‬حكيما) يجازيهم بما يناسبهم من‬
‫العذاب الذي اختاروه لنفسهم بدواعيهم الغضبية والشهوية وغيرها‪،‬‬
‫وميولهم إلى الملذ الجسمانية فلذلك بدلوا حجبا ً ظلمانية بعد حجب‪( : .‬‬
‫والذين آمنوا) بتوحيد الصفات ‪( :‬وعملوا) ما يصلحهم لقبول تجلياتها ‪( :‬‬
‫سندخلهم جنات) التصاف بها ومقاماتها ‪( :‬تجري من تحتها النهار) أي ‪:‬‬
‫أنهار علوم تجلياتها من علوم القلب‪ .‬والزواج ههنا الرواح المقدسة التي‬
‫هي مظاهر الصفات اللهية المطهرة بالهيئات البدنية ‪( :‬وندخلهم ظل‬
‫ظليل) أي ‪ :‬ظل الصفات اللهية الدائم روحها بمحو الصفات البشرية‪( : .‬إن‬
‫الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها) أي ‪ :‬حق كل ذي حق إليه بتوفية‬
‫ل‪ ،‬ثم بتوفية حقوق القوى كلها من كمالتها التي تقتضيها‪،‬‬ ‫حق الستعداد أو ً‬
‫ثم بتوفية حق الله تعالى من أداء الصفات إليه‪ ،‬ثم أداء الوجود فتكونوا‬
‫فانين في التوحيد‪ .‬فإذا رجعتم إلى البقاء بعد الفناء‪ ،‬وحكمتم بين الناس‪،‬‬
‫كنتم قائمين في الشياء بالله‪ ،‬قوامين بالقسط‪ ،‬متصفين بعدل الله بحيث‬
‫ل يمكن صدور الجور منكم‪ .‬وأقل الدرجات في العدل هو المحو في‬
‫الصفات‪ ،‬إذ القائم بالنفس ل يقدر على العدل أبدا ً ‪( :‬إن الله كان‬
‫سميعا) بأقوالكم فيما بين الناس من المحاكمات‪ ،‬هل هي صائبة بالحق أم‬
‫فاسدة بالنفس ؟ ‪( :‬بصيرا) بأعمالكم‪ ،‬هل تصدر من صفات نفوسكم أو من‬
‫صفات الحق ؟‪.‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا) بتوحيد الصفات ‪( :‬أطيعوا الله) بتوحيد الذات والفناء‬
‫في الجمع ‪( :‬وأطيعوا الرسول) بمراعاة حقوق التفصيل في عين الجمع‬
‫وملحظة ترتيب الصفات بعد الفناء في الذات ‪( :‬وأولي المر منكم) ممن‬
‫استحق الولية والرياسة كما مر في حكاية طالوت‪( : .‬ألم تر) أي ‪ :‬تعجب‬
‫من ‪( :‬الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك) من علم التوحيد ‪( :‬وما أنزل‬
‫من قبلك) من علم المبدأ والمعاد ‪( :‬يريدون أن يتحاكموا إلى‬
‫الطاغوت) وهو ينافي ما ادعوه إذ لو كان إيمانهم صحيحا ً لما أثبتوا غيرا ً‬
‫حتى يكون له حكم‪ ،‬فإنهم بحكم اليمان الحقيقي مأمورون بالكفر بغيره‪،‬‬
‫ومن لم ينسلخ عن صفاته وأفعاله ولم تنطمس ذاته في الله تعالى فهو‬
‫غيره‪ ،‬ومن توجه إلى الغير فقد أطاع الشيطان ول يريد الشيطان بهم إل‬
‫الضلل البعيد الذي هو النحراف عن الحق بالشرك‪ ،‬إذ الزيغ عن الدين هو‬
‫الضلل المبين‪] .‬تفسير سورة النساء من آية ‪ 64‬إلى آية ‪( : [56‬وما أرسلنا‬
‫من رسول إل ليطاع بإذن الله) الية‪ ،‬الفرق بين الرسول والنبي هو ‪ :‬أن‬
‫الرسالة‪ ،‬باعتبار تبليغ الحكام ‪( : :‬يا أيها الرسول بلغ) ]المائدة‪ ،‬الية ‪[67 :‬‬
‫والنبوة باعتبار الخبار عن المعارف والحقائق التي تتعلق بتفاصيل الصفات‬
‫والفعال‪ .‬فإن النبوة ظاهر الولية التي هي الستغراق في عين الجمع‬
‫والفناء في الذات‪ ،‬فعلمها علم توحيد الذات ومحو الفعال والصفات‪ .‬فكل‬
‫ل‪ ،‬وإن‬ ‫رسول نبي‪ ،‬وكل نبي ولي‪ ،‬وليس كل ولي نبيًا‪ ،‬ول كل نبي مرس ً‬
‫كانت رتبة الولية أشرف من النبوة‪ ،‬والنبوة من الرسالة كما قيل ‪% :‬‬
‫)مقام النبوة في برزخ ‪ %‬دوين الولي وفوق الرسول( ‪ %‬فل يرسل‬
‫الرسول إل للطاعة‪ ،‬إذ حكمه حكم الله باعتبار التبليغ فيجب أن يطاع‪ ،‬ول‬
‫يطاع إل بإذنه‪ ،‬فإن من حجب عنه بقصور الستعداد كالكافر الصلي‬
‫والشقي الحقيقي‪ ،‬أو بالرين ومحو الستعداد كالمنافق ليس بمأذون له في‬
‫الطاعة في الحقيقة‪( : .‬ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) بمنعها عن حقوقها‬
‫التي هي كمالتها الثابتة فيها بالقوة‪ ،‬وتكدير الستعداد بالتوجه إلى طلب‬
‫اللذات الحسية والغراض الفانية ‪( :‬جاؤوك) بالرادة التي هي مقتضى‬
‫استعدادهم ‪( :‬فاستغفروا الله) طلبوا من الله ستر صفات نفوسهم التي‬
‫هي مصادر تلك الفعال الحاجبة لما في استعدادهم بنور صفاته ‪( :‬واستغفر‬
‫لهم الرسول) بإمدادهم بنور صفاته التي هي صفات الله ‪ U‬لرابطة الجنسية‬
‫التي بينهم وبين نفسه‪ ،‬ومكان الرادة والمحبة التي تستلزم قربهم منه‬
‫وامتزاجهم به ‪( :‬لوجدوا الله توابا) مطهرًا‪ ،‬مصفيا ً لستعدادهم بنوره‪ ،‬إذ‬
‫قبول التوبة هو إلقاء نور الصفات عليهم‪ ،‬وتنوير بواطنهم بهيئة نورية‬
‫تعصمهم من الخطأ في الفعال لبعد النور عن الظلمة ‪( :‬رحيما) يفيض‬
‫عليهم رحمة الكمال اللئق بهم من اليقان العلمي أو العيني أو الحقي‪( : .‬‬
‫فل وربك ل يؤمنون) اليمان الحقيقي التوحيدي ‪( :‬حتى يحكموك) لكون‬
‫حكمك حكم الله‪ ،‬وإنما حجبت الذات بالصفات‪ ،‬والصفات بالفعال‪ ،‬فإذا‬
‫تشاجروا وقفوا مع صفاتهم محجوبين عن صفات الحق أو مع أفعالهم‬
‫محجوبين عن أفعال الحق‪ ،‬فلم يؤمنوا حقيقة‪ .‬فإذا حكموك انسلخوا عن‬
‫أفعالهم‪ ،‬وإذا لم يجدوا في أنفسهم حرجا ً من قضائك انسلخوا عن إرادتهم‬
‫فصاروا إلى مقام الرضا‪ ،‬وعن علمهم وقدرتهم فصاروا إلى مقام التسليم‬
‫فلم يبق لهم حجاب من صفاتهم واتصفوا بصفات الحق فانكشف لهم في‬
‫صورة الصفات فعلموا أنك هو قائم به‪ ،‬ل بنفسك‪ ،‬عادل بالحقيقة بعدله‪،‬‬
‫فتحقق إيمانهم بالله‪( .‬ولو أنا كتبنا) أي ‪ :‬فرضنا ‪( :‬عليهم أن اقتلوا‬
‫أنفسكم) بقمع الهوى الذي هو حياتها وإفناء صفاتها ‪( :‬أو اخرجوا من‬
‫دياركم) مقاماتكم التي هي الصبر والتوكل والرضا وأمثالها‪ ،‬لكونها حاجبة‬
‫عن التوحيد كما قال الحسين بن منصور قدس الله روحه لبراهيم بن أدهم‬
‫رحمه الله‪ ،‬لما سأله عن حاله‪ ،‬وأجابه بقوله ‪ :‬أدور في الصحاري‪ ،‬وأطوف‬
‫في البراري‪ ،‬حيث ل ماء ول شجر ول روض ول مطر‪ ،‬هل يصح حالي في‬
‫التوكل أم ل ؟‪ ،‬فقال ‪ :‬إذا أفنيت عمرك في عمران بطنك فأين الفناء في‬
‫التوحيد ؟‪( : .‬ما فعلوه إل قليل منهم) وهم ‪ :‬المحبون المستعدون للقائه‪،‬‬
‫الكثرون قدر القلون عددا ً كما قال تعالى ‪( : :‬وقليل ما هم) ]ص‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪( : ،[24‬لكان خيرا لهم) بحسب كمالهم الحاصل لهم عند رفع حجب صفات‬
‫النفس بالتصاف بصفات الحق أو بالوصول إلى عين الجمع ‪( :‬وأشد‬
‫تثبيتا) بالستقامة في الدين عند البقاء بعد الفناء ‪( :‬وإذا لتيناهم من لدنا‬
‫أجرا عظيما) من تجليات الصفات عند قتل النفس ‪( :‬ولهديناهم صراطا‬
‫مستقيما) عند الخروج عن الديار‪ ،‬أي ‪ :‬منازل النفس والمقامات‪ ،‬وهو‬
‫طريق الوحدة والستقامة في التوحيد ‪( :‬ومن يطع الله) بسلوك طرق‬
‫التوحيد والجمع ‪( :‬والرسول) بمراعاة التفصيل ‪( :‬فأولئك مع الذين أنعم‬
‫الله عليهم) بالهداية ‪( :‬من النبيين والصديقين) الذين صدقوا بنسبة الفعال‬
‫والصفات إلى الله‪ ،‬بالنخلع عن صفاتهم والتصاف بصفاته ولو ظهروا‬
‫بصفات نفوسهم لكانوا كاذبين ‪( :‬والشهداء) أي ‪ :‬أهل الحضور ‪( :‬‬
‫والصالحين) أي ‪ :‬أهل الستقامة في الدين‪( : .‬ذلك الفضل) أي ‪ :‬التوفيق‬
‫لتحصيل الكمال الذي ناسبوا به النبيين ومن معهم فرافقوهم‪( : .‬‬
‫عليمًا) يعلم ما في استعدادهم من الكمال فيظهره عليهم ‪( :‬خذوا‬
‫حذركم) أي ‪ :‬ما تحذرون من إلقاء الشيطان ووساوسه وإهلكه إياكم‬
‫بالغواء‪ ،‬ومن ظهور صفات نفوسكم واستيلئها عليكم‪ ،‬فإنها أعدى‬
‫عدوكم ‪( :‬فانفروا ثبات) اسلكوا في سبيل الله جماعات‪ ،‬كل فرقة على‬
‫طريقة شيخ كامل عالم ‪( :‬أو انفروا جميعًا) في طريق التوحيد والسلم‬
‫على متابعة النبي ‪( :‬وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله) إلى آخره‪،‬‬
‫ثبت أنهم قدريون يضيفون الخيرات إلى الله والشرور إلى الناس‪ ،‬يتشبهون‬
‫بالمجوس في الثبات‪ ،‬مؤثرين مستقلين في الوجود‪ ،‬وإضافتهم الشرور إلى‬
‫الرسول ل إلى أنفسهم كانت لنه باعثهم ومحرضهم على ما يلقون بسببه‬
‫الشر عندهم‪ .‬فأمر الرسول ‪ e‬بدعوتهم إلى توحيد الفعال ونفي التأثير عن‬
‫الغيار والقرار بكونه فاعل الخير والشر بقوله ‪( : :‬قل كل من عند الله‬
‫فمال هؤلء القوم ل يكادون يفقهون حديثًا) لحتجابهم بصفات النفوس‬
‫وارتجاج آذان قلوبهم التي هي أوعية السماع والوعي‪ .‬ثم بين أن لله فضل ً‬
‫ل‪ ،‬فالخيرات والكمالت كلها من فضله‪ ،‬والشرور من عدله‪ ،‬أي ‪ :‬يقدرها‬ ‫وعد ً‬
‫علينا ويفعلها بنا لستعداد واستحقاق فينا يقتضي ذلك‪ .‬وذلك الستحقاق‬
‫إنما يحدث من ظهور النفس بصفاتها وارتكابها المعاصي والذنوب الموجبة‬
‫للعقاب ل بفعل آخر كما نسبوا ما أصابهم من الشر إلى الرسول‪ ،‬لن‬
‫الستحقاق مرتب على الستعداد‪ ،‬ول يعرض ما يقتضيه استعداد أحد لغيره‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪( : :‬ول تزر وازرة وزر أخرى) ]النعام‪ ،‬الية ‪ ،[164 :‬فكذبهم‬
‫وخطأهم في قدريتهم بإثبات أن ‪ :‬السبب الفاعلي للخير والشر ليس إل لله‬
‫وحده بمقتضى فضله وعدله‪ .‬وأما السبب القابلي فهو وإن كان أيضا ً منه‬
‫في الحقيقة إل أن قابلية الخير هو من الستعداد الصلي الذي هو من‬
‫الفيض القدس الذي ل مدخل لفعلنا واختيارنا فيه‪ ،‬وقابلية الشر من‬
‫الستعداد الحادث بسبب ظهور النفس بالصفات والفعال الحاجبة للقلب‪،‬‬
‫المكدرة لجوهره‪ ،‬حتى احتاج إلى الصقل بالرزايا والمصائب والبليا‬
‫والنوائب ل من قبل الرسول أو غيره‪( .‬إن الذين توفاهم الملئكة) إلى‬
‫آخره‪ ،‬التوفي هو ‪ :‬استيفاء الروح من البدن بقبضها عنه‪ ،‬وهو على ثلثة‬
‫أوجه ‪ :‬توفي الملئكة‪ ،‬وتوفي ملك الموت‪ ،‬وتوفي الله‪ .‬أما توفي الملئكة‬
‫فهو لصحاب النفوس وهم إما سعداء أهل الخير والصفات الحميدة‬
‫والخلق الحسنة من الصالحين المتقين ‪( :‬الذين تتوفاهم الملئكة طيبين‬
‫يقولون سلم عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ‪] )32‬النحل‪ ،‬الية ‪[32 :‬‬
‫فمعادهم إلى جنة الفعال‪ .‬وإما أشقياء أهل الشر والصفات الرديئة‬
‫والخلق السيئة فل يقبض أرواحهم إل القوى الملكوتية التي هي للعالم‬
‫بمثابة قواهم التي هم في مقامها‪ ،‬محتجبون بصفات النفس ولذات القوى‬
‫الخيالية والوهمية والسبعية والبهيمية من الكافرين ‪( : :‬الذين تتوفاهم‬
‫الملئكة ظالمي أنفسهم) ]النحل‪ ،‬الية ‪ [28 :‬فمعادهم إلى النار‪ .‬وأما‬
‫توفي ملك الموت فهو لرباب القلوب الذين برزوا عن حجاب النفس إلى‬
‫مقام القلب‪ ،‬ورجعوا إلى الفطرة‪ ،‬فتنوروا بنورها‪ ،‬فتقبض أرواحهم النفس‬
‫الناطقة الكلية التي هي قلب العالم باتصالهم بها‪ ،‬هذا إذا قبض أرواحهم‬
‫ملك الموت بنفسه‪ ،‬أما إذا قبض بأعوانه وقواهم فهم الفريق الول‪ .‬وقد‬
‫يقبض بنفسه ويذرهم في ملكوت العذاب حتى يحاسبوا ويعاقبوا بحسب‬
‫رذائلهم ويتخلصوا‪ ،‬وذلك للكمال العلمي والنقصان العلمي كما خلص من‬
‫الجهل والشرك وتحلى بالعلم والتوحيد‪ ،‬ولكن تراكمت على قلبه الهيئات‬
‫المظلمة والملكات الرديئة بسبب العمال السيئة والخلق الذميمة‪ .‬وللعلم‬
‫بالتوحيد والجهل بالمعاد كالموحد المنكر للجزاء‪ ،‬فينهمك في المعاصي كما‬
‫قال تعالى ‪( : :‬قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) ]السجدة‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ .[11‬وأما توفي الله تعالى‪ ،‬فهو للموحدين الذين عرجوا عن مقام القلب‬
‫إلى محل الشهود فلم يبق بينهم وبين ربهم حجاب‪ ،‬فهو يتولى قبض‬
‫أرواحهم بنفسه ويحشرهم إلى نفسه ‪( :‬يوم نحشر المتقين إلى الرحمن‬
‫وفدا ‪] )85‬مريم‪ ،‬الية ‪ ،[85 :‬كما قال تعالى ‪( : :‬الله يتوفى النفس حين‬
‫موتها) ]الزمر‪ ،‬الية ‪( : .[42 :‬ظالمي أنفسهم) بمنعها عن حقوقها التي‬
‫اقتضتها استعداداتهم من الكمالت المودعة فيها ‪( :‬فيم كنتم) حيث قصرتم‬
‫في السعي لما قدرتم وفرطتم في جنب الله‪ ،‬وقصرتم عن بلوغ كمالكم‬
‫الذي هيئ لكم وندبتم إليه ‪( :‬قالوا كنا مستضعفين) في أرض الستعداد‬
‫الذي جبلنا عليه باستيلء قوى النفس المارة وغلبة سلطان الهوى بشيطان‬
‫الوهم‪ ،‬أسرونا في قيودهم‪ ،‬وجبرونا على دينهم‪ ،‬وأكرهونا على كفرهم‪( .‬‬
‫قالوا ألم تكن أرض الله واسعة) ألم تكن سعة استعدادكم بحيث تهاجروا‬
‫فيها من مبدأ فطرتكم خطوات يسيرة‪ ،‬بحيث إذا ارتفعت عنكم بعض الحجب‬
‫انطلقتم عن أسر القوى وتخلصتم عن قيود الهوى‪ ،‬وتقويتم بإمداد أعوانكم‬
‫القوى الروحانية‪ ،‬ونصرتم بأنوار القلب‪ ،‬فخرجتم عن القرية‪ ،‬الظالم أهلها‪،‬‬
‫التي هي مدينة النفس إلى بلد القلب الطيبة‪ ،‬فتداركتكم رحمة ربكم‬
‫الغفور ‪( :‬فأولئك مأواهم جهنم) نفوسهم الشديدة التوقان مع حصول‬
‫الحرمان ‪( :‬وساءت مصيرا إل المستضعفين من الرجال) أي ‪ :‬أقوياء‬
‫الستعداد الذين قويت قواهم الشهوية والغضبية مع قوة استعدادهم فلم‬
‫يقدروا على قمعها في سلوك طريق الحق ولم يذهبوا لقواهم الوهمية‬
‫والخيالية‪ ،‬فيبطلوا استعداداتهم بالعقائد الفاسدة فبقوا في أسر قواهم‬
‫البدنية مع تنور استعدادهم بنور العلم وعجزهم عن السلوك برفع القيود ‪( :‬‬
‫والنساء) أي ‪ :‬القاصرين الستعداد عن درك الكمال العلمي‪ ،‬وسلوك طريق‬
‫التحقيق‪ ،‬الضعفاء القوى والحلم‪ ،‬الذين قال في حقهم ‪ ' :‬أكثر أهل الجنة‬
‫البله '‪( : .‬والولدان) أي ‪ :‬الناقصين القاصرين عن بلوغ درجة الكمال لغيرة‬
‫تلحقهم من قبل صفات النفس ‪( :‬ل يستطيعون حيلة) لعدم قدرتهم‬
‫وعجزهم عن كسر صفات النفس وقمع الهوى بالرياضة ‪( :‬ول يهتدون‬
‫سبيل) لعدم علمهم بكيفية السلوك وحرمانهم عن نور الهداية الشرعية ‪( :‬‬
‫فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) بمحو تلك الهيئات المظلمة لعدم‬
‫رسوخها وسلمة عقائدهم ‪( :‬وكان الله عفوا) العفو عن الذنوب ما دامت‬
‫الفطرة لم تتغير ‪( :‬غفورا) يستر بنور صفاته صفات نفوسهم‪] .‬تفسير‬
‫سورة النساء آية ‪( : [100‬ومن يهاجر) أي مقار النفس المألوفة في سبيل‬
‫طريق الحق بالعزيمة ‪( :‬يجد) في أرض استعداده مهاجر ومساكن ومنازل‬
‫كثيرة فيها رغم أنوف قوى نفسه الوهمية والخيالية والبهيمية والسبعية‬
‫وإذللها ‪( :‬وسعه) وانشراحا ً في الصدر عند الخلص من ضيق صفات النفس‬
‫وأسر الهوى ‪( :‬ومن يخرج) من المقام الذي هو فيه سواء كان مقر‬
‫استعداده الذي جبل عليه أو منزل ً من منازل النفس أو مقاما ً من مقامات‬
‫القلب ‪( :‬مهاجرا إلى الله) بالتوجه إلى توحيد الذات ‪( :‬ورسوله) بالتوجه‬
‫إلى طلب الستقامة في توحيد الصفات ‪( :‬ثم يدركه) النقطاع قبل‬
‫الوصول ‪( :‬فقد وقع أجره على الله) بحسب ما توجه إليه‪ ،‬فإن المتوجه إلى‬
‫السلوك له أجر المنزل الذي وصل إليه‪ ،‬أي ‪ :‬المرتبة من الكمال الذي حصل‬
‫له إن كان‪ ،‬وأجر المقام الذي وقع نظره عليه وقصده‪ .‬فإن ذلك الكمال وإن‬
‫لم يحصل له بحسب الملك والقدم لكنه اشتاق إليه بحسب القصد والنظر‪،‬‬
‫فعسى أن يؤيده التوفيق بعد ارتفاع الحجب بالوصول إليه ‪( :‬وكان الله‬
‫غفورا) يغفر له ما يمنعه عن قصده من الموانع ‪( :‬رحيما) يرحمه‪ ،‬بأن يهب‬
‫له الكمال الذي توجه إليه ووقع نظره عليه‪] .‬تفسير سورة النساء من آية‬
‫‪ 101‬إلى آية ‪ [104‬وإذا سافرتم في أرض الستعداد بالطريق العلمي لطلب‬
‫اليقين ‪( :‬فليس عليكم جناح أن تقصروا) أي ‪ :‬تنقصوا من العمال البدنية‬
‫وأداء حقوق العبودية من الشكر والحضور‪ ،‬لقوله عليه ‪ ' : e‬من أوتي حظه‬
‫من اليقين فل يبالي بما انتقص من صلته وصومه '‪( : .‬إن خفتم أن‬
‫يفتنكم) أي ‪ :‬يغويكم ويضلكم ‪( :‬الذين كفروا) أي ‪ :‬حجبوا من قوى الوهم‬
‫والتخيل وشياطين النس الضالين المضلين لما علم من قوله ‪ ' : e‬لفقيه‬
‫واحد أشد على الشيطان من ألف عابد '‪] .‬تفسير سورة النساء من آية ‪105‬‬
‫إلى آية ‪( : [108‬أنا أنزلنا عليك الكتاب) أي ‪ :‬علم تفاصيل الصفات وأحكام‬
‫تجلياتها بالحق ملتبسا ً بالعدل والصدق أو قائما ً بالحق ل بنفسك لتكون‬
‫حاكما ً بين الخلق ‪( :‬بما أراك الله) من عدله ‪( :‬ول تكن للخائنين) الذين ل‬
‫يؤدون أمانة الله التي أودعها عندهم في الزل بما ركز في استعدادهم من‬
‫إمكان كمال معرفته وخانوا أنفسهم وغيرهم بنهب‬
‫حقوقهم وصرفها في غير وجهها ‪( :‬خصيما) يدفع عنهم العذاب وتسليط‬
‫الله الخلق عليهم باليذاء ويحتج عنهم على غيرهم أو على الله بالعتراض‬
‫بأنه لم خذلهم وقهرهم فإنهم الظالمون ل حجة لهم بل الحجة عليهم ‪( :‬‬
‫واستغفر الله) لنفسك بترك العتراض والحتجاج عنهم لنغفر تلوينك الذي‬
‫ظهر عليك بوجود قلبك وبصفاته ‪( :‬ول تجادل) ظهر تأويله من هذا ‪( :‬‬
‫يستخفون من الناس) بكتمان رذائلهم وصفات نفوسهم التي هي معايبهم‬
‫عنهم ‪( :‬ول يستخفون من الله) بإزالتها وقلعها وهو شاهدهم يعلم‬
‫بواطنهم ‪( :‬إذ يبيتون) أي ‪ :‬يقدرون في عالم ظلمة النفس والطبيعية ‪( :‬ما‬
‫ل يرضى من القول) من الوهميات والتخيلت الفاسدة التي يلفقونها في‬
‫تحصيل أغراضهم من حطام الدنيا ولذاتها ‪( :‬وكان الله بما يعملون‬
‫محيطا) يجازيهم بحسب صفاتهم وأعمالهم‪] .‬تفسير سورة النساء من آية‬
‫‪ 109‬إلى آية ‪( : [112‬ها أنتم هؤلء) ظاهر مما مر ‪( :‬ومن يعمل‬
‫سوءا) بظهور صفة من صفات نفسه ‪( :‬أو يظلم نفسه) بنقص شيء من‬
‫كمالته التي هي مقتضى استعداده بتقصير فيه وارتكاب عمل ينافيه ثم‬
‫يطلب من الله ستر تلك الصفة والهيئة الساترة لكماله بالتوجه إليه‬
‫والتنصل عن الذنب ‪( :‬يجد الله غفورا) يستر ذلك السوء والهيئة المظلمة‬
‫بنور صفته ‪( :‬رحيما) يهب ما يقتضيه استعداده‪( : .‬ومن يكسب‬
‫خطيئة) بظهور نفسه ‪( :‬أو إثما) يمحو ما في استعداده وكسب هيئة منافية‬
‫لكماله ‪( :‬ثم يرم به بريئا) بأن قال ‪ :‬حملني على ذلك فلن‪ ،‬ومنعني عن‬
‫طلب الحق فلن‪ ،‬وهذا جريمة فلن‪ ،‬كما هو عادة المتعللين بالعذار ‪( :‬فقد‬
‫احتمل بهتانا) بنسبة فعله إلى الغير إذ لو لم يكن في نفسه ميل لما يضاد‬
‫كماله ومناسبة لمن وافقه وأطاعه لما قبل ذلك منه‪ ،‬فما كان إل من قبل‬
‫نفسه كما قال لهم الشيطان ‪( : :‬إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم‬
‫فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لي فل‬
‫تلوموني ولوموا أنفسكم) ]إبراهيم‪ ،‬الية ‪ [14 :‬إذ لو لم يكن في نفوسهم‬
‫ظلمة بكسبها وظهور صفاتهم لم يكن فيهم محل لوسوسته وقابلية لدعوته‬
‫‪( :‬وإثما مبينا) ظاهرا ً متضاعفا ً لتركبه من هيئة الخطيئة والمتناع من‬
‫العتراف‪ ،‬ونسبة التقصير إلى أنفسهم لتنكسر فتضعف عن الستيلء على‬
‫القلب وحجبه عن الكمال‪( .‬ولول فضل الله عليك) أي ‪ :‬توفيقه وإمداده‬
‫لسلوك طريقه بما يخرج كمالك إلى الفعل ويبرز ما فيك كامنا ً من العلم ‪( :‬‬
‫ورحمته) هبته لذلك الكمال المطلق الذي أودعه فيك في الزل وهي الرحمة‬
‫التي ليس وراءها رحمة ‪( :‬وما يضلون إل أنفسهم) لكون الضلل ناشئا ً من‬
‫أصل استعدادهم لكونهم مجبولين على الشقاوة أزل ً فكيف يرجع ذلك‬
‫الضلل المعجون فيهم إلى غيرهم‪( : .‬وأنزل الله عليك الكتاب) أي ‪ :‬العلم‬
‫التفصيلي التام بعد الوجود الموهوب ‪( :‬والحكمة) وعلم أحكام التفاصيل‬
‫وتجليات الصفات مع العمل به ‪( :‬وعلمك ما لم تكن تعلم) لنه علم الله ل‬
‫يعلمه إل هو‪ ،‬فلما كشف لك عن ذاته بفنائك فيه ثم أبقاك بالوجود الحقاني‬
‫فصار قلبك وحجبك بحجاب ذلك القلب علمك علمه‪ ،‬إذ الصفة تابعة‬
‫للذات ‪( :‬وكان فضل الله) في إظهار هذا الكمال عليك بالتوفيق للعمل الذي‬
‫أوصلك إلى ما أوصلك ‪( :‬عظيما) ‪( :‬ل خير في كثير من نجواهم) فإنها‬
‫فضول‪ ،‬والفضول يجب تركها على السالك كما قال عليه ‪ ' : e‬من حسن‬
‫إسلم المرء تركه ما ل يعنيه '‪( : .‬إل من أمر) أي ‪ :‬إل نجوى من أمر ‪( :‬‬
‫بصدقة) أي ‪ :‬بفضيلة السخاء التي هي من باب العفة ‪( :‬أو معروف) قولي‬
‫كتعليم علم وحكمة من باب فضيلة الحكمة‪ ،‬أو فعلي كإغاثة ملهوف وإعانة‬
‫مظلوم من باب الشجاعة ‪( :‬أو إصلح بين الناس) من باب العدالة ‪( :‬ومن‬
‫يفعل ذلك) أي ‪ :‬يجمع بين الكمالت المذكورة ‪( :‬ابتغاء مرضات الله) ل‬
‫لطلب المحمدة أو الرياء والسمعة‪ ،‬فتصير به الفضيلة رذيلة ‪( :‬فسوف نؤتيه‬
‫أجرا عظيما) من جنات الصفات‪( .‬إن يدعون من دونه إل إناثا) أي ‪ :‬نفوسًا‪،‬‬
‫إذ كل من يشرك بالله فهو عابد لنفسه بطاعة هواها‪ ،‬وعابد لشيطان الوهم‬
‫بقبول إغوائه وطاعته‪ ،‬أو كل ما يعبد من دون الله لنه ممكن وكل ممكن‬
‫فهو متأثر عن الغير قابل لتأثيره محتاج إليه وهي صفة الناث ‪( :‬نصيبا‬
‫مفروضا) أي ‪ :‬غير المخلصين الذين أخلصوا دينهم بالتوحيد ‪( :‬‬
‫ولمرنهم) بالعادات الفاسدة والهواء المردية والفعال الشنيعة المخالفة‬
‫للعقل والشرع ‪( :‬والذين آمنوا) اليمان الحقيقي التوحيد‪ ،‬لنهم في مقابلة‬
‫المشركين ‪( :‬وعملوا) ما يصلح لهم في الوصول إلى الجمع أو يصلح للناس‬
‫أجمعين بالستقامة في الله وبالله بعد الفناء وحصول البقاء ‪( :‬‬
‫سندخلهم) الجنات الثلثة المذكورة ‪( :‬ليس) حصول الموعود ‪( :‬بأمانيكم ول‬
‫أماني أهل الكتاب) أي ‪ :‬ما بقيتم مع نفوسكم وصفاتها وأفعالها‪ ،‬فإرادتكم‬
‫مجرد تمن والتمني طلب ما يمتنع وجوده في العادة‪( : .‬ومن أحسن دينا) أي‬
‫طريقا ً ‪( :‬ممن أسلم وجهه) أي ‪ :‬وجوده ‪( :‬لله) وأخلص ذاته من شوب النية‬
‫والثنينية بالفناء المحض ‪( :‬وهو محسن) مشاهد للجمع في عين التفصيل‪،‬‬
‫مراع لحقوق تجليات الصفات وأحكامها‪ ،‬سالك طريق الحسان بالستقامة‬
‫في العمال ‪( :‬واتبع ملة إبراهيم) في التوحيد ‪( :‬حنيفا) مائل ً عن كل شرك‬
‫في ذاته وصفاته وأفعاله‪ ،‬وعن كل دين باطل‪ ،‬أي ‪ :‬طريق يؤدي إلى إثبات‬
‫فعل لغيره أو صفة أو ذات‪ ،‬إذ دينه دين الحق‪ ،‬أعني ‪ :‬سيره حينئذ سير إلى‬
‫الله ل سير في الله بسلوك طريق الصفات‪ ،‬ول إلى الله بقطع صفات‬
‫النفس ومناهل صفات القلب‪ ،‬فل دين أحسن منه دينه‪( : .‬واتخذ الله‬
‫إبراهيم خليل) يخاله‪ ،‬أي ‪ :‬يداخله في خلل ذاته وصفاته بحيث ل يذر منها‬
‫بقية‪ ،‬أو يسد خلله ويقوم بدل ما يفنى منه عند تكميله وفقره إليه‪.‬‬
‫فالخليل وإن كان أعلى مرتبة من الصفي‪ ،‬لكنه أدون من الحبيب‪ ،‬لن‬
‫الخليل محب يوشك أن يتوهم فيه بقية غيرية‪ ،‬والحبيب محبوب ل يتصور‬
‫فيه ذلك‪ .‬ولهذا ألقي في نار العشق دونه‪( .‬من كان يريد ثواب‬
‫الدنيا) بالوقوف مع هوى النفس فما له يطلب أخس الشياء ويقف في‬
‫أدنى المراتب ‪( :‬فعند الله ثواب) الدارين جميعًا‪ ،‬بالفناء فيه لنه الوجود‬
‫المحيط بالكل فل يفوته شيء ‪( :‬وكان الله سميعا) بأحاديث نفوسكم ‪( :‬‬
‫بصيرا) بنياتكم وإرادتكم بأعمالكم ‪( :‬يا أيها الذين آمنوا) بالتوحيد العلمي‬
‫وإرادة ثواب الدارين ‪( :‬كونوا) ثابتين في مقام العدالة التي هي أشرف‬
‫الفضائل ‪( :‬قوامين) بحقوقها بحيث تكون ملكة راسخة فيكم ل يمكن معها‬
‫صدور جور وميل منكم في شيء‪ ،‬ول ظهور صفة نفس لتباع هوى في‬
‫جذب نفع دنيوي أو دفع مضرة‪( : .‬يا أيها الذين آمنوا) باليمان التقليدي ‪( :‬‬
‫آمنوا) باليمان التحقيقي أو آمنوا باليمان العلمي‪ ،‬أو آمنوا باليمان‬
‫العيني‪( : .‬إن الذين آمنوا ثم كفروا) إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬تحيروا وترددوا بين‬
‫جهتي الربوبية العلوية والسفلية لشدة النفاق وغلبة نور الفطرة تارة‬
‫واستيلء ظلمة النفس والهوى أخرى‪ ،‬لستواء الحالتين فيهم حتى‬
‫استحكمت الهيئات المظلمة وازدادت الحجب ورسخت العقائد الفاسدة‬
‫والملكات الكاسدة باستيلء صفات النفس واستعلئها مطلقا ً فرانت على‬
‫قلوبهم ‪( :‬ما كان الله ليغفر لهم) لمكان الرين الحاجب وفساد جوهر القلب‬
‫وزوال الستعداد ‪( :‬ول ليهديهم سبيل) إلى الحق ول إلى الكمال ول إلى‬
‫الفطرة الصلية لعدم قبولهم الهداية وصرف عذابهم باليلم لمكان‬
‫استعدادهم في الصل‪( : .‬الذين يتخذون الكافرين أولياء) لمناسبتهم إياهم‬
‫في الحتجاب ‪( :‬من دون المؤمنين) لعدم الجنسية ‪( :‬أيبتغون) التعزز بهم‬
‫في الدنيا والتقوي بمالهم وجاههم فل سبيل إلى ذلك‪ ،‬وهم قد أخطأوا لن‬
‫العزة كلها صفة من صفات الله تعالى منيع القوى والقدر‪ ،‬له قوة القهر‬
‫والغلبة للكل فبقدر القرب منه وقبول نوره وقوته والتصاف بصفاته تحصل‬
‫العزة فهي بأهل اليمان أولى وأهل الحجاب والكفر بالزلة أولى ‪) %‬قاموا‬
‫كسالى) لعدم شوقهم إلى الحضور ونفورهم عنه لظلمة استعدادهم‬
‫باستيلء الهوى‪( .‬ل تتخذوا الكافرين أولياء) لئل يتعدى إليكم كفرهم‬
‫واحتجابهم بالصحبة والمخالطة فإنه ل شيء أقوى تأثيرا ً من الصحبة والميل‬
‫إلى وليتهم ل يخلو عن جنسية بينهم لوجود هوى كامن فيهم وضراوة‬
‫بعادة رديئة تشملهم ل يؤمن عليهم الوقوع في الكفر بغلبة الهوى‬
‫والنفس‪( : .‬سلطانا مبينا) حجة ظاهرة في عقابكم برسوخ الهيئة التي بها‬
‫تميلون إلى وليتهم بصحبتهم ومجالستهم ‪( :‬في الدرك السفل) باعتبار‬
‫زيادة عذابه وشدة إيلمه وإحراقه ل باعتبار كونه أدون مرتبة‪ ،‬إذ تأثير النار‬
‫في المنافق أشد وأكثر إيلما ً لبقية استعداد فيه‪ .‬وأما الكافر الصلي البهيم‬
‫فلعدم استعداده ل يتألم بعذابه كما يتألم المنافق وإن كان أسوا حال ً منه‬
‫وأعظم عذابا ً وهوانا ً ‪( :‬نصيرا) ينصرهم من عذاب الله لنقطاع وصلتهم‬
‫وارتفاع محبتهم مع أهل الله ‪( :‬إل الذين تابوا) رجعوا إلى الله ببقية نور‬
‫الستعداد وقبول مدد التوفيق ‪( :‬وأصلحوا) ما أفسدوا من استعدادهم بقمع‬
‫الهوى وكسر صفات النفس ورفع حجب القوى بالزهد والرياضة ‪( :‬‬
‫واعتصموا بالله) بالتمسك بحبل الرادة وقوة العزيمة في التوجه إليه ‪( :‬‬
‫وأخلصوا دينهم لله) بإفناء موانع السلوك من صفات النفس وإزالة خفاء‬
‫الشرك وقطع النظر عن الغير في السير ‪( :‬فأولئك مع المؤمنين) الموقنين‬
‫‪( :‬أجرا عظيما) من مشاهدة تجليات الصفات وجنة الفعال‪( : .‬إن الذين‬
‫يكفرون) يحتجبون عن الحق والدين وعن الجمع والتفصيل ‪( :‬ويريدون أن‬
‫يفرقوا بين الله ورسله) بالحتجاب عن الدين دون الحق والتفصيل دون‬
‫الجمع‪ ،‬فينكرون الرسل لتوهمهم وحدة منافية للكثرة وجمعا ً مباينا ً‬
‫للتفصيل‪ ،‬وذلك هو إيمانهم بالبعض وكفرهم بالبعض‪( : .‬ويريدون أن‬
‫يتخذوا) بين اليمان بالكل جمعا ً وتفصيل ً والكفر بالكل طريقا ً ‪( :‬أولئك هم‬
‫الكافرون) المحجوبون ‪( :‬حقا) بذواتهم وصفاتهم فإن معرفتهم وهم وغلط‬
‫وتوحيدهم زندقة ليسوا من الدين ول من الحق في شيء ‪( :‬مهينا) يهينهم‬
‫بوجود الحجاب وذل النفس وصفاتها‪( .‬والذين آمنوا بالله ورسله) جمعا ً‬
‫وتفصيل ً ‪( :‬أجورهم) من الجنات الثلثة ‪( :‬وكان الله غفورا) يستر عنهم‬
‫ذواتهم وصفاتهم التي هي ذنوبهم وحجبهم بذاته وصفاته ‪( :‬‬
‫رحيما) يرحمهم بتمتيعهم بالجنات الثلثة وبالوجود الموهوب الحقاني‬
‫والبقاء السرمدي ‪( :‬كتابا من السماء) علما ً يقينيا ً بالمكاشفة من سماء‬
‫الروح ‪( :‬أكبر من ذلك) لن المشاهدة أكبر وأعلى من المكاشفة ‪( :‬‬
‫بظلمهم) بطلبهم المشاهدة مع بقاء ذواتهم إذ وجود البقية عند المشاهدة‬
‫وضع الشيء في غير موضعه وطلب المشاهدة مع البقية طغيان من النفس‬
‫ينشأ من رؤيتها كمالت الصفات لنفسها وذلك ظلم ‪( :‬سلطانا) تسلطا ً‬
‫بالحجة عليهم بعد الفاقة ‪( :‬بل رفعه الله إليه) إلى قوله ‪( :‬ليؤمنن به) رفع‬
‫عيسى ‪ u‬اتصال روحه عند المفارقة عن العالم السفلي بالعالم العلوي‪.‬‬
‫وكونه في السماء الرابعة إشارة إلى أن مصدر فيضان روحه روحانية تلك‬
‫الشمس الذي هو بمثابة قلب العالم ومرجعه إليه وتلك الروحانية نور يحرك‬
‫ذلك الفلك بمعشوقيته وإشراق أشعته على نفسه المباشرة لتحريكه ولما‬
‫كان مرجعه إلى مقره الصلي ولم يصل إلى الكمال الحقيقي وجب نزوله‬
‫في آخر الزمان‪ ،‬بتعلقه ببدن آخر وحينئذ يعرفه كل أحد فيؤمن به أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬أي ‪ :‬أهل العلم العارفين بالمبدأ والمعاد كلهم عن آخرهم قبل موت‬
‫عيسى بالفناء في الله‪ ،‬وإذ آمنوا به يكون يوم القيامة أي يوم بروزهم عن‬
‫الحجب الجسمانية وقيامهم عن حال غفلتهم ونومهم الذي هم عليه الن ‪( :‬‬
‫شهيدا) شاهدهم يتجلى عليهم الحق في صورته كما أشير إليه‪( .‬‬
‫فبظلم) عظيم ‪( :‬من الذين هادوا) أي ‪ :‬بعباداتهم عجل النفس واتخاذه إلها ً‬
‫وامتناعهم عن دخول القرية التي هي حضرة الروح واعتدائهم في السبت‬
‫بمخالفة الشرع والحتجاب عن كشف توحيد الفعال ونقضهم ميثاق الله‬
‫واحتجابهم عن تجليات الصفات الذي هو كفرهم بآيات الله والنغماس في‬
‫الرذائل كلها‪ ،‬كقتل النبياء والفتراء على الله بكون قلوبهم غلفا ً أي ‪:‬‬
‫مغشاة بحجب خلقية ل سبيل إلى رفعها وبهتانهم على مريم‪ ،‬وادعائهم‬
‫قتل عيسى ‪ u‬من الخصال التي اجتماعها ظلم ل يعرف كنهه ‪( :‬حرمنا‬
‫عليهم طيبات) جنات النعيم من تجليات الفعال والصفات وشهود الذات‬
‫التي هي طيبات ل يعرف كنهها ‪( :‬أحلت لهم) بحسب قابلية استعدادهم لول‬
‫هذه الموانع ‪( :‬وبصدهم) الناس بصحبتهم ومرافقتهم ودعوتهم إلى الضلل‬
‫أو بصد قواهم الروحانية ‪( :‬عن سبيل الله وأخذهم) ربا فضول العلوم‬
‫كالخلف والجدل واللذات البدنية والحظوظ التي نهوا عنها ‪( :‬وأكلهم أموال‬
‫الناس بالباطل) برذيل الحرص والطبع كأخذ الرشا وأجر التزويرات‬
‫والتلبيسات أو استعمال علوم القوى الروحانية بين الفكر والعقل النظري‬
‫والعلمي في تحصيل المآكل والمشارب وكسب الحطام‪ ،‬وتحصيل اللذات‬
‫والشهوات الحسية والمآرب السبعية والبهيمية عذابا ً مؤلما ً لوجود‬
‫استعدادهم‪( : .‬لكن الراسخون في العلم) أي ‪ :‬المحققون ‪( :‬منهم‬
‫والمؤمنون) باليمان التقليدي المطابق الثابت ‪( :‬يؤمنون بما أنزل‬
‫إليك) إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬يتصفون بالتزكية والتحلية ‪( :‬والمؤمنون) الموحدون‬
‫بالتوحيد العياني ‪( :‬واليوم الخر) المعاينون لحوال المعاد على ما هو‬
‫عليه ‪( :‬أجرا عظيما) من حظوظ تجليات الصفات وجناتها‪( : .‬رسل مبشرين)‬
‫بتجليات صفات اللطف ‪( :‬ومنذرين) بتجليات صفات القهر ‪( :‬لئل يكون‬
‫للناس على الله حجة) ظهور وسلطنة بوجود صفة ما بعد رفعها ومحوها‬
‫بإمداد الرسل ‪( :‬وكان الله عزيزا) قويا ً يقهرهم بمحو صفاتهم وإفناء‬
‫ذواتهم ‪( :‬حكيما) ل يفعل ذلك إل بحكمة اتصافهم بصفاته أو بقائهم‬
‫بذاته‪( .‬لكن الله يشهد بما أنزل إليك) لكونك في مقام الجمع وهم‬
‫محجوبون ل يقرون به بل هو يشهد ‪( :‬أنزله بعلمه) ملتبسا ً بعلمه‪ ،‬أي ‪ :‬في‬
‫حالة كونه عالما ً به بحيث إنه علمه الخاص ل علمك ول علم غيرك من‬
‫غيره‪( : .‬والملئكة يشهدون) لكونك مراعيا ً للتفصيل في غير الجمع فهو‬
‫الشاهد بذاته وبأسمائه وصفاته ‪( :‬وكفى بالله شهيدا) أي ‪ :‬الذات مع‬
‫الصفات تكفي في الشهادة إذ ل موجود غيره ‪( :‬كفروا) حجبوا عن الحق‬
‫لكون ضللهم بعيدا ً ‪( :‬إن الذين كفروا) حجبوا عن الدين ‪( :‬وظلموا) منعوا‬
‫استعداداتهم عن حقوقها من الكمال بارتكاب الرذائل وتسليط صفات‬
‫النفس على قلوبهم ‪( :‬لم يكن الله ليغفر لهم) لرسوخ هيئات الرذائل فيهم‬
‫وبطلن الستعداد ‪( :‬ول ليهديهم طريقا) لجهلهم المركب واعتقادهم‬
‫الفاسد وعدم علمهم بطريق ما من طرق الكمال ‪( :‬إل طريق جهنم) نيران‬
‫أشواق نفوسهم إلى ملذها مع حرمانهم عنها ‪( :‬وكان ذلك) سهل ً على الله‬
‫لنجذابهم إليها بالطبيعة‪ .‬تفسير سورة النساء من آية ‪ 171‬إلى آية‬
‫‪( : [173‬يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم) أما اليهود فبالتعمق في الظاهر‬
‫ونفي البواطن وحط عيسى عن درجة النبوة ومقام التصاف بصفات‬
‫الربوبية‪ .‬وأما النصارى فبالتعمق في البواطن ونفي الظواهر ورفع عيسى‬
‫إلى مقام اللوهية ‪( :‬ول تقولوا على الله إل الحق) بالجمع بين الظواهر‬
‫والبواطن والجمع والتفصيل كما هو عليه التوحيد المحمدي‪ ،‬والقول ‪ :‬بكون‬
‫عيسى مظهر الصفات اللهية‪ ،‬حيا بحياته داعيا ً إلى مقام توحيد الوصاف‬
‫و ‪( :‬كلمته) نفسا ً مجردة هي كلمة من كلمات الله‪ ،‬أي ‪ :‬حقيقة من حقائقه‬
‫الروحانية وروحا ً من أرواح ‪( :‬فآمنوا بالله ورسله) بالجمع والتفصيل ‪( :‬ول‬
‫تقولوا ثلثة) بزيادة الحياة والعلم على الذات‪ ،‬فيكون الله ثلثة أشياء‬
‫ويكون عيسى جزء من حياته بالنفخ أو بالتفرقة بين ذات الحق وعالم النور‬
‫وعالم الظلمة‪ ،‬فيكون عيسى متولدا ً من نوره‪ .‬بل قولوا بالكل من حيث هو‬
‫كل فيكون العلم والحياة عين الذات وكذا عالم النور والظلمة‪ .‬ويكون‬
‫عيسى فانيا ً فيه موجودا ً بوجوده‪ ،‬حيا ً بحياته‪ ،‬عالما ً بعلمه‪ ،‬وذلك وحدته‬
‫الذاتية المعبر عنها بقوله ‪( :‬إنما الله إله واحد سبحانه) نزهه عن أن يكون‬
‫موجود غيره‪ ،‬فيتولد منه وينفصل ويجانسه بأنه موجود مثله‪ ،‬بل هو‬
‫الموجود من حيث هو وجود‪( : .‬له ما في السماوات) الرواح ‪( :‬‬
‫والرض) الجساد بكونها أسماءه وظاهره وباطنه ‪( :‬وكيل) يقوم مقام‬
‫الخلق في أفعالهم وصفاتهم وذواتهم عند فنائهم في التوحيد‪ ،‬كما قال‬
‫أمير المؤمنين علي ‪ ' : u‬ل إله إل الله بعد فناء الخلق '‪( : .‬لن يستنكف‬
‫المسيح أن يكون عبدا لله) في مقام التفصيل‪ ،‬إذ باعتبار الجمع ل وجود‬
‫ل‪ .‬وأما باعتبار التفصيل فكل ما ظهر بتعين‬ ‫للمسيح ول لغيره فل ممكن أص ً‬
‫فهو ممكن‪ ،‬والممكن ل وجود له بنفسه فضل ً عن شيء غيره فيكون عبدا ً‬
‫محتاجا ً ذليل ً مفتقرا ً غير مستنكف عن ذلة العبودية وإن كان غنيا ً عن تعلق‬
‫الجسام بالتجرد المحض والتقدس عن دنس الطبائع كالملئكة المقربين‬
‫الذين هم الرواح المجردة والنوار المحضة ‪( :‬ومن يستنكف عن‬
‫عبادته) بظهور أنيته ‪( :‬ويستكبر) بطغيانه في الظهور بصفاته ‪( :‬‬
‫فسيحشرهم إليه جميعا) بظهور نور وجهه وتجليه بصفة قاهريته حتى يفنوا‬
‫بالكلية في عين الجمع‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬لمن الملك اليوم لله الواحد‬
‫القهار) ]غافر‪ ،‬الية ‪ ،[9 :‬وقال النبي ‪ ' : e‬إن لله تعالى سبعين ألف حجاب‬
‫من نور وظلمة‪ ،‬لو كشفها لحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من‬
‫خلقه '‪( : .‬فأما الذين آمنوا) بالفناء في عين الجمع بمحو الصفات وطمس‬
‫الذات ‪( :‬وعملوا الصالحات) بالستقامة في العمال ومراعاة تفاصيل‬
‫الصفات وتجلياتها ‪( :‬فيوفيهم أجورهم) وصفاتهم من جنات صفاته ‪( :‬‬
‫ويزيدهم من فضله) بالوجود الموهوب بعد الفناء في الذات ‪( :‬وأما الذين‬
‫استنكفوا) بظهور أنيتهم ‪( :‬واستكبروا) طغوا عند تجليات الصفات وتنورهم‬
‫بنورها‪ ،‬فظهروا بها ونسبوها إلى أنفسهم كمن قال ‪ :‬أنا ربكم العلى‪( .‬‬
‫فيعذبهم عذابا أليما) باحتجابهم ببقايا ذواتهم وصفاتهم وحرمانهم عن‬
‫مقام الجمع ‪( :‬ول يجدون) غير الله ‪( :‬وليا) يواليهم برفع حجاب الذات ‪( :‬‬
‫ول نصيرا) ينصرهم في رفع حجاب الصفات البرهاني وهو التوحيد الذاتي‬
‫والنور المبين وهو التفصيل في عين الجمع‪ ،‬أي ‪ :‬القرآن الذي هو علم‬
‫الجمع والفرقان الذي هو علم التفصيل‪] .‬تفسير سورة النساء من آية ‪174‬‬
‫إلى آية ‪( : [176‬فأما الذين آمنوا) بالتوحيد الذاتي واعتصموا به أي ‪ :‬في‬
‫كثرة الصفات وتفرقها وراعوا الجمع في التفاصيل ‪( :‬فسيدخلهم في‬
‫رحمة) من جنات الصفات التي ل يعرف كنهها ‪( :‬وفضل) من جنات‬
‫الذات ‪( :‬ويهديهم إلى صراطا ً مستقيمًا) بالستقامة إلى الوحدة في‬
‫تفاصيل الكثرة أو رحمة من جنات الفعال وفضل من جنات الصفات‪( : ،‬‬
‫ويهديهم إليه صراطا مستقيما) من تفاصيل الصفات إلى الفناء في الذات‪،‬‬
‫والول أولى بهذا المقام‪ ،‬ولك التطبيق على تفاصيل وجودك وأحوالك في‬
‫نفسك حيث أمكن من هذه السورة على القاعدة التي مرت في سورة )آل‬
‫عمران( والله تعالى أعلم‪.‬‬

‫)سورة المائدة(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم(‬
‫]تفسير سورة المائدة من آية ‪ 1‬إلى آية ‪( : [2‬يا أيها الذين آمنوا) باليمان‬
‫العلمي ‪( :‬أوفوا بالعقود) أي ‪ :‬العزائم التي أحكمتموها في السلوك‪.‬‬
‫والفرق بين العهد والعقد ههنا ‪ :‬أن العهد هو إيداع التوحيد فيهم في الزل‬
‫كما مر‪ ،‬والعقد هو إحكام عزائم التكليف عليهم ليتأدى بهم إلى اليفاء بما‬
‫عاهدوا عليه‪ .‬فالعهد سابق والعقد لحق‪ ،‬فكل عزيمة على أمر يوجب إخراج‬
‫ما في الستعداد بالقوة إلى الفعل عقد بينه وبين الله يجب الوفاء به‬
‫والمتناع عن نقضه بفتور أو تقصير ‪( :‬أحلت لكم) جميع أنواع التمتعات‬
‫والحظوظ بالنفوس السليمة التي ل تغلب عليها السبعية والشره‪ ،‬كالنفوس‬
‫التي هي على طباع النعام الثلثة ‪( :‬إل ما يتلى عليكم) من التمتعات‬
‫المنافية للفضيلة والعدالة فإنها منهي عنها لحجبها عن الكمال الشخصي‬
‫والنوعي ‪( :‬غير محلي الصيد وأنتم حرم) أي ‪ :‬ل متمتعين بالحظوظ في‬
‫تجريدكم للسلوك وشروعكم في الرياضة عند السير إلى الله لطلب‬
‫الوصول فإنه يجب حينئذ القتصار على الحقوق‪ ،‬إذ الحرام في الظاهر‬
‫صورة الحرام الحقيقي للسالكين في طريق كعبة الوصال‪ ،‬والقاصدين‬
‫لدخول الحرم اللهي وسرادقات صفات الجلل والكمال ‪( :‬إن الله يحكم ما‬
‫يريد) على من يريده من أوليائه‪( : .‬ل تحلوا شعائر الله) من المقامات‬
‫والحوال التي يعلم بها حال السالك في سلوكه كالصبر والشكر والتوكل‬
‫والرضا وأمثالها‪ ،‬أي ‪ :‬ل ترتكبوا ذنوب الحوال ول تخرجوا عن حكم‬
‫المقامات فإنها شعائر دين الله الخالص‪ .‬وكما أن المواضع المعلومة‬
‫المعلمة بما يفعل فيها كالمطاف والمسعى والمنحر وغيرها والفعال‬
‫المعلومة في الحج شعائر يشعر بها الحاج‪ .‬فهذه المقامات والمراتب‬
‫والحوال شعائر يشعر بها حال السالك وكما أنه ل يجوز في ظاهر الشرع‬
‫تغييرها عن موضعها والخروج عن حكمها فكذلك هذه في شرع المحبين كما‬
‫يحكى عن أحدهم أنه كان يتكلم في الصبر فدب عقرب على ساقه وأخذت‬
‫تضربه وهو على حاله ل ينحيها فسئل عنه فقال ‪ :‬أستحي من أن أتكلم في‬
‫مقام وأنا أفعل ما ينافيه ‪( :‬ول الشهر الحرام) أي ‪ :‬وقت الحرام بالحج‬
‫الحقيقي وهو وقت السلوك والوصول بالخروج عن حكمه والشتغال بما‬
‫ينافيه ويصده عن وجهته ويثبطه في سيره ‪( :‬ول الهدي) ول النفس‬
‫المستعدة المعدة للقربان عند الوصول إلى فناء الحضرة اللهية على ما‬
‫أشير إليه باستعمالها في شغل يصرفها عن طريقها أو يضعفها أو حمل‬
‫فوق طاقتها من الرياضة‪ ،‬فينقطع دون البلوغ إلى المحل ‪( :‬ول القلئد) ول‬
‫ما قلدته النفس من شعار أهل السلوك والسنن والعمال الظاهرة بتركها‬
‫وتغييرها عن وضعها ‪( :‬ول آمين البيت الحرام) ول القاصدين المجدين في‬
‫السلوك المجتهدين بتغيرهم ومنعهم عن الرياضة وإيهان عزائمهم‬
‫بالمخالطة وتقليل السعي وإيهامهم أنه ل حاجة بهم إليه وشغلهم بما‬
‫يصدهم أو يكسلهم ‪( :‬يبتغون فضل من ربهم) بتجليات الفعال ‪( :‬‬
‫ورضوانا) بتجليات الصفات‪( : .‬وإذا حللتم) بالرجوع إلى البقاء بعد الفناء‬
‫والستقامة ‪( :‬فاصطادوا) أي ‪ :‬فل حرج عليكم في الحظوظ بل ربما كان‬
‫تمتيع النفس بالحظوظ إعانة لها في مشاهداتها ومكاشفاتها لشرفها‬
‫وذكائها وشدة صفائها ‪( :‬ول يجرمنكم شنآن قوم) إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫يكسبنكم بعض القوى النفسانية المانعة عن سلوككم أن تقهروها بالكلية‬
‫بمنعها عن الحقوق التي تقوم بها فتبطلوها أو تضعفوها عن منافعها وما‬
‫يحتاج إليه من أفعالها بسبب صدها إياكم‪ ،‬فإن وبال ذلك عائد إليكم‪ .‬أو‬
‫عداوة قوم من أهليكم وأقاربكم وأصدقائكم بسبب منعهم إياكم عن‬
‫التجريد والرياضة في السلوك ‪( :‬أن تعتدوا) عليهم بإضرارهم ومقتهم‬
‫وإرادة الشر بهم فإنه أضر بكم في السلوك من منعهم إياكم ‪( :‬وتعاونوا‬
‫على البر والتقوى) بتدبير تلك القوى وسياستها بالحسان إليها بحقوقها‬
‫ومنعها من حظوظها أو بمراعاة الهلين والقارب والصدقاء بمواساتهم‬
‫والحسان إليهم‪ ،‬والمعروف في حقهم مع مخالفتهم إلى ما يمنعكم عنه‬
‫والجتناب عن ذلك‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬فل تطعهما وصاحبهما في الدنيا‬
‫معروفا) ]لقمان‪ ،‬الية ‪( : ،[15 :‬واتقوا الله) واجعلوه وقاية لكم في هذه‬
‫المور واحذروه في خلفها ‪( :‬أن الله شديد العقاب) يعاقبكم بالصد‬
‫والحرمان‪ .‬تفسير سورة المائدة آية ‪( 3‬حرمت عليكم الميتة) هذه هي‬
‫المور المستثناة من أنواع التمتعات المحللة‪ ،‬وهي الميتة أي ‪ :‬خمود‬
‫الشهوة التي هي رذيلة التفريط المنافية للعفة كالخنوثة والعجز عن‬
‫القدام على القدر الضروري من التمتعات والتمتع بفقدان اعتدال القوة‬
‫الشهوانية على ما يفعله الخناثى وبعض المغزلين والمتقشفين والمتزهدين‬
‫بالطبع‪ ،‬القاصرين عن السلوك لنقصان الستعدادات ‪( :‬والدم) أي ‪ :‬التمتع‬
‫بهوى النفس في العمال فإن مزج الهوى وشوبه يفسد العمال كلها ‪( :‬‬
‫ولحم الخنزير) ووجوه التمتعات الحاصلة بالحرص والشره‪ ،‬فإن قوة الحرص‬
‫أخبث القوى وأسدها لطرق الكمال والنجاة ‪( :‬وما أهل لغير الله به) أي ‪:‬‬
‫الرياضات والعمال بالرياء وكل ما يفعل لغير الله‪ .‬فإن كسر النفس‬
‫وقمعها ومخالفتها ل يكون فعل ً جميل ً وفضيلة ومعينا ً في السلوك إل إذا‬
‫كان لله‪ ،‬فأما إذا كان لغير الله فهو شرك والشرك أكبر الكبائر ‪( :‬‬
‫والمنخنقة) أي ‪ :‬حبس النفس عن الرذائل ومنعها عن القبائح بحصول صور‬
‫الفضائل وصدور الفعال الحسنة صورة من كمون الهوى فيها‪ .‬فإن الفعال‬
‫النفسية إنما تحسن بقمعها وقهرها لله وخروج الهوى الذي هو قوتها‬
‫وحياتها عنها وقيامها بإرادة القلب كخروج الدم الذي هو قوة الحيوان‬
‫وحياته منه بذبحه لله ‪( :‬والموقوذة) أي ‪ :‬صدور الفضائل في الظاهر عن‬
‫النفس مع كره منها وإجبار عليها ‪( :‬والمتردية) التي تتعلق بالتفريط‬
‫والنقصان والميل إلى الجهة السفلية وانحطاط النفس عن الهمم العلية‬
‫والدرجة القوية ‪( :‬والنطيحة) التي تصدر عن خوف وقهر من مثله كالعفاف‬
‫الحاصل بواسطة زجر المحتسب وخوف الفضيحة ‪( :‬وما أكل‬
‫السبع) كفضائل العفة التي تحصل لشدة القوة الغضبية من النفة والحمية‬
‫واستيلء الغضب‪ ،‬فإن الغضب إذا استولى منع الشدة عن فعلها أو لقهر من‬
‫قهار كالملك والمير ‪( :‬إل ما ذكيتم) إل ما قرنت واعتادت وانقادت لكم بعد‬
‫قهر من غير‪ ،‬فكانت تصدر عنها الفضائل بإرادة قلبية من غير مزج الهوى‪: .‬‬
‫(وما ذبح على النصب) ما يفعل بناء على العادات التي يجب رفعها إل لغرض‬
‫عقلي أو شرعي ‪( :‬وأن تستقسموا بالزلم) وأن تطلبوا السعادات‬
‫والكمالت بالرسوم والطوالع اتكال ً على ما قضى الله وقدر وتتركوا السعي‬
‫والجد في الطلب‪ ،‬وتجعلوا ذلك علة للتقصير بأن تقولوا ‪ :‬ليس لنا نصيب‬
‫فيها‪ ،‬ولو كان لنا نصيب لحصل‪ .‬فإنه ربما كان مجرد تعليل وقد علق في‬
‫القدر كماله بسعيه‪ ،‬فإنه لم يطلع على ذلك ‪( :‬ذلكم فسق) خروج عن الدين‬
‫الذي هو طريق الحق ‪( :‬اليوم) أي ‪ :‬وقت حصول الكمال بتمرن النفس‬
‫بالفضائل‪ ،‬وتثبتها في العزائم ‪( :‬يئس الذين كفروا) أي ‪ :‬حجبوا من قوى‬
‫نفوسكم أو من أبناء جنسكم وأهل جلدتكم من الطبيعيين والمتزندقين ‪( :‬‬
‫من دينكم) أي ‪ :‬من أن يصدوكم عن طريق الحق ‪( :‬فل تخشوهم) فإنهم‬
‫يستولون عليكم بعد ذلك ‪( :‬واخشوني) بأن ل تقفوا عند تجلي صفة من‬
‫صفاتي وتهيبوا عظمة ذاتي حتى تصلوا إلى مقام الفناء‪( : .‬اليوم أكملت‬
‫لكم دينكم) ببيان الشعائر وكيفية السلوك ‪( :‬وأتممت عليكم‬
‫نعمتي) بالهداية إلي ‪( :‬ورضيت لكم) الستسلم والنقياد بالنمحاء عند‬
‫تجليات الفعال والصفات أو إسلم الوجه للفناء عند تجلي الذات ‪( :‬دينا‬
‫فمن اضطر) إلى أمر من هذه المور المحرمة التي عددناها ‪( :‬في‬
‫مخمصة) في هيجان شديد من النفس وغلبة لظهور صفة من صفاتها ‪( :‬‬
‫غير متجانف لثم) غير منحرف عن الدين والوجهة إلى رذيلة مانعة لقصد‬
‫منه وعزيمة ‪( :‬فإن الله غفور) يستر ذلك عنه بنور صفة من صفاته‬
‫تقابلها ‪( :‬رحيم) يرحم بمداد التوفيق لظهار الكمال ورفع موانعه‪] .‬تفسير‬
‫سورة المائدة من آية ‪ 4‬إلى آية ‪( : [5‬قل أحل لكم الطيبات) من الحقائق‬
‫والمعارف الحقية والفضائل العلمية التي تحصل لكم بعقولكم وقلوبكم‬
‫وأرواحكم ‪( :‬وما علمتم) من جوارح حواسكم الظاهرة والباطنة وسائر‬
‫قواكم وآلتكم البدنية في اكتساب الفضائل والداب‪ ،‬محرضين ‪( :‬تعلمونهن‬
‫مما علمكم الله) من علوم الخلق والشرائع التي تبين طريق الحتظاء من‬
‫الحظوظ على وجه العدالة ‪( :‬فكلوا مما أمسكن عليكم) مما حصلن لكم‬
‫بتعليمكم على ما ينبغي بنية وإرادة قلبية وغرض صحيح يؤدي إلى كمال‬
‫الشخص أو النوع ل يهجن ويثبن وينزن عليه بميلهن وحرصهن لطلب لذتهن‬
‫وشهوتهن ‪( :‬واذكروا اسم الله عليه) واحضروا بقلوبكم أنها للصورة‬
‫النسانية الكاملة تقصد وتراد‪ ،‬ل لغرض آخر‪ .‬واجعلوا الله وقاية لكم في‬
‫فعلها حتى تكون حسنة ‪( :‬إن الله سريع الحساب) يحاسبكم بها في آن ل‬
‫في أزمنة‪ ،‬كحصول هيآتها في أنفسكم عند ارتكابها‪( .‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا) اليمان العلمي ‪( :‬إذا قمتم إلى الصلة) انبعثتم عن نوم الغفلة‬
‫وقصدتهم إلى صلة الحضور والمناجاة الحقيقية والتوجه إلى الحق ‪( :‬‬
‫فاغسلوا وجوهكم) أي ‪ :‬طهروا وجود قلوبكم بماء العلم النافع الطاهر‬
‫المطهر من علم الشرائع والخلق والمعاملت التي تتعلق بإزالة الموانع‬
‫عن لوث صفات النفس ‪( :‬وأيديكم) أي ‪ :‬وقدركم عن دنس تناول الشهوات‬
‫والتصرفات في مواد الرجس ‪( :‬إلى المرافق) إلى قدر الحقوق والمنافع ‪( :‬‬
‫وامسحوا برؤوسكم) بجهات أرواحكم عن قتام كدورة القلب وغبار تغيره‬
‫بالتوجه إلى العالم السفلي ومحبة الدنيا بنور الهدى‪ .‬فإن الروح ل يتكدر‬
‫بالتعليق‪ ،‬بل يحتجب نوره عن القلب فيسود القلب ويظلم ويكفي في‬
‫انتشار نوره صقل الوجه العالي من القلب الذي إليه‪ ،‬فإن القلب ذو وجهين‬
‫أحدهما ‪ :‬إلى الروح والرأس ههنا إشارة إليه‪ .‬والثاني ‪ :‬إلى النفس وقواها‪،‬‬
‫فأحرى بالرجل أن تكون إشارة إليه ‪( :‬وأرجلكم) وجهات قواكم الطبيعية‬
‫البدنية بنفض غبار النهماك في الشهوات والفراط في اللذات ‪( :‬إلى‬
‫الكعبين) إلى حد العتدال الذي يقوم به البدن‪ .‬فعلى هذا من انهمك في‬
‫الشهوات في اللذات احتاج إلى غسلها بماء علم الخلق وعلم الرياضات‬
‫حتى ترجع إلى الصفاء الذي يستعد به القلب للحضور والمناجاة‪ ،‬ومن قرب‬
‫حوضه فيها من العتدال كفاه المسح ولهذا مسح من مسح وغسل من‬
‫غسل ‪( :‬وإن كنتم جنبا) بعداء عن الحق بالنجذاب إلى الجهة السفلية‬
‫والعراض عن الجهة العلوية والميل الكلي إلى النفس ‪( :‬فاطهروا) بكليتكم‬
‫عن تلك‬
‫الهيئة المظلمة والصفة الخبيثة الموجبة للبعد والحتجاب‪( : .‬وإن كنتم‬
‫مرضى) إلى آخره مكرر‪( : ،‬ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) من ضيق ومشقة‬
‫بكثرة المجاهدات والمكابدات ‪( :‬ولكن يريد) أن يطهركم من الهيآت المظلمة‬
‫والصفات الخبيثة ‪( :‬وليتم نعمته عليكم) بالتكميل ‪( :‬ولعلكم تشكرون) نعمة‬
‫الكمال بالستقامة والقيام بحق العدالة عند البقاء بعد الفناء ‪( :‬نعمة الله‬
‫عليكم) بالهداية إلى طريق الوصول ‪( :‬وميثاقه) أي ‪ :‬عقود عزائمه المذكورة إذ‬
‫قبلتموها من معدن النبوة بصفاء الفطرة ‪( :‬هو أقرب للتقوى) أي ‪ :‬العقل أقرب‬
‫للتجرد عن ملبس صفات النفس واتخاذ صفات الله تعالى وقاية لنه أشرف‬
‫الفضائل الذي إذا حصل تبعه الجميع ‪( :‬واتقوا الله) واجعلوه وقاية لكم في صدور‬
‫العدل منكم فإن منبع الكمالت والفضائل ذاته تعالى ‪( :‬إن الله خبير بما‬
‫تعملون) أنه من صفات نفوسكم أو منه‪( : .‬وعد الله الذين آمنوا) منكم بالتوحيد‬
‫العلمي ‪( :‬وعملوا الصالحات) التي توصلهم إلى التوحيد العيني وتعدهم لذلك ‪( :‬‬
‫لهم مغفرة) من صفاتهم ‪( :‬وأجر عظيم) من تجليات صفاته تعالى‪( : .‬إذ هم‬
‫قوم) من قوى نفوسكم المحجوبة وصفاتها ‪( :‬أن يبسطوا إليكم أيديهم) بالستيلء‬
‫والقهر والستعلء لتحصيل مآربها وملذها فمنعها عنكم بما أراكم من طريق‬
‫التطهير والتنزيه ‪( :‬واتقوا الله) واجعلوه وقاية في قهرها ومنعها ‪( :‬وعلى الله‬
‫فليتوكل المؤمنون) برؤية الفعال كلها منه‪] .‬تفسير سورة المائدة من آية ‪ 12‬إلى‬
‫آية ‪( : [13‬ميثاق بني إسرائيل) هو العهد المذكور والنقباء الثنا عشر هم الحواس‬
‫الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والقوة العاقلة النظرية والعاقلة العلمية ‪( :‬‬
‫وقال الله إني معكم) أي ‪ :‬في العقد اللحق أوفقكم وأعينكم لئن قمتم بحقوق‬
‫التزكية والتخلية من العراض عن السعادات البدنية بالعبادة وترك السعادات‬
‫الخارجية بالزهد‪ ،‬وإيثار الثالثة التي هي اليمان برسل العقل واللهامات والفكار‬
‫الصائبة والخواطر الصادقة من الروح والقلب‪ ،‬وإمداد الملكوت وتعزيرهم أي ‪:‬‬
‫تعظيمهم بتسليطهم على شياطين الوهم وتقويتهم ومنعهم وساوسها وإلقاء‬
‫الوهميات والخياليات والخواطر النفسانية ‪( :‬وأقرضتم الله قرضا حسنا) بالبراءة‬
‫من الحول والقوة والعلم والقدرة إلى الله بالجملة من الفعال والصفات كلها ثم‬
‫من الذات بالمحو والفناء وإسلمها إلى الله ‪( :‬لكفرن عنكم سيئاتكم) أي ‪:‬‬
‫وجودات هذه الثلث التي هي حجبكم وموانعكم عنكم ‪( :‬ولدخلنكم جنات) من‬
‫أفعالي وصفاتي وذاتي ‪( :‬تجري من تحتها النهار) علوم التوكل والرضا والتسليم‬
‫والتوحيد‪ .‬وبالجملة علوم تجليات الفعال والصفات والذات‪ ،‬فمن احتجب بعد ذلك‬
‫العهد وبعث النقباء منكم ‪( :‬فقد ضل) السبيل المستقيم بالحقيقة‪( : .‬‬
‫قاسية) قست باستيلء صفات النفس عليها وميلها إلى المور الرضية الجاسية‬
‫الصلبية فحجبت عن أنوار الملكوت والجبروت التي هي كلمات الله واستبدلوا قوى‬
‫نفوسهم بها‪ ،‬واستعملوا وهمياتهم وخيالياتهم بدل معارفها وحقائقها من‬
‫المعاني المعقولية أو خلطوها بها‪ ،‬وذلك هو تحريف الكلم عن مواضعه‪( : .‬ونسوا‬
‫حظا) أي ‪ :‬نصيبا ً وافرا ً مما أوتوه في العهد السابق من الكمالت الكامنة في‬
‫استعدادهم بالقوة‪ ،‬فذكروا به في العهد اللحق ‪( :‬ول تزال تطلع على خائنة‬
‫منهم) أي ‪ :‬على نقض عهد ومنع أمانة لستيلء صفات النفس والشيطان عليهم‬
‫وقساوة قلوبهم ‪( :‬المحسنين) الذين يشاهدون ابتلء الله إياهم فل يقابلونهم‬
‫بالعقاب فيستعملون معهم الصفح والعفو‪( .‬فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) أي ‪:‬‬
‫ألزمناهم ذلك لتخالف دواعي قواهم السبعية والبهيمية والشيطانية وميلهم إلى‬
‫الجهة السفلية الموجب للتضاد والتعاند لحتجابهم عن نور التوحيد وبعدهم عن‬
‫العالم القدسي الذي فيه المقاصد كلية ل تقتضي التجاذب والتعاند إلى وقت‬
‫قيامهم بظهور نور الروح والقيامة الكبرى بظهور نور التوحيد ‪( :‬ينبئهم‬
‫الله) بعقاب ما صنعوا عند الموت وظهور الحرمان والخسران بظهور الهيآت‬
‫القبيحة المؤذية الراسخة فيهم‪( : .‬لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح) بأن‬
‫حصروا اللوهية فيه وقيدوا الله بتعينه ‪( :‬أن يهلك المسيح ابن مريم) إلى‬
‫قوله ‪( :‬جميعا) بالفناء في التوحيد والطمس في غير الجمع كما قال ‪( : :‬كل‬
‫شيء هالك إل وجهه) ]القصص‪ ،‬الية ‪( : .[88 :‬ولله ملك السماوات) أي ‪ :‬عالم‬
‫الرواح ‪( :‬والرض) عالم الجساد ‪( :‬وما بينهما) من الصور والعراض كلها ظاهرة‬
‫وباطنة أسماؤه وصفاته وأفعاله ‪( :‬ادخلوا الرض المقدسة) أي ‪ :‬حضرة القلب‬
‫التي هي مقام تجلي الصفات‪ ،‬فإنه بالنسبة إلى سماء الروح أرض ‪( :‬كتب الله‬
‫لكم) عين لكم في القضاء السابق وأودع في استعدادكم الوصول إليها والمقام‬
‫بها ‪( :‬ول ترتدوا على أدباركم) في الميل إلى مدينة البدن والقبال عليه بتحصيل‬
‫مآربه ولذاته وطلب موافقته وتزيين هيآته فإنه مقام خلف مقامكم وأدنى وأسفل‬
‫من رتبتكم ‪( :‬فتنقلبوا خاسرين) باستبدال ظلمات البدن بأنوار القلب وخبائثه‬
‫بطيباته ‪( :‬إن فيها قوما جبارين) من سلطان الوهم وأمراء الهوى والغضب‬
‫والشهوة وسائر صفات النفس الفرعونية أخذوها عنوة وقهرا ً واستولوا عليها‬
‫مستعلين يجبرون كل ً على هواهم ما لنا بهم يدان ول نقدر على مقاومتهم‪ ،‬قالوا‬
‫ذلك لعتيادهم بالذات الطبيعية والشهوات الجسمانية وغلبة الهوى عليهم‪ ،‬فلم‬
‫يقدروا على الرياضة وقمع الهوى وكسر صفات النفس بالمجاهدة ‪( :‬وإنا لن‬
‫ندخلها حتى يخرجوا منها) أي ‪ :‬يصرفهم الله عنها بل رياضة منا ومجاهدة أو‬
‫ينصرفوا بالطبع مع إحالته أو يضعفوا عن الستيلء كما في الشيخوخة مع امتناع‬
‫دخولهم فيها حينئذ‪( .‬قال رجلن من الذين يخافون) كانا من النقباء الثني عشر‬
‫وهم ‪ :‬العقل النظري والعقل العلمي يخافون سوء عاقبة ملزمة الجسم ووبال‬
‫العقوبة بهيآته المظلمة ‪( :‬أنعم الله عليهما) بالهداية إلى الطريق المستقيم‬
‫والدين القويم ‪( :‬ادخلوا عليهم الباب) باب قرية القلب وهو التوكل بتجلي الفعال‬
‫كما أن باب قرية الروح هو الرضا ‪( :‬فإذا) دخلتم مقام التوكل الذي هو باب القرية‬
‫‪( :‬فإنكم غالبون) بخروجكم عن أفعالكم وعن أحوالكم وبكونكم فاعلين بالله‪ ،‬وإذا‬
‫كان الحول والقوة بالله يهرب شيطان الوهم والتخيل والهوى والغضب منكم‬
‫فغلبتم عليهم‪ .‬ويدل على أن الباب هو التوكل قوله ‪( : :‬وعلى الله فتوكلوا إن‬
‫كنتم مؤمنين) بالحقيقة‪ ،‬إذ اليمان بالغيبة عن المؤمن به أقل درجات حضور تجلي‬
‫الفعال ‪( :‬قالوا يا موسى) أي ‪ :‬أصروا على إبائهم وامتناعهم عن الدخول ‪( :‬‬
‫فاذهب أنت وربك) أي ‪ :‬إن كنت نبيا ً فادفعهم عنا بقوة نفسك‪ ،‬واقمع الهوى‪،‬‬
‫وتلك القوى فينا بل رياضة ومجاهدة منا‪ ،‬وسل ربك يدفعها عنا كما يقول الشطار‬
‫والوغود عند موعظتك إياهم‪ ،‬وزجرك وتهديدك لهم‪ .‬ادفع بهمتك عنا هذه الشقاوة‬
‫إما استهزاء وعنادا ً وإما جدا ً واعتقادا ً ‪( :‬إنا ها هنا قاعدون) ملزمون مكاننا في‬
‫مقام النفس‪ ،‬معتكفون على هوى نفوسنا ولذات أبداننا كما قالوا ‪ :‬حطا ً‬
‫سمقاثًا‪( : .‬قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الرض) هي مدة‬
‫بقائهم في مقام النفس‪ ،‬أي ‪ :‬بقوا في تيه الطبيعة يتحيرون أربعين سنة إلى‬
‫قرية القلب‪ ،‬فإن دخول مقام القلب مع استيلء جبابرة صفات النفس عليه حرام‬
‫ممتنع‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪( : :‬بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) ]الحقاف‪ ،‬الية ‪،[15 :‬‬
‫فإنه وقت البلوغ الحقيقي‪ .‬وقيل في قصة التيه ‪ :‬إنهم كانوا يسيرون جادين طول‬
‫النهار في ستة فراسخ‪ ،‬فإذا أمسوا كانوا على المقام الذي ارتحلوا عنه‪ ،‬أي ‪ :‬كان‬
‫سعيهم في تحصيل المناجح الجسمانية والمباغي البدنية المحصورة في الجهات‬
‫الست ولم يخرجوا عن الجهات بالتجرد‪ ،‬فكانوا على المقام الول لعدم توجههم‬
‫إلى سمت القلب بطلب التجرد والتنزه عن الهيآت البدنية والصفات النفسانية‪.‬‬
‫وكانت ينزل من السماء بالليل عمود من نار يسيرون وينتفعون بضوئه‪ ،‬أي ‪ :‬ينزل‬
‫عليهم نور عقل المعاش من سماء الروح فيهتدون به إلى‬
‫مصالحهم‪ .‬وقيل ‪ :‬من نار لنه عقل مشوب بالوهم ليس عقل ً صرفا‪ ،‬وإل‬
‫لهتدوا به إلى طريق القلب‪ .‬وأما الغمام والمن والسلوى فقد مر ذكرها‬
‫وتأويلها وقيل ‪ :‬كان على كل مولود ولد في التيه قميص بقدر قامته يزيد‬
‫بزيادته‪ ،‬يعنون به ‪ :‬لباس البدن والله أعلم‪ .‬وإن شئت أن تطبق القصة على‬
‫حالك أولت موسى بالقلب وهارون بالروح‪ ،‬فإنه كان أخاه الكبر‪ ،‬ولهذا قال‬
‫‪( : :‬هو أفصح مني لسانا) ]القصص‪ ،‬الية ‪ [34 :‬وبني إسرائيل بالقوة‬
‫الروحانية‪ ،‬والرض المقدسة بالنفس المطمئنة‪ ،‬ثم أجريت القصة بحالها‬
‫إلى آخرها ‪( :‬فل تأس) أي ‪ :‬ل تهتم بهدايتهم‪ ،‬ول تغتم على عقوبتهم‪،‬‬
‫فإنهم فسقوا وخرجوا عن طريق القلب بهواهم وطغيانهم‪ .‬تفسير سورة‬
‫المائدة آية ‪( : 27‬واتل عليهم نبأ ابني آدم) القلب للذين هما هابيل القلب‬
‫وقابيل الوهم‪ ،‬إذ كان لكل منهما توأمة‪ .‬أما توأمة العقل فالعاقلة العلمية‬
‫المدبرة لمور المعاش والمعاد بالراء الصلحية المقتضية للعمال الصالحة‬
‫والخلق الفاضلة المستنبطة لنواع الصناعات والسياسات‪ .‬وأما توأمة‬
‫الوهم ‪ :‬فالقوة المتخيلة المتصرفة في المحسوسات والمعاني الجزئية‬
‫لتحصيل الراء الشيطانية‪ ،‬فأمر آدم القلب بتزويج الوهم توأمة العقل التي‬
‫هي العاقلة العلمية لتتسلط عليه بالقياسات العقلية البرهانية وتدربه‬
‫بالرياضات الذعانية والسياسات الروحانية‪ ،‬وتسخره للعقل فيطيع أب‬
‫القلب‪ ،‬ويحسن إليه‪ ،‬ويبره بأنواع الرجاء الصادقة ويعينه في العمال‬
‫الصالحة ويمتنع من عقوقه بالتسويلت والتزينات الشيطانية الفاسدة‪،‬‬
‫وإغراء النفس عليها بالهيئات الفاسقة والفعال السيئة‪ ،‬وتزويج العقل‬
‫توأمة الوهم ليجعلها صالحة ويمنعها عن شهوات التخيلت الفاسدة وتهيج‬
‫أحاديث النفس الكاذبة فيستريح أبوها منها ويستعملها في المعقولت‬
‫والمحسوسات والمعاني الكلية والجزئية‪ ،‬فتصير مفكرة عاملة في تحصيل‬
‫العلوم فينتفع أبوها‪ .‬فحسد قابيل الوهم هابيل العقل لكون توأمته أجمل‬
‫عنده وأحب لمناسبتها إياه‪ ،‬فأمر أبوهما القلب بأن يقرب كل واحد منهما‬
‫قربانا ً أي ‪ :‬نسكا ً يتقرب به إلى الله بإفاضة النتيجة وإفناء صورة القياس‬
‫وقبول الصورة المعقولة الكلية المطابقة لما في نفس المر التي هي‬
‫نسيكته التي يتقرب بها إلى الله منه‪ ،‬وعدم قبول قربان الوهم الذي هو‬
‫صورة المغالطة أو الصورة الموهومة الجزئية امتناع اتصال العقل به‬
‫بإفاضة النتيجة إذ ل نتيجة لها أو امتناع قبول الصورة الوهمية إذ ل تطابق‬
‫ما في نفس المر فزاد حسده عليه‪( .‬قال لقتلنك) أي ‪ :‬لما زاد قرب العقل‬
‫من الله وبعده عن رتبة الوهم في مدركاته وتصرفاته كان الوهم أحرص‬
‫على إبطال عمله ومنعه عن فعله كما ترى في التشكيكات الوهمية‬
‫ومعارضاته العقل في تحصيل المطالب النظرية العميقة الغور وقتله عبارة‬
‫عن منعه عن فعله وقطع مدد الروح ونور الهداية الذي به حياة العقل‬
‫عنه ‪( :‬من المتقين) الذين يتخذون الله وقاية في صدور الخيرات منهم أو‬
‫يحذرون آثام الهيئات المظلمة البدنية والكاذيب الباطلة والضاليل المغوية‬
‫الهواء المردية والتسويلت المهلكة‪ .‬تفسير سورة المائدة من آية ‪ 28‬إلى‬
‫آية ‪( : [31‬ما أنا بباسط يدي إليك لقتلك) لني ل أبطل أعمالك التي هي‬
‫شديدة في مواضعها من المحسوسات ول أقطع عنك حياتك التي هي مدد‬
‫النفس والهوى ول أمنعك عن فعلك الخاص بك إذ العقل يعلم أن المصالح‬
‫الجزئية وأحكام المحسوسات والمعاني الجزئية المعلقة بها وترتيب أسباب‬
‫المعاش كلها ل تحصل ول تتيسر إل بالوهم ولول الرجاء وحصول الماني‬
‫والمال الصادرة عن الوهم لم يتيسر لحد ما يتمعش به ‪( :‬إني أخاف الله‬
‫رب العالمين) لني أعرفه‪ ،‬وقال ‪( : :‬إنما يخشى الله من عباده‬
‫العلمؤا) ]فاطر‪ ،‬الية ‪ [28 :‬واعلم بأنه إنما خلقك لشأن وأوجدك لحكمة‪،‬‬
‫فل أتعرض له في ذلك ‪( :‬إني أريد أن تبوء) بإثم قتلي وإثم قتلك من الراء‬
‫الباطلة والتصورات الفاسدة التي لم يتقبل قربانك لجلها ‪( :‬فتكون من‬
‫أصحاب) نار الحجبة والحرمان ‪( :‬وذلك جزاء الظالمين) الواضعين الشياء‬
‫في غير موضعها كوضعك الحكام الحسية في المعقولت‪( : .‬‬
‫فطوعت) فسهلت وسولت ‪( :‬له نفسه قتل أخيه فقتله) بمنعه عن أفعاله‬
‫الخاصة وحجبه عن نور الهداية ‪( :‬فأصبح من الخاسرين) لتضرره باستيلئه‬
‫على العقل واستبدال ضللته وخطئه بهداية العقل وصوابه‪ ،‬فإن الوهم إذا‬
‫انقطع عن معاضدة العقل حمل النفس بأنواع التسويلت والتزيينات على‬
‫إقدام أمور يتضرر به النفس والبدن جميعًا‪ ،‬كالسرافات المذمومة من باب‬
‫اللذات البهيمية‪ ،‬والسبعية مثل شدة الحرص في طلب المال والجاه‬
‫والفراط فيضعف الوهم أيضا ً أو يبطل ‪( :‬فبعث الله) غراب الحرص ‪( :‬‬
‫يبحث في) أرض النفس ‪( :‬ليريه كيف يواري سوأة أخيه) أي ‪ :‬الوهم‪ ،‬إذ‬
‫بقطع العقل عن نور الهداية وحجبها عن السير في العالم العلوي لتحصيل‬
‫الكمال وطلب سعادة المآل تحير في أمره‪ ،‬فانبعث الحرص فهداه في تيه‬
‫الضللة وأراه كيف يواري ويدفن عورته أي ‪ :‬جثته المقتولة التي حملها‬
‫الوهم على ظهره حتى أنتنت فصار عقل المعاش في تراب الرض وهو‬
‫صورة العقل المنقطع عن حياة الروح المشوب بالوهم والهوى المحجوب‬
‫عن عالمه في ظلمات أرض النفس المدفون فيها تأكله ديدان القوى‬
‫الطبيعية باستعمالها في تحصيل لذاتها ومطالبها ‪( :‬أعجزت أن أكون مثل‬
‫هذا الغراب) الذي دفن فرخه أي ‪ :‬داعيته أو كماله في أرض النفس بإفناء‬
‫ما يحصل له وكتمانه فيها ‪( :‬فأواري سوأة أخي) بإخفائها في ظلمة النفس‬
‫فأنتفع بها ‪( :‬فأصبح من النادمين) عند الخسران وحصول الحرمان‪( .‬فكأنما‬
‫قتل الناس جميعا) لن كل شخص يشتمل على ما يشتمل عليه جميع أفراد‬
‫النوع وقيام النوع بالواحد كقيامه بالجميع في الخارج ول اعتبار بالعدد فإن‬
‫النوع ل يزيد بحسب الحقيقة بتعدد الفراد ول ينقص بانحصاره في‬
‫شخص‪( : .‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) بالتزكية ‪( :‬وابتغوا إليه‬
‫الوسيلة) بالتحلية ‪( :‬وجاهدوا في سبيله) بمحو الصفات والفناء بالذات ‪( :‬‬
‫لعلكم تفلحون) من ظهور بقايا الصفات والذات ‪( :‬ما في الرض) أي ‪ :‬ما‬
‫في الجهة السفلية لنها أسباب زيادة الحجاب والبعد ول ينجع ثمة إل في‬
‫الجهة العلوية من المعارف والحقائق النورية‪( : .‬وأنزلنا إليك الكتاب) علم‬
‫الفرقان الذي هو ظهور تفاصيل كمالك ‪( :‬بالحق مصدقا لما بين يديه من‬
‫الكتاب) أي ‪ :‬علم القرآن وهو العلم الجمالي الثابت في استعدادك وحافظا ً‬
‫عليه بالظهار أو لما بين يديه العلوم النازلة على النبياء السابقين زمانا ً‬
‫فإن الغالب على موسى عند الرجوع إلى البقاء عند الفناء بالوجود‬
‫الموهوب قوة النفس وسلطانها‪ ،‬ولهذا بطش بأخيه كما قال تعالى ‪( : :‬‬
‫وأخذ برأس أخيه يجره إليه) ]العراف‪ ،‬الية ‪ ،[150 :‬وقال عند طلب التجلي‬
‫‪( : :‬أرني أنظر إليك) ]العراف‪ ،‬الية ‪ [143 :‬فكان أكثر التوراة علم الحكام‬
‫الذي يتعلق بأحوال النفس وتهذيبها ودعوته إلى الظاهر والغالب على‬
‫عيسى قوة القلب ونوره‪ ،‬ولهذا تجرد عن ملبس الدنيا وأمر بالترهب‪ .‬وقال‬
‫لبعض أصحابه ‪ :‬إذا لطمت في خدك فأدر الخد الخر لمن لطمك‪ .‬وكان أكثر‬
‫النجيل علم تجليات الصفات والخلق والمواعظ والنصائح التي تتعلق‬
‫بأحوال القلب وتصفيته وتنويره ودعوته إلى الباطن والغالب على محمد‬
‫عليه ‪ e‬سلطان الروح ونوره‪ ،‬فكان جامعا ً لمكارم الخلق متمما ً لها‪ ،‬عادل ً‬
‫في الحكام‪ ،‬متوسطا ً فيها‪ .‬وكان القرآن شامل ً لما في الكتابين من العلوم‬
‫والحكام والمعارف مصدقا ً له‪ ،‬حافظا ً عليه‪ ،‬مع زيادات في التوحيد والمحبة‬
‫ودعوته إلى التوحيد‪( : .‬فاحكم بينهم بما أنزل الله) من العدل الذي هو ظل‬
‫المحبة التي هي ظل الوحدة التي انكشفت عليك ‪( :‬ول تتبع أهواءهم) في‬
‫تغليب أحد الجانبين‪ ،‬إما الظاهر وإما الباطن ‪( :‬عما جاءك من الحق) من‬
‫التوحيد والمحبة والعدل‪ ،‬فإن التوحيد يقتضي المحبة‪ ،‬والمحبة العدل‪ ،‬ويقع‬
‫ظله من سماء الروح على القلب بالمحبة‪ ،‬وعلى النفس بالعدالة ‪( :‬لكل‬
‫جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) موردا ً كمورد النفس ومورد القلب ومورد‬
‫الروح‪ ،‬وطريقا ً كعلم الحكام والمعاملت التي تتعلق بالقلب وسلوك طريق‬
‫الباطن الموصل إلى جنة الصفات‪ ،‬وعلم التوحيد والمشاهدة الذي يتعلق‬
‫بالروح وسلوك طريق الفناء الذي يوصل إلى جنة الذات ‪( :‬ولو شاء الله‬
‫لجعلكم أمة واحدة) موحدين على الفطرة الولى‪ ،‬متفقين على دين‬
‫واحد ‪( :‬ولكن) ليظهر عليكم ما آتاكم بحسب استعداداتكم على قدر قبول‬
‫كل واحد منكم فتتنوع الكمالت ‪( :‬فاستبقوا الخيرات) أي ‪ :‬المور الموصلة‬
‫إلى كمالكم الذي قدر لكم بحسب استعدادكم المقربة إياكم إليه بإخراجه‬
‫إلى الفعل ‪( :‬إلى الله مرجعكم جميعا) في عين جمع الوجود على حسب‬
‫المراتب ل عين جمع الذات ‪( :‬فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) أي ‪ :‬يظهر‬
‫عليكم ما اختلفتم فيه بحسب اختلف استعداداتكم من طلب إحدى الجنان‬
‫الثلث‪ ،‬والوصول إليها‪ ،‬والحرمان بموانعها التي احتجبتم بها عما في‬
‫استعدادكم من الكمال ‪( :‬ببعض ذنوبهم) ذنوب اليهود حجب الفعال وذنوب‬
‫النصارى حجب الصفات ففسق اليهود هو الخروج عن حكم تجليات الفعال‬
‫اللهية برؤية النفس وأفعالها وفسق النصارى خروجهم عن حكم تجليات‬
‫الصفات الحقانية برؤية النفس صفاتها واحتجابها بها كما أن فسق‬
‫المحمديين هو اللتفات إلى ذواتهم والخروج عن حكم الوحدة الذاتية‪( .‬‬
‫أفحكم الجاهلية يبغون) أي ‪ :‬ما يطلبون بجهلهم إل حكما ً صادرا ً عن مقام‬
‫النفس بالجهل ل صادرا ً عن علم إلهي ‪( :‬من يرتد) من يرجع عن طريق‬
‫الحق إلى الحتجاب ببعض الحجب‪ ،‬أي حجاب كان وخرج عنه فهو من‬
‫المردودين ل من أهل المحبة ول ينثلم ول ينتقض دين الحق بارتداده‪ ،‬فإن‬
‫الله سوف يأتي بقوم يحبهم بحسب العناية الولى ل لعلة بل لذواتهم‪،‬‬
‫ويحبون ذاته ل لصفة من صفاته ككونه لطيفا ً أو رحيما ً أو منعما ً فإن محبة‬
‫الصفات تتغير باختلف تجلياتها ومن يحب اللطيف لم تبق محبته إذا تجلى‬
‫بصفة القهر‪ ،‬ومن يحب المنعم انمحت محبته إذا تجلى بصفة المنتقم‪ .‬وأما‬
‫محبة الذات فهي باقية ببقائها ل تتغير باختلف التجليات فيحب محبها‬
‫القهار عند القهر كما يحب اللطيف عند اللطف‪ ،‬ويحب المنتقم حالة‬
‫النتقام كما يحب المنعم حالة النعام فل تفاوت في الرضا وعدمه‪ ،‬ول‬
‫تختلف محبته في أحواله ويشكر عند البلء كما يشكر عند النعماء‪ .‬وأما من‬
‫يحب المنعم فل يشكر عند البلء بل يصبر ومثل هذه المحبة يلزم المحبة‬
‫الولى التي هي لله ولوليائه فيحبونه بحبه إياهم‪ ،‬وإل فمن أين لهم‬
‫المحبة لله‪ ،‬ما للتراب ورب الرباب‪( : .‬أذلة على المؤمنين) لينين حانين‬
‫عليهم‪ ،‬عطوفين في تواضعهم لهم لمكان الجنسية الذاتية ورابطة المحبة‬
‫الزلية والمناسبة الفطرية بينهم ‪( :‬أعزة) أشداء غلظ ‪( :‬علي) المحجوبين‬
‫لضداد ما ذكر ‪( :‬يجاهدون في سبيل الله) بمحو صفاتهم وإفناء ذواتهم‬
‫التي هي حجب مشاهداتهم ‪( :‬ول يخافون لومة لئم) من نسبتهم إلى‬
‫الباحة والزندقة والكفر‪ ،‬وعذلهم بترك الدنيا ولذاتها‪ ،‬بل بترك الخرة‬
‫ونعيمها كما قال أمير المؤمنين ‪ ' : u‬اعبدوا الله ل لرغبة ول لرهبة '‪ ،‬فهم‬
‫من الفتيان الذين قيل فيهم ‪) % :‬وإذا الفتى عرف الرشاد لنفسه ‪ %‬هانت‬
‫عليه ملمة العذال( ‪%‬‬
‫(إنما وليكم الله ورسوله) والمؤمنون ل هم للتنافي الحقيقي بينكم وبينهم‪،‬‬
‫أي ‪ :‬يتولى الله ورسوله والمؤمنون إياكم أو ل يتولى الله وأولياءه من‬
‫الرسول والمؤمنين المحجوبون للتضاد الحقيقي بينهم‪ ،‬إنما تتولون الله‬
‫ورسوله والذين آمنوا أنتم ‪ :‬جمع أول ً في إثبات وليتهم لله مطلقا ً ثم‬
‫فصلها بحسب الظاهر‪ ،‬فقال ‪( : :‬ورسوله والذين آمنوا)‪ ،‬كما فعل في‬
‫الشهادة في قوله تعالى ‪( : :‬شهد الله أنه ل إله إل هو) ]آل عمران‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪( : .[18‬الذين) آمنوا ‪( :‬يقيمون) صلة الشهود والحضور الذاتي ‪( :‬‬
‫ويؤتون) زكاة البقايا ‪( :‬وهم راكعون) خاضعون في البقاء بالله بنسبة‬
‫كمالتهم وصفاتهم إلى الله كأمير المؤمنين ‪ u‬النازل في حقه هذا القائل ‪:‬‬
‫ل إله إل الله بعد فناء الخلق‪ ،‬ل منتصبون في مقام الطغيان بنسبتها إلى‬
‫أنفسهم‪( : .‬ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا) فهو من أهل الله‪ ،‬وإن‬
‫أهل الله ‪( :‬هم الغالبون) بالله‪( : .‬وترى كثيرا منهم يسارعون) أي ‪:‬‬
‫يقدمون على جميع الرذائل بالسرعة لعتيادهم بها وتدربهم فيها وكونها‬
‫ملكات لنفوسهم فالثم رذيلة القوة النطقية لنه الكذب‪ ،‬والعدوان رذيلة‬
‫القوة الشهوية‪( .‬ولو أن أهل الكتاب آمنوا) آمنوا اليمان التوحيدي الحقيقي‬
‫‪( :‬واتقوا) واجتنبوا عن شرك أفعالهم وصفاتهم وذواتهم ‪( :‬لكفرنا عنهم‬
‫سيئاتهم) من بقاياهم ‪( :‬ولدخلناهم) الجنات الثلث ‪( :‬ولو أنهم أقاموا‬
‫التوراة) بتحقق علوم الظاهر والقيام بحقوق تجليات الفعال والمحافظة‬
‫على أحكامها في المعاملت ‪( :‬والنجيل) بتحقق عنوان الباطن‪ ،‬والقيام‬
‫بحقوق تجليات الصفات‪ ،‬والمحافظة على أحكامها ‪( :‬و) احكموا ‪( :‬ما أنزل‬
‫إليهم) من علم المبدأ والمعاد وتوحيد الملك والملكوت من عالم الربوبية‬
‫الذي هو عالم السماء ‪( :‬لكلوا من فوقهم) أي ‪ :‬لرزقوا من العالم العلوي‬
‫الروحاني العلوم اللهية والحقائق العقلية اليقينية‪ ،‬والمعارف الحقانية‬
‫التي بها اهتدوا إلى معرفة الله ومعرفة الملكوت والجبروت ‪( :‬ومن تحت‬
‫أرجلهم) أي ‪ :‬من العالم السفلي الجسماني العلوم الطبيعية والمدركات‬
‫الحسية التي اهتدوا بها إلى معرفة عالم الملك‪ ،‬فعرفوا الله باسمه الظاهر‬
‫والباطن‪ ،‬بل بجميع السماء والصفات ووصلوا إلى مقام التوحيدين‬
‫المذكورين ‪( :‬منهم أمة مقتصدة) عادلة واصلة إلى توحيد السماء والصفات‬
‫‪( :‬وكثير منهم) لم يصلوا إلى توحيد الفعال بعد فضل ً عن توحيد الصفات‪،‬‬
‫فساء عملهم لنه من صفات نفوسهم فهو حجابهم الكثف‪( : .‬وأرسلنا‬
‫إليهم رسل) على حسب مراتبهم فلما كانوا محجوبين من جميع الوجوه‬
‫أرسلنا موسى لرفع حجاب الفعال والدعوة إلى توحيد الملك‪ ،‬فما هوته‬
‫أنفسهم لن دعوته كانت مخالفة لهواها لضراوتها بأفعالها وبتجمعها بها‬
‫وبلذاتها وشهواتها فكذبوه وعبدوا عجل النفس واعتدوا في السبت وفعلوا‬
‫ما فعلوا حتى إذا آمن به من آمن وبرز من حجاب الفعال حسب أنه الكمال‬
‫المطلق‪ ،‬فأرسلنا عيسى برفع حجاب الصفات والدعوة إلى الباطن‪ ،‬وتوحيد‬
‫الملكوت فما هوته أنفسهم لمخالفة دعوته هواها من حسبان الكمال‪،‬‬
‫فكذبوه وفعلوا ما فعلوا حتى إذا آمن به من آمن وبرز عن حجاب الصفات‬
‫بقي على حاله‪ ،‬حاسبا ً لنفسه الكمال المطلق فأرسلنا محمدا ً برفع حجاب‬
‫الصفات والدعوة إلى توحيد الذات فما هوته أنفسهم فكذبوه‪( : .‬وحسبوا‬
‫أن ل تكون فتنة) شرك عند توحيد الفعال وظهور الدعوة العيسوية ‪( :‬‬
‫فعموا) عن تجليات رؤية الصفات ‪( :‬وصموا) عن سماع علمها ‪( :‬ثم تاب الله‬
‫عليهم) بفتح أسماع قلوبهم وأبصارها‪ ،‬فتابوا‪ ،‬فقبل توبتهم ‪( :‬ثم عموا‬
‫وصموا) عند الدعوة المحمدية عن مشاهدة الوجه الباقي وسماع علم توحيد‬
‫الجمع المطلق ‪( :‬والله بصير) بعملهم في المقامات الثلث ورد الدعوات‬
‫وإنكار النبياء فيجازيهم على حسب حالهم‪] .‬تفسير سورة المائدة آية ‪: [72‬‬
‫(اعبدوا الله ربي وربكم) أي ‪ :‬خصصوا عبادتكم بالذات الموصوفة بجميع‬
‫الصفات والسماء التي هي الوجود المطلق‪ ،‬ول تعينوه باسم وصفة‪ ،‬فإن‬
‫نسبة ربوبيته إلى الكل سواء ومن حصر ألوهيته في صورة وخصصها باسم‬
‫معين وكلمة معينة وصفة معينة‪ ،‬فقد أثبت غيره ضرورة وجود ما سواه من‬
‫السماء والصور والصفات‪ .‬ومن أثبت غيره فقد أشرك به ومن أشرك به ‪( :‬‬
‫فقد حرم الله عليه) جنة شهوده بذاته وصفاته وأفعاله أي ‪ :‬الجنة المطلقة‬
‫الشاملة‪ ،‬يعني ‪ :‬فقد حجبه مطلقا ً ‪( :‬ومأواه) نار الحرمان لظلمه‬
‫بالشرك ‪( :‬وما للظالمين من أنصار) ينصرونهم فينقذونهم من العذاب‪( .‬‬
‫لقد كفر) حجب ‪( :‬الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة) واحد من جملة ثلثة أشياء‬
‫‪ :‬الفعل الذي هو ظاهر عالم الملك‪ ،‬والصفة التي هي باطن عالم الملكوت‪،‬‬
‫والذات التي تقوم بها الصفة ويصدر عنها الفعل‪ ،‬إذ ليس هو ذلك الواحد‬
‫الذي توهموه بل الفعل والصفة في الحقيقة عين الذات‪ ،‬ول فرق إل‬
‫بالعتبار‪ ،‬وما الله إل الواحد المطلق‪ ،‬وإل لكان بحسب كل اسم من أسمائه‬
‫إله آخر‪ ،‬فتتعدد اللهة سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا ً كبيرا ً ‪( :‬‬
‫وإن لم ينتهوا عما يقولون) من كون الصفة والفعل غير الذات ‪( :‬‬
‫ليمسن) المحجوبين ‪( :‬عذاب) مؤلم لقصورهم في العرفان مع كونهم‬
‫مستعدين ‪( :‬أفل يتوبون إلى الله) بالرجوع عن إثبات التعدد في الله إلى‬
‫عين الجمع المطلق‪ ،‬ويستغفرونه عن ذنب رؤية وجودهم ووجود غيرهم ‪( :‬‬
‫والله غفور) يسترهم بذاته ‪( :‬رحيم) يرحمهم بكمال العرفان والتوحيد ‪( :‬ما‬
‫ل يملك لكم ضرا ول نفعا) إذ ل فعل له فيضر أو ينفع‪ ،‬بل ل وجود فضل ً عن‬
‫الفعل‪ .‬وقال ‪ :‬ما ل يملك دون من‪ ،‬وإن كان المراد عيسى للتنبيه على أنه‬
‫شيء يعتبر اعتبارا ً من حيث تعينه ول وجود له حقيقة ‪( :‬قد ضلوا من‬
‫قبل) بالحتجاب عن أنوار الصفات ‪( :‬وأضلوا كثيرا وضلوا) الن ‪( :‬عن سواء‬
‫السبيل) طريق الوحدة الذاتية التي هي الستقامة إلى الله‪] .‬تفسير سورة‬
‫المائدة من آية ‪ 82‬إلى آية ‪( : [86‬لتجدن) إلى آخره‪ ،‬الموالة والمعاداة إنما‬
‫يكونان بحسب المناسبة والمخالفة‪ ،‬فكل من والى أحدا ً دل على رابطة‬
‫جنسية بينهما‪ ،‬وكل من عاداه دل على مباينة ومضادة بينهما‪ .‬ولما كان‬
‫اليهود محجوبين عن الذات والصفات ولم يكن لهم إل توحيد الفعال كانت‬
‫مناسبتهم مع المحجوبين المشركين مطلقا ً أقوى من مناسبتهم مع‬
‫المؤمنين الموحدين مطلقًا‪ .‬ولما كان النصارى برزوا ً من حجاب الصفات‬
‫ولم يتولهم إل حجاب الذات كانت مناسبتهم مع المؤمنين أقوى‪ ،‬فلذلك‬
‫كانوا أقرب مودة لهم من غيرهم‪ .‬والمشركون واليهود أشد عداوة لقوة‬
‫حجابهم‪ ،‬أما ترى كيف علل قربهم في المودة بعلمهم وعبادتهم وعدم‬
‫استكبارهم ؟‪ ،‬فإن العبادة توصل إلى جنة الفعال لتجردهم فيها عن أفعال‬
‫نفوسهم فاعلين ما أمر الله‪ ،‬والعلم يوصل إلى جنة الصفات لتنزههم به‬
‫عن جنة النفوس والوصول إلى مقام القلب الذي هو محل المكاشفة‬
‫وقبول العلم اللهي‪ ،‬وعدم الستكبار يدل على أنهم ما رأوا نفوسهم‬
‫موصوفة بصفات العبادة والعلم ول نسبوا فعلهم وعلمهم إليها بل إلى الله‬
‫وإل استكبروا وأظهروا العجب‪( : .‬ترى أعينهم تفيض من الدمع) شوقا ً إلى‬
‫ما عرفوا من توحيد الذات لنهم كانوا أهل رياضة وذوق فهاجت نفوسهم‬
‫بسماع الوحي وذكروا الوحدة ‪( :‬مما عرفوا من الحق) بصفاته أو سمعوا من‬
‫الحق كلمه‪ ،‬فبكوا اشتياقا ً كما قال ‪) % :‬ويبكي إن نأوا شوقا ً إليهم ‪%‬‬
‫ويبكي إن دنوا خوف الفراق( ‪( : %‬آمنا) بالتوحيد الذاتي إيمانا ً عينيا ً فاجعلنا‬
‫من ‪( :‬الشاهدين) الحاضرين الذين مقامهم الشهود الذاتي واليقين الحقي‪،‬‬
‫وإيمانا ً علميا ً يقينيا ً فاجعلنا مع المعاينين ‪( :‬وما لنا ل نؤمن) إيمانا ً حقيقيا ً‬
‫بذاته وما جاءنا من كلمه أو ل نؤمن بالله جمعا ً ‪( :‬وما جاءنا من‬
‫الحق) تفصيل ً ‪( :‬من القوم الصالحين) الذين استقاموا بالبقاء بعد ‪( :‬جنات‬
‫تجري من تحتها النهار) من التجليات الثلث مع علومها ‪( :‬وذلك جزاء‬
‫المحسنين) المشاهدين للوحدة في عين الكثرة بالستقامة في الله‪( : .‬‬
‫والذين) حجبوا عن الذات ‪( :‬وكذبوا) بآيات الصفات ‪( :‬أولئك‬
‫أصحاب) الحرمان الكلي في جحيم صفات النفوس‪( .‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا) إيمانا ً عمليا ً ‪( :‬ل تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) من مكاشفات‬
‫الحوال وتجليات الصفات بتقصيركم في السلوك ‪( :‬ول تعتدوا) بطغيان‬
‫النفس وظهورها بصفاتها واجعلوا ما رزقكم الله من علوم التجليات‬
‫ومواهب الحوال والمقامات غذاء قلوبكم سائغا ً طيبا ً واجعلوا الله وقاية‬
‫لكم في حصول تلك الكمالت بأن تروها منه وله ل منكم ولكم فتطغوا ‪( :‬إن‬
‫كنتم) موحدين‪( : .‬وأطيعوا الله) بالفناء فيه فتنقادوا فيما يستعملكم فيه‬
‫كالميت ‪( :‬وأطيعوا الرسول) بالبقاء بعد الفناء‪ ،‬فتستقيموا فيه مراعين‬
‫للتفصيل‪ ،‬أحياء بحياته ‪( :‬واحذروا) ظهور البقاء حالة الستقامة ‪( :‬فإن‬
‫توليتم فاعلموا) أن التقصير منكم وما على الرسول إل البلغ ل اللزام‪( : .‬‬
‫ليس على الذين آمنوا) اليمان الغيبي بتوحيد الفعال ‪( :‬وعملوا) بمقتضى‬
‫إيمانهم أعمال ً تخرجهم عن حجب الفعال وتصلحهم لرؤية أفعال الحق‪،‬‬
‫حرج وضيق فيما تمتعوا به من أنواع الحظوظ إذا ما اجتنبوا بقايا أفعالهم‬
‫واتخذوا الله وقاية في صدور الفعال منهم ‪( :‬وآمنوا) بتوحيد الصفات ‪( :‬‬
‫وعملوا) ما يخرجهم عن حجب الصفات ويصلحهم لمشاهدة التجليات اللهية‬
‫بالمحو فيها ‪( :‬ثم اتقوا) بقايا صفاتهم واتخذوا الله وقاية في صدور صفاته‬
‫عليهم ‪( :‬وآمنوا) بتوحيد الذات ‪( :‬ثم اتقوا) بقية ذواتهم واتخذوا الله وقاية‬
‫في وجودهم بالفناء المحض والستهلك في عين الذات وأحسنوا بشهود‬
‫التفصيل في عين الجمع والستقامة في البقاء بعد الفناء ‪( :‬والله يحب‬
‫المحسنين) المشاهدين للوحدة في عين الكثرة‪ ،‬المراعين لحقوق التفاصيل‬
‫في عين الجمع بالوجود الحقاني‪] .‬تفسير سورة المائدة آية ‪( : [94‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا) بالغيب ‪( :‬ليبلونكم الله) حال سلوككم وإحرامكم لزيارة كعبة‬
‫الوصول ‪( :‬بشيء) من الحظوظ يتيسر لكم ويتهيأ ما يتوصل به إليها ‪( :‬‬
‫ليعلم الله) العلم التفصيلي التابع للوقوع الذي يترتب عليه جزاء ‪( :‬من‬
‫يخافه) في حالة الغيبة فإن الخوف ل يكون إل للمؤمنين بالغيب لتعلقه‬
‫بالخطاب الذي هو من باب الفعال‪ .‬وأما في حالة الحضور فأما الخشية‬
‫فبتجلي الربوبية والعظمة‪ ،‬وأما الهيبة فبتجلي الذات‪ .‬فالخوف من صفات‬
‫النفس‪ ،‬والخشية من صفات القلب‪ ،‬والهيبة من صفات الروح ‪( :‬فمن‬
‫اعتدى بعد ذلك) بارتكاب الحظوظ بعد البتلء ‪( :‬فله عذاب) مؤلم للحتجاب‬
‫بفعله عن الشوق‪] .‬تفسير سورة المائدة من آية ‪ 95‬إلى آية ‪( : [96‬ل‬
‫تقتلوا الصيد) ل ترتكبوا الحظوظ النفسانية في حالة الحرام الحقيقي‪،‬‬
‫ومن ارتكبه قصدا ً منه ونية بميل قوى من النفس وانجذاب إليه ل لمر‬
‫اتفاقي أو رعاية خاطر ضيف أو صاحب ‪( :‬جزاء) أي ‪ :‬فحكمه جزاء قهره‬
‫تلك القوة التي ارتكب بها الحظ النفساني من قوى النفس البهيمية بأمر‬
‫يوازي ذلك الحظ ‪( :‬يحكم به ذوا عدل) من العاقلتين النظرية والعملية ‪( :‬‬
‫منكم) أي ‪ :‬من أنفسكم أو من شيوخكم أو من أصحابكم المقدمين‬
‫السابقين يعينان كيفيته وكميته ‪( :‬هديا بالغ الكعبة) الحقيقية‪ ،‬أي ‪ :‬في‬
‫حال كون تلك القوة البهيمية هديا ً بإفنائها في الله إن كان صاحبها من‬
‫القوياء ملبيا ً قادرا ً ‪( :‬أو كفارة) أي ‪ :‬ستر بصدقة أو صيام يزيل ذلك الميل‬
‫ويستر تلك الهيئة عن نفسه أو بإيتاء حق تلك القوة والقتصار عليه دون‬
‫الحظ فإنها مسكينة أو إمساك عن أفعال تلك القوة بقدر ذلك الحظ كيما‬
‫يزول عنها الميل ‪( :‬ليذوق وبال أمره ومن عاد فينتقم الله منه) بالحجب‬
‫والحرمان ‪( :‬والله عزيز) ل يمكن الوصول إلى جنات عزه مع كدورات صفات‬
‫النفس ‪( :‬ذو انتقام) يحجب بهيئة مظلمة وظهور صفة ووجود بقية‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى لنبيه محمد عليه ‪ ' : e‬أنذر الصديقين بأني غيور '‪( : .‬أحل لكم‬
‫صيد) بحر العالم الروحاني من المعارف والمعقولت والحظوظ العلمية في‬
‫إحرام الحضرة اللهية ‪( :‬وطعامه) من العلم النافع الذي هو حق واجب‬
‫تعلمه في المعاملت والخلق تمتيعا ً ‪( :‬لكم) أيها السالكون لطريق الحق ‪( :‬‬
‫وللسيارة) المسافرين لسفر الخرة‪ ،‬المحرزين لرباح النعيم الباقي ‪( :‬‬
‫وحرم عليكم صيد) بر العالم الجسماني من المحسوسات والحظوظ‬
‫النفسانية‪ .‬واجعلوا الله وقاية لكم في سيركم لتسيروا به واجعلوا نفوسكم‬
‫وقاية الله في صدور الشرور المانعة منها وتيقنوا أنكم ‪( :‬إليه‬
‫تحشرون) بالفناء في الذات‪ ،‬فاجتهدوا في السلوك ل تقفوا مع الموانع‬
‫وراء الحجاب‪( .‬جعل الله) كعبة حضرة الجمع ‪( :‬البيت) المحرم من دخول‬
‫الغير فيه كما قيل ‪ :‬جل جناب الحق من أن يكون شريعة لكل وارد‪( : .‬قياما‬
‫للناس) من موتهم الحقيقي وانتعاشا ً لهم به وبحياته وقدرته وسائر‬
‫صفاته ‪( :‬والشهر الحرام) أي ‪ :‬زمان الوصول‪ ،‬وهو زمان الحج الحقيقي‬
‫الذي يحرم ظهور صفات النفس فيه ‪( :‬والهدى) أي ‪ :‬النفس المذبوحة‬
‫بفناء تلك الكعبة ‪( :‬والقلئد) وخصوصا ً النفس القوية‪ ،‬الشريفة‪ ،‬المطيعة‪،‬‬
‫المنقادة‪ ،‬فإن التقرب بها أفضل وشأنها عند البقاء والقيام بالوجود الثاني‬
‫والحياة الحقيقية أرفع ‪( :‬ذلك) أي ‪ :‬جعل تلك الحضرة قياما ً لكم ‪( :‬لتعلموا)‬
‫بعلمه عند القيام به ‪( :‬أن الله يعلم) حقائق الشياء في عالم الغيب‬
‫والشهادة وعلمه محيط بكل شيء إذ ل يمكن إحاطة علمكم بعلمه‪( : .‬‬
‫اعلموا أن الله شديد العقاب) بالحجب لمن ظهر بصفة أو بقية حال الوصول‬
‫أو ضرب بخطأ واشتغل بغير حال السلوك وانتهك حرمة من حرماته ‪( :‬‬
‫غفور) للتلوينات والفترات ‪( :‬رحيم) بهيئة الكمالت والسعادات التي ل يعلم‬
‫قدرها إل هو‪( : .‬وما على الرسول إل) التبليغ ل اليصال ‪( :‬والله‬
‫يعلم) سركم وعلنيتكم ‪( :‬ما تبدون) من العمال والخلق ‪( :‬وما‬
‫تكتمون) من النيات والعلوم والحوال‪ ،‬هل تصلح للتقرب بها إليه ؟ وهل‬
‫تستعدون بها للقائه أم ل ؟‪( .‬قل ل يستوي الخبيث) من النفوس والعمال‬
‫والخلق والموال ‪( :‬والطيب) منها عند الله تعالى‪ ،‬فإن الطيب مقبول‬
‫موجب للقرب والوصول والخبيث منها مردود موجب للبعد والطرد والحرمان‬
‫‪( :‬ولو أعجبك) الخبيث بكثرته ووفوره لمناسبته للنفس ولملءمته لصفاتها‪،‬‬
‫فاجعلوا الله وقاية لكم في الجتناب عن الخبيث واختيار الطيب‪ .‬يأكل من‬
‫له لب أي ‪ :‬عقل خالص عن شوب الوهم ومزج هوى النفس ‪( :‬لعلكم‬
‫تفلحون) بالخلص عن نفوسكم وصفاتها وخبائثها والوصول إلى الله بالفناء‬
‫فيه‪] .‬تفسير سورة المائدة من آية ‪ 109‬إلى آية ‪( : [111‬يوم يجمع الله‬
‫الرسل) في عين الجمع المطلق أو عين جمع الذات ‪( :‬فيقول ماذا) أجابكم‬
‫المم حين دعوتموهم إلي ؟ أي ‪ :‬هل تطلعون على مراتبهم في كمالتهم‬
‫التي توجهوا إليها في متابعتكم ‪( :‬قالوا ل علم لنا) أي ‪ :‬العلم كله لك جمعا ً‬
‫وتفصيل ً ليس لغيرك علم لفناء صفاتنا في صفاتك ‪( :‬إنك أنت علم الغيوب)‬
‫فغيوب بواطننا وبواطنهم كلها علمك ‪( :‬نعمتي عليك) بالهداية الخاصة‬
‫ومقام النبوة والولية ‪( :‬وعلى والدتك) بالتطهير والتزكية والصطفاء ‪( :‬‬
‫تكلم الناس) في مهد البدن ‪( :‬وكهل) بالغا ً إلى نور شيب الكمال بالتجرد‬
‫عن البدن وملبسه ‪( : %‬وإذ علمتك) كتاب الحقائق والمعارف الثابتة في‬
‫اللوح المحفوظ بتأييد روح القدس وحكمة السلوك في الله بتحصيل الخلق‬
‫والحوال والمقامات والتجريد والتفريد‪ ،‬وتوراة العلوم الظاهرة والحكام‬
‫المتعلقة بالفعال وأحوال النفس وصفاتها‪ ،‬وإنجيل العلوم الباطنة من‬
‫علوم تجليات الصفات وأحكامها وأحكام أحوال القلب وصفاته وأعماله‪( : .‬‬
‫وإذ تخلق) من طين العقل الهيولني الذي هو الستعداد المحض بيد التربية‬
‫والحكمة العملية ‪( :‬كهيئة) طير القلوب الطائرة إلى حضرة القدس لتجردها‬
‫عن عالمها وكمالها ‪( :‬بإذني) أي ‪ :‬بعلمي وقدرتي وتيسيري عند تجلي‬
‫صفات حياتي وعلمي وقدرتي لك وإنصافك واستنبائي إياك ‪( :‬فتنفخ‬
‫فيها) من روح الكمال‪ ،‬حياة العلم الحقيقي بالتكميل والضافة ‪( :‬فتكون‬
‫طيرا) نفسا ً مجردة كاملة تطير إلى جناب القدس بجناح العشق ‪( :‬وتبرئ‬
‫الكمه) المحجوب عن نور الحق‪( : .‬والبرص) المعيب بمرض محبة الدنيا‬
‫وغلبة الهوى ‪( :‬وإذ تخرج) موتى الجهل من قبور البدن وأرض النفس ‪( :‬‬
‫بإذني) ‪( :‬وإذ كففت بني إسرائيل) المحجوبين عن نور تجليات الصفات‬
‫الجاهلين المضادين لك لجهلهم بحالك ومقامك ‪( :‬عنك إذ جئتهم‬
‫بالبينات) بالحجج والدلئل الواضحة ‪( :‬فقال الذين) حجبوا ‪( :‬منهم) عن دين‬
‫الحق ‪( :‬إن هذا إل سحر مبين) لحيرتهم فيه‪( : .‬وإذ أوحيت إلى‬
‫الحواريين) أي ‪ :‬ألهمت في قلوبهم النورانيين الذين طهروا نفوسهم بماء‬
‫المنافع والعمال المزكية حتى قبلوا دعوتك لصفاء نفوسهم وأحبوك‬
‫بالرادة التامة لمناسبتهم إياك بنور الفطرة وصفاء الستعداد ‪( :‬أن آمنوا‬
‫بي) إيمانا ً حقيقيا ً بتوحيد الصفات والمحو ‪( :‬وبرسولي) برعاية حقوق‬
‫تجلياتها على التفصيل‪( : .‬قالوا آمنا واشهد) يا إلهنا بعلمك الشامل المحيط‬
‫بالكل أننا منقادون لك مسلمين وجودات صفاتنا إليك‪] .‬تفسير سورة‬
‫المائدة من آية ‪ 112‬إلى آية ‪( : [115‬إذ قال الحواريون) إذ اقترح عليك‬
‫أصحابك فقالوا ‪( :‬هل يستطيع ربك) أي ‪ :‬شاهدك من عالم الربوبية‪ ،‬فإن‬
‫رب كل واحد هو السم الذي يربه ويكمله ول يعبد أحد إل ما عرفه من عالم‬
‫الربوبية ول عرف إل ما بلغ إليه من المرتبة في اللوهية فيستفيض منه‬
‫العلوم ويستنزل منه البركات ويستمد منه المدد الروحاني‪ ،‬ولهذا قالوا مع‬
‫إقرارهم وإسلمهم ‪ :‬ربك‪ ،‬ولم يقولوا ‪ :‬ربنا‪ ،‬لن ربهم ل يستطيع ‪( :‬أن‬
‫ينزل علينا مائدة من السماء) شريعة من سماء عالم الروح تشتمل على‬
‫أنواع العلوم والحكم والمعارف والحكام فيها غذاء القلوب وقوت النفوس‬
‫وحياتها وذوقها ‪( :‬قال اتقوا الله) احذروه في ظهور صفات نفوسكم‬
‫واجعلوه وقاية لكم فيما يصدر عنكم من الخلق والفعال تنجوا من تبعاتها‬
‫وتفوزوا وتفلحوا إن تحقق إيمانكم فل حاجة بكم إلى شريعة جديدة‪( : .‬‬
‫قالوا نريد أن) نستفيد ‪( :‬منها) ونعمل بها ونتقوى بها ‪( :‬وتطمئن‬
‫قلوبنا) فإن العلم غذاء القلب وقوته ‪( :‬ونعلم) صدقك في الخبار عن ربك‬
‫ونبوتك ووليتك بها وفيها ‪( :‬ونكون عليها من الشاهدين) الحاضرين أهل‬
‫العلم نخبر بها من عدانا من الغائبين ونعلمهم وندعوهم بها إلى الله ‪( :‬‬
‫تكون لنا عيدا ً لولنا وآخرنا) أمرا ً أي ‪ :‬شرعا ً ودينا ً يعود إليه من في زماننا‬
‫من أهل ديننا ومن بعدنا ممن سيوجد من النصارى ‪( :‬وآية منك) علمة‬
‫وعلما ً منك تعرف بها وتعبد ‪( :‬وارزقنا) ذلك الشرع والعلم النافع‬
‫والهداية ‪( :‬وأنت خير الرازقين) ل ترزق إل ما ينفعنا ويكون صلحنا فيه ‪( :‬‬
‫فمن يكفر) يحتجب عن ذلك الدين بعد إنزاله ووضوحه ‪( :‬فإني أعذبه عذابا ً‬
‫ل أعذبه أحدا ً من العالمين) لبيان الطريق ووضوح الدين والحجة مع وجود‬
‫استعدادهم فل ينكرونه إل معاندين والعذاب مع العلم أشد من العذاب من‬
‫الجهل‪ ،‬إذ الشعور بالمحجوب عنه يوجب شدة اليلم‪] .‬تفسير سورة المائدة‬
‫من آية ‪ 116‬إلى آية ‪( : [120‬أأنت) دعوت الناس إلى نفسك وأمك أو إلى‬
‫مقام قلبك ونفسك فإن من بقي فيه وجود النائية وبقية النفس والهوى‪،‬‬
‫أو كان فيه تلوين بوجود القلب وظهوره بصفته يدعو الخلق إما إلى مقام‬
‫نفسه وإما إلى مقام قلبه ل إلى الحق ‪( :‬قال سبحانك) تنزيه لله عن‬
‫الشريك وتبرئة له عن وجود البقية ‪( :‬ما يكون لي أن أقول ما ليس لي‬
‫بحق) فإني ل وجود لي بالحقيقة فل ينبغي ول يصح أن أقول قول ً ليس لي‬
‫ذلك القول بالحقيقة‪ ،‬فإن القول والفعل والصفة والوجود كلها لك ‪( :‬إن‬
‫كنت قلته فقد علمته) أي ‪ :‬إن كان صدر مني قول فعن علمك ول وجود لما‬
‫ل تعلم وما وجد بعلمك وجد ‪( :‬تعلم ما في نفسي) لحاطتك بالكل‪ ،‬فعلمي‬
‫بعض علمك ‪( :‬ول أعلم ما في نفسك) أي ‪ :‬ذاتك لني ل أحيط بالكل ‪( :‬ما‬
‫قلت لهم) وما أمرتهم إل ما كلفتني قوله وألزمتني إياه ‪( :‬أن اعبدوا الله‬
‫ربي وربكم) أي ‪ :‬ما دعوتهم إل إلى الجمع في صورة التفصيل وهو الذي‬
‫نسبة ربوبيته إلى الكل سواء فغلطوا فما رأوه إل في بعض التفاصيل لضيق‬
‫وعائهم ‪( :‬وكنت عليهم شهيدا) رقيبا ً حاضرا ً أراعيهم وأعلمهم ‪( :‬ما دمت‬
‫فيهم) أي ‪ :‬ما بقي مني وجود بقية ‪( :‬فلما توفيتني) أفنيتني بالكلية بك ‪( :‬‬
‫كنت أنت الرقيب عليهم) لفنائي فيك ‪( :‬وأنت على كل شيء شهيد) حاضر‪،‬‬
‫يوجد بك‪ ،‬وإل لم يكن ذلك الشيء‪( : .‬إن تعذبهم) بإدامة الحجاب ‪( :‬فإنهم‬
‫عبادك) أحقاء بالحجب والحرمان وأنت أولى بهم تفعل بهم ما تشاء ‪( :‬وإن‬
‫تغفر لهم) برفع الحجاب ‪( :‬فإنك أنت العزيز) القوي القادر على ذلك ل‬
‫تزول عزتك بتقريبهم ورفع حجابهم ‪( :‬الحكيم) تفعل ما تفعله من التعذيب‬
‫بالحجب والحرمان والتقريب باللطف والغفران بحكمتك البالغة ‪( :‬هذا‬
‫يوم) نفع صدقك إياك‪ ،‬وصدق كل صادق لكونه خميرة الكمالت وخاصية‬
‫الملكوت ‪( :‬لهم جنات) الصفات بدليل ثمرة الرضوان فإن الرضا ل يكون إل‬
‫بفناء الرادة ول تفنى إرادتهم إل إذا غلبت إرادة الله عليهم فأفنتها‪ ،‬ولهذا‬
‫قدم رضوان الله عنهم على رضوانهم عنه‪ ،‬أي ‪ :‬لما أرادهم الله تعالى في‬
‫الزل بمظهرية إرادته ومحل رضوانه ورضي بهم محل ً وأهل ً لذلك سلب‬
‫عنهم إرادتهم بأن جعل إرادته مكانها وأبدلهم بها فرضي عنهم وأرضاهم ‪( :‬‬
‫ذلك الفوز العظيم) أي ‪ :‬الفلح العظيم الشأن ولو كان فناء الذات لكان‬
‫الفوز الكبر والفلح العظم‪ .‬له ما في العالم العلوي والسفلي باطنه‬
‫وظاهره ‪( :‬وما فيهن) أسماؤه وصفاته وأفعاله ‪( :‬وهو على كل شيء قدير)‬
‫إن شاء أفنى بظهور ذاته‪ ،‬وإن شاء أوجد بتستره بأسمائه وصفاته‪.‬‬

‫)سورة النعام(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم(‬

‫تفسير سورة النعام من آية ‪ 1‬إلى آية ‪( : [8‬الحمد لله الذي خلق السماوات‬
‫والرض) ظهور الكمالت‪ ،‬وصفات الجمال والجلل على مظاهر تفاصيل‬
‫الموجودات بأسرها الذي هو كمال الكل‪ .‬والحمد المطلق مخصوص بالذات‬
‫اللهية الجامعة لجميع صفاتها وأسمائها باعتبار البداية الذي أوجد سموات‬
‫عالم الرواح وأرض عالم الجسم وأنشأ في عالم الجسم ظلمات مراتبه‬
‫التي هي حجب ظلمانية لذاته وفي عالم الرواح نور العلم والدراك ‪( :‬‬
‫ثم) أي ‪ :‬بعد ظهور هذه اليات ‪( :‬الذين كفروا) حجبوا مطلقا ً ‪( :‬بربهم‬
‫يعدلون) غيره يثبتون موجودا ً يساويه في الوجود ‪( :‬هو الذي خلقكم من‬
‫طين) المادة الهيولنية ‪( :‬ثم قضى أجل) مطلقا ً غير معين بوقت وهيئة‪ ،‬لن‬
‫أحكام القضاء الثابت الذي هو أم الكتاب كلية منزهة عن الزمان‪ ،‬متعالية عن‬
‫المشخصات إذ محلها الروح الولى المقدس عن التعلق بالمحل‪ ،‬فهو الجل‬
‫الذي يقتضيه الستعداد طبعا ً بحسب هويته المسمى أجل ً طبيعيا ً بالنظر إلى‬
‫نفس ذلك المزاج الخاص والتركيب المخصوص بل اعتبار عارض من‬
‫العوارض الزمانية ‪( :‬وأجل مسمى) معين ‪( :‬عنده) هو الجل المقدر‬
‫الزماني الذي يجب وقوعه عند اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع المثبت في‬
‫كتاب النفس الفلكية التي هي لوح القدر المقارن لوقت معين ملزما ً له‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪( : :‬فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساعة ول‬
‫يستقدمون) ]العراف‪ ،‬الية ‪( : .[34 :‬ثم أنتم) بعدما علمتم قدرته على‬
‫إبدائكم وإفنائكم وإحاطة علمه بكم تشكون فيه وفي قدرته‪ ،‬فتتبتلون‬
‫لغيره تأثيرا ً وقدرة‪( : .‬وهو الله) في صورة الكل سواء ألوهيته بالنسبة إلى‬
‫العالم العلوي والسفلي ‪( :‬يعلم سركم) في عالم الرواح الذي هو عالم‬
‫الغيب ‪( :‬وجهركم) في عالم الجسام الذي هو عالم الشهادة ‪( :‬ويعلم ما‬
‫تكسبون) فيهما من العلوم والعقائد والحوال والحركات والسكنات‬
‫والعمال صحيحها وفاسدها‪ ،‬صوابها وخطئها‪ ،‬خيرها وشرها‪ ،‬فيجازيكم‬
‫بحسبها‪] .‬تفسير سورة النعام من آية ‪ 9‬إلى آية ‪( : [17‬ولو‬
‫جعلناه) الرسول ‪( :‬ملكا لجعلناه رجل) أي ‪ :‬لجسدناه لن الملك نور غير‬
‫مرئي بالبصر وهم ظاهريون ل يدركون إل ما كان محسوسا ً وكل محسوس‬
‫فهو جسم أو جسماني ول صورة تناسب الملك الذي ينطبق بالحق حتى‬
‫يتجسد فيها إل الصورة النسانية‪ ،‬إما لكونه نفسا ً ناطقة تقتضي هذه‬
‫الصورة وإما لوجوب وجود الجنسية التي لو لم تكن لما أمكنهم السماع منه‬
‫وأخذ القول ‪( :‬كتب على نفسه الرحمة) أي ‪ :‬ألزم ذاته من حيث هي إفاضة‬
‫الخير والكمال بحسب استعداد القوابل فما من مستحق لرحمة وجود أو‬
‫كمال إل أعطاه عند حصول استحقاقه لها‪( : .‬ليجمعنكم إلى يوم‬
‫القيامة) الصغرى والعادة أو الكبرى في عين الجمع المطلق ‪( :‬ل ريب فيه)‬
‫في كل واحد من الجمعين في نفس المر عند التحقيق‪ ،‬وإن لم يشعر به‬
‫المحجوبون وهم ‪( :‬الذين خسروا أنفسهم) بإهلكها في الشهوات واللذات‬
‫الفانية ومحبة ما يفنى سريعا ً من حطام الدنيا‪ ،‬وكل محب لشيء فهو‬
‫محشور فيه‪ .‬فهؤلء لمحبتهم إياها واحتجابهم بها عموا عن الحقائق الباقية‬
‫النورانية واستبدلوا بها المحسوسات الفانية الظلمانية ‪( :‬فهم ل‬
‫يؤمنون) ‪( :‬قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم) قال ذلك مع قوله ‪( : :‬ثم‬
‫أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) ]النحل‪ ،‬الية ‪ ،[123 :‬وكذلك قال‬
‫موسى ‪( : :‬سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) ]العراف‪ ،‬الية ‪[143 :‬‬
‫لن مراتب الرواح مختلفة في القرب والبعد من الهوية اللهية‪ .‬وكل من‬
‫كان أبعد فإيمانه بواسطة من تقدمه في الرتبة‪ ،‬وأهل الوحدة كلهم في‬
‫المرتبة اللهية أهل الصف الول فكان إيمانهم بل واسطة وإيمان غيرهم‬
‫بواسطتهم القدم فالقدم‪ ،‬وكل من كان إيمانه بل واسطة فهو أول من‬
‫آمن وإن كان متأخر الوجود بحسب الزمان كما قال النبي عليه ‪ ' : e‬نحن‬
‫الخرون السابقون '‪ .‬فل يقدح اتباعه لملة إبراهيم في سابقيته لن معنى‬
‫التباع هو السير في طريق التوحيد مثل سيره في الزمان الول‪ .‬ومعنى‬
‫أوليته كونه في الصف الول مع السابقين‪] .‬تفسير سورة النعام من آية‬
‫‪ 18‬إلى آية ‪( : [21‬وهو القاهر فوق عباده) بإفنائهم ذاتا ً وصفة وفعل ً بذاته‬
‫وصفاته وأفعاله‪ ،‬فيكون قهره عين لطفه كما لطف بهم بإيجادهم‬
‫وتمكينهم وإقدارهم على أنواع التمتعات وهيأ لهم ما أرادوا من أنواع النعم‬
‫والمشتهيات فحجبوا بها عنه وذلك عين قهره‪ .‬فسبحان الذي اتسعت رحمته‬
‫لوليائه في شدة نقمته واشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته ‪( :‬وهو‬
‫الحكيم) يفعل ما يفعل من القهر الظاهر المتضمن للطف الواسع أو‬
‫اللطف الظاهر المتضمن للقهر الكامل بالحكمة ‪( :‬الخبير) الذي يطلع على‬
‫خفايا أحوالهم واستحقاقها للطف والقهر ‪( :‬ومن أظلم ممن افترى على‬
‫الله كذبا) بإثبات وجود غيره ‪( :‬أو كذب) بصفاته بإظهار صفات نفسه‪،‬‬
‫فأشرك به‪ .‬وغاية الظلم الشرك بالله ‪( :‬إنه ل يفلح الظالمون) لحتجابهم‬
‫بما وضعوه في موضع ذات الله وصفاته‪( .‬ويوم نحشرهم جميعا) في عين‬
‫جمع الذات ‪( :‬ثم نقول للذين أشركوا) بإثبات الغير ‪( :‬أين شركائي الذين‬
‫كنتم تزعمون) لفناء الكل في التجلي الذاتي ‪( :‬ثم لم تكن) عند تجلية الحال‬
‫وبروز الكل للملك القهار نهاية شركهم وعاقبته ‪( :‬إل أن قالوا والله ربنا ما‬
‫كنا مشركين) لمتناع وجود شيء نشركه بالله‪( : .‬انظر كيف كذبوا على‬
‫أنفسهم) بافتراء الوجود والصفات لها وضاع ‪( :‬عنهم ما كانوا يفترون) فلم‬
‫يجدوه شيئا ً بل وجدوه ل شيء سوى المفتري أو كذبوا على أنفسهم بنفي‬
‫الشرك عنها مع رسوخ ذلك العتقاد فيها‪( : .‬ولو ترى إذ وقفوا على) نار‬
‫الحرمان والتعذب بهيآت نفوسهم المظلمة واستيلء صور المفتريات عليهم‬
‫في العذاب ‪( :‬فقالوا يا ليتنا نرد ول نكذب بآيات ربنا) من تجليات صفاته ‪( :‬‬
‫ونكون من المؤمنين) الموحدين‪ ،‬لكان ما ل يدخل تحت الوصف ‪( :‬بل‬
‫بدا) ظهر ‪( :‬لهم ما كانوا يخفون) من العقائد الفاسدة والصفات المهلكة‬
‫والهيآت المظلمة ببروزهم لله وانقلب باطنهم ظاهرًا‪ ،‬فتعذبوا به ‪( :‬ولو‬
‫ردوا لعادوا لما نهوا عنه) لرسوخ تلك العتقادات والملكات فيهم ‪( :‬وإنهم‬
‫لكاذبون) في الدنيا والخرة لكون الكذب ملكة راسخة فيهم‪] .‬تفسير سورة‬
‫النعام آية ‪( : [30‬ولو ترى إذ وقفوا على ربهم) في القيامة الكبرى وهو‬
‫تصوير لحالهم في الحتجاب والبعد وإل لم يكن ثم قول ول جواب‪،‬‬
‫لحرمانهم عن الحضور والشهود‪ ،‬وإن كانوا في عين الجمع المطلق‪ .‬واعلم‬
‫أن الوقف على الشيء غير الوقوف معه‪ ،‬فإن الوقوف مع الشيء يكون‬
‫طوعا ً ورغبة‪ ،‬والوقف على الشيء ل يكون إل كرها ً ونفرة‪ ،‬فمن وقف مع‬
‫الله بالتوحيد كمن قال ‪) % :‬وقف الهوى من حيث أنت فليس ‪ %‬لي متأخر‬
‫عنه ول متقدم( ‪ %‬ل يوقف للحساب‪ ،‬بل هو من أهل الفوز الكبر الذين‬
‫قال فيهم ‪( : :‬واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي‬
‫يريدون وجهه) ]الكهف‪ ،‬الية ‪( : ،[28 :‬ما عليك من حسابهم من‬
‫شيء) ]النعام‪ ،‬الية ‪ [52 :‬ويثاب بأنواع النعيم في الجنان كلها‪ .‬ومن وقف‬
‫مع الغير بالشرك وقف على الرب وعذب بجميع أنواع العذاب في مراتب‬
‫النيران كلها‪ ،‬لكون حجابه أغلظ وكفره أعظم‪ .‬ومن وقف مع الناسوت‬
‫بمحبة اللذات والشهوات‪ ،‬ولبث في حجاب الثار وقف على الملكوت وعذب‬
‫بنيران الحرمان عن المراد‪ ،‬وسلط عليه زبانية الهيآت المظلمة‪ ،‬وقرن‬
‫بشياطين الهواء المردية‪ .‬ومن وقف مع الفعال وخرج عن حجاب الثار‪،‬‬
‫وقف على الجبروت‪ ،‬وعذب بنار الطمع والرجاء‪ ،‬ورد إلى مقام الملكوت‪.‬‬
‫ومن وقف مع الصفات وخرج عن حجاب الفعال‪ ،‬وقف على الذات‪ ،‬وعذب‬
‫بنار الشوق في الهجران وإن كان من أهل الرضا وهذا الموقف ليس هو‬
‫الموقف على الرب‪ ،‬فإن الموقوف على الذات يعرف ربه الموصوف بصفات‬
‫اللطف كالرحيم‪ ،‬والرؤوف‪ ،‬والكريم‪ ،‬دون الموقوف على الرب فهو حجاب‬
‫النية كما أن الواقف مع الفعال في حجاب أوصافه‪ ،‬والواقف مع الناسوت‬
‫في حجاب أفعاله التي هي من جملة الثار‪ .‬فالمشرك موقوف في المواقف‬
‫الربعة أول ً على الرب فيحجب بالبعد والطرد‪ ،‬كما قال ‪( : :‬اخسئوا فيها ول‬
‫تكلمون) ]المؤمنون‪ ،‬الية ‪ ،[108 :‬وقال ‪( : :‬فذوقوا العذاب بما كنتم‬
‫تكفرون) ]آل عمران‪ ،‬الية ‪ ،[106 :‬ثم على الجبروت فيطرد بالسخط‬
‫والقهر كما قال ‪( : :‬ول يكلمهم الله ول ينظر إليهم) ]آل عمران‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ ،[77‬ثم على الملكوت فيزجر بالغضب واللعن كما قيل ‪( : :‬ادخلوا أبواب‬
‫جهنم) ]الزمر‪ ،‬الية ‪ [72 :‬ثم على النار‪ ،‬فيعذب بأنواع النيران أبدًا‪ ،‬كما قال‬
‫على لسان مالك ‪( : :‬إنكم ماكثون) ]الزخرف‪ ،‬الية ‪ ،[77 :‬فيكون وقفه‬
‫على النار متأخرا ً عن وقفه على الرب‪ ،‬معلول ً منه‪ ،‬كما قال ‪( : :‬ثم إلينا‬
‫مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) ]يونس‪ ،‬الية ‪.[70 :‬‬
‫وأما الواقف مع الناسوت فيقف للحساب على الملكوت ثم على النار‪ ،‬وقد‬
‫ينحى لعدم السخط وقد ل ينحى لوجوده‪ .‬والواقف مع الفعال ل يوقف‬
‫ل‪ ،‬بل يحاسب ويدخل الجنة‪ .‬وأما الواقف مع الصفات فهو من‬ ‫على النار أص ً‬
‫الذين ‪t( : :‬م ورضوا عنه) ]المائدة‪ ،‬الية ‪ [119 :‬والله أعلم بحقائق‬
‫المور‪( .‬قد خسر الذين) المحجوبون المكذبون بلقاء الحق ‪( :‬حتى إذا‬
‫جاءتهم) القيامة الصغرى ندموا على تفريطهم فيها ‪( :‬وهم يحملون‬
‫أوزارهم) من أعباء التعلقات‪ ،‬وأفعال محبة الجسمانيات‪ ،‬ووبال السيئات‪،‬‬
‫وآثام هيآت الحسيات ‪( :‬على ظهورهم) أي ‪ :‬ارتكبتهم واستولت عليهم‬
‫للرسوخ في نفوسهم فحجبتهم وعذبتهم وثبطتهم عما أرادوا ‪( :‬وما الحياة‬
‫الدنيا) أي ‪ :‬الحياة الحسية‪ ،‬لن المحسوس أدنى إلى الخلق من المعقول ‪( :‬‬
‫إل لعب) أي ‪ :‬إل شيء ل أصل له ول حقيقة سريع الفناء والنقضاء ‪( :‬‬
‫وللدار الخرة) أي ‪ :‬عالم الروحانيات ‪( :‬خير للذين) يتجردون عن ملبس‬
‫الصفات البشرية واللذات البدنية ‪( :‬أفل تعقلون) حتى تختاروا الشرف‬
‫الطيب على الخس الدون الفاني‪( : .‬قد نعلم إنه ليحزنك) عتاب لرسول‬
‫الله ‪ e‬بظهور نفسه بصفة الحزن ‪( :‬ل يكذبونك) إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬ليس‬
‫إنكارهم تكذيبك لنك لست في هذه الدعوة قائما ً بنفسك ول هذا الكلم‬
‫صفة لك‪ ،‬بل تدعوهم بالله وصفاته وهذه عادة قديمة‪] .‬تفسير سورة‬
‫النعام من آية ‪ 34‬إلى آية ‪( : [38‬ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا) بالله‪،‬‬
‫سله بالله بعدما عاتبه لئل يبقى في التلوين ول يتأسف بعد ذهابه عليه‬
‫فيقع في القبض بل يطمئن قلبه‪ ،‬ولهذا عقبه بقوله ‪( : :‬ول مبدل لكلمات‬
‫الله) أي ‪ :‬صفات الله التي يتجلى بها لعباده ول تتغير ول تتبدل بإنكار‬
‫المنكرين ول يمكنهم تبديلها‪ .‬ونفى عنه القدرة وعجزه بقوله ‪( : :‬وإن كان‬
‫كبر عليك إعراضهم فإن استطعت) إلى آخره‪ ،‬لئل تظهر نفسه بصفاتها ‪( :‬‬
‫فل تكونن من الجاهلين) الذين ل يطلعون على حكمة تفاوت الستعدادات‪،‬‬
‫فتتأسف على احتجاب من احتجب‪ .‬فإن المشيئة اللهية اقتضت هداية بعض‬
‫وحرمان بعض لحكمة ترتب النظام وظهور الكمالت الظاهرة والباطنة‪ ،‬فل‬
‫يستجيب إل من فتح الله سمع قلبه بالهداية الصلية ووهب له الحياة‬
‫الحقيقية بصفات الستعداد ونور الفطرة‪ ،‬ل موتى الجهل الذين ماتت‬
‫غريزتهم بالجهل المركب أو بالحجب الجبلية‪ ،‬أو لم يكن لهم استعداد بحسب‬
‫الفطرة فإنهم ل يمكنهم السماع‪ ،‬بل ‪( : :‬يبعثهم الله) بالعادة في النشأة‬
‫الثانية ‪( :‬ثم إليه يرجعون) في عين الجمع المطلق للجزاء أو المكافأة مع‬
‫احتجابهم‪ .‬وقد يمكن رفع الحجب في الخرة للفريق الثاني دون الباقين ‪( :‬‬
‫ولكن أكثرهم ل يعلمون) نزول اليات‪ ،‬فإن ظهور كل صفة من صفاته على‬
‫كل مظهر من مظاهر الكوان آية له يعرفه بها أهل العلم‪( : .‬وما من دابة‬
‫في الرض) إلى آخره‪ ،‬يمكن حمله على المسخ أي ‪ :‬أمم أمثالكم في‬
‫الحتجاب والعتداء وارتكاب الرذائل كأصحاب السبت الذين مسخوا قردة‬
‫وخنازير ‪( :‬ما فرطنا) ما قصرنا في كتابهم الذي فيه صور أعمالهم وهو‬
‫صحيفة النفس الفلكية أو صحيفة نيتهم التي ثبتت فيها صور أعمالهم ‪( :‬ثم‬
‫إلى ربهم يحشرون) للجزاء‪ ،‬محجوبين في عين الجمع المطلق‪ .‬والظاهر أن‬
‫المراد أنهم أمم أمثالكم مربوبون بما احتاجوا إليه من معايشهم‪ ،‬مكفيون‬
‫مؤنتهم بتقدير من الله وحكمه‪ .‬ما قصرنا في كتاب اللوح المحفوظ من‬
‫شيء يصلحهم بل أثبتنا فيه أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وكل ما احتاجوا‬
‫إليه‪( : ،‬ثم إلى ربهم يحشرون) لجزاء أعمالهم كما هو مروي في الحديث‬
‫من حشر الوحوش‪ ،‬وقصاص العمال بينهم‪ ،‬وكل واحدة منها آية لكم تعرف‬
‫بها أحوالكم وأرزاقكم وآجالكم وأعمالكم‪ ،‬فاعتبروا بها ول تصرفوا هممكم‬
‫ومساعيكم في طلب الرزق وإصلح الحياة الدنيا فتخسروا أنفسكم‬
‫وتضروها وتشقوا بها في آخرتكم‪.‬‬
‫(والذين كذبوا) بتجليات صفاتنا لحتجابهم بغواشي صفات نفوسهم ‪( :‬‬
‫صم) بآذان القلوب فل يسمعون كلم الحق ‪( :‬وبكم) بألسنتها التي هي‬
‫العقول فل ينطقون بالحق في ظلمات صفات نفوسهم وجلبيب أبدانهم‬
‫وغشاوات طبائعهم كالدواب‪ ،‬فكيف يصدقونك وما هداهم الله لذلك‬
‫بالتوفيق ‪( :‬من يشإ الله يضلله) بإسبال حجب جلله ‪( :‬ومن يشأ يجعله على‬
‫صراط مستقيم) بإشراق نور وجهه وسبحات جماله ‪( :‬قل أرأيتكم) إلى‬
‫آخره‪ ،‬أي ‪ :‬كل مشرك عند وقوعه في العذاب أو عند حضور الموت إن‬
‫فسرنا الساعة بالقيامة الصغرى أو رفع الحجاب بالهداية الحقانية إلى‬
‫التوحيد الحقيقي‪ ،‬إن فسرناها بالقيامة الكبرى يتبرأ عن حول من أشركه‬
‫بالله وقوته ويتحقق أن ل حول ول قوة إل بالله ول يدعو إل الله‪ ،‬وينسى‬
‫كل من تمسك به وأشركه بالله من الوسائل‪ ،‬ولهذا قيل ‪ :‬البلء سوط من‬
‫سياط الله‪ ،‬يسوق عباده‪ .‬أما ترى كيف عقب كلمه بمقارنة الخذ بالبأساء‬
‫والضراء بإرسال الرسل‪ .‬لعل تضاعف أسباب اللطف‪ ،‬كقود النبياء وسوق‬
‫العذاب‪ ،‬يزعجهم عن مقار نفوسهم ويكسر سورتها وشدة شكيمتها‪،‬‬
‫فيطيعوا ويبرزوا من الحجاب وينقادوا متضرعين عند تجلي صفة القهر‬
‫وتأثيرها فيهم‪ ،‬ثم بين أنهم ما تضرعوا لقساوة قلوبهم بكثافة الحجاب‬
‫وغلبة غش الهوى وحب الدنيا وميل اللذات الجسمانية‪] .‬تفسير سورة‬
‫النعام من آية ‪ 51‬إلى آية ‪( : [53‬وأنذر به الذين يخافون) أي ‪ :‬أنذر بما‬
‫أوحي إليك المستعدين الذين هم أهل الخوف والرجاء‪ ،‬وأعرض عن الذين‬
‫قست قلوبهم فإنه ل ينجع فيهم كما قال في أول الكتاب ‪( : :‬هدى‬
‫للمتقين) ]البقرة‪ ،‬الية ‪( : .[2 :‬أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه‬
‫ولي ول شفيع) أي ‪ :‬يعلمون بصفاء استعدادهم أنه ل بد من الرجوع إلى‬
‫الله‪ ،‬فيخافون أن يحشروا إليه في حال كونهم محجوبين عنه بحجب‬
‫صفاتهم وأفعالهم ل ولي ينصرهم غير الله فينقذهم من ذلة البعد وعذاب‬
‫الحرمان‪ ،‬ول شفيع يشفع لهم فيقربهم منه‪ ،‬ويكرمهم لفناء الذوات والقدر‬
‫كلها في الله‪ ،‬وقهره إياهم‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬يوم هم بارزون ل يخفى‬
‫على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ‪] )16‬غافر‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ ،[16‬فيتعظون بسماعهم له ويحدث فيهم الرجاء فيشمرون في السلوك‬
‫بالجد والجتهاد ‪( :‬لعلهم يتقون) لكي يحذروا حجب أفعالهم وصفاتهم‬
‫وذواتهم‪ ،‬ويتجردوا عنها بالمحو والفناء في الله‪ ،‬ويتجه أن يكون الولي‬
‫القلب‪ ،‬والشفيع الروح‪ ،‬أي ‪ :‬لم يصلوا إلى مقام القلب الذي هو ولي‬
‫النفس فينقذها من العذاب وينصرها من الحرمان‪ ،‬ول إلى مقام الروح‬
‫فتشفع لهم بإمداد مدد القرب لها واستمدادها من الله وتتوسل بينهم وبين‬
‫الله‪( : .‬ول تطرد الذين يدعون) أي ‪ :‬ل تزجرهم به‪ ،‬وهم أهل الوحدة‬
‫الكاملون الواصلون‪ ،‬فإن النذار كما ل ينجع في الذين قست قلوبهم ل‬
‫ينفع في الذين طاشت قلوبهم في الله وتلشت ‪( :‬ربهم بالغداة‬
‫والعشي) أي ‪ :‬يخصونه بالعبادة دائما ً بحضور القلب وشهود الروح وتوجه‬
‫السر إليه‪ ،‬ل يريدون بالعبادة إل ذاته بالمحبة الزلية ل يجعلون عبادتهم‬
‫معللة بغرض من توقع ثواب جنة أو خوف عقاب أو نقمة‪ ،‬ول يريدونه بمحبة‬
‫الصفات فتتغير إرادتهم باختلف تجلياتها ول يستحلون توسيط ذاته في‬
‫مقصد أو مطلب بل شاهدوا فناء الوسائط والوسائل فيه ولم يبق في‬
‫شهودهم شيء يقع نظرهم عليه حتى ذواتهم ‪( :‬ما عليك من‬
‫حسابهم) فيما يعملون من شيء‪ ،‬أي ‪ :‬ل واسطة بينهم وبين ربهم من ملك‬
‫أو نبي فلست من دعوتهم إلى طاعة أو إلى جهاد أو إلى غير ذلك في شيء‬
‫فحسابهم على الله إذ عملهم ليس إل بالله وفي الله ‪( :‬وما من حسابك‬
‫عليهم من شيء) أي ‪ :‬ل يخوضون في أمور دعوتك بنصر وإعانة للسلم ول‬
‫يدفع وقمع للكفر لشتغالهم بالله عما سواه ودوام حضورهم كما قال‬
‫تعالى ‪( : :‬الذين هم على صلتهم دائمون) ]المعارج‪ ،‬الية ‪ [23 :‬ل يعنيهم‬
‫شأن من أمرك ونبوتك ‪( :‬فتطردهم) عما هم عليه من دوام الحضور‬
‫بإنهاضهم لشغل ديني أو مصلحة أو تشوش وقتهم وجمعيتهم ‪( :‬فتكون من‬
‫الظالمين) ‪( :‬وكذلك فتنا) أي ‪ :‬مثل ذلك الفتن والبتلء العظيم فتنا ً ‪( :‬‬
‫بعضهم) وهم المحجوبون بالبعض‪ ،‬فإن المحجوبين لما لم يروا منهم إل‬
‫صورتهم وسوء حالهم في الظاهر وفقرهم ومسكنتهم‪ ،‬ولم يروا قدرهم‬
‫ومرتبتهم وحسن حالهم في الباطن‪ ،‬استحقروهم وازدرتهم أعينهم‬
‫بالنسبة إلى ما هم فيه من المال والجاه والتنعم وخفض العيش فقالوا‬
‫فيهم ‪( : :‬أهؤلء من الله عليهم من بيننا) بالهداية استخفافا ً وهم والله‬
‫ل‪ ،‬العظمون قدرا ً ورتبة عند الله وعند‬ ‫الطيبون عيشًا‪ ،‬الرفعون حال ً ومنز ً‬
‫من يعرفهم كما قال نوح ‪( :‬ول أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله‬
‫خيرا) ]هود‪ ،‬الية ‪ [31 :‬بل الخير كل الخير ما آتاهم الله ‪( :‬أليس الله بأعلم‬
‫بالشاكرين) الذين يشكرونه بالحقيقة باستعمال نعمة وجودهم وصفاتهم‬
‫وجوارحهم وما يقوم به من أرزاقهم ومعايشهم في طاعة الله فشكروه‬
‫بإزاء النعمة الخارجية بالعبادة وتصورها من المنعم وصرفها في مراضي‬
‫الله‪ ،‬وبإزاء نعمة الجوارح باستعمالها في عبادته وسلوك طريقه وتحصيل‬
‫معرفته ومعرفة صفاته‪ ،‬وبإزاء نعمة الصفات بمحوها في الله والعتراف‬
‫بالعجز عن معرفته وشكره وعبادته‪ ،‬وبإزاء نعمة الوجود بالفناء في عين‬
‫الشهود حتى شكر الله سعيهم بالوجود الموهوب الحقاني‪ ،‬وعلمهم أنه‬
‫الشاكر المشكور لنفسه بنفسه‪ ،‬ل يقدر على شكره أحد إل هو‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫سبحانك ما عرفناك حق معرفتك‪ ،‬سبحانك ما عبدناك حق عبادتك‪ ،‬وذلك هو‬
‫علمه بشكرهم وجزاؤه منه‪] .‬تفسير سورة النعام من آية ‪ 54‬إلى آية‬
‫‪( : [58‬وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا) بمحو صفاتهم ‪( :‬فقل سلم‬
‫عليكم) لتنزهكم عن عيوب صفاتكم وتجردكم عن ملبسها ‪( :‬كتب ربكم‬
‫على نفسه الرحمة) ألزم ذاته إبدال صفاتكم بصفاته رحمة لكم‪ ،‬لن في‬
‫الله خلفا ً عن كل ما فات ‪( :‬أنه من عمل منكم سوءا بجهالة) أي ‪ :‬ظهر عليه‬
‫في تلوينه صفة من صفاته بغيبة وغفلة‪ ،‬ثم رجع عن تلوينه من بعد ظهور‬
‫تلك الصفة وفاء إلى الحضور فعرفها وقمعها بالنابة إلى الله والتضرع بين‬
‫يديه والرياضة ‪( :‬فأنه غفور) يسترها عنه ‪( :‬رحيم) يرحمه بهبة التمكين‬
‫ونعمة الستقامة‪( : .‬وكذلك نفصل اليات) أي ‪ :‬مثل ذلك التبيين الذي بينا‬
‫لهؤلء المؤمنين نبين لك صفاتنا ‪( :‬ولتستبين سبيل) المحجوبين بصفاتهم‬
‫الذين يفعلون ما يفعلون بها وذلك إجرامهم‪( : .‬قل إني نهيت أن أعبد) ما‬
‫سوى الله من الذين تعبدون بهواكم من مال أو نفس أو شهوة أو لذة بدنية‬
‫أو غير ذلك‪ ،‬فل ‪( :‬أتبع أهواءكم) بعبادتها فأضل إذا ً باحتجابي بها فل أهتدي‬
‫إلى التوحيد ومعنى الماضي أنه تحقق ضللي على هذا التقدير وما أنا من‬
‫الهدى في شيء‪( .‬وعنده مفاتح الغيب) إلى آخره‪ ،‬اعلم أن الغيب مراتب‬
‫أولها غيب الغيوب وهو علم الله المسمى بالعناية الولى‪ ،‬ثم غيب عالم‬
‫الرواح وهو انتقاش صورة كل ما وجد وسيوجد من الزل والبد في العالم‬
‫الول العقلي الذي هو روح العالم المسمى بأم الكتاب على وجه كلي‪ ،‬وهو‬
‫القضاء السابق‪ .‬ثم غيب عالم القلوب وهو ذلك النتقاش بعينه مفصل ً‬
‫تفصيل ً علميا ً كليا ً وجزئيا ً في عالم النفس الكلية التي هي قلب العالم‬
‫المسمى باللوح المحفوظ ثم غيب عالم الخيال وهو انتقاش الكائنات‬
‫بأسرها في النفوس الجزئية الفلكية المنطبعة في أجرامها معينة مشخصة‬
‫مقارنة لوقاتها على ما يقع بعينه‪ ،‬وذلك العالم هو المعبر عنه في الشرع‬
‫بالسماء الدنيا إذ هو أقرب مراتب الغيوب إلى عالم الشهادة ولوح القدر‬
‫اللهي الذي هو تفصيل قضائه وعلم الله‪ ،‬وهو العناية الولى عبارة عن‬
‫إحاطته بالكل بحضور ذاته لكل هذه العوالم التي هي عين ذاته فيعلمها مع‬
‫جميع تلك الصور التي فيها بأعيانها ل بصورة زائدة فهي عين علمها ول‬
‫يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ول في الرض فالمفاتح إن كان جمع‬
‫مفتح بفتح الميم الذي هو المخزن فمعناه عنده هذه الخزائن المشتملة على‬
‫جميع الغيوب لحضور ذاته لها ‪( :‬ول يعلمها إل هو) وإن كان جمع مفتح‬
‫بكسر الميم بمعنى المفتاح‪ ،‬فمعناه إما ذلك المعنى بعينه يعني أبوابها‬
‫مغلقة ومفاتيحها بيده ل يطلع على ما فيها أحد غيره‪ .‬وإما أن أسباب‬
‫إظهارها وإخراجها من مكانها إلى عالم الشهادة حتى يطلع عليه الخلق بيد‬
‫قدرته وتصرفه محفوظة عنده ل يقدر غيره على انتزاعها منه حتى يطلع‬
‫على ما فيها وهي أسماؤه تعالى‪ ،‬والكتاب المبين هو السماء الدنيا لتعين‬
‫هذه الجزئيات فيها مع عددها وتشخصها‪( : .‬ثم يبعثكم فيه) أي ‪ :‬فيما‬
‫جرحتم من صواب أعمالكم ومكاسبكم للجزاء ‪( :‬ليقضى أجل) عينه للبعث‬
‫والحياء‪ .‬ثم إلى ربكم ترجعون في عين الجمع المطلق فينبئكم بإظهار‬
‫صور أعمالكم عليكم وجزائكم بها‪( .‬وهو القاهر فوق عباده) بتصرفه فيهم‬
‫كما شاء وإفنائهم في عين الجمع المطلق إذ ل شيء إل وهو مقهور فيه ‪( :‬‬
‫ويرسل عليكم حفظة) هي قواهم التي ينطبع فيها كل حال بحسب الرسوخ‬
‫وعدمه‪ ،‬فيظهر عليهم عند انسلخهم عن البدن فيتمثل بصور تناسبها إما‬
‫روحانية لطيفة توصل إليها الروح والثواب‪ ،‬وإما جسمانية مظلمة توصل‬
‫إليها العذاب بل تظهر تلك الصور على جوارحها وأعضائها فتتشكل بهيآتها‬
‫وتنطق عليهم بأعمالها بلسان الحال‪ .‬والقوى السماوية التي أشرنا إليها‬
‫وإلى انتقاش جميع الحوادث الجزئية فيها فتظهر عليهم بأسرها عند‬
‫مفارقتها عن بدنها‪ ،‬ل تغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصتها عليهم وهي‬
‫بأعيانها الرسل التي توفتهم عند الموت‪ .‬والرد أيضا ً يكون في عين الجمع‬
‫المطلق فإنه للجزاء ‪( :‬وهو أسرع الحاسبين) لوقوع حسابهم في آن وهو ‪:‬‬
‫توفيهم‪] .‬تفسير سورة النعام من آية ‪ 63‬إلى آية ‪( : 65‬قل من ينجيكم من‬
‫ظلمات البر) التي هي حجب الغواشي البدنية والصفات النفسانية ‪( :‬‬
‫و) ظلمات ‪( :‬البحر) التي هي حجب صفات القلوب وفكر العقول ‪( :‬تدعونه)‬
‫إلى كشفها ‪( :‬تضرعا) في نفوسكم ‪( :‬وخفية) في أسراركم ‪( :‬لئن أنجيتنا‬
‫من هذه) الحجب ‪( :‬لنكونن من) الذين شكروا نعمة النجاء بالستقامة‬
‫والتمكين ‪( :‬قل الله ينجيكم منها) بكشف تلك الحجب بأنوار تجليات صفاته ‪:‬‬
‫(ومن كل كرب) أي ‪ :‬ما بقي في استعدادكم بالقوة من كمالتكم بإبرازها‬
‫حتى لو كانت بقية من بقايا وجودكم كربا ً لكم لستعدادكم للفناء والخلص‬
‫منها بالكلية لقوة الستعداد وكمال الشوق لنجاكم منها ‪( :‬ثم أنتم) بعد‬
‫علمكم بهذا المقام الشريف وما ادخر لكم ‪( :‬تشركون) به أنفسكم‬
‫وأهواءكم فتعبدونها‪( : .‬قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من‬
‫فوقكم) باحتجابكم بالمعقولت والحجب الروحانيات ‪( :‬أو من تحت‬
‫أرجلكم) باحتجابكم بالحجب الطبيعية ‪( :‬أو يلبسكم شيعا) أو يخلطكم فرقا ً‬
‫متفرقة كل فرقة على دين قوة من قواكم هي أمامهم تقابل الفرقة‬
‫الخرى فيقع بينكم الهرج والمرج والقتال‪ ،‬أو فرقا ً مختلفة العقائد كل‬
‫فرقة على دين دجال أو شيطان أنسي أو جني هو إمامهم‪ ،‬أو يجعل‬
‫أنفسكم شيعا ً باستيلء كل قوة من قواكم على القلب بطلب لذتها‬
‫المخصوصة بها‪ ،‬إحداها تجذبه إلى غضب والخرى إلى شهوة أو طمع أو غير‬
‫ذلك‪ ،‬فيعرق القلب عاجزا ً فيما بينهم‪ ،‬أسيرا ً في قبضتهم‪ ،‬كلما هم بتحصيل‬
‫لذة هذه منعته الخرى‪ ،‬ويقع بينهم الهرج والمرج في وجودكم لعدم‬
‫ارتياضهم بسياسة رئيس واحد قاهر يقهرهم ويسوسهم بأمر وحداني يقيم‬
‫كل ً منهم في مقامها‪ ،‬مطيعة منقادة فتستقيم مملكة الوجود ويستقر‬
‫الملك على رئيس القلب‪ .‬وعلى هذا التأويل يكون كل واحد منهم فرقة أو‬
‫فرقا ً متفرقة على أديان شتى ل شخصا ً واحدًا‪] .‬تفسير سورة النعام من‬
‫آية ‪ 66‬إلى آية ‪( : [70‬وكذب به) أي ‪ :‬بهذا العذاب ‪( :‬قومك وهو‬
‫الحق) الثابت النازل بهم ‪( :‬قل لست عليكم بوكيل) بموكل يحفظكم‬
‫ويمنعكم من هذا العذاب ‪( :‬لكل) ما ينبأ عنه محل وقوع واستقرار ‪( :‬وسوف‬
‫تعلمون) حين يكشف عنكم أغطية أبدانكم فيظهر عليكم ألم هذا العذاب‬
‫بصور ما تقتضيه نفوسكم‪( : .‬وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) أي ‪:‬‬
‫صفاتنا بإظهار صفات نفوسهم وإثبات العلم والقدرة لها ‪( :‬فأعرض‬
‫عنهم) فإنهم محجوبون مشركون ‪( :‬وإما ينسينك الشيطان) بتسويل بعض‬
‫الباطيل والخرافات عليك‪ ،‬ووسوسة نفسك فتظهر ببعض صفاتها‬
‫وتجانسهم بذلك فتميل إلى صحبتهم ‪( :‬فل تقعد بعد) ما تذكرت بتذكيرنا‬
‫إياك ‪( :‬مع القوم) الذين ظلموا أنفسهم بوضع صفاتهم موضع صفاتي‬
‫وحجبوها بصفاتهم فإن صحبتهم تؤثر فيوشك أن تقع في الحتجاب بشؤم‬
‫صحبتهم على سبيل التلوين‪( : .‬وما على) الموحدين الذين يتجردون عن‬
‫ملبس صفاتهم ويجتنبون هيآتها من حساب أولئك المحجوبين ‪( :‬من‬
‫شيء) أي ‪ :‬ل يحتجبون بواسطة مخالطتهم فيكونون معهم سواء ولكن‬
‫ذكرناهم لعلهم يحترزون عن صحبتهم وما عسى يقعون فيه من التلوين أو‬
‫وبالهم وشأنهم وحسابهم حتى يصاحبونهم ولكن فليذكروهم أحيانا ً بأدنى‬
‫مخالطة لعلهم يحذرون شركهم وحجبهم فينجون ببركة صحبتهم أو وما‬
‫عليهم مما يحاسب به من أعمالهم ووبالها من شيء ولكن فليذكروهم‬
‫بالزجر والنهي لعلهم يحترزون عنها‪( : .‬وذر الذين اتخذوا) أي ‪ :‬اترك الذين‬
‫دينهم وعاداتهم الهوى واللهو لنهم ل يرفعون بذلك رأسا ً لرسوخ ذلك‬
‫العتقاد فيهم واغترارهم بالحياة الحسية وأعرض عنهم وأنذر بالقرآن‬
‫كراهة أن تحجب نفس بكسبها‪ ،‬أي ‪ :‬ل يكون دينها وديدنها ذلك ولم ترسخ‬
‫تلك العقيدة فيها لكن ترتكب بالميل الطبيعي أفعال ً من أفعالهم فتحتجب‬
‫بسببها فإنها تتأثر به وتتعظ فتنتهي‪ ،‬فأنذرها حتى ل تصير مثلهم فتحبس‬
‫بعملها عن الهداية وحينئذ ل يقبل منها فدية إذ حجبت بكسبها‪ .‬والشراب‬
‫الحميم هو شدة شوقها إلى الكمال لقوة استعدادها‪ .‬والعذاب الليم‬
‫حرمانها عنه باحتجابها بأعمالها وهيآتها‪] .‬تفسير سورة النعام من آية ‪71‬‬
‫إلى آية ‪( : [73‬قل أندعو من دون الله) أي ‪ :‬أنعبد ما ل قدرة ول وجود له‬
‫حقيقة فينفع أو يضر ‪( :‬ونرد) إلى الشرك ‪( :‬على أعقابنا بعد إذ هدانا‬
‫الله) الهداية الحقيقية إلى التوحيد ‪( :‬كالذي) ذهبت به شياطين الوهم‬
‫والتخيل في مهمة أرض النفس ‪( :‬حيران) ل يدري أين يمشي وما يصنع بل‬
‫طريق ول مقصد ‪( :‬له أصحاب) رفقاء من الفكر والعاقلة العملية‬
‫والنظرية ‪( :‬يدعونه إلى الهدى) يقولون ‪( :‬ائتنا) فإن هذا هو الطريق ول‬
‫يسمع لرتتاق سمع قلبه بالهوى ‪( :‬قل إن) هداية الله التي هي طريق‬
‫التوحيد ‪( :‬هو الهدى) ل غير ‪( :‬وأمرنا لنسلم لرب العالمين) لننقاد لصفة‬
‫الربوبية بمحو صفاتنا في المتجلى بها وإسلمها إليه ونقيم صلة الحضور‬
‫القلبي ونتقيه ونجعله وقاية لنا في الصفات ليكون هو الموصوف به‪،‬‬
‫فنتخلص به عن وجودنا فيكون هو المحشور إليه بذاته عند فنائنا فيه‪( : .‬‬
‫وهو الذي خلق) سموات الرواح وأرض الجسم قائما ً بالعدل الذي هو‬
‫مقتضى ذاته ‪( :‬ويوم يقول كن فيكون) أي ‪ :‬وقت السرمدي الذي هو أزل‬
‫آزال ظهور الشياء في أزلية ذاته التي هي أزلية الزل مطلقا ً وهو حين‬
‫تعلق إرادته القديمة بالظهور في تعينات ذاته المعبر عنه يقوله ‪ :‬كن‪ ،‬وهو‬
‫بعد أزلية الزال بالعتبار العقلي ل أنها تتأخر عن تلك الزلية بالزمان بل‬
‫بالترتيب العقلي العتباري في ذاته تعالى‪ ،‬فإن التعينات تتأخر عن مطلق‬
‫الهوية المحضة عقل ً وحقيقة وظهورها بالرادة المسماة بقوله ‪( : :‬كن‬
‫فيكون) بل فصل وتأخير يعبر عنه ب ‪) :‬يكون(‪ ،‬لنها لم تكن في الزل‬
‫فكانت ‪( :‬قوله الحق) أي ‪ :‬في ذلك الوقت سيما سرمدي إرادته التي‬
‫اقتضت وجود المبدعات على ما هي عليه ثابتة في حالها غير متغيرة‪،‬‬
‫اقتضت ما اقتضت على أحسن ما يكون من النظام والترتيب وأعدل ما‬
‫يكون من الهيئة والتركيب‪( : .‬يوم ينفخ في الصور) وقت نفخه في الصور‬
‫أي ‪ :‬إحياء صور المكونات بإفاضة أرواحها عليها ل ملك إل له فإنها بنفسها‬
‫ميتة ل وجود لها ول حياة فضل ً عن المالكية ‪( :‬عالم الغيب) أي ‪ :‬حقائق‬
‫عالم الرواح التي هي ملكوته ‪( :‬والشهادة) أي ‪ :‬صور عالم الجسام التي‬
‫هي ملكه ‪( :‬وهو الحكيم) الذي أوجدها ورتبها بحكمته فأفاض على كل‬
‫صورة ما يليق بها من الرواح ‪( :‬الخبير) الذي علم أسرارها وعلنيتها‬
‫وخواصها وأفعالها‪ ،‬تلخيصه ‪ :‬هو مبدع الرواح والجسم المطلق بإرادته‬
‫القديمة الزلية الثابتة التي ل تغير فيها أبدا ً إبداعا ً على وجه العدل والحكمة‬
‫الذي اقتضاه ذاته ومكون الكائنات بإنشائها في عالم الملك الذي هو مالكه‬
‫ل غير‪ ،‬كيف شاء عالما ً بما يجب أن يكون عليها حكيما ً في اتقانها ونظامها‬
‫وترتيبها‪ ،‬خبيرا ً بما يحدث فيها من الحوال الحادثة على حسب إرادته بذاته‬
‫ل شريك له في ذلك كله‪] .‬تفسير سورة النعام من آية ‪ 74‬إلى آية ‪( : [75‬‬
‫وإذ قال إبراهيم لبيه) أي ‪ :‬اذكر وقت سلوك إبراهيم طريق التوحيد عند‬
‫تبصيرنا وهدايتنا إياه واطلعه على شرك قومه واحتجابهم بظهور عالم‬
‫الملك عن حقائق عالم الملكوت وربوبيته تعالى للشياء بأسمائه معتقدين‬
‫لتأثير الجرام والكوان‪ ،‬ذاهلين بها عن المكون فعيرهم بذلك وقال‬
‫لمقدمهم وأكبرهم أبيه ‪( : :‬أتتخذ أصناما آلهة) وتعتقد تأثيرها ‪( :‬إني أراك‬
‫وقومك في ضلل مبين) ظاهر يعرف بالحس‪ ،‬ومثل ذلك التبصير والتعريف‬
‫العام الكامل نعرف إبراهيم ونريه ‪( :‬ملكوت السماوات والرض) أي ‪ :‬القوى‬
‫الروحانية التي يدبر الله بها أمر السموات والرض‪ ،‬فإن لكل شيء قوة‬
‫ملكوتية تحفظه وتدبر أمره بإذن الله ‪( :‬وليكون من الموقنين) فعلنا ذلك أي‬
‫‪ :‬بصرناه ليعلم ويعرف أن ل تأثير إل لله‪ ،‬يدبر بأسمائه التي هي ذاته مع كل‬
‫واحدة من الصفات‪ ،‬فتتكثر الفعال من وراء حجب الكوان‪ .‬فالمحجوب‬
‫بالكون واقف مع الحس يرى تلك الفعال من الكوان والمجاوز عنه الذي‬
‫خرق حجاب الكون ووقف مع العقل محبوسا ً في قيده يراها من الملكوت‪،‬‬
‫والمهتدي بنور الهداية اللهية المنفتحة عين بصيرته يرى أن الملكوت‬
‫بالنسبة إلى ذات الله تعالى كالملك بالنسبة إلى الملكوت‪ ،‬فكما ل يرى‬
‫التأثير من الكوان ل يراها من ملكوتها بل من مالكها ومكونها‪ ،‬فيقول‬
‫حقا ً ‪ :‬ل إله إل الله‪ .‬تفسير سورة النعام من آية ‪ 76‬إلى آية ‪( : [79‬فلما‬
‫جن عليه الليل) أي ‪ :‬فلما أظلم عليه ليل عالم الطبيعة الجسمانية في صباه‬
‫وأول شبابه ‪( :‬رأي) كوكب ملكوت الهيكل النساني التي هي النفس‬
‫المسماة روحا ً روحانية وجد فيضه وحياته وربوبيته منها إذ كان الله تعالى‬
‫يريه في ذلك الحين باسمه المحيي‪ ،‬فقال بلسان الحال ‪( : :‬هذا ربي فلما‬
‫أفل) بعبوره عن مقام النفس وطلوع نور القلب وإشراقه عليه بآثار الرشد‬
‫والتعقل ومعرفته لمكان النفس ووجوب انطباعها في الجسم ‪( :‬قال ل‬
‫أحب الفلين) الغاربين في مغرب الجسم‪ ،‬المحتجبين به‪ ،‬المتسترين بظلمة‬
‫المكان والحتياج إلى الغير ‪( :‬فلما رأى) قمر القلب بازغا ً بوصوله إلى‬
‫مقام القلب وطلوعه من أفق النفس بظهوره عليه ورأى فيضه بمكاشفات‬
‫الحقائق وعلمه وربوبيته منه‪ ،‬إذ كان الله تعالى يريه حينئذ باسمه العالم‬
‫والحكيم ‪( :‬قال هذا ربي فلما أفل) باحتجابه عنه وعبوره عن طوره‬
‫وشعوره بأن نوره مستفاد من شمس الروح وإنه قد يتغيب في ظلمة‬
‫النفس وصفاتها فيحتجب بها ول نور له أعرض عن مقامه سالكا ً طريق‬
‫تجلي الروح قائل ً ‪( : :‬لئن لم يهدني ربي) إلى نور وجهه ‪( :‬لكونن من‬
‫القوم الضالين) الذين يحتجبون بالبواطن عنه كالنصارى الواقفين مع‬
‫الحجب النورانية‪( : .‬فلما رأى الشمس) الروح ‪( :‬بازغة) بتجليها عليه‬
‫وظهور نورها وجد فيضه وشهوده وربوبيته منها إذ كان الله تعالى يريه‬
‫حينئذ باسمه الشهيد والعلي العظيم ‪( :‬قال هذا ربي هذا أكبر) لعظمته‬
‫وشدة نورانيته ‪( :‬فلما أفلت) باستيلء أنوار تجلي الحق وطلوع سبحات‬
‫الوجه الباقي‪ ،‬وانكشاف حجاب الذات بوصوله إلى مقام الوحدة رأى النظر‬
‫إلى الروح وإلى وجوده مشركا ً فقال ‪( : :‬يا قوم إني بريء مما تشركون) به‬
‫أي ‪ :‬أي شيء كان إذ ل وجود لغيره ‪( :‬إني وجهت وجهي) أي ‪ :‬أسلمت ذاتي‬
‫ووجودي ‪( :‬للذي) أوجد سموات الرواح وأرض النفس مائل ً عن كل ما سواه‬
‫حتى عن وجودي بالفناء فيه ‪( :‬وما أنا من المشركين) أي ‪ :‬لست من‬
‫الشرك في شيء‪ ،‬كوجود البقية وظهورها وغير ذلك‪] .‬تفسير سورة النعام‬
‫من آية ‪ 80‬إلى آية ‪( : [92‬وحاجه قومه) في نفي التأثير عن الجرام‬
‫والكوان وترك تعبد كل ما سوى الله ‪( :‬قال أتحاجوني في الله وقد‬
‫هدان) إلى توحيده ‪( :‬ول أخاف ما تشركون) وتقولون بتأثيره أبدا ً ‪( :‬‬
‫ال) وقت ‪( :‬أن يشاء ربي شيئا) من جهتها بي من مكروه أو ضر يلحقني‬
‫من جهتها وذلك منه وبعلمه ل منها‪( : .‬وسع ربي كل شيء علمًا) يعلم‬
‫حالي وما فيه صلحي‪ ،‬إن علم إضراري من جهتها أولى بي فعل ‪( :‬أفل‬
‫تتذكرون) فتميزوا بين العاجز والقادر‪( : .‬الذين آمنوا) بالتوحيد الذاتي ‪( :‬‬
‫ولم) يخلطوا ‪( :‬إيمانهم بظلم) من ظهور نفس القلب أو وجود بقية فإنها‬
‫شرك خفي ‪( :‬أولئك لهم المن) الحقيقي الذي ل خوف معه ‪( :‬وهم‬
‫مهتدون) بالحقيقة إلى الحق ‪( :‬وتلك حجتنا) أي ‪ :‬حجة التوحيد التي احتج‬
‫بها إبراهيم على قومه ‪( :‬كل من الصالحين) الذين يقومون بصلح العالم‬
‫وضبط نظامه وتدبيره لستقامتهم بالوجود الموهوب الحقاني بعد فناء‬
‫الوجود البشري ‪( :‬وكل فضلنا على) عالمي زمانهم‪( : .‬وما قدروا الله حق‬
‫قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء) أي ‪ :‬ما عرفوه حق معرفته‬
‫إذ بالغوا في تنزيهه حتى جعلوه بعيدا ً من عباده بحيث ل يمكن أن يظهر من‬
‫علمه وكلمه عليهم شيء ولو عرفوه حق معرفته لعلموا أن ل وجود لعباده‬
‫ول لشيء آخر إل به‪ .‬والكل موجود بوجوده ل وجود إل له جميع عالم‬
‫الشهادة ظاهره وعالم الغيب باطنه‪ ،‬ولكل باطن ظاهر‪ ،‬فأي حرج من‬
‫ظهور بعض صفاته على مظهر بشري بل ل مظهر لكمال علمه الباطن‬
‫وحكمته إل النسان الكامل‪ .‬فالنبي من حيث الصورة ظاهره‪ ،‬ومن حيث‬
‫المعنى باطنه ينزل علمه على قلبه ويظهر على لسانه ويدعو به عباده إلى‬
‫ذاته ول إثنينية إل باعتبار تفاصيل صفاته‪ .‬وأما باعتبار الجمع فل أحد موجود‬
‫إل هو ل النبي ول غيره‪ ،‬فإذا اعتبرنا تفاصيل صفاته وأسمائه يظهر النبي‬
‫تبعية الخاص في ذاته تعالى ببعض صفاته فيصير اسما ً من أسمائه‪ ،‬وإذا‬
‫كان كامل ً في نبوته يكون العظم الذي ل تنفتح أبواب خزائن غيبه ووجوده‬
‫وحكمته إل به كما سمعت‪ .‬فل تنكر إن عجبت وحرمت من فهمه وبهت‪،‬‬
‫فعسى أن يفتح الله عين بصيرتك فترى ما ل عين رأت أو سمع قلبك‪،‬‬
‫فتسمع ما ل أذن سمعت أو ينور قلبك فتدرك ما ل خطر على قلب بشر‪.‬‬
‫]تفسير سورة النعام من آية ‪ 93‬إلى آية ‪( : [94‬ومن أظلم ممن افترى‬
‫على الله كذبا) بادعاء الكمال والوصول إلى التوحيد والخلص عن كثرة‬
‫صفات النفس وازدحامها مع بقائها فيه فيكون في أقواله وأفعاله بالنفس‬
‫وهو يدعي أنه بالله ‪( :‬أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء) أي ‪ :‬حسب‬
‫مفتريات وهمه وخياله ومخترعات عقله وفكره وحيا ً من عند الله وفيضا ً من‬
‫الروح القدسي فتنبأ ‪( :‬ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) أي ‪ :‬تفرعن‬
‫بوجود أنائيته وتوهم التوحيد العلمي عينيًا‪ ،‬فادعى اللهية ‪( :‬ولو ترى إذ‬
‫الظالمون) أي ‪ :‬هؤلء الظلمة من المدعين للكمال المحجوبين الذين‬
‫يزعمون كون أفعالهم إلهية وهي نفسانية والمتنبئين والمتفرعنين ‪( :‬في‬
‫غمرات الموت) أي ‪ :‬شدائده وسكراته لفتقادهم في دعواهم وغلطهم في‬
‫حسبانهم أنهم قد فنوا عن أنفسهم وتجردوا عن ملبس أبدانهم مع شدة‬
‫تعلقهم بها وقوة محبة الدنيا ورسوخ الهوى فيهم لنهم ما ماتوا بالموت‬
‫الرادي والتجرد عن الشهوات واللذات البدنية‪ ،‬وما فنوا عن صفات‬
‫نفوسهم ودواعيها حتى يسهل عليهم الموت الطبيعي ‪( :‬والملئكة) أي ‪:‬‬
‫قوى العالم التي كانت تمد قواهم النفسانية من النفوس الكوكبية والفلكية‬
‫وتأثيراتها التي كانت تستولي عليهم في حياتهم مع ظنهم أنهم تخلصوا‬
‫منها بالتجرد كما أشرنا إليه ‪( :‬باسطو أيديهم) قوية التأثير فيهم‪ ،‬بالغة فيه‬
‫كنه قواها وقدرها ‪( :‬أخرجوا أنفسكم) أي ‪ :‬تعنفهم وتقهرهم لشدة‬
‫تعكفهم وكثرة تحسرهم وصعوبة مفارقة البدان عليهم ‪( :‬اليوم تجزون‬
‫عذاب الهون) والصغار بوجود صفات نفوسكم وهيآتها المظلمة المؤذية‬
‫وحجب أنائيتكم وتفرعنكم كما قال ‪( : :‬سيجزيهم وصفهم) ]النعام‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪( : [139‬بما كنتم تقولون على الله غير الحق) أي ‪ :‬بسبب افترائكم على‬
‫الله‪ ،‬أعمالكم وأقوالكم الصادرة من صفات نفوسكم وأهوائها ‪( :‬وكنتم عن‬
‫آياته تستكبرون) وبسبب احتجابكم بأنائيتكم وتفرعنكم معجبين بصفاتكم‬
‫غير مذعنين بمحوها لصفاتنا محجوبين عنها بوجودها مستكبرين بها‬
‫عنها‪( : .‬ولقد جئتمونا فرادى) مجردين عن الصفات والعلئق والهل‬
‫والقارب والوجود بالستغراق في عين جمع الذات ‪( :‬كما خلقناكم أول‬
‫مرة) بإنشاء ذرات هوياتكم في الزل عند أخذ الميثاق ‪( :‬وتركتم ما‬
‫خولناكم) من الوسائل والعلوم والفضائل ‪( :‬وراء ظهوركم وما نرى‬
‫معكم) وسائلكم وأسبابكم وما آثرتموه بهواكم وتعلقتم بها من محبوباتكم‬
‫ومعبوداتكم ‪( :‬الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء) بمحبتكم إياها وتعبدكم لها‬
‫ونسبتكم التأثير إليها واعتباركم واعتدادكم بها قد وقع التفرق بينكم بتغير‬
‫الحوال وتبدل الصور والشكال ‪( :‬وضل عنكم ما كنتم تزعمون) شيئا ً‬
‫موجودا ً بشهودكم ثناء الكل في الله‪] .‬تفسير سورة النعام من آية ‪ 95‬إلى‬
‫آية ‪( : [98‬إن الله فالق) حبة القلب بنور الروح عن العلوم والمعارف ونوى‬
‫النفس بنور القلب عن الخلق والمكارم ‪( :‬يخرج) حي القلب عن ميت‬
‫النفس تارة باستيلء نور الروح عليها ‪( :‬ومخرج) ميت النفس عن حي‬
‫القلب أخرى بإقباله عليها واستيلء الهوى وصفات النفس عليه‪( : .‬ذلكم‬
‫الله) القادر على تقليب أحوالكم وتغليبكم في أطواركم ‪( :‬فإني) تصرفون‬
‫منه إلى غيره ‪( :‬فالق الصباح) أي ‪ :‬فالق ظلمة صفات النفس عن القلب‬
‫بإصباح نور شمس الروح وإشراقه عليها ‪( :‬وجاعل) ظلمة النفس سكن‬
‫القلب يسكن إليها للرتفاق والسترواح أحيانا ً أو سكنا ً تسكن فيه القوى‬
‫البدنية وتستقر عن الضطراب وشمس الروح وقمر القلب محسوبين في‬
‫عداد الموجودات الباقية الشريفة‪ ،‬معتدا ً بهما‪ .‬أو علمي حسب الحوال‬
‫والوقات تعتبر بهما ‪( :‬ذلك تقدير العزيز) القوي على ذلك ‪( :‬‬
‫العليم) بأحوال البروز والنكشاف والتستر والحتجاب بهما يعز تارة‬
‫باحتجابه بهما وعنهما في ستور جلله‪ ،‬وتارة بتجليه وقهرهما وإفنائهما‬
‫يعلم ما يفعل بحكمته‪( : .‬وهو الذي جعل لكم) نجوم الحواس ‪( :‬لتهتدوا بها‬
‫في ظلمات) بر الجساد إلى مصالح المعاش وبحر القلوب باكتساب العلوم‬
‫بها ‪( :‬قد فصلنا اليات) أي ‪ :‬الروح والقلب والحواس ‪( :‬لقوم‬
‫يعلمون) ذلك ‪( :‬وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة) هي النفس الكلية ‪( :‬‬
‫فمستقر) في أرض البدن حال الظهور ‪( :‬ومستودع) في عين جمع الذات‬
‫حال الفناء‪( : .‬قد فصلنا) آيات ظهور النفس واستقرارها واستيداعها ‪( :‬‬
‫لقوم يفقهون) بتنور قلوبهم وصفاء فهومهم‪] .‬تفسير سورة النعام من‬
‫آية ‪ 99‬إلى آية ‪( : [101‬وهو الذي أنزل) من سماء الروح ماء العلم ‪( :‬‬
‫فأخرجنا به نبات) كل صنف من الخلق والفضائل ‪( :‬فأخرجنا) من النبات‬
‫هيئة خضرة النفس وزينة حسنة جميلة وبهجة بالعلم والخلق ‪( :‬نخرج) من‬
‫تلك الهيئة والنفس الطرية الغضة أعمال ً مترتبة شريفة مرضية‪ ،‬ونيات‬
‫صادقة يتقوى بها القلب‪ ،‬ومن نخل العقل من ظهور تعلقها معارف‬
‫وحقائق قريبة التناول لظهورها بنور الروح كأنها بديهية ‪( :‬وجنات من‬
‫أعناب) الحوال والذواق وخصوصا ً أنواع المحبة القلبية المسكر عصيرها‬
‫وسلفها‪ ،‬وزيتون التفكر‪ ،‬ورمان التوهمات الصادقة التي هي الهمم‬
‫الشريفة‪ ،‬والعزائم النفسية ‪( :‬مشتبها) بعضها ببعض كالتعقلت والتفكرات‬
‫والمعارف والحقائق والعمال والنيات وكمحبة الذات ومحبة الصفات ‪( :‬‬
‫ل‪ ،‬أو مشتبها ً في رتبتها وقوتها‬ ‫وغير متشابه) كأنواع المحبة مع العمال مث ً‬
‫وضعفها وجلئها وخفائها وغير متشابه فيه ‪( :‬انظروا إلى ثمره إذا‬
‫أثمر) وراعوه بالمراقبة عند السلوك وبدء الحال‪ ،‬وليكن نظركم من اللذات‬
‫إلى هذه الثمرات ‪( :‬وينعه) وكماله عند الوصول بالحضور ‪( :‬إن في ذلكم‬
‫ليات لقوم يؤمنون) باليمان العلمي‪ ،‬ويوقنون هذه اليات والحوال التي‬
‫عددناها‪( : .‬وجعلوا لله شركاء الجن) أي ‪ :‬جعلوا جن الوهم والخيال شركاء‬
‫لله في طاعتهم لها وانقيادهم‪ .‬وقد علموا أن الله خلقهم فكيف يعبدون‬
‫غيره ‪( :‬وخرقوا له) اختلقوا بالفتراء المحض ‪( :‬بنين) من العقول ‪( :‬وبنات)‬
‫من النفوس يعتقدون أنها مؤثرات ومجردات مثله تولدت منه ‪( :‬بغير‬
‫علم) منهم أنها أسماؤه وصفاته ل تؤثر إل به ‪ )I( :‬تنزه عن أن يكون وجودا ً‬
‫مجردا ً مخصوصا ً بتعين خاص واحدا ً عن الموجودات المتعينة يصدر عنه‬
‫وجودات العقول المجردة والنفوس وتعاظم ‪( :‬عما يصفون) به علوا ً كبيرًا‪: .‬‬
‫(بديع السماوات والرض) أي ‪ :‬عديم النظير والمثل في سموات عالم‬
‫الرواح وأرض عالم الجساد ‪( :‬أنى يكون له ولد) أي ‪ :‬كيف يماثله شيء ‪( :‬‬
‫ولم تكن له صاحبة) لن الصاحبة ل تكون إل مجانسة وهو ل يجانس شيئًا‪،‬‬
‫وإذا لم يجانس شيئا ً لم يماثله فلم يكن له مثل يتولد منه ‪( :‬وخلق كل‬
‫شيء) بتخصيصه بتعين في ذاته وإيجاده بوجوده ل بأنه موجود مثله ‪( :‬وهو‬
‫بكل شيء عليم) يحيط علمه بالعقول والنفوس وغيرها كما يحيط وجوده‬
‫بها وهي محاطة ل تحيط بعلمه ول تعلم إل بعلمه ول توجد إل بوجوده فل‬
‫تماثله لنها بأنفسها معدومة‪ ،‬وأنى يماثل المعدوم الموجود المطلق‪.‬‬
‫]تفسير سورة النعام من آية ‪ 102‬إلى آية ‪( : [108‬ذلكم) البديع العديم‬
‫المثل الموصوف بجميع هذه الصفات ‪( :‬الله ربكم ل إله) في الوجود ‪( :‬إل‬
‫هو) أي ‪ :‬ل موجود إل هو باعتبار الجمع ‪( :‬خالق كل شيء) باعتبار تفاصيل‬
‫صفاته فخصوا العبادة به‪ ،‬أي ‪ :‬بالوجود الموصوف بجميع الصفات الذي هو‬
‫الله دون من سواه ‪( :‬وهو على كل شيء وكيل) أي ‪ :‬ل يستحق العبادة إل‬
‫المبدئ لكل شيء وهو مع ذلك وكيل على الكل يحفظها ويدبرها ويوصل‬
‫إليها الرزاق وما تحتاج إليه حتى تبلغ الكمال اللحق بها‪( : .‬ل تدركه‬
‫البصار) أي ‪ :‬ل تحيط به لنه اللطيف الجليل عن إدراكها‪ ،‬وكيف تدركه‬
‫وهي ل تدرك أنفسها التي هي نور منه ؟ ! ‪( :‬وهو يدرك البصار) لحاطته‬
‫بكل شيء ولطف إدراكه ‪( :‬قد جاءكم بصائر من ربكم) أي ‪ :‬آيات بينات هي‬
‫صور تجليات صفاته التي هي أنوار بصائر القلوب‪ .‬والبصيرة نور يبصر به‬
‫القلب‪ ،‬كما أن البصر نور تبصر به العين‪( : ،‬فمن أبصر) أي ‪ :‬صار بصيرا ً بها‪،‬‬
‫فإنما فائدة إبصاره وهدايته لنفسه ومن حجب عنها فإنما مضرة احتجابه ل‬
‫تتعدى إلى غيره بل إليه ‪( :‬وما أنا عليكم بحفيظ) رقيب يرقبكم ويحفظكم‬
‫عن الضلل‪ ،‬بل الله حفيظ يحفظكم ويحفظ أعمالكم ‪( :‬ولو شاء الله ما‬
‫أشركوا) أي ‪ :‬كل ما يقع فإنما يقع بمشيئة الله ول شك أن استعداداتهم‬
‫التي وقعوا بها في الشرك وأسباب ذلك من تعليم الباء والعادات وغيرها‬
‫أيضا ً واقعة بإرادة من الله وإل لم تقع‪ .‬فإن آمنوا بذلك فبهداية الله وإل‬
‫فهون على نفسك ‪( :‬وما جعلناك عليهم حفيظا) تحفظهم عن الضلل ‪( :‬‬
‫وما أنت) بموكل عليهم باليمان‪ ،‬ول ينافي هذا ما قال في تعييرهم فيما‬
‫بعد بقوله ‪( : :‬سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا) ]النعام‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ [148‬لنهم قالوا ذلك عنادا ً ودفعا ً لليمان بذلك التعلل ل اعتقادًا‪ ،‬فقولهم‬
‫ذلك وإن كان صدقا ً في نفس المر لكنهم كانوا به كاذبين‪ ،‬مكذبين للرسول‬
‫‪ ،e‬إذ لو صدقوا لعلموا أن توحيد المؤمنين أيضا ً بإرادة الله وكذا كل دين‪.‬‬
‫فلم يعاندوا ولم يعادوا أحدًا‪ ،‬ولو علموا أن كل شيء ل يقع إل بإرادة الله‬
‫لما بقوا مشركين بل كانوا موحدين‪ ،‬لكنهم قالوه لغرض التكذيب والعناد‬
‫وإثبات أنه ل يمكنهم النتهاء عن شركهم فلذلك عيرهم به ل لنه ليس‬
‫كذلك في نفس المر‪ ،‬فإنهم لم يطلعوا على مشيئة الله وأنه كما أراد‬
‫شركهم في الزمان السابق لم يرد إيمانهم الن إذ ليس كل منهم مطبوع‬
‫القلب بدليل إيمان من آمن منهم‪ .‬فلم ل يجوز أن يكون بعضهم كانوا‬
‫مستعدين لليمان والتوحيد واحتجبوا بالعادة وما وجدوا من آبائهم فأشركوا‬
‫ثم إذا سمعوا النذار وشاهدوا آيات التوحيد اشتاقوا إلى الحق وارتفع‬
‫حجابهم فوحدوا ؟‪ ،‬فلذلك وبخهم على قولهم وطلب منهم الحجة على أن‬
‫الله أرادهم بذلك دائما ً وأنذرهم بوعيد من كان قبلهم لعل من كان فيه‬
‫أدنى استعداد إذا انقطع عن حجته وسمع وعيد من قبله من المنكرين‪،‬‬
‫ارتفع حجابه ولن قلبه فآمن‪ ،‬ويكون ذلك توفيقا ً له ولطفا ً في شأنه‪ ،‬فإن‬
‫عالم الحكمة يبتنى على السباب‪ .‬وأما من كان من الشقياء المردودين‬
‫المختوم على قلوبهم‪ ،‬فل يرفع لذلك رأسا ً ول يلقى إليه سمعًا‪] .‬تفسير‬
‫سورة النعام من آية ‪ 109‬إلى آية ‪( : 111‬وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن‬
‫جاءتهم آية) إلى آخره‪ ،‬طلبوا خوارق العادات وأعرضوا عن الحجج البينات‪،‬‬
‫لنهم كانوا محجوبين بالحس والمحسوس‪ ،‬فلم تنجع فيهم الدعوة بالحكمة‬
‫والثبات بالحجة كما تنجع في العقلء والمستعدين‪( : .‬قل إنما اليات) أي ‪:‬‬
‫خوارق العادات التي اقترحوها إنما هي من عالم القدرة ليست إل عنده ‪( :‬‬
‫وما يشعركم) أنهم ل يؤمنون عند مجيئها‪ ،‬أي ‪ :‬أنا أعلم بهم منكم أنهم ل‬
‫يؤمنون بها‪ ،‬أو وما يشعركم أنهم يؤمنون عند مجيئها لعلها إذا جاءت ل‬
‫يؤمنون بها‪ ،‬ومن لم يرد الله منه اليمان يقلب قلبه وبصره عند مجيء الية‬
‫التي اقترحها وزعم أنه يؤمن عند نزولها‪ ،‬فيقول ‪ :‬هذا سحر‪ ،‬ول يؤمن به‬
‫كما ل يؤمن قبل مجيء الية ويذره في ظهور نفسه بصفاتها واحتجابه بها‪،‬‬
‫ولهذا قال في آخر الية الثانية ‪( : :‬ما كانوا ليؤمنوا إل أن يشاء الله) يعني ‪:‬‬
‫من استعد لليمان فهم المعقول وأدرك الحجة‪ ،‬وانفتحت عين بصيرته بأدنى‬
‫نور من هداية الله وآمن بأدنى سبب‪ ،‬ومن لم يستعد لذلك ولم يخلق له لو‬
‫رأى كل آية من خوارق العادات وغيرها ما آثر فيه ‪( :‬ولكن أكثرهم‬
‫يجهلون) أن اليمان بمشيئة الله ل بخوارق العادات‪ ،‬وفي الحقيقة ل اعتبار‬
‫باليمان المرتب على مشاهدة خوارق العادات‪ ،‬فإنه ربما كان مجرد إذعان‬
‫لمر محسوس وإقرار باللسان وليس في القلب من معناه شيء كإيمان‬
‫أصحاب السامري‪ .‬واليمان ل يكون إل بالجنان‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬قالت‬
‫العراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل اليمان في‬
‫قلوبكم) ]الحجرات‪ ،‬الية ‪] .[14 :‬تفسير سورة النعام من آية ‪ 112‬إلى آية‬
‫‪( : [114‬وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) إلى آخره‪ ،‬يلزم من ترتب مراتب‬
‫الرواح أن مقابلة أصفى الستعدادات وأنورها بأكدرها وأظلمها وأبعدها‬
‫ولزم منه وجود عدو لكل نبي للتضاد الحقيقي بينهما‪ .‬وفائدة وجود العدو‬
‫في مقابلته له أن الكمال الذي قدر له بحسب استعداده ل يظهر عليه إل‬
‫بقوة المحبة للستمداد‪ ،‬وأما القهر فلنكسار نفسه به وبإهانته واستخفافه‬
‫له‪ ،‬وتثبته عند مقابلته في مقام القلب وتجلده معرضا ً عن النفس ولذاتها‬
‫لشتغاله بالعدو ذاهل ً عنها لفرط الحمية والحرص على الفضيلة التي يقهر‬
‫بها العدو والحتراز عن الملبس الحيوانية والشيطانية ليبعد بها عن مقامه‬
‫ومناسبته ولئل يتطرق له سبيل إلى طعنه وتحقيره وازدرائه بها‪ ،‬ولهذا قال‬
‫‪ ' : e‬ما أوذي نبي قط مثل ما أوذيت '‪ ،‬إذ ل كمال لحد مثل كماله فيجب أن‬
‫يكون سبب إخراجه إلى الفعل أقوى لغاية بعده عن صفات النفس وعاداتها‪.‬‬
‫‪( :‬ولتصغى إليه أفئدة الذين ل يؤمنون بالخرة) ولتميل إليه المحجوبون‬
‫لمناسبتهم ‪( :‬وليرضوه) لمحبتهم إياه‪ ،‬فتقوى غوايتهم ويتظاهرون ويخرج‬
‫ما فيهم من الشرور إلى الفعل‪ ،‬ويزدادوا طغيانا ً وتعديا ً على النبي ‪ e‬فتزداد‬
‫قوة كماله وتهيج أيضا ً بسببه دواعي المؤمنين‪ ،‬والذين في استعدادهم‬
‫مناسبة للنبي ‪ e‬فتنبعث حميتهم‪ ،‬وتزداد محبتهم للنبي ‪ e‬ونصرهم إياه‪،‬‬
‫فتظهر عليهم كمالتهم ويتقوى بهم النبي ‪ e‬كما قيل ‪ :‬إن شهرة المشايخ‬
‫وكثرة مريديهم ل تكون إل بواسطة المنكرين إياهم‪ .‬تفسير سورة النعام‬
‫من آية ‪ 115‬إلى آية ‪( : 122‬وتمت كلمة ربك صدقا وعدل) أي ‪ :‬تم قضاؤه‬
‫في الزل بما قضى وقدر من إسلم من أسلم وكفر من كفر ومحبة من‬
‫أحب أحدًا‪ ،‬وعداوة من عادى قضاء مبرما ً وحكما ً صادقا ً مطابقا ً لما يقع‬
‫عادل ً بمناسبة كل قول وكل كمال وحال‪ ،‬لستعداد من يصدر عنه واقتضائه‬
‫له ‪( :‬ل مبدل) لحكامه الزلية ‪( :‬وهو السميع) لما يظهرون من القوال‬
‫والفعال المقدرة ‪( :‬العليم) بما يخفون ‪( :‬أكثر من في الرض) أي ‪ :‬من‬
‫في الجهة السفلية بالركون إلى الدنيا وعالم النفس والطبيعة ‪( :‬يضلوك‬
‫عن سبيل الله) بتزيينهم زخارفهم عليك ودعوتهم إياك إلى ما هم فيه ‪( :‬‬
‫إن يتبعون إل الظن) لكونهم محجوبين في مقام النفس بالوهام والخيالت‬
‫عن اليقين ‪( :‬وإن هم إل) يخمنون المعاني بالصور والخرة بالدنيا‪،‬‬
‫ويقدرون أحوال المعاد وذات الحق وصفاته كأحوال المعاش وذواتهم‬
‫وصفاتهم فيشركون ويحلون بعض المحرمات‪( : .‬فكلوا) إلى آخره‪ ،‬معلوم‬
‫مما مر في )المائدة( ومسبب للنهي عن طاعة المضلين واتباعهم ‪( :‬ظاهر‬
‫الثم) سيئات العمال والقوال الظاهرة على الجوارح ‪( :‬وباطنه) العقائد‬
‫الفاسدة والعزائم الباطلة ‪( :‬أو من كان ميتا) بالجهل‪ ،‬وهو النفس‬
‫وباحتجاجه بصفاتها ‪( :‬فأحييناه) بالعلم ومحبة الحق أو بكشف حجب صفاته‬
‫بتجليات صفاتنا ‪( :‬وجعلنا له نورا) من هدايتنا وعلمنا أو نورا ً من صفاتنا أو‬
‫نورا ً منا بقيوميتنا له بذاتنا على حسب مراتبه‪ ،‬كمن صفته هذا‪ ،‬أي ‪ :‬هذا‬
‫القول وهو أنه في ظلمات من نفسه وصفاتها وأفعالها ليس بخارج منها ‪( :‬‬
‫كذلك زين) للمحجوبين عملهم فاحتجبوا به‪] .‬تفسير سورة النعام من آية‬
‫‪ 123‬إلى آية ‪( : 125‬وكذلك جعلنا في كل قرية) للحكمة المذكورة في إعلء‬
‫النبياء وكذا في قرية وجود النسان التي هي البدن‪ ،‬جعلنا أكابر مجرميها‬
‫من قوى النفس المارة ليمكروا فيها بإضلل القلب وفتنته وإغوائه ‪( :‬وما‬
‫يمكرون إل بأنفسهم) لن عاقبة مكرهم راجعة إليهم باحتراقهم بنيران‬
‫فقدان اللت والسباب في جحيم الهوى والحرمان عن اللذات والشهوات‬
‫وحصول اللت الجسمانية عند خراب البدن وعند المعاد والبعث في أقبح‬
‫الصور على أسوأ الحوال‪( : .‬وإذا جاءتهم آية) من صفة قلبية وإشراق نوري‬
‫من هيئة ملكية خلقية‪ ،‬أو علم وحكمة وفيض من روح ينكرونها بالعراض‬
‫عنها‪ ،‬ويتمنون من قبل الوهم والخيال إدراكات مثل إدراكات العقل والفكر‬
‫وتركيبات تخيلية ومغالطات وهمية يعارضون بها البراهين الحقة حتى‬
‫يؤمنوا بها ويذعنوا لها‪( : .‬الله أعلم حيث يجعل رسالته) ل يضعها إل‬
‫مواضعها من القوى الروحانية المجردة من المواد الهيولنية ‪( :‬سيصيب‬
‫الذين أجرموا) باحتجابهم ومكرهم في إضللهم من استعد للهدى أو اهتدى‬
‫من القلوب الصافية ‪( :‬صغار عند الله) بزوال قدرتهم وتمكنهم بخراب البدن‬
‫‪( :‬وعذاب شديد) بحرمانهم عما يلئمهم ووصول ما ينافيهم في المعاد‬
‫الجسماني بسبب مكرهم‪( : .‬فمن يرد الله أن يهديه) من هذه القوى‬
‫للنقياد للعقل ‪( :‬يشرح صدره) أي ‪ :‬يسهل عليه ويجعل وجهه الذي يلي‬
‫القلب ذا نتوء وسعة لقبول نوره وممكنا ً من استسلمه له ‪( :‬ومن يرد أن‬
‫يضله يجعل صدره) يعسر عليه ويعجزه عن ذلك ‪( :‬حرجا) ذا ظلمة وقصور‬
‫استعداد عن قبول النور كأنما يزاول أمرا ً ممتنعا ً في الستنارة بنور القلب‬
‫وطلب الفيض منه‪ .‬على هذا التأويل الذي ذكرناه وعلى المعنى الظاهر‬
‫المراد من الية السابقة‪ .‬فمن يرد الله أن يهديه للتوحيد يشرح صدره‬
‫بقبول نور الحق وإسلم الوجود إلى الله بكشف حجب صفات نفسه عن‬
‫وجه قلبه الذي يلي النفس‪ ،‬فيفسح لقبول نور الحق‪ .‬ومن يرد أن يضله‬
‫يجعل صدره ضيقا ً حرجا ً باستيلئها عليه وضغطها له ‪( :‬كأنما يصعد) في‬
‫سماء روحه مع تلك الهيآت البدنية وذلك أمر محال‪( : .‬كذلك يجعل‬
‫الله) رجس التلوث بلوث التعلقات المادية أو رجس التعذب بالهيآت البدنية ‪:‬‬
‫(على الذين ل يؤمنون)‪] .‬تفسير سورة النعام من آية ‪ 126‬إلى آية‬
‫‪( : [128‬وهذا) أي ‪ :‬طريق التوحيد وإسلم الوجه إلى الله ‪( :‬صراط ربك‬
‫مستقيما) ل اعوجاج فيه بوجه من الوجوه يميل إلى جانب الصورة وإلى‬
‫جانب المعنى أو إلى النظر إلى الغير والشرك به ‪( :‬قد فصلنا اليات لقوم‬
‫يذكرون) المعارف والحقائق التي هي مركوزة في استعدادهم فيهتدوا بها ‪:‬‬
‫(لهم دار السلم) السلمة من كل نقص وآفة وخوف ظهور صفة ووجود‬
‫بقية ‪( :‬عند ربهم) في حضرة صفاته أو حضرة ذاته ‪( :‬وهو وليهم) يعطيهم‬
‫محبته وكماله‪ ،‬ويدخلهم في ظل صفاته وذاته‪ ،‬ويجعلهم في أمانه بالبقاء‬
‫السرمدي بعد فناء حدثانهم بسبب أعمالهم القلبية والقالبية في‬
‫سلوكهم‪( .‬ويوم يحشرهم) في يوم عين الجمع المطلق ‪( :‬جميعا)‪ .‬قلنا ‪( :‬يا‬
‫معشر) جن القوى النفسانية ‪( :‬قد استكثرتم من النس) أي ‪ :‬من الحواس‬
‫والعضاء الظاهرة أو من الصور النسانية بأن جعلتموهم أتباعكم وأهل‬
‫طاعتكم إياهم‪ ،‬وتسويلكم وتزيينكم الحطام الدنيوية واللذات الجسمانية‬
‫عليهم‪ ،‬ووسوستكم إياهم بالمعاصي ‪( :‬وقال أولياؤهم من النس) الذين‬
‫تولوهم ‪( :‬ربنا استمتع بعضنا ببعض( بانتفاع كل منا في صورة الجمعية‬
‫بالخر ‪( :‬و( ‪( :‬قد) )بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا) بالموت أو بالمعاد الجسماني‬
‫على أقبح الصور وأسوأ العيش ‪( :‬قال النار) نار الحرمان عن اللذات‬
‫ووجدان اللم ‪( :‬مثواكم خالدين فيها إل( ‪( :‬وقت) )ما شاء الله) أن تخفف‪،‬‬
‫أو ينجي منكم من ل يكون سبب تعذبه شركا ً راسخا ً في اعتقاده ‪( :‬إن ربك‬
‫حكيم) ل يعذبكم إل بهيآت نفوسكم التي كسبتم على ما تقتضيه الحكمة ‪( :‬‬
‫عليم) بمن يتعذب باعتقاده فيدوم عذابه أو بهيآت سيئات أعماله فيعذب‬
‫على حسبها ثم ينجو منه‪( .‬وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا) أي ‪ :‬مثل ذلك‬
‫الجعل العظيم الهائل نجعل بعضهم ولي بعض بتوافق مكاسبهم وتناسبها‪،‬‬
‫فيتوالون ويحشرون معا ً في العذاب كالجن والنس الذين ذكرناهم أو نجعل‬
‫بعضهم والى بعض بتعذيبه بمكسوباته في النار ‪( :‬رسل منكم) من البشر‬
‫الذين هم جنسكم وعلى التآويل المذكورة من عقولكم التي هي قوى من‬
‫جنسكم وهذه السئلة والجوبة والشهادات كلها بلسان الحال وإظهار‬
‫الوصاف‪ ،‬كما قيل ‪) % :‬قال الجدار للوتد ‪ :‬لم تشقني ؟ ‪) % % (%‬قال‬
‫الوتد ‪ :‬سل من يدقني ‪ % (%‬وكشهادة اليدي والرجل بصورها التي تناسب‬
‫هيآت أفعالها وتعذبها بها ‪( :‬ذلك) إشارة إلى إرسال الرسل وتبيين اليات‬
‫وإلزام الحجة بالنذار والتهديد‪ ،‬أي ‪ :‬المر ذلك لن ربك لم يكن مهلك القرى‬
‫على غفلتهم ظالما ً لنه ينافي الحكمة‪.‬‬
‫(ولكل درجات) في القرب والبعد من أعمالهم التي عملوها ‪( :‬إن يشأ‬
‫يذهبكم) بفناء عينكم ‪( :‬ويستخلف من بعدكم) من أهل طاعته برحمته ‪( :‬‬
‫ذلك) أي ‪ :‬تحريم الطيبات عليهم جزاء ‪( :‬جازيناهم) بظلمهم ‪( :‬وإنا‬
‫لصادقون) في إيعادهم بجزاء الظلم ‪( :‬فإن كذبوك) بأن الله واسع المغفرة‬
‫فل يعذبنا بظلمنا ‪( :‬فقل) بلى ‪( :‬ربكم ذو رحمة واسعة) ولكنه ذو قهر‬
‫شديد فل ترد رحمته بأسه ‪( :‬عن القوم المجرمين) بل ربما أودع قهره في‬
‫صورة لطفه ولطفه في صورة قهره ‪( :‬كذلك كذب الذين من قبلهم) أي ‪:‬‬
‫كذب المنكرون الرسل من قبلهم بتعليق كفرهم بمشيئة الله عنادا ً وعتوا ً‬
‫فعذبوا بكفرهم‪( : .‬قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا) أي ‪ :‬إن كان لكم‬
‫علم بذلك وحجة فبينوا‪ ،‬وإنما قال ذلك إشارة إلى قولهم ‪( : :‬لو شاء الله ما‬
‫أشركنا) لنهم لو قالوا ذلك عن علم لعلموا أن إيمان الموحدين وكل شيء‬
‫ل يقع إل بإرادة الله فلم يعادوهم ولم ينكروهم‪ ،‬بل والوهم‪ ،‬ولم يبق بينهم‬
‫وبين المؤمنين خلف‪ .‬ولعمري إنهم لو قالوا ذلك عن علم لما كانوا‬
‫مشركين‪ ،‬بل كانوا موحدين ولكنهم اتبعوا الظن في ذلك وبنوا على التقدير‬
‫والتخمين لغرض التكذيب والعناد‪ ،‬وعلى ما سمعوا من الرسل إلزاما ً لهم‬
‫وإثباتا ً لعدم امتناعهم عن الرسل لنهم محجوبون في مقام النفس‪ ،‬وأنى‬
‫لهم اليقين ؟ ومن أين لهم الطلع على مشيئة الله ؟‪( : .‬قل فلله الحجة‬
‫البالغة) أي ‪ :‬إن كان ظنكم صدقا ً في تعليق شرككم بمشيئة الله فليس لكم‬
‫حجة على المؤمنين وعلى غيركم من أهل دين‪ ،‬لكون كل دين حينئذ بمشيئة‬
‫الله‪ ،‬فيجب أن توافقوهم وتصدقوهم بل لله الحجة عليكم في وجوب‬
‫تصديقهم وإقراركم بأنكم أشركتم بمن ل يقع أمر إل بإرادته ما ل أثر‬
‫لرادته أصل ً فأنتم أشقياء في الزل‪ ،‬مستحقون للبعد والعقاب ‪( :‬فلو شاء‬
‫لهداكم أجمعين) أي ‪ :‬بلى صدقتم‪ ،‬ولكن كما شاء كفركم لو شاء لهداكم‬
‫كلكم‪ ،‬فبأي شيء علمتم أنه لم يشأ هدايتكم حتى أصررتم ؟ وهذا تهييج‬
‫لمن عسى أن يكون له استعداد منهم فيقمع ويهتدي فيرجع عن الشرك‬
‫ويؤمن‪] .‬تفسير سورة النعام آية ‪( : ] 151‬قل تعالوا أتل ما حرم ربكم‬
‫عليكم) لما أثبت أن المشركين في التحريم والتحليل يتبعون أهواءهم‪ ،‬إذ‬
‫الشرك في نفسه ليس إل عبادة الهوى والشيطان‪ .‬فلما احتجبوا بصفات‬
‫النفس عن صفات الحق‪ ،‬وأمروا عليهم الهوى وعبدوه وأطاعوا أوامره‬
‫ونواهيه في التحريم والتحليل‪ ،‬بين أن التحريم والتحليل المتبع فيهما أمر‬
‫الله تعالى ما هما‪ ،‬ولما كان الكلم معهم في تحريم الطيبات عدد المحرمات‬
‫ليستدل بها على المحللت فحصر جميع أنواع الفضائل بالنهي عن أجناس‬
‫الرذائل وابتدأ بالنهي عن رذيلة القوة النطقية التي هي أشرفها‪ .‬فإن‬
‫رذيلتها أكبر الكبائر‪ ،‬مستلزمة لجميع الرذائل‪ ،‬بخلف رذيلة أخويها من‬
‫القوتين البهيمية والسبعية فقال ‪( : :‬أل تشركوا به شيئا) إذ الشرك من‬
‫خطئها في النظر وقصورها عن استعمال العقل ودرك البرهان وعقبه‬
‫بإحسان الوالدين‪ ،‬إذ معرفة حقوقهما تتلو معرفة الله في اليجاد والربوبية‬
‫لنهما سببان قريبان في الوجود والتربية وواسطتان جعلهما الله تعالى‬
‫مظهرين لصفتي إيجاده وربوبيته‪ ،‬ولهذا قال ‪ ' : e‬من أطاع الوالدين فقد‬
‫أطاع الله ورسوله '‪ .‬فعقوقهما يلي الشرك ول يقع الجهل بحقوقهما إل‬
‫عن الجهل بحقوق الله تعالى ومعرفة صفاته‪ ،‬ثم بالنهي عن قتل الولد‬
‫خشية الفقر‪ ،‬فإن ارتكاب ذلك ل يكون إل عن الجهل والعمى عن تسبيبه‬
‫تعالى الرزق لكل مخلوق وأن أرزاق العباد بيده يبسط الرزق لمن يشاء‬
‫ويقدر‪ .‬والحتجاب عن سر القدر‪ ،‬فل يعلم أن الرزاق مقدرة بإزاء العمار‬
‫كتقدير الجال‪ ،‬فأولها ل تقع إل من خطئها في معرفة ذات الله تعالى‪،‬‬
‫والثانية من خطئها في معرفة صفاته‪ ،‬والثالثة من معرفة أفعاله فل يرتكب‬
‫هذه الرذائل الثلث إل منكوس‪ ،‬محجوب عن ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله‬
‫وهذه الحجب أم الرذائل وأساسها‪ .‬ثم بين رذيلة القوة البهيمية لن رذيلتها‬
‫أظهر وأقدم‪ ،‬فقال ‪( : :‬ول تقربوا الفواحش) من العمال القبيحة الشنيعة‬
‫عند العقل ‪( :‬ما ظهر منها) كالزنا في الحانات‪ ،‬وشرب الخمر وأكل الربا ‪( :‬‬
‫وما بطن) كقصد هذه الفواحش المذكورة ونيتها والهم بها وإخفائها‬
‫كالسرقة وارتكاب المحظورات في الخفية‪ .‬ثم أشار إلى رذيلة القوة‬
‫السبعية بقوله ‪( : :‬ول تقتلوا النفس التي حرم الله إل بالحق) أي ‪:‬‬
‫بالقصاص والكفر‪ ،‬وختم الكلم بقوله ‪( : :‬ذلكم) أي ‪ :‬الجتناب عن أجناس‬
‫رذائل النفوس الثلث ‪( :‬وصاكم به لعلكم تعقلون) أي ‪ :‬ل تجتنبها إل العقلء‬
‫ومن ارتكبها فل عقل له‪ .‬ثم أراد أن يبين أن الرذائل الثلث مستلزمة‬
‫باجتماعها رذيلة الجور التي هي أعظمها وجماعها كما أن فضائلها تستلزم‬
‫العدالة التي هي كمالها والشاملة لها فقال ‪( : :‬ول تقربوا مال‬
‫اليتيم) بوجه من الوجوه ‪( :‬إل بالتي هي أحسن) إل بالخصلة التي هي‬
‫أحسن من حفظه وتثميره ‪( :‬حتى يبلغ أشده) فينتفع به‪ ،‬ل بالكل والنفاق‬
‫في مآربكم والتلف فإنه أفحش‪ .‬ولما بين تحريم أجناس الرذائل الربع‬
‫بأسرها على التفصيل أمر بإيجاب الفضائل الربع بالجمال‪ ،‬إذ تفصيل‬
‫الرذائل يغني عن تفصيل مقابلتها وذلك أنها مندرجة بأسرها في العدالة‬
‫فأمر بها في جميع الوجوه فعل ً وقول ً وقال ‪( : :‬وأوفوا الكيل والميزان‬
‫بالقسط) أي ‪ :‬حافظوا على العدل فيما بينكم وبين الخلق مطلقا ً ‪( :‬وإذا‬
‫قلتم فاعدلوا) أي ‪ :‬ل تقولوا إل الحق ‪( :‬ولو كان) المقول فيه ‪( :‬ذا‬
‫قربى) فل تميلوا في القول له أو عليه إلى زيادة أو نقصان ‪( :‬وبعهد الله‬
‫أوفوا) أي ‪ :‬بالتوحيد والطاعة وكل ما بينكم وبين الله من لوازم العهد‬
‫السابق بالعقد اللحق‪ .‬ولما كان سلوك طريقة الفضيلة التي هي طريقة‬
‫الوحدة والتوجه إلى الحق صعبًا‪ ،‬كما قيل ‪ :‬أدق من الشعرة وأحد من‬
‫السيف‪ ،‬وخصوصا ً في الفعال إذ مراعاة الوسط فيها بل ميل ما إلى طرف‬
‫الفراط والتفريط في غاية الصعوبة‪ .‬قال بعد قوله ‪( : :‬وأوفوا الكيل‬
‫والميزان بالقسط ل نكلف نفسا ً إلى وسعها) فبين أنه جمع في هذا المقام‬
‫بين النهي عن جميع الرذائل والمر بجميع الفضائل كلها بحيث ل يخرج منها‬
‫جزئي ما من جزئياتها‪ ،‬ولهذا قال ابن عباس ‪ : t‬إن هذه آيات محكمات لم‬
‫ينسخهن شيء من جميع الكتب‪ .‬واتفق على قوله أهل الكتابين وجميع‬
‫الملل والنحل‪ .‬وقال كعب الحبار ‪ :‬والذي نفس كعب بيده إنها لول شيء‬
‫في التوراة‪( : .‬ذلكم) أي ‪ :‬ما ذكر من وجوب النتهاء عن جميع الرذائل‬
‫والتصاف بجميع الفضائل ‪( :‬وصاكم به) في جميع الكتب على ألسنة جميع‬
‫الرسل ‪( :‬لعلكم تذكرون) عند سماعها ما وهب الله لكم من الكمال وأودع‬
‫استعدادكم في الزل‪( : .‬وأن هذا) أي ‪ :‬طريق الفضائل لن منبع الفضيلة‬
‫هي الوحدة‪ .‬أل ترى أنها أواسط واعتدالت بين طرفي إفراط وتفريط ل‬
‫يمكن سلوكها على التعيين بالحقيقة إل لمن استقام في دين الله إليه‬
‫وأيده الله بالتوفيق لسلوك طريق الحق حتى وصل إلى الفناء عن صفاته ثم‬
‫عن ذاته‪ .‬ثم اتصف في حال البقاء بعد الفناء بصفاته تعالى حتى قام بالله‬
‫فاستقام فيه وبه فحينئذ يكون صراطه صراط الحق وسيره سير الله ‪( :‬‬
‫صراطي مستقيما) أي ‪ :‬طريقي ل يسلكها إل من قام بي مستويا ً غير مائل‬
‫إلى اليمين والشمال لغرض ‪( :‬فاتبعوه ول تتبعوا السبل) من المذاهب‬
‫المتفرقة والديان المختلفة فإنها أوضاع وضعها أهل الحتجاب بالعادات‬
‫والهواء‪ ،‬أي ‪ :‬وضع لهم لئل يزدادوا ظلمة وعتوا ً وحيرة‪ .‬وروى ابن مسعود‬
‫عن رسول الله ‪ ،e‬أنه خط خطا ً فقال ‪ ' :‬هذا سبيل الرشاد '‪ ،‬ثم خط عن‬
‫يمينه وشماله خطوطا ً فقال ‪ ' :‬هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو‬
‫إليه ' ثم تل هذه الية ‪( : :‬فتفرق بكم عن سبيله ذلكم) أي ‪ :‬سلوك طريق‬
‫الوحدة والفضيلة ‪( :‬وصاكم به لعلكم تتقون) السبل المتفرقة بالجتناب عن‬
‫مقتضيات الهواء ودواعي النفوس وتجعلون الله وقاية لكم في ملزمة‬
‫الفضائل ومجانبة الرذائل‪] .‬تفسير سورة النعام من آية ‪ 154‬إلى آية‬
‫‪( : [157‬ثم آتينا موسى الكتاب) أي ‪ :‬بعدما وصاكم بسلوك طريق الفضيلة‬
‫في قديم الدهر ‪( :‬آتينا موسى الكتاب) ]البقرة‪ ،‬الية ‪( : [53 :‬تماما على‬
‫الذي أحسن) أي ‪ :‬تتميما ً لكرامة الولية ونعمة النبوة مزيدا ً على الذي‬
‫أحسنه موسى من سلوك طريق الكمال وبلوغه إلى ما بلغ من مقام‬
‫المكالمة والقرب بالوجود الموهوب بعد الفناء في الوحدة‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى ‪( : :‬فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) ]العراف‪،‬‬
‫الية ‪ [143 :‬بالتكميل ودعوة الخلق إلى الحق ‪( :‬وتفصيل ً لكل شيء) يحتاج‬
‫إليه الخلق في المعاد ‪( :‬وهدى) لهم إلى ربهم في سلوك سبيله ‪( :‬‬
‫ورحمة) عليهم بإفاضة كمالته عليهم بواسطة موسى وكتابه ‪( :‬لعلهم بلقاء‬
‫ربهم يؤمنون) اليمان العلمي أو العياني‪( : .‬وهذا كتاب أنزلناه‬
‫مبارك) بزيادة الهداية إلى محض التوحيد والرشاد إلى سواء السبيل يهدي‬
‫بأقرب الطرق إلى أرفع الدرجات من الكمال ‪( :‬فاتبعوه واتقوا) كل ما‬
‫سوى الله حتى ذواتكم وصفاتكم ‪( :‬لعلكم ترحمون) رحمة الستقامة بالله‬
‫وفي الله بالوجود الموهوب‪( : .‬أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى‬
‫منهم) لقوة استعداداتنا وصفاء أذهاننا إن صدقتم ‪( :‬فقد جاءتكم بينة من‬
‫ربكم) بيان لكيفية سلوككم ‪( :‬وهدى) إلى مقصدكم ‪( :‬ورحمة) بتسهيل‬
‫طريقكم وتيسيرها إلى أشرف الكمالت‪( .‬هل ينظرون إل أن تأتيهم‬
‫الملئكة) لتوفي روحهم ‪( :‬أو يأتي ربك) بتجليه في جميع الصفات كما مرت‬
‫الشارة إليه من تحول الصورة في القيامة‪ ،‬فل يعرفه إل الموحدون‬
‫الكاملون‪ .‬وأما أهل المذاهب والملل المختلفة فل يعرفونه إل في صورة‬
‫معتقدهم ‪( :‬أو يأتي بعض آيات ربك) تجليه في بعض الصفات التي لم‬
‫يعرفوه بها ‪( :‬يوم يأتي بعض آيات ربك) بعض تجلياته التي لم يأنسوا بها أو‬
‫لم يعرفوها ‪( :‬ل ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) فإن الناس إما‬
‫محجوبون مطلقا ً أو ليسوا كذلك‪ ،‬وهم إما مؤمنون لعرفانهم ببعض الصفات‬
‫أو بكلها‪ ،‬والمؤمنون به العارفون إياه بكلها إما محبون للذات وإما محبون‬
‫للصفات‪ ،‬فإذا تجلى الحق ببعض الصفات ل ينفع إيمان المحجوبين مطلقا‪ً،‬‬
‫وإيمان المؤمنين الذين لم يعرفوه بهذه الصفة من قبل هذا التجلي‪ ،‬إذ‬
‫اليمان إنما ينفع إذا صار عقيدة ثابتة راسخة يتمثل بها القلب وتتنور بها‬
‫النفس وتشاهد بها الروح‪ ،‬ل الذي يقع عند الضطرار دفعة ‪( :‬أو كسبت في‬
‫إيمانها خيرا) كإيمان العارفين‪ ،‬المحبين للصفات‪ ،‬فإنهم وإن آمنوا به‬
‫وعرفوا بتجليه بكل الصفات‪ .‬فلما لم يكتسبوا المحبة الذاتية‪ ،‬والكمال‬
‫المطلق‪ ،‬وأحبوه ببعض الصفات‪ ،‬كالمنعم مثل ً أو اللطيف أو الرحيم فإذا‬
‫تجلى بصفة المنتقم أو القهار أو المبلي لم ينفعهم اليمان به‪ ،‬إذ لم‬
‫يطيعوه من قبل بهذا الوصف ولم يتمرنوا بتجليه ولم يحبوا الذات فيلتذوا‬
‫بشهوده في أي صفة كانت‪] .‬تفسير سورة النعام من آية ‪ 159‬إلى آية‬
‫‪( : [160‬إن الذين فرقوا دينهم) أي ‪ :‬جعلوا دينهم أهواء متفرقة‪ ،‬كالذين‬
‫غلبت عليهم صفات النفس بجذبهم هذه إلى شيء وهذه إلى شيء فحدثت‬
‫فيهم أهواء مختلفة‪ ،‬فبقوا حيارى ل جهة لهم ول مقصد ‪( :‬وكانوا‬
‫شيعا) فرقا ً مختلفة بحسب غلبة تلك الهواء يغلب على بعضهم الغضب‬
‫وعلى بعضهم الشهوة وإن دانوا بدين جعلوا دينهم بحسب غلبة هواهم مادة‬
‫التعصب ومدد استيلء تلك القوة الغالبة على القلب ولم يتعبدوا إل بعادات‬
‫وبدع‪ ،‬ولم ينقادوا إل لهواء وخدع‪ ،‬يعبد كل منهم إلها ً مجعول ً في وهمه‪،‬‬
‫مخيل ً في خياله ويجعله سبب الستطالة والتفرق على الخر كما نشاهد من‬
‫أهل المذاهب الظاهرة ‪( :‬لست منهم في شيء) أي ‪ :‬لست من هدايتهم‬
‫ودعوتهم إلى التوحيد في شيء إذ هم أهل التفرقة والحتجاب بالكثرة ل‬
‫يجتمع همهم ول يتحد قصدهم‪( : .‬إنما أمرهم إلى الله) في جزاء تفرقهم ل‬
‫إليك ‪( :‬ثم ينبئهم) عند ظهور هيآت نفوسهم المختلفة والهواء المتفرقة‬
‫عليهم بمفارقة البدان ‪( :‬بما كانوا يفعلون) من السيئات‪( : .‬من جاء‬
‫بالحسنة فله عشر أمثالها) هذا أقل درجات الثواب وذلك أن الحسنة تصدر‬
‫بظهور القلب‪ ،‬والسيئة بظهور النفس‪ ،‬فأقل درجات ثوابها أنه يصل إلى‬
‫مقام القلب الذي يتلو مقام النفس في الرتقاء تلو مرتبة العشرات للحاد‬
‫في العداد‪( : .‬ومن جاء بالسيئة فل يجزى إل مثلها) لنه ل مقام أدون من‬
‫مقام النفس‪ ،‬فينحط إليه بالضرورة فيرى جزاءه في مقام النفس بالمثل‪.‬‬
‫ومن هذا يعلم أن الثواب من باب الفضل فإنه يزيد به صاحبه ويتنور‬
‫استعداده ويزداد قبوله لفيض الحق فيتقوى على إضعاف ما فعل ويكتسب‬
‫به أجورا ً متضاعفة إلى غير نهاية بازدياد القبول عند فعل كل حسنة‪ ،‬وزيادة‬
‫القدرة والشغف على الحسنة عند زيادة الفيض إلى ما ل يعلمه إل الله‪ ،‬كما‬
‫قال بعد ذكر أضعافها إلى سبعمائة ‪( : :‬والله يضاعف لمن يشاء) ]البقرة‪،‬‬
‫الية ‪ [261 :‬وأن العقاب من باب العدل‪ ،‬إذ العدل يقتضي المساواة ومن‬
‫فعل بالنفس إذا لم يعف عنه يجازى بالنفس سواء وتذكر ما قيل في قوله‬
‫تعالى ‪( : :‬لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) ]البقرة‪ ،‬الية ‪ [286 :‬فإن‬
‫الفضيلة للنسان ذاتية موجبة لترقيه البتة‪ ،‬والرذيلة عارضة ظلمتها‬
‫للفطرة‪ ،‬فمهما لم تكن بقصد ونية من صاحبها أو كانت ولم يصر عليها‪،‬‬
‫عفي عنها ولم تحجب صاحبها‪ .‬وإن كانت وأصر عليها جوزي في مقام‬
‫النفس بالمثل‪ .‬والحسنة والسيئة المذكورتان هاهنا من قبيل العمال وإل‬
‫فرب سيئة من شخص تعادل حسنة من غيره‪ ،‬كما قال ‪ ' : u‬حسنات البرار‬
‫سيئات المقربين '‪ ،‬بوجود القلب عند الشهود‪ ،‬وسيئات البرار بظهور‬
‫النفس عند السلوك‪ ،‬وحسناتهم بظهور القلب‪ ،‬ورب سيئة توجب حجاب‬
‫ل‪] .‬تفسير سورة النعام من آية ‪ 161‬إلى آية‬ ‫البد كاعتقاد الشرك مث ً‬
‫‪( : [165‬قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) إلى طريق التوحيد‬
‫الذاتي ‪( :‬دينا قيما) ثابتا ً أبدا ً ل تغيره الملل والنحل ول تنسخه الشرائع‬
‫والكتب ‪( :‬ملة إبراهيم) التي أعرض بها عن كل ما سواه بالترقي عن جميع‬
‫المراتب مائل ً عن كل دين وطريق باطل فيه شرك ما‪ ،‬ولو بصفة من صفات‬
‫الله تعالى‪( : .‬قل إن صلتي) أي ‪ :‬حضوري بالقلب وشهودي بالروح ‪( :‬‬
‫ونسكي) أي ‪ :‬تقربي أو كل ما أتقرب به بالقلب ‪( :‬ومحياي) بالحق ‪( :‬‬
‫ومماتي) بالنفس كلها ‪( :‬لله) ل نصيب لي ول لحد غيري فيها لني قمت‬
‫به له بالفناء فل وجود لي ول لغيري حتى يكون لي حظ ونصيب ‪( :‬رب‬
‫العالمين) أي ‪ :‬له باعتبار الجمع في صورة تفاصيل الربوبية ‪( :‬ل شريك‬
‫له) في ذلك جمعا ً وتفصيل ً ‪( :‬وبذلك أمرت) أي ‪ :‬أمرت أن ل أرى غيره في‬
‫عين الجمع ول في صورة التفاصيل حتى أعمل له كما وصفني تعالى بقوله‬
‫‪( : :‬ما زاغ البصر وما طغى ‪] )17‬النجم‪ ،‬الية ‪ [17 :‬فهو المر والمأمور‪،‬‬
‫والرائي والمرئي ‪( :‬وأنا أول المسلمين) المنقادين للفناء فيه بإسلم‬
‫وجهي له باعتبار الرتبة في تفاصيل الذات وإل فل أول ول آخر ول مسلم‬
‫ول كافر‪( : .‬قل أغير الله) الذي هذا شأنه ‪( :‬أبغي ربا) فأطلب مستحيل ً أو‬
‫غير الذات الشامل لجميع الصفات الذي هو الكل من حيث هو كل أبغي‬
‫متعينا ً فيكون مربوبا ً ل ربا ً ‪( :‬وهو رب كل شيء) وما سواه باعتبار تفاصيل‬
‫صفاته مربوب ‪( :‬ول تكسب كل نفس) شيئا ً ‪( :‬ال) هو وبال ‪( :‬عليها) إذ‬
‫كسب النفس شرك في أفعاله تعالى‪ ،‬وكل من أشرك فوباله عليه‬
‫باحتجابه ‪( :‬ول تزر وازرة وزر أخرى) لرسوخ هيئة وزرها فيها ولزومه إياها‬
‫تحتجب هي به‪ ،‬فكيف يتعدى إلى غيرها‪( : .‬وهو الذي جعلكم خلئف) في‬
‫أرضه بإظهار كمالته في مظاهركم ليمكنكم إنفاذ أمره ‪( :‬ورفع بعضكم‬
‫فوق بعض درجات) في مظهرية كمالته على تفاوت درجات‬
‫الستعدادات‪( : ،‬ليبلوكم فيما آتاكم) من كمالته بحسب الستعدادات من‬
‫يقوم بحقوق ما ظهر منها عليه ومن ل يقوم‪ ،‬ومن يقوم بحقي في سلوك‬
‫طريقها حتى يظهرها الله بإخفاء صفات نفسه فيكون مؤديا ً لمانات الله‬
‫ومن ل يقوم فيكون خائنا ً وتظهر عليكم أعمالكم بحسبها فيترتب عليها‬
‫الجزاء معًا‪ ،‬إما بمثوبة الحتجاب حالة التقصير فيكون ربك سريع العقاب‪،‬‬
‫وإما بمثوبة البروز والنكشاف فيكون غفورا ً يستر أفعالكم وصفات‬
‫نفوسكم الساترة الحاجبة لتلك الصفات اللهية والكمالت الربانية‪ ،‬رحيما ً‬
‫يرحمكم بإظهارها عليكم‪ ،‬والله أعلم بحقائق المور‪.‬‬

‫)سورة العراف(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم(‬

‫]تفسير سورة العراف من آية ‪ 1‬إلى آية ‪( : [7‬المص كتاب أنزل إليك) إلى‬
‫قوله ‪( :‬ذكرى للمؤمنين) )ا( إشارة إلى الذات الحدية‪ ،‬و )ل( إلى الذات مع‬
‫صفة العلم كما مر‪ ،‬و )م( إلى التميمة الجامعة التي هي معنى محمد‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫نفسه وحقيقته‪ ،‬و )ص( إلى الصورة المحمدية التي هي جسده وظاهره‪.‬‬
‫وعن ابن عباس‪ ،‬أنه قال ‪ ' : e‬جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن حين ل ليل‬
‫ول نهار '‪ ،‬أشار بالجبل إلى جسد محمد‪ ،‬وبعرش الرحمن إلى قلبه‪ .‬كما ورد‬
‫في الحديث ‪ ' :‬قلب المؤمن عرش الله '‪ .‬وجاء ‪ ' :‬ل يسعني أرضي ول‬
‫سمائي‪ ،‬ويسعني قلب عبدي المؤمن '‪ .‬وقوله ‪ ' :‬حين ل ليل ول نهار '‬
‫إشارة منه إلى الوحدة‪ ،‬لن القلب إذا وقع في ظل أرض النفس واحتجب‬
‫بظلمة صفاتها كان في الليل‪ ،‬وإذا طلع عليه نور شمس الروح واستضاء‬
‫بضوئه كان في النهار‪ ،‬وإذا وصل إلى الوحدة الحقيقية بالمعرفة والشهود‬
‫الذاتي واستوى عنده النور والظلمة كان وقته ل ليل ً ول نهارًا‪ ،‬ول يكون‬
‫عرش الرحمن إل في هذا الوقت‪ .‬فمعنى الية ‪ :‬إن وجود الكل من أوله إلى‬
‫آخره ‪( :‬كتاب أنزل إليك) أي ‪ :‬أنزل إليك علمه ‪( :‬فل يكن في صدرك حرج‬
‫منه) أي ‪ :‬ضيق من حمله‪ ،‬فل يسعه لعظمته فيتلشى بالفناء في الوحدة‬
‫والستغراق في عين الجمع والذهول عن التفصيل‪ ،‬إذ كان عليه ‪ e‬في مقام‬
‫الفناء محجوبا ً بالحق عن الخلق كلما رد عليه الوجود‪ ،‬وحجب عنه الشهود‬
‫الذاتي وظهر عليه بالتفصيل‪ ،‬ضاق عنه وعاؤه وارتكب عليه وزر وثقل‪،‬‬
‫ولهذا خوطب بقوله تعالى ‪( : :‬ألم نشرح لك صدرك )‪ (1‬ووضعنا عنك وزرك‬
‫)‪] )(2‬الشرح‪ ،‬اليات ‪ [2 - 1 :‬بالوجود الموهوب الحقاني‪ ،‬والستقامة في‬
‫البقاء بعد الفناء بالتمكين ليسع صدرك الجمع والتفصيل والحق والخلق‪،‬‬
‫فلم يبق عليك وزر في عين الجمع ول حجاب بأحدهما عن الخر ‪( :‬لتنذر به)‬
‫وتذكر تذكيرا ً ‪( :‬للمؤمنين) باليمان الغيبي‪ ،‬أي ‪ :‬ل يضق صدرك منه ليمكنك‬
‫النذار والتذكير‪ ،‬إذ لو ضاق لبقي في حال الفناء‪ ،‬ل يرى إل الحق في‬
‫الوجود وينظر إلى الحق بنظر العدم المحض فكيف ينذر ويذكر ويأمر‬
‫وينهى‪ .‬على تقدير القسم‪ .‬فمعناه بالكل من أوله إلى آخره‪ ،‬أو باسم الله‬
‫العظم إذ )ص( حامل العرش والعرش يسع الذات والصفات والمجموع هو‬
‫السم العظم‪ ،‬لهو كتاب أنزل إليك علمه‪ ،‬أو ‪ :‬لهذا القرآن كتاب أنزل إليك‪.‬‬
‫]تفسير سورة العراف من آية ‪ 8‬إلى آية ‪( : [9‬والوزن يومئذ الحق) الوزن‬
‫هو العتبار‪ ،‬أي ‪ :‬اعتبار العمال حين قامت القيامة الصغرى‪ .‬هو الحق‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫العدل أو الثابت أو الوزن العدل يومئذ‪( : .‬فمن ثقلت موازينه) أي ‪ :‬رجحت‬
‫موزوناته بأن كانت باقيات صالحات ‪( :‬فأولئك هم المفلحون) الفائزون‬
‫بصفات الفطرة‪ ،‬ونعيم جنة الصفات في مقام القلب ‪( :‬ومن خفت‬
‫موازينه) موزوناته بأن كانت من المحسوسات الفانية ‪( :‬فأولئك الذين‬
‫خسروا أنفسهم) ببيعها باللذات العاجلة السريعة الزوال وإفنائها في دار‬
‫الفناء مع كونها بضاعة البقاء‪ .‬واعلم أن لسان ميزان الحق هو صفة العدل‬
‫وإحدى كفتيه هو عالم الحس‪ ،‬والكفة الخرى هو عالم العقل فمن كانت‬
‫مكاسبه من المعقولت الباقية والخلق الفاضلة والعمال الخيرية‬
‫المقرونة بالنيات الصادقة‪ ،‬ثقلت أي ‪ :‬كانت ذات قدر ووزن‪ ،‬إذ ل قدر أرجح‬
‫من البقاء الدائم‪ .‬ومن كانت مقتنياته من المحسوسات الفانية واللذات‬
‫الزائلة والشهوات الفاسدة والخلق الرديئة والشرور المردية‪ ،‬خفت أي ‪ :‬ل‬
‫قدر لها ول اعتداد بها‪ ،‬ول خفة أخف من الفناء‪ ،‬فخسرانهم هو أنهم‬
‫أضاعوا استعدادهم الصلي في طلب الحطام الدنيوي وتحصيل المآرب‬
‫النفسانية بسبب ظهورهم بصفات أنفسهم وظلمهم بصفات الله تعالى‬
‫بالتكذيب بها‪ ،‬أي ‪ :‬بإخفائها بصفات أنفسهم‪( .‬خلقتني من نار وخلقته من‬
‫طين) خلقت القوة الوهمية من ألطف أجزاء الروح الحيوانية التي تحدث‬
‫في القلب من بخارية الخلط ولطافتها وترتقي إلى الدماغ‪ ،‬وتلك الروح‬
‫هي آخر ما في البدن فلذلك سماها نارًا‪ .‬والحرارة توجب الصعود والترفع‪،‬‬
‫وقد مر أن كل قوة ملكوتية تطلع على خواص ما تحتها دون ما فوقها وعلى‬
‫الكمالت البدنية وخواصها وكمالت الروح الحيوانية وخواصها‪ ،‬واحتجابها‬
‫عن الكمالت النسانية الروحانية والقلبية هو صورة إنكارها وعلة إبائها‬
‫واستكبارها‪ ،‬وتعديها عن طورها بالحكم في المعاني المعقولة والمجردات‬
‫والمتناع عن قبول حكم العقل هو صورة إبائها عن السجود‪( : .‬فما يكون‬
‫لك أن تتكبر فيها) إذ التكبر‪ ،‬وهو التظاهر بما ليس فيه من الفضيلة من‬
‫صفات النفس‪ ،‬فل يليق بالحضرة الروحانية التي تزعم أنك من أهلها‬
‫بالترفع على العقل‪( : ،‬فأخرج)‪ ،‬فلست من أهلها الذين هم العزة ‪( :‬إنك‬
‫من الصاغرين) من القوى النفسانية الملزمة للجهة السفلية الدائمة الهوان‬
‫بملزمة البدان ‪( :‬إلى يوم يبعثون) من قبور البدان وأجداث صفات النفس‬
‫بعد الموت الرادي في القيامة الوسطى بحياة القلب وخلص الفطرة من‬
‫حجب النشأة‪ ،‬أو يبعثون بعد الفناء في الوحدة في القيامة الكبرى بالوجود‬
‫الموهوب الحقاني والحياة الحقيقية‪ ،‬والمبعوث الول هو المخلص بكسر‬
‫اللم‪ ،‬والثاني هو المخلص بالفتح ول سبيل لبليس إلى إغوائهما ‪( :‬فبما‬
‫أغويتني) إقسام وإبليس محجوب عن الذات الحدية دون الصفات والفعال‪،‬‬
‫فشهوده للفعال وتعظيمه لها إقسام بها كما أقسم بعزته في قوله ‪( : :‬‬
‫فبعزتك لغوينهم أجمعين) ]ص‪ ،‬الية ‪( : .[82 :‬لقعدن لهم صراطك) أي ‪:‬‬
‫أعترضن لهم في طريق التوحيد الذاتي وأمنعنهم عن سلوكها بأن أشغلهم‬
‫بما سواك‪ ،‬ولتينهم من الجهات الربع التي يأتي منها العدو في الشاهد‬
‫لن إتيانه من أسفل‪ ،‬أي ‪ :‬من جهة الحكام الحسية والتدابير الجزئية من‬
‫باب المصالح الدنيوية غير موجب للضللة‪ ،‬بل قد ينتفع به في العلوم‬
‫الطبيعية والرياضية وبه يستعين العقل فيها كما مر في تأويل قوله ‪( : :‬‬
‫لكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) ]المائدة‪ ،‬الية ‪ .[66 :‬وإتيانه من فوق‬
‫غير ممكن له إذ الجهة العلوية هي التي تلي الروح ويرد منها اللهامات‬
‫الحقة واللقاءات الملكية وتفيض المعارف والحقائق الروحية فبقيت‬
‫الجهات الربع مواقع وساوسه‪ .‬أما من بين يديه فبأن يؤمنه من مكر الله‬
‫ويغره بأن الله غفور رحيم فل يخاف فيثبطه عن الطاعات‪ .‬وأما من خلفه‬
‫فبأن يخوفه من الفقر وضيعة الولد من خلفه فيحرضه على الجمع‬
‫والدخار لهم ولنفسه في المستقبل عند تأميله طول العمر‪ .‬وأما من جهة‬
‫اليمين‪ ،‬فبأن يزين عليه فضائله ويعجبه بفضله وعلمه وطاعته ويحجبه عن‬
‫الله برؤية تفضيله‪ .‬وأما عن شماله فبأن يحمله على المعاصي والمقابح‬
‫ويدعوه إلى الشهوات واللذات‪( : .‬ول تجد أكثرهم شاكرين) مستعملين‬
‫لقواهم وجوارحهم وما أنعم الله به عليهم في طريق الطاعة والتقرب إلى‬
‫الله‪( : .‬لمن تبعك منهم لملن جهنم) الطبيعة التي هي أسفل مراتب‬
‫الوجود ‪( :‬منكم أجمعين) محجوبين عن لذة النعيم البدي وذوق البقاء‬
‫السرمدي والكمالت الروحانية والكمالت الحقانية معذبين بنيران الحرمان‬
‫عن المراد في انقلبات عالم التضاد وتقلبات الكون والفساد‪] .‬تفسير‬
‫سورة العراف من آية ‪ 19‬إلى آية ‪( : [23‬ليبدي لهما ما وري عنهما من‬
‫سوآتهما) أي ‪ :‬ليظهر عليهما بالميل إلى الطبيعة ما حجب عنهما عند‬
‫التجرد من المور الطبيعية واللذات البدنية والرذائل الخلقية والفعال‬
‫الحيوانية والصفات السبعية والبهيمية التي يستحيي النسان من إظهارها‬
‫ويستهجن إفشاءها وتحمله المروءة على إخفائها لكونها عورات عند العقل‬
‫يأنف منها ويستقبحها ‪( :‬وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إل أن تكونا‬
‫ملكين) أي ‪ :‬أوهمهما أن في التصال بالطبيعة الجسمانية والمادة‬
‫الهيولنية لذات ملكية وإدراكات وأفعال ً وخلودا ً فيها أو ملكا ً ورياسة على‬
‫القوى وسائر الحيوانات دائما ً بغير زوال إن قرئ ملكين بكسر اللم كما‬
‫قال ‪( : :‬أدلك على شجرة الخلد وملك ل يبلى) ]طه‪ ،‬الية ‪ .[120 :‬وزين لها‬
‫من المصالح الجزئية والزخارف الحسية التي ل تنال إل باللت البدنية في‬
‫صورة الناصح المين‪( .‬فدلهما) أي ‪ :‬فنزلهما إلى التعلق بها والسكون إليها‬
‫بما غرهما من التزيي بزي الناصحين وإفادة توهم دوام اللذات البدنية‬
‫والرياسة النسية وسول لهما من المنافع البدنية والشهوات النفسية ‪( :‬‬
‫وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) أي ‪ :‬يكتمان الغواشي الطبيعية‬
‫بالداب الحسنة والعادات الجميلة التي هي من تفاريع الراء العقلية‬
‫ومستنبطات القوة العاقلة العملية ويخفيانها بالحيل العلمية ‪( :‬وناداهما‬
‫ربهما ألم أنهكما) صورة النهي هو ما ركز في العقول من الميل إلى التجرد‬
‫وإدراك المعقولت والتجافي عن المواد والمحسوسات وقوله لهما ‪( : :‬إن‬
‫الشيطان لكما عدو مبين) ما ألهم العقل من منافاة أحكام الوهم ومضادة‬
‫مدركاته والوقوف على مخالفاته ومكابراته إياه ونداؤه إياهما بذلك هو‬
‫التنبيه على ذلك المعنى على سبيل الخاطر والتذكير له بعد التعلق والنغمار‬
‫في اللذات الطبيعية عند البلوغ وظهور أنوار العقل والفهم عليهما‪.‬‬
‫وقولهما ‪( : :‬ربنا ظلمنا أنفسنا) هو لتنبه النفس الناطقة على نقصانها من‬
‫جهة الطبيعة وانطفاء نورها وانكسار قوتها وحصول الداعي فيها على‬
‫طلب الكمال بالتجرد ‪( :‬وإن لم تغفر لنا) بإلباسنا النوار الروحانية‬
‫وإفاضتها مشرقة علينا ‪( :‬وترحمنا) بإفاضة المعارف الحقيقية ‪( :‬لنكونن‬
‫من) الذين أتلفوا الستعداد الصلي الذي هو مادة السعادة والبقاء بصرفها‬
‫في دار الفناء‪ ،‬وحرموا عن الكمال التجردي بملزمة النقص الطبيعي‪.‬‬
‫]تفسير سورة العراف من آية ‪ 24‬إلى آية ‪( : [28‬لباسا يواري‬
‫سوآتكم) أي ‪ :‬شريعة تستر قبائح أوصافكم وفواحش أفعالكم ‪( :‬وريشا) أي‬
‫‪ :‬جمال ً يبعدكم عن شبه النعام المهملة ويزينكم بالخلق الحسنة والعمال‬
‫الجميلة ‪( :‬ولباس التقوى) أي ‪ :‬صفة الورع والحذر من صفة النفس ‪( :‬ذلك‬
‫خير) من جملة أركان الشرائع لنه أصل الدين وأساسه كالحمية في العلج ‪:‬‬
‫(ذلك من آيات الله) أي ‪ :‬من أنوار صفاته‪ ،‬إذ الجتناب عن صفات النفس ل‬
‫يحصل ول يتيسر إل بظهور تجليات صفات الحق‪ .‬وإلى هذا أشار القوم‬
‫بقولهم ‪ :‬إن الله ل يتصرف في شيء من العبد إل ويعوضه أحسن منه من‬
‫جنسه ‪( :‬لعلكم تذكرون) عند ظهور تجليات لباسكم النوري الصلي أو جوار‬
‫الحق الذي كنتم تسكنون فيه بهداية أنوار الصفات ‪( :‬ل يفتنكم‬
‫الشيطان) عن دخول الجنة وملزمتها بنزع لباس الشريعة والتقوى عنكم ‪( :‬‬
‫كما أخرج أبويكم) منها بنزع اللباس الفطري النوري‪] .‬تفسير سورة‬
‫العراف من آية ‪ 29‬إلى آية ‪( : [30‬قل أمر ربي بالقسط) أي ‪ :‬العدالة‬
‫والستقامة ‪( :‬وأقيموا وجوهكم) ذواتكم الموجودة بمنعها عن الميل والزيغ‬
‫إلى طرفي الفراط والتفريط في العدالة‪ ،‬وعن التلوينات في‬
‫الستقامة ‪( :‬عند كل مسجد) أي ‪ :‬كل مقام سجود أو وقت سجود‪ ،‬والسجود‬
‫أربعة أقسام ‪ :‬سجود النقياد والطاعة وإقامة الوجه فيه بالخلص‪،‬‬
‫والجتناب عن الرياء والنفاق في العمل لله‪ ،‬واللتفات إلى الغير فيه‪،‬‬
‫ومراعاة موافقة المر مع صدق النية والمتناع عن المخالفة في جميع‬
‫المور وهي العدالة وسجود الفناء في الفعال وإقامة الوجه فيه بالقيام‬
‫بحقه بحيث ل يرى هو مؤثرا ً غير الله ول يرى مؤثرا ً من نفسه ول من غيره‪،‬‬
‫وسجود الفناء في الصفات‪ ،‬وإقامة الوجه عنده بالمحافظة على شرائطه‬
‫بحيث ل يرى زينة ذاته بها ول يريد ول يكره شيئا ً من غير أن يميل إلى‬
‫الفراط بترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر ول إلى التفريط‬
‫بالتسخط على المخالف وسجود الفناء في الذات‪ ،‬وإقامة الوجه عنده‬
‫بالغيبة عن البقية‪ ،‬والنطماس بالكلية والمتناع عن إثبات النية والثنينية‬
‫فل يطغى بحجاب النائية ول يتزندق بالباحة وترك الطاعة‪( : .‬وادعوه‬
‫مخلصين له الدين) في المقام الول بتخصيص العمل لله به‪ ،‬وفي الثاني‬
‫والثالث برؤية الدين والطاعة من الله‪ ،‬وفي الرابع برؤيته بالله‪ ،‬فيكون الله‬
‫هو المتدين بدينه ليس لغيره فيه نصيب ‪( :‬كما بدأكم) بإظهاركم‬
‫واختفائه ‪( :‬تعودون) بفنائكم فيه واختفائكم ليظهر‪( : .‬فريقا هدى) إليهم‬
‫بهذا الطريق ‪( :‬وفريقا حق عليهم) كلمة ‪( :‬الضللة) بسبب اتخاذهم‬
‫شياطين القوى النفسانية الوهمية والتخيلية ‪( :‬أولياء من دون‬
‫الله) لمناسبة ذواتهم في الظلمة والكدورة والبعد عن معدن النور إياهم‪،‬‬
‫والجنسية التي بينهم في الركون إلى الجهة السفلية‪ ،‬والميل إلى الزخارف‬
‫الطبيعية ‪( :‬ويحسبون أنهم مهتدون) لن سلطان الوهم بالحسبان‪( .‬خذوا‬
‫زينتكم عند كل مسجد) أي ‪ :‬لزموها وتمسكوا بها‪ ،‬فزينة المقام الول من‬
‫السجود هي الخلص في العمل لله‪ ،‬وزينة المقام الثاني هي التوكل‬
‫ومراعاة شرائطه‪ ،‬وزينة المقام الثالث هي القيام بحق الرضا‪ ،‬وزينة المقام‬
‫الرابع هي التمكين في التحقق بالحقيقة الحقية ومراعاة حقوق الستقامة‬
‫وشرائطها ‪( :‬وكلوا واشربوا ول تسرفوا) بالمحافظة على قانون العدالة‬
‫فيها ‪( :‬قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) أي ‪ :‬من منعهم من جنس‬
‫هذه الزينة المذكورة المطلقة وقال إنه ل يمكنهم التزين بها واستحال ذلك‬
‫منهم تمسكا ً بأن الله مانعهم‪( : .‬والطيبات) من رزق علوم الخلص وعلوم‬
‫مقام التوكل والرضا والتمكين ‪( :‬خالصة يوم القيامة) عن شوب التلوينات‬
‫وظهور شيء من بقايا الفعال والصفات والذات‪( : .‬قل إنما حرم ربي‬
‫الفواحش) أي ‪ :‬رذائل القوة البهيمية ‪( :‬والثم والبغي) أي ‪ :‬رذائل القوة‬
‫السبعية ‪( :‬وأن تشركوا) إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬رذائل القوة النطقية الملكية لنها‬
‫صفات نفسانية مانعة عن الزينة المذكورة التي هي الكمالت النسانية‬
‫مضادة لها‪( .‬فمن اتقى وأصلح) أي ‪ :‬اتقى البقية في الفناء وأصلح‬
‫بالستقامة عند البقاء ‪( :‬فل خوف عليهم ول هم يحزنون) لكونهم في مقام‬
‫الولية‪( : .‬والذين كذبوا بآياتنا) أي ‪ :‬أخفوا صفاتنا بصفات أنفسهم ‪( :‬‬
‫واستكبروا عنها) بالشيطنة ‪( :‬أولئك أصحاب) نار الحرمان ‪( :‬وبينهما حجاب)‬
‫أي ‪ :‬وبين أصحاب الجنة وبني أصحاب النار حجاب به كل منهم محجوب عن‬
‫صاحبه‪ .‬والمراد بأصحاب الجنة ههنا ‪ :‬أهل ثواب العمال من البرار والزهاد‬
‫والعباد الذين جنتهم جنة النفوس‪ ،‬وإل فأهل جنة القلوب والرواح ل‬
‫يحجبون عن أصحاب النار ‪( :‬وعلى العراف) أي ‪ :‬على أعالي ذلك الحجاب‬
‫الذي هو حجاب القلب الفارق بين الفريقين هؤلء عن يمينه وهؤلء عن‬
‫شماله ‪( :‬رجال) هم العرفاء أهل الله وخاصته ‪( :‬يعرفون كل) من الفريقين‬
‫‪( :‬بسيماهم) يسلمون على أهل الجنة بإمداد أسباب التزكية والتحلية‬
‫والنوار القلبية وإفاضة الخيرات والبركات عليهم‪ ،‬لم يدخلوا الجنة لتجردهم‬
‫عن ملبس صفات النفوس وطيباتها وترقيهم عن طورهم فل يشغلهم عن‬
‫الشهود الذاتي ومطالعة التجلي الصفاتي نعيم ‪( :‬وهم) أي ‪ :‬أصحاب الجنة ‪:‬‬
‫(يطمعون) في دخولهم ليقتبسوا من نورهم ويستضيئوا بأشعة وجوههم‪،‬‬
‫ويستأنسوا بحضورهم‪( .‬وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار) أي ‪ :‬ل‬
‫ينظرون إليهم طوعا ً ورأفة ورحمة ورضا‪ ،‬بل كراهة واعتبارا ً كأن صارفا ً‬
‫صرف أبصارهم إليهم ‪( :‬ربنا ل تجعلنا مع القوم الظالمين) أي ‪ :‬ل تزغ‬
‫قلوبنا بعد إذ هديتنا‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين علي ‪ ' : u‬أعوذ بالله من‬
‫الضللة بعد الهدى '‪ .‬وقال النبي ‪ ' : e‬اللهم ثبت قلبي على دينك '‪ ،‬فقيل له‬
‫‪ :‬أما غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال ‪ ' : e‬أو ما يؤمنني أن‬
‫مثل القلب كمثل ريشة في فلة‪ ،‬تقلبها الرياح كيف شاءت‪( : .‬ولقد جئناهم‬
‫بكتاب فصلناه على علم) أي ‪ :‬البدن النساني المفصل إلى أعضاء وجوارح‬
‫وآلت وحواس تصلح للستكمال على ما يقتضيه العلم اللهي وتأويله ما‬
‫يؤول إليه أمره في العاقبة من النقلب إلى ما ل يصلح لذلك عند البعث من‬
‫هيئات وصور وأشكال تناسب صفاتهم وعقائدهم على مقتضى قوله‬
‫تعالى ‪( : :‬سيجزيهم وصفهم) ]النعام‪ ،‬الية ‪ ،[139 :‬كما قال تعالى ‪( : :‬‬
‫ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) ]النعام‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪( .[97‬إن ربكم الله الذي خلق السماوات والرض في ستة أيام) أي ‪ :‬اختفى‬
‫في صور سماء الرواح وأرض الجساد في ستة آلف سنة لقوله تعالى ‪( : :‬‬
‫وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) ]الحج‪ ،‬الية ‪ [47 :‬أي ‪ :‬من لدن‬
‫خلق آدم إلى زمان محمد عليهما الصلة والسلم لن الخلق هو اختفاء الحق‬
‫في المظاهر الخلقية وهذه المدة من ابتداء دور الخفاء إلى ابتداء الظهور‬
‫الذي هو زمان ختم النبوة وظهور الولية‪ ،‬كما قال ‪ ' : e‬إن الزمان قد‬
‫استدار كهيئته يوم خلق الله في السموات والرض '‪ ،‬لن ابتداء الخفاء‬
‫بالخلق هو انتهاء الظهور‪ ،‬فإذا انتهى الخفاء إلى الظهور عاد إلى أول‬
‫الخلق كما مر‪ ،‬ويتم الظهور بخروج المهدي ‪ u‬في تتمة سبعة أيام ولهذا‬
‫قالوا ‪ :‬مدة الدنيا سبعة آلف سنة‪( : .‬ثم استوى على العرش) أي ‪ :‬عرش‬
‫القلب المحمدي بالتجلي التام فيه بجميع صفاته كما ذكر في معنى )ص( ‪( :‬‬
‫يغشى) ليل البدن وظلمة الطبيعة نهار نور الروح ‪( :‬يطلبه) بتهيئته‬
‫واستعداده لقبوله باعتدال مزاجه سريعًا‪ ،‬وشمس الروح وقمر القلب ونجوم‬
‫الحواس ‪( :‬مسخرات بأمره) الذي هو الشأن المذكور في قوله تعالى ‪( : :‬‬
‫كل يوم هو في شأن) ]الرحمن‪ ،‬الية ‪( : .[29 :‬أل له) اليجاد بالقدرة‬
‫والتصريف بالحكمة‪ ،‬أو أل له التكوين والبداع‪ .‬وإن حمل السموات والرض‬
‫على الظاهر فاليام الستة هي الجهات الست‪ ،‬إذ يعبر عن الحوادث باليام‬
‫كقوله تعالى ‪( : :‬وذكرهم بأيم الله) ]إبراهيم‪ ،‬الية ‪ [5 :‬أي ‪ :‬خلق عالم‬
‫الجسام في الجهات الست ثم استعلى متمكنا ً على العرش بالتأثير فيه‬
‫بإثبات صور الكائنات عليه‪ .‬وللعرش ظاهر وباطن‪ ،‬فظاهره هو السماء‬
‫التاسعة التي تنتقش فيها صور الكائنات بأسرها ويتبع وجودها وعدمها‬
‫المحو والثبات فيها على ما سيأتي في تأويل قوله تعالى ‪( : :‬يمحوا الله ما‬
‫يشاء ويثبت) ]الرعد‪ ،‬الية ‪ [39 :‬إن شاء الله‪ .‬وباطنه هو العقل الول‬
‫المرتسم بصور الشياء على وجه كلي‪ ،‬المعبر عنه ببطنان العرش كما جاء ‪:‬‬
‫' نادى منادى من بطنان العرش '‪ ،‬وهو محل القضاء السابق‪ ،‬فالستواء عليه‬
‫قصد الستعلء عليه بالتأثير في إيجاد الشياء بإثبات صورها عليه قصدا ً‬
‫مستويا ً من غير أن يلوي إلى شيء غيره‪( .‬هذه ناقة الله لكم آية) الناقة‬
‫لصالح ‪ u‬كالعصا لموسى ‪ u‬والحمار لعيسى والبراق لمحمد عليهما السلم‪،‬‬
‫فإن لكل أحد من النبياء وغيرهم مركبا ً هو نفسه الحيوانية الحاملة لحقيقته‬
‫التي هي النفس النسانية وتنتسب بالصفة الغالبة إلى ما يتصف بتلك‬
‫الصفة من الحيوانات فيطلق عليه اسمه‪ ،‬فمن كانت نفسه مطواعة منقادة‬
‫من غاية اللين حمولة قوية متذللة فمركبه ناقة ونسبتها إلى الله لكونها‬
‫مأمورة بأمره مختصة به في طاعته وقربه‪ .‬وما قيل ‪ :‬إن الماء قسم بينها‬
‫وبينهم‪ ،‬لها شرب يوم ولهم شرب يوم‪ ،‬إشارة إلى أن مشربهم من القوة‬
‫العاقلة العملية‪ ،‬ومشربها من العاقلة النظرية‪ .‬وما روي أنها يوم شربها‬
‫كانت تتفجح فيحلب منها اللبن حتى ملؤوا أوانيهم‪ ،‬إشارة إلى أن نفسه‬
‫تستخرج بالفكر من علومه الكلية الفطرية العلوم النافعة للناقصين من‬
‫علوم الخلق والشرائع والداب‪ .‬وخروجها من الجبل ‪ :‬ظهورها من بدن‬
‫صالح ‪ .u‬هذا هو التأويل مع أن القرار بظاهرها واجب‪ ،‬فإن ظهور‬
‫المعجزات وخوارق العادات حق ل ننكر شيئا ً منها‪ .‬وما يؤيد التأويل تسوية‬
‫النبي عليه ‪ e‬عاقرها بقاتل علي ‪ ،u‬حيث قال ‪ ' :‬يا علي‪ ،‬أتدري من أشقى‬
‫الولين ؟ ' قال ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪ ' : e‬عاقر ناقة صالح '‪ ،‬ثم قال ‪: e‬‬
‫' أتدري من أشقى الخرين ؟ '‪ ،‬قال ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪ ' : e‬قاتلك '‪.‬‬
‫وروي أنه قال ‪ ' : e‬من خضب هذا بهذا ' وأشار بيده إلى لحيته ورأسه‪( .‬‬
‫فألقى عصاه) ظاهره إعجاز موسى كما هو مروي‪ .‬والتأويل هو ‪ :‬أن العصا‬
‫إشارة إلى نفسه التي يتوكأ عليها أي ‪ :‬يعتمد عليها في الحركات والفعال‬
‫الحيوانية ويهش بها على غنم القوة البهيمية السليمية‪ ،‬ورق الداب الجميلة‬
‫والملكات الفاضلة والعادات الحميدة من شجرة الفكر‪ ،‬وكانت نفسه من‬
‫حسن سياسته إياها ورياضته لها‪ ،‬منقادة لتصرفاته‪ ،‬مطواعة لوامره‪،‬‬
‫مرتدعة عن أفعالها الحيوانية إل بإذنه كالعصا‪ .‬وإذا أرسلها عند الحتجاج في‬
‫مقابلة الخصوم صارت كالثعبان يتلقف ما يأفكون من أكاذيبهم الباطلة‬
‫ويزورون من حبال شبهاتهم التي بها تحكم دعاويهم‪ ،‬وعصي مغالطاتهم‬
‫ومزخرفاتهم التي تمسكوا بها عند الخصام في إثبات مقاصدهم فتغلبهم‬
‫وتقهرهم‪( : .‬ونزع يده) أي ‪ :‬أظهر قدرته الباهرة التي تبهرهم وتظهر نور‬
‫حقية دعواه‪ ،‬والظاهر أنه كان الغالب على زمانه هو السحر‪ ،‬فخرج بالسحر‬
‫اللهي كما أن الغالب على زمان محمد عليه ‪ e‬كان هو الفصاحة‪ ،‬فكانت‬
‫معجزة القرآن‪ .‬وعلى زمان عيسى ‪ u‬الطب‪ ،‬فجاء بالطب اللهي على ما‬
‫روي لن معجزة كل نبي يجب أن تكون من جنس ما غلب على زمانه ليكون‬
‫أدعى إلى إجابة دعواه‪] .‬تفسير سورة العراف من آية ‪ 142‬إلى آية‬
‫‪( : [144‬وواعدنا موسى ثلثين ليلة) قيل ‪ :‬أمره بصوم ثلثين فلما أتم أنكر‬
‫خلوف فمه‪ ،‬فتسوك فعاتبه الله على ذلك وأمره بزيادة عشر‪ ،‬وقيل ‪ :‬أمره‬
‫بأن يتقرب إليه بما تقرب به في الثلثين‪ ،‬وأنزل إليه التوراة في العشر‬
‫الخير تتمة الربعين‪ .‬فالول ‪ :‬إشارة إلى أنه خلص عن حجاب الفعال‬
‫والصفات والذات في الثلثين لكن بقي منه بقية ما خلص عن وجودها‪.‬‬
‫واستعمال السواك إشارة إلى ظهور تلك البقية عند قوله ‪( : :‬رب أرني‬
‫أنظر إليك)‪ .‬والثاني ‪ :‬إشارة إلى أنه بلغ الشهود الذاتي التام في الثلثين‬
‫بالسلوك إلى الله ولم يبق منه بقية‪ ،‬بل فنى بالكلية‪ .‬وتم في العشر الخير‬
‫سلوكه في الله حتى رزق البقاء بالله بعد الفناء بالفاقة‪ ،‬وعلى هذا ينبغي‬
‫أن يكون قوله ‪( : :‬رب أرني أنظر إليك) كان قد صدر عنه في الثلثين‪،‬‬
‫والفاقة بعدها في تتمة الربعين‪ .‬وكلمة ربه‪ ،‬التكليم في مقام تجلي‬
‫الصفات‪ ،‬وقوله ‪( : :‬رب أرني أنظر إليك) بدر عن إفراط شوق منه إلى‬
‫شهود الذات في مقام فناء الصفات مع وجود البقية‪ .‬و ‪( :‬لن تراني) إشارة‬
‫إلى استحالة الثنينية وبقاء النية في مقام المشاهدة كقوله ‪) % :‬إذا‬
‫تغيبت بدا ‪ %‬وإن بدا غيبني( ‪ %‬وقوله ‪ :‬رأيت ربي بعين ربي ‪( :‬ولكن انظر‬
‫إلى الجبل) أي ‪ :‬جبل وجودك ‪( :‬فإن استقر مكانه) أمكنت رؤيتك إياي‪،‬‬
‫وذلك من باب التعليق بالمحال ‪( :‬جعله دكًا) أي ‪ :‬متلشيا ً ل وجود له أصل ‪( :‬‬
‫ً‬
‫وخر موسى) عن درجة الوجود فانيا ً ‪( :‬فلما أفاق) بالوجود الموهوب‬
‫الحقاني عند البقاء بعد الفناء ‪( :‬قال سبحانك) أن تكون مرئيا ً لغيرك‪ ،‬مدركا ً‬
‫لبصار الحدثان ‪( :‬تبت إليك) عن ذنب البقية ‪( :‬وأنا أول المؤمنين) بحسب‬
‫الرتبة ل بحسب الزمان‪ ،‬أي ‪ :‬أنا في الصف الول من صفوف مراتب الرواح‬
‫الذي هو مقام أهل الوحدة وذلك مقام الصطفاء المحض‪ .‬وقوله ‪( : :‬إني‬
‫اصطفيتك على الناس برسالتي) هو أول درجة الستنباء بعد الولية ‪( :‬فخذ‬
‫ما آتيتك) بالتمكين ‪( :‬وكن من الشاكرين) بالستقامة في القيام بحق‬
‫العبودية‪ ،‬كما قال النبي ‪ ' : e‬أو ل أكون عبدا ً شكورا ً '‪] .‬تفسير سورة‬
‫العراف من آية ‪ 145‬إلى آية ‪( : [146‬في اللواح) أي ‪ :‬اللواح تفاصيل‬
‫وجود موسى من روحه وقلبه وعقله وفكره وخياله‪ .‬وإلقاؤها عند الغضب‬
‫هو الذهول عنها والتجافي عن حكم ما فيها كما يحكم أحدنا بحسن الحلم‬
‫والتحمل للذى‪ ،‬ثم ينسى عند سورة الغضب ول يتذكر شيئا ً مما في عقله‬
‫من علمه عند ظهور نفسه ‪( :‬فخذها بقوة) أي ‪ :‬بعزيمة لتكون من أولي‬
‫العزم ‪( :‬وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) أي ‪ :‬بالعزائم دون الرخص ‪( :‬سأريكم‬
‫دار الفاسقين) أي ‪ :‬عاقبة الذين ل يأخذون بها‪( : .‬سأصرف عن آياتي الذين‬
‫يتكبرون في الرض بغير الحق) لن التكبر من صفات النفس‪ ،‬فهم في‬
‫مقام النفس محجوبون عن آيات الصفات التي تكون في مقام القلب دون‬
‫المتكبرين بالحق الذين اتصفوا بصفة الكبرياء في مقام المحو والفناء‪،‬‬
‫فقام كبرياؤه تعالى مقام تكبرهم‪ ،‬كما قال جعفر الصادق ‪ u‬في جواب من‬
‫قال له ‪ :‬فيك كل فضيلة إل أنك متكبر ! فقال ‪ ' :‬لست بمتكبر‪ ،‬ولكن كبرياء‬
‫الله تعالى قام مني مقام التكبر '‪( .‬والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الخرة) أي ‪:‬‬
‫ستروا بصفاتهم صفاتنا وبأفعالهم أفعالنا فوقفوا مع الثار وعموا عن لقاء‬
‫الخرة وجنة النفوس والفعال ‪( :‬حبطت أعمالهم) ولو كان التكذيب‬
‫بالصفات مجردا ً عن التكذيب بلقاء الخرة لما حبطت أعمالهم‪ ،‬وإن عذبوا‬
‫حينا ً بنوع من العذاب ‪( :‬سبعين رجل) من أشرافهم ونجبائهم أهل الستعداد‬
‫وصفاء النفس والرادة والطلب والسلوك وهم المصعوقون في قوله تعالى‬
‫‪( : :‬فأخذتهم الصاعقة) ]الذاريات‪ ،‬الية ‪( : .[44 :‬فلما أخذتهم الرجفة) أي ‪:‬‬
‫رجفة جبل البدن التي هي من مبادئ صعقة الفناء عند طيران بوارق النوار‬
‫وظهور طوالع تجليات الصفات من اقشعرار الجسد وتأثره وارتعاده بها‪،‬‬
‫ولهذا قال موسى ‪ u‬عندها ‪( : :‬رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي) إذ ل‬
‫قول لموسى ‪ u‬عند الصعقة ول لهم لفنائهم عندها‪ ،‬وقوله ‪( : : e‬رب لو‬
‫شئت)‪ ،‬كلمة ضجر وفقدان صبر من غلبة الشوق عند ألم الفراق‪ ،‬كما قال‬
‫محمد ‪ e‬في مثل هذه الحالة ‪ ' :‬ليت أمي لم تلدني‪ ،‬وكذا ليت رب محمد لم‬
‫يخلق محمدا ً '‪ ،‬وهم بإلقاء نفسه عن الجبل‪ .‬ولو هذه للتمني‪( : .‬‬
‫أتهلكنا) بطول الحجاب وعذاب الحرمان وألم الفراق ‪( :‬بما فعل السفهاء‬
‫منا) من عبادة عجل هوى النفس والحتجاب بصفاتها أو بما صدر منا حالة‬
‫السفه قبل التيقظ والستبصار وإرادة السلوك وظهور نور البصيرة‬
‫والعتبار من الوقوف مع النفس وصفاتها ‪( :‬إن هي إل فتنتك) أي ‪ :‬ما هذا‬
‫البتلء بصفات النفس وعبادة الهوى إل ابتلؤك ل مدخل فيها لغيرك ‪( :‬‬
‫تضل من تشاء) من أهل الحجب والشقاوة والجهل والعمى ‪( :‬وتهدي من‬
‫تشاء) من أهل السعادة والعناية والعلم والهدى‪ ،‬قالها في مقام تجلي‬
‫الفعال‪( : .‬أنت) متولي أمورنا القائم بها ‪( :‬فاغفر لنا) ذنوب صفاتنا‬
‫وذواتنا كما غفرت لنا ذنوب أفعالنا ‪( :‬وارحمنا) بإفاضة أنوار شهودك ورفع‬
‫حجاب الينية بوجودك ‪( :‬وأنت خير الغافرين) بالمغفرة التامة‪( : .‬واكتب لنا‬
‫في هذه الدنيا حسنة) العدالة والستقامة بالبقاء بعد الفناء ‪( :‬وفي الخرة‬
‫حسنة) المشاهدة والزيادة ‪( :‬إنا هدنا) رجعنا ‪( :‬إليك) عن ذنوب وجودنا ‪( :‬‬
‫قال عذابي) أي ‪ :‬عذاب الشوق المخصوص بي الحاصل من جهتي‪ ،‬وإن كان‬
‫أليما ً لشدة ألم الفراق‪ ،‬لكنه أمر عزيز خطير ‪( :‬أصيب به من أشاء) من أهل‬
‫العناية من عبادي الخاصة بي ‪( :‬ورحمتي وسعت كل شيء) ل تختص بأحد‬
‫دون أحد غيره وشيء دون شيء ففي هذا العذاب رحمة ل يبلغ كنهها ول‬
‫يقدر قدرها من رحمة لذة الوصول التي قال فيها ‪( : :‬فل تعلم نفس ما‬
‫أخفي لهم من قرة أعين) ]السجدة‪ ،‬الية ‪ [17 :‬مع كونه لذيذا ً ل يقاس‬
‫بلذته لذة‪ ،‬كما قال أحدهم ‪) % :‬وكل لذيذ قد نلت منه ‪ %‬سوى ملذوذ وجدي‬
‫بالعذاب( ‪ %‬ولعمري إن هذا العذاب أعز من الكبريت الحمر‪ .‬وأما الرحمة‬
‫فل يخلو من حظ منها أحد ‪( :‬فسأكتبها) تامة كاملة رحيمية كتبة خاصة ‪( :‬‬
‫للذين يتقون) الحجب كلها ويفيضون مما رزقوا من الموال والخلق‬
‫والعلوم والحوال على مستحقيها ‪( :‬والذين هم) بجميع صفاتنا يتصفون‬
‫وهم ‪( :‬الذين يتبعون الرسول النبي المي) في آخر الزمان‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫المحمديون الذين اتبعوا في التقوى وصفه بقوله تعالى له ‪( : :‬وما رميت إذ‬
‫رميت ولكن الله رمى) ]النفال‪ ،‬الية ‪ ،[17 :‬وبقوله تعالى ‪( : :‬وما ينطق‬
‫عن الهوى )‪] )(3‬النجم‪ ،‬الية ‪ ،[3 :‬وقوله تعالى ‪( : :‬ما زاغ البصر وما طغى‬
‫)‪] )17‬النجم‪ ،‬الية ‪ .[17 :‬وفي إيتاء الزكاة قوله تعالى ‪( : :‬وأما السائل فل‬
‫تنهر )‪ (10‬وأما بنعمة ربك فحدث )‪] )(11‬الضحى‪ ،‬الية ‪ ،[11 - 10 :‬وفي‬
‫اليمان باليات قوله ‪ ' : e‬أوتيت جوامع الكلم‪ ،‬وبعثت لتمم مكارم الخلق '‪.‬‬
‫(ومن قوم موسى أمة) أي ‪ :‬أولئك المتبعون هم المفلحون بالرحمة التامة‪،‬‬
‫وأمة من قوم موسى موحدون ‪( :‬يهدون) الناس ‪( :‬بالحق) ل بأنفسهم ‪( :‬‬
‫وبه يعدلون) بين الناس في حال الستقامة والتمكين ‪( :‬إذ تأتيهم حيتانهم‬
‫يوم سبتهم شرعا ويوم ل يسبتون ل تأتيهم) ما كان إل كحال السلميين‬
‫من أهل زماننا في اجتماع أنواع الحظوظ النفسانية من المطاعم‬
‫والمشارب والملهي والمناكح ظاهرة في السواق والمواسم والشوارع‬
‫والمحافل يوم الجمعات دون سائر اليام‪ ،‬وما ذلك إل ابتلء من الله بسبب‬
‫الفسق‪] .‬تفسير سورة العراف من آية ‪ 179‬إلى آية ‪( : [194‬أولئك‬
‫كالنعام) لفقدان إدراك الحقائق والمعارف التي تقربهم من الله بالقلوب‬
‫وعدم العتبار بالعين والذكار والفهم بالسماع ‪( :‬بل هم أضل) لوجود‬
‫الشيطنة فيهم الموجبة للبعد بفساد العقائد وكثرة المكايد ‪( :‬ولله السماء‬
‫الحسنى) قد مر أن كل اسم هو الذات مع صفة‪ ،‬والله يدبر كل أمر باسم‬
‫من أسمائه ‪( :‬فادعوه) عند الفتقار إلى ذلك السم به إما بلسان الحال كما‬
‫أن الجاهل إذا طلب العلم يدعوه باسمه العليم‪ ،‬والمريض إذا طلب الشفاء‬
‫يدعوه باسمه الشافي‪ ،‬والفقير إذا طلب الغنى يدعوه باسمه المغني‪ ،‬كل‬
‫بتحصيل الستعداد الذي استلزم قبوله لتأثير ذلك السم وأثر تلك الصفة‪.‬‬
‫وأما بلسان القال كما إذا قال الول ‪ :‬يا رب‪ ،‬يريد به يا عليم‪ ،‬لختصاص‬
‫ربوبيته بذلك السم‪ .‬والثاني ‪ :‬يريد بيا رب يا شافي‪ .‬والثالث ‪ :‬يا مغني‪.‬‬
‫وأما بلسان الفعل كما يدعوه الطالب السالك باتصافه بتلك الصفة فإذا فنى‬
‫عن علمه بعلمه دعاه باسمه ‪ :‬العليم‪ ،‬وإذا وجد شفاء دائه منه وطلب منه أن‬
‫يشفي غيره باتصافه بصفة الشفاء دعاه باسمه ‪ :‬الشافي‪ ،‬وإذا استغنى عن‬
‫فقره به دعاه باسمه ‪ :‬الغني‪ .‬وهذه هي الدعوة المأمور بها الموحدون من‬
‫المؤمنين فليمتثلوا‪( : .‬وذروا الذين يلحدون في أسمائه) يطلبون هذه‬
‫الصفات من غيره ويضيفونها إليه فيشركون به‪ .‬المراد بالساعة ‪ :‬وقت‬
‫ظهور القيامة الكبرى‪ ،‬أي ‪ :‬الوحدة الذاتية بوجود المهدي ول يعلم وقتها إل‬
‫الله كما قال النبي عليه ‪ e‬في وقت خروج المهدي ‪ ' :‬كذب الوقاتون '‪،‬‬
‫ولعمري ما يعلمها عند وقوعها أيضا ً إل الله كما هي قبل وقوعها‪( : .‬ثقلت‬
‫في السماوات والرض) إذ ل يسع أهلها علمها‪( : .‬إن الذين تدعون من دون‬
‫الله) كائنين من كانوا‪ ،‬ناسا ً كانوا أو غيرهم ‪( :‬عباد أمثالكم) في العجز‬
‫وعدم التأثير ‪( :‬فادعوهم) إلى أمر ل ييسره الله لكم ‪( :‬فليستجيبوا‬
‫لكم) إلى تيسيره ‪( :‬إن كنتم صادقين) في نسبة التأثير إلى الغير‪ ،‬كما قال‬
‫النبي عليه ‪ e‬لبن عباس ' يا غلم‪ ،‬احفظ الله يحفظك‪ ،‬احفظ الله تجده‬
‫تجاهك‪ .‬وإذا سألت فاسأل الله‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن بالله‪ .‬واعلم أن المة‬
‫لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه الله لك‪،‬‬
‫ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إل بشيء كتبه الله عليك‪،‬‬
‫رفعت القلم وجفت الصحف '‪( : .‬ألهم أرجل يمشون بها) استفهام على‬
‫سبيل النكار‪ ،‬أي ‪ :‬ألهم أرجل ولكن ل يمشون بها بل بالله‪ ،‬إذ هو الذي‬
‫يمشيهم بها وكذا سائر الجوارح ‪( :‬قل ادعوا شركاءكم) من الجن‬
‫والنس ‪( :‬ثم كيدون) إن استطعتم فإن متولي أمري وحافظي ومديري‬
‫هو ‪( :‬الله الذي) يعلمني بتنزيل الكتاب ‪( :‬وهو يتولى) كل صالح‪ ،‬أي ‪ :‬كل‬
‫من قام به في حال الستقامة‪ .‬وكلما ورد الصالح في وصف نبي من‬
‫النبياء أريد به الباقي بالحق بالستقامة والتمكين بعد الفناء في عين الجمع‬
‫القائم بإصلح النوع بإذن الحق ‪( :‬وتراهم ينظرون إليك وهم ل يبصرون) أي‬
‫‪ :‬إن تدع المطبوع على قلوبهم من المشركين وغيرهم إلى الهدى ل‬
‫يسمعوا ول يطيعوا وتراهم مع صحة البصر والنظر ل يبصرون الحق ول‬
‫حقيقتك لنهم عمي القلوب في الحقيقة‪( : .‬خذ العفو) أي ‪ :‬السهل الذي‬
‫يتيسر لهم ول تكلفهم ما ل يتيسر لهم ‪( :‬وأمر بالعرف) أي ‪ :‬بالوجه الجميل‬
‫‪( :‬وأعرض عن الجاهلين) بعدم مكافأة جهلهم‪ .‬وعن المام جعفر الصادق ‪: t‬‬
‫' أمر الله نبيه بمكارم الخلق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الخلق‬
‫منها '‪ .‬قال ذلك لقوة دللتها على التوحيد‪ ،‬فإن من شاهد مالك النواصي‬
‫وتصرفه في عباده وكونهم فيما يأتون ويذرون به ل بأنفسهم‪ ،‬ل يشاقهم‬
‫ول يداقهم في تكاليفهم ول يغضب في المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬ول يتشدد عليهم ويحلم عنهم‪( : .‬وإما ينزغنك من الشيطان‬
‫نزغ) أي ‪ :‬نخس وداعية قوية تحملك على مناقشتهم برؤية الفعل منهم‬
‫ونسبة الذنب إليهم ‪( :‬فاستعذ بالله) بالشهود والحضور لفاعليته ‪( :‬إنه‬
‫سميع) يسمع أحاديث النفس ووساوس الشيطان في الصدر ‪( :‬‬
‫عليم) بالنيات والسرار‪] .‬تفسير سورة العراف من آية ‪ 201‬إلى آية‬
‫‪( : [206‬إن الذين اتقوا) الشرك ‪( :‬إذا مسهم طائف) لمسة ‪( : %‬من‬
‫الشيطان) بنسبة الفعل إلى الغير ‪( :‬تذكروا) مقام التوحيد ومشاهدة‬
‫الفعال من الله ‪( :‬فإذا هم مبصرون) فعالية الله‪ ،‬فل يبقى شيطان ول‬
‫فاعل غير الله في نظرهم‪ .‬وإخوان الشياطين من المحجوبين ‪( :‬‬
‫يمدونهم) في نسبة الفعل إلى غيره فل يقصرون من العناد والمراء‬
‫والجهل ‪( :‬لول اجتبيتها) أي ‪ :‬هل اجتمعتها من تلقاء نفسك ‪( :‬قل إنما أتبع‬
‫ما يوحى إلي من ربي) أي ‪ :‬ل أفتعل بنفسي‪ ،‬بل أبلغ عن الله ول أقول إل‬
‫ما يوحى إلي منه به لني قائم به ل بنفسي ‪( :‬فاستمعوا له) أي ‪ :‬إلى الله‬
‫ول تستمعوا إل منه ‪( :‬وأنصتوا) عن حديث النفس وغيره‪ ،‬فإن المتكلم به‬
‫هو الله ‪( :‬لعلكم ترحمون) برحمة تجلي المتكلم في كلمه بصفاته وأفعاله ‪:‬‬
‫(واذكر ربك) حاضرا ً ‪( :‬في نفسك) كقوله تعالى ‪( : :‬لقد كان لكم في‬
‫رسول الله أسوة حسنة) ]الحزاب‪ ،‬الية ‪( : .[21 :‬تضرعا) في مقام‬
‫التفصيل للجمع ‪( :‬وخيفة) في السر من النفس أو خيفة أن يكون للنفس‬
‫فيه نصيب ‪( :‬ودون الجهر) أي ‪ :‬دون أن يظهر لك التضرع والذكر منك‪ ،‬بل‬
‫تكون ذاكرا ً به له في غدو ظهور نور الروح وإشراقه وغلبته‪ ،‬وآصال غلبات‬
‫صفات النفس وقواها ‪( :‬ول تكن) في حال من الحوال‪ ،‬وخصوصا ً حال‬
‫غلبات النفس وصفاتها ‪( :‬من الغافلين) عن شهود الوحدة الذاتية‪( : .‬إن‬
‫الذين عند ربك) بالتوحيد والفناء فيه باقين به ذوي الستقامة ‪( :‬ل‬
‫يستكبرون عن عبادته) بسبب احتجابهم بالنائية بل يشاهدون التفصيل في‬
‫عين الجمع فيذعنون له ‪( :‬ويسبحونه) ينزهونه عن الشرك بنفي النائية ‪( :‬‬
‫وله يسجدون) بالفناء التام‪ ،‬وطمس البقية‪ ،‬وآثار الينة‪ ،‬والله الباقي بعد‬
‫فناء الخلق‪.‬‬

‫)سورة النفال(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم(‬

‫]تفسير سورة النفال من آية ‪ 1‬إلى آية ‪( : [4‬يسألونك عن‬


‫النفال) احتجبوا بأفعالهم فاعترضوا على فعل الله ورسوله‪ ،‬أي ‪ :‬فعل الله‬
‫في مظهر الرسول‪ ،‬فأمروا بتقوى الفعال‪ ،‬أي ‪ :‬الجتناب عنها برؤية فعل‬
‫الله‪ ،‬وإصلح ذات البين بمحو صفات النفوس التي هي مصادر أفعالهم‬
‫الموجبة للتنازع والتخالف حتى يرجعوا إلى اللفة والمحبة القلبية بظهور‬
‫أنواع الصفات ‪( :‬وأطيعوا الله ورسوله) بفناء صفاتها ليتيسر لكم قبول‬
‫المر بالرادة القلبية‪( : .‬إن كنتم مؤمنين) اليمان الحقيقي ‪( :‬إنما‬
‫المؤمنون) باليمان الحقيقي ‪( :‬الذين إذا ذكر الله) ذكر الصفات الذي‬
‫للقلب ل ذكر الفعال الذي للنفس ‪( :‬وجلت قلوبهم) تأثرت بتصور العظمة‬
‫والبهاء والقهر والكبرياء وإشراق أنوار تجليات تلك الصفات عليها ‪( :‬وإذا‬
‫تليت عليهم آياته) أي ‪ :‬جليت عليهم صفاته في المظاهر الكلمية ‪( :‬زادتهم‬
‫إيمانا) حقيقيا ً بالترقي عن مقام العلم إلى العين ‪( :‬وعلى ربهم‬
‫يتوكلون) أي ‪ :‬يصححون مقام التوكل بفناء الفعال ويتممونه في مقام‬
‫فناء الصفات‪ .‬فإن تصحيح كل مقام إنما يتم بالترقي عنه والنظر إليه من‬
‫مقام فوقه‪( : .‬الذين يقيمون) صلة الحضور القلبي بمشاهدة الصفات‬
‫والترقي فيها بتجلياتها ‪( :‬ومما رزقناهم) من علوم التوكل في مقام فناء‬
‫الفعال أو علوم تجليات الصفات في السير فيها ‪( :‬ينفقون) بالعمل بها‬
‫والفاضة على مستحقيها‪( : .‬أولئك هم المؤمنون حقا) اليمان الحقيقي ‪( :‬‬
‫لهم درجات عند ربهم) من مراتب الصفات وروضات جنات القلب ‪( :‬‬
‫ومغفرة) من ذنوب الفعال ‪( :‬ورزق كريم) من باب تجليات الصفات‬
‫وعلومها‪( .‬كما أخرجك) أي ‪ :‬هذه الحال يعني حالهم في العتراض عليك‬
‫في باب التنقيل كحالهم في العتراض عليك عند إخراج ربك إياك لنهم لما‬
‫احتجبوا عن فعل الله بأفعالهم رأوا الفعلين منك فكرهوا خروجك كما‬
‫كرهوا تنفيلك وما فطنوا لخراج ربك إياك ‪( :‬من بيتك بالحق) أي ‪ :‬ملتبسا ً‬
‫بالحق‪ ،‬خارجا ً به ل بنفسك‪ ،‬فيكون بالحق حال ً من مفعول ‪ :‬أخرجك‪ ،‬أو‬
‫خروجا ً ملتبسا ً بالذي هو الصواب والحكمة ‪( :‬يجادلونك في الحق) لحتجابهم‬
‫بأفعالهم وصفاتهم ‪( :‬بعدما تبين) عليك حاله بالتجلي أو تبين عليهم آثاره‬
‫بالمعجزات من قبل‪ ،‬أو بإعلمك إياهم بأن النصرة لهم‪] .‬تفسير سورة‬
‫النفال من آية ‪ 7‬إلى آية ‪( : [10‬ويريد الله أن يحق الحق بكلماته) أي ‪ :‬يثبته‬
‫بملئكته السماوية التي أمدهم بها‪( : .‬إذ تستغيثون ربكم) بالبراءة عن‬
‫حولكم وقوتكم إليه والنسلخ عن حجب أفعالكم بتيقن أن التأثير والقوة‬
‫منه ل منكم ول من عدوكم ‪( :‬فاستجاب) دعوتكم عند ذلك التجرد عن‬
‫ملبس الفعال وصفات النفس ب ‪( :‬أني ممدكم) من عالم الملكوت‬
‫لجنسية قلوبكم إياها حينئذ ‪( :‬بألف من الملئكة) بعالم من ملكوت القهر‪،‬‬
‫أي ‪ :‬من القوى السماوية وروحانياتها التي تناسب قلوبكم في تلك الحالة‬
‫كما مرت الشارة إليه في )آل عمران( واختلف العدد في الموضعين إما‬
‫لن المراد الكثرة ل العدد المخصوص وإما لن قوله ‪( : :‬مردفين) هنا يدل‬
‫على اتباعهم بطائفة أخرى منهم وإمدادهم إما بأن يتجسدوا ويتمثلوا لهم‬
‫ل‪ ،‬فيتهيبوا منهم‪ ،‬وإما بأن‬ ‫بصورة المقاتلة كما تتمثل الصور في المنام مث ً‬
‫يصل أثرهم وقهرهم إليه فيهلكوا وينهزموا‪( : .‬وما) جعل ‪( :‬الله) المداد ‪( :‬‬
‫ال) بشارة لكم بالنصر وطمأنينة لقلوبكم بالتصال بها عند التجرد عن‬
‫ملبس النفس وأحوالها‪ ،‬ل أن النصر منها فإن النصر ليس ‪( :‬إل من عند‬
‫الله) لكن حكمته تقتضي تعليق الشياء بأسبابها ‪( :‬إن الله) قوي على النصر‬
‫غالب ‪( :‬حكيم) يفعله على مقتضى الحكمة‪( .‬إذ يغشيكم) نعاس هدو القوى‬
‫البدنية والصفات النفسانية بنزول السكينة أمنا ً من عند الله وطمأنينة ‪( :‬‬
‫وينزل عليكم من) سماء الروح ‪( :‬ماء) علم اليقين ‪( :‬ليطهركم به) من خبث‬
‫أحاديث النفس وهواجس الوهم ‪( :‬ويذهب عنكم رجز) وسوسة ‪( :‬الشيطان)‬
‫وتخويفه ‪( :‬وليربط على قلوبكم) أي ‪ :‬ليقوي قلوبكم بقوة اليقين ويسكن‬
‫جأشكم ‪( :‬ويثبت به القدام) إذ الشجاعة وثبات القدم في المخاوف‬
‫والمهالك ل تكون إل بقوة اليقين‪( : .‬إذ يوحي ربك إلى الملئكة أني‬
‫معكم) أي ‪ :‬يمد الملكوت بالجبروت فيعلموا من عالم الجبروت أن الله‬
‫ناصرهم ‪( :‬فثبتوا الذين آمنوا) بالتأييد التصالي ‪( :‬سألقي في قلوب الذين‬
‫كفروا الرعب) لنقطاعهم عن المداد السماوي والتأييد اللهي واستيلء‬
‫الشك وقوة الوهم عليهم ‪( :‬فاضربوا فوق العناق) أي ‪ :‬ثبتوهم بتلقين هذا‬
‫المعنى‪ ،‬وشجعوهم بإلقاء هذا القول عليهم أو بإراءتهم هذا الفعل منكم‬
‫كما هو المروي‪( : .‬فلم تقتلوهم) أدبهم وهداهم إلى فناء الفعال بسلب‬
‫الفعال عنهم وإثباتها لله تعالى‪ .‬ولما كان النبي عليه ‪ e‬في مقام البقاء‬
‫بالحق نسب الفعل إليه بقوله ‪( : :‬إذ رميت) مع سلبه عنه بما رميت وإثباته‬
‫لله بقوله ‪( : :‬ولكن الله رمى) ليفيد معنى التفصيل في عين الجمع‪ ،‬فيكون‬
‫الرامي محمدا ً بالله تعالى ل بنفسه‪ ،‬وما نسب إليهم من الفعل شيئا ً إذ لو‬
‫فعلوا لفعلوا بأنفسهم ‪( :‬وليبلي المؤمنين منه بلء حسنا) أي ‪ :‬عطاء جميل ً‬
‫هو توحيد الفعال فعل ذلك ‪( :‬إن الله سميع) بأحاديث نفوسكم‪ ،‬أنا قتلناهم‬
‫‪( :‬عليم) بأنه هو القاتل وإن أظهر الفعل على مظاهركم ‪( :‬ول تولوا عنه‬
‫وأنتم تسمعون) أي ‪ :‬ل تعرضوا عنه مع السماع لن أثر السماع الفهم‬
‫والتصديق‪ ،‬وأثر الفهم والرادة‪ ،‬وأثر الرادة الطاعة‪ ،‬فل يصح دعوى السماع‬
‫مع العراض إذ هما ل يجتمعان‪ ،‬فلزموا الطاعة بالرادة إن كنتم صادقين‬
‫في دعوى السماع ‪( :‬ول تكونوا كالذين) يدعون السماع وليسوا منه في‬
‫شيء لكونهم محجوبين عن الفهم والقبول كالدواب‪ ،‬بل هم شر الدواب‬
‫عند الله‪ ،‬لما مر‪( : .‬ولو علم الله فيهم خيرا) وصلحًا‪ ،‬أي ‪ :‬استعدادا ً لقبول‬
‫كمال سمعهم حتى فهموا وقبلوا وأطاعوا ‪( :‬ولو أسمعهم) مع عدم الخير‬
‫فيهم حتى فهموا لما كان لفهمهم أثر من الرادة والطاعة‪ ،‬بل تولوا سريعا ً‬
‫لكون ذلك الفهم فيهم أمرا ً عارضيا ً سريع الزوال ل ذاتيا ً ‪( :‬وهم‬
‫معرضون) بالذات‪ ،‬فل يلبث فيهم الفهم والرادة كما قال أمير المؤمنين ‪: t‬‬
‫' خذ الحكمة ولو من أهل النفاق‪ ،‬فإن الحكمة لتتلجلج في صدر المنافق‬
‫حتى تسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن '‪ ،‬أي ‪ :‬ل تثبت في صدره لكونها‬
‫عارضية هناك ل تناسب ذاته‪] .‬تفسير سورة النفال من آية ‪ 24‬إلى آية‬
‫‪( : [25‬يا أيها الذين آمنوا) بالغيب ‪( :‬استجيبوا) بالتزكية والتصفية ‪( :‬إذا‬
‫دعاكم لما) يحيي قلوبكم من العلم الحقيقي أو آمنوا اليمان التحقيقي‪،‬‬
‫استجيبوا بالسلوك إلى الله وفيه إذا دعاكم إليه لحيائكم به‪ .‬هذا إذا كانت‬
‫استجابة الله والرسول استجابة واحدة‪ ،‬أما إذا كانت متغايرة فمعناه ‪:‬‬
‫استجيبوا لله بالباطن والعمال القلبية‪ ،‬وللرسول بالظاهر والعمال‬
‫النفسية‪ ،‬أو استجيبوا لله بالفناء في الجمع‪ ،‬وللرسول بمراعاة حقوق‬
‫التفصيل إذا دعاكم إلى الستقامة لما يحييكم من البقاء بالله فيها‪ ،‬كل ذلك‬
‫قبل زوال الستعداد فإن الله يحول بين المرء وقلبه بزوال الستعداد‬
‫وحصول الحجاب بارتكاب الرين‪ ،‬فانتهزوا الفرصة ول تؤخروا الستجابة ‪( :‬‬
‫وأنه إليه تحشرون) فيجازيكم من صفاته وذاته على حسب محوكم وفنائكم‪.‬‬
‫‪( :‬واتقوا فتنة) شركا ً وحجابا ً ‪( :‬ل تصيبن) تلك الفتنة ‪( :‬الذين ظلموا منكم)‬
‫بإزالة الستعداد أو نقصه لستعماله في غير موضعه وصرفه فيما دون‬
‫الحق ‪( :‬خاصة) لنفرادهم بالظلم‪ .‬ومعنى ل تصيبن النهي‪ ،‬أي ‪ :‬إن تصب‬
‫تصبهم خاصة‪ ،‬كقوله تعالى ‪( : :‬ول تزر وازرة وزر أخرى) ]النعام‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ ،[164‬ويجوز أن يكون المعنى ‪ :‬ل تصيبنهم خاصة‪ ،‬بل تشملهم وغيرهم‬
‫بشؤم صحبتهم وتعدي رذيلتهم إلى من يخالطهم كقوله تعالى ‪( : :‬ظهر‬
‫الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) ]الروم‪ ،‬الية ‪( : ،[41 :‬‬
‫واعلموا أن الله شديد العقاب) بتسليط الهيآت الظلمانية التي اكتسبتها‬
‫القلوب عليها وحجبها عنه وتعذيبها بها‪] .‬تفسير سورة النفال من آية ‪26‬‬
‫إلى آية ‪( : [33‬واذكروا إذ أنتم قليل) القدر‪ ،‬لجهلكم وانقطاعكم عن نور‬
‫العلم ‪( :‬مستضعفون في) أرض النفس ‪( :‬تخافون أن يتخطفكم‬
‫الناس) أي ‪ :‬ناس القوى الحسية لضعف نفوسكم ‪( :‬فآواكم) إلى مدينة‬
‫العلم ‪( :‬وأيدكم بنصره) في مقام توحيد الفعال ‪( :‬ورزقكم من) طيبات‬
‫علوم تجليات الصفات ‪( :‬لعلكم تشكرون) نعمة العلوم والتجليات بالسلوك‬
‫فيه‪( : .‬ل تخونوا الله) بنقض ميثاق التوحيد الفطري السابق ‪( :‬‬
‫و) تخونوا ‪( :‬الرسول) بنقض العزيمة ونبذ العقد اللحق ‪( :‬وتخونوا‬
‫أماناتكم) من المعارف والحقائق التي استودع الله فيكم بحسب الستعداد‬
‫الول في الزل بإخفائها بصفات النفس ‪( :‬وأنتم تعلمون) أنكم حاملوها‪ ،‬أو‬
‫تعلمون أن الخيانة من أسوأ الرذائل وأقبحها ‪( :‬واعلموا أنما أموالكم‬
‫وأولدكم فتنة) أي ‪ :‬حجاب لكم لشتغالكم بها عن الله‪ ،‬أو شرك لمحبتكم‬
‫إياها كحب الله ‪( :‬وأن الله عنده أجر عظيم) فاطلبوه بالتجرد عنها ومراعاة‬
‫حق الله فيها‪( : .‬إن تتقوا الله) بالجتناب عن نقض العهد وفسخ العزيمة‬
‫وإخفاء المانة ومحبة الموال والولد حتى تفنوا فيه ‪( :‬يجعل لكم‬
‫فرقانا) نورا ً يفرق به بين الحق والباطل من طور العقل الفرقاني ‪( :‬‬
‫ويكفر عنكم سيئاتكم) أي ‪ :‬سيئات نفوسكم ‪( :‬ويغفر لكم ذنوبكم) أي ‪:‬‬
‫ذنوب ذواتكم ‪( :‬والله ذو الفضل العظيم) بإعطاء الوجود الموهوب الحقاني‬
‫والعقل الفرقاني‪( : .‬وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) لن العذاب صورة‬
‫الغضب وأثره فل يكون إل من غضب النبي أو من غضب الله المسبب من‬
‫ذنوب المة‪ ،‬والنبي ‪ e‬كان صورة الرحمة لقوله تعالى ‪( : :‬وما أرسلناك إل‬
‫رحمة للعالمين ‪] )107‬النبياء‪ ،‬الية ‪ [107 :‬ولهذا إذ كسروا رباعيته قال ‪: e‬‬
‫' اللهم اهد قومي فإنهم ل يعلمون '‪ ،‬ولم يغضب كما غضب نوح ‪ ،u‬وقال ‪: :‬‬
‫(رب ل تذر على الرض من الكافرين ديارًا) ]نوح‪ ،‬الية ‪ [26 :‬فوجوده فيهم‬
‫مانع من نزول العذاب‪ ،‬وكذا وجود الستغفار‪ .‬فإن السبب الولي للعذاب‬
‫لما كان وجود الذنب‪ ،‬والستغفار مانع من تراكم الذنب وثباته بل يوجب‬
‫زواله فل يتسبب لغضب الله‪ ،‬فما دام الستغفار فيهم فهم ل يعذبون‪ .‬ت‬
‫]فسير سورة النفال من آية ‪ 34‬إلى آية ‪( : 40‬وما لهم أل يعذبهم‬
‫الله) أي ‪ :‬ليس عدم نزول العذاب لعدم استحقاقهم لذلك بحسب أنفسهم‪،‬‬
‫بل إنهم مستحقون بذواتهم لصدورهم وصدهم المستعدين عن مقام القلب‬
‫وعدم بقاء الخيرية فيهم ولكن يمنعه وجودك ووجود المؤمنين المستغفرين‬
‫معك فيهم‪ .‬واعلم أن الوجود المكاني يتبع الخير الغالب‪ ،‬لن الوجود‬
‫الواجبي هو الخير المحض‪ ،‬فما رجح خيره على شره فهو موجود بوجوده‬
‫بالمناسبة الخيرية‪ ،‬وإذا غلب الشر لم تبق المناسبة فلزم استئصاله وإعدامه‬
‫فهم ما داموا على الصورة الجتماعية كان الخير فيهم غالبا ً فلم يستحقوا‬
‫الدمار بالعذاب‪ .‬وأما إذا تفرقوا ما بقي شرهم إل خالصا ً فوجب تدميرهم‬
‫كما وقع في وقعة بدر‪ .‬ومن هذا يظهر تحقيق المعنى الثاني في قوله‬
‫تعالى ‪( : :‬واتقوا فتنة ل تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ]النفال‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ [25‬لغلبة الشر على المجموع حينئذ‪ ،‬ولهذا قال أمير المؤمنين ‪ ' : u‬كان‬
‫في الرض أمانان‪ ،‬فرفع أحدهما وبقي الخر‪ .‬فأما الذي رفع فهو رسول‬
‫الله ‪ ،e‬وأما الذي بقي فالستغفار ' وقرأ هذه الية‪( : .‬يصدون عن المسجد‬
‫الحرام) صورة لصدودهم وإعراضهم عن معناه الذي هو القلب بالركون إلى‬
‫النفس وصفاتها‪ ،‬وصدهم المستعدين عنه بإغرائهم على المور النفسانية‬
‫واللذات الطبيعية‪( : .‬وما كانوا أولياءه) لبعدهم عن الصفة وغلبة ظلمة‬
‫النفس واستيلء صفاتها عليهم‪ ،‬واحتجابهم عنه بالكفر المستفاد من‬
‫الدين ‪( :‬إن أولياؤه إل المتقون) الذين اتقوا صفات النفس وأفعالها ‪( :‬‬
‫ولكن أكثرهم ل يعلمون) أن البيت صورة القلب الذي هو بيت الله بالحقيقة‬
‫فل يستحق وليته إل أهل التقوى من الموحدين دون المشركين‪] .‬تفسير‬
‫سورة النفال من آية ‪ 41‬إلى آية ‪( : [42‬واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن‬
‫لله خمسه) إلى قوله ‪( : :‬والله شديد العقاب) ل يقبل التأويل بحسب ما‬
‫ورد فيه من )الواقعة( وإن شئت تطبيقه على تفاصيل وجودك أمكن أن‬
‫نقول ‪ :‬واعلموا أيها القوى الروحانية أنما غنمتم من العلوم النافعة‬
‫والشرائع المبني عليها السلم في قوله ‪ :‬بني السلم على خمس‪ ،‬فإن‬
‫لله خمسه‪ ،‬وهو شهادة أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله‪ ،‬باعتبار‬
‫التوحيد الجمعي ولرسول القلب ‪( :‬ولذي القربى) الذي هو السر‪ ،‬ويتامى‬
‫العاقلة النظرية والعملية‪ ،‬والقوة الكفرية‪ ،‬ومساكين القوى النفسانية ‪( :‬‬
‫وابن السبيل) الذي هو النفس السالكة الداخلة في الغربة الجائبة منازل‬
‫السلوك‪ ،‬النابية عن مقرها الصلي باعتبار التوحيد التفصيلي في العالم‬
‫النبوي‪ .‬والخماس الربعة الباقية تقسم على الجوارح والركان والقوى‬
‫الطبيعية ‪( :‬إن كنتم آمنتم) اليمان الحقيقي ‪( :‬بالله) جمعًا‪( : ،‬وما أنزلنا‬
‫على عبدنا يوم الفرقان) وقت التفرقة بعد الجمع تفصيل ً ‪( :‬يوم التقى‬
‫الجمعان) من فريقي القوى الروحانية والنفسانية عند الرجوع إلى مشاهدة‬
‫التفصيل في الجمع‪( : .‬إذ أنتم بالعدوة الدنيا) من مدينة العلم ومحل العقل‬
‫الفرقاني ‪( :‬وهم بالعدوة القصوى) أي ‪ :‬الجهة السفلية البعيدة من الحق‬
‫ومحل العلم وركب القوى الطبيعية الممتازة للقوى النفسانية ‪( :‬أسفل‬
‫منكم) أي ‪ :‬من الفريقين ‪( :‬ولو تواعدتم) اللقاء للمحاربة من طريق العقل‬
‫والحكمة دون طريق الرياضة والوحدة ‪( :‬لختلفتم في الميعاد) لكون ذلك‬
‫صعبا ً حينئذ‪ ،‬موجبا ً للفشل والجبن ‪( :‬ولكن ليقضي الله أمرا ً كان‬
‫ل) مقدرًا‪ ،‬محققا ً عنده‪ ،‬واجبا ً وقوعه فعل ذلك ‪( :‬ليهلك من هلك عن‬ ‫مفعو ً‬
‫بينة) هي كونها ملزمة للبدن الواجب الفناء منطبعة فيه ‪( :‬ويحيا من حي‬
‫عن بينة) هي كونها مجردة عنه متصلة بعالم القدس الذي هو معدن الحياة‬
‫الحقيقية الدائم البقاء‪] .‬تفسير سورة النفال من آية ‪ 43‬إلى آية ‪( : [49‬إذ‬
‫يريكهم الله) أيها القلب في منام تعطل الحواس الظاهرة وهو القوى‬
‫البدنية قليلي القدر‪ ،‬ضعاف الحال ‪( :‬ولو أراكهم كثيرًا) في حال غلبة‬
‫صفات النفس ‪( :‬لفشلتم ولتنازعتم) في أمر كسرها وقهرها لنجذاب كل‬
‫منكم إلى جهة ‪( :‬ولكن الله سلم) عن الفشل والتنازع بتأييده وعصمته ‪( :‬‬
‫ول تكونوا( ككفرة القوى النفسانية الذين ‪( :‬خرجوا من) ديار مقارهم‬
‫ومحالهم وحدودهم ‪( :‬بطرا ورئاء الناس) وإظهارا ً للجلدة على الحواس‪( : .‬‬
‫وإذ زين لهم) شيطان الوهم ‪( :‬أعمالهم) في التغلب على مملكة القلب‬
‫وقواه ‪( :‬وقال ل غالب لكم اليوم من الناس) وأوهمهم تحقيق أمنيتهم بأن‬
‫بصرهم أن ل غالب عليهم من ناس الحواس فكذا سائر القوى‪( : .‬وإني جار‬
‫لكم) أمدكم وأقويكم وأمنعكم من ناس القوى الروحانية ‪( :‬فلما تراءت‬
‫الفئتان نكص على عقبيه) لشعوره بحال القوى الروحانية وغلبتها لمناسبته‬
‫إياها بإدراك المعاني‪( : .‬وقال إني بريء منكم) لني لست من جنسكم ‪( :‬‬
‫إني أري) من المعاني ووصول المدد إليهم من سماء الروح وملكوت عالم‬
‫القدس ‪( :‬ما ل ترون إني أخاف الله) لشعوري ببعض أنواره وقهره ‪( :‬والله‬
‫شديد العقاب) وفيه إشارة إلى قول سيد المرسلين ‪ ' :‬لكل أحد شيطان‪،‬‬
‫ولكن شيطاني أسلم على يدي '‪ .‬وهذا هو الدستور والنموذج في أمثال‬
‫ذلك إن أراد مريد تطبيق القصص على أحواله‪ ،‬لكني قلما أعود إلى مثله بعد‬
‫هذا لقلة الفائدة إل في تصوير طريق السلوك وتخييل المبتدئ ما هو‬
‫بصدده لتنشيطه في الترقي والعروج والله الهادي‪] .‬تفسير سورة النفال‬
‫من آية ‪ 50‬إلى آية ‪( : [52‬ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملئكة) مر‬
‫توفي الملئكة وأنه ل يكون إل لمن هو في مقام النفس‪ ،‬فإن كان من‬
‫العصاة ومن غلب عليه صفات النفس من الغضب والحقد والشهوة والحرص‬
‫وأمثال ذلك من رذائل الخلق توفتهم ملئكة القهر والعذاب مما يناسب‬
‫هيئات نفوسهم ‪( :‬يضربون وجوههم) لحتجابهم عن عالم النوار‬
‫وإعراضهم عنها‪ ،‬ولهيئات الكبر والعجب والنخوة فيها ‪( :‬وأدبارهم) لميلهم‬
‫وشدة انجذابهم إلى البدن وعالم الطبيعة ولهيئات الشهوة والحرص والشره‬
‫‪( :‬وذوقوا عذاب الحريق) أي ‪ :‬حريق الحرمان واستيلء نيران التعب والطلب‬
‫مع الفقدان لكتسابهم تلك الهيئات الموجبة لذلك وإن كان من أهل الطاعة‬
‫ومن غلبت عليه أنوار صفات القلب من الرأفة والرحمة والسلمة والقناعة‬
‫وأمثال ذلك من فضائل القوتين السبعية والبهيمية دون فضيلة القوة‬
‫النطقية فإنه حينئذ يكون صاحب قلب ليس في مقام النفس توفتهم ملئكة‬
‫الرحمة ‪( :‬طيبين يقولون سلم عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم‬
‫تعملون) ]النحل‪ ،‬الية ‪ [32 :‬لمناسبة هيئات نفوسهم تلك الروحانيات من‬
‫العالم‪( : .‬ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم) إلى آخره‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫كل ما يصل إلى النسان هو الذي يقتضيه استعداده ويسأله بدعاء الحال‬
‫وسؤال الستحقاق‪ ،‬فإذا أنعم على أحد النعمة الظاهرة أو الباطنة لسلمة‬
‫الستعداد وبقاء الخيرية فيه لم يغيرها حتى أفسد استعداده وغير قبوله‬
‫للصلح بالحتجاب وانقلب الخير الذي فيه بالقوة إلى الشر لحصول الرين‬
‫وارتكام الظلمة فيه بحيث لم يبق له مناسبة للخير ول إمكان لصدوره منه‪،‬‬
‫فيغيرها إلى النقمة عدل ً منه وجودا ً وطلبا ً من ذلك الستعداد إياها بجاذبة‬
‫الجنسية والمناسبة ل ظلما ً وجورًا‪( : .‬هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين‬
‫وألف بين قلوبهم) لتفاقها في الوجهة وخلصها عن قيود صفات النفس‬
‫التي تستلزم التخالف والتعاند لركونها إلى عالم التضاد واختلفها بالطباع‪،‬‬
‫فإن القلب ما دام واقفا ً مع النفس ومراداتها واستولت عليه بصفاتها‬
‫جذبته إلى الجهة السفلية وصيرت مطالبه جزئية مما يناسب مصالحها‬
‫فيطلب ما يمنعه منه الخر‪ ،‬وتقع العداوة والبغضاء‪ ،‬وتستولي القوة‬
‫الغضبية الطالبة للجاه والكرامة والقهر والغلبة والرياسة والسلطنة‪ ،‬ويقع‬
‫الستكبار والباء والنفة والستنكاف‪ ،‬ويؤدي إلى التقاطع والتهاجر‬
‫والتحارب والتشاجر‪ .‬وكلما بعد عن الجهة السفلية بالتوجه إلى الجهة‬
‫العلوية والتنور بأنوار الوحدة الصفاتية أو الذاتية‪ ،‬ارتفع عن مقام النفس‬
‫واتصل بالروح وصارت مطالبه كلية ل تتمانع ول يتنافس فيها لمكان‬
‫حصولها لهذا بدون حرمان الخر منه ومال إلى من يجانسه في الصفاء‬
‫بالمحبة الذاتية لشدة المناسبة‪ .‬وكلما كان أقرب إلى الوحدة كانت قوة‬
‫المحبة فيه أقوى لشدة قربه لمن تدين بدينه كالخطوط التية من محيط‬
‫الدائرة إلى مركزها‪ ،‬فبحسب قوة اليمان شدة اللفة بينهم‪( : .‬لو أنفقت‬
‫ما في الرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم) لن ما في الجهة السفلية تزيد‬
‫في عداوتهم ومناوأتهم لشتداد حرصهم وتكالبهم به ‪( :‬ولكن الله ألف‬
‫بينهم) بنور الوحدة التي تورث المحبة الروحانية واللفة القلبية فإن المحبة‬
‫ظل الوحدة‪ ،‬واللفة ظل المحبة‪ ،‬والعدالة ظل اللفة ‪( :‬إنه عزيز) قوي‬
‫على دفع الكفرة وقهرهم باجتماع المؤمنين واتفاقهم ‪( :‬حكيم) يفعل ذلك‬
‫بحكمة ليقاع اللفة والمحبة بين هؤلء والتفرقة واختلف الكلمة بين‬
‫أولئك‪] .‬تفسير سورة النفال من آية ‪ 72‬إلى آية ‪( : [75‬إن الذين آمنوا‬
‫وهاجروا) إلى آخر الية‪ ،‬بالفحوى تدل على أن الفقير القائم بالخدمة في‬
‫الخانقاه والبقعة ليس عليه خدمة المقيم بل المسافر لقوله تعالى ‪( : :‬‬
‫والذين ءامنوا ولم يهاجروا ما لكم من وليتهم من شيء) ]النفال‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ [72‬أي ‪ :‬الذين آمنوا اليمان العلمي وهاجروا المألوفات من الهل والولد‬
‫والموال والسباب وأوطان النفس بقوة العزيمة واختاروا السياحة في‬
‫الغربة‪ ،‬وجاهدوا بقوة اليقين والتوكل بأموالهم بتركها وإنفاقها في‬
‫مراضي الله وأنفسهم بإتعابها بالرياضة ومحاربة الشيطان وتحمل وعثاء‬
‫السفر في سبيل الله وبذلها في الدين بنية السلوك في الله‪ .‬والذين‬
‫آووهم بالخدمة في المنزل‪ ،‬ونصروهم بتهيئة ما احتاجوا إليه من الهبة ‪( :‬‬
‫أولئك بعضهم أولياء بعض) باللفة والمحبة ‪( :‬والذين آمنوا ولم‬
‫يهاجروا) عن الوطان المألوفة ما لكم من وليتهم من شيء حتى يهاجروا‪.‬‬

‫)سورة التوبة(‬
‫]تفسير سورة التوبة آية ‪( : [1‬براءة من الله ورسوله) الية‪ ،‬لما لم يتمكن‬
‫الرسول في الستقامة لمكان تلوينه بظهور صفاته تارة وبوجود البقية تارة‬
‫أخرى‪ ،‬على ما دل عليه القرآن في مواضع العتاب والتثبيت كقوله ‪( : :‬‬
‫عبس وتولى )‪] )(1‬عبس‪ ،‬الية ‪ ،[1 :‬وقوله ‪( : :‬ولول أن ثبتناك لقد كدت‬
‫تركن إليهم شيئا ً قليل ً ‪] )74‬السراء‪ ،‬الية ‪( : ،[74 :‬عفا الله عنك لم أذنت‬
‫لهم) ]التوبة‪ ،‬الية ‪( : ،[43 :‬ما كان لنبي أن يكون له أسرى) ]النفال‪،‬‬
‫الية ‪ ،[67 :‬فلم يصل أصحابه من المؤمنين إلى مقام الوحدة الذاتية‬
‫لحتجابهم تارة بالفعال وتارة بالصفات كان بينهم وبين المشركين مناسبة‬
‫وقرابة جنسية وآل فبتلك الجنسية عاهدوهم لوجود التصال بينهم‪ .‬ثم لما‬
‫امتثل النبي ‪ e‬والمؤمنون قوله تعالى ‪( : :‬فاستقم كما أمرت ومن تاب‬
‫معك) ]هود‪ ،‬الية ‪ [112 :‬وبلغ غاية التمكين وارتفعت الحجب الفعالية‬
‫والصفاتية والذاتية عن وجه السالكين من أصحابه حتى بلغوا مقام التوحيد‬
‫الذاتي‪ .‬ارتفعت المناسبة بينهم وبين المشركين ولم تبق بينهم جنسية‬
‫بوجه ما وتحققت الضدية والمخالفة وحقت الفرقة والعداوة فنزلت براءة‬
‫من الله ورسوله ‪( :‬إلى الذين عاهدتم من المشركين) أي ‪ :‬هذه الحالة حالة‬
‫الفرقة والمباينة الكلية بيننا والتبري الحقيقي من الله باعتبار الجمع‬
‫ورسوله باعتبار التفصيل إليهم فتبرأوا منهم ظاهرا ً كما تبرأوا منهم باطنا‪ً،‬‬
‫ونبذوا عهدهم في الصورة كما نبذوا عهدهم في الحقيقة‪( : .‬فسيحوا في‬
‫الرض أربعة أشهر) على عدد مواقفهم في الدنيا والخرة تنبيها ً لهم فإنهم‬
‫لما وقفوا في الدنيا مع الغير بالشرك حجبوا عن الدين والفعال والصفات‬
‫والذات في برزخ الناسوت فلزمهم أن يوقفوا في الخرة على الله ثم على‬
‫الجبروت ثم على الملكوت ثم على النار في جحيم الثار على ما مرت‬
‫الشارة إليه في )النعام( فيعذبوا بأنواع العذاب‪( : .‬واعلموا أنكم غير‬
‫معجزي الله) لوجوب حبسكم في هذه المواقف بسبب وقوفكم مع الغير‬
‫بالشرك فكيف تفوتونه ‪( :‬وأن الله مخزي الكافرين) المحجوبين عن الحق‬
‫بافتضاحهم عند ظهور رتبة ما يعبدون من دون الله ووقوفه معه على النار‪.‬‬
‫‪( :‬وأذان) أي ‪ :‬إعلم ‪( :‬من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الكبر) أي ‪:‬‬
‫وقت ظهور الجمع الذاتي في صورة التفصيل كما مر ‪( :‬أن الله بريء من‬
‫المشركين ورسوله) في الحقيقة فيوافق الظاهر الباطن‪( : .‬إل الذين‬
‫عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا) أي ‪ :‬هذه براءة إليهم إل‬
‫الذين بقيت فيهم مسكة الستعداد وأثر سلمة الفطرة فلم يقدموا على‬
‫نقض العهد لبقاء المروءة فيهم الدالة على سلمة الفطرة وبقائهم على‬
‫عهد الله السابق بوجود الستعداد وإمكان الرجوع إلى الوحدة‪( : .‬ولم‬
‫يظاهروا عليكم أحدا) لبقاء الوصلة الصلية والمودة الفطرية بينكم وبينهم‬
‫وعدم ظهور العداوة الكسبية ‪( :‬فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) أي ‪ :‬مدة‬
‫تراكم الرين وتحقق الحجاب إن لم يرجعوا أو يتوبوا ‪( :‬إن الله يحب‬
‫المتقين) الذين اجتنبوا الرذائل خصوصا ً نقض العهد الذي هو أم الرذائل‬
‫ظاهرا ً وباطنًا‪( : .‬الذين آمنوا) علما ً ‪( :‬وهاجروا) الرغائب الحسية والمواطن‬
‫النفسية بالسلوك في سبيل الله وجاهدوا بأموال معلوماتهم ومراداتهم‬
‫ومقدوراتهم بمحو صفاتهم في صفات الله ‪( :‬وأنفسهم) بإفنائها في ذات‬
‫الله ‪( :‬أولئك أعظم درجة) في التوحيد ‪( :‬عند الله)‪( : .‬يبشرهم ربهم‬
‫برحمة) ثواب العمال ‪( :‬ورضوان) الصفات ‪( :‬وجنات) من الجنان الثلثة ‪( :‬‬
‫لهم فيها نعيم) شهود الذات ‪( :‬مقيم) ثابت أبدًا‪( : .‬يا أيها الذين آمنوا ل‬
‫تتخذوا آباءكم) إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬ل يترجح فيكم جهة القرابة الصورية والوصلة‬
‫الطبيعية على جهة القرابة المعنوية والوصلة الحقيقية فيكون بينكم وبين‬
‫من آثر الحتجاب على الكشف من أقربائكم ولية مسببة عن التصال‬
‫الصوري مع فقد التصال المعنوي واختلف الوجهة الموجب للقطيعة‬
‫المعنوية والعداوة الحقيقية‪ ،‬فإن ذلك من ضعف اليمان ووهن العزيمة‪ ،‬بل‬
‫قضية اليمان بخلف ذلك‪ .‬قال الله تعالى ‪( : :‬والذين آمنوا أشد حبا‬
‫لله) ]البقرة‪ ،‬الية ‪ .[165 :‬وقال بعض الحكماء ‪ :‬الحق حبيبنا والخلق حبيبنا‪،‬‬
‫فإذا اختلفا فالحق أحب إلينا‪( : .‬قل إن) كانت هذه القرابات الصورية‬
‫والمألوفات الحسية ‪( :‬أحب إليكم من الله ورسوله) فقد ضعف إيمانكم ولم‬
‫يظهر أثره في نفوسكم وعلى جوارحكم لتنقاد بحكمه وذلك لوقوفكم مع‬
‫الثار الناسوتية الموجب للعذاب والحجاب ‪( :‬فتربصوا حتى يأتي‬
‫الله) بعذابه‪ .‬وكيف ل‪ ،‬وأنتم تسلكون طريق الطبيعة وتنقادون بحكمها‬
‫مكان سلوك طريق الحق والنقياد لمره ؟ وذلك فسق منكم‪ ،‬والفاسق‬
‫محجوب عن الله ل يهديه إليه لعدم توجهه وإرادته بل لعراضه وتوليه‪ ،‬فهو‬
‫يستحق العذاب والخذلن والحجاب والحرمان‪( : .‬الذين آمنوا) علما ً ‪( :‬‬
‫وهاجروا) الرغائب الحسية والمواطن النفسية بالسلوك في سبيل الله‬
‫وجاهدوا بأموال معلوماتهم ومراداتهم ومقدوراتهم بمحو صفاتهم في‬
‫صفات الله ‪( :‬وأنفسهم) بإفنائها في ذات الله ‪( :‬أولئك أعظم درجة) في‬
‫التوحيد ‪( :‬عند الله)‪( : .‬يبشرهم ربهم برحمة) ثواب العمال ‪( :‬‬
‫ورضوان) الصفات ‪( :‬وجنات) من الجنان الثلثة ‪( :‬لهم فيها نعيم) شهود‬
‫الذات ‪( :‬مقيم) ثابت أبدًا‪( : .‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آباءكم) إلى آخره‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ل يترجح فيكم جهة القرابة الصورية والوصلة الطبيعية على جهة‬
‫القرابة المعنوية والوصلة الحقيقية فيكون بينكم وبين من آثر الحتجاب‬
‫على الكشف من أقربائكم ولية مسببة عن التصال الصوري مع فقد‬
‫التصال المعنوي واختلف الوجهة الموجب للقطيعة المعنوية والعداوة‬
‫الحقيقية‪ ،‬فإن ذلك من ضعف اليمان ووهن العزيمة‪ ،‬بل قضية اليمان‬
‫بخلف ذلك‪ .‬قال الله تعالى ‪( : :‬والذين آمنوا أشد حبا لله) ]البقرة‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ .[165‬وقال بعض الحكماء ‪ :‬الحق حبيبنا والخلق حبيبنا‪ ،‬فإذا اختلفا فالحق‬
‫أحب إلينا‪( : .‬قل إن) كانت هذه القرابات الصورية والمألوفات الحسية ‪( :‬‬
‫أحب إليكم من الله ورسوله) فقد ضعف إيمانكم ولم يظهر أثره في‬
‫نفوسكم وعلى جوارحكم لتنقاد بحكمه وذلك لوقوفكم مع الثار الناسوتية‬
‫الموجب للعذاب والحجاب ‪( :‬فتربصوا حتى يأتي الله) بعذابه‪ .‬وكيف ل‪،‬‬
‫وأنتم تسلكون طريق الطبيعة وتنقادون بحكمها مكان سلوك طريق الحق‬
‫والنقياد لمره ؟ وذلك فسق منكم‪ ،‬والفاسق محجوب عن الله ل يهديه إليه‬
‫لعدم توجهه وإرادته بل لعراضه وتوليه‪ ،‬فهو يستحق العذاب والخذلن‬
‫والحجاب والحرمان‪.‬‬
‫‪( :‬والذين يكنزون الذهب والفضة) إلى آخره‪ ،‬جمع المال وكنزه مع عدم‬
‫النفاق ل يكون إل لستحكام رذيلة الشح وحب المال وكل رذيلة يعذب بها‬
‫صاحبها في الخرة ويخزى بها في الدنيا‪ .‬ولما كانت مادة رسوخ تلك الرذيلة‬
‫واستحكامها هي ذلك المال‪ ،‬كان هو الذي يحمى عليه في نار جحيم الطبيعة‬
‫وهاوية الهوى فيكوى به‪ ،‬وإنما خصت هذه العضاء لن الشح مركوز في‬
‫النفس والنفس تغلب القلب من هذه الجهات ل من جهة العلو التي هي‬
‫جهة استيلء الروح وممر الحقائق والنوار ول من جهة السفل التي هي من‬
‫جهة الطبيعة الجسمانية لعدم تمكن الطبيعة من ذلك‪ ،‬فبقيت سائر الجهات‬
‫فيؤذى بها من الجهات الربع ويعذب كما تراه يعاب بها في الدنيا ويخزى‬
‫من هذه الجهات أيضا ً إما بأن يواجه بها جهرا ً فيفضح أو يسار بها في جنبه‬
‫أو يغتاب بها من وراء ظهره‪( : .‬كره الله انبعاثهم فثبطهم) أي ‪ :‬كانوا‬
‫أشقياء لم يبق في استعدادهم خير فيريده الله منهم فلذلك كره انبعاثهم‪،‬‬
‫أي ‪ :‬كانوا من الفريق الثاني من الشقياء المردودين الذين مر ذكرهم غير‬
‫مرة‪( .‬ويقولون هو أذن) كانوا يؤذونه ويغتابونه بسلمة القلب وسرعة‬
‫القبول والتصديق لما يسمع‪ ،‬فصدقهم في ذلك وسلم وقال ‪ :‬هو كذلك‪،‬‬
‫ولكن بالنسبة إلى الخير فإن النفس البية والغليظة الجافية والكرة‬
‫القاسية التي تتصلب في المور ول تتأثر غير مستعدة للكمال‪ ،‬إذ الكمال‬
‫النساني ل يكون إل بالقبول والتأثر والنفعال‪ .‬فكلما كانت النفس ألين‬
‫عريكة وأسلم قلبا ً وأسهل قبول ً كانت أقبل للكمال وأشد استعدادا ً له‪،‬‬
‫وليس هذا اللين هو من باب الضعف والبلهة الذي يقتضي النفعال من كل‬
‫ما يسمع حتى المحال والتأثر من كل ما يرد عليه ويراه حتى الكذب‬
‫والشرور والضلل بل هو من باب اللطافة وسرعة القبول لما يناسبه من‬
‫الخير والصدق‪ ،‬فلذلك قال ‪( : :‬قل أذن خير) إذ صفاء الستعداد ولطف‬
‫النفس يوجب قبول ما يناسبه من باب الخيرات ل ما ينافيه من باب‬
‫الشرور‪ ،‬فإن الستعداد الخيري ل يقبل الشر ول يتأثر به ول ينطبع فيه‬
‫لمنافاته إياه وبعده عنه ‪( :‬لكم) أي ‪ :‬يسمع ما ينفعكم وما فيه صلحكم دون‬
‫غيره ‪( :‬يؤمن بالله) هو بيان لينه وقابليته لن اليمان ل يكون إل مع سلمة‬
‫القلب ولطافة النفس ولينها ‪( :‬ويؤمن للمؤمنين) يصدق قولهم في‬
‫الخيرات ويسمع كلمهم فيها ويقبله ‪( :‬ورحمة للذين آمنوا منكم) يعطف‬
‫عليهم ويرق لهم فينجيهم من العذاب بالتزكية والتعليم‪ ،‬ويصلح أمر‬
‫معاشهم ومعادهم بالبر والصلة وتعليم الخلق من الحلم والشفقة‪ ،‬والمر‬
‫بالمعروف باتباعهم إياه فيها‪ ،‬ووضع الشرائع الموجبة لنظام أمرهم في‬
‫الدارين‪ ،‬والتحريض على أبواب البر بالقول والفعل إلى غير ذلك‪( .‬وعد‬
‫الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها النهار) وهي جنات‬
‫النفوس ‪( :‬ومساكن طيبة) مقامات أرباب التوكل في جنات الفعال بدليل‬
‫قوله تعالى ‪( : :‬ورضوان من الله أكبر) ]التوبة‪ ،‬الية ‪ ،[72 :‬فإن الرضوان‬
‫من جنات الصفات ‪( :‬ذلك) أي الرضوان ‪( :‬هو الفوز العظيم) لكرامة أهله‬
‫عند الله وشدة قربهم منه‪] .‬تفسير سورة التوبة من آية ‪ 100‬إلى آية‬
‫‪( : [102‬والسابقون الولون) أي ‪ :‬الذين سبقوا إلى الوحدة من أهل الصف‬
‫الول ‪( :‬من المهاجرين) الذين هاجروا مواطن النفس ‪( :‬والنصار) الذين‬
‫نصروا القلب بالعلوم الحقيقية على النفس ‪( :‬الذين اتبعوهم) في التصاف‬
‫بصفات الحق ‪( :‬بإحسان) أي ‪ :‬بمشاهدة من مشاهدات الجمال والجلل ‪( :‬‬
‫‪t‬م) لشتراكهم في كشف الصفات والوصول إلى مقام الرضا الذي هو باب‬
‫الله العظم ‪( :‬وأعد لهم جنات) من جنات الفعال والصفات ‪( :‬تجري تحتها)‬
‫أنهار علوم التوكل والرضا وما يناسبهما وذلك ل ينافي وجود جنة أخرى‬
‫للسابقين هي جنة الذات واختصاصهم بها لشتراك الكل في هذه‪( : .‬‬
‫وآخرون اعترفوا بذنوبهم) العتراف بالذنب هو إبقاء نور الستعداد ولين‬
‫الشكيمة وعدم رسوخ ملكة الذنب فيه لنه ملك الرجوع والتوبة ودليل رؤية‬
‫قبح الذنب التي ل تكون إل بنور البصيرة وانفتاح عين القلب إذ لو ارتكمت‬
‫الظلمة ورسخت الرذيلة ما استقبحه ولم يره ذنبا ً بل رآه فعل ً حسنا ً‬
‫لمناسبته لحاله فإذا عرف أنه ذنب ففيه خير ‪( :‬خلطوا عمل صالحا وآخر‬
‫سيئا) أي ‪ :‬كانوا في رتبة النفس اللوامة التي لم يصر اتصالها بالقلب‬
‫وتنورها بنوره ملكة ولم يتذلل بعد في طاعتها للقلب‪ ،‬فتارة يستولي عليها‬
‫القلب فتتذلل وتنقاد وتتنور بنوره وتعمل أعمال ً صالحة‪ ،‬وتارة تظهر‬
‫بصفاتها الحاجبة لنور القلب عنها وتحتجب بظلمتها فتفعل أفعال ً سيئة‪،‬‬
‫فإن ترجحت النوار القلبية والعمال الصالحة وتعاقبت عليها الخواطر‬
‫الملكية حتى صار اتصالها بالقلب وطاعتها إياه ملكة صلح أمرها ونجت‬
‫وذلك معنى قوله ‪( : :‬عسى الله أن يتوب عليهم) وإن ارتكمت عليها‬
‫الهيئات المظلمة المكتسبة من غلباتها وكثرة إقدامها على السيئات كان‬
‫المر بالعكس فزال استعدادها بالكلية وحق عذابها أبدًا‪ .‬وترجح أحد الجانبين‬
‫على الخر ل يكون إل بالصحبة ومجالسة أصحاب كل واحد من الصنفين‬
‫ومخالطة الخيار والشرار‪ ،‬فإن أدركه التوفيق ساقه القدر إلى صحبة‬
‫الصالحين ومتابعة أخلقهم وأعمالهم فيصير منهم‪ ،‬وإن لحقه الخذلن‬
‫ساقه إلى صحبة المفسدين واختلطه بهم فيصير من الخاسرين أعاذنا الله‬
‫من ذلك‪( : .‬إن الله غفور) يغفر لهم السيئات المظلمة ويسترها عنهم ‪( :‬‬
‫رحيم) يرحمهم بالتوفيق للصالحات وقبول التوبة‪] .‬تفسير سورة التوبة من‬
‫آية ‪ 103‬إلى آية ‪ 106‬ولما وفقوا للقسم الول ببركة صحبة الرسول‬
‫وتزكيته إياهم وتربيته لهم قال ‪( : :‬خذ من أموالهم صدقة) إذ المال هو‬
‫سبب ظهور النفس وغلبة صفاتها ومدد قواها ومادة هواها كما قال عليه‬
‫‪ ' : e‬المال مادة الشهوات ' فينبغي أن يكون أول حالهم التجرد عن الموال‬
‫لتنكسر قوى النفس وتضعف أهواؤها وصفاتها‪ ،‬فتتزكى من الهيئات‬
‫المظلمة التي فيها وتتطهر من خبث الذنوب ورجس دواعي الشيطان وذلك‬
‫معنى قوله ‪( : :‬تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم) بإمداد الهمة وإفاضة‬
‫نور الصحبة عليهم ‪( :‬إن صلتك سكن لهم) أي ‪ :‬إن نورك الذي تفيض‬
‫عليهم بالتفات خاطرك إليهم وقوة همتك وبركة صحبتك سبب نزول‬
‫السكينة فيهم تسكن قلوبهم إليه وتطمئن‪ .‬والسكينة نور مستقر في‬
‫القلب يثبت معه في التوجه إلى الحق ويتقوى اليقين ويتخلص عن الطيش‬
‫بلمات الشيطان ووساوسه وأحاديث النفس وهواجسها لعدم قبوله لها‬
‫حينئذ ‪( :‬والله سميع) يسمع تضرعهم واعترافهم بذنوبهم ‪( :‬عليم) يعلم‬
‫نياتهم وعزائمهم وما في ضمائرهم من الندم والغم‪( .‬لمسجد أسس على‬
‫التقوى) لما كان عالم الملك تحت قهر عالم الملكوت وتسخيره لزم أن‬
‫يكون لنيات النفوس وهيئاتها تأثير فيما يباشرها من العمال فكل ما فعل‬
‫بنية صادقة لله تعالى عن هيئة نورانية صحبته بركة ويمن وجمعية وصفا‪،‬‬
‫وكل ما فعل بنية فاسدة شيطانية عن هيئة مظلمة صحبته تفرقة وكدورة‬
‫ومحق وشؤم‪ .‬أل ترى الكعبة كيف شرفت وعظمت وجعلت متبركة لكونها‬
‫مبنية على يدي نبي من أنبياء الله بنية صادقة ونفس شريفة صافية عن‬
‫كمال إخلص لله تعالى‪ .‬ونحن نشاهد أثر ذلك في أعمال الناس ونجد أثر‬
‫الصفاء والجمعية في بعض المواضع والبقاع‪ ،‬والكدورة والتفرقة في بعضها‬
‫وما هو إل لذلك‪ ،‬فلهذا قال ‪( : :‬لمسجد أسس على التقوى)‪( : ،‬من أول‬
‫يوم أحق أن تقوم فيه) لن الهيئات الجسمانية مؤثرة في النفوس كما أن‬
‫الهيئات النفسانية مؤثرة في الجسام‪ ،‬فإذا كان موضع القيام مبنيا ً على‬
‫التقوى وصفاء النفس تأثرت النفس باجتماع الهم وصفاء الوقت وطيب‬
‫الحال وذوق الوجدان‪ ،‬وإذا كان مبنيا ً على الرياء والضرار تأثرت بالكدورة‬
‫والتفرقة والقبض ‪( :‬فيه رجال يحبون أن يتطهروا) أي ‪ :‬أهل إرادة وسعي‬
‫في التطهر عن الذنوب نبه على أن صحبة الصالحين من أهل الرادة لها أثر‬
‫عظيم يجب أن تختار وتؤثر على غيرها‪ .‬كما أن المقام له أثر يجب أن‬
‫يراعى ويتعاهد ولهذا ورد في اصطلح القوم ‪ :‬يجب مراعاة الزمان والمكان‬
‫والخوان في حصول الجمعية وجعلوها شرطا ً لها وفيه إشعار بأن زكاء‬
‫نفس الباني وصدق نيته مؤثر في البناء وإن تبرك المكان وكونه مبنيا ً على‬
‫الخير يقتضي أن يكون فيه أهل الخير والصلح ممن يناسب حال بانيه‪ ،‬وإن‬
‫محبة الله واجبة لهل الرادة والطهارة لقوله ‪( : :‬والله يحب‬
‫المتطهرين) كيف ولول محبة الله إياهم لما أحبوا التطهر‪] .‬تفسير سورة‬
‫التوبة آية ‪( : [111‬إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) لما‬
‫هداهم إلى اليمان العلمي وهم مفتونون بمحبة الموال والنفس‬
‫استنزلهم لفرط عنايته بهم عن مقام محبة الموال والنفس بالتجارة‬
‫المربحة والمعاملة المرغوبة بأن جعل جنة النفس ثمن أموالهم وأنفسهم‬
‫ليكون الثمن من جنس المثمن الذي هو مألوفهم لكنه ألذ وأشهى وأرغب‬
‫وأبقى‪ ،‬فرغبوا فيما عنده وصدقوا لقوة اليقين وعده‪.‬‬
‫ثم لما ذاقوا بالتجرد عنها لذة الترك وحلوة نور اليقين رجعوا عن مقام لذة‬
‫النفس وتابوا عن هواها ومشتهياتها فلم يبق عندهم لجنة النفس قدر‪،‬‬
‫فوصفهم بالتائبين بالحقيقة الراجعين عن طلب ملذ النفس وتوقع الجر‬
‫إليه‪ ،‬العابدين الذين إذا رجعوا عن محبة النفس والمال وطلب الجر‬
‫والثواب‪ ،‬عبدوا الله حق عبادته ل لرغبة ول لرهبة بل تشبها ً بملكوته في‬
‫القيام بحقه تعالى بالخضوع والخشوع والتذلل لعظمته وكبريائه تعظيما ً‬
‫وإجلل ً ثم حمدوا الله حق حمده بإظهار الكمالت العملية الخلقية والعملية‬
‫المكنونة في استعداداتهم بالقوة حمدا ً فعليا ً حاليا ً ثم ساحوا إليه بالهجرة‬
‫عن مقام الفطرة ورؤية الكمالت الثابتة وتآلفهم واعتدادهم وابتهاجهم بها‬
‫في مفاوز الصفات ومنازل السبحات ثم ركعوا في مقام محو الصفات ثم‬
‫سجدوا بفناء الذات‪ ،‬ثم قاموا بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫والمحافظة على حدود الله في مقام البقاء بعد الفناء ‪( :‬وبشر‬
‫المؤمنين) باليمان الحقيقي المقيمين في مقام الستقامة‪( : .‬ما كان‬
‫للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا) إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬لما اطلعوا على سر القدر‬
‫ووقفوا على ما قضى الله وقدر‪ ،‬وعلموا بما ينتهي إليه عواقب المور‪ ،‬لم‬
‫يكن لهم أن يطلبوا خلف ذلك ورضوا بما دبر الله من أمره وإن كان في‬
‫طبيعتهم ما يقتضي خلفه لنهم قد انسلخوا عن مقتضيات طباعهم فإن‬
‫اقتضت القرابة الطبيعية واللحمة الصورية فرط شفقة ورقة على بعض من‬
‫يناسبهم ويواصلهم فيها وشاهدوا حكم الله عليه بالقهر والتعذيب‪ ،‬حملتهم‬
‫الحمية الدينية على الصبر إن لم يكن لهم مقام الرضا بل غلبتهم المباعدة‬
‫الدينية على القرابة الطبيعية فتبرؤوا منه ولم يقترحوا على الله خلف‬
‫حكمته وأمره ولهذا قيل ‪ :‬ل تؤثر همة العارف بعد كمال عرفانه أي إذا تيقن‬
‫وقوع كل شيء بقدره وامتناع وقوع خلف ما قدر الله في الزل علم أن ما‬
‫شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬ول تؤثر همته ول غيرها في شيء فل‬
‫يسلط همته على أمر بخلف المحجوب الذي ينسب التأثير إلى غير الله ول‬
‫يعلم سر القدر‪( .‬وما كان الله) ليضلهم عن طريق التسليم والنقياد لمره‬
‫والرضا بحكمه ‪( :‬بعد إذ هداهم) إلى التوحيد العلمي ورؤية وقوع كل شيء‬
‫بقضائه وقدره ‪( :‬حتى يبين لهم) كل ما يجب عليهم اتقاؤه في كل مقام‬
‫من مقامات سلوكهم ومرتبة من مراتب وصولهم‪ ،‬فإن أقدموا في بعض‬
‫مقاماتهم على ما تبين لهم وجوب اتقائه فهو يضلهم لكونهم مقدمين على‬
‫ما هو ذنب حالهم وهو فسق في دينهم والعياذ بالله من الضلل بعد‬
‫الهدى‪( : .‬إن الله بكل شيء عليم) يعلم دقائق ذنوب أحوالهم وإن لم‬
‫يتفطن لها أحد فيؤاخذ بها أهل الهداية من أوليائه كما ورد في الحديث‬
‫الرباني ‪ ' :‬وأنذر الصديقين بأني غيور '‪] .‬تفسير سورة التوبة من آية ‪119‬‬
‫إلى آية ‪( : [127‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) في جميع الرذائل بالجتناب‬
‫عنها خاصة رذيلة الكذب‪ ،‬وذلك معنى قوله ‪( : :‬وكونوا مع الصادقين) فإن‬
‫الكذب أسوأ الرذائل وأقبحها لكونه ينافي المروءة لقوله ‪ ' : e‬ل مروءة‬
‫لكذوب ' إذ المراد من الكلم الذي يتميز به النسان عن سائر الحيوان إخبار‬
‫الغير عما ل يعلم‪ ،‬فإذا كان الخبر غير مطابق لم تحصل فائدة النطق وحصل‬
‫منه اعتقاد غير مطابق وذلك من خواص الشيطنة‪ ،‬فالكاذب شيطان‪ .‬وكما‬
‫أن الكذب أقبح الرذائل‪ ،‬فالصدق أحسن الفضائل‪ .‬وأصل كل حسنة ومادة‬
‫كل خصلة محمودة وملك كل خير وسعادة به يحصل كل كمال ويحصل كل‬
‫حال وأصله الصدق في عهد الله تعالى الذي هو نتيجة الوفاء بميثاق الفطرة‬
‫أو نفسه كما قال تعالى ‪( : :‬رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) ]الحزاب‪،‬‬
‫الية ‪ [23 :‬في عقد العزيمة ووعد الخليقة‪ ،‬كما قال تعالى في إسماعيل‬
‫‪( : : u‬إنه كان صادق الوعد) ]مريم‪ ،‬الية ‪ [54 :‬وإذا روعي في المواطن‬
‫كلها حتى الخاطر والفكر والنية والقول والعمل صدقت المنامات والواردات‬
‫والحوال والمقامات والمواهب والمشاهدات كأنه أصل شجرة الكمال وبذر‬
‫ثمرة الحوال‪( : .‬فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة) أي ‪ :‬يجب على كل‬
‫مستعد من جماعة سلوك طريق طلب العلم إذ ل يمكن لجميعهم‪ ،‬أما ظاهرا ً‬
‫فلفوات المصالح‪ ،‬وأما باطنا ً فلعدم الستعداد‪ .‬والتفقه في الدين هو من‬
‫علوم القلب ل من علوم الكسب إذ ليس كل من يكتسب العلم يتفقه كما‬
‫قال تعالى ‪( : :‬وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) ]النعام‪ ،‬الية ‪[25 :‬‬
‫والكنة ‪ :‬هي الغشاوات الطبيعية والحجب النفسانية فمن أراد التفقه‬
‫فلينفر في سبيل الله وليسلك طريق التزكية والتصفية حتى يظهر العلم‬
‫من قلبه على لسانه كما نزل على بعض أنبياء بني إسرائيل ‪ ' :‬يا بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬ل تقولوا العلم في السماء من ينزل به‪ ،‬ول في تخوم الرض من‬
‫يصعد به‪ ،‬ول من وراء البحر من يعبر ويأتي به‪ ،‬العلم مجعول في قلوبكم‬
‫تأدبوا بين يدي بآداب الروحانيين‪ ،‬وتخلقوا بأخلق الصديقين‪ ،‬أظهر العلم‬
‫من قلوبكم حتى يغمركم ويغطيكم '‪ .‬فالمراد من التفقه علم راسخ في‬
‫القلب‪ ،‬ضارب بعروقه في النفس‪ ،‬ظاهر أثره على الجوارح بحيث ل يمكن‬
‫صاحبه ارتكاب ما يخالف ذلك العلم وإل لم يكن عالمًا‪ .‬أل ترى كيف سلب‬
‫الله الفقه عمن لم تكن رهبة الله أغلب عليه من رهبة الناس بقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪( :‬لنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم ل يفقهون‬
‫‪] )13‬الحشر‪ ،‬الية ‪ [13 :‬لكون رهبه الله لزمة للعلم‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬‬
‫إنما يخشى الله من عباده العلمؤا) ]فاطر‪ ،‬الية ‪ [28 :‬وسلب العلم عمن لم‬
‫يعمل به في قوله تعالى ‪( : :‬هل يستوي الذين يعلمون والذين ل‬
‫يعلمون) ]الزمر‪ ،‬الية ‪ .[9 :‬وإذا تفقهوا وظهر علمهم على جوارحهم أثر‬
‫في غيرهم وتأثروا منه لرتوائهم به وترشحهم منه كما كان حال رسول‬
‫الله ‪ ،e‬فلزم النذار الذي هو غايته كما قال ‪( : :‬ولينذروا قومهم إذا رجعوا‬
‫إليهم لعلهم يحذرون) ومن لزم التفقه الجهاد الكبر ثم الصغر فلذلك قال‬
‫بعده ‪( : :‬قاتلوا الذين يلونكم) من كفار قوى نفوسكم التي هي أعدى‬
‫عدوكم ‪( :‬وليجدوا فيكم غلظة) أي ‪ :‬قهرا ً وشدة حتى تبلغوا درجة التقوى‬
‫فينزل عليكم النصر من عند الله كما قال ‪( : :‬واعلموا أن الله مع المتقين(‪.‬‬
‫‪( :‬أو ل يرون أنهم يفتنون) الية‪ ،‬البلء قائد من الله تعالى يقود الناس إليه‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث ‪ ' :‬البلء سوط من سياط الله تعالى‪ ،‬يسوق به عباده‬
‫إليه '‪ .‬فإن كل مرض وفقر وسوء حال يحل بأحد يكسر ثورة نفسه وقواها‬
‫ويقمع صفاتها وهواها‪ ،‬فيلين القلب ويبرز من حجابها وينزعج من الركون‬
‫إلى الدنيا ولذاتها وينقبض منها ويشمئز‪ ،‬فيتوجه إلى الله تعالى‪ .‬وأقل‬
‫درجاته أنه إذا اطلع على أن ل مفر منه إل إليه‪ ،‬ولم يجد مهربا ً ومحيصا من‬
‫ً‬
‫البلء سواه‪ ،‬تضرع إليه وتذلل بين يديه‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬وإذا غشيهم‬
‫موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين) ]لقمان‪ ،‬الية ‪( : ،[32 :‬وإذا مس‬
‫النسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا ً أو قائمًا) ]يونس‪ ،‬الية ‪ ،[12 :‬وبالجملة‬
‫يوجب رقة الحجاب أو ارتفاعه فليغتنم وقته وليتعوذ وليتخذ ملكة يعود إليها‬
‫أبدا ً حتى يستقر التيقظ والتذكر وتتسهل التوبة والحضور فل يتعود الغفلة‬
‫عند الخلص وتتقوى النفس عند المان فتغلب وينسبل الحجاب أغلظ مما‬
‫كان كما قال ‪( : :‬فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) ]العنكبوت‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪( : ،[65‬فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) ]يونس‪،‬‬
‫الية ‪] .[12 :‬تفسير سورة التوبة من آية ‪ 128‬إلى آية ‪( : [129‬رسول من‬
‫أنفسكم) ليكون بينكم وبينه جنسية نفسانية بها تقع اللفة بينكم وبينه‬
‫فتخالطونه بتلك الجنسية وتختلطون به فتتأثر من نورانيتها المستفادة من‬
‫نور قلبه أنفسكم فتتنور بها وتنسلخ عنها ظلمة الجبلة والعادة ‪( :‬عزيز‬
‫عليه) شديد شاق عليه‪ ،‬عنتكم مشقتكم ولقاؤكم المكروه لرأفته اللزمة‬
‫للمحبة اللهية التي له لعباده ورؤيته إياهم بمثابة أعضائه وجوارحه لكونه‬
‫ناظرا ً بنظر الوحدة‪ .‬فكما يشق على أحدنا تألم بعض أعضائه‪ ،‬يشق عليه‬
‫تعذيب بعض أمته ‪( :‬حريص عليكم) لشدة اهتمامه بحفظكم كما يشتد اهتمام‬
‫أحدنا بكل واحد من أجزاء جسده وجوارحه ل يرضى بنقص أقل جزء منه ول‬
‫بشقائه فكذلك هو‪ ،‬بل أشد اهتماما ً لدقة نظره ‪( :‬بالمؤمنين رؤوف) ينجيهم‬
‫من العقاب بالتحذير عن الذنوب والمعاصي برأفته ‪( :‬رحيم) يفيض عليهم‬
‫العلوم والمعارف والكمالت المقربة بالتعليم والترغيب عليها برحمته‪( : .‬‬
‫فإن تولوا) وأعرضوا عن قبول الرأفة والرحمة لعدم الستعداد أو زواله‬
‫وتعرضوا للشقاوة البدية ‪( :‬فقل حسبي الله) ل حاجة لي بكم ول‬
‫باستعانتكم كما ل حاجة للنسان إلى العضو المألوم المتعفن الذي يجب‬
‫ل‪ ،‬أي ‪ :‬الله كافيني ليس في الوجود إل هو فل مؤثر غيره ول‬ ‫قطعه عق ً‬
‫ناصر إل هو ‪( :‬عليه توكلت) ل أرى لحد فعل ً ول حول ول قوة إل به ‪( :‬وهو‬
‫رب العرش العظيم) المحيط بكل شيء يأتي منه حكمه وأمره إلى الكل‪.‬‬
‫)سورة يونس(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫]تفسير سورة يونس من آية ‪ 1‬إلى آية ‪( : [3‬الر) إشارة إلى الرحمة التي‬
‫هي الذات المحمدية لقوله تعالى ‪( : :‬وما أرسلناك إل رحمة للعالمين‬
‫‪] )107‬النبياء‪ ،‬الية ‪ ،[107 :‬و )ا ل( مر ذكرهما ‪( :‬تلك) أي ‪ :‬ما أشير إليه‬
‫بهذه الحروف أركان كتاب الكل ذي الحكمة أو المحكم المتقن تفاصيله أو‬
‫أقسم بالله باعتبار الهوية الحدية جمعا ً وباعتبار الصفة الواحدية تفصيل ً‬
‫في باطن الجبروت وظاهر الرحموت على ما ذكر أو على أن تلك اليات‬
‫المذكورة في السورة ‪( :‬آيات الكتاب) ذي الحكمة ‪( :‬أكان للناس عجبا) إلى‬
‫آخره‪ ،‬أنكر عجبهم لكون سنة الله جارية أبدا ً على هذا السلوب في اليحاء‬
‫على الرجال وإنما كان تعجبهم لبعدهم عن مقامه وعدم مناسبة حالهم‬
‫لحاله ومنافاة ما جاء به لما اعتقدوه ‪( :‬أن لهم قدم صدق عند ربهم) أي ‪:‬‬
‫سابقة بحسب العناية الولى عظيمة أو مقاما ً من قربه ليس لحد مثله‬
‫خصصهم الله به في الزل بمحض الجتباء وإل لما آمنوا به ‪( :‬قال‬
‫الكافرون) الذين حجبوا عن الله فلم يطلعوا على ظهور صفاته في النفس‬
‫المحمدية ‪( :‬إن هذا) الذي جاء به ‪( :‬لسحر مبين) أي ‪ :‬شيء خارج عن قدرة‬
‫البشر ليس إل من عمل الشياطين‪ .‬قالوا ذلك لغلبة الشيطنة عليهم‬
‫واحتجابهم بها عن الله وعبادتهم الشيطان بحيث لم يصلوا إلى طور من‬
‫الروحانيات وراءه في القدرة‪ ،‬فلذلك نسبوا ما تجاوز عن حد البشرية إليه‬
‫بالطبع‪( : .‬يدبر) أمر السموات والرضين على وفق حكمته بيد قدرته ‪( :‬ما‬
‫من شفيع) يشفع لحد بإفاضة كمال وإمداد نور يقربه إلى الله وينجيه من‬
‫ظلمات النفس ويطهره من رجز صفاتها ‪( :‬إل من بعد) أن يأذن بموهبة‬
‫الستعداد ثم بتوفيق السباب ‪( :‬ذلكم) الموصوف بهذه الصفات ‪( :‬الله‬
‫ربكم) الذي يربيكم ويدبر أمركم‪ ،‬فخصصوه بالعبادة واعرفوه بهذه الصفات‬
‫ول تعبدوا الشيطان ول تحتجبوا عنه ببعض صفاته‪ ،‬فتنسبوا قوله وفعله إلى‬
‫الشيطان ‪( :‬أفل تذكرون) ما في أنفسكم من آياته فتتفكروا فيها وتنزجروا‬
‫عن الشرك به‪] .‬تفسير سورة يونس آية ‪( : [4‬إليه مرجعكم جميعا) بالعود‬
‫إلى عين الجمع المطلق في القيامة الصغرى كما هو الن أو إلى عين جمع‬
‫الذات بالفناء فيه عند القيامة الكبرى‪( : .‬وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق) في‬
‫النشأة الولى ‪( :‬ثم يعيده) في النشأة الثانية ‪( :‬ليجزي) المؤمن والكافر‬
‫على حسب إيمانهم وعملهم الصالح وكفرهم وعملهم الفاسد وهذا على‬
‫التأويل الول‪ ،‬وعلى الثاني ‪ :‬يبدأ الخلق باختفائه وإظهارهم ثم يعيدهم‬
‫بإفنائهم وظهوره ليجزي الذين آمنوا به وعملوا الصالحات ما يصلحهم‬
‫للقائه من العمال الرافعة لحجبهم المقربة إياهم ‪( :‬بالقسط) بحسب ما‬
‫بلغوا من المقامات بأعمالهم من مواهبه الحالية والذوقية التي يقتضيها‬
‫مقامهم وشوقهم‪ ،‬أو ليجزي الذين آمنوا اليمان الحقيقي وعملوا بالله‬
‫العمال التي تصلح العباد‪ ،‬أي جزاء بالتكميل بقسطهم أي بسبب عدلهم‬
‫في زمان الستقامة أو جزاء بحسب رتبتهم ومقامهم في الستقامة ‪( :‬‬
‫والذين) حجبوا في أي مقام كان ‪( :‬لهم شراب من حميم) لجهلهم بما فوقه‬
‫وشكهم واضطرابهم إذ لو وصلوا إلى اليقين لذاقوا برده ‪( :‬وعذاب‬
‫أليم) من الحرمان والهجران وفقدان روح الوجدان بسبب احتجابهم‪.‬‬
‫]تفسير سورة يونس من آية ‪ 5‬إلى آية ‪( : [10‬هو الذي جعل) شمس الروح‬
‫ضياء الوجود وقمر القلب نوره وقدر مسيره في سلوكه ‪( :‬منازل) ومقامات‬
‫‪( :‬لتعلموا عدد) سني مراتبكم وأطواركم في السير إلى الله وفي الله‬
‫وحساب درجاتكم ومواقع أقدامكم في كل مقام ومرتبة‪.‬‬

‫(إن في اختلف) ليل غلبة ظلمة النفس على القلب ونهار إشراق ضوء‬
‫الروح عليه وما خلق الله في سموات الرواح وأرض الجساد ‪( :‬ليات لقوم‬
‫يتقون) حجب صفات النفس المارة وبلغوا إلى رتبة النفس اللوامة‬
‫فتعرفوا تلك اليات‪( : .‬دعواهم فيها) أي ‪ :‬دعاؤهم الستعدادي في الجنات‬
‫الثلث التي يهديهم الله إليها بحسب نور إيمانهم ‪( :‬سبحانك) أي ‪ :‬تنزيهه‬
‫في الولى عن الشرك في الفعال بالبراءة عن حولهم وقوتهم‪ ،‬وفي‬
‫الثانية ‪ :‬عن الشرك في الصفات بالنسلخ عن صفاتهم‪ ،‬وفي الثالثة عن‬
‫الشرك في الوجود بفنائهم ‪( :‬وتحيتهم فيها) أي ‪ :‬تحية بعضهم لبعض في‬
‫كل مرتبة منها إفاضة أنوار التزكية وإمداد التصفية من بعضهم على بعض‪،‬‬
‫أو تحية الله لهم فيها إشراقات التجليات وإمداد التجريد وإزالة الفات من‬
‫الحق تعالى عليهم ‪( :‬وآخر دعواهم) أي ‪ :‬آخر ما يقتضي استعداداتهم‬
‫وسؤال الله تعالى بالطلب والستفاضة قيامهم بالله في ظهور كمالته‬
‫وصفات جلله وجماله عليهم الذي هو الحمد الحقيقي منه وله وتخصيص‬
‫ذلك الحمد به مجمل ً ثم مفصل ً أول ً باعتبار هويته المطلقة‪ ،‬ثم باعتبار‬
‫ربوبيته للعالمين‪] .‬تفسير سورة يونس من آية ‪ 11‬إلى آية ‪( : [18‬ولو يعجل‬
‫الله للناس الشر) إلى آخره‪ ،‬لما كانت الستعدادات مفطورة على الخير‬
‫الضافي الصوري أو المعنوي بحسب درجاتها في الزل كان كل دعاء منها‬
‫وطلب للخير بتهيئة قابليتها وتصفيتها وشوقها إليه يوجب حصول ذلك له‬
‫عاجل ً وفيضانه عليه من المبدأ الفياض الذي هو منبع الخيرات والبركات‬
‫كقوله تعالى ‪( : :‬وآتاكم من كل ما سألتموه) ]إبراهيم‪ ،‬الية ‪ [34 :‬وكلما‬
‫فاض عليه خير باستحقاقه له لوجود تصفية وتزكية زاد استعداده بانضمام‬
‫هذا الخير إليه‪ ،‬فصار أقوى وأقبل من الول فيكون المبدأ تعالى أسرع‬
‫إجابة له وأكثر إفاضة عليه وعلى هذا يزداد الستعداد فيزداد الفيض حتى‬
‫يبلغ مداه وهو معنى تضاعف الحسنات‪ .‬ومعنى قوله ‪( : :‬من جاء بالحسنة‬
‫فله خير منها) ]القصص‪ ،‬الية ‪ .[84 :‬وأما الشرور فليست إل حجب‬
‫الستعداد وموانع القبول وحواجز الفيض‪ ،‬فلما حصلت ما وقع بسببها إل‬
‫عدم القبول للخيرات فمنعت فيضانها وبقي الستعداد في حجاب ما حصل‬
‫منها ليس إل‪ ،‬وإن اقتضى بحسب المناسبة فيضان الشر فليس في فيض‬
‫المبدأ ما يجانسه فل يفيض عليه شيء من جنسه‪ ،‬وهذا معنى قوله‬
‫تعالى ‪( : :‬ومن جاء بالسيئة فل يجزى إل مثلها) ]النعام‪ ،‬الية ‪ [160 :‬اللهم‬
‫إل إذا أفرط وتجاوز حد الرحمة وأزال الستعداد بالكلية فناسب الشيطنة‬
‫واستمد من عالمها‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬هل أنبئكم على من تنزل الشياطين‬
‫)‪ (221‬تنزل على كل أفاك أثيم )‪] )(222‬الشعراء‪ ،‬اليات ‪( : ،[222 - 221 :‬‬
‫لقضي إليهم) لقطع مدى استعدادهم فانقطع مدد الحياة الحقيقية عنهم‬
‫ومدد الخير عن استعدادهم بالكلية وأزيل إمكان التصفية منه لقتضائه‬
‫الشر‪ ،‬فلم يصل إليهم بعد ذلك خير صوري ول معنوي ولكن يمهلهم ما بقي‬
‫فيهم أدنى مسكة من استعدادهم وإمكان قبول لدنى خير‪( : .‬فنذر الذين ل‬
‫يرجون لقاءنا) من جملتهم‪ ،‬أي ‪ :‬ل يرفعون رأسا ً من انهماكهم في الشرور‬
‫ول يتوقعون نورا ً من أنوارنا ول يتنبهون قط من غفلتهم بالرجوع إلينا‬
‫وطلب رحمتنا ‪( :‬في طغيانهم) وتماديهم في الشرور يتحيرون وينقطع مدد‬
‫الخيرات الصورية التي يسألها استعدادهم بلسان حاله عنهم حتى يزول‬
‫بانغماسهم وانهماكهم في الطبيعيات نور استعدادهم بالكلية لحصول الرين‬
‫ويحق الطمس‪ ،‬فنكسوا على رؤوسهم إلى أسفل سافلين‪] .‬تفسير سورة‬
‫يونس من آية ‪ 19‬إلى آية ‪( : [20‬وما كان الناس إل أمة واحدة) على‬
‫الفطرة التي فطر الله الناس عليها‪ ،‬متوجهين إلى الوحدة‪ ،‬متنورين بنور‬
‫الهداية الصلية ‪( :‬فاختلفوا) بمقتضيات النشأة واختلف المزجة والهوية‬
‫والعادات والمخالطات‪( : .‬ولول كلمة سبقت من ربك) أي ‪ :‬قضاء سبق في‬
‫الزل بتعيين الجال والرزاق وتمادي كل واحد من الشقي والسعيد إلى‬
‫حيث قدر له فيما يزاوله ‪( :‬لقضي بينهم فيما فيه يختلفون) عاجل ً ولميز‬
‫السعيد من الشقي‪ ،‬والحق من الباطل من أديانهم ومللهم ولكن حكمة الله‬
‫اقتضت أن يبلغ كل منهم وجهته التي ولى وجهه إليها بأعماله التي يزاولها‬
‫هو وإظهار ما خفي في نفسه‪] .‬تفسير سورة يونس من آية ‪ 21‬إلى آية‬
‫‪( : [22‬وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء) قد مر أن أنواع البلء من‬
‫الضراء والبأساء وصنوف اللواء تكسر شرة النفس‪ ،‬وتلطف القلب بكشف‬
‫حجب صفات النفس وترقيق كثافات الطبع ورفع غشاوات الهوى‪ ،‬فلذا‬
‫تنزع قلوبهم بالطبع إلى مبدئها في تلك الحالة لرجوعها إلى مقتضى‬
‫فطرتها حينئذ وعودها إلى نوريتها الصلية وقوتها الفطرية وميلها إلى‬
‫العروج الذي هو في سنخها لزوال المانع بل الميل إلى الجهة العلوية‬
‫والمبادئ النورية مفطور في طباع القوى الملكوتية كلها‪ .‬حتى النفس‬
‫الحيوانية لو تزكت عن الهيئات البدنية الظلمانية فإن التسفل من العوارض‬
‫الجسمانية حتى أن البهائم والوحوش إذا اشتدت الحال عليها في أوقات‬
‫المحل وأيام الجدب اجتمعت رافعة رؤوسها إلى السماء كأن ملكوتها يشعر‬
‫بنزول الفيض من الجهة العلوية فتستمد منها فكذا إذا توافرت على الناس‬
‫النعم الظاهرة وتكاملت عليهم المداد الطبيعية والمرادات الجسمانية قويت‬
‫النفس من مدد الجهة السفلية واستطالت قواها بالترفع على القلب‬
‫وتكاثف الحجاب وغلظ وتسلط الهوى وغلب‪ ،‬وصارت السلطنة للطبيعة‬
‫الجسمانية‪ ،‬وارتكمت الهيئات البدنية الظلمانية فتشكل القلب بهيئة النفس‬
‫وقسا وغلظ وطغى‪ ،‬وأبطرته النعمة فكفر وعمى ومال إلى الجهة السفلية‬
‫لبعده عن الهيئة النورية حينئذ‪ .‬وبقدر استيلء النفس على القلب يستولي‬
‫الوهم على العقل‪ ،‬فتستولي الشيطنة لكون القوة العاقلة أسيرة في قيد‬
‫الوهم مأمورة له يستعملها في مطالبه ويستسعيها في مآربه من تحصيل‬
‫لذات النفس وإمدادها من عالم الرجس وتقوية صفاتها بأهب عالم الطبع‬
‫وعدد مواد الحظ بالفكر‪ ،‬فيحتجب القلب بالرين عن قبول صفات الحق‬
‫بالكلية‪ ،‬وذلك معنى قوله ‪( : :‬إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع‬
‫مكرا) بإخفاء القهر الحقيقي في هذا اللطف الصوري وتعبية عذاب نيران‬
‫الحرمان وحيات هيئات الرذائل والعقارب السود ولباس القطران في هذه‬
‫الرحمة الظاهرة‪.‬‬
‫(إن رسلنا يكتبون ما تمكرون) قد علمت أن الملكوت السماوية تنتقش بكل‬
‫حادثة تقع في هذا العالم فكل عمل حسن أو قبيح يصدر عن أحد فقد كتب‬
‫عليه في تلك اللواح وقد اتصل ملكوت كل بدن بتلك المبادئ الملكوتية‬
‫فمتى هممنا بحسنة أو سيئة ارتسمت صورته في ملكوت أبداننا على سبيل‬
‫الخاطر أول ً ثم أخذنا في الفكر فيه‪ ،‬فإن استحكم النقش وانبعثت منه‬
‫العزيمة حتى امتثلنا الخاطر الول بالرادة الجازمة انطبع بإقدامنا على‬
‫الفعل إل أنه إن كان حسنة انطبع في الحال في جهة القلب التي تلي‬
‫الروح ولوح الفؤاد المنور بنوره وكتبته القوة العاقلة العملية التي هي‬
‫صاحب اليمين من الملكين الموكلين المشار إليهما بقوله تعالى ‪( : :‬عن‬
‫اليمين وعن الشمال قعيد) ]ق‪ ،‬الية ‪ [17 :‬إذ الفؤاد هو الجانب القوى منه‬
‫وإن كان سيئة ل ينطبع في الحال لبعد الهيئة الظلمانية من القلب وعدم‬
‫مناسبته إياها بالذات‪ ،‬فإن أدركه التوفيق وتلل عليه نور من أنوار الهداية‬
‫الروحانية ندم واستغفر فمحى عنه‪ ،‬وعفى له‪ ،‬وإن لم يتداركه بقي متلجلجا ً‬
‫حتى أمدته النفس بظلمة صفاتها فاستقر في لوح الصدر الذي هو وجه‬
‫القلب الذي يلي النفس المظلم بظلمة النفس الغالبة عليه في صدور هذا‬
‫الفعل منه وكتبته القوة المتخيلة التي هي صاحب الشمال إذ هذا الجانب هو‬
‫الضعف وهذا هو المراد من قولهم ‪ :‬صاحب الشمال ل يكتب السيئة حتى‬
‫تمضي ست ساعات فإن استغفر فيها صاحبها لم تكتب‪ ،‬وإن أصر كتبته‪.‬‬
‫ويفهم من هذا التقرير إيتاء الكتاب بيمين المسلم وشمال الكافر‪ ،‬وأما‬
‫صورة اليتاء وكيفيته فقد تجيء في موضعها إن شاء الله تعالى‪] .‬تفسير‬
‫سورة يونس من آية ‪ 23‬إلى آية ‪( : [25‬إنما بغيكم على أنفسكم) إلى آخره‪،‬‬
‫البغي ضد العدل‪ ،‬فكما أن العدل فضيلة شاملة لجميع الفضائل وهيئة‬
‫وجدانية لها فائضة من نور الوحدة على النفس فالبغي ل يكون إل عن غاية‬
‫النهماك في الرذائل بحيث يستلزمها جميعا ً فصاحبها في غاية البعد عن‬
‫الحق ونهاية الظلمة كما قال ‪ ' :‬الظلم ظلمات يوم القيامة '‪ .‬فلهذا قال ‪: :‬‬
‫(على أنفسكم)‪ ،‬ل على المظلوم لن المظلوم سعد به وشقى الظالم غاية‬
‫الشقاء وهو ليس إل متاع الحياة الدنيا إذ جميع الفراطات والتفريطات‬
‫المقابلة للعدالة تمتعات طبيعية ولذات حيوانية تنقضي بانقضاء الحياة‬
‫الحسية التي مثلها في سرعة الزوال وقلة البقاء هذا المثل الذي مثل به‬
‫من تزين الرض بزخرفها من ماء المطر ثم فسادها ببعض الفات سريعا ً‬
‫قبل النتفاع بنباتها ثم تتبعها الشقاوة البدية والعذاب الليم الدائم‪ .‬وفي‬
‫الحديث ‪ :‬أسرع الخير ثوابا ً صلة الرحم‪ ،‬وأعجل الشر عقابا ً البغي واليمين‬
‫الفاجرة‪ ،‬لن صاحبه تتراكم عليه حقوق الناس فل تحتمل عقوبته المهل‬
‫الطويل الذي يحتمله حق الله تعالى‪ .‬وقد سمعت بعض المشايخ يقول ‪:‬‬
‫قلما يموت الظالم حتف أنفه وقلما يبلغ الفاسق أوان الشيخوخة‪ ،‬وذلك‬
‫لمبارزتهما لله تعالى في هدم النظام المصروف عنايته تعالى إلى ضبطه‬
‫ومخالفتهما إياه في حكمته وعدله‪( : .‬والله يدعو إلى دار السلم) يدعو‬
‫الكل إلى دار سلم العالم الروحاني الذي ل آفة فيه ول نقص ول فقر ول‬
‫فناء بل فيه السلمة عن كل عيب والمان من كل خوف ‪( :‬ويهدي من‬
‫يشاء) من جملتهم من أهل الستعداد ‪( :‬إلى صراط) الوحدة‪] .‬تفسير سورة‬
‫يونس من آية ‪ 26‬إلى آية ‪( : [27‬للذين أحسنوا) أي ‪ :‬جاؤوا بما يحسن به‬
‫حالهم من خير فعلي أو قولي أو علمي مما هو سبب كمالهم المثوبة ‪( :‬‬
‫الحسنى) من الكمال الذي يفيض عليهم بسبب ذلك الخير ‪( :‬وزيادة) مرتبة‬
‫مما كان قبله بالترقي أو زيادة في استعداد قبول الخيرات والكمالت‬
‫بانضمام هذا الكمال والنور الفائض عليهم إلى استعدادهم الول على ما‬
‫ذكر ‪( :‬ول يرهق) وجوه قلوبهم غبار من كدورات صفات النفس وقيام‬
‫غلباتها ‪( :‬ول ذلة) من ميل قلوبهم إلى الجهة السفلية‪( : .‬أولئك أصحاب‬
‫الجنة) التي يقتضيها حالهم وارتقاؤهم من الجنان المذكورة ‪( :‬هم فيها‬
‫خالدون) ‪( :‬والذين كسبوا) أجناس ‪( :‬السيئات) من أعمال وأقوال وعقائد‬
‫تحجب استعدادهم عن قبول الكمال ‪( :‬جزاء سيئة بمثلها) من الهيئة التي‬
‫ارتكبت على قلوبهم من سيئاتهم فمنعتها الصفاء والنور ‪( :‬وترهقهم‬
‫ذلة) الميل إلى الجهة السفلية ‪( :‬ما لهم من الله من عاصم) يعصمهم من‬
‫تلك الذلة والخذلن لوجود الحجاب وعدم قبول هذه العصمة لثبوت الكدورة ‪:‬‬
‫(كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل) لفرط ارتكاب الهيئة المظلمة من‬
‫الميول الطبيعية والعمال الردية عليها‪( : .‬أولئك أصحاب النار) التي‬
‫يقتضيها حالهم في التسفل من نيران الثار والفعال‪.‬‬
‫(ويوم نحشرهم جميعا) في المجمع الكبر عين جمع الوجود المطلق ‪( :‬ثم‬
‫نقول للذين أشركوا) منهم أي ‪ :‬المحجوبين الواقفين مع الغير بالمحبة‬
‫والطاعة ‪( :‬مكانكم) أي ‪ :‬الزموا مكانكم ‪( :‬أنتم وشركاؤكم) ومعناه ‪ :‬وقفوا‬
‫مع ما وقفوا معه في الموقف مع قطع الوصل والسباب التي هي سبب‬
‫محبتهم وعبادتهم وتبرء المعبود من العابد لنقطاع اللت البدنية والغراض‬
‫الطبيعية التي توجب تلك الوصل وهو معنى قوله ‪( : :‬فزيلنا بينهم) أي ‪ :‬مع‬
‫كونهم في الموقف معا ً فرقنا بينهم في الوجهة وذلك عند علو رتبة المعبود‬
‫ودنو رتبة العابد وتباين حاليهما إذا كان المعبود شريفا ً كالملئكة والمسيح‬
‫وعزير وأمثالهم ممن له السابقة عند الله كما قال تعالى ‪( : :‬إن الذين‬
‫سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ‪] )101‬النبياء‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪( : .[101‬وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) بل تعبدون الشيطان‬
‫بطاعتكم إياه وما اخترعتموه في أوهامكم من أباطيل فاسدة وأماني كاذبة‪.‬‬
‫‪( :‬فكفى بالله شهيدا) إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬الله يعلم أنا ما أمرناكم بذلك وما‬
‫أردنا عبادتكم إيانا ‪( :‬هنالك) أي ‪ :‬عند ذلك الموقف تختبر وتذوق ‪( :‬كل‬
‫نفس ما أسلفت) في الدنيا ‪( :‬وردوا إلى الله) في موقف الجزاء بالنقطاع‬
‫عن اللهة وانفرادهم عنها ‪( :‬مولهم الحق) المتولي جزاءهم بالعدل‬
‫والقسط ‪( :‬وضل عنهم ما كانوا يفترون) من اختراعاتهم وأصول دينهم‬
‫ومذهبهم وتوهماتهم الكاذبة وأمانيهم الباطلة‪( .‬وما كان هذا‬
‫القرآن) اختلقا ً ‪( :‬من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه) من اللوح‬
‫المحفوظ ‪( :‬وتفصيل الكتاب) الذي هو الم له كقوله تعالى ‪( : :‬وإنه في أم‬
‫الكتاب لدينا لعلي حكيم )‪] )(4‬الزخرف‪ ،‬الية ‪ [4 :‬أي ‪ :‬كيف يكون مختلقا ً‬
‫وقد أثبت قبله في كتابين من علم مفصل ً كما هو في اللوح المحفوظ‬
‫ومجمل ً في أم الكتاب الذي هذا تفصيله‪( : .‬بل كذبوا بما لم يحيطوا‬
‫بعلمه) أي ‪ :‬لما جهلوا كيفية ثبوته في علم الله ونزوله على سيدنا محمد‬
‫عليه ‪ e‬وقصر علمهم عن ذلك كذبوا به ‪( :‬ولما يأتهم تأويله) أي ‪ :‬ظهور ما‬
‫أشار إليه في مواعيده وأمثاله مما يؤول أمره وعلمه إليه فل يمكنهم‬
‫التكذيب لنه إذا ظهرت حقائقه ل يمكن لحد تكذيبه‪ ،‬مثل ذلك التكذيب‬
‫العظيم ‪( :‬كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان) عاقبتهم لما ظلموا‬
‫بالتكذيب ‪( :‬ومنهم من يؤمن به) أي ‪ :‬سيؤمن به لرقة حجابه ‪( :‬ومنهم من‬
‫ل يؤمن به) أبدا ً لغلظ حجابه ‪( :‬ومنهم من يستمعون إليك) ولكن ل يفهمون‬
‫إما لعدم الستعداد في الصل وإما لرسوخ الهيئات المظلمة الحاجبة لنور‬
‫الستعداد فيهم وإما لجتماع المرين كالصم الذي ل عقل له فل يسمع ول‬
‫يتفطن للشارة‪ ،‬فكيف يمكن إفهامه‪] .‬تفسير سورة يونس من آية ‪ 43‬إلى‬
‫آية ‪( : [46‬ومنهم من ينظر إليك) ولكن ل يبصر الحق ول حقيقتك لحد‬
‫المرين المذكورين أو كليهما كالعمى الذي انضم إلى فقدان بصره فقدان‬
‫البصيرة فل يبصر ول يستبصر فكيف تمكن هدايته‪( : .‬إن الله ل يظلم الناس‬
‫شيئا) لما ذكر الصمم والعمى اللذين يدلن على عدم استعداد الدراك أشعر‬
‫الكلم بوقوع الظلم لوجود الستعداد لبعض وعدمه لبعض فسلب الظلم عن‬
‫نفسه لن عدم الستعداد في الصل ليس ظلما ً لعدم إمكان ما هو أجود منه‬
‫بالنسبة إلى خصوصية ذلك وهويته فكان عينه مقتضيا ً له في رتبة من‬
‫مراتب المكان كما ل يمكن للحمار مع حماريته استعداد الدراك النساني‬
‫وكان عينه مستدعيا ً لما هو عليه من الستعداد الحماري ول يطلب منه وراء‬
‫ما في استعداده فل ظلم هذا إذا لم يكن في الصل وأما إذا بطل برسوخ‬
‫الهيئات المظلمة فل كلم فيه وكلهما ظالم لنفسه‪ .‬أما الول فلقصوره‬
‫في درجات المكان ونقصانه بالضافة إلى ما فوقه كقصور الحمار مثل ً عن‬
‫النسان ونقصانه بالضافة إليه ل في نفسه فإنه في حد نفسه ليس بقاصر‬
‫ول ناقص‪ .‬وأما الثاني فظاهر وعلى هذا معنى ‪( :‬أنفسهم‬
‫يظلمون) ينقصون حظها‪ ،‬أو إن الله ل يظلم الناس شيئا ً بأن يطلب منهم‬
‫ما ليس في استعدادهم فيعاقبهم على ذلك ولكن الناس أنفسهم يظلمون‬
‫فيستعملون استعداداتهم فيما لم تخلق لجله‪( : .‬ويوم يحشرهم كأن لم‬
‫يلبثوا إل ساعة من النهار) لعدم إحساسهم بالحركة المستلزم لذهولهم عن‬
‫الزمان إذ الذاهل عن الحركة ذاهل عن الزمان‪ ،‬فسواء عندهم الساعة‬
‫الواحدة والدهور المتطاولة ‪( :‬يتعارفون بينهم) بحكم سابقة الصحبة وداعية‬
‫الهوى اللزمة للجنسية الصلية بدل ً التشاؤم‪ .‬ثم إن بقيت الجنسية الصلية‬
‫والمناسبة الفطرية لتحادهم في الوجهة واتفاقهم في المقصد بقي‬
‫التعارف بينهم‪ ،‬وإن لم يبق بسبب اختلف الهواء وتباين الراء وتفاوت‬
‫الهيئات المستفادة من لواحق النشأة وعوارض المادة انقلب إلى التناكر ‪( :‬‬
‫قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) لوقوعهم في وحشة التناكر حينئذ‬
‫واحتجابهم بحجب عاداتهم الفاسقة وهيئات اعتقاداتهم الفاسدة ‪( :‬وما‬
‫كانوا مهتدين) وبطل نور استعدادهم فل يهتدون إلى الله ول إلى التعارف‬
‫فخسئوا مبغوضين مطرودين ل يألفون أنيسا ً ول يؤون أليفًا‪( .‬ولكل أمة‬
‫رسول) يجانسهم في الحوال النفسانية ليمكن بينهم اللفة الموجبة‬
‫للستفادة منه ويمكنه النزول إلى مبالغ عقولهم ومراتب فهومهم فيزكيهم‬
‫بما يصلح أحوالهم ويكشف حجبهم ويعلمهم بما يوجب ترقيهم عن‬
‫مقاماتهم ويهديهم إلى الله‪( : ،‬فإذا جاء رسولهم قضي بينهم) بهداية من‬
‫اهتدى منهم وضللة من ضل وسعادة من سعد وشقاوة من شقي لظهور‬
‫ذلك بوجوده وطاعة بعضهم إياه لقربه منه وإنكار بعضهم له لبعده عنه ‪( :‬‬
‫بالقسط) أي ‪ :‬بالعدل الذي هو الغالب على حال النبي لكونه ظاهر توحيده‬
‫وسيرته وطريقته ‪( :‬وهم ل يظلمون) بنسبة خلف ما هو حالهم إليهم‬
‫ومجازاتهم به أو قضى بينهم بإنجاء من اهتدى به وإثابته وإهلك من ضل‬
‫وتعذيبه لظهور أسباب ذلك بوجوده‪( : .‬ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم‬
‫صادقين) إنكار لحتجابهم عن القيامة وعدم وقوفهم على معناها إذ لو‬
‫علموا كيفيته بارتفاع حجبهم بالتجرد عن ملبس النفس صدقوهم في ذلك‬
‫وما أنكروا‪( : .‬قل ل أملك لنفسي) إلى آخره‪ ،‬درجهم إلى شهود الفعال‬
‫بسلب الملك والتأثير عن نفسه ووجوب وقوع ذلك عنه بمشيئة الله ليعرفوا‬
‫آثار القيامة‪ ،‬ثم لوح إلى أن القيامة الصغرى هي بانقضاء آجالهم المقدرة‬
‫عند الله بقوله ‪( : :‬لكل أمة أجل) إلى آخره‪] .‬تفسير سورة يونس من آية‬
‫‪ 57‬إلى آية ‪( : [64‬يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة) أي ‪ :‬تزكية لنفوسكم‬
‫بالوعد والوعيد والنذار والبشارة والزجر عن الذنوب المورطة في العقاب‬
‫والتحريض على العمال الموجبة للثواب لتعملوا على الخوف والرجاء ‪( :‬‬
‫وشفاء لما في الصدور) أي ‪ :‬القلوب من أمراضها كالشك والنفاق والغل‬
‫والغش وأمثال ذلك بتعليم الحقائق والحكم الموجبة لليقين وتصفيتها‬
‫لقبول المعارف والتنور بنور التوحيد‪ ،‬والتهيئ لتجليات الصفات ‪( :‬‬
‫وهدى) لرواحكم إلى الشهود الذاتي ‪( :‬ورحمة) بإفاضة الكمالت اللئقة‬
‫بكل مقام من المقامات الثلث بعد حصول الستعداد في مقام النفس‬
‫بالموعظة ومقام القلب بالتصفية ومقام الروح بالهداية ‪( :‬‬
‫للمؤمنين) بالتصديق أول ً ثم باليقين ثانيا ً ثم بالعيان ثالثًا‪( : .‬قل بفضل‬
‫الله) أي ‪ :‬بتوفيقه للقبول في المقامات الثلثة ‪( :‬وبرحمته) بالمواهب‬
‫الخلقية والعلمية والكشفية في المراتب الثلث فليعتنوا وإن كانوا‬
‫يفرحون ‪( :‬فبذلك فليفرحوا) ل بالمور الفانية القليلة المقدار‪ ،‬الدنيئة‬
‫القدر والوقع ‪( :‬هو خير مما يجمعون) من الخسائس الفاسدة والمحقرات‬
‫الزائلة من جملة الحطام إن كانوا أصحاب دراية وفطنة وأرباب قدر وهمة‪: .‬‬
‫(قل أرأيتم ما أنزل الله) إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬أخبروني ما أنزل الله من رزق‬
‫معنوي كالحقائق والمعارف والحوال والمواهب وكالداب والشرائع‬
‫والمواعظ والنصائح ‪( :‬فجعلتم) بعضه ‪( :‬حراما) كالقسم الول ‪( :‬و) بعضه ‪:‬‬
‫(حلل) كالقسم الثاني ‪( :‬قل لله أذن لكم) في الحكم بالتحريم والتحليل ‪( :‬‬
‫أم على الله تفترون وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم‬
‫القيامة) الوسطى بتجرد القلب عن ملبس النفس وحصول اليقين أو يوم‬
‫القيامة الكبرى بالتوحيد الذاتي وظهور العيان‪ ،‬أي ‪ :‬ل يبقى ظنهم وليس‬
‫شيئا ً حينئذ أو يوم القيامة الصغرى بالموت وحصول الحرمان أي ‪ :‬يكون‬
‫ظنهم وبال ً وعذابا ً حينئذ ‪( :‬إن الله لذو فضل على الناس) بصنفي العلمين‬
‫وإفاضتهما وتوفيق القبول لهما وتهيئة الستعداد لقبولهما ‪( :‬ولكن أكثرهم‬
‫ل يشكرون) نعمته فيستعملون ما وهب لهم من الستعداد والعلوم في‬
‫تحصيل المنافع الجزئية والمطالب الحسية ويكفرون نعمته فيمنعون عن‬
‫الزيادة‪( : .‬أل إن أولياء الله) المستغرقين في عين الهوية الحدية بفناء‬
‫النية ‪( :‬ل خوف عليهم) إذ لم يبق منهم بقية خافوا بسببها من حرمان ول‬
‫غاية وراء ما بلغوا فيخافوا من حجبه ‪( :‬ول هم يحزنون) لمتناع فوات شيء‬
‫من الكمالت واللذات منهم‪ ،‬فيحزنوا عليه‪ .‬وعن سعيد بن جبير ‪ : t‬إن‬
‫رسول الله ‪ e‬سئل من هم ؟ فقال ‪ ' :‬هم الذين يذكروا الله برؤيتهم '‪ .‬وهذا‬
‫رمز لطيف منه ‪ .e‬وعن عمر ‪ : t‬سمعت رسول الله ‪ e‬يقول ‪ ' :‬إن من عباد‬
‫الله عبادا ً ما هم بأنبياء ول شهداء يغبطهم النبياء والشهداء يوم القيامة‬
‫لمكانهم من الله '‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أخبرنا من هم وما أعمالهم ؟‬
‫فلعلنا نحبهم‪ .‬قال ‪ ' :‬هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ول‬
‫أموال يتعاطونها‪ ،‬فوالله إن وجوجههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور‪ ،‬ل‬
‫يخافون إذا خاف الناس ول يحزنون إذا حزن الناس ' ثم قرأ الية‪ .‬قوله ‪:‬‬
‫وإنهم لعلى منابر من نور‪ ،‬يريد به اتصالهم بالمبادئ العالية الروحانية‬
‫كالعقل الول وما يليه‪( : .‬الذين آمنوا وكانوا يتقون) إن جعل صفة لولياء‬
‫الله فمعناه الذين آمنوا باليمان الحقي وكانوا يتقون بقاياهم وظهور‬
‫تلويناتهم‪( : .‬لهم البشرى في الحياة الدنيا) بوجود الستقامة في العمال‬
‫والخلق المبشرة بجنة النفوس ‪( :‬وفي الخرة) بظهور أنوار الصفات‬
‫والحقائق الروحانية والمعارف الحقانية عليهم المبشرة بجنة القلوب‬
‫وحصول الذوق بهما واللذة ‪( :‬ل تبديل لكلمات الله) لحقائقه الواردة عليهم‬
‫وأسمائه المنكشفة لهم وأحكام تجلياته النازلة بهم‪ ،‬وإن جعل كلما ً برأسه‬
‫مبتدأ فمعناه الذين آمنوا اليمان اليقيني وكانوا يتقون حجب صفات النفس‬
‫وموانع الكشف من التشكيكات الوهمية والوساوس الشيطانية ‪( :‬لهم‬
‫البشرى في الحياة الدنيا) بوجدان لذة برد اليقين في النفس واطمئنانها‬
‫بنزول السكينة وفي الخرة بوجدان ذوق تجليات الصفات وأثر أنوار‬
‫المكاشفات ل تبديل لكلمات الله من علومهم اللدنية وحكمهم اليقينية أو‬
‫فطرتهم التي فطرهم الله عليها فإن كل نفس كلمة‪( .‬ول يحزنك‬
‫قولهم) أي ‪ :‬ل تتأثر به فإنه مراء وشاهد عزة الله وقهره لتنظر إليهم بنظر‬
‫الفناء وترى أعمالهم وأقوالهم وما يهددونك به كالهباء فمن شاهد قوة الله‬
‫وعزته يرى كل القوة والعزة ل قوة لحد ول حول‪( : .‬هو السميع) لقوالهم‬
‫فيك فيجازيهم ‪( :‬العليم) لما ينبغي أن يفعل بهم ثم بين ضعفهم وعجزهم‬
‫وامتناع غلبتهم عليه بقوله ‪( : :‬أل إن لله من في السماوات ومن في‬
‫الرض) كلهم تحت ملكته وتصرفه وقهره ل يقدرون على شيء بغير إذنه‬
‫ومشيئته وإقداره إياهم ‪( :‬وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء) وأي‬
‫شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء‪ ،‬أي ‪ :‬إذا كان الكل تحت قهره‬
‫وملكته فما يتبعون من دون الله ليس بشيء ول تأثير له ول قوة ‪( :‬إن‬
‫يتبعون إل) ما يتوهمونه في ظنهم ويتخيلونه في خيالهم وما هم إل‬
‫يقدرون وجود شيء ل وجود له في الحقيقة‪( : .‬هو الذي جعل لكم) ليل‬
‫الجسم ‪( :‬لتسكنوا فيه) ونهار الروح لتبصروا به حقائق الشياء وما تهتدون‬
‫به إليه ‪( :‬إن في ذلك ليات لقوم يسمعون) كلم الله به‪ ،‬فيفهمون بواطنه‬
‫وحدوده ويطلعون به على صفاته وأسمائه فيشاهدونه موصوفا ً ومتسما ً‬
‫بها‪( : .‬قالوا اتخذ الله ولدا) أي ‪ :‬معلول ً يجانسه ‪( :‬سبحانه) أنزهه عن‬
‫مجانسة شيء ‪( :‬هو الغني) الذي وجوده بذاته وبه وجود كل شيء‪ ،‬فكيف‬
‫يماثله شيء‪ ،‬ومن له الوجود كله فكيف يجانسه شيء‪( : .‬واتل عليهم نبأ‬
‫نوح) في صحة توكله على الله ونظره إلى قومه وإلى شركائهم بعين الفناء‬
‫وعدم مبالته بهم وبمكايدهم ليعتبروا به حالك‪ ،‬فإن النبياء كلهم في ملة‬
‫التوحيد والقيام بالله وعدم اللتفات إلى الخلق سواء‪( : .‬وقال موسى يا‬
‫قوم إن كنتم آمنتم) أي ‪ :‬إيمانا ً يقينيا ً ‪( :‬فعليه توكلوا) جعل التوكل من‬
‫لوازم السلم وهو إسلم الوجه لله تعالى‪ ،‬ولم يجعل السلم من لوازم‬
‫اليمان أي ‪ :‬إن كمل إيمانكم ويقينكم بحيث أثر في نفوسكم وجعلها‬
‫خالصة لله فانية فيه لزم التوكل عليه فإن أول مرتبة الفناء هو فناء‬
‫الفعال ثم الصفات ثم الوجود فإن تم الفناء لزم التوكل الذي هو فناء‬
‫الفعال وإن أريد السلم بمعنى النقياد كان شرطا ً في التوكل ل ملزوما ً‬
‫له وحينئذ يكون معناه ‪ :‬إن صح إيمانكم يقينا ً فعليه توكلوا بشرط أن ل‬
‫يكون لكم فعل ول تروا لنفسكم ول لغيركم قوة وتأثيرا ً بل تكونوا منقادين‬
‫كالميت فإن شرط صحة التوكل فناء بقايا الفعال والقوى كما تقول ‪ :‬إن‬
‫كرهت هذا الشجر فاقلعه إن قدرت‪ ،‬والباقي إلى آخر السورة بعضه ل يقبل‬
‫التأويل وبعضه معلوم مما مر‪.‬‬

‫)سورة هود(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم(‬

‫]تفسير سورة هود من آية ‪ 1‬إلى آية ‪( : [6‬الر كتاب) مر ذكره ‪( :‬أحكمت‬
‫آياته) أي ‪ :‬أعيانه وحقائقه في العالم الكلي بأن أثبتت دائمة على حالها ل‬
‫تتبدل ول تتغير ول تفسد محفوظة عن كل نقص وآفة ‪( :‬ثم فصلت) في‬
‫العالم الجزئي وجعلت مبينة في الظاهر معينة بقدر معلوم ‪( :‬من لدن‬
‫حكيم) أي ‪ :‬أحكامها وتفصيلها من لدن حكيم بناها على علم وحكمة ل يمكن‬
‫أحسن منها وأشد أحكاما ً ‪( :‬خبير) بتفاصيلها على ما ينبغي في النظام‬
‫الحكمي في تقديرها وتوقيتها وترتيبها‪( : .‬أل تعبدوا إل الله) أي ‪ :‬ينطق‬
‫عليكم بلسان الحال والدللة أن ل تشركوا بالله في عبادته وخصوصه‬
‫بالعبادة ‪( :‬إنني لكم منه نذير وبشير) كلم على لسان الرسول‪ ،‬أي ‪ :‬إنني‬
‫أنذركم من الحكيم الخبير عقاب الشرك وتبعته وأبشركم منه بثواب التوحيد‬
‫وفائدته‪( : .‬وأن استغفروا ربكم) أي ‪ :‬وحدوه واطلبوا منه أن يغفر هيئات‬
‫النظر إلى الغير والحتجاب بالكثرة والتقيد بالشياء والوقوف معها حتى‬
‫أفعالكم وصفاتكم ‪( :‬ثم توبوا إليه) ارجعوا إليه بالفناء فيه ذاتا ً ‪( :‬‬
‫يمتعكم) في الدنيا تمتيعا ً ‪( :‬حسنا) على وفق الشريعة والعدالة حالة البقاء‬
‫بعد الفناء إلى وقت وفاتكم ‪( :‬ويؤت كل ذي فضل) في الخلق والعلوم‬
‫والكمالت ‪( :‬فضله) في الثواب والدرجات أو يمتعكم بلذات تجليات الفعال‬
‫والصفات عند تجردكم إلى وقت فنائكم أو ‪( :‬ويؤت كل ذي فضل) في‬
‫الستعداد فضله في الكمال والمرتبة عند الترقي والتدلي ‪( :‬وإن‬
‫تولوا) أي ‪ :‬تعرضوا عن التوحيد والتجريد فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير‬
‫شاق عليكم وهو يوم الرجوع إلى الله القادر على كل شيء أي يوم ظهور‬
‫عجزكم وعجز ما تعبدون بظهوره تعالى في صفة قادريته فيقهركم بالعذاب‬
‫تفسير سورة هود من آية إلى آية وهو الذي خلق السماوات والرض في‬
‫ستة أيام أي خلق العالم الجسماني في ست جهات وكان عرشه على الماء‬
‫أي عرشه الذي هو العقل الول مبتنيا على العلم الول مستندا إليه مقدما‬
‫بالوجود على عالم الجسام وإن أولنا اليام الستة بمدة الخفاء كما مر‬
‫وخلق السموات والرض باختفائه تعالى بتفاصيل الموجودات فمعنى كون‬
‫عرشه على الماء كونه قبل بداية الختفاء ظاهرا معلوما للناس كقولك‬
‫فعلته على علم أي في حال كونه معلوما لي أو كوني عالما به أي على‬
‫المعلومية كما قال حارثة حين سأله رسول الله ‪ e‬كيف أصبحت يا حارثة قال‬
‫أصبحت مؤمنا حقا قال ‪ e‬لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك قال رأيت أهل‬
‫الجنة يتزاورون ورأيت أهل النار يتعاوون ورأيت عرش ربي بارزا قال ‪e‬‬
‫أصبت فالزم وقد عبر في الشرع عن المادة الهيولنية بالماء في مواضع‬
‫كثيرة منها ما ورد في الحديث إن الله خلق أول ما خلق جوهرة فنظر إليها‬
‫بعين الجلل فذابت حياء نصفها ماء ونصفها نار فإن أولناه بها فمعناه وكان‬
‫عرشه قبل السموات والرض بالذات ل بالزمان مستعليا على المادة فوقها‬
‫بالرتبة وإن شئت التطبيق على تفاصيل وجودك فمعناه خلق سموات القوى‬
‫الروحانية وأرض الجسد في الشهر الستة التي هي أقل مدة الحمل وكان‬
‫عرشه الذي هو قلب المؤمن على ماء مادة الجسد مستوليا عليه متعلقا به‬
‫تعلق التصوير والتدبير ليبلوكم أيكم أحسن عمل جعل غاية خلق الشياء‬
‫ظهور أعمال الناس أي خلقناهم لنعلم العلم التفصيلي التابع للوجود الذي‬
‫يترتب عليه الجزاء أيكم أحسن عمل فإن علم الله قسمان قسم يتقدم‬
‫وجود الشيء في اللوح وقسم يتأخر وجوده في مظاهر الخلق والبلء الذي‬
‫هو الختبار هو هذا القسم‬
‫(ولئن أذقنا النسان منا رحمة) إلى آخره‪ ،‬ينبغي للنسان أن يكون في‬
‫الفقر والغنى والشدة والرخاء والمرض والصحة واثقا ً بالله متوكل ً عليه ل‬
‫يحتجب عنه بوجود نعمة ول بسعيه وتصرفه في الكسب ول بقوته وقدرته‬
‫في الطلب ول بسائر السباب والوسائط لئل يحصل اليأس عند فقدان تلك‬
‫السباب والكفران والبطر والشر عند وجودها فيبعد بها عن الله تعالى‬
‫وينساه فينساه الله بل يرى العطاء والمنع منه دون غيره‪ ،‬فإن أتاه رحمة‬
‫من صحة أو نعمة شكره أول ً برؤية ذلك منه وشهود المنعم في صورة‬
‫النعمة‪ ،‬وذلك بالقلب ثم بالجوارح باستعمالها في مراضيه وطاعته والقيام‬
‫بحقوقه تعالى فيها ثم باللسان بالحمد والثناء متيقنا ً بأنه القادر على‬
‫سلبها‪ ،‬محافظا ً عليها بشكرها مستزيدا ً إياها اعتمادا ً على قوله تعالى ‪( : :‬‬
‫لئن شكرتم لزيدنكم) ]إبراهيم‪ ،‬الية ‪ .[7 :‬قال أمير المؤمنين ‪ ' : u‬إذا‬
‫وصلت إليكم أطراف النعم فل تنفروا أقصاها بقلة الشكر '‪ ،‬ثم إن نزعها‬
‫منه فليصبر ول يتأسف عليها عالما ً بأنه هو الذي نزع دون غيره لمصلحة‬
‫تعود إليه‪ .‬فإن الرب تعالى كالوالد المشفق في تربيته إياه‪ ،‬بل أرأف‬
‫وأرحم‪ ،‬فإن الوالد محجوب عما يعلمه تعالى إذ ل يرى إل عاجل مصالحه‬
‫وظاهرها وهو العالم بالغيب والشهادة فيعلم ما فيه صلحه عاجل ً وآجل ً‬
‫راضيا ً بفعله راجيا ً إعادة أحسن ما نزع منها إليه إذ القانط من رحمته بعيد‬
‫منه ل يستوسع رحمته لضيق وعائه محجوب عن ربوبيته ل يرى عموم فيض‬
‫رحمته ودوامه ثم إذا أعادها لم يفرح بوجودها كما لم يحزن بفقدانها ول‬
‫يفخر بها على الناس‪ ،‬فإن ذلك من الجهل وظهور النفس وإل لعلم أن ذلك‬
‫ليس منه وله فبأي سبب يسوغ له فخر بما ليس له ومنه بل لله ومن الله‪.‬‬
‫]تفسير سورة هود من آية ‪ 11‬إلى آية ‪( : [15‬إل الذين صبروا) استثناء من‬
‫النسان أي هذا النوع يؤوس كفور فرح فخور في الحالين إل الذين صبروا‬
‫مع الله واقفين معه في حالة الضراء والنعماء والشدة والرخاء كما قال‬
‫عمر ‪ : t‬الفقر والغنى مطيتان ل أبالي أيهما أمتطي‪( : ،‬وعملوا) في‬
‫الحالين ما فيه صلحهم مما ذكر ‪( :‬أولئك لهم مغفرة) من ذنوب ظهور‬
‫النفس باليأس والكفران والفرح والفخر في الحالين ‪( :‬وأجر كبير) من‬
‫ثواب تجليات الفعال والصفات وجنانها ‪( :‬فلعلك تارك بعض ما يوحى‬
‫إليك) لما لم يقبلوا كلمه ‪ e‬بالرادة وأنكروا قوله بالقتراحات الفاسدة‬
‫وقابلوه بالعناد والستهزاء ضاق صدره ولم ينبسط للكلم إذ الرادة تجذب‬
‫الكلم وقبول المستمع يزيد نشاط المتكلم ويوجب بسطه فيه‪ ،‬وإذا لم يجد‬
‫المتكلم محل ً قابل ً لم يتسهل له وبقي كربا ً عنده فشجعه الله تعالى بذلك‪،‬‬
‫وهيج قوته ونشاطه بقوله ‪( : :‬إنما أنت نذير) فل يخلو إنذارك من إحدى‬
‫الفائدتين إما رفع الحجاب بأن ينجع فيمن وفقه الله تعالى لذلك‪ ،‬وإما إلزام‬
‫الحجة لمن لم يوفق لذلك ‪( :‬والله على كل شيء وكيل) فكل الهداية إليه‪: .‬‬
‫(من كان يريد الحياة الدنيا) أي ‪ :‬كل من يعمل عمل ً وإن كان من أعمال‬
‫الخرة في الظاهر بنية الدنيا ل يريد به إل حظا ً من حظوظها يوفيه الله‬
‫تعالى أجره فيها ول يصل إليه من ثواب الخرة شيء‪ ،‬فإن لكل أحد نصيبا ً‬
‫من الدنيا بمقتضى نشأته التي هو عليها ونصيبا ً من الخرة بمقتضى فطرته‬
‫التي فطر عليها‪ ،‬فإذا لم يرد بعمله إل الدنيا فقد أقبل بوجهه إليها وأعرض‬
‫عن الخرة وجعل النصيب الدنيوي بانجذابه وتوجهه إلى الجهة السفلية‬
‫حجاب النصيب الخروي حتى انتكست فطرته وتبعت النشأة واستخدمت‬
‫نفسه القلب في طلب حظوظها فصار نصيبه من الخرة منضما ً إلى‬
‫النصيب الدنيوي ‪( :‬وهم فيها) ل ينقصون أي ‪ :‬ل ينقص من ثواب أعمالهم‬
‫في الدنيا شيء لنه لما تشكل القلب بهيئة النفس تمثل حظه بصورة حظ‬
‫النفس‪( .‬أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل النار) لتعذب قلوبهم بالحجب‬
‫الدنيوية وحرمانها عن مقتضى استعدادها وتألمها بما ل يلئمها من‬
‫مكسوباتها ‪( :‬وحبط ما صنعوا) من أعمال البر في الخرة لكونها بنية الدنيا‬
‫لقوله ‪ ' : e‬العمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ' إلى آخر الحديث‪( : .‬أفمن‬
‫كان على بينة من ربه) أي ‪ :‬أمن كان يريد الحياة الدنيا فمن كان على بينة‬
‫من ربه يعني بعد ما بينهما في المرتبة بعدا ً عظيما ً من كان على بينة أي ‪:‬‬
‫يقين برهاني عقلي أو وجداني كشفي ويتبع ذلك اليقين ‪( :‬شاهد) من ربه‬
‫أي ‪ :‬القرآن المصدق للبرهان العقلي في التوحيد وصحة النبوة وأصول‬
‫الدين‪ ،‬ومن قبل هذا القرآن ‪( :‬كتاب موسى) أي ‪ :‬يتبع البرهان من قبل‬
‫هذا الكتاب كتاب موسى في حال كونه ‪( :‬إماما) يؤتم به وقدوة يتمسك بها‬
‫في تحقيق المطالب ورحمة رحيمية تهدي الناس وتزكيهم وتعلمهم الحكم‬
‫والشرائع ‪( :‬أولئك يؤمنون به) بالحقيقة دون الطالبين لحظوظ الدنيا‪( : .‬‬
‫ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) بإثبات وجود غيره وإسناد صفته من‬
‫الكلم ونحوه إلى الغير ‪( :‬أولئك يعرضون على ربهم) بالوقف في الموقف‬
‫الول محجوبين مخذولين ‪( :‬ويقول الشهاد) الموحدون ‪( :‬هؤلء الذين‬
‫كذبوا على ربهم) بالشرك ثم طردوا ولعنوا بسبب شركهم الذي هو أعظم‬
‫الظلم ‪( :‬الذين يصدون) الناس عن سبيل التوحيد ويصفونها بالعوجاج مع‬
‫استقامتها وهم مع احتجابهم عن الحق محجوبون عن الخرة دون غيرهم‬
‫من أهل الديان‪] .‬تفسير سورة هود من آية ‪ 23‬إلى آية ‪( : [28‬إن الذين‬
‫آمنوا) اليمان اليقيني الغيبي ‪( :‬وعملوا) العمال التي تصلحهم للقاء الله‬
‫وتقربهم إليه من التوبة والزهد الحقيقي والنابة والعبادة والصبر والشكر‬
‫وما يناسبها من أعمال أهل السلوك ومقاماتهم ‪( :‬وأخبتوا إلى‬
‫ربهم) وتذللوا واطمأنوا إليه بالشوق وانقطعوا إليه متفانين فيه ‪( :‬أولئك‬
‫أصحاب) جنة القلوب ‪( :‬هم فيها خالدون(‪( .‬فقال المل الذين كفروا من‬
‫قومه) أي ‪ :‬الشراق المليئون بأمور الدنيا‪ ،‬القادرون عليها‪ ،‬الذين حجبوا‬
‫بعقلهم ومعقولهم عن الحق‪( : .‬ما نراك إل بشرا مثلنا) لكونهم ظاهريين‬
‫واقفين على حد العقل المشوب بالوهم المتحير بالهوى الذي هو عقل‬
‫المعاش ل يرون لحد طورا ً وراء ما بلغوا إليه من العقل غير مطلعين على‬
‫مراتب الستعدادات والكمالت طورا ً بعد طور ورتبة فوق رتبة إلى ما ل‬
‫يعلمه إل الله‪ ،‬فلم يشعروا بمقام النبوة ومعناها ‪( :‬وما نراك اتبعك إل‬
‫الذين هم أراذلنا) فقراؤنا الدنون منًا‪ ،‬إذ المرتبة والرفعة عندهم بالمال‬
‫والجاه ليس إل كما قال تعالى ‪( : :‬يعلمون ظاهرا ً من الحياة الدنيا وهم عن‬
‫الخرة هم غافلون ‪] )7‬الروم‪ ،‬الية ‪( : .[7 :‬بادي الرأي) أي ‪ :‬بديهة الرأي‬
‫وأوله لنهم ضعاف العقول‪ ،‬عاجزون عن كسب المعاش‪ ،‬ونحن أصحاب فكر‬
‫ونظر قالوا ذلك لحتجابهم بعقلهم القاصر عن إدراك الحقيقة والفضيلة‬
‫المعنوية لقصر تصرفه على كسب المعاش والوقوف على حدة‪ .‬وأما أتباع‬
‫نوح ‪ u‬فإنهم أصحاب همم بعيدة وعقول حائمة حول القدس غير متصرفة‬
‫في المعاش ول ملتفتة إلى وجوه كسبه وتحصيله‪ ،‬فلذلك استنزلوا عقولهم‬
‫واستحقروها ‪( :‬وما نرى لكم علينا من فضل) وتقدم فيما نحن بصدده لكون‬
‫الفضل عندهم محصورا ً في التقدم بالغنى والمال والجاه ‪( :‬بل نظنكم‬
‫كاذبين) لعدم إدراك ما تثبتون وفهم ما تقولون مع وفور كياستنا ‪( :‬أرأيتم‬
‫إن كنت على بينة من ربي) يجب عليكم من طريق العقل الذعان له ‪( :‬‬
‫وآتاني رحمة) أي ‪ :‬هداية خاصة كشفية متعالية عن درجة البرهان ‪( :‬من‬
‫عنده) أي ‪ :‬فوق طور العقل من العلوم اللدنية ومقام النبوة ‪( :‬فعميت‬
‫عليكم) لحتجابكم بالظاهر عن الباطن وبالخليقة عن الحقيقة ول يمكن‬
‫تلقيها إل بالرادة لهل الستعداد فكيف نلزمكموها ونجبركم عليها ‪( :‬وأنتم‬
‫لها كارهون) أي ‪ :‬إن شئتم تلقيها فزكوا نفوسكم وصفوا استعدادكم إن‬
‫وهب لكم واتركوا إنكاركم حتى يظهر عليكم أثر نور الرادة فتقبلوها إن‬
‫ل) أي ‪ :‬الغرض عندكم من كل أمر محصور‬ ‫شاء الله‪( .‬ول أسألكم عليه ما ً‬
‫في حصول المعاش وأنا ل أطلب ذلك منكم فتنبهوا لغرضي وأنتم عقلء‬
‫بزعمكم ‪( :‬وما أنا بطارد الذين آمنوا) لنهم أهل القربة والمنزلة عند الله‬
‫فإن طردتهم كنت عدو الله مناويا ً لوليائه لست بنبي حينئذ ‪( :‬ولكني أراكم‬
‫قوما تجهلون) ما يصلح به المرء للقاء الله ول تعرفون الله ول لقاءه لذهاب‬
‫عقولكم في الدنيا أو تسفهون تؤذون المؤمنين بسفهكم‪( : .‬ويا قوم من‬
‫ينصرني من الله) الذي هو القاهر فوق عباده ‪( :‬إن طردتهم) واستوجبت‬
‫قهره بطردهم ‪( :‬أفل تذكرون) مقتضيات الفطرة النسانية فتنزجرون عما‬
‫تقولون ‪( :‬ول أقول لكم عندي خزائن الله) أي ‪ :‬أنا أدعي الفضل بالنبوة ل‬
‫بالغنى وكثرة المال ول بالطلع على الغيب ول بالملكية حتى تنكروا فضلي‬
‫بفقدان ذلك ‪( :‬ول أقول) للفقراء المؤمنين الذين تستحقرونهم وتنظرون‬
‫إليهم بعين الحقارة ‪( :‬لن يؤتيهم الله خيرا) كما تقولون‪ ،‬إذ الخير عندي ما‬
‫عند الله ل المال ‪( :‬الله أعلم بما في أنفسهم) من الخير مني ومنكم وهو‬
‫أعرف بقدرهم وخطرهم وما يعلم أحد قدر خيرهم لعظمه ‪( :‬إني إذا) أي ‪:‬‬
‫إذ نفيت الخير عنهم أو طردتهم ‪( :‬لمن الظالمين)‪] .‬تفسير سورة هود من‬
‫آية ‪ 38‬إلى آية ‪( : [40‬ويصنع الفلك) إلى آخره‪ ،‬تفسيره على ما دل عليه‬
‫الظاهر حق يجب اليمان به وصدق ل بد من تصديقه كما جاء في التواريخ‬
‫من بيان قصة الطوفان وزمانه وكيفيته وكميته‪ .‬وأما التأويل فمحتمل بأن‬
‫يؤول الفلك بشريعة نوح التي نجا بها هو ومن آمن معه من قومه كما قال‬
‫النبي عليه ‪ ' : e‬مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح‪ ،‬من ركب فيها نجا ومن‬
‫تخلف عنها غرق '‪ .‬والطوفان باستيلء بحر الهيولى وإهلك من لم يتجرد‬
‫عنها بمتابعة نبي وتزكية نفس كما جاء في كلم إدريس النبي ‪ u‬ومخاطباته‬
‫لنفسه ما معناه ‪ :‬إن هذه الدنيا بحر مملوء ماء فإن اتخذت سفينة تركبها‬
‫عند خراب البدن نجوت منها إلى عالمك وإل غرقت فيها وهلكت‪ ،‬فعلى هذا‬
‫يكون معنى ويصنع الفلك يتخذ شريعة من ألواح العمال الصالحة ودسر‬
‫العلوم التي تنظم بها العمال وتحكم‪( : .‬وكلما مر عليه مل من قومه‬
‫سخروا منه) كما ترى من عادة الشطار وذوي الخلعة المشتهرين بالباحة‬
‫يستهزئون بالمتشرعين والمتقيدين بقيودها ‪( :‬قال إن تسخروا‬
‫منا) بجهلكم ‪( :‬فإنا نسخر منكم) عند ظهور وخامة عاقبة كفركم واحتجابكم‬
‫‪( :‬كما تسخرون فسوف تعلمون) عند ذلك ‪( :‬من يأتيه عذاب يخزيه) في‬
‫الدنيا من هلك وموت أو مرض وضر أو شدة وفقر‪ ،‬كيف يضطرب ويتحسر‬
‫على ما يفوت منه ‪( :‬ويحل عليه عذاب مقيم) دائم في الخرة من استيلء‬
‫نيران الحرمان وهيئات الرذائل المظلمة والخسران‪( : .‬حتى إذا جاء‬
‫أمرنا) بإهلك أمتك ‪( :‬وفار) تنور البدن باستيلء الخلط الفاسدة‬
‫والرطوبات الفضلية على الحرارة الغريزية وقوة طبيعة ماء الهيولى على‬
‫نار الروح الحيوانية أو أمرنا بإهلككم المعنوي وفار التنور باستيلء ماء هوى‬
‫الطبيعة على القلب وإغراقه في بحر الهيولى الجسماني ‪( :‬قلنا احمل فيها‬
‫من كل زوجين اثنين) أي ‪ :‬من كل صنفين من نوع اثنين هما صورتاهما‬
‫النوعية والصنفية الباقيتان عند فناء الشخاص‪ .‬ومعنى حملهما فيها ‪ :‬علمه‬
‫ببقائهما مع بقاء الرواح النسية‪ ،‬فإن علمه جزء من سفينته الحاوية للكل‬
‫لتركبها من العلم والعمل‪ ،‬فمعلوميتهما محموليتهما وعالميته بهما حامليته‬
‫إياهما فيها ‪( :‬وأهلك) ومن يتصل بك في دينك وسيرتك من أقاربك ‪( :‬إل‬
‫من سبق عليه القول) أي ‪ :‬الحكم بإهلكه في الزل لكفره ‪( :‬ومن‬
‫آمن) بالله من أمتك‪] .‬تفسير سورة هود من آية ‪ 41‬إلى آية ‪( : [44‬وقال‬
‫اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها) أي ‪ :‬باسم الله العظم الذي هو‬
‫وجود كل عارف كامل من أفراد نوع النسان إنفاذها وإجراء أحكامها‬
‫وترويجها في بحر العالم الجسماني وإقامتها وأحكامها وإثباتها كما ترى من‬
‫إجراء كل شريعة وإنفاذ أمرها وتثبيتها وأحكامها بوجود نبي أو إمام من‬
‫أئمتها أو حبر من أحبارها ‪( :‬إن ربي لغفور) يغفر هيئات نفوسكم البدنية‬
‫المظلمة وذنوب ملبس الطبيعة المهلكة إياكم‪ ،‬المغرقة في بحرها بمتابعة‬
‫الشريعة ‪( :‬رحيم) يرحم بإفاضة المواهب العلمية والكشفية والهيئات‬
‫النورانية التي ينجيكم بها لول مغفرته ورحمته لغرقتم وهلكتم مثل‬
‫إخوانكم‪( : .‬وهي تجري بهم في موج) من فتن بحر الطبيعة الجسمانية‬
‫واستيلء دواعيها على الناس وغلبة أهوائها باتفاقهم على مقتضياتها‬
‫كالجبال الحاجبة للنظر‪ ،‬المانعة للسير أو موج من انحرافات المزاج وغلبات‬
‫الخلط المردية ‪( :‬ونادى نوح ابنه) المحجوب بعقله المغلوب بالوهم الذي‬
‫هو عقل المعاش عن دين أبيه وتوحيده ‪( :‬وكان في معزل) عن دينه‬
‫وشريعته ‪( :‬يا بني اركب معنا) أي ‪ :‬ادخل في ديننا ‪( :‬ول تكن مع الكافرين)‬
‫المحجوبين عن الحق‪ ،‬الهالكين بموج هوى النفس‪ ،‬المغرقين في بحر الطبع‬
‫‪( :‬قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) يعني به الدماغ الذي هو محل‬
‫العقل‪ ،‬أي ‪ :‬سأستعصم بالعقل والمعقول ليعصمني من استيلء بحر‬
‫الهيولى فل أغرق فيه ‪( :‬قال ل عاصم اليوم من أمر الله إل) الذي ‪( :‬‬
‫رحم) بدين التوحيد والشرع ‪( :‬وحال بينهما) موج هوى النفس واستيلء ماء‬
‫بحر الطبيعة‪ ،‬أي ‪ :‬حجبه عن أبيه ودينه وتوحيده ‪( :‬فكان من المغرقين) في‬
‫بحر الجسمانية‪( : .‬وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي) أي ‪ :‬نودي‬
‫من جهة الحق على لسان الشرع أرض الطبيعة الجسمانية أي ‪ :‬يا أرض‬
‫انقصي بأمر الشريعة وامتثال أحكامها من غلبة هواك واستيلئه بفوران‬
‫موادك على القلب‪ ،‬وقفي على حد العتدال الذي به قوامه‪ ،‬ويا سماء‬
‫العقل المحجوبة بالعادة والحس‪ ،‬المشوبة بالوهم‪ ،‬المغيمة بغيم الهوى التي‬
‫تمد النفس والطبيعة بتهيئة موادها وأسبابها بالفكر ‪( :‬أقلعي) عن‬
‫مددها ‪( :‬وغيض) ماء قوة الطبيعة الجسمانية ومدد الرطوبة الحاجبة لنور‬
‫الحق‪ ،‬المانعة للحياة الحقيقية ‪( :‬وقضي) أمر الله بإنجاء من نجا وإهلك من‬
‫هلك ‪( :‬واستوت) أي ‪ :‬استقامت شريعته ‪( :‬علي) جودي وجود نوح‬
‫واستقرت ‪( :‬وقيل بعدا) أي ‪ :‬هلكا ً ‪( :‬للقوم الظالمين) الذين كذبوا بآيات‬
‫الله وعبدوا الهوى مكان الحق ووضعوا طريق الطبيعة مكان الشريعة‪( .‬‬
‫ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي) حمله شفقة البوة وتعطف‬
‫الرحم والقرابة على طلب نجاته لشدة تعلقه به واهتمامه بأمره‪ ،‬وراعى مع‬
‫ذلك أدب الحضرة وحسن السؤال فقال ‪( : :‬وإن وعدك الحق) ولم يقل ل‬
‫تخلف وعدك بإنجاء أهلي‪ ،‬وإنما قال ذلك لوجود تلوين وظهور بقية منه إذ‬
‫فهم من الهل ذوي القرابة الصورية والرحم الطبيعية وغفل لفرط‬
‫التأسف على ابنه عن استثنائه تعالى بقوله ‪( : :‬إل من سبق عليه‬
‫القول) ]هود‪ ،‬الية ‪ [40 :‬ولم يتحقق أن ابنه هو الذي سبق عليه القول ول‬
‫استعطف ربه بالسترحام وعرض بقوله ‪( : :‬وأنت أحكم الحاكمين) إلى أن‬
‫العالم العادل والحكيم ل يخلف وعده‪( : .‬قال يا نوح إنه ليس من أهلك) أي ‪:‬‬
‫إن أهلك في الحقيقة هو الذي بينك وبينه القرابة الدينية واللحمة المعنوية‬
‫والتصال الحقيقي ل الصوري كما قال أمير المؤمنين ‪ ' : u‬أل وإن ولي‬
‫محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته‪ ،‬أل وإن عدو محمد من عصى الله وإن‬
‫قربت لحمته '‪( : ،‬إنه عمل غير صالح) بين انتفاء كونه من أهله بأنه غير‬
‫صالح تنبيها ً على أن أهله هم الصلحاء‪ ،‬أهل دينه وشريعته وأنه لتماديه في‬
‫الفساد والغي كأن نفسه عمل غير صالح‪ .‬وأن سبب النجاة ليس إل الصلح‬
‫ل قرابته منك بحسب الصورة‪ ،‬فمن ل صلح له ل نجاه له‪ .‬ولوح إلى أنه‬
‫صورة من صور الخطايا صدرت منك كما قيل ‪ :‬إنه سر من أسرار أبيه على‬
‫ما قال النبي عليه ‪ ' : e‬الولد سر أبيه ' وذلك أنه لما بالغ في الدعوة وبلغ‬
‫الجهد في المدة المتطاولة وما أجابه قومه غضب ودعا عليهم بقوله ‪( : :‬‬
‫رب ل تذر على الرض ديارا ً )‪ (26‬إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ول يلدوا إل‬
‫فاجرا ً كفارا ً )‪] )(27‬نوح‪ ،‬اليات ‪ ،[27 - 26 :‬فذهل عن شهود قدرة الله‬
‫وحكمته وأنه ‪( : :‬يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) ]يونس‪،‬‬
‫الية ‪ [31 :‬فكانت دعوته تلك ذنب حاله في خطيئة مقامه‪ ،‬فابتله الله‬
‫بالفاجر الكفار الذي زعم حال غضبه أنهم ل يلدون إل مثله وحكم على الله‬
‫بظنه فزكاه عن خطيئته بتلك العقوبة‪ .‬وفي الحديث ‪ ' :‬خلق الكافر من ذنب‬
‫المؤمن '‪( : .‬فل تسألني ما ليس لك به علم) من إنجاء من ليس بصالح ول‬
‫من أهلك‪ ،‬واعلم أن الصلح هو سبب النجاة دون غيره‪ ،‬وأن أهلك هو ذو‬
‫القرابة المعنوية ل الصورية‪( : .‬إني أعظك أن تكون من الجاهلين) الواقفين‬
‫مع ظواهر المور‪ ،‬المحجوبين عن حقائقها‪ ،‬فتنبه ‪ e‬عند ذلك التأديب اللهي‬
‫والعتاب الرباني وتعوذ بقوله ‪( : :‬رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به‬
‫علم وإل تغفر لي) تلويناتي وظهور بقاياي ‪( :‬وترحمني) بالستقامة‬
‫والتمكين ‪( :‬أكن من الخاسرين) الذين خسروا أنفسهم بالحتجاب عن علمك‬
‫وحكمتك ‪( :‬قيل يا نوح اهبط) أي ‪ :‬اهبط من محل الجمع وذروة مقام‬
‫الولية والستغراق في التوحيد إلى مقام التفصيل وتشريع النبوة بالرجوع‬
‫إلى الخلق ومشاهدة الكثرة في عين الوحدة ل مغضبا ً بالحتجاب بهم عن‬
‫الحق ول راضيا ً بكفرهم بالحتجاب بالحق عنهم ‪( :‬بسلم) أي ‪ :‬سلمة عن‬
‫الحتجاب بالكثرة وظهور النفس بالغضب ووجود التلوين وحصول التعلق‬
‫بعد التجرد والضلل بعد الهدى ‪( :‬منا) أي صادر منا وبنا ‪( :‬وبركات) بتقنين‬
‫قوانين الشرع وتأسيس قواعد العدل الذي ينمو به كل شيء ويزيد ‪( :‬عليك‬
‫وعلى أمم) ناشئة ‪( :‬ممن معك) وعلى دينك وطريقتك إلى آخر الزمان‪( : .‬‬
‫وأمم) أي ‪ :‬وينشأ ممن معك أمم ‪( :‬سنمتعهم) في الحياة الدنيا لحتجابهم‬
‫بها ووقوفهم ‪( :‬ثم يمسهم منا عذاب أليم) بإهلكهم بكفرهم وإحراقهم‬
‫بنار الثار‪ ،‬وتعذيبهم بالهيئات‪ ،‬وإن شئت التطبيق أولت نوحا ً بروحك والفلك‬
‫بكمالك العلمي والعملي الذي به نجاتك عند طوفان بحر الهيولى حتى إذا‬
‫فار تنور البدن باستيلء الرطوبة الغريبة والخلط الفاسدة وأذن بالخراب‪،‬‬
‫ركب هو فيها وحمل معه من كل صنفين من وحوش القوى الحيوانية‬
‫والطبيعية وطيور القوى الروحانية اثنين‪ ،‬أي ‪ :‬أصليهما وبنيه الثلثة حام‬
‫القلب‪ ،‬وسام العقل النظري‪ ،‬ويافث العقل العملي‪ ،‬وزوجه النفس‬
‫المطمئنة وأجراها باسم الله العظم فنجا بالبقاء السرمدي من الهلك‬
‫البدي بالطوفان وغرقت زوجه الخرى التي هي الطبيعة الجسمانية وابنه‬
‫منها الذي هو الوهم ‪( :‬لوي إلى جبل) الدماغ‪ ،‬وأولت استواءها على‬
‫الجودي وهبوطه بمثل نزول عيسى ‪ u‬في آخر الزمان‪( .‬ويا قوم استغفروا‬
‫ربكم) من ذنوب حجب صفات النفس والوقوف مع الهوى بالشرك ‪( :‬ثم‬
‫توبوا إليه) بالتوجه إلى التوحيد والسلوك في طريقه بالتجرد والتنور‪ .‬يرسل‬
‫سماء الروح ‪( :‬عليكم مدرارا) بماء العلوم الحقيقية والمعارف اليقينية ‪( :‬‬
‫ويزدكم) قوة الكمال ‪( :‬الي) قوة الستعداد ول تعرضوا عنه ‪( :‬‬
‫مجرمين) بظهور صفات نفوسكم وتوجهكم إلى الجهة السفلية بمحبة الدنيا‬
‫ومتابعة الطبيعة‪( : .‬قالوا يا هود ما جئتنا ببينة) لقصور فهمهم وعمى‬
‫بصيرتهم عن إدراك البرهان لمكان الغشاوات الطبيعية وإذا لم يدركوه‬
‫أنكروه بالضرورة ‪( :‬إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إل هو آخذ‬
‫بناصيتها) بين وجوب التوكل على الله وكونه حصنا ً حصينا ً أول ً بأن ربوبيته‬
‫شاملة لكل أحد‪ ،‬ومن يرب يدبر أمر المربوب ويحفظه فل حاجة له إلى‬
‫كلءة غيره وحفظه‪ .‬ثم بان كل ذي نفس تحت قهره وسلطانه أسير في يد‬
‫تصرفه ومملكته وقدرته عاجز عن الفعل والقوة والتأثير في غيره ل حراك‬
‫به بنفسه كالميت فل حاجة إلى الحتراز منه والتحفظ ثم بأنه ‪( :‬على‬
‫صراط مستقيم) أي ‪ :‬على طريق العدل في عالم الكثرة الذي هو ظل‬
‫وحدته فل يسلط أحدا ً على أحد إل عن استحقاق له لذلك بسبب ذنب وجرم‬
‫ول يعاقب أحدا ً من غير زلة ولو صغيرة وقد يكون لتزكية ورفع درجة‬
‫كالشهادة وفي ضمن ذلك كله نفي القدرة على النفع والضر عنهم وعن‬
‫آلهتهم‪( .‬ويا قوم هذه ناقة الله) قد مر تأويل الناقة‪ ،‬وأما إنجاء صالح ومن‬
‫معه على التأويل المذكور فكإنجاء عيسى ‪ u‬من الصلب كما جاء في قوله‬
‫تعالى ‪( : :‬وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) ]النساء‪ ،‬الية ‪،[157 :‬‬
‫وفي قوله ‪( : :‬وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه) ]النساء‪ ،‬اليات ‪- 157 :‬‬
‫‪ .[158‬وكإنجاء مؤمن آل فرعون على ما أشار إليه بقوله تعالى ‪( : :‬فوقاه‬
‫الله سيئات ما مكروا) ]غافر‪ ،‬الية ‪] .[45 :‬تفسير سورة هود من آية ‪69‬‬
‫إلى آية ‪( : [83‬ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) إلى آخره‪ ،‬إن للنفوس‬
‫الشريفة النسانية اتصالت بالمبادئ المجردة العالية والرواح المقدسة‬
‫الفلكية من النوار القاهرة العقلية والنفوس المدبرة السماوية واختلطات‬
‫بالمل العلى من أهل الجبروت وانخراطات في سلك الملكوت‪ .‬ولكل نفس‬
‫بحسب فطرتها مبدأ يناسبها من عالم الجبروت ومدبر يربها من عالم‬
‫الملكوت تستمد من الول فيض العلم والنور‪ ،‬ومن الثاني مدد القوة‬
‫والعمل كما أشار إليه قوله ‪( : :‬وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد )‪(21‬‬
‫) ]ق‪ ،‬الية ‪ [21 :‬ومقر أصلي تأوي إليه من جناب اللهوت إن تجردت‪ ،‬كما‬
‫قال عليه ‪ ' : e‬أرواح الشهداء تأوي إلى قناديل من نور معلقة تحت العرش‬
‫'‪ ،‬وكلما انجذبت إلى الجهة السفلية بالميل إلى اللذات الطبيعية احتجبت‬
‫بغشاوتها عن ذلك الجناب وانقطع مددها من تلك الجهة من النوار‬
‫الجبروتية والقوى الملكوتية‪ ،‬فضعفت في الدراكات لحتجابها عن قبول‬
‫تلك الشراقات‪ .‬وفي المنة والقوة لنقطاع مددها من تلك القوة‪ .‬وكلما‬
‫توجهت إلى الجهة العلوية بالتنزه عن الهيئات البدنية‪ ،‬والتجرد عن الملبس‬
‫المادية‪ ،‬والتقرب إلى الله تعالى‪ ،‬مبدأ المبادئ‪ ،‬ونور النوار بالزهد‬
‫والعبادة‪ .‬والتشبث في المبادئ بالنظافة والنزاهة مقرونا ً عمله بالصدق في‬
‫النية وإخلص الطوية أمده الله تعالى لمناسبته سكان حضرته من عالمهم‬
‫إمداد النور والقوة‪ ،‬فتعلم ما ل يعلمه غيرها من أبناء جنسها وتقدر على ما‬
‫ل يقدر عليه مثلها من بني نوعها‪ ،‬ويكون لها أوقات تنخرط فيها في سلكها‬
‫بالنخلع عن بدنها وأوقات تبعد فيها عنها بما هي ممنوة به من تدبير‬
‫جسدها‪ .‬ففي أوقات اتصالها بها وانخراطها في سلكها قد تتقلى الغيب‬
‫منها‪ ،‬إما كما هو على سبيل الوحي واللهام واللقاء في الروع والعلم‬
‫بمطالعة صورة الغيب المنتقشة هي بها منها‪ ،‬وإما على طريق الهتاف‬
‫والنهاء‪ ،‬وإما على صورة كتابة في صحيفة تطالعه منها وذلك بحسب جهة‬
‫قبول لوح حسها المشترك واختصاصه بنوع بعض المحسوسات دون بعض‬
‫للحوال السابقة والتفاقات العارضة‪ .‬وقد يتراءى لها صور منها تناسبها‬
‫في الحسن واللطافة فيتجسد لها إما بقوة تخليها وظهورها في حسها‬
‫المشترك لستحكام التصال واستقراره ريثما تحاكيها المتخيلة‪ ،‬وإما‬
‫بتمثيلها في متخيلة الكل التي هي السماء الدنيا وانطباعها في متخيلتها‬
‫بالنعكاس كما فيها بين المرايا المتقابلة فتخاطبها بصورة الغيب شفاها ً‬
‫على ما يرى في المنامات الصادقة من غير فرق‪ ،‬فإن الرؤيا الصادقة‬
‫والوحي كلهما من واد واحد ل تباين بينهما إل بالنوم واليقظة‪ ،‬فإن صاحب‬
‫الوحي يقدر على الغيبة من الحواس وإدراكاتها وعزلها عن أفعالها‬
‫وتعطيلها في استعمالها فيتصل بالمجردات العلوية لقوة نفسه وحصول‬
‫ملكة التصال لها‪ ،‬وصاحب الرؤيا الصادقة يقع له ذلك بحكم الطبع وتلك‬
‫الرؤيا هي التي ل تحتاج إلى تعبير كما أشار إليه من رؤيا رسول الله ‪ e‬في‬
‫القرآن بقوله ‪( : :‬لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام‬
‫إن شاء الله إمنين محلقين رءوسكم ومقصرين ل تخافون) ]الفتح‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ [27‬ولهذا جعل الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة‪،‬‬
‫وكانت مقدمة وحيه المنامات الصادقة ستة أشهر ثم استحكمت وصارت إلى‬
‫اليقظة‪ .‬وقد تنتقل المتخيلة في الحالتين‪ ،‬أي ‪ :‬النوم واليقظة‪ ،‬إلى‬
‫اللوازم‪ ،‬فيقع الحتياج إلى التعبير والتأويل وقد يظهر على تلك النفس‬
‫المتدربة بملكة التصال المتمرنة فيها من خوارق العادات وأنواع الكرامات‬
‫والمعجزات لوصول المدد من عالم القدرة ما ينكره من ل يعلمه من‬
‫المحجوبين بالعادة وأصحاب قسوة القلوب والجفوة والمحجوبين بالعقول‬
‫الناقصة المشوبة بالوهم القاصرة عن بلوغ الحد وإدراك الحق‪ ،‬ويقبله من‬
‫تنور قلبه بنور الهداية وعصم عن الضللة والغواية استبصارا ً وإيقانا ً أو‬
‫سلمت فطرته عن الحجب المظلمة والغباوة وخلصت عن الجهالة والغشاوة‬
‫تقليدا ً وإيمانا ً للين قلبه بالرادة وقوة قبوله للصقالة‪ ،‬وذلك إما بتأييد نفسه‬
‫من عالم الملكوت وتقويها بمبدأ اليد والقوة كما قال علي ‪ u‬عند قلعه باب‬
‫خيبر ‪ ' :‬والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية‪ ،‬ولكن قلعته بقوة ملكوتية‬
‫ونفس بنور ربها مضية '‪ .‬وإما بصدور ذلك عن تلك النفوس الملكوتية‬
‫والمبادئ الجبروتية التي اتصل هو بها لجابة دعوته بإطاعة الملكوت له‬
‫بإذن الله تعالى وأمره وتقديره وحكمه وتسخيره‪ .‬وقد دلت الية على تمثل‬
‫الملئكة لخليل الله ‪ r‬وتجسدها على الحالت الثلث ‪ :‬مخاطبتها إياه بالغيب‬
‫الذي هو البشرى بوجود الولد‪ ،‬وإهلك قوم لوط وإنجائه وتأييده بهم في‬
‫خرق العادة من ولدة العجوز العقيم من الشيخ الفاني وتأثيرهم في إهلك‬
‫قوم لوط وتدميرهم بدعائه والله أعلم بحقائق المور‪] .‬تفسير سورة هود‬
‫من آية ‪ 84‬إلى آية ‪( : [95‬إني أراكم بخير) لما رأى شعيب ‪ u‬ضللتهم‬
‫بالشرك واحتجابهم عن الحق بالجبت‪ ،‬وتهالكهم على كسب الحطام بأنواع‬
‫الرذائل وتماديهم في الحرص على جمع المال بأسوأ الخصال منعهم عن‬
‫ذلك وقال ‪ :‬إني أراكم بخير في استعدادكم من إمكان حصول كمال وقبول‬
‫هداية فإني أخاف عليكم إحاطة خطيئاتكم بكم لحتجابكم عن الحق‬
‫ووقوفكم مع الغير وصرف أفكاركم بالكلية إلى طلب المعاش وإعراضكم‬
‫عن المعاد‪ ،‬وقصور هممكم على إحراز الفاسدات الفانيات عن تحصيل‬
‫الباقيات الصالحات‪ ،‬وانجذابكم إلى الجهة السفلية عن الجهة العلوية‪،‬‬
‫واشتغالكم بالخواص البهيمية عن الكمالت النسية‪ ،‬فلزموا التوحيد‬
‫والعدالة واعتزلوا عن الشرك والظلم الذي هو جماع الرذائل وأم الغوائل ‪( :‬‬
‫ول تعثوا) في إفسادكم أي ‪ :‬ول تبالغوا ول تمادوا في غاية الفساد فإن‬
‫الظلم هو الغاية في ذلك كما أن العدل هو الغاية في الصلح وجماع‬
‫الفضائل‪( : .‬بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) أي ‪ :‬إن كنتم مصدقين‬
‫ببقاء شيء فما يبقى لكم عند الله من الكمالت والسعادات الخروية‬
‫والمقتنيات العقلية والمكاسب العلمية والعملية خير لكم من تلك المكاسب‬
‫الفانية التي تشقون بها وتشقون على أنفسكم في كسبها وتحصيلها ثم‬
‫تتركونها بالموت ول يبقى منها معكم شيء إل وبال التبعات والعذاب اللزم‬
‫لما في نفوسكم من رواسخ الهيئات‪ .‬ولما شاهد إنكارهم وعتوهم في‬
‫العصيان‪ ،‬واستهزاءهم بطاعته‪ ،‬وزهده وتوحيده وتنزهه بقولهم ‪( : :‬‬
‫أصلتك) إلى آخره‪( : .‬قال يا قوم أرأيتم) أي ‪ :‬أخبروني ‪( :‬إن كنت‬
‫على) برهان يقيني على التوحيد ‪( :‬من ربي ورزقني منه رزقا ً حسنا) من‬
‫ً‬
‫الحكمة العلمية والعملية والكمال والتكميل بالستقامة في التوحيد‪ ،‬هل‬
‫يصح لي أن أترك النهي عن الشرك والظلم والصلح بالتزكية والتحلية ؟‪.‬‬
‫وحذف جواب ‪ :‬أرأيتم‪ ،‬لما دل عليه في مثله كما مر في قصة نوح وصالح‬
‫عليهما السلم وعلى خصوصيته ههنا من قوله ‪( : :‬وما أريد أن‬
‫أخالفكم) إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬أن أقصد إلى أجر المنافع الدنيوية الفانية بارتكاب‬
‫الظلم الذي أنهاكم عنه ‪( :‬إن أريد إل) إصلح نفسي ونفوسكم بالتزكية‬
‫والتهيئة لقبول الحكمة ما دمت مستطيعا ً وما كوني موفقا ً للصلح ‪( :‬إل‬
‫بالله عليه توكلت وإليه أنيب)‪( : .‬قالوا يا شعيب ما نفقه) إنما لم يفقهوا‬
‫لوجود الرين على قلوبهم بما كسبوا من الثام وإنما منعهم خوف رهطه‬
‫من رجمه دون خوف الله تعالى لحتجابهم بالخلق عن الحق المسبب عن‬
‫عدم الفقه كقوله تعالى ‪( : :‬لنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك‬
‫بأنهم قوم ل يفقهون ‪] )13‬الحشر‪ ،‬الية ‪( .[13 :‬فمنهم شقي وسعيد) لما‬
‫أطلق الشقي والسعيد منكرين للتعظيم دل على الشقي والسعيد الزليين‬
‫البديين‪ ،‬ولما وصفهم في التقسيم التفصيلي استثنى عن خلود الشقي‬
‫في النار وخلود السعيد في الجنة بقوله ‪( : :‬إل ما شاء ربك) لن المراد‬
‫بالنار والجنة عذاب النفس بنار الحرمان عن المراد وآلم الهيئات والثار‬
‫وثواب النفس بجنة حصول المرادات واللذات وبالستثناء عن الخلود فيهما‬
‫خروج الشقي منها إلى ما هو أشد منه من نيران القلب في حجب الصفات‬
‫والفعال بالسخط والطرد والذلل والهانة‪ ،‬ونيران الروح بالحجب واللعن‬
‫والقهر وخروج السعيد منها إلى ما هو ألذ وأطيب من جنان القلب في‬
‫مقام تجليات الصفات بالرضوان واللطف والكرام والعزاز وجنان الروح‬
‫في مقام الشهود باللقاء وظهور سبحات الجلل‪ ،‬وما ل عين رأت‪ ،‬ول أذن‬
‫سمعت‪ ،‬ول خطر على قلب بشر‪ ،‬لكون الشقي في مقابلة السعيد وخروج‬
‫السعيد من الجنة إلى النار محال‪ ،‬وقد دل عليه بقوله ‪( : :‬عطاء غير مجذوذ)‬
‫أي ‪ :‬غير مقطوع‪ ،‬فكذا ما يقابله على أن قوله تعالى ‪( : :‬فعال لما‬
‫يريد) يشعر بذلك لكونه وعيدا ً شديدًا‪ .‬هذا لسان الدب ومراعاة الظواهر في‬
‫تحقيق البواطن‪ ،‬وأما الحقيقة فتحكم بأن الشقي لما كان في المراتب‬
‫المذكورة في النار لم يخرج منها بل انتقل من طبقة منها إلى طبقة أخرى‬
‫ومن دركة إلى دركة فكان في حكم الخلود فالمراد بالستثناء غيره وهو أنه‬
‫من حيث الحدية مع ربه والرب آخذ بناصيته على صراط مستقيم يقوده ريح‬
‫الدبور التي هي هوى نفسه يسوقه إلى جهنم‪ ،‬فهو هنالك في عين القرب‬
‫مع هوى نفسه فيتلذذ بما يوافقه فتصير عين النعيم‪ ،‬فزال مسمى النار‬
‫في حقه وصار جنة لتلذذه به وإن كان بعيدا ً عن نعيم السعيد كما جاء في‬
‫الحديث ‪ ' :‬سينبت في قعر جهنم الجرجير '‪ .‬وفيه ‪ ' :‬يأتي على جهنم زمان‬
‫يصفق أبوابها ليس فيها أحد '‪ .‬وكذا السعيد‪ ،‬فإن انتقاله في الجنان‬
‫ودرجاتها والخروج بحكم الستثناء غير ذلك فهو بفنائه في أحدية الذات‬
‫واحتراقه بلوعة العشق في سبحات الجمال حيث كان الحق شاهدا ً ومشهودا ً‬
‫ل في مقام المشاهدة بوجود الروح بل بالشهود الذاتي الحدي الذي لم يبق‬
‫فيه لغيره عين ول أثر ول عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب‬
‫بشر‪ .‬وإن جعل التنكير في قوله ‪( : :‬شقي وسعيد) للنوعية ل للتعظيم‪ ،‬جاز‬
‫تأويل خروج الشقي من النار بالترقي إلى الجنة من مقامه بزكاء نفسه عن‬
‫الهيئات المظلمة وتبعات المعاصي وحينئذ ل يكون شقي البد‪] .‬تفسير‬
‫سورة هود من آية ‪ 112‬إلى آية ‪( : [113‬فاستقم كما أمرت) في القيام‬
‫بحقوق الله بالله‪ ،‬فإنه عليه ‪ e‬مأمور بمحافظة حقوق الله والتعظيم لمره‬
‫والتسديد لخلقه بضبط أحكام التجليات الصفاتية بعد الرجوع إلى الخلق مع‬
‫شهود الوحدة الذاتية بحيث ل يتحرك ول يسكن ول ينطق ول يتفكر إل به‬
‫من غير ظهور تلوين من بقايا صفاته أو ذاته ول يخطر له خاطر بغيره من‬
‫غير إخلل بشرط ما من شرائط التعظيم كما قال ‪ ' : e‬أفل أكون عبدا ً‬
‫شكورا ً ؟ ' حين تورمت قدماه من قيام الليل وقيل له ‪ :‬أما بشرك الله‬
‫بقوله ‪( : :‬ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ]الفتح‪ ،‬الية ‪ [2 :‬؟‪،‬‬
‫ول بدقيقة من باب النهي عن المنكر والمر بالمعروف والنذار والدعوة‬
‫وذلك في غاية الصعوبة‪ .‬ولهذا قال ‪ ' :‬شيبتني سورة هود '‪ .‬قيل ‪ :‬رأى‬
‫رسول الله ‪ e‬بعض العرفاء في المنام‪ ،‬فسأله عن ذلك وقال ‪ :‬لماذا يا‬
‫رسول الله ؟ ألقصص النبياء وما نزل بأممهم المكذبين من العذاب وما‬
‫كانوا يقاسون من أممهم ؟‪ ،‬قال ‪ ' :‬ل‪ ،‬بل لقوله تعالى ‪( : :‬فاستقم كما‬
‫أمرت) '‪( : .‬ومن تاب) عن أنيته وذنب وجوده ‪( :‬معك) من الموحدين‬
‫الواصلين إلى شهود الكثرة في عين الوحدة ومقام البقاء بعد الفناء ‪( :‬ول‬
‫تطغوا) بالحتجاب بحجاب النائية ونسبة الكمالت اللهية المطلقة إلى‬
‫أنائيتكم المشخصة المقيدة برؤيتها لكم‪،‬‬
‫الموجبة للحتجاب بالتقيد عن الطلق‪ ،‬فإن الهوية اللهية ل تتقيد بإشارة‬
‫الهذية والنائية ‪( :‬إنه بما تعملون بصير) أتعملونه بي أم بأنفسكم ؟‪( : .‬ول‬
‫تركنوا إلى الذين ظلموا) أي ‪ :‬أشركوا بهوى كامن‪ ،‬ناشئ عن وجود بقية‬
‫خفية أو التفات خفي إلى إثبات غيره‪ ،‬فإنه هو الزيغ المقارن للطغيان في‬
‫قوله ‪( : :‬ما زاغ البصر وما طغى ‪] )17‬النجم‪ ،‬الية ‪( : ،[17 :‬فتمسكم) نار‬
‫السخط والحرمان بالحتجاب والتعذيب بالفراق من نيران غيرة المحبوب‪،‬‬
‫كما قال تعالى لحبيبه ‪ ' : e‬بشر المذنبين بأني غفور‪ ،‬وأنذر الصديقين بأني‬
‫غيور ' ولهذا المعنى قال ‪ ' :‬والمخلصون على خطر عظيم '‪ .‬فإن دقائق‬
‫ذنوب أحوالهم أدق من أن تدرك بالعقل وأشد عقابا ً من أن تتوهم‬
‫بالوهم ‪( :‬وما لكم) حينئذ ‪( :‬من دون الله من أولياء) يتولونكم من عقابه‬
‫ويدبرون أموركم ويربونكم ‪( :‬ثم ل تنصرون) من بأسه‪ ،‬وهذا تهديد لوليائه‬
‫فكيف بأعدائه‪] .‬تفسير سورة هود من آية ‪ 114‬إلى آية ‪( : [117‬وأقم‬
‫الصلة طرفي النهار) لما كانت الحواس الخمس شواغل تشغل القلب بما‬
‫يرد عليه من الهيئات الجسمانية‪ ،‬وتجذبه عن الحضرة الرحمانية‪ ،‬وتحجبه عن‬
‫النور‪ ،‬والحضور بالعراض عن جناب القدس والتوجه إلى معدن الرجس‪،‬‬
‫وتبدله الوحشة بالنس‪ ،‬والكدورة بالصفاء‪ ،‬فرضت خمس صلوات يتفرغ‬
‫فيها العبد للحضور ويسد أبواب الحواس لئل يرد على القلب شاغل يشغله‬
‫ويفتح باب القلب إلى الله تعالى بالتوجه والنية لوصول مدد النور ويجمع‬
‫همه عن التفرق ويستأنس بربه عن التوحش مع اتحاد الوجهة‪ ،‬وحصول‬
‫الجمعية‪ ،‬فتكون تلك الصلوات خمسة أبواب مفتوحة للقلب على جناب الرب‬
‫يدخل بها عليه النور بإزاء تلك الخمسة المفتوحة إلى جناب الغرور ودار‬
‫اللعين الغرور التي تدخل بها الظلمة ليذهب النور الوارد آثار ظلماتها‬
‫ويكسح غبار كدوراتها‪ ،‬وهذا معنى قوله ‪( : :‬إن الحسنات يذهبن‬
‫السيئات) وقد ورد في الحديث ‪ ' :‬إن الصلة إلى الصلة كفارة ما بينهما ما‬
‫اجتنبت الكبائر '‪ .‬وأمر بإقامتها في طرفي النهار لينسحب حكمها ببقاء‬
‫الجمعية واستيلء الهيئة النورية في أوله إلى سائر الوقات‪ ،‬فعسى أن‬
‫يكون من ‪( : :‬الذين هم على صلتهم دائمون )‪] )(23‬المعارج‪ ،‬الية ‪[23 :‬‬
‫لدوام ذلك الحضور‪ ،‬وبقاء ذلك النور يكسح ويزيل في آخره ما حصل في‬
‫سائر الوقات من التفرقة والكدورة‪ .‬ولما كانت القوى الطبيعية المدبرة‬
‫لمر الغذاء سلطانها في الليل وهي تجذب النفس إلى تدبير البدن بالنوم‬
‫عن عالمها الروحاني وتحجزها عن شأنها الخاص بها الذي هو مطالعة الغيب‬
‫ومشاهدة عالم القدس يشغلها باستعمال آلت الغذاء لعمارة الجسد‪،‬‬
‫فتسلبها اللطافة والطراوة وتكدرها بالغشاوة‪ .‬واحتيج إلى تلطيفها‬
‫وتصفيتها باليقظة وتنويرها وتطريتها بالصلة فقال ‪( : :‬وزلفا ً من‬
‫الليل) ذلك الذي ذكر من إقامة الصلة في الوقات المذكورة وإذهاب‬
‫السيئات بالحسنات تذكير لمن يذكر حاله عند الحضور مع الله في الصفاء‬
‫والجمعية والنس والذوق ‪( :‬واصبر) بالله في الستقامة ومع الله في‬
‫الحضور في الصلة وعدم الركون إلى الغير ‪( :‬فإن الله ل يضيع أجر‬
‫المحسنين) الذين يشاهدونه في حال القيام بحقوق الستقامة ومراعاة‬
‫العدالة والقيام بشرائط التعظيم في العبادة‪] .‬تفسير سورة هود من آية‬
‫‪ 118‬إلى آية ‪( : [119‬ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) متساوية في‬
‫الستعداد متفقة على دين التوحيد ومقتضى الفطرة ‪( :‬ول يزالون‬
‫مختلفين) في الوجهة والستعداد ‪( :‬إل من رحم ربك) بهدايته إلى التوحيد‬
‫وتوفيقه للكمال‪ ،‬فإنهم متفقون في المذهب والمقصد وموافقون في‬
‫السيرة والطريقة‪ ،‬قبلتهم الحق‪ ،‬ودينهم التوحيد والمحبة ‪( :‬‬
‫ولذلك) الختلف ‪( :‬خلقهم) ليستعد كل منهم لشأن وعمل‪ ،‬ويختار بطبعه‬
‫أمرا ً وصنعة‪ ،‬ويستتب بهم نظام العالم‪ ،‬ويستقيم أمر المعاش‪ ،‬فهم محامل‬
‫لمر الله حمل عليهم حمول السباب والرزاق وما يتعيش به الناس‪ ،‬ورتب‬
‫بهم قوام الحياة الدنيا كما أن الفئة المرحومة مظاهر لكماله‪ ،‬أظهر الله‬
‫بهم صفاته وأفعاله وجعلهم مستودع حكمه ومعارفه وأسراره‪( : .‬وتمت‬
‫كلمة ربك) أي ‪ :‬أحكمت وأبرمت وثبتت وهي هذه ‪( :‬لملن جهنم من الجنة‬
‫والناس أجمعين) لن جهنم رتبة من مراتب الوجود ل يجوز في الحكمة‬
‫تعطيلها وإبقاؤها في كتم العدم مع إمكانها‪] .‬تفسير سورة هود من آية‬
‫‪ 120‬إلى آية ‪( : [123‬وكل نقص عليكم من أنباء الرسل ما نثبت به‬
‫فؤادك) أي ‪ :‬لما أطلعناك على مقاساتهم الشدائد من أمتهم مع ثباتهم في‬
‫مقام الستقامة وعدم مزلتهم عنه وعلى معاتباتهم عند تلويناتهم وظهور‬
‫شيء من بقياتهم كما في قصة نوح ‪ u‬من سؤال إنجاء الولد‪ ،‬وعلى قوة‬
‫ثباتهم وشجاعتهم في يقينهم وتوكلهم كما في قصة هود ‪ u‬من قوله ‪( : :‬‬
‫إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون) ]هود‪ ،‬الية ‪ [54 :‬إلى‬
‫قوله ‪( : :‬على صراط مستقيم) ]هود‪ ،‬الية ‪ ،[56 :‬وعلى كمال كرمهم‬
‫وفضيلتهم في العتو كما في قصة لوط ‪ u‬من تفدية البنات لحفظ الضياف‬
‫من السوء‪ ،‬ثبت قلبك في ذلك كله واستحكمت استقامتك وقوي تمكينك‬
‫بذهاب آثار التلوين عنك وقوي توكلك ورضاك ويقينك وشجاعتك‪ ،‬وكمل‬
‫خلقك وكرمك ‪( :‬وجاءك في هذه) السورة ‪( :‬الحق) أي ‪ :‬ما يتحقق به‬
‫اعتقاد المؤمنين ‪( :‬وموعظة) لهم يحترزون بها عما أهلك به المم‪ ،‬وتذكير‬
‫لما يجب أن يتدينوا به ويجعلوه طريقهم وسيرتهم والله أعلم‪.‬‬
‫)سورة يوسف(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم(‬

‫]تفسير سورة يوسف من آية ‪ 1‬إلى آية ‪( : [3‬الر تلك آيات الكتاب‬
‫المبين) مر ذكره ‪( :‬أحسن القصص) لكون لفظه وتركيبه إعجازًا‪ ،‬وظاهر‬
‫معناه مطابقا ً للواقع وباطنه دال ً على صورة السلوك وبيان حال السالك‬
‫كالقصص الموضوعة لذلك وأشد طباقًا‪ ،‬وأحسن وفاقا ً منها‪] .‬تفسير سورة‬
‫يوسف من آية ‪ 4‬إلى آية ‪( : [6‬يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا) إلى آخره‪،‬‬
‫هذه من المنامات التي ذكرنا في سورة )هود( أنها تحتاج إلى تغيير لنتقال‬
‫المتخيلة من النفوس الشريفة التي عرض على النفس من الغيب سجودها‬
‫له إلى الكواكب والشمس والقمر وما كانت في نفس المر إل أبويه وإخوته‬
‫‪( :‬ل تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا) هذا من اللهامات‬
‫المجملة‪ ،‬فإنه قد يلوح صورة الغيب من المجردات الروحانية على الوجه‬
‫الكلي العالي عن الزمان في الروح ويصل أثره إلى القلب ول يتشخص في‬
‫النفس مفصل ً حتى يقع العلم به كما هو فيقع في النفس منه خوف‬
‫واحتراز‪ ،‬إن كان مكروهًا‪ ،‬وفرح وسرور إن كان مرغوبًا‪ .‬ويسمى هذا النوع‬
‫من اللهام ‪ :‬إنذارات وبشارات‪ ،‬فخاف ‪ u‬من وقوع ما وقع قبل وقوعه‪،‬‬
‫فنهاه عن إخبارهم برؤياه احترازًا‪ .‬ويجوز أن يكون احترازه كان من جهة‬
‫دللة الرؤيا على شرفه وكرامته وزيادة قدره على إخوته‪ ،‬فخاف من‬
‫حسدهم عليه عند شعورهم بذلك‪( : .‬وكذلك يجتبيك ربك) أي ‪ :‬مثل ذلك‬
‫الصطفاء بإراءة هذه الرؤيا العظيمة الشأن‪ ،‬يصطفيك للنبوة إذ الرؤيا‬
‫الصادقة‪ ،‬خصوصا ً مثل هذه من مقدمات النبوة‪ ،‬فعلم من رؤياه أنه من‬
‫المحبوبين الذين يسبق كشوفهم سلوكهم ‪( :‬ويتم نعمته عليك) بالنبوة‬
‫والملك‪( .‬لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين( أي ‪ :‬آيات معظمات‬
‫لمن يسأل عن قصتهم ويعرفها تدلهم أول ً على أن الصطفاء المحض أمر‬
‫مخصوص بمشيئة الله تعالى ل يتعلق بسعي ساع ول إرادة مريد‪ ،‬فيعلمون‬
‫مراتب الستعدادات في الزل‪ .‬وثانيا ً ‪ :‬على أن من أراد الله به خيرا ً لم يكن‬
‫لحد دفعه ومن عصمه الله لم يكن لحد رميه بسوء ول قصده بشر‪ ،‬فيقوى‬
‫يقينهم وتوكلهم ويشهدون تجليات أفعاله وصفاته‪ .‬وثالثا ً ‪ :‬على أن كيد‬
‫الشيطان وإغواءه أمر ل يأمن منه أحد حتى النبياء‪ ،‬فيكونون منه على حذر‪،‬‬
‫وأقوى من ذلك كله أنها تطلعهم من طريق الفهم الذي هو النتقال الذهني‬
‫على أحوالهم في البداية والنهاية وما بينهما وكيفية سلوكهم إلى الله‬
‫فتثير شوقهم وإرادتهم وتشحذ بصيرتهم وتقوي عزيمتهم وذلك أن مثل‬
‫يوسف مثل القلب المستعد الذي هو في غاية الحسن‪ ،‬المحبوب‪ ،‬المرموق‬
‫إلى أبيه يعقوب العقل‪ ،‬المحسود من إخوته من العلت‪ ،‬أي ‪ :‬الحواس‬
‫الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والغضب والشهوة بنى النفس إل‬
‫الذاكرة‪ ،‬فإنها ل تحسده ول تقصده بسوء‪ ،‬فبقيت إحدى عشرة على‬
‫عددهم‪ .‬وأما حسدهم عليه وقصدهم بالسوء فهو أنها تنجذب بطبائعها إلى‬
‫لذاتها ومشتهياتها وتمنع استعمال العقل القوة الفكرية في تحصيل كمالت‬
‫القلب من العلوم والخلق‪ ،‬وتكره ذلك ول تريد إل استعماله إياها في‬
‫تحصيل اللذات البدنية ومشتهيات تلك القوى الحيوانية‪ .‬ول شك أن الفكر‬
‫نظره إلى القلب أكثر‪ ،‬وميله إلى تحصيل السعادات القلبية من العلوم‬
‫والفضائل أشد وأوفر‪ ،‬وذلك معنى قولهم ‪( :‬ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا‬
‫منا) وأخوه هو ‪ :‬القوة العاقلة العملية من أم يوسف القلب التي هي راحيل‬
‫النفس اللوامة التي تزوجها يعقوب القلب بعد وفاة ليا النفس المارة‪،‬‬
‫وإنما قالوا ‪( :‬ليوسف وأخوه) لن العقل كما يقتضي تكميل القلب بالعلوم‬
‫والمعارف يقتضي تكميل هذه القوة باستنباط أنواع الفضائل من الخلق‬
‫الجميلة والعمال الشريفة ونسبتهم إياه إلى الضلل الذي هو البعد عن‬
‫الصواب بقولهم ‪( : :‬إن أبانا لفي ضلل مبين) قصورها عن النظر العقلي‬
‫وبعد طريقه عن طريقتها في تحصيل الملذ البدنية وإلقاؤهم إياه في‬
‫غيابة الجب استيلؤها على القلب وجذبها إياه إلى الجهة السفلية بحدوث‬
‫محبة البدن وموافقاته له حتى ألقي في قعر جب الطبيعة البدنية‪ ،‬إل أنه‬
‫ألبس قميصا ً من الجنة أتى به جبريل إبراهيم عليهما السلم يوم جرد‬
‫وألقي في النار‪ ،‬فألبسه إياه وورثه إسحق وورثه منه يعقوب فعلقه في‬
‫تميمة على عنقه‪ ،‬فأتاه جبريل ‪ u‬في البئر فأخرجه وألبسه إياه‪ ،‬وإل لغمره‬
‫الماء وظهرت عورته‪ ،‬كما قيل‪ .‬وهو إشارة إلى صفة الستعداد الصلي‬
‫والنور الفطري وذلك هو الذي منع إبراهيم عن النار وحماه بإذن الله حتى‬
‫صارت عليه بردا ً وسلمًا‪ .‬واستنزالها العقل إلى الفكر في باب المعاش‬
‫وتحصيل أسبابه والتوجه نحوه هو معنى قولهم ‪( : :‬يخل لكم وجه أبيكم‬
‫وتكونوا من بعده قوما صالحين) أي ‪ :‬في ترتيب المعاش وتهيئة أسبابه على‬
‫حسب المراد‪ .‬ومراودتها للعقل عن القلب بالتسويلت الشيطانية‬
‫والتعزيرات النفسانية مع كراهية العقل لذلك هو معنى قولهم عند مراودة‬
‫يعقوب عنه ‪( : :‬أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) وافتراؤهم على الذئب هو أن‬
‫القوة الغضبية إذا ظهرت واستشاطت حجبت القلب بالكلية عن أفعاله‬
‫الخاصة به‪ .‬والظاهر من حالها أنها أقوى إضرارا ً به وإبطال ً لفعله وحجبا ً له‬
‫الذي هو معنى الكل مع أن القوة الشهوانية والحواس وسائر القوى أشد‬
‫نكاية في القلب وأضر به في نفس المر وأجذب له إلى الجهة السفلية‬
‫وأشد إباء وامتناعا ً من قبول السياسات العقلية وطاعة الوامر والنواهي‬
‫الشرعية وإذعان القلب بالموافقة في طلب الكمالت الروحية منها‪ ،‬وظهور‬
‫ذلك الثر من القوة الغضبية مع كونه بخلف ذلك في الحقيقة هو الدم‬
‫الكاذب على قميصه وابيضاض عين يعقوب في فراقه عبارة عن كلل‬
‫البصيرة وفقدان نور العقل عند كون يوسف القلب في غيابة جب الطبيعة‪،‬‬
‫وبعض السيارة الذي أخرجه من البئر هو القوة الفكرية وشراؤه من عزيز‬
‫مصر‪( : .‬بثمن بخس دراهم معدودة) تسليمهم له إلى عزيز الروح الذي هو‬
‫من مصر مدينة القدس بما يحصل للقوة الفكرية من المعاني والمعارف‬
‫الفائضة عليها من الروح عند استنارتها بنوره وقربها منه‪ ،‬فإن القوة‬
‫الفكرية لما كانت قوة جسمانية‪ ،‬والقلب ليس بجسماني‪ ،‬لم تصل إلى‬
‫مقامه إل عند كونه مغشى بغشاوات النفس في مقام الصدر أي ‪ :‬الوجه‬
‫الذي يلي النفس منه‪ .‬وأما إذا تجرد في مقام الفؤاد أو وصل إلى مقام‬
‫الروح الذي سموه السر فتتركه عند عزيز الروح وتسلمه إليه وتفارقه على‬
‫الدريهمات التي تحصل لها بقربه من المعاني المذكورة‪] .‬تفسير سورة‬
‫يوسف من آية ‪ 19‬إلى آية ‪ [21‬وامرأة العزيز المسماة زليخاء التي أوصى‬
‫إليها به بقوله ‪( : :‬أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا) هي النفس‬
‫اللوامة التي استنارت بنور الروح ووصل أثره إليها ولم تتمكن في ذلك ولم‬
‫تبلغ إلى درجة النفس المطمئنة وتمكين الله إياه في الرض إقداره بعد‬
‫التزكية والتنور بنور الروح على مقاومة النفس والقوى وتسليطه على‬
‫أرض البدن باستعمال آلته في تحصيل الكمالت وسياستها بالرياضات حتى‬
‫يخرج ما في استعداده من الكمال إلى الفعل كما قال ‪( : :‬ولنعلمه من‬
‫تأويل الحاديث) أي ‪ :‬ولنعلمه فعلنا ما فعلنا به من النجاء والتمكين ‪( :‬والله‬
‫غالب على أمره) بالتأييد والتوفيق والنصر حتى يبلغ غاية كمال أشده من‬
‫مقامه الذي يقتضيه استعداده فيؤتيه العلم والحكمة كما قال ‪( : :‬ولما بلغ‬
‫أشده آتيناه حكما وعلما) والشد هو نهاية الوصول إلى الفطرة الولى‬
‫بالتجرد عن غواشي الخلقة الذي نسميه مقام الفتوة ‪( :‬ولكن أكثر الناس ل‬
‫يعلمون) أن المر بيد الله في ذلك‪ ،‬فيضيفون إلى السعي والجتهاد‬
‫والتربية‪ ،‬ول يعلمون أن السعي والجتهاد والتربية والرياضة أيضا ً من عند‬
‫الله جعلها الله أسبابا ً ووسايط لما قدره ولذلك لم يعزلها‪ .‬وقال بعد‬
‫قوله ‪( : :‬آتيناه حكما وعلما)‪( : .‬وكذلك نجزي المحسنين) في الطلب‬
‫والرادة والجتهاد والرياضة‪ ،‬ومراودة زليخاء إياه عن نفسه وتغليقها‬
‫البواب عليه إشارة إلى ظهور النفس اللوامة بصفتها‪ .‬فإن التلوين في‬
‫مقام القلب يكون بظهور النفس كما أن التلوين في مقام الروح يكون‬
‫بوجود القلب وجذبها للقلب إلى نفسها بالتسويل والستيلء عليه وتزيين‬
‫صفاتها ولذاتها‪ ،‬وسدها طرق مخرجه إلى الروح بحجبها مسالك الفكر‬
‫ومنافذ النور بصفاتها الحاجبة وهمه بها ميل القلب إليها لعدم التمكين‬
‫والستقامة ورؤيته لبرهان ربه إدراك ذلك التلوين بنور البصيرة ونظر‬
‫العقل كما قيل في القصة ‪ :‬تراءى له أبوه‪ ،‬فمنعه أو صوت به‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫ضرب بكفه في نحره فخرجت شهوته من أنامله وذهبت‪ ،‬كل ذلك إشارة إلى‬
‫منع العقل إياه عن مخالطة النفس بالبرهان ونور البصيرة والهداية وتأثيره‬
‫فيه بالقدرة واليد النوري الموجب لذهاب شهوتها وظلمتها النافذ فيها إلى‬
‫أطرافها المزيل عنها بالهيئة النورية الهيئة الظلمانية‪ ،‬وقد قميصه من دبر‬
‫إشارة إلى خرقها لباس الصفة النورية التي له من قبل الخلق الحسنة‬
‫والعمال الصالحة بتأثيرها في القلب بصفتها‪ ،‬فإنها صفة يكسبها القلب‬
‫بالجهة التي تلي النفس المسماة بالصدر هو الدبر ل محالة‪ .‬وقوله ‪( : :‬ألفيا‬
‫سيدها لدى الباب) إشارة إلى ظهور نور الروح عند إقبال القلب إليه‬
‫بواسطة تذكر البرهان العقلي وورود الوارد القدسي عليه‪ ،‬واستتباعه‬
‫للنفس وهي تنازعه بالجذب إلى جهتها واستيلئه على القلب ثم على‬
‫النفس بواسطته‪ .‬وقولها ‪( : :‬ما جزاء من أراد بأهلك سوء) تلويح إلى أن‬
‫النفس تسول أغراضها في صور المصالح العقلية وتزينها بحيث تشتبه‬
‫مفاسدها بالمصالح العقلية التي يجب على العقل مراعاتها والقيام بها‬
‫وموافقتها فيها ومخالفته إياها فيها إرادة السوء بها ومقابحها بالمحاسن‬
‫التي تتعلق بالمعاش كمماكرة النساء بالرجال وميل القلب إلى الجهة‬
‫العلوية يكذب قولها ودعواها‪ ،‬والشاهد الذي شهد من أهلها قيل كان ابن‬
‫عم لها‪ ،‬أي ‪ :‬الفكر الذي يعلم أن الفساد الواقع من جهة الخلق والعمال‬
‫ل يكون إل من قبل النفس واستيلئها‪ ،‬إذ لو كان من جهة القلب وميله إلى‬
‫النفس لوقع في العتقاد والعزيمة ل في مجرد العمل‪ .‬وقيل كان ابن‬
‫خالتها‪ ،‬أي ‪ :‬الطبيعة الجسمانية التي تدل على الميل السفلي في النفس‬
‫الجاذب للقلب من جهة الصدر المباشر للعمليات إلى أرض البدن وموافقاته‬
‫واطلع الروح بنور الهداية‪ ،‬على أن الخلل وقع في العمل ل في العقد‬
‫والعزيمة وذلك ل يكون إل من قبل الداعية النفسانية‪ ،‬وهو معنى قوله ‪( : :‬‬
‫فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم)‪.‬‬
‫وقوله ‪( : :‬يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك) إشارة إلى إشراق نور‬
‫الروح على القلب وانجذابه إلى جانبه للنازل النوري والخاطر الروحي الذي‬
‫يصرفه عن جهة النفس ويأمره بالعراض عن عملها ويذكره لئل يحدث‬
‫الميل مرة أخرى‪ .‬وتأثير ذلك الوارد والخاطر في النفس بالتنوير والتصفية‬
‫فإن تنورها بنور الروح المنعكس إليها من القلب استغفارها عن الهيئة‬
‫المظلمة التي غلبت بها على القلب‪] .‬تفسير سورة يوسف من آية ‪ 30‬إلى‬
‫آية ‪ [33‬ولما بلغ القلب هذا المنزل من التصال بالروح والستشراق من‬
‫نوره وتنورت النفس بشعاع نور القلب وتصفت عن كدوراتها عشقته‬
‫للستنارة بنوره‪ ،‬والتشكل بهيئته‪ ،‬والتقرب إليه‪ ،‬وإرادة الوصول إلى مقامه‬
‫ل لجذبه إلى نفسه وقضاء وطرها منه باستخدامها إياه في تحصيل اللذات‬
‫الطبيعية واستنزالها إياه عن مقامه ومرتبته إلى مرتبتها ليتشكل بهيئتها‬
‫ويشاركها في أفعالها ولذاتها‪ ،‬كما كانت عند كونها أمارة فتتأثر قواها‬
‫حينئذ حتى القوى الطبيعية بتأثرها‪ ،‬وذلك معنى قول نسوة المدينة ‪( : :‬‬
‫امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا) وكلما استولى القلب‬
‫عليها بهيئته النورية وحسنه الذاتي الفطري والصفاتي الكسبي من الترقي‬
‫إلى مجاورة الروح وبلوغه منزل السر‪ ،‬استنارت جميع القوى البدنية بنوره‬
‫لستتباعه للنفس واستتباعها إياه‪ ،‬فشغلت عن أفعالها وتحيرت ووقفت‬
‫عن تصرفاتها في الغذاء وذهلت عن سكاكين آلتها التي كانت تدبر بها أمر‬
‫التلذذ والتغذي والتفكه‪ ،‬وجرحت قدرتها التي تستعمل بها اللت في‬
‫تصرفاتها وبقيت مبهوتة في متكآتها التي هي محالها في أعضاء البدن‬
‫التي هيأتها لها النفس في قراها وهو معنى قوله ‪( : :‬فلما رأينه أكبرنه‬
‫وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما هذا بشرا ً إن هذا إل ملك‬
‫كريم) وقولها ‪( : :‬اخرج عليهن) استجلؤها لنوره بالرادة واقتضاؤها‬
‫طلوعه عليها بحصول استعداد التنور لها‪ .‬ولما انخرطت النفس في سلك‬
‫إرادة القلب‪ ،‬وقلت منازعتها إياه في عزيمة السلوك‪ ،‬وتمرنت لمطاوعته‬
‫حان وقت الرياضة بالدخول في الخلوة لتجرد القلب حينئذ عن علئقه‬
‫وموانعه وتجريده عزمه بانتفاء التردد إذ بتردد العزم بانجذابه إلى جهة‬
‫النفس تارة وإلى جهة الروح أخرى ل تمكن الرياضة ول السلوك ول تصح‬
‫الخلوة لفقدان الجمعية التي هي من شرطها وهذه الرياضة ليست رياضة‬
‫النفس بالتطويع فإنها ل تحتاج إلى الخلوة بل إلى ترك ارتكاب المخالفات‬
‫والقدام على كسرها وقهرها بالمقاومات من أنواع الزهد والعبادة إنما هي‬
‫رياضة القلب بالتنزه عن صفاته وعلومه وكمالته وكشوفه في سلوك‬
‫طريق الفناء وطلب الشهود واللقاء وذلك بعد العصمة من استيلء النفس‬
‫عليه كما قالت ‪( : :‬ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) طلب العصمة من‬
‫نفسه واستزادها ‪( :‬ولئن لم يفعل ما آمره) من إيفاء حظي ليمنعن من‬
‫اللذات البدنية وروح الهوى والمدركات الحسية بالخلوة والنقطاع عنها ‪( :‬‬
‫وليكونا من الصاغرين) لفقدان كرامته وعزته عندنا واختذالنا عنه واعتزاله‬
‫عن رياسة العوان والخدم في البدن‪ .‬ولما حببت إليه الخلوة كما حببت إلى‬
‫رسول الله ‪ e‬عند التحنث في حراء‪( : .‬قال رب السجن أحب إلي مما‬
‫يدعونني إليه) وإنما قال ‪( : :‬مما يدعونني إليه)‪ ،‬ودعا ربه أن يصرف عنه‬
‫كيدهن بقوله ‪( : :‬وإل تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من‬
‫الجاهلين) لن في طباعها الميل إلى الجهة السفلية وجذب القلب إليها‬
‫وداعية استنزاله إليها بحيث ل يزول أبدًا‪ ،‬وتنورها بنوره وطاعتها له أمر‬
‫عارضي ل يدوم والقلب يمدها في أعمالها دائما ً فإنه ذو طبيعتين وذو‬
‫وجهين ينزع بإحداهما إلى الروح وبالخرى إلى النفس‪ ،‬ويقبل بوجه إلى‬
‫هذه وبوجه إلى هذه‪ ،‬فل شيء أقرب إليه من الصبوة إليها بجهالته لو لم‬
‫يعصمه الله بتغليب الجهة العليا وإمداده بأنوار المل العلى كما قال النبي ‪e‬‬
‫‪ ' :‬اللهم ثبت قلبي على دينك '‪ ،‬قيل له ‪ :‬أو تقول ذلك وأنت نبي يوحى‬
‫إليك ؟ قال ‪ ' : e‬وما يؤمنني إن مثل القلب كمثل ريشة في فلة تقلبها‬
‫الرياح كيف شاءت '‪ .‬وذلك الدعاء هو صورة افتقار القلب الواجب عليه أبدا‪ً.‬‬
‫(فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن) أي ‪ :‬أيده بالتأييد القدسي وقواه‬
‫باللقاء السبوحي فصرف وجهه عن جناب الرجس إلى جناب القدس‪ ،‬ودفع‬
‫عنه بذلك كيدهن ‪( :‬إنه هو السميع) لمناجاة القلب في مقام السر ‪( :‬‬
‫العليم) بما ينبغي أن يفعل به عند افتقاره إليه‪( : .‬ثم بدا لهم من بعد ما‬
‫رأوا اليات ليسجننه) أي ‪ :‬ظهر لعزيز الروح ونسوة النفس والقوى وأعوان‬
‫الروح من العقل والفكر وغيرهما رأي متفق عليه من جميعها وهو‬
‫ليسجننه‪ ،‬أي ‪ :‬ليتركنه في الخلوة التي هي أحب إليه‪ .‬أما الروح فلقهره‬
‫إياه بنور الشهود ومنعه عن تصرفاته وصفاته‪ ،‬وأما النفس وسائر القوى‬
‫فلمتناعها عن استجذابه إليها من بعدما رأوا آيات العصمة وصدق العزيمة‬
‫وعدم الميل إليها وبهره عليها بنوره وإخلصه في الفتقار إلى الله وإل لما‬
‫خلته وشأنه في الخلوة‪ ،‬وأما الوهم فلنهزامه عن نوره وفراره من ظله‬
‫عند التصلب في الدين والتعود بالحق‪ .‬وأما العقل فلتنوره بنور الهداية‪،‬‬
‫وأما الفكر فلحصول سلطانه في الخلوة‪ ،‬والفتيان اللذان دخل معه السجن‬
‫أحدهما قوة المحبة الروحية اللزمة له وهو شرابي الملك الذي يسقيه خمر‬
‫العشق كما قيل في القصة ‪ :‬إنه كان شرابيه‪ ،‬والثاني ‪ :‬هوى النفس التي ل‬
‫تفارقه أيضا ً بحال‪ ،‬فإن الهوى حياة النفس الفائضة إليها منه لستبقائها‬
‫وهو خباز الملك الذي يدبر القوات في المدينة كما قيل وهما يلزمانه في‬
‫الخلوة دون غيرهما‪ .‬ومنام الشرابي في قوله ‪( : :‬إني أراني أعصر‬
‫خمرا) اهتداء قوة المحبة إلى عصر خمر العشق من كرم معرفة القلب في‬
‫نوم الغفلة عن الشهود الحقيقي ومنام الخباز في قوله ‪( : :‬إني أراني‬
‫أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه) توجه الهوى بكليته إلى تحصيل‬
‫لذات طير القوى النفسانية وحظوظها وشهواتها‪ ،‬وشبهت بالطير في جذب‬
‫ما تجذبه من الحظوظ لسرعة حركتها نحوه‪ .‬وقوله ‪( : :‬ل يأتيكما طعام‬
‫ترزقانه) الخ‪ ،‬إشارة إلى منعه إياهما عن حظوظهما إل بعد تبيينه لهما ما‬
‫يؤول إليه أمرهما من شأنهما الذي يجب لهما القيام به بالسياسة والتسديد‬
‫والتقويم والصلح وإظهار التوحيد لهما بقوله ‪( : :‬إني تركت) إلى آخره‪،‬‬
‫بعثه إياهما على القيام بالمر اللهي الضروري وترك الفضول والمتناع عن‬
‫تفرق الوجهة وتشتت الهم‪ ،‬فإن خاصية الهوى التفرقة والتوزع وتعبد‬
‫الشهوات المختلفة للقوى المتنازعة‪ ،‬وخاصية المحبة في البداية وقبل‬
‫الوصول إلى النهاية التعلق بحسن الصفات والتعبد لها دون جمال الذات‪،‬‬
‫فدعاهما إلى التوحيد بقوله ‪( : :‬إني تركت ملة قوم ل يؤمنون بالله) أي ‪:‬‬
‫المشركين‪ ،‬العابدين لوثان صفات النفس بل لوجود القلب وصفاته ‪( :‬وهم‬
‫بالخرة) أي ‪ :‬وهم عن البقاء في العالم الروحاني محجوبون‪ ،‬وبقوله ‪( : :‬ما‬
‫كان لنا أن نشرك بالله من شيء(‪( : .‬وبقوله ‪( : :‬أأرباب متفرقون خير أم‬
‫الله الواحد القهار) أي ‪ :‬إذا كان لكل منكما أرباب كثيرة كما قال تعالى ‪( : :‬‬
‫فيه شركاء متشاكسون) ]الزمر‪ ،‬الية ‪ [29 :‬يأمره هذا بأمر وهذا بأمر‬
‫متمانعون في ذلك‪ ،‬عاجزون إما للمحبة فكالصفات والسماء‪ ،‬وإما للهوى‬
‫فكالقوى النفسانية كان خيرا ً له أم رب واحد ل يأمره إل بأمر واحد‪ ،‬كما‬
‫قال ‪( : :‬وما أمرنا إل واحدة) ]القمر‪ ،‬الية ‪ ،[50 :‬قهار‪ ،‬قوي‪ ،‬يقهر كل‬
‫أحد‪ ،‬ل يمانعه في أمره شيء‪ ،‬ول يمتنع عليه‪ .‬وأجبرهما بالسياسة على‬
‫اتحاد الوجهة‪ ،‬فإن القلب إذا غلبت عليه الوحدة امتنعت محبته عن حب‬
‫الصفات وانصرفت إلى الذات‪ ،‬وإذا تمرن في التوحيد انقمع هواه عن تعبد‬
‫الحظوظ والشهوات والتفرق في تحصيل اللذات واقتصر على الحقوق‬
‫والضرورات بأمر الحق ل بطاعة الشيطان‪] .‬تفسير سورة يوسف من آية ‪41‬‬
‫إلى آية ‪ [42‬وقوله ‪( : :‬أما أحدكما فيسقي ربه خمرا) تعيين لشأن الول‬
‫بعد السياسة بالمنع عن الشرك وهو تسليط حب اللذات على الروح ‪( :‬وأما‬
‫الخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه) بيان لما يؤول إليه أمر الثاني‪ .‬وصلبه‬
‫‪ :‬منعه عن أفعاله بنفسه وقمعه عن مقتضاه وتثبيته وتقريره على جذع‬
‫القوة الطبيعية النباتية بحيث ل تصرف للمتخيلة فيه ول له فيها ول في‬
‫سائر القوى الحيوانية وذلك هو إماتة الهوى‪ ،‬فتأكل بعد الماتة والصلب‬
‫طير قوى النفس من رأسه بأمر الحق وهو الوقوف مع الحقوق ‪( :‬قضي‬
‫المر الذي فيه تستفتيان) أي ‪ :‬ثبت واستقر أمركما على هذا وذلك وقت‬
‫وصوله وتقربه من الله وأوان ظهور مقام الولية بالفناء في الله‪ .‬وإذا‬
‫تمكنت القوتان فيما عينه لهما من المر ثم تم أمره بالوصول إلى مقام‬
‫الشهود الذاتي وانقضت خلوته‪ ،‬فإن طول مدة السجن هو امتداد سلوكه‬
‫في الله‪ ،‬فإذا تم له الفناء استوى أمر القوتين لكونهما بالله حينئذ ل‬
‫بنفسهما وانتهى زمان الخلوة بابتداء زمان البقاء بالوجود الحقاني‪ ،‬ولكن‬
‫لم يتم بعد لوجود البقية المشار إليها بقوله ‪( : :‬اذكرني عند ربك) أي ‪:‬‬
‫اطلب الوجود في مقام الروح بالمحبة والستقرار فيه‪ ،‬فإن المحبة إذا‬
‫أسكرت الروح بخمر العشق ارتقى الروح إلى مقام الوحدة والقلب إلى‬
‫مقام الروح‪ ،‬ويسمى الروح في ذلك المقام خفيا ً والقلب سرًا‪ ،‬وهو ليس‬
‫بالفناء لكونهما موجودين حينئذ مغمورين بنور الحق‪ .‬ومن الوقوف في هذا‬
‫المقام ينشأ الطغيان والنائية فلهذا قال ‪( : :‬فأنساه الشيطان ذكر ربه) أي‬
‫‪ :‬أنسى شيطان الوهم يوسف القلب ذكر الله تعالى بالفناء فيه لوجود‬
‫البقية وطلبه مقام الروح وإل ذهل عن ذكر نفسه ووجوده وللحتجاب بهذا‬
‫المقام وهذه البقية لبث ‪( :‬في السجن بضع سنين) وإليه أشار النبي ‪e‬‬
‫بقوله ‪ ' :‬رحم الله أخي يوسف‪ ،‬لو لم يقل اذكرني عند ربك لما بقي في‬
‫السجن بضع سنين '‪ ،‬أو أنسى شيطان الوهم المقهور الممنوع المحجوب‬
‫عن جناب الحق رسول المحبة المقرب عند ارتفاع درجته واستيلئه‬
‫واستعلء سلطانه‪ ،‬والتحير في الجمال اللهي‪ ،‬والسكر الغالب ذكر يوسف‬
‫القلب في حضرة الشهود لن المحب المشاهد للجمال حيران ذاهل عن‬
‫الخلق كله وتفاصيل وجوده بل نفسه مستغرق في عين الجمع حتى يتم‬
‫فناؤه وينقضي سكره ثم يرجع إلى الصحو فيذكر التفصيل ثم لما انتهى‬
‫فناؤه بالنغماس في بحر الهوية والنطماس في الذات الحدية وانقضى‬
‫زمان السجن أحياه الله تعالى بحياته ووهب له وجودا ً من ذاته وصفاته‬
‫فأراه صورة التبديل في صفات النفس مدة اعتزاله عنها بالخلوة والسلوك‬
‫في الله بصورة أكل البقرات العجاف السمان‪ ،‬وفي صفات الطبيعة البدنية‬
‫بصورة استيلء السنبلت اليابسة على الخضر‪ .‬والملك الذي قال ‪( : :‬إني‬
‫أري) قيل ‪ :‬هو ريان بن الوليد الذي ملك قطفير على مصر ووله عليها ل‬
‫العزيز المسمى قطفير‪ ،‬وإن كان العزيز بلسان العرب هو الملك فعلى هذا‬
‫يكون الملك إشارة إلى العقل الفعال ملك ملوك الرواح المسمى روح‬
‫القدس‪ ،‬فإن الله تعالى ل يحيي أهل الولية عند الفناء التام الذي هو بداية‬
‫النبوة إل بواسطة نفخه ووحيه وبالتصال به تظهر التفاصيل في عين‬
‫الجمع ولهذا قالوا لما دخل عليه كلمة بالعبرانية فأجابه بها وكان عارفا ً‬
‫بسبعين لسانا ً فكلمه بها‪ ،‬فتكلم معه بكلها والمل الذين قالوا ‪( : :‬أضغاث‬
‫أحلم) هي القوى الشريفة من العقل والفكر المحجوب بالوهم والوهم‬
‫نفسه المحجوبة عن سر الرياضة والتبديل‪ ،‬كما ترى المحجوبين بها‬
‫الواقفين معها يعدون أحوال أهل الرياضات من الخرافات ورسول المحبة‬
‫الذي ادكر بعد أمة إنما يذكر بواسطة ظهور ملك روح القدس وإيحائه‬
‫وإراءته تفاصيل وجوده بالرجوع إلى الكثرة بعد الوحدة وإل لكان فيه حالة‬
‫الفناء ذاهبا ً في عين الجمع ل يرى فيها وجود القلب ول غيره‪ ،‬فكيف يذكره‬
‫إنما يدكره بظهوره بنور الحق بعد عدمه‪] .‬تفسير سورة يوسف من آية ‪49‬‬
‫إلى آية ‪ [57‬والعام الذي ‪( :‬فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) هو وقت تمتيعه‬
‫للنفس عند الطمئنان التام والمن الكلي‪ .‬وقول نسوة القوى ‪( :‬حاش لله‬
‫ما علمنا عليه من سوء)‪ .‬وقول امرأة العزيز ‪( : :‬الن حصحص الحق) إشارة‬
‫إلى تنور النفس والقوى بنور الحق واتصافها بصفة النصاف والصدق‬
‫وحصول ملكة العدالة بنور الوحدة وظهور المحبة حال الفرق بعد الجمع‬
‫وكمال طمأنينة النفس لقرارها بفضيلة القلب وصدقه وذنبها وبراءته فإن‬
‫من كمال اطمئنان النفس اعترافها بالذنب واستغفارها عما فرط منها حالة‬
‫كونها أمارة وتمسكها بالرحمة اللهية والعصمة الربانية واستخلص الملك‬
‫إياه لنفسه استخلفه للقلب على الملك بعد الكمال التام‪ ،‬كما جاء في‬
‫القصة ‪ :‬أجلسه على سريره وتوجه بتاجه وختمه بخاتمه وقلده بسيفه‬
‫وعزل قطفير ثم توفى قطفير وزوجه الملك امرأته زليخا واعتزل عن‬
‫الملك وجعله في يده وتخلى بعبادة ربه‪ .‬كل ذلك إشارة إلى مقام خلفة‬
‫الحق كما قال لداود ‪( : :‬إنا جعلناك خليفة في الرض) ]ص‪ ،‬الية ‪.[26 :‬‬
‫وتوفي العزيز إشارة إلى وصول القلب إلى مقامه وذهاب الروح في‬
‫شهوده للوحدة‪ .‬وتزوجه بامرأة العزيز إشارة إلى تمتيع القلب النفس بعد‬
‫الطمئنان بالحظوظ فإن النفس الشريفة المتنورة تقوى بالحظوظ على‬
‫محافظة شرائط الستقامة وتقنين قوانين العدالة واستنباط أصول العلم‬
‫والعمل وهما الولدان اللذان جاءا في القصة أنها ولدتهما منه افراثيم‬
‫وميشا‪ .‬وروي أنه لما دخل عليها قال لها ‪ :‬أليس هذا خيرا ً مما طلبت ؟‬
‫فوجدها عذراء وهو إشارة إلى حسن حالها في الطمئنان مع التمتيع‬
‫ومراعاة العدالة‪ ،‬وكونها عذراء إشارة إلى أن الروح ل يخالط النفس‬
‫لتقدسه دائما ً وامتناع مباشرته إياها‪ ،‬فإن مطالبه كلية ل تدرك جزئياتها‬
‫بخلف القلب وإنما كانت امرأته لتسلطه عليها ووصول أثر أمره وسلطانه‬
‫إليها بواسطة القلب ومحكوميتها له في الحقيقة وسؤال التولية على‬
‫خزائن الرض ووصف نفسه بالحفظ والعلم هو أن القلب يدرك الجزئيات‬
‫المادية ويحفظها دون الروح فيقتضي باستعداده قبول ذلك المعنى من‬
‫الواهب الذي هو ملك روح القدس وتمكينه في الرض يتبوأ منها حيث يشاء‬
‫استخلفه بالبقاء بعد الفناء عند الوصول إلى مقام التمكين وهو أجر‬
‫المحسن أي العابد لربه في مقام الشهود لرجوعه إلى التفصيل من عين‬
‫الجمع ‪( :‬ولجر الخرة) أي ‪ :‬الحظ المعنوي بلذة شهود الجمال ومطالعة‬
‫أنوار سبحات الوجه الباقي ‪( :‬خير للذين آمنوا) اليمان العيني ‪( :‬وكانوا‬
‫يتقون) بقية النائية‪ .‬ولما رجع إلى مقام التفصيل وجلس على سرير الملك‬
‫للخلفة‪ .‬جاءه إخوته القوى الحيوانية بعد طول مفارقته إياهم في سجن‬
‫الرياضة والخلوة بمصر الحضرة القدسية والستغراق في عين الجمع ‪( :‬‬
‫فدخلوا عليه) متقربين إليه بوسيلة التأدب بآداب الروحانيين لطمئنان‬
‫النفس وتنورها وتنور تلك القوى بها وتدربها بهيئات الفضائل والخلق‬
‫ممتارين لقوات العلوم النافعة من الخلق والشرائع ‪( :‬فعرفهم) مع حسن‬
‫حالهم وصلحهم بالذكاء والصفاء وفقرهم واحتياجهم إلى ما يطلبون منه‬
‫من المعاني ‪( :‬وهم له منكرون) لرتقائه عن رتبتهم بالتجرد واتصافه بما ل‬
‫يمكنهم إدراكه من الوصاف ولهذا استحضر القوة العاقلة العملية‬
‫بقوله ‪( : :‬ائتوني بأخ لكم من أبيكم) إذ المعاني الكلية المتعلقة بالعمال ل‬
‫يدركها إل تلك القوة‪ .‬واعلم أن المحبوبين يسبق كشوفهم اجتهادهم‬
‫فيعلمون قواهم الشرائع والحكام ويسوسونها بعد الوصول وإن اطمأنت‬
‫نفوسهم قبله‪ .‬وأما جهازهم الذي جهزهم به فهو الكيل اليسير من‬
‫الجزئيات التي يمكنهم إدراكها والعمل بها‪ ،‬وقال ‪( : :‬فإن لم تأتوني به فل‬
‫كيل لكم) من المعاني الكلية الحاصلة ‪( :‬عندي ول تقربون) لبعد رتبتكم عن‬
‫رتبتي إل بواسطته‪ .‬ولما كانت العاقلة العملية إذا لم تفارق مقام العقل‬
‫المحض إلى مقام الصدر لم يمكنها مرافقة القوى الحسية وإلقاؤها‬
‫المعاني الجزئية الباعثة إياها على العمل وتحريك القوة النزوعية الشوقية‬
‫نحو المصالح العقلية ‪( :‬قالوا سنراود عنه أباه) أي ‪ :‬بتصفية الستعداد‬
‫لقبول فيضه وقوله ‪( :‬لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) إشارة إلى أمر‬
‫القلب فتيانه القوى النباتية عند تمتيع النفس حالة الطمئنان بإيراد مواد‬
‫قواهم التي يتقوون بها ويقتدرون على كسب كمالتهم إذ هي بضاعتهم‬
‫التي يمكنهم بها المتياز‪ ،‬ورحالهم آلت إدراكاتهم ومكاسبهم ‪( :‬‬
‫لعلهم) يعرفون قواهم وقدرهم على الكتساب ‪( :‬إذا انقلبوا إلى‬
‫أهلهم) من سائر القوى الحيوانية كالغضبية والشهوانية وأمثالهما ‪( :‬لعلهم‬
‫يرجعون) إلى مقام السترباح والمتياز من قوت المعاني والعلوم النافعة‬
‫بتلك البضاعة ‪( :‬فلما رجعوا إلى أبيهم) بتصفية الستعداد والتمرن بهيئات‬
‫الفضائل اقتضوه إرسال القوة العاقلة العملية معهم لمدادهم في فضائل‬
‫الخلق بالمعاني دائمًا‪ ،‬أي ‪ :‬استمدوا من فيضه (نكتل) أي ‪ :‬نستفد منه وإنا‬
‫ل نستنزله إلى تحصيل مطالبنا فنهلكه كما فعلنا حالة الجاهلية بأخيه بل‬
‫نحفظه بالتعهد له ومراعاته في طريق الكمال‪ .‬وأخذ العهد منهم في‬
‫إرساله معهم واستيثاقه عبارة عن تقديم العتقاد الصحيح اليماني على‬
‫العمل وإلزامهم ذلك العقد أول ً وإل لم يستقم حالهم في العمل ولم ينجح‪.‬‬
‫]تفسير سورة يوسف آية ‪( : [67‬ل تدخلوا من باب واحد) أي ‪ :‬ل تسلكوا‬
‫طريق فضيلة واحدة كالسخاوة مثل ً دون الشجاعة أو ل تسيروا على وصف‬
‫واحد من أوصاف الله تعالى فإن حضرة الوحدة هي منشأ جميع الفضائل‬
‫والذات الحدية مبدأ جميع الصفات‪ ،‬فاسلكوا طرق جميع الفضائل المتفرقة‬
‫حتى تتصفوا بالعدالة فتتطرقوا إلى الحضرة الواحدية‪ ،‬وسيروا على جميع‬
‫الصفات حتى يكشف لكم عن الذات‪ .‬وقد ورد في الحديث ‪ :‬إن الله تعالى‬
‫يتجلى على أهل المذاهب يوم القيامة في صورة معتقدهم فيعرفونه ثم‬
‫يتحول إلى صورة أخرى فينكرونه ‪( :‬وما أغني عنكم من الله من‬
‫شيء) أي ‪ :‬ل أدفع عنكم شيئا ً إن منعكم توفيقه وحجبكم ببعض الحجب عن‬
‫كمالتكم فإن العقل ليس إليه إل إفاضة العلم ل إجادة الستعداد ورفع‬
‫الحجاب‪] .‬تفسير سورة يوسف من آية ‪ 68‬إلى آية ‪( : [76‬ولما دخلوا) أي ‪:‬‬
‫امتثلوا أمر العقل بسلوك طرق جميع الفضائل لم يغن عنهم من جهة الله ‪:‬‬
‫(من شيء) أي ‪ :‬لم يدفع عنهم الحتجاب بحجاب الجلل والحرمان عن لذة‬
‫الوصال لن العقل ل يهتدي إل إلى الفطرة ول يهدي إل إلى المعرفة‪ .‬وأما‬
‫التنور بنور الجمال‪ ،‬والتلذذ بلذة الشوق بطلب الوصال‪ ،‬وذوق العشق بكمال‬
‫الجلل والجمال‪ ،‬بل جلل الجمال وجمال الجلل فأمر ل يتيسر إل بنور‬
‫الهداية الحقانية ‪( :‬إل حاجة في نفس يعقوب) هي تكميلهم بالفضيلة ‪( :‬‬
‫وإنه لذو علم) لتعليم الله إياه ل ذو عيان وشهود ‪( :‬ولكن أكثر الناس ل‬
‫يعلمون) ذلك فيحسبون الكمال ما عند العقل من العلم أو ناس الحواس ل‬
‫يعلمون علم العقل الكلي ‪( :‬آوى إليه أخاه) للتناسب بينهما في التجرد ‪( :‬‬
‫جعل السقاية في رحل أخيه) مشربته التي يكيل بها على الناس‪ ،‬أي ‪ :‬قوة‬
‫إدراكه للعلوم ليستفيد بها علوم الشرائع ويستنبط قوانين العدالة‪ ،‬فإن‬
‫العاقلة العملية تقوى على إدراك المعقولت عند التجرد عن ملبس الوهم‬
‫والخيال كما تقوى النظرية وهي القوة المدبرة لمر المعاش المشوبة‬
‫بالوهم في أول الحال‪ .‬ونسبته إلى السرقة لتعوده بإدراك الجزئيات في‬
‫محل الوهم من المعاني المتعلقة بالمواد وبعده عن إدراك الكليات‪ ،‬فلما‬
‫تقوى عليها بالوي إلى أخيه واستفادته منه تلك القوة بالتجرد فكأنه قد‬
‫سرق ولم يسرق‪ .‬والمؤذن الذي نسبهم إلى السرقة هو الوهم لوجدان‬
‫الموهم تغير حال الجميع عما كانت عليه‪ ،‬وعدم مطاوعتها له وتوهمه لذلك‬
‫نقصا ً فيهم‪ .‬والحمل الموعود لمن يجيء بالصواع‪ ،‬هو التكليف الشرعي‬
‫الذي يحصل بواسطة العقل العملي عند استفادته علم ذلك من القلب‪،‬‬
‫والصواع هو القوة الستعدادية التي يحصل بها علمه‪ .‬والفاقد لها المفتش‬
‫لمتاعهم‪ ،‬المستخرج إياها من رحل أخيه هو الفكر الذي بعثه القلب لهذا‬
‫الشأن‪ .‬ولما كان دين روح القدس تحقق المعارف والحقائق النظرية مما ل‬
‫يتعلق بالعمل ‪( :‬ما كان ليأخذ أخاه) بالبعث على العمليات والستعمال على‬
‫الفضائل ‪( :‬في دين الملك) لن دينه العلم وعلمه التعقل ‪( :‬إل أن يشاء‬
‫الله) أي ‪ :‬وقت تنور النفس بنور القلب المستفاد منه وتفسح الصدر القابل‬
‫للعمليات وذلك هو رفع الدرجات‪ ،‬لن النفس حينئذ ترتفع إلى درجة القلب‬
‫والقلب إلى درجة الروح في مقام الشهود ‪( :‬وفوق كل ذي‬
‫علم) كالقوى ‪( :‬عليم) كالعقل العملي وفوقه القلب وفوقه العقل النظري‬
‫وفوقه الروح وفوقه روح القدس والله تعالى فوق الكل‪ ،‬علم الغيوب كلها‪.‬‬
‫ومعنى ‪( : :‬قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) أن القلب استعد لهذا‬
‫المعنى من قبل دون القوى‪ ،‬فبقوا منكرين لهما‪ ،‬متهمين إياهما عند أبيهما‬
‫لتحصيل مطالبهما وطلب لذة وراء ما يطلبونها‪ .‬وقيل ‪ :‬كان لبراهيم‬
‫صلوات الله عليه وسلمه منطقة يتوارثها أكابر أولده‪ ،‬فورثها من إسحق‬
‫عمة يوسف لكونها كبرى من أولده‪ ،‬وقد حضنته بعد وفاة أمه راحيل‪ ،‬فلما‬
‫شب أراد يعقوب انتزاعه منها‪ ،‬فلم تصبر عنه‪ ،‬فحزمت المنطقة تحت ثيابه‬
‫‪ u‬ثم قالت ‪ :‬إني فقدت المنطقة‪ ،‬فلما وجدت عليه سلم لها وتركه يعقوب‬
‫عندها حتى ماتت‪ .‬وهي إشارة إلى مقام الفتوة التي ورثها من إبراهيم‬
‫الروح قبل مقام الولية وقت شبابه‪ .‬وقد حزمتها عليه النفس المطمئنة‬
‫التي حضنتها وقت وفاة راحيل اللوامة‪ .‬وإرادة انتزاع يعقوب إياه منها‬
‫إشارة إلى أن العقل يريد الترقي إلى كسب المعارف والحقائق‪ ،‬وإذا وجده‬
‫موصوفا ً بالفضائل في مقام الفتوة رضي به‪ ،‬وتركه عند النفس المطمئنة‬
‫سالكا ً في طريق الفضائل حتى توفيت بالفناء في الله في مقام الولية‬
‫والله أعلم‪ .‬وإسرار يوسف في نفسه كلمته علمه بقصورهم عن إدراك‬
‫مقامه ونقصانهم عن كماله‪ ،‬وهي قوله ‪( : :‬أنتم شر مكانا) والذي اقترح أن‬
‫يأخذه يوسف القلب مكان أخيه العقل العملي هو الوهم لمداخلته في‬
‫المعقولت‪ ،‬وشوقه إلى الترقي إلى أفق العقل‪ ،‬وحكمه فيها ل على ما‬
‫ينبغي وميلهم إلى سياسته إياهم دون العقل العملي للتناسب الذي بينهم‬
‫في التعلق بالمادة ونزوعه إلى تحصيل مآربهم من اللذات البدنية‪ .‬ولما وجد‬
‫القلب متاعه من إدراك المعاني المعقولة عند العقل العملي دون الوهم ‪( :‬‬
‫قال معاذ الله أن نأخذ إل من وجدنا متاعنا عنده إنا) إن أخذنا الوهم مكانه‬
‫وآويناه إلينا وألقينا إليه ما ألقينا إلى أخينا كنا مرتكبين الظلم العظيم‬
‫لوضعنا الشيء في غير محله ويأسهم منه شعورهم بعدم تكفيل الوهم‬
‫إياهم وتمتيعهم بدواعيه وحكمه _ وكبيرهم الذي ذكرهم موثق أبيهم الذي‬
‫هو العتقاد اليماني‪ ،‬وتفريطهم في يوسف عند حكومة الوهم هو الفكر‪،‬‬
‫ولهذا قال المفسرون ‪ :‬هو الذي كان أحسنهم رأيا ً في يوسف ومنعهم عن‬
‫قتله‪ .‬وقوله ‪( : :‬فلن أبرح الرض حتى يأذن لي أبي) أي ‪ :‬ل أتحرك إل بحكم‬
‫العقل دون الوهم إلى أن أموت‪ ،‬وأمرهم بالرجوع إلى أبيهم سياسته إياهم‬
‫بامتثال الوامر العقلية ‪( :‬وما شهدنا إل بما علمنا) أي ‪ :‬إنا ل نعلم كون ذلك‬
‫المتاع عند العاقلة العملية إل نقصا ً وسرقة لعدم شعورنا به وبكونه كمال ً ‪( :‬‬
‫وما كنا) حافظين للمعنى العقلي العيني لنا ل ندرك إل ما في عالم‬
‫الشهادة‪ ،‬وكذا أهل قريتنا التي هي مدينة البدن من القوى النباتية ‪( :‬والعير‬
‫التي أقبلنا فيها) من القوى الحيوانية‪ ،‬فاسألهم ليخبروك بسرقة ابنك‪( : .‬‬
‫قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا) أي ‪ :‬زينت طبائعكم الجسمانية لكم أمر‬
‫التلذذ باللذات البدنية والشهوات الحسية فحسبتموها كما ً‬
‫ل‪ ،‬وتتبع‬
‫المعقولت والتزام الشرائع والتآمر بالفضائل نقصا ً ‪( :‬فصبر جميل) أي ‪:‬‬
‫فأمركم صبر جميل في العمل بالشرائع والفضائل دائما ً والوقوف مع حكم‬
‫الشرع والعقل‪ ،‬أو صبر جميل على الستمتاع على وجه الشرع أجمل بكم‬
‫من الباحة والسترسال بحكم الطبيعة‪ ،‬أو فأمري صبر جميل في بقاء‬
‫يوسف القلب وإخوته على استشراق النوار القدسية واستنزال الحكام‬
‫الشرعية واستخراج قواعدها التي ل مدخل لي فيها‪ ،‬فل بد لي من فراقهم‬
‫إلى أوان فراغهم إلى رعاية مصالح الجانبين والوفاء بكل المرين‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫المعاش والمعاد‪ ،‬فإن العقل كما يقتضي طلب الكمال وإصلح المعاد‪،‬‬
‫يقتضي صلح البدن وترتيب المعاش وتعديل المزاج بالغذاء وتربية القوى‬
‫باللذات‪ ،‬أو فأمري صبر جميل على ذلك ‪( :‬عسى الله أن يأتيني بهم‬
‫جميعا) من جهة الفق العلى والترقي عن طوري إلى ما يقتضيه نظري‬
‫ورأيي من مراعاة الطرفين ومقامي ومرتبتي من اختيار التوسط بين‬
‫المنزلتين ‪( :‬إنه هو العليم) بالحقائق ‪( :‬الحكيم) بتدبير العوالم‪ ،‬فل يتركهم‬
‫مراعين للجهة العلوية‪ ،‬ذاهلين عن الجهة السفلية‪ ،‬فيخرب مدينة البدن‬
‫ويهلك أهلها‪ ،‬وذلك قبل التمتيع التام الذي أشرنا إليه إذ هو مقام الجتهاد‬
‫بعد الكشف والسلوك في طريق الستقامة بعد التوحيد‪( .‬وتولى عنهم) أي ‪:‬‬
‫أعرض عن جانبهم وذهل عن حالهم‪ ،‬لحنينه إلى يوسف القلب وانجذابه إلى‬
‫جهته‪( : .‬وابيضت عيناه من الحزن) أول ً بوقوعه في غياهب الجب وكلل‬
‫قوة بصيرته لفرط التأسف على فراقه ثم بترقيه عن طوره وفنائه في‬
‫التوحيد وتخلفه عنه وعدم إدراكه لمقامه وكماله‪ ،‬فبقي بصره حسيرا ً غير‬
‫بصير بحال يوسف ‪( :‬وهو كظيم) مملوء من فراقه‪ .‬وقولهم ‪( : :‬تفتؤ تذكر‬
‫يوسف) إشارة إلى شدة حنينه ونزوعه وانجذابه إلى جهة القلب في تلك‬
‫الحالة دونهم لشدة المناسبة بينهما في التجرد والميل إلى العالم العلوي‪.‬‬
‫وقوله ‪( : :‬وأعلم من الله ما ل تعلمون) إشارة إلى علم العقل برجوع‬
‫القلب إلى عالم الخلق ووقوفه مع العادة بعد الذهاب إلى الجهة الحقانية‬
‫وانخلعه عن حكم العادة عن قريب‪ ،‬كما سئل أحدهم ‪ :‬ما النهاية ؟ قال ‪:‬‬
‫الرجوع إلى البداية‪ .‬ولهذا العلم قال ‪( : :‬يا بني اذهبوا فتحسسوا من‬
‫يوسف وأخيه) وذلك عند فراغه عن السلوك بالكلية ووصول أثر ذلك الفراغ‬
‫إلى العقل بقربه إلى رتبته في التنزل والتدلي فيأمر القوى باستنزاله إلى‬
‫مقامهم بطلب الحظوظ في صورة الجمعية البدنية وتدبير معاشهم‬
‫ومصالحهم الجزئية‪ ،‬وذلك هو الروح الذي نهاهم عن اليأس منه‪ ،‬إذ المؤمن‬
‫يجد هذا الروح والرضوان في الحياة الثانية التي هي بالله فيحيا به ويتمتع‬
‫بحضوره بجميع أنواع النعيم ولذات جنات الفعال والصفات والذات بالنفس‬
‫والقلب والروح دون الكافر كما قال ‪( : :‬إنه ل ييأس من روح الله إل القوم‬
‫الكافرون)‪ .‬وقولهم ‪( : :‬مسنا وأهلنا الضر) إشارة إلى عسرهم وسوء‬
‫حالهم‪ ،‬وضيقهم في الوقوف مع الحقوق ‪( :‬وجئنا ببضاعة مزجاة) إلى‬
‫ضعفهم لقلة مواد قواهم وقصور غذائهم عن بلوغ مرادهم‪ .‬وقولهم ‪( : :‬‬
‫فأوف لنا الكيل) استعطافهم إياه بطلب الحظوظ‪ .‬وقوله ‪( : :‬هل علمتم ما‬
‫فعلتم بيوسف وأخيه) إشارة إلى تنزل القلب إلى مقامهم في محل الصدر‬
‫ليعرفوه فيتذكروا حالهم في البداية وما فعلوا به في زمان الجهل‬
‫والغواية‪ .‬وقولهم ‪( : :‬أئنك لنت يوسف) تعجب منهم عن حاله بتلك الهيئة‬
‫النورانية والبهة السلطانية وبعدها عن حال بدايته‪ .‬وقوله ‪( : :‬قد من الله‬
‫علينا) إلى آخره‪ ،‬إشارة إلى علة ذلك وسبب كماله‪ .‬وقولهم ‪( : :‬تالله لقد‬
‫آثرك الله علينا) إشارة تهدي القوي عند الستقامة إلى كماله ونقصها‪.‬‬
‫وقوله ‪( : :‬ل تثريب عليكم اليوم) لكونها مجبولة على أفعالها‬
‫الطبيعية‪ .‬وقوله ‪( : :‬يغفر الله لكم) إشارة إلى براءتها من الذنب عند التنور‬
‫بنور الفضيلة والتأمر بأمره عند الكمال‪] .‬تفسير سورة يوسف من آية ‪93‬‬
‫إلى آية ‪ [98‬والقميص هو الهيئة النورانية التي اتصف بها القلب عند‬
‫الوصول إلى الوحدة في عين الجمع والتصاف بصفات الله تعالى‪ .‬وقيل ‪:‬‬
‫هو القميص الرثي الذي كان في تعويذه حين ألقي في البئر‪ ،‬وهو إشارة‬
‫إلى نور الفطرة الصلية‪ .‬كما أن الول إشارة إلى نور الكمال الحاصل له‬
‫بعد الوصول‪ ،‬والول أولى بتبصير عين العقل فإن العقل لما لم تكتحل‬
‫بصيرته بنور الهداية الحقانية عمي عن إدراك الصفات اللهية‪( : .‬وائتوني‬
‫بأهلكم أجمعين) أي ‪ :‬ارجعوا إلي عن آخركم في مقام العتدال ومراعاة‬
‫التوسط في الفعال‪ ،‬فإن القلب متوسط بين جهتي العلو والسفالة‪،‬‬
‫وانضموا إلي‪ ،‬وائتمروا بأمري‪ ،‬واقربوا مني ول تبعدوا عن مقامي في‬
‫طلب اللذات البدنية بمقتضى طباعكم‪ .‬وريحه الذي وجده من بعيد هو‬
‫وصول أثر رجوع القلب إلى عالم العقل والمعقول‪ ،‬وإقباله إليه من محض‬
‫التوحيد بتجهيز القوى الحيوانية بجهاز الحظوظ على حكم العدالة وقانون‬
‫الشرع والعقل‪ ،‬فقد قيل ‪ :‬إنه جهز العير بأجمل ما يكون‪ ،‬ووجهها إلى‬
‫كنعان‪ .‬وضلله القديم هو ‪ :‬تعشقه بالقلب أزل ً وذهوله عن جهتهم‪ .‬وقوله ‪:‬‬
‫‪( :‬ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما ل تعلمون) إشارة إلى سابق علمه‬
‫برجوع القلب إلى مقام العقل‪ .‬واستغفاره لهم ‪ :‬تقريره إياهم على حكم‬
‫الفضائل العقلية بالستقامة بعد صفائهم وذكائهم وقبولهم للهيئات‬
‫النورانية بعد خلع الظلمانية‪ .‬ودخولهم على يوسف هو وصولهم إلى مقام‬
‫الصدر حال الستقامة‪ .‬ودخولهم مصر كون الكل في حضرة الجمعية اللهية‬
‫الواحدية مع تفاضل مراتبهم في عين جمع الوحدة‪ .‬ورفع أبويه على العرش‬
‫عبارة عن ارتفاع مرتبتي العقل والنفس عن مراتب سائر القوى وزيادة‬
‫قربهما إليه وقوة سلطنتهما عليها‪ .‬وخرورهم له سجدا ً عبارة عن انقياد‬
‫الكل وطاعتهم له بالمر الوحداني بل فعل حركة بأنفسهم بحيث ل يتحرك‬
‫منها شعر ول ينبض لها عرق إل بالله‪ .‬وتأويل رؤياه صورة ما تقرر في‬
‫استعداده الول من قبول هذا الكمال‪( : .‬قد جعلها ربي حقا) أخرجها من‬
‫القوة إلى الفعل ‪( :‬وقد أحسن بي) بالبقاء بعد الفناء ‪( :‬إذ أخرجني‬
‫من) سجن الخلوة التي كنت فيها محجوبا ً عن شهود الكثرة في عين الوحدة‬
‫ومطالعة الجمال في صفات الجلل ‪( :‬وجاء بكم من) بدو خارج مصر‬
‫الحضرة اللهية ‪( :‬من بعد أن نزغ) شيطان الوهم ‪( :‬بيني وبين‬
‫إخوتي) بتحريضه إياهم على إلقائي في قعر بئر الطبيعة‪ ،‬بانهماكهم‬
‫وتهالكهم على اللذات البدنية ‪( :‬إن ربي لطيف) يلطف بأحبابه بتوفيقهم‬
‫للكمال وتدبير أمورهم بحسب مشيئته الزلية وعنايته القديمة ‪( :‬إنه هو‬
‫العليم) بما في الستعدادات ‪( :‬الحكيم) بترتيب أسباب الكمال وتوفيق‬
‫المستعد للوصول إليه‪( : .‬رب قد آتيتني من الملك) أي ‪ :‬من توحيد الملك‬
‫الذي هو توحيد الفعال ‪( :‬وعلمتني من تأويل الحاديث) أي ‪ :‬معاني‬
‫المغيبات وما يرجع إليه صورة الغيب‪ ،‬وهو من باب توحيد الصفات‪( : .‬فاطر)‬
‫سموات الصفات في مقام القلب وأرض توحيد الفعال في مقام‬
‫النفس ‪( :‬أنت وليي) بتوحيد الذات في دنيا الملك وآخرة الملكوت ‪( :‬توفني‬
‫مسلما) أفنني عني في حالة كوني منقادا ً لمرك ل طاغيا ً ببقاء النية ‪( :‬‬
‫وألحقني بالصالحين) الثابتين في مقام الستقامة بعد الفناء في التوحيد‪.‬‬
‫]تفسير سورة يوسف من آية ‪ 106‬إلى آية ‪( : [108‬وما يؤمن أكثرهم‬
‫بالله) اليمان العلمي ‪( :‬إل وهم مشركون) بإثبات موجود غيره أو اليمان‬
‫العيني إل وهم مشركون باحتجابهم بأنائيتهم ‪( :‬غاشية من عذاب‬
‫الله) حجاب يحجب استعدادهم عن قبول الكمال من هيئة راسخة‬
‫ظلمانية ‪( :‬أو تأتيهم) القيامة الصغرى ‪( :‬بغتة وهم ل يشعرون) بنور‬
‫الكشف والتوحيد‪ ،‬فل يرتفع حجابهم فيبقون في الحتجاب أبدًا‪( : .‬قل‬
‫هذه) السبيل التي أسلكها‪ ،‬وهي سبيل توحيد الذات ‪( :‬سبيلي) المخصوص‬
‫بي‪ ،‬ليس عليه إل أنا وحدي ‪( :‬أدعو إلى) الذات الحدية الموصوفة بكل‬
‫الصفات في عين الجمع ‪( :‬أنا ومن اتبعني) في هذه السبيل وكل من يدعو‬
‫إلى هذه السبيل فهو من أتباعي‪ ،‬إذ النبياء قبلي كلهم كانوا داعين إلى‬
‫المبدأ والمعاد وإلى الذات الواحدية الموصوفة ببعض الصفات إل إبراهيم ‪e‬‬
‫فإنه قطب التوحيد‪ ،‬ولهذا كان ‪ e‬من أتباعه باعتبار الجمع دون التفصيل‪ ،‬إذ‬
‫ل متمم لتفاصيل الصفات إل هو عليه ‪ e‬وإل لكان غيره خاتما ً السبيل الحق‬
‫كما ختم لن كل أحد ل يمكنه الدعوة إل إلى المقام الذي بلغ إليه من‬
‫الكمال ‪( :‬وسبحان الله) أنزهه من أن يكون غيره على سبيله‪ ،‬بل هو‬
‫السالك سبيله والداعي إلى ذاته ‪( :‬وما أنا من المشركين) المثبتين للغير‬
‫في مقام التوحيد الذاتي‪ ،‬المحتجبين عنه بالنائية‪ ،‬بل أنا به‪ ،‬فإن عنى فهو‬
‫الداعي إلى سبيله‪] .‬تفسير سورة يوسف من آية ‪ 109‬إلى آية ‪( : [111‬وما‬
‫أرسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم) أي ‪ :‬من كان فيه بقية من الرجولية‬
‫من أهل قرى الصفات والمقامات ل من مصر الذات‪ ،‬فإن البقاء الحاصل‬
‫لهل التمكين ل يكون إل بقدر الفناء‪ .‬والرجوع إلى الخلق ل يكون إل على‬
‫حسب العروج‪ .‬فالفناء التام والعروج الكامل ل يكون إل للقطب الذي هو‬
‫صاحب الستعداد الكامل الذي ل رتبة إل قد يبلغها ويلزم أن يكون الرجوع‬
‫التام الشامل لجميع تفاصيل الصفات عند البقاء له وهو الخاتم ولهذا قال ‪r‬‬
‫‪ ' :‬كان بنيان النبوة تم ورصف وبقي منه موضع لبنة واحدة‪ ،‬فكنت أنا تلك‬
‫اللبنة '‪ .‬وإلى هذا المعنى أشار بقوله ‪ ' : e‬بعثت لتمم مكارم الخلق '‪( : .‬‬
‫أفلم يسيروا في الرض) أرض استعدادهم ‪( :‬فينظروا كيف كان) نهاية‬
‫أمر (الذين من قبلهم) وغاية كمالهم‪ ،‬فيبلغوا منتهى إقدامهم ويحصلوا‬
‫كمالتهم بحسب استعداداتهم‪ ،‬فإن لكل أحد خاصية واستعداده الخاص‬
‫يقتضي سعادة خاصة هي عاقبته‪ ،‬ومن الطلع على خواص النفوس وغايات‬
‫إقدامهم في السير يحصل للنفس هيئة اجتماعية من تلك الكمالت هي‬
‫كمال المة المحمدية على حسب اختلف استعداداتهم وهي الدار الخرة‬
‫التي هي خير للذين اتقوا صفات نفوسهم التي هي حجب الستعدادات ‪( :‬‬
‫أفل تعقلون) أن هذا المقام خير مما أنتم عليه من الدار الفانية وتمتعاتها‪،‬‬
‫فإنها ‪( :‬لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) ]العنكبوت‪ ،‬الية ‪( : .[64 :‬حتى إذا‬
‫استيأس الرسل) أي ‪ :‬ساروا واتقوا وتراخى فتحهم ونصرهم في الكشوف‬
‫على كفرة قوى النفس حتى إذا استيأس الرسل الذين هم أشراف القوم‬
‫من بلوغ الكمال ‪( :‬وظنوا أنهم قد) كذبتهم ظنونهم في استعدادهم للكمال‬
‫أو رجائهم ‪( :‬جاءهم نصرنا) بالتأييد والتوفيق من إمداد أنوار الملكوت‬
‫والجبروت ‪( :‬فنجي من نشاء) من أهل العناية من الرسل وأتباعهم ‪( :‬ول‬
‫يرد) قهرنا بالحجب والتعذيب ‪( :‬عن القوم المجرمين) بإظهار صفات‬
‫نفوسهم على قلوبهم فيكسبونها الهيئات الغاسقة الحاجبة المؤذية‪( : .‬لقد‬
‫كان في قصصهم عبرة) أي ‪ :‬ما يعبر بها عن ظاهرها إلى باطنها‪ ،‬كما عبرنا‬
‫في قصة يوسف ‪ u‬لولي العقول المجردة عن قشور الوهميات الخالصة عن‬
‫غشاوات الحسيات ‪( :‬ما كان) هذا القرآن ‪( :‬حديثا يفترى) من عند‬
‫النفس ‪( :‬ولكن تصديق الذي) كان ثابتا ً قبله في اللوح ‪( :‬وتفصيل كل‬
‫شيء) أجمل في عالم القضاء وهداية إلى التوحيد ‪( :‬ورحمة) بالتجليات‬
‫الصفاتية من وراء أستار آياته ‪( :‬لقوم يؤمنون) بالغيب لصفاء الستعداد‪.‬‬

‫)سورة الرعد(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم(‬

‫]تفسير سورة الرعد من آية ‪ 1‬إلى آية ‪( : [2‬المر) أي ‪ :‬الذات الحدية‪،‬‬


‫واسمه العليم‪ ،‬واسمه العظم‪ ،‬ومظهره الذي هو الرحمة التامة على ما‬
‫أشير إليه ‪( :‬تلك) معظمات علمات كتاب الكل الذي هو الوجود المطلق‬
‫وآياته الكبرى ‪( :‬و) المعنى ‪( :‬الذي أنزل إليك من ربك) من العقل‬
‫الفرقاني‪ ،‬وهذا الذي ذكر من درج المعاني في الحروف هو الحق ‪( :‬ولكن‬
‫أكثر الناس ل يؤمنون)‪( : .‬الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها) أي ‪:‬‬
‫بعمد غير مرئية هي ملكوتها التي تقومها وتحركها من النفوس السماوية أو‬
‫سموات الرواح بل مادة تعمدها فتقوم هي بها‪ ،‬بل مجردة قائمة‬
‫بأنفسها ‪( :‬ثم استوى) مستعليا ً ‪( :‬على العرش) بالتأثير والتقويم أو على‬
‫عرش القلب بالتجلي ‪( :‬وسخر) شمس الروح بإدراك المعارف الكلية‬
‫واستشراق النوار العالية وقمر القلب بإدراك ما في العالمين جميعا‪ً،‬‬
‫والستمداد من فوق ومن تحت ثم قبول تجليات الصفات بالكشف‪( : .‬كل‬
‫يجري لجل مسمى) أي ‪ :‬غاية معينة هي كماله بحسب الفطرة الولى ‪( :‬‬
‫يدبر المر) في البداية بتهيئة الستعداد وترتيب المبادئ ‪( :‬يفصل‬
‫اليات) في النهاية بترتيب الكمالت والمقامات المترتبة في السلوك على‬
‫حسب تجليات الفعال والصفات ‪( :‬لعلكم بلقاء ربكم) عند مشاهدات آيات‬
‫التجليات ‪( :‬توقنون) عين اليقين‪] .‬تفسير سورة الرعد من آية ‪ 3‬إلى آية ‪[4‬‬
‫‪( :‬وهو الذي مد) أرض الجسد ‪( :‬وجعل فيها رواسي) العظام وأنهار‬
‫العروق ‪( :‬ومن كل) ثمرات الخلق والمدركات ‪( :‬جعل فيها زوجين‬
‫اثنين) أي ‪ :‬صنفين متقابلين كالجود والبخل‪ ،‬والحياء والقحة‪ ،‬والفجور‬
‫والعفة‪ ،‬والجبن والشجاعة‪ ،‬والظلم والعدالة وأمثالها‪ .‬وكالسواد والبياض‪،‬‬
‫والحلو والحامض‪ ،‬والطيب والنتن‪ ،‬والحرارة والبرودة‪ ،‬والملسة والخشونة‬
‫وأمثالها‪( : .‬يغشى) ليل ظلمة الجسمانيات على نهار الروحانيات كتغشية‬
‫القوى الروحانية بآلتها والروح بالجسد ‪( :‬إن في ذلك ليات لقوم‬
‫يتفكرون) في صنع الله وتطابق عالميه الصغر والكبر‪( : .‬وفي) أرض‬
‫الجسد ‪( :‬قطع متجاورات) من العظم واللحم والشحم والعصب‪( : ،‬‬
‫وجنات) من أشجار القوى الطبيعية والحيوانية والنسانية من أعناب القوى‬
‫الشهوانية التي يعصر منها خمر هوى النفس‪ ،‬والقوى العقلية التي يعصر‬
‫منها خمر المحبة‪ ،‬يعصر العشق وزرع القوى النباتية ‪( :‬ونخيل) سائر‬
‫الحواس الظاهرة والباطنة ‪( :‬صنوان) كالعينين والذنين والمنخرين ‪( :‬وغير‬
‫صنوان) كاللسان وآلة الفكر والوهم والذكر ‪( :‬تسقى بماء واحد) هو ‪ :‬ماء‬
‫الحياة ‪( :‬ونفضل بعضها على بعض في) أكل الدراكات والملكات كتفضيل‬
‫مدركات العقل على الحس والبصر على اللمس وملكة الحكمة على العفة‬
‫وأمثالها ‪( :‬لقوم يعقلون) عجائب صنعه‪] .‬تفسير سورة الرعد من آية ‪ 5‬إلى‬
‫آية ‪( : 7‬وإن تعجب) عن قولهم فهو مكان التعجب لن النسان في كل‬
‫ساعة خلق آخر جديد‪ ،‬بل العالم لحظة فلحظة خلق جديد بتبدل الهيئات‬
‫والحوال والوضاع والصور‪ ،‬فكيف ينكر الخلق الجديد من نظر في عالم‬
‫الكون والفساد بعين العتبار ؟ ‪( :‬أولئك الذين) حجبوا عن شهود أفعال‬
‫الربوبية وتجلياتها‪ ،‬فكيف عن تجليات الصفات اللهية ؟ ‪( :‬وأولئك الغلل‬
‫في أعناقهم) فل يقدرون أن يرفعوا رؤوسهم المنتكسة إلى الرض القاصر‬
‫نظرها إلى ما يدانيها من الحس فيروا ملكوت الرواح ويشاهدوا عالم‬
‫القدرة وما يبعد عن منازل الحس من المعقولت ‪( :‬وأولئك أصحاب) نيران‬
‫جهنم الفعال في قعر هاوية الطبيعة ‪( :‬هم فيها خالدون)‪( : .‬ويستعجلونك‬
‫بالسيئة قبل الحسنة) بمناسبة استعدادهم للشر لستيلء الهيئات المظلمة‬
‫والرذائل عليها فينزعون إلى الشر لغلبة الشر عليهم‪( : .‬وقد خلت من‬
‫قبلهم) عقوبات أمثالهم ‪( :‬وإن ربك لذو مغفرة للناس) مع ظلمهم على‬
‫أنفسهم باكتساب تلك الهيئات الغاسقة الحاجبة عن النور لمن لم ترسخ‬
‫فيه ولم تبطل استعداده فيزيلها بنور رحمته ‪( :‬وإن ربك لشديد‬
‫العقاب) لمن ترسخت فيه وصارت رينا ً وأبطلت الستعداد‪( : .‬ويقول الذين‬
‫كفروا لول أنزل عليه آية من ربه) حجبوا‪ ،‬فلم يروا اليات الشاهدة على‬
‫النبوة من اتصافه بصفات الله لعدم إدراكهم وعمى بصائرهم‪ ،‬فلذلك لم‬
‫يعدوها آيات واقترحوها على حسب هواهم ما عليك إل إنذارهم ل هدايتهم‪،‬‬
‫إذ الهداية إلى الله ‪( :‬ولكل قوم هاد) يناسبهم بحسب الجنسية الفطرية‬
‫فيألفونه عند كماله وتلقيه النور اللهي‪ ،‬ويقبلون الهداية منه فيهديهم الله‬
‫على مظهره‪ ،‬فمن ناسبك بتلك الجنسية الصلية قبل الهداية منك ومن ل‬
‫فل‪ .‬تفسير سورة الرعد من آية ‪ 8‬إلى آية ‪ 11‬تلك أسرار خفية ل يعلمها‬
‫إل ‪( :‬الله) الذي ‪( :‬يعلم ما تحمل كل أنثى) فيعلم ما تحمل أنثى النفس من‬
‫ولد الكمال‪ ،‬أي ما في قوة كل استعداد وما تزيد أرحام الستعداد بالتزكية‬
‫والتصفية وبركة الصحبة من الكمالت وما تنقص منها بالنهماك في‬
‫الشهوات ‪( :‬وكل شيء) من الكمالت ‪( :‬عنده بمقدار) معين على حسب‬
‫القابلية أو كل شيء من قوة قبول في استعداد مقدر عنده بمقدار في‬
‫الزل من فيضه القدس ل يزيد ول ينقص‪ ،‬أو لكل قوم هاد هو الله تعالى‬
‫كما قال ‪( : :‬إنك ل تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) ]القصص‪،‬‬
‫الية ‪ [56 :‬لعلمه بما في الستعدادات من قوة القبول وزيادتها ونقصانها‬
‫فيقدر بحسبها كمالتهم‪( : .‬عالم) غيب ما في الستعدادات من قوة القبول‬
‫وشهادة الكمالت الحاضرة الخارجة إلى الفعل ‪( :‬الكبير) الشأن الذي يجل‬
‫عن إعطاء ما يقتضيه بعض الستعدادات بل يسع كلها فيعطيها مقتضياتها ‪:‬‬
‫(المتعال) عن أن ينقطع فيضه فيتأخر عن حصول الستعداد وينقص مما‬
‫يقتضيه‪( : .‬سواء منكم من أسر القول) في مكمن استعداده ‪( :‬ومن جهر‬
‫به) بإبراز العلم من القوة إلى الفعل ‪( :‬ومن هو مستخف) بليل ظلمة‬
‫نفسه ‪( :‬و) من هو ‪( :‬سارب) بخروجه من مقام النفس وذهابه في نهار نور‬
‫الروح‪( : .‬له معقبات) أمداد متعاقبة من الملكوت واصلة إليه من أمر الله ‪( :‬‬
‫يحفظونه من) خطفات جن القوى الخيالية والوهمية وغلبات البهيمية‬
‫والسبعية وإهلكها إياه ‪( :‬إن الله ل يغير ما بقوم) من نعمة وكمال ظاهر أو‬
‫باطن ‪( :‬حتى يغيروا ما بأنفسهم) من الستعداد وقوة القبول‪ ،‬فإن الفيض‬
‫اللهي عام متصل كالماء الجاري‪ ،‬ألم تر إلى قوله تعالى ‪( : :‬يسقى بماء‬
‫واحد ونفضل بعضها على بعض في الكل) ]الرعد‪ ،‬الية ‪ [4 :‬فيتلون بلون‬
‫الستعداد‪ ،‬فمن تكدر استعداده تكدر فيضه فزاد في شره‪ ،‬ومن تصفى‬
‫استعداده تصفى فيضه فزاد في خيره‪ ،‬وكذا النعم الظاهرة ل بد في تغيرها‬
‫إلى النقم من استحقاق جلي أو خفي‪ ،‬ولهذا قال المحققون ‪ :‬إن الدعاء‬
‫الذي ل يتخلف عنه الستجابة المشار إليه بقوله تعالى ‪( : :‬ادعوني أستجب‬
‫لكم) ]غافر‪ ،‬الية ‪ [60 :‬هو الذي يكون بلسان الستعداد‪ .‬وعن بعض‬
‫السلف ‪ :‬أن الفأرة مزقت خفي‪ ،‬وما أعلم ذلك إل بذنب أحدثته وإل ما‬
‫سلطها الله علي‪ .‬وتمثل بقول الشاعر ‪) % :‬لو كنت من مازن لم تستبح‬
‫إبلي ‪] % (%‬تفسير سورة الرعد من آية ‪ 12‬إلى آية ‪( : [14‬هو الذي‬
‫يريكم) برق لوامع النوار القدسية والخطفة اللهية ‪( :‬خوفا) أي ‪ :‬خائفين‬
‫من سرعة انقضائه وبطء رجوعه ‪( :‬وطمعا) أي ‪ :‬طامعين في ثباته وسرعة‬
‫رجوعه ‪( :‬وينشئ) سحاب السكينة ‪( :‬الثقال) بماء العلم اليقيني والمعرفة‬
‫الحقة‪( : .‬ويسبح) رعد سطوة التجليات الجللية أي يسبح الله ويمجده عما‬
‫يتصور في العقل ممن ترد عليه تلك التجليات لوجدانه ما ل يدركه العقل‬
‫ويحمده حق حمده بالكمال المستفاد من ذلك التجلي حمدا ً فعليا ً فيكون‬
‫التسبيح للرعد الموجب لذلك أو السطوة تسبح بنفس التجلي المنزه عن أن‬
‫يدرك بالدراك العقلي ‪( :‬والملئكة) أي ‪ :‬ملكوت القوى الروحانية من هيبته‬
‫وجلله ‪( :‬ويرسل) صواعق السبحات اللهية بتجلي القهر الحقيقي‬
‫المتضمن للطف الكلي فيسلب الوجود عن المتجلى عليه ويفنيه عن بقية‬
‫نفسه‪ ،‬كما ورد في الحديث ‪ ' :‬إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو‬
‫كشفها لحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه '‪( : .‬فيصيب‬
‫بها من يشاء) من عباده المحوبين والمحبين العشاق المشتاقين ‪( :‬وهم‬
‫يجادلون في الله) بالتفكر في صفاته والنظر العقلي في إثباته وما يجب له‬
‫ويمتنع عليه من الصفات ‪( :‬وهو شديد المحال) القوي في رفع الحيل‬
‫العقلية في الدراك وطمس نور بصيرته بالتجلي وإحراقه بنور العشق‪( : .‬له‬
‫دعوة الحق) أي ‪ :‬الدعوة الحقية التي ليست بالباطل له ل لغيره يدعو نفسه‬
‫فيستجيب كما قال تعالى ‪( : :‬أل لله الدين الخالص) ]الزمر‪ ،‬الية ‪ [3 :‬أي ‪:‬‬
‫الدين الخالص ليس إل دينه ومعناه ‪ :‬أن الدعوة الحقة الحقيقية بالجابة هي‬
‫دعوة الموحد الفاني عن نفسه‪ ،‬الباقي بربه‪ ،‬وكذا الدين الخالص دينه‪.‬‬
‫والدعاة القائمون بأنفسهم ل يدعون إل من تصوروه ونحتوه في خيالهم‬
‫فل يستجاب لهم إل كاستجابة الجماد الذي يطلب منه الشيء‪ ،‬ولعمري إنه ل‬
‫يدعو الله إل الموحد وغيره يدعو الغير الموهوم الذي ل قدرة له ول وجود‬
‫فل استجابة‪ ،‬وهو الذي حجب استعداده بصفات نفسه فل يعلم ما استحقه‬
‫فضاع دعاؤه ول يكون مثل هذا الدعاء إل في ضياع أو دعوة الحق جل وعل‪،‬‬
‫ل تكون إل له‪ ،‬أو دعوة المدعو الذي هو الحق هي الدعوة المختصة بذاته ل‬
‫يدعى بها غيره من أسمائه وصفاته والواصفيون الذين يدعون أسماءه‬
‫وصفاته من دون ذاته ل يستجيبهم المدعو إل استجابة كاستجابة داعي الماء‬
‫بالشارة لكونهم محجوبين ‪( :‬وما دعاء) المحجوبين ‪( :‬إل في) ضياع‪.‬‬
‫]تفسير سورة الرعد من آية ‪ 15‬إلى آية ‪( : [17‬ولله) ينقاد ‪( :‬من في‬
‫السماوات والرض) من الحقائق والروحانيات كأعيان الجواهر وملكوت‬
‫الشياء ‪( :‬وظللهم) أي ‪ :‬هياكلهم وأجسادهم التي هي أصنام تلك‬
‫الروحانيات وظللها‪ ،‬ولهذا قرأ النبي ‪ e‬في هذه السجدة ‪ ' :‬سجد لك وجهي‪،‬‬
‫وسوادي‪ ،‬وخيالي ' أي ‪ :‬حقيقة ذاتي وسواد شخصي وخيال نفسي‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫وجودي وعيني وشخصي ‪( :‬طوعا وكرها) أي ‪ :‬شاؤوا أو أبوا‪ ،‬والمعنى‬
‫يلزمهم ذلك اضطرارًا‪ ،‬لن بعضهم طائع وبعضهم كاره ‪( :‬بالغدو‬
‫والصال) أي ‪ :‬دائما ً ‪( :‬قل أفاتخذتم من دونه) أي ‪ :‬من كل ما عداه كائنا ً‬
‫من كان ‪( :‬أولياء ل يملكون لنفسهم نفعا ً ول ضرًا) إذ القادر المالك هو الله‬
‫ل غير‪( : .‬أنزل) من سماء روح القدس ماء العلم ‪( :‬فسالت أودية) القلوب‬
‫بقدر استعداداتها ‪( :‬فاحتمل) سيل العلم ‪( :‬زبدًا) من خبث صفات أرض‬
‫النفس ورذائلها ودناياها ‪( :‬ومما يوقدون عليه) في نار العشق من المعارف‬
‫والكشوف والحقائق والمعاني التي تهيج العشق ‪( :‬ابتغاء) زينة النفس‬
‫وبهجتها بها لكونها كمالت لها ‪( :‬أو متاع) من الفضائل الخلقية التي يحصل‬
‫بسببها‪ ،‬فإنها مما يتمتع به النفس ‪( :‬زبد مثله) خبث كالنظر إليها ورؤيتها‬
‫وتصور النفس كونها كاملة أو فاضلة متزينة بزينة تلك الوصاف وإعجابها‬
‫واحتجابها وسائر ما يعد من آفات النفس وذنوب الحوال ‪( :‬فأما الزبد‬
‫فيذهب جفاء) مرميا ً به منفيا ً بالعلم كما قال تعالى ‪( : :‬ليطهركم‬
‫به) ]النفال‪ ،‬الية ‪( : ،[11 :‬وأما ما ينفع الناس) من المعاني الحقية‬
‫والفضائل الخالصة ‪( :‬فيمكث) في أرض النفس‪] .‬تفسير سورة الرعد من‬
‫آية ‪ 18‬إلى آية ‪( : [22‬للذين استجابوا لربهم) بتصفية الستعداد عن‬
‫كدورات صفات النفس ‪( :‬الحسنى) أي ‪ :‬المثوبة الحسنى وهو الكمال‬
‫الفائض عليهم عند الصفاء المعبر عنه بقوله تعالى ‪( : :‬نور على‬
‫نور) ]النور‪ ،‬الية ‪( : ،[35 :‬والذين لم يستجيبوا) لم يتزكوا عن الرذائل‬
‫البشرية والكدورات الطبيعية ل يمكنهم اللفتداء بكل ما في الجهة السفلية‬
‫من الموال والسباب التي انجذبوا إليها بالمحبة فأهلكوا نفوسهم‪ ،‬لن تلك‬
‫سبب زيادة البعد والهلك‪ ،‬فكيف تكون سببا ً لخلصهم عن تلك الظلمات‬
‫وتبرئهم عنها ؟‪ ،‬ل ينفعهم عند رسوخ هيئات التعلق بها في أنفسهم ‪( :‬‬
‫أولئك لهم سوء الحساب) لوقوفهم مع الفعال في مقام النفس الذي هو‬
‫مقام العدل اللهي‪ ،‬فل بد لهم من المناقشة في الحساب ‪( :‬ومأواهم‬
‫جهنم) صفات النفس ونيران الحرمان وهيئات السوء ‪( :‬ويخشون ربهم) عند‬
‫تجلي الصفات في مقام القلب‪ ،‬فيشاهدون جلل صفة العظمة ويلزمهم‬
‫الهيبة والخشية ‪( :‬ويخافون سوء الحساب) عند تجلي الفعال في مقام‬
‫النفس فينظرون إلى البطش والعقاب فيلزمهم الخوف‪( .‬والذين‬
‫صبروا) في سلوك سبيله عن المألوفات طلبا ً لرضاه واشتغلوا بالتزكية‬
‫بالعبادات المالية والبدنية ويدفعون بالفضيلة رذيلة النفس ‪( :‬أولئك لهم‬
‫عقبى الدار) بالرجوع إلى الفطرة أو صبروا عن صفات نفوسهم ‪( :‬ابتغاء‬
‫وجه ربهم)‪ ،‬أي ‪ :‬لمحبة الذات ل لمحبة الصفات‪ ،‬وأقاموا صلة المشاهدة ‪( :‬‬
‫وأنفقوا مما رزقناهم) من المقامات والحوال والكشوف والعمال ‪( :‬‬
‫سرا) بالتجريد عن هيئاتها وهيئات الركون إليها والمحبة إياها‪( : ،‬‬
‫وعلنية) بتركها وعدم اللتفات إليها‪( : ،‬ويدرؤون بالحسنة) الحاصلة من‬
‫تجلي الصفة اللهية ‪( :‬السيئة) التي هي صفة النفس ‪( :‬أولئك لهم عقبى‬
‫الدار) أي ‪ :‬البقاء بعد الفناء‪] .‬تفسير سورة الرعد من آية ‪ 23‬إلى آية‬
‫‪( : [32‬جنات عدن) أي ‪ :‬ثلثتها‪ ،‬يدخلون جنة الذات مع من صلح من آباء‬
‫الرواح‪ ،‬وجنة الصفات بالقلوب‪ ،‬وجنة الفعال بمن صلح من أزواج النفوس‬
‫وذريات القوى ‪( :‬والملئكة) من أهل الجبروت والملكوت ‪( :‬يدخلون عليهم‬
‫من كل باب) من أبواب الصفات مسلمين محيين إياهم بتحايا الشراقات‬
‫النورية والمدادات القدسية كل ذلك بسبب صبرهم على اللذات الحسية ‪( :‬‬
‫قل إن الله يضل من يشاء) أي ‪ :‬ليس الهداية والضلل باليات فإن في كل‬
‫شيء آية‪ ،‬وكفى باليات المنزلة على رسول الله ‪ e‬وإنما هما بالمشيئة‬
‫اللهية‪( : ،‬يضل من يشاء) لعدم الستعداد أو لحجبهم بالغواشي الظلمانية ‪:‬‬
‫(ويهدي إليه من أناب) بتصفية الستعداد من المحبين‪ .‬وكما أن أهل الضلل‬
‫فريقان ‪ :‬عديم الستعداد وحاجبه بظلمة البشرية‪ ،‬فكذلك أهل الهداية‬
‫قسمان ‪ :‬محبوبون يهتدون بغير النابة لقوة الستعداد ومحبون يهديهم الله‬
‫بعد النابة‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من‬
‫ينيب) ]الشورى‪ ،‬الية ‪( : .[13 :‬والذين آمنوا) أي ‪ :‬المنيبون الذين آمنوا‬
‫اليمان العلمي بالغيب ‪( :‬وتطمئن قلوبهم بذكر الله) ذكر النفس باللسان‬
‫والتفكر في النعم‪ ،‬أو ذكر القلب بالتفكر في الملكوت ومطالعة صفات‬
‫الجمال والجلل‪ ،‬فإن للذكر مراتب ذكر النفس باللسان والتفكر في النعم‪،‬‬
‫وذكر القلب بمطالعة الصفات‪ ،‬وذكر السر بالمناجاة‪ ،‬وذكر الروح‬
‫بالمشاهدة‪ ،‬وذكر الخفاء بالمناغاة في المعاشقة‪ ،‬وذكر الله بالفناء فيه‪.‬‬
‫والنفس تضطرب بظهور صفاتها وأحاديثها وتطيش فيتلون القلب بسببها‬
‫ويتغير بأحاديثها‪ ،‬فإذا ذكر الله استقرت النفس وانتفت الوساوس كما قال‬
‫عليه ‪ ' : e‬إن الشيطان يضع خرطومه على قلب ابن آدم‪ ،‬فإذا ذكر الله خنس‬
‫فاطمأن القلب '‪ .‬وكذا ذكر القلب بالتفكر في الملكوت ومطالعة أنوار‬
‫الجبروت‪ ،‬وأما سائر الذكار فل تكون إل بعد الطمئنان‪ .‬والعمل الصالح‬
‫ههنا ‪ :‬التزكية والتحلية و ‪( :‬طوبى لهم) بالوصول إلى الفطرة وكمال‬
‫الصفات ‪( :‬وحسن مآب) بالدخول في جنة القلب‪ ،‬جنة الصفات‪] .‬تفسير‬
‫سورة الرعد من آية ‪ 33‬إلى آية ‪( : [40‬أفمن هو قائم على كل نفس بما‬
‫كسبت) أي ‪ :‬يقوم عليها بإيجاد كل ما ينسب إليها من مكاسبها‪ ،‬قيوم لها‬
‫وبمكسوباتها‪ ،‬وإنما سمي مكسوبها وإن كان بخلق الله تعالى لنه إنما‬
‫أظهره عليها لستعداد فيها يناسبه به قبلته من الله تعالى‪ ،‬فمن جهة قبول‬
‫المحل وصلحيته لمظهريته ومحليته ينسب إلى كسبها مع قيام الحق تعالى‬
‫بإيجاده لنها اقتضته‪ ،‬أو قائم عليها بحسب كسبها وبمقتضاه أي كما‬
‫يقتضي مكسوباتها من الصفات والحوال التي تعرض لستعدادها يفيض‬
‫عليها من الجزاء الذي هو الهيئات الكمالية النورانية المثيبة إياها‪ ،‬أو‬
‫الهيئات الكدرة الظلمانية المعذبة إياها‪( : .‬لكل أجل كتاب) لكل وقت أمر‬
‫مكتوب مقدر أو مفروض في ذلك الوقت على الخلق‪ ،‬فالشرائع معينة عند‬
‫الله بحسب الوقات في كل وقت يأتي بما هو صلح ذلك الوقت رسول من‬
‫عنده وكذا جميع الحوادث من اليات وغيرها‪( : .‬وما كان لرسول أن‬
‫يأتي) بشيء منها إل بإذنه في وقته لنها معينة بإزاء الوقات التي تحدث‬
‫فيها من غير تغير وتبدل وتقدم وتأخر ‪( :‬يمحو الله ما يشاء) عن اللواح‬
‫الجزئية التي هي النفوس السماوية من النقوش الثابتة فيها فيعدم عن‬
‫المواد ويفنى ‪( :‬ويثبت) ما يشاء فيها فيوجد‪( : .‬وعنده أم الكتاب) أي ‪ :‬لوح‬
‫القضاء السابق الذي هو عقل الكل المنتقش بكل ما كان ويكون أزل ً وأبدا ً‬
‫على الوجه الكلي المنزه عن المحو والثبات‪ ،‬فإن اللواح أربعة ‪ :‬لوح‬
‫القضاء السابق العالي عن المحو والثبات وهو لوح العقل الول‪ .‬ولوح‬
‫القدر أي ‪ :‬لوح النفس الناطقة الكلية التي يفصل فيها كليات اللوح الول‬
‫ويتعلق بأسبابها وهو المسمى ب ‪ :‬اللوح المحفوظ‪ .‬ولوح النفوس الجزئية‬
‫السماوية التي ينتقش فيها كل ما في هذا العالم بشكله وهيأته ومقداره‬
‫وهو المسمى بالسماء الدنيا وهو بمثابة خيال العالم كما أن الول بمثابة‬
‫روحه والثاني بمثابة قلبه‪ .‬ثم لوح الهيولى القابل للصور في عالم الشهادة‬
‫والله أعلم‪] .‬تفسير سورة الرعد من آية ‪ 41‬إلى آية ‪( : [43‬أو لم يروا أنا‬
‫نأتي الرض) نقصد أرض الجسد وقت الشيخوخة ‪( :‬ننقصها من‬
‫أطرافها) بتواكل العضاء وتخاذل القوى وكللة الحواس شيئا ً فشيئا حتى‬
‫ً‬
‫يموت ‪( :‬والله يحكم) على هذا الوجه ‪( :‬ل معقب لحكمه) ل راد ول مبدل‬
‫لحكمه‪ ،‬أو نأتي أرض النفس وقت السلوك ننقصها من أطرافها بإفناء‬
‫أفعالها بأفعالنا أول ً كما قال تعالى ‪ ' :‬بي يسمع وبي يبصر '‪ ،‬ثم بإفناء‬
‫صفاتها بصفاتنا ثانيًا‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ' :‬كنت سمعه الذي يسمع به وبصره‬
‫الذي يبصر '‪ .‬ثم بإفناء ذاتها بذاتنا كما قال تعالى ‪( : :‬لمن الملك‬
‫اليوم) ]غافر‪ ،‬الية ‪ [16 :‬وأجاب نفسه بقوله تعالى ‪( : :‬لله الواحد‬
‫القهار) ]غافر‪ ،‬الية ‪ [16 :‬لفناء الخلق كله‪ ،‬وحينئذ ل حكم إل لله‪ ،‬يحكم كما‬
‫يشاء ل معقب لحكمه لعدم غيره‪.‬‬

‫(الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس) من ظلمات الكثرة إلى نور الوحدة‪ ،‬أو‬
‫من ظلمات صفات النشأة إلى نور الفطرة‪ ،‬أو من ظلمات حجب الفعال‬
‫والصفات إلى نور الذات ‪( :‬بإذن ربهم) بتيسيره بإبداع ذلك النور فيهم‬
‫بهيئة الستعداد من الفيض القدس من عالم اللوهية وتوفيقه بتهيئة‬
‫أسباب خروجه إلى الفعل من حضرة الربوبية‪ ،‬إذ الذن منه هبة الستعداد‬
‫وتهيئة السباب وإل لم يكن لحد إخراجهم ‪( :‬إلى صراط العزيز) القوي‬
‫الذي يقهر ظلمات الكثرة بنور وحدته ‪( :‬الحميد) بكمال ذاته‪ .‬وعلى المعنى‬
‫الثاني ‪( : :‬صراط العزيز) الذي يقهر صفات النفس بنور القلب ‪( :‬‬
‫الحميد) الذي يهب نعم الفضائل والعلوم عند صفاء الفطرة‪ .‬وعلى‬
‫الثالث ‪( : :‬العزيز) الذي يقهر بسبحات ذاته أنوار صفاته ويفنى بحقيقة‬
‫هويته جميع مخلوقاته الحميد الذي يهب الوجود الباقي الكامل بعد فناء‬
‫الرذائل الناقص بوجود ذاته وجمال وجهه‪( : .‬وويل للكافرين) المحجوبين‬
‫عن الوحدة أو الفطرة أو تجلي الذات وكشفه‪ .‬ويترتب على الوجوه الثلثة‬
‫مراتب العذاب‪ ،‬فهو إما عذاب محبة النداد في جحيم التضاد وإما عذاب‬
‫هيئات الرذائل ونيران صفات النفس ومقتضيات الطبائع أو عذاب حجب‬
‫الفعال والصفات والحرمان عن نور الذات‪( : .‬الذين) يؤثرون ‪( :‬الحياة‬
‫الدنيا) الحسية على العقلية والصورية على المعنوية لوصفه الضلل بالبعد‬
‫وكون عالم الحس في أبعد المراتب عن الله تعالى‪( .‬وما أرسلنا من رسول‬
‫إل بلسان قومه) أي ‪ :‬بكلم يناسب ما عليه حالهم بحسب استعدادهم وعلى‬
‫قدر عقولهم وإل لم يفهموا لبعد ذلك المعنى عن أفهامهم وعدم مناسبته‬
‫لمقامهم‪ ،‬فلم يمكنه أن يبين لهم ما في استعدادهم الول بالقوة من‬
‫الكمال اللئق به وما تقتضيه هوياتهم بحسب الفطرة ‪( :‬فيضل الله من‬
‫يشاء) لزوال استعداده بالهيئات الظلمانية ورسوخها والعتقادات الباطلة‬
‫واستقرارها ‪( :‬ويهدي من يشاء) ممن بقي على استعداده أو لم يترسخ فيه‬
‫حواجب هيئاته وصور اعتقاداته ‪( :‬وهو العزيز) القوي الذي ل يغلب على‬
‫مشيئته فيهدي من يشاء هدايته ويضل من يشاء ضللته ‪( :‬الحكيم) الذي‬
‫يدبر أمر هداية المهتدي بأنواع اللطف وأمر ضلل الضال بأصناف الخذلن‬
‫على مقتضى الحكمة البالغة‪( : .‬إن في ذلك ليات لكل صبار شكور) أي ‪:‬‬
‫لكل مؤمن باليمان الغيبي إذ الصبر والشكر مقامان للسالك قبل الوصول‬
‫حال العقد اليماني والسير في الفعال لتحصيل رتبة التوكل‪ ،‬وحينئذ آياته‬
‫التي يعتبر بها ويستمدها يتمسك بها ويعتمدها في سلوكه هي الفعال‪،‬‬
‫فكلما رأى نعمة أو سمع بها أو وصلت إليه من هداية وغيرها شكره باللسان‬
‫وبالقلب بتصوره من عند الله‪ ،‬وبالجوارح بحسن التلقي والقبول والطاعة‬
‫والعمل بمقتضاها على ما ينبغي‪ ،‬وكلما رأى أو سمع بلء أو نزل به صبر‬
‫بحفظ اللسان عن الجزع‪ .‬وقول ‪( : :‬إنا لله وإنا إليه راجعون) ]البقرة‪،‬‬
‫الية ‪ [156 :‬وربط القلب وتصور أن له فيه خير أو مصلحة وإل لما ابتله‬
‫الله به ومنع الجوارح عن الضطراب‪.‬‬
‫(أفي الله شك) مع وضوحه‪ ،‬أي ‪ :‬كيف تشكون فيما ندعوكم إليه وهو الذي‬
‫ل مجال للشك فيه لغاية ظهوره وإنما يوضح ما يوضح به‪( : .‬يدعوكم ليغفر‬
‫لكم من ذنوبكم) ليستر بنوره ظلمات حجب صفاتكم فل تشكون فيه عند‬
‫جلية اليقين ‪( :‬ويؤخركم إلى) غاية يقتضيها استعدادكم من السعادة إذ كل‬
‫شخص عين له بحسب استعداده الول كمال هو أجله المعنوي كما أن لكل‬
‫أحد بحسب مزاجه الول غاية من العمر هي أجله الطبيعي‪ ،‬وكما أن الجال‬
‫الخترامية تقطع العمر دون الوصول إلى الغاية المسماة بسبب من‬
‫السباب فكذلك الفات والموانع التي هي حجب الستعداد تحول دون‬
‫الوصول إلى الكمال المعين‪( : .‬وبرزوا لله جميعا) للخلئق ثلث برزات‪ ،‬برزة‬
‫عند القيامة الصغرى بموت الجسد وبروز كل أحد من حجاب جسده إلى‬
‫عرصة الحساب والجزاء‪ ،‬وبرزة عند القيامة الوسطى بالموت الرادي عن‬
‫حجاب صفات النفس والبروز إلى عرصة القلب بالرجوع إلى الفطرة‪،‬‬
‫وبرزة عند القيامة الكبرى بالفناء المحض عن حجاب النية إلى فضاء الوحدة‬
‫الحقيقية وهذا هو البروز المشار إليه بقوله تعالى ‪( : :‬وبرزوا لله الواحد‬
‫القهار) ]إبراهيم‪ ،‬الية ‪ ،[48 :‬ومن كان من أهل هذه القيامة يراهم بارزين‬
‫ل يخفى على الله منهم شيء‪ .‬وأما ظهور هذه القيامة للكل وبروز الجميع‬
‫لله‪ ،‬وحدوث التقاول بين الضعفاء والمستكبرين‪ ،‬فهو بوجود المهدي القائم‬
‫بالحق‪ ،‬الفارق بين أهل الجنة والنار عند قضاء المر اللهي بنجاة السعداء‬
‫وهلك الشقياء‪( : .‬وقال الشيطان) ظهر سلطان الحق على شيطان الوهم‬
‫وتنور بنوره‪ ،‬فأسلم وأطاع وصار محقا ً عالما ً بأن الحجة لله في دعوته‬
‫للخلق إلى الحق ل له‪ ،‬ودعوته إلى الباطل بتسويل الحطام وتزيين الحياة‬
‫الدنيا عليهم واهية فارغة عن الحجة‪ ،‬وأقر بأن وعده تعالى بالبقاء بعد‬
‫خراب البدن والثواب والعقاب عند البعث حق قد وفى به‪ .‬ووعدي بأن ليس‬
‫إل الحياة الدنيا باطل اختلقته‪ .‬فاستحقاق اللوم ليس إل لمن قبل الدعوة‬
‫الخالية عن الحجة فاستجاب لها وأعرض عن الدعوة المقرونة بالبرهان فلم‬
‫يستجب لها ‪( :‬فل تلوموني ولوموا أنفسكم)‪] .‬تفسير سورة إبراهيم من آية‬
‫‪ 24‬إلى آية ‪( : [27‬كلمة طيبة) أي ‪ :‬نفسا ً طيبة‪ ،‬كما مر في تسمية عيسى‬
‫‪) u‬كلمة(‪( : .‬كشجرة طيبة) كما شبهها بالزيتونة في القرآن وبالنخلة في‬
‫الحديث ‪( :‬أصلها ثابت) بالطمئنان وثبات العتقاد بالبرهان ‪( :‬وفرعها‬
‫في) سماء الروح ‪( :‬تؤتي أكلها) من ثمرات المعارف والحكم والحقائق ‪( :‬‬
‫كل) وقت ‪( :‬بإذن ربها) بتسهيله وتيسيره بتوفيق السباب وتهيئتها ‪( :‬‬
‫ومثل) نفس ‪( :‬خبيثة كشجرة خبيثة) مثل الحنظلة أو الشرجط ‪( :‬اجتثت من‬
‫فوق الرض) استؤصلت للطيش الذي فيها وتشوش العتقاد وعدم القرار‬
‫على شيء‪( : .‬يثبت الله الذين آمنوا) اليمان اليقيني بالبرهان الحقيقي ‪( :‬‬
‫في الحياة) الحسية لستقامتهم في الشريعة وسلوكهم في تحصيل‬
‫المعاش طريق الفضيلة والعدالة ‪( :‬وفي الخرة) أي ‪ :‬الحياة الروحانية‬
‫لهتدائهم بنور الحق في الطريقة وكونهم في تحصيل المعارف على بصيرة‬
‫من الله وبينة من ربهم ‪( :‬ويضل الله الظالمين) في الحياتين لنقص‬
‫استعداداتهم بحظوظ صفات النفس وبقائهم في الحيرة للحتجاب عن نور‬
‫الحق‪( .‬بدلوا نعمة الله) التي أنعم بها عليهم في الزل من الهداية الصلية‬
‫والنور الستعدادي الذي هو بضاعة النجاة ‪( :‬كفرا) أي ‪ :‬احتجابا ً وضللة‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى ‪( : :‬اشتروا الضللة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا‬
‫مهتدين) ]البقرة‪ ،‬الية ‪ [16 :‬أضاعوا النور الباقي واستبدلوا به اللذة‬
‫الحسية الفانية‪ ،‬فبقوا في الظلمة الدائمة ‪( :‬وأحلوا قومهم) من في قوى‬
‫نفوسهم أو من اقتدى بطريقتهم وتأسى بهم وتابعهم في ذلك ‪( :‬دار‬
‫البوار)‪( : .‬وجعلوا لله أندادا) من متاع الدنيا وطيباتها ومشتهياتها يحبونها‬
‫كحب الله‪ ،‬إذ كل ما غلب حبه فهو معبود‪ .‬قال الله تعالى ‪( : :‬زين للناس‬
‫حب الشهوات من النساء والبنين) ]آل عمران‪ ،‬الية ‪ [14 :‬الخ‪( : ،‬ليضلوا‬
‫عن سبيله) كل من نظر إليهم من الحداث المستعدين ومن دان بدينهم‪( : .‬‬
‫قل تمتعوا) أي ‪ :‬اذهبوا فيه بأمر الوهم فإن تمتعكم قليل سريع الزوال‪،‬‬
‫وشيك الفناء‪ ،‬وعاقبته وخيمة بالمصير إلى النار‪] .‬تفسير سورة إبراهيم من‬
‫آية ‪ 32‬إلى آية ‪( : [34‬الله الذي خلق) سموات الرواح وأرض الجسد ‪( :‬‬
‫وأنزل من) سماء عالم القدس ماء العلم ‪( :‬فأخرج به) من أرض النفس‬
‫ثمرات الحكم والفضائل ‪( :‬رزقا لكم) وتقوى القلب بها ‪( :‬وسخر لكم) أنهار‬
‫العلم بالستنتاج والستنباط والتفريع والتفصيل ‪( :‬وسخر لكم) شمس‬
‫الروح وقمر القلب ‪( :‬دائبين) في السير بالمكاشفة والمشاهدة ‪( :‬وسخر‬
‫لكم) ليل ظلمة صفات النفس ونهار نور الروح لطلب المعاش والمعاد‬
‫والراحة والستنارة ‪( :‬وآتاكم من كل ما سألتموه) بألسنة استعداداتكم‪ ،‬فإن‬
‫كل شيء يسأله بلسان استعداده كمال ً يفيض عليه مع السؤال بل تخلف‬
‫وتراخ كما قال تعالى ‪( : :‬يسئله من في السماوات والرض كل يوم هو في‬
‫شأن )‪] )(29‬الرحمن‪ ،‬الية ‪( : .[29 :‬وإن تعدو نعمة الله) من المور‬
‫السابقة على وجودكم الفائضة من الحضرة اللهية ومن اللحقة بكم من‬
‫امداد التربية الواصلة عن الحضرة الربوبية ‪( :‬ل تحصوها) لعدم تناهيها كما‬
‫تقرر في الحكمة ‪( :‬إن النسان لظلوم) بوضع نور الستعداد ومادة البقاء‬
‫في ظلمة الطبيعة ومحل الفناء وصرفه فيها‪ ،‬أو بنقص حق الله أو حق‬
‫نفسه بإبطال الستعداد ‪( :‬كفار) بتلك النعم التي ل تحصى باستعمالها في‬
‫غير ما ينبغي أن تستعمل وغفلته عن المنعم عليه بها واحتجابه بها عنه‪( .‬‬
‫وإذ قال إبراهيم) الروح بلسان الحال عند التوجه إلى الله في طلب الشهود‬
‫‪( :‬رب اجعل هذا البلد) أي ‪ :‬بلد البدن ‪( :‬آمنا) من غلبات صفات النفس‬
‫وتنازع القوى وتجاذب الهواء ‪( :‬واجنبني وبني) القوى العاقلة النظرية‬
‫والعملية والفكر والحدس والذكر وغيرها‪( : .‬أن نعبد) أصنام الكثرة عن‬
‫المشتهيات الحسية والمرغوبات البدنية والمألوفات الطبيعية بالمحبة‪( : .‬‬
‫رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) بالتعلق بها‪ ،‬والنجذاب إليها‪ ،‬والحتجاب‬
‫بها عن الوحدة ‪( :‬فمن تبعني) في سلوك طريق التوحيد ‪( :‬فإنه مني ومن‬
‫عصاني فإنك غفور) تستر عنه تلك الهيئة المظلمة بنورك ‪( :‬رحيم) ترحمه‬
‫بإفاضة الكمال عليه بعد المغفرة‪( : .‬ربنا إني أسكنت من) ذرية قواي ‪( :‬بواد‬
‫غير ذي زرع) أي ‪ :‬وادي الطبيعة الجسمانية الخالية عن زرع الدراك والعلم‬
‫والمعرفة والفضيلة ‪( :‬عند بيتك المحرم) الذي هو القلب ‪( :‬ربنا‬
‫ليقيموا) صلة المناجاة والمكاشفة ‪( :‬فاجعل أفئدة) من ناس الحواس ‪( :‬‬
‫تهوي إليهم) فتميزهم بأنواع الحساسات وتمدهم بإدراك الجزئيات وتميل‬
‫إليهم بالمشايعة وترك المخالفة بالميل إلى الجهة السفلية واللذة‬
‫البدنية ‪( :‬وارزقهم) من ثمرات المعارف والحقائق من الكليات ‪( :‬لعلهم‬
‫يشكرون) نعمتك فيستعملون تلك المدركات في طلب الكمال‪( : .‬ربنا إنك‬
‫تعلم ما نخفي) مما فينا بالقوة ‪( :‬وما نعلن) مما أخرجناه إلى الفعل من‬
‫الكمالت ‪( :‬وما يخفى على الله من شيء في) أرض الستعداد ‪( :‬ول) في‬
‫سماء الروح‪.‬‬
‫(الحمد لله الذي وهب لي على) كبر الكمال ‪( :‬إسماعيل) العاقلة النظرية ‪( :‬‬
‫وإسحاق) العلمية ‪( :‬إن ربي لسميع الدعاء) أي ‪ :‬لسميع لدعاء الستعداد‪،‬‬
‫كما قال ‪ :‬حسبي من سؤالي علمه بحالي‪( : .‬رب اجعلني مقيم) صلة‬
‫الشهود ‪( :‬ومن ذريتي) كل منهم مقيم صلة تخصه ‪( :‬ربنا وتقبل دعاء) أي ‪:‬‬
‫طلبي للفناء التام فيك ‪( :‬ربنا اغفر لي) بنور ذاتك ذنب وجودي فل أحتجب‬
‫بالطغيان ‪( :‬ولوالدي) ولما يتسبب لوجودي من القوابل والفواعل فل أرى‬
‫غيرك ول ألتفت إلى سواك فأبتلى بزيغ البصر‪ ،‬ولمؤمني القوى الروحانية ‪:‬‬
‫(يوم يقوم) حساب الهيئات الروحانية النورانية والنفسانية الظلمانية أيها‬
‫أرجح‪] .‬تفسير سورة إبراهيم من آية ‪ 48‬إلى آية ‪( : [52‬يوم تبدل الرض‬
‫غير الرض) تبدل أرض الطبيعة بأرض النفس عند الوصول إلى مقام القلب‬
‫وسماء القلب بسماء السر وكذا تبدل أرض النفس بأرض القلب وسماء‬
‫السر بسماء الروح‪ ،‬وكذا كل مقام يعبره السالك يبدل ما فوقه وما تحته‬
‫كتبدل سماء التوكل في توحيد الفعال بسماء الرضا في توحيد الصفات‪ ،‬ثم‬
‫سماء الرضا بسماء التوحيد عند كشف الذات ثم يطوى الكل ‪( :‬وبرزوا لله‬
‫الواحد) الذي ل موجود غيره ‪( :‬القهار) الذي يفنى كل ما عداه بتجليه ‪( :‬‬
‫وترى المجرمين) المحتجبين بصفات النفوس وهيئات الرذائل ‪( :‬‬
‫مقرنين) في أماكنهم من سجين الطبيعة وهاوية هوى النفس بقيود علئق‬
‫الطبيعيات وأرسان محبات السفليات ‪( :‬سرابيلهم من قطران) لستيلء‬
‫سواد الهيئات المظلمة من تعلقات الجواهر الغاسقة عليها ‪( :‬وتغشى‬
‫وجوههم) نار القهر والذلل والحتجاب عن لذة الكمال‪ ،‬وفيه سر آخر ل‬
‫ينكشف إل لهل القيامة ممن شاهد البعث والنشور‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫)سورة الحجر(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم(‬
‫]تفسير سورة الحجر من آية ‪ 1‬إلى آية ‪( : [25‬وقرآن مبين) أي ‪ :‬جامع لكل‬
‫شيء‪ ،‬مظهر له ‪( :‬ولقد جعلنا) في سماء العقل ‪( :‬بروجا) مقامات ومراتب‬
‫من العقل الهيولني والعقل بالملكة والعقل بالفعل والعقل المستفاد ‪( :‬‬
‫وزيناها) بالعلوم والمعارف ‪( :‬للناظرين) المتفكرين فيه ‪( :‬وحفظناها من‬
‫كل شيطان رجيم) من الوهام الباطلة ‪( :‬إل من استرق السمع) فاختطف‬
‫الحكم العقلي باستراق السمع لقربه من أفق العقل ‪( :‬فأتبعه شهاب مبين)‬
‫أي ‪ :‬برهان واضح فنطرده ونبطل حكمه‪ .‬وأرض النفس ‪( :‬‬
‫مددناها) بسطناها بالنور القلبي ‪( :‬وألقينا فيها رواسي) الفضائل ‪( :‬وأنبتنا‬
‫فيها من كل شيء) من الكمالت الخلقية والفعال الرادية والملكات‬
‫الفاضلة والمدركات الحسية ‪( :‬موزون) معين مقدر بقدر عقلي عدلي غير‬
‫مائل إلى طرفي الفراط والتفريط لكل قوة بحسبها ‪( :‬وجعلنا لكم فيها‬
‫معايش) بالتدابير الجزئية والعمال البدنية ‪( :‬ومن لستم له برازقين) ممن‬
‫ينسب إليكم ويتعلق بكم‪ ،‬أو جعلنا في سماء القلب بروجا ً مقامات كالصبر‬
‫والشكر والتوكل والرضا والمعرفة والمحبة‪ ،‬وزيناها بالمعارف والحكم‬
‫والحقائق ‪( :‬وحفظناها من كل شيطان رجيم) من الوهام والتخيلت ‪( :‬إل‬
‫من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين )‪] )(18‬الحجر‪ ،‬الية ‪ [18 :‬أي ‪:‬‬
‫إشراق نوري من طوالع أنوار الهداية‪( : .‬وإن من شيء إل عندنا‬
‫خزائنه) أي ‪ :‬ما من شيء في الوجود إل له عندنا خزانة في عالم القضاء‬
‫أول ً بارتسام صورته في أم الكتاب الذي هو العقل الكلي على الوجه الكلي‪،‬‬
‫ثم خزانة أخرى في عالم النفس الكلية وهو اللوح المحفوظ بارتسام‬
‫صورته فيه متعلقا ً بأسبابه‪ ،‬ثم خزانة أخرى بل خزائن في النفوس الجزئية‬
‫السماوية المعبر عنها بسماء الدنيا ولوح القدر بارتسام صورته فيها جزئية‬
‫مقدرة بمقدارها وشكلها ووضعها ‪( :‬وما ننزله) في عالم الشهادة ‪( :‬إل‬
‫بقدر معلوم) من شكل وقدر ووضع ووقت ومحل معينة واستعداد مختص به‬
‫في ذلك الوقت‪( : .‬وأرسلنا) رياح النفحات اللهية ‪( :‬لواقح) بالحكم‬
‫والمعارف‪ ،‬مصفية للقلوب‪ ،‬معدة للستعدادات لقبول التجليات ‪( :‬‬
‫فأنزلنا) من سماء الروح ماء من العلوم الحقيقية ‪( :‬‬
‫فأسقيناكموه) وأحييناكم به ‪( :‬وما أنتم) لذلك العلم ‪( :‬بخازنين) لخلوكم‬
‫عنها‪( : .‬وإنا لنحن نحيي) بالحياة الحقيقية بماء الحياة العلمية والقيام في‬
‫مقام الفطرة ‪( :‬ونميت) بالفناء في الوحدة ‪( :‬ونحن الوارثون) للوجود‪،‬‬
‫الباقون بعد فنائكم‪( : .‬ولقد علمنا المستقدمين منكم) أي ‪ :‬المستبصرين‪،‬‬
‫المشتاقين من المحبين الطالبين للتقدم ‪( :‬ولقد علمنا‬
‫المستأخرين) المنجذبين إلى عالم الحس ومعدن الرجس باستيلء صفات‬
‫النفس ومحبة البدن ولذاته‪ ،‬الطالبين للتأخر عن عالم القدس ‪( :‬وإن ربك‬
‫هو يحشرهم) مع من يتولونه ويجمعهم إلى من يحبونه وينزعون إليه ‪( :‬إنه‬
‫حكيم) يدبر أمرهم في الحشر على وفق الحكمة بحسب المناسبة ‪( :‬‬
‫عليم) بكل ما فيهم من خفايا الميل والنجذاب والمحبة وما تقتضيه‬
‫هيئاتهم وصفاتهم فسيجزيهم وصفهم‪( .‬ولقد خلقنا النسان من صلصال‬
‫من حمإ مسنون) أي ‪ :‬من العناصر الربعة الممتزجة إذ الحمأ هو الطين‬
‫المتغير والمسنون ما صب عليه الماء حتى خلص عن الجزاء الصلبة الخشنة‬
‫الغير المعتدلة المنافية لقبول الصورة التي يراد تصويرها منه‪ .‬والصلصال‬
‫ما تخلخل منه بالهواء وتجفف بالحرارة ‪( :‬والجان) أي ‪ :‬أصل الجن وهو‬
‫جوهر الروح الحيواني الذي تولد منه قوى الوهم والتخيل وغيرهما ‪( :‬‬
‫خلقناه من قبل من نار السموم) أي ‪ :‬من الحرارة الغريزية ومن بخارية‬
‫الخلط ولطافتها المستحيلة بها‪ ،‬وإنما قال من قبل لتقدم تأثير الحرارة‬
‫في التركيب بالتمزيج والتعديل وإثارة ذلك البخار على صور العضاء بل‬
‫القوى الفعالة المؤثرة متقدمة على التركيب في الصل وقد مر معنى‬
‫انقياد الملئكة له وعدم انقياد إبليس‪( : .‬فأخرج) من جنة عالم القدس التي‬
‫ترتقي إلى أفقه ‪( :‬فانك) مرجوم‪ ،‬مطرود منها لكونك غير مجرد عن‬
‫المادة ‪( :‬وإن عليك) لعنة البعد في الرتبة ‪( :‬إلى يوم) القيامة الصغرى‬
‫وتجرد النفس عن البدن بقطع علقتها أو الكبرى بالفناء في التوحيد ‪( :‬‬
‫لزينن لهم) الشهوات واللذات في الجهة السفلية ‪( :‬ولغوينهم أجمعين إل‬
‫عبادك) أي ‪ :‬المخصوصين بك‪ ،‬الذين أخلصتهم من شوائب صفات النفس‬
‫وطهرتهم من دنس تعلق الطبيعة‪ ،‬وجردتهم بالتوجه إليك من بقايا صفاتهم‬
‫وذواتهم‪ ،‬أو الذين أخلصوا أعمالهم لك من غير حظ لغيرك فيها ‪( :‬هذا‬
‫صراط علي) حق نهجه ومراعاته ‪( :‬مستقيم) ل اعوجاج فيه‪ ،‬وهو أن ل‬
‫سلطان لك على عبادي المخلصين إل الذين يناسبونك في الغواية والبعد‬
‫عن صراطي فيتبعونك‪( : .‬لها سبعة أبواب) هي الحواس الخمس والشهوة‬
‫والغضب ‪( :‬لكل باب منهم جزء مقسوم) عضو خاص به‪ ،‬أو بعض من الخلق‬
‫يختصون بالدخول منه لغلبة قوة ذلك الباب عليهم‪.‬‬
‫(إن المتقين) الذين تزكوا عن الغواشي الطبيعية وتجردوا عن الصفات‬
‫البشرية ‪( :‬في جنات) من روضات عالم القدس ‪( :‬وعيون) من ماء حياة‬
‫العلم مقول ً لهم ‪( :‬ادخلوها) بسلمة من الهيئات الجسدانية وأمراض‬
‫القلوب المانعة عن الوصول إلى ذلك المقام ‪( :‬أمنين) من آفات عالم‬
‫التضاد وعوارض الكون والفساد‪ ،‬وتغيرات أحوال الزمنة والمواد‪( : .‬ونزعنا‬
‫ما في صدورهم من غل) أي ‪ :‬حقد راسخ وكل هيئة متصاعدة من النفس‬
‫إلى وجه القلب الذي يليها بفيض النور واستيلء قوة الروح وتأييد القدس‪،‬‬
‫وهم الذين غلبت أنوارهم على ظلماتهم من أهل العلم واليقين فاضمحلت‬
‫وزالت عنهم الهيئات النفسانية الغاسقة وآثار العداوة اللزمة لهبوط‬
‫النفس والميل إلى عالم التضاد‪ ،‬وأشرقت فيهم قوة المحبة الفطرية‬
‫بتعاكس أشعة القدس وأنوار التوحيد واليقين من بعضهم إلى بعض‪،‬‬
‫فصاروا إخوانا ً بحكم العقد اليماني والتناسب الروحاني‪( : .‬على‬
‫سرر) مراتب عالية ‪( :‬متقابلين) لتساوي درجاتهم وتقارب مراتبهم وكونهم‬
‫غير محتجبين‪( : .‬ل يمسهم فيها نصب) لمتناع أسباب المنافاة والتضاد‬
‫هناك ‪( :‬وما هم منها بمخرجين) لسرمدية مقامهم وتنزهه عن الزمان‬
‫وتغيراته‪ .‬وأما كيفية نزول الملئكة على النبيين وتجسد الرواح العالية‬
‫للمتجردين المنسلخين عن الهيئات البدنية المتقدسين‪ ،‬فقد مرت الشارة‬
‫إليها في سورة )هود(‪] .‬تفسير سورة الحجر من آية ‪ 87‬إلى آية ‪( : [99‬‬
‫ولقد آتيناك سبعا) أي ‪ :‬الصفات السبع التي ثبتت لله تعالى وهي ‪ :‬الحياة‬
‫والعلم والقدرة والرادة والسمع والبصر والتكلم ‪( :‬من المثاني) التي كرر‬
‫وثنى ثبوتها لك أول ً في مقام وجود القلب عند تخلقك بأخلقه‪ ،‬واتصافك‬
‫بأوصافه‪ ،‬فكانت لك‪ .‬وثانيا ً ‪ :‬في مقام البقاء بالوجود الحقاني بعد الفناء‬
‫في التوحيد ‪( :‬والقرآن العظيم) أي ‪ :‬الذات الجامعة لجميع الصفات وإنما‬
‫كانت لمحمد عليه ‪ e‬سبعًا‪ ،‬ولموسى تسعا ً لنه ما أوتي القرآن العظيم بل‬
‫كان مقامه التكليم‪ ،‬أي ‪ :‬مقام كشف الصفات دون كشف الذات‪ ،‬فله هذه‬
‫السبع مع القلب والروح‪( : .‬فسبح) بالتجريد عن عوارض الصفات المتعلقة‬
‫بالمادة لتكون منزها ً لله تعالى بلسان الحال‪ ،‬حامدا ً لربك بالتصاف‬
‫بالصفات الكمالية لتكون حامدا ً لنعم تجليات صفاته بأوصافك ‪( :‬وكن من‬
‫الساجدين) بسجود الفناء في ذاته ‪( :‬واعبد ربك) بالتسبيح والتحميد‬
‫والسجود المذكورة ‪( :‬حتى يأتيك) حق ‪( :‬اليقين) فتنتهي عبادتك بانقضاء‬
‫وجودك‪ ،‬فيكون هو العابد والمعبود جميعا ً ل غيره‪.‬‬

‫)سورة النحل(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم(‬

‫(أتى أمر الله) لما كان ‪ e‬من أهل القيامة الكبرى يشاهدها ويشاهد أحوالها‬
‫في عين الجمع‪ ،‬كما قال ‪ ' : e‬بعثت أنا والساعة كهاتين '‪ .‬أخبر عن شهوده‬
‫بقوله تعالى ‪( : :‬أتى أمر الله) ولما كان ظهورها على التفصيل بحيث تظهر‬
‫لكل أحد ل يكون إل بوجود المهدي ‪ u‬قال ‪( : :‬فل تستعجلوه) لن هذا ليس‬
‫وقت ظهوره‪ ،‬ثم أكد شهوده لوجه الله وفناء الخلق في القيامة بقوله ‪I( : :‬‬
‫عما يشركون) من إثبات وجود الغير‪ .‬ثم فصل ما شهد في عين الجمع لكونه‬
‫في مقام الفرق بعد الجمع يشاهد كثرة الصفات في عين أحدية الذات‬
‫بحيث ل يحتجب بالوحدة عن الكثرة ول بالعكس‪ ،‬كما ذكر في قوله تعالى ‪: :‬‬
‫(شهد الله) ]آل عمران‪ ،‬الية ‪ [18 :‬الية‪ ،‬فقال ‪( : :‬ينزل الملئكة‬
‫بالروح) أي ‪ :‬العلم الذي يحيي به القلوب‪ ،‬يعني ‪ :‬القرآن ‪( :‬من) عالم ‪( :‬‬
‫أمره) الذي انتقش فيه ‪( :‬على من يشاء من عباده) المخصوصين بمزيد‬
‫عنايته‪ ،‬إن أخبروهم بالتوحيد والتقوى‪ ،‬فبين بعد بيان أحدية الذات عالم‬
‫الصفات الحقيقية بتنزيل الروح الذي هو العلم‪ ،‬وإثبات المشيئة التي هي‬
‫الرادة‪ ،‬وعالم السماء بإثبات الملئكة‪ ،‬وعالم الفعال بالنذار‪ .‬ثم عد‬
‫الصفات الضافية كالخلق والرزق‪ ،‬وفصل النعم المتعددة كالنعم وغيرها‪.‬‬
‫ولما ظهر الحق والخلق ظهر طريق الحق والباطل‪ ،‬فقال ‪( : :‬وعلى الله‬
‫قصد السبيل) أي ‪ :‬عليه لزوم السبيل المستقيم والهداية إليها لهله‪ ،‬كما‬
‫قال ‪( : :‬إن ربي على صراط مستقيم) ]هود‪ ،‬الية ‪ [56 :‬أي ‪ :‬كل من كان‬
‫على هذا الصراط الذي هو طريق التوحيد ل بد وأن يكون من أهله تعالى‬
‫لنه طريقه الذي يلزمه‪ .‬ومن السبيل ‪( :‬جائر) يعني بعض السبل‪ ،‬وهي‬
‫السبل المتفرقة مما عدا سبيل التوحيد جائر عادل عن الحق‪ ،‬موصل إلى‬
‫الباطل ل محالة‪ ،‬فهي سبيل الضللة كيفما كانت‪ .‬ولم يشأ هداية الجميع‬
‫إلى السبيل المستقيم لكونها تنافي الحكمة‪( : .‬الذين تتوفاهم الملئكة‬
‫ظالمي أنفسهم) قد مر أن السابقين الموحدين يتوفاهم الله تعالى بذاته‪،‬‬
‫وأما البرار والسعداء فقسمان ‪ :‬فمن ترقى عن مقام النفس بالتجرد‬
‫ووصل إلى مقام القلب بالعلوم والفضائل يتوفاهم ملك الموت‪ ،‬ومن كان‬
‫في مقام النفس من العباد والصلحاء والزهاد والمتشرعين الذين لم‬
‫يتجردوا عن علئق البدن بالتزكية والتحلية تتوفاهم ملئكة الرحمة بالبشرى‬
‫بالجنة‪ ،‬أي ‪ :‬جنة النفس التي هي جنة الفعال والثار‪ .‬وأما الشرار‬
‫الشقياء فكيفما كانوا تتوفاهم ملئكة العذاب‪ ،‬إذ القوى الملكوتية المتصلة‬
‫بالنفوس تتشكل بهيئات تلك النفوس‪ ،‬فإذا كانت محجوبة ظالمة كانت‬
‫هيئاتهم غاسقة ظلمانية هائلة‪ ،‬فتتشكل القوى الملكوتية القابضة‬
‫لنفوسهم بتلك الهيئات لمناسبتها‪ ،‬ولهذا قيل ‪ :‬إنما يظهر ملك الموت على‬
‫صورة أخلق المحتضر‪ ،‬فإذا كانت رديئة‪ ،‬ظلمانية‪ ،‬كانت صورته هائلة‪،‬‬
‫موحشة‪ ،‬غلب على من يحضره الخوف والذعر‪ ،‬وتذلل وتمسكن‪ ،‬ونزل عن‬
‫استكباره‪ ،‬وأظهر العجز والمسكنة‪ ،‬وهذا معنى قوله ‪( : :‬فألقوا‬
‫السلم) أي ‪ :‬سالموا‪ ،‬وهانوا‪ ،‬ولنوا‪ ،‬وتركوا العناد والتمرد وقالوا ‪( : :‬ما كنا‬
‫نعمل من سوء) فأجيبوا بقولهم ‪( : :‬بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون‬
‫فادخلوا أبواب جهنم) الفعال‪ .‬وأما المتقون عن المعاصي والمناهي‪،‬‬
‫الواقفون مع أحكام الشريعة‪ ،‬المعترفون بالتوحيد والنبوة على التقليد ل‬
‫التحقيق‪ ،‬وإل لتجردوا بعلم اليقين عن صفات النفس إلى مقام القلب‪،‬‬
‫فتتوفاهم الملئكة طيبين على صورة أخلقهم وأعمالهم الطيبة الجميلة‪،‬‬
‫فرحين مستبشرين ‪( :‬يقولن سلم عليكم ادخلوا الجنة) أي ‪ :‬الجنة‬
‫المعهودة عندهم‪ ،‬وهي جنة النفوس من جنات الفعال ‪( :‬بما كنتم تعملون)‪.‬‬
‫‪( :‬وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء) إنما قالوا‬
‫ذلك عنادا ً وتعنتا ً عن فرط الجهل‪ ،‬وإلزاما ً للموحدين بناء على مذهبهم‪ ،‬إذ‬
‫لو قالوا ذلك عن علم ويقين لكانوا موحدين ل مشركين بنسبة الرادة‬
‫والتأثير إلى الغير‪ ،‬لن من علم أنه ل يمكن وقوع شيء بغير مشيئة من‬
‫الله‪ ،‬علم أنه لو شاء كل من في العالم شيئا ً لم يشأ الله ذلك لم يمكن‬
‫وقوعه‪ ،‬فاعترف بنفي القدرة والرادة عما عدا الله تعالى فلم يبق مشركًا‪،‬‬
‫قال الله تعالى ‪( : :‬ولو شاء الله ما أشركوا) ]النعام‪ ،‬الية ‪( : .[107 :‬كذلك‬
‫فعل الذين من قبلهم) في تكذيب الرسل بالعناد‪( : .‬إنما قولنا لشيء إذا‬
‫أردناه أن نقول له كن فيكون) الفرق بين إرادة الله تعالى وعلمه وقدرته ل‬
‫يكون إل بالعتبار‪ ،‬فإن الله تعالى يعلم كل شيء ويعلم وقوعه في وقت‬
‫معين بسبب معين على وجه معين‪ ،‬فإذا اعتبرنا علمه بذلك قلنا بعالميته‪،‬‬
‫وإذا اعتبرنا تخصيصه بالوقت المعين والوجه المعين قلنا بإرادته‪ ،‬وإذا‬
‫اعتبرنا وجوب وجوده بوجود ما يتوقف عليه وجوده في ذلك الوقت على‬
‫ذلك الوجه المعلوم قلنا بقدرته‪ ،‬فمرجع الثلثة إلى العلم‪ .‬ولو اقتضى علمنا‬
‫وجود شيء ولم يتغير ولم يحتج إلى ترو وعزيمة غير كونه معلوما ً وتحريك‬
‫اللت لكان فينا أيضا ً كذلك‪] .‬تفسير سورة النحل من آية ‪ 48‬إلى آية‬
‫‪( : [55‬أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء) أي ‪ :‬ذات وحقيقة مخلوقة‪ ،‬أية‬
‫ذات كانت من المخلوقات ‪( :‬يتفيأ ظلله) أي ‪ :‬يتجسد ويتمثل هياكله‬
‫وصوره‪ ،‬فإن لكل شيء حقيقة هي ملكوت ذلك الشيء وأصله الذي هو به‪،‬‬
‫هو كما قال تعالى ‪( : :‬بيده ملكوت كل شيء) ]يس‪ ،‬الية ‪ .[83 :‬وظلله‬
‫هو ‪ :‬صفته ومظهره‪ ،‬أي ‪ :‬جسده الذي به يظهر ذلك الشيء‪( : .‬عن اليمين‬
‫و) عن ‪( :‬الشمائل) أي ‪ :‬عن جهة الخير والشر ‪( :‬سجدا لله) منقادة بأمره‪،‬‬
‫مطواعة ل تمتنع عما يريد فيها‪ ،‬أي ‪ :‬يتحرك هياكله إلى جهات الفعال‬
‫الخيرية والشرية بأمره ‪( :‬وهم داخرون) صاغرون‪ ،‬متذللون لمره‪،‬‬
‫مقهورون‪( : .‬ولله يسجد) ينقاد ‪( :‬ما في السماوات) في عالم الرواح من‬
‫أهل الجبروت والملكوت والرواح المجردة المقدسة ‪( :‬وما في الرض) في‬
‫عالم الجساد من الدواب والناسي والشجار وجميع النفوس والقوى‬
‫الرضية والسماوية ‪( :‬وهم ل يستكبرون) ل يمتنعون عن النقياد والتذلل‬
‫لمره ‪( :‬يخافون ربهم) أي ‪ :‬ينكسرون ويتأثرون وينفعلون منه انفعال‬
‫الخائف ‪( :‬من فوقهم) من قهره وتأثيره وعلوه عليهم ‪( :‬ويفعلون ما‬
‫يؤمرون) طوعا ً وانقيادا ً بحيث ل يسعهم فعل غيره‪( : .‬إذا فريق منكم‬
‫بربهم يشركون) بنسبة النعمة إلى غيره ورؤيته منه‪ ،‬وكذا بنسبة الضر إلى‬
‫الغير وإحالة الذنب في ذلك عليه‪ ،‬والستعانة في رفعه به‪ .‬قال الله تعالى ‪:‬‬
‫' أنا والجن والنس في نبأ عظيم‪ ،‬أخلق ويعبد غيري‪ ،‬وأرزق ويشكر غيري '‪،‬‬
‫وذلك هو كفران النعمة والغفلة عن المنعم المشار إليهما بقوله ‪( : :‬‬
‫ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون) وبال ذلك العتقاد عليهم‪ ،‬أو‬
‫فسوف تعلمون بظهور التوحيد أن ل تأثير لغير الله في شيء‪( .‬ويجعلون‬
‫لما ل يعلمون) وجوده مما سواه ‪( :‬نصيبا مما رزقناهم) فيقولون ‪ :‬هو‬
‫أعطاني كذا‪ ،‬ولو لم يعطني لكان كذا‪ ،‬وفلن رزقني وأعانني‪ ،‬فيجعلون‬
‫لغيره تأثيرا ً في وصول ذلك إليه‪ ،‬وإن لم يثبتوا له تأثيرا ً في وجوده فقد‬
‫جعلوا له نصيبا ً مما رزقهم الله‪] .‬تفسير سورة النحل من آية ‪ 75‬إلى آية‬
‫‪( : [76‬ضرب الله مثل) للمجرد والمقيد والمشرك والموحد ‪( :‬عبدا‬
‫مملوكا) محبا ً لغير الله‪ ،‬مؤثرا ً له بهواه‪ ،‬فإن المقيد بالشيء يدين بدينه‬
‫ويصدر عن حكمه‪ ،‬ويتصرف بأمره‪ ،‬فهو عبده إذ كل من أحب شيئا ً أطاعه‪،‬‬
‫وإذا أطاعه فقد عبده‪ .‬فمنهم من يعبد الشيطان ومنهم من يعبد الشهوة‬
‫ومنهم من يعبد الدنيا أو الدينار أو اللباس‪ ،‬كما قال عليه ‪ ' : e‬تعس عبد‬
‫الدينار‪ ،‬تعس عبد الدرهم‪ ،‬وتعس عبد الخميصة '‪ ،‬وقال الله تعالى ‪( : :‬‬
‫أفرءيت من اتخذ إلهه هواه) ]الجاثية‪ ،‬الية ‪ [23 :‬وإذا عبده كان مملوكه‬
‫ورقيقه‪( : .‬ل يقدر على شيء) لن المحب والعابد ل يرتقي همته وتأثيره‬
‫وقوة نفسه من محبوبه ومعبوده وإل لما كان مقهورا ً له‪ ،‬أسيرا ً في وثاقه‪،‬‬
‫بل ينقض منه ومعبوده عاجز ل تأثير له‪ ،‬بل ل وجود سواء كان جمادا ً أو‬
‫حيوانا ً أو إنسانا ً أو ما شئت‪ ،‬فهو أعجز منه وأذل‪ ،‬ولهذا قيل ‪ :‬إن الدنيا‬
‫كالظل‪ ،‬إذا تبعته فاتك وإن تركته تبعك‪ ،‬فإن تابع الدنيا أحقر قدرا ً من الدنيا‬
‫وأقل خطرًا‪ ،‬ول تأثير للدنيا فكيف به حتى يحصل له وبسببه شيء ؟ وإن‬
‫الدنيا ظل زائل‪ ،‬فهو ظل الظل ول ظل لظل الظل‪ ،‬بل الظل للذات ول‬
‫ذات له فل ملك له ول قدرة‪( : .‬ومن رزقناه منا رزقا حسنا) ومن أحبنا‬
‫وأقبل بقلبه علينا‪ ،‬وتجرد عما سوانا‪ ،‬وانقطع إلينا‪ ،‬أعطيناه اليد والقوة‪،‬‬
‫ورزقناه الملك والحكمة‪ ،‬وأسبغنا عليه النعمة الظاهرة والباطنة لنه متوجه‬
‫إلى مالك الملك‪ ،‬منعم الكل‪ ،‬منيع القوى والقدر‪ ،‬فأكسب نفسه القوة‬
‫والتأثير والقدرة منه‪ ،‬وتأثر منه الكوان والجرام وأطاعه الملك والملكوت‬
‫كما أوحى الله تعالى إلى داود ‪ ' : u‬يا دنيا اخدمي من خدمني‪ ،‬واتعبي من‬
‫خدمك '‪ .‬ثم إذا ربت همته الشريفة عن الكوان ولم تقف بمحبته مع غير‬
‫الله ولم يلتفت إلى ما سواه زدنا في رزقه فآتيناه صفاتنا ومحونا عنه‬
‫صفاته‪ ،‬فعلمناه من لدنا علما ً وأقدرناه بقدرتنا‪ ،‬كما قال تعالى ‪( : :‬ل يزال‬
‫العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‬
‫'‪ ،‬الحديث‪( : .‬فهو ينفق منه سرا ً وجهرًا) ينفق من النعم الباطنة كالعلم‬
‫والحكمة سرًا‪ ،‬ومن الظاهرة جهرًا‪ ،‬أو ينفق من كلتيهما سرا ً كالذي يصل‬
‫إلى الناس من غير تسببه لوصوله ظاهرا ً وهو في الحقيقة منه وصل لنه‬
‫حينئذ واسطة الوجود اللهي ووكيل حضرته وجهرا ً كالذي يتسبب هو بنفسه‬
‫ظاهرا ً لوصوله ‪( :‬هل يستوون) استفهام بطريق النكار وكذا المشرك‬
‫كالبكم الذي لم يكن له استعداد النطق في الخلقة لنه ما استعد للدراك‬
‫والعقل الذي هو خاصية النسان‪ ،‬فيدرك وجوب وجود الحق تعالى وكماله‬
‫وإمكان الغير ونقصانه فيتبرأ عن غيره ويلوذ به عن حول نفسه وغيره‬
‫وقوتهما‪( : .‬ل يقدر على شيء) لعدم استطاعته وقصور قوته للنقص اللزم‬
‫لستعداده ‪( :‬وهو كل على موله) لعجزه بالطبع عن تحصيل حاجته‪ ،‬فهو‬
‫عبد بالطبع محتاج‪ ،‬متذلل للغير‪ ،‬ناقص عن رتبة كل شيء لكونه أقل من ل‬
‫شيء‪ ،‬فإن الممكن الذي يعبده ليس بشيء سواء كان ملكا ً أو ملكا ً أو فلكا ً‬
‫أو كوكبا ً أو عقل ً أو غيرها ‪( :‬أينما يوجهه ل يأت بخير) لعدم استعداده‬
‫وشرارته بالطبع فل يناسب إل الشر الذي هو العدم فكيف يأتي بالخير ‪( :‬‬
‫هل يستوي هو) والموحد القائم بالله‪ ،‬الفاني عن غيره حتى نفسه يقوم‬
‫بالحق‪ ،‬ويعامل الخلق بالعدل‪ ،‬ويأمر بالعدل‪ ،‬لن العدل ظل الوحدة في‬
‫عالم الكثرة فحيث قام بوحدة الذات وقع ظله على الكل‪ ،‬فلم يكن إل آمرا ً‬
‫بالعدل ‪( :‬وهو على صراط مستقيم) أي ‪ :‬صراط الله الذي عليه خاصته من‬
‫أهل البقاء بعد الفناء الممدود على نار الطبيعة لهل الحقيقة يمرون عليه‬
‫كالبرق اللمع‪( .‬ولله غيب السموات والرض) أي ‪ :‬ولله علم الذي خفي في‬
‫السموات والرض من أمر القيامة الكبرى‪ ،‬أو علم مراتب الغيوب السبعة‬
‫التي أشرنا إليه من غيب الجن والنفس والقلب والسر والروح والخفي‬
‫وغيب الغيوب أو ما غاب من حقيقتهما أي ‪ :‬ملكوت عالم الرواح وعالم‬
‫الجساد ‪( :‬وما أمر) القيامة الكبرى بالقياس إلى المور الزمانية ‪( :‬‬
‫ال) كأقرب زمان يعبر عنه مثل لمح البصر ‪( :‬أو هو أقرب) وهو بناء على‬
‫التمثيل وإل فأمر الساعة ليس بزماني وما ليس بزماني يدركه من يدركه ل‬
‫في الزمان ‪( :‬إن الله على كل شيء قدير) يقدر على الماتة والحياء‬
‫والحساب ل في زمان كما يشاهد أهله وخاصته‪( : .‬ألم يروا إلى‬
‫الطير) القوى الروحانية والنفسانية من الفكر والعقل النظري والعملي‪ ،‬بل‬
‫الوهم والتخيل ‪( :‬مسخرات في جو السماء) أي ‪ :‬فضاء عالم الرواح ‪( :‬ما‬
‫يمسكهن) من غير تعلق بمادة ول اعتماد على جسم ثقيل ‪( :‬إل الله)‪( : .‬‬
‫يعرفون نعمة الله) أي ‪ :‬هداية النبي أو وجوده لما ذكرنا أن كل نبي يبعث‬
‫على كمال يناسب استعدادات أمته ويجانسهم بفطرته‪ ،‬فيعرفونه بقوة‬
‫فطرتهم ‪( :‬ثم ينكرونها) لعنادهم وتعنتهم بسبب غلبة صفات نفوسهم من‬
‫الكبر والنفة وحب الرياسة أو لكفرهم واحتجابهم عن نور الفطرة بالهيئات‬
‫الغاسقة الظلمانية وتغير الستعداد الول ‪( :‬وأكثرهم الكافرون) في إنكاره‬
‫لشهادة فطرهم بحقيته‪( .‬ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) أي ‪ :‬نبعث نبيهم‬
‫على غاية الكمال الذي يمكن لمته الوصول إليه أو التقرب منه والتوجه إليه‬
‫لمكان معرفتهم إياه فيعرفونه‪ ،‬ولهذا يكون لكل أمة شهيد غير شهيد المة‬
‫الخرى‪ ،‬ويعرف كل من قصر وخالف نبيه بالعراض عن الكمال الذي هو‬
‫يدعو إليه‪ ،‬والوقوف في حضيض النقصان قصوره واحتجابه فل حجة له ول‬
‫نطق‪ ،‬فيبقى متحيرا ً متحسرًا‪ ،‬وهو معنى قوله ‪( : :‬ثم ل يؤذن للذين كفروا)‬
‫ول سبيل له إلى إدراك ما فاته من كماله لعدم آلته‪ ،‬ول يمكن أن يرضى‬
‫بحاله لقوة استعداده الفطري الذي جبل عليه‪ ،‬وشوقه الصلي الغريزي‬
‫إليه‪ ،‬فهو مكظوم ل يستعتب ول يسترضي‪( : .‬وألقوا إلى الله يومئذ السلم)‬
‫أي ‪ :‬الستسلم والنقياد‪ .‬وقد جاء إنكارهم كقوله تعالى ‪( : :‬يوم يبعثهم‬
‫الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم) ]المجادلة‪ ،‬الية ‪ [18 :‬وذلك‬
‫بحسب المواقف‪ ،‬فالنكار في الموقف الول وقت قوة هيئات الرذائل‬
‫وشدة شكيمة النفس في الشيطنة‪ ،‬وغاية البعد عن النور اللهي للحتجاب‬
‫بالحجب الغليظة والغواشي المظلمة حتى ل يعلم أنه كان يراه ويطلع عليه‬
‫ونهاية تكدر نور الفطرة حتى يمكنه إظهار خلف مقتضاه‪ .‬والستسلم في‬
‫الموقف الثاني بعد مرور أحقاب كثيرة من ساعات اليوم الذي كان مقداره‬
‫خمسين ألف سنة حين زالت الهيئات‪ ،‬ورقت وضعفت شراشر النفس في‬
‫رذائلها‪ ،‬وقرب من عالم النور لرقة الحجب ولمعان نور فطرته الولى‪،‬‬
‫فيعترف وينقاد‪ ،‬هذا إذا كان الستسلم والنكار لنفوس بعينها‪ .‬وقد يكون‬
‫الستسلم للبعض الذين لم ترسخ هيئات رذائلهم‪ ،‬ولم تغلظ حجبهم‪ ،‬ولم‬
‫ينطفئ نور استعدادهم‪ .‬والنكار لمن ترسخت فيه الهيئات وقويت وغلبت‬
‫عليه الشيطنة‪ ،‬واستقرت وكثف الحجاب‪ ،‬وبطل الستعداد والله أعلم‪( : .‬‬
‫وجئنا بك شهيدا على هؤلء) قد مر في سورة )النساء(‪( : ،‬ونزلنا عليك‬
‫الكتاب) أي ‪ :‬العقل الفرقاني بعد الوجود الحقاني ‪( :‬تبيانا ً لكل شيء) تبيينا ً‬
‫وتحقيقا ً لحقية كل شيء‪ ،‬وهداية لمن استسلم وانقاد لسلمة فطرته إلى‬
‫كماله ‪( :‬ورحمة) له بتبليغه إلى ذلك الكمال بالتربية والمداد وبشارة له‬
‫ببقائه على ذلك الكمال أبدا ً سرمدا ً في الجنان الثلث‪( .‬وأوفوا بعهد‬
‫الله) الذي هو تذكر العهد السابق وتجديده بالعقد اللحق بالبقاء على حكمه‬
‫في العراض عن الغير والتجرد عن العوائق والعلئق في التوجه إليه ‪( :‬إذ‬
‫عاهدتم) أي ‪ :‬تذكرتموه بإشراق نور النبي عليكم وتذكيره إياكم‪( : .‬من‬
‫عمل صالحا من ذكر أو أنثى) أي ‪ :‬عمل ً يوصله إلى كماله الذي يقتضيه‬
‫استعداده‪ ،‬إذ الصلح في الشخص توجهه إلى كماله أو كونه على ذلك‬
‫الكمال‪ ،‬والفساد بالضد وفي العمل كونه وصلة وسيلة إليه من صاحب قلب‬
‫بالغ إلى كمال الرجولية أو صاحب نفس قابلة لتأثير القلب مستفيضة‬
‫منه ‪( :‬وهو مؤمن) أي ‪ :‬معتقد للحق اعتقادا ً جازمًا‪ ،‬إذ صلح العمل مشروط‬
‫بصحة العتقاد وإل لم يتصور كماله على ما هو عليه ولم يعتقده على الوجه‬
‫الذي ينبغي فلم يمكنه عمل يوصله إليه فل يكون ما يعمله صالحا ً حينئذ في‬
‫الحقيقة‪ .‬وإن كان في صورة الصلح ‪( :‬فلنحيينه حياة طيبة) أي ‪ :‬حياة‬
‫حقيقية ل موت بعدها بالتجرد عن المواد البدنية والنخراط في سلك النوار‬
‫السرمدية‪ ،‬والتلذذ بكمالت الصفات في مشاهدات التجليات الفعالية‬
‫والصفاتية ‪( :‬ولنجزينهم أجرهم) من جنان الفعال والصفات ‪( :‬بأحسن ما‬
‫كانوا يعملون) إذ عملهم يناسب صفاتهم التي هي مبادئ أفعالهم وأجرهم‬
‫يناسب صفاتنا التي هي مصادر أفعالنا‪ ،‬فانظر كم بينهما من التفاوت في‬
‫الحسن‪( : .‬فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) فادرج عن مقام النفس‬
‫بالعروج إلى جناب القدس‪ ،‬فإن النفس مأوى كل كدورة ومنبع كل رجس‬
‫تناسب وساوس الشيطان‪ ،‬وتجردها بأحاديثها‪ ،‬فإن ارتقيت من مقرها لم‬
‫يكن للشيطان عليك سلطان لنه ل يطيق نور حضور الحق وحضرة القلب‬
‫مهبط أنواره وجناب صفاته المقدسة ومحل تجلياته النورية‪ ،‬فعذ إليها وعذ‬
‫بنور الله فيها تستحكم بنيان إيمانك باليقين‪ .‬فإن اليمان الذي ل يبقى معه‬
‫سلطان الشطيان كما قال تعالى ‪( : :‬إنه ليس له سلطان على الذين‬
‫آمنوا) أقل درجاته اليقين العلمي الذي محله القلب الصافي ول يكفي هذا‬
‫اليقين في نفي سلطانه إل إذا كان مقرونا ً بشهود الفعال الذي هو مقام‬
‫التوكل كما قال تعالى ‪( : :‬وعلى ربهم يتوكلون) والفناء في الفعال ل‬
‫يمكن مع بقاء صفات النفس‪ ،‬إذ بقاء صفاتها يستدعي أفعالها‪ ،‬ولهذا قيل ‪:‬‬
‫ل يمكن إيفاء حق مقام وتصحيحه وإحكامه إل بعد الترقي إلى ما فوقه‪،‬‬
‫فبالترقي إلى مقام الصفات يتم فناء الفعال فيصح التوكل‪( : .‬إنما‬
‫سلطانه على الذين يتولونه) في مقام النفس بالمناسبة التي بينهما في‬
‫الظلمة والكدورة‪ ،‬إذ التولي مرتب على الجنسية ‪( :‬والذين هم به مشركون)‬
‫بنسبة القوة والتأثير إليه‪ ،‬بل بطاعته وانقياد أوامره للتولي المذكور‪.‬‬
‫]تفسير سورة النحل من آية ‪ 106‬إلى آية ‪( : [111‬من كفر بالله من بعد‬
‫إيمانه) لكون الظلمة له ذاتية بحسب استعداده الول والنور عارضيًا‪ ،‬فهو‬
‫في حجاب خلقي عن نور اليمان إن اعتراه شعاع قدسي من نفس الرسول‬
‫أو من فيض القدس أو أثر فيه وعدا ً ووعيدًا‪ ،‬أو كلمة حق في دعوته إلى‬
‫الحق في حال إقبال من قلبه ودعاه داعية نفسانية من حصول نفع ودفع‬
‫ضر ماليين أو جاه وعزة بسبب السلم‪ ،‬آمن ظاهرًا‪ ،‬ومقامه ومقره الكفر‪،‬‬
‫فقد استحق غضب الله لنه محجوب بحسب الستعداد عن أول مراتب‬
‫اليمان الذي هو شهود الفعال بالستدلل من الصنع على الصانع فعقابه‬
‫من باب الفعال والصفات ل الذي ‪( :‬أكره) على الكفر بالنذار والتخويف ‪( :‬‬
‫وقلبه مطمئن) ثابت متمكن مملوء ‪( :‬باليمان) لنورية فطرته في الصل‬
‫وكون النور ذاتيا ً له بحسب الفطرة‪ ،‬والكفر والحتجاب إنما عرض بمقتضى‬
‫النشأة‪ .‬وقد زال الحجاب العارضي‪( : .‬ولكن من شرح بالكفر صدرا) أي ‪:‬‬
‫طاب به نفسا ً ورضي واطمأن لكونه مستقره مأواه الصلي ‪( :‬فعليهم‬
‫غضب) عظيم‪ ،‬أي ‪ :‬غضب ‪( :‬من الله ولهم عذاب عظيم) لحتجابهم عن‬
‫جميع مراتب النوار من الفعال والصفات والذات‪ ،‬فما أغلظ حجابهم وما‬
‫أعظم عذابهم‪( : .‬ذلك) أي ‪ :‬انشراح الصدر بالكفر والرضا به ‪( :‬ب) سبب ‪( :‬‬
‫أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الخرة) لكونها مبلغ علمهم ونهايته‪ ،‬وما بلغ‬
‫علمهم إلى الخرة لنسداد بصائر قلوبهم ومناسبة استعدادهم للمور‬
‫الغاسقة السفلية من المواد الجسمية‪ ،‬فأحبوا ما شعروا به ولءم حالهم‪.‬‬
‫وحب الدنيا رأس كل خطيئة لستلزامه الحجاب الغلظ الذي ل خطيئة إل‬
‫تحته وفي طيه ‪( :‬وأن الله ل يهدي القوم الكافرين) أي ‪ :‬المحجوبين بأغلظ‬
‫الحجب لمتناع قبولهم للهداية‪( : .‬أولئك الذين طبع الله على‬
‫قلوبهم) بقساوتها وكدورتها في الصل فلم ينفتح لهم طريق اللهام‬
‫والفهم والكشف ‪( :‬وسمعهم وأبصارهم) بسد طريق المعنى المراد من‬
‫مسموعاتهم وطريق العتبار من مبصراتهم إلى القلب‪ ،‬فلم يؤثر فيهم‬
‫شيء من أسباب الهداية من طريق الباطن من فيض الروح وإلقاء الملك‬
‫وإشراق النور ول من طريق الظاهر بطريق التعليم والتعلم والعتبار من‬
‫آثار الصنع ‪( :‬وأولئك هم الغافلون) بالحقيقة لعدم انتباههم بوجه من‬
‫الوجوه وامتناع تيقظهم من نوم الجهل بسبب من السباب‪( : .‬ل جرم أنهم‬
‫في الخرة هم الخاسرون) الذين ضاعت دنياهم التي استنفدوا في تحصيلها‬
‫وسعهم‪ ،‬وأتلفوا في طلبها أعمارهم‪ ،‬وليسوا من الخرة في شيء إل في‬
‫عذاب هيئات التعلقات ووبال التحسرات‪( : .‬ثم إن ربك للذين هاجروا) أي ‪:‬‬
‫تباعد بين هؤلء المحجوبين الذين ‪ :‬إن ربك عليهم بالغضب والقهر‪ ،‬وبين‬
‫الذين ‪ :‬إن ربك لهم بالرضا والرحمة وهم الذين هاجروا عن مواطن النفس‬
‫بترك المألوفات والمشتهيات ‪( :‬من بعد ما فتنوا) وابتلوا بحكم النشأة‬
‫البشرية ‪( :‬ثم جاهدوا) في الله بالرياضات وسلوك طريقه بالترقي في‬
‫المقامات والتجريد عن الهيئات والتعلقات ‪( :‬وصبروا) على ما تحب النفس‬
‫وتكرهه بالثبات في السير ‪( :‬إن ربك من) بعد هذه الحوال ‪( :‬لغفور) لهم‬
‫بستر غواشي الصفات النفسانية ‪( :‬رحيم) بإفاضة الكمالت وإبدال صفاتهم‬
‫بالصفات اللهية‪.‬‬
‫(وضرب الله مثل) للنفس المستعدة‪ ،‬القابلة الصافية عن الكدورات‪،‬‬
‫المستفيدة من فيض القلب‪ ،‬الثابتة في طريق اكتساب الفضائل‪ ،‬المنة من‬
‫خوف فواتها وفنائها‪ ،‬المطمئنة باعتقادها ‪( :‬يأتيها رزقها رغدا) من العلوم‬
‫النافعة والفضائل الحميدة والنوار الشريفة ‪( :‬من كان مكان) أي ‪ :‬من‬
‫جميع جهات الطرق البدنية كالحواس الممتارة إياها قوت العلوم الجزئية‪،‬‬
‫والجوارح‪ ،‬واللت التي تطاوعها في العمال الجميلة‪ ،‬وتمرين الفضيلة إذا‬
‫كانت منقادة للقلب مطواعة له‪ ،‬قابلة لفيضه‪ ،‬باقية على معتقدها من الحق‬
‫تقليدًا‪ .‬ومن جهة القلب كإمداد النوار‪ ،‬وهيئات الفضائل‪ ،‬فظهرت بصفاتها‬
‫بطرا ً وإعجابا ً بزينتها وكمالها‪ .‬ونظرا ً إلى ذاتها ببهجتها وبهائها فاحتجبت‬
‫بصفاتها الظلمانية عن تلك النوار ومالت إلى المور السفلية من زخارف‬
‫الدنيا واللذات الحسية وانقطع إمداد القلب عنها‪ ،‬وانقلبت المعاني الواردة‬
‫إليها من طريق الحس هيئات غاسقة من صور المحسوسات التي انجذبت‬
‫إليها ‪( :‬فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) بانقطاع مدد المعاني والفضائل‬
‫والنوار من القلب والخوف من زوال مقتنياتها من الشهوات والمألوفات‬
‫الحسية والمشتهيات ‪( :‬بما كانوا يصنعون) من كفران نعم الله باستعمالها‬
‫في طلب اللذات الحسية والزخارف الدنيوية ولظهورها بصفاتها وإعجابها‬
‫بكمالتها وركونها إلى الدنيا ولذاتها واستيلئها على القلب بهيئاتها‬
‫وأفعالها وحجب صاحبها عن نوره ومدده بطلب شهواتها‪ ،‬كما قال أمير‬
‫المؤمنين ‪ ' : u‬نعوذ بالله من الضلل بعد الهدى ' بقرية صفتها ما ذكر‪( : .‬‬
‫ولقد جاءهم رسول منهم) أي ‪ :‬من جنسهم وهي القوة الفكرية التي هي‬
‫من جملة قوى النفس بالمعاني المعقولة والراء الصادقة ‪( :‬فكذبوه) بعدم‬
‫التأثر بها والنقياد لوامرها ونواهيها العقلية والشرعية وترك العمل‬
‫بمقتضاها وقلة المبالة بها‪ ،‬ولم يرفعوا بها رأسا عن النهماك فيما هم‬
‫عليه ‪( :‬فأخذهم) عذاب الحتجاب والحرمان عن لذة الكمال في حالة‬
‫ظلمهم وزيغهم عن طريق الفضيلة ونقصهم لحقوق صاحبهم‪( .‬إن إبراهيم‬
‫كان أمة) قد مر أن كل نبي يبعث في قوم يكون كماله شامل ً لجميع كمالت‬
‫أمته وغاية ل يمكن لمته الوصول إلى رتبة إل وهي دونه‪ ،‬فهو مجموع‬
‫كمالت قومه ول يصل إليهم الكمال في صفة من صفات الخير والسعادة إل‬
‫بواسطته بل وجوداتهم فائضة من وجوده فهو وحده أمة لجتماعهم‬
‫بالحقيقة في ذاته‪ ،‬ولهذا قال عليه ‪ ' : e‬لو وزنت بأمتي لرجحت بهم '‪( : .‬‬
‫قانتا) لله مطيعا ً له‪ ،‬منقادا ً بحيث ل يتحرك منه شعرة إل بأمره لستيلء‬
‫سلطان التوحيد عليه ومحو صفاته بصفاته‪ ،‬واتحاده بذاته‪ ،‬ولهذا سمي خليل‬
‫الله لمخالة الحق إياه في شهوده‪ .‬فخلته عبارة عن مزج بقية من ذاته تؤذن‬
‫بالثنينية أما ترى رسول الله ‪ e‬لما لم يبق منه شيء من بقيته سمي حبيب‬
‫الله فمحو صفاته في صفات الحق بالكلية وبقاء أثر من ذاته دون العين‬
‫قنوته لله وإل كان قانتا ً بالله ل لله‪ ،‬كما قال لمحمد عليه ‪( : : e‬وما صبرك‬
‫إل بالله) ]النحل‪ ،‬الية ‪( : [172 :‬حنيفا) مائل ً عن كل باطل حتى عن وجوده‬
‫ووجود كل ما سواه تعالى معرضا ً عن إثباته‪ .‬وما كان ‪( :‬من‬
‫المشركين) بنسبة الوجود والتأثير إلى الغير‪( : .‬شاكرا لنعمه) أي ‪:‬‬
‫مستعمل ً لها على الوجه الذي ينبغي لكونه متصرفا ً فيها بصفات الله فتكون‬
‫أفعاله إلهية مقصودة لذاتها ل لغرض فل يمكنه ول يسعه إل توجيه كل نعمة‬
‫إلى ما هو كمالها على مقتضى الحكمة اللهية والعناية السرمدية ‪( :‬‬
‫اجتباه) اختاره في العناية الولى بل توسط عمل منه وكذا لكونه من‬
‫المحبوبين الذين سبقت لهم منه الحسنى‪ ،‬فتتقدم كشوفهم على‬
‫سلوكهم ‪( :‬وهداه إلى صراط مستقيم) أي ‪ :‬بعد الكشف والتوحيد والوصول‬
‫إلى عين الجمع هداه إلى سلوك صراطه ليقتدي به‪ ،‬ورده من الوحدة إلى‬
‫الكثرة وإلى الفرق بعد الجمع لعطاء كل ذي حق حقه من مراتب التفاصيل‪،‬‬
‫وتبيين أحكام التجليات في مقام التمكين والستقامة وإل لم يصلح للنبوة‪: .‬‬
‫(وآتيناه في الدنيا حسنة) من تمتيعه بالحظوظ لتتقوى نفسه على تقنين‬
‫القوانين الشرعية والقيام بحقوق العبودية في مقام الستقامة والطاقة‬
‫بحمل أعباء الرسالة ‪( :‬وآتيناه) الملك العظيم مع النبوة‪ ،‬كما قال ‪( : :‬‬
‫وآتيناهم ملكا عظيما) ]النساء‪ ،‬الية ‪ [54 :‬ليتمكن من تقرير الشريعة‬
‫ويضطلع بأحكام الدعوة والذكر الجميل كما قال ‪( : :‬وجعلنا لهم لسان صدق‬
‫عليا) ]مريم‪ ،‬الية ‪ [50 :‬والصلة والسلم عليه كما قال ‪( :‬وتركنا عليه في‬
‫الخرين )‪ (108‬سلم على إبراهيم )‪] )(109‬الصافات‪ ،‬اليات ‪- 108 :‬‬
‫‪( : [109‬وإنه في الخرة) أي ‪ :‬في عالم الرواح ‪( :‬لمن‬
‫الصالحين) المتمكنين في مقام الستقامة بإيفاء كل ذي حق حقه‪ ،‬وتبليغه‬
‫إلى كماله وحفظه عليه ما أمكن‪( : .‬ثم أوحينا إليك) أي ‪ :‬بعد هذه الكرامات‬
‫والحسنات التي أعطيناه إياها في الدارين شرفناه وكرمناه بأمرنا باتباعك‬
‫إياه ‪( :‬أن اتبع ملة إبراهيم) في التوحيد وأصول الدين التي ل تتغير في‬
‫الشرائع كأمر المبدأ والمعاد والحشر والجزاء وأمثالها‪ ،‬ل في فروع الشريعة‬
‫وأوضاعها وأحكامها‪ ،‬فإنها تتغير بحسب المصالح واختلف الزمنة والطبائع‬
‫وما عليه أحوال الناس من العادات والخلئق‪] .‬تفسير سورة النحل من آية‬
‫‪ 124‬إلى آية ‪( : [126‬إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) أي ‪ :‬ما‬
‫فرض عليك إنما فرض عليهم فل يلزمك اتباع موسى في ذلك بل اتباع‬
‫إبراهيم‪( : .‬ادع إلى سبيل ربك) الخ‪ ،‬أي ‪ :‬لتكن دعوتك منحصرة في هذه‬
‫الوجوه الثلثة لن المدعو إما أن يكون خاليا ً عن النكار أو ل‪ ،‬فإن كان خاليا ً‬
‫لكونه في مقام الجهل البسيط غير معتقد لشيء‪ ،‬فإما أن يكون مستعدا ً‬
‫غير قاصر عن درك البرهان بل يكون برهاني الطباع أو ل‪ .‬فإن كان الول‬
‫فادعه بالحكمة وكلمه بالبرهان والحجة واهده إلى صراط التوحيد بالمعرفة‪،‬‬
‫وإن كان قاصر الستعداد فادعه بالموعظة الحسنة والنصيحة البالغة من‬
‫النذار والبشارة والوعد والوعيد والزجر والترهيب واللطف والترغيب‪ ،‬وإن‬
‫كان منكرا ً ذا جهل مركب واعتقاد باطل فجادله بالطريقة التي هي أحسن‬
‫من إبطال معتقده بما يلزم من مذهبه بالرفق والمداراة على وجه يلوح له‬
‫أنك تثبت الحق وتبطل الباطل ل غرض لك سواه‪( : .‬إن ربك هو أعلم بمن‬
‫ضل عن سبيله) في الزل لشقاوته الصلية فل ينجع فيه أحد هذه الطرق‬
‫الثلثة ‪( :‬وهو أعلم بالمهتدين) المستعدين‪ ،‬القابلين للهداية لصفاء‬
‫الفطرة‪( : .‬وإن عاقبتم) الخ‪ ،‬أي ‪ :‬الزموا سيرة العدالة والفضيلة ل‬
‫تجاوزوها فإنها أقل درجات كمالكم‪ ،‬فإن كان لكم قدم في الفتوة وعرق‬
‫راسخ في الفضل والكرم والمروءة فاتركوا النتصار والنتقام ممن جنى‬
‫عليكم وعارضوه بالعفو مع القدرة واصبروا على الجناية فإنه ‪( :‬لهو خير‬
‫للصابرين) أل تراه كيف أكده بالقسم واللم في جوابه وترك المضمر إلى‬
‫المظهر حيث ما قال ‪ :‬لهو خير لكم‪ ،‬بل قال ‪( : :‬لهو خير‬
‫للصابرين) ]النحل‪ ،‬الية ‪ [126 :‬للتسجيل عليهم بالمدح والتعظيم بصفة‬
‫الصبر‪ ،‬فإن الصابر ترقى عن مقام النفس وقابل فعل نفس صاحبه بصفة‬
‫القلب فلم يتكدر بظهور صفة النفس وعارض ظلمة نفس صاحبه بنور‬
‫قلبه‪ ،‬فكثيرا ً ما يندم ويتجاوز عن مقام النفس‪ ،‬وتنكسر سورة غضبه‬
‫فيصلح‪ ،‬وإن لم يكن لكم هذا المقام الشريف فل تعاقبوا المسيء لسورة‬
‫الغضب بأكثر مما جنى عليكم فتظلموا‪ ،‬أو تتورطوا بأقبح الرذائل وأفحشها‬
‫فيفسد حالكم ويزيد وبالكم على وبال الجاني‪] .‬تفسير سورة النحل من آية‬
‫‪ 127‬إلى آية ‪( : [128‬واصبر وما صبرك إل بالله) اعلم أن الصبر أقسام ‪:‬‬
‫صبر لله‪ ،‬وصبر في الله‪ ،‬وصبر مع الله‪ ،‬وصبر عن الله‪ ،‬وصبر بالله‪ ،‬فالصبر‬
‫لله هو من لوازم اليمان وأول درجات أهل السلم‪ .‬قال النبي عليه ‪' : e‬‬
‫اليمان نصفان‪ ،‬نصف صبر ونصف شكر '‪ ،‬وهو حبس النفس عن الجزع عند‬
‫فوات مرغوب أو وقوع مكروه‪ ،‬وهو من فضائل الخلق الموهوبة من فضل‬
‫الله لهل دينه وطاعته المقتضى للثواب الجزيل‪ .‬والصبر في الله هو الثبات‬
‫في سلوك طريق الحق‪ ،‬وتوطين النفس على المجاهدة بالختيار‪ ،‬وترك‬
‫المألوفات واللذات‪ ،‬وتحمل البليات‪ ،‬وقوة العزيمة في التوجه إلى منبع‬
‫الكمالت‪ ،‬وهو من مقامات السالكين‪ ،‬يهبه الله لمن يشاء من فضله من‬
‫أهل الطريقة‪ .‬والصبر مع الله هو لهل الحضور‪ ،‬والكشف عند التجرد عن‬
‫ملبس الفعال والصفات‪ ،‬والتعرض لتجليات الجمال والجلل‪ ،‬وتوارد‬
‫واردات النس والهيبة‪ ،‬فهو بحضور القلب لمن كان له قلب‪ ،‬والحتراس‬
‫عن الغفلة والغيبة عند التلوينات بظهور النفس وهو أشق على النفس من‬
‫الضرب على الهام‪ ،‬وإن كان لذيذا ً جدًا‪ .‬والصبر عن الله هو لهل الجفاء‬
‫والحجاب‪ ،‬نورانيا ً كان أو ظلمانيًا‪ ،‬وهو مذموم جدًا‪ ،‬وصاحبه ملوم حقا ً وكلما‬
‫كان أصبر كان أسوأ حال ً وأبعد‪ ،‬وكلما كان في ذلك أقوى كان ألوم وأجفى‬
‫أو لهل العيان والمشاهدة من العشاق والمشتاقين المتقلبين في أطوار‬
‫التجلي والستتار‪ ،‬والمنخلعين عن الناسوت المتنورين بنور اللهوت ما بقي‬
‫لهم قلب ول وصف كلما لح لهم نور من سبحات أنوار الجمال احترقوا‬
‫وتفانوا‪ ،‬وكلما ضرب لهم حجاب ورد وجوههم تشويقا ً وتعظيما ً ذاقوا من‬
‫ألم الشوق وحرقة الفرقة ما عيل به صبرهم وتحقق موتهم وهو من أحوال‬
‫المحبين ول شيء أشق من هذا الصبر وأشد تحمل ً وأقتل‪ ،‬فإن أطاقه‬
‫المحب كان خافيا ً وإن لم يطق كان فانيا ً فيه هالكًا‪ ،‬وفي هذا المقام قال‬
‫الشبلي ‪) % :‬صابر الصبر فاستغاث به الصبر ‪ %‬فصاح المحب بالصبر صبرا(‬
‫‪ %‬أي ‪ :‬صابر الحبيب الصبر‪ ،‬فاستغاث به الصبر عند إشرافه على النفاد‬
‫فصاح المحب بالصبر صبرا ً على النفاد والهلك‪ ،‬فإن فيه النجاح والفلح‪.‬‬
‫والصبر بالله هو لهل التمكين في مقام الستقامة الذين أفناهم الله‬
‫بالكلية وما ترك عليهم شيئا ً من بقية النية والثنينية ثم وهب لهم وجودا ً‬
‫من ذاته حتى قاموا به وفعلوا بصفاته وهو من أخلق الله تعالى ليس لحد‬
‫فيه نصيب ولهذا أمره به‪ .‬ثم بين أن ذلك الصبر الذي أمرت به ليس من‬
‫سائر أقسام الصبر حتى يكون بنفسك أو بقلبك بل هو صبري ل تباشره إل‬
‫بي ول تطيقه إل بقوتي‪ ،‬ولعدم وفاء قوته بهذا الصبر قال ‪ ' :‬شيبتني‬
‫سورة هود '‪( : .‬ول تحزن عليهم) بالتلوين بظهور القلب بصفته لن صاحب‬
‫هذا الصبر يرى الشياء بعين الحق فكل ما يصدر عنهم يراه فعل الله وكل‬
‫صفة تظهر عليهم يراه تجليا ً من تجلياته وينكر المنكر بحكمه لن الله بصره‬
‫بأنواع التجليات القهرية واللطفية والغضبية والرضوية وعرفه أحكامه وأمره‬
‫بإنفاذ الحكام في مواقعها‪( : .‬ول تك في ضيق مما يمكرون) لنشراح‬
‫صدرك بي‪ ،‬فكن معهم كما تراني معهم سائرا ً بسيري‪ ،‬قائما ً بي‬
‫وبأمري‪( : .‬إن الله مع الذين اتقوا) بقاياهم وأنياتهم بالستهلك في‬
‫الوحدة والستغراق في عين الجمع ‪( :‬والذين هم محسنون) بشهود الوحدة‬
‫في عين الكثرة‪ ،‬والطاعة في عين المعصية‪ ،‬والقيام بالمر والنهي في‬
‫مقام الستقامة‪ ،‬وإبقاء حقوق التفاصيل في عين الجمع‪ ،‬فل يحجبهم‬
‫الفرق عن الجمع ول الجمع عن الفرق‪ ،‬ويسعهم مراعاة الحق والخلق‬
‫للرجوع إلى الكثرة بوجود القلب الحقاني‪.‬‬

‫)سورة السراء(‬
‫)بسم الله الرحمن الرحيم(‬

‫]تفسير سورة السراء آية ‪( : [1‬سبحان الذي أسرى) أي ‪ :‬أنزهه عن‬


‫اللواحق المادية والنقائص التشبيهية بلسان حال التجرد والكمال في مقام‬
‫العبودية الذي ل تصرف فيه أصل ً ‪( :‬ليل) أي ‪ :‬في ظلمة الغواشي البدنية‬
‫والتعلقات الطبيعية لن العروج والترقي ل يكون إل بواسطة البدن ‪( :‬من‬
‫المسجد الحرام) أي ‪ :‬من مقام القلب المحرم عن أن يطوف به مشرك‬
‫القوى البدنية ويرتكب فيه فواحشها وخطاياها ويحجه غوى القوى الحيوانية‬
‫من البهيمية والسبعية المنكشفة سوأتا إفراطها وتفريطها لعروها عن‬
‫لباس الفضيلة ‪( :‬إلى المسجد القصى) الذي هو مقام الروح البعد من‬
‫العالم الجسماني بشهود تجليات الذات وسبحات الوجه‪ ،‬وتذكر ما ذكرنا أن‬
‫تصحيح كل مقام ل يكون إل بعد الترقي إلى ما فوقه لتفهم من قوله‪( : .‬‬
‫لنريه من آياتنا) مشاهدة الصفات‪ ،‬فإن مطالعة تجليات الصفات وإن كانت‬
‫في مقام القلب لكن الذات الموصوفة بتلك الصفات ل تشاهد على الكمال‬
‫بصفة الجلل والجمال إل عند الترقي إلى مقام الروح‪ ،‬أي ‪ :‬لنريه آيات‬
‫صفاتنا من جهة أنها منسوبة إلينا ونحن المشاهدون بها‪ ،‬البارزون بصورها ‪:‬‬
‫(إنه هو السميع) لمناجاته في مقام السر لطلب الفناء ‪( :‬البصير) بقوة‬
‫استعداده وتوجهه إلى محل الشهود وانجذابه إليه بقوة المحبة وكمال‬
‫الشوق‪] .‬تفسير سورة السراء من آية ‪ 2‬إلى آية ‪( : [5‬وآيتنا موسى) القلب‬
‫كتاب العلم ‪( :‬وجعلناه هدى لبني إسرائيل) أي ‪ :‬القوى التي هي أسباط‬
‫إسرائيل الروح ‪( :‬أل تتخذوا من دوني وكيل) ل تستبدوا بأفعالكم ول‬
‫تستقلوا بطلب كمالتكم وحظوظكم ول تكتسبوا بمقتضى دواعيكم ول‬
‫تكلوا أمركم إلى شيطان الوهم فيسول لكم اللذات البدنية ول إلى عقل‬
‫المعاش فيستعملكم في ترتبيه وإصلحه‪ ،‬بل كلوا أمركم إلي لدبركم بأرزاق العلوم والمعارف‬
‫وهيئات الخلق والفضائل‪ ،‬وأكملكم بإمداد النوار من عالم القلب الروح بتأييد القدس وأنزل عليكم من عوالم‬
‫الملكوت والجبروت ما يغنيكم عن مكاسب الناسوت أعني ‪ :‬ذرية من حملنا مع نوح‪ ‬العقل في فلك الشريعة‬
‫والحكمة العملية ‪ :‬إنه كان عبدا شكورا‪ ‬لمعرفته بنعم ال واستعمالها على الوجه الذي ينبغي‪ : .‬وقضينا إلى بني‬
‫إسرائيل‪ ‬القوى في كتاب اللوح المحفوظ أي ‪ :‬حكمنا فيه ‪ :‬لتفسدن في الرض مرتين‪ ‬مرة في مقام النفس حالة‬
‫كونها أمارة لتفسدن في طلب شهواتكم ولذاتكم ‪ :‬ولتعلن علوا كبيرا‪ ‬باستيلئكم على القلب وغلبتكم واستعلئكم عليه‬
‫ومنعكم إياه عن كماله واستخدام قوته المفكرة في تحصيل مطالبكم ومآربكم‪ ،‬ومرة في مقام القلب عند تزينكم‬
‫بالفضائل وتنوركم بنور القلب وظهوركم ببهجة كمالتكم لتفسدن بالظهور بكمالتكم واحتجاب القلب بفضائلكم عن‬
‫شهود تجلي التوحيد والحجب النورية أقوى من الحجب الظلمانية لرقتها ولطافتها وتصورها كمالت يجب الوقوف‬
‫معها‪ ،‬ولتعلن في مقام الفطرة بالسلطنة بالهيئات العقلية والكمالت النسية‪ : .‬فإذا جاء وعد أولهما‪ ‬أي ‪ :‬وعد وبال‬
‫أولهما ‪ :‬بعثنا عليكم عبادا لنا‪ ‬من الصفات القلبية والنوار الملكوتية والراء العقلية ‪ :‬أولي بأس شديد‪ ‬ذوي‬
‫سلطنة وقهر ‪ :‬فجاسوا خلل‪ ‬ديار أماكنكم ومحالكم وقتلوا بعضكم بالقمع والقهر وسبوا ذراري الهيئات البدنية‬
‫والرذائل النفسانية ونهبوا أموال المدركات الحسية واللذات البهيمية والسبعية ‪ :‬وكان وعدا‪ ‬على ال ‪ :‬مفعول‪‬‬
‫لليداعه قوة الكمال وطلبه في استعدادكم وتركيزه أدلة العقل في فطرتكم‪] .‬تفسير سورة السراء من آية ‪ 6‬إلى آية ‪] 8‬‬
‫‪ :‬ثم رددنا لكم‪ ‬الدولة بتنوركم بنور القلب وإقبالكم على الصدر وانصرافكم إلى مقتضى نظر العقل ورأيه ‪:‬‬
‫وبنين من الفضائل الخلقية‬‫‪‬‬ ‫‪‬وأمددناكم بأموال‪ ‬العلوم النافعة والحكم العقلية والشرعية والمعارف القلبية ‪ :‬‬
‫والهيئات النورانية ‪ :‬وجعلناكم أكثر نفيرا‪ ‬بكثرة الفضائل والملكات الفاضلة والخلق الحسنة‪ : .‬إن أحسنتم‪‬‬
‫بتحصيل الكمالت الخلقية والراء العقلية ‪ :‬أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم‪ ‬باكتساب الرذائل والهيئات البدنية ‪ :‬فلها‬
‫فإذا جاء وعد‪ ‬المرة ‪ :‬الخرة‪ ‬بالفناء في التوحيد بعثنا عليكم عبادًا من النوار القدسية والتجليات الجللية والسبحات‬
‫القهرية من الصفات اللهية وجنود سلطان العظمة والكبرياء ‪ :‬ليسوؤوا وجوهكم‪ ‬أي ‪ :‬وجوداتكم بالفناء في‬
‫التوحيد‪ ،‬فيغلب عليكم كآبة فقدان الكمالت بقهرها وسلبها ‪ :‬وليدخلوا‪ ‬مسجد القلب ‪ :‬كما دخلوه أول مرة‪ ‬ووصل‬
‫أثرها عليكم من العلوم والفضائل ‪ :‬وليتبروا ما علوا‪ ‬بالظهور بكماله وفضيلته والعجاب برؤية زينته وبهجته ‪:‬‬
‫‪‬تتبيرا‪ ‬بالفناء بصفات ال‪ : .‬عسى ربكم أن يرحمكم‪ ‬بعد القهر بالفناء والمحو بتجليات الصفات بالحياء ويبعثكم‬
‫بالبقاء بعد الفناء‪ ،‬ويثيبكم بما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر‪ : .‬وإن عدتم‪ ‬بالتلوين في مقام‬
‫الفناء بالظهور بأنائيتكم ‪ :‬عدنا‪ ‬بالقهر والفناء كما قال تعالى ‪ : :‬ولول أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قلي ً‬
‫ل‬
‫)‪ (74‬إذًا لذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم ل تجد لك علينا نصيرًا )‪] (75‬السراء‪ ،‬الية ‪: [75 74 :‬‬
‫‪‬وجعلنا جهنم‪ ‬الطبيعة ‪ :‬للكافرين‪ ‬المحجوبين عن النوار‪ ،‬الذين بقوا على فساد المرة الولى ‪ :‬حصيرا‪ ‬محبسًا‬
‫وسجنًا يحصرهم في عذاب الحتجاب والحرمان عن الثواب‪] .‬تفسير سورة السراء من آية ‪ 9‬إلى آية ‪ : [12‬إن‬
‫هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم‪ ‬أي ‪ :‬يبين أحوال الفرق الثلث من السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال يهدي‬
‫إلى طريقة التوحيد التي هي أقوم الطرق للسابقين ‪ :‬ويبشر المؤمنين‪ ‬من أصحاب اليمين الذين آمنوا تقليدًا جازمًا أو‬
‫تحقيقًا علميًا وداوموا على أعمال التزكية والتحلية الصالحة لن يتوصل بها إلى الكمال ‪ :‬أن لهم أجرا كبيرا‪ ‬من‬
‫نعيم جنات الفعال والصفات في عوالم الملك والملكوت والجبروت‪ : .‬وأن الذين ل يؤمنون‪ ‬من أصحاب الشمال ‪:‬‬
‫‪‬بالخرة‪ ‬لكونهم بدنيين محجوبين عن عالم النور‪ ،‬محبوسين في ظلمات الطبيعة ‪ :‬أعتدنا لهم عذابا أليما‪ ‬في قعر‬
‫سجين الطبيعة‪ ،‬مقيدين بسلسل محبة السفليات وأغلل التعلقات ونيران الحرمان عن اللذات والشهوات‪ ،‬والتعذب‬
‫بالعقارب والحيات من غواسق الهيئات‪ : .‬وجعلنا‪ ‬ليل الكون وظلمة البدن ونهار البداع ونور الروح يتوصل بهما‬
‫وبمعرفتهما إلى معرفة الذات والصفات ‪ :‬فمحونا آية الليل‪ ‬بالفساد والفناء ‪ :‬وجعلنا آية النهار‪ ‬بينة باقية أبدًا‪،‬‬
‫منيرة بكمالها‪ ،‬تبصر بنورها الحقائق ‪ :‬لتبتغوا فضل من ربكم‪ ‬أي ‪ :‬كمالكم الذي تستعدونه ‪ :‬ولتعلموا عدد‪‬‬
‫المراتب والمقامات أي ‪ :‬لتحصوها من أول حال بدايتكم إلى كبر نهايتكم بالترقي فيها وحساب أعمالكم وأخلقكم‬
‫وأحوالكم‪ ،‬فل تجدوا شيئًا من سيئات أعمالكم إل وتكفرونه بحسنة مما يقابله من جنسه ول رذيلة من أخلقكم إل‬
‫وتكفرونها بضدها من الفضيلة‪ ،‬ول ذنبًا من ذنوب أحوالكم إل وتكفرونه بالنابة إلى جناب الحق ‪ :‬وكل شيء‪ ‬من‬
‫ل‪ ‬أي ‪ :‬علمًا تفصيليًا مستحضرًا‬ ‫العلوم والحكم ‪ :‬فصلناه‪ ‬بنور عقولكم عند الكمال ونزول العقل الفرقاني ‪ :‬تفصي ً‬
‫ل عنه كما في العقل القرآني عند البداية‪] .‬تفسير سورة السراء من آية ‪ 13‬إلى آية ‪ : [17‬وكل إنسان‬ ‫إجماليًا مغفو ً‬
‫ألزمناه طائره في عنقه‪ ‬أي ‪ :‬جعلنا سعادته وشقاوته وسبب خيره وشره لزمًا لذاته لزوم الطوق في العنق‪ ،‬كما قال ‪' :‬‬
‫السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقى في بطن أمه '‪ : .‬ونخرج له يوم القيامة‪ ‬الصغرى عند الخروج من‬
‫ل مصورًا بصور أعماله مقلدًا في عنقه ‪ :‬يلقاه‪ ‬للزومه إياه ‪ :‬منشورا‪ ‬لظهور تلك‬ ‫قبر جسده ‪ :‬كتابا‪ ‬هيك ً‬
‫الهيئات فيه بالفعل مفصلة ل مطويًا كما كان عند كونها فيه بالقوة‪ ،‬يقال له ‪ : :‬اقرأ كتابك‪ ‬أي ‪ :‬اقرأه قراءة المأمور‬
‫الممتثل لمر آمر مطاع يأمره بالقراءة‪ ،‬أو تأمره القوى الملكوتية سواء كان قارئًا أو غير قارئ‪ ،‬لن العمال هناك‬
‫ممثلة بهيئاتها وصورها يعرفها كل أحد ل على سبيل الكتابة بالحروف فل يعرفها المي ‪ :‬كفى بنفسك اليوم عليك‬
‫ل ل يمكنها النكار‪ ،‬فبين لها غيرها ‪ :‬ول تزر وازرة‬ ‫حسيبا‪ ‬لن نفسه تشاهد ما فعلته لزمًا إياها نصب عينها مفص ً‬
‫وزر أخرى‪ ‬لرسوخ هيئة ما فعلته فيها وصيرورتها ملكة لزمة دون الذي فعل غيرها‪ ،‬ولم يعرض لها منه شيء‪،‬‬
‫وإنما يتعذب من يتعذب بالهيئات التي فيه ل من خارج‪ : .‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسول‪ ‬رسول العقل بإلزام‬
‫الحجة وتمييز الحق والباطل‪ .‬أل ترى أن الصبي والسفيه غير مكلفين ؟‪ ،‬أو رسول الشرع لظهور ما في الستعداد من‬
‫الخير والشر والسعادة والشقاوة بسببه ومقابلته بالقرار والنكار‪ ،‬فإن المستعد للكمال يتحرك ما فيه بالقوة عند سماع‬
‫الدعوة فيشتاق ويطلب متلقيًا لها بالقرار والقبول لما يدعوه إليه لمناسبته إياه وقربه وغير المستعد ينكر ويعاند‬
‫ل وزواله بحصول استعداد‬ ‫لمنافاته لما يدعوه إليه ويعده‪ : .‬وإذا أردنا أن نهلك قرية‪ ‬الخ‪ ،‬إن لكل شيء من الدنيا زوا ً‬
‫يقتضي ذلك‪ .‬وكما أن زوال البدن بزوال العتدال وحصول انحراف يبعده عن ظل الوحدة التي هي سبب بقاء كل‬
‫شيء وثباته فكذلك هلك المدينة وزوالها بحدوث انحراف فيها عن الجادة المستقيمة التي هي صراط ال وهي‬
‫الشريعة الحافظة للنظام‪ ،‬فإذا جاء وقت إهلك قرية فل بد من استحقاقها للهلك‪ ،‬وذلك بالفسق والخروج عن طاعة‬
‫ل بالضرورة فسق مترفيها من أصحاب الترف والنعم بطرًا وأشرًا بنعمة ال‬ ‫ال فلما تعلقت إرادته بإهلكها تقدمه أو ً‬
‫ل لها فيما ل ينبغي وذلك بأمر من ال وقدر منه لشقاوة كانت تلزم استعداداتهم وحينئذ وجب إهلكهم‪] .‬تفسير‬ ‫واستعما ً‬
‫سورة السراء من آية ‪ 18‬إلى آية ‪ : [21‬من كان يريد العاجلة‪ ‬لكدورة استعداده وغلبة هواه وطبيعته ‪ :‬عجلنا له‬
‫فيها ما نشاء لمن نريد‪ ‬أي ‪ :‬ل نزيده بإرادته زيادة على ما قدرنا له من النصيب في اللوح ولذلك قيده بالمشيئة ثم بقوله‬
‫‪ :‬لمن نريد‪ ‬يعني ‪ :‬لو لم نقدر له شيئًا مما أراده لم نعجل له تخليصه‪ ،‬إنا ل نعطي إل ما أردنا ‪ :‬من أردنا ثم‬
‫جعلنا له جهنم‪ ‬أي ‪ :‬قعر بئر الطبيعة الظلمانية لنجذابه بإرادته إلى الجهة السفلية وميله إليها ‪ :‬يصلها‪ ‬بنيران‬
‫الحرمان ‪ :‬مذموما‪ ‬عند أهل الدنيا والخرة ‪ :‬مدحورا‪ ‬من جناب الرحمة والرضوان في سخط ال وقهره‪: .‬‬
‫‪‬ومن أراد الخرة‪ ‬لصفاء استعداده وسلمة فطرته وقام بشرائط إرادته من اليمان والعمل الصالح شكر سعيه‬
‫بحصول مراده كما قيل ‪ :‬من طلب وجد وجد‪ ،‬لن الطلب الحقيقي والرادة الصادقة ل يكونان إل عند حصول استعداد‬
‫المطلوب‪ ،‬وإذا قارن الستعداد الدال على أن المطلوب حاصل له بالقوة‪ ،‬مقدر له في اللوح أسباب خروج المطلوب‬
‫إلى الفعل وبروزه من الغيب إلى الشهادة وهو السعي الذي ينبغي له ومن حقه أن يسعى له على هذا الوجه المعني‬
‫بقوله ‪ : :‬وسعى لها سعيها‪ ‬أي ‪ :‬السعي الذي يحق لها بشرط اليمان الغيبي اليقيني وجب حصوله له ‪ :‬كل نمد‬
‫هؤلء وهؤلء‪ ‬أي ‪ :‬كلهم من طالبي الدنيا وطالبي الخرة نمد من عطائنا ليس بمجرد إرادتهم وسعيهم شيء وإنما‬
‫إرادتهم وسعيهم معرفات وعلمات لما قدرنا لهم من العطاء ‪ :‬وما كان عطاء ربك‪ ‬ممنوعًا من أحد‪ ،‬ل من أهل‬
‫الطاعة ول من أهل المعصية‪ : .‬انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض‪ ‬في الدنيا بمقتضى مشيئتنا وحكمتنا ‪:‬‬
‫‪‬وللخرة أكبر درجات‪ ‬إذ بقدر رجحان الروح على البدن يكون رجحان درجات الخرة على الدنيا وبقدر تفاضلهما‬
‫يكون تفاضل درجاتهما‪ .‬ل تجعل مع ال إلها آخر‪ ‬بتوقع العطاء منه وجعله سببًا لوصول شيء لم يقدر ال لك‬
‫إليك‪ ،‬فتصير ‪ :‬مذموما‪ ‬برذيلة الشرك والشك عند ال وعند أهله ‪ :‬مخذول‪ ‬من ال يكلك إليه ول ينصرك ‪:‬‬
‫‪ ' :‬إن المة لو اجتمعوا‬ ‫‪‬‬
‫‪‬وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده‪] ‬آل عمران‪ ،‬الية ‪ .[160 :‬قال النبي‬
‫على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إل ما كتب ال لك‪ ،‬ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إل ما كتب ال‬
‫إحسان الوالدين بالتوحيد وتخصيصه بالعبادة لنه من مقتضى‬ ‫‪‬‬
‫عليك‪ ،‬رفعت القلم وجفت الصحف '‪ .‬قرن‬
‫التوحيد لكونهما مناسبين للحضرة اللهية في سببيتهما لوجودك وللحضرة الربوبية لتربيتهما إياك‪ ،‬عاجزًا‪ ،‬صغيرًا‪،‬‬
‫ضعيفًا ل قدرة لك ول حراك بك‪ ،‬وهما أول مظهر ظهر فيه آثار صفات ال تعالى من اليجاد والربوبية والرحمة‬
‫والرأفة بالنسبة إليك ومع ذلك فإنهما محتاجان إلى قضاء حقوقهما وال غني عن ذلك‪ ،‬فأهم الواجبات بعد التوحيد إذن‬
‫إحسانهما والقيام بحقوقهما ما أمكن‪ : .‬تسبح له السماوات السبع‪ ‬إلى آخره‪ ،‬إن لكل شيء خاصية ليست لغيره‪،‬‬
‫ل له ويحفظه ويحبه إذا حصل فهو بإظهار خاصيته ينزه‬ ‫ل يخصه دون ما عداه‪ ،‬يشتاقه ويطلبه إذا لم يكن حاص ً‬ ‫وكما ً‬
‫ال عن الشريك وإل لم يكن متوحدًا فيها‪ ،‬فكأنه يقول بلسان الحال ‪ :‬أوحده على ما وحدني‪ ،‬وبطلب كماله ينزهه عن‬
‫صفات النقص كأنه يقول ‪ :‬يا كامل كملني‪ ،‬وبإظهار كماله يقول ‪ :‬كملني الكامل المكمل‪ .‬وعلى هذا القياس‪ ،‬حتى أن‬
‫ل بإشفاقها على ولدها تقول ‪ :‬أرأفني الرؤوف وأرحمني الرحيم‪ .‬وبطلب الرزق ‪ :‬يا رزاق‪ ،‬فالسموات السبع‬ ‫اللبوة مث ً‬
‫تسبحه بالديمومة والكمال والعلو والتأثير واليجاد والربوبية‪ ،‬وبأنه كل يوم هو في شأن‪ ،‬والرض بالدوام والثبات‬
‫والخلقية والرزاقية والتربية والشفاق والرحمة وقبول الطاعة والشكر عليها بالثواب‪ ،‬وأمثال ذلك‪ .‬والملئكة بالعلم‬
‫والقدرة والذوات المجردة منهم بالتجرد عن المادة والوجوب أيضًا مع ذلك كله فهم مع كونهم مسبحين إياه‪ ،‬مقدسون له‬
‫‪ :‬ولكن ل تفقهون تسبيحهم‪ ‬لقلة النظر والفكر في ملكوت الشياء وعدم الصغاء إليهم وإنما يفقه ‪ :‬كان له قلب‬
‫أو ألقى السمع وهو شهيد‪] ‬ق‪ ،‬الية ‪ : .[37 :‬إنه كان حليما‪ ‬ل يعاجلكم بترك التسبيح في طلب كمالتكم وإظهار‬
‫خواصكم‪ ،‬فإن من خواصكم تفقه تسبيحهم وتوحيده كما وحدوه ‪ :‬غفورا‪ ‬يغفر لكم غفلتكم وإهمالتكم‪ .‬جعلنا‬
‫بينك وبين الذين ل يؤمنون بالخرة‪ ‬لقصور نظرهم عن إدراك الروحانيات وقصر هممهم على الجسمانيات ‪:‬‬
‫‪‬حجابا مستورا‪ ‬من الجهل وعمى القلب فل يرون حقيقة القارئ ول آمنوا وإنما ل يبصرونك لنهم ل يحسبونك إل‬
‫هذه الصورة البشرية لكونهم بدنيين منغمسين في بحر الهيولى محجوبين بالغواشي الطبيعية وملبس الصفات‬
‫النفسانية عن الحق وصفاته وأفعاله إذ لو عرفوا الحق لعرفوك ولو عرفوا صفاته لعرفوا كلمه‪ ،‬ولم يكن على قلوبهم‬
‫أكنة من الغشاوات الطبيعية والهيئات البدنية ‪ :‬أن يفقهوه‪ ‬ولو عرفوا أفعاله لعلموا القراءة ولم يكن ‪ :‬في آذانهم‪‬‬
‫وقر لرسوخ أوساخ التعلقات ‪ :‬ولوا على أدبارهم نفورا‪ ‬لتشتت أهوائهم وتفرق هممهم في عبادة متعبداتهم من‬
‫أصنام الجسمانيات والشهوات‪ ،‬فل يناسب بواطنهم معنى الوحدة لتألفها بالكثرة واحتجابها بها‪ : .‬يوم يدعوكم‬
‫فتستجيبون بحمده‪ ‬أي ‪ :‬تتعلق إرادته ببعثكم فتنبعثون في أقرب من طرفة عين حامدين له بحياتكم وعلمكم وقدرتكم‬
‫وإرادتكم حمدًا واصفين له بالكمال بإظهار هذه الكمالت ‪ :‬وتظنون إن لبثتم إل قليل‪ ‬أي ‪ :‬في القبور والمضاجع‬
‫لذهولكم عن ذلك الزمان كما يجيء في قصة أصحاب )الكهف( أو في الحياة الولى لستقصاركم إياها بالنسبة إلى‬
‫الحياة الخرة فيتناول اللفظ القيامات الثلث‪ ،‬إل أن الية السابقة ترجح الصغرى‪ : .‬واستفزز‪ ‬إلى آخره‪ ،‬تمكن‬
‫الشيطان من إغواء العباد على أقسام‪ ،‬لن الستعدادات متفاوتة فمن كان ضعيف الستعداد استفزه أي استخفه بصوته‬
‫يكفيه وسوسة وهمس بل هاجسة ولمة‪ ،‬ومن كان قوي الستعداد فإن أخلص استعداده عن شوائب الصفات النفسانية أو‬
‫أخلصه ال تعالى عن شوائب الغيرية فليس له إلى إغوائه سبيل كما قال ‪ : :‬إن عبادي ليس لك عليهم سلطان‪ ‬وإل‬
‫فإن كان منغمسًا في الشواغل الحسية غارزًا رأسه في المور الدنيوية شاركه في أمواله وأولده بأن يحرضه على‬
‫إشراكهم بال في المحبة بحبهم كحب ال ويسول له التمتع بهم والتكاثر والتفاخر بوجودهم ويمنيه الماني الكاذبة‬
‫ويزين عليه المال الفارغة وإن لم ينغمس فإن كان عالمًا بصيرًا بتسويلته أجلب عليه بخيله ورجله‪ ،‬أي ‪ :‬مكر به‬
‫بأنواع الحيل وكاده بصنوف الفتن وأفتى له في تحصيل أنواع الحطام والملذ بأنها من جملة مصالح المعاش وغره‬
‫بالعلم وحمله على العجاب‪ ،‬وأمثال ذلك‪ ،‬حتى يصير ممن أضله ال على علم وإن لم يكن عالمًا بل عابدًا متنسكًا‬
‫أغواه بالوعد والتمنية وغره بالطاعة والتزكية أيسر ما يكون ‪ :‬وكفى بربك وكيل‪ ‬أي ‪ :‬عبادي الخاصة ل يكلون‬
‫أمرهم إل إلى ال وحده ل إلى الشيطان ول إلى غيره‪ ،‬وهو كافيهم بتدبير المور ول يتوكلون إل عليه بشهود أفعاله‬
‫وصفاته‪] .‬تفسير سورة السراء من آية ‪ 70‬إلى آية ‪ : [74‬ولقد كرمنا بني آدم‪ ‬بالنطق والتمييز والعقل والمعرفة ‪:‬‬
‫‪‬وحملناهم في البر والبحر‪ ‬أي ‪ :‬يسرنا لهم أسباب المعاش والمعاد بالسير في طلبها فيهما وتحصيلها ‪ :‬ورزقناهم‬
‫من الطيبات‪ ‬أي ‪ :‬المركبات التي لم ترزق غيرهم من المخلوقات ‪ :‬وفضلناهم على كثير ممن خلقنا‪ ‬أي ‪ :‬ما عدا‬
‫الذوات المقدسة من المل العلى‪ ،‬وأما أفضلية بعض الناس كالنبياء على الملئكة المقربين فليست من جهة كونهم‬
‫بني آدم فإنهم من تلك الحيثية ل يتجاوزون مقام العقل بل من جهة السر المودع فيهم المشار إليه بقوله ‪ : :‬إني أعلم‬
‫ما ل تعلمون‪] ‬البقرة‪ ،‬الية ‪ [30 :‬وهو ما أعد لذلك البعض من المعرفة اللهية التامة بواسطة الجمعية التي فيه‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫مقام الوحدة‪ ،‬وحينئذ ليس هو بهذا العتبار من بني آدم كما قيل ‪) % :‬وإني وإن كنت ابن آدم صورة ‪ %‬فلي فيه معنى‬
‫شاهد بأبوتي( ‪ %‬بل هو عين المكرم المعروف كما قيل ‪) % :‬رأيت ربي بعين ربي ‪ %‬فقال من أنت قلت أنت( ‪%‬‬
‫وقد فني ابن آدم في هذا المقام وما بقي منه شيء وإل فما للتراب ورب الرباب‪ ،‬أو ‪ :‬ولقد كرمنا بني آدم‪ ‬بالتقريب‬
‫ومعرفة التوحيد وحملناهم في بر عالم الجساد وبحر عالم الرواح بتسييره فيهما لتركيبه منهما وإرقائه عنهما في‬
‫طلب الكمال ورزقناهم من طيبات العلوم والمعارف‪ : ،‬وفضلناهم‪ ‬على الجم الغفير ‪ :‬ممن خلقنا‪ ،‬أي ‪ :‬جميع‬
‫المخلوقات‪ ،‬على أن تكون من للبيان والمبالغة في تعظيمه بوصف المفضل عليهم بالكثرة وتنكير الوصف وتقديمه‬
‫على الموصوف أي كثير‪ ،‬وأي كثير وهو جميع مخلوقاتنا لدللة من على العموم ‪ :‬تفضيل‪ ‬تامًا بينًا‪ : .‬يوم ندعو‪‬‬
‫إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬نحضر ‪ :‬كل‪ ‬طائفة من المم مع شاهدهم الذي يحضرهم ويتوجهون إليه من الكمال ويعرفونه‬
‫سواء كان في صورة نبي آمنوا به كما ذكر في تفسير قوله ‪ : :‬فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد‪] ‬النساء‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ [41‬أو إمام اقتدوا به أو دين أو كتاب أو ما شئت على أن تكون الباء بمعنى مع أو ننسبهم إلى إمامهم وندعوهم باسمه‬
‫لكونه هو الغالب عليهم وعلى أمرهم المستعلي مجتهم إياه على سائر محباتهم ‪ :‬فمن أوتي كتابه بيمينه‪ ‬أي ‪ :‬من‬
‫جهة العقل الذي هو أقوى جانبيه وبعث في صورة السعداء ‪ :‬فأولئك يقرؤون كتابهم‪ ‬دون غيرهم لستعدادهم‬
‫للقراءة والفهم لن الذي أوتي كتابه بشماله‪ ،‬أي ‪ :‬من جهة النفس التي هي أضعف جانبيه ل يقدر على قراءة كتابه وإن‬
‫كان مقروؤًا لذهاب عقله وفرط حيرته ‪ :‬ول يظلمون‪ ‬أي ‪ :‬ل ينقصون من صور أعمالهم وكمالتهم وأخلقهم شيئًا‬
‫ل‪ : .‬ومن كان في هذه أعمى‪ ‬عن الهتداء إلى الحق ‪ :‬فهو في الخرة‪ ‬كذلك ‪ :‬وأضل سبيل‪ ‬مما هنا لن له‬ ‫قلي ً‬
‫في هذه الحياة آلت وأدوات وأسبابًا يمكنه الهتداء بها وهو في مقام الكسب باقي الستعداد إن كان ولم يبق هناك‬
‫شيء من ذلك‪ : .‬وإن كادوا ليفتنونك‪ ‬الخ‪ ،‬هو من باب التلوينات التي تحدث لرباب القلوب بظهور النفس ولرباب‬
‫لفرط شغفه وحرصه على إيمانهم بوجود القلب كاد يميل إليهم في بعض‬ ‫‪‬‬ ‫الشهود والفناء بوجود القلب‪ ،‬فإنه‬
‫مقترحاتهم ويرضى ببعض ما هو خلف شريعته‪ ،‬ويضيف إلى ال ما ليس منه طلبًا للمناسبة التي كان يتوقع أن‬
‫تحدث بينه وبينهم بذلك فيحبوه كما قال ‪ : :‬وإذا لتخذوك خليل‪ ‬عسى أن يقبلوا قوله ويهتدوا به‪ .‬واستمالة وتطييبًا‬
‫لقلوبهم عسى أن يلينوا وينزلوا عن شدة إنكارهم فيرق حجابهم وتتنور قلوبهم‪ ،‬فشدد وأقيم من عند ال‪ ،‬ولهذا قالت‬
‫كلما ظهرت نفسه وهمت بما ليس بفضيلة نبه من عند ال‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫ا ‪ ' :‬كان خلقه القرآن ' تعني أنه عليه‬ ‫عائشة‬
‫وثبت بتنزيل آية تقومه وترده إلى الستقامة حتى بلغ مقام التمكين‪ ،‬وهذا وأمثاله من قوله تعالى ‪ : :‬ما كان لنبي أن‬
‫يكون له أسرى‪] ‬النفال‪ ،‬الية ‪ ،[67 :‬وقوله ‪ : :‬عفا ال عنك لم أذنت لهم‪] ‬التوبة‪ ،‬الية ‪ ،[43 :‬وقوله ‪: :‬‬
‫‪‬وتخشى الناس وال أحق أن تخشاه‪] ‬الحزاب‪ ،‬الية ‪ ،[37 :‬وقوله ‪ : :‬عبس وتولى )‪] (1‬عبس‪ ،‬الية ‪[1 :‬‬
‫يدل على أنه كان أكثر سلوكه في ال بعد الوصول في زمان النبوة وزمان الوحي‪] .‬تفسير سورة السراء من آية ‪75‬‬
‫إلى آية ‪ : [78‬إذا لذقناك‪ ‬أي ‪ :‬لو قاربت فتنتهم وكدت توافقهم لذقناك عذابًا مضاعفًا في الحياة وعذابًا مضاعفًا في‬
‫الممات‪ ،‬فإن شدة العذاب بحسب علو المرتبة وقوة الستعداد إذ النقصان الموجب للعذاب يقابل الكمال الموجب للذة‪.‬‬
‫فكلما كان الستعداد أتم والدراك أقوى‪ ،‬كانت المرتبة في الكمال والسعادة واللذة أقوى فكذا ما يقابله من النقص‬
‫والشقاوة أبعد وأسفل واللم أشد‪ : .‬أقم الصلة لدلوك الشمس‪ ‬اعلم أن الصلة على خمسة أقسام ‪ :‬صلة المواصلة‬
‫والمناغاة في مقام الخفاء‪ ،‬وصلة الشهود في مقام الروح‪ ،‬وصلة المناجاة في مقام السر‪ ،‬وصلة الحضور في مقام‬
‫القلب‪ ،‬وصلة المطاوعة والنقياد في مقام النفس‪ .‬فدلوك الشمس هو علمة زوال شمس الوحدة عن الستواء على‬
‫وجود العبد بالفناء المحض‪ ،‬فإنه ل صلة في حال الستواء إذ الصلة عمل يستدعي وجودًا‪ ،‬وفي هذه الحالة ل وجود‬
‫للعبد حتى يصلي كما ذكر في تأويل قوله تعالى ‪ : :‬واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ‪] 99‬الحجر‪ ،‬الية ‪ .[99 :‬أل‬
‫كيف نهى عن الصلة وقت الستواء‪ ،‬فأما عند الزوال‪ ،‬إذا حدث ظل وجود العبد سواء عند‬ ‫‪‬‬ ‫ترى الشارع‬
‫الحتجاب بالخلق حالة الفرق قبل الجمع أو عند البقاء حالة الفرق بعد الجمع‪ ،‬فالصلة واجبة ‪ :‬إلى غسق‪ ‬ليل النفس‬
‫‪ :‬وقرآن‪ ‬فجر القلب‪ ،‬فأول الصلوات وألطفها صلة المواصلة والمناغاة وأفضلها وأشرفها صلة الشهود للروح‬
‫المشار إليها بصلة العصر كما فسرت الصلة الوسطى‪ ،‬أي ‪ :‬الفضلى في قوله تعالى ‪ : :‬حافظوا على الصلوات‪‬‬
‫]البقرة‪ ،‬الية ‪ [238 :‬والصلة الوسطى بها‪ ،‬وأوحاها وأخفها صلة السر بالمناجاة أول وقت الحتجاب بظهور القلب‬
‫لسرعة انقضاء وقتها ولهذا استحب التخفف في صلة المغرب في القراءة وغيرها لكونها علمة لها‪ ،‬وأزجر الصلة‬
‫للشيطان‪ ،‬وأوفرها تنويرًا لباطن النسان صلة الحضور للقلب المومئ إليها بقرآن الفجر‪ ،‬فإنها في وقت تجليات أنوار‬
‫الصفات ونزول المكاشفات ولهذا استحب التكثر في جماعة صلة الصبح وأكد استحباب الجماعة فيها خاصة‪،‬‬
‫وتطويل القراءة‪ ،‬وقال تعالى ‪ : :‬إن قرآن الفجر كان مشهودا‪ ‬أي ‪ :‬محضورًا بحضور ملئكة الليل والنهار إشارة‬
‫إلى نزول صفات القلب وأنوارها وذهاب صفات النفس وزوالها‪ ،‬وأشدها تثبيتًا للنفس وتطويعًا لها صلة النفس‬
‫للطمأنينة والثبات‪ ،‬ولهذا سن فيما جعل آية لها من صلة العشاء السكوت بعدها حتى النوم إل بذكر ال‪ ،‬وحيث أمكن‬
‫للشيطان سبيل إلى الوسوسة استحب‪ ،‬فيما جعل علمة لها الجهر كصلة النفس والقلب والسر للزجر ول مدخل له في‬
‫مقام الروح والخفاء فأمر بالخفات‪] .‬تفسير سورة السراء من آية ‪ 79‬إلى آية ‪ : [81‬ومن الليل فتهجد به‪ ‬أي ‪:‬‬
‫خصص بعض الليل بالتهجد ‪ :‬نافلة لك‪ ‬زيادة على ما فرض خاصة بك‪ ،‬لكونه علمة مقام النفس‪ ،‬فيجب تخصيصه‬
‫بزيادة الطاعة لزيادة احتياج هذا المقام إلى الصلة بالنسبة إلى سائر المقامات فيقتدي بك السالكون من أمتك في تطويع‬
‫نفوسهم ويقوى تمكنك في مقام الستقامة‪ ،‬كما قال ‪ ' :‬أفل أكون عبدًا شكورًا '‪ : .‬عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا‪‬‬
‫أي ‪ :‬في مقام يجب على الكل حمده وهو مقام ختم الولية بظهور المهدي‪ ،‬فإن خاتم النبوة في مقام محمود من وجه هو‬
‫جهة كونه خاتم النبوة غير محمود من وجه هو جهة ختم الولية‪ ،‬فهو من هذا الوجه في مقام الحامدية فإذا تم ختم‬
‫الولية يكون في مقام محمود من كل وجه‪ : .‬وقل رب أدخلني‪ ‬حضرة الوحدة في عين الجمع ‪ :‬مدخل صدق‪‬‬
‫ل حسنًا مرضيًا به بل آفة زيغ البصر باللتفات إلى الغير ول الطغيان بظهور النائية ول شوب الثنينية ‪:‬‬‫مدخ ً‬
‫‪‬وأخرجني‪ ‬إلى الكثرة عند الرجوع إلى التفصيل بالوجود الموهوب الحقاني ‪ :‬مخرج صدق‪ ‬مخرجًا حسنًا‬
‫مرضيًا به من غير آفة التلوين بالميل إلى النفس وصفاته ول الضلل بعد الهدى بالنحراف عن جادة الستقامة‬
‫والزيغ عن سنن العدالة إلى الجوز كالفتنة الداودية ‪ :‬واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا‪ ‬حجة ناصرة بالتثبيت‬
‫‪ ' :‬ل تكلني إلى نفسي طرفة‬ ‫‪‬‬ ‫والتمكين بأن أكون بك في الشياء في حال البقاء بعد الفناء ل بنفسي كما قال عليه‬
‫عين '‪ ،‬أو عزًا وقوة قهرية بك‪ ،‬أقوي بها دينك وأظهره على الديان كلها‪ : .‬وقل جاء الحق‪ ‬أي ‪ :‬الوجود الثابت‬
‫الواجب الحقاني الذي ل يتغير ول يتبدل ‪ :‬وزهق الباطل‪ ‬أي ‪ :‬الوجود البشري المكاني القابل للفناء والتغير‬
‫والزوال‬
‫‪‬إن الباطل‪ ‬أي ‪ :‬الوجود الممكن ‪ :‬كان‪ ‬فانيًا في الصل ل شيئًا ثابتًا طرأ عليه الفناء ففني‪ ،‬بل الفاني فان في‬
‫الزل والباقي باق لم يزل‪ ،‬وإنما احتجبنا بتوهم فاسد باطل فكشف‪] .‬تفسير سورة السراء من آية ‪ 82‬إلى آية ‪: [84‬‬
‫‪‬وننزل من‪ ‬العقل القرآني الجامع بالتدريج نجوم تفاصيل العقل الفرقاني نجمًا فنجمًا على الوجود الحقاني على حسب‬
‫ل بارزًا ظاهرًا عليك ليكون شفاء لمراض قلوب‬ ‫ل مكنونًا تفصي ً‬
‫ظهور الصفات أي ‪ :‬نفصل ما في ذاتك مجم ً‬
‫المستعدين المؤمنين بالغيب من أمتك كالجهل والشك والنفاق وعمى القلب والغل والحقد والحسد وأمثالها فنزكيهم‬
‫ورحمة تفيدهم الكمالت والفضائل وتحليهم بالحكم والمعارف ‪ :‬ول يزيد الظالمين‪ ‬الناقصين استعدادهم بالرذائل‬
‫والحجب الظلمانية الباخسين حظوظهم من الكمال بالهيئات البدنية والصفات النفسانية ‪ :‬إل خسارا‪ ‬بزيادة ظهور‬
‫أنفسهم بصفاتها كالنكار والعناد والمكابرة واللجاج والرياء والنفاق منضمة إلى ما لهم من الشك والجهل والعمى‬
‫والعمه‪ : .‬وإذا أنعمنا على النسان‪ ‬بنعمة ظاهرة ‪ :‬أعرض‪ ‬لوقوفه مع النفس والبدن وكون القوى البدنية متناهية‬
‫ل تتدبر المور الغير المتناهية الممكنة الوقوع من سبب النعمة وردها عند عدمها وسائر الغير ول يرى إل العاجل‪،‬‬
‫وتكبر لستعلء نفسه على القلب وظهوره بأنائيته وتفرعنه فنأى‪ ،‬أي ‪ :‬بعد عن الحق في جانب النفس وطوى جنبه‬
‫معرضًا وكذا في جانب الشر إذا مسه يئس لحتجابه عن القادر وقدرته ولو نظر بعين البصيرة شاهد قدرة ال تعالى‬
‫في كلتا الحالتين وتيقن في الحالة الولى أن الشكر رباط النعم‪ ،‬وفي الثانية أن الصبر دفاع النقم‪ ،‬فشكر وصبر وعلم‬
‫أن المنعم قدر فلم يعرض عند النعمة بطرًا وأشرًا خائفًا زوالها‪ ،‬غير غافل عن المنعم‪ ،‬ولم ييأس عند النقمة جزعًا‬
‫وضجرًا راجيًا كشفها‪ ،‬مراعيًا لجانب المبلي‪ : .‬قل كل يعمل على شاكلته‪ ‬أي ‪ :‬خليقته وملكته الغالبة عليه من مقامه‬
‫فمن كان مقامه النفس وشاكلته مقتضى طباعها عمل ما ذكرنا من العراض واليأس ومن كان مقامه القلب وشاكلته‬
‫السجية الفاضلة عمل بمقتضاها الشكر والصبر ‪ :‬فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيل‪ ‬من العاملين عامل الخير‬
‫بمقتضى سجية القلب وعامل الشر بمقتضى طبيعة النفس فيجازيهما بحسب أعمالهما‪ .‬ويسئلونك عن الروح قل‬
‫الروح من أمر ربي‪ ‬أي ‪ :‬ليس من عالم الخلق حتى يمكن تعريفه للظاهرين البدنيين الذين ل يتجاوز إدراكهم عن‬
‫الحس والمحسوس بالتشبيه ببعض ما شعروا به من التوصيف بل من عالم المر‪ ،‬أي ‪ :‬البداع الذي هو عالم الذوات‬
‫المجردة عن الهيولى والجواهر المقدسة عن الشكل واللون والجهة والين‪ ،‬فل يمكنكم إدراكه أيها المحجوبون بالكون‬
‫لقصور إدراككم وعلمكم عنه ‪ :‬وما أوتيتم من العلم إل قليل‪ ‬هو علم المحسوسات وذلك شيء نزر حقير بالنسبة إلى‬
‫علم ال تعالى والراسخين في العلم‪ : .‬ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك‪ ‬بالطمس في محل الفناء أو الحجب بعد‬
‫الكشف بالتلوين ‪ :‬ثم ل تجد لك به علينا وكيل‪ ‬يتوكل علينا برده ‪ :‬ال‪ ‬مجرد رحمة عظيمة خاصة بك من فرط‬
‫عنايتنا وهي أعلى مراتب الرحمة الرحيمية المتكفلة من عند ال تعالى بإفاضة الكمال التام عليه‪ ،‬أي ‪ :‬لو تجلينا بذاتنا‬
‫لما وجدت الوحي ول ذاتك إل إذا تجلينا بصفة الرحمة واسمنا الرحيم فتوجد وتجد الوحي‪ ،‬وكذا لو تجلينا بصفة‬
‫الجلل لحتجبت عن الوحي والمعرفة ‪ :‬إن فضله‪ ‬باليحاء والتعليم الرباني بعد موهبة الوجود الحقاني ‪ :‬كان‬
‫عليك كبيرا‪ ‬في الزل‪ .‬قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله‪ ‬لكون الستعداد‬
‫الكامل الحامل له مخصوصًا بك وأنت قطب العالم يرشح إليهم ما يطفح منك فل يمكنهم التيان بمثله ول يطيقون‬
‫حمله‪ ،‬ولهذا المعنى أبى أكثرهم ‪ :‬إل كفورا‪ ‬واقترحوا اليات الجسمانية المناسبة لستعدادهم وإدراكهم كتفجير‬
‫العيون من الرض وجنة النخيل والعناب وإسقاط السماء عليهم كسفًا والرقي فيها والتيان بالملئكة وسائر‬
‫الممتنعات المتخيلة وأجيبوا بقوله ‪ : :‬قل لو كان في الرض ملئكة يمشون مطمئنين‪ ‬أي ‪ :‬ما أمكن نزول الملئكة‬
‫مع كونهم نفوسًا مجردة على الهيئة الملكية في الرض‪ ،‬بل لو نزلت لم ينزلوا إل متجسدين‪ ،‬كما قال ‪ : :‬ولو جعلناه‬
‫ل وللبسنا عليهم ما يلبسون )‪] (9‬النعام‪ ،‬الية ‪ [9 :‬وإل لم يمكنكم إدراكهم فبقيتم على إنكاركم‪،‬‬ ‫ملكًا لجعلناه رج ً‬
‫وإذا كانوا مجسدين ما صدقتم كونهم ملئكة فشأنكم النكار على الحالين بل على أي حال كان كإنكار الخفاش ضوء‬
‫الشمس‪ : .‬ومن يهد ال‪ ‬بمقتضى العناية الزلية في الفطرة الولى بنوره ‪ :‬فهو المهتد‪ ‬خاصة دون غيره ‪:‬‬
‫‪‬ومن يضلل‪ ‬بمنع ذلك النور عنه ‪ :‬فلن تجد لهم‪ ‬أنصارًا يهدونه ‪ :‬من دونه‪ ‬أو يحفظونه من قهره ‪:‬‬
‫‪‬ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم‪ ‬أي ‪ :‬ناكسي الرؤوس لنجذابهم إلى الجهة السفلية أو على وجوداتهم وذواتهم‬
‫التي كانوا عليها في الدنيا كقوله ‪ ' :‬كما تعيشون تموتون‪ ،‬وكما تموتون تبعثون ' إذ الوجه يعبر به عن الذات الموجودة‬
‫مع جميع عوارضها ولوازمها أي على الحالة الولى من غير زيادة ونقصان ‪ :‬عميا‪ ‬عن الهدى‪ ،‬كما كانوا في‬
‫الحياة الولى ‪ :‬وبكما‪ ‬عن قول الحق‪ ،‬لعدم إدراكهم المعنى المراد بالنطق إذ ليسوا ذوي قلوب يفهم بها ويفقه‪ ،‬فكيف‬
‫التعبير عما لم يفهم ‪ :‬وصما‪ ‬عن سماع المعقول‪ ،‬لعدم الفهم أيضًا‪ ،‬فل يؤثر فيهم موجب الهداية ل من جهة الفهم‬
‫من ال تعالى باللهام ول من طريق السمع من كلم الناس ول من طريق البصر بالعتبار ‪ :‬كلما خبت زدناهم‬
‫سعيرا‪ ‬كقوله ‪ : :‬كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها‪] ‬النعام‪ ،‬الية ‪ [56 :‬بل أبلغ منه ذلك بسبب احتجابهم‬
‫عن صفاتنا خصوصًا قدرتنا على البعث وإنكارهم له‪ .‬أنكروا ما استدلوا بخلق السموات والرض على القدرة‪ .‬قل‬
‫لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لمسكتم‪ ‬لوقوفكم مع صفات نفوسكم التي من لوازمها الشح الجبلي لكون إدراكها‬
‫مقصورًا على ما يدرك بالحس من المور المادية المحصورة واحتجابها عن البركات الغير المتناهية والرحمة‬
‫الواسعة الغير المنقطعة التي ل تدرك إل عند اكتحال البصيرة بنور الهداية فتخشى نفادها وانقطاعها ‪ :‬تسع آيات‬
‫بينات‪ ‬مرت الشارة إليها في سورة )الحجر(‪ : .‬وبالحق أنزلناه‪ ‬أي ‪ :‬ما أنزلنا القرآن إل بعد زوال بشرية النبي‬
‫بالكلية في مقام الفناء وانتفاء الحدثان عن وجه القدم وانقشاع ظلمة المكان عن سبحات الوجه الواجب الباقي‬ ‫‪‬‬
‫بالفرق الثاني ليكون له محل وجودي فما كان إنزاله إل ظهور أحكام التفاصيل من عين الجمع على المظهر التفصيلي‬
‫فكان إنزاله بالحق من الحق على الحق ونزوله بالحق على هذا التأويل هو كما يقال ‪ :‬نزل بكذا إذا حل به‪ ،‬على أن‬
‫تكون الباء الثانية للظرفية كقولك ‪ :‬نزلت ببغداد والولى للحال أي ‪ :‬ملتبسًا بالحق على معنيين إما بالحق الذي هو‬
‫نقيض الباطل أي ‪ :‬بالحقيقة والحكمة‪ ،‬وإما بالحق الذي هو ال تعالى أي ‪ :‬أنزل على صفته وهو الحق ‪ :‬وقرآنا‬
‫فرقناه‪ ‬على حسب ظهور استعدادات المظاهر المقتضية لقبوله بحسب الحوال والمصالح والصفات كما أشرنا إليه في‬
‫قوله ‪ : :‬ولول أن ثبتناك‪] ‬السراء‪ ،‬الية ‪] .[74 :‬تفسير سورة السراء من آية ‪ 107‬إلى آية ‪ : [110‬قل آمنوا به‬
‫أو ل تؤمنوا‪ ‬أي ‪ :‬أن وجوداتكم كالعدم عندنا‪ .‬ليس المراد منه هدايتكم لكونكم مطبوعًا على قلوبكم ل محل لكم عند ال‬
‫ول في الوجود لكونكم أحلس بقعة المكان معدومي العيان بالذات إنما العتبار بالعلماء الذين لهم وجود عند ال في‬
‫عالم البقاء المعتد بهم في النباء‪ ،‬فانظر كيف تراهم عند تلوته عليهم وسماعهم إياه ‪ :‬يخرون‪ ‬أي ‪ :‬ينقادون له‬
‫ويعترفون به ويعرفون حقيقته لعلمهم به ومعرفتهم إياه بنورية الستعداد ومناسبته له‪ ،‬وبنور كمالهم لتجردهم وعلمهم‬
‫بأنه كان كتابًا من عند ال موعودًا ليس هو إل إياه لما وجدوه مطابقًا لما اعتقدوه يقينًا فإن العتقاد الحق ل يكون إل‬
‫واحدًا ‪ :‬ويزيدهم خشوعا‪ ‬باللين والنقياد لحكمه لتأثرهم به وحسن تلقيهم لقبوله‪ : .‬قل ادعوا ال‪ ‬بالفناء في الذات‬
‫الجامعة لجميع الصفات‬
‫‪‬أو ادعوا الرحمن‪ ‬بالفناء في الصفة التي هي أم الصفات ‪ :‬أيا ما‪ ‬طلبت من هذين المقامين لست هناك بموجود‬
‫ول لك بقية ول اسم ول عين ول أثر إذ الرحمن ل يصلح اسمًا لغير تلك الذات ول يمكن ثبوت تلك الصفة أي ‪:‬‬
‫الرحمة الرحمانية لغيرها فل يلزم وجود البقية بخلف سائر السماء والصفات ‪ :‬فله السماء الحسنى‪ ‬كلها في‬
‫هذين المقامين ل لك ‪ :‬ول تجهر‪ ‬في صلة الشهود بإظهار صفة الصلة عن نفسك فيؤذن بالطغيان وظهور النائية‬
‫‪ :‬ول تخافت‪ ‬غاية الخفات فيؤذن بالنطماس في محل الفناء دون الرجوع إلى مقام البقاء‪ ،‬فل يمكن أحدًا القتداء‬
‫بك‪ : ،‬وابتغ بين ذلك سبيل‪ ‬يدل على الستقامة ولزوم سيرة العدالة في عالم الكثرة وملزمة الصراط المستقيم‬
‫بالحق‪] .‬تفسير سورة السراء آية ‪ : [111‬وقل الحمد ل‪ ‬أي ‪ :‬أظهر الكمالت اللهية والصفات الرحمانية التي ل‬
‫تكون إل للذات الحدية ‪ :‬الذي لم يتخذ ولدا‪ ‬أي ‪ :‬لم يكن علة لموجود من جنسه لضرورة كون المعلول محتاجًا إليه‬
‫ممكنًا بالذات معدومًا بالحقيقة فكيف يكون من جنس الموجود حقًا الواجب بذاته من جميع الوجوه ‪ :‬ولم يكن له‪ ‬من‬
‫يساويه في قوة القهر والمملكة من الشريك في الملك وإل لكانا مشتركين في وجوب الوجود والحقيقة‪ .‬فامتياز كل واحد‬
‫منهما عن الخر ل بد وأن يكون بأمر غير الحقيقة الواجبية فلزم تركبهما فكانا كلهما ممكنين ل واجبين وأيضًا فإن‬
‫لم يستقل بالتأثير لم يكن أحدهما إلهًا‪ ،‬وإن استقل أحدهما دون الخر فذلك هو الله دونه فل شريك له وإن استقل‬
‫جميعًا لزم اجتماع المؤثرين المستقلين على معلول واحد إن فعل معًا وإل لزم إلهية أحدهما دون الخر رضي بفعله أو‬
‫لم يرض ‪ :‬ولم يكن له ولي من الذل‪ ‬أي ‪ :‬لم يكن له ناصر علة كان أو جزء علة تقويه وتنصره من ذلة النفعال‬
‫والعدم وإل لم يكن إلهًا واجبًا بل ممكنًا لتكون حبيبًا قائمًا به ل بنفسك ‪ :‬وكبره‪ ‬من أن يتقيد بصفة دون أخرى أو‬
‫صورة غير أخرى أو يلحقه شيء من هذه النقائص فينحصر في وجود خاص تبارك وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا ‪:‬‬
‫‪‬تكبيرا‪ ‬ل يقدر قدره ول يعرف كنهه لمتناع وجود شيء غيره يفضل عليه وينسب إليه بل كل ما يتصور ويعقل‬
‫ول يكبر غيره بهذا التكبير وال الحق الموفق‪.‬‬

‫)سورة الكهف(‬

‫)بسم ال الرحمن الرحيم(‬

‫]تفسير سورة الكهف من آية ‪ 1‬إلى آية ‪ : [3‬الحمد ل الذي أنزل على عبده الكتاب‪ ‬أثنى ال تعالى بلسان التفصيل‬
‫على نفسه باعتبار الجمع من حيث كونه منعوتًا بإنزال الكتاب وهو إدراج معنى الجمع في صورة التفصيل فهو الحامد‬
‫ل وجمعًا‪ ،‬فالحمد إظهار الكمالت اللهية والصفات الجمالية والجللية على الذات المحمدية باعتبار‬ ‫والمحمود تفصي ً‬
‫العروج بعد تخصيصه إياه بنفسه في العناية الزلية المشار إليه بالضافة في قوله ‪ :‬عبده‪ ،‬وذلك جعل عينه في الزل‬
‫قابلة للكمال المطلق من فيضه وإيداع كتاب الجمع فيه بالقوة التي هي الستعداد الكامل وإنزال الكتاب عليه إبراز تلك‬
‫الحقائق عن ممكن الجمع الوحداني على ذلك المظهر النساني فهما متعاكسان باعتبار النزول والعروج والنزال في‬
‫الحقيقة حمدًا ل تعالى لنبيه إذ المعاني الكامنة في أغيب الغيب ما لم ينزل على قلبه فلم يمكنه حمد ال حق حمده فما لم‬
‫ل في عين‬ ‫يحمده ال لم يحمد ال بل حمده حمده كما قال ‪ :‬ل أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك‪ ،‬حمد أو ً‬
‫ل إلى‬ ‫عوجا أي ‪ :‬زيغًا ومي ً‬
‫‪‬‬ ‫الجمع نفسه باعتبار التفصيل ثم عكس فقال ‪ :‬الحمد ل‪ : .‬ولم يجعل له‪ ‬أي ‪ :‬لعبده ‪ :‬‬
‫الغير كما قال ‪ : :‬ما زاغ البصر وما طغى )‪] (17‬النجم‪ ،‬الية ‪ [17 :‬أي ‪ :‬لم ير الغير في شهوده‪ : .‬قيما‪‬‬
‫أي ‪ :‬جعله قيمًا‪ ،‬يعني ‪ :‬مستقيمًا كما أمر بقوله ‪ : :‬فاستقم كما أمرت‪] ‬فصلت‪ ،‬الية ‪ ،[30 :‬والمعنى ‪ :‬جعله موحدًا‬
‫فانيًا فيه غير محتجب في شهوده بالغير ول بنفسه لكونها غيرًا أيضًا ممكنًا مستقيمًا حال البقاء‪ ،‬كما قال ‪ : :‬إن‬
‫الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا‪] ‬الكهف‪ ،‬الية ‪ ،[4 :‬أو جعله قيمًا بأمر العباد وهدايتهم إذ التكميل يترتب على الكمال‬
‫لما فرغ من تقويم نفسه وتزكيتها أقيمت نفوس أمته مقام نفسه فأمر بتقويمها وتزكيتها ولهذا المعنى‬ ‫‪‬‬ ‫لنه عليه‬
‫سمى إبراهيم صلوات ال عليه أمة‪ ،‬وهذه القيمية أي القيام بهداية الناس داخلة في الستقامة المأمور هو بها في الحقيقة‬
‫‪ :‬لينذر‪ ‬متعلق بعامل قيمًا أي ‪ :‬جعله قيمًا بأمر العباد ‪ :‬لينذر بأسا شديدا‪ ‬وحذف المفعول الول للتعميم لن أحدًا‬
‫ل يخلو من بأس مؤمنًا كان أو كافرًا‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ' :‬أنذر الصديقين بأني غيور‪ ،‬وبشر المذنبين بأني غفور '‪ .‬إذ‬
‫البأس عبارة عن قهره ولذلك عظمه بالتنكير‪ ،‬أي ‪ :‬بأسًا يليق بعظمته وعزته ووصفه بالشدة وخصصه بقوله ‪: :‬‬
‫‪‬من لدنه‪ ‬والقهر قسمان ‪ :‬قهر محض ظاهره وباطنه قهر كالمختص بالمحجوبين بالشرك‪ ،‬وقسم ظاهره قهر وباطنه‬
‫‪ :‬سبحان من اشتدت نقمته على أعدائه في سعة نعمته‪ ،‬واتسعت‬ ‫‪‬‬ ‫لطف‪ ،‬وكذا اللطف كما قال أمير المؤمنين علي‬
‫رحمته لوليائه في شدة نقمته‪ .‬ومن القسم الثاني القهر المخصوص بالموحدين من أهل الفناء أطلق النذار للكل تنبيهًا‬
‫ثم فصل اللطف والقهر مقيدين بحسب الصفات والستحقاقات فقال ‪ : :‬ويبشر المؤمنين‪ ‬أي ‪ :‬الموحدين لكونهم في‬
‫مقابلة المشركين الذين قالوا ‪ :‬اتخذ ال ولدًا‪ : .‬الذين يعملون الصالحات‪ ‬أي ‪ :‬الباقيات من الخيرات والفضائل لن‬
‫الجر الحسن هو من جنة الثار والفعال التي تستحق بالعمال‪] .‬تفسير سورة الكهف من آية ‪ 4‬إلى آية ‪ [6‬واعلم أن‬
‫النذار والتبشير اللذين هما من باب التكميل اللزم لكونه قيمًا عليهم كلهما أثر ونتيجة عن صفتي القهر واللطف‬
‫اللهيين اللذين محل استعداد قبولهما من نفس العبد الغضب والشهوة‪ ،‬فإن العبد ما استعد لقبولهما إل بصفتي الغضب‬
‫ل منهما ظل‬ ‫والشهوة وفنائهما كما لم يستعد لفضيلتي الشجاعة والعفة إل بوجودهما‪ ،‬فلما انتفتا قامتا مقامهما لن ك ً‬
‫لواحدة من تينك يزول بحصولها فعند ارتواء القلب منهما وكمال التخلق بهما حدث عن القهر النذار عند استحقاقية‬
‫المحل بالكفر والشرك وعن اللطف التبشير باستحقاقية اليمان والعمل الصالح‪ ،‬إذ الفاضة ل تكون إل عند استحقاق‬
‫المحل‪ : .‬ما لهم به من علم ول لبائهم‪ ‬أي ‪ :‬ما لهم بهذا القول من علم بل إنما يصدر عن جهل مفرط وتقليد للباء‬
‫ل عن علم ويقين ويؤيده قوله ‪ : :‬كبرت كلمة‪ ‬أي ‪ :‬ما أكبرها كلمة ‪ :‬تخرج من أفواههم‪ ‬ليس في قلوبهم من‬
‫معناه شيء لنه مستحيل ل معنى له إذ العلم اليقيني يشهد أن الوجود الواجبي العلي أحدي الذات ل يماثله الوجود‬
‫الممكن المعلول‪ .‬والولد هو المماثل لوالده في النوع المكافئ له في القوة والشهود الذاتي يحكم بفناء الخلق في الحق‬
‫ل عن الشبيه والولد كما قال أحدهم ‪) % :‬هذا الوجود وإن‬ ‫والمعلول في المشهود‪ ،‬فلم يكن ثم سواه شيء غيره فض ً‬
‫تكثر ظاهرًا ‪ %‬وحياتكم ما فيه إل أنتم( ‪ : %‬إن يقولون إل كذبا‪ ‬لتطابق الدليل العقلي والوجدان الذوقي الشهودي‬
‫على إحالته‪ : .‬فلعلك باخع‪ ‬أي ‪ :‬مهلك ‪ :‬نفسك‪ ‬من شدة الوجد والسف على توليهم وإعراضهم‪ ،‬وذلك لن الشفقة‬
‫حبيب ال ومن لوازم محبوبيته محبته ل‬ ‫‪‬‬ ‫على خلق ال والرحمة عليهم من لوازم محبة ال ونتائجه ولما كان‬
‫لقوله ‪ : :‬يحبهم ويحبونه‪] ‬المائدة‪ ،‬الية ‪ [54 :‬وكلما كانت محبته للحق أقوى كانت شفقته ورحمته على خلقه أكثر‬
‫لكون الشفقة عليهم ظل محبته ل اشتد تعطفه عليهم‪ ،‬فإنهم كأولده وأقاربه بل كأعضائه وجوارحه في الشهود‬
‫الحقيقي‪ ،‬فلذلك بالغ في التأسف عليهم حتى كاد يهلك نفسه‪ .‬وأيضًا علم أن المحب إذا تقوى بالمحبوب في استمرار‬
‫الوصل ظهر قبوله في القلوب لمحبة ال إياه‪] .‬تفسير سورة الكهف من آية ‪ 7‬إلى آية ‪ : [9‬فلما لم يؤمنوا بالقرآن‬
‫استشعر ببقية من نفسه وتوجس بنقصان حاله فعله الوجد وعزم على قهر النفس بالكلية طلبًا للغاية وكان ذلك من‬
‫فرط شفقته عليهم وكمال أدبه مع ال حيث أحال عدم إيمانهم على ضعف حاله ل على عدم استعدادهم ولذلك سله‬
‫بقوله ‪ : :‬إنا جعلنا‪ ‬أي ‪ :‬ل تحزن عليهم فإنه ل عليك أن يهلكوا جميعًا‪ ،‬إنا نخرج جميع السباب من العدم إلى‬
‫الوجود للبتلء ثم نفنيها ول حيف ول نقص‪ ،‬أو إنا جعلنا ما على أرض البدن من النفس ولذاتها وشهواتها وقوى‬
‫صفاتها وإدراكاتها ودواعيها ‪ :‬زينة‪ ‬لها ليظهر أيهم أقهر لها وأعصى لهواها في رضاي وأقدر على مخالفتها‬
‫لموافقتي‪ : .‬وإنا لجاعلون‪ ‬بتجلينا وتجلي صفاتنا ‪ :‬ما عليها‪ ‬من صفاتها هامدة كأرض ملساء ل نبات فيها أي ‪:‬‬
‫نفنيها وصفاتها بالموت الحقيقي أو بالموت الطبيعي ول نبالي‪ ،‬بل ‪ :‬أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من‬
‫آياتنا عجبًا‪ ‬أي ‪ :‬إذا شاهدت هذا النشاء والفناء فليس حال أصحاب الكهف آية عجيبة من آياتنا بل هذه أعجب‪ .‬واعلم‬
‫أن أصحاب الكهف هم السبعة الكمل القائمون بأمر الحق دائمًا الذين يقوم بهم العالم ول يخلو عنهم الزمان على عدد‬
‫الكواكب السبعة السيارة وطبقها فكما سخرها ال تعالى في تدبير نظام عالم الصورة كما أشار إليه بقوله ‪: :‬‬
‫‪‬فالسابقات سبقا )‪ (4‬فالمدبرات أمرًا )‪] (5‬النازعات‪ ،‬اليات ‪ [5 - 4 :‬على بعض التفاسير وكل نظام عالم‬
‫المعنى وتكميل نظام الصورة إلى سبعة أنفس من السابقين كل ينتسب بحسب الوجود الصوري إلى واحد منهم‪،‬‬
‫والقطب هو المنتسب إلى الشمس والكهف هو باطن البدن والرقيم ظاهره الذي انتقش بصور الحواس والعضاء إن‬
‫فسر باللوح الذي رقمت فيه أسماؤهم والعالم الجسماني إن جعل اسم الوادي الذي فيه الجبل والكهف والنفس الحيوانية‬
‫إن جعل اسم الكلب والعالم العلوي إن جعل اسم قريتهم على اختلف القوال في التفاسير ومنهم النبياء السبعة‬
‫المشهورون المبعوثون بحسب القرون والدوار‪ ،‬وإن كان كل نبي منهم على ذكر وهم ‪ :‬آدم وإدريس ونوح وإبراهيم‬
‫وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلة والسلم لنه السابع المخصوص بمعجزة انشقاق القمر‪ ،‬أي ‪ :‬انفلقه عنه‬
‫‪ ' :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق‬ ‫‪‬‬
‫لظهوره في دورة ختم النبوة وكمل به الدين اللهي كما أشار إليه بقوله‬
‫ال السموات والرض '‪ .‬إذ المتأخر بالزمان والظهور أي ‪ :‬الوجود الحسي هو الحائز لصفات الكل وكمالتهم‬
‫‪ ' :‬كأن بنيان النبوة قد تم وبقي منه موضع لبنة واحدة‪ ،‬فكنت‬ ‫‪‬‬
‫كالنسان بالنسبة إلى سائر الحيوانات‪ ،‬ولهذا قال‬
‫أنا تلك اللبنة '‪ .‬وقد اتفق الحكماء المتألهة من قدماء الفرس أن مراتب العقول والرواح على مذهبهم في التنازل‬
‫تتضاعف إشراقاتها‪ ،‬فكل ما تأخر في الرتبة كان حظه من إشراقات الحق وأنواره وسبحات أشعة وجهه وإشراقات‬
‫أنوار الوسائط أوفر وأزيد فكذا في الزمان فهو الجامع الحاصر لصفات الكل وكمالتهم الحاوي لخواصهم ومعانيهم‬
‫‪ ' :‬بعثت لتمم مكارم الخلق ' ومن هذا ظهر تقدمه‬‫مع كماله الخاص به اللزم للهيئة الجتماعية‪ ،‬كما قال ‪‬‬
‫عليهم بالشرف والفضيلة ومن جهة أن إبراهيم ‪ ‬كان مظهر التوحيد العظمي الذاتي‪ ،‬وكان هو الوسط في‬
‫الترتيب الزماني بمنزلة الشمس في الرتبة كان قطب النبوة‪ ،‬ولزمهم كلهم اتباعه وإن لم يظهر في المتقدمين عليه‬
‫‪ .‬واعلم أن الرواح في‬ ‫‪‬‬ ‫بالزمان كارتباط الكواكب الستة في سيرها بها‪ ،‬ولكن ل كالقمر‪ ،‬فتبعه بالحقيقة محمد‬
‫عالمها مراتب متعينة‪ ،‬وصفوف مترتبة واستعدادات متفاوتة متهيئة بالزل بمحض العناية الولى والفيض القدس‬
‫فأهل الصف الول هم السابقون المفردون المقربون المحبوبون المخصوصون بفضل عنايته وسابقة كرامته‬
‫المتعارفون بنوره المتحابون فيه‪ ،‬والباقون يتباينون في الدرجات وبحسب تقاربها وتباعدها‪ ،‬يتعارفون ويتناكرون‪ ،‬فما‬
‫تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف إلى آخر الصفوف‪ ،‬فلها مراكز ثابتة‪ ،‬وأصول راسخة في العالم العلوي‬
‫وعند التعلق بالبدان يتفاوت درجات كمالتها وغاية سعاداتها بحسب ما لها من الستعداد الول المخصوص بكل منها‬
‫‪ ' :‬الناس معادن كمعادن الذهب والفضة '‪ ،‬حتى انتهت الدرجات في العلو‬ ‫من مباديها في الزل كما قال عليه ‪‬‬
‫عين آدم بل عين السبعة وكذا باعتبار كونه جامعًا‬ ‫إلى الفناء في التوحيد الذاتي‪ ،‬فبهذا العتبار يكون محمد ‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ' :‬أنا السبعة '‪ .‬وباعتبار علو مرتبته‬ ‫لصفاتهم كما قيل إنه سأله أبو يزيد رحمة ال عليه ‪ :‬أنت من السبعة ؟ فقال‬
‫ومكانته‪ ،‬وسبقه في القدم وارتفاع درجة كماله وفضيلته‪ ،‬كان أقدمهم وأولهم وأفضلهم كما قال ‪ ' :‬أول ما خلق ال‬
‫نوري وكنت نبيًا وآدم بين الماء والطين '‪ .‬فهو متقدم عليهم بالرتبة والعلية والشرف والفضيلة‪ ،‬متأخر عنهم بالزمان‬
‫وهو عينهم باعتبار السر والوحدة الذاتية‪ ،‬فالحاصل أن اختلفهم وتباينهم روحًا وقلبًا ونفسًا ل ينافي اتحادهم في‬
‫الحقيقة وكذا افتراقهم بالزمنة ل ينافي معيتهم في الزل والبد وعين الجمع كما قال ‪ : :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم‬
‫على بعض‪] ‬البقرة‪ ،‬الية ‪ [253 :‬مع قوله ‪ : :‬ل نفرق بين أحد منهم‪] ‬البقرة‪ ،‬الية ‪ .[136 :‬ويجوز أن يكون المراد‬
‫بأصحاب الكهف روحانيات النسان التي تبقى بعد خراب البدن‪ .‬وقول من قال ‪ :‬ثلثة‪ ،‬إشارة إلى الروح والعقل‬
‫والقلب‪ .‬والكلب هي النفس الملزمة لباب الكهف‪ .‬ومن قال ‪ :‬خمسة إشارة إلى الروح والقلب والعقل النظري والعقل‬
‫العملي والقوة القدسية للنبياء التي هي الفكر لغيرهم‪ .‬ومن قال ‪ :‬سبعة فتلك الخمسة مع السر والخفاء وال أعلم‪.‬‬
‫]تفسير سورة الكهف من آية ‪ 10‬إلى آية ‪ : [12‬إذ أوى الفتية إلى الكهف‪ ‬أي ‪ :‬كهف البدن بالتعلق به ‪ :‬فقالوا‪‬‬
‫بلسان الحال ‪ :‬ربنا آتنا من لدنك‪ ‬أي ‪ :‬من خزائن رحمتك التي هي أسماؤك الحسنى ‪ :‬رحمة‪ ‬كما ل يناسب‬
‫استعدادنا ويقتضيه ‪ :‬وهيئ لنا من أمرنا‪ ‬الذي نحن فيه من مفارقة العالم العلوي والهبوط إلى العالم السفلي‬
‫للستكمال ‪ :‬رشدا‪ ‬استقامة إليك في سلوك طريقك والتوجه إلى جنابك‪ ،‬أي ‪ :‬طلبوا بالتصال البدني والتعلق بآلت‬
‫الكمال وأسبابه الكمال العلمي والعملي‪ : .‬فضربنا على آذانهم‪ ‬أي ‪ :‬أنمناهم نومة الغفلة عن عالمهم وكمالهم نومة‬
‫ثقيلة ل ينبههم صفير الخفير ول دعوة الداعي الخبير‪ .‬في كهف البدن ‪ :‬سنين‪ ‬ذوات عدد‪ ،‬أي ‪ :‬كثيرة أو معدودة أي‬
‫‪ :‬قليلة هي مدة انغماسهم في تدبير البدن وانغمارهم في بحر الطبيعة مشتغلين بها‪ ،‬غافلين عما وراءها من عالمهم إلى‬
‫أوان بلوغ الشد الحقيقي‪ ،‬والموت الرادي والطبيعي‪ ،‬كما قال ‪ ' :‬الناس نيام‪ ،‬فإذا ماتوا انتبهوا '‪ : .‬ثم بعثناهم‪ ‬أي ‪:‬‬
‫نبهناهم عن نوم الغفلة بقيامهم عن مرقد البدن ومعرفتهم بال وبنفوسهم المجردة ‪ :‬لنعلم‪ ‬أي ‪ :‬ليظهر علمنا في‬
‫مظاهرهم أو مظاهر غيرهم من سائر الناس ‪ :‬أي الحزبين‪ ‬المختلفين في مدة لبثهم وضبط غايته الذين يعينون المدة‬
‫أم يكلون علمه إلى ال‪ ،‬فإن الناس مختلفون في زمان الغيبة‪ .‬يقول بعضهم ‪ :‬يخرج أحدهم على رأس كل ألف سنة‬
‫وهو يوم عند ال‪ ،‬لقوله ‪ : :‬وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون‪] ‬الحج‪ ،‬الية ‪ .[47 :‬ويقول بعضهم ‪ :‬على‬
‫رأس كل سبعمائة عام أو على رأس كل مائة‪ ،‬وهو بعض يوم‪ ،‬كما قالوا ‪ : :‬لبثنا يوما أو بعض يوم‪] ‬الكهف‪،‬‬
‫الية ‪ .[19 :‬والمحققون المصيبون هم الذين يكلون علمه إلى ال كالذين قالوا ‪ : :‬ربكم أعلم بما لبثتم‪] ‬الكهف‪،‬‬
‫‪ ،‬وقال ‪ ' :‬كذب الوقاتون '‪] .‬تفسير سورة الكهف‬ ‫‪‬‬ ‫وقت ظهور المهدي‬ ‫‪‬‬ ‫الية ‪ [19 :‬ولهذا لم يعين رسول ال‬
‫من آية ‪ 13‬إلى آية ‪ : [15‬إنهم فتية آمنوا بربهم‪ ‬إيمانًا يقينًا علميًا على طريق الستدلل أو المكاشفة ‪ :‬وزدناهم‬
‫هدى‪ ‬أي ‪ :‬هداية موصلة إلى عين اليقين ومقام المشاهدة بالتوفيق‪ : .‬وربطنا على قلوبهم‪ ‬قويناها بالصبر على‬
‫المجاهدة‪ ،‬وشجعناهم على محاربة الشيطان ومخالفة النفس‪ ،‬وهجر المألوفات الجسمانية‪ ،‬واللذات الحسية‪ ،‬والقيام‬
‫بكلمة التوحيد‪ ،‬ونفي إلهية الهوى‪ ،‬وترك عبادة صنم الجسم بين يدي جبار النفس المارة من غير مبالة بها حين‬
‫عاتبتهم على ترك عبادة إله الهوى وصنم البدن‪ ،‬وأوعدتهم بالفقر والهلك‪ ،‬إذ النفس داعية إلى عبادته وموافقته‪،‬‬
‫وتهيئة أسباب حظوظه مخيفة للقلب من الخوف والموت‪ ،‬أو جسرناهم على القيام بكلمة التوحيد‪ ،‬وإظهار الدين القويم‬
‫والدعوة إلى الحق عند كل جبار هو دقيانوس وقته كنمروذ وفرعون وأبي جهل وأضرابهم ممن دان بدينهم واستولى‬
‫عليه النفس المارة فعبد الهوى‪ ،‬أو ادعى الطغيان‪ ،‬وتمرد أنائيته وعدوانه الربوبية من غير مبالة عند معاتبته إياهم‬
‫على ترك عبادة الصنم المجعول كما هو عادة بعضهم أو صنم نفسه‪ ،‬كما قال فرعون اللعين ‪ : :‬ما علمت لكم من‬
‫إله غيري‪] ‬القصص‪ ،‬الية ‪ [38 :‬و ‪ :‬أنا ربكم العلى‪] ‬النازعات‪ ،‬الية ‪ : .[24 :‬هؤلء قومنا‪ ‬إشارة إلى النفس‬
‫المارة وقواها‪ ،‬لن لكل قوم إلهًا تعبده وهو مطلوبها ومرادها‪ ،‬والنفس تعبد الهوى كقوله ‪ : :‬أفرءيت من اتخذ إلهه‬
‫هواه‪] ‬الجاثية‪ ،‬الية ‪ ،[23 :‬أو إلى أهل زمان كل من خرج منهم داعيًا إلى ال‪ ،‬إذ كل من عكف على شيء يهواه فقد‬
‫عبده‪ : .‬لول يأتون عليهم‪ ‬أي ‪ :‬على عبادتهم وإلهيتهم وتأثيرهم ووجودهم ‪ :‬بسلطان بين‪ ‬أي ‪ :‬حجة بينة دليل‬
‫على فساد التقليد وتبكيت بأن إقامة الحجة على إلهية غير ال وتأثيره ووجوده محال‪ ،‬كما قال ‪ : :‬إن هي إل أسماء‬
‫سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل ال بها من سلطان‪] ‬النجم‪ ،‬الية ‪ [23 :‬أي ‪ :‬أسماء بل مسميات لكونها ليست بشيء‪.‬‬
‫]تفسير سورة الكهف آية ‪ : [16‬وإذ اعتزلتموهم‪ ‬أي ‪ :‬فارقتم نفوسكم وقواها بالتجرد ‪ :‬وما يعبدون إل ال‪ ‬من‬
‫مراداتها وأهوائها ‪ :‬فأووا إلى الكهف‪ ‬إلى البدن لستعمال اللت البدنية في الستكمال بالعلوم والعمال‪ ،‬وانخزلوا‬
‫فيه منكسرين‪ ،‬مرتاضين‪ ،‬كأنهم ميتون بترك الحركات النفسانية والنزوات البهيمية والسطوات السبعية‪ ،‬أي ‪ :‬موتوا‬
‫موتًا إراديًا ‪ :‬ينشر لكم ربكم من رحمته‪ ‬حياة حقيقية بالعلم والمعرفة ‪ :‬ويهيئ لكم من أمركم مرفقا‪ ‬كما ل ينتفع‬
‫به بظهور الفضائل وطلوع أنوار التجليات‪ ،‬فتلتذون بالمشاهدات وتتمتعون بالكمالت كما قال تعالى ‪ : :‬أو من كان‬
‫‪ ' :‬من أراد أن‬‫‪‬‬ ‫في أبي بكر‬ ‫‪‬‬ ‫ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس‪] ‬النعام‪ ،‬الية ‪ ،[122 :‬وقال‬
‫ينظر ميتًا يمشي على وجه الرض فلينظر أبا بكر '‪ ،‬أي ‪ :‬ميتًا عن نفسه يمشي بال‪ .‬أو وإذ اعتزلتم قومكم ومعبوداتهم‬
‫غير ال من مطالبهم المختلفة‪ ،‬ومقاصدهم المتشتتة‪ ،‬وأهوائهم المتفننة‪ ،‬وأصنامهم المتخذة‪ ،‬فأووا إلى كهوف أبدانكم‬
‫وامتنعوا عن فضول الحركات والخروج في أثر الشهوات‪ ،‬واعكفوا على الرياضات‪ : ،‬ينشر لكم ربكم من رحمته‪‬‬
‫]الكهف‪ ،‬الية ‪ [16 :‬زيادة كمال وتقوية ونصرة بالمداد الملكوتية‪ ،‬والتأييدات القدسية‪ ،‬فيغلبكم عليهم ويهيئ لكم دينًا‬
‫ل يهتدي بكم الخلئق ناجين‪ .‬وفي المأوى إلى الكهف عند مفارقتهم سر آخر يفهم من دخول‬ ‫وطريقًا ينتفع به‪ ،‬وقبو ً‬
‫المهدي في الغار إذا خرج ونزل عيسى وال أعلم‪ .‬وفي نشر الرحمة وتهيئة المرفق من أمرهم عند الوي إلى الكهف‬
‫إشارة إلى أن الرحمة الكامنة في استعدادهم إنما تنتشر بالتعلق البدني والكمال بتهيئاته‪] .‬تفسير سورة الكهف آية‬
‫‪ : [17‬وترى الشمس‪ ‬أي ‪ :‬شمس الروح ‪ :‬إذا طلعت‪ ‬أي ‪ :‬ترقت بالتجرد عن غواشي الجسم وظهرت من أفقه‬
‫تميل بهم من جهة البدن وميله ومحبته إلى جهة اليمين أي ‪ :‬جانب عالم القدس وطريق أعمال البر من الخيرات‬
‫والفضائل والحسنات والطاعات‪ .‬وسيرة البرار‪ ،‬فإن البرار هم أصحاب اليمين‪ : .‬وإذا غربت‪ ‬أي ‪ :‬هوت في‬
‫الجسم واحتجبت به‪ ،‬واختفت في ظلماته وغواشيه‪ ،‬وخمد نورها‪ ،‬تقطعهم وتفارقهم كائنين في جهة الشمال‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫جانب النفس وطريق أعمال السوء فينهمكون في المعاصي والسيئات والشرور والرذائل‪ .‬وسيرة الفجار الذين هم‬
‫أصحاب الشمال ‪ :‬وهم في فجوة منه‪ ‬أي ‪ :‬في مجال متسع من بدنهم هو مقام النفس والطبيعة‪ ،‬فإن فيه متفسحًا ل‬
‫يصيبهم فيه نور الروح‪ .‬واعلم أن الوجه الذي يلي الروح من القلب موضع منور بنور الروح يسمى العقل وهو‬
‫الباعث على الخير والمطرق للهام الملك والوجه الذي يلي النفس منه مظلم بظلمة صفاتها يسمى الصدر وهو محل‬
‫وسوسة الشيطان كما قال ‪ : :‬الذي يوسوس في صدور الناس ‪] 5‬الناس‪ ،‬الية ‪ ،[5 :‬فإذا تحرك الروح وأقبل‬
‫القلب بوجهه إليه تنور وتقوى بالقوة العقلية الباعثة المشوقة إلى الكمال ومال إلى الخير والطاعة‪ ،‬وإذا تحركت النفس‬
‫وأقبل القلب بوجهه إليها تكدر واحتجب عن نور الروح وأظلم العقل ومال إلى الشر والمعصية‪ .‬وفي هاتين الحالتين‬
‫ل صالحًا وآخر سيئًا‪ .‬وفي الية لطيفة هي ‪ :‬أنه استعمل في‬ ‫تطرق الملك لللهام والشيطان للوسواس وخلطوا عم ً‬
‫الميل إلى الخير الزورار عن الكهف‪ ،‬وفي الميل إلى الشر قرضهم أي ‪ :‬قطعهم‪ ،‬وذلك أن الروح يوافق القلب في‬
‫طريق الخير ويأمره به ويوافقه معرضًا عن جانب البدن وموافقاته ول يوافقه في طريق الشر بل يقطعه ويفارقه وهو‬
‫منغمس في ظلمات النفس وصفاتها الحاجبة إياه عن النور وهو إشارة إلى تلوينهم في السلوك‪ ،‬فإن السالك ما لم يصل‬
‫إلى مقام التمكين وبقي في التلوين قد تظهر عليه النفس وصفاته فيحتجب عن نور الروح ثم يرجع ذلك أي ‪ :‬طلوع‬
‫نور الروح واختفاؤه من آيات ال التي يستدل بها ويتوصل منها إليه وإلى هدايته‪ : .‬من يهد ال‪ ‬بإيصاله إلى مقام‬
‫المشاهدة والتمكين فيها ‪ :‬فهو المهتد‪ ‬بالحقيقة ل غير ‪ :‬ومن يضلل‪ ‬بحجبه عن نور وجهه فل هادي له ول‬
‫مرشد‪ ،‬أو من يهد ال إليهم وإلى حالهم بالحقيقة ومن يضلله يحجبه عن حالهم‪] .‬تفسير سورة الكهف من آية ‪ 18‬إلى‬
‫آية ‪ : [20‬وتحسبهم أيقاظا‪ ‬يا مخاطب لنفتاح أعينهم وإحساساتهم وحركاتهم الرادية الحيوانية ‪ :‬وهم رقود‪‬‬
‫بالحقيقة في سنة الغفلة تراهم ينظرون إليك وهم ل يبصرون ‪ :‬ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال‪ ‬أي ‪ :‬نصرفهم إلى‬
‫جهة الخير وطلب الفضيلة تارة‪ ،‬وإلى جهة الشر ومقتضى الطبيعة أخرى ‪ :‬وكلبهم‪ ‬أي ‪ :‬نفسهم ‪ :‬باسط ذراعيه‪‬‬
‫أي ‪ :‬ناشرة قوتيها الغضبية والشهوانية ‪ :‬بالوصيد‪ ‬أي ‪ :‬بفناء البدن‪ ،‬ولم يقل ‪ :‬وكلبهم هاجع لنها لم ترقد بل بسطت‬
‫القوتين في فناء البدن ملزمة له ل تبرح عنه‪ ،‬والذراع اليمن هو الغضب لنه أقوى وأشرف وأقبل لدواعي القلب في‬
‫تأديبه‪ ،‬واليسر هو الشهوة لضعفها وخستها ‪ :‬لو اطلعت عليهم‪ ‬أي ‪ :‬على حقائقهم المجردة وأحوالهم السنية وما‬
‫أودع ال فيهم من النورية والسنا‪ ،‬وما ألبسهم من العز والبهاء ‪ :‬لوليت عنهم‪ ‬فارًا لعدم اعتقادك بالنفوس المجردة‬
‫وأحوالها وعدم استعدادك لقبول كمالهم‪ ،‬أو لوليت منهم للفرار عنهم وعن معاملتهم لميلك إلى اللذات الحسية والمور‬
‫الطبيعية ‪ :‬ولملئت منهم رعبا‪ ‬من أحوالهم ورياضاتهم‪ ،‬أو لو اطلعت عليهم بعد الوصول إلى الكمال وعلى‬
‫أسرارهم ومقاماتهم في الوحدة لعرضت عنهم وفررت من أحوالهم وملئت منهم رعبًا لما ألبسهم ال من عظمته‬
‫وكبريائه‪ .‬وأين الحدث من القدم‪ ،‬وأنى يسع الوجود والعدم‪ : .‬وكذلك بعثناهم‪ ‬أي ‪ :‬مثل ذلك البعث الحقيقي والحياء‬
‫المعنوي بعثناهم ‪ :‬ليتساءلوا بينهم‪ ‬أي ‪ :‬ليتباحثوا بينهم عن المعاني المودعة في استعدادهم الحقائق المكنونة في‬
‫ذواتهم فيكملوا بإبرازها وإخراجها إلى الفعل‪ ،‬وهو أول النتباه الذي تسميه المتصوفة اليقظة ‪ :‬قال قائل منهم كم‬
‫لبثتم‪ ‬مر تأويله‪ ،‬والمحققون منهم هم الذين ‪ :‬قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة‪ ‬هذا هو‬
‫زمان استبصارهم واستفادتهم واستكمالهم‪ .‬والورق هو ما معهم من العلوم الولية التي ل تحتاج إلى كسب‪ ،‬إذ بها‬
‫تستفاد الحقائق الذهنية من العلوم الحقيقية والمعارف اللهية‪ .‬والمدينة محل الجتماع‪ ،‬إذ ل بد من الصحبة والتربية أو‬
‫‪ ' :‬أنا مدينة العلم وعلي بابها '‪ .‬وإنما بعثوا أحدهم لن كمال الكل غير موقوف على التعليم‬ ‫‪‬‬ ‫مدينة العلم من قوله‬
‫والتعلم بل الكمال الشرف هو العلمي فيكفي تعلم البعض عن كل فرقة وتنبيه الباقين كما قال تعالى ‪ : :‬فلول نفر‬
‫من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم‪] ‬التوبة‪ ،‬الية ‪ : .[122 :‬فلينظر أيها‬
‫أزكى طعاما‪ ‬أي ‪ :‬أهلها أطيب وأفضل علمًا وأنقى من الفضول واللغو والظواهر كعلم الخلف والجدل والنحو‬
‫وأمثالها التي ل تتقوى ول تكمل بها النفس كقوله ‪ : :‬ل يسمن ول يغني من جوع )‪] (7‬الغاشية‪ ،‬الية ‪ ،[7 :‬إذ‬
‫العلم غذاء القلب كالطعام للبدن وهو الرزق الحقيقي اللهي ‪ :‬وليتلطف‪ ‬في اختيار الطعام ومن يشتري منه أي ‪:‬‬
‫ليختر المحقق الزكي النفس‪ ،‬الرشيد السمت‪ ،‬الفاضل السيرة‪ ،‬النقي السريرة‪ ،‬الكامل المكمل دون الفضولي الظاهري‬
‫الخبيث النفس‪ ،‬المتعالم‪ ،‬المتصدر‪ ،‬لفادة ما ليس عنده ليستفيد بصحبته ويظهر كماله بمجالسته ويستبصر بعلمه‬
‫فيفيدنا أو ليتلطف في أمره حتى ل يشعر بحالكم ودينكم‪ ،‬جاهل من غير قصد له ‪ :‬ول يشعرن بكم أحدا‪ ‬من أهل‬
‫الظاهر المحجوبين وسكان عالم الطبيعة المنكرين‪ ،‬وإن أولنا أصحاب الكهف بالقوى الروحانية فالمبعوث هو الفكر‪،‬‬
‫والمدينة محل اجتماع القوى الروحانية والنفسانية والطبيعة والذي هو أزكى طعامًا العقل دون الوهم والخيال‬
‫والحواس‪ ،‬لن كل مدرك له طعام والرزق هو العلم النظري على كل التقديرين‪ ،‬ول يشعرن بكم أحدًا من القوى‬
‫النفسانية‪ : .‬إنهم إن يظهروا‪ ‬أي ‪ :‬يغلبوا ‪ :‬عليكم يرجموكم‪ ‬بحجارة الهواء والدواعي من الغضب والشهوة‬
‫وطلب اللذة فيقتلوكم بمنعكم عن كمالكم ‪ :‬أو يعيدوكم في ملتهم‪ ‬باستيلء الوهم وغلبة الشيطان والمالة إلى الهوى‬
‫وعبادة الوثان وعلى التأويل الول ظهور العوام‪ ،‬واستيلء المقلدة والحشوية المحجوبين‪ ،‬وأهل الباطل المطبوعين‪،‬‬
‫‪] .‬تفسير سورة الكهف من آية‬ ‫‪‬‬ ‫ورجمهم أهل الحق‪ ،‬ودعوتهم إياهم إلى ملتهم ظاهر كما كان في زمان رسول ال‬
‫‪ 21‬إلى آية ‪ : [22‬وكذلك أعثرنا عليهم‪ ‬أي ‪ :‬مثل ذلك البعث والنامة أطلعنا على حالهم المستعدين القابلين لهديهم‬
‫ومعرفة حقائقهم ‪ :‬ليعلموا‪ ‬بصحبتهم وهدايتهم ‪ :‬إن وعد ال‪ ‬بالبعث والجزاء ‪ :‬حق وأن الساعة ل ريب فيها‬
‫إذ يتنازعون بينهم أمرهم‪ ‬أي ‪ :‬حين يتنازع المستعدون الطالبون بينهم أمرهم في المعاد‪ ،‬فمنهم من يقول ‪ :‬إن البعث‬
‫مخصوص بالرواح المجردة دون الجساد‪ ،‬ومنهم من يقول ‪ :‬إنه بالرواح والجساد معًا‪ ،‬فعلموا بالطلع عليهم‬
‫ومعرفتهم أنه بالرواح والجساد وأن المعاد الجسماني حق‪ : ،‬فقالوا ابنوا عليهم بنيانا‪ ‬أي ‪ :‬فلما توفوا قالوا ذلك‬
‫كالخانقاهات والمشاهد والمزارات المبنية على الكمل‪ ،‬المقربين من النبياء والولياء كإبراهيم ومحمد‪ ،‬وسائر النبياء‬
‫والولياء عليهم الصلة والسلم‪ : .‬ربهم أعلم بهم‪ ‬من كلم أتباعهم من أممهم والمقتدين بهم‪ ،‬أي ‪ :‬هم أجل وأعظم‬
‫شأنًا من أن يعرفهم غيرهم‪ ،‬الموحدون الهالكون في ال‪ ،‬المتحققون به‪ ،‬فهو أعلم بهم كما قال تعالى ‪ ' :‬أوليائي تحت‬
‫قبائي‪ ،‬ل يعرفهم غيري '‪ : .‬قال الذين غلبوا على أمرهم‪ ‬من أصحابهم والذين يلون أمرهم تبركًا بهم وبمكانهم ‪:‬‬
‫‪‬لنتخذن عليهم مسجدا‪ ‬يصلى فيه‪ : .‬سيقولون‪ ‬أي ‪ :‬الظاهريون من أهل الكتاب والمسلمين الذين ل علم لهم‬
‫بالحقائق‪ .‬وقوله ‪ : :‬ورجمًا بالغيب‪ ‬أي ‪ :‬رميًا بالذي غاب عنهم‪ ،‬يعني ‪ :‬ظنًا خاليًا عن اليقين بعد قولهم ‪ : :‬ثلثة‬
‫رابعهم كلبهم‪ ‬و ‪ :‬خمسة سادسهم كلبهم‪ ‬وتوسيط الواو الدالة على أن الصفة مجامعة للموصوف ول تفارقه‪ ،‬وأنه ل‬
‫عدد وراءه بين قوله ‪ : :‬ويقولون سبعة‪ ‬وبين ‪ :‬وثامنهم كلبهم‪ .‬وقوله ‪ : :‬ما يعلمهم إل قليل‪ ‬بعده‪ ،‬يدل على أن‬
‫العدد هو سبعة ل غير‪ ،‬فالقليل هم المحققون القائلون به وإن أولناهم بالقوى الروحانية فهم العاقلتان ‪ :‬النظرية‬
‫والعملية‪ ،‬والفكر والوهم‪ ،‬والتخيل والذكر‪ ،‬والحس المشترك المسمى بنطاسيا‪ ،‬والكلب النفس والشمس والروح على‬
‫أنه قال ‪ ' :‬إنهم كانوا سبعة‪ ،‬ثلثة عن يمين الملك وثلثة عن‬ ‫‪‬‬ ‫كل التأويلين‪ .‬ولهذا روي عن أمير المؤمنين‬
‫يساره‪ ،‬والسابع هو الراعي صاحب الكلب '‪ ،‬فإن صحت الرواية فالملك هو دقيانوس النفس المارة‪ ،‬والثلثة الذين‬
‫كانوا عن يمينه يستشيرهم هم العاقلتان والفكر‪ ،‬والثلثة الذين كانوا عن يساره يستوزرهم هم التخيل والوهم والذكر‪،‬‬
‫والراعي هو بنطاسيا صاحب أغنام الحواس‪ ،‬والذين قالوا هم ثلثة أرادوا القلب والعاقلتين‪ ،‬والذين قالوا خمسة زادوا‬
‫عليهم الفكر والوهم وتركوا المدرك للصور والذكر لعدم تصرفهما وكون كل منهما كالخزانة‪ .‬وعلى هذا التأويل‬
‫فالطلع للفئة المحققين من الحضرة اللهية على بقاء النفس بعد خراب البدن‪ ،‬والتنازع‪ ،‬هو التجاذب والتغالب الواقع‬
‫بين القوى في الستيلء على البدن الذي يبعثون فيه وهو البنيان المأمور ببنائه والمرون هم الغالبون الذين قالوا ‪: :‬‬
‫‪‬لنتخذن عليهم مسجدا‪] ‬الكهف‪ ،‬الية ‪ [21 :‬يسجد‪ ،‬أي ‪ :‬ينقاد فيه جميع القوى الحيوانية والطبيعية والنفسانية‬
‫والمأمورون هم المغلوبون الفاعلون في البدن المبعوث فيه وال أعلم‪] .‬تفسير سورة الكهف من آية ‪ 23‬إلى آية ‪: [24‬‬
‫‪‬ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك‪ ‬أدبه بالتأديب اللهي بعدما نهاه عن المماراة والسؤال‪ ،‬فقال ‪ ' :‬ل تقولن إل وقت أن‬
‫ل به وبمشيئته أو إل بمشيئته على أنه حال‪ ،‬أي ‪ :‬ملتبسًا بمشيئته‪ ،‬يعني ‪ :‬ل‬ ‫يشاء ال ' بأن يأذن لك في القول فتكون قائ ً‬
‫ل ‪ :‬إن شاء ال‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬ ‫تقولن لما عزمت عليه من فعل إني فاعل ذلك في الزمان المستقبل إل ملتبسًا بمشيئة ال‪ ،‬قائ ً‬
‫ل به وبمشيئته ‪ :‬واذكر ربك‪ ‬بالرجوع إليه والحضور ‪ :‬إذا‬ ‫تسند الفعل إلى إرادتك بل إلى إرادة ال‪ ،‬فتكون فاع ً‬
‫نسيت‪ ‬بالغفلة عند ظهور النفس والتلوين بظهور صفاتها ‪ :‬وقل عسى أن يهدين ربي لقرب من هذا‪ ‬أي ‪ :‬من الذكر‬
‫عند التلوين وإسناد الفعل إلى صفاته بالتمكين والشهود الذاتي المخلص عن حجب الصفات ‪ :‬رشدا‪ ‬استقامة‪ ،‬وهو‬
‫التمكين في الشهود الذاتي‪ .‬ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين‪ ‬من التي تبتنى على دور القمر فتكون كل سنة شهرًا‬
‫ومجموعها خمسة وعشرون سنة‪ ،‬وذلك وقت انتباههم وتيقظهم ‪ :‬وازدادوا تسعا‪ ‬هي مدة الحمل‪ .‬وروعيت في الية‬
‫نكتة‪ ،‬هي أنه ‪ :‬لم يقل ثلثمائة سنة وتسعًا‪ ،‬أو ثلثمائة وتسع سنين‪ ،‬لستعمال السنة في العرف وقت نزول الوحي في‬
‫ل‪ ،‬ثم بين أن‬ ‫دورة شمسية ل قمرية‪ ،‬فأجمل العدد ثم بينه بقوله ‪ :‬سنين‪ ،‬فاحتمل أن يكون المميز غيرها كالشهر مث ً‬
‫المدة سنين مبهمة غير معينة‪ ،‬إذ لو قيل ‪ :‬ثلثمائة شهر سنين‪ ،‬فأبدل سنين من مجموع العدد‪ ،‬كانت العبارة صحيحة‬
‫والمراد سنين كذا عددًا‪ ،‬أي ‪ :‬خمسة وعشرين‪ .‬ويؤيده قوله بعده ‪ : :‬قل ال أعلم بما لبثوا‪ ‬وقال قتادة ‪ :‬هو حكاية‬
‫كلم أهل الكتاب من تتمة سيقولون ‪ :‬وقوله ‪ : :‬قل ال أعلم‪ ‬رد عليهم‪ .‬وفي مصحف عبد ال ‪ :‬وقالوا ‪ :‬لبثوا‪ ،‬وذلك‬
‫أن اليقين غير محقق ول مطرد‪ : .‬واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك‪ ‬يجوز أن تكون من لبتداء الغاية‪ ،‬والكتاب‬
‫هو اللوح الول المشتمل على كل العلوم الذي منه أوحى إلى من أوحى إليه‪ ،‬وأن تكون بيانًا لما أوحى‪ .‬والكتاب هو‬
‫العقل الفرقاني وعلى التقديرين ‪ :‬ل مبدل لكلماته‪ ‬التي هي أصول الدين من التوحيد والعدل وأنواعهما ‪ :‬ولن‬
‫تجد من دونه ملتحدا‪ ‬تميل إليه لمتناع وجود ذلك‪ : .‬واصبر نفسك‪ ‬أمر بالصبر مع ال وأهله وعدم اللتفات إلى‬
‫غيره وهذا الصبر هو من باب الستقامة والتمكين ل يكون إل بال ‪ :‬مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‪ ‬أي ‪:‬‬
‫دائمًا هم الموحدون من الفقراء المجردين الذين ل يطلبون غير ال ول حاجة لهم في الدنيا والخرة‪ ،‬ول وقوف مع‬
‫الفعال والصفات ‪ :‬يريدون وجهه‪ ‬أي ‪ :‬ذاته فحسب‪ ،‬يدعونه ول يحتجبون عنه بغيره وقت ظهورها غداة الفناء‬
‫ووقت احتجابها بهم عند البقاء‪ ،‬فالصبر معهم هو الصبر مع ال‪ ،‬ومجاوزة العين عنهم المنهي عنها هو اللتفات إلى‬
‫الغير‪ : .‬إنا أعتدنا للظالمين‪ ‬أي ‪ :‬المشركين المحجوبين عن الحق لقوله ‪ : :‬إن الشرك لظلم عظيم‪] ‬لقمان‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ : [13‬نارا‪ ‬عظيمة ‪ :‬أحاط بهم سرادقها‪ ‬من مراتب الكوان كالطباع العنصرية والصور النوعية المادية‬
‫المحيطة بالشخاص الهيولنية ‪ :‬بماء كالمهل‪ ‬من جنس الغساق والغسلين‪ ،‬أي ‪ :‬المياه المتعفنة التي تسيل من أبدان‬
‫أهل النار مسودة فيها دسومات يغاثون بها أو غسالتهم القذرة أو من جنس الغصص والهموم المحرقة‪ .‬ولبثوا في‬
‫كهفهم ثلثمائة سنين‪ ‬من التي تبتنى على دور القمر فتكون كل سنة شهرًا ومجموعها خمسة وعشرون سنة‪ ،‬وذلك وقت‬
‫انتباههم وتيقظهم ‪ :‬وازدادوا تسعا‪ ‬هي مدة الحمل‪ .‬وروعيت في الية نكتة‪ ،‬هي أنه ‪ :‬لم يقل ثلثمائة سنة وتسعًا‪ ،‬أو‬
‫ثلثمائة وتسع سنين‪ ،‬لستعمال السنة في العرف وقت نزول الوحي في دورة شمسية ل قمرية‪ ،‬فأجمل العدد ثم بينه‬
‫ل‪ ،‬ثم بين أن المدة سنين مبهمة غير معينة‪ ،‬إذ لو قيل ‪:‬‬
‫بقوله ‪ :‬سنين‪ ،‬فاحتمل أن يكون المميز غيرها كالشهر مث ً‬
‫ثلثمائة شهر سنين‪ ،‬فأبدل سنين من مجموع العدد‪ ،‬كانت العبارة صحيحة والمراد سنين كذا عددًا‪ ،‬أي ‪ :‬خمسة‬
‫وعشرين‪ .‬ويؤيده قوله بعده ‪ : :‬قل ال أعلم بما لبثوا‪ ‬وقال قتادة ‪ :‬هو حكاية كلم أهل الكتاب من تتمة سيقولون ‪:‬‬
‫وقوله ‪ : :‬قل ال أعلم‪ ‬رد عليهم‪ .‬وفي مصحف عبد ال ‪ :‬وقالوا ‪ :‬لبثوا‪ ،‬وذلك أن اليقين غير محقق ول مطرد‪: .‬‬
‫‪‬واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك‪ ‬يجوز أن تكون من لبتداء الغاية‪ ،‬والكتاب هو اللوح الول المشتمل على كل‬
‫العلوم الذي منه أوحى إلى من أوحى إليه‪ ،‬وأن تكون بيانًا لما أوحى‪ .‬والكتاب هو العقل الفرقاني وعلى التقديرين ‪:‬‬
‫‪‬ل مبدل لكلماته‪ ‬التي هي أصول الدين من التوحيد والعدل وأنواعهما ‪ :‬ولن تجد من دونه ملتحدا‪ ‬تميل إليه‬
‫لمتناع وجود ذلك‪ : .‬واصبر نفسك‪ ‬أمر بالصبر مع ال وأهله وعدم اللتفات إلى غيره وهذا الصبر هو من باب‬
‫الستقامة والتمكين ل يكون إل بال ‪ :‬مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‪ ‬أي ‪ :‬دائمًا هم الموحدون من الفقراء‬
‫المجردين الذين ل يطلبون غير ال ول حاجة لهم في الدنيا والخرة‪ ،‬ول وقوف مع الفعال والصفات ‪ :‬يريدون‬
‫وجهه أي ‪ :‬ذاته فحسب‪ ،‬يدعونه ول يحتجبون عنه بغيره وقت ظهورها غداة الفناء ووقت احتجابها بهم عند البقاء‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫فالصبر معهم هو الصبر مع ال‪ ،‬ومجاوزة العين عنهم المنهي عنها هو اللتفات إلى الغير‪ : .‬إنا أعتدنا للظالمين‪ ‬أي‬
‫‪ :‬المشركين المحجوبين عن الحق لقوله ‪ : :‬إن الشرك لظلم عظيم‪] ‬لقمان‪ ،‬الية ‪ : [13 :‬نارا‪ ‬عظيمة ‪ :‬أحاط‬
‫بهم سرادقها‪ ‬من مراتب الكوان كالطباع العنصرية والصور النوعية المادية المحيطة بالشخاص الهيولنية ‪ :‬بماء‬
‫كالمهل‪ ‬من جنس الغساق والغسلين‪ ،‬أي ‪ :‬المياه المتعفنة التي تسيل من أبدان أهل النار مسودة فيها دسومات يغاثون‬
‫بها أو غسالتهم القذرة أو من جنس الغصص والهموم المحرقة‪ .‬إن الذين آمنوا‪ ‬بالتوحيد الذاتي لكونهم في مقابلة‬
‫المشركين ‪ :‬وعملوا الصالحات‪ ‬من العمال المقصودة لذاتها في مقام الستقامة ‪ :‬إنا ل نضيع‪ ‬أجرهم‪ ،‬وضع‬
‫الظاهر موضع المضمر للدللة على أن الجر إنما يستحق بالعمل دون العلم‪ ،‬إذ به يستحق ارتفاع الدرجة والرتبة ‪:‬‬
‫‪‬جنات عدن‪ ‬من الجنان الثلث ‪ :‬يحلون فيها من أساور من ذهب‪ ‬أي ‪ :‬يزينون فيها بأنواع الحلي من حقائق‬
‫التوحيد الذاتي ومعاني التجليات العينية الحدية‪ ،‬إذ الذهبيات من الحلي هي العينيات والفضيات هي الصفاتيات‬
‫النورانيات كقوله ‪ : :‬وحلوا أساور من فضة‪] ‬النسان‪ ،‬الية ‪ : .[21 :‬ويلبسون ثيابا خضرا‪ ‬يتصفون بصفات‬
‫بهيجة‪ ،‬حسنة‪ ،‬نضرة‪ ،‬موجبة للسرور ‪ :‬من سندس‪ ‬الحوال والمواهب لكونها ألطف ‪ :‬وإستبرق‪ ‬الخلق‬
‫والمكاسب لكونها أكثف ‪ :‬متكئين فيها على‪ ‬أرائك السماء اللهية التي هي مبادئ أفعاله لتصافهم بأوصافه وكون‬
‫الصفة مع الذات هي السم المستند هو عليه في جنة الصفات والفعال ‪ :‬نعم الثواب وحسنت مرتفقا‪ ‬في مقابلة ‪: :‬‬
‫‪‬بئس الشراب وساءت مرتفقا‪. ‬ويوم نسير الجبال‪ ‬أي ‪ :‬نذهب جبال العضاء بالتفتيت فنجعلها هباء منثورًا ‪:‬‬
‫‪‬وترى‪ ‬أرض البدن ‪ :‬بارزة‪ ‬ظاهرة مستوية‪ ،‬مسطحة بسيطة‪ ،‬كما كانت‪ ،‬ل صورة عليها ول تركيب‪ ،‬فيها ترابًا‬
‫خالصًا ‪ :‬وحشرناهم‪ ‬الضمير إما للقوى المذكورة وإما لفراد الناس ‪ :‬فلم نغادر منهم أحدا‪ ‬غير محشور‪: .‬‬
‫‪‬وعرضوا على ربك‪ ‬عند البعث ‪ :‬صفا‪ ‬أي ‪ :‬مصطفين مترتبين في المواقف ل يحجب بعضهم بعضًا‪ ،‬كل في‬
‫ل فرادى‪ ،‬أي ‪ : :‬كما خلقناكم أول مرة‬ ‫رتبته ‪ :‬لقد جئتمونا‪ ‬أي ‪ :‬قلنا لهم ذلك اليوم ‪ :‬لقد جئتمونا حفاة عراة‪ ،‬غر ً‬
‫بل زعمتم‪ ‬بإنكاركم البعث ‪ :‬ألن نجعل لكم موعدا‪ ‬وقتًا لنجاز ما وعدتم على ألسنة النبياء من البعث والنشور‪: .‬‬
‫‪‬ووضع الكتاب‪ ‬أي ‪ :‬كتاب القالب المطابق لما في نفوسهم من هيئات العمال الراسخة فيهم ‪ :‬فترى المجرمين‬
‫مشفقين مما فيه‪ ‬لعثورهم به على ما نسوا ‪ :‬ويقولون يا ويلتنا‪ ‬يدعون الهلكة التي هلكوا بها من أثر العقيدة الفاسدة‬
‫والعمال السيئة ‪ :‬ما لهذا الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها‪ ‬لكون آثار حركاتهم وأعمالهم كلها باقية‬
‫في نفوسهم صغيرة كانت أو كبيرة‪ ،‬ثابتة في ألواح النفوس الفلكية أيضًا‪ ،‬مضبوطة فيها‪ ،‬تظهر عليهم على التفصيل‬
‫في نشأتهم الثانية ل محيص لهم عنها‪ ،‬وهذا معنى قوله ‪ : :‬ووجدوا ما عملوا حاضرا ول يظلم ربك أحدا‪ ‬مر معنى‬
‫ل قال ‪ :‬ما بال إبليس لم يسجد ؟ قال ‪:‬‬ ‫سجود الملئكة وإباء إبليس‪ .‬وقوله ‪ : :‬وكان من الجن‪ ‬كلم مستأنف‪ ،‬كأن قائ ً‬
‫كان من الجن‪ ،‬أي ‪ :‬من القوى البدنية المختفية بالمواد‪ ،‬فلذلك ‪ :‬فسق عن أمر ربه‪ ‬أي ‪ :‬لحتجابه بالمادة ولواحقها‪.‬‬
‫]تفسير سورة الكهف من آية ‪ 60‬إلى آية ‪ : 63‬وإذ قال موسى لفتاه‪ ‬ظاهره على ما ذكر في القصص ول سبيل إلى‬
‫إنكار المعجزات‪ .‬وأما باطنه فأن يقال ‪ :‬وإذ قال موسى القلب لفتى النفس وقت التعلق بالبدن ‪ : :‬ل أبرح‪ ‬أي ‪ :‬ل‬
‫أنفك عن السير والمسافرة‪ ،‬أو ل أزال أسير ‪ :‬حتى أبلغ مجمع البحرين‪ ‬أي ‪ :‬ملتقى العالمين ‪ :‬عالم الروح وعالم‬
‫الجسم‪ ،‬وهما العذب والجاج في صورة النسانية ومقام القلب ‪ :‬أو أمضي حقبا‪ ‬أي ‪ :‬أسير مدة طويلة‪ : .‬فلما‬
‫بالنوع ل‬ ‫‪‬‬ ‫بلغا مجمع بينهما‪ ‬في الصورة الحاضرة الجامعة ‪ :‬نسيا حوتهما‪ ‬وهو الحوت الذي ابتلع ذا النون‬
‫بالشخص‪ ،‬لن غداءهما كان قبل الوصول إلى هذه الصورة في الخارج من ذلك الحوت الذي أمر بتزوده في السفر‬
‫ل ‪ :‬سربا‪ ‬نقبًا واسعًا كما قيل ‪ :‬بقي طريقه في البحر‬ ‫وقت العزيمة ‪ :‬فاتخذ سبيله‪ ‬في بحر الجسد حيًا كما كان أو ً‬
‫منفرجًا‪ ،‬لم ينضم عليه البحر‪ : .‬فلما جاوزا‪ ‬مكان مفارقة الحوت وألقي على موسى النصب والجوع‪ ،‬ولم ينصب‬
‫في السفر ول جاع قبل ذلك على ما حكي‪ ،‬تذكر الحوت والغتذاء منه وطلب الغداء من فتاه وإنما قال ‪ : :‬آتنا‬
‫غداءنا‪ ‬لن حاله ذلك نهارًا بالنسبة إلى ما قبله في الرحم ‪ :‬لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا‪ ‬هو نصب الولدة‬
‫ومشقتها‪ : .‬قال أرأيت‪ ‬ما عراني ‪ :‬إذ أوينا إلى الصخرة‪ ‬أي ‪ :‬النحر للرتضاع ‪ :‬فإني نسيت الحوت‪‬‬
‫لستغنائنا عنه ‪ :‬وما أنسانيه إل الشيطان أن أذكره‪ ‬أي ‪ :‬وما أنساني أن أذكره إل الشيطان على إبدال أن أذكره من‬
‫الضمير‪ ،‬وذلك لن موسى كان راقدًا حين اتخذ الحوت سبيله في البحر على ما قيل‪ .‬وفتى النفس يقظان‪ ،‬فأنسى‬
‫شيطان الوهم الذي زين الشجرة لدم ذكر النفس الحوت لموسى لكون الحال حال ذهول والسبيل المتعجب منه هو‬
‫السرب المذكور‪ .‬قال ذلك‪ ‬أي ‪ :‬تملص الحوت واتخاذه سبيله الذي كان عليه في جبلته ‪ :‬ما كنا‪ ‬نطلبه‪ ،‬لن هناك‬
‫مجمع البحرين الذي وعد موسى عنده بوجود من هو أعلم منه‪ ،‬إذ الترقي إلى الكمال بمتابعة العقل القدسي ل يكون إل‬
‫ل يقصان ‪ :‬قصصا‪ ‬أي ‪:‬‬ ‫في هذا المقام ‪ :‬فارتدا على آثارهما‪ ‬في الترقي إلى مقام الفطرة الولى كما كانا أو ً‬
‫يتبعان آثارهما عند الهبوط في الترقي إلى الكمال حتى وجد العقل القدسي‪ ،‬وهو عبد من عباد ال مخصوص بمزية‬
‫ل معنويًا بالتجرد عن المواد والتقدس عن الجهات‪ .‬والنورية‬ ‫عناية ورحمة ‪ :‬آتيناه رحمة من عندنا‪ ‬أي ‪ :‬كما ً‬
‫المحضة التي هي آثار القرب والعندية ‪ :‬وعلمناه من لدنا علما‪ ‬من المعارف القدسية والحقائق الكلية اللدنية بل‬
‫واسطة تعليم بشري‪ .‬وقوله ‪ : :‬هل أتبعك‪ ‬هو ظهور إرادة السلوك والترقي إلى الكمال ‪ :‬إنك لن تستطيع معي‬
‫صبرا‪ ‬لكونك غير مطلع على المور الغيبية والحقائق المعنوية لعدم تجردك واحتجابك بالبدن وغواشيه‪ ،‬فل تطيق‬
‫مرافقتي‪ ،‬وهذا معنى قوله ‪ : :‬وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء ال صابرا‪ ‬لقوة استعدادي‬
‫وثباتي على الطلب ‪ :‬ول أعصي لك أمرا‪ ‬لتوجهي نحوك وقبولي أمرك‪ ،‬لصفاتي وصدق إرادتي‪ .‬والمقاولت كلها‬
‫بلسان الحال‪ : .‬فإن اتبعتني‪ ‬في سلوك طريق الكمال ‪ :‬فل تسألني عن شيء‪ ‬أي ‪ :‬عليك بالقتداء والمتابعة في‬
‫السير بالعمال والرياضات والخلق والمجاهدات‪ ،‬ول تطلب الحقائق والمعاني ‪ :‬حتى‪ ‬يأتي وقته‪ ،‬ف ‪ :‬أحدث‬
‫لك منه‪ ‬أي ‪ :‬من ذلك العلم ‪ :‬ذكرا‪ ‬وأخبرك بالحقائق الغيبية عند تجردك بالمعاملت القالبية والقلبية ‪ :‬فانطلقا‬
‫حتى إذا ركبا‪ ‬في سفينة البدن البالغ إلى حد الرياضة الصالح للعبودية إلى العالم القدسي في بحر الهيولى للسير إلى ال‬
‫‪ :‬خرقها‪ ‬أي ‪ :‬نقصها بالرياضة وتقليل الطعام وأضعف احكامها وأوقع الخلل في نظامها وأوهنها ‪ :‬قال أخرقتها‬
‫لتغرق أهلها‪ ‬أي ‪ :‬أكسرتها لتغرق القوى الحيوانية والنباتية التي فيها في بحر الهيولى فتهلك ‪ :‬لقد جئت شيئا إمرا‪‬‬
‫وهذا النكار عبارة عن ظهور النفس بصفاتها وميل القلب إليها‪ ،‬والتضجر عن حرمان الحظوظ في الرياضة‪ ،‬وعدم‬
‫القناعة بالحقوق‪ : .‬قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا‪ ‬تنبيه روحي وتحريض قدسي على أن العزيمة في‬
‫السلوك يجب أن تكون أقوى من ذلك ‪ :‬قال ل تؤاخذني بما نسيت‪ ‬إلى آخره‪ ،‬اعتذاره في مقام النفس اللوامة‪.‬‬
‫‪‬فانطلقا حتى إذا لقيا غلما‪ ‬هو النفس التي تظهر بصفاتها فتحجب القلب فتكون أمارة بالسوء‪ .‬وقتله بإماتة الغضب‬
‫والشهوة وسائر الصفات ‪ :‬أقتلت نفسا زكية‪ ‬اعتراض لتحنن القلب على النفس و ‪ :‬ألم أقل لك‪ ‬تذكير وتعبير‬
‫روحي و ‪ :‬إن سألتك عن شيء‪ ‬إلى آخره‪ ،‬اعتذار وإقرار بالذنب واعتراف‪ ،‬وكلها من التلوينات عند كون النفس‬
‫لوامة‪ : .‬فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية‪ ‬هم القوى البدنية‪ ،‬واستطعامهما منهم هو طلب الغذاء الروحاني منهم‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫بواسطتهم كانتزاع المعاني الكلية من مدركاتها الجزئية وإنما أبوا أن يضيفوهما وإن أطعموهما قبل ذلك لن غذاءهما‬
‫حينئذ كان من فوقهم من النوار القدسية والتجليات الجمالية والجللية والمعارف اللهية والمعاني الغيبية ل من تحت‬
‫أرجلهم كما كان قبل خرق السفينة‪ ،‬وقتل الغلم بالرياضة والقوى والحواس مانعة من ذلك ل ممدة‪ ،‬بل ل تتهيأ إل بعد‬
‫نعاسهم وهدوهم كما قال موسى لهله ‪ :‬امكثوا‪ .‬والجدار الذي ‪ :‬يريد أن ينقض‪ ‬هو النفس المطمئنة وإنما عبر عنها‬
‫بالجدار لنها حدثت بعد قتل النفس المارة وموتها بالرياضة‪ ،‬فصارت كالجماد غير متحركة بنفسها وإرادتها‪ ،‬ولشدة‬
‫ضعفها كادت تهلك‪ ،‬فعبر عن حالها بإرادة النقضاض‪ .‬وإقامته إياها تعديلها بالكمالت الخلقية والفضائل الجملية بنور‬
‫لو شئت لتخذت عليه أجرا‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫القوة النطقية حتى قامت الفضائل مقام صفاتها من الرذائل‪ .‬وقول موسى ‪: : ‬‬
‫تلوين قلبي ل نفسي‪ ،‬وهو طلب الجر والثواب باكتساب الفضائل واستعمال الرياضة‪ ،‬ولهذا أجابه بقوله ‪ : :‬هذا‬
‫فراق بيني وبينك‪ ‬أي ‪ :‬هذا هو مفارقة مقامي ومقامك ومباينتهما والفرق بين حالي وحالك‪ ،‬فإن عمارة النفس‬
‫بالرياضة والتخلق بالخلق الحميدة ليست لتوقع الثواب والجر وإل فليست فضائل ول كمالت لن الفضيلة هي‬
‫التخلق بالخلق اللهية بحيث تصدر عن صاحبها الفعال المقصودة لذاتها ل لغرض‪ .‬وما كان لغرض فهو حجاب‬
‫ورذيلة ل فضيلة والمقصود هو طرح الحجاب وانكشاف غطاء صفات النفس‪ ،‬والبروز إلى عالم النور لتلقي المعاني‬
‫الغيبية بل التصاف بالصفات اللهية بل التحقق بال بعد الفناء فيه ل الثواب كما زعمت ‪ :‬سأنبئك بتأويل ما لم‬
‫تستطع عليه صبرا‪ ‬أي ‪ :‬لما اطمأنت النفس واستقرت القوى أمكنك قبول المعاني وتلقي الغيب الذي نهيتك عن السؤال‬
‫عنه حتى أحدث لك منه ذكرًا فسأذكر لك وأنبئك بتأويل هذه المور إذا استعددت لقبول المعاني والمعارف‪ .‬تفسير‬
‫سورة الكهف من آية ‪ 79‬إلى ‪ : [81‬أما السفينة فكانت لمساكين‪ ‬في بحر الهيولى‪ ،‬أي ‪ :‬القوى البدنية من الحواس‬
‫الظاهرة والقوى الطبيعية النباتية‪ ،‬وإنما سماها مساكين لدوام سكونها وملزمتها لتراب البدن وضعفها عن ممانعة‬
‫القلب في السلوك والستيلء عليه كسائر القوى الحيوانية‪ .‬وحكي أنهم كانوا عشرة إخوة خمسة منهم زمنى وخمسة‬
‫يعملون في البحر‪ ،‬وذلك إشارة إلى الحواس الظاهرة والباطنة ‪ :‬فأردت أن أعيبها‪ ‬بالرياضة لئل يأخذها ملك النفس‬
‫المارة غصبًا وهو الملك الذي كان وراءهم أي ‪ :‬قدامهم ‪ :‬يأخذ كل سفينة غصبا‪ ‬بالستيلء عليها واستعمالها في‬
‫أهوائه ومطالبه ‪ :‬وأما الغلم فكان أبواه‪ ‬اللذان هما الروح والطبيعة الجسمانية ‪ :‬مؤمنين‪ ‬مقرين بالتوحيد‬
‫لنقيادهما في سلك طاعة ال وامتثالهما لمر ال وإذعانهما لما أراد ال منهما ‪ :‬فخشينا أن يرهقهما‪ ‬أي ‪ :‬يغشيهما ‪:‬‬
‫‪‬طغيانا‪ ‬عليهما بظهوره بالنائية عند شهود الروح ‪ :‬وكفرا‪ ‬لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه أو كفرًا بالحجاب‬
‫فيفسد عليهما أمرهما ودينهما ويبطل عبوديتهما ل ‪ :‬فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة‪ ‬كما بدلهما بالنفس‬
‫المطمئنة التي هي خير منه زكاة‪ ،‬أي ‪ :‬طهارة ونقاء ‪ :‬وأقرب رحما‪ ‬تعطفًا ورحمة لكونها أعطف على الروح‬
‫والبدن وأنفع لهما‪ ،‬وأكثر شفقة‪ .‬ويجوز أن يكون المراد بالبوين الجد والب‪ ،‬فكان كناية عن الروح والقلب‪ .‬وكونه‬
‫أقرب رحمًا أنسب لهما وأشد تعطفًا‪] .‬تفسير سورة الكهف من آية ‪ 82‬إلى آية ‪ : [87‬وأما الجدار فكان لغلمين‬
‫يتيمين في المدينة‪ ‬أي ‪ :‬العاقلتين النظرية والعملية المنقطعتين عن أبيهما الذي هو روح القدس لحتجابهما عنه‬
‫بالغواشي البدنية أو القلب الذي مات أو قتل قبل الكمال باستيلء النفس في مدينة البدن ‪ :‬وكان تحته كنز لهما‪ ‬أي ‪:‬‬
‫كنز المعرفة التي ل تحصل إل بهما في مقام القلب لمكان اجتماع جميع الكليات والجزئيات فيه بالفعل وقت الكمال‬
‫وهو حال بلوغ الشد واستخراج ذلك الكنز‪ .‬وقال بعض أهل الظاهر من المفسرين ‪ :‬كان الكنز صحفًا فيها علم ‪:‬‬
‫‪‬وكان أبوهما‪ ‬على كل التأويلين ‪ :‬صالحا‪ ‬وقيل ‪ :‬كان أبا أعلى لهما حفظهما ال له‪ ،‬فعلى هذا ل يكون إل روح‬
‫القدس‪ .‬قصة ذي القرنين مشهورة وكان روميًا قريب العهد والتطبيق‪ ،‬إن ذا القرنين في هذا الوجود هو القلب الذي‬
‫ملك قرنيه‪ ،‬أي ‪ :‬خافقيه شرقها وغربها ‪ :‬إنا مكنا له‪ ‬في أرض البدن بالقدار والتمكين على جمع الموال من‬
‫المعاني الكلية والجزئية والسير إلى أي قطر شاء من المشرق والمغرب‪ : .‬وآتيناه من كل شيء‪ ‬أراده من‬
‫الكمالت ‪ :‬سببا‪ ‬أي ‪ :‬طريقًا يتوصل به إليه ‪ :‬فاتبع‪ ‬طريقًا بالتعلق البدني والتوجه إلى العالم السفلي‪ : .‬حتى‬
‫إذا بلغ مغرب الشمس‪ ‬أي ‪ :‬مكان غروب شمس الروح ‪ :‬وجدها تغرب في عين حمئة‪ ‬أي ‪ :‬مختلطة بالحمأة‪ ،‬وهي‬
‫المادة البدنية الممتزجة من الجسام الغاسقة كقوله ‪ : :‬من نطفة أمشاج‪] ‬النسان‪ ،‬الية ‪ : .[2 :‬ووجد عندها قوما‪‬‬
‫هم القوى النفسانية البدنية والروحانية ‪ :‬قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب‪ ‬بالرياضة والقهر والماتة ‪ :‬وإما أن تتخذ‬
‫فيهم حسنا‪ ‬بالتعديل وإيفاء الحظ‪ : .‬قال أما من ظلم‪ ‬بالفراط وعدم الستسلم والنقياد كالشهوة والغضب والوهم‬
‫والتخيل ‪ :‬فسوف نعذبه‪ ‬بالرياضة ‪ :‬ثم يرد إلى ربه‪ ‬في القيامة الصغرى ‪ :‬فيعذبه‪ ‬باللقاء في نار الطبيعة ‪:‬‬
‫‪‬عذابا نكرا‪ ‬أي ‪ :‬منكرًا أشد من عذابي‪ ،‬أو في القيامة الكبرى فيعذبه عذاب القهر والفناء‪] .‬تفسير سورة الكهف من‬
‫آية ‪ 88‬إلى آية ‪ : [94‬وأما من آمن‪ ‬بالعلم والمعرفة كالعاقلتين والفكر والحواس الظاهرة ‪ :‬وعمل صالحا‪ ‬بالسعي‬
‫في اكتساب الفضائل والنقياد والطاعة ‪ :‬فله جزاء‪ ‬المثوبة ‪ :‬الحسنى‪ ‬من جنة الصفات وتجليات أنوارها وأنهار‬
‫ل ذا يسر بحصول الملكات الفاضلة‪ : .‬ثم أتبع‪ ‬طريقًا هي طريق‬ ‫علومها ‪ :‬وسنقول له من أمرنا يسرا‪ ‬أي ‪ :‬قو ً‬
‫الترقي والسلوك إلى ال بالتجرد والتزكي ‪ :‬حتى إذا بلغ مطلع الشمس‪ ‬أي ‪ :‬مطلع شمس الروح ‪ :‬وجدها تطلع‬
‫على قوم‪ ‬هم العاقلتان والفكر والحدس والقوة القدسية ‪ :‬لم نجعل لهم من دونها سترا‪ ‬أي ‪ :‬حجابًا لتنورهم بنورها‬
‫وإدراكهم المعاني الكلية ‪ :‬كذلك‪ ‬أي ‪ :‬أمره كما وصفنا ‪ :‬وقد أحطنا بما لديه‪ ‬من العلوم والمعارف والكمالت‬
‫والفضائل ‪ :‬خبرًا‪ ‬أي ‪ :‬علمًا‪ ،‬ومعناه ‪ :‬لم يحط به غيرنا لكونه الحضرة الجامعة للعالمين فليس في الوجود من يقف‬
‫على معلوماته إل ال ولمر ما سمي عرش ال‪ : .‬ثم أتبع‪ ‬طريقًا بالسير في ال ‪ :‬حتى إذا بلغ بين السدين‪ ‬أي ‪:‬‬
‫ل وترقيًا ‪:‬‬
‫الكونين‪ ،‬وذلك مرتبته ومقامه الصلي بين صدفي جبلي الله والسير في المشرق والمغرب سفرة تنز ً‬
‫ل‪ ‬لكونها غير مدركة‬ ‫‪‬وجد من دونهما قومًا‪ ‬هم القوى الطبيعية البدنية والحواس الظاهرة ‪ :‬ل يكادون يفقهون قو ً‬
‫للمعاني ول ناطقة بها‪ : .‬قالوا‪ ‬بلسان الحال ‪ :‬إن يأجوج‪ ‬الدواعي والهواجس الوهمية ‪ :‬ومأجوج‪ ‬الوساوس‬
‫مفسدون في أرض البدن بالتحريض على الرذائل والشهوات المنافية للنظام والحث على‬ ‫‪‬‬ ‫والنوازع الخيالية ‪ :‬‬
‫العمال الموجبة للخلل فيه وخراب القوانين الخيرية والقواعد الحكمية وإحداث النوائب والفتن والهواء والبدع‬
‫المنافية للعدالة المقتضية لفساد الزرع والنسل ‪ :‬فهل نجعل لك خرجا‪ ‬بإمدادك بكمالتنا وصور مدركاتنا ‪ :‬على‬
‫أن تجعل بيننا وبينهم سدًا‪ ‬ل يتجاوزونه وحاجزًا ل يعلونه‪ ،‬وذلك هو الحد الشرعي والحجاب القلبي من الحكمة‬
‫العملية‪] .‬تفسير سورة الكهف من آية ‪ 95‬إلى آية ‪ : [99‬قال ما مكني فيه ربي‪ ‬من المعاني الكلية والجزئية الحاصلة‬
‫بالتجربة والسير في المشرق والمغرب ‪ :‬خير فأعينوني بقوة‪ ‬أي ‪ :‬عمل وطاعة ‪ :‬أجعل بينكم وبينهم ردمًا‪ ‬هو‬
‫الحكمة العملية والقانون الشرعي‪ : .‬آتوني زبر الحديد‪ ‬من الصور العملية وأوضاع العمال ‪ :‬حتى إذا ساوى‬
‫بين الصدفين‪ ‬بالتعديل والتقدير ‪ :‬قال‪ ‬للقوى الحيوانية ‪ :‬انفخوا‪ ‬في هذه الصور نفخ المعاني الجزئية والهيئات‬
‫النفسانية من فضائل الخلق ‪ :‬حتى إذا جعله نارًا‪ ‬أي ‪ :‬علمًا برأسه من جملة العلوم يحتوي على بيان كيفية‬
‫العمال ‪ :‬قال آتوني أفرغ عليه قطرًا‪ ‬النية والقصد الذي يتوسط بين العلم والعمل‪ ،‬فيتحد به روح العلم وجسد العمل‬
‫كالروح الحيواني المتوسط بين الروح النساني والبدن‪ ،‬فحصل سد‪ ،‬أي ‪ :‬قاعدة وبنيان من زبر العمال ونفخ العلوم‬
‫والخلق وقطر العزائم والنيات‪ ،‬واطمأنت به النفس وتدبرت فآمنت‪ : .‬فما اسطاعوا أن يظهروه‪ ‬ويعلوه لرتفاع‬
‫ل على علوم وحجج لم يمكنهم دفعها والستيلء عليها ‪ :‬وما استطاعوا له نقبًا‪ ‬لستحكامه‬ ‫شأنه وكونه مشتم ً‬
‫بالملكات والعمال والذكار‪ : .‬قال هذا‪ ‬السد‪ ،‬أي ‪ :‬القانون ‪ :‬رحمة من ربي‪ ‬على عباده‪ ،‬يوجب أمنهم وبقاءهم ‪:‬‬
‫ل‪ ،‬منهدمًا‪ ،‬لمتناع العمل به عند الموت وخراب اللت‬ ‫‪‬فإذا جاء وعد ربي‪ ‬بالقيامة الصغرى ‪ :‬جعله دكا‪ ‬باط ً‬
‫البدنية‪ : .‬وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض‪ ‬بالضطراب والختلط‪ ،‬أي ‪ :‬تركناهم يختلطون لجتماعهم في‬
‫الروح مع عدم الحيلولة ‪ :‬ونفخ في الصور‪ ‬للبعث في النشأة الثانية ‪ :‬فجمعناهم جمعا‪ ‬أو بالقيامة الكبرى حال‬
‫الفناء وظهور الحق‪ .‬جعله دكًا لرتفاع العلم والحكمة هناك‪ ،‬وظهور معنى الحل والباحة بتجلي الفعال اللهية‬
‫وانتفاء الغير وفعله‪ : ،‬وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض‪ ،‬حيارى‪ ،‬مختلطين شيئًا واحدًا ل حراك بهم‪: .‬‬
‫‪‬ونفخ في الصور‪ ‬باليجاد بالوجود الحقاني حال البقاء ‪ :‬فجمعناهم جمعا‪ ‬في التوحيد والستقامة والتمكين وكونهم‬
‫بال ل بأنفسهم‪] .‬تفسير سورة الكهف من آية ‪ 100‬إلى آية ‪ : [110‬وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين‪ ‬أي ‪ :‬يوم القيامة‬
‫الصغرى يتعذب المحجوبون عن الحق بأنواع العذاب والنيران كما ذكر في سورة )النعام( أو في ذلك الشهود‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ظهر لصاحب القيامة الكبرى تعذبهم في نار جهنم ‪ :‬كانت أعينهم في غطاء عن ذكري‪ ‬أي ‪ :‬محجوبة عن آياتي‬
‫وتجليات صفاتي الموجبة لذكري ‪ :‬ل يبغون عنها حول‪ ‬أي ‪ :‬تحولً لبلوغهم الكمال الذي يقتضيه استعدادهم‪ ،‬فل‬
‫شوق لهم إلى ما وكونهم في وراءه وإن وجد كمال وراء ذلك لعدم إدراكهم له فل ذوق ول شوق‪ ،‬وكونهم في مقابلة‬
‫المشركين المحجوبين عن الحق بالغير‪ .‬وكون جناتهم جنات الفردوس يدلن على أن المراد بهم هم الموحدون‬
‫الكاملون الستعداد الذين ل كمال فوق كمالهم‪ ،‬فل يبقى شيء وراء مرتبتهم‪ ،‬يريدون التحول إليه‪ : .‬قل لو كان‬
‫البحر‪ ‬أي ‪ :‬بحر الهيولى القابلة للصور الممدة لها في الظهور ‪ :‬مدادا لكلمات ربي‪ ‬من المعاني والحقائق والعيان‬
‫والرواح ‪ :‬لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي‪ ‬لكونها غير متناهية وامتناع وفاء المتناهي بغير المتناهي‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫سورة مريم‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬كهيعص‪ ‬قد تقدم فيما سلف أن كل طالب ينادي ربه ويدعوه إنما يستحق الجابة إذا دعاه بلسان الحال‪ ،‬وناداه باسمه‬
‫الذي هو مصدر مطلوبه بحسب اقتضاء استعداده في ذلك الحال‪ ،‬علم أو لم يعلم‪ ،‬إذ العطاء والفيض ل يكون إل‬
‫بحسب الستعداد‪ ،‬والستعداد ل يطلب إل مقتضى ذلك السم فيجيبه بتجلي ذلك السم الذي يجبر نقصه ويقضي‬
‫حاجته بإفادة مطلوبه كما أن المريض إذا قال ‪ :‬يا رب‪ ،‬فمراده ‪ :‬يا شافي‪ ،‬إذ الحق يبريه بذلك السم عند إجابته‪ .‬وكذا‬
‫ربه ليهب له وليا يقوم مقامه في أمر الدين‪ ،‬وتوسل‬ ‫‪‬‬ ‫الفقير إذا ناداه أجابه باسمه المغني إذ هو ربه‪ .‬فنادى زكريا‬
‫إليه بأمرين‪ ،‬واعتذر إليه معتل بأمرين‪ ،‬توسل بالضعف والشيخوخة والوهن والعجز عن القيام بأمر الدين في قوله ‪: :‬‬
‫‪‬وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا‪ ‬فأجابه باسمه الكافي فكفاه ضعفه وأعطاه القوة وأيده بالولد ثم بعنايته به قديما‬
‫بقوله ‪ : :‬ولم أكن بدعائك رب شقيا‪ ‬فأجابه باسمه الهادي وهداه إلى مطلوبه بالبشارة والوعد‪ ،‬لن العناية المقتضية‬
‫للسعادة المستلزمة لسلب الشقاوة‪ ،‬كما أشار إليها‪ ،‬يلزمها عبارة عن علمه تعالى في الزل بعين في الدم ويقتضي‬
‫باستعدادها سعادة تناسبها وهو عين إرادته تعالى ذلك الكمال لها عند وجودها فل بد من هداية لها إليه‪ ،‬والهداية إنما‬
‫تتم بالتوفيق‪ ،‬وهو ترتيب السباب الموافقة لذلك المطلوب المؤدية إليه‪ ،‬ولم يجدها موافقة ووجد خلفها فخاف واعتذر‬
‫إليه بالخوف من الموالي لعدم صلحيتهم لذلك‪ ،‬فأجابه باسمه الواقي‪ ،‬فوقاه شرهم‪ ،‬وبامتناع وجود الولي من نسله‬
‫لعدم السباب بقوله ‪ : :‬وكانت امرأتي عاقرا‪ ‬فأجابه باسمه العليم لنه علم عدم السباب الذي تعلل به محتجا بها‬
‫كذلك‬ ‫عن المسبب وعلم وجوده مع عدمها وما علمه ل بد من كونه‪ ،‬كما قالت الملئكة لمرأة إبراهيم ‪ : : ‬‬
‫قال ربك إنه هو الحكيم العليم‪] ‬الذاريات‪ ،‬الية ‪ .[30 :‬ولما بشره بالولد‪ ،‬وهداه إلى مقتضى العلم‪ ،‬تعجب منه‬
‫لضراوته في عالم السباب بالحكمة وكرر التعلل بعدم السباب بقوله ‪ : :‬أنى يكون لي غلم‪ ‬الخ‪ ،‬لنه كان يطلب‬
‫ولدا حقيقيا يلي أمره ويحذو حذوه ويسلك طريقه في القيام بأمر الدين وإن لم يكن من نسله لعدم أهلية مواليه لذلك‪،‬‬
‫فكرر البشارة وهداه إلى سهولة ذلك في قدرته‪ ،‬فالتمس علمة تدل عليه‪ ،‬فهداه إليها وأنجز وعده باسمه الصادق‬
‫فرحمه بهبة يحيى له‪ .‬فاقتضت الحوال الربعة مع حال الوعد والبشارة إجابته بالرحمة عليه بالسماء الخمسة‪ .‬فعلى‬
‫هذا يكون )ك( إشارة إلى الكافي الذي اقتضاه حال ضعفه وشيخوخته وعجزه و )ه( إشارة إلى الهادي الذي اقتضاه‬
‫عنايته به وإرادة مطلوبة له و )ي( إشارة إلى الواقي الذي اقتضاه حال خوفه من الموالي و )ع( إشارة إلى العالم الذي‬
‫اقتضاه إظهاره لعدم السباب و )ص( إشارة إلى الصادق الذي اقتضاه الوعد‪ .‬ومجموع السماء الخمسة هو ‪ :‬الرحيم‬
‫بهبة الولد‪ ،‬وإفاضة مطلوبه في هذه الحوال‪ .‬فذكر هذه الحروف وتعدادها إشارة إلى أن ظهور هذه الصفات التي‬
‫حصل بها هذه السماء هو ظهور رحمة عبده زكريا وقت ندائه وذكرها ذكر تلك الرحمة التي هي وجود يحيى ‪‬‬
‫‪.‬‬
‫ولهذا قال ابن عباس ‪‬ما ‪) :‬ك( عبارة عن الكافي و )ه( عن الهادي و )ي( عن الواقي و )ع( عن العالم و )ص(‬
‫عن الصادق وال علم‪ .‬والتطبيق أن يقال ‪ :‬نادى زكريا الروح في مقام استعداد العقل الهيولني نداء خفيا‪ ،‬واشتكى‬
‫ضعفه‪ ،‬وتوسل بعنايته‪ ،‬واشتكى خوف موالي القوى النفسانية وعقر امرأة النفس بولد القلب ‪ :‬فهب لي من لدنك‬
‫وليا يرثني ويرث من آل يعقوب‪ ‬العقل الفعال ‪ :‬واجعله رب رضيا‪ ‬موصوفا بالكمالت المرضية ‪ :‬نبشرك بغلم‪‬‬
‫القلب ‪ :‬اسمه يحيى‪ ‬لحياته أبدًا ‪ :‬رب اجعل لي آية‪ ‬أتوصل بها إليه ‪ :‬آيتك أل تكلم‪ ‬ناس الحواس بالشواغل‬
‫الحسية والمخالطة بالمور الطبيعية ‪ :‬فأوحى إليهم أن سبحوا‪ ‬أي ‪ :‬كونوا على عبادتكم المخصوصة بكل واحد‬
‫منكم بالرياضة وترك الفضول دائما‪ .‬يا يحيى‪ ‬القلب ‪ :‬خذ‪ ‬كتاب العلم‪ ،‬والمسمى بالعقل الفرقاني ‪ :‬وآتيناه‬
‫الحكم‪ ‬أي ‪ :‬الحكمة ‪ :‬صبيا‪ ‬قريب العهد بالولدة المعنوية ‪ :‬وحنانا من لدنا‪ ‬أي ‪ :‬رحمة بكمال تجليات الصفات ‪:‬‬
‫‪‬وزكاة‪ ‬أي ‪ :‬تقدسا وطهارة بالتجرد ‪ :‬وكان تقيا‪ ‬مجتنبا صفات النفس ‪ :‬وبرا بوالديه‪ ‬الروح والنفس ‪:‬‬
‫‪‬وسلم عليه‪ ‬أي ‪ :‬تنزه وتقدس عن ملبسة المواد ‪ :‬يوم ولد ويوم يموت‪ ‬بالفناء في الوحدة ‪ :‬ويوم يبعث‪ ‬بالبقاء‬
‫بعد الفناء ‪ :‬حيا‪ ‬بال‪ .‬واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا‪ ‬المكان الشرقي هو مكان العالم‬
‫القدسي لتصالها بروح القدس عند تجردها وانتباذها عن ممكن الطبيعة ومقر النفس وأهلها القوى النفسانية والطبيعية‪.‬‬
‫والحجاب الذي اتخذته من دونهم هو حظيرة القدس الممنوع من أهل عالم النفس بحجاب الصدر الذي هو غاية مبلغ‬
‫علم القوى المادية ومدى سيرها‪ ،‬وما لم تترق إلى العالم القدسي بالتجرد لم يمكن إرسال روح القدس إليها‪ ،‬كما أخبر‬
‫عنه تعالى في قوله ‪ : :‬فأرسلنا إليها روحنا‪ ‬وإنما تمثل لها بشرا سوي الخلق‪ ،‬حسن الصورة‪ ،‬لتتأثر نفسها به‬
‫وتستأنس فتتحرك على مقتضى الجبلة ويسري الثر من الخيال في الطبيعة فتتحرك شهوتها‪ ،‬فتنزل كما يقع في المنام‬
‫من الحتلم وتنقذف نطفتها في الرحم فيتخلق منه الولد‪ .‬وقد مر أن الوحي قريب من المنامات الصادقة لهذه القوة‬
‫البدنية وتعطلها عن أفعالها عنده كما في النوم‪ ،‬فكل ما يرى في الخيال من الحوال الواردة على النفس الناطقة المسماة‬
‫في اصطلحنا ‪ :‬قلبا‪ ،‬والتصالت التي لها بالرواح القدسية يسري في النفس الحيوانية والطبيعية وينفعل منه البدن‪.‬‬
‫وإنما أمكن تولد الولد من نطفة واحدة لنه ثبت في العلوم الطبيعية أن مني الذكر في تكون الولد بمنزلة النفحة في‬
‫الجبن‪ ،‬ومني النثى بمنزلة اللبن أي ‪ :‬العقد من مني الذكر‪ ،‬والنعقاد من مني النثى ل على معنى أن مني الذكر‬
‫ينفرد بالقوة العاقدة ومني النثى بالقوة المنعقدة‪ .‬بل على معنى أن القوة العاقدة في مني الذكر أقوى والمنعقدة في مني‬
‫النثى أقوى وإل لم يمكن أن يتحدا شيئا واحدا‪ .‬ولم ينعقد مني الذكر حتى يصير جزء من الولد‪ ،‬فعلى هذا إذا كان‬
‫مزاج النثى قويا ذكوريا كما تكون امزجة النساء الشريفة النفس‪ ،‬القوية القوى‪ ،‬وكان مزاج كبدها حارا كان المني‬
‫المنفصل عن كليتها اليمنى أحر كثيرا من الذي ينفصل عن كليتها اليسرى‪ ،‬فإذا اجتمعا في الرحم وكان مزاج الرحم‬
‫قويًا في المساك والجذب‪ .‬قام المنفصل من الكلية اليمنى مقام الذكر في شدة قوة العقد والمنفصل من الكلية اليسرى‬
‫مقام مني النثى في قوة النعقاد فيتخلق الولد‪ ،‬هذا وخصوصًا إذا كانت النفس متأيدة بروح القدس‪ ،‬متقوية‪ ،‬يسري أثر‬
‫اتصالها به إلى الطبيعة والبدن ويغير المزاج ويمد جميع القوى في أفعالها بالمدد الروحاني فيصير أقدر على أفعالها‬
‫بما ل ينضبط بالقياس وال أعلم‪.‬‬
‫‪‬ولنجعله آية للناس‪ ‬دالة على البعث والنشور ‪ :‬ورحمة منا‪ ‬عليهم بتكميلهم به بالشرائع والحكم والمعارف‬
‫وهدايتهم بسبب فعلنا ذلك فهو صورة الرحمة اللهية المعنوية ‪ :‬وكان أمرا مقضيا‪ ‬في اللوح‪ ،‬مقدرا في الزل‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬فاطمأنت إليه بقوله ‪ : :‬إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما زكيا‪ ‬فدنا منها‪ ،‬فنفخ في جيب الدرع‪،‬‬
‫أي ‪ :‬البدن‪ ،‬وهو سبب إنزالها على ما ذكرنا كالغلمة مثل والمعانقة التي كثيرا ما تصير سببا للنزال‪ .‬وقيل ‪ :‬إن‬
‫عند نزوله واتصاله بها وتعلقه بنطفتها‪ ،‬والحق إنه روح القدس لنه كان‬ ‫‪‬‬ ‫الروح المتمثل لها هو روح عيسى‬
‫السبب الفاعلي لوجوده‪ ،‬كما قال ‪ : :‬لهب لك غلما زكيا‪ .‬واتصال روح عيسى بالنطفة إنما يكون بعد حصول‬
‫النطفة في الرحم واستقرارها فيه ريثما تمتزج وتتحد وتقبل مزاجا صالحا لقبول الروح ‪ :‬فانتبذت به‪ ‬أي ‪ :‬معه ‪:‬‬
‫‪‬مكانا قصيا‪ ‬أي ‪ :‬بعيدا من المكان الول الشرقي لنها وقعت به في المكان الغربي الذي هو عالم الطبيعة والفق‬
‫الجسماني‪ ،‬ولهذا قال ‪ : :‬فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة‪ ‬نخلة النفس ‪ :‬فناداها من تحتها‪ ‬أي ‪ :‬ناداها جبريل‬
‫من الجهة السفلية بالنسبة إلى مقامها من القلب‪ ،‬أي ‪ :‬من عالم الطبيعة الذي كان حزنها من جهته وهو الحمل الذي هو‬
‫سبب تشورها وافتضاحها ‪ :‬أل تخزني قد جعل ربك تحتك سريا‪ ‬أي ‪ :‬جدول من غرائب العلم الطبيعي وعلم توحيد‬
‫الفعال الذي خصك ال بها واصطفاك كما رأيت من تولد الجنين من نطفتك وحدها‪ : .‬وهزي إليك بجذع‪ ‬نخلة‬
‫نفسك التي بسقت في سماء الروح باتصالك بروح القدس‪ ،‬واخضرت بالحياة الحقيقية بعد يبسها بالرياضة وجفافها‬
‫بالحرمان عن ماء الهوى وحياته‪ ،‬وأثمرت المعارف والمعاني‪ ،‬أي حركيها بالفكر ‪ :‬تساقط عليك‪ ‬من ثمرات‬
‫المعارف والحقائق ‪ :‬رطبا جنيا فكلي‪ ‬أي ‪ :‬من فوقك رطب الحقائق والمعارف اللهية وعلم تجليات الصفات‬
‫والمواهب والحوال ‪ :‬واشربي‪ ‬من تحتك ماء العلم الطبيعي وبدائع الصنع وغرائب الفعال اللهية وعلم التوكل‬
‫وتجليات الفعال والخلق والمكاسب‪ ،‬كما قال تعالى ‪ : :‬لكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم‪] ‬المائدة‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ : [66‬وقري عينا‪ ‬بالكمال والولد المبارك الموجود بالقدرة‪ ،‬الموهوب بالعناية ‪ :‬فإما ترين من البشر أحدا‪ ‬أي ‪:‬‬
‫من أهل الظاهر المحجوبين عن الحقائق بظواهر السباب وبالصنع والحكمة عن البداع والقدرة الذين ل يفهمون‬
‫قولك ول يصدقون بك وبحالك لوقوفهم مع العادة‪ ،‬واحتجابهم بالعقول المشوبة بالوهم المحجوبة عن نور الحق ‪:‬‬
‫‪‬فقولي إني نذرت للرحمن صوما‪ ‬أي ‪ :‬ل تكلميهم في أمرك شيئا ول تماديهم فيما ل يمكنهم قبوله حتى ينطق هو‬
‫بحاله‪ .‬والسلم علي‪ ‬في المواطن الثلثة كما على يحيى لكون ذاتي مجردة مقدسة ل تحتجب بالمواد حتى في‬
‫الطفولة‪ ،‬إذ معنى السلم ‪ :‬التنزه عن العيوب اللحقة بواسطة تعلق المادة ‪ :‬ذلك عيسى ابن مريم قول الحق‪ ‬أي ‪:‬‬
‫كلمته التي هي عبارة عن ذات مجردة أزلية‪ ،‬كما مر غير مرة‪ : .‬ما كان ل أن يتخذ من ولد‪ ‬لمتناع وجود شيء‬
‫آخر معه ‪ :‬سبحانه‪ ‬عن أن يوجد معه شيء ‪ :‬فإنما يقول له كن فيكون‪ ‬أي ‪ :‬يبدعه بمجرد تعلق إرادته به من غير‬
‫زمان‪) .‬إنا نحن نرث الرض ومن عليها‪ ‬في القيامة الكبرى بالفناء المطلق والشهود الذاتي‪ .‬الصدق أصل كل فضيلة‪،‬‬
‫وملك كل كمال‪ ،‬وخميرة كل مقام‪ ،‬واستعداد كل موهبة‪.‬‬
‫‪‬لم تعبد ما ل يسمع ول يبصر‪ ‬مما سوى ال من الكوان التي تطلبها وتنسب التأثير إليها ‪ :‬ول يغني عنك شيئا‪‬‬
‫في الحقيقة لعدم تأثيره‪ : .‬قد جاءني من العلم‪ ‬أي ‪ :‬التوحيد الذاتي ‪ :‬سلم عليك‪ ‬أي ‪ :‬جرد ال ذاتك عن المواد‬
‫التي احتجبت بها ‪ :‬سأستغفر لك ربي‪ ‬سأطلب منه ستر ذاتك بنوره ومحو غشاوات صفاتك بصفاته ودناءة هيئات‬
‫نفسك بأفعاله إن أمكن ‪ :‬إنه كان مخلصا‪ ‬بالكسر‪ ،‬أي ‪ :‬مجردا ذاته وعلمه في السلوك لوجه ال لم يلتفت إلى ما‬
‫سواه من وجهة حتى صفاته تعالى‪ ،‬بل نفاها عن ذاته‪ ،‬وهو ‪ :‬ما زاغ البصر وما طغى‪ ‬بقوله ‪ : :‬أرني أنظر إليك‪‬‬
‫]العراف‪ ،‬الية ‪ .[143 :‬ومخلصا بالفتح‪ ،‬أي ‪ :‬أخلصه ال عن أنانيته وأفنى البقية منه فخلص من الطغيان المذكور‬
‫بالتجلي الذاتي التام‪ ،‬واستقام بتمكين ال إياه كما قال ‪ : :‬فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق‬
‫قال سبحنك تبت إليك‪] ‬العراف‪ ،‬الية ‪ [143‬من ذنب ظهور النانية ‪ :‬وكان رسول نبيا‪ ‬مقام الرسالة دون مقام‬
‫النبوة لكونها مبينة للحكام كالحلل والحرام‪ ،‬منبهة على الوضاع كالصلة والصيام فهي متعلقة ببيان أحكام‬
‫المكلفين‪ .‬وأما النبوة فهي عبارة عن النباء عن المعاني الغيبية كأحوال المعاد والبعث والنشور والمعارف اللهية‬
‫كتعريف الصفات والسماء وما يليق بال من التحميدات والتمجيدات والولية فوقهما جميعا لكونها عبارة عن الفناء‬
‫في ذات ال من غير اعتبار الخلق فهي اشرف المقامات لكونها تتقدم عليهما لنها ما لم تحصل أول لم تمكن النبوة ول‬
‫الرسالة لكونها مقومة إياهما ولهذا قدم كونه مخلصا في القرآن بالفتح‪ ،‬وأخرت النبوة عن الرسالة لكونها أشرف وأدل‬
‫على المدح والتعظيم منها ولم يؤخر الولية عنهما باعتبار الشرف لنها وإن كانت اشرف لكنها باطنة ل يعرف‬
‫شرفها وفضلها إل الفراد من العرفاء المحققين المخصوصين بدقة النظر دون غيرهم فل يفيد المدح والتعظيم ول‬
‫القتصار عليها بقوله مخلصا وإن كانت أشرف لنها قد توجد بدونهما بخلف العكس‪ ،‬فل يحسن وصفه إل على هذا‬
‫الترتيب‪ : .‬وناديناه من جانب الطور اليمن‪ ‬أي ‪ :‬طور وجوده الذي هو نهاية طور القلب في مقام السر الذي هو‬
‫محل المناجاة‪ ،‬ولهذا قال ‪ : :‬وقربناه نجيا‪ ‬وسمي كليم ال‪ .‬وإنما وصفه باليمن الذي هو الشرف والقوى والكثر‬
‫بركة احترازا عن جانبه اليسر الذي هو الصدر‪ ،‬لن الوحي إنما يأتي من عالم الروح الذي هو الوادي المقدس‪.‬‬
‫‪‬ورفعناه مكانا عليا‪ ‬إن كان بمعنى المكانة فهو قربه من ال ورتبته في مقام الولية من عين الجمع‪ ،‬وإن كان بمعنى‬
‫لما ذكر من كونه مركز روحه في الصل والمبدأ الول لفيضانه‬ ‫‪‬‬ ‫المكان فهو الفلك الرابع الذي هو مقر عيسى‬
‫إذا فاض عن محرك فلك الشمس ومعشوقه ‪ :‬إذا تتلى عليهم آيات الرحمن‪ ‬سمعوا بالنفس من كل آية ظاهرها‪،‬‬
‫وبالقلب باطنها‪ ،‬وفهموا بالسر حدها‪ ،‬وصعدوا بالروح مطلعها‪ ،‬فشاهدوا المتكلم موصوفا بالصفة التي تجلى بها في‬
‫الية ف ‪ :‬خروا سجدا‪ ‬فنوا في ذلك السم الذي تجلى به عند ظهوره بتلك الصفة الكاشفة عنها تلك الية‪ ،‬وبكوا‬
‫اشتياقا إلى مشاهدته بسائر الصفات المشتمل عليه الرحمن أو ال وهو بكاء القلب إن لم يكن مستلزما لبقاء النفس من‬
‫خوف البعد‪ ،‬كما قال الشاعر ‪) % :‬ويبكي إن نأوا شوقا إليهم ‪ %‬ويبكي إن دنوا خوف الفراق( ‪ %‬أضاعوا صلة‬
‫الحضور لكونهم في مقام النفس‪ ،‬والحضور إنما يكون بالقلب‪ ،‬ول صلة إل به‪ .‬ولذلك الحتجاب بصفات النفس عن‬
‫مقام القلب لزم اتباع الشهوات ‪ :‬فسوف يلقون غيا‪ ‬شرا وضلل إذ كلما أمعنوا في اتباعها ازداد حجابهم فازداد‬
‫ضللهم وارتكبت الذنوب على الذنوب‪ ،‬فازداد تورطهم فيها‪ ،‬كما قال عليه الصلة والسلم ‪ ' :‬الذنب بعد الذنب عقوبة‬
‫للذنب الول '‪ : .‬إل من تاب‪ ‬عن الذنب الول فرجع إلى مقام القلب ‪ :‬وآمن‪ ‬باليقين ‪ :‬وعمل صالحا‪ ‬باكتساب‬
‫الفضيلة ‪ :‬فأولئك يدخلون الجنة‪ ‬المطلقة بحسب استحقاقهم ودرجتهم في اليمان والعمل ‪ :‬ول يظلمون‪ ‬أي ‪ :‬ل‬
‫ينقضون مما اقتضاه حالهم ومقامهم ‪ :‬شيئا‪.‬‬
‫‪‬جنات عدن‪ ‬مرتبة بحسب درجاتهم في مقام النفس والقلب والروح ‪ :‬التي وعد الرحمن‪ ‬المفيض بجلئل النعم‬
‫وأصولها وعمومها ‪ :‬عباده بالغيب‪ ‬في حالة كونهم غائبين عنها ‪ :‬إل سلما‪ ‬أي ‪ :‬ما يسلمهم من النقائض‬
‫ويجردهم عن المواد من المعارف والحكم ‪ :‬ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا‪ ‬أي ‪ :‬دائما أو بكرة في جنة القلب وقت‬
‫ظهور نور شمس الروح‪ ،‬وعشيا في جنة النفس وقت غروبه‪ : .‬تلك الجنة‪ ‬المطلقة التي تقع على واحدة منها ‪:‬‬
‫‪‬التي نورث من عبادنا من كان تقيا‪ ‬مطلقا بحسب تقواه‪ ،‬فإن اتقى الرذائل والمعاصي نورثه جنة النفس أي جنة‬
‫الثار‪ ،‬وإن اتقى أفعاله بالتوكل فله جنة القلب وحضور تجليات الفعال‪ ،‬وإن اتقى صفاته في مقام القلب فله جنة‬
‫الصفات‪ ،‬وإن اتقى ذاته ووجوده بالفناء في ال فله جنة الذات‪ : .‬وما نتنزل إل بأمر ربك‪ ‬تنزل الملئكة واتصال‬
‫النفس بالمل العلى إنما يكون بأمرين ‪ :‬استعداد أصلي وصفاء فطري يناسب به جوهر الروح العالم العلى‪،‬‬
‫واستعداد حالي بالتصفية والتزكية ول يكفي مجرد حصولها فيه‪ ،‬بل المعتبر هو الملئكة‪ .‬أل ترى إلى قوله ‪ : :‬إن‬
‫الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة‪] ‬فصلت‪ ،‬الية ‪ [30 :‬كيف رتب التنزل على الستقامة التي هي‬
‫التمكين الدال على الملكة‪ .‬وإلى قوله في تنزل الشياطين ‪ : :‬تنزل على كل أفاك أثيم‪] ‬الشعراء‪ ،‬الية ‪ [222‬كيف‬
‫أورد في حصول استعداد تنزلهم بناء المبالغة الدال على الملكة والدوام فكذا ل تتنزل الملئكة إل على الصديق الخير‪.‬‬
‫وهذا الستعداد الثاني إذا اجتمع مع الول كان علمة إذن الحق وأمره‪ ،‬إذ الفيض عام‪ ،‬تام‪ ،‬غير منقطع‪ ،‬فحيث تأخر‬
‫إنما تأخر لعدم الستعداد‪ ،‬فلذا لما استبطأ الوحي وقل صبره نزلت‪ ،‬أي ‪ :‬ما نتنزل باختيارنا بل باختياره‪ ،‬وأمره ليس‬
‫إل‪ : .‬له ما بين أيدينا‪ ‬من أطوار الجبروت التي فوقنا وتتقدم أطوارنا التي وجوهنا إليها ول يحيط علمنا بها ‪:‬‬
‫‪‬وما خلفنا‪ ‬من أطوار الملكوت الرضية التي دون أطوارنا ‪ :‬وما بين ذلك‪ ‬من الطوار الملكوتية التي نحن فيها‪،‬‬
‫كلهم في ملكة قهره وتحت سلطنة أمره وإحاطة علمه ‪ :‬وما كان ربك نسيا‪ ‬ينسى شيئا يستعد لكمال فل يفيض عليه‬
‫أو تاركا لمستحق بدون حقه بل يحيط بكل الستعدادات علما ويفيض الكمال عليها وينزل متقضاها مع الحصول دفعة‬
‫فإن تأخر الوحي فإنما كان من جهتك ل من جهته هو ‪‬رب السماوات والرض وما بينهما‪ ‬يرب كل منهما باسم يخصه‬
‫ويدبره ويفيض ما يقتضيه حاله عليه فيرب الكل بجميع أسمائه ‪ :‬فاعبده‪ ‬بعبادتك التي يقتضيها حالك حتى تستعد‬
‫لقبول الفيض ونزول الوحي ول يكفي وجود العبادة بتهيئة الستعداد بالتصفية مرة أو مرتين بل الدوام على ذلك‬
‫معتبر‪ ،‬فدم على ذلك الصفاء الموجب للقبول ‪ :‬واصطبر‪ ‬لعبادته بالتوجه إليه على الدوام ‪ :‬هل تعلم له سميا‪‬‬
‫مثل‪ ،‬فتلتفت إليه وتقبل بوجهك نحوه فيفيض عليك مطلوبك‪ .‬ولم يك شيئا‪ ‬في عالم الشهادة محسوسا أو شيئا يعتد‬
‫به‪ ،‬كما قال ‪ : :‬لم يكن شيئا مذكورا‪] ‬النسان‪ ،‬الية ‪ [1 :‬لن الوجود العيني في الزل قبل الخلق كل وجود‬
‫لنطماسه في عين الجمع ‪ :‬لنحشرنهم والشياطين‪ ‬أي ‪ :‬لنحشرن المحجوبين المنكرين للبعث مع الشياطين الذي‬
‫أغووهم وأضلوهم عن الحق لن نفوس المحجوبين تناسب في الكدورة والبعد عن النور نفوس الشياطين‪ ،‬فبالضرورة‬
‫يحشرون معهم خصوصا إذا اتبعوهم في العتقاد ‪ :‬ثم لنحضرنهم حول جهنم‪ ‬الطبيعة في العالم السفلي لحتجابهم‬
‫بالغواشي الهيولنية والغواسق الظلمانية في الهياكل السجنية مقرنين في الصفاد‪ ،‬سرابيلهم من قطران ‪ :‬جثيا‪‬‬
‫لعوجاج هياكلهم بسبب عوج نفوسهم فل يستطيعون قياما ‪ :‬ثم لننزعن من كل شيعة‪ ‬أي ‪ :‬لنخصن من كل فرقة‬
‫من هو أشد عتيا على الرحمن بعذاب أشد على ما علمنا من حاله‪ ،‬فنحن أعلم به منه‪ ،‬فنصليه بعذاب هو أولى به‪: .‬‬
‫‪‬وإن منكم إل واردها‪ ‬أي ‪ :‬ل بد لكل أحد عند البعث والنشور أن يرد عالم الطبيعة لكونها مجاز عالم القدس ‪:‬‬
‫‪‬كان على ربك حتما مقضيا‪ ‬أي ‪ :‬حكما جزما‪ ،‬مقطوعا به‪ .‬ومن بعث برد روحه إلى الجسد ل يمكنه الجواز على‬
‫الصراط إل بالجواز على جهنم‪ ،‬لن المؤمن لما جاء أطفأ نوره لهبها فلم يشعر بها‪ .‬كما روي أنها تقول ‪ :‬جز يا مؤمن‬
‫فإن نورك أطفأ لهبي‪ .‬ولو سألته بعد دخول الجنة ‪ :‬كيف كان حالك في النار ؟ لقال ‪ :‬ما أحسست بها‪ .‬كما سئل الصادق‬
‫‪ :‬أتردونها أنتم أيضا ؟ فقال ‪ :‬جزناها وهي خامدة‪ .‬وعن ابن عباس ‪ :‬يردونها كأنها أهالة‪ .‬وعن جابر بن عبد‬ ‫‪‬‬
‫عن ذلك فقال ‪ ' :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض ‪ :‬أليس وعدنا ربنا أن نرد‬ ‫ال أنه سأل رسول ال ‪‬‬
‫النار ؟ فيقال لهم ‪ :‬وردتموها وهي خامدة '‪ .‬وعنه رحمه ال انه سئل عن هذه الية فقال ‪ :‬سمعت رسول ال ‪‬‬
‫يقول ‪ :‬الورود الدخول ل يبقى بر ول فاجر إل دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلما كما كانت على إبراهيم ‪‬‬
‫حتى أن للنار ضجيجا من بردها '‪ .‬وأما قوله ‪ : :‬أولئك عنها مبعدون‪] ‬النبياء‪ ،‬الية ‪ [101 :‬فالمراد عن عذابها‪: .‬‬
‫‪‬ثم ننجي الذين اتقوا‪ ‬لتجردهم بالجواز على الصراط الذي هو سلوك طريق العدالة إلى التوحيد كالبرق ‪ :‬ونذر‬
‫الظالمين‪ ‬الذين نقصوا نور استعدادهم في الظلمات أو وضعوه غير موضعه ‪ :‬فيها جثيا‪ ‬ل حراك بهم لتوردهم في‬
‫‪ ' :‬الظلم ظلمات يوم القيامة '‪ .‬ويزيد ال الذين اهتدوا هدى‪ ‬أي ‪ :‬كما يمد أهل‬ ‫‪‬‬
‫المواد الظلمانية كما قال‬
‫الضللة في ضللتهم بالخذلن مدا يزداد فيه ضللهم واحتجابهم كلما أمعنوا في جهلهم ورذائلهم كذلك يزيد ال‬
‫‪ ' :‬من عمل بما علم أورثه ال‬ ‫‪‬‬ ‫المهتدين بالتوفيق كلما عملوا بما علموا استعدوا لقبول علم آخر فورثوه كما قال‬
‫علم ما لم يعلم '‪ .‬فيزيدهم عند العمل بمقتضى العلم اليقيني عين اليقين‪ ،‬وعند العمل بمقتضاه حق اليقين ‪ :‬والباقيات‬
‫الصالحات‪ ‬من العلوم والفضائل ‪ :‬خير عند ربك ثوابا‪ ‬لدائها إلى التجليات الوصفية والجنات القلبية ‪ :‬وخير‬
‫مردا‪ ‬بالرجوع إلى الذات الحدية‪ .‬ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا‪ ‬قد مر في باب تنزل‬
‫الملئكة أن النفس الخيرة تستمد من الملكوت والملئكة السماوية لتصالها بهم في الصفاء والتجرد والنورية‪،‬‬
‫والنفوس الشريرة تستمد من النفوس المظلمة الرضية لمناسبتها إياهم ومجانستها لهم في الظلمة والكدورة والخبث‪،‬‬
‫من شدة ظلمتهم وتماديهم في الغواية والحتجاب‪ ،‬حيث تنزل عليهم الشياطين دائما فتؤزهم‬ ‫‪‬‬ ‫فتعجب رسول ال‬
‫أي ‪ :‬تحرضهم وتخذلهم بإلقاء الوساوس والهواجس من أنواع الشر على التوالي ‪ :‬إنما نعد لهم عدا‪ ‬أي ‪ :‬أنفاسهم‬
‫المقربة لهم إلى المصير إلى وبال كفرهم وأعمالهم وعذاب هيئاتهم وعقائدهم‪ ،‬فإن لكل أجل معينا سيصير إليه عن‬
‫قريب‪ : .‬يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا‪ ‬إنما ذكر اسم الرحمن لعموم رحمته بحسب مراتب تقواهم كما ذكر‬
‫في قوله ‪ : :‬من كان تقيا‪] ‬مريم‪ ،‬الية ‪ ،[63 :‬ولهذا لما سمعها بعض العارفين قال ‪ :‬ومن كان مع الرحمن فإلى من‬
‫يحشر ؟ فأجابه بعضهم بقوله ‪ :‬من اسم الرحمن إلى اسم الرحمن ومن اسم القهار إلى اسم اللطيف‪ .‬فإن المتقي عن‬
‫المعاصي والرذائل وصفات النفس الذي هو في أول درجة التقوى قد يحشر إلى الرحمن في جنة الفعال ثم الصفات‬
‫ثم بعد الوصول إلى ال في جنة الصفات له سير في ال بحسب تجليات الصفات‪ ،‬وإذا انتهى السير إلى الذات يكون‬
‫السير سير ال ‪ :‬وفدا‪ ‬مكرمين‪ : .‬ونسوق المجرمين‪ ‬لعمالهم الخبيثة ‪ :‬إلى جهنم‪ ‬الطبيعة ‪ :‬وردا‪ ‬كأنهم إبل‬
‫عطاش فيوردهم النار ‪ :‬ل يملكون الشفاعة إل من اتخذ عند الرحمن عهدا‪ ‬هذا العهد هو ما عاهد ال أهل اليمان‬
‫من الوفاء بالعهد السابق بالتوبة والنابة إليه في الصفاء الثاني بعد الصفاء الول‪ ،‬وذلك النسلخ عن حجب صفات‬
‫النفس والتصاف بصفات الرحمن والتصال بعالم القدس الذي هو حضرة الصفات ولهذا ذكر اسم الرحمن المعطي‬
‫لصول النعم وجلئلها المشتمل على سائر الصفات اللطيفة‪ ،‬أي ‪ :‬ليملك أحد أن يشفع له بالمداد الملكوتية والنوار‬
‫القدسية إل من استعد لقبول الرحمة الرحمانية واتصل بالجناب اللهي بالعهد الحقيقي‪ .‬وعن ابن مسعود أن النبي ‪‬‬
‫قال لصحابه ذات يوم ‪ ' :‬أيعجز أحدكم أن يتخذ عند كل صباح ومساء اللهم فاطر السموات والرض‪ ،‬عالم الغيب‬
‫والشهادة‪ ،‬أني أعهد إليك أني أشهد أن ل إله إل أنت‪ ،‬وحدك ل شريك لك‪ ،‬وأن محمدا عبدك ورسولك‪ ،‬وأنك إن تكلني‬
‫إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير‪ ،‬وإني ل أثق إل برحمتك‪ ،‬فاجعل لي عهدا تؤتنيه يوم القيامة‪ ،‬إنك ل‬
‫تخلف الميعاد '‪ : .‬إن كل من في السماوات والرض إل آتي الرحمن عبدا‪ ‬لكونهم في حيز المكان ومكمن العدم ل‬
‫وجود لهم ول كمال إل به‪ ،‬أفاض باسم الرحمن وجوداتهم وكمالتهم‪ ،‬فهم أنفسهم ليسوا شيئا‪ ،‬فلو لم يعبدوه حق عبادته‬
‫باستعدادات أعيانهم في العدم لما وجدوا‪ ،‬ولو لم يعبدوه بعد الوجود بالقيام بحقوق نعمه التي أنعمها عليهم لما كملوا‪،‬‬
‫فهم مربوبون‪ ،‬مجبورون وفي طي قهره وملكته مقهورون‪ : .‬لقد أحصاهم‪ ‬في الزل بإفادة أعيانهم واستعداداتهم‬
‫الزلية من فيضه القدس وتعيينها بعلمه ‪ :‬وعدهم عدا‪ ‬فماهياتهم وحقائقهم إنما هي صور معلومات ظهرت في‬
‫العدم بمحض عالميته وبرزت إلى الوجود بفيض رحمانية‪ ،‬فكيف تماثله وتناسبه‪ : .‬وكلهم آتيه يوم القيامة‪ ‬الصغرى‬
‫منفردا مجردا عن السباب والعوان كما كان في النشأة الولى ويوم القيامة الوسطى ‪ :‬فردا‪ ‬من العلئق البدنية‬
‫مجردًا عن الصفات النفسانية والقوى الطبيعية‪ .‬وأما في القيامة الكبرى فكل من عليها فان‪ ،‬ويبقى وجه ربك ذو الجلل‬
‫والكرام‪ .‬إن الذين آمنوا‪ ‬اليمان الحقيقي العلمي أو العيني ‪ :‬وعملوا الصالحات‪ ‬من العمال المزكية المصفية‬
‫المعدة لقبول تجليات الصفات بالتجرد عن ملبس صفاتهم ‪ :‬سيجعل لهم الرحمن ودا‪ ‬كما قال ‪ ' :‬ل يزال العبد‬
‫يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش ها '‪.‬‬
‫وفي الحقيقة هذا الود أثر ونتيجة العناية الولى المستفادة من قوله ‪ : :‬يحبهم ويحبونه‪] ‬المائدة‪ ،‬الية ‪ ،[54 :‬فإذا‬
‫أحبه قبل الظهور في مكمن الغيب بمحبة الجتباء ألزمه حبه ل عند البروز وحركه إلى الوفاء بالعهد السابق فتجدد‬
‫ذلك العهد بالعقد اللحق الذي هو العهد مع ال بالوفاء بذلك في متابعة الحبيب المطلق كما قال ‪ : :‬قل إن كنتم‬
‫تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم وال غفور رحيم‪] ‬آل عمران‪ ،‬الية ‪ .[31 :‬وإن صحت المتابعة في‬
‫العمال والحوال أحبه ال بمحبة الصطفاء فوق المحبة التي هي ثمرة المحبة الولى لكون الولى عينية كامنة‬
‫ولكونها كمالية بارزة وقعت محبته في قلوب الخلق وظهر له القبول عند أهل اليمان الفطري‪ .‬وعن رسول ال‬
‫‪ :‬إذا أحب ال عبدا يقول ال تعالى ‪ :‬يا جبريل قد أحببت فلنا فأحبه‪ ،‬فيحبه جبريل‪ ،‬ثم ينادي في أهل السماء ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫أن ال تعالى قد أحب فلنا فأحبوه‪ ،‬فيحبه أهل السماء‪ ،‬ثم يضع له المحبة في الرض '‪ .‬وعن قتادة ‪ :‬ما أقبل عبد إلى‬
‫ال إل أقبل ال بقلوب العباد إليه‪ .‬وهذا معنى قوله ‪ : :‬سيجعل لهم الرحمن ودا‪ ‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة طه ‪‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫من شدة حنوه وتعطفه على قومه لكونه‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬طه‪ ‬الطاء إشارة إلى الطاهر‪ ،‬والهاء إلى الهادي‪ .‬وذلك أن النبي‬
‫صورة الرحمة ومظهر المحبة‪ ،‬تأسف من عدم تأثير التنزيل في إيمانهم واستشعر البقية كما ذكر في قوله ‪ : :‬فلعلك‬
‫باخع نفسك علىءاثارهم‪] ‬الكهف‪ ،‬الية ‪ .[6 :‬وزاد في الرياضة فكان يحيي الليالي بالتهجد وبالغ في القيام حتى‬
‫تورمت قدماه فأخبر أن عدم إيمانهم ليس من جهتك بل من جهتهم وغلظ حجابهم أعدم استعدادهم ل لبقاء صفات نفسك‬
‫أو بقية أنانيتك أو وجود نقصك وقصورك في الهداية كما استشعرت فل تتعب نفسك‪ .‬ونودي باسمين من أسماء ال‬
‫تعالى دالين على نزاهته عن المرين المذكورين وجود البقية أو القصور عن الهداية فقيل ‪ :‬يا طاهر عن لوث البقية‪،‬‬
‫يا هادي ‪ :‬ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى‪ ‬وتتعب بالرياضة لكن لتذكير من يلين قلبه ويستعد لقبوله بعد صفائك‬
‫وطهارتك وقد حصل المران بحمد ال وكنت كامل مكمل‪ .‬وما المقصود بالرياضة إل هذان المران اللذان ظهرا فيك‬
‫تجلينا عليك بالسمين المذكورين فلم تتعب نفسك وإنما لم يحصل الهتداء بهدايتك لقسوة القلوب التي هي ضد الخشية‬
‫واللين الذي هو شرط في حصوله ل لقصورك‪ .‬ويجوز أن يكون قسما ل نداء‪ ،‬أي ‪ :‬أقسم بالسمين اللذين يربه بهما‬
‫ويتجلى بهما له لفادة التزكية والتخلية إذ المقصود بالنزال حصول أثرهما فيك ل التعب والمشقة وقد حصل فل‬
‫تفرط في الرياضة‪ ،‬ولهذا المعنى سمي آل محمدا ‪ :‬آل طه‪ ،‬أي بحصول المعنيين لهم وظهور مسمى السمين فيهم ‪:‬‬
‫‪‬تنزيل ممن خلق الرض‪ ‬إلى قوله ‪ : :‬له السماء الحسنى‪ ‬معناه ‪ :‬أنزلناه تنزيل ممن اتصف بجميع الصفات‬
‫الجمالية والجللية فكان لذاتك نصيب من جميعها وإل لما أمكنك قبوله وحمله إذ الثر الوارد ل بد وأن يناسب المورد‬
‫كما ناسب المصدر‪ ،‬فلما كان مصدره الذات الموصوفة بجميع السماء الحسنى وجب أن يكون مورده الذي هو ذاتك‬
‫كذلك موصوفة بها‪ ،‬فكما خلق السموات العل والرض أي ‪ :‬عالم الرواح وعالم الجسام الذي هو الجسم المطلق‬
‫وجعلها حجب جلله الساترة لجماله كذلك حجبك بسموات طبقات غيوبك من الحجب السبعة المذكورة التي هي‬
‫روحانيتك ومراتب كمالك وأرض شهادتك التي هي بدنك‪ : .‬الرحمن‪ ‬أي ‪ :‬ربك الجليل‪ ،‬المحتجب بححب‬
‫المخلوقات لجلله‪ ،‬الجميل‪ ،‬المتجلي بجمال رحمته على الكل‪ ،‬إذ ل يخلو شيء من الرحمة الرحمانية وإل لم يوجد‪.‬‬
‫ولهذا اختص الرحمن به دون الرحيم لمتناع عموم الفيض للكل إل منه‪ ،‬فكما استوى على عرش وجود الكل بظهور‬
‫الصفة الرحمانية فيه وظهور أثرها أي ‪ :‬الفيض العام منه إلى جميع الموجودات فكذا استوى على عرش قلبك بظهور‬
‫جميع صفاته فيه ووصول أثرها منه إلى جميع الخلئق‪ ،‬فصرت رحمة للعالمين وصارت نبوتك عامة خاتمة‪ .‬فمعنى‬
‫استواء ‪ :‬ظهوره فيه سويا تاما إذا ل يطابق كلها مظهر غيره فل يستوي ول يستقيم إل عليه‪ ،‬ولذلك لم يكن له ‪‬‬
‫ظل إذ لم يبق من ذاته مع صفاته بقية لم تتحقق بالحق بالبقاء بعد الفناء التام‪ .‬له ما في السماوات‪ ‬إلى قوله ‪: :‬‬
‫‪‬وما تحت الثرى‪ ‬بيان لشمول قهره وملكته للكل‪ ،‬أي ‪ :‬كلها تحت ملكته وقهره وسلطنته وتأثيره ل توجد ول تتحرك‬
‫ول تسكن ول تتغير ول تثبت إل بأمره وكذلك فنيت بالكلية مقهورة بوحدانيته وفناء قهاريته ل تسمع ول تبصر ول‬
‫تبطش ول تمشي إل به وبأمره‪ : .‬وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى‪ ‬بيان لكمال لطفه أي ‪ :‬علمه نافذة في‬
‫الكل يعلم ظواهرها وبواطنها والسر وسر السر‪ ،‬فكذلك إن تجهر وإن تخفت فيعلمه بجهر وبخفت‪ .‬ولما كانت الصفات‬
‫المذكورة هي المهات التي ل صفة إل تحت شمولها ول اسم إل كان مندرجا في هذه السماء المذكورة ولم تتكثر‬
‫الذات بها‪ ،‬قال ‪ : :‬ال‪ ‬أي ‪ :‬ذلك المنزل الموصوف بهذه الصفات هو ال ‪ :‬ل إله إل هو‪ ‬لم تتكثر ذاته الحدية‬
‫وحقيقة هويته بها ولم يتعدد‪ ،‬فهو هو في البد كما كان في الزل ل هو إل هو ول موجود سواه باعتبار واحديته‬
‫ومصدريته لما ذكر ‪ :‬له السماء الحسنى‪ ‬التي هي ذاته مع اعتبار تعيينات الصفات ‪ :‬إذ رأى نارا‪ ‬هي روح‬
‫القدس التي ينقدح منها النور في النفوس النسانية رآها باكتحال عين بصيرته بنور الهداية ‪ :‬فقال لهله‪ ‬القوى‬
‫النفسانية ‪ :‬امكثوا‪ ‬اسكنوا ول تتحركوا إذ السير إنما يصير إلى العالم القدسي ويتصل به عند هذه القوى البشرية من‬
‫الحواس الظاهرة والباطنة الشاغلة لها ‪ :‬إني آنست نارا‪ ‬أي ‪ :‬رأيت نارا ‪ :‬لعلي آتيكم منها بقبس‪ ‬أي ‪ :‬هيئة نورية‬
‫اتصالية ينتفع بها كلكم فيتنور وتصير ذاته فضيلة ‪ :‬أو أجد على النار‪ ‬من يهديني بالعلم والمعرفة الموجب للهداية‬
‫إلى الحق أي ‪ :‬اكتسب بالتصال بها الهيئة النورية أو الصور العلمية ‪ :‬فلما أتاها‪ ‬أي ‪ :‬اتصل )نودي‪ ‬من وراء‬
‫الحجب النارية التي هي سرادقات العزة والجلل المحتجبة بها الحضرة اللهية ‪ :‬يا موسى إني أنا ربك‪ ‬محتجبًا‬
‫بالصورة النارية التي هي أحد أستار جللي متجليًا فيها ‪ :‬فاخلع نعليك‪ ‬أي ‪ :‬نفسك وبدنك أو الكونين لنه إذا تجرد‬
‫عنهما فقد تجرد عن الكونين أي ‪ :‬كما تجردت بروحك وسرك عن صفاتهما وهيئاتهما حتى اتصلت بروح القدس‬
‫وتجرد بقلبك وصدرك عنهما بقطع العلقة الكلية ومحو الثار والفناء عن الصفات والفعال‪ .‬وإنما سماهما نعلين ولم‬
‫يسمهما ثوبين لنه لو لم يتجرد عن ملبسهما لم يتصل بعالم القدس والحال حال التصال‪ ،‬وإنما أمره بالنقطاع إليه‬
‫بالكلية كما قال ‪ : :‬وتبتل إليه تبتيل‪] ‬المزمل‪ ،‬الية ‪ [8 :‬فكأنه بقيت علقته معهما والتعلق بهما يسوخ قدمه التي‬
‫هي الجهة السفلية من القلب المسماة بالصدر‪ ،‬فهما بعد التوجه الروحي والسري نحو القدس‪ ،‬فأمره بالقطع عنهما في‬
‫مقام الروح‪ ،‬ولهذا علل وجوب الخلع بقوله ‪ : :‬إنك بالواد المقدس طوى‪ ‬أي ‪ :‬عالم الروح المنزه عن آثار التعلق‬
‫وهيئات اللواحق والعلئق المادية المسمى طوى‪ ،‬لطي أطوار الملكوت وأجرام السموات والرضين تحته‪ .‬ولقد صدق‬
‫من قال ‪ :‬أمر بخلعهما لكونهما من جلد حمار ميت غير مدبوغ‪ .‬وقيل لما نودي وسوس إليه الشيطان ‪ :‬إنك تنادى من‬
‫شيطان ! فقال ‪ :‬أفرق به‪ ،‬إني أسمع من جميع الجهات الست بجميع أعضائي ول يكون ذلك إل بنداء الرحمن‪: .‬‬
‫‪‬وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى‪ ‬هذا وعد بالصطفاء الذي كان بعد التجلي التام الذاتي الذي جعل جبل وجوده دكا‬
‫بالفناء فيه بالندكاك وخروره صعقا عند إفاقته بالوجود الحقاني كما قال تعالى ‪ : :‬فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك‬
‫وأنا أول المؤمنين قال يموسى إني اصطفيتك على الناس برسلتي وبكلمي‪] ‬العراف‪ ،‬اليات ‪ ،[144 - 143 :‬وهذا‬
‫التجلي هو تجلي الصفات قبل تجلي الذات‪ ،‬ولهذا أرسله ولم يستنبئه بالوحي هنا‪ ،‬وأمره بالرياضة والحضور‬
‫والمراقبة ووعده وقوع القيامة الكبرى عن قريب‪ .‬فهذا الختيار قريب من الجتباء الصلي المشار إليه بقوله ‪ : :‬ثم‬
‫اجتباه ربه فتاب عليه وهدى‪] ‬طه‪ ،‬الية ‪ [122 :‬متوسط بينه وبين الصطفاء‪ .‬وكرر ‪ :‬إنني أنا ال‪ ‬بالتأكيد‪ ،‬وتبديل‬
‫الرب بال لئل يقف مع الصفات في الحضرة السمائية فيحتجب عن الذات إذ الرب هو السم الذي تجلى به له‪ ،‬إذ ل‬
‫يربه عند طلب الهداية والقبس إل بذلك السم العليم الهادي الذي هو جبريل‪ ،‬أي ‪ :‬إنني الواحد الموصوف بجميع‬
‫الصفات ‪ :‬ل إله إل أنا‪ ‬لم أتكثر ولم يتعدد أنائيتي وأحديتي بكثرة المظاهر وتعدد الصفات ‪ :‬فاعبدني‪ ‬خصص‬
‫عبادتك بذاتي دون أسمائي وصفاتي بالعبادة الذاتية وتهيئة استعداد فناء النية في حقيقتي والتسبيح المطلق الذاتي ‪:‬‬
‫‪‬وأقم الصلوة‪ ‬أي ‪ :‬صلة الشهود الروحي لذكر ذاتي فوق صلة الحضور القلبي لذكر صفاتي‪ : .‬إن الساعة‪‬‬
‫القيامة الكبرى بالفناء المحض في عين الحدية ‪ :‬آتية أكاد أخفيتها‪ ‬باحتجابي بالصفات لتنفصل المراتب وتظهر‬
‫النفوس والعمال ‪ :‬لتجزى كل نفس‪ ‬بحسب سعيها من الخير والشر‪ ،‬ويتميز الكمال والنقصان والسعادة والشقاوة‬
‫فل أظهرها إل لفراد خواصي واحدا بعد واحد لني إن أظهرتها ظهر فناء الكل فل نفس ول عمل ول جزاء ول غير‬
‫ذلك‪ : .‬فل يصدنك عنها‪ ‬فتبقى في حجاب الصفات )من ل يؤمن بها( لقصور استعداده فيقف في بعض المراتب‬
‫محجوبا إما بالصفات أو الفعال أو الثار أو النداد‪ ،‬أي ‪ :‬الشرك الخفي والجلي ‪ :‬واتبع هواه‪ ‬في مقام النفس أو‬
‫القلب‪ ،‬فإن الهوى باق ببقاء النائية فتهلك أنت كما هلك من صدك‪ .‬وما تلك بيمينك يا موسى‪ ‬إشارة إلى نفسه‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫التي هي في يد عقله إذ العقل يمين يأخذ به النسان العطاء من ال ويضبط به نفسه‪ : .‬قال هي عصاي أتوكأ عليها‪‬‬
‫أي ‪ :‬أعتمد في عالم الشهادة وكسب الكمال والسير إلى ال والتخلق بأخلقه عليها‪ ،‬أي ‪ :‬ل يمكن هذه المور إل بها ‪:‬‬
‫‪‬وأهش بها على غنمي‪ ‬أي ‪ :‬أخبط أوراق العلوم النافعة والحكم العملية من شجرة الروح بحركة الفكر بها على غنم‬
‫القوى الحيوانية ‪ :‬ولي فيها مآرب أخرى‪ ‬من كسب المقامات وطلب الحوال والمواهب والتجليات‪ .‬وإنما سأله‬
‫تعالى لزالة الهيبة الحاصلة له بتجلي العظمة عنه وتبديلها بالمن‪ ،‬وإنما زاد الجواب على السؤال لشدة شغفه‬
‫بالمكالمة واستدامة ذوق الستئناس‪.‬‬
‫‪‬قال ألقها يا موسى‪ ‬أي ‪ :‬خلها عن ضبط العقل ‪ :‬فألقاها‪ ‬أي ‪ :‬خللها وشأنها مرسلة بعد احتظائها من أنوار‬
‫قوية‬ ‫‪‬‬ ‫تجليات صفات القهر اللهي ‪ :‬فإذا هي حية تسعى‪ ‬أي ‪ :‬ثعبان يتحرك من شدة الغضب‪ ،‬وكانت نفسه‬
‫الغضب‪ ،‬شديدة الحدة‪ ،‬فلما بلغ مقام تجليات الصفات كان من ضرورة الستعداد حظه من التجلي القهري أوفر كما‬
‫ذكر في )الكهف(‪ ،‬فبدل غضبه عند فنائه في الصفات بالغضب اللهي والقهر الرباني فصور ثعبانا يتلقف ما يجد‪: .‬‬
‫‪‬قال خذها‪ ‬أي ‪ :‬اضبطها بعقلك كما كانت ‪ :‬ول تخف‪ ‬من استيلئها عليك وظهورها فيكون ذنب حالك بالتلوين‪،‬‬
‫فإن غضبك قد فنى‪ ،‬فيكون متحركا بأمري وليس هو مستورا بنور القلب في مقام النفس حتى يظهر بعد خفائه ‪:‬‬
‫‪‬سنعيدها سيرتها الولى‪ ‬أي ‪ :‬ميتة‪ ،‬فانية‪ ،‬صائرة إلى رتبة القوة النباتية التي ل شعور لها ول داعية‪ ،‬ولماتته عليه‬
‫السلم إياها في تربية شعيب صلوات ال عليه وجعله إياها كالقوى النباتية سميت عصا‪ ،‬ولهذا قيل ‪ :‬وهبها له شعيب‬
‫واضمم يدك إلى جناحك‪ ‬أي ‪ :‬اضمم عقلك إلى جانب روحك الذي هو جناحك اليمن لتتنور بنور الهداية‬ ‫‪‬‬ ‫‪.‬‬
‫الحقانية‪ ،‬فإن العقل بموافقة النفس وانضمامه إليها وإلى جانبها الذي هو الجناح اليسر لتدبير المعاش يتكدر ويختلط‬
‫بالوهم فيصير كدرا جاسيا ل يتنور ول يقبل المواهب الربانية والحقائق اللهية‪ ،‬فأمر بضمه إلى جانب الروح ليتصفى‬
‫ويقبل نور القدس ‪ :‬تخرج بيضاء‪ ‬منورة بنور الهداية الحقانية وشعاع النور القدسي ‪ :‬من غير سوء‪ ‬أي ‪ :‬آفة‬
‫ونقص ومرض من شوب الوهم والخيال ‪ :‬آية أخرى‪ ‬صفة منضمة إلى الصفة الولى ‪ :‬لنريك‪ ‬من آيات تجليات‬
‫صفاتنا الية ‪ :‬الكبري‪ ‬التي هي الفناء في الوحدة‪ ،‬أي ‪ :‬لتكون ببصرك في مقام تجليات الصفات‪ ،‬فنريك من طريقها‬
‫وجهتها ذاتنا عند التجلي الذاتي‪ ،‬فتبصرنا بنا في القيامة الكبرى‪ : .‬اذهب إلى فرعون إنه طغى‪ ‬بظهور النائية‪،‬‬
‫فاحتجت بها فتعدى عن حد العبودية‪ .‬وذلك يدل على أن النبوة والرسالة غير موقوفة على الفناء الذاتي لن الدخول في‬
‫الربعينية التي تجلى فيها له بالذات كان بعد هلك فرعون‪ ،‬وهذه الرسالة والدعوة إنما كانت في مقام تجلي الصفات‪.‬‬
‫كان بعد النبوة والوحي والهتداء بالتنزيل‪ .‬رب اشرح لي‬ ‫‪‬‬ ‫ويقوي هذا ما قلنا مرارا‪ .‬إن أكثر سير النبي‬
‫صدري‪ ‬بنور اليقين والتمكين في مقام تجلي الصفات لئل يضيق بإيذائهم‪ ،‬ول تتأذى وتتألم نفسي بطعنهم وسفاهتهم‪،‬‬
‫فكما أتكلم بكلمك معهم أسمع بسمعك كلمهم وأجده كلمك‪ ،‬وأرى ببصرك إيذاءهم وأجده فعلك‪ ،‬فل أرى ول أسمع‬
‫ما يقابلونني به إل منك‪ ،‬فأصبر على بلئك بك ول تظهر نفسي برؤيتها منهم‪ ،‬فتحتجب بصفاتها وصفاتهم عن صفاتك‬
‫‪ :‬ويسر لي أمري‪ ‬أي ‪ :‬أمر الدعوة بتوفيقهم لقبول دينك وإمدادي على المعاندين من نصرك وتأييد قدسك ‪:‬‬
‫‪‬واحلل عقدة‪ ‬من عقد العقل والفكر والمانعين عن إطلق لساني بكلمك والجراءة والشجاعة على تصريح الكلم في‬
‫تبليغ رسالتك وإعلء كلمتك وإظهار دينك على دينهم بالحجة والبينة في مقابلة جبروتهم وفرعنتهم رعاية لمصلحة‬
‫خوف السطوة ‪ :‬يفقهوا قولي‪ ‬لتليينك قلوبهم والخشوع والخشية فيها وتأييدك إياي من عالم القدس واليد‪ .‬وباقي‬
‫القصة ل يقبل التأويل فإن أردت التطبيق فاعلم أن موسى القلب يسأل ال تعالى بلسان الحال أن يجعل هرون العقل‬
‫الذي هو أخوه الكبر من أبيه روح القدس له وزيرا يتقوى به ويستوزره في أموره ويعتضد برأيه مشاركا معاونا له‬
‫في اكتساب كمالته معلل طلبه بقوله ‪ : :‬كي نسبحك‪ ‬أي ‪ :‬بالتجريد عن صفات النفس وهيئاتها ‪ :‬كثيرا ونذكرك‪‬‬
‫باكتساب المعارف والحقائق والحضور في المكاشفات ومقام تجليات الصفات ‪ :‬كثيرا إنك كنت بنا‪ ‬أي ‪ :‬باستعدادنا‬
‫لقبول الكمال وأهليتنا له ‪ :‬بصيرا‪ ‬فأعنا واجعلنا متعاونين على ما ترى منا وتريد‪ .‬قد أوتيت‪ ‬أعطيت ‪ :‬سؤلك‪‬‬
‫ووفقت لتحصيل مطلوبك‪ : .‬ولقد مننا عليك مرة أخرى‪ ‬قبل إرادتك وطلبك بمحض عنايتنا ‪ :‬إذ أوحينا إلى أمك‪‬‬
‫النفس الحيوانية ‪ :‬ما يوحى‪ ‬أي ‪ :‬أشرنا إليها ‪ :‬أن اقذفيه‪ ‬في تابوت البدن أو الطبيعة الجسمانية ‪ :‬فاقذفيه‪ ‬في يم‬
‫الطبيعة الهيولنية ‪ :‬فليلقه اليم‪ ‬عند ظهور نور التمييز والرشد بساحل النجاة ‪ :‬يأخذه عدو‪ ‬النفس المارة الجبارة‬
‫الفرعونية ‪ :‬وألقيت عليك محبة مني‪ ‬أي ‪ :‬أحببتك وجعلتك محبوبا إلى القلوب وإلى كل شيء حتى النفس المارة‬
‫والقوى‪ ،‬ومن أحببته يحبه كل شيء ‪ :‬ولتصنع‪ ‬وتربى على كلءتي وحفظي فعلت ذلك‪ : .‬إذ تمشي أختك‪ ‬العاقلة‬
‫العملية عند ظهورها وحركتها ‪ :‬فتقول‪ ‬للنفس المارة والقوى المنعطفة عليه ‪ :‬هل أدلكم‪ ‬بالداب الحسنة‬
‫والخلق الجميلة على أهل بيت من النفس اللوامة وقواها الجزئية بفوات قرة عينها ‪ :‬على من يكفله‪ ‬لكم بالتربية‬
‫بالفكر والرضاع بلبان الحكمة العملية والعلوم النافعة وهم له ناصحون معاونون على كسب الكمال‪ ،‬مرشدون إلى‬
‫العمال الصالحة‪ ،‬معدون للترقي إلى المرتبة الرفيعة ‪ :‬فرجعناك إلى أمك‪ ‬المشفقة عليك التي هي النفس اللوامة‬
‫اللئمة لنفسها بتضييع قرة عينها ليحصل اطمئنانها بنور اليقين وتتهذب بالحكمة العملية وترضع منها اللبن المذكور‬
‫وتتربى في حجر تربيتها بالمدركات الجزئية واللت البدنية والعمال الزكية ‪ :‬كي تقر عينها‪ ‬أي ‪ :‬تتنور بنورك ‪:‬‬
‫‪‬ول تحزن‪ ‬على فوات قرة عينها ونقصها‪ : .‬وقتلت نفسا‪ ‬أي ‪ :‬الصورة الغضبية المسولة لك بالرياضة والماتة ‪:‬‬
‫‪‬فنجيناك‪ ‬من غم إستيلء النفس المارة وإهلكها إياك ‪ :‬وفتناك( ضروبا من الفتن بظهور النفس وصفاتها‬
‫والرياضة والمجاهدة في دفعها وقمعها وإماتتها وتزكيتها ‪ :‬فلبثت سنين في أهل مدين‪ ‬العلم من القوى الروحانية‬
‫عند شعيب العقل الفعال ‪ :‬ثم جئت على قدر‪ ‬على حد من الكمال المقدر بحسب استعدادك أو على شيء مما قدرته‬
‫لك‪ ،‬أي ‪ :‬بعض ما قدر لك من الكمال التام الذي هو التجلي الذاتي الذي سيوهب لك بعد كمال الصفات‪ .‬واصطنعتك‬
‫لنفسي‪ ‬أي ‪ :‬استخلصتك لنفسي وجعلتك من جملة خواصي من بين أهل مدينة البدن‪ ،‬ولما فيك من الخصال الشريفة‬
‫والهلية لخلفتي‪ : .‬اذهب أنت وأخوك‪ ‬إلى آخر القصة‪ ،‬إن أريد تطبيقها قيل ‪ :‬اذهب يا موسى القلب أنت وأخوك‬
‫العقل ‪ :‬بآياتي‪ ‬حججي وبيناتي ول تفترا ‪ :‬في ذكري‪ : ‬إلى فرعون‪ ‬النفس المارة الطاغية المجاوزة حدها‬
‫بالستعلء والستيلء على جميع القوى الروحانية ‪ :‬فقول له قول لينا‪ ‬بالرفق والمداراة في دعوتها إلى الستسلم‬
‫لمر الحق والنقياد لحكم الشرع‪ .‬لعلها تلين فتتعظ وتنقاد‪ .‬ولما خافا طغيانها وتفرعنها لتعودها بالستعلء‪ ،‬شجعهما‬
‫ال بالتأييد والعانة والمحافظة والكلءة والحاطة بما يقاسينانه ويكابدانه منها‪ ،‬وأمرهما بتبليغ الرسالة في تطويعها‬
‫وتسخيرها وإلزامها المتناع عن استعباد القوى الحيوانية والكف عن تسخيرها‪ ،‬وأن يرسلها معهما في التوجه إلى‬
‫الحضرة اللهية واستفاضة النوار الروحية القدسية والمعارف الحقيقية ول يعذبها في تحصيل اللذات الحسية‬
‫والزخارف الدنيوية ‪ :‬قد جئناك بآية‪ ‬ببرهان دال على وجوب متابعتك إيانا‪ : .‬والسلم‪ ‬أي ‪ :‬السلمة من النقائص‬
‫والنجاة من العلئق والفيض النوري من العالم الروحي ‪ :‬على من اتبع‪ ‬البرهان وتمسك بالنور اللهي‪.‬‬
‫‪‬إنا قد أوحي إلينا أن العذاب‪ ‬في جحيم الطبيعة وهاوية الهيولي على من خالفه وأعرض عنه ‪ :‬فمن ربكما‪ ‬إشارة‬
‫إلى احتجاب النفس من جناب الرب‪ ،‬وقوله ‪ : :‬ربنا الذي أعطى‪ ‬هداية لها بالدليل وتبصيرا بالحجة‪ ،‬أي ‪ :‬أعطاه‬
‫خلقا على وفق مصالح ذاته وآلت تناسب خواصه ومنافعه ومقاصده وهداه إلى تحصيلها ‪ :‬فما بال القرون الولى‪‬‬
‫إشارة إلى احتجابها عن المعاد والحوال الخروية من السعادة والشقاوة وعن إحاطة علم ال تعالى لها‪ .‬ولما كان‬
‫الواجب الول معرفة ال تعالى بصفاته وكانت معرفة المعاد موقوفة عليها أجاب بإحاطة علمه بها وبأحوالها مع‬
‫كثرتها وكون ذلك العلم مثبتا في اللوح المحفوظ باقيا أزل وأبدا‪ ،‬ل يجوز عليه الخطأ والنسيان‪ : .‬الذي جعل لكم‪‬‬
‫أيها القوى البدنية أرض البدن ‪ :‬مهدا وسلك لكم فيها سبل‪ ‬من العضاء والجوارح كالعين والذن والنف وغيرها ‪:‬‬
‫‪‬وأنزل‪ ‬من سماء الروح ماء الدراك والمدد الروحاني ‪ :‬فأخرجنا به‪ ‬أصنافا من الدراكات والفاعيل والخواص‬
‫والهيئات والملكات المخصوصة بكل قوة منكم ‪ :‬كلوا‪ ‬اغتذوا وتقووا بما يختص بكم من الحوال والخلق والمداد‬
‫والمواهب كالرضا والصبر وعلم السماء والخواص والعداد وسائر الدراكات والرادات والمقامات ‪ :‬وارعوا‬
‫أنعامكم‪ ‬القوى الحيوانية بما يختص بها من الخلق والداب ‪ :‬منها خلقناكم‪ ‬انشأناكم على حسب اختلف أمزجة‬
‫العضاء التي هي مظاهرها ‪ :‬وفيها نعيدكم‪ ‬بإماتة عند الرياضة حتى يلزم كل محله ويندس فيه ل حراك به ول‬
‫يتطلب التجاوز عن حده والستيلء على غيره بمحو صفات النفس حتى الفناء ‪ :‬ومنها نخرجكم تارة أخرى‪ ‬عند‬
‫البقاء بالحياة الموهوبة الحقيقية فتعتدل حركاتها وتفضل ملكاتها‪ .‬أريناه آياتنا‪ ‬من الحجج والبينات الدالة على التجرد‬
‫عن المواد ووجود النوار ‪ :‬فكذب‪ ‬لكونها مادة ‪ :‬وابي‪ ‬القبول لمتناع إدراكها للمجردات وأنكر إزعاجها عن‬
‫وكرها البدني بقوله ‪ : :‬أجئتنا لتخرجنا من أرضنا‪ ‬ونسب البرهان إلى السحر لقصورها عن إدراكه وعجزها عن‬
‫قبوله وأغرى القوى التخيلية والوهمية على المعارضة والمجادلة وقلما أذعنت النفس للبرهان النير والحق البين بدون‬
‫الرياضة والماتة‪ ،‬وكلما أورد عليها حرضت الوهم والتخيل على التشكيك والقدح‪ .‬والموعد هو وقت تركيب الحجة‬
‫وترتيب المقامات وذلك وقت زينة النفس الناطقة بالمدركات وحشر القوى العقلية والروحانية لستحضار المعلومات‬
‫والمخزونات ‪ :‬ضحى‪ ‬إشراق نور شمس العقل الفعال إذ هناك تعرض النفس عن قبولها ويجمع كيدها من أنواع‬
‫المغالطات والوهميات ويقمعها القلب باليقينيات وإظهار أكاذيبها المفتريات‪ .‬والتنازع الواقع بين القوى النفسانية هو‬
‫عدم مسالمتها في طاعة القلب وانجذاب كل منها إلى لذته متمانعة متخالفة‪ .‬وإسرارها النجوى استبطان الكل الدواعي‬
‫المخالفة للقلب مع تخالفها في أنفسها‪ .‬ونسبتها إلى السحر إشارة إلى عجزها عن إدراك معانيها وخفاء براهينها عليها‪.‬‬
‫والطريق المثلى‪ ،‬أي ‪ :‬الفضلى عندها هي تحصيل اللذات الحسية والنهماك في الشهوات البدنية‪ .‬وإلقاؤها أول إشارة‬
‫إلى تقدم الوهميات والخياليات في الوجود النساني على العقليات واليقينيات عند السلوك وإل ما احتيج إلى البرهان‬
‫القاطع والدليل الواضح وإلى أن الواجب على الداعي إلى الحق أول نقض الباطل ودفع الشبهة بالحجة ليزول العتقاد‬
‫الفاسد ويتمكن استقرار الحق‪ .‬والحبال والعصي هي المغالطات والسفسطات من الشبهة الجدلية التي تكاد تتمشى‬
‫وتغلب على القلب لول تأييد الحق بنور الروح والعقل وهو معنى قوله ‪ : :‬ل تخف إنك أنت العلى وألق ما في‬
‫يمينك‪] ‬طه‪ ،‬اليات ‪ [69 - 68 :‬العاقلة النظرية من البرهان المعتمد عليه يفن مصنوعاتهم المزخرفة وأباطيلهم‬
‫المموهة‪ ،‬فتضمحل وتتلشى‪ .‬إنما صنعوا كيد تزوير ومكر ل حقيقة له ل ما صنعت كما زعموا‪ ،‬فألقي السحرة سجدا‬
‫فانقادت حينئذ القوى الوهمية والخيالية والتخييلية والحسية عند ظهور عجزها والنفس المارة ثابتة في تفرعنها‬
‫وعتوها لعدم ارتياضها واعتيادها بمألوفاتها وترأسها على القوى وتجبرها‪ ،‬باقية على عنادها وشدة شكيمتها‪: .‬‬
‫‪‬ولقطعن‪ ‬إشارة إلى إبعادها وتخويفها للقوى عند إذعانها بمنع تصرفاتها في المعايش وترك سعيها في تحصيل‬
‫الملذ والمشتهيات الجسمانية من جهة مخالفتها إياها بموافقة القلب‪ .‬وصلبها في جذوع النخل ‪ :‬إيقافها بالماتة عند‬
‫الرياضة في حد القوى النباتية وإثباتها في مقارها ومبادئ نشأتها من أعالي مراتب القوى النباتية دون التصرف في‬
‫سائر المراتب والستعلء على المناصب والستيلء في المكاسب‪ ،‬أو من العضاء التي هي معادنها ومظاهرها‪.‬‬
‫وهذا التخويف على هذا التأويل من قبيل أحاديث النفس وهواجسها بسبب اللمات الشيطانية المثبطة عن المجاهدة لقوله‬
‫تعالى ‪ : :‬إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه‪] ‬آل عمران‪ ،‬الية ‪ [175 :‬ليفيد إعراضها عن مطاوعة القلب وقيامها‬
‫بخدمتها وتسخرها لها ولو حمل على المباحثة الظاهرة المستفادة من قوله تعالى ‪ : :‬وجادلهم بالتي هي أحسن‪‬‬
‫]النحل‪ ،‬الية ‪ [125‬بعد التصديق بالظاهر واليمان بالعجاز الباهر لجرى قوله ‪ : :‬اذهب أنت وأخوك‪] ‬طه‪،‬‬
‫الية ‪ [42 :‬على ظاهرة إلى قوله ‪ : :‬فتنازعوا أمرهم بينهم‪] ‬طه‪ ،‬الية ‪ [62 :‬أي ‪ :‬تباحثوا فيما بينهم في السر‪،‬‬
‫متنازعين فيما يعارضونه به من ضروب الجدل‪ .‬وقيل في قوله ‪ : :‬إن هذان لسحرن‪] ‬طه‪ ،‬الية ‪ [63 :‬مفلقان في‬
‫البيان والفصاحة والحتجاج ل يكاد يعارضهما أحدا فيحجهما‪ .‬فأجمعوا كيدكم‪ ‬أي ‪ :‬اتفقوا فيما تبارزونهما به‬
‫فتكونوا متفقي الكلمة متعاضدين ‪ :‬فإذا حبالهم وعصيهم‪ ‬أي ‪ :‬تخيلتهم ووهمياتهم ‪ :‬يخيل إليه من سحرهم‪ ‬في‬
‫التركيب والبلغة وحسن التقرير وتمشية المغالطة والسفسطة وهيئة ترتيب القياس الجدلي كأنها تسعى‪ ،‬أي ‪ :‬تمشي ‪:‬‬
‫‪ ' :‬لم يوجس موسى خيفة على نفسه‪ ،‬إنما‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫خيفة عن غلبة الجهال ودولة الضلل‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين علي‬
‫خاف من غلبة الجهال ودولة الضلل '‪ : .‬قلنا ل تخف‪ ‬شجعناه وأيدناه بروح القدس ‪ :‬وألق ما في يمينك‪ ‬أي ‪ :‬ما‬
‫في ضبط عقلك من النفس المؤتلفة بشعاع القدس المضيئة بنور الحق ‪ :‬تلقف ما صنعوا‪ ‬ما زخرفوا وزوروا من‬
‫الشبهات والتمويهات الباطلة والباطيل المزخرفة بالحجج النيرة والبراهين الواضحة ‪ :‬إنما صنعوا‪ ‬وتلقفوا ‪ :‬كيد‬
‫ساحر‪ ‬أي ‪ :‬تمويه وتزوير ‪ :‬فألقي السحرة سجدا‪ ‬منصفين مذعنين مقرين بكونه على الحق لما عرفوا من صدق‬
‫البينة وظهور المعجزة وقيام الحجة وجلية البرهان ‪ :‬قالوا آمنا‪ ‬اليمان اليقيني لنهم كوشفوا بالحق فعرفوا ربوبيته‬
‫للكل‪ ،‬وإنما أضافوا الرب إليهما مع تعميم الضافة إلى العالمين لزيادة اختصاصهما به وفضل ربوبيته إياهما‪ ،‬فإنه‬
‫يرب كل شيء باسم يناسبه ويقتضيه استعداده ويربهما بأكبر أسمائه الحسنى على حسب كمال استعدادهما ولظهوره‬
‫فيهما بكمالت صفاته وتجليه عليهم فيهما بآياته‪ ،‬فعلموا أنهم من شكوتهما عرفوا ما عرفوا‪ ،‬وبوسيلتهما وصلوا إلى ما‬
‫وصلوا‪ ،‬وبتبعيتهما وجدوا ما وجدوا‪ ،‬ل على سبيل الستقلل‪ .‬واعلم أن الساحر أقرب الناس استعدادا من النبي ‪‬‬
‫لن مبادئ خوارق العادات أمور ثلثة ‪ :‬إما خواص التراكيب وتمزيجات المواد العنصرية والصور وجمع الخلط‬
‫المختلفة المزاج والجوهر وهو من باب النيرنجات‪ .‬وإما جمع القوى السماوية والرضية بإعداد الصور السفلية‬
‫والمواد العنصرية لستجلب فيض النفوس السماوية واتصالها بقوى الجرام الرضية وهو من باب الطلسمات‪ ،‬وإما‬
‫تأثير النفوس وهيئاتها المستفادة من العالم العلوي وهو من الكامل المبعوث للنبوة القائم بالدعوة إعجاز ومن الواصل‬
‫المحق والمترقي إلى ذروة الولية غير المبعوث للنبوة كرامة‪ .‬والفرق بينهما أن العجاز مقارن للتحدي والمعارضة‬
‫دون الكرامة ومن المقبل على الدنيا المعرض عن العالم العلى سحر‪ ،‬فكانت نفس الساحر في بدء فطرتها قوية‬
‫مخصوصة بهيئات مؤثرة في هذا العالم وأجرامه إل أنها أعرضت عن مبدئها بالركون إلى العالم السفلي وانقطعت‬
‫عن أصل القوى والقدر ومنبع التأثير والقهر بالميل إلى عالم الطبع‪ ،‬فل يزال يضعف ما فيها من الهيئة النورية‬
‫والشعاع القدسي كما ل يزال يزداد في نفس النبي والولي بالقبال على الحق والئتلف بنور القدس والتأييد بالقوة‬
‫حين عارضه وينقمع بنفسه إذا قابله‪ ،‬فهو‬ ‫‪‬‬ ‫الملكوتية والتوجه إلى الحضرة اللهية ول جرم ينكسر من النبي‬
‫أعرف الناس بالنبي عند عجزه وإنكاره وأقبل الخلق لدعوته وأنواره‪ ،‬وأسبقهم إلى القرار به لكونه أقربهم في‬
‫الستعداد إليه ما لم يبطل استعداده الول بالكلية ولم يغلب عليه دين الطبيعة السفلية‪ .‬لن نؤثرك‪ ‬كلم صادر من‬
‫عظم الهمة الحاصلة للنفس بقوة اليقين‪ ،‬إذ قوة اليقين في القلب تورث النفس عظم الهمة وهو عدم مبالتها بالسعادة‬
‫الدنيوية والشقاوة البدنية واللذات العاجلة الفانية واللم الحسية في جنب السعادة الخروية واللذة الباقية العقلية‪ ،‬ولهذا‬
‫استخفوا بها واستحقروها بقولهم ‪ : :‬إنما تقضي هذه الحياة الدنيا‪. : ‬ليغفر لنا خطايانا‪ ‬أي ‪ :‬يستر بنوره الهيئات‬
‫المظلمة والصفات الرديئة التي عرضت لنفوسنا بسبب الميل إلى اللذات الطبيعية ومحبة الزخارف الدنيوية ‪ :‬وما‬
‫أكرهتنا عليه من السحر‪ ‬أي ‪ :‬معارضة موسى لنهم لما عرفوه بنور استعدادهم وعلموا كونه على الحق‪ ،‬فاستعفوا‬
‫عن معارضته فأكرههم اللعين‪ .‬من يأت ربه‪ ‬في القيامة الصغرى مجرما مثقل بالهيئات البدنية المميلة إلى الجرام‬
‫الطبيعية ‪ :‬ل يموت فيها‪ ‬بالموت الطبيعي‪ ،‬فل يشعر باللم ‪ :‬ول يحيى‪ ‬بالحياة الحقيقية فينجو من تبعات‬
‫الثام‪ : .‬ومن يأته مؤمنا‪ ‬باليمان اليقيني ‪ :‬قد عمل الصالحات‪ ‬من الفضائل النفسانية المزكية للنفوس ‪ :‬فأولئك‬
‫لهم الدرجات العلى‪ ‬من جنات الصفات بحسب درجات ترقيهم في الكمالت‪ : .‬أن أسر بعبادي‪ ‬في ظلمة صفات‬
‫النفوس وليل الجسمانية ‪ :‬فاجعل لهم طريقا‪ ‬من التجريد في بحر عالم الهيولي ‪ :‬يبسا‪ ‬ل تصل إليه نداوة الهيئات‬
‫الهيولنية ورطوبة المواد الجسمانية ‪ :‬ل تخاف دركا‪ ‬لحوقا من البدنيين والمنغمسين في غواشي الطبيعة الظلمانية ‪:‬‬
‫‪‬ول تخشى‪ ‬غلبتهم عليكم واستيلءهم‪ ،‬فإنهم مقيدون محبوسون فيها‪ ،‬قاصرون عن شأنكم ‪ :‬فأتبعهم‪ ‬لهلكهم‬
‫دينهم بالنغماس في الطبيعيات فغشيهم من يم القطران ما غشيهم من الهلك السرمدي والعذاب البدي‪ ،‬والتطبيق قد‬
‫مر غير مرة‪ .‬وواعدناكم جانب‪ ‬طور القلب ‪ :‬اليمن‪ ‬الذي يلي روح القدس وهو محل الوحي الذي يسمونه‬
‫الروع والفؤاد ‪ :‬ونزلنا عليكم‪ ‬من الحوال والمذاهب من الذوقيات وسلوى العلوم والمعارف من اليقينيات ‪ :‬كلوا‬
‫من طيبات ما رزقناكم‪ ‬أي ‪ :‬تغذوا تلك المعارف الطيبة وتقبلوها بقلوبكم فإنها سبب حياتها ‪ :‬ول تطغو فيه‪ ‬بظهور‬
‫النفس وإعجابها بنفسها عند استشراقها ورؤيتها بهجتها وكمالها وزينتها ‪ :‬فيحل عليكم‪ ‬غضب الحرمان وآفة‬
‫الخذلن ‪ :‬فقد هوى‪ ‬سقط عن مقام القرب في جحيم النفس واحتجب عن نور تجلي صفات الجمال في ظلمات‬
‫الستتار واستار الجلل‪ : .‬وإني لغفار‪ ‬لستار صفات النفس الطاغية الظاهرة بتزييناتها واستغنائها بأنوار صفاتي ‪:‬‬
‫وآمن بأنوار‬
‫‪‬‬ ‫‪‬لمن تاب‪ ‬عن تظاهرها واستيلئها‪ ،‬واستغفر بانكسارها وانقماعها ولزومها ذل فاقتها وافتقارها ‪ :‬‬
‫الصفات القلبية وتجليات النوار اللهية ‪ :‬وعمل صالحا‪ ‬في اكتساب المقامات كالتوكل والرضا والملكات المانعة‬
‫من التلوينات بالحضور والصفاء ‪ :‬ثم اهتدى‪ ‬إلى نور الذات وحال الفناء‪ .‬وما أعجلك عن قومك‪ - ‬إلى قوله ‪: -‬‬
‫لما شرف بمقام المكالمة وأوتي كشف الصفات وبعث لنقاذ بني‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬في اليم نسفا‪ ‬معناه على التحقيق ‪ :‬أن موسى‬
‫إسرائيل وإرشادهم إلى الحق وعد شريعة يسوس بها قومه‪ ،‬فاستخلف هارون على قومه وتخلى للمراقبة قبل تثبتهم‬
‫على اليمان وتقريرهم على الحق باليقان‪ ،‬فعوقب على تلك العجلة وإن كانت من غاية الشوق إلى المشاهدة‪.‬‬
‫واقتضاء المقام عدم التفرغ إلى تكميل الغير لن في تكميلهم بالمعرفة اليقينية والكمال العلمي ثبات قدمه في الطاعة‬
‫وامتثال المر المستلزم للترقي في الحال‪ ،‬فاعتذر بكونهم على متابعته في الدين وإن لم تبن معاملتهم على أساس اليقين‬
‫والتعجيل‪ ،‬إنما بدر منه لطلب مقام الرضا الذي هو كمال الفناء في الصفات وهو استحكام مقام التجلي الصفاتي الذي‬
‫منه المكالمة‪ ،‬وإنما ابتلهم‬
‫ال بالسامري ليتميز المستعد القابل للكمال بالتجريد من القاصر الستعداد المنغمس في المواد الذي ل يدرك إل‬
‫المحسوس ول يتنبه للمجرد المعقول‪ .‬ولهذا قالوا ‪ : :‬وما أخلفنا موعدك بملكنا‪ ‬أي ‪ :‬بأن ملكنا أمرنا وخلينا ورأينا‪،‬‬
‫فإنهم عبيد بالطبع ل رأي لهم ول ملكة وليسوا مختارين بل مطبوعون مسوسون مقودون بدنيون ل طريق لهم إل‬
‫التقليد والعمل‪ ،‬ل التحقيق والعلم‪ .‬وإنما استعبدهم بالطلسم المفرع من الحلي لرسوخ محبة الذهب في طباعهم لكون‬
‫نفوسهم سفلية منجذبة إلى الطبيعة الذهبية‪ ،‬وتجلي تلك الصورة النوعية فيها للتناسب الطبيعي وكان ذلك من باب مزج‬
‫القوى السماوية بالقوى الرضية ولذلك قال ‪ : :‬بصرت بما لم يبصروا به‪ ‬من العلم الطبيعي والرياضي اللذين يبتنى‬
‫عليهما علم الطلسمات والسيميات‪ : .‬فقبضت قبضة من أثر الرسول‪ ‬وهي على ما قيل ‪ :‬تراب موطئ حافر الحيزوم‬
‫الذي هو فرس الحياة مركب جبرائيل‪ ،‬أي ‪ :‬مما اتصل به اثر النفس الحيوانية الكلية السماوية المسخرة للعقل الفعال‪،‬‬
‫المتأثرة منه‪ ،‬الحاملة لصفاته التي هي بمثابة مركبة لستعلئه عليها ووصول تأثيره إلى الطبائع العنصرية والجرام‬
‫السفلية بواسطتها من الوضاع التي تفيض بسببها الثار على المواد‪ ،‬فتنفعل منها بحسب الستعداد وتقبل الحوال‬
‫الغريبة التي هي بمثابة تراب موطئ مركبه ‪ :‬فنبذتها‪ ‬فطرحتها على الجرم المذاب عند الفراغ في صورة العجل‬
‫وذلك من تسويل النفس الشيطانية الشريرة‪ : .‬قال فاذهب فإن لك في الحيوة أن تقول ل مساس وإن لك موعدا لن‬
‫تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا‪ .‬وقوله ‪ : :‬فاذهب‪ ‬صادر عن غضبه‬
‫وطرده إياه‪ ،‬وإنما يجب حلول العذاب من غضب النبياء والولياء لنهم مظاهر صفات ال تعالى‪ ،‬فكل من‬ ‫‪‬‬
‫غضبوا عليه وقع في قهره تعالى وشقى في الدنيا والخرة‪ ،‬وعذب بعذاب البد‪ ،‬وذاق وبال العمل‪ ،‬وكانت صورة‬
‫‪‬‬
‫إياه عند إبطال كيده‬ ‫عذابه في التحرز عن المماسة نتيجة بعده عن الحق في الدعوة إلى الباطل‪ .‬وأثر لعن موسى‬
‫وإزالة مكره‪ .‬وعلى التطبيق ‪ :‬إن القلب إذا سبق له كشف وجذبه الجتهاد والسلوك وحصل عنده الكمال العلمي‬
‫الكشفي دون العلمي الكسبي‪ ،‬يكون في معرض عتاب الحق عند التعجل إلى الشهود والحضور‪ ،‬ذاهل عن أمر‬
‫الشريعة والمجاهدة‪ ،‬ويجب أن يرد إلى العمل والرياضة لسياسة القوى واكتساب مقام الستقامة‪ ،‬إذ ل يقوى هارون‬
‫العقل الذي هو خليفته على قومه القوى الروحانية والجسمانية على تدبيرهم وتقويمهم وتسديدهم بدون الرياضة‬
‫والمجاهدة والمواظبة على الطاعة والمعاملة‪ ،‬فينبعث سامري القوى النفسانية من الحواس ويوقد عليها نار حب‬
‫الشهوات‪ ،‬ويطرح عليها شيئا من أمداد الطالع بحسب الوضاع المخصوصة‪ ،‬أي ‪ :‬التي تأثرت من تأثير النفس‬
‫الحيوانية التي هي فرس الحياة‪ ،‬فيمثل الطبيعة بصورة العجل المفرغ في قالب المواد الذي همه الكل والشرب ودأبه‬
‫اللذة والشهوة دون العمل والسعي بالثارة والتعب كما أشير إليه‪ ،‬وينتفخ فيه روح الهوى فيحيا ويتقوى ويصيح ذا‬
‫خوار‪ ،‬فيعبده جميع القوى ويتخذه إلها‪ ،‬وكلما نبهها العقل المؤيد بنور القلب على ضللها وفتنتها ودعاها إلى الحق‬
‫ومتابعة الرأي العقلي وطاعته‪ ،‬خالفته حتى يرجع إليها القلب المنور بنور الحق‪ ،‬المؤيد بتأييد القدس‪ ،‬غضبان ل‬
‫تعالى أسفا على ضللها وتفرقها في الدين‪ ،‬ويعيرها ويعنفها بلسان النفس اللوامة‪ ،‬ويأخذها بالوعد والوعيد‪ ،‬ويذكرها‬
‫طول العهد من قرب الرب بمقتضى الخلقة والنشأة والسقوط عن الفطرة‪ ،‬ويخوفها باستحقاق الغضب والسخطة عن‬
‫نسيان العهد وإخلف الوعد حين القرار بالربوبية عند ميثاق الفطرة‪ ،‬فل ينجع فيها القول إذا صارت مأسورة في‬
‫أسر الهوى‪ ،‬منقادة لسلطان التخيل‪ ،‬مستسلمة للردى‪ ،‬ول طريق إل خرق الطبيعة الجسدانية بمبرد المجاهدة وإحراقها‬
‫بنار الرياضة ونسفها برياح نفحات الرحمة اللهية التي إذا هبت بها لشت في يم الهيولى الجرمية ل حياة بها ول‬
‫حراك بعد تغير القوة العاقلة بعد متابعتها للقلب ومشايعتها للسر في التوجه‪ ،‬وبوجود موافقتها للقوى في الميل إلى‬
‫الطبيعة والخذ برأسها إلى جهتها العادية التي تلي الروح بتأثير النور فيه حتى تنفعل وتتأثر بشعاع القدس ونور‬
‫الهداية الحقانية ولحيتها التي هي الهيئة الذكورية وصورة التأثير فيما تحت‪ ،‬أي ‪ :‬جهتها السفلية التي تلي القوى‬
‫النفسانية‪ .‬وجرها إليه‪ ،‬أي ‪ :‬الجهة العلوية وجناب الحق وعالم القدس الذي هو فيه‪ ،‬فيتقوى باليد اللهي والقدرة‬
‫الربانية وجولنها فتؤثر فيها وتطوعها بأمر الحق لها وللقلب‪ ،‬ويستخلصها من قهر التخيل والوهم‪ .‬واعتذار هارون‬
‫إشارة إلى أن العقل غير المتنور بنور الهداية‪ ،‬المتأيد بأمر الشريعة‪ ،‬ل يقدر أن يحافظ القوى ويعاند التخيل والهوى‪،‬‬
‫ول يزيدها إل التفرقة الموقعة في الردى‪ .‬وعند استيلء نور القلب والعقل وقهر الطبيعة بالكلية وحصول الستقامة في‬
‫الطريقة‪ ،‬ينخزل التخيل وينعزل ول يقدر أن يماس شيئا من القوى بتخييله ول يقاربه قوة منها بقبول تسويله فيصير‬
‫ملعونا‪ ،‬مطرودا‪ ،‬فيقول ‪ :‬ل مساس‪ .‬وله موعد‪ ،‬أي ‪ :‬حد ورتبة ل يجد خلفا فيه ول يتجاوز‪ ،‬فيترأس‪ ،‬ويستولي‪،‬‬
‫ويروج أكاذيبه وغلطه بالمعقولت‪ ،‬وينفقه في المرادات‪ .‬وذلك مقام الستقامة إلى ال والقيام بحقائق العبودية ل‪ ،‬ول‬
‫تتجلى ناصية التوحيد ول يحصل مقام التجرد والتفريد إل به‪ ،‬ولذلك عقبه بقوله ‪ : :‬إنما إلهكم ال الذي ل إله إل هو‪‬‬
‫إذ يكون السالك قبل ذلك مصليا إلى قبلتين‪ ،‬مترددا في العبادة بين جهتين‪ ،‬متخذ اللهين ‪ :‬وسع كل شيء علما‪ ‬أي ‪:‬‬
‫يتحقق هناك التوحيد بالفعل‪ ،‬وتظهر إحاطة علمه بكل شيء وحدوده وغاياته فتقف كل قوة بنور الحق وقدرته على‬
‫حدها في عبادته وطاعته عائذة به عن حولها وقوتها‪ ،‬عابدة له بحسب وسعها وطاقتها‪ ،‬شاهدة إياه‪ ،‬مقرة بربوبيته بقدر‬
‫ما أعطاها من معرفته‪ .‬مثل ذلك القصص ‪ :‬نقص عليك من أنباء ما قد سبق‪ ‬من أحوال السالكين الذين سبقوا‪،‬‬
‫ومقاماتهم لتثبيت فؤادك وتمكينك في مقام الستقامة كما أمرت ‪ :‬وقد آتيناك من لدنك ذكرا‪ ‬أي ‪ :‬ذكرا ما أعظمه‬
‫وهو ‪ :‬ذكر الذات الذي يشمل مراتب التوحيد‪ : .‬من أعرض عنه‪ ‬بالتوجه إلى جانب الرجس وحيز الطبع والنفس ‪:‬‬
‫‪‬فإنه يحمل يوم القيامة‪ ‬الصغرى وزر الهيئات المثقلة الجرمانية‪ ،‬وآثام تعلقات المواد الهيولنية‪ : .‬يوم ينفخ‪ ‬الحياة‬
‫‪ :‬في الصور‪ ‬الجسمانية‪ ،‬برد الرواح إلى الجساد ‪ :‬ونحشر المجرمين‪ ‬الملزمين للجرام ‪ :‬زرقا‪ ‬عميا‪،‬‬
‫بيض سواد العيون‪ ،‬أو شوها في غاية قبح المناظر‪ ،‬يحسن عندها القردة والخنازير‪ ،‬يسرون الكلم لشدة الخوف أو‬
‫عدم القدرة على النطق‪ ،‬ويستقصرون مدة اللبث في الحياة الدنيوية لسرعة انقضائها وكل من كان أرجح عقل منهم‬
‫كان أشد استقصارا إياها‪ .‬ويسألونك عن الجبال‪ ‬أي ‪ :‬وجودات البدان ‪ :‬فقل ينسفها ربي‪ ‬برياح الحوادث رميما‬
‫ورفاتا ثم هباء منثورا‪ ،‬فيسويها بالرض ل بقية منها ول أثر‪ .‬أو حوادث الشياء فقل ‪ :‬ينسفها ربي برياح النفحات‬
‫اللهية الناشئة عن معدن الحدية ‪ :‬فيذرها‪ ‬في القيامة الكبرى ‪ :‬قاعا صفصفا‪ ‬وجودا أحديا صرفا ‪ :‬ل ترى‬
‫فيها‪ ‬إثنينية ول غيرية‪ ،‬فتقدح في استوائها‪ : .‬يومئذ‪ ‬يوم إذ قامت القيامة الكبرى ‪ :‬يتبعون الداعي‪ ‬الذي هو الحق‪،‬‬
‫ل حراك بهم ول حياة لهم إل به ‪ :‬ل عوج له‪ ‬أي ‪ :‬ل انحراف عنه ول زيغ عن سمته إذ هو آخذ بناصيتهم وهو‬
‫على صراط مستقيم‪ ،‬فهم يسيرون بسيرة الحق على مقتضى إرادته ‪ :‬وخشعت الصوات‪ ‬وانخفضت كلها لن‬
‫الصوت صوته فحسب ‪ :‬فل تسمع إل همسا‪ ‬خفيا‪ ،‬باعتبار الضافة إلى المظاهر‪ .‬أو يوم إذ قامت القيامة‬
‫الصغرى ‪ :‬يتبعون الداعي‪ ‬الذي هو إسرافيل مدبر الفلك الرابع‪ ،‬المفيض للحياة‪ ،‬ل ينحرف عنه مدعو إلى خلف‬
‫ما اقتضته الحكمة اللهية من التعلق به‪ : .‬وخشعت الصوات‪ ‬في الدعاء إلى غير ما دعا إليه الرحمن فل تسمع إل‬
‫همس الهواجس والتمنيات الفاسدة و ‪ :‬ل تنفع الشفاعة‪ ‬أي ‪ :‬شفاعة من توله وأحبه في الحياة الدنيا ممن اقتدى به‬
‫وتمسك بهدايته ‪ :‬إل من أذن له الرحمن‪ ‬باستعداد قبولها‪ ،‬فإن فيض النفوس الكاملة التي تتوجه إليها النفوس‬
‫الناقصة بالرادة والرغبة موقوفة على استعدادها لقبوله بالصفاء وذلك هو الذن ‪ :‬ورضي له قول‪ ‬أي ‪ :‬رضي ال‬
‫تأثيرا يناسب المشفوع له‪ ،‬فتتوقف الشفاعة على أمرين ‪ :‬قدره الشفيع على التأثير‪ ،‬وقوة المشفوع له للقبول والتأثر‪.‬‬
‫وهو ‪ :‬يعلم‪ ‬الجهتين ‪ :‬ما بين أيديهم‪ ‬من قوة القبول بالستعداد الصلي وتأثير الشفيع بالتنوير ‪ :‬وما خلفهم‪ ‬من‬
‫الموانع العارضة من جهة البدن وقواه‪ ،‬والهيئات الفاسقة المزيلة للقبول الصلي أو المعدات الحاصلة من جهتها‬
‫بالتزكية على وفق العقل العملي‪ .‬وعنت الوجوه‪ ‬أي ‪ :‬الذوات الموجودات بأسرها ‪ :‬للحي القيوم‪ ‬وكلها في أسر‬
‫مملكته وذل قهره وقدرته‪ ،‬ل تحيا ول تقوم إل به ل بأنفسها ول بشيء غيره‪ : .‬وقد خاب‪ ‬عن نور رحمته وشفاعة‬
‫الشافعين من ظلم نفسه بنقص استعداده وتكدير صفاء فطرته‪ ،‬فزال قبوله للتنور باسوداد وجهه وظلمته‪ : .‬ومن‬
‫يعلم من الصالحات‪ ‬بالتزكية والتحلية ‪ :‬وهو مؤمن‪ ‬باليمان التحقيقي ‪ :‬فل يخاف‪ ‬أن ينقص شيء من كمالته‬
‫الحاصلة ول أن يكسر من حقه الذي يقتضيه استعداده الصلي في المرتبة ‪ :‬لعلهم يتقون‪ ‬بالتزكية ‪ :‬أو يحدث لهم‬
‫ذكرا‪ ‬بالتحلية‪ : .‬فتعالى ال‪ ‬تناهى في العلو والعظمة بحيث ل يقدر قدره ول يغدر أمره في ملكه الذي يعلو كل شيء‬
‫ويصرفه بمقتضى إرادته وقدرته وفي عدله الذي يوفي كل أحد حقه بموجب حكمته ‪ :‬ول تعجل‪ ‬عند هيجان الشوق‬
‫لغاية الذوق بتلقي العلم اللدني عن مكمن الجمع ‪ :‬من قبل‪ ‬أن يحكم بوروده عليك ووصوله إليك‪ ،‬فإن نزول العلم‬
‫والحكمة مترتب بحسب ترتب مراتب ترقيك في القبول‪ .‬ول تفتر عن الطلب والستفاضة فإنه غير متناه‪ ،‬واطلب‬
‫الزيادة فيه بزيادة التصفية والترقي والتحلية‪ ،‬إذ الستزادة إنما تكون بدعاء الحال ولسان الستعداد‪ ،‬ل بتعجيل الطلب‬
‫والسؤال قبل إمكان القبول‪ .‬وكلما علمت شيئا زاد قبولك لما هو أعلى منه وأخفى‪ .‬وقصة آدم وتأويلها مرت غير مرة ‪:‬‬
‫‪‬أل تجوع فيها ول تعرى‪ ‬إذ في التجرد عن ملبسة المواد في العالم الروحاني ل يمكن تزاحم الضداد ول يكون‬
‫التحليل المؤدي إلى الفساد بل تلتذ النفس بحصول المراد آمنة من الفناء والنفاد‪ : .‬ومن أعرض عن ذكري‪ ‬بالتوجه‬
‫إلى العالم السفلي بالميل النفسي‪ ،‬ضاقت معيشته لغلبة شحه وشدة بخله‪ ،‬فإن المعرض عن جناب الحق ركدت نفسه‬
‫وانجذبت إلى الزخارف الدنيوية والمقتنيات المادية لمناسبتها إياها‪ ،‬واشتد حرصه وكلبه عليها ونهمه وشغفه بها لقوة‬
‫محبته إياها للجنسية والشتراك في الظلمة والميل إلى الجهة السفلية‪ ،‬فيشح بها عن نفسه وغيره‪ ،‬وكلما استكثر منها‬
‫ازداد حرصه عليها وشحه بها وذلك هو الضنك في المعيشة‪ .‬ولهذا قال بعض الصوفية ‪ :‬ل يعرض أحد عن ذكر ربه‬
‫إل أظلم عليه وتشوش عليه رزقه‪ .‬بخلف الذاكر المتوجه إليه فإنه ذو يقين منه وتوكل عليه في سعة من عيشه ورغد‪،‬‬
‫ينفق ما يجد ويستغني بربه عما يفقد‪ .‬ونحشره يوم القيامة‪ ‬الصغرى على عماه من نور الحق كقوله ‪ : :‬ومن كان‬
‫في هذه أعمى فهو في الخرة أعمى‪] ‬السراء‪ ،‬الية ‪ [72 :‬وإنكاره لعماه إنما يكون بلسان الستعداد الصلي والنور‬
‫الفطري المنافي لعماه من رسوخ هيئة الحب السفلي والعشق النفسي بالفسق الجرمي ونسيان اليات البينات والنوار‬
‫المشرقات الموجب لعراضه تعالى عنه وتركه فيما هو فيه ‪ :‬ولعذاب الخرة أشد وأبقى‪ ‬من ضنك العيش في الدنيا‬
‫لكونه روحانيا دائما‪ : .‬ولول كلمة سبقت‪ ‬أي ‪ :‬قضاء سابق أن ل يستأصل هذه المة بالدمار والعذاب في الدنيا‬
‫لكون نبيهم نبي الرحمة‪ ،‬وقوله ‪ : :‬وما كان ال ليعذبهم وأنت فيهم‪] ‬النفال‪ ،‬الية ‪ [33 :‬لكان الهلك لزما لهم‪: .‬‬
‫‪‬فاصبر‪ ‬بال‪ : .‬على ما يقولون‪ ‬فإنك تراهم جارين على ما قضى ال عليهم‪ ،‬مأسورين في أسر قهره ومكره بهم ‪:‬‬
‫وسبح أي ‪ :‬نزه ذاتك بتجريدها عن صفاتها متلبسا بصفات ربك‪ ،‬فإن ظهورها عليك هو الحمد الحقيقي ‪ :‬قبل‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫طلوع‪ ‬شمس الذات حال الفناء ‪ :‬وقبل غروبها‪ ‬باستتارها عند ظهور صفات النفس‪ ،‬أي ‪ :‬في مقام القلب حال تجلي‬
‫الصفات‪ ،‬فإن تسبيح ال هناك محو صفات القلب ‪ :‬ومن آناء الليل‪ ‬أي ‪ :‬أوقات غلبات صفات النفس المظلمة‬
‫والتلوينات الحاجبة ‪ :‬فسبح‪ ‬بالتزكية ‪ :‬وأطراف‪ ‬نهار إشراق الروح على القلب بالتصفية ‪ :‬لعلك‪ ‬تصل إلى‬
‫مقام الرضا الذي هو كمال مقام تجلي الصفات وغايته‪ .‬ول تمدن عينيك‪ ‬في التلوينات النفسية وظهور النفس بالميل‬
‫إلى الزخارف الدنيوية‪ ،‬فإنها صور ابتلء أهل الدنيا ‪ :‬ورزق ربك‪ ‬من الحقائق والمعارف الخروية والنوار‬
‫الروحانية ‪ :‬خير وأبقى‪ ‬أفضل وأدوم ‪ :‬وأمر أهلك‪ ‬القوى الروحانية والنفسانية بصلة الحضور والمراقبة‬
‫والنقياد والمطاوعة ‪ :‬واصطبر‪ ‬على تلك الحالة بالمجاهدة والمكاشفة ‪ :‬ل نسألك‪ ‬ل نطلب منك ‪ :‬رزقا‪ ‬من‬
‫الجهة السفلية كالكمالت الحسية والمدركات النفسية ‪ :‬نحن نرزقك‪ ‬من الجهة العلوية المعارف الروحانية والحقائق‬
‫القدسية ‪ :‬والعاقبة‪ ‬التي تعتبر وتستأهل أن تسمى عاقبة للتجرد عن الملبس البدنية والهيئات النفسانية ‪ :‬أو لم‬
‫تأتهم بينة ما في الصحف الولى‪ ‬من الحقائق والحكم والمعارف اليقينية الثابتة في اللواح السماوية والرواح العلوية‪،‬‬
‫وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة النبياء‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬اقترب للناس حسابهم‪ ‬في القيامة الصغرى‪ ،‬بل لو عرفوا القيامة لعاينوا حسابهم الن‪ .‬أي ‪ :‬لو اردنا أن نتخذ‬
‫موجودات تحدث وتفنى كما قيل ‪ : :‬نموت ونحيا وما يهلكنا إل الدهر‪] ‬الجاثية‪ ،‬الية ‪ [24 :‬لملكننا من جهة القدرة‬
‫لكنه ينافي الحكمة والحقيقة فل نتخذها ‪ :‬بل نقذف‪ ‬باليقين البرهاني والكشفي على العتقاد الباطل ‪ :‬فيدمغه‪‬‬
‫فيقمعه ‪ :‬فإذا هو‪ ‬زائل ‪ :‬ولكم‪ ‬الهلك ‪ :‬مما تصفون‪ ‬من عدم الحشر أو نقذف بالتجلي الذاتي في القيامة‬
‫الكبرى الذي هو الحق الثابت الغير المتغير على باطل هذه الموجودات الفانية فيقهره ويجعله ل شيئا محضا‪ ،‬فإذا هو‬
‫فان صرف‪ ،‬فيظهر أن الكل حق وأمره جد‪ ،‬ل باطل ول لهو‪ ،‬ولكم الهلك والفناء الصرف ‪ :‬ما تصفون‪ ‬من إثبات‬
‫وجود الغير واتصافه بصفة وفعل وتأثير ‪ :‬لفسدتا‪ ‬لن الوحدة موجبة لبقاء الشياء‪ ،‬والكثرة موجبة لفسادها‪ .‬أل‬
‫ترى أن كل شيء له خاصية واحدة يمتاز بها عن غيره هو بها هو ولو لم تكن لم يوجد ذلك الشيء‪ ،‬وهي الشاهدة‬
‫بوحدانيته تعالى كما قيل ‪) % :‬ففي كل شيء له آية ‪ %‬تدل على أنه الواحد( ‪. %‬‬
‫والعدل الذي قامت به السموات والرض هو ظل الوحدة في عالم الكثرة‪ ،‬ولو لم يوجد هيئة وحدانية في المركبات‬
‫كاعتدال المزاج لما وجدت‪ ،‬ولو زالت تلك الهيئة لفسدت في الحال ‪ :‬فسبحان ال‪ ‬أي ‪ :‬نزه للفيض على الكل‬
‫بربوبيته للعرش الذي ينزل منه الفيض على جميع الموجودات عما تصفونه من إمكان التعدد‪ : .‬يعلم ما بين أيديهم‪‬‬
‫أي ‪ :‬ما تقدمهم من العلم الكلي الثابت في أم الكتاب المشتمل على جميع علوم الذوات المجردة من أهل الجبروت‬
‫والملكوت ‪ :‬وما خلفهم‪ ‬من علوم الكائنات والحوادث الجزئية الثابتة في السماء الدنيا‪ ،‬فكيف يخرج علمهم عن‬
‫إحاطة علمه ويسبق فعلهم أمره وقولهم قوله ‪ :‬ول يشفعون إل لمن‪ ‬علمه أهل للشفاعة بقبوله لصفاء استعداده‬
‫ومناسبة نفسه للنور الملكوتي ‪ :‬وهم‪ ‬في الخشية من سبحات وجهه والخشوع والشفاق والنقهار تحت أنوار‬
‫عظمته‪ : .‬أو لم ير‪ ‬المحجوبون عن الحق ‪ :‬أن السماوات والرض كانتا‪ ‬مرتوقتين من هيولى واحدة ومادة‬
‫جسمانية ‪ :‬ففتقناهما‪ ‬بتباين الصور‪ ،‬أو أن سموات الرواح وأرض الجسد كانتا مرتوقتين في صورة نطفة واحدة‬
‫ففتقناهما بتباين العضاء والرواح‪ : .‬وجعلنا‪ ‬أي ‪ :‬خلقنا من النطفة كل حيوان ‪ :‬وجعلنا‪ ‬في أرض الجسد‬
‫‪‬رواسي‪ ‬العظام كراهة أن تضطرب وتجيء وتذهب وتختلف بهم فل تقوم بهم وتستقل ‪ :‬وجعلنا فيها فجاجا‪ ‬مجاري‪،‬‬
‫طرقا للحواس وجميع القوى ‪ :‬لعلهم يهتدون‪ ‬بتلك الحواس والطرق إلى آيات ال فيعرفوه‪ : .‬وجعلنا‪ ‬سماء العقل ‪:‬‬
‫‪‬سقفا‪ ‬مرتفعا فوقهم ‪ :‬محفوظا‪ ‬من التغير والسهو والخطأ ‪ :‬وهم‪ ‬عن حججها وبراهينها ‪ :‬معرضون‪.‬‬
‫‪‬وهو الذي خلق‪ ‬ليل النفس ونهار العقل الذي هو نور شمس الروح وقمر القلب ‪ :‬كل في فلك‪ ‬أي ‪ :‬مقر علوي‬
‫وحد ومرتبة من سموات الروحانيات يسيرون إلى ال ‪ :‬خلق النسان من عجل‪ ‬إذ النفس التي هي أصل الخلقة‬
‫دائمة الطيش والضطراب ل تثبت على حال فهو مجبول على العجل ولو لم يكن كذلك لم يكن له السير والترقي من‬
‫حال إلى حال إذ الروح دائم الثبات وبتعلقه بالنفس يحصل وجود القلب ويعتدل بهما في السير‪ ،‬فما دام النسان في مقام‬
‫النفس ولم يغلب عليه نور الروح والقلب المفيد للسكينة والطمأنينة يلزمه العجلة بمقتضى الجبلة‪ : .‬لو يعلم‪‬‬
‫المحجوبون عن الرحمن العام الفيض وعن المعاد الشامل للكل وقت إحاطة العذاب بهم جميع الجهات بأمر الرحمن‬
‫المحيط العلم الوحداني المر فل يقدرون أن يمنعوه عما قدامهم من الجهة التي تلي الروح المعذبة بنار القهر اللهي‬
‫والحرمان الكلي من النوار الروحانية والكمالت النسانية ول عما خلفهم من الجهة التي تلي الجسد المعذبة بناء‬
‫الهيئات الجسمانية والعقارب والحيات السود النفسانية والقذار الهيولنية واللم الجسدانية ‪ :‬ول هم ينصرون‪ ‬من‬
‫المدادات الرحمانية لكثافة حجابهم وشدة ارتيابهم لما استعجلوا‪ : .‬أفل يرون‪ ‬أتمادت غفلتهم فل يرون ‪ :‬أنا نأتي‪‬‬
‫أرض البدن بالشيخوخة ‪ :‬ننقصها من أطرافها‪ ‬كالسمع والبصر وسائر القوى أو أرض النفس المتيقظة المتوجهة‬
‫إلى الحق‪ ،‬الذاكرة بأنوار الصفات ننقصها من صفاتها وقواها ‪ :‬أفهم الغالبون‪ ‬أم نحن‪ : .‬ولئن مستهم نفحة‪ ‬من‬
‫‪ ' :‬سبحان من اشتدت نقمته‬ ‫‪‬‬ ‫النفحات الربانية في صورة العذاب أي ‪ :‬من اللطاف الخفية كما قال أمير المؤمنين‬
‫على أعدائه في سعة رحمته‪ ،‬واتسعت رحمته لوليائه في شدة نقمته '‪ .‬فكشف عنهم حجاب الغفلة المتراكمة من طول‬
‫التمتيع الذي هو النقمة في صورة الرحمة والقهر الخفي ليستيقظن ويتنبهن لظلمهم في إعراضهم عن الحق وانهماكهم‬
‫في الباطل‪ .‬ونضع الموازين القسط‪ ‬ميزان ال تعالى هو عدله الذي هو ظل وحدته وصفته اللزمة لها‪ ،‬به قامت‬
‫سموات الرواح وأرض الجساد واستقامت ولوله لما استقر أمر الوجود على النسق المحدود‪ .‬ولما شمل الكل أصاب‬
‫كل موجود قسطه منه بحسب حاله وقدر احتماله فصار بالنسبة إلى كل أحد بل كل شيء ميزانا خاصا وتعددت‬
‫الموازين على حسب تعدد الشياء وهي جزئيات الميزان المطلق ولذلك أبدل القسط المطلق منها أو وصفها به‪ ،‬فإنها‬
‫كلها هي العدل المطلق الواحد ول تتعدد الحقيقة بتعدد المظاهر‪ .‬ووضعها عبارة عن ظهور مقتضاها وذلك إنما يكون‬
‫يوم القيامة الصغرى بالنسبة إلى المحجوب ويوم القيامة الكبرى بالنسبة إلى أهلها ‪ :‬فل تظلم نفس شيئا‪ ‬لن كل ما‬
‫عملت من خير وجد حالة عمله في كفة الحسنات التي هي جهة الروح من القلب وكل ما عملت من سوء وضع في كفة‬
‫السيئات التي هي جهة النفس منه‪ .‬والقلب هو لسان الميزان ولهذا قيل ‪ :‬يجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة‪،‬‬
‫وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة‪ ،‬إل أن الثقل هناك يوجب الصعود والميل إلى العلو‪ ،‬والخفة توجب النزول‬
‫والميل إلى السفل بخلف الميزان الجسماني إذ الثقيل ثمة هو الراجح المعتبر الباقي عند ال والخفيف هو المرجوح‬
‫الفاني الذي ل وزن له عند ال ول اعتبار فل ينقص مما عملت نفس شيئا ‪ :‬وإن كان مثقال حبة من خردل‪ ‬ومن هذا‬
‫يعلم ما قيل ‪ :‬إن ال تعالى يحاسب الخلئق في أسرع من فواق شاة‪ : .‬آتينا موسى‪ ‬القلب ‪ :‬وهارون‪ ‬العقل أو‬
‫على ظاهرهما ‪ :‬الفرقان‪ ‬أي ‪ :‬العلم التفصيلي الكشفي المسمى بالعقل الفرقاني ‪ :‬وضياء‪ ‬أي ‪ :‬نورا تاما من‬
‫المشاهدات الروحانية ‪ :‬وذكرى‪ ‬أي ‪ :‬تذكيرا وموعظة ‪ :‬للمتقين الذين‪ ‬تزكت نفوسهم من الرذائل والصفات‬
‫الحاجبة فأشرقت أنوار طيبات العظمة من قلوبهم على نفوسهم لصفائها وزكائها فأورثت الخشية في حال الغيبة قبل‬
‫الوصول إلى مقام الحضور القلبي ‪ :‬وهم من الساعة‪ ‬أي ‪ :‬القيامة الكبرى على إشفاق وتوقع لوقوعها لقوة يقينهم إذ‬
‫الشفاق إنما يكون عند التوقع لشيء مترقب الوقوع‪ .‬أي ‪ :‬آتيناهما في مقام القلب‪ ،‬العلم الذي به يفرق بين الحق‬
‫والباطل من الحقائق والمعارف الكلية وفي مقام الروح ومرتبته النور المشاهد الباهر على كل نور‪ ،‬وفي مقام النفس‬
‫ورتبة الصدر التذكير بالمواعظ والنصائح والشرائع من العلوم الجزئية النافعة للمستعدين القابلين السالكين‪ : .‬وهذا‬
‫ذكر‪ ‬غزير الخير والبركة‪ ،‬شامل للمور الثلثة‪ ،‬زائد عليها بالكشف الذاتي والشهود الحق في مقام الهوية وعين جمع‬
‫الحدية جامع لجوامع الكلم‪ ،‬حاف بجميع المشاهدات والحكم إذ في البركة معنى النماء والزيادة‪ .‬ولقد آتينا إبراهيم‪‬‬
‫الروح ‪ :‬رشده‪ ‬المخصوص به الذي يليق بمثله وهو الهتداء إلى التوحيد الذاتي ومقام المشاهدة والخلة ‪ :‬من قبل‪‬‬
‫أي ‪ :‬قبل مرتبة القلب والعقل متقدما عليهما في الشرف والعز ‪ :‬وكنا به عالمين‪ ‬أي ‪ :‬ل يعلم بكماله وفضيلته غيرنا‬
‫لعلو شأنه‪ : .‬إذ قال لبيه‪ ‬النفس الكلية ‪ :‬وقومه‪ ‬من النفوس الناطقة السماوية وغيرها ‪ :‬ما هذه التماثيل‪ ‬أي ‪:‬‬
‫الصور المعقولة من حقائق العقول والشياء وماهيات الموجودات المنتقشة فيها ‪ :‬التي أنتم لها عاكفون‪ ‬مقيمون‬
‫على تمثلها وتصورها وذلك عن عروجه من مقام الروح المقدسة وبروزه عن الحجب النورية إلى فضاء التوحيد‬
‫الذاتي‪ ،‬كما قال عليه السلم ‪ : :‬إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض حنيفا‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ :‬أما إليك فل‪ .‬وجدنا آباءنا‪ ‬عللنا من العوالم‬ ‫]النعام‪ ،‬اليات ‪ ،[79 - 78 :‬ومن هذا المقام قوله لجبريل‬
‫السابقة على النفوس كلها من أهل الجبروت ‪ :‬لها عابدين‪ ‬باستحضارهم إياها في ذواتهم ل يذهلون عنها ‪ :‬في‬
‫ضلل مبين‪ ‬في حجاب عن الحق نوري‪ ،‬غير واصلين إلى عين الذات عاكفين في برازخ الصفات ل تهتدون إلى‬
‫حقيقة الحدية والغرق في بحر الهوية ‪ :‬أجئتنا بالحق‪ ‬أي ‪ :‬أحدث مجيئك إيانا من هذا الوجه بالحق فيكون القائل هو‬
‫الحق عز سلطانه أم استمر بنفسك كما كان فتكون أنت القائل فيكون قولك لعبا ل حقيقة له‪ .‬فإن كنت قائما بالحق‪،‬‬
‫سائرًا بسيره‪ ،‬قائل به‪ ،‬صدقت وقولك الجد وتفوقت علينا‪ ،‬وتخلفنا عنك‪ ،‬وإن كنت بنفسك فبالعكس ‪ :‬بل ربكم‪‬‬
‫الجائي والقائل ربكم الذي يربكم باليجاد والتقويم والحياء والتجريد والنباء والتعليم رب الكل الذي أوجده ‪ :‬وأنا‬
‫على ذلكم‪ ‬الحكم بأن القائل هو الحق الموصوف بربوبية الكل ‪ :‬من الشاهدين‪ ‬وهذا الشهود هو شهود الربوبية‬
‫واليجاد وإل لم يقل أنا وعلي إذ الشهود الذاتي هو الفناء المحض الذي ل أنائية فيه ول إثنينية‪ ،‬وتلك الثنينية بعد‬
‫الفصاح بأن الجائي والقائل هو الحق الذي أوجد الكل مشعرة بمقام الكل المتخلف عن مقام ‪ :‬لكيدن أصنامك‪‬‬
‫لمحون صور الشياء وأعيان الموجودات التي عكفتم على إيجادها وحفظها وتدبيرها‪ ،‬وأقبلتم على إثباتها بعد أن‬
‫تعرضوا عن عين الحدية الذاتية بالقبال إلى الكثرة الصفاتية بنور التوحيد‪ .‬فجعلهم‪ ‬بفأس القهر الذاتي والشهود‬
‫العيني ‪ :‬جذاذا‪ ‬قطعا متلشية فانية ‪ :‬إل كبيرا لهم‪ ‬هو عينه الباقي على اليقين الول الذي به سمى الخليل خليل ‪:‬‬
‫‪‬لعلهم إليه يرجعون‪ ‬يقبلون منه الفيض ويستفيضون منه النور والعلم كما استفاض هو منه أول‪ : .‬قالوا‪ ‬أي ‪:‬‬
‫قالت النفوس العاشقة بالعقول ‪ :‬من فعل هذا‪ ‬الستخفاف والتحقير ‪ :‬بآلهتنا‪ ‬التي هي معشوقاتنا ومعبوداتنا بنسبتها‬
‫إلى الحتجاب والنظر إليها بعين الفناء وجعلها بقوة الظهر كالهباء‪ ،‬متعجبين منه‪ ،‬معظمين له‪ ،‬ومستعظمين لمره ‪:‬‬
‫‪‬إنه لمن الظالمين‪ ‬الناقصين حقوق المعبودات المجردة وجميع الموجودات من الوجودات والكمالت بنفيها عنهم‬
‫وإثباتها للحق‪ ،‬أو الناقصين حق نفسهم بإفنائها وقهرها ‪ :‬قالوا سمعنا فتى‪ ‬كامل في الفتوة والشجاعة على قهر ما‬
‫سوى ال من الغيار والسخاوة ببذل النفس والمال ‪ :‬بذكرهم‪ ‬بنفي القدرة والكمال عنهم ونسبة العدم والفناء إليهم ‪:‬‬
‫‪‬فأتوا به‪ ‬أي ‪ :‬استحضروه وأحضروه معاينا لجميع النفوس ‪ :‬لعلهم يشهدون‪ ‬كماله وفضيلته فيستفيدون منه‪: .‬‬
‫‪‬أأنت فعلت هذا‪ ‬صورة إنكار لما لم يعرفوا من كماله إذ كل ما يمكن للنفوس معرفته فهو دون كمال العقول التي هي‬
‫معشوقاتها وهي محجوبة عن كماله اللهي الذي هو به أشرف منها ‪ :‬قال بل فعله كبيرهم‪ ‬أي ‪ :‬ما فعلته بأنائيتي‬
‫التي أنا بها أحسن منها‪ ،‬بل بحقيقتي وهويتي التي هي أشرف وأكبر منها ‪ :‬فاسألوهم إن كانوا ينطقون‪ ‬بالستقلل‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ل نطق لهم ول علم ول وجود بأنفسهم بل بال الذي ل إله إل هو‪ : .‬فرجعوا إلى أنفسهم‪ ‬بالقرار والذعان‬
‫معترفين بأن الممكن ل وجود له بنفسه فكيف كماله ‪ :‬فقالوا إنكم أنتم الظالمون‪ ‬بنسبة الوجود والكمال إلى الغير ل‬
‫هو ‪ :‬ثم نكسوا على رؤوسهم‪ ‬حياء من كماله ونقصهم وخضوعا وانفعال منه ‪ :‬لقد علمت‪ ‬بالعلم اللدني الحقاني‬
‫فناءهم فنفيت النطق عنهم‪ ،‬وأما نحن فل نعلم إل ما علمنا ال فاعترفوا بنقصهم كما اعترفوا به عند معرفتهم لدم بعد‬
‫النكار‪ ،‬فقالوا ‪ : :‬ل علم لنا إل ما علمتنا‪] ‬البقرة‪ ،‬الية ‪ : .[32 :‬أفتعبدون من دون ال‪ ‬وتعظمون غيره مما ل‬
‫ينفع ول يضر‪ ،‬إذ هو النافع الضار ل غير ‪ :‬أف لكم‪ ‬أتضجر بوجودكم ووجود معبوداتكم ووجود كل ما سواه‬
‫تعالى ‪ :‬أفل تعقلون‪ ‬أن ل مؤثر ول معبود إل ال‪ .‬حرقوه‪ ‬أي ‪ :‬اتركوه يحترق بنار العشق التي أنتم أوقدتموها‬
‫أول بإلقاء الحقائق والمعارف إليه التي هي حطب تلك النار عند رؤيته ملكوت السموات والرض بإراءة ال إياه‪ ،‬كما‬
‫قال ‪ : :‬وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والرض‪] ‬النعام‪ ،‬الية ‪ [75 :‬وإشراق النوار الصفاتية والسمائية‬
‫عند تجليات الجمال والجلل عليه من وراء أستار أعيانكم التي هي منشأ اتقاد تلك النار ‪ :‬وانصروا آلهتكم‪ ‬أي ‪:‬‬
‫معشوقاتكم ومعبوداتكم في المداد بتلك النواع وإيقاد تلك النار ‪ :‬إن كنتم فاعلين‪ ‬بأمر الحق‪ : .‬يا نار كوني بردا‬
‫وسلما‪ ‬بالوصول حال الفناء‪ ،‬فإن لذة الوصول تفيد الروح الكامل والسلمة عن نقص الحدثان وآفة النقصان والمكان‬
‫في عين نار العشق ‪ :‬وأرادوا به كيدا‪ ‬بإفنائه وإحراقه ‪ :‬فجعلناهم الخسرين‪ ‬النقصين منه كمال ورتبة ‪:‬‬
‫‪‬ونجيناه‪ ‬ولوط العقل بالبقاء بعد الفناء بالوجود الحقاني الموهوب إلى أرض الطبيعة البدنية ‪ :‬التي باركنا فيها‪‬‬
‫بالكمالت العملية المثمرة والداب الحسنة المفيدة والشرائع والملكات الفاضلة ‪ :‬للعالمين‪ ‬أي ‪ :‬المستعدين لقبول‬
‫فيضه وتربيته وهدايته‪ : .‬ووهبنا له إسحاق‪ ‬القلب للرد إلى مقامه بتكميل الخلق حال الرجوع عن الحق ‪:‬‬
‫‪‬ويعقوب‪ ‬النفس المرتاضة الممتحنة بالبلء‪ ،‬المطمئنة باليقين والصفاء ‪ :‬نافلة‪ ‬متنورة بنور القلب متولدة منه ‪:‬‬
‫‪‬وكل جعلنا صالحين‪ ‬بالستقامة والتمكين في الهداية ‪ :‬وجعلناهم أئمة‪ ‬لسائر القوى والنفوس الناقصة المستعدة ‪:‬‬
‫‪‬يهدون بأمرنا‪ ‬أما الروح فبالحوال والمشاهدات والنوار‪ ،‬وأما القلب فبالمعارف والمكاشفات والسرار‪ ،‬وأما‬
‫النفس فبالخلق والمعاملت والداب‪ ،‬وهي المراد بقوله ‪ : :‬وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلة وإيتاء‬
‫الزكاة وكانوا لنا عابدين‪ ‬بالتوحيد والعبودية الحقة في مقام التجريد والتفريد‪ ،‬وهذا هو تطبيق ظاهر إبراهيم على‬
‫‪ ' :‬كنت أنا وعلي نورين نسبح‬ ‫باطنه‪ .‬وقد يمكن أن يؤول بضرب آخر من التأويل مناسب لما قال النبي ‪ ‬‬
‫‪‬‬
‫انتقلنا إلى‬ ‫ال تعالى ونحمده ونهلله‪ ،‬وسبحته الملئكة بتسبيحنا وحمدته بتحميدنا‪ ،‬وهللته بتهليلنا‪ .‬فلما خلق آدم‬
‫جبهته ومن جبهته إلى صلبه ثم إلى شيث '‪ ..‬إلى آخر الحديث‪ .‬وهو ‪ :‬أن الروح البراهيمي‪ ،‬قدسه ال تعالى‪ ،‬كان‬
‫كامل في أول مراتب صفوف الرواح مفيضا على أطوار الملكوت كمالتهم‪ ،‬جابرًا لنقصهم‪ ،‬كاسرا لصنام أعيان‬
‫الموجودات وآلهة الذوات الممكنات من المادية والمجردات بنور التوحيد طاويا لمراتب الكمالت‪ ،‬ذاويا للواقفين مع‬
‫الصفات والمحجوبين بالغير عن الذات‪ ،‬فوضعه نمروذ النفس الطاغية‪ ،‬العاصية‪ ،‬وقواها التي هي قومه‪ ،‬في منجنيق‬
‫الذكر والقوة في نار حرارة طبيعة الرحم‪ ،‬فجعلها ال عليه بردا وسلما‪ ،‬أي ‪ :‬روحا وبراءة من الفات‪ ،‬أي ‪ :‬وضعوا‬
‫درة وجوده التي هي مظهر روحه ونجيناه إلى أرض البدن التي باركنا فيها للعالمين بهدايته إياهم وتكميله وتربيته لهم‬
‫فيها بالعلوم والعمال التي هي أرزاقهم الحقيقية وأوصافهم الكمالية‪.‬‬
‫واذكر لوط القلب ‪ :‬آتيناه‪ ‬حكمة ‪ :‬وعلما ونجيناه من‪ ‬أهل قرية البدن ‪ :‬التي كانت تعمل‪ ‬خبائث الشهوات‬
‫الفاسدة ‪ :‬فاسقين‪ ‬بإتيانهم المور ل من جهتنا المأمور بها ومباشرتهم العمال ل على ما ينبغي من وجه الشرع‬
‫والعقل ‪ :‬وأدخلناه في رحمتنا‪ ‬الرحيمية ومقام تجلي الصفات ‪ :‬إنه من الصالحين‪ ‬العاملين بالعلم الثابتين على‬
‫الستقامة‪ .‬ونوح العقل ‪ :‬إذ نادى‪ ‬من جهة قدم القلب‪ ،‬واستدعى ال الكمال اللحق ‪ :‬فاستجبنا له‪ ‬بإفاضة كماله‬
‫على مقتضى استعداده وإبرازه إلى الفعل ‪ :‬فنجيناه‪ ‬فنجينا القوى القدسية والفكرية والحمدية وسائر القوى العقلية ‪:‬‬
‫‪‬من الكرب‪ ‬الذي هو كون كمالتها بالقوة‪ ،‬إذ كل ما هو كامن في الشيء بالقوة كرب له‪ ،‬يطلب التنفيس بالظهور‬
‫والبروز إلى الفعل وكلما كان الستعداد أقوى والكمال الممكن له‪ ،‬الكامن فيه‪ ،‬أتم‪ ،‬كان الكرب أعظم‪ : .‬ونصرناه‬
‫من القوم‪ ‬أي ‪ :‬القوى النفسانية والبدنية المكذبين بآيات المعقولت والمحرمات ‪ :‬إنهم كانوا قوم سوء‪ ‬يمنعونه من‬
‫الكمال والتجريد ويحجبونه عن النوار بالتكذيب ‪ :‬فأغرقناهم‪ ‬في يم القطران الهيولني والبحر العميق الجسماني ‪:‬‬
‫‪‬أجمعين‪. : ‬وداود‪ ‬العقل النظري الذي هو في مقام السر ‪ :‬وسليمان‪ ‬العقل العلمي الذي هو في مقام الصدر ‪:‬‬
‫‪‬إذ يحكمان في الحرث‪ ‬أي ‪ :‬فيما في أرض الستعداد من الكمالت المودعة فيه‪ ،‬المخزونة في الزل‪ ،‬والمغروزة‬
‫في الفطرة الناشئة عند التوجه إلى الظهور والبروز ‪ :‬يحكمان‪ ‬فيه بالعلم والعمل والفكر والرياضة في تثميرها‬
‫وإيناعها وإدراكها‪ : .‬إذ نفشت فيه‪ ‬انتشرت فيه بالفساد في ظلمة ليل غلبة الطبيعة البدنية والصفات النفسانية ‪:‬‬
‫‪‬غنم القوم‪ ‬أي ‪ :‬القوى البهيمية الشهوانية ‪ :‬وكنا لحكمهم‪ ‬على مقتضى أحوالهم حاضرين‪ ،‬إذ كان الحكم بأمرنا‬
‫وعلى أعيننا‪ ،‬ومقتضى إرادتنا‪ ،‬فحكم داود السر على مقتضى الذوق بتسليم غنم القوى الحيوانية البهيمية إلى أصحاب‬
‫الحرث من القوى الروحانية بالملكية ليذبحوها ويميتوها بالستيلء والقهر والغلبة‪ ،‬ويغتذوا بها‪ .‬وحكم سليمان العقل‬
‫العلمي على مقتضى العلم بتسليط القوى الروحانية عليها لينتفعوا بألبانها من العلوم النافعة والدراكات الجزئية‬
‫والخلق والملكات الفاضلة ويروضوها بالتهذيب والتأديب وإقامة أصحاب الغنم من النفس وقواها الحيوانية‬
‫كالغضبية والمتحركة والمتخيلة والوهمية وأمثالها بعمارة الحرث وإصلح ما في أرض الستعداد بالطاعات‬
‫والعبادات والرياضات من باب الشرائع والخلق والداب وسائر العمال الصالحات حتى يعود الحرث ناضرا بالغا‬
‫إلى حد الكمال‪ ،‬لترد الغنم إلى أصحابها عند حصول الكمال‪ ،‬فتصير محفوظة مرعية مسوسة مهذبة في العمال‬
‫البهيمية بفضيلة العفة‪ ،‬ويرد الحرث إلى أربابه من الروح وقواه يانعا مثمرا بالعلوم والحكم‪ ،‬متزينا بأزهار المعارف‬
‫والحقائق وأنوار التجليات والمشاهدات‪ .‬ولهذا قال ‪ : :‬ففهمناها سليمان‪ ‬فإن العمل بالتقوى والرياضة على وفق‬
‫الشرع والحكمة العملية أبلغ في تحصيل الكمال وإبرازه إلى الفعل من العلم الكلي والفكر والنظر والذوق والكشف ‪:‬‬
‫‪‬وكل آتيناه حكما وعلما‪ ‬إذ كل منهما على الصواب في رأيه والحكمة النظرية والعملية والمكاشفة والمعاملة كلتاهما‬
‫متعاضدتان في طلب الكمال‪ ،‬متوافقتان في تحصيل كرم الخصال بهما‪ : .‬وسخرنا مع داود‪ ‬الفؤاد‪ ،‬جبال العضاء ‪:‬‬
‫‪‬يسبحن‪ ‬بألسنة خواصها التي أمرن بها ويسرن معه بسيرتها المخصوصة بها فل تعصي ول تمتنع عليه‪ ،‬فتكل‬
‫وتثقل وتأبى أمره‪ ،‬بل تسير معه مأمورة بأمره‪ ،‬منقادة مطواعة لتأدبها وارتياضها وتعودها بأمره‪ ،‬وتمرنها في‬
‫الطاعات والعبادات‪ ،‬وطير القوى الروحانية يسبحن بالذكار والفكار والطيران في فضاء أرواح النوار ‪ :‬وكنا‪‬‬
‫قادرين على ذلك التسخير‪ : .‬وعلمناه صنعة لبوس لكم‪ ‬من الورع والتقوى ونعم الدرع الحصين الورع ‪:‬‬
‫‪‬لتحصنكم من‪ ‬بأس القوى الغضبية السبعية واستيلء الحرص والدواعي الطبيعة والقوى الوهمية الشيطانية ‪:‬‬
‫‪‬فهل أنتم شاكرون‪ ‬حق هذه النعمة بالتوجه إلى الحضرة الربانية بالكلية‪ : .‬ولسليمان‪ ‬أي ‪ :‬سخرنا لسليمان العقل‬
‫عاصفة في هبوبها ‪ :‬تجري بأمره‪ ‬مطيعة له إلى‬ ‫‪‬‬ ‫العملي المتمكن على عرش النفس في الصدر ريح الهوى ‪ :‬‬
‫أرض البدن المتدرب بالطاعة والدب ‪ :‬التي باركنا فيها‪ ‬بتثمير الخلق والملكات الفاضلة والعمال الصالحة ‪:‬‬
‫‪‬وكنا بكل شيء‪ ‬من أسباب الكمال ‪ :‬عالمين‪. : ‬ومن‪ ‬شياطين الوهم والتخيل ‪ :‬من يغوصون له‪ ‬في بحر‬
‫الهيولي الجسمانية يستخرجون درر المعاني الجزئية ‪ :‬ويعملون عمل دون ذلك‪ ‬من التركيب والتفصيل‬
‫والمصنوعات وبهيج الدواعي المكسوبات وأمثالها ‪ :‬وكنا لهم حافظين‪ ‬عن الزيغ والخطأ والتسويل الباطل والكذب‪.‬‬
‫‪‬وأيوب‪ ‬النفس المطمئنة الممتحنة بأنواع البلء في الرياضة البالغة كمال الزكاء في المجاهدة ‪ :‬إذ نادى ربه‪ ‬عند‬
‫شدة الكرب في الكد وبلوغ الطاقة والوسع في الجد والجهد ‪ :‬أني مسني الضر‪ ‬من الضعف والنكسار والعجز ‪:‬‬
‫‪‬وأنت أرحم الراحمين‪ ‬بالتوسعة والروح ‪ :‬فاستجبنا له‪ ‬بروح الحوال عن كد العمال عند كمال الطمأنينة‬
‫ونزول السكينة ‪ :‬وكشفنا ما به من ضر‪ ‬الرياضة بنور الهداية ونفسنا عنه ظلمة الكرب بإشراق نور القلب ‪:‬‬
‫‪‬وآتيناه أهله‪ ‬القوى النفسانية التي ملكناها وأمتناها بالرياضة بإحيائها بالحياة الحقيقية ‪ :‬ومثلهم معهم‪) ‬من إمداد‬
‫القوى الروحانية وأنوار الصفات القلبية ووفرنا عليهم أسباب الفضائل الخلقية وأحوال العلوم النافعة الجزئية ‪:‬‬
‫‪‬رحمة من عندنا وذكرى للعابدين‪. : ‬وذا النون‪ ‬أي ‪ :‬الروح الغير الواصل إلى رتبة الكمال ‪ :‬إذ ذهب‪‬‬
‫بالمفارقة عن البدنية ‪ :‬مغاضبا‪ ‬عن قومه‪ ،‬القوى النفسانية لحتجابها وإصرارها على مخالفته وإبائها واستكبارها‬
‫عن طاعته ‪ :‬فظن أن لن نقدر عليه‪ ‬أي ‪ :‬لن نستعمل قدرتنا فيه بالبتلء بمثل ما ابتلي به‪ ،‬أو ‪ :‬لن نضيق عليه‪،‬‬
‫فالتقمه حوت الرحمة لوجوب تعلقه بالبدن في حكمتنا للستعمال ‪ :‬فنادى‪ ‬في ظلمات المراتب الثلث من الطبيعة‬
‫الجسمانية والنفس النباتية والحيوانية بلسان الستعداد ‪ :‬أن ل إله إل أنت‪ ‬فأقر بالتوحيد الذاتي المركوز فيه عند‬
‫العهد السابق وميثاق الفطرة والتنزيه المستفاد من التجرد الول في الزل بقوله ‪ : :‬سبحانك‪ ‬واعترف بنقصانه‬
‫وعدم استعمال العدالة في قومه فقال ‪ : :‬إني كنت من الظالمين فاستجبنا له‪ ‬بالتوفيق بالسلوك والتبصير بنور الهداية‬
‫إلى الوصول ‪ :‬ونجيناه‪ ‬من غم النقصان والحتجاب بنور التجلي ورفع الحجاب ‪ :‬وكذلك ننجي المؤمنين‪‬‬
‫باليمان التحقيقي الموقنين‪ .‬وزكريا‪ ‬الروح الساذج عن العلوم ‪ :‬إذ نادى ربه‪ ‬في استدعاء الكمال بلسان‬
‫الستعداد‪ ،‬واستوهب يحيى القلب لتنتعش فيه العلوم‪ ،‬وشكا انفراده عن معاضدة القلب في قبول العلم وحيازة ميراثه‬
‫مع علمه بأن الفناء في ال خير من الكمال العملي حيث قال ‪ : :‬وأنت خير الوارثين‪ ‬من القلب وغيره ‪ :‬ووهبنا له‬
‫يحيى( القلب بإصلح زوجه النفس العاقر لسوء الخلق وغلبة ظلمة الطبع عليها بتحسين أخلقها وإزالة الظلمة‬
‫الموجبة للعقر عنها ‪ :‬إنهم‪ ‬إن أولئك الكمل من النبياء ‪ :‬كانوا يسارعون في الخيرات‪ ‬أي ‪ :‬يسابقون إلى‬
‫المشاهدات التي هي الخيرات المحضة بالرواح ‪ :‬ويدعوننا‪ ‬لطلب المكاشفات بالقلوب ‪ :‬رغبا‪ ‬إلى الكمال ‪:‬‬
‫‪‬ورهبا‪ ‬من النقصان أو رغبا إلى اللطف والرحموت في مقام تجليات الصفات ورهبا من القهر والعظموت ‪:‬‬
‫‪‬وكانوا لنا خاشعين‪ ‬بالنفوس‪ : .‬والتي أحصنت‪ ‬أي ‪ :‬النفس الزكية الصافية المستعدة العابدة التي أحصنت فرج‬
‫استعدادها ومحل تأثير الروح من باطنها بحفظه من مسافحي القوى البدنية فيها ‪ :‬فنفخنا فيها‪ ‬من تأثير روح القدس‬
‫بنفخ الحياة الحقيقية فولدت عيسى القلب ‪ :‬وجعلناها‪ ‬مع القلب علمة ظاهرة وهداية واضحة ‪ :‬للعالمين‪ ‬من‬
‫القوى الروحانية والنفوس المستعدة المستبصرة يهديهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم‪ .‬إن هذه‪ ‬الطريقة الموصلة إلى‬
‫الحقيقة وهي طريقة التوحيد المخصوصة بالنبياء المذكورين‪ ،‬طريقتكم أيها المحققون السالكون‪ ،‬طريقة ‪ :‬واحدة‪‬‬
‫ل اعوجاج ول زيغ ول انحراف عن الحق إلى الغير ول ميل ‪ :‬وأنا‪ ‬وحدي ‪ :‬ربكم‪ ‬فخصصوني بالعبادة والتوجه‬
‫وتقطعوا أي ‪ :‬تفرق المحجوبون الغائبون عن الحق‪ ،‬الغافلون في أمر الدين وجعلوا أمر‬
‫‪‬‬ ‫ول تلتفتوا إلى غيري ‪ :‬‬
‫دينهم قطعا يتقسمونه ‪ :‬بينهم‪ ‬ويختارون السبل المتفرقة بالهواء المختلفة ‪ :‬كل إلينا راجعون‪ ‬على أي مقصد‬
‫وأية طريقة وأيه وجهة كانوا فنجازيهم بحسب أعمالهم وطرائقهم‪ : .‬فمن‪ ‬يتصف بالكمالت العملية ‪ :‬وهو‪ ‬عالم‬
‫موقن فسعيه مشكور غير مكفور في القيامة الوسطى والوصول إلى مقام الفطرة الولى ‪ :‬وإنا‪ ‬لصورة ذلك السعي‬
‫لكاتبون في صحيفة قلبه فيظهر عليه عند التجرد أنوار الصفات وممتنع ‪ :‬على قرية‪ ‬حكمنا بإهلكها وشقاوتها في‬
‫الزل رجوعهم إلى الفطرة من الحتجاب بصفات النفس في النشأة‪ .‬حتى إذا فتحت يأجوج‪ ‬القوى النفسانية ‪:‬‬
‫ومأجوج القوى البدنية بانحراف المزاج وانحلل التركيب ‪ :‬وهم من كل حدب‪ ‬من أعضاء البدن التي هي‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫محالها ومقارها ‪ :‬ينسلون‪ ‬بالذهاب والزوال ‪ :‬واقترب الوعد الحق‪ ‬من وقوع القيامة الصغرى بالموت‪ ،‬فحينئذ‬
‫شخصت أبصار المحجوبين لشدة الهول والفزع‪ ،‬داعين بالويل والثبور‪ ،‬ومعترفين بالظلم والقصور‪ : .‬إنكم وما‬
‫تعبدون‪ ‬أي ‪ :‬كل عابد منكم لشيء سوى ال محجوب به عن الحق‪ ،‬مرمي مع معبوده الذي وقف معه في طبقة من‬
‫طبقات جهنم‪ ،‬البعد والحرمان على حسب مرتبة معبوده ‪ :‬لهم فيها زفير‪ ‬من ألم الحتجاب وشدة العذاب واستيلء‬
‫نيران الشواق وطول مدة الحرمان والفراق ‪ :‬وهم فيها ل يسمعون‪ ‬كلم الحق والملئكة لتكاثف الحجاب وشدة‬
‫طرق مسامع القلب لقوة الجهل كما ل يبصرون النوار لشدة انطباق الظلمة وعمى البصيرة‪ : .‬إن الذين سبقت لهم‬
‫منا‪ ‬السعادة ‪ :‬الحسنى‪ ‬وحكمنا بسعادتهم في القضاء السابق ‪ :‬أولئك عنها مبعدون‪ ‬لتجردهم عن الملبس النفسانية‬
‫والغشاوات الطبيعية ‪ :‬ل يسمعون حسيسها‪ ‬لبعدهم عنها في الرتبة ‪ :‬وهم في ما اشتهت‪ ‬ذواتهم من الجنات‬
‫الثلث وخصوصا المشاهدات في جنة الذات ‪ :‬خالدون‪ : ‬ل يحزنهم الفزع الكبر‪ ‬بالموت في القيامة الصغرى‬
‫ول بتجلي العظمة والجلل في القيامة الكبرى ‪ :‬وتتلقاهم الملئكة‪ ‬عند الموت بالبشارة أو عند البعث النفساني‬
‫بالسلمة والنجاة‪ ،‬أو في القيامة الوسطى والبعث الحقيقي بالرضوان أو عند الرجوع إلى البقاء بعد الفناء حال‬
‫الستقامة بالسعادة التامة‪ .‬يوم نطوي السماء‪ ‬أي ‪ :‬ل يحزنهم يوم نطوي سماء النفس بما فيها من صور العمال‬
‫وهيئات الخلق في الصغرى ‪ :‬كطي‪ ‬الصحيفة للمكتوبات التي فيها‪ ،‬أي ‪ :‬كما تطوى ليبقى ما فيها محفوظا‪ ،‬أو‬
‫سماء القلب بما فيها من العلوم والصفات والمعارف والمعقولت في الوسطى‪ ،‬أو سماء الروح بما فيها من العلوم من‬
‫المشاهدات والتجليات في الكبرى ‪ :‬كما بدأنا أول خلق نعيده‪ ‬بالبعث في النشأة الثانية على الول أو بالرجوع إلى‬
‫الفطرة الولى على الثاني أو بالبقاء بعد الفناء على الثالث‪ : .‬ولقد كتبنا في‪ ‬زبور القلب ‪ :‬من بعد الذكر‪ ‬في اللوح‬
‫أن أرض البدن يرثها القوى الصالحة المنورة بنور السكينة بعد إهلك الفواسق بالرياضة‪ .‬أو ‪ :‬ولقد كتبنا في زبور‬
‫اللوح المحفوظ من بعد الذكر في أم الكتاب ‪ :‬أن الرض يرثها عبادي الصالحون‪ ‬من الروح والسر والقلب والعقل‬
‫والنفس وسائر القوى بالستقامة بعد إهلك الصالحين بالفناء في الوحدة ‪ :‬لبلغا‪ ‬لكفاية ‪ :‬لقوم‪ ‬عبدوا ال بالسلوك‬
‫فيه ‪ :‬رحمة‪ ‬عظيمة مشتملة على الرحيمية بهدايتهم إلى الكمال المطلق والرحمانية بأمانهم من العذاب المستأصل‬
‫في زمانه لغلبة رحمته على غضبه‪.‬‬

‫سورة الحج‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬يا أيها الناس اتقوا ربكم‪ ‬احذروا عقابه بالتجرد عن الغواشي الهيولنية والصفات النفسانية ‪ :‬أن‪ ‬اضطراب أرض‬
‫البدن في القيامة الصغرى للمنقسمين فيها ‪ :‬شيء عظيم‪ : ‬يوم ترونها تذهل كل مرضعة‪ ‬أي ‪ :‬غاذية مرضعة‬
‫للعضاء عن إرضاعها ‪ :‬وتضع كل ذات حمل‪ ‬من القوى الحافظة لمدركاتها كالخيال والوهم والذاكرة والعاقلة ‪:‬‬
‫‪‬حملها‪ ‬من المدركات لسكرها وذهولها وحيرتها وبهتها‪ ،‬أو كل قوة حاملة للعضاء حملها وتحريكها واستقللها‬
‫بالضعف‪ ،‬أو كل عضو حامل لما فيه من القوة حملها بالتخلي عنها‪ ،‬أو كل ما يمكن فيها من الكمالت بالقوة حملها‬
‫بفسادها وإسقاطها‪ ،‬أو كل نفس حاملة لما فيها من الهيئات والصفات من الفضائل والرذائل بإظهارها وإبرازها ‪:‬‬
‫‪‬وترى الناس سكارى‪ ‬من سكرات الموت‪ ،‬ذاهلين‪ ،‬مغشيا عليهم ‪ :‬وما هم بسكارى‪ ‬في الحقيقة من الشراب‪،‬‬
‫ولكن من شدة العذاب‪ : .‬وترى‪ ‬أرض النفس ‪ :‬هامدة‪ ‬ميتة بالجهل ل نبات فيها من الفضائل والكمالت‪ : .‬فإذا‬
‫أنزلنا عليها‪ ‬ماء العلم من سماء الروح ‪ :‬اهتزت‪ ‬بالحياة الحقيقية ‪ :‬وربت‪ ‬بالترقي في المقامات والمراتب ‪:‬‬
‫‪‬وأنبتت من كل صنف ‪ :‬بهيج‪ ‬من الكمالت والفضائل المزينة لها ‪ :‬ذلك ب( ‪ :‬سبب‪) ‬أن ال هو الحق‪‬‬
‫الثابت الباقي وما سواه هو المغير الفاني ‪ :‬وأنه يحيي‪ ‬موتى الجهل بفيض العلم في القيامة الوسطى كما يحيي موتى‬
‫الطبع في القيامة الصغرى ‪ :‬وأن الساعة‪ ‬بالمعنيين ‪ :‬آتية وأن ال يبعث من في القبور‪ ‬أي ‪ :‬قبر البدن من موتى‬
‫الجهل في الساعة الوسطى بالقيام في موضع القلب والعود إلى الفطرة وحياة العلم كما يبعث موتى الطبع في النشأة‬
‫الثانية والقيامة الصغرى ‪ :‬بغير علم‪ ‬أي ‪ :‬استدلل ‪ :‬ول هدى‪ ‬ول كشف ووجدان ‪ :‬ول كتاب‪ ‬ول وحي‬
‫وفرقان ‪ :‬يدعو‪ ‬مما سوى ال ‪ :‬ما ل يضره وما ل ينفعه‪ ‬كائنا ما كان فإن الحتجاب الغيري ‪ :‬هو الضلل‬
‫البعيد‪ ‬عن الحق وإنما كان ضره أقرب من نفعه لن دعوته والوقوف معه يحجبه عن الحق‪ .‬يسجد له من في‬
‫السموات ومن في الرض‪ ‬من الملكوت السماوية والرضية وغيرهم مما عد ومما لم يعد من الشياء بالنقياد‬
‫والطاعة والمتثال لما أراد ال منها من الفعال والخواص وأجرى عليها شبه تسخيرها لمره وامتناع عصيانها‬
‫لمراده وانقهارها تحت قدرته بالسجود الذي هو غاية الخضوع‪ ،‬ولما لم يمكن لشيء منها إل للنسان التابع للشيطان‬
‫في ظاهر أمره دون باطنه خص عموم كثير من الناس الذين حق عليهم العذاب وحكم بشقاوتهم في الزل وهم الذين‬
‫غلبت عليهم الشيطنة ولزمتهم الزلة والشقوة ‪ :‬ومن يهن ال‪ ‬بأن يجعل أهله قهره وسخطه ومحل عقابه وغضبه ‪:‬‬
‫‪‬فما له من مكرم إن ال يفعل ما يشاء‪. ‬قطعت لهم ثياب من نار‪ ‬جعلت لهم ملبس من نار غضب ال وقهره‪،‬‬
‫وهي هيئات وأجرام مطابقة لصفات نفوسهم المنكوسة‪ ،‬معذبة لها غاية التعذيب ‪ :‬يصب من فوق رؤوسهم‪ ‬حميم‬
‫الهوى‪ ،‬وحب الدنيا الغالب عليهم‪ ،‬أو حميم الجهل المركب والعتقاد الفاسد المستعلي على جبهتهم العلوية التي تلي‬
‫الروح في صورة القهر اللهي مع الحرمان عن المراد المحبوب المعتقد فيه ‪ :‬يصهر به‪ ‬أي ‪ :‬يذاب به ويضمحل ‪:‬‬
‫‪‬ما في‪ ‬بطون استعداداتهم من المعاني القوية وما في ظاهرهم من الصفات النسانية والهيئات البشرية‪ ،‬فتتبدل‬
‫معانيهم وصورهم‪ ،‬وكلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها‪ : .‬ولهم مقامع‪ ‬أي ‪ :‬سياط )من حديد الثيرات‬
‫الملكوتية بأيدي زبانية الجرام السماوية المؤثرة في النفوس المادية‪ ،‬تقمعهم بها وتدورهم من جناب القدس إلى مهاوي‬
‫الرجس ‪ :‬كلما أرادوا‪ ‬بدواعي الفطرة النسانية وتقاضي الستعداد الولي ‪ :‬أن يخرجوا‪ ‬من تلك النيران إلى‬
‫فضاء مراتب النسان ‪ :‬من غم‪ ‬تلك الهيئات السود المظلمة وكرب تلك الدركات الموجبة‪ ،‬ضربوا بتلك المقامع‬
‫المؤلمة وأعيدوا إلى أسافل الوهدات المهلكة ‪ :‬و( ‪ :‬قيل لهم‪) ‬ذوقوا عذاب الحريق‪. : ‬جنات‪ ‬القلوب ‪:‬‬
‫‪‬تجري من‪ ‬تحتهم أنهار العلوم ‪ :‬يحلون فيها من أساور‪ ‬الخلق والفضائل المصوغة ‪ :‬من ذهب‪ ‬العلوم العقلية‬
‫والحكمة العملية ‪ :‬ولؤلؤا‪ ‬المعارف القلبية‪ ،‬والحقائق الكشفية ‪ :‬ولباسهم فيها حرير‪ ‬شعاع أنوار الصفات اللهية‬
‫والتجليات اللطيفة‪ ،‬وهداهم ‪ :‬إلى الطيب من‪ ‬ذكر الصفات في مقام القلب ‪ :‬وإلى صراط‪ ‬ذي الصفات‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫توحيد الذات الحميدة باتصافها بتلك الصفات‪ ،‬وتلك بعينها صراط الذات وسلم الوصول إليها بالفناء‪ .‬كفروا‪ ‬حجبوا‬
‫بالغواشي الطبيعية ‪ :‬ويصدون عن سبيل ال والمسجد الحرام‪ ‬الذي هو صدر فناء كعبة القلب ‪ :‬الذي جعلناه‪‬‬
‫سواء المقيم فيه من القوى العقلية الروحانية وبادي القوى النفسانية لمكان وصولها‬
‫‪‬‬ ‫لناس القوى النسانية مطلقا ‪ :‬‬
‫إليه وطوافها فيه عند ترقي القلب إلى مقام السر‪ : .‬ومن يرد فيه‪ ‬من الواصلين إليه مرادا ‪ :‬بإلحاد‪ ‬ميل إلى‬
‫الطبيعة والهوى ‪ :‬بظلم‪ ‬وضع شيء من العلوم والعبادات القلبية مكان النفسية كاستعمالها للغراض الدنيوية‬
‫وإظهارها لتحصيل اللذات البدنية من طلب السمعة والمال والجاه أو بالعكس‪ ،‬كمباشرة الشهوات الحسية واللذات‬
‫النفسية بتوهم كونها مصالح الدارين أو تغير عن وجهها كالرياء والنفقاق‪ ،‬أو ملحدا ظالما ‪ :‬من عذاب أليم‪ ‬في‬
‫جحيم الطبيعة‪ : .‬وإذ بوأنا‪ ‬أي ‪ :‬جعلنا ‪ :‬لبراهيم‪ ‬الروح مكان بيت القلب وهو المصدر مباءة يرجع إليها في‬
‫العمال والخلق‪ .‬وقيل ‪ :‬أعلم ال إبراهيم مكانه بعدما رفع إلى السماء أيام الطوفان بريح أرسلها‪ ،‬فكشف ما حولها‪،‬‬
‫فبناه على أسه القديم‪ ،‬أي ‪ :‬هداه إلى مكانه بعد رفعه إلى السماء‪ .‬وأيام طوفان الجهل وأمواج غلبات الطبع برياح‬
‫نفحات الرحمة فكشفت ما حوله من الهيئات النفسانية واللواث الطبيعية والغبارات الهيولنية فبناه على أسه القديم من‬
‫الفطرة النسانية ‪ :‬أن ل تشرك‪ ‬أي ‪ :‬جعلناه ‪ :‬مرجعا في بناء البيت بأحجار العمال وطين الحكم وجص الخلق‪،‬‬
‫وقلنا ‪ :‬ل تشرك‪ ،‬أي ‪ :‬أمرناه بالتوحيد ثم بتطهير بيت القلب عن اللواث المذكورة ‪ :‬للطائفين‪ ‬من القوى النفسانية‬
‫التي تطوف حوله للتنور واكتساب الفضائل الخلقية ‪ :‬والقائمين‪ ‬من القوى الروحانية التي تقوم عليه بإلقاء المعارف‬
‫والمعاني الحكمية ‪ :‬والركع السجود‪ ‬من القوى البدنية التي تستفيد منه صور العبادات والداب الشرعية والعقلية‪ ،‬أو‬
‫لهداية الطالبين من المستبصرين المتعلمين‪ ،‬والمجاهدين السالكين‪ ،‬والمتعبدين الخاضعين‪ .‬وأذن في الناس‪ ‬بالدعوة‬
‫إلى مقام القلب وزيارته ‪ :‬يأتوك رجال‪ ‬مجردين عن صفات النفوس ‪ :‬وعلى كل‪ ‬نفس ضامرة بطول الرياضة‬
‫والمجاهدة ‪ :‬يأتين من كل‪ ‬طريق بعيد العمق في قعر الطبيعة ‪ :‬ليشهدوا منافع لهم‪ ‬من الفوائد العلمية والعملية‬
‫المستفادة من مقام القلب ‪ :‬ويذكروا اسم ال‪ ‬بالتصاف بصفاته ‪ :‬في أيام معلومات‪ ‬من أنوار التجليات‬
‫والمكاشفات ‪ :‬على ما رزقهم من بهيمة‪ ‬أنعام النفوس المذبوحة تقربا إلى ال تعالى بحراب المخالفات وسكاكين‬
‫المجاهدات ‪ :‬فكلوا‪ ‬استفيدوا من لحوم أخلقها وملكاتها المعينة المقوية في السلوك ‪ :‬وأطعموا‪ ‬أي ‪ :‬أفيدوا ‪:‬‬
‫‪‬البائس‪ ‬الطالب القوي النفس‪ ،‬الذي أصابه شدة من غلبة صفاتها واستيلء هيئاتها للتهذيب والتأديب‪ ،‬والفقير‬
‫الضعيف النفس‪ ،‬القديم العلم‪ ،‬الذي أضعفه عدم التعليم والتربية المحتاج إليها‪ : .‬ثم ليقضوا‪ ‬وسخ الفضول وفضلت‬
‫ألواث الهيئات كقص شارب الحرص‪ ،‬وقلم أظفار الغضب والحقد‪ .‬وفي الجملة ‪ :‬بقايا تلوينات النفس ‪ :‬وليوفوا‬
‫نذورهم‪ ‬بالقيام بإبراز ما قبلوه في العهد الول من المعاني والكمالت المودعة فيهم إلى الفعل‪ ،‬فقضاء التفث التزكية‬
‫وإزالة الموانع واليفاء بالنذور والتحلية وتحصيل المعارف ‪ :‬وليطوفوا‪ ‬بالنخراط في سلك الملكوت العلى حول‬
‫عرش ال المجيد البيت القديم‪ : .‬ذلك‪ ‬أي ‪ :‬المر ذلك ‪ :‬ومن يعظم حرمات ال‪ ‬وهي ما ل يحل هتكه وتطهيره‬
‫القربان بالنفس وجميع ما ذكر من المناسك كالتحلي بالفضائل‪ ،‬واجتناب الرذائل‪ ،‬والتعرض للنوار في التجليات‪،‬‬
‫والتصاف بالصفات‪ ،‬والترقي في المقامات ‪ :‬فهو خير له‪ ‬في حضرة ربه ومقعد قربه ‪ :‬وأحلت لكم‪ ‬أنعام‬
‫النفوس السليمة بالنتفاع بأخلقها وأعمالها في الطريقة والتمتع بالحقوق دون الحظوظ ‪ :‬إل ما يتلى عليكم‪ ‬في‬
‫صورة المائدة من الرذائل المشتبهة بالفضائل وهي التي صدرت من النفس ل على وجهها ول على ما ينبغي من‬
‫أمرها بالرذائل المحضة‪ ،‬فإنها محرمة في سبيل ال على السالكين ‪ :‬فاجتنبوا الرجس من‪ ‬أوثان الشهوات المتعبدة‪،‬‬
‫والهواء المتبعة‪ ،‬كقوله تعالى ‪ : :‬أفرءيت من اتخذ إلهه هواه‪] ‬الجاثية‪ ،‬الية ‪ : .[23 :‬واجتنبوا قول الزور‪ ‬من‬
‫العلوم المزخرفة والشبهات المموهة من التخيلت والموهومات‪ ،‬المستعملة في الجدل والخلف والمغالطة‪ .‬حنفاء‬
‫ل‪ ‬مائلين عن الطرق الفاسدة‪ ،‬والعلوم الباطلة‪ ،‬معرضين عن كل ما يغيره من الكمالت والعمال‪ ،‬ولو لنفس الكمال‬
‫به بالنظر إلى ما سواه واللتفات في طريقه إلى ما عداه‪ : .‬ومن يشرك‬ ‫والتزين به فإنه حجاب ‪ :‬غير مشركين ‪‬‬
‫بال‪ ‬بالوقوف مع شيء والميل إليه ‪ :‬فكأنما خر من‪ ‬سماء الروح ‪ :‬فتخطفه‪ ‬طير الدواعي النفسانية والهواء‬
‫الشيطانية فتمزقه قطعا جذاذا ‪ :‬أو تهوي به‪ ‬ريح هوى النفس في ‪ :‬مكان‪ ‬بعيد من الحق ومهلكة عمياء متلفة ‪:‬‬
‫‪‬ومن يعظم شعائر ال‪ ‬من النفوس المستعدة المسوقة نسائق التوفيق في سبيل ال ليهدي بها لوجه ال‪ ،‬فإن تعظيمها‬
‫بتحصيل كمالها من أفعال ذي القلوب المتقية المجردة عن الصفات النفسانية والهيئات الظلمانية‪ : .‬لكم فيها منافع‪‬‬
‫من العمال والخلق والكمالت العلمية والعملية ‪ :‬إلى أجل مسمى‪ ‬هو الفناء في ال بالحقيقة ‪ :‬ثم محلها‪ ‬حد‬
‫سوقها وموضع وجوب نحرها بالوصول إلى حرم الصدر عند كعبة القلب إلى مقام السر‪ ،‬وترقي النفس إلى مقامه‪،‬‬
‫فانية عن حياتها وصفاتها‪ .‬ولكل أمة‪ ‬من القوى ‪ :‬جعلنا‪ ‬عبادة مخصوصة بها ‪ :‬ليذكروا اسم ال‪ ‬بالتصاف‬
‫بصفاته التي هي مظاهرها في التوجه إلى التوحيد ‪ :‬على ما رزقهم من‪ ‬الكمال بواسطة ‪ :‬بهيمة‪ ‬النفس التي هي‬
‫من جملة ‪ :‬النعام‪ ‬أي ‪ :‬النفوس السليمة ‪ :‬فإلهكم إله واحد‪ ‬فوحدوه بالتوجه نحوه من غير التفات إلى غيره‪،‬‬
‫وخصصوه بالنقياد والطاعة ول تنقادوا إل له ‪ :‬وبشر‪ ‬المنكسرين المتذللين القابلين لفيضه‪ : .‬الذين إذا ذكر ال‪‬‬
‫بالحضور ‪ :‬وجلت قلوبهم‪ ‬انفعلت لقبول فيضه ‪ :‬والصابرين‪ ‬الثابتين ‪ :‬على ما أصابهم‪ ‬من المخالفات‬
‫والمجاهدات ‪ :‬والمقيمي‪ ‬صلة المشاهدة ‪ :‬ومما رزقناهم‪ ‬من الفضائل والكمالت ‪ :‬ينفقون‪ ‬بالفناء في ال‬
‫والبدن أي ‪ :‬النفوس الشريفة العظيمة القدر ‪ :‬جعلناها‪ ‬من الهدايا المعلمة ل ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫والفاضة على المستعدين‪ : .‬‬
‫‪‬لكم فيها خير‪ ‬سعادة وكمال ‪ :‬فاذكروا اسم ال عليها‪ ‬بالتصاف بصفاته وإفناء صفاتكم فيه‪ ،‬وذلك هو النحر في‬
‫سبيل ال ‪ :‬صواف‪ ‬قائمات بما فرض ال عليها‪ ،‬مقيدات بقيود الشريعة‪ ،‬وآداب الطريقة‪ ،‬واقفات عن حركاتها‬
‫واضطراباتها ‪ :‬فإذا‪ ‬سقطت عن هواها الذي هو حياتها وقوتها التي بها تستقل وتضطرب بقتلها في ال ‪ :‬فكلوا‪‬‬
‫استفيدوا من فضائلها وأفيدوا المستعدين والطالبين المتعرضين للطلب من المريدين ‪ :‬كذلك سخرناها لكم‪‬‬
‫بالرياضة ‪ :‬لعلكم تشكرون‪ ‬نعمة الستعداد والتوفيق باستعمالها في سبيل ال‪ : .‬لن ينال ال لحوم فضائلها‬
‫وكمالتها ول إفناؤها بإزالة أهوائها التي هي دماؤها ‪ :‬ولكن يناله‪ ‬التجرد ‪ :‬منكم‪ ‬عنها وعن صفاتها‪ .‬فإن سبب‬
‫الوصول هو التجرد والفناء في ال‪ ،‬ل حصول الفضائل مكان الرذائل‪ .‬مثل ذلك التسخير بالرياضة ‪ :‬سخرها لكم‬
‫لتكبروا ال‪ ‬بالفناء فيه عنها وعن كل شيء على النحو الذي هداكم إليه بالتجريد والتفريد والسلوك في الطريقة إلى‬
‫الحقيقة‪ : .‬وبشر المحسنين‪ ‬الشاهدين في العبودية عن البقاء والفناء حال الستقامة والتمكين‪ .‬إن ال يدافع‪ ‬ظلمة‬
‫القوى النفسانية بالتوفيق ‪ :‬عن الذين آمنوا‪ ‬من القوى الروحانية ‪ :‬إن ال ل يحب كل خوان‪ ‬من القوى التي لم تؤد‬
‫أمانة ال من كمالها المودع فيها بالطاعة فيها وخانت القلب بالغدر وعدم الوفاء بالعهد ‪ :‬كفور‪ ‬باستعمال نعمة ال‬
‫في معصيته‪ : .‬أذن للذين يقاتلون‪ ‬الوهم والخيال وغيرهما من القوى الروحانية المجاهدين مع القوى النفسانية ‪:‬‬
‫‪‬ب‪ ‬سبب أنهم ‪ :‬انهم ظلموا‪ ‬باستيلء صفات النفس واستعلئها ‪ :‬الذين‪ ‬أي ‪ :‬المظلومين الذين ‪ :‬أخرجوا‪ ‬من‬
‫مقارهم ومناصبهم باستخدامها واستعبادها في طلب الشهوات واللذات البدنية ‪ :‬بغير حق‪ ‬لهم عليهم موجب لذلك إل‬
‫للتوحيد الموجب للتعظيم والتمكين والتوجه إلى الحق والعراض عن الباطل‪ : .‬ولول دفع ال‪ ‬ناس القوى‬
‫النفسانية ‪ :‬بعضهم ببعض‪ ‬كدفع الشهوانية بالغضبية وبالعكس‪ ،‬أو ناس القوى مطلقا كدفع النفسانية بالروحانية ودفع‬
‫الوهمية بالعقلية والنفسانية بعضها ببعض كما ذكر ‪ :‬لهدمت صوامع‪ ‬رهبان السر وخلواتهم ‪ :‬وبيع‪ ‬نصارى‬
‫وصلوات يهود الصدور ومتعبداتهم ‪ :‬ومساجد‪ ‬مؤمني الروح ومقامات مشاهداتهم‬‫‪‬‬ ‫القلب ومحال تجلياتهم ‪ :‬‬
‫وفنائهم في ال ‪ :‬يذكر فيها اسم ال‪ ‬العظم بالتخلق بأخلقه والتصاف بصفاته والتحقق بأسراره والفناء في ذاته ‪:‬‬
‫‪‬ولينصرن ال‪ ‬يقهر بنوره من بارزه بوجوده وظهوره ‪ :‬عزيز‪ ‬يغلب من ماثلة باستعلئه وجبروته‪ : .‬الذين إن‬
‫مكناهم في الرض‪ ‬بالستقامة بالوجود الحقاني ‪ :‬أقاموا‪ ‬صلة المراقبة والمشاهدة ‪ :‬وأتوا‪ ‬زكاة العلوم الحقيقية‬
‫وأمروا القوى النفسانية والنفوس الناقصة ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫والمعارف اليقينية من نصاب المكاشفة مستحقيها من الطلبة ‪ :‬‬
‫‪‬بالمعروف‪ ‬من العمال الشرعية والخلق المرضية في مقام المشاهدة‪ ،‬ونهوهم ‪ :‬عن المنكر‪ ‬من الشهوات‬
‫البدنية واللذات الحسية والرذائل المردية والمعاملة ‪ :‬ول عاقبة المور‪ ‬بالرجوع إليه‪ .‬الفرق بين النبي والرسول‪،‬‬
‫أن النبي هو الواصل بالفناء في مقام الولية‪ ،‬الراجع بالوجود الموهوب إلى مقام الستقامة متحققا بالحق‪ ،‬عارفا به‪،‬‬
‫متنبئا عنه وعن ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه بأمره‪ ،‬مبعوثا للدعوة إليه على شريعة المرسل الذي تقدمه غير مشرع‬
‫لشريعة ول واضع لحكم وملة‪ ،‬مظهرا للمعجزات‪ ،‬منذرا أو مبشرا للناس كأنبياء بني إسرائيل إذ كلهم كانوا داعين إلى‬
‫كان كتابه حاويا للمعارف والحقائق‬ ‫دين موسى ‪ ‬غير واضعين لملة وشريعة‪ ،‬ومن كان ذا كتاب كداود ‪‬‬
‫والمواعظ والنصائح دون الحكام والشرائع‪ .‬ولهذا قال ‪ ' : ‬علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل '‪ ،‬وهم الولياء‬
‫العارفون‪ ،‬المتمكنون‪ .‬والرسول هو الذي يكون له مع ذلك كله وضع شريعة وتقنين‪ ،‬فالنبي متوسط بين الولي‬
‫والرسول‪ : .‬إذا تمنى‪ ‬ظهرت نفسه بالتمني في مقام التلوين ‪ :‬ألقى الشيطان في‪ ‬وعاء ‪‬أمنيته‪ ‬ما يناسبها لن‬
‫ظهور النفس يحدث ظلمة وسوادا في القلب يحتجب بها الشيطان ويتخذها محل وسوسته وقالب إلقائه بالتناسب ‪:‬‬
‫‪‬فينسخ ال ما يلقي الشيطان‪ ‬بإشراق نور الروح على القلب بالتأييد القدسي وإزالة ظلمة ظهور النفس وقمعها ليظهر‬
‫فساد ما يلقيه ويتميز منه اللقاء الملكي فيضمحل ويستقر الملكي ‪ :‬ثم يحكم ال آياته‪ ‬بالتمكين ‪ :‬وال عليم‪ ‬يعلم‬
‫اللقاءات الشيطانية وطريق نسخها من بين وحيه ‪ :‬حكيم‪ ‬يحكم آياته بحكمته‪ ،‬ومن مقتضيات حكمته أنه يجعل‬
‫اللقاء الشيطاني فتنة للشاكين المنافقين المحجوبين القاسية قلوبهم عن قبول الحق وابتلءهم لزدياد شكهم وحجابهم‬
‫به‪ ،‬فإنهم بمناسبة نفوسهم الظلمانية وقلوبهم المسودة القاسية ل يقبلون إل ما يلقي الشيطان‪ ،‬كما قال تعالى ‪ : :‬هل‬
‫أنبئكم على من تنزل الشياطين ‪ 221‬تنزل على كل أفاك أثيم ‪] 222‬الشعراء‪ ،‬الية ‪ .[222 - 221 :‬وإنهم لفي‬
‫خلف بعيد عن الحق فكيف يقبلونه‪ .‬وليعلم الذين أوتوا العلم‪ ‬من أهل اليقين والمحققين ‪ :‬أن تمكن الشيطان من‬
‫اللقاء هو الحكمة والحق من ربك على قضية العدل والمناسبة ‪ :‬فيؤمنوا به‪ ‬بأن يروا الكل من ال فتطمئن ‪ :‬له‬
‫قلوبهم‪ ‬بنور السكينة والستقامة الموجبة لتمييز اللقاء الشيطاني من الرحماني ‪ :‬وأن ال‪ ‬لهاديهم إلى طريق الحق‬
‫والستقامة فل تزل أقدامهم بقبول ما يلقي الشيطان‪ ،‬ول تقبل قلوبهم إل ما يلقي الرحمن لصفائها وشدة نوريتها‬
‫وضيائها‪ : .‬ول يزال‪ ‬المحجوبون ‪ :‬في شك منه حتى‪ ‬تقوم عليهم القيامة الصغرى ‪ :‬أو يأتيهم عذاب‪ ‬وقت‬
‫هائل ل يعلم كنهه ول يمكن وصفه من الشدة أو وقت ل مثل له في الشدة أو ل خير فيه‪ : .‬الملك يومئذ‪ ‬إذ وقع‬
‫العذاب وقامت القيامة ‪ :‬ل‪ ‬ل يمنعهم منه أحد إذ ل قوة ول قدرة ول حكم لغيره يفصل ‪ :‬بينهم‪ ‬فالموقنون‬
‫العاملون بالستقامة والعدالة ‪ :‬في جنات‪ ‬الصفات يتنعمون والمحجوبون عن الذات والمكذبون بالصفات بنسبتها‬
‫إلى الغير في عذاب مهين من صفات النفوس والهيئات لحتجاجهم عن عزة ال وكبريائه وصيرورتهم في ذل قهره‪: .‬‬
‫‪‬والذين هاجروا‪ ‬عن مواطن النفوس ومقارها السفلية ‪ :‬في سبيل ال ثم قتلوا‪ ‬بسيف الرياضة والشوق ‪ :‬أو‬
‫ماتوا‪ ‬بالرادة والذوق ‪ :‬ليرزقنهم ال‪ ‬من علوم المكاشفات وفوائد التجليات ‪ :‬رزقا حسنا‪ ‬وليدخلنهم مقام الرضا ‪:‬‬
‫‪‬وإن ال لعليم‪ ‬بدرجات استعداداتهم واستحقاقاتهم وما يجب أن يفيض عليهم من كمالتهم ‪ :‬حليم‪ ‬ل يعاجلهم‬
‫بالعقوبة في فرطاتهم في التلوينات وتفريطاتهم في المجاهدات فيمنعهم مما تقتضيه أحوالهم ليمكنهم قبولهم ذلك‪ .‬من‬
‫راعى طريق العدالة في المكافأة بالعقوبة ثم مال إلى النظلم ل إلى الظلم‪ ،‬لوجب في حكمة ال تأييده بالمداد‬
‫الملكوتية ونصرته بالنوار الجبروتية‪ ،‬فإن الحتياط في باب العدالة هو الميل إلى النظلم ل إلى الظلم‪ .‬قال النبي‬
‫‪ ' :‬كن عبدا ل المظلوم ول تكن عبدا ل الظالم '‪ : .‬إن ال لعفو‪ ‬يأمر بالعفو وترك المعاقبة ‪ :‬غفور‪ ‬يغفر‬ ‫‪‬‬
‫لمن ل يقدر على العفو‪ .‬ذلك‪ ‬الغفران عند ظهور النفس في المعاقبة أو التأييد والنصر عند رعاية العدالة فيها مع‬
‫النظلم في الكرة الثانية ‪ :‬ب‪ ‬سبب ‪ :‬أن ال يولج‪ ‬ليل ظلمة النفس في نور نهار القلب بحركتها واستيلئها عليه‪،‬‬
‫فينبعث إلى المعاقبة ‪ :‬ويولج‪ ‬نور نهار القلب في ظلمة النفس فيعفوا‪ ،‬وكل بتقديره وتصريف قدرته ‪ :‬وأن ال‬
‫سميع‪ ‬لنياتهم ‪ :‬بصير‪ ‬بأعمالهم‪ ،‬يعاملهم على حسب أحوالهم‪ : .‬ما قدروا ال حق قدره‪ ‬أي ‪ :‬ما عرفوه حق‬
‫معرفته إذ نسبوا التأثير إلى غيره‪ ،‬وأثبتوا وجودا لغيره‪ ،‬إذ كل عارف به ل يعرف منه إل ما وجد في نفسه من صفاته‬
‫ولو عرفوه حق معرفته لكانوا فانين فيه‪ ،‬شاهدين لذاته وصفاته‪ ،‬عالمين أن ما عداه ممكن موجود بوجوده‪ ،‬قادر‬
‫بقدرته ل بنفسه‪ ،‬فكيف له وجود وتأثير ‪ :‬إن ال لقوي‪ ‬يقهر ما عداه بقوة قهره فيفنيه فل وجود ول قوة له ‪:‬‬
‫‪‬عزيز‪ ‬يغلب كل شيء فل قدرة له‪ : .‬يا أيها الذين آمنوا‪ ‬اليمان اليقيني ‪ :‬اركعوا‪ ‬بفناء الصفات ‪ :‬واسجدوا‬
‫بفناء الذات واعبدوا ربكم‪ ‬في مقام الستقامة بالوجود الموهوب‪ ،‬فإن من بقي منه بقية لم يمكنه أن يعبد ال حق عبادته‬
‫إذ العبادة إنما تكون بقدر المعرفة ‪ :‬وافعلوا الخير‪ ‬بالتكميل والرشاد ‪ :‬لعلكم تفلحون‪ ‬بالنجاة من وجود البقية‬
‫والتلوين ‪ :‬وجاهدوا في ال حق جهاده‪ ‬أي ‪ :‬بالغوا في المعبودية حتى ل تكون بأنفسكم وأنائيتكم وهو المبالغة في‬
‫التحذير عن وجود التلوين لن من نبض منه عرق النائية لم يجاهد في ال حق جهاده‪ ،‬إذ حق الجهاد فيه هو الفناء‬
‫بالكلية بحيث ل عين له ول أثر‪ ،‬وذلك هو الجتهاد في ذاته‪ : .‬هو اجتباكم‪ ‬بالوجود الحقاني ل غيره‪ ،‬فل تلتفتوا إلى‬
‫غيره بظهور أنائيتكم ‪ :‬وما جعل عليكم في‪ ‬دينه ‪ :‬من حرج‪ ‬من كلفة ومشقة في العبادة فإنه ما دامت النفس باقية‬
‫أو يجد العابد من القلب والروح بقية ولم يستقر بنور التوحيد ولم يستحكم مقام التفريد لم يكن في العبادة روح تام وذوق‬
‫عام‪ ،‬ول يخلوا من حرج وضيق وكلفة ومشقة‪ ،‬وأما إذا تمكن في الستقامة‪ ،‬وتصفى في المحبة التامة وجد السعة‬
‫ملة أي ‪ :‬أعني وأخص ملة ‪ :‬أبيكم‪ ‬الحقيقي ‪ :‬إبراهيم‪ ‬التي هي التوحيد المحض‪ .‬ومعنى أبوته ‪:‬‬ ‫والروح‪  : .‬‬
‫كونه مقدما في التوحيد‪ ،‬مفيضا على كل موحد‪ ،‬فكلهم من أولده ‪ :‬هو‪ ‬أي ‪ :‬إبراهيم‪ ،‬أو ال تعالى ‪ :‬سماكم‬
‫المسلمين‪ ‬الذين أسلموا ذواتهم إلى ال بالفناء فيه وجعلكم علماء في السلم أول وآخرا وهو معنى قوله ‪ : :‬من قبل‬
‫وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم‪ ‬بالتوحيد‪ ،‬رقيبا يحفظكم في مقامه بالتأييد حتى ل تظهر منكم بقية ‪ :‬وتكونوا‬
‫شهداء على الناس‪ ‬بتكميلهم‪ ،‬مطلعين على مقاماتهم ومراتبهم‪ ،‬تفيضون عليهم أنوار التوحيد إن قبلوا ‪ :‬فأقيموا‪‬‬
‫صلة الشهود الذاتي فإنكم على خطر لشرف مقامكم وعز مرامكم ‪ :‬وآتوا الزكوة‪ ‬بإفاضة الفيض على المستعدين‬
‫وتربية الطالبين المستبصرين فإنه شكر حالكم وعبادة مقامكم ‪ :‬واعتصموا‪ ‬في ذلك الرشاد ‪ :‬بال‪ ‬بأن ل تروه‬
‫من أنفسكم وتكونوا به متخلقين بأخلقه ‪ :‬هو مولكم‪ ‬في مقام الستقامة بالحقيقة وناصركم في الرشاد بدوام‬
‫المداد ‪ :‬فنعم المولى ونعم النصير‪ ‬وهو الموفق‪.‬‬

‫سورة المؤمنون‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫‪‬قد أفلح‪ ‬دخل في الفوز العظم الموقنون ‪ :‬الذين هم‪ ‬في صلة حضور القلب ‪ :‬خاشعون‪ ‬باستيلء الخشية‬
‫والهيبة عليهم لتجلي نور العظمة لهم ‪ :‬والذين هم عن اللغو‪ ‬أي ‪ :‬الفضول ‪ :‬معرضون‪ ‬لشتغالهم بالحق ‪:‬‬
‫‪‬والذين هم للزكاة فاعلون‪ ‬بالتجرد عن صفاتهم ‪ :‬والذين هم لفروجهم‪ ‬وأسباب لذاتهم وشهواتهم ‪ :‬حافظون‪‬‬
‫بترك الحظوظ والقتصار على الحقوق ‪ :‬فمن ابتغى وراء ذلك‪ ‬بالميل إلى الحظوظ ‪ :‬فأولئك هم‪ ‬المرتكبون‬
‫العدوان على أنفسهم ‪ :‬والذين هم لماناتهم‪ ‬من أسراره التي أودعهم ال إياها في سرهم ‪ :‬وعهدهم‪ ‬الذي عاهدهم‬
‫ال عليه في بدء الفطرة ‪ :‬راعون‪ ‬بالداء إليه والحياء به ‪ :‬والذين هم على‪ ‬صلة مشاهدة أرواحهم ‪:‬‬
‫‪‬يحافظون‪ : ‬أولئك‪ ‬الموصوفون بهذه الصفات ‪ :‬هم الوارثون‪ : ‬الذين يرثون‪ ‬فردوس جنة الروح في‬
‫حظيرة القدس‪ .‬ثم أنشأناه خلقا آخر‪ ‬غير هذا المتقلب في أطوار الخلقة بنفخ روحنا فيه وتصويره بصورتنا‪ ،‬فهو في‬
‫الحقيقة خلق وليس بخلق ‪ :‬لميتون‪ ‬بالطبيعة‪ : .‬ثم إنكم يوم القيامة‪ ‬الصغرى ‪ :‬تبعثون‪ ‬في النشأة الثانية‪ ،‬أو‬
‫ميتون بالرادة‪ ،‬ويوم القيامة الوسطى تبعثون بالحقيقة‪ ،‬أو ميتون بالفناء ويوم القيامة الكبرى تبعثون بالبقاء ‪ :‬فوقكم‪‬‬
‫أي ‪ :‬فوق صوركم وأجسامكم ‪ :‬سبع طرائق‪ ‬عن الغيوب السبعة المذكورة ‪ :‬وما كنا‪ ‬عن خلقها ‪ :‬غافلين‪ ‬فإن‬
‫الغيب لنا شهادة ‪ :‬وأنزلنا‪ ‬من سماء الروح ماء العلم اليقيني ‪ :‬فأسكناه‪ ‬فجعلناه سكينة في النفس ‪ :‬وإنا على‬
‫ذهاب به لقادرون‪ ‬بالحتجاب والستتار ‪ :‬فأنشأنا لكم به جنات‪ ‬من نخيل الحوال والمواهب وأعناب الخلق‬
‫والمكاسب ‪ :‬لكم فيها فواكه كثيرة‪ ‬من ثمرات لذات النفوس والقلوب والرواح ‪ :‬ومنها‪ ‬تقوتون وبها تتقون ‪:‬‬
‫‪‬وشجرة‪ ‬التفكر ‪ :‬تخرج من طور‪ ‬الدماغ أو طور القلب الحقيقي بقوة العقل ‪ : 12‬تنبت‪ ‬ما تنبت من المطالب‬
‫ملتبسا بدهن استعداد الشتعال بنور نار العقل الفعال ‪ :‬وصبغ‪ ‬لون نوري أو ذوق حالي للمستبصرين المتعلمين‬
‫المستطعمين للمعاني ‪ :‬وإن لكم في‪ ‬أنعام القوى الحيوانية ‪ :‬لعبرة‪ ‬تعتبرون بها من الدنيا إلى الخرة ‪ :‬نسقيكم‬
‫مما في بطونها‪ ‬من المدركات والعلوم النافعة ‪ :‬ولكم فيها منافع كثيرة‪ ‬في السلوك ‪ :‬ومنها تأكلون‪ ‬تتقوتون‬
‫تحملون إلى عالم القدس بقوة التوفيق‪.‬‬‫‪‬‬ ‫بالخلق ‪ :‬وعليها وعلى‪ ‬فلك الشريعة الحاملة إياكم في البحر الهيولني ‪ :‬‬
‫‪‬فأوحينا إليه أن اصنع‪ ‬فلك الحكمة العملية والشريعة النبوية ‪ :‬بأعيينا‪ ‬على محافظتنا إياك عن الزلل في العمل ‪:‬‬
‫‪‬ووحينا‪ ‬بالعلم واللهام ‪ :‬فإذا جاء أمرنا‪ ‬بإهلك القوى البدنية والنفوس المنغمسة المادية ‪ :‬وفار‪ ‬تنور البدن‬
‫باستيلء المواد الفاسدة والخلط الرديئة ‪ :‬فاسلك فيها من كل زوجين‪ ‬أي ‪ :‬من كل شيء صنفين من الصور الكلية‬
‫والجزئية أعني صورتين اثنتين إحداهما كلية نوعية والخرى جزئية شخصية ‪ :‬وأهلك‪ ‬من القوى الروحانية‬
‫والنفوس المجردة النسانية ممن تشرع بشريعتك ‪ :‬إل من سبق عليه القول‪ ‬بإهلكه من زوجتك النفس الحيوانية‬
‫والطبيعة الجسمانية ‪ :‬ول تخاطبني في الذين ظلموا‪ ‬من القوى النفسانية والنفوس المنغمسة الهيولنية بالستيلء‬
‫على القوى الروحانية والنفوس المجردة النسانية وغصب مناصبهم ‪ :‬إنهم مغرقون‪ ‬في البحر الهيولني‪ : .‬فإذا‬
‫استويت‪ ‬بالستقامة في السير إلى ال‪ ،‬فاتصف بصفات ال التي هي الحمد القلبي على نعمة النجاء من ظلمة الجنود‬
‫الشيطانية ‪ :‬وقل رب أنزلني منزل مباركا‪ ‬هو مقام القلب الذي بارك ال فيه بالجمع بين العالمين وإدراك المعاني‬
‫الكلية والجزئية وأمنه من طوفان بحر الهيولى وطغيان مائه ‪ :‬إن في ذلك ليات‪ ‬دلئل ومشاهدات لولي اللباب ‪:‬‬
‫‪‬وإن كنا‪ ‬ممتحنين إياهم ببليات صفات النفوس والتجريد عنها بالرياضة‪ ،‬أو ممتحنين العقلء بالعتبار بأحوالهم عند‬
‫الكشف عن حالتهم وحكاياتهم‪ .‬ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين‪ ‬في النشأة الثانية ‪ :‬وجعلنا ابن مريم‪ ‬القلب ‪:‬‬
‫‪‬وأمه‪ ‬النفس المطمئنة ‪ :‬أيه‪ ‬واحدة باتحادهما في التوجه والسير إلى ال وحدوث القلب منها عند الترقي ‪:‬‬
‫‪‬وآويناهما إلى ربوة‪ ‬مكان مرتفع بترقي القلب إلى مقام الروح وترقي النفس إلى مقام القلب ‪ :‬ذات‪ ‬استقرار‬
‫وثبات وتمكن يستقر فيها لخصبها ‪ :‬ومعين‪ ‬وعلم يقين مكشوف ظاهر‪ : .‬أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين ‪‬‬
‫‪: ‬نسارع لهم في الخيرات‪ ‬أي ‪ :‬ليس التمتيع باللذات الدنيوية والمداد بالحظوظ الفانية هو مسارعتنا لهم في‬
‫الخيرات كما حسبوا‪ ،‬إنما المسارعة فيها هو التوفيق لهذه الخيرات الباقية وهي الشفاق بالنفعال والقبول من شدة‬
‫الخشية عند تجلي العظمة واليقان العيني بآيات تجلي الصفات الربانية والتوحيد الذاتي بالفناء في الحق‪ ،‬والقيام بهداية‬
‫الخلق وإعطاء كمالتهم في مقام البقاء مع الخشية من ظهور البقية في الرجوع إلى عالم الربوبية من الذات الحدية‬
‫وهو السبق في الخيرات وإليها ولها‪ .‬ول نكلف نفسا إل وسعها‪ ‬أي ‪ :‬ل نكلف كل أحد بمقامات السابقين فإنها‬
‫مقامات ل يبلغها إل الفراد كما قيل ‪ :‬جل جناب الحق أن يكن شريعة لكل وارد‪ ،‬أو يطلع عليه إل واحد بعد واحد‪ ،‬بل‬
‫كل مكلف بما يقتضيه استعداده بهويته من كماله اللئق به‪ .‬وهو غاية وسعه‪ : .‬ولدينا كتاب‪ ‬هو اللوح المحفوظ أو أم‬
‫الكتاب ‪ :‬ينطق‪ ‬بمراتب استعداد كل نفس وحدود كمالتها وغاياتها‪ ،‬وما هو حق كل منها ‪ :‬وهم ل يظلمون‪‬‬
‫بمنعهم عنه وحرمانهم إذا جاهدوا فيه وسعوا في طلبه بالرياضة‪ ،‬بل يعطى كل ما أمكنه الوصول إليه وما يشتاقه في‬
‫السلوك إليه‪ : .‬بل‪ ‬قلوب المحجوبين ‪ :‬في غمرة‪ ‬غشاوات الهيولى وغفلة غامرة ‪ :‬من هذا‪ ‬السبق وطلب‬
‫الحق ‪ :‬ولهم أعمال‪ ‬على خلف ذلك موجبة للبعد عن هذا الباب وتكاثف الحجاب‪ ،‬أي ‪ :‬كما أن أعمال السابقين‬
‫موجبة للترقي في التنور كشف الغطاء والوصول إلى الحق‪ ،‬فأعمالهم موجبة للتسفل والتكدر وغلظ الحجاب والطرد‬
‫عن باب الحق لكونها في طلب الدنيا وشهواتها وهوى النفس ولذاتها‪ : .‬هم لها عاملون‪ ‬دائبون عليها مواظبون‪.‬‬
‫وكلما سمعوا ذكر اليات والكمالت ازدادوا عتوا وانهماكا في الغي‪ ،‬واستكبارا وتعمقا في الباطل‪ ،‬وهو النكوص على‬
‫العقاب إلى مهاوي جحيم الطبيعة‪ .‬ولما أبطلوا استعداداتهم واطفؤا أنوارها بالرين والطبع على مقتضى قوى النفس‬
‫والطبع واشتد احتجابهم بالغواشي الهيولنية والهيئات الظلمانية من نور الهدى والعقل‪ ،‬لم يمكنهم تدبر القول ولم‬
‫يفهموا حقائق التوحيد والعدل‪ ،‬فنسبوه إلى الجنة ولم يعرفوه للتقابل بين النور والظلمة والتضاد بين الباطل والحق‬
‫وأنكروه وكرهوا الحق الذي جاء به‪ : .‬ولو اتبع الحق‪ ‬الذي هو التوحيد والعدل‪ ،‬أي الدعوة إلى الذات والصفات ‪:‬‬
‫أهواءهم المتفرقة في الباطل‪ ،‬الناشئة من النفوس الظالمة‪ ،‬المظلمة‪ ،‬المحتجبة بالكثرة عن الوحدة لصار باطل‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫لنعدام العدل الذي قامت به السموات والرض والتوحيد الذي قامت به الذوات المجردة‪ ،‬إذ بالوحدة بقاء حقائق‬
‫الشياء‪ ،‬وبظلها الذي هو العدل ونظام الكثرات قوام الرض والسماء فلزم فساد الكل‪ .‬الصراط المستقيم الذي يدعوهم‬
‫إليه هو طريق التوحيد المستلزم لحصول العدالة في النفس ووجود المحبة في القلب وشهود الوحدة في الروح‪ .‬والذين‬
‫يحتجبون عن عالم النور بالظلمات وعن العقل بالحس وعن القدس بالرجس إنما هم منهمكون في الظلم والبغضاء‬
‫والعداوة والركون إلى الكثرة‪ ،‬فل جرم انهم عن الصراط ناكبون منحرفون إلى ضده‪ ،‬فهو في واد وهم في واد‪.‬‬
‫‪‬ادفع بالتي هي أحسن السيئة‪ ‬أي ‪ :‬إذا قابلك أحد بسيئة فتثبت في مقام القلب وانظر أي الحسنات أحسن في مقابلتها‬
‫لتنقمع بها نفس صاحبك وتنكسر فترجع عن السيئة وتندم ول تدع نفسك تظهر وتقابله بمثلها فتزداد حدة نفسه‬
‫وسورتها وتزيد في السيئة‪ ،‬فإنك إن قابلته بحسن الحسنات‪ ،‬ملكت نفسك‪ ،‬وغلبت شيطانك‪ ،‬وثبت قلبك‪ ،‬واستقمت على‬
‫ما أمرك ال به‪ ،‬وحصلت على فضيلة الحلم‪ ،‬وتمكنت على مقتضى العلم‪ ،‬واستقررت في طاعة الرحمن ومعصية‬
‫الشيطان‪ ،‬وأضفت إلى حسنتك إصلح نفس صاحبك وملكتها إن كان فيه أدنى مسكة وقومتها وشددتها‪ ،‬وتلك حسنة‬
‫أخرى لك‪ ،‬فكنت حائزا للحسنيين وإن عكست كنت جامعا للسوأيين ‪ :‬نحن أعلم بما يصفون‪ ‬أي ‪ :‬كل المسيء إلى‬
‫علم ال‪ .‬واعلم أن ال عالم به‪ ،‬فيجازيه عنك إن كان مستحقا للعقوبة وهو أقدر منك عليه أو يعفو عنه إن أمكن‬
‫رجوعه وعلم صلحه بالعفو عنه‪ .‬واستعذ بال من سورة الغضب وظهور النفس بنخس الشيطان وهمزه إياها ومن‬
‫حضوره وقربه‪ ،‬أي ‪ :‬توجه إلى ربك مستعيذا به قائل ‪ : :‬رب أعوذ بك‪ ‬منخرطا في سلك التوجه إلى جنابه بالقلب‬
‫واللسان والركان لئذا ببابه من تحريضات اللعين ودواعيه وحضوره‪ ،‬فيصير مقهورا مرجوما مطرودا‪.‬‬
‫والموصوف بالسيئة الواصف لك بها‪ ،‬الذاكر لك بالسوء‪ ،‬إن بقي على حاله حتى إذا احتضر وشاهد أمارات العذاب‬
‫وعاين وحشة هيئات السيئات تمنى الرجوع وأظهر الندامة ونذر العمل الصالح في اليمان الذي ترك ولم يحصل إل‬
‫على الحسرة والندامة والتلفظ بألفاظ التحسر والندم‪ ،‬والدعوة دون المنفعة والفائدة والجابة ‪ :‬ومن ورائهم‪ ‬أي ‪ :‬أمام‬
‫رجوعهم حائل من هيئات جرمانية ظلمانية مناسبة لهيئات سيئاتهم من الصور المعلقة‪ ،‬مانعة من الرجوع إلى الحق‬
‫وإلى الدنيا‪ ،‬وهو البرزخ بين بحري النور والظلمة وعالم الرواح المجردة والجساد المركبة يتعذبون فيه بأشد أنواع‬
‫العذاب‪ ،‬وأفحش أصناف العقاب إلى وقت البعث في الصورة الكثيفة عند النفخ في الصور ووقوع القيامة وحشر‬
‫الجساد‪ ،‬وحينئذ ‪ :‬فل أنساب بينهم‪ ‬لحتجاب بعضهم عن بعض بالهياكل المناسبة لخلقهم وأعمالهم وهيئاتهم‬
‫الراسخة في نفوسهم المكتوبة عليهم‪ ،‬فل يتعارفون ‪ :‬ول يتساءلون‪ ‬لشدة ما بهم من الهوال وذهولهم عما كان بينهم‬
‫من الحوال‪ ،‬وتنقطع العلئق والوصل التي كانت بينهم لتفرقهم بأنواع العذاب وأسباب الحجاب‪ ،‬وتتغير صورهم‬
‫وجلودهم وتتبدل أشكالهم ووجوههم على حسب اقتضاء معايبهم وصفات نفوسهم‪ ،‬وهو معنى قوله ‪ : :‬تلفح‬
‫وجوههم النار وهم فيها كالحون‪ ‬وذلك غلبة الشقوة وسوء العاقبة الموجبة للخسء والطرد والبعد واللعن كخسء‬
‫الكلب‪ : .‬لبثنا يوما أو بعض يوم‪ ‬قال ابن عباس ‪ :‬أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين ‪ :‬الحتجاب في‬
‫البرزخ المذكور‪ ،‬فالصور المذكور أنساهم مدة اللبث وإنما استقصروها لنقضائها وكل منقض فهو ليس بشيء‪ ،‬ولهذا‬
‫صدقهم بقوله ‪ : :‬إن لبثتم إل قليل‪ ‬ومعنى ‪ : :‬لو أنكم كنتم تعلمون‪ ‬إنكم حسبتموها كثيرا فاغتررتم بها وفتنتم‬
‫بلذاتها وشهواتها‪ ،‬ولو علمتموها قليل لتزودتم وتجردتم عن تعلقاتها‪ : .‬رب اغفر‪ ‬هيئات المعلقات ‪ :‬وارحم‪‬‬
‫بإفاضة الكمالت ‪ :‬وأنت خير الراحمين‪.‬‬

‫سورة النور‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬إن الذين جاؤوا بالفك‪ ‬إلى قوله ‪ : :‬لهم مغفرة ورزق كريم‪ ‬إنما عظم أمر الفك وغلظ في الوعيد عليه بما لم‬
‫يغلظ في غيره من المعاصي‪ ،‬وبالغ في العقاب عليه بما لم يبالغ به في باب الزنا وقتل النفس المحرمة لن عظم‬
‫الرذيلة وكبر المعصية إنما يكون على حسب القوة التي هي مصدرها‪ .‬وتتفاوت حال الرذائل في حجب صاحبها عن‬
‫الحضرة اللهية والنوار القدسية وتوريطه في المهالك الهيولنية والمهاوي الظلمانية على حسب تفاوت مباديها‪ .‬فكلما‬
‫كانت القوة التي هي مصدرها ومبدؤها أشرف‪ ،‬كانت الرذيلة الصادرة منها أردأ وبالعكس‪ ،‬لن الرذيلة ما تقابل‬
‫الفضيلة‪ .‬فلما كانت الفضيلة أشرف كان ما يقابلها من الرذيلة أخس‪ ،‬والفك رذيلة القوة الناطقة التي هي أشرف القوى‬
‫النسانية‪ ،‬والزنا رذيلة القوة الشهوانية‪ ،‬والقتل رذيلة القوة الغضبية فبحسب شرف الولى على الباقيتين تزداد رداءة‬
‫رذيلتها‪ ،‬وذلك أن النسان إنما يكون بالولى إنسانا وترقيه إلى العالم العلوي‪ ،‬وتوجهه إلى الجناب اللهي‪ ،‬وتحصيله‬
‫للمعارف والكمالت‪ ،‬واكتسابه للخيرات والسعادات‪ ،‬إنما يكون بها‪ ،‬فإذا فسدت بغلبة الشيطنة عليها واحتجب عن‬
‫النور باستيلء الظلمة‪ ،‬حصلت الشقاوة العظمى وحقت العقوبة بالنار وهو الرين والحجاب الكلي لقوله ‪ : :‬كل بل‬
‫ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ‪ 14‬كل إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ‪] 15‬المطففين‪ ،‬اليات ‪[15 - 14 :‬‬
‫ولهذا وجب خلود العقاب ودوام العذاب بفساد العتقاد دون فساد العمال ‪ :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما‬
‫دون ذلك لمن يشاء‪] ‬النساء‪ ،‬الية ‪ .[48 :‬وأما الباقيتان فرذيلة كل منهما إنما تعود بظهورها على النطقية الملكية ثم‬
‫ربما محيت بانقهارها وتسخرها لها عند سكون هيجانها وفتور سلطانها باستيلء غلبة النور وتسلطها عليها بالطبع‪،‬‬
‫كحال النفس اللوامة عند التوبة والندامة‪ .‬وربما بقيت بالصرار وترك الستغفار‪ ،‬وفي الحالين ل تبلغ رذيلتهما مقام‬
‫السر ومحل الحضور ومناجاة الرب‪ ،‬ول تتجاوز حد الصدر‪ .‬ول تصير الفطرة بها محجوبة الحقيقة منكوسة بخلف‬
‫تلك‪ ،‬أل ترى أن الشيطنة المغوية للدمي أبعد عن الحضرة اللهية من السبعية والبهيمية وأبعد بما ل يقدر قدره ؟‬
‫فالنسان برسوخ رذيلة النطقية يصير شيطانا‪ ،‬وبرسوخ الرذيلتين الخريين يصير حيوانا كالبهيمة أو السبع وكل‬
‫حيوان أرجى صلحا وأقرب فلحا من الشيطان ولهذا قال تعالى ‪ : :‬هل أنبئكم على من تنزل الشياطين ‪ 221‬تنزل‬
‫على كل أفاك أثيم ‪] 222‬الشعراء‪ ،‬اليات ‪ ،[222 - 221 :‬ونهى ها هنا عن اتباع خطوات الشيطان‪ ،‬فإن ارتكاب‬
‫مثل هذه الفواحش ل يكون إل بمتابعته ومطاوعته وصاحبه يكون من جنوده وأتباعه‪ ،‬فيكون أخس منه وأذل‪ ،‬محروما‬
‫من فضل ال الذي هو نور هدايته‪ ،‬محجوبا من رحمته التي هي إفاضة كمال وسعادة‪ ،‬ملعونا في الدنيا والخرة‪،‬‬
‫ممقوتا من ال والملئكة‪ ،‬تشهد عليه جوارحه بتبدل صورها وتشوه منظرها‪ ،‬خبيث الذات والنفس‪ ،‬متورطا في‬
‫الرجس‪ ،‬فإن مثل هذه الخبائث ل تصدر إل من الخبيثين‪ ،‬كما قال تعالى ‪ : :‬الخبيثات للخبيثين‪ ‬وأما الطيبون‬
‫المتنزهون عن الرذائل‪ ،‬فإنما تصدر عنهم الطيبات والفضائل ‪ :‬لهم مغفرة‪ ‬بستر النوار اللهية صفات نفوسهم ‪:‬‬
‫‪‬ورزق كريم‪ ‬من المعاني والمعارف الواردة على قلوبهم‪ .‬ال نور السماوات والرض‪ ‬النور هو الذي يظهر بذاته‬
‫وتظهر الشياء به‪ ،‬وهو مطلقا اسم من أسماء ال تعالى باعتبار شدة ظهوره وظهور الشياء به‪ ،‬كما قيل ‪) % :‬خفي‬
‫لفراط الظهور تعرضت ‪ %‬لدراكه أبصار قوم أخافش( ‪) % %‬وحظ العيون الزرق من نور وجهه ‪ %‬كشدة حظ‬
‫للعيون العوامش( ‪%‬‬
‫ولما وجد بوجوده‪ ،‬وظهر بظهوره‪ ،‬كان نور السموات والرض‪ ،‬أي ‪ :‬مظهر سموات الرواح وأرض الجساد وهو‬
‫الوجود المطلق الذي وجد به ما وجد من الموجودات والضاءة ‪ :‬مثل نوره‪ ‬صفة وجوده وظهوره في العالمين‬
‫بظهورها به كمثل ‪ :‬مشكاة فيها مصباح‪ ‬وهي إشارة إلى الجسد لظلمته في نفسه وتنوره بنور الروح الذي أشير إليه‬
‫بالمصباح وتشبكه بشباك الحواس وتللؤ النور من خللها كحال المشكاة مع المصباح‪ .‬والزجاجة إشارة إلى القلب‬
‫المتنور بالروح المنور لما عداه بالشراق عليه‪ ،‬تنور القنديل كله بالشعلة وتنويره لغيره‪ .‬وشبه الزجاجة بالكوكب‬
‫الدري لبساطتها وفرط نوريتها وعلو مكانها وكثرة شعاعها كما هو الحال في القلب‪ .‬والشجرة التي توقد منها هذه‬
‫الزجاجة هي النفس القدسية المزكاة‪ ،‬الصافية‪ ،‬شبهت بها لتشعب فروعها وتفنن قواها‪ ،‬نابتة من أرض الجسد ومتعالية‬
‫أغصانها في فضاء القلب إلى سماء الروح‪ ،‬وصفت بالبركة لكثرة فوائدها ومنافعها من ثمرات الخلق والعمال‬
‫والمدركات وشدة نمائها بالترقي في الكمالت وحصول سعادة الدارين‪ ،‬وكمال العالمين بها‪ ،‬وتوقف ظهور النوار‬
‫والسرار والمعارف والحقائق والمقامات والمكاسب والحوال والمواهب عليها‪ ،‬وخصت بالزيتونة لكون مدركاتها‬
‫جزئية مقارنة لنوء اللواحق المادية كالزيتون‪ ،‬فإنه ليس كله لبا‪ ،‬ولوفور قلة استعدادها للشتعال والستضاءة بنور نار‬
‫العقل الفعال‪ ،‬الواصل إليها بواسطة الروح والقلب كوفور الدهنية القابلة لشتعال الزيتون‪ .‬ومعنى كونها ‪ :‬ل شرقية‬
‫ول غربية‪ ‬إنها متوسطة بين غرب عالم الجساد الذي هو موضع غروب النور اللهي وتستره بالحجاب الظلماني‪،‬‬
‫وبين شرق عالم الرواح الذي هو موضع طلوع النور وبروزه عن الحجاب النوراني لكونها ألطف وأنور من الجسد‬
‫وأكثف من الروح‪ : .‬يكاد‪ ‬زيت استعدادها من النور القدسي الفطري الكامن فيها‪ ،‬يضيء بالخروج إلى الفعل‬
‫والوصول إلى الكمال بنفسه‪ ،‬فتشرق ‪ :‬ولو لم تمسسه نار‪ ‬العقل الفعال‪ ،‬ولم يتصل به نور روح القدس لقوة‬
‫استعداده وفرط صفائه )نور على نور‪ ‬أي ‪ :‬هذا المشرق بالضاءة من الكمال الحاصل نور زائد على نور الستعداد‬
‫الثابت المشرق في الصل كأنه نور متضاعف ‪ :‬يهدي ال لنوره‪ ‬الظاهر بذاته المظهر لغيره‪ ،‬بالتوفيق والهداية ‪:‬‬
‫‪‬من يشاء‪ ‬من أهل العناية ليفوز بالسعادة ‪ :‬وال بكل شيء عليم‪ ‬يعلم المثال وتطبيقها‪ ،‬ويكشف لوليائه تحقيقها‪.‬‬
‫‪‬في بيوت‪ ‬أي ‪ :‬يهدي ال لنوره من يشاء في مقامات ‪ :‬إذن ال‪ ‬أن يرفع بناؤها وتعالى درجاتها ‪ :‬ويذكر‬
‫فيها اسمه‪ ‬باللسان والمجاهدة والتخلق بالخلق في مقام النفس والحضور والمراقبة‪ ،‬والتصاف بالوصاف في مقام‬
‫القلب والمناجاة والمكالمة‪ ،‬والتحقيق بالسرار في مقام السر والمناغاة بالمشاهدة‪ ،‬والتحير في النوار في مقام الروح‬
‫والستغراق والنطماس والفناء في مقام الذات‪ : .‬يسبح له فيها‪ ‬بالتزكية والتنزيه والتوحيد والتجريد والتفريد بغدو‬
‫التجلي وآصال الستتار ‪ :‬رجال‪ ‬أي ‪ :‬رجال أفراد سابقون مجردون مفردون قائمون بالحق ‪ :‬ل تلهيهم تجارة‬
‫باستبدال متاع العقبى بالدنيا في زهدهم‪ ،‬ول بيع أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة في جهادهم عن ذكر الذات ‪ :‬وإقام‪‬‬
‫صلة الشهود في الفناء ‪ :‬وإيتاء‪ ‬زكاة الرشاد والتكميل حال البقاء ‪ :‬يخافون يوما تتقلب فيه القلوب‪ ‬إلى السرار‬
‫‪ :‬والبصار‪ ‬إلى البصائر‪ ،‬بل تتقلب حقائقها بأن تفنى وتوجد بالحق‪ ،‬كما قال ‪ ' :‬كنت سمعه وبصره ' من ظهور‬
‫البقية وبقاء النية ‪ :‬ليجزيهم ال‪ ‬بالوجود الحقاني ‪ :‬أحسن ما عملوا‪ ‬من جنات الفعال والنفوس والعمال ‪:‬‬
‫‪‬ويزيدهم من فضله‪ ‬من جنات القلوب والصفات ‪ :‬وال يرزق من يشاء‪ ‬من جنات الرواح والمشاهدات بغير‬
‫حساب‪ ‬لكونه أكثر من أن يحصى ويقاس‪.‬‬
‫‪‬والذين كفروا‪ ‬حجبوا عن الدين ‪ :‬أعمالهم‪ ‬التي يعملونها رجاء الثواب ‪ :‬كسراب بقيعة‪ ‬لكونها صادرة عن‬
‫هيئات خالية قائمة بساهره نفس حيوانية ‪ :‬يحسبه الظمآن ماء‪ ‬أي ‪ :‬يتوهمها صاحبها المؤمل لثوابها أمورا باقية‬
‫لذيذة دائمة مطابقة لما توهمه ‪ :‬حتى إذا جاءه‪ ‬في القيامة الصغرى ‪ :‬لم يجده‪ ‬شيئا موجودا‪ ،‬بل خاليا‪ ،‬فاسدا‪،‬‬
‫وظنا كاذبا‪ ،‬كما قال تعالى ‪ : :‬وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلنه هباء منثورا ‪] 23‬الفرقان‪ ،‬الية ‪ [23 :‬‬
‫‪: ‬ووجد ال عنده‪ ‬أي ‪ :‬وجد ملئكة ال من زبانية القوى والنفوس السماوية والرضية عند ذلك التخيل الموهوم‬
‫يقودونه إلى نيران الحرمان وخزي الخسران‪ ،‬ويوفونه ما يناسب اعتقاده الفاسد وعمله الباطل من حميم الجهل‬
‫وغساق الظلمة‪ : .‬أو كظلمات‪ ‬في بحر الهيولى اللجي العميق الغامر لجثة كل نفس جاهلة‪ ،‬محجوبة بهيئات بدنية‪،‬‬
‫الغامس لكل ما يتعلق به من القوى النفسانية ‪ :‬يغشاه موج‪ ‬الطبيعة الجسمانية ‪ :‬من فوقه‪ ‬موج النفس النباتية ‪:‬‬
‫‪‬من فوقه‪ ‬سحاب النفس الحيوانية وهيئاتها الظلمانية ‪ :‬ظلمات‪ ‬متراكمة ‪ :‬بعضها فوق بعض إذا أخرج‪‬‬
‫المحجوب بها‪ ،‬المنغمس‪ ،‬المحبوس فيها ‪ :‬يده‪ ‬القوة العاقلة النظرية بالفكر ‪ :‬لم يكد يراها‪ ‬لظلمتها وعمى بصيرة‬
‫صاحبها وعدم اهتدائه إلى شيء‪ ،‬وكيف يرى العمى الشيء السود في الليل البهيم ؟‪ : .‬ومن لم يجعل ال له نورا‪‬‬
‫بإشراق أنوار الروح عليه من التأييد القدسي والمدد العقلي ‪ :‬فما له من نور‪، : ‬ألم تر أن ال يسبح له من في‪‬‬
‫عالم سموات الرواح بالتقديس وإظهار صفاته الجمالية ‪ :‬ومن في‪ ‬عالم أراضي الجساد بالتحميد والتعظيم وإظهار‬
‫صفاته الجللية‪ ،‬وطير القوى القلبية والسرية بالمرين ‪ :‬صافات‪ ‬مترتبات في مراتبها من فضاء السر‪ ،‬مستقيمات‬
‫بنور السكينة‪ ،‬ل تتجاوز واحدة منها حدها‪ ،‬كما قال ‪ : :‬وما منا إل له مقام معلوم‪] ‬الصافات‪ ،‬الية ‪: .[164 :‬‬
‫‪‬كل قد علم صلته‪ ‬طاعته المخصوصة به من انقهاره وتسخره تحت قهره‪ ،‬وسلطنته علمية كانت أو عملية‪ ،‬ومن‬
‫محافظته لتربيته وحضوره لوجهه تعالى فيما أمره به ‪ :‬وتسبيحه‪ ‬إظهار خاصيته التي ينفرد بها‪ ،‬الشاهدة على‬
‫وحدانيته ‪ :‬وال عليم‪ ‬بأفعالهم وطاعاتهم‪ .‬ألم تر أن ال يزجي‪ ‬برياح النفخات والرادات سحاب العقل فروعا‬
‫منتزعة من الصور الجزئية ثم يؤلف فيه على ضروب المتألفات المنتجة ‪ :‬ثم يجعله ركاما‪ ‬حججا وبراهين ‪:‬‬
‫‪‬فترى‪ ‬ودق النتائج والعلوم اليقينية ‪ :‬يخرج من خلله وينزل من‪ ‬سماء الروح من جبال أنوار السكينة واليقين‬
‫الموجبة للوقار والطمأنينة والستقرار ‪ :‬فيها‪ ‬أي ‪ :‬في تلك الجبال من برد الحقائق والمعارف الكشفية‪ ،‬والمعاني‬
‫الذوقية‪ ،‬أو من جبال في السماء وهي معادن العلوم والكشوف وأنواعها‪ ،‬فإن لكل علم وصنعة معدنا في الروح ثابتا‬
‫فيه بحسب الفطرة‪ ،‬يفيض منه ذلك العلم‪ ،‬ولهذا يتأتى لبعضهم بعض العلوم‬
‫بالسهولة دون بعض‪ ،‬ويتأتى لبعضهم أكثرها ول يتأتى لبعضهم شيء منها‪ ،‬وكل ميسر لما خلق له‪ ،‬أي ‪ :‬ينزل من‬
‫سماء الروح من الجبال التي فيها برد المعارف والحقائق ‪ :‬فيصيب به من يشاء‪ ‬من القوى الروحانية ‪ :‬ويصرفه‬
‫عمن يشاء‪ ‬من القوى النفسانية والنفوس المحجوبة‪ : .‬يكاد سنا برقه‪ ‬أي ‪ :‬بوارق ذلك البرد‪ ،‬وهو ما يقدمه من‬
‫النوار الملتمعة التي ل تلبث ول تستقر بل تلمع وتخفى إلى أن تصير متمكنة تذهب بأبصار البصائر حيرة ودهشا‪،‬‬
‫‪ ' :‬رب زدني تحيرا ' أي ‪ :‬علما ونورا ‪ :‬يقلب ال‪ ‬ليل ظلمة النفس‬ ‫‪‬‬ ‫وكلما زاد ازدادت تحيرا‪ ،‬ولهذا قال‬
‫ونهار نور الروح بأن يغلب تارة نور الروح فينور القلب والنفس ويعقبه أخرى ظلمة النفس بالظهور فتتكدر وتكدر‬
‫القلب في التلوينات ‪ :‬إن في ذلك لعبرة‪ ‬يعتبر بها أولو البصار القلبية أو ذوو البصائر‪ ،‬فليتجئون إلى ال في‬
‫التلوينات وظلم النفس‪ ،‬ويلوذون بجناب الحق ومعدن النور‪ ،‬ويعبرون إلى مقام السر والروح‪ ،‬فينكشف عنهم الحجاب‪.‬‬
‫‪‬وال خلق كل دابة‪ ‬من أصناف دواب الدواعي التي تدب في أراضى النفوس وتبعثها إلى الفعال ‪ :‬من ماء‪‬‬
‫مخصوص‪ ،‬أي ‪ :‬علم مناسب لتلك الداعية المتولدة منه‪ .‬فإن منشأ كل داعية إدراك مخصوص‪ : .‬فمنهم من يمشي‬
‫على بطنه‪ ‬ويزحف في الطبيعة‪ ،‬ويحدث العمال البدنية الطبيعية ‪ :‬ومنهم من يمشي على رجلين‪ ‬من الدواعي‬
‫النسانية فيحدث العمال النسانية والكمالت العملية ‪ :‬ومنهم من يمشي على أربع‪ ‬من الدواعي الحيوانية فيبعث‬
‫على العمال السبعية والبهيمية ‪ :‬يخلق ال ما يشاء‪ ‬من هذه الدواعي من منشأ قدرته الباهرة‪ ،‬الكاملة في إنشاء‬
‫العمال ويهدي من يشاء باليات السابقة المذكورة من الحكم والمعاني والمعارف والحقائق من منشأ حكمته البالغة‬
‫التامة في إظهار العلوم والحوال إلى صراط التوحيد الموصوف بالستقامة إليه ‪ :‬ويقولون آمنا بال وبالرسول‪‬‬
‫أي ‪ :‬يدعون التوحيد جمعا وتفصيل والعمل بمقتضاه ‪ :‬ثم يتولى فريق منهم‪ ‬بترك العمل بمقتضى الجمع والتفصيل‪،‬‬
‫بارتكاب الباحة والتزندق ‪ :‬وما أولئك بالمؤمنين‪ ‬اليمان الذي عرفته وادعوه من العلم بال جمعا وتفصيل‪: .‬‬
‫ورسوله ظاهرا بحكم التفصيل ‪ :‬ويخشى ال‪ ‬بالقلب بمراقبة تجليات‬
‫‪‬‬ ‫‪‬ومن يطع ال‪ ‬باطنا بشهود الجمع ‪ :‬‬
‫الصفات ‪ :‬ويتقه‪ ‬بالروح عن ظهور أنائيته في شهود الذات ‪ :‬فأولئك هم الفائزون‪ ‬بالفوز العظيم‪ : .‬وعد ال‬
‫الذين آمنوا منكم‪ ‬باليقين ‪ :‬وعملوا الصالحات‪ ‬باكتساب الفضائل ‪ :‬ليستخلفنهم‪ ‬وأقسم ليجعلنهم خلفاء في أرض‬
‫النفس إذ جاهدوا في ال حق جهاده ‪ :‬كما استخلف الذين‪ ‬سبقوهم إلى مقام الفناء في التوحيد من أوليائه ‪ :‬وليمكنن‬
‫لهم‪ ‬بالبقاء بعد الفناء ‪ :‬دينهم‪ ‬طريق الستقامة فيه المرضية ‪ :‬وليبدلنهم من بعد خوفهم‪ ‬في مقام النفس ‪ :‬أمنا‪‬‬
‫بالوصول والستقامة ‪ :‬يعبدونني‪ ‬أي ‪ :‬يوحدونني من غير التفات إلى غيري وإثباته ‪ :‬ومن كفر بعد ذلك‪‬‬
‫بالطغيان بظهور النائية‪ ،‬وخرج عن الستقامة والتمكين بالتلوين ‪ :‬فأولئك هم الفاسقون‪ ‬الخارجون عن دين‬
‫التوحيد‪.‬‬

‫سورة الفرقان‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬تبارك الذي‪ ‬أي ‪ :‬تكاثر خير الذي ‪ :‬نزل الفرقان‪ ‬وتزايد‪ ،‬لن إنزال الفرقان هو إظهار العقل الفرقاني‬
‫المخصوص بعبده المخصوص به بانفراده من جملة العالمين بالستعداد الكامل الذي لم يكن لحد مثله‪ ،‬فيكون عقله‬
‫الفرقاني هو العقل المحيط المسمى عقل الكل‪ ،‬الجامع لكمالت جميع العقول‪ ،‬وذلك إنما يكون بظهوره تعالى في‬
‫مظهره المحمدي بجميع صفاته المفيض بها على جميع الخلئق على اختلف استعداداتهم‪ ،‬وذلك الظهور هو تكثر‬
‫الخير وتزايده الذي لم يكن أزيد ول أكثر منه‪ ،‬ولذلك قال ‪ : :‬ليكون للعالمين نذيرا‪ ‬أي ‪ :‬على العموم‪ ،‬فإن كل نبي‬
‫عامة للكل‪ ،‬وهو بعينه معنى ختم‬ ‫‪‬‬ ‫غيره كانت رسالته مخصوصة بمن ناسب استعداده من الخلئق‪ ،‬ورسالته‬
‫النبوة ومن هذا تبين كون أمته خير المم‪ : .‬الذي له ملك السماوات والرض‪ ‬يقهرهما تحت ملكوته‪ ،‬أوجد كل شيء‬
‫موسوما‪ ،‬يتعين بسمة المكان‪ ،‬ويشهد عليه بالعدم ‪ :‬فقدره تقديرا‪ ‬على قدر قبول بعض صفاته ومظهرية بعض‬
‫كمالته دون بعض‪ ،‬أي ‪ :‬هيأ استعداداتهم لما شاء من كمالتهم التي هي صفاته‪ .‬قل أنزله الذي يعلم‪ ‬الغيب المخفي‬
‫عن المحجوبين في العالمين ‪ :‬إنه كان غفورا‪ ‬يستر صفات النفوس الحاجبة للغيوب بأنوار صفاته ‪ :‬رحيما‪‬‬
‫يفيض الكمالت على القلوب عند صفائها بحسب الستعدادات‪ .‬ومن غفرانه ورحمته هذا النزال الذي تشكون فيه أيها‬
‫المحجوبون ‪ :‬بل كذبوا‪ ‬بالقيامة الكبرى‪ ،‬وذلك التكذيب إنما يكون لفرط الحتجاب أو نقصان الستعداد‪ ،‬وكلهما‬
‫يوجب التعذيب بالعذاب لستيلء نيران الطبيعة الجسمانية والهيئات الهيولنية على النفوس الظلمانية بالضرورة‬
‫وتأثير زبانية النفوس السماوية والرضية فيها التي إذا قابلتهم باستعداد قبول تأثيرها وقهرها من بعيد لكونها تكون في‬
‫الجهة السفلية ظهر لهم آثار قهرها وتسلط غضب تأثيرها‪ : .‬وإذا ألقوا‪ ‬من جملة أماكن نار الطبيعة الحرمانية ‪:‬‬
‫‪‬مكانا ضيقا‪ ‬يحبسها في برزخ يناسب هيئاتها مقدر بقدر استعدادها ‪ :‬مقرنين‪ ‬بسلسل محبة السفلنيات وهوى‬
‫الشهوات‪ ،‬تمنعها عن الحركة في تحصيل المرادات وأغلل صور هيولنية مانعة لطرافها وآلتها عن مباشرة‬
‫الحركات في طلب الشهوات‪ ،‬ومقرنين بما يجانسهم من الشياطين المغوية إياهم عن سبيل الرشاد والداعية لهم إلى‬
‫الضلل ‪ :‬دعوا هنالك ثبورا‪ ‬بتمني الموت والتحسر على الفوت‪ ،‬لكونهم من الشدة فيما يتمنى فيه الموت‪ : .‬قل‬
‫أذلك خير أم جنة‪ ‬عالم القدس الموعودة للمجردين عن ملبس البدان وصفات النفوس ‪ :‬لهم فيها ما يشاؤون‪ ‬من‬
‫اللذات الروحانية أبدا سرمدا ‪ :‬وما يعبدون‪ ‬عام لكل معبود سوى ال‪ ،‬والقول إنما يكون بلسان الحال لن كل شيء‬
‫سوى النسان المحجوب شاهد بوجوده ووجده بال تعالى ووحدانيته‪ ،‬مسبح له بإظهار خاصيته وكماله‪ ،‬مطيع له فيما‬
‫أراد ال من أفعاله‪ ،‬وذلك معنى قوله ‪ : :‬سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخد من دونك من أولياء‪ ‬فحالهم ناطقة بنفي‬
‫الضلل عن نفسهم في إثبات الضلل للواقفين معهم‪ ،‬المحجوبين بهم بسبب النهماك في اللذات الحسية والشتغال‬
‫بالطيبات الدنيوية الموجبة للغفلة ونسيان الذكر والبور الهلكى‪.‬‬
‫‪‬يوم يرون الملئكة ل بشرى يومئذ للمجرمين‪ ‬لن ذلك اليوم هو وقت وقوع القيامة الصغرى وإخراب البدن الذي‬
‫به تؤثر فيهم الروحانيات السماوية والرضية بالقهر والتعذيب وإلزام الهيئات البرزخية المنافية لطباع أرواحهم في‬
‫الصل‪ ،‬وإن كانت مناسبة لها في الحال ‪ :‬ويقولون حجرا محجورا‪ ‬يتمنون أن يدفع ال عنهم ذلك ويمنعه‪ .‬وإنما‬
‫جعلت أعمالهم هباء لكونها غير مبنية على عقائد صحيحة‪ .‬والصل في العمل اليمان اللزم لسلمة الفطرة وإذا لم‬
‫يكن كان كل حسنة سيئة لمقارنتها النية الفاسدة والتوجه بها لغير وجه ال‪ : .‬ويوم تشقق‪ ‬سماء الروح الحيواني‬
‫بغمام الروح النساني بانفتاحها‪ ،‬عنه‪ ،‬ولهذا قيل في التفاسير ‪ :‬إنه غمام أبيض دقيق‪ .‬وإنما شبه بالغمام لكتسابه الهيئة‬
‫الجسدانية والصورة اللطيفة النفسانية من البدن واحتجابه بها وكونه منشأ العلم كالغمام للماء‪ ،‬وفي تلك الصورة الثواب‬
‫والعقاب قبل البعث الجسداني ‪ :‬ونزل الملئكة‪ ‬باتصالها به إما للثواب وإما للعقاب لنها إما مظاهر اللطف وإما‬
‫مظاهر القهر‪ : .‬الملك يومئذ الحق‪ ‬أي ‪ :‬الثابت الذي ل يتغير ‪ :‬للرحمن‪ ‬الموصوف بجميع صفات اللطف‬
‫والقهر‪ ،‬المفيض على كل ما يستحق لزوال كل ملك باطل ول قدرة حينئذ لحد على إنجاد المعذبين منه ول يمكنهم‬
‫اللتجاء بغيره لبطلن التعلقات والضافات وظهور ملك الرحمن على الطلق‪ .‬أو يوم تشقق سماء القلب بغمام نور‬
‫السكينة وتنزل ملئكة القوى الروحانية بالمداد اللهية والنوار الصفاتية في القيامة الوسطى تكون تلك السلطنة على‬
‫القلب للرحمن المستوي على عرشه‪ ،‬المتجلى له بجميع صفاته ‪ :‬و على كل التقديرين ‪ :‬كان يوما على الكافرين‬
‫عسيرا‪ ‬أما على الول فلتعذبهم عند خراب البدن بالهيئات المظلمة وقهر القوى السماوية‪ ،‬وأما على الثاني فلظهور‬
‫تعذبهم في شهود صاحب هذه القيامة واطلعه‪ ،‬ولم يوجد موجودا مستقل في التأثير فيناسبه ولم يكن قاهر غيره‬
‫فيشاركه على حالهم أو للبناء على تأويلهم بالقوى النفسانية المقهورة هناك‪ ،‬المعذبة بالرياضة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪‬‬
‫بالقرآن هو أنه لما رد في مقام البقاء بعد الفناء إلى حجاب القلب لهداية الخلق كان قد يظهر نفسه‬ ‫تثبيت فؤاده‬
‫وقتا غب وقت على قلبه بصفاتها‪ ،‬ويحدث له التلوين بسببها كما ذكر في قوله ‪ : :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول‬
‫ول نبي إل إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته‪] ‬الحج‪ ،‬الية ‪ ،[52 :‬وفي قوله ‪ : :‬عبس وتولى ‪] 1‬عبس‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪':‬‬‫‪ [1‬فكان يتداركه ال تعالى بإنزال الوحي والجذبة ويؤدبه ويعاتبه فيرجع إليه في كل حال ويتوب‪ ،‬كما قال ‪‬‬
‫أدبني ربي فأحسن تأديبي '‪ .‬وقال ‪ ' : ‬إنه ليغان على قلبي وإني لستغفر ال في اليوم سبعين مرة ' حتى يتمكن‬
‫ويستقيم‪ .‬وكان سبب ظهور ابتلء ال تعالى إياه بالدعوة ليذاء الناس إياه وعداوتهم ومناصبتهم له‪ ،‬والحكمة في‬
‫البتلء أمران‪ ،‬أحدهما ‪ :‬راجع إليه‪ ،‬وهو أن يظهر نفسه بجميع صفاتها في مقابلة استيلء العداء المختلفين في‬
‫النفوس وصفاتها واستعداداتها ومراتبها فيؤدبه ال بحكمة وجوب كل صفة وفضيلة كل قوة‪ ،‬فيحصل له جميع مكارم‬
‫‪ ' :‬بعثت لتمم مكارم الخلق‪ ،‬وأوتيت جوامع الكلم '‪ .‬فإن ظهوره‬ ‫‪‬‬ ‫الخلق وكمالت جميع النبياء كما قال‬
‫بكل صفة هو ظرف قبوله لفضيلتها وحكمتها‪ ،‬إذ لول الجهات المختلفة في القلب بواسطة صفات النفس لما استعد‬
‫لقبول الحكم المتفننة والفضائل بتخصص توجهه لكل واحدة منها‪ .‬والثاني ‪ :‬راجع إلى المة‪ ،‬فإنه رسول إلى الكل‬
‫واستعداداتهم متباينة‪ ،‬ونفوسهم في الصفات متفاوتة‪ .‬فيجب أن يكون فيه جوامع الحكم والكلم والفضائل والخلق‬
‫ليهدي كل منهم بما يناسبه من الحكمة‪ ،‬ويزكيه بما يليق به من الخلق‪ ،‬ويعلمه ما ينتفع به من العلم على حسب‬
‫استعداداتهم وصفاتهم وإل لم يمكنه دعاء الكل‪ .‬فعلى هذا كون التنزيل مفرقا منجما إنما يكون بحسب اختلف صفات‬
‫نفسه في الظهور منها على أوقاته موجبا لتثبت قلبه في الستقامة في السلوك إلى ال‪ ،‬وفي ال عند التصاف بصفاته‪،‬‬
‫ومن ال في هداية الخلق‪ ،‬وتلك هي الستقامة التامة المطلقة‪ .‬فليقتدي به السالكون والواصلون والكاملون المكملون في‬
‫سلوكهم وكونهم مع الحق وتكميلهم‪ .‬والترتيل هو أن يتخلل بين كل نجم وآخر مدة يمكن فيها تزايله في قلبه ويترسخ‬
‫ويصير ملكة ل حال‪ .‬ومن هذا تبين معنى قوله ‪ : :‬ول يأتونك بمثل‪ ‬أي ‪ :‬صفة عجيبة ‪ :‬إل جئناك بالحق‪ ‬الذي‬
‫يقمع باطل تلك الصفة كما قال ‪ : :‬بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه‪] ‬النبياء‪ ،‬الية ‪ [18 :‬وهو الفضيلة المقابلة‬
‫لتلك الرذيلة ‪ :‬وأحسن تفسيرا‪ ‬أي ‪ :‬كشفا بإظهار صفة إلهية تجلى بها لك تقوم مقامها فتكشفها‪ ،‬وبالحقيقة تلك الصفة‬
‫اللهية الكاشفة إياها هي تفسير الصفة الباطلة ومعاناتها فإن كل صفة نفسانية ظل ظلماني لصفة إلهية نورانية تنزلت‬
‫في مراتب التنزلت واحتجبت وتضاءلت وتكدرت كالشهوة للمحبة والغضب للقهر وأمثالها‪ : .‬الذين يحشرون على‬
‫وجوههم‪ ‬لشدة ميل نفوسهم إلى الجهة السفلية فتنكست فطرتهم فبعثوا على صور وجوهها إلى الرض يسحبون إلى‬
‫نار الطبع ‪ :‬أولئك شر مكانا‪ ‬من أن يقبلوا الحق الدامغ لباطل صفاتهم ‪ :‬وأضل سبيل‪ ‬من أن يهتدوا إلى صفات‬
‫ال تعالى التي هي تفسير صفاتهم وكشفها‪ : .‬أرأيت من اتخذ إلهه هواه‪ ‬كل محجوب بشيء واقف معه‪ ،‬فهو محب‬
‫له‪ ،‬مجانس لذلك الشيء‪ ،‬فهو في الحقيقة عابد لهواه بعبادته لذلك المحبوب‪ ،‬والباعث لهواه على محبة غير ال هو‬
‫الشيطان‪ ،‬فمحب كل شيء غير ال ل ل وبغير محبة ال عابد له ولهواه وللشيطان متعدد المعبود متفرق الوجهة‪ .‬أبعد‬
‫ذلك ‪ :‬تكون عليه وكيل‪ ‬بدعوته إلى التوحيد وقد كان في غاية البعد محجوبا بظل من ظلله‪ : .‬ألم تر إلى ربك‬
‫كيف مد الظل‪ ‬بالوجود الضافي‪ .‬اعلم أن ماهيات الشياء وحقائق العيان هي ظل الحق وصفه عالمية الوجود‬
‫المطلق‪ ،‬فمدها إظهارها باسمه النور الذي هو الوجود الظاهر الخارجي الذي يظهر به كل شيء ويبرز كتم العدم إلى‬
‫فضاء الوجود أي الضافي ‪ :‬ولو شاء لجعله ساكنا‪ ‬أي ‪ :‬ثابتا في العدم الذي هو خزانة وجوده‪ ،‬أي ‪ :‬أم الكتاب‬
‫واللوح والمحفوظ الثابت وجود كل شيء فيهما في الباطن وحقيقته ل العدم الصرف بمعنى الل شيء فإنه ل يقبل‬
‫الوجود أصل‪ ،‬وما ليس له وجود في الباطن وخزانة علم الحق وغيبه لم يمكن وجوده أصل في الظاهر‪ ،‬واليجاد‬
‫والعدام ليس إل إظهار ما هو ثابت في الغيب وإخفاؤه فحسب وهو الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ‪ :‬ثم‬
‫عليه أي ‪ :‬الظل ‪ :‬دليل‪ ‬يهدي إلى أن حقيقته غير وجوده وإل فل مغايرة بينهما في الخارج‬ ‫جعلنا‪ ‬شمس العقل ‪  :‬‬
‫فل يوجد إل الوجود فحسب‪ ،‬إذ لو لم يمكن وجوده لما كان شيئا فل يدل على كونه شيئا غير الوجود إل العقل ‪ :‬ثم‬
‫قبضناه إلينا‪ ‬بإفنائه ‪ :‬قبضا يسيرا‪ ‬لن كل ما يفنى من الموجودات في كل وقت فهو يسير بالقياس إلى ما سبق‪،‬‬
‫وسيظهر كل مقبوض عما قليل في مظهر آخر‪ .‬والقبض دليل على أن الفناء ليس إعداما محضا بل هو منع عن‬
‫ل وأبدا‪ .‬وهو الذي جعل لكم‪ ‬ليل ظلمة النفس ‪:‬‬ ‫النتشار في قبضته التي هي العقل الحافظ لصورته وحقيقته أز ً‬
‫‪‬لبأسا‪ ‬يغشاكم بالستيلء عن مشاهدة الحق وصفاته والذات وظللها فتحتجبون يوم الغفلة في الحياة الدنيا ‪ :‬سباتا‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ' :‬الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا '‪ : .‬وجعل‪ ‬نهار نور‬ ‫تسبتون بها عن الحياة الحقيقية السرمدية كما قال‬
‫الروح ‪ :‬نشورا‪ ‬تحيا قلوبكم به فتنتشرون في فضاء القدس بعد نوم الحس‪ : .‬وهو الذي أرسل‪ ‬رياح النفحات‬
‫الربانية ناشرة محيية أو مبشرة بين يدي رحمة الكمال بتجلي الصفات ‪ :‬وأنزلنا‪ ‬من سماء الروح ماء العلم ‪:‬‬
‫‪‬طهورا‪ ‬مطهرا يطهركم عن لوث الرذائل ورجس الطبائع والعقائد الفاسدة والجهالت المفسدة ‪ :‬لنحيي به بلدة‬
‫ميتا‪ ‬أي ‪ :‬قلبا ميتا بالجهل ‪ :‬ونسقيه مما خلقنا أنعاما‪ ‬من القوى النفسانية بالعلوم النافعة العملية ‪ :‬وأناسي‪ ‬من‬
‫القوى الروحانية ‪ :‬كثيرا‪ ‬بالعلوم النظرية‪ .‬ولقد صرفناه‪ ‬هذا العلم المنزل على صور وأمثال مختلفة ‪ :‬ليذكروا‪‬‬
‫حقائقهم وأوطانهم الحقيقية وما نسوا من العهد والوصل وطيب الصل ‪ :‬فأبى أكثر الناس إل كفورا‪ ‬لنعمة الهداية‬
‫الحقانية‪ ،‬وغمطا للرحمة الرحيمية للحتجاب بصور الرحمة في ستور الجلل من الغواشي الهيولنية‪ : .‬ولو شئنا‬
‫لبعثنا في كل قرية نذيرا‪ ‬أي ‪ :‬فرقنا كمالك المطلق الذي تدعو به جميع الخلق إلى الحق على أشخاص ووزعناه بحسب‬
‫أصناف الناس على اختلف استعداداتهم على النبياء‪ ،‬كما قال ‪ : :‬ولكل قوم هاد‪] ‬الرعد‪ ،‬الية ‪ ،[7 :‬فبعثنا في كل‬
‫صنف نبيا يناسبهم كما كان قبل بعثه محمد من اختصاص موسى ببني إسرائيل واختصاص شعيب بأهل مدين‬
‫وأصحاب اليكة وغير ذلك‪ .‬وخففنا عنك الجهاد‪ ،‬إذ الجهاد إنما يكون بحسب الكمال وكلما كان الكمال أعظم كان‬
‫الجهاد أكبر لن ال تعالى يرب كل طائفة باسم من أسمائه فإذا كان الكامل مظهر جميع صفاته متحققا بجميع أسمائه‬
‫وجب عليه الجهاد مع جميع طوائف المم بجميع الصفات‪ ،‬ولكن ما فعلنا ذلك لعظم قدرك وكونك الكامل المطلق‪،‬‬
‫والقطب العظم‪ ،‬والخاتم على ما ذكر في تأويل قوله ‪ : :‬كذلك لنثبت به فؤادك‪] ‬الفرقان‪ ،‬الية ‪ : .[32 :‬فل تطع‪‬‬
‫المحجوبين بموافقتهم في الوقوف مع بعض الحجب ونقصان بعض الصفات ‪ :‬وجاهدهم‪ ‬لكونك مبعوثا إلى الكل ‪:‬‬
‫‪‬جهادا كبيرا‪ ‬هو أكبر الجهادات كما قال ‪ ' :‬ما أوذي نبي مثل ما أوذيت '‪ ،‬أي ‪ :‬ما كمل نبي مثل كمالي‪ : .‬وهو‬
‫الذي مرج البحرين‪ ‬أي ‪ :‬خلط بحر الجسم والروح في اليجاد ‪ :‬هذا‪ ‬الذي هو بحر الروح ‪ :‬عذب فرات‪ ‬أي ‪:‬‬
‫صاف لذيذ‪ ،‬وهذا الذي هو بحر الجسم ‪ :‬ملح أجاج‪ ‬أي ‪ :‬متغير متكدر غير لذيذ ‪ :‬وجعل بينهما برزخا‪ ‬هو النفس‬
‫الحيوانية الحائلة بينهما من المتزاج وتكدر الروح بالجسم وتكثفه وتنور الجسم بالروح وتجرده ‪ :‬وحجرا محجورا‪‬‬
‫عياذا يتعوذ به كل منهما من بغي الخر ومانعا يمنع ذلك‪ .‬وتوكل على الحي الذي ل يموت‪ ‬أي ‪ :‬شاهد موت الكل‬
‫وعدم حراكهم بذواتهم‪ ،‬كما قال ‪ : :‬إنك ميت وإنهم ميتون ‪] 30‬الزمر‪ ،‬الية ‪ [30 :‬فإنهم ل يتحركون إل بدواع‬
‫أوجدها ال تعالى فيهم بفناء أفعالك وأفعال الكل في أفعال الحق ورفع حجبها عن أفعاله إذ مقام التوكل هو الفناء في‬
‫الفعال‪ .‬وبين بقوله ‪ : :‬على الحي الذي ل يموت‪ ‬إن منشأ التوكل شهود صفة حياته التي بها يحيا كل حي لن من‬
‫يموت ل يكون حيا بالذات وبالترقي عن مقام فناء الفعال إلى الفناء في صفة الحياة يصح مقام التوكل كما قالت‬
‫المتصوفة ‪ :‬ل يمكن تصحيح كل مقام إل بالترقي إلى المقام الذي فوقه‪ ،‬وإذا كان كل حي يموت إنما يحيا بحي الذات‬
‫الذي حياته عين ذاته فبه يتحرك‪ ،‬فل تبال بأفعالهم فإنهم لو اجتمعوا بأسرهم على أن يضروك بشيء لم يضروك إل‬
‫بما كتب ال عليك‪ ،‬على ما ورد في الحديث‪ : .‬وسبح بحمده‪ ‬ونزهه بتجردك عن صفاتك ومحوها في صفاته عن أن‬
‫تكون لغيره صفة مستقلة تكون مصدرا لفعله ملتبسا بحمده‪ ،‬أي ‪ :‬متصفا بصفاته‪ ،‬فإن الحمد الحقيقي هو التصاف‬
‫بصفاته الكمالية التي هو بها حميد وذلك هو تصحيح مقام التوكل وتحقيقه بنفي الصفات التي هي مبادئ الفعال من‬
‫الغير‪ ،‬وإذا تجردت عن صفاتك بالتصاف بصفاته شاهدت إحاطة علمه بالكل‪ ،‬فاكتفيت به عن سؤاله في دفع جناياتهم‬
‫عنك وجزاء إيذائهم لك‪ ،‬وشاهدت قدرته على مجازاتهم‪ ،‬كما قال إبراهيم عليه السلم ‪ ' :‬حسبي من سؤالي علمه‬
‫بحالي '‪ .‬وذلك معنى قوله ‪ : :‬وكفى به بذنوب عباده خبيرا الذي خلق السماوات والرض‪ ‬أي ‪ :‬احتجب بسموات‬
‫الرواح وأرض الجسام ‪ :‬وما بينهما‪ ‬من القوى في اليام الستة التي هي اللف الستة من ابتداء زمان آدم إلى‬
‫محمد عليهما السلم‪ ،‬لن الخلق ليس إل احتجاب الحق بالشياء واليام هي أيام الخرة ل أيام الدنيا‪ ،‬إذ لم تكن الدنيا‬
‫ثمة ول الشمس والنهار ‪ :‬وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون‪] ‬الحج‪ ،‬الية ‪ : .[47 :‬ثم استوى على‪ ‬عرش‬
‫القلب المحمدي في السابع الذي هو يوم الجمعة‪ ،‬أي ‪ :‬يوم اجتماع جميع الوصاف والسماء فيه‪ ،‬وذلك هو معنى‬
‫الستواء في الستقامة‬
‫بالظهور التام والفيض العام الذي هو الرحمة الرحمانية ولهذا جعل فاعل الستواء اسم الرحمن دون اسم آخر إذ ل‬
‫يكون الستواء بمعنى الظهور التام إل به‪ ،‬ويمكن أن تؤول اليام بالشهور الستة التي يتم فيها خلق سموات أرواح‬
‫الجنين وأرض جسده وما بينهما من القوى والستواء بالظهور التام على عرش قلبه الذي كان على ماء النطفة قبل‬
‫خلقه ما خلق في الشهر السابع الذي أنشأه فيه خلقا آخر بحصوله إنسانا‪ ،‬والرحمانية بعموم فيضه المعنوي والصوري‬
‫من قلبه إلى جميع أجزاء وجوده ‪ :‬فاسئل به خبيرا‪ ‬اسأل عارفا به يخبرك بحاله واسأله في حالة كونه عالما بكل‬
‫شيء‪ : .‬وإذا قيل لهم اسجدوا‪ ‬أي ‪ :‬إذا أمرتهم بالنفاء في جميع صفاته وطاعته بها أنكروا ولم يمتثلوا أمرك لقصور‬
‫استعدادهم عن قبول هذا الفيض وعدم معرفتهم لهذا السم لعدم احتظائهم من جميع الصفات أو وجود احتجابهم عنها‪.‬‬
‫‪‬تبارك الذي جعل في‪ ‬سماء النفس بروج الحواس ‪ :‬وجعل فيها‪ ‬سراج شمس الروح وقمر القلب ‪ :‬منيرا‪ ‬بنور‬
‫الروح ‪ :‬وهو الذي جعل‪ ‬ليل ظلمة النفس‪ ،‬ونهار نور القلب يعتقبان ‪ :‬لمن أراد أن يذكر‪ ‬في نهار نور القلب‬
‫العهد المنسي وينظر في المعاني والمعارف ويعتبر ‪ :‬أو أراد‪ ‬في ليل ظلمة النفس ‪ :‬شكورا‪ ‬بأعمال الطاعات‬
‫واكتساب الخلق والملكات ‪ :‬وعباد الرحمن‪ ‬أي ‪ :‬المخصوصون بقبول فيض هذا السم لسعة الستعداد ‪ :‬الذين‬
‫يمشون على الرض هونا‪ ‬أي ‪ :‬الذين اطمأنت نفوسهم بنور السكينة وامتنعت عن الطيش بمقتضى الطبيعة فهم هينون‬
‫في الحركات البدنية لتمرن أعضائهم بهيئة الطمأنينة ‪ :‬وإذا خاطبهم‪ ‬أهل السفاهة يسلمون مقالهم ول يعارضونهم‬
‫لمتلئهم بالرحمة وبعد حالهم عن ظهور النفس بالسفاهة وكبر نفوسهم بالتقوي بنور القلب عن أن تتأثر باليذاء‬
‫وتضطرب‪ : .‬والذين يبيتون‪ ‬أي ‪ :‬الذين هم في مقام النفس ميتون بالرادة ‪ :‬سجدا‪ ‬فانين بالرياضة قائمين‬
‫بصفات القلب أحياء بحياته ل قائلين بلسان الحال الذي ل تتخلف عن دعائه الجابة ‪ :‬ربنا اصرف‪ .‬ولما وصفهم‬
‫بالتزكية التامة والفناء عن جميع صفات النفس من الرذائل المذيقة المورطة في عذاب جهنم الطبيعة ومستقر السوء‬
‫والعاقبة الوخيمة عقب وصفهم بالتحلية التامة من التصاف بجميع أجناس الفضائل الربع‪ ،‬وذلك هو حياتهم بالقلب‬
‫بعد موتهم عن النفس‪ ،‬كما قيل ‪ :‬مت بالرادة تحيا بالطبيعة‪ ،‬فالقوام بين السراف والقتار في النفاق هو العدل‬
‫والتوحيد المشار إليه بقوله ‪ : :‬ل يدعون مع ال إلها آخر‪ ‬هو أساس فضيلة الحكمة الذي إذا حصل وقع ظله الذي‬
‫هو العدل في النفس فاتصفت بجميع أنواع الفضائل‪ ،‬والمتناع عن قتل النفس المحرمة إشارة إلى فضيلة الشجاعة‪،‬‬
‫والمتناع عن الزنا فضيلة العفة‪ .‬ثم ذكر من في مقابلتهم من المحجوبين من فيض الرحمة الرحيمية التي في ضمن‬
‫الرحمانية الذين ل يستعدون لقبول عموم فيضه فل يختصون به وإن كانوا ل يخلون من فيضه الظاهر الشامل للكل‬
‫فقال ‪ : :‬ومن يفعل ذلك‪ ‬أي ‪ :‬يرتكب جميع أجناس الرذائل حتى الشرك بال ‪ :‬يلق‪ ‬جزاء الثم الكبير المطلق‪،‬‬
‫وهو مضاعفة العذاب الروحاني والجسماني بالحتجاب الكلي وهيئات الهيكل السفلي ‪ :‬يوم القيامة‪ ‬الصغرى‬
‫والخلود فيه على غاية الهوان‪ : .‬إل من تاب‪ ‬رجع إلى ال وتنصل عن المعاصي فبدل الشرك باليمان واستبدل‬
‫الرذائل بالفضائل ‪ :‬فأولئك يبدل ال سيئاتهم حسنات‪ ‬بمحو الهيئات عن نفوسهم وإثبات هذه ‪ :‬وكان ال غفورا‪‬‬
‫يستر صفات نفوسهم بنوره ‪ :‬رحيما‪ ‬يفيض عليهم الكمالت بجوده‪ ،‬وهذه هي التوبة الحقيقية‪ .‬ثم بين بعد ذكر التوبة‬
‫الحقيقية حال أهل السلوك فقال ‪ : :‬والذين ل يشهدون الزور‪ ‬أي ‪ :‬ل يحضرون أهل الزور المشتغلين بمتاع‬
‫الغرور‪ ،‬فإن أهل الدنيا أهل الزور يحسبون الفاني باقيا والقبيح حسنا ويعدون المعدوم موجودا‪ ،‬والشر خيرا‪ ،‬فهم‬
‫الكذابون المبطلون‪ ،‬الخاطئون‪ ،‬أي ‪ :‬يعتزلونهم بملزمة الخلوات وإيثار الطاعات وإقام الصلة‪ : .‬وإذا مروا باللغو‪‬‬
‫أي ‪ :‬الفضول غير الضرورية تركوها وأعرضوا عنها ‪ :‬ومروا‪ ‬بها مكرمين أنفسهم عن مباشرتها‪ ،‬قانعين بالحقوق‬
‫عن الحظوظ وهم الزاهدون بالحقيقة‪ ،‬التاركون المجردون‪ .‬ثم لما بين الزهد الحقيقي والتجريد قرن به العبادة الحقيقية‬
‫والتحقيق بقوله ‪ : :‬والذين إذا ذكروا بآيات ربهم‪ ‬أي ‪ :‬كوشفوا المعارف والحقائق وتجليات الصفات والمشاهدات ‪:‬‬
‫‪‬لم يخروا‪ ‬على العلم بتلك اليات من المعارف والحقائق ‪ :‬صما‪ ‬بل تلقوها بآذان واعية هي آذان القلوب ل‬
‫النفوس‪ ،‬وعلى مشاهدتها ‪ :‬و تجليها ‪ :‬عميانا‪ ‬بل أحدقوا نحوها ببصائر جديدة مكحلة بنور الهداية‪ .‬ثم وصف‬
‫طلبهم للترقي عن مقام القلب إلى مرتبة السابقين والستعانة بال عن تلوين النفس وصفاتها لينخرطوا في سلك‬
‫المقربين بقوله ‪ : :‬والذين يقولون ربنا هب لنا من‪ ‬أزواج نفوسنا وذريات قوانا ما تقر به أعيننا من طاعاتهم‬
‫وانقيادهم خاضعين‪ ،‬وتنورهم بنور القلب مخبتين غير طالبين للستعلء والترفع والستكبار والتجبر ‪ :‬واجعلنا‬
‫للمتقين‪ ‬أي ‪ :‬المجردين ‪ :‬إماما‪ ‬بالوصول إلى مقام السابقين ‪ :‬أولئك يجزون‪ ‬غرفة الفردوس وجنة الروح‬
‫بصبرهم مع ال وفي ال عن غيره ‪ :‬ويلقون فيها تحية‪ ‬خلود حياة ‪ :‬وسلما‪ ‬سلمة وبراءة عن الفات‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫يحييهم ال بإبقائهم سرمدا ببقائه ويسلمهم بإيتائهم كماله كما قيل ‪ : :‬تحيتهم يوم يلقونه سلم‪] ‬الحزاب‪ ،‬الية ‪،[44 :‬‬
‫وقال ‪ : :‬تحيتهم فيها سلم‪] ‬إبراهيم‪ ،‬الية ‪ : .[23 :‬ما يعبأ بكم ربي لول دعاؤكم‪ ‬أي ‪ :‬لو لم يكن طلبكم ل‬
‫وإرادتكم لكنتم شيئا غير ملتفت إليه ول معبوء به كالحشرات والهوام‪ ،‬فإن النسان إنما يكون إنسانا وشيئا معتدا به إذا‬
‫كان من أصحاب الرادة والطلب‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الشعراء‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫)ط( إشارة إلى الطاهر و )س( إلى السلم و )م( إلى المحيط بالشياء بالعلم‪ .‬و ‪ :‬الكتاب المبين‪ ‬الذي هذه السماء‬
‫‪) % :‬وفيك الكتاب‬ ‫والصفات آياته هو الموجود المحمدي الكامل ذو البيان والحكمة‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين ‪‬‬
‫المبين الذي ‪ %‬بأحرفه يظهر المضمر( ‪ %‬فيكون معناه على ما ذكر في )طه( ‪ :‬إنه ‪ ‬لما رأى عدم اهتدائهم‬
‫بنوره وقبولهم لدعوته استشعر أنه من جهته ل من جهتهم‪ ،‬فزاد في الرياضة والمجاهدة والفناء في المشاهدة‪ ،‬فأوحى‬
‫إليه بأن هذه الصفات التي هي الطهارة من لوث البقية المانع من التأثير في النفوس وسلمة الستعداد عن النقص في‬
‫المثال‪ ،‬والكمال الشامل لجميع المراتب بالعلم هي صفات كتاب ذاتك‪ ،‬المبين لكل كمال ومرتبة باتصافها بجميع‬
‫الصفات اللهية واشتمالها على معاني جميع أسمائه‪ ،‬فل تبخع نفسك‪ ،‬أي ‪ :‬ل تهلكها على آثارهم بشدة الرياضة لعدم‬
‫إيمانهم وامتناعه‪ ،‬فإنه من جهتهم إما لوجود المانع بشدة الحجاب وأما لعدم الستعداد‪ ،‬فمعنى لعل في ‪ :‬لعلك باخع‪: ‬‬
‫الشفاق‪ ،‬أي أشفق على نفسك أن تهلكها بالرياضة لعدم إيمانهم وفواته‪.‬إن نشأ ننزل عليهم من السماء‪ ‬من العالم‬
‫العلوي بتأييدنا لك قهرا فتخضع أعناقهم له‪ ،‬منقادين‪ ،‬مسلمين‪ ،‬مستسلمين ظاهرا‪ ،‬وإن لم يدخل اليمان في قلوبهم كما‬
‫كان يوم الفتح أي ‪ :‬امتنع إيمانهم لنه أمر قلبي سيظهر إسلمهم بالقهر واللجاء والضطرار‪ .‬وإذ نادى ربك‬
‫موسى‪ ‬القلب المهذب بالحكمة العملية‪ ،‬المدرب بالعلوم العقلية‪ ،‬المشوق بذكر النوار القدسية والكمالت النسية‪،‬‬
‫ووصف المفارقات والمجردات إلى الحضرة اللهية الغالب على القوى الشهوانية بالسعي في طلب الرزاق الروحانية‬
‫من المعارف اليقينية والمعاني الحقيقية بعد قتل جبار الشهوة الذي كان يجبر لفرعون النفس المارة وفراره من‬
‫استيلئها إلى مدين مدينة العلم من الفق الروحاني ووصوله إلى خدمة شعيب الروح في مقام السر الذي هو محل‬
‫المكالمة والمناجاة بالسير العقلي بطريق الحكمة‪ ،‬واكتساب الخلق بالتعديل قبل السلوك في ال بطريق التوحيد‬
‫والرياضة بالترك والتجريد مع بقاء النفس المتقوية بالعلم والمعرفة‪ ،‬المتزينة بالفضيلة والمتبجحة بزينتها وكمالها‪،‬‬
‫الطاغية بظهورها على أشرف أحوالها‪ ،‬المنازعة ربها صفة العظمة والكبرياء‪ ،‬المعجبة بالبهجة والبهاء لحتجابها‬
‫‪ ' :‬شر الناس من قامت القيامة عليه وهو‬ ‫‪‬‬ ‫بأنائيتها وانتحالها كمال الحق برؤيته لها‪ ،‬فكانت شر الناس كما قال‬
‫حي ولو ماتت ' ثم قامت القيامة عليها لكانت خير الناس‪ : .‬أن ائت القوم الظالمين‪ ‬من القوى النفسانية الفرعونية‬
‫العانية لفرعون النفس المارة‪ ،‬المتخذة لها ربا‪ ،‬الواضعة كمال الحق موضع كمالها وهو أفحش الظلم ‪ :‬أل يتقون‪‬‬
‫قهري وبأسي بتدميرهم وإفنائهم ‪ :‬أخاف أن يكذبون‪ ‬في دعوتي إلى التوحيد ولم يطيعوني في الرياضة والترك‬
‫والتجريد‪ .‬ويضيق صدري‪ ‬لعدم اقتداري على قهرهم وعلمي بامتناعهم عن قبول الوامر الشرعية والسرار‬
‫الوحيية وما يكون خارجا عن طور الفكر والعقل لتدربهم بذلك وتفرعنهم باستبدادهم ‪ :‬ول ينطلق لساني‪ ‬معهم في‬
‫هذه المعاني لكونها على خلف ما تعودوا به ونشؤوا عليه من الحكم العملية الداعية إلى مراعاة التعديل في الخلق‬
‫دون الفناء بالطلق ‪ :‬فأرسل إلى هرون‪ ‬العقل ليؤدبهم بالمعقول ويسوسهم بما يسهل قبولهم له من رعاية مصلحة‬
‫الدارين واختيار سعادة المنزلين فتلين عريكتهم وتضعف شكيمتهم بمداراته ورفقه وموافقته لهم بعلمه وحلمه ‪:‬‬
‫‪‬ولهم علي ذنب‪ ‬بقتلي جبار الشهوة ‪ :‬فأخاف‪ ‬إن دعوتهم إلى التوحيد وأمرتهم بالتجريد وترك الحظوظ‬
‫والقتصار على الحقوق ‪ :‬أن يقتلون‪ ‬بالستيلء والغلبة‪ ،‬وهذا صورة حال من احتجبت نفسه بالحكمة ولم يتألف بعد‬
‫طريق الوحدة مع قوة استعداده وعدم وقوفه مع ما نال من كمال‪ ،‬فقلما تقبل نفسه خلف ما يعتقد وتنقاد في متابعة‬
‫الشريعة وتقلد إل من تداركه سبق العناية وساعده التوفيق بالجذبة و ‪ :‬كل‪ ‬ردع له عن الخوف بالتشجيع والتأييد ‪:‬‬
‫‪‬فاذهبا‪ ‬أمر باستصحاب العقل للمناسبة والجنسية وتقرير التوحيد بطريق البرهان القامع للتفرعن والطغيان و ‪:‬‬
‫‪‬إنا معكم مستمعون‪ ‬وعد بالكلءة والحفظ وتقوية اليقين‪ ،‬فإن من كان الحق معه ل يغلبه أحد ‪ :‬أن أرسل معنا بني‬
‫إسرائيل‪ ‬القوى الروحانية المستضعفة‪ ،‬المستخدمة في تحصيل اللذات الجسمانية‪ .‬وتربيته إياه وليدا ولبثه فيهم سنين‬
‫صورة حال الطفولية والصبوية إلى أوان التجرد وطلب الكمال الذي أشده ببلوغ الربعين‪ ،‬فإن القلب في هذا الزمان‬
‫في تربية النفس والولية لها لحكمة عادية اللة‪ .‬والفعلة هي الحركة المذمومة عند النفس من الستيلء على الشهوة‬
‫والكفر الذي نسبه إليه هو إضاعة حق التربية‪ .‬وأنا من الضالين‪ ‬أي ‪ :‬لست من الكافرين لكون الصلح في ذلك بل‬
‫من الذين ل يهتدون إلى طريق الوحدة‪ : .‬فوهب لي ربي حكما‪ ‬أي ‪ :‬حكمة متعالية عن طريق البرهان وراء طور‬
‫الكسب والعقل ‪ :‬وجعلني من المرسلين‪ ‬إليكم بها‪ .‬وأما تعبيد بني إسرائيل القوى التي هي قومي فليس بمنة تمنها‬
‫علي‪ ،‬بل عدوان وطغيان إذ لو لم تعبدهم لما ألقتني أمي الطبيعة البدنية في يم الهيولى في تابوت الجسد‪ ،‬ولقام بتربيتي‬
‫أهلي وقومي من القوى الروحانية‪ : .‬قال فروعون وما رب العالمين‪ ‬قيل في القصة ‪ :‬إن فرعون كان منطقيا مباحثا‬
‫بقوله ‪ : :‬رب السماوات والرض وما بينهما‪ ‬وبين أن‬ ‫‪‬‬ ‫سأل بما هو عن حقيقته تعالى‪ ،‬فلما أجابه موسى‬
‫حقيقته ل تعرف بالحد لبساطتها‪ ،‬غير معلومة للعقل لشدة نوريتها ولطافتها‪ ،‬بأن عرفها بالصفة الضافية والخاصة‬
‫اللزمة‪ ،‬وعرض به في تجهيله ونفي اليقان عنه بقوله ‪ : :‬إن كنتم موقنين‪ ‬أي ‪ :‬لو كنتم من أهل اليقان لعلمتم أن‬
‫ل طريق للعقل إلى معرفته إل الستدلل على وجوده بأفعاله الخاصة به‪ ،‬وأما حقيقته فل يعرفها إل هو وحده وما‬
‫سألتم عنه بما مما ل يصل إليه نظر العقل‪ .‬استخفه ونبه قومه على خفة عقله وكون جوابه غير مطابق للسؤال تعجبا‬
‫منه لقومه وتسفيها له‪ ،‬فلما ثنى قوله بمثل ما قال أول من إيراد خاصة أخرى جننه‪ ،‬فثلث بقوله ‪ : :‬إن كنتم تعقلون‪‬‬
‫أي ‪ :‬إن جننت فأين عقلكم حتى يعرف طوره ولم يتجاوز حده‪ .‬وهذه المقالة إشارة إلى أن النفس المحجوبة بمعقولها ل‬
‫تهتدي إلى معرفة الحق وحكمة الرسالة والشرع‪ ،‬ول تذعن للمتابعة ول تنقاد للمطاوعة بل تظهر بالنانية وطلب‬
‫العلوم والربوبية والتغلب على الرسالة اللهية وهو معنى قوله ‪ : :‬لئن اتخذت إلها غيري لجعلنك من المسجونين‪.‬‬
‫والشيء المبين الذي يمنعه عن الستيلء ويردعه عن الغلبة والستعلء هو النور البارق القدسي‪ ،‬والبرهان النير‬
‫العرشي الذي ائتلف به القلب في الفق الروحي المعجز للنفس والقوى الدالة على صدقه في الدعوى المفيد لقوتيه‬
‫العاقلتين النظرية والعلمية للهيئة النورية والقوة القهرية حتى صارت الولى قوة قدسية متأيدة بالحكمة البالغة يعتمد‬
‫عليها في قمع العدو عند المجادلة ودفع الخصم عند المغالطة‪ .‬والثانية قوة ملكية متأيدة بالقدرة الكاملة يعجز بها من‬
‫غالبه في القوة وعارضه بالقدرة‪ ،‬فإذا ألقى عصا القوة القدسية بالذكر القلبي صار ثعبانا ظاهر الثعبانية في الغلبة‬
‫القوية‪ ،‬وإذا نزع يد الملكية من جيب الصدر حير الناظر بالشراق والنورية‪ .‬ولما تحيرت النفس الفرعونية وقواها‬
‫وعجزت وخافت أن يخرجها من أرض البدن ويدفع شر فسادها ورياستها فيها‪ ،‬ويمنع تسلطها واستيلءها بعثوا‬
‫الدواعي الشيطانية‪ ،‬واستنهضوا البواعث النفسانية إلى مدائن محال القوى الوهمية والتخيلية‪ ،‬وأحضروا سحرتها‬
‫للقاء الوساوس والهواجس بآلت المغالطات والتشكيكات وجمعوها لوقت الحضور وجمعية جميع القوى النفسانية‬
‫والبدنية والروحانية في توجه السر إلى حضرة القدس‪ ،‬فألقوا حبال التخييلت والوهميات وعصي الهواجس‬
‫والوساوس لتوهم الغلبة بعزة فرعون النفس المارة وقوته‪ ،‬ورجاء التعظيم والمنزلة والتقريب في صدر الرياسة‬
‫والسلطنة فتلقفها ثعبان القوة القدسية بقوة التوحيد وابتلع مأفوكاتها بنور التحقيق‪ ،‬فانقادت سحرة الوهم والخيال‬
‫والتخيل إذ فقدت آلتها وآمنت بنور اليقين في متابعة موسى القلب وهرون العقل بربهما‪ ،‬فبقيت مقطوعة الرجل‬
‫واليدي عن السعي في أرض البدن بأنواع الحيل والكيد والمكر وطلب المعاش وتحصيل اللذات والشهوات‬
‫والتصرف في أملك القوى البدنية بالرياسة والسلطنة من جهة مخالفة النفس وموافقة القلب مصلوبة على جذوع‬
‫النفس النباتية‪ ،‬ممنوعة عن حركاتها بالرياضة والقهر والسياسة‪ ،‬منقلبة إلى ربهم في متابعة القلب ومشايعة السر عند‬
‫التوجه إلى الحق‪ ،‬مغفورة خطاياهم من التزويرات والمفتريات بنور القدس‪ .‬وأوحى إلى موسى القلب إسراء القوى‬
‫الروحانية في ليل هدوء الحواس وسكون القوى النفسانية إلى الحضرة الوحدانية والعبور من بحر المادة الهيولنية‪.‬‬
‫فلما أتبعهم فرعون النفس في التلوينات حاشرا جنوده من مدائن طبائع العضاء‪ ،‬حاذرا من ذهاب رياسته وملكه‪،‬‬
‫ممتلئا من غيظ تسلط القلب واتباعه واستيلئه على مملكته وأعوانه‪ ،‬فكادوا أن يظفروا بهم‪ ،‬ضرب موسى القلب بأمر‬
‫الحق عند تقابلهما وتعارضهما بعصا القوة القدسية البحر الهيولني فانفلق إلى الحقوق والحظوظ ونجا موسى وقومه‬
‫بطريق التجريد وأخرج أعداءهم بالمنع عن الحظوظ والجبار على الحقوق من جنات اللذات النفسانية وعيون أذواقها‬
‫وأهوائها وكنوز مدخراتها وأسبابها ومقام الركون إلى مشتهياتها إلى أن خرج موسى وأهله من البحر بالمفارقة‬
‫وغرق فرعون النفس وقومه أجمعون‪ : .‬وما تعبدون‪ ‬كل من عكف على شيء يهواه ويحبه ويتوله فهو عابد له‪،‬‬
‫محجوب به عن ربه‪ ،‬موقوف معه عن كماله‪ ،‬وذلك عدو الموحد‪ ،‬إذ الغير ل يوجد عنده إل في التوهم‪ .‬فالباعث على‬
‫عبادته الشيطان والغالب على عابده الظلم والعدوان‪ ،‬ول يضر غير الحق في شهوده ول ينفع ول يبصر بنفسه ول‬
‫يسمع لنه يشهد الحق قائما على كل نفسه بما تفعل وأيدي الفعال كلها في حضرة أسمائه منه تصدر‪ ،‬كما قال عليه‬
‫السلم ‪ : :‬الذي خلقني فهو يهدين‪ : ‬والذي هو يطعمني ويسقين‪ ‬إلى آخره‪ ،‬فهو الخالق والهادي والمطعم‬
‫والساقي والممرض والشافي والمميت والمحيي‪ ،‬ويقرر هذا المعنى قوله ‪ : :‬أين ما كنتم تعبدون من دون ال هل‬
‫ينصرونكم أو ينتصرون ‪] 93‬الشعراء‪ ،‬اليات ‪ [93 - 92 :‬إلى قوله ‪ : :‬فما لنا من شافعين ولصديق حميم‪‬‬
‫]الشعراء‪ ،‬اليات ‪ .[101 - 100 :‬ولما كان هذا المقام مقام الفناء وذنبه ل يكون إل بوجود البقية‪ ،‬خاف ذنب حاله‪،‬‬
‫ورجا غفرانه منه بنور ذاته فقال ‪ : :‬والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين‪ ‬أي ‪ :‬القيامة الكبرى ول يجازيني‬
‫من ظهور البقية بالحرمان‪ .‬ثم سأل الستقامة في التحقق به في مقام البقاء بقوله ‪ : :‬رب هب لي حكما وألحقني‬
‫بالصالحين‪ ‬أي ‪ :‬حكمة وحكما بالحق لكون من الذين جعلتهم سببا لصلح العالم وكمال الخلق واجعلني محبوبا لك‬
‫فيحبني بحبك خلقك أبدا فيحصل لي ‪ :‬لسان صدق في الخرين‪ ‬إذ ل بد لمن يحب شيئا من كثرة ذكره بالخير ذكر‬
‫اللزم مكان الملزوم ‪ :‬إل من أتى ال بقلب سليم‪ ‬أي ‪ :‬إل حال من أتى ال وسلمة القلب بأمرين ‪ :‬براءته عن نقص‬
‫الستعداد في الفطرة‪ ،‬ونزاهته عن حجب صفات النفس في النشأة‪ .‬يمكن أن يؤول كل نبي مذكور فيها بالروح أو‬
‫القلب وتكذيب قومه المرسلين بامتناع القوى النفسانية عن قبول التأدب بآداب الروحانيين والتخلق بأخلق الكاملين‪.‬‬
‫أل تتقون‪ ‬معناه ‪ :‬تجتنبون الرذائل ‪ :‬إني لكم رسول أمين‪ ‬أؤدي إليكم ما تلقفت من الحق‬ ‫‪‬‬ ‫وقول النبي ‪: : ‬‬
‫من الحكم والمعاني اليقينية غير مخلوطة بالوهميات والتخيلت‪.‬‬
‫‪‬فاتقوا ال‪ ‬في التجريد والتزكية ‪ :‬وأطيعون‪ ‬في التنور والتحلية ‪ :‬وما أسألكم عليه من أجر‪ ‬مما عندكم من‬
‫اللذات والمدركات الجزئية فإني غني عنها ‪ :‬إن أجري إل على رب العالمين‪ ‬بإلقاء المعاني والحكم الكلية وإشراق‬
‫النوار اللذيذة القدسية‪ : .‬وما تنزلت به الشياطين‪ ‬لن تنزلهم ل يكون إل عند استعداد قبول النفوس لنزولها‬
‫بالمناسبة في الخبث والكيد والمكر والغدر والخيانة وسائر الرذائل‪ ،‬فإن مدركات الشياطين من قبيل الوهميات‬
‫والخياليات‪ ،‬فمن تجرد عن صفات النفس وترقى عن أفق الوهم إلى جناب القدس‪ ،‬وتنورت نفسه بالنوار الروحية‬
‫ومصابيح الشهب السبوحية‪ ،‬وأشرق عقله بالتصال بالعقل الفعال‪ ،‬وتلقى المعارف والحقائق في العالم العلى ما‬
‫ينبغي ول يمكن للشياطين أن يتنزلوا عليه ول أن يتلفقوا المعارف والحقائق والمعاني الكلية والشرائع‪ ،‬فإنهم معزولون‬
‫عن جناب سماء الروح واستماع كلم الملكوت العلى‪ ،‬مرجومون بشهب النوار القدسية والبراهين العقلية‪ ،‬لن‬
‫طور الوهم ل يترقى عن أفق القلب ومقام الصدر ول يتجاوز إلى السر‪ ،‬فكيف إلى حد من هو ‪ :‬بالفق العلى ثم‬
‫دنا فتدلى‪] ‬النجم‪ ،‬اليات ‪ [8 - 7 :‬؟‪.‬‬
‫‪‬فل تدع مع ال إلها آخر‪ ‬أي ‪ :‬ل تلتفت إلى وجود الغير بظهور النفس ول تحتجب في الدعوة بالكثرة عن الوحدة ‪:‬‬
‫‪‬فتكون من المعذبين‪ ‬بإلقاء الشياطين وإن امتنع تنزلهم بالموافقة والمراقبة كقوله ‪ : :‬ألقى الشيطان في أمنيته‪‬‬
‫]الحج‪ ،‬الية ‪ ،[52 :‬فإنه ل يأمن في النذار والنزول إلى مبالغ عقول المنذرين ونفوسهم إلقاءهم وإن أمن تنزلهم‬
‫ومصاحبتهم وإغواءهم عند التلقي‪ : .‬وأنذر عشيرتك القربين‪ ‬من الذين يقارب استعدادهم استعدادك ويناسب حالهم‬
‫بحسب الفطرة حالك‪ ،‬إذ القبول ل يكون إلى بجنسية ما في النفس وقرب في الروح‪ : .‬واخفض جناحك‪ ‬بالنزول إلى‬
‫مرتبة من ‪ :‬اتبعك من المؤمنين‪ ‬لتخاطبه بلسانه ليفهم‪ ،‬وترقيه عن مقامه فيصعد‪ ،‬وإل لم يمكنهم متابعتك ‪ :‬فإن‬
‫عصوك‪ ‬لستحكام الرين وتكاثف الحجاب فتبرأ عن حولهم وقوتهم وحولك وقوتك بالتوكل والفناء في أفعاله تعالى‬
‫فإنهم وإياك ل يقتدرون على ما لم يشأ ال ول يكون إل ما يريد وشاهد في توكلك وفنائك عن أفعالك مصادر أفعاله من‬
‫العزة التي يقهر بها من يشاء من العصاة فيحجبهم ويمنعهم من اليمان والرحمة التي يرحم بها ويفيض النور على من‬
‫يشاء من أهل الهداية فإنه يحجب المحجوبين بقهره وجلله ويهدي المهتدين بلطفه وجماله‪ ،‬وليس لك من المر شيء ‪:‬‬
‫‪‬إنك ل تهدي من أحببت ولكن ال يهدي من يشاء‪] ‬القصص‪ ،‬الية ‪ : .[56 :‬الذي يراك‪ ‬ويحضرك ويحفظك ‪:‬‬
‫‪‬حين تقوم‪ ‬في النشأة في القيامة الصغرى والفطرة في الوسطى بالوحدة حين الستقامة في الكبرى ‪ :‬وتقلبك‪‬‬
‫انقلبك وانتقالك في أطوار الفانين في أفعاله تعالى وصفاته وذاته بالنفس والقلب والروح في زمرتهم وقبل النشأة‬
‫الولى في أصلب آبائك النبياء الفانين في ال عنها‪ .‬إنه هو السميع‪ ‬لما تقوله ‪ :‬العليم‪ ‬لما تعلمه فيعلم أنه ليس‬
‫من كلم الشياطين وإلقائهم‪ : .‬هل أنبئكم‪ ‬إلى آخره‪ ،‬تقريره لقوله تعالى ‪ : :‬وما ينبغي لهم وما يستطيعون ‪211‬‬
‫‪] ‬الشعراء‪ ،‬الية ‪ [211 :‬لن الفك والثم من لوازم النفوس الكدرة الخبيثة المظلمة السفلية المستمدة من الشياطين‬
‫بالمناسبة‪ ،‬المستدعية للقائهم وتنزلهم بحسب الجنسية ومن جملتهم الشعراء الذين يركبون المخيلت والمزخرفات من‬
‫القياسات الشعرية والكاذيب الباطلة سواء كانت موزونة أم ل‪ ،‬فيتبعهم الغاوون الضالون في ذلك ويأخذون منهم‬
‫التزويرات والمفتريات دون الذين ينظمون المعارف والحقائق والداب والمواعظ والخلق والفضائل وما ينفع الناس‬
‫ويفيد ويهيج أشواقهم في الطلب ويزيد‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة النمل‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬طس‪ ‬أي ‪ : :‬تلك‪ ‬الصفات العظيمة المذكورة في طسم التي أصلها الطهارة من صفات النفس وسلمة الستعداد‬
‫في الصل عن النقص هي ‪ :‬آيات القرآن‪ ‬أي ‪ :‬العقل القرآني وهو الستعداد الحمدي الجامع لجميع الكمالت باطنا‬
‫فإذا ظهرت وبرزت إلى الفعل في القيامة الكبرى كانت فرقانا‪ ،‬وقوله ‪ : :‬هدى وبشرى‪ ‬قائم مقام )م( في طسم لن‬
‫الهداية إلى الحق والبشارة بالوصول ل يكونان إل بعد الكمال العلمي‪ ،‬إذ الهداية للغير التي هي التكميل ملزومة العلم‬
‫الذي هو الكمال‪ ،‬فيحصل الكتفاء بها عنه وهما حالن معمولن لتلك المشار بها إلى الصفات المذكورة في )طسم(‬
‫كما ذكر‪ ،‬أي ‪ :‬هاديا ومبشرا للمؤمنين‪ ،‬أي ‪ :‬الموقنين بعلم التوحيد‪ : .‬الذين يقيمون‪ ‬صلة الحضور والمراقبة ‪:‬‬
‫‪‬ويؤتون الزكاة‪ ‬عن صفات النفوس‪ ،‬أي ‪ :‬يزكون بالتجريد والمجاهدة ‪ :‬وهم بالخرة‪ ‬أي ‪ :‬مقام المشاهدة ‪:‬‬
‫يوقنون يعني في حال المكاشفة يوقنون بالمعاينة والرسول يهديهم إليها ويبشرهم بجنة الذات والفوز العظم‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬أن الذين ل يؤمنون بالخرة‪ ‬من المحجوبين بتزين نفوسهم بكمالتها وهيئات أعمالها ‪ :‬فهم يعمهون‪ ‬يعمون‬
‫بصائرهم عن إدراك صفات الحق وتجليات أنوارها وإل لم يحجبوا بصفاتهم وأفعالهم بل فنوا عنها‪ : .‬أولئك الذين‬
‫لهم سوء العذاب‪ ‬بنيران الحجاب والحرمان عن لذات تجليات الصفات ‪ :‬وهم في الخرة‪ ‬ومقام كشف الذات في‬
‫القيامة الكبرى ‪ :‬هم الخسرون‪ ‬لتكاثف حجابهم بصفاتهم وذواتهم فل خلق لهم من الجنتين ولذاتهما‪.‬وإنك‬
‫لتلقى القرآن‪ ‬أي ‪ :‬العقل القرآني ‪ :‬من لدن‪ ‬أي ‪ :‬من عين جمع الوحدة في الصفات الول الذي ل حجاب بينه وبين‬
‫الحضرة الحدية بل هو نفسه الحجاب القدس المفيض لكل الستعدادات من العقول الفرقانية على أربابها من العيان‬
‫الثابتة النسانية ‪ :‬حكيم‪ ‬ذي حكمة بالغة تامة وعلم محيط شامل‪ .‬اذكر من جملة علوم الحق وحكمه وقت قول موسى‬
‫القلب ‪ :‬لهلة‪ ‬من النفس والحواس الظاهرة والباطنة ‪ :‬امكثوا‪ ‬واثبتوا ول تشوشوا وقتي بالحركات ‪ :‬إني‬
‫آنست‪ ‬بعين البصيرة ‪ :‬نارا‪ ‬أي ‪ :‬نار وما أعظمها هي نار العقل الفعال ‪ :‬سآتيكم منها بخبر‪ ‬أي ‪ :‬علم بالطريقة‬
‫إلى ال‪ ،‬وكان حاله أنه ضل الطريقة إلى ال برعاية أغنام القوى البهيمية وزوجه النفس الحيوانية ‪ :‬أو آتيكم‬
‫بشهاب قبس‪ ‬أي ‪ :‬بشعلة نورية تشرق عليكم حين اتصالي بالنار وتنوري بها ‪ :‬لعلكم تصطلون‪ ‬عن برد الركون‬
‫إلى البدن والسكون إليه وهوى لذاته فتشتاقوا بحركة تلك النار إلى جناتي وتسيرون بمحبتي إلى مقام الصدر‪ : .‬فلما‬
‫جاءها نودي أن بورك‪ ‬أي ‪ :‬كثر خير ‪ :‬من في النار‪ ‬أي ‪ :‬هو موسى القلب الواصل إلى النار بتجليات الصفات‬
‫اللهية ووجدان الكمالت الحقيقية ومقام المكالمة عن النبوة ‪ :‬ومن حولها‪ ‬من القوى الروحانية والملئكة السماوية‬
‫بأنوار المكاشفة وأسرار العلوم والحكم والتأييدات القدسية والحوال السرية والذوقية ‪ :‬وسبحان ال رب العالمين‪‬‬
‫ونزه ذات ال بتجردك عن الصفات النفسانية والغواشي الجسدانية والنقائص والمعائب‪.‬انا ال‪ ‬القوي الذي قهر‬
‫نفسك وكل شيء بالفناء فيه ‪ :‬الحكيم‪ ‬الذي علمك الحكمة وهداك بها إلى مقام المكالمة ‪ :‬والق‪ ‬عصا نفسك القدسية‬
‫المؤتلفة بشعاع القدس‪ ،‬أي ‪ :‬خلفا عن الضبط بالرياضة وأرسلها ول تمنعها عن الحركة فإنها تنورت ‪ :‬فلما رآها‪‬‬
‫تضطرب وتتحرك ‪ :‬كأنها‪ ‬حية غالبة بالظهور ‪ :‬ولي‪ ‬إلى جناب الحق ‪ :‬مدبرا‪ ‬خوف ظهور النفس ‪ :‬ولم‬
‫يعقب‪ ‬أي ‪ :‬لم يرجع وبقي مشتغل بتدارك البقية ‪ :‬ل تخف‪ ‬من استيلء النفس وظهور الحجاب‪ ،‬فإن النفس إذا حييت‬
‫بعد موتها بالرادة وفنائها بالرياضة إن استقلت بنفسها واستبدت بأمر كانت حجابا وابتلء‪ ،‬وإذا تحركت بأمري حية‬
‫بنور الروح والمحبة الحقانية ل بهواها لم تكن حجابا ‪ :‬إني ل يخاف لدي المرسلون‪ ‬الذين أرسلتهم بالبقاء بعد النفاء‬
‫وأحييت نفوسهم بحياتي‪ : .‬إل من ظلم‪ ‬بظهور النفس قبل وقت الستقامة واستحكام مقام البقاء‪ ،‬فإنه ذنب حاله تجب‬
‫عنه التوبة بالستغفار والخوف بالبتلء ‪ :‬ثم بدل حسنا‪ ‬بالخوف والتدارك بقمعها واللتجاء إلى جناب الحق من‬
‫شرها ‪ :‬بعد سوء‪ ‬أية صفة ظهرت بها من صفاتها ‪ :‬فإني غفور‪ ‬أستر بنوري ظلمتها ‪ :‬رحيم‪ ‬أرحم بعد‬
‫الغفران بصفتي القائمة صفتها الظاهرة هي بها‪ : .‬وأدخل يدك‪ ‬العاقلة العلمية ‪ :‬في جيبك‪ ‬تحت لباس النفس‬
‫متصلة بالقلب في إبطك اليسر موضع الصدر ‪ :‬تخرج بيضاء‪ ‬نورانية ذات قدرة ‪ :‬من غير سوء‪ ‬أي ‪ :‬التلوين‬
‫والظهور بصفة من صفاتها بل بالتنور بالنور ‪ :‬في تسع آيات‪ ‬أي ‪ :‬اذهب بهاتين اليتين بين النفس القدسية والعاقلة‬
‫العلمية الحية إحداهما بحياة القلب‪ ،‬والمتنورة ثانيتهما بنوره‪ ،‬في جملة تسع آيات هما ثنتان منها والباقية هي السبع‬
‫المشار إليها في قول المتكلمين بالقدماء السبعة ‪ :‬وهي الصفات اللهية التي تجلى بها الحق تعالى على القلب فقامت‬
‫مقام صفاته‪ ،‬وهي الحياة والقدرة والعلم والرادة والسمع والبصر والتكلم‪ : .‬إلى فرعون‪ ‬النفس المارة بالسوء‬
‫المحجوبة بالنائية ‪ :‬وقومه‪ ‬من قواها كلما ظهرت بتفرعنها على أية صفة في أي مظهر ظهرت وأينما وجدت‬
‫اذهب بهذه الصفات ‪ :‬إنهم كانوا قوما فاسقين‪ ‬خارجين عن دين الحق وطاعته بدين الهوى‪ ،‬منكرين للتوحيد‬
‫بظهورهم‪ : .‬فلما جاءتهم آياتنا مبصرة‪ ‬منه نورانية تحيروا فيها ‪ :‬وجحدوا بها‪ ‬بظهورهم بصفاتها ومخالفتها ‪:‬‬
‫‪‬ظلما وعلوا‪ ‬وإن استيقنتها أنفسهم من طريق العلم والعقل لتفرعنها وتعودها بالستعلء وعدم ملكية العدل ‪:‬‬
‫‪‬فانظر كيف كان‪ ‬عاقبتهم من الغرق في يم القطران لفسادهم في أرض البدن بالطغيان‪ .‬ولقد آتينا داود‪ ‬الروح ‪:‬‬
‫‪‬وسليمان‪ ‬القلب ‪ :‬علما‪ ‬واتصفا بالصفات الربانية العامة وذلك قولهما ‪ : :‬الحمد ل الذي فضلنا على كثير من‬
‫عباده المؤمنين‪. : ‬وورث سليمان‪ ‬القلب ‪ :‬داود‪ ‬الروح الملك بالسياسة والنبوة بالهداية ‪ :‬وقال يا أيها الناس‪‬‬
‫أي ‪ :‬نادى القوى البدنية وقت الرياسة عليها‪ ،‬وقال ‪ : :‬علمنا منطق الطير‪ ‬القوى الروحانية ‪ :‬وأوتينا من كل‬
‫شيء‪ ‬من المدركات الكلية والجزئية والكمالت الكسبية والعطائية ‪ :‬إن هذا لهو الفضل المبين‪ ‬أي ‪ :‬الكمال الظاهر‬
‫الراجح صاحبه على غيره‪ : .‬وحشر لسليمان جنوده‪ ‬من جن القوى الوهمية والخيالية ودواعيها‪ ،‬وإنس الحواس‬
‫الظاهرة‪ ،‬وطير القوى الروحانية بتسخيره ريح الهوى وتسليطه عليها بحكم العقل العملي‪ ،‬جالسا على كرسي الصدر‪،‬‬
‫موضوعا على رفوف المزاج المعتدل ‪ :‬فهم يوزعون‪ ‬يحبس أولهم على آخرهم ويوقفون على مقتضى الرأي‬
‫العقلي ل يتقدم بعضهم بالفراط ول يتأخر البعض بالتفريط‪.‬حتى إذا أوتوا على وادي النمل‪ ‬أي ‪ :‬نمل الحرص‬
‫في جمع المال والسباب في السير على طريق الحكمة العملية وقطع الملكات الردية ‪ :‬قالت نملة‪ ‬هي ملكة الشره‪،‬‬
‫ملكة دواعي الحرص‪ .‬وكانت على ما قيل ‪ :‬عرجاء‪ ،‬لكسر العاقلة رجلها ومنعها بمخالفة طبعها عن مقتضاه من‬
‫سرعة سيرها ‪ :‬يا أيها النمل‪ ‬أي ‪ :‬الدواعي الحرصية الفائتة الحصر ‪ :‬ادخلوا مساكنكم ل يحطمنكم سليمان‬
‫وجنوده‪ ‬أي ‪ :‬اختبئوا في مقاركم ومحالكم ومباديكم ل يكسرنكم القلب والقوى الروحانية بالماتة والفناء‪ .‬وهذا هو‬
‫السير الحكمي باكتساب الملكات الفاضلة وتعديل الخلق وإل لما بقيت للنملة الكبرى ولصغارها عين ول أثر في‬
‫الفناء بتجليات الصفات ‪ :‬فتبسم ضاحكا من قولها‪ ‬أي ‪ :‬استبشر بزوال الملكات الرديئة وحصول الملكات الفاضلة‬
‫ودعا ربه بالتوفيق لشكر هذه النعمة التي أنعم بها عليه بالتصاف بصفاته وأفعاله والفناء عن أفعال نفسه وصفاتها‪.‬‬
‫وعلى والديه‪ ،‬أي ‪ :‬الروح والنفس بكمال الول وتنوره وقبول الثانية وتأثرها بقوله ‪ : :‬رب أوزعني أن أشكر‬
‫نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه‪ ‬بالستقامة في القيام بحقوق تجليات صفاتك والعبادات‬
‫القلبية لوجهك ونور ذاتك ‪ :‬وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين‪ ‬أي ‪ :‬بكمال ذاتك في زمرة الكمل الذين هم‬
‫سبب صلح العالم وكمال الخلق‪ .‬وتفقد‪ ‬حال طير القوى الروحانية ففقد هدهد القوى المفكرة لن القوى المفكرة إذا‬
‫كانت في طاعة الوهم كانت متخيلة والمفكرة غائبة بل معدومة‪ ،‬ول تكون مفكرة إل إذا كانت مطيعة للعقل ‪:‬‬
‫‪‬لعذبنه عذابا شديدا‪ ‬بالرياضة القوية ومنعها عن طاعة الوهمية وتطويعها للعاقلة ‪ :‬أو لذبحنه‪ ‬بالماتة ‪ :‬أو‬
‫ليأتيني بسلطان مبين‪ ‬أو تصير مطواعة للعقل لصفاء جوهرها ونورية ذاتها فتأتي بالحجة البينة في حركتها‪: .‬‬
‫‪‬فمكث غير بعيد‪ ‬أي ‪ :‬لم يطل زمان رياضتها لقدسيتها وما احتاجت إلى الماتة لطهارتها حتى رجعت بسلطان‬
‫مبين‪ ،‬وتمرنت في تركيب الحجج على أصح المناهج ‪ :‬فقال أحطت بما لم تحط به‪ ‬من أحوال مدينة البدن وإدراك‬
‫الجزيئات وتركيبها مع الكليات‪ ،‬فإن القلب ل يدرك بذاته إل بالكليات ول يضمها إلى الجزئيات في تركيب القياس‪،‬‬
‫واستنتاج واستنباط الرأي إل الفكر وبواسطته يحيط بأحوال العالمين ويجمع بين خيرات الدارين ‪ :‬وجئتك من سبإ‪‬‬
‫مدينة الجسد ‪ :‬بنبإ يقين‪ ‬عياني مشاهد بالحس‪ : .‬إني وجدت امرأة تملكهم‪ ‬هي الروح الحيوانية‪ ،‬المسماة‬
‫باصطلح القوم ‪ :‬النفس ‪ :‬وأوتيت من كل شيء‪ ‬من السباب التي يدبرها البدن ويتم بها تملكه ‪ :‬ولها عرش‬
‫عظيم‪ ‬هو الطبيعة البدنية التي هي متكؤها بهيئة ارتفاعها من طبائع البسائط العنصرية التي هي المزاج المعتدل‪ ،‬أو‬
‫تؤول مدينة سبأ بالعالم الجسماني‪ ،‬والعرش بالبدن‪ : .‬وجدتها وقومها يسجدون‪ ‬لشمس عقل المعاش المحجوب عن‬
‫الحق بانقيادها له وإذعانها لحكمه دون النقياد لحكم الروح والنخراط في سلك التوحيد‪ ،‬والذعان لمر الحق وطاعته‬
‫‪ :‬وزين لهم‪ ‬شيطان الوهم ‪ :‬أعمالهم‪ ‬من تحصيل الشهوات واللذات البدنية والكمالت الجسمانية ‪ :‬فصدهم عن‪‬‬
‫سبيل الحق وسلوك طريق الفضيلة بالعدل ‪ :‬فهم ل يهتدون‪ ‬إلى التوحيد والصراط المستقيم‪.‬‬
‫‪‬أل يسجدوا ل‪ ‬أي ‪ :‬فصدهم عن السبيل لئل ينقادوا ويذعنوا في إخراج كمالتهم إلى العقل ‪ :‬الذي يخرج الخبء‪‬‬
‫أي ‪ :‬المخبوء من الكمالت الممكنة في سموات الرواح وأرض الجسم ‪ :‬ويعلم ما يخفون‪ ‬مما فيهم بالقوة من‬
‫الكمالت بالعمال الحاجبة والمانعة لخروج ما في الستعداد إلى العقل ‪ :‬وما يعلنون‪ ‬من الهيئات المظلمة‬
‫والخلق المردية‪ : .‬ال ل إله إل هو‪ ‬فل يجوز التعبد والنقياد إل له ‪ :‬رب العرش العظيم‪ ‬المحيط بكل شيء‪،‬‬
‫فما أصغر عرش بلقيس النفس في جنب عظمته‪ ،‬فكيف ل تطيعه وتحتجب بمحبة عرشها عن طاعته ‪ :‬سننظر‬
‫أصدقت‪ ‬في تضليلهم والحاطة بأحوالهم بالطريق العقلي ‪ :‬أم كنت من الكاذبين‪ ‬بموافقة الوهم وتركيب التخيلت‬
‫الفاسدة‪ .‬اذهب بكتابي هذا‪ ‬أي ‪ :‬الحكمة العملية والشريعة اللهية ‪ :‬فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون‪‬‬
‫أيقبلون الطاعة والنقياد أم يأبون ‪ :‬إنه من سليمان‪ ‬لصدوره من القلب بواسطة الفكر إلى النفس ‪ :‬وإنه بسم ال‬
‫الرحمن الرحيم‪ ‬أي ‪ :‬باسم الذات الموصوفة بإفاضة الستعداد وما يخرج به ما فيه إلى العقل من اللت وإفاضة‬
‫الكمال المناسب له من الخلق والصفات‪ : .‬أل تعلوا علي‪ ‬أل تغلبوا ول تستعلوا ‪ :‬وائتوني‪ ‬منقادين مستسلمين‪.‬‬
‫وقولها ‪ : :‬يا أيها المل أفتوني‪ ‬إلى آخره‪ ،‬إشارة إلى قابلية النفس ونجابة جوهرها ومخالفتها لمر قواها في‬
‫الستعلء والغرور بهيئة الشوكة والستيلء‪ ،‬وإن لم يمكنها القبول إل بمظاهرتهم ومشاورتهم‪ .‬وإفساد القرية وإذلل‬
‫أعزتها إشارة إلى منعها عن الحظوظ واللذات‪ ،‬وقمع ما يغلب ويستولي على القوى بالرياضات‪ : .‬وإني مرسلة‬
‫إليهم بهدية‪ ‬من أموال المدركات الحسية والشهوات النفسية‪ ،‬واللذات الوهمية والخيالية‪ ،‬وإمداد المواد الهيولنية‬
‫بتزيينها عليهم وتسويلها لهم على أيدي الهواجس والدواعي والبواعث ‪ :‬فناظرة‪ ‬هل يقبلها فيلين ويميل إلى النفس أو‬
‫يردها فيتصلب في الميل إلى الحق ‪ :‬فما آتاني ال‪ ‬من المعارف اليقينية والحقائق القدسية واللذات العقلية‬
‫والمشاهدات النورية ‪ :‬خير مما آتاكم‪ ‬من المزخرفات الحسية والخيالية والوهمية ‪ :‬بل أنتم بهديتكم تفرحون‪ ‬ل‬
‫نحن‪ ،‬وإنما فرحنا بما هو من عند ال ل بما ذكر‪ .‬ارجع إليهم‪ ‬خطاب للمتخيل المرسل العارض للهدايا عليهم‬
‫بالتسويل ‪ :‬فلنأتينهم بجنود‪ ‬من القوى الروحانية وأمداد النوار اللهية ‪ :‬ل‪ ‬طاقة ‪ :‬لهم بها ولنخرجنهم منها‪‬‬
‫بالقهر والستيلء والقمع ‪ :‬أذلة وهم‪ ‬أذلء بالطبع والرتبة لدنو مرتبتهم في الصل والطينة وتنويرها بالداب ‪:‬‬
‫‪‬قبل أن يأتوني مسلمين‪ ‬أي ‪ :‬قبل قرب النفس وقواها بالخلق والطاعة‪ ،‬فإن تسخير القوى الطبيعية بالعمال‬
‫والداب أسهل وأقرب من تسخير النفس الحيوانية وقواها بالخلق والملكات‪ .‬والعفريت هو الوهم لنه يسخرها‬
‫بالخوف والرجاء ويبعثها على العمال بالدواعي الوهمية والماني الموافقة‪ : .‬قبل أن تقوم من مقامك‪ ‬أي ‪ :‬ما دمت‬
‫في مقام الصدر قبل الترقي إلى مقام السر‪ ،‬فإن الوهم حينئذ ينعزل عن فعله بالهداية والمشايعة‪ : .‬والذي عنده علم‬
‫من الكتاب‪ ‬هو العقل العملي الذي عنده بعض العلم وهو الحكمة العملية والشريعة من كتاب اللوح المحفوظ يسخرها‬
‫ويقربها ويبعثها على الطاعات بتحبيب الكمال وحصول الشرف والذكر والجميل والكرامة إليها ‪ :‬قبل أن يرتد إليك‬
‫طرفك‪ ‬أي ‪ :‬نظرك إلى ذاتك وما ينبغي لها من الترقي إلى عالمك في عالم القدس لدراك الحقائق والمعارف الكلية‪،‬‬
‫والمشاهدات الحقة العينية‪ ،‬فإن الكمال العملي مقدم على الكمال الذوقي والكشفي ‪ :‬فلما رآه مستقرا عنده‪ ‬ثابتا على‬
‫حالة اتصاله به‪ ،‬متمرنا في الطاعة غير متغير بالدواعي الشهوانية والنوازع الشيطانية ‪ :‬قال هذا من فضل ربي‬
‫ليبلوني أأشكر‪ ‬بالطاعة والعمل بالشريعة ‪ :‬أم أكفر‪ ‬بالمعصية ومخالفة الشريعة‪ ،‬أو أشكر عند التوفيق للطاعة‬
‫بالسلوك في الطريقة والقبال على الحضرة‪ ،‬وتبديل الصفات‪ ،‬ومراقبة التجليات‪ ،‬أم أكفر بالحتجاب برؤية العمال‪،‬‬
‫والدبار عن الحق بالغرور والعجب‪ ،‬والوقوف مع المعقول والعقل‪.‬‬
‫‪‬نكروا لها عرشها‪ ‬بتغيير العادات وترك المذمومات‪ ،‬ونهك القوى الطبيعية بالرياضات‪ ،‬وتنكيسه بجعل ما كان‬
‫أعلى رتبة منه عندها وهي الهيئات البدنية وراحات البدن ولذاته‪ ،‬وما كان في جهة الفراط من الكل والشرب والنوم‬
‫وأمثالها‪ ،‬والقوى الطبيعية المستعلية أسفل‪ ،‬وما كان أسفل من أنواع التعب والرياضة والتقليل والسهر‪ ،‬وكل ما مال‬
‫إلى التفريط من المور البدنية والقوى الروحانية المستضعفة أعلى ‪ :‬ننظر أتهتدي‪ ‬إلى الفضائل وطرق الكمالت‬
‫بالرياضة لنجاة جوهرها وشرف أصلها وحسن استعدادها وقبولها ‪ :‬أم تكون من الذين ل يهتدون‪ ‬إليها لعكس ما‬
‫ذكر‪ : .‬فلما جاءت‪ ‬مترقية إلى مقام القلب متنورة بأنواره‪ ،‬متخلقة بأخلقه‪ ،‬منقادة مستسلمة بجنودها ‪ :‬قيل أهكذا‬
‫عرشك‪ ‬أي ‪ :‬على هذه الصورة المغيرة عرشك أم على الصورة الولى ؟ أي ‪ :‬أهذا صورته المستوية التي ينبغي أن‬
‫يكون عليها أم تلك‪ ،‬وتلك منكوسة أم هذه ‪ :‬قالت كأنه هو‪ ‬أي ‪ :‬كأن هذا بالنسبة إلى حالي هو بالنسبة إلى الحالة‬
‫الولى‪ ،‬أي ‪ :‬إذا كنت متوجهة إلى جهة السفل كان عرشي على تلك الصورة مطابقًا لحالي‪ ،‬وإذا توجهت إلى جهة‬
‫العلو كان على هذه الصورة مستويا وموافقا لحالي‪ : ،‬وأوتينا العلم‪ ‬من قبل هذه الحالة‪ ،‬أي ‪ :‬أوتيناه في الزل عند‬
‫ميثاق الفطرة ‪ :‬وكنا‪ ‬منقادين قبل هذه النشأة إل أننا نسينا فتذكرنا الساعة ‪ :‬وصدها ما كانت تعبد‪ ‬من شمس عقل‬
‫المعاش بصرفها إلى التوحيد ‪ :‬إنها كانت من قوم‪ ‬محجوبين عن الحق ‪ :‬قيل لها ادخلي الصرح‪ ‬أي ‪ :‬مقام الصدر‬
‫الذي هو صرح ممرد مملس عن تقابل الضداد وتخالف الطباع مستويا بالتجرد عن المواد من قوارير أنوار القلب‬
‫الصافي المشبه بالزجاجة في الصفاء والتنور ‪ :‬فلما رأته حسبته لجة‪ ‬بحر الوحدة لكونه غاية رتبتها في التجرد‬
‫والترقي ونهاية كمالها في التداني والتلقي‪ ،‬ول يتجاوز نظرها إلى أعلى منه وكل ما ل يمكن فوقه من الكمال الشيء‬
‫فيه نهايته في التوحيد ومعظم ما يستغرق فيه من جمال المعبود والمطلوب ‪ :‬وكشفت عن ساقيها‪ ‬يعني ‪ :‬جردت‬
‫جهتها السفلية التي تلي البدن وتسعى بها فيه المنقسمة إلى القوة الغضبية والشهوية عن الغواشي البدنية والملبس‬
‫الهيولنية بقطع التعلقات لكن كان عليها شعر الهيئات الباقية من أعمالها والثار المسودة من كدوراتها‪ ،‬ومن هذا قيل ‪:‬‬
‫يدخل سليمان الجنة بعد النبياء بخمسمائة خريف ويحبو حبوا ‪ :‬ظلمت نفسي‪ ‬بالحتجاب واتخاذ العقل المشوب‬
‫بالوهم‪ ،‬المشرب بالهوى‪ ،‬إلها ومعبودا ‪ :‬وأسلمت‪ ‬بالنقياد لمر الحق والنخراط في سلك التوحيد ‪ :‬مع سليمان‬
‫ل رب العالمين‪ ‬وعلى تأويل العرش بالبدن يستقيم هذا أيضا ويتجه وجه آخر وهو أن يراد أنها كانت محجوبة‬
‫بمعقولها ما بقي عرشها‪ ،‬وما انقادت لسليمان القلب إل في النشأة الثانية‪ ،‬فعلى هذا يكون ‪ :‬الذي عنده علم من‬
‫الكتاب‪ ‬هو العقل الفعال وإيتاؤه به قبل ارتداد الطرف إيجاد البدن الثاني في آن واحد‪ ،‬ومعنى ‪ : :‬قبل أن يأتوني‬
‫مسلمين‪ ‬تقدم مادة البدن على تعلق النفس به‪ .‬وقال ابن العرابي رحمه ال ‪ :‬إن التيان كان بإفنائه ثمة وإيجاده‬
‫بحضرة سليمان والتنكير تغيير الصورة‪ .‬ومعنى ‪ :‬كأنه هو أنه يشابه صورته‪ ،‬والصرح هو مادة البدن الثاني‪ ،‬فيكون‬
‫دخول الصرح على هذا مقدما على تنكير الصورة‪ ،‬وكشف الساقين قطع تعلق البدن الول دون زوال الهيئات البدنية‬
‫التي هي بمثابة الشعر‪ ،‬وهذا بناء على أن النفوس المحجوبة الناقصة ل بد لها من التعلق وال أعلم‪ .‬ولقد أرسلنا إلى‬
‫ثمود‪ ‬أي ‪ :‬أهل الماء القليل الذي هو المعاش صالح القلب بالدعوة إلى التوحيد ‪ :‬فإذا هم فريقان‪ ‬فريق القوى‬
‫الروحانية وفريق القوى النفسانية ‪ :‬يختصمون‪ .‬تقول الولى ‪ :‬ما جاء به صالح حق‪ ،‬وتقول الثانية ‪ :‬بل باطل‪ ،‬وما‬
‫نحن عليه حق ‪ :‬لم تستعجلون بالسيئة‪ ‬أي ‪ :‬الستيلء على القلب بالرذيلة ‪ :‬قبل‪ ‬التيان بالفضيلة ‪ :‬لول‬
‫تستغفرون ال‪ ‬بالتنور بنور التوحيد‪ ،‬والتنصل عن الهيئات البدنية المظلمة ‪ :‬لعلكم ترحمون‪ ‬بإفاضة الكمال‪: .‬‬
‫‪‬اطيرنا بك‪ ‬لمنعك إيانا من الحظوظ والترفه ‪ :‬طائركم عند ال‪ ‬سبب خيركم وشركم من ال‪ .‬والرهط المفسدون‬
‫الحواس ‪ :‬الغضب والشهوة والوهم والتخيل‪ ،‬وتبييته ‪ :‬إهلكه في ظلمة ليل النفس‪ ،‬والولي ‪ :‬الروح‪ ،‬ومكر ال بهم ‪:‬‬
‫إهلكهم بهد جبال العضاء عليهم وتدميرهم في غار محلهم وتدمير قومهم بالصيحة التي هي النفخة الولى‪ .‬وفاحشة‬
‫قوم لوط في هذا التطبيق وهي إتيان الذكور‪ ،‬إتيان القوى النفسانية أدبار القوى الروحانية واستنزالهم عن رتبة التأثير‬
‫بتأثرهم عن تأثير هذه من الجهة السفلية واستيلؤها عليهم في تحصيل اللذات والشهوات البدنية بهم‪ : .‬قل الحمد ل‪‬‬
‫بظهور كمالته وتجليات صفاته على ظاهر مخلوقاته ‪ :‬وسلم على عباده الذين اصطفى‪ ‬بصفاء استعداداتهم‬
‫وبراءتهم من النقص والفة‪ ،‬فالحمد مطلقا مخصوص به لكون جميع الكمالت الظاهرة على مظاهر الكوان صفاته‬
‫المالية والجللية ليس لغيره فيها نصيب‪ ،‬وصفاء ذوات المصطفين من عباده ونزاهة أعيانهم عن نقص الستعداد‪،‬‬
‫وآفة الحجاب سلمه عليهم وحصول المرين للمظهر التام النبوي بالفعل هو قوله ذلك مأمورا به من عين الجمع في‬
‫مقام التفصيل‪ ،‬منتقل من مقام التفصيل لعين الجمع‪ ،‬مبتدئا منه وراجعا إليه ‪ :‬ال‪ ‬الذي له الحمد المطلق والسلم‬
‫المطلق‪ ،‬خير مطلق محض في ذاته ‪ :‬أما يشركون من الكوان التي اثبتوا لها وجودا وتأثيرا إذ ل يبقى بعد الكمال‬
‫المطلق والقبول المطلق الذي هو اسم السلم المطلق باعتبار الفيض القدس إل العدم البحت‪ ،‬والشر الصرف المطلق‬
‫الذي يقابل الخير المحض المطلق فكيف يكون خيرا‪ .‬أمن خلق السموات والرض‪ ‬أي ‪ :‬المؤثر المطلق الموجد‬
‫للكل من العيان الممكنة وصفاتها خير في التأثير واليجاد‪ ،‬أم ما ل وجود له‪ ،‬فكيف بالتأثير واليجاد‪ : .‬أإله مع‬
‫ال‪ ‬في التأثير واليجاد ‪ :‬بل هم قوم يعدلون‪ ‬عن الحق‪ ،‬فيثبتون الباطل بالتوهم‪ : .‬أمن يهديكم‪ ‬إلى نور ذاته ‪:‬‬
‫‪‬في ظلمات البر‪ ‬أي ‪ :‬حجب الكوان والفعال ‪ :‬والبحر‪ ‬أي ‪ :‬حجب الصفات ‪ :‬ومن يرسل‪ ‬رياح النفحات‬
‫محيية للقلوب من يدي رحمة التجليات‪ : .‬أمن يبدأ الخلق‪ ‬باختفائه بأعيانهم واحتجابه بذواتهم ‪ :‬ثم يعيده‪ ‬بإفنائهم‬
‫في عين الجمع وإهلكهم في ذاته بالطمس أو بإظهارهم في النشأة وإعادتهم إلى الفطرة ‪ :‬ومن يرزقكم من السماء‪‬‬
‫الغذاء الروحاني ‪ :‬و من ‪ :‬الرض‪ ‬الجسماني إذ من السماء المعارف والحقائق ومن الرض الحكم والخلق‪: .‬‬
‫‪‬وإذا وقع القول عليهم‪ ‬أي ‪ :‬وإذا تحقق وقوع ما سبق في القضاء حكمنا به من الشقاوة البدية عليهم ‪ :‬أخرجنا‬
‫لهم دابة‪ ‬من صورة نفس كل شقي مختلفة الهيئات والشكال هائلة‪ ،‬بعيدة النسبة بين أطرافها وجوارحها على ما ذكر‬
‫من قصتها بحسب تفاوت أخلقها وملكاتها من أرض البدن قدام القيامة الصغرى التي هي من أشراطها ‪ :‬تكلمهم‪‬‬
‫بلسان حياتها وصفاتها ‪ :‬أن الناس كانوا بآياتنا‪ ‬قدرتنا على البعث ‪ :‬ل يوقنون‪. ‬ويوم ينفخ في الصور‪ ‬النفخة‬
‫الولى نفخة الماتة في القيامة الصغرى ‪ :‬ففزع من في السماوات ومن في الرض‪ ‬من العقلء المجردين والجهال‬
‫البدنيين‪ ،‬أو من القوى الروحانية والجسمانية ‪ :‬إل من شاء ال‪ ‬من الموحدين الفانين في ال‪ ،‬والشهداء القائمين‬
‫بال ‪ :‬وكل أتوه‪ ‬إلى المحشر للبعث‪ ،‬صاغرين‪ ،‬أذلء‪ ،‬ل قدرة لهم ول اختيار‪ ،‬أو أتوه منقادين قابلين لحكمه‬
‫بالموت‪ : .‬وترى‪ ‬جبال البدان ‪ :‬تحسبها جامدة‪ ‬ثابتة في مكانها ‪ :‬وهي تمر‪ ‬وتذهب وتتلشى بالتحليل‬
‫كالسحاب لتجتمع أجزاؤها عند البعث في اليوم الطويل ‪ :‬صنع ال‪ ‬أي ‪ :‬صنع هذا النفخ والماتة والحياء لمجازاة‬
‫العباد بالعمال صنعا متقنا يليق به ‪ :‬إنه خبير بما تفعلون‪ : ‬من جاء بالحسنة‪ ‬أي ‪ :‬بمحو صفة من صفات نفسه‬
‫بالتوبة إلى ال عنها من قيام صفة إلهية مقامها‪ : .‬ومن جاء بالسيئة‪ ‬باحتجابه بصفة من صفات نفسه ‪ :‬فكبت‬
‫وجوههم‪ ‬بتنكيس بنائهم لشدة ميلهم إلى الجهة السفلية في نار الطبيعة ‪ :‬هل تجزون‪ ‬إل بصور أعمالكم وجعل‬
‫هيئاتها صوركم‪ : .‬إنما أمرت أن‪ ‬ل ألتفت إلى غير الحق و ‪ :‬أعبد رب هذه البلدة‪ ‬أي ‪ :‬القلب ‪ :‬الذي حرمها‪‬‬
‫حماها عن استيلء صفات النفس ومنعها من دخول أهل الرجس وآمنها وآمن من فيها لئل ينكب وجهي في نار‬
‫الطبيعة ‪ :‬وله كل شيء‪ ‬أي ‪ :‬تحت ملكوته وربوبيته يعطي عابده ما شاء أن يعطيه ويمنعه ما شاء أن يمنعه ويدفع‬
‫من غالبه ‪ :‬وأمرت أن أكون من المسلمين‪ ‬الذين أسلموا وجوههم بالفناء فيه ‪ :‬وأن أتلوا القرآن‪ ‬أفضل الكمالت‬
‫المجموعة في إبرازها وإخراجها إلى الفعل في مقام البقاء ‪ :‬وقل الحمد ل‪ ‬بالتصاف بصفاته الحميدة ‪ :‬سيريكم‪‬‬
‫صفاته في مقام القلب ‪ :‬فتعرفونها‪ ‬أو آيات أفعاله وآثارها بالقهر في مقام النفس فتعرفونها عند التعذب بها أو ‪:‬‬
‫‪‬يوم ينفخ في الصور‪ ‬بتجلي الذات في القيامة الكبرى‪ ،‬ففزع من السموات ومن في الرض‪ ‬بصعقة الفناء والقهر‬
‫الكلي إل من شاء ال من أهل البقاء الذين أحيوا لحياته وأفاقوا بعد صعقة الفناء به ‪ :‬وكل أتوه داخرين‪] ‬النمل‪ ،‬الية‬
‫‪ [87 :‬ساقطين عن درجة الحياة والوجود‪ ،‬مقهورين‪ .‬وترى جبال الوجودات تحسبها جامدة ثابتة على حالها ظاهرا‬
‫وهي تمر مر السحاب في الحقيقة زائلة‪.‬‬

‫سورة القصص‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬إن فرعون‪ ‬النفس المارة استعلى وطغى في أرض البدن ‪ :‬وجعل أهلها‪ ‬فرقا مختلفة متخالفة متعادية لتباعهم‬
‫السبل المتفرقة وتجافيهم عن طريق العدل والتوحيد والصراط المستقيم ‪ :‬يستضعف طائفة منهم‪ ‬هم أهل القوى‬
‫الروحانية ‪ :‬يذبح‪ ‬من ناسب الروح في التأثير والتعلي من نتائجها بإماتته وعدم امتثال داعيته وقهره ‪ :‬ويستحيي‪‬‬
‫ما ناسب النفس في التأثر والتسفل بتقويته وإطلقه في فعله‪ : .‬ونريد أن نمن على الذين استضعفوا‪ ‬بالذلل‬
‫والهانة والستعمال في العمال الطبيعية والستخدام في تحصيل اللذات البهيمية والسبعية وذبح البناء واستحياء‬
‫النساء‪ ،‬فننجيهم من العذاب ‪ :‬ونجعلهم‪ ‬رؤساء مقدمين ‪ :‬ونجعلهم‪ ‬وراث الرض وملوكها بإفناء فرعون وقومه ‪:‬‬
‫وهامان العقل المشوب بالوهم المسمى عقل‬
‫‪‬‬ ‫‪‬ونمكن لهم في الرض‪ ‬بالتأييد ‪ :‬ونري فرعون‪ ‬النفس المارة ‪ :‬‬
‫المعاش ‪ :‬وجنودهما‪ ‬من القوى النفسانية ‪ :‬ما كانوا يحذرون‪ ‬من ظهور موسى القلب وزوال ملكهم ورياستهم‬
‫على يده‪.‬وأوحينا إلى أم موسى‪ ‬أي ‪ :‬النفس الساذجة السليمة الباقية على فطرتها وهي‬
‫اللوامة ‪ :‬أن أرضعيه‪ ‬بلبان الدراكات الجزئية والعلوم النافعة الولية ‪ :‬فإذا خفت عليه‪ ‬من استيلء النفس‬
‫المارة وأعوانها ‪ :‬فألقيه‪ ‬في يم العقل الهيولني والستعداد الصلي أو في يم الطبيعة البدنية بالخفاء ‪ :‬ول‬
‫تخافي‪ ‬من هلكه ‪ :‬ول تحزني‪ ‬من فراقه ‪ :‬إنا رادوه إليك‪ ‬بعد ظهور التمييز ونور الرشد ‪ :‬وجاعلوه من‬
‫المرسلين‪ ‬إلى بني إسرائيل‪ : .‬فالتقطه آل فرعون‪ ‬من القوى النفسانية الظاهرة عليه‪ ،‬الغالبة على أمره‪ ،‬فإنه ل يصل‬
‫إلى التمييز والرشد ول يتوقى إل بمعاونة التخيل والوهم وسائر المدركات الظاهرة والباطنة وإمدادها ‪ :‬ليكون لهم‬
‫عدوا وحزنا‪ ‬في العاقبة ويعلم أن أعدى عدوه النفس التي بين جنبيه فيقهرها وأعوانها بالرياضة ويفنيها بالقمع والكسر‬
‫والماتة‪ : .‬وقالت امرأة فرعون‪ ‬أي ‪ :‬النفس المطمئنة العارفة بنور اليقين والسكينة حالة المحبة لصفائها له التي‬
‫ولك بالتوسط ورابطة الزوجية‬ ‫تستولي عليها المارة وتؤثر فيها بالتلوين ‪ :‬قرة عين لي‪ ‬بالطبع للتناسب ‪  :‬‬
‫والتواصل‪ .‬وقيل‪ ،‬قال فرعون ‪ :‬لك ل لي‪ .‬وعالجوا التابوت فلم ينفتح‪ ،‬ففتحته آسية بعدما رأت نورا في جوفه فأحبته ‪:‬‬
‫‪‬عسى أن ينفعنا‪ ‬في تحصيل أسباب المعاش ورعاية المصالح وتدبير المور بالرأي ‪ :‬أو نتخذه ولدا‪ ‬بأن يناسب‬
‫النفس دون الروح‪ ،‬ويتبع الهوى‪ ،‬ويخدم البدن بالصلح‪ ،‬فيقوينا ‪ :‬وهم ل يشعرون‪ ‬على أن المر على خلف‬
‫ذلك‪ : .‬وأصبح فؤاد أم موسى‪ ‬أي ‪ :‬النفس الساذجة اللوامة ‪ :‬فارغا‪ ‬عن العقل من استيلء فرعون عليها وخوفها‬
‫منه لمقهوريتها له ‪ :‬إن كادت لتبدي به‪ ‬أي ‪ :‬كادت تطيع النفس المارة باطنا وظاهرا فل تخالفها بسرها وما‬
‫أضمرته من نور الستعداد وحال موسى المخفي لكونه بالقوة بعد ‪ :‬لول أن ربطنا على قلبها‪ ‬أي ‪ :‬صبرناها‬
‫وقويناها بالتأييد الروحي واللهام الملكي ‪ :‬لتكون من المؤمنين‪ ‬بالغيب لصفاء الستعداد‪ .‬وقالت لخته‪ ‬القوة‬
‫المفكرة ‪ :‬قصيه‪ ‬أي ‪ :‬اتبعيه وتفقدي حاله بالحركة في تصفح معانيه المعقولة وكمالته العلمية والعملية ‪:‬‬
‫‪‬فبصرت به عن جنب‪ ‬أدركت حاله عن بعد لنها ل ترتقي إلى حده ول تطلع عن مكاشفته وأسراره وما يحصل له‬
‫من أنوار صفاته ‪ :‬وهم ل يشعرون‪ ‬أي ‪ :‬ل يطلعون على اطلع أخته عليه لقصور جميع القوى النفسانية عن حد‬
‫المفكرة وبلوغ شأوه‪ .‬وحرمنا عليه المراضع‪ ‬أي ‪ :‬منعناه من التقوي والتغذي بلذات القوى النفسانية وشهواتها‬
‫وقبول أهوائها وإعدادها ‪ :‬من قبل‪ ‬أي ‪ :‬قبل استعمال الفكر بنور الستعداد وصفاء الفطرة ‪ :‬فقالت هل أدلكم‬
‫على أهل بيت يكفلونه لكم‪ ‬بالقيام بتربيته بالخلق والداب ويرضعونه بلبان المبادئ من المشاهدات والوجدانيات‬
‫والتجريبات‪ ،‬وما طريقة الحس والحدس من العلوم ‪ :‬وهم له ناصحون‪ ‬يشدونه بالحكم العملية والعمال الصالحة‪،‬‬
‫ويهذبونه ول يغوونه بالوهميات والمغالطات‪ ،‬ويفسدونه بالرذائل والقبائح‪ : .‬فرددناه إلى أمه‪ ‬النفس اللوامة بالميل‬
‫نحوها والقبال ‪ :‬كي تقر عينها‪ ‬بالتنور بنوره ‪ :‬ول تحزن‪ ‬بفوات قرة عينها وبهائها وتقويتها به ‪ :‬ولتعلم‪‬‬
‫بحصول اليقين بنوره ‪ :‬إن وعد ال‪ ‬بإيصال كل مستعد إلى كماله المودع فيه وإعادة كل حقيقة إلى أصلها ‪ :‬حق‬
‫ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪ ‬ذلك فل يطلبون الكمال المودع فيهم لوجود الحجاب وطريان الشك والرتياب‪ : .‬ولما‬
‫بلغ أشده‪ ‬أي ‪ :‬مقام الفتوة وكمال الفطرة ‪ :‬واستوى‪ ‬استقام بحصول كماله ثم بتجرده عن النفس وصفاته ‪ :‬آتيناه‬
‫حكما وعلما‪ ‬أي ‪ :‬حكمة نظرية وعملية ‪ :‬وكذلك نجزي المحسنين‪ ‬المتصفين بالفضائل‪ ،‬السائرين في طريق العدالة‪.‬‬
‫‪‬ودخل‪ ‬مدينة البدن ‪ :‬على حين غفلة من أهلها‪ ‬أي ‪ :‬في حال هدو القوى النفسانية وسكونها حذرا من استيلئها‬
‫عليه وعلوها ‪ :‬فوجد فيها رجلين يقتتلن‪ ‬أي ‪ :‬العقل والهوى ‪ :‬هذا‪ ‬أي ‪ :‬العقل ‪ :‬من شيعته وهذا‪ ‬أي ‪:‬‬
‫الهوى ‪ :‬من عدوه‪ ‬من جملة أتباع شيطان الوهم وفرعون النفس المارة ‪ :‬فاستغاثه‪ ‬العقل واستنصره على الهوى‬
‫‪ :‬فوكزه‪ ‬ضربه بهيئة من هيئات الحكمة العملية بقوة من التأييدات الملكية بيد العاقلة العملية فقتله ‪ :‬قال هذا‪‬‬
‫الستيلء والقتتال ‪ :‬من عمل الشيطان‪ ‬الباعث للهوى على التعدي والعدوان ‪ :‬إنه عدو مضل مبين‪ ‬أو هذا القتل‬
‫من عمل الشيطان‪ ،‬لن علج الستيلء بالفراط ل يكون بالفضيلة التي هي العدالة الفائضة من الرحمن بل إنما يكون‬
‫بالرذيلة التي يقابلها من جانب التفريط كعلج الشره بالخمود وعلج البخل بالتبذير والسراف بالتقتير وكلهما من‬
‫الشيطان ‪ :‬إني ظلمت نفسي‪ ‬بالفراط والتفريط ‪ :‬فاغفر لي‪ ‬استر لي رذيلة ظلمي بنور عدلك ‪ :‬فغفر له‪‬‬
‫صفات نفسه المائلة إلى الفراط والتفريط بنوره‪ ،‬فحصلت له العدالة ‪ :‬إنه هو الغفور‪ ‬الساتر هيئات النفس بنوره ‪:‬‬
‫‪‬الرحيم‪ ‬بإفاضة الكمال عند زكاء النفس عن الرذائل‪ : .‬قال رب بما أنعمت علي‪ ‬أي ‪ :‬اعصمني بما أنعمت علي‬
‫من العلم والعمل ‪ :‬فلن أكون ظهيرا‪ ‬معاونا ‪ :‬للمجرمين‪ ‬المرتكبين الرذائل من القوى النفسانية ‪ :‬فأصبح‪ ‬في‬
‫مدينة البدن ‪ :‬خائفا‪ ‬من استيلء القوى النفسانية بإشارة الدواعي والهواجس وإلقاء أحاديث النفس والوساوس في‬
‫مقام المراقبة ‪ :‬يستصرخه‪ ‬أي ‪ :‬يستنصره العقل على أخرى من قوى النفس وهي الوهم والتخيل لنهما يفسدان في‬
‫مقام الترقب‪ ،‬ويثيران الوساوس والهواجس ويبعثان النوازع والدواعي ول ينكسران ول يفتران في حال ما من أحوال‬
‫وجود القلب إل عند الفناء في ال‪ ،‬أل ترى إلى معارضته ومماراته له في قوله ‪ : :‬إن تريد إل أن تكون جبارا في‬
‫الرض وما تريد أن تكون من المصلحين‪ ‬وإنما نسب صاحبه الذي هو العقل بقوله ‪ :‬إنك لغوي‪ ،‬لفتتانه بالوهم‬
‫وعجزه عن دفعه واحتياجه في معارضته إلى القلب‪ ،‬وإنما أراد أن يبطش ولما تيسر له البطش‪ ،‬ومانعه وأنكر فعله‪،‬‬
‫بقوله أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالمس ؟‪ ،‬لن القلب ما لم يصل إلى مقام الروح ولم يفن في مقام الولية‪ ،‬ولم‬
‫يتصف بالصفات اللهية لم يذعن له شيطان الوهم لنه من المنظرين إلى يوم القيامة الكبرى‪ ،‬فما دام القلب في مقام‬
‫الفتوة متصفا بكمالته في القيامة الوسطى يطمع هو في إغوائه ول ينقهر ول يمتنع بمجرد الكمال العلمي والعملي عن‬
‫استعلئه‪.‬‬
‫‪‬وجاء رجل من أقصى المدينة‪ ‬هو الحب الباعث على السلوك في ال الذي يسمونه الرادة‪ ،‬وإتيانه من أقصى‬
‫المدينة ‪ :‬انبعاثه من مكمن الستعداد عند قتل هوىالنفس ‪ :‬يسعى‪ ‬إذ ل حركة أسرع من حركته يحذره عن‬
‫استيلئهم عليه وينبهه على تشاورهم وتظاهرهم عند ظهور سلطان الوهم عليه ومقابلته ومماراته ومجادلته له على‬
‫هلكه بالضلل ‪ :‬فأخرج‪ ‬عن مدينتهم حدود سلطنتهم إلى مقام الروح ‪ :‬إني لك من الناصحين‪ : ‬فخرج‪‬‬
‫بالخذ في المجاهدة في ال ودوام الحضور والمراقبة ‪ :‬خائفا‪ ‬من غلبتهم‪ ،‬ملتجئا إلى ال في طلب النجاة من ظلمهم‪.‬‬
‫‪ :‬ولما توجه تلقاء مدين‪ ‬مقام الروح‪ ،‬غلب رجاؤه على الخوف لقوة الرادة وطلب الهداية الحقانية بالنوار الروحية‬
‫والتجليات الصفاتية إلى سواء سبيل التوحيد وطريقة السير في ال‪ : .‬ولما ورد ماء مدين‪ ‬أي ‪ :‬مورد علم المكاشفة‬
‫ومنهل علم السر والمكالمة ‪ :‬وجد عليه أمة من الناس‪ ‬من الولياء والسالكين في ال والمتوسطين الذين مشربهم من‬
‫منهل المكاشفة ‪ :‬يسقون‪ ‬قواهم ومريديهم منه‪ ،‬أو العقول المقدسة والرواح المجردة من أهل الجبروت فإنها في‬
‫الحقيقة أهل ذلك المنهل‪ ،‬يسقون منه أغنام النفوس السماوية والنسية وملكوت السموات والرض ‪ :‬ووجد من‬
‫دونهم‪ ‬من مرتبة أسفل من مرتبتهم ‪ :‬امرأتين‪ ‬هما العاقلتان النظرية والعملية ‪ :‬تذودان‪ ‬أغنام القوى عنه لكون‬
‫مشربها من العلوم العقلية والحكمة العملية قبل وصول موسى القلب إلى المناهل الكشفية والموارد الذوقية ول نصيب‬
‫لها من علوم المكاشفة ‪ :‬ل نسقي حتى يصدر الرعاء‪ ‬أي ‪ :‬شربنا من فضلة رعاء الرواح والعقول المقدسة عند‬
‫صدورها عن المنهل متوجهة إلينا‪ ،‬مفيضة علينا فضلة الماء ‪ :‬وأبونا‪ ‬الروح ‪ :‬شيخ كبير‪ ‬أكبر من أن يقوم‬
‫بالسقي ‪ :‬فسقى لهما‪ ‬من مشرب ذوقه ومنهل كشفه بالفاضة على جميع القوى من فيضه‪ ،‬لن القلب إذا ورد منهل‬
‫ارتوى من فيضه في تلك الحالة جميع القوى وتنورت بنوره ‪ :‬ثم تولي‪ ‬من مقامه ‪ :‬إلى الظل‪ ‬أي ‪ :‬ظل النفس في‬
‫مقام الصدر مستحقرا لعلمه المعقول بالنسبة إلى العلوم الكشفية مستمدا من فضل الحق ومقامه القدسي والعلم اللدني‬
‫الكشفي‪ : .‬فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير‪ ‬أي ‪ :‬محتاج سائل لما أنزلت إلي من الخير العظيم الذي هو‬
‫العلم الكشفي وهو مقام الوجد والشوق‪ ،‬أي ‪ :‬الحال السريع الزوال وطلبه حتى يصير ملكا‪ : .‬فجاءته إحداهما‪ ‬هي‬
‫النظرية المتنورة بنور القدس التي تسمى حينئذ القوة القدسية ‪ :‬تمشي على استحياء‪ ‬لتأثرها منه وانفعالها بنوره ‪:‬‬
‫‪‬إن أبي يدعوك‪ ‬أشار به إلى الجذبة الروحية بنور القوة القدسية واللمة الملكية ‪ :‬ليجزيك أجر ما سقيت لنا‪ ‬أي ‪:‬‬
‫ثواب ارتواء القوى الشاغلة الحاجبة من استفاضتك وتنورها بنورك فإنها إذا انفعلت بالبارق القدسي‪ ،‬وارتوت بالفيض‬
‫السري‪ ،‬سهل الترقي إلى جناب القدس وقوي استعداد القلب للتصال بالروح لزوال الحجب أو زوال ظلمتها وكثافتها‪.‬‬
‫‪ :‬فلما جاءه‪ ‬واتصل به وترقى في مقامه‪ ،‬وأطلع الروح على حاله ‪ :‬قال ل تخف نجوت من القوم الظالمين‪ ‬وهو‬
‫صورة حاله‪ .‬قالت إحداهما يا أبت استأجره‪ ‬أي ‪ :‬استعمله بالمجاهدة في ال والمراقبة لحاله في رعاية أغنام القوى‬
‫حتى ل تنتشر فتفسد جمعيتنا وتشوش فرقتنا‪ ،‬وبالذكر القلبي في مقام تجليات الصفات والسير فيها بأجره ثواب‬
‫التجليات وعلوم المكاشفات ‪ :‬إن خير من استأجرت‪ ‬لهذا العمل ‪ :‬القوي‪ ‬على كسب الكمال ‪ :‬المين‪ ‬الذي ل‬
‫يخون عهد ال بالوفاء بإبرازها في الستعداد من وديعته أو ل يخون الروح بالميل إلى بناته فيحتجب بالمعقول‪ .‬وقد‬
‫قيل ‪ :‬إن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا ل يقله إل سبعة رجال‪ ،‬وقيل عشرة‪ ،‬فأقله وحده وذلك قوته‪.‬‬
‫وفيها إشارة إلى أن العلم اللدني ل يحصل إل بالتصاف بالصفات السبع اللهية أو العشر‪ : .‬قال إني أريد أن‬
‫أنكحك إحدى ابنتي هاتين‪ ‬أي ‪ :‬أجعلها تحتك‪ ،‬تحظى عندك بنور القدس وعلوم الكشف وتكون بحكمك وأمرك ل‬
‫تحتجب عنك بقولها ‪ :‬على أن تأجرني ثماني حجج‪ ‬أي ‪ :‬تعمل لجلي بالمجاهدة حتى تأتي عليك ثمانية أطوار هي‬
‫أطوار الصفات السبعة اللهية بالفناء عن صفاته في صفات ال التي آخرها مقام المكالمة مع طور المشاهدة التي يتم‬
‫بها الوصول المطلوبة بقوله ‪ : :‬رب أرني أنظر إليك‪] ‬العراف‪ ،‬الية ‪ : [143 :‬فإن أتممت عشرا‪ ‬بالترقي في‬
‫طورين آخرين هما الفناء في الذات والبقاء بعده بالتحقق ‪ :‬فمن عندك‪ ‬فمن كمال استعدادك وقوته وخصوصية‬
‫عينك واقتضاء هويتك وهي الكمالت العشر التي ابتلى بها إبراهيم ربه فأتمهن فجعله إماما للناس في مقام التوحيد‬
‫وال أعلم‪ : .‬وما أريد أن أشق عليك‪ ‬أحمل عليك فوق طاقتك وما ل يفي به وسع استعدادك ‪ :‬ستجدني إن شاء ال‬
‫من الصالحين‪ ‬المربين بما يصلح للوصول من الفاضات والعلوم‪ ،‬الهادين إلى ما في أصل الستعداد من الكمال‬
‫المودع في عين الذات بالنوار‪ ،‬غير مكلفين ما لم يكن في وسعك‪ .‬ذلك بيني وبينك‪ ‬ذلك المر الذي عاهدتني عليه‬
‫قائم بيني وبينك‪ ،‬يتعلق بقوتنا واستعدادنا وسعينا‪ ،‬ل مدخل لغيرنا فيه ‪ :‬أيما الجلين قضيت فل عدوان علي‪ ‬أيما‬
‫النهايتين بلغت فل إثم علي‪ ،‬إذ ل علي إل السعي‪ .‬وأما البلوغ فهو بحسب ما أوتيت من الستعداد في الزل وإنما‬
‫تتقدر قوتي في السعي بحسب ذلك وال هو الذي وكل إليه أمرنا وفي ذلك شاهد عليه‪ ،‬أي ‪ :‬ما أوتينا من الكمال المقدر‬
‫لنا أمر توله ال بنفسه وعينه من فيضه القدس ل يمكن لحد تغييره ول يطلع عليه أحد غيره‪ ،‬ول يعلم قبل الوصول‬
‫قدر الكمال المودع في الستعداد وهو من غيب الغيوب الذي استأثر به ال لذاته‪ .‬فلما قضى موسى الجل‪ ‬أي ‪ :‬بلغ‬
‫حد الكمال الذي هو أقصر الجلين ‪ :‬وسار بأهله‪ ‬من القوى بأسرها إلى جانب القدس مستصحبا للجميع بحيث لم‬
‫يمانعه ولم يتخلف عنه واحدة منها‪ ،‬وحصل له ملكة التصال للتدرب في المجاهدة والمراقبة بل كلفة ‪ :‬آنس من‬
‫جانب الطور‪ ‬طور السر الذي هو كمال القلب في الرتقاء نار روح القدس وهو الفق المبين الذي أوحى منه إلى من‬
‫أوحى إليه من النبياء ‪ :‬في البقعة المباركة‪ ‬أي ‪ :‬مقام كمال القلب المسمى سرا من شجرة نفسه القدسية ‪ :‬أن يا‬
‫موسى إنني أنا ال‪ ‬وهو مقام المكالمة والفناء في الصفات فيكون القائل والسامع هو ال‪ ،‬كما قال ‪ ' :‬كنت سمعه الذي‬
‫به يسمع‪ ،‬ولسانه الذي به يتكلم '‪ .‬وإلقاء العصا والدبار وإظهار اليد البيضاء مر تأويله في سورة )النمل(‪: .‬‬
‫‪‬واضمم إليك جناحك من الرهب‪ ‬أي ‪ :‬ل تخف من الحتجاب والتلوين عند الرجوع من ال واربط جأشك بتأييدي‬
‫آمنا متحققا بال‪ .‬وقد سمعت شيخنا المولى نور الدين عبد الصمد قدس ل روحه العزيز في شهود الوحدة ومقام الفناء‬
‫عن أبيه أنه كان بعض الفقراء في خدمة الشيخ الكبير شهاب الدين السهروردي في شهود الوحدة ومقام الفناء ذا ذوق‬
‫عظيم‪ ،‬فإذا هو في بعض اليام يبكي ويتأسف‪ ،‬فسأله‪ ،‬الشيخ عن حاله‪ ،‬فقال ‪ :‬إني حجبت عن الوحدة بالكثرة‪،‬‬
‫ورددت‪ ،‬فل أجد حالي‪ .‬فنبهه الشيخ على أنه بداية مقام البقاء‪ ،‬وإن حاله أعلى وأرفع من الحال الولى وأمنه ‪:‬‬
‫‪‬فذانك برهانان من ربك‪ ‬من التمتع المذكور‪ .‬وأخي هارون‪ ‬العقل ‪ :‬هو أفصح مني لسانا‪ ‬لن العقل بمثابة‬
‫لسان القلب ولوله لم يفهم أحوال القلب‪ ،‬إذ الذوقيات ما لم تدرج في صورة المعقول وتتنزل في هيئة العلم والمعلوم‪،‬‬
‫وتقرب بالتمثيل والتأويل إلى مبالغ فهوم العقول والنفوس لم يمكن فهمها ‪ :‬ردءا يصدقني‪ ‬عونا يقرر معناي في‬
‫صورة العلم بمصداق البرهان ‪ :‬إني أخاف أن يكذبون‪ ‬لبعد حالي عن أفهامهم وبعدهم عن مقامي وحالي فل بد من‬
‫متوسط‪ : .‬سنشد عضدك بأخيك‪ ‬نقويك بمعاضدته ‪ :‬ونجعل لكما‪ ‬غلبة بتأثيرك فيهم بالقدرة الملكوتية وتأييدك‬
‫العقل بالقوة القدسية‪ ،‬وإظهار العقل كمالك في الصورة العملية والحجة والقياسية ‪ :‬فأوقد لي يا هامان‪ ‬نار الهوى‬
‫على طين الحكمة الممتزجة من ماء العلم وتراب الهيئات المادية ‪ :‬فاجعل لي‪ ‬مرتبة عالية من الكمال‪ ،‬من صعد‬
‫إليها كان عارفا‪ .‬وهو إشارة إلى احتجابه بنفسه‪ ،‬وعدم تجرد عقله من الهيئات المادية لشوب الوهم‪ .‬أي ‪ :‬حاولت‬
‫النفس المحجوبة بأنائيته من عقل المعاش المحجوب بمعقوله أن يبني بنيانا من العلم والعمل المشوبين بالوهميات‪،‬‬
‫ومقاما عاليا من الكمال الحاصل بالدراسة والتعلم ل بالوراثة والتلقي‪ ،‬من استعلى عليه توهم كونه عارفا بالغا حد‬
‫الكمال‪ ،‬كما ذكر في الشعراء أنهم كانوا قوما محجوبين بالمعقول عن الشريعة والنبوة‪ ،‬متدربين بالمنطق والحكمة‪،‬‬
‫معتنين بهما‪ ،‬معتقدين الفلسفة غاية الكمال‪ ،‬منكرين للعرفان والسلوك والوصال ‪ :‬لعلي أطلع إلى إله موسى‪ ‬بطريق‬
‫التفلسف‪ ،‬وإنما ظنه من الكاذبين لقصوره عن درجة العرفان والتوحيد‪ ،‬واحتجابه بصفة النائية والطغيان والتفرعن‬
‫بغير الحق من غير أن يتصفوا بصفة الكبرياء عند الفناء‪ ،‬فيكون تكبرهم بالحق ل بالباطل عن صفات نفوسهم‪.‬‬
‫‪‬وما كنت بجانب الغربي‪ ‬أي ‪ :‬جانب غروب شمس الذات الحدية في عين موسى واحتجابها بعينه في مقام المكالمة‬
‫لنه سمع النداء من شجرة نفسه‪ ،‬ولهذا كانت قبلته جهة المغرب ودعوته إلى الظواهر التي هي مغارب شمس الحقيقة‬
‫^ )إذا قضينا إلى موسى المر‪ ‬أوحينا إليه بطريق المكالمة ‪ :‬وما كنت من الشاهدين‪ ‬مقامه في‬ ‫‪‬‬ ‫بخلف عيسى‬
‫مرتبة نقبائه وأولياء زمانه الذين شهدوا مقامه‪ ،‬ولكن بعد قرنك من قرنه بإنشاء قرون كثيرة بينهما فنسوا فأطلعناك‬
‫على مقامه وحاله في معراجك وطريق صراطك ليتذكروا ‪ :‬وما كنت ثاويا‪ ‬مقيما ‪ :‬في أهل مدين‪ ‬مقام الروح ‪:‬‬
‫‪‬تتلوا عليهم‪ ‬علوم صفاتنا ومشاهداتنا‪ ،‬بل كنت في طريقك إذ ترقيت من الفق العلى فدنوت من الحضرة الحدية‬
‫إلى مقام قاب قوسين أو أدنى‪ ،‬فأخبرتهم بذلك عند إرسالنا إياك بالرجوع إلى مقام القلب بعد الفناء في الحق‪ : .‬وما‬
‫كنت بجانب الطور‪ ‬مقام السر واقفا ‪ :‬ولكن رحمة‪ ‬تامة واسعة شاملة ‪‬من ربك‪ ‬تدراكتك ورقتك إلى مقام الفناء في‬
‫الوحدة الذي تتدرج فيه مقامات جميع النبياء وصارت وصفك وصورة ذاتك عند التحقق به في مقام البقاء والرسال‬
‫لتعم نبوتك بختم النبوات و ‪ :‬لتنذر قوما‪ ‬بلغت استعدادتهم في القبول حدا من الكمال ما بلغ استعدادات آبائهم الذين‬
‫كانوا في زمن النبياء المتقدمين وتدعوهم إلى كمال مقام المحبوبين الذي لم يدع إليه أحد منهم أمته ف ‪ :‬ما أتاهم‬
‫من نذير من قبلك‪ ‬يدعوهم إلى ما دعوت إليه ‪ :‬لعلهم يتذكرون‪ ‬بالوصول إلى كمال المحبة‪ : .‬الذين آتيناهم‪ ‬العقل‬
‫القرآني والفرقاني ‪ :‬من قبله هم به يؤمنون‪ ‬لكمال استعدادهم دون غيرهم ‪ :‬إنا كنا من قبله مسلمين‪ ‬وجوهنا ل‬
‫بالتوحيد‪ ،‬منقادين لمره‪ : .‬أولئك يؤتون أجرهم مرتين‪ ‬أول في القيامة الوسطى من جانب الفعال والصفات قبل‬
‫الفناء في الذات‪ ،‬وثانيا في القيامة الكبرى عند البقاء بعد الفناء من الجنات الثلث ‪ :‬ويدرؤون بالحسنة‪ ‬المطلقة من‬
‫شهود أفعال الحق والصفات والذات ‪ :‬السيئة‪ ‬المطلقة من أفعالهم وصفاتهم وذواتهم ‪ :‬ومما رزقناهم ينفقون‪‬‬
‫بالتكميل وإفاضة الكمالت على المستعدين القابلين‪ .‬وإذا سمعوا‪ ‬لغوا لفضول المانع من القبول لم يلحوا وأعرضوا‬
‫لكونهم أولياء موحدين ل أنبياء ‪ :‬سلم عليكم‪ ‬سلمكم ال من الفات المانعة عن قبول الحق ‪ :‬ل نبتغي‪ ‬صحبة ‪:‬‬
‫‪‬الجاهلين‪ ‬المفقودين بالسفاهة والجهل المركب‪ ،‬فإنهم ل ينتفعون بصحبتنا ول يقبلون هدايتنا‪ : .‬إنك ل تهدي من‬
‫أحببت‪ ‬هدايته لهتمامك بحاله غير مطلع على استعداده بمجرد الجنسية النفسية أو للقرابة البدنية دون الصلية‪ ،‬أو‬
‫الصحبة العارضية دون الحقيقة الروحية ‪ :‬ولكن ال يهدي من يشاء‪ ‬من أهل عنايته ‪ :‬وهو أعلم بالمهتدين‪‬‬
‫القابلين للهداية لطلعه على استعدادهم وكونهم غير مطبوع على قلوبهم‪ : .‬فعميت عليهم النباء يومئذ‪ ‬أي ‪ :‬خفيت‬
‫عليهم الحقائق والتبست في القيامة الصغرى لكونهم محجوبين‪ ،‬واقفين مع الغيار كالعمي‪ ،‬وقد رسخ جهلهم الشامل‬
‫أوقات النشأتين كقوله ‪ : :‬ومن كان في هذه أعمى فهو في الخرة أعمى‪] ‬السراء‪ ،‬الية ‪ : [72 :‬فهم ل‬
‫يتساءلون لعجزهم عن النطق وكونهم مختوما على أفواههم‪ : .‬فأما من تاب‪ ‬تنصل عما غطى بصيرته وغشى قلبه‬ ‫‪‬‬
‫واستعداده من صفات النفس‪ ،‬وآمن بالغيب بطريق العلم ‪ :‬وعمل‪ ‬في التحلية واكتساب الخيرات والفضائل ‪:‬‬
‫‪‬عمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين‪ ‬الفائزين بالتجرد عن مقام النفس بمقام القلب والرجوع إلى الفطرة من‬
‫حجاب النشأة‪ : .‬وربك يخلق ما يشاء‪ ‬من المحجوبين والمكاشفين ‪ :‬ويختار‪ ‬بمقتضى مشيئته وعنايته لهم ما‬
‫يريد ‪ :‬ما كان لهم الخيرة‪ ‬في ذلك ‪ :‬سبحان ال‪ ‬نزهه عن أن يكون لغيره اختيار مع اختياره فيكون شريكه‪: .‬‬
‫‪‬ل إله إل هو‪ ‬ل شريك له في الوجود ‪ :‬له الحمد‪ ‬المطلق لثبوت جميع الكمالت الظاهرة على مظاهر الكوان‪،‬‬
‫والباطنة فيها وعنها له‪ ،‬فيكون كل جميل غني قوي عزيز في الدنيا بجماله وغناه وقوته وعزته جميل غنيا قويا‬
‫عزيزا‪ ،‬وكل كامل عالم عارف به في الخرة بكماله وعلمه ومعرفته كامل عالما عارفا ‪ :‬وله الحكم‪ ‬يقهر كل شيء‬
‫على مقتضى مشيئته ويحكم عليه بموجب إرادته‪ ،‬فيكون كل قبيح فقير ذليل ضعيف في الدنيا بحكمه‪ ،‬وتحت قهره‪،‬‬
‫كذلك وكل محجوب مخذول‪ ،‬أسير‪ ،‬مردود في الخرة في قهره وتحت حكمه مخذول محجوبا أسيرا مردودا ‪:‬‬
‫‪‬وإليه ترجعون‪ ‬بالفناء في وجوده أو أفعاله وصفاته أو ذاته‪ .‬إن جعل ال عليكم‪ ‬ليل ظلمة النفس ‪ :‬سرمدا إلى‬
‫يوم القيامة‪ ‬الصغرى ‪ :‬من إله غير ال يأتيكم بضياء‪ ‬من نور الروح ‪ :‬أفل تسمعون‪ ‬حال كونكم في الحجاب‪،‬‬
‫فتفهمون المعاني والحكم فتؤمنون بالغيب ‪ :‬إن جعل ال عليكم‪ ‬نهار نور الروح سرمدا بالتجلي الدائم دون‬
‫الستتار ‪ :‬إلى يوم القيامة‪ ‬الصغرى ‪ :‬من إله غير ال يأتيكم بليل‪ ‬من أوقات الغفلت وغلبات صفات النفس‬
‫وغشاوات الطبع ‪ :‬تسكنون فيه‪ ‬إلى حقوق نفوسكم وراحات أبدانكم ‪ :‬أفل تبصرون‪ ‬بنور روح تجليات الحق‪: .‬‬
‫‪‬ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار‪ ‬بالغفلة والحضور في مقام القلب والستتار والتجلي في مقام الروح ‪:‬‬
‫‪‬لتسكنوا‪ ‬في ظلمة النفس إلى نور البدن وترتيب المعاش ‪ :‬ولتبتغوا‪ ‬من فضل مكاشفاته وتجليات صفاته‬
‫ومشاهداته ‪ :‬لعلكم تشكرون‪ ‬نعمه الظاهرة والباطنة والجسمانية والروحانية في أولكم وأخراكم باستعمالها لوجه‬
‫ال فيما وجب عليكم من طاعته في كل مقام به وفيه وله‪ : .‬ونزعنا من كل أمة شهيدا‪ ‬أي ‪ :‬نخرج يوم القيامة عند‬
‫خروج المهدي من كل أمة نبيهم وهو أعرفهم بالحق ‪ :‬فقلنا‪ ‬على لسان الشهيد الذي يشهد الحق بشهود الكل ول‬
‫يحتجب بهم عنه ‪ :‬هاتوا برهانكم‪ ‬على ما أنتم عليه أحق هو أم ل ؟ فعجزوا عن آخرهم وظهر برهان النبي ‪:‬‬
‫‪‬فعلموا أن الحق ل‪ ‬أظهره مظهر الشهيد ‪ :‬وضل عنهم‪ ‬مفترياتهم من المذاهب المختلفة والطرق المتشعبة‬
‫المتفرقة‪ .‬أو قلنا للشهداء ‪ : :‬هاتوا برهانكم‪ ‬بإظهار التوحيد‪ ،‬فأظهروا‪ ،‬فعلموا أن الحق ل‪ .‬إن قارون كان من‬
‫قوم موسى‪ ‬عالما كبلعم بن باعوراء ‪ :‬فبغى عليهم‪ ‬لحتجابه بنفسه وعلمه بالتكبر والستطالة عليهم‪ ،‬فغلب عليه‬
‫الحرص‪ .‬ومحبة الدنيا ابتلء من ال لغروره واحتجابه برؤيته زينة نفسه بكمالها‪ ،‬فمال هواه إلى الجهة السفلية‪،‬‬
‫فخسف به فيها محجوبًا ممقوتًا‪ : .‬تلك الدار الخرة‪ ‬من العالم القدسي الباقي ‪ :‬نجعلها للذين‪ ‬ل يحتجبون بنفوسهم‬
‫وصفاتها فتصير فيهم الرادة الفطرية الطالبة للترقي والعلو في سماء الروح هوى نفسانية تطلب الستعلء‬
‫والستطالة والتكبر على الناس في الرض‪ ،‬ويصير صلحهم بطلب المعارف واكتساب الفضائل والمعالي فسادا‬
‫يوجب جمع السباب والموال وأخذ حقوق الخلق بالباطل ‪ :‬والعاقبة‪ ‬للمجردين الذين تزكت نفوسهم عن الرذائل‬
‫المردية والهواء المغوية‪ : .‬إن الذي فرض عليك القرآن‪ ‬أوجب لك في الزل عن البداية والستعداد الكامل الذي‬
‫هو العقل القرآني الجامع لجميع الكمالت وجوامع الكلم والحكم ‪ :‬لرادك إلى معاد‪ ‬ما أعظمه ل يبلغ كنهه ول يقدر‬
‫قدره هو الفناء في ال في أحدية الذات والبقاء بالتحقق به بجميع الصفات ‪ :‬قل ربي أعلم من جاء بالهدى‪ ‬أي ‪ :‬ل‬
‫يعلم حالي وكنه هدايتي وما أوتيت من العلم اللدني المخصوص به إل ربي ل أنا ول غيري‪ ،‬لفنائي فيه عن نفسي‬
‫واحتجاب غيري عن حالي ‪ :‬ومن هو في ضلل مبين‪ ‬من هو محجوب عن الحق لعدم الستعداد وكثافة الحجاب‬
‫لكون غيري محجوبا عن حال استعدادي فما علمته بل هو العالم به ل أنا‪ ،‬لفنائي فيه وتحققي به‪ : .‬وما كنت ترجو‬
‫أن يلقى إليك الكتاب‪ ‬كتاب العقل الفرقاني بتفصيل ما جمع فيك لكونك في حجب النشأة مغمورا‪ ،‬وعما أودع فيك‬
‫محجوبا ‪ :‬ال‪ ‬أي ‪ :‬لكن ألقى إليك لتجلي صفة الرحمة الرحيمية ‪ :‬من ربك‪ ‬وظهور فيضها فيك شيئا فشيئا حتى‬
‫صارت وصفك ‪ :‬فل تكونن ظهيرا للكافرين‪ ‬المحجوبين باحتجابك بها عن الفناء في الذات‪ ،‬فتظهر أنائتيك برؤية‬
‫كمالها ‪ :‬ول يصدنك عن آيات ال‪ ‬وتجليات صفته فتقف مع أنائيتك كوقوفهم مع الغير فتكون من المشركين بالنظر‬
‫إلى نفسك وإشراكها بال في الوجود ‪ :‬وادع إلى ربك‪ ‬به ل إلى نفسك بها‪ ،‬فإنك الحبيب‪ ،‬والحبيب ل يدعو إلى نفسه‬
‫ول يكون بنفسه بل إلى حبيبه بحبيبه ‪ :‬ل إله إل هو‪ ‬فل تدع معه غيرا ل نفسك ول غيرها‪ .‬فمن امتثال قوله ‪: :‬‬
‫‪‬وادع إلى ربك‪ ‬حصل له وصف ما طغى ومن قوله ‪ : :‬ول تدع مع ال‪، : ‬ما زاغ البصر‪] ‬النجم‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ : .[17‬كل شيء هالك إل وجهه‪ ‬أي ‪ :‬ذاته‪ ،‬إذ ل موجود سواه ‪ :‬له الحكم‪ ‬بقهره كل ما سواه تحت صفاته ‪:‬‬
‫‪‬وإليه ترجعون‪ ‬بالفناء في ذاته‪.‬‬

‫سورة العنكبوت‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬الم‪ ‬أي ‪ :‬الذات اللهية والصفات الحقيقية التي أصلها وأولها باعتبار النسبة إلى الغير العلم والضافية التي أولها‬
‫ومنشؤها المبدئية اقتضت أن ل يترك الناس على نقصانهم وغفلتهم واحتجابهم بمجرد أقوالهم المطابقة للحق وظواهر‬
‫أعمالهم‪ ،‬بل يفتنوا بأنواع البليات ويمتحنوا بالشدائد والرياضات حتى يظهر ما كمن في استعداداتهم وأودع في‬
‫غرائزهم‪ .‬فإن الذات اللهية أحبت أن تظهر كمالتها المخزونة في عين الجمع فأودعها معادن أعيان الناس‪ ،‬وأوجدها‬
‫في عالم الشهادة‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ' :‬كنت كنزا مخفيا ' الحديث‪ .‬فتحبب إليهم بالبتلء بالنعم والنقم ليعرفوه عند ظهور‬
‫صفاته عليهم فيصيروا مظاهر له في النتهاء إليه‪ ،‬كما كانوا معادن وخزائن عند البتداء منه‪ ،‬فإن كونه منتهى من‬
‫لوازم كونه مبتدأ‪.‬ولقد فتنا الذين من قبلهم‪ ‬من أهل الستبصار والستعداد بأنواع المصائب والمحن والرياضات‬
‫والفتن‪ ،‬حتى يتميز الصادق في الطلب‪ ،‬القابل للكمال بظهور كماله من الكاذب المهوس الضعيف الستعداد‪ : .‬من‬
‫كان يرجو لقاء ال‪ ‬في أحد المواطن سواء كان موطن الثواب والثار أو موطن الفعال أو موطن الخلق أو موطن‬
‫الصفات أو موطن الذات ‪ :‬فإن أجل ال‪ ‬في إحدى المقامات الثلث ‪ :‬لت‪ ‬أي ‪ :‬فليتيقن وقوع اللقاء بحسب حاله‬
‫ورجائه عند الجل المعلوم‪ ،‬وليعمل الحسنات ليجد الكرامة في جنة النفس من باب الثار والفعال عند الموت‬
‫الطبيعي‪ ،‬أو ليجتهد في المحو بالرياضات والمراقبات ليشاهد في جنة القلب من تجليات الصفات ومقامات الخلق ما‬
‫يشتهيه ويدعيه عند الموت الرادي‪ ،‬أو ليجاهد في ال حق جهاده بالفناء فيه ليجد روح الشهود وذوق الجمال في جنة‬
‫الروح عند الموت الكبر والطامة الكبرى‪ : .‬ومن جاهد‪ ‬في أي مقام كان لي موطن أراد ‪ :‬فإنما يجاهد لنفسه ‪.‬‬
‫‪: ‬والذين آمنوا‪ ‬كل واحد من أنواع اليمان المذكورة ‪ :‬وعملوا الصالحات‪ ‬بحسب إيمانهم ‪ :‬لنكفرن عنهم‪‬‬
‫سيئات أعمالهم وأخلقهم‪ ،‬أو صفاتهم أو ذواتهم بأنوار ذاته ‪ :‬ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون‪ ‬من أعمالنا‬
‫الصادرة عن صفاتنا بدل أعمالهم‪ : .‬ووصينا النسان‪ ‬إلى آخره‪ ،‬جعل أول مكارم الخلق إحسان الوالدين إذ هما‬
‫مظهرا صفتي اليجاد والربوبية‪ ،‬فكان حقهما يلي حق ال بقرن طاعتهما بطاعته لن العدل ظل التوحيد‪ ،‬فمن وحد ال‬
‫لزمه العدل وأول العدل مراعاة حقوقهما لنهما أولى الناس‪ ،‬فوجب تقديم حقوقهما على حق كل أحد إل على حقه‬
‫تعالى‪ ،‬ولهذا اوجبت طاعتهما في كل شيء إل في الشرك بال‪ .‬إنما اتخذتم من دون ال‪ ‬شيئا عبدتموه مودودا فيما‬
‫بينكم ‪ :‬في الحياة الدنيا‪ ‬أو أن كل ما اتخذتم من دون ال شيئا مودودا فيما بينكم في الحياة الدنيا‪ ،‬أو أن كل ما اتخذتم‬
‫أوثانا مودودا في هذه الحياة أو لمودة بينكم في هذه على القراءتين‪ .‬والمعنى ‪ :‬أن المودة قسمان ‪ :‬مودة دنيوية ومودة‬
‫أخروية‪ ،‬والدنيوية منشؤها النفس من الجهة السفلية‪ ،‬والخروية منشؤها الروح من الجهة العلوية‪ .‬فكل ما يحب ويود‬
‫من دون ال ل ل ول بمحبة ال فهو محبوب بالمودة النفسية‪ ،‬وهي هوى زائل كلما انقطعت الوصلة البدنية زالت ولم‬
‫تصل إلى إحدى القيامات فإنها نشأت من تركيب البدن واعتدال المزاج‪ ،‬فإذا انحل التركيب وانحرف المزاج تلشت‬
‫وبقي التضاد والتعاند بمقتضى الطبائع كقوله تعالى ‪ : :‬ثم يوم القيامة يكفر بعضا ببعض ويلعن بعضكم بعضا‪ ‬ولهذا‬
‫شبهها ببيت العنكبوت في الوهن في قوله ‪ : :‬مثل الذين اتخذوا من دون ال أولياء كمثل العنكبوت‪ ‬إلى آخر الية‪.‬‬
‫وأما الخروية فمنشؤها الذات الحدية والمحبة اللهية‪ ،‬وتلك المودة هي التي تكون بين الصفياء والولياء لتناسب‬
‫الصفات وتجانس الذوات ل تتصفى غاية الصفاء ول تتجرد عن الغطاء إل عند زوال التركيب والبروز عن حجب‬
‫النفس والبدن في مقام القلب الروح لقربها من منبعها هناك فتصير يوم القيامة محبة صرفة صافية الهيئة بخلف تلك‪.‬‬
‫‪‬اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلة‪ ‬أي ‪ :‬فصل ما أجمل فيك من كتاب العقل القرآني بسبب الوحي ونزول‬
‫كتاب العلم الفرقاني‪ ،‬وأقم الصلة المطلقة على ترتيب تفاصيل التلوة والعلوم‪ .‬ومعناه ‪ :‬اجمع بين الكمال العلمي‬
‫والعمل المطلق‪ ،‬فإن لك بحسب كل علم صلة وكما أن العلوم إما نافعة تتعلق بالداب والعمال وإصلح المعاش‬
‫وهي علوم القوى من غيب الملكوت الرضية‪ ،‬وإما شريفة تتعلق بالخلق والفضائل وإصلح المعاد وهي علوم‬
‫النفس من غيب الصدر والعقل العلمي‪ ،‬وإما كلية يقينية تتعلق بالصفات وهي على نوعين ‪ :‬عقلية نظرية وكشفية‬
‫سرية‪ ،‬وكلهما من غيب القلب والسر‪ .‬وإما حقيقية تتعلق بالتجليات والمشاهدات‪ ،‬وهي من غيب الروح‪ ،‬وإما ذوقية‬
‫لدنية تتعلق بالعشقيات والمواصلت وهي من غيب الخفاء‪ .‬وإما حقية من غيب الغيوب‪ .‬وبحسب كل علم صلة‪،‬‬
‫فالولى هي الصلة البدنية بإقامة الوضاع وأداء الركان‪ ،‬والثانية صلة النفس بالخضوع والخشوع والنقياد‬
‫والطمأنينة بين الخوف والرجاء‪ ،‬والثالثة صلة القلب بالحضور والمراقبة‪ ،‬والرابعة صلة السر بالمناجاة والمكالمة‪،‬‬
‫والخامسة صلة الروح بالمشاهدة والمعاينة‪ ،‬والسادسة صلة الخفاء بالمناغاة والملطفة‪ ،‬ول صلة في المقام السابع‬
‫لنه مقام الفناء والمحبة الصرفة الفناء في عين الوحدة‪ .‬وكما كان نهاية الصلة الظاهرة وانقطاعها بظهور الموت‬
‫الذي هو ظاهر اليقين وصورته كما قيل في تفسير قوله تعالى ‪ : :‬واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ‪] 99‬الحجر‪،‬‬
‫الية ‪ ،[99 :‬فكذلك انتهاء الصلة الحقيقية بالفناء المطلق الذي هو حق اليقين‪ .‬وأما في مقام البقاء بعد الفناء فيتجدد‬
‫جميع الصلوات الست مع سابعة وهي صلة الحق بالمحبة والتفريد‪ : .‬إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر‪‬‬
‫فالصلة البدنية تنهى عن المعاصي والسيئات الشرعية‪ ،‬وصلة النفس تنهى عن الرذائل والخلق الرديئة والهيئات‬
‫‪:‬‬ ‫المظلمة‪ ،‬وصلة القلب تنهى عن الفضول والغفلة‪ ،‬وصلة السر تنهى عن اللتفات إلى الغير والغيبة‪ ،‬كما قال ‪‬‬
‫' لو علم المصلي من يناجي ما التفت '‪ .‬وصلة الروح عن الطغيان بظهور القلب بالصفات كنهي صلة القلب عن‬
‫ظهور النفس بها‪ ،‬وصلة الخفاء عن الثنينية وظهور النائية‪ ،‬وصلة الذات تنهى عن ظهور البقية بالتلوين وحصول‬
‫المخالفة في التوحيد ‪ :‬ولذكر ال أكبر‪ ‬الذي هو ذكر الذات في مقام الفناء المحض‪ ،‬وصلة الحق عند التمكين في‬
‫مقام البقاء اأكبر من جميع الذكار والصلوات ‪ :‬وال يعلم ما تصنعون‪ ‬في جميع المقامات والحوال والصلوات‪: .‬‬
‫‪‬ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن‪ ‬إنما منع المجادلة مع أهل الكتاب إل بالطريقة التي هي أحسن لنهم‬
‫ليسوا محجوبين عن الحق بل عن الدين‪ ،‬فهم أهل استعداد ولطف ل أهل خذلن وقهر‪ .‬وإنما ضلوا عن مقصدهم الذي‬
‫هو الحق في الطريق لموانع وعادات وظواهر فوجب في الحكمة مرافقتهم في المقصد الذي هو التوحيد كما قال ‪: :‬‬
‫‪‬وإلهنا وإلهكم واحد‪ ‬ومرافقتهم في الطريق ما استقام منها ووافق طريق الحق‪ ،‬ل ما اعوج وانحرف عن المقصد‬
‫كالنقياد والستسلم للمعبود بالحق الواحد المطلق كما قال ‪ : :‬ونحن له مسلمون‪ ‬ليتحقق عندهم أنهم على الحق‬
‫متوجهون إلى مقصدهم سالكون لسبيله‪ ،‬فتطمئن قلوبهم‪ .‬وملطفتهم في بيان كيفية سلوك الطريق بتصويب ما هو حق‬
‫مما هم عليه وتبصير ما هو باطل لحتجابهم عنه بالعبادة‪ ،‬كقوله ‪ : :‬آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم‬
‫واحد ونحن له مسلمون‪ ‬لمناسبتهم ومشاركتهم إياهم في اللطف‪ ،‬فيستأنسوا بهم ويقبلوا قولهم ويهتدوا بهداهم إل الذي‬
‫ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فبطل استعدادهم وحجبوا عن ربهم‪ ،‬وهم الذين ظلموا منهم على أنفسهم بإبطال‬
‫استعداداتهم ونقص حقوقها من كمالتها بتكديرها وتسويدها‪ ،‬ومنعها عن القبول بكثرة ارتكاب الفضول فإنهم أهل‬
‫القهر ل يؤثر فيهم إل القهر ول تنجع فيهم الملطفة للمضادة بين الوصفين‪.‬بل هو آيات بينات في صدور الذين‬
‫أوتوا العلم‪ ‬أي ‪ :‬القرآن علوم حقيقية ذوقية بينة‪ ،‬محلها صدور العلماء المحققين‪ ،‬وهي المعاني النازلة من غيب‬
‫الغيوب إلى الصدر ل اللفاظ والحروف الواقعة على اللسان والذكر‪ ،‬وما يجحد بها إل الكافرون المحجوبون لعدم‬
‫الستعداد‪ ،‬أو الظالمون الذين أبطلوا استعدادهم بالرذائل والوقوف مع الضداد ‪ :‬وإن جهنم لمحيطة بالكافرين‪‬‬
‫المحجوبين عن الحق لكونهم مغمورين في الغواشي الطبيعية والحجب الهيولنية بحيث لم يبق فيهم فرجة إلى عالم‬
‫النور فيستبصروا ويستضيئوا بها ويتنفسوا منها فيتروحوا فيها‪ : .‬يوم يغشاهم العذاب من فوقهم‪ ‬لحرمانهم عن‬
‫الحق واحتجابهم عن النور واحتراقهم تحت القهر ‪ :‬ومن تحت أرجلهم‪ ‬لحرمانهم اللذات والشهوات واحتجابهم عنها‬
‫بفقدان السباب واللت‪ ،‬وتعذبهم بإيلم الهيئات ونيران الثار وهم بين مبتلين شديدين ومشوقين قويين إلى الجهة‬
‫العلوية بمقتضى الفطرة الصلية‪ ،‬وإلى السفلية باقتضاء رسوخ الهيئة العارضية مع الحرمان عنهما واحتباسهم في‬
‫برزخ بينهما نعوذ بال منه‪ : .‬والذين جاهدوا‪ ‬من أهل الطريقة ‪ :‬فينا‪ ‬بالسير في صفاتنا‪ ،‬وهو السير القلبي لن‬
‫المبتدئ الذي هو في مقام النفس سيره بالجهاد إلى ال‪ .‬والمجاهدة في هذا السير بالحضور والمراقبة والستقامة إلى‬
‫ال في الثبات على حكم التجليات ‪ :‬لنهدينهم‪ ‬إلى طرق الوصول إلى الذات‪ ،‬وهي الصفات لنها حجب الذات‪،‬‬
‫فالسلوك فيها بالتصاف بها موصل إلى حقيقة السم الثابت له تعالى بحسب الصفة الموصوف هو بها وهو عين الذات‬
‫‪':‬‬ ‫الواحدية وهي باب الحضرة الحدية ‪ :‬وإن ال لمع المحسنين‪ ‬الذين يعبدون ال على المشاهدة‪ ،‬كما قال ‪‬‬
‫الحسان أن تعبد ال كأنك تراه '‪ ،‬فالمحسنون السالكون في الصفات والمتصفون بها لنهم يعبدون بالمراقبة‬
‫والمشاهدة‪ ،‬وإنما قال ‪ ' :‬كأنك تراه ' لن الرؤية والشهود العيني ل يكون إل بالفناء في الذات بعد الصفات‪.‬‬

‫سورة الروم‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬الم غلبت الروم‪ ‬الذات الحدية مع صفتي العلم والمبدئية كما ذكر‪ ،‬اقتضت أن روم القوى الروحانية تكون مغلوبة‬
‫في أقرب موضع من أرض النفس الذي هو الصدر‪ ،‬لن فيض المبدأ يوجب إظهار الخلق واحتجاب الحق به‪ ،‬فكل ما‬
‫كان أقرب إلى الحق كان مغلوبا بالذي هو أقرب إلى الخلق وذلك حكم السم المبدئ في مظهر النشأة وتجليه تعالى به‬
‫وباسمه الظاهر واسمه الخالق‪ ،‬وفي الجملة ‪ :‬بما في حضرته المبدئية من السماء ‪ :‬وهم من بعد‪ ‬كونهم مغلوبين ‪:‬‬
‫‪‬سيغلبون‪ ‬على فارس القوى النفسانية العجمية المحجوبة بالرجوع إلى ال‪ ،‬وظهور الغلب‪ : .‬في بضع سنين‪ ‬من‬
‫الطوار التي يكون فيها الترقي إلى الكمال وأوقات الحضور والمقامات والتجليات‪ : .‬ل المر من قبل‪ ‬بحكم اسمه‬
‫المبدئ ‪ :‬ومن بعد‪ ‬بحكم اسمه المعيد‪ ،‬يدبر المر من السماء إلى الرض ثم يعرج إليه ‪ :‬ويومئذ‪ ‬أي ‪ :‬يوم غلبة‬
‫روم الروحانيات على النفسانيات ‪ :‬يفرح المؤمنون بنصر ال‪ ‬وتأييده من الملكوت السماوية وإمدادهم بالمداد‬
‫القدسية ‪ :‬ينصر من يشاء‪ ‬من أهل عنايته المستعدين بها ‪ :‬وهو العزيز‪ ‬القوي الغالب على قهر الفارسيين‬
‫المحجوبين ‪ :‬الرحيم‪ ‬بإفاضة المداد الكمالية والنوار التأييدية القدسية على الروميين الغالبين‪ : .‬وعد ال‪ ‬في‬
‫تكميل المستعدين من أهل عنايته ‪ :‬ل يخلف ال وعده ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪ ‬لحتجابهم يحسبون أن هذه الغلبة‬
‫بقوتهم وكسبهم‪ ،‬وأنه قد يمكن أنه ل يبلغ المعنى به السعي إلى الكمال لعدم السعي ول يعرفون أن ذلك المستعد أيضا‬
‫من توفيقه وعلمة عنايته تعالى به‪ ،‬وعدم السعي من خذلنه وآية كونه غير معني به‪ ،‬فإن أعمالنا معرفات ل‬
‫موجبات‪ .‬يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا‪ ‬وأن وجوه المكاسب منوطة بسعي العباد وتدبيرهم ‪ :‬وهم‪ ‬عن الباطن‬
‫وأحوال العالم الروحاني ‪ :‬هم غافلون‪ ‬ل يفطنون أن وراء هذه الحياة المنقطعة حياة سرمدية كما قال ‪ : :‬وإن‬
‫الدار الخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون‪] ‬العنكبوت‪ ،‬الية ‪ ،[64 :‬وأن وراء تدبير العباد وسعيهم ل تعالى تقديرا‬
‫وحكما‪.‬أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق ال‪ ‬سموات الغيوب السبعة وأرض البدن ‪ :‬وما بينهما‪ ‬من القوى‬
‫الطبيعية والملكوت الرضية والروحانية‪ ،‬والملكوت السماوية والصفات والخلق وغيرها إل بالحكمة والعدل‬
‫وظهور الحق في مظاهرهم بالصفات على حسب استعداد قبولها لتجليه ‪ :‬وأجل مسمى‪ ‬هو غاية كمال كل منهم‬
‫وفنائه في ال بمقتضى هوية استعداده الول حتى يشهدوا بقدر استعدادهم وإلقاء ال فيهم بصفاته وذاته ‪ :‬وإن كثيرا‬
‫من الناس بلقاء ربهم لكافرون‪ ‬لحتجابهم عنه‪ ،‬فيتوهمون أنه ل يكون إل بالمقابلة الصورية في عالم آخر باندراج‬
‫الهوية في الهوية‪.‬ال يبدأ الخلق‪ ‬بإظهار الفرس على الروم ‪ :‬ثم يعيده‪ ‬بإظهار الروم على الفرس ‪ :‬ثم إليه‬
‫ترجعون‪ ‬بالفناء فيه‪ : .‬ويوم تقوم الساعة‪ ‬بوقوع القيامة الصغرى ‪ :‬يبلس المجرمون‪ ‬عن رحمة ال وتحيرهم في‬
‫العذاب‪ ،‬غير قابلين للرحمة‪ ،‬أو القيامة الكبرى بظهور المهدي وقهرهم تحت سطوته وحرمانه من رحمته‪ ،‬وحينئذ‬
‫يتفرق الناس بتميز المؤمن عن الكافر‪ : .‬فسبحان ال‪ ‬أن يكون غيره في الوجود والصفة والفعل والتأثير ‪ :‬حين‬
‫تمسون‪ ‬بغلبة ظلمة الفرس على نور الروم ‪ :‬وحين تصبحون‪ ‬عند ظهور نورهم على ظلمة الفرس ‪ :‬وله الحمد‪‬‬
‫بظهور صفات كماله وتجليات جماله في سموات الغيوب السبعة وقت إصباح غلبة نور الروحانيات على ظلمات‬
‫النفسانيات وقرب طلوع شمس الروح‪ ،‬وبظهور صفات جلله في أرض البدن عند إمساء غلبة ظلمة النفسانيات على‬
‫نور الروحانيات ‪ :‬وعشيا‪ ‬وقت فنائهم وغيبة شمس الروح في الذات ‪ :‬وحين تظهرون‪ ‬في البقاء بعد الفناء عند‬
‫الستقامة والستواء‪ : .‬يخرج‪ ‬حي القلب من ميت النفس بالعادة وقت الصباح و ‪ :‬يخرج‪ ‬ميت النفس من حي‬
‫القلب في البداء عند المساء ‪ :‬ويحيى‪ ‬أرض البدن حينئذ ‪ :‬وكذلك تخرجون في النشأة الثانية‪ : .‬ومن آياته‪‬‬
‫أي ‪ :‬من أفعاله وصفاته التي يتوصل بها إلى ذاته معرفة وسلوكا ‪ :‬أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا‪ ‬أي ‪ :‬خلق لكم‬
‫من النفوس أزواجا للرواح ‪ :‬لتسكنوا إليها‪ ‬وتركنوا وتميلوا نحوها بالمودة والتأثير والتأثر ‪ :‬وجعل بينكم‪ ‬من‬
‫الجانبين المودة والرحمن فتود النفس نور الروح وتأثيره بالقبول والتاثر‪ ،‬فتسكن عن الطيش وتتصفى فيرحمها ال‬
‫بولد القلب في مشيمة الستعداد برا بها‪ ،‬فتهتدي ببركته وتتخلق بأخلقه فتفلح‪ ،‬وتود الروح النفس بالتأثير فيها وإفاضة‬
‫النور عليها فيرحمه ال بالولد المبارك برا‪ ،‬عطوفا‪ ،‬فيرتقي ببركته ويظهر به كماله ‪ :‬إن في ذلك ليات‪ ‬صفات‬
‫وكمالت ‪ :‬لقوم يتفكرون‪ ‬في أنفسهم وذواتهم وما جبلت عليها وأودعت فيها‪ .‬واختلف ألسنتكم‪ ‬من لسان النفس‬
‫والقلب والسر والروح والخفاء بكل مقال في كل مقام‪ ،‬فإنه ل ينحصر وجوه اختلفات هذه اللسن ‪ :‬وألوانكم‪‬‬
‫تلوناتكم وتلويناتكم في السموات السبع والرض ‪ :‬ليات‪ ‬من تجليات الصفات والفعال للعلماء العارفين في مراتب‬
‫علومهم ‪ :‬منامكم‪ ‬غفلتكم في ليل النفس ونهار القلب بظهور صفاتها ‪ :‬وابتغاؤكم من فضله‪ ‬بالترقي في الكمالت‬
‫واكتساب الخلق والمقامات ‪ :‬يسمعون‪ ‬كلم الحق بسمع القلب‪ ،‬فيفهمون معناه بحسب مقاماتهم في الطوار‪: .‬‬
‫‪‬يريكم‪ ‬برق اللوامع والطوالع في البدايات‪ ،‬خائفين من انقضاضها وخفوقها وبقائكم في الظلمة بفواتها‪ ،‬وطامعين في‬
‫رجوعها ومزيدكم بها‪ ،‬وينزل مياه الواردات والمكاشفات بعدها من سماء الروح وسحاب السكينة‪ ،‬فيحيي بها أراضي‬
‫النفوس والستعدادات الهامدة بعد موتها بالجهل ‪ :‬يعقلون‪ ‬بمطاوعة نفوسهم للدواعي العقلية معاني الواردات وما‬
‫يصلحهم من الحكم والمعقولت‪ : .‬وله المثل العلى‪ ‬أي ‪ :‬الوصف العلى بالفردانية في الوجود والوحدة الذاتية‪،‬‬
‫وما أحسن قول مجاهد في معناه أنه ‪ :‬ل إله إل هو‪ : .‬فأقم وجهك‪ ‬لدين التوحيد وهو طريق الحق تعالى‪ ،‬ولذلك‬
‫أطلق من غير إضافة أي ‪ :‬هو الدين مطلقا وما سواه ليس بدين لنقطاعه دون الوصول إلى المطلوب‪ ،‬والوجه هو‬
‫الذات الموجودة مع جميع لوازمها وعوارضها‪ ،‬وإقامته للدين تجريده عن كل ما سوى الحق قائما بالتوحيد والوقوف‬
‫مع الحق غير ملتفت إلى نفسه ول إلى غيره فيكون سيره حينئذ سير ال ودينه وطريقته اللذان هو عليهما دين ال‬
‫وطريقته إذ ل يرى غيره موجودا ‪ :‬حنيفا‪ ‬مائل منحرفا عن الديان الباطلة التي هي طرق الغيار والنداد لمن‬
‫أثبت غيره فأشركه بال ‪ :‬فطرة ال‪ ‬أي ‪ :‬الزموا فطرة ال‪ ،‬وهي الحالة التي فطرت الحقيقة النسانية عليها من‬
‫الصفاء والتجرد في الزل وهي الدين القيم أزل وأبدا‪ ،‬ل يتغير ول يتبدل عن الصفاء الول‪ ،‬ومحض التوحيد‬
‫الفطري‪ .‬وتلك الفطرة الولى ليست إل من الفيض القدس الذي هو عين الذات‪ ،‬من بقي عليها لم يمكن انحرافه عن‬
‫التوحيد واحتجابه عن الحق‪ ،‬إنما يقع النحراف والحتجاب من غواشي النشأة وعوارض الطبيعة عند الخلقة أو‬
‫في الحديث الرباني ‪ ' :‬كل عبادي خلقت حنفاء فاحتالتهم الشياطين عن دينهم‬ ‫التربية والعادة‪ .‬أما الول فلقوله ‪‬‬
‫‪ ' :‬كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان‬ ‫‪‬‬ ‫وأمروهم أن يشركوا بي غيري '‪ .‬وأما الثاني فلقوله‬
‫يهودانه وينصرانه '‪ ،‬ل أن تتغير تلك الحقيقة في نفسها عن الحالة الذاتية فإنه محال‪ ،‬وذلك معنى قوله ‪ : :‬ل تبديل‬
‫لخلق ال ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪ ‬تلك الحقيقة‪.‬منيبين إليه‪ ‬حال من الضمير المتصل في ‪:‬‬
‫الزموا المقدر‪ ،‬أي ‪ :‬إلزموا تلك الفطرة المخصوصة بال منيبين إليه من جميع الغيار المتوهم وجودها من قبل‬
‫شياطين الوهم والخيال وأديانها الباطلة بالتجرد عن الغواشي الجبلية والعوارض البدنية والهيئات الطبيعية والصفات‬
‫النفسانية إلى الحق ودينه ‪ :‬واتقوه‪ ‬بعد النابة إليه بتجريد الفطرة بالفناء فيه ‪ :‬وأقيموا الصلة‪ ‬الشهود الذاتي ‪:‬‬
‫‪‬ول تكونوا من المشركين‪ ‬ببقية الفطرة وظهور النائية في مقامها ‪ :‬من الذين‪ ‬فارقوا دينهم الحقيقي بسقوطهم عن‬
‫الفطرة واحتجابهم بحجب النشأة والعادة ‪ :‬وكانوا شيعا‪ ‬فرقا مختلفة لوقوف كل أحد مع حجابه واختلف حجبهم‬
‫وتفريق الشيطان إياهم في أودية صفات النفس‪ ،‬فبعضهم على دين البهائم‪ ،‬وبعضهم على دين السباع‪ ،‬وبعضهم على‬
‫دين الهوى‪ ،‬وبعضهم على دين الشيطان خاصة‪ ،‬وأنواع الشياطين ل تنحصر فكذا الديان‪ : .‬كل حزب بما لديهم‬
‫فرحون‪ ‬أي ‪ :‬من المفارقين الدين الحقيقي المتفرقين شيعا مختلفة كل حزب عند تكدر الفطرة وتكاثف الحجاب يفرح‬
‫بما يقتضيه استعداده من الحجاب لكونه مقتضى طبيعة حجابه‪ ،‬فيناسب حاله من الستعداد الغالب والفرح إنما يكون‬
‫بالدراك الملئم من حيث هو ملئم وذلك ملئم في الحال بحسب الستعداد العارضي وإن لم يلئم في الحقيقة بحسب‬
‫الستعداد الصلي‪ ،‬ولهذا يجب به التعذيب عند زوال العارض‪.‬‬

‫سورة لقمان‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬ومن يسلم وجهه إلى ال‪ ‬أي ‪ :‬وجوده إلى ال بالفناء في أفعاله أو صفاته أو ذاته ‪ :‬وهو محسن‪ ‬عابد له على‬
‫مشاهدته بحسب مقامه يعمل في الول بأعمال التوكل على مشاهدة أفعاله تعالى‪ ،‬وفي الثانية بأعمال مقام الرضا على‬
‫مشاهدة صفاته‪ ،‬وفي الثالث بالستقامة في التحقق به على شهود ذاته ‪ :‬فقد استمسك‪ ‬بدين التوحيد الذي هو أوثق‬
‫العرى ‪ :‬وإلى ال عاقبة المور‪ ‬بالفناء فيه وإليه انتهاء الكل‪.‬ألم تر‪ ‬أن فلك البدن تجري في بحر الهيولى‬
‫بإفاضة آثار صفاته من الحياة والقدرة والدراك عليه وإعداده باللت ‪ :‬بنعمة ال‪ ‬أي ‪ :‬لقبول الكمالت عليه ‪:‬‬
‫‪‬ليريكم‪ ‬بهذا الجري والستعداد من آيات تجليات أفعاله وصفاته ‪ :‬إن في ذلك ليات‪ ‬من تجليات أفعاله وصفاته‪،‬‬
‫إذ ل تظهر إل على هذا المظهر ‪ :‬لكل صبار‪ ‬يصبر مع ال في المجاهدة عن ظهور أفعال نفسه وصفاتها لحكام‬
‫مقام التوكل والرضا ‪ :‬شكور‪ ‬يشكر نعم التجليات بالقيام بحقها والعمل بأحكام مقام التوكل في تجليات الفعال‬
‫وأحكام مقام الرضا في تجليات الصفات ليكون على مزيد من جلله‪ : .‬وإذا غشيهم موج‪ ‬من غلبات صفات النفس‬
‫ومقتضيات الطبع ‪ :‬كالظلل‪ ‬كالحجب الساترة لنوار التجليات ‪ :‬دعوا ال مخلصين له الدين‪ ‬التجؤوا إلى ال‬
‫بالخلص والقيام بحقه في مقامهم لتنكشف الحجب ببركة الثبات على العمل بالخلص‪ ،‬فإن السالك إذا حجب‬
‫بالتلوين عن المقام العلى وجب عليه التثبيت في المقام الذي دونه مما هو ملك له كالخلص بالنسبة إلى التوكل ‪:‬‬
‫‪‬فلما نجاهم‪ ‬بالتجلي الفعلي إلى أبر مقام التوكل والمن من الغرق في بحر الهيولى بغلبات النفس ‪ :‬فمنهم مقتصد‪‬‬
‫ثابت على العدل في القيام بحقوق التوكل والسير في أفعاله تعالى على التمكين ‪ :‬وما يجحد بآياتنا‪ ‬بإضافة حقوق‬
‫مقامه في التجليات واحتجابه عنها في التلوينات ‪ :‬إل كل ختار‪ ‬يغدر في الوفاء بعقد العزيمة وعهد الفطرة مع ال‬
‫عند البتلء بالفترة ‪ :‬كفور‪ ‬ل يستعمل نعم ال في مراضيه ول يقضي حقوق مقامه في التجليات‪ ،‬ول يعمل بأعمال‬
‫أهل التوكل والرضا عند ظهور أنوار الفعال والصفات‪ ،‬أو تلك الشريعة تجري مراكبها في هذا البحر إلى ساحل بر‬
‫النجاة وجنة الثار ليريكم من آيات تجليات الفعال‪ : .‬اتقوا ربكم‪ ‬احذروه في الظهور بأفعالكم وصفاتكم وذواتكم‬
‫بالفناء فيه عنها ‪ :‬واخشوا يوما ل يجزي والد عن ولده‪ ‬لنقطاع الوصل عند بروزكم ل المتجلى بالوحدة والقهر‬
‫ول يبقى وجود للوالد والولد‪ ،‬فل يجزي بعضهم عن بعض شيئا ‪ :‬فل تغرنكم الحيوة الدنيا‪ ‬من الحياة القلبية التي‬
‫هي أقرب إليكم بأنها حقيقة دائمة فإنه ل حياة لحد حينئذ ‪ :‬ول يغرنكم بال الغرور‪ ‬فتظهروا بالنائية وتحتجبوا‬
‫بوسوسته فتقعوا في الطغيان‪ : .‬إن ال عنده علم الساعة‪ ‬الكبرى لفناء الكل فيه حينئذ فكيف بعلومهم ‪ :‬وينزل‪‬‬
‫غيث ذلك بحسب الستعدادات قبل الفناء ‪ :‬ويعلم ما في‪ ‬أرحام الستعداد من الكمالت أهي تامة أم ل ؟ أو في أرحام‬
‫النفوس من أولد القلوب أهي رشيدة كاملة أم ل ؟‪ : ،‬وما تدري نفس ماذا تكسب‪ ‬من العلوم والمقامات في الزمان‬
‫تموت ويفنى‬
‫‪‬‬ ‫المستقبل لحتجابها عما في استعدادها ‪ :‬وما تدري نفس بأي أرض‪ ‬من أراضى المقامات ‪ :‬‬
‫استعدادها لنقضاء ما فيها من الكمالت‪ ،‬لن علم الستعدادات وحدودها مما استأثر به ال تعالى لذاته في غيب‬
‫الغيب‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة السجدة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬الم‪ ‬أي ‪ :‬ظهور الذات الحدية والصفات والحضرات السمائية هو ‪ :‬تنزيل‪ ‬كتاب العقل الفرقاني المطلق على‬
‫الوجود المحمدي ‪ :‬من رب العالمين‪ ‬بظهوره في مظهره بصورة الرحمة التامة ‪ :‬ال الذي خلق السماوات‬
‫إلى دور محمد‬ ‫والرض وما بينهما‪ ‬باحتجابه بها في اليام الستة اللهية التي هي مدة دور الخفاء من لدن آدم ‪‬‬
‫‪ : ‬ثم استوى‪ ‬على عرش القلب المحمدي للظهور في هذا اليوم الخير الذي هو جمعة تلك اليام بالتجلي‬
‫بجميع صفاته‪ ،‬فإن استواء الشمس هو كمال ظهورها في الشراق ونشر الشعاع‪ ،‬ولهذا قال ‪ ' : ‬بعثت في نسم‬
‫الساعة '‪ ،‬فإن وقت بعثته طلوع صبح الساعة ووسط نهار هذا اليوم وقت ظهور المهدي عليه السلم‪ ،‬ولمر ما‬
‫استحب قراءة هذه السورة في صبح يوم الجمعة‪ : .‬ما لكم من دونه‪ ‬عند ظهوره ‪ :‬من ولي ول شفيع‪ ‬لفناء الكل‬
‫فيه ‪ :‬أفل تتذكرون‪ ‬العهد الول من ميثاق الفطرة عند ظهور الوحدة‪ .‬يدبر المر‪ ‬بالخفاء والخلقية من سماء‬
‫ظهور الوحدة إلى أرض خفائها وغروبها في اليام الستة ‪ :‬ثم يعرج إليه‪ ‬بالظهور في هذا اليوم السابع الذي كان ‪:‬‬
‫‪‬مقداره ألف سنة مما تعدون ذلك‪ ‬المدبر ‪ :‬عالم الغيب‪ ‬وحكمة الخفاء في الستة ‪ :‬والشهادة‪ ‬أي ‪ :‬الظهور في‬
‫هذا اليوم )العزيز‪ ‬المنيع بستور الجلل في الحتجاب ‪ :‬الرحيم‪ ‬بكشفها وإظهار الجمال ‪ :‬الذي أحسن كل شيء‬
‫خلقه بأن جعله مظاهر صفاته‪ ،‬فإن الحسن مختص بالصفات والكوان كلها مظاهر صفاته إل النسان الكامل فإنه‬ ‫‪‬‬
‫مختص بجمال الذات ولهذا خصه بالتسوية أي ‪ :‬التعديل بأعدل المزجة وأحسن التقويم ليستعد بذلك لقبول الروح‬
‫المخصوص به تعالى ‪ :‬ونفخ فيه من روحه‪ ‬وبهذا النوع أنهى الخلق وظهر الحق‪ : .‬ملك الموت‪ ‬أي ‪ :‬النفس‬
‫النسانية الكلية التي هي معاد النفوس الجزئية ما لم تسقط عن الفطرة بالكلية وإن احتجبت الهيئات الظلمانية والصفات‬
‫النفسانية فإنها ما لم تبلغ إلى حد الرين وانغلق باب المغفرة تتوفاها النفس التي هي بمثابة القلب للعالم‪ ،‬وإن بلغت‬
‫فرقتها ملئكة العذاب فحسب‪ ،‬ولما لم يبلغوا إلى هذا الحد وإن احتجبوا عن لقاء الرب وصفهم مع ميلهم إلى الجهة‬
‫السفلية المنكسة لرؤوسهم بسبب رسوخ هيئات الجرام بالبصر والسمع وتمنى الرجوع إذ لو لم يبق فيهم نور الفطرة‬
‫وطمسوا بالكلية لم يقولوا ‪ : :‬ربنا أبصرنا وسمعنا‪ ‬ولم يتمنوا الرجوع‪ ،‬وهؤلء هم الذين ل يتخلدون في النار بل‬
‫يعدلون بحسب رسوخ الهيئات ثم يرجعون‪ .‬لتينا كل نفس هداها‪ ‬بالتوفيق للسلوك مع المساواة في الستعداد‪،‬‬
‫ولكنه ينافي الحكمة لبقائهم حينئذ على طبيعة واحدة وبقاء ساتر الطبقات الممكنة في حيز المكان مع عدم الظهور‬
‫أبدا‪ ،‬وخلو أكثر مراتب هذا العالم عن أربابها فل تمشي المور الخسيسة والدنيئة المحتاج إليها في العالم التي تقوم بها‬
‫أهل الحجاب والذلة والقسوة والظلمة‪ ،‬البعداء عن المحبة والرحمة والنور والعزة‪ ،‬فل ينضبط نظام العالم ول يتم‬
‫صلح المهتدين أيضا لوجوب الحتياج إلى سائر الطبقات‪ ،‬فإن النظام ينصلح بالمخافي وبالمظاهر فلو كانوا مظاهر‬
‫كلهم أنبياء وسعداء لختل بعدم النفوس الغلظ وشياطين النس القائمين بعمارة العالم‪ .‬أل ترى إلى قوله تعالى ‪ ' :‬إني‬
‫جعلت معصية آدم سببا لعمارة العالم '‪ ،‬فوجب في الحكمة الحقة التفاوت في الستعداد بالقوة والضعف والصفاء‬
‫والكدورة والحكم بوجود السعداء والشقياء في القضاء ليتجلى بجميع الصفات في جميع المراتب‪ ،‬وهذا معنى قوله ‪: :‬‬
‫‪‬ولكن حق القول مني‪ ‬أي ‪ :‬في القضاء السابق ‪ :‬لملن جهنم‪ ‬الطبيعة )من الجنة‪ ‬أي ‪ :‬النفوس الرضية الخفية‬
‫عن البصر ‪ :‬والناس أجمعين‪ : ‬فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا‪ ‬لحتجابكم بالغشاوات الطبيعة والملبس البدنية‬
‫‪ :‬إنا نسيناكم‪ ‬بالخذلن عن الرحمة لعدم قبولكم إياها وإدباركم ‪ :‬وذوقوا عذاب الخلد‪ ‬بسبب أعمالكم‪ ،‬فعلى هذا‬
‫التأويل المذكور تكون الخلد مجازا وعبارة عن الزمان الطويل‪ ،‬أو يكون الخطاب بذوقوا لمن حق عليهم القول في‬
‫القضاء السابق من الجنة والناس‪ : .‬إنما يؤمن‪ ‬على التحقيق بآيات صفاتنا ‪ :‬الذين إذا ذكروا بها خروا‪ ‬لسرعة‬
‫قبولهم لها بصفاء فطرتهم ‪ :‬سجدا‪ ‬فانين فيها ‪ :‬وسبحوا بحمد ربهم‪ ‬أي ‪ :‬جردوا ذواتهم متصفين بصفات ربهم‬
‫فذاك هو تسبيحهم وحمدهم له بالحقيقة ‪ :‬وهم ل يستكبرون‪ ‬بظهور صفات النفس والنائية‪ .‬تتجافى جنوبهم‪‬‬
‫بالتجرد عن الغواشي الطبيعية والقيام ‪ :‬عن المضاجع‪ ‬البدنية والخروج عن الجهات بمحو الهيئات ‪ :‬يدعون‬
‫ربهم‪ ‬بالتوجه إلى التوحيد في مقام القلب خوفا من الحتجاب بصفات النفس بالتلوين ‪ :‬وطمعا‪ ‬في لقاء الذات ‪:‬‬
‫‪‬ومما رزقناهم‪ ‬من المعارف والحقائق ‪ :‬ينفقون‪ ‬على أهل الستعداد ‪ :‬فل تعلم نفس‪ ‬شريفة منهم ‪ :‬ما أخفي‬
‫لهم‪ ‬من جمال الذات ولقاء نور النوار الذي تقر به أعينهم فيجدون من اللذة والسرور ما ل يبلغ كنهه ول يمكن‬
‫وصفه ‪ :‬جزاء بما كانوا يعملون‪ ‬من التجريد والمحو في الصفاء والعمل بأحكام التجليات ‪ :‬مؤمنا‪ ‬بالتوحيد على‬
‫دين الفطرة‪ : .‬كمن كان فاسقا‪ ‬بخروجه عن ذلك الدين القيم بحكم دواعي النشأة ‪ :‬جنات المأوى‪ ‬بحسب مقاماتهم‬
‫من الجنان الثلث ‪ :‬كلما أرادوا أن يخرجوا منها‪ ‬بالميل الفطري ‪ :‬أعيدوا فيها‪ ‬لستيلء الميل السفلي وقهر‬
‫الملكوت الرضية بسبب رسوخ الهيئات الطبيعية‪ : .‬ولنذيقنهم من العذاب الدنى‪ ‬الذي هو عذاب الثار ونيران‬
‫مخالفات النفوس والطباع في البليات والشدائد والهوال ‪ :‬دون العذاب الكبر‪ ‬الذي هو الحتجاب بالظلمات عن‬
‫أنوار الصفات والذات ‪ :‬لعلهم يرجعون‪ ‬إلى ال عند تصفية فطرتهم بشدة العذاب الدنى قبل الرين بكثافة‬
‫الحجاب‪ : .‬ولقد آتينا موسى‪ ‬كتاب العقل الفرقاني ‪ :‬فل تكن في مرية‪ ‬من لقاء موسى عند بلوغك إلى مرتبته في‬
‫معراجك كما ذكر في قصة المعراج أنه لقيه في السماء الخامسة وهو عند ترقية عن مقام السر الذي هو مقام المناجاة‬
‫إلى مقام الروح الذي هو الوادي المقدس ‪ :‬يوم الفتح‪ ‬المطلق يوم القيامة الكبرى بظهور المهدي ل ينفع إيمان‬
‫المحجوبين حينئذ لنه ل يكون إل باللسان‪ ،‬ول يفنى عنهم العذاب‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الحزاب‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫اتق ال‪ ‬بالفناء عن ذاتك بالكلية دون بقاء البقية ‪ :‬ول تطع الكافرين‪ ‬بموافقتهم في بعض‬‫‪‬‬ ‫‪‬يا أيها النبي‬
‫الحجب لظهور النائية ‪ :‬والمنافقين‪ ‬بالنظر إلى الغير فتكون ذا وجهين وبالنتهاء بحكم هذا النهي وصف بقوله ‪: :‬‬
‫‪‬ما زاغ البصر وما طغى ‪] 17‬النجم‪ ،‬الية ‪ : [17 :‬إن ال كان عليما‪ ‬يعلم ذنوب الحوال ‪ :‬حكيما‪ ‬في‬
‫ابتلئك بالتلوينات فإنها تنفع في الدعوة وإصلح أمر المة إذ لو لم يكن له تلوين لم يعرف ذلك من أمته فل يمكنه‬
‫القيام بهدايتهم ‪ :‬واتبع‪ ‬في ظهور التلوينات ‪ :‬ما يوحى إليك من ربك‪ ‬من التأديبات وأنواع العتاب والتشديدات‬
‫بحسب المقامات كما ذكر غير مرة في قوله ‪ : :‬ولول أن ثبتنك‪] ‬السراء‪ ،‬الية ‪ [74 :‬وأمثاله ‪ :‬إن ال كان بما‬
‫تعملون خبيرا‪ ‬يعلم مصادر العمال وأنها من ‪ -‬أي الصفات ‪ -‬تصدر من الصفات النفسانية أو الشيطانية أو الرحمانية‬
‫فيهديك إليها ويزكيك منها ويعلمك سبيل التزكية والحكمة في ذلك ‪ :‬وتوكل على ال‪ ‬في دفع تلك التلوينات ورفع‬
‫تلك الحجب والغشاوات ‪ :‬وكفى بال وكيل‪ ‬فإنها ل ترتفع ول تنكشف إل بيده ل بنفسك وعلمك وفعلك‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫تحتجب برؤية الفناء في الفناء فإنه ليس من فعلك سواء كان في الفعال أو الصفات أو الذات أو إزالة التلوينات فإنها‬
‫كلها بفعل ال ل مدخل لك فيها وإل لما كنت فانيا‪ : .‬النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم‪ ‬لنه مبدأ وجوداتهم الحقيقية‬
‫ومبدأ كمالتهم ومنشأ الفيضين القدس الستعدادي أول والمقدس الكمالي ثانيا‪ ،‬فهو الب الحقيقي‬
‫لهم ولذلك كانت أزواجه أمهاتهم في التحريم ومحافظة الحرمة مراعاة لجانب الحقيقة وهو الواسطة بينهم وبين الحق‬
‫في مبدأ فطرتهم فهو المرجع في كمالتهم ول يصل إليهم فيض الحق بدونه لنه الحجاب القدس واليقين الول‪ ،‬كما‬
‫قال ‪ ' :‬أول ما خلق ال نوري '‪ ،‬فلو لم يكن أحب إليهم من أنفسهم لكانوا مججوبين بأنفسهم عنه‪ ،‬فلم يكونوا ناجين‪ ،‬إذ‬
‫نجاتهم إنما هي بالفناء فيه لنه المظهر العظم‪ : .‬وأولو الرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب ال من المؤمنين‬
‫والمهاجرين‪ ‬بعضهم أولى ببعض من غيرهم للتصال الروحاني والجسماني والخوة الدينية والقرابة الصورية ول‬
‫تخلو القرابة من تناسب ما في الحقيقة لتصال الفيض الروحاني بحسب الستعداد المزاجي‪ ،‬فكما تتناسب أمزجة أولي‬
‫الرحام وهياكلهم الصورية فكذلك أرواحهم وأحوالهم المعنوية ‪ :‬إل أن تفعلوا إلى أوليائكم‪ ‬المحبوبين في ال‬
‫للتناسب الروحي والتقارب الذاتي ‪ :‬معروفا‪ ‬إحسانا بمقتضى المحبة والشتراك في الفضيلة زائدا عما بين‬
‫القارب ‪ :‬كان ذلك في الكتاب‪ ‬أي ‪ :‬اللوح المحفوظ ‪ :‬مسطورا‪ .‬وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم‪ ‬وخصوصا الخمسة‬
‫المذكورة لختصاصهم بمزيد المرتبة والفضيلة ميثاق التوحيد والتكميل والهداية بالتبليغ عند الفطرة وهو الميثاق‬
‫الغليظ المضاعف بالكمال والتكميل ولذلك أضافه إليهم بقوله ‪ :‬ميثاقهم‪ ،‬أي ‪ :‬الميثاق الذي ينبغي لهم ويختص بهم‪،‬‬
‫بقوله منك‪ ،‬لتقدمه على الباقين في الرتبة والشرف ‪ :‬ليسأل‪ ‬ال بسبب‬ ‫‪‬‬ ‫وقدم في الختصاص بالذكر نبينا‬
‫عهدهم وميثاقهم وبواسطة هدايتهم ‪ :‬الصادقين‪ ‬الذين صدقوا العهد الول والميثاق الفطري في قوله ‪ : :‬ألست‬
‫بربكم قالوا بلى‪] ‬العراف‪ ،‬الية ‪ : ،[172 :‬عن صدقهم‪ ‬بالوفاء والوصول إلى الحق بإخراج ما في استعدادهم من‬
‫الكمال بحضور النبياء كما قال تعالى ‪ : :‬من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا ال عليه‪] ‬الحزاب‪ ،‬الية ‪[23 :‬‬
‫فالسؤال إنما كان مسببا عن ميثاق النبياء لنه يسألهم على ألسنتهم وهم الشاهدون لهم آخرا كما كانوا شاهدين عليهم‬
‫مطلقًا حتى يتحقق رجاؤه‬ ‫‪‬‬ ‫أول‪ .‬لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة‪ ‬وجب على كل مؤمن متابعة رسول ال‬
‫ويتم عمله لكونه الواسطة في وصولهم والوسيلة في سلوكهم للرابطة النفيسة بينه وبينهم بحكم الجنسية‪ .‬وذكر الرجاء‬
‫اللزم لليمان بالغيب في مقام النفس وقرن به الذكر الكثير الذي هو عمل ذلك المقام ليعلم أن من كان في بدايته يلزمه‬
‫متابعته في العمال والخلق والمجاهدة والمواساة بالنفس والمال‪ ،‬إذ لو لم يحكم البداية لم يفلح بالنهاية‪ .‬ثم إذا تجرد‬
‫وتزكى عن صفات نفسه فليتابعه في موارد القلب‪ ،‬أي ‪ :‬الصدق والخلص‪ ،‬والتسليم والتوكل‪ ،‬كما تابعه في منازل‬
‫النفس ليحتظي ببكرة متابعته بالمواهب والحوال وتجليات الصفات في مقامه كما احتظى بالمكاسب والمقامات‬
‫وتجليات الفعال في مقام النفس‪ ،‬وكذا في مقام السر والروح حتى الفناء‪ .‬ومن صحة المتابعة تصديقه في كل ما أخبر‬
‫به بحيث ل يعتوره الشك في شيء من أخباره وإل فترت العزيمة وبطلت المتابعة‪ ،‬فإن الصل والعمدة في العمل‬
‫العتقاد الجازم‪ ،‬ولهذا مدحهم بقوله ‪ : :‬ولما رأى المؤمنون الحزاب قالوا هذا ما وعدنا ال ورسوله وصدق ال‬
‫ورسوله إذ وعدهم البتلء والزلزال حتى ينخلعوا عن أبدانهم ويتجردوا في التوجه إليه عن نفوسهم في قوله ‪: :‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى‬
‫نصر ال‪] ‬البقرة‪ ،‬الية ‪ : [214 :‬وما زادهم‪ ‬أي ‪ :‬وقوع البلء بالحزاب ‪ :‬إل إيمانا وتسليما‪ ‬لقوة اعتقادهم في‬
‫البداية وصحة متابعتهم في التسليم ففازوا بمقام الفتوة والنخلع بالبلء وعن قيود النفس لسلمة الفطرة‪ ،‬فوصفهم‬
‫بالوفاء الذي هو كمال مقام الفتوة‪ ،‬وسماهم رجال على الحقيقة بقوله ‪ :‬من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا ال‬
‫عليه أي ‪ :‬رجال أي رجال‪ ،‬ما أعظم قدرهم لكونهم صادقين في العهد الول الذي عاهدوا ال عليه في الفطرة الولى‬ ‫‪‬‬
‫بقوة اليقين وعدم الضطراب عند ظهور الحزاب‪ ،‬فلم يتنحوا بكثرتهم وقوتهم عن التوحيد وشهود تجلي الفعال‬
‫فيقعوا في الرتياب ويخافوا سطوتهم وشوكتهم ‪ :‬فمنهم من قضى نحبه‪ ‬بالوفاء بعهده والبلوغ إلى كمال فطرته ‪:‬‬
‫‪‬ومنهم من ينتظر‪ ‬في سلوكه بقوة عزيمته ‪ :‬وما بدلوا تبديل‪ ‬بالحتجاب بغواشي النشأة وارتكاب مخالفات الفطرة‬
‫بمحبة النفس والبدن ولذاتهما والميل إلى الجهة السفلية وشهواتها فيكونوا كاذبين في العهد‪ ،‬غادرين ‪ :‬ليجزي ال‬
‫الصادقين بصدقهم‪ ‬جنات الصفات ‪ :‬ويعذب المنافقين‪ ‬الذين وافقوا المؤمنين بنور الفطرة وأحبوهم بالميل الفطري‬
‫إلى الوحدة‪ ،‬وأحبوا الكافرين بسبب غواشي النشأة والنهماك في الشهوة‪ ،‬فهم متذبذبون بين الجهتين ل إلى هؤلء ول‬
‫إلى هؤلء‪ ،‬وبهيئات نفوسهم المظلمة ‪ :‬إن شاء‪ ‬لرسوخها ‪ :‬أو يتوب عليهم‪ ‬لعروضها وعدم رسوخها ‪ :‬إن ال‬
‫كان غفورا‪ ‬يستر هيئات النفوس بنوره ‪ :‬رحيما‪ ‬يفيض الكمال عند إمكان قبوله‪ : .‬يا أيها النبي قل لزواجك‪ ‬إلى‬
‫‪‬‬
‫مع ميله إليهن لقوله ‪' :‬‬ ‫آخره‪ ،‬اختبر النساء هو إحدى خصال التجريد وأقدام الفتوة التي يجب متابعته فيها‪ ،‬فإنه‬
‫حبب إلي من دنياكم ثلث '‪ ،‬إذ شوشن وقته بميلهن إلى الحياة الدنيا وزينتها خيرهن وجرد نفسه عنهن وحكمهن بين‬
‫اختيار الدنيا ونفسه‪ ،‬فإن اخترنه لقوة إيمانهن بقين معه بل تفريق لجمعيته وتشويش لوقته بطلب الزينة والميل إليها‪،‬‬
‫بل على التجرد والتوجه إلى الحق كقوى نفسه‪ ،‬وإن اختزن الدنيا وزينتها متعهن وسرحهن وفرغ قلبه عنهن بمثابة‬
‫إماتة القوى المستولية‪ .‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة‪ ‬الية‪ ،‬من جملة الخصال التي تجب طاعته ومتابعته فيها وهو‬
‫إذا فنى بذاته وصفاته في ذات ال وصفاته تعالى أعطي صفات الحق بدل‬ ‫‪‬‬ ‫مقام الرضا والفناء في الرادة لكونه‬
‫صفاته عند تحققه بالحق في مقام البقاء بالوجود الموهوب وكان حكمه وإرادته حكم ال وإرادته تعالى كسائر صفاته‪.‬‬
‫أل ترى إلى قوله تعالى ‪ : :‬وما ينطق عن الهوى ‪ 3‬إن هو إل وحي يوحى ‪] 4‬النجم‪ ،‬اليات ‪ [4 - 3 :‬فمن‬
‫لوازم متابعته الفناء في إرادة الحق‪ ،‬فإرادته إرادة الحق فيجب الفناء في إرادته وترك الختيار مع اختياره وإل لكان‬
‫عصيانا و ‪ :‬ضلل مبينا‪ ‬لكونه مخالفة صريحة للحق‪ .‬وإذ تقول للذي أنعم ال عليه‪ ‬إلى قوله ‪ : :‬وتخشى‬
‫الناس وال أحق أن تخشاه‪ ‬أحد التأديبات اللهية النازلة في تلوينه عند ظهور نفسه للتثبيت وتلك التلوينات هي موارد‬
‫التأديبات‪ ،‬ولهذا كان خلقه القرآن‪ : .‬يا أيها الذين آمنوا اذكروا ال‪ ‬باللسان في مقام النفس‪ ،‬والحضور في مقام‬
‫القلب‪ ،‬والمناجاة في مقام السر‪ ،‬والمشاهدة في مقام الروح‪ ،‬والمواصلة في مقام الخفاء‪ ،‬والفناء في مقام الذات‪: ،‬‬
‫‪‬وسبحوه‪ ‬بالتجريد عن الفعال والصفات والذات ‪ :‬بكرة‪ ‬وقت طلوع فجر نور القلب وإدبار ظلمة النفس وليل‬
‫غروب شمس الروح بالفناء في الذات‪ ،‬أي ‪ :‬دائمًا من ذلك الوقت إلى الفناء السرمدي‪ : .‬هو الذي يصلي عليكم‪‬‬
‫‪ ' :‬لو دنوت‬‫‪‬‬ ‫بحسب تسبيحكم بتجليات الفعال والصفات دون الذات لحتراقهم هناك بالسبحات‪ ،‬كما قال جبريل‬
‫أنملة لحترقت '‪ : .‬ليخرجكم‪ ‬بالمداد الملكوتي والتجلي السمائي من ظلمة أفعال النفوس إلى نور تجليات أفعاله‬
‫في مقام التوكل‪ ،‬ومن ظلمة صفات النفوس إلى نور تجليات صفاته ومن ظلمة النائية إلى نور الذات ‪ :‬وكان‬
‫بالمؤمنين رحيما‪ ‬يرحمهم بما يستدعيه حالهم ويقتضيه استعدادهم من الكمالت‪ : .‬تحيتهم‪ ‬أي ‪ :‬تحية ال إياهم وقت‬
‫اللقاء بالفناء فيه تكميلهم وتسليمهم عن النقص بجبر كسرهم بأفعاله وصفاته وذاته‪ ،‬أو تحيته لهم بإفاضة هذه الكمالت‬
‫وقت لقائهم إياه بالمحو والفناء هي سلمتهم عن آفات صفاتهم وأفعالهم وذواتهم أو بسلمتهم‪ ،‬لن التحية بالتجليات‬
‫والسلمة عن الفات تكونان معا والول يناسب إطلق اسم السلم على ال تعالى‪ : .‬وأعد لهم أجرا كريما‪ ‬بإثابة‬
‫هذه الجنات عن أعمالهم في التسبيحات والمذاكرات‪ .‬إنا أرسلناك شاهدا‪ ‬للحق في الرسال إلى الخلق غير محتجب‬
‫بالكثرة عن الوحدة مطلقا على أحوالهم وكمالتهم بنور الحق ‪ :‬ومبشرا‪ ‬للمستعدين السالمين فيه بالفوز بالوصول ‪:‬‬
‫‪‬ونذيرا‪ ‬للمحجوبين والواقفين مع الغير بالعقاب والحرمان والحجاب ‪ :‬وداعيا إلى ال‪ ‬كل مستعد بحسب حاله‬
‫ومقامه ‪ :‬بإذنه‪ ‬وما يسر ال له بحسب استعداده ‪ :‬وسراجا منيرا‪ ‬بنور الحق النفوس المظلمة بغشاوات الجهل‬
‫وهيئات البدن والطبع ‪ :‬وبشر المؤمنين‪ ‬المستبصرين بنور الفطرة ‪ :‬بأن لهم‪ ‬بحسب صفاء استعداداتهم ‪ :‬من‬
‫ال فضل‪ ‬بإفاضة الكمالت بعد هبة الستعدادات ‪ :‬كبيرا‪ ‬من جنات الصفات‪ : .‬ول تطع الكافرين والمنافقين‪ ‬في‬
‫التلوينات كما ذكر في أول السورة فيتكدر نور سراجك ‪ :‬ودع أذاهم‪ ‬بنفسك لتنجو من آفة التلوين ورؤية فعل الغير‬
‫فإنهم ل يفعلون ما يفعلون بالستقلل بأنفسهم ‪ :‬وتوكل على ال‪ ‬برؤية أفعالهم وأفعالك منه ‪ :‬وكفى بال وكيل‪‬‬
‫يفعل بك وبهم ما يشاء‪ ،‬فإن آذاهم على مظهرك فهو القادر على ذلك مع براءتك عن ذنب التلوين كما فعل عند التمكين‬
‫وإل فهو أعلم بشأنه‪ .‬إن ال وملئكته يصلون على النبي‪ ‬بالمداد والتأييدات والفاضة للكمالت فالمصلي في‬
‫الحقيقة هو ال تعالى جمعا وتفصيل بواسطة وغير واسطة‪ ،‬ومن ذلك تعلم صلة المؤمنين عليه وتسليمهم له فإنها من‬
‫حيز التفصيل وحقيقة صلتهم عليه قبولهم لهدايته وكماله ومحبتهم لذاته وصفاته فإنها إمداد له منهم وتكميل وتعميم‬
‫للفيض اذ لو لم يمكن قبولهم لكمالته لما ظهرت‪ ،‬ولم يوصف بالهداية والتكميل فالمداد أعم من أن يكون من فوق‬
‫بالتأثير أو من تحت بالتأثر‪ ،‬وذلك كقبول المحبة‪ .‬والصفاء هو حقيقة الدعاء في صلتهم بقولهم ‪ :‬اللهم صل على‬
‫محمد‪ .‬وتسليمهم جعلهم إياه بريئا من النقص والفة في تكميل نفوسهم والتأثير فيها وهو معنى دعائهم له بالتسليم ‪:‬‬
‫‪‬لعنهم ال في الدنيا والخرة‪ ‬لن النبي في غاية القرب منه بحيث يتحقق به بفناء أنيته ولم تبق اثنينية هناك لخلوص‬
‫محبته‪ ،‬فالمؤذي له يكون مؤذيا ل‪ ،‬والمؤذي ل هو الظاهر بأنية نفسه لعداوة ال له فهو في غاية البعد الذي هو حقيقة‬
‫اللعن في الدارين ظاهرا وباطنا وهو مقابل لحضرة العزة فيكون في غاية الهوان في عذاب الحتجاب ‪ :‬وما يدريك‬
‫لعل الساعة تكون قريبا‪ ‬لمن استعد لها ‪ :‬لعن الكافرين‪ ‬لبعدهم عنه بالحتجاب‪ : .‬يوم تقلب وجوههم في النار‪‬‬
‫بتغيير صورهم في أنواع العذاب وبراز الحجاب‪ : .‬اتقوا ال‪ ‬بالجتناب عن الرذائل والسداد في القول الذي هو‬
‫الصدق والصواب‪ ،‬والصدق هو مادة كل سعادة وأصل كل كمال لنه من صفاء القلب وصفاؤه يستدعي قبول جميع‬
‫الكمالت وأنوار التجليات‪ ،‬وهو وإن كان داخل في التقوى المأمور بها لنه اجتناب من رذيلة الكذب مندرج تحت‬
‫التزكية التي عبر عنها بالتقوى لكنه أفرد بالذكر للفضيلة كأنه جنس برأسه كما خص جبريل وميكائيل من الملئكة‪: .‬‬
‫‪‬يصلح لكم أعمالكم‪ ‬بإفاضة الكمالت والفضائل‪ ،‬أي ‪ :‬زكوا أنفسكم لقبول التحلية من ال بفيض الكمالت عليكم ‪:‬‬
‫‪‬ويغفر لكم‪ ‬ذنوب صفاتكم بتجليات صفاته ‪ :‬ومن يطع ال ورسوله‪ ‬في التزكية ومحو الصفات ‪ :‬فقد فاز‪‬‬
‫بالتحلية والتصاف بالصفات اللهية وهو الفوز العظيم‪ .‬إن عرضنا المانة على السموات الرض والجبال‪ ‬بإيداع‬
‫حقيقة الهوية عندها واحتجابها بالتعينات بها ‪ :‬فأبين أن يحملنها‪ ‬بأن تظهر عليهن مع عظم إجرامها لعدم استعدادها‬
‫لقبولها ‪ :‬وأشفقن منها‪ ‬لعظمها عن أقدارها وضعفها عن حملها وقبولها ‪ :‬وحملها النسان‪ ‬لقوة استعداده واقتداره‬
‫على حملها فانتحلها لنفسه بإضافتها إليه ‪ :‬إنه كان ظلوما‪ ‬بمنعه حق ال حين ظهر بنفسه وانتحلها ‪ :‬جهول‪ ‬ل‬
‫يعرفها لحتجابه بأنائيته عنها‪ : .‬ليعذب ال المنافقين والمنافقات‪ ‬الذي ظلموا بمنع ظهور نور استعدادهم بظلمة‬
‫الهيئات البدنية والصفات النفسانية ووضعوه في غير موضعه فجهلوا حقه ‪ :‬والمشركين والمشركات‪ ‬الذين جهلوا‬
‫لحتجابهم بالنائية والوقوف مع الغير بغلبة الرين وكثافة الحجب الخلقية فعظم ظلمهم لنطفاء نورهم بالكلية وامتناع‬
‫وفائهم بالمانة اللهية‪ : .‬ويتوب ال على المؤمنين والمؤمنات‪ ‬الذين تابوا عن الظلم بالجتناب عن الصفات‬
‫النفسانية المانعة عن الداء وعدلوا بإبراز ما أخفوه من حق ال عند الوفاء وعن الجهل بحقه إذ عرفوه وأدوا أمانته‬
‫إليه بالفناء ‪ :‬وكان ال غفورا‪ ‬ستر ذنوب ظلمهم وجهلهم عن التزكية والتصفية والتجريد والمحو والطمس بأنوار‬
‫تجلياته ‪ :‬رحيما‪ ‬رحمهم بالوجود الحقاني عند البقاء بأفعاله وصفاته وذاته أو عرضنا المانة اللهية بالتجلي عليها‬
‫وإيداع ما تطيق حملها فيها من الصفات بجعلها مظاهر لها‪ .‬أو ‪ :‬فأبين أن يحملنها بخيانتها وإمساكها عندها والمتناع‬
‫عن أدائها‪ ،‬وأشفقن من حملها عندها فأدينها بإظهار ما أودع فيها من الكمالت وحملها النسان بإخفائها بالشيطنة‬
‫وظهور النائية والمتناع عن أدائها بإظهار ما أودع فيه من الكمال وإمساكها بظهور النفس بالظلمة والمنع عن‬
‫الترقي في مقام المعرفة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة سبأ‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬الحمد ل الذي له ما في السماوات وما في الرض‪ ‬بجعله مظاهر لصفاته الظاهرة وكمالته الباهرة وظهوره فيها‬
‫بالحجب الجللية ‪ :‬وله الحمد في الخرة‪ ‬بتجليه على الرواح بالكمالت الباطنة والصفات الجمالية‪ ،‬أي ‪ :‬له الحمد‬
‫بالصفات الرحمانية في الدنيا ظاهرا‪ ،‬وله الحمد بالصفات الرحيمية في الخرة باطنا ‪ :‬وهو الحكيم‪ ‬الذي أحكم‬
‫ترتيب عالم الشهادة بمقتضى حكمته ‪ :‬الخبير‪ ‬الذي نفذ علمه في بواطن عالم الغيب للطافته‪ : .‬يعلم ما يلج في‬
‫الرض‪ ‬من الملكوت الرضية والقوى الطبيعية ‪ :‬وما يخرج منها‪ ‬بالتجريد من النفوس النسانية والكمالت‬
‫الخلقية ‪ :‬وما ينزل من السماء‪ ‬من المعارف والحقائق الروحانية ‪ :‬وما يعرج فيها‪ ‬من هيئات العمال الصالحة‬
‫والخلق الفاضلة ‪ :‬وهو الرحيم‪ ‬بإفاضة الكمالت السماوية النورانية ‪ :‬الغفور‪ ‬بستر الهيئات الرضية‬
‫الظلمانية‪ : .‬ويرى الذين أوتوا العلم‪ ‬أي ‪ :‬العلماء المحققون يرون حقية ما أنزل إليك عيانا لن المحجوب ل يمكنه‬
‫معرفة العارف وكلمه‪ ،‬إذ كل عارف بشيء ل يعرفه إل بما فيه من معناه‪ ،‬فمن لم يكن له حظ من العلم ونصيب من‬
‫المعرفة ل يعرف العالم العارف وعلمه لخلوه عما به يمكن معرفته ‪ :‬ويهدي إلى‪ ‬طريق الوصول إلى ال ‪:‬‬
‫‪‬العزيز‪ ‬الذي يغلب المحجوبين ويمنعهم بالقهر والقمع ‪ :‬الحميد‪ ‬الذي ينعم على المؤمنين بأنواع اللطف ولو لم‬
‫يعتبر تطبيق الصفتين على قوله ‪ : :‬ليجزى الذين ءامنوا‪] ‬سبأ‪ ،‬الية ‪ [4 :‬إلى آخره‪ ،‬واعتبر التطبيق على قوله ‪: :‬‬
‫‪‬ويرى الذين أوتوا العلم‪ ‬لكان معنى ‪ :‬العزيز‪ ‬القوي الذي يغلب الواصلين بالفناء ‪ :‬الحميد‪ ‬الذي ينعم عليهم‬
‫بصفاته عند البقاء‪.‬ولقد آتينا داود‪ ‬الروح ‪ :‬منا فضل‪ ‬بعلو الرتبة وتسبيح المشاهدة والمناغاة في المحبة مع‬
‫مزيد العبادة والتفكر والكمالت العلمية والعملية‪ ،‬بأن قلنا ‪ :‬يا جبال‪ ‬العضاء ‪ :‬أوبي‪ ‬أي ‪ :‬سبحي ‪ :‬معه‪‬‬
‫بالتسبيحات المخصوصة بك من النقياد والتمرن في الطاعات بالحركات والسكنات والفعال والنفعالت التي أمرناك‬
‫بها وطير القوى الروحانية بالتسبيحات القدسية من الذكار والدراكات والتعقلت والستفاضات والستشراقات من‬
‫الرواح المجردة والذوات المفارقة كل بما أمر ‪ :‬وألنا له‪ ‬حديد للطبيعة الجسمانية العنصرية ‪ :‬أن اعمل سابغات‪‬‬
‫من هيئات الورع والتقوى فإن الورع الحصين في الحقيقة هو لباس الورع الحافظ من صوارم دواعي أعادي النفوس‬
‫وسهام نوازع الشياطين ‪ :‬وقدر‪ ‬بالحكمة العملية والصنعة المتقنة العقلية والشرعية في ترغيب العمال المزكية‬
‫ووصول الهيئات المانعة من تأثير الدواعي النفسية ‪ :‬واعملوا‪ ‬أيها العاملون ل بالجمعية في الجهة السفلية إلى‬
‫الجهة العلوية عمل صالحا يصعدكم في الترقي إلى الحضرة اللهية ويعدكم لقبول النوار القدسية‪ .‬والخطاب لداود‬
‫الروح وآله من القوى الروحانية والنفسانية والعضاء البدنية‪ : .‬ولسليمان‪ ‬القلب ريح الهوى النفسانية ‪ :‬غدوها‬
‫شهر‪ ‬أي ‪ :‬جريها غداة طلوع نور الروح وإشراق شعاع القلب وإقبال النهار سير طور في تحصيل الخلق والفضائل‬
‫والطاعات والعبادات والصوالح التي تتعلق بسعادة المعاد ‪ :‬ورواحها‪ ‬أي ‪ :‬جريها رواح غروب النوار الروحية‬
‫في الصفات النفسية وزوال تللؤ أشعتها‪ ،‬وإدبار نهار النور سير طور آخر في ترتيب مصالح المعاش من القوات‬
‫والرزاق والملبس والمناكح وما يتعلق بصلح النظام وقوام البدن‪ : .‬وأسلنا له عين‪ ‬قطر الطبيعة البدنية الجامدة‬
‫ومن جن القوى الوهمية والخيالية ‪ :‬من يعمل بين يديه‪ ‬بحضوره في‬ ‫بالتمرين في الطاعات والمعاملت ‪  :‬‬
‫التقديرات المتعلقة بصلح العالم وعمارة البلد ورفاهية العباد والتركيبات والتفضيلت المتعلقة بإصلح النفس‬
‫واكتساب العلوم ‪ :‬بإذن ربه‪ ‬بتسخيره إياها له وتيسيره المور على أيديها ‪ :‬ومن يزغ منهم عن أمرنا‪ ‬بمقتضى‬
‫طبيعته الجنية وينحرف عن الصواب والرأي العقلي بالميل إلى الزخارف النفسية واللذات البدنية ‪ :‬نذقه من عذاب‬
‫السعير‪ ‬بالرياضة القوية وتسليط القوى الملكية عليها بضرب السياط النارية من الدواعي العقلية القهرية المخالفة‬
‫للطباع الشيطانية‪ .‬يعملون له ما يشاء من محاريب‪ ‬المقامات الشريفة ‪ :‬وتماثيل‪ ‬الصور الهندسية ‪ :‬وجفان‬
‫كالجواب‪ ‬من ظروف الرزاق المعنوية والغذية الروحانية بمحاكاة المعاني بالصور الحسية وإيداع الحقائق في‬
‫المثلة الصورية وإدراج المدركات الكلية والوارادات الغيبية في الملبس اللفظية والهيئات الجزئية واسعة كالحياض‬
‫لكونها عرية عن المواد الهيولنية‪ ،‬وإن اكتفت باللواحق المادية والعوارض الجسمانية ‪ :‬وقدور راسيات‪ ‬من تهيئة‬
‫الستعدادات بتركيب القياسات المستقيمة وإعداد موارد العلوم والمعارف بالراء الصائبة والعزائم القوية الثابتة ‪:‬‬
‫‪‬اعملوا آل داود‪ ‬الروح بما سخرنا لكم ما سخرنا‪ ،‬وأفضنا عليكم من نعم الكمالت ما أفضنا ‪ :‬شكرا‪ ‬باستعمال‬
‫هذه النعم في طريق السلوك والتوجه إلي وأداء حقوق العبودية بالفناء في ل في تدبير المملكة الدنيوية وإصلح‬
‫الكمالت البدنية ‪ :‬وقليل من عبادي الشكور‪ ‬الذي يعمل استعمال النعم في طاعة ال العمل الخالص لوجه ال‪.‬‬
‫‪‬فلما قضينا عليه الموت‪ ‬بالفناء في في مقام السر ‪ :‬ما دلهم على موته إل دابة الرض‪ ‬أي ‪ :‬ما اهتدوا إلى‬
‫فنائه في مقام الروح وتوجهه إلى الحق في حال السر إل بحركة الطبيعة الرضية وقواها البدنية الضعيفة الغالبة على‬
‫النفس الحيوانية التي هي منسأته إذ ل طريق لهم إلى الوصول إلى مقام السر ول وقوف على حال القلب فيه ول شعور‬
‫بكونه في طور وراء أطوارهم إل برابطة اتصال الطبيعة البدنية المتصلة به‪ ،‬المقهورة بالقوى الطبيعية لضعفها‬
‫بالرياضة وانقطاع مدد القلب عنها حينئذ أي ‪ :‬ل يطلعون إل على حال الدابة التي تأكل المنسأة بالستيلء عليها لن‬
‫النفس الحيوانية عند عروج القلب ضعفت وسقطت قواها ولم يبق منها إل القوى الطبيعية الحاكمة عليها ‪ :‬فلما خر‪‬‬
‫من صعقته الموسوية وذهل في الحضور والشتغال بالحضرة اللهية عن استعمالها في العمال وإعمالها‬
‫بالرياضات ‪ :‬تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون‪ ‬غيب مقام السر بالطلع على المكاشفات لو كانوا مجردين ‪ :‬ما‬
‫لبثوا في العذاب المهين‪ ‬من الرياضة الشاقة التي تمنعهم الحظوظ والمرادات ومقتضيات الطباع والهواء بالمخالفات‬
‫والجبار على العمال المتعبة في السلوك والقتصار بها على الحقوق‪ : .‬لقد كان لسبإ‪ ‬أهل مدينة البدن ‪ :‬في‬
‫مساكنهم‪ ‬في مقارهم ومحالهم ‪ :‬أيه‪ ‬دالة لهم على صفات ال وأفعاله ‪ :‬جنتان‪ ‬جنة الصفات والمشاهدات عن‬
‫يمينهم من جهة القلب والبرزخ التي هو أقوى الجهتين وأشرفهما‪ ،‬وجنة الثار والفعال عن شمالهم من جهة الصدر‬
‫والنفس التي هي أضعف الجهتين وأخسهما ‪ :‬كلوا من رزق ربكم‪ ‬من الجهتين كقوله ‪ : :‬لكلوا من فوقهم ومن‬
‫تحت أرجلهم‪] ‬المائدة‪ ،‬الية ‪ : ،[66 :‬واشكروا له‪ ‬باستعمال نعم ثمراتها في الطاعات والسلوك فيه بالقربات ‪:‬‬
‫‪‬بلدة طيبة‪ ‬باعتدال المزاج والصحة ‪ :‬ورب غفور‪ ‬يستر هيئات الرذائل وظلمات النفوس والطباع بنور صفاته‬
‫وأفعاله‪ ،‬فلكم التمكين من جهة الستعداد والسباب واللت والتوفيق بالمداد وإفاضات النوار‪.‬فأعرضوا‪ ‬عن‬
‫القيام بالشكر والتوسل بها إلى ال بل عن الكل من ثمراتها التي هي العلوم النافعة والحقيقية بالنهماك في اللذات‬
‫والشهوات والنغماس في ظلمات الطبائع والهيئات‪ : .‬فأرسلنا عليهم سيل‪ ‬الطبيعة الهيولنية بنقب جرذان سيول‬
‫الطبائع العنصرية سكر المزاج الذي سدته بلقيس النفس التي هي ملكتهم‪ .‬والعرم الجرذ ‪ :‬وبدلناهم بجنتيهم جنتين‪‬‬
‫من شوك الهيئات المؤذية وأصل الصفات السيئة البهيمية والسبعية والشيطانية ‪ :‬ذواتي أكل خمط‪ ‬أي ‪ :‬ثمرة مرة‬
‫بشعة كقوله ‪ : :‬طلعها كأنه رءوس الشياطين ‪] 65‬الصافات‪ ،‬الية ‪[65 :‬‬
‫‪‬وشيء من سدر‪ ‬بقاء الصفات النسانية ‪ :‬قليل‪ : ‬ذلك‪ ‬العقاب ‪ :‬جزيناهم‪ ‬بكفرانهم النعم ‪ :‬وهل نجازي‪‬‬
‫بذلك ‪ :‬إل الكفور‪ ‬الذي يستعمل نعمة الرحمن في طاعة الشيطان ‪ :‬وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها‪ ‬من‬
‫الحضرة القلبية والسرية والروحية واللهية بالتجليات الفعالية والصفاتية والسمائية الذاتية وأنوار المكاشفات‬
‫والمشاهدات ‪ :‬قرى ظاهرة‪ ‬مقامات ومنازل مترائية متواصلة كالصبر والتوكل والرضا وأمثالها ‪ :‬وقدرنا فيها‬
‫السير‪ ‬إلى ال وفي ال مرتبا يرتحل السالك في الترقي من مقام وينزل في مقام ‪ :‬سيروا‪ ‬في منازل النفوس ‪:‬‬
‫‪‬ليالي‪ ‬وفي مقامات القلوب ومواردها ‪ :‬وأياما آمنين‪ ‬بين القواطع الشيطانية وغلبات الصفات النفسانية بقوة اليقين‬
‫والنظر الصحيح على منهاج الشرع المبين‪ : .‬فقالوا‪ ‬بلسان الحال والتوجه إلى الجهة السفلية المبعدة عن الحضرة‬
‫القدسية والميل إلى المهاوي البدنية والسير في المهامة الطبيعية والمهالك الشيطانية ‪ :‬ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا‬
‫أنفسهم‪ ‬بالحتجاب عن أنوار القرى المباركة بظلمات البرازخ المنحوسة ‪ :‬فجعلناهم أحاديث‪ ‬وآثارًا سائرة بين‬
‫الناس في الهلك والتدمير ‪ :‬ومزقناهم‪ ‬بالغرق والتفريق‪.‬ولقد صدق عليهم‪ ‬على الناس ‪ :‬إبليس ظنه‪ ‬في‬
‫قوله ‪ : :‬ولضلنهم * ولمرنهم فليغيرن خلق ال‪] ‬النساء‪ ،‬الية ‪ [119 :‬وأمثال ذلك‪ .‬والفريق المستثنون هم‬
‫المخلصون ‪ :‬وما كان له عليهم من سلطان‪ ‬أي ‪ :‬ما سلطناه عليهم إل لظهور علمنا في مظاهر العلماء المحققين‬
‫المخلصين وامتيازهم عن المحجوبين المرتابين‪ ،‬فإن المستعد الموفق الصافي القلب ينبع علمه من مكمن الستعداد‬
‫ويتفجر من قلبه عند وسوسة الشيطان فيرجمه بمصابيح الحجج النيرة ويطرده بالعياذ بال عند ظهور مفسدته الغوية‬
‫بخلف غيره من الذين اسودت قلوبهم بصفات النفوس وناسبت بجهالتهم مكايد الشيطان وأحوال القيامة الكبرى من‬
‫‪.‬‬‫الجمع والفصل والفتح بين المحق والمبطل ومقالت الظالمين كلها تظهر عند ظهور المهدي ‪‬‬

‫سورة فاطر‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬جاعل الملئكة رسل أولي أجنحة‪ ‬عن جهات التأثير الكائنة في الملكوت السماوية والرضية بالجنحة‪ ،‬جعلها ال‬
‫رسل مرسلة إلى النبياء بالوحي وإلى الولياء باللهام وإلى غيرهم من الشخاص النسانية وسائر الشياء بتصريف‬
‫المور وتدميرها‪ ،‬فما يصل بتأثيرهم إلى ما يتأثر منه فهو جناح‪ ،‬فكل جهة تأثير جناح مثل ‪ :‬أن العاقلتين العلمية‬
‫والنظرية جناحان للنفس النسانية والمدركة والمحركة الباعثة والمحركة الفاعلة ثلثة أجنحة للنفس الحيوانية والغاذية‬
‫والنامية والمولدة والمصورة أربعة أجنحة للنفس النباتية‪ .‬ول تنحصر أجنحتهم في العدد بل لهم بحسب تنوعات‬
‫ليلة المعراج وله ستمائة جناح‪ ،‬وأشار إلى‬ ‫‪‬‬ ‫أنه رأى جبريل‬ ‫‪‬‬ ‫التأثيرات أجنحة‪ .‬ولهذا حكى رسول ال‬
‫كثرتها بقوله تعالى ‪ : :‬يزيد في الخلق ما يشاء‪. ‬ومن كان يريد العزة فلله العزة جميعا‪ ‬أي ‪ :‬العزة صفة من‬
‫صفات ال مخصوصة به‪ ،‬من أرادها فعليه بالفناء في صفات ال تعالى عن صفاته‪ ،‬ثم علم طريق التجريد ومحو‬
‫الصفات بقوله ‪ : :‬إليه يصعد الكلم الطيب‪ ‬أي ‪ :‬النفوس الصافية الطيبة عن خبائث الطبائع الباقية على نور فطرتها‪،‬‬
‫الذاكرة لميثاق توحيدها ‪ :‬والعمل الصالح‪ ‬بالتزكية والتحلية ‪ :‬يرفعه‪ ‬أي ‪ :‬يرفع ذلك الجنس الطيب إلى حضرته‬
‫دون غيره فيتصف بصفة العزة وسائر الصفات‪ .‬أو إليه يصعد العلم الحقيقي من التوحيد الصلي الفطري الطيب عن‬
‫‪‬‬
‫‪ ' :‬العلم مقرون‬ ‫خبائث التوهمات والتخيلت والعمل الصالح بمقتضاه يرفعه دون غيره كما قال أمير المؤمنين‬
‫بالعمل‪ ،‬والعلم يهتف بالعمل‪ ،‬فإن أجابه وإل ارتحل '‪ ،‬أي ‪ :‬سلم الصعود إلى الحضرة اللهية هو العلم والعمل ل يمكن‬
‫الترقي إل بهما ول يكفي التوحيد الذي هو الصل في التصاف بعزته وسائر صفاته لن الصفات مصادر الفعال فما‬
‫لم يترك الفعال النفسية التي مصادرها صفات النفس بالزهد والتوكل ولم يتجرد عن هيئاتها بالعبادة والتبتل لم يحصل‬
‫استعداد التصاف بصفاته تعالى‪ ،‬فكان العلم الحقيقي الذي هو التوحيد بمثابة عضادتي السلم والعمل بمثابة الدرجات‬
‫في الترقي‪ .‬والذين يمكرون السيئات‪ ‬بظهور صفات النفوس وإن كانوا عالمين ‪ :‬لهم عذاب‪ ‬من هيئات العمال‬
‫القبيحة المؤذية ‪ :‬شديد‪. : ‬إنما يخشى ال من عباده العلماء‪ ‬أي ‪ :‬ما يخشى ال إل العلماء‪ ،‬العرفاء به‪ ،‬لن‬
‫الخشية ليست هي خوف العقاب بل هيئة في القلب خشوعية انكسارية عند تصور وصف العظمة واستحضاره لها‪،‬‬
‫فمن لم يتصور عظمته لم يمكنه خشيه‪ ،‬ومن تجلى ال له بعظمته خشيه حق خشيته‪ .‬وبين الحضور التصوري‬
‫الحاصل للعالم الغير العارف وبين التجلي الثابت للعالم العارف بون بعيد‪ ،‬ومراتب الخشية ل تحصى بحسب مراتب‬
‫العلم والعرفان ‪ :‬أن ال عزيز‪ ‬غالب على كل شيء بعظمته ‪ :‬غفور‪ ‬يستر صفة تعظم النفس وهيئة تكبرها بنور‬
‫تجلي عزته‪ .‬إن الذين يتلون كتاب ال‪ ‬الذي أعطاهم في بدء الفطرة من العقل القرآني بإظهاره وإبرازه ليصير‬
‫فرقانا ‪ :‬وأقاموا‪ ‬صلة الحضور القلبي عند ظهور العلم الفطري ‪ :‬وأنفقوا مما رزقناهم‪ ‬من صفة العلم والعمل‬
‫الموجب لظهوره عليهم ‪ :‬سرا‪ ‬بالتجريد عن الصفات ‪ :‬وعلنية‪ ‬بترك الفعال ‪ :‬يرجون‪ ‬في مقام القلب بالترك‬
‫والتجريد ‪ :‬تجارة لن تبور‪ ‬من استبدال أفعال الحق وصفاته بأفعالهم وصفاتهم ‪ :‬ليوفيهم أجورهم‪ ‬في جنات‬
‫النفس والقلب من ثمرات التوكل والرضا ‪ :‬ويزيدهم من فضله‪ ‬في جنات الروح مشاهدات وجهه في التجليات ‪:‬‬
‫‪‬أنه غفور‪ ‬يستر لهم ذنوب أفعالهم وصفاتهم ‪ :‬شكور‪ ‬يشكر سعيهم بالبدال من أفعاله وصفاته‪ : .‬والذي أوحينا‬
‫إليك من الكتاب‪ ‬الفرقاني المطلق ‪ :‬هو الحق‪ ‬الثابت المطلق الذي ل مزيد عليه ول نقص فيه ‪ :‬مصدقا لما بين‬
‫يديه‪ ‬لكونه مشتمل عليها‪ ،‬حاويا لما فيها بأسرها ‪ :‬إن ال بعباده لخبير‪ ‬يعلم أحوال استعداداتهم ‪ :‬بصير‪ ‬بأعمالهم‪،‬‬
‫يعطيهم الكمال على حسب الستعداد بقدر الستحقاق بالعمال‪ : .‬ثم أورثنا‪ ‬منك هذا ‪ :‬الكتاب الذين اصطفينا من‬
‫عبادنا‪ ‬المحمديين المخصوصين من عند ال بمزيد العناية وكمال الستعداد بالنسبة إلى سائر المم لنهم ل يرثون ول‬
‫يصلون إليه إل منك وبواسطتك لنك المعطي إياهم الستعداد والكمال فنسبتهم إلى سائر المم نسبتك إلى سائر النبياء‬
‫‪ :‬فمنهم ظالم لنفسه‪ ‬بنقص حق استعداده ومنعه عن خروجه إلى الفعل وخيانته في المانة المودعة عنده بحملها‬
‫وإمساكها والمتناع عن أدائها لنهماكه في اللذات البدنية والشهوات النفسانية ‪ :‬ومنهم مقتصد‪ ‬يسلك طريق اليمين‬
‫ويختار الصالحات من العمال والحسنات‪ ،‬ويكتب الفضائل والكمالت في مقام القلب ‪ :‬ومنهم سابق بالخيرات‪ ‬التي‬
‫هي تجليات الصفات إلى الفناء في الذات ‪ :‬بإذن ال‪ ‬بتيسيره وتوفيقه‪ : ،‬ذلك هو الفضل الكبير‪. : ‬جنات عدن‪‬‬
‫من الجنان الثلث ‪ :‬يدخلونها يحلون فيها من أساور‪ ‬صور كمالت الخلق والفضائل والحوال والمواهب‬
‫المصوغة بالعمال من ذهب العلوم الروحانية ولؤلؤ المعارف والحقائق الكشفية الذوقية فلباسهم فيها حرير الصفات‬
‫وقالوا بألسنة أحوالهم وأقوالهم عند اتصافهم بجميع الصفات الحميدة حالة البقاء بعد الفناء ‪ :‬الحمد ل‬
‫‪‬‬ ‫اللهية‪ .‬‬
‫الذي أذهب عنا الحزن‪ ‬اللزم لفوات الكمالت الممكنة بحسب الستعدادات بهبته لنا إياها في هذا الوجود الحقاني ‪:‬‬
‫‪‬إن ربنا لغفور شكور‪ ‬جزاؤنا منه أوفى وأبقى مما نستحقه بسعينا ‪ :‬الذي أحلنا دار‪ ‬القامة الدائمة التي ل انتقال‬
‫منها بوجه في هذا الوجود الموهوب من عطائه الصرف وفضله المحض ‪ :‬ل يمسنا فيها نصب‪ ‬بالسعي والنتقال ‪:‬‬
‫‪‬ول يمسنا فيها لغوب‪ ‬بالسير والترحال‪ : .‬والذين كفروا‪ ‬المحجوبون منك بالنكار‪ ،‬الذين ل يقبلون الكتاب ول‬
‫يرثونه لبعدهم عنك في الحقيقة‪ ،‬فل تقارب ول تواصل بينك وبينهم‪ : .‬لهم نار‪ ‬جهنم الطبيعة يعذبون فيها بأنواع‬
‫الحرمان واللم دائما ‪ :‬ل يقضى عليهم فيموتوا‪ ‬ويستريحوا ‪ :‬ول يخفف عنهم من عذابها‪ ‬فيتنفسوا‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة يس‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫‪‬يس‪ ‬أقسم بالصنفين الدالين على كمال استعداده كما ذكر في )طه(‪ : .‬والقرآن الحكيم‪ ‬الذي هو الكمال التام اللئق‬
‫باستعداده على أنه بسبب هذه المور من المرسلين على طريق التوحيد الموصوف بالستقامة وذلك أن )ي( إشارة إلى‬
‫اسمه الواقي و )س( إلى اسمه السلم الذي وقى سلمة فطرتك السالمة عن النقص في الزل عن آفات حجب النشأة‬
‫والعادة والسلم الذي هو عينها وأصلها‪ : ،‬والقرآن الحكيم‪ ‬الذي هو صورة كمالها الجامع لجميع الكمالت المشتمل‬
‫على جميع الحكم‪ : .‬انك‪ ‬بسبب هذه الثلثة ‪ :‬لمن المرسلين * تنزيل العزيز الرحيم‪ ‬أي ‪ :‬القرآن الشامل للحكمة‬
‫الذي هو صورة كمال استعدادك تنزيل بإظهاره مفصل من مكمن الجمع على مظهرك ليكون فرقانا من العزيز الغالب‬
‫الذي غلب على أنائيتك وصفات نشأتك وقهرها بقوته لئل تظهر وتمنع ظهور القرآن المكنون في غيبك على مظهر‬
‫قلبك وصيرورته فرقانا‪ : .‬الرحيم‪ ‬الذي أظهره عليك بتجليات صفاته الكمالية بأسرها‪ : .‬لتنذر قوما‪ ‬بلغوا في‬
‫كمال استعدادهم ما لم يبلغ آباؤهم فما أنذروا بما أنذرتم به ‪ :‬فهم غافلون‪ ‬عما أوتي إليهم من الستعداد البالغ حدا لم‬
‫يبلغه استعداد أحد من المم السابقة‪ ،‬كما قال ‪ : :‬الذين اصطفينا من عبادنا‪] ‬فاطر‪ ،‬الية ‪.[32 :‬لقد حق القول‬
‫على أكثرهم‪ ‬في القضاء السابق بأنهم أشقياء ‪ :‬فهم ل يؤمنون‪ ‬لنه إذا قويت الستعدادات عند ظهورك قوي‬
‫الشقياء في الشر كما قوي السعداء في الخير‪ .‬إنا جعلنا في أعناقهم أغلل‪ ‬من قيود الطبيعة البدنية ومحبة الجرام‬
‫السفلية ‪ :‬فهي إلى الذقان‪ ‬تمنع رؤوسهم عن التطأطؤ للقبول إذ عمت العناق التي هي مفاصل تصرفات الرؤوس‬
‫وأطبقت المفاصل حتى جاوزت أعاليها وبلغت حد الرؤوس من قدام فلم يبق لهم تصرف بالقبول ول تأثر بالنفعال‬
‫والميل إلى الركوع والسجود للنقياد والفناء‪ ،‬فإن الكمالت النسانية انفعالية ل تحصل إل بالتذلل والنقهار ‪ :‬فهم‬
‫مقمحون ممنوعون عن قبولها بإمالة الرؤوس‪ : .‬وجعلنا من بين أيديهم‪ ‬من الجهة اللهية ‪ :‬سدا‪ ‬من حجاب‬ ‫‪‬‬
‫ظهور النفس والصفات المستولية على القلب منعهم من النظر إلى فوق ليشتاقوا للقاء الحق عند رؤية النوار‬
‫الجمالية ‪ :‬ومن خلفهم‪ ‬من الجهة البدنية ‪ :‬سدا‪ ‬من حجاب الطبيعة الجسمانية ولذاتها المانعة لمتثالهم الوامر‬
‫والنواهي فمنعهم من العمل الصالح الذي يعدهم لقبول الخير والصفات الجللية فانسد لهم طريق العلم والعمل فهم‬
‫واقفون مع أصنام البدان حيارى يعبدونها ل يتقدمون ول يتأخرون ‪ :‬فأغشيناهم‪ ‬بالنغماس في الغواشي الهيولنية‬
‫والنغمار في الملبس الجسمانية ‪ :‬فهم ل يبصرون‪ ‬لكثافة الحجب مع جميع الجهات وإحاطتها بهم وإذا لم يبصروا‬
‫ولم يتأثروا فالنذار وعدم النذار بالنسبة إليهم سواء‪ : .‬إنما تنذر‪ ‬أي ‪ :‬يؤثر النذار وينجع في ‪ :‬من اتبع الذكر‪‬‬
‫لنورية استعداده وصفائه فيتأثر به ويقبل الهداية بما في استعداده من التوحيد الفطري والمعرفة الصلية‪ ،‬فيتذكر‬
‫ويخشى الرحمن بتصور عظمته مع غيبته من التجلي فيتبعه بالسلوك ليحضر ما هو غائب عنه ويرى ما استضاء‬
‫بنوره ‪ :‬فبشره بمغفرة‪ ‬عظيمة من ستر ذنوب حجب أفعاله وصفاته وذاته ‪ :‬وأجر كريم‪ ‬من جنات أفعال الحق‬
‫وصفاته وذاته‪ .‬واضرب لهم مثل أصحاب القرية‪ ‬إلى آخر المثل‪ ،‬يمكن أن يؤول أصحاب القرية بأهل مدينة البدن‬
‫والرسل الثلثة بالروح والقلب والعقل‪ ،‬إذ أرسل إليهم اثنان أول ‪ :‬فكذبوهما‪ ‬لعدم التناسب بينهما وبينهم‪ ،‬ومخالفتهم‬
‫إياهما في النور والظلمة‪ ،‬فعززوا بالعقل الذي يوافق النفس في المصالح والمناجح ويدعوها وقومها إلى ما يدعو إليه‬
‫القلب والروح فيؤثر فيهم‪ .‬وتشاؤمهم بهم ‪ :‬تنفرهم عنهم لحملهم إياهم على الرياضة والمجاهدة ومنعهم عن اللذات‬
‫والحظوظ‪ .‬ورجمهم إياهم ‪ :‬رميهم بالدواعي الطبيعية والمطالب البدنية‪ .‬وتعذيبهم إياهم ‪ :‬استيلؤهم عليهم واستعمالهم‬
‫في تحصيل الشهوات البهيمية والسبعية‪ .‬والرجل الذي جاء من أقصى المدينة‪ ،‬أي ‪ :‬من أبعد مكان منها‪ ،‬هو العشق‬
‫المنبعث من أعلى وأرفع موضع منها بدللة شمعون العقل ونظره لظهار دين التوحيد والدعوة إلى الحبيب الول‬
‫وتصديق الرسل ‪ :‬يسعى‪ ‬لسرعة حركته ويدعو الكل بالقهر والجبار إلى متابعة الرسل في التوحيد‪ ،‬ويقول ‪: :‬‬
‫‪‬وما لي ل أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون‪ ‬وكان اسمه حبيبا وكان نجارا ينحت في بدايته أصنام مظاهر الصفات‬
‫من الصور لحتجابه بحسنها عن جمال الذات وهو المأمور بدخول جنة الذات‪ ،‬قائل ‪ : :‬يا ليت قومي‪ ‬المحجوبين‬
‫عن مقامي وحالي ‪ :‬يعلمون بما غفر لي ربي‪ ‬ذنب عبادة أصنام مظاهر الصفات ونحتها ‪ :‬وجعلني من المكرمين‪‬‬
‫لغاية قربي في الحضرة الحدية‪ .‬وفي الحديث ‪ ' :‬إن لكل شيء قلبا‪ ،‬وقلب القرآن يس '‪ ،‬فلعل ذلك لن حبيبا المشهور‬
‫‪ ' :‬سباق المم ثلثة لم يكفروا بال‬ ‫بصاحب يس آمن به قبل بعثته بستمائة سنة وفهم سر نبوته‪ ،‬وقال النبي ‪‬‬
‫طرفة عين‪ ،‬علي بن أبي طالب ‪ ‬وصاحب يس ومؤمن آل فرعون '‪ .‬وآية لهم الليل‪ ‬أي ‪ :‬ليل ظلمة النفس ‪:‬‬
‫‪‬نسلخ منه‪ ‬نهار ونور شمس الروح والتلوين ‪ :‬فإذا هم مظلمون‪ ‬وشمس الروح ‪ :‬تجري لمستقر لها‪ ‬وهو مقام‬
‫الحق في نهاية سير الروح ‪ :‬ذلك تقدير العزيز‪ ‬المتمنع من أن يصل إلى حضرة أحديته شيء‪ ،‬الغالب على الكل‬
‫بالقهر والفناء ‪ :‬العليم‪ ‬الذي يعلم حد كمال كل سيار وانتهاء سيره‪ ،‬وقمر القلب ‪ :‬قدرناه‪ ‬أي ‪ :‬قدرنا مسيره في‬
‫سيره ‪ :‬منازل‪ ‬من الخوف والرجاء والصبر والشكر وسائر المقامات كالتوكل والرضا ‪ :‬حتى عاد‪ ‬عند فنائه في‬
‫الروح في مقام السر ‪ :‬كالعرجون القديم‪ ‬وهو بقرب استسراره فيه وإضاءة وجهه الذي يلي الروح قبل تمام فنائه‬
‫فيه‪ ،‬واحتجابه لنوريته عن النفس والقوى‪ ،‬وكونه بدرا إنما يكون في موضع الصدر في مقابلة مقام السر‪ : .‬ل‬
‫الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر‪ ‬في سيره فيكون له الكمالت الصدرية من الحاطة بأحوال العالمين والتجلي‬
‫بالخلق والوصاف ‪ :‬ول الليل سابق النهار‪ ‬بإدراك القمر الشمس وتحويل ظلمة النفس نهار نور القلب لن القمر‬
‫إذا ارتقى إلى مقام الروح بلغ الروح حضرة الوحدة فل تدركه وتكون النفس حينئذ نيرة في مقام القلب ل ظلمة لها‪ ،‬فلم‬
‫تسبق ظلمتها نوره بل زالت مع أن القلب ونوره في مقام الروح فلم تسبقه على تقدير بقائها ‪ :‬وكل في فلك‪ ‬أي ‪:‬‬
‫مدار ومحل لسيره معين في بدايته ونهايته ل يتجاوز حديه المعينين ‪ :‬يسبحون‪ ‬يسيرون إلى أن جمع ال بينهما في‬
‫حد وخسف القمر بها وأطلع الشمس من مغربها فتقوم القيامة‪ : .‬وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون‪ ‬وهو‬
‫سفينة نوح فيه سر من أسرار البلغة حيث لم يذكر آباءهم الذين كانوا فيها بل ذرياتهم الذين كانوا في أصلبهم‪ ،‬فل بد‬
‫من وجود الذريات حينئذ ‪ :‬وخلقنا لهم من مثله‪ ‬أي ‪ :‬مثل سفينة نوح وهي السفينة المحمدية ‪ :‬ما يركبون‪.‬‬
‫‪‬اتقوا ما بين أيديكم‪ ‬من أحوال القيامة الكبرى ‪ :‬وما خلفكم‪ ‬من أحوال القيامة الصغرى‪ ،‬فإن الولى تأتي من جهة‬
‫الحق والثانية تأتي من جهة النفس بالفناء في ال في الولى‪ ،‬والتجرد عن الهيئات البدنية في الثانية والنجاة منها‪.‬‬
‫والصيحتان هما التنبه عن النفخة الولى بوقوع مقدماتها وانزعاج القوى كلها دفعة عن مقارها‪ ،‬وعن الثانية بوقوعها‬
‫وانتباهتهم دفعة‪ ،‬وانتشار القوى في محالها‪ .‬والجداث ‪ :‬البدان التي هي مراقدهم‪ : .‬إن أصحاب الجنة اليوم في‬
‫شغل‪ ‬من أنوار التجليات ومشاهدات الصفات‪ ،‬متلذذون هم ونفوسهم الموافقة لهم في التوجه ‪ :‬في ظلل‪ ‬من أنوار‬
‫الصفات ‪ :‬على الرائك‪ ‬المقامات والدرجات ‪ :‬متكئون لهم فيها فاكهة‪ ‬من أنواع المدركات وأصناف الواردات‬
‫والمكاشفات ‪ :‬ولهم‪ ‬ما يتمنون من المشاهدات‪ ،‬وهي ‪ : :‬سلم‪ ‬أعني ‪ :‬قول‪ ‬بإفاضة الكمالت وتبرئتهم بها من‬
‫وجوه النقص التي تنبعث منها دواعي التمنيات صادرا ‪ :‬من رب رحيم‪ ‬يرحم بتلك المشتهيات‪ .‬والعهد عهد الزل‬
‫وميثاق الفطرة وعبادة الشيطان‪ ،‬هو الحتجاب بالكثرة لمتثال دواعي الوهم والصراط المستقيم طريق الوحدة‪ .‬وقال‬
‫الضحاك في وصف جهنم ‪ ' :‬إن لكل كافر بئرا من النار يكون فيه ل يرى ول يدري '‪ ،‬وذلك صورة احتجابه‪ .‬ومعنى‬
‫الختم على الفواه وتكليم اليدي وشهادة الرجل ‪ :‬تغيير صورهم وحبس ألسنتهم عن النطق وتصوير أيديهم وأرجلهم‬
‫على صور تدل بهيئاتها وأشكالها على أعمالها وتنطق بألسنة أحوالها على ملكاتها من هيئات أفعالها‪ : .‬إنما أمره‪‬‬
‫عند تعلق إرادته بتكوين شيء ترتب كونه على تعلق الرادة به دفعة معا بل تحلل زماني ‪ :‬فسبحان‪ ‬أي ‪ :‬نزه عن‬
‫العجز والتشبه بالجسام والجسمانيات في كونها وكون أفعالها زمانية ‪ :‬الذي‪ ‬تحت قدرته وفي تصرف قبضته ‪:‬‬
‫‪‬ملكوت كل شيء‪ ‬من النفوس والقوى المدبرة له ‪ :‬وإليه ترجعون‪ ‬بالفناء فيه والنتهاء إليه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة الصافات‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬والصافات صفا‪ ‬أقسم بنفوس السالكين في سبيله طريق التوحيد‪ ،‬الصافات في مقامهم ومراتب تجلياتهم ومواقف‬
‫مشاهداتهم ‪ :‬صفا‪ ‬واحدا في التوجه( ‪ :‬إليه‪) ‬فالزاجرات‪ ‬في دواعي الشياطين‪ ،‬وفوارغ التمنيات النفسانية في‬
‫الحايين ‪ :‬زجرا‪ ‬بالنوار والذكار والبراهين ‪ :‬فالتاليات‪ ‬نوعا من أنواع الذكار بحسب أحوالهم باللسان أو‬
‫القلب أو السر أو الروح كما ذكر غير مرة على وحدانية معبودهم لتثبيتهم في التوجه عن الزيغ والنحراف باللتفات‬
‫إلى الغير ‪ :‬رب‪ ‬سموات الغيوب السبعة التي هم سائرون فيها‪ ،‬وأرض البدن ‪ :‬وما بينهما ورب‪ ‬مشارق تجليات‬
‫النوار الصفاتية‪ ،‬وصفه بالوحدانية الذاتية في أطوار الربوبية الكاشفة عن وجوه التحولت بتعدد السماء ليتحفظوا‬
‫عند تعدد وتجليات الصفات وترتب المقامات من الحتجاب بالكثرة‪.‬إنا زينا السماء الدنيا‪ ‬أي ‪ :‬العقل الذي هو‬
‫أقرب السموات الروحانية بالنسبة إلى القلب ‪ :‬بزينة‪ ‬كواكب الحجج والبراهين‪ ،‬كقوله ‪ : :‬بمصابيح وجعلناها‬
‫رجوما للشياطين‪] ‬الملك‪ ،‬الية ‪ : [15 :‬وحفظا‪ ‬أي ‪ :‬وحفظناها ‪ :‬من كل شيطان‪ ‬من شياطين الوهام والقوى‬
‫التخيلية عند الترقي إلى أفق العقل بتركيب الموهومات والمخيلت في المغالطات والتشكيكات ‪ :‬مارد‪ ‬خارج عن‬
‫طاعة الحق والعقل‪ : .‬ل يسمعون إلى المل العلى‪ ‬من الروحانيات والملكوت السماوية بتلك الحجج ‪ :‬من كل‬
‫جانب‪ ‬من جميع الجهات السماوية‪ ،‬أي ‪ :‬من أي وجه من وجوه المغالطة والتخييل يركبون القياس ويرتقون به‪ ،‬يقذفون‬
‫بما يبطله من الدحور والطرد‪ ،‬أو مدحورين مطرودين ‪ :‬ولهم عذاب واصب‪ ‬دائم الرياضات وأنواع الزجر في‬
‫المخالفات‪ : .‬إل من خطف الخطفة‪ ‬في الستراق فموه كلمه بهيئة جلية وأوهم الحق بصورة نورية استفادها من‬
‫كلمة حقة ملكية ‪ :‬فأتبعه شهاب ثاقب‪ ‬من برهان نير عقلي‪ ،‬أو إشراق نور قدسي فأبطلها وطرد الجني بنفي‬
‫الصورة الوهمية التي أوهمها‪ : .‬إل عباد ال المخلصين‪ ‬استثناء منقطع‪ ،‬أي ‪ :‬لكن عباد ال المخصوصون به لفرط‬
‫عنايتهم به‪ ،‬الذين أخلصهم ال عن شوب الغيرية والنائية والبقية واستخلصهم لنفسه بفناء النائية والثنينية‪.‬‬
‫‪‬أولئك لهم رزق معلوم‪ ‬يعلمه ال دون غيره وهو معلومات ال المقوية لقلوبهم المغذية لرواحهم‪ : .‬فواكه‪‬‬
‫ملذة غاية التلذيذ‪ ،‬إذ الفاكهة ما يتلذذ به‪ ،‬أي ‪ :‬يتلذذون في مكاشفاتهم بما يحضرهم من معلوماته تعالى ‪ :‬وهم‬
‫مكرمون‪ ‬في مقعد صدق عند مليك مقتدر في الجنات الثلث يتنعمون بقرب الحق في حضرته غاية الكرام والتنعم‪: .‬‬
‫‪‬على سرر‪ ‬مراتب ودرجات ‪ :‬متقابلين‪ ‬في الصف الول‪ ،‬مترائين ل يحجب بعضهم عن بعض ول يتفاضلون‬
‫في المقاعد ‪ :‬يطاف عليهم بكأس من‪ ‬خمر العشق ‪ :‬معين‪ ‬مكشوف لهل العيان إذ دنه المعاينة فكيف ل يعاين‪: .‬‬
‫‪‬بيضاء‪ ‬نورية من عين الحدية الكافورية‪ ،‬ل شوب فيها ول مزج من التعينات ‪ :‬لذة للشاربين ل فيها غول‪ ‬يغتال‬
‫العقل لنهم أهل صحو أخلصهم ال من الشوائب والحجاب فل ينكر لهم ‪ :‬ول هم عنها ينزفون‪ ‬بذهاب العقول وإل‬
‫لم يكونوا أهل الجنات الثلث في مقام البقاء‪ : .‬وعندهم قاصرات الطرف‪ ‬من أهل الجبروت والملكوت والنفوس‬
‫المجردة‪ ،‬الواقفات تحت مراتبهم في مقام تجليات الصفات وسرادقات الجلل‪ ،‬وفي مجالي مشاهداتهم تحت قباب‬
‫الجمال في روضات القدس وحضرة السماء ‪ :‬عين‪ ‬لن ذواتهم كلها عيون ل يمدون طرفا عنهم لفرط محبتهم‬
‫وعشقهم لهم لنهم هم المعشوقون‪ : .‬كأنهن بيض مكنون‪ ‬في الداحي لغاية صفائها في خدور القدس ونقائها من‬
‫مواد الرجس ‪ :‬يتساءلون‪ ‬يتحادثون بأحاديث أهل الجنة والنار ومذاكرة أحوال السعداء والشقياء‪ ،‬مطلعين على كل‬
‫الفريقين وما هم فيه من الثواب والعقاب‪ ،‬كما ذكر في وصف أهل )العراف(‪ .‬إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم‪‬‬
‫وهي شجرة النفس الخبيثة المحجوبة النابتة في قعر جهنم الطبيعة‪ ،‬المتشعبة أغصانها في دركاتها القبيحة الهائلة‪،‬‬
‫ثمراتها من الرذائل والخبائث كأنها من غاية القبح والتشوه والخبث بالتنفر ‪ :‬رؤوس الشياطين‪ ‬أي ‪ :‬تنشأ منها‬
‫الدواعي المهلكة والنوازع المردية الباعثة على الفعال القبيحة والعمال السيئة‪ ،‬فتلك أصول الشيطنة ومبادئ الشر‬
‫والمفسدة‪ ،‬فكانت رؤوس الشياطين‪ : .‬فإنهم لكلون منها‪ ‬يستمدون منها‪ ،‬ويغتذون ويتقوون‪ ،‬فإن الشرار غذاؤهم‬
‫من الشرور ول يلتذون إل بها ‪ :‬فمالئون منها البطون‪ ‬بالهيئات الفاسقة والصفات المظلمة‪ ،‬كالممتلئ غضبا وحقدا‬
‫وحسدا وقت هيجانها‪ : .‬ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم‪ ‬الهواء الطبيعية‪ ،‬والمنى السيئة الرديئة‪ ،‬ومحبات المور‬
‫السفلية‪ ،‬وقصور الشرور الموبقة التي تكسر بعض غلة الشرار‪ : .‬ثم إن مرجعهم للى الجحيم‪ ‬لغلبة الحرص‪،‬‬
‫والشره بالشهوة‪ ،‬والحقد والبغض والطمع وأمثالها‪ ،‬واستيلء دواعيها مع امتناع حصول مباغيها‪ .‬ويمكن تطبيق قصة‬
‫على حال الروح الساذج من الكمال ‪ :‬إذ جاء ربه‪ ‬بسابقة معرفة الزل والوصلة الثابتة في العهد‬ ‫‪‬‬ ‫إبراهيم‬
‫الول ‪ :‬بقلب‪ ‬باق على الفطرة واستعداد صاف ‪ :‬سليم‪ ‬عن النقائص والفات محافظ على عهد التوحيد الفطري‪،‬‬
‫منكر على المحتجبين بالكثرة عن الوحدة‪ ،‬ناظر في نجوم العلوم العقلية الستدللية والحجج والبراهين النظرية‪ ،‬مدرك‬
‫بالستبصار والستدلل سقمه من جهة العراض النفسانية والشواغل البدنية الحاجبة‪ ،‬فأعرض عنه قومه البدنيون‬
‫المدبرون عن مقصده ووجهته لنكاره عليهم في تقيد الكوان وطاعة الشيطان إلى عيدهم واجتماعهم على اللذات‬
‫والشهوات التي يعودون إليها كل وقت ‪ :‬فراغ‪ ‬أي ‪ :‬فأقبل مخفيا حاله عنهم على كسر آلهتهم بفأس التوحيد والذكر‬
‫الحقيقي يضربهم ‪ :‬ضربا‪ ‬بيمين العقل فرجعوا ‪ :‬إليه‪ ‬غالبين مستولين عند ضعفه‪ ،‬ساعين في تخريب قالبه ‪:‬‬
‫فألقوه في نار حرارة الرحم‪ ،‬فجعلها ال عليه بردا وسلما‪ ،‬أي ‪ :‬روحا وسلمة من الفات لبقاء صفاء استعداده‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫ونقاء فطرته‪ ،‬وبنى عليه بنيان الجسد وجعل ال أعداءه من النفس المارة والقوى البدنية الملقية إياه في النار من‬
‫السفلين لتكامل استعداده‪ ،‬فتوجه إلى ربه بالسلوك ‪ :‬وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين‪ ‬ودعا ربه بلسان الستعداد‬
‫الكامل الصلي أن يهب له ولد القلب الصالح‪ ،‬فبشره به ورزقه‪ .‬فلما بلغ معه السعي‪ ‬بالسلوك في طريق الكمالت‬
‫الخلقية والفضائل النفسانية‪ ،‬أوحى إليه أن يذبحه بالفناء في التوحيد والتسليم لربه الحق بالتجريد من الصفات الكمالية‪.‬‬
‫فأخبره بذلك‪ ،‬فانقاد وأسلم وجهه بالفناء في ذاته عن صفاته‪ ،‬ففدى على يد جبريل العقل الفعال بذبح النفس الشريفة‪،‬‬
‫السمينة العلوم‪ ،‬العظيمة الخلق وكمالت الفضائل‪ ،‬فذبحت بالفناء فيه‪ ،‬وأنجى إسماعيل القلب بالفناء الحقاني‬
‫في العالمين المتخلفين عن مقامه لهتدائهم بنوره واقتدائهم بإيمانه‬ ‫‪‬‬ ‫الموهوب المفدى من جهة ال‪ ،‬وترك ال‬
‫وهديه‪ : .‬وإن يونس‪ ‬القلب ‪ :‬لمن المرسلين‪ ‬إلى أهل النقصان‪ ،‬المحتجبين بالبدان‪ ،‬المتبعين للشيطان‪،‬‬
‫المتظاهرين بالطغيان ‪ :‬إذ أبق‪ ‬إلى فلك البدن ‪ :‬المشحون‪ ‬بالقوى البدنية وكمالتها الحسية الجاري في بحر‬
‫الهيولى ‪ :‬فساهم‪ ‬أي ‪ :‬فاقترع معهم في الحظوظ البدنية واختيارها بالفكار العقلية ‪ :‬فكان من المدحضين‪‬‬
‫المحجوبين‪ ،‬المزلقين بالحجة البرهانية اليقينية لنهم بدنيون أهل البحر والسفينة‪ ،‬وهو القدسي المجرد من سكان‬
‫الحضرة اللهية‪ ،‬البق من سيده إلى السفينة‪ ،‬الملقي بيده إلى التهلكة‪ ،‬فألقي في البحر‪ ،‬فالتقمه حوت الرحم كلقطة‬
‫النطفة ‪ :‬وهو مليم‪ ‬مستحق للملمة للتعلق بالملبس البدنية الموجبة لوقوعه في تلك البلية‪ : .‬فلول أنه كان من‬
‫المسبحين‪ ‬المنزهين لربه بالتقديس حالة التجريد والتوحيد ‪ :‬للبث في بطنه‪ ‬كسائر القوى الطبيعية والنفسانية‬
‫المنغمسة في بطون حيتان الصور النوعية الجسمانية من الطبائع الهيولنية ‪ :‬إلى يوم يبعثون‪ ‬أي ‪ :‬يوم يبعث‬
‫المجردون عن مراقد أبدانهم مع بقائه في مرقده كسائر الغافلين‪ ،‬أو يوم يبعث رفقاؤه البدنيون في القيامة الصغرى ‪:‬‬
‫‪‬فنبذناه بالعراء‪ ‬أي ‪ :‬بالفضاء من عرصة الدنيا بالولدة ‪ :‬وهو سقيم‪ ‬ضعيف ممنو بالعراض المادية واللواحق‬
‫الطبيعية ‪ :‬وأنبتنا عليه شجرة من يقطين‪ ‬ل تقوم على ساق وتنسرح على وجه الرض تظلل عليه بأوراقها من‬
‫الغواشي البدنية‪ .‬وقد قيل في التفاسير الظاهرة ‪ :‬إنه قد ضعف بدنه في بطن الحوت وصار كطفل ساعة يولد ‪:‬‬
‫‪‬وأرسلناه‪ ‬عند الكمال ‪ :‬إلى مائة ألف أو يزيدون‪ ‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة ص‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬ص‪ ‬أقسم بالصورة المحمدية‪ ،‬والكمال التام المذكور بالشرف والشهرة‪ ،‬بأنه أتم الكمالت‪ ،‬وهو العقل القرآني‬
‫الجامع لجميع الحكم والحقائق من الستعداد التام المناسب لتلك الصورة الشريفة‪ ،‬كما روي عن ابن عباس ‪) :‬ص(‬
‫جبل بمكة‪ ،‬كان عليه عرش الرحمن عاما '‪ ،‬دل عليه قوله ‪ : :‬في عزة وشقاق‪ ‬وحذف جواب القسم في مثل ذلك‬
‫غير عزيز‪ ،‬وهو أنه لحق يجب أن يتبع ويذعن له ويقبل بخضوع وذلة ‪ :‬بل الذين‪ ‬حجبوا عن الحق بأنائيتهم‬
‫وضادوه في استكبار وعناد ولج وخلف لظهور أنفسهم بباطلها في مقابلة الحق‪.‬اصبر على ما يقولون‪ ‬معناه ‪:‬‬
‫داوم استقامتك في التوحيد‪ ،‬وعارض أذاهم بالصبر في التمكين‪ ،‬ول تظهر نفسك في مقابلة أذاهم بالتلوين‪ ،‬فإنك قائم‬
‫بال متحقق بالحق فل تتحرك إل به ‪ :‬واذكر‪ ‬حال أخيك ‪ :‬عبدنا‪ ‬المخصوص بعنايتنا القديمة ‪ :‬داود ذا اليد‪‬‬
‫أي ‪ :‬القوة والتمكين والضطلع في الدين‪ ،‬كيف زل عن مقام استقامته في التلوين فل يكن حالك في ظهور النفس‬
‫وكماله بقوله ‪ : :‬إنه أواب‪ ‬رجاع إلى الحق عن صفاته وأفعاله بالفناء فيه‪: .‬‬ ‫‪‬‬ ‫حاله‪ .‬ثم وصف قوة حال داود‬
‫‪‬إنا سخرنا‪ ‬جبال العضاء معه ‪ :‬يسبحن‪ ‬بالنقياد والتمرن في الطاعة أوقات العبادة وقت عشي الستتار‬
‫واحتجاب نور شمس الروح بظهور النفس وإشراق التجلي وسلطان نور شمس الروح على النفس ل يتفاوت حاله في‬
‫العبادة بالفترة والعزيمة في الوقتين لكمال تمرين نفسه وبدنه في الطاعة‪ ،‬وطير القوى بأجمعها ‪ :‬محشورة‪‬‬
‫مجموعة‪ ،‬متسالمة بهيئة العدالة والنخراط في سلك الوحدة في تسبيحاتها المخصوصة بكل واحدة منها ‪ :‬كل له‬
‫أواب رجاع لتسبيحه بتسبيحه‪ : .‬وشددنا ملكه‪ ‬قويناه بالتأييد وإيتاء العزة والهيبة‪ ،‬وإعطاء العز والقدرة لئتلف‬
‫‪‬‬
‫نفسه بأنوار تجليات القهر والعظمة والكبرياء والعزة واتصافه بصفاتنا الباهرة‪ ،‬فيهابه كل أحد ويجله ويذعن لسلطنته‬
‫ويبجله ‪ :‬وآتيناه الحكمة‪ ‬لتصافه بعلمنا ‪ :‬وفصل الخطاب‪ ‬والفصاحة المبينة للحكام‪ ،‬أي ‪ :‬الحكمة النظرية‬
‫والعملية والمعرفة والشريعة‪ .‬وفصل الخطاب ‪ :‬هو المفصول‪ ،‬المبين من الكلم المتعلق بالحكام‪.‬‬
‫ثم بين تلوينه وظهور نفسه في زلته‪ ،‬وتبيينه الحق بالعتاب على خطيئته وتأديبه إياه وتداركه بتوبته بقوله ‪ : :‬وهل‬
‫وظن أي ‪ :‬تيقن ‪ :‬داود أنما‪ ‬ابتليناه بامرأة أوريا ‪ :‬فاستغفر ربه‪‬‬
‫‪‬‬ ‫أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب‪ : ‬‬
‫بالتنصل عن ذنبه بالفتقار واللتجاء إليه في المجاهدة وكسر النفس وقمعها بالمخالفة ‪ :‬وخر‪ ‬بمحو صفات النفس ‪:‬‬
‫وأناب إلى ال بالفناء في ذاته ‪ :‬فغفرنا له ذلك‪ ‬التلوين بستر صفاته بنور صفاتنا‬‫‪‬‬ ‫‪‬راكعا‪ ‬فانيا في صفات الحق ‪ :‬‬
‫‪ :‬وإن له عندنا لزلفى‪ ‬بالوجود الحقاني الموهوب حال البقاء بعد الفناء ‪ :‬وحسن مآب‪ ‬لتصافه حينئذ بصفاتنا ل‬
‫بأنائيته ليلتحق بنا ويحكم بأحكامنا في محل الخلفة اللهية‪ ،‬كما قال ‪ : :‬يا داود إنا جعلناك خليفة في الرض فاحكم‬
‫بين الناس‪ ‬بالحكم ‪ :‬الحق‪ ‬ل بنفسك ليكون عدل ل جورا ‪ :‬ول تتبع الهوى‪ ‬بظهور النفس فتجور ضال عن سبيل‬
‫الحق إلى سبيل الشيطان‪ .‬وما خلقنا السماء والرض وما بينهما‪ ‬خلقا ‪ :‬باطل‪ ‬ل حق فيها‪ ،‬بل حقا محتجبا‬
‫بصورها ل وجود لها بنفسها فتكون باطل محضا‪ : .‬ذلك ظن‪ ‬المحجوبين عن الحق بمظاهر الكون ‪ :‬فويل‪ ‬لهم‬
‫من نار الحرمان والحتجاب والتقلب في نيران الطبيعة والنائية بأشد العذاب‪ .‬بل لم نجعل ‪ :‬الذين آمنوا‪ ‬بشهود‬
‫جماله في مظاهر الكوان ‪ :‬وعملوا الصالحات‪ ‬من العمال المقصودة بذاتها‪ ،‬المتعلقة بصلح العالم‪ ،‬الصادرة عن‬
‫أسمائه ‪ :‬كالمفسدين‪ ‬المحجوبين الفاعلين بأنفسهم وصفاتهم الفعال البهيمية والسبعية والشيطانية في أرض‬
‫الطبيعة ‪ :‬أم نجعل المتقين‪ ‬المجردين عن صفاتهم ‪ :‬كالفجار‪ ‬المتلبسين بالغواشي النفسانية والشيطانية في‬
‫أعمالهم ‪ :‬ليدبروا آياته‪ ‬بالنظر العقلي ما داموا في مقام النفس‪ ،‬فينخلعوا عن صفاتهم في متابعة صفاته ‪ :‬وليتذكر‪‬‬
‫حال العهد الول والتوحيد الفطري عند التجرد ‪ :‬أولو‪ ‬الحقائق المجردة الصافية عن قشر الخلقة‪ .‬ثم ذكر تلوين‬
‫سليمان وابتلءه تأكيدا لتثبيته‪ ،‬وتقوية له في استقامته وتمكينه ‪ :‬نعم العبد‪ ‬لصلحية استعداده للكمال النوعي‬
‫النساني وهو مقام النبوة ‪ :‬إنه أواب‪ ‬رجاع إلي بالتجريد‪ : .‬إذ عرض عليه بالعشي‪ ‬وقت قرب غروب شمس‬
‫الروح في الفق الجسماني بميل القلب إلى النفس وظهور ظلمتها بالميل إلى المال واستيلء محبة الجسمانيات‬
‫واستحسانها‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪ : :‬زين للناس حب الشهوات‪] ‬آل عمران‪ ،‬الية ‪ [14 :‬إلى قوله ‪ : :‬والخيل‬
‫المسومة والنعام والحرث‪ .‬فإن الميل إلى الزخارف الدنيوية والمشتهيات الحسية وهوى اللذات الطبيعية والجرام‬
‫السفلية يوجب إعراض النفس عن الجهة العلوية‪ ،‬واحتجاب القلب عن الحضرة اللهية ‪ :‬الصافنات الجياد‪ ‬التي‬
‫استعرضها وانجذب بهواها وأحبها ‪ :‬فقال إني أحببت حب الخير‪ ‬أي ‪ :‬أحببت منيبا حب المال ‪ :‬عن ذكر ربي‪‬‬
‫مشتغل به لمحبتي إياه كما يجب لمثلي أن يشتغل بربه ذاكرا محبا له‪ ،‬فاستبدلت محبة المال بذكر ربي ومحبته فذهلت‬
‫عنه ‪ :‬حتى توارت‪ ‬شمس الروح بحجب النفس ‪ :‬ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والعناق‪ ‬أي ‪ :‬يمسح السيف‬
‫مسحا بسوقها يعرقب بعضها وينحر بعضها‪ ،‬كسرا لصنام ‪ :‬النفس التي تعبدها بهواها وقمعا لسورتها وقواها‪ ،‬ورفعا‬
‫للحجاب الحائل بينه وبين الحق واستغفارا وإنابة إليه بالتجريد والترك‪ .‬ولقد فتنا سليمان‪ ‬ابتليناه مرة أخرى بما هو‬
‫أشد من هذا التلوين وهو إلقاء الجسد على كرسيه‪ ،‬وقد اختلف في تفسيره على ثلثة أوجه‪ ،‬أحدها ‪ :‬أنه ولد له ابن فهم‬
‫الشياطين بقتله مخافة أن يسخرهم كأبيه‪ ،‬فعلم بذلك فكان يغدوه في السحابة فما راعه إل أن ألقي على كرسيه ميتا فتنبه‬
‫على خطئه في أن لم يتوكل فيه على ربه‪ .‬والثاني ‪ :‬أنه قال ذات يوم ‪ :‬لطوفن على سبعين امرأة كل واحدة تأتي‬
‫بفارس يجاهد في سبيل ال‪ ،‬ولم يقل ‪ :‬إن شاء ال‪ ،‬فطاف عليهن ولم تحمل إل امرأة واحدة جاءت بشق رجل‪ .‬فعلى‬
‫هذين الوجهين يكون ابتلؤه بمحبة الولد‪ ،‬فظهور النفس بميله إليه إما بشدة الهتمام بحفظه وتربيته وصونه عن‬
‫شياطين الوهام والتخيلت في سحاب العقل العملي وتغذيته بالحكمة العقلية واعتماده في ذلك على العقل والمعقول‬
‫واستحكام أهله لكماله دون تفويض أمره فيه إلى ال واتكاله في شأنه عليه‪ ،‬فابتله ال بموته‪ ،‬فتنبه على خطئه في شدة‬
‫حبه للغير وغلبة أهله‪ ،‬وإما بظهور النفس في القتراح والتمني وغلبة الحسبان والظن والحتجاب عن الستيهاب‬
‫بالعادة والفعل بالتدبير عن التقدير والذهول عن أمر الحق بغلبة صفات النفس‪ ،‬فابتله ال بالمعلول البعيد عن المراد‬
‫الذي تصوره في نفسه وقدره‪ ،‬فأناب الرجوع إلى الحق عند التنبه على ظهور النفس وتدارك التلوين بالستغفار‬
‫والعتذار في التقصير‪ .‬والوجه الثالث ‪ :‬أنه غزا صيدون مدينة في بعض جزائر البحر‪ ،‬فقتل ملكها وكان عظيم‬
‫الشأن‪ ،‬وأصاب بنتا له اسمها جرادة من أحسن الناس وجها‪ ،‬فاصطفاها لنفسه بعد أن أسلمت وأحبها وقد اشتد حزنها‬
‫على أبيها فأمر الشياطين فمثلوا لها صورة أبيها‪ ،‬فكستها مثل كسوته وكانت تغدو إليها وتروح مع ولئدها يسجدن لها‬
‫كعادتهن في ملكه‪ ،‬فأخبر آصف سليمان بذلك‪ ،‬فكسر الصورة وعاقب المرأة ثم خرج وحده إلى فلة وفرش لنفسه‬
‫الرماد‪ ،‬فجلس عليه تائبا إلى ال متضرعا‪ .‬وكانت له أم ولد يقال لها ‪ :‬أمينة‪ ،‬إذا دخل للطهارة أو لصابة امرأة وضع‬
‫خاتمه عندها‪ ،‬وكان ملكه في خاتمه‪ ،‬فوضعه عندها يوما وأتاها الشيطان صاحب البحر اسمه صخر على صورة‬
‫سليمان فقال ‪ :‬يا أمينة‪ ،‬خاتمي ! فتختم به وجلس على كرسي سليمان وغير سليمان على هيئته فأنكرته وطردته‪،‬‬
‫فعرف أن الخطيئة قد أدركته فأخذ يدور على البيوت يتكفف‪ ،‬وإذا قال أنا سليمان حثوا عليه التراب وسبوه‪ .‬ثم عمد‬
‫إلى السماكين يخدمهم‪ ،‬فمكث على ذلك أربعين صباحا ثم طار الشيطان وقذف الخاتم في البحر‪ ،‬فابتلعته سمكة ووقعت‬
‫السمكة في يد سليمان‪ ،‬فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم‪ ،‬فتختم به وخر ساجدا ورجع إليه ملكه وجاب صخرة لصخر فجعله‬
‫فيها وقذفه في البحر‪ .‬فإن صحت الحكاية في مطابقتها للواقع كان قد اشتد تلوينه وابتلى بمثل ما ابتلي به ذو النون وآدم‬
‫عليهما السلم‪ ،‬والحكاية من موضوعات حكماء اليهود وعظمائهم كسائر ما وضعت الحكماء في تمثيلتهم من‬
‫حكايات إيسال وسلمان وأمثالها‪ ،‬وتأويلها وال أعلم بصحتها ووضعها ‪ :‬أن سليمان قصد مدينة صيدون البدن‪،‬‬
‫جزيرة في بحر الهيولى‪ ،‬وقتل ملكها النفس المارة العظيم الشأن ظاهر الطغيان بالمجاهدة في سبيل ال‪ ،‬وأصاب بنتا‬
‫له اسمها جرادة وهي القوى المتخيلة بالطيارة كالجرادة‪ ،‬تجرد أشجار الجسام والشياء كلها بنزع صورها عن‬
‫موادها مكتوفة بلواحقها حزينة‪ ،‬وهي من أحسن الناس صورة في تزيينها وتسويلها نفسها وما تخيلته من مدركاتها‪،‬‬
‫وأسلمت على يده‪ ،‬أي ‪ :‬انقادت للعقل ورجعت عن دين الوهم‪ ،‬فصارت مفكرة‪ ،‬فاصطفاها لنفسه وأحبها لتوقف‬
‫حصول كماله عليها‪ ،‬وحزنها على أبيها ‪ :‬ميلها إلى النفس بطبعها وتأسفها على فوات حظوظها‪ .‬وأمره للشيطان‬
‫بتمثيل صورة أبيها وكسوتها مثل كسوته هو إشارة إلى منشأ تلوينه وابتلئه بالميل إلى النفس واغتراره بكماله‬
‫‪ ' :‬نعوذ بال من الضلل بعد الهدى '‪ .‬وطاعة‬ ‫‪‬‬ ‫واشتغاله بحظوظ النفس قبل أوانه‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين‬
‫الشيطان له ‪ :‬تسخير القوة الوهمية له في إعادة النفس إلى الهيئة الولى وإن لم تكن على قوتها الولى‪ ،‬وحياتها من‬
‫الهوى ‪ :‬لكونه مصونا عن الحتجاب معنيا به في العناية‪ ،‬وسجود جرادة وولئدها له كعادتهن في ملكه ‪ :‬تعبد الفكرية‬
‫وسائر القوى البدنية للنفس بالنقياد والمراعاة والخدمة وإيصال الحظوظ إليها كعادتهن في الجاهلية الولى‪ ،‬وإخبار‬
‫آصف سليمان بذلك ‪ :‬تنبيه العقل للقلب على تلوينه عند قرب موته‪ ،‬وكسر الصورة وعقاب المرأة ‪ :‬ندامته وتوبته عن‬
‫حاله‪ ،‬وتنصله متضرعا إلى ال وكسره للنفس بالرياضة وخروجه وحده إلى الفلة ‪ :‬تجرده عن البدن عند سقوط قواه‪،‬‬
‫وفرش الرماد وجلوسه فيه ‪ :‬تغير المزاج وترمد الخلط مع بقاء العلقة البدنية‪ ،‬وأم الولد المسماة أمينة هي ‪ :‬الطبيعة‬
‫البدنية أم الولد القوى النفسانية التي يضع هو خاتم بدنه عندها وقت الشتغال بالمور الطبيعية والضروريات البدنية‬
‫كالدخول في الخلوة وإصابة المرأة وأمثالها‪ ،‬وهي أمينة على حفظه‪ .‬وكونه ملكه في خاتمه ‪ :‬إشارة إلى توقف كماله‬
‫المعنوي والصوري على البدن‪ ،‬والشيطان الذي جاءها فأخذ منها الخاتم ‪ :‬هو الطبيعة العنصرية الرضية صاحب‬
‫بحر الهيولى السفلية سمي صخرا لميله إلى السفل وملزمته‬
‫كالحجر للثقل‪ ،‬وتختمه به ‪ :‬لبسه به بانضمامه إلى نفسه‪ ،‬وجلوسه على كرسي سليمان ‪ :‬هو إلقاء ال تعالى بدنه ميتا‬
‫على موضعه وسرير سلطنته كما قال تعالى ‪ : :‬وألقينا على كرسيه جسدا‪ ‬وتغير سليمان عن هيئته بقاء الهيئات‬
‫الجسمانية والثار الهيولنية من بقايا الصفات النفسانية عليه بعد المفارقة البدنية وتغيره عن النورانية الفطرية والهيئة‬
‫الصلية‪ ،‬وإتيانه أمينة لطلب الخاتم ‪ :‬ميله إلى البدن ومحبته له وشوقه إليه‪ ،‬وإنكارها إياه وطردها له ‪ :‬عبارة عن عدم‬
‫قبول الطبيعة البدنية الحياة لبطلن المزاج‪ ،‬ودوره على البيوت متكففا ‪ :‬ميله إلى الحظوظ واللذات الجسمانية وانجذابه‬
‫إليها بالشوق للهيئات النفسانية‪ ،‬وحثيهم التراب على وجهه وسبهم إياه عبارة عن ‪ :‬حرمانه من تلك الحظوظ واللذات‬
‫وفقدان أسباب تلك الشهوات‪ ،‬وقصده إلى السماكين وخدمته لهم ‪ :‬إشارة إلى الميل إلى قرارة الرحام المتعلق بالنطفة‪،‬‬
‫في الحديث الرباني ‪ ' :‬خمرت طينة آدم بيدي أربعين‬ ‫‪‬‬ ‫ومكثه أربعين يوما في خدمة السماكين ‪ :‬إشارة إلى قوله‬
‫صباحا '‪ ،‬وطيران الشيطان ‪ :‬سريان الطبيعة العنصرية في التركيب‪ ،‬وإلقاؤه الخاتم في البحر ‪ :‬تلشي التركيب البدني‬
‫في البحر الهيولني‪ ،‬وابتلع السمكة إياه ‪ :‬جذب الرحم للمادة البدنية التي هي النطفة‪ ،‬ووقوع السمكة في يد سليمان ‪:‬‬
‫تعلقه في الرحم بها واستيلؤه على الرحم بالغتذاء منه والتصرف فيه‪ ،‬وبقر بطنها وأخذ الخاتم منه وتختمه به ‪ :‬فتح‬
‫الرحم وإخراج البدن منه وتلبسه به وخروره ساجدا ورجوع ملكه ‪ :‬حصول كماله به بالنقياد لمر ال والفناء فيه‪،‬‬
‫وجعله لصخر في صخرة وإلقاؤه إياه في البحر ‪ :‬إبقاء الطبيعة الرضية على حالها منطبعة محبوسة في باطن الجرم‬
‫ملزمة للثقل‪ ،‬والميل إلى السفل في بحر الهيولى عند وجود الطبيعة البدنية وتركه إياه فيه غير قادر على استيلء‬
‫أمينة وأخذ الخاتم منها إلى حين‪ : .‬ثم أناب‪ ‬بعد اللتيا والتي إلى ال بالتجريد والتزكية‪ : .‬قال رب اغفر لي‪ ‬ذنوب‬
‫تعلقاتي وهيئاتي الساترة لنوري المظلمة المكدرة لصفائي بنورك ‪ :‬وهب لي ملكا ل ينبغي لحد من بعدي‪ ‬أي ‪:‬‬
‫كمال خالصا باستعدادي يقتضيه هويتي ل ينبغي لغيري لختصاصه بي وهو الغاية التي يمكنه بلوغها ‪ :‬إنك أنت‬
‫الوهاب لجميع الستعدادات وكل ما سئلت من الكمالت كما قال تعالى ‪ : :‬وءاتاكم من كل ما سألتموه‪] ‬إبراهيم‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫الية ‪. [34 :‬فسخرنا له‪ ‬ريح الهوى ‪ :‬تجري بأمره رخاء‪ ‬لينة طيعة منقادة ل تتزعزع بالستيلء‬
‫والستعصاء ‪ :‬حيث‪ ‬قصد وارد ‪ :‬والشياطين‪ ‬الجنية الباطنة من القوى النفسانية ‪ :‬كل بناء‪ ‬مقدر بالهندسة‬
‫عامل لبنية الحكم العملية وقواعد القوانين العدلية ‪‬وغواص‪ ‬في بحور العوالم القدسية والهيولنية‪ ،‬مخرج لدرر‬
‫المعاني الكلية والجزئية والحكم العملية والنظرية ‪ :‬وآخرين‪ ‬من القوى النفسانية والطبيعية ‪ :‬مقرنين في‪ ‬أصفاد‬
‫القيود الشرعية وأغلل الرياضات العقلية والنسية الظاهرة من العمال المسخرين في العمال‪ ،‬والفساق والعصاة‬
‫المقرنين في الغلل‪ : .‬هذا عطاؤنا‪ ‬المحض ‪ :‬فامنن أو أمسك‪ ‬أي ‪ :‬أطلق إرادتك واختيارك في الحل والعقد‬
‫والعطاء والمنع عند الكمال التام والعطاء الصرف‪ ،‬أي ‪ :‬الوجود الموهوب حال البقاء بعد الفناء كما شئت ‪ :‬بغير‬
‫حساب‪ ‬عليك‪ ،‬فإنك قائم بنا مختار باختيارنا متحقق بذاتنا وصفاتنا‪ ،‬وذلك معنى قوله ‪ : :‬وإن له عندنا لزلفى وحسن‬
‫مآب‪. ‬واذكر عبدنا أيوب‪ ‬في ابتلئنا إياه عند ظهور نفسه في التلوين بإعجابه بكثرة ماله أو مداهنته لكافر النفس‬
‫في ظهورها وترك تغذيته إياها بالرياضة والمجاهدة لكون ماشية قواه الطبيعية في ناحيته أو عدم إغاثته لمظلوم العقل‬
‫النظري والقوى القدسية عند استقامته على اختلف الروايات في التفاسير الظاهرة في سبب ابتلئه‪ ،‬ويمكن الجمع‬
‫بينها وابتلؤه بالمرض والزمانة‪ ،‬ووقوع ديدان القوى الطبيعية فيه‪ ،‬واستئكاله وسقوطه على فراش البدن حتى لم يبق‬
‫منه إل القلب واللسان‪ ،‬أي ‪ :‬الفطرة والستعداد الصليان دون ما اكتسب من الكمالت ‪ :‬إذ نادى ربه‪ ‬بلسان‬
‫الضطرار والفتقار في مكمن الستعداد ‪ :‬أني مسني الشيطان بنصب وعذاب‪ ‬أي ‪ :‬استولى علي الوهم بالوسوسة‬
‫فلقيت بسببه هذا المرض والعذاب من الخلق الرديئة والحتجاب‪ : .‬اركض برجلك‪ ‬أي ‪ :‬اضرب بقوتك التي تلي‬
‫أرض البدن من العقل العملي المسمى صدر أرض بدنك تنبع عينان من الحكمة العملية والنظرية ‪ :‬هذا مغتسل‪ ‬أي ‪:‬‬
‫العملية المزكية للنفوس‪ ،‬المظهرة من ألواث الطبائع‪ ،‬المبرئة من أمراض الرذائل ‪ :‬بارد‪ ‬ذو روح وسلمة ‪:‬‬
‫‪‬وشراب‪ ‬من النظرية‪ ،‬أي ‪ :‬العلم المفيد لليقين الدافع لمرض الجهل‪ ،‬والزمانة عن السير‪ ،‬فتغتسل وتشرب منه تبرأ‬
‫بإذن ال ظاهرك وباطنك وتصح وتقوى‪ : .‬ووهبنا له أهله‪ ‬قيل ‪ :‬كان له سبعة أبناء وسبع بنات‪ ،‬فانهدم عليهم البيت‬
‫في البتلء فهلكوا فأحياهم ال عند كشف الضر وإعادة أموال الكمالت عليه‪ ،‬وهي إشارة إلى الروحانية والنفسانية‬
‫الهالكة في التلوين واستيلء الطبيعة البدنية أو البالغة في التلوين العظم وخراب البدن واستئكال الديدان إياه حتى لم‬
‫يبق منه إل القلب ولسان الستعداد الفطري‪ ،‬فأحياهم عند النابة والرجوع إلى حال الصحة والقوة وكشف المرض‬
‫والزمانة بالشرب والغسل من العينين المذكورتين ‪ :‬ومثلهم معهم‪ ‬باكتساب الملكات الفاضلة والخلق الحميدة‬
‫والصفات الجميلة حتى صارت القوى الطبيعية النفسانية أيضا روحانية في النشأة الثانية وحدوث القوى البدنية الفانية ‪:‬‬
‫‪‬رحمة منا‪ ‬بإفاضة الكمالت التي سألها استعداده ‪ :‬وذكرى‪ ‬وتذكيرا ‪ :‬لولي‪ ‬الحقائق المجردة عن قشور‬
‫المواد الجسمانية الذين يفهمون بسمع القلب حتى يعتبروا أحوالهم بحالة ويتذكروا ما في فطرتهم من العلوم‪ .‬وخذ‬
‫بيدك ضغثا‪ ‬قيل ‪ :‬إنه حلف في مرضه ليضربن امرأته مائة إن برئ‪ ،‬واختلف في سبب حلفه فقيل ‪ :‬أبطأت ذاهبة في‬
‫حاجة‪ ،‬وقيل ‪ :‬أوهمها الشيطان أن تسجد له سجدة ليرد أموالهم الذاهبة‪ ،‬وقيل ‪ :‬باعت ذؤابتين لها برغيفين وكانتا‬
‫متعلق أيوب عند قيامه‪ .‬وقيل ‪ :‬أشارت إليه ليشرب الخمرة‪ ،‬كلها إشارات إلى التلوين المذكور بظهور النفس بإبطائها‬
‫وتكاسلها في الطاعات أو طاعة شيطان الوهم وانقيادها له في تمني الحظوظ وترك ما يتعلق به القلب في القيام عن‬
‫مرقد البدن والتجرد عن الهيئات المنشطة المشجعة من العلوم النافعة والعمال الفضيلة‪ ،‬واستبدال الحظوظ القليلة‬
‫المقدار‪ ،‬اليسيرة الوقع‪ ،‬والخطر بها‪ ،‬أو المراءاة بها‪ ،‬لستجلب حظ النفس أو شرب خمر الهوى والميل إلى ما‬
‫يخالف العقل‪ .‬وحلفه إشارة إلى نذره المخالفات والرياضات المتعبة والمجاهدات المؤلمة أو ما ركز في استعداده في‬
‫محبته التجريد والتزكية بالرياضة وعزيمة تأديب النفس بالخلق والداب بالمخالفات المؤلمة بمقتضى العهد الول‬
‫وحكم ميثاق الفطرة وأخذ الضغث‪ .‬والضرب به إشارة إلى الرخصة والطريقة السهلة السمحة من تعديل الخلق‬
‫بالقتصار على الوساط والعتدالت من الرياضات والمخالفات لصفاء الستعداد وشرف النفس ونجابة جوهرها‬
‫‪ ' :‬بعثت بالحنيفية السمحة السهلة '‪ : .‬ول تحنث‪ ‬بترك‬ ‫‪‬‬ ‫دون الفراط فيها‪ ،‬والخذ بالعزائم الصعبة كما قال‬
‫التأديب بالكلية ونقص العزيمة في طلب الكمال‪ ،‬وترك الوفاء بالنذر الفطري ‪ :‬إنا وجدناه صابرا‪ ‬في بليته وطلبه‬
‫للكمال‪ ،‬فرحمناه‪ ،‬وليس كل طالب صابرا ‪ :‬نعم العبد إنه‪ ‬رجاع إلى ال بالتجرد والمحو والفناء‪ .‬واذكر عبادنا‪‬‬
‫المخصوصين من أهل العناية ‪ :‬أولي اليدي والبصار‪ ‬أي ‪ :‬العمل والعلم لنسبة الول إلى اليدي والثاني إلى‬
‫البصر والنظر‪ ،‬وهم أرباب الكمالت العملية والنظرية‪ : .‬إنا أخلصناهم‪ ‬صفيناهم عن شوب صفات النفوس وكدورة‬
‫النائية وجعلناهم لنا خالصين بالمحبة الحقيقية ليس لغيرنا فيهم نصيب‪ ،‬ول يميلون إلى الغير بالمحبة العارضية ل‬
‫إلى أنفسهم ول إلى غيرهم بسبب خصلة خالصة غير مشوبة بهم آخر هي ‪ :‬ذكرى الدار‪ ‬الباقية والمقر الصلي‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬استخلصناهم لوجهنا بسبب تذكرهم لعالم القدس وإعراضهم عن معدن الرجس مستشرفين لنوارنا ل التفات لهم إلى‬
‫الدنيا وظلماتها أصل‪ : .‬وإنهم عندنا‪ ‬أي ‪ :‬في الحضرة الواحدية ‪ :‬لمن‪ ‬الذين اصطفيناهم لقربنا من بني نوعهم ‪:‬‬
‫‪‬الخبار‪ ‬المنزهين عن شوائب الشر والمكان والعدم والحدثان ‪ :‬هذا ذكر‪ ‬أي ‪ :‬هذا باب مخصوص بذكر‬
‫السابقين من أهل ال المخصوصين بالعناية ‪ :‬وإن للمتقين‪ ‬المجردين من صفات نفوسهم دون الواصلين إلى بساط‬
‫القرب والكرامة الناظرين إليه في جنة الروح بالمشاهدة ‪ :‬لحسن مآب‪ ‬في مقام القلب من جنة الصفات ‪ :‬جنات‬
‫عدن مخلدة ‪ :‬مفتحة لهم‪ ‬أبوابها بالتجليات ‪ :‬يدخلونها‪ ‬من طرق الفضائل الخلقية والكمالت ‪ :‬متكئين فيها‪‬‬‫‪‬‬
‫على آرائك المقامات ‪ :‬يدعون فيها بفاكهة كثيرة‪ ‬من المكاشفات اللذيذة ‪ :‬وشراب‪ ‬المحبة الوصفية‪ : .‬وعندهم‬
‫قاصرات الطرف‪ ‬من الزواج القدسية وما في مراتبهم من النفوس الفلكية والنسية ‪ :‬أتراب‪ ‬متساوية في الرتب ‪:‬‬
‫‪‬ليوم الحساب‪ ‬لوقت جزائكم من الصفات اللهية على حساب فنائكم من الصفات البشرية ‪ :‬ما له من نفاذ‪ ‬لكونه‬
‫غير مادي فل ينقطع‪ .‬هذا‪ ‬باب في وصف الجنة وأهلها ‪ :‬وأن‪ ‬للذين طغوا حدودهم بصفات النفس وظهورها‬
‫فنازعوا الحق علوه وكبرياءه باستعلئهم وتكبرهم ‪ :‬لشر مآب‪ ‬إلى جهنم الطبيعة الثارية ونيران الظلمات‬
‫الهيولنية ‪ :‬يصلونها‪ ‬بفقدان اللذات ووجدان اللم ‪‬هذا فليذوقوه حميم‪ ‬الهوى والجهل ‪ :‬وغساق‪ ‬الهيئات الظلمانية‬
‫والكدورات الجسمانية‪ : .‬و‪ ‬خزي وعذاب ‪ :‬آخر‪ ‬من نوعه أو مذوقات أخر من مثله‪ ،‬أصناف من العذاب في‬
‫الهوان والحرمان ‪ :‬هذا فوج‪ ‬من أتباعكم وأشباهكم أهل طبائع السوء والرذائل المختلفة ‪ :‬مقتحم معكم‪ ‬في‬
‫مضايق المذلة ومداخل الهوان‪ .‬قال الطاغون ‪ : :‬ل مرحبا‪ ‬بهم لشدة عذابهم وكونهم في الضيق والضنك واستيحاش‬
‫بعضهم من بعض لقبح المناظر وسوء المخابر ‪ :‬قالوا‪ ‬أي ‪ :‬التباع ‪ :‬بل أنتم ل مرحبا بكم‪ ‬لتضاعف عذابكم‬
‫ورسوخ هيئاتكم ‪ :‬أنتم قدمتموه لنا‪ ‬بإضللنا والتحريض على أعمالنا‪ ،‬وهذه المقاولت قد تكون بلسان القال وقد‬
‫تكون بلسان الحال‪ ،‬والرجال الذين اتخذوهم سخريا هم الفقراء الموحدون والصعاليك المحققون عدوهم من الشرار‬
‫في الدنيا لمخالفتهم إياهم في الغراء عما سوى ال والتوجه إلى خلف مقاصدهم وترك عاداتهم ومطالبهم بل ‪:‬‬
‫‪‬زاغت عنهم‪ ‬أبصارهم لكونهم محجوبين بالغواشي البدنية والمور الطبيعية عن حقائقهم المجردة وذواتهم المقدسة‬
‫كما حجبوا بالعادات العامية والطرائق الجاهلية عن طرائقهم وسيرتهم على أن أم منقطعة‪ ،‬وإنما كان تخاصم أهل‬
‫النار حقا لكونهم في عالم التضاد ومحل العناد‪ ،‬إسراء في قيود الطبائع المختلفة وأيدي القوى المتنازعة والهواء‬
‫الممانعة‪ ،‬والميول المتجاذبة‪ .‬ما أنا إل منذر ل أدعوكم إلى نفسي ول أقدر على هدايتكم لني فان عن نفسي وعن‬
‫قدري‪ ،‬قائم في النذار بال وصفاته‪ : .‬وما من إله‪ ‬في الوجود ‪ :‬إل ال الواحد‪ ‬بذاته ‪ :‬القهار‪ ‬الذي يقهر كل‬
‫من سواه بإفنائه في وحدانيته ‪ :‬رب‪ ‬الكل الذي يرب كل شيء في حضرة واحديته باسم من أسمائه ‪ :‬العزيز‪ ‬الذي‬
‫يغلب المحجوب بقوته فيعذبه بما حجب به في سترات جلله لستحقاقه فيض الربوبية من حضرة القهار المنتقم‬
‫وسطوات العذاب المحتجب ‪ :‬الغفار‪ ‬الذي يستر ظلمات صفات النفس بأنوار تجليات جماله لمن بقي فيه نور فطرته‬
‫فيقبل نور المغفرة لبقاء مسكة من نوريته ‪ :‬قل هو‪ ‬أي ‪ :‬الذي أنذركم به من التوحيد الذاتي والصفاتي ‪ :‬نبأ عظيم‬
‫أنتم عنه معرضون‪ ‬ثم احتج على صحة نبوته باطلعه على اختصام المل العلى من غير تعلم إذ ل سبيل إليه إل‬
‫الوحي‪ ،‬وفرق بين اختصام المل العلى واختصام أهل النار بقوله في تخاصم أهل النار ‪ :‬إن ذلك لحق‪ ،‬وفي اختصام‬
‫المل العلى ‪ :‬إذ يختصمون‪ ‬لن ذلك حقيقي ل ينتهي إلى الوفاق أبدًا‪ ،‬وهذا عارضي نشأ من عدم اطلعهم على‬
‫الذي هو فوق كمالتهم‪ .‬وانتهى إلى الوفاق عند قولهم ‪ : :‬سبحانك ل علم لنا إل ما علمتنا‪] ‬البقرة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫كمال آدم‬
‫الية ‪ ،[32 :‬وقوله تعالى ‪ : :‬ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والرض‪] ‬البقرة‪ ،‬الية ‪ [33 :‬على ما ذكر في‬
‫‪ :‬تعظيمهم له وانقيادهم وخضوعهم لنكشاف كماله الذي‬ ‫‪‬‬ ‫سورة )البقرة( عند تأويل هذه القصة‪ .‬وسجودهم لدم‬
‫هو فوق كمالتهم عليهم السلم‪ ،‬وإباء إبليس واستكباره ‪ :‬عدم انقياد شيطان الوهم وإذعانه لحتجابه عن حقيقته‬
‫بانطباعه في المادة‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪ : :‬وكان من الكافرين‪] ‬ص‪ ،‬الية ‪ : .[74 :‬لما خلقت بيدي‪ ‬أي ‪ :‬خلقته‬
‫بصفتي الجمال والجلل والقهر واللطف وجميع أسمائي المتقابلة المندرجة تحت صفتي القهر والمحبة لتحصل عند‬
‫الجمعية اللهية في الحضرة الواحدية بخلف حال المل العلى‪ ،‬فإن من خلق منهم بصفة القهر ل يقدر على اللطف‬
‫وبالعكس ‪ :‬استكبرت‪ ‬أي ‪ :‬أعرض لك التكبر والستنكاف ‪ :‬أم كنت‪ ‬عاليا عليه‪ ،‬زائدا في المرتبة ؟ فأجاب‬
‫المحجوب ‪ :‬بأني عال خير منه في الصل لعدم اطلعه على حقيقته المجردة واطلعه على بشريته‪ ،‬ول شك أن‬
‫الروح الحيواني الناري الذي خلق منه اللعين أشرف من المادة الكثيفة البدنية ولكن الحتجاب عن الجمعية اللهية‬
‫واللطيفة الروحانية بعث اللعين على الباء حتى تمسك بالقياس وعصى ال في سجود الناس‪ .‬والرجيم واللعين من بعد‬
‫عن الحضرة القدسية المنزهة عن المواد الرجسية بالنغماس في الغواشي الطبيعية والحتجاب بالكوائن الهيولنية‪،‬‬
‫ولهذا وقت اللعن بيوم الدين وحدد نهايته به‪ ،‬لن وقت البعث والجزاء هو زمان تجرد الروح عن البدن ومواده‪،‬‬
‫وحينئذ ل يبقى تسلطه على النسان وينقاد ويذعن له في الوقت المعلوم الذي هو القيامة الكبرى فل يكون ملعونا كما‬
‫‪ ' :‬إل أن شيطاني أسلم على يدي '‪ .‬والنظار للغواء واللعن ينتهيان إلى ذلك الوقت‪ ،‬لكن الذين أخلصهم‬ ‫‪‬‬ ‫قال‬
‫ال لنفسه من أهل العناية عن شوب الكدورات النفسية وحجب البشرية والنائية‪ ،‬وصفى فطرتهم عن خلط ظلمة النشأة‬
‫ل يمكنه إغواؤهم البتة في البداية أيضا‪ ،‬فكيف في النهاية ؟‪ .‬واللعن إن ارتفع بإسلمه وانقياده هناك لكن لزمه كونه‬
‫جهنميا لملزمته الطبيعة الهيولنية والمادة الجسمانية فل يتجرد أصل وإن كان قد يرتقي إلى سماء العقل والفق‬
‫الروحانية بالوسوسة واللقاء ويتصل في جنة النفس بآدم عند الغواء ول يزال يطرد عن ذلك الجناب ‪ :‬فاخرج‬
‫منها فإنك رجيم‪ .‬وإنما أقسم على الغواء بعزته تعالى لنه مسبب عن تعززه بأستار الجلل وسرادقات الكبرياء‪،‬‬
‫وتمنعه عن إدراك إبليس لفنائه بسحب النوار‪ .‬وأقسم ال تعالى في مقابلته بالحق الثابت الواجب الذي ل يتغير على‬
‫إملئه جهنم منه ومن أتباعه لوجود ذلك التعزز وملزمة هؤلء جهنم دائما أبدا على حاله ل يتغير ول يتبدل‪ ،‬لن‬
‫تجرد المجرد بالذات وتعلق المتعلق بالطبع‪ ،‬أمر تقتضيه الذوات والعيان والحقائق في الزل غير عارض فل يزال‬
‫كذلك أبدا‪ .‬قل ما أسألكم عليه من أجر‪ ‬ول غرض لي في ذلك‪ ،‬فإن أقوال الكامل المحقق بالحق مقصودة بالذات‬
‫غير معللة بالغرض ‪ :‬وما أنا من المتكلفين‪ ‬أي ‪ :‬المتصنعين الذي ينتحلون الكمالت ويظهرون بأنفسهم وصفاتها‪،‬‬
‫ويدعون كمالت ال لنفسهم‪ ،‬بل فنيت عن نفسي وصفاتها‪ ،‬فال القائل بلساني ‪ :‬ولتعلمن نبأه بعد حين‪ ‬عند القيامة‬
‫الصغرى أو الكبرى لظهور تأويله حينئذ‪.‬‬

‫سورة الزمر‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬تنزيل‪ ‬كتاب العقل الفرقاني بظهوره عليك من غيب الغيوب ‪ :‬من ال‪ ‬وحضرته الواحدية ‪ :‬العزيز‪ ‬المحتجب‬
‫بسترات الجلل في غيب غيبه ‪ :‬الحكيم‪ ‬ذي الحكمة الكامنة هناك‪ ،‬البارزة في مراتب التنزيلت ‪ :‬بالحق‪ ‬أي ‪:‬‬
‫أنزلناه بظهور الحق فيك بعد كمونه ‪ :‬فاعبد ال‪ ‬فخصصه بالعبادة الذاتية حين تجلى لك بذاته ولم يبق أحدا من‬
‫خلقه ‪ :‬مخلصا‪ ‬ممحضا ‪ :‬له الدين‪ ‬عن شوب الغيرية والثنينية‪ ،‬أي ‪ :‬اعبده بشهوده لذاته ومطالعة تجليات‬
‫صفاته بعينه وتلوة كلمه به‪ ،‬فيكون سيرك سير ال ودينك دين ال وفطرتك ذات ال‪ : .‬أل ل الدين الخالص‪ ‬عن‬
‫شوب الغيرية والنائية ل لك لفنائك فيه بالكلية‪ ،‬فل ذات لك‪ ،‬ول صفة‪ ،‬ول فعل‪ ،‬ول دين‪ ،‬وإل لما خلص الدين‬
‫والذين احتجبوا بالكثرة عن الوحدة واتخذوا الغير وليا بالمحبة للتقرب والتوسل به إلى ال ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫بالحقيقة فل يكون ل ‪ :‬‬
‫‪‬إن ال يحكم بينهم‪ ‬عند حشر معبوداته معهم فيما اختلفوا فيه من صفاتهم وأقوالهم وأفعالهم فيقرن كل منهم مع من‬
‫يتوله من عابد ومعبود‪ ،‬ويدخل المبطل النار مع المبطلين كما يدخل المحق الجنة مع المحقين‪ ،‬ويجزى كل بوصفه‬
‫الغالب عليه وما وقف معه واحتجب به مع اختلفهم في الوصاف وما وقفوا معه ‪ :‬إن ال ل يهدي‪ ‬إلى النجاة‬
‫وعالم النور وتجليات الصفات والذوات ‪ :‬من هو كاذب كفار‪ ‬لبعده عنه واحتجابه بظلمة الرذائل وصفات النفس عن‬
‫النور وامتناعه عن قبوله ‪ :‬سبحانه‪ ‬أي ‪ :‬نزهه عن المماثلة والمجانسة واصطفاء الولد لكون الوحدة لزمة لذاته‬
‫وقهره بوحدانيته لغيره‪ ،‬فل تماثل في الوجود‪ ،‬فكيف في الوجوب ؟‪.‬‬
‫‪‬خلق السماوات والرض بالحق‪ ‬بظهوره في مظاهرها واحتجابه بصورها مصرفا للكل بقدرته وفعله ‪ :‬وسخر‬
‫الشمس والقمر‪ ‬بسلطانه وملكه فل ذات ول صفة ول فعل لغيره‪ ،‬وذلك دليل وحدانيته ‪ :‬إل هو العزيز‪ ‬القوي الذي‬
‫يقهر الكل بسطوة قهره ‪ :‬الغفار‪ ‬الذي يسترهم بنور ذاته وصفاته فل يبقى معه غيره أو العزيز المتمنع باحتجابه‬
‫عن خلقه بصور مخلوقاته الغفار الذي يستر لمن يشاء ذنوب وجوده وصفاته فيظهر عليه ويتجلى له بصفاته وذاته‪: .‬‬
‫‪‬خلقكم من نفس واحدة‪ ‬هي آدم الحقيقي‪ ،‬أي ‪ :‬النفس الناطقة الكلية التي تتشعب عنها النفوس الجزئية ‪ :‬ثم جعل‬
‫منها زوجها‪ ‬النفس الحيوانية ‪ :‬وأنزل لكم‪ ‬لكون صورها في اللوح المحفوظ ونزول كل ما وجد في عالم الشهادة من‬
‫عالم الغيب ‪ :‬خلقا من بعد خلق‪ ‬يخلقكم في أطوار الخلقة متقلبين ‪ :‬في ظلمات ثلث‪ ‬من الطبيعة الجسمانية‬
‫والنفس النباتية والحيوانية ‪ :‬ذلكم‪ ‬الخالق لصوركم‪ ،‬المكورة‪ ،‬أي ‪ :‬المصرف بقدرته المسخر بملكوته وسلطانه‪،‬‬
‫المنشئ للكثرة من وحدته بأسمائه وصفاته‪ ،‬المنزل لما قضى وقدر بأفعاله هو الذات الموصوفة بجميع صفاته يربكم‬
‫بأسمائه ‪ :‬له الملك‪ ‬يتصرف فيه بأفعاله ‪ :‬ل إله إل هو‪ ‬في الوجود ‪ :‬فأنى تصرفون‪ ‬عن عبادته إلى عبادة‬
‫غيره مع عدمه‪.‬إن تكفروا‪ ‬وتحتجبوا بصفاتكم وذواتكم فإن ال ل يحتاج إلى ذواتكم وصفاتكم في ظهوره‬
‫وكماله‪ ،‬لكونها فانية في نفس المر ليست شيئا إل به‪ ،‬فضل عن احتياجه إليها وهو الظاهر بذاته لذاته والباطن‬
‫بحقيقته‪ ،‬المشاهد لكماله بعينه ‪ :‬ول يرضى لعباده‪ ‬الحتجاب لكونه سبب هلكهم ووقوعهم في أسر المالك والزبانية‬
‫ول يتعلق بهم الرضا‪ ،‬ول يقبلون نوره فيدخلوا الجنة ‪ :‬وإن تشكروا‪ ‬برؤية نعمه واستعمالها في طاعته لتستعدوا‬
‫لقبول فيضه يرضى الشكر لكم بتجلي الصفات لتتصفوا بها فتبلغوا مقام الرضا وتدخلوا الجنة‪ ،‬فما تبعة الكفر إل‬
‫عليكم ول ثمرة الشكر إل لكم‪ ،‬أهذا الكافر المحجوب أفضل‪ : .‬أمن هو قانت‪ ‬مطيع في مقام النفس وأوقات ظلمة‬
‫صفاتها ‪ :‬ساجدا‪ ‬بفناء الفعال والصفات‪ ،‬قائما بالطاعة والنقياد‪ ،‬عند ظهور النفس بصفاتها وأفعالها ‪ :‬يحذر‪‬‬
‫عقاب الخرة ويرجو الرحمة‪ ،‬إذ السالك في مقام النفس ل يخلو عن الخوف والرجاء ‪ :‬قل هي يستوي‪ ‬أي ‪ :‬ل‬
‫يستويان‪ ،‬وإنما ترك المضمر إلى الظاهر ليبين أن المطيع في مقام النفس هو العالم والكافر هو الجاهل‪ .‬أما الول فإن‬
‫العلم هو الذي رسخ في القلب وتأصل بعروقه في النفس بحيث ل يمكن صاحبه مخالفته بل سيط باللحم والدم فظهر‬
‫أثره في العضاء ل ينفك شيء منها عن مقتضاه‪ ،‬وأما المرتسم في حيز العقل والتخيل بحيث يمكن ذهول النفس عنه‬
‫وعن مقتضاه فليس بعلم إنما هو أمر تصوري وتخيل عارضي ل يلبث بل يزول سريعا‪ ،‬ل يغذو القلب ول يسمن ول‬
‫يغني من جوع‪ .‬وأما الثاني فظاهر‪ ،‬إذ لو علم لم يحجب بالغير عن الحق ‪ :‬إنما يتذكر‪ ‬ويتعظ بهذا الذكر ‪ :‬أولو‪‬‬
‫العقول الصافية عن قشر التخيل والوهم لتحققها بالعلم الراسخ الذي يتأثر به الظاهر‪ .‬وأما المشوبة بالوهم فل تتذكر‬
‫ول تتحقق بهذا العلم ول تعيه‪ ،‬بل تتلجلج فيه فيذهب‪ .‬قل يا عباد‪ ‬المخصوصين في من أهل العناية ‪ :‬الذين آمنوا‪‬‬
‫اليمان العملي ‪ :‬اتقوا ربكم‪ ‬بمحو صفاتكم ‪ :‬للذين أحسنوا‪ ‬أي ‪ :‬اتصفوا بالصفات اللهية فعبدوه على المشاهدة ‪:‬‬
‫‪‬في هذه الدنيا حسنة‪ ‬ل يكتنه كنهها في الخرة وهي شهود الوجه الباقي وجماله الكريم‪ : .‬وأرض ال‪ ‬أي ‪ :‬النفس‬
‫المطمئنة المخصوصة بال لنقيادها له وقبولها لنوره واطمئنانها إليه‪ ،‬ذات سعة بيقينها ل تتقيد بشيء ول تلبث في‬
‫ضيق من عادة ومألوف وأمر غير الحق ‪ :‬إنما يوفى الصابرون‪ ‬الذين صبروا مع ال في فناء صفاتهم وأفعالهم‬
‫وسلوكهم فيه وسيرهم في منازل النفس الواسعة باليقين ‪ :‬أجرهم‪ ‬من جنات الصفات ‪ :‬بغير حساب‪ ‬إذ الجر‬
‫الموفى بحسب العمال في مقام النفس مقدر بالعمال في جنة النفوس‪ ،‬متناه لكونه من باب الثار محصورا في‬
‫المواد‪ .‬وأما الذي يوفى بحسب الخلق والحوال فهو غير متناه لكونه من باب تجليات الصفات في جنة القلب وعالم‬
‫القدس مجردا عن المواد ‪ :‬مخلصا له الدين‪ ‬عن اللتفات إلى الغير والسير بالنفس ‪ :‬وأمرت لن أكون‪ ‬مقدم ‪:‬‬
‫‪‬المسلمين‪ ‬الذين أسلموا وجوههم إلى ال بالفناء فيه وسابقهم في الصف الول‪ ،‬سائرا بال‪ ،‬فانيا عن النفس وصفاتها‪.‬‬
‫‪ :‬أخاف إن عصيت ربي‪ ‬بترك الخلص والنظر إلى الغير ‪ :‬عذاب يوم عظيم‪ ‬من الحتجاب والحرمان والبعد ‪:‬‬
‫‪‬قل ال‪ ‬أخص بالعبادة ‪ :‬مخلصا له ديني‪ ‬عن شوب النائية والثنينية ‪ :‬قل إن الخاسرين‪ ‬بالحقيقة‪ ،‬الكاملين في‬
‫الخسران‪ ،‬هم الواقفون مع الغير‪ ،‬المحجوبون عن الحق ‪ :‬الذين خسروا أنفسهم وأهليهم‪ ‬بإهلك النفس وتضييع‬
‫الهل من الجواهر المقدسة التي تجانسهم وتناسبهم في عالمها الروحاني لحتجابهم بالظلمات الهيولنية عنهم ‪ :‬أل‬
‫ذلك هو الخسران‪ ‬الحقيقي الظاهر البين‪ : .‬لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل‪ ‬لنغمارهم في المواد‬
‫الهيولنية واستقرارهم في قعر بئر الطبيعة الظلمانية‪ ،‬فوقهم مراتب من الطبائع وتحتهم مراتب أخرى وهم في‬
‫غمرات منها‪.‬‬
‫‪‬والذين اجتنبوا‪ ‬عبادة الغير ‪ :‬وأنابوا إلى ال‪ ‬بالتوحيد المحض ‪ :‬لهم البشرى‪ ‬باللقاء ‪ :‬فبشر عباد‪‬‬
‫المخصوصين بعنايتي‪ : .‬الذين يستمعون القول‪ ‬كالعزائم والرخص والواجب والمندوب في قول الحق والغير ‪:‬‬
‫‪‬فيتبعون أحسنه‪ ‬كالعزائم دون الرخص والواجب دون المندوب والقول حق في الكل ل غير ‪ :‬أولئك الذين هداهم‬
‫ال‪ ‬إليه بنور الهداية الصلية ‪ :‬وأولئك هم أولو اللباب‪ ‬المميزون بين القوال بألبابهم المجردة فيتلقون المعاني‬
‫المحققة دون غيرها‪ : .‬أفمن حق عليه كلمة العذاب‪ ‬أي ‪ :‬أأنت مالك أمرهم فمن سبق الحكم بشقاوته فأنت تنقذه‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ل يمكن إنقاذه أصل ‪ :‬لكن الذين اتقوا‪ ‬أفعالهم وصفاتهم وذواتهم في التجريد والتفريد من أهل التوحيد ‪ :‬لهم‬
‫غرف من فوقها غرف‪ ‬أي ‪ :‬مقامات وأحوال بعضها فوق بعض كالتوكل بفناء الفعال فوقه‪ ،‬الرضاء بفناء الصفات‬
‫فوقه الفناء في الذات ‪ :‬تجري من تحتها‪ ‬أنهار علوم المكاشفات ‪ :‬أنزل من السماء‪ ‬الروح ‪ :‬ماء‪ ‬العلم ‪:‬‬
‫‪‬فسلكه ينابيع‪ ‬الحكم في أراضى النفوس بحسب استعداداتها ‪ :‬ثم يخرج به‪ ‬زرع العمال والخلق ‪ :‬مختلفا‪‬‬
‫أصنافه بحسب اختلف القوى والعضاء ‪ :‬ثم يهيج‪ ‬فينقطع عن أصله بأنوار التجليات ‪ :‬فتراه مصفرا‪‬‬
‫لضمحلله وتلشيه بفناء أصوله‪ ،‬القائم هو بها من القوى والنفوس والقلوب ‪ :‬ثم يجعله حطاما‪ ‬بذهابه وانكساره‬
‫وانقشاعه عند ظهور صفاته تعالى واستقرارها بالتمكين‪ : .‬إن في ذلك لذكرى لولي‪ ‬الحقائق المجردة من قشرة‬
‫النائية‪ .‬أفمن شرح ال صدره للسلم‪ ‬بنوره حال البقاء بعد الفناء ونقى قلبه بالوجود الموهوب الحقاني فيسع‬
‫صدره الحق والخلق من غير احتجاب بأحدهما عن الخر فيشاهد التفصيل في عين الوحدة والتوحيد في عين الكثرة‪،‬‬
‫والسلم هو الفناء في ال وتسليم الوجه إليه‪ ،‬أي ‪ :‬شرح صدره في البقاء لسلمه وجهه حال الفناء ‪ :‬فهو على‬
‫نور من ربه‪ ‬يرى ربه ‪ :‬فويل‪ ‬للذين قسمت قلوبهم من قبول ذكر ال لشدة ميلها إلى اللذات البدنية وإعراضها عن‬
‫الكمالت القدسية ‪ :‬أولئك في ضلل مبين‪ ‬عن طريق الحق ‪ :‬متشابها‪ ‬في الحق والصدق ‪ :‬مثاني‪ ‬لتنزلها‬
‫عليك في مقام القلب قبل الفناء وبعده فتكون مكررة باعتبار الحق والخلق‪ ،‬فتارة يتلوها الحق وتارة يتلوها الخلق ‪:‬‬
‫‪‬تقشعر منه جلود‪ ‬أهل الخشية من العلماء بال لنفعالها بالهيئات النورانية الواردة على القلب النازل أثرها إلى‬
‫البدن ‪ :‬ثم تلين جلودهم وقلوبهم‪ ‬وأعضاؤهم بالنقياد والسكينة والطمأنينة ‪ :‬إلى ذكر ال ذلك هدى ال‪ ‬بالنوار‬
‫اليقينية ‪ :‬يهدي به من يشاء‪ ‬من أهل عنايته ‪ :‬ومن يضلل ال‪ ‬يحجبه عن النور فل يفهم كلمه ول يرى معناه ‪:‬‬
‫‪‬فما له من هاد أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب‪ ‬مع كونه أشرف العضاء لكون سائر جوارحه مقيدة بهيئات ل يتأتى‬
‫له التحرز بها ول يتهيأ‪ ،‬مغللة بأغلل ل يتيسر له بها الحركة في الدفع ول يتسنى كمن أمن العذاب‪ : .‬مثل‪ ‬في‬
‫التوحيد والشرك ‪ :‬رجل فيه شركاء متشاكسون‪ ‬سيئوا الخلق ل يتسالمون في شيء يوجهه هذا في حاجة ويمنعه‬
‫هذا ويجذبه أحدهما إلى جهة والخر إلى ما يقابلها‪ ،‬فيتنازعون ويتجاذبون وهذا صفة من تستولي عليه صفات نفسه‬
‫المتجاذبة لحتجابه بالكثرة المتخالفة فهو في عين التفرقة همه شعاع وقلبه أوزاع ‪ :‬ورجل سلما لرجل‪ ‬ل يبعثه إل‬
‫إلى جهته‪ ،‬وهذا مثل الموحد الذي تسالمت له مشايعة السر إلى جناب الرب ليس له إل هم واحد ومقصد واحد في عين‬
‫الجمعية مجموع ناعم البال خافض العيش والحال‪ .‬إنك ميت وإنهم ميتون‪ ‬معناه ‪ :‬كل شيء هالك إل وجهه‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫فان في ال‪ ،‬وهم في شهودك هالكون معدومون بذواتهم‪ : .‬ثم إنكم يوم القيامة‪ ‬الكبرى ‪ :‬عند ربكم تختصمون‪‬‬
‫لختلفكم في الحقيقة والطريقة لكونهم محجوبين بالنفس وصفاتها‪ ،‬سائرين بها طالبين لشهواتها ولذاتها‪ ،‬وكونك دائما‬
‫بالحق سائرا به طالبا لوجهه ورضاه ‪ :‬ليكفر ال عنهم أسوأ الذي عملوا‪ ‬من صفات نفوسهم وهيئات رذائلهم ‪:‬‬
‫‪‬ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون‪ ‬من تجليات صفاته وجنات جماله‪ ،‬فيمحو ظلمات وجوداتهم بنور‬
‫وجهه‪ : .‬أليس ال بكاف عبده‪ ‬المتوكل عليه في توحيد الفعال وهو منبع القوى والقدر ‪ :‬ويخوفونك بالذين من‬
‫دونه لحتجابهم بالكثرة عنه‪ ،‬فينسبون التأثير والقدرة إلى ما هو ميت بالذات ل حول ل ول قوة‪ ،‬فأنت أحق بأن يكفيك‬ ‫‪‬‬
‫ربك شرهم ‪ :‬ومن يضلل ال‪ ‬يحجبه عنه ‪ :‬فما له من هاد‪ ‬إذ ل معقب لحكمه ول راد لقضائه‪ : .‬قل ل الشفاعة‬
‫جميعا‪ ‬لتوقفها على إرضائه للمشفوع له بتهيئته لقبولها‪ ،‬وإذن الشفيع بتمكينه منها والتهيئ من فيضه القدس‪ ،‬فالقبول‬
‫والتأثير من جهته له الملك مطلقا ‪ :‬وإليه‪ ‬الرجوع دائما ‪ :‬ما لم يكونوا يحتسبون‪ ‬مما يشاهدون من هيئات أعمالهم‬
‫وصورأخلقهم التي ذهلوا عنها لشتغالهم بالشواغل الحسية‪ ،‬وأحصاه ال بإثباته في كتبهم بل في الكتب الربعة من‬
‫نفوسهم والسماء الدنيا واللوح المحفوظ وأم الكتاب‪.‬‬
‫‪‬ل تقنطوا من رحمة ال‪ ‬فإن القنوط علمة زوال الستعداد والسقوط عن الفطرة بالحتجاب‪ ،‬وانقطاع الوصلة من‬
‫الحق والبعد‪ ،‬إذ لو بقيت فيه مسكة من النور الصلي لدرك أثر رحمته الواسعة السابقة على غضبه بالذات فرجا‬
‫وصول ذلك الثر إليه‪ ،‬وإن أسرف في الميل إلى الجهة السفلية وفرط في جنب الحضرة اللهية لتصاله بعالم النور‬
‫بتلك البقية‪ .‬وإنما اليأس ل يكون إل مع الحتجاب الكلي واسوداد الوجه بالعراض عن العالم العلوي‪ ،‬والتغشي‬
‫بالغطاء الخلقي المادي‪ : .‬إن ال يغفر الذنوب جميعا‪ ‬بشرط بقاء نور التوحيد في القلب وهو مستفاد من اختصاص‬
‫العباد لفاضتهم إلى نفسه في قوله ‪ : :‬يا عبادي‪] ‬الزمر‪ ،‬الية ‪ ،[53 :‬ولهذا قيل ‪ :‬يغفر جميعها للمة المحمدية‬
‫الموحدين دون سائر المم‪ ،‬كما قال نوح عليه السلم ‪ : :‬يغفر لكم من ذنوبكم‪] ‬نوح‪ ،‬الية ‪ [71 :‬أي ‪ :‬بعضها‪: .‬‬
‫‪‬إنه هو الغفور‪ ‬لهيئات الرذائل من الفراط والتفريط ‪ :‬الرحيم‪ ‬بإفاضة الفضائل‪ : .‬وأنيبوا إلى ربكم‪ ‬بالتنصل‬
‫عن هيئات السوء ‪ :‬وأسلموا له‪ ‬وجوهكم بالتجرد عن ذنوب الفعال والصفات من قبل انسداد باب المغفرة بوقوع‬
‫العذاب الذي تستحقونه بالموت فل يمكنكم النابة والتسليم لفقدان اللت وانسداد البواب ‪ :‬يا حسرتا على ما‬
‫فرطت‪ ‬بترك السعي في طلب الكمال والتقصير في الطاعة حين كنت في جوار ال‪ ،‬قريبا منه‪ ،‬لصفاء استعدادي‬
‫وتمكني من السلوك فيه بوجود اللت البدنية المعدة لي‪ : .‬ويوم القيامة‪ ‬الكبرى ‪ :‬ترى الذين كذبوا على ال‪ ‬من‬
‫المحجوبين الذين يسوونه بالمخلوقات‪ ،‬إذ يجسمونه ويجوزون عليه ما يمتنع عليه من الصفات لحتجابهم بالمواد ‪:‬‬
‫‪‬وجوههم مسودة‪ ‬بارتكاب الهيئات الظلمانية ورسوخ الرذائل النفسانية في ذواتهم ‪ :‬أليس في جهنم‪ ‬الطبيعية‬
‫الهيولنية ‪ :‬مثوى للكافرين‪ ‬الذين احتجبوا بصفات نفوسهم المستولية عليهم‪ .‬وينجي ال الذين اتقوا‪ ‬الرذائل‬
‫بتجردهم عن تلك الصفات ‪ :‬بمفازتهم‪ ‬وأسباب فلحهم من هيئات الحسنات وصور الفضائل والكمالت ‪ :‬ل‬
‫يمسهم السوء‪ ‬لتجردهم عن الهيئات المؤلمة المنافية ‪ :‬ول هم يحزنون‪ ‬بفوات كمالتهم التي اقتضتها استعداداتهم‪: .‬‬
‫‪‬له مقاليد السماوات والرض‪ ‬هو وحده يملك خزائن غيوبها وأبواب خيرها وبركتها‪ ،‬يفتح لمن يشاء بأسمائه‬
‫الحسنى‪ ،‬إذ كل اسم من أسمائه مفتاح لخزانة من خزائن جوده ل ينفتح بابها إل به‪ ،‬فيفيض عليه ما فيها من فيض‬
‫رحمته العامة والخاصة ونعمته الظاهرة والباطنة‪ : .‬والذين كفروا بآيات ال‪ ‬أي ‪ :‬حجبوا عن أنوار صفاته وأفعاله‬
‫بظلمات طباعهم ونفوسهم ‪ :‬أولئك هم الخاسرون‪ ‬الذين ل نصيب لهم في تلك الخزائن لطفائهم النور الصلي‬
‫القابل لها وتضييعهم الستعداد الفطري‪ ،‬والسم الذي يفتح به مقاليدها‪ : .‬قل أفغير ال تأمروني أعبد‪ ‬بالجهل‪،‬‬
‫فأحتجب عن فيض رحمته ونور كماله‪ ،‬فأكون ‪ :‬من الخاسرين‪ ‬بل خصص العبادة بال موحدا فانيا فيه عن رؤية‬
‫الغير إن كنت تعبد شيئا ‪ :‬وكن من الشاكرين‪ ‬به له‪ : ،‬وما قدروا ال حق قدره‪ ‬أي ‪ :‬ما عرفوه حق معرفته إذ‬
‫قدروه في أنفسهم وصوروه وكل ما يتصورونه فهو مجعول مثلهم ‪ :‬والرض جميعا قبضته‪ ‬أي ‪ :‬تحت تصرفه‬
‫والسماوات في طي قهره ويمين قوته يصرفها كيف يشاء ويفعل بها ما يشاء‪ ،‬يطويها‬
‫‪‬‬ ‫وقبضة قدرته وقهر ملكوته ‪ :‬‬
‫ويفنيها عن شهود الشاهد يوم القيامة الكبرى‪ ،‬والفناء في التوحيد لفناء الكل حينئذ في شهود التوحيد‪ ،‬وكل تصرف‬
‫تراه بيمينه وكل صفة تراها صفته‪ ،‬ويرى عالم القدرة بيمينه‪ ،‬بل كل شيء عينه فل يرى غيره بل يرى وجهه‪ ،‬فل‬
‫‪ ‬عما يشركون‪ ‬بإثبات الغير وتأثيره وقدرته‪ .‬ونفخ في الصور‪ ‬عند الماتة بسريان‬ ‫‪‬‬ ‫عين ول أثر لغيره ‪:‬‬
‫روح الحق وظهوره في الكل وشهود ذاته بذاته وفناء الكل فيه ‪ :‬فصعق‪ ‬أي ‪ :‬هلك ‪ :‬من في السماوات ومن في‬
‫الرض‪ ‬حال الفناء في التوحيد وظهور الهوية بالنفخة الروحية ‪ :‬إل من شاء ال‪ ‬من أهل البقاء بعد الفناء الذين‬
‫أحياهم ال بعد الفناء بالوجود الحقاني فل يموتون في القيامة كرة أخرى لكون حياتهم به وفنائهم عن أنفسهم من قبل ‪:‬‬
‫‪‬ثم نفخ فيه أخرى‪ ‬عند البقاء بعد الفناء والرجوع إلى التفصيل بعد الجمع ‪ :‬فإذا هم قيام‪ ‬بالحق ‪ :‬ينظرون‪‬‬
‫بعينه‪ : .‬وأشرقت‪ ‬أرض النفس حينئذ ‪ :‬بنور ربها‪ ‬واتصفت بالعدالة التي هي ظل شمس الوحدة والرض كلها‬
‫بنور العدل والحق ‪ :‬ووضع الكتاب‪ ‬أي ‪ :‬عرض كتاب العمال على أهلها ليقرأ كل واحد‬ ‫‪‬‬ ‫في زمن المهدي‬
‫عمله في صحيفته التي هي نفسه المنتقشة فيها صور أعماله المنطبع منها تلك الصور في بدنه ‪ :‬وجيء بالنبيين‬
‫والشهداء‪ ‬من السابقين المطلعين على أحوالهم الذين قال فيهم ‪ : :‬يعرفون كل بسيماهم‪] ‬العراف‪ ،‬الية ‪ [46 :‬أي ‪:‬‬
‫أحضرو للشهادة عليهم لطلعهم على أعمالهم ‪ :‬وقضي بينهم بالحق‪ ‬حيث وزن أعمالهم بميزان العدل ووفى جزاء‬
‫أعمالهم ل ينقص منها شيء ‪ :‬وهو أعلم بما يفعلون‪ ‬لثبوت صور أفعالهم عنده‪ .‬وسيق‪ ‬المحجوبون ‪ :‬إلى‬
‫جهنم‪ ‬بسائق العمل وقائد الهوى النفسي والميل السفلي ‪ :‬فتحت أبوابها‪ ‬لشدة شوقها إليهم وقبولها لهم لما بينهما من‬
‫المناسبة ‪ :‬وقال لهم خزنتها‪ ‬من مالك والزبانية‪ ،‬أي ‪ :‬الطبيعة الجسمانية والملكوت الرضية الموكلة بالنفوس‬
‫السفلية‪ : .‬وسيق الذين اتقوا‪ ‬الرذائل وصفات النفوس ‪ :‬إلى الجنة‪ ‬بسائق العمل وقائد المحبة ‪ :‬وفتحت أبوابها‪‬‬
‫قبل مجيئهم لن أبواب الرحمة وفيض الحق مفتوحة دائما والتخلف من جهة القبول ل من جهة الفيض بخلف أبواب‬
‫جهنم‪ ،‬فإنها مطبقة تنفتح بهم وبمجيئهم إليها لكون المواد غير مستعدة لقبول النفوس إل بآثارها ‪ :‬وقال لهم خزنتها‪‬‬
‫من رضوان والرواح القدسية والملكوت السماوية ‪ :‬سلم عليكم‪ ‬أي ‪ :‬تحيتهم الصفات اللهية والسماء العلية‬
‫بإفاضة الكمال عليهم وتبرئتهم من الفة والنقص ‪ :‬طبتم‪ ‬عن خبائث الوصاف النفسانية والهيئات الهيولنية‪،‬‬
‫فادخلوا جنة الفردوس الروحانية مقدرين الخلود لنزاهة ذواتكم عن التغيرات الجسمانية‪ .‬وقالوا الحمد ل‪ ‬بالتصاف‬
‫بكمالته والوصول إلى نعيم تجليات صفاته ‪ :‬الذي صدقنا وعده‪ ‬بإيصالنا إلى ما وعدنا في العهد الول وأودع فينا‬
‫وأنبأنا عنه على ألسنة رسله ‪ :‬وأورثنا‪ ‬جنة الصفات ‪ :‬نتبوأ‪ ‬منها ‪ :‬حيث نشاء‪ ‬بحسب شرفنا ومقتضى حالنا ‪:‬‬
‫‪‬فنعم أجر العاملين‪ ‬الذين عملوا بما علموا فأورثوا جنة القلب والنفس من النوار والثار ‪ :‬وترى‪ ‬ملئكة القوى‬
‫الروحانية في جنة الصفات ‪ :‬حافين من حول‪ ‬عرش القلب ‪ :‬يسبحون‪ ‬بتجردهم عن اللواحق المادية‪ ،‬حامدين‬
‫ربهم بالكمالت الروحانية ‪ :‬وقضي بينهم بالحق‪ ‬بتسالمهم واتحادهم في التوجه نحو الكمال بنور العدل والتوحيد‬
‫واختصاص كل ما حكم بالحق في تسبيحه من غير تخاصم وتنازع ‪ :‬وقيل‪ ‬على لسان الحدية ‪ :‬الحمد‪ ‬المطلق‬
‫في الحضرة الواحدية للذات اللهية الموصوفة بجميع صفاتها ‪ :‬رب العالمين‪ ‬مربيهم على حسب استعدادات الشياء‬
‫وأحوالها‪ .‬أو ملئكة النفوس والرواح السماوية حافين في جنة الفردوس من حول عرش الفلك العظم‪ ،‬يسبحون‬
‫بحمد ربهم باتصاف ذواتهم المجردة بالكمالت الربانية‪ : .‬وقضي بينهم بالحق‪ ‬باختصاص كل بما حكم به الحق من‬
‫الفعال والكمالت‪ .‬وقيل على لسان الكل ‪ :‬الكمال المطلق ل رب العالمين‪ ،‬وإن حملت القيامة على الصغرى فمعناه ‪:‬‬
‫وأرض البدن جميعا قبضته‪ ،‬يتصرف فيها بقدرته ويقبضها عن الحركة ويمسكها عن النبساط بالحياة وقت الموت‬
‫وسموات الرواح وقواها مطويات بيمينه ونفخ في الصور عند النفس الخر فصعق من في السموات من القوى‬
‫الروحانية ومن في الرض من القوى النفسانية الطبيعية إل من شاء ال من الحقيقة الروحانية واللطيفة النسانية التي‬
‫ل تموت‪ ،‬ثم نفخ فيه أخرى من النشأة الثانية بنور الحياة والعتدال ووضع الكتاب‪ .‬أي ‪ :‬لوح النفس المنتقش فيه‬
‫صور أعماله فتنتشر بظهور تلك النفوس عليه وجيء بالنبيين والشهداء من الذين اطلعوا على استعدادهم وأحوالهم بأن‬
‫يحشروا معهم فيجازوا على حسب أعمالهم‪ ،‬وقضي بينهم بالعدل وهم ل يظلمون‪ .‬وباقي التأويلت بحالها إلى آخر‬
‫السورة وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة المؤمن وهي غافر‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬حم‪ ‬أي ‪ :‬الحق المحتجب بمحمد فهو حق بالحقيقة‪ ،‬محمد بالخليقة‪ ،‬أحبه فظهر بصورته فكان ظهوره به ‪ :‬تنزيل‬
‫الكتاب‪ ‬المحمدي ‪ :‬من ال‪ ‬أي ‪ :‬ذاته الموصوفة قد تجمع صفاته ‪ :‬العزيز‪ ‬بستور جلله حال كون الكتاب قرآنا ‪:‬‬
‫‪‬العليم‪ ‬الظاهر بعلمه‪ ،‬فيكون فرقانا فقوله ‪) :‬حم( معناه في الحقيقة ‪ :‬ل إله إل ال محمد رسول ال‪ ،‬أي ‪ :‬الحق‬
‫الباطن حقيقته الظاهر بمحمد هو تنزيل الكتاب الذي هو عين الجمع الجامع للكل المكنون بعزته في سرادقات جلله‬
‫المتنزل في مراتب غيوبه ومظاهر علية في الصورة المحمدية التي ظهر علمه بها في مظهر العقل الفرقاني‪: .‬‬
‫‪‬غافر الذنب‪ ‬بظهور نوره وستره لظلمات النفوس والطبائع ‪ :‬وقابل التوب‪ ‬برجوع الحقيقة المجردة من غواشي‬
‫النشأة إليه ‪ :‬شديد العقاب‪ ‬للمحجوب الواقف مع الغير بالشرك غير الراجع إليه بالتوحيد ‪ :‬ذي الطول‪ ‬أي ‪:‬‬
‫الفضل بإفاضة الكمال الزائد على نور الستعداد الول على حسب قبوله ‪ :‬ل إله إل هو‪ ‬أول وآخرا وظاهرا وباطنا‬
‫ل ‪ :‬إليه‪ ‬مصير الكل على كل الحوال من الراجع التائب والواقف المعاقب إما إلى ذاته أو صفاته أو‬ ‫معاقبا ومتفض ً‬
‫أفعاله كيف كان ل يخرج عن إحاطته شيء فيكون خارجا عن ذاته موجودا بوجود غير وجوده‪ ،‬أولم يكف بربك أنه‬
‫على كل شيء شهيد‪ ‬ما يجادل في آيات ال إل‪ ‬المحجوبون على الحق لن غير المحجوب يقبلها بنور استعداده من غير‬
‫إنكار لصفاته‪ .‬وأما المحجوب فلظلمة جوهره وخبث باطنه ل يناسب ذاته آياته فينكرها ويجادل فيها ‪ :‬بالباطل‪‬‬
‫ليدحض بجداله آياته فيحق له العقاب‪ : .‬الذين يحملون العرش‪ ‬من النفوس الناطقة السماوية اللتي أرجلهم في‬
‫الرضين السفلى بتأثيرهم فيها وأعناقهم مرقت من السموات العلى لتجردهم منها وتدبيرهم إياها أو الرواح التي هي‬
‫معشوقاتها ‪ :‬ومن حوله‪ ‬من الرواح المجردة القدسية والنفوس الكوكبية ‪ :‬يسبحون بحمد ربهم‪ ‬ينزهونه عن‬
‫اللواحق المادية بتجرد ذواتهم حامدين له بإظهار كمالتهم المستفادة منه تعالى فكأنهم يقولون بلسان الحال ‪ :‬يا من هذه‬
‫صفاته وهباته ‪ :‬ويؤمنون به‪ ‬اليمان العياني الحقيقي ‪ :‬ويستغفرون للذين آمنوا‪ ‬بالمداد النورية والفاضات‬
‫السبوحية لمناسبة ذواتهم ذواتهم في الحقيقة اليمانية ‪ :‬ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما‪ ‬أي ‪ :‬شملت رحمتك‬
‫وأحاط بالكل علمك ‪ :‬فاغفر‪ ‬بنورك ‪ :‬للذين تابوا‪ ‬إليك بالتجرد عن الهيئات الظلمانية والظلمات الهيولنية ‪:‬‬
‫‪‬واتبعوا سبيلك‪ ‬بالسلوك فيك على متابعة حبيبك في العمال والمقامات والحوال يتنصلون عن ذنوب أفعالهم‬
‫عذاب جحيم الطبيعة‪ .‬ربنا وأدخلهم جنات‪ ‬صفاتك وحظائر قدسك ‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫وصفاتهم وذواتهم ‪ :‬وقهم‪ ‬بعنايتك ‪ :‬‬
‫‪‬التي وعدتهم ومن صلح‪ ‬بالتجرد عن الغواشي المادية واستعد لذلك بالتزكية والتحلية من أقاربهم المتصلين بهم‬
‫للمناسبة والقرابة الروحانية ‪ :‬إنك أنت العزيز‪ ‬الغالب القادر على التعذيب ‪ :‬الحكيم‪ ‬الذي ل يفعل ما يفعل إل‬
‫بالحكمة ومن الحكمة الوفاء بالوعد ‪ :‬وقهم السيئات‪ ‬بتوفيقك وحسن عنايتك وكلءتك‪ : .‬ومن تق السيئات‪ ‬فقد‬
‫حقت له رحمتك ‪ :‬وذلك هو الفوز العظيم‪ ‬لن المرحوم‪ ،‬سعيد‪ ،‬والمحجوب يمقت نفسه حين تظهر له هيئاتها‬
‫المظلمة وصفاتها المؤلمة وسواد وجهه الموحش وقبح منظرها المنفر بارتفاع الشواغل الحسية التي كانت تشغله عن‬
‫إدراك ذاته فينادى ‪ : :‬لمقت ال أكبر من مقتكم أنفسكم‪ ‬إذ هو نور النوار وكلما كان الشيء أشد نورية وأكثر ضوءا‬
‫فهو أبعد مناسبة من الجوهر المظلم الكدر‪ ،‬فيكون أشد مقتا له‪ ،‬ومقته لنفسه أيضا ناشئ من النور الصلي الستعدادي‬
‫لنطباع محبة النور في الصل الستعدادي النوري‪ ،‬بل النور لذاته محبوب والظلمة مبغوضة‪ : .‬إذا تدعون إلى‬
‫اليمان فتكفرون‪ ‬أي ‪ :‬كبر مقته إياكم وقت احتجابكم عنه وعدم قبولكم للدعوة إلى اليمان التوحيدي أو لحتجابكم‬
‫وآبائكم عن الدعوة اليمانية‪ : .‬قالوا ربنا أمتنا اثنتين‪ ‬أي ‪ :‬أنشأتنا أمواتا مرتين ‪ :‬وأحييتنا‪ ‬في النشأتين ‪:‬‬
‫‪‬فاعترفنا بذنوبنا‪ ‬عند وقوع العقاب المرتب عليها وامتناع المحيص عنه ‪ :‬ذلكم‪ ‬العذاب السرمد والمقت الكبر‬
‫بسبب شرككم واحتجابكم عن الحق بالغير ‪ :‬فالحكم ل‪ ‬بعقابكم البدي ل للغير فل سبيل إلى النجاة لعلوه وكبريائه‬
‫فل يمكن أحدا رد حكمه وعقابه‪ .‬هو الذي يريكم‪ ‬آيات صفاته بتجلياته ‪ :‬وينزل لكم‪ ‬من سماء الروح ‪ :‬رزقا‪‬‬
‫حقيقيا ما أعظمه وهو العلم الذي يحيا به القلب ويتقوى ‪ :‬وما يتذكر‪ ‬أحواله السابقة بذلك الرزق ‪ :‬إل من ينيب‪‬‬
‫إليه بالتجرد وقطع النظر عن الغير فأنيبوا إليه لتتذكروا بتخصيص العبادة به وإخلص الدين عن شوب الغيرية‬
‫وتجريد الفطرة عن النشأة ولو أنكر المحجوبون وكرهوا‪ : .‬رفيع الدرجات‪ ‬أي ‪ :‬رفيع درجات غيوبه ومصاعد‬
‫سمواته من المقامات التي يعرج فيها السالكون إليه ‪ :‬ذو العرش‪ ‬أي ‪ :‬المقام الرفع المالك للشياء كلها ‪ :‬يلقي‬
‫الروح‪ ‬أي ‪ :‬الوحي والعلم اللدني الذي تحيا به القلوب الميتة ‪ :‬من‪ ‬عالم ‪ :‬أمره على من يشاء من عباده‪ ‬الخاصة‬
‫به أهل العناية الزلية ‪ :‬لينذر يوم‪ ‬القيامة الكبرى الذي يتلقى فيه العبد والرب بفنائه فيه أو العباد في عين الجمع‪: .‬‬
‫‪‬يوم هم بارزون‪ ‬عن حجاب النيات أو غواشي البدان ‪ :‬ل يخفى على ال منهم شي‪ ‬مما ستروا من أعمالهم‬
‫واستخفوا بها من الناس توهما أنه ل يطلع عليهم لظهورها في صحائفهم وبروزها من الكمون إلى الظهور‪ ،‬كما‬
‫قال ‪ : :‬أحصاه ال ونسوه‪] ‬المجادلة‪ ،‬الية ‪ ،[6 :‬وقالوا ‪ : :‬مال هذا الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل‬
‫أحصاها‪] ‬الكهف‪ ،‬الية ‪ ،[49 :‬ول يخفى عليه منهم شيء لبروزهم عن حجب الوصاف إلى عين الذات‪ : .‬لمن‬
‫الملك اليوم‪ ‬ينادي به الحق سبحانه عند فناء الكل في عين الجمع فيجيب هو وحده ‪ :‬ل الواحد‪ ‬الذي ل شيء سواه ‪:‬‬
‫‪‬القهار‪ ‬الذي أفنى الكل بقهره ‪ :‬إن ال سريع الحساب‪ ‬لوقوعه دفعة باقتضاء سيئاتهم المكتوبة في صحائف‬
‫نفوسهم تبعاتها وحسناتها ثمراتها ‪ :‬وأنذرهم يوم الزفة‪ ‬أي ‪ :‬الواقعة القريبة وهي القيامة الصغرى ‪ :‬إذ القلوب‬
‫لدى الحناجر‪ ‬لشدة الخوف‪ : .‬كذلك يضل ال من هو مسرف مرتاب‪ ‬كقوله ‪ : :‬إن ال ل يهدي من هو مسرف‬
‫كذاب‪] ‬غافر‪ ،‬الية ‪ [28 :‬أي ‪ :‬الضلل والخذلن كل واحد منهما مرتب على الرذيلتين العلمية والعملية‪ .‬فإن الكذب‬
‫والرتياب كلهما من باب رذيلة القوة النطقية لعدم اليقين والصدق والسراف عن رذيلة القوتين الخريين والفراط‬
‫في أعمالها‪ .‬والصرح الذي أمر فرعون هامان ببنائه هو قاعدة الحكمة النظرية من القياسات الفكرية‪ ،‬فإن القوم كانوا‬
‫منطقيين محجوبين بعقولهم المشوبة بالوهم غير المنورة بنور الهداية‪ ،‬أراد أن يبلغ طرق سموات الغيوب ويطلع على‬
‫الحضرة الحدية بطريق الفكر دون السلوك في ال بالتجريد والمحو والفناء ولحتجابه بأنائيته وعلمه قال ‪ : :‬وإني‬
‫لظنه كاذبا وكذلك‪ ‬أي ‪ :‬مثل ذلك التزيين والصد ‪ :‬زين لفرعون سوء عمله‪ ‬لحتجابه بصفات نفسه ورذائله ‪:‬‬
‫‪‬وصد عن السبيل‪ ‬لخطئه في فكره‪ ،‬أي ‪ :‬فسد علمه ونظره لشدة ميله في الدنيا ومحبته إياها بغلبة الهوى بخلف‬
‫حال الذي آمن حيث حذر أول من الدنيا بقوله ‪ : :‬يا قوم إنما هذه الحيوة الدنيا متاع وإن الخرة هي دار القرار‪‬‬
‫لسرعة زوال الولى وبقاء الخرى دائما ‪ :‬أدعوكم إلى النجاة‪ ‬أي ‪ :‬التوحيد والتجري الذي هو سبب نجاتكم ‪:‬‬
‫‪‬وتدعونني‪ ‬إلى الشرك الموجب لدخول النار ‪ :‬وأشرك به ما ليس لي‪ ‬بوجوده علم إذا ل وجود له ‪ :‬وأنا‬
‫أدعوكم إلى العزيز‪ ‬الغالب الذي يقهر من عصاه ‪ :‬الغفار‪ ‬الذي يستر ظلمات نفوس من أطاعه بأنواره‪ .‬ل جرم‪‬‬
‫إلى آخره‪ ،‬أي ‪ :‬وجب وحق ‪ :‬أن ما تدعونني إليه‪ ‬ل دعوة له في الدارين لعدمه بنفسه واستحالة وجوده فيهما ‪:‬‬
‫‪‬النار يعرضون عليها غدوا وعشيا‪ ‬أي ‪ :‬تصلى أرواحهم بنار الهيئات الطبيعية واحتجاب النوار القدسية والحرمان‬
‫‪.‬‬‫‪‬‬ ‫عن اللذات الحسية والشوق إليها مع امتناع حصولها‪ : .‬ويوم تقوم الساعة‪ ‬بمحشر الجساد أو ظهور المهدي‬
‫قيل لهم ‪ :‬ادخلوا ‪ :‬أشد العذاب‪ ‬لنقلب هيئاتهم وصورهم وتراكم الظلمات وتكاثف الحجب وضيق المحبس وضنك‬
‫إياهم وتعذيبه لهم لكفرهم به وبعدهم عنه ومعرفته إياهم بسيماهم على‬‫‪‬‬ ‫المضجع على الول‪ ،‬وقهر المهدي‬
‫الثاني‪ .‬إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا‪ ‬بالتأييد الملكوتي والنور القدسي في الدارين‪ : .‬فاصبر إن وعد ال حق‪‬‬
‫أي ‪ :‬احبس النفس عن الظهور في مقابلة أذاهم‪ ،‬واعلم انك ستغلب حال البقاء والتمكين‪ ،‬إنا غالبون ‪ :‬واستغفر‪‬‬
‫وسبح بالتجريد ‪ :‬بحمد ربك‪ ‬موصوفا بكماله دائما‪ ،‬أي ‪ :‬ما دمت في حال‬ ‫‪‬‬ ‫لذنب حالك بالتنصل عن أفعالك ‪ :‬‬
‫الفناء ل تأمن التلوين بظهور النفس وصفاتها‪ ،‬وجب عليك الصبر والستغفار والتجريد عن الوصاف التي تظهر بها‬
‫النفس‪ ،‬والتحقق بال وصفاته‪ ،‬فإذا حصل لك مقام الستقامة والتمكين حال البقاء بعد الفناء فذلك وقت الغلبة وظهور‬
‫النفس والوفاء بالوعد‪ : .‬وقال ربكم ادعوني أستجب لكم‪ ‬هذا دعاء الحال‪ ،‬لن الدعاء باللسان مع عدم العلم بأن‬
‫المدعو به خير له أم ل دعاء المحجوبين وقال ال تعالى ‪ : :‬وما دعاء الكفرين إل في ضلل‪] ‬الرعد‪ ،‬الية ‪ [14 :‬أي‬
‫‪ :‬ضياع‪ .‬وأما الدعاء الذي ل تتخلف عنه فهو دعاء الحال بأن يهيئ العبد استعداده لقبول ما تطلبه ول تتخلف‬
‫الستجابة عن هذا الدعاء كمن طلب المغفرة‪ ،‬فتاب إلى ال وأناب بالزهد والطاعة‪ ،‬ومن طلب الوصول فاختار الفناء‪،‬‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ : :‬إن الذين يستكبرون عن عبادتي‪ ‬أي ‪ :‬ل يدعونني بالتضرع والخضوع والستكانة بل تظهر‬
‫أنفسهم بصفة التكبر والعلو ‪ :‬سيدخلون جهنم داخرين‪ ‬لدعائهم بلسان الحال مع القهر والذلل إذ صفة الستكبار‬
‫ومنازعة ال في كبريائه تستدعي ذلك‪ .‬ذلكم ال ربكم‪ ‬أي ‪ :‬ذلكم المتجلي بأفعاله وصفاته ال الموصوف بجميع‬
‫الصفات ربكم بأسمائه المختصة بكل واحدة من أحوالكم ‪ :‬خالق كل شيء‪ ‬بالحتجاب به ‪ :‬ل إله إل هو‪ ‬في‬
‫الوجود يخلق شيئا ويظهر بصفة ‪ :‬فأنى تؤفكون‪ ‬عن طاعته إلى إثبات الغير وطاعته‪ .‬مثل ذلك الضرب الذي‬
‫ضربتم به لحتجابكم بالكثرة يؤفك الجاحدون بآيات ال حين لم يعرفوها إذ يسترها إلى الغير‪ : .‬الذين كذبوا بالكتاب‪‬‬
‫لبعد مناسبتهم له واحتجابهم بظلماتهم عن النور ‪ :‬فسوف يعلمون‪ ‬وبال أمرهم ‪ :‬إذ‪ ‬أغلل قيود الطبائع المختلفة ‪:‬‬
‫‪‬في أعناقهم‪ ‬وسلسل الحوادث الغير المتناهية ممنوعين بها عن الحركة إلى مقاصدهم ‪ :‬يسحبون في‪ ‬حميم‬
‫الجهل والهوى ثم ‪ :‬يسجرون‪ ‬في نار الشواق إلى المشتهيات واللذات الحسية مع فقدها ووجدان آلم الهيئات‬
‫المؤذية بدلها‪ ،‬فاقدين لما احتجبوا بها ووقفوا معها من صور الكثرة التي عبدوها قائلين ‪ :‬لم نكن ندعو من قبل شيئا‪‬‬
‫لطلعهم على أن ما عبدوه وضيعوا أعمارهم في عبادته ليس بشيء فضل عن إغنائه عنهم شيئا‪ : .‬ذلكم‪ ‬العذاب‬
‫بسبب فرحكم بالباطل الزائل الفاني في الجهة السفلية بالنفس ونشاطكم به لمناسبة نفوسكم الكدرة الظلمانية البعيدة عن‬
‫الحق له ‪ :‬ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها‪ ‬لرسوخ رذائلكم واستحكام حجابكم ‪ :‬فبئس مثوى المتكبرين‪ ‬الظاهرين‬
‫برذيلة الكبر‪ .‬فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم‪ ‬أي ‪ :‬المحجوبون بالعقول المشوبة بالوهم‬
‫وبمعقولهم الخالي عن نور الهداية والوحي‪ ،‬إذ جاءتهم الرسل بالعلوم الحقيقية التوحيدية والمعارف الحقانية الكشفية‪،‬‬
‫فرحوا بعلومهم وحجبوا بها عن قبول هدايتهم واستهزؤوا برسلهم لستصغارهم بما جاؤوا به في جنب علومهم‪ ،‬فحاق‬
‫بهم جزاء استهزائهم وهلكوا عن آخرهم‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫سورة حم السجدة )فصلت(‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬حم‪ ‬ظهور الحق بالصورة المحمدية ‪ :‬تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب‪ ‬الكل الجامع لجميع الحقائق من‬

‫الذات الحدية الموصوفة بالرحمة الرحمانية العامة للكل‪ ،‬بإفاضة الوجود والكمال عليه‪ ،‬والرحيمية الخاصة بالولياء‬

‫المحمديين‪ ،‬المستعدين لقبول الكمال الخاص العرفاني‪ ،‬والتوحيد الذاتي‪ .‬وهو كتاب العقل الفرقاني الذي ‪ :‬فصلت‬

‫آياته‪ ‬بالتنزيل بعد ما أجملت قبل في عين الجمع حال كونه ‪ :‬قرآنا‪ ‬أي ‪ :‬فصلت بحسب ظهور الصفات وحدوث‬

‫الستعدادات في حال كونه جامعا للكل ‪ :‬عربيا‪ ‬لوجود نشأته في العرب ‪ :‬لقوم يعلمون‪ ‬حقائق آياته لقرب‬

‫استعداداتهم منه وصفاء فطرهم ‪ :‬بشيرا‪ ‬للقابلين المستعدين للكمال‪ ،‬المستبصرين بنوره باللقاء ‪ :‬نذيرا‪‬‬

‫للمحجوبين بظلمات نفوسهم من العقاب ‪ :‬فأعرض أكثرهم‪ ‬لحتجابهم بالغيار وبقائهم في ظلمات الستتار ‪ :‬فهم‬

‫ل يسمعون‪ ‬كلم الحق لوقر سمع القلب كما قالوا ‪ : :‬قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر‪ ‬لن غشاوات‬

‫الطبيعة وحجب صفات النفوس أعمت أبصار قلوبهم وأصمت آذانها وجعلتها في أغطية وأكنة وحجبت بينهم وبينه‪.‬‬

‫‪‬قل إنما أنا بشر مثلكم‪ ‬أي ‪ :‬إني من جنسكم وأناسبكم في البشرية والمماثلة النوعية‪ ،‬لتوجهه للنس والخلطة‪،‬‬

‫وأباينكم بالوحي المنبه على التوحيد المبين لطريق السلوك‪ ،‬فاتصلوا بي بالمناسبة النوعية ومجانسة البشرية لتهتدوا‬

‫بنور التوحيد والوحي المفيد لبيان الدين‪ ،‬وتسلكوا سبيل الحق الذي عرفنيه بقوله ‪ : :‬أنما إلهكم إله واحد‪ ‬ل شريك له‬

‫في الوجود ‪ :‬فاستقيموا‪ ‬بالثبات على اليمان والسكينة واليقان في التوجه ‪ ‬‬
‫إليه من غير انحراف إلى الباطل والطرق‬

‫واستغفروه بالتنصل عن الهيئات المادية والتجرد عن‬


‫‪‬‬ ‫المتفرقة ول زيغ باللتفات إلى الغير والميل إلى النفس ‪ :‬‬

‫الصفات البشرية ليستر بنور صفاته ذنوب صفاتكم ‪ :‬وويل‪ ‬للمحتجبين بالغير‪ : .‬الذين‪ ‬ل يزكون أنفسهم بمحو‬

‫صفاتها ليرتفع حجاب الغيرية فتتحقق بالوحدة ‪ :‬وهم بالخرة هم كافرون‪ ‬لسترهم النور الفطري المقتضي الشوق‬

‫إلى عالم القدس ومعدن الحياة البدية بظلمات الحس وهيئات الطبيعة البدنية‪ .‬قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الرض‬

‫في يومين‪ ‬أي ‪ :‬في حادثين كما ذكر أن اليوم معبر به عن الحادث لنسبته إليه في قولهم ‪ :‬الحوادث اليومية لتشابهها في‬

‫الظهور والخفاء‪ ،‬وهما الصورة والمادة ‪ :‬وبارك فيها‪ ‬أي ‪ :‬أكثر خيرها ‪ :‬وقدر فيها‪ ‬معايشها وأرزاقها ‪ :‬في‬
‫أربعة أيام‪ ‬هي الكيفيات الربع والعناصر الربعة التي خلق منها المركبات بالتركيب والتعديل ‪ :‬سواء‪ ‬مستوية‬

‫بالمتزاج والعتدال للطالبين للقوات والمعايش‪ ،‬أي قدرها لهم ‪ :‬ثم استوى إلى السماء‪ ‬أي ‪ :‬قصد إلى إيجادها وثم‬

‫للتفاوت بين الخلقين في الحكام وعدمه‪ ،‬واختلفهما في الجهة والجوهر ل للتراخي في الزمان إذ ل زمان هناك ‪:‬‬

‫‪‬وهي دخان‪ ‬أي ‪ :‬جوهر لطيف بخلف الجواهر الكثيفة الثقيلة الرضية ‪ :‬فقال لها وللرض ائتيا طوعا أو كرها‪‬‬

‫أي ‪ :‬تعلق أمره وإرادته بإيجادهما فوجدتا في الحال معا كالمأمور المطيع إذ ورد عليه أمر المر المطاع لم يلبث في‬

‫امتثاله‪ ،‬وهو من باب التمثيل إذ ل قول ثمة‪ .‬فقضاهن سبع سماوات في يومين‪ ‬أي ‪ :‬المادة والصورة كالرض ‪:‬‬

‫‪‬وأوحى في كل سماء أمرها‪ ‬أي ‪ :‬أشار إليها بما أراد من حركتها وتأثيرات ملكوتها وتدبيراتها وخواص كوكبها‬

‫وكل ما يتعلق بها‪ : .‬وزينا السماء الدنيا‪ ‬أي ‪ :‬السطح الذي يلينا من فلك القمر ‪ :‬بمصابيح‪ ‬الشهب ‪ :‬و حفظناها‬

‫‪ :‬حفظا‪ ‬من أن تنخرق بصعود البخارات إليها ووصول القوى الطبيعية الشيطانية إلى ملئكتها ‪ :‬ذلك تقدير‬

‫العزيز‪ ‬الغالب على أمره كيف يشاء ‪ :‬العليم‪ ‬الذي أتقن صنعه بعلمه‪ ،‬أو أئنكم لتكفرون وتحتجبون بالغواشي البدنية‬

‫عن الذي خلق أرض البدن وجعلها حجاب وجهه في يومين أي شهرين أو حادثين مادة وصورة‪ ،‬وتجعلون له أندادا‬

‫بوقوفكم مع الغير ونسبتكم التأثير إلى ما ل وجود له ول أثر‪ ،‬ذلك الخالق هو الذي يرب العالمين بأسمائه وجعل فيها‬

‫رواسي العضاء من فوقها أو رواسي الطبائع الموجبة للميل السفلي من القوى العنصرية والصور المادية التي‬

‫تقتضي ثباتها على حالها‪ ،‬وبارك فيها بتهيئة اللت والسباب والمزاجات والقوى التي تتم بها لمقته وأفعاله وقدر فيها‬

‫أقواتها بتدبير الغاذية وأعوانها وتقدير مجاري الغذاء وأمور التغذية وأسبابها وموادها في تتمة أربعة أشهر‪ ،‬أي ‪:‬‬

‫جميع ذلك في أربعة أشهر سواء متساوية أو في مواد العناصر الربعة‪ ،‬ثم استوى أي ‪ :‬بعد ذلك قصد قصدا مستويا‬

‫من غير أن يلوي إلى شيء آخر‪ ،‬إلى سماء الروح وتسويتها وهي دخان أي ‪ :‬مادة لطيفة من بخارية الخلط ولطافتها‬

‫مرتفعة من القلب‪ .‬وقد جاء في الحديث ‪ ' :‬إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة‪ ،‬ثم يكون علقة مثل‬

‫ذلك‪ ،‬ثم يكون مضغة مثل ذلك‪ ،‬ثم يبعث ال إليه ملكا بأربع كلمات‪ ،‬فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد‪ ،‬ثم ينفخ‬

‫فيه الروح ' ويعضده حديث آخر في أن نفخ الروح في الجنين يكون بعد أربعة أشهر من وقت الحمل‪ .‬فقال لها‬

‫ولرض البدن ‪ :‬ائتيا‪ ،‬أي ‪ :‬تعلقت إرادته بتكوينهما وصيرورتهما شيئا واحدا وخلقا جديدا‪ ،‬فتكونا على ما أراد من‬
‫الصورة وهذا معنى خلو الرض قبل السماء غير مدحوة ودحوها بعده‪ .‬فإن المادة البدنية وإن تخلقت بدنا قبل اتصال‬

‫الروح وانتفاخه فيها لكن العضاء لم تنبسط ولم ينفتق بعضها من بعض إل بعده‪ ،‬فقضاهن سبع سموات‪ ،‬أي ‪ :‬الغيوب‬

‫السبعة المذكورة من القوى والنفس والقلب والسر والروح والخفاء‪ ،‬والحق الذي أدرج هويته في هوية الشخص‬

‫الموجود وتنزل بإيجاده في هذه المراتب واحتجب بها وإن جعلت السبعة من المخلوقات حتى تخرج الهوية من جملتها‬

‫ل‪ ،‬وهي السماء الدنيا باعتبار دنوها من القلب الذي به النسان إنسانا في‬
‫فإحداها وهي الرابعة بين القلب‪ ،‬والسر العق ِ‬

‫يومين في شهرين آخرين‪ ،‬فتم مدة الحمل ستة أشهر أو مدة خلق النسان‪ ،‬ولهذا إذا ولد بعد تمام الستة على رأس‬

‫الشهر السابع عاش مستوي الخلق أو في طورين مجردة وغير مجردة أو حادثين روح وجسد وال أعلم‪ : .‬وأوحى‬

‫في كل سماء‪ ‬من الطبقات المذكورة ‪ :‬أمرها‪ ‬وشأنها المخصوص بها من العمال والدراكات والمكاشفات‬

‫والمشاهدات والمواصلت والمناغيات والتجليات‪ : .‬وزينا السماء الدنيا‪ ‬أي العقل بمصابيح الحجج والبراهين ‪:‬‬

‫‪‬وحفظناها‪ ‬من استراق شياطين الوهم والخيال‪ ،‬كلم المل العلى من الروحانيات بالترقي إلى الفق العقلي‬

‫واستفادة الصور القياسية لترويج أكاذيبها وتخيلتها بها‪ .‬حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم‬

‫وجلودهم‪ ‬أي ‪ :‬غيرت صور أعضائهم وصورت أشكالها على هيئة العمال التي ارتكبوها‪ ،‬وبدلت جلودهم وأبشارهم‪،‬‬

‫فتنطق بلسان الحال‪ ،‬وتدل بالشكال على ما كانوا يعملون‪ .‬ولنطقها بهذا اللسان قالت ‪ : :‬أنطقنا ال الذي أنطق كل‬

‫شيء‪ ‬إذ ل يخلو شيء ما من النطق‪ ،‬ولكن الغافلين ل يفهمون ‪ :‬وقيضنا لهم قرناء‪ ‬أي ‪ :‬قدرنا لهم أخذانا وأقرانا من‬

‫شياطين النس والجن من الوهم والتخيل لتباعدهم من المل العلى‪ ،‬ومخالفتهم بالذات للنفوس القدسية والنوار‬

‫الملكوتية بانغماسهم في المواد الهيولنية‪ ،‬واحتجابهم بالصفات النفسانية‪ ،‬وانجذابهم إلى الهواء البدنية والشهوات‬

‫الطبيعية‪ ،‬فناسبوا النفوس الرضية الخبيثة‪ ،‬والكدرة المظلمة‪ ،‬وخالفوا الجواهر القدسية والذوات المجردة‪ ،‬فجعلت‬

‫الشياطين أقرانهم وحجبوا عن نور الملكوت ‪ :‬فزينوا لهم ما بين أيديهم‪ ‬ما بحضرتهم من اللذات البهيمية والسبعية‬

‫والشهوات الطبيعية ‪ :‬وما خلفهم‪ ‬من المال والماني التي ل يدركونها ‪ :‬وحق عليهم القول‪ ‬في القضاء اللهي‬

‫بالشقاء البدي كائنين ‪ :‬في أمم قد خلت من قبلهم من‪ ‬المكذبين بالنبياء والمحجوبين عن الحق من الباطنين‬

‫والظاهريين ‪ :‬إنهم كانوا خاسرين‪ ‬لخسرانهم نور الستعداد الصلي‪ ،‬وربح لكمال الكسبي‪ ،‬ووقوعهم في الهلك‬
‫البدي والعذاب السرمدي‪ : .‬ربنا أرنا الذين أضلنا‪ ‬أي ‪ :‬حنق المحجوبين واغتاظوا على أضلهم من الفريقين عند‬

‫وقوع العذاب وتمنوا أن يكونوا في أشد من عذابهم وأسفل من دركاتهم لما لقوا من الهوان وألم النيران وعذاب‬

‫الحرمان والخسران بسببهم وأرادوا أن يشفوا صدورهم برؤيتهم في أسوأ أحوالهم وأنزل مراتبهم‪ ،‬كما ترى من وقع‬

‫في البلة بسبب رفيق أشار إليه بما أوقعه فيها يتجرد عليه ويتغيط ويكاد أن يقع فيه من غيبته ويتحرق‪ .‬إن الذين‬

‫قالوا ربنا ال‪ ‬أي ‪ :‬وحدوه بنفي غيره وعرفوه باليقان حق معرفته ‪ :‬ثم استقاموا‪ ‬إليه بالسلوك في طريقه والثبات‬

‫على صراطه مخلصين لعمالهم عاملين لوجهه‪ ،‬غير ملتفتين بها إلى غيره ‪ :‬تتنزل عليهم الملئكة‪ ‬للمناسبة‬

‫الحقيقية بينهم في التوحيد الحقيقي واليمان اليقيني والعمل الثابت على منهاج الحق والستقامة في الطريقة إليه‪ ،‬غير‬

‫ناكثين في عزيمة ول منحرفين عن وجهه ول زائغين في عمل كما ناسبت نفوس المحجوبين من أهل الرذائل‬

‫الشياطين بالجواهر المظلمة والعمال الخبيثة فتنزلت عليهم ‪ :‬أل تخافوا‪ ‬من العقاب لتنور ذواتكم بالنوار وتجردها‬

‫عن غواسق الهيئات ‪ :‬ول تحزنوا‪ ‬بفوات كمالتكم التي اقتضاها استعدادكم ‪ :‬وأبشروا‪ ‬بجنة الصفات ‪ :‬التي‬

‫كنتم توعدون‪ ‬حال اليمان بالغيب أو قالوا ‪ : :‬ربنا ال‪ ‬بالفناء فيه ثم استقاموا به بالبقاء بعد الفناء عند التمكين ‪:‬‬

‫‪‬تتنزل عليهم الملئكة‪ ‬للتعظيم عند الرجوع إلى التفصيل‪ ،‬إذ في حال الفناء ول وجود للملئكة ول لغيرهم‪ : ،‬أل‬

‫تخافوا‪ ‬من التلوين ‪ :‬ول تحزنوا‪ ‬على الستغراق في التوحيد‪ ،‬فإن أهل الوحدة إذا ردوا إلى التفصيل ورؤية الكثرة‬

‫غلب عليهم الحزن والوجد في أول الوهلة لفوات الشهود الذاتي في عين الجمع والحتجاب بالتفصيل حتى يتمكنوا في‬

‫التحقق بالحق حال البقاء وانشراح الصدر بنور الحق فل تحجبهم الكثرة عن الوحدة ول الوحدة عن الكثرة‪ ،‬شاهدين‬

‫في هذه الحال ‪ : :‬الم نشرح لك صدرك )‪(1‬‬ ‫في تفاصيل الصفات عين الذات بالذات‪ ،‬كما قال تعالى لنبيه ‪‬‬
‫ووضعنا عنك وزرك )‪ (2‬الذي أنقض ظهرك )‪ 3‬وأبشروا بجنة الذات الشاملة لجميع مراتب الجنان التي كنتم‬

‫توعدونها في مقام تجليات الصفات‪ : .‬نحن أولياؤكم‪ ‬وأحباؤكم في الدارين للمناسبة الوصفية والجنسية الصلية بيننا‬

‫وبينكم‪ ،‬كما أن الشياطين أولياء المحجوبين لما بينهم من الجنسية والمشاركة في الظلمة والكدورة ‪ :‬ولكم فيها ما‬

‫تشتهي أنفسكم‪ ‬من المشاهدات والتجليات والروح والريحان والنعيم المقيم أي ‪ :‬إذا بلغتم الكمال الذي هو مقتضى‬
‫استعدادكم فل شوق لكم إلى ما غاب عنكم‪ ،‬بل كل ما تشتهون وتتمنون فهو مع الشتهاء والتمني حاضر لكم في‬

‫الجنان الثلث ‪ :‬نزل‪ ‬معدا لكم ‪ :‬من غفور‪ ‬ستر لكم بنوره ذنوب آثاركم وأفعالكم وصفاتكم وذواتكم ‪ :‬رحيم‪‬‬

‫رحمكم بتجليات أفعاله وصفاته وذاته وإبدالكم بها إياها‪ .‬ومن أحسن قول‪ ‬أي ‪ :‬حال إذ كثيرا ما يستعمل القول‬

‫بمعنى الفعل والحال ومنه‪ ،‬قالوا ‪ : :‬ربنا ال‪ ‬أي ‪ :‬جعلوا دينهم التوحيد‪ ،‬ومنه الحديث ‪ ' :‬هلك المكثرون إل من قال‬

‫هكذا وهكذا‪ ' ..‬أي ‪ :‬أعطى‪ : .‬ممن دعا إلى ال وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين‪ ‬أي ‪ :‬ممن أسلم وجهه إلى ال‬

‫في التوحيد وعمل بالستقامة والتمكين‪ ،‬ودعا الخلق إلى الحق للتكميل‪ ،‬فقدم الدعوة إلى الحق والتكميل لكونه أشرف‬

‫المراتب ولستلزامه الكمال العلمي والعملي‪ ،‬وإل لما صحت الدعوة وإن صحت ما كانت إلى ال‪ ،‬أي ‪ :‬إلى ذاته‬

‫الموصوفة بجميع الصفات‪ ،‬فإن العالم الغير العامل إن دعا كانت دعوته إلى العليم‪ ،‬والعامل الغير العالم إلى الغفور‬

‫الرحيم‪ ،‬والعالم العامل العارف الكامل صحت دعوته إلى ال‪ : .‬ول تستوي الحسنة ول السيئة‪ ‬لكون الولى من مقام‬

‫القلب تجر صاحبها إلى الجنة ومصاحبة الملئكة‪ ،‬والثانية من مقام النفس تجر صاحبها إلى النار ومقارنة الشياطين ‪:‬‬

‫‪‬ادفع بالتي هي أحسن‪ ‬إذا أمكنك دفع السيئة من عدوك بالحسنة التي هي أحسن‪ ،‬فل تدفعها بالحسنة التي دوتها‪،‬‬

‫فكيف بالسيئة ؟ !‪ ،‬فإن السيئة ل تندفع بالسيئة بل تزيد وتعلو ارتفاع النار بالحطب‪ ،‬فإن قابلتها بمثلها كنت منحطا إلى‬

‫مقام النفس‪ ،‬متبعا للشيطان‪ ،‬سالكا طريق النار‪ ،‬ملقيا لصاحبك في الوزار وجاعل له ولنفسك من جملة الشرار‪،‬‬

‫متسببا لزدياد الشر معرضا عن الخير‪ .‬وإن دفعتها بالحسنة سكنت شرارته وأزلت عدواته وتثبت في مقام القلب على‬

‫الخير‪ ،‬وهديت إلى الجنة وطردت الشيطان‪ ،‬وأرضيت الرحمن وانخرطت في سلك الملكوت ومحوت ذنب صاحبك‬

‫بالندامة‪ .‬وإن دفعتها بالتي هي أحسن ناسبت الحضرة الرحيمية بالرحموت وصرت باتصافك بصفاته تعالى من أهل‬

‫‪:‬‬ ‫الجبروت وأفضت من ذاتك فيض الرحمة على صاحبك فصار ‪ :‬كأنه ولي حميم‪ ‬ولمر ما قال النبي ‪ ‬‬
‫' لو جاز أن يظهر البارئ لظهر بصورة الحلم '‪ ،‬ول يلقي هذه الخصلة الشريفة والفضيلة العظيمة ‪ :‬إل الذين‬

‫صبروا‪ ‬مع ال‪ ،‬فلم يتغيروا بزلة العداء لرؤيتهم منه تعالى وتوكلهم عليه واتصافهم بحلمه أو طاعتهم لمره ‪ :‬وما‬

‫يلقاها إل ذو حظ عظيم‪ ‬من ال بالتخلق بأخلقه‪ .‬وإما ينزغنك من الشيطان نزغ‪ ‬ينخسنك نخس بالمقابلة بالسيئة‬
‫وداعية بالنتقام وهيجان من غضبك ‪ :‬فاستعذ بال‪ ‬بالرجوع إلى جنابه واللجوء إلى حضرته من شره ووسوسته‬

‫ونزغه بالبراءة عن أفعالك وصفاتك والفناء فيه عن حولك وقوتك ‪ :‬إنه هو السميع‪ ‬لما هجس ببالك من أحاديث‬

‫نفسك وأقوالك ‪ :‬العليم‪ ‬بنياتك وما بطن من أحوالك‪ : .‬ومن آياته‪ ‬ليل ظلمة النفس بظهور صفاتها الساترة للنور‬

‫لتقعوا في السيئات وتستعدوا لقبول الوساوس الشيطانية ونهار نور الروح بإشراق أشعتها من القلب إلى النفس‪،‬‬

‫فتباشروا الحسنات وتدفعوا السيئات بها وتمتنعوا عن قبول الوساوس وتتعرضوا للنفحات وشمس الروح وقمر القلب ‪:‬‬

‫‪‬ل تسجدوا للشمس‪ ‬بالفناء فيه والوقوف معه والحتجاب به عن الحق ‪ :‬ول للقمر‪ ‬بالوقوف مع الفضائل‬

‫والكمالت والنبو إلى جنة الصفات ‪ :‬واسجدوا ل الذي خلقهن‪ ‬بالفناء في الذات ‪ :‬إن كنتم‪ ‬موحدين‪ ،‬مخصصين‬

‫العبودية به دون غيره ل مشركين ول محجوبين ‪ :‬فإن استكبروا‪ ‬عن الفناء فيه بظهور النائية والطغيان‬

‫والستعلء بصفات النفس والعدوان ‪ :‬فالذين عند ربك‪ ‬من السابقين الفانين فيه ‪ :‬يسبحون له‪ ‬بالتجريد والتنزيه‬

‫عن حجب ذواتهم وصفاتهم دائما بليل الستتار في مقام التفصيل ونهار التجلي في مقام الجمع ‪ :‬ل يسأمون‪ ‬لكونهم‬

‫قائمين بال ذاكرين بالمحبة الذاتية‪ .‬إن الذين يلحدون في آياتنا‪ ‬أي ‪ :‬يميلون ويزيغون فيها من طريق الحق إلى‬

‫الباطل فينسبونها إلى غير الحق لحتجابهم عنه ويتلونها بأنفسهم فيفهمون منها ما يناسب صفاتهم ‪ :‬ل يخفون علينا‪‬‬

‫وإن خفينا عنهم ‪ :‬وإنه لكتاب عزيز‪ ‬منيع محمي عن أن يمسه وتفهمه النفوس الخبيثة المحجوبة فتغيره ويطلع عليه‬

‫المبطلة فتبطله لبعده عن مبالغ عقولهم‪ .‬وما اعتقدوه من باطلهم إذ ‪ :‬ل يأتيه الباطل من‪ ‬جهة من الجهات ل من جهة‬

‫الحق فيبطله بما هو أبلغ منه وأشد إحكاما في كونه حقا وصدقا ول من جهة الخلق فيبطلونه باللحاد في تأويله‬

‫ويغيرونه بالتحريف لكونه ثابتا في اللوح محفوظا من جهة الحق‪ ،‬كما قال تعالى ‪ : :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له‬

‫لحافظون‪] ‬الحجر‪ ،‬الية ‪ : .[9 :‬قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء‪ ‬أي ‪ :‬هو للمؤمنين بالغيب هداية تهديهم إلى الحق‬

‫وتبصرهم بالمعرفة وشفاء يزيل أمراض قلوبهم من الرذائل كالنفاق والشك أي ‪ :‬تبصرهم بطريق النظر والعمل‬

‫فتعلمهم وتزكيهم ‪ :‬والذين ل يؤمنون‪ ‬من المحجوبين ل يسمعونه ول يفهمونه بل يشتبه عليهم ويلتبس لستيلء‬

‫الغفلة عليهم وسد الغشاوات الطبيعة والهيئات البدنية طرق أسماع قلوبهم وأبصارها فل ينفذ فيها ول يتنبهوا بها ول‬

‫يتيقظوا كالذي ينادي من مكان بعيد لبعده عن منبع النور الذي يدرك به الحق ويرى‪ ،‬وانهماكهم في ظلمات الهيولى‪: .‬‬
‫‪‬سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم‪ ‬أي ‪ :‬نوفقهم للنظر في تصاريفنا للممكنات وأحوالها ‪ :‬حتى يتبين لهم‪‬‬

‫بطريق الستدلل واليقين البرهاني ‪ :‬أنه الحق أو لم يكف بربك‪ ‬للذين شاهدوه من أهل العيان ‪ :‬أنه على كل‬

‫شيء شهيد‪ ‬حاضر مطلع‪ ،‬أي ‪ :‬لم يكف شهوده على مظاهر الشياء في معرفته وكونه الحق الثابت دون غيره حتى‬

‫تحتاج إلى الستدلل بأفعاله أو التوسل بتجليات صفاته وهذا هو حال المحبوب المكاشف بالجذب قبل السلوك‪ ،‬والول‬

‫حال المحب السالك المجاهد لطلب الوصول‪ : .‬أل إنهم في مرية من لقاء ربهم‪ ‬لحتجابهم بالكون عن المكون‬

‫والمخلوق عن الخالق ‪ :‬أل إنه بكل شيء محيط‪ ‬ل يخرج عن إحاطته شيء وإل لم يوجد‪ ،‬إذ حقيقة كل شيء عين‬

‫علمه تعالى ووجوده به‪ ،‬وعلمه عين ذاته وذاته عين وجوده‪ ،‬فل يخرج شيء عن إحاطته إذ ل وجود لغيره ول عين‬

‫ول ذات ‪ :‬كل شيء هالك إل وجهه‪] ‬القصص‪ ،‬الية ‪ [88 :‬كما قال تعالى ‪ : :‬كل من عليها فان ويبقى وجه ربك‬

‫ذو الجلل والكرام‪‬‬

‫سورة حم عسق )الشورى(‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫‪‬حم عسق‪ ‬أي ‪ :‬الحق ظهر بمحمد ظهور علمه بسلمة قلبه‪ ،‬فالحق محمد ظاهرا وباطنا‪ ،‬والعلم سلمة قلبه عن‬

‫النقص والفة أي ‪ :‬كماله وبروزه عن الححاب إذ تجرد القلب ظهور العلم ‪ :‬كذلك‪ ‬مثل ذلك الظهور على مظهرك‬

‫وظهور علمه على قلبك ‪ :‬يوحي إليك وإلى الذين من قبلك‪ ‬من النبياء ‪ :‬ال‪ ‬الموصوف بجميع صفاته ‪:‬‬

‫‪‬العزيز‪ ‬المتمنع بسرادقات جلله وستور صفاته ‪ :‬الحكيم‪ ‬الذي يظهر كماله بحسب الستعدادات ويهدي بالوسايط‬

‫والمظاهر جميع العباد على وفق قبول الستعداد‪ : .‬له ما في السماوات وما في الرض‪ ‬كلها مظاهر صفاته وصور‬

‫مملكته ومحال أفعاله ‪ :‬وهو العلي‪ ‬عن التقيد بصورها والتعين بأعيانها ‪ :‬العظيم‪ ‬الذي تضاءلت وتصغرت في‬

‫سلطانه وتلشت وتفانت في عظمته ‪ :‬تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن‪ ‬لتأثرهن من تجليات عظمته ويتلشين من‬

‫علو قهره وسلطنته ‪ :‬والملئكة‪ ‬من العقول المجردة والنفوس المدبرة ‪ :‬يسبحون‪ ‬ذاته بتجرد ذواتهم حامدين له‬
‫بكمالت صفاتهم ‪ :‬ويستغفرون لمن في الرض‪ ‬بإفاضة النوار على أعيانهم ووجوداتهم بعد استفاضتهم إياها من‬

‫الحضرة الحدية ‪ :‬أل إن ال هو الغفور‪ ‬بستر ظلمات ذوات الكل من الملئكة والناس بنور ذاته ‪ :‬الرحيم‪‬‬

‫بإفاضة الكمالت بتجليات صفاته على وجوداتهم ل غيره ‪‬ولو شاء ال لجعلهم أمة واحدة‪ ‬كلهم على الفطرة موحدين‬

‫بناء على القدرة ولكن بنى أمره على الحكمة فجعل بعضهم موحدين عادلين وبعضهم مشركين ظالمين كما قال ‪‬ول‬

‫يزالون مختلفين[‪‬هود‪ ،‬الية ‪ ]118 :‬لتتميز المراتب وتتحقق السعادة والشقاوة وتمتلئ الدنيا والخرة والجنة والنار‬

‫ويحصل لكل أهل ويستتب النظام ويحدث النتظام‪.‬‬

‫‪‬أم اتخذوا من دونه أولياء‪ ‬ل ولية لهم في الحقيقة إذ ل قدرة ول قوة ول وجود ‪ :‬فال هو الولي‪ ‬دون غيره لتوليه‬

‫كل شيء وسلطانه وحكمه ‪ :‬وهو‪ ‬المحيي القادر‪ ،‬فكيف تستقيم ولية غيره ‪ :‬عليه توكلت‪ ‬بفناء الفعال‪ ،‬فل أقابل‬

‫أفعالكم بفعلي ‪ :‬وإليه أنيب‪ ‬بفناء صفاتي‪ ،‬فل أظهر بصفة من صفاتي في مقابلة صفات نفوسكم‪ : .‬ليس كمثله‬

‫شيء‪ ‬أي ‪ :‬كل الشياء فانية فيه هالكة‪ ،‬فل شيء يماثله في الشيئية والوجود ‪ :‬وهو السميع‪ ‬الذي يسمع به كل من‬

‫يسمع ‪ :‬البصير‪ ‬الذي يبصر به كل من يبصر جمعا وتفصيل يفني الكل بذاته ويبدئهم بصفاته‪ ،‬بيده مفاتيح الرزاق‬

‫وخزائن الملك والملكوت‪ ،‬يبسط ويقدر بمقتضى علمه على من يشاء من خلقه بحسب مصالحهم في الغنى والفقر‪: .‬‬

‫‪‬شرع لكم من الدين‪ ‬المطلق الذي وصى جميع النبياء بإقامته واجتماعهم عليه وعدم تفرقهم فيه‪ ،‬وهو أصل الدين‪،‬‬

‫أي ‪ :‬التوحيد والعدل وعلم المعاد المعبر عنه باليمان بال واليوم الخر دون فروع الشرائع التي اختلفوا فيها بحسب‬

‫المصالح كأوضاع الطاعات والعبادات والمعاملت‪ ،‬كما قال تعالى ‪ : :‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا‪] ‬المائدة‪،‬‬

‫الية ‪ ،[48 :‬فالدين القيم هو المتعلق بما ل يتغير من العلوم والعمال‪ ،‬والشريعة هي المتعلقة بما يتغير من القواعد‬

‫والوضاع ‪ :‬كبر على المشركين‪ ‬المحجوبين عن الحق بالغير ‪ :‬ما تدعوهم إليه‪ ‬من التوحيد لكونهم أهل المقت‬

‫ومظاهر الغضب والقهر‪ ،‬وليسوا من المحبوبين الذين اجتباهم ال بمحض عنايته ومجرد مشيئته ول من المحبين الذين‬

‫وفقهم ال للنابة إليه بالسلوك والجتهاد والسير فيه بالشوق والفتقار‪ ،‬فهداهم إليه بنور وجهه وجمال ذاته‪ ،‬فجذب‬

‫المحبوبين إليه قبل السلوك والرياضة بسابقة الجتباء‪ ،‬وخص المحبين بعد التوفيق بالسلوك فيه والرياضة بالصطفاء‬

‫وطرد المحجوبين عن بابه وأبعدهم عن جنابه بسابقة كلمة القضاء عليهم بالشقاء‪ .‬فلذلك‪ ‬التفرق في الدين ‪ :‬فادع‪‬‬
‫إلى التوحيد ‪ :‬واستقم‪ ‬في التحقق بال والتعبد حق العبودية وأنت على التمكين ول تظهر نفسك بصفة عند إنكارهم‬

‫واستمالتهم إياك في موافقتهم ‪ :‬ول تتبع أهواءهم‪ ‬المتفرقة بالتلوين ‪ :‬فيضلوك‪ ‬عن التوحيد‪ : .‬وقل آمنت بما‬

‫أنزل ال من كتاب‪ ‬أي ‪ :‬اطلعت على كمالت جميع النبياء وجمعت في علومهم ومقاماتهم وصفاتهم وأخلقهم‪ ،‬فكمل‬

‫توحيدي وصرت حبيبا لكمال محبتي‪ ،‬ورسخت في نفسي‪ ،‬فتمت عدالتي وهذا معنى قوله ‪ : :‬وأمرت لعدل بينكم‬

‫ال ربنا وربكم‪ ‬هو التثبيت في مقام التوحيد والتحقيق ‪ :‬لنا أعمالنا ولكم أعمالكم‪ ‬صورة الستقامة والتمكين في‬

‫العدالة ‪ :‬ل حجة بيننا وبينكم‪ ‬كمال المحبة والصفاء لقتضاء مقام التوحيد النظر إليهم بالسواء ‪ :‬ال يجمع بيننا‪‬‬

‫في القيامة الكبرى والفناء ‪ :‬وإليه المصير‪ ‬في العاقبة للجزاء‪ : .‬والذين يحاجون في ال‪ ‬لحتجابهم بنفوسهم ‪:‬‬

‫‪‬من بعد ما استجيب له‪ ‬بالستسلم والنقياد لدينه وقبول التوحيد بسلمة الفطرة ‪ :‬حجتهم داحضة‪ ‬لكونها ناشئة‬

‫من عند أنفسهم فل أصل لها عند ال ‪ :‬وعليهم غضب‪ ‬لستحقاقهم لذلك بظهور غضبهم ‪ :‬ولهم عذاب شديد‪‬‬

‫لحرمانهم‪ : .‬ال الذي أنزل الكتاب بالحق‪ ‬أي ‪ :‬العلم التوحيدي بالمحبة التي اقتضت استحقاقه لذلك فكان حقا له ‪:‬‬

‫‪‬والميزان‪ ‬أي ‪ :‬العدل‪ ،‬وإذا حصل العلم والتوحيد في الروح والمحبة في القلب والعدل في النفس قرب الفناء في ال‬

‫ووقوع القيامة الكبرى‪ : .‬ال لطيف بعباده‪ ‬يلطف بهم في تدبير إيصال كمالتهم إليه وتهيئة أسبابها وتوفيقهم‬

‫للعمال المقربة لهم إليها ‪ :‬يرزق من يشاء‪ ‬العلم الوافر بحسب عنايته به في هيئة استعداده له‪ : ،‬وهو القوي‪‬‬

‫القاهر ‪ :‬العزيز‪ ‬الغالب‪ ،‬يمنع من يشاء بمقتضى عدله وحكمته ولكل أحد نصيب من اللطف والقهر ل يخلو أحد‬

‫منهما وإنما تتفاوت النصباء بحسب الستعدادات والسباب والعمال والحوال‪ .‬من كان يريد حرث الخرة‪ ‬بقوة‬

‫إرادته وشدة طلبه لزيادة نصيب اللطف وتوجهه وإقباله إلى الحق لحيازة القرب ‪ :‬نزد له‪ ‬في نصيبه‪ ،‬فنصلح حال‬

‫آخرته ودنياه لن الدنيا تحت الخرة وظلها ومثالها وصورتها تتبعها ‪ :‬ومن كان يريد حرث الدنيا‪ ‬وأقبل بهواه إلى‬

‫جهة السفل وتعلق همه بزيادة نصيب القهر وبعد عن الحق ‪ :‬نؤته منها‪ ‬ما هو نصيبه وما قسم له وقدر ل مزيد عليه‬

‫‪ :‬وما له في الخرة من نصيب‪ ‬لعراضه عنها وعقد همه بالدون ووقوفه معه وجعله حجابا للشرف وإدباره عن‬

‫النصيب الوفر‪ ،‬فل يتهيأ لقبوله ول يستعد لحصوله إذ الصل ل يتبع الفرع‪ : .‬قل ل أسألكم عليه أجرا إل المودة‬

‫في القربى‪ ‬استثناء منقطع وفي القربى متعلق بمقدر أي ‪ :‬المودة الكائنة في القربى‪ .‬ومعناه ‪ :‬نفي الجر أصل لن ثمرة‬
‫مودة أهل قرابته عائدة إليهم لكونها سبب نجاتهم‪ ،‬إذ المودة تقتضي المناسبة الروحانية المستلزمة لجتماعهم في‬

‫‪ ' :‬المرء يحشر مع من أحب ' فل تصلح أن تكون أجرا له ول يمكن من تكدرت روحه وبعدت‬ ‫الحشر‪ ،‬كما قال ‪‬‬
‫عنهم مرتبته محبتهم بالحقيقة‪ ،‬ول يمكن من تنورت روحه وعرف ال وأحبه من أهل التوحيد أن ل يحبهم لكونهم أهل‬

‫بيت النبوة ومعادن الولية والفتوة محبوبين في العناية الولى‪ ،‬مربوبين للمحل العلى فل يحبهم إل من يحب ال‬

‫إذ محبته عين محبته‬ ‫ورسوله ويحبه ال ورسوله‪ ،‬ولو لم يكونوا محبوبين من ال في البداية لما أحبهم رسول ال ‪‬‬
‫تعالى في صورة التفصيل بعد كونه في عين الجمع وهم الربعة المذكورون في الحديث التي بعد‪ ،‬أل ترى أن له‬

‫أولدا آخرين وذوي قرابات في مراتبهم كثيرين لم يذكرهم ولم يحرض المة على محبتهم تحريضهم على محبة‬

‫هؤلء وخص هؤلء بالذكر‪ .‬روي أنها لما نزلت قيل ‪ :‬يا رسول ال ! من قرابتك هؤلء الذين وجبت علينا مودتهم ؟‬

‫قال ‪ ' :‬علي وفاطمة والحسن والحسين وأبناؤهما '‪ .‬ثم لما كانت القرابة تقتضي المناسبة المزاجية المقتضية للجنسية‬

‫الروحانية كان أولدهم السالكون لسبيلهم‪ ،‬التابعون لهديهم في حكمهم‪ ،‬ولهذا حرض على الحسان إليهم ومحبتهم‬

‫‪ ' :‬حرمت الجنة على من ظلم‬ ‫مطلقا ونهى عن ظلمهم وإيذائهم ووعد على الول ونهى عن الثاني‪ .‬قال النبي ‪‬‬
‫أهل بيتي وآذاني في عترتي ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غدا‬

‫‪ ' :‬من مات على حب آل محمد مات مغفورا له‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد‬ ‫إذا لقيني يوم القيامة '‪ .‬وقال ‪‬‬
‫مات تائبا‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد مات شهيدا مستكمل‬

‫اليمان‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير‪ ،‬أل ومن مات على حب محمد وآل‬

‫محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى‬

‫الجنة‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد جعل ال قبره مزار ملئكة الرحمة‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد مات‬

‫على السنة والجماعة‪ ،‬أل ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه ‪ :‬آيس من رحمة ال‪ ،‬أل‬

‫ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا‪ ،‬أل ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة '‪ : .‬ومن يقترف‬
‫حسنة‪ ‬بمحبة آل الرسول ‪ :‬نزد له فيها حسنا‪ ‬بمتابعته لهم في طريقتهم لن تلك المحبة ل تكون إل لصفاء الستعداد‬

‫وبقاء الفطرة‪ ،‬وذلك يوجب التوفيق لحسن المتابعة وقبول الهداية إلى مقام المشاهدة‪ ،‬فيصير صاحبها من أهل الولية‬

‫ويحشر معهم في القيامة ‪ :‬إن ال غفور‪ ‬بتنويره ظلمة صفات من أحب أهله ‪ :‬شكور‪ ‬لسعي من ناسبهم فيحبهم‬

‫بتضعيف جزاء حسناته وإفاضة كمالته بتجليات صفاته ليوافقهم‪ .‬فإن يشأ ال يختم على قلبك‪ ‬أي ‪ :‬ل يفتري على‬

‫ال إل من هو مختوم القلب مثلهم ‪ :‬ويمح ال الباطل‪ ‬كلم مبتدأ‪ ،‬أي ‪ :‬ومن عادة ال أن يمحو الباطل ‪ :‬ويحق‬

‫الحق بكلماته‪ ‬وقضائه إن كان افتراء يمحه ويثبت نقيضه وإن كان الفتراء ما يقولون فكذلك ‪ :‬وما عند ال خير‬

‫وأبقى‪ ‬لكونه أشرف وأدوم ‪ :‬للذين آمنوا‪ ‬اليمان اليقيني ول يتوكلون إل على ربهم بفناء الفعال أي الذين علمهم‬

‫اليقين وعملهم التوكل بالنسلخ عن أفعالهم‪ : .‬والذين يجتنبون كبائر الثم‪ ‬التي هي وجوداتهم وهو أخس صفات‬

‫نفوسهم التي تظهر بأفعالها في مقام المحو ‪ :‬وإذا ما غضبوا‪ ‬في تلويناتهم ‪ :‬هم يغفرون‪ ‬أي ‪ :‬الخصاء بالمغفرة‬

‫دون غيرهم ‪ :‬والذين استجابوا لربهم‪ ‬بلسان الفطرة الصافية إذا دعاهم إلى التوحيد بتجلي نور الوحدة ‪ :‬وأقاموا‪‬‬

‫صلة المشاهدة ولم يحتجبوا بآرائهم وعقولهم بل ‪ :‬أمرهم شورى بينهم‪ ‬لعلمهم أن ل مع كل أحد شأنا وإليه نظرا‬

‫وفيه سرا ليس لغيره ذلك الشأن والنظر والسر ‪ :‬ومما رزقناهم ينفقون‪ ‬بالتكميل ‪ :‬والذين إذا أصابهم البغي هم‬

‫ينتصرون‪ ‬بالعدالة احترازا عن الذلة والنظلم لكونهم في مقام الستقامة‪ ،‬قائمين بالحق والعدل الذي ظله في نفوسهم‬

‫‪‬وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا‪ ‬أي ‪ :‬إل بثلثة أوجه‪ ،‬إما بوصوله إلى مقام الوحدة والفناء فيه ثم التحقق بوجوده‬

‫في مقام البقاء فيوحي إليه بل واسطة كما قال ال تعالى ‪ : :‬ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده‬

‫ما أوحى‪] ‬النجم‪ ،‬الية ‪ : .[10 - 8 :‬أو من وراء حجاب‪ ‬بكونه في حجاب القلب ومقام تجليات الصفات فيكلمه على‬

‫سبيل المناجاة والمكالمة والمكاشفة والمحادثة دون الرؤية لحتجابه بحجاب الصفات كما كان حال موسى ‪ :‬‬
‫‪‬أو يرسل رسول‪ ‬من الملئكة فيوحي إليه على سبيل اللقاء والنفث في الروع واللهام أو الهتاف أو المنام كما قال‬

‫‪ ' :‬إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها '‪ : ،‬إنه علي‪ ‬من أن يواجه‬ ‫‪‬‬
‫ويخاطب‪ ،‬بل يفنى ويتلشى من يواجهه لعلوه من أن يبقى معه غيره ويحتمل شيء حضوره ‪ :‬حكيم‪ ‬يدبر بالحكمة‬
‫وجوده التكليم ليظهر علمه في تفاصيل المظاهر ويكمل به عباده ويهتدوا إليه ويعرفوه‪ .‬ومثل ذلك اليحاء على الطرق‬

‫الثلثة ‪ : :‬أوحينا إليك روحا‪ ‬تحيا به القلوب الميتة ‪ :‬من‪ ‬عالم ‪ :‬أمرنا‪ ‬المنزه عن الزمان المقدس عن المكان ‪:‬‬

‫‪‬ما كنت تدري ما الكتاب‪ ‬أي العقل الفرقاني الذي هو كمالك الخاص بك ‪ :‬ول اليمان‪ ‬أي ‪ :‬الخفي الذي حصل‬

‫لك عند البقاء بعد الفناء حال كونك محجوبا بغواشي نشأتك وحال وصولك لفنائك وتلشي وجودك ‪ :‬ولكن جعلناه‬

‫نورا‪ ‬عند استقامتك ‪ :‬نهدي به من نشاء من عبادنا‪ ‬المخصوصين بالعناية الزلية‪ ،‬إما المحبوبين وإما المحبين ‪:‬‬

‫‪‬وانك‪ ‬أيها الحبيب ‪ :‬لتهدي‪ ‬بنا من تشاء ‪ :‬إلى صراط مستقيم‪ ‬ل يبلغ كنهه ول يدري وصفه‪ : .‬صراط ال‪‬‬

‫المخصوص به‪ ،‬أي ‪ :‬طريق التوحيدي الذاتي الشامل للتوحيد الصفاتي والفعالي المسمى توحيد الملك‪ ،‬أعني سير‬

‫الذات الحدية مع جميع الصفات الظاهرة والباطنة بمالكية سموات الرواح وأرض الجسم المطلق ‪ :‬أل إلى ال‬

‫تصير المور‪ ‬بالفناء فيه‪ ،‬فينادي بذاته ‪ :‬لمن الملك اليوم‪] ‬غافر‪ ،‬الية ‪ [16 :‬ويجيب هو نفسه بقوله ‪ : :‬ل‬

‫الواحد القهار‪] ‬غافر‪ ،‬الية ‪ ،[16 :‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الزخرف‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬

‫أقسم بأول الوجود وهو الحق وآخره وهو محمد وما أجل قسما بما هو أصل الكل وكماله‪ ،‬ولهذا كانت الشهادة بهما‬

‫أساس السلم وعماد اليمان والجمع بينهما هو المذهب الحق والملة القويمة‪ .‬فإن أحدية الوجود والتأثير هو الجبر‬

‫وإثبات التفصيل في الوجود والتأثير هو القدر‪ ،‬والجمع بينهما بقولنا ‪ :‬ل إله إل ال محمد رسول ال‪ ،‬هو الصراط‬

‫المستقيم‪ ،‬والدين المتين‪ .‬أو بما يناسب الكتاب وهو اللوح والقلم لقوله تعالى ‪ : :‬ن والقلم وما يسطرون‪] ‬القلم‪،‬‬

‫الية ‪ [1 :‬وقد يكنى عن الكلمة بآخرها كما يكنى عنها بأولها‪ .‬فعلى الوجه الول يمكن أن يؤول الكتاب بنفس محمد‬

‫لكونه مبينا للحق جمعا وتفصيل وكونه منزل من عند ال ‪ :‬قرآنا‪ ‬أي ‪ :‬جامعا لجميع تفاصيل الوجود‪ ،‬حاصرا‬

‫للصفات اللهية والمراتب الوجودية والكمالية ‪ :‬عربيا لعلكم تعقلون‪ ‬ما نخاطبكم به‪ : .‬وإنه في أم الكتاب‪ ‬أي ‪:‬‬
‫أصل الوجود في الرتبة الولى وأول نقطة الوجود الضافي الممتاز بالتعين الول عن الوجود المطلق التالي للهوية‬

‫المحضة المشار إليه بقوله ‪ : :‬لدينا لعلي‪ ‬رفيع القدر بحيث ل رفعة وراءها ‪ :‬حكيم‪ ‬ذو الحكمة إذ به ظهرت‬

‫صور الشياء وحقائقها أعيانها وصفاتها وترتيب الموجودات ونظامها على ما هي عليه‪ .‬وأما على الوجه الثاني فل‬

‫يستقيم هذا التأويل‪ ،‬بل هو القرآن المبين للتوحيد والتفصيل الدال عليهما‪ ،‬المقسم به إجمال ‪ :‬وإنه في أم الكتاب‪‬‬

‫أي ‪ :‬الروح العظم المشتمل على كل العلوم بل كل الشياء لدينا قريبا منا أقرب من سائر العلوم الحاصلة في مراتب‬

‫التنزلت‪ .‬فإن العلم اللدني هو الذي انتقش في الروح الذي هو أول الرواح قبل تنزله في المراتب‪ ،‬وكون القرآن ذا‬

‫الحكمة كونه مشتمل على الحكمة النظرية المفيدة للعتقادات الحقة من التوحيد والنبوة وبيان أحوال المعاد وأمثالها‪،‬‬

‫فالحكمة العملية من بيان أحكام أفعال المكلفين كالشرائع وكيفية السلوك في المراتب وأحوال المكاسب والمواهب‪.‬‬

‫‪‬أفنضرب عنكم الذكر‪ ‬أي ‪ :‬أنهملكم ونصرف الذكر عنكم لسرافكم وإنما كانت الحاجة إلى الذكر للسراف‪ ،‬إذ لو‬

‫كانوا على السيرة العادلة والطريقة الوسطى لما احتيج إلى التذكير بل التذكير يجب عند الفراط والتفريط‪ ،‬ولهذا بعث‬

‫النبياء في زمان الفترة‪ .‬قال ال تعالى ‪ : :‬كان الناس أمة واحدة فبعث ال النبيين‪] ‬البقرة‪ ،‬الية ‪: .[213 :‬‬

‫‪‬وجعلوا له من عباده جزء‪ ‬أي ‪ :‬اعترفوا بأنه خالق السموات والرض ومبدعهما وفاطرهما وقد جسموه وجزؤوه‬

‫بإثبات الولد له الذي هو بعض من الوالد مماثل له في النوع لكونهم ظاهريين جسمانيين ل يتجاوزون عن رتبة الحس‬

‫والخيال ول يتجردون عن ملبس الجسمانيات‪ ،‬فيدركون الحقائق المجردة والذوات المقدسة فضل عن ذوات ال‬

‫تعالى‪ ،‬فكل ما تصوروا وتخيلوا كان شيئا جسمانيا ولهذا كذبوا النبياء في إثبات الخرة والبعث والنشور وكل ما‬

‫يتعلق بالمعاد‪ ،‬إذ ل يتعدى إدراكهم الحياة الدنيا وعقولهم المحجوبة عن نور الهداية أمور المعاش فل مناسبة أصل‬

‫بين ذواتهم وذوات النبياء إل في ظاهر البشرية‪ ،‬فل حاجة إلى ما وراءها‪ .‬ولما سمعوا من أسلفهم قول الوائل من‬

‫الحكماء في إثبات النفوس الملكية وتأنيثهم إياها إما باعتبار اللفظ‪ ،‬وإما باعتبار تأثرها وانفعالها عن الرواح المقدسة‬

‫العقلية مع وصفهم إياها بالقرب من الحضرة اللهية توهموا أنوثتها في الحقيقة التي هي بإزاء الذكورة في الحيوان مع‬

‫اختصاصها بال فجعلوها بنات‪ ،‬وقلما يعتقدها العامي إل صور إنسية لطيفة في غاية الحسن‪ .‬وقالوا لو شاء‬

‫الرحمن ما عبدناهم‪ ‬لما سمعوا من النبياء تعليق الشياء بمشيئة ال تعالى افترضوه وجعلوه ذريعة في النكار‪ ،‬وقالوا‬
‫ذلك ل عن علم وإيقان بل على سبيل العناد والفحام‪ ،‬ولهذا ردهم ال تعالى بقوله ‪ : :‬ما لهم بذلك من علم‪ ‬إذا لو‬

‫علموا ذلك لكانوا موحدين ل ينسبون التأثير إل إلى ال فل يسعهم إل عبادته دون غيره إذ ل يرون حينئذ لغيره نفعا‬

‫ول ضرا ‪ :‬إن هم إل يخرصون‪ ‬لتكذيبهم أنفسهم في هذا القول بالفعل حين عظموهم وخافوهم وخوفوا أنبياءهم من‬

‫بطشهم كما قال قوم هود ‪ : :‬إن نقول إل اعتراك بعض آلهتنا بسوء‪] ‬هود‪ ،‬الية ‪ ،[54 :‬ولما خوفوا إبراهيم ‪‬‬
‫كيدهم أجاب بقوله ‪ : :‬ول أخاف ما تشركون به إل أن يشاء ربي شيئا‪] ‬العراف‪ ،‬الية ‪ [80 :‬إلى قوله ‪: :‬‬

‫‪‬وكيف أخاف ما أشركتم‪] ‬العراف‪ ،‬الية ‪ : .[81 :‬وقالوا لول نزل هذا القرآن‪ ‬إلى آخره‪ ،‬لما لم يكونوا أهل‬

‫شيئا يعظمونه به إذ ل مال له ول حشمة ول جاه‬ ‫معنى ول حظ لهم إل من الصورة لم يتصوروا في رسول ال ‪‬‬
‫عندهم‪ ،‬وعظم في أعينهم الوليد بن المغيرة وأضرابه كأبي مسعود الثقفي وغيره لمكان حشمتهم ومالهم وخدمهم‪،‬‬

‫وقالوا ‪ :‬ل يناسب حاله اصطفاء ال إياه وكرامته عنده‪ ،‬ولو كان هذا القرآن من عند ال‬ ‫فاستخفوا برسول ال ‪‬‬
‫لختار له رجل عظيما كالوليد وأبي مسعود فأنزل عليه لتناسب حالة عظمة ال‪ ،‬فردهم ال لنهم ليسوا بقاسمي رحمة‬

‫الدين والهداية التي ل حظ لهم منها ول معرفة لهم بها‪ ،‬بل ليسوا بقاسمي ما هم يعرفونه ويتصرفون فيه من المعيشة‬

‫والحطام الدنيوي الذي يتهالكون على كسبه ول يقصدون إل إياه‪ ،‬فكيف بما لم يشموا عرفه ولم يعرفوا حاله‪ : .‬ومن‬

‫يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا‪ ‬قرئ ‪ :‬يعش بضم الشين وفتحها‪ ،‬والفرق أن عشا يستعمل إذا نظر العشي‬

‫لعارض أو متعمدا من غير آفة في بصره‪ ،‬وعشي إذا أيف بصره‪ .‬فعلى الول معناه ‪ :‬ومن كان له استعداد صاف‬

‫وفطرة سليمة لدراك ذكر الرحمن أي ‪ :‬القرآن النازل من عنده وفهم معناه وعلم كونه حقا فتعامى عنه لغرض دنيوي‬

‫وبغى وحسد أو لم يفهمه ولم يعلم حقيقته لحتجابه بالغواشي الطبيعية واشتغاله باللذات الحسية عنه‪ ،‬أو لغتراره بدينه‬

‫وما هو عليه من اعتقاده ومذهبه الباطل نقيض له شيطانا جنيا فيغويه بالتسويل والتزيين لما انهمك فيه من اللذات‬

‫وحرص عليه من الزخارف أو بالشبه والباطيل المغوية لما اعتكف عليه بهواه من دينه‪ ،‬أو إنسيا يغويه ويشاركه في‬

‫أمره ويجانسه في طريقه ويبعده عن الحق‪ .‬وعلى الثاني معناه ‪ :‬ومن أيف استعداده في الصل وشقي في الزل بعمى‬
‫القلب عن إدراك حقائق الذكر وقصر عن فهم معناه نقيض له شيطانا من نفسه أو من جنسه يقارنه في ضللته‬

‫ويحسبون الهداية‬
‫‪‬‬ ‫وغوايته‪ .‬وإنهم ليصدونهم‪ ‬وإن الشياطين يصدون قرناءهم عن طريق الوحدة وسبيل الحق ‪ :‬‬

‫فيما هم عليه ‪ :‬حتى إذا جاءنا‪ ‬أي ‪ :‬حضر عقابنا اللزم لعتقاده وأعماله والعذاب المستحق لمذهبه ودينه تمنى‬

‫غاية البعد بينه وبين شيطانه الذي أضله عن الحق وزين له ما وقع بسببه في العذاب واستوحش من قرينه واستذمه‬

‫لعدم الوصلة الطبيعية أو انقطاع السباب بينهما بفساد اللت البدنية‪ : .‬ولن ينفعكم‪ ‬التمني وقت حلول العذاب‬

‫واستحقاق العقاب إذ ثبت وصح ظلمكم لشتراككم في سببه‪ ،‬أو ‪ :‬ولن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب من شدته‬

‫مما يعلم به القيامة الكبرى وذلك أن نزوله من أشراط الساعة‪ .‬قيل‬ ‫وإيلمه‪ .‬وإنه لعلم للساعة‪ ‬أي ‪ :‬أن عيسى ‪‬‬
‫في الحديث ‪ ' :‬ينزل على ثنية من الرض المقدسة اسمها أفيق وبيده حربة يقتل بها الدجال ويكسر الصليب ويهدم‬

‫ويصلي خلفه على‬ ‫البيع والكنائس ويدخل بيت المقدس والناس في صلة الصبح‪ ،‬فيتأخر المام فيقدمه عيسى ‪‬‬

‫'‪ .‬فالثنية المسماة أفيق إشارة إلى مظهره الذي يتجسد فيه‪ ،‬والرض المقدسة إلى المادة الطاهرة التي‬ ‫دين محمد ‪‬‬
‫يتكون منها جسده‪ ،‬والحربة إشارة إلى صورة القدرة والشوكة التي تظهر فيها‪ .‬وقتل الدجال بها إشارة إلى غلبته على‬

‫المتغلب المضل الذي يخرج هو في زمانه‪ .‬وكسر الصليب وهدم البيع والكنائس إشارة إلى رفعه للديان المختلفة‪.‬‬

‫ودخوله بيت المقدس إشارة إلى وصوله إلى مقام الولية الذاتية في الحضرة اللهية الذي هو مقام القطب‪ .‬وكون الناس‬

‫في صلة الصبح إشارة إلى اتفاق المحمدين على الستقامة في التوحيد عند طلوع صبح يوم القيامة الكبرى بظهور‬

‫نور شمس الوحدة‪ .‬وتأخر المام إشارة إلى شعور القائم بالدين المحمدي في وقته بتقدمه على الكل في الرتبة لمكان‬

‫إياه واقتداؤه به على الشريعة المحمدية إشارة إلى متابعته للملة المصطفوية وعدم تغييره‬ ‫قطبيته وتقديم عيسى ‪‬‬
‫للشرائع وإن كان يعلمهم التوحيد العياني ويعرفهم أحوال القيامة الكبرى وطلوع الوجه الباقي‪ ،‬هذا إذا كان المهدي‬

‫عيسى ابن مريم على ما روي في الحديث ‪ ' :‬ل مهدي إل عيسى ابن مريم '‪ ،‬وإن كان المهدي غيره فدخوله بيت‬

‫المقدس ‪ :‬وصوله إلى محل المشاهدة دون مقام القطب والمام الذي يتأخر هو المهدي‪ ،‬وإنما يتأخر مع كونه قطب‬
‫إياه لعلمه بتقدمه في نفس المر لمكان‬ ‫الوقت مراعاة لدب صاحب الولية مع صاحب النبوة‪ ،‬وتقديم عيسى ‪‬‬
‫قطبيته وصلته خلفه على الشريعة المحمدية اقتداؤه به تحقيقا للستفاضة منه ظاهرا وباطنا وال أعلم‪ .‬وإنما قال ‪: :‬‬

‫‪‬واتبعون هذا صراط مستقيم‪ ‬لن الطريقة المحمدية هي صراط ال لكونه باقيا به بعد الفناء فدينه دين ال وصراطه‬

‫صراط ال واتباعه اتباع ال‪ ،‬فل فرق بين قوله ‪ : :‬واتبعون‪ ،‬وقوله ‪ :‬واتبعو رسولي‪ .‬ولهذا كان متابعته تورث‬

‫محبة ال إذ طريق هي طريقة الوحدة الحقيقية التي ل استقامة إل لها ولهذا لم يسع عيسى إل اتباعه عند الوصول إلى‬

‫الوحدة وارتفاع الثنينية يوجب المحبة الحقيقية‪ .‬هل ينظرون إل الساعة أن تأتيهم‪ ‬أي ‪ :‬ظهور المهدي دفعة وهم‬

‫غافلون عنه ‪ :‬الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين‪ ‬الخلة‪ ،‬إما أن تكون خيرية أو ل‪ ،‬والخيرية إما أن‬

‫تكون في ال أو ل‪ ،‬والغير الخيرية إما أن يكون سببها اللذة النفسانية أو النفع العقلي‪ .‬والقسم الول هو المحبة‬

‫الروحانية الذاتية المستندة إلى تناسب الرواح في الزل لقربها من الحضرة الحدية وتساويها في الحضرة الواحدية‬

‫التي قال فيها ‪ :‬فما تعارف منها ائتلف‪ ،‬فهم إذا برزوا في هذه النشأة واشتاقوا إلى أوطانهم في القرب وتوجهوا إلى‬

‫الحق وتجردوا عن ملبس الحس ومواد الرجس‪ ،‬فلما تلقوا تعارفوا وإذا تعارفوا تحابوا لتجانسهم الصلي وتماثلهم‬

‫الوضعي وتوافقهم في الوجهة والطريقة‪ ،‬وتشابههم في السيرة والغريزة وتجردهم عن الغراض الفاسدة والعراض‬

‫الذاتية التي هي سبب العداوة‪ ،‬وانتفع كل منهم بالخر في سلوكه وعرفانه وتذكره لوطانه والتذ بلقائه وتصفى بصفائه‬

‫وتعاونوا في أمور الدنيا والخرة فهي الخلة التامة الحقيقية التي ل تزول أبدا كمحبة الولياء والنبياء والصفياء‬

‫والشهداء‪ .‬والقسم الثاني هو المحبة القلبية المستندة إلى تناسب الوصاف والخلق والسير الفاضلة‪ ،‬ونشأته في‬

‫العتقادات والعمال الصالحة كمحبة الصلحاء والبرار فيما بينهم ومحبة العرفاء والولياء إياهم‪ ،‬ومحبة النبياء‬

‫العامة أممهم‪ .‬والقسم الثالث هو المحبة النفسانية المستندة إلى اللذات الحسية والغراض الجزئية كمحبة الزواج‬

‫لمجرد الشهوة ومحبة الفجار والفساق المتعاونين في اكتساب الشهوات واجتلب الموال‪ .‬والقسم الرابع هو المحبة‬

‫العقلية المستندة إلى تسهيل أسباب المعاش وتيسير المصالح الدنيوية كمحبة التجار والصناع ومحبة المحسن إليه‬

‫للمحسن‪ ،‬فكل ما استند إلى غرض فان وسبب زائل زال بزواله وانقلب عند فقدانه عداوة لتوقع كل من المتحابين ما‬

‫اعتاد من صاحبه من اللذة المعهودة والنفع المألوف مع عدمه وامتناعه لزوال سببه‪ ،‬ولما كان الغالب على أهل العلم‬
‫أحد القسمين الخيرين أطلق الكلم وقال ‪ : :‬الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين‪ ‬لنقطاع أسباب الوصلة‬

‫بينهم وانتفاء اللت البدنية عنهم وامتناع حصول اللذة الحسية والنفع الجسماني وانقلبهما حسرات وآلما وضررا‬

‫وخسرانا قد زالت اللذات والشهوات وبقيت العقوبات والتبعات‪ ،‬فكل يمحق صاحبه ويبغضه لنه يرى ما به من‬

‫العذاب منه وبسببه‪ .‬ثم استثنى المتقين المتناولين للقسمين الباقيين لقلتهم كما قال ‪ : :‬وقليل ما هم‪] ‬ص‪ ،‬الية ‪،[24 :‬‬

‫‪ :‬وقليل من عبادي الشكور‪] ‬سبأ‪ ،‬الية ‪ .[13 :‬ولعمري إن القسم الول أعز من الكبريت الحمر وهم الكاملون في‬

‫التقوى البالغون إلى نهايتها‪ ،‬الفائزون بجميع مراتبها‪ ،‬اجتنبوا أول المعاصي ثم الفضول ثم الفعال ثم الصفات ثم‬

‫الذوات‪ ،‬فما بقيت منهم بقايا حتى يتنافسوا فيها ويضنوا بها عن حبيبهم فيفسد محبتهم‪ ،‬بل ما بقي منهم إل نفس الحب‪.‬‬

‫وأما الفريق الثاني فاقتصروا على الرتبة الولى وقنعوا بظاهر التقوى فرضوا من الخرة بما أوتوا من النعيم وتسلوا‬

‫عن الدنيا وما فيها بالفضل الجسيم فأبقى محباتهم فيما بينهم لبقاء أسبابها وهي الصفات المتماثلة والهيئات المتشابهة‬

‫في ابتغاء مرضاة ال وطلب ثوابه واجتناب سخط ال وعقابه‪ ،‬فهم العباد المرتضون أي كل القسمين لشتراكهما في‬

‫طلب الرضا فلذلك نسبهم إلى نفسه بقوله ‪ :‬يا عباد ل خوف على الفريقين لمنهم من العقاب ول هم يحزنون على‬

‫فوات لذات الدنيا لكونهم على ألذ منها وأبهج وأحسن حال وأجمل‪ ،‬وإن تفاوت حالهم في اللذة والسرور والروح‬

‫والحبور بما ل يتناهى‪ ،‬وشتان بين محمد ومحمد‪ .‬والجنة التي أمرو بدخولها هي جنة النفس لشتراك الفريقين فيها‬

‫دون جنتي الصفات والذات المخصوصتين بالسابقتين بدليل قوله بعده ‪ : :‬وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم‬

‫تعلمون وإنما الجنة التي هي ثواب العمال جنة النفس لقوله ‪ : :‬وفيها ما تشتهيه النفس وتلذ العين‪. : ‬ونادوا‬
‫‪‬‬

‫يا مالك‪ ‬سمي خازن النار مالكا لختصاصه بمن ملك الدنيا وآثرها لقوله تعالى ‪ : :‬فأما من طغى * وءاثر الحيوة‬

‫الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى‪] ‬النازعات‪ ،‬اليات ‪ [39 - 37 :‬كما سمى خازن الجنة رضوانا لختصاصه بمن‬

‫م ورضوا عنه‪ .‬وقيل ‪ :‬الرضا بالقضاء باب ال العظم وهو الطبيعة الجسمانية الموكلة بأجساد العالم والهيولى‬ ‫‪‬‬
‫الظلمانية أو النفس الحيوانية الكلية الموكلة بالتأثير في الجساد الحيوانية المستعلية على النفوس الناطقة المحبوسة في‬

‫قيود اللذات الحسية والمطالب السفلية‪ ،‬وإنما ل يتعذب بالنار لكونه من جوهر تلك النار فهي له جنة‪ ،‬وللجهنميين نار‬

‫لتنافي جواهرهم وجوهرها وتباينهما‪ .‬واختصاص ندائهم بمالك دون ال تعالى لحتجابهم وبعدهم عن ال بالكلية‬
‫وتعبدهم لمالك بالنية والمنية‪ ،‬وما ذلك النداء إل توجههم إليه وطلب المراد منه ودعوتهم بقولهم ‪ : :‬ليقض علينا‬

‫ربك‪ ‬إشارة إلى تمني زوال بقية الستعداد بالكلية وإماتة الغريزة الفطرية لئل يتأذوا بالهيئات المؤذية والنيران‬

‫المردية‪ ،‬أو تمني تعطل الحواس وعدم الحساس لشدة التألم بالعذاب الجسماني و ‪ :‬قال إنكم ماكثون‪ ‬إشارة إلى‬

‫المكث المقدر بحسب رسوخ الهيئات وارتكام الذنوب والثام إن كانت الستعدادات باقية والعتقادات صحيحة أو‬

‫الخلود فيها إن لم تكن‪ ،‬فإن المكث أعم من المتناهي وغيره‪ .‬وكذا المجرم أعم من الشقي الصلي وغيره‪ ،‬وعلى هذا‬

‫حمل الخلود في قوله ‪ : :‬إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون‪] ‬الزخرف‪ ،‬الية ‪ [74 :‬على المكث الطويل العم‬

‫من المتناهي وغيره‪ ،‬فإنه قد يستعمل في العرف بمعناه كثيرا مجازا‪ ،‬وإنما جعلنا المجرم شامل للقسمين المذكورين‬

‫من الشقياء لمقابلته للمتقي الشامل للقسمين المذكورين من السعداء وإن خصصناه بالشقي المردود المطرود في الزل‬

‫كان المكث في قوله ‪ : :‬إنكم ماكثون‪ ‬عبارة عن البد‪ : .‬بلى ورسلنا لديهم يكتبون‪ ‬كل ما خطر فينا بالبال من‬

‫الشرار ينتقش في النفوس الفلكية كما ينتقش في النسانية لتصالها بها وانتقاشها كما هي‪ ،‬إما في القوى الخيالية إن‬

‫كانت جزئية وإما في القوى العاقلة إن كانت كلية‪ ،‬وكلهما يظهر على النفس عند ذهولها عن الحس ورجوعها إلى‬

‫ذاتها وما كانت تنساها تنعكس إليها من النفوس الفلكية عند المفارقة فتذكرها دفعة وذلك معنى قوله ‪ : :‬أحصاه ال‬

‫ونسوه‪] ‬المجادلة‪ ،‬الية ‪ [6 :‬فالرسل الكاتبون هم النفوس الفلكية المناسبة لكل واحد واحد من الشخاص البشرية‬

‫بحسب الوضع المقارن لتصال النفس بالبدن‪.‬‬

‫‪‬قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين‪ ‬أي ‪ :‬لذلك الولد‪ ،‬وهو إما أن يدل على نفي الولد عن ال بالبرهان وإما أن‬

‫يدل على نفي الشرك عن الرسول بالمفهوم‪ ،‬أما دللته على الول فلما دل قوله ‪ : :‬سبحان رب السماوات‪ ‬إلى‬

‫قوله ‪ : :‬عما يصفون‪ ‬على نفي التالي وهو عبادة الولد أي ‪ :‬أوحده وأنزهه تعالى عما يصفونه من كونه مماثل‬

‫لشيء لكونه ربا خالقا للجسام كلها فل يكون من جنسها‪ ،‬فيفيد انتفاء الولد على الطريق البرهاني‪ .‬وأما دللته على‬

‫الثاني ‪ :‬فإذا جعل قوله ‪ : :‬سبحان رب السماوات‪ ‬إلى آخره‪ ،‬من كلم ال تعالى ل من كلم الرسول‪ ،‬أي ‪ :‬نزه رب‬

‫السموات عما يصفونه فيكون نفيا للمقدم ويكون تعليق عبادة الرسول من باب التعليق بالمحال والمعلق بالشرط عند‬
‫عدمه فحوى بدللة المفهوم أبلغ عند علماء البيان من دللة المنطوق‪ ،‬كما قال في استبعاد الرؤية ‪ : :‬فإن استقر‬

‫مكانه فسوف تراني‪] ‬العراف‪ ،‬الية ‪ [143 :‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة حم الدخان‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬

‫لكونها حادثة مظلمة ساترة لنور شمس الروح‪،‬‬ ‫‪‬إنا أنزلناه في ليلة مباركة‪ ‬الليلة المباركة هي بنية رسول ال ‪‬‬
‫ووصفها بالمباركة لظهور الرحمة والبركة من الهداية والعدالة في العالم بسببها وازدياد رتبته وكماله بها‪ .‬كما سماها‬

‫ليلة القدر لن قدره عليه السلم معرفته بنفسه وكماله إنما يظهر بها‪ ،‬أل ترى أن معراجه إنما كان بجسده ؟‪ ،‬إذ لو لم‬

‫يكن جسده لم يكن ترقيه في المراتب إلى التوحيد وإنزال الكتب فيها إشارة إلى أنزال العقل القرآني الجامع للحقائق‬

‫كلها‪ ،‬والفرقاني المفصل لمراتب الوجود‪ ،‬المبين لتفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها‪ ،‬المميز لمعاني السماء وأحكام‬

‫الفعال فيها وهو معنى قوله فيها ‪ : :‬فيها يفرق كل أمر حكيم‪ ‬أو إلى إنزال الروح المحمدي الذي هو الكتاب المبين‬

‫حقيقة في صورتها أو القرآن ‪ :‬إنا كنا منذرين‪ ‬لهل العالم بوجوده‪ : .‬أمرا من عندنا‪ ‬خص المر الحكمي بكونه‬

‫من عنده لن كل أمر يبتني على حكمة وصواب كما ينبغي من الشرائع والحكام الفقهية إنما يكون من عنده‬

‫مخصوصا به مطلقا لما في نفس المر وإل كان أمرا مبنيا على الهوى والتشهي ‪ :‬إنا كنا مرسلين رحمة من ربك‪‬‬

‫تامة كاملة على العالمين بإنزاله لستقامة أمورهم الدينية والدنيوية وصلح معاشهم ومعادهم وظهور الخير والكمال‬

‫والبركة والرشاد فيهم بسببه أو مرسلين إياك لرحمة كاملة شاملة عليهم ‪ :‬إنه هو السميع‪ ‬لقوالهم المختلفة في‬

‫المور الدينية الصادرة عن أهوائهم ‪ :‬العليم‪ ‬بعقائدهم الباطلة وآرائهم الفاسدة وأمورهم المخيلة ومعايشهم الغير‬

‫المنتظمة‪ ،‬فلذلك رحمهم بإرسال الرسول الهادي إلى الحق في أمر الدين‪ ،‬الناظم لمصالحهم في أمر الدنيا‪ .‬المرشد إلى‬

‫الصواب فيهما بتوضيح الصراط المستقيم وتحقيق التوحيد بالبرهان وتقنين الشرائع وسنن الحكام لضبط النظام‪.‬‬
‫‪‬فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين‪ ‬أي ‪ :‬وقت ظهور آيات القيامة الصغرى أو الكبرى فإن الدخان من أشراطها‪.‬‬

‫فاعلم أن الدخان هو من الجزاء الرضية اللطيفة المتصاعدة عن مركزها لتلطفها بالحرارة‪ ،‬فإن فسرنا القيامة‬

‫بالصغرى فالدخان هو السكرة والغشية والنقباضية العارضة لسماء الروح عند النزع بسبب هيئة التعلق البدني‬

‫في وصفه ‪ ' :‬أما‬ ‫والفترة المرتكبة على وجهها من مباشرة المور السفلية والميل إلى اللذات الحسية ولهذا قال ‪‬‬
‫المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة‪ ،‬وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره '‪ .‬فإن المؤمن لقلة تعلقه‬

‫بالمور البدنية وضعف تلك الهيئة المستفادة من مباشرة المور السفلية يقل انفعاله منها ويسهل زواله وخصوصا إذا‬

‫اكتسب ملكة التصال بعالم النوار‪ .‬وأما الكافر فلشدة تعلقه وقوة محبته للجسمانيات وركونه إلى السفليات تغشاه تلك‬

‫الهيئة فتحيره وتشمله حتى عمت مشاعره الظاهرة والباطنة ومخارجه العلوية والسفلية فل يهتدي إلى طريق ل إلى‬

‫العالم العلوي ول إلى العالم السفلي ‪ :‬هذا عذاب أليم‪ ‬ولما كان الغالب عليه التمني والتندم فيتمنى ما كان فيه من‬

‫الحياة والصحة ويتندم على ما كان عليه من الفسوق والعصيان والفجور والطغيان‪ ،‬قال بلسان الحال ‪ : :‬ربنا‬

‫اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون‪ ‬أو بلسان المقال على ما ترى عليه حال بعض من وقع في النزع من العصاة من التوبة‬

‫وموعدة الرجوع إلى الطاعة‪ .‬أنى لهم الذكرى‪ ‬أي ‪ :‬التعاظ واليمان بمجرد انكشاف العذاب ‪ :‬وقد جاءهم‪ ‬ما‬

‫هو أبلغ منه من الرسول المبين طريق الحق بالمعجز والبرهان ودعاهم إلى سبيله بالطرق الثلثة من الحكمة‬

‫والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ‪ :‬ثم‪ ‬أعرضوا ونسبوه إلى الجنون والتعليم المتنافيين لفرط احتجابهم‬

‫وعنادهم ‪ :‬إنا كاشفو العذاب قليل‪ ‬بتعطيل الحواس والدركات ‪ :‬إنكم عائدون‪ ‬إليه‪ : .‬يوم نبطش البطشة‬

‫الكبرى‪ ‬أي ‪ :‬وقت تمام الفراغ إلى إدراك العذاب المؤلم بتلك الهيئات وتحقق الخلود ‪ :‬إنا منتقمون‪ ‬معذبون بالحقيقة‬

‫أو بالرد إلى الصحة والحياة البدنية‪ ،‬إنكم عائدون إلى الكفر لرسوخه فيكم ‪ :‬يوم نبطش البطشة الكبرى‪ ‬بزوال‬

‫الستعداد وانطفاء نور الفطرة بالرين الحاصل من ارتكاب الذنوب والحتجاب الكلي الموجب للعذاب البدي كما‬

‫قال ‪ : :‬كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كل إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون‪] ‬المطففين‪ ،‬اليات ‪- 14 :‬‬

‫‪ [15‬ننتقم منهم بالحقيقة بالحرمان الكلي والحجاب البدي والعذاب السرمدي‪ .‬وإن فسرنا القيامة بالكبرى ‪ :‬فالدخان هو‬

‫حجاب النية الذي يغشى الناس عند ظهور نور الوحدة بطغيان النفس لنتحال صفات الربوبية وغلبة سكرة يوم الجمع‬
‫المورثة للباحة إذ هو من بقية النفس الرضية اللطيفة بنور الوحدة المرتقبة إلى محل الشهود التي تأتي بها سماء‬

‫الروح لتأثيره فيها بالتنوير إذ لم تحترق بالكلية بنار العشق بل صفت وتلطفت وتصعدت‪ .‬فأما المؤمن باليمان الحقيقي‬

‫الموحد التام الستعداد‪ ،‬المحب الغالب المحبة‪ ،‬فيصيبه كهيئة الزكمة‪ ،‬أي ‪ :‬السكرة التي قال فيها أبو زيد قدس ال‬

‫روحه ‪ :‬سبحاني ما أعظم شأني‪ .‬والحسين بن منصور رحمه ال ‪ :‬أنا الحق‪ .‬ثم يرتفع عنه سريعا لمزيد العناية اللهية‬

‫وقوة الستعداد الفطرية وشدة المحبة الحقيقية‪ ،‬فيتنبه لذلك ويتعذب به غاية التعذب ويشتاق إلى النطماس في عين‬

‫الجمع غاية الشوق‪ ،‬فيقول ‪ :‬هذا عذاب أليم‪ ،‬ويطلب الفناء الصرف‪ ،‬كما قال الحلج قدس ال روحه ‪) % :‬بيني وبينك‬

‫أني ينازعني ‪ %‬فارفع بفضلك أني من البين( ‪ %‬ويدعو بلسان التضرع والفتقار ‪ : :‬ربنا اكشف عنا العذاب إنا‬

‫مؤمنون‪] ‬الدخان‪ ،‬الية ‪ [12 :‬باليمان العيني عند كشف الحجاب الني‪ : ،‬أنى لهم الذكرى‪ ‬من أين لهم ذكر الذات‬

‫واليمان العيني في مقام حجاب النائية‪ : ،‬وقد جاءهم رسول مبين‪ ‬أي ‪ :‬رسول العقل المبين لوجوداتهم وصفاتهم‪،‬‬

‫أي ‪ :‬إنما احتجبوا بحجاب النية لظهور العقل وإثباته لوجوداتهم‪ ،‬فكيف ذكرهم للذات تعجب من تذكرهم مع كونهم‬

‫عقلء ثم بين كونهم عشاقا مشتاقين بقوله ‪ : :‬ثم تولوا عنه‪ ‬لقوة المحبة وفرط العشق ‪ :‬وقالوا معلم‪ ‬أي ‪ :‬من عند‬

‫‪ ' :‬لو دنوت أنملة‬ ‫مجنون مستور الدراك‪ ،‬محجوب عن نور الذات‪ ،‬كما قال جبريل ‪‬‬
‫‪‬‬ ‫ال بإفاضة العلم عليه ‪ :‬‬

‫لحترقت '‪ : .‬إنا كاشفو العذاب‪ ‬أي ‪ :‬عذاب الحجاب والحرمان لعراضهم بقوة العشق عن الرسول قليل بطلوع‬

‫نور الوجه الباقي وإشراق سبحاته وإحراقها ما انتهى إليه بصره من خلقه ‪ :‬إنكم عائدون‪ ‬بالتلوين إلى الحجاب بعد‬

‫تجلي نور الذات لبقية الثار إلى وقت التمكين ‪ :‬يوم نبطش البطشة الكبرى‪ ‬أي ‪ :‬وقت الفناء الكلي والنطماس‬

‫الحقيقي بحيث ل عين ول أثر ‪ :‬إنا منتقمون‪ ‬أي ‪ :‬ننتقم بالقهر الحدي والفناء الكلي من وجوداتهم وبقاياهم‬

‫فيطهرون عن الشرك الخفي بالوجود الحدي‪ .‬وأما الكافر‪ ،‬أي ‪ :‬المحجوب عن نور الذات‪ ،‬الممنو بحجب الصفات‪،‬‬

‫المحروم عن الطمس عن عين الجمع بتوهم الكمال فيبقى في مقام النائية ويتفرعن وراء حجاب النائية كما قال‬

‫اللعين ‪ : :‬أنا ربكم العلى‪] ‬النازعات‪ ،‬الية ‪24 :  :‬ما علمت لكم من إله غيري‪] ‬القصص‪ ،‬الية ‪،[38 :‬‬
‫فيخلع عن عنقه ربقة الشريعة ويسير بسيرة الباحة ويتجسر على المخالفات ويتزندق بارتكاب المعاصي وتركه‬

‫الطاعات‪ ،‬فيكون من شرار الناس الذين قال فيهم ‪ ' :‬شر الناس‬

‫من قامت القيامة عليه وهو حي '‪ ،‬فهو في عدم التمييز والرجوع إلى التفصيل والنهماك في الدواعي الطبيعية‬

‫والتعمق في الجاهلية كالسكران غلب الهوى على عقله وأحاط به الحجاب من جميع جهاته وظهر أثر الغي من‬

‫مشاعره‪ ،‬هذا عذاب أليم لكنه ل يشعر به لشدة انهماكه في تفرعنه وقوة شكيمته في تشيطنه‪ ،‬كلما دعاه الموحد القائم‬

‫بالحق المهدي إلى نور الذات بالفناء المطلق المنصور من عند ال بالوجود الموهوب المتحقق ونبهه على ما به من‬

‫الحتجاب أبى واستكبر وطغى وتجبر لستغنائه بنفسه وثباته في غيه حتى إذا وقع في الرتياب وتفطن بالحجاب عند‬

‫ارتتاج الباب بتعين المآب وتيقن العقاب قال ‪ : :‬ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون‪] ‬الدخان‪ ،‬الية ‪ [12 :‬كما قال‬

‫فرعون حين أدركه الغرق ‪ : :‬ءامنت أنه ل إله إل الذي ءامنت به بنوا إسرائيل‪] ‬يونس‪ ،‬الية ‪ : ،[90 :‬أنى لهم‬

‫الذكرى‪ ‬أي ‪ :‬التعاظ واليمان الحقيقي وقد عاندوا الحق وأعرضوا عن القائم بالحق‪ ،‬فلعنوا وطردوا‪ : .‬إنا كاشفو‬

‫العذاب‪ ‬ريثما تحققوا ما هم فيه من الوقوف مع النفس وتبينوا التفريط في جنب الحق ‪ :‬إنكم عائدون‪ ‬لفرط تمكن‬

‫الهوى من أنفسكم وتشرب قلوبكم بمحبة نفوسكم واستيلء صفاتها عليكم وقوة الشيطنة فيكم‪ : .‬يوم نبطش البطشة‬

‫الكبرى‪ ‬بالقهر الحقيقي والذلل الكلي والطرد والبعاد ننتقم منهم لمكان شركهم وعبادتهم لنفسهم ومبارزتهم علينا‬

‫بالظهور في مقابلتنا ومنازعتهم رداء الكبرياء منا‪ ،‬كما قلنا ‪ ' :‬العظمة إزاري والكبرياء ردائي‪ ،‬فمن نازعني واحدا‬

‫منهما قذفته في النار '‪ ،‬وأما حكاية قوم فرعون فاشتهيت تطبيقها على حالك فافهم منها‪ .‬ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون‪‬‬

‫النفس المارة من قبط القوى الحيوانية ‪ :‬وجاءهم رسول كريم‪ ‬هو موسى القلب الشريف المجرد ‪ :‬أن أدوا إلي‬

‫عباد ال‪ ‬المخصوصين به من القوى الروحانية المأسورين في قيود طاعتكم‪ ،‬المستضعفين باستيلئكم‪ ،‬المستعبدين‬

‫لقضاء حوائجكم وتحصيل مراداتكم من اللذات الحسية والشهوات البدنية ‪ :‬إني لكم رسول أمين‪ ‬بحصول علم اليقين‬

‫المأمون من تغيره‪ : .‬وأن ل تعلوا على ال‪ ‬بعصيانه وترك ما أدعوكم إليه واستكباركم ‪ :‬إني آتيكم‪ ‬بحجة‬

‫واضحة من الحجج العقلية ‪ :‬وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون‪ ‬بأحجار الهيولى السفلية والهواء النفسية‬

‫والدواعي الطبيعية فتجعلوني بحيث ل حراك في طلب الكمالت الروحانية والنوار الرحمانية وتهلكوني‪ : .‬وإن لم‬
‫تؤمنوا لي‪ ‬بطاعتي ومشايعتي في التوجه إلى ربي وطلب كمالي والتنور بأنواري ‪ :‬فاعتزلون‪ ‬بعدم ممانعتي ‪:‬‬

‫‪‬وترك محاجزتي ومعاوقتي في سيري وسلوكي ‪ :‬فدعا ربه‪ ‬بلسان التضرع والفتقار ‪ :‬أن هؤلء قوم‬

‫مجرمون‪ ‬في اكتساب المطالب الجرمية واللذات الحسية‪ ،‬منهمكون فيها‪ ،‬ل يرفعون منها رأسا‪ : .‬فأسر‪ ‬أي ‪ :‬فقال‬

‫ال ‪ :‬أسر ‪ :‬بعبادي‪ ‬الروحانيين من القوى العقلية والفكرية والحدسية والقدسية وصفاتك المخلصة إلى حضرة‬

‫القدس وراء بحر الهيولى ‪ :‬ليل‪ ‬وقت نعاس القوى الحسية وتعطل القوى البدنية ‪ :‬إنكم متبعون‪ ‬بمطالبتهم إياكم‬

‫بكمالت الحس ومجاذبتهم لكم عن جناب القدس ‪ :‬واترك‪ ‬بحر الهيولى والمواد الجسمانية ساكنة على قرارها‬

‫ساجية عن أمواجها غير مزاحمة إياكم باضطراب أحوالها وانحراف مزاجها‪ ،‬ومتسعة طرقها منفرجة لنفوذ تلك‬

‫القوى وسريانها وتصرفها فيها ‪ :‬إنهم جند مغرقون‪ ‬هالكون بتموج البحر وطمسه إياهم عند خراب البدن‪ .‬إن‬

‫شجرة الزقوم * طعام الثيم‪ ‬شجرة الزقوم هي النفس المستعلية على القلب في تعبد الشهوة وتعود اللذات‪ ،‬سميت‬

‫زقوما لملزمتها اللذة‪ ،‬إذ الزقم والتزقم عندهم أكل الزبد والتمر‪ ،‬ولكونه لذيذا نسبت تبعة اللذة إليه واشتق لها اسم‬

‫منه‪ ،‬ول يطعم منها ويستمد من قواها وشهواتها إل المنغمس في الثم المنهمك في الهوى ‪ :‬كالمهل‪ ‬أي ‪ :‬دردي‬

‫الزيت لثقلها وترسبها وسرعة نفوذها في المسام للطافتها وحرارتها اللزمة لطلبها ما يهواها‪ ،‬أو النحاس الذائب في‬

‫ميلها إلى الجهة السفلية وإيذائها القلب بشدة الداعية ولهج الحرص ولهب نار الشوق مع الحرمان ‪ :‬يغلي في‬

‫البطون تضطرب وتقلق في البواطن من شدة حر التعب في الطلب فتقلق القلوب وتحرقها بنار الهوى ومنافاة ظلمتها‬
‫‪‬‬

‫لنوريتها وتسري فيها بالذى لستيلء هيئتها عليها ولطف هواها الذي هو روح النفس ورسوخ محبتها فيها‪ ،‬ولهذا قيل‬

‫‪ :‬ذواق السلطين محرقة الشفتين ‪ :‬كغلي الحميم‪ ‬الساري بحره في المسام للطافته وقوله في البطون كقوله ‪: :‬‬

‫‪‬نار ال الموقدة التي تطلع على الفئدة‪] ‬الهمزة‪ ،‬اليات ‪ : .[7 - 6 :‬ذق إنك أنت العزيز الكريم‪ ‬إشارة إلى‬

‫انعكاس أحوالها لنتكاس فطرتها‪ ،‬فإن اللذة والعزة الجسمانية والكرامة النفسانية موجبة لللم والهوان والذلة الروحانية‬

‫‪ :‬إن هذا ما كنتم به تمترون‪ ‬لحسبانكم انحصار اللذات واللم في الحسية واحتجابكم بها عن العقلية‪ : .‬إن المتقين‪‬‬

‫الكاملين في التقوى باجتناب البقايا ‪ :‬في جنات‪ ‬عالية من الجنان الثلث ‪ :‬وعيون‪ ‬من علوم الحوال والمعارف‬

‫وغيرها من المنافع الحقيقية ‪ :‬يلبسون من سندس‪ ‬لطائف الحوال والمواهب لتصافهم بها كالمحبة والمعرفة‬
‫والفناء والبقاء ‪ :‬وإستبرق‪ ‬فضائل الخلق كالصبر والقناعة والحلم والسخاوة ‪ :‬متقابلين‪ ‬على رتب متساوية في‬

‫الصف الول من صفوف الرواح ل حجاب بينهم لتجرد ذواتهم وبروزهم إلى ال عن صفاتهم ‪ :‬كذلك وزوجناهم‬

‫بحور عين‪ ‬أي ‪ :‬قرناهم بما فيه قرة أعينهم واستئناس قلوبهم لوصولهم بمحبوبهم وحصولهم على كمال مرادهم‪.‬‬

‫‪‬يدعون فيها بكل فاكهة‪ ‬أي ‪ :‬كل ما يتلذذ به من لذائذ الجنان الثلث ‪ :‬أمنين‪ ‬من الفناء والحرمان عن تلك‬

‫النعماء ‪ :‬ل يذوقون فيها الموت إل الموتة الولى‪ ‬أي ‪ :‬الطبيعة الجسمانية ل الفناء من الفعال والصفات والذات‬

‫فإن كل فناء منها وإن كان موتا إراديا لكنه حياة أصفى وألذ وأشهى وأبهج مما قبلها وكل منها في جنة ‪ :‬ووقاهم‬

‫عذاب الجحيم‪ ‬أي ‪ :‬جحيم الحرمان بوجود البقية فضل عن الخذلن في جحيم الطبيعة ‪ :‬فضل من ربك‪ ‬موهبة‬

‫محضة وعطاء صرفا من ربك بالوجود الحقاني عند تلشي اللت النفسانية ‪ :‬ذلك هو الفوز العظيم‪ ‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة حم الجاثية‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬

‫‪‬حم‪ ‬جواب القسم محذوف لدللة ‪ :‬تنزيل الكتاب‪ ‬عليه‪ ،‬أي ‪ :‬أقسم بحقيقة الهوية‪ ،‬أي ‪ :‬الوجود المطلق الذي هو‬

‫أصل الكل وعين الجمع‪ ،‬وبمحمد أي ‪ :‬الوجود الضافي الذي هو كمال الكل وصورة التفصيل لنزلن الكتاب المبين‬

‫لهما أو يجعل ‪ :‬حم‪ ‬مبتدأ و ‪ :‬تنزيل الكتاب‪ ‬خبره على تقدير حذف مضاف أي ‪ :‬ظهور حقيقة الحق المفصلة‪: ،‬‬

‫‪‬تنزيل الكتاب أي‪ : ‬إرسال الوجود المحمدي أو إنزال القرآن المبين الكاشف عن معنى الجمع والتفصيل في غير‬

‫موضع كما جمع في قوله ‪ : :‬شهد ال أنه ل إله إل هو‪] ‬آل عمران‪ ،‬الية ‪ [18 :‬ثم فصل بقوله ‪ : :‬والملئكة‬

‫وأولوا العلم‪. : ‬من ال‪ ‬من عين الجمع ‪ :‬العزيز الحكيم‪ ‬في صورة تفاصيل القهر واللطف اللذين هما‪ .‬أما‬

‫السماء ومنشؤها الكثرة في الصفات إذ ل صفة إل وهي من باب القهر أو اللطف‪ : .‬إن في السماوات والرض‪ ‬أي‬

‫‪ :‬في الكل ‪ :‬ليات للمؤمنين‪ ‬بذاته لن الكل مظهر وجوده الذي هو عين ذاته ‪ :‬وفي خلقكم‪ ‬إلى آخره‪ : ،‬آيات‬
‫لقوم يوقنون‪ ‬بصفاته لنكم وجميع الحيوانات مظاهر صفاته من كونه حيا عالما مريدا قادرا متكلما سميعا بصيرا‪،‬‬

‫لنكم بهذه الصفات شاهدون بصفاته‪.‬و‪ ‬في ‪ :‬اختلف الليل والنهار‪ ‬إلى آخره‪ : ،‬آيات لقوم يعقلون‪ ‬أفعاله‪،‬‬

‫فإن هذه التصرفات أفعاله‪ ،‬وإنما فرق بين الفواصل الثلث باليمان واليقان والعقل لن شهود الذات أوضح وإن خفي‬

‫لغاية وضوحه والوجود أظهر والمصدقون به أكثر لكونه من الضروريات ومشاهدة الصفات أدق وألطف من القسمين‬

‫الباقيين فعبر عنها باليقان‪ ،‬فكل موقن مؤمن بوجوده ول ينعكس وقد يوجد اليقان بدون اليمان بالذات لذهول المؤمن‬

‫بالوجود الموقن بالصفات عن شهود الذات لحتجاجه بالكثرة عن الوحدة‪ .‬وأما الفعال فمعرفتها استدلل بالعقل إذ‬

‫التغير في الشياء ل بد له من تغيير مغير عند العقل لستحالة التأثر بدون التأثير عقل‪ .‬والول فطري روحي‪ ،‬والثاني‬

‫علمي قلبي‪ ،‬أي ‪ :‬كشفي ذوقي‪ ،‬والثالث عقلي‪ .‬فالمحبوب الباقي على الفطرة يؤمن أول بالذات ثم يوقن بالصفات ثم‬

‫يعقل الفعال‪ .‬وأما المحب المحتجب عن الفطرة بالنشأة والمادة فهو في مقام النفس يعقل أول أفعاله ثم يوقن بصفاته‬

‫‪ :‬بم عرفت ال ؟ قال ‪ ' :‬عرفت الشياء بال '‪: .‬‬ ‫التي هي مبادئ أفعاله‪ ،‬ثم يؤمن بذاته ولهذا لما سئل حبيب ال ‪‬‬
‫‪‬تلك‪ ‬أي ‪ :‬آيات سموات الرواح وأرض الجسم المطلق‪ ،‬أي الكل وآيات الحياء من الموجودات وآيات سائر‬

‫الحوادث من الكائنات ‪ :‬آيات ال‪ ‬أي ‪ :‬آيات ذاته وصفاته وأفعاله ‪ :‬فبأي حديث بعد ال‪ ‬وآيات صفاته وأفعاله ‪:‬‬

‫‪‬يؤمنون‪ ‬إذ ل موجود بعدها إل حديث بل معنى واسم بل مسمى‪ ،‬كما قال ‪ : :‬إن هي إل أسماء سميتموها‪] ‬النجم‪،‬‬

‫الية ‪ [23 :‬أي ‪ :‬بل مسميات ‪ :‬ويل لكل أفاك‪ ‬منغمس في إفك الوجود المزخرف الباطل الموهوم‪ ،‬وإثم الشرك‬

‫بنسبة الفعال لذلك الوجود ‪ :‬يسمع آيات ل‪ ‬من كل موجود قائل بلسان الحال أو القال ‪ :‬تتلى عليه‪ ‬على لسان كل‬

‫شيء إل على لسان النبي وحده ‪ :‬ثم يصر مستكبرا‪ ‬في نسبتها إلى الغير لحتجابه بوجوده واستكباره وأنائيته لفرط‬

‫تفرعنه أو لغرته وغفلته ‪ :‬كأن لم يسمعها‪ ‬لعدم تأثره بها ‪ :‬فبشره بعذاب‪ ‬الحجاب المؤلم والحرمان الموبق‪.‬‬

‫‪‬وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا‪ ‬بنسبتها إلى من ل وجود له أصل ‪ :‬أولئك لهم عذاب مهين‪ ‬في ذل المكان ‪:‬‬

‫‪‬إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون‪ ‬أي ‪ :‬في تسخير ما في السموات وما في الرض لكم دلئل لمن يتفكر في نفسه من‬

‫هو ؟ ولماذا سخر له هذه الشياء ؟ حتى الملكوت والجبروت منه من جهته فيرجع إلى ذاته ويعرف حقيقته وسر‬
‫وجوده وخاصيته التي بها شرف وفضل عليها وأهل لتسخيرها له فيأنف عن التأخر عن رتبة أشرفها فضل عن‬

‫أخسها ويترقى إلى غايته التي يندب إليها‪ : .‬ثم جعلناك على شريعة‪ ‬طريقة من أمر الحق هي طريقة التوحيد ‪:‬‬

‫‪‬فاتبعها‪ ‬بسلوكها على بينة وبصيرة ‪ :‬ول تتبع‪ ‬جهالت أهل التقليد ‪ :‬الذين ل يعلمون‪ ‬علم التوحيد ‪ :‬إنهم لن‬

‫يغنوا عنك من ال شيئا‪ ‬أي ‪ :‬لن يدفعوا عنك ضرا بأفعالهم لعدم تأثيرهم ول جهالة وحجابا بأوصافهم لعدم قواهم‬

‫وقدرهم وعلومهم‪ ،‬إذ ل حول ول قوة إل بال ول وحشة بحضورهم إذ ل مناسبة بينك وبينهم فتستأنس بهم بل ل أنس‬

‫لك إل بالحق وهم ل شيء محض في شهودك فل موالة بينك وبينهم بوجه وإنما موالة الظالمين ليست إل مع‬

‫الظالمين لما بينهم من الجنسية والمناسبة في الحتجاب ‪ :‬وال ولي المتقين‪ ‬أي ‪ :‬متولي أمور من اتقى أفعاله‬

‫بالتوكل عليه في شهود توحيد الفعال أو ناصر من اتقى صفاته في مقام الرضا بمشاهدة تجليات الصفات أو حبيب من‬

‫اتقى ذاته في شهود توحيد الذات إذ الولي يستعمل بالمعاني الثلثة لغة‪ : .‬هذا‪ ‬أي ‪ :‬هذا البيان ‪ :‬بصائر‪ ‬أي ‪:‬‬

‫بينات لقلوب الذين طالعوا بهجة الصفات‪ ،‬يطالعون بكل بصيرة تجلي طلعة صفته ‪ :‬وهدى‪ ‬لرواحهم إلى محل‬

‫شهود الذات ‪ :‬ورحمة‪ ‬لنفوسهم من عذاب حجاب الفعال ‪ :‬لقوم يوقنون‪ ‬هذه البيانات‪ .‬أفرأيت من اتخذ إلهه‬

‫هواه‪ ‬الله المعبود ولما أطاعوا الهوى فقد عبدوه وجعلوه إلها‪ ،‬إذ كل ما يعبده النسان بمحبته وطاعته فهو إلهه ولو‬

‫كان حجرا ‪ :‬وأضله ال‪ ‬عالما بحاله من زوال استعداده وانقلب وجهه إلى الجهة السفلية أو مع كون ذلك العابد‬

‫للهوى عالما بعلم ما يجب عليه فعله في الدين على تقدير أن يكون على علم حال من الضمير المفعول في ‪ :‬أضله‬

‫ال‪ ‬ل من الفاعل وحينئذ يكون الضلل لمخالفته علمه بالعمل وتخلف القدم عن النظر لتشرب قلبه بمحبة النفس وغلبة‬

‫‪ ' :‬كم من عالم ضل ومعه علمه ل ينفعه ' أو على علم منه غير‬ ‫الهوى كحال بلعام بن باعورا وأضرابه كما قال ‪‬‬
‫نافع‪ ،‬لكونه من باب الفضول ل تعلق له بالسلوك ‪ :‬وختم على سمعه وقلبه‪ ‬بالطرد عن باب الهدى والبعاد عن‬

‫محل سماع كلم الحق وفهمه لمكان الرين وغلظ الحجاب ‪ :‬وجعل على بصره غشاوة‪ ‬عن رؤية جماله وشهود‬

‫لقائه ‪ :‬فمن يهديه من بعد ال‪ ‬إذ ل موجود سواه يقوم بهدايته ‪ :‬أفل تذكرون‪ ‬أيها الموحدون ‪ :‬ما هي إل حياتنا‬

‫الدنيا‪ ‬أي ‪ :‬الحسية ‪ :‬نموت‪ ‬بالموت البدني الطبيعي ‪ :‬ونحيى‪ ‬الحياة الجسمانية الحسية ل موت ول حياة غيرهما‬
‫ول ينسبون ذلك إل إلى الدهر لحتجابهم عن المؤثر الحقيقي القابض للرواح والمفيض للحياة على البدان‪ : .‬قل‬

‫ال يحييكم ثم يميتكم‪ ‬ل الدهر ‪ :‬ثم يجمعكم‪ ‬إليه بالحياة الثانية عند البعث‪ ،‬أو ال يحييكم ل الدهر بالحياة البدية‬

‫القلبية بعد الحياة النفسانية ثم يميتكم بالفناء فيه ثم يجمعكم إليه بالبقاء بعد الفناء والوجود الموهوب لتكونوا به معه‪: .‬‬

‫‪‬ول ملك السماوات والرض‪ ‬ل مالك غيره في نظر الشهود ‪ :‬ويوم تقوم‪ ‬القيامة الكبرى ‪ :‬يخسر‪ ‬الذين يثبتون‬

‫الغير إذ كل ما سواه باطل ومن أثبته واحتجب به عنه مبطل‪ .‬وترى‪ ‬يا موحد ‪ :‬كل أمة جاثية‪ ‬ل حراك بها إذ هي‬

‫بنفسها ميتة غير قادرة كما قال ‪ : :‬إنك ميت وإنهم ميتون‪] ‬الزمر‪ ،‬الية ‪ [30 :‬أو تراها جاثية في الموقف الول‬

‫وقت البعث قبل الجزاء على حالها في النشأة الولى عند الجتنان وفيه سر‪ : .‬كل أمة تدعى إلى كتابها‪ ‬أي ‪ :‬اللوح‬

‫الذي أثبت فيه أعمالها وتجسدت صورها وانتقشت فيه على هيئة جسدانية فإن كتابة العمال إنما تكون في أربعة‬

‫ألواح أحدها ‪ :‬اللوح السفلي الذي يدعى إليه كل أمة ويعطى بيمين من كان سعيدا وشمال من كان شقيا‪ ،‬والثلثة‬

‫الخرى سماوية علوية أشير إليها فيما قبل‪ .‬وإنما قلنا هذا الكتاب هو اللوح السفلي لن الكلم ههنا في جزاء العمال‬

‫لقوله ‪ : :‬اليوم تجزون ما كنتم تعملون‪ ‬وقوله ‪ : :‬إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون‪ ‬والناسخون هم الملكوت‬

‫السماوية والرضية جميعا ‪ :‬فأما الذين آمنوا‪ ‬اليمان الغيبي التقليدي أو اليقيني العلمي ‪ :‬وعملوا‪ ‬ما صلح به‬

‫حالهم في المعاد الجسماني من أبواب البر ‪ :‬فيدخلهم ربهم في‪ ‬رحمة ثواب العمال في جنة الفعال ‪ :‬وأما الذين‬

‫كفروا‪ ‬احتجبوا عن الحق بالكفر الصلي والنغماس في الهيئات الجرمانية المظلمة بالجرام بدليل قوله ‪ : :‬اليوم‬

‫ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا‪ ‬أي ‪ :‬نترككم في العذاب كما تركتم العمل للقائي في يومكم هذا لعدم اعترافكم‪ ،‬أو‬

‫نجعلكم كالشيء المنسي المتروك بالخذلن في العذاب كما نسيتم لقاء يومكم هذا بنسيان العهد الزلي‪ : .‬فلله الحمد‪‬‬

‫الكمال المطلق الحاصل للكل ببلوغ الشياء إلى غاياتها وحصولها على أجل ما يمكن من كمالتها ‪ :‬رب السموات‪‬‬

‫مكمل الرواح ومدبرها ‪ :‬ورب الرض‪ ‬مدبر الجساد ومالكها ومصرفها ‪ :‬رب العالمين‪ ‬موجه العالمين إلى‬

‫كمالتهم بربوبيته إياهم ‪ :‬وله الكبرياء‪ ‬أي ‪ :‬استعلء ونهاية الترفع والكبر على كل شيء وغاية العلو والعظمة‬

‫باستغنائه عنه وافتقاره إليه‪ ،‬فكل يحمده بإظهار كماله وجميع صفاته بلسان حاله ويكبره بتغيره وإمكانه وانخراطه في‬

‫سلك المخلوقات المحتاجة إليه الفانية بالذات القاصرة عن سائر الكمالت غير ما اختص به ‪ :‬وهو العزيز‪ ‬القوي‬
‫القاهر لكل شيء بتأثيره فيه وإجباره على ما هو عليه ‪ :‬الحكيم‪ ‬المرتب لستعداد كل شيء بلطف تدبيره‪ ،‬المهيئ‬

‫لقبوله لما أراد منه من صفاته بدقيق صنعته وخفي حكمته‪.‬‬

‫سورة حم الحقاف‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬

‫‪‬ما خلقنا السماوات والرض وما بينهما إل بالحق‪ ‬أي ‪ :‬بالوجود المطلق الثابت الحدي الصمدي الذي يتقوم به كل‬

‫شيء‪ ،‬أو بالعدل الذي هو ظل الوحدة المنتظم به كل كثرة‪ ،‬كما قال ‪ :‬بالعدل قامت السموات والرض‪ : .‬و بتقدير ‪:‬‬

‫‪‬أجل مسمى‪ ‬أي ‪ :‬كمال معين ينتهي به كمال الوجود وهو القيامة الكبرى بظهور المهدي وبروز الواحد القهار‬

‫بالوجود الحدي الذي يفنى عنده كل شيء كما كان في الزل ‪ :‬والذين كفروا‪ ‬بالحتجاب عن الحق ‪ :‬عما أنذروا‪‬‬

‫من أمر هذه القيامة ‪ :‬معرضون‪. : ‬قل أرأيتم ما تدعون من دون ال‪ ‬تسمونه وتثبتون له وجودا وتأثيرا أي‬

‫شيء كان ‪ :‬أروني‪ ‬ما تأثيره في شيء أرضي بالستقلل أو شيء سماوي بالشركة ‪ :‬ائتوني‪ ‬على ذلك بدليل‬

‫نقلي من كتاب سابق أو عقلي من علم متقن ‪ :‬إن كنتم صادقين‪، : ‬ومن أضل ممن يدعو من دون ال‪ ‬أي شيء‬

‫كان كدعاء الموالي للسادة مثل إذ ل يستجيب له أحد إل ال‪ : .‬وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء‪ ‬لن عبادة أهل‬

‫الدنيا لسادتهم وخدمتهم إياهم ل تكون إل لغرض نفساني وكذا استعباد الموالي لخدمهم فإذا ارتفعت الغراض وزالت‬

‫العلل والسباب كانوا لهم أعداء وأنكروا عبادتهم يقولون ‪ :‬ما خدمتمونا ولكن خدمتم أنفسكم‪ ،‬كما قيل في تفسير قوله‬

‫تعالى ‪ : :‬الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو[‪ ‬الزخرف‪ ،‬الية ‪.] 67 :‬‬

‫‪‬إن الذين قالوا ربنا ال‪ ‬أي ‪ :‬تجردوا عن العلئق ورفضوا العوائق وانقطعوا إلى ال عن كل ما سواه ورحموا‬
‫البصر عن طغواه فصدقا ‪ :‬قالوا‪ ‬ربنا ال‪ ،‬إذ لو بقيت منهم بقايا ولم يأمنوا التلوينات في عرصة الفناء لم يقولوا‬
‫صادقين ‪ : :‬ربنا ال‪ : ‬ثم استقاموا‪ ‬بالتحقق به في العمل والتحفظ به في مراعاة آداب الحضرة عن الزلل‬
‫والخطل‪ ،‬بحيث لم ينبض منهم عرق ولم يتحرك منهم شعرة إل بال ول ‪ :‬فل خوف عليهم‪ ‬إذ ل حجاب ول‬
‫عقاب ‪ :‬ول هم يحزنون‪ ‬إذ ل مرغوب إل وهو حاصل لهم فلم يفت منهم شيء ول يفوت كما قيل ‪ :‬إن في ال عزاء‬
‫لكل مصيبة ودركا عن كل ما فات‪ : .‬أولئك أصحاب الجنة‪ ‬المطلقة الشاملة للجنان كلها ‪ :‬خالدين فيها جزاء بما‬
‫كانوا يعملون‪ ‬في حال السلوك حتى الوصول ‪ :‬حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة‪ ‬لما كانت النفس ممنوة بتدبير‬
‫البدن لتوقف استكمالها عليه مشغولة عن كمالها به في أول النشأة لم تنفتح بصيرتها ولم يصف إدراكها ولم يتبين‬
‫رشدها إل وقت بلوغ النكاح كما قال في اليتامى ‪ : :‬حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم‬
‫أموالهم‪] ‬النساء‪ ،‬الية ‪ [6 :‬وذلك هو الشد الصوري‪ .‬أل ترى أن الطبيعة من وقت الطفولة إلى هذا الحد ل تتفرغ إلى‬
‫تحصيل مادة النوع عن إيرادها ما يزيد في القطار من الغذاء زائدا على بدل المتحلل من البدن لضعف العضاء‬
‫وشدة الحتياج إلى النمو والتصلب‪ ،‬فالنفس حينئذ منغمسة في البدن‪ ،‬مستعملة للطبيعة في ذلك العمل‪ ،‬ذاهلة عن‬
‫كمالها إلى هذا الجل‪ ،‬فلما قربت اللت من حد كمالها ووصلت إلى ما يصلح لستعمالها في تصرفاتها وانتقص‬
‫الحتياج إلى ما يزيد في أقطارها تفرغت الطبيعة إلى ذخيرة مادة النوع من الشخص لستغنائها بكمال الشخص عن‬
‫مادته فتفرغت النفس إلى تحصيل كمالها‪ ،‬فانفتحت بصيرة عقلها وظهرت أنوار فطرتها واستعدادها وتنبهت عن‬
‫نومها في مهدها‪ ،‬وتيقظت عن سنة غفلتها وتفطنت لقدس جوهرها وطلبت مركزها وغايتها لمرين ‪ :‬صلحية اللت‬
‫للستعمال في الستكمال وفراغها عن تخصيص البدن بالقبال لقلة الشغال‪ ،‬لكنها ما دامت سن النمو باقية وزيادة‬
‫اللف في القوة والشدة ممكنة ما توجهت بالكلية إلى الجهة العلوية وما تجردت لتحصيل الكمالت العقلية والمطالب‬
‫القدسية للشتغال المذكور وإن قل وذلك إلى منتهى الثلثين من السن كما تبين في علم الطب‪ ،‬فلما جاوزتها وأخذت في‬
‫سن الوقوف أقبلت إلى عالمها وأشرقت أنوار فطرتها فاشتدت في طلب كمالها لوقوع الفراغ لها إليها‪ ،‬فأخذ كافل‬
‫اليتام الحقيقية الذي هو روح القدس أن آنس رشدها في دفع أموالها التي هي الحقائق والمعارف والعلوم والحكم إليها‪،‬‬
‫لبلوغها نكاح الغواني من المفارقات القدسية والنورانيات الجبروتية وذلك وقت سيرها في صفات ال إلى ذات ال‬
‫حتى الفناء التام بالستغراق في عين الجمع لمكان السير في أفعاله من وقت الشد الصوري إلى أشد هذا الشد‬
‫المعنوي الذي نهايته الربعون تقريبا‪ .‬ولهذا قيل ‪ :‬الصوفي بعد الربعين أبذ‪ ،‬إذ لم يستعد بالتوجه والطلب والسير في‬
‫الفعال بالتزكية لقبول تلك الموال والتصرف فيها فلم يأنس روح القدس منه الرشد فلم يدفع إليه‪ ،‬وإذا تم سيره في ال‬
‫عند ذلك الشد بالفناء فيه كان وقت البقاء بعد الفناء وأوان الستقامة في العمل‪ .‬وأشار إليها بقوله ‪ : :‬رب أوزعني‪‬‬
‫ولهذا لم يبعث نبي قط إل بعد الربعين سوى عيسى ويحيى ومع ذلك وقفا في بعض السموات‪ .‬ولما كانت النعم أوابد‬
‫يجب تقييدها بالشكر استوزع الشكر على نعمة الكمال الحاصل المسبوق بالنعم الغير المتناهية لمحافظتها لئل يحتجب‬
‫برؤية الفناء فيترك الطاعة تبرما لحاله واتكال على كماله‪ ،‬فإن آفة مقام الفناء رؤية الفناء والمبتلى بها يقع في التلوين‬
‫ويحرم نعمة التمكين‪ ،‬ولهذا قال عليه السلم ‪ ' :‬أفل أكون عبدا شكورا '‪ .‬فطلب محافظة نعمة الهداية والكمال عليه‬
‫بإيقافه على الطاعات التي هي شكر نعمته التي أنعم بها عليه وعلى والديه اللذين هما السبب القريب لوجوده إذ لو لم‬
‫يكن فيهما خير وخلق حسن وسر صالح لم يظهر عليه ذلك الكمال لنه سرهما ولهذا وجب الحسان والدعاء بالوالدين‬
‫ولهما ‪ :‬وأن أعمل صالحا‪ ‬بتكميل المستعدين فإن الواجب على الكامل أول محافظة كماله ثم تكميل المستكملين‪ ،‬إذ‬
‫العمل إنما هو من المور النسبية فربما كان صالحا بالنسبة إلى أحد سيئا بالنسبة إلى غيره‪ ،‬كما قال ‪ ' :‬حسنات‬
‫البرار سيئات المقربين '‪ .‬ولهذا قال ‪ : :‬وأصلح لي في ذريتي‪ ‬أي ‪ :‬أولدي الحقيقية سواء كانوا صلبية أو ل لن‬
‫علمه الصالح الذي هو التكميل وتربية المريدين ل ينجع إل بعد تهيئ استعدادهم والصلح في أعمالهم وأحوالهم وذلك‬
‫من فيضة القدس‪ ،‬ولو لم يكن هذا الصلح والقبول التام الذي ل‬
‫يكون إل من عند ال لما كان للصلح والتكميل والرشاد أثر كما قال ‪ : :‬إنك ل تهدي من أحببت‪] ‬القصص‪ ،‬الية‬
‫‪ [56 :‬وهما‪ ،‬أي ‪ :‬محافظة الكمال بالشكر بالقيام بحق الملهم بالطاعات والتكميل بالرشاد ملك العمل في الستقامة‬
‫ووظيفة المتحقق بالوجود الحقاني في مقام البقاء ‪ :‬إني تبت إليك‪ ‬من ذنب رؤية الفناء وهذه التوية هي التي تاب بها‬
‫عند الفاقة كما قال تعالى ‪ : :‬فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك‪] ‬العراف‪ ،‬الية ‪ : [143 :‬وإني من‬ ‫‪‬‬
‫موسى‬
‫المسلمين‪ ‬المنقادين المستسلمين في سلك العباد لمكان الستقامة‪ .‬أولئك‪ ‬الموصوفون بتلك التوبة والستقامة هم ‪:‬‬
‫‪‬الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا‪ ‬بظهور آثار تربيتهم وحسن هدايتهم في مريديهم لن التكميل أحسن أعمالهم‪ ،‬أل‬
‫ترى أن كل من لم يثبت على طريق المتابعة ولم يتشدد في حفظ السنة من الكمل لم يكن له أتباع ولم يقم منه كامل‬
‫لخلله في الستقامة واتكاله على حاله من الكرامة وذلك علمة عدم قبول عمله الصالح‪ .‬وهؤلء لما قاموا بشكر نعمة‬
‫الكمال قبل عملهم ‪ :‬ونتجاوز عن سيئاتهم‪ ‬التي هي بقايا صفاتهم وذواتهم بالمحو الكلي والطمس الحقيقي في مقام‬
‫التمكين فل يقعون في ذنب رؤية الفناء ول تلوين ظهور النية والنائية ‪ :‬في أصحاب الجنة‪ ‬المطلقة ‪ :‬وعد‬
‫الصدق الذي كانوا يوعدون‪ ‬حيث قال ‪ : :‬ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء[‪ ‬الطور‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪.] 21‬ولكل درجات‪ ‬لما ذكر السابقين وعقبهم بذكر من يقابلهم من المطرودين الذين حق عليهم القول وبين أن‬
‫الفريق الول في عداد السعداء والفريق الثاني من جملة الشقياء‪ .‬تناول الكلم الصناف السبعة المذكورة في أول‬
‫الكتاب للتصريح بذكر الصنفين اللذين هما الصل في اليمان والكفر‪ ،‬والتعريض بذكر الخمسة الباقية فقال ‪: :‬‬
‫‪‬ولكل درجات مما عملوا‪ ‬أي ‪ :‬ولكل صنف من أصناف الناس درجات من جزاء أعمالهم من أعلى عليين إلى أسفل‬
‫سافلين‪ ،‬وغلب الدرجات على الدركات بل لكل أحد من كل صنف رتبة ومقام وموقع قدم من إحدى الجنان أو طبقات‬
‫النيران‪ : .‬أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا‪ ‬أنكر عليهم إذهاب جميع الحظوظ في لذات الدنيا لن لكل أحد بحسب‬
‫ل ونقصا يقابله‪ ،‬وبحسب وقت تكونه في هذا العالم سعادة عاجلة وشقاوة تقابلها فله بحسب كل‬ ‫استعداده الول كما ً‬
‫واحدة من النشأتين طيبات وحظوظ تناسب كل كمالية‪ ،‬فمن أقبل بوجهه على طيبات الدنيا وحظوظها والستمتاع بها‬
‫وأعرض بقلبه عن طيبات الخرى ولذاتها حرم الثانية أصل لنغماسه في المور الظلمانية واحتجابه عن المطالب‬
‫النورانية‪ ،‬كما قال تعالى ‪ : :‬ربنا ءاتنا في الدنيا وما له في الخرة من خلق‪ ‬البقرة‪ ،‬الية ‪ ،[200 :‬وذلك معنى‬
‫قوله ‪ : :‬أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا‪ ‬لن حظوظ الخروية التي تقتضيها هويته ذهبت في هذه‪ ،‬فكأن ما زاد في‬
‫النهار نقص من الليل‪ .‬وأما من أقبل بوجهه إلى الخرى وتنزه عن هذه بالزهد والتقوى ورغب في المعارف الحقيقية‬
‫والحقائق اللهية واللذات العلوية والنوار القدسية التي هي الطيبات بالحقيقة فقد أوتي منها حظه ولم ينقص من‬
‫حظوظه العاجلة على قياس الول بل وفر منها نصيبه كما قال ‪ : :‬من كان يريد حرث الخرة نزد له في حرثه‬
‫ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الخرة من نصيب‪] ‬الشورى‪ ،‬الية ‪ [20 :‬وذلك لن الستغراق في‬
‫عالم القدس والتوجه إلى جناب الحق يورث النفس قوة وقدرة تؤثر بها في عالم الحس‪ ،‬فكيف إذا اتصلت بمنبع القوى‬
‫والقدر ؟ أما ترى أن عالم الملكوت مؤثر في عالم الملك متصرف فيه‪ ،‬قاهر له بإذن ال تعالى ؟‪ ،‬وتسخيره والنهماك‬
‫في عالم الحس يخمد قوة الفطرة ويطفئ نور القلب فل تبقى له قدرة ول قوة ول تأثير في شيء‪ ،‬وكيف وقد تأثرت‬
‫عما من شأنه التأثر المحض وتسخرت لما من شأنه التسخر الصرف والنفعال المطلق ؟‪ ،‬ولهذا قيل ‪ :‬الدنيا كالظل‬
‫‪ ' :‬من أقبل إليها فاتته ومن أعرض عنها أتته‬ ‫‪‬‬ ‫تتبع من أعرض عنها وتفوت من أقبل إليها‪ .‬وقال أمير المؤمنين‬
‫'‪ : .‬فاليوم تجزون عذاب الهون‪ ‬أي ‪ :‬الذلة والصغار لملزمتكم بالطبع للجهة السفلية وتوجهكم بالعشق إلى المطالب‬
‫الدنية‪ ،‬فأنتم اخترتم الدناءة والنقهار بالتجبر والستكبار وذلك معنى قوله ‪ : :‬بما كنتم تستكبرون‪ ‬أي ‪ :‬في مقام‬
‫النفس باستيلء القوة الغضبية التي شأنها الستكبار ‪ :‬في الرض بغير الحق‪ ‬إذ لو تجردوا عن الهيئات الغضبية‬
‫والشهوية‪ ،‬وترفعوا عن الصفات النفسية ونضوا جلبيب النية والنائية لستكبروا بالحق في السماء والرض ولكان‬
‫تكبرهم كبرياء ال كما قال الصادق عليه السلم لمن قال له ‪ :‬فيك كل فضيلة وكمال إل أنك متكبرًا‪ ،‬فقال ‪ ' :‬ل وال‪،‬‬
‫بل انخلعت عن كبري فخلع علي كبرياء ال ' أو ما هذا معناه‪ ،‬فهذا هو التكبر بالحق ‪ :‬وبما كنتم تفسقون‪ ‬باستيلء‬
‫القوة الشهوانية التي خاصيتها الفسق والفساد‪ .‬وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن‪ ‬الجن نفوس أرضية تجسدت في أبدان‬
‫لطيفة مركبة من لطائف العناصر سماها حكماء الفرس الصور المعلقة‪ ،‬ولكونها ارضية متجسدة في أبدان عنصرية‬
‫ومشاركتها النس في ذلك سميا ثقلين‪ ،‬وكما أمكن الناس التهدي بالقرآن أمكنهم‪ .‬وحكاياتهم من المحققين وغيرهم أكثر‬
‫من أن يمكن رد الجميع وأوضح من أن يقبل التأويل‪ ،‬وإن شئت التطبيق فاسمع‪ .‬وإذ صرفنا إليك نفرا من جن القوى‬
‫الروحانية من العقل والفكر والمتخيلة والوهم حال القراءة في الصلة‪ ،‬أي ‪ :‬أملناهم نحوك واتبعناهم سرك بالقبال بهم‬
‫إليك وصرفهم عن جانب النفس والطبيعة بتطويقهم إياك وتسخيرهم لك حتى يجتمع همك ول يتوزع قلبك ول يتشوش‬
‫بالك بحركاتهم في وقت حضورك عند طلوع فجر نور القدس ‪ :‬يستمعون القرآن‪ ‬الوارد إليك من العالم القدسي ‪:‬‬
‫‪‬فلما حضروه‪ ‬أي ‪ :‬حضروا العقل القرآني الجامع للكمالت عند ظهور النور الفرقاني عليك ‪ :‬قالوا أنصتوا‪ ‬أي ‪:‬‬
‫سكنوا وسكت بعضهم بعضا عن كلمهم الخاص بهم مثل الحاديث النفسانية والتصورات والهواجس والوساوس‬
‫والخواطر والحركات الفكرية والنتقالت التخيلية‪ .‬والقول ههنا حالي كما ذكر غير مرة إذ لو لم يسكنوا وينصتوا‬
‫مستمعين لما يفيض عليهم من الواردات القدسية لم يبق من الوارد أثر‪ ،‬بل لم يكن بتلقي الغيب ول ورود المعنى‬
‫القدسي ول تلوة الكلم اللهي كما ينبغي‪ ،‬ولهذا قال ‪ : :‬إن ناشئة اليل هي أشد وطئا وأقوم قيل‪] ‬المزمل‪ ،‬الية ‪:‬‬
‫‪ [6‬ولمر ما كان مبدأ الوحي منامات صادقة وذلك كون هذه القوى ساكنة متعطلة عند النوم حتى قوي على عزلها‬
‫عن أشغالها وتعطيلها في اليقظة ‪ :‬فلما قضى‪ ‬أي ‪ :‬الوارد المعنوي والنازل القدسي الكشفي ‪ :‬ولوا إلى قومهم‪‬‬
‫القوى النفسانية والطبيعية ينذرونهم عقاب الطغيان والعدوان على القلب بالتأثير فيهم بالملكات الفاضلة وإفاضات‬
‫الهيئات النورية المستفادة من المعنى القدسي النازل ويمنعونهم الستيلء على القلب بالتسخير والرتياض‪ .‬قالوا يا‬
‫قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى‪ ‬أي ‪ :‬ما تأثرنا بمثل هذا التأثر النوري في الوجود المحمدي إل في زمن‬
‫ما تم معراجه وما بلغ حاله حال النبيين‬‫‪‬‬ ‫موسى ومن بعده إلى هذا الزمان ما تلقينا هذا المعنى لن عيسى‬
‫المذكورين‪ ،‬موسى ومحمد‪ ،‬في النخراط في سلك القدس في حياته ومشايعة جميع قواه لسره وما كمل فناؤه ليتحقق‬
‫جميع قواه بالوجود الحقاني ولذلك بقي في السماء الرابعة واحتجب فيها بخلفهما وسيتبع الملة المحمدية بعد النزول‬
‫ليتم حاله ‪ :‬مصدقا لما بين يديه‪ ‬لكونه مطابقا له في الهداية إلى التوحيد والستقامة كما أشير إليه بقوله ‪ : :‬يهدي‬
‫إلى الحق وإلى طريق مستقيم‪ : ‬يا قومنا أجيبوا داعي ال‪ ‬بمطاوعة القلب في التوجه إلى ال والتأدب بآدابه‬
‫والستسلم لحكامه والنقياد لوامره ونواهيه في طاعته ‪ :‬وآمنوا به‪ ‬بالتنور بنوره والنخراط في سلك عبادته ‪:‬‬
‫‪‬يغفر لكم من ذنوبكم‪ ‬الهيئات الرذائل والميل إلى الجهات السفلية بمتابعة الهوى وحجب الصفات النفسانية دون‬
‫التعلقات البدنية والشواغل الطبيعية لمتناع تجريدها عن المادة‪ ،‬ولهذا المعنى أورد من التبعيضية ‪ :‬ويجركم من‬
‫عذاب أليم‪ ‬بسبب النزوع والنجذاب إلى اللذات والشهوات مع الحرمان لفقدان اللت وما قال بعض المفسرين ‪ :‬إن‬
‫الجن ل ثواب لهم وإنما إسلمهم يدفع عقابهم‪ ،‬في تفسير الية إن ثبت إشارة إلى أن هذه القوى البدنية ل حظ لها من‬
‫المعاني الكلية العقلية والهيئات النورية واللذات القدسية لكن انقيادها ومطاوعتها للسر يدفع آلمها الحسية والنزوعية‬
‫وال أعلم‪.‬‬

‫سورة محمد ‪‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تطبيق ‪ :‬الذين كفروا‪ ‬على القوى النفسانية المانعة عن السلوك في سبيل ال و ‪ :‬الذين آمنوا‪ ‬على الروحانية‬
‫المعاونة إلى آخر الكلم ظاهر مما سبق فل نكرر‪ .‬مثل الجنة‪ ‬أي ‪ :‬صفة الجنة المطلقة المتناولة للجنان كلها ‪:‬‬
‫‪‬التي وعد المتقون‪ ‬من الصناف الخمسة المذكورة غير مرة ‪ :‬فيها أنهار من ماء غير آسن‪ ‬أي ‪ :‬أصناف من‬
‫العلوم والمعارف الحقيقية التي تحيا بها القلوب وتروى بها الغرائز كما تحيا بالماء الرض وتروي الحياء‪ : .‬غير‬
‫آسن‪ ‬غير متغير بشوائب الوهميات والتشكيكات واختلف العتقادات الفاسدة والعادات وهي للمتقين المجتبين من‬
‫الصفات النفسانية الواصلين إلى مقام القلب ‪ :‬وأنهار من لبن لم يتغير طعمه‪ ‬أي ‪ :‬من علوم نافعة متعلقة بالفعال‬
‫والخلق مخصوصة بالناقصين المستعدين الصالحين للرياضة والسلوك في منازل النفس قبل الوصول إلى مقام‬
‫القلب بالتقاء عن المعاصي والرذائل كعلوم الشرائع والحكمة العملية التي هي بمثابة اللبن المخصوص بالطفال‬
‫الناقصين‪ : ،‬لم يتغير طعمه‪ ‬بشوب الهواء والبدع واختلفات أهل المذاهب وتعصبات أهل الملل والنحل ‪:‬‬
‫‪‬وأنهار من خمر‪ ‬أي ‪ :‬أصناف من محبة الصفات والذات ‪ :‬لذه‪ ‬أي ‪ :‬لذيذة ‪ :‬للشاربين‪ ‬الكاملين البالغين إلى‬
‫مقام مشاهدة حسن تجليات الصفات وشهود جمال الذات‪ ،‬العاشقين المشتاقين إلى الجمال المطلق في مقام الروح‬
‫والستغراق في عين الجمع من المتقين عن صفاتهم وذواتهم ‪ :‬وأنهار من عسل‪ ‬أي ‪ :‬حلوات الواردات القدسية‬
‫والبوارق النورية واللذات الوجدانية في الحوال والمقامات للسالكين الواجدين للذواق والمريدين المتوجهين إلى‬
‫الكمال قبل الوصول إلى مقام المحبة من الذين اتقوا الفضول‪ ،‬فإن الكلين للعسل أكثر من الشاربين للخمر‪ ،‬وليس كل‬
‫من ذاق حلوة العسل ذاق لذة الخمر دون العكس ‪ :‬ولهم فيها من كل الثمرات‪ ‬أي ‪ :‬أنواع اللذات من تجليات الفعال‬
‫والصفات والذات بأسرها كما قال الشاعر ‪) % :‬وكل لذيذة قد نلت منه ‪ %‬سوى ملذوذ وجدي بالعذاب( ‪ %‬لن شهود‬
‫المعذب وتجلي صفات القهر له لذة خاصة بمن ذاقها يعرفها من يعرفها وينكرها من ينكرها ‪ :‬ومغفرة من ربهم‪‬‬
‫بستر هيئات المعاصي وتكفير سيئات الرذائل لصحاب اللبان ثم بستر الفعال أيضا لصحاب المياه‪ ،‬ثم بمحو‬
‫الصفات لصحاب العسل وبعض أصحاب الخمر‪ ،‬ثم بطمس ذنوب الحوال والمقامات وإفناء البقيات وإخفاء ظهورها‬
‫بالنوار والتجليات لهل الفواكه والثمرات ثم بإفناء الذات بالستغراق في جمع الحدية والستهلك في عين الهوية‬
‫لشراب الخمور الصرفة وكلهم أصناف المتقين ‪ :‬كمن هو خالد‪ ‬كمن هو في مقابلتهم في دركات جحيم الطبيعة‬
‫وشرب حميم الهوى‪ .‬فاعلم أنه ل إله إل ال‪ ‬أي ‪ :‬حصل علم اليقين في التوحيد ثم اسلك طريقه إذ الستغفار الذي‬
‫هو صورة السلوك مسبوق باليمان العلمي دون الظني لن من لم يرزق ثبات اليمان لم يمكنه السلوك‪ ،‬والثبات ل‬
‫يكون إل باليقين إذ العتقاد التقليدي يمكن تغيره وكل حجاب ذنب سواء كان بالهيئات البدنية أو الصفات النفسانية أو‬
‫القلبية أو النية كما قيل ‪) % :‬وجودك ذنب ل يقاس به ذنب( ‪ %‬فالمر بالعلم ها هنا هو الحث على شهود الوحدة‬
‫وبالستغفار لذنبه هو التحريض على التنصل عن ذات ظهور البقية والنائية ‪ :‬وللمؤمنين‪ ‬بتكميلهم وإرشادهم‬
‫ودعوتهم إلى الحق وهدايتهم إلى سلوك طريق التوحيد‪ ،‬وهذا وأمثاله مما يدل على أن أكثر سلوكه في ال إنما كان بعد‬
‫البعثة والنبوة ‪ :‬وال يعلم متقلبكم‪ ‬انتقالتكم في السلوك من رتبة إلى رتبة ومن حال إلى حال ‪ :‬ومثواكم‪ ‬ومقامكم‬
‫الذي أنتم فيه فيفيض عليكم النوار وينزل المداد على حسبها‪ .‬فكيف إذا توفتهم الملئكة‪ ‬توفي الملئكة مخصوص‬
‫بالقاطنين في مقام النفس المنخرطين في سلك الملكوت الرضية أي ‪ :‬ما حيلتهم أو كيف يعملون إذا توفتهم الملئكة‬
‫الرضية بقبض أرواحهم على الصفة المؤلمة المؤذية من جهتهم بالحجب عن النوار القدسية من وجوههم والمنع عما‬
‫يميلون إليه من اللذات الحسية من أدبارهم إذ وجه النفس هو الجهة التي تلي القلب والضرب فيه هو اليلم من جهته‬
‫بالحجب عن أنواره وما فيه قرة العين من تجليات الصفات والدبر هو الجهة التي تلي البدن والضرب فيه هو التعذيب‬
‫من جهته بالحجز عن الجهة السفلية واللذات الحسية التي انجذبت إليها بالميل الطبيعي والهوى والحجب عنها بأخذ‬
‫اللت الموصلة إليها منهم ‪ :‬ذلك‪ ‬أي ‪ :‬ذلك الضرب واليلم من الجهتين ‪ :‬ب‪ ‬سبب ‪ :‬أنهم اتبعوا ما أسخط‬
‫ال‪ ‬من النهماك في المعاصي والشهوات البدنية المبعدة عن جنابه‪ ،‬فاستحقوا الضرب في الدبار ‪‬وكرهوا رضوانه‪‬‬
‫الذي هو النسلخ عن صفاتهم للتصاف بصفاته والتوجه إلى جنابه الموجب لمقام الرضا والقرب‪ ،‬فاستحقوا الضرب‬
‫في الوجوه‪ : .‬أم حسب الذين في قلوبهم مرض‪ ‬لما كانت سراية هيئات النفس إلى البدن أسرع من تعدي هيئات‬
‫البدن إلى النفس لكونها من الملكوت التي من شأنها التأثير وكون البدن من عالم الملك الذي من شأنه النفعال لم يمكن‬
‫إخفاء الحوال النفسانية كما ترى من ظهور هيئات الغضب والمساءة والمسرة على وجوه أصحابها لكن الجهل الذي‬
‫هو من أصعب أمراض القلوب يغر صاحبه ويعميه فيحسب أن ما في قلبه من الغل والحقد والحسد يخفيه وال يظهرها‬
‫عليه السلم ‪ ' :‬ما أضمر أحد شيئا إل وأظهره ال في فلتات‬ ‫‪‬‬ ‫على صفحات وجهه وفي فلتات لسانه كما قال النبي‬
‫لسانه وصفحات وجهه '‪ .‬وذلك معنى قوله ‪ : :‬فلعرفتهم بسيماهم‪ : ‬ولتعرفنهم في لحن القول‪ ‬ولهذا قيل ‪ :‬لو بات‬
‫أحد على معصية أو طاعة في مطمورة وراء سبعين باب مغلقة لصبح الناس يتقاولون بها لظهورها في سيماه‬
‫وحركاته وسكناته وشهادة ملكاته بها‪ .‬ولنبلوكم حتى نعلم‪ ‬علم ال تعالى قسمان ‪ :‬سابق على معلوماته إجمال في‬
‫لوح القضاء‪ ،‬وتفصيل في لوح القدر‪ ،‬وتابع إياها في المظاهر التفصيلية من النفوس البشرية والنفوس السماوية‬
‫الجزئية‪ ،‬فمعنى ‪ :‬حتى نعلم‪ ‬حتى يظهر علمنا التفصيلي في المظاهر الملكوتية والنسية التي يثبت بها الجزاء‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫سورة الفتح‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫ثلثة ‪ :‬أولها ‪ :‬الفتح القريب المشار إليه بقوله ‪ : :‬فجعل من دون‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا‪ ‬فتوح رسول ال‬
‫ذلك فتحا قريبا‪] ‬الفتح‪ ،‬الية ‪ [27 :‬وهو فتح باب القلب بالترقي عن مقام النفس وذلك بالمكاشفات الغيبية والنوار‬
‫اليقينية‪ ،‬وقد شاركه في ذلك أكثر المؤمنين كما أشار إليه بقوله ‪ : :‬وأخرى تحبونها نصر من ال وفتح قريب‪‬‬
‫]الصف‪ ،‬الية ‪ ،[13 :‬وقوله ‪ :‬فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا‪] ‬الفتح‪ ،‬الية ‪ [18 :‬ويلزمه البشارة بالنوار‬
‫الملكوتيه والتجليات الصفاتية كما قال ‪ : :‬وبشر المؤمنين‪] ‬الحزاب‪ ،‬الية ‪ .[47 :‬وحصول المعارف اليقينية‬
‫وكشوف الحقائق القدسية المشار إليها بقوله ‪ : :‬ومغانم كثيرة يأخذونها‪] ‬الفتح‪ ،‬الية ‪ .[19 :‬وثانيها ‪ :‬الفتح المبين‬
‫بظهور أنوار الروح وترقي القلب إلى مقامه وحينئذ تترقى النفس إلى مقام القلب فتستتر صفاتها أ اللزمة إياها السابقة‬
‫على فتح القلب من الهيئات المظلمة بالنوار القلبية وتنتفي بالكلية‪ ،‬وذلك معنى قوله ‪ : :‬ليغفر لك ال ما تقدم من‬
‫ذنبك‪ ‬وكذا الحادثة المتأخرة عنه من الهيئات النورانية المكتسبة بالتنور بالنوار القلبية التي تظهر بها في التلوينات‬
‫وتخفي حالها وهي الذنوب المشار إليها بقوله ‪ : :‬وما تأخر‪ ‬ول تنتفي هذه بالفتح القريب وإن انتفت الولى به لن‬
‫مقام القلب ل يتم ول يكمل إل بعد الترقي إل مقام الروح واستيلء أنواره على القلب فيظهر تلوين القلب حينئذ وينتفي‬
‫تلوين النفس الذي كان في مقام القلب بالكلية وتنقطع مادته ويحصل في هذا الفتح مغانم المشاهدات الروحية‬
‫والمسامرات السرية‪ .‬وثالثها ‪ :‬الفتح المطلق المشار إليه بقوله ‪ : :‬إذا جاء نصر ال والفتح‪] ‬النصر‪ ،‬الية ‪ [1 :‬وهو‬
‫فتح باب الوحدة بالفناء المطلق والستغراق في عين الجمع بالشهود الذاتي وظهور النور الحدي‪ ،‬فهذا الفتح المذكور‬
‫ها هنا هو المتوسط يترتب عليه أمور أربعة ‪ :‬المغفرة المذكورة وإتمام النعمة الصفاتية والمشاهدات الجمالية‬
‫والجللية بكمال مقام القلب كما ذكر‪ ،‬والهداية إلى طريق الوحدة الذاتية بالسلوك في الصفات وانخراق حجبها النورية‬
‫وانكشاف غيومها الرقيقة حتى الوصول إلى فناء النية والنصرة العزيزة بالوجود الموهوب‬
‫والتأييد الحقاني الموروث بعد الفناء‪ .‬هو الذي أنزل السكينة‪ ‬السكينة نور في القلب يسكن به إلى شاهده ويطمئن‬
‫وهو من مبادئ عن اليقين بعد علم اليقين كأنه وجدان يقيني معه لذة وسرور ‪ :‬ليزدادوا إيمانا‪ ‬وجدانيا ذوقيا عينيا ‪:‬‬
‫‪‬مع إيمانهم‪ ‬العلمي ‪ :‬ول جنود السماوات‪ ‬من النوار القدسية والمداد الروحانية ‪ :‬والرض‪ ‬من الصفات‬
‫النفسانية والملكوت الرضية كالقوى البشرية وغيرها‪ ،‬يغلب بعضها على بعض بمقتضى مشيئته كما غلب الملكوت‬
‫السماوية الروحية على الرضية النفسية في قلوبهم بإنزال السكينة‪ ،‬وغلب الرضية على السماوية في قلوب أعدائهم‬
‫فوقعوا في الشك والريبة ‪ :‬وكان ال عليما‪ ‬بسرائرهم ومقتضيات استعداداتهم وصفات فطرة الفريق الول وكدوره‬
‫نفوس الفريق الثاني ‪ :‬حكيما‪ ‬بما يفعل من التغليب على مقتضى الحكمة والصواب ‪ :‬ليدخل المؤمنين والمؤمنات‪‬‬
‫بإنزال السكينة ‪ :‬جنات‪ ‬الصفات الجارية من تحتها أنهار علوم التوكل والرضا والمعرفة وأمثالها من علوم الحوال‬
‫والمقامات والحقائق والمعارف ‪ :‬ويكفر عنهم سيئاتهم‪ ‬من صفات النفوس ‪ :‬وكان ذلك عند ال فوزا‪ ‬بنيل درجات‬
‫المقربين ‪ :‬عظيما‪ ‬بالنسبة إلى جنات الفعال‪ .‬ويعذب المنافقين والمنافقات‪ ‬المبطلين لستعداداتهم‪ ،‬المكدرين‬
‫لصفائها بأفعالهم وملكاتهم ‪ :‬والمشركين والمشركات‪ ‬المردودين المطرودين عن جناب الحق من الشقياء الذين ل‬
‫يمكنهم موافقة المؤمنين ظاهرا لما بينهم من التضاد الحقيقي والتباغض الذاتي الصلي بحسب الفطرة ‪ :‬الظانين‬
‫بال ظن السوء‪ ‬لمكان الشك والرتياب وظلمة نفوسهم بالحتجاب ‪ :‬عليهم دائرة السوء‪ ‬بالتعذيب في الدنيا بأنواع‬
‫الوقائع كالقتل والماتة والذلل ‪ :‬وغضب ال عليهم‪ ‬بالقهر والحجب ‪ :‬ولعنهم‪ ‬بالطرد والبعاد في الخرة ‪:‬‬
‫‪‬وأعد لهم‪ ‬أنواع العذاب ‪ :‬ول جنود السماوات‪ ‬كررها ليفيد تغليب الجنود الرضية على السماوية في المنافقين‬
‫والمشركين بعكس ما فعل بالمؤمنين‪ ،‬وبدل عليما بقوله ‪ :‬عزيز‪ ،‬ليفيد معنى القهر والقمع لن العلم من باب اللطف‬
‫والعزة من باب القهر‪ : .‬إن الذين يبايعونك‪ ‬هذه المبايعة هي نتيجة العهد السابق المأخوذ ميثاقه على العباد في بدء‬
‫الفطرة وإنما كانت مبايعته مبايعة ال لن النبي قد يفنى عن وجوده ويحقق ال في ذاته وصفاته وأفعاله فكل ما صدر‬
‫عنه ونسب إليه فقد صدر عن ال ونسب إليه‪ ،‬فمبايعته مبايعة ال تعالى‪ ،‬وإنما قلنا إنها نتيجة ميثاق الفطرة إذ لو لم‬
‫تكن جنسية ومناسبة أصلية بينهم وبينه لما وجدت هذه البيعة لنتفاء اللفة والمحبة المقتضية لها بانتفاء الجنسية‪ ،‬فهي‬
‫دليل سلمة فطرتهم وبقائها على صفائها الصلي ‪ :‬يد ال‪ ‬الظاهرة في مظهر رسوله الذي هو اسمه العظم ‪:‬‬
‫‪‬فوق أيديهم‪ ‬أي ‪ :‬قدرته البارزة في يد الرسول فوق قدرتهم البارزة في صور أيديهم فيضرهم عند النكث وينفعهم‬
‫عند الوفاء ‪ :‬فمن نكث‪ ‬العهد بتكدير صفاء فطرته والحتجاب بهيئات نشأته وتغليب ظلمة صفات نفسه على نور‬
‫قلبه الموجب لمخالفة العهد ‪ :‬فإنما ينكث على نفسه‪ ‬أي ‪ :‬يعود ضرر نكثه عليه دون غيره لسقوطه عن الفطرة‬
‫الصلية واحتجابه في الظلمات البدنية وحرمانه عن اللذات الروحانية وتعذبه باللم النفسانية‪ ،‬وهذا هو النفاق الحقيقي‬
‫‪ :‬ومن أوفى‪ ‬بالمحافظة على نور فطرته ‪ :‬فسيؤتيه أجرا عظيما‪ ‬بأنوار تجليات الصفات ولذات المشاهدات ولهذا‬
‫سميت هذه البيعة بيعة الرضوان‪ ،‬إذ الرضا هو فناء الرادة في إرادته تعالى وهو كمال فناء الصفات‪ .‬ولتحقيق هذا‬
‫الثواب لطلع ال تعالى على صفاء فطرتهم قال ‪ : :‬لقد رضي ال عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما‬
‫في قلوبهم‪ ‬من الصدق والعزيمة على الوفاء بالعهد وحفظ النور المذكور ‪ :‬فأنزل السكينة عليهم‪ ‬بتللؤ نور التجلي‬
‫الصفاتي الذي هو نور كمالي على نور ذاتي فحصل لهم اليقين ‪ :‬وأثابهم‪ ‬الفتح المذكور‪ ،‬فحصلوا على مقام الرضا‬
‫ورضوا عنه بما أعطاهم من الثواب‪ ،‬ولو لم يسبق رضا ال عنهم لما رضوا ‪ :‬ومغانم كثيرة‪ ‬من علوم الصفات‬
‫والسماء ‪ :‬يأخذونها وكان ال عزيزا‪ ‬حيث كانت قدرته فوق قدرتهم ‪ :‬حكيما‪ ‬حيث خبأ في صورة هذا القهر‬
‫الجلي معنى هذا اللطف الخفي‪ ،‬إذ ظاهر قوله ‪ : :‬يد ال فوق أيديهم‪ ‬قهر ووعيد حصل منه معنى قوله ‪ : :‬لقد‬
‫رضي ال عن المؤمنين‪ ‬الذي هو لطف محض‪ .‬وعدكم ال مغانم كثيرة تأخذونها‪ ‬من علوم توحيد الذات ‪ :‬فعجل‬
‫لكم هذه وكف أيدي‪ ‬ناس صفاتكم عنكم ‪ :‬ولتكون آية‪ ‬دالة‪ ،‬شاهدة ‪ :‬للمؤمنين‪ ‬على توحيد الذات ‪ :‬ويهديكم‪‬‬
‫سلوك صراطه بعد العلم به ‪ :‬وأخرى‪ ‬من علومه تعالى التي هي عين ذاته بعد فنائكم فيه وتحققكم به حال البقاء بعد‬
‫الفناء ‪ :‬لم تقدروا عليها‪ ‬إذ ل تكون إل له ‪ :‬قد أحاط ال بها‪ ‬دون من سواه ‪ :‬وكان ال على كل شيء‪ ‬من‬
‫معلوماته ‪ :‬قديرا‪ ‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة الحجرات‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين يدي ال ورسوله‪ ‬طلب الجمع بين أدبي الظاهر والباطن من أهل الحضور ونهى‬
‫عن التقدمة المطلقة في الحضرة اللهية والحضرة النبوية المتناولة للتقدم في القوال والفعال وحديث النفس والظهور‬
‫بالصفات والذات‪ ،‬ولحضرة كل اسم من أسماء ال تعالى أدب يجب مراعاته على من تجلى ال له به ولكل مقام وحال‬
‫أدب يجب على صاحبه محافظته‪ .‬فالتقدمة بين يدي ال في مقام الفناء هي الظهور بالنائية في حضرة الذات‪ ،‬وفي‬
‫مقام المحو الظهور بصفة تقابل الصفة التي تشاهد تجليها في حضرة السماء كالظهور بإرادته في مقام الرضا‪،‬‬
‫ومشاهدة الرادة في حضرة تجلي اسم المريد‪ ،‬والظهور بعلمه بالعتراض في مقام‪ ،‬التسليم بحضرة العليم وبالتجلد‬
‫في مقام العجز‪ ،‬ومشاهدة القادر وتحديث النفس في مقام المراقبة وشهود المتكلم‪ ،‬وبالفعل في مقام التوكل والنسلخ‬
‫عن الفعال في حضرة الفعال‪ ،‬وهذه كلها إخلل بأدب الباطن مع ال تعالى‪ .‬وأما الخلل بأدب الظاهر معه‪ ،‬ف ‪:‬‬
‫كترك العزائم إلى الرخص والقدام على الفضول المباحة من القوال والفعال وأمثالهما‪ .‬وأما التقدمة بين يدي‬
‫الرسول بإخلل أدب الظاهر فهو ‪ :‬كالتقدم عليه في الكلم‪ ،‬والمشي‪ ،‬ورفع الصوت‪ ،‬والنداء من وراء الحجرات‪،‬‬
‫والجلوس معه واللبث عنده للستئناس بالحديث‪ ،‬والدخول عليه والنصراف عنه بغير الستئذان وأمثاله‪ .‬وأما إخلل‬
‫أدب الباطن معه ف ‪ :‬كالطمع في أن يطيعه الرسول في أمر‪ ،‬وظن السوء في حقه وأمثال ذلك‪ .‬وأما المخالفات التي‬
‫تتعلق بالوامر والنواهي والقدام على الشيء قبل معرفة حكم ال تعالى وحكم الرسول فيه فهي من سوء أدب أهل‬
‫الغيبة ل الحضور الذي نحن فيه‪ : .‬واتقوا ال‪ ‬في هذه التقدمات كلها فإن من اتقى ال حق تقاته ل يصدر عنه أمثال‬
‫هذه التقدمات في المواقع المذكورة ‪ :‬إن ال سميع‪ ‬للتقدمات القولية في باب أدب الظاهر‪ ،‬ولحاديث النفس في باب‬
‫الية‪ ،‬لما كان كان‬‫‪‬‬ ‫أدب الباطن ‪ :‬عليم‪ ‬بالفعليات والوصفيات وبظهور البقيات‪ .‬واعلموا أن فيكم رسول ال ‪‬‬
‫تمني المؤمنين طاعة الرسول إياه معربا عن ظهور نفسه بصفاته‪ ،‬محتجبا عن فضل الرسول وكماله‪ ،‬وذلك ل يكون‬
‫إل لضعف اليمان وكدورة القلب بهوى النفس‪ ،‬واستيلء النفس على القلب بالميل إلى الشهوات واللذات لغلبة الهوى‬
‫عليها‪ ،‬أورد لفظه ‪ :‬ولكن‪ ‬بين قوله ‪ : :‬لو يطيعكم‪ ‬وبين قوله ‪ : :‬ال حبب إليكم اليمان‪ ‬لصفاء الروح وبقاء‬
‫الفطرة على النور الصلي ‪ :‬وزينه في قلوبكم‪ ‬بإشراق أنوار الروح على القلب وتنويرها إياه واستعدادها لللهامات‬
‫الملكية المفيدة للستسلم والنقياد لحكامه ‪ :‬وكره إليكم الكفر‪ ‬أي ‪ :‬الحتجاب عن الدين )والفسوق‪ ‬أي ‪ :‬الميل إلى‬
‫اتباع الشهوات بالهوى ومتابعة الشيطان بالعصيان لتنور النفس بنور القلب وانقيادها له واستفادتها ملكة العصمة‬
‫بالستسلم لمره‪ .‬والعصمة هيئة نورية في النفس يمتنع معها القدام على المعاصي كل ذلك لقوة الروح واستيلئه‬
‫على القلب والنفس بنوره الفطري كما أن أضداد ذلك في الذين تمنوا طاعة الرسول إياهم لقوة النفس واستيلئها على‬
‫القلب وحجبها إياه عن نور الروح ‪ :‬أولئك‪ ‬الموصوفون بمحبة اليمان وتزيينه في قلوبهم وكراهتهم المعاصي ‪:‬‬
‫‪‬هم الراشدون‪ ‬الثابتون على الصراط المستقيم دون من يخالفهم ‪ :‬فضل من ال‪ ‬بعنايته بهم في الزل المقتضية‬
‫للهداية الروحانية الستعدادية المستتبعة لهذه الكمالت في البد ‪ :‬ونعمة‪ ‬بتوفيقه إياهم للعمل بمقتضى تلك الهداية‬
‫الصلية وإعانته بإفاضة الكمالت المناسبة لستعداداتهم حتى اكتسبوا ملكة العصمة الموجبة لكراهة المعصية ‪:‬‬
‫‪‬وال عليم‪ ‬بأحوال استعداداتهم‪ : ،‬حكيم‪ ‬يفيض عليها ما يليق بها ويناسبها بحكمته‪ .‬وإن طائفتان من المؤمنين‪‬‬
‫إلى آخره‪ ،‬القتتال ل يكون إل للميل إلى الدنيا والركون إلى الهوى والنجذاب إلى الجهة السفلية والتوجه إلى‬
‫المطالب الجزئية‪ ،‬والصلح إنما يكون من لوازم العدالة في النفس التي هي ظل المحبة التي هي ظل الوحدة‪ ،‬فلذلك‬
‫أمر المؤمنون الموحدون بالصلح بينهما على تقدير بغيهما والقتال مع الباغية على تقدير بغي إحداهما حتى ترجع‬
‫مع كبره وشيخوخته في قتال أصحاب معاوية ليعلم بذلك‬ ‫‪‬‬ ‫لكون الباغية مضادة للحق دافعة له كما خرج عمار‬
‫أنهم الفئة الباغية‪ .‬وقيد الصلح في القسم الثاني وهو أن الباغية إحداهما بالعدل لن بغي الطرفين يوغر الصدور‬
‫ويهيج النفوس على الظلم فنهاهم عن ذلك إذ الصلح إنما يكون فضيلة معتبرة إذا لم يكن بالنفس بل بالقلب على‬
‫مقتضى العدالة المحضة لزالة الجور ل لغرض آخر كالحماية والحمية ورعاية المصلحة الدنيوية وغير ذلك‪ ،‬ولذلك‬
‫قال ‪ : :‬إن ال يحب المقسطين‪ ‬أي ‪ :‬المحبة اللهية إنما تترتب على العدالة‪ ،‬فالصلح إذا لم يكن عن عدالة لم يكن‬
‫عن محبة‪ ،‬وإذا لم يكن عن محبة فل يحبهم ال لوجوب اقتضاء محبة ال إياهم محبتهم له‪ ،‬واقتضاء محبتهم له العدالة‬
‫ومحبة المؤمنين فلو أحبهم لحبوه كما قال ‪ : :‬يحبهم ويحبونه‪] ‬المائدة‪ ،‬الية ‪ [54 :‬ولو أحبوه لحبوا المؤمنين‬
‫ولزموا العدالة‪ .‬ثم بين أن اليمان الذي أقل مرتبته التوحيد والعمل يقتضي الخوة الحقيقية بين المؤمنين للمناسبة‬
‫الصلية والقرابة الفطرية التي تزيد على القرابة الصورية والنسبة الولدية بما ل يقاس لقتضائه المحبة القلبية‬
‫اللزمة للتصال الروحاني في عين جمع الوحدة ل المحبة النفسانية المسببة عن التناسب في اللحمة فل أقل من‬
‫الصلح الذي هو من لوازم العدالة وإحدى خصالها إذ لو لم يعدوا عن الفطرة ولم يتكدروا بغواشي النشأة لم يتقاتلوا‬
‫ولم يتخالفوا فوجب على أهل الصفاء بمقتضى الرحمة والرأفة والشفقة اللزمة للخوة الحقيقية الصلح بينهما‬
‫وإعادتهما إلى الصفاء‪ : .‬واتقوا ال‪ ‬في تكدر الفطرة والبعد عن النور الصلي بمقتضيات النشأة والرضا بالمفسدة‬
‫وترك الصلح لضعف المحبة الدال على الحتجاب عن الوحدة ‪ :‬لعلكم ترحمون‪ ‬بإفاضة نور الكمال المناسب‬
‫لصفاء الستعداد والمناهي المذكورة بعدها إلى قوله ‪ : :‬إن أكرمكم عند ال أتقاكم‪ ‬كلها من باب الظلم المقابل للعدالة‬
‫اللزمة لليمان التوحيدي‪ .‬قوله ‪ : :‬إن أكرمكم عند ال أتقاكم‪ ‬معناه ‪ :‬ل كرامة بالنسب لتساوي الكل في البشرية‬
‫المنتسبة إلى ذكر وأنثى والمتياز بالشعوب والقبائل إنما يكون لجل التعارف بالنتساب ل للتفاخر فإنه من الرذائل‪،‬‬
‫والكرامة ل تكون إل بالجتناب عن الرذائل الذي هو أصل التقوى‪ .‬ثم كلما كانت التقوى أزيد رتبة كان صاحبها أكرم‬
‫عند ال وأجل قدرا‪ .‬فالمتقي عن المناهي الشرعية التي هي الذنوب في عرف ظاهر الشرع أكرم من الفاجر وعن‬
‫الرذائل الخلقية كالجهل والبخل والشره والحرص والجبن أكرم من المجتنب عن المعاصي الموصوف بها وعن نسبة‬
‫التأثير والفعل إلى الغير بالتوكل‪ ،‬ومشاهدة أفعال الحق أكرم من الفاضل المتدرب بالفضائل الخلقية المعتد بتأثير‬
‫الغير‪ ،‬المحجوب برؤية أفعال الحق عن تجليات أفعال الحق وعن الحجب الصفاتية بالنسلخ عنها في مقام الرضا‬
‫ومحو الصفات أكرم من المتوكل في مقام توحيد الفعال المحجوب بالصفات عن تجليات صفات الحق وعن وجوده‬
‫المخصوص أي ‪ :‬أنيته التي هي أصل الذنوب بالفناء أكرم الجميع ‪ :‬إن ال عليم‪ ‬بمراتب تقواكم ‪ :‬خبير‪‬‬
‫بتفاضلكم‪ .‬إنما المؤمنون‪ ‬إلى آخره‪ ،‬لما فرق بين اليمان والسلم وبين أن اليمان باطني قلبي والسلم ظاهري‬
‫بدني‪ .‬أشار إلى اليمان المعتبر الحقيقي وهو اليقين الثابت في القلب المستقر الذي ل ارتياب معه ل الذي يكون على‬
‫سبيل الخطرات‪ ،‬فالمؤمنون هم الموقنون الذين غلبت ملكة اليقين قلوبهم على نفوسهم ونورتها بأنوارها فتأصلت فيها‬
‫ملكة القلوب حتى تأثرت بها الجوارح فلم يمكنها إل الجري بحكمها والتسخر لهيئتها وذلك معنى قوله ‪ : :‬وجاهدوا‬
‫بأموالهم وأنفسهم في سبيل ال‪ ‬بعد نفي الرتياب عنهم لن بذل المال والنفس في طريق الحق هو مقتضى اليقين‬
‫الراسخ وأثره في الظاهر ‪ :‬أولئك هم الصادقون‪ ‬في اليمان لظهور أثر الصدق على جوارحهم وتصديق أفعالهم‬
‫وأقوالهم بخلف المدعين المذكورين‪.‬‬

‫سورة ق‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫‪‬ق‪ ‬إشارة إلى القلب المحمدي الذي هو العرش اللهي المحيط بالكل كما أن )ص( إشارة إلى صورته على ما رمز‬
‫إليه ابن عباس في قوله ‪) :‬ص( جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن حين ل ليل ول نهار‪ ،‬ولكونه عرش الرحمن‪،‬‬
‫قال ‪ ' :‬قلب المؤمن عرش ال '‪ ،‬وقال ‪ ' :‬ل يسعني أرضي ول سمائي ويسعني قلب عبدي المؤمن '‪ .‬قيل ‪ : :‬ق‪‬‬
‫جبل محيط بالعالم وراء العنقاء لحاطته بالكل وكونه حجاب الرب ل يعرفه من لم يصل إلى مقام القلب وإنما يطلع‬
‫عليه من طلع هذا الجبل‪ .‬أقسم به وبالقرآن المجيد أي ‪ :‬العقل القرآني الكامل فيه الذي هو الستعداد الولي الجامع‬
‫لتفاصيل الوجود كله‪ ،‬فإذا برز وصار إلى الفعل كان عقل فرقانيا ول يخفى مجده وشرفه بهذا المعنى‪ ،‬أو القرآن‬
‫المجيد النازل عليه الذي هو بعينه الفرقان البارز الذي أشرنا إليه جمعهما في القسم لتناسبهما وجواب القسم محذوف‬
‫كما في ‪ :‬ص‪ ‬وغيرها من السور‪ ،‬وهو ‪ :‬إنه لحق أو إنه لمعجز مدلول عليه بقوله ‪ : :‬بل عجبوا‪ ‬الخ‪ .‬وبقوله ‪: :‬‬
‫‪‬أفعيينا بالخلق الول‪ ‬أي ‪ :‬إما اهتدينا إلى إبداع الحقائق وإيجاد الشياء الولية كالرواح والسموات وأمثالها‪ ،‬بل‬
‫اعترفوا بذلك إنما هم في شبهة والتباس من خلق حادث يتجدد كل وقت‪ ،‬لبس عليهم الشيطان حتى قالوا ‪ :‬وما‬
‫يهلكنا إل الدهر‪] ‬الجاثية‪ ،‬الية ‪ [24 :‬ونسبوا التأثير إلى الزمان واحتجبوا عن معنى قوله ‪ : :‬كل يوم هو في شأن‪‬‬
‫]الرحمن‪ ،‬الية ‪ ،[29 :‬ولو عرفوا ال حق معرفته وكان اعترافهم بإيجاده للخلق الول عن علم ويقين لشاهدوا الخلق‬
‫الجديد في كل آن فلم ينكروا البعث وكانوا عبادا مخلصين ليس للشيطان عليهم سلطان‪ : .‬ونحن أقرب إليه من حبل‬
‫الوريد‪ ‬تمثيل للقرب المعنوي بالصورة الحسية المشاهدة‪ ،‬وإنما كان أقرب مع عدم المسافة بين الجزء المتصل به‬
‫وبينه‪ ،‬لن اتصال الجزء بالشيء يشهد بالبينونة والثنينية الرافعة للتحاد الحقيقي ومعيته وقربه من عبده ليس كذلك‪،‬‬
‫فإن هويته وحقيقته المندرجة في هويته وتحققه ليست غيره بل إن وجوده المخصوص المعين إنما هو بعين حقيقته‬
‫التي هي الوجود من حيث هو وجود ولوله لكان عدما صرفا ول شيئا محضا‪ .‬فحبل غاية القرب الصوري أي ‪:‬‬
‫التصال بالجزئية الذي ل اتصال أشد منه في الجسام مع كونه سبب حياة الشخص‪ ،‬هذا أتم منه لبقائه‪ .‬ثم بين أقربيته‬
‫لينتفي القرب بمعنى التصال والمقارنة‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين عليه السلم ‪ ' :‬هو مع كل شيء '‪ ،‬ل بمقارنة إذ‬
‫الشيء به ذلك الشيء وبدونه ليس شيئا حتى يقارنه‪ .‬إذ يتلقى المتلقيان‪ ‬أي ‪ :‬يعلم حديث نفسه الذي يوسوس به نفسه‬
‫وقت تلقي المتلقيين مع كونه أقرب إليه منهما‪ ،‬وإنما تلقيهما للحجة عليه وإثبات القوال والعمال في الصحائف‬
‫النورية للجزاء‪ ،‬والمتلقي القاعد عن اليمين هو القوة العاقلة العملية المنتقشة بصور العمال الخيرية المرتسمة‬
‫بالقوال الحسنة الصائبة‪ ،‬وإنما قعد عن يمينه لن اليمين هي الجهة القوية الشريفة المباركة وهي جهة النفس التي تلي‬
‫الحق‪ ،‬والمتلقي القاعد عن الشمال هو القوة المتخيلة التي تنتقش بصور العمال البشرية البهيمية والسبعية والراء‬
‫الشيطانية الوهمية والقوال الخبيثة الفاسدة‪ .‬وإنما قعد عن الشمال لن الشمال هي الجهة الضعيفة الخسيسة المشؤومة‬
‫وهي التي تلي البدن‪ ،‬ولن الفطرة النسانية خيرة بالذات لكونها من عالم النوار مقتضية بذاتها وغريزتها الخيرات‬
‫والشرور إنما هي أمور عرضت لها من جهة البدن وآلته وهيئاته‪ ،‬يستولي صاحب اليمين على صاحب الشمال‪،‬‬
‫فكلما صدرت منه حسنة كتبها له في الحال وإن صدرت منه سيئة منع صاحب الشمال عن كتابتها في الحال انتظارا‬
‫للتسبيح أي ‪ :‬التنزيه عن الغواشي البدنية والهيئات الطبيعية بالرجوع إلى مقره الصلي وسنخه الحقيقي وحاله‬
‫الغريزي لينمحي أثر ذلك المر العارضي بالنور الصلي والستغفار‪ ،‬أي ‪ :‬التنور بالنوار الروحية والتوجه إلى‬
‫‪ ' :‬كاتب الحسنات على يمين الرجل‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫الحضرة اللهية لينمحي أثر تلك الظلمة العرضية بالنور الوارد كما قال‬
‫وكاتب السيئات على يساره‪ ،‬وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات‪ ،‬فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا‪ ،‬وإذا‬
‫عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب اليسار ‪ :‬دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر '‪ : .‬وجاءت سكرة الموت‪‬‬
‫أي ‪ :‬شدته المحيرة الشاغلة للحواس المذهلة للعقل ‪ :‬بالحق‪ ‬بحقيقة المر الذي غفل عنه من أحوال الخرة والثواب‬
‫والعقاب‪ ،‬أي ‪ :‬أحضرت السكرة التي منعت المحتضر عن الدراكات الخارجية أحواله الباطنة وأظهرت عليه ‪:‬‬
‫‪‬ذلك ما كنت‪ ‬أيها المحتضر ‪ :‬منه تحيد‪ ‬أي ‪ :‬تميل إلى المور الظاهرة وتذهل عنها‪.‬ونفخ في الصور‪‬‬
‫للحياء‪ ،‬أي ‪ :‬أحيي كل منهم في صورة تناسبه في الخرة ‪ :‬ذلك‪ ‬النفخ وقت تحقق الوعيد بشهود ما قدم من‬
‫العمال وما أخر‪ : .‬وجاءت كل نفس معها سائق‪ ‬من علمه ‪ :‬وشهيد‪ ‬من عمله لن كل أحد ينجذب إلى محل‬
‫نظره وما اختاره بعلمه‪ ،‬والميل الذي يسوقه إلى ذلك الشيء إنما نشأ من شعوره بذلك الشيء وحكمه بملئمته له سواء‬
‫كان أمرا سفليا جسمانيا بعثه عليه هواه وأغراه عليه وهمه وقواه‪ ،‬أو أمرا علويا روحانيا بعثه عليه عقله ومحبته‬
‫الروحانية وحرضه عليه قلبه وفطرته الصلية‪ .‬فالعلم الغالب عليه سائقه إلى معلومه‪ ،‬وشاهده بالميل الغالب عليه‬
‫والحب الراسخ فيه والعمل المكتوب في صحيفته يشهد عليه بظهوره على صور أعضائه وجوارحه وينطق عليه كتابه‬
‫بالحق وجوارحه بهيئات أعضائه المتشكلة بأعماله‪ : .‬ولقد كنت في غفلة من هذا‪ ‬لحتجابك بالحس والمحسوسات‬
‫وذهولك عنه لشتغالك بالظاهر عن الباطن ‪ :‬فكشفنا عنك‪ ‬بالموت ‪ :‬غطاءك‪ ‬المادي الجسماني الذي احتجبت‬
‫به ‪ :‬فبصرك اليوم حديد‪ ‬أي ‪ :‬إدراكك لما ذهلت عنه ولم تصدق بوجوده يقينًا قوي تعاينه ‪ :‬وقال قرينه‪ ‬من‬
‫شيطان الوهم الذي غره بالظواهر وحجبه عن البواطن ‪ :‬هذا ما لدي‪ ‬مهيأ لجهنم‪ ،‬أي ‪ :‬ظهر تسخير الوهم إياه في‬
‫التوجه إلى الجهة السفلية وإنه ملكه واستعبده في طلب اللذات البدنية حتى هيأه لجهنم في قعر الطبيعة‪ .‬ألقيا في‬
‫جهنم‪ ‬الخطاب للسائق والشهيد اللذين يوبقانه ويلقيانه ويهلكانه في أسفل غياهب مهواة الهيولى الجسمانية وغيابة جب‬
‫الطبيعة الظلمانية في نيران الحرمان أو لمالك‪ .‬والمراد بتثنية الفاعل تكرار الفعل كأنما قال ‪ :‬ألق‪ ،‬لستيلئه عليهم في‬
‫البعاد واللقاء إلى الجهة السفلية‪ ،‬ويقوي الول أنه عدد الرذائل الموبقة التي أوجبت استحقاقهم لعذاب جهنم ووقوعهم‬
‫في نيران الجحيم وبين أنها من باب العلم والعمل والكفران ومنع الخير كلهما من إفراط القوة البهيمية الشهوانية‬
‫لنهماكها في لذاتها واستعمالها نعم ال تعالى في غير مواضعها من المعاصي والحتجاب عن المنعم بها ومن حقها أن‬
‫تذكره وتبعث على شكره وشدة حرصها ومكالبتها عليها لفرط ولوعها بها فتمنعها عن مستحقيها‪ .‬وذكرهما على بناء‬
‫المبالغة ليدل على رسوخ الرذيلتين فيه وغلبتهما عليه وتعمقه فيهما الموجب للسقوط عن رتبة الفطرة في قعر بئر‬
‫الطبيعة‪ ،‬والعتود والعتداء كلهما من إفراط القوة الغضبية واستيلئها لفرط الشيطنة والخروج عن حد العدالة‪،‬‬
‫والربعة من باب فساد العمل والريب والشرك كلهما من نقصان القوى النطقية وسقوطها عن الفطرة بتفريطها في‬
‫جنب ال وقصورها عن حدة القوة العاقلة وذلك من باب فساد العلم‪ .‬تفسير سورة ق من ]آية ‪ : [30 - 27‬قال قرينه‬
‫ربنا ما أطغيته‪ ‬هذه المقاولت كلها معنوية مثلت على سبيل التخييل والتصوير لستحكام المعنى في القلب عند ارتسام‬
‫مثاله في الخيال‪ ،‬فادعاء الكافر الطغاء على الشيطان وإنكار الشيطان إياه عبارة عن التنازع والتجاذب الواقع بين‬
‫قوتيه الوهمية والعقلية‪ ،‬بل بين كل اثنتين متضادتين من قواه كالغضبية والشهوية مثل‪ ،‬ولهذا قال ‪ : :‬ل تختصموا‪.‬‬
‫ولما كان المران في وجوده هما العقلية والوهمية كان أصل التخاصم بينهما وكذا يقع التخاصم بين كل متحاورين‬
‫متخاوضين في أمر لتوقع نفع أو لذة يتوافقان ما دام مطلوبهما حاصل‪ ،‬فإذا حرما أو وقعا بسعيهما في خسران‬
‫وعذاب‪ ،‬تدارءا أو نسب كل منهما التسبب في ذلك إلى الخر لحتجابهما عن التوحيد وتبرئ كل منهما عن ذنبه لمحبة‬
‫قوله وقول الشيطان ‪: :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ' :‬ورأيت أهل النار يتعاورون '‪ .‬وصوب‬ ‫‪‬‬ ‫للنبي‬‫‪‬‬ ‫نفسه‪ ،‬ولذلك قال حارثة‬
‫‪‬وما أطغيته ولكن كان في ضلل بعيد‪ ،‬كقوله ‪ : :‬إن ال وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم‬
‫من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لي فل تلوموني ولوموا أنفسكم‪] ‬ق‪ ،‬الية ‪ [22 :‬لنه لو لم يكن في ضلل عن‬
‫طريق التوحيد بعيد عن الفطرة الصلية بالتوجه إلى الجهة السفلية والتغشي بالغواشي المظلمة الطبيعية لم يقبل‬
‫وسوسة الشيطان وقبل إلهام الملك‪ ،‬فالذنب إنما يكون عليه بالحتجاب عن نور الفطرة واكتساب الجنسية مع الشيطان‬
‫في الظلمة‪ ،‬والنهي عن الختصام ليس المراد به انتهاؤهما بل عدم فائدته والستماع إليه كأنه قال ‪ :‬ل اختصام‬
‫مسموع عندي‪ .‬وقد ثبت وصح تقديم الوعيد حيث أمكن انتفاعكم به لسلمة اللت وبقاء الستعداد‪ ،‬فلم تنتفعوا به ولم‬
‫ترفعوا لذلك رأسا حتى ترسخت الهيئات المظلمة في نفوسكم ورانت على قلوبكم وتحقق الحجاب وحق القول بالعذاب‪،‬‬
‫ف ‪ :‬ما يبدل القول لدي‪ ‬حينئذ لوجوب العذاب حال وقوعه ‪ :‬وما أنا بظلم‪ ‬حيث وهبت الستعداد وأنبأت على‬
‫الكمال المناسب له وهديتكم إلى طريق اكتسابه‪ ،‬بل أنتم الظلمون أنفسكم باكتساب ما ينافيه وإضاعة الستعداد بوضع‬
‫النور في الظلمة واستبدال ما يفنى بما يبقى‪ : .‬يوم نقول لجهنم هل امتلت‪ ‬أي ‪ :‬يوم يتكثر أهل النار حتى تستبعد‬
‫الزيادة عليهم ول تنتقص سعتها بهم ول يسكن كلبها‪ .‬وفي الحديث ‪ :‬ل تزال جهنم يلقى فيها وتقول ‪ :‬هل من مزيد ؟ !‬
‫حتى يضع رب العزة فيها قدمه‪ ،‬فتقول ‪ :‬قط قط بعزتك وكرمك '‪ ،‬أي ‪ :‬ل يزال الخلق يميلون إلى الطبيعة بالشهوة‬
‫والحرص والطبيعة باقية على حالها‪ ،‬جاذبة لما يناسبها‪ ،‬قابلة لصورها الملءمة لها‪ ،‬ملقية لما قبلت إلى أسفل‬
‫الدركات إلى ما ل يتناهى حتى يصل إليها أثر نور الكمال الوارد على القلب فتتنور به وتنتهي عن فعلها‪ .‬وعبر عن‬
‫تشعشع النور اللهي من القلب على النفس بقدم رب العزة القوي على قهرها ومنعها عن فعلها وإجبارها على موافقة‬
‫القلب‪ ،‬فتقول ‪ :‬قطني‪ ،‬قطني‪ .‬وأزلفت الجنة‪ ‬أي ‪ :‬جنة الصفات للذين اتقوا صفات النفس بدليل قوله ‪ : :‬من‬
‫خشي الرحمن بالغيب‪ ‬لن الخشية تختص بتجلي العظمة ولقوله ‪ : :‬غير بعيد‪ ‬أي ‪ :‬مكانا غير بعيد لكون جنة‬
‫الصفات أقرب من جنة الذات في الرتبة دون الظهور‪ ،‬إذ الذات أقرب في الظهور لن في عالم النوار كل ما كان أبعد‬
‫في العلو والمرتبة من الشيء كان أقرب إليه في الظهور لشدة نوريته ولقوله ‪ : :‬هذا ما توعدون لكل أواب‪ ‬أي ‪:‬‬
‫رجاع إلى ال بفناء الصفات ‪ :‬حفيظ‪ ‬أي ‪ :‬محافظ على صفاء فطرته ونوره الصلي كي ل يتكدر بظلمة النفس من‬
‫اتصف بالخشية وصارت الخشية مقامه عند تجلي الحق في صفة الرحمة الرحمانية إذ هي أعظم صفاته لدللتها على‬
‫إفاضة جميع الخيرات والكمالت الظاهرة على الكل وهي جلئل النعم وعظائمها ‪ :‬بالغيب‪ ‬أي ‪ :‬في حالة كونه‬
‫غائبا عن شهود الذات‪ ،‬إذ المحتجب بتجلي الصفات غائب عن جمال الذات ‪ :‬وجاء بقلب منيب‪ ‬إلى ال عن ذنوب‬
‫صفات النفس في معارج صفات الحق دون الساكن في مقام الخشية الذي ل يقصد التوقي‪ : .‬ادخلوها‪ ‬بسلمة عن‬
‫عيوب صفات النفس آمنين عن تلوينها ‪ :‬لهم ما يشاؤون فيها‪ ‬من نعم التجليات الصفاتية وأنوارها بحسب الرادة ‪:‬‬
‫‪‬ولدينا مزيد‪ ‬من نور تجلي الذات الذي ل يخطر على قلوبهم‪ : .‬وكم أهلكنا‪ ‬قبل هؤلء المتقين بالفناء والحراق‬
‫بسبحات تجلي الذات ‪ :‬من قرن هم أشد منهم بطشا‪ ‬أي ‪ :‬أولياء أقوى منهم في صفات نفوسهم لن الستعداد كلما‬
‫كان أقوى كانت صفات النفس في البداية أقوى ‪ :‬فنقبوا في البلد‪ ‬أي ‪ :‬مفاوز الصفات ومقاماتها ‪ :‬هل من‬
‫محيص‪ ‬عن الفناء بالحتجاب ببعضها والتواري بها عند إشراق أنوار سبحات الوجه الباقي‪ ،‬وكيف المحيص ول تبقى‬
‫صفة هناك فضل عن تواريه بها‪ .‬إن في ذلك‪ ‬المعنى المذكور لتذكيرا ‪ :‬لمن كان له قلب‪ ‬كامل بالغ في الترقي‬
‫إلى حد كماله ‪ :‬أو ألقى السمع‪ ‬في مقام النفس إلى القلب لفهم المعاني والمكاشفات للترقي‪ ،‬وهو حاضر بقلبه‪،‬‬
‫متوجه إليه‪ ،‬مفيض لنوره‪ ،‬مترق إلى مقامه‪ : .‬ولقد خلقنا السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام‪ ‬أي ‪ :‬ست‬
‫جهات إن فسرنا السموات والرض على الظاهر وإن أولنا السموات بالرواح والرض بالجسم‪ ،‬فهي صور الممكنات‬
‫الست من الجبروت والملكوت والملك التي هي مجموع الجواهر والضافيات والكميات والكيفيات التي هي مجموع‬
‫العراض‪ ،‬فهذه الستة تحصر المخلوقات بأسرها‪ ،‬والستة اللف المذكورة التي هي مدة دور الخفاء على ما ذكر في‬
‫)العراف(‪ : .‬فاصبر على ما يقولون‪ ‬بالنظر إليهم بالفناء وعدم تأثير أقوالهم بالنسلخ عن الفعال وحبس النفس‬
‫عن الظهور بأفعالها إن لم تحبسها عن الظهور بصفاتها ‪ :‬وسبح بحمد ربك‪ ‬بالتجريد عن صفات النفس حامدا لربك‬
‫بالتصاف بصفاته وإبراز كمالته المكتوبة فيك في مقام القلب ‪ :‬قبل طلوع‪ ‬شمس الروح ومقام المشاهدة ‪ :‬وقبل‬
‫الغروب‪ ‬غروبها بالفناء في أحدية الذات ‪ :‬ومن الليل‪ ‬أي ‪ :‬في بعض أوقات ظلمة التلوين فنزهه عن صفات‬
‫المخلوقين بالتجرد عن الصفة الظاهرة بالتلوين ‪ :‬وأدبار السجود‪ ‬وفي أعقاب كل فناء‪ ،‬فإن عقيب فناء الفعال يجب‬
‫الحتراز عن تلوين النفس وعقيب الفناء عن الصفات يجب التنزه عن تلوين القلب‪ ،‬وعقيب فناء الذات يجب التقدس‬
‫عن ظهور النائية‪ : .‬واستمع يوم ينادي‪ ‬ال بنفسه من أقرب الماكن إليك كما نادى موسى من شجرة نفسه‪ ،‬يوم‬
‫يسمع أهل القيامة الكبرى صيحة القهر والفناء بالحق من الحق ‪ :‬ذلك يوم الخروج‪ ‬من وجوداتهم‪ .‬إنا نحن نحيي‬
‫ونميت‪ ‬أي ‪ :‬شأننا الحياء والماتة نحيي أول بالنفس ثم نميت عنها ثم نحيي بالقلب ثم نميت عنه ثم نحيي بالروح ثم‬
‫نميت عنه بالفناء ‪ :‬وإلينا المصير‪ ‬بالبقاء بعد الفناء بل في كل فناء إذ ل غير يصيرون إليه‪ : .‬يوم تشقق‪ ‬أرض‬
‫البدن ‪ :‬عنهم سراعا‪ ‬إلى ما يجانسهم من الخلق ‪ :‬ذلك حشر علينا يسير‪ ‬نحشرهم مع من يتولونه بالمحبة‬
‫بانجذابهم إليه دفعة بل كلفة من أحد ‪ :‬نحن أعلم بما يقولون‪ ‬لحاطة علمنا بهم وتقدمه عليهم وعلى أقوالهم ‪ :‬وما‬
‫أنت عليهم بجبار‪ ‬تجبرهم على خلف ما اقتضى استعدادهم وحالهم التي هم عليها‪ : ،‬إنما أنت مذكر‪] ‬الغاشية‪ ،‬الية‬
‫‪ [21 :‬فاصبر بشهود ذلك مني واحبس النفس عن الظهور بالتلوين وذكر بالقرآن بما نزل عليك من العقل الجامع‬
‫بجميع المراتب ‪ :‬من‪ ‬يتأثر بالتذكير ف ‪ :‬يخاف وعيد‪ ‬لكونه قابل للوعظ مجانسا لك في الستعداد قريبا مني‬
‫دون المردودين الذين ل يتأثرون به وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الذاريات‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬والذاريات ذروا‪ ‬أي ‪ :‬النفحات اللهية والنسائم القدسية التي تذرو غبار الهيئات الظلمانية وتراب الصفات‬
‫النفسانية ‪ :‬ذروا‪ : ‬فالحاملت‪ ‬أي ‪ :‬الواردات النورانية التي تحمل أوقار الحقائق اليقينية والعلوم الكشفية‬
‫الحقيقية التي لها ثقل في الميزان لبقائها دون التي تخف من المور الفانية إلى قلوب أهل العرفان والنفوس القابلة‬
‫المستعدة الحاملة لتلك الحقائق والمعاني ‪ :‬فالجاريات يسرا‪ ‬أي ‪ :‬النفوس التي تجري في ميادين المعاملت ومنازل‬
‫القربات بواسطة تلك النفحات والواردات يسرا بل كلفة كما للمحرومين عن ذلك أو القلوب التي تجري في أبحر‬
‫الصفات بتلك النفحات يسرا‪ : .‬فالمقسمات أمرا‪ ‬أي ‪ :‬الملئكة المقربين من أهل الجبروت والملكوت التي تقسم بكل‬
‫واحدة قسطا من السعادة والرزق الحقيقي على حسب الستعدادات ‪ :‬إنما توعدون‪ ‬من حال القيامة الكبرى وحصول‬
‫الكمال المطلق ‪ :‬لصادق وإن الدين‪ ‬أي ‪ :‬الجزاء الذي هو الفيض الوارد بحسب السعي في السلوك والعمل المعد‬
‫للقبول أو الحرمان والتعذب بالحجاب والتأذي بالهيئات المؤذية المظلمة بسبب الركون إلى الطبيعة ‪ :‬لواقع‪ ‬كما‬
‫قال ‪ : :‬والذين جهدوا فينا لنهدينهم سبلنا‪] ‬العنكبوت‪ ،‬الية ‪ ،[69 :‬وقال ‪ : :‬كل بل ران على قلوبهم ما كانوا‬
‫يكسبون * كل إنهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم‪] ‬المطففين‪ ،‬اليات ‪ .[16 - 14 :‬أقسم بالمعدات‬
‫والقوابل والمفيضات على أن مقتضى اجتماعها واجب الوقوع‪ : .‬والسماء‪ ‬أي ‪ :‬الروح ‪ :‬ذات‪ ‬الطرائق من‬
‫الصفات‪ ،‬فإن من كل صفة طريقا إلى سماء الروح يصل إليها من يسلكها وكل مقام وحال بابا إليها ‪ :‬إنكم لفي قول‬
‫مختلف‪ ‬من حديث النفس وشجونه المتنوعة المانعة عن اتحاد الوجهة في السلوك أو العتقادات الفاسدة والمذاهب‬
‫الباطلة المانعة عن الكمال من أنواع الجهل المركب ‪‬يؤفك عنه‪ ‬أي ‪ :‬بسبب ذلك القول المختلف الذي هو حديث النفس‬
‫أو العتقاد الفاسد ‪ :‬من إفك‪ ‬أي ‪ :‬المحجوب المحكوم عليه في القضاء السابق بسوء الخاتمة دون غيره أو يصرف‬
‫عما توعدون من الكمال من صرف بالشقاوة الزلية في علم ال‪ : .‬قتل الخراصون‪ ‬أي ‪ :‬لعن الكذابون بالقوال‬
‫المختلفة ‪ :‬الذين هم في غمرة‪ ‬أي ‪ :‬جهل يغمرهم‪ ،‬غافلون عن الكمال والجزاء ‪ :‬يسألون أيان يوم الدين‪ ‬لبعدهم‬
‫عن ذلك المعنى واستبعادهم لذلك وتعجبهم منه لمكان الحتجاب‪ ،‬أي ‪ :‬متى وقوع هذا المر المستبعد ‪ :‬يوم هم‪‬‬
‫أي ‪ :‬يقع يوم هم يعذبون على نار الحرمان في ظلمات الهيئات بفساد البدان والوقوع في الهلك والخسران مقول لهم‪.‬‬
‫‪ :‬ذوقوا فتنتكم‪ ‬أي ‪ :‬عذابكم ‪ :‬الذي كنتم به تستعجلون‪ ‬بالنهماك في اللذات البدنية واستئثار الحظوظ العاجلة‬
‫والكمالت البهيمية والسبعية‪ .‬إن المتقين‪ ‬الذين تجردوا عن هيئات الطبيعة وصفات النفس في جنات الصفات‬
‫وعلومها آخذين أي ‪ :‬قابلين ‪ :‬ما آتاهم ربهم‪ ‬من أنوار تجليات الصفات راضين بها ‪ :‬إنهم كانوا قبل ذلك‪ ‬أي ‪:‬‬
‫‪':‬‬ ‫قبل الوصول إلى مقام تجليات الصفات ‪‬محسنين‪ ‬بشهود الفعال في مقام العبادات والمعاملت كما قال ‪‬‬
‫الحسان أن تعبد ال كأنك تراه '‪ : .‬كانوا قليل‪ ‬من ليل الحتجاب في مقام النفس ما يغفلون عن السلوك ‪:‬‬
‫‪‬وبالسحار‪ ‬أي ‪ :‬أوقات ‪ :‬طلوع أنوار التجليات وانقشاع ظلمة صفات النفس ‪ :‬هم يستغفرون‪ ‬يطلبون التنور‬
‫بالنوار وتستر صفات النفس وهيئات السوء بها ومحوها ‪ :‬وفي أموالهم‪ ‬أي ‪ :‬علومهم الحقيقية والنافعة ‪ :‬حق‬
‫للسائل‪ ‬أي ‪ :‬المستعد الطالب ‪ :‬والمحروم‪ ‬القاصر الستعداد‪ ،‬أو المحجوب عن نور فطرته بالغواشي البدنية‬
‫والرسوم العادية بإفاضة العلوم الحقيقية والمعارف اليقينية على الول‪ ،‬والعلوم النافعة الباعثة على الرياضة‬
‫والمجاهدة على الثاني ‪ :‬وفي الرض‪ ‬أي ‪ :‬ظاهر البدن ‪ :‬آيات‪ ‬من ظواهر السماء والصفات اللهية ‪:‬‬
‫‪‬للموقنين‪ ‬الذين يشاهدون صفات ال في مظاهرها ‪ :‬وفي أنفسكم‪ ‬من أنوار تجلياتها‪ : .‬أفل تبصرون‪ ‬وفي‬
‫سماء الروح ‪ :‬رزقكم‪ ‬المعنوي في العلوم كما في سماء العالم رزقكم الصوري ‪ :‬وما توعدون‪ ‬من النوار‬
‫وأحوال القيامة الكبرى ‪ :‬إنه لحق‪ ‬أي ‪ :‬ما ذكر من آيات الرض والنفس ووجوه الرزق وما وعد في السماء حق ‪:‬‬
‫‪‬مثل‪ ‬نطقكم فإنه صفة من صفات المتكلم الحقيقي ظهر على لسانكم وفي أرض أبدانكم وتجلى بها المتكلم الحقيقي‬
‫على قلوبكم إن حضرتم وشهدتم ونزل بها الرزق المعنوي الذي يندرج في صورة اللفاظ من سماء روحكم عليكم إن‬
‫كان نطقا حقيقيا ل صوتا كأصوات الحيوانات‪ ،‬فإنه ل يسمى نطقا إل مجازا‪ ،‬وحصل به كمالكم وأشرق نوره عليكم‬
‫لتهتدوا به إلى أحوال الخرة‪ .‬وأما حديث ضيف إبراهيم وما نزلوا به فقد مر تحقيقه في سورة ‪ :‬هود‪. ‬ففروا‬
‫إلى ال‪ ‬أي ‪ :‬انقطعوا إليه واستضيئوا بنوره واستمدوا من فيضه في محاربة النفس والشيطان‪ ،‬وتخلصوا إليه من‬
‫عدوانهما وطغيانهما ول تلتفتوا إلى غيره ول تثبتوا لما سواه وجودا وتأثيرا فيستولي عليكم الشيطان ويسول عليكم‬
‫طاعته وعبادته ول تجعلوا معه بهوى النفس معبودا كالنفس وما تهواه فتشركوا وتحتجبوا به عنه فتهلكوا‪ .‬وما‬
‫خلقت‪ ‬جن النفوس وإنس البدان أو الثقلين المشهورين ‪ :‬ال‪ ‬ليظهر عليهم صفاتي وكمالتي فيعرفوني ثم يعبدوني‬
‫‪ ' :‬ل أعبد ربا لم أره '‪ ،‬أي ‪ :‬لم أخلقهم‬ ‫إذ العبادة بقدر المعرفة ومن لم يعرف لم يعبد‪ ،‬كما قال العارف المحقق ‪‬‬
‫ليحتجبوا بوجوداتهم وصفاتهم عني فيجعلوا أنفسهم آله معبودة غيري أو يحتجبوا بخلقي وما تهوى أنفسهم فيجعلوه إلها‬
‫غيري ويعبدوه‪ : .‬وما أريد منهم من رزق‪ ‬أي ‪ :‬خلقتهم بأن احتجبت بهم بذاتي وصفاتي ليظهروا فيتخلقوا بخلقي‬
‫فيحتجبوا بي ويستتروا بفناء الفعال والصفات ول ينسبوا الرزق والطعام والتأثير إلى أنفسهم لظهورها بالفعال‬
‫والصفات وانتحال أفعالي وصفاتي لها بالكذب والطغيان ‪ :‬إن ال هو الرزاق ذو القوة المتين‪ ‬أي ‪ :‬ذاته الموصوفة‬
‫بجميع الصفات هي مصدر الفعال اللطيفة كالرزق والقهرية كالتأثير في الشياء دون غيره‪ : .‬فإن اللذين ظلموا‪‬‬
‫بنسبة الفعل والتأثير إلى الغير من مخلوقاته سواء كان ذلك الغير أنفسهم أو غيرهم نصيبا وافرا من عذاب ال ‪:‬‬
‫‪‬مثل‪ ‬نصيب نظرائهم من المحجوبين بالصفات ‪ :‬فل يستعجلون‪ ‬في الستمتاع بأفعالهم‪ : .‬فويل للذين كفروا‪‬‬
‫أي ‪ :‬حجبوا عن الحق في أي مرتبة كانت بأي شيء كان ‪ :‬من يومهم الذي يوعدون‪ ‬في القيامة الصغرى‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫سورة الطور‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬والطور‪ ‬الطور هو الجبل الذي كلم عليه موسى‪ ،‬وهو الدماغ النساني الذي هو مظهر العقل والنطق أقسم به لشرفه‬
‫وكرامته ولكون الفلك العظم الذي هو محدد الجهات بالنسبة إلى العالم بمثابة الدماغ بالنسبة إلى النسان‪ ،‬يمكن أن‬
‫يكون إشارة اليه‪ ،‬وأقسم به لشرفه وكونه مظهر المر اللهي ومحل القضاء الزلي‪ .‬والكتاب المسطور هو صورة‬
‫الكل على ما هو عليه من النظام المعلوم المنتقش في لوح القضاء الذي هو الروح العظم المشار إليه ها هنا بالرق‬
‫المنشور وتنكيرهما للتعظيم‪ : .‬والبيت المعمور‪ ‬هو قلب العالم أي ‪ :‬النفس الناطقة الكلية‪ ،‬وهو لوح القدر‪ ،‬وعمرانه‬
‫كثرة إطافة الملكوت به ‪ :‬والسقف المرفوع‪ ‬هو السماء الدنيا التي تنزل الصور والحكام من لوح القدر الذي هو‬
‫اللوح المحفوظ إليه ثم تظهر في عالم الشهادة بحلولها في المواد وهو لوح المحو والثبات بمثابة محل الخيال في‬
‫النسان ‪ :‬والبحر المسجور‪ ‬هو الهيولى المملوءة بالصور التي يظهر عليها جميع ما أثبت في اللواح المذكورة‪: .‬‬
‫‪‬إن عذاب ربك لواقع‪ ‬بظهور القيامة الصغرى‪ .‬وعلى التأويل الول وهو تأويل الطور بالدماغ يكون الكتاب‬
‫المسطور إشارة إلى المعلومات المركوزة في الروح النساني المسماة بالعقل القرآني‪ ،‬والروح هو الرق المنشور‬
‫ونشوره ظهوره وانبثاثه في البدن والبيت المعمور هو القلب النساني والسقف المرفوع هو مصعد الخيال المنتقش‬
‫بالصور الجزئية والبحر المسجور هو مادة البدن المملوءة بالصور وال أعلم‪ : .‬يوم تمور السماء مورا‪ ‬أي ‪:‬‬
‫تضطرب الروح وتجيء وتذهب عند السكرات ومفارقة البدن ‪ :‬وتسير الجبال‪ ‬أي ‪ :‬تذهب العظام وترم وتصير‬
‫هباء منبثا‪ .‬فويل يومئذ للمكذبين‪ ‬الذين احتجبوا بالدنيا عن الخرة فكذبوا بالجزاء ‪ :‬الذين‪ ‬يخوضون في باطل‬
‫الذات الحسية والعتقادات الفاسدة والقوال المزخرفة ويتعمقون في اللعب الذي هو الحياة الدنيا وزينتها السريعة‬
‫الزوال‪ : .‬يوم يدعون‪ ‬أي ‪ :‬يجرون ويسحبون بالعنف ‪ :‬إلى نار‪ ‬الحرمان واللم في قعر بئر الطبيعة الفاسقة‬
‫المنحوسة في سلسل التعلقات وأغلل الهيئات الجرمانية‪ : .‬إن المتقين‪ ‬الذين اتقوا الرذائل وصفات النفوس ‪ :‬في‬
‫جنات‪ ‬من جنات الصفات ولذة وذوق وتنعم فيها ‪ :‬فاكهين‪ ‬متلذذين ‪ :‬بما آتاهم ربهم‪ ‬من أنوار التجليات ومعارف‬
‫الوجدانيات والكشفيات ‪ :‬ووقاهم ربهم عذاب‪ ‬جحيم الطبيعيات والحتجاب بالبهيميات والسبعيات من الهيئات‪: .‬‬
‫كلوا من أرزاق الحكم والحكم والعلوم الحقيقية التي هي قوت القلوب ‪ :‬واشربوا‪ ‬من مياه العلوم النافعة وخمور‬
‫‪ ‬‬
‫العشق والمحبة أكل هنيئا وشربا ‪ :‬هنيئا‪ ‬سائغا غير ذي غصة ‪ :‬بما كنتم تعملون‪ ‬بسبب أعمالكم في الزهد‬
‫والعبادة والمجاهدة والرياضة‪ : .‬متكئين على سرر‪ ‬أي ‪ :‬مراتب ومقامات ‪ :‬مصفوفة‪ ‬مترتبة كالتسليم والتوكل‬
‫والرضا أو متقابلة تتساوى في مقاماتهم كقوله ‪ : :‬إخوانا على سرر متقابلين‪] ‬الحجر‪ ،‬الية ‪ : .[47 :‬وزوجناهم‬
‫بحور عين‪ ‬أي ‪ :‬قرناهم بما في درجاتهم من الصور المقدسة والجواهر المجردة من الروحانيات التي ل حسن وراء‬
‫حسنها ‪ :‬وأمددناهم بفاكهة‪ ‬من الواردات اللذيذة والمواجيد الذوقية والشراقات البهيجة ‪ :‬ولحم‪ ‬من العلوم المقوية‬
‫للقلوب والحكم المحيية لها ‪ :‬مما يشتهون‪ ‬أي ‪ :‬يشتاقون إليه بمقتضى استعداداتهم وأحوالهم ‪ :‬يتنازعون‪‬‬
‫يتعاطون ويتعاورون في مباحثاتهم ومحاوراتهم ومذاكراتهم ‪ :‬كأسا‪ ‬خمرا لذيذا من المعارف والعشقيات‬
‫والذوقيات ‪ :‬ل لغو فيها‪ ‬بسقط الحديث والهذيان والكلم بما ل طائل تحته ‪ :‬ول تأثيم‪ ‬ول قول يأثم به صاحبه‬
‫وينسب إلى الثم كالغيبة والفواحش والشتم والكاذيب‪ .‬ويطوف عليهم غلمان لهم‪ ‬من الملكوت الروحانية أي ‪:‬‬
‫تخدمهم الروحانيات أو أهل الرادة وصفاء الستعداد من الحداث الطالبين ‪ :‬كأنهم‪ ‬لفرط صفائهم ونوريتهم ‪:‬‬
‫‪‬لؤلؤ مكنون‪ ‬محفوظ من تغيرات هوى النفس وغبار الطبائع مخزون من ملمسة ذوي العقائد الرديئة والعادات‬
‫المذمومة‪ : .‬وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون‪ ‬عن بداياتهم وأحوال رياضاتهم في عالم النفس ومأوى الحس الذي‬
‫هو الدنيا ‪ :‬قالوا إنا كنا قبل‪ ‬أي ‪ :‬قبل الوصول إلى فضاء القلب وروح الروح في الخرة ‪ :‬في أهلنا‪ ‬من القوى‬
‫البدنية وصفات النفس ‪ :‬مشفقين‪ ‬وجلين من ذكر ال خائفين من العقاب ‪ :‬فمن ال علينا‪ ‬بتجليات الصفات ونعم‬
‫المكافشات ‪ :‬ووقانا عذاب‪ ‬سموم هوى النفس وجحيم الطبيعة ‪ :‬إنا كنا من‪ ‬قبل هذا المقام ‪ :‬ندعوه‪ ‬نذكره‬
‫ونعبده ‪ :‬إنه هو البر‪ ‬المحسن بمن دعاه بإفاضة العلم والتحقيق ‪ :‬الرحيم‪ ‬لمن عبده وخافه بالهداية والتوفيق‪: .‬‬
‫‪‬واصبر‪ ‬بمنع النفس عن الظهور بالعتراض على الحكم ‪ :‬فإنك بأعيننا‪ ‬فإنا نراك ونرقبك فاحترز عن ذنب‬
‫ظهور النفس بحضورنا ‪ :‬وسبح‪ ‬نزه ال بالتجرد عن ملبس صفات النفس حامدا لربك بإظهار كمالتك التي هي‬
‫صفاته ‪ :‬حين تقوم‪ ‬في القيامة الوسطى عن نوم غفلة مقام النفس بالرجوع إلى الفطرة ‪ :‬ومن الليل‪ ‬ومن بعض‬
‫أوقات الظلمة عند التلوين بظهور صفة من صفاتها ‪ :‬فسبحه‪ ‬بالتجرد عنها والتنور بنور الروح ‪ :‬وأدبار‪ ‬نجوم‬
‫الصفات وغيبتها بظهور نور شمس الذات وطلوع فجر بداية المشاهدة‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة النجم‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬والنجم إذا هوى‪ ‬أقسم بالنفس المحمدية إذا فنيت وغربت عن محل الظهور وسقطت عن درجة العتبار في الظهور‬
‫والحضور ‪ :‬ما ضل صاحبكم‪ ‬بالوقوف مع النفس والنحراف عن المقصد القصى بالميل لها ‪ :‬وما غوى‪‬‬
‫بالحتجاب بالصفات والوقوف معها في مقام القلب ‪ :‬وما ينطق عن الهوى‪ ‬بظهور صفة النفس في التلوين ‪ :‬إن‬
‫هو إل وحي يوحى‪ ‬إليه من وقت وصوله إلى أفق القلب الذي هو سماء الروح إلى انتهائه إلى الفق العلى الذي هو‬
‫نهاية مقام الروح المبين ‪ :‬علمه‪ ‬روح القدس الذي هو ‪ :‬شديد القوى‪ ‬قاهر لما تحته من المراتب مؤثر فيها تأثيرًا‬
‫قويا ‪ :‬ذو مرة‪ ‬ذو متانة وإحكام في علمه ل يمكن تغيره ونسيانه ‪ :‬فاستوى‪ ‬فاستقام على صورته الذاتية والنبي‬
‫بالفق العلى لنه حين كون النبي بالفق المبين ل ينزل على صورته لستحالة تشكل الروح المجرد في مقام القلب‬
‫إل بصورة تناسب الصور المتمثلة في مقامه ولهذا كان يتمثل بصورة دحية الكلبي وكان من أحسن الناس صورة‬
‫‪ ،‬إذ لو لم يتمثل بصورة يمكن انطباعها في الصدر لم يفهم القلب كلمه ولم ير صورته‪.‬‬ ‫وأحبهم إلى رسول ال ‪‬‬
‫إل مرتين عند عروجه إلى الحضرة الحدية ووصوله‬ ‫‪‬‬ ‫وأما صورته الحقيقية التي جبل عليها فلم تظهر للنبي‬
‫بمقام الروح في الترقي وعند نزوله عنها ورجوعه إلى المقام الول عند سدرة المنتهى في التدلي‪ : .‬ثم دنا‪ ‬رسول‬
‫ال ‪ ‬إلى ال وترقى عن مقام جبريل بالفناء في الوحدة والترقي عن مقام الروح‪ ،‬وفي هذا المقام قال جبريل ‪‬‬
‫‪ ' :‬لو دنوت أنملة لحترقت '‪ ،‬إذ وراء مقامه ليس إل الفناء في الذات والحتراق بالسبحات ‪ :‬فتدلى‪ ‬أي ‪ :‬مال إلى‬
‫الجهة النسية بالرجوع من الحق إلى الخلق حال البقاء بعد الفناء والوجود الموهوب الحقاني ‪ :‬فكان قاب قوسين‪ ‬أي‬
‫مقدار دائرة الوجود الشاملة للكل المنقسمة بخط موهوم إلى قوسين باعتبار الحق والخلق‪ ،‬والعتبار هو‬ ‫‪‬‬ ‫‪ :‬أن‬
‫الخط الموهوم القاسم للدائرة إلى نصفين‪ .‬فباعتبار البداية والتداني يكون الخلق هو القوس الول الحاجب للهوية في‬
‫أعيان المخلوقات وصورها والحق هو النصف الخير الذي يقرب منه شيئا فشيئا وينمحي ويفنى فيه‪ ،‬وباعتبار النهاية‬
‫والتدلي فالحق هو القوس الول الثابت على حاله أزل وأبدا والخلق هو القوس الخير الذي يحدث بعد الفناء بالوجود‬
‫الجديد الذي وهب له ‪ :‬أو أدنى‪ ‬من مقدار القوسين بارتفاع الثنينية الفاصلة الموهمة لتصال أحد القوسين بالخر‬
‫وتحقق الوحدة الحقيقية في عين الكثرة بحيث تضمحل الكثرة فيها وتبقى الدائرة غير منقسمة بالحقيقة أحدية الذات‬
‫ما أوحي‪ ‬من السرار اللهية التي ل‬ ‫‪‬‬ ‫والصفات‪ .‬فأوحى إلى عبده‪ ‬في مقام الوحدة بل واسطة جبريل ‪: ‬‬
‫يجوز كشفها لصاحب النبوة ‪ :‬ما كذب الفؤاد ما رأى‪ ‬في مقام الجمع والفؤاد هو القلب المترقي إلى مقام الروح في‬
‫الشهود المشاهد للذات مع جميع الصفات الموجود بالوجود الحقاني‪ ،‬وهذا الجمع هو جمع الوجود ل جمع الوحدة الذي‬
‫ل فؤاد فيه ول عبد لفناء الكل فيها المسمى باصطلحهم ‪ :‬عين جمع الذات‪ ،‬وأما هذا الجمع فيسمى الوجه الباقي أي ‪:‬‬
‫الذات الموجودة مع جميع الصفات‪ : .‬أفتمارونه‪ ‬أفتخاصمونه على شيء ل تفهمونه ول يمكنكم معرفته وتصوره‪،‬‬
‫فكيف يمكنكم إقامة الحجة عليه ؟ وإنما المخاصمة حيث يمكن تصور المر المختلف فيه ثم الحتجاج عليه بالنفي‬
‫والثبات فحيث ل تصور فل مخاصمة حقيقية‪ : .‬ولقد رآه‪ ‬أي ‪ :‬جبريل في صورته الحقيقية ‪ :‬نزلة أخرى‪ ‬عند‬
‫الرجوع عن الحق والنزول إلى مقام الروح ‪ :‬عند سدرة المنتهى‪ ‬قيل ‪ :‬هي شجرة في السماء السابعة ينتهي إليها‬
‫علم الملئكة ول يعلم أحد ما وراءها وهي نهاية مراتب الجنة يأوي إليها أرواح الشهداء فهي الروح العظم الذي ل‬
‫تعين وراءها ول مرتبة ول شيء فوقها إل الهوية المحضة‪ ،‬فلهذا نزل عندها وقت الرجوع عن الفناء المحض إلى‬
‫على صورته التي جبل عليها ‪ :‬عندها جنة المأوى‪ ‬التي يأوي إليها أرواح‬ ‫البقاء ورأى عندها جبريل ‪‬‬
‫كان يراها عند تحققه بالوجود الحقاني‬ ‫‪‬‬ ‫المقربين‪ .‬إذا يغشى السدرة‪ ‬من جلل ال وعظمته ‪ :‬ما يغشى‪ ‬لنه‬
‫بعين ال فرأى الحق متجليا في صورتها‪ ،‬فقد غشي السدرة من التجلي اللهي ما سترها وأفناها فرآها بعين الفناء لم‬
‫يحتجب بها وبصورتها ول بجبريل وحقيقته عن الحق‪ ،‬ولهذا قال ‪ : :‬ما زاغ البصر‪ ‬باللتفات إلى الغير ورؤيته ‪:‬‬
‫‪‬وما طغى‪ ‬بالنظر إلى نفسه واحتجابه بالنائية‪ : .‬لقد رأى من آيات ربه الكبرى‪ ‬أي ‪ :‬الصفة الرحمانية الذي‬
‫يندرج فيها جميع الصفات بتجليه تعالى فيها بل حضرة السم العظم الذي هو الذات مع جميع الصفات المعبر عنه‬
‫بلفظة ال في عين جمع الوجود‪ ،‬بحيث لم يحتجب عن الذات بالصفات ول بالصفات عن الذات‪ : .‬وكم من ملك في‬
‫السماوات‪ ‬إلى آخر الية‪ ،‬الشفاعة من الملئكة ‪ :‬هي إفاضة النوار والمداد على المستشفع عند استفاضته بالتوسل‬
‫بالشفيع الذي هو الوسيلة والواسطة المناسبة بينهما واتصال فعلي‪ ،‬هذا شفاعتهم في حق النفوس البشرية ل تكون إل‬
‫إذا كانت مستعدة في الصل‪ ،‬قابلة لفيض الملكوت‪ .‬ثم تزكوا عن الهيئات البشرية والغواشي الطبيعية بالتوجه إلى‬
‫جناب القدس والتجرد عن ملبس الحس ومواد الرجس فتستفيض من نورها وتستمد من فيضها وتتصل بها وتنخرط‬
‫في سلكها‪ ،‬فتتقرب إلى ال بواسطتها‪ .‬فالستعداد القابل الصلي هو الذن في الشفاعة والرضا بها هو الزكاء والصفاء‬
‫الحاصل بالسعي والجتهاد‪ ،‬فإذا اجتمعا حصلت الشفاعة وإن لم يكن الستعداد في الصل أو كان وقد تغير بالعلئق‬
‫والغواشي ولم تبق على صفائها فلم يكن اذن ول رضا من ال فل شفاعة‪ ،‬فقوله ‪ : :‬ل تغني شفاعتهم شيئا‪ ‬معناه ‪:‬‬
‫عدم الشفاعة ل وجودها‪ ،‬وعدم إغنائها لستحالة ذلك في عالم الملكوت فهو كقوله ‪) % :‬ول ترى الضب بها ينحجر(‬
‫‪ . %‬وإبراهيم الذي وفى‪ ‬حق ال عليه بتسليم الوجود إليه حال الفناء في التوحيد بالقيام بأمر العبودية وتبليغ الرسالة‬
‫والنبوة في مقام الستقامة أو أتم الكلمات التي ابتله ال بها وهي ما ذكر من الصفات‪ .‬وقرئ ‪ : :‬وفي‪ ،‬مخففا‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫بعهده المأخوذ ميثاقه عليه في أول الفطرة بأن ثبت عليه حتى بلغ مقام التوحيد المشار إليه بقوله ‪ : :‬إني وجهت‬
‫وجهي للذي فطر السماوات والرض‪] ‬النعام‪ ،‬الية ‪ : [79 :‬أل تزر وازرة وزر أخرى‪ ‬لن العقاب يترتب علي‬
‫هيئات مظلمة رسخت في النفس بتكرار الفاعيل والقاويل السيئة التي هي الذنوب وكذلك الثواب إنما يترتب على‬
‫أضدادها من هيئات الفضائل‪ ،‬كما قال تعالى ‪ : :‬وأن ليس للنسان إل ما سعى‪ ‬بخلف الحظوظ العاجلة المقسومة‬
‫المقدرة وإن كانت تلك أيضا مستندة إلى قضاء من ال وقدر‪ ،‬لكلن المعتبر هو السبب القريب الموجب لكل منهما‪.‬‬
‫النشأة الخرى تقع على أمور ثلثة ‪ :‬الول ‪ :‬إعادة الرواح إلى الجساد للحساب والجزاء المرتب على أعمال الخير‬
‫والشر بالمصير إلى النار أو جنة الفعال‪ .‬والثاني ‪ :‬هو العودة إلى الفطرة الولى والرجوع إلى مقام القلب‪ .‬والثالث ‪:‬‬
‫هو العود إلى الوجود الموهوب الحقاني بعد الفناء التام‪ .‬والول ل بد لكل أحد منه سواء كانت الجساد نورانية أو‬
‫ظلمانية دون الباقيين‪ : .‬أزفت الزفة‪ ‬إن حملت على القيامة الصغرى فقربها ظاهر‪ ،‬والكاشفة إما المبينة لوقتها أو‬
‫الدافعة وإن حملت على الكبرى فقربها من وجهين ‪ :‬أحدهما القرب المعنوي لنها أقرب شيء إلى كل أحد لكونه في‬
‫عين الوحدة وإن كان هو بعيدا عنها لغفلته وعدم شعوره بها‪ ،‬والثاني ‪ :‬أن وجود محمد وبعثته عليها لسلم مقدمة دور‬
‫الظهور وأحد أشراطه‪ ،‬ولهذا قال ‪ ' :‬بعثت أنا والساعة كهاتين ' وجمع بين السبابة والوسطى‪ ،‬وتظهر بوجود المهدي‬
‫ليس لها من دون ال كاشفة‪ ‬أي ‪ :‬نفس مبينة لمتناع وجود غيره وعلمه عندها ‪ :‬فاسجدوا ل‪ ‬بالفناء ‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪:‬‬
‫‪‬واعبدوا‪ ‬بالبقاء بعده‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة القمر‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬اقتربت الساعة وانشق القمر‪ ‬إنما كان انشقاق القمر آية قرب القيامة الكبرى‪ ،‬لن القمر إشارة إلى القلب لكونه ذا‬
‫وجهين ‪ :‬وجه مظلم يلي النفس‪ ،‬وآخر منور يلي الروح‪ ،‬ولستفادته النور من الروح كاستفادة القمر النور من الشمس‬
‫وانفلقه بتأثير نور الروح فيه وظهور شمسه من مغربها أي ‪ :‬بروزها من حجاب القلب بعد كونها فيه علمة قرب‬
‫الفناء في الوحدة لكونه مقام المشاهدة المؤدية إلى الشهود الذاتي وإن حملت على دور الظهور الذي هو زمان المهدي‬
‫لظهوره في دور القمر وإن حملت على الصغرى‬ ‫‪‬‬ ‫المبعوث في نسمها‪ .‬فانشقاق القمر انفلقه عن ظهور محمد‬
‫فالقمر هو البدن لستفادته نور الشعور والحياة من شمس الروح وظلمته في نفسه ويقويه قوله ‪ : :‬يوم يدع الداع‪ ‬أي‬
‫‪ :‬يظهر مقتضى الموت ويدعو موجبه إلى شيء منكر فظيع تكرهه النفوس‪ : .‬خشعا أبصارهم‪ ‬من الذلة والعجز‬
‫والمسكنة والحرمان ‪ :‬يخرجون‪ ‬من أجداث البدان ‪ :‬كأنهم جراد منتشر‪ ‬شبهها بالجراد لكثرة النفوس المفارقة‬
‫وذلتها وضعفها وحرصها وتهالكها على حضرة الذات الحسية والشهوات الطبيعية وميلها إلى الجهة السفلية كما شبهها‬
‫بالفراش لتهالكها إلى نور الحياة‪ .‬وعلى الول يوم يدعو داعي الروح والقلب النفوس إلى شيء منكر عندها من ترك‬
‫الحظوظ العاجلة واللذات البدنية والحسية الذي هو الموت الرادي بالرياضة ومشايعة السر في التوجه إلى جناب‬
‫الحق ‪ :‬خشعا أبصارهم‪ ،‬ذليلة منكسرة لقهر الداعي لها واستيلئه عليها يخرجون من أجداث البدان بالتجرد‬
‫والنخلع عنها كأنهم جراد لضعفها وطيرانها في شعاع نور شمس الروح‪ .‬مهطعين إلى الداع‪ ‬على كل التأويلين‬
‫لنقيادها طوعا وكرها ‪ :‬يقول الكافرون‪ ‬أي ‪ :‬المحجوبون عن الدين أو الحق ‪ :‬هذا يوم عسر‪ ‬لنزوعهم إلى‬
‫اللذات والشهوات الحسية وشوقهم إليها وضراوتهم بها‪ ،‬فأما غير المحجوب فأيسر شيء عليه الموت الطبيعي‬
‫والرادي جميعا‪ : .‬ففتحنا أبواب‪ ‬سماء العقل بعلم منصب إلى العالم السفلي بقوة‪ ،‬أي ‪ :‬نكسنا عقولهم بالميل إلى‬
‫الدنيا والشتغال بتدابير المور الجزئية وترتيب اللذات الحسية والنهماك في أمر المعاش وصرف عملها فيه ووقوفها‬
‫معها واحتجابها بها عن المور الخروية المؤدي إلى هلكهم‪ ،‬فهو كقوله ‪ : :‬وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا‬
‫عيونا علوما جزئية حسية متعلقة بكسب‬
‫‪‬‬ ‫مترفيها ففسقوا فيها‪] ‬السراء‪ ،‬الية ‪ : .[16‬وفجرنا‪ ‬أرض النفس ‪ :‬‬
‫الحطام وجمعه والتلذذ به والترفه فيه كأن نفوسهم كلها ذلك التدبير لشدة انجذابها إليها وحرصها فيها ‪ :‬فالتقى‪‬‬
‫العلمان في طلب الدنيا وجذبها ‪ :‬على أمر‪ ‬قد قدره ال تعالى وهو ‪ :‬إهلكهم بسبب التورط في الشهوات بالجهل‪.‬‬
‫وحملنا نوحا على شريعة ذات أعمال وعلوم ترتبط بها العمال أو أحكام ومعاقد تستند إليها الحكام ‪ :‬تجري‬
‫بأعيننا‪ ‬أي ‪ :‬تنفذ على حفظ منا في لجة جهلهم الغالب الغامر إياهم‪ ،‬فل يغلبها جهلهم فيبطلها ‪ :‬جزاء‪ ‬لنوح ‪‬‬
‫الذي كان نعمة مكفورة من قومه بأن لم يعرفوه فيطيعوه ويعظموه فينجوا به‪ ،‬بل أنكروه فعصوه فهلكوا بسببه‪: .‬‬
‫أيه بينة لمن يعتبر بها ‪ :‬فهل من‪ ‬متعظ‪ ،‬فإن‬
‫‪‬ولقد تركناها‪ ‬أي ‪ :‬آثار تلك الشريعة والدعوة إلى يومنا هذا ‪  :‬‬
‫طريق الحق واحد والنبياء كلهم متوافقون في أصول الشرائع‪ .‬فكيف كان عذابي‪ ‬لقومه بإهلكهم في ورطة الجهل‬
‫‪ .‬ووجه آخر وهو ‪ :‬تأول فتح السماء بإنزال‬ ‫‪‬‬ ‫وحرمان الحياة الحقيقية واللذة السرمدية وإنذاري على لسان نوح‬
‫الرحمة والوحي على نوح‪ ،‬أي ‪ :‬فتحنا أبواب سماء روح نوح بعلم كلي منصب بقوة شاملة لجميع الجزئيات وفجرنا‬
‫أرض نفسه عيونا‪ ،‬أي ‪ :‬علوما جزئية‪ ،‬كأن نفسه كلها علوم‪ ،‬فالتقى العلمان بانضمامها فصارت قياسات وآراء‬
‫صحيحة بنى عليها شريعته المؤسسة على العمليات والنظريات‪ ،‬فحملناه عليها بالعمل بها والستقامة فيها فنجا فيها‬
‫وبقي قومه في ورطة الجهل‪ ،‬فغرقوا في تيار بحر الهيولى وأموال الجهالت وهلكوا‪ : .‬إنا مرسلو‪ ‬ناقة نفسه‬
‫ابتلء ‪ :‬لهم‪ ‬ليتميز المستعد القابل السعيد‪ ،‬من الجاهل المنكر الشقي ‪ :‬فارتقبهم‪ ‬لتنظر نجاة الول وهلك الثاني ‪:‬‬
‫‪‬واصطبر‪ ‬على دعوتهم و ‪ :‬نبئهم أن‪ ‬ماء العلم ‪ :‬قسمة بينهم‪ ‬لها علم الروح الفائض عليها ولهم علم النفس‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬لها المعقولت ولهم المحسوسات ‪ :‬كل شرب محتضر‪ ‬هي تحضر شربها بالتوجه إلى الروح وقبول العلوم‬
‫الحقيقية والنافعة منها وهم يحضرون شربهم بالوي إلى منبع الخيال والوهم‪ ،‬وتلقي الوهميات والخياليات منه‪: .‬‬
‫‪‬بل الساعة موعدهم‪ ‬أي ‪ :‬القيامة الصغرى ووقوعهم في العذاب البدي بزوال الستعداد وقلب الوجود إلى أسفل‪،‬‬
‫وهي أشد وأمر من عذاب القتل والهزيمة‪ : .‬إن المجرمين‪ ‬الذين أجرموا بكسب الهيئات المظلمة الرديئة‬
‫الجسمانية ‪ :‬في ضلل‪ ‬عن طريق الحق لعمى قلوبهم بظلمة صفات نفوسهم ‪ :‬وسعر‪ ‬أي ‪ :‬جنون ووله لحتجاب‬
‫عقولهم عن نور الحق بشوائب الوهم وحيرتها في الباطل‪ : .‬يوم يسحبون في النار على وجوههم‪ ‬بحشرها في‬
‫صور وجوهها إلى الرض وتسخيرها في قهر الملكوت الرضية فيقهرها في أنواع العذاب ويعذبها بنيران الحرمان‬
‫واحدة أي ‪ :‬تعلق المشيئة الزلية الموجبة لوجود كل شيء‬‫‪‬‬ ‫يقال لهم ‪ : :‬ذوقوا مس سقر‪. ‬وما أمرنا إل‪ ‬كلمة ‪ :‬‬
‫في زمان معين على وجه معلوم ثابت في لوح القدرية المسمى في الشرع ‪ :‬كن‪ ،‬فيجب وجوده في ذلك الزمان على‬
‫ذلك الوجه دفعه ‪ :‬في الزبر‪ ‬أي ‪ :‬ألواح النفوس‪ : .‬إن المتقين‪ ‬على الطلق ‪ :‬في جنات‪ ‬من مراتب الجنان‬
‫الثلث عالية رفيعة ‪ :‬ونهر‪ ‬علوم مرتبة بحسب مراتب الجنان المذكورة ‪ :‬في مقعد صدق‪ ‬أي ‪ :‬خير وأي خير‬
‫هو مقام الوحدة ‪ :‬عند مليك‪ ‬في حضرة السماء حال البقاء بعد الفناء ومقام الفرق بين الذات والصفات كائنين‬
‫بالذات ‪ :‬في مقعد صدق‪ ‬وبالصفات ‪ :‬عند مليك‪ ‬مدبر مملكة الوجود على حسب الحكمة ومقتضى العناية على‬
‫أحسن وجه وأتم نظام ‪ :‬مقتدر‪ ‬يقدر على تصريف جميع ما في ملكه على حكم مشيئته وتسخيره على مقتضى‬
‫إرادته ل يمتنع عليه شيء‪.‬‬

‫سورة الرحمن‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫‪‬الرحمن‪ ‬اسم خاص في أسماء ال تعالى باعتبار إفاضة أصول النعم كلها من العيان وكمالتها الولية بحسب‬
‫البداية‪ ،‬وإنما أورد ها هنا لعموم وصفيته الشاملة للوصاف التي تحت معناه في المبدئية ليسند إليه الصول المختلفة‬
‫الواردة بعده‪ : .‬علم القرآن‪ ‬أي ‪ :‬الستعداد الكامل النساني المسمى بالعقل القرآني الجامع للشياء كلها‪ ،‬حقائقها‬
‫وأوصافها وأحكامها إلى غير ذلك مما يمكن وجوده ويمتنع بإبداعه في الفطرة النسانية وركزه فيها ولن ظهوره‬
‫وبروزه إلى الفعل بتفصيل ما جمع فيه‪ .‬وصيرورته فرقانا إنما تكون بحسب النهاية ما ذكر الفرقان كما ذكره في‬
‫قوله ‪ : :‬تبارك الذي نزل الفرقان‪] ‬الفرقان‪ ،‬الية ‪ [1 :‬لنه من باب الرحمة الرحيمية ل الرحمانية‪ : .‬خلق‬
‫النسان‪ ‬أي ‪ :‬لما أبدع فطرته وأودع العقل القرآني فيها أبرزه في هذه النشأة بخلقه في هذه الصورة العجيبة ‪ :‬علمه‬
‫البيان‪ ‬أي ‪ :‬النطق المميز إياه عن جميع ما سواه من المخلوقات ليخبر به عما في باطنه من العقل القرآني‪ : .‬الشمس‬
‫والقمر‪ ‬أي ‪ :‬الروح والقلب يجريان فيه ويسيران بحساب‪ ،‬أي ‪ :‬قدر معلوم من منازلهما ومراتبهما مضبوط ل يجاوز‬
‫أحدهما قدره ومرتبته التي عينت له‪ ،‬فلكل منهما كمالت ومراتب محدودة القدر معلومة الغاية تنتهي إليها ‪ :‬والنجم‪‬‬
‫أي ‪ :‬النفس الحيوانية النورانية بالشعور الحسي في ليل الجسم ‪ :‬والشجر‪ ‬أي ‪ :‬النفس النباتية المنمية له‪: .‬‬
‫‪‬يسجدان‪ ‬بتوجههما إلى أرض الجسد ووضع جبهتهما عليها بالميل والقبال الكلي نحوها لتربيتها وإنمائها‬
‫ووضع أي ‪ :‬خفض‬‫‪‬‬ ‫وتكميلها‪ : .‬والسماء‪ ‬أي ‪ :‬سماء العقل ‪ :‬رفعها‪ ‬إلى محل شمس الروح وثمر القلب ‪ :‬‬
‫ميزان العدل إلى أرض النفس والبدن‪ .‬فإن العدالة هيئة نفسانية لولها لما حصلت الفضيلة النسانية ومنه العتدال في‬
‫البدن الذي لو لم يكن لما وجد ولم يبق ولما استقام أمر الدين والدنيا بالعدل‪ ،‬واستتب كمال النفس والبدن به بحيث لوله‬
‫لفسدا‪ .‬أمر بمراعاته ومحافظته قبل تعديد الصول بتمامها لشدة العناية به وفرط الهتمام بأمره‪ ،‬فوسط بينه وبين قوله‬
‫‪ : :‬والرض وضعها للنام‪] ‬الرحمن‪ ،‬الية ‪ .[10 :‬قوله ‪ : :‬أل تطغوا في الميزان‪ ‬بالفراط عن حد الفضيلة‬
‫والعتدال‪ ،‬فيلزم الجور الموجب للفساد ‪ :‬وأقيموا الوزن بالقسط‪ ‬بالستقامة في الطريقة‪ ،‬وملزمة حد الفضيلة‬
‫ونقطة العتدال في جميع المور وكل القوى ‪ :‬ول تخسروا الميزان‪ ‬بالتفريط عن حد الفضيلة‪ .‬قال بعض الحكماء ‪:‬‬
‫العدل ميزان ال تعالى‪ ،‬وضعه للخلق ونصبه للحق‪ .‬والرض‪ ‬أي ‪ :‬أرض البدن ‪ :‬وضعها‪ ‬لهذه المخلوقات‬
‫المذكورة ‪ :‬فيها فاكهة‪ ‬أي ‪ :‬ما تفيد اللذات الحسية من إدراكات الحواس والمحسوسات ‪ :‬والنخل‪ ‬أي ‪ :‬القوى‬
‫المثمرة للذات الخيالية والوهمية الباسقة من أرض الجسد في هوى النفس ‪ :‬ذات الكمام‪ ‬أي ‪ :‬غلف اللواحق‬
‫والحب أي ‪ :‬القوة الغاذية التي منها لذة الذوق والكل والشرب ‪ :‬ذو العصف‪ ‬أي ‪ :‬الشعب والوراق‬ ‫‪‬‬ ‫المادية ‪ :‬‬
‫الكثيرة المنبسطة على أرض البدن من الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والمغيرة والمصورة الملزمة للبدن‪،‬‬
‫المقتضية لخواصها وأفعالها وما تعدها وتهيئها وتصلحها لحفظ القوة والنماء مما يصير بدل ما يتحلل ويزيد في‬
‫القطار ‪ :‬والريحان‪ ‬أي ‪ :‬المولدة‪ ،‬الموجبة لذة الوقاع التي هي أطيب اللذات الجسمانية وأسلف البذر بتوليد مادة‬
‫النوع‪ : .‬فبأي آلء ربكما تكذبان‪ ‬من هذه النعم المعدودة أيها الظاهريون والباطنيون من الثقلين أبالنعم الظاهرة أم‬
‫الباطنة‪ : .‬خلق النسان‪ ‬أي ‪ :‬ظاهره وجسده الذي يؤنس‪ ،‬أي ‪ :‬يبصر ‪ :‬من صلصال‪ ‬من أكثف جواهر العناصر‬
‫المختلطة الذي تغلب عليه الرضية واليبس ‪ :‬كالفخار‪ ‬الصلب الذي يناسب جوهر العظم الذي هو أساس البدن‬
‫ودعامته ‪ :‬وخلق الجان‪ ‬أي ‪ :‬باطنه وروحه الحيواني الذي هو مستور عن الحس وهو أبو الجن‪ ،‬أي ‪ :‬أصل القوى‬
‫الحيوانية التي أقواها وأشرفها الوهم أي ‪ :‬الشيطان المسمى إبليس الذي هو من ذريته ‪ :‬من مارج‪ ‬من لهب لطيف‬
‫صاف ‪ :‬من نار‪ ‬أي ‪ :‬من ألطف جواهر العناصر المختلفة الذي يغلب عليه الجوهر الناري والحر‪ ،‬والمارج هو‬
‫اللهب الذي فيه اضطراب‪ ،‬وهذه الروح دائمة الضطراب والتحرك‪ : .‬رب المشرقين ورب المغربين‪ ‬أي ‪ :‬مشرقي‬
‫الظاهر والباطن ومغربيهما بإشراق نور الوجود المطلق على ماهيات الجساد الظاهرة وغروبه فيها باحتجابه‬
‫بماهياتها وتعينها به فله في ربوبيته لكل موجود شروق بإيجاده بنور الوجود وظهوره به وغروب باختفائه فيه وتستره‬
‫به يربه بهما‪ .‬مرج البحرين‪ ‬بحر الهيولى الجسمانية الذي هو الملح الجاج وبحر الروح المجرد الذي هو العذاب‬
‫الفرات ‪ :‬يلتقيان‪ ‬في الوجود النساني ‪ :‬بينهما برزخ‪ ‬هو النفس الحيوانية التي ليست في صفاء الرواح المجردة‬
‫ولطافتها ول في كدورة الجساد الهيولنية وكثافتها ‪ :‬ل يبغيان‪ ‬ل يتجاوز حدهما حده فيغلب على الخر بخاصيته‬
‫فل الروح يجرد البدن ويمزج به ويجعله من جنسه ول البدن يجمد الروح ويجعله ماديا‪ ،‬سبحان خالق الخلق القادر‬
‫على ما يشاء‪ : .‬يخرج منهما‪ ‬بتركيبهما والتقائهما لؤلؤ العلوم الكلية ومرجان العلوم الجزئية‪ ،‬أي ‪ :‬لؤلؤ الحقائق‬
‫والمعارف ومرجان العلوم النافعة كالخلق والشرائع‪ : .‬وله الجوار‪ ‬أي ‪ :‬أوضاع الشريعة ومقامات الطريقة التي‬
‫يركبها السالكون‪ ،‬السائرون إلى ال في لجة هذا البحر المريح‪ ،‬فينجون ويعبرون إلى المقصد‪ .‬وتشبيهها بالعلم‬
‫إشارة إلى شهرتها وكونها معروفة كما تسمى شعائر ال ومعالم الدين‪ : .‬المنشآت‪ ‬أي ‪ :‬المرفوعات الشرع وشرعها‬
‫الشواق والدارات التي تجري عند ارتفاعها وتعلقها بالعالم العلوي بقوة رياح النفحات اللهية سفينة الشريعة‬
‫والطريقة براكبها إلى مقصد الكمال الحقيقي الذي هو الفناء في ال‪ ،‬ولهذا قال عقيبه ‪ : :‬كل من عليها فان‪ ‬أي ‪ :‬كل‬
‫من على الجواري السائرة واصل إلى الحق بالفناء فيه‪ ،‬أو كل من على أرض الجسد من العيان المفصلة كالروح‬
‫والعقل والقلب والنفس ومنازلها ومقاماتها ومراتبها‪ ،‬فان عند الوصول إلى المقصود ‪ :‬ويبقى وجه ربك‪ ‬الباقي بعد‬
‫فناء الخلق‪ ،‬أي ‪ :‬ذاته مع جميع صفاته ‪ :‬ذو الجلل‪ ‬أي ‪ :‬العظمة والعلو بالحتجاب بالحجب النورانية والظلمانية‬
‫والظهور بصفة القهر والسلطنة ‪ :‬والكرام‪ ‬بالقرب والدنو في صور تجليات الصفات وعند ظهور الذات بصفة‬
‫اللطف والرحمة‪ : .‬يسأله من في السماوات‪ ‬من أهل الملكوت والجبروت ‪ :‬ومن في الرض‪ ‬من الجن والنس‪،‬‬
‫والمراد ‪ :‬يسأله كل شيء فغلب العقلء وأتى بلفظ من أي كل شيء يسأله بلسان الستعداد والفتقار دائما‪ : .‬كل يوم‬
‫هو في شأن‪ ‬بإفاضة ما يناسب كل استعداد ويستحقه فله كل وقت في كل خلق شأن بإفاضة ما يستحقه ويستأهله‬
‫باستعداده‪ ،‬فمن استعد بالتصفية والتزكية للكمالت الخيرية والنوار يفيضها عليه مع حصول الستعداد‪ ،‬ومن استعد‬
‫بتكدير جوهر نفسه بالهيئات المظلمة والرذائل ولوث العقائد الفاسدة والخبائث للشرور والمكاره وأنواع اللم‬
‫والمصائب والعذاب والوبال يفيضها عليه مع حصول الستعداد‪ .‬وهذا معنى قوله ‪ : :‬سنفرغ لكم أيه الثقلن‪ ‬لنه‬
‫تهديد وزجر عن المور التي بها يستحق العقاب‪ ،‬وسميا ثقلين لكونهما سفليين مائلين إلى أرض الجسم‪ .‬يا معشر‬
‫الجن والنس‪ ‬أي ‪ :‬الباطنيين والظاهرين ‪ :‬إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والرض‪ ‬بالتجرد عن‬
‫الهيئات الجسمانية والتعلقات البدنية ‪ :‬فانفذوا‪ ‬لتنخرطوا في سلك النفوس الملكية والرواح الجبروتية‪ ،‬وتصلوا إلى‬
‫الحضرة اللهية ‪ :‬ل تنفذون إل بسلطان‪ ‬بحجة بينة هي التوحيد والتجريد والتفريد بالعلم والعمل والفناء في ال‪: .‬‬
‫‪‬يرسل عليكما شواظ من نار‪ ‬أي ‪ :‬يمنعكما عن النفوذ من أقطارهما والترقي في أطوارهما لهب صاف عن ممازجة‬
‫الدخان‪ ،‬أي ‪ :‬سلطان الوهم وأحكامه ومدركاته بإرساله الوهميات إلى حيز العقل والقلب وممانعته إياهما عن الترقي‬
‫دائما ‪ :‬ونحاس‪ ‬دخان‪ ،‬أي ‪ :‬هيئة ظلمانية ترسلها النفس الحيوانية بالميل إلى الهوى والشهوات‪ ،‬فالشواظ مانع من‬
‫جهة العلم والنحاس من جهة العمل ‪ :‬فل تنتصران‪ ‬فل تمتنعان عنهما وتغلبان عليهما فتنفذان إل بتوفيق ال‬
‫وسلطان التوحيد‪ : .‬فإذا انشقت السماء‪ ‬أي ‪ :‬السماء الدنيا وهي النفس الحيوانية‪ ،‬وانشقاقها انفلقها عن الروح عند‬
‫زهوقه إذ الروح النساني نسبته إلى النفس الحيوانية كنسبته إلى البدن‪ .‬فكما أن حياة البدن بالنفس فحياتها بالروح‬
‫فتنشق عنه عند زهوقه بمفارقة البدن ‪ :‬فكانت وردة‪ ‬أي ‪ :‬حمراء لن لونها متوسط بين لون الروح المجرد وبين‬
‫لون البدن‪ ،‬ولون الروح أبيض لنوريته وإدراكه اللذات ولون البدن أسود لظلمته وعدم شعوره باللذات‪ ،‬والمتوسط بين‬
‫البيض والسود هو الحمر‪ ،‬وإنما وصفها في سورة )البقرة‪ ‬بالصفرة وها هنا بالحمرة لن هناك وقت الحياة‬
‫والصفاء وغلبة النورية عليها وطراوة الستعداد وها هنا وقت الممات والتكدر وغلبة الظلمة عليها وزوال الستعداد ‪:‬‬
‫‪‬كالدهان‪ ‬كدهن الزيت في لونه ولطافته وذوبانه لصيرورتها إلى الفناء والزوال‪ : .‬فيومئذ ل يسئل عن ذنبه إنس‪‬‬
‫من الظاهريين ‪ :‬ول جان‪ ‬من الباطنيين لنجذاب كل إلى مقره ومركزه وموطنه الذي يقتضيه حاله وما هو الغالب‬
‫عليه باستعداده الصلي أو العارضي الراسخ الغالب‪ .‬وأما الوقف والسؤال المشار إليه في قوله ‪ : :‬وقفوهم إنهم‬
‫مسئولون ]الصافات‪ ،‬الية ‪ [24 :‬ونظائره‪ ،‬ففي مواطن أخر من اليوم الطويل الذي كان مقداره خمسين ألف سنة وهو‬ ‫‪‬‬
‫في حال عدم غلبة إحدى الجهتين واستيلء أحد المرين‪ .‬ففي زمان غلبة النور الصلي وبقاء الستعداد الفطري أو‬
‫حصول الكمال والترقي في الصفات‪ ،‬وفي وقت استيلء الهيئات الظلمانية وترسخ الغواشي الجسمانية وزوال‬
‫الستعداد الصلي بحصول الرين ل يسئلون‪ ،‬وفي وقت عدم رسوخ تلك الهيئات إلى حد الرين وبقائها في القلب‬
‫مانعة‪ ،‬حاجزة اياها عن الرجوع إلى مقرها‪ ،‬يوقفون ويسئلون حتى يعذبوا بحسب سيئاتهم على قدر رسوخها‪ ،‬وقد‬
‫يكون هذا الموطن قبل الموطن الول في ذلك اليوم على المر الكثر كما ذكر وقد يكون بعده‪ ،‬وذلك عند حبط‬
‫العمال وغلبة المر العارضي واستيلئه على الذاتي إلى حد إبطال الستعداد بالكلية فيدافعه الستعداد الصلي قليل‬
‫قليل ويتجلى بصور التعذبات والبليات شيئا فشيئا‪ ،‬حتى يتساوى المران كتبرد الماء المسخن حين بلوغه إلى كونه‬
‫فاترا‪ ،‬فهذا الشخس مطرود في أول المر عند قرب الستعداد إلى الزوال ثم قد يوقف ويسئل عند قرب رجوع‬
‫الستعداد إلى الحالة الولى وإمكان اتصاله بالملكوت‪ .‬وأما الشقياء المردودون‪ ،‬المخلدون في العذاب‪ ،‬والسعداء‬
‫المقربون الذين يدخلون الجنة بغير حساب‪ ،‬فل يسئلون قط ول يوقفون للسؤال‪ .‬فقوله ‪ : :‬وقفوهم إنهم مسئولون‪‬‬
‫]الصافات‪ ،‬الية ‪ [24 :‬ونظائره مخصوص ببعض المعذبين‪ ،‬وهم الشقياء الذين عاقبتهم النجاة من العذاب‪ .‬يعرف‬
‫المجرمون‪ ‬الذين غلبت عليهم الهيئات الجرمانية باكتساب الرذائل ورسوخها ‪ :‬بسيماهم‪ ‬أي ‪ :‬بعلمات تلك الهيئات‬
‫الظاهرة الغالبة عليهم ‪ :‬فيؤخذ بالنواصي‪ ‬فيعذبون من فوق ويحجبون ويحسبون مقيدين أسراء من جهة رذيلة‬
‫الجهل المركب ورسوخ العتقادات الفاسدة ‪ :‬والقدام‪ ‬أي ‪ :‬يعذبون من أسفل‪ ،‬ويجرون ويسحبون على وجوههم‪،‬‬
‫ويردون إلى قعر جهنم كما قيل ‪ :‬يهوي أحدهم فيها سبعين خريفا لرسوخ الهيئات البدنية والرذائل العملية من إفراط‬
‫الحرص والشره والبخل والطمع وارتكاب الفواحش والثام من قبيل الشهوة والغضب‪ : .‬هذه جهنم‪ ‬قعر بئر أسفل‬
‫سافلين من الطبيعة الجسمانية ‪ :‬يطوفون بينها وبين حميم‪ ‬قد انتهى حره وإحراقه من الجهل المركب ولهذا قيل ‪:‬‬
‫يصب من فوق رؤوسهم الحميم‪ ،‬لن العذاب المستحق من جهة العمل هو نار جهنم من تحت والمستحق من جهة العلم‬
‫هو الحميم من فوق‪ : .‬ولمن خاف مقام ربه‪ ‬أي ‪ :‬خاف قيامه على نفسه بكونه رقيبا‪ ،‬حافظا‪ ،‬مهيمنا عليه كما‬
‫قال ‪ : :‬أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت‪] ‬الرعد‪ ،‬الية ‪ [33 :‬أو خاف ربه كما يقال ‪ :‬خدمت حضرة فلن أي‬
‫‪ :‬نفسه ‪ :‬جنتان‪ ‬إحداهما جنة النفس‪ ،‬والثانية جنة القلب لن الخوف من صفات النفس ومنازلها عند تنورها بنور‬
‫القلب ‪ :‬ذواتا أفنان‪ ‬لتفنن شعبهما من القوى والصفات المورقة للعمال والخلق المثمرة للعلوم والحوال‪ ،‬فإن‬
‫الفنان هي المغصنات التي تشعبت عن فروع الشجر عليها الوراق والثمار‪ .‬فيهما عينان‪ ‬من الدراكات الجزئية‬
‫والكلية ‪ :‬تجريان‪ ‬إليهما من جنة الروح تنبتان فيهما ثمرات المدركات وتجليات الصفات‪ : .‬فيهما من كل فاكهة‪‬‬
‫من مدركاتها اللذيذة ‪ :‬زوجان‪ ‬أي ‪ :‬صنفان‪ ،‬صنف جزئي معروف مألوف وصنف كل غريب كل ما يدركه القلب‬
‫من المعاني الكلية فله صورة جزئية في النفس وبالعكس ‪ :‬متكئين على فرش‪ ‬هي مراتب كمالتها ومقاماتها ‪:‬‬
‫‪‬بطائنها من إستبرق‪ ‬أي ‪ :‬جهتها التي تلي السفل‪ ،‬أعني ‪ :‬النفس من هيئات العمال الصالحة من فضائل الخلق‬
‫ومكارم الصفات ومحاسن الملكات‪ ،‬وظهائرها التي تلي الروح من سندس تجليات النوار ولطائف المواهب والحوال‬
‫الحاصلة من مكاشفات العلوم والمعارف كما هو في سورة ‪ :‬الدخان‪. : ‬وجنى الجنتين‪ ‬ثمراتها ومدركاتها ‪:‬‬
‫‪‬دان‪ ‬قريب‪ ،‬كلما شاؤوا حيث كانوا على أي وضع كانوا قياما أو قعودا أو على جنوبهم أدركوها واجتنوها ونبت في‬
‫الحال مكانها أخرى من جنسها كما ذكر في وصفها ‪ :‬فيهن قاصرات الطرف‪ ‬مما يتصلون بها من النفوس الملكوتية‬
‫التي في مراتبها وما تحتها سماوية كانت أو أرضية‪ ،‬مزكاة صافية مطهرة ل يجاوز نظرها مراتبهم ول تطلب كمال‬
‫وراء كمالتهم لكون استعداداتها مساوية لستعداداهم أو أنقص منها‪ ،‬وإل جاوزت جناتهم وارتفعت عن درجاتهم‪ ،‬فلم‬
‫تكن قاصرات الطرف ولم تقنع بوصالهم ولذات معاشراتهم ومباشراتهم ‪ :‬لم يطمثهن إنس قبلهم‪ ‬من النفوس البشرية‬
‫لختصاصها بهم في النشأة ولتقدس ذواتها وامتناع اتصال النفوس المنغمسة في البدان بها ‪ :‬ول جان‪ ‬من القوى‬
‫الوهمية والنفوس الرضية المحجوبة بالهيئات السفلية‪ : .‬كأنهن الياقوت والمرجان‪ ‬شبهت اللواتي في جنة النفس‬
‫من الحور بالياقوت لكون الياقوت مع حسنه وصفائه ورونقه وبهائه ذا لون أحمر يناسب لون النفس‪ ،‬واللواتي في جنة‬
‫القلب بالمرجان لغاية بياضه ونوريته‪ ،‬وقيل ‪ :‬صغار الدر أصفى وأبيض من كبارها‪ .‬هل جزاء الحسان‪ ‬في العمل‬
‫وهو العبادة مع الحضور ‪ :‬إل الحسان‪ ‬في الثواب بحصول الكمال والوصول إلى الجنتين المذكورتين‪ : .‬ومن‬
‫دونهما‪ ‬أي ‪ :‬من ورائهما من مكان قريب منهما كما تقول ‪ :‬دونك السد‪ ،‬ل من دونهما بالنسبة إلى أصحابهما فيكون‬
‫بمعنى قدامهما بل بمعنى بعدهما أو من غيرهما‪ ،‬كقوله ‪ : :‬إنكم وما تعبدون من دون ال‪] ‬النبياء‪ ،‬الية ‪: .[98 :‬‬
‫‪‬جنتان‪ ‬للمقربين السابقين‪ ،‬جنة الروح وجنة الذات في عين الجمع عند الشهود الذاتي بعد المشاهدة في مقام الروح ‪:‬‬
‫‪‬مدهامتان‪ ‬أي ‪ :‬في غاية البهجة والحسن والنضارة‪ : .‬فيهما عينان نضاختان‪ ‬أي ‪ :‬علم توحيد الذات وتوحيد‬
‫الصفات أعني علم الفناء وعلم المشاهدة فإنهما ينبعان فيهما‪ ،‬بل العلمان المذكوران الجاريان في الجنتين المذكورتين‬
‫منبعهما من هاتين الجنتين ينبعان منهما ويجريان إلى تينك‪ .‬فيهما فاكهة‪ ‬وأي فاكهة ؟ ! فاكهة ل يعلم كنهها ول‬
‫يعرف قدرها من أنواع المشاهدات والنوار والتجليات والسبحات ‪ :‬ونخل‪ ‬أي ‪ :‬ما فيه طعام وتفكه‪ ،‬وهو مشاهدة‬
‫النوار وتجليات الجمال والجلل في مقام الروح وجنته مع بقاء نوى النية المتقوتة منها المتلذذة بها ‪ :‬ورمان‪ ‬أي‬
‫ما فيه تفكه ودواء في مقام الجمع وجنة الذات أي ‪ :‬الشهود الذاتي بالفناء المحض الذي ل أنية فيه فتطعم بل اللذة‬
‫الصرفة ودواء مرض ظهور البقية بالتلوين‪ ،‬فإن في الرمان صورة الجمع مكنونة في قشر الصورة النسانية‪: .‬‬
‫‪‬فيهن خيرات حسان‪ ‬أي ‪ :‬أنوار محضة وسبحات صرفة ل شائبة للشر والمكان‪ ،‬فيها حسان من تجليات الجمال‬
‫والجلل ومحاسن الصفات‪ : .‬حور مقصورات في الخيام‪ ‬أي ‪ :‬مخدرات في حضرات السماء بل حضرة الوحدة‬
‫والحدية ل تبرز منها بالنكشاف لمن دونها وليس وراءها حد ومرتبة ترتقي إليها وتنظر إلى ما فوقها فهي مقصورة‬
‫فيها‪ .‬متكئين على رفرف خضر‪ ‬الرفرف نوع من الثياب عريض‪ ،‬لطيف في غاية اللطافة‪ ،‬والمراد ‪ :‬نور الذات‬
‫الذي هو في غاية البهجة واللطافة أو نور الصفات حال البقاء بعد الفناء والستناد إلى صمدية الوجود المطلق والتحقق‬
‫به ‪ :‬وعبقري حسان‪ ‬العبقري في اللغة ‪ :‬ثوب غريب منسوب إلى عبقر تزعم العرب أنه بلد الجن‪ ،‬أي ‪ :‬الوجود‬
‫الموهوب الحقاني الغريب الموصوف بصفاته المتجلية في غاية الحسن الذي هو منسوب إلى عالم الغيب بل غيب‬
‫الذي ل يعلم أحد أين هو‪ : .‬تبارك‪ ‬أي ‪ :‬تعالى وتعاظم ‪ :‬اسم ربك‪ ‬أي ‪ :‬السم العظم الذي به تزيد وترتقي‬
‫مرتبة السالكين من البداية إلى النهاية حتى الوصول إليه والفوز به ‪ :‬ذو الجلل والكرام‪ ‬أي ‪ :‬الجلل في صورة‬
‫الجمال والجمال في صورة الجلل اللذان ل يحجب أحدهما عن الخر عند البقاء بعد الفناء للمحبوبين المحبين‬
‫السابقين إلى غاية الدرجات بخلف الجلل والكرام المذكورين قبل‪ ،‬فإنهما هناك يحجب أحدهما عن الخر لعدم‬
‫تحقق الفاني بالوجود الحقاني والرجوع إلى تفاصيل الصفات وشهودها في عين الجمع‪.‬‬

‫سورة الواقعة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الواقعة من ]آية ‪ [14 - 1‬إذا وقعت الواقعة‪ ‬أي القيامة الصغرى ‪‬ليس لوقعتها‪ ‬نفس تكذب على‬
‫ال أن البعث وأحوال الخرة ل تكون‪ ،‬لن كههل نفههس تشههاهد أحوالههها مههن السههعادة والشههقاوة ‪‬خافضههة رافعههة‪ ‬تخفههض‬
‫الشقياء إلى الدركات وترفع السعداء إلى الدرجات‪ .‬إذا رجت‪ ‬أي حركههت وزلزلههت أرض البههدن بمفارقههة الههروح‬
‫تحريكا يخرج به جميع ما فيها وينهدم معه جميع أعضائه ‪‬وبست‪ ‬أي فتتت جبال العظام بصيرورتها رميما ورفاتهها أو‬
‫سيقت وأذهبت حتى صارت ‪‬هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلثة‪ ‬السعداء الذين هم البرار والصلحاء من الناس‪ ،‬والشههقياء‬
‫الذين هم الشرار والمفسدون من الناس‪ .‬وإنما سمى الولون أصحاب الميمنههة لكههونهم أهههل اليمههن والبركههة أو لكههونهم‬
‫متوجهين إلى أفضل الجهتين وأقواهما التي هي الجهة العليا وعالم القدس‪ ،‬وسمى الخرون أصههحاب المشههأمة لكههونهم‬
‫أهههل الشههؤم والنحوسههة أو لكههونهم متههوجهين إلههى أرذل الجهههتين وأضههعفهما الههتي هههي الجهههة السههفلى وعههالم الحههس‪.‬‬
‫‪‬والسابقون‪ ‬الموحدون الذين سبقوا الفريقين وجاوزوا العالمين بالفناء في ال ه ‪‬السههابقون‪ ‬أي الههذين ل يمكههن مههدحهم‬
‫والزيادة على أوصافهم ‪‬أولئك المقربون‪ ‬حال التحقق بالوجود الحقاني بعد الفناء ‪‬فههي جنهات النعيههم‪ ‬مهن جميههع مراتههب‬
‫ثله أي جماعة كثيرة مهن ‪‬الوليهن‪ ‬أي المحبهوبين الهذين ههم أههل الصهف الول مهن صهفوف الرواح‪ ،‬أههل‬ ‫الجنان ‪ ‬‬
‫العناية الولى في الزل ‪‬وقليل من الخرين‪ ‬أي المحههبين الههذين تتههأخر مرتبتهههم عههن مرتبههة المحبههوبين أهههل الصههف‬
‫الثاني‪ ،‬ووصفوا بالقليل لن المحب قلما يدركه شأو المحبوب ويبلغ غايته في الكمههال بههل أكههثرهم فههي جنههات الصههفات‬
‫'‬ ‫واقفين في درجات السعداء‪ ،‬والمحبوبون كلهم في جنة الذات بههالغين أقصههى الغايههات‪ ،‬ولهههذا قههال رسههول اله ‪‬‬
‫الثنتان جميعا من أمتي '‪ ،‬أي ليس الولون من أمم المتقدمين والخرون من أمته ‪ ،‬بههل العكههس أولههى أو ثلههة مههن‬
‫أوائل هذه المة الذين شاهدوا النبي ‪ ‬وأدركوا طراوة الوحي في زمانه أو قاربوا زمانه وشاهدوا مههن صههحبه مههن‬
‫التابعين‪ ،‬والخرون هم الذين طال عليهم المد فقست قلوبهم في آخر دور الدعوة وقرب زمههان خههروج المهههدي ‪‬‬
‫ل الذين هم في زمانه‪ ،‬فإن السابقين في زمانه أكثر لكونهم أصحاب القيامة الكبرى وأهل الكشف والظهور‪. .‬‬
‫تفسير سورة الواقعهة مهن ]آيهة ‪ [24 - 15‬علهى سهرر موضهونة‪ ‬أي متواصهلة متراصهفة مهن الوجهودات‬
‫' على منابر من نور ' أو علههى مراتههب الصههفات ‪‬متكئيههن‬ ‫‪‬‬ ‫الموهوبة الحقانية المخصوصة بكل أحد منهم‪ ،‬كقوله‬
‫عليها‪ ‬متظاهرين فيها لكونها من مقاماتهم ‪‬متقابلين‪ ‬متساوين في الرتب ل حجاب بينهم أصل في عين الوحههدة لتحققهههم‬
‫بالذات وتخيرهم في الظهور بأي صفة من الصفات شاؤوا بجمعهم المحبة الذاتية ل يحتجبون بالصفات عن الههذات ول‬
‫بالذات عن الصفات‪ .‬يطوف عليههم ولهدان مخلهدون‪ ‬تخهدمهم قهواهم الروحانيهة الدائمهة بدولهة ذواتههم أو الحهداث‬
‫المستعدون من أهل الرادة المتصلون بهم بفرط الرادة‪ ،‬كما قال ‪‬بإيمان ألحقنهها بهههم ذريتهههم‪] ‬الطههور‪ ،‬اليههة ‪ [21‬أو‬
‫الملكوت السماوية‪ .‬بأكواب وأباريق‪ ‬من خمور الدارة والمعرفة والمحبة والعشق والذوق ومياه الحكم والعلههوم ‪‬ل‬
‫يصدعون عنها‪ ‬أي كلها لذة ل ألم معها ول خمار لكونهم واصلين واجدين لذة برد اليقين‪ ،‬شاربين الشراب الكههافوري‪.‬‬
‫فإن محبة الوصول خالصة عن ألم الشوق وخوف الفقدان ‪‬ول ينزفون‪ ‬ل يذهب تمييزهم وعقلهم بالسههكر ول يطفحههون‬
‫لكونهم أهل الصحو غير محجوبين بالذات عن الصفات فيلحقهم السههكر ويغلههب عليهههم الحههال ‪‬وفاكهههة‪ ‬مههن مواجيههدهم‬
‫وكشفياتهم الذوقية ‪‬مما يتخيرون‪ ‬يأخذون خيره لنهم واجدون جميعههها فيختههارون أصههفاها وأبهاههها وأشههرفها وأسههناها‬
‫‪‬ولحم طير مما يشتهون‪ ‬من لطائف الحكم ودقائق المعاني المقوية لهههم ‪‬وحههور عيههن‪ ‬مههن تجليههات الصههفات ومجههردات‬
‫الجبروت وما في مراتبهم من الرواح المجردة ‪‬كأمثال اللؤلؤ‪ ‬الرطب في صفائها ونوريتها ‪‬المكنون‪ ‬في الصداف أو‬
‫المخزون لكونها في بطنان الغيب وخزائنه مستورة عن الغيار من أهل الظههاهر ‪‬جههزاء بمهها كههانوا يعملههون‪ ‬فههي حههال‬
‫الستقامة من العمال اللهية المقصودة لذاتها المقارنة لجزائههها‪ ،‬أو بمهها كههانوا يعملههون فههي حههال السههلوك مههن أعمههال‬
‫التزكية والتصفية‪.‬‬
‫تفسير سورة الواقعة من ]آية ‪ [40 - 25‬ل يسمعون فيها لغوا‪ ‬هذيانا وكلما غير مفيد لمعنههى لكههونهم أهههل‬
‫التحقيق متأدبين بين يهدي اله بهآداب الروحههانيين ‪‬ول تأثيمها‪ ‬مههن الفهواحش الههتي يههؤثم بههها صههاحبها كالغيبهة والكههذب‬
‫وأمثالهما ‪‬إل قيل سلما سلما‪ ‬أي قول هو سلم في نفسه منزه عن النقائص مبرأ عن الفضول والزوائد‪ ،‬وقههول يفيههد‬
‫سلمة السامع من العيوب والنقائص ويوجب سروره وكرامته ويبين كماله وبهجته لكون كلمهم كله معههارف وحقههائق‬
‫وتحابا ولطائف على اختلف وجهي العراب‪ .‬وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين‪ ‬أي هم شرفاء عظمههاء كرمههاء‬
‫يتعجب من أوصافهم في السعادة ‪‬في سدر مخضود‪ ‬أي في جنة النفس المخضهودة عهن شهوك تضهاد القهوى والطبهائع‬
‫وتنههازع الهههواء والههدواعي لتجردههها عههن هيئات صههفاتها بنههور الههروح والقلههب أو مههوقرة بثمههار الحسههنات والهيئات‬
‫الصالحات على اختلف التفسيرين ‪‬وطلح منضود‪ ‬أي في جنة القلب لن الطلههح شههجرة المههوز وثمرتههها حلههوة دسههمة‬
‫لذيذة ل نوى لها كمدركات القلب ومعانيه المجردة عن المواد والهيئات الجرمية بخلف السدر الههتي هههي شههجرة النبههق‬
‫الكثيرة النوى كمدركات النفس الجزئية المقرونة باللواحق المادية والهيئات الجرمية منضود نضد ثمره من أسههفله إلههى‬
‫أعله ل ساق بارزة لها لكثرة تكون مدركاته غير متناهية الكثرة ‪‬وظل ممدود‪ ‬من نور الروح المروح ‪‬وماء مسههكوب‬
‫أي علم يرشح عليهم ويسكب من عالم الروح‪ ،‬وإنمهها سههكب سههكبا ولههم يجههر جريانهها لقلههة علههوم السههعداء بالنسههبة إلههى‬
‫أعمههالهم‪ ،‬إذ ثقهل علههومهم الروحانيههة مههن المواجيههد والمعههارف والتوحيههديات والههذوقيات وإن كههثرت علههومهم النافعههة‬
‫‪‬وفاكهة كثيرة‪ ‬من المدركات الجزئية والكلية اللذيذة كالمحسوسات والمخيلت والموهومات والمعههاني الكليهة القلبيههة ‪‬ل‬
‫مقطوعة‪ ‬لكونها غير متناهية ‪‬ول ممنوعهة‪ ‬لكونهها اختياريهة كلمهها شههاؤوا أيهن شههاؤوا وجههدوها ‪‬وفههرش مرفوعهة‪ ‬مهن‬
‫فضائل الخلق والهيئات النورانية النفسية المكتسبة من العمال الحسههنة‪ ،‬رفعههت عههن مرتبههة الهيئات البدنيههة والجهههة‬
‫السفلية إلى حيز الصدر الذي هو الجهة العليا من النفس المتصلة بالقلب‪ ،‬أو حور من النسههوان أي الملكههوت المتصههلة‬
‫بهم المساوية في المرتبة على اختلف التفسيرين‪ .‬إنا أنشأناهن إنشاء‪ ‬عجيبا نورانيا مجردة عن المواد‪ ،‬مطهرة عن‬
‫أدناس الطبائع وألواث العناصر ‪‬فجعلناهن أبكارا‪ ‬أي لم تتأثر بملمسة المور الطبيعية ومباشرة الطبيعيين الظاهرين‬
‫من أهل العادة والمخالطين للمادة من النفوس ‪‬عربا‪ ‬متحببة إليهم محبوبة لصفائها وحسن جوهرها ودوام اتصههالها بهههم‬
‫‪‬أترابا‪ ‬لكونها في درجة واحدة متساوية المراتب أزلية الجواهر ‪‬ثلة من الولين‪ ‬لن المحبوبين يههدخلون علههى أصههحاب‬
‫اليمين جناتهم عند التداني والترقي في الدرجات وعند التدلي والرجوع إلههى الصههفات فيختلطههون بهههم وينخرطههون فههي‬
‫سلكهم ‪‬وثلة من الخريههن‪ ‬لن المحههبين أكههثرهم أصههحاب اليميههن واقفههون مههع الصههفات دون محبههة الههذات وإن فسههرنا‬
‫الولين والخرين بأوائل المة المحمدية وأواخرها فظاهر لكثرة أصحاب اليمين في أواخرهم أيضا دون السابقين‪. .‬‬
‫تفسير سورة الواقعة من ]آية ‪ [72 - 41‬وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال‪ ‬أي هم الذين يتعجب من أحوالهم‬
‫وصفاتهم في الشقاوة والنحوسة والهوان والخساسة ‪‬في سموم‪ ‬من الهواء المرديههة والهيئات الفاسههقة المؤذيههة ‪‬وحميههم‪‬‬
‫من العلوم الباطلة والعقائد الفاسدة ‪‬وظل من يحمههوم‪ ‬مههن هيئات النفههوس المسههودة بالصههفات المظلمههة والهيئات السههود‬
‫الرديئة لن اليحموم دخان أسود بهيم ‪‬ل بارد ول كريم‪ ‬أي ليس له صفتا الظل الذي يأوي إليه الناس من الههروح ونفهع‬
‫من يأوي إليه بالراحة بل له إيذاء وإيلم وضر بإيصال التعب واللهب والكرب ‪‬إنهم كانوا قبههل ذلههك مههترفين‪ ‬منهمكيههن‬
‫في اللذات والشهوات‪ ،‬منغمسين في المور الطبيعية والغواشي البدنية‪ ،‬فبذلك اكتسههبوا هههذه الهيئات الموبقههة والتبعههات‬
‫المهلكة ‪‬وكانوا يصرون على الحنث العظيم‪ ‬من القاويههل الباطلهة والعقههائد الفاسهدة الهتي اسهتحقوا بههها العههذاب المخلهد‬
‫والعقاب المؤبد ‪‬وكانوا يقولون‪ ‬أي جملة عقهائدهم إنكهار البعهث ‪‬الضهالون المكهذبون‪ ‬أي الجهاهلون المصهرون علهى‬
‫جهالتهم وإنكار مهها يخهالف عقهائدهم الباطلههة مهن الحههق ‪‬لكلههون مهن شههجر مهن زقههوم‪ ‬أي مهن نفهس متعبههدة اللههذات‬
‫والشهوات‪ ،‬منغمسة فيها‪ ،‬منجذبة إلى السفليات من الطبيعيات لتعودكم بها وبفوائدها ‪‬فمالئون منها‪ ‬ومن ثمراتها الوبية‬
‫البشعة المحرقة التي هههي الهيئات المنافيههة للكمههال الموجبههة للوبههال ‪‬البطههون‪ ‬لشههدة حرصههكم ونهمكههم وضههراوتكم بههها‬
‫لشرهكم وسقمكم ‪‬فشاربون عليه من الحميم‪ ‬من الوهميات الباطلة والشبهات الكاذبة التي هي من بههاب الجهههل المههورط‬
‫في المهالك والمعاطب‪ ،‬المسيغ لتلك العمال الشيطانية والعمال البهيمية الظلمانية ‪‬فشههاربون شههراب الهيههم‪ ‬أي الههتي‬
‫بها الهيام من البل وهو داء ل ري معه لشدة شغفكم وكلبكم بها‪ .‬نحههن خلقنههاكم‪ ‬بإظهههاركم بوجودنهها وظهورنهها فههي‬
‫صوركم ‪‬فلول تصدقون * أفرأيتم ما تمنون * أنتم تخلقونه‪ ‬بإفاضة الصورة النسانية عليه ‪‬أم نحن الخالقون * أفرأيتم‬
‫ما تحرثون * أأنتم تزرعونه‪ ‬بههإنزال الصههور النوعيههة عليههه ‪‬أم نحههن الزارعههون * أفرأيتههم‪ ‬مههاء العلههم الههذي تشههربونه‬
‫بتعطش استعدادكم ‪‬أأنتم أنزلتموه‪ ‬من مزن العقل الهيولني ‪‬أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا‪ ‬بصرفه في تههدابير‬
‫المعاش وترتيب الحياة الدنيا ‪‬فلول تشكرون أفرأيتم‪ ‬نار المعاني القدسية ‪‬التي تههورون‪ ‬بقههدح زنههاد الفكههر ‪‬أأنتههم أنشههأتم‬
‫شجرتها‪ ‬أي القوة الفكرية ‪‬أم نحن المنشئون‪. .‬‬
‫تفسير سورة الواقعة من ]آية ‪ [87 - 73‬نحن جعلناها تذكرة‪ ‬تذكيرا للعهد الزلي في العالم القدسي ‪‬ومتاعا‪ ‬للذين‬
‫ل زاد لهم في السلوك من العلم والعمل‪ .‬فل أقسم بمواقع النجوم‪ ‬أي أوقات اتصال النفس المحمدية المقدسههة بههروح‬
‫القدس وهي أوقات وقوع نجوم القرآن إليه‪ ،‬فيا لها أوقات شههريفة واتصههالت نوريههة‪ ،‬أو مسههاقط النجههوم وهههي أوقههات‬
‫غيبته عن الحواس وأفول حواسه في مغرب الجسد عند تعطيلها بانغماس سره في الغيب وانخراطه في سلك القدس بل‬
‫غيبته في الحق واستغراقه في الوحدة ‪‬وإنه لقسم لو تعلمون عظيم‪ ‬وأنى يعلمون‪ ،‬وأين هم وعلم ذلك ؟ ! ‪‬إنه لقههرآن‬
‫كريم‪ ‬أي علم مجموع له كرم وشرف قديم وقدر رفيع ‪‬في كتاب مكنون‪ ‬هو قلبه المكنون في الغيب عههن الحههواس ومهها‬
‫' ل تقولوا العلم في السماء من‬ ‫‪‬‬ ‫عدا المقربين من الملئكة المطهرين لن العقل القرآني مودع فيه كما قال عيسى‬
‫ينزل به‪ ،‬ول في تخوم الرض من يصعد به‪ ،‬ول من وراء البحار من يعبر ويههأتي بههه‪ ،‬بههل العلههم مجعههول فههي قلههوبكم‬
‫تأدبوا بين يدي ال بآداب الروحانيين يظهر عليكم '‪ ،‬أو الروح الول الذي هو محل القضاء ومأوى الههروح المحمههدي‪،‬‬
‫بل هو هو ‪‬ل يمسه إل المطهرون‪ ‬من الرواح المجردة المطهرة عن دنس الطبائع ولوث تعلق المواد ‪‬تنزيل مههن رب‬
‫العالمين‪ ‬لن علمه ظهر على المظهر المحمدي فهو منزل منه على مهدرجته منجمها‪ .‬أفبههذا الحهديث أنتهم مهدهنون‪‬‬
‫متهاونون ول تبالون به ول تتصلبون في القيام بحقه وفهم معناه كمن يلين جانبه ويداهن في المر تسههاهل وتهاونهها بههه‬
‫‪‬وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون‪ ‬أي قوتكم القلبي ورزقكم الحقيقي تكذيبه لحتجابكم بعلومكم وإنكاركم ما ليس من جنسه‬
‫كإنكار رجل جاهل ما يخالف اعتقاده كأن علمه نفس تكذيبه‪ ،‬أو رزقكم الصوري أي لمههداومتكم علههى التكههذيب كههأنكم‬
‫تجعلون التكذيب غذاءكم كما تقول للمواظب على الكذب الكذب غذاؤه‪ .‬فلول إذا بلغت الحلقوم‪ ‬أي فلول ترجعههون‬
‫الروح عند بلوغها الحلقوم ‪‬إن كنتم صادقين‪ ‬في أنكم غير مسوسين مربوبين مقهورين يعنههي أنكههم مجههبرون عههاجزون‬
‫تحت قهر الربوبية وإل لمكنكم دفع ما تكرهون أشد الكراهية وهو الموت‪. .‬‬
‫تفسير سورة الواقعة من ]آية ‪ [96 - 88‬فأما إن كان من المقربين‪ ‬من جملة الصناف الثلثة فله روح الوصههول‬
‫إلى جنة الذات وريحان جنة الصفات وتجلياتها البهيجة المبهجة وجنة نعيم الفعال ولذاتها ‪‬وأمهها إن كههان‪ ‬مههن السههعداء‬
‫والبرار فله السرور والحبور بلقاء أصحاب اليمين وتحيتهههم إيههاه بسههلمة الفطههرة والنجههاة مههن العههذاب والههبراءة عههن‬
‫نقائص صفات النفوس في جنة الصفات ‪‬وأما إن كان‪ ‬من الشقياء والمعاندين للسابقين المنكرين لكمالتهم المحجههوبين‬
‫بالجهل المركب فلهم عذاب هيئات العتقادات الفاسدة وظلمات الجهالت الموحشة من فوق المشار إليههه بقههوله ‪‬فنههزل‬
‫من حميم‪ ‬وعذاب الهيئات البدنية وتبعات سيئاتهم العملية من تحت المشار إليه بقوله ‪‬وتصلية جحيم * إن هذا‪ ‬المذكور‬
‫لهو حقية المر وجلية الحال من معاينة أهل القيامة الكههبرى المتحققيههن بههالحق فههي‬ ‫من أحوال الفرق الثلث وعواقبهم ‪ ‬‬
‫يقينهم وعيانهم‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الحديد‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الحديد من ]آية ‪ [3 - 1‬سبح ل ما في السماوات والرض‪ ‬أظهر كل موجود تنزيهه عن المكان‬
‫وقبول الفناء بوجوده الضافي وثباته ‪‬وهو العزيز‪ ‬القوي الذي يقهرها ويجبرههها ‪‬الحكيههم‪ ‬الههذين يرتههب كمالتههها وعههن‬
‫العجز بحدوثه وتغيره وعن جميع النقائص بإظهار كمالت كل موجههود ونظامههها علههى ترتيههب حكمههي‪ .‬هههو الول‪‬‬
‫الذي يبتدئ منه الوجود الضافي باعتبار إظهاره ‪‬والخر‪ ‬الذي ينتهي إليه باعتبههار إمكههانه وانتهههاء احتيههاجه إليههه فكههل‬
‫شيء به يوجد وفيه يفنى‪ ،‬فهو أوله وآخره في حالة واحدة باعتبارين ‪‬والظههاهر‪ ‬فههي مظههاهر الكههوان بصههفاته وأفعههاله‬
‫‪‬والباطن‪ ‬باحتجابه بماهياته وبذاته ‪‬وهو بكل شيء عليم‪ ‬لن عين ماهيته صورة من صور معلومههاته إذ صههور الشههياء‬
‫كلها في اللوح المحفوظ وهو يعلم اللوح مع تلك الصور بعين ماهية اللوح المنقش بتلك الصههور فعلمههه بههها عيههن علمههه‬
‫بذاته‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحديد من ]آية ‪ [6 - 4‬خلق السماوات والرض في ستة أيام‪ ‬من اليام اللهية أي اللت الستة‬
‫التي هي من زمان آدم إلى زمان محمد عليهما السلم جميع مهدة دور الخفهاء‪ ،‬أي احتجهب بهها فظههر الخلهق دونهه إذ‬
‫الخلق احتجاب الحق بالشياء وهذا الزمان زمان الحتجاب كما ذكر في )العراف(‪ .‬ثم استوى‪ ‬على عرش القلههب‬
‫المحمدي بالظهور في جميع الصفات غير محتجب بعضها ببعض ول الذات بالصفات ول الصفات بالذات‪ ،‬بل استوت‬
‫كلها في الظهور في اليوم السابع أو في صور المراتب الست من الجواهر والعراض المهذكورة فهي )ق(‪ ،‬ثهم اسهتوى‬
‫على عرش الروح العظم بالتأثير في جميع الشياء في الصورة الرحمانية بالسوية والظهور باسههم الرحمههن ‪‬يعلههم مهها‬
‫يلج في‪ ‬أرض العالم الجسماني من الصور النوعية لنها صور معلوماته ‪‬ومهها يخههرج منههها‪ ‬مههن الرواح الههتي تفارقههها‬
‫والصور التي تزايلها عند الفناء والفساد وهي التي تنزل من السماء وتعههرج فيههها‪ ،‬أو مهها ينههزل مههن سههماء الههروح مههن‬
‫العلوم والنوار الفائضة على القلب وما يعرج فيها من الكليات المنتزعههة مههن الجزئيههات المحسوسههة وهيئات العمههال‬
‫المزكية ‪‬وهو معكم أينما كنتم‪ ‬لوجودكم به وظهوره فههي مظههاهركم ‪‬واله بمهها تعملههون بصههير‪ ‬لسههبق علمههه بههه وكههونه‬
‫يولج ليل الغفلة في نهار الحضور ‪‬ويولههج‪ ‬نهههار الحضههور فههي ليههل‬ ‫منقوشا في أربعة ألواح في عالم ملكوته بحضرته ‪ ‬‬
‫الغفلة‪ ،‬ويستر الجمال بههالجلل ويحجههب الجلل بالجمههال ‪‬وهههو عليههم‪ ‬بمهها أودع الصههدور مههن أسههراره ودقههائق الغفلههة‬
‫والحضور وحكمتهما ولطائف التستر والتجلي وفائدتهما ل يعلمها إل هو‪....‬‬
‫تفسير سورة الحديد من ]آية ‪ [12 - 7‬آمنوا بال‪ ‬اليمان اليقيني بتوحيد الفعههال ‪‬ورسههوله‪ ‬أي ل تحتجبههوا‬
‫بأفعال الحق في إيمانكم بتوحيد الفعال عن أفعال الخلق فتقعوا فههي الجههبر وحرمههان الجههر‪ ،‬بههل شههاهدوا أفعههال الحههق‬
‫باليمان به جمعا في مظاهر التفاصيل بحكم الشرع ليحصل لكم التوكل ويسهل عليكم النفاق من مال ال الذي هو فههي‬
‫أيديكم وجعلكم مستخلفين فيه بتمكينكم وإقداركم على التصرف فيه بحكم الشرع إذ الموال كلها ل ه واختصههاص نسههبة‬
‫وأنفقوا عن مقام التوكههل ‪‬لهههم أجههر كههبير‪ ‬فههي‬
‫‪‬‬ ‫التصرف إنما هو بحكمه في شريعته‪ ،‬فالذين آمنوا منكم‪ ‬بشهود الفعال ‪‬‬
‫جنة الفعال‪ .‬وما لكم ل تؤمنون بال‪ ‬وقد اعتضد السببان الداخلي والخههارجي المههوجب اجتماعهمهها لليمههان إيجابهها‬
‫ذاتيا‪ .‬أما الخارجي فدعوة الرسول الذي هو السبب الفاعلي‪ ،‬وأما الداخلي فأخذ الميثاق الزلي وهو الستعداد الفطههري‬
‫الذي هو السبب القابلي وقوة الستدلل ‪‬إن كنتم مؤمنين‪ ‬بالقوة‪ ،‬أي إن بقي نور الفطرة واليمان الزلي فيكم‪ .‬هههو‬
‫الذي ينزل على عبده آيات بينات‪ ‬من بيان تجليههات الفعههال والصههفات والههذات ‪‬ليخرجكههم‪ ‬مههن ظلمههات صههفات النفههس‬
‫والهيئات البدنية المستفادة من الحس إلى تنور القلب ومن ظلمات صفات القلب إلى نور الروح ومن ظلمات وجههوداتكم‬
‫وإنباتكم إلى نور الدين‪ ،‬وهي الظلمات المشار إليها بقوله ‪‬ظلمات بعضها فوق بعض‪] ‬النور‪ ،‬الية ‪ [40‬وإن ال‬
‫بكم لرؤوف رحيم‪ ‬يدفع آفة النقصان عنكم بهبة الستعداد وتوفيههق الهدايههة إلههى إزالههة الحجههب ببعههث الرسههول وتعليمههه‬
‫إياكم‪ ،‬رحيم بإفاضة الكمالت مع حصول القبول بتزكية النفوس وتصفية السهتعدادات‪ .‬ل يسهتوي منكهم مهن أنفهق‬
‫بالمعراج التهام والوصهول‬ ‫‪‬‬ ‫من قبل الفتح وقاتل‪ ‬أي بذلوا أموالهم وأنفسهم قبل الفتح المطلق الذي كان لرسول ال‬
‫إلى حضرة الوحدة ‪‬أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد‪ ‬لقهوة اسههتعدادهم وشهدة أنهوار بهاطنهم الصهلية عرفههوه‬
‫وألفوه بتسام الروح وظهرت عليهم كمالتهم من غير واسطة تأثيره فيهم وهم الههذين غلبههت عليهههم القههوة القدسههية الههتي‬
‫‪‬يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار‪] ‬النور‪ ،‬الية ‪ ،[35‬وأما ‪‬الذين أنفقوا من بعد‪ ‬فلضعف استعداداتهم وقلة نوريتههها‬
‫احتاجوا إلى قوة تأثيره فيهم وإخراج كمهالتهم إلهى الفعههل ‪‬وكل وعهد اله‪ ‬المثوبهة ‪‬الحسههنى‪ ‬لحصهول اليقيههن وظهههور‬
‫الكمال كيف كان مع تفاوت الدرجات بما ل تحصى‪ ،‬إذ الخرون هم الذين حازوا الكمال الخلقي في مقام النفههس الههذين‬
‫أقرضوا ال أموالهم رغبة في الضعاف من الثواب وكرامة الجر‪ ،‬والولون هم السابقون الذين تجههردوا عنههها ابتغههاء‬
‫مرضاة ال وتثبيتا من أنفسهم في طريق الحق فهم المؤمنون الهذين ‪‬يسهعى نهورهم بيهن أيهديهم‪ ‬لكهونهم علهى الصهراط‬
‫المستقيم متوجهين إلى وجه ال بتوحيد الذات‪ ،‬والمتأخرون هم الذين يسعى نورهم بإيمانهم لكونهم أصحاب اليمين مههن‬
‫المؤمنين والمؤمنات الكائنين في مقام القلههب واليقيههن ‪‬بشههراكم اليههوم‪ ‬خطههاب لكل الفريقيههن مههع تغليههب السههابقين لههذكر‬
‫الجنات الثلث‪ ،‬ووصف الفوز بالعظم إذ عظم الفوز إنما هو للفرقة الثالثة‪ ،‬وأما فوز من دونههم مهن أصهحاب الجنهتين‬
‫فموصوف بالكبير والكريم‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحديد من ]آية ‪ 13‬إلى الية ‪[17‬‬
‫‪‬يوم يقول المنافقون والمنافقات‪ ‬أي المستعدون القوياء الستعداد والضههعفاء المحجوبهون بصههفات النفههوس‬
‫وهيئات البدان‪ ،‬المنغمسون في ظلمات الطبائع وغسق الثام الذين قد بقههي فيهههم مسههكة مههن نههور الفطههرة ولههم تنظههف‬
‫بالكلية يشتاقون به إلى نور الكمال الحاصل لفريق المؤمنين ويلتمسونه ويطلبونه في حسههرات وزفهرات عنهد بروزهههم‬
‫عن حجاب البدن بالموت وظهور الحرمهان محبوسهين واقفيهن فهي حضهيض النقصهان‪ ،‬متنهدمين عنهد تهبين الخسهران‬
‫والمؤمنون يمرون كالبرق الخاطف ل يلتفتون إليهم‪ .‬انظرونا نقتبس من نوركم‪ ‬بجنسية الستعداد وظههاهر السههلم‬
‫‪‬قيل ارجعوا وراءكم‪ ‬إلى الدنيا ومحل الكسب‪ ،‬فإن النور إنما يكتسب بههاللت البدنيههة والقههوى الجسههمانية مههن الحههواس‬
‫الظاهرة والباطنة بالعمال الحسنة والعلوم الحقة ‪‬فضرب بينهم بسور‪ ‬هو البرزخ الهيولني الههذي يحتجبههون بههه علههى‬
‫حسب اقتضاء هيئاتهم الظلمانية ‪‬له باب‪ ‬هو القلب‪ ،‬إذ ل يطلع من عالم القدس على عالم الرجس إل مههن طريههق القلههب‬
‫‪‬باطنه‪ ‬وهو عالم القدس ‪‬فيه الرحمة‪ ‬أي النور والروح والريحان وجنة النعيم مههن المراتههب المههذكورة ‪‬وظههاهره‪ ‬الههذي‬
‫يلي النفس وهو عالم الرجس ومقر تلك النفوس المظلمة من الشقياء ‪‬من قبله‪ ‬أي من جهتههه ‪‬العههذاب‪ ‬الههذي يسههتحقونه‬
‫بحسب هيئاتهم وتنوعها وهذا الباب ل مفتح له من جهة ظاهر الذي إلى الشقياء بههل هههو مسههدود مغلههق ل ينفتههح أبههدا‪.‬‬
‫وأما من جهة باطنه فكلما شاء أهل الجنة من السابقين انفتح لههم فهاطلعوا علهى أهههل النهار وتعهذباتهم ويههدخلون عليههم‬
‫فينطفئ لهب النار من نورهم بل يحرق نورهم النار بالنسبة إليهم دون الجهنميين فتقول جهنم جز يا مؤمن فإن نههورك‬
‫أطفأ لهبي‪ .‬ألم نكن معكم‪ ‬في الفطرة الولى وعين جمع الصفات ‪‬قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسههكم‪ ‬ابتليتموههها باللههذات‬
‫الحسية والشهههوات البدنيههة والصههفات البهيميههة والسههبعية ‪‬وتربصههتم‪ ‬باسههتيلء التخيلت مههن المههال والمههاني الغالبههة‬
‫بدواعي الحسد والطمع ‪‬وارتبتم‪ ‬باستيلء الوهميات علههى المعقههولت وغلبههة الوهههام علههى العقههول ‪‬وغرتكههم المههاني‬
‫بدواعي الوهم ومقتضى التخيل ‪‬حتى جاء أمر ال‪ ‬من الموت وحصول العقاب‪ .‬اعلمهوا أن اله يحيهي الرض بعهد‬
‫موتها‪ ‬تمثيل لتأثير الذكر في القلوب وإحيائها‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحديد من ]آية ‪ 18‬إلى الية ‪[20‬‬
‫‪‬إن المصدقين والمصدقات‪ ‬من المؤمنين بالغيب في مقام النفس لقوله ‪‬ولهههم أجههر كريههم والههذين آمنههوا بههال‬
‫ورسله‪ ‬من أهل اليقان في مقام القلب لقوله ‪‬لهم أجرهم‪ ‬أي من جنة النفس ونهورهم مهن جنههة القلههب بتجلهي الصههفات‬
‫‪‬أولئك هم الصديقون‪ ‬بقوة اليقين ‪‬والشهداء‪ ‬أهل الحضور والمراقبة والذين حجبوا عن الذات والصفات في مقابلتهم‪ ،‬أي‬
‫ليسوا من أهل اليمان بالغيب ول من أهل اليقان ‪‬أولئك أصحاب‪ ‬جحيم الطبيعة‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحديد من ]آية ‪ [24 - 21‬سابقوا إلى مغفرة من ربكم‪ ‬لما حقر الحياة الحسية النفسية الفانية وصورها‬
‫في صورة الخضراء السريعة النقضاء دعاهم إلى الحياة العقلية القلبية الباقية فقال ‪‬سابقوا إلههى مغفههرة مههن ربكههم‪ ‬أي‬
‫تستر صفات النفس بنور القلب ‪‬وجنة عرضها‪ ‬العالم الجسماني بأسره لحاطة القلب به وبصوره أو نفرهم عههن الحيههاة‬
‫البشرية ودعاهم إلى الحياة اللهية أي سابقوا إلى مغفرة تستر ذواتكم ووجوداتكم التي هي أصههل الههذنب العظيههم بنههور‬
‫ذاته وجنة عرضها سموات الرواح وأرض الجساد بأسرها‪ ،‬أي الوجود المطلههق كلههه الشههامل للوجههودات الضههافية‬
‫بأجمعها ‪‬أعدت للذين آمنوا بال ورسله‪ ‬اليمان العلمي اليقيني على الول واليمان العيني والحقي على الثههاني‪ .‬مهها‬
‫أصاب من مصيبة‪ ‬من الحوادث الخارجية والبدنية والنفسانية ‪‬إل في كتاب هو القلب الكلي المسههمى بههاللوح المحفههوظ‪.‬‬
‫لتعلموا علما يقينا أنه ليس من لكسبكم وحفظكم وحذركم وحراسههتكم فيمهها آتهاكم مهدخل وتهأثير‪ ،‬ول لعجزكههم وإهمهالكم‬
‫وغفلتكم وقلة حيلتكم وعدم احترازكم واحتفاظكم فيما فاتكم مدخل‪ ،‬فل تحزنوا على فوات خير ونزول شر ول تفرحوا‬
‫بوصول خير وزوال شر إذ كلها مقدرة ‪‬إن ال ل يحب كل مختال‪ ‬أي متبختر من شدة الفرح بما آتاه ‪‬فخههور‪ ‬بههه لعههدم‬
‫يقينه وبعده عن الحق بحب الدنيا وانجذابه إلى الجهة السفلية بمنافاته للحضرة اللهية واحتجابه بالظلمات عن النور‪.‬‬
‫‪‬الذين يبخلون‪ ‬لشدة محبة المال ‪‬ويأمرون الناس بالبخل‪ ‬لستيلء الرذيلة عليهم ‪‬ومههن يتههول‪ ‬أي يعههرض عههن اله‬
‫بالتوجه إلى العالم السفلي والجوهر الغاسق الظلماني ‪‬فإن ال هو الغني‪ ‬عنه لستغنائه بذاته ‪‬الحميد‪ ‬لسههتقلله بكمههاله‪،‬‬
‫أي يخذله ويمهله‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحديد من ]آية ‪[27 – 25‬‬
‫‪‬لقد أرسلنا رسلنا بالبينات‪ ‬بالمعارف والحكم ‪‬وأنزلنا معهم الكتاب‪ ‬أي الكتابة ‪‬والميزان‪ ‬أي العدل لنه آلته ‪‬وأنزلنا‬
‫الحديد‪ ‬أي السيف لنه مادته وهي المور التي بههها يتههم الكمههال النههوعي وينضههبط النظههام الكلههي المههؤدي إلههى صههلح‬
‫المعاش والمعاد إذ الصل المعتبر والمبدأ الول هو العلم والحكمة‪ ،‬والصل المعول عليههه فههي العمههل والسههتقامة فههي‬
‫طريق الكمال هو العدل‪ ،‬ثم ل ينضبط النظام ول يتمشى صلح الكل إل بالسيف والقلم اللذان يتههم بهمهها أمههر السياسههة‪،‬‬
‫فالربعة هي أركان كمال النوع وصلح الجمهور ويجوز أن تكون البينات إشههارة إلههى المعههارف والحقههائق النظريههة‪،‬‬
‫والكتاب إشارة إلى الشريعة والحكم العملية‪ ،‬والميزان إلى العمههل بالعههدل والسههوية‪ ،‬والحديههد إلههى القهههر ودفههع شههرور‬
‫البرية‪ .‬وقيل البينات العلوم الحقيقية والثلثة الباقية هي النواميس الثلثة المشهورة المذكورة فههي الكتههب الحكميههة‪ ،‬أي‬
‫الشرع والدينار المعدل للشياء في المعاوضات والملك وأيا ما كان فهي المور المتضمنة للكمال الشخصههي والنههوعي‬
‫في الدارين إذ ل يحصل كمال الشخص إل بالعلم والعمل ول كمههال النههوع إل بالسههيف والقلههم‪ .‬أمهها الول فظههاهر وأمهها‬
‫الثاني فلن النسان مدني بالطبع محتاج إلههى التعامههل والتعههاون ل تمكههن معيشههته إل بالجتمههاع‪ ،‬والنفههوس إمهها خيههرة‬
‫أحرار بالطبع منقادة للشرع وإما شريرة عبيد بالطبع آبية للشرع‪ .‬فالولى يكفيها فههي السههلوك طريههق الكمههال‪ ،‬والعمههل‬
‫بالعدالة اللطف وسياسة الشرع‪ .‬والثانية ل بد لها من القهر وسياسة الملك‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحديد من ]آية ‪[29 - 28‬‬
‫‪‬يا أيها الذين آمنوا‪ ‬اليمان اليقيني ‪‬اتقوا ال‪ ‬بالتجرد عن صفاتكم والتنزه عن ذواتكم ‪‬وآمنوا برسوله‪ ‬بالستقامة في‬
‫أعمالكم وأحوالكم على طريق المتابعة ‪‬يؤتكم كفلين من رحمته‪ ‬فههي جنهة النفهس ‪‬ويجعهل لكهم نهورا‪ ‬مههن أنهوار الههروح‬
‫وتجليات الصفات في مقام القلب ‪‬تمشون به‪ ‬تسيرون بهه فهي الصهفات ‪‬ويغفهر لكهم‪ ‬ذنهوب ذواتكهم ‪‬واله غفهور‪ ‬بإفنهاء‬
‫البقيات ‪‬رحيم‪ ‬بهبة الوجودات الحقانية بعد فناء النيات ‪‬لئل يعلهم أههل الكتهاب‪ ‬أي المحجوبهون بهالرين عهن الحهق أو‬
‫بطريق الضللة ودين الباطل عن الصراط المستقيم ودين الحق ‪‬أل يقدرون على شيء من فضل اله‪ ‬لنههه موهههوب ل‬
‫يمكن اكتسابه ‪‬وأن الفضل بيد ال‪ ‬أي في تصرفه وتحت ملكه وقدرته ‪‬يؤتيه مههن يشهاء‪ ‬موهبهة ل كسههبا منهه ‪‬واله ذو‬
‫الفضل العظيم‪ ‬الذي هو نهاية الكمال‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة المجادلة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة المجادلة من ]آية ‪ [7 - 1‬يوم يبعثهم ال‪ ‬بإقامتهم عن مراقد البدان ‪‬فينبئهم بما عملوا‪ ‬لنتقاش‬
‫صور أعمالهم في ألواح نفوسهم ‪‬أحصاه ال‪ ‬بإثباته في الكتب الربعة المذكورة ‪‬ونسوه‪ ‬لذهولهم عنه باشتغالهم باللذات‬
‫الحسية وانهماكهم في الشواغل البدنية ‪‬وال على كل شيء شهيد‪ ‬حاضر معه رقيب ‪‬ما يكون من نجههوى ثلثههة إل هههو‬
‫رابعهم‪ ‬ل بالعدد والمقارنة بل بامتيازهم عنه بتعيناتهم واحتجابهم عنه بماهياتهم وأنياتهم وافتراقهم منه بالمكان اللزم‬
‫لماهياتهم وهوياتهم وتحققهم بوجوبه اللزم لذاته واتصاله بهم بهويته المندرجهة فهي هويهاتهم وظههوره فهي مظهاهرهم‬
‫وتستره بماهياتهم ووجوداتهم المشخصة وإقامتها بعين وجوده وإيجابهم بوجهوبه‪ ،‬فبههذه العتبهارات ههو رابهع معههم‪،‬‬
‫' العلم نقطههة‬ ‫ولو اعتبرت الحقيقة لكان عينهم ولهذا قيل لول العتبارات لرتفعت الحكمة‪ .‬وقال أمير المؤمنين ‪‬‬
‫كثرها الجاهلون '‪. .‬‬
‫تفسير سورة المجادلة من ]آية ‪ 8‬إلى آية ‪[11‬‬
‫‪‬ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى‪ ‬إنما نهوا لن التناجي اتصال واتحاد بين اثنين في أمر يختص بهمهها ل يشههاركهما‬
‫فيه ثالث‪ ،‬وللنفوس عند الجتماع والتصال تعاضد وتظاهر يتقوى ويتأيههد بعضههها بههالبعض فيمها ههو سههبب الجتمههاع‬
‫لخاصية الهيئة الجتماعية التي ل توجد في الفراد فإذا كانت شريرة يتناجون في الشر ويزداد فيهم الشر ويقههوى فيهههم‬
‫المعنى الذي يتناجون به بالتصال والجتماع‪ ،‬ولهذا ورد بعد النهي ‪‬ويتناجون بالثم‪ ‬الذي هو رذيلههة القههوى البهيميههة‬
‫‪‬والعدوان‪ ‬الذي هو رذيلة القوى الغضبية ‪‬ومعصية الرسول‪ ‬التي هي رذيلة القوة النطقيههة بالجهههل وغلبههة الشههيطنة‪ .‬أل‬
‫ترى كيف نهى المؤمنين بعد هذه الية عن التناجي بهذه الرذائل المذكورة وأمرهم بالتناجي بههالخيرات ليتقههووا بههالهيئة‬
‫الجتماعية ويزدادوا فيها فقال ‪‬وتناجوا بالبر‪ ‬أي الفضائل التي هي أضههداد تلههك الههرذائل مههن الصههالحات والحسههنات‬
‫المخصوصة بكل واحدة من القوى الثلث ‪‬والتقوى‪ ‬أي الجتناب عن أجناس الرذائل المذكورة ‪‬واتقوا ال‪ ‬في صههفات‬
‫نفوسكم ‪‬الذي إليه تحشرون‪ ‬بالقرب منه عند التجرد منها ‪‬فافسحوا يفسح ال لكههم‪ ‬أي أفسههحوا مههن ضههيق التنههافس فههي‬
‫الجاه والنخوة فإنه من الهيئات النفسانية واستيلء القوة السبعية وركود النفس في ظلمههة النيههة واحتجابههها عهن النههوار‬
‫القلبية والروحية‪ ،‬فتنزهوا عنها ‪‬يفسح ال لكم‪ ‬بالتجريد عن الهيئات البدنية والمداد بالنوار فتنشرح صدوركم وتنفسح‬
‫ويتسع مكانكم في فضاء عالم القدس ‪‬يرفع ال الذين آمنوا منكم‪ ‬اليمان اليقيني ‪‬والذين أوتوا العلم‪ ‬أي علم آفات النفس‬
‫ودقائق الهوى وعلم التنزه منها بالتجريد ‪‬درجات‪ ‬من الصفات القلبية والمراتب الملكوتيه والجبروتيه في عالم النههوار‬
‫‪‬وال بما تعملون خبير‪ ‬فيجازيكم ويعاقبكم بتلك الهيئات‪.. .‬‬
‫تفسير سورة المجادلة من ]آية ‪[13 – 12‬‬
‫‪‬إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يههدي نجههواكم صههدقة‪ ‬لن التصههال بالرسههول فههي أمههر خههاص ل يكهون إل لقههرب‬
‫روحاني أو مناسبة قلبية أو جنسية نفسانية وأيا ما كان وجبت الصدقة‪ .‬أما الول والثاني فيجههب فيهمهها تقههديم النسههلخ‬
‫عن الفعال والصفاتوالتجرد عن الخارجيات من السباب والمهوال وقطههع التعلقههات المسهمى بههالترك ثهم محهو الثههار‬
‫والهيئات الباقية منها في النفس المسمى بالتجريد عندهم ثم قطع النظر عن أفعاله وصفاته والترقي إلى مقام الروح فههي‬
‫الول وإلى مقام القلب في الثاني حتى يصفو له مقام التناجي الروحي مع النبي في السرار اللهية والمسارة القلبية في‬
‫ثلث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلى مههن حمههر‬ ‫‪‬‬ ‫' كان لعلي‬‫‪‬‬ ‫المور الكشفية‪ .‬ولهذا قال ابن عمر‬
‫النعم تزويجه فاطمة وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى '‪ .‬وأمهها الثههالث فيجهب فيههه تقهديم الخيهرات ببهذل المهوال‬
‫شكرا لتلك النعمة حتى تبقى وتزيد‪ .‬فإن لم تجدوا‪ ‬في الولين للتخلف عن المقامين بالوقوف مع النفس‪ ،‬وفي الثههالث‬
‫لشح النفههس والفقههر ‪‬فههإن اله غفههور‪ ‬للصههفات النفسههانية بههأنوار صههفاته ‪‬رحيههم‪ ‬بإفاضههة أنههوار التجليههات والمشههاهدات‬
‫والمعارف والمكاشفات الموجبة لوجدان تلك الصدقة في الولين أو ‪‬غفور‪ ‬لرذيلة الشح وكربة الفقههر‪ ،‬رحيههم‪ ‬بههالتوفيق‬
‫لكتساب الفضيلة وتيسيرها وإعطاء المال في الثالث وكذا الشفاق والتوبهة إنمهها يكونههان لمهها ذكههر‪ .‬ثههم أمههر بمهها يزيههل‬
‫التخلف المذكور ورذيلة الشح وشدة الفقر إذ بصلة الحضور والمراقبة في مقههام القلههب يحصههل الول‪ ،‬وبزكههاة الههترك‬
‫والتجريد يحصل الثاني‪ ،‬وبطاعة ال ورسوله في العمال الخيريهة يحصهل الثههالث لن الخيههر عهادة‪ ،‬وببركههة الطاعهة‬
‫ينتفي الفقر لحصول الستغناء بال قال ال تعالى ' من أصلح أمر آخرته أصلح ال أمر دنياه '‪. .‬‬
‫تفسير سورة المجادلة من ]آية ‪ [22 - 14‬ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب ال عليهم ما هم منكم ول منهم ‪ ‬لن‬
‫الموالة ل تكون ثابتة حقيقة إل مع الجنسههية والمناسههبة‪ ،‬فههإن كهانت وجههب إزالتهها وإل وجههب الحهتراز مهن سهرايتها‬
‫بالصحبة والموالة وإنما تمكن الموالة مع عدمها إذا كانت بسبب خارجي من نفع أو لذة زالت بزواله وإل لما أمكنت‪،‬‬
‫ولهذا نفى الموالة الحقيقية بينهم بنفي موجبها فقال ‪‬ما هم منكم‪ ‬إنما هي محهض النفهاق‪ .‬اسهتحوذ عليههم الشهيطان‪‬‬
‫أي الوهم ‪‬فأنساهم ذكر ال‪ ‬بتسويل اللذات الحسية والشهوات البدنية لهههم وتزييههن الههدنيا وزبرجههها فههي أعينهههم‪ .‬ل‬
‫تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر‪ ‬اليمان اليقيني ‪‬يوادون من حههاد اله ورسههوله ولههو كههانوا آبههاءهم‪ ‬إلههى آخههره‪ ،‬لن‬
‫المحبة أمر روحاني فههإذا أيقنههوا وعرفههوا الحههق وأهلههه غلبههت قلههوبهم وأرواحهههم نفوسهههم وأشههباحهم فمسههخت المحبههة‬
‫الروحانية‪ .‬والمناسبة الحقيقيههة بينهههم وبيههن الحههق وأهلههه المحبههة الطبيعيههة المسههتندة إلههى القرابههة واتصههال اللحمههة لن‬
‫التصال الروحاني أشد وأقوى وألذ وأصفى من الطبيعي ‪‬كتب في قلوبهم اليمان‪ ‬بالكشف واليقين المذكر للعهههد الول‬
‫الكاشف عنه ‪‬وأيدهم بروح منه‪ ‬لتصالهم بعالم القدس أو بنور تجلي الذات ‪‬ويدخلهم جنات‪ ‬من الجنههان الثلث ‪‬تجههري‬
‫‪‬م‪ ‬بمحو صفاتهم بصفاته بنور التجلي ‪‬ورضههوا عنههه‪ ‬بالتصههال بصههفاته‬ ‫‪‬‬
‫من تحتها‪ ‬أنهار علوم التوحيد والتشريع‬
‫‪‬أولئك حزب ال‪ ‬السابقون الذين ل يلتفتون إلى غيره ول يثبتونه ‪‬هم المفلحون‪ ‬الفائزون بالكمال المطلق‪.‬‬

‫سورة الحشر‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الحشر من ]آيهة ‪ [6 - 1‬وقهذف فهي قلهوبهم الرعهب‪ ‬أي نظهر بنظهر القههر إليههم فتهأثروا بهه‬
‫لستحقاقهم لذلك ومخالفة الحبيب ومشاقته ومضادته ولوجود الشك في قلوبهم وكهونهم علههى غيههر بصهيرة مهن أمرهههم‬
‫بنهور اليقيهن وآمنهوا بهه فلهم‬ ‫وبينة من ربهم إذ لو كانوا أهل يقين ما وقع الرعب في قلوبهم ولعرفهوا رسهول اله ‪‬‬
‫يخالفوه‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحشر من ]آية ‪ [9 - 7‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا‪ ‬لنه متحقق بال فكل ما‬
‫أمره به فهو أمر ال وما نهى عنه نهي ال لقوله ‪‬وما ينطق عن الهوى إن ههو إل وحهي يهوحى‪] ‬النجهم‪ ،‬اليهات ‪- 3‬‬
‫‪ .[4‬للفقراء المهاجرين‪ ‬أي التاركين المجردين المهاجرين عن مقام النفس ‪‬الذين أخرجوا‪ ‬أي أخرجهم ال‪ ،‬إذ لو‬
‫خرجوا بنفوسهم لحتجبوا بها وبرؤية الترك والتجريد فوقعوا في مقهام النفهس مهع حجهاب العجهب الهذي ههو أشهد مهن‬
‫الذنب ‪‬من ديارهم وأموالهم‪ ‬من مواطنهم ومألوفاتهم أي صفات نفوسهم ومعلوماتهم ‪‬يبتغون فضل من ال‪ ‬مههن العلههوم‬
‫والفضائل الخلقية ‪‬ورضوانا‪ ‬من الحوال والمواهب السنية من أنوار تجليات الصفات ‪‬وينصههرون ال ه ورسههوله‪ ‬ببههذل‬
‫النفوس لقوة اليقين ‪‬أولئك هم الصادقون‪ ‬في اليمان اليقيني لتصديق أعمالهم دعواهم‪ ،‬إذ علمة وجههدان اليقيههن ظهههور‬
‫أثره على الجوارح بحيث ل تمكن حركاتها إل على مقتضى شاهدهم من العلم ‪‬والذين تبوؤوا الدار واليمان‪ ‬أي المقر‬
‫الصلي الذي هو الفطرة الولى والعهد الول الذي هو محل اليمان وموطنه ولهذا قرنه به‪ ،‬فإن النفس موطن الغربههة‬
‫‪‬من قبلهم‪ ‬أي من قبل هجرة المهاجرين من دار الغربة التي هي النفس إليها لن هذه الدار هي الدار الصههلية المتقدمههة‬
‫على ديارهم‪ ،‬ولهذا قال عليه السلم ' حب الوطن من اليمان '‪ .‬فهم الذين لم يسقطوا عن الفطرة ولم يحتجبوا بحجههاب‬
‫النفس في النشأة وبقوا على صفائها بخلف الولين الذين تكههدروا وتغيههروا ثههم رجعههوا إلههى الصههفاء بالسههير والسههلوك‬
‫‪‬يحبون من هاجر إليهم‪ ‬لوجود الجنسية في الصفاء وتحقههق المناسههبة الصههلية والقرابههة الحقيقيههة بالوفههاء وتههذكر العهههد‬
‫السابق بالموافقة في الدين والخاء ‪‬ول يجدون في صدورهم حاجة مما‪ ‬أوتي المهاجرون من الحظوظ لسههلمة قلههوبهم‬
‫عن آفات النفوس وطهارتها عن دواعي الحرص وتنزهها عههن محبههة الحظههوظ وتيقنههها بالقسههام‪ .‬ويههؤثرون علههى‬
‫أنفسهم‪ ‬لتجردهم وتوجههم إلى جناب القدس وترفعهم عن مواد الرجس وكون الفضيلة لهم أمرا ذاتيهها باقتضههاء الفطههرة‬
‫وفرط محبة الخوان بالحقيقة والعوان في الطريقة ‪‬ولو كان بهم خصاصههة‪ ‬فتقههديمهم أصههحابهم علههى أنفسهههم لمكههان‬
‫الفتوة وكمال المروءة ولقوة التوحيد والحتراز عن حههظ النفههس وخههوف الرجههوع إلههى المطههالب الجزئيههة بعههد وجههدان‬
‫الذوق من المطالب الكلية‪ .‬ومن يوق شح نفسه‪ ‬بعصمة ال وكلءته‪ ،‬فإن النفههس مههأوى كههل شههر ووصههف رديههء‪،‬‬
‫وموطن كل رجس وخلق دنيء‪ ،‬والشح من غرائزها المعجونة في طينتها لملزمتها الجهة السههفلية ومحبتههها الحظههوظ‬
‫الجزئية فل ينتفي منها إل عند انتفائها ولكن المعصوم من تلك الفات والشرور من عصمه ال ‪‬فههأولئك هههم المفلحههون‪‬‬
‫بالكمالت القلبية‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحشر من ]آية ‪ 10‬إلى آية ‪[15‬‬
‫‪‬والذين جاؤوا من‪ ‬بعد الذين هاجروا إلى الفطههرة‪ ،‬أي أخههذوا فههي السههلوك وقطههع منههازل النفههس متضههرعين قههائلين‬
‫بلسان الفتقار ‪‬ربنا اغفر لنا‪ ‬هيئات الرذائل وصفات النفوس بأنوار القلوب ‪‬ولخواننهها الههذين سهبقونا باليمههان‪ ‬ذنههوب‬
‫التلوينات بظهور تلك الصفات والضللة بعد الهدى ‪‬ول تجعل في قلوبنا غل‪ ‬بالحتجاب بالهيئات السههبعية والشههيطانية‬
‫ورسوخها في قلوبنا ‪‬ربنا إنك غفور‪ ‬تستر تلههك الهيئات بههأنوار الصههفات ‪‬رحيههم‪ ‬بإفاضههته الكمههالت وإراءة التجليههات‪.‬‬
‫‪‬لنتم أشد رهبة في صدورهم من ال‪ ‬لحتجابهم بالخلق عن الحق بسبب جهلهم بال وعدم معرفتهم له إذ لههو عرفههوه‬
‫لعلموا أن ل مؤثر غيره وشهعروا بعظمتههه وقههدرته فلههم يبههق عظهم الخلهق ول أثرهههم وقهدرهم عنهدهم‪ ،‬كمها قهال أميهر‬
‫المؤمنين عليه السلم ' عظم الخالق عندك يصغر المخلوق في عينك '‪ .‬بأسهم بينهم شههديد‪ ‬لكههونهم غيههر مقهههورين‬
‫هناك بقهر ال ول واقعا ظل قهر الرسول وهيبته وعكس نور تأييده وتنور نفسه بالتصال بعالم القدس عليهم ‪‬تحسبهم‬
‫جميعا‪ ‬لتفاقهم في الظاهر ‪‬وقلوبهم شتى‪ ‬لنتفاء الجمعية الحقيقية بنور التوحيد عنههها وتجهاذب دواعيههها لتفنهن تعلقاتههها‬
‫بالمور السفلية وتفرقها عن الحق بالباطل لحتجابها بالكثرة عن الوحدة ‪‬ذلك بههأنهم قهوم ل يعقلهون‪ ‬فيختهارون طريهق‬
‫التوحيد العلمي ويتنحون عن السبل المتفرقة الوهمية‪ ،‬فإن طريق العقل واحد وطههرق شههيطان الههوهم متفرقههة‪ ،‬وتشههتت‬
‫القلوب يوهن العزائم ويضعف القوى‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحشر من ]آية ‪ [18 - 16‬كمثل الشيطان‪ ‬أي مثل إخوانهم المنافقين في إغوائهم كمثل الشيطان‪ ،‬أي‬
‫الوهم النساني‪ ،‬إذ زين للنسان حال كونه على الفطرة اللذات الحسية والشهوات البدنية وحرضه علههى مخالفههة العقههل‬
‫بالهوى والحتجاب بالطبيعة ليقع في الردى فلما احتجب بها عههن الحههق وانغمههس فههي ظلمههة النفههس تههبرأ منههه بههإدراك‬
‫المعاني دونه‪ ،‬والتقرب إلى جناب الحق بالترقي إلى الفق العقلههي والطلع علههى بعهض الصهفات اللهيههة واستشههعار‬
‫الخوف بإدراك آثار العظمة والقههدرة وأنههوار الربوبيههة ‪‬فكههان عاقبتهمهها أنهمهها فههي النههار‪ ‬لكونهمهها جسههمانيين ملزميههن‬
‫للطبيعة ونيرانها المتفننة وآلمها المتنوعة ‪‬وذلك جزاء الظههالمين‪ ‬الههذين وضهعوا العبهادة غيههر موضههعها فعبهدوا صهنم‬
‫الهوى وطاغوت البدن‪ ،‬واتخذوا آلهتهم أهواءهم‪ .‬يا أيها الذين آمنوا‪ ‬اليمان الغيبي التقليدي ‪‬اتقهوا اله‪ ‬فههي اجتنهاب‬
‫المعاصي والسيئات والرذائل واكتساب الحسنات والطاعات والفضائل ‪‬ولتنظر نفس ما قدمت لغد‪ ‬لما بعههد المههوت مههن‬
‫الصالحات ‪‬واتقوا ال‪ ‬في الحتجاب بالعراض والغراض وتوسيط الحق للمشتهيات ‪‬إن ال خبير‪ ‬بأعمههالكم ونيههاتكم‬
‫' لكل امرئ مهها نههوى '‪ .‬أو آمنههوا اليمههان التحقيقههي واتقههوا اله فههي الحتجههاب عنههه‬ ‫‪‬‬
‫فيجازيكم بحسبها‪ ،‬كما قال‬
‫بأفعالكم وصفاتكم ‪‬ولتنظر نفس ما قدمت لغد‪ ‬من محقرات العمال والصفات‪ ،‬فإنههها حجههب حههاجزة ووسههائل مههردودة‬
‫مذمومة‪ ،‬واتقوا ال في البقيات والتلوينات فإن ال خبير بما تعملون بنفوسكم وما تعملون به ل بنفوسكم‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحشر من ]آية ‪ [21 - 19‬ول تكونوا كالذين نسوا ال‪ ‬بالحتجاب بالشهوات الجسمانية والشههتغال‬
‫باللذات النفسانية ‪‬فأنساهم أنفسهم‪ ‬حتى حسبوها البدن وتركيبه ومزاجه فذهلوا عن الجوهرة القدسية والفطريههة النوريههة‬
‫‪‬أولئك هم الفاسقون‪ ‬الذين خرجوا عن الدين القيم الذي هو فطرة ال التي فطههر النههاس عليههها وخههانوا وغههدروا وجاسههوا‬
‫ونبذوا عههد اله وراء ظههورهم فخسههروا‪ .‬ل يسههتوي‪ ‬الناسههون الغهادرون الههذين ههم ‪‬أصهحاب النهار و‪ ‬المؤمنهون‬
‫المتحققون المتقون الموفون بعهدهم الذين هم ‪‬أصحاب الجنة أصحاب الجنههة هههم الفههائزون‪ ‬والخاسههرون لفههرط غفلتهههم‬
‫وذهاب تمييزهم كأنهم ل يفرقون بين الجنهة والنهار وإل لعلمهوا بمقتضهى تمييزههم ‪‬علهى جبهل‪ ‬أي قلهوبهم أقسهى مهن‬
‫الحجر في عدم التأثر والقبول إذ الكلم اللهي بلغ من التأثير ما ل إمكههان للزيههادة وراءه حههتى لههو فههرض إنزالههه علههى‬
‫جبل لتأثر منه بالخشوع والنصداع‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحشر من ]آية ‪[24 - 22‬‬
‫‪‬هو ال الذي ل إله إل هو‪ ‬لما كان السلم مبنيا على الجمع والتفصيل كثر تكرارهمها فهي المثهاني‪ ،‬أي ل إلهه فهي‬
‫الوجود إل هو‪ ،‬فجمع ثم فصل بقوله ‪‬عالم الغيب والشهادة‪ ‬والعلم مبدأ التفصيل إذ عالميته هي تميههز الحقههائق وأعيههان‬
‫الماهيات في عين الجمع أي صور الماهيات في عالم الغيههب عههن عههالميته ووجوداتههها فههي عههالم الشهههادة هههي بعينههها‬
‫ظهرت في مظاهر محسوسة ل بمعنى النتقال بل بمعنى الظهور والبطون كظهور الصورة المعلومة علههى القرطههاس‬
‫بالكتابة‪ ،‬فكل ما ظهر فعن علمه السابق ظهر‪ .‬الرحمن‪ ‬بإفاضة وجودات الماهيات وصورها النوعية على المظاهر‬
‫باعتبار البداية ‪‬الرحيم‪ ‬بإفاضة كمالتها في النهاية‪ .‬ثم كرر التوحيد الههذاتي باعتبههار الجمههع لينبههه علههى أن هههذه الكههثرة‬
‫المعتبرة باعتبار تفاصيل الصفات ل تنههافي وحههدته الذاتيههة كالضههافيات والسههلبيات المعههدودة بعههده ‪‬الملههك‪ ‬أي الغنههي‬
‫المطلق الذي يحتاج إليه كل شيء المدبر للكل في ترتيب النظام‪ ،‬الحكمي الذي ل يمكن كون أتههم وأكمههل منههه ‪‬القههدوس‪‬‬
‫المجرد عن المادة وشوائب المكان في جميع صفاته فل يكون شيء من صفاته بالقوة وفي وقت دون وقت ‪‬السلم‪ ‬أي‬
‫المؤمن لهل اليقين بإنزال السكينة ‪‬المهيمن‪ ‬الحافظ لمن أمنههه علههى حالههة المههن مههن كههل‬
‫‪‬‬ ‫المبرأ عن النقائص كالعجز ‪‬‬
‫مخوف ‪‬العزيز‪ ‬القوي الذي يغلب ول يغلب ‪‬الجبار‪ ‬الذي يجبر كل أحد على مهها أراد ‪‬المتكههبر‪ ‬المتعههالي عههن أن يصههل‬
‫إليه غيره ويقارنه في الوجود ‪‬سبحان ال عما يشههركون‪ ‬بإثبههات الغيههر ‪‬الخههالق‪ ‬المقهدر للمظهاهر علههى حسهب مها أراد‬
‫ظهوره من أسمائه وصفاته ‪‬البارئ‪ ‬المفصل المميههز بعضههها عههن بعههض بههالهيئات المتميههزة فههي عيههن ذاتههه ‪‬المصههور‪‬‬
‫له هذه ‪‬السماء الحسنى‪ ‬الظاهرة في صور المخلوقات المصههورة الباطنههة فههي صههور‬ ‫لصورة تفاصيل مظاهر صفاته ‪ ‬‬
‫المبدعات المغيبة ليسبح ذاته على لسان أسمائه وصفاته وال أعلم‪.‬‬

‫سورة الممتحنة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الممتحنة من ]آية ‪ [2 - 1‬عدو ال هو الذي خالف عهههده وأعههرض بقلبههه عههن جنههابه‪ ،‬فبالضههرورة‬
‫يكون مشركا بمحبة الغير وعدوا لكل موحد ينفي الغير لكون كل منهما فههي عههدوة حينئذ ولهههذا قههال ‪‬عههدوي وعههدوكم‪‬‬
‫وأشار إلى كون الموالة بينهما عرضيا ل ذاتيا بقوله ‪‬تلقون إليهم بالمودة‪ ‬ثم بين امتناع كونه ذاتيا ببيان المنافاة الذاتية‬
‫بينهما وعدم المناسبة والجنسية من جميع الوجوه بقوله ‪‬وقد كفروا‪ ‬إلى آخره‪ ،‬ثم أشار إلى أن وقوعها ل يكون إل عند‬
‫الجنسية وحدوث الميل إلى الشرك‪ ،‬فإن وقعت فل بد منهما بقوله ‪‬ومن يفعله منكم فقد ضل سههواء السههبيل‪ ‬أي طريههق‬
‫الوحدة‪. .‬‬
‫تفسير سورة الممتحنة من ]آية ‪ [6 - 3‬ثم أشار إلى أن العرضية ل يجوز أن يختارها أهههل التحقيههق لن السههبب‬
‫الموجب لها أمور فانية ل يبقى نفعها إل في الدنيا والعاقل يجب أن يختار المور الباقية دون الفانية بقوله ‪‬لههن تنفعكههم‬
‫أرحامكم ول أولدكم‪ ‬أي ل نفع لمن اخترتم موالة العدو الحقيقي لجله لن القيامة الصغرى مفرقة بينكم تفريقهها أبههديا‬
‫لعدم التصال الحقيقي الباقي بعد الموت بينكم‪ ،‬وهذا معنى قوله ‪‬يوم القيامة يفصل بينكههم‪ ‬أي يفصههل اله بينكههم وبيههن‬
‫أرحامكم وأولدكم‪ ،‬كما قال ‪‬يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه‪] ‬عبس‪ ،‬اليههات ‪ .[36– 34‬ثههم‬
‫وأصهحابه ‪‬لسهتغفرن لهك‪ ‬أي لطلبهن لهك‬ ‫‪‬‬ ‫علمهم طريق التوحيد بالتأسي بالموحد الحقيقي السابق إبراهيم النبي‬
‫الغفران بمحو صفاتك وسيئات أعمالك بالنور اللهي ‪‬وما أملك‪ ‬إل الطلب‪ .‬وأمهها وجههود ذلههك فههأمر متعلههق بمشههيئة اله‬
‫وعنايته كما قال ‪‬إنك ل تهدي من أحببت ولكن اله يههدي مهن يشهاء‪] ‬القصهص‪ ،‬اليهة ‪ [56‬ربنها عليهك توكلنها‪‬‬
‫بالخروج عن أفعالنا بشهود أفعالك ‪‬وإليك أنبنا‪ ‬بمحو صفاتنا بمطالعة صفاتك ‪‬وإليك المصههير‪ ‬بفنههاء ذواتنهها ووجوداتنهها‬
‫في ذاتك وهو التوحيد التام‪ .‬ربنا ل تجعلنا فتنة للذين كفروا( أي إنا ل نخافهم ول نرى لهم تأثيرا ول وجودا ولكنهها‬
‫نعوذ بعفوك من عقابك حتى ل تعاقبنا بهم ول تبلينا بأيديهم بسبب ما فرط منا من السيئات والظهور بالصههفات ‪‬واغفههر‬
‫لنا‪ ‬ذنوب تفريطاتنا بالعفو ل بالعقوبة ‪‬إنك أنت العزيز‪ ‬القوي على عقابنا بهم وعلى دفعهم عنا وقمعهم وقهرهم ‪‬الحكيم‪‬‬
‫ل يفعل أحد المرين ول يختاره إل بمقتضى الحكمة ثم كرر وجوب التأسي بههإبراهيم وأصههحابه وأثبتههه لمههن كههان فههي‬
‫بداية التوحيد في مقام الرجاء وتوقع الكمال‪. .‬‬
‫تفسير سورة الممتحنة من ]آية ‪ [13 - 7‬عسى ال أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة‪ ‬برفع موجب‬
‫العداوة الذي هو الكفر‪ ،‬إذ الحتجاب ليس أمرا فطريا بل اليمان بمقتضى الفطرة الصلية والتحاب وإنما حههدث الكفههر‬
‫عند الحتجاب بالنشأة والنغمار في الغواشي الطبيعية ‪‬وال‪ ‬قادر على رفعها‪ ،‬وإذا ارتفعههت ظهههرت المههودة الحقيقيههة‬
‫بنور الوحدة الذاتية ومقتضى الخوة اليمانية ‪‬وال غفور‪ ‬يستر تلك الهيئات المظلمة الحاجبة بنور صفاته ‪‬رحيم‪ ‬يرحم‬
‫أهل النقصان فيجبره بإفاضة كمالته ‪‬إن ال يحب المقسههطين‪ ‬لن العدالههة هههي ظههل المحبههة والمحبههة ظههل الوحههدة فمهها‬
‫ظهرت العدالة في مظهر إل وقد تعلقت محبة ال به أول إذ ل ظل بغير الذات وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الصف‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الصف من ]آية ‪ [3 - 1‬يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون‪ ‬من لوازم اليمههان الحقيقههي‬
‫الصدق وثبات العزيمة‪ ،‬إذ خلوص الفطرة عن شوائب النشأة يقتضيهما‪ ،‬وقوله ‪‬لم تقولون ما ل تفعلون‪ ‬يحتمل الكههذب‬
‫وخلف الوعد‪ ،‬فمن ادعى اليمان وجب عليه الجتناب عنهما بحكم اليمههان وإل فل حقيقههة ليمههانه‪ ،‬ولهههذا قههال ‪‬كههبر‬
‫مقتا عند ال أن تقولوا ما ل تفعلون‪ ‬لن الكذب ينافي المروءة التي هي من مبادئ اليمان فضل عههن كمههاله إذ اليمههان‬
‫الصلي هو الرجوع إلى الفطرة الولى والدين القيم وهي تستلزم أجناس الفضهائل بجميهع أنواعهها الهتي أقهل درجاتهها‬
‫العفة المقتضية للمروءة‪ ،‬والكاذب ل مروءة له فل إيمان له حقيقههة‪ .‬وإنمهها قلنهها ل مههروءة لههه لن النطههق هههو الخبههار‬
‫المفيد للغير المعنى المدلول عليه باللفظ والنسان خاصته التي تميزه عن غيره هي النطههق فههإذا لههم يطههابق الخبههار لههم‬
‫تحصل فائدة النطق‪ ،‬فخرج صاحبه عن النسانية وقد أفاد ما لم يطههابق مهن اعتقههاد وقههوع غيههر الواقههع فههدخل فههي حههد‬
‫الشيطنة فاستحق المقت الكبير عند ال بإضاعة استعداده واكتساب ما ينافيه من أضداده‪ .‬وكذا الخلههف لنههه قريههب مههن‬
‫الكذب ولن صدق العزم وثباته من لوازم الشجاعة التي هي إحدى الفضائل اللزمههة لسههلمة الفطههرة وأول درجاتههها‪،‬‬
‫فإذا انتفت انتفى اليمان الصلي بانتفاء ملزومه فثبت المقت من ال‪. .‬‬
‫تفسير سورة الصف من ]آية ‪[9 – 4‬‬
‫‪‬إن ال يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا‪ ‬لن بذل النفس في سبيل ال ل يكون إل عند خلوص النفس في محبة اله‬
‫إذ المرء إنما يحب كل ما يحب من دون ال لنفسه‪ ،‬فأصل الشرك ومحبة النداد محبة النفس فإذا سمح بالنفس كان غير‬
‫محب لنفسه وإذا لم يحب نفسه فبالضرورة لم يحب شيئا من الدنيا وإذا كان بذله للنفس في ال وفي سبيله ل للنفس كمهها‬
‫قال ' ترك الدنيا للدنيا '‪ ،‬كانت محبة ال في قلبه راجحة على محبة كل شيء فكان من الذين قال فيهم ‪‬والههذين ءامنههوا‬
‫أشد حبا ل‪] ‬البقرة‪ ،‬الية ‪ ،[56‬وإذا كانوا كذلك يلزم محبههة اله إيههاهم لقههوله ‪‬يحبهههم ويحبههونه‪] ‬المههائدة‪ ،‬اليههة ‪.[54‬‬
‫وبالحقيقة ل تكون محبة ال إل منه‪ .‬فلما زاغوا‪ ‬عن مقتضى علمهم لفرط الهوى وحب الدنيا ‪‬أزاغ ال قلههوبهم‪ ‬عههن‬
‫طريق الهدى وحجبهم عن نور الكمال لقبالهم على الجهة السفلية وميلهم عن مقتضى الفطرة الصههلية ‪‬واله ل يهههدي‬
‫القوم الفاسقين‪ ‬الخارجين عن مقتضى الفطرة الهتي ههي الههدين القيهم إلهى نهور الكمههال لههزوال السههتعداد وعهدم القابههل‪.‬‬
‫‪‬ومن أظلم ممن افترى على ال الكذب‪ ‬إذ وضع نوره في الظلمة وصرف بضاعة البقاء‪ ،‬أي الستعداد الفطري فههي‬
‫متاع الفناء مع وجود الداعي الخارجي الذي هو النبي إلى السلم الذي هو مقتضى ذلك النور الصلي ‪‬واله ل يهههدي‬
‫الموصوفين بهذه الصفة إلى النور الكمالي أي نور ذاته وسبحات وجهه لما ذكر في الفاسقين‪ .‬تفسير سورة الصف من‬
‫]آية ‪ [13 - 10‬يا أيها الذين آمنوا‪ ‬اليمان التقليدي لن التجارة المنجية من العذاب الليم الههتي دعههاهم إليههها إنمهها‬
‫تكون للمحتجبين عن نور ال بصفات النفوس وهيئاتها ‪‬تؤمنههون بههال ورسههوله‪ ‬تحقيقهها ويقينهها اسههتدلليا ‪‬و‪ ‬بعههد صههحة‬
‫الستدلل وقوة اليقين ‪‬تجاهدون في سبيل ال بأموالكم وأنفسكم‪ ‬لن بذل المال والنفس فههي سههبيل اله ل يكههون إل عههن‬
‫يقين ‪‬ذلكم خير لكم‪ ‬لنهما ستصيران إلى الفناء فإذا بعتموها بالباقيات من اللذات المستعلية عليهمهها كههان خيههرا لكههم ‪‬إن‬
‫كنتم تعلمون‪ ‬علما يقينيا‪ .‬يغفر لكههم‪ ‬ذنههوب سههيئات أعمههالكم وهيئات نفوسههكم المظلمههة ‪‬ويههدخلكم جنههات‪ ‬مههن جنههات‬
‫النفوس لنهم كانوا تاجرين باذلين النفس والموال للعواض‪ ،‬عاملين بقههوله ‪‬إن ال ه اشههترى مههن المههؤمنين أنفسهههم‬
‫وأموالهم بأن لهم الجنة‪] ‬التوبة‪ ،‬الية ‪ [111‬تجري من تحتها‪ ‬أنهار علوم التوكل وتوحيد الفعال وعلوم الشههرائع‬
‫والخلق ‪‬ومساكن طيبة‪ ‬كمقام التوكل وسائر منازل النفوس ومقاماتها ‪‬ذلك الفوز العظيم‪ ‬بالنسبة إلى من ليس له هههذه‬
‫المقامات في تلك الجنات ل العظيم المطلق‪ .‬وأخرى تحبونها‪ ‬وتجارة أخرى أربههح منههها وأجههل محبوبههة إليكههم هههي‬
‫‪‬نصر من ال‪ ‬بالتأييد الملكوتي والكشف النهوري ‪‬وفتهح قريهب‪ ‬بالوصهول إلهى مقهام القلهب ومطالعهة تجليهات الصهفات‬
‫وحصول مقام الرضا‪ ،‬وإنما قال ‪‬تحبونها‪ ،‬لن المحبة الحقيقية ل تكون إل بعد الوصول إلى مقام القلههب وإنمهها سههماها‬
‫تجارة لستبدالهم صفات ال تعالى مكان صفاتهم‪. .‬‬
‫تفسير سورة الصف ]آية ‪ [14‬الحواريون هم الذين خلصوا عن ظلمة النفوس وسواد الهيئات الطبيعيههة بالوصههول إلههى‬
‫مقام القلب وتنوروا بنور الفطرة الصلية‪ ،‬فابيضت وجوههم الحقيقية بالتصفية ‪‬مههن أنصههاري إلههى اله‪ ‬أي مههن معههي‬
‫متوجها إلى نصرة ال بالسلوك في صفاته ‪‬قال الحواريون( ‪‬الصافون‪) ‬نحهن أنصهار اله‪ ‬ننصهره بإظههار كمهالت‬
‫صفاته في مظاهرنا فسلكوا في صفاته وأظهروا أنوارها حتى بلغوا الكمال القلبي والتكميل بالتأثير ‪‬فههآمنت طائفههة‪ ‬بهههم‬
‫وبتأثير صحبتهم لقبول استعداداتهم ‪‬وكفرت طائفة‪ ‬لحتجابهم بصفاتهم ‪‬فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم‪ ‬بالتأييههد النهوري‬
‫‪‬فأصبحوا ظاهرين‪ ‬غالبين عليهم بالحجج النيرة والبراهين الواضحة‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الجمعة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الجمعة من ]آية ‪ [9 - 1‬إذا نودي للصلة من يوم الجمعة‪ ‬كل وضع ل تطلههع العقههول البشههرية‬
‫على سببه فهو من طور وراء العقل المشوب بالوهم لمتناع وقههوع التخصههيص مههن غيههر مخصههص كوضههع حههروف‬
‫التهجي وأيام السابيع‪ ،‬بل وضع اللغات كلها‪ ،‬فإن في كل بقعة من بقاع الرض لغة ل شك في أن أول التكلم بههها أمههر‬
‫توقيفي اقتضاه استعداد خاص باجتماع أمور سفلية وعلوية ل يمكننا ضبطها‪ ،‬ولو قلنا بالصطلح لكان ل يخلو أيضهها‬
‫من سبب يوجب الصطلح على ذلك الوضع المخصوص‪ ،‬فأيام السبوع وضعت بإزاء اليههام اللهيههة الههتي هههي مههدة‬
‫الدنيا وقد اشتهر فيما بين الناس في جميع العصار أن مدة الدنيا سبعة آلف سنة على عدد الكواكب السبعة‪ ،‬فكل ألههف‬
‫سنة يوم من أيام ال لقوله ‪‬وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون‪] ‬الحج‪ ،‬الية ‪ .[47‬وتفيد مدة الههدنيا بالسههبعة هههو‬
‫كما قال ' بعثت أنهها‬‫أن جميع مدة دور الخفاء المطلق ستة آلف سنة ويبتدئ الظهور في السابع مع ظهور محمد ‪‬‬
‫والساعة كهاتين '‪ ،‬وجمع بين السبابة والوسطى‪ .‬ويزداد إلى تمام سبعة آلف سنة من لههدن آدم ‪ ‬أول النبيههاء إلههى‬
‫زمان المهدي ‪ ،‬وينقضي الخفاء بالظهور التام لقيام الساعة ووقوع القيامة الكبرى وعنهد ذلهك يظههر فنهاء الخلهق‬
‫والبعث والنشور والحساب ويتميز أهل النار وأهل الجنة ويرى عرش ال بارزا كمهها حكههى حارثههة ‪ ‬عههن شهههوده‬
‫وهي في الخرة‪.‬‬
‫فالستة منها هي التي خلق فيها السموات والرض لن الخلق حجاب الحق‪ ،‬فمعنى خلق اختفى بهما فأظهرهما وبطههن‪،‬‬
‫واليوم السابق هو يوم الجمع وزمان الستواء على العرش بالظهور في جميع الصفات‪ ،‬وابتداء يوم القيامهة الههذي طلههع‬
‫فجره ببعثة نبينا محمد صلى ال عليه وعلى آله‪ ،‬فالمحمديون أهل الجمعة ومحمد صاحبها وخههاتم النههبين‪ ،‬وإنمهها سههمي‬
‫يوم الجمع لنه وقت الظهور في صورة السم العظم لجميع الصفات ووقت اسههتوائه فههي الظهههور بجميعههها بحيههث ل‬
‫يختلف بالظهور والخفاء‪ .‬ولهذا السر ندبت الصلة يوم الجمعة وقت الستواء وكرهت فههي سههائر اليههام‪ ،‬ويسههمى هههذا‬
‫الظهور عين الجمع لجتماع الكل فيه ولهذا المعنى سميت الجمعة جمعة‪ .‬واتفق أهل الملل كلها من اليهود وغيرهههم أن‬
‫ال فرغ من خلق السموات والرض في اليوم السابع‪ ،‬إل أن اليهود قالوا إنه السبت‪ ،‬وابتداء الخلق مههن الحههد‪ .‬وعلههى‬
‫ما أولنا يكون هو يوم الجمعة‪ .‬وكون الحد ابتداء الخلق مههؤول بههأن أحديههة الههذات منشههأ الكههثرة وإن جعلنهها الحههد أول‬
‫اليام ووقت ابتداء الخلق كان دور النبوة دور الخفاء‪ .‬وفي السادس ابتداء الظهور وازداد في الخواص حتى ينتهي إلى‬
‫تمام الظهور وارتفاع الخفاء في آخره عند خروج المهدي‪ ،‬ويعم الظهور في السهابع الهذي ههو السهبت‪ .‬ولمها كهان ههذا‬
‫اليوم ‪ -‬أي يوم الجمعة ‪ -‬موضوعا بإزاء هذا المعنى‪ ،‬ندب الناس فيه إلى الفراغ من الشغال الدنيوية الههتي هههي حجههب‬
‫كلها والحضور والجتماع في الصلة وأوجب السعي إلى ذكر ال فيه وترك البيع لكي تتظاهر النفوس بهيئة الجتماع‬
‫في صلة الحضور المعد للوصول إلى حضرة الجمع عسى أن يتذكر أحدهم بالفراغ عن الشغال الدنيوية التجرد عههن‬
‫الحجب الخلقية‪ ،‬وبالسعي إلى ذكر ال‪ ،‬السلوك في طريقه‪ ،‬والصلة مع الجتماع الوصول إلى حضرة الجمع‪ ،‬فيفلح‪.‬‬
‫‪‬ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون‪ ‬سر ذلك وحقيقته‪. .‬‬
‫تفسير سورة الجمعة من ]آية ‪ [11 - 10‬فإذا قضيت الصلة فانتشروا‪ ‬المر بالنتشار ‪‬في الرض‪ ‬وابتغاء الفضل‬
‫بعد انقضاء الصلة إشارة إلى الرجوع إلى التفصيل بعد الفناء في الجمههع بالصههلة الحقيقيههة‪ ،‬فههإن الوقههوف مههع الجمههع‬
‫حجاب الحق عن الخلق وبالذات عن الصفات‪ .‬فالنتشار هو التقلب في الصفات حال البقاء بعد الفناء بههالوجود الحقههاني‬
‫والسير بال في الخلق وابتغاء فضل ال هو طلب حظوظ تجليات السماء والصفات والرجههوع إلههى مقههام أرض النفههس‬
‫وتوفية حظوظها بالحق ‪‬واذكروا ال كثيرا‪ ‬أي احضروا الوحدة الجمعية الذاتية في صورة الكثرة الصههفاتية بحيههث لههم‬
‫تحتجبوا بالكثرة عن الوحدة فتضلوا بعد الهداية ولزموا طريق الستقامة في توفية حقوق الحق والخلق معهها ومراعههاة‬
‫الجمع والتفصيل جميعا ‪‬لعلكم تفلحون‪ ‬بالفلح العظم الذي ههو حكمهة وضهع الجمعيهة ‪‬وإذا رأوا تجهارة أو لههوا‪ ‬إلهى‬
‫آخره‪ ،‬أي أين هم وهذا المعنى ؟ وأنى لهم هذه المعاملة ؟ لقد بعدوا فذهلوا واحتجبوا فلهوا ‪‬قل ما عند ال خير‪ ‬أي إن‬
‫لم تربأ فطرتكم بهمتكم إلى هذا المعنى فاعملوا للعواض الباقية عنهد اله فإنهها خيهر مهن المهور الفانيهة الهتي عنهدكم‬
‫وفوضوا أمر الرزق إليه بالتوكل فإن ال هو ‪‬خير الرازقين‪ ‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة المنافقين‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة المنافقون من ]آية ‪ [2 - 1‬المنافقون‪ ‬هم المتذبذبون الذين يجذبهم الستعداد الصهلي إلهى نهور‬
‫اليمان والستعداد العارضي الذي حدث برسوخ الهيئات الطبيعية والعادات الرديئة إلى الكفر‪ ،‬وإنمهها هههم كههاذبون فههي‬
‫شهادة الرسالة لن حقيقة معنى الرسالة ل يعلمها إل ال والراسخون فههي العلهم الهذين يعرفههون اله ويعرفههون بمعرفتههه‬
‫رسول ال‪ ،‬فإن معرفة الرسول ل تمكن إل بعد معرفة ال وبقهدر العلههم بههال يعههرف الرسهول فل يعلمههه حقيقهة إل مهن‬
‫انسلخ عن علمه وصار عالما بعلم ال وهم محجوبون عن ال بحجب ذواتهم وصههفاتهم وقههد أطفههؤوا نههور اسههتعداداتهم‬
‫بالغواشي البدنية والهيئات الظلمانية فأنى يعرفون رسول ال حتى يشهدوا برسالته‪. .‬‬
‫تفسير سورة المنافقون من ]آية ‪ [8 - 3‬ذلك ب‪ ‬سبب ‪‬أنهم آمنوا‪ ‬بال بحسب بقية نور الفطرة والستعداد ‪‬ثم‬
‫كفروا‪ ‬أي ستروا ذلك النور بحجب الرذائل وصفات نفوسهم ‪‬فطبع على قلوبهم‪ ‬برسوخ تلهك الهيئات وحصهول الريهن‬
‫من المكسوبات فحجبوا عن ربهم بالكلية ‪‬فهم ل يفقهون‪ ‬معنى الرسالة ول علم التوحيد والدين‪ .‬وإذا رأيتهم تعجبههك‬
‫أجسامهم‪ ‬لن التناسب في أشكالهم وحسن مناظرهم وروائهم وكمال صباحتهم ووسامتهم دل على استعدادهم مههن جهههة‬
‫لقولهم واستمع إلى كلمهههم‪ .‬فههإن الصههباحة وحسههن المنظههر ل‬ ‫‪‬‬ ‫الفراسة ونم بنور فطرهم‪ ،‬ولهذا سمع رسول ال‬
‫يكون إل من صفاء الفطرة في الصل‪ .‬ولما رأى غلبة الريههن علههى قلههوبهم وانطفههاء نههور اسههتعدادهم وإبطههال الهيئات‬
‫البدنية العارضية خواصهم الصلية آيس منهم وتعجب من حالهم بقهوله ‪‬أنههى يؤفكههون‪ ‬أي يصههرفون عههن النههور إلههى‬
‫الظلمة وعن الحق إلى الباطل‪ .‬وروي عن بعض الحكماء أنه رأى غلما حسنا وجهه‪ ،‬فاسههتنطقه لظنههه ذكههاءه وفطنتههه‬
‫فما وجد عنده معنى فقال ما أحسن هذا البيت ولو كان فيه ساكن‪ ،‬وهذا معنههى قههوله ‪‬كههأنهم خشههب مسههندة‪ ‬أي أجههرام‬
‫خالية عن الرواح ل نفع فيها ول ثمر كالخشاب المسندة إلى الجدران عند الجفاف وزوال الههروح الناميههة عنههها‪ ،‬فهههم‬
‫في زوال استعداد الحياة الحقيقية والروح النساني بمثابتها ‪‬يحسبون كههل صههيحة عليهههم هههم العههدو‪ ‬لن الشههجاعة إنمهها‬
‫تكون من اليقين‪ ،‬واليقين من نور الفطرة وصفاء القلب‪ ،‬وهم منغمسون في ظلمات صفات النفههوس محتجبههون باللههذات‬
‫والشهوات أهل الشك والرتياب‪ ،‬فلذلك غلبهم الجبن والخور فاحذرهم فقد بطل استعدادهم فل يهتدون بنورك ول تؤثر‬
‫فيهم صحبتك ‪‬لووا رؤوسهم‪ ‬لضراوتهم بالمور الظلمانية واعتيادهم بالكمالت البهيمية والسبعية فل يألفون النههور ول‬
‫يشتاقون إليه ول إلى الكمالت النسانية لمسخ الصورة الذاتية ‪‬ورأيتهم يصدون‪ ‬يعرضون لنجذابهم إلى الجهة السفلية‬
‫والزخارف الدنيويههة فل ميههل فههي طبههاعهم إلههى الجهههة العلويههة والمعههاني الخرويههة ‪‬وهههم مسههتكبرون‪ ‬لغلبههة الشههيطنة‬
‫واستيلء القوة الوهمية واحتجابهم بالنانية وقصور الخيرية ‪‬لن يغفر ال لهههم‪ ‬لرسههوخ الهيئات الظلمانيههة فيهههم وزوال‬
‫قبول استعداداتهم للهداية لفسقهم وخروجهم عن دين الفطرة القيم‪ .‬يقولون ل تنفقوا على مهن عنهد رسهول اله حهتى‬
‫ينفضوا‪ ‬لحتجابهم بأفعالهم عن رؤية فعل ال وبما في أيديهم عما في خزائن ال فيتوهمون النفاق منهههم لجهلهههم وكههذا‬
‫توهموا العزة والقدرة ولنفسهم لحتجاجهم بصفاتهم عن صفات ال فقالوا ‪‬ليخرجن العز منها الذل‪ ‬ولم يشههعروا أن‬
‫العزة والقوة والقدرة كلها أنوار ذات ال تعالى وصفاته اللزمة لذاته فبقدر القرب منه والفناء فيههه والمحههو فههي صههفاته‬
‫مههن‬‫‪‬‬ ‫ثم المؤمنين المحققين الموقنين فل أعز منه‬ ‫‪‬‬ ‫تظهر على المظاهر النسية ول أقرب إليه من رسول ال‬
‫جميع الخلق ثم الذين يلونه من المؤمنين ‪‬ولكن المنافقين ل يعلمون‪ ‬لمكان احتجابهم وشدة ارتيابهم‪ .‬ولقد قيض من نفس‬
‫من تكلم بهذا الكلم من أخرجه وحبسه ولم يدعه يدخل المدينة حتى أقر بههأن العههزة له ولرسههوله وللمههؤمنين‪ .‬روي أن‬
‫القائل لذلك هو عبد ال بن أبي‪ ،‬فلما رجعوا إلى المدينة سل ابنه السيف ومنع أباه من الدخول‪ ،‬فلم يزل حبيسهها فههي يههده‬
‫وشهد هو بعزة ال ورسوله والمؤمنين‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫حتى أذن له رسول ال‬
‫تفسير سورة المنافقون من ]آية ‪[11 – 9‬‬
‫‪‬ل تلهكم أموالكم ول أولدكم عن ذكر ال‪ ‬إن صدقتم في اليمان‪ ،‬فإن قضية اليمان غلبة حب ال على محبة كههل‬
‫شيء فل تكن محبتهم ومحبة الدنيا من شدة التعلق بهم وبالموال غالبة في قلوبكم علههى محبههة اله فتحتجبههوا بهههم عنههه‬
‫فتصيروا إلى النار فتخسروا نور الستعداد الفطري بإضاعته فيما يفنى سريعا‪ ،‬وتجههردوا عههن المههوال بإنفاقههها وقههت‬
‫الصحة والحتياج إليها ليكون فضيلة في أنفسكم وهيئة نورية لههها‪ ،‬فههإن النفههاق إنمهها ينفههع إذا كههان عههن ملكههة السههخاء‬
‫وهيئة التجرد في النفس‪ .‬فأما عند حضور الموت فالمال للوارث ل له فل ينفعههه إنفههاقه وليههس لههه إل التحصههر والتنههدم‬
‫وتمنى التأخير في الجل بالجهل فإنه لو كان صادقا في دعوى اليمان وموقنا بالخرة لتيقن أن الموت ضروري وأنههه‬
‫مقدر في وقت معين قدره ال فيه بحكمته فل يمكن تأخره ‪‬وال خبير‪ ‬بأعمالكم ونياتكم فل ينفع النفاق في ذلههك الههوقت‬
‫ول تمني التأخير في الجل‪ ،‬ووعد التصدق والصلح لعلمه بأنه ليس عن ملكة السخاء ول عن التجرد والزكاء بل من‬
‫غاية البخل وحب المال كأنه يحسب أنه يذهب به معه وبأن ذلك التمني والوعد محهض الكهذب ومحبهة العاجلهة لوجهود‬
‫الهيئة المنافية للتصدق والصلح في النفس والميل إلى الدنيا‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪‬ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنههه وإنهههم‬
‫لكاذبون‪] ‬النعام‪ ،‬الية ‪ ،[28‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة التغابن‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة التغابن من ]آية ‪ [8 - 1‬فقالوا أبشر يهدوننا‪ ‬لما حجبوا بصفات نفوسهم عن النور الذي هو بههه‬
‫يفضل عليهم بما يقاس ولم يجدوا منه إل البشرية أنكروا هدايته‪ ،‬فإن كان عارف ل يعههرف معروفههه إل بههالمعنى الههذي‬
‫فيه فل يوجد النور الكمالي إل بالنور الفطري ول يعرف الكمال إل الكامل‪ ،‬ولهذا قيهل ل يعههرف اله غيههر الهه‪ .‬وكهل‬
‫طالب وجد مطلوبه بوجه ما دال لما أمكن به التوجه نحوه‪ ،‬وكذا كل مصدق بشيء فإنه واجد للمعنى المصههدق بههه بمهها‬
‫في نفسه من ذلك المعنى‪ ،‬فلما لم يكن فيهم شيء من النور الفطري أصل لم يعرفوا منه الكمال فأنكروه ولم يعرفوا من‬
‫الحق شيئا فيحهدث فيههم طلهب فيحتهاجوا إلهى الهدايهة فهأنكروا الهدايهة ‪‬فكفهروا‪ ‬مطلقها أي حجبهوا عهن الحهق والهدين‬
‫والرسول وأعرضوا بالتوجه إلى ما وجدوا من المحسوسات عن المعقول ‪‬و قد ‪‬استغنى اله‪ ‬بكمههاله لنههه واجههد كمههاله‬
‫مشاهد لذاته عرفوا أو لم يعرفوا ‪‬وال غني‪ ‬بذاته عن إيمانهم ل يتوقف كمال من كمالته عليهههم ول علههى معرفتهههم لههه‬
‫‪‬حميد‪ ‬كامل في نفسه بكمالته الظاهرة في مظاهر ذرات الوجود خصوصا على أوليائه وإن لم يظهر عليهم‪ ،‬أي إن لههم‬
‫يبصروه وإن لم يحمدوه بتلك الكمالت لحتجابهم عنها فهو حميد من كل موجود بكماله المخصوص به‪. .‬‬
‫تفسير سورة التغابن من ]آية ‪9‬‬
‫إلى الية ‪ [13‬ذلك يوم التغابن‪ ‬أي ليس التغابن في المور الدنيوية فإنها أمهور فانيهة سهريعة الهزوال‪ ،‬ضهرورية‬
‫الفناء‪ ،‬ل يبقى شيء منها لحد‪ ،‬فإن فات شيء من ذلك أو أفاته أحد ولو كان حيههاته فإنمهها فههات أو أفيههت مهها لههزم فههوته‬
‫ضرورة فل غبن ول حيف حقيقة وإنما الغبن والتغابن في إفاتة شيء لو لم يفته لبقي دائمهها وانتفههع بههه صههاحبه سههرمدا‬
‫وهو النور الكمالي والستعدادي فتظهر الحسرة والتغابن هناك في إضاعة الربح ورأس المال في تجارة الفوز والنجهاة‬
‫كما قال ‪‬فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين‪] ‬البقرة‪ ،‬اليهة ‪ [16‬فمهن أضهاع اسهتعداده ونهور فطرتههه كهان مغبونهها‬
‫مطلقا كمن أخذ نوره وبقي في الظلمة‪ ،‬ومن بقي نور فطرته ولم يكتسب الكمههال اللئق بههه الههذي يقتضههيه اسههتعداده أو‬
‫اكتسب منه شيئا ولم يبلغ غايته كان مغبونا بالنسبة إلى الكامل التام فكأنما ظفر ذلك الكامل بمقههامه ومرامههه وبقههي هههذا‬
‫متحيرا في نقصانه ‪‬ومن يؤمن بال‪ ‬بحسب نور استعداده ‪‬ويعمل صالحا‪ ‬بمقتضى إيمههانه فههإن العمههل إنمهها يكهون بقههدر‬
‫النظر ‪‬يكفر عنه سيئاته‪ ‬التي اتقى ال فيها بعمله ‪‬ويدخله جنات‪ ‬على حسب درجات أعمههاله‪ ،‬فههإن آمههن تقليههدا واجتنههب‬
‫المعاصي وعمل بالطاعات يكفر عنه سيئات ذنوبه ويدخله جنات النفس على حسههب درجههات عملههه وتقههواه‪ ،‬وإن آمههن‬
‫تحقيقا واجتنب صفاته وعمل بالسلوك في صفات ال ومرضاته يكفر عنه سههيئات صههفات نفسههه ويههدخله جنههات القلههب‬
‫على قدر مراتبه في العمال والمقامات‪ ،‬وإن آمن ايمانا عينيا وعمههل بالمشههاهدة واتقههى اله فههي وجههوده يههدخله جنههات‬
‫الروح بتكفير سيئات وجود قلبه وصفاته‪ ،‬وإن آمن إيمانا حقيقيا واتقى في آنيتههه ورؤيههة فنههائه يكفههر عنهه سههيئات بقيتههه‬
‫وتلوينه بظهور أنائيته ويدخله جنات الذات‪ .‬والذين كفروا‪ ‬حجبوا في مقابلة المؤمنين ومراتبهم ‪‬أولئك أصحاب‪ ‬نار‬
‫الطبقة التي حجبوا بها معذبين‪ .‬ما أصاب من مصيبة‪ ‬من هذه المصائب الحاجبة وغيرها ‪‬إل بإذن اله‪ ‬أي بتقههديره‬
‫ومشيئته على مقتضى حكمته ‪‬ومن يؤمن بال‪ ‬أحد اليمانات المذكورة ‪‬يهد قلبه‪ ‬إلى العمل بمقتضههى إيمههانه حههتى يجههد‬
‫كمال مطلوبه الذي آمن به ويصل إلى محل نظره ‪‬وال بكل شيء عليم‪ ‬فيعلم مراتب إيمههانكم وسههرائر قلههوبكم وأحههوال‬
‫أعمالكم وآفاتها وخلوصها من الفات‪ .‬وأطيعوا ال وأطيعوا الرسول‪ ‬على حسب معرفتكم بال وبالرسول فإن أكثر‬
‫التخلف من الكمال والوقوع في الخسران والنقصان إنما يقع من التقصير في العمل وخور القدم ل من عدم النظر‪. .‬‬
‫تفسير سورة التغابن من ]آية ‪ [18 - 14‬إن من أزواجكم وأولدكم‪ ‬أي بعضههم لحتجهابكم بههم ووقهوفكم معههم‬
‫بالمحبة وشههدة العلقههة فتشههركونهم بههال فههي المحبههة بالتسههاوي فههي المحبههتين وتعبههدونهم مههن دون اله بإيثههارهم عليهه‬
‫‪‬فاحذروهم‪ ‬أي احفظوا أنفسكم عن محبتهم وشههدة التعلههق بهههم والحتجههاب‪ ،‬وعههاقبوهم عنههد التماسهههم ذلههك‪ ،‬أي إيثههار‬
‫وتصفحوا عن جرائمهم بالحلم ‪‬وتغفروا‪‬‬‫‪‬‬ ‫حقوقهم على حقوق ال في كل شيء من المحبة وغيرها ‪‬وأن تعفوا‪ ‬بالمداراة ‪‬‬
‫جناياتهم بالرحمة‪ ،‬فل ذنب ول حرج إنما الذنب في الحتجاب بهم وإفراط المحبة وشدة التعلههق ل فههي مراعههاة العدالههة‬
‫والفضيلة ومعاشرتهم بحسن الخلق فإنه مندوب بل اتصاف بصفات ال ‪‬فإن ال غفهور رحيهم‪ ‬فعليكههم التخلههق بههأخلقه‪.‬‬
‫‪‬أنما أموالكم وأولدكم فتنة‪ ‬ابتلء وامتحان من ال إياكم ‪‬وال عنده أجر عظيم‪ ‬لمن صههبر فههي مقههام البتلء وراعههى‬
‫حق ال فيه وتدارك ما قصر مما يجب لهم عليه فأساء الخلق وخالف أمر ال بما أمسك من المال وجمع ومنع حههق ال ه‬
‫فارتكب رذيلة البخل والعصيان‪ ،‬وما افرط في محبتهم ومراعاتهم فأضاع حق ال واحتجب بهم وكذا فههي محبههة المههال‬
‫فوضع في المقت والخسران وما أسرف فيه وأنفقه في المعاصي فكفر بنعمة ال‪ ،‬وقعد عن القيام بشكرها‪ ،‬وإن أصههاب‬
‫مال وولدا موافقا شكر وما بطر من شدة الفرح وما استغنى فطغى وإن فاته شيء من ذلههك صههبر ومهها جههزع مههن شههدة‬
‫الحزن فهلك وغوى‪ .‬فاتقوا ال‪ ‬في هذه المخالفات والفات في مواضع البليات ‪‬ما استطعتم‪ ‬بحسب مقامكم ووسعكم‬
‫على قدر حالكم ومرتبتكم ‪‬واسمعوا وأطيعوا أي افهموا هذه الوامر واعملوا بها ‪‬وأنفقوا‪ ‬أموالكم التي ابتلكم اله بههها‬
‫في مراضيه وأتوا خيرا لكم أي اقصدوا من الموال والولد ما هههو خيههر لكههم ‪‬ومههن يههوق‪ ‬بعصههمة اله هههذه الرذيلههة‬
‫المعجونة في طينة النفس ‪‬فأولئك هم المفلحون‪ ‬الفائزون بمقام القلب وثواب الفضيلة‪.‬‬

‫سورة الطلق‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الطلق من ]آية ‪ [4 - 1‬ومن يتق ال‪ ‬بحسب مقتضى مقامه واجتنب ذنب حاله ‪‬يجعل له مخرجا‪‬‬
‫من ضيق المقام والمكاسب إلى سعة روح الحههال والمهواهب فمههن يتقيههه فههي معاصههيه يجعههل لهه مخرجهها مهن مضههايق‬
‫الهيئات المظلمة وعقوبات نيران الطبيعة ‪‬ويرزقه‪ ‬ثواب جنة النفههس وأنههوار الفضههائل مههن عههالم الغيههب ‪‬مههن حيههث ل‬
‫يحتسب‪ ‬لعدم وقوفه منها ومن يتقيه في أفعال نفسه يجعل له مخرجا إلى مقام التوكل ويرزقه تجليات الفعال مهن حيهث‬
‫ل يحتسب‪ ،‬ومن يتقيه في صفات نفسه يجعل له مخرجا إلى مقام الرضا ويرزقه روح اليقين وثمرات تجليات الصفات‬
‫اللهية في جنة القلب من حيث ل يحتسب لعدم شعوره بها‪ ،‬ومن يتقيه في وجوده والتنههزه عنههه يجعههل لههه مخرجهها مههن‬
‫ضيق أنائيته إلى فسحة الوجود المطلق ويرزقه الوجود الموهوب من حيث ل يحتسههب ول يخطههر ببههاله ‪‬ومههن يتوكههل‬
‫على ال‪ ‬بقطع النظر عن الوسائل والنقطاع إليه من الوسايط ‪‬فهو حسبه‪ ‬كافية يوصل إليه ما قدر لههه ويسههوق إليههه مهها‬
‫قسم لجله من أنصبه الدنيا والخرة ‪‬إن ال بالغ أمره‪ ‬أي يبلغ ما أراد من أمره ل مانع له ول عائق‪ ،‬فمن تيقن ذلك ما‬
‫خاف أحدا ول رجا‪ ،‬وفوض أمره إليه ونجا ‪‬قد جعل ال لكل شيء قدرا‪ ‬أي عين لكل أمر حدًا معينهًا ووقتهًا معينهاً فههي‬
‫الزل ل يزيد بسعي ساع ول ينقص بمنع مانع وتقصير مقصههر ول يتههأخر عههن وقتههه ول يتقههدم عليههه‪ ،‬والمههتيقن لهههذا‬
‫الشاهد له متوكل بالحقيقة‪ .‬ومن يتق ال‪ ‬في مراعاة وقته والجتناب عن ذنب حاله ‪‬يجعل له‪ ‬من أمر‬
‫سلوكه ‪‬يسرا‪ ‬أي متى راعى آداب مقامه واجتنب ذنوب حاله في المواطن تيسر له الترقي منه إلى أعلى‪. .‬‬
‫تفسير سورة الطلق من ]آية ‪ [12 - 5‬ذلههك‪ ‬اليسههر المرتههب علههى التقههوى فههي كههل مرتبههة‪ .‬أمههر اله‪ ‬وشههأنه‬
‫المخصوص به وهو التوفيق على حسب الستعداد والفيض بقدر القبول ‪‬أنزله إليكم‪ ‬ثم كرر المبالغة تفصهيل مها أجمهل‬
‫فقال ‪‬ومن يتق ال يكفر عنه سيئاته‪ ‬أي موانعه وهيئات نفسه الحاجبة عن الفيههض‪ ،‬المانعههة للمزيههد ‪‬ويعظههم لههه أجههرا‪‬‬
‫بإفاضة ما يناسب حاله بحسب القبول والستعداد الجديد من الكمال ‪‬فاتقوا ال يا أولي اللباب‪ ‬أي اعتبروا بحال المههم‬
‫الماضين من المنكرين المعاندين وما نزل بهم من العذاب والوبال فاتقوا ال في أوامره ونواهيه إن خلصت عقولهم من‬
‫شوب الوهم‪ ،‬فإن اللب هو العقل الخالص من شوائب الوهم وذلك بخلوص القلب من شوائب صههفات النفههس والرجههوع‬
‫إلى الفطرة‪ ،‬وإذا خلص العقل مههن الهوهم والقلههب مهن النفههس كههان اليمههان يقينيهها فلههذلك وصههفهم ب ‪‬الههذين آمنههوا‪ ‬أي‬
‫اليمان التحقيقي‪ .‬قد أنزل ال إليكم ذكرا‪ ‬أي فرقانا مشتمل على ذكر الذات والصفات والسماء والفعههال والمعههاد‬
‫‪‬رسول‪ ‬أي روح القدس الذي أنزله به فأبدل منه بدل الشتمال لن إنزال الهذكر ههو إنزالهه بالتصههال بههالروح النبهوي‬
‫وإلقاء المعاني في القلب ‪‬يتلو عليكههم آيههات اله‪ ‬أي يجلهي عليكههم صهفاته ويكشهف لكههم توحيهدها ‪‬مبينههات‪ ‬متجليههات أو‬
‫مجليات لنوار الذات ‪‬ليخرج الذين آمنوا‪ ‬اليمان اليقيني من ظلمات صههفات القلههب إلههى نههور الههروح ومقههام المشههاهدة‬
‫‪‬ومن يؤمن بال‪ ‬اليمان العيني بالمشاهدة ‪‬ويعمل صالحا‪ ‬بالسير في ال بال ‪‬يدخله جنات‪ ‬من مشاهدات تجليات‬
‫صفاته ومطالعات أنوارها ‪‬تجري من تحتها‪ ‬أنهار علوم توحيد الفعال والصفات والذات ‪‬قد أحسههن اله لههه رزقهها‪ ‬مههن‬
‫تلك العلوم‪ .‬ال الذي خلق سبع سماوات ومن الرض مثلهن‪ ‬إن أخذنا السموات بمعناها الظاهر‪ ،‬فالراضي السهبعة‬
‫هي طبقات العناصر المشهورة فإنها قوابل بالنسبة إلى المؤثرات فهي أرضها الههتي تنههزل عليههها منههها الصههور الكائنههة‬
‫وهي النار الصرفة والطبقة الممتزجة من النار والهواء المسماة كههرة الثيههر الههتي تتولههد فيههها الشهههب وذوات الذنههاب‬
‫والذوائب وغيرها‪ ،‬وطبقة الزمهرير وطبقة النسيم وطبقة الصعيد والماء المشمولة للنسيم الشاملة للطبقههة الطينيههة الههتي‬
‫هي السادسة وطبقة الرض الصرفة عند المركز وإن حملناها على مراتب الغيوب السبعة المذكورة مههن غيههب القههوى‬
‫والنفس والعقههل والسههر والههروح والخفههاء وغيههب الغيههوب أي عيههن جمههع الههذات‪ ،‬فالرضههون هههي العضههاء السههبعة‬
‫المشهورة ‪‬يتنزل‪ ‬أمر ال باليجاد والتكوين وترتيب النظام والتكميل ‪‬بينهن‪ ‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة التحريم‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة التحريم من ]آية ‪ [7 - 1‬قوا أنفسكم وأهليكم نارا‪ ‬الهل بالحقيقة هو الذي بينه وبين الرجل تعلق‬
‫روحاني واتصال عشقي سواء اتصل به اتصال جسمانيا أو ل‪ ،‬وكل ما تعلق به تعلقا عشقيا فبالضرورة يكون معه في‬
‫الدنيا والخرة فوجب عليه وقايته وحفظه من النار كوقاية نفسه فإنه زكى نفسه عن الهيئات الظلمانية وفيه ميل ومحبهة‬
‫لبعض النفوس المنغمسة فيها لم يزكها بالحقيقة لنه بتلك المحبة تنجذب إليها فيكون معها في الهاوية محجوبا بها سواء‬
‫هي قواها الطبيعية الداخلة في تركيبه أو نفوس إنسانية منتكسة في عالم الطبيعههة خارجههة عههن ذاتههه ولهههذا يجههب علههى‬
‫الصادق محبة الصفياء والولياء ليحشر معهم فإن المرء يحشر مع من أحههب‪ .‬نههارا وقودههها النههاس والحجههارة‪ ‬أي‬
‫نارا مخصوصة من بين النيران بأن ل تتقههد إل بالنههاس والحجههارة لكونههها نههارا روحانيههة مهن صههفات قهههر اله تعههالى‬
‫مستولية على النفوس المرتبطة بالمور السفلية المقترنة بالجرام الجاسهية الرضهية بسلسهلة المحبهة الروحانيهة‪ ،‬فلمها‬
‫قرنت تلك النفوس أنفسها بها حبا وهوى حشرت معها في الهاوية ‪‬عليها‪ ‬أي يلهي أمرهها ‪‬ملئكهة غلظ‪ ‬أعهزاء جافيهة‬
‫غلظ الجرام وهي القوى السماوية والملكههوت الفعالههة فههي المههور الرضههية الههتي هههي روحانيههات الكههواكب السههبعة‬
‫والبروج الثنا عشر المشار إليها بالزبانية التسعة عشر غير مالك الذي هو الطبيعة الجسمانية الموكلههة بالعههالم السههفلي‬
‫وجميع القوى والملكوت المؤثرة في الجسام التي لو تجردت هذه النفوس النسانية ترقت من مراتبههها واتصههلت بعههالم‬
‫الجبروت وصارت مؤثرةفي هذه القوى الملكوتيهة ولكنههها لمهها انغمسههت فههي المههور البدنيههة وقرنههت أنفسههها بههالجرام‬
‫الهيولنية المعبر عنها بالحجارة صارت متأثرة منها محبوسة في أسههرها معذبههة بأيههديها ‪‬شههداد‪ ‬أي أقويههاء ل ليههن ول‬
‫رأفة ول رحمة فيهم لنهم مجبولون على القهر ل لذة لهم إل فيه ‪‬ل يعصون ال ما أمرهم‪ ‬لتسههخرهم وانقيههادهم لمههره‬
‫وطاعتهم وإذعانهم له لنهم وإن كههانوا قهههارين مههؤثرين بالنسههبة إلههى مهها تحتهههم مههن أجههرام هههذا العههالم وقواههها فههإنهم‬
‫مقهورون ومتأثرون بالنسبة إلى الحضرة اللهية‪ ،‬ولو لم يكن انقيادهم للمر اللهي طبعا لمها كهان لههم تهأثير فهي ههذا‬
‫العالم ‪‬ويفعلون ما يؤمرون‪ ‬لدوام تأثيرهم وعدم تناهي قواهم وقدرهم‪ .‬ل تعتذروا اليهوم‪ ‬إذ ليههس بعههد خههراب البههدن‬
‫ورسوخ الهيئات إل الجزاء على العمال لمتناع الستكمال ثمة‪. .‬‬
‫تفسير سورة التحريم من ]آية ‪ [9 - 8‬يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى ال‪ ‬بالرجوع إليه في كل حال من أحوالكم فإن‬
‫مراتب التوبة كمراتب التقوى فكما أن أول مراتب التقوى هو الجتنهاب عهن المنهيهات الشهرعية وآخرهها التقهاء عهن‬
‫النائية والبقية فكذلك التوبة أولها الرجوع عن المعاصههي وآخرههها الرجههوع عههن ذنههب الوجههود الههذي هههو مههن أمهههات‬
‫الكبائر عند أهل التحقيق ‪‬توبة نصوحا‪ ‬أي توبة ترقع الخروق وترتق الفتوق وتصلح الفاسد وتسد الخلل‪ ،‬فإن خلل كل‬
‫مقام وفساده ونقصانه ل ينسد ول ينصلح ول ينجبر إل عند التوبة عنه بالترقي إلى ما هو فوقه فإذا تههاب عنههه بههالترقي‬
‫وبرز عن حجاب رؤية ذلك المقام انجبر نقصه وتم‪ .‬وهو من النصح بمعنى الخياطة أو توبة خالصة عن شههوب الميههل‬
‫إلى المقام الذي تاب عنه والنظر إليه بعد اللتفات وقطع النظر عنه من النصوح بمعنى الخلوص ‪‬عسى ربكم أن يكفههر‬
‫عنكم سيئاتكم‪ ‬من ذنوب المقام الذي تبتم إليه عنه وحجبههه وآفههاته والنظههر إليههه أو العتههداد بههه والميههل إليههه ورؤيتههه أو‬
‫التلوين الذي يحدث بعد الترقي عنه كالتلوين بظهور النفس في مقام القلههب وبظهههور القلههب فههي مقههام الههروح وبظهههور‬
‫النائية في مقام الوحدة ‪‬ويدخلكم جنات‪ ‬مترتبة على مراتب التوبة ‪‬يوم ل يخزي ال النههبي والهذين آمنههوا معهه‪ ‬بظهههور‬
‫الحجاب في مقام القرب ‪‬نورهم يسعى بين أيديهم‪ ‬أي الذي لهم بحسب النظر والكمال العلمي ‪‬وبأيمانهم‪ ‬أي الههذي لهههم‬
‫بحسب العمل وكماله إذ النورالعلمي من منبع الوحدة والعملي من جانب القلب الذي هو يميههن النفههس أو نههور السههابقين‬
‫منهم يسعى بين أيديهم ونور البرار منهم يسعى بأيمانهم ‪‬يقولون ربنا أتمههم لنهها نورنهها‪ ‬أي يعههوذون بههه ويلههوذون إلههى‬
‫جنابه من ظهور البقية‪ ،‬فإنههها ظلمههة فههي شهههودهم فيطلبههون إدامههة النههور بالفنههاء المحههض‪ ،‬أو اأدم علينهها هههذا الكمههال‬
‫بوجودك ودوام إشراق سبحات وجهك‪ .‬يقولون ذلك عن فرط الشتياق مع الشهههود كقههوله ‪) %‬ويبكههي إن دنههوا خههوف‬
‫الفراق ‪ (%‬أو يقول بعضهم‪ ،‬وهم الذين لم يصلوا إلهى الشههود الهذاتي ‪‬واغفهر لنها‪ ‬ظههور البقايها بعهد الفنهاء أو وجهود‬
‫الثبات قبله‪ .‬جاهد الكفار والمنافقين‪ ‬للمضادة الحقيقية بينك وبينهم ‪‬واغلظ عليهههم‪ ‬لقوتههك بههال منبههع القههوى والقههدر‬
‫ومعدن القهر والعزة‪ ،‬عسى أن تنكسر صلبتهم وتلين شكيمتهم وعريكتهم فتنقهر نفوسهم وتههذل وتخضههع فتنفعههل عههن‬
‫النور القهري وتهتدي فتكون صورة القهر عين اللطف ‪‬ومأواهم جهنم وبئس المصير‪ ‬ما دام هم هم‪ ،‬أي ما داموا على‬
‫صفتهم أو دائما أبدا لزوال استعدادهم أو عدمه‪. .‬‬
‫تفسير سورة التحريم من ]آية ‪ [12 - 10‬ثم بين أن الوصل الطبيعية والتصالت الصورية غير معتههبرة فههي المههور‬
‫الخروية بل المحبة الحقيقية والتصالت الروحانية هي المههؤثرة فحسههب‪ ،‬والصههورية الههتي بحسههب اللحمههة الطبيعيههة‬
‫والخلطة والمعاشرة ل يبقى لها أثر فيما بعهد المهوت ول تكهون إل فهي الهدنيا بهالتمثيلين المهذكورين‪ ،‬وإن المعتهبر فهي‬
‫استحقاق الكرامة عند ال هو العمل الصالح والعتقاد الحق كإحصان مريم وتصههديقها بكلمههات ربههها وطاعتههها المعههدة‬
‫إياها لقبهول نفهخ روح اله فيههها‪ .‬وقهد يلههوح بينهمهها أن النفههس الخائنهة الهتي ل تفهي بطاعههة الهروح والقلههب ول بحسههن‬
‫معاشرتهما ول تطيعهمها بامتثهال أوامرهمها ونواهيهمهها ول تحفههظ أسههرارهما وتبيهح مخالفتهمهها وتسههير بسهير الباحههة‬
‫باستراق كلمة التوحيد والطغيان بانتحال الكمال داخله في نار الحرمان وجحيم الهجران مع المحجوبين ول تغني هداية‬
‫الروح أو القلب عنها شيئا من الغناء في بههاب العههذاب وإن أغنهت عنهها فهي بهاب الخلهود‪ ،‬وإن القلهب المقههور تحههت‬
‫استيلء النفس المارة الفرعونية الطالب للخلص باللتجاء إلى الحق الذي قويت قوة محبة ال لصههفائه وضههعفت قههوة‬
‫قهره للنفس والشيطان لعجزه وضعفه ل يبقى في العذاب مخلدا ويخلص إلى النجاة ويبقى في النعيم سرمدا‪ ،‬وإن تعذب‬
‫بمجاورتها حينا وتألم بأفعالها برهة‪ .‬وأن النفس المتزينة بفضيلة العفة المشار إليها بإحصان الفههرج هههي القابلههة لفيههض‬
‫روح القدس‪ ،‬الحاملة بعيسى القلب‪ ،‬المتنورة بنور الروح‪ ،‬المصدقة بكلمات الرب من العقائد الحكمية والشرائع اللهية‬
‫المطيعة ل مطلقا علما وعمل وسرا وجهرا‪ ،‬المنخرطة في سلك التوحيههد جمعهها وتفصههيل باطنهها وظههاهرا واله تعههالى‬
‫أعلم‪.‬‬

‫سورة الملك‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫تفسير سورة الملك من ]آية ‪ [2 - 1‬تبارك الذي بيده الملك‪ ‬الملك عالم الجسام كما أن الملكوت عالم النفوس‪،‬‬
‫ولذلك وصف ذاته باعتبار تصريفه عالم الملك بحسب مشيئته بالتبارك الذي هو غاية العظمة ونهاية الزدياد في العلو‬
‫والبركة‪ ،‬وباعتبار تسخيره عالم الملكوت بمقتضى إرادته بالتسبيح الذي هو التنزيه كقوله ‪‬فسبحان الذي بيههده ملكههوت‬
‫كل شيء‪] ‬يس‪ ،‬الية ‪ [83‬كل بما يناسبه‪ ،‬لن العظمة والزدياد والبركة تناسب الجسام‪ ،‬والتنههزه يناسههب المجههردات‬
‫عن المادة‪ .‬فمعنى تبارك تعالى وتعاظم الذي يتصرف في عالم الملك بيد قدرته‪ ،‬ل يتصرف فيه غيههره‪ ،‬فبيههده كههل مهها‬
‫وجد من الجسام ل بيد غيره يصرفها كما يشاء ‪‬وهو‪ ‬القادر على كل ما عدم من الممكنات يوجدها على ما يشاء‪ ،‬فههإن‬
‫قرينة القدرة تخص الشيء بالممكن إذ تعلل القدرة به فيقهال إنهه مقههدوره لنههه ممكهن‪ .‬الههذي خلههق المههوت والحيهاة‪‬‬
‫الموت والحياة من باب العدم والملكة‪ ،‬فإن الحياة هي الحساس والحركة والرادية ولو اضههطرارية كههالتنفس والمههوت‬
‫عدم ذلك عما من شأنه أن يكون له وعدم الملكة ليس عدما محضا بل فيه شائبة الوجود وإل لم يعتبر فيه المحههل القابههل‬
‫للمر الوجودي فلذلك صح تعلق الخلق به كتعلقه بالحياة وجعههل الغههرض مههن خلقهمهها بلء النسههان فههي حسههن العمههل‬
‫وقبحه‪ ،‬أي العلم التابع للمعلوم الذي يترتب عليه الجزاء وهو العلههم الههذي يظهههر علههى المظههاهر النسههانية بعههد وقهوع‬
‫المعلوم‪ ،‬فإنه ليس إل علم ال الكامن في الغيب الظاهر بظهور المعلوم لن الحياة هي الههتي يتمكههن بههها علههى العمههال‬
‫والموت هو الداعي إلى حسن العمل الباعث عليه وبه يظهههر آثههار العمههال كمهها أن الحيههاة يظهههر بههها أصههولها وبهمهها‬
‫تتفاضل النفوس في الدرجات وتتفاوت في الهلك والنجاة‪ .‬وقدم الموت على الحيههاة لن المههوت فههي عههالم الملههك ذاتههي‬
‫والحياة عرضية‪ .‬وهو العزيز‪ ‬الغالب الذي يقهر من أساء العمل ‪‬الغفور‪ ‬الذي يستر بنور صفاته من أحسن‪.‬‬
‫تفسير سورة الملك من ]آية ‪ [5 - 3‬الذي خلق سبع سماوات طباقا‪ ‬نهاية كمال عالم الملك فههي خلههق السههموات ل‬
‫ترى أحكم خلقا وأحسن نظاما وطباقا منها‪ .‬وأضاف خلقها إلى الرحمن لنها من أصول النعههم الظههاهرة ومبههادئ سههائر‬
‫النعم الدنيوية‪ ،‬وسلب التفاوت عنها لبسهاطتها واسههتدارتها ومطابقهة بعضههها بعضهها وحسههن انتظامهها وتناسههبها‪ ،‬ونفههي‬
‫الفطور لمتناع خرقها والتئامها وإنما قال ‪‬ثم ارجع البصر كرتين‪ ‬لن تكهرار النظهر وتجهوال الفكهر ممها يفيهد تحقهق‬
‫الحقائق وإذا كان ذلك فيها عند طلب الخروق والشقوق ل يفسد إل الخسوء والحسور تحقههق المتنههاع‪ ،‬ومهها اتعههب مههن‬
‫طلب وجود الممتنع‪ .‬ولقد زينا السماء الدنيا‪ ‬من السموات المعنوية‪ ،‬أي العقل النساني ‪‬بمصابيح‪ ‬الحجج والبينههات‬
‫‪‬وجعلناها رجوما‪ ‬لشياطين الوهم والخيال ‪‬وأعتدنا لهم عذاب‪ ‬سعير الحتجاب في قعر الطبيعة والهوي في هاوية العالم‬
‫الجسماني والبرزخ الغاسق الظلماني أو السماء المحسوسة التي هي أقرب إلينا من السماء العقلية بمصههابيح الكههواكب‪،‬‬
‫‪‬وجعلناها‪ ‬بحيث ترجم بههها النفهوس البعيههدة عههن عهالم النهور لظلمههة جواهرههها بملزمههة الغواسههق الجسههمانية المخالفهة‬
‫بجواهرها الخبيثة عهن الجهواهر المقدسهة الهتي غلبهت عليهها ظلمهة الكهون وشهدة الريهن وتكهدرت بمباشهرة الشههوات‬
‫الطبيعية وتلوثت بههألواث التعلقههات الجسههمانية وامههتزجت بههها فترسههخت فيههها الهيئات المظلمههة وتغيههرت عهن طباعههها‬
‫فتأثرت بتأثيرات الجرام العلوية كلما اشتاقت بسنخها إلى عالمها‪ ،‬رجمتها روحانيههات الكههواكب وطردتههها إلههى جحيههم‬
‫العالم السفلي وألزمتها مجاورة الهياكل المناسبة لهيئاتها وملزمة البرازخ المشاكلة لطباعها وألقتهها فهي عهذاب تضهاد‬
‫الطبائع وسعير استيلء طبائع تلك الغواسق‪. .‬‬
‫وللذين حجبوا عن ربهم عامة سههواء الشههياطين الههذين هههم فههي غايههة البعههد‬
‫‪‬‬ ‫تفسير سورة الملك من ]آية ‪ [14 - 6‬‬
‫والمنافاة وقوة الشر وغيرهم من الضهعفاء المحجهوبين الهذين ليسهوا فهي غايهة الشهرارة ‪‬عهذابجهنم‪ ‬أي العهالم السهفلي‬
‫الغاسق المضاد بطبعه لعالم النور ‪‬وبئس المصير‪ ‬ذلك المهوى المظلههم المهيهن المحههرق ‪‬إذا ألقهوا فيههها سهمعوا‪ ‬لهلههها‬
‫الصوات المنكرة المنافية لصهوات الناسهي والروحهانيين أو لنفسههم فهإنهم يصهطرخون فيهها بأصهوات الحيوانهات‬
‫القبيحة المنظر المنكرة الصوت ‪‬وهي تفور‪ ‬تغلي عليهم وتستولي وتعلو‪ .‬تكاد تميز من الغيظ‪ ‬أي تتفارق أجزاؤههها‬
‫من شدة غلبة التضاد عليها وشدة مضادتها لجواهر النفوس‪ .‬ولعمري إن شدة منافرة الطباع بعضها بعضا تستلزم شههدة‬
‫العداوة والبغض المقتضية لشدة الغيظ والحنق‪ ،‬فتلك المهواة لشدة منافاتها بالطبع لعالم النور والجوهر المجههرد وأصههل‬
‫فطرة النفس يشتد غيظها عليها وتحرقها بنار غضبها أعاذنا ال مههن ذلههك‪ .‬والخزنههة هههم النفههوس الرضههية والسههماوية‬
‫الموكلة بعالم الطبيعة السفلية وسؤالهم اعتراضهم ومنعهم إياها عن النفههوذ مههن الجحيههم بحجههة تكههذيب الرسههل ومنافههاة‬
‫عقائدها لما جاءت به ومعاندتها إياهم وعدم معرفتها بال وكلمه وصممها عن الحق وانتفاء سماعها وعدم عقلههها عههن‬
‫ال معارفه وآياته ودلئل توحيده وبيناته فإنهم لو سمعوا وعقلوا لعرفوا الحق وأطاعوا فنجوا وخلصوا إلى عالم النههور‬
‫وجوار الحق فما كانوا في أصحاب السعير‪ .‬إن الذين يخشون ربهم‪ ‬بتصور عظمته غههائبين عههن الشهههود الصههفاتي‬
‫في مقام النفس بتصديق العتقاد ‪‬لهم مغفرة‪ ‬من صفات النفس ‪‬وأجر كههبير‪ ‬مههن أنهوار القلههب وجنههة الصههفات أو الههذين‬
‫يخشون ربهم بمطالعة صفات العظمة في مقام القلب غائبين عن الشهود الذاتي لهم مغفرة من صفات القلب وأجر كبير‬
‫من أنوار الروح وجنة الذات ‪‬إنه عليم بذات الصدور‪ ‬لكون تلك السرائر عين علمه‪ ،‬فكيف ل يعلم ضمائرها من خلقههها‬
‫وسواها وجعلها مرائي أسراره ‪‬وهو اللطيف‪ ‬الباطن علمه فيها‪ ،‬النافذ في عيوبها ‪‬الخههبير‪ ‬بمهها ظهههر مههن أحوالههها‪ ،‬أي‬
‫المحيط ببواطن ما خلق وظواهره بل هو هو بالحقيقة باطنا وظاهرا ل فرق إل بالوجوب والمكههان والطلق والتقييههد‬
‫واحتجاب الهوية بالهذية والحقيقة بالشخصية‪. .‬‬
‫تفسير سورة الملك من ]آية ‪ [19 - 15‬هو الذي جعل لكم‪ ‬أرض النفس ‪‬ذلول فامشهوا‪ ‬بأقهدام الفطهرة فهي أعهالي‬
‫صفاتها وأاعز أطرافها وجهاتها وأقهروها مذللة ‪‬وكلوا من رزقه‪ ‬الذي ينال من جهتههها أي العلههم المههأخوذ مههن الحههس‬
‫وهو الكل من تحت الرجل المشار إليه بقوله ‪‬لكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهههم‪] ‬المههائدة‪ ،‬اليههة ‪ [66‬وإليههه‬
‫النشور‪ ‬بالعروج إلى مقام الولية وحضرة الجمع‪ .‬أأمنتم‪ ‬الذي قهر سلطانه سماء الههروح وبهههر نههوره شههمس العقههل‬
‫بالتأثير والتنوير ‪‬أن يخسف بكم‪ ‬أرض النفهس بهأن يحركهها ويقلبهها عليكهم فتقهركهم وتسهتولي عليكهم فتهذهب بنهوركم‬
‫وتهلككم وتجعلكم أسفل سافلين ‪‬فإذا هي‪ ‬تضطرب عالية طياشة ل قرار لها ول طمأنينة بالسكينة لمهها فههي طباعههها مههن‬
‫الطيش والضطراب ‪‬أم أمنتم‪ ‬ذلك العالي القهار ‪‬ان يرسل عليكم‪ ‬حاصب صفات النفههس ولههذاتها وشهههواتها المسههتعلية‬
‫بريح الهوى على القلب في جو الماني والمال فيهلككم هلك المكذبين الذين تحركت نفوسهم بقهر مههن ال ه فههاحتجبوا‬
‫بظلماتها عن نور هداية الرسل فخسفوا ومسخوا وكان من حالهم ما يتعجههب منههه‪ ،‬وعههاينوا مهها أنههذروا بههه مههن المنكههر‬
‫الفظيع‪ .‬أو لم يروا إلى‪ ‬طير المعارف والحقائق والشراقات النوريههة والمعههاني القدسههية ‪‬فههوقهم‪ ‬فههي سههماء الههروح‬
‫ويقبضن عن النههزول إلههى القلههب ‪‬مهها يمسههكهن إل الرحمههن‪ ‬المسههوي للسههتعداد‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬صافات‪ ‬أنفسهن مترتبة متناسقة فيها ‪‬‬
‫المهيئ لقبولها‪ ،‬المودع إياها فيها‪ ،‬المرتب لها بسعة رحمته الواسعة الشاملة لكههل مهها خلههق وقههدر‪ ،‬المعطيههة كههل شههيء‬
‫خلقه‪ .‬وما يرسلهن إل الرحيم المفيض لكل ما قدر من الكمال بحسهب السهتعداد المظههر لكهل مها دبهر فهي الغيهب مهن‬
‫المعاني والصفات ‪‬إنه بكل شيء بصير‪ ‬في مكمن غيبه فيعطيه ما يليق به ويسويه بحسب مشيئته ويودع فيه مهها يريههده‬
‫بمقتضى حكمته ثم يهديه إليه بتوفيقه‪. .‬‬
‫تفسير سورة الملك من ]آية ‪ [30 - 20‬أمن هذا الذي هو جند لكم‪ ‬أي من يشار إليه ممن يستعان به من الغيههار‬
‫حتى الجوارح واللت والقوى وكل ما ينسب إليه التأثير والمعونة من الوسايط فيقال ‪‬هو جند لكم ينصههركم مههن دون‬
‫الرحمن‪ ‬فيرسل ما أمسك من النعم الباطنة والظاهرة أو يمسك ما أرسل من النعم المعنوية والصورية أو يحصل لكم ما‬
‫منع ولم يقدر لكههم أو يمنههع مهها أصههابكم بههه وقههدر عليكههم ‪‬أن‪ ‬المحجوبههون الههذين سههتروا نههور فطرتهههم ‪‬إل فههي غههرور‪‬‬
‫بالوسايط‪ .‬آمن‪ ‬يشار إليه منها فيقال ‪‬هذا الذي يرزقكم إن أمسك‪ ‬الرحمن ‪‬رزقه‪ ‬المعنههوي أو الصههوري ‪‬بههل لجههوا‬
‫في عتو‪ ‬عناد وطغيان لمضادتهم الحق بالباطل الذي أقاموا عليه ومنافاتهم النور بظلمة نفوسهم ‪‬ونفور‪ ‬أي شراد لبعههد‬
‫طباعهم ونبوها عنهه‪ .‬أفمهن يمشهي مكبها علهى وجههه‪ ‬متنكسها بهالتوجه إلهى الجههة السهفلية ومحبتهه للملذ الحسهية‬
‫وانجذابه إلى المور الطبيعية ‪‬أهدى أمن يمشي سويا‪ ‬منتصبا على صراط التوحيد الموصوف بالسههتقامة التامههة الههتي‬
‫ل يبلغ كنهها ول يقدر قدرها ولما فرق بين الفريقين الضالين والمهتدين الموحدين‪ .‬أشار إلى توحيد الفعال بقوله ‪‬قههل‬
‫هو الذي أنشأكم‪ ‬وذكر من أفعاله البداء والعادة وبين أن المحجوبين مع اعترافهم بالبداء منكههرون للعههادة فل جههرم‬
‫يسوء وجوههم رؤية ما ينكرونه‪ ،‬ويعلوها الكآبة ويأتيهم من العذاب الليم ما ل يدخل تحت الوصههف ول يجيرهههم منههه‬
‫ما احتجبوا به من الحق ونسبوا التأثير إليه لعجزه وانتفاء قدرته ول الرحمن لنهم لم يتكلوا عليه برؤية جميههع الفعههال‬
‫منه ونفي التأثير عن الغير فلم يؤمنوا به اليمان الحقيقي ولذلك عرض بكفرهم وشركهم بقهوله ‪‬ههو الرحمههن آمنهها بهه‬
‫وعليه توكلنا‪ ‬أي لم نتوكل على غيره لنا شاهدنا الحضرة الرحمانية التي تصدر عنها الشياء كلها فمنعنا ذلك اليمان‬
‫الحقيقي نسبة الفعل إلى الغير فهو يجيرنا دونكم‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة القلم‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫ن هو النفس الكلية ‪‬والقلم‪ ‬هو العقل الكلي والول من باب الكناية بالكتفاء‬ ‫تفسير سورة القلم من ]آية ‪  [4 - 1‬‬
‫من الكلمة بأول حروفها‪ ،‬والثاني من بههاب التشههبيه إذ تنتقههش فههي النفههس صههور الموجههودات بتههأثير العقههل كمهها تنتقههش‬
‫الصور في اللوح بالقلم ‪‬وما يسطرون‪ ‬من صور الشياء وماهياتها وأحوالها المقههدرة علههى مهها يقههع عليههها‪ ،‬وفاعههل مهها‬
‫يسطرون الكتبة من العقول المتوسطة والرواح المقدسة وإن كان الكاتب في الحقيقة هو ال تعالى‪ ،‬لكههن لمهها كههان فههي‬
‫حضرة السماء نسب إليها مجازا‪ ،‬أقسم بهما وبما يصدر عنهما من مبادئ الوجود وصور التقدير اللهههي ومبههدأ أمههره‬
‫ومخزن غيبه لشرفهما وكونهما مشتملين على كههل الوجههود فههي أول مرتبههة التههأثير والتههأثر ومناسههبتهما للمقسههم عليههه‪.‬‬
‫‪‬ما أنت بنعمة ربك بمجنون‪ ‬أي ما أنت بمستور العقل مختل الدراك فههي حالههة كونههك منعمهها عليههك بنعمههة الطلع‬
‫على هذا المسطور بهما فإنه ل أعقل ممن اطلع على سر القدر وأحههاط بحقههائق الشههياء فههي نفههس المههر‪ .‬وإن لههك‬
‫لجرا‪ ‬من أنوار المشاهدات والمكاشفات من هذين العالمين ‪‬غير‪ ‬مقطوع لكههونه سههرمديا غيههر مههادي فل يتنههاهى وهههم‬
‫ماديون محجوبون عنه‪ ،‬متضادون إياك في الحال والوجهة‪ ،‬فلهذا ينسبونك إلههى الجنههون لنحصههار عقههولهم وأفكههارهم‬
‫في الماديات‪ .‬وإنك لعلى خلق عظيم‪ ‬لكونك متخلقا بأخلق ال متأيدا بالتأييد القدسي فل تتأثر بمفترياتهم ول تتههأذى‬
‫بمؤذياتهم إذ بال تصبر ل بنفسك كما قال ‪‬وما صبرك إل بال‪] ‬النحل‪ ،‬الية ‪. [127‬‬
‫تفسير سورة القلم من ]آية ‪ 5‬إلى الية ‪ [42‬فستبصر ويبصههرون‪ ‬عنههد كشههف الغطههاء بههالموت أيكههم المجنههون‬
‫بالحقيقة‪ ،‬أأنت الذي كوشفت بأسرار القدر وأوتيت بجوامع الكلم أم هم الذين حجبوا عما في أنفسهم من آيات ال والعبر‬
‫وفتنوا بعبادة الصنم‪ .‬إن ربك هو أعلم بمن‪ ‬جن في الحقيقة ف ‪‬ضههل عههن سههبيله‪ ‬واحتجههب عههن الههدين وبمههن عقههل‬
‫فاهتدى إليه‪ ،‬أي ل يعلم أحد كنه جنونهم وضللهم إل ال لكونه في الغاية وكذا كنه اهتدائك واهتداء من اهتدى بهههداك‬
‫فل توافقهم في الظاهر كما ل توافقهم في الباطن‪ .‬فإن موافقة الظاهر أثر موافقة البههاطن وكهذا المخالفههة وإل كههان نفاقها‬
‫سريع الزوال ومصانعة وشيكة النقضاء‪ ،‬وأما هم فلنهمههاكهم فههي الههرذائل وتعمقهههم فههي التلههوين والختلف لتشههعب‬
‫أهوائهم وتفرق أمانيهم وميول قواهم وجهات نفوسهم يصانعون ويضمون تلك الرذيلة إلى رذائلهم طمعهها فههي مههداهنتك‬
‫معهم ومصانعتك إياهم‪ ،‬فل يفتننك كثرة أموال من كان أغناهم وكثرة قومه وتبعه فتطيعه وتصانعه مههع كههثرة رذائلههه‪،‬‬
‫ودم على توافق الظاهر والباطن مستغنيا بال مستظهرا به مصادقا لمن صدقك مصافيا لمن وافقك مصههاحبا لصههعاليك‬
‫المؤمنين الزاهدين في الدنيا‪ .‬سنسمه علهى الخرطهوم‪ ‬أي نغيهر وجههه فهي القيامهة الصهغرى ونجعهل آلهة حرصهه‬
‫مشاكل لهيئة نفسه كخرطوم الفيل مثل‪ ،‬ونبدل أعز أعضائه بما فيه علمة غاية الذل لخسة نفسه المنجذبة إلههى مهها فههي‬
‫جهة السفل الجاذبة لمواد الرجس‪ .‬يوم يكشف عن ساق‪ ‬أي اذكههر يههوم يشههتد المههر وتتفههاقم شههدته بحيههث ل يمكههن‬
‫وصفها بمفارقة المألوفات البدنية والملذ الحسية وظهور الهوال واللم النفسية بالهيئات الموحشة والصههور المؤذيههة‬
‫ويدعون على لسان الملكوت للجنسية الصلية والمناسبة الفطرية ‪‬الي‪ ‬سجود الذعان والنقيههاد لقبههول النههوار اللهيههة‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫والشراقات السبوحية ‪‬فل يستطيعون‪ ‬النقياد والذعان لقبولها لزوال استعدادهم الصلي بالهيئات المظلمة واحتجابهم‬
‫بالغواشي الجسمانية والملبس الهيولنية‪. .‬‬
‫تفسير سورة القلم من ]آية ‪[52 – 43‬‬
‫‪‬خاشعة أبصارهم‪ ‬ذليلة متحيرة لذهاب قوتها النورية وعدم قدرتها على النظر إلى عالم النور وبعههدها عههن إدراك‬
‫الشعاع مفيد السرور ‪‬ترهقهم ذلة‪ ‬الركون إلى السفليات والركههود إلههى خساسههة النفعاليههات وملزمههة الطبيعيههات ‪‬وقههد‬
‫كانوا يدعون‪ ‬عند بقاء الستعداد ووجود اللت ‪‬الي‪ ‬سجود النقيهاد بتهيئة السهتعداد لقبهول المهداد مهن عهالم النهوار‬
‫‪‬وهم سالمون‪ ‬الستعداد متمكنون على إحراز السعادة في المعاد‪ .‬فاصبر لحكم ربههك‪ ‬بسههعادة مههن سههعد وشههقاوة مههن‬
‫شقي ونجاة من نجا وهلك من هلك وهداية من اهتدى وضلل من ضل ‪‬ول تكن كصاحب الحوت‪ ‬في استيلء صفات‬
‫النفس عليه وغلبة الطيش والغضب والحتجاب عن حكم الرب حههتى رد عههن جنههاب القههدس إلههى مقههر الطبههع ‪‬فههالتقمه‪‬‬
‫حوت الطبيعة السفلية في مقام النفس وابتلي بالجتنان في بطن حوت الرحم ‪‬إذ نادى‪ ‬ربه لقهر قههومه وإهلكهههم لفههرط‬
‫الغضب عن مقام النفس ل بإذن الحق ‪‬وهو‪ ‬ممتلئ غيظا ‪‬لول أن تداركه نعمة‪ ‬كاملة ‪‬من ربه‪ ‬بالهداية إلى الكمال لبقاء‬
‫سلمة الستعداد وعدم رسوخ الهيئة الغضههبية والتوبههة عههن فرطههات النفههس والتنصههل عههن صههفاتها ‪‬لنبههذ بههالعراء‪ ‬أي‬
‫بظاهر عالم الحس وطرد من جناب القدس بالكلية وترك فههي وادي النفههس ‪‬وهههو مههذموم‪ ‬موصههوف بههالرذائل مسههتحق‬
‫للذلل والخذلن‪ ،‬محجوب عن الحق‪ ،‬مبتلى بالحرمان‪ ،‬ولكنه اجتباه ‪‬ربه‪ ‬برحمته لمكان سههلمة فطرتههه وبقههاء نههوره‬
‫الصلي فقربه إليه وجمعه إلى ذاته بإلقاء كلمة التوحيد إليه وايصاله إلى مقام الجمع ‪‬وجعله من الصالحين‪ ‬لمقام النبههوة‬
‫بالستقامة حال البقاء بعد الفناء في عين الجمع‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الحاقة‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫تفسير سورة الحاقة من ]آية ‪ [8 - 1‬الحاقة‪ ‬هي الساعة الواجبة الوقوع التي ل ريب فيها إن أريد بها القيامة‬
‫الصغرى أو التي تحق فيها المور‪ ،‬أي تعرف‪ ،‬وتحقق إن أريد بها الكبرى‪ .‬والمعنى أن الساعة مهها ههي ومهها أعلمهك‬
‫أي شيء هي‪ ،‬أي ل يعرف شدتها وهولههها ومهها يظهههر فيههها مههن الحههوال علههى المعنههى الول‪ ،‬أو ل يعههرف حقيقتههها‬
‫وارتفاع شأنها وإنارة برهانها وما يبدو فيها أحد إل ال‪ .‬وكلتا القيامتين تقرع الناس وتهلكهم وتفنيهم وتستأصلهم بالشدة‬
‫والقهر‪ ،‬وأما تكذيبهم بالولى فلقبالهم من الدنيا وترك العمل لها وغفلتهم وغرورهم بالحياة الحسية‪ .‬وأما بالثانية فلعدم‬
‫وقوفهم عليها وإنكارهم لها واحتجابهم عنها‪ ،‬وقد يطابق مثل المكههذبين بمثههل المفرطيههن أي المقصههرين والغههالين بههأن‬
‫يقال ‪‬فأما ثمود‪ ‬وهم أهل الماء القليل أي أهل العلم الظههاهر المحجوبههون عههن العلههوم الحقيقيههة ‪‬فههأهلكوا بالطاغيههة‪ ‬أي‬
‫الحالة الكاشفة عن الباطن وعالم التجرد التي تطغى على علههومهم فتفنيههها وهههي خههراب البههدن‪ .‬وأمهها عههاد‪ ‬الغههالون‬
‫المجاوزون حد الشرائع بالتزندق والباحة في التوحيد ‪‬فأهلكوا بريح‪ ‬هوى النفس الباردة بجمود الطبيعة وعدم حههرارة‬
‫الشوق والعشق العاتية أي الشديدة الغالبة عليههم الذاهبهة بهههم فههي أوديههة الهلك‪ .‬سهخرها‪ ‬اله ‪‬عليههم‪ ‬فههي مراتهب‬
‫الغيوب السبعة التي هي لياليهم لحتجابهم عنها‪ .‬والصفات الثمانية الظاهرة لهههم كاليههام وهههي الوجههود والحيههاة والعلههم‬
‫والقدرة والرادة والسمع والبصر والتكلم‪ ،‬أي على ما ظهر منهههم ومهها بطههن تقطعهههم وتستأصههلهم ‪‬فههترى القههوم فيههها‬
‫صرعى‪ ‬موتى ل حياة حقيقية لهم لنهم قائمون بالنفس ل بال كمهها قههال ‪‬كههأنهم خشههب مسههندة‪] ‬المنههافقون‪ ،‬اليههة ‪،[4‬‬
‫‪‬كأنهم أعجاز نخل‪ ‬أي أقوياء بحسب الصورة ل معنى فيهم ول حياة‪ ،‬ساقطون عن درجة العتبار والوجود الحقيقي إذ‬
‫ل يقومون بال ‪‬فهل ترى لهم من باقية‪ ‬أي بقاء أو نفس باقية لنهم فانون من أسرهم‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحاقة من ]آية ‪ [15 - 9‬وجاء فرعون‪ ‬النفس المارة ‪‬ومن قبله‪ ‬من قواها وأعوانها ‪‬والمؤتفكات‪ ‬من‬
‫القوى الروحانية المنقلبة عن طباعها بالميل إلى الظاهر والنقلب عهن المعقههول إلههى المحسههوس ‪‬بالخههاطئة‪ ‬بالخصههلة‬
‫التي هي خطأ وهي المجاوزة عن البواطن إلى الظواهر‪ .‬فعصوا رسول ربهم‪ ‬أي العقل الهادي إلى الحق ‪‬فأخذهم‪‬‬
‫بالغرق في بحر الهيولى ورجفة اضطراب مزاج البدن وخرابه ‪‬أخذه‪ ‬زائدة في الشههدة‪ .‬إنهها لمهها طغههى‪ ‬مههاء طوفههان‬
‫الهيولى ‪‬حملناكم‪ ‬في جارية الشريعة المركبة من الكمال العلمهي والعملهي ‪‬لنجعلهها لكهم تهذكرة‪ ‬لعهالم القهدس وحضهرة‬
‫الحق التي هي مقركم الصلي ومأواكم الحقيقي ‪‬وتعيها أذن واعية‪ ‬أي تحفظها أذن حافظة لما سمعت من ال فههي بههدء‬
‫الفطرية باقية على حالها الفطرية غير ناسية لعهده وتوحيده‪ ،‬وما أودعها من أسراره بسماع اللغو في هذه النشأة وحفظ‬
‫' سهألت اله أن‬ ‫‪‬‬ ‫لعلهي‬‫‪‬‬ ‫الباطل من الشيطان والعراض عن جنهاب الرحمهن‪ ،‬ولههذا لمها نزلهت قهال النهبي‬
‫يجعلها أذنك يا علي '‪ ،‬إذ هو الحافظ لتلهك السهرار كمها قهال ' ولههدت علهى الفطههرة وسهبقت إلههى اليمهان والهجههرة '‪.‬‬
‫‪‬فإذا نفخ في الصور‪ ‬هي النفخة الولى التي للماتة في القيامة الصغرى إذ يمنع حمله على الكبرى قههوله ‪‬فأمهها مههن‬
‫أوتي كتابه بيمينه‪] ‬الحاقة‪ ،‬الية ‪ [19‬وما بعده من التفصيل‪ .‬وهذا النفخ عبارة عن تأثير الروح القدسي بتوسط الههروح‬
‫السرافيلي الذي هو موكل بالحياة في الصورة النسانية عند الموت لزهاق الههروح فيقبضههه الههروح العزرائيلههي وههو‬
‫وحملت أرض البدن وجبال العضاء ‪‬فدكتا دكة واحههدة‪ ‬وجعلتهها أجههزاء‬ ‫‪‬‬ ‫تأثير في آن واحد‪ ،‬فلذلك وصفها بالوحدة‪ .‬‬
‫عنصرية متفرقة‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحاقة من ]آية ‪ 16‬إلى الية ‪ [24‬وانشقت‪ ‬سماء النفس الحيوانية وانقشعت لزهوق الروح بانفلقها‬
‫عنه ‪‬فهي يومئذ واهية‪ ‬ل تقدر على الفعل ول تقوى على التحريك والدراك حالة الموت‪ .‬والملك‪ ‬أي القههوى الههتي‬
‫تمدها وتأوي إليها وتعتمد عليها في الدراك وتجتمع مدركاتها عندها أو تدرك بواسطتها أو تظهر بها مههدركاتها ‪‬علههى‬
‫أرجائها‪ ‬أي جوانبها من الروح والقلب والعقل والجسم‪ ،‬فافترقت عنها وتشعبت إلى جهاتها الناشئة منههها أول ‪‬ويحمههل‬
‫عرش ربك‪ ‬أي القلب النساني ‪‬فوقهم يومئذ ثمانية‪ ‬منهم هي النوار القاهرة أربههاب الصههنام العنصههرية مههن الصههور‬
‫النوعية تحمله بالجتماع من الطرفين العلوي والسفلي الفاعل والحامل عند البعث والنشور من كل طرف أربعة‪ .‬ولهذا‬
‫' هم اليوم أربعة‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة أيدهم ال بأربعة آخرين فيكونههون ثمانيههة '‪ ،‬ولكههن تلههك الملك‬ ‫‪‬‬
‫قال النبي‬
‫مختلفة الحقائق بحسب اختلف أصنافها العنصرية قال بعضهم إنها مختلفة الصههور ولكونههها مسههتولية مسههتعلية علههى‬
‫تلك الجرام شبهت بالوعال‪ ،‬وقيل هم على صور الوعال تشبيها لجرامههها بالجبههال ولكونههها شههاملة لتلههك الجههرام‬
‫بالغة إلى أقصاها حيث ما بلغت‪ .‬قال بعضهم ثمانية أملك أرجلهم في تخوم الرض السابعة والعرش فههوق رؤوسهههم‬
‫وهم مطرقون مسبحون وال أعلم بحقائق المور‪ .‬يومئذ تعرضون‪ ‬علههى اله بمهها فههي أنفسههكم مههن هيئات العمههال‬
‫وصور الفعال ‪‬ل تخفى منكم خافية فأما من أوتي كتابه‪ ‬أي اللوح البدني الذي فيههه صههور أعمههاله ‪‬بيمينههه‪ ‬أي جههانبه‬
‫القوى اللهي الذي هو العقل فيفرح به ويحب الطلع على أحواله من الهيئات الحسنة وآثار السعادة وهو معنى قههوله‬
‫‪‬هاؤم اقرؤوا كتابيه إني ظننت‪ ‬إني تيقنت ‪‬أني ملق حسههابيه‪ ‬ليمههاني بههالبعث والنشههور والحسههاب والجههزاء ‪‬فهههو فههي‬
‫عيشة راضية‪ ‬أي حياة حقيقية أبدية سرمدية ‪‬في جنهة‪ ‬مههن جنهان القلهب والهروح ‪‬عاليهة قطوفهها‪ ‬مهن مههدركات القلههب‬
‫والروح من المعاني والحقائق ‪‬دانية‪ ‬كلما شاؤوا نالوها‪. .‬‬
‫تفسير سورة الحاقة من ]آية ‪ 25‬إلى الية ‪[52‬‬
‫‪‬وأما من أوتي كتابه بشماله‪ ‬أي جانبه الضعف النفساني الحيواني‪ ،‬فيتحسههر ويتنهدم ويتهوحش مهن تلهك الصهور‬
‫والهيئات السمجة والقبائح التي نسيها وأحصاها ال ويتنفر منها ويتمنى الموت عندها ويتيقن أن الذي صرف عمره فيه‬
‫وأكب بوجهه عليه من المال والسلطنة والجاه ما كان ينفعه بل يضره‪ ،‬وهو معنى قوله ‪‬يهها ليتنههي لههم أوت كتههابيه‪ ‬إلههى‬
‫آخره‪ ،‬وينادى على لسان العزة والقهر الملكوت الموكل بعالم الكون والفساد من النفوس السماوية والرضية أن ‪‬خذوه‬
‫فغلوه أي قيدوه بما يناسب هيئات نفسه من الصور واحبسوه في سجين الطبيعة بما يمنع الحركههات علههى وفههق الرادة‬ ‫‪‬‬
‫من الجرام ‪‬ثم‪ ‬جحيم الحرمان ونيران اللم ‪‬صلوه ثم في سلسلة‪ ‬الحوادث الغيههر المتناهيههة ‪‬فاسههلكوه‪ ‬ليتعههذب بههأنواع‬
‫التعذيبات‪ .‬والسبعون في العرف عبارة عن الكثرة الغير المحصورة ل العدد المعين ‪‬إنه كان ل يؤمن بال‪ ‬أي كل ذلك‬
‫بسبب كفره واحتجابه عن ال وعظمته وشحه لمحبة المال ‪‬فليس له اليوم ها هنا حميم‪ ‬لستيحاشههه عههن نفسههه فكيههف ل‬
‫يستوحش غيره عنه وهو متنفر عن كل أحد حتى عن نفسه ؟‪ ،‬ول طعهام إل مهن‪ ‬غسههالت أههل النههار وصهديدهم وقههد‬
‫شاهدناهم يأكلونها عيانا‪ .‬فل أقسم‪ ‬بالظاهر والباطن من العالم الجسماني والروحههاني‪ ،‬الوجههود كلههه ظههاهرا وباطنهها‬
‫‪‬وإنه لحق اليقين‪ ‬أي محض اليقين وهو الكلم الوارد من عين الجمع‪ ،‬إذ لو نشأ من مقام القلب لكههان علههم اليقيههن‪ ،‬ولههو‬
‫نشأ من مقام الروح لكان عين اليقين‪ .‬فلما صدر من مقام الوحههدة كههان حههق اليقيههن‪ ،‬أي يقينهها حقهها صههرفا ل شههوب لههه‬
‫بالباطل الذي هو غيره‪ .‬نسب القول أول إلى الرسول ثم إلى الحق ليفيد التوحيد الذاتي‪ ،‬ثم قال ‪‬فسبح باسم ربك العظيم‪‬‬
‫أي نزه ال وجرده عن شوب الغير بذاتك الذي هو اسمه العظم الحاوي للسماء كلها بأن ل يظهر في شهودك تلههوين‬
‫من النفس أو القلب فتحتجب برؤية الثنينية أو النائية وإل كنت مشبها ل مسبحا‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة المعارج‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة المعارج من ]آية ‪ [14 - 1‬ذي المعارج‪ ‬أي المصاعد وهي مراتب الترقي من مقام الطبائع إلى‬
‫مقام المعادن بالعتدال‪ ،‬ثم إلى مقام النبات‪ ،‬ثم إلى الحيوان‪ ،‬ثم إلى النسان في مدارج النتقالت المترتبة بعضها فوق‬
‫بعض‪ ،‬ثم في منازل السلوك كالنتباه واليقظة والتوبة والنابة إلى آخر ما أشههار إليههه أهههل السههلوك مههن منههازل النفههس‬
‫ومناهل القلب‪ ،‬ثم في مراتب الفناء في الفعال والصفات إلى الفناء في الذات مما ل يحصى كثرة‪ .‬فإن له تعههالى بههإزاء‬
‫كل صفة مصعدا بعد المصاعد المتقدمة على مقام الفناء في الصفاء‪ .‬تعرج الملئكة‪ ‬من القوى الرضية والسماوية‬
‫في وجود النسان ‪‬والروح‪ ‬النساني إلى حضرته الذاتية الجامعة في القيامة الكبرى ‪‬في يوم كان مقداره خمسههين ألههف‬
‫سنة‪ ‬أي في الدوار المتطاولة والدهور المتمادية من الزل إلى البد ل المقدار المعين‪ .‬أل ترى إلى قوله في مثل هههذا‬
‫المقام في عروج المر ‪‬ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ‪] ‬السجدة‪ ،‬الية ‪ .[5‬فاصبر صبرا‬
‫جميل‪ ‬فإن العذاب يقع في هذه المدة المتطاولة يوم ‪‬يرونه‪ ‬لحتجهابهم عنهه ‪‬بعيهدا ونهراه قريبها‪ ‬حاضهرا واقعها يتهوهمه‬
‫المحجوبون متأخرا إلى زمان منتظر لغيبتهم عنه ونحن نراه حاضهرا‪ .‬يهوم تكهون‪ ‬سهماء النفهس الحيوانيهة متذائبههة‬
‫متفانية ‪‬كالمهل‪ ‬على ما مر في قوله ‪‬وردة كالدهان‪] ‬الرحمن‪ ،‬الية ‪ [37‬وتكون‪ ‬جبال العضاء هباء منبثا على‬
‫اختلف ألوانها ‪‬كالعهن * ول يسئل حميم حميما‪ ‬لشدة المر وتفاقهم الخطب وتشاغل كل أحد بما ابتلههي بههه مههن هيئات‬
‫نفسه وأهوال ما وقع فيه مع ترائيهم‪. .‬‬
‫تفسير سورة المعارج من ]آية ‪ 15‬إلى الية ‪ [25‬كل‪ ‬ردع عن تمني الفتداء والنجاء فإنه بهيئة أجرامه استحق‬
‫عذابه وبمناسبة نفسه للجحيم انجر إليها‪ .‬أل ترى إلى قوله ‪‬تدعو من أدبر وتههولى‪ ‬فههإن لظههى نههار الطبيعههة السههفلية مهها‬
‫استدعت إل المدبر عن الحق المعرض عن جناب القدس وعالم النور المقبل بوجهه إلى معهدن الظلمهة المهؤثر بمحبتهه‬
‫الجواهر الفاسقة السفلية المظلمة فانجهذب بطبعهه إلهى مهواد النيهران الطبيعيهة واسهتدعته وجهذبته إلهى نفسهها للجنسهية‬
‫فاحترق بنارها الروحانية المستولية على الفئدة‪ ،‬فكيف يمكن النجههاء منههها وقههد طلبههها بههداعي الطبههع ودعاههها بلسههان‬
‫الستعداد‪ .‬إن النسان خلق هلوعا‪ ‬أي النفس بطبعها معدن الشر ومأوى الرجس لكونها مههن عههالم الظلمههات‪ ،‬فمههن‬
‫مال إليها بقلبه واستولى عليه مقتضى جبلته وخلقته ناسب المور السفلية واتصف بالرذائل التي أردؤها الجبن والبخههل‬
‫المشار إليهما بقوله ‪‬إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا‪ ‬لمحبتههه البههدن ومهها يلئمههه وتسههببه لشهههواته ولههذاته‬
‫' شر ما في الرجل شح هالع وجبهن خهالع '‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫وإنما كانت أردأ لجذبهما القلب إلى أسفل مراتب الوجود‪ ،‬قال النبي‬
‫‪‬إل المصلين‪ ‬أي النسان بمقتضى خلقته وطبيعة نفسه معدن الرذائل إل الذين جاهدوا في اله حهق جههاده وتجههردوا‬
‫عن ملبس النفس وتنزهوا عن صفاتها من الواصلين الذين هم أهل الشهود الذاتي ‪‬الذين هم على صلتهم دائمون‪ ‬فههإن‬
‫المشاهدة صلة الروح‪ ،‬غابوا في دوام مشاهدتهم عن النفس وصفاتها وعن كل ما سوى مشههودهم‪ .‬والمجرديهن الهذين‬
‫تجردوا عن أموالهم الصورية والمعنوية من العلوم النافعة والحقيقية وفرقوها علههى المسههتحق المسههتعد الطههالب وعلههى‬
‫القاصر الممنو بالشواغل عن الطلب‪. .‬‬
‫تفسير سورة المعارج من ]آية ‪ 26‬إلى الية ‪[44‬‬
‫‪‬والههذين يصههدقون‪ ‬مههن أهههل اليقيههن البرهههاني والعتقههاد اليمههاني بههأحوال الخههرة والمعههاد وهههم أربههاب القلههوب‬
‫المتوسطون‪ .‬والذين هم من عذاب ربهم مشفقون‪ ‬أي أهل الخوف من المبتدئين في مقام النفس السائرين عنه بنههور‬
‫القلب ل الواقفين معه أو المشفقين من عذاب الحرمان والحجاب في مقام القلب من السالكين أو في مقههام المشههاهدة مههن‬
‫التلوين فإنه ل يؤمن الحتجاب ما بقيت بقيته كما قال ‪‬إن عذاب ربهم غير مأمون والذين ههم لفروجهههم حهافظون‪ ‬مههن‬
‫أهل العفة وأرباب الفتوة‪ .‬والذين هم لماناتهم‪ ‬التي استودعوها بحسب الفطرة من المعارف العقلية ‪‬وعهههدهم‪ ‬الههذي‬
‫هو أخذ ال ميثاقه منهم في الزل ‪‬راعون‪ ‬أي الذين سلمت فطرتهم ولم يدنسوها بالغواشي الطبيعية والهواء النفسانية‬
‫‪‬والذين هم بشهاداتهم قائمون‪ ‬أي يعملون بمقتضى شاهدهم من العلم فكل مها شههدوه قهاموا بحكمهه وصهدروا عهن حكهم‬
‫شاهدهم ل غير ‪‬والذين هم على صلتهم‪ ‬أي صههلة القلههب وهههي المراقبههة ‪‬يحههافظون‪ ‬أو صههلة النفههس علههى الظههاهر‬
‫‪‬أولئك في جنات مكرمون‪ ‬على اختلف طبقاتهم‪ ،‬فالفرقة الولى في جنات من الجنان الثلث‪ ،‬والمتوسطون من أربههاب‬
‫القلوب في جنات من جنتين منها والباقون في جنات النفوس دون الباقيتين‪ .‬فل أقسم برب المشارق والمغههارب‪ ‬مههن‬
‫الموجودات التي أوجدها بشروق نوره عليها وغروبه فيها بتعينه بها أو أعدمها بشروق نههوره منههها وأوجههدها بغروبههه‬
‫فيها ‪‬إنا لقادرون على أن‪ ‬نطلع نورنا منهم فنهلكهم ونجعله غاربا في آخرين ‪‬خيرا منهم‪ ‬فنوجدهم ‪‬يههوم يخرجههون‪ ‬مههن‬
‫أجداث البدان ‪‬سراعا‪ ‬إلى مقار ما يناسب هيئاتهم من الصور‪ ،‬وال تعالى أعلم‪..‬‬

‫‪-‬‬ ‫سورة نوح ‪ -‬‬


‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬من ]آية ‪[14 – 1‬‬ ‫تفسير سورة نوح ‪-‬‬
‫‪‬أن اعبدوا ال‪ ‬بالمجاهدة والرياضة في سبيله ‪‬واتقوه‪ ‬بالتجرد عما سواه حههتى صههفاتكم وذواتكههم ‪‬وأطيعههون‪‬‬
‫بالستقامة ‪‬يغفر لكم‪ ‬ذنوب آثار أفعالكم وصفاتكم وذواتكم ‪‬ويههؤخركم إلههى أجههل‪ ‬معيههن ل أجههل بعههده‪ ،‬وهههو الفنههاء فههي‬
‫التوحيد ‪‬إن أجل ال‪ ‬الذي هو توفيه إياكم بذاته ‪‬إذا جاء ل يؤخر‪ ‬بوجود غيره بل يفنى كههل مهها عههداه ‪‬لههو كنتههم تعلمههون‪‬‬
‫‪‬قال رب إني دعوت قومي‪ ‬في مقام الجمع بين الظلمة والنههور إلههى التوحيههد ‪‬فلههم يزدهههم دعههائي إل فههرارا‪ ‬لنهههم كههانوا‬
‫بدنيين ظاهريين ل يرون النور إل للضوء الجسماني ول الوجود إل للجواهر الجسههمانية الغاسههقة‪ ،‬فينفههروا عهن إثبههات‬
‫نور مجرد أنوارهم بالنسبة إليه ظلمات‪ .‬وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم‪ ‬وتسترهم بنههورك تصههاموا عنههه لعههدم فهمهههم‬
‫وقصور استعدادهم أو زواله ‪‬واستغشوا ثيابهم‪ ‬وتستروا بأبدانهم والتحفوا بها لشدة ميلهم إليها وتعلقهههم بههها واحتجههابهم‬
‫‪‬وأصروا‪ ‬على ذلك ولم يعزموا التجرد ‪‬واستكبروا‪ ‬لستيلء صفات نفوسهم واستعلء غضبهم ‪‬ثم إني دعههوتهم جهههارا‬
‫نزلت عن مقام التوحيد ودعوتهم إلى مقام العقل وعالم النور ‪‬ثم إني أعلنت لهم‪ ‬بالمعقولت الظاهرة ‪‬وأسررت لهم‪ ‬في‬
‫مقام القلب بالسرار الباطنة ليتوصلوا إليها بالمعقولت‪ .‬فقلت استغفروا ربكم‪ ‬أي اطلبهوا أن يسهتركم ربكهم بنهوره‬
‫فتتنور قلوبكم وتكاشهفوا بالحقهائق اللهيههة والسههرار الغيبيههة ‪‬يرسهل‪ ‬سههماء الههروح ‪‬عليكههم مهدرارا‪ ‬بأمطهار المهواهب‬
‫والحوال ‪‬ويمددكم بأموال‪ ‬المكاسب والمقامات ‪‬وبنين‪ ‬التأييدات القدسية من عالم الملكوت ‪‬ويجعل لكم جنات‪ ‬الصفات‬
‫في مقام القلب وأنهار العلوم‪ .‬ما لكم ل ترجون ل وقارا‪ ‬أي تعظيما يوقركم بالترقي في الدرجات إلى عالم النوار‬
‫‪‬وقد خلقكم أطوارا‪ ‬كل طور أشرف مما قبله وكان حالكم فيه أحسههن وشههرفكم أزيههد ممهها تقههدمكم‪ ،‬فمهها بههالكم ل تقيسههون‬
‫الغيب على الشهادة والمعقول على المحسوس والمستقبل على الماضي فترتقون إلى سماء الروح بسلم الشريعة والعلههم‬
‫والعمل كما ارتقيتم بسلم الطبيعة والحكمة والقدرة في أطوار الخلقة‪. .‬‬
‫‪ -‬من ]آية ‪ - 15‬الى ‪ [24‬ألم تروا كيف خلق ال سبع سماوات طباقا‪ ‬من مراتب الغيههوب‬ ‫‪‬‬ ‫تفسير سورة نوح ‪-‬‬
‫السبعة المذكورة ذات طباق بعضها فوق بعض ‪‬وجعل‪ ‬قمههر القلههب ‪‬فيهههن نههورا‪ ‬زائدا نههوره علههى نههور النفههس ونجههوم‬
‫القوى ‪‬وجعل‪ ‬شمس الروح ‪‬سراجا‪ ‬باهرا نوره‪ .‬واله أنهبئكم‪ ‬مهن أرض البهدن ‪‬نباتها ثهم يعيهدكم فيهها‪ ‬بميلكهم إليهها‬
‫وتلبسكم بشهواتها ولذاتها وبهيئات نفوسكم الجسمانية وغواشيكم الهيولنية ‪‬ويخرجكم‪ ‬بالبعث منه في مقههام القلههب عنههد‬
‫الموت الرادي ‪‬وال جعل لكم‪ ‬تلك ‪‬الرض بساطا لتسلكوا منها‪ ‬سبل الحواس ‪‬فجاجا‪ ‬خروقا واسعة أو من جهتها سبل‬
‫' سلوني عن طرق السماء فإني أعلم بها من طههرق الرض '‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫سماء الروح إلى التوحيد‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين‬
‫أراد الطرق الموصلة إلى الكمال من المقامات والحوال كالزهد والعبادة والتوكههل والرضهها وأمثههال ذلههك‪ ،‬ولهههذا كههان‬
‫بالبدن‪ .‬واتبعوا من لم يزده ماله وولده إل خسارا‪ ‬مههن رؤسههائهم المتبههوعين أهههل المههال والجههاه‬ ‫‪‬‬ ‫معراج النبي‬
‫المحجوبين عن الحق الهالكين الذي خسروا نور استعدادهم بالحتجاب بهما وبالولد والتبههاع أو المحجههوبين بههأموال‬
‫العلوم الحاصلة بالعقل الشيطاني المشوب بهالوهم ونتهائج فكرههم المقتضهية لمحبهة البهدن والمهال ‪‬ل تهذرن آلهتكهم‪ ‬أي‬
‫معبوداتكم التي عكفتم بهواكم عليها من ود البههدن الههذي عبههدتموه بشهههواتكم وأحببتمههوه وسههواع النفههس ويغههوث الهههل‬
‫ويعوق المال ونسر الحرص‪. .‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬من ]آية ‪ - 25‬إلى آية ‪[28‬‬ ‫تفسير سورة نوح ‪-‬‬
‫‪‬مما خطيئاتهم‪ ‬أي من أجل أعمالكم المخالفة للصواب ‪‬أغرقوا‪ ‬في بحر الهيولى‪ ،‬فادخلوا‪ ‬نار الطبيعة‪ .‬إنك إن‬
‫تذرهم يضلوا عبادك ول يلدوا إل فاجرا كفارا‪ ‬مل عن دعوة قومه وضجر واستولى عليههه الغضههب ودعهها ربههه لتههدمير‬
‫قومه وقهرهم وحكم بظاهر الحال أن المحجوب الذي غلب عليه الكفر ل يلد إل مثله‪ ،‬فإن النطفة التي تنشأ مههن النفههس‬
‫الخبيثة المججوبة وتتربى بهيئتها المظلمة ل تقبل إل نفسا مثلها‪ ،‬كالبذر الذي ل ينبت إل من صنفه وسههنخه‪ .‬وغفههل أن‬
‫الولد سر أبيه‪ ،‬أي حاله الغالبة على الباطن فربما كان الكههافر بههاقي السههتعداد‪ ،‬صههافي الفطههرة‪ ،‬نقههي الصههل بحسههب‬
‫الستعداد الفطري وقد استولى على ظاهره العادة ودين آبائه وقومه الذين نشأ هو بينهم فههدان بههدينهم ظههاهرا وقههد سههلم‬
‫باطنه فيلد المؤمن على حاله النورية كولدة أبي إبراهيم إياه فل جرم تولد من تلك الهيئة الغضبية الظلمانية التي غلبت‬
‫على باطنه وحجبته في تلك الحالة عما قال مادة ابنه كنعان‪ ،‬فكان عقوبة لههذنب حههاله‪ .‬رب اغفههر لههي‪ ‬أي اسههترني‬
‫بنورك بالفناء في التوحيد ولروحي ونفسي اللذين هما أبوا القلب ‪‬ولمن دخل بيتي‪ ‬أي مقامي في حضرة القدس ‪‬مؤمنا‪‬‬
‫بالتوحيد العلمي ولزواج الذي آمنوا بي‪ ،‬أي ونفوسهم فبلغهم إلههى مقههام الفنههاء فههي التوحيههد ‪‬ول تههزد الظههالمين‪ ‬الههذين‬
‫نقصوا حظهم بالحتجاب بظلمة نفوسهم عن عالم النور ‪‬إل تبارا‪ ‬هلكا بالغرق في بحر الهيولى وشد الحتجاب‪ ،‬واله‬
‫تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الجن‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الجن من ]آية ‪ [2 - 1‬قد مر أن في الوجود نفوسا أرضية قوية ل في غلظ النفوس السبعية والبهيمية‬
‫وكثافتهها وقلهة إدراكهها ول علهى هيئات النفهوس النسهانية واسهتعدادتها ليلهزم تعلقهها بهالجرام الكثيفهة الغهالب عليهها‬
‫الرضية ول في صفاء النفوس المجردة ولطافتها لتتصل بالعالم العلههوي وتتجهرد أو تتعلهق ببعههض الجهرام السههماوية‬
‫متعلقة بأجرام عنصرية لطيفة غلب عليها الهوائية أو النارية أو الدخانية على اختلف أحوالها‪ .‬سماها بعههض الحكمههاء‬
‫الصور المعلقة‪ ،‬ولها علوم وإدراكات من جنس علومنا وإدراكاتنا‪ .‬ولمهها كههانت قريبههة بههالطبع إلههى الملكههوت السههماوية‬
‫أمكنها أن تتقلى من عالمها بعض الغيب فل تستبعد أن ترتقي إلههى أفههق السههماء فتسههترق السههمع مههن كلم الملئكههة أي‬
‫النفوس المجردة‪ ،‬ولما كانت أرضية ضعيفة بالنسبة إلى القوى السماوية تأثرت بتأثير تلك القوى فرجمت بتأثيرها عههن‬
‫بلوغ شأوها وإدراك مداها من العلوم‪ ،‬ول تنكر أن تشتعل أجرامها الدخانية بأشعة الكواكب فتحترق وتهلههك أو تنزجههر‬
‫من الرتقاء إلى الفق السماوي فتتسفل‪ ،‬فإنها أمور ليست بخارجة عن المكان‪ ،‬وقد أخبر عنها أهههل الكشههف والعيههان‬
‫‪‬‬
‫‪ .‬وإن شههئت التطههبيق‪ ،‬فههاعلم أن القلههب إذا اسههتعد‬ ‫الصادقون من النبياء والولياء خصوصا أكملهم نبينهها محمههد‬
‫لتلقي الوحي وكلم الغيب استمع إليه القوى النفسانية من المتخيلههة والههوهم والفكههر والعاقلههة النظريههة والعمليههة وجميههع‬
‫المدركات الباطنة التي هي جن الوجود النساني‪ ،‬ولما لم يكن الكلم اللهي الههوارد علههى القلههب بواسههطة روح القههدس‬
‫من جنس الكلم المصنوع المتلقف بالفكر والتخيل أو المستنتج من القياسات العقلية والمقدمات الوهمية والتخيلية‪ ،‬قالوا‬
‫‪‬إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد‪ ‬أي الصواب وذلك هو تأثرها بنور الههروح وانتعاشههها بمعههاني الهوحي وتنورههها‬
‫بنوره وتأثيرها في سائر القوى من الغضبية والشهوية وجميع القوى البدنية ‪‬فآمنا به‪ ‬تنورنا بنوره واهتدينا إلههى جنههاب‬
‫القدس ‪‬ولن نشرك بربنا أحدا‪ ‬أي لن نمثله بمثال من جنس مدركاتنا فنشبه به غيره‪ ،‬بههل نشههايع السههر فههي التههوجه إلههى‬
‫جناب‬
‫الوحدة‪ ،‬ولن ننزوي إلى عالم الكثرة لنعبد الشهوات بهوى النفس وتحصيل مطالبها من عالم الرجس فنعبد غيره‪. .‬‬
‫تفسير سورة الجن من ]آية ‪ [8 - 3‬وأنه تعالى‪ ‬عظمة ‪‬ربنا‪ ‬من أن نتصوره مدركة فتكيفه فيدخل تحت جنس فيتخذ‬
‫‪‬صاحبة‪ ‬من صنف تحته أو ‪‬ولدا‪ ‬من نوع يماثله ‪‬وأنه كهان يقهول سهفيهنا‪ ‬الهذي ههو الهوهم ‪‬علهى اله شهططا‪ ‬بهأن كهان‬
‫يتوهمه في جهة ويجعله من جنس الموجودات المحفوفة باللواحق المادية فيماثل المخلوقات صههنفا أو نوعها ‪‬وأنهها ظننهها‬
‫أن لن تقول‪ ‬إنس الحواس الظاهرة ول جن القوى الباطنة ‪‬على ال كذبا‪ ‬فيما أدركوا منه فتوهمنا أن البصر يدرك شكله‬
‫ولونه والذن تسمع صوته والوهم والخيال يتوهمه ويتخيله حقا مطابقا لما هو عليه قبل الهتههداء والتنههور‪ ،‬فعلمنهها مههن‬
‫طريق الوحي أن ليست في شيء من إدراكه بل هو يههدركها ويههدرك مهها تههدركه ول تههدركه‪ .‬وأنههه كههان رجههال مههن‬
‫النس يعوذون‪ ‬أي تستند القوى الظاهرة إلى القوى الباطنههة وتتقههوى بههها ‪‬فزادوهههم‪ ‬غشههيان المحههارم وإتيههان المنههاهي‬
‫بالدواعي الوهمية والنوازغ الشهوية والغضبية والخواطر النفسانية‪ .‬وأنهم ظنوا كما ظننتم‪ ‬قبل التنور بنههور الهههدى‬
‫‪‬أن لن يبعث ال‪ ‬عليهم العقل المنور بنور الشرع فيهذبهم ويزكيهم ويؤدبهم بالداب الحسنة فيأتون ما يشتهون بمقتضى‬
‫طباعهم ويعملون على حسب غرائزهم وأهوائهم ويتركون سدى بل رياضة ويهملون همل بل مجاهدة‪ .‬وأنا لمسنا‪‬‬
‫أي طلبنا سماء العقل لنستفيد من مدركاته ما نتوصل به إلى لذاتنا ونسترق من مدركاته مهها يعيهن فهي تحصهيل مآربنهها‬
‫كما كان قبل التأدب بالشرائع ‪‬فوجدناها ملئت حرسا شديدا‪ ‬معاني حاجزة عن بلوغنهها مقاصههدنا وحكمهها مانعههة لنهها عههن‬
‫مشههتهياتنا قويههة ‪‬وشهههبا‪ ‬وأنههوار قدسههية وإشههراقات نوريههة تمنعنهها مهن إدراك المعههاني الههتي صههفت عهن شههوب الهوهم‬
‫والوصول إلى طور العقل المنور بنور القدس‪ ،‬فإن العقل قبل الهداية كان مشوبا بالوهم‪ ،‬قريبا من أفق الخيال والفكههر‪،‬‬
‫مقصورا على تحصيل المعاش مناسبا للنفس وقواها‪. .‬‬
‫تفسير سورة الجن من ]آية ‪ 9‬إلى آية ‪ [13‬فلما تنور بنور القدس بعد عن منازل القوى ومبالغ علمها وإدراكها‪ .‬وهذا‬
‫معنى قوله ‪‬وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمههن يسههتمع الن يجههد لههه شهههابا رصههدا ‪ ‬أي نههورا ملكوتيهها وحجههة عقليههة‬
‫تطردنا عن الفق العقلي وتحفظ العقل عن أن يميل إلى النفس فتختلط بنا وتنزل إلى ما ارتقينا إليه من المقاعد فنكتسب‬
‫منه الراء القياسية المؤدية إلى موافقات البدن وآمان النفس‪ .‬وأنا ل ندري أشر أريد بمن فههي الرض‪ ‬أرض البههدن‬
‫من القوى فتبقى في المجاهدة والرياضة‪ ،‬ممنوعة من لذاتها‪ ،‬محجوبهة عهن مشهتهياتها ومها تهواهها ‪‬أم أراد بههم ربههم‪‬‬
‫بالحكام الشرعية والمناهي الدينية والوامر التكليفية ‪‬رشدا‪ ‬استقامة وصوابا وما يوجب صلحها‪ ،‬فإن مقصههد الشههرع‬
‫وكمال النفس أمر وراء مبالغ إدراك هذه القوى‪ .‬وأنا منا الصالحون‪ ‬كالقوى المدبرة لنظام المعههاش وصههلح البههدن‬
‫‪‬ومنا دون ذلك‪ ‬من المفسدات كالوهم والغضب والشهوة العاملههة بمقتضههى هههوى النفههس والمتوسههطات كههالقوى النباتيههة‬
‫الطبيعية ‪‬كنا‪ ‬ذوي مذاهب مختلفة لكل طريقة ووجهة مما عينه ال ووكله به ‪‬وأنا ظننا‪ ‬أي تيقنا أن ال غالب علينا لههن‬
‫نعجزه‪ ،‬كائنين في أرض البدن ول هاربين إلى سماء الروح لعجز كل أحد منا عن فعل الخههر‪ ،‬فكيههف عههن فعههل مبههدأ‬
‫' لكل أحد شههيطان‪ ،‬إل أن‬ ‫‪‬‬
‫به وصدقناه بامتثالنا أوامره ونواهيه كما قال‬
‫القوى والقدر ‪‬الهدى‪ ‬أي القرآن تنورنا ‪ ‬‬
‫شيطاني أسلم على يدي '‪ .‬فل يخاف‪ ‬بخس حق من حقوقه وكمالته التي أمكنت له وحظوظه أيضا‪ ،‬فإن النفس وإن‬
‫اطمأنت وتنورت قوها بحيث ل تزاحم السر ول تعلو القلب لم تمنههع مههن الحظههوظ بههل وفههرت عليههها لتتقههوى بههها هههي‬
‫بنكهاح تسهع نسهوة وغيههره مههن‬ ‫‪‬‬ ‫وقواها على الطاعة وتنشط علهى الفعهال اللهيهة حالههة السهتقامة كتمهتيع نفسهه‬
‫التمتعات‪ ،‬ول رهق ذلة وقهر بالرياضة أو بخس كمال ورهق رذيلة من الرذائل أو لحوق هيئة معذبة موجبههة للخسههوء‬
‫والطرد‪. .‬‬
‫تفسير سورة الجن من ]آية ‪[21 - 14‬‬
‫‪‬منا المسلمون‪ ‬المذعنون لطاعة القلب وأمر الرب بالطبع كالعاقلة ‪‬ومنا القاسطون‪ ‬الجائرون عن طريههق الصههواب‬
‫كالوهم ‪‬فمن‪ ‬انقاد وأذعن ‪‬فأولئك‪ ‬قصدوا الصواب والستقامة ‪‬وأما‪ ‬الجائرون ‪‬فكانوا‪ ‬حطبا لجهنهم الطبيعهة الجسهمانية‬
‫‪‬وأن لو استقاموا‪ ‬من جملة الموحى ل من كلم الجن‪ ،‬أي لو استقام الجن كلهم على طريق التوجه إلى الحههق والسههلوك‬
‫في متابعة السر السائر إلى التوحيد ‪‬لسههقيناهم مههاء غههدقا‪ ‬أي لرزقنههاهم علمهها جمهها كمهها ذكههر فههي إنبههاء آدم للملئكههة‪.‬‬
‫‪‬لنفتنهم فيه‪ ‬لنمتحنهم هههل يشههكرون بالعمههل بههه وصههرفه فيمهها ينبغههي مههن مراضههي اله أم ل ؟ كمهها قههال ‪‬وبلونههاهم‬
‫بالحسنات‪] ‬العراف‪ ،‬الية ‪ [168‬ومن يعرض عن ذكر ربه‪ ‬فيبخل بنعمته أو يصرفها فيما ل ينبغي من العمال‬
‫وينسى حق نعمته ‪‬يسلكه عذابا صعدا‪ ‬بالرياضة الصعبة والحرمان عن الحظ حههتى يتههوب ويسههتقيم أو بههالهيئة المنافيههة‬
‫المؤلمة ليتعذب عذابا شديدا شاقا غالبا عليه‪ .‬وأن المساجد‪ ‬أي مقام كمال كل قوة وهو هيئة إذعانها وانقيادها للقلب‬
‫الذي هو سجودها أو كمال كل شيء حتى القلب والروح ‪‬ل‪ ‬أي حق ال على ذلك الشيء‪ ،‬بل صفة اله الظهاهرة علهى‬
‫مظهر ذلك الشي ‪‬فل تدعو مع ال أحدا‪ ‬بتحصيل أغراض النفههس وعبههادة الهههوى وطلههب اللههذات والشهههوات بمقتضههى‬
‫طباعكم‪ ،‬فتشركوا بال وعبادته‪ .‬وأنه لما قام عبد ال‪ ‬أي القلب المتوجه إلى الحق الخاشع المطيع ‪‬يههدعوه‪ ‬بالقبههال‬
‫إليه وطلب النور من جنابه ويعظمه ويبجله ‪‬كادوا يكونون عليه لبهدا‪ ‬يزدحمهون عليهه بالسههتيلء ويحجبههونه بهالظهور‬
‫والغلبة‪ .‬قل إنما أدعو ربي‪ ‬أوحده ول ألتفت إلى ما سواه فأكون مشركا‪ .‬قل إني ل أملك لكم ضرا ول رشدا‪ ‬أي‬
‫غيا وهدى‪ ،‬إنما الغواية والهداية من ال إن سههلطني عليكههم تهتههدوا بنههوري وإل بقيتههم فههي الضههلل ليههس فههي قههوتي أن‬
‫أقسركم على الهداية‪. .‬‬
‫تفسير سورة الجن من ]آية ‪ [28 - 22‬قل إني لن يجيرني‪ ‬اعتراض مؤكد لنفي الستطاعة والقدرة عليهم‪ ،‬أي لن‬
‫يجيرني أيضا ‪‬من ال أحد‪ ‬إن أرادني ال بضر أو غواية فيسلطكم أو غيركههم علههي ‪‬ولههن أجههد مههن دونههه ملتحههدا‪ ‬ملجههأ‬
‫وملذا ومهربا ومحيصا إن أهلكني أو عذبني على أيديكم أو غيركم‪ ،‬وإذ ل أملك النفع والضر والهداية والغواية لنفسي‬
‫فكيف أملك لكم شيئا منها ؟‪ .‬إل بلغا‪ ‬أي أن أبلغكم بلغا صادرا من اله ‪‬و‪ ‬أبلغكههم ‪‬رسههالته‪ ‬مههن معههاني الههوحي‬
‫وأحكام الحق‪ ،‬أي ل أملك إل التبليغ والرسالت فهو استثناء من معمول أملك‪ .‬وقوله ‪‬ومن يعص اله ورسههوله‪ ‬منكههم‬
‫فلم يقبل نوره ولم يسمع ما يبلغه رسول العقل ‪‬فهأن لهه نهار‪ ‬الطبيعهة المحرقهة باسهتيلئها عليهه أبهدا ‪‬حهتى إذا رأوا‪ ‬أي‬
‫يكونون عليه لبدا يستولون عليه بالزدحام حتى إذا رأوا ‪‬ما يوعدون‪ ‬في الرسالت من وقوع القيامة الصغرى بالموت‬
‫أو الوسطى بظهور نور الفطرة واستيلء القلب عليها‪ ،‬أو الكبرى بظهور نور الوحههدة فسههيظهر ضههعفهم وقلههة عههددهم‬
‫وخمود نارهم وانطفاؤها وكللة حدهم وشوكتهم بإحدى الحوال الثلث ول ينصر بعضهم بعضا لنقهارهم وعجزهههم‬
‫وفنائهم فيعلمون ‪‬أنهم أضعف ناصرا‪ ‬من القلب ‪‬وأقل عددا‪ ‬وإن كادوا أن يقهروه بالكثرة واستقلوه بالنسبة إلههى عههددهم‬
‫فإن الواحد المؤيد من عند ال أقوى وأكههثر ‪‬ولقههد سههبقت كلمتنهها لعبادنهها المرسههلين إنهههم لهههم المنصههورون‪] ‬الصههافات‪،‬‬
‫اليات ‪ ،[172 - 171‬إن ينصركم ال فل غالب لكم‪] ‬آل عمران‪ ،‬الية ‪ .[160‬قل إن أدري أقريب ما توعدون‪‬‬
‫في القيامة الصغرى من الفناء والدخول في نار الطبيعة عند البعث لعدم الوقههوف علههى قههدر اله أو فههي الخرييههن مههن‬
‫الموت الرادي والفناء الحقيقي لعدم الوقوف على قوة الستعداد وضعفه فيقع عاجل‪ ،‬أم ضرب ال له غاية وأجل هههو‬
‫‪‬عالم الغيب‪ ‬وحده ‪‬فل‪ ‬يطلع ‪‬على غيبه أحدا إل من ارتضى من رسول‪ ‬أي أعده في الفطرة الولى وزكاه وصههفاه مههن‬
‫رسول القوة القدسية ‪‬فإنه يسلك من بين يديه‪ ‬أي من جانبه اللهي ‪‬ومن خلفه‪ ‬وجهته البدنية ‪‬رصدا‪ ‬حفظة أما من جهة‬
‫ال التي إليها وجهه فروح القدس والنوار الملكوتية والربانية‪ ،‬وأما من جهة البدن فالملكات الفاضلة والهيئات النوريههة‬
‫الحاصلة من هياكل الطاعات والعبادات يحفظونه من تخبيط الجن وخلط كلمهههم مههن الوسههاوس والوهههام والخيههالت‬
‫بمعارفها اليقينية ومعانيها القدسية والواردات الغيبية والكشوف الحقيقية‪ .‬ليعلم أن قد أبلغوا‪ ‬ليظهر علمه تعههالى فههي‬
‫مظاهر الرسل مما كان مكنونا في استعدادهم فيكملوا ويكملوا بما أمكنهم حمله من رسالته وإبلغه ‪‬وأحاط بمهها لههديهم‬
‫من العقل الفرقاني والمعاني المكنونههة فههي فطرتهههم أزل فأظهرههها ‪‬وأحصههى كههل شههيء‪ ‬أي ضههبط كههل شههيء بالعقههل‬
‫الفرقاني وإبراز الكمال التام جملة وتفصههيل كليهها وجزئيهها‪ ،‬أو ضههبط عههدد كههل شههيء مطلقهها فههي القضههاء والقههدر كليهها‬
‫وجزئيا‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة المزمل‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة المزمل من ]آية ‪ [4 - 1‬يا أيها المزمل‪ ‬أي المتلفف في غواشي البدن وملبسههه ‪‬قههم‪ ‬مههن نههوم‬
‫الغفلة سائرا في سبيل ال‪ ،‬سالكا مسالك بيداء النفس ومراحل مفازة القلب إلى ال‪ ،‬ليل مقام النفس واستيلء الطبههع ‪‬إل‬
‫قليل‪ ‬بحكم الضرورة للستراحة والكل والشههرب ومصههالح البههدن ومهمههاته الههتي ل يمكههن التعيههش بههدونها وذلههك هههو‬
‫نصفه‪ ،‬أي نصف كونه في مقام الطبيعة من الزمان بأسره ليكون الربع من الههدورة التامههة الههتي هههي أربههع وعشههرون‬
‫ساعة للستراحة والربع لضروريات البدن ‪‬أو انقص منه قليل‪ ‬إن كنت من القوياء حههتى يبقههى الثلههث فيكههون السههدس‬
‫للستراحة والسدس لضروريات المعاش‪ .‬أو زد عليه‪ ‬قليل إن كنت من الضهعفاء حههتى يصهير إلههى الثلههثين فيكهون‬
‫الثلث للستراحة والثلث للضروريات والثلث للشتغال بال والسهير فهي طريقهه‪ .‬ورتهل القهرآن‪ ‬أي فصهل مها فهي‬
‫فطرتك من المعاني والحقائق مجموعة‪ ،‬وفي استعدادك مكنونة بإظهارها وابرازها بالتزكية والتصفية‪. .‬‬
‫تفسير سورة المزمل من ]آية ‪ [11 - 5‬إنا سنلقي عليك‪ ‬يتأييدك بروح القدس وإفاضة نوره عليك حتى يخرج‬
‫ما فيك بالقوة إلى الفعل من المعاني والحكم ‪‬قول ثقيل‪ ‬ذا وزن واعتبار ‪‬إن ناشهئة الليهل‪ ‬أي النفهس المنبعثهة مهن مقهام‬
‫الطبيعة ومقيل الغفلة ‪‬هي أشد‪ ‬موافقة للقلب وأصوب‪ ،‬قول صادرا من العلم ل من التخيل والظههن والههوهم ‪‬إن لههك‪ ‬فههي‬
‫نهار مقام القلب وزمان طلوع شمس الروح ‪‬سبحا‪ ‬أي سيرا وتصههرفا وتقلبهها فههي الصههفات اللهيههة ومقامههات الطريقههة‬
‫‪‬طويل‪ ‬بل أمد ونهاية‪.‬‬
‫‪‬واذكر اسم ربك‪ ‬الذي هو أنت‪ ،‬أي اعرف نفسك واذكرها ول تنساها فينساك ال‪ ،‬واجتهههد لتحصهيل كمالهها بعههد‬
‫معرفة حقيقتها ‪‬وتبتل‪ ‬وانقطع إلى ال بالعراض عما سواه انقطاعا تاما معتهدا بهه ‪‬رب المشهرق والمغهرب‪ ‬أي الهذي‬
‫ظهر عليك نوره فطلع من أفق وجودك بإيجادك‪ ،‬والمغرب الذي اختفى بوجودك وغرب نوره فيك واحتجب بك ‪‬ل إله‪‬‬
‫في الوجود ‪‬إل هو‪ ‬أي ل شيء في الوجود يعبد غيره‪ ،‬هو الول والخر‪ ،‬والظاهر والباطن ‪‬فاتخذه وكيل‪ ‬أي انسههلخ‬
‫عن فعلك وتدبيرك برؤية جميع الفعال منه فيكون أمرك موكول إليه يدبر أمرك ويفعههل بههك مهها يشههاء فكنههت متههوكل‪.‬‬
‫‪‬واصبر على ما يقولون‪ ‬واحبس نفسك عن الطيش والضطراب والحركة في طلههب الههرزق والهتمههام بههه علههى مهها‬
‫توسوس إليك قوى نفسك وتلقي إليك من خواطر الوهم ودواعي الشهوة ونوازغ الهههوى فتبعثههك وتتعبههك فههي حوائجههك‬
‫‪‬واهجرهم‪ ‬بالعراض عنهم ‪‬هجرا‪ ‬مبنيا على العلم الشرعي والعقلي ل علههى الهههوى والرعونههة ‪‬وذرنههي‪ ‬وإيههاهم فههإنهم‬
‫المكذبون بمقام التوكل وتكفلي بحوائجك لحتجابهم بما أنعمت عليهم من نعمة الدراك والشعور والقدرة والرادة عني‬
‫فل يشعرون إل بقواهم وقدرهم ول يصدقون قولي ‪‬ومهلههم قليل‪ ‬ريثمها اسهلب عنههم القهوى والقهدرة بتجلهي الصهفات‬
‫فيظهر عجزهم‪. .‬‬
‫تفسير سورة المزمل من ]آية ‪ [20 - 12‬إن لدينا‪ ‬قيودا شرعية وتكاليف مانعة لهم عن أفعالها ‪‬وجحيما‪ ‬من حر نار‬
‫التعب في الطلب ‪‬وطعاما ذا غصة‪ ‬من مخالفات طباعهم وحقوقهم بههدل حظههوظهم ‪‬وعههذابا أليمهها‪ ‬مههن أنههواع الرياضههة‬
‫والمجاهدة‪ .‬يوم ترجف‪ ‬أرض النفهس باسهتيلء إشهراقات أنهوار التجليهات فهي القلهب فتقشهعر وتضهطرب‪ ،‬وجبهال‬
‫هيئاتها وصفاتها فتندك‪ .‬وكانت الجبال كثيبا مهيل‪ ‬فتنمحى وتذهب‪ .‬أو ريثما يهيج أعصير انحراف المههزاج وغلبههة‬
‫بعض الكيفيات بعضا إن لدينا أنكال من الهيئات المنكرة والصور المعذبة المؤذية وجحيما من نيران الطبيعههة وطعامهها‬
‫ذا غصة مما ل تستلذه من أنواع الغسلين والزقوم والضريع‪ ،‬وعهذابا أليمها بتلهك النيهران والصهور يهوم ترجهف أرض‬
‫البدن بزهوق الروح وسكرات الموت وجبال العضاء فتتفتت وتصير كثيبا مهيل‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة المدثر‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة المدثر من ]آية ‪ [7 - 1‬يا أيها المدثر‪ ‬أي المتلبس بدثار البدن‪ ،‬المحتجب بصورته ‪‬قم‪ ‬عن مهها‬
‫ركنت إليه وتلبست به من أشغال الطبيعة وانتبه عن رقدة الغفلههة ‪‬فأنههذر‪ ‬نفسههك وقهواك وجميههع مههن عههداك عههذاب يهوم‬
‫عظيم ‪‬وربك فكبر‪ ‬أي إن كنت تكبر شيئا وتعظهم قهدره فخصهص ربهك بهالتعظيم والتكهبير ل يعظهم فهي عينهك غيهره‬
‫ويصغر في قلبك كل ما سواه بمشاهدة كبريائه ‪‬وثيابك فطهر‪ ‬أي ظاهرك طهره أول قبههل تطهيههر باطنههك عههن مههدانس‬
‫الخلق وقبائح الفعال ومذام العادات ورجههز الهيههولى المههؤدي إلههى العههذاب ‪‬فههاهجر‪ ‬أي جههرد باطنههك عههن اللواحههق‬
‫المادية والهيئات الجسمانية الغاسقة والغواشي الظلمانية الهيولنية ‪‬ول تمنن تستكثر‪ ‬ول تعطي المال عند تجردك عنههه‬
‫مستغزرا طالبا للغواض والثواب الكثير به‪ ،‬فإن ذلك احتجاب بالنعمة عن المنعم وقصور همة‪ ،‬بل خالصا لههوجه ال ه‬
‫افعل ما تفعل صابرا على الفضيلة له ل لشيء آخر‪ ،‬وهذا معنى قوله ‪‬ولربك فاصبر‪ ‬أو ل تعط ما أعطيت فههي الزهههد‬
‫والطاعة والترك والتجريد مستكثرا رائيا إياه كثيرا فتحتجب برؤية فضيلتك وتبتلى بالعجب فيكون ذنب رؤية الفضههيلة‬
‫' لو لم تذنبوا لخشيت عليكم أشد من الذنب‪ ،‬العجب العجب العجب '‪ ،‬بل اصههبر‬ ‫‪‬‬
‫أعظم من ذنب الرذيلة‪ ،‬كما قال‬
‫علي الفضيلة خالصا لوجه ربك ل لغرض آخر هاربا عن الرذيلة بالطبع ل فضيلة لها أصل‪ ،‬فل تبتهج برؤيههة زينتههها‬
‫بالفضيلة بل بفضل ال عليك فتتذلل وتخضع ل تتعزز وتستكثر‪. .‬‬

‫تفسير سورة المدثر من ]آية ‪[28 - 8‬‬


‫‪‬فإذا نقر في الناقور‪ ‬أي نزع الروح عن الجسد فتنقر الهيئات الروحانية ومحاسن الصور والملذ والدراكات عنه‬
‫ويؤثر بالتفريق والتبديد في ذلك المنقور‪ ،‬وذلك عبارة عن النفحة الولى للماتة أو ينقر في البدن المبعوث فتنتقش فيها‬
‫الهيئات المكتسبة المردية الموجبة للعذاب أو الحسنة المنجية الموجبة للثههواب‪ ،‬فيكههون عبههارة عههن النفخههة الثانيههة الههتي‬
‫للحياء وهو الظهر‪ ،‬فل يخفى عسر ذلك اليههوم علههى المحجههوبين علههى أحههد وإن خفههي يسههره علههى غيرهههم إل علههى‬
‫المحققين من أهل الكشف والعيان‪ .‬سأصليه سقر‪ ‬بدل من قههوله ‪‬سههأرهقه صههعودا ‪] ‬المههدثر‪ ،‬اليههة ‪ [17‬والصههعود‬
‫' جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفًا ثم يهوي فيه كذلك أبههدًا ' وهههو وال ه أعلههم‬ ‫‪‬‬ ‫عقبة شاقة المصعد‪ ،‬عن النبي‬
‫إشارة إلى طور النفس الذي هو أعظم أطوارها أي أفقها الذي يلههي الفطههرة النسههانية يصههعد إليههه سههنين متطاولههة فههي‬
‫' يكلف أن يصعد عقبة في النار كلمهها وضههع يههده‬ ‫‪‬‬ ‫صور التعذيب وبرازخ الحتجاب يهلك ويحترق فيها كما قال‬
‫عليها ذابت فإذا رفعها عادة وإذا وضع رجله ذابت فإذا رفعها عادت ويهوي فيه إلى أسفل سافلين '‪ .‬كذلك ينتقههل دركههة‬
‫دركة في برازخ متنوعة أبدا فذلك الصعود هو سقر الطبيعة من أعلى طبقاتها إلى أسهفلها سأصههليه إياهها ل تبقهى فيهها‬
‫شيئا إل أهلكته وأفنته وإذا هلك لم تذره هالكا حتى يعاد فأهلكته مرة أخرى هكذا دائما‪. .‬‬
‫تفسير سورة المدثر من ]آية ‪ [31 - 29‬لواحة للبشر‪ ‬مغيرة لظواهر الجساد إلههى لههون سههواد خطايههاهم وهيئات‬
‫سيئاتهم وذلك من خاصههية تلههك لنههار كمها تغيهر النهار الجسههمانية اللههوان والهيئات ‪‬عليهها تسهعة عشههر‪ ‬هههي الملكهوت‬
‫الرضية التي تلزم المادة من روحانيات الكواكب السبعة والبروج الثني عشر الموكلة بتدبير العالم السههفلي المههؤثرة‬
‫فيه تقمعهم بسياط التأثير وتردهم في مهاويها‪ .‬وما جعلنا أصحاب النار إل ملئكة‪ ‬لتغلبهم وتقهرهم فإن عالم الملههك‬
‫في قهههر عههالم الملكههوت وتسههخيره ‪‬ومهها جعلنهها عههدتهم إل‪ ‬لبتلء المحجههوبين وتعههذيبهم وزيههادة احتجههابهم وارتيههابهم‪.‬‬
‫‪‬ليستيقن الذين أوتوا‪ ‬كتاب العقل الفرقاني ‪‬ويزداد الذين آمنههوا‪ ‬اليمههان اليقينههي العلمههي ‪‬إيمانهها‪ ‬بالكشههف والعيههان فل‬
‫يرتابوا كما ارتاب الجاهلون بالجهل البسيط المحجوبون‪ .‬أو ليستيقن الذين أوتوا الكتاب من المقلدين ويههزداد المحققههون‬
‫تحقيقهم ول يرتابوا كما ارتاب الجاهلون الذين ل اعتقاد لهم تحقيقا ول تقليههدا ‪‬وليقهول الههذين فههي قلههوبهم مههرض‪ ‬نفههاق‬
‫وشك من الجاهلين بالجهل البسيط ‪‬والكافرون‪ ‬المحجوبون باعتقاداتهم الفاسدة من الجاهلين بالجهل المركب ‪‬مههاذا أراد‬
‫ال بهذا مثل‪ ‬أي شيئا عجيبا كالمثل المستغرب المتعجب منه أي ما ذكرنا عدتهم ومهها جعلناههها كههذلك إل ليكههون سههببا‬
‫لظهور ضلل الضالين وهداية المهتدين كسائر السباب الموجبة لضلل من ضل وهداية من اهتدى مثل ذلك المذكور‬
‫‪‬يضل ال من يشاء‪ ‬من أهل الشقاوة الصلية ‪‬ويهدي من يشاء‪ ‬من أهل السههعادة الزليههة ‪‬ومهها يعلههم جنههود ربههك‪ ‬عههددها‬
‫وكميتها وكيفيتها وحقيقتها إل هو لحاطة علمه بالماهيات وأحوالها ‪‬وما هي‪ ‬أي وما سقر متصل بقوله سأصليه سقر‬
‫من تتمة أوصافه‪ .‬وقوله ‪‬وما جعلنا‪ ‬إلى قوله ‪‬إل هو‪ ‬اعتراض لبيان حال الزبانية ‪‬ال‪ ‬تذكرة للبشر‪. .‬‬
‫تفسير سورة المدثر من ]آية ‪ [42 - 32‬كل‪ ‬إنكار أن يكون تذكيرا لهم مطلقا‪ ،‬فإن أكثرهم غير مستعدين مطبوع‬
‫على قلوبهم محكوم بشقاوتهم فل يتعظون به‪ ،‬ثم أقسم بههالقمر أي بههالقلب المسههتعد الصههافي القابههل للنههذار المتعههظ بههه‬
‫المنتفع بتذكيره تعظيما له وبليل ظلمة النفس ‪‬إذ أدبر‪ ‬أي ذهب بانقشاع ظلمتها عهن القلهب بانشهقاق نهور الههروح عليهه‬
‫وتللؤ طوالعه وبصبح طلوع ذلك النور إذا أسفر فزالت الظلمة بكليتها وتنور القلههب ‪‬أنههها‪ ‬أي سههقر الطبيعههة ‪‬لحههدى‪‬‬
‫الدواهي ‪‬الكبر‪ ‬العظيمة أوحدية منها فردة ل نظير لها من جملتها كقولك إنه أحههد الرجههال وإنههها لحههدى النسههاء تريههد‬
‫فردا منهم‪ ،‬منذرة ‪‬للبشر‪ ‬أو إنذارا أي فردا في النههذار لهههم ل لكلهههم بههل للمسههتعدين القههابلين الههذين إن شههاؤوا تقههدموا‬
‫باكتساب الفضائل والخيرات والكمالت إلى مقام القلب والروح وإن شاؤوا تأخروا بالميل إلههى البههدن وشهههواته ولههذاته‬
‫فوقعوا فيها‪ .‬كل نفس‪ ‬بمكسوبها ‪‬رهينة‪ ‬عند ال ل فكاك لها لستيلء هيئات أعمالها وآثههار أفعالهها عليهها ولزومههها‬
‫إياها وعدم انفكاكها عنها ‪‬إل أصحاب اليمين‪ ‬مهن السهعداء الهذين تجهردوا عهن الهيئات الجسهدانية وخلصهوا إلهى مقهام‬
‫الفطرة ففكوا رقابهم عن الرهن هم ‪‬في جنات‪ ‬من جنات الصفات والفعال يسأل بعضهههم بعضهها عههن حههال المجرميههن‬
‫لطلعهم عليها وما أوجب تعذيبهم وبقاءهم في سقر الطبيعة‪ ،‬فأجاب المسؤولون بأنا سههألناهم عههن حههالهم بقولنهها ‪‬مهها‬
‫سلككم في سقر‪. .‬‬
‫تفسير سورة المدثر من ]آية ‪ [56 - 43‬قالوا‪ ‬بلسان الحال أو القال إنا كنا موصوفين بهههذه الههرذائل مههن اختيههار‬
‫الراحات البدنية ومحبة المال وترك العبادات البدنية والحاليهة والرياضهات والخهوض فهي الباطهل والههزؤ والههذيانات‬
‫والتكذيب بالجزاء وإنكار المعاد التي هي رذائل القوى الثلث الموجبة للنغمار في نار الطبيعة الهيولنيههة ‪‬حههتى أتانهها‬
‫اليقين أي الموت فرأينا به ما كنا ننكره عيانا ‪‬فما تنفعهم شفاعة‪ ‬شافع من نبي أو ملك لو قدر على سبيل فرض المحال‬ ‫‪‬‬
‫لنهم غير قابلين لها‪ ،‬فل إذن في الشفاعة فلذلك فل شفاعة فل نفع فإن الشفاعة هناك إفاضة النههور وإمههداد الفيههض ول‬
‫يمكن إل عند قبول المحل بالصفاء‪ .‬ثم بيههن امتنههاع قبههولهم لههذلك وانتفههاعهم بالشههفاعة بإعراضهههم عههن التههذكرة وبلدة‬
‫قلوبهم كقلوب الحمر وتمنياتهم الباطلة لعنادهم ولجاجهم وعدم خوفهم من الخرة لعدم اعتقادهم وكهل ذلهك بمشهيئة اله‬
‫وقدره‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة القيامة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة القيامة من ]آية ‪ [4 - 1‬ل أقسم بيوم القيامة ول أقسم بالنفس اللوامة‪ ‬جمع بين القيامههة والنفههس‬
‫اللوامة في القسم بهما تعظيما لشأنهما وتناسبا بينهمهها‪ ،‬إذ النفههس اللوامههة هههي المصههدقة بههها‪ ،‬المقههرة بوقوعههها‪ ،‬المهيئة‬
‫لسبابها لنها تلوم نفسها أبدا في التقصير والتقاعد عن الخيرات وإن أحسنت لحرصها على الزيادة في الخير وأعمههال‬
‫البر تيقنا بالجزاء فكيف بها إن اخطأت وفرطت وبدرت منها بههادرة غفلههة ونسههيانا‪ .‬وحههذف جهواب القسههم لدللههة قههوله‬
‫‪‬أيحسب النسان ألن نجمع عظامه‪ ‬عليه وهو لتبعثن‪ .‬والمراد بالقيامة ها هنا الصغرى لهذه الدللة بعينها ‪‬بلي‪ ‬أي بلى‬
‫نجمعها ‪‬قادرين على‪ ‬تسوية بنانه التي هي أطراف خلقتهه وتمامهها بههأن نعهدلها كمهها كههانت‪ .‬وقيهل فهي بعهض التفاسههير‬
‫الظاهرة على أن نضمها فنجعلها مسواة شيئا واحدا كحافر الحمير وخف البعير‪. .‬‬
‫تفسير سورة القيامة مهن ]آيهة ‪ [19 - 5‬بهل يريهد النسهان‪ ‬ليهدوم علهى الفجهور بالميهل إلهى اللهذات البدنيهة‬
‫والشهوات البهيمية غارزا رأسه فيها فيما بين يديه من الزمان الحاضر والمستقبل‪ ،‬فيغفههل عههن القيامههة لقصههور نظههره‬
‫عنها كونه مقصورا على اللذات العاجلة وفرط تهالكه عليها واحتجابه بها عن الجلة سائل عنها متعنتهها مسههتبعدا إياههها‬
‫بقوله ‪‬أيان يوم القيامة‪ ‬فإذا برق البصر‪ ‬أي تحير ودهش شاخصا من فزع الموت ‪‬وخسههف‪ ‬قمههر القلههب لههذهاب نههور‬
‫العقل عنه ‪‬وجمع‪ ‬شمس الروح وقمر القلب بأن جعل شيئا واحدا طالعا عن مغرب البدن ل يعتبر له رتبتههان كمهها كههان‬
‫حال الحياة بل اتحدا روحا واحدا ‪‬يقول النسان يومئذ أين المفر‪ ‬أي يطلههب مهربهها ومحيصهها ‪‬كل‪ ‬ردع لههه عههن طلههب‬
‫المفر ‪‬ل وزر‪ ‬ل ملجأ ‪‬إلى ربك يومئذ‪ ‬خاصة مستقر من نار أو جنة مفوض إليه ل إلى غيره ول إلى اختيههاره أو إليههه‬
‫خاصة استقراره ورجوعه كقوله ‪‬إن إلى ربك الرجعى ‪] 8‬العلق‪ ،‬الية ‪ .[8‬ينبأ النسان يومئذ بمهها قههدم‪ ‬مههن‬
‫عمله الذي يوجب نجاته وثوابه من الخيرات والصالحات ‪‬وأخر‪ ‬ففرط وقصر فيه ولم يعملههه ‪‬بههل النسههان علههى نفسههه‬
‫بصيرة‪ ‬حجة بينة يشهد بعمله لبقاء هيئات أعماله المكتوبة عليه في نفسه ورسوخها في ذاته وصههيرورة صههفاته صههور‬
‫أعضائه‪ ،‬فل حاجة إلى أن ينبأ من خارج ‪‬ولو ألقى معاذيره‪ ‬أي أرخى ستوره فاختفى بها عند ارتكاب تلههك العمههال‪.‬‬
‫أو ولو ألقى أعذاره مجادل عن نفسه بكل معذرة‪ .‬ل تحرك به لسانك‪ ‬أي النسان عجههول بههالطبع كمهها قههال ‪‬خلههق‬
‫النسان من عجل‪] ‬النبياء‪ ،‬الية ‪ [37‬فلذلك اختار العاجلة واحتجب بها عن الجلة‪ .‬أل ترى أنههك مههع وفههور سههكينتك‬
‫وكمال وقارك بال تعجل عند إلقائنا الوحي إليك فتظهر نفسك لتتلقفه وهو ذنههب حالههك وحجههاب وجههودك‪ ،‬وهههو معنههى‬
‫قوله ‪‬بل تحبون العاجلة وتذرون الخرة‪ ‬فل تفعل ول تحرك لسانك به‪ ،‬فظهور نفسههك واضههطرابها عجلههة بههه ولتكههن‬
‫قواك هادية ونفسك غائبة عن مورد الوحي وقلبك سالما عن صفاتها خالصا في التوجه آمنا عههن حركههة النفههس‪ .‬إن‬
‫علينا جمعه وقرآنه‪ ‬إن علينا جمعه فيك وقرآنه أي ليكن جمعه في مقام الوحدة وقراءتك أيههاه بنهها فانيهها عههن ذاتههك وفههي‬
‫عين الجمع حيث لم يكن لك وجود ول بقية ول عين ول اثر ‪‬فإذا قرأناه‪ ‬أوجدناه حال فنائك فينا ‪‬فاتبع قرآنههه‪ ‬بههالرجوع‬
‫إلى مقام البقاء بعد الفناء وظهور القلب والنفس في‪ ،‬ثم عند كونك في مقام التفصيل ‪‬إن علينا بيانه‪ ‬وإظهار معههانيه فههي‬
‫حيز قلبك ونفسك مفصلة مشروحة‪. .‬‬
‫تفسير سورة القيامة من ]آية ‪ [40 - 20‬كل‪ ‬ردع له عن العجلة ‪‬بل تحبون العاجلههة‪ ‬سههواء حالههك وحههالهم بحكههم‬
‫البشهرية ومقتضهى الطبيعهة والنفهس الطياشهة‪ .‬وجهوه يهومئذ ناضهرة‪ ‬للتنهور بنهور القهدس والتصهال بعهالم النهور‬
‫والسرور والنعيم الدائم متبجحة بزينه معارفها وهيئاتها‪ ،‬مبتهجة ببهجة ذواتها منخرطة في سلك الملكههوت والجههبروت‬
‫‪‬إلى ربها ناظرة‪ ‬أي إلى حضرة الذات خاصة متوجهة متوقعة للرحمة التامة في مقام أنوار الصفات أو ناضههرة بنههوره‬
‫إلى وجهه خاصة‪ ،‬ناظرة مشاهدة إياه ل تلتفت إلى مها سهواه مشهاهدة لجمهال ذاتهه وسهبحات وجههه أو مطالعهة لحسهن‬
‫صفاته ل تشتغل بغيره ‪‬باسرة‪ ‬كالحة لجهامة هيئاتها وظلمة ما بها من الجحيم والنيران وسماجة ما تراه مما هنههاك مههن‬
‫الهوال وأنواع العذاب والخسران ‪‬تظن أن يفعل بها‪ ‬داهية تفصل فقار الظهر لشدتها وسوء حالها ووبالها‪ ،‬وشههتان مهها‬
‫أعلم‪.‬‬ ‫بين المرتبتين‪ ،‬وال ‪‬‬
‫سورة النسان‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة النسان من ]آية ‪ [2 - 1‬هل أتى‪ ‬أي قد أتى ‪‬على النسان حين من الدهر لههم يكههن‪ ‬فيههه ‪‬شههيئا‬
‫مذكورا‪ ‬أي على وجه التقرير والتقريب‪ ،‬أي كان شيئا في علم ال بل في نفس المر لقدم روحه ولكنههه لههم يههذكر فيمهها‬
‫بين الناس لكونه في عالم الغيب وعدم شعور من في عالم الشهادة به‪. .‬‬
‫تفسير سورة النسان من ]آية ‪ [8 - 3‬إنا هديناه‪ ‬سبيل الحق بأدلة العقل والسمع في حالتي كونه شاكرا مهتديا‬
‫مستعمل لنعم المشاعر واللت والوسايط فيما ينبغههي أن يسههتعمل مههن الطاعههات متوصههل بههها إلههى المنعههم ‪‬أو كفههورا‪‬‬
‫محتجبا بالنعم عن المنعم مستعمل لها في غير ما يحب أن يستعمل من المعاصي ‪‬إنا أعتدنا للكافرين‪ ‬المحتجبين بههالنعم‬
‫‪‬سلسل‪ ‬الميول والمحبات إلى المشتهيات الجسمانية الموجبة لتقيدهم بها والحرمان عهن المقاصهد الحقيقيهة فههي النيهران‬
‫وأغلل الصور والهيئات المانعة عن الحركة في طلب المراد وسعير التعذيب في قعر الطبيعة وقهر الحرمههان‪ .‬إن‬
‫البرار‪ ‬أي السعداء الذين برزوا عن حجاب الثار والفعال واحتجبوا بحجب الصفات غير واقفين معها بل متههوجهين‬
‫إلى عين الذات مع البقاء في عالم الصفات وهم المتوسطون في السهلوك ‪‬يشهربون مهن كهأس‪ ‬محبهة حسهن الصهفات ل‬
‫صرفا بل كان في شرابهم مزج من لذة محبة الههذات وهههي العيههن الكافوريههة المفيههدة للههذة بههرد اليقيههن وبيههاض النوريههة‬
‫وتفريح القلب المحترق بحرارة الشوق وتقويته‪ ،‬فإن للكافور خاصية التبريد والتفريح والبياض‪ .‬والكافور عين ‪‬يشرب‬
‫بها‪ ‬صرفة ‪‬عباد ال‪ ‬الذين هم خاصته من أهل الوحدة الذاتية المخصوص محبتهم بعين الذات دون الصفات‪ ،‬ل يفرقون‬
‫بين القهر واللطف والرفق والعنف والبلء والشدة والرخاء بل تستقر محبتهم مع الضداد وتسههتمر لههذاتهم فههي النعمههاء‬
‫والسراء والرحمة والزحمة كما قال أحدهم‬
‫ومشربه عذب تكدر أم صهفهها‬ ‫هواي له فرض تعطف أم جفا‬
‫وكلت إلى المحبوب أمري كله فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا‬
‫وأما البرار فلما كانوا يحبون المنعم واللطيف والرحيم لم تبق محبتهم عند تجلي القهار والمبلههي والمنتقههم بحالههها‬
‫ول لذتهم بل يكرهون ذلك ‪‬يفجرونها تفجيرا‪ ‬لنهم منابعها ل اثنينية ثمة ول غيرية‪ ،‬وإل لم يكن كافور الظلمة حجههاب‬
‫النائية والثنينية وسواده‪ .‬يوفون بالنذر‪ ‬أي البرار يوفون العهد الذي كان بينهم وبين ال صبيحة يوم الزل بأنهم‬
‫إذا وجدوا التمكن باللت والسباب أبرزوا ما في مكامن استعداداتهم وغيوب فطرتهم من الحقائق والمعارف والعلههوم‬
‫والفضائل وأخرجوها إلى الفعل بالتزكية والتصفية ‪‬ويخافون‪ ‬يوم تجلي صفة القهر والسخط والنتقام لكونهم وصههفيين‬
‫‪‬يوما كان شره‪ ‬فاشيا منتشرا بالغا أقصى المبالغ باستيلء الهيئات المظلمة والحجههب السههاترة للنهور مهن صههفات النفهس‬
‫على القلب وهو نهاية مبالغ الشر‪ .‬ويطعمون الطعام على حبه‪ ‬أي يتجردون عههن المنههافع الماليههة ويزكههون أنفسهههم‬
‫عن الرذائل خصوصا عن الشح لكون محبة المال أكثف الحجب فيتصفون بفضيلة اليثار ويطعمون الطعههام فههي حالههة‬
‫احتياجهم إليه لسد خلة جوع من يستحقه‪ ،‬ويؤثرون به غيرهم على أنفسهم كما هو المشهور من قصة علهي وأهههل بيتهه‬
‫عليهم الصلة والسلم في شأن نزول الية من اليثار بالفطور على المستحقين الثلثة والصهبر علهى الجهوع والصههوم‬
‫ثلثة أيام أو يزكون أنفسهم عن رذيلة الجهل فيطعمون الطعام الروحاني من الحكم والشرائع مع كونه محبوبا في نفسه‬
‫على حب ال المسكين الدائم السكون إلى تراب البدن واليتيم المنقطههع عهن تربيههة أبيههه الحقيقههي الههذي ههو روح القههدس‬
‫والسير المحبوس في أسر الطبيعة وقيود صفات النفس‪. .‬‬
‫تفسير سورة النسان من ]آية ‪[14 – 9‬‬
‫‪‬إنما نطعمكم لوجه ال‪ ‬أي قائلين في أنفسهم ذلك‪ ،‬نههاوين بالطعههام رضهها الهه‪ ،‬فههإن البههرار يقصههدون الخيههرات‬
‫مراضي ال ل الثواب لكونهم بارزين عن حجاب الفعال إلى الصفات أو لذات ال ومحبتها إذ الوجه عبارة عن الههذات‬
‫مع الصفات لكونهم سالكين سائرين في بيداء الصفات إلى مقصد الذات‪ ،‬غير واقفين معها ‪‬ل نريد منكم جزاء‪ ‬مكافأة‬
‫‪‬ول شكورا‪ ‬وثناء لعدم احتجابنا بالغراض والعراض‪ .‬إنا نخاف من ربنا‪ ‬يوم تجلههي السههخط والغضههب وظهههوره‬
‫في صفة العبوس والقهر ‪‬فوقاهم اله شههر ذلههك اليههوم‪ ‬بتجليههه فههي صههورة الرضهها واللطههف ‪‬ولقههاهم‪ ‬نضههرة الرضههوان‬
‫وسرور النعيم الدائم ‪‬وجزاهم‪ ‬بصبرهم عن اللذات النفسانية والتزيينات الشيطانية في جنان الفعال مع أنوار الصههفات‬
‫جنة الذات وحرير ملبس الصفات اللهية النورانية اللطيفة‪ .‬متكئين‪ ‬في تلك الجنههة علههى أرائك السههماء الههتي هههي‬
‫الذات مع الصفات بحسب مقاماتهم ومراتبهم ودرجاتهم منها ‪‬ل يرون فيها‪ ‬شمس حرارة الشوق إليها مع الحرمههان ول‬
‫زمهرير برودة الوقوف مع الكوان‪ ،‬فإن الوقوف مع الكون برد قاسر وثقل عاصر‪ .‬ودانيهة عليهههم‪ ‬ظلل الصههفات‬
‫قريبة منهم ساترة إياهم لتصافهم بها وكونهم في روحها ‪‬وذللت‪ ‬لهم ‪‬قطوفههها‪ ‬مههن ثمههار علههوم توحيههد الههذات وتوحيههد‬
‫الصفات والحوال والمواهب ‪‬تذليل‪ ‬تاما كلما شاؤوا جنوها وتلذذوا وتفكهوا بها‪. .‬‬
‫تفسير سورة النسان من ]آية ‪ [18 - 15‬ويطاف عليهم بآنية من فضة‪ ‬هي مظاهر حسهن الصهفات مهن محاسهن‬
‫الصور وكونها من فضة نوريتها وبياضها وزينتها وبهاؤها ‪‬وأكواب‪ ‬من صور أوصاف المجردات اللطيفة والجههواهر‬
‫المقدسة لكونها بل عرى التعلق بالمواد فل يمكن قبضها بالعرى من غير التصال بذواتها ولكونها من عالم الغيههب لههم‬
‫تكن مكشوفة الرأس كهالواني ‪‬كهانت قهوارير‪ ‬لصههفائها وتللهؤ نههور الههذات مهن ورائهها‪ ،‬وكمهها قهال فههي تشههبيه القلهب‬
‫بالزجاجة ‪‬الزجاجة كأنها كوكب دري‪] ‬النور‪ ،‬الية ‪ [35‬أي في صفاء الزجاجة وضياء الكوكب فكذلك ها هنهها قههال‬
‫‪‬قوارير من فضة‪ ‬أي في صفاء الزجاجة وشفيفها وبياض الفضة وبريقها ‪‬قدورها تقديرا‪ ‬أي على حسههب اسههتعداداتهم‬
‫ومبالغ ريهم على قدر أشواقهم وإرادتهم كما قدروا في أنفسهم وجههدوها كمهها قيههل ل تغيههض ول تفيههض‪ .‬ويسههقون‬
‫فيها كأسا كان مزاجها‪ ‬زنجبيل لذة الشتياق‪ ،‬فإنهم ل شوق لهم ليكون شرابهم الزنجبيل الصرف الذي هو غاية حههرارة‬
‫الطلب لوصولهم‪ ،‬ولكن لهم الشتياق للسير في الصفات وامتنههاع وصههولهم علههى جميعههها فل تصههفو محبتهههم مههن لههذة‬
‫حرارة الطلب كما صفت لذة محبة المستغرقين في عين جميع الذات فكان شرابهم العين الكافورية الصههرفة ‪‬عينهها‪ ‬بههدل‬
‫من زنجبيل أي هو عين في الجنة لكون حرارة الشهوق عيهن المحبهة الناشهئة مهن منبهع الوحهدة مهع الهجهران ‪‬تسهمى‬
‫سلسبيل‪ ‬لسلستها في الحلق وذوقها‪ .‬فإن العشاق المهجههورين الطههالبين السههالكين سهبيل الوصهال فهي ذوق وسهكر مهن‬
‫حرارة عشقهم ل يقاس به ذوق‪. .‬‬
‫تفسير سورة النسان من ]آية ‪ [22 - 19‬ويطوف عليهم ولدان مخلدون‪ ‬من فيوض السماء اللهية المتجلية عليهم‬
‫في عالم القدس وهي النوار الملكوتية والجبروتية المنكشفة عليهم في حضرات الصفات وجناتههها‪ .‬ولههو كههانت جنههانهم‬
‫من جنان الفعال لطافت عليهم الحور مكان الولهدان‪ ،‬لن السهماء مهؤثرة فهي الفعههال والصههفات مصهادرها ومبهادئ‬
‫الثار والهيئات وكونهم مخلدين بقاؤهم على التجرد أبدا ‪‬إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا‪ ‬لنههوريتهم وصههفائهم وبسههاطة‬
‫جواهرهم‪ .‬عاليهم ثياب سندس خضر‪ ‬أي تعلوهم ملبس سندس الحههوال والمههواهب اللطيفههة مهن أنههوار الصههفات‬
‫البهيجة‪ .‬والخضرة عبارة عن البهجة والنضرة وإستبرق الخلق اللهيههة ‪‬وحلهوا أسههاور مههن فضهة‪ ‬أي زينههوا بزينهة‬
‫المعاني المعقولة المنورة بنور الوجدان ‪‬وسقاهم ربهم شرابا طهورا‪ ‬مهن لههذة محبههة الهذات والعشهق الحقيقههي الصهرف‬
‫الصافي عن كدر الغيرية واثنينية الصفات الطاهر عن دنههس ظهههور النائيههة والبقيههة‪ .‬إن هههذا‪ ‬المههذكور مههن الجنههة‬
‫والواني والولدان والشراب ‪‬كان لكم جزاء‪ ‬لقيامكم بحق تجليات الصفات ‪‬وكان سعيكم‪ ‬من العمال القلبية في مقامههها‬
‫كالخشية والهيبة عند تجلي العظمة والخضوع والنس عنهد تجلهي صهفة الرحمهة والخلص فهي طلهب تجلهي الوحهدة‬
‫وأمثال ذلك ‪‬مشكورا‪ ‬بهذا الجزاء‪. .‬‬
‫تفسير سورة النسان من ]آية ‪ [28 - 23‬إنا نحن نزلنا عليك القرآن‪ ‬بذاتنا دون من عدانا ‪‬فاصههبر لحكههم‪ ‬التجلههي‬
‫الحدي الذاتي في مقام الفناء مع بلء ظهور النائية والبقية‪ ،‬فإن الرب في مقام نزول الصفات هو الههذات وحههدها ‪‬ول‬
‫تطع منهم آثما‪ ‬محتجبا بالصفات والحوال أو بذاته عن الذات وبصفات نفسه وهيئاتها عن الصفات ‪‬أو كفههورا‪ ‬محتجبهها‬
‫بالفعال والثار واقفا معها بأفعاله ومكسوباته عن الفعال فتحتجب بموافقتهم‪ .‬واذكر اسم ربك‪ ‬أي ذاتك الذي هههو‬
‫السم العظم من أسمائه بالقيام بحقوقه وإظهار كمالته ‪‬بكرة وأصيل‪ ‬في المبدأ والمنتهى بالصفات الفطرية من وقههت‬
‫طلوع النور اللهي بإيجادها في الزل وإيداع كمالته فيها وغروبههه بتعيينههها واحتجههابه بههها وإظهارههها مههع كمالتههها‪.‬‬
‫‪‬ومن الليل‪ ‬وخصص مقام النفس أو القلب حال البقاء بعد الفناء والرجوع إلى الخلق للتشريع بسههجود الفنههاء والعبههادة‬
‫الحقانية فإن الدعوة ل تمكن إل بحجاب القلب ووجود النفس ‪‬فاسجد له‪ ‬سههجود الفنههاء برؤيههة بقههاء نفسههك بههالحق وفنههاء‬
‫البشرية بالكلية فتكون موجودا به ل بها‪ ،‬ونزهه عن المعية والثنينية والنائيهة وظههور البقيهة ‪‬ليل طهويل‪ ‬بقهاء دائمها‬
‫أبديا ما دمت في ذلك المقام‪ .‬إن هؤلء‪ ‬أي المحتجبين بالثار والفعهال أو الصهفات ‪‬يحبهون العاجلهة‪ ‬أي شهاهدهم‬
‫الحاضر من الذوق الناقص ‪‬ويذرون وراءهم‪ ‬يوم التجلي الذاتي‪ ،‬أي القيامههة الكههبرى الشههاق المعتههبر الههذي ل يحتملههه‬
‫أحد‪ .‬نحن خلقناهم‪ ‬بتعيين استعداداتهم ‪‬وشددنا أسرهم‪ ‬قويناهم بالميثاق الزلي والتصال الحقيقههي ‪‬وإذا شههئنا بههدلنا‬
‫أمثالهم‪ ‬بأن نسلب أفعالهم بأفعالنا ونمحو صفاتهم بصفاتنا‪ ،‬ونفني ذواتهم بذواتنا فيكونوا أبدال‪. .‬‬
‫تفسير سورة النسان من ]آية ‪[31 – 29‬‬
‫‪‬إن هذه‪ ‬تذكير لسلوك طريقي والسير في ‪‬فمن شاء اتخذ‪ ‬سبيل إلي ‪‬وما تشاؤون إل‪ ‬بمشيئتي بأن أريدهم فيريدوني‬
‫فتكون إرادتهم مسبوقة بإرادتي‪ ،‬بل عين إرادتي الظاهرة في مظاهرهم ‪‬إن ال كههان عليمهها‪ ‬بمهها أودع فيهههم مهن العلهوم‬
‫‪‬حكيما‪ ‬بكيفية إيداعها وإبرازها فيهم باظهار كمالهم‪ .‬يدخل من يشاء فههي رحمتههه‪ ‬بإفاضههة ذلههك الكمههال المههودع فيههه‬
‫عليه وإظهاره ‪‬والظالمين‪ ‬الباخسين حقهم الناقصين حظهم منها بالحتجاب عنها‪ ،‬أو الواضعين نور فطرتهم الههذي هههو‬
‫النور اللهي الصلي الحاصل من اسمه المبدئ في غير موضعه من محبة النداد والحتجاب بالثار وعبههادة الغيههار‬
‫‪‬أعد لهم عذابا‪ ‬بالوقف على الرب لوقوفهم مع الغير ثم على النار لوقوفهم مع الثار مؤلما إيلما شديدا‪.‬‬

‫سورة المرسلت‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة المرسلت من ]آية ‪ [6 - 1‬والمرسلت عرفا‪ ‬أقسم سبحانه بأنوار القهر واللطف الموجبة للكمال‬
‫والوقوف على أحوال القيامة فقال ‪‬والمرسلت‪ ،‬أي النوار القههاهرة الههتي أرسههلت إلههى النفههوس النسههانية ‪‬عرفهها‪ ‬أي‬
‫متتالية متتابعة بواده ولوائح ولوامههع وطوالههع مههن قههولهم جههاؤوا عرفهها‪ ،‬ثههم تشههتد وتقههوى كالريههاح العاصههة فتعصههف‬
‫بالصفات النفسانية والقههوى البدنيههة والروحانيههة بتجليههات صههفات العظمههوت والجههبروت فتقهرههها وتههذريها‪ .‬وإن فسههر‬
‫العرف بالذي هو ضد النكر فمعناه والمرسلت للحسههان فههإن هههذا القهههر فههي ضههمنه لطههف خفههي كمهها قههال ' سههبقت‬
‫واتسعت رحمته لوليائه في شههدة نقمتههه‪ .‬والناشههرات‪ ‬والنههوار الههتي‬ ‫‪‬‬ ‫رحمتي غضبي '‪ .‬وقال أمير المؤمنين‬
‫تنشر وتحيي ما أهلكته وأفنته العاصفات من تجليات صفات المحبة والرحمههوت‪ ،‬فتفههرق بينههها بإقامههة كههل مههن مقامههها‬
‫ليتميز بعضها من بعض وتفصل بين الحق والباطل مهن أفعالهها‪ ،‬فتلقهي الهذكر أي العلهم والحكمهة لن العلهم يسهتدعي‬
‫دعاء وجوديا ظاهرا فل يمكن فيضانه في حال الفناء بالتجلي القهري ول قبله وإل لكان فكريا مستنبطا بالعقل المشوب‬
‫بالوهم فكان شيطنة وشبها مختلطا فيها الحق بالباطل‪ .‬عذرا أو نذرا‪ ‬كلههما بدل من ذكرا أي عههذرا للمسههتغفرين‬
‫المتصههلين ومحههوا لسههيئاتهم وهيئات نفوسهههم وصههفاتهم وإنههذارا للمنغمسههين فههي ملبههس الطبيعههة والبههدن المحجههوبين‬
‫بغواشيها ولذاتها وشهههواتها عههن الحههق أو مفعههول لهمهها أي لمحههو سههيئات الوليههن وذنههوب صههفاتهم وأفعههالهم وإنههذار‬
‫الخرين أو حالن أي فيلقين ذكرا عاذرات ومنذرات‪. .‬‬
‫تفسير سورة المرسلت من ]آية ‪ [14 - 7‬إنما توعدون‪ ‬من أحوال القيامة الصههغرى والكههبرى ‪‬لواقههع فههإذا‬
‫النجوم‪ ‬أي الحواس ‪‬طمست‪ ‬ومحيت بالموت ‪‬وإذا السماء‪ ‬أي الروح الحيوانية ‪‬فرجههت‪ ‬وشههققت وانفلقههت مههن الههروح‬
‫النسانية ‪‬وإذا الجبال‪ ‬أي العضاء ‪‬نسفت‪ ‬أي فنيت وأذريت ‪‬وإذا الرسل‪ ‬أي ملئكة الثهواب والعقهاب ‪‬اقتهت‪ ‬عينهت‬
‫وبلغت ميقاتها الذي عين لها‪ ،‬إما ليصال البشري والروح والراحههة وإمهها ليصههال العههذاب والكههرب والذلههة ‪‬لي يههوم‬
‫أجلت‪ ‬أي ليوم عظيم أخرت عن معاجلة الثواب والعقاب في وقت العمال أو رسل البشر وهم النبياء‪ ،‬عينت وبلغههت‬
‫ميقاتها الذي عين لهم للفرق بين المطيع والعاصي والسعيد والشقي فإن الرسل يعرفون كل بسيماهم‪ .‬ليههوم الفصههل‬
‫بين السعداء والشقياء‪ ،‬وإن فسرت القيامة الكبرى فههإذا نجههوم القههوى النفسههانية محيههت بالعاصههفات‪ ،‬وإذا سههماء العقههل‬
‫فرجت وشقت بتأثير نور الروح فيها‪ ،‬وإذا جبال صفات النفس نسفت بالتجليات الوصفية في القيامة الوسطى‪ ،‬بل جبال‬
‫النفس والقلب والعقل والروح وكل ما عليها بالتجلي الذاتي‪ ،‬وإذا الرسل الناشرات بالحياء فههي حههال البقههاء بعههد الفنههاء‬
‫عينت لوقت الفرق بعد الجمع وهو حال البقاء أي وقت الرجوع من الجمع إلى التفصيل المسمى يوم الفصل أخرت من‬
‫وقت الجمع الذي هو الفناء إلى ذلك الوقت‪. .‬‬
‫تفسير سورة المرسلت من ]آية ‪ [40 - 15‬ويل يومئذ للمكذبين‪ ‬بإحدى القيامتين المحجوبين عن الجزاء‪ ،‬وقوله‬
‫‪‬ويل يومئذ للمكذبين‪ ‬وما بعده يدل على أن المراد بما توعههدون هههو القيامههة الصههغرى‪ .‬انطلقههوا إلههى ظههل ذي ثلث‬
‫شعب‪ ‬أي ظل شجرة الزقوم وهي النفس الخبيثة الملعونة النسانية إل احتجبههت بصههفاتها وانقطعههت عههن نههور الوحههدة‬
‫بظلمة ذاتها فبقيت راسخة في أرض البدن نابتههة ناشههئة فههي نههار الطبيعههة متشههعبة إلههى شههعب النفههوس الثلث البهيميههة‬
‫والسبعية والشيطانية وهي القوة الملكوتية المغلوبة بالوهم العاملة بمقتضى هوى النفس ‪‬ل ظليل‪ ‬كظههل شههجرة طههوبى‪،‬‬
‫أي حالها في إفادة الروح والراحة بخلف حال تلك وهي النفس الطيبههة المتنههورة بنههور الوحههدة الوحدانيههة فههي أفعالههها‬
‫الصادرة عن العقل الغير المتشعبة إلى الشعب المختلفة المتضادة ‪‬ول يغنهي‪ ‬مهن لههب نهار الههوى وتعهب طلهب مها ل‬
‫يبقى‪ .‬إنها ترمي بشرر‪ ‬الدواعي العظيمة والتمنيات الباطلة كالجبال النارية مههع الحرمههان عههن المتمنيههات‪ .‬هههذا‬
‫يوم ل ينطقون‪ ‬لفقدان آلت النطق وعدم الذن فيه بههالختم علههى الفههواه فل يعتههذرون لنهههم ل يتمكنههون مههن العتههذار‬
‫وذلك اليوم يوم طويل ل نهاية لطوله والمواقف فيه مختلفة ففي بعض المواقف ل ينطقون وفي بعضها يمكنهم النطههق‪.‬‬
‫‪‬هذا يوم الفصل جمعناكم‪ ‬بالحشر العام في عين جمع الوجود مع الولين ثههم فرقنهها بيههن السههعداء منكههم والشههقياء أو‬
‫فصلنا بينكم بتمييزكم من السعداء وجمعناكم مع الولين من الشقياء المتوفين قبلكم في النار ‪‬فإن كان لكم كيد فكيههدون‬
‫تعجيز لهم وبيان لمقهوريتهم وعدم حيلتهم في رفع العذاب‪. .‬‬
‫تفسير سورة المرسلت من ]آية ‪ [48 - 41‬إن المتقين‪ ‬المتزكين عن صفات النفوس وهيئات العمال المتجردين‬
‫عنها ‪‬في ظلل‪ ‬من الصفات اللهية ‪‬وعيون‪ ‬من العلوم والمعارف والحكم والحقائق المستفادة من تجلياتها‪ .‬وفواكه‪‬‬
‫من لذات المحبات والمدركات ‪‬مما يشتهون‪ ‬على حسب إرادتهم مقول لههم ‪‬كلهوا واشههربوا‪ ‬أي كلهوا مههن تلهك الفهواكه‬
‫واشربوا من تلك العيون أكل هنيئا وشربًا هنيئا سائغا رافها ‪‬بما كنتم تعملون‪ ‬من العمههال الزكيههة والرياضههات القلبيههة‬
‫والقالبية‪ .‬إنا كذلك نجزي المحسنين‪ ‬الذين يعبدون ال في مقام مشاهدة الصفات والذات من ورائها لقوله ' الحسان‬
‫أن تعبد ال كأنك تراه '‪ .‬وإذا قيل لهم اركعوا‪ ‬انخفضوا واخشعوا بالنكسار وتواضعوا لقبول الفيههض بههترك التجههبر‬
‫والستكبار ل يقبلون ول ينقادون وذلك إجرامهم الموجب لهلكهم‪.‬‬

‫سورة النبأ‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة النبأ من ]آية ‪ [18 - 1‬عم يتساءلون عن النبإ العظيم‪ ‬النبأ العظيم هو القيامة الكبرى‪ ،‬ولذلك قيل‬
‫‪) %‬هو النبأ العظيم وفلههك نههوح( ‪ %‬أي الجمههع والتفصههيل باعتبههار الحقيقههة والشههريعة‬ ‫‪‬‬ ‫في أمير المؤمنين علي‬
‫لكونه جامعا لهما‪ .‬إن يوم الفصل‪ ‬أي يوم يفصهل بيهن النهاس ويفهرق السهعداء مهن الشهقياء وبيهن كهل طائفهة مهن‬
‫الفريقين باعتبار تفاوت الهيئات والصور والخلق والعمال وتناسبها ‪‬كان‪ ‬عند اله وفههي علمههه وحكمههه ‪‬ميقاتهها‪ ‬حههدا‬
‫معينا ووقتا موقتا ينتهي الخلق إليه‪ .‬يوم ينفههخ فههي الصههور‪ ‬باتصههال الرواح بالجسههاد ورجوعههها بههها إلههى الحيههاة‬
‫‪‬فتأتون أفواجا‪ ‬فرقا مختلفة كل فرقة مع إمامهم على حسب تباين عقائدهم وأعمالهم وتوافقها‪ .‬وعن معاذ ‪‬‬
‫أنه سههأل‬
‫عنه رسول ال ‪ ‬فقال ' يا معاذ ! سألت عن أمر عظيم من المور ' ثم أرسل عينيه وقال ' يحشر عشرة أصههناف‬
‫من أمتي بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون أرجلهم فوق وجوههم يسحبون‬
‫عليها‪ ،‬وبعضهم عميا وبعضهم صما بكمها وبعضهههم يمضههغون ألسهنتهم فهههي مهدلة علههى صهدورهم يسههيل القيهح مههن‬
‫أفواههم يتقذرهم أهل الجمع‪ ،‬وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم‪ ،‬وبعضهم مصلبون على جذوع من نار‪ ،‬وبعضهههم أشههد‬
‫نتنا من الجيف‪ ،‬وبعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لزقة بجلودهم‪ .‬فأما الذين على صههورة القههردة فالقتههات مههن‬
‫الناس‪ ،‬وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت‪ ،‬وأما المنكسون على وجوههم فأكلههة الربهها‪ ،‬وأمهها العمههي فالههذين‬
‫يجورون في الحكم‪ ،‬وأما الصم والبكم‬
‫فالمعجبون بأعمالهم‪ ،‬وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف قولهم أعمالهم‪ ،‬وأمهها الههذين قطعههت‬
‫أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران‪ ،‬وأما المصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السلطان‪ ،‬وأما الذين‬
‫هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ومنعوا حق ال في أموالهم‪ ،‬وأما الههذين يلبسههون الجبههاب فأهههل‬
‫‪..‬‬ ‫‪‬‬
‫الكبر والفخر والخيلء '‪ ،‬صدق رسول ال‬
‫تفسير سورة النبأ من ]آية ‪ [30 - 19‬وفتحت‪ ‬سماء الروح عند العود إلى البدن بأبواب الحواس الظاهرة والباطنة‬
‫‪‬فكانت أبوابا‪ ‬أي ذات أبواب كثيرة هي طرق الشعور كهأن كلههها أبهواب لكثرتههها‪ .‬وسهيرت‪ ‬جبهال الحجهب السههاترة‬
‫لهيئاتهم وصفاتهم عن العين الحاجزة عن ظهورها من البدان والعضههاء العارضههة دون تلهك الهيئات الههتي ظهههرت‬
‫في المحشر ‪‬فكانت سرابا‪ ‬كقوله تعالى ‪‬فكانت هباء منبثا‪] ‬الواقعة‪ ،‬الية ‪ [6‬أي صارت شههيئا كل شههيء فههي انبثاثههها‬
‫وتفرق أجزائها‪ .‬أن جهنم‪ ‬الطبيعة ‪‬كانت مرصادا‪ ‬حدا يرصد في كل أحد‪ ،‬يرصدهم عنههدها الملئكههة‪ ،‬أمهها السههعداء‬
‫فلمجاوزتهم وممرهم عليها لقوله تعالى ‪‬وإن منكم إل واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقههوا‪] ‬مريههم‪،‬‬
‫أنه سئل عن الية فقيل له أنتم أيضا واردوها ؟ فقال ' جزناها وهي خامدة '‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫اليات ‪ .[72 - 71‬وعن الصادق‬
‫وأما الشقياء فلكونها مآبهم كما قال ‪‬للطاغين مآبا‪ ‬وكقوله ‪‬ونذر الظالمين فيها جثيا‪] ‬مريم‪ ،‬اليههة ‪ .[72‬لبههثين‬
‫فيها أحقابا‪ ‬أزمنة متطاولة متتابعة إما غير متناهية إن كانت العتقادات باطلة فاسدة أو متناهية بحسب رسههوخ الهيئات‬
‫إن كانت العمال سيئة مع عدم العتقاد أو مع العتقاد الصحيح‪ .‬ل يذوقون فيها بردا‪ ‬روحا وراحة من أثهر اليقيهن‬
‫‪‬ول شرابا من ذوق المحبة ولذتها ‪‬إل حميما‪ ‬من أثر الجهل المركب ‪‬وغساقا‪ ‬من ظلمههة هيئات محبههة الجههواهر الفاسههقة‬
‫والميل إليها ‪‬جزاء‪ ‬موافقا لما ارتكبوه من العمال وقدموه من العقائد والخلق‪ .‬إنهههم كههانوا ل يرجههون حسههابا‪ ‬أي‬
‫ذلك العذاب لنهم كانوا موصوفين بهذه الرذائل من عدم توقع المكافآت والتكذيب باليات والصههفات أي لفسههاد العمههل‬
‫والعلم فلم يعملوا صالحا رجاء الجزاء ولم يعلموا علما فيصدقوا باليات‪ .‬وكههل شههيء‪ ‬مههن صههور أعمههالهم وهيئات‬
‫عقائدهم ضبطناه ضبطا بالكتابة عليهم في صحائف نفوسهم وصحائف النفههوس السههماوية‪ .‬فههذوقوا فلههن نزيههدكم إل‬
‫عذابا‪ ‬أي بسببها ذوقوا عذابا يوازيها ل مزيد عليه فإنها بعينها معذبة لكم دون ما عداها‪ .‬والمعنى فذوقوا عذابها فإننهها‬
‫لن نزيدكم عليها شيئًا إل التعذيب بها الذي ذهلتم عنه‪. .‬‬
‫تفسير سورة النبأ من ]آية ‪ [36 - 31‬إن للمتقين‪ ‬المقابلين للطاغين المتعدين في أفعالهم حد العدالة مما عينه الشرع‬
‫والعقل وهم المتزكون عن الرذائل وهيئات السوء من الفعال ‪‬مفازا‪ ‬فههوزا ونجههاة مههن النههار الههتي هههي مههآب الطههاغين‬
‫‪‬حدائق‪ ‬من جنان الخلق ‪‬وأعنابا‪ ‬من ثمرات الفعال وهيئاتههها ‪‬وكههواعب‪ ‬مههن صههور آثههار السههماء فههي جنهة الفعههال‬
‫‪‬أترابا‪ ‬متساوية في الرتههب ‪‬وكأسهها‪ ‬مههن لههذة محبههة الثههار مترعههة ممزوجهة بالزنجبيههل والكههافور لن أهههل جنههة الثههار‬
‫والفعال ل مطمح لهم إلى ما وراءها فهم محجوبون بالثار عن المههؤثر وبالعطههاء عههن المعطههي ‪‬عطههاء حسههابا‪ ‬كافيهًا‬
‫يكفيهم بحسب هممهم ومطامح أبصارهم لنهم لقصهور اسههتعداداتهم ل يشهتاقون إلهى مها وراء ذلههك فل شهيء ألهد لهههم‬
‫بحسب أذواقهم مما هم فيه‪. .‬‬
‫تفسير سورة النبأ من ]آية ‪ [40 - 37‬رب السماوات والرض وما بينهما الرحمن‪ ‬أي ربهم المعطي إيههاهم ذلههك‬
‫العطاء هو الرحمن لن عطاياهم من النعم الظاهرة الجليلة دون الباطنة الدقيقة‪ ،‬فمشربهم من اسههم الرحمهن دون غيههره‬
‫‪‬ل يملكون منه خطابا‪ ‬لنهم لم يصلوا إلى مقام الصفات فل حظ لهم من المكالمة‪ .‬يوم يقوم الروح‪ ‬النساني وملئكة‬
‫القوى في مراتبهم صافين أي مرتبة كل في مقامه كقوله ‪‬وما منا إل له مقام معلوم‪] ‬الصههافات‪ ،‬اليههة ‪ [164‬ل‬
‫يتكلمون إل من أذن له الرحمن‪ ‬يسر له بأن هيأ له استعداد المكالمة في الزل ووفقه لخراج ذلك السههتعداد إلههى الفعهل‬
‫بالتزكية ‪‬وقال صوابا‪ ‬قول حقا ل باطل‪ .‬إنا أنذرناكم عذابا‪ ‬هو عذاب الهيئات الفاسقة من العمال الفاسههدة دون مهها‬
‫هو أبعد منه من عذاب القهر والسخط وهو ما قدمت أيديهم‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬
‫سورة النازعات‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة النازعات من ]آية ‪ [5 - 1‬أقسم بالنفوس المشتاقة التي غلب عليها النزوع إلى جناب الحق‪ ،‬غريقههة‬
‫في بحر الشوق والمحبة التي تنشط من مقر النفس وأمر الطبيعة أي تخههرج مههن قيههود صههفاتها وعلئق البههدن كقههولهم‬
‫ثور ناشط إذا خرج من بلد إلى بلد‪ ،‬أو من قولهم نشط من عقاله‪ .‬والتي تسبح في بحار الصفات فتسبق إلى عين الذات‬
‫ومقام الفناء في الوحدة فتدبر بالرجوع إلى الكثرة أمر الدعوة إلى الحق والهداية وأمههر النظههام فههي مقههام التفصههيل بعههد‬
‫الجمع‪ ،‬وبالكواكب السيارة التي تنزع من المشرق إلى المغرب مفرقة في سيرها إلى أقصى المغرب وتخرج من بههرج‬
‫إلى برج وتسبح في أفلكها فيسبق بعضها بعضا في السير وتدبر أمر العالم فيما نيههط بههها وبسههيرها‪ ،‬أو بالملئكههة مههن‬
‫النفوس الفلكية التي تنزع الرواح البشرية من الجساد إغراقا في النههزع مههن أقاصههي البههدن‪ ،‬أنههامله وأظفههاره‪ ،‬والههتي‬
‫تخرجها من البدان من قولهم نشط الدلو من البئر‪ ،‬إذا أخرجها‪ .‬والتي تسبح في جريها فيما أمرت به فتسبق إليه فتدبر‬
‫المأمور به على الوجه الذي أمر به‪ .‬والمقسم عليه محذوف كما ذكره غير مرة أي لتبعثن‪. .‬‬
‫تفسير سورة النازعات من ]آية ‪ [14 - 6‬ويدل عليه قوله ‪‬يوم ترجف الراجفة‪ ‬أي تقع الواقعة التي ترجف لههها‬
‫أرض الجسد وجبال العضاء وهي النفخههة الولههى أو وقههت زهههوق الههروح ‪‬تتبعههها الرادفههة‪ ‬أي النفخههة الثانيههة وهههي‬
‫الحياء بالبعث‪ .‬قلوب يومئذ‪ ‬أي وقت وقوع الرجفهة فهي حهال النهزع ‪‬واجفهة‪ ‬مضهطربة ‪‬أبصهارها خاشهعة‪ ‬ذليلهة‬
‫يقولون المحجوبون المنكرون البعث على سبيل النكار ‪‬أئنا لمردودون‪ ‬في الطريقة الولى من الحيههاة بعههد صههيرورتنا‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫عظاما بالية فنحن إذا خاسرون إن صح ذلك ‪‬فإنما هي‪ ‬أي الرادفة التي هي الرجفة إلى الحياة بالبعث‬
‫واحدة هي تأثير الروح السرافيلي في تعلق هذه الروح المفارقة بالمادة القابلة لههها دفعههة فتحيهها‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬زجرة‪ ‬أي صيحة ‪‬‬
‫وذلك يوم القيامة الصغرى‪ .‬فإذا هم‪ ‬أي فاجؤوا الحصول ‪‬بالساهرة‪ ‬وقت هذه النفخهة أي النفهخ والكهون بالسههاهرة‬
‫في آن واحد‪ ،‬والساهرة أرض بيضاء مستوية أي عالم الروح النساني المفارق الغير الكامل‪ ،‬فإنها أرض بالنسبة إلههى‬
‫أسماء عالم القدس الذي هو مأوى الكمل‪ ،‬سميت بالسههاهرة لنوريتههها وبسههاطتها أو الههروح الحيههواني لتصههال الرواح‬
‫النسية الناقصة بها عند البعث فتلبثها بها ضرورة انجذابها إلى المادة ويمكن أن يكون إشارة إلى المحههل الههذي تتصههل‬
‫به الروح عند البعث لبياضه واستواء أجزائه‪. .‬‬
‫تفسير سورة النازعات من ]آية ‪ [33 - 15‬وإذا ناداه ربه بالواد المقدس‪ ‬الوادي المقدس هو عالم الروح المجههرد‬
‫لتقدسه عن التعلق بالمواد واسمه ‪‬طوى‪ ‬لنطواء الموجودات كلها من الجسام والنفوس تحتههه وفههي طيههه وقهههره وهههو‬
‫عالم الصفات ومقام المكالمة من تجلياتها‪ ،‬فلذلك نههاداه بهههذا الههوادي‪ .‬ونهايههة هههذا العههالم هههو الفههق العلههى الههذي رأى‬
‫عنده جبريل على صورته ‪‬طغي‪ ‬أي ظهر بأنائيته‪ ،‬وذلك أن فرعون كان ذا نفس قويهة حكيمها عالمها‬ ‫‪‬‬
‫رسول ال‬
‫سلك وادي الفعال وقطع بوادي الصفات واحتجب بأنائيته وانتحل صههفات الربوبيههة ونسههبها إلههى نفسههه وذلههك تفرعنهه‬
‫' شر الناس من قامت القيامة عليه وهههو حههي ' لقيههامه بنفسههه وهواههها فههي‬ ‫‪‬‬ ‫وجبروته وطغيانه فكان ممن قال فيه‬
‫مقام توحيد الصفات وذلك من أقوى الحجب‪ .‬هل لك إلى أن تزكى‪ ‬بالفناء عن أنائيتك ‪‬وأهههديك إلههى‪ ‬الوحههدة الذاتيههة‬
‫بالمعرفة الحقيقية ‪‬فتخشى‪ ‬وتلين أنائيتك فتفنى‪ .‬فأراه الية الكبرى‪ ‬أي الهويههة الحقيقيههة بالتوحيههد العلمههي والهدايههة‬
‫الحقانية فلم يرها لقوة حجابه ورسوخ توهمه فكذبه في أن وراء ما بلغ من المقام رتبة ‪‬وعصهي‪ ‬أمهره لتفرعنهه وعتهوه‬
‫‪‬ثم أدبر‪ ‬عن مقام توحيد الصفات الذي هو فيه لذنب حاله وتوجه إلى مقههام النفههس بالكليههة لعنههاده واسههتيلء نفسههه وشههدة‬
‫ظهورها بالدعوى ‪‬يسعى‪ ‬في دفع‬
‫موسى بالمكايد الشيطانية والحيل النفسانية فرد عههن جنههاب القههدس مطههرودا وازداد حجههابه فتظههاهر بقههوله ‪‬أنهها ربكههم‬
‫العلى‪ ‬أو نازع الحق لشدة ظهور أنائيته رداء الكبرياء فقهر وقذف في النار ملعونا كمهها قههال تعههالى ' العظمههة إزاري‬
‫والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار '‪ .‬ويروى قصمته‪ ،‬وذلك القهر هو معنههى قههوله ‪‬فأخههذه اله‬
‫نكال الخرة والولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى‪ ‬فيخشع وتلين نفسه وتنكسر فل تظهر‪. .‬‬
‫تفسير سورة النازعات من ]آية ‪ [46 - 34‬فإذا جاءت الطامة الكبرى‪ ‬أي تجلى نور الوحدة الذاتية الذي يطم على‬
‫كل شيء فيطمسه ويمحوه‪ .‬يوم يتذكر النسان‪ ‬سعيه في الطوار من مبدأ فطرته إلى فنههائه وسههلوكه فههي المقامههات‬
‫والدرجات حتى وصل إلى ما وصل فيشكره‪ .‬وبرزت الجحيم‪ ‬أي نار الطبيعة الثارية ‪‬لمن يرى‪ ‬ممن بصر بنههور‬
‫ال وبرز من الحجاب ل دون العمي المحجوبين الذين يحههترقون بنههاره ول يرونههه‪ ،‬فيههومئذ يصههير النههاس فههي شهههوده‬
‫قسمين‪ .‬فأما من طغى‪ ‬أي تعدى طور الفطرة النسانية وجاوز حد العدالة والشريعة إلى الرتبة البهيمية أو السبعية‬
‫وأفرط في تعديه ‪‬وآثر الحياة‪ ‬الحسية على الحقيقية بمحبة اللهذات السهفلية ‪‬فهإن الجحيهم‪ ‬مهأواه ومرجعهه‪ .‬وأمها مهن‬
‫خاف مقام ربه‪ ‬بالترقي إلى مقام القلب ومشاهدة قيوميته تعالى على نفسههه ‪‬ونهههى النفههس‪ ‬لخههوف عقههابه أو قهههره ‪‬عههن‪‬‬
‫هواها ‪‬فإن الجنة‪ ‬مأواه على حسب درجاته ‪‬إلى ربك منتهاها( أي في أي شيء أنت من علمها‪ ،‬وذكرها إنما إلى ربههك‬
‫ينتهي علمها فإن من عرف القيامة هو الذي انمحى علمه أول بعلمه تعالى ثم فنيت ذاته في ذاته فكيف يعلمههها ول علههم‬
‫له ول ذات‪ ،‬فمن أين أنت وغيرك من علمها بل ل يعلمها إل ال وحده‪ .‬إنما أنت منذر من يخشاها‪ ‬ليمانه بها تقليدا‬
‫‪‬لم يلبثوا إل عشية أو ضحاها‪ ‬أي وقت غروب نور الحق في الجساد أو وقت طلوعه مههن مغربههه‪ ،‬أي وقههت رؤيتهههم‬
‫القيامة بالفناء في الوحدة تيقنوا أن لم يكن لهم وجود قط إل توهما باللبث في عالم الجسههام والحتجههاب بههالحس أو فههي‬
‫عالم الرواح والحتجاب بالعقل وهما المراد بقول من قال خطوتين وقههد وصههلت‪ ،‬أي إذا جههزت هههذين الكههونين فقههد‬
‫وصلت‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة عبس‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫في حجر تربية ربه لكونه حبيبا فكلما ظهرت‬ ‫‪‬‬ ‫تفسير سورة عبس من ]آية ‪ [10 - 1‬عبس وتولى‪ ‬كان‬
‫نفسه بصفة حجبت عنه نور الحق حتى تحرك بنفسه ل بال‪ .‬عوتب وأدب كما قال ' أدبني ربي فأحسن تههأديبي '‪ ،‬إلههى‬
‫أن تخلق بأخلقه تعالى‪ .‬فإن التخلق بأخلقه كان بعد الوصهول والفنهاء والتحقهق بهه حهال البقهاء وههو السهتقامة وقهت‬
‫التمكين وانتفاء التلوين‪ ،‬فلما نظر بظاهر الحال إلى الكبراء وعظم في عينه غنى الغنياء وأعرض عهن الفقيهر اعتنههاء‬
‫بالقوم وتقوى السلم بهم إن آمنوا‪ ،‬واحتقارا للفقير وايمانه‪ ،‬نبه بأن مثلك ل ينبغي أن ينظر إلى ظاهر الحال فيتشههاغل‬
‫عن المستعد الطالب الضعيف بالغني القوي بل يجب أن يكون نظرك مقصورا على السههتعداد وقبههول اليمههان فتعتههبر‬
‫ذلك دون غيره ول تحتجب بالظاهر عن الباطن عسى أن يكون الفقير المتلهى عنه عامل بالتزكيههة والتحليههة بالغهها حههد‬
‫الكمال‪ ،‬فيصير مهديا هاديا لغيره‪ .‬والغني المتصدى له لم يؤمن لعدم استعداده أو لستكباره وعناده‪. .‬‬
‫تفسير سورة عبس من ]آية ‪ [32 - 11‬وما عليك‪ ‬بأس في امتناعه عن السلم ‪‬كل‪ ‬ردع له عن ذلك‪ ،‬ولهذا‬
‫روي أنه ما تعبس بعد نزول هذه الية في وجه فقير قط‪ ،‬ول تصههدى لغنههي ‪‬فههي صههحف مكرمههة‪ ‬عنههد اله هههي ألههواح‬
‫النفوس السماوية التي نزل القرآن إليها أول من اللوح المحفوظ كما ذكر ‪‬مرفوعهة‪ ‬القهدر والمكهان ‪‬مطههرة‪ ‬عهن دنهس‬
‫الطبائع وتغيراتها‪.‬‬
‫‪‬بأيدي سفرة‪ ‬أي كتبة هي العقول المقدسة المؤثرة في تلك اللواح ‪‬كرام‪ ‬لشرفها وقربها من ال ‪‬بههررة‪ ‬أتقيههاء‬
‫لتقدسها عن المواد ونزاهة جوهرها عن التعلقات‪ .‬ثم لما بين أن القرآن تههذكرة للمتههذكرين تعجههب مههن كفههران النسههان‬
‫واحتجابه حتى يحتاج إلى التذكير وعدم النعم الظاهرة التي يمكن بها الستدلل على المنعم بالحسههن مههن مبهادئ خلقتهه‬
‫وأحواله في نفسه وما هو خارج عنه مما ل يمكن حياته إل به وقرر أنه مع اجتماع الدليلين أي النظر في هذه الحههوال‬
‫الموجب لمعرفة الموجد المنعم والقيام بشكره وسماع الوعظ والتذكير بنزول القرآن ‪‬لمها يقهض‪ ‬فهي الزمهان المتطهاول‬
‫‪‬ما أمره‪ ‬ال به من شكر نعمته باستعمالها في إخراج كماله إلى الفعل والتوصل بها إلى المنعم‪ ،‬بل احتجههب بههها وبنفسههه‬
‫عنه‪. .‬‬
‫تفسير سورة عبس من ]آية ‪ [42 - 33‬فإذا جاءت الصاخة‪ ‬أي النفخة الولى المذهبة للعقل والحواس ‪‬يوم‪‬‬
‫يهتم كل أحد بأمر نفسه ل يتفرغ إلى غيره لشدة ما به واشتغاله بما يظهر عليه من أحوال نفسههه‪ ،‬انقسههم النههاس قسههمين‬
‫السعداء المسفرة وجوههم المضيئة المتهللة بنوريههة ذواتهههم وصههفائها المستبشههرة بمهها لقههوا مههن هيئات أعمههالهم ونعيههم‬
‫جنانهم‪ ،‬والشقياء المسودة وجوههم بسواد كفرهم وظلمة ذواتهم المغههبرة بغبههار هيئات فجههورهم وقتههام آثههار أعمههالهم‪.‬‬
‫‪‬أولئك هم الكفرة الفجرة‪ ‬أي اجتماع كفرهم وفجورهم هو السبب في اجتماع السواد والغبرة على وجوههم‪.‬‬

‫سورة التكوير‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة التكوير من ]آية ‪ [9 - 1‬إذا الشمس كورت‪ ‬أي إذا كورت شمس الروح بطيء ضوئها الذي هو‬
‫الحياة وقبضها عن البدن وإزالتها‪ ،‬وإذا انكدرت نجوم الحههواس بههذهاب نورههها‪ ،‬وإذا سههيرت جبههال العضههاء بتفتيتههها‬
‫وجعلها هباء‪ ،‬وإذا عطلت عشار الرجل المنتفع بها في السير عن الستعمال في المشي وترك النتفاع بها أو المههوال‬
‫النفيسة المنتفع بها فإن العشار أنفس أموال العرب‪ ،‬وإذا حشرت وحوش القوى الحيوانية بأن هلكت وأفنيت مههن قههولهم‬
‫حشرتهم السنة إذا بالغت في إهلكهم أو حشرت بالحياء عند البعث‪ .‬وإذا سجرت أي ملئت بحار العناصههر بههأن فجههر‬
‫بعضها إلى بعض واتصل كل جزء بأصله فصار بحرا واحدا‪ ،‬وإذا زوجت النفوس بأن تحشر كل نفس إلى ما تجانسههه‬
‫وتشاكله من صنف فصنفت أصنافا من السعداء والشقياء كل مع قرنائه‪ ،‬وإذا سئلت موؤودة النفس الناطقة التي أثقلتها‬
‫وائدة النفس الحيوانية في قبر البدن وأهلكتها ‪‬بأي ذنب قتلت‪ ‬أي طلب إظهار الذنب الذي به استولت النفههس الحيوانيههة‬
‫على الناطقة من الغضب أو الشهوة أو غيرهما فمنعتها عن خواصها وأفعالها وأهلكتها فأظهر فكنى عن طلب إظهههاره‬
‫' الوائدة والموؤودة في النار '‪ ،‬لن النفس الناطقة في العذاب مقارنة للنفس الحيوانيههة‪ .‬وفههي‬ ‫‪‬‬ ‫بالسؤال‪ ،‬ولهذا قال‬
‫الحديث سر آخر ليس هذا موضع ذكره‪. .‬‬
‫تفسير سورة التكوير من ]آية ‪ [22 - 10‬وإذا الصحف نشرت‪ ‬أي صحائف القوى والنفوس التي فيها هيئات‬
‫العمال تطوى عند الموت وتكور شمس الروح وتنشر عند البعث والعود إلى البدن‪.‬‬
‫‪‬وإذا السماء‪ ‬أي الروح الحيوانية أو العقل ‪‬كشطت‪ ‬أزيلت وأذهبت‪ .‬وإذا الجحيم‪ ‬أي نار آثار الغضههب والقهههر‬
‫في جهنم الطبيعة ‪‬سعرت‪ ‬أوقدت للمحجههوبين‪ .‬وإذا الجنههة‪ ‬أي نعيههم آثههار الرضهها واللطههف ‪‬أزلفههت‪ ‬قربههت للمتقيههن‬
‫علمت كل ‪‬نفس‪ ‬ما أحضرته ووقفت عليه بعد نسيانها وذهولها عنه‪ .‬فل أقسم بههالخنس‪ ‬أي الرواجههع مههن الكههواكب‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫السههيارة ‪‬الكنههس‪ ‬الههتي تههدخل فههي بروجههها كههالوحوش فههي كناسههها أو النفهوس الرواجههع إلههى البههدان الجاريههة الداخلههة‬
‫مواضعها‪ .‬والليل‪ ‬أي ليل ظلمة الجسد الميت ‪‬إذا عسعس‪ ‬أي ادبر بابتههداء ذهههاب ظلمتههه بنههور الحيههاة عنههد تعلههق‬
‫الروح به وطلوع نور شمسه عليه‪ .‬والصبح‪ ‬أي أثر نور طلوع تلههك الشههمس ‪‬إذا تنفههس‪ ‬وانتشههر فههي البههدن بإفههادة‬
‫الحياة ‪‬إنه لقول رسول كريم‪ ‬أي روح القدس النافث في روع النسان‪. .. .‬‬
‫تفسير سورة التكوير من ]آية ‪ [29 - 23‬ولقد رآه بالفق المبين‪ ‬أي نهاية طور القلب الذي يلي الروح وهو مكان‬
‫إلقاء النافث القدسي ‪‬وما هو على الغيب بضنين‪ ‬أي ما هو بمتهم على ما يخبر به من الغيب لمتنههاع اسههتيلء شههيطان‬
‫الوهم وجن التخيل عليه فيخلط كلمه ويمتزج المعنى القدسي بالوهمي والخيالي لن عقله ما ستر بل صفى عن شههوب‬
‫الوهم ‪‬وما هو‪ ‬من إلقاء شيطان الوهم المرجوم بنور الروح فيكون كله وهميا لما ذكر‪ .‬فههأين تههذهبون‪ ‬أي بعههد هههذا‬
‫الكلم من إلقاء الوهم ومزجه وصاحبه من الجنة بما ل يخفى على أحد‪ ،‬فمن سلك هذه الطرق ونسبه إلهى أحهد المهور‬
‫الثلث فقد بعد عن الصواب بما ل يضبط ول تقرب إليه بوجه‪ ،‬كمن سلك طريقا يبعده عهن سههمت مقصهده فيقهال أيهن‬
‫تذهب‪ .‬لمن شاء منكم‪ ‬من جملة العالمين الستقامة في طريق السلوك‪ ،‬والصراط المستقيم هههو الطريههق الههذي عليههه‬
‫الحق لقوله ‪‬إن ربي على صراط مستقيم‪ ،‬فما يشاء أحد سلوكها إل بمشيئة ال ِفإن طريقههه ل يسههلك إل بههإرادته‪ ،‬واله‬
‫تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة النفطار‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة النفطار من ]آية ‪ [19 - 1‬إذا السماء انفطرت‪ ‬أي إذا انفطرت سماء الروح الحيوانية بانفراجها‬
‫عن الروح النساني وزوالها‪ .‬وإذا الكواكب‪ ‬أي الحواس ‪‬انتهثرت‪ ‬بهالموت وذهبهت‪ .‬وإذا البحهار‪ ‬أي الجسهام‬
‫العنصرية ‪‬فجرت‪ ‬بعضها في بعض بزوال البرازخ الحاجزة عن ذهاب كل إلى أصله وهي الرواح الحيوانية المانعههة‬
‫عن خراب البدن ورجوع أجزائه إلى أصلها‪ .‬وإذا القبور‪ ‬أي البدان ‪‬بعثرت‪ ‬بحثت وأخرج مهها فيههها مههن الرواح‬
‫والقوى‪ .‬ما غرك‪ ‬إنكار للغرور بكرمه‪ ،‬أي إن كان كونه كريما يسوغ الغرور ويسهله لكههن لههه مههن النعههم الكههثيرة‬
‫والمنن العظيمة والقدرة الكاملة ما يمنع من ذلك أكثر من تجويز الكههرم إيههاه‪ ،‬والكههرام الكههاتبون هههم النفههوس السههماوية‬
‫والقوى الفلكية المنتقشة بما يصدر عنهم مهن الفعهال‪ ،‬أي ارتهدعوا عهن الغهرور بهالكرم بهل إنمها عصهيانهم للتكهذيب‬
‫بالجزاء أصل الذي هو أعظم من الغرور‪ .‬وإن الكههرام الشههراف الههتي كرمههت عههن الكههون والفسههاد يحفظههون أفعههالكم‬
‫ويكتبونها عليكم فضل عن الملكين الموكلين بكم‪ ،‬كما قال تعالى ‪‬عن اليمين وعن الشمال قعيد‪] ‬ق‪ ،‬الية ‪ [17‬فكيههف‬
‫تجترئون على المعاصي وقد تكتب عليكم في السماء والرض‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة المطففين‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة المطففين من ]آية ‪ [11 - 1‬ويل للمطففين‪ ‬الباخسين حقوق الناس في الكيل والوزن‪ ،‬يمكههن أن‬
‫يحمل بعد الظههاهر علههى التطفيههف فههي الميههزان الحقيقههي الههذي هههو العههدل‪ ،‬والموزونههات بههه هههي الخلق والعمههال‪،‬‬
‫والمطففون هم الذين إذا اعتبروا كمالت أنفسهم متفضلين ‪‬على الناس يستوفون‪ ‬يستكثرونها ويزيدون على حقوقهم في‬
‫إظهار الفضائل العلمية والعملية أكثر مما لهههم عجبهها وتكههبرا‪ .‬وإذا اعتههبروا كمههالت النههاس بالنسههبة إلههى كمههالتهم‬
‫أخسروها واسهتحقروها ولهم يراعهوا العدالهة فهي الحهالين لرعونهة أنفسههم ومحبهة التفضهل علهى النهاس كقهوله تعهالى‬
‫‪‬ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا‪] ‬آل عمران‪ ،‬الية ‪ .[188‬أل يظههن أولئك‪ ‬الموصههوفون بهههذه الرذيلههة الههتي هههي‬
‫أفحش أنواع الظلم‪ ،‬أي ليس في ظنهم ‪‬أنهم مبعوثون‪ ‬فيظهر ما في أنفسههم مهن الفضهائل والهرذائل‪ ،‬أو يحاسهب عليهه‬
‫ويرتدع فضل عن العلم ‪‬ليوم عظيم‪ ‬ل يقدر أحد فيه أن يظهر ما ليس فيههه ول أن يكتههم مهها فيههه لنقلب بههاطنه ظههاهره‬
‫وصفته صورته فيستحيي ويذوق وبال رذيلته‪ .‬يوم يقهوم النهاس‪ ‬عهن مراقهد أبهدانهم ‪‬لهرب العهالمين‪ ‬بهارزين لهه ل‬
‫يخفى عليه منهم شيء‪ .‬كل‪ ‬ردع عن هذه الرذيلة ‪‬إن كتاب الفجار‪ ‬أي ما كتب من أعمال المرتكبين للرذائل الههذين‬
‫فجروا بخروجهم عن حد العدالة المتفق عليها الشرع والعقل ‪‬لفههي سههجين‪ ‬فههي مرتبههة مههن الوجههود مسههجون أهلههها فههي‬
‫حبوس ضيقة مظلمة يزحفون على بطهونهم كالسههلحف والحيههات والعقهارب أذلء أخسهاء فهي أسهفل مراتههب الطبيعهة‬
‫ودركاتها وهو ديوان أعمال أهل الشر ولذلك فسر بقوله ‪‬كتاب مرقوم‪ ‬أي ذلههك المحههل المكتههوب فيههه أعمههالهم كتههاب‬
‫مرقوم برقوم هيئات رذائلهم وشرورهم‪.‬‬
‫تفسير سورة المطففين من ]آية ‪ [36 - 12‬وما يكذب به إل كل معتد‪ ‬مجاوز طور الفطرة النسانية بتجاوزه حههد‬
‫العدالة إلى الفراط والتفريط في أفعاله ‪‬أثيم‪ ‬محتجب بذنوب هيئات صفاته‪ .‬كل‪ ‬ردع عن هاتين الرذيلتين ‪‬بههل ران‬
‫على قلوبهم ما كانوا يكسبون‪ ‬أي صار صدأ عليها بالرسوخ فيها وكدر جوهرها وغيرها عن طباعها‪ ،‬والرين حد مههن‬
‫تراكم الذنب على الذنب ورسههوخه تحقههق عنههده الحجههاب وانغلههق بههاب المغفههرة‪ ،‬نعههوذ بههال منههه ولههذلك قههال ‪‬كل‪ ‬أي‬
‫ارتدعوا عن الرين ‪‬إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون‪ ‬لمتنههاع قبهول قلههوبهم للنهور وامتنهاع عودههها إلهى الصهفاء الول‬
‫الفطري كالماء الكبريتي مثل‪ ،‬إذ لو روق أو صعد لما رجع إلههى الطبيعههة المائيههة المههبردة لسههتحالة جوهرههها بخلف‬
‫الماء المسخن الذي استحالت كيفيته دون طبيعته‪ ،‬ولهذا استحقوا الخلود في العذاب وحكم عليهم بقوله ‪‬ثم إنهههم لصههالو‬
‫الجحيم‪. ‬إن كتاب البرار لفي عليين‪ ‬أي ما كتب من صور أعمال السعداء وهيئات نفوسهههم النورانيههة وملكههاتهم‬
‫الفاضلة في عليين وهو مقابل للسجين في علوه وارتفاع درجته وكونه ديوان أعمال أهل الخير كما قال ‪‬كتاب مرقههوم‬
‫أي محل شريف رقم بصور أعمالهم من جرم سماوي أو عنصري إنساني ‪‬يشهده المقربهون‪ ‬أي يحضههر ذلهك المحهل‬
‫أهل ال الخاصة من أهل التوحيد الذاتي‪ .‬إن البرار‪ ‬السعداء التقياء عن دون صفات النفوس ‪‬لفي نعيههم‪ ‬مههن جنههان‬
‫الصفات والفعال ‪‬على الرائك‪ ‬التي هي مقاماتهم من السماء اللهية في حجال عالم القدس الخفههي عههن أعيههن النههس‬
‫‪‬ينظرون‪ ‬إلى جميع مراتب الوجود ويشاهدون أهل الجنة والنار وما هم فيه من النعيم والعذاب ل تحجههب حجههالهم عنههه‬
‫شيئا وتحجب أغيارهم عنهم ‪‬تعرف في وجوههم نضرة النعيم‪ ‬بهجته ونوريته وآثار سروره ‪‬يسقون مههن رحيههق‪ ‬خمههر‬
‫صرف من المحبة الرحانية الغيهر الممزوجهة بحهب النفهس للجهواهر الجسهمانية ‪‬مختهوم‪ ‬بختهم الشهرع لئل تمهتزج بهه‬
‫النجاسات الشيطانية من المحبات الوهميههة المحرمههة والشهههوات النفسههانية المهيئة‪ .‬ختههامه مسههك‪ ‬هههو حكههم الشههرع‬
‫بالمباحات المطيبة للنفوس المقوية للقلوب‪.‬‬
‫‪‬وفي ذلك‪ ‬أي في شرب رحيق المحبة الروحانية الصرفة المقيدة بقيد الشريعة ولذتها الصافية ‪‬فليتنافس المتنافسون‪‬‬
‫فإنه أعز من الكبريت الحمر‪.. .‬‬
‫تفسير سورة المطففين من ]آية ‪ [36 - 27‬ومزاجه من تسنيم‪ ‬أي مزاج خمر البرار من تسنيم العشههق الحقيقههي‬
‫الصرف وهو محبة الذات المعبر عنها بالكافور باعتبار الخاصية حال الجمع عبر عنها بالتسنيم باعتبههار المرتبههة حههال‬
‫التفصيل فإنه في أعلى رتب الوجود ويجري كما قيل في غير أخدود لتجرده عن المحههل والتعيههن بصههورة وصههفه‪ ،‬أي‬
‫لهم مع محبة الصفات في مقامها محبة الذات الصرفة بل ممزوجة بشرابهم لمشاهدتهم الذات من وراء حجب الصفات‪.‬‬
‫‪‬عينا يشرب بها المقربون( أي التسنيم عين يشرب بها المقربون صرفة وهم الكاملون الواصلون إلى توحيههد الههذات‬
‫من أهل التمكين القائمين بال في مقام التفصيل بالستقامة‪ ،‬ففرق بين أهل الستقامة في مقام التفصيل وأهل الستغراق‬
‫في مقام الجمع باختلف اسمهم واسم شرابهم مع ايجاد حقيقتهم وحقيقة شرابهم بأن سماهم مقربين للشعار بالفرق مههع‬
‫القرب‪ ،‬وسمى شرابهم التسنيم للشعار بعلو الرتبة بالنسبة إلى سائر الرتب‪ ،‬وسمى أهل الستغراق بعباد ال للشههعار‬
‫بالمقهورية مع الختصاص المؤذنة بالفناء‪ ،‬وسمى شرابهم بالكافور للشعار بالوحهدة الصههرفة والبيهاض الخهالص بل‬
‫نسبة وفرق‪.‬‬

‫سورة النشقاق‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة النشقاق من ]آية ‪ [15 - 1‬إذا السماء انشقت‪ ‬كقوله انفطرت ‪‬وأذنت لربها‪ ‬أي انقادت لمره‬
‫بانفراجها عن الروح النساني انقياد السامع المطيع لمره المطاع ‪‬وحقت‪ ‬أي حههق لههها ووجههب أن تنقههاد لمههر القههادر‬
‫المطلق ول تمتنع وهي حقيقة بذلك‪ .‬وإذا‪ ‬أرض البدن ‪‬مدت‪ ‬وبسطت بنزع الروح عنها ‪‬وألقت ما فيها‪ ‬مههن الههروح‬
‫وتخلت تكلفت في الخلو عن كل ما فيها مههن الثههار والعههراض كالحيههاة والمههزاج والههتركيب والشههكل بتبعيههة‬
‫‪‬‬ ‫والقوى ‪‬‬
‫خلوها عن الروح‪ .‬إنك كادح إلى ربك‪ ‬ساع مجتهد في الذهاب إليه بالموت‪ ،‬أي تسير مع أنفاسهك سهريعا كمها قيهل‬
‫أنفاسك خطاك إلى أجلك‪ ،‬أو مجتهد مجد في العمل خيرا أو شرا ذاهبا إلى ربك ‪‬فملقيه‪ ‬ضرورة‪ ،‬والضمير إما للههرب‬
‫وإما للكدح‪ .‬فأما من أوتي كتابه بيمينه‪ ‬بأن جعل من أصحاب اليمين في الصورة النسانية آخذا كتاب نفسه أو بههدنه‬
‫بيمين عقله‪ ،‬قارئا ما فيه من معاني العقل القرآني ‪‬فسوف يحاسب حسابا يسيرا‪ ‬بأن تمحههى سههيئاته ويعفههى عنهه ويثههاب‬
‫بحسناته دفعة واحدة لبقاء فطرته على صفائها ونوريتها الصلية ‪‬وينقلب إلى أهله‪ ‬ممن يجانسه ويقههارنه مههن أصههحاب‬
‫اليمين مسرورا فرحا بصحبتهم ومرافقتهم وبما أوتي من حظوظه‪ .‬وأما من أوتي كتابه وراء ظهره‪ ‬أي جهته التي‬
‫تلي الظلمة من الروح الحيوانية والجسد‪ ،‬فإن وجه النسان جهته التي إلى الحق وخلفه جهته التي إلههى البههدن الظلمههاني‬
‫بأن رد إلى الظلمات فههي صههور الحيوانههات‪ .‬فسههوف يههدعو ثبههورا‪ ‬لكههونه فههي ورطههة هلك الههروح وعههذاب البههدن‬
‫‪‬ويصلى سعيرا‪ ‬أي سعير نار الثار في مهاوي الطبيعة‪.‬‬
‫‪‬إنه كان في أهله مسرورا‪ ‬أي ذلك لنه كان بطرا في أهله بالنعم محتجبا بها عن المنعم‪ ،‬ظانهها أنههه لههن يرجههع إلههى‬
‫ربه أو إلى الحياة بالبعث لعتقاده أنه يحيهها ويمههوت ول يهلكههه إل الههدهر‪ .‬بلههي‪ ‬ليحههورن ‪‬إن ربههه كههان بههه بصههيرا‪‬‬
‫فيجازيه على حسب حاله‪. .‬‬
‫تفسير سورة النشقاق من ]آية ‪ [25 - 16‬فل أقسم بالشفق‪ ‬أي النورية الباقية من الفطرة النسانية بعهد غروبهها‬
‫واحتجابها في أفق البدن الممزوجة بظلمة النفس عظمها بالقسام بها لمكان كسب الكمال والترقي فههي الههدرجات بههها‪.‬‬
‫والليل أي وليل ظلمة البدن ‪‬وما‪ ‬جمعه من القوى واللت والستعدادات التي يمكن بها اكتسههاب العلههوم والفضههائل‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫والترقي في المقامات ونيل المواهب والكمالت‪ .‬والقمر‪ ‬أي قمر القلب الصافي عن خسههوف النفههس ‪‬إذا اتسههق‪ ‬أي‬
‫اجتمع وتم نوره وصار كامل‪ .‬لتركبن طبقا عن طبق‪ ‬أي مراتههب مجههاوزة عههن مراتههب وطبقههات وأطههوار مرتبههة‬
‫بالموت وما بعده من مواطن البعث والنشور ‪‬فما لهم ل يؤمنون‪ ‬بها‪ .‬وإذا قرئ عليهم القرآن‪ ‬بتههذكير هههذه الطههوار‬
‫والمراتب ل يخضعون ول ينقادون ‪‬بل‪ ‬المحجوبون عن الحههق محجوبههون بالضههرورة عههن الههدين‪ .‬واله أعلههم بمهها‬
‫يوعون في وعاء أنفسهم وبواطنهم من العتقادات الفاسدة والهيئات الفاسقة‪ .‬فبشرهم بعذاب أليم‪ ‬مههن نيههران الثههار‬
‫‪‬‬
‫وحرمان النوار مؤلم غاية اليلم لكن ‪‬الذين آمنوا‪ ‬اليمان العلمي بتصفية قلوبهم عههن كههدر صههفات النفههس وتزكيتههها‬
‫‪‬وعملوا الصالحات‪ ‬باكتساب الفضائل ‪‬لهم أجر‪ ‬ثواب الثار والصفات في جنة النفس والقلب غير مقطوع لههبراءته عههن‬
‫أعلم‪.‬‬ ‫الكون والفساد وتجرده عن المواد وال ‪‬‬
‫سورة البروج‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة البروج من ]آية ‪ [7 - 1‬والسماء ذات البروج‪ ‬أي الروح النساني ذات المقامات فههي الههترقي‬
‫والدرجات ‪‬واليوم الموعود‪ ‬أي القيامة الكبرى التي هي آخر درجاته من كشف التوحيد الذاتي ‪‬وشاهد‪ ‬أي الذين شهههد‬
‫الشهود التي في عين الجمع ‪‬ومشهود‪ ‬أي الذات الحدية ومعنى التنكير التعظيههم‪ ،‬أي شههاهد ل يعرفههه أحههد ول يقههدر‬
‫قدره إل ال لفنائه فيه وانتفاء عينه وأثره فكيف يعرف ؟ !‪ ،‬ومشهود ل يعلمه أحد إل هو‪ .‬ولعمري إنه عيههن الشههاهد ل‬
‫فرق إل بالعتبار وجواب القسم محذوف مدلول عليه بقوله ‪‬قتل‪ ‬أي لتحجبن أو لتلعنن‪ .‬قتل أصحاب الخههدود‪ ‬أي‬
‫لعن البدنيون المحجوبون بصفات النفس في شقوق أرض البدن وأوهادها ‪‬النار ذات الوقود‪ ‬بدل الشتمال من الخههدود‬
‫لملزمتها إياه وهي الطبيعة الثارية المحرقههة أربابههها بالشهههوات والمههاني ‪‬إذ هههم عليههها‪ ‬أي علههى تلههك النههار ‪‬قعههود‬
‫عاكفون ملزمون ل يبرحون فيتنفسوا في فضاء القدس ويذوقوا روح النفحات اللهية ‪‬وهم على ما يفعلون بههالمؤمنين‬
‫الموحدين أهل الكشف والعيان من الزدراء والسههتحقار والسههتهزاء والسههتنكار ‪‬شهههود‪ ‬يشهههد بعضهههم علههى بعههض‬
‫بذلك‪. .‬‬
‫تفسير سورة البروج من ]آية ‪ [10 - 8‬وما نقموا منهم‪ ‬أي وما أنكروا منهم ‪‬ال‪ ‬اليمان ‪‬بال العزيز‪ ‬الغالب‬
‫على أعدائه بهالقهر والنتقههام والحجههب والحرمههان ‪‬الحميهد‪ ‬المنعههم علههى أوليهائه بالهدايههة واليقههان‪ .‬الهذي لهه ملهك‬
‫السماوات والرض‪ ‬يحتجب بهما عن الشقياء ويتجلى فيهما على الولياء ‪‬وال علههى كههل شههيء شهههيد‪ ‬حاضههر يظهههر‬
‫ويتجلى على أوليائه على كل ذرة‪ ،‬فلهذا آمن من آمن وأنكر من أنكر‪.‬‬

‫أن المحجوبين ‪‬الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات‪ ‬من قلوب أهل الشهود ونفوسهم بالنكار والحتقار ‪‬ثههم لههم يتوبههوا‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫أي بقوا في الحجاب ولم يستبصروا فيرجعوا ‪‬فلهم عذاب جهنم‪ ‬أي من تأثير نار الطبيعة السفلية ‪‬ولهم عههذاب‪ ‬حريههق‬
‫القهر من نار الصفات فوق نار الثار وذلك لشوقهم عند خراب البدن إلى أنوار الصههفات فههي عههالم القههدس وحرمههانهم‬
‫وطردهم بقهر الحق فعذبوا بالنارين جميعا‪. .‬‬
‫تفسير سورة البروج من ]آية ‪ [22 - 11‬إن الههذين آمنههوا‪ ‬اليمههان العينههي الحقههي ‪‬وعملههوا الصههالحات‪ ‬فههي مقههام‬
‫الستقامة من الفعال اللهية المقتضية لتكميل الخلق وضبط النظام ‪‬لهم جنههات‪ ‬مههن الجنههان الثلث ‪‬تجههري مههن تحتههها‪‬‬
‫أنهار علوم توحيد الفعال والصفات والذات وأحكام تجلياتها ‪‬ذلك الفههوز الكههبير‪ ‬التههام الههذي ل فههوز أكههبر منههه‪ .‬إن‬
‫بطش ربك‪ ‬بالقهر الحقيقي والفناء ‪‬لشديد‪ ‬ل يبقي بقية ول أثرًا ‪‬إنه هههو يبههدئ‪ ‬البطههش ‪‬ويعيههد‪ ‬أي يكههرره‪ ،‬يبههدئ أول‬
‫بإفناء الفعال ثم يعيد بإفناء الصفات ثم بالذات ‪‬وهو الغفهور‪ ‬يسهتر ذنههوب وجهودات المحههبين وبقايهاهم بنهوره ‪‬الهودود‬
‫للمحبوبين بإيصالهم إلى جنابه وتنعيمهم وإكرامهم بكمالته مههن غيههر رياضههة ‪‬ذو العههرش‪ ‬أي المسهتوي علههى عههرش‬
‫قلهوب أحبهائه مهن العرفهاء ‪‬المجيهد‪ ‬ذو العظمهة المتجلهي بصهفات الكمهال مهن الجمهال والجلل ‪‬فعهال لمها يريهد‪ ‬علهى‬
‫مظاهرهم لستقامتهم فيختارون اختياره في أفعالهم أو يحجب من يريد بجللههه كههالمنكرين ويتجلههى لمههن يريههد بجمههاله‬
‫كالعارفين‪ .‬هل أتاك حديث‪ ‬المحجوبين إما بالنائيههة كفرعههون ومههن يههدين بههدينه أو بالثههار والغيههار كثمههود ومههن‬
‫يتصل بهم ‪‬بل الذين كفروا‪ ‬حجبوا مطلقا في أي مقام كان وبأي شيء كان ‪‬في تكذيب‪ ‬لهل الحههق لوقههوفهم مههع حههالهم‬
‫‪‬ال من ورائهم‪ ‬فوق حالهم وحجابهم ‪‬محيط‪ ‬يسع كل شيء وهم حصروه في شاهدهم وما شاهدوا إحاطته فلذلك أنكههروا‬
‫‪‬بل هو‪ ‬أي هذا العلم ‪‬قرآن‪ ‬جامع لكل العلوم ‪‬مجيد لعظمته وإحاطته‪ .‬في لههوح هههو القلههب المحمههدي ‪‬محفههوظ‪ ‬عههن‬
‫التبديل والتغيير وإلقاء الشهياطين بالتخييههل والهتزوير هههذا إذا حههل اليهوم الموعهود علههى القيامهة الكههبرى‪ ،‬فأمها إذا أول‬
‫بالصغرى فمعناها الروح ذات البدان فإن البدان كالبراج أو الحواس فإنها تخرج منها كالحمام مهن الههبروج وشههاهد‬
‫لعلمه وما عمل‪ .‬وجواب القسم ليهلكن البدنيون‪ ،‬قتل أصحاب الخدود‪ ،‬أي أهلههك القههوى النفسههانية الملزمههة لخههدود‬
‫البدن إذ هم عليها عاكفون وهم على ما يفعلون بمؤمني القوى الروحانية من الستيلء عليهههم وحجبهههم عههن مقاصههدهم‬
‫الشريفة وكمالتهم النفيسة واستعبادهم في أهوائهم وشهواتهم شهود بألسنة أحوالهم وما أنكر هذه القوى المحجوبة عههن‬
‫الكمالت المعنوية من الروحانيين إل اليمان بال المجرد عن اليههن والجهههة الغههالب علههى المحجههوبين بههالقهر الحميههد‬
‫المنعم على المهتدين بالهداية المحتجب بظواهر ملههك السههموات والرض الشهههيد الظههاهر علههى كههل شههيء‪ .‬إن هههؤلء‬
‫الفاتنين بالستيلء والستخدام لمؤمني العقول ومؤمنات النفوس ثم لم يرجعههوا بالرياضههة واكتسههاب الملكههات الفاضههلة‬
‫والنقياد لهم فلهم عذاب جهنم الثار والطبيعة وعذاب حريق الشوق إلى المألوفات مع الحرمان عنههها‪ .‬إن الههذين آمنههوا‬
‫اليمهان العلمهي مهن الروحهانيين وعملهوا الصهالحات مهن الفضهائل والخلق الحميهدة لههم جنهات مهن جنهان الفعهال‬
‫والصفات وهي جنات النفوس والقلوب‪ .‬ذلك الفوز أي النجاة من النههار والوصههول إلههى المقصههود الكههبير بالنسههبة إلههى‬
‫الحالة الولى‪ ،‬إن بطش ربك‪ ‬أي أخذه للمحجوبين بههالهلك والتعههذيب لشههديد‪ ،‬فههإنه هههو يبههدئهم ويهلكهههم ثههم يعيههدهم‬
‫للعذاب وهو الغفور للتائبين المؤمنين من الروحانيين يستر لهم ذنوب هيئات السوء بنور الرحمههة الههودود لهههم بالمحبههة‬
‫الزلية فيكرمهم بإفاضة الكمالت والفضائل‪ ،‬ذو العرش المستولي على القلب المجيد المنور بنوره جميع القوى‪ ،‬فعههال‬
‫لما يريد‪ ،‬المتجلي بالفعال على مظاهر الملك للقلب فيصحح مقام التوكل بالفناء في توحيد الفعال‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الطارق‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الطارق من ]آية ‪ [17 - 1‬والسماء والطارق‪ ‬أي والروح النساني والعقل الذي يظهر في ظلمة‬
‫النفس وهو النجم الذي يثقب ظلمتها وينفذ فيها فيبصر بنوره ويهتدي به كما قال ‪‬وبههالنجم هههم يهتههدون‪] ‬النحههل‪ ،‬اليههة‬
‫‪ [16‬إن كل نفس لما عليها حافظو‪ ‬مهيمن رقيب يحفظها وهو اله تعههالى‪ ،‬إن أريههد بههالنفس الجملههة وان أريههد بههها‬
‫النفس المصطلح عليها من القوة الحيوانية فحافظها الروح النساني ‪‬إنه‪ ‬أي إن ال على رجع النسان في النشأة الثانية‬
‫لقادر كما قدر على إبدائه في النشأة الولى‪ .‬يوم تبلى السرائر‪ ‬تظهر وتعرف خفيات الضمائر بالمفارقة عن البدان‬
‫وجعل الباطن ظاهرا ‪‬فمها لهه مهن قهوة‪ ‬فهي نفسهه يمتنهع بهها علهى قهدرته ‪‬ول ناصهر‪ ‬يمنعهه وينصهره علهى المتنهاع‪.‬‬
‫‪‬والسماء ذات الرجع‪ ‬أي والروح ذات الرجع في النشأة الثانية ‪‬والرض‪ ‬أي والبههدن ‪‬ذات الصههدع‪ ‬بالنشههقاق عههن‬
‫الروح وقت زهوقه أو الشق وقت اتصاله به‪ .‬إنه‪ ‬أي القرآن ‪‬لقول فصل‪ ‬فههارق بيههن الحههق والباطههل بيههن أي عقههل‬
‫فرقاني ظهر بعدما كان قرآنيا ‪‬وما هو بالهزل‪ ‬بالكلم الذي ليس له أصل في الفطرة ول معنى في القلههب واله القههادر‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬

‫سورة العلى‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة العلى من ]آية ‪ [5 - 1‬سبح اسم ربك العلى‪ ‬اسههمه العلهى والعظهم ههو الهذات مههع جميههع‬
‫الصفات‪ ،‬أي نزه ذاتك بالتجرد عما سوى الحق وقطع النظر عن الغير ليظهر عليها الكمالت الحقانية بأسههرها‪ ،‬وهههو‬
‫تسبيحه الخاص به في مقام الفناء لن الستعداد التام القابههل لجميههع الصههفات اللهيههة لههم يكههن إل لههه‪ ،‬فههذاته هههو السههم‬
‫العلى عند بلوغ كماله ولكل شيء تسبيح خاص يسبح به اسما خاصها مهن أسهماء ربهه‪ .‬الهذي خلهق‪ ‬أنشهأ ظهاهرك‬
‫‪‬فسوى‪ ‬أي عدل بنيتك على وجه قبلت بمزاجه الخههاص الههروح التههم المسههتعد لجميههع الكمههالت‪ .‬والههذي قههدر‪ ‬فيههك‬
‫الكمال النوعي التام ‪‬فهدى‪ ‬إلى إبرازه وإظهاره وإخراجه إلى الفعل بالتزكية والتصفية‪ .‬والذي أخههرج المرعههى‪ ‬أي‬
‫زينة الحياة الدنيا ومنافعها ومآكلها ومشاربها فإنها مرعى النفس الحيوانية ومرتع بهائم القوى‪ .‬فجعله غثههاء أحههوى‬
‫أي سريع الفناء وشيك الزوال كالهشيم والحطههام البههالي المسههود فل تلتفههت إليههه ول تشههتغل بههه فيمنعههك عههن تسههبيحك‬
‫الخاص من تنزيه ذاتك وتجريدها فتحتجب به عن كمالك المقدر فيك ول تعد عينهاك عنهه إليهه‪ ،‬فهإنه الفهاني وذلهك ههو‬
‫الباقي أبدا ل يزال‪. .‬‬
‫تفسير سورة العلى من ]آية ‪ [12 - 6‬سنقرئك‪ ‬نجعلك قارئا لما في كتاب استعدادك الذي هو العقل القرآني‬
‫من القرآن الجامع للحقائق فتذكره ول تنساه أبدا ‪‬إل ما شاء ال‪ ‬أن ينسيك ويذهلك عنها فيدخر للمقام المحمود إذا بعثت‬
‫فيه ‪‬إنه يعلم الجهر‪ ‬أي ما ظهر فيك من الكمال ‪‬وما يخفى‪ ‬بعد بالقوة‪.‬‬
‫‪‬ونيسرك لليسرى‪ ‬أي نوفقك للطريقة اليسرى أي الشريعة السمحة السهلة التي هي أيسر الطرق إلى ال وهو‬
‫عطف على سنقرئك أي نكملك بالكمال العلمي والعملي التام وفوق التام الذي هو التكميل وهي الحكمة البالغة والقههدرة‬
‫الكاملة‪ .‬فذكر إن نفعت الذكرى‪ ‬أي كمل الخلق بالدعوة إن كانوا قابلين مستعدين لقبول التذكرة فتنفعهههم‪ ،‬يعنهي أن‬
‫التذكير وإن كان عاما ل ينفع الخلق كلهم بل هو مشروط بشرط الستعداد‪ ،‬فمن استعد قبل انتفع به‪ ،‬ومن ل فل‪ ،‬أجمل‬
‫في قوله ‪‬إن نفعت الذكرى‪ ،‬ثم فصل بقوله ‪‬سيذكر من يخشى‪ ‬أي يتذكر ويتعظ وينتفع به مههن كههان ليههن القلههب سههليم‬
‫الفطرة مسههتعدا لقبههوله يتههأثر بههه لنههوريته وصههفائه‪ .‬ويتجنبههها الشههقى‪ ‬أي يتحامههاه المحجههوب عهن الههرب‪ ،‬العههديم‬
‫الستعداد‪ ،‬النائي القلب الذي هو أشقى من المستعد الذي زال استعداده واحتجب بظلمة صفات نفسه ‪‬الذي يصلى النههار‬
‫الكبرى‪ ‬التي هي نار الحجاب عن الرب بالشرك والوقههوف مههع الغيههر‪ ،‬ونههار القهههر فههي مقههام الصههفات ونههار الغضههب‬
‫والسخط في مقام الفعال ونار جهنم الثار فههي المواقههف الربعههة مههن موقههف الملههك والملكههوت والجههبروت وحضههرة‬
‫اللهوت أبد البدين فما أكبر ناره‪ .‬وأما الثاني فل يصلى إل بنار الثار‪. .‬‬
‫تفسير سورة العلى مههن ]آيههة ‪ [19 - 13‬ثههم ل يمههوت فيههها‪ ‬لمتنههاع انعههدامه ‪‬ول يحيههى‪ ‬بالحقيقههة لهلكههه‬
‫الروحاني أي يتعذب دائما سرمدا في حالة يتمنى عندها الموت وكلما احترق وهلك أعيد إلى الحياة وعذب‪ ،‬فل يكههون‬
‫ميتا مطلقا ول حيا مطلقا‪ .‬قد أفلح من تزكى‪ ‬أي فاز وظفر من تطهر عن صفات نفسه وظلمات بدنه بعههد حصههول‬
‫استعداده ‪‬وذكر اسم ربه‪ ‬أي السم الخاص الذي يربه به بإفاضة كماله الذي يسأل ربه بلسان استعداده كالعليم للجاهههل‬
‫والهادي للضال والغفار للمذنب وهو في الحقيقة عين ذاته التي غفل هو عنها بحجاب الثار والهيئات وصههفات النفههس‬
‫وسههائر الظلمههات‪ ،‬كمهها قههال تعههالى ‪‬نسههوا ال ه فأنسههاهم أنفسهههم‪] ‬الحشههر‪ ،‬اليههة ‪ .[19‬وذكههره تعرفههه وطلههب كمههاله‬
‫المخصوص به بالتأييد الرباني والتوفقيق اللهي ‪‬فصلى‪ ‬فعبد معبوده الذي هو الحق المتجلي له في صورة ذلههك السههم‬
‫الخاص الذي يعرف ربه به بعد رؤيته بكماله المقدر له‪ .‬بل تؤثرون الحياة الدنيا‪ ‬أي تغفلون وتحتجبههون عههن ذكههر‬
‫ذلك السم وصلةالرب بالحياة الحسية وطيباتها وزخارفها لعدم التزكية وتؤثرونها بالمحبة على الحياة الحقيقية الدائمة‬
‫الروحانية وهي أفضل وأدوم‪ .‬إن هذا‪ ‬المعنى من انتفههاع المسههتعد بالتههذكير وعههدم انتفههاع العههديم السههتعداد وتعههذبه‬
‫بالنار الكبرى وفلح أهل التزكية والتحلية من المستعدين وهلك المؤثرين للحياة الحسية منهههم ‪‬لفههي الصههحف‪ ‬القديمههة‬
‫المنزهة عن التبديل والتغيير المحفوظة عند ال من اللواح النورية المجردة التي اطلع عليها النبيان المههذكوران ونهزل‬
‫عليهما الظهور على مظاهرها والسلم‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة الغاشية‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الغاشية من ]آية ‪ [12 - 1‬الغاشية‪ ‬الداهية التي تغشى الناس بشدائدها أي القيامة الكبرى الهتي‬
‫تغشى الذوات وتفنيها بنور التجلي الذاتي‪ ،‬فينكشف الناس يوم إذ غشههيت علههى مههن غشههيته منقسههمين أشههقياء وسههعداء‪،‬‬
‫والصغرى التي تغشى العقل بشدة السكرات وتلبههس المغشههي أهوالههها فيكههون النههاس يههوم إذ غشههيتهم إمهها أشههقياء وإمهها‬
‫سعداء‪ .‬وجوه يومئذ‪ ‬أي ذوات ‪‬خاشعة‪ ‬أي ذليلة خائفة ‪‬عاملة ناصبة‪ ‬تعمل دائبا أعمال صعبة تتعب فيها كههالهوي‬
‫في دركات النار والرتقاء في عقباتها وحمل مشاق الصور والهيئات المتعبههة المثقلههة مههن آثههار أعمالههها أو عاملههة مههن‬
‫استعمال الزبانية إياها في أعمال شاقة فادحة من جنس أعمالها التي ضربت بها في الدنيا وإتعابها فيها من غيههر منفعههة‬
‫لهم منها إل التعب والعذاب ‪‬تصلى نارا‪ ‬من نيران آثار الطبيعة ‪‬حامية‪ ‬مؤذية مؤلمة بحسب ما تزاولههها فههي الههدنيا مههن‬
‫العمال ‪‬تسقى من عين آنية‪ ‬من الجهل المركب الذي هو مشربهم والعتقاد الفاسد المؤذي‪ .‬ليس لهم طعههام إل مههن‬
‫ضريع‪ ‬الشبه والعلوم الغير المنتفع بها المؤذية كالمغالطات والخلفيات والسفسطة وما يجري مجراها ‪‬ل يسمن‪ ‬أي ل‬
‫يقوي النفس ‪‬ول يغني من جوع‪ ‬ول يسكن داعية النفس ونهم الحرص على تعلمهها والمباحثههة عنهها ويمكههن أن يحشههر‬
‫بعض الشقياء على صور طعامهم الشبرق اليابس كالزقوم لبعضهم والغسلين لبعضهم‪ .‬وجوه يومئذ ناعمههة‪ ‬تظهههر‬
‫عليها نضرة النعيم من اللطافة والنورية لتجردهم ‪‬لسعيها‪ ‬وجدها في طريههق الههبر واكتسههاب الفضههائل والسههير فههي اله‬
‫‪‬راضية‪ ‬شاكرة ل تندم ول تتحسر ول تتجرد عما فعلت كالولى ‪‬في جنة‪ ‬مههن جنههان الصههفات وحضههرة القههدس ‪‬عاليههة‪‬‬
‫رفيعة القدر من علو المكانة ‪‬ل تسمع فيها لغية‪ ‬لن كلمهم الحكمة والمعرفة والتسبيح والتحميد ‪‬فيها عين جارية‪ ‬من‬
‫عيون مياه علوم المعارف والذوق والكشف والوجدان والتوحيد‪. .‬‬
‫تفسير سورة الغاشية مهن ]آيهة ‪ [26 - 13‬فيهها سهرر مرفوعهة‪ ‬مهن مراتهب السهماء اللهيهة الهتي بلغوهها‬
‫بالتصاف بصفاته رفعت قدرها عن مراتب الجسمانية ‪‬وأكواب‪ ‬مههن أوصههاف الههذوات المجههردة ومحاسههنها الههتي هههي‬
‫ظروف خمور المحبة ‪‬موضوعة‪ ‬لثباتها على حالها في محالها ‪‬ونمارق‪ ‬من مقاماتهم ومقاعدهم فههي مراتههب الصههفات‪،‬‬
‫فإن لكل صفة من ابتداء تجليها وطوالع أنوارها وكونها حال إلى كمال التصاف بها وكونها ملكا ومقاما مواضع أقههدام‬
‫ومقاعد فإذا استوفى السالك حظه منها بحسب استعداده وبلغ غاية مبلغه حتى تم سيره فيها وصارت ملكا له كان مقامه‬
‫منها نمرقة على تلك الريكة التي هي موضع ذلك الوصف مع الذات ‪‬مصفوفة‪ ‬مرتبة ‪‬وزرابههي‪ ‬مههن مقامههات تجليههات‬
‫مبثوثة مبسوطة تحتهم‪ .‬أفل ينظرون‪ ‬إلى الثار الظاهرة‬ ‫‪‬‬ ‫الفعال التي تحت مقامات الصفات كالتوكل تحت الرضا ‪‬‬
‫بالحس فيعتبرون ويعبرون عنها إلى تجلي الوصل إلى تجلي الصفات‪ .‬فههذكر‪ ‬عسههى أن يكههون فيهههم مسههتعد يتههذكر‬
‫ويتعظ فيترقى في السلم المنخلعة إلى جناب الحق ل من أعرض واحتجب بهذه الثار عن المههؤثر ‪‬فيعههذبه اله العههذاب‬
‫الكبر‪ ‬وهو النار الكبرى المشار إليها في سورة ‪‬العلى‪ ‬المعدة للمحجههوب المطلههق فههي جميههع مراتههب الوجههود وقههوله‬
‫‪‬إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر‪ ‬اعتراض أي ما إليك إل التذكير ل الغلبة والقهر كقوله ‪‬إنك ل تهدي من أحببت‪‬‬
‫]القصص‪ ،‬الية ‪ [56‬وما أنت عليهم بجبار‪] ‬ق‪ ،‬الية ‪ .[45‬إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم‪ ‬أي خاصههة‬
‫إلينا إيابهم ل إلى غيرنا‪ ،‬فإنا نحاسبهم ونعذبهم بالعذاب الكبر فإن القهر والغلبة لنا ل لك‪.‬‬

‫سورة الفجر‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الفجر من ]آية ‪ [5 - 1‬أقسم بابتداء ظهور نور الروح على مادة البدن عند أول أثر تعلقه به ‪‬وليههال‬
‫عشر‪ ‬ومحال الحواس العشرة الظاهرة والباطنة التي تتعين عند تعلقه به لكونها أسباب تحصيل الكمال وآلتها ‪‬والشههفع‬
‫أي الروح والبدن عن اجتماعهما وتمام وجود النسان الذي يمكن به الوصول ‪‬والوتر‪ ‬أي الههروح المجههرد إذا فههارق‪.‬‬
‫‪‬والليل إذا يسر‪ ‬أي ظلمة البدن إذا ذهبت وزالت بتجرد الروح فيكون القسام بالمبتدأ والمنتهههى أو بالقيامههة الكههبرى‬
‫وآثارها أي والفجر الذي هو مبتدأ طلوع نور الحق وتأثيره في ليلة النفس وليههال عشههر مههن الحههواس الراكههدة الهههادئة‬
‫المظلمة المتعطلة عن أشغالها عند تجلي النور اللهي والشفع الذي هو الشاهد والمشهههود قبههل تجلههي الفنههاء التههام حههال‬
‫المشاهدة في مقام الصفات‪ ،‬والوتر أي الذات الحدية عند الفناء التام وارتفاع الثنينيههة‪ ،‬والليههل أي ظلمههة النائيههة إذا‬
‫ذهبت وزالت بزوال البقية أو بالقيامة الصغرى أي فجر ابتداء ظهههور نههور الشههمس الطالعههة مههن مغربههها‪ .‬وليههال‬
‫عشر‪ ‬أي الحواس المتكدرة المظلمة عند الموت‪ ،‬والشفع‪ ‬أي الروح والبدن‪ ،‬والوتر‪ ‬أي الههروح المفههارق إذا تجههرد‪،‬‬
‫‪‬والليل إذا يسر‪ ،‬والبدن إذا انقشع ظلمه عن الروح وزال بالموت‪ .‬هل في ذلك قسم لذي حجههر‪ ‬اسههتفهام فههي معنههى‬
‫النكار‪ ،‬أي هل عاقل يهتدي إلى القسام بهذه الشههياء ووجههه تعظيمههها بالقسههم بههها وحكمههة انتظامههها فههي قسههم واحههد‬
‫وتناسبها فإن عقول أهل الدنيا المشوبة بالوهم ل تهتدي إلى ذلك‪. .‬‬
‫تفسير سورة الفجر من ]آية ‪ [14 - 6‬وجواب القسم ليعذبن المحجوبون لدللة قوله ‪‬ألم تر كيف فعل ربك بعههاد‪‬‬
‫إلى قوله ‪‬لبالمرصاد‪ ‬عليه أو في معنى التقرير أي إنما يهتدي إلههى ذلههك أولههو اللبههاب الصههافية المجههردة عههن شههوب‬
‫الوهم‪ ،‬وجواب القسم ليثابن العقلء المعتبرون بحال المحجوبين دونهم‪. .‬‬
‫تفسير سورة الفجر من ]آية ‪ [26 - 15‬فأما النسان إذا ما ابتله ربه‪ ‬أي النسان يجب أن يكههون فههي مقههام‬
‫الشكر أو الصبر بحكم اليمان لقوله ' اليمان نصفان‪ ،‬نصف صههبر ونصههف شههكر '‪ ،‬لن اله تعههالى ل يخلههو مههن أن‬
‫يبتليه إما بالنعم والرخاء فعليه أن يشكره باستعمال نعمته فيما ينبغي من إكرام اليتيم وإطعام المسكين وسههائر مراضههيه‬
‫ول يكفر نعمته بالبطر والفتخار فيقول إن ال أكرمني لستحقاقي وكرامتي عنده‪ ،‬ويترفه في الكل ويحتجههب بمحبههة‬
‫المال ويمنع المستحقين‪ ،‬أو بالفقر وضيق الرزق فيجب عليه أن يصبر ول يجزع ول يقول إن ال أهانني‪ ،‬فربما كههان‬
‫ذلك إكراما له بأن ل يشغله بالنعمة عن المنعم ويجعل ذلك وسيلة له في التوجه إلههى الحههق والسههلوك فههي طريقههه لعههدم‬
‫التعلق كما أن الول ربما كان استدراجا منه‪ .‬إذا دكت الرض‪ ‬أي البدن بالموت ‪‬دكا دكهها‪ ‬متفتتهها ‪‬وجههاء ربههك‪ ‬أي‬
‫ظهر في صورة القهر لمن برز عن حجاب البدن بالمفارقة ‪‬والملك صهفا صهفا‪ ‬أي ظههر تهأثير الملئكهة مهن النفهوس‬
‫السماوية والرضية المترتبة في مراتبهم في تعذيبه بعدما كان محتجبا عنهم بشواغل البههدن‪ .‬وجيههء يههومئذ بجهنههم‪‬‬
‫أي برزت نار الطبيعة وأحضرت للمعذبين‪ .‬يومئذ يتذكر النسان‪ ‬خلف ما اعتقده في الدنيا وصار هيئة في نفسههه‬
‫من مقتضيات فطرته فإن ظهور الباري بصفة القهر والملئكة بصفة التعذيب ل يكون إل لمههن اعتقههد خلف مهها ظهههر‬
‫عليه مما هو في نفس المر كالمنكر والنكيهر ‪‬وأنهى لهه‪ ‬فهائدة ‪‬الهذكرى‪ ‬ومنفعتهه فهإن العتقهاد الراسهخ يمنهع نفهع ههذا‬
‫التذكير‪. .‬‬
‫تفسير سورة الفجر من ]آية ‪ [30 - 27‬يا أيها النفس المطمئنة‪ ‬التي نزلت عليها السكينة وتنورت بنور اليقين‬
‫فاطمأنت إلى ال من الضطراب ‪‬ارجعي إلى ربك‪ ‬فههي حهال الرضهها‪ ،‬أي إذا تههم لههك كمهال الصهفات فل تسههكني إليهه‬
‫وارجعي إلى الذات في حال الرضا الذي هو كمال مقام الصفات والرضا عن ال ل يكون إل بعد رضا ال عنههها‪ ،‬كمهها‬
‫‪‬م ورضوا عنه‪] ‬المائدة‪ ،‬الية ‪ .[119‬فادخلي في عبادي‪ ‬في زمرة عبادي المخصوصين بي من أهههل‬ ‫قال‬ ‫‪‬‬
‫التوحيد الذاتي ‪‬وادخلي جنتي‪ ‬المخصوصة بي أي جنة الذات وقرئ في عبدي وقرئ في جسد عبدي أي حالة البعههث‬
‫والنشور ورد الرواح إلى الجساد‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة البلد‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫وهو الفق‬ ‫‪‬‬ ‫تفسير سورة البلد من ]آية ‪ [7 - 1‬أقسم بالبلد الحرام الذي هو البلد القدسي النازل به رسول ال‬
‫العلى والوادي المقدس ‪‬وأنت حل‪ ‬مطلق ‪‬بهذا البلد‪ ‬تفعل به ما تشاء غير مقيد بقيود صههفات النفههس والعههادات ‪‬ووالههد‬
‫‪‬‬
‫' إنههي ذاهههب إلهى أبههي وأبيكهم‬ ‫وما ولد‪ ‬أي روح القدس الذي هو الب الحقيقي للنفوس النسهانية كقهول عيسههى‬
‫السماوي '‪ ،‬وقوله ' تشبهوا بأبيكم السماوي ونفسك التي ولدها هو ' أي بروح القههدس ونفسههك الناطقههة‪ .‬لقههد خلقنهها‬
‫النسان في‪ ‬مكابدة ومشقة من نفسه وهواه أو مرض باطن وفساد قلب وغلظ حجاب إذ الكبد في اللغة غلههظ الكبههد الههذي‬
‫هو مبدأ القوة الطبيعية وفساده وحجاب القلب وفساده من هذه القهوة فاسههتعير غلههظ الكبههد لغلههظ حجههاب القلههب ومههرض‬
‫الجهل‪ .‬أيحسب‪ ‬لغلظ حجابه ومرض قلبه لحتجابه بالطبيعة ‪‬أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مال لبدا‪ ‬كثيرا‪ ،‬أي‬
‫في المكارم للفتخار والمباهاة كقول العرب خسرت عليه كذا‪ ،‬إذا أنفق عليه يتفضل علههى النههاس بالتبههذير والسههراف‬
‫ويحسبه فضيلة لحتجابه عن الفضيلة وجهله ولهذا قال ‪‬أيحسب أن لم يره أحد‪ ‬أي أيحسب أن لم يطلع ال تعالى على‬
‫باطنه ونيته حين ينفق ماله في السمعة والرياء والمباهاة ل على ما ينبغههي فههي مراضههي اله وهههي رذيلههة علههى رذيلههة‬
‫فكيف تكون فضيلة‪. .‬‬
‫تفسير سورة الفجر من ]آية ‪ [20 - 8‬ألم نجعل له عينين‪ ‬ألم ننعم عليه باللت البدنية التي يتمكههن بههها مههن‬
‫اكتساب‬
‫الكمال ليبصر ما يعتبر به ويسأل عما ل يعلم ويتكلم فيه ‪‬وهديناه‪ ‬إلى طريقههي الخيههر والشههر‪ .‬فل اقتحههم العقبههة‪ ‬أي‬
‫عقبة النفس وهواها الحاجبة للقلب بالرياضة والمجاهدة‪ ،‬وأي عقبة كؤود هي ل يدري كنه مشقتها ‪‬فك رقبة‪ ‬أي العقبة‬
‫التي يجب اقتحامها تخليص رقبة القلب السير في قيد هوى النفس وفكههها عهن أسههرها بالتجريههد عهن الميههول الطبيعيههة‬
‫بالكلية فإن لم يكن الفك بالكلية بالرياضة وإماتة القوى وقهر النفس فتكلف الفضائل والههتزام سههلوك طريقههها واكتسههابها‬
‫حتى يصير التطبع طباعا وهو معنى قوله ‪‬أو إطعام في يوم ذي مسغبة‪ ‬إلى قوله ‪‬وتواصههوا بالمرحمههة‪ ‬فههإن الطعههام‬
‫خصوصا وقت شدة الحتياج للمستحق الذي هو وضع في موضعه من باب فضيلة العفة بههل أفضههل أنواعههها واليمههان‬
‫من فضيلة الحكمة وأشرف أنواعها وأجلها وهو اليمان العلمي اليقيني والصبر على الشدائد من أعظم أنواع الشههجاعة‬
‫وأخره عن اليمان لمتناع حصول فضيلة الشجاعة بدون اليقين‪ ،‬والمرحمة أي التراحم والتعاطف مههن أفضههل أنههواع‬
‫العدالة فانظر كيف عدد أجناس الفضائل الربع التي يحصل بها كمال النفس‪ .‬بدأ بالعفة التي هي أولى الفضههائل وعههبر‬
‫عنها بمعظم أنواعها وأخص خصالها الذي هو السخاء‪ ،‬ثم أورد اليمان الذي هو الصل والساس وجاء بلفظة ثم لبعد‬
‫مرتبته عن الولى في الرتفاع والعلو وعبر عن الحكمة به لكههونه أم سههائر مراتبههها وأنواعههها ثههم رتههب عليههه الصههبر‬
‫لمتناعه بدون اليقين وأخر العدالة التي هي نهايتها واستغنى بذكر المرحمة التي هي صفة الرحمن عن سههائر أنواعههها‬
‫كما استغنى بذكر الصبر عن سائر أنواع الشههجاعة‪ .‬أولئك أصههحاب الميمنههة‪ ‬أي الموصههوفون بهههذه الفضههائل هههم‬
‫السعداء أصحاب اليمين وسكان عالم القدس ‪‬والذين كفهروا بآياتنها‪ ‬أي حجبهوا عهن ههذه الصهفات الهتي ههي آيهات اله‬
‫الحقيقية التي تعرف بها ذاته ‪‬هم أصحاب‪ ‬الشؤم وسهكان عهالم الرجهس ‪‬عليههم‪ ‬تسههتولي نههار الطبيعهة الثاريههة مطبقهة‬
‫عليهم أبوابها محبوسين فيها ممنوعين عن الروح والمراتب أبدا البدين‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة الشمس‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الشمس من ]آية ‪ [8 - 1‬والشمس‪ ‬أقسم بشمس الروح وضوئها المنتشر في البدن الساطع على‬
‫النفس‪ .‬والقمر‪ ‬أي قمر القلب إذا تلى الروح فهي التنهور بهها وإقبههاله نحوههها واستضههاءته بنورههها ولهم يتبهع النفههس‬
‫فينخسف بظلمتها‪ .‬والنهار‪ ‬ونهار استيلء نور الروح وقيام سلطانها واستواء نورها ‪‬إذا جلها‪ ‬وأبرزههها فههي غايههة‬
‫الظهور كالنهار عند الستواء في تجلية الشمس‪ .‬والليههل إذا يغشههاها‪ ‬أي ليههل ظلمههة النفههس إذا سههترت الههروح فههإن‬
‫وجود القلب الذي هو محل المعرفة وعرش الرحمن ل يكون إل بامتزاج نور الروح وظلمة النفس كأنه موجود مركب‬
‫منهما متولد من اجتماعهما ولول ظلمة النفس لم تستبن المعاني في القلب‪ ،‬فلم تضبط كما في حيز الروح لغاية صفائها‬
‫ونوريتها وإن كانت الثلثة حقيقة واحدة تختلف أسماؤها بحسهب اختلف مراتبهها‪ .‬والسههماء‪ ‬أي الهروح الحيوانيهة‬
‫التي هي سماء هذا الوجود والقادر الههذي بناههها‪ .‬والرض‪ ‬أي البههدن والخههالق الههذي طحاههها‪ .‬ونفههس‪ ‬أي القهوة‬
‫الحيوانية المنطبعة في الروح الحيوانية المسماة باصطلح أهههل الشههرع والتصههوف النفههس مطلقهها أو الجملههة أو النفههس‬
‫الناطقة والحكيم الذي ‪‬سواها‪ ‬عدلها بين جهتي الربوبيههة والسههفالة ل فههي ظلمههة الجسههم وكثههافته ول فههي ضههوء الههروح‬
‫ولطافته كما قال ‪‬ل شرقية ول غربية‪] ‬النور‪ ،‬الية ‪ [35‬على الول‪ ،‬وعدل مزاجها وتركيبها علههى الثههاني‪ ،‬وأعههدها‬
‫لقبول الكمال ووسطها بين العالمين على الثالث‪ .‬فألهمها فجورها وتقواها‪ ‬أي أفهمها إياهما وأشعرها بهما باللقههاء‬
‫الملكي والتمكين من معرفتهما وحسن التقوى وقبح الفجور بالعقل الهيولني‪. .‬‬
‫تفسير سورة الشمس من ]آية ‪9‬إلى آية ‪ [15‬قد أفلح‪ ‬بالوصول إلى الكمال وبلوغ الفطرة الولهى ‪‬مهن زكاهها‪‬‬
‫وطهرها‪ .‬وقد خاب من دساها‪ ‬وأخفاها في تراب البدن عن نور الحق ورحمته وجواب القسم محذوف‪ ،‬أي ليهلكن‬
‫المحجوبون المكذبون للنبي بطغيانهم كما أهلكت ثمود لتكذيبهم نبيهم بطغيههانهم لعههدم قبههول ذلههك اللهههام وبقههائهم علههى‬
‫الفجور واحتجاب العقل واستيلء ظلمة النفس وقد مر تأويل الناقة وسقياها وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الليل‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫تفسير سورة الليل من ]آية ‪ [7 - 1‬أقسم بليل ظلمة النفس إذا ستر نور الروح وبنهار نور الروح ‪‬إذا تجلى‪ ‬فظهر‬
‫من اجتماعهما وجود القلب الذي هو عرش الرحمن فإن القلب يظهر باجتماع هذين له وجههه إلههى الههروح يسههمى الفههؤاد‬
‫يتلقى به المعارف والحقائق ووجه إلى النفس يسمى الصدر يحفظ به السرائر ويتمثل فيه المعاني والقادر العظيم القدرة‬
‫الحكيم الباهر الحكمة الذي ‪‬خلق الذكر‪ ‬الذي ههو الهروح ‪‬والنهثى‪ ‬الهتي ههي النفهس فولهد القلهب‪ .‬إن سهعيكم لشهتى‪‬‬
‫أشتات مختلفة لنجذاب بعضكم إلى جانب الروح والتوجه إلى الخيهر لغلبهة النوريهة وميهل بعضهكم إلهى جهانب النفهس‬
‫والنهماك في الشر لغلبة الظلمة وتفصيل ذلك في قوله ‪‬فأما من أعطههى واتقههى‪ ‬أي آثههر الههترك والتجريههد فرفههض مهها‬
‫يشغله عن الحق وتركه بالسهولة واتقى عن هيئات النفس فجردها عن الميل إلههى مهها رفههض واللتفههات نحههوه ‪‬وصههدق‪‬‬
‫بالفضيلة ‪‬بالحسنى‪ ‬التي هي مرتبة الكمال باليمان العلمي إذ لو لم يتيقن بوجود كمال كامل لم يمكنه الترقي ‪‬فسنيسههره‬
‫لليسرى‪ ‬أي فسنهيئه ونوفقه للطريقة اليسرى التي هي السلوك في ال لقطع علئقه وقوة يقينه‪. .‬‬
‫تفسير سورة الليل من ]آية ‪ [18 - 8‬وأما من بخل واستغنى‪ ‬آثر محبة المال وجمعه ومنعه واستغنى به عن‬
‫كسب الفضيلة لحتجابه به عن الحق ‪‬وكذب بالحسنى‪ ‬بوجود مرتبة الكمال والفضيلة لستغنائه بالحياة الدنيا واحتجابه‬
‫بها عن عالم النور والخرة ‪‬فسنيسره للعسرى‪ ‬فسنهيئه بالخذلن للطريقة العسرى التي هي النحطاط عن رتبة الفطرة‬
‫إلى قعر الطبيعة ودركات أسفل سافلين مأوى الحشرات والديدان والحيلولة بينه وبين شهواته بالحرمان‪ .‬وما يغنههي‬
‫عنه ماله‪ ‬الذي تعب في تحصيله وأفنى عمره في حفظه ‪‬إذا تردى‪ ‬إذا وقع في قعر بئر جهنم وعمق الهاوية وهلك‪.‬‬
‫‪‬إن علينا للهدى‪ ‬بالرشاد إلينا بنور العقل والحس والجمع بيهن الدلهة العقليهة والسهمعية والتمكيهن علهى السهتدلل‬
‫والستبصار‪ .‬وإن لنا للخرة والولى‪ ‬أي نعطيهما من توجه إلينا فل نحرم التههارك المجههرد عههن ثههواب الههدنيا مههع‬
‫ثواب الخرة فإن من آثر الشرف يكون الخس تحت قدمه بالضرورة كقوله ‪‬لكلههوا مهن فههوقهم ومههن تحههت أرجلهههم‪‬‬
‫]المائدة‪ ،‬الية ‪ .[66‬فأنذرتكم نارا تلظى‪ ‬أي نارا عظيمة يبلغ لظاها جميع مراتههب الوجههود وهههي النههار الكههبرى‬
‫الشاملة للحجاب والقهر والسخط والتعههذيب بالثههار‪ ،‬ولهههذا قههال ‪‬ل يصههلها إلههى الشههقى‪ ‬العههديم السههتعداد‪ ،‬الخههبيث‬
‫الجوهر‪ ،‬المشرك بال في المواقف الربعة‪ .‬الذي كذب‪ ‬بال لشركه ‪‬وتولى‪ ‬وأعرض عن الههدين لعنههاده ‪‬وسههيجنبها‬
‫التقى‪ ‬أي يتحاماها ويبعد عنها في جميع مراتبها ‪‬الذي‪ ‬اتقى مهها عههدا اله مههن ذاتههه وصههفاته وأفعههاله وكههل شههيء مههن‬
‫الغيار والثار بالستغراق في عين الجمع وهو التقى المطلق الذي لههم يقههف مههع غيههر اله فيوقههف علههى اله ويعههذب‬
‫ببعض النيران‪ .‬وأما التقي فقد ل يجنب جميع مراتبها كالمتجرد من الهيئات والفعههال‪ ،‬الواقههف مههع الصههفات فههإنه وإن‬
‫كان مغفورا ذنوبه فقد حرم عن روح الذات ولذة المقربين في حجاب وجوده‪ .‬الذي يؤتي ماله يههتزكى‪ ‬الههذي يعطيههه‬
‫في حالة كونه متطهرا عن لوث محبة النداد وتعلق الغيار واللتفات إلى ما سوى ال والشتغال به مزكيا نفسههه عههن‬
‫الشرك الخفي‪. .‬‬
‫تفسير سورة الليل من ]آية ‪ [21 - 19‬وما لحد عنده من نعمة تجزى‪ ‬أي ل يؤتيه للمكافأة والمعارضة ‪‬إل ابتغاء‬
‫وجه ربه‪ ‬باجتناب ما عداه ولكونه على أعلى مراتب التقوى لن ال تعالى بحسب كل اسم له وجه يتجلى به لمن يدعوه‬
‫بلسان حاله بذلك السم ويعبده باستعداده والوجه العلى هو الذي له بحسهب اسهم العلهى الشهامل لجميهع السهماء وإن‬
‫جعلته وصفا لربه‪ ،‬فالرب هو ذلك السم‪ .‬ولسوف يرضى‪ ‬بالوصول إليه في عين الجمع والشهود الذاتي ثم مشاهدة‬
‫ذلك الوجه في مقام التفصيل حال البقاء بعد الفناء لستدعاء الرضا وجوده مع الوصف‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الضحى‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الضحى من ]آية ‪[3 - 1‬‬
‫أقسم بالنور والظلمة الصرفة القارة على حالها الذين هما أصل الوجود النساني وجماع الكونين على أن ربك ما‬
‫تركك ترك مودع في عالم النور وحضرة القدس مع بقاء المحبة والشوق في مقهام الصهفات محجوبهها عهن الهذات‪ ،‬فههإن‬
‫المودع ل بد له من محبة وشوق ‪‬وما قلى‪ ‬أي وما قلك في عالم الظلمة والوقوف مع الكون بل محبة وشوق في مقههام‬
‫النفس محجوبا عن الرب وصفاته وأفعاله ترك قال مبغض وذلك أن المحبههوب الههذي يسههبق كشههفه اجتهههاده إذا كوشههف‬
‫بالتوحيد الذاتي ورفع غطاؤه ليعشق رد إلى الحجاب وسد طريقه إلى حضرة تجلي الههذات ليشههتد شههوقه ويلطههف سههره‬
‫وتذوب أنائيته بنار الشوق ثم فتح طريقه ورفع حجابه بالكلية وكوشف بالحق الصرف ليكون ذوقههه أتههم وكشههفه أكمههل‪،‬‬
‫في هذا الحتجاب يصعد الجبال ليرى بنفسه فإذا نفذت طاقته رفع الحجاب ونزل‪. .‬‬ ‫‪‬‬ ‫وكان‬
‫تفسير سورة الضحى من ]آية ‪[11 – 4‬‬
‫وللخرة أي وللحالة الخرة التي هي التجلي بعد الحتجاب واشتداد الشوق ‪‬خيههر لههك مههن‪ ‬الحالههة ‪‬الولههي‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫لمنك في الحالة الثانية عن التلوين بوجود البقية وظهور النائية ‪‬ولسوف يعطيك ربك‪ ‬الوجهود الحقههاني لهدايههة الخلهق‬
‫والدعوة إلى الحق بعد هذا الفناء الصرف ‪‬فترضى‪ ‬به حيث مها رضهيت بهالوجود البشهري والرضها ل يكهون إل حهال‬
‫الوجود‪ .‬ألم يجدك يتيما‪ ‬منفردا محجوبا بصفات النفس عن نور أبيك الحقيقههي الههذي هههو روح القههدس منقطعهها عنههه‬
‫ضائعا ‪‬فآوى‪ ‬أي فأواك إلى جنابه ورباك في حجر تربيته وتأديبه وكفلك أبههاك ليعلمههك ويزكيههك ‪‬ووجههدك ضههال‪ ‬عههن‬
‫التوحيد الذاتي عند كونك في عالم أبيك محتجبا بالصفات عن الذات فهداك بنفسه إلى عين الذات ‪‬ووجدك عههائل‪ ‬فقيههرا‬
‫عديما فانيا نفيه بالفقر الذي هو سواد الوجه في الدارين الذي ههو الفنهاء المحهض بعهد الفقهر الهذي ههو فخهره أي فنهاء‬
‫الصفات كما قال ' الفقر فخري ' فأغناك بما أعطاك من الوجود الموهوب الموصوف بصفات الكمال الحقاني المتخلق‬
‫بالخلق الربانية‪ ،‬فإذا تم كمالك فتخلق بأخلقي وافعل بعبادي ما فعلت بك لتكون عبدا شكورا أي قائما بشكر نعمتي‪.‬‬
‫‪‬فأما اليتيم‪ ‬أي المنفرد المنكسر القلب‪ ،‬المنقطع عههن نهور القههدس‪ ،‬المحتجههب بحجههاب النفههس ‪‬فل تقهههر‪ ‬والطههف بههه‬
‫بالمداراة والرفق وآوه إلى نفسك بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة كما آويتك ‪‬وأمهها السههائل‪ ‬أي المسههتعد المحجههوب‬
‫الضال عن طريق مقصده الطالب إياه ‪‬فل تنهر‪ ‬ول تمنعه عن السؤال واهده كما هههديتك ‪‬وأمهها بنعمههة ربههك‪ ‬مههن العلههم‬
‫والحكمة الفائض عليك في مقام البقاء ‪‬فحدث‪ ‬بتعليم الناس وإغنائهم بالخير الحقيقي كما أغنيتك‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة النشراح‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة النشراح من ]آية ‪ [8 - 1‬ألم نشرح لك صدرك‪ ‬استفهام بمعنى إنكار انتفاء الشرح ليفيد ثبوته‪ ،‬أي‬
‫شرحنا لك صدرك وذلك لن الموحد في مقام الفناء محجوب بالحق عن الخلق لفنائه وضيق الفاني عن كل شيء إذ‬
‫العدم ل يقبل الوجود كما كان قبل الفناء محجوبا بالخلق عن الحق لضيق وعائه الوجودي وامتناع قبول وجود التجلي‬
‫الذاتي اللهي‪ ،‬فإذا رد إلى الخلق بالوجود الحقاني الموهوب ورجع إلى التفصيل وسع صدره الحق والخلق لكونه‬
‫وجودا حقيا وذلك انشراح الصدر أي شرحناه بنورنا للدعوة والقيام بحقائق النباء والوزر الذي يحمل ظهره على‬
‫النقيض وهو صوت الكسر‪ ،‬أي يكسره بثقله هو وزر النبوة والقيام بأعبائها لنه في مقام الشهود لم يجد للخلق وجودا‬
‫فضل عن الفعل ولم يفرق بين فعل وفعل لشهوده لفعاله تعالى‪ ،‬فكيف يثبت خيرا وشرا ويأمر وينهى وهو ل يرى إل‬
‫الحق وحده فإذا رد إلى مقام النبوة عن مقام الولية وحجب بحجاب القلب ثقل ذلك عليه وكاد أن يقصم ظهره لحتجابه‬
‫عن الشهود الذاتي حينئذ‪ ،‬فوهب التمكين في مقام البقاء حتى لم يحتجب بالكثرة عن الوحدة وشاهد الجمع في عين‬
‫التفصيل‪ ،‬ولم يغب عن شهوده بالدعوة وذلك هو شرح الصدر وهو بعينه وضع الوزر المذكور ورفع الذكر لن الفاني‬
‫‪‬‬
‫بعد‬ ‫في الجمع ل يكون شيئا فضل عن أن يكون مذكورا‪ ،‬ولو بقى في عين الجمع لما صح محمد رسول ال‬
‫قولنا ل إله ال ال لفنائه ولما تم السلم لصحته بهما‪ .‬فإن مع العسر‪ ‬أي الحتجاب الول بالخلق عن الحق ‪‬يسرا‪‬‬
‫وأي يسر هو كشف الذات ومقام الولية ‪‬إن مع العسر‪ ‬أي الحتجاب الثاني بالحق عن الخلق ‪‬يسرا‪ ‬وأي يسر هو‬
‫شرح الصدر بالوجود الموهوب الحقاني ومقام النبوة‪ .‬فإذا فرغت‪ ‬عن السير بال وفي ال وعن ال ‪‬فانصب‪ ‬في‬
‫طريق الستقامة والسير إلى ال واجتهد في دعوة الخلق ‪‬فارغب‪ ‬إليه خاصة في الدعوة إليه‪ ،‬أي ل ترغب إل إلى‬
‫ذاته دون ثواب أو غرض آخر لتكون دعوتك وهدايتك به إليه وإل لما كنت قائما به مستقيما إليه به بل زائغا عنه قائما‬
‫بالنفس‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬
‫سورة التين‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة التين من ]آية ‪) [5 - 1‬والتين) أي المعاني الكلية المنتزعة عهن الجزئيههات الهتي ههي مهدركات القلهب‪،‬‬
‫شبهها بالتين لكونها غير مادية معقولة صرفة مطابقة لجزئياتها مقوية للنفس لذيذة كالتين الذي ل نوى لههه بههل هههو لههب‬
‫كله مشتمل على حبات كالجزئيات التي هي في ضمن الكليات‪ ،‬مسمن للبدن فيه غذائية وتفكه )والزيتون) أي المعاني‬
‫الجزئية التي هي مدركات النفس شبهها بالزيتون لكونها مادية معدة للنفس لدراك الكليات كالزيتون الذي له نوى وهو‬
‫دابغ للت الغذاء مثله )وطور سينين) أي الدماغ الذي هو معدن الحههس والتخيههل المرتفههع مههن أرض البههدن كالجبههل‬
‫)وهذا البلد المين) أي القلب الحافظ ما فيه من المعاني الكلية أو المأمون فساده وفناؤه لتجرده عههن اختلف الشههتقاق‬
‫من المانة والمهن‪ .‬أقسهم بمها يحصهل بهه كمهال النسهان ووجهوده مهن المعهاني الكليهة والجزئيهة والقلهب والنفهس أي‬
‫المدركين ومدركاتهما تعظيما للنسان وإظهار لشرفه وتكريما على أنه خلق النسان‪) .‬فههي أحسههن تقههويم) أي تعههديل‬
‫من جمع الظلمة والنور فيه والجمع بين الضداد والموافقة بينها وجعله واسطة بين العالمين جامعا لهما‪ ،‬وتسوية خلقههه‬
‫وخلقه وتحسين صورته ومعناه في أعدل مزاج وأكمل نوع وأفضل مخلوق‪) .‬ثم رددناه) لحتجابه بالظلمة عن النور‬
‫والوقوف مع رذائل الخلق والعراض عن الفضائل )أسفل) من سفل خلقا ورتبة من أهل الدركات‪ ،‬وأقبح مههن قبههح‬
‫صورة وتركيبا وأشوهه خلقة وشكل ومنظرا وهم أصحاب النار في سجين الطبيعة‪. .‬‬
‫تفسير سورة التين من ]آية ‪) [8 - 6‬إل الذين آمنوا) بتغليب نور القلب على ظلمة النفس والكلي على الجزئي‪ ،‬وكسبوا‬
‫الفضائل والخيرات أي حصلوا الكمال العلمي والعملي فإنهم في درجات عالية من عالم القدس )فلهم أجر) من ثواب‬
‫جنات القلوب والنفوس )غير ممنون) لتصال مدده من عالم القدس وبراءته عن الكههون والفسههاد وأبديههة وجههوده‪ ،‬فمهها‬
‫يجعلك كاذبا بسبب الجزاء أيها النسان بأن تكذب به فتكون كاذبا بعد وقوفك على هذا الخلق العجيههب الجههامع لمراتههب‬
‫الوجود أسفلها وأعلها الحاصر لكمالت الكونين أشرفهما وأخسهما‪) .‬أليس ال بأحكم الحاكمين) فيحكم عليه بههالوقف‬
‫في أي مرتبة من المراتب شاء في أعلها فيثيبه أو أسفلها فيعاقبه‪.‬‬

‫سورة التين‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة التين من ]آية ‪ [5 - 1‬والتين‪ ‬أي المعاني الكلية المنتزعة عههن الجزئيههات الههتي هههي مههدركات‬
‫القلب‪ ،‬شبهها بالتين لكونها غير مادية معقولة صرفة مطابقة لجزئياتها مقوية للنفس لذيذة كههالتين الههذي ل نههوى لههه بههل‬
‫هو لب كله مشتمل على حبات كالجزئيات التي هي في ضمن الكليات‪ ،‬مسمن للبههدن فيههه غذائيههة وتفكههه ‪‬والزيتههون‪ ‬أي‬
‫المعاني الجزئية التي هي مدركات النفس شبهها بالزيتون لكونها مادية معدة للنفس لدراك الكليات كههالزيتون الههذي لههه‬
‫نوى وهو دابغ للت الغذاء مثله ‪‬وطور سينين‪ ‬أي الدماغ الذي هو معههدن الحههس والتخيههل المرتفههع مههن أرض البههدن‬
‫كالجبل ‪‬وهذا البلد المين‪ ‬أي القلب الحافظ ما فيه من المعهاني الكليهة أو المهأمون فسهاده وفنهاؤه لتجهرده عهن اختلف‬
‫الشتقاق من المانة والمن‪ .‬أقسم بما يحصل به كمال النسان ووجوده من المعاني الكلية والجزئية والقلب والنفس أي‬
‫المدركين ومدركاتهما تعظيما للنسان وإظهار لشرفه وتكريما على أنه خلق النسان‪ .‬في أحسههن تقههويم‪ ‬أي تعههديل‬
‫من جمع الظلمة والنور فيه والجمع بين الضداد والموافقة بينها وجعله واسطة بين العالمين جامعا لهما‪ ،‬وتسوية خلقههه‬
‫وخلقه وتحسين صورته ومعناه في أعدل مزاج وأكمل نهوع وأفضههل مخلههوق‪ .‬ثههم رددنههاه‪ ‬لحتجههابه بالظلمههة عههن‬
‫النور والوقوف مع رذائل الخلق والعراض عن الفضائل ‪‬أسفل‪ ‬من سفل خلقا ورتبة من أهل الههدركات‪ ،‬وأقبههح مههن‬
‫قبح صورة وتركيبا وأشوهه خلقة وشكل ومنظرا وهم أصحاب النار في سجين الطبيعة‪. .‬‬
‫تفسير سورة التين من ]آية ‪ [8 - 6‬إل الذين آمنوا‪ ‬بتغليب نور القلب على ظلمة النفس والكلي على الجزئي‪،‬‬
‫وكسبوا الفضائل والخيرات أي حصلوا الكمال العلمي والعملي فإنهم في درجات عالية من عالم القدس ‪‬فلهم أجهر‪ ‬مهن‬
‫ثواب جنات القلوب والنفوس ‪‬غير ممنون‪ ‬لتصال مدده من عالم القدس وبراءته عن الكون والفساد وأبدية وجوده‪ ،‬فما‬
‫يجعلك كاذبا بسبب الجزاء أيها النسان بأن تكذب به فتكون كاذبا بعد وقوفك على هذا الخلق العجيههب الجههامع لمراتههب‬
‫الوجود أسفلها وأعلها الحاصر لكمالت الكونين أشرفهما وأخسهما‪ .‬أليس ال بأحكم الحاكمين‪ ‬فيحكم عليه بالوقف‬
‫في أي مرتبة من المراتب شاء في أعلها فيثيبه أو أسفلها فيعاقبه‪.‬‬
‫سورة العلق‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫عن الجمع إلههى التفصههيل‬ ‫‪‬‬ ‫تفسير سورة العلق من ]آية ‪ [2 - 1‬اقرأ باسم ربك‪ ‬نزلت في أول رتبة رده‬
‫ولهذا قيل هي أول سورة نزلت من القرآن‪ ،‬ومعنى الباء في باسم الستعانة كما في قوله كتبت بههالقلم‪ ،‬لنههه إذا رجههع‬
‫إلى الخلق عن الحق كان موجودا بالوجود الحقاني بعد الفناء عن وجوده موصوفا بصفاته‪ ،‬فكان اسما مههن أسههمائه لن‬
‫السم هو الذات مع الصفة‪ ،‬أي اقرأ بالوجود الذاتي الذي هو اسمه العظم فهو المر باعتبار الجمع والمأمور باعتبار‬
‫التفصيل ولهذا وصف الرب ب ‪‬الذي خلق‪ ‬أي احتجب بصورة الخلق‪ ،‬يعنههي ظهههرت بصههورتك فقههم بههي فههي صههورة‬
‫الخلق وارجع عن الحقية إلى الخلقية وكهن خلقها بهالحق‪ .‬ولمها رده إلهى الخلقيهة فهي صهورة الجمعيهة النسهانية وأمهره‬
‫بالحتجاب بها لتمكن الوحي والتنزيل والنبوة خص الخلق بعد تعميمه بالنسان فقال ‪‬خلق النسان من علق‪. .‬‬
‫تفسير سورة العلق من ]آية ‪ [14 - 3‬اقرأ‪ ‬باسم ‪‬وربك الكرم‪ ‬أي البالغ إلى النهاية في الكرم الذي ل يمكن‬
‫فوق غايته كرم لجوده بذاته وصفاته وهب لك ذاته وصفاته فهو أكرم من أن يهدعك فانيها فهي عيهن الجمهع فل يعهوض‬
‫وجودك بنفسك شيئا ولو أبقاك على حال الفناء لم يظهر له صفة فضل عن الكرم‪ ،‬ومن قضية أكرميته أنه الههذي آثههرك‬
‫بأشرف صفاته الذي هو العلم وما ادخر عنك شيئا مههن كمههالته‪ ،‬فلهههذا وصههف الكههرم ب ‪‬الههذي علههم بههالقلم‪ ‬أي القلههم‬
‫العلى الذي هو الروح الول العظم أي علم بسببه وواسطته ثم لما كان في أول حال البقههاء ولههم يصههل إلههى التمكيههن‬
‫أراد أن يمكنه ويحفظه عن التلوين بظهور أنائيته وانتحال صفة ال فقال ‪‬علم النسان ما لم يعلم‪ ‬أي لههم يكههن لههه علههم‬
‫فعلمه بعلمه ووهب له صفة عالميته لئل يرى ذاته موصوفة بصفة الكمال فيطغى بظهور النائية ولهذا ردعه عن مقام‬
‫الطغيان بقوله ‪‬كل إن النسان ليطغى أن رآه استغنى‪ ‬أي بسبب رؤيته نفسهه مسهتغنيا بكمهاله ‪‬إن إلهى ربهك الرجعهى‪‬‬
‫بالفناء الذاتي فل ذات لك ول صفة فارتدع عليه السلم متأدبا بأدب حهاله وقهال لسهت بقهارئ‪ ،‬أي مها أنها بقهارئ إنمها‬
‫القارئ أنت‪ .‬أرأيت الذي‪ ‬أي المحجوب الجاهل المستغني بحاله وماله وقومه عن الحهق ‪‬ينههى عبهدا‪ ‬أي عبهد عهن‬
‫صلة الحضور والعبادة في مقام الستقامة بطغيانه ‪‬إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى‪ ‬في شركه ودعوته إلى الشههرك‬
‫فرضا وتقديرا كما زعم أو ‪‬إن كذب‪ ‬بالحق لكفره وأعرض عن الدين المستقيم لعناده وطغيانه كما هو فههي نفههس المههر‬
‫‪‬ألم يعلم بأن ال‪ ‬يراه في الحالتين فيجازيه‪. .‬‬
‫تفسير سورة العلق من ]آية ‪ [19 - 15‬كل‪ ‬ردع عن النهي عن الصلة وإثبات للقسم الثهاني مههن الشهرطية بنفهي‬
‫القسم الول بالوعيد عليه ‪‬لئن لم ينته‪ ‬عنه وعن نسبة الكذب والخطأ إليه على أبلغ وجه وآكههده‪ ،‬وبيههان احتجههابه بقههومه‬
‫واتكاله على قوتهم وغفلته عن قهر الحق وسخطه بتسليط الملكوت السماوية والرضية الفعالة في عههالم الطبيعههة عليههه‬
‫التي ل يمكن أحدا مقاومتههها‪ .‬كل ل تطعهه‪ ‬أي ل تهوافقه ودم علههى مهها أنههت عليهه مههن مخهالفته بملزمتهه التوحيهد‬
‫‪‬واسجد‪ ‬سجود الفناء في صلة الحضور ‪‬واقترب‪ ‬إليه بالفناء في الفعال ثم في الصفات ثم في الذات أي دم على حالههة‬
‫فنائك التام في مقام الستقامة والدعوة حتى تكون في حالة البقاء به فانيا عنههك ول يظهههر فيههك تلههوين بوجههود بقيههة مهن‬
‫في هذه السجدة ' أعوذ بعفوك من عقابك ' أي بفعل لك من فعل لك‪ ' ،‬وأعوذ برضههاك‬ ‫‪‬‬
‫إحدى الثلث‪ ،‬ولهذا قرأ‬
‫من سخطك ' أي بصفة لك من صفة لك‪ ' ،‬وأعوذ بك منك ' أي بذاتك مههن ذاتهك وههو معنههى اقهترابه بالسهجود‪ ،‬وفهي‬
‫الحديث ' أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد '‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة القدر‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة القدر من ]آية ‪ [3 - 1‬إنا أنزلناه في ليلة القدر‪ ‬ليلة القدر هي البنية المحمدية حال احتجابه عليه‬
‫السلم في مقام القلب بعد الشهود الذاتي لن النزال ل يمكن إل في هذه البنية في هذه الحالة‪ ،‬والقدر هو خطههره ‪‬‬
‫وشرفه إذ ل يظهر قدره ول يعرفه هو إل فيها‪ ،‬ثم عظمها بقوله ‪‬وما أدراك ما ليلههة القههدر‪ ‬أي أي شههيء عرفههت كنههه‬
‫قدرها وشرفها‪ .‬خير من ألف شهر‪ ‬قد مر أن اليوم يعبر به عن الحادث كقوله ‪‬وذكرهم بأيههام ال ه‪] ‬إبراهيههم‪ ،‬اليههة‬
‫‪ [5‬فلكل كائن يوم‪ ،‬وإذا بنى على هذه الستعارة كان كل نوع شهرا لشتماله على اليههام والليههالي اشههتمال النهوع علهى‬
‫الشخاص‪ ،‬وكل جنس سنة لشتمالها على الشهور اشتمال الجنس على النواع‪. .‬‬
‫تفسير سورة القدر من ]آية ‪ [5 - 4‬واللف هو العدد التام الذي ل كثرة فوقه إل بالتكرار والضافة‪ ،‬فيكنى به عن‬
‫الكل‪ ،‬أي هذا الشخص وحده خير من كل النواع‪ .‬ثم بين وجه تفضيله وسبب خيريته فقههال ‪‬تنههزل الملئكههة والههروح‬
‫فيها بإذن ربهم‪ ‬أي القوة الروحانية والنفسانية بل الملكوت السماوية والرضية والروح ‪‬من كل أمر‪ ‬أي من جهة كههل‬
‫أمر ههو معرفههة جميههع الشههياء ووجوداتههها وذواتههها وصههفاتها وخواصههها وأحكامههها وأحوالههها وتههدبيرها وتسههخيرها‪.‬‬
‫‪‬سلم هي‪ ‬سلمة عن جميع النقائض والعيوب ‪‬حتى‪ ‬وقت طلوع فجر الشمس الطالعههة مههن مغربههها وقههرب المههوت‪،‬‬
‫فحينئذ ل تكون سلمة أي سالمة أو سلم في نفسها لكثرة السلم عليها من ال والملئكة والناس أجمعين‪.‬‬

‫سورة البينة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة البينة ]آية ‪[1‬‬
‫‪‬لم يكن الذين كفروا‪ ‬أي حجبوا إما عن الدين وطريق الوصول إلى الحق كأهل الكتاب وإما عن الحق أيضا‬
‫كالمشركين ‪‬منفكين‪ ‬عما هم فيه من الضللة ‪‬حتى تأتيهم البينة‪ ‬أي الحجة الواضحة الموصلة إلى المطلههوب وذلههك أن‬
‫الفرق المختلفة المحتجبة بأهوائهم وضللتهم من اليهود والنصارى والمشركين كانوا يتخاصمون ويتعانههدون ويههدعي‬
‫كل حزب حقية ما عليه ويدعو صاحبه إليه وينسب دينه إلى الباطل‪ ،‬ثم يتفقهون علههى أنهها ل ننفههك عمها نحههن فيهه حههتى‬
‫يخرج النبي الموعود في الكتابين المأمور باتباعه فيهما فنتبعه ونتفق على الحق على كلمة واحدة كما عليههه الن بعينههه‬
‫حال هؤلء المتعصبين من أهل المذاهب المتفرقة وانتظارهم خروج المهههدي فههي آخههر الزمههان ووعههدهم علههى اتبههاعه‬
‫متفقين على كلمة واحدة‪ .‬ول أحسب حالهم إل مثل حال أولئك إذا خرج‪ ،‬أعاذنا ال من ذلك‪ ،‬فحكى ال قولهم وبين أنهم‬
‫ما تفرقوا تفرقا قويا وما اشتد اختلفهم وتعاندهم إل من بعدما جاءتهم البينة بخروجه لن كههل فرقههة‪ ،‬بههل كههل شههخص‪،‬‬
‫توهم أنه يوافههق هههواه ويصههوب رأيههه لحتجههابه بههدينه‪ ،‬فلمهها ظهههر خلف ذلههك ازداد كفههره وعنههاده واشههتدت شههكيمته‬
‫وضغينته‪. .‬‬
‫تفسير سورة البينة من ]آية ‪[8 – 2‬‬
‫‪‬رسول‪ ‬بدل من البينة أي الحجة القادمة الواضحة ‪‬رسول من ال يتلو صههحفا‪ ‬مههن ألههواح العقههول والنفههوس‬
‫السماوية لتصاله بها بتجرده ‪‬مطهرة‪ ‬من دنس الطبائع وكدر العناصر ودنس المواد وتحريف العباد ‪‬فيههها كتههب قيمههة‪‬‬
‫أي مكتوبات ثابتة أبدية مستقيمة ناطقة بالحق والعدل ل تتغير ول تتبدل أبدا هي أصول الدين القيم‪.‬‬
‫‪‬وما أمروا‪ ‬أي أهل الكتابين المحجوبون بهأهوائهم عهن الهدين بمها أمهروا فيهمها ‪‬ال‪ ‬لن يخصصهوا العبهادة بهال‬
‫‪‬مخلصين له الدين‪ ‬عن شوب الباطل واللتفاف إلى الغير‪ .‬حنفاء‪ ‬عن كل طريق غير موصل إليه وعن كل ما سههواه‬
‫ويتوصلوا إليه بالعبادات البدنية والمالية‪ ،‬أي ما أمروا بما أمههروا إل لللههتزام بأصههول ثلثههة التوحيههد علههى الخلص‬
‫وقطع النظر عن الغير في الطاعة والعراض عما سواه والقيام بالعبادات البدنية من العمهال المزكيهة كالصهلة الهتي‬
‫' الصلة عماد الدين '‪ ،‬والقيام بحقائق الزهد من الههترك والتجريههد كالزكههاة الههتي هههي‬ ‫‪‬‬ ‫هي العمدة في بابها كقوله‬
‫أساسها وذلك بعينه دين الكتب القيمة التي يتلوها هذا الرسول‪ .‬فالملة الحقيقيههة الحنيفيههة واحههدة مههن لههدن آدم إلههى يومنهها‬
‫هذا‪ ،‬وهي ملزمة التوحيد وسلوك طريق العدالة الشاملة للصلين الخرين فلو لم يحتجبوا بأهوائهم ولم يحرفوا كتبهههم‬
‫ويتعصبوا بظهور نفوسهم السبعية ولم يقفههوا مههع شهههواتهم ولههم يحتجبههوا بتوهمههاتهم وتصههوراتهم بظههواهر أوضههاعهم‬
‫وعاداتهم وأمانيهم ومراداتهم عن حقائق ما في كتبهم لكههان دينههم هههذا الهدين بعنيههه‪ .‬فالحاصههل أن المحجهوبين مهن أي‬
‫الفرق كانوا هم شر البرية في نار جهنم الثار قعر بئر الطبيعة والموحدين بالتوحيد العلمي العاملين على قانون العدالة‬
‫في اكتساب الفضائل ‪‬هم خير البرية‪ ‬في جنان الخلد بحسب درجاتهم من جنات الفعال والصفات وأعلى درجاتهم مقام‬
‫كمال الصفات الذي هو الرضا ‪‬ذلك لمن خشي ربه‪ ‬أي ذلك المقام مخصوص بمهن علتهه الخشهية الربانيهة عنهد تجليهه‬
‫بصفة العظمة لنه إذا تجلى الرب على القلب بصفة العظمة استولت الخشية على العبد وذلك ليس هو الخههوف المنههافي‬
‫لمقام الرضا بل هو حكم التجلي وأثره في النفس‪ ،‬وكما أثبت القدر المشترك للمحجههوبين مههن النههار دون النههار الكههبرى‬
‫التي للشقين أثبت القدر المشترك للموحدين من الجنة دون الجنة العليا التي للعارفين التقين فلذلك كان أعلى درجاتههها‬
‫الرضا والسلم‪.‬‬

‫سورة الزلزلة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الزلزلة من ]آية ‪[5 – 1‬‬
‫‪‬إذا زلزلت‪ ‬أرض البهدن عنهد نهزع الهروح النسهاني باضهطراب الهروح الحيهواني والقهوى ‪‬زلزالهها‪ ‬الهذي‬
‫استوجبته في تلك الحالة المؤذنة بخرابها وانتقاض بنيتها‪ .‬وأخرجت الرض أثقالها‪ ‬أي متاعها الههتي هههي بههها ذات‬
‫قدر من القوى والرواح وهيئات العمال والعتقادات الراسخة في القلب جمع ثقل وهو متاع البيت‪ .‬وقال النسان‬
‫ما لها‪ ‬أي ما لها زلزلههت واضههطربت مهها طبههها‪ ،‬مهها داؤههها ؟ النحههراف المههزاج أم لغلبههة الخلط‪ .‬يههومئذ تحههدث‬
‫أخبارها‪ ‬بلسان حالها ‪‬بأن ربك‪ ‬أشار إليها وأمرها بالضطراب والخراب وإخراج الثقال عنههد زهههوق الههروح وتحقههق‬
‫الموت‪. .‬‬
‫تفسير سورة الزلزلة من ]آية ‪[8 – 6‬‬
‫‪‬يومئذ يصدر الناس‪ ‬عن مراقدهم ومخارج أبدانهم إلى مواثيقهم ومواطن حسابهم وجزائهم ‪‬أشههتاتا‪ ‬متفرقيههن‬
‫سعداء واشقياء ‪‬ليروا أعمالهم‪ ‬أي جزاءها بما أثبت في صحائف نفوسهم مههن صههورها وهيئاتههها‪ .‬فمههن يعمههل‪ ‬مههن‬
‫السعداء ‪‬مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل‪ ‬من الشقياء ‪‬مثقال ذرة شرا يره‪ ‬والمخصص لعموم من فهي‪ ،‬فمهن يعمهل فهي‬
‫الموضعين‪ .‬قوله أشتاتا لن خيرات الشقياء محبطة بالكفر والحتجاب وشرور السعداء معفوة باليمان والتوبة وغلبة‬
‫الخيرات وسلمة الفطرة‪.‬‬

‫سورة العاديات‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة العاديات من ]آية ‪ [5 - 1‬والعاديات‪ ‬أي النفوس المجتهدة السائرة في سبيل ال التي تعدو مهن‬
‫شدة سيرها ورياضتها وجدها فهي سهعيها كالخيهل العاديهة تتنفهس الصهعداء مهن برحهاء الشهوق‪ .‬فالموريهات قهدحا‪‬‬
‫فتوري نارا بقداح النتائج والشتغال بنور العقل الفعال بقدح زنههاد النظههر وتركيههب المعلومههات بههالفكر‪ .‬فههالمغيرات‬
‫صبحا‪ ‬أي التي تغير ما يتعلق بها مما في ظواهرها وخارجههها مههن الماليههات‪ ،‬وممهها فههي بواطنههها وداخلههها مههن هيئات‬
‫صفات النفوس وآثار الفعال وميهول الشههوات واللهذات ووسهاوس الهوهم والخيهال بنهور صههبح التجلههي اللهههي وأثهر‬
‫الطوالع ومبادئ الوصول تركا وتجريدا‪ .‬فأثرن به‪ ‬بنور ذلك التجلي وصبح يوم القيامة الكههبرى ونقههع تههراب البههدن‬
‫بإنهاكه وتلطيفه وتنحيفه بالرياضة ومنع الحظوظ لشدة التوجه إلهى الحههق والقبهال إليههه بالعشهق وانزعهاج القهوى فهي‬
‫مشايعة القلب والروح عن جانب البدن واشتغالها عنه بتلقي النوار كما يقال أثار عنه الغبار‪ ،‬أي أفناه وأهلكه وجعله‬
‫كالغبار في التلشي‪ .‬فوسطن به‪ ‬أي بذلك الصبح ونوره جمع عيهن الههذات فاسههتغرقن فيههه أي لطفهن كثافههة تههراب‬
‫البدن حتى يصير كالنقع في اللطافة‪ ،‬فوسطن بذلك النقع جمع الذات فإن الوصول إنما يكههون بالبههدان كمعراجههه ‪‬‬
‫فإنه كان بالبدن‪ ،‬أي العالمات العاملت التاركات المجردات بنور التجلي المنهكات للبدان بالرياضة فالواصلت‪. .‬‬
‫تفسير سورة العاديات من ]آية ‪ [11 - 6‬إن النسان لربه لكنود‪ ‬أقسم بحرمة الشاكرين لنعمه الواصلين إليه‬
‫بتوصلها على أن النسان لكفور لربه باحتجابه بنعمه عنه ووقوفه معها وعدم اسههتعماله لههها فيمهها ينبغههي ليتوصههل بههها‬
‫إليه‪.‬‬
‫‪‬وإنه على ذلك لشهيد‪ ‬لعلمه باحتجابه وشهادة عقله ونور فطرته أنه ل يقوم بحقوق نعم اله ويقصههر فههي جنههب اله‬
‫بكفرانه‪ .‬وإنه لحب الخير لشديد‪ ‬أي وإنه لحب المال لقوي أو لجل حههب المههال بخيههل‪ ،‬فلههذلك يحتجههب بههه غههارزًا‬
‫رأسه في تحصيله وحفظه وجمعه ومنعه مشغول به عن الحق معرضا عن جنههابه‪ ،‬أو أنههه لحههب الخيههر الموصههل إلههى‬
‫الحق منقبض غير هش منبسط‪ .‬أفل يعلم‪ ‬أي أبعد هذا الحتجاب ومخالفة العقل ل يعلم بنور فطرته وقوة عقله ‪‬إذا‬
‫بعثر‪ ‬أي بعث ما في قبور أبدانهم من النفوس والرواح ‪‬وحصل‪ ‬ما في صدورهم أي أظهر ما في قلههوبهم مههن هيئات‬
‫أعمالهم وصفاتهم وأسرارهم ونياتهم المكتومة فيها ‪‬إن ربهم بهم يومئذ لخههبير‪ ‬عههالم بأسههرارهم وضههمائرهم وأعمههالهم‬
‫وظواهرهم فيجازيهم على حسبها‪.‬‬

‫سورة القارعة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة القارعة من ]آية ‪[5 – 1‬‬
‫‪‬القارعة‪ ‬الداهية التي تقرع الناس وتهلكهم وهي إما القيامة الكبرى أو الصغرى‪ ،‬فإن كانت الكبرى فمعناههها‬
‫الحالة التي تفني المقروع من تجلي الذات الحدية وإفناء البشرية بالكلية وهي حالة ل يعههرف كنهههها ول يقههدر قههدرها‪،‬‬
‫تقرعهم‪ .‬يوم يكون الناس كالفراش‪ ‬أي يكونون في ذلك الشهود في الذلة وتفرق الوجهههة كههالفراش المنتههثر وأحقههر‬
‫وأذل لنه ل قدر ول وقع لهم في عيهن الموحهد كقهوله لهن يكمههل إيمهان المهرء حههتى يكهون النههاس عنههده كالبههاعر أو‬
‫كالفراش ‪‬المبثوث‪ ‬إذا احترق وانبث بالنار لنظره إليهم بعين الفناء‪ .‬وتكهون الجبهال‪ ‬أي الكهوان ومراتهب الوجهود‬
‫على اختلف أصنافها وأنواعها ‪‬كالعهن المنفوش‪ ‬لصيرورتها هباء منبثا وانتقاعها وتلشيها بههالتجلي وإن كههان المههراد‬
‫بالناس المقروعين من أهل الكبرى فمعناها كالفراش المبثوث المحترق بنور التجلي المتلشي ل غير‪ ،‬وتكون الجبههال‬
‫أي ذواتهم وصفاتهم مع اختلف مراتبها وألوانها ‪‬كالعهن المنفوش‪ ‬في التلشي‪ ،‬إل أن قهوله‪‬فأمها مهن ثقلهت مهوازينه ‪‬‬
‫‪6‬وأما من خفت موازينه ‪ ‬ل يساعده لنتفاء التفصيل هناك‪ .‬واعلم أن ميزان الحق بخلف ميزان الخلههق‪ ،‬إذ صههعود‬
‫الموزونات وارتفاعها فيه هو الثقل وهبوطها وانحطاطها هو الخفة لن ميزانه تعالى هو العدل والموزونات الثقيلة أي‬
‫المعتبرة الراجحة عند ال التي لها قدر ووزن عنده هي الباقيات الصالحات ول ثقل أرجح من البقاء البههدي‪ ،‬والخفيفههة‬
‫التي ل وزن لها ول قدر ول اعتبار عند ال هي الفانيات الفاسدات من اللذات الحسههية والشهههوات‪ .‬ول خفههة أخههف مههن‬
‫الفناء الصرف‪. .‬‬
‫تفسير سورة القارعة من ]آية ‪[11 – 6‬‬
‫‪‬فأما من ثقلت موازينه‪ ‬بأن كانت من العلوم الحقيقية والفضائل النفسانية والكمالت القلبية والروحانيههة ‪‬فهههو‬
‫في عيشة‪ ‬ذات رضا‪ ،‬أي حياة حقيقية في جنان الصفات فوق جنان الفعال‪ .‬وأما من خفت موازينه‪ ‬بأن كهانت مهن‬
‫العمال السيئة والرذائل النفسانية ‪‬فأمه هاوية‪ ‬أي مأواه قعر بئر جهنم الطبيعة الجسمانية التي تهوي فيههها أهلههها ‪‬ومهها‬
‫أدراك‪ ‬حقيقتها وكنه حالها إنها ‪‬نار‪ ‬آثارية ‪‬حامية‪ ‬بالغة إلى نهاية الحراق‪ .‬ويكون معنى أمه هاويههة‪ ،‬إنههه هالههك‪ ،‬ومهها‬
‫أدراك ما الداهية التي يهلك بها نار حامية وإن كانوا من أهل الصغرى فمعناها الحالة التي تقههرع النههاس بشههدتها وهههي‬
‫الموت يوم يكون الناس بفراقهم عن البدان وانبعاثهم من مراقدها وقصدهم إلى ضوء عههالم النههور وذلتهههم وخشههوعهم‬
‫وتفرق مقاصدهم وتحيرهم بحسب تفهرق عقهائدهم وأههوائهم كهالفراش المبثهوث وتكهون جبهال العضهاء فهي اختلف‬
‫ألوانها وأصنافها وتفرق أجزائها وتفتتها وصيرورتها هباء كالعهن المنفوش والباقي بحاله كما ذكر‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة التكاثر‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة التكاثر من ]آية ‪ [4 - 1‬ألهاكم التكاثر‪ ‬أي شغلتكم اللذات الحسية والخيالية الفانية من نعيم الحياة‬
‫الدنيا التي احتجبتم بها وحبستم كمالكم فيها وأذهبتم طيباتكم من نور الستعداد وصفاء الفطرة والعقل والمعقولت فيههها‬
‫عن اللذات العقلية والكمالت المعنوية الباقية من نعيم الخرة وذهب بكم المفههاخرة والمباهههاة بهههذه المههور الفانيههة مههن‬
‫كثرة الموال والولد وشههرف البههاء والجههداد كههل مههذهب ‪‬حههتى‪ ‬مهها اكتفيتههم بههالموجودات منههها وارتكبتههم المفههاخرة‬
‫بالمعدومات السالفة من العظام البالية لشدة الحجاب وغلبة لذة الخيال وسلطنة شيطان الوهم أو حتى متم وأفنيتم عمركم‬
‫فيها وما تنبهتم طول عمركم على ما هو سههبب نجههاتكم‪ .‬كل‪ ‬ردع عههن الشههتغال بههها وتنههبيه علههى وخامههة عاقبتههها‬
‫‪‬سوف تعلمون‪ ‬عند خراب البدان وكشف غطاء الكوان حين ل ينفعكم العلم لنعدام السباب واللت الههتي يمكههن بههها‬
‫الستكمال بالموت وخامة عاقبة الشتغال بهههذه الحسههيات والوهميههات السههريعة الههزوال العظيمههة الوبههال لبقههاء تبعاتههها‬
‫وتعذبكم بهيئاتها واستيلء نار آثارها ‪‬ثم كل سوف تعلمون‪ ‬تكرارا للوعيد‪. .‬‬
‫تفسير سورة التكاثر من ]آية ‪ [8 - 5‬كل لو تعلمون علم اليقين‪ ‬أي لو ذقتم اللذات الحقيقية من العلوم اليقينية‬
‫والدراكات النورية المستعلية على هذه الحسيات والخياليات الفانية لكان ما ل يدخل تحت الوصف من الندم والتحسههر‬
‫على فوات العمر العزيز فيها والذهول عنها بها ‪‬لترون الجحيم‪ ‬أي وال لترون بسبب احتجابكم بهذه المحسوسات نههار‬
‫جحيم الطبيعة الثارية‪ .‬ثم‪ ‬لتذوقنها عيانا يقينيا بالذوق والوجدان فوق العلم ‪‬ثم لتسئلن يههومئذ عههن النعيههم‪ ‬أي شههيء‬
‫هو الدنيوي ولذاته الفانية الذي هذه عاقبته ومآله وتبعته‪ ،‬أم الخروي‬
‫الباقي أبدا على حاله الذي كنتم تنكرونههه‪ .‬ويجهوز أن يكههون قههوله ‪‬لههترون الجحيههم‪ ،‬سههادا مسههد جههواب لههول أن القسههم‬
‫والشرط إذا اجتمعا اتحد جوابهما معنى وخههص بالقسههم لفظهها سههادا مسههد جههواب الشههرط كقههوله ‪‬وإن أطعتمههوهم إنكههم‬
‫لمشههركون‪] ‬النعههام‪ ،‬اليههة ‪ [121‬أي واله لههو علمتههم علههم اليقيههن ووصههلتم إلههى مرتبتههه لرأيتههم نههار جحيههم الطبيعههة‬
‫المخصوصة بالمحجوبين بههذه الهرذائل مهن النغمهاس فهي الشههوات واللهذات الوهميهة والخياليهة والكمهالت الحسهية‬
‫والبدنية التي غرزتم رؤوسكم فيها وتهالكتم عليها فانتهيتم عنها النتهاء البهالغ ثهم مها وقفتههم علهى مرتبهة العلهم اليقينهي‬
‫لوجدانكم ذوقه ومعرفتكم لذته وبقاءه وحسنه وشرفه وبهاءه وبقاء تبعة ما أنتم الن فيه وفنائه وقبحههه وخسههته ووبههاله‪،‬‬
‫فترقيتم إلى رتبة العيان والمشاهدة‪ ،‬فعاينتم الحقائق على ما هي عليه مههن النههوار القدسههية والصههفات اللهيههة فشههاهدتم‬
‫بنور العيان حقيقة الجحيم ووبال هذه اللذات وما لها من آلم الهيئات وعذاب النيران والحرمههان‪ .‬ثههم لتسههلئن يههومئذ‬
‫عن النعيم‪ ‬أي شيء هو‪ ،‬أهذا الذي أنتم الن فيه من النعيم الخروي أم ذاك النعيم الدنيوي ؟ أو لو تعلمون العلم اليقينههي‬
‫أيها المحجوبون بهذه الزخارف والخرافات لترون الجحيههم مههن شههدة الشههوق واسههتيلء نههار العشههق‪ ،‬ثههم لههترقون بههذلك‬
‫الشوق إلى رتبة عين اليقين والمشاهدة فترون حقيقة نار العشق عيانا‪ ،‬ثم لتسئلن بعد هههذا الههذوق عههن النعيههم الههذي هههو‬
‫حق اليقين ما هو‪ ،‬أي ثم لتجدن ذوق الوصول وأثر مرتبة حق اليقين فيمكنكم الخبار عنها‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة والعصر‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة والعصر من ]آية ‪ [3 - 1‬أقسم بالعصر أي بامتداد بقاء الزمان ومها فيهه ومها يحهدث معهه بمبهدعه‬
‫وعلته الذي هو الدهر‪ .‬الناس يضيفون تغيرات المور والحههوال إليههه ويجعلههونه مههؤثرا فيههه عقههولهم ‪‬ومهها يهلكنهها إل‬
‫الدهر‪] ‬الجاثية‪ ،‬الية ‪ .[24‬والمؤثر بالحقيقة هو ال تعالى كما قال عليه السلم ' ل تسبوا الدهر فإن ال هههو الههدهر '‪،‬‬
‫تعظيما له لظهوره تعالى بصفاته وأفعاله في مظهره على أن المحجوب به عنه في خسر وهو النسان لخسارته بههرأس‬
‫ماله الذي هو نور الفطرة والهداية الصلية من الستعداد الزلي باختيار الحياة الدنيا واللههذات الفانيههة والحتجههاب بههها‬
‫وبالدهر وإضاعة الباقي في الفاني‪ .‬إل الذين آمنوا‪ ‬بال اليمان العلمي اليقيني وعرفوا أن ل مهؤثر إل اله وبههرزوا‬
‫عن حجاب الدهر ‪‬وعملوا الصالحات‪ ‬الباقيات من الفضائل والخيههرات‪ ،‬أي اكتسههبوها فربحههوا بزيههادة النههور الكمههالي‬
‫على النور الستعدادي الذي هو رأس مالهم ‪‬وتواصههوا بههالحق‪ ‬أي الثههابت الههدائم البههاقي علههى حههاله أبههدا مههن التوحيههد‬
‫والعدل‪ ،‬أي التوحيد الذاتي والوصفي والفعلي فإنه الحق الثابت فحسب ‪‬وتواصوا بالصبر‪ ‬معه وعليه عن كل ما سواه‬
‫بالتمكين والستقامة‪ ،‬فإن الوصول إلى الحق سهل‪ .‬وأما البقاء عليه والصههبر معههه بالسههتقامة فههي العبوديههة فههأعز مههن‬
‫الكبريت الحمر والغراب البيض‪ ،‬فالفحوى أن نوع النسان في خسر إل الكاملين في العلههم والعمههل‪ ،‬المكمليههن بهمهها‪.‬‬
‫ويجوز أن يؤخذ العصر بمعنى المصدر من عصر يعصر أي وعصر ال النسان بالبلء والمجاهدة والرياضههة حههتى‬
‫تصفو نقاوته‪ ،‬إن النسهان البهاقي مهع الثفهل الواقهف مهع حجهاب البشهرية فهي خسهر إل الهذين اتصهفوا بهالعلم والعمهل‬
‫وتواصوا بالحق الثابت الذي هو العتقاد اليقيني اللزم للصفاوة الباقية بعد ذهاب الثفل وتواصوا بالصبر على العصر‬
‫' البلء موكل بالنبياء ثم الولياء ثههم المثههل فالمثههل '‪ ،‬وقههال ' البلء‬ ‫والنعصار بالبلء والرياضة‪ ،‬ولهذا قال ‪‬‬
‫سوط من سياط ال يسوق به عباده إليه '‪.‬‬

‫سورة الهمزة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الهمزة من ]آية ‪ : [3 - 1‬ويل لكل همزة لمزة‪ ‬أي ‪ :‬الذي تعود بالرذيلتين وضري بهما‪ ،‬فإن هذه‬
‫الصهيغة للعهادة‪ .‬والهمهز أي ‪ :‬الكسهر مهن أعهراض النهاس‪ ،‬واللمهز أي ‪ :‬الطعهن فيههم‪ ،‬رذيلتهان مركبتهان مهن الجههل‬
‫والغضب والكبر لنهما يتضمنان اليذاء وطلب الترفع على الناس وصاحبهما يريد أن يتفضل على الناس ول يجد فههي‬
‫نفسه فضيلة يترفع بها فينسب العيب والرذيلة إليهم ليظهر فضله عليهم ول يشعر أن ذلك عين الرذيلة وأن عدم الرذيلة‬
‫ليس بفضيلة‪ ،‬فهو مخدوع من نفسه وشيطانه موصوف برذيلتي القوة النطقية والغضبية‪ .‬ثم أبدل منههه الوصههف برذيلههة‬
‫القوة الشهوانية بقوله ‪ : :‬الذي جمع مال وعدده‪ ‬وفي ‪ :‬عدده‪ ‬إشارة أيضا إلى الجهههل لن الههذي جعههل المههال عههدة‬
‫للنوائب ل يعلم أن نفس ذلك المال يجر إليه النوائب لقتضاء حكمة ال تفريقه بالنائبات فكيف يدفعها وكذا في قههوله ‪: :‬‬
‫‪‬أيحسههب أن مههاله أخلههده‪ ‬أي ‪ :‬ل يشههعر أن المقتنيههات المخلههدة لصههاحبها هههي العلههوم والفضههائل النفسههانية الباقيههة ل‬
‫العروض والذخائر الجسمانية الفانية ولكنه مخدوع بطول المل مغرور بشيطان الوهم عن بغتة الجهل‪ ،‬والحاصهل أن‬
‫الجهل الذي هو رذيلة القوة الملكية أصل جميع الرذائل ومستلزم لها فل جرم أنه يستحق صاحبها المغمور فيها العذاب‬
‫البدي المستولي على القلب المبطل لجوهره‪. .‬‬
‫تفسير سورة الهمزة من ]آية ‪ : [9 - 4‬كل‪ ‬ردع عن حسبان وقوع الممتنع ‪ :‬لينبذن‪ ‬أي ‪ :‬ليسقطن عن مرتبة‬
‫فطرته إلى رتبة الطبيعة الغالبة وهي الحطمة التي عادتها كسر كل ما وقع في رتبتها باستيلء قوتها عليههه وهههي النههار‬
‫الروحانية المنافية لجوهر القلب المؤلمة له إيلما ل يوصف كنهه المسهتعلية عليهه النافهذة فهي أشهرف وجههه وبهاطنه‪،‬‬
‫وأعله الذي هو الفؤاد المتصل بالروح‪ : .‬إنها عليهم مؤصدة‪ ‬أي ‪ :‬مطبقة مغلقة البواب لحتجاب القلب فههي محلههها‬
‫بالمواد الجسمانية واستحكام الهيئات المظلمة واللواحق الهيولنية والصور البهيمية والسبعية والشيطانية فيهه‪ ،‬وامتنهاع‬
‫تخلصه منها إلى عالم القدس ‪ :‬في عمد ممددة‪ ‬من محيط فلك القمر إلى المركز وهي الطبائع العنصرية الههتي صههار‬
‫مربوطا بها بالتعلق وسلسل الميل والمحبة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة الفيل‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الفيل من ]آية ‪[2 – 1‬‬
‫‪‬ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل‪ ‬قصة أصحاب الفيل مشهورة وواقعتهم كانت قريبة من عهد رسول ال‬
‫وهي إحدى آيات قدرة ال وأثر من سخطه على من اجترأ عليه بهتك حرمه وإلهام الطيور والوحوش أقرب مههن‬ ‫‪‬‬
‫إلهام النسان لكون نفوسهم ساذجة وتأثير الحجار بخاصية أودعها ال تعالى فيها ليس بمستنكر‪ ،‬ومن اطلع على عالم‬
‫القدرة وكشف له حجاب الحكمة عرف لمية أمثال هذه‪ ،‬وقد وقع في زماننا مثلها من استيلء الفههأر علههى مدنيههة ابيههورد‬
‫وإفساد زروعهم ورجوعها في البرية إلى شط جيحون وأخذ كل واحدة منها خشهبة مههن اليكهة الههتي علهى شهط نهرهها‬
‫وركوبها عليها وعبورها بها من النهر وهي ل تقبل التأويل كههأحوال القيامههة وأمثالههها‪ .‬وأمهها التطههبيق فههاعلم أن أبرهههة‬
‫النفس الحبشية لما قصد تخريب كعبة القلب الذي هو بيت ال بالحقيقة والستيلء عليها وأراد أن يصرف حجاج القوى‬
‫الروحانية إلى قلس الطبيعة الجسمانية التي بناها وأراد تعظيمها فخرأ فيها قرشهي العاقلهة العمليهة بإلقهاء فضهلة الغهذاء‬
‫العقلي فيها من صور التأديب المخصوص بالمور الطبيعية كالعادات الجميلة والداب المحمودة أوقع فيها شرارا مههن‬
‫نار الشوق التي أوقدها عير قريش القوى الروحانية فأحرقها بالرياضة فساق جنهوده وعهبى جيوشهه مهن جنهس القهوى‬
‫النفسانية وصفاتها الظلمانية بالطبع كالغضب والشهوة وأمثال ذلك‪ ،‬وقدم فيل شيطان الهوهم الهذي ل ينههرم عهن جنهود‬
‫‪،‬‬‫العقل ويعارضه في الحرب والشيطان أكثر ما يتشكل يكون بصورة الفيل كمهها رآه معههاذ فههي زمههن رسههول اله ‪‬‬
‫ولهذا قال ‪ ' ‬إن الشيطان ليضع خرطومه على قلب ابن آدم فإذا ذكر ال خنس '‪. .‬‬
‫تفسير سورة الفيل من ]آية ‪ [5 - 3‬جعل ال كيدهم في تضييع‪ .‬وأرسل عليهم‪ ‬طيور الفكار والذكار بيضاء‬
‫منورة بنور الروح ‪‬أبابيههل‪ ‬أي خرابهق جماعههات كصهور القياسهات وكهثرة الذكههار ‪‬ترميهههم بحجههارة مههن سهجيل‪ ‬أي‬
‫رياضة مما سجل وخص بكل واحد منهم كتب على كل واحد منها اسم المرمي بها بقلم الشههرع والعقههل وعيههن أن هههذه‬
‫الرياضة مزجرة للقوة الفلنية مهلكة لها كالنقهار والتسخر للغضب والصههوم للشهههوة والضههعة للتكههبر والذلههة للتجههبر‬
‫وأمثال ذلك ‪‬فجعلهم‪ ‬هلكى هامدة ل حههراك بههها ‪‬كعصههف مههأكول‪ ‬أي كقهوى نباتيههة أميتههت وذهبههت قوتههها وخاصههيتها‬
‫ووقفت عن فعلها لضعفها بالرياضة‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة قريش‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة قريش من ]آية ‪ [4 - 1‬ليلف قريش‪ ‬القوى الروحانية وإيقاع مؤالفتها وموافقتها ومسالمتها في‬
‫اكتساب الفضائل واتحادها في التوجه نحو الكمال في الرحلتين ‪‬رحلة الشتاء‪ ‬وبعد شمس الههروح عههن سههمت رؤوسهههم‬
‫والوي إلى غور البدن وترتيب مصالح المعاش وإصلح أحوال البههدن والقيههام بضههرورياته وعمههارته ورحلهة صههيف‬
‫قرب تلك الشمس من سمت رؤوسهم والرقي إلى أنجاد عالم القدس والتلقي لروح اليقيههن‪ .‬فليعبههدوا رب هههذا الههبيت‪‬‬
‫بالتوحيد وتخصيص العبادة به والتوجه نحوه بعد معرفته ‪‬الذي أطعمهههم‪ ‬أطعمههه المعههاني اليقينيههة والمعههارف الحقيقيههة‬
‫والحقائق اللهية ‪‬من جوع‪ ‬داعية الستعداد وتقاضي الفطرة في سنة الجهل البسيط ‪‬وآمنهم من خههوف‪ ‬اسههتيلء حبشههة‬
‫القوى النفسانية وتخطفهم إياهم ومنعهم عن النقيههاد والسههعي فههي تخريههب الههديار والسههر عههن الختيههار والستئصههال‬
‫بالدمار والبوار وال الموفق‪ .‬والسورتان كانتا في مصحف أبي سورة واحدة وبعض كبهار الصهحابة قرأهمها فهي ثانيهة‬
‫المغرب معا والسلم‪.‬‬

‫سورة الماعون‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الماعون من ]آية ‪ [3 - 1‬أرأيت الذي يكذب بالههدين‪ ‬أي هههل عرفههت الجاهههل المحجههوب عههن‬
‫الجزاء من هوان لم تعرفه ‪‬فذلك‪ ‬هو المرتكب جميع أصناف الرذائل‪ ،‬المنهمك فيها لن الجهههل والحتجههاب الههذي هههو‬
‫رذيلة القوة النطقية أصل جميعها ‪‬الذي يدع اليههتيم‪ ‬يههؤذي الضههعيف ويههدفعه بعنههف وخشههونة لسههتيلء النفههس السههبعية‬
‫وإفراطها ‪‬ول يحض‪ ‬أهله ‪‬على طعام المسكين‪ ‬ويمنع المعروف عن المستحق لستيلء النفههس البهيميههة ومحبههة المههال‬
‫واستحكام رذيلة البخل في نفسه‪. .‬‬
‫تفسير سورة الماعون من ]آية ‪ [7 - 4‬فويل‪ ‬لهم أي للموصوفين بهذه الصفات الذين إن صلوا غفلهوا عهن‬
‫صلتهم لحتجابهم عن حقيقتها بجهلهم وعدم حضورهم‪ ،‬والمصلين من باب وضع الظاهر موضع المضههمر للتسههجيل‬
‫عليهم بأن أشرف أفعالهم وصور حسناتهم سيئات وذنوب لعدم ما هي به معتبرة من الحضور والخلص‪ .‬وأورد على‬
‫صيغة الجمع لن المراد بالذي يكذب هو الجنس‪ .‬الذين هم يراؤون‪ ‬لحتجابهم بالخلق عن الحق ‪‬ويمنعون الماعون‪‬‬
‫الذي يعان به الخلههق ويصههرف فههي معههونتهم مهن المههوال والمتعههة وكهل مهها ينتفههع بههه لكهون الحجههاب حاكمهها عليهههم‬
‫بالستئثار بالمنافع وحرمانهم عن النظر التوحيدي واحتجابهم بالمطالب الجزئية عن الكليههة وعههدم اعتقههادهم بههالجزاء‪،‬‬
‫فل محبة لهم للحق للركون إلى عالم التضاد والهبوط إلهى طبيعهة الكهون والفسهاد والحتجههاب عهن حقيقهة التحههاد ول‬
‫عدالة في أنفسهم للتصاف بالرذائل والبعد عن الفضائل ول خوف ول رجاء لغفلتهم عههن الكمههال والجهههل بالمعههاد فل‬
‫يعاونون أحدا فلن يفلحوا أبدا‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة الكوثر‬

‫بسم الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الكوثر من ]آية ‪ [3 - 1‬إنا أعطيناك الكوثر‪ ‬أي معرفة الكثرة بالوحدة وعلم التوحيد التفصيلي‬
‫وشهود الوحدة في عين الكثرة بتجلي الواحد الكثير والكثير الواحد وهو نهههر فههي الجنههة مههن شههرب منههه لههم يظمههأ أبههدا‬
‫‪‬فصل لربك‪ ‬أي إذا شاهدت الواحد في عيههن الكههثرة فصههل بالسههتقامة الصههلة التامههة بشهههود الههروح وحضههور القلههب‬
‫وانقياد النفس وطاعة البدن بالتقلب في هياكل العبادات فإنها الصلة الكاملة الوافيههة بحقههوق الجمههع والتفصههيل ‪‬وانحههر‪‬‬
‫بدنة أنائيتك لئل تظهر في شهودك بالتلوين وتسلبك مقام التمكين‪ ،‬وكن مع الحق بالفناء الصرف‪ ،‬باقيا ببقههائه أبههدا‪ ،‬فل‬
‫تكون أبتر في وصولك وحالك واتصال أمتك الذين هم ذريتك بك ‪‬أن‪ ‬مبغضههك الههذي علههى خلف حالههك المنقطههع عهن‬
‫الحق ‪‬هو البتر‪ ‬ل أنت‪ ،‬فإنك الباقي ببقائه الدائم المتصل بك ذرياتك الحقيقية من أهل اليمان أبد البدين المذكور فيهم‬
‫دهر الداهرين وهو الفاني بالحقيقة الهالك الذي ل يوجد ول يذكر ول ينسب إليه ولد حقيقة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫سورة الكافرون‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الكافرون من ]آية ‪ [6 - 1‬قل يا أيها الكافرون‪ ‬الذين سههتروا نههور اسههتعدادهم الصههلي بظلمههة‬
‫صفات النفوس وآثار الطبيعة‪ ،‬فحجبوا عن الحق بالغير ‪‬ل أعبد‪ ‬أبدا وأنا شاهد للحههق بالشهههود الههذاتي ‪‬مهها تعبههدون‪ ‬مهها‬
‫اللهة المجعولة بهواكم‪ ،‬المصورة بخيالكم والممثلة المعينة بعقولكم لمكان حجابكم‪ .‬ول أنتم عابدون‪ ‬أبدا وأنتم أنتههم‬
‫أي على حالكم وما انتم عليه من احتجابكم ‪‬ما أعبد‪ ‬لمتناع معرفة الحق من الذين طبع على قلوبهم بالرين ‪‬ول إنا‪ ‬قط‬
‫‪‬عابد‪ ‬في الزمان الماضي قبهل الكمهال والوصهول التههام بحسههب السههتعداد الول والفطهرة الولههى أي الهذات المجههردة‬
‫وحدها ‪‬ما عبدتم‪ ‬فيه بحسب استعداداتكم الولية قبل الحتجاب والرين لكمال استعدادي في الزل وتههوجهه إلههى الحههق‬
‫في الفطرة ونقصان استعداداتكم أزل ‪‬ول أنتم عابدون‪ ‬بحسب ذلك الستعداد ‪‬ما أعبد‪ ‬أي ول يمكنكههم عبههادة معبههودي‬
‫بحسب الفطرة لنقصهها الهذاتي‪ ،‬والحاصهل إن عبهادتي معبهودكم وعبهادتكم معبهودي علهى الحهال الهتي نحهن فيهها مهن‬
‫الستعداد الثاني الذي هو كمالي واحتجابكم كلهما محال في الحال والستقبال‪ ،‬وكذا قبل هذا الستعداد حال الستعداد‬
‫الولي أيضا بحسب الذوات والعيان أنفسها كان غير ممكن في الزل لوفور استعدادي وقصور استعداداتكم‪ ،‬ومعناه‪،‬‬
‫سلب المكان الستقبالي والوصفي والذاتي والزلي ليفيد ضرورة السلب الزلية‪ .‬لكم دينكم‪ ‬مههن عبههادة معبههوداتكم‬
‫‪‬ولي دين‪ ‬من عبادة معبودي أي لما لم يمكن الوفاق بيننا تركتكم ودينكم فاتركوني وديني‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة النصر‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة النصر من ]آية ‪[3 – 1‬‬
‫‪‬إذا جاء نصر ال‪ ‬أي المدد الملكوتي والتأييد القدسي بتجليات السماء والصفات ‪‬والفتح‪ ‬المطلق الذي ل فتح‬
‫وراءه وهو فتح باب الحضرة الحدية والكشف الذاتي بعد الفتح المبين في مقههام الههروح بالمشههاهدة‪ .‬ورأيههت النههاس‬
‫يدخلون في دين ال‪ ‬أي التوحيد والسلوك على الصههراط المسههتقيم بتههأثير نههورك فيهههم عنههد فراغههك مههن تكميههل نفسههك‬
‫‪‬أفواجا‪ ‬مجتمعين كأنهم نفس واحدة تستفيض من فيض ذاتك قائمة مقام نفسهك وهههم المسهتعدون الهذين كههانت بيهن نفسههه‬
‫وأنفسهم علقة مناسبة ورابطة جنسية توجب اتصالهم به بقبول فيضه‪ .‬فسبح‪ ‬أي نههزه ذاتههك مههن الحتجههاب‬ ‫‪‬‬
‫بمقام القلب الذي هو معدن النبوة بقطع علقة البدن والترقي إلى مقام حق اليقين الذي هو معدن الولية ‪‬بحمد ربههك‪ ‬أي‬
‫حامدا له بإظهار كمالته وأوصافه التامة عند التجريد بالحمد الفعلي ‪‬واستغفره‪ ‬واطلب ستره ذاتك بذاته كما كههان حههال‬
‫الفناء قبل الرجوع إلى الخلق أبدا ‪‬إنه كان توابا‪ ‬قابل لرجوع من رجع إليه بإفناءه بنههوره‪ ،‬ولمهها كمههل الههدين واسههتقرت‬
‫دعوته التي كانت بعثته لجلها أمره بالرجوع إلى مقام حههق اليقيههن الهذي ل يسهتمر إل بعهد المهوت‪ ،‬ولههذلك لمها نزلهت‬
‫فقرأها رسول ال ‪ ‬استبشر الصحاب وبكى ابن عباس فقال ‪‬‬
‫' ما يبكيك ؟ ' قههال نعيههت إليههك نفسههك ! فقههال‬
‫‪ ' ‬لقد أوتي هذا الغلم علما كثيرا '‪ .‬وروي أنها لما نزلت خطب رسول ال ‪ ‬فقال ' إن عبدا خيههره ال ه بيههن‬
‫الدنيا وبين لقائه فاختار لقاء ال '‪ ،‬فعلم أبو بكر ‪ ‬فقهال فهديناك بأنفسهنا وأموالنها وآبائنها وأولدنها‪ .‬وعنهه أنهه دعها‬
‫فاطمة عليها السلم فقال ' يا بنتاه ! نعيت إلي نفسي ' فبكت‪ ،‬فقال ' ل تبكي فإنههك أول أهلههي لحوقهها بههي '‪ ،‬فضههحكت‪.‬‬
‫وتسمى هذه السورة ‪‬سورة التوديع‪ ،‬وروي أنه عاش بعدها سنتين ونزلت في حجة الوداع‪.‬‬
‫سورة تبت‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬

‫تفسير سورة تبت من ]آية ‪ [5 - 1‬تبت يدا أبي لهب وتب‪ ‬أي هلك ما هو سبب عمله الخبيث الذي استحق به‬
‫الجهنمي الملزم لنار الهلك وهلك ذاته الخبيثة لستحقاقها بحسب استعدادها‪ ،‬أي استحق النار بذاته وبوصفه نارا‬
‫على نار ولذلك ذكره بكنيته الدالة على لزومه إياها ‪‬ما أغنى عنه ماله وما كسب‪ ‬أي ما نفعه ماله الصلي من العلم‬
‫الستعدادي الفطري ول مكسوبه لعدم مطابقة اعتقاده لما في نفس المر كلهما متعاونان في تعذيبه وما يجدي له‬
‫أحدهما‪ .‬سيصلى نارا‪ ‬عظيمة لحتجابه بالشرك ‪‬ذات لهب‪ ‬زائد على أصله لخبث أعماله وهيئاتها فيصلى بالعتقاد‬
‫الفاسد والعمل السيء هو ‪‬وامرأته‪ ‬متقارنين فيها ‪‬حمالة الحطب‪ ‬أي تحمل أوزار آثامها وهيئات أعمالها الخبيثة التي‬
‫هي وقود نار جهنم وحطبها‪ .‬في جيدها حبل‪ ‬قوي مما مسد‪ ،‬أي فتل فتل قويا من سلسل النار لمحبتها الرذائل‬
‫والفواحش فربطت هيئاتها وآثامها بذلك الحبل إلى عنقها تعذيبا لها بما يجانس خطاياها‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫سورة الخلص‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الخلص ]آية ‪ [1‬قل هو ال أحد‪ ‬قل‪ ،‬أمر من عين الجمع وارد على مظهر التفصيل هو عبارة عههن‬
‫الحقيقة الحدية الصرفة أي الذات من حيث هي بل اعتبار صفة ل يعرفها إل هو‪ ،‬وال بدل منه وهو اسههم الههذات مههع‬
‫جميع الصفات دال بالبدال على أن صفاته تعالى ليست بههزائدة علههى ذاتههه بههل هههي عيههن الههذات ل فههرق إل بالعتبههار‬
‫العقلي ولههذا سهميت سهورة )الخلص( لن الخلص تمحيهص الحقيقهة الحديهة عهن شهائبة الكهثرة‪ ،‬كمها قهال أميهر‬
‫' كمال الخلص له نفي الصفات عنه '‪ ،‬لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصههوف‬ ‫‪‬‬ ‫المؤمنين‬
‫أنه غير الصفة‪ ،‬وإياه عنى من قال صفاته تعالى ل هو ول غيره‪ ،‬أي ل هو باعتبار العقل ول غيره بحسههب الحقيقههة‪.‬‬
‫وأحد خبر المبتدأ‪ ،‬والفرق بين الحد والواحد أن الحد هو الذات وحدها بل اعتبههار كههثرة فيههها أي الحقيقههة المحضههة‬
‫التي هي منبع العين الكافوري بل العين الكافوري نفسه وهو الوجود مههن حيههث هههو وجههود بل قيههد عمههوم وخصههوص‬
‫وشرط عروض ول عروض‪ ،‬والواحد هو الذات مع اعتبار كثرة الصفات وهي الحضههرة السههمائية لكههون السههم هههو‬
‫الذات مع الصفة فعبر عن الحقيقة المحضة الغير المعلومة إل له ب ' هو '‪ ،‬وأبدل عنها الذات مع جميع الصفات دللههة‬
‫على أنها عين الذات وحدها في الحقيقة وأخبر عنها بالحدية ليدل على أن الكثرة العتبارية ليست بشههيء فههي الحقيقههة‬
‫وما أبطلت أحديته وما أثرت في وحدته‪ ،‬بل الحضرة الواحديههة هههي بعينههها الحضههرة الحديههة بحسههب الحقيقههة كتههوهم‬
‫القطرات في البحر مثل‪. .‬‬
‫تفسير سورة الخلص من ]آية ‪[4 – 2‬‬
‫‪‬ال الصمد‪ ‬أي الذات في الحضرة الواحدية بحسب اعتبار السماء ههو السهند المطلههق لكهل الشههياء لفتقههار كهل‬
‫ممكن إليه وكونه به فهو الغني المطلق المحتاج إليه كل شيء كما قال ‪‬وال الغني وأنتم الفقههراء‪] ‬محمههد‪ ،‬اليههة ‪.[38‬‬
‫ولما كان كل ما سواه موجودا بوجوده ليس بشيء في نفسه لن المكان اللزم للماهية ل يقتضههي الوجههود فل يجانسههه‬
‫ول يماثله شيء في الوجود‪.‬‬
‫‪‬لم يلد‪ ‬إذ معلولته ليست موجودة معه بل به فهي به هي وبنفسها ليست شيئا ‪‬ولم يولد‪ ‬لصمديته المطلقهة‪ ،‬فلههم يكههن‬
‫محتاجا في الوجود إلى شيء ولما كانت هويته الحدية غير قابلههة للكههثرة والنقسههام ولههم يمكههن مقارنهة الوحهدة الذاتيههة‬
‫لغيرها إذ ما عدا الوجود المطلق ليس إل العدم المحض فل يكافئه أحهد‪ .‬ولهم يكهن لهه كفهوا أحهد‪ ‬إذ ل يكهافئ العهدم‬
‫الصرف الوجود المحض‪ ،‬ولهذا سميت سورة الساس‪ ،‬إذ أساس الدين على التوحيد بل أساس الوجود‪ .‬وعن أنس عههن‬
‫أنه قال ' أسست السموات السبع والرضون السبع على قل هو ال أحد ' وهو معنى صمديته‪.‬‬ ‫النبي ‪‬‬

‫سورة الفلق‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الفلق من ]آية ‪ [5 - 1‬قل أعوذ برب الفلق‪ ‬أي ألتجئ إلههى السههم الهههادي وألههوذ بههه بالتصههاف بهه‬
‫والتصال بروح القدس في الحضرة السمائية لن الفلق هو نور الصبح المقههدم علههى طلههوع الشههمس‪ ،‬أي بههرب نههور‬
‫صبح تجلي الصفات الذي هو مقدمة طلوع نور الذات‪ ،‬ورب نور صبح الصههفات هههو السههم الهههادي وكههذا معنههى كههل‬
‫مستعيذ بربه من شر شيء فإنه يستعيذ بالسههم المخصههوص بههذلك الشههيء كاسههتعاذة المريههض مثل بربههه فههإنه يسههتعيذ‬
‫بالشافي‪ ،‬وكاستعاذة الجاهل من جهله بالعليم‪ .‬من شر ما خلق‪ ‬أي من شر الحتجاب بالخلق وتأثيرهم فيه فههإن مههن‬
‫اتصل بعالم القدس في حضرة السماء واتصف بصفاته تعالى أثر في كل مخلوق ولههم يتههأثر مههن أحههد لنهههم فههي عههالم‬
‫الثار ومقام الفعال وقد ارتقى هو عن مقام الفعال إلى مباديها من الصهفات‪ .‬ومهن شهر غاسهق إذا وقهب‪ ‬أي مهن‬
‫شر الحتجاب بالبدن المظلم إذا دخل ظلمه كل شهيء واسههتولى وأثهر بتغيهرات أحهواله وانحههراف مزاجهه فهي القلهب‬
‫لمحبة القلب له وميله إليه وانجذابه نحوه‪ .‬ومههن شههر النفاثههات‪ ‬أي القههوى النفسههانية مههن الههوهم والتخيههل والغضههب‬
‫والشهههوة ونحوههها الههتي تنفههث فههي عقههد عههزائم السههالكين بإيهانههها بالههدواعي الشههيطانية وحلههها ونكثههها بالوسههاوس‬
‫والهواجس‪‬ومن شر حاسد إذا حسد‪ ‬أي النفس إذا حسدت تنور القلب فانتحلت صفاته ومعارفه باستراق السمع‪ ،‬فطغههت‬
‫وظهرت عليه وحجبته وذلك هو التلوين في مقام القلب‪ .‬ويجوز أن يكون الغاسق هو النفس المسههتولية الحاجبههة بظلمههة‬
‫صفاتها للقلب والحاسد هو القلب إذا ظهر في مقام الشهود‪ ،‬فإن تلوين مقههام الشهههود بوجههود القلههب كمهها أن تلههوين مقههام‬
‫القلب بوجود النفس وتخصيص هذه الثلثة بالستعاذة منها بعد السههتعاذة مههن المخلوقههات عمومهها إنمهها كههان لن أكههثر‬
‫الحتجاب منها دون ما عداها من المخلوقات عموما لتصالها به وتعلقه بها‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة الناس‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫تفسير سورة الناس من ]آية ‪[6 - 1‬‬
‫‪ ‬تفسير سورة الناس من ]آية ‪ [6 - 1‬قل أعوذ برب الناس‪ ‬رب الناس هو الذات مع جميع الصفات لن النسان‬
‫هو الكون الجامع الحاصر لجميع مراتب الوجود فربه الذي أوجده وأفاض عليه كماله هو الذات باعتبار جميع السماء‬
‫بحسب البداية المعبر عنها بال‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪‬ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي‪] ‬ص‪ ،‬اليهة ‪ [75‬بالمتقهابلين مهن‬
‫الصفات كاللطف والقهر والجمال والجلل الشههاملين لجميعههها تعههوذ بههوجهه بعههدما تعههوذ بصههفاته ولهههذا تههأخرت هههذه‬
‫السورة عن المعوذة الولى إذ فيها تعوذ في مقام الصفات باسمه الهادي فهداه إلى ذاته‪ .‬ثم بين رب الناس بملههك النههاس‬
‫على أنه عطف بيان لن الملك هو الذي يملك رقابهم وأمورهم باعتبار حال فنائهم فيه من قهوله ‪‬لمهن الملهك اليهوم له‬
‫الواحد القهار‪] ‬غافر‪ ،‬الية ‪ [16‬فالملك بالحقيقة هو الواحد القهار الذي قهر كههل شههيء بظهههوره ثههم عطههف عليههه ‪‬إلههه‬
‫الناس‪ ‬لبيان حال بقائهم بعد الفناء لن الله هو المعبود المطلق وذلههك هههو الههذات مههع جميههع الصههفات باعتبههار النهايههة‪.‬‬
‫استعاذ بجنابه المطلق ففني فيه فظهر كونه ملكا ثم رده إلى الوجود لمقام العبودية فكان معبودا دائما فتههم اسههتعاذته بههه‪.‬‬
‫‪‬من شر الوسواس‪ ‬لن الوسوسة تقتضي محل وجوديا كما قال ‪‬الذي يوسوس في صدور الناس‪ ‬ول وجود في حال‬
‫الفناء فل صدور ول وسواس ول موسوس بل إن ظهر هناك تلوين بوجهود النائيهة فقهل أعهوذ بهك منهك‪ ،‬فلمها صهار‬
‫معبودا بوجود العابد ظهر الشيطان بظهور العابد كما كان أول موجودا بوجهوده‪ .‬والوسهواس اسهم للوسوسهة سهمي بهه‬
‫الموسوس لدوام وسوسته كأن نفسه وسواس‪ ،‬وإنما استعاذ منه بالله دون بعض أسههمائه كمهها فههي السههورة الولههى لن‬
‫الشيطان هو الذي يقابل الرحمن ويستولي على الصورة الجمعية النسانية ويظهر في صور جميع السماء ويتمثل بههها‬
‫إل بال‪ ،‬فلم تكف الستعاذة منه بالهادي والعليم والقدير وغير ذلك فلهذا لما تعوذ من الحتجاب والضههللة تعههوذ بههرب‬
‫الفلق وها هنا تعوذ برب الناس ومن هذا يفهم معنى قوله عليه السلم ' من رآني فقد رآني فإن الشيطان ل يتمثل بي '‪.‬‬
‫الخناس‪ ،‬أي الرجاع لنه ل يوسوس إل مع الغفلة وكلما تنبه العبد وذكر ال خنس فالخنوس عادة له كالوسههواس‪ .‬عههن‬
‫سعيد بن جبير إذا ذكر النسان ربه خنس الشيطان وولى‪ ،‬وإذا غفل وسوس إليهه‪ .‬قهوله‪‬مههن الجنهة والنههاس‪ ‬بيهان للههذي‬
‫يوسوس‪ ،‬فإن الموسوس من الشياطين جنسان جني غيههر محسههوس كههالوهم‪ ،‬وإنسههي محسههوس كالمضههلين مههن أفههراد‬
‫النسان أما في صورة الهادي كقوله تعالى‪‬إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين‪] ‬الصافات‪ ،‬الية ‪ [28‬وأما في صورة غيره من‬
‫صور السماء فل يتم أيضا الستعاذة منه إل بال‪ ،‬وال العاصم‪.‬‬

‫‪‬‬

You might also like