Professional Documents
Culture Documents
فاتحة الكتاب
سورة البقرة
)سورة آل عمران(
)بسم الله الرحمن الرحيم(
]تفسير سورة آل عمران من آية 1إلى آية ( : [6الم الله ل إله إل هو الحي
القيوم) مر تأويله ( :نزل عليك الكتاب بالحق) أي :رقاك رتبة فرتبة ،ودرجة
فدرجة ،بتنزيل الكتاب عليك منجما ً إلى العلم التوحيدي الذي هو الحق
باعتبار الجمع المسمى بالعقل القرآني ( :مصدقا لما بين يديه) من التوحيد
الزلي السابق المعلوم في العهد الول المخزون في غيب الستعداد ( :
وأنزل التوراة والنجيل من قبل) هكذا ثم ( :أنزل الفرقان) أي :التوحيد
التفصيلي الذي هو الحق باعتبار الفرق المسمى بالعقل الفرقاني ،وهو
منشأ الستقامة ومبدأ الدعوة ( :إن الذين كفروا) أي :احتجبوا عن هذين
التوحيدين بالمظاهر والكوان التي هي آيات التوحيد في الحقيقة ( :لهم
عذاب شديد) في البعد والحرمان ( :والله عزيز) أي :قاهر ( :ذو انتقام) ل
يقدر وصفه ول يبلغ كنهه ول يقدر على مثله ،منتقم ( :ل يخفى عليه
شيء) في العالمين ،فيعلم مواقع النتقام ( :منه آيات محكمات)] .تفسير
سورة آل عمران من آية 7إلى آية [12سمت من أن يتطرق إليها الحتمال
والشتباه ل يحتمل إل معنى واحدا ً ( :هن أم) أي :أصل ( :الكتاب وأخر
متشابهات) تحتمل معنيين فصاعدا ً ويشتبه فيها الحق والباطل ،وذلك أن
الحق تعالى له وجه هو الوجه المطلق الباقي بعد فناء الخلق ل يحتمل
التكثر والتعدد ،وله وجوه متكثرة إضافية متعددة بحسب مرائي المظاهر.
وهي ما يظهر بحسب استعداد كل مظهر فيه من ذلك الوجه الواحد ،يلتبس
فيها الحق بالباطل ،فورد التنزيل كذلك لتنصرف المتشابهات إلى وجوه
الستعدادات فيتعلق كل بما يناسبه ،ويظهر البتلء والمتحان .فأما
العارفون المحققون الذين يعرفون الوجه الباقي في أية صورة وأي شكل
كان ،فيعرفون الوجه الحق من الوجوه التي تحتملها المتشابهات فيردونها
إلى المحكمات متمثلين بمثل قول الشاعر ) % :وما الوجه إل واحد غير أنه
%إذا أنت أعددت المزايا تعددا( %وأما المحجوبون ( :الذين في قلوبهم
زيغ) عن الحق ( :فيتبعون ما تشابه) لحتجابهم بالكثرة عن الوحدة .كما أن
المحققين يتبعون المحكم ،ويتبعونه المتشابه ،فيختارون من الوجوه
المحتملة ما يناسب دينهم ومذهبهم ( :ابتغاء الفتنة) أي :طلب الضلل
والضلل الذي هم بسبيله ( :وابتغاء تأويله) بما يناسب حالهم وطريقتهم.
) %إذا اعوج سكين فعوج قرابه % (%فهم كما ل يعرفون الوجه الباقي
في الوجوه ،لزم أن ل يعرفوا المعنى الحق من المعاني ،فيزداد حجابهم
ويغلظ ليستحقوا به العذاب ( :وما يعلم تأويله إل الله والراسخون في
العلم) العالمون ،يعلمون بعلمه ،أي :إنما يعلمه الله جميعا ً وتفصيل ً ( :
يقولون آمنا به) يصدقون علم الله به ،فهم يعلمون بالنور اليماني ( :كل
من عند ربنا) لن الكل عندهم معنى واحد غير مختلف ( :وما يذكر) بذلك
العلم الواحد المفصل في التفاصيل المتشابهة المتكثرة إل الذين صفت
عقولهم بنور الهداية وجردت عن قشر الهوى والعادة( : .ربنا ل تزغ قلوبنا)
عن التوجه إلى جنابك ،والسعي في طلب لقائك ،والوقوف ببابك ،بالفتتان
بحب الدنيا وغلبة الهوى ،والميل إلى النفس وصفاتها ،والوقوف مع
حظوظها ولذاتها ( :بعد إذ هديتنا) بنورك إلى صراطك المستقيم ،والدين
القويم ،وبسبحات وجهك إلى جمالك الكريم ( :وهب لنا من لدنك
رحمة) رحيمية تمحو صفاتنا بصفاتك وظلماتنا بأنوارك ( :إنك أنت الوهاب) :
(ربنا إنك جامع الناس ليوم ل ريب فيه) أي :يجمعهم ليوم الجمع الذي هو
الوصول إلى مقام الوحدة الجامعة للخلئق أجمعين الولين والخرين ،فل
يبقى لهم شك في مشهدهم ذلك ( :لن تغني عنهم أموالهم ول أولدهم من
الله شيئًا) بل هي سبب حجابهم وبعدهم من الله وتعذيبهم بعذابه لشدة
تعلقهم بهم ومحبتهم إياهم] .تفسير سورة آل عمران من آية 13إلى آية
( : 14قد كان لكم آية) يا معشر السالكين دالة على كمالكم وبلوغكم إلى
التوحيد ( :في فئتين التقتا فئة) القوى الروحانية الذين هم أهل الله
وجنوده ( :تقاتل في سبيل الله وأخرى) هي جنود النفس وأعوان
الشياطين محجوبة عن الحق .ترى الفئة الولى ،مع قلة عددهم ،مثليهم عند
التقائهما في معركة البدن لتأييد الفئة الولى بنور الله وتوفيقه وخذلن
الفئة الثانية وذلهم وعجزهم وضعفهم وانقطاعهم عن عالم اليد والقدرة.
فغلبت الولى الثانية وقهروهم بتأييد الله ونصره ،وصرفوا أموالهم التي
هي مدركاتهم ومعلوماتهم في سبيل معرفة الله وتوحيده ( :والله يؤيد
بنصره من يشاء) من أهل عنايته المستعدين للقائه ( :إن في ذلك لعبرة) أي
:اعتبارا ً أو أمرا ً يعتبر به في الوصول إلى الحقيقة للمستبصرين الذين
انفتحت أعين بصائرهم واكتحلت بنور اليقان العلمي من أهل الطريقة
يعتبرون به أحوالهم في النهاية( : .زين للناس حب الشهوات) لن النسان
مركب من العالم العلوي والسفلي ،ومن نشأته وولدته تحجبت فطرته
وخمدت نار غريزته وانطفأ نور بصيرته بالغشاوات الطبيعية والغواشي
البدنية ،والماء الجاج من اللذات الحسية ،والرياح العواصف من الشهوات
الحيوانية ،فبقي مهجورا ً من الحق في أوطان الغربة وديار الظلمة يسار به،
مبلوا ً بأنواع النصب والتعب ،فإذا هو بشعشعة نور من التميز ولمعان برق
من عالم العقل ،وداع ينادينه من الهوى والشيطان ،فتبعه فصادف منزل ً
نزهًا ،وروضة أنيقة ،فيها ما تشتهي النفس وتلذ العين ،فاستوطنه وشكر
سعيه ورضيه مسكنا ً وقال ) % :عند الصباح يحمد القوم السري %والداعي
قد هيئ له القرى( %فذلك حب الشهوات ،أي :المشتهيات المذكورة
وتزيينها له وهو تمتيع له بحسب ما فيه من العالم السفلي ،وكمال لحياته
حجب به من تمتيع الحياة الخرى وكمالها ،بحسب ما فيه من العالم العلوي،
ولم يتنبه على أنها أبهى وألذ وأصفى مع ذلك وأبقى ،وهو معنى قوله ( : :
والله عنده حسن المآب) .فإن أدركه التوفيق اللهي والتنبيه السري،
وقارنه النباء النبوي كما قال ( : :قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) انبعث من
باطنه شوق وعشق لحركة العلوي إلى مركزه ،واشتعلت ناره التي قد
خمدت ،وتتتابع عليه لوامع النوار اللهية وطوالع الشراقات القدسية،
فاستنار نور بصيرته الذي قد انطفأ ،ورقت الحجب التي منعت فطرته عن
طلب المقر والمأوى ،وتنغص عيشه الذي هو فيه فتكدر ما هو عليه،
واستظلم ما كان قد استصفاه من الحياة الدنيا وسكنت في نفسه سورة
الهوى بغلبة الجزء الروحاني على الجسماني ،وذاق طعم ماء فرات الحياة
الحقيقية فلم يصبر على الملح الجاج وباشر قلبه خطرات اليقين بجريعات
شربها من الماء المعين ،فعلم أنه كان أكمن في سرب من الرض،
فاستلمع ضوء الكواكب ليل ً وظنه نهارًا ،فخرج فإذا هو ببرية فيها ماء زعاق
وأنواع من الحشائش كالخمخم والجرجير ونحوها ،فظنها رياحين وثمارًا،
فجلس بما وجد عن ضياء الشمس وألوان الطيب والفواكه ،فعزم على
رحيل الوبة وغشيته وحشة الغربة ،فانتقى ما استطاب واستحلى ،ثم سار
وخلى حتى إذا أضاء نور صبح عين اليقين ،وحان وقت طلوع شمس الوحدة،
رأى جنة تحير فيها بصره ودهش في وصفها عقله ،وكان ما كان مما ل عين
رأت ،ول أذن سمعت ،ول خطر على قلب بشر .فإذا أفاق وقد طلعت
الشمس ،وجد فيها ألفا ً وأحبابا ً وعرف أنه كان له مثوى ومآبًا ،ورجع إليه
النس ،ونزل محلة القدس ،بدار القرار في جوار الملك الغفار ،وأشرقت
عليه سبحات وجهه الكريم ،وحل بقلبه روح الرضا العميم ،وذلك معنى قوله
( : :للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها النهار) إلى قوله ( : :والله
بصير بالعباد) ،فالجنات جنات الفعال ،والزواج أصناف روحانيات عالم
القدس ،والرضوان جنات الصفات( : .الذين يقولون ربنا إننا آمنا) بأنوار
أفعالك وصفاتك ( :فاغفر لنا ذنوبنا) أي :ذنوب وجوداتنا بذاتك ( :وقنا
عذاب النار) أي :نار الهجران ووجود البقية ( :الصابرين) على غصص
المجاهدة والرياضة ( :والصادقين) في المحبة والرادة ( :والقانتين) في
السلوك إليه وفيه ( :والمنفقين) ما عداه من أموالهم وأفعالهم وصفاتهم
ونفوسهم وذواتهم ( :والمستغفرين) عن ذنوب تلويناتهم وبقياتهم في
أسحار أيام التجليات النورية عند طلوع طوالع النوار ،وظهور تباشير صبح
يوم القيامة الكبرى بالفق العلى ،فأجابهم وقت طلوع شمس الذات من
مغرب وجودهم ،فلم يبق مغربا ً بقوله ( :شهد الله أنه ل إله إل هو) طلع
الوجه الباقي ،فشهد بذاته في مقام الجمع على وحدانيته ،إذ لم يبق شاهد
ول مشهود غيره .ثم رجع إلى مقام التفصيل فشهد بنفسه مع غيره على
وحدانيته في ذلك المشهد فقال ( : :والملئكة وأولو العلم قائما
بالقسط) أي :مقيما ً للعدل في تفاصيل مظاهره ،وصور كثرتها الذي هو
ظل الوحدة في غير الجمع بإعطاء كل ذي حق بحسب استعداده واستحقاقه
حقه من جوده وكماله وتجليه فيه على قدر سعة وعائه ( :ل إله إل هو) في
المشهدين ( :العزيز) القاهر الذي يقهر كل شيء باعتبار الجمع فل يصل
إليه أحد ( :الحكيم) الذي يدبر بحكمته كل شيء ،فيعطيه ما يليق به باعتبار
التفصيل( : .إن الدين عند الله) هو هذا التوحيد الذي قرره بنفسه .فإن دينه
دين إسلم الوجوه كما قال إبراهيم ' : eأسلمت وجهي لله ' أي :نفسي
وجملتي ،وانخلعت عن أنانيتي ،ففنيت فيه .وأمر الله تعالى حبيبه عليه e
فيما بعد بقوله ( : :فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن)( : .إن
الذين يكفرون بآيات الله) أي :المحجوبين عن الدين ( :ويقتلون النبيين
بغير حق) لكونهم محجوبين بدينهم ل يقبلون إل ما هم عليه من التقيد
والتقليد ،والنبياء دعوهم إلى التوحيد ومنعوهم عن التقيد فقتلوهم ( :
ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس) من أتباعهم ،إذ العدل ظل
التوحيد ،فمن لم يكمل له ل يمكنه العدل ،وهم قد حجبوا بتقييدهم بدينهم،
فقد حجبوا بظلمهم عن العدل فخالفوهم وقتلوهم( : .أولئك الذين حبطت
أعمالهم) التي عملوها على دين نبيهم ،لنهم كانوا بتقليد نبيهم ناجين
بالمتابعة ،وأنبياؤهم كانوا شفعاءهم بتوسطهم بينهم وبين الله في وصول
الفيض إليهم ،فإذا أنكروا النبيين وأتباعهم العادلين فقد خالفوا نبيهم لن
النبياء كلهم على ملة واحدة في الحقيقة هي ملة التوحيد ،ل نفرق بين
أحد منهم في كونهم على الحق فمن خالف واحدا ً فقد خالف الكل ،وكذا
من خالف أهل العدل من أتباع النبيين فقد ظلم ،ومن ظلم فقد خرج
بظلمة عن المتابعة وأيضا ً فمنكر التباع منكر المتبوعين ،ومنكر الظل منكر
الذات خارج عن نورها .وإذا خالفوا نبيهم لم يبق بينهم وبينه من الوصلة
والمناسبة ما تمكن به الستفاضة من نوره ،فحجبوا عن نوره وكانت
أعمالهم منورة بنوره لجل المتابعة ،ل نور ذاتي لها ،إذ لم تكن صادرة عن
يقين ،فإذا زال نورها العارضي باحتجابهم عن نبيهم فقد أظلمت وصارت
كسائر السيئات من صفات النفس المارة ،وفيه ما سمعت غير مرة من
قتل كفار قوي النفس المارة أنبياء القلوب والمرين بالقسط من القوى
الروحانية] .تفسير سورة آل عمران آية ( : [26قل اللهم مالك الملك) تملك
ملك عالم الجسام مطلقًا ،تتصرف فيه ل مالك ول متصرف ول مؤثر فيه
غيرك ( :تؤتي الملك من تشاء) تجعله متصرفا ً في بعضه ( :وتنزع الملك
ممن تشاء) بجعل التصرف في يد غيره ول غير ثمة بل تقلبه من يد إلى يد،
فأنت المتصرف فيه على كل حال بحسب اختلف المظاهر ( :وتعز من
تشاء) بإلقاء نور من أنوار عزتك عليه فإن العزة لله جميعا ً ( :وتذل من
تشاء) بسلب لباس عزتك عنه فيبقى ذليل ً ( :بيدك الخير) كله ،وأنت القادر
مطلقًا ،تعطي على حسب مشيئتك ،تتجلى تارة على بعض المظاهر بصفة
العز والكبرياء ،فتكسوه لباس العز والبهاء ،وتارة بصفة القهر والذلل
ل ،وتارة بصفة فتكسوه لباس الهوان والصغار ،وتارة بصفة المعز فتكون مذ ً
المذل فتكون معزًا ،وتارة بصفة الغني فتعطي المال ،وتارة بصفة المغني
فتفقره ،أي :تجعله مستغنيا ً عن المال ،فقيرا ً ل يحتاج إلي شيء( .تولج
الليل في النهار وتولج النهار في الليل) تدخل ظلمة النفس في نور القلب
فيظلم ،وتدخل نور القلب في ظلمة النفس فتستنير بخلطهما معا ً مع بعد
المناسبة بينهما ( :وتخرج الحي) أي :حي القلب ( :من الميت) أي :من
ميت النفس ،وميت النفس من حي القلب ،بل تخرج حي العلم والمعرفة
من ميت الجهل ،وتخرج ميت الجهل من حي العلم تحجبه عن النور ،كحال
بلعم بن باعورا ( :وترزق من تشاء) من النعمة الظاهرة والباطنة جميعًا ،أو
من إحداهما ( :بغير حساب) ( :ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون
المؤمنين) إذ ل مناسبة بينهم في الحقيقة ،والولية ل تكون إل بالجنسية
والمناسبة ،فحينئذ ل يمكن أن تكون المحبة بينهم ذاتية ،بل مجعولة
مصنوعة بالتصنع والرياء والنفاق وهي خصال مبعدة عن الحق إذ كلها حجب
ظلمانية ولو لم يكن فيهم ظلمة تناسب حال الكفرة ما قدروا على
مخالطتهم ومصاحبتهم ( :ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) أي :
من ولية الله في شيء ،معتد به ،إذ ليس فيهم نورية صافية يناسبون بها
الحضرة اللهية ( :إل أن تتقوا منهم تقاة) أي :إل أن تخافوا من جهتهم
أمرا ً يجب أن يتقى ،فتوالوهم ظاهرا ً ليس في قلوبكم شيء من محبتهم،
وذلك أيضا ً ل يكون إل لضعف اليقين .إذ لو باشر قلوبهم اليقين لما خافوا
إل الله تعالى وشاهدوا معنى قوله تعالى ( : :وإن يمسسك الله بضر فل
كاشف له إل هو وإن يردك بخير فل راد لفضله) ]يونس ،الية [107 :فما
خافوا غيره ولم يرجوا غيره ،ولذلك عقبه بقوله ( : :ويحذركم الله
نفسه) أي :يدعوكم إلى التوحيد العياني كي ل يكون حذركم من غيره بل
من نفسه ( :وإلى الله المصير) فل تحذروا إل إياه فإنه المطلع على
أسراركم وعلنياتكم ،القادر على مجازاتكم إن توالوا أعداءه أو تخافوهم
سرا ً أو جهرًا .تفسير سورة آل عمران آية ( : [30يوم تجد كل نفس) الية،
كل ما يعمله النسان أو يقوله يحصل منه أثر في نفسه وتنتقش نفسه به
وإذا تكرر صار النقش ملكة راسخة ،وكذا ينتقش في صحائف النفوس
السماوية ،لكنه مشغول عن هيئات نفسه ونقوشها بالشواغل الحسية
والدراكات الوهمية والخيالية ،ل يفرغ إليها ،فإذا فارقت نفسه جسدها ولم
يبق ما يشغلها عن هيئاتها ونقوشها وجدت ما عملت من خير أو شر
محضرًا ،فإذا كان شرا ً تتمنى بعد ما بينها وبين ذلك اليوم أو ذلك العمل
لتعذيبها به ،فتصير تلك الهيئات والنقوش صورتها إن كانت راسخة وإل
وجدت جزاءها بحسبها وتكرر ( :ويحذركم الله نفسه) تأكيدا ً لئل يعملوا ما
يستحقون به عقابه ( :والله رؤوف بالعباد) فلذا يحذرهم عن السيئات تحذير
الوالد المشفق لولده عما يوبقه] .تفسير سورة آل عمران آية[ ( : [31قل
إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) لما كان عليه eحبيبه فكل من
يدعي المحبة لزمه اتباعه لن محبوب المحبوب محبوب ،فتجب محبة النبي،
ومحبته إنما تكون بمتابعته وسلوك سبيله قول ً وعمل ً وخلقا ً وحال ً وسيرة
وعقيدة ،ول تمشي دعوى المحبة إل بهذا فإنه قطب المحبة ومظهره
وطريقته طلسم المحبة ،فمن لم يكن له من طريقته نصيب لم يكن له من
المحبة نصيب ،وإذا تابعه حق المتابعة ناسب باطنه وسره وقلبه ونفسه
باطن النبي eوسره وقلبه ونفسه وهو مظهر المحبة .فلزم بهذه المناسبة
أن يكون لهذا المتابع قسط من محبة الله تعالى بقدر نصيبه من المتابعة،
فيلقي الله تعالى محبته عليه ويسري من باطن روح النبي eنور تلك
المحبة إليه ،فيكون محبوبا ً لله ،محبا ً له ،ولو لم يتابعه لخالف باطنه باطن
النبي ،eفبعد عن وصف المحبوبية وزالت المحبية عن قلبه أسرع ما يكون،
إذ لو لم يحبه الله تعالى لم يكن محبا ً له ( :ويغفر لكم ذنوبكم) كما غفر
لحبيبه .قال تعالى ( : :ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ]الفتح ،الية :
[2وذنبه المتقدم ذاته ،والمتأخر صفاته ،فكذا ذنوب المتابعين كما قال
تعالى ' :ل يزال العبد يتقرب إلي ' ....إلى آخر الحديث( : .والله
غفور) يمحو ذنوب صفاتكم وذواتكم ( :رحيم) يهب لكم وجودا ً وصفات
حقانية خيرا ً منها .ثم نزل عن هذا المقام لنه أعز من الكبريت الحمر.
ودعاهم إلى ما هو أعم من مقام المحبة ،وهو مقام الرادة] .تفسير سورة
آل عمران من آية 32إلى آيه [34فقال ( : :قل أطيعوا الله
والرسول) أي :إن لم تكونوا محبين ولم تستطيعوا متابعة حبيبي فل أقل
من أن تكونوا مريدين ،مطيعين لما أمرتم به ،فإن المريد يلزمه متابعة المر
وامتثال المأمور به ( :فإن تولوا فإن الله ل يحب الكافرين) أي :إن أعرضوا
عن ذلك أيضًا ،فهم كفار منكرون محجوبون ،والله ل يحب من كان كافرًا.
فبترك الطاعة يلزم الكفر ،وبترك المتابعة ل يلزم ،لن تارك المتابعة يمكن
أن يكون مطيعا ً بمتابعة المر .ومعنى ( :أطيعوا الله والرسول) :أطيعوا
رسول الله eلقوله تعالى ( : :من يطع الرسول فقد أطاع الله) ]النساء،
الية ( : .[80 :إن الله اصطفى آدم ونوحا) الصطفاء أعم من المحبة
والخلة ،فيشمل النبياء كلهم لنهم خيرة الله وصفوته ،وتتفاضل فيه
مراتبهم ،كما قال تعالى ( : :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) ]البقرة،
الية ،[253 :فأخص المراتب هو المحبة ،وأشار إليه بقوله تعالى ( : :ورفع
بعضهم درجات) ]البقرة ،الية [253 :فلذلك كان أفضلهم حبيب الله محمدا ً
eثم الخلة التي هي صفة إبراهيم ،uوأعمها الصطفاء ،أي :صفة آدم ( : u
ذرية بعضها من بعض) في الدين والحقيقة ،إذ الولية قسمان :صورية
ومعنوية ،وكل نبي يتبع نبيا ً آخر في التوحيد والمعرفة ،وما يتعلق بالباطن
من أصول الدين فهو ولده كأولد المشايخ في زماننا هذا .وكما قيل :الباء
ثلثة :أب ولدك ،وأب رباك ،وأب علمك .فكما أن وجود البدن في الولدة
الصورية يتولد في رحم أمه من نطفة أبيه ،فكذلك وجود القلب في الولدة
الحقيقية يظهر في رحم استعداد النفس من نفحة الشيخ والمعلم .وإلى
هذه الولدة أشار عيسى uبقوله ' :لن يلج ملكوت السموات من لم يولد
مرتين ' .واعلم أن الولدة المعنوية أكثرها يتبع الصورية في التناسل،
ل ،ثم ثمر شجرة واحدة ،فإن عمران ولذلك كان النبياء في الظاهر أيضا ً نس ً
بن يصهر أبا موسى وهارون كان من أسباط لوي بن يعقوب بن إسحاق بن
إبراهيم ،وعمران بن ماثان أبا مريم أم عيسى uكان من أسباط يهود بن
يعقوب ،وكون محمد عليه eمن أسباط إسماعيل بن إبراهيم مشهور وكذا
كون إبراهيم من نوح .uوسببه أن الروح في الصفاء والكدورة يناسب
المزاج في العتدال وعدمه وقت التكون ،فلكل مزاج يناسبه ويخصه ،إذ
الفيض يصل بحسب المناسبة وتفاوت الرواح في الزل بحسب صنوفها
ومراتبها في القرب والبعد ،فتتفاوت المزجة بحسبها في البد لتتصل بها.
والبدان المتناسلة بعضها من بعض متشابهة في المزجة على الكثر ،اللهم
إل لمور عارضة اتفاقية ،فكذلك الرواح المتصلة بها متقاربة في الرتبة،
متناسبة في الصفة .وهذا مما يقوي أن المهدي uمن نسل محمد (والله
سميع) حين قالت امرأة عمران ( : :رب إني نذرت) إلى قولها ( : :
عليم) بنيتها كما شهدت بقولها ( :إنك أنت السميع العليم) .واعلم أن النيات
وهيئات النفس مؤثرة في نفس الولد ،كما أن الغذية مؤثرة في بدنه .فمن
كان غذاؤه حلل ً طيبا ً وهيئات نفسه نورية ونياته صادقة حقانية ،جاء ولده
مؤمنا ً صديقا ً أو وليا ً أو نبيًا .ومن كان غذاؤه حراما ً وهيئات نفسه ظلمانية
خبيثة ونياته فاسدة رديئة جاء ولده فاسقا ً أو كافرا ً خبيثًا .إذ النطفة التي
يتكون الولد منها متولدة من ذلك الغذاء ،مرباة بتلك النفس ،فتناسبها.
ولهذا قال رسول الله ' : eالولد سر أبيه ' ،فكان صدق مريم وبنوة عيسى
عليهما السلم بركة صدق أبيها ( :وجد عندها رزقا) يجوز أن يراد به الرزق
الروحاني من المعارف والحقائق والعلوم والحكم الفائضة عليها من عند
الله ،إذ الختصاص بالعندية يدل على كونها من الرزاق اللدنية] .تفسير
سورة آل عمران من آية 38إلى آية ( : [42هنالك دعا زكريا ربه) كان زكريا
شيخا ً هرمًا ،وكان مقدما ً للناس ،إمامًا ،طلب من ربه ولدا ً حقيقيا ً يقوم
مقامه في تربية الناس وهدايتهم كما أشار إليه في سورة )كهيعص( فوهب
له يحيى من صلبه بالقدرة ،بعدما أمر باعتكاف ثلثة أيام ولك التأويل
بالتطبيق على أحوالك وتفاصيل وجودك كما علمت ،وهو أن الطبيعة
الجسمانية ،أي :القوة البدنية .امرأة عمران الروح نذرت ما في قوتها من
النفس المطمئنة لله تعالى بانقيادها لمر الحق ومطاوعتها له ،فوضعت
أنثى النفس فكفلها الله ،زكريا الفكر ،بعدما تقبلها لكونها زكية ،قدسية،
فكلما دخل عليها زكريا الفكر محراب الدماغ وجد عندها رزقا ً من المعاني
الحدسية التي انكشفت عليها بصفائها من غير امتياز الفكر إياها .فهنالك
دعا زكريا الفكر ،تركيب تلك المعاني واستوهب من الله ولدا ً طيبا ً مقدسا ً
عن لوث الطبيعية ،فسمع الله دعاءه ،أي :أجاب ،فنادته ملئكة القوى
الروحانية وهو قائم بأمره في تركيب المعلومات ،يناجي ربه باستنزال
النوار ،ويتقرب إليه بالتوجه إلى عالم القدس في محراب الدماغ( : .أن
الله يبشرك بيحيى) العقل بالفعل ( :مصدقا) بعيسى القلب ،مؤمنا ً به ،وهو
كلمة من الله لتقدسه عن عالم الجرام والتولد عن المواد ( :وسيدا) لجميع
أصناف القوى ( :وحصورا) مانعا ً نفسه عن مباشرة الطبيعة الجسمانية
وملبسة طبائع القوى البدنية ( :ونبيا) بالخبار عن المعارف والحقائق
الكلية ،وتعليم الخلق الجميلة ،والتدابير السديدة بأمر الحق ( :من
الصالحين) .ومن جملة المفارقات والمجردات التي تصلح بأفعالها أن تكون
من مقربي حضرة الله تعالى بعد أن بلغ الفكر كبر منتهى طوره ولم يكن
منتهيا ً إلى إدراك الحقائق القدسية ،والمعارف الكلية .وكانت امرأته التي
هي طبيعة الروح النفسانية لنها محل تصرف الفكر عاقرا ً بالنور المجرد.
وعلمة ذلك ،أي :علمة حصول النور المجرد وظهوره من النفس الزكية،
إمساكه عن مكالمة القوى البدنية في تحصيل مطالبهم ومآربهم
ومخالطتهم في فضول لذاتهم وشهواتهم ثلثة أيام ،كل يوم عقد تام من
أطوار عمره عشر سنين ،إل أن يرمز إليهم بإشارة خفية ،ويأمرهم
بتسبيحهم المخصوص بكل واحد منهم من غير أن يدنو منهم في مقاصدهم،
وأن يشتغل في اليام الثلثة التي مداها ثلثون سنة من ابتداء سن التمييز،
الذي هو العشر الول ،بذكر ربه في محراب الدماغ والتسبيح المخصوص به
دائمًا] .تفسير سورة آل عمران من آية 42إلى آية [46وكذا قالت ملئكة
القوى الروحانية لمريم النفس الزكية الطاهرة( : .إن الله
اصطفاك) لتنزهك عن الشهوات ( :وطهرك) عن رذائل الخلق والصفات
المذمومة ( :واصطفاك على نساء) نفوس الشهوانية الملونة بالفعال
الذميمة والملكات الرديئة ( :يا مريم) أطيعي لربك بوظائف الطاعات
والعبادات ( :واسجدي) في مقام النكسار والذل والفتقار والعجز
والستغفار ( :واركعي) في مقام الخضوع والخشوع مع الخاضعين( .ذلك
من أنباء الغيب) أي :أحوال غيب وجودك ( :نوحيه إليك) يا نبي الروح ( :وما
كنت لديهم) لدى القوى الروحانية والنفسانية ،أي :في رتبتهم
ومقامهم ( :إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم) أي :يتسابقون في
سهامهم ويتبادرون في حظوظهم أيهم يدبر مريم النفس ويكفلها بحسب
رأيه ومقتضى طبعه يترأس عليها ويأمرها بما يراه من مصلحة أمره ( :وما
كنت لديهم) في مقام الصدور الذي هو محل نزاع القوى الروحانية
والنفسانية ومحل نزاعهم الذي هو الصدر ( :إذ يختصمون) يتنازعون
ويتجاذبون في طلب الرياسة عند ظهوره قبل الرياضة وفي حالها ،إذ غلبت
ملئكة القوى الروحانية بتوفيق الحق بعد الرياضة .وقالت لمريم
النفس ( : :إن الله يبشرك بكلمة) القلب موهوبا ً ( :منه اسمه المسيح) لنه
يمسحك بالنور ( :وجيها في الدنيا) لدراكه الجزئيات وتدبير مصالح المعاش
أجود وأصفى وأصوب ما يكون ،فيطيعه ويذعن له ،ويحتشمه ويعظمه ،أنس
القوى الظاهرة وجن القوى الباطنة ( :و) في ( :الخرة) لدراكه المعاني
الكلية والمعارف القدسية وقيامه بتدبير المعاد والهداية إلى الحق ،فنعطيه
ملكوت سماء الروح ،ونكرمه .ومن جملة مقربي حضرة الحق قابل ً لتجلياته
ومكاشفاته ( :ويكلم الناس) في مهد البدن ( :وكهل) بالغا ً إلى قرب طور
شيخ الروح ،غالبا ً عليه بياض نوره ( :ومن الصالحين) لمقام المعرفة.
]تفسير سورة آل عمران من آية 47إلى آية 51ي ( :قالت رب أنى يكون
لي ولد) تعجب النفس من حملها وولدتها من غير أن يمسها بشر ،أي من
غير تربية شيخ وتعليم معلم بشري ،وهو معنى بكارتها ( :قال كذلك الله
يخلق ما يشاء) أي :يصطفي من شاء بالجذب والكشف ويهب له مقام
القلب من غير تربية وتعليم كما هو حال المحبوبين وبعض المحبين( : .
ويعلمه) بالتعليم الرباني ،كتاب العلوم المعقولة ،وحكم الشرائع ،ومعارف
الكتب اللهية من التوراة والنجيل ،أي معارف الظاهر والباطن ( :
ورسول) إلى المستعدين الروحانيين من أسباط يعقوب الروح ( :أني قد
جئتكم بآية من ربكم) تدل على أني آتيكم من عنده ( :أني أخلق
لكم) بالتربية والتزكية والحكمة العملية من طين نفوس المستعدين
الناقصين ( :كهيئة الطير) الطائر إلى جناب القدس من شدة الشوق ( :
فأنفخ فيه) من نفث العلم اللهي ونفس الحياة الحقيقية بتأثير الصحبة
والتربية ( :فيكون طيرا) أي :نفسا ً حية طائرة بجناح الشوق والهمة إلى
جناب الحق ( :وأبرئ الكمه) المحجوب عن نور الحق الذي لم تنفتح عين
بصيرته قط ولم تبصر شمس وجه الحق ول نوره ولم يعرف أهله بكحل نور
الهداية ( :والبرص) المعيوب نفسه بمرض الرذائل والعقائد الفاسدة ومحبة
الدنيا ولوث الشهوات بطب النفوس ( :وأحيي) موتى الجهل بحياة العلم ( :
بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون) تتناولون من مباشرة الشهوات واللذات ( :وما
تدخرون في بيوتكم) أي :في بيوت غيوبكم من الدواعي والنيات ( :إن في
ذلك لية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة) أي :من
توراة علم الظاهر ( :ولحل لكم بعض الذي حرم عليكم) من أنوار
الباطن ( :وجئتكم بآية) بدليل ( :من ربكم) هو التوحيد الذي لم يخالفني
فيه نبي قط ( :فاتقوا الله) في مخالفتي ،فإني على الحق ( :
وأطيعون) في دعوتكم إلى التوحيد] .تفسير سورة آل عمران من آية 52
إلى آية ( : [55فلما أحس عيسى) القلب من القوى النفسانية ( :
الكفر) الحتجاب والنكار والمخالفة ( :قال من أنصاري إلى الله) أي :
اقتضى من القوة الروحانية نصرته عليهم في التوجه إلى الله ( :قال
الحواريون) أي :صفوته وخالصته من الروحانيات المذكورة ( :نحن أنصار
الله آمنا بالله) بالستدلل وبالتنور بنور الروح ( :واشهد بأنا
مسلمون) مذعنون منقادون ( :ربنا آمنا بما أنزلت) من علم التوحيد وفيض
النور ( :واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) الحاضرين لك ،المراقبين
لمرك ،أو من الشاهدين على وحدانيتك( : .ومكروا) أي :الوهام والخيالت
في اغتيال القلب وإهلكه بأنواع التسويلت ( :ومكر الله) بتغليب الحجج
العقلية ،والبراهين القاطعة عن تخيلتها وتشكيكاتها ورفع عيسى القلب
إلى سماء الروح ،وألقى شبهه على النفس ليقع اغتيالهم ( :والله خير
الماكرين) إذا غلب مكره .وقال لعيسى ( : :إني متوفيك) أي :قابضك إلي
من بينهم ( :ورافعك إلي) أي :إلى سماء الروح في جواري ( :ومطهرك
من) رجز جوار ( :الذين كفروا) من القوى الخبيثة ومكرهم وخبث صحبتهم :
(وجاعل الذين اتبعوك) من الروحانيين ( :فوق الذين كفروا) من
النفسانيات إلى يوم القيامة الكبرى والوصول إلى مقام الوحدة ( :ثم( ( :
يومئذ) )إلي مرجعكم فأحكم بينكم( ( :بالحق) )فيما كنتم فيه
تختلفون) قبل الوحدة من التجاذب والتنازع الواقع من القوى .فأقر كل في
مقره هناك وأعطيه ما يليق به من عندي فيرتفع التخالف والتنازع] .تفسير
سورة آل عمران من آية 56إلى آية ( : [58فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا ً
شديدًا) بالحرمان عن مقام القلب ،والحتجاب بهيئات أعمالهم ( :وأما الذين
آمنوا) من الروحانيات ( :وعملوا الصالحات) من أنواع التزكية والتحلية
والتصفية في إعانة القلب على النفس ومتابعته في التوجه إلى الحق ( :
فيوفيهم أجورهم) من النوار القدسية والشراقات الروحية عليهم ( :والله
ل يحب) الذين ينقصون الجور من الحقوق .وأما التأويل بغير التطبيق ،فهو
أنهم مكروا ببعث من يغتال عيسى ،uفشبه لهم صورة جسدانية هي مظهر
عيسى روح الله uبصورة حقيقة عيسى ،فظنوها عيسى فقتلوها وصلبوها،
والله رفع عيسى uإلى السماء الرابعة لكون روحه uفائضا ً من روحانية
الشمس ،ولم يعلموا لجهالتهم أن روح الله ل يمكن قتله .ولما تيقن حاله
قبل الرفع قال لصحابه ' :إني ذاهب إلى أبي وأبيكم السماوي ' ،أي :
أتطهر من عالم الرجس ،وأتصل بروح القدس الواهب الصور ،المفيض
للرواح والكمالت ،المربي للناس بالنفث في الروح ،فأمدكم من فيضه.
وكان إذ ذاك ل تقبل دعوته ول يتبع مثله ،فأمر الحواريين بالتفرق بعده في
البلد والدعوة إلى الحق ،فقالوا :كيف ذاك إذا لم تكن معنا ؟ والن أنت
بين أظهرنا ول تجاب دعوتنا ؟ قال ' :علمة إمدادي إياكم قبول الخلق
دعوتكم بعدي ' .فلما رفع لم يدع أصحابه أحدا ً إل أجابهم ،وظهر لهم
القبول في الخلق ،وعلت كلمتهم ،وانتشر دينهم في أقطار الرض .ولما لم
يصل إلى السماء السابعة التي عرج بمحمد إليها ،المعبر عنها ب ' سدرة
المنتهى ' أعني :مقام النهاية في الكمال ،ولم ينل درجة المحبة ،لم يكن
له بد من النزول مرة أخرى في صورة جسمانية ،يتبع الملة المحمدية لنيل
درجتها ،والله أعلم بحقائق المور] .تفسير سورة آل عمران من آية 59إلى
آية ( : [60إن مثل عيسى) أي :إن صفته عند الله في إنشائه بالقدرة من
غير أب ( :كمثل آدم) في إنشائه من غير أبوين .واعلم أن عجائب القدرة ل
تنقضي ول قياس ثمة على أن لتكون النسان من غير البوين نظيرا ً من
عالم الحكمة ،فإن كثيرا ً من الحيوانات الناقصة الغريبة الخلقة تتولد خلقا ً
في ساعة ،ثم تتناسل وتتوالد ،فكذا النسان ،يمكن حدوثه بالتولد في دور
من الدوار ،ثم بالتولد ،وكذا التكون من غير أب ،فإن مني الرجل أحر كثيرا ً
من مني المرأة ،وفيه القوة العاقدة أقوى كما في النفحة بالنسبة إلى
الجبن ،والمنعقدة في مني المرأة أقوى ،كما في اللبن فإذا اجتمعا تم
العقد وانعقد ،ويتكون الجنين .فيمكن وجود مزاج إناثي قوي يناسب المزاج
الذكوري كما يشاهد في كثير من النسوان ،فيكون المتولد في كليتها
اليمنى بمثابة مني الذكر لفرط حرارته بمجاورة الكبد لمن مزاج كبدها
صحيح قوي الحرارة ،والمتولد في كليتها اليسرى بمثابة مني النثى فإذا
احتملت المرأة لستيلء صورة ذكورية على خيالها في النوم واليقظة بسبب
اتصال روحها بروح القدس وبملك آخر ،ومحاكاة الخيال ،ذلك كما قال تعالى
( : :فتمثل لها بشرا سويا) ]مريم ،الية [17 :سبق المنيان من الجانبين
إلى الرحم فتكون في المنصب من الجانب اليمن قوة العقد أقوى ،وفي
المنصب من الجانب اليسر قوة النعقاد ،فيتكون الجنين ويتعلق به الروح.
وقوله ( : :كن فيكون) إشارة إلى نفخ الروح وكونه من عالم المر ليس
مسبوقا ً بمادة ومدة ،كخلق الجسد ،فيتناسب آدم وعيسى بما ذكر في
اشتراكهما في خرق العادة وبكون جسديهما مخلوقين من تراب العناصر،
مسبوقين بمادة ومدة وكون روحهما مبدعا ً من عالم المر ليس مسبوقا ً
بمادة ومدة] .تفسير سورة آل عمران من آية 61إلى آية ( : [63فمن حاجك
فيه) أي :في عيسى ،الية .إن لمباهلة النبياء تأثيرا ً عظيما ً سببه اتصال
نفوسهم بروح القدس وتأييد الله إياهم به ،وهو المؤثر بإذن الله في العالم
العنصري فيكون انفعال العالم العنصري منه كانفعال بدننا من روحنا
بالهيئات الواردة عليه كالغضب والحزن والفكر في أحوال المعشوق وغير
ذلك من تحرك العضاء عند حدوث الرادات والعزائم وانفعال النفوس
البشرية منه كانفعال حواسنا وسائر قوانا من هيئات أرواحنا .فإذا اتصل
نفس قدسي به أو ببعض أرواح أجرام السماوية والنفوس الملكوتية كان
تأثيرها في العالم عند التوجه التصالي تأثير ما يتصل به فتنفعل أجرام
العناصر والنفوس الناقصة النسانية منه بما أراد .ألم تر كيف انفعلت
نفوس النصارى من نفسه eبالخوف وأحجمت عن المباهلة وطلبت
الموادعة بقبول الجزية( : .وما من إله إل الله) أي :ليس عيسى من اللهية
في شيء ،فل يستحق العبادة بمجرد تجرد ذاته ،فإن عالم الملكوت
والجبروت كله كذلك .اتصال نفوسهم بروح القدس وتأييد الله إياهم به،
وهو المؤثر بإذن الله في العالم العنصري فيكون انفعال العالم العنصري
منه كانفعال بدننا من روحنا بالهيئات الواردة عليه كالغضب والحزن والفكر
في أحوال المعشوق وغير ذلك من تحرك العضاء عند حدوث الرادات
والعزائم وانفعال النفوس البشرية منه كانفعال حواسنا وسائر قوانا من
هيئات أرواحنا .فإذا اتصل نفس قدسي به أو ببعض أرواح أجرام السماوية
والنفوس الملكوتية كان تأثيرها في العالم عند التوجه التصالي تأثير ما
يتصل به فتنفعل أجرام العناصر والنفوس الناقصة النسانية منه بما أراد.
ألم تر كيف انفعلت نفوس النصارى من نفسه eبالخوف وأحجمت عن
المباهلة وطلبت الموادعة بقبول الجزية( : .وما من إله إل الله) أي :ليس
عيسى من اللهية في شيء ،فل يستحق العبادة بمجرد تجرد ذاته ،فإن عالم
الملكوت والجبروت كله كذلك( .سواء بيننا وبينكم) أي :لم يختلف في كلمة
التوحيد نبي ول كتاب قط ( :وما كان لبشر أن يؤتيه الله) الية :الستنباء ل
يكون إل بعد مرتبة الولية والفناء في التوحيد .ما ينبغي لبشر محا الله
بشريته بإفنائه عن نفسه وأثابه وجودا ً نورانيا ً حقانيا ً قابل ً للكتاب والحكمة
اللهية ،ثم يدعو الخلق إلى نفسه ،إذ الداعي إلى نفسه يكون محجوبا ً
بالنفس كفرعون وأضرابه من الذين علموا التوحيد وما وجدوه حال ً وذوقًا،
ولم يصلوا إلى العيان ونفوسهم باقية ما ذاقت طعم الفناء ،فاحتجبوا بها،
فدعوا الخلق إلى نفوسهم وهم ممن قال فيهم رسول الله ' : eشر الناس
من قامت القيامة عليه وهو حي '( : .ولكن) يقول ( :كونوا
ربانيين) منسوبين إلى الرب لستيلء الربوبية عليهم وطمس البشرية
بسبب كونهم عالمين عاملين معلمين تالين لكتب الله ،أي :كونوا عابدين
مرتاضين بالعلم والعمل والمواظبة على الطاعات حتى تصيروا ربانيين
بغلبة النور على الظلمة ( :ول يأمركم) بتعبد معين والتقيد بصورة ،فإنه
حجاب وكفر ول يأمر النبي eبالحتجاب بعد إسلمكم الوجود لله .تفسير
سورة آل عمران آية ( : [81وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) إلى آخره ،إن بين
النبيين تعارفا ً أزليا ً بسبب كونهم أهل الصف الول ،عرفاء بالله ،وكل
عارف يعرف مقام سائر العرفاء ومتعهدهم من الله بعهد التوحيد عام لبني
آدم ،كما ذكر ،وعهد النبيين خاص بهم وبمن يعرفهم بحق المتابعة ،فقد أخذ
الله من النبيين عهدين أحدهما ما ذكر في قوله ( : :وإذ أخذ ربك من بني
آدم) ]العراف ،الية [172 :إلى آخره .وثانيهما ما ذكر في قوله تعالى ( : :
وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى
ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا ً غليظا ً ] )7الحزاب ،الية [7 :وهو عهد
التعارف بينهم ،وإقامة الدين ،وعدم التفرق به بتصديق بعضهم بعضا ً ودعوة
الحق إلى التوحيد ،وتخصيص العبادة بالله تعالى ،وطاعة النبي ،eوتعريف
بعضهم بعضا ً إلى أممهم وخصوصه بسبب أن معرفة الله تعالى في صورة
التفاصيل ،وحجب الصفات ،وتكثر المظاهر أدق وأخفى من معرفته في
عين الجمع وهم من رزق حق المتابعة عارفون بذلك وبأحكام تجليات
الصفات التي هي الشرائع خاصة دون من عداهم] .تفسير سورة آل عمران
من آية 82إلى آية ( : [84فمن تولى بعد ذلك) أي :بعدما علم عهد الله مع
النبيين وتبليغ النبياء إليه ما عهد الله إليهم ( :فأولئك هم
الفاسقون) الخارجون عن دين الله ول دين غيره معتد به في الحقيقة إل
توهما ً ( :أفغير دين الله يبغون) وكل من في السموات والرض يدين بدينه :
(طوعا) كما عدا النسان والشيطان ( :وكرها) كالنسان والشيطان إذ الكفر
ل يسع موجودا ً سواهما ،فكلهم ممتثلون لما أمرهم الله ،طائعون .والنسان
لحتجابه بإرادته ونسيانه عهد الله وقبوله لدعوة الشيطان لمناسبته إياه
بالظلمة النفسانية ل يؤمن ول ينقاد إل كرهًا ،اللهم إل من عصمه الله
واجتباه ،والشيطان لحتجابه بعجبه وأنيته في قوله ( :أنا خير
منه) ]العراف ،الية [12 :وإبائه ،واستكباره كفر ،وهو مع ذلك يعلم
عصيانه ويؤمن كرهًا ،ويتحقق أن كفره بإرادته تعالى وذلك عين اليمان،
كما قال تعالى ( : :كمثل الشيطان إذ قال للنسان اكفر فلما كفر قال إني
برئ منك إني أخاف الله رب العالمين ] )16الحشر ،الية ،[16 :وقال تعالى
( : :وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من الناس
وإني جار لكم فلما ترآءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم
إني أرى ما ل ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ] )48النفال ،الية :
،[48وفي موضع آخر ( : :وقال الشيطان لما قضي المر إن الله وعدكم
وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إل أن دعوتكم
فاستجبتم لي فل تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم
بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل) ]إبراهيم ،الية ،[22 :فهذه
اليات دالة على إيمانه ولكن حين ل ينفعه ( :وإليه ترجعون) في العاقبة،
فل يبقى دين غير دين الله بل الكل عند الرجوع يدين بدينه) % .كل يدين
بدين الحق لو فطنوا %وليس دين لغير الحق مشروع .
ومن يبتغ غير السلم دينا) المراد من السلم ههنا :التوحيد الذي هو دين
الله في قوله ( : :أسلمت وجهي لله) وهو المذكور في الية التي قبلها،
وما وصف شموله لجميع الديان ويلزمه النقياد التام الطوعي المذكور في
فاصلة الية بقوله ( : :ونحن له مسلمون) ]البقرة ،الية ( : ،[133 :فلن
يقبل منه) لعدم وصول دينه إلى الحق تعالى لمكان الحجاب ( :وهو في
الخرة من الخاسرين) الذين خسروا باشترائهم أنفسهم وما حجبوا به
بالحق( : .كيف يهدي الله قوما) إلى آخره ،أنكر هدايته تعالى لقوم قد
هداهم أول ً بالنور الستعدادي إلى اليمان ،ثم بالنور اليماني إلى أن عاينوا
حقية الرسول eوأيقنوا بحيث لم يبق لهم شك ،وانضم إليه الستدلل
العقلي بالبينات ثم ظهرت نفوسهم بعد هذه الشواهد كلها بالعناد واللجاج
وحجبت أنوار قلوبهم وعقولهم وأرواحهم الشاهدة ثلثتها بالحق للحق
لشؤم ظلمهم وقوة استيلء نفوسهم المارة عليهم الذي هو غاية الظلم،
فقال ( : :والله ل يهدي القوم الظالمين) لغلظ حجابهم وتعمقهم في البعد
عن الحق ،وقبول النور وهم قسمان :قسم رسخت هيئة استيلء النفوس
المارة على قلوبهم فيهم وتمكنت وتناهوا في الغي والستشراء ،وتمادوا
في البعد والعناد ،حتى صار ذلك ملكة ل تزول ،وقسم لم يرسخ ذلك فيهم
بعد ولم يصر على قلوبهم رينًا ،ويبقى من وراء حجاب النفس مسكة من
نور استعدادهم عسى أن تتداركهم رحمة من الله وتوفيق ،فيندموا
ويستحيوا بحكم غريزة العقول .فأشار إلى القسم الول بقوله ( : :إن
الذين كفروا بعد إيمانهم) إلى آخره .وإلى الثاني بقوله ( : :إل الذين تابوا
من بعد ذلك وأصلحوا) بالمواظبة على العمال والرياضات ما أفسدوا( .فلن
يقبل من أحدهم ملء الرض ذهبا) إذ ل تقبل هناك إل المور النورانية
الباقية لن الخرة هي عالم النور والبقاء ،فل وقع ول خطر للمور
الظلمانية فيها الفانية .وهل كان سبب كفرهم واحتجابهم إل محبة هذه
الفواسق الفانية ؟ ،فكيف تكون سبب نجاتهم وقربهم وقبولهم وندبتهم
وهي بعينها سبب هلكهم وبعدهم وخسرانهم وحرمانهم( : .لن تنالوا
البر) كل فعل يقرب صاحبه من الله فهو بر ،ول يمكن التقرب إليه إل
بالتبري عما سواه ،فمن أحب شيئا ً فقد حجب عن الله تعالى به وأشرك
شركا ً خفيا ً لتعلق محبته بغير الله ،كما قال تعالى ( : :ومن الناس من يتخذ
من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله) ]البقرة ،الية [156 :وآثر نفسه به
على الله ،فقد بعد من الله بثلثة أوجه وهي :محبة غير الحق ،والشرك،
وإيثار النفس على الحق .فإن آثر الله به على نفسه وتصدق به وأخرجه من
يده ،فقد زال البعد وحصل القرب ،وإل بقي محجوبا ً وإن أنفق من غيره
أضعافه فما نال برا ً لعلمه تعالى بما ينفق وباحتجابه بغيره( : .كل الطعام
كان حل لبني إسرائيل) أي :العقلء بحكم الصل ،إذ العقل يحكم بأن
الشياء خلقت لمنافع العباد مطلقا ً فما يكون من جملة المطعومات خلقت
لتناولها ( :إل ما حرم إسرائيل) الروح ( :على نفسه) بالنظر العقلي عند
التجربة والقياس ومعرفة مضارها ومنافعها على التفصيل بعد الحكم
الجمالي بحلها ،فإن العقل يحكم بحرمة ما يضر أو يهلك( : .من قبل أن
تنزل التوراة) أي :من قبل نزول الحكم الشرعي بالتوراة وسائر الكتب
اللهية وذلك أن الناس اختلفوا بعدما كانوا أمة واحدة على دين الحق ،كما
ذكر ،فبعث الله النبيين لهدايتهم وإصلح أحوال معاشهم ومعادهم ،وردهم
إلى الحق والتفاق ،فما اقتضت الحكمة اللهية بحسب أحوالهم المختلة
وطباع قلوبهم المخرفة ونفوسهم المريضة ،حرمته من المألوفات والشياء
الصارفة عن الحق الحاجبة بينهم وبين الله ،والمهيجة للهوى والشهوات
وسائر المفاسد والفتن المانعة إياهم عن كمالهم واهتدائهم حرم عليهم( .
إن أول بيت وضع للناس) قيل :هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق
السماء والرض ،خلقه قبل الرض بألفي عام ،وكان زبدة بيضاء على وجه
الماء ،فدحيت الرض تحته .فالبيت إشارة إلى القلب الحقيقي ،وظهوره
على وجه الماء تعلقه بالنطفة عند سماء الروح الحيواني ،وأرض البدن
وخلقه قبل الرض إشارة إلى قدمه ،وحدوث البدن وتعيينه بألفي عام
إشارة إلى تقدمه على البدن بطورين :طور النفس ،وطور القلب .تقدما ً
بالرتبة ،إذ اللف رتبة تامة كما سبقت الشارة إليه ،وكونه زبدة بيضاء
إشارة إلى صفاء جوهره ،ودحو الرض تحته إشارة إلى تكون البدن من
تأثير ،وكون أشكاله وتخطيطاته وصور أعضائه تابعة لهيئاته فهذا تأويل
الحكاية .واعلم أن محل تعلق الروح بالبدن ،واتصال القلب الحقيقي به أول ً
هو القلب الصوري ،وهو أول ما يتكون من العضاء ،وأول عضو يتحرك وآخر
عضو يسكن فيكون أول بيت وضع للناس ( :للذي ببكة) الصدر صورة أو أول
متعبد ومسجد وضع للناس للقلب الحقيقي الذي ببكة الصدر المعنوي ،وذلك
الصدر أشرف مقام من النفس وموضع ازدحامات القوى المتوجهة إليه ( :
مباركا) ذا بركة إلهية من الفيض المتصل منه بجميع الوجود والقوة والحياة،
فإن جميع القوى التي في العضاء تسري منه أول ً إليها ( :وهدى
للعالمين) سبب هداية ونور يهتدى به إلى الله ( :فيه آيات بينات) من العلوم
والمعارف والحكم والحقائق ( :مقام إبراهيم) أي :العقل الذي هو موضع
قدم إبراهيم الروح ،يعني محل اتصال نوره من القلب ( :ومن دخله) من
السالكين والمتحيرين في بيداء الجهالت ( :كان آمنا) من إغواء سعالى
المتحيلة ،وعفاريت أحاديث النفس ،واختطاف شياطين الوهم ،وجن
الخيالت ،واغتيال سباع القوى النفسانية وصفاتها( : .ولله على الناس حج)
هذا ( :البيت) والطواف به ( :من استطاع إليه سبيل) من السالكين،
المستعدين الصادقين في الرادة ،القادرين على زاد التقوى ،وراحلة قوة
العزم دون من عداهم من الضعاف في الستعداد ،القاعدين من الضعف
والمرض وسائر الموانع الخلقية أو العارضة النفسانية أو البدنية ( :ومن
كفر) أي :حجب استعداده مع القدرة وأعرض عنه بهوى النفس ( :فإن الله
غني) عنه و ( :عن العالمين) كلهم ،أي :ل يلتفت إليه لبعده وكونه غير
قابل لرحمته في ذل الحجاب ،وهو أن الحرمان مخذول ً مردودًا( .ومن
يعتصم بالله) بالنقطاع عما سواه ،والتمسك بالتوحيد الحقيقي ( :فقد
هدي إلى صراط مستقيم) إذ الصراط المستقيم هو طريق الحق تعالى ،كما
قال ( : :إن ربي على صراط مستقيم) ]هود ،الية ،[56 :فمن انقطع إليه
بالفناء في الوحدة كان صراطه صراط الله ( :اتقوا الله حق تقاته) في بقايا
وجودكم ،فإن حق اتقائه هو أن يتقى كما يجب ،ويحق وهو الفناء فيه ،أي :
اجعلوه وقاية لكم في الحذر عن بقايا ذواتكم وصفاتكم ،فإن في الله خلفا ً
عن كل ما فات ( :ول تموتن) إل على حال إسلم الوجوه له ،أي :ليكن
موتكم هو الفناء في التوحيد] .تفسير سورة آل عمران من آية 103إلى آية
( : [105واعتصموا بحبل الله جميعا) أي :بعهده في قوله ( : :ألست بربكم)
]العراف ،الية [172 :مجتمعين على التوحيد ( :ول تفرقوا) باختلف
الهواء ،فإن التفرق عن الحق إنما يكون باختلف الطبائع واتباع الهوى
وتجاذب القوى ،والموحد عنها بمعزل ،إذ تنور قلبه بنور الحق واستنارت
نفسه من فيض القلب فتسالمت القوى وتصادقت( : .واذكروا نعمة الله
عليكم) بالهداية إلى التوحيد المفيد للمحبة في القلوب ( :إذ كنتم
أعداء) لحتجابكم بالحجب النفسانية والغواشي الطبيعية ،بعداء عن النور
والمقاصد الكلية التي تقبل الشركة وتزال بالتفاق في مهوى الظلمة ( :
فألف بين قلوبكم) بالتحاب في الله لتتنور بنوره ( :فأصبحتم بنعمته إخوانا)
في الدين ،أصدقاء في الله ( :وكنتم على شفا حفرة من النار) هي مهوى
الطبيعة الفاسقة ومحل الحرمان والتعذيب ( :فأنقذكم منها) بالتواصل
الحقيقي بينكم إلى سدرة مقام الروح ،وروح جنة الذات ( :كذلك يبين الله
لكم آياته) بتجليات الصفات اللطيفة والشراقات النورية (لعلكم
تهتدون) إلى جماله وتجلي ذاته( : .ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) أي :
ليكن من جملتكم جماعة عالمون ،عاملون ،عارفون ،أولو استقامة في
الدين كشيوخ الطريقة ( :يدعون إلى الخير) فإن من لم يعرف الله لم
يعرف الخير ،إذ الخير المطلق هو الكمال المطلق الذي يمكن للنسان
بحسب النوع من معرفة الحق تعالى ،والوصول إليه ،والضافي ما يتوصل به
إلى المطلق أو الكمال المخصوص بكل أحد على حسب اقتضاء استعداده
الخاص .فالخير المدعو إليه ،إما الحق تعالى ،وإما طريق الوصول.
والمعروف كل أمر واجب أو مندوب في الدين ،يتقرب به إلى الله تعالى،
والمنكر كل محرم أو مكروه يبعد عن الله تعالى ويجعل فاعله عاصيا ً أو
مقصرا ً مذمومًا .فمن لم يكن له التوحيد والستقامة ،لم يكن له مقام
الدعوة ول مقام المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،لن غير الموحد ربما
يدعو إلى طاعة غير الله وغير المستقيم في الدين وإن كان موحدا ً ربما أمر
بما هو معروف عنده ،منكر في نفس المر وربما نهى عما هو منكر عنده،
معروف في نفس المر ،كمن بلغ مقام الجمع واحتجب بالحق عن الخلق،
فكثيرا ً ما يستحل محرما ً كبعض المسكرات والتصرف في أموال الناس،
ويحرم حلل ً بل مندوبا ً كتواضع الخلق ومكافأة الحسان وأمثال ذلك ( :
وأولئك هم) الخصاء بالفلح ،الذين لم يبق لهم حجاب وهم خلفاء الله في
أرضه( : .ول تكونوا) ناشئين بمقتضى طباعكم غير متابعين لمام ول
متفقين على كلمة واحدة باتباع مقدم يجمعكم على طريقة واحدة ( :
كالذين تفرقوا) واتبعوا الهواء والبدع ( :واختلفوا من بعد ما جاءهم) الحجج
العقلية والشرعية الموجبة لتحاد الوجهة ،واتفاق الكلمة .فإن للناس طبائع
وغرائز مختلفة وأهواء متفرقة ،وعادات وسيرا ً متفاوتة ،مستفادة من
أمزجتهم وأهويتهم ،ويترتب على ذلك فهوم متباينة ،وأخلق متعادية ،فإن
لم يكن لهم مقتدى وإمام تتحد عقائدهم وسيرهم وآراؤهم بمتابعته ،وتتفق
كلماتهم وعاداتهم وأهواؤهم بمحبته وطاعته كانوا مهملين متفرقين
فرائس للشيطان كشريدة الغنم تكون للذئب ،ولهذا قال أمير المؤمنين
علي عليه السلم ' :ل بد للناس من إمام بر أو فاجر ' .ولم يرسل نبي الله
eرجلين فصاعدا ً لشأن إل وأمر أحدهما على الخر وأمر الخر بطاعته
ومتابعته ليتحد المر وينتظم ،وإل وقع الهرج والمرج ،واضطرب أمر الدين
والدنيا ،واختل نظام المعاش والمعاد .قال رسول الله ' : eمن فارق
الجماعة قيد شبر لم ير بحبوحة الجنة ' .وقال ' :الله مع الجماعة ' .أل ترى
أن الجمعية النسانية إذا لم تنضبط برياسة القلب وطاعة العقل كيف اختل
نظامها وآلت إلى الفساد والتفرق الموجب لخسارة الدنيا والخرة ،ولما
نزل قوله تعالى ( : :وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل
فتفرق بكم عن سبيله) ]النعام ،الية .[153 :خط رسول الله eخطا ً
فقال ' :هذا سبيل الرشد ' ،ثم خط عن يمينه وشماله خطوطا ً فقال ' :
هذه سبل كل سبيل شيطان يدعوه إليه '] .تفسير سورة آل عمران من آية
106إلى آية ( : 109يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) ابيضاض الوجه عبارة
عن تنور وجه القلب بنور الحق للتوجه إليه والعراض عن الجهة السفلية
النفسانية المظلمة ،وذاك ل يكون إل بالتوحيد والستقامة فيه بتنور النفس
أيضا ً بنور القلب .فتكون الجملة متنورة بنور الله واسوداده ظلمة وجه
القلب بالقبال على النفس الطالبة حظوظها والعراض عن الجهة النورية
الحقية لمصادقة النفس ومتابعة الهوى في تحصيل لذاتها ،وذلك إنما يكون
باتباع السبل المتفرقة الشيطانية( : .فأما الذين اسودت وجوههم) فيقال
لهم ( : :أكفرتم بعد إيمانكم) أي :احتجبتم عن نور الحق بصفات النفس
الظلمانية ،وسكنتم في ظلماتها بعد هدايتكم وتنوركم بنور الستعداد،
وصفاء الفطرة وهداية العقل ( :فذوقوا) عذاب الحرمان باحتجابكم عن
الحق ( :وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله) التي هي روح الوصال
ونور القدس وشهود الجمال ( :هم فيها خالدون)] .تفسير سورة آل عمران
من آية 110إلى آية ( : [111كنتم خير أمة) لكونكم موحدين ،قائمين بالعدل
الذي هو ظله ( :تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) إذ ل يقدر على ذلك
إل الموحد العادل لعلمه بالمعروف والمنكر ،كما مر في تأويل قوله ( : :
وكذلك جعلناكم أمة وسطا) ]البقرة ،الية .[143 :قال أمير المؤمنين ' : u
نحن النمرقة الوسطى ،بنا يلحق التأويل ،وإلينا يرجع الغالي ' .فيأمرون
المقصر بالمعروف الذي يوصله إلى مقام التوحيد ،وينهون الغالي المحجوب
بالجمع عن التفصيل وبالوحدة عن الكثرة( : .وتؤمنون بالله) أي :تثبتون
في مقام التوحيد الذي هو الوسط ،وكذا في كل تفريط وإفراط واعتدال
في باب الخلق ( :ولو آمن أهل الكتاب) لكانوا مثلكم( : .لن يضروكم إل
أذى) لكونهم منقطعين عن أصل القوى والقدر ،كائنين في الشياء بالنفس
التي هي محل العجز والشر ،وأنتم معتصمون بالله ،معتضدون به ،كائنون
في الشياء بالحق الذي هو منبع القهر .فقدرتهم ل تبلغ إل حد الطعن
باللسان والخبث واليذاء الذي هو حد قدرة النفس ونهايتها ،وقدرتكم تفوق
كل قدرة بالقهر والستئصال لتصافكم بصفات الله تعالى ،فل جرم
ينهزمون منكم عند المقاتلة ول ينصرون] .تفسير سورة آل عمران آية
( : [112ضربت عليهم الذلة) لن العزة لله جميعًا ،فل نصيب فيها لحد إل
لمن تخلق بصفاته بمحو صفات البشرية ،كالرسول والمؤمنين الذين هم
مظاهر عزته ،كما قال الله تعالى ( : :ولله العزة ولرسوله
وللمؤمنين) ]المنافقون ،الية ،[8 :فمن خالفهم فهو مضاد لصفة العزة،
مباين للعزاء ،فتلزمه الذلة وتشمله على أي حال يكون ،إل برابطة ما بينه
وبين أهل العزة كقوله ( : :إل بحبل من الله وحبل من الناس) أي :ذمة
وعهد ،وذلك يكون أمرا ً عارضيا ً ل أصل له مرتبطا ً برابطة مجعولة فل تقابل
صفتهم الذاتية اللزمة لهم التي هي الذلة الناشئة من أصل نفوسهم.
واستحقوا غضبا ً شديدا ً من عند الله لبعدهم وإعراضهم عن الحق ،ولزمتهم
المسكنة لنقطاعهم عن الله إلى نفوسهم فوكلهم إلى أنفسهم] .تفسير
سورة آل عمران من آية 113إلى ( : [117ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة
قائمة) أي :بالله ،ثم وصفهم بأحوال أهل الستقامة ،أي منهم أهل التوحيد
والستقامة ( :وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) أي :كل ما يصدر منكم مما
يقربكم عند الله يتصل به جزاؤه ومنه لن تحرموا شيئا ً منه .قال الله
تعالى ' :من تقرب إلي شبرا ً تقربت إليه ذراعًا ،ومن تقرب إلي ذراعا ً
تقربت إليه باعًا ،ومن أتاني مشيا ً أتيته هرولة ' ....الحديث .وقال تعالى ' :
أنا جليس من ذكرني ،وأنيس من شكرني ،ومطيع من أطاعني ' أي :كما
أطعتموه بتصفية الستعداد والتوجه نحوه ،أطاعكم بإفاضة الفيض على
حسبه والقبال إليكم ( :والله عليم) بالذين اتقوا ما يحجبهم عنه فيتجلى
لهم بقدر زوال الحجاب( : .مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا) الفانية
ولذاتها السريعة الزوال ،طلبا ً للشهوات أو رياء وسمعة في المفاخر ،وطلب
محمدة الناس ،ل يطلبون به وجه الله ،وما تهلكه وتفنيه بالكلية من ريح
هوى النفس التي فيها برد دنياتكم الفاسدة وأغراضكم الباطلة كالرياء
ونحوه ( :كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم) بالشرك
والكفر ( :فأهلكته) عقوبة من الله لظلمهم ( :وما ظلمهم الله) بإهلك
حرثهم ( :ولكن) كانوا أنفسهم يظلمون لنه مسبب عن ظلمهم ،كما قيل :
مهل ً فيداك ،وكتا وفوك نفخ] .تفسير سورة آل عمران آية ( : [118ل
تتخذوا بطانة من دونكم) بطانة الرجل صفيه وخليصه الذي يبطنه ويطلع
عليه أسراره ،ول يمكن وجود مثل هذا الصديق إل إذا اتحدا في المقصد
واتفقا في الدين والصفة ،متحابين في الله ل لغرض كما قيل في الصدقاء
:نفس واحدة في أبدان متفرقة ،فإذا كان من غير أهل اليمان فبأن يكون
كاشحا ً أحرى .ثم بين نفاقه واستبطانه العداوة بقوله ( : :ل يألونكم
خبال) إلى آخره ،إذ المحبة الحقيقية الخالصة ل تكون إل بين الموحدين،
لكونها ظل الوحدة فل تكون بين المحجوبين لكونهم في عالم التضاد
والظلمة .فأين الصفاء والوفاق في عالمهم ؟ بل ربما تتآلفهم الجنسية
العامة النسانية لشتراكهم في النوع والمنافع والملذ واحتياجهم إلى
التعاون فيها ،فإذا لم تتحصل أغراضهم من النفع واللذة تهارشوا وتباغضوا
وبطلت اللفة التي كانت بينهم ،لكونها مسببة عن أمر قد تغير إذ النفس
منشأ التغير والمنافع الدنيوية ل تبقى بحالها ،واللذات النفسانية سريعة
النقضاء فل تدوم المحبة عليها بخلف المحبة الولى ،فإنها مستندة إلى
ل ،هذا إذا كانت فيما بينهم ،فكيف إذا كانت بينهم وبين أمر ل تغير فيه أص ً
من يخالفهم في الصل والوصف ؟ وأنى يتجانس النور والظلمة ؟ ومن أين
يتوافق العلو والسفل ؟ فبينهما عداوة حقيقية وتخالف ذاتي ل تخفى آثاره
كما بين الله تعالى بقوله ( : :قد بدت البغضاء من أفواههم) لمتناع اختفاء
الوصف الذاتي .قال النبي ' : eما أضمر أحد شيئا ً إل وأظهره الله في
فلتات لسانه وصفحات وجهه '( : .وما تخفي صدورهم أكبر) لنه نار وهذا
شرار ،ذاك أصل ،وهذا فرعه ( :قد بينا لكم اليات) دلئل المحبة والعداوة
وأسبابهما ( :إن كنتم تعقلون) أي :تفهمون من فحوى الكلم] .تفسير
سورة آل عمران آية ( : [119ها أنتم أولء تحبونهم) بمقتضى التوحيد ،إذ
الموحد يحب الناس كلهم بالحق للحق ،ويراهم متصلين بنفسه اتصال
الحماء والقرباء بل اتصال الجزاء ،فينظر إليهم بنظر الرحمة اللهية
والرأفة الربانية ،ويعطف عليهم مترحما ً إذ يراهم أهل الرحمة شغلوا
بالباطل ،وابتلوا بالقدر ول يحبونكم بمقتضى الحجاب والبقاء في ظلمة
النفس وتضاد الطبع( : .وتؤمنون بالكتاب) أي بجنس الكتاب ( :كله) لشمول
علمكم التوحيدي ،ول يؤمنون للتقيد بدينهم والحتجاب بما هم عليه ( :وإذا
لقوكم قالوا آمنا) لنفاقهم المستجلب لغراضهم العاجلة ( :وإذا خلوا عضوا
عليكم النامل من الغيظ) نحقدهم الذاتي وبغضهم الكامن والباقي ظاهر.
]تفسير سورة آل عمران من آية 120إلى آية ( : [125وإن تصبروا) على ما
يبتليكم الله به من الشدائد والمحن والمصائب ،وتثبتوا على مقتضى
التوحيد والطاعة ( :وتتقوا) الستعانة بهم في أموركم واللتجاء إلى
وليتهم ( :ول يضركم كيدهم شيئًا) لن المتوكل على الله ،الصابر على
بلئه ،المستعين به ل بغيره ،ظافر في طلبته ،غالب على خصمه ،محفوظ
بحسن كلءة ربه ،والمستعين بغيره مخذول موكول إلى نفسه ،محروم عن
نصرة ربه .كما قال الشاعر ) % :من استعان بغير الله في طلب %فإن
ناصره عجز وخذلن( ( : %إن الله بما يعملون) من المكايد ( :
محيط) فيبطلها ويهلكها ،وقد قيل :إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد
فضل ً في نفسك .فالصبر والتقوى من أجمل الفضائل إن لزمتموهما
تظفروا على عدوكم( : .بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم) الية ....الصبر
على مضض الجهاد وبذل النفس في طاعة الله ،وتحمل المكروه طلبا ً لرضا
الله ل يكون إل عند التقوى بتأييد الحق وتنوره بنور اليقين ،وثباته بنزول
السكينة والطمأنينة عليه ،والتقوى في مخالفة أمر الحق والميل إلى النفع
والغنيمة ،وخوف تلف النفس ل تكون إل عند انكسار النفس تحت قهر
سلطان القلب والروح ،إذ الثبات والوقار صفة الروح والطيش ،والضطراب
صفة النفس ،فإذا استولى سلطان الروح على القلب وأخذ مملكته عصمه
من استيلء صفات النفس وجنودها عليه ،فيعشقه القلب ويسكن إليه
لنورانيته المحبوبة لذاتها ويتقوى به على النفس وقواها فيهزمها ويكسرها
ويدفع غلبتها وظلمتها عن نفسه ،ويجعلها ذلول ً مطيعة مطمئنة إليه فيزول
عنها الضطراب وتتنور بنوره وعند ذلك تنزل الرحمة ،ويناسب القلب
ملكوت السماء في نورانيتها وقهرها لما تحتها ،ومحبتها وشوقها لما
فوقها .وبذلك التناسب يصل بها ويستنزل قواها وأوصافها في أفعاله
خصوصا ً عند اهتياجه وانقلعه عن الجهة السفلية ،وانقطاعه بقوة اليقين
والتوكل إلى الجهة العلوية .ويستمد من قوى قهرها على من يغضب عليه
فذلك نزول الملئكة ،وإذا جزع وهلع وتغير وخاف أو مال إلى الدنيا غلبته
النفس وقهرته واستولت عليه وحجبته بظلمة صفاتها عن النور ،فلم تبق
تلك المناسبة ،فانقطع المدد ولم تنزل الملئكة .تفسير سورة آل عمران
من آية 126إلى آية ( : [132وما جعله الله إل بشرى لكم) أي :ما جعل
المداد بالملئكة إلى لتستبشروا به فتزداد قوة قلوبكم وشجاعتكم ونجدتكم
ونشاطكم في التوجه إلى الحق والتجريد للسلوك ( :ولتطمئن به
قلوبكم) فتتحقق الفيض بقدر التصفية والخلف بقدر الترك( : .وما النصر
إل من عند الله) ل من الملئكة ول من غيرهم ،فل تحتجبوا بالكثرة عن
الوحدة ،ول بالخلق عن الحق ،فإنها مظاهر ل حقيقة لها ول تأثير( : ،
العزيز) القوي الغالب بقهره ( :الحكيم) الذي ستر قهره ونصرته بصور
الملئكة بحكمته( : .ليقطع طرفا من الذين كفروا) يقتل بعضهم تقوية
للمؤمنين ( :أو يكبتهم) يخزيهم ويذلهم بالهزيمة إعزازا ً للمؤمنين ( :أو
يتوب عليهم) بالسلم تكثيرا ً لسواد المؤمنين ( :أو يعذبهم) بسبب ظلمهم
وإصرارهم على الكفر تفريحا ً للمؤمنين .وأوقع بين المعطوف والمعطوف
عليه في أثناء الكلم قوله ( : :ليس لك من المر شيء) اعتراضا ً لئل يغفل
رسول الله eفيرى لنفسه تأثيرا ً في بعض هذه المور ،فيحتجب عن التوحيد
ول يزول ،وتتغير شهوده في القسام كلها ،أي :ليس لك من أمرهم شيء
كيفما كان ،ما أنت إل بشر مأمور بالنذار ،إن عليك إل البلغ ،إنما أمرهم
إلى الله( : .يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا الربا) أي :توكلوا على الله في
طلب الرزق فل تكسبوه بالربا ،فإنه واجب عليكم كما يجب عليكم التوكل
عليه في طلب الفتح وجهاد العدو لئل تجبنوا بكلءة الله وحفظه .واعلموا
أن جزاء المرابي هو جزاء الكافر ،فاحذروه لكونه محجوبا ً عن أفعاله تعالى
كما أن الكافر محجوب عن صفاته وذاته ،والمحجوب غير قابل للرحمة وإن
اتسعت ،فارفعوا الحجاب بالطاعة وترك المخالفة كي تدرككم رحمة الله.
]تفسير سورة آل عمران من آية 133إلى آية ( : [134وسارعوا إلى) ستر
أفعالكم التي هي حجابكم عن مشاهدة أفعال الحق بأفعاله تعالى ،فإنما
حرمتم عن التوكل وجنة عالم الملك التي هي تجلي الفعال برؤية أفعالكم،
أي :إلى ما يوجب ستر أفعالكم بأفعاله ،وجنة الفعال من الطاعات بعد كما
ورد ' :أعوذ بعفوك من عقابك ' .ولن المراد بالجنة هنا جنة الفعال ،وصف
عرضها بمساواة عرض السماوات والرض ،إذ توحيد الفعال هو توحيد عالم
الملك وإنما قدر طولها لن الفعال باعتبار السلسلة العرضية ،وهي توقف
كل فعل على فعل آخر تنحصر في عالم الملك الذي يتقدره الناس .وأما
باعتبار الطول فل تنحصر فيه ول يقدرها ،إذ الفعل مظهر الوصف،
والوصف مظهر الذات ،فل نهاية له ول حد .فالمحجوبون عن الذات
والصفات ل يرون إل عرض هذه الجنة ،وأما البارزون لله الواحد القهار
فعرض جنتهم عين طولها ول حد لطولها فل يقدر قدرها طول ً ول
عرضًا( : .أعدت للمتقين) الذين يتقون حجب أفعالهم وشرك نسبة الفعال
إلى غير الحق( : .الذين ينفقون في السراء والضراء) ل تمنعهم الحوال
المضادة عن النفاق لصحة توكلهم على الله برؤية جميع الفعال منه ( :
والكاظمين الغيظ) لذلك أيضًا ،إذ يرون الجناية عليهم فعل الله فل
يعترضون ،ولو لم يغيظوا كانوا في مقام الرضا وجنة الصفات ( :والعافين
عن الناس) لما ذكرنا ،ولتعوذهم بعفوه تعالى عن عقابه ( :والله يحب
المحسنين) الذين يشاهدون تجليات أفعاله تعالى] .تفسير سورة آل عمران
من آية 135إلى آية ( : [136والذين إذا فعلوا فاحشة) كبيرة من الكبائر،
برؤية أفعالهم صادرة عن قدرتهم ( :أو ظلموا أنفسهم) نقصوا حقوقها
بارتكاب الصغائر وظهور أنفسهم فيها ( :ذكروا الله) في صدور أفعالهم
برؤيتها واقعة بقدرة الله وتبرأ عنها إليه لرؤيتهم ابتلءه إياهم بها ( :
فاستغفروا) طلبوا ستر أفعالهم التي هي ذنوبهم بأفعاله بالتبري عن
الحول والقوة إليه ( :ومن يغفر الذنوب) أي وجودات الفعال ( :إل الله) أي
علموا أن ل غافر إل هو ( :ولم يصروا على ما فعلوا) في غفلتهم وحالة
ظهور أنفسهم ،بل تابوا ورجعوا إليه في أفعالهم ( :وهم يعلمون) أن ل
فعل إل الله ( :ونعم أجر العاملين) بمقتضى توحيد الفعال] .تفسير سورة
آل عمران من آية 137إلى آية ( : [142قد خلت من قبلكم) بطشات ووقائع
مما سنه الله في أفعاله بالذين كذبوا بالنبياء في توحيد الفعال ( :فسيروا
في الرض فانظروا) في آثارها فتعلموا كيف كان عاقبتهم ( :هذا) الذي
ذكر ( :بيان للناس) من علم توحيد الفعال وتفصيل المتقين الذين هم أهل
التمكين في ذلك ،والتائبين الذين هم أهل التلوين ،والمصرين المحجوبين
عنه المكذبين به ،وزيادة هدى وكشف عيان وتثبت واتعاظ للذين اتقوا روية
أفعالهم أو هدى لهم إلى توحيد الصفات والذات( : .ول تهنوا) في الجهاد
عند استيلء الكفار ( :ول تحزنوا) على ما فاتكم من الفتح وما جرح
واستشهد من إخوانكم ( :وأنتم العلون) في الرتبة لقربكم من الله وعلو
درجتكم بكونكم أهل الله ( :إن كنتم) موحدين ،لن الموحد يرى ما يجري
عليه من البلء من الله فأقل درجاته الصبر إن لم يكن رضا يتقوى به فل
يحزن ول يهن ( :اليام) الوقائع وكل ما يحدث من المور العظيمة يسمى
يوما ً وأيامًا ،كما قال تعالى ( : :وذكرهم بأيام الله) ]إبراهيم ،الية ،[14 :
وقد مر تفسير ( :وليعلم الله) من ظهور العلم التفصيلي التابع لوقوع
المعلوم( : .ويتخذ منكم شهداء) الذين يشهدون للحق فيذهلون عن
أنفسهم ،أي :نداول الوقائع بين الناس لمور شتى وحكم كثيرة ،غير
مذكورة ،من خروج ما في استعدادهم إلى الفعل من الصبر والجلد وقوة
اليقين ،وقلة المبالة بالنفس ،واستيلء القلب عليها ،وقمعها وغير ذلك.
ولهذين العلتين المذكورتين ولتخليص المؤمنين من الذنوب والغواشي التي
تبعدهم من الله بالعقوبة والبلية إذا كانت عليهم ،ومحق الكافرين وقهرهم
وتدميرهم إذا كانت لهم .وقد اعترض بين العلل قوله ( : :والله ل يحب
الظالمين) ليعلم أن من ليس على صفة اليمان والشهادة وتمحيص الذنوب
وقوة الثبات لكمال اليقين ،بل حضر القتال لطلب الغنيمة أو لغرض آخر
فهو ظالم والله ل يحبه] .تفسير سورة آل عمران من آية 143إلى آية
( : [144ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه) الية ،كل موقن إذا لم
يكن يقينه ملكة بل كان خطرات ،فهو في بعض أحواله يتمنى أمورا ً ويدعي
أحوال ً بحسب نفسه دائمًا ،وكذلك حال غير اليقين وعند إقبال القلب هو
صادق ما دام موصوفا ً بحاله .أما في غير تلك الحالة ،وعند الدبار ،فل يبقى
من ذلك أثر وكذا كل من لم يشاهد حال ً ولم يمارسه ،ربما يتمناه لتصوره
في نفسه وعدم تضرره به حال التصور .أما في حال وقوعه وابتلئه فل
يطيق تحمل شدائده كما حكي عن سمنون المحب رحمه الله لما قال في
أبياته ) % :فكيفما شئت فاختبرني % (%فابتلي بالسر ،فلم يطق ،فكان
يتردد في الطرق ويرضخ إلى الصبيان ما يلعبون به كالجوز ،ويقول :ادعوا
على عمكم الكذاب .وفي هذا المعنى قال الشاعر ) % :وإذا ما خل الجبان
بأرض %طلب الطعن وحده والنزال( %فل يلتفت بحال إل إذا صار مقاماً،
ول يعتبر مقاما ً إل إذا امتحن في مواطنه ،فإذا خلص من المتحان فقد صح
وهذا أحد فوائد مداولة اليام بينهم ليتمرنوا بالموت ويتقوى يقينهم ويتوفر
صبرهم ويتحقق مقامهم بالمشاهدة كما قال ( : :فقد رأيتموه) من قتل
إخوانكم بين أيديكم ( :وأنتم) تشاهدون ذلك .وفيه توبيخ لهم على أن
يقينهم كان حال ً ل مقامًا ،ففشلوا في الموطن( : .وما محمد إل رسول) أي
:إنه رسول بشر ،سيموت أو يقتل كحال النبياء قبله ،فمن كان على يقين
من دينه فبصيرة من ربه ل يرتد بموت الرسول وقتله ،ول يفتر عما كان
عليه ،لنه يجاهد لربه ل للرسول كأصحاب النبياء السالفين .وكما قال أنس
عم أنس بن مالك يوم أحد حين أرجف بقتل رسول الله eوشاع الخبر،
وانهزم المسلمون ،وبلغ إليه تقاول بعضهم :ليت فلنا ً يأخذ لنا أمانا ً من
أبي سفيان .وقول المنافقين :لو كان نبيا ً ما قتل ! ،يا قوم ،إن كان محمد
قد قتل فإن رب محمد حي ل يموت ! ،وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله ؟
فقاتلوا على ما قاتل عليه ،وموتوا على ما مات عليه .ثم قال :اللهم إني
أعتذر إليك مما يقول هؤلء ،وأبرأ إليك مما جاء به هؤلء .ثم شد بسيفه
وقاتل حتى قتل( : .ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) إنما ضر
نفسه بنفاقه وضعف يقينه ( :وسيجزي الله الشاكرين) لنعمة السلم،
كأنس بن النضر وأضرابه من الموقنين ( .وما كان لنفس أن تموت إل بإذن
الله كتابا مؤجل) فمن كان موقنا ً شاهد هذا المعنى ،فكان من أشجع الناس
كما حكى حاتم بن الصم عن نفسه أنه شهد مع الشقيق البلخي رحمهما
الله ،بعض غزوات خراسان .قال :فلقيني شقيق وقد حمى الحرب ،فقال :
كيف تجد قلبك يا حاتم ؟ قلت :كما كان ليلة الزفاف ،بين الحالين .فوضع
سلحه وقال :أما أنا فهكذا .ووضع رأسه على ترسه ونام بين المعركة حتى
سمعت غطيطه .وهذا غاية في سكون القلب إلى الله ووثوقه به لقوة
اليقين ( :سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) الية ،جعل إلقاء الرعب
في قلوب الكفار مسببا ً عن شركهم ،لن الشجاعة وسائر الفضائل
اعتدالت في قوى النفس من وقوع ظل الوحدة عليها عند تنورها بنور
القلب المنور بنور الوحدة ،فل تكون تامة حقيقة إل للموحد الموقن في
توحيده .وأما المشرك فلنه محجوب عن منبع القوة والقدرة بما أشرك
بالله من الموجود المشوب بالعدم لمكانه الخفي الوجود ،الضعيف ،الذي لم
يكن له بحسب نفسه قوة ول وجود ول ذات في الحقيقة ،ولم ينزل الله
بوجوده حجة لوجوده أصل ً لتحقق عدمه بحسب ذاته ،فليس له إل العجز
والجبن وجميع الرذائل ،إذ ل يكون أقوى من معبوده وإن اتفقت له دولة أو
صولة أو شوكة فشيء ل أصل له ول ثبات ول بقاء كنار العرفج مثلما كانت
دولة المشركين] .تفسير سورة آل عمران من آية 152إلى آية ( : [153
ولقد صدقكم الله وعده) أي :وعدكم النصر إن تصبروا وتتقوا ،فما دمتم
على حالكم من قوة الصبر على الجهاد وتيقن النصر والثبات على اليقين
واتفاق الكلمة بالتوجه إلى الحق والتقاء عن مخالفة الرسول وميل
النفوس إلى زخرف الدنيا والعراض عن الحق ،مجاهدين لله ل للدنيا ،كان
الله معكم بالنصر ،وإنجاز الوعد ،وكنتم تقطعونهم بإذنه وتهزمونهم ( :حتى
إذا فشلتم) أي :جبنتم بدخول الضعف في يقينكم وفساد اعتقادكم في حق
نفسه بتجويز غلوله في الغنيمة ( :وتنازعتم) في أمر الحرب بعد التفاق
وما صبرتم عن حظ الدنيا ،وعصيتم الرسول بترك ما أمركم به من ملزمة
المركز ،وملتم إلى زخرف الدنيا ( :من بعد ما أراكم ما تحبون) من الفتح
والغنيمة وحان زمان شكركم لله ،وشدة إقبالكم عليه ،فذهلتم عنه ،فكان
أشرفكم يريد الخرة والباقون يريدون الدنيا ،ولم يبق فيكم من يريد الله
منعكم نصره ( :ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) بما فعلتم فكان البتلء لطفا ً
بكم وفضل ً ( :والله ذو فضل على المؤمنين) في الحوال كلها ،إما بالنصرة
وإما بالبتلء ،فإن البتلء فضل ولطف خفي ليعلموا أن أحوال العباد جالبة
لظهور أوصاف الحق عليهم فما أعدوا له نفوسهم موهوب لهم من عند الله
كما مر في قوله ' :مطيع من أطاعني ' .كما يكونون مع الله يكون الله
معهم ،ولئل يناموا إلى الحوال دون المسلكات ،وليتمرنوا بالصبر على
الشدائد ،والثبات في المواطن ،ويتمكنوا في اليقين ،ويجعلوه ملكا ً لهم،
ومقامًا ،ويتحققوا أن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ،ول
يميلوا إلى الدنيا وزخرفها ،ول يذهلوا عن الحق ،ول يبيعوه بالدنيا والخرة،
وليكون عقوبة عاجلة للبعض فيتمحصوا عن ذنوبهم وينالوا درجة الشهادة
برفع الحجب ،خصوصا ً حجاب محبة النفس ،فيلقوا الله طاهرين .ولهذا قال
تعالى ( : :ولقد عفا عنكم) ]آل عمران ،الية ،[152 :إذ البتلء كان سبب
العفو( : .فأثابكم غما بغم) أي :صرفكم عنهم فجازاكم غما ً بسبب غم لحق
رسول الله من جهتكم ،بعصيانكم إياه ،وفشلكم وتنازعكم ،أو غما ً بعد بغم
أي :غما ً مضاعفا ً لتتمرنوا بالصبر على الشدائد والثبات فيها ،وتتعودوا رؤية
الغلبة والظفر والغنيمة وجميع الشياء من الله ل من أنفسكم فل ( :تحزنوا
على ما فاتكم) من الحظوظ والمنافع ( :ول ما أصابكم) من الغموم
والمضار] .تفسير سورة آل عمران آية ( : [154ثم) خلى عنكم الغم بالمن
وإلقاء النعاس على الطائفة الصادقين دون المنافقين الذين ( :أهمتهم
أنفسهم) ل نفس الرسول ول الذين وافقوا علمة للعفو ( :لبرز الذين كتب
عليهم القتل إلى مضاجعهم) لقوله تعالى ( : :ما أصاب من مصيبة في
الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها) ]الحديد ،الية :
( .[22وليبتلي الله ما في صدوركم) أي :وليمتحن ما في استعدادكم من
الصدق والخلص واليقين والصبر والتوكل والتجرد وجميع الخلق
والمقامات ،ويخرجها من القوة إلى الفعل ( :وليمحص ما في قلوبكم) أي :
وليخلص ما برز منها من مكمن الصدر إلى مخزون القلب من عثرات
وساوس الشيطان ودناءة الحوال وخواطر النفس ،فعل ذلك فإن البلء
سوط من سياط الله يسوق به عباده إليه بتصفيتهم عن صفات نفوسهم
وإظهار ما فيهم من الكمالت ،وانقطاعهم عنده من الخلق ومن النفس
إلى الحق .ولهذا كان متوكل ً بالنبياء ثم الولياء ثم المثل .وقال رسول الله
eبيانا ً لفضله ' :ما أوذي نبي مثل ما أوذيت ' ،كأنه قال :ما صفى نبي مثل
ما صفيت .ولقد أحسن من قال ) % :لله در النائبات فإنها %صدأ اللئام
وصيقل الحرار( %إذ ل يظهر على كل منهم إل ما في مكمن استعداده
كما قيل :عند المتحان يكرم الرجل أو يهان] .تفسير سورة آل عمران آية
( : [155استزلهم) أي :طلب منهم الزلة ودعاهم إليها ،وهي زلة التولي ( :
ببعض ما كسبوا) من الذنوب .فإن الشيطان إنما يقدر على وسوسة الناس
وإنفاذ أمره إذا كان له مجال بسبب أدنى ظلمة في القلب ،حادثة من ذنب،
وحركة من النفس كما قيل :الذنب بعد الذنب عقوبة للذنب الول( : .ولقد
عفا الله عنهم) بالعتذار -والندم] .تفسير سورة آل عمران من آية 156
إلى( : [16 .ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم) أي :يجعل ذلك القول
والعتقاد ضيقا ً وضنكا ً وغما ً في قلوبهم لرؤيتهم القتل والموت مسببا ً عن
فعل ،ولو كانوا موقنين موحدين لرأوا أنه من الله ،فكانوا منشرحي الصدور
( :والله يحيي) من يشاء في السفر والجهاد وغيره ( :ويميت) من يشاء في
الحضر وغيره ( :لمغفرة من الله ورحمة) أي :لنعيمكم الخروي من جنة
الفعال وجنة الصفات خير لكم من الدنيوي لكونكم عاملين للخرة و ( :للى
الله تحشرون) لمكان توحيدكم ،فحالكم فيما بعد الموت أحسن من حالكم
قبله( : .فبما رحمة من الله) أي :فباتصافك برحمة رحيمية ،أي :رحمة
تامة ،كاملة ،وافرة ،هي صفة من جملة صفات الله ،تابعة لوجودك الموهوب
اللهي ل الوجود البشري ( :لنت لهم ولو كنت فظا) موصوفا ً بصفات
النفس التي منها الفظاظة والغلظة ( :لنفضوا من حولك) لن الرحمة
اللهية الموجبة لمحبتهم إياك تجمعهم ( :فاعف عنهم) فيما يتعلق بك من
جنايتهم لرؤيتك إياه من الله بنظر التوحيد وعلو مقامك من التأذي بفعل
البشر ،والتغيظ من أفعالهم ،وتشفي الغيظ بالنتقام منهم ( :واستغفر
لهم) فيما يتعلق بحق الله لمكان غفلتهم وندامتهم واعتذارهم ( :
وشاورهم) في أمر الحرب وغيره مراعاة لهم واحترامًا ،ولكن إذا عزمت
ففوض المر إلى الله بالتوكل عليه ورؤية جميع الفعال والفتح والنصر
والعلم بالصلح والرشد منه ،ل منك ،ول ممن تشاوره .ثم حقق معنى
التوكل والتوحيد في الفعال بقوله ( : :إن ينصركم الله) إلى آخره] .تفسير
سورة آل عمران من آية 161إلى آية ( : [169وما كان لنبي أن يغل) لبعد
مقام النبوة وعصمة النبياء عن جميع الرذائل ،وامتناع صدور ذلك منهم مع
كونهم منسلخين عن صفات البشرية ،معصومين عن تأثير دواعي النفس
والشيطان فيهم ،قائمين بالله متصفين بصفاته ( :يأت بما غل) أي :يظهر
على صورة غلوله بما غل بعينه( : .أفمن اتبع رضوان الله) أي :النبي في
مقام الرضوان التي هي جنة الصفات ،لتصافه بصفات الله ،والغال في
مقام السخط لحتجابه بصفات نفسه ( :ومأواه) أسفل حضيض النفس
المظلمة ،فهل يتشابهان ؟ ( :هم درجات) أي :كل من أهل الرضا وأهل
السخط ذوو درجات متفاوتات أو هم مختلفون اختلف الدرجات ( :قل هو
من عند أنفسكم) ل ينافي قوله تعالى ( : :قل كل من عند الله) ]النساء،
الية [78 :لن السبب الفاعلي في الجميع هو الحق تعالى ،والسبب
القابلي أنفسهم ،ول يفيض من الفاعل إل ما يليق بالستعداد ويقتضيه،
وباعتبار الفاعل يكون من عند الله ،وباعتبار القابل يكون من عند أنفسهم.
واستعداد النفس إما أصلي وإما عارضي ،والصلي من فيضه القدس على
مقتضى مشيئته ،والعارضي من اقتضاء قدره .فهذا الجانب أيضا ً ينتهي
إليه ،ومن وجه آخر ما يكون من أنفسهم أيضا ً يكون من الله نظرا ً إلى
التوحيد ،إذ ل غير ثمة ( :وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا) أي :
وليتميز المؤمنون والمنافقون في العلم التفصيلي( : .ول تحسبن الذين
قتلوا في سبيل الله) سواء كان قتلهم بالجهاد الصغر ،وبذل النفس طلبا ً
لرضا الله ،أو بالجهاد الكبر ،وكسر النفس ،وقمع الهوى بالرياضة ( :أمواتا
بل أحياء عند ربهم) بالحياة الحقيقية مجردين عن دنس الطبائع ،مقربين
في حضرة القدس ( :يرزقون) من الرزاق المعنوية ،أي المعارف والحقائق
واستشراق النوار ،ويرزقون في الجنة الصورية كما يرزق سائر الحياء.
فإن للجنان مراتب بعضها معنوية وبعضها صورية ،ولكل من المعنوية
والصورية درجات على حسب العمال ،فالمعنوية جنة الذات وجنة الصفات
وتفاضل درجاتها على حسب تفاضل درجات أهل الجبروت والملكوت،
والصورية جنة الفعال وتفاوت درجاتها على حسب تفاوت درجات عالم
الملك من السموات العلى ،وجنات الدنيا وعن النبي ' : eلما أصيب إخوانكم
بأحد ،جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ،تدور في أنهار الجنة ،وتأكل
من ثمارها ،وتأوي إلى قناديل من ذهب ،معلقة في ظل العرش ' .فالطير
الخضر :إشارة إلى الجرام السماوية ،والقناديل هي الكواكب ،أي تعلقت
بالنيرات من الجرام السماوية لنزاهتها ،وأنهار الجنة منابع العلوم
ومشارعها ،وثمارها الحوال والمعارف والنهار ،والثمار الصورية على
حسب جنتهم المعنوية أو الصورية .فإن كل ما وجد في الدنيا من المطاعم
والمشارب والمناكح والملبس وسائر الملذ والمشتهيات ،موجود في
الخرة وفي طبقات السماء ألذ وأصفى مما في الدنيا( .فرحين بما آتاهم
الله من فضله) من الكرامة والنعمة والقرب عند الله ( :ويستبشرون) بحال
إخوانهم ( :الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) ولم ينالوا درجاتهم بعد من
خلفهم لستسعادهم عن قريب بمثل حالهم ولحوقهم بهم ( :أل خوف
عليهم ول هم يحزنون) بدل اشتمال من الذين ،أي :يستبشرون بأنهم
آمنوا ،ل خوف عليهم ول هم يحزنون ( :يستبشرون بنعمة) أي :أمنهم
بنعمة عظيمة ل يعلم كنهها ،هي جنة الصفات بحصول مقام الرضوان
المذكورة بعده لهم ( :وفضل) وزيادة عليها هي جنة الذات والمن الكلي
من بقية الوجود وذلك كمال كونهم شهداء الله ،ومع ذلك فإن الله ل يضيع
أجر إيمانهم الذي هو جنة الفعال وثواب العمال( : .الذين استجابوا
لله) بالفناء في الوحدة الذاتية ( :والرسول) بالمقام بحق الستقامة ( :من
بعد ما أصابهم القرح) أي :كسر النفس ( :للذين أحسنوا منهم) أي :ثبتوا
في مقام المشاهدة ( :واتقوا) بقاياهم ( :أجر عظيم) وراء اليمان هو روح
المشاهدة .تفسير سورة آل عمران من آية 173إلى آية ( : [178الذين قال
لهم الناس) قبل الوصول إلى المشاهدة ( :إن الناس قد جمعوا لكم
فاخشوهم) أي :اعتبروا لوجودكم واعتدوا بكم فاعتدوا بهم ( :
فزادهم) ذلك القول ( :إيمانا) أي :يقينا ً وتوحيدا ً بنفي الغير وعدم المبالة
به ،وتوصلوا بنفي ما سوى الله إلى إثباته بقولهم ( :حسبنا الله) فشاهدوه
ثم رجعوا إلى تفاصيل الصفات بالستقامة فقالوا ( : :ونعم الوكيل) وهي
الكلمة التي قالها إبراهيم uحين ألقي في النار فصارت بردا ً وسلما ً عليه :
(فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) أي :رجعوا بالوجود الحقاني في جنة
الصفات والذات كما مر آنفا ً ( :لم يمسسهم سوء) البقية ورؤية الغير( : .و)
هم ( :اتبعوا رضوان الله) الذي هو جنة الصفات في حال سلوكهم حين لم
يعلموا ما أخفي لهم من قرة أعين وهي جنة الذات المشار إليها بقوله ( : :
والله ذو فضل عظيم) فإن الفضل هو المزيد على الرضوان ( :يخوف
أولياءه) المحجوبين بأنفسهم مثله من الناس أو يخوفكم أولياءه ( :فل
تخافوهم) ول تعتدوا بوجودهم ( :وخافون إن كنتم) موحدين ،أي ل تخافوا
غيري لعدم عينه وأثره ( :ول يحزنك الذين يسارعون في الكفر) لحجابهم
الصلي وظلمتهم الذاتية خوف أن يضروك ( :إنهم لن يضروا الله
شيئا) إملء الكفار وطول حياتهم سبب لشدة عذابهم وغاية هوانهم
وصغارهم لزديادهم بطول عمرهم حجابا ً على حجاب ،وبعدا ً على بعد .وكلما
ازدادوا بعدا ً عن الحق الذي هو منيع العزة ازدادوا هوانًا] .تفسير سورة آل
عمران من آية 179إلى آية ( : [180ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم
عليه) من ظاهر السلم وتصديق اللسان ( :حتى يميز الخبيث) من صفات
النفس وشكوك الوهم وحظوظ الشيطان ،ودواعي الهوى من طيبات
صفات القلب كالخلص واليقين والمكاشفة ومشاهدات الروح ومناغيات
السر ومسامراته ،وتخلص المعرفة والمحبة لله بالبتلء ووقوع الفتن
والمصائب بينكم( : .وما كان الله ليطلعكم على) غيب وجودكم من الحقائق
والحوال الكامنة فيكم بل واسطة الرسول لبعد ما بينكم وبينه وعدم
المناسبة وانتفاء استعداد التلقي منه ( :ولكن الله يجتبي من رسله من
يشاء) فيطلعه على أسراره وحقائقه بالكشف ليهديكم إلى ما غاب عنكم
من كنوز وجودكم وأسراره للجنسية النفسانية التي بينه وبينكم ،الموجبة
لمكان اهتدائكم به ( :فآمنوا بالله ورسله) بالتصديق القلبي والرادة
والتمسك بالشريعة ليمكنكم التلقي والقبول منهم ( :وإن تؤمنوا) بعد ذلك
اليمان بالتحقيق والسلوك إلى اليقين والمتابعة في الطريقة ( :
وتتقوا) الحجب النفسانية وموانع السلوك ( :فلكم أجر عظيم) من كشف
الحقيقة ( :بما آتاهم الله من فضله) من المال والعلم والقدرة والنفس ول
ينفقونه في سبيل الله على المستحقين والمستعدين والنبياء والصديقين
في الذب عنهم أو الفناء في الله ( :سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) أي
:يجعل غل أعناقهم وسبب تقيدهم وحرمانهم عن روح الله ورحمته وموجب
هوانهم وحجابهم عن نور جماله لمحبتهم له وتعلقهم به ( :ولله ميراث
السماوات والرض) من النفوس وصفاتها كالقوى والقدر والعلوم والموال
وكل ما ينطبق عليه اسم الوجود فما لهم يبخلون بماله عنه] .لتفسير سورة
آل عمران من آية 181إلى آية[ ( :لقد سمع الله) إلى قوله ( :إن كنتم
صادقين) روي أن أنبياء بني إسرائيل كانت معجزتهم أن يأتوا بقربان
فيدعوا الله فتأتي نار من السماء تأكله .وتأويله :أن يأتوا بنفوسهم
يتقربون بها إلى الله ويدعون الله بالزهد والعبادة ،فتأتي نار العشق من
سماء الروح تأكله وتفنيه في الوحدة ،فبعد ذلك صحت نبوتهم وظهرت
فسمع به عوام بني إسرائيل فاعتقدوا ظاهره ،وإن كان ممكنا ً من عالم
القدرة فاقترحوا على كل نبي تلك الية كما توهموا من إقراض الله الذي
هو بذل المال في سبيل الله بالنفاق لستيفاء الثواب وبذل الفعال
والصفات بالمحو في السلوك لستبدال صفات الحق وأفعاله وتحصيل مقام
البدال ،فقر الحق وغناهم ،أو كابروا النبياء في الموضعين بعدما فهموا.
]تفسير سورة آل عمران من آية 188إلى آية ( [191ل تحسبن الذين
يفرحون بما أتوا) أي :يعجبوا بما فعلوا من طاعة وإيثار ،وكل حسنة من
الحسنات ،ويحجبون برؤيته ( :ويحبون أن يحمدوا) أي :يحمدهم الناس،
فهم محجوبون بعرض الحمد والثناء من الناس ،أو أن يكونوا محمودين في
نفس المر ،عند الله ( :بما لم يفعلوا) بل فعله الله على أيديهم إذ ل فعل
إل لله( : ،والله خلقكم وما تعملون) ]الصافات ،الية [96 :فائزين من
عذاب الحرمان ( :ولهم عذاب أليم) لمكان استعدادهم واحتجابهم عما فيه،
وكان من حقهم أن ينسبوا الفضيلة والفعل الجميل إلى الله ويتبرأوا عن
حولهم وقوتهم إليه ول يحتجبوا برؤية الفعل من أنفسهم ،ول يتوقعوا به
المدح والثناء( : .ولله ملك السماوات والرض) ليس لحد فيها شيء حتى
يعطي غيره فيعجب بعطائه ( :والله على كل شيء قدير) ل يقدر غيره على
فعل ما ،حتى يعجب برؤيته ،فيفرح به فرح إعجاب( : .الذين يذكرون
الله) في جميع الحوال وعلى جميع الهيئات ( :قياما) في مقام الروح
بالمشاهدة ( :وقعودا) في محل القلب بالمكاشفة ( :وعلى جنوبهم) أي :
تقلباتهم في مكان النفس بالمجاهدة ( :ويتفكرون) بألبابهم أي :عقولهم
الخالصة عن شوب الوهم ( :في خلق) عالم الرواح والجساد .يقولون عند
الشهود ( :ربنا ما خلقت هذا) الخلق ( :باطل) أي :شيئا ً غيرك ،فإن غير
الحق هو الباطل ،بل جعلته أسماءك ومظاهر صفاتك ( :سبحانك) ننزهك أن
يوجد غيرك ،أي :يقارن شيء فردانيتك أو يثني وحدانيتك ( :فقنا
عذاب) نار الحتجاب بالكوان عن أفعالك ،وبالفعال عن صفاتك ،وبالصفات
عن ذاتك وقاية مطلقة تامة كافية] .تفسير سورة آل عمران من آية 192
إلى آية ( : 195ربنا إنك من تدخل النار) بالحرمان ( :فقد أخزيته) بوجود
البقية التي كلها ذل وعار وشنار ( :وما للظالمين) الذين أشركوا برؤية
الغير مطلقا ً أو البقية ( :من أنصار) ( :ربنا إننا سمعنا) بأسماع قلوبنا ( :
مناديا) من أسرارنا التي هي شاطئ وادي الروح اليمن ( :ينادي) إلى
اليمان العياني ( :أن آمنوا بربكم) أي :شاهدوا ربكم ،فشاهدنا ( :ربنا
فاغفر لنا) ذنوب صفاتنا بصفاتك ( :وكفر عنا) سيئات أفعالنا برؤية
أفعالك ( :وتوفنا) عن ذواتنا في صحبة البرار من البدال الذين تتوفاهم
بذاتك عن ذواتهم ،ل البرار الباقين على حالهم في مقام محو الصفات غير
المتوفين بالكلية ( :ربنا وآتنا ما وعدتنا على) اتباع ( :رسلك) أو محمول ً
على رسلك من البقاء بعد الفناء ،والستقامة بالوجود الموهوب بعد التوحيد
( :ول تخزنا يوم القيامة) الكبرى ووقت بروز الخلق لله الواحد القهار
بالحتجاب بالوحدة عن الكثرة ،وبالجمع عن التفصيل ( :إنك ل تخلف
الميعاد) فتبقى مقاما ً وراءنا لم نصل إليه( : .فاستجاب لهم ربهم أني ل
أضيع عمل عامل منكم من ذكر) القلب من العمال القلبية كالخلص
واليقين والكشف ( :أو أنثى) النفس من العمال القالبية ،كالطاعات
والمجاهدات والرياضات ( :بعضكم من بعض) يجمعكم أصل واحد وحقيقة
واحدة هي الروح النسانية ،أي :بعضكم منشأ من بعض ،فل أثيب بعضكم
وأحرم بعضا ً ( :فالذين هاجروا) عن أوطان مألوفات النفس ( :وأخرجوا من)
ديار صفاتها أو هاجروا من أحوالهم التي التذوا بها ،وأخرجوا من مقاماتهم
التي يسكنون إليها ( :وأوذوا في سبيلي) أي :ابتلوا في سبيل سلوك
أفعالي بالبليا والمحن والشدائد والفتن ليتمرنوا بالصبر ،ويفوزوا بالتوكل
في سبيل سلوك صفاتي بسطوات تجليات الجلل والعظمة والكبرياء
ليصلوا إلى الرضا ( :وقاتلوا) البقية بالجهاد في ( :وقتلوا) وأفنوا في
بالكلية ( :لكفرن عنهم سيئاتهم) كلها من الصغائر والكبائر ،أي :سيئات
بقاياهم ( :ولدخلنهم) الجنات الثلثة المذكورة ( :ثوابا) أي :عوضا ً لما
أخذت منهم من الوجودات الثلثة ( :والله عنده حسن الثواب) أي :ل يكون
عند غيره الثواب المطلق الذي ل يبقى منه شيء ،ولهذا قال :والله ،لنه
السم الجامع لجميع الصفات ،فلم يحسن أن يقول :والرحمن ،في هذا
الموضع أو اسم آخر غير اسم الذات( .ل يغرنك تقلب الذين كفروا) أي :
حجبوا عن التوحيد الذي هو دين الحق في المقامات والحوال( : .متاع
قليل) أي :هو يعني الحتجاب بالمقامات والتقلب فيها تمتع قليل ( :ثم
مأواهم جهنم) الحرمان ( :وبئس المهاد) ( :لكن الذين اتقوا ربهم) من
المؤمنين ،أي :تجردوا عن الوجودات الثلثة ،لهم الجنات الثلث( : ،
نزل) معدا ً ( :من عند الله) ( :وإن من أهل الكتاب) أي :المحجوبين عن
التوحيد ،والمذكورين بصفة التقلب في الحوال والمقامات ( :لمن يؤمن
بالله) أي :يتحقق بالتوحيد الذاتي ( :وما أنزل إليكم) من علم التوحيد
والستقامة ( :وما أنزل إليهم) من علم المبدأ والمعاد ( :خاشعين
لله) قابلين لتجلي الذات( : .ل يشترون بآيات الله) التي هي تجليات صفاته
ثمن البقية الموصوف بالقلة ( :أولئك لهم أجرهم عند ربهم) من الجنان
المذكورة ( :إن الله سريع الحساب) يحاسبهم ويجازيهم فيعاقب على بقايا
من بقي منه شيء ،أو يثيب بنفي البقايا على حسب درجاتهم في المواطن
الثلثة( : .يا أيها الذين آمنوا اصبروا) لله ( :وصابروا) مع الله ( :
ورابطوا) بالله ،أي :اصبروا في مقام النفس بالمجاهدة ،وصابروا في
مقام القلب مع سطوات تجليات صفات الجلل بالمكاشفة ،ورابطوا في
مقام الروح ذواتكم بالمشاهدة حتى ل يغلبكم فترة أو غفلة أو غيبة
بالتلوينات ( :واتقوا الله) في مقام الصبر عن المخالفة والرياء ،وفي
المصابرة عن العتراض والمتلء وفي المرابطة عن البقية والجفاء لكي
تفلحوا الفلح الحقيقي السرمدي الذي ل فلح وراءه ،إن شاء الله.
)سورة النساء(
)بسم الله الرحمن الرحيم(
تفسير سورة النساءآية ( : [1يا أيها الناس اتقوا ربكم) احذروه في انتحال
صفته عند صدور الخيرات منكم ،واتخذوا الصفة وقاية لكم في صدور ما
صدر منكم من الخير ،وقولوا صدر عن القادر المطلق ( :الذي خلقكم من
نفس واحدة) هي النفس الناطقة الكلية ،التي هي قلب العالم ،وهو آدم
الحقيقي ( :وجعل منها زوجها) أي :النفس الحيوانية الناشئة منها .وقيل :
إنها خلقت من ضلعه اليسر من الجهة التي تلي عالم الكون ،فإنها أضعف
من الجهة التي تلي الحق ،ولول زوجها لما أهبط إلى الدنيا .كما اشتهر أن
إبليس سول لها أول ً فتوسل بإغوائها إلى إغواء آدم ول شك في أن التعلق
البدني ل يتهيأ إل بواسطتها ( :وبث منهما رجال كثيرا) أي :أصحاب قلوب
ينزعون إلى أبيهم ( :ونساء) أصحاب نفوس وطبائع ينزعون إلى أمهم ( :
واتقوا الله) في ذاته عن إثبات وجودكم ،واجعلوه وقاية لكم عند ظهور
البقية منكم في الفناء في التوحيد حتى ل تحتجبوا برؤية الفناء ( :الذي
تساءلون به) ل بكم ( :والرحام) أي :احذروا الرحام الحقيقية ،أي أقربة
المبادئ العالية من المفارقات وأرواح النبياء والولياء في قطعها بعدم
المحبة ،واجعلوها وقاية لكم في حصول سعاداتكم وكمالتكم ،فإن قطع
الرحم يققد المحبة توجه عن التصال والوحدة إلى النفصال والكثرة ،وهو
المقت الحقيقي والبعد الكلي عن جناب الحق تعالى ،ولهذا قال عليه ' : e
صلة الرحم تزيد في العمر ' ،أي :توجب دوام البقاء .واعلم أن الرحم من
الظاهر صورة التصال الحقيقي في الباطن ،وحكم الظاهر في التوحيد
كحكم الباطن ،فمن ل يقدر على مراعاة الظاهر فهو أحرى بأن ل يقدر
على مراعاة الباطن ( :إن الله كان عليكم رقيبا) يراقبكم لئل تحتجبوا عنه
بظهور صفة من صفاتكم ،أو بقية من بقاياكم فتتعذبوا( .وآتوا
اليتامى) يتامى قواكم الروحانية ،المنقطعين عن تربية الروح القدسي الذي
هو أبوهم ( :أموالهم) أي :معلوماتهم وكمالتهم ،وربوهم بها ( :ول تتبدلوا
الخبيث) من المحسوسات والخياليات والوساوس ودواعي الوهم وسائر
قوى النفس التي هي أموالها ( :بالطيب) من أموالهم ( :ول تأكلوا أموالهم
إلى أموالكم) أي :ل تخلطوها بها ،فيشتبه الحق بالباطل وتستعملوها في
تحصيل لذاتكم الحسية وكمالتكم النفسية ،فتنتفعوا بها في مطالبكم
الخسيسة الدنيوية وتجعلوها غذاء نفوسكم ( :إنه كان حوبا كبيرا) حجبة
وحرمانًا] .تفسير سورة النساء من آية 31إلى آية ( : [36إن تجتنبوا كبائر
ما تنهون عنه) من إثبات الغير في الوجود الذي هو الشرك ذاتا ً وصفة
ل ،فإن أكبر الكبائر إثبات وجود غير وجوده تعالى كما قيل ) % :وجودك وفع ً
ذنب ل يقاس به ذنب % (%ثم إثبات الثنينية في الذات بإثبات زيادة
الصفات عليها ،كما قال أمير المؤمنين .uوكما قال ' :الخلص له نفي
الصفات عنه '( : .نكفر عنكم سيئاتكم) بظهور النفس والقلب بصفة من
صفاتها أحيانًا ،فإنها بعد ظهور نور التوحيد ل تثبت ( :وندخلكم مدخل
كريما) أي :حضرة عين الجمع ل كرم إل فيها ( :ول تتمنوا ما فضل الله به
بعضكم على بعض) من الكمالت المرتبة بحسب الستعدادات الولية ،فإن
كل استعداد يقتضي بهويته في الزل كمال ً وسعادة تناسبه ،وحصول ذلك
الكمال الخاص لغيره محال .ولذلك ذكر بلفظ التمني الذي هو طلب ما يمتنع
حصوله للطالب لمتناع سببه ( :للرجال) أي :الفراد الواصلين ( :نصيب مما
اكتسبوا) بنور استعدادهم الصلي ( :وللنساء) أي :الناقصين القاصرين عن
الوصول ( :نصيب مما اكتسبن) بقدر استعدادهن ( :واسألوا الله من
فضله) أي :اطلبوا منه إفاضة كمال يقتضيه استعدادكم بالتزكية والتصفية
حتى ل يحول بينكم وبينه فتحتجبوا وتتعذبوا بنيران الحرمان منه ( :إن الله
كان بكل شيء) مما يخفى عليكم ،كامنا ً في استعدادكم بالقوة ( :
عليما) فيجيبكم بما يليق بكم كما قال ( : :وءاتكم من كل ما
سألتموه) ]إبراهيم ،الية [34 :أي :بلسان الستعداد الذي ما دعاه أحد به
إل أجاب ،كما قال ( : :ادعوني أستجب لكم) ]غافر ،الية ( : .[40 :واعبدوا
الله) خصصوه بالتوجه إليه ،والفناء فيه ،الذي هو غاية التذلل ( :ول تشركوا
به شيئا) بإثبات وجوده ( :وبالوالدين إحسانا) وأحسنوا بالروح والنفس
اللذين تولد القلب منهما وهو حقيقتكم ،لستم إل إياه ،ووفوا حقوقهما
وراعوهما حق المراعاة بالستفاضة من الول ،والتوجه إليه بالتسليم
والتعظيم وتزكية الثانية ،وحفظها من أدناس محبة الدنيا ،والتذلل بالحرص
والشره وأمثالهما ،ومن شر الشيطان وعداوته إياها وأعينوها بالرأفة
والحمية بتوفير حقوقها عليها ،ومنع الحظوظ عنها ( :وبذي القربى) الذي
يناسبكم في الحقيقة بحسب القرب في الستعداد الصلي والمشاكلة
الروحانية ( :واليتامى) المستعدين المنقطعين عن نور الروح القدسي الذي
هو الب الحقيقي ،بالحتجاب عنه ( :والمساكين) العاملين الذين ل مال
لهم ،أي :ل حظ من العلوم والمعارف والحقائق ،فسكنوا ولم يقدروا على
المسير وهم السعداء الصالحون الذين مآلهم إلى جنة الفعال( : .والجار ذي
القربى) الذي هو في مقام من مقامات السلوك ،قريب من مقامك ( :
والجار الجنب) الذي هو في مقامه بعيد من مقامك( : ،والصاحب
بالجنب) والرفيق الذي هو في عين مقامكم ويرافقكم في سيركم ( :وابن
السبيل) أي :السالك في طريق الحق ،الداخل في الغربة عن مأوى النفس
الذي لم يصل إلى مقام من مقامات أهل الله ( :وما ملكت أيمانكم) من
أهل إرادتكم ومحبتكم ،الذين هم عبيدكم كل ً بما يناسبه ويليق به من أنواع
الحسان ،وإن شئت أولت ذي القربى بما يتصل به من الملكوت العالية من
المجردات واليتامى بالقوى الروحانية كما مر .والمساكين بالقوى النفسانية
من الحواس الظاهرة وغيرها .والجار ذي القربى بالعقل ،والجار الجنب
بالوهم ،والصاحب بالجنب بالشوق والرادة ،وابن السبيل بالفكر ،والمماليك
بالملكات المكتسبة التي هي مصادر الفعال الجميلة( : .إن الله ل يحب من
كان مختال) يسعى في السلوك بنفسه ل بالله ،معجبا ً بأعماله ( :
فخورا) مبتهجا ً بأحواله ومقاماته وكمالته ،محتجبا ً برؤيتها ورؤية اتصافه
بها( .الذين يبخلون) أول ً بإمساك كمالتهم وعلومهم في مكامن قرائحهم
ومطامير غرائزهم ،ل يظهرونها بالعمل بها في وقتها ثم بالمتناع عن
توفير حقوق ذوي الحقوق عليهم ،ل يبذلون صفاتهم وذواتهم بالفناء في
الله لمحبتهم لها ،ول ينفقون أموال علومهم وأخلقهم وكمالتهم على ما
ذكرنا من المستحقين( : .ويأمرون الناس بالبخل) يحملونهم على مثل
حالهم ( :ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) من التوحيد والمعارف والخلق
والحقائق في كتم الستعداد وظلمة القوة كأنها معدومة ( :وأعتدنا
للكافرين) المحجوبين عن الحق ( : %عذابا مهينا) في ذل وجوههم وشين
صفاتهم( : .والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس) أي :يبرزون كمالتهم من
كتم العدم ،ويخرجونها إلى الفعل ،محجوبين برؤيتها لنفسهم ،يراؤون
الناس بأنها لهم ( :ول يؤمنون بالله) اليمان الحقيقي ،فيعلمون أن الكمال
المطلق ليس إل له ،ومن أين لغيره وجود حتى يكون له ؟ فيتخلصون عن
حجاب رؤية الكمال لنفسهم ،وينجون عن إثم العجب( : .ول باليوم
الخر) أي :الفناء في الله والبروز للواحد القهار ،فيتبرؤون من ذنب
الشرك ،وذلك لمقارنة شيطان الوهم إياهم ( :ومن يكن الشيطان له قرينا
فساء قرينا) لنه يضله عن الهدى ،ويحجبه عن الحق ( :وماذا عليهم لو آمنوا
بالله) أي :لو صدقوا الله بالتوحيد والفناء فيه ،ومحو كمالتهم التي رزقهم
الله بإضافتها إلى الله ؟ ( :وكان الله بهم عليما) يجازيهم بالبقاء بعد الفناء،
وكونهم مع تلك الصفات والكمالت بالله ل بأنفسهم( : .إن الله ل
يظلم) أي :ل ينقص من تلك الكمالت بالفناء فيه ( :مثقال ذرة) بل
يضاعفها بالتأييد الحقاني ( :وإن تك حسنة يضاعفها) ول تكون حسنة إل إذا
كانت له ( :ويؤت من لدنه أجرا عظيما) هو ما أخفي له من قرة أعين ،أي :
الشهود الذاتي الذي ل حجبة معه عن تفاصيل الصفات( : .فكيف إذا جئنا
من كل أمة بشهيد) إلى آخره ،الشهيد والشاهد :ما يحضر كل أحد مما بلغه
من الدرجة في العرفان ،وهو الغالب عليه ،فهو يكشف عن حاله وعمله
وسعيه ومبلغ جهده مقاما ً كان أو صفة من صفات الحق أو ذاتًا ،فلكل أمة
شهيد بحسب ما دعاهم إليه نبيهم وعرفه لهم وما دعاهم إل إلى ما وصل
إليه من مقامه في المعرفة ،ول يبعث نبي إل بحسب استعداد أمته فهم
يعرفون الله بنور استعدادهم في صورة كمال نبيهم .ولهذا ورد في الحديث
:إن الله يتجلى لعباده في صورة معتقدهم ،فيعرفه كل واحد من الملل
والمذاهب ،ثم يتحول عن تلك الصورة ،فيبرز في صورة أخرى فل يعرفه إل
الموحدون الداخلون في حضرة الحدية من كل باب .وكما أن لكل أمة
شهيدًا ،فكذلك لكل أهل مذهب شهيد ،ولكل واحد شهيد يكشف عن حال
مشهوده ،وأما المحمديون فشهيدهم الله المحبوب الموصوف بجميع
الصفات لمكان كمال نبيهم وكونه حبيبا ً مؤتى جوامع الكلم ،متمما ً لمكارم
الخلق ،فل جرم يعرفونه عند التحول في جميع الصور إذا تابعوا نبيهم حق
المتابعة ،وكانوا أوحديين محبوبين كنبيهم] .تفسير سورة النساء من آية 42
إلى آية ( : [43يومئذ يود الذين كفروا) بالحتجاب عن الحق ( :وعصوا
الرسول) بالحتجاب عن الدين ( :لو تسوى بهم) أرض الستعداد ،فتنطمس
نفوسهم أو تصير ساذجة ل نقش فيها من العقائد الفاسدة الرذائل الموبقة
( :ول يكتمون الله حديثا) أي :ل يقدرون على كتم حديث من تلك النقوش
حتى ل يتعذبون بعقابه( : .يا أيها الذين آمنوا) باليمان العلمي ،فإن المؤمن
باليمان العيني ل يكون في صلته غافل ً ( :ل تقربوا الصلة) أي :ل تقربوا
مقام الحضور والمناجاة مع الله في حال كونكم ( :سكارى) من نوم الغفلة،
أو من خمور الهوى ومحبة الدنيا ( :حتى تعلموا ما تقولون) في مناجاتكم
ول تشتغل قلوبكم بأشغال الدنيا ووساوسها فتذهلوا عنه ،ول في حال
كونكم بعداء عن الحق بشدة الميل إلى النفس ومباشرة لذاتها وشهواتها
وحظوظها والركون إليها ( :إل عابري سبيل) أي :مارين عليها ،سالكي
طريق من طرق تمتعاتها بقدر الضرورة والمصلحة كعبور طريق الغتذاء
بالمطعم والمشرب لسد الرمق وحفظ القوة ،والكتساء لدفع الحر والبرد
وستر العورة ،والمباشرة لحفظ النسل ل منجذبين إليها بالكلية بمجرد
الهوى فتنطبع فيكم فل يمكن زوالها أو يتعذر ( :حتى تغتسلوا) أي :
تتطهروا عن تلك الهيئة الحاصلة من النجذاب إلى الجهة السفلية بماء
التوبة والستغفار وعيون التنصل والعتذار ( :وإن كنتم مرضى) القلوب،
فاقدي سلمتها بأمراض العقائد الفاسدة والرذائل المهلكة ( :أو على سفر)
في تيه الجهل والحيرة لطلب لذة النفس ومادة الرجس بالحرص ( :أو جاء
أحد منكم) من الشتغال بلوث المال وكسب الحطام ملوثا ً بهيئة محبته
وميله راسخة فيه تلك الهيئة ( :أو لمستم النساء) لزمتم النفوس
وباشرتموها في لذاتها وشهواتها ( :فلم تجدوا ماء) علما ً يهديكم إلى
التفصي منها ويهذبكم بالتطهر عنها ( :فتيمموا صعيدا طيبا) فتوجهوا صعيد
استعدادكم الطيب ،واقصدوه وارجعوا إلى أصل الستعداد الفطري ( :
فامسحوا) من نوره ( :بووهكم وأيديكم) أي :ذواتكم الموجودة وصفاتكم
بالنزول ومحو هيئات التعلق بها ،والتصرف فيها ،فإن ذلك التراب يمحو
آثارها ويذرها صافية كما كانت ( :إن الله كان عفوا) يعفو عن تلك الهيئات
المظلمة ورسوخ تلك الملكات الحاجبة بتركها والعراض عنها ،فيزيلها
بالكلية فيصفو استعدادكم وتستعدوا للقائه ومناجاته ( :غفورا) يستر
صفاتكم وذواتكم بصفاته وذاته] .تفسير سورة النساء من آية 44إلى آية
( : [46ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) أي :بعضا ً هو اعترافهم
بالحق مع احتجابهم عن الدين ( :يشترون الضللة) يستبدلون الحتجاب عن
الدين الذي هو طريق الحق بنور هداية استعدادهم ويريدون بكم ذلك أيضا ً
وهم أعداؤكم ،علم الله عداوتهم إياكم إذا ً ( :وكفى بالله وليا) يلي أمركم
بالتوفيق لطريق التوحيد ،ونصيرا ً ينصركم على أعدائكم بالقمع] .تفسير
سورة النساء آية ( : [47يا أيها الذين أوتوا الكتاب) كتاب الستعداد ( :آمنوا)
إيمانا ً حقيقيا ً عيانيا ً بإخراج ما في كتاب استعدادكم إلى الفعل من توحيد
الذات ( :من قبل أن نطمس وجوها) بإزالة استعدادها ومحوه ( :فنردها
على أدبارها) التي هي أسفل سافلي عالم الجسم الذي هو خلف كل عالم :
(أو نلعنهم) نعذبهم بالمسخ كما مسخنا ( :أصحاب السبت) ( :وكان أمر الله
مفعول) أي :مقضيا ً إلى البد ،ل يغيره أحد ول ينقضه .تفسير سورة النساء
من آية 48إلى آية ( : [55إن الله ل يغفر أن يشرك به) إشارة إلى أن
الشقاوة العلمية العتقادية مخلدة ل تتدارك أبدا ً دون العملية ،أي :ل يستر
بوجوده ول يفني بذاته من يثبت غيره في الوجود وكيف وأنه يناوبه
بوجوده( : .ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) أي :يزيلون صفات نفوسهم
بنفوسهم ،وذلك غير ممكن كما ل يمكن لحدنا حمل نفسه إذ هي لوازم
النفس باقية لزمة لها ،ولهذا قال تعالى ( : :ومن يوق شح نفسه) ]الحشر،
الية ،[9 :إذ الرذائل معجونة فيها ،باقية ببقائها .وقال عليه ' : eشر الناس
من قامت عليه القيامة وهو حي ' أي :يقف على علم التوحيد ونفسه لم
تمت بالفناء حتى تحيى بالله ،فإنه حينئذ زنديق قائل بالباحة في
الشياء( : .بل الله يزكي من يشاء) بمحو صفاته وإزالتها بصفاته تعالى ( :
ول يظلمون فتيل) أي :ل ينقصون شيئا ً حقيرا ً من صفاتهم وحقوقها فإن
الله ل يأخذ شيئا ً منها مع ضعفها وسرعة انقضائها حتى يعطي بدله من
صفاته مع قوتها ودوامها ( :انظر كيف يفترون على الله الكذب) بادعاء
تزكية نفوسهم من صفاتها وما تزكت ،أو بانتحال صفات الله إلى أنفسهم
لوجود نفوسهم( : .ألم تر) إلى آخره( : ،يؤمنون بالجبت
والطاغوت) لثباتهم وجود الغير ،وذلك إضللهم عن الدين الذي هو طريق
التوحيد ( :ويقولون) لجل الذين حجبوا عن الحق ( :هؤلء أهدى) من
الموحدين ( :سبيل) لموافقتهم في الشرك دون المؤمنين ،فإنهم
يخالفونهم في الطريق والمقصد ،إذ المعترفون بالتوحيد لما ضلوا السبيل
لم يصلوا إلى المقصد الذي اعترفوا به فلزمهم شرك خفي قريب من حال
المحجوبين عن الحق الذين أشركوا شركا ً جليا ً فناسبوهم وصوبوهم وزعموا
انهم أهدى الموحدين على ما نرى عليه بعض الظاهريين من السلميين ( :
أولئك الذين لعنهم الله) بمسخ الستعداد ،ومن طرده الله فل يمكن لحد
نصرته بالهداية والتقريب والنجاء( .إن الذين كفروا بآياتنا) أي :حجبوا عن
تجليات صفاتنا وأفعالنا :إذ مطلع الية كونه متجليا ً بالعلم والحكمة والملك
في آل إبراهيم ( :سوف نصليهم) نار شوق الكمال لقتضاء غرائزهم
وطبائعهم بحسب استعدادهم ذلك مع رسوخ الحجاب ولزومه ،أو نار قهر
من تجليات صفات قهره تناسب أحوالهم ،أو نار شره نفوسهم وحدة
شوقها وطلبها لما ضريت بها من كمالت صفاتها وشهواتها مع حرمانها
عنها ( :كلما نضجت جلودهم) رفعت حجبهم الجسمانية بانسلخهم عنها ( :
بدلناهم) حجبا ً غيرها جديدة ( :ليذوقوا العذاب) نيران الحرمان ( :إن الله
كان عزيزا) قويا ً يقهرهم ويذلهم بذل صفات نفوسهم ،ويحرقهم بنيران
توقانها إلى كمالتهم مع حرمانهم أبدا ً ( :حكيما) يجازيهم بما يناسبهم من
العذاب الذي اختاروه لنفسهم بدواعيهم الغضبية والشهوية وغيرها،
وميولهم إلى الملذ الجسمانية فلذلك بدلوا حجبا ً ظلمانية بعد حجب( : .
والذين آمنوا) بتوحيد الصفات ( :وعملوا) ما يصلحهم لقبول تجلياتها ( :
سندخلهم جنات) التصاف بها ومقاماتها ( :تجري من تحتها النهار) أي :
أنهار علوم تجلياتها من علوم القلب .والزواج ههنا الرواح المقدسة التي
هي مظاهر الصفات اللهية المطهرة بالهيئات البدنية ( :وندخلهم ظل
ظليل) أي :ظل الصفات اللهية الدائم روحها بمحو الصفات البشرية( : .إن
الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها) أي :حق كل ذي حق إليه بتوفية
ل ،ثم بتوفية حقوق القوى كلها من كمالتها التي تقتضيها، حق الستعداد أو ً
ثم بتوفية حق الله تعالى من أداء الصفات إليه ،ثم أداء الوجود فتكونوا
فانين في التوحيد .فإذا رجعتم إلى البقاء بعد الفناء ،وحكمتم بين الناس،
كنتم قائمين في الشياء بالله ،قوامين بالقسط ،متصفين بعدل الله بحيث
ل يمكن صدور الجور منكم .وأقل الدرجات في العدل هو المحو في
الصفات ،إذ القائم بالنفس ل يقدر على العدل أبدا ً ( :إن الله كان
سميعا) بأقوالكم فيما بين الناس من المحاكمات ،هل هي صائبة بالحق أم
فاسدة بالنفس ؟ ( :بصيرا) بأعمالكم ،هل تصدر من صفات نفوسكم أو من
صفات الحق ؟.
(يا أيها الذين آمنوا) بتوحيد الصفات ( :أطيعوا الله) بتوحيد الذات والفناء
في الجمع ( :وأطيعوا الرسول) بمراعاة حقوق التفصيل في عين الجمع
وملحظة ترتيب الصفات بعد الفناء في الذات ( :وأولي المر منكم) ممن
استحق الولية والرياسة كما مر في حكاية طالوت( : .ألم تر) أي :تعجب
من ( :الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك) من علم التوحيد ( :وما أنزل
من قبلك) من علم المبدأ والمعاد ( :يريدون أن يتحاكموا إلى
الطاغوت) وهو ينافي ما ادعوه إذ لو كان إيمانهم صحيحا ً لما أثبتوا غيرا ً
حتى يكون له حكم ،فإنهم بحكم اليمان الحقيقي مأمورون بالكفر بغيره،
ومن لم ينسلخ عن صفاته وأفعاله ولم تنطمس ذاته في الله تعالى فهو
غيره ،ومن توجه إلى الغير فقد أطاع الشيطان ول يريد الشيطان بهم إل
الضلل البعيد الذي هو النحراف عن الحق بالشرك ،إذ الزيغ عن الدين هو
الضلل المبين] .تفسير سورة النساء من آية 64إلى آية ( : [56وما أرسلنا
من رسول إل ليطاع بإذن الله) الية ،الفرق بين الرسول والنبي هو :أن
الرسالة ،باعتبار تبليغ الحكام ( : :يا أيها الرسول بلغ) ]المائدة ،الية [67 :
والنبوة باعتبار الخبار عن المعارف والحقائق التي تتعلق بتفاصيل الصفات
والفعال .فإن النبوة ظاهر الولية التي هي الستغراق في عين الجمع
والفناء في الذات ،فعلمها علم توحيد الذات ومحو الفعال والصفات .فكل
ل ،وإن رسول نبي ،وكل نبي ولي ،وليس كل ولي نبيًا ،ول كل نبي مرس ً
كانت رتبة الولية أشرف من النبوة ،والنبوة من الرسالة كما قيل % :
)مقام النبوة في برزخ %دوين الولي وفوق الرسول( %فل يرسل
الرسول إل للطاعة ،إذ حكمه حكم الله باعتبار التبليغ فيجب أن يطاع ،ول
يطاع إل بإذنه ،فإن من حجب عنه بقصور الستعداد كالكافر الصلي
والشقي الحقيقي ،أو بالرين ومحو الستعداد كالمنافق ليس بمأذون له في
الطاعة في الحقيقة( : .ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) بمنعها عن حقوقها
التي هي كمالتها الثابتة فيها بالقوة ،وتكدير الستعداد بالتوجه إلى طلب
اللذات الحسية والغراض الفانية ( :جاؤوك) بالرادة التي هي مقتضى
استعدادهم ( :فاستغفروا الله) طلبوا من الله ستر صفات نفوسهم التي
هي مصادر تلك الفعال الحاجبة لما في استعدادهم بنور صفاته ( :واستغفر
لهم الرسول) بإمدادهم بنور صفاته التي هي صفات الله Uلرابطة الجنسية
التي بينهم وبين نفسه ،ومكان الرادة والمحبة التي تستلزم قربهم منه
وامتزاجهم به ( :لوجدوا الله توابا) مطهرًا ،مصفيا ً لستعدادهم بنوره ،إذ
قبول التوبة هو إلقاء نور الصفات عليهم ،وتنوير بواطنهم بهيئة نورية
تعصمهم من الخطأ في الفعال لبعد النور عن الظلمة ( :رحيما) يفيض
عليهم رحمة الكمال اللئق بهم من اليقان العلمي أو العيني أو الحقي( : .
فل وربك ل يؤمنون) اليمان الحقيقي التوحيدي ( :حتى يحكموك) لكون
حكمك حكم الله ،وإنما حجبت الذات بالصفات ،والصفات بالفعال ،فإذا
تشاجروا وقفوا مع صفاتهم محجوبين عن صفات الحق أو مع أفعالهم
محجوبين عن أفعال الحق ،فلم يؤمنوا حقيقة .فإذا حكموك انسلخوا عن
أفعالهم ،وإذا لم يجدوا في أنفسهم حرجا ً من قضائك انسلخوا عن إرادتهم
فصاروا إلى مقام الرضا ،وعن علمهم وقدرتهم فصاروا إلى مقام التسليم
فلم يبق لهم حجاب من صفاتهم واتصفوا بصفات الحق فانكشف لهم في
صورة الصفات فعلموا أنك هو قائم به ،ل بنفسك ،عادل بالحقيقة بعدله،
فتحقق إيمانهم بالله( .ولو أنا كتبنا) أي :فرضنا ( :عليهم أن اقتلوا
أنفسكم) بقمع الهوى الذي هو حياتها وإفناء صفاتها ( :أو اخرجوا من
دياركم) مقاماتكم التي هي الصبر والتوكل والرضا وأمثالها ،لكونها حاجبة
عن التوحيد كما قال الحسين بن منصور قدس الله روحه لبراهيم بن أدهم
رحمه الله ،لما سأله عن حاله ،وأجابه بقوله :أدور في الصحاري ،وأطوف
في البراري ،حيث ل ماء ول شجر ول روض ول مطر ،هل يصح حالي في
التوكل أم ل ؟ ،فقال :إذا أفنيت عمرك في عمران بطنك فأين الفناء في
التوحيد ؟( : .ما فعلوه إل قليل منهم) وهم :المحبون المستعدون للقائه،
الكثرون قدر القلون عددا ً كما قال تعالى ( : :وقليل ما هم) ]ص ،الية :
( : ،[24لكان خيرا لهم) بحسب كمالهم الحاصل لهم عند رفع حجب صفات
النفس بالتصاف بصفات الحق أو بالوصول إلى عين الجمع ( :وأشد
تثبيتا) بالستقامة في الدين عند البقاء بعد الفناء ( :وإذا لتيناهم من لدنا
أجرا عظيما) من تجليات الصفات عند قتل النفس ( :ولهديناهم صراطا
مستقيما) عند الخروج عن الديار ،أي :منازل النفس والمقامات ،وهو
طريق الوحدة والستقامة في التوحيد ( :ومن يطع الله) بسلوك طرق
التوحيد والجمع ( :والرسول) بمراعاة التفصيل ( :فأولئك مع الذين أنعم
الله عليهم) بالهداية ( :من النبيين والصديقين) الذين صدقوا بنسبة الفعال
والصفات إلى الله ،بالنخلع عن صفاتهم والتصاف بصفاته ولو ظهروا
بصفات نفوسهم لكانوا كاذبين ( :والشهداء) أي :أهل الحضور ( :
والصالحين) أي :أهل الستقامة في الدين( : .ذلك الفضل) أي :التوفيق
لتحصيل الكمال الذي ناسبوا به النبيين ومن معهم فرافقوهم( : .
عليمًا) يعلم ما في استعدادهم من الكمال فيظهره عليهم ( :خذوا
حذركم) أي :ما تحذرون من إلقاء الشيطان ووساوسه وإهلكه إياكم
بالغواء ،ومن ظهور صفات نفوسكم واستيلئها عليكم ،فإنها أعدى
عدوكم ( :فانفروا ثبات) اسلكوا في سبيل الله جماعات ،كل فرقة على
طريقة شيخ كامل عالم ( :أو انفروا جميعًا) في طريق التوحيد والسلم
على متابعة النبي ( :وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله) إلى آخره،
ثبت أنهم قدريون يضيفون الخيرات إلى الله والشرور إلى الناس ،يتشبهون
بالمجوس في الثبات ،مؤثرين مستقلين في الوجود ،وإضافتهم الشرور إلى
الرسول ل إلى أنفسهم كانت لنه باعثهم ومحرضهم على ما يلقون بسببه
الشر عندهم .فأمر الرسول eبدعوتهم إلى توحيد الفعال ونفي التأثير عن
الغيار والقرار بكونه فاعل الخير والشر بقوله ( : :قل كل من عند الله
فمال هؤلء القوم ل يكادون يفقهون حديثًا) لحتجابهم بصفات النفوس
وارتجاج آذان قلوبهم التي هي أوعية السماع والوعي .ثم بين أن لله فضل ً
ل ،فالخيرات والكمالت كلها من فضله ،والشرور من عدله ،أي :يقدرها وعد ً
علينا ويفعلها بنا لستعداد واستحقاق فينا يقتضي ذلك .وذلك الستحقاق
إنما يحدث من ظهور النفس بصفاتها وارتكابها المعاصي والذنوب الموجبة
للعقاب ل بفعل آخر كما نسبوا ما أصابهم من الشر إلى الرسول ،لن
الستحقاق مرتب على الستعداد ،ول يعرض ما يقتضيه استعداد أحد لغيره،
كما قال تعالى ( : :ول تزر وازرة وزر أخرى) ]النعام ،الية ،[164 :فكذبهم
وخطأهم في قدريتهم بإثبات أن :السبب الفاعلي للخير والشر ليس إل لله
وحده بمقتضى فضله وعدله .وأما السبب القابلي فهو وإن كان أيضا ً منه
في الحقيقة إل أن قابلية الخير هو من الستعداد الصلي الذي هو من
الفيض القدس الذي ل مدخل لفعلنا واختيارنا فيه ،وقابلية الشر من
الستعداد الحادث بسبب ظهور النفس بالصفات والفعال الحاجبة للقلب،
المكدرة لجوهره ،حتى احتاج إلى الصقل بالرزايا والمصائب والبليا
والنوائب ل من قبل الرسول أو غيره( .إن الذين توفاهم الملئكة) إلى
آخره ،التوفي هو :استيفاء الروح من البدن بقبضها عنه ،وهو على ثلثة
أوجه :توفي الملئكة ،وتوفي ملك الموت ،وتوفي الله .أما توفي الملئكة
فهو لصحاب النفوس وهم إما سعداء أهل الخير والصفات الحميدة
والخلق الحسنة من الصالحين المتقين ( :الذين تتوفاهم الملئكة طيبين
يقولون سلم عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ] )32النحل ،الية [32 :
فمعادهم إلى جنة الفعال .وإما أشقياء أهل الشر والصفات الرديئة
والخلق السيئة فل يقبض أرواحهم إل القوى الملكوتية التي هي للعالم
بمثابة قواهم التي هم في مقامها ،محتجبون بصفات النفس ولذات القوى
الخيالية والوهمية والسبعية والبهيمية من الكافرين ( : :الذين تتوفاهم
الملئكة ظالمي أنفسهم) ]النحل ،الية [28 :فمعادهم إلى النار .وأما
توفي ملك الموت فهو لرباب القلوب الذين برزوا عن حجاب النفس إلى
مقام القلب ،ورجعوا إلى الفطرة ،فتنوروا بنورها ،فتقبض أرواحهم النفس
الناطقة الكلية التي هي قلب العالم باتصالهم بها ،هذا إذا قبض أرواحهم
ملك الموت بنفسه ،أما إذا قبض بأعوانه وقواهم فهم الفريق الول .وقد
يقبض بنفسه ويذرهم في ملكوت العذاب حتى يحاسبوا ويعاقبوا بحسب
رذائلهم ويتخلصوا ،وذلك للكمال العلمي والنقصان العلمي كما خلص من
الجهل والشرك وتحلى بالعلم والتوحيد ،ولكن تراكمت على قلبه الهيئات
المظلمة والملكات الرديئة بسبب العمال السيئة والخلق الذميمة .وللعلم
بالتوحيد والجهل بالمعاد كالموحد المنكر للجزاء ،فينهمك في المعاصي كما
قال تعالى ( : :قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) ]السجدة ،الية :
.[11وأما توفي الله تعالى ،فهو للموحدين الذين عرجوا عن مقام القلب
إلى محل الشهود فلم يبق بينهم وبين ربهم حجاب ،فهو يتولى قبض
أرواحهم بنفسه ويحشرهم إلى نفسه ( :يوم نحشر المتقين إلى الرحمن
وفدا ] )85مريم ،الية ،[85 :كما قال تعالى ( : :الله يتوفى النفس حين
موتها) ]الزمر ،الية ( : .[42 :ظالمي أنفسهم) بمنعها عن حقوقها التي
اقتضتها استعداداتهم من الكمالت المودعة فيها ( :فيم كنتم) حيث قصرتم
في السعي لما قدرتم وفرطتم في جنب الله ،وقصرتم عن بلوغ كمالكم
الذي هيئ لكم وندبتم إليه ( :قالوا كنا مستضعفين) في أرض الستعداد
الذي جبلنا عليه باستيلء قوى النفس المارة وغلبة سلطان الهوى بشيطان
الوهم ،أسرونا في قيودهم ،وجبرونا على دينهم ،وأكرهونا على كفرهم( .
قالوا ألم تكن أرض الله واسعة) ألم تكن سعة استعدادكم بحيث تهاجروا
فيها من مبدأ فطرتكم خطوات يسيرة ،بحيث إذا ارتفعت عنكم بعض الحجب
انطلقتم عن أسر القوى وتخلصتم عن قيود الهوى ،وتقويتم بإمداد أعوانكم
القوى الروحانية ،ونصرتم بأنوار القلب ،فخرجتم عن القرية ،الظالم أهلها،
التي هي مدينة النفس إلى بلد القلب الطيبة ،فتداركتكم رحمة ربكم
الغفور ( :فأولئك مأواهم جهنم) نفوسهم الشديدة التوقان مع حصول
الحرمان ( :وساءت مصيرا إل المستضعفين من الرجال) أي :أقوياء
الستعداد الذين قويت قواهم الشهوية والغضبية مع قوة استعدادهم فلم
يقدروا على قمعها في سلوك طريق الحق ولم يذهبوا لقواهم الوهمية
والخيالية ،فيبطلوا استعداداتهم بالعقائد الفاسدة فبقوا في أسر قواهم
البدنية مع تنور استعدادهم بنور العلم وعجزهم عن السلوك برفع القيود ( :
والنساء) أي :القاصرين الستعداد عن درك الكمال العلمي ،وسلوك طريق
التحقيق ،الضعفاء القوى والحلم ،الذين قال في حقهم ' :أكثر أهل الجنة
البله '( : .والولدان) أي :الناقصين القاصرين عن بلوغ درجة الكمال لغيرة
تلحقهم من قبل صفات النفس ( :ل يستطيعون حيلة) لعدم قدرتهم
وعجزهم عن كسر صفات النفس وقمع الهوى بالرياضة ( :ول يهتدون
سبيل) لعدم علمهم بكيفية السلوك وحرمانهم عن نور الهداية الشرعية ( :
فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) بمحو تلك الهيئات المظلمة لعدم
رسوخها وسلمة عقائدهم ( :وكان الله عفوا) العفو عن الذنوب ما دامت
الفطرة لم تتغير ( :غفورا) يستر بنور صفاته صفات نفوسهم] .تفسير
سورة النساء آية ( : [100ومن يهاجر) أي مقار النفس المألوفة في سبيل
طريق الحق بالعزيمة ( :يجد) في أرض استعداده مهاجر ومساكن ومنازل
كثيرة فيها رغم أنوف قوى نفسه الوهمية والخيالية والبهيمية والسبعية
وإذللها ( :وسعه) وانشراحا ً في الصدر عند الخلص من ضيق صفات النفس
وأسر الهوى ( :ومن يخرج) من المقام الذي هو فيه سواء كان مقر
استعداده الذي جبل عليه أو منزل ً من منازل النفس أو مقاما ً من مقامات
القلب ( :مهاجرا إلى الله) بالتوجه إلى توحيد الذات ( :ورسوله) بالتوجه
إلى طلب الستقامة في توحيد الصفات ( :ثم يدركه) النقطاع قبل
الوصول ( :فقد وقع أجره على الله) بحسب ما توجه إليه ،فإن المتوجه إلى
السلوك له أجر المنزل الذي وصل إليه ،أي :المرتبة من الكمال الذي حصل
له إن كان ،وأجر المقام الذي وقع نظره عليه وقصده .فإن ذلك الكمال وإن
لم يحصل له بحسب الملك والقدم لكنه اشتاق إليه بحسب القصد والنظر،
فعسى أن يؤيده التوفيق بعد ارتفاع الحجب بالوصول إليه ( :وكان الله
غفورا) يغفر له ما يمنعه عن قصده من الموانع ( :رحيما) يرحمه ،بأن يهب
له الكمال الذي توجه إليه ووقع نظره عليه] .تفسير سورة النساء من آية
101إلى آية [104وإذا سافرتم في أرض الستعداد بالطريق العلمي لطلب
اليقين ( :فليس عليكم جناح أن تقصروا) أي :تنقصوا من العمال البدنية
وأداء حقوق العبودية من الشكر والحضور ،لقوله عليه ' : eمن أوتي حظه
من اليقين فل يبالي بما انتقص من صلته وصومه '( : .إن خفتم أن
يفتنكم) أي :يغويكم ويضلكم ( :الذين كفروا) أي :حجبوا من قوى الوهم
والتخيل وشياطين النس الضالين المضلين لما علم من قوله ' : eلفقيه
واحد أشد على الشيطان من ألف عابد '] .تفسير سورة النساء من آية 105
إلى آية ( : [108أنا أنزلنا عليك الكتاب) أي :علم تفاصيل الصفات وأحكام
تجلياتها بالحق ملتبسا ً بالعدل والصدق أو قائما ً بالحق ل بنفسك لتكون
حاكما ً بين الخلق ( :بما أراك الله) من عدله ( :ول تكن للخائنين) الذين ل
يؤدون أمانة الله التي أودعها عندهم في الزل بما ركز في استعدادهم من
إمكان كمال معرفته وخانوا أنفسهم وغيرهم بنهب
حقوقهم وصرفها في غير وجهها ( :خصيما) يدفع عنهم العذاب وتسليط
الله الخلق عليهم باليذاء ويحتج عنهم على غيرهم أو على الله بالعتراض
بأنه لم خذلهم وقهرهم فإنهم الظالمون ل حجة لهم بل الحجة عليهم ( :
واستغفر الله) لنفسك بترك العتراض والحتجاج عنهم لنغفر تلوينك الذي
ظهر عليك بوجود قلبك وبصفاته ( :ول تجادل) ظهر تأويله من هذا ( :
يستخفون من الناس) بكتمان رذائلهم وصفات نفوسهم التي هي معايبهم
عنهم ( :ول يستخفون من الله) بإزالتها وقلعها وهو شاهدهم يعلم
بواطنهم ( :إذ يبيتون) أي :يقدرون في عالم ظلمة النفس والطبيعية ( :ما
ل يرضى من القول) من الوهميات والتخيلت الفاسدة التي يلفقونها في
تحصيل أغراضهم من حطام الدنيا ولذاتها ( :وكان الله بما يعملون
محيطا) يجازيهم بحسب صفاتهم وأعمالهم] .تفسير سورة النساء من آية
109إلى آية ( : [112ها أنتم هؤلء) ظاهر مما مر ( :ومن يعمل
سوءا) بظهور صفة من صفات نفسه ( :أو يظلم نفسه) بنقص شيء من
كمالته التي هي مقتضى استعداده بتقصير فيه وارتكاب عمل ينافيه ثم
يطلب من الله ستر تلك الصفة والهيئة الساترة لكماله بالتوجه إليه
والتنصل عن الذنب ( :يجد الله غفورا) يستر ذلك السوء والهيئة المظلمة
بنور صفته ( :رحيما) يهب ما يقتضيه استعداده( : .ومن يكسب
خطيئة) بظهور نفسه ( :أو إثما) يمحو ما في استعداده وكسب هيئة منافية
لكماله ( :ثم يرم به بريئا) بأن قال :حملني على ذلك فلن ،ومنعني عن
طلب الحق فلن ،وهذا جريمة فلن ،كما هو عادة المتعللين بالعذار ( :فقد
احتمل بهتانا) بنسبة فعله إلى الغير إذ لو لم يكن في نفسه ميل لما يضاد
كماله ومناسبة لمن وافقه وأطاعه لما قبل ذلك منه ،فما كان إل من قبل
نفسه كما قال لهم الشيطان ( : :إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم
فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لي فل
تلوموني ولوموا أنفسكم) ]إبراهيم ،الية [14 :إذ لو لم يكن في نفوسهم
ظلمة بكسبها وظهور صفاتهم لم يكن فيهم محل لوسوسته وقابلية لدعوته
( :وإثما مبينا) ظاهرا ً متضاعفا ً لتركبه من هيئة الخطيئة والمتناع من
العتراف ،ونسبة التقصير إلى أنفسهم لتنكسر فتضعف عن الستيلء على
القلب وحجبه عن الكمال( .ولول فضل الله عليك) أي :توفيقه وإمداده
لسلوك طريقه بما يخرج كمالك إلى الفعل ويبرز ما فيك كامنا ً من العلم ( :
ورحمته) هبته لذلك الكمال المطلق الذي أودعه فيك في الزل وهي الرحمة
التي ليس وراءها رحمة ( :وما يضلون إل أنفسهم) لكون الضلل ناشئا ً من
أصل استعدادهم لكونهم مجبولين على الشقاوة أزل ً فكيف يرجع ذلك
الضلل المعجون فيهم إلى غيرهم( : .وأنزل الله عليك الكتاب) أي :العلم
التفصيلي التام بعد الوجود الموهوب ( :والحكمة) وعلم أحكام التفاصيل
وتجليات الصفات مع العمل به ( :وعلمك ما لم تكن تعلم) لنه علم الله ل
يعلمه إل هو ،فلما كشف لك عن ذاته بفنائك فيه ثم أبقاك بالوجود الحقاني
فصار قلبك وحجبك بحجاب ذلك القلب علمك علمه ،إذ الصفة تابعة
للذات ( :وكان فضل الله) في إظهار هذا الكمال عليك بالتوفيق للعمل الذي
أوصلك إلى ما أوصلك ( :عظيما) ( :ل خير في كثير من نجواهم) فإنها
فضول ،والفضول يجب تركها على السالك كما قال عليه ' : eمن حسن
إسلم المرء تركه ما ل يعنيه '( : .إل من أمر) أي :إل نجوى من أمر ( :
بصدقة) أي :بفضيلة السخاء التي هي من باب العفة ( :أو معروف) قولي
كتعليم علم وحكمة من باب فضيلة الحكمة ،أو فعلي كإغاثة ملهوف وإعانة
مظلوم من باب الشجاعة ( :أو إصلح بين الناس) من باب العدالة ( :ومن
يفعل ذلك) أي :يجمع بين الكمالت المذكورة ( :ابتغاء مرضات الله) ل
لطلب المحمدة أو الرياء والسمعة ،فتصير به الفضيلة رذيلة ( :فسوف نؤتيه
أجرا عظيما) من جنات الصفات( .إن يدعون من دونه إل إناثا) أي :نفوسًا،
إذ كل من يشرك بالله فهو عابد لنفسه بطاعة هواها ،وعابد لشيطان الوهم
بقبول إغوائه وطاعته ،أو كل ما يعبد من دون الله لنه ممكن وكل ممكن
فهو متأثر عن الغير قابل لتأثيره محتاج إليه وهي صفة الناث ( :نصيبا
مفروضا) أي :غير المخلصين الذين أخلصوا دينهم بالتوحيد ( :
ولمرنهم) بالعادات الفاسدة والهواء المردية والفعال الشنيعة المخالفة
للعقل والشرع ( :والذين آمنوا) اليمان الحقيقي التوحيد ،لنهم في مقابلة
المشركين ( :وعملوا) ما يصلح لهم في الوصول إلى الجمع أو يصلح للناس
أجمعين بالستقامة في الله وبالله بعد الفناء وحصول البقاء ( :
سندخلهم) الجنات الثلثة المذكورة ( :ليس) حصول الموعود ( :بأمانيكم ول
أماني أهل الكتاب) أي :ما بقيتم مع نفوسكم وصفاتها وأفعالها ،فإرادتكم
مجرد تمن والتمني طلب ما يمتنع وجوده في العادة( : .ومن أحسن دينا) أي
طريقا ً ( :ممن أسلم وجهه) أي :وجوده ( :لله) وأخلص ذاته من شوب النية
والثنينية بالفناء المحض ( :وهو محسن) مشاهد للجمع في عين التفصيل،
مراع لحقوق تجليات الصفات وأحكامها ،سالك طريق الحسان بالستقامة
في العمال ( :واتبع ملة إبراهيم) في التوحيد ( :حنيفا) مائل ً عن كل شرك
في ذاته وصفاته وأفعاله ،وعن كل دين باطل ،أي :طريق يؤدي إلى إثبات
فعل لغيره أو صفة أو ذات ،إذ دينه دين الحق ،أعني :سيره حينئذ سير إلى
الله ل سير في الله بسلوك طريق الصفات ،ول إلى الله بقطع صفات
النفس ومناهل صفات القلب ،فل دين أحسن منه دينه( : .واتخذ الله
إبراهيم خليل) يخاله ،أي :يداخله في خلل ذاته وصفاته بحيث ل يذر منها
بقية ،أو يسد خلله ويقوم بدل ما يفنى منه عند تكميله وفقره إليه.
فالخليل وإن كان أعلى مرتبة من الصفي ،لكنه أدون من الحبيب ،لن
الخليل محب يوشك أن يتوهم فيه بقية غيرية ،والحبيب محبوب ل يتصور
فيه ذلك .ولهذا ألقي في نار العشق دونه( .من كان يريد ثواب
الدنيا) بالوقوف مع هوى النفس فما له يطلب أخس الشياء ويقف في
أدنى المراتب ( :فعند الله ثواب) الدارين جميعًا ،بالفناء فيه لنه الوجود
المحيط بالكل فل يفوته شيء ( :وكان الله سميعا) بأحاديث نفوسكم ( :
بصيرا) بنياتكم وإرادتكم بأعمالكم ( :يا أيها الذين آمنوا) بالتوحيد العلمي
وإرادة ثواب الدارين ( :كونوا) ثابتين في مقام العدالة التي هي أشرف
الفضائل ( :قوامين) بحقوقها بحيث تكون ملكة راسخة فيكم ل يمكن معها
صدور جور وميل منكم في شيء ،ول ظهور صفة نفس لتباع هوى في
جذب نفع دنيوي أو دفع مضرة( : .يا أيها الذين آمنوا) باليمان التقليدي ( :
آمنوا) باليمان التحقيقي أو آمنوا باليمان العلمي ،أو آمنوا باليمان
العيني( : .إن الذين آمنوا ثم كفروا) إلى آخره ،أي :تحيروا وترددوا بين
جهتي الربوبية العلوية والسفلية لشدة النفاق وغلبة نور الفطرة تارة
واستيلء ظلمة النفس والهوى أخرى ،لستواء الحالتين فيهم حتى
استحكمت الهيئات المظلمة وازدادت الحجب ورسخت العقائد الفاسدة
والملكات الكاسدة باستيلء صفات النفس واستعلئها مطلقا ً فرانت على
قلوبهم ( :ما كان الله ليغفر لهم) لمكان الرين الحاجب وفساد جوهر القلب
وزوال الستعداد ( :ول ليهديهم سبيل) إلى الحق ول إلى الكمال ول إلى
الفطرة الصلية لعدم قبولهم الهداية وصرف عذابهم باليلم لمكان
استعدادهم في الصل( : .الذين يتخذون الكافرين أولياء) لمناسبتهم إياهم
في الحتجاب ( :من دون المؤمنين) لعدم الجنسية ( :أيبتغون) التعزز بهم
في الدنيا والتقوي بمالهم وجاههم فل سبيل إلى ذلك ،وهم قد أخطأوا لن
العزة كلها صفة من صفات الله تعالى منيع القوى والقدر ،له قوة القهر
والغلبة للكل فبقدر القرب منه وقبول نوره وقوته والتصاف بصفاته تحصل
العزة فهي بأهل اليمان أولى وأهل الحجاب والكفر بالزلة أولى ) %قاموا
كسالى) لعدم شوقهم إلى الحضور ونفورهم عنه لظلمة استعدادهم
باستيلء الهوى( .ل تتخذوا الكافرين أولياء) لئل يتعدى إليكم كفرهم
واحتجابهم بالصحبة والمخالطة فإنه ل شيء أقوى تأثيرا ً من الصحبة والميل
إلى وليتهم ل يخلو عن جنسية بينهم لوجود هوى كامن فيهم وضراوة
بعادة رديئة تشملهم ل يؤمن عليهم الوقوع في الكفر بغلبة الهوى
والنفس( : .سلطانا مبينا) حجة ظاهرة في عقابكم برسوخ الهيئة التي بها
تميلون إلى وليتهم بصحبتهم ومجالستهم ( :في الدرك السفل) باعتبار
زيادة عذابه وشدة إيلمه وإحراقه ل باعتبار كونه أدون مرتبة ،إذ تأثير النار
في المنافق أشد وأكثر إيلما ً لبقية استعداد فيه .وأما الكافر الصلي البهيم
فلعدم استعداده ل يتألم بعذابه كما يتألم المنافق وإن كان أسوا حال ً منه
وأعظم عذابا ً وهوانا ً ( :نصيرا) ينصرهم من عذاب الله لنقطاع وصلتهم
وارتفاع محبتهم مع أهل الله ( :إل الذين تابوا) رجعوا إلى الله ببقية نور
الستعداد وقبول مدد التوفيق ( :وأصلحوا) ما أفسدوا من استعدادهم بقمع
الهوى وكسر صفات النفس ورفع حجب القوى بالزهد والرياضة ( :
واعتصموا بالله) بالتمسك بحبل الرادة وقوة العزيمة في التوجه إليه ( :
وأخلصوا دينهم لله) بإفناء موانع السلوك من صفات النفس وإزالة خفاء
الشرك وقطع النظر عن الغير في السير ( :فأولئك مع المؤمنين) الموقنين
( :أجرا عظيما) من مشاهدة تجليات الصفات وجنة الفعال( : .إن الذين
يكفرون) يحتجبون عن الحق والدين وعن الجمع والتفصيل ( :ويريدون أن
يفرقوا بين الله ورسله) بالحتجاب عن الدين دون الحق والتفصيل دون
الجمع ،فينكرون الرسل لتوهمهم وحدة منافية للكثرة وجمعا ً مباينا ً
للتفصيل ،وذلك هو إيمانهم بالبعض وكفرهم بالبعض( : .ويريدون أن
يتخذوا) بين اليمان بالكل جمعا ً وتفصيل ً والكفر بالكل طريقا ً ( :أولئك هم
الكافرون) المحجوبون ( :حقا) بذواتهم وصفاتهم فإن معرفتهم وهم وغلط
وتوحيدهم زندقة ليسوا من الدين ول من الحق في شيء ( :مهينا) يهينهم
بوجود الحجاب وذل النفس وصفاتها( .والذين آمنوا بالله ورسله) جمعا ً
وتفصيل ً ( :أجورهم) من الجنات الثلثة ( :وكان الله غفورا) يستر عنهم
ذواتهم وصفاتهم التي هي ذنوبهم وحجبهم بذاته وصفاته ( :
رحيما) يرحمهم بتمتيعهم بالجنات الثلثة وبالوجود الموهوب الحقاني
والبقاء السرمدي ( :كتابا من السماء) علما ً يقينيا ً بالمكاشفة من سماء
الروح ( :أكبر من ذلك) لن المشاهدة أكبر وأعلى من المكاشفة ( :
بظلمهم) بطلبهم المشاهدة مع بقاء ذواتهم إذ وجود البقية عند المشاهدة
وضع الشيء في غير موضعه وطلب المشاهدة مع البقية طغيان من النفس
ينشأ من رؤيتها كمالت الصفات لنفسها وذلك ظلم ( :سلطانا) تسلطا ً
بالحجة عليهم بعد الفاقة ( :بل رفعه الله إليه) إلى قوله ( :ليؤمنن به) رفع
عيسى uاتصال روحه عند المفارقة عن العالم السفلي بالعالم العلوي.
وكونه في السماء الرابعة إشارة إلى أن مصدر فيضان روحه روحانية تلك
الشمس الذي هو بمثابة قلب العالم ومرجعه إليه وتلك الروحانية نور يحرك
ذلك الفلك بمعشوقيته وإشراق أشعته على نفسه المباشرة لتحريكه ولما
كان مرجعه إلى مقره الصلي ولم يصل إلى الكمال الحقيقي وجب نزوله
في آخر الزمان ،بتعلقه ببدن آخر وحينئذ يعرفه كل أحد فيؤمن به أهل
الكتاب ،أي :أهل العلم العارفين بالمبدأ والمعاد كلهم عن آخرهم قبل موت
عيسى بالفناء في الله ،وإذ آمنوا به يكون يوم القيامة أي يوم بروزهم عن
الحجب الجسمانية وقيامهم عن حال غفلتهم ونومهم الذي هم عليه الن ( :
شهيدا) شاهدهم يتجلى عليهم الحق في صورته كما أشير إليه( .
فبظلم) عظيم ( :من الذين هادوا) أي :بعباداتهم عجل النفس واتخاذه إلها ً
وامتناعهم عن دخول القرية التي هي حضرة الروح واعتدائهم في السبت
بمخالفة الشرع والحتجاب عن كشف توحيد الفعال ونقضهم ميثاق الله
واحتجابهم عن تجليات الصفات الذي هو كفرهم بآيات الله والنغماس في
الرذائل كلها ،كقتل النبياء والفتراء على الله بكون قلوبهم غلفا ً أي :
مغشاة بحجب خلقية ل سبيل إلى رفعها وبهتانهم على مريم ،وادعائهم
قتل عيسى uمن الخصال التي اجتماعها ظلم ل يعرف كنهه ( :حرمنا
عليهم طيبات) جنات النعيم من تجليات الفعال والصفات وشهود الذات
التي هي طيبات ل يعرف كنهها ( :أحلت لهم) بحسب قابلية استعدادهم لول
هذه الموانع ( :وبصدهم) الناس بصحبتهم ومرافقتهم ودعوتهم إلى الضلل
أو بصد قواهم الروحانية ( :عن سبيل الله وأخذهم) ربا فضول العلوم
كالخلف والجدل واللذات البدنية والحظوظ التي نهوا عنها ( :وأكلهم أموال
الناس بالباطل) برذيل الحرص والطبع كأخذ الرشا وأجر التزويرات
والتلبيسات أو استعمال علوم القوى الروحانية بين الفكر والعقل النظري
والعلمي في تحصيل المآكل والمشارب وكسب الحطام ،وتحصيل اللذات
والشهوات الحسية والمآرب السبعية والبهيمية عذابا ً مؤلما ً لوجود
استعدادهم( : .لكن الراسخون في العلم) أي :المحققون ( :منهم
والمؤمنون) باليمان التقليدي المطابق الثابت ( :يؤمنون بما أنزل
إليك) إلى آخره ،أي :يتصفون بالتزكية والتحلية ( :والمؤمنون) الموحدون
بالتوحيد العياني ( :واليوم الخر) المعاينون لحوال المعاد على ما هو
عليه ( :أجرا عظيما) من حظوظ تجليات الصفات وجناتها( : .رسل مبشرين)
بتجليات صفات اللطف ( :ومنذرين) بتجليات صفات القهر ( :لئل يكون
للناس على الله حجة) ظهور وسلطنة بوجود صفة ما بعد رفعها ومحوها
بإمداد الرسل ( :وكان الله عزيزا) قويا ً يقهرهم بمحو صفاتهم وإفناء
ذواتهم ( :حكيما) ل يفعل ذلك إل بحكمة اتصافهم بصفاته أو بقائهم
بذاته( .لكن الله يشهد بما أنزل إليك) لكونك في مقام الجمع وهم
محجوبون ل يقرون به بل هو يشهد ( :أنزله بعلمه) ملتبسا ً بعلمه ،أي :في
حالة كونه عالما ً به بحيث إنه علمه الخاص ل علمك ول علم غيرك من
غيره( : .والملئكة يشهدون) لكونك مراعيا ً للتفصيل في غير الجمع فهو
الشاهد بذاته وبأسمائه وصفاته ( :وكفى بالله شهيدا) أي :الذات مع
الصفات تكفي في الشهادة إذ ل موجود غيره ( :كفروا) حجبوا عن الحق
لكون ضللهم بعيدا ً ( :إن الذين كفروا) حجبوا عن الدين ( :وظلموا) منعوا
استعداداتهم عن حقوقها من الكمال بارتكاب الرذائل وتسليط صفات
النفس على قلوبهم ( :لم يكن الله ليغفر لهم) لرسوخ هيئات الرذائل فيهم
وبطلن الستعداد ( :ول ليهديهم طريقا) لجهلهم المركب واعتقادهم
الفاسد وعدم علمهم بطريق ما من طرق الكمال ( :إل طريق جهنم) نيران
أشواق نفوسهم إلى ملذها مع حرمانهم عنها ( :وكان ذلك) سهل ً على الله
لنجذابهم إليها بالطبيعة .تفسير سورة النساء من آية 171إلى آية
( : [173يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم) أما اليهود فبالتعمق في الظاهر
ونفي البواطن وحط عيسى عن درجة النبوة ومقام التصاف بصفات
الربوبية .وأما النصارى فبالتعمق في البواطن ونفي الظواهر ورفع عيسى
إلى مقام اللوهية ( :ول تقولوا على الله إل الحق) بالجمع بين الظواهر
والبواطن والجمع والتفصيل كما هو عليه التوحيد المحمدي ،والقول :بكون
عيسى مظهر الصفات اللهية ،حيا بحياته داعيا ً إلى مقام توحيد الوصاف
و ( :كلمته) نفسا ً مجردة هي كلمة من كلمات الله ،أي :حقيقة من حقائقه
الروحانية وروحا ً من أرواح ( :فآمنوا بالله ورسله) بالجمع والتفصيل ( :ول
تقولوا ثلثة) بزيادة الحياة والعلم على الذات ،فيكون الله ثلثة أشياء
ويكون عيسى جزء من حياته بالنفخ أو بالتفرقة بين ذات الحق وعالم النور
وعالم الظلمة ،فيكون عيسى متولدا ً من نوره .بل قولوا بالكل من حيث هو
كل فيكون العلم والحياة عين الذات وكذا عالم النور والظلمة .ويكون
عيسى فانيا ً فيه موجودا ً بوجوده ،حيا ً بحياته ،عالما ً بعلمه ،وذلك وحدته
الذاتية المعبر عنها بقوله ( :إنما الله إله واحد سبحانه) نزهه عن أن يكون
موجود غيره ،فيتولد منه وينفصل ويجانسه بأنه موجود مثله ،بل هو
الموجود من حيث هو وجود( : .له ما في السماوات) الرواح ( :
والرض) الجساد بكونها أسماءه وظاهره وباطنه ( :وكيل) يقوم مقام
الخلق في أفعالهم وصفاتهم وذواتهم عند فنائهم في التوحيد ،كما قال
أمير المؤمنين علي ' : uل إله إل الله بعد فناء الخلق '( : .لن يستنكف
المسيح أن يكون عبدا لله) في مقام التفصيل ،إذ باعتبار الجمع ل وجود
ل .وأما باعتبار التفصيل فكل ما ظهر بتعين للمسيح ول لغيره فل ممكن أص ً
فهو ممكن ،والممكن ل وجود له بنفسه فضل ً عن شيء غيره فيكون عبدا ً
محتاجا ً ذليل ً مفتقرا ً غير مستنكف عن ذلة العبودية وإن كان غنيا ً عن تعلق
الجسام بالتجرد المحض والتقدس عن دنس الطبائع كالملئكة المقربين
الذين هم الرواح المجردة والنوار المحضة ( :ومن يستنكف عن
عبادته) بظهور أنيته ( :ويستكبر) بطغيانه في الظهور بصفاته ( :
فسيحشرهم إليه جميعا) بظهور نور وجهه وتجليه بصفة قاهريته حتى يفنوا
بالكلية في عين الجمع ،كما قال تعالى ( : :لمن الملك اليوم لله الواحد
القهار) ]غافر ،الية ،[9 :وقال النبي ' : eإن لله تعالى سبعين ألف حجاب
من نور وظلمة ،لو كشفها لحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من
خلقه '( : .فأما الذين آمنوا) بالفناء في عين الجمع بمحو الصفات وطمس
الذات ( :وعملوا الصالحات) بالستقامة في العمال ومراعاة تفاصيل
الصفات وتجلياتها ( :فيوفيهم أجورهم) وصفاتهم من جنات صفاته ( :
ويزيدهم من فضله) بالوجود الموهوب بعد الفناء في الذات ( :وأما الذين
استنكفوا) بظهور أنيتهم ( :واستكبروا) طغوا عند تجليات الصفات وتنورهم
بنورها ،فظهروا بها ونسبوها إلى أنفسهم كمن قال :أنا ربكم العلى( .
فيعذبهم عذابا أليما) باحتجابهم ببقايا ذواتهم وصفاتهم وحرمانهم عن
مقام الجمع ( :ول يجدون) غير الله ( :وليا) يواليهم برفع حجاب الذات ( :
ول نصيرا) ينصرهم في رفع حجاب الصفات البرهاني وهو التوحيد الذاتي
والنور المبين وهو التفصيل في عين الجمع ،أي :القرآن الذي هو علم
الجمع والفرقان الذي هو علم التفصيل] .تفسير سورة النساء من آية 174
إلى آية ( : [176فأما الذين آمنوا) بالتوحيد الذاتي واعتصموا به أي :في
كثرة الصفات وتفرقها وراعوا الجمع في التفاصيل ( :فسيدخلهم في
رحمة) من جنات الصفات التي ل يعرف كنهها ( :وفضل) من جنات
الذات ( :ويهديهم إلى صراطا ً مستقيمًا) بالستقامة إلى الوحدة في
تفاصيل الكثرة أو رحمة من جنات الفعال وفضل من جنات الصفات( : ،
ويهديهم إليه صراطا مستقيما) من تفاصيل الصفات إلى الفناء في الذات،
والول أولى بهذا المقام ،ولك التطبيق على تفاصيل وجودك وأحوالك في
نفسك حيث أمكن من هذه السورة على القاعدة التي مرت في سورة )آل
عمران( والله تعالى أعلم.
)سورة المائدة(
)بسم الله الرحمن الرحيم(
]تفسير سورة المائدة من آية 1إلى آية ( : [2يا أيها الذين آمنوا) باليمان
العلمي ( :أوفوا بالعقود) أي :العزائم التي أحكمتموها في السلوك.
والفرق بين العهد والعقد ههنا :أن العهد هو إيداع التوحيد فيهم في الزل
كما مر ،والعقد هو إحكام عزائم التكليف عليهم ليتأدى بهم إلى اليفاء بما
عاهدوا عليه .فالعهد سابق والعقد لحق ،فكل عزيمة على أمر يوجب إخراج
ما في الستعداد بالقوة إلى الفعل عقد بينه وبين الله يجب الوفاء به
والمتناع عن نقضه بفتور أو تقصير ( :أحلت لكم) جميع أنواع التمتعات
والحظوظ بالنفوس السليمة التي ل تغلب عليها السبعية والشره ،كالنفوس
التي هي على طباع النعام الثلثة ( :إل ما يتلى عليكم) من التمتعات
المنافية للفضيلة والعدالة فإنها منهي عنها لحجبها عن الكمال الشخصي
والنوعي ( :غير محلي الصيد وأنتم حرم) أي :ل متمتعين بالحظوظ في
تجريدكم للسلوك وشروعكم في الرياضة عند السير إلى الله لطلب
الوصول فإنه يجب حينئذ القتصار على الحقوق ،إذ الحرام في الظاهر
صورة الحرام الحقيقي للسالكين في طريق كعبة الوصال ،والقاصدين
لدخول الحرم اللهي وسرادقات صفات الجلل والكمال ( :إن الله يحكم ما
يريد) على من يريده من أوليائه( : .ل تحلوا شعائر الله) من المقامات
والحوال التي يعلم بها حال السالك في سلوكه كالصبر والشكر والتوكل
والرضا وأمثالها ،أي :ل ترتكبوا ذنوب الحوال ول تخرجوا عن حكم
المقامات فإنها شعائر دين الله الخالص .وكما أن المواضع المعلومة
المعلمة بما يفعل فيها كالمطاف والمسعى والمنحر وغيرها والفعال
المعلومة في الحج شعائر يشعر بها الحاج .فهذه المقامات والمراتب
والحوال شعائر يشعر بها حال السالك وكما أنه ل يجوز في ظاهر الشرع
تغييرها عن موضعها والخروج عن حكمها فكذلك هذه في شرع المحبين كما
يحكى عن أحدهم أنه كان يتكلم في الصبر فدب عقرب على ساقه وأخذت
تضربه وهو على حاله ل ينحيها فسئل عنه فقال :أستحي من أن أتكلم في
مقام وأنا أفعل ما ينافيه ( :ول الشهر الحرام) أي :وقت الحرام بالحج
الحقيقي وهو وقت السلوك والوصول بالخروج عن حكمه والشتغال بما
ينافيه ويصده عن وجهته ويثبطه في سيره ( :ول الهدي) ول النفس
المستعدة المعدة للقربان عند الوصول إلى فناء الحضرة اللهية على ما
أشير إليه باستعمالها في شغل يصرفها عن طريقها أو يضعفها أو حمل
فوق طاقتها من الرياضة ،فينقطع دون البلوغ إلى المحل ( :ول القلئد) ول
ما قلدته النفس من شعار أهل السلوك والسنن والعمال الظاهرة بتركها
وتغييرها عن وضعها ( :ول آمين البيت الحرام) ول القاصدين المجدين في
السلوك المجتهدين بتغيرهم ومنعهم عن الرياضة وإيهان عزائمهم
بالمخالطة وتقليل السعي وإيهامهم أنه ل حاجة بهم إليه وشغلهم بما
يصدهم أو يكسلهم ( :يبتغون فضل من ربهم) بتجليات الفعال ( :
ورضوانا) بتجليات الصفات( : .وإذا حللتم) بالرجوع إلى البقاء بعد الفناء
والستقامة ( :فاصطادوا) أي :فل حرج عليكم في الحظوظ بل ربما كان
تمتيع النفس بالحظوظ إعانة لها في مشاهداتها ومكاشفاتها لشرفها
وذكائها وشدة صفائها ( :ول يجرمنكم شنآن قوم) إلى آخره ،أي :ل
يكسبنكم بعض القوى النفسانية المانعة عن سلوككم أن تقهروها بالكلية
بمنعها عن الحقوق التي تقوم بها فتبطلوها أو تضعفوها عن منافعها وما
يحتاج إليه من أفعالها بسبب صدها إياكم ،فإن وبال ذلك عائد إليكم .أو
عداوة قوم من أهليكم وأقاربكم وأصدقائكم بسبب منعهم إياكم عن
التجريد والرياضة في السلوك ( :أن تعتدوا) عليهم بإضرارهم ومقتهم
وإرادة الشر بهم فإنه أضر بكم في السلوك من منعهم إياكم ( :وتعاونوا
على البر والتقوى) بتدبير تلك القوى وسياستها بالحسان إليها بحقوقها
ومنعها من حظوظها أو بمراعاة الهلين والقارب والصدقاء بمواساتهم
والحسان إليهم ،والمعروف في حقهم مع مخالفتهم إلى ما يمنعكم عنه
والجتناب عن ذلك ،كما قال تعالى ( : :فل تطعهما وصاحبهما في الدنيا
معروفا) ]لقمان ،الية ( : ،[15 :واتقوا الله) واجعلوه وقاية لكم في هذه
المور واحذروه في خلفها ( :أن الله شديد العقاب) يعاقبكم بالصد
والحرمان .تفسير سورة المائدة آية ( 3حرمت عليكم الميتة) هذه هي
المور المستثناة من أنواع التمتعات المحللة ،وهي الميتة أي :خمود
الشهوة التي هي رذيلة التفريط المنافية للعفة كالخنوثة والعجز عن
القدام على القدر الضروري من التمتعات والتمتع بفقدان اعتدال القوة
الشهوانية على ما يفعله الخناثى وبعض المغزلين والمتقشفين والمتزهدين
بالطبع ،القاصرين عن السلوك لنقصان الستعدادات ( :والدم) أي :التمتع
بهوى النفس في العمال فإن مزج الهوى وشوبه يفسد العمال كلها ( :
ولحم الخنزير) ووجوه التمتعات الحاصلة بالحرص والشره ،فإن قوة الحرص
أخبث القوى وأسدها لطرق الكمال والنجاة ( :وما أهل لغير الله به) أي :
الرياضات والعمال بالرياء وكل ما يفعل لغير الله .فإن كسر النفس
وقمعها ومخالفتها ل يكون فعل ً جميل ً وفضيلة ومعينا ً في السلوك إل إذا
كان لله ،فأما إذا كان لغير الله فهو شرك والشرك أكبر الكبائر ( :
والمنخنقة) أي :حبس النفس عن الرذائل ومنعها عن القبائح بحصول صور
الفضائل وصدور الفعال الحسنة صورة من كمون الهوى فيها .فإن الفعال
النفسية إنما تحسن بقمعها وقهرها لله وخروج الهوى الذي هو قوتها
وحياتها عنها وقيامها بإرادة القلب كخروج الدم الذي هو قوة الحيوان
وحياته منه بذبحه لله ( :والموقوذة) أي :صدور الفضائل في الظاهر عن
النفس مع كره منها وإجبار عليها ( :والمتردية) التي تتعلق بالتفريط
والنقصان والميل إلى الجهة السفلية وانحطاط النفس عن الهمم العلية
والدرجة القوية ( :والنطيحة) التي تصدر عن خوف وقهر من مثله كالعفاف
الحاصل بواسطة زجر المحتسب وخوف الفضيحة ( :وما أكل
السبع) كفضائل العفة التي تحصل لشدة القوة الغضبية من النفة والحمية
واستيلء الغضب ،فإن الغضب إذا استولى منع الشدة عن فعلها أو لقهر من
قهار كالملك والمير ( :إل ما ذكيتم) إل ما قرنت واعتادت وانقادت لكم بعد
قهر من غير ،فكانت تصدر عنها الفضائل بإرادة قلبية من غير مزج الهوى: .
(وما ذبح على النصب) ما يفعل بناء على العادات التي يجب رفعها إل لغرض
عقلي أو شرعي ( :وأن تستقسموا بالزلم) وأن تطلبوا السعادات
والكمالت بالرسوم والطوالع اتكال ً على ما قضى الله وقدر وتتركوا السعي
والجد في الطلب ،وتجعلوا ذلك علة للتقصير بأن تقولوا :ليس لنا نصيب
فيها ،ولو كان لنا نصيب لحصل .فإنه ربما كان مجرد تعليل وقد علق في
القدر كماله بسعيه ،فإنه لم يطلع على ذلك ( :ذلكم فسق) خروج عن الدين
الذي هو طريق الحق ( :اليوم) أي :وقت حصول الكمال بتمرن النفس
بالفضائل ،وتثبتها في العزائم ( :يئس الذين كفروا) أي :حجبوا من قوى
نفوسكم أو من أبناء جنسكم وأهل جلدتكم من الطبيعيين والمتزندقين ( :
من دينكم) أي :من أن يصدوكم عن طريق الحق ( :فل تخشوهم) فإنهم
يستولون عليكم بعد ذلك ( :واخشوني) بأن ل تقفوا عند تجلي صفة من
صفاتي وتهيبوا عظمة ذاتي حتى تصلوا إلى مقام الفناء( : .اليوم أكملت
لكم دينكم) ببيان الشعائر وكيفية السلوك ( :وأتممت عليكم
نعمتي) بالهداية إلي ( :ورضيت لكم) الستسلم والنقياد بالنمحاء عند
تجليات الفعال والصفات أو إسلم الوجه للفناء عند تجلي الذات ( :دينا
فمن اضطر) إلى أمر من هذه المور المحرمة التي عددناها ( :في
مخمصة) في هيجان شديد من النفس وغلبة لظهور صفة من صفاتها ( :
غير متجانف لثم) غير منحرف عن الدين والوجهة إلى رذيلة مانعة لقصد
منه وعزيمة ( :فإن الله غفور) يستر ذلك عنه بنور صفة من صفاته
تقابلها ( :رحيم) يرحم بمداد التوفيق لظهار الكمال ورفع موانعه] .تفسير
سورة المائدة من آية 4إلى آية ( : [5قل أحل لكم الطيبات) من الحقائق
والمعارف الحقية والفضائل العلمية التي تحصل لكم بعقولكم وقلوبكم
وأرواحكم ( :وما علمتم) من جوارح حواسكم الظاهرة والباطنة وسائر
قواكم وآلتكم البدنية في اكتساب الفضائل والداب ،محرضين ( :تعلمونهن
مما علمكم الله) من علوم الخلق والشرائع التي تبين طريق الحتظاء من
الحظوظ على وجه العدالة ( :فكلوا مما أمسكن عليكم) مما حصلن لكم
بتعليمكم على ما ينبغي بنية وإرادة قلبية وغرض صحيح يؤدي إلى كمال
الشخص أو النوع ل يهجن ويثبن وينزن عليه بميلهن وحرصهن لطلب لذتهن
وشهوتهن ( :واذكروا اسم الله عليه) واحضروا بقلوبكم أنها للصورة
النسانية الكاملة تقصد وتراد ،ل لغرض آخر .واجعلوا الله وقاية لكم في
فعلها حتى تكون حسنة ( :إن الله سريع الحساب) يحاسبكم بها في آن ل
في أزمنة ،كحصول هيآتها في أنفسكم عند ارتكابها( .يا أيها الذين
آمنوا) اليمان العلمي ( :إذا قمتم إلى الصلة) انبعثتم عن نوم الغفلة
وقصدتهم إلى صلة الحضور والمناجاة الحقيقية والتوجه إلى الحق ( :
فاغسلوا وجوهكم) أي :طهروا وجود قلوبكم بماء العلم النافع الطاهر
المطهر من علم الشرائع والخلق والمعاملت التي تتعلق بإزالة الموانع
عن لوث صفات النفس ( :وأيديكم) أي :وقدركم عن دنس تناول الشهوات
والتصرفات في مواد الرجس ( :إلى المرافق) إلى قدر الحقوق والمنافع ( :
وامسحوا برؤوسكم) بجهات أرواحكم عن قتام كدورة القلب وغبار تغيره
بالتوجه إلى العالم السفلي ومحبة الدنيا بنور الهدى .فإن الروح ل يتكدر
بالتعليق ،بل يحتجب نوره عن القلب فيسود القلب ويظلم ويكفي في
انتشار نوره صقل الوجه العالي من القلب الذي إليه ،فإن القلب ذو وجهين
أحدهما :إلى الروح والرأس ههنا إشارة إليه .والثاني :إلى النفس وقواها،
فأحرى بالرجل أن تكون إشارة إليه ( :وأرجلكم) وجهات قواكم الطبيعية
البدنية بنفض غبار النهماك في الشهوات والفراط في اللذات ( :إلى
الكعبين) إلى حد العتدال الذي يقوم به البدن .فعلى هذا من انهمك في
الشهوات في اللذات احتاج إلى غسلها بماء علم الخلق وعلم الرياضات
حتى ترجع إلى الصفاء الذي يستعد به القلب للحضور والمناجاة ،ومن قرب
حوضه فيها من العتدال كفاه المسح ولهذا مسح من مسح وغسل من
غسل ( :وإن كنتم جنبا) بعداء عن الحق بالنجذاب إلى الجهة السفلية
والعراض عن الجهة العلوية والميل الكلي إلى النفس ( :فاطهروا) بكليتكم
عن تلك
الهيئة المظلمة والصفة الخبيثة الموجبة للبعد والحتجاب( : .وإن كنتم
مرضى) إلى آخره مكرر( : ،ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) من ضيق ومشقة
بكثرة المجاهدات والمكابدات ( :ولكن يريد) أن يطهركم من الهيآت المظلمة
والصفات الخبيثة ( :وليتم نعمته عليكم) بالتكميل ( :ولعلكم تشكرون) نعمة
الكمال بالستقامة والقيام بحق العدالة عند البقاء بعد الفناء ( :نعمة الله
عليكم) بالهداية إلى طريق الوصول ( :وميثاقه) أي :عقود عزائمه المذكورة إذ
قبلتموها من معدن النبوة بصفاء الفطرة ( :هو أقرب للتقوى) أي :العقل أقرب
للتجرد عن ملبس صفات النفس واتخاذ صفات الله تعالى وقاية لنه أشرف
الفضائل الذي إذا حصل تبعه الجميع ( :واتقوا الله) واجعلوه وقاية لكم في صدور
العدل منكم فإن منبع الكمالت والفضائل ذاته تعالى ( :إن الله خبير بما
تعملون) أنه من صفات نفوسكم أو منه( : .وعد الله الذين آمنوا) منكم بالتوحيد
العلمي ( :وعملوا الصالحات) التي توصلهم إلى التوحيد العيني وتعدهم لذلك ( :
لهم مغفرة) من صفاتهم ( :وأجر عظيم) من تجليات صفاته تعالى( : .إذ هم
قوم) من قوى نفوسكم المحجوبة وصفاتها ( :أن يبسطوا إليكم أيديهم) بالستيلء
والقهر والستعلء لتحصيل مآربها وملذها فمنعها عنكم بما أراكم من طريق
التطهير والتنزيه ( :واتقوا الله) واجعلوه وقاية في قهرها ومنعها ( :وعلى الله
فليتوكل المؤمنون) برؤية الفعال كلها منه] .تفسير سورة المائدة من آية 12إلى
آية ( : [13ميثاق بني إسرائيل) هو العهد المذكور والنقباء الثنا عشر هم الحواس
الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والقوة العاقلة النظرية والعاقلة العلمية ( :
وقال الله إني معكم) أي :في العقد اللحق أوفقكم وأعينكم لئن قمتم بحقوق
التزكية والتخلية من العراض عن السعادات البدنية بالعبادة وترك السعادات
الخارجية بالزهد ،وإيثار الثالثة التي هي اليمان برسل العقل واللهامات والفكار
الصائبة والخواطر الصادقة من الروح والقلب ،وإمداد الملكوت وتعزيرهم أي :
تعظيمهم بتسليطهم على شياطين الوهم وتقويتهم ومنعهم وساوسها وإلقاء
الوهميات والخياليات والخواطر النفسانية ( :وأقرضتم الله قرضا حسنا) بالبراءة
من الحول والقوة والعلم والقدرة إلى الله بالجملة من الفعال والصفات كلها ثم
من الذات بالمحو والفناء وإسلمها إلى الله ( :لكفرن عنكم سيئاتكم) أي :
وجودات هذه الثلث التي هي حجبكم وموانعكم عنكم ( :ولدخلنكم جنات) من
أفعالي وصفاتي وذاتي ( :تجري من تحتها النهار) علوم التوكل والرضا والتسليم
والتوحيد .وبالجملة علوم تجليات الفعال والصفات والذات ،فمن احتجب بعد ذلك
العهد وبعث النقباء منكم ( :فقد ضل) السبيل المستقيم بالحقيقة( : .
قاسية) قست باستيلء صفات النفس عليها وميلها إلى المور الرضية الجاسية
الصلبية فحجبت عن أنوار الملكوت والجبروت التي هي كلمات الله واستبدلوا قوى
نفوسهم بها ،واستعملوا وهمياتهم وخيالياتهم بدل معارفها وحقائقها من
المعاني المعقولية أو خلطوها بها ،وذلك هو تحريف الكلم عن مواضعه( : .ونسوا
حظا) أي :نصيبا ً وافرا ً مما أوتوه في العهد السابق من الكمالت الكامنة في
استعدادهم بالقوة ،فذكروا به في العهد اللحق ( :ول تزال تطلع على خائنة
منهم) أي :على نقض عهد ومنع أمانة لستيلء صفات النفس والشيطان عليهم
وقساوة قلوبهم ( :المحسنين) الذين يشاهدون ابتلء الله إياهم فل يقابلونهم
بالعقاب فيستعملون معهم الصفح والعفو( .فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) أي :
ألزمناهم ذلك لتخالف دواعي قواهم السبعية والبهيمية والشيطانية وميلهم إلى
الجهة السفلية الموجب للتضاد والتعاند لحتجابهم عن نور التوحيد وبعدهم عن
العالم القدسي الذي فيه المقاصد كلية ل تقتضي التجاذب والتعاند إلى وقت
قيامهم بظهور نور الروح والقيامة الكبرى بظهور نور التوحيد ( :ينبئهم
الله) بعقاب ما صنعوا عند الموت وظهور الحرمان والخسران بظهور الهيآت
القبيحة المؤذية الراسخة فيهم( : .لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح) بأن
حصروا اللوهية فيه وقيدوا الله بتعينه ( :أن يهلك المسيح ابن مريم) إلى
قوله ( :جميعا) بالفناء في التوحيد والطمس في غير الجمع كما قال ( : :كل
شيء هالك إل وجهه) ]القصص ،الية ( : .[88 :ولله ملك السماوات) أي :عالم
الرواح ( :والرض) عالم الجساد ( :وما بينهما) من الصور والعراض كلها ظاهرة
وباطنة أسماؤه وصفاته وأفعاله ( :ادخلوا الرض المقدسة) أي :حضرة القلب
التي هي مقام تجلي الصفات ،فإنه بالنسبة إلى سماء الروح أرض ( :كتب الله
لكم) عين لكم في القضاء السابق وأودع في استعدادكم الوصول إليها والمقام
بها ( :ول ترتدوا على أدباركم) في الميل إلى مدينة البدن والقبال عليه بتحصيل
مآربه ولذاته وطلب موافقته وتزيين هيآته فإنه مقام خلف مقامكم وأدنى وأسفل
من رتبتكم ( :فتنقلبوا خاسرين) باستبدال ظلمات البدن بأنوار القلب وخبائثه
بطيباته ( :إن فيها قوما جبارين) من سلطان الوهم وأمراء الهوى والغضب
والشهوة وسائر صفات النفس الفرعونية أخذوها عنوة وقهرا ً واستولوا عليها
مستعلين يجبرون كل ً على هواهم ما لنا بهم يدان ول نقدر على مقاومتهم ،قالوا
ذلك لعتيادهم بالذات الطبيعية والشهوات الجسمانية وغلبة الهوى عليهم ،فلم
يقدروا على الرياضة وقمع الهوى وكسر صفات النفس بالمجاهدة ( :وإنا لن
ندخلها حتى يخرجوا منها) أي :يصرفهم الله عنها بل رياضة منا ومجاهدة أو
ينصرفوا بالطبع مع إحالته أو يضعفوا عن الستيلء كما في الشيخوخة مع امتناع
دخولهم فيها حينئذ( .قال رجلن من الذين يخافون) كانا من النقباء الثني عشر
وهم :العقل النظري والعقل العلمي يخافون سوء عاقبة ملزمة الجسم ووبال
العقوبة بهيآته المظلمة ( :أنعم الله عليهما) بالهداية إلى الطريق المستقيم
والدين القويم ( :ادخلوا عليهم الباب) باب قرية القلب وهو التوكل بتجلي الفعال
كما أن باب قرية الروح هو الرضا ( :فإذا) دخلتم مقام التوكل الذي هو باب القرية
( :فإنكم غالبون) بخروجكم عن أفعالكم وعن أحوالكم وبكونكم فاعلين بالله ،وإذا
كان الحول والقوة بالله يهرب شيطان الوهم والتخيل والهوى والغضب منكم
فغلبتم عليهم .ويدل على أن الباب هو التوكل قوله ( : :وعلى الله فتوكلوا إن
كنتم مؤمنين) بالحقيقة ،إذ اليمان بالغيبة عن المؤمن به أقل درجات حضور تجلي
الفعال ( :قالوا يا موسى) أي :أصروا على إبائهم وامتناعهم عن الدخول ( :
فاذهب أنت وربك) أي :إن كنت نبيا ً فادفعهم عنا بقوة نفسك ،واقمع الهوى،
وتلك القوى فينا بل رياضة ومجاهدة منا ،وسل ربك يدفعها عنا كما يقول الشطار
والوغود عند موعظتك إياهم ،وزجرك وتهديدك لهم .ادفع بهمتك عنا هذه الشقاوة
إما استهزاء وعنادا ً وإما جدا ً واعتقادا ً ( :إنا ها هنا قاعدون) ملزمون مكاننا في
مقام النفس ،معتكفون على هوى نفوسنا ولذات أبداننا كما قالوا :حطا ً
سمقاثًا( : .قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الرض) هي مدة
بقائهم في مقام النفس ،أي :بقوا في تيه الطبيعة يتحيرون أربعين سنة إلى
قرية القلب ،فإن دخول مقام القلب مع استيلء جبابرة صفات النفس عليه حرام
ممتنع ،ولهذا قال تعالى ( : :بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) ]الحقاف ،الية ،[15 :
فإنه وقت البلوغ الحقيقي .وقيل في قصة التيه :إنهم كانوا يسيرون جادين طول
النهار في ستة فراسخ ،فإذا أمسوا كانوا على المقام الذي ارتحلوا عنه ،أي :كان
سعيهم في تحصيل المناجح الجسمانية والمباغي البدنية المحصورة في الجهات
الست ولم يخرجوا عن الجهات بالتجرد ،فكانوا على المقام الول لعدم توجههم
إلى سمت القلب بطلب التجرد والتنزه عن الهيآت البدنية والصفات النفسانية.
وكانت ينزل من السماء بالليل عمود من نار يسيرون وينتفعون بضوئه ،أي :ينزل
عليهم نور عقل المعاش من سماء الروح فيهتدون به إلى
مصالحهم .وقيل :من نار لنه عقل مشوب بالوهم ليس عقل ً صرفا ،وإل
لهتدوا به إلى طريق القلب .وأما الغمام والمن والسلوى فقد مر ذكرها
وتأويلها وقيل :كان على كل مولود ولد في التيه قميص بقدر قامته يزيد
بزيادته ،يعنون به :لباس البدن والله أعلم .وإن شئت أن تطبق القصة على
حالك أولت موسى بالقلب وهارون بالروح ،فإنه كان أخاه الكبر ،ولهذا قال
( : :هو أفصح مني لسانا) ]القصص ،الية [34 :وبني إسرائيل بالقوة
الروحانية ،والرض المقدسة بالنفس المطمئنة ،ثم أجريت القصة بحالها
إلى آخرها ( :فل تأس) أي :ل تهتم بهدايتهم ،ول تغتم على عقوبتهم،
فإنهم فسقوا وخرجوا عن طريق القلب بهواهم وطغيانهم .تفسير سورة
المائدة آية ( : 27واتل عليهم نبأ ابني آدم) القلب للذين هما هابيل القلب
وقابيل الوهم ،إذ كان لكل منهما توأمة .أما توأمة العقل فالعاقلة العلمية
المدبرة لمور المعاش والمعاد بالراء الصلحية المقتضية للعمال الصالحة
والخلق الفاضلة المستنبطة لنواع الصناعات والسياسات .وأما توأمة
الوهم :فالقوة المتخيلة المتصرفة في المحسوسات والمعاني الجزئية
لتحصيل الراء الشيطانية ،فأمر آدم القلب بتزويج الوهم توأمة العقل التي
هي العاقلة العلمية لتتسلط عليه بالقياسات العقلية البرهانية وتدربه
بالرياضات الذعانية والسياسات الروحانية ،وتسخره للعقل فيطيع أب
القلب ،ويحسن إليه ،ويبره بأنواع الرجاء الصادقة ويعينه في العمال
الصالحة ويمتنع من عقوقه بالتسويلت والتزينات الشيطانية الفاسدة،
وإغراء النفس عليها بالهيئات الفاسقة والفعال السيئة ،وتزويج العقل
توأمة الوهم ليجعلها صالحة ويمنعها عن شهوات التخيلت الفاسدة وتهيج
أحاديث النفس الكاذبة فيستريح أبوها منها ويستعملها في المعقولت
والمحسوسات والمعاني الكلية والجزئية ،فتصير مفكرة عاملة في تحصيل
العلوم فينتفع أبوها .فحسد قابيل الوهم هابيل العقل لكون توأمته أجمل
عنده وأحب لمناسبتها إياه ،فأمر أبوهما القلب بأن يقرب كل واحد منهما
قربانا ً أي :نسكا ً يتقرب به إلى الله بإفاضة النتيجة وإفناء صورة القياس
وقبول الصورة المعقولة الكلية المطابقة لما في نفس المر التي هي
نسيكته التي يتقرب بها إلى الله منه ،وعدم قبول قربان الوهم الذي هو
صورة المغالطة أو الصورة الموهومة الجزئية امتناع اتصال العقل به
بإفاضة النتيجة إذ ل نتيجة لها أو امتناع قبول الصورة الوهمية إذ ل تطابق
ما في نفس المر فزاد حسده عليه( .قال لقتلنك) أي :لما زاد قرب العقل
من الله وبعده عن رتبة الوهم في مدركاته وتصرفاته كان الوهم أحرص
على إبطال عمله ومنعه عن فعله كما ترى في التشكيكات الوهمية
ومعارضاته العقل في تحصيل المطالب النظرية العميقة الغور وقتله عبارة
عن منعه عن فعله وقطع مدد الروح ونور الهداية الذي به حياة العقل
عنه ( :من المتقين) الذين يتخذون الله وقاية في صدور الخيرات منهم أو
يحذرون آثام الهيئات المظلمة البدنية والكاذيب الباطلة والضاليل المغوية
الهواء المردية والتسويلت المهلكة .تفسير سورة المائدة من آية 28إلى
آية ( : [31ما أنا بباسط يدي إليك لقتلك) لني ل أبطل أعمالك التي هي
شديدة في مواضعها من المحسوسات ول أقطع عنك حياتك التي هي مدد
النفس والهوى ول أمنعك عن فعلك الخاص بك إذ العقل يعلم أن المصالح
الجزئية وأحكام المحسوسات والمعاني الجزئية المعلقة بها وترتيب أسباب
المعاش كلها ل تحصل ول تتيسر إل بالوهم ولول الرجاء وحصول الماني
والمال الصادرة عن الوهم لم يتيسر لحد ما يتمعش به ( :إني أخاف الله
رب العالمين) لني أعرفه ،وقال ( : :إنما يخشى الله من عباده
العلمؤا) ]فاطر ،الية [28 :واعلم بأنه إنما خلقك لشأن وأوجدك لحكمة،
فل أتعرض له في ذلك ( :إني أريد أن تبوء) بإثم قتلي وإثم قتلك من الراء
الباطلة والتصورات الفاسدة التي لم يتقبل قربانك لجلها ( :فتكون من
أصحاب) نار الحجبة والحرمان ( :وذلك جزاء الظالمين) الواضعين الشياء
في غير موضعها كوضعك الحكام الحسية في المعقولت( : .
فطوعت) فسهلت وسولت ( :له نفسه قتل أخيه فقتله) بمنعه عن أفعاله
الخاصة وحجبه عن نور الهداية ( :فأصبح من الخاسرين) لتضرره باستيلئه
على العقل واستبدال ضللته وخطئه بهداية العقل وصوابه ،فإن الوهم إذا
انقطع عن معاضدة العقل حمل النفس بأنواع التسويلت والتزيينات على
إقدام أمور يتضرر به النفس والبدن جميعًا ،كالسرافات المذمومة من باب
اللذات البهيمية ،والسبعية مثل شدة الحرص في طلب المال والجاه
والفراط فيضعف الوهم أيضا ً أو يبطل ( :فبعث الله) غراب الحرص ( :
يبحث في) أرض النفس ( :ليريه كيف يواري سوأة أخيه) أي :الوهم ،إذ
بقطع العقل عن نور الهداية وحجبها عن السير في العالم العلوي لتحصيل
الكمال وطلب سعادة المآل تحير في أمره ،فانبعث الحرص فهداه في تيه
الضللة وأراه كيف يواري ويدفن عورته أي :جثته المقتولة التي حملها
الوهم على ظهره حتى أنتنت فصار عقل المعاش في تراب الرض وهو
صورة العقل المنقطع عن حياة الروح المشوب بالوهم والهوى المحجوب
عن عالمه في ظلمات أرض النفس المدفون فيها تأكله ديدان القوى
الطبيعية باستعمالها في تحصيل لذاتها ومطالبها ( :أعجزت أن أكون مثل
هذا الغراب) الذي دفن فرخه أي :داعيته أو كماله في أرض النفس بإفناء
ما يحصل له وكتمانه فيها ( :فأواري سوأة أخي) بإخفائها في ظلمة النفس
فأنتفع بها ( :فأصبح من النادمين) عند الخسران وحصول الحرمان( .فكأنما
قتل الناس جميعا) لن كل شخص يشتمل على ما يشتمل عليه جميع أفراد
النوع وقيام النوع بالواحد كقيامه بالجميع في الخارج ول اعتبار بالعدد فإن
النوع ل يزيد بحسب الحقيقة بتعدد الفراد ول ينقص بانحصاره في
شخص( : .يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) بالتزكية ( :وابتغوا إليه
الوسيلة) بالتحلية ( :وجاهدوا في سبيله) بمحو الصفات والفناء بالذات ( :
لعلكم تفلحون) من ظهور بقايا الصفات والذات ( :ما في الرض) أي :ما
في الجهة السفلية لنها أسباب زيادة الحجاب والبعد ول ينجع ثمة إل في
الجهة العلوية من المعارف والحقائق النورية( : .وأنزلنا إليك الكتاب) علم
الفرقان الذي هو ظهور تفاصيل كمالك ( :بالحق مصدقا لما بين يديه من
الكتاب) أي :علم القرآن وهو العلم الجمالي الثابت في استعدادك وحافظا ً
عليه بالظهار أو لما بين يديه العلوم النازلة على النبياء السابقين زمانا ً
فإن الغالب على موسى عند الرجوع إلى البقاء عند الفناء بالوجود
الموهوب قوة النفس وسلطانها ،ولهذا بطش بأخيه كما قال تعالى ( : :
وأخذ برأس أخيه يجره إليه) ]العراف ،الية ،[150 :وقال عند طلب التجلي
( : :أرني أنظر إليك) ]العراف ،الية [143 :فكان أكثر التوراة علم الحكام
الذي يتعلق بأحوال النفس وتهذيبها ودعوته إلى الظاهر والغالب على
عيسى قوة القلب ونوره ،ولهذا تجرد عن ملبس الدنيا وأمر بالترهب .وقال
لبعض أصحابه :إذا لطمت في خدك فأدر الخد الخر لمن لطمك .وكان أكثر
النجيل علم تجليات الصفات والخلق والمواعظ والنصائح التي تتعلق
بأحوال القلب وتصفيته وتنويره ودعوته إلى الباطن والغالب على محمد
عليه eسلطان الروح ونوره ،فكان جامعا ً لمكارم الخلق متمما ً لها ،عادل ً
في الحكام ،متوسطا ً فيها .وكان القرآن شامل ً لما في الكتابين من العلوم
والحكام والمعارف مصدقا ً له ،حافظا ً عليه ،مع زيادات في التوحيد والمحبة
ودعوته إلى التوحيد( : .فاحكم بينهم بما أنزل الله) من العدل الذي هو ظل
المحبة التي هي ظل الوحدة التي انكشفت عليك ( :ول تتبع أهواءهم) في
تغليب أحد الجانبين ،إما الظاهر وإما الباطن ( :عما جاءك من الحق) من
التوحيد والمحبة والعدل ،فإن التوحيد يقتضي المحبة ،والمحبة العدل ،ويقع
ظله من سماء الروح على القلب بالمحبة ،وعلى النفس بالعدالة ( :لكل
جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) موردا ً كمورد النفس ومورد القلب ومورد
الروح ،وطريقا ً كعلم الحكام والمعاملت التي تتعلق بالقلب وسلوك طريق
الباطن الموصل إلى جنة الصفات ،وعلم التوحيد والمشاهدة الذي يتعلق
بالروح وسلوك طريق الفناء الذي يوصل إلى جنة الذات ( :ولو شاء الله
لجعلكم أمة واحدة) موحدين على الفطرة الولى ،متفقين على دين
واحد ( :ولكن) ليظهر عليكم ما آتاكم بحسب استعداداتكم على قدر قبول
كل واحد منكم فتتنوع الكمالت ( :فاستبقوا الخيرات) أي :المور الموصلة
إلى كمالكم الذي قدر لكم بحسب استعدادكم المقربة إياكم إليه بإخراجه
إلى الفعل ( :إلى الله مرجعكم جميعا) في عين جمع الوجود على حسب
المراتب ل عين جمع الذات ( :فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) أي :يظهر
عليكم ما اختلفتم فيه بحسب اختلف استعداداتكم من طلب إحدى الجنان
الثلث ،والوصول إليها ،والحرمان بموانعها التي احتجبتم بها عما في
استعدادكم من الكمال ( :ببعض ذنوبهم) ذنوب اليهود حجب الفعال وذنوب
النصارى حجب الصفات ففسق اليهود هو الخروج عن حكم تجليات الفعال
اللهية برؤية النفس وأفعالها وفسق النصارى خروجهم عن حكم تجليات
الصفات الحقانية برؤية النفس صفاتها واحتجابها بها كما أن فسق
المحمديين هو اللتفات إلى ذواتهم والخروج عن حكم الوحدة الذاتية( .
أفحكم الجاهلية يبغون) أي :ما يطلبون بجهلهم إل حكما ً صادرا ً عن مقام
النفس بالجهل ل صادرا ً عن علم إلهي ( :من يرتد) من يرجع عن طريق
الحق إلى الحتجاب ببعض الحجب ،أي حجاب كان وخرج عنه فهو من
المردودين ل من أهل المحبة ول ينثلم ول ينتقض دين الحق بارتداده ،فإن
الله سوف يأتي بقوم يحبهم بحسب العناية الولى ل لعلة بل لذواتهم،
ويحبون ذاته ل لصفة من صفاته ككونه لطيفا ً أو رحيما ً أو منعما ً فإن محبة
الصفات تتغير باختلف تجلياتها ومن يحب اللطيف لم تبق محبته إذا تجلى
بصفة القهر ،ومن يحب المنعم انمحت محبته إذا تجلى بصفة المنتقم .وأما
محبة الذات فهي باقية ببقائها ل تتغير باختلف التجليات فيحب محبها
القهار عند القهر كما يحب اللطيف عند اللطف ،ويحب المنتقم حالة
النتقام كما يحب المنعم حالة النعام فل تفاوت في الرضا وعدمه ،ول
تختلف محبته في أحواله ويشكر عند البلء كما يشكر عند النعماء .وأما من
يحب المنعم فل يشكر عند البلء بل يصبر ومثل هذه المحبة يلزم المحبة
الولى التي هي لله ولوليائه فيحبونه بحبه إياهم ،وإل فمن أين لهم
المحبة لله ،ما للتراب ورب الرباب( : .أذلة على المؤمنين) لينين حانين
عليهم ،عطوفين في تواضعهم لهم لمكان الجنسية الذاتية ورابطة المحبة
الزلية والمناسبة الفطرية بينهم ( :أعزة) أشداء غلظ ( :علي) المحجوبين
لضداد ما ذكر ( :يجاهدون في سبيل الله) بمحو صفاتهم وإفناء ذواتهم
التي هي حجب مشاهداتهم ( :ول يخافون لومة لئم) من نسبتهم إلى
الباحة والزندقة والكفر ،وعذلهم بترك الدنيا ولذاتها ،بل بترك الخرة
ونعيمها كما قال أمير المؤمنين ' : uاعبدوا الله ل لرغبة ول لرهبة ' ،فهم
من الفتيان الذين قيل فيهم ) % :وإذا الفتى عرف الرشاد لنفسه %هانت
عليه ملمة العذال( %
(إنما وليكم الله ورسوله) والمؤمنون ل هم للتنافي الحقيقي بينكم وبينهم،
أي :يتولى الله ورسوله والمؤمنون إياكم أو ل يتولى الله وأولياءه من
الرسول والمؤمنين المحجوبون للتضاد الحقيقي بينهم ،إنما تتولون الله
ورسوله والذين آمنوا أنتم :جمع أول ً في إثبات وليتهم لله مطلقا ً ثم
فصلها بحسب الظاهر ،فقال ( : :ورسوله والذين آمنوا) ،كما فعل في
الشهادة في قوله تعالى ( : :شهد الله أنه ل إله إل هو) ]آل عمران ،الية :
( : .[18الذين) آمنوا ( :يقيمون) صلة الشهود والحضور الذاتي ( :
ويؤتون) زكاة البقايا ( :وهم راكعون) خاضعون في البقاء بالله بنسبة
كمالتهم وصفاتهم إلى الله كأمير المؤمنين uالنازل في حقه هذا القائل :
ل إله إل الله بعد فناء الخلق ،ل منتصبون في مقام الطغيان بنسبتها إلى
أنفسهم( : .ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا) فهو من أهل الله ،وإن
أهل الله ( :هم الغالبون) بالله( : .وترى كثيرا منهم يسارعون) أي :
يقدمون على جميع الرذائل بالسرعة لعتيادهم بها وتدربهم فيها وكونها
ملكات لنفوسهم فالثم رذيلة القوة النطقية لنه الكذب ،والعدوان رذيلة
القوة الشهوية( .ولو أن أهل الكتاب آمنوا) آمنوا اليمان التوحيدي الحقيقي
( :واتقوا) واجتنبوا عن شرك أفعالهم وصفاتهم وذواتهم ( :لكفرنا عنهم
سيئاتهم) من بقاياهم ( :ولدخلناهم) الجنات الثلث ( :ولو أنهم أقاموا
التوراة) بتحقق علوم الظاهر والقيام بحقوق تجليات الفعال والمحافظة
على أحكامها في المعاملت ( :والنجيل) بتحقق عنوان الباطن ،والقيام
بحقوق تجليات الصفات ،والمحافظة على أحكامها ( :و) احكموا ( :ما أنزل
إليهم) من علم المبدأ والمعاد وتوحيد الملك والملكوت من عالم الربوبية
الذي هو عالم السماء ( :لكلوا من فوقهم) أي :لرزقوا من العالم العلوي
الروحاني العلوم اللهية والحقائق العقلية اليقينية ،والمعارف الحقانية
التي بها اهتدوا إلى معرفة الله ومعرفة الملكوت والجبروت ( :ومن تحت
أرجلهم) أي :من العالم السفلي الجسماني العلوم الطبيعية والمدركات
الحسية التي اهتدوا بها إلى معرفة عالم الملك ،فعرفوا الله باسمه الظاهر
والباطن ،بل بجميع السماء والصفات ووصلوا إلى مقام التوحيدين
المذكورين ( :منهم أمة مقتصدة) عادلة واصلة إلى توحيد السماء والصفات
( :وكثير منهم) لم يصلوا إلى توحيد الفعال بعد فضل ً عن توحيد الصفات،
فساء عملهم لنه من صفات نفوسهم فهو حجابهم الكثف( : .وأرسلنا
إليهم رسل) على حسب مراتبهم فلما كانوا محجوبين من جميع الوجوه
أرسلنا موسى لرفع حجاب الفعال والدعوة إلى توحيد الملك ،فما هوته
أنفسهم لن دعوته كانت مخالفة لهواها لضراوتها بأفعالها وبتجمعها بها
وبلذاتها وشهواتها فكذبوه وعبدوا عجل النفس واعتدوا في السبت وفعلوا
ما فعلوا حتى إذا آمن به من آمن وبرز من حجاب الفعال حسب أنه الكمال
المطلق ،فأرسلنا عيسى برفع حجاب الصفات والدعوة إلى الباطن ،وتوحيد
الملكوت فما هوته أنفسهم لمخالفة دعوته هواها من حسبان الكمال،
فكذبوه وفعلوا ما فعلوا حتى إذا آمن به من آمن وبرز عن حجاب الصفات
بقي على حاله ،حاسبا ً لنفسه الكمال المطلق فأرسلنا محمدا ً برفع حجاب
الصفات والدعوة إلى توحيد الذات فما هوته أنفسهم فكذبوه( : .وحسبوا
أن ل تكون فتنة) شرك عند توحيد الفعال وظهور الدعوة العيسوية ( :
فعموا) عن تجليات رؤية الصفات ( :وصموا) عن سماع علمها ( :ثم تاب الله
عليهم) بفتح أسماع قلوبهم وأبصارها ،فتابوا ،فقبل توبتهم ( :ثم عموا
وصموا) عند الدعوة المحمدية عن مشاهدة الوجه الباقي وسماع علم توحيد
الجمع المطلق ( :والله بصير) بعملهم في المقامات الثلث ورد الدعوات
وإنكار النبياء فيجازيهم على حسب حالهم] .تفسير سورة المائدة آية : [72
(اعبدوا الله ربي وربكم) أي :خصصوا عبادتكم بالذات الموصوفة بجميع
الصفات والسماء التي هي الوجود المطلق ،ول تعينوه باسم وصفة ،فإن
نسبة ربوبيته إلى الكل سواء ومن حصر ألوهيته في صورة وخصصها باسم
معين وكلمة معينة وصفة معينة ،فقد أثبت غيره ضرورة وجود ما سواه من
السماء والصور والصفات .ومن أثبت غيره فقد أشرك به ومن أشرك به ( :
فقد حرم الله عليه) جنة شهوده بذاته وصفاته وأفعاله أي :الجنة المطلقة
الشاملة ،يعني :فقد حجبه مطلقا ً ( :ومأواه) نار الحرمان لظلمه
بالشرك ( :وما للظالمين من أنصار) ينصرونهم فينقذونهم من العذاب( .
لقد كفر) حجب ( :الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة) واحد من جملة ثلثة أشياء
:الفعل الذي هو ظاهر عالم الملك ،والصفة التي هي باطن عالم الملكوت،
والذات التي تقوم بها الصفة ويصدر عنها الفعل ،إذ ليس هو ذلك الواحد
الذي توهموه بل الفعل والصفة في الحقيقة عين الذات ،ول فرق إل
بالعتبار ،وما الله إل الواحد المطلق ،وإل لكان بحسب كل اسم من أسمائه
إله آخر ،فتتعدد اللهة سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا ً كبيرا ً ( :
وإن لم ينتهوا عما يقولون) من كون الصفة والفعل غير الذات ( :
ليمسن) المحجوبين ( :عذاب) مؤلم لقصورهم في العرفان مع كونهم
مستعدين ( :أفل يتوبون إلى الله) بالرجوع عن إثبات التعدد في الله إلى
عين الجمع المطلق ،ويستغفرونه عن ذنب رؤية وجودهم ووجود غيرهم ( :
والله غفور) يسترهم بذاته ( :رحيم) يرحمهم بكمال العرفان والتوحيد ( :ما
ل يملك لكم ضرا ول نفعا) إذ ل فعل له فيضر أو ينفع ،بل ل وجود فضل ً عن
الفعل .وقال :ما ل يملك دون من ،وإن كان المراد عيسى للتنبيه على أنه
شيء يعتبر اعتبارا ً من حيث تعينه ول وجود له حقيقة ( :قد ضلوا من
قبل) بالحتجاب عن أنوار الصفات ( :وأضلوا كثيرا وضلوا) الن ( :عن سواء
السبيل) طريق الوحدة الذاتية التي هي الستقامة إلى الله] .تفسير سورة
المائدة من آية 82إلى آية ( : [86لتجدن) إلى آخره ،الموالة والمعاداة إنما
يكونان بحسب المناسبة والمخالفة ،فكل من والى أحدا ً دل على رابطة
جنسية بينهما ،وكل من عاداه دل على مباينة ومضادة بينهما .ولما كان
اليهود محجوبين عن الذات والصفات ولم يكن لهم إل توحيد الفعال كانت
مناسبتهم مع المحجوبين المشركين مطلقا ً أقوى من مناسبتهم مع
المؤمنين الموحدين مطلقًا .ولما كان النصارى برزوا ً من حجاب الصفات
ولم يتولهم إل حجاب الذات كانت مناسبتهم مع المؤمنين أقوى ،فلذلك
كانوا أقرب مودة لهم من غيرهم .والمشركون واليهود أشد عداوة لقوة
حجابهم ،أما ترى كيف علل قربهم في المودة بعلمهم وعبادتهم وعدم
استكبارهم ؟ ،فإن العبادة توصل إلى جنة الفعال لتجردهم فيها عن أفعال
نفوسهم فاعلين ما أمر الله ،والعلم يوصل إلى جنة الصفات لتنزههم به
عن جنة النفوس والوصول إلى مقام القلب الذي هو محل المكاشفة
وقبول العلم اللهي ،وعدم الستكبار يدل على أنهم ما رأوا نفوسهم
موصوفة بصفات العبادة والعلم ول نسبوا فعلهم وعلمهم إليها بل إلى الله
وإل استكبروا وأظهروا العجب( : .ترى أعينهم تفيض من الدمع) شوقا ً إلى
ما عرفوا من توحيد الذات لنهم كانوا أهل رياضة وذوق فهاجت نفوسهم
بسماع الوحي وذكروا الوحدة ( :مما عرفوا من الحق) بصفاته أو سمعوا من
الحق كلمه ،فبكوا اشتياقا ً كما قال ) % :ويبكي إن نأوا شوقا ً إليهم %
ويبكي إن دنوا خوف الفراق( ( : %آمنا) بالتوحيد الذاتي إيمانا ً عينيا ً فاجعلنا
من ( :الشاهدين) الحاضرين الذين مقامهم الشهود الذاتي واليقين الحقي،
وإيمانا ً علميا ً يقينيا ً فاجعلنا مع المعاينين ( :وما لنا ل نؤمن) إيمانا ً حقيقيا ً
بذاته وما جاءنا من كلمه أو ل نؤمن بالله جمعا ً ( :وما جاءنا من
الحق) تفصيل ً ( :من القوم الصالحين) الذين استقاموا بالبقاء بعد ( :جنات
تجري من تحتها النهار) من التجليات الثلث مع علومها ( :وذلك جزاء
المحسنين) المشاهدين للوحدة في عين الكثرة بالستقامة في الله( : .
والذين) حجبوا عن الذات ( :وكذبوا) بآيات الصفات ( :أولئك
أصحاب) الحرمان الكلي في جحيم صفات النفوس( .يا أيها الذين
آمنوا) إيمانا ً عمليا ً ( :ل تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) من مكاشفات
الحوال وتجليات الصفات بتقصيركم في السلوك ( :ول تعتدوا) بطغيان
النفس وظهورها بصفاتها واجعلوا ما رزقكم الله من علوم التجليات
ومواهب الحوال والمقامات غذاء قلوبكم سائغا ً طيبا ً واجعلوا الله وقاية
لكم في حصول تلك الكمالت بأن تروها منه وله ل منكم ولكم فتطغوا ( :إن
كنتم) موحدين( : .وأطيعوا الله) بالفناء فيه فتنقادوا فيما يستعملكم فيه
كالميت ( :وأطيعوا الرسول) بالبقاء بعد الفناء ،فتستقيموا فيه مراعين
للتفصيل ،أحياء بحياته ( :واحذروا) ظهور البقاء حالة الستقامة ( :فإن
توليتم فاعلموا) أن التقصير منكم وما على الرسول إل البلغ ل اللزام( : .
ليس على الذين آمنوا) اليمان الغيبي بتوحيد الفعال ( :وعملوا) بمقتضى
إيمانهم أعمال ً تخرجهم عن حجب الفعال وتصلحهم لرؤية أفعال الحق،
حرج وضيق فيما تمتعوا به من أنواع الحظوظ إذا ما اجتنبوا بقايا أفعالهم
واتخذوا الله وقاية في صدور الفعال منهم ( :وآمنوا) بتوحيد الصفات ( :
وعملوا) ما يخرجهم عن حجب الصفات ويصلحهم لمشاهدة التجليات اللهية
بالمحو فيها ( :ثم اتقوا) بقايا صفاتهم واتخذوا الله وقاية في صدور صفاته
عليهم ( :وآمنوا) بتوحيد الذات ( :ثم اتقوا) بقية ذواتهم واتخذوا الله وقاية
في وجودهم بالفناء المحض والستهلك في عين الذات وأحسنوا بشهود
التفصيل في عين الجمع والستقامة في البقاء بعد الفناء ( :والله يحب
المحسنين) المشاهدين للوحدة في عين الكثرة ،المراعين لحقوق التفاصيل
في عين الجمع بالوجود الحقاني] .تفسير سورة المائدة آية ( : [94يا أيها
الذين آمنوا) بالغيب ( :ليبلونكم الله) حال سلوككم وإحرامكم لزيارة كعبة
الوصول ( :بشيء) من الحظوظ يتيسر لكم ويتهيأ ما يتوصل به إليها ( :
ليعلم الله) العلم التفصيلي التابع للوقوع الذي يترتب عليه جزاء ( :من
يخافه) في حالة الغيبة فإن الخوف ل يكون إل للمؤمنين بالغيب لتعلقه
بالخطاب الذي هو من باب الفعال .وأما في حالة الحضور فأما الخشية
فبتجلي الربوبية والعظمة ،وأما الهيبة فبتجلي الذات .فالخوف من صفات
النفس ،والخشية من صفات القلب ،والهيبة من صفات الروح ( :فمن
اعتدى بعد ذلك) بارتكاب الحظوظ بعد البتلء ( :فله عذاب) مؤلم للحتجاب
بفعله عن الشوق] .تفسير سورة المائدة من آية 95إلى آية ( : [96ل
تقتلوا الصيد) ل ترتكبوا الحظوظ النفسانية في حالة الحرام الحقيقي،
ومن ارتكبه قصدا ً منه ونية بميل قوى من النفس وانجذاب إليه ل لمر
اتفاقي أو رعاية خاطر ضيف أو صاحب ( :جزاء) أي :فحكمه جزاء قهره
تلك القوة التي ارتكب بها الحظ النفساني من قوى النفس البهيمية بأمر
يوازي ذلك الحظ ( :يحكم به ذوا عدل) من العاقلتين النظرية والعملية ( :
منكم) أي :من أنفسكم أو من شيوخكم أو من أصحابكم المقدمين
السابقين يعينان كيفيته وكميته ( :هديا بالغ الكعبة) الحقيقية ،أي :في
حال كون تلك القوة البهيمية هديا ً بإفنائها في الله إن كان صاحبها من
القوياء ملبيا ً قادرا ً ( :أو كفارة) أي :ستر بصدقة أو صيام يزيل ذلك الميل
ويستر تلك الهيئة عن نفسه أو بإيتاء حق تلك القوة والقتصار عليه دون
الحظ فإنها مسكينة أو إمساك عن أفعال تلك القوة بقدر ذلك الحظ كيما
يزول عنها الميل ( :ليذوق وبال أمره ومن عاد فينتقم الله منه) بالحجب
والحرمان ( :والله عزيز) ل يمكن الوصول إلى جنات عزه مع كدورات صفات
النفس ( :ذو انتقام) يحجب بهيئة مظلمة وظهور صفة ووجود بقية ،كما
قال تعالى لنبيه محمد عليه ' : eأنذر الصديقين بأني غيور '( : .أحل لكم
صيد) بحر العالم الروحاني من المعارف والمعقولت والحظوظ العلمية في
إحرام الحضرة اللهية ( :وطعامه) من العلم النافع الذي هو حق واجب
تعلمه في المعاملت والخلق تمتيعا ً ( :لكم) أيها السالكون لطريق الحق ( :
وللسيارة) المسافرين لسفر الخرة ،المحرزين لرباح النعيم الباقي ( :
وحرم عليكم صيد) بر العالم الجسماني من المحسوسات والحظوظ
النفسانية .واجعلوا الله وقاية لكم في سيركم لتسيروا به واجعلوا نفوسكم
وقاية الله في صدور الشرور المانعة منها وتيقنوا أنكم ( :إليه
تحشرون) بالفناء في الذات ،فاجتهدوا في السلوك ل تقفوا مع الموانع
وراء الحجاب( .جعل الله) كعبة حضرة الجمع ( :البيت) المحرم من دخول
الغير فيه كما قيل :جل جناب الحق من أن يكون شريعة لكل وارد( : .قياما
للناس) من موتهم الحقيقي وانتعاشا ً لهم به وبحياته وقدرته وسائر
صفاته ( :والشهر الحرام) أي :زمان الوصول ،وهو زمان الحج الحقيقي
الذي يحرم ظهور صفات النفس فيه ( :والهدى) أي :النفس المذبوحة
بفناء تلك الكعبة ( :والقلئد) وخصوصا ً النفس القوية ،الشريفة ،المطيعة،
المنقادة ،فإن التقرب بها أفضل وشأنها عند البقاء والقيام بالوجود الثاني
والحياة الحقيقية أرفع ( :ذلك) أي :جعل تلك الحضرة قياما ً لكم ( :لتعلموا)
بعلمه عند القيام به ( :أن الله يعلم) حقائق الشياء في عالم الغيب
والشهادة وعلمه محيط بكل شيء إذ ل يمكن إحاطة علمكم بعلمه( : .
اعلموا أن الله شديد العقاب) بالحجب لمن ظهر بصفة أو بقية حال الوصول
أو ضرب بخطأ واشتغل بغير حال السلوك وانتهك حرمة من حرماته ( :
غفور) للتلوينات والفترات ( :رحيم) بهيئة الكمالت والسعادات التي ل يعلم
قدرها إل هو( : .وما على الرسول إل) التبليغ ل اليصال ( :والله
يعلم) سركم وعلنيتكم ( :ما تبدون) من العمال والخلق ( :وما
تكتمون) من النيات والعلوم والحوال ،هل تصلح للتقرب بها إليه ؟ وهل
تستعدون بها للقائه أم ل ؟( .قل ل يستوي الخبيث) من النفوس والعمال
والخلق والموال ( :والطيب) منها عند الله تعالى ،فإن الطيب مقبول
موجب للقرب والوصول والخبيث منها مردود موجب للبعد والطرد والحرمان
( :ولو أعجبك) الخبيث بكثرته ووفوره لمناسبته للنفس ولملءمته لصفاتها،
فاجعلوا الله وقاية لكم في الجتناب عن الخبيث واختيار الطيب .يأكل من
له لب أي :عقل خالص عن شوب الوهم ومزج هوى النفس ( :لعلكم
تفلحون) بالخلص عن نفوسكم وصفاتها وخبائثها والوصول إلى الله بالفناء
فيه] .تفسير سورة المائدة من آية 109إلى آية ( : [111يوم يجمع الله
الرسل) في عين الجمع المطلق أو عين جمع الذات ( :فيقول ماذا) أجابكم
المم حين دعوتموهم إلي ؟ أي :هل تطلعون على مراتبهم في كمالتهم
التي توجهوا إليها في متابعتكم ( :قالوا ل علم لنا) أي :العلم كله لك جمعا ً
وتفصيل ً ليس لغيرك علم لفناء صفاتنا في صفاتك ( :إنك أنت علم الغيوب)
فغيوب بواطننا وبواطنهم كلها علمك ( :نعمتي عليك) بالهداية الخاصة
ومقام النبوة والولية ( :وعلى والدتك) بالتطهير والتزكية والصطفاء ( :
تكلم الناس) في مهد البدن ( :وكهل) بالغا ً إلى نور شيب الكمال بالتجرد
عن البدن وملبسه ( : %وإذ علمتك) كتاب الحقائق والمعارف الثابتة في
اللوح المحفوظ بتأييد روح القدس وحكمة السلوك في الله بتحصيل الخلق
والحوال والمقامات والتجريد والتفريد ،وتوراة العلوم الظاهرة والحكام
المتعلقة بالفعال وأحوال النفس وصفاتها ،وإنجيل العلوم الباطنة من
علوم تجليات الصفات وأحكامها وأحكام أحوال القلب وصفاته وأعماله( : .
وإذ تخلق) من طين العقل الهيولني الذي هو الستعداد المحض بيد التربية
والحكمة العملية ( :كهيئة) طير القلوب الطائرة إلى حضرة القدس لتجردها
عن عالمها وكمالها ( :بإذني) أي :بعلمي وقدرتي وتيسيري عند تجلي
صفات حياتي وعلمي وقدرتي لك وإنصافك واستنبائي إياك ( :فتنفخ
فيها) من روح الكمال ،حياة العلم الحقيقي بالتكميل والضافة ( :فتكون
طيرا) نفسا ً مجردة كاملة تطير إلى جناب القدس بجناح العشق ( :وتبرئ
الكمه) المحجوب عن نور الحق( : .والبرص) المعيب بمرض محبة الدنيا
وغلبة الهوى ( :وإذ تخرج) موتى الجهل من قبور البدن وأرض النفس ( :
بإذني) ( :وإذ كففت بني إسرائيل) المحجوبين عن نور تجليات الصفات
الجاهلين المضادين لك لجهلهم بحالك ومقامك ( :عنك إذ جئتهم
بالبينات) بالحجج والدلئل الواضحة ( :فقال الذين) حجبوا ( :منهم) عن دين
الحق ( :إن هذا إل سحر مبين) لحيرتهم فيه( : .وإذ أوحيت إلى
الحواريين) أي :ألهمت في قلوبهم النورانيين الذين طهروا نفوسهم بماء
المنافع والعمال المزكية حتى قبلوا دعوتك لصفاء نفوسهم وأحبوك
بالرادة التامة لمناسبتهم إياك بنور الفطرة وصفاء الستعداد ( :أن آمنوا
بي) إيمانا ً حقيقيا ً بتوحيد الصفات والمحو ( :وبرسولي) برعاية حقوق
تجلياتها على التفصيل( : .قالوا آمنا واشهد) يا إلهنا بعلمك الشامل المحيط
بالكل أننا منقادون لك مسلمين وجودات صفاتنا إليك] .تفسير سورة
المائدة من آية 112إلى آية ( : [115إذ قال الحواريون) إذ اقترح عليك
أصحابك فقالوا ( :هل يستطيع ربك) أي :شاهدك من عالم الربوبية ،فإن
رب كل واحد هو السم الذي يربه ويكمله ول يعبد أحد إل ما عرفه من عالم
الربوبية ول عرف إل ما بلغ إليه من المرتبة في اللوهية فيستفيض منه
العلوم ويستنزل منه البركات ويستمد منه المدد الروحاني ،ولهذا قالوا مع
إقرارهم وإسلمهم :ربك ،ولم يقولوا :ربنا ،لن ربهم ل يستطيع ( :أن
ينزل علينا مائدة من السماء) شريعة من سماء عالم الروح تشتمل على
أنواع العلوم والحكم والمعارف والحكام فيها غذاء القلوب وقوت النفوس
وحياتها وذوقها ( :قال اتقوا الله) احذروه في ظهور صفات نفوسكم
واجعلوه وقاية لكم فيما يصدر عنكم من الخلق والفعال تنجوا من تبعاتها
وتفوزوا وتفلحوا إن تحقق إيمانكم فل حاجة بكم إلى شريعة جديدة( : .
قالوا نريد أن) نستفيد ( :منها) ونعمل بها ونتقوى بها ( :وتطمئن
قلوبنا) فإن العلم غذاء القلب وقوته ( :ونعلم) صدقك في الخبار عن ربك
ونبوتك ووليتك بها وفيها ( :ونكون عليها من الشاهدين) الحاضرين أهل
العلم نخبر بها من عدانا من الغائبين ونعلمهم وندعوهم بها إلى الله ( :
تكون لنا عيدا ً لولنا وآخرنا) أمرا ً أي :شرعا ً ودينا ً يعود إليه من في زماننا
من أهل ديننا ومن بعدنا ممن سيوجد من النصارى ( :وآية منك) علمة
وعلما ً منك تعرف بها وتعبد ( :وارزقنا) ذلك الشرع والعلم النافع
والهداية ( :وأنت خير الرازقين) ل ترزق إل ما ينفعنا ويكون صلحنا فيه ( :
فمن يكفر) يحتجب عن ذلك الدين بعد إنزاله ووضوحه ( :فإني أعذبه عذابا ً
ل أعذبه أحدا ً من العالمين) لبيان الطريق ووضوح الدين والحجة مع وجود
استعدادهم فل ينكرونه إل معاندين والعذاب مع العلم أشد من العذاب من
الجهل ،إذ الشعور بالمحجوب عنه يوجب شدة اليلم] .تفسير سورة المائدة
من آية 116إلى آية ( : [120أأنت) دعوت الناس إلى نفسك وأمك أو إلى
مقام قلبك ونفسك فإن من بقي فيه وجود النائية وبقية النفس والهوى،
أو كان فيه تلوين بوجود القلب وظهوره بصفته يدعو الخلق إما إلى مقام
نفسه وإما إلى مقام قلبه ل إلى الحق ( :قال سبحانك) تنزيه لله عن
الشريك وتبرئة له عن وجود البقية ( :ما يكون لي أن أقول ما ليس لي
بحق) فإني ل وجود لي بالحقيقة فل ينبغي ول يصح أن أقول قول ً ليس لي
ذلك القول بالحقيقة ،فإن القول والفعل والصفة والوجود كلها لك ( :إن
كنت قلته فقد علمته) أي :إن كان صدر مني قول فعن علمك ول وجود لما
ل تعلم وما وجد بعلمك وجد ( :تعلم ما في نفسي) لحاطتك بالكل ،فعلمي
بعض علمك ( :ول أعلم ما في نفسك) أي :ذاتك لني ل أحيط بالكل ( :ما
قلت لهم) وما أمرتهم إل ما كلفتني قوله وألزمتني إياه ( :أن اعبدوا الله
ربي وربكم) أي :ما دعوتهم إل إلى الجمع في صورة التفصيل وهو الذي
نسبة ربوبيته إلى الكل سواء فغلطوا فما رأوه إل في بعض التفاصيل لضيق
وعائهم ( :وكنت عليهم شهيدا) رقيبا ً حاضرا ً أراعيهم وأعلمهم ( :ما دمت
فيهم) أي :ما بقي مني وجود بقية ( :فلما توفيتني) أفنيتني بالكلية بك ( :
كنت أنت الرقيب عليهم) لفنائي فيك ( :وأنت على كل شيء شهيد) حاضر،
يوجد بك ،وإل لم يكن ذلك الشيء( : .إن تعذبهم) بإدامة الحجاب ( :فإنهم
عبادك) أحقاء بالحجب والحرمان وأنت أولى بهم تفعل بهم ما تشاء ( :وإن
تغفر لهم) برفع الحجاب ( :فإنك أنت العزيز) القوي القادر على ذلك ل
تزول عزتك بتقريبهم ورفع حجابهم ( :الحكيم) تفعل ما تفعله من التعذيب
بالحجب والحرمان والتقريب باللطف والغفران بحكمتك البالغة ( :هذا
يوم) نفع صدقك إياك ،وصدق كل صادق لكونه خميرة الكمالت وخاصية
الملكوت ( :لهم جنات) الصفات بدليل ثمرة الرضوان فإن الرضا ل يكون إل
بفناء الرادة ول تفنى إرادتهم إل إذا غلبت إرادة الله عليهم فأفنتها ،ولهذا
قدم رضوان الله عنهم على رضوانهم عنه ،أي :لما أرادهم الله تعالى في
الزل بمظهرية إرادته ومحل رضوانه ورضي بهم محل ً وأهل ً لذلك سلب
عنهم إرادتهم بأن جعل إرادته مكانها وأبدلهم بها فرضي عنهم وأرضاهم ( :
ذلك الفوز العظيم) أي :الفلح العظيم الشأن ولو كان فناء الذات لكان
الفوز الكبر والفلح العظم .له ما في العالم العلوي والسفلي باطنه
وظاهره ( :وما فيهن) أسماؤه وصفاته وأفعاله ( :وهو على كل شيء قدير)
إن شاء أفنى بظهور ذاته ،وإن شاء أوجد بتستره بأسمائه وصفاته.
)سورة النعام(
)بسم الله الرحمن الرحيم(
تفسير سورة النعام من آية 1إلى آية ( : [8الحمد لله الذي خلق السماوات
والرض) ظهور الكمالت ،وصفات الجمال والجلل على مظاهر تفاصيل
الموجودات بأسرها الذي هو كمال الكل .والحمد المطلق مخصوص بالذات
اللهية الجامعة لجميع صفاتها وأسمائها باعتبار البداية الذي أوجد سموات
عالم الرواح وأرض عالم الجسم وأنشأ في عالم الجسم ظلمات مراتبه
التي هي حجب ظلمانية لذاته وفي عالم الرواح نور العلم والدراك ( :
ثم) أي :بعد ظهور هذه اليات ( :الذين كفروا) حجبوا مطلقا ً ( :بربهم
يعدلون) غيره يثبتون موجودا ً يساويه في الوجود ( :هو الذي خلقكم من
طين) المادة الهيولنية ( :ثم قضى أجل) مطلقا ً غير معين بوقت وهيئة ،لن
أحكام القضاء الثابت الذي هو أم الكتاب كلية منزهة عن الزمان ،متعالية عن
المشخصات إذ محلها الروح الولى المقدس عن التعلق بالمحل ،فهو الجل
الذي يقتضيه الستعداد طبعا ً بحسب هويته المسمى أجل ً طبيعيا ً بالنظر إلى
نفس ذلك المزاج الخاص والتركيب المخصوص بل اعتبار عارض من
العوارض الزمانية ( :وأجل مسمى) معين ( :عنده) هو الجل المقدر
الزماني الذي يجب وقوعه عند اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع المثبت في
كتاب النفس الفلكية التي هي لوح القدر المقارن لوقت معين ملزما ً له،
كما قال تعالى ( : :فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساعة ول
يستقدمون) ]العراف ،الية ( : .[34 :ثم أنتم) بعدما علمتم قدرته على
إبدائكم وإفنائكم وإحاطة علمه بكم تشكون فيه وفي قدرته ،فتتبتلون
لغيره تأثيرا ً وقدرة( : .وهو الله) في صورة الكل سواء ألوهيته بالنسبة إلى
العالم العلوي والسفلي ( :يعلم سركم) في عالم الرواح الذي هو عالم
الغيب ( :وجهركم) في عالم الجسام الذي هو عالم الشهادة ( :ويعلم ما
تكسبون) فيهما من العلوم والعقائد والحوال والحركات والسكنات
والعمال صحيحها وفاسدها ،صوابها وخطئها ،خيرها وشرها ،فيجازيكم
بحسبها] .تفسير سورة النعام من آية 9إلى آية ( : [17ولو
جعلناه) الرسول ( :ملكا لجعلناه رجل) أي :لجسدناه لن الملك نور غير
مرئي بالبصر وهم ظاهريون ل يدركون إل ما كان محسوسا ً وكل محسوس
فهو جسم أو جسماني ول صورة تناسب الملك الذي ينطبق بالحق حتى
يتجسد فيها إل الصورة النسانية ،إما لكونه نفسا ً ناطقة تقتضي هذه
الصورة وإما لوجوب وجود الجنسية التي لو لم تكن لما أمكنهم السماع منه
وأخذ القول ( :كتب على نفسه الرحمة) أي :ألزم ذاته من حيث هي إفاضة
الخير والكمال بحسب استعداد القوابل فما من مستحق لرحمة وجود أو
كمال إل أعطاه عند حصول استحقاقه لها( : .ليجمعنكم إلى يوم
القيامة) الصغرى والعادة أو الكبرى في عين الجمع المطلق ( :ل ريب فيه)
في كل واحد من الجمعين في نفس المر عند التحقيق ،وإن لم يشعر به
المحجوبون وهم ( :الذين خسروا أنفسهم) بإهلكها في الشهوات واللذات
الفانية ومحبة ما يفنى سريعا ً من حطام الدنيا ،وكل محب لشيء فهو
محشور فيه .فهؤلء لمحبتهم إياها واحتجابهم بها عموا عن الحقائق الباقية
النورانية واستبدلوا بها المحسوسات الفانية الظلمانية ( :فهم ل
يؤمنون) ( :قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم) قال ذلك مع قوله ( : :ثم
أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) ]النحل ،الية ،[123 :وكذلك قال
موسى ( : :سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) ]العراف ،الية [143 :
لن مراتب الرواح مختلفة في القرب والبعد من الهوية اللهية .وكل من
كان أبعد فإيمانه بواسطة من تقدمه في الرتبة ،وأهل الوحدة كلهم في
المرتبة اللهية أهل الصف الول فكان إيمانهم بل واسطة وإيمان غيرهم
بواسطتهم القدم فالقدم ،وكل من كان إيمانه بل واسطة فهو أول من
آمن وإن كان متأخر الوجود بحسب الزمان كما قال النبي عليه ' : eنحن
الخرون السابقون ' .فل يقدح اتباعه لملة إبراهيم في سابقيته لن معنى
التباع هو السير في طريق التوحيد مثل سيره في الزمان الول .ومعنى
أوليته كونه في الصف الول مع السابقين] .تفسير سورة النعام من آية
18إلى آية ( : [21وهو القاهر فوق عباده) بإفنائهم ذاتا ً وصفة وفعل ً بذاته
وصفاته وأفعاله ،فيكون قهره عين لطفه كما لطف بهم بإيجادهم
وتمكينهم وإقدارهم على أنواع التمتعات وهيأ لهم ما أرادوا من أنواع النعم
والمشتهيات فحجبوا بها عنه وذلك عين قهره .فسبحان الذي اتسعت رحمته
لوليائه في شدة نقمته واشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته ( :وهو
الحكيم) يفعل ما يفعل من القهر الظاهر المتضمن للطف الواسع أو
اللطف الظاهر المتضمن للقهر الكامل بالحكمة ( :الخبير) الذي يطلع على
خفايا أحوالهم واستحقاقها للطف والقهر ( :ومن أظلم ممن افترى على
الله كذبا) بإثبات وجود غيره ( :أو كذب) بصفاته بإظهار صفات نفسه،
فأشرك به .وغاية الظلم الشرك بالله ( :إنه ل يفلح الظالمون) لحتجابهم
بما وضعوه في موضع ذات الله وصفاته( .ويوم نحشرهم جميعا) في عين
جمع الذات ( :ثم نقول للذين أشركوا) بإثبات الغير ( :أين شركائي الذين
كنتم تزعمون) لفناء الكل في التجلي الذاتي ( :ثم لم تكن) عند تجلية الحال
وبروز الكل للملك القهار نهاية شركهم وعاقبته ( :إل أن قالوا والله ربنا ما
كنا مشركين) لمتناع وجود شيء نشركه بالله( : .انظر كيف كذبوا على
أنفسهم) بافتراء الوجود والصفات لها وضاع ( :عنهم ما كانوا يفترون) فلم
يجدوه شيئا ً بل وجدوه ل شيء سوى المفتري أو كذبوا على أنفسهم بنفي
الشرك عنها مع رسوخ ذلك العتقاد فيها( : .ولو ترى إذ وقفوا على) نار
الحرمان والتعذب بهيآت نفوسهم المظلمة واستيلء صور المفتريات عليهم
في العذاب ( :فقالوا يا ليتنا نرد ول نكذب بآيات ربنا) من تجليات صفاته ( :
ونكون من المؤمنين) الموحدين ،لكان ما ل يدخل تحت الوصف ( :بل
بدا) ظهر ( :لهم ما كانوا يخفون) من العقائد الفاسدة والصفات المهلكة
والهيآت المظلمة ببروزهم لله وانقلب باطنهم ظاهرًا ،فتعذبوا به ( :ولو
ردوا لعادوا لما نهوا عنه) لرسوخ تلك العتقادات والملكات فيهم ( :وإنهم
لكاذبون) في الدنيا والخرة لكون الكذب ملكة راسخة فيهم] .تفسير سورة
النعام آية ( : [30ولو ترى إذ وقفوا على ربهم) في القيامة الكبرى وهو
تصوير لحالهم في الحتجاب والبعد وإل لم يكن ثم قول ول جواب،
لحرمانهم عن الحضور والشهود ،وإن كانوا في عين الجمع المطلق .واعلم
أن الوقف على الشيء غير الوقوف معه ،فإن الوقوف مع الشيء يكون
طوعا ً ورغبة ،والوقف على الشيء ل يكون إل كرها ً ونفرة ،فمن وقف مع
الله بالتوحيد كمن قال ) % :وقف الهوى من حيث أنت فليس %لي متأخر
عنه ول متقدم( %ل يوقف للحساب ،بل هو من أهل الفوز الكبر الذين
قال فيهم ( : :واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي
يريدون وجهه) ]الكهف ،الية ( : ،[28 :ما عليك من حسابهم من
شيء) ]النعام ،الية [52 :ويثاب بأنواع النعيم في الجنان كلها .ومن وقف
مع الغير بالشرك وقف على الرب وعذب بجميع أنواع العذاب في مراتب
النيران كلها ،لكون حجابه أغلظ وكفره أعظم .ومن وقف مع الناسوت
بمحبة اللذات والشهوات ،ولبث في حجاب الثار وقف على الملكوت وعذب
بنيران الحرمان عن المراد ،وسلط عليه زبانية الهيآت المظلمة ،وقرن
بشياطين الهواء المردية .ومن وقف مع الفعال وخرج عن حجاب الثار،
وقف على الجبروت ،وعذب بنار الطمع والرجاء ،ورد إلى مقام الملكوت.
ومن وقف مع الصفات وخرج عن حجاب الفعال ،وقف على الذات ،وعذب
بنار الشوق في الهجران وإن كان من أهل الرضا وهذا الموقف ليس هو
الموقف على الرب ،فإن الموقوف على الذات يعرف ربه الموصوف بصفات
اللطف كالرحيم ،والرؤوف ،والكريم ،دون الموقوف على الرب فهو حجاب
النية كما أن الواقف مع الفعال في حجاب أوصافه ،والواقف مع الناسوت
في حجاب أفعاله التي هي من جملة الثار .فالمشرك موقوف في المواقف
الربعة أول ً على الرب فيحجب بالبعد والطرد ،كما قال ( : :اخسئوا فيها ول
تكلمون) ]المؤمنون ،الية ،[108 :وقال ( : :فذوقوا العذاب بما كنتم
تكفرون) ]آل عمران ،الية ،[106 :ثم على الجبروت فيطرد بالسخط
والقهر كما قال ( : :ول يكلمهم الله ول ينظر إليهم) ]آل عمران ،الية :
،[77ثم على الملكوت فيزجر بالغضب واللعن كما قيل ( : :ادخلوا أبواب
جهنم) ]الزمر ،الية [72 :ثم على النار ،فيعذب بأنواع النيران أبدًا ،كما قال
على لسان مالك ( : :إنكم ماكثون) ]الزخرف ،الية ،[77 :فيكون وقفه
على النار متأخرا ً عن وقفه على الرب ،معلول ً منه ،كما قال ( : :ثم إلينا
مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) ]يونس ،الية .[70 :
وأما الواقف مع الناسوت فيقف للحساب على الملكوت ثم على النار ،وقد
ينحى لعدم السخط وقد ل ينحى لوجوده .والواقف مع الفعال ل يوقف
ل ،بل يحاسب ويدخل الجنة .وأما الواقف مع الصفات فهو من على النار أص ً
الذين t( : :م ورضوا عنه) ]المائدة ،الية [119 :والله أعلم بحقائق
المور( .قد خسر الذين) المحجوبون المكذبون بلقاء الحق ( :حتى إذا
جاءتهم) القيامة الصغرى ندموا على تفريطهم فيها ( :وهم يحملون
أوزارهم) من أعباء التعلقات ،وأفعال محبة الجسمانيات ،ووبال السيئات،
وآثام هيآت الحسيات ( :على ظهورهم) أي :ارتكبتهم واستولت عليهم
للرسوخ في نفوسهم فحجبتهم وعذبتهم وثبطتهم عما أرادوا ( :وما الحياة
الدنيا) أي :الحياة الحسية ،لن المحسوس أدنى إلى الخلق من المعقول ( :
إل لعب) أي :إل شيء ل أصل له ول حقيقة سريع الفناء والنقضاء ( :
وللدار الخرة) أي :عالم الروحانيات ( :خير للذين) يتجردون عن ملبس
الصفات البشرية واللذات البدنية ( :أفل تعقلون) حتى تختاروا الشرف
الطيب على الخس الدون الفاني( : .قد نعلم إنه ليحزنك) عتاب لرسول
الله eبظهور نفسه بصفة الحزن ( :ل يكذبونك) إلى آخره ،أي :ليس
إنكارهم تكذيبك لنك لست في هذه الدعوة قائما ً بنفسك ول هذا الكلم
صفة لك ،بل تدعوهم بالله وصفاته وهذه عادة قديمة] .تفسير سورة
النعام من آية 34إلى آية ( : [38ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا) بالله،
سله بالله بعدما عاتبه لئل يبقى في التلوين ول يتأسف بعد ذهابه عليه
فيقع في القبض بل يطمئن قلبه ،ولهذا عقبه بقوله ( : :ول مبدل لكلمات
الله) أي :صفات الله التي يتجلى بها لعباده ول تتغير ول تتبدل بإنكار
المنكرين ول يمكنهم تبديلها .ونفى عنه القدرة وعجزه بقوله ( : :وإن كان
كبر عليك إعراضهم فإن استطعت) إلى آخره ،لئل تظهر نفسه بصفاتها ( :
فل تكونن من الجاهلين) الذين ل يطلعون على حكمة تفاوت الستعدادات،
فتتأسف على احتجاب من احتجب .فإن المشيئة اللهية اقتضت هداية بعض
وحرمان بعض لحكمة ترتب النظام وظهور الكمالت الظاهرة والباطنة ،فل
يستجيب إل من فتح الله سمع قلبه بالهداية الصلية ووهب له الحياة
الحقيقية بصفات الستعداد ونور الفطرة ،ل موتى الجهل الذين ماتت
غريزتهم بالجهل المركب أو بالحجب الجبلية ،أو لم يكن لهم استعداد بحسب
الفطرة فإنهم ل يمكنهم السماع ،بل ( : :يبعثهم الله) بالعادة في النشأة
الثانية ( :ثم إليه يرجعون) في عين الجمع المطلق للجزاء أو المكافأة مع
احتجابهم .وقد يمكن رفع الحجب في الخرة للفريق الثاني دون الباقين ( :
ولكن أكثرهم ل يعلمون) نزول اليات ،فإن ظهور كل صفة من صفاته على
كل مظهر من مظاهر الكوان آية له يعرفه بها أهل العلم( : .وما من دابة
في الرض) إلى آخره ،يمكن حمله على المسخ أي :أمم أمثالكم في
الحتجاب والعتداء وارتكاب الرذائل كأصحاب السبت الذين مسخوا قردة
وخنازير ( :ما فرطنا) ما قصرنا في كتابهم الذي فيه صور أعمالهم وهو
صحيفة النفس الفلكية أو صحيفة نيتهم التي ثبتت فيها صور أعمالهم ( :ثم
إلى ربهم يحشرون) للجزاء ،محجوبين في عين الجمع المطلق .والظاهر أن
المراد أنهم أمم أمثالكم مربوبون بما احتاجوا إليه من معايشهم ،مكفيون
مؤنتهم بتقدير من الله وحكمه .ما قصرنا في كتاب اللوح المحفوظ من
شيء يصلحهم بل أثبتنا فيه أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وكل ما احتاجوا
إليه( : ،ثم إلى ربهم يحشرون) لجزاء أعمالهم كما هو مروي في الحديث
من حشر الوحوش ،وقصاص العمال بينهم ،وكل واحدة منها آية لكم تعرف
بها أحوالكم وأرزاقكم وآجالكم وأعمالكم ،فاعتبروا بها ول تصرفوا هممكم
ومساعيكم في طلب الرزق وإصلح الحياة الدنيا فتخسروا أنفسكم
وتضروها وتشقوا بها في آخرتكم.
(والذين كذبوا) بتجليات صفاتنا لحتجابهم بغواشي صفات نفوسهم ( :
صم) بآذان القلوب فل يسمعون كلم الحق ( :وبكم) بألسنتها التي هي
العقول فل ينطقون بالحق في ظلمات صفات نفوسهم وجلبيب أبدانهم
وغشاوات طبائعهم كالدواب ،فكيف يصدقونك وما هداهم الله لذلك
بالتوفيق ( :من يشإ الله يضلله) بإسبال حجب جلله ( :ومن يشأ يجعله على
صراط مستقيم) بإشراق نور وجهه وسبحات جماله ( :قل أرأيتكم) إلى
آخره ،أي :كل مشرك عند وقوعه في العذاب أو عند حضور الموت إن
فسرنا الساعة بالقيامة الصغرى أو رفع الحجاب بالهداية الحقانية إلى
التوحيد الحقيقي ،إن فسرناها بالقيامة الكبرى يتبرأ عن حول من أشركه
بالله وقوته ويتحقق أن ل حول ول قوة إل بالله ول يدعو إل الله ،وينسى
كل من تمسك به وأشركه بالله من الوسائل ،ولهذا قيل :البلء سوط من
سياط الله ،يسوق عباده .أما ترى كيف عقب كلمه بمقارنة الخذ بالبأساء
والضراء بإرسال الرسل .لعل تضاعف أسباب اللطف ،كقود النبياء وسوق
العذاب ،يزعجهم عن مقار نفوسهم ويكسر سورتها وشدة شكيمتها،
فيطيعوا ويبرزوا من الحجاب وينقادوا متضرعين عند تجلي صفة القهر
وتأثيرها فيهم ،ثم بين أنهم ما تضرعوا لقساوة قلوبهم بكثافة الحجاب
وغلبة غش الهوى وحب الدنيا وميل اللذات الجسمانية] .تفسير سورة
النعام من آية 51إلى آية ( : [53وأنذر به الذين يخافون) أي :أنذر بما
أوحي إليك المستعدين الذين هم أهل الخوف والرجاء ،وأعرض عن الذين
قست قلوبهم فإنه ل ينجع فيهم كما قال في أول الكتاب ( : :هدى
للمتقين) ]البقرة ،الية ( : .[2 :أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه
ولي ول شفيع) أي :يعلمون بصفاء استعدادهم أنه ل بد من الرجوع إلى
الله ،فيخافون أن يحشروا إليه في حال كونهم محجوبين عنه بحجب
صفاتهم وأفعالهم ل ولي ينصرهم غير الله فينقذهم من ذلة البعد وعذاب
الحرمان ،ول شفيع يشفع لهم فيقربهم منه ،ويكرمهم لفناء الذوات والقدر
كلها في الله ،وقهره إياهم ،كما قال تعالى ( : :يوم هم بارزون ل يخفى
على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ] )16غافر ،الية :
،[16فيتعظون بسماعهم له ويحدث فيهم الرجاء فيشمرون في السلوك
بالجد والجتهاد ( :لعلهم يتقون) لكي يحذروا حجب أفعالهم وصفاتهم
وذواتهم ،ويتجردوا عنها بالمحو والفناء في الله ،ويتجه أن يكون الولي
القلب ،والشفيع الروح ،أي :لم يصلوا إلى مقام القلب الذي هو ولي
النفس فينقذها من العذاب وينصرها من الحرمان ،ول إلى مقام الروح
فتشفع لهم بإمداد مدد القرب لها واستمدادها من الله وتتوسل بينهم وبين
الله( : .ول تطرد الذين يدعون) أي :ل تزجرهم به ،وهم أهل الوحدة
الكاملون الواصلون ،فإن النذار كما ل ينجع في الذين قست قلوبهم ل
ينفع في الذين طاشت قلوبهم في الله وتلشت ( :ربهم بالغداة
والعشي) أي :يخصونه بالعبادة دائما ً بحضور القلب وشهود الروح وتوجه
السر إليه ،ل يريدون بالعبادة إل ذاته بالمحبة الزلية ل يجعلون عبادتهم
معللة بغرض من توقع ثواب جنة أو خوف عقاب أو نقمة ،ول يريدونه بمحبة
الصفات فتتغير إرادتهم باختلف تجلياتها ول يستحلون توسيط ذاته في
مقصد أو مطلب بل شاهدوا فناء الوسائط والوسائل فيه ولم يبق في
شهودهم شيء يقع نظرهم عليه حتى ذواتهم ( :ما عليك من
حسابهم) فيما يعملون من شيء ،أي :ل واسطة بينهم وبين ربهم من ملك
أو نبي فلست من دعوتهم إلى طاعة أو إلى جهاد أو إلى غير ذلك في شيء
فحسابهم على الله إذ عملهم ليس إل بالله وفي الله ( :وما من حسابك
عليهم من شيء) أي :ل يخوضون في أمور دعوتك بنصر وإعانة للسلم ول
يدفع وقمع للكفر لشتغالهم بالله عما سواه ودوام حضورهم كما قال
تعالى ( : :الذين هم على صلتهم دائمون) ]المعارج ،الية [23 :ل يعنيهم
شأن من أمرك ونبوتك ( :فتطردهم) عما هم عليه من دوام الحضور
بإنهاضهم لشغل ديني أو مصلحة أو تشوش وقتهم وجمعيتهم ( :فتكون من
الظالمين) ( :وكذلك فتنا) أي :مثل ذلك الفتن والبتلء العظيم فتنا ً ( :
بعضهم) وهم المحجوبون بالبعض ،فإن المحجوبين لما لم يروا منهم إل
صورتهم وسوء حالهم في الظاهر وفقرهم ومسكنتهم ،ولم يروا قدرهم
ومرتبتهم وحسن حالهم في الباطن ،استحقروهم وازدرتهم أعينهم
بالنسبة إلى ما هم فيه من المال والجاه والتنعم وخفض العيش فقالوا
فيهم ( : :أهؤلء من الله عليهم من بيننا) بالهداية استخفافا ً وهم والله
ل ،العظمون قدرا ً ورتبة عند الله وعند الطيبون عيشًا ،الرفعون حال ً ومنز ً
من يعرفهم كما قال نوح ( :ول أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله
خيرا) ]هود ،الية [31 :بل الخير كل الخير ما آتاهم الله ( :أليس الله بأعلم
بالشاكرين) الذين يشكرونه بالحقيقة باستعمال نعمة وجودهم وصفاتهم
وجوارحهم وما يقوم به من أرزاقهم ومعايشهم في طاعة الله فشكروه
بإزاء النعمة الخارجية بالعبادة وتصورها من المنعم وصرفها في مراضي
الله ،وبإزاء نعمة الجوارح باستعمالها في عبادته وسلوك طريقه وتحصيل
معرفته ومعرفة صفاته ،وبإزاء نعمة الصفات بمحوها في الله والعتراف
بالعجز عن معرفته وشكره وعبادته ،وبإزاء نعمة الوجود بالفناء في عين
الشهود حتى شكر الله سعيهم بالوجود الموهوب الحقاني ،وعلمهم أنه
الشاكر المشكور لنفسه بنفسه ،ل يقدر على شكره أحد إل هو ،فقالوا :
سبحانك ما عرفناك حق معرفتك ،سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ،وذلك هو
علمه بشكرهم وجزاؤه منه] .تفسير سورة النعام من آية 54إلى آية
( : [58وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا) بمحو صفاتهم ( :فقل سلم
عليكم) لتنزهكم عن عيوب صفاتكم وتجردكم عن ملبسها ( :كتب ربكم
على نفسه الرحمة) ألزم ذاته إبدال صفاتكم بصفاته رحمة لكم ،لن في
الله خلفا ً عن كل ما فات ( :أنه من عمل منكم سوءا بجهالة) أي :ظهر عليه
في تلوينه صفة من صفاته بغيبة وغفلة ،ثم رجع عن تلوينه من بعد ظهور
تلك الصفة وفاء إلى الحضور فعرفها وقمعها بالنابة إلى الله والتضرع بين
يديه والرياضة ( :فأنه غفور) يسترها عنه ( :رحيم) يرحمه بهبة التمكين
ونعمة الستقامة( : .وكذلك نفصل اليات) أي :مثل ذلك التبيين الذي بينا
لهؤلء المؤمنين نبين لك صفاتنا ( :ولتستبين سبيل) المحجوبين بصفاتهم
الذين يفعلون ما يفعلون بها وذلك إجرامهم( : .قل إني نهيت أن أعبد) ما
سوى الله من الذين تعبدون بهواكم من مال أو نفس أو شهوة أو لذة بدنية
أو غير ذلك ،فل ( :أتبع أهواءكم) بعبادتها فأضل إذا ً باحتجابي بها فل أهتدي
إلى التوحيد ومعنى الماضي أنه تحقق ضللي على هذا التقدير وما أنا من
الهدى في شيء( .وعنده مفاتح الغيب) إلى آخره ،اعلم أن الغيب مراتب
أولها غيب الغيوب وهو علم الله المسمى بالعناية الولى ،ثم غيب عالم
الرواح وهو انتقاش صورة كل ما وجد وسيوجد من الزل والبد في العالم
الول العقلي الذي هو روح العالم المسمى بأم الكتاب على وجه كلي ،وهو
القضاء السابق .ثم غيب عالم القلوب وهو ذلك النتقاش بعينه مفصل ً
تفصيل ً علميا ً كليا ً وجزئيا ً في عالم النفس الكلية التي هي قلب العالم
المسمى باللوح المحفوظ ثم غيب عالم الخيال وهو انتقاش الكائنات
بأسرها في النفوس الجزئية الفلكية المنطبعة في أجرامها معينة مشخصة
مقارنة لوقاتها على ما يقع بعينه ،وذلك العالم هو المعبر عنه في الشرع
بالسماء الدنيا إذ هو أقرب مراتب الغيوب إلى عالم الشهادة ولوح القدر
اللهي الذي هو تفصيل قضائه وعلم الله ،وهو العناية الولى عبارة عن
إحاطته بالكل بحضور ذاته لكل هذه العوالم التي هي عين ذاته فيعلمها مع
جميع تلك الصور التي فيها بأعيانها ل بصورة زائدة فهي عين علمها ول
يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ول في الرض فالمفاتح إن كان جمع
مفتح بفتح الميم الذي هو المخزن فمعناه عنده هذه الخزائن المشتملة على
جميع الغيوب لحضور ذاته لها ( :ول يعلمها إل هو) وإن كان جمع مفتح
بكسر الميم بمعنى المفتاح ،فمعناه إما ذلك المعنى بعينه يعني أبوابها
مغلقة ومفاتيحها بيده ل يطلع على ما فيها أحد غيره .وإما أن أسباب
إظهارها وإخراجها من مكانها إلى عالم الشهادة حتى يطلع عليه الخلق بيد
قدرته وتصرفه محفوظة عنده ل يقدر غيره على انتزاعها منه حتى يطلع
على ما فيها وهي أسماؤه تعالى ،والكتاب المبين هو السماء الدنيا لتعين
هذه الجزئيات فيها مع عددها وتشخصها( : .ثم يبعثكم فيه) أي :فيما
جرحتم من صواب أعمالكم ومكاسبكم للجزاء ( :ليقضى أجل) عينه للبعث
والحياء .ثم إلى ربكم ترجعون في عين الجمع المطلق فينبئكم بإظهار
صور أعمالكم عليكم وجزائكم بها( .وهو القاهر فوق عباده) بتصرفه فيهم
كما شاء وإفنائهم في عين الجمع المطلق إذ ل شيء إل وهو مقهور فيه ( :
ويرسل عليكم حفظة) هي قواهم التي ينطبع فيها كل حال بحسب الرسوخ
وعدمه ،فيظهر عليهم عند انسلخهم عن البدن فيتمثل بصور تناسبها إما
روحانية لطيفة توصل إليها الروح والثواب ،وإما جسمانية مظلمة توصل
إليها العذاب بل تظهر تلك الصور على جوارحها وأعضائها فتتشكل بهيآتها
وتنطق عليهم بأعمالها بلسان الحال .والقوى السماوية التي أشرنا إليها
وإلى انتقاش جميع الحوادث الجزئية فيها فتظهر عليهم بأسرها عند
مفارقتها عن بدنها ،ل تغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصتها عليهم وهي
بأعيانها الرسل التي توفتهم عند الموت .والرد أيضا ً يكون في عين الجمع
المطلق فإنه للجزاء ( :وهو أسرع الحاسبين) لوقوع حسابهم في آن وهو :
توفيهم] .تفسير سورة النعام من آية 63إلى آية ( : 65قل من ينجيكم من
ظلمات البر) التي هي حجب الغواشي البدنية والصفات النفسانية ( :
و) ظلمات ( :البحر) التي هي حجب صفات القلوب وفكر العقول ( :تدعونه)
إلى كشفها ( :تضرعا) في نفوسكم ( :وخفية) في أسراركم ( :لئن أنجيتنا
من هذه) الحجب ( :لنكونن من) الذين شكروا نعمة النجاء بالستقامة
والتمكين ( :قل الله ينجيكم منها) بكشف تلك الحجب بأنوار تجليات صفاته :
(ومن كل كرب) أي :ما بقي في استعدادكم بالقوة من كمالتكم بإبرازها
حتى لو كانت بقية من بقايا وجودكم كربا ً لكم لستعدادكم للفناء والخلص
منها بالكلية لقوة الستعداد وكمال الشوق لنجاكم منها ( :ثم أنتم) بعد
علمكم بهذا المقام الشريف وما ادخر لكم ( :تشركون) به أنفسكم
وأهواءكم فتعبدونها( : .قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من
فوقكم) باحتجابكم بالمعقولت والحجب الروحانيات ( :أو من تحت
أرجلكم) باحتجابكم بالحجب الطبيعية ( :أو يلبسكم شيعا) أو يخلطكم فرقا ً
متفرقة كل فرقة على دين قوة من قواكم هي أمامهم تقابل الفرقة
الخرى فيقع بينكم الهرج والمرج والقتال ،أو فرقا ً مختلفة العقائد كل
فرقة على دين دجال أو شيطان أنسي أو جني هو إمامهم ،أو يجعل
أنفسكم شيعا ً باستيلء كل قوة من قواكم على القلب بطلب لذتها
المخصوصة بها ،إحداها تجذبه إلى غضب والخرى إلى شهوة أو طمع أو غير
ذلك ،فيعرق القلب عاجزا ً فيما بينهم ،أسيرا ً في قبضتهم ،كلما هم بتحصيل
لذة هذه منعته الخرى ،ويقع بينهم الهرج والمرج في وجودكم لعدم
ارتياضهم بسياسة رئيس واحد قاهر يقهرهم ويسوسهم بأمر وحداني يقيم
كل ً منهم في مقامها ،مطيعة منقادة فتستقيم مملكة الوجود ويستقر
الملك على رئيس القلب .وعلى هذا التأويل يكون كل واحد منهم فرقة أو
فرقا ً متفرقة على أديان شتى ل شخصا ً واحدًا] .تفسير سورة النعام من
آية 66إلى آية ( : [70وكذب به) أي :بهذا العذاب ( :قومك وهو
الحق) الثابت النازل بهم ( :قل لست عليكم بوكيل) بموكل يحفظكم
ويمنعكم من هذا العذاب ( :لكل) ما ينبأ عنه محل وقوع واستقرار ( :وسوف
تعلمون) حين يكشف عنكم أغطية أبدانكم فيظهر عليكم ألم هذا العذاب
بصور ما تقتضيه نفوسكم( : .وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) أي :
صفاتنا بإظهار صفات نفوسهم وإثبات العلم والقدرة لها ( :فأعرض
عنهم) فإنهم محجوبون مشركون ( :وإما ينسينك الشيطان) بتسويل بعض
الباطيل والخرافات عليك ،ووسوسة نفسك فتظهر ببعض صفاتها
وتجانسهم بذلك فتميل إلى صحبتهم ( :فل تقعد بعد) ما تذكرت بتذكيرنا
إياك ( :مع القوم) الذين ظلموا أنفسهم بوضع صفاتهم موضع صفاتي
وحجبوها بصفاتهم فإن صحبتهم تؤثر فيوشك أن تقع في الحتجاب بشؤم
صحبتهم على سبيل التلوين( : .وما على) الموحدين الذين يتجردون عن
ملبس صفاتهم ويجتنبون هيآتها من حساب أولئك المحجوبين ( :من
شيء) أي :ل يحتجبون بواسطة مخالطتهم فيكونون معهم سواء ولكن
ذكرناهم لعلهم يحترزون عن صحبتهم وما عسى يقعون فيه من التلوين أو
وبالهم وشأنهم وحسابهم حتى يصاحبونهم ولكن فليذكروهم أحيانا ً بأدنى
مخالطة لعلهم يحذرون شركهم وحجبهم فينجون ببركة صحبتهم أو وما
عليهم مما يحاسب به من أعمالهم ووبالها من شيء ولكن فليذكروهم
بالزجر والنهي لعلهم يحترزون عنها( : .وذر الذين اتخذوا) أي :اترك الذين
دينهم وعاداتهم الهوى واللهو لنهم ل يرفعون بذلك رأسا ً لرسوخ ذلك
العتقاد فيهم واغترارهم بالحياة الحسية وأعرض عنهم وأنذر بالقرآن
كراهة أن تحجب نفس بكسبها ،أي :ل يكون دينها وديدنها ذلك ولم ترسخ
تلك العقيدة فيها لكن ترتكب بالميل الطبيعي أفعال ً من أفعالهم فتحتجب
بسببها فإنها تتأثر به وتتعظ فتنتهي ،فأنذرها حتى ل تصير مثلهم فتحبس
بعملها عن الهداية وحينئذ ل يقبل منها فدية إذ حجبت بكسبها .والشراب
الحميم هو شدة شوقها إلى الكمال لقوة استعدادها .والعذاب الليم
حرمانها عنه باحتجابها بأعمالها وهيآتها] .تفسير سورة النعام من آية 71
إلى آية ( : [73قل أندعو من دون الله) أي :أنعبد ما ل قدرة ول وجود له
حقيقة فينفع أو يضر ( :ونرد) إلى الشرك ( :على أعقابنا بعد إذ هدانا
الله) الهداية الحقيقية إلى التوحيد ( :كالذي) ذهبت به شياطين الوهم
والتخيل في مهمة أرض النفس ( :حيران) ل يدري أين يمشي وما يصنع بل
طريق ول مقصد ( :له أصحاب) رفقاء من الفكر والعاقلة العملية
والنظرية ( :يدعونه إلى الهدى) يقولون ( :ائتنا) فإن هذا هو الطريق ول
يسمع لرتتاق سمع قلبه بالهوى ( :قل إن) هداية الله التي هي طريق
التوحيد ( :هو الهدى) ل غير ( :وأمرنا لنسلم لرب العالمين) لننقاد لصفة
الربوبية بمحو صفاتنا في المتجلى بها وإسلمها إليه ونقيم صلة الحضور
القلبي ونتقيه ونجعله وقاية لنا في الصفات ليكون هو الموصوف به،
فنتخلص به عن وجودنا فيكون هو المحشور إليه بذاته عند فنائنا فيه( : .
وهو الذي خلق) سموات الرواح وأرض الجسم قائما ً بالعدل الذي هو
مقتضى ذاته ( :ويوم يقول كن فيكون) أي :وقت السرمدي الذي هو أزل
آزال ظهور الشياء في أزلية ذاته التي هي أزلية الزل مطلقا ً وهو حين
تعلق إرادته القديمة بالظهور في تعينات ذاته المعبر عنه يقوله :كن ،وهو
بعد أزلية الزال بالعتبار العقلي ل أنها تتأخر عن تلك الزلية بالزمان بل
بالترتيب العقلي العتباري في ذاته تعالى ،فإن التعينات تتأخر عن مطلق
الهوية المحضة عقل ً وحقيقة وظهورها بالرادة المسماة بقوله ( : :كن
فيكون) بل فصل وتأخير يعبر عنه ب ) :يكون( ،لنها لم تكن في الزل
فكانت ( :قوله الحق) أي :في ذلك الوقت سيما سرمدي إرادته التي
اقتضت وجود المبدعات على ما هي عليه ثابتة في حالها غير متغيرة،
اقتضت ما اقتضت على أحسن ما يكون من النظام والترتيب وأعدل ما
يكون من الهيئة والتركيب( : .يوم ينفخ في الصور) وقت نفخه في الصور
أي :إحياء صور المكونات بإفاضة أرواحها عليها ل ملك إل له فإنها بنفسها
ميتة ل وجود لها ول حياة فضل ً عن المالكية ( :عالم الغيب) أي :حقائق
عالم الرواح التي هي ملكوته ( :والشهادة) أي :صور عالم الجسام التي
هي ملكه ( :وهو الحكيم) الذي أوجدها ورتبها بحكمته فأفاض على كل
صورة ما يليق بها من الرواح ( :الخبير) الذي علم أسرارها وعلنيتها
وخواصها وأفعالها ،تلخيصه :هو مبدع الرواح والجسم المطلق بإرادته
القديمة الزلية الثابتة التي ل تغير فيها أبدا ً إبداعا ً على وجه العدل والحكمة
الذي اقتضاه ذاته ومكون الكائنات بإنشائها في عالم الملك الذي هو مالكه
ل غير ،كيف شاء عالما ً بما يجب أن يكون عليها حكيما ً في اتقانها ونظامها
وترتيبها ،خبيرا ً بما يحدث فيها من الحوال الحادثة على حسب إرادته بذاته
ل شريك له في ذلك كله] .تفسير سورة النعام من آية 74إلى آية ( : [75
وإذ قال إبراهيم لبيه) أي :اذكر وقت سلوك إبراهيم طريق التوحيد عند
تبصيرنا وهدايتنا إياه واطلعه على شرك قومه واحتجابهم بظهور عالم
الملك عن حقائق عالم الملكوت وربوبيته تعالى للشياء بأسمائه معتقدين
لتأثير الجرام والكوان ،ذاهلين بها عن المكون فعيرهم بذلك وقال
لمقدمهم وأكبرهم أبيه ( : :أتتخذ أصناما آلهة) وتعتقد تأثيرها ( :إني أراك
وقومك في ضلل مبين) ظاهر يعرف بالحس ،ومثل ذلك التبصير والتعريف
العام الكامل نعرف إبراهيم ونريه ( :ملكوت السماوات والرض) أي :القوى
الروحانية التي يدبر الله بها أمر السموات والرض ،فإن لكل شيء قوة
ملكوتية تحفظه وتدبر أمره بإذن الله ( :وليكون من الموقنين) فعلنا ذلك أي
:بصرناه ليعلم ويعرف أن ل تأثير إل لله ،يدبر بأسمائه التي هي ذاته مع كل
واحدة من الصفات ،فتتكثر الفعال من وراء حجب الكوان .فالمحجوب
بالكون واقف مع الحس يرى تلك الفعال من الكوان والمجاوز عنه الذي
خرق حجاب الكون ووقف مع العقل محبوسا ً في قيده يراها من الملكوت،
والمهتدي بنور الهداية اللهية المنفتحة عين بصيرته يرى أن الملكوت
بالنسبة إلى ذات الله تعالى كالملك بالنسبة إلى الملكوت ،فكما ل يرى
التأثير من الكوان ل يراها من ملكوتها بل من مالكها ومكونها ،فيقول
حقا ً :ل إله إل الله .تفسير سورة النعام من آية 76إلى آية ( : [79فلما
جن عليه الليل) أي :فلما أظلم عليه ليل عالم الطبيعة الجسمانية في صباه
وأول شبابه ( :رأي) كوكب ملكوت الهيكل النساني التي هي النفس
المسماة روحا ً روحانية وجد فيضه وحياته وربوبيته منها إذ كان الله تعالى
يريه في ذلك الحين باسمه المحيي ،فقال بلسان الحال ( : :هذا ربي فلما
أفل) بعبوره عن مقام النفس وطلوع نور القلب وإشراقه عليه بآثار الرشد
والتعقل ومعرفته لمكان النفس ووجوب انطباعها في الجسم ( :قال ل
أحب الفلين) الغاربين في مغرب الجسم ،المحتجبين به ،المتسترين بظلمة
المكان والحتياج إلى الغير ( :فلما رأى) قمر القلب بازغا ً بوصوله إلى
مقام القلب وطلوعه من أفق النفس بظهوره عليه ورأى فيضه بمكاشفات
الحقائق وعلمه وربوبيته منه ،إذ كان الله تعالى يريه حينئذ باسمه العالم
والحكيم ( :قال هذا ربي فلما أفل) باحتجابه عنه وعبوره عن طوره
وشعوره بأن نوره مستفاد من شمس الروح وإنه قد يتغيب في ظلمة
النفس وصفاتها فيحتجب بها ول نور له أعرض عن مقامه سالكا ً طريق
تجلي الروح قائل ً ( : :لئن لم يهدني ربي) إلى نور وجهه ( :لكونن من
القوم الضالين) الذين يحتجبون بالبواطن عنه كالنصارى الواقفين مع
الحجب النورانية( : .فلما رأى الشمس) الروح ( :بازغة) بتجليها عليه
وظهور نورها وجد فيضه وشهوده وربوبيته منها إذ كان الله تعالى يريه
حينئذ باسمه الشهيد والعلي العظيم ( :قال هذا ربي هذا أكبر) لعظمته
وشدة نورانيته ( :فلما أفلت) باستيلء أنوار تجلي الحق وطلوع سبحات
الوجه الباقي ،وانكشاف حجاب الذات بوصوله إلى مقام الوحدة رأى النظر
إلى الروح وإلى وجوده مشركا ً فقال ( : :يا قوم إني بريء مما تشركون) به
أي :أي شيء كان إذ ل وجود لغيره ( :إني وجهت وجهي) أي :أسلمت ذاتي
ووجودي ( :للذي) أوجد سموات الرواح وأرض النفس مائل ً عن كل ما سواه
حتى عن وجودي بالفناء فيه ( :وما أنا من المشركين) أي :لست من
الشرك في شيء ،كوجود البقية وظهورها وغير ذلك] .تفسير سورة النعام
من آية 80إلى آية ( : [92وحاجه قومه) في نفي التأثير عن الجرام
والكوان وترك تعبد كل ما سوى الله ( :قال أتحاجوني في الله وقد
هدان) إلى توحيده ( :ول أخاف ما تشركون) وتقولون بتأثيره أبدا ً ( :
ال) وقت ( :أن يشاء ربي شيئا) من جهتها بي من مكروه أو ضر يلحقني
من جهتها وذلك منه وبعلمه ل منها( : .وسع ربي كل شيء علمًا) يعلم
حالي وما فيه صلحي ،إن علم إضراري من جهتها أولى بي فعل ( :أفل
تتذكرون) فتميزوا بين العاجز والقادر( : .الذين آمنوا) بالتوحيد الذاتي ( :
ولم) يخلطوا ( :إيمانهم بظلم) من ظهور نفس القلب أو وجود بقية فإنها
شرك خفي ( :أولئك لهم المن) الحقيقي الذي ل خوف معه ( :وهم
مهتدون) بالحقيقة إلى الحق ( :وتلك حجتنا) أي :حجة التوحيد التي احتج
بها إبراهيم على قومه ( :كل من الصالحين) الذين يقومون بصلح العالم
وضبط نظامه وتدبيره لستقامتهم بالوجود الموهوب الحقاني بعد فناء
الوجود البشري ( :وكل فضلنا على) عالمي زمانهم( : .وما قدروا الله حق
قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء) أي :ما عرفوه حق معرفته
إذ بالغوا في تنزيهه حتى جعلوه بعيدا ً من عباده بحيث ل يمكن أن يظهر من
علمه وكلمه عليهم شيء ولو عرفوه حق معرفته لعلموا أن ل وجود لعباده
ول لشيء آخر إل به .والكل موجود بوجوده ل وجود إل له جميع عالم
الشهادة ظاهره وعالم الغيب باطنه ،ولكل باطن ظاهر ،فأي حرج من
ظهور بعض صفاته على مظهر بشري بل ل مظهر لكمال علمه الباطن
وحكمته إل النسان الكامل .فالنبي من حيث الصورة ظاهره ،ومن حيث
المعنى باطنه ينزل علمه على قلبه ويظهر على لسانه ويدعو به عباده إلى
ذاته ول إثنينية إل باعتبار تفاصيل صفاته .وأما باعتبار الجمع فل أحد موجود
إل هو ل النبي ول غيره ،فإذا اعتبرنا تفاصيل صفاته وأسمائه يظهر النبي
تبعية الخاص في ذاته تعالى ببعض صفاته فيصير اسما ً من أسمائه ،وإذا
كان كامل ً في نبوته يكون العظم الذي ل تنفتح أبواب خزائن غيبه ووجوده
وحكمته إل به كما سمعت .فل تنكر إن عجبت وحرمت من فهمه وبهت،
فعسى أن يفتح الله عين بصيرتك فترى ما ل عين رأت أو سمع قلبك،
فتسمع ما ل أذن سمعت أو ينور قلبك فتدرك ما ل خطر على قلب بشر.
]تفسير سورة النعام من آية 93إلى آية ( : [94ومن أظلم ممن افترى
على الله كذبا) بادعاء الكمال والوصول إلى التوحيد والخلص عن كثرة
صفات النفس وازدحامها مع بقائها فيه فيكون في أقواله وأفعاله بالنفس
وهو يدعي أنه بالله ( :أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء) أي :حسب
مفتريات وهمه وخياله ومخترعات عقله وفكره وحيا ً من عند الله وفيضا ً من
الروح القدسي فتنبأ ( :ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) أي :تفرعن
بوجود أنائيته وتوهم التوحيد العلمي عينيًا ،فادعى اللهية ( :ولو ترى إذ
الظالمون) أي :هؤلء الظلمة من المدعين للكمال المحجوبين الذين
يزعمون كون أفعالهم إلهية وهي نفسانية والمتنبئين والمتفرعنين ( :في
غمرات الموت) أي :شدائده وسكراته لفتقادهم في دعواهم وغلطهم في
حسبانهم أنهم قد فنوا عن أنفسهم وتجردوا عن ملبس أبدانهم مع شدة
تعلقهم بها وقوة محبة الدنيا ورسوخ الهوى فيهم لنهم ما ماتوا بالموت
الرادي والتجرد عن الشهوات واللذات البدنية ،وما فنوا عن صفات
نفوسهم ودواعيها حتى يسهل عليهم الموت الطبيعي ( :والملئكة) أي :
قوى العالم التي كانت تمد قواهم النفسانية من النفوس الكوكبية والفلكية
وتأثيراتها التي كانت تستولي عليهم في حياتهم مع ظنهم أنهم تخلصوا
منها بالتجرد كما أشرنا إليه ( :باسطو أيديهم) قوية التأثير فيهم ،بالغة فيه
كنه قواها وقدرها ( :أخرجوا أنفسكم) أي :تعنفهم وتقهرهم لشدة
تعكفهم وكثرة تحسرهم وصعوبة مفارقة البدان عليهم ( :اليوم تجزون
عذاب الهون) والصغار بوجود صفات نفوسكم وهيآتها المظلمة المؤذية
وحجب أنائيتكم وتفرعنكم كما قال ( : :سيجزيهم وصفهم) ]النعام ،الية :
( : [139بما كنتم تقولون على الله غير الحق) أي :بسبب افترائكم على
الله ،أعمالكم وأقوالكم الصادرة من صفات نفوسكم وأهوائها ( :وكنتم عن
آياته تستكبرون) وبسبب احتجابكم بأنائيتكم وتفرعنكم معجبين بصفاتكم
غير مذعنين بمحوها لصفاتنا محجوبين عنها بوجودها مستكبرين بها
عنها( : .ولقد جئتمونا فرادى) مجردين عن الصفات والعلئق والهل
والقارب والوجود بالستغراق في عين جمع الذات ( :كما خلقناكم أول
مرة) بإنشاء ذرات هوياتكم في الزل عند أخذ الميثاق ( :وتركتم ما
خولناكم) من الوسائل والعلوم والفضائل ( :وراء ظهوركم وما نرى
معكم) وسائلكم وأسبابكم وما آثرتموه بهواكم وتعلقتم بها من محبوباتكم
ومعبوداتكم ( :الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء) بمحبتكم إياها وتعبدكم لها
ونسبتكم التأثير إليها واعتباركم واعتدادكم بها قد وقع التفرق بينكم بتغير
الحوال وتبدل الصور والشكال ( :وضل عنكم ما كنتم تزعمون) شيئا ً
موجودا ً بشهودكم ثناء الكل في الله] .تفسير سورة النعام من آية 95إلى
آية ( : [98إن الله فالق) حبة القلب بنور الروح عن العلوم والمعارف ونوى
النفس بنور القلب عن الخلق والمكارم ( :يخرج) حي القلب عن ميت
النفس تارة باستيلء نور الروح عليها ( :ومخرج) ميت النفس عن حي
القلب أخرى بإقباله عليها واستيلء الهوى وصفات النفس عليه( : .ذلكم
الله) القادر على تقليب أحوالكم وتغليبكم في أطواركم ( :فإني) تصرفون
منه إلى غيره ( :فالق الصباح) أي :فالق ظلمة صفات النفس عن القلب
بإصباح نور شمس الروح وإشراقه عليها ( :وجاعل) ظلمة النفس سكن
القلب يسكن إليها للرتفاق والسترواح أحيانا ً أو سكنا ً تسكن فيه القوى
البدنية وتستقر عن الضطراب وشمس الروح وقمر القلب محسوبين في
عداد الموجودات الباقية الشريفة ،معتدا ً بهما .أو علمي حسب الحوال
والوقات تعتبر بهما ( :ذلك تقدير العزيز) القوي على ذلك ( :
العليم) بأحوال البروز والنكشاف والتستر والحتجاب بهما يعز تارة
باحتجابه بهما وعنهما في ستور جلله ،وتارة بتجليه وقهرهما وإفنائهما
يعلم ما يفعل بحكمته( : .وهو الذي جعل لكم) نجوم الحواس ( :لتهتدوا بها
في ظلمات) بر الجساد إلى مصالح المعاش وبحر القلوب باكتساب العلوم
بها ( :قد فصلنا اليات) أي :الروح والقلب والحواس ( :لقوم
يعلمون) ذلك ( :وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة) هي النفس الكلية ( :
فمستقر) في أرض البدن حال الظهور ( :ومستودع) في عين جمع الذات
حال الفناء( : .قد فصلنا) آيات ظهور النفس واستقرارها واستيداعها ( :
لقوم يفقهون) بتنور قلوبهم وصفاء فهومهم] .تفسير سورة النعام من
آية 99إلى آية ( : [101وهو الذي أنزل) من سماء الروح ماء العلم ( :
فأخرجنا به نبات) كل صنف من الخلق والفضائل ( :فأخرجنا) من النبات
هيئة خضرة النفس وزينة حسنة جميلة وبهجة بالعلم والخلق ( :نخرج) من
تلك الهيئة والنفس الطرية الغضة أعمال ً مترتبة شريفة مرضية ،ونيات
صادقة يتقوى بها القلب ،ومن نخل العقل من ظهور تعلقها معارف
وحقائق قريبة التناول لظهورها بنور الروح كأنها بديهية ( :وجنات من
أعناب) الحوال والذواق وخصوصا ً أنواع المحبة القلبية المسكر عصيرها
وسلفها ،وزيتون التفكر ،ورمان التوهمات الصادقة التي هي الهمم
الشريفة ،والعزائم النفسية ( :مشتبها) بعضها ببعض كالتعقلت والتفكرات
والمعارف والحقائق والعمال والنيات وكمحبة الذات ومحبة الصفات ( :
ل ،أو مشتبها ً في رتبتها وقوتها وغير متشابه) كأنواع المحبة مع العمال مث ً
وضعفها وجلئها وخفائها وغير متشابه فيه ( :انظروا إلى ثمره إذا
أثمر) وراعوه بالمراقبة عند السلوك وبدء الحال ،وليكن نظركم من اللذات
إلى هذه الثمرات ( :وينعه) وكماله عند الوصول بالحضور ( :إن في ذلكم
ليات لقوم يؤمنون) باليمان العلمي ،ويوقنون هذه اليات والحوال التي
عددناها( : .وجعلوا لله شركاء الجن) أي :جعلوا جن الوهم والخيال شركاء
لله في طاعتهم لها وانقيادهم .وقد علموا أن الله خلقهم فكيف يعبدون
غيره ( :وخرقوا له) اختلقوا بالفتراء المحض ( :بنين) من العقول ( :وبنات)
من النفوس يعتقدون أنها مؤثرات ومجردات مثله تولدت منه ( :بغير
علم) منهم أنها أسماؤه وصفاته ل تؤثر إل به )I( :تنزه عن أن يكون وجودا ً
مجردا ً مخصوصا ً بتعين خاص واحدا ً عن الموجودات المتعينة يصدر عنه
وجودات العقول المجردة والنفوس وتعاظم ( :عما يصفون) به علوا ً كبيرًا: .
(بديع السماوات والرض) أي :عديم النظير والمثل في سموات عالم
الرواح وأرض عالم الجساد ( :أنى يكون له ولد) أي :كيف يماثله شيء ( :
ولم تكن له صاحبة) لن الصاحبة ل تكون إل مجانسة وهو ل يجانس شيئًا،
وإذا لم يجانس شيئا ً لم يماثله فلم يكن له مثل يتولد منه ( :وخلق كل
شيء) بتخصيصه بتعين في ذاته وإيجاده بوجوده ل بأنه موجود مثله ( :وهو
بكل شيء عليم) يحيط علمه بالعقول والنفوس وغيرها كما يحيط وجوده
بها وهي محاطة ل تحيط بعلمه ول تعلم إل بعلمه ول توجد إل بوجوده فل
تماثله لنها بأنفسها معدومة ،وأنى يماثل المعدوم الموجود المطلق.
]تفسير سورة النعام من آية 102إلى آية ( : [108ذلكم) البديع العديم
المثل الموصوف بجميع هذه الصفات ( :الله ربكم ل إله) في الوجود ( :إل
هو) أي :ل موجود إل هو باعتبار الجمع ( :خالق كل شيء) باعتبار تفاصيل
صفاته فخصوا العبادة به ،أي :بالوجود الموصوف بجميع الصفات الذي هو
الله دون من سواه ( :وهو على كل شيء وكيل) أي :ل يستحق العبادة إل
المبدئ لكل شيء وهو مع ذلك وكيل على الكل يحفظها ويدبرها ويوصل
إليها الرزاق وما تحتاج إليه حتى تبلغ الكمال اللحق بها( : .ل تدركه
البصار) أي :ل تحيط به لنه اللطيف الجليل عن إدراكها ،وكيف تدركه
وهي ل تدرك أنفسها التي هي نور منه ؟ ! ( :وهو يدرك البصار) لحاطته
بكل شيء ولطف إدراكه ( :قد جاءكم بصائر من ربكم) أي :آيات بينات هي
صور تجليات صفاته التي هي أنوار بصائر القلوب .والبصيرة نور يبصر به
القلب ،كما أن البصر نور تبصر به العين( : ،فمن أبصر) أي :صار بصيرا ً بها،
فإنما فائدة إبصاره وهدايته لنفسه ومن حجب عنها فإنما مضرة احتجابه ل
تتعدى إلى غيره بل إليه ( :وما أنا عليكم بحفيظ) رقيب يرقبكم ويحفظكم
عن الضلل ،بل الله حفيظ يحفظكم ويحفظ أعمالكم ( :ولو شاء الله ما
أشركوا) أي :كل ما يقع فإنما يقع بمشيئة الله ول شك أن استعداداتهم
التي وقعوا بها في الشرك وأسباب ذلك من تعليم الباء والعادات وغيرها
أيضا ً واقعة بإرادة من الله وإل لم تقع .فإن آمنوا بذلك فبهداية الله وإل
فهون على نفسك ( :وما جعلناك عليهم حفيظا) تحفظهم عن الضلل ( :
وما أنت) بموكل عليهم باليمان ،ول ينافي هذا ما قال في تعييرهم فيما
بعد بقوله ( : :سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا) ]النعام ،الية :
[148لنهم قالوا ذلك عنادا ً ودفعا ً لليمان بذلك التعلل ل اعتقادًا ،فقولهم
ذلك وإن كان صدقا ً في نفس المر لكنهم كانوا به كاذبين ،مكذبين للرسول
،eإذ لو صدقوا لعلموا أن توحيد المؤمنين أيضا ً بإرادة الله وكذا كل دين.
فلم يعاندوا ولم يعادوا أحدًا ،ولو علموا أن كل شيء ل يقع إل بإرادة الله
لما بقوا مشركين بل كانوا موحدين ،لكنهم قالوه لغرض التكذيب والعناد
وإثبات أنه ل يمكنهم النتهاء عن شركهم فلذلك عيرهم به ل لنه ليس
كذلك في نفس المر ،فإنهم لم يطلعوا على مشيئة الله وأنه كما أراد
شركهم في الزمان السابق لم يرد إيمانهم الن إذ ليس كل منهم مطبوع
القلب بدليل إيمان من آمن منهم .فلم ل يجوز أن يكون بعضهم كانوا
مستعدين لليمان والتوحيد واحتجبوا بالعادة وما وجدوا من آبائهم فأشركوا
ثم إذا سمعوا النذار وشاهدوا آيات التوحيد اشتاقوا إلى الحق وارتفع
حجابهم فوحدوا ؟ ،فلذلك وبخهم على قولهم وطلب منهم الحجة على أن
الله أرادهم بذلك دائما ً وأنذرهم بوعيد من كان قبلهم لعل من كان فيه
أدنى استعداد إذا انقطع عن حجته وسمع وعيد من قبله من المنكرين،
ارتفع حجابه ولن قلبه فآمن ،ويكون ذلك توفيقا ً له ولطفا ً في شأنه ،فإن
عالم الحكمة يبتنى على السباب .وأما من كان من الشقياء المردودين
المختوم على قلوبهم ،فل يرفع لذلك رأسا ً ول يلقى إليه سمعًا] .تفسير
سورة النعام من آية 109إلى آية ( : 111وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن
جاءتهم آية) إلى آخره ،طلبوا خوارق العادات وأعرضوا عن الحجج البينات،
لنهم كانوا محجوبين بالحس والمحسوس ،فلم تنجع فيهم الدعوة بالحكمة
والثبات بالحجة كما تنجع في العقلء والمستعدين( : .قل إنما اليات) أي :
خوارق العادات التي اقترحوها إنما هي من عالم القدرة ليست إل عنده ( :
وما يشعركم) أنهم ل يؤمنون عند مجيئها ،أي :أنا أعلم بهم منكم أنهم ل
يؤمنون بها ،أو وما يشعركم أنهم يؤمنون عند مجيئها لعلها إذا جاءت ل
يؤمنون بها ،ومن لم يرد الله منه اليمان يقلب قلبه وبصره عند مجيء الية
التي اقترحها وزعم أنه يؤمن عند نزولها ،فيقول :هذا سحر ،ول يؤمن به
كما ل يؤمن قبل مجيء الية ويذره في ظهور نفسه بصفاتها واحتجابه بها،
ولهذا قال في آخر الية الثانية ( : :ما كانوا ليؤمنوا إل أن يشاء الله) يعني :
من استعد لليمان فهم المعقول وأدرك الحجة ،وانفتحت عين بصيرته بأدنى
نور من هداية الله وآمن بأدنى سبب ،ومن لم يستعد لذلك ولم يخلق له لو
رأى كل آية من خوارق العادات وغيرها ما آثر فيه ( :ولكن أكثرهم
يجهلون) أن اليمان بمشيئة الله ل بخوارق العادات ،وفي الحقيقة ل اعتبار
باليمان المرتب على مشاهدة خوارق العادات ،فإنه ربما كان مجرد إذعان
لمر محسوس وإقرار باللسان وليس في القلب من معناه شيء كإيمان
أصحاب السامري .واليمان ل يكون إل بالجنان ،كما قال تعالى ( : :قالت
العراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل اليمان في
قلوبكم) ]الحجرات ،الية ] .[14 :تفسير سورة النعام من آية 112إلى آية
( : [114وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) إلى آخره ،يلزم من ترتب مراتب
الرواح أن مقابلة أصفى الستعدادات وأنورها بأكدرها وأظلمها وأبعدها
ولزم منه وجود عدو لكل نبي للتضاد الحقيقي بينهما .وفائدة وجود العدو
في مقابلته له أن الكمال الذي قدر له بحسب استعداده ل يظهر عليه إل
بقوة المحبة للستمداد ،وأما القهر فلنكسار نفسه به وبإهانته واستخفافه
له ،وتثبته عند مقابلته في مقام القلب وتجلده معرضا ً عن النفس ولذاتها
لشتغاله بالعدو ذاهل ً عنها لفرط الحمية والحرص على الفضيلة التي يقهر
بها العدو والحتراز عن الملبس الحيوانية والشيطانية ليبعد بها عن مقامه
ومناسبته ولئل يتطرق له سبيل إلى طعنه وتحقيره وازدرائه بها ،ولهذا قال
' : eما أوذي نبي قط مثل ما أوذيت ' ،إذ ل كمال لحد مثل كماله فيجب أن
يكون سبب إخراجه إلى الفعل أقوى لغاية بعده عن صفات النفس وعاداتها.
( :ولتصغى إليه أفئدة الذين ل يؤمنون بالخرة) ولتميل إليه المحجوبون
لمناسبتهم ( :وليرضوه) لمحبتهم إياه ،فتقوى غوايتهم ويتظاهرون ويخرج
ما فيهم من الشرور إلى الفعل ،ويزدادوا طغيانا ً وتعديا ً على النبي eفتزداد
قوة كماله وتهيج أيضا ً بسببه دواعي المؤمنين ،والذين في استعدادهم
مناسبة للنبي eفتنبعث حميتهم ،وتزداد محبتهم للنبي eونصرهم إياه،
فتظهر عليهم كمالتهم ويتقوى بهم النبي eكما قيل :إن شهرة المشايخ
وكثرة مريديهم ل تكون إل بواسطة المنكرين إياهم .تفسير سورة النعام
من آية 115إلى آية ( : 122وتمت كلمة ربك صدقا وعدل) أي :تم قضاؤه
في الزل بما قضى وقدر من إسلم من أسلم وكفر من كفر ومحبة من
أحب أحدًا ،وعداوة من عادى قضاء مبرما ً وحكما ً صادقا ً مطابقا ً لما يقع
عادل ً بمناسبة كل قول وكل كمال وحال ،لستعداد من يصدر عنه واقتضائه
له ( :ل مبدل) لحكامه الزلية ( :وهو السميع) لما يظهرون من القوال
والفعال المقدرة ( :العليم) بما يخفون ( :أكثر من في الرض) أي :من
في الجهة السفلية بالركون إلى الدنيا وعالم النفس والطبيعة ( :يضلوك
عن سبيل الله) بتزيينهم زخارفهم عليك ودعوتهم إياك إلى ما هم فيه ( :
إن يتبعون إل الظن) لكونهم محجوبين في مقام النفس بالوهام والخيالت
عن اليقين ( :وإن هم إل) يخمنون المعاني بالصور والخرة بالدنيا،
ويقدرون أحوال المعاد وذات الحق وصفاته كأحوال المعاش وذواتهم
وصفاتهم فيشركون ويحلون بعض المحرمات( : .فكلوا) إلى آخره ،معلوم
مما مر في )المائدة( ومسبب للنهي عن طاعة المضلين واتباعهم ( :ظاهر
الثم) سيئات العمال والقوال الظاهرة على الجوارح ( :وباطنه) العقائد
الفاسدة والعزائم الباطلة ( :أو من كان ميتا) بالجهل ،وهو النفس
وباحتجاجه بصفاتها ( :فأحييناه) بالعلم ومحبة الحق أو بكشف حجب صفاته
بتجليات صفاتنا ( :وجعلنا له نورا) من هدايتنا وعلمنا أو نورا ً من صفاتنا أو
نورا ً منا بقيوميتنا له بذاتنا على حسب مراتبه ،كمن صفته هذا ،أي :هذا
القول وهو أنه في ظلمات من نفسه وصفاتها وأفعالها ليس بخارج منها ( :
كذلك زين) للمحجوبين عملهم فاحتجبوا به] .تفسير سورة النعام من آية
123إلى آية ( : 125وكذلك جعلنا في كل قرية) للحكمة المذكورة في إعلء
النبياء وكذا في قرية وجود النسان التي هي البدن ،جعلنا أكابر مجرميها
من قوى النفس المارة ليمكروا فيها بإضلل القلب وفتنته وإغوائه ( :وما
يمكرون إل بأنفسهم) لن عاقبة مكرهم راجعة إليهم باحتراقهم بنيران
فقدان اللت والسباب في جحيم الهوى والحرمان عن اللذات والشهوات
وحصول اللت الجسمانية عند خراب البدن وعند المعاد والبعث في أقبح
الصور على أسوأ الحوال( : .وإذا جاءتهم آية) من صفة قلبية وإشراق نوري
من هيئة ملكية خلقية ،أو علم وحكمة وفيض من روح ينكرونها بالعراض
عنها ،ويتمنون من قبل الوهم والخيال إدراكات مثل إدراكات العقل والفكر
وتركيبات تخيلية ومغالطات وهمية يعارضون بها البراهين الحقة حتى
يؤمنوا بها ويذعنوا لها( : .الله أعلم حيث يجعل رسالته) ل يضعها إل
مواضعها من القوى الروحانية المجردة من المواد الهيولنية ( :سيصيب
الذين أجرموا) باحتجابهم ومكرهم في إضللهم من استعد للهدى أو اهتدى
من القلوب الصافية ( :صغار عند الله) بزوال قدرتهم وتمكنهم بخراب البدن
( :وعذاب شديد) بحرمانهم عما يلئمهم ووصول ما ينافيهم في المعاد
الجسماني بسبب مكرهم( : .فمن يرد الله أن يهديه) من هذه القوى
للنقياد للعقل ( :يشرح صدره) أي :يسهل عليه ويجعل وجهه الذي يلي
القلب ذا نتوء وسعة لقبول نوره وممكنا ً من استسلمه له ( :ومن يرد أن
يضله يجعل صدره) يعسر عليه ويعجزه عن ذلك ( :حرجا) ذا ظلمة وقصور
استعداد عن قبول النور كأنما يزاول أمرا ً ممتنعا ً في الستنارة بنور القلب
وطلب الفيض منه .على هذا التأويل الذي ذكرناه وعلى المعنى الظاهر
المراد من الية السابقة .فمن يرد الله أن يهديه للتوحيد يشرح صدره
بقبول نور الحق وإسلم الوجود إلى الله بكشف حجب صفات نفسه عن
وجه قلبه الذي يلي النفس ،فيفسح لقبول نور الحق .ومن يرد أن يضله
يجعل صدره ضيقا ً حرجا ً باستيلئها عليه وضغطها له ( :كأنما يصعد) في
سماء روحه مع تلك الهيآت البدنية وذلك أمر محال( : .كذلك يجعل
الله) رجس التلوث بلوث التعلقات المادية أو رجس التعذب بالهيآت البدنية :
(على الذين ل يؤمنون)] .تفسير سورة النعام من آية 126إلى آية
( : [128وهذا) أي :طريق التوحيد وإسلم الوجه إلى الله ( :صراط ربك
مستقيما) ل اعوجاج فيه بوجه من الوجوه يميل إلى جانب الصورة وإلى
جانب المعنى أو إلى النظر إلى الغير والشرك به ( :قد فصلنا اليات لقوم
يذكرون) المعارف والحقائق التي هي مركوزة في استعدادهم فيهتدوا بها :
(لهم دار السلم) السلمة من كل نقص وآفة وخوف ظهور صفة ووجود
بقية ( :عند ربهم) في حضرة صفاته أو حضرة ذاته ( :وهو وليهم) يعطيهم
محبته وكماله ،ويدخلهم في ظل صفاته وذاته ،ويجعلهم في أمانه بالبقاء
السرمدي بعد فناء حدثانهم بسبب أعمالهم القلبية والقالبية في
سلوكهم( .ويوم يحشرهم) في يوم عين الجمع المطلق ( :جميعا) .قلنا ( :يا
معشر) جن القوى النفسانية ( :قد استكثرتم من النس) أي :من الحواس
والعضاء الظاهرة أو من الصور النسانية بأن جعلتموهم أتباعكم وأهل
طاعتكم إياهم ،وتسويلكم وتزيينكم الحطام الدنيوية واللذات الجسمانية
عليهم ،ووسوستكم إياهم بالمعاصي ( :وقال أولياؤهم من النس) الذين
تولوهم ( :ربنا استمتع بعضنا ببعض( بانتفاع كل منا في صورة الجمعية
بالخر ( :و( ( :قد) )بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا) بالموت أو بالمعاد الجسماني
على أقبح الصور وأسوأ العيش ( :قال النار) نار الحرمان عن اللذات
ووجدان اللم ( :مثواكم خالدين فيها إل( ( :وقت) )ما شاء الله) أن تخفف،
أو ينجي منكم من ل يكون سبب تعذبه شركا ً راسخا ً في اعتقاده ( :إن ربك
حكيم) ل يعذبكم إل بهيآت نفوسكم التي كسبتم على ما تقتضيه الحكمة ( :
عليم) بمن يتعذب باعتقاده فيدوم عذابه أو بهيآت سيئات أعماله فيعذب
على حسبها ثم ينجو منه( .وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا) أي :مثل ذلك
الجعل العظيم الهائل نجعل بعضهم ولي بعض بتوافق مكاسبهم وتناسبها،
فيتوالون ويحشرون معا ً في العذاب كالجن والنس الذين ذكرناهم أو نجعل
بعضهم والى بعض بتعذيبه بمكسوباته في النار ( :رسل منكم) من البشر
الذين هم جنسكم وعلى التآويل المذكورة من عقولكم التي هي قوى من
جنسكم وهذه السئلة والجوبة والشهادات كلها بلسان الحال وإظهار
الوصاف ،كما قيل ) % :قال الجدار للوتد :لم تشقني ؟ ) % % (%قال
الوتد :سل من يدقني % (%وكشهادة اليدي والرجل بصورها التي تناسب
هيآت أفعالها وتعذبها بها ( :ذلك) إشارة إلى إرسال الرسل وتبيين اليات
وإلزام الحجة بالنذار والتهديد ،أي :المر ذلك لن ربك لم يكن مهلك القرى
على غفلتهم ظالما ً لنه ينافي الحكمة.
(ولكل درجات) في القرب والبعد من أعمالهم التي عملوها ( :إن يشأ
يذهبكم) بفناء عينكم ( :ويستخلف من بعدكم) من أهل طاعته برحمته ( :
ذلك) أي :تحريم الطيبات عليهم جزاء ( :جازيناهم) بظلمهم ( :وإنا
لصادقون) في إيعادهم بجزاء الظلم ( :فإن كذبوك) بأن الله واسع المغفرة
فل يعذبنا بظلمنا ( :فقل) بلى ( :ربكم ذو رحمة واسعة) ولكنه ذو قهر
شديد فل ترد رحمته بأسه ( :عن القوم المجرمين) بل ربما أودع قهره في
صورة لطفه ولطفه في صورة قهره ( :كذلك كذب الذين من قبلهم) أي :
كذب المنكرون الرسل من قبلهم بتعليق كفرهم بمشيئة الله عنادا ً وعتوا ً
فعذبوا بكفرهم( : .قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا) أي :إن كان لكم
علم بذلك وحجة فبينوا ،وإنما قال ذلك إشارة إلى قولهم ( : :لو شاء الله ما
أشركنا) لنهم لو قالوا ذلك عن علم لعلموا أن إيمان الموحدين وكل شيء
ل يقع إل بإرادة الله فلم يعادوهم ولم ينكروهم ،بل والوهم ،ولم يبق بينهم
وبين المؤمنين خلف .ولعمري إنهم لو قالوا ذلك عن علم لما كانوا
مشركين ،بل كانوا موحدين ولكنهم اتبعوا الظن في ذلك وبنوا على التقدير
والتخمين لغرض التكذيب والعناد ،وعلى ما سمعوا من الرسل إلزاما ً لهم
وإثباتا ً لعدم امتناعهم عن الرسل لنهم محجوبون في مقام النفس ،وأنى
لهم اليقين ؟ ومن أين لهم الطلع على مشيئة الله ؟( : .قل فلله الحجة
البالغة) أي :إن كان ظنكم صدقا ً في تعليق شرككم بمشيئة الله فليس لكم
حجة على المؤمنين وعلى غيركم من أهل دين ،لكون كل دين حينئذ بمشيئة
الله ،فيجب أن توافقوهم وتصدقوهم بل لله الحجة عليكم في وجوب
تصديقهم وإقراركم بأنكم أشركتم بمن ل يقع أمر إل بإرادته ما ل أثر
لرادته أصل ً فأنتم أشقياء في الزل ،مستحقون للبعد والعقاب ( :فلو شاء
لهداكم أجمعين) أي :بلى صدقتم ،ولكن كما شاء كفركم لو شاء لهداكم
كلكم ،فبأي شيء علمتم أنه لم يشأ هدايتكم حتى أصررتم ؟ وهذا تهييج
لمن عسى أن يكون له استعداد منهم فيقمع ويهتدي فيرجع عن الشرك
ويؤمن] .تفسير سورة النعام آية ( : ] 151قل تعالوا أتل ما حرم ربكم
عليكم) لما أثبت أن المشركين في التحريم والتحليل يتبعون أهواءهم ،إذ
الشرك في نفسه ليس إل عبادة الهوى والشيطان .فلما احتجبوا بصفات
النفس عن صفات الحق ،وأمروا عليهم الهوى وعبدوه وأطاعوا أوامره
ونواهيه في التحريم والتحليل ،بين أن التحريم والتحليل المتبع فيهما أمر
الله تعالى ما هما ،ولما كان الكلم معهم في تحريم الطيبات عدد المحرمات
ليستدل بها على المحللت فحصر جميع أنواع الفضائل بالنهي عن أجناس
الرذائل وابتدأ بالنهي عن رذيلة القوة النطقية التي هي أشرفها .فإن
رذيلتها أكبر الكبائر ،مستلزمة لجميع الرذائل ،بخلف رذيلة أخويها من
القوتين البهيمية والسبعية فقال ( : :أل تشركوا به شيئا) إذ الشرك من
خطئها في النظر وقصورها عن استعمال العقل ودرك البرهان وعقبه
بإحسان الوالدين ،إذ معرفة حقوقهما تتلو معرفة الله في اليجاد والربوبية
لنهما سببان قريبان في الوجود والتربية وواسطتان جعلهما الله تعالى
مظهرين لصفتي إيجاده وربوبيته ،ولهذا قال ' : eمن أطاع الوالدين فقد
أطاع الله ورسوله ' .فعقوقهما يلي الشرك ول يقع الجهل بحقوقهما إل
عن الجهل بحقوق الله تعالى ومعرفة صفاته ،ثم بالنهي عن قتل الولد
خشية الفقر ،فإن ارتكاب ذلك ل يكون إل عن الجهل والعمى عن تسبيبه
تعالى الرزق لكل مخلوق وأن أرزاق العباد بيده يبسط الرزق لمن يشاء
ويقدر .والحتجاب عن سر القدر ،فل يعلم أن الرزاق مقدرة بإزاء العمار
كتقدير الجال ،فأولها ل تقع إل من خطئها في معرفة ذات الله تعالى،
والثانية من خطئها في معرفة صفاته ،والثالثة من معرفة أفعاله فل يرتكب
هذه الرذائل الثلث إل منكوس ،محجوب عن ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله
وهذه الحجب أم الرذائل وأساسها .ثم بين رذيلة القوة البهيمية لن رذيلتها
أظهر وأقدم ،فقال ( : :ول تقربوا الفواحش) من العمال القبيحة الشنيعة
عند العقل ( :ما ظهر منها) كالزنا في الحانات ،وشرب الخمر وأكل الربا ( :
وما بطن) كقصد هذه الفواحش المذكورة ونيتها والهم بها وإخفائها
كالسرقة وارتكاب المحظورات في الخفية .ثم أشار إلى رذيلة القوة
السبعية بقوله ( : :ول تقتلوا النفس التي حرم الله إل بالحق) أي :
بالقصاص والكفر ،وختم الكلم بقوله ( : :ذلكم) أي :الجتناب عن أجناس
رذائل النفوس الثلث ( :وصاكم به لعلكم تعقلون) أي :ل تجتنبها إل العقلء
ومن ارتكبها فل عقل له .ثم أراد أن يبين أن الرذائل الثلث مستلزمة
باجتماعها رذيلة الجور التي هي أعظمها وجماعها كما أن فضائلها تستلزم
العدالة التي هي كمالها والشاملة لها فقال ( : :ول تقربوا مال
اليتيم) بوجه من الوجوه ( :إل بالتي هي أحسن) إل بالخصلة التي هي
أحسن من حفظه وتثميره ( :حتى يبلغ أشده) فينتفع به ،ل بالكل والنفاق
في مآربكم والتلف فإنه أفحش .ولما بين تحريم أجناس الرذائل الربع
بأسرها على التفصيل أمر بإيجاب الفضائل الربع بالجمال ،إذ تفصيل
الرذائل يغني عن تفصيل مقابلتها وذلك أنها مندرجة بأسرها في العدالة
فأمر بها في جميع الوجوه فعل ً وقول ً وقال ( : :وأوفوا الكيل والميزان
بالقسط) أي :حافظوا على العدل فيما بينكم وبين الخلق مطلقا ً ( :وإذا
قلتم فاعدلوا) أي :ل تقولوا إل الحق ( :ولو كان) المقول فيه ( :ذا
قربى) فل تميلوا في القول له أو عليه إلى زيادة أو نقصان ( :وبعهد الله
أوفوا) أي :بالتوحيد والطاعة وكل ما بينكم وبين الله من لوازم العهد
السابق بالعقد اللحق .ولما كان سلوك طريقة الفضيلة التي هي طريقة
الوحدة والتوجه إلى الحق صعبًا ،كما قيل :أدق من الشعرة وأحد من
السيف ،وخصوصا ً في الفعال إذ مراعاة الوسط فيها بل ميل ما إلى طرف
الفراط والتفريط في غاية الصعوبة .قال بعد قوله ( : :وأوفوا الكيل
والميزان بالقسط ل نكلف نفسا ً إلى وسعها) فبين أنه جمع في هذا المقام
بين النهي عن جميع الرذائل والمر بجميع الفضائل كلها بحيث ل يخرج منها
جزئي ما من جزئياتها ،ولهذا قال ابن عباس : tإن هذه آيات محكمات لم
ينسخهن شيء من جميع الكتب .واتفق على قوله أهل الكتابين وجميع
الملل والنحل .وقال كعب الحبار :والذي نفس كعب بيده إنها لول شيء
في التوراة( : .ذلكم) أي :ما ذكر من وجوب النتهاء عن جميع الرذائل
والتصاف بجميع الفضائل ( :وصاكم به) في جميع الكتب على ألسنة جميع
الرسل ( :لعلكم تذكرون) عند سماعها ما وهب الله لكم من الكمال وأودع
استعدادكم في الزل( : .وأن هذا) أي :طريق الفضائل لن منبع الفضيلة
هي الوحدة .أل ترى أنها أواسط واعتدالت بين طرفي إفراط وتفريط ل
يمكن سلوكها على التعيين بالحقيقة إل لمن استقام في دين الله إليه
وأيده الله بالتوفيق لسلوك طريق الحق حتى وصل إلى الفناء عن صفاته ثم
عن ذاته .ثم اتصف في حال البقاء بعد الفناء بصفاته تعالى حتى قام بالله
فاستقام فيه وبه فحينئذ يكون صراطه صراط الحق وسيره سير الله ( :
صراطي مستقيما) أي :طريقي ل يسلكها إل من قام بي مستويا ً غير مائل
إلى اليمين والشمال لغرض ( :فاتبعوه ول تتبعوا السبل) من المذاهب
المتفرقة والديان المختلفة فإنها أوضاع وضعها أهل الحتجاب بالعادات
والهواء ،أي :وضع لهم لئل يزدادوا ظلمة وعتوا ً وحيرة .وروى ابن مسعود
عن رسول الله ،eأنه خط خطا ً فقال ' :هذا سبيل الرشاد ' ،ثم خط عن
يمينه وشماله خطوطا ً فقال ' :هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو
إليه ' ثم تل هذه الية ( : :فتفرق بكم عن سبيله ذلكم) أي :سلوك طريق
الوحدة والفضيلة ( :وصاكم به لعلكم تتقون) السبل المتفرقة بالجتناب عن
مقتضيات الهواء ودواعي النفوس وتجعلون الله وقاية لكم في ملزمة
الفضائل ومجانبة الرذائل] .تفسير سورة النعام من آية 154إلى آية
( : [157ثم آتينا موسى الكتاب) أي :بعدما وصاكم بسلوك طريق الفضيلة
في قديم الدهر ( :آتينا موسى الكتاب) ]البقرة ،الية ( : [53 :تماما على
الذي أحسن) أي :تتميما ً لكرامة الولية ونعمة النبوة مزيدا ً على الذي
أحسنه موسى من سلوك طريق الكمال وبلوغه إلى ما بلغ من مقام
المكالمة والقرب بالوجود الموهوب بعد الفناء في الوحدة ،كما قال
تعالى ( : :فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) ]العراف،
الية [143 :بالتكميل ودعوة الخلق إلى الحق ( :وتفصيل ً لكل شيء) يحتاج
إليه الخلق في المعاد ( :وهدى) لهم إلى ربهم في سلوك سبيله ( :
ورحمة) عليهم بإفاضة كمالته عليهم بواسطة موسى وكتابه ( :لعلهم بلقاء
ربهم يؤمنون) اليمان العلمي أو العياني( : .وهذا كتاب أنزلناه
مبارك) بزيادة الهداية إلى محض التوحيد والرشاد إلى سواء السبيل يهدي
بأقرب الطرق إلى أرفع الدرجات من الكمال ( :فاتبعوه واتقوا) كل ما
سوى الله حتى ذواتكم وصفاتكم ( :لعلكم ترحمون) رحمة الستقامة بالله
وفي الله بالوجود الموهوب( : .أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى
منهم) لقوة استعداداتنا وصفاء أذهاننا إن صدقتم ( :فقد جاءتكم بينة من
ربكم) بيان لكيفية سلوككم ( :وهدى) إلى مقصدكم ( :ورحمة) بتسهيل
طريقكم وتيسيرها إلى أشرف الكمالت( .هل ينظرون إل أن تأتيهم
الملئكة) لتوفي روحهم ( :أو يأتي ربك) بتجليه في جميع الصفات كما مرت
الشارة إليه من تحول الصورة في القيامة ،فل يعرفه إل الموحدون
الكاملون .وأما أهل المذاهب والملل المختلفة فل يعرفونه إل في صورة
معتقدهم ( :أو يأتي بعض آيات ربك) تجليه في بعض الصفات التي لم
يعرفوه بها ( :يوم يأتي بعض آيات ربك) بعض تجلياته التي لم يأنسوا بها أو
لم يعرفوها ( :ل ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) فإن الناس إما
محجوبون مطلقا ً أو ليسوا كذلك ،وهم إما مؤمنون لعرفانهم ببعض الصفات
أو بكلها ،والمؤمنون به العارفون إياه بكلها إما محبون للذات وإما محبون
للصفات ،فإذا تجلى الحق ببعض الصفات ل ينفع إيمان المحجوبين مطلقاً،
وإيمان المؤمنين الذين لم يعرفوه بهذه الصفة من قبل هذا التجلي ،إذ
اليمان إنما ينفع إذا صار عقيدة ثابتة راسخة يتمثل بها القلب وتتنور بها
النفس وتشاهد بها الروح ،ل الذي يقع عند الضطرار دفعة ( :أو كسبت في
إيمانها خيرا) كإيمان العارفين ،المحبين للصفات ،فإنهم وإن آمنوا به
وعرفوا بتجليه بكل الصفات .فلما لم يكتسبوا المحبة الذاتية ،والكمال
المطلق ،وأحبوه ببعض الصفات ،كالمنعم مثل ً أو اللطيف أو الرحيم فإذا
تجلى بصفة المنتقم أو القهار أو المبلي لم ينفعهم اليمان به ،إذ لم
يطيعوه من قبل بهذا الوصف ولم يتمرنوا بتجليه ولم يحبوا الذات فيلتذوا
بشهوده في أي صفة كانت] .تفسير سورة النعام من آية 159إلى آية
( : [160إن الذين فرقوا دينهم) أي :جعلوا دينهم أهواء متفرقة ،كالذين
غلبت عليهم صفات النفس بجذبهم هذه إلى شيء وهذه إلى شيء فحدثت
فيهم أهواء مختلفة ،فبقوا حيارى ل جهة لهم ول مقصد ( :وكانوا
شيعا) فرقا ً مختلفة بحسب غلبة تلك الهواء يغلب على بعضهم الغضب
وعلى بعضهم الشهوة وإن دانوا بدين جعلوا دينهم بحسب غلبة هواهم مادة
التعصب ومدد استيلء تلك القوة الغالبة على القلب ولم يتعبدوا إل بعادات
وبدع ،ولم ينقادوا إل لهواء وخدع ،يعبد كل منهم إلها ً مجعول ً في وهمه،
مخيل ً في خياله ويجعله سبب الستطالة والتفرق على الخر كما نشاهد من
أهل المذاهب الظاهرة ( :لست منهم في شيء) أي :لست من هدايتهم
ودعوتهم إلى التوحيد في شيء إذ هم أهل التفرقة والحتجاب بالكثرة ل
يجتمع همهم ول يتحد قصدهم( : .إنما أمرهم إلى الله) في جزاء تفرقهم ل
إليك ( :ثم ينبئهم) عند ظهور هيآت نفوسهم المختلفة والهواء المتفرقة
عليهم بمفارقة البدان ( :بما كانوا يفعلون) من السيئات( : .من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها) هذا أقل درجات الثواب وذلك أن الحسنة تصدر
بظهور القلب ،والسيئة بظهور النفس ،فأقل درجات ثوابها أنه يصل إلى
مقام القلب الذي يتلو مقام النفس في الرتقاء تلو مرتبة العشرات للحاد
في العداد( : .ومن جاء بالسيئة فل يجزى إل مثلها) لنه ل مقام أدون من
مقام النفس ،فينحط إليه بالضرورة فيرى جزاءه في مقام النفس بالمثل.
ومن هذا يعلم أن الثواب من باب الفضل فإنه يزيد به صاحبه ويتنور
استعداده ويزداد قبوله لفيض الحق فيتقوى على إضعاف ما فعل ويكتسب
به أجورا ً متضاعفة إلى غير نهاية بازدياد القبول عند فعل كل حسنة ،وزيادة
القدرة والشغف على الحسنة عند زيادة الفيض إلى ما ل يعلمه إل الله ،كما
قال بعد ذكر أضعافها إلى سبعمائة ( : :والله يضاعف لمن يشاء) ]البقرة،
الية [261 :وأن العقاب من باب العدل ،إذ العدل يقتضي المساواة ومن
فعل بالنفس إذا لم يعف عنه يجازى بالنفس سواء وتذكر ما قيل في قوله
تعالى ( : :لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) ]البقرة ،الية [286 :فإن
الفضيلة للنسان ذاتية موجبة لترقيه البتة ،والرذيلة عارضة ظلمتها
للفطرة ،فمهما لم تكن بقصد ونية من صاحبها أو كانت ولم يصر عليها،
عفي عنها ولم تحجب صاحبها .وإن كانت وأصر عليها جوزي في مقام
النفس بالمثل .والحسنة والسيئة المذكورتان هاهنا من قبيل العمال وإل
فرب سيئة من شخص تعادل حسنة من غيره ،كما قال ' : uحسنات البرار
سيئات المقربين ' ،بوجود القلب عند الشهود ،وسيئات البرار بظهور
النفس عند السلوك ،وحسناتهم بظهور القلب ،ورب سيئة توجب حجاب
ل] .تفسير سورة النعام من آية 161إلى آية البد كاعتقاد الشرك مث ً
( : [165قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) إلى طريق التوحيد
الذاتي ( :دينا قيما) ثابتا ً أبدا ً ل تغيره الملل والنحل ول تنسخه الشرائع
والكتب ( :ملة إبراهيم) التي أعرض بها عن كل ما سواه بالترقي عن جميع
المراتب مائل ً عن كل دين وطريق باطل فيه شرك ما ،ولو بصفة من صفات
الله تعالى( : .قل إن صلتي) أي :حضوري بالقلب وشهودي بالروح ( :
ونسكي) أي :تقربي أو كل ما أتقرب به بالقلب ( :ومحياي) بالحق ( :
ومماتي) بالنفس كلها ( :لله) ل نصيب لي ول لحد غيري فيها لني قمت
به له بالفناء فل وجود لي ول لغيري حتى يكون لي حظ ونصيب ( :رب
العالمين) أي :له باعتبار الجمع في صورة تفاصيل الربوبية ( :ل شريك
له) في ذلك جمعا ً وتفصيل ً ( :وبذلك أمرت) أي :أمرت أن ل أرى غيره في
عين الجمع ول في صورة التفاصيل حتى أعمل له كما وصفني تعالى بقوله
( : :ما زاغ البصر وما طغى ] )17النجم ،الية [17 :فهو المر والمأمور،
والرائي والمرئي ( :وأنا أول المسلمين) المنقادين للفناء فيه بإسلم
وجهي له باعتبار الرتبة في تفاصيل الذات وإل فل أول ول آخر ول مسلم
ول كافر( : .قل أغير الله) الذي هذا شأنه ( :أبغي ربا) فأطلب مستحيل ً أو
غير الذات الشامل لجميع الصفات الذي هو الكل من حيث هو كل أبغي
متعينا ً فيكون مربوبا ً ل ربا ً ( :وهو رب كل شيء) وما سواه باعتبار تفاصيل
صفاته مربوب ( :ول تكسب كل نفس) شيئا ً ( :ال) هو وبال ( :عليها) إذ
كسب النفس شرك في أفعاله تعالى ،وكل من أشرك فوباله عليه
باحتجابه ( :ول تزر وازرة وزر أخرى) لرسوخ هيئة وزرها فيها ولزومه إياها
تحتجب هي به ،فكيف يتعدى إلى غيرها( : .وهو الذي جعلكم خلئف) في
أرضه بإظهار كمالته في مظاهركم ليمكنكم إنفاذ أمره ( :ورفع بعضكم
فوق بعض درجات) في مظهرية كمالته على تفاوت درجات
الستعدادات( : ،ليبلوكم فيما آتاكم) من كمالته بحسب الستعدادات من
يقوم بحقوق ما ظهر منها عليه ومن ل يقوم ،ومن يقوم بحقي في سلوك
طريقها حتى يظهرها الله بإخفاء صفات نفسه فيكون مؤديا ً لمانات الله
ومن ل يقوم فيكون خائنا ً وتظهر عليكم أعمالكم بحسبها فيترتب عليها
الجزاء معًا ،إما بمثوبة الحتجاب حالة التقصير فيكون ربك سريع العقاب،
وإما بمثوبة البروز والنكشاف فيكون غفورا ً يستر أفعالكم وصفات
نفوسكم الساترة الحاجبة لتلك الصفات اللهية والكمالت الربانية ،رحيما ً
يرحمكم بإظهارها عليكم ،والله أعلم بحقائق المور.
)سورة العراف(
)بسم الله الرحمن الرحيم(
]تفسير سورة العراف من آية 1إلى آية ( : [7المص كتاب أنزل إليك) إلى
قوله ( :ذكرى للمؤمنين) )ا( إشارة إلى الذات الحدية ،و )ل( إلى الذات مع
صفة العلم كما مر ،و )م( إلى التميمة الجامعة التي هي معنى محمد ،أي :
نفسه وحقيقته ،و )ص( إلى الصورة المحمدية التي هي جسده وظاهره.
وعن ابن عباس ،أنه قال ' : eجبل بمكة كان عليه عرش الرحمن حين ل ليل
ول نهار ' ،أشار بالجبل إلى جسد محمد ،وبعرش الرحمن إلى قلبه .كما ورد
في الحديث ' :قلب المؤمن عرش الله ' .وجاء ' :ل يسعني أرضي ول
سمائي ،ويسعني قلب عبدي المؤمن ' .وقوله ' :حين ل ليل ول نهار '
إشارة منه إلى الوحدة ،لن القلب إذا وقع في ظل أرض النفس واحتجب
بظلمة صفاتها كان في الليل ،وإذا طلع عليه نور شمس الروح واستضاء
بضوئه كان في النهار ،وإذا وصل إلى الوحدة الحقيقية بالمعرفة والشهود
الذاتي واستوى عنده النور والظلمة كان وقته ل ليل ً ول نهارًا ،ول يكون
عرش الرحمن إل في هذا الوقت .فمعنى الية :إن وجود الكل من أوله إلى
آخره ( :كتاب أنزل إليك) أي :أنزل إليك علمه ( :فل يكن في صدرك حرج
منه) أي :ضيق من حمله ،فل يسعه لعظمته فيتلشى بالفناء في الوحدة
والستغراق في عين الجمع والذهول عن التفصيل ،إذ كان عليه eفي مقام
الفناء محجوبا ً بالحق عن الخلق كلما رد عليه الوجود ،وحجب عنه الشهود
الذاتي وظهر عليه بالتفصيل ،ضاق عنه وعاؤه وارتكب عليه وزر وثقل،
ولهذا خوطب بقوله تعالى ( : :ألم نشرح لك صدرك ) (1ووضعنا عنك وزرك
)] )(2الشرح ،اليات [2 - 1 :بالوجود الموهوب الحقاني ،والستقامة في
البقاء بعد الفناء بالتمكين ليسع صدرك الجمع والتفصيل والحق والخلق،
فلم يبق عليك وزر في عين الجمع ول حجاب بأحدهما عن الخر ( :لتنذر به)
وتذكر تذكيرا ً ( :للمؤمنين) باليمان الغيبي ،أي :ل يضق صدرك منه ليمكنك
النذار والتذكير ،إذ لو ضاق لبقي في حال الفناء ،ل يرى إل الحق في
الوجود وينظر إلى الحق بنظر العدم المحض فكيف ينذر ويذكر ويأمر
وينهى .على تقدير القسم .فمعناه بالكل من أوله إلى آخره ،أو باسم الله
العظم إذ )ص( حامل العرش والعرش يسع الذات والصفات والمجموع هو
السم العظم ،لهو كتاب أنزل إليك علمه ،أو :لهذا القرآن كتاب أنزل إليك.
]تفسير سورة العراف من آية 8إلى آية ( : [9والوزن يومئذ الحق) الوزن
هو العتبار ،أي :اعتبار العمال حين قامت القيامة الصغرى .هو الحق ،أي :
العدل أو الثابت أو الوزن العدل يومئذ( : .فمن ثقلت موازينه) أي :رجحت
موزوناته بأن كانت باقيات صالحات ( :فأولئك هم المفلحون) الفائزون
بصفات الفطرة ،ونعيم جنة الصفات في مقام القلب ( :ومن خفت
موازينه) موزوناته بأن كانت من المحسوسات الفانية ( :فأولئك الذين
خسروا أنفسهم) ببيعها باللذات العاجلة السريعة الزوال وإفنائها في دار
الفناء مع كونها بضاعة البقاء .واعلم أن لسان ميزان الحق هو صفة العدل
وإحدى كفتيه هو عالم الحس ،والكفة الخرى هو عالم العقل فمن كانت
مكاسبه من المعقولت الباقية والخلق الفاضلة والعمال الخيرية
المقرونة بالنيات الصادقة ،ثقلت أي :كانت ذات قدر ووزن ،إذ ل قدر أرجح
من البقاء الدائم .ومن كانت مقتنياته من المحسوسات الفانية واللذات
الزائلة والشهوات الفاسدة والخلق الرديئة والشرور المردية ،خفت أي :ل
قدر لها ول اعتداد بها ،ول خفة أخف من الفناء ،فخسرانهم هو أنهم
أضاعوا استعدادهم الصلي في طلب الحطام الدنيوي وتحصيل المآرب
النفسانية بسبب ظهورهم بصفات أنفسهم وظلمهم بصفات الله تعالى
بالتكذيب بها ،أي :بإخفائها بصفات أنفسهم( .خلقتني من نار وخلقته من
طين) خلقت القوة الوهمية من ألطف أجزاء الروح الحيوانية التي تحدث
في القلب من بخارية الخلط ولطافتها وترتقي إلى الدماغ ،وتلك الروح
هي آخر ما في البدن فلذلك سماها نارًا .والحرارة توجب الصعود والترفع،
وقد مر أن كل قوة ملكوتية تطلع على خواص ما تحتها دون ما فوقها وعلى
الكمالت البدنية وخواصها وكمالت الروح الحيوانية وخواصها ،واحتجابها
عن الكمالت النسانية الروحانية والقلبية هو صورة إنكارها وعلة إبائها
واستكبارها ،وتعديها عن طورها بالحكم في المعاني المعقولة والمجردات
والمتناع عن قبول حكم العقل هو صورة إبائها عن السجود( : .فما يكون
لك أن تتكبر فيها) إذ التكبر ،وهو التظاهر بما ليس فيه من الفضيلة من
صفات النفس ،فل يليق بالحضرة الروحانية التي تزعم أنك من أهلها
بالترفع على العقل( : ،فأخرج) ،فلست من أهلها الذين هم العزة ( :إنك
من الصاغرين) من القوى النفسانية الملزمة للجهة السفلية الدائمة الهوان
بملزمة البدان ( :إلى يوم يبعثون) من قبور البدان وأجداث صفات النفس
بعد الموت الرادي في القيامة الوسطى بحياة القلب وخلص الفطرة من
حجب النشأة ،أو يبعثون بعد الفناء في الوحدة في القيامة الكبرى بالوجود
الموهوب الحقاني والحياة الحقيقية ،والمبعوث الول هو المخلص بكسر
اللم ،والثاني هو المخلص بالفتح ول سبيل لبليس إلى إغوائهما ( :فبما
أغويتني) إقسام وإبليس محجوب عن الذات الحدية دون الصفات والفعال،
فشهوده للفعال وتعظيمه لها إقسام بها كما أقسم بعزته في قوله ( : :
فبعزتك لغوينهم أجمعين) ]ص ،الية ( : .[82 :لقعدن لهم صراطك) أي :
أعترضن لهم في طريق التوحيد الذاتي وأمنعنهم عن سلوكها بأن أشغلهم
بما سواك ،ولتينهم من الجهات الربع التي يأتي منها العدو في الشاهد
لن إتيانه من أسفل ،أي :من جهة الحكام الحسية والتدابير الجزئية من
باب المصالح الدنيوية غير موجب للضللة ،بل قد ينتفع به في العلوم
الطبيعية والرياضية وبه يستعين العقل فيها كما مر في تأويل قوله ( : :
لكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) ]المائدة ،الية .[66 :وإتيانه من فوق
غير ممكن له إذ الجهة العلوية هي التي تلي الروح ويرد منها اللهامات
الحقة واللقاءات الملكية وتفيض المعارف والحقائق الروحية فبقيت
الجهات الربع مواقع وساوسه .أما من بين يديه فبأن يؤمنه من مكر الله
ويغره بأن الله غفور رحيم فل يخاف فيثبطه عن الطاعات .وأما من خلفه
فبأن يخوفه من الفقر وضيعة الولد من خلفه فيحرضه على الجمع
والدخار لهم ولنفسه في المستقبل عند تأميله طول العمر .وأما من جهة
اليمين ،فبأن يزين عليه فضائله ويعجبه بفضله وعلمه وطاعته ويحجبه عن
الله برؤية تفضيله .وأما عن شماله فبأن يحمله على المعاصي والمقابح
ويدعوه إلى الشهوات واللذات( : .ول تجد أكثرهم شاكرين) مستعملين
لقواهم وجوارحهم وما أنعم الله به عليهم في طريق الطاعة والتقرب إلى
الله( : .لمن تبعك منهم لملن جهنم) الطبيعة التي هي أسفل مراتب
الوجود ( :منكم أجمعين) محجوبين عن لذة النعيم البدي وذوق البقاء
السرمدي والكمالت الروحانية والكمالت الحقانية معذبين بنيران الحرمان
عن المراد في انقلبات عالم التضاد وتقلبات الكون والفساد] .تفسير
سورة العراف من آية 19إلى آية ( : [23ليبدي لهما ما وري عنهما من
سوآتهما) أي :ليظهر عليهما بالميل إلى الطبيعة ما حجب عنهما عند
التجرد من المور الطبيعية واللذات البدنية والرذائل الخلقية والفعال
الحيوانية والصفات السبعية والبهيمية التي يستحيي النسان من إظهارها
ويستهجن إفشاءها وتحمله المروءة على إخفائها لكونها عورات عند العقل
يأنف منها ويستقبحها ( :وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إل أن تكونا
ملكين) أي :أوهمهما أن في التصال بالطبيعة الجسمانية والمادة
الهيولنية لذات ملكية وإدراكات وأفعال ً وخلودا ً فيها أو ملكا ً ورياسة على
القوى وسائر الحيوانات دائما ً بغير زوال إن قرئ ملكين بكسر اللم كما
قال ( : :أدلك على شجرة الخلد وملك ل يبلى) ]طه ،الية .[120 :وزين لها
من المصالح الجزئية والزخارف الحسية التي ل تنال إل باللت البدنية في
صورة الناصح المين( .فدلهما) أي :فنزلهما إلى التعلق بها والسكون إليها
بما غرهما من التزيي بزي الناصحين وإفادة توهم دوام اللذات البدنية
والرياسة النسية وسول لهما من المنافع البدنية والشهوات النفسية ( :
وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) أي :يكتمان الغواشي الطبيعية
بالداب الحسنة والعادات الجميلة التي هي من تفاريع الراء العقلية
ومستنبطات القوة العاقلة العملية ويخفيانها بالحيل العلمية ( :وناداهما
ربهما ألم أنهكما) صورة النهي هو ما ركز في العقول من الميل إلى التجرد
وإدراك المعقولت والتجافي عن المواد والمحسوسات وقوله لهما ( : :إن
الشيطان لكما عدو مبين) ما ألهم العقل من منافاة أحكام الوهم ومضادة
مدركاته والوقوف على مخالفاته ومكابراته إياه ونداؤه إياهما بذلك هو
التنبيه على ذلك المعنى على سبيل الخاطر والتذكير له بعد التعلق والنغمار
في اللذات الطبيعية عند البلوغ وظهور أنوار العقل والفهم عليهما.
وقولهما ( : :ربنا ظلمنا أنفسنا) هو لتنبه النفس الناطقة على نقصانها من
جهة الطبيعة وانطفاء نورها وانكسار قوتها وحصول الداعي فيها على
طلب الكمال بالتجرد ( :وإن لم تغفر لنا) بإلباسنا النوار الروحانية
وإفاضتها مشرقة علينا ( :وترحمنا) بإفاضة المعارف الحقيقية ( :لنكونن
من) الذين أتلفوا الستعداد الصلي الذي هو مادة السعادة والبقاء بصرفها
في دار الفناء ،وحرموا عن الكمال التجردي بملزمة النقص الطبيعي.
]تفسير سورة العراف من آية 24إلى آية ( : [28لباسا يواري
سوآتكم) أي :شريعة تستر قبائح أوصافكم وفواحش أفعالكم ( :وريشا) أي
:جمال ً يبعدكم عن شبه النعام المهملة ويزينكم بالخلق الحسنة والعمال
الجميلة ( :ولباس التقوى) أي :صفة الورع والحذر من صفة النفس ( :ذلك
خير) من جملة أركان الشرائع لنه أصل الدين وأساسه كالحمية في العلج :
(ذلك من آيات الله) أي :من أنوار صفاته ،إذ الجتناب عن صفات النفس ل
يحصل ول يتيسر إل بظهور تجليات صفات الحق .وإلى هذا أشار القوم
بقولهم :إن الله ل يتصرف في شيء من العبد إل ويعوضه أحسن منه من
جنسه ( :لعلكم تذكرون) عند ظهور تجليات لباسكم النوري الصلي أو جوار
الحق الذي كنتم تسكنون فيه بهداية أنوار الصفات ( :ل يفتنكم
الشيطان) عن دخول الجنة وملزمتها بنزع لباس الشريعة والتقوى عنكم ( :
كما أخرج أبويكم) منها بنزع اللباس الفطري النوري] .تفسير سورة
العراف من آية 29إلى آية ( : [30قل أمر ربي بالقسط) أي :العدالة
والستقامة ( :وأقيموا وجوهكم) ذواتكم الموجودة بمنعها عن الميل والزيغ
إلى طرفي الفراط والتفريط في العدالة ،وعن التلوينات في
الستقامة ( :عند كل مسجد) أي :كل مقام سجود أو وقت سجود ،والسجود
أربعة أقسام :سجود النقياد والطاعة وإقامة الوجه فيه بالخلص،
والجتناب عن الرياء والنفاق في العمل لله ،واللتفات إلى الغير فيه،
ومراعاة موافقة المر مع صدق النية والمتناع عن المخالفة في جميع
المور وهي العدالة وسجود الفناء في الفعال وإقامة الوجه فيه بالقيام
بحقه بحيث ل يرى هو مؤثرا ً غير الله ول يرى مؤثرا ً من نفسه ول من غيره،
وسجود الفناء في الصفات ،وإقامة الوجه عنده بالمحافظة على شرائطه
بحيث ل يرى زينة ذاته بها ول يريد ول يكره شيئا ً من غير أن يميل إلى
الفراط بترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر ول إلى التفريط
بالتسخط على المخالف وسجود الفناء في الذات ،وإقامة الوجه عنده
بالغيبة عن البقية ،والنطماس بالكلية والمتناع عن إثبات النية والثنينية
فل يطغى بحجاب النائية ول يتزندق بالباحة وترك الطاعة( : .وادعوه
مخلصين له الدين) في المقام الول بتخصيص العمل لله به ،وفي الثاني
والثالث برؤية الدين والطاعة من الله ،وفي الرابع برؤيته بالله ،فيكون الله
هو المتدين بدينه ليس لغيره فيه نصيب ( :كما بدأكم) بإظهاركم
واختفائه ( :تعودون) بفنائكم فيه واختفائكم ليظهر( : .فريقا هدى) إليهم
بهذا الطريق ( :وفريقا حق عليهم) كلمة ( :الضللة) بسبب اتخاذهم
شياطين القوى النفسانية الوهمية والتخيلية ( :أولياء من دون
الله) لمناسبة ذواتهم في الظلمة والكدورة والبعد عن معدن النور إياهم،
والجنسية التي بينهم في الركون إلى الجهة السفلية ،والميل إلى الزخارف
الطبيعية ( :ويحسبون أنهم مهتدون) لن سلطان الوهم بالحسبان( .خذوا
زينتكم عند كل مسجد) أي :لزموها وتمسكوا بها ،فزينة المقام الول من
السجود هي الخلص في العمل لله ،وزينة المقام الثاني هي التوكل
ومراعاة شرائطه ،وزينة المقام الثالث هي القيام بحق الرضا ،وزينة المقام
الرابع هي التمكين في التحقق بالحقيقة الحقية ومراعاة حقوق الستقامة
وشرائطها ( :وكلوا واشربوا ول تسرفوا) بالمحافظة على قانون العدالة
فيها ( :قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) أي :من منعهم من جنس
هذه الزينة المذكورة المطلقة وقال إنه ل يمكنهم التزين بها واستحال ذلك
منهم تمسكا ً بأن الله مانعهم( : .والطيبات) من رزق علوم الخلص وعلوم
مقام التوكل والرضا والتمكين ( :خالصة يوم القيامة) عن شوب التلوينات
وظهور شيء من بقايا الفعال والصفات والذات( : .قل إنما حرم ربي
الفواحش) أي :رذائل القوة البهيمية ( :والثم والبغي) أي :رذائل القوة
السبعية ( :وأن تشركوا) إلى آخره ،أي :رذائل القوة النطقية الملكية لنها
صفات نفسانية مانعة عن الزينة المذكورة التي هي الكمالت النسانية
مضادة لها( .فمن اتقى وأصلح) أي :اتقى البقية في الفناء وأصلح
بالستقامة عند البقاء ( :فل خوف عليهم ول هم يحزنون) لكونهم في مقام
الولية( : .والذين كذبوا بآياتنا) أي :أخفوا صفاتنا بصفات أنفسهم ( :
واستكبروا عنها) بالشيطنة ( :أولئك أصحاب) نار الحرمان ( :وبينهما حجاب)
أي :وبين أصحاب الجنة وبني أصحاب النار حجاب به كل منهم محجوب عن
صاحبه .والمراد بأصحاب الجنة ههنا :أهل ثواب العمال من البرار والزهاد
والعباد الذين جنتهم جنة النفوس ،وإل فأهل جنة القلوب والرواح ل
يحجبون عن أصحاب النار ( :وعلى العراف) أي :على أعالي ذلك الحجاب
الذي هو حجاب القلب الفارق بين الفريقين هؤلء عن يمينه وهؤلء عن
شماله ( :رجال) هم العرفاء أهل الله وخاصته ( :يعرفون كل) من الفريقين
( :بسيماهم) يسلمون على أهل الجنة بإمداد أسباب التزكية والتحلية
والنوار القلبية وإفاضة الخيرات والبركات عليهم ،لم يدخلوا الجنة لتجردهم
عن ملبس صفات النفوس وطيباتها وترقيهم عن طورهم فل يشغلهم عن
الشهود الذاتي ومطالعة التجلي الصفاتي نعيم ( :وهم) أي :أصحاب الجنة :
(يطمعون) في دخولهم ليقتبسوا من نورهم ويستضيئوا بأشعة وجوههم،
ويستأنسوا بحضورهم( .وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار) أي :ل
ينظرون إليهم طوعا ً ورأفة ورحمة ورضا ،بل كراهة واعتبارا ً كأن صارفا ً
صرف أبصارهم إليهم ( :ربنا ل تجعلنا مع القوم الظالمين) أي :ل تزغ
قلوبنا بعد إذ هديتنا ،كما قال أمير المؤمنين علي ' : uأعوذ بالله من
الضللة بعد الهدى ' .وقال النبي ' : eاللهم ثبت قلبي على دينك ' ،فقيل له
:أما غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال ' : eأو ما يؤمنني أن
مثل القلب كمثل ريشة في فلة ،تقلبها الرياح كيف شاءت( : .ولقد جئناهم
بكتاب فصلناه على علم) أي :البدن النساني المفصل إلى أعضاء وجوارح
وآلت وحواس تصلح للستكمال على ما يقتضيه العلم اللهي وتأويله ما
يؤول إليه أمره في العاقبة من النقلب إلى ما ل يصلح لذلك عند البعث من
هيئات وصور وأشكال تناسب صفاتهم وعقائدهم على مقتضى قوله
تعالى ( : :سيجزيهم وصفهم) ]النعام ،الية ،[139 :كما قال تعالى ( : :
ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) ]النعام ،الية :
( .[97إن ربكم الله الذي خلق السماوات والرض في ستة أيام) أي :اختفى
في صور سماء الرواح وأرض الجساد في ستة آلف سنة لقوله تعالى ( : :
وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) ]الحج ،الية [47 :أي :من لدن
خلق آدم إلى زمان محمد عليهما الصلة والسلم لن الخلق هو اختفاء الحق
في المظاهر الخلقية وهذه المدة من ابتداء دور الخفاء إلى ابتداء الظهور
الذي هو زمان ختم النبوة وظهور الولية ،كما قال ' : eإن الزمان قد
استدار كهيئته يوم خلق الله في السموات والرض ' ،لن ابتداء الخفاء
بالخلق هو انتهاء الظهور ،فإذا انتهى الخفاء إلى الظهور عاد إلى أول
الخلق كما مر ،ويتم الظهور بخروج المهدي uفي تتمة سبعة أيام ولهذا
قالوا :مدة الدنيا سبعة آلف سنة( : .ثم استوى على العرش) أي :عرش
القلب المحمدي بالتجلي التام فيه بجميع صفاته كما ذكر في معنى )ص( ( :
يغشى) ليل البدن وظلمة الطبيعة نهار نور الروح ( :يطلبه) بتهيئته
واستعداده لقبوله باعتدال مزاجه سريعًا ،وشمس الروح وقمر القلب ونجوم
الحواس ( :مسخرات بأمره) الذي هو الشأن المذكور في قوله تعالى ( : :
كل يوم هو في شأن) ]الرحمن ،الية ( : .[29 :أل له) اليجاد بالقدرة
والتصريف بالحكمة ،أو أل له التكوين والبداع .وإن حمل السموات والرض
على الظاهر فاليام الستة هي الجهات الست ،إذ يعبر عن الحوادث باليام
كقوله تعالى ( : :وذكرهم بأيم الله) ]إبراهيم ،الية [5 :أي :خلق عالم
الجسام في الجهات الست ثم استعلى متمكنا ً على العرش بالتأثير فيه
بإثبات صور الكائنات عليه .وللعرش ظاهر وباطن ،فظاهره هو السماء
التاسعة التي تنتقش فيها صور الكائنات بأسرها ويتبع وجودها وعدمها
المحو والثبات فيها على ما سيأتي في تأويل قوله تعالى ( : :يمحوا الله ما
يشاء ويثبت) ]الرعد ،الية [39 :إن شاء الله .وباطنه هو العقل الول
المرتسم بصور الشياء على وجه كلي ،المعبر عنه ببطنان العرش كما جاء :
' نادى منادى من بطنان العرش ' ،وهو محل القضاء السابق ،فالستواء عليه
قصد الستعلء عليه بالتأثير في إيجاد الشياء بإثبات صورها عليه قصدا ً
مستويا ً من غير أن يلوي إلى شيء غيره( .هذه ناقة الله لكم آية) الناقة
لصالح uكالعصا لموسى uوالحمار لعيسى والبراق لمحمد عليهما السلم،
فإن لكل أحد من النبياء وغيرهم مركبا ً هو نفسه الحيوانية الحاملة لحقيقته
التي هي النفس النسانية وتنتسب بالصفة الغالبة إلى ما يتصف بتلك
الصفة من الحيوانات فيطلق عليه اسمه ،فمن كانت نفسه مطواعة منقادة
من غاية اللين حمولة قوية متذللة فمركبه ناقة ونسبتها إلى الله لكونها
مأمورة بأمره مختصة به في طاعته وقربه .وما قيل :إن الماء قسم بينها
وبينهم ،لها شرب يوم ولهم شرب يوم ،إشارة إلى أن مشربهم من القوة
العاقلة العملية ،ومشربها من العاقلة النظرية .وما روي أنها يوم شربها
كانت تتفجح فيحلب منها اللبن حتى ملؤوا أوانيهم ،إشارة إلى أن نفسه
تستخرج بالفكر من علومه الكلية الفطرية العلوم النافعة للناقصين من
علوم الخلق والشرائع والداب .وخروجها من الجبل :ظهورها من بدن
صالح .uهذا هو التأويل مع أن القرار بظاهرها واجب ،فإن ظهور
المعجزات وخوارق العادات حق ل ننكر شيئا ً منها .وما يؤيد التأويل تسوية
النبي عليه eعاقرها بقاتل علي ،uحيث قال ' :يا علي ،أتدري من أشقى
الولين ؟ ' قال :الله ورسوله أعلم .قال ' : eعاقر ناقة صالح ' ،ثم قال : e
' أتدري من أشقى الخرين ؟ ' ،قال :الله ورسوله أعلم .قال ' : eقاتلك '.
وروي أنه قال ' : eمن خضب هذا بهذا ' وأشار بيده إلى لحيته ورأسه( .
فألقى عصاه) ظاهره إعجاز موسى كما هو مروي .والتأويل هو :أن العصا
إشارة إلى نفسه التي يتوكأ عليها أي :يعتمد عليها في الحركات والفعال
الحيوانية ويهش بها على غنم القوة البهيمية السليمية ،ورق الداب الجميلة
والملكات الفاضلة والعادات الحميدة من شجرة الفكر ،وكانت نفسه من
حسن سياسته إياها ورياضته لها ،منقادة لتصرفاته ،مطواعة لوامره،
مرتدعة عن أفعالها الحيوانية إل بإذنه كالعصا .وإذا أرسلها عند الحتجاج في
مقابلة الخصوم صارت كالثعبان يتلقف ما يأفكون من أكاذيبهم الباطلة
ويزورون من حبال شبهاتهم التي بها تحكم دعاويهم ،وعصي مغالطاتهم
ومزخرفاتهم التي تمسكوا بها عند الخصام في إثبات مقاصدهم فتغلبهم
وتقهرهم( : .ونزع يده) أي :أظهر قدرته الباهرة التي تبهرهم وتظهر نور
حقية دعواه ،والظاهر أنه كان الغالب على زمانه هو السحر ،فخرج بالسحر
اللهي كما أن الغالب على زمان محمد عليه eكان هو الفصاحة ،فكانت
معجزة القرآن .وعلى زمان عيسى uالطب ،فجاء بالطب اللهي على ما
روي لن معجزة كل نبي يجب أن تكون من جنس ما غلب على زمانه ليكون
أدعى إلى إجابة دعواه] .تفسير سورة العراف من آية 142إلى آية
( : [144وواعدنا موسى ثلثين ليلة) قيل :أمره بصوم ثلثين فلما أتم أنكر
خلوف فمه ،فتسوك فعاتبه الله على ذلك وأمره بزيادة عشر ،وقيل :أمره
بأن يتقرب إليه بما تقرب به في الثلثين ،وأنزل إليه التوراة في العشر
الخير تتمة الربعين .فالول :إشارة إلى أنه خلص عن حجاب الفعال
والصفات والذات في الثلثين لكن بقي منه بقية ما خلص عن وجودها.
واستعمال السواك إشارة إلى ظهور تلك البقية عند قوله ( : :رب أرني
أنظر إليك) .والثاني :إشارة إلى أنه بلغ الشهود الذاتي التام في الثلثين
بالسلوك إلى الله ولم يبق منه بقية ،بل فنى بالكلية .وتم في العشر الخير
سلوكه في الله حتى رزق البقاء بالله بعد الفناء بالفاقة ،وعلى هذا ينبغي
أن يكون قوله ( : :رب أرني أنظر إليك) كان قد صدر عنه في الثلثين،
والفاقة بعدها في تتمة الربعين .وكلمة ربه ،التكليم في مقام تجلي
الصفات ،وقوله ( : :رب أرني أنظر إليك) بدر عن إفراط شوق منه إلى
شهود الذات في مقام فناء الصفات مع وجود البقية .و ( :لن تراني) إشارة
إلى استحالة الثنينية وبقاء النية في مقام المشاهدة كقوله ) % :إذا
تغيبت بدا %وإن بدا غيبني( %وقوله :رأيت ربي بعين ربي ( :ولكن انظر
إلى الجبل) أي :جبل وجودك ( :فإن استقر مكانه) أمكنت رؤيتك إياي،
وذلك من باب التعليق بالمحال ( :جعله دكًا) أي :متلشيا ً ل وجود له أصل ( :
ً
وخر موسى) عن درجة الوجود فانيا ً ( :فلما أفاق) بالوجود الموهوب
الحقاني عند البقاء بعد الفناء ( :قال سبحانك) أن تكون مرئيا ً لغيرك ،مدركا ً
لبصار الحدثان ( :تبت إليك) عن ذنب البقية ( :وأنا أول المؤمنين) بحسب
الرتبة ل بحسب الزمان ،أي :أنا في الصف الول من صفوف مراتب الرواح
الذي هو مقام أهل الوحدة وذلك مقام الصطفاء المحض .وقوله ( : :إني
اصطفيتك على الناس برسالتي) هو أول درجة الستنباء بعد الولية ( :فخذ
ما آتيتك) بالتمكين ( :وكن من الشاكرين) بالستقامة في القيام بحق
العبودية ،كما قال النبي ' : eأو ل أكون عبدا ً شكورا ً '] .تفسير سورة
العراف من آية 145إلى آية ( : [146في اللواح) أي :اللواح تفاصيل
وجود موسى من روحه وقلبه وعقله وفكره وخياله .وإلقاؤها عند الغضب
هو الذهول عنها والتجافي عن حكم ما فيها كما يحكم أحدنا بحسن الحلم
والتحمل للذى ،ثم ينسى عند سورة الغضب ول يتذكر شيئا ً مما في عقله
من علمه عند ظهور نفسه ( :فخذها بقوة) أي :بعزيمة لتكون من أولي
العزم ( :وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) أي :بالعزائم دون الرخص ( :سأريكم
دار الفاسقين) أي :عاقبة الذين ل يأخذون بها( : .سأصرف عن آياتي الذين
يتكبرون في الرض بغير الحق) لن التكبر من صفات النفس ،فهم في
مقام النفس محجوبون عن آيات الصفات التي تكون في مقام القلب دون
المتكبرين بالحق الذين اتصفوا بصفة الكبرياء في مقام المحو والفناء،
فقام كبرياؤه تعالى مقام تكبرهم ،كما قال جعفر الصادق uفي جواب من
قال له :فيك كل فضيلة إل أنك متكبر ! فقال ' :لست بمتكبر ،ولكن كبرياء
الله تعالى قام مني مقام التكبر '( .والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الخرة) أي :
ستروا بصفاتهم صفاتنا وبأفعالهم أفعالنا فوقفوا مع الثار وعموا عن لقاء
الخرة وجنة النفوس والفعال ( :حبطت أعمالهم) ولو كان التكذيب
بالصفات مجردا ً عن التكذيب بلقاء الخرة لما حبطت أعمالهم ،وإن عذبوا
حينا ً بنوع من العذاب ( :سبعين رجل) من أشرافهم ونجبائهم أهل الستعداد
وصفاء النفس والرادة والطلب والسلوك وهم المصعوقون في قوله تعالى
( : :فأخذتهم الصاعقة) ]الذاريات ،الية ( : .[44 :فلما أخذتهم الرجفة) أي :
رجفة جبل البدن التي هي من مبادئ صعقة الفناء عند طيران بوارق النوار
وظهور طوالع تجليات الصفات من اقشعرار الجسد وتأثره وارتعاده بها،
ولهذا قال موسى uعندها ( : :رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي) إذ ل
قول لموسى uعند الصعقة ول لهم لفنائهم عندها ،وقوله ( : : eرب لو
شئت) ،كلمة ضجر وفقدان صبر من غلبة الشوق عند ألم الفراق ،كما قال
محمد eفي مثل هذه الحالة ' :ليت أمي لم تلدني ،وكذا ليت رب محمد لم
يخلق محمدا ً ' ،وهم بإلقاء نفسه عن الجبل .ولو هذه للتمني( : .
أتهلكنا) بطول الحجاب وعذاب الحرمان وألم الفراق ( :بما فعل السفهاء
منا) من عبادة عجل هوى النفس والحتجاب بصفاتها أو بما صدر منا حالة
السفه قبل التيقظ والستبصار وإرادة السلوك وظهور نور البصيرة
والعتبار من الوقوف مع النفس وصفاتها ( :إن هي إل فتنتك) أي :ما هذا
البتلء بصفات النفس وعبادة الهوى إل ابتلؤك ل مدخل فيها لغيرك ( :
تضل من تشاء) من أهل الحجب والشقاوة والجهل والعمى ( :وتهدي من
تشاء) من أهل السعادة والعناية والعلم والهدى ،قالها في مقام تجلي
الفعال( : .أنت) متولي أمورنا القائم بها ( :فاغفر لنا) ذنوب صفاتنا
وذواتنا كما غفرت لنا ذنوب أفعالنا ( :وارحمنا) بإفاضة أنوار شهودك ورفع
حجاب الينية بوجودك ( :وأنت خير الغافرين) بالمغفرة التامة( : .واكتب لنا
في هذه الدنيا حسنة) العدالة والستقامة بالبقاء بعد الفناء ( :وفي الخرة
حسنة) المشاهدة والزيادة ( :إنا هدنا) رجعنا ( :إليك) عن ذنوب وجودنا ( :
قال عذابي) أي :عذاب الشوق المخصوص بي الحاصل من جهتي ،وإن كان
أليما ً لشدة ألم الفراق ،لكنه أمر عزيز خطير ( :أصيب به من أشاء) من أهل
العناية من عبادي الخاصة بي ( :ورحمتي وسعت كل شيء) ل تختص بأحد
دون أحد غيره وشيء دون شيء ففي هذا العذاب رحمة ل يبلغ كنهها ول
يقدر قدرها من رحمة لذة الوصول التي قال فيها ( : :فل تعلم نفس ما
أخفي لهم من قرة أعين) ]السجدة ،الية [17 :مع كونه لذيذا ً ل يقاس
بلذته لذة ،كما قال أحدهم ) % :وكل لذيذ قد نلت منه %سوى ملذوذ وجدي
بالعذاب( %ولعمري إن هذا العذاب أعز من الكبريت الحمر .وأما الرحمة
فل يخلو من حظ منها أحد ( :فسأكتبها) تامة كاملة رحيمية كتبة خاصة ( :
للذين يتقون) الحجب كلها ويفيضون مما رزقوا من الموال والخلق
والعلوم والحوال على مستحقيها ( :والذين هم) بجميع صفاتنا يتصفون
وهم ( :الذين يتبعون الرسول النبي المي) في آخر الزمان ،أي :
المحمديون الذين اتبعوا في التقوى وصفه بقوله تعالى له ( : :وما رميت إذ
رميت ولكن الله رمى) ]النفال ،الية ،[17 :وبقوله تعالى ( : :وما ينطق
عن الهوى )] )(3النجم ،الية ،[3 :وقوله تعالى ( : :ما زاغ البصر وما طغى
)] )17النجم ،الية .[17 :وفي إيتاء الزكاة قوله تعالى ( : :وأما السائل فل
تنهر ) (10وأما بنعمة ربك فحدث )] )(11الضحى ،الية ،[11 - 10 :وفي
اليمان باليات قوله ' : eأوتيت جوامع الكلم ،وبعثت لتمم مكارم الخلق '.
(ومن قوم موسى أمة) أي :أولئك المتبعون هم المفلحون بالرحمة التامة،
وأمة من قوم موسى موحدون ( :يهدون) الناس ( :بالحق) ل بأنفسهم ( :
وبه يعدلون) بين الناس في حال الستقامة والتمكين ( :إذ تأتيهم حيتانهم
يوم سبتهم شرعا ويوم ل يسبتون ل تأتيهم) ما كان إل كحال السلميين
من أهل زماننا في اجتماع أنواع الحظوظ النفسانية من المطاعم
والمشارب والملهي والمناكح ظاهرة في السواق والمواسم والشوارع
والمحافل يوم الجمعات دون سائر اليام ،وما ذلك إل ابتلء من الله بسبب
الفسق] .تفسير سورة العراف من آية 179إلى آية ( : [194أولئك
كالنعام) لفقدان إدراك الحقائق والمعارف التي تقربهم من الله بالقلوب
وعدم العتبار بالعين والذكار والفهم بالسماع ( :بل هم أضل) لوجود
الشيطنة فيهم الموجبة للبعد بفساد العقائد وكثرة المكايد ( :ولله السماء
الحسنى) قد مر أن كل اسم هو الذات مع صفة ،والله يدبر كل أمر باسم
من أسمائه ( :فادعوه) عند الفتقار إلى ذلك السم به إما بلسان الحال كما
أن الجاهل إذا طلب العلم يدعوه باسمه العليم ،والمريض إذا طلب الشفاء
يدعوه باسمه الشافي ،والفقير إذا طلب الغنى يدعوه باسمه المغني ،كل
بتحصيل الستعداد الذي استلزم قبوله لتأثير ذلك السم وأثر تلك الصفة.
وأما بلسان القال كما إذا قال الول :يا رب ،يريد به يا عليم ،لختصاص
ربوبيته بذلك السم .والثاني :يريد بيا رب يا شافي .والثالث :يا مغني.
وأما بلسان الفعل كما يدعوه الطالب السالك باتصافه بتلك الصفة فإذا فنى
عن علمه بعلمه دعاه باسمه :العليم ،وإذا وجد شفاء دائه منه وطلب منه أن
يشفي غيره باتصافه بصفة الشفاء دعاه باسمه :الشافي ،وإذا استغنى عن
فقره به دعاه باسمه :الغني .وهذه هي الدعوة المأمور بها الموحدون من
المؤمنين فليمتثلوا( : .وذروا الذين يلحدون في أسمائه) يطلبون هذه
الصفات من غيره ويضيفونها إليه فيشركون به .المراد بالساعة :وقت
ظهور القيامة الكبرى ،أي :الوحدة الذاتية بوجود المهدي ول يعلم وقتها إل
الله كما قال النبي عليه eفي وقت خروج المهدي ' :كذب الوقاتون '،
ولعمري ما يعلمها عند وقوعها أيضا ً إل الله كما هي قبل وقوعها( : .ثقلت
في السماوات والرض) إذ ل يسع أهلها علمها( : .إن الذين تدعون من دون
الله) كائنين من كانوا ،ناسا ً كانوا أو غيرهم ( :عباد أمثالكم) في العجز
وعدم التأثير ( :فادعوهم) إلى أمر ل ييسره الله لكم ( :فليستجيبوا
لكم) إلى تيسيره ( :إن كنتم صادقين) في نسبة التأثير إلى الغير ،كما قال
النبي عليه eلبن عباس ' يا غلم ،احفظ الله يحفظك ،احفظ الله تجده
تجاهك .وإذا سألت فاسأل الله ،وإذا استعنت فاستعن بالله .واعلم أن المة
لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه الله لك،
ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إل بشيء كتبه الله عليك،
رفعت القلم وجفت الصحف '( : .ألهم أرجل يمشون بها) استفهام على
سبيل النكار ،أي :ألهم أرجل ولكن ل يمشون بها بل بالله ،إذ هو الذي
يمشيهم بها وكذا سائر الجوارح ( :قل ادعوا شركاءكم) من الجن
والنس ( :ثم كيدون) إن استطعتم فإن متولي أمري وحافظي ومديري
هو ( :الله الذي) يعلمني بتنزيل الكتاب ( :وهو يتولى) كل صالح ،أي :كل
من قام به في حال الستقامة .وكلما ورد الصالح في وصف نبي من
النبياء أريد به الباقي بالحق بالستقامة والتمكين بعد الفناء في عين الجمع
القائم بإصلح النوع بإذن الحق ( :وتراهم ينظرون إليك وهم ل يبصرون) أي
:إن تدع المطبوع على قلوبهم من المشركين وغيرهم إلى الهدى ل
يسمعوا ول يطيعوا وتراهم مع صحة البصر والنظر ل يبصرون الحق ول
حقيقتك لنهم عمي القلوب في الحقيقة( : .خذ العفو) أي :السهل الذي
يتيسر لهم ول تكلفهم ما ل يتيسر لهم ( :وأمر بالعرف) أي :بالوجه الجميل
( :وأعرض عن الجاهلين) بعدم مكافأة جهلهم .وعن المام جعفر الصادق : t
' أمر الله نبيه بمكارم الخلق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الخلق
منها ' .قال ذلك لقوة دللتها على التوحيد ،فإن من شاهد مالك النواصي
وتصرفه في عباده وكونهم فيما يأتون ويذرون به ل بأنفسهم ،ل يشاقهم
ول يداقهم في تكاليفهم ول يغضب في المر بالمعروف والنهي عن
المنكر ،ول يتشدد عليهم ويحلم عنهم( : .وإما ينزغنك من الشيطان
نزغ) أي :نخس وداعية قوية تحملك على مناقشتهم برؤية الفعل منهم
ونسبة الذنب إليهم ( :فاستعذ بالله) بالشهود والحضور لفاعليته ( :إنه
سميع) يسمع أحاديث النفس ووساوس الشيطان في الصدر ( :
عليم) بالنيات والسرار] .تفسير سورة العراف من آية 201إلى آية
( : [206إن الذين اتقوا) الشرك ( :إذا مسهم طائف) لمسة ( : %من
الشيطان) بنسبة الفعل إلى الغير ( :تذكروا) مقام التوحيد ومشاهدة
الفعال من الله ( :فإذا هم مبصرون) فعالية الله ،فل يبقى شيطان ول
فاعل غير الله في نظرهم .وإخوان الشياطين من المحجوبين ( :
يمدونهم) في نسبة الفعل إلى غيره فل يقصرون من العناد والمراء
والجهل ( :لول اجتبيتها) أي :هل اجتمعتها من تلقاء نفسك ( :قل إنما أتبع
ما يوحى إلي من ربي) أي :ل أفتعل بنفسي ،بل أبلغ عن الله ول أقول إل
ما يوحى إلي منه به لني قائم به ل بنفسي ( :فاستمعوا له) أي :إلى الله
ول تستمعوا إل منه ( :وأنصتوا) عن حديث النفس وغيره ،فإن المتكلم به
هو الله ( :لعلكم ترحمون) برحمة تجلي المتكلم في كلمه بصفاته وأفعاله :
(واذكر ربك) حاضرا ً ( :في نفسك) كقوله تعالى ( : :لقد كان لكم في
رسول الله أسوة حسنة) ]الحزاب ،الية ( : .[21 :تضرعا) في مقام
التفصيل للجمع ( :وخيفة) في السر من النفس أو خيفة أن يكون للنفس
فيه نصيب ( :ودون الجهر) أي :دون أن يظهر لك التضرع والذكر منك ،بل
تكون ذاكرا ً به له في غدو ظهور نور الروح وإشراقه وغلبته ،وآصال غلبات
صفات النفس وقواها ( :ول تكن) في حال من الحوال ،وخصوصا ً حال
غلبات النفس وصفاتها ( :من الغافلين) عن شهود الوحدة الذاتية( : .إن
الذين عند ربك) بالتوحيد والفناء فيه باقين به ذوي الستقامة ( :ل
يستكبرون عن عبادته) بسبب احتجابهم بالنائية بل يشاهدون التفصيل في
عين الجمع فيذعنون له ( :ويسبحونه) ينزهونه عن الشرك بنفي النائية ( :
وله يسجدون) بالفناء التام ،وطمس البقية ،وآثار الينة ،والله الباقي بعد
فناء الخلق.
)سورة النفال(
)بسم الله الرحمن الرحيم(
)سورة التوبة(
]تفسير سورة التوبة آية ( : [1براءة من الله ورسوله) الية ،لما لم يتمكن
الرسول في الستقامة لمكان تلوينه بظهور صفاته تارة وبوجود البقية تارة
أخرى ،على ما دل عليه القرآن في مواضع العتاب والتثبيت كقوله ( : :
عبس وتولى )] )(1عبس ،الية ،[1 :وقوله ( : :ولول أن ثبتناك لقد كدت
تركن إليهم شيئا ً قليل ً ] )74السراء ،الية ( : ،[74 :عفا الله عنك لم أذنت
لهم) ]التوبة ،الية ( : ،[43 :ما كان لنبي أن يكون له أسرى) ]النفال،
الية ،[67 :فلم يصل أصحابه من المؤمنين إلى مقام الوحدة الذاتية
لحتجابهم تارة بالفعال وتارة بالصفات كان بينهم وبين المشركين مناسبة
وقرابة جنسية وآل فبتلك الجنسية عاهدوهم لوجود التصال بينهم .ثم لما
امتثل النبي eوالمؤمنون قوله تعالى ( : :فاستقم كما أمرت ومن تاب
معك) ]هود ،الية [112 :وبلغ غاية التمكين وارتفعت الحجب الفعالية
والصفاتية والذاتية عن وجه السالكين من أصحابه حتى بلغوا مقام التوحيد
الذاتي .ارتفعت المناسبة بينهم وبين المشركين ولم تبق بينهم جنسية
بوجه ما وتحققت الضدية والمخالفة وحقت الفرقة والعداوة فنزلت براءة
من الله ورسوله ( :إلى الذين عاهدتم من المشركين) أي :هذه الحالة حالة
الفرقة والمباينة الكلية بيننا والتبري الحقيقي من الله باعتبار الجمع
ورسوله باعتبار التفصيل إليهم فتبرأوا منهم ظاهرا ً كما تبرأوا منهم باطناً،
ونبذوا عهدهم في الصورة كما نبذوا عهدهم في الحقيقة( : .فسيحوا في
الرض أربعة أشهر) على عدد مواقفهم في الدنيا والخرة تنبيها ً لهم فإنهم
لما وقفوا في الدنيا مع الغير بالشرك حجبوا عن الدين والفعال والصفات
والذات في برزخ الناسوت فلزمهم أن يوقفوا في الخرة على الله ثم على
الجبروت ثم على الملكوت ثم على النار في جحيم الثار على ما مرت
الشارة إليه في )النعام( فيعذبوا بأنواع العذاب( : .واعلموا أنكم غير
معجزي الله) لوجوب حبسكم في هذه المواقف بسبب وقوفكم مع الغير
بالشرك فكيف تفوتونه ( :وأن الله مخزي الكافرين) المحجوبين عن الحق
بافتضاحهم عند ظهور رتبة ما يعبدون من دون الله ووقوفه معه على النار.
( :وأذان) أي :إعلم ( :من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الكبر) أي :
وقت ظهور الجمع الذاتي في صورة التفصيل كما مر ( :أن الله بريء من
المشركين ورسوله) في الحقيقة فيوافق الظاهر الباطن( : .إل الذين
عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا) أي :هذه براءة إليهم إل
الذين بقيت فيهم مسكة الستعداد وأثر سلمة الفطرة فلم يقدموا على
نقض العهد لبقاء المروءة فيهم الدالة على سلمة الفطرة وبقائهم على
عهد الله السابق بوجود الستعداد وإمكان الرجوع إلى الوحدة( : .ولم
يظاهروا عليكم أحدا) لبقاء الوصلة الصلية والمودة الفطرية بينكم وبينهم
وعدم ظهور العداوة الكسبية ( :فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) أي :مدة
تراكم الرين وتحقق الحجاب إن لم يرجعوا أو يتوبوا ( :إن الله يحب
المتقين) الذين اجتنبوا الرذائل خصوصا ً نقض العهد الذي هو أم الرذائل
ظاهرا ً وباطنًا( : .الذين آمنوا) علما ً ( :وهاجروا) الرغائب الحسية والمواطن
النفسية بالسلوك في سبيل الله وجاهدوا بأموال معلوماتهم ومراداتهم
ومقدوراتهم بمحو صفاتهم في صفات الله ( :وأنفسهم) بإفنائها في ذات
الله ( :أولئك أعظم درجة) في التوحيد ( :عند الله)( : .يبشرهم ربهم
برحمة) ثواب العمال ( :ورضوان) الصفات ( :وجنات) من الجنان الثلثة ( :
لهم فيها نعيم) شهود الذات ( :مقيم) ثابت أبدًا( : .يا أيها الذين آمنوا ل
تتخذوا آباءكم) إلى آخره ،أي :ل يترجح فيكم جهة القرابة الصورية والوصلة
الطبيعية على جهة القرابة المعنوية والوصلة الحقيقية فيكون بينكم وبين
من آثر الحتجاب على الكشف من أقربائكم ولية مسببة عن التصال
الصوري مع فقد التصال المعنوي واختلف الوجهة الموجب للقطيعة
المعنوية والعداوة الحقيقية ،فإن ذلك من ضعف اليمان ووهن العزيمة ،بل
قضية اليمان بخلف ذلك .قال الله تعالى ( : :والذين آمنوا أشد حبا
لله) ]البقرة ،الية .[165 :وقال بعض الحكماء :الحق حبيبنا والخلق حبيبنا،
فإذا اختلفا فالحق أحب إلينا( : .قل إن) كانت هذه القرابات الصورية
والمألوفات الحسية ( :أحب إليكم من الله ورسوله) فقد ضعف إيمانكم ولم
يظهر أثره في نفوسكم وعلى جوارحكم لتنقاد بحكمه وذلك لوقوفكم مع
الثار الناسوتية الموجب للعذاب والحجاب ( :فتربصوا حتى يأتي
الله) بعذابه .وكيف ل ،وأنتم تسلكون طريق الطبيعة وتنقادون بحكمها
مكان سلوك طريق الحق والنقياد لمره ؟ وذلك فسق منكم ،والفاسق
محجوب عن الله ل يهديه إليه لعدم توجهه وإرادته بل لعراضه وتوليه ،فهو
يستحق العذاب والخذلن والحجاب والحرمان( : .الذين آمنوا) علما ً ( :
وهاجروا) الرغائب الحسية والمواطن النفسية بالسلوك في سبيل الله
وجاهدوا بأموال معلوماتهم ومراداتهم ومقدوراتهم بمحو صفاتهم في
صفات الله ( :وأنفسهم) بإفنائها في ذات الله ( :أولئك أعظم درجة) في
التوحيد ( :عند الله)( : .يبشرهم ربهم برحمة) ثواب العمال ( :
ورضوان) الصفات ( :وجنات) من الجنان الثلثة ( :لهم فيها نعيم) شهود
الذات ( :مقيم) ثابت أبدًا( : .يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آباءكم) إلى آخره،
أي :ل يترجح فيكم جهة القرابة الصورية والوصلة الطبيعية على جهة
القرابة المعنوية والوصلة الحقيقية فيكون بينكم وبين من آثر الحتجاب
على الكشف من أقربائكم ولية مسببة عن التصال الصوري مع فقد
التصال المعنوي واختلف الوجهة الموجب للقطيعة المعنوية والعداوة
الحقيقية ،فإن ذلك من ضعف اليمان ووهن العزيمة ،بل قضية اليمان
بخلف ذلك .قال الله تعالى ( : :والذين آمنوا أشد حبا لله) ]البقرة ،الية :
.[165وقال بعض الحكماء :الحق حبيبنا والخلق حبيبنا ،فإذا اختلفا فالحق
أحب إلينا( : .قل إن) كانت هذه القرابات الصورية والمألوفات الحسية ( :
أحب إليكم من الله ورسوله) فقد ضعف إيمانكم ولم يظهر أثره في
نفوسكم وعلى جوارحكم لتنقاد بحكمه وذلك لوقوفكم مع الثار الناسوتية
الموجب للعذاب والحجاب ( :فتربصوا حتى يأتي الله) بعذابه .وكيف ل،
وأنتم تسلكون طريق الطبيعة وتنقادون بحكمها مكان سلوك طريق الحق
والنقياد لمره ؟ وذلك فسق منكم ،والفاسق محجوب عن الله ل يهديه إليه
لعدم توجهه وإرادته بل لعراضه وتوليه ،فهو يستحق العذاب والخذلن
والحجاب والحرمان.
( :والذين يكنزون الذهب والفضة) إلى آخره ،جمع المال وكنزه مع عدم
النفاق ل يكون إل لستحكام رذيلة الشح وحب المال وكل رذيلة يعذب بها
صاحبها في الخرة ويخزى بها في الدنيا .ولما كانت مادة رسوخ تلك الرذيلة
واستحكامها هي ذلك المال ،كان هو الذي يحمى عليه في نار جحيم الطبيعة
وهاوية الهوى فيكوى به ،وإنما خصت هذه العضاء لن الشح مركوز في
النفس والنفس تغلب القلب من هذه الجهات ل من جهة العلو التي هي
جهة استيلء الروح وممر الحقائق والنوار ول من جهة السفل التي هي من
جهة الطبيعة الجسمانية لعدم تمكن الطبيعة من ذلك ،فبقيت سائر الجهات
فيؤذى بها من الجهات الربع ويعذب كما تراه يعاب بها في الدنيا ويخزى
من هذه الجهات أيضا ً إما بأن يواجه بها جهرا ً فيفضح أو يسار بها في جنبه
أو يغتاب بها من وراء ظهره( : .كره الله انبعاثهم فثبطهم) أي :كانوا
أشقياء لم يبق في استعدادهم خير فيريده الله منهم فلذلك كره انبعاثهم،
أي :كانوا من الفريق الثاني من الشقياء المردودين الذين مر ذكرهم غير
مرة( .ويقولون هو أذن) كانوا يؤذونه ويغتابونه بسلمة القلب وسرعة
القبول والتصديق لما يسمع ،فصدقهم في ذلك وسلم وقال :هو كذلك،
ولكن بالنسبة إلى الخير فإن النفس البية والغليظة الجافية والكرة
القاسية التي تتصلب في المور ول تتأثر غير مستعدة للكمال ،إذ الكمال
النساني ل يكون إل بالقبول والتأثر والنفعال .فكلما كانت النفس ألين
عريكة وأسلم قلبا ً وأسهل قبول ً كانت أقبل للكمال وأشد استعدادا ً له،
وليس هذا اللين هو من باب الضعف والبلهة الذي يقتضي النفعال من كل
ما يسمع حتى المحال والتأثر من كل ما يرد عليه ويراه حتى الكذب
والشرور والضلل بل هو من باب اللطافة وسرعة القبول لما يناسبه من
الخير والصدق ،فلذلك قال ( : :قل أذن خير) إذ صفاء الستعداد ولطف
النفس يوجب قبول ما يناسبه من باب الخيرات ل ما ينافيه من باب
الشرور ،فإن الستعداد الخيري ل يقبل الشر ول يتأثر به ول ينطبع فيه
لمنافاته إياه وبعده عنه ( :لكم) أي :يسمع ما ينفعكم وما فيه صلحكم دون
غيره ( :يؤمن بالله) هو بيان لينه وقابليته لن اليمان ل يكون إل مع سلمة
القلب ولطافة النفس ولينها ( :ويؤمن للمؤمنين) يصدق قولهم في
الخيرات ويسمع كلمهم فيها ويقبله ( :ورحمة للذين آمنوا منكم) يعطف
عليهم ويرق لهم فينجيهم من العذاب بالتزكية والتعليم ،ويصلح أمر
معاشهم ومعادهم بالبر والصلة وتعليم الخلق من الحلم والشفقة ،والمر
بالمعروف باتباعهم إياه فيها ،ووضع الشرائع الموجبة لنظام أمرهم في
الدارين ،والتحريض على أبواب البر بالقول والفعل إلى غير ذلك( .وعد
الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها النهار) وهي جنات
النفوس ( :ومساكن طيبة) مقامات أرباب التوكل في جنات الفعال بدليل
قوله تعالى ( : :ورضوان من الله أكبر) ]التوبة ،الية ،[72 :فإن الرضوان
من جنات الصفات ( :ذلك) أي الرضوان ( :هو الفوز العظيم) لكرامة أهله
عند الله وشدة قربهم منه] .تفسير سورة التوبة من آية 100إلى آية
( : [102والسابقون الولون) أي :الذين سبقوا إلى الوحدة من أهل الصف
الول ( :من المهاجرين) الذين هاجروا مواطن النفس ( :والنصار) الذين
نصروا القلب بالعلوم الحقيقية على النفس ( :الذين اتبعوهم) في التصاف
بصفات الحق ( :بإحسان) أي :بمشاهدة من مشاهدات الجمال والجلل ( :
tم) لشتراكهم في كشف الصفات والوصول إلى مقام الرضا الذي هو باب
الله العظم ( :وأعد لهم جنات) من جنات الفعال والصفات ( :تجري تحتها)
أنهار علوم التوكل والرضا وما يناسبهما وذلك ل ينافي وجود جنة أخرى
للسابقين هي جنة الذات واختصاصهم بها لشتراك الكل في هذه( : .
وآخرون اعترفوا بذنوبهم) العتراف بالذنب هو إبقاء نور الستعداد ولين
الشكيمة وعدم رسوخ ملكة الذنب فيه لنه ملك الرجوع والتوبة ودليل رؤية
قبح الذنب التي ل تكون إل بنور البصيرة وانفتاح عين القلب إذ لو ارتكمت
الظلمة ورسخت الرذيلة ما استقبحه ولم يره ذنبا ً بل رآه فعل ً حسنا ً
لمناسبته لحاله فإذا عرف أنه ذنب ففيه خير ( :خلطوا عمل صالحا وآخر
سيئا) أي :كانوا في رتبة النفس اللوامة التي لم يصر اتصالها بالقلب
وتنورها بنوره ملكة ولم يتذلل بعد في طاعتها للقلب ،فتارة يستولي عليها
القلب فتتذلل وتنقاد وتتنور بنوره وتعمل أعمال ً صالحة ،وتارة تظهر
بصفاتها الحاجبة لنور القلب عنها وتحتجب بظلمتها فتفعل أفعال ً سيئة،
فإن ترجحت النوار القلبية والعمال الصالحة وتعاقبت عليها الخواطر
الملكية حتى صار اتصالها بالقلب وطاعتها إياه ملكة صلح أمرها ونجت
وذلك معنى قوله ( : :عسى الله أن يتوب عليهم) وإن ارتكمت عليها
الهيئات المظلمة المكتسبة من غلباتها وكثرة إقدامها على السيئات كان
المر بالعكس فزال استعدادها بالكلية وحق عذابها أبدًا .وترجح أحد الجانبين
على الخر ل يكون إل بالصحبة ومجالسة أصحاب كل واحد من الصنفين
ومخالطة الخيار والشرار ،فإن أدركه التوفيق ساقه القدر إلى صحبة
الصالحين ومتابعة أخلقهم وأعمالهم فيصير منهم ،وإن لحقه الخذلن
ساقه إلى صحبة المفسدين واختلطه بهم فيصير من الخاسرين أعاذنا الله
من ذلك( : .إن الله غفور) يغفر لهم السيئات المظلمة ويسترها عنهم ( :
رحيم) يرحمهم بالتوفيق للصالحات وقبول التوبة] .تفسير سورة التوبة من
آية 103إلى آية 106ولما وفقوا للقسم الول ببركة صحبة الرسول
وتزكيته إياهم وتربيته لهم قال ( : :خذ من أموالهم صدقة) إذ المال هو
سبب ظهور النفس وغلبة صفاتها ومدد قواها ومادة هواها كما قال عليه
' : eالمال مادة الشهوات ' فينبغي أن يكون أول حالهم التجرد عن الموال
لتنكسر قوى النفس وتضعف أهواؤها وصفاتها ،فتتزكى من الهيئات
المظلمة التي فيها وتتطهر من خبث الذنوب ورجس دواعي الشيطان وذلك
معنى قوله ( : :تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم) بإمداد الهمة وإفاضة
نور الصحبة عليهم ( :إن صلتك سكن لهم) أي :إن نورك الذي تفيض
عليهم بالتفات خاطرك إليهم وقوة همتك وبركة صحبتك سبب نزول
السكينة فيهم تسكن قلوبهم إليه وتطمئن .والسكينة نور مستقر في
القلب يثبت معه في التوجه إلى الحق ويتقوى اليقين ويتخلص عن الطيش
بلمات الشيطان ووساوسه وأحاديث النفس وهواجسها لعدم قبوله لها
حينئذ ( :والله سميع) يسمع تضرعهم واعترافهم بذنوبهم ( :عليم) يعلم
نياتهم وعزائمهم وما في ضمائرهم من الندم والغم( .لمسجد أسس على
التقوى) لما كان عالم الملك تحت قهر عالم الملكوت وتسخيره لزم أن
يكون لنيات النفوس وهيئاتها تأثير فيما يباشرها من العمال فكل ما فعل
بنية صادقة لله تعالى عن هيئة نورانية صحبته بركة ويمن وجمعية وصفا،
وكل ما فعل بنية فاسدة شيطانية عن هيئة مظلمة صحبته تفرقة وكدورة
ومحق وشؤم .أل ترى الكعبة كيف شرفت وعظمت وجعلت متبركة لكونها
مبنية على يدي نبي من أنبياء الله بنية صادقة ونفس شريفة صافية عن
كمال إخلص لله تعالى .ونحن نشاهد أثر ذلك في أعمال الناس ونجد أثر
الصفاء والجمعية في بعض المواضع والبقاع ،والكدورة والتفرقة في بعضها
وما هو إل لذلك ،فلهذا قال ( : :لمسجد أسس على التقوى)( : ،من أول
يوم أحق أن تقوم فيه) لن الهيئات الجسمانية مؤثرة في النفوس كما أن
الهيئات النفسانية مؤثرة في الجسام ،فإذا كان موضع القيام مبنيا ً على
التقوى وصفاء النفس تأثرت النفس باجتماع الهم وصفاء الوقت وطيب
الحال وذوق الوجدان ،وإذا كان مبنيا ً على الرياء والضرار تأثرت بالكدورة
والتفرقة والقبض ( :فيه رجال يحبون أن يتطهروا) أي :أهل إرادة وسعي
في التطهر عن الذنوب نبه على أن صحبة الصالحين من أهل الرادة لها أثر
عظيم يجب أن تختار وتؤثر على غيرها .كما أن المقام له أثر يجب أن
يراعى ويتعاهد ولهذا ورد في اصطلح القوم :يجب مراعاة الزمان والمكان
والخوان في حصول الجمعية وجعلوها شرطا ً لها وفيه إشعار بأن زكاء
نفس الباني وصدق نيته مؤثر في البناء وإن تبرك المكان وكونه مبنيا ً على
الخير يقتضي أن يكون فيه أهل الخير والصلح ممن يناسب حال بانيه ،وإن
محبة الله واجبة لهل الرادة والطهارة لقوله ( : :والله يحب
المتطهرين) كيف ولول محبة الله إياهم لما أحبوا التطهر] .تفسير سورة
التوبة آية ( : [111إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) لما
هداهم إلى اليمان العلمي وهم مفتونون بمحبة الموال والنفس
استنزلهم لفرط عنايته بهم عن مقام محبة الموال والنفس بالتجارة
المربحة والمعاملة المرغوبة بأن جعل جنة النفس ثمن أموالهم وأنفسهم
ليكون الثمن من جنس المثمن الذي هو مألوفهم لكنه ألذ وأشهى وأرغب
وأبقى ،فرغبوا فيما عنده وصدقوا لقوة اليقين وعده.
ثم لما ذاقوا بالتجرد عنها لذة الترك وحلوة نور اليقين رجعوا عن مقام لذة
النفس وتابوا عن هواها ومشتهياتها فلم يبق عندهم لجنة النفس قدر،
فوصفهم بالتائبين بالحقيقة الراجعين عن طلب ملذ النفس وتوقع الجر
إليه ،العابدين الذين إذا رجعوا عن محبة النفس والمال وطلب الجر
والثواب ،عبدوا الله حق عبادته ل لرغبة ول لرهبة بل تشبها ً بملكوته في
القيام بحقه تعالى بالخضوع والخشوع والتذلل لعظمته وكبريائه تعظيما ً
وإجلل ً ثم حمدوا الله حق حمده بإظهار الكمالت العملية الخلقية والعملية
المكنونة في استعداداتهم بالقوة حمدا ً فعليا ً حاليا ً ثم ساحوا إليه بالهجرة
عن مقام الفطرة ورؤية الكمالت الثابتة وتآلفهم واعتدادهم وابتهاجهم بها
في مفاوز الصفات ومنازل السبحات ثم ركعوا في مقام محو الصفات ثم
سجدوا بفناء الذات ،ثم قاموا بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والمحافظة على حدود الله في مقام البقاء بعد الفناء ( :وبشر
المؤمنين) باليمان الحقيقي المقيمين في مقام الستقامة( : .ما كان
للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا) إلى آخره ،أي :لما اطلعوا على سر القدر
ووقفوا على ما قضى الله وقدر ،وعلموا بما ينتهي إليه عواقب المور ،لم
يكن لهم أن يطلبوا خلف ذلك ورضوا بما دبر الله من أمره وإن كان في
طبيعتهم ما يقتضي خلفه لنهم قد انسلخوا عن مقتضيات طباعهم فإن
اقتضت القرابة الطبيعية واللحمة الصورية فرط شفقة ورقة على بعض من
يناسبهم ويواصلهم فيها وشاهدوا حكم الله عليه بالقهر والتعذيب ،حملتهم
الحمية الدينية على الصبر إن لم يكن لهم مقام الرضا بل غلبتهم المباعدة
الدينية على القرابة الطبيعية فتبرؤوا منه ولم يقترحوا على الله خلف
حكمته وأمره ولهذا قيل :ل تؤثر همة العارف بعد كمال عرفانه أي إذا تيقن
وقوع كل شيء بقدره وامتناع وقوع خلف ما قدر الله في الزل علم أن ما
شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ،ول تؤثر همته ول غيرها في شيء فل
يسلط همته على أمر بخلف المحجوب الذي ينسب التأثير إلى غير الله ول
يعلم سر القدر( .وما كان الله) ليضلهم عن طريق التسليم والنقياد لمره
والرضا بحكمه ( :بعد إذ هداهم) إلى التوحيد العلمي ورؤية وقوع كل شيء
بقضائه وقدره ( :حتى يبين لهم) كل ما يجب عليهم اتقاؤه في كل مقام
من مقامات سلوكهم ومرتبة من مراتب وصولهم ،فإن أقدموا في بعض
مقاماتهم على ما تبين لهم وجوب اتقائه فهو يضلهم لكونهم مقدمين على
ما هو ذنب حالهم وهو فسق في دينهم والعياذ بالله من الضلل بعد
الهدى( : .إن الله بكل شيء عليم) يعلم دقائق ذنوب أحوالهم وإن لم
يتفطن لها أحد فيؤاخذ بها أهل الهداية من أوليائه كما ورد في الحديث
الرباني ' :وأنذر الصديقين بأني غيور '] .تفسير سورة التوبة من آية 119
إلى آية ( : [127يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) في جميع الرذائل بالجتناب
عنها خاصة رذيلة الكذب ،وذلك معنى قوله ( : :وكونوا مع الصادقين) فإن
الكذب أسوأ الرذائل وأقبحها لكونه ينافي المروءة لقوله ' : eل مروءة
لكذوب ' إذ المراد من الكلم الذي يتميز به النسان عن سائر الحيوان إخبار
الغير عما ل يعلم ،فإذا كان الخبر غير مطابق لم تحصل فائدة النطق وحصل
منه اعتقاد غير مطابق وذلك من خواص الشيطنة ،فالكاذب شيطان .وكما
أن الكذب أقبح الرذائل ،فالصدق أحسن الفضائل .وأصل كل حسنة ومادة
كل خصلة محمودة وملك كل خير وسعادة به يحصل كل كمال ويحصل كل
حال وأصله الصدق في عهد الله تعالى الذي هو نتيجة الوفاء بميثاق الفطرة
أو نفسه كما قال تعالى ( : :رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) ]الحزاب،
الية [23 :في عقد العزيمة ووعد الخليقة ،كما قال تعالى في إسماعيل
( : : uإنه كان صادق الوعد) ]مريم ،الية [54 :وإذا روعي في المواطن
كلها حتى الخاطر والفكر والنية والقول والعمل صدقت المنامات والواردات
والحوال والمقامات والمواهب والمشاهدات كأنه أصل شجرة الكمال وبذر
ثمرة الحوال( : .فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة) أي :يجب على كل
مستعد من جماعة سلوك طريق طلب العلم إذ ل يمكن لجميعهم ،أما ظاهرا ً
فلفوات المصالح ،وأما باطنا ً فلعدم الستعداد .والتفقه في الدين هو من
علوم القلب ل من علوم الكسب إذ ليس كل من يكتسب العلم يتفقه كما
قال تعالى ( : :وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) ]النعام ،الية [25 :
والكنة :هي الغشاوات الطبيعية والحجب النفسانية فمن أراد التفقه
فلينفر في سبيل الله وليسلك طريق التزكية والتصفية حتى يظهر العلم
من قلبه على لسانه كما نزل على بعض أنبياء بني إسرائيل ' :يا بني
إسرائيل ،ل تقولوا العلم في السماء من ينزل به ،ول في تخوم الرض من
يصعد به ،ول من وراء البحر من يعبر ويأتي به ،العلم مجعول في قلوبكم
تأدبوا بين يدي بآداب الروحانيين ،وتخلقوا بأخلق الصديقين ،أظهر العلم
من قلوبكم حتى يغمركم ويغطيكم ' .فالمراد من التفقه علم راسخ في
القلب ،ضارب بعروقه في النفس ،ظاهر أثره على الجوارح بحيث ل يمكن
صاحبه ارتكاب ما يخالف ذلك العلم وإل لم يكن عالمًا .أل ترى كيف سلب
الله الفقه عمن لم تكن رهبة الله أغلب عليه من رهبة الناس بقوله تعالى :
( :لنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم ل يفقهون
] )13الحشر ،الية [13 :لكون رهبه الله لزمة للعلم ،كما قال تعالى ( : :
إنما يخشى الله من عباده العلمؤا) ]فاطر ،الية [28 :وسلب العلم عمن لم
يعمل به في قوله تعالى ( : :هل يستوي الذين يعلمون والذين ل
يعلمون) ]الزمر ،الية .[9 :وإذا تفقهوا وظهر علمهم على جوارحهم أثر
في غيرهم وتأثروا منه لرتوائهم به وترشحهم منه كما كان حال رسول
الله ،eفلزم النذار الذي هو غايته كما قال ( : :ولينذروا قومهم إذا رجعوا
إليهم لعلهم يحذرون) ومن لزم التفقه الجهاد الكبر ثم الصغر فلذلك قال
بعده ( : :قاتلوا الذين يلونكم) من كفار قوى نفوسكم التي هي أعدى
عدوكم ( :وليجدوا فيكم غلظة) أي :قهرا ً وشدة حتى تبلغوا درجة التقوى
فينزل عليكم النصر من عند الله كما قال ( : :واعلموا أن الله مع المتقين(.
( :أو ل يرون أنهم يفتنون) الية ،البلء قائد من الله تعالى يقود الناس إليه.
وقد ورد في الحديث ' :البلء سوط من سياط الله تعالى ،يسوق به عباده
إليه ' .فإن كل مرض وفقر وسوء حال يحل بأحد يكسر ثورة نفسه وقواها
ويقمع صفاتها وهواها ،فيلين القلب ويبرز من حجابها وينزعج من الركون
إلى الدنيا ولذاتها وينقبض منها ويشمئز ،فيتوجه إلى الله تعالى .وأقل
درجاته أنه إذا اطلع على أن ل مفر منه إل إليه ،ولم يجد مهربا ً ومحيصا من
ً
البلء سواه ،تضرع إليه وتذلل بين يديه ،كما قال تعالى ( : :وإذا غشيهم
موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين) ]لقمان ،الية ( : ،[32 :وإذا مس
النسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا ً أو قائمًا) ]يونس ،الية ،[12 :وبالجملة
يوجب رقة الحجاب أو ارتفاعه فليغتنم وقته وليتعوذ وليتخذ ملكة يعود إليها
أبدا ً حتى يستقر التيقظ والتذكر وتتسهل التوبة والحضور فل يتعود الغفلة
عند الخلص وتتقوى النفس عند المان فتغلب وينسبل الحجاب أغلظ مما
كان كما قال ( : :فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) ]العنكبوت ،الية :
( : ،[65فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) ]يونس،
الية ] .[12 :تفسير سورة التوبة من آية 128إلى آية ( : [129رسول من
أنفسكم) ليكون بينكم وبينه جنسية نفسانية بها تقع اللفة بينكم وبينه
فتخالطونه بتلك الجنسية وتختلطون به فتتأثر من نورانيتها المستفادة من
نور قلبه أنفسكم فتتنور بها وتنسلخ عنها ظلمة الجبلة والعادة ( :عزيز
عليه) شديد شاق عليه ،عنتكم مشقتكم ولقاؤكم المكروه لرأفته اللزمة
للمحبة اللهية التي له لعباده ورؤيته إياهم بمثابة أعضائه وجوارحه لكونه
ناظرا ً بنظر الوحدة .فكما يشق على أحدنا تألم بعض أعضائه ،يشق عليه
تعذيب بعض أمته ( :حريص عليكم) لشدة اهتمامه بحفظكم كما يشتد اهتمام
أحدنا بكل واحد من أجزاء جسده وجوارحه ل يرضى بنقص أقل جزء منه ول
بشقائه فكذلك هو ،بل أشد اهتماما ً لدقة نظره ( :بالمؤمنين رؤوف) ينجيهم
من العقاب بالتحذير عن الذنوب والمعاصي برأفته ( :رحيم) يفيض عليهم
العلوم والمعارف والكمالت المقربة بالتعليم والترغيب عليها برحمته( : .
فإن تولوا) وأعرضوا عن قبول الرأفة والرحمة لعدم الستعداد أو زواله
وتعرضوا للشقاوة البدية ( :فقل حسبي الله) ل حاجة لي بكم ول
باستعانتكم كما ل حاجة للنسان إلى العضو المألوم المتعفن الذي يجب
ل ،أي :الله كافيني ليس في الوجود إل هو فل مؤثر غيره ول قطعه عق ً
ناصر إل هو ( :عليه توكلت) ل أرى لحد فعل ً ول حول ول قوة إل به ( :وهو
رب العرش العظيم) المحيط بكل شيء يأتي منه حكمه وأمره إلى الكل.
)سورة يونس(
)بسم الله الرحمن الرحيم
]تفسير سورة يونس من آية 1إلى آية ( : [3الر) إشارة إلى الرحمة التي
هي الذات المحمدية لقوله تعالى ( : :وما أرسلناك إل رحمة للعالمين
] )107النبياء ،الية ،[107 :و )ا ل( مر ذكرهما ( :تلك) أي :ما أشير إليه
بهذه الحروف أركان كتاب الكل ذي الحكمة أو المحكم المتقن تفاصيله أو
أقسم بالله باعتبار الهوية الحدية جمعا ً وباعتبار الصفة الواحدية تفصيل ً
في باطن الجبروت وظاهر الرحموت على ما ذكر أو على أن تلك اليات
المذكورة في السورة ( :آيات الكتاب) ذي الحكمة ( :أكان للناس عجبا) إلى
آخره ،أنكر عجبهم لكون سنة الله جارية أبدا ً على هذا السلوب في اليحاء
على الرجال وإنما كان تعجبهم لبعدهم عن مقامه وعدم مناسبة حالهم
لحاله ومنافاة ما جاء به لما اعتقدوه ( :أن لهم قدم صدق عند ربهم) أي :
سابقة بحسب العناية الولى عظيمة أو مقاما ً من قربه ليس لحد مثله
خصصهم الله به في الزل بمحض الجتباء وإل لما آمنوا به ( :قال
الكافرون) الذين حجبوا عن الله فلم يطلعوا على ظهور صفاته في النفس
المحمدية ( :إن هذا) الذي جاء به ( :لسحر مبين) أي :شيء خارج عن قدرة
البشر ليس إل من عمل الشياطين .قالوا ذلك لغلبة الشيطنة عليهم
واحتجابهم بها عن الله وعبادتهم الشيطان بحيث لم يصلوا إلى طور من
الروحانيات وراءه في القدرة ،فلذلك نسبوا ما تجاوز عن حد البشرية إليه
بالطبع( : .يدبر) أمر السموات والرضين على وفق حكمته بيد قدرته ( :ما
من شفيع) يشفع لحد بإفاضة كمال وإمداد نور يقربه إلى الله وينجيه من
ظلمات النفس ويطهره من رجز صفاتها ( :إل من بعد) أن يأذن بموهبة
الستعداد ثم بتوفيق السباب ( :ذلكم) الموصوف بهذه الصفات ( :الله
ربكم) الذي يربيكم ويدبر أمركم ،فخصصوه بالعبادة واعرفوه بهذه الصفات
ول تعبدوا الشيطان ول تحتجبوا عنه ببعض صفاته ،فتنسبوا قوله وفعله إلى
الشيطان ( :أفل تذكرون) ما في أنفسكم من آياته فتتفكروا فيها وتنزجروا
عن الشرك به] .تفسير سورة يونس آية ( : [4إليه مرجعكم جميعا) بالعود
إلى عين الجمع المطلق في القيامة الصغرى كما هو الن أو إلى عين جمع
الذات بالفناء فيه عند القيامة الكبرى( : .وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق) في
النشأة الولى ( :ثم يعيده) في النشأة الثانية ( :ليجزي) المؤمن والكافر
على حسب إيمانهم وعملهم الصالح وكفرهم وعملهم الفاسد وهذا على
التأويل الول ،وعلى الثاني :يبدأ الخلق باختفائه وإظهارهم ثم يعيدهم
بإفنائهم وظهوره ليجزي الذين آمنوا به وعملوا الصالحات ما يصلحهم
للقائه من العمال الرافعة لحجبهم المقربة إياهم ( :بالقسط) بحسب ما
بلغوا من المقامات بأعمالهم من مواهبه الحالية والذوقية التي يقتضيها
مقامهم وشوقهم ،أو ليجزي الذين آمنوا اليمان الحقيقي وعملوا بالله
العمال التي تصلح العباد ،أي جزاء بالتكميل بقسطهم أي بسبب عدلهم
في زمان الستقامة أو جزاء بحسب رتبتهم ومقامهم في الستقامة ( :
والذين) حجبوا في أي مقام كان ( :لهم شراب من حميم) لجهلهم بما فوقه
وشكهم واضطرابهم إذ لو وصلوا إلى اليقين لذاقوا برده ( :وعذاب
أليم) من الحرمان والهجران وفقدان روح الوجدان بسبب احتجابهم.
]تفسير سورة يونس من آية 5إلى آية ( : [10هو الذي جعل) شمس الروح
ضياء الوجود وقمر القلب نوره وقدر مسيره في سلوكه ( :منازل) ومقامات
( :لتعلموا عدد) سني مراتبكم وأطواركم في السير إلى الله وفي الله
وحساب درجاتكم ومواقع أقدامكم في كل مقام ومرتبة.
(إن في اختلف) ليل غلبة ظلمة النفس على القلب ونهار إشراق ضوء
الروح عليه وما خلق الله في سموات الرواح وأرض الجساد ( :ليات لقوم
يتقون) حجب صفات النفس المارة وبلغوا إلى رتبة النفس اللوامة
فتعرفوا تلك اليات( : .دعواهم فيها) أي :دعاؤهم الستعدادي في الجنات
الثلث التي يهديهم الله إليها بحسب نور إيمانهم ( :سبحانك) أي :تنزيهه
في الولى عن الشرك في الفعال بالبراءة عن حولهم وقوتهم ،وفي
الثانية :عن الشرك في الصفات بالنسلخ عن صفاتهم ،وفي الثالثة عن
الشرك في الوجود بفنائهم ( :وتحيتهم فيها) أي :تحية بعضهم لبعض في
كل مرتبة منها إفاضة أنوار التزكية وإمداد التصفية من بعضهم على بعض،
أو تحية الله لهم فيها إشراقات التجليات وإمداد التجريد وإزالة الفات من
الحق تعالى عليهم ( :وآخر دعواهم) أي :آخر ما يقتضي استعداداتهم
وسؤال الله تعالى بالطلب والستفاضة قيامهم بالله في ظهور كمالته
وصفات جلله وجماله عليهم الذي هو الحمد الحقيقي منه وله وتخصيص
ذلك الحمد به مجمل ً ثم مفصل ً أول ً باعتبار هويته المطلقة ،ثم باعتبار
ربوبيته للعالمين] .تفسير سورة يونس من آية 11إلى آية ( : [18ولو يعجل
الله للناس الشر) إلى آخره ،لما كانت الستعدادات مفطورة على الخير
الضافي الصوري أو المعنوي بحسب درجاتها في الزل كان كل دعاء منها
وطلب للخير بتهيئة قابليتها وتصفيتها وشوقها إليه يوجب حصول ذلك له
عاجل ً وفيضانه عليه من المبدأ الفياض الذي هو منبع الخيرات والبركات
كقوله تعالى ( : :وآتاكم من كل ما سألتموه) ]إبراهيم ،الية [34 :وكلما
فاض عليه خير باستحقاقه له لوجود تصفية وتزكية زاد استعداده بانضمام
هذا الخير إليه ،فصار أقوى وأقبل من الول فيكون المبدأ تعالى أسرع
إجابة له وأكثر إفاضة عليه وعلى هذا يزداد الستعداد فيزداد الفيض حتى
يبلغ مداه وهو معنى تضاعف الحسنات .ومعنى قوله ( : :من جاء بالحسنة
فله خير منها) ]القصص ،الية .[84 :وأما الشرور فليست إل حجب
الستعداد وموانع القبول وحواجز الفيض ،فلما حصلت ما وقع بسببها إل
عدم القبول للخيرات فمنعت فيضانها وبقي الستعداد في حجاب ما حصل
منها ليس إل ،وإن اقتضى بحسب المناسبة فيضان الشر فليس في فيض
المبدأ ما يجانسه فل يفيض عليه شيء من جنسه ،وهذا معنى قوله
تعالى ( : :ومن جاء بالسيئة فل يجزى إل مثلها) ]النعام ،الية [160 :اللهم
إل إذا أفرط وتجاوز حد الرحمة وأزال الستعداد بالكلية فناسب الشيطنة
واستمد من عالمها ،كما قال تعالى ( : :هل أنبئكم على من تنزل الشياطين
) (221تنزل على كل أفاك أثيم )] )(222الشعراء ،اليات ( : ،[222 - 221 :
لقضي إليهم) لقطع مدى استعدادهم فانقطع مدد الحياة الحقيقية عنهم
ومدد الخير عن استعدادهم بالكلية وأزيل إمكان التصفية منه لقتضائه
الشر ،فلم يصل إليهم بعد ذلك خير صوري ول معنوي ولكن يمهلهم ما بقي
فيهم أدنى مسكة من استعدادهم وإمكان قبول لدنى خير( : .فنذر الذين ل
يرجون لقاءنا) من جملتهم ،أي :ل يرفعون رأسا ً من انهماكهم في الشرور
ول يتوقعون نورا ً من أنوارنا ول يتنبهون قط من غفلتهم بالرجوع إلينا
وطلب رحمتنا ( :في طغيانهم) وتماديهم في الشرور يتحيرون وينقطع مدد
الخيرات الصورية التي يسألها استعدادهم بلسان حاله عنهم حتى يزول
بانغماسهم وانهماكهم في الطبيعيات نور استعدادهم بالكلية لحصول الرين
ويحق الطمس ،فنكسوا على رؤوسهم إلى أسفل سافلين] .تفسير سورة
يونس من آية 19إلى آية ( : [20وما كان الناس إل أمة واحدة) على
الفطرة التي فطر الله الناس عليها ،متوجهين إلى الوحدة ،متنورين بنور
الهداية الصلية ( :فاختلفوا) بمقتضيات النشأة واختلف المزجة والهوية
والعادات والمخالطات( : .ولول كلمة سبقت من ربك) أي :قضاء سبق في
الزل بتعيين الجال والرزاق وتمادي كل واحد من الشقي والسعيد إلى
حيث قدر له فيما يزاوله ( :لقضي بينهم فيما فيه يختلفون) عاجل ً ولميز
السعيد من الشقي ،والحق من الباطل من أديانهم ومللهم ولكن حكمة الله
اقتضت أن يبلغ كل منهم وجهته التي ولى وجهه إليها بأعماله التي يزاولها
هو وإظهار ما خفي في نفسه] .تفسير سورة يونس من آية 21إلى آية
( : [22وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء) قد مر أن أنواع البلء من
الضراء والبأساء وصنوف اللواء تكسر شرة النفس ،وتلطف القلب بكشف
حجب صفات النفس وترقيق كثافات الطبع ورفع غشاوات الهوى ،فلذا
تنزع قلوبهم بالطبع إلى مبدئها في تلك الحالة لرجوعها إلى مقتضى
فطرتها حينئذ وعودها إلى نوريتها الصلية وقوتها الفطرية وميلها إلى
العروج الذي هو في سنخها لزوال المانع بل الميل إلى الجهة العلوية
والمبادئ النورية مفطور في طباع القوى الملكوتية كلها .حتى النفس
الحيوانية لو تزكت عن الهيئات البدنية الظلمانية فإن التسفل من العوارض
الجسمانية حتى أن البهائم والوحوش إذا اشتدت الحال عليها في أوقات
المحل وأيام الجدب اجتمعت رافعة رؤوسها إلى السماء كأن ملكوتها يشعر
بنزول الفيض من الجهة العلوية فتستمد منها فكذا إذا توافرت على الناس
النعم الظاهرة وتكاملت عليهم المداد الطبيعية والمرادات الجسمانية قويت
النفس من مدد الجهة السفلية واستطالت قواها بالترفع على القلب
وتكاثف الحجاب وغلظ وتسلط الهوى وغلب ،وصارت السلطنة للطبيعة
الجسمانية ،وارتكمت الهيئات البدنية الظلمانية فتشكل القلب بهيئة النفس
وقسا وغلظ وطغى ،وأبطرته النعمة فكفر وعمى ومال إلى الجهة السفلية
لبعده عن الهيئة النورية حينئذ .وبقدر استيلء النفس على القلب يستولي
الوهم على العقل ،فتستولي الشيطنة لكون القوة العاقلة أسيرة في قيد
الوهم مأمورة له يستعملها في مطالبه ويستسعيها في مآربه من تحصيل
لذات النفس وإمدادها من عالم الرجس وتقوية صفاتها بأهب عالم الطبع
وعدد مواد الحظ بالفكر ،فيحتجب القلب بالرين عن قبول صفات الحق
بالكلية ،وذلك معنى قوله ( : :إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع
مكرا) بإخفاء القهر الحقيقي في هذا اللطف الصوري وتعبية عذاب نيران
الحرمان وحيات هيئات الرذائل والعقارب السود ولباس القطران في هذه
الرحمة الظاهرة.
(إن رسلنا يكتبون ما تمكرون) قد علمت أن الملكوت السماوية تنتقش بكل
حادثة تقع في هذا العالم فكل عمل حسن أو قبيح يصدر عن أحد فقد كتب
عليه في تلك اللواح وقد اتصل ملكوت كل بدن بتلك المبادئ الملكوتية
فمتى هممنا بحسنة أو سيئة ارتسمت صورته في ملكوت أبداننا على سبيل
الخاطر أول ً ثم أخذنا في الفكر فيه ،فإن استحكم النقش وانبعثت منه
العزيمة حتى امتثلنا الخاطر الول بالرادة الجازمة انطبع بإقدامنا على
الفعل إل أنه إن كان حسنة انطبع في الحال في جهة القلب التي تلي
الروح ولوح الفؤاد المنور بنوره وكتبته القوة العاقلة العملية التي هي
صاحب اليمين من الملكين الموكلين المشار إليهما بقوله تعالى ( : :عن
اليمين وعن الشمال قعيد) ]ق ،الية [17 :إذ الفؤاد هو الجانب القوى منه
وإن كان سيئة ل ينطبع في الحال لبعد الهيئة الظلمانية من القلب وعدم
مناسبته إياها بالذات ،فإن أدركه التوفيق وتلل عليه نور من أنوار الهداية
الروحانية ندم واستغفر فمحى عنه ،وعفى له ،وإن لم يتداركه بقي متلجلجا ً
حتى أمدته النفس بظلمة صفاتها فاستقر في لوح الصدر الذي هو وجه
القلب الذي يلي النفس المظلم بظلمة النفس الغالبة عليه في صدور هذا
الفعل منه وكتبته القوة المتخيلة التي هي صاحب الشمال إذ هذا الجانب هو
الضعف وهذا هو المراد من قولهم :صاحب الشمال ل يكتب السيئة حتى
تمضي ست ساعات فإن استغفر فيها صاحبها لم تكتب ،وإن أصر كتبته.
ويفهم من هذا التقرير إيتاء الكتاب بيمين المسلم وشمال الكافر ،وأما
صورة اليتاء وكيفيته فقد تجيء في موضعها إن شاء الله تعالى] .تفسير
سورة يونس من آية 23إلى آية ( : [25إنما بغيكم على أنفسكم) إلى آخره،
البغي ضد العدل ،فكما أن العدل فضيلة شاملة لجميع الفضائل وهيئة
وجدانية لها فائضة من نور الوحدة على النفس فالبغي ل يكون إل عن غاية
النهماك في الرذائل بحيث يستلزمها جميعا ً فصاحبها في غاية البعد عن
الحق ونهاية الظلمة كما قال ' :الظلم ظلمات يوم القيامة ' .فلهذا قال : :
(على أنفسكم) ،ل على المظلوم لن المظلوم سعد به وشقى الظالم غاية
الشقاء وهو ليس إل متاع الحياة الدنيا إذ جميع الفراطات والتفريطات
المقابلة للعدالة تمتعات طبيعية ولذات حيوانية تنقضي بانقضاء الحياة
الحسية التي مثلها في سرعة الزوال وقلة البقاء هذا المثل الذي مثل به
من تزين الرض بزخرفها من ماء المطر ثم فسادها ببعض الفات سريعا ً
قبل النتفاع بنباتها ثم تتبعها الشقاوة البدية والعذاب الليم الدائم .وفي
الحديث :أسرع الخير ثوابا ً صلة الرحم ،وأعجل الشر عقابا ً البغي واليمين
الفاجرة ،لن صاحبه تتراكم عليه حقوق الناس فل تحتمل عقوبته المهل
الطويل الذي يحتمله حق الله تعالى .وقد سمعت بعض المشايخ يقول :
قلما يموت الظالم حتف أنفه وقلما يبلغ الفاسق أوان الشيخوخة ،وذلك
لمبارزتهما لله تعالى في هدم النظام المصروف عنايته تعالى إلى ضبطه
ومخالفتهما إياه في حكمته وعدله( : .والله يدعو إلى دار السلم) يدعو
الكل إلى دار سلم العالم الروحاني الذي ل آفة فيه ول نقص ول فقر ول
فناء بل فيه السلمة عن كل عيب والمان من كل خوف ( :ويهدي من
يشاء) من جملتهم من أهل الستعداد ( :إلى صراط) الوحدة] .تفسير سورة
يونس من آية 26إلى آية ( : [27للذين أحسنوا) أي :جاؤوا بما يحسن به
حالهم من خير فعلي أو قولي أو علمي مما هو سبب كمالهم المثوبة ( :
الحسنى) من الكمال الذي يفيض عليهم بسبب ذلك الخير ( :وزيادة) مرتبة
مما كان قبله بالترقي أو زيادة في استعداد قبول الخيرات والكمالت
بانضمام هذا الكمال والنور الفائض عليهم إلى استعدادهم الول على ما
ذكر ( :ول يرهق) وجوه قلوبهم غبار من كدورات صفات النفس وقيام
غلباتها ( :ول ذلة) من ميل قلوبهم إلى الجهة السفلية( : .أولئك أصحاب
الجنة) التي يقتضيها حالهم وارتقاؤهم من الجنان المذكورة ( :هم فيها
خالدون) ( :والذين كسبوا) أجناس ( :السيئات) من أعمال وأقوال وعقائد
تحجب استعدادهم عن قبول الكمال ( :جزاء سيئة بمثلها) من الهيئة التي
ارتكبت على قلوبهم من سيئاتهم فمنعتها الصفاء والنور ( :وترهقهم
ذلة) الميل إلى الجهة السفلية ( :ما لهم من الله من عاصم) يعصمهم من
تلك الذلة والخذلن لوجود الحجاب وعدم قبول هذه العصمة لثبوت الكدورة :
(كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل) لفرط ارتكاب الهيئة المظلمة من
الميول الطبيعية والعمال الردية عليها( : .أولئك أصحاب النار) التي
يقتضيها حالهم في التسفل من نيران الثار والفعال.
(ويوم نحشرهم جميعا) في المجمع الكبر عين جمع الوجود المطلق ( :ثم
نقول للذين أشركوا) منهم أي :المحجوبين الواقفين مع الغير بالمحبة
والطاعة ( :مكانكم) أي :الزموا مكانكم ( :أنتم وشركاؤكم) ومعناه :وقفوا
مع ما وقفوا معه في الموقف مع قطع الوصل والسباب التي هي سبب
محبتهم وعبادتهم وتبرء المعبود من العابد لنقطاع اللت البدنية والغراض
الطبيعية التي توجب تلك الوصل وهو معنى قوله ( : :فزيلنا بينهم) أي :مع
كونهم في الموقف معا ً فرقنا بينهم في الوجهة وذلك عند علو رتبة المعبود
ودنو رتبة العابد وتباين حاليهما إذا كان المعبود شريفا ً كالملئكة والمسيح
وعزير وأمثالهم ممن له السابقة عند الله كما قال تعالى ( : :إن الذين
سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ] )101النبياء ،الية :
( : .[101وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) بل تعبدون الشيطان
بطاعتكم إياه وما اخترعتموه في أوهامكم من أباطيل فاسدة وأماني كاذبة.
( :فكفى بالله شهيدا) إلى آخره ،أي :الله يعلم أنا ما أمرناكم بذلك وما
أردنا عبادتكم إيانا ( :هنالك) أي :عند ذلك الموقف تختبر وتذوق ( :كل
نفس ما أسلفت) في الدنيا ( :وردوا إلى الله) في موقف الجزاء بالنقطاع
عن اللهة وانفرادهم عنها ( :مولهم الحق) المتولي جزاءهم بالعدل
والقسط ( :وضل عنهم ما كانوا يفترون) من اختراعاتهم وأصول دينهم
ومذهبهم وتوهماتهم الكاذبة وأمانيهم الباطلة( .وما كان هذا
القرآن) اختلقا ً ( :من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه) من اللوح
المحفوظ ( :وتفصيل الكتاب) الذي هو الم له كقوله تعالى ( : :وإنه في أم
الكتاب لدينا لعلي حكيم )] )(4الزخرف ،الية [4 :أي :كيف يكون مختلقا ً
وقد أثبت قبله في كتابين من علم مفصل ً كما هو في اللوح المحفوظ
ومجمل ً في أم الكتاب الذي هذا تفصيله( : .بل كذبوا بما لم يحيطوا
بعلمه) أي :لما جهلوا كيفية ثبوته في علم الله ونزوله على سيدنا محمد
عليه eوقصر علمهم عن ذلك كذبوا به ( :ولما يأتهم تأويله) أي :ظهور ما
أشار إليه في مواعيده وأمثاله مما يؤول أمره وعلمه إليه فل يمكنهم
التكذيب لنه إذا ظهرت حقائقه ل يمكن لحد تكذيبه ،مثل ذلك التكذيب
العظيم ( :كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان) عاقبتهم لما ظلموا
بالتكذيب ( :ومنهم من يؤمن به) أي :سيؤمن به لرقة حجابه ( :ومنهم من
ل يؤمن به) أبدا ً لغلظ حجابه ( :ومنهم من يستمعون إليك) ولكن ل يفهمون
إما لعدم الستعداد في الصل وإما لرسوخ الهيئات المظلمة الحاجبة لنور
الستعداد فيهم وإما لجتماع المرين كالصم الذي ل عقل له فل يسمع ول
يتفطن للشارة ،فكيف يمكن إفهامه] .تفسير سورة يونس من آية 43إلى
آية ( : [46ومنهم من ينظر إليك) ولكن ل يبصر الحق ول حقيقتك لحد
المرين المذكورين أو كليهما كالعمى الذي انضم إلى فقدان بصره فقدان
البصيرة فل يبصر ول يستبصر فكيف تمكن هدايته( : .إن الله ل يظلم الناس
شيئا) لما ذكر الصمم والعمى اللذين يدلن على عدم استعداد الدراك أشعر
الكلم بوقوع الظلم لوجود الستعداد لبعض وعدمه لبعض فسلب الظلم عن
نفسه لن عدم الستعداد في الصل ليس ظلما ً لعدم إمكان ما هو أجود منه
بالنسبة إلى خصوصية ذلك وهويته فكان عينه مقتضيا ً له في رتبة من
مراتب المكان كما ل يمكن للحمار مع حماريته استعداد الدراك النساني
وكان عينه مستدعيا ً لما هو عليه من الستعداد الحماري ول يطلب منه وراء
ما في استعداده فل ظلم هذا إذا لم يكن في الصل وأما إذا بطل برسوخ
الهيئات المظلمة فل كلم فيه وكلهما ظالم لنفسه .أما الول فلقصوره
في درجات المكان ونقصانه بالضافة إلى ما فوقه كقصور الحمار مثل ً عن
النسان ونقصانه بالضافة إليه ل في نفسه فإنه في حد نفسه ليس بقاصر
ول ناقص .وأما الثاني فظاهر وعلى هذا معنى ( :أنفسهم
يظلمون) ينقصون حظها ،أو إن الله ل يظلم الناس شيئا ً بأن يطلب منهم
ما ليس في استعدادهم فيعاقبهم على ذلك ولكن الناس أنفسهم يظلمون
فيستعملون استعداداتهم فيما لم تخلق لجله( : .ويوم يحشرهم كأن لم
يلبثوا إل ساعة من النهار) لعدم إحساسهم بالحركة المستلزم لذهولهم عن
الزمان إذ الذاهل عن الحركة ذاهل عن الزمان ،فسواء عندهم الساعة
الواحدة والدهور المتطاولة ( :يتعارفون بينهم) بحكم سابقة الصحبة وداعية
الهوى اللزمة للجنسية الصلية بدل ً التشاؤم .ثم إن بقيت الجنسية الصلية
والمناسبة الفطرية لتحادهم في الوجهة واتفاقهم في المقصد بقي
التعارف بينهم ،وإن لم يبق بسبب اختلف الهواء وتباين الراء وتفاوت
الهيئات المستفادة من لواحق النشأة وعوارض المادة انقلب إلى التناكر ( :
قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) لوقوعهم في وحشة التناكر حينئذ
واحتجابهم بحجب عاداتهم الفاسقة وهيئات اعتقاداتهم الفاسدة ( :وما
كانوا مهتدين) وبطل نور استعدادهم فل يهتدون إلى الله ول إلى التعارف
فخسئوا مبغوضين مطرودين ل يألفون أنيسا ً ول يؤون أليفًا( .ولكل أمة
رسول) يجانسهم في الحوال النفسانية ليمكن بينهم اللفة الموجبة
للستفادة منه ويمكنه النزول إلى مبالغ عقولهم ومراتب فهومهم فيزكيهم
بما يصلح أحوالهم ويكشف حجبهم ويعلمهم بما يوجب ترقيهم عن
مقاماتهم ويهديهم إلى الله( : ،فإذا جاء رسولهم قضي بينهم) بهداية من
اهتدى منهم وضللة من ضل وسعادة من سعد وشقاوة من شقي لظهور
ذلك بوجوده وطاعة بعضهم إياه لقربه منه وإنكار بعضهم له لبعده عنه ( :
بالقسط) أي :بالعدل الذي هو الغالب على حال النبي لكونه ظاهر توحيده
وسيرته وطريقته ( :وهم ل يظلمون) بنسبة خلف ما هو حالهم إليهم
ومجازاتهم به أو قضى بينهم بإنجاء من اهتدى به وإثابته وإهلك من ضل
وتعذيبه لظهور أسباب ذلك بوجوده( : .ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم
صادقين) إنكار لحتجابهم عن القيامة وعدم وقوفهم على معناها إذ لو
علموا كيفيته بارتفاع حجبهم بالتجرد عن ملبس النفس صدقوهم في ذلك
وما أنكروا( : .قل ل أملك لنفسي) إلى آخره ،درجهم إلى شهود الفعال
بسلب الملك والتأثير عن نفسه ووجوب وقوع ذلك عنه بمشيئة الله ليعرفوا
آثار القيامة ،ثم لوح إلى أن القيامة الصغرى هي بانقضاء آجالهم المقدرة
عند الله بقوله ( : :لكل أمة أجل) إلى آخره] .تفسير سورة يونس من آية
57إلى آية ( : [64يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة) أي :تزكية لنفوسكم
بالوعد والوعيد والنذار والبشارة والزجر عن الذنوب المورطة في العقاب
والتحريض على العمال الموجبة للثواب لتعملوا على الخوف والرجاء ( :
وشفاء لما في الصدور) أي :القلوب من أمراضها كالشك والنفاق والغل
والغش وأمثال ذلك بتعليم الحقائق والحكم الموجبة لليقين وتصفيتها
لقبول المعارف والتنور بنور التوحيد ،والتهيئ لتجليات الصفات ( :
وهدى) لرواحكم إلى الشهود الذاتي ( :ورحمة) بإفاضة الكمالت اللئقة
بكل مقام من المقامات الثلث بعد حصول الستعداد في مقام النفس
بالموعظة ومقام القلب بالتصفية ومقام الروح بالهداية ( :
للمؤمنين) بالتصديق أول ً ثم باليقين ثانيا ً ثم بالعيان ثالثًا( : .قل بفضل
الله) أي :بتوفيقه للقبول في المقامات الثلثة ( :وبرحمته) بالمواهب
الخلقية والعلمية والكشفية في المراتب الثلث فليعتنوا وإن كانوا
يفرحون ( :فبذلك فليفرحوا) ل بالمور الفانية القليلة المقدار ،الدنيئة
القدر والوقع ( :هو خير مما يجمعون) من الخسائس الفاسدة والمحقرات
الزائلة من جملة الحطام إن كانوا أصحاب دراية وفطنة وأرباب قدر وهمة: .
(قل أرأيتم ما أنزل الله) إلى آخره ،أي :أخبروني ما أنزل الله من رزق
معنوي كالحقائق والمعارف والحوال والمواهب وكالداب والشرائع
والمواعظ والنصائح ( :فجعلتم) بعضه ( :حراما) كالقسم الول ( :و) بعضه :
(حلل) كالقسم الثاني ( :قل لله أذن لكم) في الحكم بالتحريم والتحليل ( :
أم على الله تفترون وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم
القيامة) الوسطى بتجرد القلب عن ملبس النفس وحصول اليقين أو يوم
القيامة الكبرى بالتوحيد الذاتي وظهور العيان ،أي :ل يبقى ظنهم وليس
شيئا ً حينئذ أو يوم القيامة الصغرى بالموت وحصول الحرمان أي :يكون
ظنهم وبال ً وعذابا ً حينئذ ( :إن الله لذو فضل على الناس) بصنفي العلمين
وإفاضتهما وتوفيق القبول لهما وتهيئة الستعداد لقبولهما ( :ولكن أكثرهم
ل يشكرون) نعمته فيستعملون ما وهب لهم من الستعداد والعلوم في
تحصيل المنافع الجزئية والمطالب الحسية ويكفرون نعمته فيمنعون عن
الزيادة( : .أل إن أولياء الله) المستغرقين في عين الهوية الحدية بفناء
النية ( :ل خوف عليهم) إذ لم يبق منهم بقية خافوا بسببها من حرمان ول
غاية وراء ما بلغوا فيخافوا من حجبه ( :ول هم يحزنون) لمتناع فوات شيء
من الكمالت واللذات منهم ،فيحزنوا عليه .وعن سعيد بن جبير : tإن
رسول الله eسئل من هم ؟ فقال ' :هم الذين يذكروا الله برؤيتهم ' .وهذا
رمز لطيف منه .eوعن عمر : tسمعت رسول الله eيقول ' :إن من عباد
الله عبادا ً ما هم بأنبياء ول شهداء يغبطهم النبياء والشهداء يوم القيامة
لمكانهم من الله ' ،قالوا :يا رسول الله ،أخبرنا من هم وما أعمالهم ؟
فلعلنا نحبهم .قال ' :هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ول
أموال يتعاطونها ،فوالله إن وجوجههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور ،ل
يخافون إذا خاف الناس ول يحزنون إذا حزن الناس ' ثم قرأ الية .قوله :
وإنهم لعلى منابر من نور ،يريد به اتصالهم بالمبادئ العالية الروحانية
كالعقل الول وما يليه( : .الذين آمنوا وكانوا يتقون) إن جعل صفة لولياء
الله فمعناه الذين آمنوا باليمان الحقي وكانوا يتقون بقاياهم وظهور
تلويناتهم( : .لهم البشرى في الحياة الدنيا) بوجود الستقامة في العمال
والخلق المبشرة بجنة النفوس ( :وفي الخرة) بظهور أنوار الصفات
والحقائق الروحانية والمعارف الحقانية عليهم المبشرة بجنة القلوب
وحصول الذوق بهما واللذة ( :ل تبديل لكلمات الله) لحقائقه الواردة عليهم
وأسمائه المنكشفة لهم وأحكام تجلياته النازلة بهم ،وإن جعل كلما ً برأسه
مبتدأ فمعناه الذين آمنوا اليمان اليقيني وكانوا يتقون حجب صفات النفس
وموانع الكشف من التشكيكات الوهمية والوساوس الشيطانية ( :لهم
البشرى في الحياة الدنيا) بوجدان لذة برد اليقين في النفس واطمئنانها
بنزول السكينة وفي الخرة بوجدان ذوق تجليات الصفات وأثر أنوار
المكاشفات ل تبديل لكلمات الله من علومهم اللدنية وحكمهم اليقينية أو
فطرتهم التي فطرهم الله عليها فإن كل نفس كلمة( .ول يحزنك
قولهم) أي :ل تتأثر به فإنه مراء وشاهد عزة الله وقهره لتنظر إليهم بنظر
الفناء وترى أعمالهم وأقوالهم وما يهددونك به كالهباء فمن شاهد قوة الله
وعزته يرى كل القوة والعزة ل قوة لحد ول حول( : .هو السميع) لقوالهم
فيك فيجازيهم ( :العليم) لما ينبغي أن يفعل بهم ثم بين ضعفهم وعجزهم
وامتناع غلبتهم عليه بقوله ( : :أل إن لله من في السماوات ومن في
الرض) كلهم تحت ملكته وتصرفه وقهره ل يقدرون على شيء بغير إذنه
ومشيئته وإقداره إياهم ( :وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء) وأي
شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ،أي :إذا كان الكل تحت قهره
وملكته فما يتبعون من دون الله ليس بشيء ول تأثير له ول قوة ( :إن
يتبعون إل) ما يتوهمونه في ظنهم ويتخيلونه في خيالهم وما هم إل
يقدرون وجود شيء ل وجود له في الحقيقة( : .هو الذي جعل لكم) ليل
الجسم ( :لتسكنوا فيه) ونهار الروح لتبصروا به حقائق الشياء وما تهتدون
به إليه ( :إن في ذلك ليات لقوم يسمعون) كلم الله به ،فيفهمون بواطنه
وحدوده ويطلعون به على صفاته وأسمائه فيشاهدونه موصوفا ً ومتسما ً
بها( : .قالوا اتخذ الله ولدا) أي :معلول ً يجانسه ( :سبحانه) أنزهه عن
مجانسة شيء ( :هو الغني) الذي وجوده بذاته وبه وجود كل شيء ،فكيف
يماثله شيء ،ومن له الوجود كله فكيف يجانسه شيء( : .واتل عليهم نبأ
نوح) في صحة توكله على الله ونظره إلى قومه وإلى شركائهم بعين الفناء
وعدم مبالته بهم وبمكايدهم ليعتبروا به حالك ،فإن النبياء كلهم في ملة
التوحيد والقيام بالله وعدم اللتفات إلى الخلق سواء( : .وقال موسى يا
قوم إن كنتم آمنتم) أي :إيمانا ً يقينيا ً ( :فعليه توكلوا) جعل التوكل من
لوازم السلم وهو إسلم الوجه لله تعالى ،ولم يجعل السلم من لوازم
اليمان أي :إن كمل إيمانكم ويقينكم بحيث أثر في نفوسكم وجعلها
خالصة لله فانية فيه لزم التوكل عليه فإن أول مرتبة الفناء هو فناء
الفعال ثم الصفات ثم الوجود فإن تم الفناء لزم التوكل الذي هو فناء
الفعال وإن أريد السلم بمعنى النقياد كان شرطا ً في التوكل ل ملزوما ً
له وحينئذ يكون معناه :إن صح إيمانكم يقينا ً فعليه توكلوا بشرط أن ل
يكون لكم فعل ول تروا لنفسكم ول لغيركم قوة وتأثيرا ً بل تكونوا منقادين
كالميت فإن شرط صحة التوكل فناء بقايا الفعال والقوى كما تقول :إن
كرهت هذا الشجر فاقلعه إن قدرت ،والباقي إلى آخر السورة بعضه ل يقبل
التأويل وبعضه معلوم مما مر.
)سورة هود(
)بسم الله الرحمن الرحيم(
]تفسير سورة هود من آية 1إلى آية ( : [6الر كتاب) مر ذكره ( :أحكمت
آياته) أي :أعيانه وحقائقه في العالم الكلي بأن أثبتت دائمة على حالها ل
تتبدل ول تتغير ول تفسد محفوظة عن كل نقص وآفة ( :ثم فصلت) في
العالم الجزئي وجعلت مبينة في الظاهر معينة بقدر معلوم ( :من لدن
حكيم) أي :أحكامها وتفصيلها من لدن حكيم بناها على علم وحكمة ل يمكن
أحسن منها وأشد أحكاما ً ( :خبير) بتفاصيلها على ما ينبغي في النظام
الحكمي في تقديرها وتوقيتها وترتيبها( : .أل تعبدوا إل الله) أي :ينطق
عليكم بلسان الحال والدللة أن ل تشركوا بالله في عبادته وخصوصه
بالعبادة ( :إنني لكم منه نذير وبشير) كلم على لسان الرسول ،أي :إنني
أنذركم من الحكيم الخبير عقاب الشرك وتبعته وأبشركم منه بثواب التوحيد
وفائدته( : .وأن استغفروا ربكم) أي :وحدوه واطلبوا منه أن يغفر هيئات
النظر إلى الغير والحتجاب بالكثرة والتقيد بالشياء والوقوف معها حتى
أفعالكم وصفاتكم ( :ثم توبوا إليه) ارجعوا إليه بالفناء فيه ذاتا ً ( :
يمتعكم) في الدنيا تمتيعا ً ( :حسنا) على وفق الشريعة والعدالة حالة البقاء
بعد الفناء إلى وقت وفاتكم ( :ويؤت كل ذي فضل) في الخلق والعلوم
والكمالت ( :فضله) في الثواب والدرجات أو يمتعكم بلذات تجليات الفعال
والصفات عند تجردكم إلى وقت فنائكم أو ( :ويؤت كل ذي فضل) في
الستعداد فضله في الكمال والمرتبة عند الترقي والتدلي ( :وإن
تولوا) أي :تعرضوا عن التوحيد والتجريد فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير
شاق عليكم وهو يوم الرجوع إلى الله القادر على كل شيء أي يوم ظهور
عجزكم وعجز ما تعبدون بظهوره تعالى في صفة قادريته فيقهركم بالعذاب
تفسير سورة هود من آية إلى آية وهو الذي خلق السماوات والرض في
ستة أيام أي خلق العالم الجسماني في ست جهات وكان عرشه على الماء
أي عرشه الذي هو العقل الول مبتنيا على العلم الول مستندا إليه مقدما
بالوجود على عالم الجسام وإن أولنا اليام الستة بمدة الخفاء كما مر
وخلق السموات والرض باختفائه تعالى بتفاصيل الموجودات فمعنى كون
عرشه على الماء كونه قبل بداية الختفاء ظاهرا معلوما للناس كقولك
فعلته على علم أي في حال كونه معلوما لي أو كوني عالما به أي على
المعلومية كما قال حارثة حين سأله رسول الله eكيف أصبحت يا حارثة قال
أصبحت مؤمنا حقا قال eلكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك قال رأيت أهل
الجنة يتزاورون ورأيت أهل النار يتعاوون ورأيت عرش ربي بارزا قال e
أصبت فالزم وقد عبر في الشرع عن المادة الهيولنية بالماء في مواضع
كثيرة منها ما ورد في الحديث إن الله خلق أول ما خلق جوهرة فنظر إليها
بعين الجلل فذابت حياء نصفها ماء ونصفها نار فإن أولناه بها فمعناه وكان
عرشه قبل السموات والرض بالذات ل بالزمان مستعليا على المادة فوقها
بالرتبة وإن شئت التطبيق على تفاصيل وجودك فمعناه خلق سموات القوى
الروحانية وأرض الجسد في الشهر الستة التي هي أقل مدة الحمل وكان
عرشه الذي هو قلب المؤمن على ماء مادة الجسد مستوليا عليه متعلقا به
تعلق التصوير والتدبير ليبلوكم أيكم أحسن عمل جعل غاية خلق الشياء
ظهور أعمال الناس أي خلقناهم لنعلم العلم التفصيلي التابع للوجود الذي
يترتب عليه الجزاء أيكم أحسن عمل فإن علم الله قسمان قسم يتقدم
وجود الشيء في اللوح وقسم يتأخر وجوده في مظاهر الخلق والبلء الذي
هو الختبار هو هذا القسم
(ولئن أذقنا النسان منا رحمة) إلى آخره ،ينبغي للنسان أن يكون في
الفقر والغنى والشدة والرخاء والمرض والصحة واثقا ً بالله متوكل ً عليه ل
يحتجب عنه بوجود نعمة ول بسعيه وتصرفه في الكسب ول بقوته وقدرته
في الطلب ول بسائر السباب والوسائط لئل يحصل اليأس عند فقدان تلك
السباب والكفران والبطر والشر عند وجودها فيبعد بها عن الله تعالى
وينساه فينساه الله بل يرى العطاء والمنع منه دون غيره ،فإن أتاه رحمة
من صحة أو نعمة شكره أول ً برؤية ذلك منه وشهود المنعم في صورة
النعمة ،وذلك بالقلب ثم بالجوارح باستعمالها في مراضيه وطاعته والقيام
بحقوقه تعالى فيها ثم باللسان بالحمد والثناء متيقنا ً بأنه القادر على
سلبها ،محافظا ً عليها بشكرها مستزيدا ً إياها اعتمادا ً على قوله تعالى ( : :
لئن شكرتم لزيدنكم) ]إبراهيم ،الية .[7 :قال أمير المؤمنين ' : uإذا
وصلت إليكم أطراف النعم فل تنفروا أقصاها بقلة الشكر ' ،ثم إن نزعها
منه فليصبر ول يتأسف عليها عالما ً بأنه هو الذي نزع دون غيره لمصلحة
تعود إليه .فإن الرب تعالى كالوالد المشفق في تربيته إياه ،بل أرأف
وأرحم ،فإن الوالد محجوب عما يعلمه تعالى إذ ل يرى إل عاجل مصالحه
وظاهرها وهو العالم بالغيب والشهادة فيعلم ما فيه صلحه عاجل ً وآجل ً
راضيا ً بفعله راجيا ً إعادة أحسن ما نزع منها إليه إذ القانط من رحمته بعيد
منه ل يستوسع رحمته لضيق وعائه محجوب عن ربوبيته ل يرى عموم فيض
رحمته ودوامه ثم إذا أعادها لم يفرح بوجودها كما لم يحزن بفقدانها ول
يفخر بها على الناس ،فإن ذلك من الجهل وظهور النفس وإل لعلم أن ذلك
ليس منه وله فبأي سبب يسوغ له فخر بما ليس له ومنه بل لله ومن الله.
]تفسير سورة هود من آية 11إلى آية ( : [15إل الذين صبروا) استثناء من
النسان أي هذا النوع يؤوس كفور فرح فخور في الحالين إل الذين صبروا
مع الله واقفين معه في حالة الضراء والنعماء والشدة والرخاء كما قال
عمر : tالفقر والغنى مطيتان ل أبالي أيهما أمتطي( : ،وعملوا) في
الحالين ما فيه صلحهم مما ذكر ( :أولئك لهم مغفرة) من ذنوب ظهور
النفس باليأس والكفران والفرح والفخر في الحالين ( :وأجر كبير) من
ثواب تجليات الفعال والصفات وجنانها ( :فلعلك تارك بعض ما يوحى
إليك) لما لم يقبلوا كلمه eبالرادة وأنكروا قوله بالقتراحات الفاسدة
وقابلوه بالعناد والستهزاء ضاق صدره ولم ينبسط للكلم إذ الرادة تجذب
الكلم وقبول المستمع يزيد نشاط المتكلم ويوجب بسطه فيه ،وإذا لم يجد
المتكلم محل ً قابل ً لم يتسهل له وبقي كربا ً عنده فشجعه الله تعالى بذلك،
وهيج قوته ونشاطه بقوله ( : :إنما أنت نذير) فل يخلو إنذارك من إحدى
الفائدتين إما رفع الحجاب بأن ينجع فيمن وفقه الله تعالى لذلك ،وإما إلزام
الحجة لمن لم يوفق لذلك ( :والله على كل شيء وكيل) فكل الهداية إليه: .
(من كان يريد الحياة الدنيا) أي :كل من يعمل عمل ً وإن كان من أعمال
الخرة في الظاهر بنية الدنيا ل يريد به إل حظا ً من حظوظها يوفيه الله
تعالى أجره فيها ول يصل إليه من ثواب الخرة شيء ،فإن لكل أحد نصيبا ً
من الدنيا بمقتضى نشأته التي هو عليها ونصيبا ً من الخرة بمقتضى فطرته
التي فطر عليها ،فإذا لم يرد بعمله إل الدنيا فقد أقبل بوجهه إليها وأعرض
عن الخرة وجعل النصيب الدنيوي بانجذابه وتوجهه إلى الجهة السفلية
حجاب النصيب الخروي حتى انتكست فطرته وتبعت النشأة واستخدمت
نفسه القلب في طلب حظوظها فصار نصيبه من الخرة منضما ً إلى
النصيب الدنيوي ( :وهم فيها) ل ينقصون أي :ل ينقص من ثواب أعمالهم
في الدنيا شيء لنه لما تشكل القلب بهيئة النفس تمثل حظه بصورة حظ
النفس( .أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل النار) لتعذب قلوبهم بالحجب
الدنيوية وحرمانها عن مقتضى استعدادها وتألمها بما ل يلئمها من
مكسوباتها ( :وحبط ما صنعوا) من أعمال البر في الخرة لكونها بنية الدنيا
لقوله ' : eالعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ' إلى آخر الحديث( : .أفمن
كان على بينة من ربه) أي :أمن كان يريد الحياة الدنيا فمن كان على بينة
من ربه يعني بعد ما بينهما في المرتبة بعدا ً عظيما ً من كان على بينة أي :
يقين برهاني عقلي أو وجداني كشفي ويتبع ذلك اليقين ( :شاهد) من ربه
أي :القرآن المصدق للبرهان العقلي في التوحيد وصحة النبوة وأصول
الدين ،ومن قبل هذا القرآن ( :كتاب موسى) أي :يتبع البرهان من قبل
هذا الكتاب كتاب موسى في حال كونه ( :إماما) يؤتم به وقدوة يتمسك بها
في تحقيق المطالب ورحمة رحيمية تهدي الناس وتزكيهم وتعلمهم الحكم
والشرائع ( :أولئك يؤمنون به) بالحقيقة دون الطالبين لحظوظ الدنيا( : .
ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) بإثبات وجود غيره وإسناد صفته من
الكلم ونحوه إلى الغير ( :أولئك يعرضون على ربهم) بالوقف في الموقف
الول محجوبين مخذولين ( :ويقول الشهاد) الموحدون ( :هؤلء الذين
كذبوا على ربهم) بالشرك ثم طردوا ولعنوا بسبب شركهم الذي هو أعظم
الظلم ( :الذين يصدون) الناس عن سبيل التوحيد ويصفونها بالعوجاج مع
استقامتها وهم مع احتجابهم عن الحق محجوبون عن الخرة دون غيرهم
من أهل الديان] .تفسير سورة هود من آية 23إلى آية ( : [28إن الذين
آمنوا) اليمان اليقيني الغيبي ( :وعملوا) العمال التي تصلحهم للقاء الله
وتقربهم إليه من التوبة والزهد الحقيقي والنابة والعبادة والصبر والشكر
وما يناسبها من أعمال أهل السلوك ومقاماتهم ( :وأخبتوا إلى
ربهم) وتذللوا واطمأنوا إليه بالشوق وانقطعوا إليه متفانين فيه ( :أولئك
أصحاب) جنة القلوب ( :هم فيها خالدون(( .فقال المل الذين كفروا من
قومه) أي :الشراق المليئون بأمور الدنيا ،القادرون عليها ،الذين حجبوا
بعقلهم ومعقولهم عن الحق( : .ما نراك إل بشرا مثلنا) لكونهم ظاهريين
واقفين على حد العقل المشوب بالوهم المتحير بالهوى الذي هو عقل
المعاش ل يرون لحد طورا ً وراء ما بلغوا إليه من العقل غير مطلعين على
مراتب الستعدادات والكمالت طورا ً بعد طور ورتبة فوق رتبة إلى ما ل
يعلمه إل الله ،فلم يشعروا بمقام النبوة ومعناها ( :وما نراك اتبعك إل
الذين هم أراذلنا) فقراؤنا الدنون منًا ،إذ المرتبة والرفعة عندهم بالمال
والجاه ليس إل كما قال تعالى ( : :يعلمون ظاهرا ً من الحياة الدنيا وهم عن
الخرة هم غافلون ] )7الروم ،الية ( : .[7 :بادي الرأي) أي :بديهة الرأي
وأوله لنهم ضعاف العقول ،عاجزون عن كسب المعاش ،ونحن أصحاب فكر
ونظر قالوا ذلك لحتجابهم بعقلهم القاصر عن إدراك الحقيقة والفضيلة
المعنوية لقصر تصرفه على كسب المعاش والوقوف على حدة .وأما أتباع
نوح uفإنهم أصحاب همم بعيدة وعقول حائمة حول القدس غير متصرفة
في المعاش ول ملتفتة إلى وجوه كسبه وتحصيله ،فلذلك استنزلوا عقولهم
واستحقروها ( :وما نرى لكم علينا من فضل) وتقدم فيما نحن بصدده لكون
الفضل عندهم محصورا ً في التقدم بالغنى والمال والجاه ( :بل نظنكم
كاذبين) لعدم إدراك ما تثبتون وفهم ما تقولون مع وفور كياستنا ( :أرأيتم
إن كنت على بينة من ربي) يجب عليكم من طريق العقل الذعان له ( :
وآتاني رحمة) أي :هداية خاصة كشفية متعالية عن درجة البرهان ( :من
عنده) أي :فوق طور العقل من العلوم اللدنية ومقام النبوة ( :فعميت
عليكم) لحتجابكم بالظاهر عن الباطن وبالخليقة عن الحقيقة ول يمكن
تلقيها إل بالرادة لهل الستعداد فكيف نلزمكموها ونجبركم عليها ( :وأنتم
لها كارهون) أي :إن شئتم تلقيها فزكوا نفوسكم وصفوا استعدادكم إن
وهب لكم واتركوا إنكاركم حتى يظهر عليكم أثر نور الرادة فتقبلوها إن
ل) أي :الغرض عندكم من كل أمر محصور شاء الله( .ول أسألكم عليه ما ً
في حصول المعاش وأنا ل أطلب ذلك منكم فتنبهوا لغرضي وأنتم عقلء
بزعمكم ( :وما أنا بطارد الذين آمنوا) لنهم أهل القربة والمنزلة عند الله
فإن طردتهم كنت عدو الله مناويا ً لوليائه لست بنبي حينئذ ( :ولكني أراكم
قوما تجهلون) ما يصلح به المرء للقاء الله ول تعرفون الله ول لقاءه لذهاب
عقولكم في الدنيا أو تسفهون تؤذون المؤمنين بسفهكم( : .ويا قوم من
ينصرني من الله) الذي هو القاهر فوق عباده ( :إن طردتهم) واستوجبت
قهره بطردهم ( :أفل تذكرون) مقتضيات الفطرة النسانية فتنزجرون عما
تقولون ( :ول أقول لكم عندي خزائن الله) أي :أنا أدعي الفضل بالنبوة ل
بالغنى وكثرة المال ول بالطلع على الغيب ول بالملكية حتى تنكروا فضلي
بفقدان ذلك ( :ول أقول) للفقراء المؤمنين الذين تستحقرونهم وتنظرون
إليهم بعين الحقارة ( :لن يؤتيهم الله خيرا) كما تقولون ،إذ الخير عندي ما
عند الله ل المال ( :الله أعلم بما في أنفسهم) من الخير مني ومنكم وهو
أعرف بقدرهم وخطرهم وما يعلم أحد قدر خيرهم لعظمه ( :إني إذا) أي :
إذ نفيت الخير عنهم أو طردتهم ( :لمن الظالمين)] .تفسير سورة هود من
آية 38إلى آية ( : [40ويصنع الفلك) إلى آخره ،تفسيره على ما دل عليه
الظاهر حق يجب اليمان به وصدق ل بد من تصديقه كما جاء في التواريخ
من بيان قصة الطوفان وزمانه وكيفيته وكميته .وأما التأويل فمحتمل بأن
يؤول الفلك بشريعة نوح التي نجا بها هو ومن آمن معه من قومه كما قال
النبي عليه ' : eمثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ،من ركب فيها نجا ومن
تخلف عنها غرق ' .والطوفان باستيلء بحر الهيولى وإهلك من لم يتجرد
عنها بمتابعة نبي وتزكية نفس كما جاء في كلم إدريس النبي uومخاطباته
لنفسه ما معناه :إن هذه الدنيا بحر مملوء ماء فإن اتخذت سفينة تركبها
عند خراب البدن نجوت منها إلى عالمك وإل غرقت فيها وهلكت ،فعلى هذا
يكون معنى ويصنع الفلك يتخذ شريعة من ألواح العمال الصالحة ودسر
العلوم التي تنظم بها العمال وتحكم( : .وكلما مر عليه مل من قومه
سخروا منه) كما ترى من عادة الشطار وذوي الخلعة المشتهرين بالباحة
يستهزئون بالمتشرعين والمتقيدين بقيودها ( :قال إن تسخروا
منا) بجهلكم ( :فإنا نسخر منكم) عند ظهور وخامة عاقبة كفركم واحتجابكم
( :كما تسخرون فسوف تعلمون) عند ذلك ( :من يأتيه عذاب يخزيه) في
الدنيا من هلك وموت أو مرض وضر أو شدة وفقر ،كيف يضطرب ويتحسر
على ما يفوت منه ( :ويحل عليه عذاب مقيم) دائم في الخرة من استيلء
نيران الحرمان وهيئات الرذائل المظلمة والخسران( : .حتى إذا جاء
أمرنا) بإهلك أمتك ( :وفار) تنور البدن باستيلء الخلط الفاسدة
والرطوبات الفضلية على الحرارة الغريزية وقوة طبيعة ماء الهيولى على
نار الروح الحيوانية أو أمرنا بإهلككم المعنوي وفار التنور باستيلء ماء هوى
الطبيعة على القلب وإغراقه في بحر الهيولى الجسماني ( :قلنا احمل فيها
من كل زوجين اثنين) أي :من كل صنفين من نوع اثنين هما صورتاهما
النوعية والصنفية الباقيتان عند فناء الشخاص .ومعنى حملهما فيها :علمه
ببقائهما مع بقاء الرواح النسية ،فإن علمه جزء من سفينته الحاوية للكل
لتركبها من العلم والعمل ،فمعلوميتهما محموليتهما وعالميته بهما حامليته
إياهما فيها ( :وأهلك) ومن يتصل بك في دينك وسيرتك من أقاربك ( :إل
من سبق عليه القول) أي :الحكم بإهلكه في الزل لكفره ( :ومن
آمن) بالله من أمتك] .تفسير سورة هود من آية 41إلى آية ( : [44وقال
اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها) أي :باسم الله العظم الذي هو
وجود كل عارف كامل من أفراد نوع النسان إنفاذها وإجراء أحكامها
وترويجها في بحر العالم الجسماني وإقامتها وأحكامها وإثباتها كما ترى من
إجراء كل شريعة وإنفاذ أمرها وتثبيتها وأحكامها بوجود نبي أو إمام من
أئمتها أو حبر من أحبارها ( :إن ربي لغفور) يغفر هيئات نفوسكم البدنية
المظلمة وذنوب ملبس الطبيعة المهلكة إياكم ،المغرقة في بحرها بمتابعة
الشريعة ( :رحيم) يرحم بإفاضة المواهب العلمية والكشفية والهيئات
النورانية التي ينجيكم بها لول مغفرته ورحمته لغرقتم وهلكتم مثل
إخوانكم( : .وهي تجري بهم في موج) من فتن بحر الطبيعة الجسمانية
واستيلء دواعيها على الناس وغلبة أهوائها باتفاقهم على مقتضياتها
كالجبال الحاجبة للنظر ،المانعة للسير أو موج من انحرافات المزاج وغلبات
الخلط المردية ( :ونادى نوح ابنه) المحجوب بعقله المغلوب بالوهم الذي
هو عقل المعاش عن دين أبيه وتوحيده ( :وكان في معزل) عن دينه
وشريعته ( :يا بني اركب معنا) أي :ادخل في ديننا ( :ول تكن مع الكافرين)
المحجوبين عن الحق ،الهالكين بموج هوى النفس ،المغرقين في بحر الطبع
( :قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) يعني به الدماغ الذي هو محل
العقل ،أي :سأستعصم بالعقل والمعقول ليعصمني من استيلء بحر
الهيولى فل أغرق فيه ( :قال ل عاصم اليوم من أمر الله إل) الذي ( :
رحم) بدين التوحيد والشرع ( :وحال بينهما) موج هوى النفس واستيلء ماء
بحر الطبيعة ،أي :حجبه عن أبيه ودينه وتوحيده ( :فكان من المغرقين) في
بحر الجسمانية( : .وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي) أي :نودي
من جهة الحق على لسان الشرع أرض الطبيعة الجسمانية أي :يا أرض
انقصي بأمر الشريعة وامتثال أحكامها من غلبة هواك واستيلئه بفوران
موادك على القلب ،وقفي على حد العتدال الذي به قوامه ،ويا سماء
العقل المحجوبة بالعادة والحس ،المشوبة بالوهم ،المغيمة بغيم الهوى التي
تمد النفس والطبيعة بتهيئة موادها وأسبابها بالفكر ( :أقلعي) عن
مددها ( :وغيض) ماء قوة الطبيعة الجسمانية ومدد الرطوبة الحاجبة لنور
الحق ،المانعة للحياة الحقيقية ( :وقضي) أمر الله بإنجاء من نجا وإهلك من
هلك ( :واستوت) أي :استقامت شريعته ( :علي) جودي وجود نوح
واستقرت ( :وقيل بعدا) أي :هلكا ً ( :للقوم الظالمين) الذين كذبوا بآيات
الله وعبدوا الهوى مكان الحق ووضعوا طريق الطبيعة مكان الشريعة( .
ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي) حمله شفقة البوة وتعطف
الرحم والقرابة على طلب نجاته لشدة تعلقه به واهتمامه بأمره ،وراعى مع
ذلك أدب الحضرة وحسن السؤال فقال ( : :وإن وعدك الحق) ولم يقل ل
تخلف وعدك بإنجاء أهلي ،وإنما قال ذلك لوجود تلوين وظهور بقية منه إذ
فهم من الهل ذوي القرابة الصورية والرحم الطبيعية وغفل لفرط
التأسف على ابنه عن استثنائه تعالى بقوله ( : :إل من سبق عليه
القول) ]هود ،الية [40 :ولم يتحقق أن ابنه هو الذي سبق عليه القول ول
استعطف ربه بالسترحام وعرض بقوله ( : :وأنت أحكم الحاكمين) إلى أن
العالم العادل والحكيم ل يخلف وعده( : .قال يا نوح إنه ليس من أهلك) أي :
إن أهلك في الحقيقة هو الذي بينك وبينه القرابة الدينية واللحمة المعنوية
والتصال الحقيقي ل الصوري كما قال أمير المؤمنين ' : uأل وإن ولي
محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته ،أل وإن عدو محمد من عصى الله وإن
قربت لحمته '( : ،إنه عمل غير صالح) بين انتفاء كونه من أهله بأنه غير
صالح تنبيها ً على أن أهله هم الصلحاء ،أهل دينه وشريعته وأنه لتماديه في
الفساد والغي كأن نفسه عمل غير صالح .وأن سبب النجاة ليس إل الصلح
ل قرابته منك بحسب الصورة ،فمن ل صلح له ل نجاه له .ولوح إلى أنه
صورة من صور الخطايا صدرت منك كما قيل :إنه سر من أسرار أبيه على
ما قال النبي عليه ' : eالولد سر أبيه ' وذلك أنه لما بالغ في الدعوة وبلغ
الجهد في المدة المتطاولة وما أجابه قومه غضب ودعا عليهم بقوله ( : :
رب ل تذر على الرض ديارا ً ) (26إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ول يلدوا إل
فاجرا ً كفارا ً )] )(27نوح ،اليات ،[27 - 26 :فذهل عن شهود قدرة الله
وحكمته وأنه ( : :يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) ]يونس،
الية [31 :فكانت دعوته تلك ذنب حاله في خطيئة مقامه ،فابتله الله
بالفاجر الكفار الذي زعم حال غضبه أنهم ل يلدون إل مثله وحكم على الله
بظنه فزكاه عن خطيئته بتلك العقوبة .وفي الحديث ' :خلق الكافر من ذنب
المؤمن '( : .فل تسألني ما ليس لك به علم) من إنجاء من ليس بصالح ول
من أهلك ،واعلم أن الصلح هو سبب النجاة دون غيره ،وأن أهلك هو ذو
القرابة المعنوية ل الصورية( : .إني أعظك أن تكون من الجاهلين) الواقفين
مع ظواهر المور ،المحجوبين عن حقائقها ،فتنبه eعند ذلك التأديب اللهي
والعتاب الرباني وتعوذ بقوله ( : :رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به
علم وإل تغفر لي) تلويناتي وظهور بقاياي ( :وترحمني) بالستقامة
والتمكين ( :أكن من الخاسرين) الذين خسروا أنفسهم بالحتجاب عن علمك
وحكمتك ( :قيل يا نوح اهبط) أي :اهبط من محل الجمع وذروة مقام
الولية والستغراق في التوحيد إلى مقام التفصيل وتشريع النبوة بالرجوع
إلى الخلق ومشاهدة الكثرة في عين الوحدة ل مغضبا ً بالحتجاب بهم عن
الحق ول راضيا ً بكفرهم بالحتجاب بالحق عنهم ( :بسلم) أي :سلمة عن
الحتجاب بالكثرة وظهور النفس بالغضب ووجود التلوين وحصول التعلق
بعد التجرد والضلل بعد الهدى ( :منا) أي صادر منا وبنا ( :وبركات) بتقنين
قوانين الشرع وتأسيس قواعد العدل الذي ينمو به كل شيء ويزيد ( :عليك
وعلى أمم) ناشئة ( :ممن معك) وعلى دينك وطريقتك إلى آخر الزمان( : .
وأمم) أي :وينشأ ممن معك أمم ( :سنمتعهم) في الحياة الدنيا لحتجابهم
بها ووقوفهم ( :ثم يمسهم منا عذاب أليم) بإهلكهم بكفرهم وإحراقهم
بنار الثار ،وتعذيبهم بالهيئات ،وإن شئت التطبيق أولت نوحا ً بروحك والفلك
بكمالك العلمي والعملي الذي به نجاتك عند طوفان بحر الهيولى حتى إذا
فار تنور البدن باستيلء الرطوبة الغريبة والخلط الفاسدة وأذن بالخراب،
ركب هو فيها وحمل معه من كل صنفين من وحوش القوى الحيوانية
والطبيعية وطيور القوى الروحانية اثنين ،أي :أصليهما وبنيه الثلثة حام
القلب ،وسام العقل النظري ،ويافث العقل العملي ،وزوجه النفس
المطمئنة وأجراها باسم الله العظم فنجا بالبقاء السرمدي من الهلك
البدي بالطوفان وغرقت زوجه الخرى التي هي الطبيعة الجسمانية وابنه
منها الذي هو الوهم ( :لوي إلى جبل) الدماغ ،وأولت استواءها على
الجودي وهبوطه بمثل نزول عيسى uفي آخر الزمان( .ويا قوم استغفروا
ربكم) من ذنوب حجب صفات النفس والوقوف مع الهوى بالشرك ( :ثم
توبوا إليه) بالتوجه إلى التوحيد والسلوك في طريقه بالتجرد والتنور .يرسل
سماء الروح ( :عليكم مدرارا) بماء العلوم الحقيقية والمعارف اليقينية ( :
ويزدكم) قوة الكمال ( :الي) قوة الستعداد ول تعرضوا عنه ( :
مجرمين) بظهور صفات نفوسكم وتوجهكم إلى الجهة السفلية بمحبة الدنيا
ومتابعة الطبيعة( : .قالوا يا هود ما جئتنا ببينة) لقصور فهمهم وعمى
بصيرتهم عن إدراك البرهان لمكان الغشاوات الطبيعية وإذا لم يدركوه
أنكروه بالضرورة ( :إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إل هو آخذ
بناصيتها) بين وجوب التوكل على الله وكونه حصنا ً حصينا ً أول ً بأن ربوبيته
شاملة لكل أحد ،ومن يرب يدبر أمر المربوب ويحفظه فل حاجة له إلى
كلءة غيره وحفظه .ثم بان كل ذي نفس تحت قهره وسلطانه أسير في يد
تصرفه ومملكته وقدرته عاجز عن الفعل والقوة والتأثير في غيره ل حراك
به بنفسه كالميت فل حاجة إلى الحتراز منه والتحفظ ثم بأنه ( :على
صراط مستقيم) أي :على طريق العدل في عالم الكثرة الذي هو ظل
وحدته فل يسلط أحدا ً على أحد إل عن استحقاق له لذلك بسبب ذنب وجرم
ول يعاقب أحدا ً من غير زلة ولو صغيرة وقد يكون لتزكية ورفع درجة
كالشهادة وفي ضمن ذلك كله نفي القدرة على النفع والضر عنهم وعن
آلهتهم( .ويا قوم هذه ناقة الله) قد مر تأويل الناقة ،وأما إنجاء صالح ومن
معه على التأويل المذكور فكإنجاء عيسى uمن الصلب كما جاء في قوله
تعالى ( : :وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) ]النساء ،الية ،[157 :
وفي قوله ( : :وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه) ]النساء ،اليات - 157 :
.[158وكإنجاء مؤمن آل فرعون على ما أشار إليه بقوله تعالى ( : :فوقاه
الله سيئات ما مكروا) ]غافر ،الية ] .[45 :تفسير سورة هود من آية 69
إلى آية ( : [83ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) إلى آخره ،إن للنفوس
الشريفة النسانية اتصالت بالمبادئ المجردة العالية والرواح المقدسة
الفلكية من النوار القاهرة العقلية والنفوس المدبرة السماوية واختلطات
بالمل العلى من أهل الجبروت وانخراطات في سلك الملكوت .ولكل نفس
بحسب فطرتها مبدأ يناسبها من عالم الجبروت ومدبر يربها من عالم
الملكوت تستمد من الول فيض العلم والنور ،ومن الثاني مدد القوة
والعمل كما أشار إليه قوله ( : :وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد )(21
) ]ق ،الية [21 :ومقر أصلي تأوي إليه من جناب اللهوت إن تجردت ،كما
قال عليه ' : eأرواح الشهداء تأوي إلى قناديل من نور معلقة تحت العرش
' ،وكلما انجذبت إلى الجهة السفلية بالميل إلى اللذات الطبيعية احتجبت
بغشاوتها عن ذلك الجناب وانقطع مددها من تلك الجهة من النوار
الجبروتية والقوى الملكوتية ،فضعفت في الدراكات لحتجابها عن قبول
تلك الشراقات .وفي المنة والقوة لنقطاع مددها من تلك القوة .وكلما
توجهت إلى الجهة العلوية بالتنزه عن الهيئات البدنية ،والتجرد عن الملبس
المادية ،والتقرب إلى الله تعالى ،مبدأ المبادئ ،ونور النوار بالزهد
والعبادة .والتشبث في المبادئ بالنظافة والنزاهة مقرونا ً عمله بالصدق في
النية وإخلص الطوية أمده الله تعالى لمناسبته سكان حضرته من عالمهم
إمداد النور والقوة ،فتعلم ما ل يعلمه غيرها من أبناء جنسها وتقدر على ما
ل يقدر عليه مثلها من بني نوعها ،ويكون لها أوقات تنخرط فيها في سلكها
بالنخلع عن بدنها وأوقات تبعد فيها عنها بما هي ممنوة به من تدبير
جسدها .ففي أوقات اتصالها بها وانخراطها في سلكها قد تتقلى الغيب
منها ،إما كما هو على سبيل الوحي واللهام واللقاء في الروع والعلم
بمطالعة صورة الغيب المنتقشة هي بها منها ،وإما على طريق الهتاف
والنهاء ،وإما على صورة كتابة في صحيفة تطالعه منها وذلك بحسب جهة
قبول لوح حسها المشترك واختصاصه بنوع بعض المحسوسات دون بعض
للحوال السابقة والتفاقات العارضة .وقد يتراءى لها صور منها تناسبها
في الحسن واللطافة فيتجسد لها إما بقوة تخليها وظهورها في حسها
المشترك لستحكام التصال واستقراره ريثما تحاكيها المتخيلة ،وإما
بتمثيلها في متخيلة الكل التي هي السماء الدنيا وانطباعها في متخيلتها
بالنعكاس كما فيها بين المرايا المتقابلة فتخاطبها بصورة الغيب شفاها ً
على ما يرى في المنامات الصادقة من غير فرق ،فإن الرؤيا الصادقة
والوحي كلهما من واد واحد ل تباين بينهما إل بالنوم واليقظة ،فإن صاحب
الوحي يقدر على الغيبة من الحواس وإدراكاتها وعزلها عن أفعالها
وتعطيلها في استعمالها فيتصل بالمجردات العلوية لقوة نفسه وحصول
ملكة التصال لها ،وصاحب الرؤيا الصادقة يقع له ذلك بحكم الطبع وتلك
الرؤيا هي التي ل تحتاج إلى تعبير كما أشار إليه من رؤيا رسول الله eفي
القرآن بقوله ( : :لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام
إن شاء الله إمنين محلقين رءوسكم ومقصرين ل تخافون) ]الفتح ،الية :
[27ولهذا جعل الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة،
وكانت مقدمة وحيه المنامات الصادقة ستة أشهر ثم استحكمت وصارت إلى
اليقظة .وقد تنتقل المتخيلة في الحالتين ،أي :النوم واليقظة ،إلى
اللوازم ،فيقع الحتياج إلى التعبير والتأويل وقد يظهر على تلك النفس
المتدربة بملكة التصال المتمرنة فيها من خوارق العادات وأنواع الكرامات
والمعجزات لوصول المدد من عالم القدرة ما ينكره من ل يعلمه من
المحجوبين بالعادة وأصحاب قسوة القلوب والجفوة والمحجوبين بالعقول
الناقصة المشوبة بالوهم القاصرة عن بلوغ الحد وإدراك الحق ،ويقبله من
تنور قلبه بنور الهداية وعصم عن الضللة والغواية استبصارا ً وإيقانا ً أو
سلمت فطرته عن الحجب المظلمة والغباوة وخلصت عن الجهالة والغشاوة
تقليدا ً وإيمانا ً للين قلبه بالرادة وقوة قبوله للصقالة ،وذلك إما بتأييد نفسه
من عالم الملكوت وتقويها بمبدأ اليد والقوة كما قال علي uعند قلعه باب
خيبر ' :والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية ،ولكن قلعته بقوة ملكوتية
ونفس بنور ربها مضية ' .وإما بصدور ذلك عن تلك النفوس الملكوتية
والمبادئ الجبروتية التي اتصل هو بها لجابة دعوته بإطاعة الملكوت له
بإذن الله تعالى وأمره وتقديره وحكمه وتسخيره .وقد دلت الية على تمثل
الملئكة لخليل الله rوتجسدها على الحالت الثلث :مخاطبتها إياه بالغيب
الذي هو البشرى بوجود الولد ،وإهلك قوم لوط وإنجائه وتأييده بهم في
خرق العادة من ولدة العجوز العقيم من الشيخ الفاني وتأثيرهم في إهلك
قوم لوط وتدميرهم بدعائه والله أعلم بحقائق المور] .تفسير سورة هود
من آية 84إلى آية ( : [95إني أراكم بخير) لما رأى شعيب uضللتهم
بالشرك واحتجابهم عن الحق بالجبت ،وتهالكهم على كسب الحطام بأنواع
الرذائل وتماديهم في الحرص على جمع المال بأسوأ الخصال منعهم عن
ذلك وقال :إني أراكم بخير في استعدادكم من إمكان حصول كمال وقبول
هداية فإني أخاف عليكم إحاطة خطيئاتكم بكم لحتجابكم عن الحق
ووقوفكم مع الغير وصرف أفكاركم بالكلية إلى طلب المعاش وإعراضكم
عن المعاد ،وقصور هممكم على إحراز الفاسدات الفانيات عن تحصيل
الباقيات الصالحات ،وانجذابكم إلى الجهة السفلية عن الجهة العلوية،
واشتغالكم بالخواص البهيمية عن الكمالت النسية ،فلزموا التوحيد
والعدالة واعتزلوا عن الشرك والظلم الذي هو جماع الرذائل وأم الغوائل ( :
ول تعثوا) في إفسادكم أي :ول تبالغوا ول تمادوا في غاية الفساد فإن
الظلم هو الغاية في ذلك كما أن العدل هو الغاية في الصلح وجماع
الفضائل( : .بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) أي :إن كنتم مصدقين
ببقاء شيء فما يبقى لكم عند الله من الكمالت والسعادات الخروية
والمقتنيات العقلية والمكاسب العلمية والعملية خير لكم من تلك المكاسب
الفانية التي تشقون بها وتشقون على أنفسكم في كسبها وتحصيلها ثم
تتركونها بالموت ول يبقى منها معكم شيء إل وبال التبعات والعذاب اللزم
لما في نفوسكم من رواسخ الهيئات .ولما شاهد إنكارهم وعتوهم في
العصيان ،واستهزاءهم بطاعته ،وزهده وتوحيده وتنزهه بقولهم ( : :
أصلتك) إلى آخره( : .قال يا قوم أرأيتم) أي :أخبروني ( :إن كنت
على) برهان يقيني على التوحيد ( :من ربي ورزقني منه رزقا ً حسنا) من
ً
الحكمة العلمية والعملية والكمال والتكميل بالستقامة في التوحيد ،هل
يصح لي أن أترك النهي عن الشرك والظلم والصلح بالتزكية والتحلية ؟.
وحذف جواب :أرأيتم ،لما دل عليه في مثله كما مر في قصة نوح وصالح
عليهما السلم وعلى خصوصيته ههنا من قوله ( : :وما أريد أن
أخالفكم) إلى آخره ،أي :أن أقصد إلى أجر المنافع الدنيوية الفانية بارتكاب
الظلم الذي أنهاكم عنه ( :إن أريد إل) إصلح نفسي ونفوسكم بالتزكية
والتهيئة لقبول الحكمة ما دمت مستطيعا ً وما كوني موفقا ً للصلح ( :إل
بالله عليه توكلت وإليه أنيب)( : .قالوا يا شعيب ما نفقه) إنما لم يفقهوا
لوجود الرين على قلوبهم بما كسبوا من الثام وإنما منعهم خوف رهطه
من رجمه دون خوف الله تعالى لحتجابهم بالخلق عن الحق المسبب عن
عدم الفقه كقوله تعالى ( : :لنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك
بأنهم قوم ل يفقهون ] )13الحشر ،الية ( .[13 :فمنهم شقي وسعيد) لما
أطلق الشقي والسعيد منكرين للتعظيم دل على الشقي والسعيد الزليين
البديين ،ولما وصفهم في التقسيم التفصيلي استثنى عن خلود الشقي
في النار وخلود السعيد في الجنة بقوله ( : :إل ما شاء ربك) لن المراد
بالنار والجنة عذاب النفس بنار الحرمان عن المراد وآلم الهيئات والثار
وثواب النفس بجنة حصول المرادات واللذات وبالستثناء عن الخلود فيهما
خروج الشقي منها إلى ما هو أشد منه من نيران القلب في حجب الصفات
والفعال بالسخط والطرد والذلل والهانة ،ونيران الروح بالحجب واللعن
والقهر وخروج السعيد منها إلى ما هو ألذ وأطيب من جنان القلب في
مقام تجليات الصفات بالرضوان واللطف والكرام والعزاز وجنان الروح
في مقام الشهود باللقاء وظهور سبحات الجلل ،وما ل عين رأت ،ول أذن
سمعت ،ول خطر على قلب بشر ،لكون الشقي في مقابلة السعيد وخروج
السعيد من الجنة إلى النار محال ،وقد دل عليه بقوله ( : :عطاء غير مجذوذ)
أي :غير مقطوع ،فكذا ما يقابله على أن قوله تعالى ( : :فعال لما
يريد) يشعر بذلك لكونه وعيدا ً شديدًا .هذا لسان الدب ومراعاة الظواهر في
تحقيق البواطن ،وأما الحقيقة فتحكم بأن الشقي لما كان في المراتب
المذكورة في النار لم يخرج منها بل انتقل من طبقة منها إلى طبقة أخرى
ومن دركة إلى دركة فكان في حكم الخلود فالمراد بالستثناء غيره وهو أنه
من حيث الحدية مع ربه والرب آخذ بناصيته على صراط مستقيم يقوده ريح
الدبور التي هي هوى نفسه يسوقه إلى جهنم ،فهو هنالك في عين القرب
مع هوى نفسه فيتلذذ بما يوافقه فتصير عين النعيم ،فزال مسمى النار
في حقه وصار جنة لتلذذه به وإن كان بعيدا ً عن نعيم السعيد كما جاء في
الحديث ' :سينبت في قعر جهنم الجرجير ' .وفيه ' :يأتي على جهنم زمان
يصفق أبوابها ليس فيها أحد ' .وكذا السعيد ،فإن انتقاله في الجنان
ودرجاتها والخروج بحكم الستثناء غير ذلك فهو بفنائه في أحدية الذات
واحتراقه بلوعة العشق في سبحات الجمال حيث كان الحق شاهدا ً ومشهودا ً
ل في مقام المشاهدة بوجود الروح بل بالشهود الذاتي الحدي الذي لم يبق
فيه لغيره عين ول أثر ول عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب
بشر .وإن جعل التنكير في قوله ( : :شقي وسعيد) للنوعية ل للتعظيم ،جاز
تأويل خروج الشقي من النار بالترقي إلى الجنة من مقامه بزكاء نفسه عن
الهيئات المظلمة وتبعات المعاصي وحينئذ ل يكون شقي البد] .تفسير
سورة هود من آية 112إلى آية ( : [113فاستقم كما أمرت) في القيام
بحقوق الله بالله ،فإنه عليه eمأمور بمحافظة حقوق الله والتعظيم لمره
والتسديد لخلقه بضبط أحكام التجليات الصفاتية بعد الرجوع إلى الخلق مع
شهود الوحدة الذاتية بحيث ل يتحرك ول يسكن ول ينطق ول يتفكر إل به
من غير ظهور تلوين من بقايا صفاته أو ذاته ول يخطر له خاطر بغيره من
غير إخلل بشرط ما من شرائط التعظيم كما قال ' : eأفل أكون عبدا ً
شكورا ً ؟ ' حين تورمت قدماه من قيام الليل وقيل له :أما بشرك الله
بقوله ( : :ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ]الفتح ،الية [2 :؟،
ول بدقيقة من باب النهي عن المنكر والمر بالمعروف والنذار والدعوة
وذلك في غاية الصعوبة .ولهذا قال ' :شيبتني سورة هود ' .قيل :رأى
رسول الله eبعض العرفاء في المنام ،فسأله عن ذلك وقال :لماذا يا
رسول الله ؟ ألقصص النبياء وما نزل بأممهم المكذبين من العذاب وما
كانوا يقاسون من أممهم ؟ ،قال ' :ل ،بل لقوله تعالى ( : :فاستقم كما
أمرت) '( : .ومن تاب) عن أنيته وذنب وجوده ( :معك) من الموحدين
الواصلين إلى شهود الكثرة في عين الوحدة ومقام البقاء بعد الفناء ( :ول
تطغوا) بالحتجاب بحجاب النائية ونسبة الكمالت اللهية المطلقة إلى
أنائيتكم المشخصة المقيدة برؤيتها لكم،
الموجبة للحتجاب بالتقيد عن الطلق ،فإن الهوية اللهية ل تتقيد بإشارة
الهذية والنائية ( :إنه بما تعملون بصير) أتعملونه بي أم بأنفسكم ؟( : .ول
تركنوا إلى الذين ظلموا) أي :أشركوا بهوى كامن ،ناشئ عن وجود بقية
خفية أو التفات خفي إلى إثبات غيره ،فإنه هو الزيغ المقارن للطغيان في
قوله ( : :ما زاغ البصر وما طغى ] )17النجم ،الية ( : ،[17 :فتمسكم) نار
السخط والحرمان بالحتجاب والتعذيب بالفراق من نيران غيرة المحبوب،
كما قال تعالى لحبيبه ' : eبشر المذنبين بأني غفور ،وأنذر الصديقين بأني
غيور ' ولهذا المعنى قال ' :والمخلصون على خطر عظيم ' .فإن دقائق
ذنوب أحوالهم أدق من أن تدرك بالعقل وأشد عقابا ً من أن تتوهم
بالوهم ( :وما لكم) حينئذ ( :من دون الله من أولياء) يتولونكم من عقابه
ويدبرون أموركم ويربونكم ( :ثم ل تنصرون) من بأسه ،وهذا تهديد لوليائه
فكيف بأعدائه] .تفسير سورة هود من آية 114إلى آية ( : [117وأقم
الصلة طرفي النهار) لما كانت الحواس الخمس شواغل تشغل القلب بما
يرد عليه من الهيئات الجسمانية ،وتجذبه عن الحضرة الرحمانية ،وتحجبه عن
النور ،والحضور بالعراض عن جناب القدس والتوجه إلى معدن الرجس،
وتبدله الوحشة بالنس ،والكدورة بالصفاء ،فرضت خمس صلوات يتفرغ
فيها العبد للحضور ويسد أبواب الحواس لئل يرد على القلب شاغل يشغله
ويفتح باب القلب إلى الله تعالى بالتوجه والنية لوصول مدد النور ويجمع
همه عن التفرق ويستأنس بربه عن التوحش مع اتحاد الوجهة ،وحصول
الجمعية ،فتكون تلك الصلوات خمسة أبواب مفتوحة للقلب على جناب الرب
يدخل بها عليه النور بإزاء تلك الخمسة المفتوحة إلى جناب الغرور ودار
اللعين الغرور التي تدخل بها الظلمة ليذهب النور الوارد آثار ظلماتها
ويكسح غبار كدوراتها ،وهذا معنى قوله ( : :إن الحسنات يذهبن
السيئات) وقد ورد في الحديث ' :إن الصلة إلى الصلة كفارة ما بينهما ما
اجتنبت الكبائر ' .وأمر بإقامتها في طرفي النهار لينسحب حكمها ببقاء
الجمعية واستيلء الهيئة النورية في أوله إلى سائر الوقات ،فعسى أن
يكون من ( : :الذين هم على صلتهم دائمون )] )(23المعارج ،الية [23 :
لدوام ذلك الحضور ،وبقاء ذلك النور يكسح ويزيل في آخره ما حصل في
سائر الوقات من التفرقة والكدورة .ولما كانت القوى الطبيعية المدبرة
لمر الغذاء سلطانها في الليل وهي تجذب النفس إلى تدبير البدن بالنوم
عن عالمها الروحاني وتحجزها عن شأنها الخاص بها الذي هو مطالعة الغيب
ومشاهدة عالم القدس يشغلها باستعمال آلت الغذاء لعمارة الجسد،
فتسلبها اللطافة والطراوة وتكدرها بالغشاوة .واحتيج إلى تلطيفها
وتصفيتها باليقظة وتنويرها وتطريتها بالصلة فقال ( : :وزلفا ً من
الليل) ذلك الذي ذكر من إقامة الصلة في الوقات المذكورة وإذهاب
السيئات بالحسنات تذكير لمن يذكر حاله عند الحضور مع الله في الصفاء
والجمعية والنس والذوق ( :واصبر) بالله في الستقامة ومع الله في
الحضور في الصلة وعدم الركون إلى الغير ( :فإن الله ل يضيع أجر
المحسنين) الذين يشاهدونه في حال القيام بحقوق الستقامة ومراعاة
العدالة والقيام بشرائط التعظيم في العبادة] .تفسير سورة هود من آية
118إلى آية ( : [119ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) متساوية في
الستعداد متفقة على دين التوحيد ومقتضى الفطرة ( :ول يزالون
مختلفين) في الوجهة والستعداد ( :إل من رحم ربك) بهدايته إلى التوحيد
وتوفيقه للكمال ،فإنهم متفقون في المذهب والمقصد وموافقون في
السيرة والطريقة ،قبلتهم الحق ،ودينهم التوحيد والمحبة ( :
ولذلك) الختلف ( :خلقهم) ليستعد كل منهم لشأن وعمل ،ويختار بطبعه
أمرا ً وصنعة ،ويستتب بهم نظام العالم ،ويستقيم أمر المعاش ،فهم محامل
لمر الله حمل عليهم حمول السباب والرزاق وما يتعيش به الناس ،ورتب
بهم قوام الحياة الدنيا كما أن الفئة المرحومة مظاهر لكماله ،أظهر الله
بهم صفاته وأفعاله وجعلهم مستودع حكمه ومعارفه وأسراره( : .وتمت
كلمة ربك) أي :أحكمت وأبرمت وثبتت وهي هذه ( :لملن جهنم من الجنة
والناس أجمعين) لن جهنم رتبة من مراتب الوجود ل يجوز في الحكمة
تعطيلها وإبقاؤها في كتم العدم مع إمكانها] .تفسير سورة هود من آية
120إلى آية ( : [123وكل نقص عليكم من أنباء الرسل ما نثبت به
فؤادك) أي :لما أطلعناك على مقاساتهم الشدائد من أمتهم مع ثباتهم في
مقام الستقامة وعدم مزلتهم عنه وعلى معاتباتهم عند تلويناتهم وظهور
شيء من بقياتهم كما في قصة نوح uمن سؤال إنجاء الولد ،وعلى قوة
ثباتهم وشجاعتهم في يقينهم وتوكلهم كما في قصة هود uمن قوله ( : :
إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون) ]هود ،الية [54 :إلى
قوله ( : :على صراط مستقيم) ]هود ،الية ،[56 :وعلى كمال كرمهم
وفضيلتهم في العتو كما في قصة لوط uمن تفدية البنات لحفظ الضياف
من السوء ،ثبت قلبك في ذلك كله واستحكمت استقامتك وقوي تمكينك
بذهاب آثار التلوين عنك وقوي توكلك ورضاك ويقينك وشجاعتك ،وكمل
خلقك وكرمك ( :وجاءك في هذه) السورة ( :الحق) أي :ما يتحقق به
اعتقاد المؤمنين ( :وموعظة) لهم يحترزون بها عما أهلك به المم ،وتذكير
لما يجب أن يتدينوا به ويجعلوه طريقهم وسيرتهم والله أعلم.
)سورة يوسف(
)بسم الله الرحمن الرحيم(
]تفسير سورة يوسف من آية 1إلى آية ( : [3الر تلك آيات الكتاب
المبين) مر ذكره ( :أحسن القصص) لكون لفظه وتركيبه إعجازًا ،وظاهر
معناه مطابقا ً للواقع وباطنه دال ً على صورة السلوك وبيان حال السالك
كالقصص الموضوعة لذلك وأشد طباقًا ،وأحسن وفاقا ً منها] .تفسير سورة
يوسف من آية 4إلى آية ( : [6يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا) إلى آخره،
هذه من المنامات التي ذكرنا في سورة )هود( أنها تحتاج إلى تغيير لنتقال
المتخيلة من النفوس الشريفة التي عرض على النفس من الغيب سجودها
له إلى الكواكب والشمس والقمر وما كانت في نفس المر إل أبويه وإخوته
( :ل تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا) هذا من اللهامات
المجملة ،فإنه قد يلوح صورة الغيب من المجردات الروحانية على الوجه
الكلي العالي عن الزمان في الروح ويصل أثره إلى القلب ول يتشخص في
النفس مفصل ً حتى يقع العلم به كما هو فيقع في النفس منه خوف
واحتراز ،إن كان مكروهًا ،وفرح وسرور إن كان مرغوبًا .ويسمى هذا النوع
من اللهام :إنذارات وبشارات ،فخاف uمن وقوع ما وقع قبل وقوعه،
فنهاه عن إخبارهم برؤياه احترازًا .ويجوز أن يكون احترازه كان من جهة
دللة الرؤيا على شرفه وكرامته وزيادة قدره على إخوته ،فخاف من
حسدهم عليه عند شعورهم بذلك( : .وكذلك يجتبيك ربك) أي :مثل ذلك
الصطفاء بإراءة هذه الرؤيا العظيمة الشأن ،يصطفيك للنبوة إذ الرؤيا
الصادقة ،خصوصا ً مثل هذه من مقدمات النبوة ،فعلم من رؤياه أنه من
المحبوبين الذين يسبق كشوفهم سلوكهم ( :ويتم نعمته عليك) بالنبوة
والملك( .لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين( أي :آيات معظمات
لمن يسأل عن قصتهم ويعرفها تدلهم أول ً على أن الصطفاء المحض أمر
مخصوص بمشيئة الله تعالى ل يتعلق بسعي ساع ول إرادة مريد ،فيعلمون
مراتب الستعدادات في الزل .وثانيا ً :على أن من أراد الله به خيرا ً لم يكن
لحد دفعه ومن عصمه الله لم يكن لحد رميه بسوء ول قصده بشر ،فيقوى
يقينهم وتوكلهم ويشهدون تجليات أفعاله وصفاته .وثالثا ً :على أن كيد
الشيطان وإغواءه أمر ل يأمن منه أحد حتى النبياء ،فيكونون منه على حذر،
وأقوى من ذلك كله أنها تطلعهم من طريق الفهم الذي هو النتقال الذهني
على أحوالهم في البداية والنهاية وما بينهما وكيفية سلوكهم إلى الله
فتثير شوقهم وإرادتهم وتشحذ بصيرتهم وتقوي عزيمتهم وذلك أن مثل
يوسف مثل القلب المستعد الذي هو في غاية الحسن ،المحبوب ،المرموق
إلى أبيه يعقوب العقل ،المحسود من إخوته من العلت ،أي :الحواس
الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والغضب والشهوة بنى النفس إل
الذاكرة ،فإنها ل تحسده ول تقصده بسوء ،فبقيت إحدى عشرة على
عددهم .وأما حسدهم عليه وقصدهم بالسوء فهو أنها تنجذب بطبائعها إلى
لذاتها ومشتهياتها وتمنع استعمال العقل القوة الفكرية في تحصيل كمالت
القلب من العلوم والخلق ،وتكره ذلك ول تريد إل استعماله إياها في
تحصيل اللذات البدنية ومشتهيات تلك القوى الحيوانية .ول شك أن الفكر
نظره إلى القلب أكثر ،وميله إلى تحصيل السعادات القلبية من العلوم
والفضائل أشد وأوفر ،وذلك معنى قولهم ( :ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا
منا) وأخوه هو :القوة العاقلة العملية من أم يوسف القلب التي هي راحيل
النفس اللوامة التي تزوجها يعقوب القلب بعد وفاة ليا النفس المارة،
وإنما قالوا ( :ليوسف وأخوه) لن العقل كما يقتضي تكميل القلب بالعلوم
والمعارف يقتضي تكميل هذه القوة باستنباط أنواع الفضائل من الخلق
الجميلة والعمال الشريفة ونسبتهم إياه إلى الضلل الذي هو البعد عن
الصواب بقولهم ( : :إن أبانا لفي ضلل مبين) قصورها عن النظر العقلي
وبعد طريقه عن طريقتها في تحصيل الملذ البدنية وإلقاؤهم إياه في
غيابة الجب استيلؤها على القلب وجذبها إياه إلى الجهة السفلية بحدوث
محبة البدن وموافقاته له حتى ألقي في قعر جب الطبيعة البدنية ،إل أنه
ألبس قميصا ً من الجنة أتى به جبريل إبراهيم عليهما السلم يوم جرد
وألقي في النار ،فألبسه إياه وورثه إسحق وورثه منه يعقوب فعلقه في
تميمة على عنقه ،فأتاه جبريل uفي البئر فأخرجه وألبسه إياه ،وإل لغمره
الماء وظهرت عورته ،كما قيل .وهو إشارة إلى صفة الستعداد الصلي
والنور الفطري وذلك هو الذي منع إبراهيم عن النار وحماه بإذن الله حتى
صارت عليه بردا ً وسلمًا .واستنزالها العقل إلى الفكر في باب المعاش
وتحصيل أسبابه والتوجه نحوه هو معنى قولهم ( : :يخل لكم وجه أبيكم
وتكونوا من بعده قوما صالحين) أي :في ترتيب المعاش وتهيئة أسبابه على
حسب المراد .ومراودتها للعقل عن القلب بالتسويلت الشيطانية
والتعزيرات النفسانية مع كراهية العقل لذلك هو معنى قولهم عند مراودة
يعقوب عنه ( : :أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) وافتراؤهم على الذئب هو أن
القوة الغضبية إذا ظهرت واستشاطت حجبت القلب بالكلية عن أفعاله
الخاصة به .والظاهر من حالها أنها أقوى إضرارا ً به وإبطال ً لفعله وحجبا ً له
الذي هو معنى الكل مع أن القوة الشهوانية والحواس وسائر القوى أشد
نكاية في القلب وأضر به في نفس المر وأجذب له إلى الجهة السفلية
وأشد إباء وامتناعا ً من قبول السياسات العقلية وطاعة الوامر والنواهي
الشرعية وإذعان القلب بالموافقة في طلب الكمالت الروحية منها ،وظهور
ذلك الثر من القوة الغضبية مع كونه بخلف ذلك في الحقيقة هو الدم
الكاذب على قميصه وابيضاض عين يعقوب في فراقه عبارة عن كلل
البصيرة وفقدان نور العقل عند كون يوسف القلب في غيابة جب الطبيعة،
وبعض السيارة الذي أخرجه من البئر هو القوة الفكرية وشراؤه من عزيز
مصر( : .بثمن بخس دراهم معدودة) تسليمهم له إلى عزيز الروح الذي هو
من مصر مدينة القدس بما يحصل للقوة الفكرية من المعاني والمعارف
الفائضة عليها من الروح عند استنارتها بنوره وقربها منه ،فإن القوة
الفكرية لما كانت قوة جسمانية ،والقلب ليس بجسماني ،لم تصل إلى
مقامه إل عند كونه مغشى بغشاوات النفس في مقام الصدر أي :الوجه
الذي يلي النفس منه .وأما إذا تجرد في مقام الفؤاد أو وصل إلى مقام
الروح الذي سموه السر فتتركه عند عزيز الروح وتسلمه إليه وتفارقه على
الدريهمات التي تحصل لها بقربه من المعاني المذكورة] .تفسير سورة
يوسف من آية 19إلى آية [21وامرأة العزيز المسماة زليخاء التي أوصى
إليها به بقوله ( : :أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا) هي النفس
اللوامة التي استنارت بنور الروح ووصل أثره إليها ولم تتمكن في ذلك ولم
تبلغ إلى درجة النفس المطمئنة وتمكين الله إياه في الرض إقداره بعد
التزكية والتنور بنور الروح على مقاومة النفس والقوى وتسليطه على
أرض البدن باستعمال آلته في تحصيل الكمالت وسياستها بالرياضات حتى
يخرج ما في استعداده من الكمال إلى الفعل كما قال ( : :ولنعلمه من
تأويل الحاديث) أي :ولنعلمه فعلنا ما فعلنا به من النجاء والتمكين ( :والله
غالب على أمره) بالتأييد والتوفيق والنصر حتى يبلغ غاية كمال أشده من
مقامه الذي يقتضيه استعداده فيؤتيه العلم والحكمة كما قال ( : :ولما بلغ
أشده آتيناه حكما وعلما) والشد هو نهاية الوصول إلى الفطرة الولى
بالتجرد عن غواشي الخلقة الذي نسميه مقام الفتوة ( :ولكن أكثر الناس ل
يعلمون) أن المر بيد الله في ذلك ،فيضيفون إلى السعي والجتهاد
والتربية ،ول يعلمون أن السعي والجتهاد والتربية والرياضة أيضا ً من عند
الله جعلها الله أسبابا ً ووسايط لما قدره ولذلك لم يعزلها .وقال بعد
قوله ( : :آتيناه حكما وعلما)( : .وكذلك نجزي المحسنين) في الطلب
والرادة والجتهاد والرياضة ،ومراودة زليخاء إياه عن نفسه وتغليقها
البواب عليه إشارة إلى ظهور النفس اللوامة بصفتها .فإن التلوين في
مقام القلب يكون بظهور النفس كما أن التلوين في مقام الروح يكون
بوجود القلب وجذبها للقلب إلى نفسها بالتسويل والستيلء عليه وتزيين
صفاتها ولذاتها ،وسدها طرق مخرجه إلى الروح بحجبها مسالك الفكر
ومنافذ النور بصفاتها الحاجبة وهمه بها ميل القلب إليها لعدم التمكين
والستقامة ورؤيته لبرهان ربه إدراك ذلك التلوين بنور البصيرة ونظر
العقل كما قيل في القصة :تراءى له أبوه ،فمنعه أو صوت به ،وقيل :
ضرب بكفه في نحره فخرجت شهوته من أنامله وذهبت ،كل ذلك إشارة إلى
منع العقل إياه عن مخالطة النفس بالبرهان ونور البصيرة والهداية وتأثيره
فيه بالقدرة واليد النوري الموجب لذهاب شهوتها وظلمتها النافذ فيها إلى
أطرافها المزيل عنها بالهيئة النورية الهيئة الظلمانية ،وقد قميصه من دبر
إشارة إلى خرقها لباس الصفة النورية التي له من قبل الخلق الحسنة
والعمال الصالحة بتأثيرها في القلب بصفتها ،فإنها صفة يكسبها القلب
بالجهة التي تلي النفس المسماة بالصدر هو الدبر ل محالة .وقوله ( : :ألفيا
سيدها لدى الباب) إشارة إلى ظهور نور الروح عند إقبال القلب إليه
بواسطة تذكر البرهان العقلي وورود الوارد القدسي عليه ،واستتباعه
للنفس وهي تنازعه بالجذب إلى جهتها واستيلئه على القلب ثم على
النفس بواسطته .وقولها ( : :ما جزاء من أراد بأهلك سوء) تلويح إلى أن
النفس تسول أغراضها في صور المصالح العقلية وتزينها بحيث تشتبه
مفاسدها بالمصالح العقلية التي يجب على العقل مراعاتها والقيام بها
وموافقتها فيها ومخالفته إياها فيها إرادة السوء بها ومقابحها بالمحاسن
التي تتعلق بالمعاش كمماكرة النساء بالرجال وميل القلب إلى الجهة
العلوية يكذب قولها ودعواها ،والشاهد الذي شهد من أهلها قيل كان ابن
عم لها ،أي :الفكر الذي يعلم أن الفساد الواقع من جهة الخلق والعمال
ل يكون إل من قبل النفس واستيلئها ،إذ لو كان من جهة القلب وميله إلى
النفس لوقع في العتقاد والعزيمة ل في مجرد العمل .وقيل كان ابن
خالتها ،أي :الطبيعة الجسمانية التي تدل على الميل السفلي في النفس
الجاذب للقلب من جهة الصدر المباشر للعمليات إلى أرض البدن وموافقاته
واطلع الروح بنور الهداية ،على أن الخلل وقع في العمل ل في العقد
والعزيمة وذلك ل يكون إل من قبل الداعية النفسانية ،وهو معنى قوله ( : :
فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم).
وقوله ( : :يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك) إشارة إلى إشراق نور
الروح على القلب وانجذابه إلى جانبه للنازل النوري والخاطر الروحي الذي
يصرفه عن جهة النفس ويأمره بالعراض عن عملها ويذكره لئل يحدث
الميل مرة أخرى .وتأثير ذلك الوارد والخاطر في النفس بالتنوير والتصفية
فإن تنورها بنور الروح المنعكس إليها من القلب استغفارها عن الهيئة
المظلمة التي غلبت بها على القلب] .تفسير سورة يوسف من آية 30إلى
آية [33ولما بلغ القلب هذا المنزل من التصال بالروح والستشراق من
نوره وتنورت النفس بشعاع نور القلب وتصفت عن كدوراتها عشقته
للستنارة بنوره ،والتشكل بهيئته ،والتقرب إليه ،وإرادة الوصول إلى مقامه
ل لجذبه إلى نفسه وقضاء وطرها منه باستخدامها إياه في تحصيل اللذات
الطبيعية واستنزالها إياه عن مقامه ومرتبته إلى مرتبتها ليتشكل بهيئتها
ويشاركها في أفعالها ولذاتها ،كما كانت عند كونها أمارة فتتأثر قواها
حينئذ حتى القوى الطبيعية بتأثرها ،وذلك معنى قول نسوة المدينة ( : :
امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا) وكلما استولى القلب
عليها بهيئته النورية وحسنه الذاتي الفطري والصفاتي الكسبي من الترقي
إلى مجاورة الروح وبلوغه منزل السر ،استنارت جميع القوى البدنية بنوره
لستتباعه للنفس واستتباعها إياه ،فشغلت عن أفعالها وتحيرت ووقفت
عن تصرفاتها في الغذاء وذهلت عن سكاكين آلتها التي كانت تدبر بها أمر
التلذذ والتغذي والتفكه ،وجرحت قدرتها التي تستعمل بها اللت في
تصرفاتها وبقيت مبهوتة في متكآتها التي هي محالها في أعضاء البدن
التي هيأتها لها النفس في قراها وهو معنى قوله ( : :فلما رأينه أكبرنه
وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما هذا بشرا ً إن هذا إل ملك
كريم) وقولها ( : :اخرج عليهن) استجلؤها لنوره بالرادة واقتضاؤها
طلوعه عليها بحصول استعداد التنور لها .ولما انخرطت النفس في سلك
إرادة القلب ،وقلت منازعتها إياه في عزيمة السلوك ،وتمرنت لمطاوعته
حان وقت الرياضة بالدخول في الخلوة لتجرد القلب حينئذ عن علئقه
وموانعه وتجريده عزمه بانتفاء التردد إذ بتردد العزم بانجذابه إلى جهة
النفس تارة وإلى جهة الروح أخرى ل تمكن الرياضة ول السلوك ول تصح
الخلوة لفقدان الجمعية التي هي من شرطها وهذه الرياضة ليست رياضة
النفس بالتطويع فإنها ل تحتاج إلى الخلوة بل إلى ترك ارتكاب المخالفات
والقدام على كسرها وقهرها بالمقاومات من أنواع الزهد والعبادة إنما هي
رياضة القلب بالتنزه عن صفاته وعلومه وكمالته وكشوفه في سلوك
طريق الفناء وطلب الشهود واللقاء وذلك بعد العصمة من استيلء النفس
عليه كما قالت ( : :ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) طلب العصمة من
نفسه واستزادها ( :ولئن لم يفعل ما آمره) من إيفاء حظي ليمنعن من
اللذات البدنية وروح الهوى والمدركات الحسية بالخلوة والنقطاع عنها ( :
وليكونا من الصاغرين) لفقدان كرامته وعزته عندنا واختذالنا عنه واعتزاله
عن رياسة العوان والخدم في البدن .ولما حببت إليه الخلوة كما حببت إلى
رسول الله eعند التحنث في حراء( : .قال رب السجن أحب إلي مما
يدعونني إليه) وإنما قال ( : :مما يدعونني إليه) ،ودعا ربه أن يصرف عنه
كيدهن بقوله ( : :وإل تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من
الجاهلين) لن في طباعها الميل إلى الجهة السفلية وجذب القلب إليها
وداعية استنزاله إليها بحيث ل يزول أبدًا ،وتنورها بنوره وطاعتها له أمر
عارضي ل يدوم والقلب يمدها في أعمالها دائما ً فإنه ذو طبيعتين وذو
وجهين ينزع بإحداهما إلى الروح وبالخرى إلى النفس ،ويقبل بوجه إلى
هذه وبوجه إلى هذه ،فل شيء أقرب إليه من الصبوة إليها بجهالته لو لم
يعصمه الله بتغليب الجهة العليا وإمداده بأنوار المل العلى كما قال النبي e
' :اللهم ثبت قلبي على دينك ' ،قيل له :أو تقول ذلك وأنت نبي يوحى
إليك ؟ قال ' : eوما يؤمنني إن مثل القلب كمثل ريشة في فلة تقلبها
الرياح كيف شاءت ' .وذلك الدعاء هو صورة افتقار القلب الواجب عليه أبداً.
(فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن) أي :أيده بالتأييد القدسي وقواه
باللقاء السبوحي فصرف وجهه عن جناب الرجس إلى جناب القدس ،ودفع
عنه بذلك كيدهن ( :إنه هو السميع) لمناجاة القلب في مقام السر ( :
العليم) بما ينبغي أن يفعل به عند افتقاره إليه( : .ثم بدا لهم من بعد ما
رأوا اليات ليسجننه) أي :ظهر لعزيز الروح ونسوة النفس والقوى وأعوان
الروح من العقل والفكر وغيرهما رأي متفق عليه من جميعها وهو
ليسجننه ،أي :ليتركنه في الخلوة التي هي أحب إليه .أما الروح فلقهره
إياه بنور الشهود ومنعه عن تصرفاته وصفاته ،وأما النفس وسائر القوى
فلمتناعها عن استجذابه إليها من بعدما رأوا آيات العصمة وصدق العزيمة
وعدم الميل إليها وبهره عليها بنوره وإخلصه في الفتقار إلى الله وإل لما
خلته وشأنه في الخلوة ،وأما الوهم فلنهزامه عن نوره وفراره من ظله
عند التصلب في الدين والتعود بالحق .وأما العقل فلتنوره بنور الهداية،
وأما الفكر فلحصول سلطانه في الخلوة ،والفتيان اللذان دخل معه السجن
أحدهما قوة المحبة الروحية اللزمة له وهو شرابي الملك الذي يسقيه خمر
العشق كما قيل في القصة :إنه كان شرابيه ،والثاني :هوى النفس التي ل
تفارقه أيضا ً بحال ،فإن الهوى حياة النفس الفائضة إليها منه لستبقائها
وهو خباز الملك الذي يدبر القوات في المدينة كما قيل وهما يلزمانه في
الخلوة دون غيرهما .ومنام الشرابي في قوله ( : :إني أراني أعصر
خمرا) اهتداء قوة المحبة إلى عصر خمر العشق من كرم معرفة القلب في
نوم الغفلة عن الشهود الحقيقي ومنام الخباز في قوله ( : :إني أراني
أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه) توجه الهوى بكليته إلى تحصيل
لذات طير القوى النفسانية وحظوظها وشهواتها ،وشبهت بالطير في جذب
ما تجذبه من الحظوظ لسرعة حركتها نحوه .وقوله ( : :ل يأتيكما طعام
ترزقانه) الخ ،إشارة إلى منعه إياهما عن حظوظهما إل بعد تبيينه لهما ما
يؤول إليه أمرهما من شأنهما الذي يجب لهما القيام به بالسياسة والتسديد
والتقويم والصلح وإظهار التوحيد لهما بقوله ( : :إني تركت) إلى آخره،
بعثه إياهما على القيام بالمر اللهي الضروري وترك الفضول والمتناع عن
تفرق الوجهة وتشتت الهم ،فإن خاصية الهوى التفرقة والتوزع وتعبد
الشهوات المختلفة للقوى المتنازعة ،وخاصية المحبة في البداية وقبل
الوصول إلى النهاية التعلق بحسن الصفات والتعبد لها دون جمال الذات،
فدعاهما إلى التوحيد بقوله ( : :إني تركت ملة قوم ل يؤمنون بالله) أي :
المشركين ،العابدين لوثان صفات النفس بل لوجود القلب وصفاته ( :وهم
بالخرة) أي :وهم عن البقاء في العالم الروحاني محجوبون ،وبقوله ( : :ما
كان لنا أن نشرك بالله من شيء(( : .وبقوله ( : :أأرباب متفرقون خير أم
الله الواحد القهار) أي :إذا كان لكل منكما أرباب كثيرة كما قال تعالى ( : :
فيه شركاء متشاكسون) ]الزمر ،الية [29 :يأمره هذا بأمر وهذا بأمر
متمانعون في ذلك ،عاجزون إما للمحبة فكالصفات والسماء ،وإما للهوى
فكالقوى النفسانية كان خيرا ً له أم رب واحد ل يأمره إل بأمر واحد ،كما
قال ( : :وما أمرنا إل واحدة) ]القمر ،الية ،[50 :قهار ،قوي ،يقهر كل
أحد ،ل يمانعه في أمره شيء ،ول يمتنع عليه .وأجبرهما بالسياسة على
اتحاد الوجهة ،فإن القلب إذا غلبت عليه الوحدة امتنعت محبته عن حب
الصفات وانصرفت إلى الذات ،وإذا تمرن في التوحيد انقمع هواه عن تعبد
الحظوظ والشهوات والتفرق في تحصيل اللذات واقتصر على الحقوق
والضرورات بأمر الحق ل بطاعة الشيطان] .تفسير سورة يوسف من آية 41
إلى آية [42وقوله ( : :أما أحدكما فيسقي ربه خمرا) تعيين لشأن الول
بعد السياسة بالمنع عن الشرك وهو تسليط حب اللذات على الروح ( :وأما
الخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه) بيان لما يؤول إليه أمر الثاني .وصلبه
:منعه عن أفعاله بنفسه وقمعه عن مقتضاه وتثبيته وتقريره على جذع
القوة الطبيعية النباتية بحيث ل تصرف للمتخيلة فيه ول له فيها ول في
سائر القوى الحيوانية وذلك هو إماتة الهوى ،فتأكل بعد الماتة والصلب
طير قوى النفس من رأسه بأمر الحق وهو الوقوف مع الحقوق ( :قضي
المر الذي فيه تستفتيان) أي :ثبت واستقر أمركما على هذا وذلك وقت
وصوله وتقربه من الله وأوان ظهور مقام الولية بالفناء في الله .وإذا
تمكنت القوتان فيما عينه لهما من المر ثم تم أمره بالوصول إلى مقام
الشهود الذاتي وانقضت خلوته ،فإن طول مدة السجن هو امتداد سلوكه
في الله ،فإذا تم له الفناء استوى أمر القوتين لكونهما بالله حينئذ ل
بنفسهما وانتهى زمان الخلوة بابتداء زمان البقاء بالوجود الحقاني ،ولكن
لم يتم بعد لوجود البقية المشار إليها بقوله ( : :اذكرني عند ربك) أي :
اطلب الوجود في مقام الروح بالمحبة والستقرار فيه ،فإن المحبة إذا
أسكرت الروح بخمر العشق ارتقى الروح إلى مقام الوحدة والقلب إلى
مقام الروح ،ويسمى الروح في ذلك المقام خفيا ً والقلب سرًا ،وهو ليس
بالفناء لكونهما موجودين حينئذ مغمورين بنور الحق .ومن الوقوف في هذا
المقام ينشأ الطغيان والنائية فلهذا قال ( : :فأنساه الشيطان ذكر ربه) أي
:أنسى شيطان الوهم يوسف القلب ذكر الله تعالى بالفناء فيه لوجود
البقية وطلبه مقام الروح وإل ذهل عن ذكر نفسه ووجوده وللحتجاب بهذا
المقام وهذه البقية لبث ( :في السجن بضع سنين) وإليه أشار النبي e
بقوله ' :رحم الله أخي يوسف ،لو لم يقل اذكرني عند ربك لما بقي في
السجن بضع سنين ' ،أو أنسى شيطان الوهم المقهور الممنوع المحجوب
عن جناب الحق رسول المحبة المقرب عند ارتفاع درجته واستيلئه
واستعلء سلطانه ،والتحير في الجمال اللهي ،والسكر الغالب ذكر يوسف
القلب في حضرة الشهود لن المحب المشاهد للجمال حيران ذاهل عن
الخلق كله وتفاصيل وجوده بل نفسه مستغرق في عين الجمع حتى يتم
فناؤه وينقضي سكره ثم يرجع إلى الصحو فيذكر التفصيل ثم لما انتهى
فناؤه بالنغماس في بحر الهوية والنطماس في الذات الحدية وانقضى
زمان السجن أحياه الله تعالى بحياته ووهب له وجودا ً من ذاته وصفاته
فأراه صورة التبديل في صفات النفس مدة اعتزاله عنها بالخلوة والسلوك
في الله بصورة أكل البقرات العجاف السمان ،وفي صفات الطبيعة البدنية
بصورة استيلء السنبلت اليابسة على الخضر .والملك الذي قال ( : :إني
أري) قيل :هو ريان بن الوليد الذي ملك قطفير على مصر ووله عليها ل
العزيز المسمى قطفير ،وإن كان العزيز بلسان العرب هو الملك فعلى هذا
يكون الملك إشارة إلى العقل الفعال ملك ملوك الرواح المسمى روح
القدس ،فإن الله تعالى ل يحيي أهل الولية عند الفناء التام الذي هو بداية
النبوة إل بواسطة نفخه ووحيه وبالتصال به تظهر التفاصيل في عين
الجمع ولهذا قالوا لما دخل عليه كلمة بالعبرانية فأجابه بها وكان عارفا ً
بسبعين لسانا ً فكلمه بها ،فتكلم معه بكلها والمل الذين قالوا ( : :أضغاث
أحلم) هي القوى الشريفة من العقل والفكر المحجوب بالوهم والوهم
نفسه المحجوبة عن سر الرياضة والتبديل ،كما ترى المحجوبين بها
الواقفين معها يعدون أحوال أهل الرياضات من الخرافات ورسول المحبة
الذي ادكر بعد أمة إنما يذكر بواسطة ظهور ملك روح القدس وإيحائه
وإراءته تفاصيل وجوده بالرجوع إلى الكثرة بعد الوحدة وإل لكان فيه حالة
الفناء ذاهبا ً في عين الجمع ل يرى فيها وجود القلب ول غيره ،فكيف يذكره
إنما يدكره بظهوره بنور الحق بعد عدمه] .تفسير سورة يوسف من آية 49
إلى آية [57والعام الذي ( :فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) هو وقت تمتيعه
للنفس عند الطمئنان التام والمن الكلي .وقول نسوة القوى ( :حاش لله
ما علمنا عليه من سوء) .وقول امرأة العزيز ( : :الن حصحص الحق) إشارة
إلى تنور النفس والقوى بنور الحق واتصافها بصفة النصاف والصدق
وحصول ملكة العدالة بنور الوحدة وظهور المحبة حال الفرق بعد الجمع
وكمال طمأنينة النفس لقرارها بفضيلة القلب وصدقه وذنبها وبراءته فإن
من كمال اطمئنان النفس اعترافها بالذنب واستغفارها عما فرط منها حالة
كونها أمارة وتمسكها بالرحمة اللهية والعصمة الربانية واستخلص الملك
إياه لنفسه استخلفه للقلب على الملك بعد الكمال التام ،كما جاء في
القصة :أجلسه على سريره وتوجه بتاجه وختمه بخاتمه وقلده بسيفه
وعزل قطفير ثم توفى قطفير وزوجه الملك امرأته زليخا واعتزل عن
الملك وجعله في يده وتخلى بعبادة ربه .كل ذلك إشارة إلى مقام خلفة
الحق كما قال لداود ( : :إنا جعلناك خليفة في الرض) ]ص ،الية .[26 :
وتوفي العزيز إشارة إلى وصول القلب إلى مقامه وذهاب الروح في
شهوده للوحدة .وتزوجه بامرأة العزيز إشارة إلى تمتيع القلب النفس بعد
الطمئنان بالحظوظ فإن النفس الشريفة المتنورة تقوى بالحظوظ على
محافظة شرائط الستقامة وتقنين قوانين العدالة واستنباط أصول العلم
والعمل وهما الولدان اللذان جاءا في القصة أنها ولدتهما منه افراثيم
وميشا .وروي أنه لما دخل عليها قال لها :أليس هذا خيرا ً مما طلبت ؟
فوجدها عذراء وهو إشارة إلى حسن حالها في الطمئنان مع التمتيع
ومراعاة العدالة ،وكونها عذراء إشارة إلى أن الروح ل يخالط النفس
لتقدسه دائما ً وامتناع مباشرته إياها ،فإن مطالبه كلية ل تدرك جزئياتها
بخلف القلب وإنما كانت امرأته لتسلطه عليها ووصول أثر أمره وسلطانه
إليها بواسطة القلب ومحكوميتها له في الحقيقة وسؤال التولية على
خزائن الرض ووصف نفسه بالحفظ والعلم هو أن القلب يدرك الجزئيات
المادية ويحفظها دون الروح فيقتضي باستعداده قبول ذلك المعنى من
الواهب الذي هو ملك روح القدس وتمكينه في الرض يتبوأ منها حيث يشاء
استخلفه بالبقاء بعد الفناء عند الوصول إلى مقام التمكين وهو أجر
المحسن أي العابد لربه في مقام الشهود لرجوعه إلى التفصيل من عين
الجمع ( :ولجر الخرة) أي :الحظ المعنوي بلذة شهود الجمال ومطالعة
أنوار سبحات الوجه الباقي ( :خير للذين آمنوا) اليمان العيني ( :وكانوا
يتقون) بقية النائية .ولما رجع إلى مقام التفصيل وجلس على سرير الملك
للخلفة .جاءه إخوته القوى الحيوانية بعد طول مفارقته إياهم في سجن
الرياضة والخلوة بمصر الحضرة القدسية والستغراق في عين الجمع ( :
فدخلوا عليه) متقربين إليه بوسيلة التأدب بآداب الروحانيين لطمئنان
النفس وتنورها وتنور تلك القوى بها وتدربها بهيئات الفضائل والخلق
ممتارين لقوات العلوم النافعة من الخلق والشرائع ( :فعرفهم) مع حسن
حالهم وصلحهم بالذكاء والصفاء وفقرهم واحتياجهم إلى ما يطلبون منه
من المعاني ( :وهم له منكرون) لرتقائه عن رتبتهم بالتجرد واتصافه بما ل
يمكنهم إدراكه من الوصاف ولهذا استحضر القوة العاقلة العملية
بقوله ( : :ائتوني بأخ لكم من أبيكم) إذ المعاني الكلية المتعلقة بالعمال ل
يدركها إل تلك القوة .واعلم أن المحبوبين يسبق كشوفهم اجتهادهم
فيعلمون قواهم الشرائع والحكام ويسوسونها بعد الوصول وإن اطمأنت
نفوسهم قبله .وأما جهازهم الذي جهزهم به فهو الكيل اليسير من
الجزئيات التي يمكنهم إدراكها والعمل بها ،وقال ( : :فإن لم تأتوني به فل
كيل لكم) من المعاني الكلية الحاصلة ( :عندي ول تقربون) لبعد رتبتكم عن
رتبتي إل بواسطته .ولما كانت العاقلة العملية إذا لم تفارق مقام العقل
المحض إلى مقام الصدر لم يمكنها مرافقة القوى الحسية وإلقاؤها
المعاني الجزئية الباعثة إياها على العمل وتحريك القوة النزوعية الشوقية
نحو المصالح العقلية ( :قالوا سنراود عنه أباه) أي :بتصفية الستعداد
لقبول فيضه وقوله ( :لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) إشارة إلى أمر
القلب فتيانه القوى النباتية عند تمتيع النفس حالة الطمئنان بإيراد مواد
قواهم التي يتقوون بها ويقتدرون على كسب كمالتهم إذ هي بضاعتهم
التي يمكنهم بها المتياز ،ورحالهم آلت إدراكاتهم ومكاسبهم ( :
لعلهم) يعرفون قواهم وقدرهم على الكتساب ( :إذا انقلبوا إلى
أهلهم) من سائر القوى الحيوانية كالغضبية والشهوانية وأمثالهما ( :لعلهم
يرجعون) إلى مقام السترباح والمتياز من قوت المعاني والعلوم النافعة
بتلك البضاعة ( :فلما رجعوا إلى أبيهم) بتصفية الستعداد والتمرن بهيئات
الفضائل اقتضوه إرسال القوة العاقلة العملية معهم لمدادهم في فضائل
الخلق بالمعاني دائمًا ،أي :استمدوا من فيضه (نكتل) أي :نستفد منه وإنا
ل نستنزله إلى تحصيل مطالبنا فنهلكه كما فعلنا حالة الجاهلية بأخيه بل
نحفظه بالتعهد له ومراعاته في طريق الكمال .وأخذ العهد منهم في
إرساله معهم واستيثاقه عبارة عن تقديم العتقاد الصحيح اليماني على
العمل وإلزامهم ذلك العقد أول ً وإل لم يستقم حالهم في العمل ولم ينجح.
]تفسير سورة يوسف آية ( : [67ل تدخلوا من باب واحد) أي :ل تسلكوا
طريق فضيلة واحدة كالسخاوة مثل ً دون الشجاعة أو ل تسيروا على وصف
واحد من أوصاف الله تعالى فإن حضرة الوحدة هي منشأ جميع الفضائل
والذات الحدية مبدأ جميع الصفات ،فاسلكوا طرق جميع الفضائل المتفرقة
حتى تتصفوا بالعدالة فتتطرقوا إلى الحضرة الواحدية ،وسيروا على جميع
الصفات حتى يكشف لكم عن الذات .وقد ورد في الحديث :إن الله تعالى
يتجلى على أهل المذاهب يوم القيامة في صورة معتقدهم فيعرفونه ثم
يتحول إلى صورة أخرى فينكرونه ( :وما أغني عنكم من الله من
شيء) أي :ل أدفع عنكم شيئا ً إن منعكم توفيقه وحجبكم ببعض الحجب عن
كمالتكم فإن العقل ليس إليه إل إفاضة العلم ل إجادة الستعداد ورفع
الحجاب] .تفسير سورة يوسف من آية 68إلى آية ( : [76ولما دخلوا) أي :
امتثلوا أمر العقل بسلوك طرق جميع الفضائل لم يغن عنهم من جهة الله :
(من شيء) أي :لم يدفع عنهم الحتجاب بحجاب الجلل والحرمان عن لذة
الوصال لن العقل ل يهتدي إل إلى الفطرة ول يهدي إل إلى المعرفة .وأما
التنور بنور الجمال ،والتلذذ بلذة الشوق بطلب الوصال ،وذوق العشق بكمال
الجلل والجمال ،بل جلل الجمال وجمال الجلل فأمر ل يتيسر إل بنور
الهداية الحقانية ( :إل حاجة في نفس يعقوب) هي تكميلهم بالفضيلة ( :
وإنه لذو علم) لتعليم الله إياه ل ذو عيان وشهود ( :ولكن أكثر الناس ل
يعلمون) ذلك فيحسبون الكمال ما عند العقل من العلم أو ناس الحواس ل
يعلمون علم العقل الكلي ( :آوى إليه أخاه) للتناسب بينهما في التجرد ( :
جعل السقاية في رحل أخيه) مشربته التي يكيل بها على الناس ،أي :قوة
إدراكه للعلوم ليستفيد بها علوم الشرائع ويستنبط قوانين العدالة ،فإن
العاقلة العملية تقوى على إدراك المعقولت عند التجرد عن ملبس الوهم
والخيال كما تقوى النظرية وهي القوة المدبرة لمر المعاش المشوبة
بالوهم في أول الحال .ونسبته إلى السرقة لتعوده بإدراك الجزئيات في
محل الوهم من المعاني المتعلقة بالمواد وبعده عن إدراك الكليات ،فلما
تقوى عليها بالوي إلى أخيه واستفادته منه تلك القوة بالتجرد فكأنه قد
سرق ولم يسرق .والمؤذن الذي نسبهم إلى السرقة هو الوهم لوجدان
الموهم تغير حال الجميع عما كانت عليه ،وعدم مطاوعتها له وتوهمه لذلك
نقصا ً فيهم .والحمل الموعود لمن يجيء بالصواع ،هو التكليف الشرعي
الذي يحصل بواسطة العقل العملي عند استفادته علم ذلك من القلب،
والصواع هو القوة الستعدادية التي يحصل بها علمه .والفاقد لها المفتش
لمتاعهم ،المستخرج إياها من رحل أخيه هو الفكر الذي بعثه القلب لهذا
الشأن .ولما كان دين روح القدس تحقق المعارف والحقائق النظرية مما ل
يتعلق بالعمل ( :ما كان ليأخذ أخاه) بالبعث على العمليات والستعمال على
الفضائل ( :في دين الملك) لن دينه العلم وعلمه التعقل ( :إل أن يشاء
الله) أي :وقت تنور النفس بنور القلب المستفاد منه وتفسح الصدر القابل
للعمليات وذلك هو رفع الدرجات ،لن النفس حينئذ ترتفع إلى درجة القلب
والقلب إلى درجة الروح في مقام الشهود ( :وفوق كل ذي
علم) كالقوى ( :عليم) كالعقل العملي وفوقه القلب وفوقه العقل النظري
وفوقه الروح وفوقه روح القدس والله تعالى فوق الكل ،علم الغيوب كلها.
ومعنى ( : :قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) أن القلب استعد لهذا
المعنى من قبل دون القوى ،فبقوا منكرين لهما ،متهمين إياهما عند أبيهما
لتحصيل مطالبهما وطلب لذة وراء ما يطلبونها .وقيل :كان لبراهيم
صلوات الله عليه وسلمه منطقة يتوارثها أكابر أولده ،فورثها من إسحق
عمة يوسف لكونها كبرى من أولده ،وقد حضنته بعد وفاة أمه راحيل ،فلما
شب أراد يعقوب انتزاعه منها ،فلم تصبر عنه ،فحزمت المنطقة تحت ثيابه
uثم قالت :إني فقدت المنطقة ،فلما وجدت عليه سلم لها وتركه يعقوب
عندها حتى ماتت .وهي إشارة إلى مقام الفتوة التي ورثها من إبراهيم
الروح قبل مقام الولية وقت شبابه .وقد حزمتها عليه النفس المطمئنة
التي حضنتها وقت وفاة راحيل اللوامة .وإرادة انتزاع يعقوب إياه منها
إشارة إلى أن العقل يريد الترقي إلى كسب المعارف والحقائق ،وإذا وجده
موصوفا ً بالفضائل في مقام الفتوة رضي به ،وتركه عند النفس المطمئنة
سالكا ً في طريق الفضائل حتى توفيت بالفناء في الله في مقام الولية
والله أعلم .وإسرار يوسف في نفسه كلمته علمه بقصورهم عن إدراك
مقامه ونقصانهم عن كماله ،وهي قوله ( : :أنتم شر مكانا) والذي اقترح أن
يأخذه يوسف القلب مكان أخيه العقل العملي هو الوهم لمداخلته في
المعقولت ،وشوقه إلى الترقي إلى أفق العقل ،وحكمه فيها ل على ما
ينبغي وميلهم إلى سياسته إياهم دون العقل العملي للتناسب الذي بينهم
في التعلق بالمادة ونزوعه إلى تحصيل مآربهم من اللذات البدنية .ولما وجد
القلب متاعه من إدراك المعاني المعقولة عند العقل العملي دون الوهم ( :
قال معاذ الله أن نأخذ إل من وجدنا متاعنا عنده إنا) إن أخذنا الوهم مكانه
وآويناه إلينا وألقينا إليه ما ألقينا إلى أخينا كنا مرتكبين الظلم العظيم
لوضعنا الشيء في غير محله ويأسهم منه شعورهم بعدم تكفيل الوهم
إياهم وتمتيعهم بدواعيه وحكمه _ وكبيرهم الذي ذكرهم موثق أبيهم الذي
هو العتقاد اليماني ،وتفريطهم في يوسف عند حكومة الوهم هو الفكر،
ولهذا قال المفسرون :هو الذي كان أحسنهم رأيا ً في يوسف ومنعهم عن
قتله .وقوله ( : :فلن أبرح الرض حتى يأذن لي أبي) أي :ل أتحرك إل بحكم
العقل دون الوهم إلى أن أموت ،وأمرهم بالرجوع إلى أبيهم سياسته إياهم
بامتثال الوامر العقلية ( :وما شهدنا إل بما علمنا) أي :إنا ل نعلم كون ذلك
المتاع عند العاقلة العملية إل نقصا ً وسرقة لعدم شعورنا به وبكونه كمال ً ( :
وما كنا) حافظين للمعنى العقلي العيني لنا ل ندرك إل ما في عالم
الشهادة ،وكذا أهل قريتنا التي هي مدينة البدن من القوى النباتية ( :والعير
التي أقبلنا فيها) من القوى الحيوانية ،فاسألهم ليخبروك بسرقة ابنك( : .
قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا) أي :زينت طبائعكم الجسمانية لكم أمر
التلذذ باللذات البدنية والشهوات الحسية فحسبتموها كما ً
ل ،وتتبع
المعقولت والتزام الشرائع والتآمر بالفضائل نقصا ً ( :فصبر جميل) أي :
فأمركم صبر جميل في العمل بالشرائع والفضائل دائما ً والوقوف مع حكم
الشرع والعقل ،أو صبر جميل على الستمتاع على وجه الشرع أجمل بكم
من الباحة والسترسال بحكم الطبيعة ،أو فأمري صبر جميل في بقاء
يوسف القلب وإخوته على استشراق النوار القدسية واستنزال الحكام
الشرعية واستخراج قواعدها التي ل مدخل لي فيها ،فل بد لي من فراقهم
إلى أوان فراغهم إلى رعاية مصالح الجانبين والوفاء بكل المرين ،أي :
المعاش والمعاد ،فإن العقل كما يقتضي طلب الكمال وإصلح المعاد،
يقتضي صلح البدن وترتيب المعاش وتعديل المزاج بالغذاء وتربية القوى
باللذات ،أو فأمري صبر جميل على ذلك ( :عسى الله أن يأتيني بهم
جميعا) من جهة الفق العلى والترقي عن طوري إلى ما يقتضيه نظري
ورأيي من مراعاة الطرفين ومقامي ومرتبتي من اختيار التوسط بين
المنزلتين ( :إنه هو العليم) بالحقائق ( :الحكيم) بتدبير العوالم ،فل يتركهم
مراعين للجهة العلوية ،ذاهلين عن الجهة السفلية ،فيخرب مدينة البدن
ويهلك أهلها ،وذلك قبل التمتيع التام الذي أشرنا إليه إذ هو مقام الجتهاد
بعد الكشف والسلوك في طريق الستقامة بعد التوحيد( .وتولى عنهم) أي :
أعرض عن جانبهم وذهل عن حالهم ،لحنينه إلى يوسف القلب وانجذابه إلى
جهته( : .وابيضت عيناه من الحزن) أول ً بوقوعه في غياهب الجب وكلل
قوة بصيرته لفرط التأسف على فراقه ثم بترقيه عن طوره وفنائه في
التوحيد وتخلفه عنه وعدم إدراكه لمقامه وكماله ،فبقي بصره حسيرا ً غير
بصير بحال يوسف ( :وهو كظيم) مملوء من فراقه .وقولهم ( : :تفتؤ تذكر
يوسف) إشارة إلى شدة حنينه ونزوعه وانجذابه إلى جهة القلب في تلك
الحالة دونهم لشدة المناسبة بينهما في التجرد والميل إلى العالم العلوي.
وقوله ( : :وأعلم من الله ما ل تعلمون) إشارة إلى علم العقل برجوع
القلب إلى عالم الخلق ووقوفه مع العادة بعد الذهاب إلى الجهة الحقانية
وانخلعه عن حكم العادة عن قريب ،كما سئل أحدهم :ما النهاية ؟ قال :
الرجوع إلى البداية .ولهذا العلم قال ( : :يا بني اذهبوا فتحسسوا من
يوسف وأخيه) وذلك عند فراغه عن السلوك بالكلية ووصول أثر ذلك الفراغ
إلى العقل بقربه إلى رتبته في التنزل والتدلي فيأمر القوى باستنزاله إلى
مقامهم بطلب الحظوظ في صورة الجمعية البدنية وتدبير معاشهم
ومصالحهم الجزئية ،وذلك هو الروح الذي نهاهم عن اليأس منه ،إذ المؤمن
يجد هذا الروح والرضوان في الحياة الثانية التي هي بالله فيحيا به ويتمتع
بحضوره بجميع أنواع النعيم ولذات جنات الفعال والصفات والذات بالنفس
والقلب والروح دون الكافر كما قال ( : :إنه ل ييأس من روح الله إل القوم
الكافرون) .وقولهم ( : :مسنا وأهلنا الضر) إشارة إلى عسرهم وسوء
حالهم ،وضيقهم في الوقوف مع الحقوق ( :وجئنا ببضاعة مزجاة) إلى
ضعفهم لقلة مواد قواهم وقصور غذائهم عن بلوغ مرادهم .وقولهم ( : :
فأوف لنا الكيل) استعطافهم إياه بطلب الحظوظ .وقوله ( : :هل علمتم ما
فعلتم بيوسف وأخيه) إشارة إلى تنزل القلب إلى مقامهم في محل الصدر
ليعرفوه فيتذكروا حالهم في البداية وما فعلوا به في زمان الجهل
والغواية .وقولهم ( : :أئنك لنت يوسف) تعجب منهم عن حاله بتلك الهيئة
النورانية والبهة السلطانية وبعدها عن حال بدايته .وقوله ( : :قد من الله
علينا) إلى آخره ،إشارة إلى علة ذلك وسبب كماله .وقولهم ( : :تالله لقد
آثرك الله علينا) إشارة تهدي القوي عند الستقامة إلى كماله ونقصها.
وقوله ( : :ل تثريب عليكم اليوم) لكونها مجبولة على أفعالها
الطبيعية .وقوله ( : :يغفر الله لكم) إشارة إلى براءتها من الذنب عند التنور
بنور الفضيلة والتأمر بأمره عند الكمال] .تفسير سورة يوسف من آية 93
إلى آية [98والقميص هو الهيئة النورانية التي اتصف بها القلب عند
الوصول إلى الوحدة في عين الجمع والتصاف بصفات الله تعالى .وقيل :
هو القميص الرثي الذي كان في تعويذه حين ألقي في البئر ،وهو إشارة
إلى نور الفطرة الصلية .كما أن الول إشارة إلى نور الكمال الحاصل له
بعد الوصول ،والول أولى بتبصير عين العقل فإن العقل لما لم تكتحل
بصيرته بنور الهداية الحقانية عمي عن إدراك الصفات اللهية( : .وائتوني
بأهلكم أجمعين) أي :ارجعوا إلي عن آخركم في مقام العتدال ومراعاة
التوسط في الفعال ،فإن القلب متوسط بين جهتي العلو والسفالة،
وانضموا إلي ،وائتمروا بأمري ،واقربوا مني ول تبعدوا عن مقامي في
طلب اللذات البدنية بمقتضى طباعكم .وريحه الذي وجده من بعيد هو
وصول أثر رجوع القلب إلى عالم العقل والمعقول ،وإقباله إليه من محض
التوحيد بتجهيز القوى الحيوانية بجهاز الحظوظ على حكم العدالة وقانون
الشرع والعقل ،فقد قيل :إنه جهز العير بأجمل ما يكون ،ووجهها إلى
كنعان .وضلله القديم هو :تعشقه بالقلب أزل ً وذهوله عن جهتهم .وقوله :
( :ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما ل تعلمون) إشارة إلى سابق علمه
برجوع القلب إلى مقام العقل .واستغفاره لهم :تقريره إياهم على حكم
الفضائل العقلية بالستقامة بعد صفائهم وذكائهم وقبولهم للهيئات
النورانية بعد خلع الظلمانية .ودخولهم على يوسف هو وصولهم إلى مقام
الصدر حال الستقامة .ودخولهم مصر كون الكل في حضرة الجمعية اللهية
الواحدية مع تفاضل مراتبهم في عين جمع الوحدة .ورفع أبويه على العرش
عبارة عن ارتفاع مرتبتي العقل والنفس عن مراتب سائر القوى وزيادة
قربهما إليه وقوة سلطنتهما عليها .وخرورهم له سجدا ً عبارة عن انقياد
الكل وطاعتهم له بالمر الوحداني بل فعل حركة بأنفسهم بحيث ل يتحرك
منها شعر ول ينبض لها عرق إل بالله .وتأويل رؤياه صورة ما تقرر في
استعداده الول من قبول هذا الكمال( : .قد جعلها ربي حقا) أخرجها من
القوة إلى الفعل ( :وقد أحسن بي) بالبقاء بعد الفناء ( :إذ أخرجني
من) سجن الخلوة التي كنت فيها محجوبا ً عن شهود الكثرة في عين الوحدة
ومطالعة الجمال في صفات الجلل ( :وجاء بكم من) بدو خارج مصر
الحضرة اللهية ( :من بعد أن نزغ) شيطان الوهم ( :بيني وبين
إخوتي) بتحريضه إياهم على إلقائي في قعر بئر الطبيعة ،بانهماكهم
وتهالكهم على اللذات البدنية ( :إن ربي لطيف) يلطف بأحبابه بتوفيقهم
للكمال وتدبير أمورهم بحسب مشيئته الزلية وعنايته القديمة ( :إنه هو
العليم) بما في الستعدادات ( :الحكيم) بترتيب أسباب الكمال وتوفيق
المستعد للوصول إليه( : .رب قد آتيتني من الملك) أي :من توحيد الملك
الذي هو توحيد الفعال ( :وعلمتني من تأويل الحاديث) أي :معاني
المغيبات وما يرجع إليه صورة الغيب ،وهو من باب توحيد الصفات( : .فاطر)
سموات الصفات في مقام القلب وأرض توحيد الفعال في مقام
النفس ( :أنت وليي) بتوحيد الذات في دنيا الملك وآخرة الملكوت ( :توفني
مسلما) أفنني عني في حالة كوني منقادا ً لمرك ل طاغيا ً ببقاء النية ( :
وألحقني بالصالحين) الثابتين في مقام الستقامة بعد الفناء في التوحيد.
]تفسير سورة يوسف من آية 106إلى آية ( : [108وما يؤمن أكثرهم
بالله) اليمان العلمي ( :إل وهم مشركون) بإثبات موجود غيره أو اليمان
العيني إل وهم مشركون باحتجابهم بأنائيتهم ( :غاشية من عذاب
الله) حجاب يحجب استعدادهم عن قبول الكمال من هيئة راسخة
ظلمانية ( :أو تأتيهم) القيامة الصغرى ( :بغتة وهم ل يشعرون) بنور
الكشف والتوحيد ،فل يرتفع حجابهم فيبقون في الحتجاب أبدًا( : .قل
هذه) السبيل التي أسلكها ،وهي سبيل توحيد الذات ( :سبيلي) المخصوص
بي ،ليس عليه إل أنا وحدي ( :أدعو إلى) الذات الحدية الموصوفة بكل
الصفات في عين الجمع ( :أنا ومن اتبعني) في هذه السبيل وكل من يدعو
إلى هذه السبيل فهو من أتباعي ،إذ النبياء قبلي كلهم كانوا داعين إلى
المبدأ والمعاد وإلى الذات الواحدية الموصوفة ببعض الصفات إل إبراهيم e
فإنه قطب التوحيد ،ولهذا كان eمن أتباعه باعتبار الجمع دون التفصيل ،إذ
ل متمم لتفاصيل الصفات إل هو عليه eوإل لكان غيره خاتما ً السبيل الحق
كما ختم لن كل أحد ل يمكنه الدعوة إل إلى المقام الذي بلغ إليه من
الكمال ( :وسبحان الله) أنزهه من أن يكون غيره على سبيله ،بل هو
السالك سبيله والداعي إلى ذاته ( :وما أنا من المشركين) المثبتين للغير
في مقام التوحيد الذاتي ،المحتجبين عنه بالنائية ،بل أنا به ،فإن عنى فهو
الداعي إلى سبيله] .تفسير سورة يوسف من آية 109إلى آية ( : [111وما
أرسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم) أي :من كان فيه بقية من الرجولية
من أهل قرى الصفات والمقامات ل من مصر الذات ،فإن البقاء الحاصل
لهل التمكين ل يكون إل بقدر الفناء .والرجوع إلى الخلق ل يكون إل على
حسب العروج .فالفناء التام والعروج الكامل ل يكون إل للقطب الذي هو
صاحب الستعداد الكامل الذي ل رتبة إل قد يبلغها ويلزم أن يكون الرجوع
التام الشامل لجميع تفاصيل الصفات عند البقاء له وهو الخاتم ولهذا قال r
' :كان بنيان النبوة تم ورصف وبقي منه موضع لبنة واحدة ،فكنت أنا تلك
اللبنة ' .وإلى هذا المعنى أشار بقوله ' : eبعثت لتمم مكارم الخلق '( : .
أفلم يسيروا في الرض) أرض استعدادهم ( :فينظروا كيف كان) نهاية
أمر (الذين من قبلهم) وغاية كمالهم ،فيبلغوا منتهى إقدامهم ويحصلوا
كمالتهم بحسب استعداداتهم ،فإن لكل أحد خاصية واستعداده الخاص
يقتضي سعادة خاصة هي عاقبته ،ومن الطلع على خواص النفوس وغايات
إقدامهم في السير يحصل للنفس هيئة اجتماعية من تلك الكمالت هي
كمال المة المحمدية على حسب اختلف استعداداتهم وهي الدار الخرة
التي هي خير للذين اتقوا صفات نفوسهم التي هي حجب الستعدادات ( :
أفل تعقلون) أن هذا المقام خير مما أنتم عليه من الدار الفانية وتمتعاتها،
فإنها ( :لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) ]العنكبوت ،الية ( : .[64 :حتى إذا
استيأس الرسل) أي :ساروا واتقوا وتراخى فتحهم ونصرهم في الكشوف
على كفرة قوى النفس حتى إذا استيأس الرسل الذين هم أشراف القوم
من بلوغ الكمال ( :وظنوا أنهم قد) كذبتهم ظنونهم في استعدادهم للكمال
أو رجائهم ( :جاءهم نصرنا) بالتأييد والتوفيق من إمداد أنوار الملكوت
والجبروت ( :فنجي من نشاء) من أهل العناية من الرسل وأتباعهم ( :ول
يرد) قهرنا بالحجب والتعذيب ( :عن القوم المجرمين) بإظهار صفات
نفوسهم على قلوبهم فيكسبونها الهيئات الغاسقة الحاجبة المؤذية( : .لقد
كان في قصصهم عبرة) أي :ما يعبر بها عن ظاهرها إلى باطنها ،كما عبرنا
في قصة يوسف uلولي العقول المجردة عن قشور الوهميات الخالصة عن
غشاوات الحسيات ( :ما كان) هذا القرآن ( :حديثا يفترى) من عند
النفس ( :ولكن تصديق الذي) كان ثابتا ً قبله في اللوح ( :وتفصيل كل
شيء) أجمل في عالم القضاء وهداية إلى التوحيد ( :ورحمة) بالتجليات
الصفاتية من وراء أستار آياته ( :لقوم يؤمنون) بالغيب لصفاء الستعداد.
)سورة الرعد(
)بسم الله الرحمن الرحيم(
(الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس) من ظلمات الكثرة إلى نور الوحدة ،أو
من ظلمات صفات النشأة إلى نور الفطرة ،أو من ظلمات حجب الفعال
والصفات إلى نور الذات ( :بإذن ربهم) بتيسيره بإبداع ذلك النور فيهم
بهيئة الستعداد من الفيض القدس من عالم اللوهية وتوفيقه بتهيئة
أسباب خروجه إلى الفعل من حضرة الربوبية ،إذ الذن منه هبة الستعداد
وتهيئة السباب وإل لم يكن لحد إخراجهم ( :إلى صراط العزيز) القوي
الذي يقهر ظلمات الكثرة بنور وحدته ( :الحميد) بكمال ذاته .وعلى المعنى
الثاني ( : :صراط العزيز) الذي يقهر صفات النفس بنور القلب ( :
الحميد) الذي يهب نعم الفضائل والعلوم عند صفاء الفطرة .وعلى
الثالث ( : :العزيز) الذي يقهر بسبحات ذاته أنوار صفاته ويفنى بحقيقة
هويته جميع مخلوقاته الحميد الذي يهب الوجود الباقي الكامل بعد فناء
الرذائل الناقص بوجود ذاته وجمال وجهه( : .وويل للكافرين) المحجوبين
عن الوحدة أو الفطرة أو تجلي الذات وكشفه .ويترتب على الوجوه الثلثة
مراتب العذاب ،فهو إما عذاب محبة النداد في جحيم التضاد وإما عذاب
هيئات الرذائل ونيران صفات النفس ومقتضيات الطبائع أو عذاب حجب
الفعال والصفات والحرمان عن نور الذات( : .الذين) يؤثرون ( :الحياة
الدنيا) الحسية على العقلية والصورية على المعنوية لوصفه الضلل بالبعد
وكون عالم الحس في أبعد المراتب عن الله تعالى( .وما أرسلنا من رسول
إل بلسان قومه) أي :بكلم يناسب ما عليه حالهم بحسب استعدادهم وعلى
قدر عقولهم وإل لم يفهموا لبعد ذلك المعنى عن أفهامهم وعدم مناسبته
لمقامهم ،فلم يمكنه أن يبين لهم ما في استعدادهم الول بالقوة من
الكمال اللئق به وما تقتضيه هوياتهم بحسب الفطرة ( :فيضل الله من
يشاء) لزوال استعداده بالهيئات الظلمانية ورسوخها والعتقادات الباطلة
واستقرارها ( :ويهدي من يشاء) ممن بقي على استعداده أو لم يترسخ فيه
حواجب هيئاته وصور اعتقاداته ( :وهو العزيز) القوي الذي ل يغلب على
مشيئته فيهدي من يشاء هدايته ويضل من يشاء ضللته ( :الحكيم) الذي
يدبر أمر هداية المهتدي بأنواع اللطف وأمر ضلل الضال بأصناف الخذلن
على مقتضى الحكمة البالغة( : .إن في ذلك ليات لكل صبار شكور) أي :
لكل مؤمن باليمان الغيبي إذ الصبر والشكر مقامان للسالك قبل الوصول
حال العقد اليماني والسير في الفعال لتحصيل رتبة التوكل ،وحينئذ آياته
التي يعتبر بها ويستمدها يتمسك بها ويعتمدها في سلوكه هي الفعال،
فكلما رأى نعمة أو سمع بها أو وصلت إليه من هداية وغيرها شكره باللسان
وبالقلب بتصوره من عند الله ،وبالجوارح بحسن التلقي والقبول والطاعة
والعمل بمقتضاها على ما ينبغي ،وكلما رأى أو سمع بلء أو نزل به صبر
بحفظ اللسان عن الجزع .وقول ( : :إنا لله وإنا إليه راجعون) ]البقرة،
الية [156 :وربط القلب وتصور أن له فيه خير أو مصلحة وإل لما ابتله
الله به ومنع الجوارح عن الضطراب.
(أفي الله شك) مع وضوحه ،أي :كيف تشكون فيما ندعوكم إليه وهو الذي
ل مجال للشك فيه لغاية ظهوره وإنما يوضح ما يوضح به( : .يدعوكم ليغفر
لكم من ذنوبكم) ليستر بنوره ظلمات حجب صفاتكم فل تشكون فيه عند
جلية اليقين ( :ويؤخركم إلى) غاية يقتضيها استعدادكم من السعادة إذ كل
شخص عين له بحسب استعداده الول كمال هو أجله المعنوي كما أن لكل
أحد بحسب مزاجه الول غاية من العمر هي أجله الطبيعي ،وكما أن الجال
الخترامية تقطع العمر دون الوصول إلى الغاية المسماة بسبب من
السباب فكذلك الفات والموانع التي هي حجب الستعداد تحول دون
الوصول إلى الكمال المعين( : .وبرزوا لله جميعا) للخلئق ثلث برزات ،برزة
عند القيامة الصغرى بموت الجسد وبروز كل أحد من حجاب جسده إلى
عرصة الحساب والجزاء ،وبرزة عند القيامة الوسطى بالموت الرادي عن
حجاب صفات النفس والبروز إلى عرصة القلب بالرجوع إلى الفطرة،
وبرزة عند القيامة الكبرى بالفناء المحض عن حجاب النية إلى فضاء الوحدة
الحقيقية وهذا هو البروز المشار إليه بقوله تعالى ( : :وبرزوا لله الواحد
القهار) ]إبراهيم ،الية ،[48 :ومن كان من أهل هذه القيامة يراهم بارزين
ل يخفى على الله منهم شيء .وأما ظهور هذه القيامة للكل وبروز الجميع
لله ،وحدوث التقاول بين الضعفاء والمستكبرين ،فهو بوجود المهدي القائم
بالحق ،الفارق بين أهل الجنة والنار عند قضاء المر اللهي بنجاة السعداء
وهلك الشقياء( : .وقال الشيطان) ظهر سلطان الحق على شيطان الوهم
وتنور بنوره ،فأسلم وأطاع وصار محقا ً عالما ً بأن الحجة لله في دعوته
للخلق إلى الحق ل له ،ودعوته إلى الباطل بتسويل الحطام وتزيين الحياة
الدنيا عليهم واهية فارغة عن الحجة ،وأقر بأن وعده تعالى بالبقاء بعد
خراب البدن والثواب والعقاب عند البعث حق قد وفى به .ووعدي بأن ليس
إل الحياة الدنيا باطل اختلقته .فاستحقاق اللوم ليس إل لمن قبل الدعوة
الخالية عن الحجة فاستجاب لها وأعرض عن الدعوة المقرونة بالبرهان فلم
يستجب لها ( :فل تلوموني ولوموا أنفسكم)] .تفسير سورة إبراهيم من آية
24إلى آية ( : [27كلمة طيبة) أي :نفسا ً طيبة ،كما مر في تسمية عيسى
) uكلمة(( : .كشجرة طيبة) كما شبهها بالزيتونة في القرآن وبالنخلة في
الحديث ( :أصلها ثابت) بالطمئنان وثبات العتقاد بالبرهان ( :وفرعها
في) سماء الروح ( :تؤتي أكلها) من ثمرات المعارف والحكم والحقائق ( :
كل) وقت ( :بإذن ربها) بتسهيله وتيسيره بتوفيق السباب وتهيئتها ( :
ومثل) نفس ( :خبيثة كشجرة خبيثة) مثل الحنظلة أو الشرجط ( :اجتثت من
فوق الرض) استؤصلت للطيش الذي فيها وتشوش العتقاد وعدم القرار
على شيء( : .يثبت الله الذين آمنوا) اليمان اليقيني بالبرهان الحقيقي ( :
في الحياة) الحسية لستقامتهم في الشريعة وسلوكهم في تحصيل
المعاش طريق الفضيلة والعدالة ( :وفي الخرة) أي :الحياة الروحانية
لهتدائهم بنور الحق في الطريقة وكونهم في تحصيل المعارف على بصيرة
من الله وبينة من ربهم ( :ويضل الله الظالمين) في الحياتين لنقص
استعداداتهم بحظوظ صفات النفس وبقائهم في الحيرة للحتجاب عن نور
الحق( .بدلوا نعمة الله) التي أنعم بها عليهم في الزل من الهداية الصلية
والنور الستعدادي الذي هو بضاعة النجاة ( :كفرا) أي :احتجابا ً وضللة ،كما
قال تعالى ( : :اشتروا الضللة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا
مهتدين) ]البقرة ،الية [16 :أضاعوا النور الباقي واستبدلوا به اللذة
الحسية الفانية ،فبقوا في الظلمة الدائمة ( :وأحلوا قومهم) من في قوى
نفوسهم أو من اقتدى بطريقتهم وتأسى بهم وتابعهم في ذلك ( :دار
البوار)( : .وجعلوا لله أندادا) من متاع الدنيا وطيباتها ومشتهياتها يحبونها
كحب الله ،إذ كل ما غلب حبه فهو معبود .قال الله تعالى ( : :زين للناس
حب الشهوات من النساء والبنين) ]آل عمران ،الية [14 :الخ( : ،ليضلوا
عن سبيله) كل من نظر إليهم من الحداث المستعدين ومن دان بدينهم( : .
قل تمتعوا) أي :اذهبوا فيه بأمر الوهم فإن تمتعكم قليل سريع الزوال،
وشيك الفناء ،وعاقبته وخيمة بالمصير إلى النار] .تفسير سورة إبراهيم من
آية 32إلى آية ( : [34الله الذي خلق) سموات الرواح وأرض الجسد ( :
وأنزل من) سماء عالم القدس ماء العلم ( :فأخرج به) من أرض النفس
ثمرات الحكم والفضائل ( :رزقا لكم) وتقوى القلب بها ( :وسخر لكم) أنهار
العلم بالستنتاج والستنباط والتفريع والتفصيل ( :وسخر لكم) شمس
الروح وقمر القلب ( :دائبين) في السير بالمكاشفة والمشاهدة ( :وسخر
لكم) ليل ظلمة صفات النفس ونهار نور الروح لطلب المعاش والمعاد
والراحة والستنارة ( :وآتاكم من كل ما سألتموه) بألسنة استعداداتكم ،فإن
كل شيء يسأله بلسان استعداده كمال ً يفيض عليه مع السؤال بل تخلف
وتراخ كما قال تعالى ( : :يسئله من في السماوات والرض كل يوم هو في
شأن )] )(29الرحمن ،الية ( : .[29 :وإن تعدو نعمة الله) من المور
السابقة على وجودكم الفائضة من الحضرة اللهية ومن اللحقة بكم من
امداد التربية الواصلة عن الحضرة الربوبية ( :ل تحصوها) لعدم تناهيها كما
تقرر في الحكمة ( :إن النسان لظلوم) بوضع نور الستعداد ومادة البقاء
في ظلمة الطبيعة ومحل الفناء وصرفه فيها ،أو بنقص حق الله أو حق
نفسه بإبطال الستعداد ( :كفار) بتلك النعم التي ل تحصى باستعمالها في
غير ما ينبغي أن تستعمل وغفلته عن المنعم عليه بها واحتجابه بها عنه( .
وإذ قال إبراهيم) الروح بلسان الحال عند التوجه إلى الله في طلب الشهود
( :رب اجعل هذا البلد) أي :بلد البدن ( :آمنا) من غلبات صفات النفس
وتنازع القوى وتجاذب الهواء ( :واجنبني وبني) القوى العاقلة النظرية
والعملية والفكر والحدس والذكر وغيرها( : .أن نعبد) أصنام الكثرة عن
المشتهيات الحسية والمرغوبات البدنية والمألوفات الطبيعية بالمحبة( : .
رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) بالتعلق بها ،والنجذاب إليها ،والحتجاب
بها عن الوحدة ( :فمن تبعني) في سلوك طريق التوحيد ( :فإنه مني ومن
عصاني فإنك غفور) تستر عنه تلك الهيئة المظلمة بنورك ( :رحيم) ترحمه
بإفاضة الكمال عليه بعد المغفرة( : .ربنا إني أسكنت من) ذرية قواي ( :بواد
غير ذي زرع) أي :وادي الطبيعة الجسمانية الخالية عن زرع الدراك والعلم
والمعرفة والفضيلة ( :عند بيتك المحرم) الذي هو القلب ( :ربنا
ليقيموا) صلة المناجاة والمكاشفة ( :فاجعل أفئدة) من ناس الحواس ( :
تهوي إليهم) فتميزهم بأنواع الحساسات وتمدهم بإدراك الجزئيات وتميل
إليهم بالمشايعة وترك المخالفة بالميل إلى الجهة السفلية واللذة
البدنية ( :وارزقهم) من ثمرات المعارف والحقائق من الكليات ( :لعلهم
يشكرون) نعمتك فيستعملون تلك المدركات في طلب الكمال( : .ربنا إنك
تعلم ما نخفي) مما فينا بالقوة ( :وما نعلن) مما أخرجناه إلى الفعل من
الكمالت ( :وما يخفى على الله من شيء في) أرض الستعداد ( :ول) في
سماء الروح.
(الحمد لله الذي وهب لي على) كبر الكمال ( :إسماعيل) العاقلة النظرية ( :
وإسحاق) العلمية ( :إن ربي لسميع الدعاء) أي :لسميع لدعاء الستعداد،
كما قال :حسبي من سؤالي علمه بحالي( : .رب اجعلني مقيم) صلة
الشهود ( :ومن ذريتي) كل منهم مقيم صلة تخصه ( :ربنا وتقبل دعاء) أي :
طلبي للفناء التام فيك ( :ربنا اغفر لي) بنور ذاتك ذنب وجودي فل أحتجب
بالطغيان ( :ولوالدي) ولما يتسبب لوجودي من القوابل والفواعل فل أرى
غيرك ول ألتفت إلى سواك فأبتلى بزيغ البصر ،ولمؤمني القوى الروحانية :
(يوم يقوم) حساب الهيئات الروحانية النورانية والنفسانية الظلمانية أيها
أرجح] .تفسير سورة إبراهيم من آية 48إلى آية ( : [52يوم تبدل الرض
غير الرض) تبدل أرض الطبيعة بأرض النفس عند الوصول إلى مقام القلب
وسماء القلب بسماء السر وكذا تبدل أرض النفس بأرض القلب وسماء
السر بسماء الروح ،وكذا كل مقام يعبره السالك يبدل ما فوقه وما تحته
كتبدل سماء التوكل في توحيد الفعال بسماء الرضا في توحيد الصفات ،ثم
سماء الرضا بسماء التوحيد عند كشف الذات ثم يطوى الكل ( :وبرزوا لله
الواحد) الذي ل موجود غيره ( :القهار) الذي يفنى كل ما عداه بتجليه ( :
وترى المجرمين) المحتجبين بصفات النفوس وهيئات الرذائل ( :
مقرنين) في أماكنهم من سجين الطبيعة وهاوية هوى النفس بقيود علئق
الطبيعيات وأرسان محبات السفليات ( :سرابيلهم من قطران) لستيلء
سواد الهيئات المظلمة من تعلقات الجواهر الغاسقة عليها ( :وتغشى
وجوههم) نار القهر والذلل والحتجاب عن لذة الكمال ،وفيه سر آخر ل
ينكشف إل لهل القيامة ممن شاهد البعث والنشور ،والله أعلم.
)سورة الحجر(
)بسم الله الرحمن الرحيم(
]تفسير سورة الحجر من آية 1إلى آية ( : [25وقرآن مبين) أي :جامع لكل
شيء ،مظهر له ( :ولقد جعلنا) في سماء العقل ( :بروجا) مقامات ومراتب
من العقل الهيولني والعقل بالملكة والعقل بالفعل والعقل المستفاد ( :
وزيناها) بالعلوم والمعارف ( :للناظرين) المتفكرين فيه ( :وحفظناها من
كل شيطان رجيم) من الوهام الباطلة ( :إل من استرق السمع) فاختطف
الحكم العقلي باستراق السمع لقربه من أفق العقل ( :فأتبعه شهاب مبين)
أي :برهان واضح فنطرده ونبطل حكمه .وأرض النفس ( :
مددناها) بسطناها بالنور القلبي ( :وألقينا فيها رواسي) الفضائل ( :وأنبتنا
فيها من كل شيء) من الكمالت الخلقية والفعال الرادية والملكات
الفاضلة والمدركات الحسية ( :موزون) معين مقدر بقدر عقلي عدلي غير
مائل إلى طرفي الفراط والتفريط لكل قوة بحسبها ( :وجعلنا لكم فيها
معايش) بالتدابير الجزئية والعمال البدنية ( :ومن لستم له برازقين) ممن
ينسب إليكم ويتعلق بكم ،أو جعلنا في سماء القلب بروجا ً مقامات كالصبر
والشكر والتوكل والرضا والمعرفة والمحبة ،وزيناها بالمعارف والحكم
والحقائق ( :وحفظناها من كل شيطان رجيم) من الوهام والتخيلت ( :إل
من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين )] )(18الحجر ،الية [18 :أي :
إشراق نوري من طوالع أنوار الهداية( : .وإن من شيء إل عندنا
خزائنه) أي :ما من شيء في الوجود إل له عندنا خزانة في عالم القضاء
أول ً بارتسام صورته في أم الكتاب الذي هو العقل الكلي على الوجه الكلي،
ثم خزانة أخرى في عالم النفس الكلية وهو اللوح المحفوظ بارتسام
صورته فيه متعلقا ً بأسبابه ،ثم خزانة أخرى بل خزائن في النفوس الجزئية
السماوية المعبر عنها بسماء الدنيا ولوح القدر بارتسام صورته فيها جزئية
مقدرة بمقدارها وشكلها ووضعها ( :وما ننزله) في عالم الشهادة ( :إل
بقدر معلوم) من شكل وقدر ووضع ووقت ومحل معينة واستعداد مختص به
في ذلك الوقت( : .وأرسلنا) رياح النفحات اللهية ( :لواقح) بالحكم
والمعارف ،مصفية للقلوب ،معدة للستعدادات لقبول التجليات ( :
فأنزلنا) من سماء الروح ماء من العلوم الحقيقية ( :
فأسقيناكموه) وأحييناكم به ( :وما أنتم) لذلك العلم ( :بخازنين) لخلوكم
عنها( : .وإنا لنحن نحيي) بالحياة الحقيقية بماء الحياة العلمية والقيام في
مقام الفطرة ( :ونميت) بالفناء في الوحدة ( :ونحن الوارثون) للوجود،
الباقون بعد فنائكم( : .ولقد علمنا المستقدمين منكم) أي :المستبصرين،
المشتاقين من المحبين الطالبين للتقدم ( :ولقد علمنا
المستأخرين) المنجذبين إلى عالم الحس ومعدن الرجس باستيلء صفات
النفس ومحبة البدن ولذاته ،الطالبين للتأخر عن عالم القدس ( :وإن ربك
هو يحشرهم) مع من يتولونه ويجمعهم إلى من يحبونه وينزعون إليه ( :إنه
حكيم) يدبر أمرهم في الحشر على وفق الحكمة بحسب المناسبة ( :
عليم) بكل ما فيهم من خفايا الميل والنجذاب والمحبة وما تقتضيه
هيئاتهم وصفاتهم فسيجزيهم وصفهم( .ولقد خلقنا النسان من صلصال
من حمإ مسنون) أي :من العناصر الربعة الممتزجة إذ الحمأ هو الطين
المتغير والمسنون ما صب عليه الماء حتى خلص عن الجزاء الصلبة الخشنة
الغير المعتدلة المنافية لقبول الصورة التي يراد تصويرها منه .والصلصال
ما تخلخل منه بالهواء وتجفف بالحرارة ( :والجان) أي :أصل الجن وهو
جوهر الروح الحيواني الذي تولد منه قوى الوهم والتخيل وغيرهما ( :
خلقناه من قبل من نار السموم) أي :من الحرارة الغريزية ومن بخارية
الخلط ولطافتها المستحيلة بها ،وإنما قال من قبل لتقدم تأثير الحرارة
في التركيب بالتمزيج والتعديل وإثارة ذلك البخار على صور العضاء بل
القوى الفعالة المؤثرة متقدمة على التركيب في الصل وقد مر معنى
انقياد الملئكة له وعدم انقياد إبليس( : .فأخرج) من جنة عالم القدس التي
ترتقي إلى أفقه ( :فانك) مرجوم ،مطرود منها لكونك غير مجرد عن
المادة ( :وإن عليك) لعنة البعد في الرتبة ( :إلى يوم) القيامة الصغرى
وتجرد النفس عن البدن بقطع علقتها أو الكبرى بالفناء في التوحيد ( :
لزينن لهم) الشهوات واللذات في الجهة السفلية ( :ولغوينهم أجمعين إل
عبادك) أي :المخصوصين بك ،الذين أخلصتهم من شوائب صفات النفس
وطهرتهم من دنس تعلق الطبيعة ،وجردتهم بالتوجه إليك من بقايا صفاتهم
وذواتهم ،أو الذين أخلصوا أعمالهم لك من غير حظ لغيرك فيها ( :هذا
صراط علي) حق نهجه ومراعاته ( :مستقيم) ل اعوجاج فيه ،وهو أن ل
سلطان لك على عبادي المخلصين إل الذين يناسبونك في الغواية والبعد
عن صراطي فيتبعونك( : .لها سبعة أبواب) هي الحواس الخمس والشهوة
والغضب ( :لكل باب منهم جزء مقسوم) عضو خاص به ،أو بعض من الخلق
يختصون بالدخول منه لغلبة قوة ذلك الباب عليهم.
(إن المتقين) الذين تزكوا عن الغواشي الطبيعية وتجردوا عن الصفات
البشرية ( :في جنات) من روضات عالم القدس ( :وعيون) من ماء حياة
العلم مقول ً لهم ( :ادخلوها) بسلمة من الهيئات الجسدانية وأمراض
القلوب المانعة عن الوصول إلى ذلك المقام ( :أمنين) من آفات عالم
التضاد وعوارض الكون والفساد ،وتغيرات أحوال الزمنة والمواد( : .ونزعنا
ما في صدورهم من غل) أي :حقد راسخ وكل هيئة متصاعدة من النفس
إلى وجه القلب الذي يليها بفيض النور واستيلء قوة الروح وتأييد القدس،
وهم الذين غلبت أنوارهم على ظلماتهم من أهل العلم واليقين فاضمحلت
وزالت عنهم الهيئات النفسانية الغاسقة وآثار العداوة اللزمة لهبوط
النفس والميل إلى عالم التضاد ،وأشرقت فيهم قوة المحبة الفطرية
بتعاكس أشعة القدس وأنوار التوحيد واليقين من بعضهم إلى بعض،
فصاروا إخوانا ً بحكم العقد اليماني والتناسب الروحاني( : .على
سرر) مراتب عالية ( :متقابلين) لتساوي درجاتهم وتقارب مراتبهم وكونهم
غير محتجبين( : .ل يمسهم فيها نصب) لمتناع أسباب المنافاة والتضاد
هناك ( :وما هم منها بمخرجين) لسرمدية مقامهم وتنزهه عن الزمان
وتغيراته .وأما كيفية نزول الملئكة على النبيين وتجسد الرواح العالية
للمتجردين المنسلخين عن الهيئات البدنية المتقدسين ،فقد مرت الشارة
إليها في سورة )هود(] .تفسير سورة الحجر من آية 87إلى آية ( : [99
ولقد آتيناك سبعا) أي :الصفات السبع التي ثبتت لله تعالى وهي :الحياة
والعلم والقدرة والرادة والسمع والبصر والتكلم ( :من المثاني) التي كرر
وثنى ثبوتها لك أول ً في مقام وجود القلب عند تخلقك بأخلقه ،واتصافك
بأوصافه ،فكانت لك .وثانيا ً :في مقام البقاء بالوجود الحقاني بعد الفناء
في التوحيد ( :والقرآن العظيم) أي :الذات الجامعة لجميع الصفات وإنما
كانت لمحمد عليه eسبعًا ،ولموسى تسعا ً لنه ما أوتي القرآن العظيم بل
كان مقامه التكليم ،أي :مقام كشف الصفات دون كشف الذات ،فله هذه
السبع مع القلب والروح( : .فسبح) بالتجريد عن عوارض الصفات المتعلقة
بالمادة لتكون منزها ً لله تعالى بلسان الحال ،حامدا ً لربك بالتصاف
بالصفات الكمالية لتكون حامدا ً لنعم تجليات صفاته بأوصافك ( :وكن من
الساجدين) بسجود الفناء في ذاته ( :واعبد ربك) بالتسبيح والتحميد
والسجود المذكورة ( :حتى يأتيك) حق ( :اليقين) فتنتهي عبادتك بانقضاء
وجودك ،فيكون هو العابد والمعبود جميعا ً ل غيره.
)سورة النحل(
)بسم الله الرحمن الرحيم(
(أتى أمر الله) لما كان eمن أهل القيامة الكبرى يشاهدها ويشاهد أحوالها
في عين الجمع ،كما قال ' : eبعثت أنا والساعة كهاتين ' .أخبر عن شهوده
بقوله تعالى ( : :أتى أمر الله) ولما كان ظهورها على التفصيل بحيث تظهر
لكل أحد ل يكون إل بوجود المهدي uقال ( : :فل تستعجلوه) لن هذا ليس
وقت ظهوره ،ثم أكد شهوده لوجه الله وفناء الخلق في القيامة بقوله I( : :
عما يشركون) من إثبات وجود الغير .ثم فصل ما شهد في عين الجمع لكونه
في مقام الفرق بعد الجمع يشاهد كثرة الصفات في عين أحدية الذات
بحيث ل يحتجب بالوحدة عن الكثرة ول بالعكس ،كما ذكر في قوله تعالى : :
(شهد الله) ]آل عمران ،الية [18 :الية ،فقال ( : :ينزل الملئكة
بالروح) أي :العلم الذي يحيي به القلوب ،يعني :القرآن ( :من) عالم ( :
أمره) الذي انتقش فيه ( :على من يشاء من عباده) المخصوصين بمزيد
عنايته ،إن أخبروهم بالتوحيد والتقوى ،فبين بعد بيان أحدية الذات عالم
الصفات الحقيقية بتنزيل الروح الذي هو العلم ،وإثبات المشيئة التي هي
الرادة ،وعالم السماء بإثبات الملئكة ،وعالم الفعال بالنذار .ثم عد
الصفات الضافية كالخلق والرزق ،وفصل النعم المتعددة كالنعم وغيرها.
ولما ظهر الحق والخلق ظهر طريق الحق والباطل ،فقال ( : :وعلى الله
قصد السبيل) أي :عليه لزوم السبيل المستقيم والهداية إليها لهله ،كما
قال ( : :إن ربي على صراط مستقيم) ]هود ،الية [56 :أي :كل من كان
على هذا الصراط الذي هو طريق التوحيد ل بد وأن يكون من أهله تعالى
لنه طريقه الذي يلزمه .ومن السبيل ( :جائر) يعني بعض السبل ،وهي
السبل المتفرقة مما عدا سبيل التوحيد جائر عادل عن الحق ،موصل إلى
الباطل ل محالة ،فهي سبيل الضللة كيفما كانت .ولم يشأ هداية الجميع
إلى السبيل المستقيم لكونها تنافي الحكمة( : .الذين تتوفاهم الملئكة
ظالمي أنفسهم) قد مر أن السابقين الموحدين يتوفاهم الله تعالى بذاته،
وأما البرار والسعداء فقسمان :فمن ترقى عن مقام النفس بالتجرد
ووصل إلى مقام القلب بالعلوم والفضائل يتوفاهم ملك الموت ،ومن كان
في مقام النفس من العباد والصلحاء والزهاد والمتشرعين الذين لم
يتجردوا عن علئق البدن بالتزكية والتحلية تتوفاهم ملئكة الرحمة بالبشرى
بالجنة ،أي :جنة النفس التي هي جنة الفعال والثار .وأما الشرار
الشقياء فكيفما كانوا تتوفاهم ملئكة العذاب ،إذ القوى الملكوتية المتصلة
بالنفوس تتشكل بهيئات تلك النفوس ،فإذا كانت محجوبة ظالمة كانت
هيئاتهم غاسقة ظلمانية هائلة ،فتتشكل القوى الملكوتية القابضة
لنفوسهم بتلك الهيئات لمناسبتها ،ولهذا قيل :إنما يظهر ملك الموت على
صورة أخلق المحتضر ،فإذا كانت رديئة ،ظلمانية ،كانت صورته هائلة،
موحشة ،غلب على من يحضره الخوف والذعر ،وتذلل وتمسكن ،ونزل عن
استكباره ،وأظهر العجز والمسكنة ،وهذا معنى قوله ( : :فألقوا
السلم) أي :سالموا ،وهانوا ،ولنوا ،وتركوا العناد والتمرد وقالوا ( : :ما كنا
نعمل من سوء) فأجيبوا بقولهم ( : :بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون
فادخلوا أبواب جهنم) الفعال .وأما المتقون عن المعاصي والمناهي،
الواقفون مع أحكام الشريعة ،المعترفون بالتوحيد والنبوة على التقليد ل
التحقيق ،وإل لتجردوا بعلم اليقين عن صفات النفس إلى مقام القلب،
فتتوفاهم الملئكة طيبين على صورة أخلقهم وأعمالهم الطيبة الجميلة،
فرحين مستبشرين ( :يقولن سلم عليكم ادخلوا الجنة) أي :الجنة
المعهودة عندهم ،وهي جنة النفوس من جنات الفعال ( :بما كنتم تعملون).
( :وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء) إنما قالوا
ذلك عنادا ً وتعنتا ً عن فرط الجهل ،وإلزاما ً للموحدين بناء على مذهبهم ،إذ
لو قالوا ذلك عن علم ويقين لكانوا موحدين ل مشركين بنسبة الرادة
والتأثير إلى الغير ،لن من علم أنه ل يمكن وقوع شيء بغير مشيئة من
الله ،علم أنه لو شاء كل من في العالم شيئا ً لم يشأ الله ذلك لم يمكن
وقوعه ،فاعترف بنفي القدرة والرادة عما عدا الله تعالى فلم يبق مشركًا،
قال الله تعالى ( : :ولو شاء الله ما أشركوا) ]النعام ،الية ( : .[107 :كذلك
فعل الذين من قبلهم) في تكذيب الرسل بالعناد( : .إنما قولنا لشيء إذا
أردناه أن نقول له كن فيكون) الفرق بين إرادة الله تعالى وعلمه وقدرته ل
يكون إل بالعتبار ،فإن الله تعالى يعلم كل شيء ويعلم وقوعه في وقت
معين بسبب معين على وجه معين ،فإذا اعتبرنا علمه بذلك قلنا بعالميته،
وإذا اعتبرنا تخصيصه بالوقت المعين والوجه المعين قلنا بإرادته ،وإذا
اعتبرنا وجوب وجوده بوجود ما يتوقف عليه وجوده في ذلك الوقت على
ذلك الوجه المعلوم قلنا بقدرته ،فمرجع الثلثة إلى العلم .ولو اقتضى علمنا
وجود شيء ولم يتغير ولم يحتج إلى ترو وعزيمة غير كونه معلوما ً وتحريك
اللت لكان فينا أيضا ً كذلك] .تفسير سورة النحل من آية 48إلى آية
( : [55أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء) أي :ذات وحقيقة مخلوقة ،أية
ذات كانت من المخلوقات ( :يتفيأ ظلله) أي :يتجسد ويتمثل هياكله
وصوره ،فإن لكل شيء حقيقة هي ملكوت ذلك الشيء وأصله الذي هو به،
هو كما قال تعالى ( : :بيده ملكوت كل شيء) ]يس ،الية .[83 :وظلله
هو :صفته ومظهره ،أي :جسده الذي به يظهر ذلك الشيء( : .عن اليمين
و) عن ( :الشمائل) أي :عن جهة الخير والشر ( :سجدا لله) منقادة بأمره،
مطواعة ل تمتنع عما يريد فيها ،أي :يتحرك هياكله إلى جهات الفعال
الخيرية والشرية بأمره ( :وهم داخرون) صاغرون ،متذللون لمره،
مقهورون( : .ولله يسجد) ينقاد ( :ما في السماوات) في عالم الرواح من
أهل الجبروت والملكوت والرواح المجردة المقدسة ( :وما في الرض) في
عالم الجساد من الدواب والناسي والشجار وجميع النفوس والقوى
الرضية والسماوية ( :وهم ل يستكبرون) ل يمتنعون عن النقياد والتذلل
لمره ( :يخافون ربهم) أي :ينكسرون ويتأثرون وينفعلون منه انفعال
الخائف ( :من فوقهم) من قهره وتأثيره وعلوه عليهم ( :ويفعلون ما
يؤمرون) طوعا ً وانقيادا ً بحيث ل يسعهم فعل غيره( : .إذا فريق منكم
بربهم يشركون) بنسبة النعمة إلى غيره ورؤيته منه ،وكذا بنسبة الضر إلى
الغير وإحالة الذنب في ذلك عليه ،والستعانة في رفعه به .قال الله تعالى :
' أنا والجن والنس في نبأ عظيم ،أخلق ويعبد غيري ،وأرزق ويشكر غيري '،
وذلك هو كفران النعمة والغفلة عن المنعم المشار إليهما بقوله ( : :
ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون) وبال ذلك العتقاد عليهم ،أو
فسوف تعلمون بظهور التوحيد أن ل تأثير لغير الله في شيء( .ويجعلون
لما ل يعلمون) وجوده مما سواه ( :نصيبا مما رزقناهم) فيقولون :هو
أعطاني كذا ،ولو لم يعطني لكان كذا ،وفلن رزقني وأعانني ،فيجعلون
لغيره تأثيرا ً في وصول ذلك إليه ،وإن لم يثبتوا له تأثيرا ً في وجوده فقد
جعلوا له نصيبا ً مما رزقهم الله] .تفسير سورة النحل من آية 75إلى آية
( : [76ضرب الله مثل) للمجرد والمقيد والمشرك والموحد ( :عبدا
مملوكا) محبا ً لغير الله ،مؤثرا ً له بهواه ،فإن المقيد بالشيء يدين بدينه
ويصدر عن حكمه ،ويتصرف بأمره ،فهو عبده إذ كل من أحب شيئا ً أطاعه،
وإذا أطاعه فقد عبده .فمنهم من يعبد الشيطان ومنهم من يعبد الشهوة
ومنهم من يعبد الدنيا أو الدينار أو اللباس ،كما قال عليه ' : eتعس عبد
الدينار ،تعس عبد الدرهم ،وتعس عبد الخميصة ' ،وقال الله تعالى ( : :
أفرءيت من اتخذ إلهه هواه) ]الجاثية ،الية [23 :وإذا عبده كان مملوكه
ورقيقه( : .ل يقدر على شيء) لن المحب والعابد ل يرتقي همته وتأثيره
وقوة نفسه من محبوبه ومعبوده وإل لما كان مقهورا ً له ،أسيرا ً في وثاقه،
بل ينقض منه ومعبوده عاجز ل تأثير له ،بل ل وجود سواء كان جمادا ً أو
حيوانا ً أو إنسانا ً أو ما شئت ،فهو أعجز منه وأذل ،ولهذا قيل :إن الدنيا
كالظل ،إذا تبعته فاتك وإن تركته تبعك ،فإن تابع الدنيا أحقر قدرا ً من الدنيا
وأقل خطرًا ،ول تأثير للدنيا فكيف به حتى يحصل له وبسببه شيء ؟ وإن
الدنيا ظل زائل ،فهو ظل الظل ول ظل لظل الظل ،بل الظل للذات ول
ذات له فل ملك له ول قدرة( : .ومن رزقناه منا رزقا حسنا) ومن أحبنا
وأقبل بقلبه علينا ،وتجرد عما سوانا ،وانقطع إلينا ،أعطيناه اليد والقوة،
ورزقناه الملك والحكمة ،وأسبغنا عليه النعمة الظاهرة والباطنة لنه متوجه
إلى مالك الملك ،منعم الكل ،منيع القوى والقدر ،فأكسب نفسه القوة
والتأثير والقدرة منه ،وتأثر منه الكوان والجرام وأطاعه الملك والملكوت
كما أوحى الله تعالى إلى داود ' : uيا دنيا اخدمي من خدمني ،واتعبي من
خدمك ' .ثم إذا ربت همته الشريفة عن الكوان ولم تقف بمحبته مع غير
الله ولم يلتفت إلى ما سواه زدنا في رزقه فآتيناه صفاتنا ومحونا عنه
صفاته ،فعلمناه من لدنا علما ً وأقدرناه بقدرتنا ،كما قال تعالى ( : :ل يزال
العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به
' ،الحديث( : .فهو ينفق منه سرا ً وجهرًا) ينفق من النعم الباطنة كالعلم
والحكمة سرًا ،ومن الظاهرة جهرًا ،أو ينفق من كلتيهما سرا ً كالذي يصل
إلى الناس من غير تسببه لوصوله ظاهرا ً وهو في الحقيقة منه وصل لنه
حينئذ واسطة الوجود اللهي ووكيل حضرته وجهرا ً كالذي يتسبب هو بنفسه
ظاهرا ً لوصوله ( :هل يستوون) استفهام بطريق النكار وكذا المشرك
كالبكم الذي لم يكن له استعداد النطق في الخلقة لنه ما استعد للدراك
والعقل الذي هو خاصية النسان ،فيدرك وجوب وجود الحق تعالى وكماله
وإمكان الغير ونقصانه فيتبرأ عن غيره ويلوذ به عن حول نفسه وغيره
وقوتهما( : .ل يقدر على شيء) لعدم استطاعته وقصور قوته للنقص اللزم
لستعداده ( :وهو كل على موله) لعجزه بالطبع عن تحصيل حاجته ،فهو
عبد بالطبع محتاج ،متذلل للغير ،ناقص عن رتبة كل شيء لكونه أقل من ل
شيء ،فإن الممكن الذي يعبده ليس بشيء سواء كان ملكا ً أو ملكا ً أو فلكا ً
أو كوكبا ً أو عقل ً أو غيرها ( :أينما يوجهه ل يأت بخير) لعدم استعداده
وشرارته بالطبع فل يناسب إل الشر الذي هو العدم فكيف يأتي بالخير ( :
هل يستوي هو) والموحد القائم بالله ،الفاني عن غيره حتى نفسه يقوم
بالحق ،ويعامل الخلق بالعدل ،ويأمر بالعدل ،لن العدل ظل الوحدة في
عالم الكثرة فحيث قام بوحدة الذات وقع ظله على الكل ،فلم يكن إل آمرا ً
بالعدل ( :وهو على صراط مستقيم) أي :صراط الله الذي عليه خاصته من
أهل البقاء بعد الفناء الممدود على نار الطبيعة لهل الحقيقة يمرون عليه
كالبرق اللمع( .ولله غيب السموات والرض) أي :ولله علم الذي خفي في
السموات والرض من أمر القيامة الكبرى ،أو علم مراتب الغيوب السبعة
التي أشرنا إليه من غيب الجن والنفس والقلب والسر والروح والخفي
وغيب الغيوب أو ما غاب من حقيقتهما أي :ملكوت عالم الرواح وعالم
الجساد ( :وما أمر) القيامة الكبرى بالقياس إلى المور الزمانية ( :
ال) كأقرب زمان يعبر عنه مثل لمح البصر ( :أو هو أقرب) وهو بناء على
التمثيل وإل فأمر الساعة ليس بزماني وما ليس بزماني يدركه من يدركه ل
في الزمان ( :إن الله على كل شيء قدير) يقدر على الماتة والحياء
والحساب ل في زمان كما يشاهد أهله وخاصته( : .ألم يروا إلى
الطير) القوى الروحانية والنفسانية من الفكر والعقل النظري والعملي ،بل
الوهم والتخيل ( :مسخرات في جو السماء) أي :فضاء عالم الرواح ( :ما
يمسكهن) من غير تعلق بمادة ول اعتماد على جسم ثقيل ( :إل الله)( : .
يعرفون نعمة الله) أي :هداية النبي أو وجوده لما ذكرنا أن كل نبي يبعث
على كمال يناسب استعدادات أمته ويجانسهم بفطرته ،فيعرفونه بقوة
فطرتهم ( :ثم ينكرونها) لعنادهم وتعنتهم بسبب غلبة صفات نفوسهم من
الكبر والنفة وحب الرياسة أو لكفرهم واحتجابهم عن نور الفطرة بالهيئات
الغاسقة الظلمانية وتغير الستعداد الول ( :وأكثرهم الكافرون) في إنكاره
لشهادة فطرهم بحقيته( .ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) أي :نبعث نبيهم
على غاية الكمال الذي يمكن لمته الوصول إليه أو التقرب منه والتوجه إليه
لمكان معرفتهم إياه فيعرفونه ،ولهذا يكون لكل أمة شهيد غير شهيد المة
الخرى ،ويعرف كل من قصر وخالف نبيه بالعراض عن الكمال الذي هو
يدعو إليه ،والوقوف في حضيض النقصان قصوره واحتجابه فل حجة له ول
نطق ،فيبقى متحيرا ً متحسرًا ،وهو معنى قوله ( : :ثم ل يؤذن للذين كفروا)
ول سبيل له إلى إدراك ما فاته من كماله لعدم آلته ،ول يمكن أن يرضى
بحاله لقوة استعداده الفطري الذي جبل عليه ،وشوقه الصلي الغريزي
إليه ،فهو مكظوم ل يستعتب ول يسترضي( : .وألقوا إلى الله يومئذ السلم)
أي :الستسلم والنقياد .وقد جاء إنكارهم كقوله تعالى ( : :يوم يبعثهم
الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم) ]المجادلة ،الية [18 :وذلك
بحسب المواقف ،فالنكار في الموقف الول وقت قوة هيئات الرذائل
وشدة شكيمة النفس في الشيطنة ،وغاية البعد عن النور اللهي للحتجاب
بالحجب الغليظة والغواشي المظلمة حتى ل يعلم أنه كان يراه ويطلع عليه
ونهاية تكدر نور الفطرة حتى يمكنه إظهار خلف مقتضاه .والستسلم في
الموقف الثاني بعد مرور أحقاب كثيرة من ساعات اليوم الذي كان مقداره
خمسين ألف سنة حين زالت الهيئات ،ورقت وضعفت شراشر النفس في
رذائلها ،وقرب من عالم النور لرقة الحجب ولمعان نور فطرته الولى،
فيعترف وينقاد ،هذا إذا كان الستسلم والنكار لنفوس بعينها .وقد يكون
الستسلم للبعض الذين لم ترسخ هيئات رذائلهم ،ولم تغلظ حجبهم ،ولم
ينطفئ نور استعدادهم .والنكار لمن ترسخت فيه الهيئات وقويت وغلبت
عليه الشيطنة ،واستقرت وكثف الحجاب ،وبطل الستعداد والله أعلم( : .
وجئنا بك شهيدا على هؤلء) قد مر في سورة )النساء(( : ،ونزلنا عليك
الكتاب) أي :العقل الفرقاني بعد الوجود الحقاني ( :تبيانا ً لكل شيء) تبيينا ً
وتحقيقا ً لحقية كل شيء ،وهداية لمن استسلم وانقاد لسلمة فطرته إلى
كماله ( :ورحمة) له بتبليغه إلى ذلك الكمال بالتربية والمداد وبشارة له
ببقائه على ذلك الكمال أبدا ً سرمدا ً في الجنان الثلث( .وأوفوا بعهد
الله) الذي هو تذكر العهد السابق وتجديده بالعقد اللحق بالبقاء على حكمه
في العراض عن الغير والتجرد عن العوائق والعلئق في التوجه إليه ( :إذ
عاهدتم) أي :تذكرتموه بإشراق نور النبي عليكم وتذكيره إياكم( : .من
عمل صالحا من ذكر أو أنثى) أي :عمل ً يوصله إلى كماله الذي يقتضيه
استعداده ،إذ الصلح في الشخص توجهه إلى كماله أو كونه على ذلك
الكمال ،والفساد بالضد وفي العمل كونه وصلة وسيلة إليه من صاحب قلب
بالغ إلى كمال الرجولية أو صاحب نفس قابلة لتأثير القلب مستفيضة
منه ( :وهو مؤمن) أي :معتقد للحق اعتقادا ً جازمًا ،إذ صلح العمل مشروط
بصحة العتقاد وإل لم يتصور كماله على ما هو عليه ولم يعتقده على الوجه
الذي ينبغي فلم يمكنه عمل يوصله إليه فل يكون ما يعمله صالحا ً حينئذ في
الحقيقة .وإن كان في صورة الصلح ( :فلنحيينه حياة طيبة) أي :حياة
حقيقية ل موت بعدها بالتجرد عن المواد البدنية والنخراط في سلك النوار
السرمدية ،والتلذذ بكمالت الصفات في مشاهدات التجليات الفعالية
والصفاتية ( :ولنجزينهم أجرهم) من جنان الفعال والصفات ( :بأحسن ما
كانوا يعملون) إذ عملهم يناسب صفاتهم التي هي مبادئ أفعالهم وأجرهم
يناسب صفاتنا التي هي مصادر أفعالنا ،فانظر كم بينهما من التفاوت في
الحسن( : .فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) فادرج عن مقام النفس
بالعروج إلى جناب القدس ،فإن النفس مأوى كل كدورة ومنبع كل رجس
تناسب وساوس الشيطان ،وتجردها بأحاديثها ،فإن ارتقيت من مقرها لم
يكن للشيطان عليك سلطان لنه ل يطيق نور حضور الحق وحضرة القلب
مهبط أنواره وجناب صفاته المقدسة ومحل تجلياته النورية ،فعذ إليها وعذ
بنور الله فيها تستحكم بنيان إيمانك باليقين .فإن اليمان الذي ل يبقى معه
سلطان الشطيان كما قال تعالى ( : :إنه ليس له سلطان على الذين
آمنوا) أقل درجاته اليقين العلمي الذي محله القلب الصافي ول يكفي هذا
اليقين في نفي سلطانه إل إذا كان مقرونا ً بشهود الفعال الذي هو مقام
التوكل كما قال تعالى ( : :وعلى ربهم يتوكلون) والفناء في الفعال ل
يمكن مع بقاء صفات النفس ،إذ بقاء صفاتها يستدعي أفعالها ،ولهذا قيل :
ل يمكن إيفاء حق مقام وتصحيحه وإحكامه إل بعد الترقي إلى ما فوقه،
فبالترقي إلى مقام الصفات يتم فناء الفعال فيصح التوكل( : .إنما
سلطانه على الذين يتولونه) في مقام النفس بالمناسبة التي بينهما في
الظلمة والكدورة ،إذ التولي مرتب على الجنسية ( :والذين هم به مشركون)
بنسبة القوة والتأثير إليه ،بل بطاعته وانقياد أوامره للتولي المذكور.
]تفسير سورة النحل من آية 106إلى آية ( : [111من كفر بالله من بعد
إيمانه) لكون الظلمة له ذاتية بحسب استعداده الول والنور عارضيًا ،فهو
في حجاب خلقي عن نور اليمان إن اعتراه شعاع قدسي من نفس الرسول
أو من فيض القدس أو أثر فيه وعدا ً ووعيدًا ،أو كلمة حق في دعوته إلى
الحق في حال إقبال من قلبه ودعاه داعية نفسانية من حصول نفع ودفع
ضر ماليين أو جاه وعزة بسبب السلم ،آمن ظاهرًا ،ومقامه ومقره الكفر،
فقد استحق غضب الله لنه محجوب بحسب الستعداد عن أول مراتب
اليمان الذي هو شهود الفعال بالستدلل من الصنع على الصانع فعقابه
من باب الفعال والصفات ل الذي ( :أكره) على الكفر بالنذار والتخويف ( :
وقلبه مطمئن) ثابت متمكن مملوء ( :باليمان) لنورية فطرته في الصل
وكون النور ذاتيا ً له بحسب الفطرة ،والكفر والحتجاب إنما عرض بمقتضى
النشأة .وقد زال الحجاب العارضي( : .ولكن من شرح بالكفر صدرا) أي :
طاب به نفسا ً ورضي واطمأن لكونه مستقره مأواه الصلي ( :فعليهم
غضب) عظيم ،أي :غضب ( :من الله ولهم عذاب عظيم) لحتجابهم عن
جميع مراتب النوار من الفعال والصفات والذات ،فما أغلظ حجابهم وما
أعظم عذابهم( : .ذلك) أي :انشراح الصدر بالكفر والرضا به ( :ب) سبب ( :
أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الخرة) لكونها مبلغ علمهم ونهايته ،وما بلغ
علمهم إلى الخرة لنسداد بصائر قلوبهم ومناسبة استعدادهم للمور
الغاسقة السفلية من المواد الجسمية ،فأحبوا ما شعروا به ولءم حالهم.
وحب الدنيا رأس كل خطيئة لستلزامه الحجاب الغلظ الذي ل خطيئة إل
تحته وفي طيه ( :وأن الله ل يهدي القوم الكافرين) أي :المحجوبين بأغلظ
الحجب لمتناع قبولهم للهداية( : .أولئك الذين طبع الله على
قلوبهم) بقساوتها وكدورتها في الصل فلم ينفتح لهم طريق اللهام
والفهم والكشف ( :وسمعهم وأبصارهم) بسد طريق المعنى المراد من
مسموعاتهم وطريق العتبار من مبصراتهم إلى القلب ،فلم يؤثر فيهم
شيء من أسباب الهداية من طريق الباطن من فيض الروح وإلقاء الملك
وإشراق النور ول من طريق الظاهر بطريق التعليم والتعلم والعتبار من
آثار الصنع ( :وأولئك هم الغافلون) بالحقيقة لعدم انتباههم بوجه من
الوجوه وامتناع تيقظهم من نوم الجهل بسبب من السباب( : .ل جرم أنهم
في الخرة هم الخاسرون) الذين ضاعت دنياهم التي استنفدوا في تحصيلها
وسعهم ،وأتلفوا في طلبها أعمارهم ،وليسوا من الخرة في شيء إل في
عذاب هيئات التعلقات ووبال التحسرات( : .ثم إن ربك للذين هاجروا) أي :
تباعد بين هؤلء المحجوبين الذين :إن ربك عليهم بالغضب والقهر ،وبين
الذين :إن ربك لهم بالرضا والرحمة وهم الذين هاجروا عن مواطن النفس
بترك المألوفات والمشتهيات ( :من بعد ما فتنوا) وابتلوا بحكم النشأة
البشرية ( :ثم جاهدوا) في الله بالرياضات وسلوك طريقه بالترقي في
المقامات والتجريد عن الهيئات والتعلقات ( :وصبروا) على ما تحب النفس
وتكرهه بالثبات في السير ( :إن ربك من) بعد هذه الحوال ( :لغفور) لهم
بستر غواشي الصفات النفسانية ( :رحيم) بإفاضة الكمالت وإبدال صفاتهم
بالصفات اللهية.
(وضرب الله مثل) للنفس المستعدة ،القابلة الصافية عن الكدورات،
المستفيدة من فيض القلب ،الثابتة في طريق اكتساب الفضائل ،المنة من
خوف فواتها وفنائها ،المطمئنة باعتقادها ( :يأتيها رزقها رغدا) من العلوم
النافعة والفضائل الحميدة والنوار الشريفة ( :من كان مكان) أي :من
جميع جهات الطرق البدنية كالحواس الممتارة إياها قوت العلوم الجزئية،
والجوارح ،واللت التي تطاوعها في العمال الجميلة ،وتمرين الفضيلة إذا
كانت منقادة للقلب مطواعة له ،قابلة لفيضه ،باقية على معتقدها من الحق
تقليدًا .ومن جهة القلب كإمداد النوار ،وهيئات الفضائل ،فظهرت بصفاتها
بطرا ً وإعجابا ً بزينتها وكمالها .ونظرا ً إلى ذاتها ببهجتها وبهائها فاحتجبت
بصفاتها الظلمانية عن تلك النوار ومالت إلى المور السفلية من زخارف
الدنيا واللذات الحسية وانقطع إمداد القلب عنها ،وانقلبت المعاني الواردة
إليها من طريق الحس هيئات غاسقة من صور المحسوسات التي انجذبت
إليها ( :فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) بانقطاع مدد المعاني والفضائل
والنوار من القلب والخوف من زوال مقتنياتها من الشهوات والمألوفات
الحسية والمشتهيات ( :بما كانوا يصنعون) من كفران نعم الله باستعمالها
في طلب اللذات الحسية والزخارف الدنيوية ولظهورها بصفاتها وإعجابها
بكمالتها وركونها إلى الدنيا ولذاتها واستيلئها على القلب بهيئاتها
وأفعالها وحجب صاحبها عن نوره ومدده بطلب شهواتها ،كما قال أمير
المؤمنين ' : uنعوذ بالله من الضلل بعد الهدى ' بقرية صفتها ما ذكر( : .
ولقد جاءهم رسول منهم) أي :من جنسهم وهي القوة الفكرية التي هي
من جملة قوى النفس بالمعاني المعقولة والراء الصادقة ( :فكذبوه) بعدم
التأثر بها والنقياد لوامرها ونواهيها العقلية والشرعية وترك العمل
بمقتضاها وقلة المبالة بها ،ولم يرفعوا بها رأسا عن النهماك فيما هم
عليه ( :فأخذهم) عذاب الحتجاب والحرمان عن لذة الكمال في حالة
ظلمهم وزيغهم عن طريق الفضيلة ونقصهم لحقوق صاحبهم( .إن إبراهيم
كان أمة) قد مر أن كل نبي يبعث في قوم يكون كماله شامل ً لجميع كمالت
أمته وغاية ل يمكن لمته الوصول إلى رتبة إل وهي دونه ،فهو مجموع
كمالت قومه ول يصل إليهم الكمال في صفة من صفات الخير والسعادة إل
بواسطته بل وجوداتهم فائضة من وجوده فهو وحده أمة لجتماعهم
بالحقيقة في ذاته ،ولهذا قال عليه ' : eلو وزنت بأمتي لرجحت بهم '( : .
قانتا) لله مطيعا ً له ،منقادا ً بحيث ل يتحرك منه شعرة إل بأمره لستيلء
سلطان التوحيد عليه ومحو صفاته بصفاته ،واتحاده بذاته ،ولهذا سمي خليل
الله لمخالة الحق إياه في شهوده .فخلته عبارة عن مزج بقية من ذاته تؤذن
بالثنينية أما ترى رسول الله eلما لم يبق منه شيء من بقيته سمي حبيب
الله فمحو صفاته في صفات الحق بالكلية وبقاء أثر من ذاته دون العين
قنوته لله وإل كان قانتا ً بالله ل لله ،كما قال لمحمد عليه ( : : eوما صبرك
إل بالله) ]النحل ،الية ( : [172 :حنيفا) مائل ً عن كل باطل حتى عن وجوده
ووجود كل ما سواه تعالى معرضا ً عن إثباته .وما كان ( :من
المشركين) بنسبة الوجود والتأثير إلى الغير( : .شاكرا لنعمه) أي :
مستعمل ً لها على الوجه الذي ينبغي لكونه متصرفا ً فيها بصفات الله فتكون
أفعاله إلهية مقصودة لذاتها ل لغرض فل يمكنه ول يسعه إل توجيه كل نعمة
إلى ما هو كمالها على مقتضى الحكمة اللهية والعناية السرمدية ( :
اجتباه) اختاره في العناية الولى بل توسط عمل منه وكذا لكونه من
المحبوبين الذين سبقت لهم منه الحسنى ،فتتقدم كشوفهم على
سلوكهم ( :وهداه إلى صراط مستقيم) أي :بعد الكشف والتوحيد والوصول
إلى عين الجمع هداه إلى سلوك صراطه ليقتدي به ،ورده من الوحدة إلى
الكثرة وإلى الفرق بعد الجمع لعطاء كل ذي حق حقه من مراتب التفاصيل،
وتبيين أحكام التجليات في مقام التمكين والستقامة وإل لم يصلح للنبوة: .
(وآتيناه في الدنيا حسنة) من تمتيعه بالحظوظ لتتقوى نفسه على تقنين
القوانين الشرعية والقيام بحقوق العبودية في مقام الستقامة والطاقة
بحمل أعباء الرسالة ( :وآتيناه) الملك العظيم مع النبوة ،كما قال ( : :
وآتيناهم ملكا عظيما) ]النساء ،الية [54 :ليتمكن من تقرير الشريعة
ويضطلع بأحكام الدعوة والذكر الجميل كما قال ( : :وجعلنا لهم لسان صدق
عليا) ]مريم ،الية [50 :والصلة والسلم عليه كما قال ( :وتركنا عليه في
الخرين ) (108سلم على إبراهيم )] )(109الصافات ،اليات - 108 :
( : [109وإنه في الخرة) أي :في عالم الرواح ( :لمن
الصالحين) المتمكنين في مقام الستقامة بإيفاء كل ذي حق حقه ،وتبليغه
إلى كماله وحفظه عليه ما أمكن( : .ثم أوحينا إليك) أي :بعد هذه الكرامات
والحسنات التي أعطيناه إياها في الدارين شرفناه وكرمناه بأمرنا باتباعك
إياه ( :أن اتبع ملة إبراهيم) في التوحيد وأصول الدين التي ل تتغير في
الشرائع كأمر المبدأ والمعاد والحشر والجزاء وأمثالها ،ل في فروع الشريعة
وأوضاعها وأحكامها ،فإنها تتغير بحسب المصالح واختلف الزمنة والطبائع
وما عليه أحوال الناس من العادات والخلئق] .تفسير سورة النحل من آية
124إلى آية ( : [126إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) أي :ما
فرض عليك إنما فرض عليهم فل يلزمك اتباع موسى في ذلك بل اتباع
إبراهيم( : .ادع إلى سبيل ربك) الخ ،أي :لتكن دعوتك منحصرة في هذه
الوجوه الثلثة لن المدعو إما أن يكون خاليا ً عن النكار أو ل ،فإن كان خاليا ً
لكونه في مقام الجهل البسيط غير معتقد لشيء ،فإما أن يكون مستعدا ً
غير قاصر عن درك البرهان بل يكون برهاني الطباع أو ل .فإن كان الول
فادعه بالحكمة وكلمه بالبرهان والحجة واهده إلى صراط التوحيد بالمعرفة،
وإن كان قاصر الستعداد فادعه بالموعظة الحسنة والنصيحة البالغة من
النذار والبشارة والوعد والوعيد والزجر والترهيب واللطف والترغيب ،وإن
كان منكرا ً ذا جهل مركب واعتقاد باطل فجادله بالطريقة التي هي أحسن
من إبطال معتقده بما يلزم من مذهبه بالرفق والمداراة على وجه يلوح له
أنك تثبت الحق وتبطل الباطل ل غرض لك سواه( : .إن ربك هو أعلم بمن
ضل عن سبيله) في الزل لشقاوته الصلية فل ينجع فيه أحد هذه الطرق
الثلثة ( :وهو أعلم بالمهتدين) المستعدين ،القابلين للهداية لصفاء
الفطرة( : .وإن عاقبتم) الخ ،أي :الزموا سيرة العدالة والفضيلة ل
تجاوزوها فإنها أقل درجات كمالكم ،فإن كان لكم قدم في الفتوة وعرق
راسخ في الفضل والكرم والمروءة فاتركوا النتصار والنتقام ممن جنى
عليكم وعارضوه بالعفو مع القدرة واصبروا على الجناية فإنه ( :لهو خير
للصابرين) أل تراه كيف أكده بالقسم واللم في جوابه وترك المضمر إلى
المظهر حيث ما قال :لهو خير لكم ،بل قال ( : :لهو خير
للصابرين) ]النحل ،الية [126 :للتسجيل عليهم بالمدح والتعظيم بصفة
الصبر ،فإن الصابر ترقى عن مقام النفس وقابل فعل نفس صاحبه بصفة
القلب فلم يتكدر بظهور صفة النفس وعارض ظلمة نفس صاحبه بنور
قلبه ،فكثيرا ً ما يندم ويتجاوز عن مقام النفس ،وتنكسر سورة غضبه
فيصلح ،وإن لم يكن لكم هذا المقام الشريف فل تعاقبوا المسيء لسورة
الغضب بأكثر مما جنى عليكم فتظلموا ،أو تتورطوا بأقبح الرذائل وأفحشها
فيفسد حالكم ويزيد وبالكم على وبال الجاني] .تفسير سورة النحل من آية
127إلى آية ( : [128واصبر وما صبرك إل بالله) اعلم أن الصبر أقسام :
صبر لله ،وصبر في الله ،وصبر مع الله ،وصبر عن الله ،وصبر بالله ،فالصبر
لله هو من لوازم اليمان وأول درجات أهل السلم .قال النبي عليه ' : e
اليمان نصفان ،نصف صبر ونصف شكر ' ،وهو حبس النفس عن الجزع عند
فوات مرغوب أو وقوع مكروه ،وهو من فضائل الخلق الموهوبة من فضل
الله لهل دينه وطاعته المقتضى للثواب الجزيل .والصبر في الله هو الثبات
في سلوك طريق الحق ،وتوطين النفس على المجاهدة بالختيار ،وترك
المألوفات واللذات ،وتحمل البليات ،وقوة العزيمة في التوجه إلى منبع
الكمالت ،وهو من مقامات السالكين ،يهبه الله لمن يشاء من فضله من
أهل الطريقة .والصبر مع الله هو لهل الحضور ،والكشف عند التجرد عن
ملبس الفعال والصفات ،والتعرض لتجليات الجمال والجلل ،وتوارد
واردات النس والهيبة ،فهو بحضور القلب لمن كان له قلب ،والحتراس
عن الغفلة والغيبة عند التلوينات بظهور النفس وهو أشق على النفس من
الضرب على الهام ،وإن كان لذيذا ً جدًا .والصبر عن الله هو لهل الجفاء
والحجاب ،نورانيا ً كان أو ظلمانيًا ،وهو مذموم جدًا ،وصاحبه ملوم حقا ً وكلما
كان أصبر كان أسوأ حال ً وأبعد ،وكلما كان في ذلك أقوى كان ألوم وأجفى
أو لهل العيان والمشاهدة من العشاق والمشتاقين المتقلبين في أطوار
التجلي والستتار ،والمنخلعين عن الناسوت المتنورين بنور اللهوت ما بقي
لهم قلب ول وصف كلما لح لهم نور من سبحات أنوار الجمال احترقوا
وتفانوا ،وكلما ضرب لهم حجاب ورد وجوههم تشويقا ً وتعظيما ً ذاقوا من
ألم الشوق وحرقة الفرقة ما عيل به صبرهم وتحقق موتهم وهو من أحوال
المحبين ول شيء أشق من هذا الصبر وأشد تحمل ً وأقتل ،فإن أطاقه
المحب كان خافيا ً وإن لم يطق كان فانيا ً فيه هالكًا ،وفي هذا المقام قال
الشبلي ) % :صابر الصبر فاستغاث به الصبر %فصاح المحب بالصبر صبرا(
%أي :صابر الحبيب الصبر ،فاستغاث به الصبر عند إشرافه على النفاد
فصاح المحب بالصبر صبرا ً على النفاد والهلك ،فإن فيه النجاح والفلح.
والصبر بالله هو لهل التمكين في مقام الستقامة الذين أفناهم الله
بالكلية وما ترك عليهم شيئا ً من بقية النية والثنينية ثم وهب لهم وجودا ً
من ذاته حتى قاموا به وفعلوا بصفاته وهو من أخلق الله تعالى ليس لحد
فيه نصيب ولهذا أمره به .ثم بين أن ذلك الصبر الذي أمرت به ليس من
سائر أقسام الصبر حتى يكون بنفسك أو بقلبك بل هو صبري ل تباشره إل
بي ول تطيقه إل بقوتي ،ولعدم وفاء قوته بهذا الصبر قال ' :شيبتني
سورة هود '( : .ول تحزن عليهم) بالتلوين بظهور القلب بصفته لن صاحب
هذا الصبر يرى الشياء بعين الحق فكل ما يصدر عنهم يراه فعل الله وكل
صفة تظهر عليهم يراه تجليا ً من تجلياته وينكر المنكر بحكمه لن الله بصره
بأنواع التجليات القهرية واللطفية والغضبية والرضوية وعرفه أحكامه وأمره
بإنفاذ الحكام في مواقعها( : .ول تك في ضيق مما يمكرون) لنشراح
صدرك بي ،فكن معهم كما تراني معهم سائرا ً بسيري ،قائما ً بي
وبأمري( : .إن الله مع الذين اتقوا) بقاياهم وأنياتهم بالستهلك في
الوحدة والستغراق في عين الجمع ( :والذين هم محسنون) بشهود الوحدة
في عين الكثرة ،والطاعة في عين المعصية ،والقيام بالمر والنهي في
مقام الستقامة ،وإبقاء حقوق التفاصيل في عين الجمع ،فل يحجبهم
الفرق عن الجمع ول الجمع عن الفرق ،ويسعهم مراعاة الحق والخلق
للرجوع إلى الكثرة بوجود القلب الحقاني.
)سورة السراء(
)بسم الله الرحمن الرحيم(
)سورة الكهف(
]تفسير سورة الكهف من آية 1إلى آية : [3الحمد ل الذي أنزل على عبده الكتاب أثنى ال تعالى بلسان التفصيل
على نفسه باعتبار الجمع من حيث كونه منعوتًا بإنزال الكتاب وهو إدراج معنى الجمع في صورة التفصيل فهو الحامد
ل وجمعًا ،فالحمد إظهار الكمالت اللهية والصفات الجمالية والجللية على الذات المحمدية باعتبار والمحمود تفصي ً
العروج بعد تخصيصه إياه بنفسه في العناية الزلية المشار إليه بالضافة في قوله :عبده ،وذلك جعل عينه في الزل
قابلة للكمال المطلق من فيضه وإيداع كتاب الجمع فيه بالقوة التي هي الستعداد الكامل وإنزال الكتاب عليه إبراز تلك
الحقائق عن ممكن الجمع الوحداني على ذلك المظهر النساني فهما متعاكسان باعتبار النزول والعروج والنزال في
الحقيقة حمدًا ل تعالى لنبيه إذ المعاني الكامنة في أغيب الغيب ما لم ينزل على قلبه فلم يمكنه حمد ال حق حمده فما لم
ل في عين يحمده ال لم يحمد ال بل حمده حمده كما قال :ل أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ،حمد أو ً
ل إلى عوجا أي :زيغًا ومي ً
الجمع نفسه باعتبار التفصيل ثم عكس فقال :الحمد ل : .ولم يجعل له أي :لعبده :
الغير كما قال : :ما زاغ البصر وما طغى )] (17النجم ،الية [17 :أي :لم ير الغير في شهوده : .قيما
أي :جعله قيمًا ،يعني :مستقيمًا كما أمر بقوله : :فاستقم كما أمرت] فصلت ،الية ،[30 :والمعنى :جعله موحدًا
فانيًا فيه غير محتجب في شهوده بالغير ول بنفسه لكونها غيرًا أيضًا ممكنًا مستقيمًا حال البقاء ،كما قال : :إن
الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا] الكهف ،الية ،[4 :أو جعله قيمًا بأمر العباد وهدايتهم إذ التكميل يترتب على الكمال
لما فرغ من تقويم نفسه وتزكيتها أقيمت نفوس أمته مقام نفسه فأمر بتقويمها وتزكيتها ولهذا المعنى لنه عليه
سمى إبراهيم صلوات ال عليه أمة ،وهذه القيمية أي القيام بهداية الناس داخلة في الستقامة المأمور هو بها في الحقيقة
:لينذر متعلق بعامل قيمًا أي :جعله قيمًا بأمر العباد :لينذر بأسا شديدا وحذف المفعول الول للتعميم لن أحدًا
ل يخلو من بأس مؤمنًا كان أو كافرًا ،كما قال تعالى ' :أنذر الصديقين بأني غيور ،وبشر المذنبين بأني غفور ' .إذ
البأس عبارة عن قهره ولذلك عظمه بالتنكير ،أي :بأسًا يليق بعظمته وعزته ووصفه بالشدة وخصصه بقوله : :
من لدنه والقهر قسمان :قهر محض ظاهره وباطنه قهر كالمختص بالمحجوبين بالشرك ،وقسم ظاهره قهر وباطنه
:سبحان من اشتدت نقمته على أعدائه في سعة نعمته ،واتسعت لطف ،وكذا اللطف كما قال أمير المؤمنين علي
رحمته لوليائه في شدة نقمته .ومن القسم الثاني القهر المخصوص بالموحدين من أهل الفناء أطلق النذار للكل تنبيهًا
ثم فصل اللطف والقهر مقيدين بحسب الصفات والستحقاقات فقال : :ويبشر المؤمنين أي :الموحدين لكونهم في
مقابلة المشركين الذين قالوا :اتخذ ال ولدًا : .الذين يعملون الصالحات أي :الباقيات من الخيرات والفضائل لن
الجر الحسن هو من جنة الثار والفعال التي تستحق بالعمال] .تفسير سورة الكهف من آية 4إلى آية [6واعلم أن
النذار والتبشير اللذين هما من باب التكميل اللزم لكونه قيمًا عليهم كلهما أثر ونتيجة عن صفتي القهر واللطف
اللهيين اللذين محل استعداد قبولهما من نفس العبد الغضب والشهوة ،فإن العبد ما استعد لقبولهما إل بصفتي الغضب
ل منهما ظل والشهوة وفنائهما كما لم يستعد لفضيلتي الشجاعة والعفة إل بوجودهما ،فلما انتفتا قامتا مقامهما لن ك ً
لواحدة من تينك يزول بحصولها فعند ارتواء القلب منهما وكمال التخلق بهما حدث عن القهر النذار عند استحقاقية
المحل بالكفر والشرك وعن اللطف التبشير باستحقاقية اليمان والعمل الصالح ،إذ الفاضة ل تكون إل عند استحقاق
المحل : .ما لهم به من علم ول لبائهم أي :ما لهم بهذا القول من علم بل إنما يصدر عن جهل مفرط وتقليد للباء
ل عن علم ويقين ويؤيده قوله : :كبرت كلمة أي :ما أكبرها كلمة :تخرج من أفواههم ليس في قلوبهم من
معناه شيء لنه مستحيل ل معنى له إذ العلم اليقيني يشهد أن الوجود الواجبي العلي أحدي الذات ل يماثله الوجود
الممكن المعلول .والولد هو المماثل لوالده في النوع المكافئ له في القوة والشهود الذاتي يحكم بفناء الخلق في الحق
ل عن الشبيه والولد كما قال أحدهم ) % :هذا الوجود وإن والمعلول في المشهود ،فلم يكن ثم سواه شيء غيره فض ً
تكثر ظاهرًا %وحياتكم ما فيه إل أنتم( : %إن يقولون إل كذبا لتطابق الدليل العقلي والوجدان الذوقي الشهودي
على إحالته : .فلعلك باخع أي :مهلك :نفسك من شدة الوجد والسف على توليهم وإعراضهم ،وذلك لن الشفقة
حبيب ال ومن لوازم محبوبيته محبته ل على خلق ال والرحمة عليهم من لوازم محبة ال ونتائجه ولما كان
لقوله : :يحبهم ويحبونه] المائدة ،الية [54 :وكلما كانت محبته للحق أقوى كانت شفقته ورحمته على خلقه أكثر
لكون الشفقة عليهم ظل محبته ل اشتد تعطفه عليهم ،فإنهم كأولده وأقاربه بل كأعضائه وجوارحه في الشهود
الحقيقي ،فلذلك بالغ في التأسف عليهم حتى كاد يهلك نفسه .وأيضًا علم أن المحب إذا تقوى بالمحبوب في استمرار
الوصل ظهر قبوله في القلوب لمحبة ال إياه] .تفسير سورة الكهف من آية 7إلى آية : [9فلما لم يؤمنوا بالقرآن
استشعر ببقية من نفسه وتوجس بنقصان حاله فعله الوجد وعزم على قهر النفس بالكلية طلبًا للغاية وكان ذلك من
فرط شفقته عليهم وكمال أدبه مع ال حيث أحال عدم إيمانهم على ضعف حاله ل على عدم استعدادهم ولذلك سله
بقوله : :إنا جعلنا أي :ل تحزن عليهم فإنه ل عليك أن يهلكوا جميعًا ،إنا نخرج جميع السباب من العدم إلى
الوجود للبتلء ثم نفنيها ول حيف ول نقص ،أو إنا جعلنا ما على أرض البدن من النفس ولذاتها وشهواتها وقوى
صفاتها وإدراكاتها ودواعيها :زينة لها ليظهر أيهم أقهر لها وأعصى لهواها في رضاي وأقدر على مخالفتها
لموافقتي : .وإنا لجاعلون بتجلينا وتجلي صفاتنا :ما عليها من صفاتها هامدة كأرض ملساء ل نبات فيها أي :
نفنيها وصفاتها بالموت الحقيقي أو بالموت الطبيعي ول نبالي ،بل :أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من
آياتنا عجبًا أي :إذا شاهدت هذا النشاء والفناء فليس حال أصحاب الكهف آية عجيبة من آياتنا بل هذه أعجب .واعلم
أن أصحاب الكهف هم السبعة الكمل القائمون بأمر الحق دائمًا الذين يقوم بهم العالم ول يخلو عنهم الزمان على عدد
الكواكب السبعة السيارة وطبقها فكما سخرها ال تعالى في تدبير نظام عالم الصورة كما أشار إليه بقوله : :
فالسابقات سبقا ) (4فالمدبرات أمرًا )] (5النازعات ،اليات [5 - 4 :على بعض التفاسير وكل نظام عالم
المعنى وتكميل نظام الصورة إلى سبعة أنفس من السابقين كل ينتسب بحسب الوجود الصوري إلى واحد منهم،
والقطب هو المنتسب إلى الشمس والكهف هو باطن البدن والرقيم ظاهره الذي انتقش بصور الحواس والعضاء إن
فسر باللوح الذي رقمت فيه أسماؤهم والعالم الجسماني إن جعل اسم الوادي الذي فيه الجبل والكهف والنفس الحيوانية
إن جعل اسم الكلب والعالم العلوي إن جعل اسم قريتهم على اختلف القوال في التفاسير ومنهم النبياء السبعة
المشهورون المبعوثون بحسب القرون والدوار ،وإن كان كل نبي منهم على ذكر وهم :آدم وإدريس ونوح وإبراهيم
وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلة والسلم لنه السابع المخصوص بمعجزة انشقاق القمر ،أي :انفلقه عنه
' :إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق
لظهوره في دورة ختم النبوة وكمل به الدين اللهي كما أشار إليه بقوله
ال السموات والرض ' .إذ المتأخر بالزمان والظهور أي :الوجود الحسي هو الحائز لصفات الكل وكمالتهم
' :كأن بنيان النبوة قد تم وبقي منه موضع لبنة واحدة ،فكنت
كالنسان بالنسبة إلى سائر الحيوانات ،ولهذا قال
أنا تلك اللبنة ' .وقد اتفق الحكماء المتألهة من قدماء الفرس أن مراتب العقول والرواح على مذهبهم في التنازل
تتضاعف إشراقاتها ،فكل ما تأخر في الرتبة كان حظه من إشراقات الحق وأنواره وسبحات أشعة وجهه وإشراقات
أنوار الوسائط أوفر وأزيد فكذا في الزمان فهو الجامع الحاصر لصفات الكل وكمالتهم الحاوي لخواصهم ومعانيهم
' :بعثت لتمم مكارم الخلق ' ومن هذا ظهر تقدمهمع كماله الخاص به اللزم للهيئة الجتماعية ،كما قال
عليهم بالشرف والفضيلة ومن جهة أن إبراهيم كان مظهر التوحيد العظمي الذاتي ،وكان هو الوسط في
الترتيب الزماني بمنزلة الشمس في الرتبة كان قطب النبوة ،ولزمهم كلهم اتباعه وإن لم يظهر في المتقدمين عليه
.واعلم أن الرواح في بالزمان كارتباط الكواكب الستة في سيرها بها ،ولكن ل كالقمر ،فتبعه بالحقيقة محمد
عالمها مراتب متعينة ،وصفوف مترتبة واستعدادات متفاوتة متهيئة بالزل بمحض العناية الولى والفيض القدس
فأهل الصف الول هم السابقون المفردون المقربون المحبوبون المخصوصون بفضل عنايته وسابقة كرامته
المتعارفون بنوره المتحابون فيه ،والباقون يتباينون في الدرجات وبحسب تقاربها وتباعدها ،يتعارفون ويتناكرون ،فما
تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف إلى آخر الصفوف ،فلها مراكز ثابتة ،وأصول راسخة في العالم العلوي
وعند التعلق بالبدان يتفاوت درجات كمالتها وغاية سعاداتها بحسب ما لها من الستعداد الول المخصوص بكل منها
' :الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ' ،حتى انتهت الدرجات في العلو من مباديها في الزل كما قال عليه
عين آدم بل عين السبعة وكذا باعتبار كونه جامعًا إلى الفناء في التوحيد الذاتي ،فبهذا العتبار يكون محمد
' :أنا السبعة ' .وباعتبار علو مرتبته لصفاتهم كما قيل إنه سأله أبو يزيد رحمة ال عليه :أنت من السبعة ؟ فقال
ومكانته ،وسبقه في القدم وارتفاع درجة كماله وفضيلته ،كان أقدمهم وأولهم وأفضلهم كما قال ' :أول ما خلق ال
نوري وكنت نبيًا وآدم بين الماء والطين ' .فهو متقدم عليهم بالرتبة والعلية والشرف والفضيلة ،متأخر عنهم بالزمان
وهو عينهم باعتبار السر والوحدة الذاتية ،فالحاصل أن اختلفهم وتباينهم روحًا وقلبًا ونفسًا ل ينافي اتحادهم في
الحقيقة وكذا افتراقهم بالزمنة ل ينافي معيتهم في الزل والبد وعين الجمع كما قال : :تلك الرسل فضلنا بعضهم
على بعض] البقرة ،الية [253 :مع قوله : :ل نفرق بين أحد منهم] البقرة ،الية .[136 :ويجوز أن يكون المراد
بأصحاب الكهف روحانيات النسان التي تبقى بعد خراب البدن .وقول من قال :ثلثة ،إشارة إلى الروح والعقل
والقلب .والكلب هي النفس الملزمة لباب الكهف .ومن قال :خمسة إشارة إلى الروح والقلب والعقل النظري والعقل
العملي والقوة القدسية للنبياء التي هي الفكر لغيرهم .ومن قال :سبعة فتلك الخمسة مع السر والخفاء وال أعلم.
]تفسير سورة الكهف من آية 10إلى آية : [12إذ أوى الفتية إلى الكهف أي :كهف البدن بالتعلق به :فقالوا
بلسان الحال :ربنا آتنا من لدنك أي :من خزائن رحمتك التي هي أسماؤك الحسنى :رحمة كما ل يناسب
استعدادنا ويقتضيه :وهيئ لنا من أمرنا الذي نحن فيه من مفارقة العالم العلوي والهبوط إلى العالم السفلي
للستكمال :رشدا استقامة إليك في سلوك طريقك والتوجه إلى جنابك ،أي :طلبوا بالتصال البدني والتعلق بآلت
الكمال وأسبابه الكمال العلمي والعملي : .فضربنا على آذانهم أي :أنمناهم نومة الغفلة عن عالمهم وكمالهم نومة
ثقيلة ل ينبههم صفير الخفير ول دعوة الداعي الخبير .في كهف البدن :سنين ذوات عدد ،أي :كثيرة أو معدودة أي
:قليلة هي مدة انغماسهم في تدبير البدن وانغمارهم في بحر الطبيعة مشتغلين بها ،غافلين عما وراءها من عالمهم إلى
أوان بلوغ الشد الحقيقي ،والموت الرادي والطبيعي ،كما قال ' :الناس نيام ،فإذا ماتوا انتبهوا ' : .ثم بعثناهم أي :
نبهناهم عن نوم الغفلة بقيامهم عن مرقد البدن ومعرفتهم بال وبنفوسهم المجردة :لنعلم أي :ليظهر علمنا في
مظاهرهم أو مظاهر غيرهم من سائر الناس :أي الحزبين المختلفين في مدة لبثهم وضبط غايته الذين يعينون المدة
أم يكلون علمه إلى ال ،فإن الناس مختلفون في زمان الغيبة .يقول بعضهم :يخرج أحدهم على رأس كل ألف سنة
وهو يوم عند ال ،لقوله : :وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون] الحج ،الية .[47 :ويقول بعضهم :على
رأس كل سبعمائة عام أو على رأس كل مائة ،وهو بعض يوم ،كما قالوا : :لبثنا يوما أو بعض يوم] الكهف،
الية .[19 :والمحققون المصيبون هم الذين يكلون علمه إلى ال كالذين قالوا : :ربكم أعلم بما لبثتم] الكهف،
،وقال ' :كذب الوقاتون '] .تفسير سورة الكهف وقت ظهور المهدي الية [19 :ولهذا لم يعين رسول ال
من آية 13إلى آية : [15إنهم فتية آمنوا بربهم إيمانًا يقينًا علميًا على طريق الستدلل أو المكاشفة :وزدناهم
هدى أي :هداية موصلة إلى عين اليقين ومقام المشاهدة بالتوفيق : .وربطنا على قلوبهم قويناها بالصبر على
المجاهدة ،وشجعناهم على محاربة الشيطان ومخالفة النفس ،وهجر المألوفات الجسمانية ،واللذات الحسية ،والقيام
بكلمة التوحيد ،ونفي إلهية الهوى ،وترك عبادة صنم الجسم بين يدي جبار النفس المارة من غير مبالة بها حين
عاتبتهم على ترك عبادة إله الهوى وصنم البدن ،وأوعدتهم بالفقر والهلك ،إذ النفس داعية إلى عبادته وموافقته،
وتهيئة أسباب حظوظه مخيفة للقلب من الخوف والموت ،أو جسرناهم على القيام بكلمة التوحيد ،وإظهار الدين القويم
والدعوة إلى الحق عند كل جبار هو دقيانوس وقته كنمروذ وفرعون وأبي جهل وأضرابهم ممن دان بدينهم واستولى
عليه النفس المارة فعبد الهوى ،أو ادعى الطغيان ،وتمرد أنائيته وعدوانه الربوبية من غير مبالة عند معاتبته إياهم
على ترك عبادة الصنم المجعول كما هو عادة بعضهم أو صنم نفسه ،كما قال فرعون اللعين : :ما علمت لكم من
إله غيري] القصص ،الية [38 :و :أنا ربكم العلى] النازعات ،الية : .[24 :هؤلء قومنا إشارة إلى النفس
المارة وقواها ،لن لكل قوم إلهًا تعبده وهو مطلوبها ومرادها ،والنفس تعبد الهوى كقوله : :أفرءيت من اتخذ إلهه
هواه] الجاثية ،الية ،[23 :أو إلى أهل زمان كل من خرج منهم داعيًا إلى ال ،إذ كل من عكف على شيء يهواه فقد
عبده : .لول يأتون عليهم أي :على عبادتهم وإلهيتهم وتأثيرهم ووجودهم :بسلطان بين أي :حجة بينة دليل
على فساد التقليد وتبكيت بأن إقامة الحجة على إلهية غير ال وتأثيره ووجوده محال ،كما قال : :إن هي إل أسماء
سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل ال بها من سلطان] النجم ،الية [23 :أي :أسماء بل مسميات لكونها ليست بشيء.
]تفسير سورة الكهف آية : [16وإذ اعتزلتموهم أي :فارقتم نفوسكم وقواها بالتجرد :وما يعبدون إل ال من
مراداتها وأهوائها :فأووا إلى الكهف إلى البدن لستعمال اللت البدنية في الستكمال بالعلوم والعمال ،وانخزلوا
فيه منكسرين ،مرتاضين ،كأنهم ميتون بترك الحركات النفسانية والنزوات البهيمية والسطوات السبعية ،أي :موتوا
موتًا إراديًا :ينشر لكم ربكم من رحمته حياة حقيقية بالعلم والمعرفة :ويهيئ لكم من أمركم مرفقا كما ل ينتفع
به بظهور الفضائل وطلوع أنوار التجليات ،فتلتذون بالمشاهدات وتتمتعون بالكمالت كما قال تعالى : :أو من كان
' :من أراد أن في أبي بكر ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس] النعام ،الية ،[122 :وقال
ينظر ميتًا يمشي على وجه الرض فلينظر أبا بكر ' ،أي :ميتًا عن نفسه يمشي بال .أو وإذ اعتزلتم قومكم ومعبوداتهم
غير ال من مطالبهم المختلفة ،ومقاصدهم المتشتتة ،وأهوائهم المتفننة ،وأصنامهم المتخذة ،فأووا إلى كهوف أبدانكم
وامتنعوا عن فضول الحركات والخروج في أثر الشهوات ،واعكفوا على الرياضات : ،ينشر لكم ربكم من رحمته
]الكهف ،الية [16 :زيادة كمال وتقوية ونصرة بالمداد الملكوتية ،والتأييدات القدسية ،فيغلبكم عليهم ويهيئ لكم دينًا
ل يهتدي بكم الخلئق ناجين .وفي المأوى إلى الكهف عند مفارقتهم سر آخر يفهم من دخول وطريقًا ينتفع به ،وقبو ً
المهدي في الغار إذا خرج ونزل عيسى وال أعلم .وفي نشر الرحمة وتهيئة المرفق من أمرهم عند الوي إلى الكهف
إشارة إلى أن الرحمة الكامنة في استعدادهم إنما تنتشر بالتعلق البدني والكمال بتهيئاته] .تفسير سورة الكهف آية
: [17وترى الشمس أي :شمس الروح :إذا طلعت أي :ترقت بالتجرد عن غواشي الجسم وظهرت من أفقه
تميل بهم من جهة البدن وميله ومحبته إلى جهة اليمين أي :جانب عالم القدس وطريق أعمال البر من الخيرات
والفضائل والحسنات والطاعات .وسيرة البرار ،فإن البرار هم أصحاب اليمين : .وإذا غربت أي :هوت في
الجسم واحتجبت به ،واختفت في ظلماته وغواشيه ،وخمد نورها ،تقطعهم وتفارقهم كائنين في جهة الشمال ،أي :
جانب النفس وطريق أعمال السوء فينهمكون في المعاصي والسيئات والشرور والرذائل .وسيرة الفجار الذين هم
أصحاب الشمال :وهم في فجوة منه أي :في مجال متسع من بدنهم هو مقام النفس والطبيعة ،فإن فيه متفسحًا ل
يصيبهم فيه نور الروح .واعلم أن الوجه الذي يلي الروح من القلب موضع منور بنور الروح يسمى العقل وهو
الباعث على الخير والمطرق للهام الملك والوجه الذي يلي النفس منه مظلم بظلمة صفاتها يسمى الصدر وهو محل
وسوسة الشيطان كما قال : :الذي يوسوس في صدور الناس ] 5الناس ،الية ،[5 :فإذا تحرك الروح وأقبل
القلب بوجهه إليه تنور وتقوى بالقوة العقلية الباعثة المشوقة إلى الكمال ومال إلى الخير والطاعة ،وإذا تحركت النفس
وأقبل القلب بوجهه إليها تكدر واحتجب عن نور الروح وأظلم العقل ومال إلى الشر والمعصية .وفي هاتين الحالتين
ل صالحًا وآخر سيئًا .وفي الية لطيفة هي :أنه استعمل في تطرق الملك لللهام والشيطان للوسواس وخلطوا عم ً
الميل إلى الخير الزورار عن الكهف ،وفي الميل إلى الشر قرضهم أي :قطعهم ،وذلك أن الروح يوافق القلب في
طريق الخير ويأمره به ويوافقه معرضًا عن جانب البدن وموافقاته ول يوافقه في طريق الشر بل يقطعه ويفارقه وهو
منغمس في ظلمات النفس وصفاتها الحاجبة إياه عن النور وهو إشارة إلى تلوينهم في السلوك ،فإن السالك ما لم يصل
إلى مقام التمكين وبقي في التلوين قد تظهر عليه النفس وصفاته فيحتجب عن نور الروح ثم يرجع ذلك أي :طلوع
نور الروح واختفاؤه من آيات ال التي يستدل بها ويتوصل منها إليه وإلى هدايته : .من يهد ال بإيصاله إلى مقام
المشاهدة والتمكين فيها :فهو المهتد بالحقيقة ل غير :ومن يضلل بحجبه عن نور وجهه فل هادي له ول
مرشد ،أو من يهد ال إليهم وإلى حالهم بالحقيقة ومن يضلله يحجبه عن حالهم] .تفسير سورة الكهف من آية 18إلى
آية : [20وتحسبهم أيقاظا يا مخاطب لنفتاح أعينهم وإحساساتهم وحركاتهم الرادية الحيوانية :وهم رقود
بالحقيقة في سنة الغفلة تراهم ينظرون إليك وهم ل يبصرون :ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال أي :نصرفهم إلى
جهة الخير وطلب الفضيلة تارة ،وإلى جهة الشر ومقتضى الطبيعة أخرى :وكلبهم أي :نفسهم :باسط ذراعيه
أي :ناشرة قوتيها الغضبية والشهوانية :بالوصيد أي :بفناء البدن ،ولم يقل :وكلبهم هاجع لنها لم ترقد بل بسطت
القوتين في فناء البدن ملزمة له ل تبرح عنه ،والذراع اليمن هو الغضب لنه أقوى وأشرف وأقبل لدواعي القلب في
تأديبه ،واليسر هو الشهوة لضعفها وخستها :لو اطلعت عليهم أي :على حقائقهم المجردة وأحوالهم السنية وما
أودع ال فيهم من النورية والسنا ،وما ألبسهم من العز والبهاء :لوليت عنهم فارًا لعدم اعتقادك بالنفوس المجردة
وأحوالها وعدم استعدادك لقبول كمالهم ،أو لوليت منهم للفرار عنهم وعن معاملتهم لميلك إلى اللذات الحسية والمور
الطبيعية :ولملئت منهم رعبا من أحوالهم ورياضاتهم ،أو لو اطلعت عليهم بعد الوصول إلى الكمال وعلى
أسرارهم ومقاماتهم في الوحدة لعرضت عنهم وفررت من أحوالهم وملئت منهم رعبًا لما ألبسهم ال من عظمته
وكبريائه .وأين الحدث من القدم ،وأنى يسع الوجود والعدم : .وكذلك بعثناهم أي :مثل ذلك البعث الحقيقي والحياء
المعنوي بعثناهم :ليتساءلوا بينهم أي :ليتباحثوا بينهم عن المعاني المودعة في استعدادهم الحقائق المكنونة في
ذواتهم فيكملوا بإبرازها وإخراجها إلى الفعل ،وهو أول النتباه الذي تسميه المتصوفة اليقظة :قال قائل منهم كم
لبثتم مر تأويله ،والمحققون منهم هم الذين :قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة هذا هو
زمان استبصارهم واستفادتهم واستكمالهم .والورق هو ما معهم من العلوم الولية التي ل تحتاج إلى كسب ،إذ بها
تستفاد الحقائق الذهنية من العلوم الحقيقية والمعارف اللهية .والمدينة محل الجتماع ،إذ ل بد من الصحبة والتربية أو
' :أنا مدينة العلم وعلي بابها ' .وإنما بعثوا أحدهم لن كمال الكل غير موقوف على التعليم مدينة العلم من قوله
والتعلم بل الكمال الشرف هو العلمي فيكفي تعلم البعض عن كل فرقة وتنبيه الباقين كما قال تعالى : :فلول نفر
من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم] التوبة ،الية : .[122 :فلينظر أيها
أزكى طعاما أي :أهلها أطيب وأفضل علمًا وأنقى من الفضول واللغو والظواهر كعلم الخلف والجدل والنحو
وأمثالها التي ل تتقوى ول تكمل بها النفس كقوله : :ل يسمن ول يغني من جوع )] (7الغاشية ،الية ،[7 :إذ
العلم غذاء القلب كالطعام للبدن وهو الرزق الحقيقي اللهي :وليتلطف في اختيار الطعام ومن يشتري منه أي :
ليختر المحقق الزكي النفس ،الرشيد السمت ،الفاضل السيرة ،النقي السريرة ،الكامل المكمل دون الفضولي الظاهري
الخبيث النفس ،المتعالم ،المتصدر ،لفادة ما ليس عنده ليستفيد بصحبته ويظهر كماله بمجالسته ويستبصر بعلمه
فيفيدنا أو ليتلطف في أمره حتى ل يشعر بحالكم ودينكم ،جاهل من غير قصد له :ول يشعرن بكم أحدا من أهل
الظاهر المحجوبين وسكان عالم الطبيعة المنكرين ،وإن أولنا أصحاب الكهف بالقوى الروحانية فالمبعوث هو الفكر،
والمدينة محل اجتماع القوى الروحانية والنفسانية والطبيعة والذي هو أزكى طعامًا العقل دون الوهم والخيال
والحواس ،لن كل مدرك له طعام والرزق هو العلم النظري على كل التقديرين ،ول يشعرن بكم أحدًا من القوى
النفسانية : .إنهم إن يظهروا أي :يغلبوا :عليكم يرجموكم بحجارة الهواء والدواعي من الغضب والشهوة
وطلب اللذة فيقتلوكم بمنعكم عن كمالكم :أو يعيدوكم في ملتهم باستيلء الوهم وغلبة الشيطان والمالة إلى الهوى
وعبادة الوثان وعلى التأويل الول ظهور العوام ،واستيلء المقلدة والحشوية المحجوبين ،وأهل الباطل المطبوعين،
] .تفسير سورة الكهف من آية ورجمهم أهل الحق ،ودعوتهم إياهم إلى ملتهم ظاهر كما كان في زمان رسول ال
21إلى آية : [22وكذلك أعثرنا عليهم أي :مثل ذلك البعث والنامة أطلعنا على حالهم المستعدين القابلين لهديهم
ومعرفة حقائقهم :ليعلموا بصحبتهم وهدايتهم :إن وعد ال بالبعث والجزاء :حق وأن الساعة ل ريب فيها
إذ يتنازعون بينهم أمرهم أي :حين يتنازع المستعدون الطالبون بينهم أمرهم في المعاد ،فمنهم من يقول :إن البعث
مخصوص بالرواح المجردة دون الجساد ،ومنهم من يقول :إنه بالرواح والجساد معًا ،فعلموا بالطلع عليهم
ومعرفتهم أنه بالرواح والجساد وأن المعاد الجسماني حق : ،فقالوا ابنوا عليهم بنيانا أي :فلما توفوا قالوا ذلك
كالخانقاهات والمشاهد والمزارات المبنية على الكمل ،المقربين من النبياء والولياء كإبراهيم ومحمد ،وسائر النبياء
والولياء عليهم الصلة والسلم : .ربهم أعلم بهم من كلم أتباعهم من أممهم والمقتدين بهم ،أي :هم أجل وأعظم
شأنًا من أن يعرفهم غيرهم ،الموحدون الهالكون في ال ،المتحققون به ،فهو أعلم بهم كما قال تعالى ' :أوليائي تحت
قبائي ،ل يعرفهم غيري ' : .قال الذين غلبوا على أمرهم من أصحابهم والذين يلون أمرهم تبركًا بهم وبمكانهم :
لنتخذن عليهم مسجدا يصلى فيه : .سيقولون أي :الظاهريون من أهل الكتاب والمسلمين الذين ل علم لهم
بالحقائق .وقوله : :ورجمًا بالغيب أي :رميًا بالذي غاب عنهم ،يعني :ظنًا خاليًا عن اليقين بعد قولهم : :ثلثة
رابعهم كلبهم و :خمسة سادسهم كلبهم وتوسيط الواو الدالة على أن الصفة مجامعة للموصوف ول تفارقه ،وأنه ل
عدد وراءه بين قوله : :ويقولون سبعة وبين :وثامنهم كلبهم .وقوله : :ما يعلمهم إل قليل بعده ،يدل على أن
العدد هو سبعة ل غير ،فالقليل هم المحققون القائلون به وإن أولناهم بالقوى الروحانية فهم العاقلتان :النظرية
والعملية ،والفكر والوهم ،والتخيل والذكر ،والحس المشترك المسمى بنطاسيا ،والكلب النفس والشمس والروح على
أنه قال ' :إنهم كانوا سبعة ،ثلثة عن يمين الملك وثلثة عن كل التأويلين .ولهذا روي عن أمير المؤمنين
يساره ،والسابع هو الراعي صاحب الكلب ' ،فإن صحت الرواية فالملك هو دقيانوس النفس المارة ،والثلثة الذين
كانوا عن يمينه يستشيرهم هم العاقلتان والفكر ،والثلثة الذين كانوا عن يساره يستوزرهم هم التخيل والوهم والذكر،
والراعي هو بنطاسيا صاحب أغنام الحواس ،والذين قالوا هم ثلثة أرادوا القلب والعاقلتين ،والذين قالوا خمسة زادوا
عليهم الفكر والوهم وتركوا المدرك للصور والذكر لعدم تصرفهما وكون كل منهما كالخزانة .وعلى هذا التأويل
فالطلع للفئة المحققين من الحضرة اللهية على بقاء النفس بعد خراب البدن ،والتنازع ،هو التجاذب والتغالب الواقع
بين القوى في الستيلء على البدن الذي يبعثون فيه وهو البنيان المأمور ببنائه والمرون هم الغالبون الذين قالوا : :
لنتخذن عليهم مسجدا] الكهف ،الية [21 :يسجد ،أي :ينقاد فيه جميع القوى الحيوانية والطبيعية والنفسانية
والمأمورون هم المغلوبون الفاعلون في البدن المبعوث فيه وال أعلم] .تفسير سورة الكهف من آية 23إلى آية : [24
ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك أدبه بالتأديب اللهي بعدما نهاه عن المماراة والسؤال ،فقال ' :ل تقولن إل وقت أن
ل به وبمشيئته أو إل بمشيئته على أنه حال ،أي :ملتبسًا بمشيئته ،يعني :ل يشاء ال ' بأن يأذن لك في القول فتكون قائ ً
ل :إن شاء ال ،أي :ل تقولن لما عزمت عليه من فعل إني فاعل ذلك في الزمان المستقبل إل ملتبسًا بمشيئة ال ،قائ ً
ل به وبمشيئته :واذكر ربك بالرجوع إليه والحضور :إذا تسند الفعل إلى إرادتك بل إلى إرادة ال ،فتكون فاع ً
نسيت بالغفلة عند ظهور النفس والتلوين بظهور صفاتها :وقل عسى أن يهدين ربي لقرب من هذا أي :من الذكر
عند التلوين وإسناد الفعل إلى صفاته بالتمكين والشهود الذاتي المخلص عن حجب الصفات :رشدا استقامة ،وهو
التمكين في الشهود الذاتي .ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين من التي تبتنى على دور القمر فتكون كل سنة شهرًا
ومجموعها خمسة وعشرون سنة ،وذلك وقت انتباههم وتيقظهم :وازدادوا تسعا هي مدة الحمل .وروعيت في الية
نكتة ،هي أنه :لم يقل ثلثمائة سنة وتسعًا ،أو ثلثمائة وتسع سنين ،لستعمال السنة في العرف وقت نزول الوحي في
ل ،ثم بين أن دورة شمسية ل قمرية ،فأجمل العدد ثم بينه بقوله :سنين ،فاحتمل أن يكون المميز غيرها كالشهر مث ً
المدة سنين مبهمة غير معينة ،إذ لو قيل :ثلثمائة شهر سنين ،فأبدل سنين من مجموع العدد ،كانت العبارة صحيحة
والمراد سنين كذا عددًا ،أي :خمسة وعشرين .ويؤيده قوله بعده : :قل ال أعلم بما لبثوا وقال قتادة :هو حكاية
كلم أهل الكتاب من تتمة سيقولون :وقوله : :قل ال أعلم رد عليهم .وفي مصحف عبد ال :وقالوا :لبثوا ،وذلك
أن اليقين غير محقق ول مطرد : .واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك يجوز أن تكون من لبتداء الغاية ،والكتاب
هو اللوح الول المشتمل على كل العلوم الذي منه أوحى إلى من أوحى إليه ،وأن تكون بيانًا لما أوحى .والكتاب هو
العقل الفرقاني وعلى التقديرين :ل مبدل لكلماته التي هي أصول الدين من التوحيد والعدل وأنواعهما :ولن
تجد من دونه ملتحدا تميل إليه لمتناع وجود ذلك : .واصبر نفسك أمر بالصبر مع ال وأهله وعدم اللتفات إلى
غيره وهذا الصبر هو من باب الستقامة والتمكين ل يكون إل بال :مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي أي :
دائمًا هم الموحدون من الفقراء المجردين الذين ل يطلبون غير ال ول حاجة لهم في الدنيا والخرة ،ول وقوف مع
الفعال والصفات :يريدون وجهه أي :ذاته فحسب ،يدعونه ول يحتجبون عنه بغيره وقت ظهورها غداة الفناء
ووقت احتجابها بهم عند البقاء ،فالصبر معهم هو الصبر مع ال ،ومجاوزة العين عنهم المنهي عنها هو اللتفات إلى
الغير : .إنا أعتدنا للظالمين أي :المشركين المحجوبين عن الحق لقوله : :إن الشرك لظلم عظيم] لقمان ،الية :
: [13نارا عظيمة :أحاط بهم سرادقها من مراتب الكوان كالطباع العنصرية والصور النوعية المادية
المحيطة بالشخاص الهيولنية :بماء كالمهل من جنس الغساق والغسلين ،أي :المياه المتعفنة التي تسيل من أبدان
أهل النار مسودة فيها دسومات يغاثون بها أو غسالتهم القذرة أو من جنس الغصص والهموم المحرقة .ولبثوا في
كهفهم ثلثمائة سنين من التي تبتنى على دور القمر فتكون كل سنة شهرًا ومجموعها خمسة وعشرون سنة ،وذلك وقت
انتباههم وتيقظهم :وازدادوا تسعا هي مدة الحمل .وروعيت في الية نكتة ،هي أنه :لم يقل ثلثمائة سنة وتسعًا ،أو
ثلثمائة وتسع سنين ،لستعمال السنة في العرف وقت نزول الوحي في دورة شمسية ل قمرية ،فأجمل العدد ثم بينه
ل ،ثم بين أن المدة سنين مبهمة غير معينة ،إذ لو قيل :
بقوله :سنين ،فاحتمل أن يكون المميز غيرها كالشهر مث ً
ثلثمائة شهر سنين ،فأبدل سنين من مجموع العدد ،كانت العبارة صحيحة والمراد سنين كذا عددًا ،أي :خمسة
وعشرين .ويؤيده قوله بعده : :قل ال أعلم بما لبثوا وقال قتادة :هو حكاية كلم أهل الكتاب من تتمة سيقولون :
وقوله : :قل ال أعلم رد عليهم .وفي مصحف عبد ال :وقالوا :لبثوا ،وذلك أن اليقين غير محقق ول مطرد: .
واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك يجوز أن تكون من لبتداء الغاية ،والكتاب هو اللوح الول المشتمل على كل
العلوم الذي منه أوحى إلى من أوحى إليه ،وأن تكون بيانًا لما أوحى .والكتاب هو العقل الفرقاني وعلى التقديرين :
ل مبدل لكلماته التي هي أصول الدين من التوحيد والعدل وأنواعهما :ولن تجد من دونه ملتحدا تميل إليه
لمتناع وجود ذلك : .واصبر نفسك أمر بالصبر مع ال وأهله وعدم اللتفات إلى غيره وهذا الصبر هو من باب
الستقامة والتمكين ل يكون إل بال :مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي أي :دائمًا هم الموحدون من الفقراء
المجردين الذين ل يطلبون غير ال ول حاجة لهم في الدنيا والخرة ،ول وقوف مع الفعال والصفات :يريدون
وجهه أي :ذاته فحسب ،يدعونه ول يحتجبون عنه بغيره وقت ظهورها غداة الفناء ووقت احتجابها بهم عند البقاء،
فالصبر معهم هو الصبر مع ال ،ومجاوزة العين عنهم المنهي عنها هو اللتفات إلى الغير : .إنا أعتدنا للظالمين أي
:المشركين المحجوبين عن الحق لقوله : :إن الشرك لظلم عظيم] لقمان ،الية : [13 :نارا عظيمة :أحاط
بهم سرادقها من مراتب الكوان كالطباع العنصرية والصور النوعية المادية المحيطة بالشخاص الهيولنية :بماء
كالمهل من جنس الغساق والغسلين ،أي :المياه المتعفنة التي تسيل من أبدان أهل النار مسودة فيها دسومات يغاثون
بها أو غسالتهم القذرة أو من جنس الغصص والهموم المحرقة .إن الذين آمنوا بالتوحيد الذاتي لكونهم في مقابلة
المشركين :وعملوا الصالحات من العمال المقصودة لذاتها في مقام الستقامة :إنا ل نضيع أجرهم ،وضع
الظاهر موضع المضمر للدللة على أن الجر إنما يستحق بالعمل دون العلم ،إذ به يستحق ارتفاع الدرجة والرتبة :
جنات عدن من الجنان الثلث :يحلون فيها من أساور من ذهب أي :يزينون فيها بأنواع الحلي من حقائق
التوحيد الذاتي ومعاني التجليات العينية الحدية ،إذ الذهبيات من الحلي هي العينيات والفضيات هي الصفاتيات
النورانيات كقوله : :وحلوا أساور من فضة] النسان ،الية : .[21 :ويلبسون ثيابا خضرا يتصفون بصفات
بهيجة ،حسنة ،نضرة ،موجبة للسرور :من سندس الحوال والمواهب لكونها ألطف :وإستبرق الخلق
والمكاسب لكونها أكثف :متكئين فيها على أرائك السماء اللهية التي هي مبادئ أفعاله لتصافهم بأوصافه وكون
الصفة مع الذات هي السم المستند هو عليه في جنة الصفات والفعال :نعم الثواب وحسنت مرتفقا في مقابلة : :
بئس الشراب وساءت مرتفقا. ويوم نسير الجبال أي :نذهب جبال العضاء بالتفتيت فنجعلها هباء منثورًا :
وترى أرض البدن :بارزة ظاهرة مستوية ،مسطحة بسيطة ،كما كانت ،ل صورة عليها ول تركيب ،فيها ترابًا
خالصًا :وحشرناهم الضمير إما للقوى المذكورة وإما لفراد الناس :فلم نغادر منهم أحدا غير محشور: .
وعرضوا على ربك عند البعث :صفا أي :مصطفين مترتبين في المواقف ل يحجب بعضهم بعضًا ،كل في
ل فرادى ،أي : :كما خلقناكم أول مرة رتبته :لقد جئتمونا أي :قلنا لهم ذلك اليوم :لقد جئتمونا حفاة عراة ،غر ً
بل زعمتم بإنكاركم البعث :ألن نجعل لكم موعدا وقتًا لنجاز ما وعدتم على ألسنة النبياء من البعث والنشور: .
ووضع الكتاب أي :كتاب القالب المطابق لما في نفوسهم من هيئات العمال الراسخة فيهم :فترى المجرمين
مشفقين مما فيه لعثورهم به على ما نسوا :ويقولون يا ويلتنا يدعون الهلكة التي هلكوا بها من أثر العقيدة الفاسدة
والعمال السيئة :ما لهذا الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها لكون آثار حركاتهم وأعمالهم كلها باقية
في نفوسهم صغيرة كانت أو كبيرة ،ثابتة في ألواح النفوس الفلكية أيضًا ،مضبوطة فيها ،تظهر عليهم على التفصيل
في نشأتهم الثانية ل محيص لهم عنها ،وهذا معنى قوله : :ووجدوا ما عملوا حاضرا ول يظلم ربك أحدا مر معنى
ل قال :ما بال إبليس لم يسجد ؟ قال : سجود الملئكة وإباء إبليس .وقوله : :وكان من الجن كلم مستأنف ،كأن قائ ً
كان من الجن ،أي :من القوى البدنية المختفية بالمواد ،فلذلك :فسق عن أمر ربه أي :لحتجابه بالمادة ولواحقها.
]تفسير سورة الكهف من آية 60إلى آية : 63وإذ قال موسى لفتاه ظاهره على ما ذكر في القصص ول سبيل إلى
إنكار المعجزات .وأما باطنه فأن يقال :وإذ قال موسى القلب لفتى النفس وقت التعلق بالبدن : :ل أبرح أي :ل
أنفك عن السير والمسافرة ،أو ل أزال أسير :حتى أبلغ مجمع البحرين أي :ملتقى العالمين :عالم الروح وعالم
الجسم ،وهما العذب والجاج في صورة النسانية ومقام القلب :أو أمضي حقبا أي :أسير مدة طويلة : .فلما
بالنوع ل بلغا مجمع بينهما في الصورة الحاضرة الجامعة :نسيا حوتهما وهو الحوت الذي ابتلع ذا النون
بالشخص ،لن غداءهما كان قبل الوصول إلى هذه الصورة في الخارج من ذلك الحوت الذي أمر بتزوده في السفر
ل :سربا نقبًا واسعًا كما قيل :بقي طريقه في البحر وقت العزيمة :فاتخذ سبيله في بحر الجسد حيًا كما كان أو ً
منفرجًا ،لم ينضم عليه البحر : .فلما جاوزا مكان مفارقة الحوت وألقي على موسى النصب والجوع ،ولم ينصب
في السفر ول جاع قبل ذلك على ما حكي ،تذكر الحوت والغتذاء منه وطلب الغداء من فتاه وإنما قال : :آتنا
غداءنا لن حاله ذلك نهارًا بالنسبة إلى ما قبله في الرحم :لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا هو نصب الولدة
ومشقتها : .قال أرأيت ما عراني :إذ أوينا إلى الصخرة أي :النحر للرتضاع :فإني نسيت الحوت
لستغنائنا عنه :وما أنسانيه إل الشيطان أن أذكره أي :وما أنساني أن أذكره إل الشيطان على إبدال أن أذكره من
الضمير ،وذلك لن موسى كان راقدًا حين اتخذ الحوت سبيله في البحر على ما قيل .وفتى النفس يقظان ،فأنسى
شيطان الوهم الذي زين الشجرة لدم ذكر النفس الحوت لموسى لكون الحال حال ذهول والسبيل المتعجب منه هو
السرب المذكور .قال ذلك أي :تملص الحوت واتخاذه سبيله الذي كان عليه في جبلته :ما كنا نطلبه ،لن هناك
مجمع البحرين الذي وعد موسى عنده بوجود من هو أعلم منه ،إذ الترقي إلى الكمال بمتابعة العقل القدسي ل يكون إل
ل يقصان :قصصا أي : في هذا المقام :فارتدا على آثارهما في الترقي إلى مقام الفطرة الولى كما كانا أو ً
يتبعان آثارهما عند الهبوط في الترقي إلى الكمال حتى وجد العقل القدسي ،وهو عبد من عباد ال مخصوص بمزية
ل معنويًا بالتجرد عن المواد والتقدس عن الجهات .والنورية عناية ورحمة :آتيناه رحمة من عندنا أي :كما ً
المحضة التي هي آثار القرب والعندية :وعلمناه من لدنا علما من المعارف القدسية والحقائق الكلية اللدنية بل
واسطة تعليم بشري .وقوله : :هل أتبعك هو ظهور إرادة السلوك والترقي إلى الكمال :إنك لن تستطيع معي
صبرا لكونك غير مطلع على المور الغيبية والحقائق المعنوية لعدم تجردك واحتجابك بالبدن وغواشيه ،فل تطيق
مرافقتي ،وهذا معنى قوله : :وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء ال صابرا لقوة استعدادي
وثباتي على الطلب :ول أعصي لك أمرا لتوجهي نحوك وقبولي أمرك ،لصفاتي وصدق إرادتي .والمقاولت كلها
بلسان الحال : .فإن اتبعتني في سلوك طريق الكمال :فل تسألني عن شيء أي :عليك بالقتداء والمتابعة في
السير بالعمال والرياضات والخلق والمجاهدات ،ول تطلب الحقائق والمعاني :حتى يأتي وقته ،ف :أحدث
لك منه أي :من ذلك العلم :ذكرا وأخبرك بالحقائق الغيبية عند تجردك بالمعاملت القالبية والقلبية :فانطلقا
حتى إذا ركبا في سفينة البدن البالغ إلى حد الرياضة الصالح للعبودية إلى العالم القدسي في بحر الهيولى للسير إلى ال
:خرقها أي :نقصها بالرياضة وتقليل الطعام وأضعف احكامها وأوقع الخلل في نظامها وأوهنها :قال أخرقتها
لتغرق أهلها أي :أكسرتها لتغرق القوى الحيوانية والنباتية التي فيها في بحر الهيولى فتهلك :لقد جئت شيئا إمرا
وهذا النكار عبارة عن ظهور النفس بصفاتها وميل القلب إليها ،والتضجر عن حرمان الحظوظ في الرياضة ،وعدم
القناعة بالحقوق : .قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا تنبيه روحي وتحريض قدسي على أن العزيمة في
السلوك يجب أن تكون أقوى من ذلك :قال ل تؤاخذني بما نسيت إلى آخره ،اعتذاره في مقام النفس اللوامة.
فانطلقا حتى إذا لقيا غلما هو النفس التي تظهر بصفاتها فتحجب القلب فتكون أمارة بالسوء .وقتله بإماتة الغضب
والشهوة وسائر الصفات :أقتلت نفسا زكية اعتراض لتحنن القلب على النفس و :ألم أقل لك تذكير وتعبير
روحي و :إن سألتك عن شيء إلى آخره ،اعتذار وإقرار بالذنب واعتراف ،وكلها من التلوينات عند كون النفس
لوامة : .فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية هم القوى البدنية ،واستطعامهما منهم هو طلب الغذاء الروحاني منهم ،أي :
بواسطتهم كانتزاع المعاني الكلية من مدركاتها الجزئية وإنما أبوا أن يضيفوهما وإن أطعموهما قبل ذلك لن غذاءهما
حينئذ كان من فوقهم من النوار القدسية والتجليات الجمالية والجللية والمعارف اللهية والمعاني الغيبية ل من تحت
أرجلهم كما كان قبل خرق السفينة ،وقتل الغلم بالرياضة والقوى والحواس مانعة من ذلك ل ممدة ،بل ل تتهيأ إل بعد
نعاسهم وهدوهم كما قال موسى لهله :امكثوا .والجدار الذي :يريد أن ينقض هو النفس المطمئنة وإنما عبر عنها
بالجدار لنها حدثت بعد قتل النفس المارة وموتها بالرياضة ،فصارت كالجماد غير متحركة بنفسها وإرادتها ،ولشدة
ضعفها كادت تهلك ،فعبر عن حالها بإرادة النقضاض .وإقامته إياها تعديلها بالكمالت الخلقية والفضائل الجملية بنور
لو شئت لتخذت عليه أجرا القوة النطقية حتى قامت الفضائل مقام صفاتها من الرذائل .وقول موسى : :
تلوين قلبي ل نفسي ،وهو طلب الجر والثواب باكتساب الفضائل واستعمال الرياضة ،ولهذا أجابه بقوله : :هذا
فراق بيني وبينك أي :هذا هو مفارقة مقامي ومقامك ومباينتهما والفرق بين حالي وحالك ،فإن عمارة النفس
بالرياضة والتخلق بالخلق الحميدة ليست لتوقع الثواب والجر وإل فليست فضائل ول كمالت لن الفضيلة هي
التخلق بالخلق اللهية بحيث تصدر عن صاحبها الفعال المقصودة لذاتها ل لغرض .وما كان لغرض فهو حجاب
ورذيلة ل فضيلة والمقصود هو طرح الحجاب وانكشاف غطاء صفات النفس ،والبروز إلى عالم النور لتلقي المعاني
الغيبية بل التصاف بالصفات اللهية بل التحقق بال بعد الفناء فيه ل الثواب كما زعمت :سأنبئك بتأويل ما لم
تستطع عليه صبرا أي :لما اطمأنت النفس واستقرت القوى أمكنك قبول المعاني وتلقي الغيب الذي نهيتك عن السؤال
عنه حتى أحدث لك منه ذكرًا فسأذكر لك وأنبئك بتأويل هذه المور إذا استعددت لقبول المعاني والمعارف .تفسير
سورة الكهف من آية 79إلى : [81أما السفينة فكانت لمساكين في بحر الهيولى ،أي :القوى البدنية من الحواس
الظاهرة والقوى الطبيعية النباتية ،وإنما سماها مساكين لدوام سكونها وملزمتها لتراب البدن وضعفها عن ممانعة
القلب في السلوك والستيلء عليه كسائر القوى الحيوانية .وحكي أنهم كانوا عشرة إخوة خمسة منهم زمنى وخمسة
يعملون في البحر ،وذلك إشارة إلى الحواس الظاهرة والباطنة :فأردت أن أعيبها بالرياضة لئل يأخذها ملك النفس
المارة غصبًا وهو الملك الذي كان وراءهم أي :قدامهم :يأخذ كل سفينة غصبا بالستيلء عليها واستعمالها في
أهوائه ومطالبه :وأما الغلم فكان أبواه اللذان هما الروح والطبيعة الجسمانية :مؤمنين مقرين بالتوحيد
لنقيادهما في سلك طاعة ال وامتثالهما لمر ال وإذعانهما لما أراد ال منهما :فخشينا أن يرهقهما أي :يغشيهما :
طغيانا عليهما بظهوره بالنائية عند شهود الروح :وكفرا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه أو كفرًا بالحجاب
فيفسد عليهما أمرهما ودينهما ويبطل عبوديتهما ل :فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة كما بدلهما بالنفس
المطمئنة التي هي خير منه زكاة ،أي :طهارة ونقاء :وأقرب رحما تعطفًا ورحمة لكونها أعطف على الروح
والبدن وأنفع لهما ،وأكثر شفقة .ويجوز أن يكون المراد بالبوين الجد والب ،فكان كناية عن الروح والقلب .وكونه
أقرب رحمًا أنسب لهما وأشد تعطفًا] .تفسير سورة الكهف من آية 82إلى آية : [87وأما الجدار فكان لغلمين
يتيمين في المدينة أي :العاقلتين النظرية والعملية المنقطعتين عن أبيهما الذي هو روح القدس لحتجابهما عنه
بالغواشي البدنية أو القلب الذي مات أو قتل قبل الكمال باستيلء النفس في مدينة البدن :وكان تحته كنز لهما أي :
كنز المعرفة التي ل تحصل إل بهما في مقام القلب لمكان اجتماع جميع الكليات والجزئيات فيه بالفعل وقت الكمال
وهو حال بلوغ الشد واستخراج ذلك الكنز .وقال بعض أهل الظاهر من المفسرين :كان الكنز صحفًا فيها علم :
وكان أبوهما على كل التأويلين :صالحا وقيل :كان أبا أعلى لهما حفظهما ال له ،فعلى هذا ل يكون إل روح
القدس .قصة ذي القرنين مشهورة وكان روميًا قريب العهد والتطبيق ،إن ذا القرنين في هذا الوجود هو القلب الذي
ملك قرنيه ،أي :خافقيه شرقها وغربها :إنا مكنا له في أرض البدن بالقدار والتمكين على جمع الموال من
المعاني الكلية والجزئية والسير إلى أي قطر شاء من المشرق والمغرب : .وآتيناه من كل شيء أراده من
الكمالت :سببا أي :طريقًا يتوصل به إليه :فاتبع طريقًا بالتعلق البدني والتوجه إلى العالم السفلي : .حتى
إذا بلغ مغرب الشمس أي :مكان غروب شمس الروح :وجدها تغرب في عين حمئة أي :مختلطة بالحمأة ،وهي
المادة البدنية الممتزجة من الجسام الغاسقة كقوله : :من نطفة أمشاج] النسان ،الية : .[2 :ووجد عندها قوما
هم القوى النفسانية البدنية والروحانية :قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب بالرياضة والقهر والماتة :وإما أن تتخذ
فيهم حسنا بالتعديل وإيفاء الحظ : .قال أما من ظلم بالفراط وعدم الستسلم والنقياد كالشهوة والغضب والوهم
والتخيل :فسوف نعذبه بالرياضة :ثم يرد إلى ربه في القيامة الصغرى :فيعذبه باللقاء في نار الطبيعة :
عذابا نكرا أي :منكرًا أشد من عذابي ،أو في القيامة الكبرى فيعذبه عذاب القهر والفناء] .تفسير سورة الكهف من
آية 88إلى آية : [94وأما من آمن بالعلم والمعرفة كالعاقلتين والفكر والحواس الظاهرة :وعمل صالحا بالسعي
في اكتساب الفضائل والنقياد والطاعة :فله جزاء المثوبة :الحسنى من جنة الصفات وتجليات أنوارها وأنهار
ل ذا يسر بحصول الملكات الفاضلة : .ثم أتبع طريقًا هي طريق علومها :وسنقول له من أمرنا يسرا أي :قو ً
الترقي والسلوك إلى ال بالتجرد والتزكي :حتى إذا بلغ مطلع الشمس أي :مطلع شمس الروح :وجدها تطلع
على قوم هم العاقلتان والفكر والحدس والقوة القدسية :لم نجعل لهم من دونها سترا أي :حجابًا لتنورهم بنورها
وإدراكهم المعاني الكلية :كذلك أي :أمره كما وصفنا :وقد أحطنا بما لديه من العلوم والمعارف والكمالت
والفضائل :خبرًا أي :علمًا ،ومعناه :لم يحط به غيرنا لكونه الحضرة الجامعة للعالمين فليس في الوجود من يقف
على معلوماته إل ال ولمر ما سمي عرش ال : .ثم أتبع طريقًا بالسير في ال :حتى إذا بلغ بين السدين أي :
ل وترقيًا :
الكونين ،وذلك مرتبته ومقامه الصلي بين صدفي جبلي الله والسير في المشرق والمغرب سفرة تنز ً
ل لكونها غير مدركة وجد من دونهما قومًا هم القوى الطبيعية البدنية والحواس الظاهرة :ل يكادون يفقهون قو ً
للمعاني ول ناطقة بها : .قالوا بلسان الحال :إن يأجوج الدواعي والهواجس الوهمية :ومأجوج الوساوس
مفسدون في أرض البدن بالتحريض على الرذائل والشهوات المنافية للنظام والحث على والنوازع الخيالية :
العمال الموجبة للخلل فيه وخراب القوانين الخيرية والقواعد الحكمية وإحداث النوائب والفتن والهواء والبدع
المنافية للعدالة المقتضية لفساد الزرع والنسل :فهل نجعل لك خرجا بإمدادك بكمالتنا وصور مدركاتنا :على
أن تجعل بيننا وبينهم سدًا ل يتجاوزونه وحاجزًا ل يعلونه ،وذلك هو الحد الشرعي والحجاب القلبي من الحكمة
العملية] .تفسير سورة الكهف من آية 95إلى آية : [99قال ما مكني فيه ربي من المعاني الكلية والجزئية الحاصلة
بالتجربة والسير في المشرق والمغرب :خير فأعينوني بقوة أي :عمل وطاعة :أجعل بينكم وبينهم ردمًا هو
الحكمة العملية والقانون الشرعي : .آتوني زبر الحديد من الصور العملية وأوضاع العمال :حتى إذا ساوى
بين الصدفين بالتعديل والتقدير :قال للقوى الحيوانية :انفخوا في هذه الصور نفخ المعاني الجزئية والهيئات
النفسانية من فضائل الخلق :حتى إذا جعله نارًا أي :علمًا برأسه من جملة العلوم يحتوي على بيان كيفية
العمال :قال آتوني أفرغ عليه قطرًا النية والقصد الذي يتوسط بين العلم والعمل ،فيتحد به روح العلم وجسد العمل
كالروح الحيواني المتوسط بين الروح النساني والبدن ،فحصل سد ،أي :قاعدة وبنيان من زبر العمال ونفخ العلوم
والخلق وقطر العزائم والنيات ،واطمأنت به النفس وتدبرت فآمنت : .فما اسطاعوا أن يظهروه ويعلوه لرتفاع
ل على علوم وحجج لم يمكنهم دفعها والستيلء عليها :وما استطاعوا له نقبًا لستحكامه شأنه وكونه مشتم ً
بالملكات والعمال والذكار : .قال هذا السد ،أي :القانون :رحمة من ربي على عباده ،يوجب أمنهم وبقاءهم :
ل ،منهدمًا ،لمتناع العمل به عند الموت وخراب اللت فإذا جاء وعد ربي بالقيامة الصغرى :جعله دكا باط ً
البدنية : .وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض بالضطراب والختلط ،أي :تركناهم يختلطون لجتماعهم في
الروح مع عدم الحيلولة :ونفخ في الصور للبعث في النشأة الثانية :فجمعناهم جمعا أو بالقيامة الكبرى حال
الفناء وظهور الحق .جعله دكًا لرتفاع العلم والحكمة هناك ،وظهور معنى الحل والباحة بتجلي الفعال اللهية
وانتفاء الغير وفعله : ،وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ،حيارى ،مختلطين شيئًا واحدًا ل حراك بهم: .
ونفخ في الصور باليجاد بالوجود الحقاني حال البقاء :فجمعناهم جمعا في التوحيد والستقامة والتمكين وكونهم
بال ل بأنفسهم] .تفسير سورة الكهف من آية 100إلى آية : [110وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين أي :يوم القيامة
الصغرى يتعذب المحجوبون عن الحق بأنواع العذاب والنيران كما ذكر في سورة )النعام( أو في ذلك الشهود ،أي :
ظهر لصاحب القيامة الكبرى تعذبهم في نار جهنم :كانت أعينهم في غطاء عن ذكري أي :محجوبة عن آياتي
وتجليات صفاتي الموجبة لذكري :ل يبغون عنها حول أي :تحولً لبلوغهم الكمال الذي يقتضيه استعدادهم ،فل
شوق لهم إلى ما وكونهم في وراءه وإن وجد كمال وراء ذلك لعدم إدراكهم له فل ذوق ول شوق ،وكونهم في مقابلة
المشركين المحجوبين عن الحق بالغير .وكون جناتهم جنات الفردوس يدلن على أن المراد بهم هم الموحدون
الكاملون الستعداد الذين ل كمال فوق كمالهم ،فل يبقى شيء وراء مرتبتهم ،يريدون التحول إليه : .قل لو كان
البحر أي :بحر الهيولى القابلة للصور الممدة لها في الظهور :مدادا لكلمات ربي من المعاني والحقائق والعيان
والرواح :لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي لكونها غير متناهية وامتناع وفاء المتناهي بغير المتناهي ،وال
أعلم.
سورة مريم
سورة طه
سورة النبياء
سورة الحج
سورة المؤمنون
بسم ال الرحمن الرحيم .
قد أفلح دخل في الفوز العظم الموقنون :الذين هم في صلة حضور القلب :خاشعون باستيلء الخشية
والهيبة عليهم لتجلي نور العظمة لهم :والذين هم عن اللغو أي :الفضول :معرضون لشتغالهم بالحق :
والذين هم للزكاة فاعلون بالتجرد عن صفاتهم :والذين هم لفروجهم وأسباب لذاتهم وشهواتهم :حافظون
بترك الحظوظ والقتصار على الحقوق :فمن ابتغى وراء ذلك بالميل إلى الحظوظ :فأولئك هم المرتكبون
العدوان على أنفسهم :والذين هم لماناتهم من أسراره التي أودعهم ال إياها في سرهم :وعهدهم الذي عاهدهم
ال عليه في بدء الفطرة :راعون بالداء إليه والحياء به :والذين هم على صلة مشاهدة أرواحهم :
يحافظون : أولئك الموصوفون بهذه الصفات :هم الوارثون : الذين يرثون فردوس جنة الروح في
حظيرة القدس .ثم أنشأناه خلقا آخر غير هذا المتقلب في أطوار الخلقة بنفخ روحنا فيه وتصويره بصورتنا ،فهو في
الحقيقة خلق وليس بخلق :لميتون بالطبيعة : .ثم إنكم يوم القيامة الصغرى :تبعثون في النشأة الثانية ،أو
ميتون بالرادة ،ويوم القيامة الوسطى تبعثون بالحقيقة ،أو ميتون بالفناء ويوم القيامة الكبرى تبعثون بالبقاء :فوقكم
أي :فوق صوركم وأجسامكم :سبع طرائق عن الغيوب السبعة المذكورة :وما كنا عن خلقها :غافلين فإن
الغيب لنا شهادة :وأنزلنا من سماء الروح ماء العلم اليقيني :فأسكناه فجعلناه سكينة في النفس :وإنا على
ذهاب به لقادرون بالحتجاب والستتار :فأنشأنا لكم به جنات من نخيل الحوال والمواهب وأعناب الخلق
والمكاسب :لكم فيها فواكه كثيرة من ثمرات لذات النفوس والقلوب والرواح :ومنها تقوتون وبها تتقون :
وشجرة التفكر :تخرج من طور الدماغ أو طور القلب الحقيقي بقوة العقل : 12تنبت ما تنبت من المطالب
ملتبسا بدهن استعداد الشتعال بنور نار العقل الفعال :وصبغ لون نوري أو ذوق حالي للمستبصرين المتعلمين
المستطعمين للمعاني :وإن لكم في أنعام القوى الحيوانية :لعبرة تعتبرون بها من الدنيا إلى الخرة :نسقيكم
مما في بطونها من المدركات والعلوم النافعة :ولكم فيها منافع كثيرة في السلوك :ومنها تأكلون تتقوتون
تحملون إلى عالم القدس بقوة التوفيق. بالخلق :وعليها وعلى فلك الشريعة الحاملة إياكم في البحر الهيولني :
فأوحينا إليه أن اصنع فلك الحكمة العملية والشريعة النبوية :بأعيينا على محافظتنا إياك عن الزلل في العمل :
ووحينا بالعلم واللهام :فإذا جاء أمرنا بإهلك القوى البدنية والنفوس المنغمسة المادية :وفار تنور البدن
باستيلء المواد الفاسدة والخلط الرديئة :فاسلك فيها من كل زوجين أي :من كل شيء صنفين من الصور الكلية
والجزئية أعني صورتين اثنتين إحداهما كلية نوعية والخرى جزئية شخصية :وأهلك من القوى الروحانية
والنفوس المجردة النسانية ممن تشرع بشريعتك :إل من سبق عليه القول بإهلكه من زوجتك النفس الحيوانية
والطبيعة الجسمانية :ول تخاطبني في الذين ظلموا من القوى النفسانية والنفوس المنغمسة الهيولنية بالستيلء
على القوى الروحانية والنفوس المجردة النسانية وغصب مناصبهم :إنهم مغرقون في البحر الهيولني : .فإذا
استويت بالستقامة في السير إلى ال ،فاتصف بصفات ال التي هي الحمد القلبي على نعمة النجاء من ظلمة الجنود
الشيطانية :وقل رب أنزلني منزل مباركا هو مقام القلب الذي بارك ال فيه بالجمع بين العالمين وإدراك المعاني
الكلية والجزئية وأمنه من طوفان بحر الهيولى وطغيان مائه :إن في ذلك ليات دلئل ومشاهدات لولي اللباب :
وإن كنا ممتحنين إياهم ببليات صفات النفوس والتجريد عنها بالرياضة ،أو ممتحنين العقلء بالعتبار بأحوالهم عند
الكشف عن حالتهم وحكاياتهم .ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين في النشأة الثانية :وجعلنا ابن مريم القلب :
وأمه النفس المطمئنة :أيه واحدة باتحادهما في التوجه والسير إلى ال وحدوث القلب منها عند الترقي :
وآويناهما إلى ربوة مكان مرتفع بترقي القلب إلى مقام الروح وترقي النفس إلى مقام القلب :ذات استقرار
وثبات وتمكن يستقر فيها لخصبها :ومعين وعلم يقين مكشوف ظاهر : .أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين
: نسارع لهم في الخيرات أي :ليس التمتيع باللذات الدنيوية والمداد بالحظوظ الفانية هو مسارعتنا لهم في
الخيرات كما حسبوا ،إنما المسارعة فيها هو التوفيق لهذه الخيرات الباقية وهي الشفاق بالنفعال والقبول من شدة
الخشية عند تجلي العظمة واليقان العيني بآيات تجلي الصفات الربانية والتوحيد الذاتي بالفناء في الحق ،والقيام بهداية
الخلق وإعطاء كمالتهم في مقام البقاء مع الخشية من ظهور البقية في الرجوع إلى عالم الربوبية من الذات الحدية
وهو السبق في الخيرات وإليها ولها .ول نكلف نفسا إل وسعها أي :ل نكلف كل أحد بمقامات السابقين فإنها
مقامات ل يبلغها إل الفراد كما قيل :جل جناب الحق أن يكن شريعة لكل وارد ،أو يطلع عليه إل واحد بعد واحد ،بل
كل مكلف بما يقتضيه استعداده بهويته من كماله اللئق به .وهو غاية وسعه : .ولدينا كتاب هو اللوح المحفوظ أو أم
الكتاب :ينطق بمراتب استعداد كل نفس وحدود كمالتها وغاياتها ،وما هو حق كل منها :وهم ل يظلمون
بمنعهم عنه وحرمانهم إذا جاهدوا فيه وسعوا في طلبه بالرياضة ،بل يعطى كل ما أمكنه الوصول إليه وما يشتاقه في
السلوك إليه : .بل قلوب المحجوبين :في غمرة غشاوات الهيولى وغفلة غامرة :من هذا السبق وطلب
الحق :ولهم أعمال على خلف ذلك موجبة للبعد عن هذا الباب وتكاثف الحجاب ،أي :كما أن أعمال السابقين
موجبة للترقي في التنور كشف الغطاء والوصول إلى الحق ،فأعمالهم موجبة للتسفل والتكدر وغلظ الحجاب والطرد
عن باب الحق لكونها في طلب الدنيا وشهواتها وهوى النفس ولذاتها : .هم لها عاملون دائبون عليها مواظبون.
وكلما سمعوا ذكر اليات والكمالت ازدادوا عتوا وانهماكا في الغي ،واستكبارا وتعمقا في الباطل ،وهو النكوص على
العقاب إلى مهاوي جحيم الطبيعة .ولما أبطلوا استعداداتهم واطفؤا أنوارها بالرين والطبع على مقتضى قوى النفس
والطبع واشتد احتجابهم بالغواشي الهيولنية والهيئات الظلمانية من نور الهدى والعقل ،لم يمكنهم تدبر القول ولم
يفهموا حقائق التوحيد والعدل ،فنسبوه إلى الجنة ولم يعرفوه للتقابل بين النور والظلمة والتضاد بين الباطل والحق
وأنكروه وكرهوا الحق الذي جاء به : .ولو اتبع الحق الذي هو التوحيد والعدل ،أي الدعوة إلى الذات والصفات :
أهواءهم المتفرقة في الباطل ،الناشئة من النفوس الظالمة ،المظلمة ،المحتجبة بالكثرة عن الوحدة لصار باطل
لنعدام العدل الذي قامت به السموات والرض والتوحيد الذي قامت به الذوات المجردة ،إذ بالوحدة بقاء حقائق
الشياء ،وبظلها الذي هو العدل ونظام الكثرات قوام الرض والسماء فلزم فساد الكل .الصراط المستقيم الذي يدعوهم
إليه هو طريق التوحيد المستلزم لحصول العدالة في النفس ووجود المحبة في القلب وشهود الوحدة في الروح .والذين
يحتجبون عن عالم النور بالظلمات وعن العقل بالحس وعن القدس بالرجس إنما هم منهمكون في الظلم والبغضاء
والعداوة والركون إلى الكثرة ،فل جرم انهم عن الصراط ناكبون منحرفون إلى ضده ،فهو في واد وهم في واد.
ادفع بالتي هي أحسن السيئة أي :إذا قابلك أحد بسيئة فتثبت في مقام القلب وانظر أي الحسنات أحسن في مقابلتها
لتنقمع بها نفس صاحبك وتنكسر فترجع عن السيئة وتندم ول تدع نفسك تظهر وتقابله بمثلها فتزداد حدة نفسه
وسورتها وتزيد في السيئة ،فإنك إن قابلته بحسن الحسنات ،ملكت نفسك ،وغلبت شيطانك ،وثبت قلبك ،واستقمت على
ما أمرك ال به ،وحصلت على فضيلة الحلم ،وتمكنت على مقتضى العلم ،واستقررت في طاعة الرحمن ومعصية
الشيطان ،وأضفت إلى حسنتك إصلح نفس صاحبك وملكتها إن كان فيه أدنى مسكة وقومتها وشددتها ،وتلك حسنة
أخرى لك ،فكنت حائزا للحسنيين وإن عكست كنت جامعا للسوأيين :نحن أعلم بما يصفون أي :كل المسيء إلى
علم ال .واعلم أن ال عالم به ،فيجازيه عنك إن كان مستحقا للعقوبة وهو أقدر منك عليه أو يعفو عنه إن أمكن
رجوعه وعلم صلحه بالعفو عنه .واستعذ بال من سورة الغضب وظهور النفس بنخس الشيطان وهمزه إياها ومن
حضوره وقربه ،أي :توجه إلى ربك مستعيذا به قائل : :رب أعوذ بك منخرطا في سلك التوجه إلى جنابه بالقلب
واللسان والركان لئذا ببابه من تحريضات اللعين ودواعيه وحضوره ،فيصير مقهورا مرجوما مطرودا.
والموصوف بالسيئة الواصف لك بها ،الذاكر لك بالسوء ،إن بقي على حاله حتى إذا احتضر وشاهد أمارات العذاب
وعاين وحشة هيئات السيئات تمنى الرجوع وأظهر الندامة ونذر العمل الصالح في اليمان الذي ترك ولم يحصل إل
على الحسرة والندامة والتلفظ بألفاظ التحسر والندم ،والدعوة دون المنفعة والفائدة والجابة :ومن ورائهم أي :أمام
رجوعهم حائل من هيئات جرمانية ظلمانية مناسبة لهيئات سيئاتهم من الصور المعلقة ،مانعة من الرجوع إلى الحق
وإلى الدنيا ،وهو البرزخ بين بحري النور والظلمة وعالم الرواح المجردة والجساد المركبة يتعذبون فيه بأشد أنواع
العذاب ،وأفحش أصناف العقاب إلى وقت البعث في الصورة الكثيفة عند النفخ في الصور ووقوع القيامة وحشر
الجساد ،وحينئذ :فل أنساب بينهم لحتجاب بعضهم عن بعض بالهياكل المناسبة لخلقهم وأعمالهم وهيئاتهم
الراسخة في نفوسهم المكتوبة عليهم ،فل يتعارفون :ول يتساءلون لشدة ما بهم من الهوال وذهولهم عما كان بينهم
من الحوال ،وتنقطع العلئق والوصل التي كانت بينهم لتفرقهم بأنواع العذاب وأسباب الحجاب ،وتتغير صورهم
وجلودهم وتتبدل أشكالهم ووجوههم على حسب اقتضاء معايبهم وصفات نفوسهم ،وهو معنى قوله : :تلفح
وجوههم النار وهم فيها كالحون وذلك غلبة الشقوة وسوء العاقبة الموجبة للخسء والطرد والبعد واللعن كخسء
الكلب : .لبثنا يوما أو بعض يوم قال ابن عباس :أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين :الحتجاب في
البرزخ المذكور ،فالصور المذكور أنساهم مدة اللبث وإنما استقصروها لنقضائها وكل منقض فهو ليس بشيء ،ولهذا
صدقهم بقوله : :إن لبثتم إل قليل ومعنى : :لو أنكم كنتم تعلمون إنكم حسبتموها كثيرا فاغتررتم بها وفتنتم
بلذاتها وشهواتها ،ولو علمتموها قليل لتزودتم وتجردتم عن تعلقاتها : .رب اغفر هيئات المعلقات :وارحم
بإفاضة الكمالت :وأنت خير الراحمين.
سورة النور
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الحزاب
سورة سبأ
سورة فاطر
سورة يس
بسم ال الرحمن الرحيم .
يس أقسم بالصنفين الدالين على كمال استعداده كما ذكر في )طه( : .والقرآن الحكيم الذي هو الكمال التام اللئق
باستعداده على أنه بسبب هذه المور من المرسلين على طريق التوحيد الموصوف بالستقامة وذلك أن )ي( إشارة إلى
اسمه الواقي و )س( إلى اسمه السلم الذي وقى سلمة فطرتك السالمة عن النقص في الزل عن آفات حجب النشأة
والعادة والسلم الذي هو عينها وأصلها : ،والقرآن الحكيم الذي هو صورة كمالها الجامع لجميع الكمالت المشتمل
على جميع الحكم : .انك بسبب هذه الثلثة :لمن المرسلين * تنزيل العزيز الرحيم أي :القرآن الشامل للحكمة
الذي هو صورة كمال استعدادك تنزيل بإظهاره مفصل من مكمن الجمع على مظهرك ليكون فرقانا من العزيز الغالب
الذي غلب على أنائيتك وصفات نشأتك وقهرها بقوته لئل تظهر وتمنع ظهور القرآن المكنون في غيبك على مظهر
قلبك وصيرورته فرقانا : .الرحيم الذي أظهره عليك بتجليات صفاته الكمالية بأسرها : .لتنذر قوما بلغوا في
كمال استعدادهم ما لم يبلغ آباؤهم فما أنذروا بما أنذرتم به :فهم غافلون عما أوتي إليهم من الستعداد البالغ حدا لم
يبلغه استعداد أحد من المم السابقة ،كما قال : :الذين اصطفينا من عبادنا] فاطر ،الية .[32 :لقد حق القول
على أكثرهم في القضاء السابق بأنهم أشقياء :فهم ل يؤمنون لنه إذا قويت الستعدادات عند ظهورك قوي
الشقياء في الشر كما قوي السعداء في الخير .إنا جعلنا في أعناقهم أغلل من قيود الطبيعة البدنية ومحبة الجرام
السفلية :فهي إلى الذقان تمنع رؤوسهم عن التطأطؤ للقبول إذ عمت العناق التي هي مفاصل تصرفات الرؤوس
وأطبقت المفاصل حتى جاوزت أعاليها وبلغت حد الرؤوس من قدام فلم يبق لهم تصرف بالقبول ول تأثر بالنفعال
والميل إلى الركوع والسجود للنقياد والفناء ،فإن الكمالت النسانية انفعالية ل تحصل إل بالتذلل والنقهار :فهم
مقمحون ممنوعون عن قبولها بإمالة الرؤوس : .وجعلنا من بين أيديهم من الجهة اللهية :سدا من حجاب
ظهور النفس والصفات المستولية على القلب منعهم من النظر إلى فوق ليشتاقوا للقاء الحق عند رؤية النوار
الجمالية :ومن خلفهم من الجهة البدنية :سدا من حجاب الطبيعة الجسمانية ولذاتها المانعة لمتثالهم الوامر
والنواهي فمنعهم من العمل الصالح الذي يعدهم لقبول الخير والصفات الجللية فانسد لهم طريق العلم والعمل فهم
واقفون مع أصنام البدان حيارى يعبدونها ل يتقدمون ول يتأخرون :فأغشيناهم بالنغماس في الغواشي الهيولنية
والنغمار في الملبس الجسمانية :فهم ل يبصرون لكثافة الحجب مع جميع الجهات وإحاطتها بهم وإذا لم يبصروا
ولم يتأثروا فالنذار وعدم النذار بالنسبة إليهم سواء : .إنما تنذر أي :يؤثر النذار وينجع في :من اتبع الذكر
لنورية استعداده وصفائه فيتأثر به ويقبل الهداية بما في استعداده من التوحيد الفطري والمعرفة الصلية ،فيتذكر
ويخشى الرحمن بتصور عظمته مع غيبته من التجلي فيتبعه بالسلوك ليحضر ما هو غائب عنه ويرى ما استضاء
بنوره :فبشره بمغفرة عظيمة من ستر ذنوب حجب أفعاله وصفاته وذاته :وأجر كريم من جنات أفعال الحق
وصفاته وذاته .واضرب لهم مثل أصحاب القرية إلى آخر المثل ،يمكن أن يؤول أصحاب القرية بأهل مدينة البدن
والرسل الثلثة بالروح والقلب والعقل ،إذ أرسل إليهم اثنان أول :فكذبوهما لعدم التناسب بينهما وبينهم ،ومخالفتهم
إياهما في النور والظلمة ،فعززوا بالعقل الذي يوافق النفس في المصالح والمناجح ويدعوها وقومها إلى ما يدعو إليه
القلب والروح فيؤثر فيهم .وتشاؤمهم بهم :تنفرهم عنهم لحملهم إياهم على الرياضة والمجاهدة ومنعهم عن اللذات
والحظوظ .ورجمهم إياهم :رميهم بالدواعي الطبيعية والمطالب البدنية .وتعذيبهم إياهم :استيلؤهم عليهم واستعمالهم
في تحصيل الشهوات البهيمية والسبعية .والرجل الذي جاء من أقصى المدينة ،أي :من أبعد مكان منها ،هو العشق
المنبعث من أعلى وأرفع موضع منها بدللة شمعون العقل ونظره لظهار دين التوحيد والدعوة إلى الحبيب الول
وتصديق الرسل :يسعى لسرعة حركته ويدعو الكل بالقهر والجبار إلى متابعة الرسل في التوحيد ،ويقول : :
وما لي ل أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون وكان اسمه حبيبا وكان نجارا ينحت في بدايته أصنام مظاهر الصفات
من الصور لحتجابه بحسنها عن جمال الذات وهو المأمور بدخول جنة الذات ،قائل : :يا ليت قومي المحجوبين
عن مقامي وحالي :يعلمون بما غفر لي ربي ذنب عبادة أصنام مظاهر الصفات ونحتها :وجعلني من المكرمين
لغاية قربي في الحضرة الحدية .وفي الحديث ' :إن لكل شيء قلبا ،وقلب القرآن يس ' ،فلعل ذلك لن حبيبا المشهور
' :سباق المم ثلثة لم يكفروا بال بصاحب يس آمن به قبل بعثته بستمائة سنة وفهم سر نبوته ،وقال النبي
طرفة عين ،علي بن أبي طالب وصاحب يس ومؤمن آل فرعون ' .وآية لهم الليل أي :ليل ظلمة النفس :
نسلخ منه نهار ونور شمس الروح والتلوين :فإذا هم مظلمون وشمس الروح :تجري لمستقر لها وهو مقام
الحق في نهاية سير الروح :ذلك تقدير العزيز المتمنع من أن يصل إلى حضرة أحديته شيء ،الغالب على الكل
بالقهر والفناء :العليم الذي يعلم حد كمال كل سيار وانتهاء سيره ،وقمر القلب :قدرناه أي :قدرنا مسيره في
سيره :منازل من الخوف والرجاء والصبر والشكر وسائر المقامات كالتوكل والرضا :حتى عاد عند فنائه في
الروح في مقام السر :كالعرجون القديم وهو بقرب استسراره فيه وإضاءة وجهه الذي يلي الروح قبل تمام فنائه
فيه ،واحتجابه لنوريته عن النفس والقوى ،وكونه بدرا إنما يكون في موضع الصدر في مقابلة مقام السر : .ل
الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر في سيره فيكون له الكمالت الصدرية من الحاطة بأحوال العالمين والتجلي
بالخلق والوصاف :ول الليل سابق النهار بإدراك القمر الشمس وتحويل ظلمة النفس نهار نور القلب لن القمر
إذا ارتقى إلى مقام الروح بلغ الروح حضرة الوحدة فل تدركه وتكون النفس حينئذ نيرة في مقام القلب ل ظلمة لها ،فلم
تسبق ظلمتها نوره بل زالت مع أن القلب ونوره في مقام الروح فلم تسبقه على تقدير بقائها :وكل في فلك أي :
مدار ومحل لسيره معين في بدايته ونهايته ل يتجاوز حديه المعينين :يسبحون يسيرون إلى أن جمع ال بينهما في
حد وخسف القمر بها وأطلع الشمس من مغربها فتقوم القيامة : .وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وهو
سفينة نوح فيه سر من أسرار البلغة حيث لم يذكر آباءهم الذين كانوا فيها بل ذرياتهم الذين كانوا في أصلبهم ،فل بد
من وجود الذريات حينئذ :وخلقنا لهم من مثله أي :مثل سفينة نوح وهي السفينة المحمدية :ما يركبون.
اتقوا ما بين أيديكم من أحوال القيامة الكبرى :وما خلفكم من أحوال القيامة الصغرى ،فإن الولى تأتي من جهة
الحق والثانية تأتي من جهة النفس بالفناء في ال في الولى ،والتجرد عن الهيئات البدنية في الثانية والنجاة منها.
والصيحتان هما التنبه عن النفخة الولى بوقوع مقدماتها وانزعاج القوى كلها دفعة عن مقارها ،وعن الثانية بوقوعها
وانتباهتهم دفعة ،وانتشار القوى في محالها .والجداث :البدان التي هي مراقدهم : .إن أصحاب الجنة اليوم في
شغل من أنوار التجليات ومشاهدات الصفات ،متلذذون هم ونفوسهم الموافقة لهم في التوجه :في ظلل من أنوار
الصفات :على الرائك المقامات والدرجات :متكئون لهم فيها فاكهة من أنواع المدركات وأصناف الواردات
والمكاشفات :ولهم ما يتمنون من المشاهدات ،وهي : :سلم أعني :قول بإفاضة الكمالت وتبرئتهم بها من
وجوه النقص التي تنبعث منها دواعي التمنيات صادرا :من رب رحيم يرحم بتلك المشتهيات .والعهد عهد الزل
وميثاق الفطرة وعبادة الشيطان ،هو الحتجاب بالكثرة لمتثال دواعي الوهم والصراط المستقيم طريق الوحدة .وقال
الضحاك في وصف جهنم ' :إن لكل كافر بئرا من النار يكون فيه ل يرى ول يدري ' ،وذلك صورة احتجابه .ومعنى
الختم على الفواه وتكليم اليدي وشهادة الرجل :تغيير صورهم وحبس ألسنتهم عن النطق وتصوير أيديهم وأرجلهم
على صور تدل بهيئاتها وأشكالها على أعمالها وتنطق بألسنة أحوالها على ملكاتها من هيئات أفعالها : .إنما أمره
عند تعلق إرادته بتكوين شيء ترتب كونه على تعلق الرادة به دفعة معا بل تحلل زماني :فسبحان أي :نزه عن
العجز والتشبه بالجسام والجسمانيات في كونها وكون أفعالها زمانية :الذي تحت قدرته وفي تصرف قبضته :
ملكوت كل شيء من النفوس والقوى المدبرة له :وإليه ترجعون بالفناء فيه والنتهاء إليه ،وال أعلم.
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
الذات الحدية الموصوفة بالرحمة الرحمانية العامة للكل ،بإفاضة الوجود والكمال عليه ،والرحيمية الخاصة بالولياء
المحمديين ،المستعدين لقبول الكمال الخاص العرفاني ،والتوحيد الذاتي .وهو كتاب العقل الفرقاني الذي :فصلت
آياته بالتنزيل بعد ما أجملت قبل في عين الجمع حال كونه :قرآنا أي :فصلت بحسب ظهور الصفات وحدوث
الستعدادات في حال كونه جامعا للكل :عربيا لوجود نشأته في العرب :لقوم يعلمون حقائق آياته لقرب
استعداداتهم منه وصفاء فطرهم :بشيرا للقابلين المستعدين للكمال ،المستبصرين بنوره باللقاء :نذيرا
للمحجوبين بظلمات نفوسهم من العقاب :فأعرض أكثرهم لحتجابهم بالغيار وبقائهم في ظلمات الستتار :فهم
ل يسمعون كلم الحق لوقر سمع القلب كما قالوا : :قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر لن غشاوات
الطبيعة وحجب صفات النفوس أعمت أبصار قلوبهم وأصمت آذانها وجعلتها في أغطية وأكنة وحجبت بينهم وبينه.
قل إنما أنا بشر مثلكم أي :إني من جنسكم وأناسبكم في البشرية والمماثلة النوعية ،لتوجهه للنس والخلطة،
وأباينكم بالوحي المنبه على التوحيد المبين لطريق السلوك ،فاتصلوا بي بالمناسبة النوعية ومجانسة البشرية لتهتدوا
بنور التوحيد والوحي المفيد لبيان الدين ،وتسلكوا سبيل الحق الذي عرفنيه بقوله : :أنما إلهكم إله واحد ل شريك له
في الوجود :فاستقيموا بالثبات على اليمان والسكينة واليقان في التوجه
إليه من غير انحراف إلى الباطل والطرق
الصفات البشرية ليستر بنور صفاته ذنوب صفاتكم :وويل للمحتجبين بالغير : .الذين ل يزكون أنفسهم بمحو
صفاتها ليرتفع حجاب الغيرية فتتحقق بالوحدة :وهم بالخرة هم كافرون لسترهم النور الفطري المقتضي الشوق
إلى عالم القدس ومعدن الحياة البدية بظلمات الحس وهيئات الطبيعة البدنية .قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الرض
في يومين أي :في حادثين كما ذكر أن اليوم معبر به عن الحادث لنسبته إليه في قولهم :الحوادث اليومية لتشابهها في
الظهور والخفاء ،وهما الصورة والمادة :وبارك فيها أي :أكثر خيرها :وقدر فيها معايشها وأرزاقها :في
أربعة أيام هي الكيفيات الربع والعناصر الربعة التي خلق منها المركبات بالتركيب والتعديل :سواء مستوية
بالمتزاج والعتدال للطالبين للقوات والمعايش ،أي قدرها لهم :ثم استوى إلى السماء أي :قصد إلى إيجادها وثم
للتفاوت بين الخلقين في الحكام وعدمه ،واختلفهما في الجهة والجوهر ل للتراخي في الزمان إذ ل زمان هناك :
وهي دخان أي :جوهر لطيف بخلف الجواهر الكثيفة الثقيلة الرضية :فقال لها وللرض ائتيا طوعا أو كرها
أي :تعلق أمره وإرادته بإيجادهما فوجدتا في الحال معا كالمأمور المطيع إذ ورد عليه أمر المر المطاع لم يلبث في
امتثاله ،وهو من باب التمثيل إذ ل قول ثمة .فقضاهن سبع سماوات في يومين أي :المادة والصورة كالرض :
وأوحى في كل سماء أمرها أي :أشار إليها بما أراد من حركتها وتأثيرات ملكوتها وتدبيراتها وخواص كوكبها
وكل ما يتعلق بها : .وزينا السماء الدنيا أي :السطح الذي يلينا من فلك القمر :بمصابيح الشهب :و حفظناها
:حفظا من أن تنخرق بصعود البخارات إليها ووصول القوى الطبيعية الشيطانية إلى ملئكتها :ذلك تقدير
العزيز الغالب على أمره كيف يشاء :العليم الذي أتقن صنعه بعلمه ،أو أئنكم لتكفرون وتحتجبون بالغواشي البدنية
عن الذي خلق أرض البدن وجعلها حجاب وجهه في يومين أي شهرين أو حادثين مادة وصورة ،وتجعلون له أندادا
بوقوفكم مع الغير ونسبتكم التأثير إلى ما ل وجود له ول أثر ،ذلك الخالق هو الذي يرب العالمين بأسمائه وجعل فيها
رواسي العضاء من فوقها أو رواسي الطبائع الموجبة للميل السفلي من القوى العنصرية والصور المادية التي
تقتضي ثباتها على حالها ،وبارك فيها بتهيئة اللت والسباب والمزاجات والقوى التي تتم بها لمقته وأفعاله وقدر فيها
أقواتها بتدبير الغاذية وأعوانها وتقدير مجاري الغذاء وأمور التغذية وأسبابها وموادها في تتمة أربعة أشهر ،أي :
جميع ذلك في أربعة أشهر سواء متساوية أو في مواد العناصر الربعة ،ثم استوى أي :بعد ذلك قصد قصدا مستويا
من غير أن يلوي إلى شيء آخر ،إلى سماء الروح وتسويتها وهي دخان أي :مادة لطيفة من بخارية الخلط ولطافتها
مرتفعة من القلب .وقد جاء في الحديث ' :إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ،ثم يكون علقة مثل
ذلك ،ثم يكون مضغة مثل ذلك ،ثم يبعث ال إليه ملكا بأربع كلمات ،فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد ،ثم ينفخ
فيه الروح ' ويعضده حديث آخر في أن نفخ الروح في الجنين يكون بعد أربعة أشهر من وقت الحمل .فقال لها
ولرض البدن :ائتيا ،أي :تعلقت إرادته بتكوينهما وصيرورتهما شيئا واحدا وخلقا جديدا ،فتكونا على ما أراد من
الصورة وهذا معنى خلو الرض قبل السماء غير مدحوة ودحوها بعده .فإن المادة البدنية وإن تخلقت بدنا قبل اتصال
الروح وانتفاخه فيها لكن العضاء لم تنبسط ولم ينفتق بعضها من بعض إل بعده ،فقضاهن سبع سموات ،أي :الغيوب
السبعة المذكورة من القوى والنفس والقلب والسر والروح والخفاء ،والحق الذي أدرج هويته في هوية الشخص
الموجود وتنزل بإيجاده في هذه المراتب واحتجب بها وإن جعلت السبعة من المخلوقات حتى تخرج الهوية من جملتها
ل ،وهي السماء الدنيا باعتبار دنوها من القلب الذي به النسان إنسانا في
فإحداها وهي الرابعة بين القلب ،والسر العق ِ
يومين في شهرين آخرين ،فتم مدة الحمل ستة أشهر أو مدة خلق النسان ،ولهذا إذا ولد بعد تمام الستة على رأس
الشهر السابع عاش مستوي الخلق أو في طورين مجردة وغير مجردة أو حادثين روح وجسد وال أعلم : .وأوحى
في كل سماء من الطبقات المذكورة :أمرها وشأنها المخصوص بها من العمال والدراكات والمكاشفات
والمشاهدات والمواصلت والمناغيات والتجليات : .وزينا السماء الدنيا أي العقل بمصابيح الحجج والبراهين :
وحفظناها من استراق شياطين الوهم والخيال ،كلم المل العلى من الروحانيات بالترقي إلى الفق العقلي
واستفادة الصور القياسية لترويج أكاذيبها وتخيلتها بها .حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم
وجلودهم أي :غيرت صور أعضائهم وصورت أشكالها على هيئة العمال التي ارتكبوها ،وبدلت جلودهم وأبشارهم،
فتنطق بلسان الحال ،وتدل بالشكال على ما كانوا يعملون .ولنطقها بهذا اللسان قالت : :أنطقنا ال الذي أنطق كل
شيء إذ ل يخلو شيء ما من النطق ،ولكن الغافلين ل يفهمون :وقيضنا لهم قرناء أي :قدرنا لهم أخذانا وأقرانا من
شياطين النس والجن من الوهم والتخيل لتباعدهم من المل العلى ،ومخالفتهم بالذات للنفوس القدسية والنوار
الملكوتية بانغماسهم في المواد الهيولنية ،واحتجابهم بالصفات النفسانية ،وانجذابهم إلى الهواء البدنية والشهوات
الطبيعية ،فناسبوا النفوس الرضية الخبيثة ،والكدرة المظلمة ،وخالفوا الجواهر القدسية والذوات المجردة ،فجعلت
الشياطين أقرانهم وحجبوا عن نور الملكوت :فزينوا لهم ما بين أيديهم ما بحضرتهم من اللذات البهيمية والسبعية
والشهوات الطبيعية :وما خلفهم من المال والماني التي ل يدركونها :وحق عليهم القول في القضاء اللهي
بالشقاء البدي كائنين :في أمم قد خلت من قبلهم من المكذبين بالنبياء والمحجوبين عن الحق من الباطنين
والظاهريين :إنهم كانوا خاسرين لخسرانهم نور الستعداد الصلي ،وربح لكمال الكسبي ،ووقوعهم في الهلك
البدي والعذاب السرمدي : .ربنا أرنا الذين أضلنا أي :حنق المحجوبين واغتاظوا على أضلهم من الفريقين عند
وقوع العذاب وتمنوا أن يكونوا في أشد من عذابهم وأسفل من دركاتهم لما لقوا من الهوان وألم النيران وعذاب
الحرمان والخسران بسببهم وأرادوا أن يشفوا صدورهم برؤيتهم في أسوأ أحوالهم وأنزل مراتبهم ،كما ترى من وقع
في البلة بسبب رفيق أشار إليه بما أوقعه فيها يتجرد عليه ويتغيط ويكاد أن يقع فيه من غيبته ويتحرق .إن الذين
قالوا ربنا ال أي :وحدوه بنفي غيره وعرفوه باليقان حق معرفته :ثم استقاموا إليه بالسلوك في طريقه والثبات
على صراطه مخلصين لعمالهم عاملين لوجهه ،غير ملتفتين بها إلى غيره :تتنزل عليهم الملئكة للمناسبة
الحقيقية بينهم في التوحيد الحقيقي واليمان اليقيني والعمل الثابت على منهاج الحق والستقامة في الطريقة إليه ،غير
ناكثين في عزيمة ول منحرفين عن وجهه ول زائغين في عمل كما ناسبت نفوس المحجوبين من أهل الرذائل
الشياطين بالجواهر المظلمة والعمال الخبيثة فتنزلت عليهم :أل تخافوا من العقاب لتنور ذواتكم بالنوار وتجردها
عن غواسق الهيئات :ول تحزنوا بفوات كمالتكم التي اقتضاها استعدادكم :وأبشروا بجنة الصفات :التي
كنتم توعدون حال اليمان بالغيب أو قالوا : :ربنا ال بالفناء فيه ثم استقاموا به بالبقاء بعد الفناء عند التمكين :
تتنزل عليهم الملئكة للتعظيم عند الرجوع إلى التفصيل ،إذ في حال الفناء ول وجود للملئكة ول لغيرهم : ،أل
تخافوا من التلوين :ول تحزنوا على الستغراق في التوحيد ،فإن أهل الوحدة إذا ردوا إلى التفصيل ورؤية الكثرة
غلب عليهم الحزن والوجد في أول الوهلة لفوات الشهود الذاتي في عين الجمع والحتجاب بالتفصيل حتى يتمكنوا في
التحقق بالحق حال البقاء وانشراح الصدر بنور الحق فل تحجبهم الكثرة عن الوحدة ول الوحدة عن الكثرة ،شاهدين
في هذه الحال : :الم نشرح لك صدرك )(1 في تفاصيل الصفات عين الذات بالذات ،كما قال تعالى لنبيه
ووضعنا عنك وزرك ) (2الذي أنقض ظهرك ) 3وأبشروا بجنة الذات الشاملة لجميع مراتب الجنان التي كنتم
توعدونها في مقام تجليات الصفات : .نحن أولياؤكم وأحباؤكم في الدارين للمناسبة الوصفية والجنسية الصلية بيننا
وبينكم ،كما أن الشياطين أولياء المحجوبين لما بينهم من الجنسية والمشاركة في الظلمة والكدورة :ولكم فيها ما
تشتهي أنفسكم من المشاهدات والتجليات والروح والريحان والنعيم المقيم أي :إذا بلغتم الكمال الذي هو مقتضى
استعدادكم فل شوق لكم إلى ما غاب عنكم ،بل كل ما تشتهون وتتمنون فهو مع الشتهاء والتمني حاضر لكم في
الجنان الثلث :نزل معدا لكم :من غفور ستر لكم بنوره ذنوب آثاركم وأفعالكم وصفاتكم وذواتكم :رحيم
رحمكم بتجليات أفعاله وصفاته وذاته وإبدالكم بها إياها .ومن أحسن قول أي :حال إذ كثيرا ما يستعمل القول
بمعنى الفعل والحال ومنه ،قالوا : :ربنا ال أي :جعلوا دينهم التوحيد ،ومنه الحديث ' :هلك المكثرون إل من قال
هكذا وهكذا ' ..أي :أعطى : .ممن دعا إلى ال وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين أي :ممن أسلم وجهه إلى ال
في التوحيد وعمل بالستقامة والتمكين ،ودعا الخلق إلى الحق للتكميل ،فقدم الدعوة إلى الحق والتكميل لكونه أشرف
المراتب ولستلزامه الكمال العلمي والعملي ،وإل لما صحت الدعوة وإن صحت ما كانت إلى ال ،أي :إلى ذاته
الموصوفة بجميع الصفات ،فإن العالم الغير العامل إن دعا كانت دعوته إلى العليم ،والعامل الغير العالم إلى الغفور
الرحيم ،والعالم العامل العارف الكامل صحت دعوته إلى ال : .ول تستوي الحسنة ول السيئة لكون الولى من مقام
القلب تجر صاحبها إلى الجنة ومصاحبة الملئكة ،والثانية من مقام النفس تجر صاحبها إلى النار ومقارنة الشياطين :
ادفع بالتي هي أحسن إذا أمكنك دفع السيئة من عدوك بالحسنة التي هي أحسن ،فل تدفعها بالحسنة التي دوتها،
فكيف بالسيئة ؟ ! ،فإن السيئة ل تندفع بالسيئة بل تزيد وتعلو ارتفاع النار بالحطب ،فإن قابلتها بمثلها كنت منحطا إلى
مقام النفس ،متبعا للشيطان ،سالكا طريق النار ،ملقيا لصاحبك في الوزار وجاعل له ولنفسك من جملة الشرار،
متسببا لزدياد الشر معرضا عن الخير .وإن دفعتها بالحسنة سكنت شرارته وأزلت عدواته وتثبت في مقام القلب على
الخير ،وهديت إلى الجنة وطردت الشيطان ،وأرضيت الرحمن وانخرطت في سلك الملكوت ومحوت ذنب صاحبك
بالندامة .وإن دفعتها بالتي هي أحسن ناسبت الحضرة الرحيمية بالرحموت وصرت باتصافك بصفاته تعالى من أهل
: الجبروت وأفضت من ذاتك فيض الرحمة على صاحبك فصار :كأنه ولي حميم ولمر ما قال النبي
' لو جاز أن يظهر البارئ لظهر بصورة الحلم ' ،ول يلقي هذه الخصلة الشريفة والفضيلة العظيمة :إل الذين
صبروا مع ال ،فلم يتغيروا بزلة العداء لرؤيتهم منه تعالى وتوكلهم عليه واتصافهم بحلمه أو طاعتهم لمره :وما
يلقاها إل ذو حظ عظيم من ال بالتخلق بأخلقه .وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ينخسنك نخس بالمقابلة بالسيئة
وداعية بالنتقام وهيجان من غضبك :فاستعذ بال بالرجوع إلى جنابه واللجوء إلى حضرته من شره ووسوسته
ونزغه بالبراءة عن أفعالك وصفاتك والفناء فيه عن حولك وقوتك :إنه هو السميع لما هجس ببالك من أحاديث
نفسك وأقوالك :العليم بنياتك وما بطن من أحوالك : .ومن آياته ليل ظلمة النفس بظهور صفاتها الساترة للنور
لتقعوا في السيئات وتستعدوا لقبول الوساوس الشيطانية ونهار نور الروح بإشراق أشعتها من القلب إلى النفس،
فتباشروا الحسنات وتدفعوا السيئات بها وتمتنعوا عن قبول الوساوس وتتعرضوا للنفحات وشمس الروح وقمر القلب :
ل تسجدوا للشمس بالفناء فيه والوقوف معه والحتجاب به عن الحق :ول للقمر بالوقوف مع الفضائل
والكمالت والنبو إلى جنة الصفات :واسجدوا ل الذي خلقهن بالفناء في الذات :إن كنتم موحدين ،مخصصين
العبودية به دون غيره ل مشركين ول محجوبين :فإن استكبروا عن الفناء فيه بظهور النائية والطغيان
والستعلء بصفات النفس والعدوان :فالذين عند ربك من السابقين الفانين فيه :يسبحون له بالتجريد والتنزيه
عن حجب ذواتهم وصفاتهم دائما بليل الستتار في مقام التفصيل ونهار التجلي في مقام الجمع :ل يسأمون لكونهم
قائمين بال ذاكرين بالمحبة الذاتية .إن الذين يلحدون في آياتنا أي :يميلون ويزيغون فيها من طريق الحق إلى
الباطل فينسبونها إلى غير الحق لحتجابهم عنه ويتلونها بأنفسهم فيفهمون منها ما يناسب صفاتهم :ل يخفون علينا
وإن خفينا عنهم :وإنه لكتاب عزيز منيع محمي عن أن يمسه وتفهمه النفوس الخبيثة المحجوبة فتغيره ويطلع عليه
المبطلة فتبطله لبعده عن مبالغ عقولهم .وما اعتقدوه من باطلهم إذ :ل يأتيه الباطل من جهة من الجهات ل من جهة
الحق فيبطله بما هو أبلغ منه وأشد إحكاما في كونه حقا وصدقا ول من جهة الخلق فيبطلونه باللحاد في تأويله
ويغيرونه بالتحريف لكونه ثابتا في اللوح محفوظا من جهة الحق ،كما قال تعالى : :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون] الحجر ،الية : .[9 :قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء أي :هو للمؤمنين بالغيب هداية تهديهم إلى الحق
وتبصرهم بالمعرفة وشفاء يزيل أمراض قلوبهم من الرذائل كالنفاق والشك أي :تبصرهم بطريق النظر والعمل
فتعلمهم وتزكيهم :والذين ل يؤمنون من المحجوبين ل يسمعونه ول يفهمونه بل يشتبه عليهم ويلتبس لستيلء
الغفلة عليهم وسد الغشاوات الطبيعة والهيئات البدنية طرق أسماع قلوبهم وأبصارها فل ينفذ فيها ول يتنبهوا بها ول
يتيقظوا كالذي ينادي من مكان بعيد لبعده عن منبع النور الذي يدرك به الحق ويرى ،وانهماكهم في ظلمات الهيولى: .
سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم أي :نوفقهم للنظر في تصاريفنا للممكنات وأحوالها :حتى يتبين لهم
بطريق الستدلل واليقين البرهاني :أنه الحق أو لم يكف بربك للذين شاهدوه من أهل العيان :أنه على كل
شيء شهيد حاضر مطلع ،أي :لم يكف شهوده على مظاهر الشياء في معرفته وكونه الحق الثابت دون غيره حتى
تحتاج إلى الستدلل بأفعاله أو التوسل بتجليات صفاته وهذا هو حال المحبوب المكاشف بالجذب قبل السلوك ،والول
حال المحب السالك المجاهد لطلب الوصول : .أل إنهم في مرية من لقاء ربهم لحتجابهم بالكون عن المكون
والمخلوق عن الخالق :أل إنه بكل شيء محيط ل يخرج عن إحاطته شيء وإل لم يوجد ،إذ حقيقة كل شيء عين
علمه تعالى ووجوده به ،وعلمه عين ذاته وذاته عين وجوده ،فل يخرج شيء عن إحاطته إذ ل وجود لغيره ول عين
ول ذات :كل شيء هالك إل وجهه] القصص ،الية [88 :كما قال تعالى : :كل من عليها فان ويبقى وجه ربك
حم عسق أي :الحق ظهر بمحمد ظهور علمه بسلمة قلبه ،فالحق محمد ظاهرا وباطنا ،والعلم سلمة قلبه عن
النقص والفة أي :كماله وبروزه عن الححاب إذ تجرد القلب ظهور العلم :كذلك مثل ذلك الظهور على مظهرك
وظهور علمه على قلبك :يوحي إليك وإلى الذين من قبلك من النبياء :ال الموصوف بجميع صفاته :
العزيز المتمنع بسرادقات جلله وستور صفاته :الحكيم الذي يظهر كماله بحسب الستعدادات ويهدي بالوسايط
والمظاهر جميع العباد على وفق قبول الستعداد : .له ما في السماوات وما في الرض كلها مظاهر صفاته وصور
مملكته ومحال أفعاله :وهو العلي عن التقيد بصورها والتعين بأعيانها :العظيم الذي تضاءلت وتصغرت في
سلطانه وتلشت وتفانت في عظمته :تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن لتأثرهن من تجليات عظمته ويتلشين من
علو قهره وسلطنته :والملئكة من العقول المجردة والنفوس المدبرة :يسبحون ذاته بتجرد ذواتهم حامدين له
بكمالت صفاتهم :ويستغفرون لمن في الرض بإفاضة النوار على أعيانهم ووجوداتهم بعد استفاضتهم إياها من
الحضرة الحدية :أل إن ال هو الغفور بستر ظلمات ذوات الكل من الملئكة والناس بنور ذاته :الرحيم
بإفاضة الكمالت بتجليات صفاته على وجوداتهم ل غيره ولو شاء ال لجعلهم أمة واحدة كلهم على الفطرة موحدين
بناء على القدرة ولكن بنى أمره على الحكمة فجعل بعضهم موحدين عادلين وبعضهم مشركين ظالمين كما قال ول
يزالون مختلفين[هود ،الية ]118 :لتتميز المراتب وتتحقق السعادة والشقاوة وتمتلئ الدنيا والخرة والجنة والنار
أم اتخذوا من دونه أولياء ل ولية لهم في الحقيقة إذ ل قدرة ول قوة ول وجود :فال هو الولي دون غيره لتوليه
كل شيء وسلطانه وحكمه :وهو المحيي القادر ،فكيف تستقيم ولية غيره :عليه توكلت بفناء الفعال ،فل أقابل
أفعالكم بفعلي :وإليه أنيب بفناء صفاتي ،فل أظهر بصفة من صفاتي في مقابلة صفات نفوسكم : .ليس كمثله
شيء أي :كل الشياء فانية فيه هالكة ،فل شيء يماثله في الشيئية والوجود :وهو السميع الذي يسمع به كل من
يسمع :البصير الذي يبصر به كل من يبصر جمعا وتفصيل يفني الكل بذاته ويبدئهم بصفاته ،بيده مفاتيح الرزاق
وخزائن الملك والملكوت ،يبسط ويقدر بمقتضى علمه على من يشاء من خلقه بحسب مصالحهم في الغنى والفقر: .
شرع لكم من الدين المطلق الذي وصى جميع النبياء بإقامته واجتماعهم عليه وعدم تفرقهم فيه ،وهو أصل الدين،
أي :التوحيد والعدل وعلم المعاد المعبر عنه باليمان بال واليوم الخر دون فروع الشرائع التي اختلفوا فيها بحسب
المصالح كأوضاع الطاعات والعبادات والمعاملت ،كما قال تعالى : :لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا] المائدة،
الية ،[48 :فالدين القيم هو المتعلق بما ل يتغير من العلوم والعمال ،والشريعة هي المتعلقة بما يتغير من القواعد
والوضاع :كبر على المشركين المحجوبين عن الحق بالغير :ما تدعوهم إليه من التوحيد لكونهم أهل المقت
ومظاهر الغضب والقهر ،وليسوا من المحبوبين الذين اجتباهم ال بمحض عنايته ومجرد مشيئته ول من المحبين الذين
وفقهم ال للنابة إليه بالسلوك والجتهاد والسير فيه بالشوق والفتقار ،فهداهم إليه بنور وجهه وجمال ذاته ،فجذب
المحبوبين إليه قبل السلوك والرياضة بسابقة الجتباء ،وخص المحبين بعد التوفيق بالسلوك فيه والرياضة بالصطفاء
وطرد المحجوبين عن بابه وأبعدهم عن جنابه بسابقة كلمة القضاء عليهم بالشقاء .فلذلك التفرق في الدين :فادع
إلى التوحيد :واستقم في التحقق بال والتعبد حق العبودية وأنت على التمكين ول تظهر نفسك بصفة عند إنكارهم
واستمالتهم إياك في موافقتهم :ول تتبع أهواءهم المتفرقة بالتلوين :فيضلوك عن التوحيد : .وقل آمنت بما
أنزل ال من كتاب أي :اطلعت على كمالت جميع النبياء وجمعت في علومهم ومقاماتهم وصفاتهم وأخلقهم ،فكمل
توحيدي وصرت حبيبا لكمال محبتي ،ورسخت في نفسي ،فتمت عدالتي وهذا معنى قوله : :وأمرت لعدل بينكم
ال ربنا وربكم هو التثبيت في مقام التوحيد والتحقيق :لنا أعمالنا ولكم أعمالكم صورة الستقامة والتمكين في
العدالة :ل حجة بيننا وبينكم كمال المحبة والصفاء لقتضاء مقام التوحيد النظر إليهم بالسواء :ال يجمع بيننا
في القيامة الكبرى والفناء :وإليه المصير في العاقبة للجزاء : .والذين يحاجون في ال لحتجابهم بنفوسهم :
من بعد ما استجيب له بالستسلم والنقياد لدينه وقبول التوحيد بسلمة الفطرة :حجتهم داحضة لكونها ناشئة
من عند أنفسهم فل أصل لها عند ال :وعليهم غضب لستحقاقهم لذلك بظهور غضبهم :ولهم عذاب شديد
لحرمانهم : .ال الذي أنزل الكتاب بالحق أي :العلم التوحيدي بالمحبة التي اقتضت استحقاقه لذلك فكان حقا له :
والميزان أي :العدل ،وإذا حصل العلم والتوحيد في الروح والمحبة في القلب والعدل في النفس قرب الفناء في ال
ووقوع القيامة الكبرى : .ال لطيف بعباده يلطف بهم في تدبير إيصال كمالتهم إليه وتهيئة أسبابها وتوفيقهم
للعمال المقربة لهم إليها :يرزق من يشاء العلم الوافر بحسب عنايته به في هيئة استعداده له : ،وهو القوي
القاهر :العزيز الغالب ،يمنع من يشاء بمقتضى عدله وحكمته ولكل أحد نصيب من اللطف والقهر ل يخلو أحد
منهما وإنما تتفاوت النصباء بحسب الستعدادات والسباب والعمال والحوال .من كان يريد حرث الخرة بقوة
إرادته وشدة طلبه لزيادة نصيب اللطف وتوجهه وإقباله إلى الحق لحيازة القرب :نزد له في نصيبه ،فنصلح حال
آخرته ودنياه لن الدنيا تحت الخرة وظلها ومثالها وصورتها تتبعها :ومن كان يريد حرث الدنيا وأقبل بهواه إلى
جهة السفل وتعلق همه بزيادة نصيب القهر وبعد عن الحق :نؤته منها ما هو نصيبه وما قسم له وقدر ل مزيد عليه
:وما له في الخرة من نصيب لعراضه عنها وعقد همه بالدون ووقوفه معه وجعله حجابا للشرف وإدباره عن
النصيب الوفر ،فل يتهيأ لقبوله ول يستعد لحصوله إذ الصل ل يتبع الفرع : .قل ل أسألكم عليه أجرا إل المودة
في القربى استثناء منقطع وفي القربى متعلق بمقدر أي :المودة الكائنة في القربى .ومعناه :نفي الجر أصل لن ثمرة
مودة أهل قرابته عائدة إليهم لكونها سبب نجاتهم ،إذ المودة تقتضي المناسبة الروحانية المستلزمة لجتماعهم في
' :المرء يحشر مع من أحب ' فل تصلح أن تكون أجرا له ول يمكن من تكدرت روحه وبعدت الحشر ،كما قال
عنهم مرتبته محبتهم بالحقيقة ،ول يمكن من تنورت روحه وعرف ال وأحبه من أهل التوحيد أن ل يحبهم لكونهم أهل
بيت النبوة ومعادن الولية والفتوة محبوبين في العناية الولى ،مربوبين للمحل العلى فل يحبهم إل من يحب ال
إذ محبته عين محبته ورسوله ويحبه ال ورسوله ،ولو لم يكونوا محبوبين من ال في البداية لما أحبهم رسول ال
تعالى في صورة التفصيل بعد كونه في عين الجمع وهم الربعة المذكورون في الحديث التي بعد ،أل ترى أن له
أولدا آخرين وذوي قرابات في مراتبهم كثيرين لم يذكرهم ولم يحرض المة على محبتهم تحريضهم على محبة
هؤلء وخص هؤلء بالذكر .روي أنها لما نزلت قيل :يا رسول ال ! من قرابتك هؤلء الذين وجبت علينا مودتهم ؟
قال ' :علي وفاطمة والحسن والحسين وأبناؤهما ' .ثم لما كانت القرابة تقتضي المناسبة المزاجية المقتضية للجنسية
الروحانية كان أولدهم السالكون لسبيلهم ،التابعون لهديهم في حكمهم ،ولهذا حرض على الحسان إليهم ومحبتهم
' :حرمت الجنة على من ظلم مطلقا ونهى عن ظلمهم وإيذائهم ووعد على الول ونهى عن الثاني .قال النبي
أهل بيتي وآذاني في عترتي ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غدا
' :من مات على حب آل محمد مات مغفورا له ،أل ومن مات على حب آل محمد إذا لقيني يوم القيامة ' .وقال
مات تائبا ،أل ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا ،أل ومن مات على حب آل محمد مات شهيدا مستكمل
اليمان ،أل ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ،أل ومن مات على حب محمد وآل
محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ،أل ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى
الجنة ،أل ومن مات على حب آل محمد جعل ال قبره مزار ملئكة الرحمة ،أل ومن مات على حب آل محمد مات
على السنة والجماعة ،أل ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه :آيس من رحمة ال ،أل
ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا ،أل ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة ' : .ومن يقترف
حسنة بمحبة آل الرسول :نزد له فيها حسنا بمتابعته لهم في طريقتهم لن تلك المحبة ل تكون إل لصفاء الستعداد
وبقاء الفطرة ،وذلك يوجب التوفيق لحسن المتابعة وقبول الهداية إلى مقام المشاهدة ،فيصير صاحبها من أهل الولية
ويحشر معهم في القيامة :إن ال غفور بتنويره ظلمة صفات من أحب أهله :شكور لسعي من ناسبهم فيحبهم
بتضعيف جزاء حسناته وإفاضة كمالته بتجليات صفاته ليوافقهم .فإن يشأ ال يختم على قلبك أي :ل يفتري على
ال إل من هو مختوم القلب مثلهم :ويمح ال الباطل كلم مبتدأ ،أي :ومن عادة ال أن يمحو الباطل :ويحق
الحق بكلماته وقضائه إن كان افتراء يمحه ويثبت نقيضه وإن كان الفتراء ما يقولون فكذلك :وما عند ال خير
وأبقى لكونه أشرف وأدوم :للذين آمنوا اليمان اليقيني ول يتوكلون إل على ربهم بفناء الفعال أي الذين علمهم
اليقين وعملهم التوكل بالنسلخ عن أفعالهم : .والذين يجتنبون كبائر الثم التي هي وجوداتهم وهو أخس صفات
نفوسهم التي تظهر بأفعالها في مقام المحو :وإذا ما غضبوا في تلويناتهم :هم يغفرون أي :الخصاء بالمغفرة
دون غيرهم :والذين استجابوا لربهم بلسان الفطرة الصافية إذا دعاهم إلى التوحيد بتجلي نور الوحدة :وأقاموا
صلة المشاهدة ولم يحتجبوا بآرائهم وعقولهم بل :أمرهم شورى بينهم لعلمهم أن ل مع كل أحد شأنا وإليه نظرا
وفيه سرا ليس لغيره ذلك الشأن والنظر والسر :ومما رزقناهم ينفقون بالتكميل :والذين إذا أصابهم البغي هم
ينتصرون بالعدالة احترازا عن الذلة والنظلم لكونهم في مقام الستقامة ،قائمين بالحق والعدل الذي ظله في نفوسهم
وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أي :إل بثلثة أوجه ،إما بوصوله إلى مقام الوحدة والفناء فيه ثم التحقق بوجوده
في مقام البقاء فيوحي إليه بل واسطة كما قال ال تعالى : :ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده
ما أوحى] النجم ،الية : .[10 - 8 :أو من وراء حجاب بكونه في حجاب القلب ومقام تجليات الصفات فيكلمه على
سبيل المناجاة والمكالمة والمكاشفة والمحادثة دون الرؤية لحتجابه بحجاب الصفات كما كان حال موسى :
أو يرسل رسول من الملئكة فيوحي إليه على سبيل اللقاء والنفث في الروع واللهام أو الهتاف أو المنام كما قال
' :إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها ' : ،إنه علي من أن يواجه
ويخاطب ،بل يفنى ويتلشى من يواجهه لعلوه من أن يبقى معه غيره ويحتمل شيء حضوره :حكيم يدبر بالحكمة
وجوده التكليم ليظهر علمه في تفاصيل المظاهر ويكمل به عباده ويهتدوا إليه ويعرفوه .ومثل ذلك اليحاء على الطرق
الثلثة : :أوحينا إليك روحا تحيا به القلوب الميتة :من عالم :أمرنا المنزه عن الزمان المقدس عن المكان :
ما كنت تدري ما الكتاب أي العقل الفرقاني الذي هو كمالك الخاص بك :ول اليمان أي :الخفي الذي حصل
لك عند البقاء بعد الفناء حال كونك محجوبا بغواشي نشأتك وحال وصولك لفنائك وتلشي وجودك :ولكن جعلناه
نورا عند استقامتك :نهدي به من نشاء من عبادنا المخصوصين بالعناية الزلية ،إما المحبوبين وإما المحبين :
وانك أيها الحبيب :لتهدي بنا من تشاء :إلى صراط مستقيم ل يبلغ كنهه ول يدري وصفه : .صراط ال
المخصوص به ،أي :طريق التوحيدي الذاتي الشامل للتوحيد الصفاتي والفعالي المسمى توحيد الملك ،أعني سير
الذات الحدية مع جميع الصفات الظاهرة والباطنة بمالكية سموات الرواح وأرض الجسم المطلق :أل إلى ال
تصير المور بالفناء فيه ،فينادي بذاته :لمن الملك اليوم] غافر ،الية [16 :ويجيب هو نفسه بقوله : :ل
سورة الزخرف
أقسم بأول الوجود وهو الحق وآخره وهو محمد وما أجل قسما بما هو أصل الكل وكماله ،ولهذا كانت الشهادة بهما
أساس السلم وعماد اليمان والجمع بينهما هو المذهب الحق والملة القويمة .فإن أحدية الوجود والتأثير هو الجبر
وإثبات التفصيل في الوجود والتأثير هو القدر ،والجمع بينهما بقولنا :ل إله إل ال محمد رسول ال ،هو الصراط
المستقيم ،والدين المتين .أو بما يناسب الكتاب وهو اللوح والقلم لقوله تعالى : :ن والقلم وما يسطرون] القلم،
الية [1 :وقد يكنى عن الكلمة بآخرها كما يكنى عنها بأولها .فعلى الوجه الول يمكن أن يؤول الكتاب بنفس محمد
لكونه مبينا للحق جمعا وتفصيل وكونه منزل من عند ال :قرآنا أي :جامعا لجميع تفاصيل الوجود ،حاصرا
للصفات اللهية والمراتب الوجودية والكمالية :عربيا لعلكم تعقلون ما نخاطبكم به : .وإنه في أم الكتاب أي :
أصل الوجود في الرتبة الولى وأول نقطة الوجود الضافي الممتاز بالتعين الول عن الوجود المطلق التالي للهوية
المحضة المشار إليه بقوله : :لدينا لعلي رفيع القدر بحيث ل رفعة وراءها :حكيم ذو الحكمة إذ به ظهرت
صور الشياء وحقائقها أعيانها وصفاتها وترتيب الموجودات ونظامها على ما هي عليه .وأما على الوجه الثاني فل
يستقيم هذا التأويل ،بل هو القرآن المبين للتوحيد والتفصيل الدال عليهما ،المقسم به إجمال :وإنه في أم الكتاب
أي :الروح العظم المشتمل على كل العلوم بل كل الشياء لدينا قريبا منا أقرب من سائر العلوم الحاصلة في مراتب
التنزلت .فإن العلم اللدني هو الذي انتقش في الروح الذي هو أول الرواح قبل تنزله في المراتب ،وكون القرآن ذا
الحكمة كونه مشتمل على الحكمة النظرية المفيدة للعتقادات الحقة من التوحيد والنبوة وبيان أحوال المعاد وأمثالها،
فالحكمة العملية من بيان أحكام أفعال المكلفين كالشرائع وكيفية السلوك في المراتب وأحوال المكاسب والمواهب.
أفنضرب عنكم الذكر أي :أنهملكم ونصرف الذكر عنكم لسرافكم وإنما كانت الحاجة إلى الذكر للسراف ،إذ لو
كانوا على السيرة العادلة والطريقة الوسطى لما احتيج إلى التذكير بل التذكير يجب عند الفراط والتفريط ،ولهذا بعث
النبياء في زمان الفترة .قال ال تعالى : :كان الناس أمة واحدة فبعث ال النبيين] البقرة ،الية : .[213 :
وجعلوا له من عباده جزء أي :اعترفوا بأنه خالق السموات والرض ومبدعهما وفاطرهما وقد جسموه وجزؤوه
بإثبات الولد له الذي هو بعض من الوالد مماثل له في النوع لكونهم ظاهريين جسمانيين ل يتجاوزون عن رتبة الحس
والخيال ول يتجردون عن ملبس الجسمانيات ،فيدركون الحقائق المجردة والذوات المقدسة فضل عن ذوات ال
تعالى ،فكل ما تصوروا وتخيلوا كان شيئا جسمانيا ولهذا كذبوا النبياء في إثبات الخرة والبعث والنشور وكل ما
يتعلق بالمعاد ،إذ ل يتعدى إدراكهم الحياة الدنيا وعقولهم المحجوبة عن نور الهداية أمور المعاش فل مناسبة أصل
بين ذواتهم وذوات النبياء إل في ظاهر البشرية ،فل حاجة إلى ما وراءها .ولما سمعوا من أسلفهم قول الوائل من
الحكماء في إثبات النفوس الملكية وتأنيثهم إياها إما باعتبار اللفظ ،وإما باعتبار تأثرها وانفعالها عن الرواح المقدسة
العقلية مع وصفهم إياها بالقرب من الحضرة اللهية توهموا أنوثتها في الحقيقة التي هي بإزاء الذكورة في الحيوان مع
اختصاصها بال فجعلوها بنات ،وقلما يعتقدها العامي إل صور إنسية لطيفة في غاية الحسن .وقالوا لو شاء
الرحمن ما عبدناهم لما سمعوا من النبياء تعليق الشياء بمشيئة ال تعالى افترضوه وجعلوه ذريعة في النكار ،وقالوا
ذلك ل عن علم وإيقان بل على سبيل العناد والفحام ،ولهذا ردهم ال تعالى بقوله : :ما لهم بذلك من علم إذا لو
علموا ذلك لكانوا موحدين ل ينسبون التأثير إل إلى ال فل يسعهم إل عبادته دون غيره إذ ل يرون حينئذ لغيره نفعا
ول ضرا :إن هم إل يخرصون لتكذيبهم أنفسهم في هذا القول بالفعل حين عظموهم وخافوهم وخوفوا أنبياءهم من
بطشهم كما قال قوم هود : :إن نقول إل اعتراك بعض آلهتنا بسوء] هود ،الية ،[54 :ولما خوفوا إبراهيم
كيدهم أجاب بقوله : :ول أخاف ما تشركون به إل أن يشاء ربي شيئا] العراف ،الية [80 :إلى قوله : :
وكيف أخاف ما أشركتم] العراف ،الية : .[81 :وقالوا لول نزل هذا القرآن إلى آخره ،لما لم يكونوا أهل
شيئا يعظمونه به إذ ل مال له ول حشمة ول جاه معنى ول حظ لهم إل من الصورة لم يتصوروا في رسول ال
عندهم ،وعظم في أعينهم الوليد بن المغيرة وأضرابه كأبي مسعود الثقفي وغيره لمكان حشمتهم ومالهم وخدمهم،
وقالوا :ل يناسب حاله اصطفاء ال إياه وكرامته عنده ،ولو كان هذا القرآن من عند ال فاستخفوا برسول ال
لختار له رجل عظيما كالوليد وأبي مسعود فأنزل عليه لتناسب حالة عظمة ال ،فردهم ال لنهم ليسوا بقاسمي رحمة
الدين والهداية التي ل حظ لهم منها ول معرفة لهم بها ،بل ليسوا بقاسمي ما هم يعرفونه ويتصرفون فيه من المعيشة
والحطام الدنيوي الذي يتهالكون على كسبه ول يقصدون إل إياه ،فكيف بما لم يشموا عرفه ولم يعرفوا حاله : .ومن
يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا قرئ :يعش بضم الشين وفتحها ،والفرق أن عشا يستعمل إذا نظر العشي
لعارض أو متعمدا من غير آفة في بصره ،وعشي إذا أيف بصره .فعلى الول معناه :ومن كان له استعداد صاف
وفطرة سليمة لدراك ذكر الرحمن أي :القرآن النازل من عنده وفهم معناه وعلم كونه حقا فتعامى عنه لغرض دنيوي
وبغى وحسد أو لم يفهمه ولم يعلم حقيقته لحتجابه بالغواشي الطبيعية واشتغاله باللذات الحسية عنه ،أو لغتراره بدينه
وما هو عليه من اعتقاده ومذهبه الباطل نقيض له شيطانا جنيا فيغويه بالتسويل والتزيين لما انهمك فيه من اللذات
وحرص عليه من الزخارف أو بالشبه والباطيل المغوية لما اعتكف عليه بهواه من دينه ،أو إنسيا يغويه ويشاركه في
أمره ويجانسه في طريقه ويبعده عن الحق .وعلى الثاني معناه :ومن أيف استعداده في الصل وشقي في الزل بعمى
القلب عن إدراك حقائق الذكر وقصر عن فهم معناه نقيض له شيطانا من نفسه أو من جنسه يقارنه في ضللته
ويحسبون الهداية
وغوايته .وإنهم ليصدونهم وإن الشياطين يصدون قرناءهم عن طريق الوحدة وسبيل الحق :
فيما هم عليه :حتى إذا جاءنا أي :حضر عقابنا اللزم لعتقاده وأعماله والعذاب المستحق لمذهبه ودينه تمنى
غاية البعد بينه وبين شيطانه الذي أضله عن الحق وزين له ما وقع بسببه في العذاب واستوحش من قرينه واستذمه
لعدم الوصلة الطبيعية أو انقطاع السباب بينهما بفساد اللت البدنية : .ولن ينفعكم التمني وقت حلول العذاب
واستحقاق العقاب إذ ثبت وصح ظلمكم لشتراككم في سببه ،أو :ولن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب من شدته
مما يعلم به القيامة الكبرى وذلك أن نزوله من أشراط الساعة .قيل وإيلمه .وإنه لعلم للساعة أي :أن عيسى
في الحديث ' :ينزل على ثنية من الرض المقدسة اسمها أفيق وبيده حربة يقتل بها الدجال ويكسر الصليب ويهدم
ويصلي خلفه على البيع والكنائس ويدخل بيت المقدس والناس في صلة الصبح ،فيتأخر المام فيقدمه عيسى
' .فالثنية المسماة أفيق إشارة إلى مظهره الذي يتجسد فيه ،والرض المقدسة إلى المادة الطاهرة التي دين محمد
يتكون منها جسده ،والحربة إشارة إلى صورة القدرة والشوكة التي تظهر فيها .وقتل الدجال بها إشارة إلى غلبته على
المتغلب المضل الذي يخرج هو في زمانه .وكسر الصليب وهدم البيع والكنائس إشارة إلى رفعه للديان المختلفة.
ودخوله بيت المقدس إشارة إلى وصوله إلى مقام الولية الذاتية في الحضرة اللهية الذي هو مقام القطب .وكون الناس
في صلة الصبح إشارة إلى اتفاق المحمدين على الستقامة في التوحيد عند طلوع صبح يوم القيامة الكبرى بظهور
نور شمس الوحدة .وتأخر المام إشارة إلى شعور القائم بالدين المحمدي في وقته بتقدمه على الكل في الرتبة لمكان
إياه واقتداؤه به على الشريعة المحمدية إشارة إلى متابعته للملة المصطفوية وعدم تغييره قطبيته وتقديم عيسى
للشرائع وإن كان يعلمهم التوحيد العياني ويعرفهم أحوال القيامة الكبرى وطلوع الوجه الباقي ،هذا إذا كان المهدي
عيسى ابن مريم على ما روي في الحديث ' :ل مهدي إل عيسى ابن مريم ' ،وإن كان المهدي غيره فدخوله بيت
المقدس :وصوله إلى محل المشاهدة دون مقام القطب والمام الذي يتأخر هو المهدي ،وإنما يتأخر مع كونه قطب
إياه لعلمه بتقدمه في نفس المر لمكان الوقت مراعاة لدب صاحب الولية مع صاحب النبوة ،وتقديم عيسى
قطبيته وصلته خلفه على الشريعة المحمدية اقتداؤه به تحقيقا للستفاضة منه ظاهرا وباطنا وال أعلم .وإنما قال : :
واتبعون هذا صراط مستقيم لن الطريقة المحمدية هي صراط ال لكونه باقيا به بعد الفناء فدينه دين ال وصراطه
صراط ال واتباعه اتباع ال ،فل فرق بين قوله : :واتبعون ،وقوله :واتبعو رسولي .ولهذا كان متابعته تورث
محبة ال إذ طريق هي طريقة الوحدة الحقيقية التي ل استقامة إل لها ولهذا لم يسع عيسى إل اتباعه عند الوصول إلى
الوحدة وارتفاع الثنينية يوجب المحبة الحقيقية .هل ينظرون إل الساعة أن تأتيهم أي :ظهور المهدي دفعة وهم
غافلون عنه :الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين الخلة ،إما أن تكون خيرية أو ل ،والخيرية إما أن
تكون في ال أو ل ،والغير الخيرية إما أن يكون سببها اللذة النفسانية أو النفع العقلي .والقسم الول هو المحبة
الروحانية الذاتية المستندة إلى تناسب الرواح في الزل لقربها من الحضرة الحدية وتساويها في الحضرة الواحدية
التي قال فيها :فما تعارف منها ائتلف ،فهم إذا برزوا في هذه النشأة واشتاقوا إلى أوطانهم في القرب وتوجهوا إلى
الحق وتجردوا عن ملبس الحس ومواد الرجس ،فلما تلقوا تعارفوا وإذا تعارفوا تحابوا لتجانسهم الصلي وتماثلهم
الوضعي وتوافقهم في الوجهة والطريقة ،وتشابههم في السيرة والغريزة وتجردهم عن الغراض الفاسدة والعراض
الذاتية التي هي سبب العداوة ،وانتفع كل منهم بالخر في سلوكه وعرفانه وتذكره لوطانه والتذ بلقائه وتصفى بصفائه
وتعاونوا في أمور الدنيا والخرة فهي الخلة التامة الحقيقية التي ل تزول أبدا كمحبة الولياء والنبياء والصفياء
والشهداء .والقسم الثاني هو المحبة القلبية المستندة إلى تناسب الوصاف والخلق والسير الفاضلة ،ونشأته في
العتقادات والعمال الصالحة كمحبة الصلحاء والبرار فيما بينهم ومحبة العرفاء والولياء إياهم ،ومحبة النبياء
العامة أممهم .والقسم الثالث هو المحبة النفسانية المستندة إلى اللذات الحسية والغراض الجزئية كمحبة الزواج
لمجرد الشهوة ومحبة الفجار والفساق المتعاونين في اكتساب الشهوات واجتلب الموال .والقسم الرابع هو المحبة
العقلية المستندة إلى تسهيل أسباب المعاش وتيسير المصالح الدنيوية كمحبة التجار والصناع ومحبة المحسن إليه
للمحسن ،فكل ما استند إلى غرض فان وسبب زائل زال بزواله وانقلب عند فقدانه عداوة لتوقع كل من المتحابين ما
اعتاد من صاحبه من اللذة المعهودة والنفع المألوف مع عدمه وامتناعه لزوال سببه ،ولما كان الغالب على أهل العلم
أحد القسمين الخيرين أطلق الكلم وقال : :الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين لنقطاع أسباب الوصلة
بينهم وانتفاء اللت البدنية عنهم وامتناع حصول اللذة الحسية والنفع الجسماني وانقلبهما حسرات وآلما وضررا
وخسرانا قد زالت اللذات والشهوات وبقيت العقوبات والتبعات ،فكل يمحق صاحبه ويبغضه لنه يرى ما به من
العذاب منه وبسببه .ثم استثنى المتقين المتناولين للقسمين الباقيين لقلتهم كما قال : :وقليل ما هم] ص ،الية ،[24 :
:وقليل من عبادي الشكور] سبأ ،الية .[13 :ولعمري إن القسم الول أعز من الكبريت الحمر وهم الكاملون في
التقوى البالغون إلى نهايتها ،الفائزون بجميع مراتبها ،اجتنبوا أول المعاصي ثم الفضول ثم الفعال ثم الصفات ثم
الذوات ،فما بقيت منهم بقايا حتى يتنافسوا فيها ويضنوا بها عن حبيبهم فيفسد محبتهم ،بل ما بقي منهم إل نفس الحب.
وأما الفريق الثاني فاقتصروا على الرتبة الولى وقنعوا بظاهر التقوى فرضوا من الخرة بما أوتوا من النعيم وتسلوا
عن الدنيا وما فيها بالفضل الجسيم فأبقى محباتهم فيما بينهم لبقاء أسبابها وهي الصفات المتماثلة والهيئات المتشابهة
في ابتغاء مرضاة ال وطلب ثوابه واجتناب سخط ال وعقابه ،فهم العباد المرتضون أي كل القسمين لشتراكهما في
طلب الرضا فلذلك نسبهم إلى نفسه بقوله :يا عباد ل خوف على الفريقين لمنهم من العقاب ول هم يحزنون على
فوات لذات الدنيا لكونهم على ألذ منها وأبهج وأحسن حال وأجمل ،وإن تفاوت حالهم في اللذة والسرور والروح
والحبور بما ل يتناهى ،وشتان بين محمد ومحمد .والجنة التي أمرو بدخولها هي جنة النفس لشتراك الفريقين فيها
دون جنتي الصفات والذات المخصوصتين بالسابقتين بدليل قوله بعده : :وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم
تعلمون وإنما الجنة التي هي ثواب العمال جنة النفس لقوله : :وفيها ما تشتهيه النفس وتلذ العين. : ونادوا
يا مالك سمي خازن النار مالكا لختصاصه بمن ملك الدنيا وآثرها لقوله تعالى : :فأما من طغى * وءاثر الحيوة
الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى] النازعات ،اليات [39 - 37 :كما سمى خازن الجنة رضوانا لختصاصه بمن
م ورضوا عنه .وقيل :الرضا بالقضاء باب ال العظم وهو الطبيعة الجسمانية الموكلة بأجساد العالم والهيولى
الظلمانية أو النفس الحيوانية الكلية الموكلة بالتأثير في الجساد الحيوانية المستعلية على النفوس الناطقة المحبوسة في
قيود اللذات الحسية والمطالب السفلية ،وإنما ل يتعذب بالنار لكونه من جوهر تلك النار فهي له جنة ،وللجهنميين نار
لتنافي جواهرهم وجوهرها وتباينهما .واختصاص ندائهم بمالك دون ال تعالى لحتجابهم وبعدهم عن ال بالكلية
وتعبدهم لمالك بالنية والمنية ،وما ذلك النداء إل توجههم إليه وطلب المراد منه ودعوتهم بقولهم : :ليقض علينا
ربك إشارة إلى تمني زوال بقية الستعداد بالكلية وإماتة الغريزة الفطرية لئل يتأذوا بالهيئات المؤذية والنيران
المردية ،أو تمني تعطل الحواس وعدم الحساس لشدة التألم بالعذاب الجسماني و :قال إنكم ماكثون إشارة إلى
المكث المقدر بحسب رسوخ الهيئات وارتكام الذنوب والثام إن كانت الستعدادات باقية والعتقادات صحيحة أو
الخلود فيها إن لم تكن ،فإن المكث أعم من المتناهي وغيره .وكذا المجرم أعم من الشقي الصلي وغيره ،وعلى هذا
حمل الخلود في قوله : :إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون] الزخرف ،الية [74 :على المكث الطويل العم
من المتناهي وغيره ،فإنه قد يستعمل في العرف بمعناه كثيرا مجازا ،وإنما جعلنا المجرم شامل للقسمين المذكورين
من الشقياء لمقابلته للمتقي الشامل للقسمين المذكورين من السعداء وإن خصصناه بالشقي المردود المطرود في الزل
كان المكث في قوله : :إنكم ماكثون عبارة عن البد : .بلى ورسلنا لديهم يكتبون كل ما خطر فينا بالبال من
الشرار ينتقش في النفوس الفلكية كما ينتقش في النسانية لتصالها بها وانتقاشها كما هي ،إما في القوى الخيالية إن
كانت جزئية وإما في القوى العاقلة إن كانت كلية ،وكلهما يظهر على النفس عند ذهولها عن الحس ورجوعها إلى
ذاتها وما كانت تنساها تنعكس إليها من النفوس الفلكية عند المفارقة فتذكرها دفعة وذلك معنى قوله : :أحصاه ال
ونسوه] المجادلة ،الية [6 :فالرسل الكاتبون هم النفوس الفلكية المناسبة لكل واحد واحد من الشخاص البشرية
قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين أي :لذلك الولد ،وهو إما أن يدل على نفي الولد عن ال بالبرهان وإما أن
يدل على نفي الشرك عن الرسول بالمفهوم ،أما دللته على الول فلما دل قوله : :سبحان رب السماوات إلى
قوله : :عما يصفون على نفي التالي وهو عبادة الولد أي :أوحده وأنزهه تعالى عما يصفونه من كونه مماثل
لشيء لكونه ربا خالقا للجسام كلها فل يكون من جنسها ،فيفيد انتفاء الولد على الطريق البرهاني .وأما دللته على
الثاني :فإذا جعل قوله : :سبحان رب السماوات إلى آخره ،من كلم ال تعالى ل من كلم الرسول ،أي :نزه رب
السموات عما يصفونه فيكون نفيا للمقدم ويكون تعليق عبادة الرسول من باب التعليق بالمحال والمعلق بالشرط عند
عدمه فحوى بدللة المفهوم أبلغ عند علماء البيان من دللة المنطوق ،كما قال في استبعاد الرؤية : :فإن استقر
سورة حم الدخان
لكونها حادثة مظلمة ساترة لنور شمس الروح، إنا أنزلناه في ليلة مباركة الليلة المباركة هي بنية رسول ال
ووصفها بالمباركة لظهور الرحمة والبركة من الهداية والعدالة في العالم بسببها وازدياد رتبته وكماله بها .كما سماها
ليلة القدر لن قدره عليه السلم معرفته بنفسه وكماله إنما يظهر بها ،أل ترى أن معراجه إنما كان بجسده ؟ ،إذ لو لم
يكن جسده لم يكن ترقيه في المراتب إلى التوحيد وإنزال الكتب فيها إشارة إلى أنزال العقل القرآني الجامع للحقائق
كلها ،والفرقاني المفصل لمراتب الوجود ،المبين لتفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها ،المميز لمعاني السماء وأحكام
الفعال فيها وهو معنى قوله فيها : :فيها يفرق كل أمر حكيم أو إلى إنزال الروح المحمدي الذي هو الكتاب المبين
حقيقة في صورتها أو القرآن :إنا كنا منذرين لهل العالم بوجوده : .أمرا من عندنا خص المر الحكمي بكونه
من عنده لن كل أمر يبتني على حكمة وصواب كما ينبغي من الشرائع والحكام الفقهية إنما يكون من عنده
مخصوصا به مطلقا لما في نفس المر وإل كان أمرا مبنيا على الهوى والتشهي :إنا كنا مرسلين رحمة من ربك
تامة كاملة على العالمين بإنزاله لستقامة أمورهم الدينية والدنيوية وصلح معاشهم ومعادهم وظهور الخير والكمال
والبركة والرشاد فيهم بسببه أو مرسلين إياك لرحمة كاملة شاملة عليهم :إنه هو السميع لقوالهم المختلفة في
المور الدينية الصادرة عن أهوائهم :العليم بعقائدهم الباطلة وآرائهم الفاسدة وأمورهم المخيلة ومعايشهم الغير
المنتظمة ،فلذلك رحمهم بإرسال الرسول الهادي إلى الحق في أمر الدين ،الناظم لمصالحهم في أمر الدنيا .المرشد إلى
الصواب فيهما بتوضيح الصراط المستقيم وتحقيق التوحيد بالبرهان وتقنين الشرائع وسنن الحكام لضبط النظام.
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين أي :وقت ظهور آيات القيامة الصغرى أو الكبرى فإن الدخان من أشراطها.
فاعلم أن الدخان هو من الجزاء الرضية اللطيفة المتصاعدة عن مركزها لتلطفها بالحرارة ،فإن فسرنا القيامة
بالصغرى فالدخان هو السكرة والغشية والنقباضية العارضة لسماء الروح عند النزع بسبب هيئة التعلق البدني
في وصفه ' :أما والفترة المرتكبة على وجهها من مباشرة المور السفلية والميل إلى اللذات الحسية ولهذا قال
المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة ،وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره ' .فإن المؤمن لقلة تعلقه
بالمور البدنية وضعف تلك الهيئة المستفادة من مباشرة المور السفلية يقل انفعاله منها ويسهل زواله وخصوصا إذا
اكتسب ملكة التصال بعالم النوار .وأما الكافر فلشدة تعلقه وقوة محبته للجسمانيات وركونه إلى السفليات تغشاه تلك
الهيئة فتحيره وتشمله حتى عمت مشاعره الظاهرة والباطنة ومخارجه العلوية والسفلية فل يهتدي إلى طريق ل إلى
العالم العلوي ول إلى العالم السفلي :هذا عذاب أليم ولما كان الغالب عليه التمني والتندم فيتمنى ما كان فيه من
الحياة والصحة ويتندم على ما كان عليه من الفسوق والعصيان والفجور والطغيان ،قال بلسان الحال : :ربنا
اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أو بلسان المقال على ما ترى عليه حال بعض من وقع في النزع من العصاة من التوبة
وموعدة الرجوع إلى الطاعة .أنى لهم الذكرى أي :التعاظ واليمان بمجرد انكشاف العذاب :وقد جاءهم ما
هو أبلغ منه من الرسول المبين طريق الحق بالمعجز والبرهان ودعاهم إلى سبيله بالطرق الثلثة من الحكمة
والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن :ثم أعرضوا ونسبوه إلى الجنون والتعليم المتنافيين لفرط احتجابهم
وعنادهم :إنا كاشفو العذاب قليل بتعطيل الحواس والدركات :إنكم عائدون إليه : .يوم نبطش البطشة
الكبرى أي :وقت تمام الفراغ إلى إدراك العذاب المؤلم بتلك الهيئات وتحقق الخلود :إنا منتقمون معذبون بالحقيقة
أو بالرد إلى الصحة والحياة البدنية ،إنكم عائدون إلى الكفر لرسوخه فيكم :يوم نبطش البطشة الكبرى بزوال
الستعداد وانطفاء نور الفطرة بالرين الحاصل من ارتكاب الذنوب والحتجاب الكلي الموجب للعذاب البدي كما
قال : :كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كل إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون] المطففين ،اليات - 14 :
[15ننتقم منهم بالحقيقة بالحرمان الكلي والحجاب البدي والعذاب السرمدي .وإن فسرنا القيامة بالكبرى :فالدخان هو
حجاب النية الذي يغشى الناس عند ظهور نور الوحدة بطغيان النفس لنتحال صفات الربوبية وغلبة سكرة يوم الجمع
المورثة للباحة إذ هو من بقية النفس الرضية اللطيفة بنور الوحدة المرتقبة إلى محل الشهود التي تأتي بها سماء
الروح لتأثيره فيها بالتنوير إذ لم تحترق بالكلية بنار العشق بل صفت وتلطفت وتصعدت .فأما المؤمن باليمان الحقيقي
الموحد التام الستعداد ،المحب الغالب المحبة ،فيصيبه كهيئة الزكمة ،أي :السكرة التي قال فيها أبو زيد قدس ال
روحه :سبحاني ما أعظم شأني .والحسين بن منصور رحمه ال :أنا الحق .ثم يرتفع عنه سريعا لمزيد العناية اللهية
وقوة الستعداد الفطرية وشدة المحبة الحقيقية ،فيتنبه لذلك ويتعذب به غاية التعذب ويشتاق إلى النطماس في عين
الجمع غاية الشوق ،فيقول :هذا عذاب أليم ،ويطلب الفناء الصرف ،كما قال الحلج قدس ال روحه ) % :بيني وبينك
أني ينازعني %فارفع بفضلك أني من البين( %ويدعو بلسان التضرع والفتقار : :ربنا اكشف عنا العذاب إنا
مؤمنون] الدخان ،الية [12 :باليمان العيني عند كشف الحجاب الني : ،أنى لهم الذكرى من أين لهم ذكر الذات
واليمان العيني في مقام حجاب النائية : ،وقد جاءهم رسول مبين أي :رسول العقل المبين لوجوداتهم وصفاتهم،
أي :إنما احتجبوا بحجاب النية لظهور العقل وإثباته لوجوداتهم ،فكيف ذكرهم للذات تعجب من تذكرهم مع كونهم
عقلء ثم بين كونهم عشاقا مشتاقين بقوله : :ثم تولوا عنه لقوة المحبة وفرط العشق :وقالوا معلم أي :من عند
' :لو دنوت أنملة مجنون مستور الدراك ،محجوب عن نور الذات ،كما قال جبريل
ال بإفاضة العلم عليه :
لحترقت ' : .إنا كاشفو العذاب أي :عذاب الحجاب والحرمان لعراضهم بقوة العشق عن الرسول قليل بطلوع
نور الوجه الباقي وإشراق سبحاته وإحراقها ما انتهى إليه بصره من خلقه :إنكم عائدون بالتلوين إلى الحجاب بعد
تجلي نور الذات لبقية الثار إلى وقت التمكين :يوم نبطش البطشة الكبرى أي :وقت الفناء الكلي والنطماس
الحقيقي بحيث ل عين ول أثر :إنا منتقمون أي :ننتقم بالقهر الحدي والفناء الكلي من وجوداتهم وبقاياهم
فيطهرون عن الشرك الخفي بالوجود الحدي .وأما الكافر ،أي :المحجوب عن نور الذات ،الممنو بحجب الصفات،
المحروم عن الطمس عن عين الجمع بتوهم الكمال فيبقى في مقام النائية ويتفرعن وراء حجاب النائية كما قال
اللعين : :أنا ربكم العلى] النازعات ،الية 24 : :ما علمت لكم من إله غيري] القصص ،الية ،[38 :
فيخلع عن عنقه ربقة الشريعة ويسير بسيرة الباحة ويتجسر على المخالفات ويتزندق بارتكاب المعاصي وتركه
الطاعات ،فيكون من شرار الناس الذين قال فيهم ' :شر الناس
من قامت القيامة عليه وهو حي ' ،فهو في عدم التمييز والرجوع إلى التفصيل والنهماك في الدواعي الطبيعية
والتعمق في الجاهلية كالسكران غلب الهوى على عقله وأحاط به الحجاب من جميع جهاته وظهر أثر الغي من
مشاعره ،هذا عذاب أليم لكنه ل يشعر به لشدة انهماكه في تفرعنه وقوة شكيمته في تشيطنه ،كلما دعاه الموحد القائم
بالحق المهدي إلى نور الذات بالفناء المطلق المنصور من عند ال بالوجود الموهوب المتحقق ونبهه على ما به من
الحتجاب أبى واستكبر وطغى وتجبر لستغنائه بنفسه وثباته في غيه حتى إذا وقع في الرتياب وتفطن بالحجاب عند
ارتتاج الباب بتعين المآب وتيقن العقاب قال : :ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون] الدخان ،الية [12 :كما قال
فرعون حين أدركه الغرق : :ءامنت أنه ل إله إل الذي ءامنت به بنوا إسرائيل] يونس ،الية : ،[90 :أنى لهم
الذكرى أي :التعاظ واليمان الحقيقي وقد عاندوا الحق وأعرضوا عن القائم بالحق ،فلعنوا وطردوا : .إنا كاشفو
العذاب ريثما تحققوا ما هم فيه من الوقوف مع النفس وتبينوا التفريط في جنب الحق :إنكم عائدون لفرط تمكن
الهوى من أنفسكم وتشرب قلوبكم بمحبة نفوسكم واستيلء صفاتها عليكم وقوة الشيطنة فيكم : .يوم نبطش البطشة
الكبرى بالقهر الحقيقي والذلل الكلي والطرد والبعاد ننتقم منهم لمكان شركهم وعبادتهم لنفسهم ومبارزتهم علينا
بالظهور في مقابلتنا ومنازعتهم رداء الكبرياء منا ،كما قلنا ' :العظمة إزاري والكبرياء ردائي ،فمن نازعني واحدا
منهما قذفته في النار ' ،وأما حكاية قوم فرعون فاشتهيت تطبيقها على حالك فافهم منها .ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون
النفس المارة من قبط القوى الحيوانية :وجاءهم رسول كريم هو موسى القلب الشريف المجرد :أن أدوا إلي
عباد ال المخصوصين به من القوى الروحانية المأسورين في قيود طاعتكم ،المستضعفين باستيلئكم ،المستعبدين
لقضاء حوائجكم وتحصيل مراداتكم من اللذات الحسية والشهوات البدنية :إني لكم رسول أمين بحصول علم اليقين
المأمون من تغيره : .وأن ل تعلوا على ال بعصيانه وترك ما أدعوكم إليه واستكباركم :إني آتيكم بحجة
واضحة من الحجج العقلية :وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون بأحجار الهيولى السفلية والهواء النفسية
والدواعي الطبيعية فتجعلوني بحيث ل حراك في طلب الكمالت الروحانية والنوار الرحمانية وتهلكوني : .وإن لم
تؤمنوا لي بطاعتي ومشايعتي في التوجه إلى ربي وطلب كمالي والتنور بأنواري :فاعتزلون بعدم ممانعتي :
وترك محاجزتي ومعاوقتي في سيري وسلوكي :فدعا ربه بلسان التضرع والفتقار :أن هؤلء قوم
مجرمون في اكتساب المطالب الجرمية واللذات الحسية ،منهمكون فيها ،ل يرفعون منها رأسا : .فأسر أي :فقال
ال :أسر :بعبادي الروحانيين من القوى العقلية والفكرية والحدسية والقدسية وصفاتك المخلصة إلى حضرة
القدس وراء بحر الهيولى :ليل وقت نعاس القوى الحسية وتعطل القوى البدنية :إنكم متبعون بمطالبتهم إياكم
بكمالت الحس ومجاذبتهم لكم عن جناب القدس :واترك بحر الهيولى والمواد الجسمانية ساكنة على قرارها
ساجية عن أمواجها غير مزاحمة إياكم باضطراب أحوالها وانحراف مزاجها ،ومتسعة طرقها منفرجة لنفوذ تلك
القوى وسريانها وتصرفها فيها :إنهم جند مغرقون هالكون بتموج البحر وطمسه إياهم عند خراب البدن .إن
شجرة الزقوم * طعام الثيم شجرة الزقوم هي النفس المستعلية على القلب في تعبد الشهوة وتعود اللذات ،سميت
زقوما لملزمتها اللذة ،إذ الزقم والتزقم عندهم أكل الزبد والتمر ،ولكونه لذيذا نسبت تبعة اللذة إليه واشتق لها اسم
منه ،ول يطعم منها ويستمد من قواها وشهواتها إل المنغمس في الثم المنهمك في الهوى :كالمهل أي :دردي
الزيت لثقلها وترسبها وسرعة نفوذها في المسام للطافتها وحرارتها اللزمة لطلبها ما يهواها ،أو النحاس الذائب في
ميلها إلى الجهة السفلية وإيذائها القلب بشدة الداعية ولهج الحرص ولهب نار الشوق مع الحرمان :يغلي في
البطون تضطرب وتقلق في البواطن من شدة حر التعب في الطلب فتقلق القلوب وتحرقها بنار الهوى ومنافاة ظلمتها
لنوريتها وتسري فيها بالذى لستيلء هيئتها عليها ولطف هواها الذي هو روح النفس ورسوخ محبتها فيها ،ولهذا قيل
:ذواق السلطين محرقة الشفتين :كغلي الحميم الساري بحره في المسام للطافته وقوله في البطون كقوله : :
نار ال الموقدة التي تطلع على الفئدة] الهمزة ،اليات : .[7 - 6 :ذق إنك أنت العزيز الكريم إشارة إلى
انعكاس أحوالها لنتكاس فطرتها ،فإن اللذة والعزة الجسمانية والكرامة النفسانية موجبة لللم والهوان والذلة الروحانية
:إن هذا ما كنتم به تمترون لحسبانكم انحصار اللذات واللم في الحسية واحتجابكم بها عن العقلية : .إن المتقين
الكاملين في التقوى باجتناب البقايا :في جنات عالية من الجنان الثلث :وعيون من علوم الحوال والمعارف
وغيرها من المنافع الحقيقية :يلبسون من سندس لطائف الحوال والمواهب لتصافهم بها كالمحبة والمعرفة
والفناء والبقاء :وإستبرق فضائل الخلق كالصبر والقناعة والحلم والسخاوة :متقابلين على رتب متساوية في
الصف الول من صفوف الرواح ل حجاب بينهم لتجرد ذواتهم وبروزهم إلى ال عن صفاتهم :كذلك وزوجناهم
بحور عين أي :قرناهم بما فيه قرة أعينهم واستئناس قلوبهم لوصولهم بمحبوبهم وحصولهم على كمال مرادهم.
يدعون فيها بكل فاكهة أي :كل ما يتلذذ به من لذائذ الجنان الثلث :أمنين من الفناء والحرمان عن تلك
النعماء :ل يذوقون فيها الموت إل الموتة الولى أي :الطبيعة الجسمانية ل الفناء من الفعال والصفات والذات
فإن كل فناء منها وإن كان موتا إراديا لكنه حياة أصفى وألذ وأشهى وأبهج مما قبلها وكل منها في جنة :ووقاهم
عذاب الجحيم أي :جحيم الحرمان بوجود البقية فضل عن الخذلن في جحيم الطبيعة :فضل من ربك موهبة
محضة وعطاء صرفا من ربك بالوجود الحقاني عند تلشي اللت النفسانية :ذلك هو الفوز العظيم وال أعلم.
سورة حم الجاثية
حم جواب القسم محذوف لدللة :تنزيل الكتاب عليه ،أي :أقسم بحقيقة الهوية ،أي :الوجود المطلق الذي هو
أصل الكل وعين الجمع ،وبمحمد أي :الوجود الضافي الذي هو كمال الكل وصورة التفصيل لنزلن الكتاب المبين
لهما أو يجعل :حم مبتدأ و :تنزيل الكتاب خبره على تقدير حذف مضاف أي :ظهور حقيقة الحق المفصلة: ،
تنزيل الكتاب أي : إرسال الوجود المحمدي أو إنزال القرآن المبين الكاشف عن معنى الجمع والتفصيل في غير
موضع كما جمع في قوله : :شهد ال أنه ل إله إل هو] آل عمران ،الية [18 :ثم فصل بقوله : :والملئكة
وأولوا العلم. : من ال من عين الجمع :العزيز الحكيم في صورة تفاصيل القهر واللطف اللذين هما .أما
السماء ومنشؤها الكثرة في الصفات إذ ل صفة إل وهي من باب القهر أو اللطف : .إن في السماوات والرض أي
:في الكل :ليات للمؤمنين بذاته لن الكل مظهر وجوده الذي هو عين ذاته :وفي خلقكم إلى آخره : ،آيات
لقوم يوقنون بصفاته لنكم وجميع الحيوانات مظاهر صفاته من كونه حيا عالما مريدا قادرا متكلما سميعا بصيرا،
لنكم بهذه الصفات شاهدون بصفاته.و في :اختلف الليل والنهار إلى آخره : ،آيات لقوم يعقلون أفعاله،
فإن هذه التصرفات أفعاله ،وإنما فرق بين الفواصل الثلث باليمان واليقان والعقل لن شهود الذات أوضح وإن خفي
لغاية وضوحه والوجود أظهر والمصدقون به أكثر لكونه من الضروريات ومشاهدة الصفات أدق وألطف من القسمين
الباقيين فعبر عنها باليقان ،فكل موقن مؤمن بوجوده ول ينعكس وقد يوجد اليقان بدون اليمان بالذات لذهول المؤمن
بالوجود الموقن بالصفات عن شهود الذات لحتجاجه بالكثرة عن الوحدة .وأما الفعال فمعرفتها استدلل بالعقل إذ
التغير في الشياء ل بد له من تغيير مغير عند العقل لستحالة التأثر بدون التأثير عقل .والول فطري روحي ،والثاني
علمي قلبي ،أي :كشفي ذوقي ،والثالث عقلي .فالمحبوب الباقي على الفطرة يؤمن أول بالذات ثم يوقن بالصفات ثم
يعقل الفعال .وأما المحب المحتجب عن الفطرة بالنشأة والمادة فهو في مقام النفس يعقل أول أفعاله ثم يوقن بصفاته
:بم عرفت ال ؟ قال ' :عرفت الشياء بال ': . التي هي مبادئ أفعاله ،ثم يؤمن بذاته ولهذا لما سئل حبيب ال
تلك أي :آيات سموات الرواح وأرض الجسم المطلق ،أي الكل وآيات الحياء من الموجودات وآيات سائر
الحوادث من الكائنات :آيات ال أي :آيات ذاته وصفاته وأفعاله :فبأي حديث بعد ال وآيات صفاته وأفعاله :
يؤمنون إذ ل موجود بعدها إل حديث بل معنى واسم بل مسمى ،كما قال : :إن هي إل أسماء سميتموها] النجم،
الية [23 :أي :بل مسميات :ويل لكل أفاك منغمس في إفك الوجود المزخرف الباطل الموهوم ،وإثم الشرك
بنسبة الفعال لذلك الوجود :يسمع آيات ل من كل موجود قائل بلسان الحال أو القال :تتلى عليه على لسان كل
شيء إل على لسان النبي وحده :ثم يصر مستكبرا في نسبتها إلى الغير لحتجابه بوجوده واستكباره وأنائيته لفرط
تفرعنه أو لغرته وغفلته :كأن لم يسمعها لعدم تأثره بها :فبشره بعذاب الحجاب المؤلم والحرمان الموبق.
وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا بنسبتها إلى من ل وجود له أصل :أولئك لهم عذاب مهين في ذل المكان :
إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون أي :في تسخير ما في السموات وما في الرض لكم دلئل لمن يتفكر في نفسه من
هو ؟ ولماذا سخر له هذه الشياء ؟ حتى الملكوت والجبروت منه من جهته فيرجع إلى ذاته ويعرف حقيقته وسر
وجوده وخاصيته التي بها شرف وفضل عليها وأهل لتسخيرها له فيأنف عن التأخر عن رتبة أشرفها فضل عن
أخسها ويترقى إلى غايته التي يندب إليها : .ثم جعلناك على شريعة طريقة من أمر الحق هي طريقة التوحيد :
فاتبعها بسلوكها على بينة وبصيرة :ول تتبع جهالت أهل التقليد :الذين ل يعلمون علم التوحيد :إنهم لن
يغنوا عنك من ال شيئا أي :لن يدفعوا عنك ضرا بأفعالهم لعدم تأثيرهم ول جهالة وحجابا بأوصافهم لعدم قواهم
وقدرهم وعلومهم ،إذ ل حول ول قوة إل بال ول وحشة بحضورهم إذ ل مناسبة بينك وبينهم فتستأنس بهم بل ل أنس
لك إل بالحق وهم ل شيء محض في شهودك فل موالة بينك وبينهم بوجه وإنما موالة الظالمين ليست إل مع
الظالمين لما بينهم من الجنسية والمناسبة في الحتجاب :وال ولي المتقين أي :متولي أمور من اتقى أفعاله
بالتوكل عليه في شهود توحيد الفعال أو ناصر من اتقى صفاته في مقام الرضا بمشاهدة تجليات الصفات أو حبيب من
اتقى ذاته في شهود توحيد الذات إذ الولي يستعمل بالمعاني الثلثة لغة : .هذا أي :هذا البيان :بصائر أي :
بينات لقلوب الذين طالعوا بهجة الصفات ،يطالعون بكل بصيرة تجلي طلعة صفته :وهدى لرواحهم إلى محل
شهود الذات :ورحمة لنفوسهم من عذاب حجاب الفعال :لقوم يوقنون هذه البيانات .أفرأيت من اتخذ إلهه
هواه الله المعبود ولما أطاعوا الهوى فقد عبدوه وجعلوه إلها ،إذ كل ما يعبده النسان بمحبته وطاعته فهو إلهه ولو
كان حجرا :وأضله ال عالما بحاله من زوال استعداده وانقلب وجهه إلى الجهة السفلية أو مع كون ذلك العابد
للهوى عالما بعلم ما يجب عليه فعله في الدين على تقدير أن يكون على علم حال من الضمير المفعول في :أضله
ال ل من الفاعل وحينئذ يكون الضلل لمخالفته علمه بالعمل وتخلف القدم عن النظر لتشرب قلبه بمحبة النفس وغلبة
' :كم من عالم ضل ومعه علمه ل ينفعه ' أو على علم منه غير الهوى كحال بلعام بن باعورا وأضرابه كما قال
نافع ،لكونه من باب الفضول ل تعلق له بالسلوك :وختم على سمعه وقلبه بالطرد عن باب الهدى والبعاد عن
محل سماع كلم الحق وفهمه لمكان الرين وغلظ الحجاب :وجعل على بصره غشاوة عن رؤية جماله وشهود
لقائه :فمن يهديه من بعد ال إذ ل موجود سواه يقوم بهدايته :أفل تذكرون أيها الموحدون :ما هي إل حياتنا
الدنيا أي :الحسية :نموت بالموت البدني الطبيعي :ونحيى الحياة الجسمانية الحسية ل موت ول حياة غيرهما
ول ينسبون ذلك إل إلى الدهر لحتجابهم عن المؤثر الحقيقي القابض للرواح والمفيض للحياة على البدان : .قل
ال يحييكم ثم يميتكم ل الدهر :ثم يجمعكم إليه بالحياة الثانية عند البعث ،أو ال يحييكم ل الدهر بالحياة البدية
القلبية بعد الحياة النفسانية ثم يميتكم بالفناء فيه ثم يجمعكم إليه بالبقاء بعد الفناء والوجود الموهوب لتكونوا به معه: .
ول ملك السماوات والرض ل مالك غيره في نظر الشهود :ويوم تقوم القيامة الكبرى :يخسر الذين يثبتون
الغير إذ كل ما سواه باطل ومن أثبته واحتجب به عنه مبطل .وترى يا موحد :كل أمة جاثية ل حراك بها إذ هي
بنفسها ميتة غير قادرة كما قال : :إنك ميت وإنهم ميتون] الزمر ،الية [30 :أو تراها جاثية في الموقف الول
وقت البعث قبل الجزاء على حالها في النشأة الولى عند الجتنان وفيه سر : .كل أمة تدعى إلى كتابها أي :اللوح
الذي أثبت فيه أعمالها وتجسدت صورها وانتقشت فيه على هيئة جسدانية فإن كتابة العمال إنما تكون في أربعة
ألواح أحدها :اللوح السفلي الذي يدعى إليه كل أمة ويعطى بيمين من كان سعيدا وشمال من كان شقيا ،والثلثة
الخرى سماوية علوية أشير إليها فيما قبل .وإنما قلنا هذا الكتاب هو اللوح السفلي لن الكلم ههنا في جزاء العمال
لقوله : :اليوم تجزون ما كنتم تعملون وقوله : :إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون والناسخون هم الملكوت
السماوية والرضية جميعا :فأما الذين آمنوا اليمان الغيبي التقليدي أو اليقيني العلمي :وعملوا ما صلح به
حالهم في المعاد الجسماني من أبواب البر :فيدخلهم ربهم في رحمة ثواب العمال في جنة الفعال :وأما الذين
كفروا احتجبوا عن الحق بالكفر الصلي والنغماس في الهيئات الجرمانية المظلمة بالجرام بدليل قوله : :اليوم
ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا أي :نترككم في العذاب كما تركتم العمل للقائي في يومكم هذا لعدم اعترافكم ،أو
نجعلكم كالشيء المنسي المتروك بالخذلن في العذاب كما نسيتم لقاء يومكم هذا بنسيان العهد الزلي : .فلله الحمد
الكمال المطلق الحاصل للكل ببلوغ الشياء إلى غاياتها وحصولها على أجل ما يمكن من كمالتها :رب السموات
مكمل الرواح ومدبرها :ورب الرض مدبر الجساد ومالكها ومصرفها :رب العالمين موجه العالمين إلى
كمالتهم بربوبيته إياهم :وله الكبرياء أي :استعلء ونهاية الترفع والكبر على كل شيء وغاية العلو والعظمة
باستغنائه عنه وافتقاره إليه ،فكل يحمده بإظهار كماله وجميع صفاته بلسان حاله ويكبره بتغيره وإمكانه وانخراطه في
سلك المخلوقات المحتاجة إليه الفانية بالذات القاصرة عن سائر الكمالت غير ما اختص به :وهو العزيز القوي
القاهر لكل شيء بتأثيره فيه وإجباره على ما هو عليه :الحكيم المرتب لستعداد كل شيء بلطف تدبيره ،المهيئ
سورة حم الحقاف
ما خلقنا السماوات والرض وما بينهما إل بالحق أي :بالوجود المطلق الثابت الحدي الصمدي الذي يتقوم به كل
شيء ،أو بالعدل الذي هو ظل الوحدة المنتظم به كل كثرة ،كما قال :بالعدل قامت السموات والرض : .و بتقدير :
أجل مسمى أي :كمال معين ينتهي به كمال الوجود وهو القيامة الكبرى بظهور المهدي وبروز الواحد القهار
بالوجود الحدي الذي يفنى عنده كل شيء كما كان في الزل :والذين كفروا بالحتجاب عن الحق :عما أنذروا
من أمر هذه القيامة :معرضون. : قل أرأيتم ما تدعون من دون ال تسمونه وتثبتون له وجودا وتأثيرا أي
شيء كان :أروني ما تأثيره في شيء أرضي بالستقلل أو شيء سماوي بالشركة :ائتوني على ذلك بدليل
نقلي من كتاب سابق أو عقلي من علم متقن :إن كنتم صادقين، : ومن أضل ممن يدعو من دون ال أي شيء
كان كدعاء الموالي للسادة مثل إذ ل يستجيب له أحد إل ال : .وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء لن عبادة أهل
الدنيا لسادتهم وخدمتهم إياهم ل تكون إل لغرض نفساني وكذا استعباد الموالي لخدمهم فإذا ارتفعت الغراض وزالت
العلل والسباب كانوا لهم أعداء وأنكروا عبادتهم يقولون :ما خدمتمونا ولكن خدمتم أنفسكم ،كما قيل في تفسير قوله
تعالى : :الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو[ الزخرف ،الية .] 67 :
إن الذين قالوا ربنا ال أي :تجردوا عن العلئق ورفضوا العوائق وانقطعوا إلى ال عن كل ما سواه ورحموا
البصر عن طغواه فصدقا :قالوا ربنا ال ،إذ لو بقيت منهم بقايا ولم يأمنوا التلوينات في عرصة الفناء لم يقولوا
صادقين : :ربنا ال : ثم استقاموا بالتحقق به في العمل والتحفظ به في مراعاة آداب الحضرة عن الزلل
والخطل ،بحيث لم ينبض منهم عرق ولم يتحرك منهم شعرة إل بال ول :فل خوف عليهم إذ ل حجاب ول
عقاب :ول هم يحزنون إذ ل مرغوب إل وهو حاصل لهم فلم يفت منهم شيء ول يفوت كما قيل :إن في ال عزاء
لكل مصيبة ودركا عن كل ما فات : .أولئك أصحاب الجنة المطلقة الشاملة للجنان كلها :خالدين فيها جزاء بما
كانوا يعملون في حال السلوك حتى الوصول :حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة لما كانت النفس ممنوة بتدبير
البدن لتوقف استكمالها عليه مشغولة عن كمالها به في أول النشأة لم تنفتح بصيرتها ولم يصف إدراكها ولم يتبين
رشدها إل وقت بلوغ النكاح كما قال في اليتامى : :حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم
أموالهم] النساء ،الية [6 :وذلك هو الشد الصوري .أل ترى أن الطبيعة من وقت الطفولة إلى هذا الحد ل تتفرغ إلى
تحصيل مادة النوع عن إيرادها ما يزيد في القطار من الغذاء زائدا على بدل المتحلل من البدن لضعف العضاء
وشدة الحتياج إلى النمو والتصلب ،فالنفس حينئذ منغمسة في البدن ،مستعملة للطبيعة في ذلك العمل ،ذاهلة عن
كمالها إلى هذا الجل ،فلما قربت اللت من حد كمالها ووصلت إلى ما يصلح لستعمالها في تصرفاتها وانتقص
الحتياج إلى ما يزيد في أقطارها تفرغت الطبيعة إلى ذخيرة مادة النوع من الشخص لستغنائها بكمال الشخص عن
مادته فتفرغت النفس إلى تحصيل كمالها ،فانفتحت بصيرة عقلها وظهرت أنوار فطرتها واستعدادها وتنبهت عن
نومها في مهدها ،وتيقظت عن سنة غفلتها وتفطنت لقدس جوهرها وطلبت مركزها وغايتها لمرين :صلحية اللت
للستعمال في الستكمال وفراغها عن تخصيص البدن بالقبال لقلة الشغال ،لكنها ما دامت سن النمو باقية وزيادة
اللف في القوة والشدة ممكنة ما توجهت بالكلية إلى الجهة العلوية وما تجردت لتحصيل الكمالت العقلية والمطالب
القدسية للشتغال المذكور وإن قل وذلك إلى منتهى الثلثين من السن كما تبين في علم الطب ،فلما جاوزتها وأخذت في
سن الوقوف أقبلت إلى عالمها وأشرقت أنوار فطرتها فاشتدت في طلب كمالها لوقوع الفراغ لها إليها ،فأخذ كافل
اليتام الحقيقية الذي هو روح القدس أن آنس رشدها في دفع أموالها التي هي الحقائق والمعارف والعلوم والحكم إليها،
لبلوغها نكاح الغواني من المفارقات القدسية والنورانيات الجبروتية وذلك وقت سيرها في صفات ال إلى ذات ال
حتى الفناء التام بالستغراق في عين الجمع لمكان السير في أفعاله من وقت الشد الصوري إلى أشد هذا الشد
المعنوي الذي نهايته الربعون تقريبا .ولهذا قيل :الصوفي بعد الربعين أبذ ،إذ لم يستعد بالتوجه والطلب والسير في
الفعال بالتزكية لقبول تلك الموال والتصرف فيها فلم يأنس روح القدس منه الرشد فلم يدفع إليه ،وإذا تم سيره في ال
عند ذلك الشد بالفناء فيه كان وقت البقاء بعد الفناء وأوان الستقامة في العمل .وأشار إليها بقوله : :رب أوزعني
ولهذا لم يبعث نبي قط إل بعد الربعين سوى عيسى ويحيى ومع ذلك وقفا في بعض السموات .ولما كانت النعم أوابد
يجب تقييدها بالشكر استوزع الشكر على نعمة الكمال الحاصل المسبوق بالنعم الغير المتناهية لمحافظتها لئل يحتجب
برؤية الفناء فيترك الطاعة تبرما لحاله واتكال على كماله ،فإن آفة مقام الفناء رؤية الفناء والمبتلى بها يقع في التلوين
ويحرم نعمة التمكين ،ولهذا قال عليه السلم ' :أفل أكون عبدا شكورا ' .فطلب محافظة نعمة الهداية والكمال عليه
بإيقافه على الطاعات التي هي شكر نعمته التي أنعم بها عليه وعلى والديه اللذين هما السبب القريب لوجوده إذ لو لم
يكن فيهما خير وخلق حسن وسر صالح لم يظهر عليه ذلك الكمال لنه سرهما ولهذا وجب الحسان والدعاء بالوالدين
ولهما :وأن أعمل صالحا بتكميل المستعدين فإن الواجب على الكامل أول محافظة كماله ثم تكميل المستكملين ،إذ
العمل إنما هو من المور النسبية فربما كان صالحا بالنسبة إلى أحد سيئا بالنسبة إلى غيره ،كما قال ' :حسنات
البرار سيئات المقربين ' .ولهذا قال : :وأصلح لي في ذريتي أي :أولدي الحقيقية سواء كانوا صلبية أو ل لن
علمه الصالح الذي هو التكميل وتربية المريدين ل ينجع إل بعد تهيئ استعدادهم والصلح في أعمالهم وأحوالهم وذلك
من فيضة القدس ،ولو لم يكن هذا الصلح والقبول التام الذي ل
يكون إل من عند ال لما كان للصلح والتكميل والرشاد أثر كما قال : :إنك ل تهدي من أحببت] القصص ،الية
[56 :وهما ،أي :محافظة الكمال بالشكر بالقيام بحق الملهم بالطاعات والتكميل بالرشاد ملك العمل في الستقامة
ووظيفة المتحقق بالوجود الحقاني في مقام البقاء :إني تبت إليك من ذنب رؤية الفناء وهذه التوية هي التي تاب بها
عند الفاقة كما قال تعالى : :فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك] العراف ،الية : [143 :وإني من
موسى
المسلمين المنقادين المستسلمين في سلك العباد لمكان الستقامة .أولئك الموصوفون بتلك التوبة والستقامة هم :
الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا بظهور آثار تربيتهم وحسن هدايتهم في مريديهم لن التكميل أحسن أعمالهم ،أل
ترى أن كل من لم يثبت على طريق المتابعة ولم يتشدد في حفظ السنة من الكمل لم يكن له أتباع ولم يقم منه كامل
لخلله في الستقامة واتكاله على حاله من الكرامة وذلك علمة عدم قبول عمله الصالح .وهؤلء لما قاموا بشكر نعمة
الكمال قبل عملهم :ونتجاوز عن سيئاتهم التي هي بقايا صفاتهم وذواتهم بالمحو الكلي والطمس الحقيقي في مقام
التمكين فل يقعون في ذنب رؤية الفناء ول تلوين ظهور النية والنائية :في أصحاب الجنة المطلقة :وعد
الصدق الذي كانوا يوعدون حيث قال : :ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء[ الطور ،الية :
.] 21ولكل درجات لما ذكر السابقين وعقبهم بذكر من يقابلهم من المطرودين الذين حق عليهم القول وبين أن
الفريق الول في عداد السعداء والفريق الثاني من جملة الشقياء .تناول الكلم الصناف السبعة المذكورة في أول
الكتاب للتصريح بذكر الصنفين اللذين هما الصل في اليمان والكفر ،والتعريض بذكر الخمسة الباقية فقال : :
ولكل درجات مما عملوا أي :ولكل صنف من أصناف الناس درجات من جزاء أعمالهم من أعلى عليين إلى أسفل
سافلين ،وغلب الدرجات على الدركات بل لكل أحد من كل صنف رتبة ومقام وموقع قدم من إحدى الجنان أو طبقات
النيران : .أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا أنكر عليهم إذهاب جميع الحظوظ في لذات الدنيا لن لكل أحد بحسب
ل ونقصا يقابله ،وبحسب وقت تكونه في هذا العالم سعادة عاجلة وشقاوة تقابلها فله بحسب كل استعداده الول كما ً
واحدة من النشأتين طيبات وحظوظ تناسب كل كمالية ،فمن أقبل بوجهه على طيبات الدنيا وحظوظها والستمتاع بها
وأعرض بقلبه عن طيبات الخرى ولذاتها حرم الثانية أصل لنغماسه في المور الظلمانية واحتجابه عن المطالب
النورانية ،كما قال تعالى : :ربنا ءاتنا في الدنيا وما له في الخرة من خلق البقرة ،الية ،[200 :وذلك معنى
قوله : :أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا لن حظوظ الخروية التي تقتضيها هويته ذهبت في هذه ،فكأن ما زاد في
النهار نقص من الليل .وأما من أقبل بوجهه إلى الخرى وتنزه عن هذه بالزهد والتقوى ورغب في المعارف الحقيقية
والحقائق اللهية واللذات العلوية والنوار القدسية التي هي الطيبات بالحقيقة فقد أوتي منها حظه ولم ينقص من
حظوظه العاجلة على قياس الول بل وفر منها نصيبه كما قال : :من كان يريد حرث الخرة نزد له في حرثه
ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الخرة من نصيب] الشورى ،الية [20 :وذلك لن الستغراق في
عالم القدس والتوجه إلى جناب الحق يورث النفس قوة وقدرة تؤثر بها في عالم الحس ،فكيف إذا اتصلت بمنبع القوى
والقدر ؟ أما ترى أن عالم الملكوت مؤثر في عالم الملك متصرف فيه ،قاهر له بإذن ال تعالى ؟ ،وتسخيره والنهماك
في عالم الحس يخمد قوة الفطرة ويطفئ نور القلب فل تبقى له قدرة ول قوة ول تأثير في شيء ،وكيف وقد تأثرت
عما من شأنه التأثر المحض وتسخرت لما من شأنه التسخر الصرف والنفعال المطلق ؟ ،ولهذا قيل :الدنيا كالظل
' :من أقبل إليها فاتته ومن أعرض عنها أتته تتبع من أعرض عنها وتفوت من أقبل إليها .وقال أمير المؤمنين
' : .فاليوم تجزون عذاب الهون أي :الذلة والصغار لملزمتكم بالطبع للجهة السفلية وتوجهكم بالعشق إلى المطالب
الدنية ،فأنتم اخترتم الدناءة والنقهار بالتجبر والستكبار وذلك معنى قوله : :بما كنتم تستكبرون أي :في مقام
النفس باستيلء القوة الغضبية التي شأنها الستكبار :في الرض بغير الحق إذ لو تجردوا عن الهيئات الغضبية
والشهوية ،وترفعوا عن الصفات النفسية ونضوا جلبيب النية والنائية لستكبروا بالحق في السماء والرض ولكان
تكبرهم كبرياء ال كما قال الصادق عليه السلم لمن قال له :فيك كل فضيلة وكمال إل أنك متكبرًا ،فقال ' :ل وال،
بل انخلعت عن كبري فخلع علي كبرياء ال ' أو ما هذا معناه ،فهذا هو التكبر بالحق :وبما كنتم تفسقون باستيلء
القوة الشهوانية التي خاصيتها الفسق والفساد .وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن الجن نفوس أرضية تجسدت في أبدان
لطيفة مركبة من لطائف العناصر سماها حكماء الفرس الصور المعلقة ،ولكونها ارضية متجسدة في أبدان عنصرية
ومشاركتها النس في ذلك سميا ثقلين ،وكما أمكن الناس التهدي بالقرآن أمكنهم .وحكاياتهم من المحققين وغيرهم أكثر
من أن يمكن رد الجميع وأوضح من أن يقبل التأويل ،وإن شئت التطبيق فاسمع .وإذ صرفنا إليك نفرا من جن القوى
الروحانية من العقل والفكر والمتخيلة والوهم حال القراءة في الصلة ،أي :أملناهم نحوك واتبعناهم سرك بالقبال بهم
إليك وصرفهم عن جانب النفس والطبيعة بتطويقهم إياك وتسخيرهم لك حتى يجتمع همك ول يتوزع قلبك ول يتشوش
بالك بحركاتهم في وقت حضورك عند طلوع فجر نور القدس :يستمعون القرآن الوارد إليك من العالم القدسي :
فلما حضروه أي :حضروا العقل القرآني الجامع للكمالت عند ظهور النور الفرقاني عليك :قالوا أنصتوا أي :
سكنوا وسكت بعضهم بعضا عن كلمهم الخاص بهم مثل الحاديث النفسانية والتصورات والهواجس والوساوس
والخواطر والحركات الفكرية والنتقالت التخيلية .والقول ههنا حالي كما ذكر غير مرة إذ لو لم يسكنوا وينصتوا
مستمعين لما يفيض عليهم من الواردات القدسية لم يبق من الوارد أثر ،بل لم يكن بتلقي الغيب ول ورود المعنى
القدسي ول تلوة الكلم اللهي كما ينبغي ،ولهذا قال : :إن ناشئة اليل هي أشد وطئا وأقوم قيل] المزمل ،الية :
[6ولمر ما كان مبدأ الوحي منامات صادقة وذلك كون هذه القوى ساكنة متعطلة عند النوم حتى قوي على عزلها
عن أشغالها وتعطيلها في اليقظة :فلما قضى أي :الوارد المعنوي والنازل القدسي الكشفي :ولوا إلى قومهم
القوى النفسانية والطبيعية ينذرونهم عقاب الطغيان والعدوان على القلب بالتأثير فيهم بالملكات الفاضلة وإفاضات
الهيئات النورية المستفادة من المعنى القدسي النازل ويمنعونهم الستيلء على القلب بالتسخير والرتياض .قالوا يا
قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى أي :ما تأثرنا بمثل هذا التأثر النوري في الوجود المحمدي إل في زمن
ما تم معراجه وما بلغ حاله حال النبيين موسى ومن بعده إلى هذا الزمان ما تلقينا هذا المعنى لن عيسى
المذكورين ،موسى ومحمد ،في النخراط في سلك القدس في حياته ومشايعة جميع قواه لسره وما كمل فناؤه ليتحقق
جميع قواه بالوجود الحقاني ولذلك بقي في السماء الرابعة واحتجب فيها بخلفهما وسيتبع الملة المحمدية بعد النزول
ليتم حاله :مصدقا لما بين يديه لكونه مطابقا له في الهداية إلى التوحيد والستقامة كما أشير إليه بقوله : :يهدي
إلى الحق وإلى طريق مستقيم : يا قومنا أجيبوا داعي ال بمطاوعة القلب في التوجه إلى ال والتأدب بآدابه
والستسلم لحكامه والنقياد لوامره ونواهيه في طاعته :وآمنوا به بالتنور بنوره والنخراط في سلك عبادته :
يغفر لكم من ذنوبكم الهيئات الرذائل والميل إلى الجهات السفلية بمتابعة الهوى وحجب الصفات النفسانية دون
التعلقات البدنية والشواغل الطبيعية لمتناع تجريدها عن المادة ،ولهذا المعنى أورد من التبعيضية :ويجركم من
عذاب أليم بسبب النزوع والنجذاب إلى اللذات والشهوات مع الحرمان لفقدان اللت وما قال بعض المفسرين :إن
الجن ل ثواب لهم وإنما إسلمهم يدفع عقابهم ،في تفسير الية إن ثبت إشارة إلى أن هذه القوى البدنية ل حظ لها من
المعاني الكلية العقلية والهيئات النورية واللذات القدسية لكن انقيادها ومطاوعتها للسر يدفع آلمها الحسية والنزوعية
وال أعلم.
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق
بسم ال الرحمن الرحيم .
ق إشارة إلى القلب المحمدي الذي هو العرش اللهي المحيط بالكل كما أن )ص( إشارة إلى صورته على ما رمز
إليه ابن عباس في قوله ) :ص( جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن حين ل ليل ول نهار ،ولكونه عرش الرحمن،
قال ' :قلب المؤمن عرش ال ' ،وقال ' :ل يسعني أرضي ول سمائي ويسعني قلب عبدي المؤمن ' .قيل : :ق
جبل محيط بالعالم وراء العنقاء لحاطته بالكل وكونه حجاب الرب ل يعرفه من لم يصل إلى مقام القلب وإنما يطلع
عليه من طلع هذا الجبل .أقسم به وبالقرآن المجيد أي :العقل القرآني الكامل فيه الذي هو الستعداد الولي الجامع
لتفاصيل الوجود كله ،فإذا برز وصار إلى الفعل كان عقل فرقانيا ول يخفى مجده وشرفه بهذا المعنى ،أو القرآن
المجيد النازل عليه الذي هو بعينه الفرقان البارز الذي أشرنا إليه جمعهما في القسم لتناسبهما وجواب القسم محذوف
كما في :ص وغيرها من السور ،وهو :إنه لحق أو إنه لمعجز مدلول عليه بقوله : :بل عجبوا الخ .وبقوله : :
أفعيينا بالخلق الول أي :إما اهتدينا إلى إبداع الحقائق وإيجاد الشياء الولية كالرواح والسموات وأمثالها ،بل
اعترفوا بذلك إنما هم في شبهة والتباس من خلق حادث يتجدد كل وقت ،لبس عليهم الشيطان حتى قالوا :وما
يهلكنا إل الدهر] الجاثية ،الية [24 :ونسبوا التأثير إلى الزمان واحتجبوا عن معنى قوله : :كل يوم هو في شأن
]الرحمن ،الية ،[29 :ولو عرفوا ال حق معرفته وكان اعترافهم بإيجاده للخلق الول عن علم ويقين لشاهدوا الخلق
الجديد في كل آن فلم ينكروا البعث وكانوا عبادا مخلصين ليس للشيطان عليهم سلطان : .ونحن أقرب إليه من حبل
الوريد تمثيل للقرب المعنوي بالصورة الحسية المشاهدة ،وإنما كان أقرب مع عدم المسافة بين الجزء المتصل به
وبينه ،لن اتصال الجزء بالشيء يشهد بالبينونة والثنينية الرافعة للتحاد الحقيقي ومعيته وقربه من عبده ليس كذلك،
فإن هويته وحقيقته المندرجة في هويته وتحققه ليست غيره بل إن وجوده المخصوص المعين إنما هو بعين حقيقته
التي هي الوجود من حيث هو وجود ولوله لكان عدما صرفا ول شيئا محضا .فحبل غاية القرب الصوري أي :
التصال بالجزئية الذي ل اتصال أشد منه في الجسام مع كونه سبب حياة الشخص ،هذا أتم منه لبقائه .ثم بين أقربيته
لينتفي القرب بمعنى التصال والمقارنة ،كما قال أمير المؤمنين عليه السلم ' :هو مع كل شيء ' ،ل بمقارنة إذ
الشيء به ذلك الشيء وبدونه ليس شيئا حتى يقارنه .إذ يتلقى المتلقيان أي :يعلم حديث نفسه الذي يوسوس به نفسه
وقت تلقي المتلقيين مع كونه أقرب إليه منهما ،وإنما تلقيهما للحجة عليه وإثبات القوال والعمال في الصحائف
النورية للجزاء ،والمتلقي القاعد عن اليمين هو القوة العاقلة العملية المنتقشة بصور العمال الخيرية المرتسمة
بالقوال الحسنة الصائبة ،وإنما قعد عن يمينه لن اليمين هي الجهة القوية الشريفة المباركة وهي جهة النفس التي تلي
الحق ،والمتلقي القاعد عن الشمال هو القوة المتخيلة التي تنتقش بصور العمال البشرية البهيمية والسبعية والراء
الشيطانية الوهمية والقوال الخبيثة الفاسدة .وإنما قعد عن الشمال لن الشمال هي الجهة الضعيفة الخسيسة المشؤومة
وهي التي تلي البدن ،ولن الفطرة النسانية خيرة بالذات لكونها من عالم النوار مقتضية بذاتها وغريزتها الخيرات
والشرور إنما هي أمور عرضت لها من جهة البدن وآلته وهيئاته ،يستولي صاحب اليمين على صاحب الشمال،
فكلما صدرت منه حسنة كتبها له في الحال وإن صدرت منه سيئة منع صاحب الشمال عن كتابتها في الحال انتظارا
للتسبيح أي :التنزيه عن الغواشي البدنية والهيئات الطبيعية بالرجوع إلى مقره الصلي وسنخه الحقيقي وحاله
الغريزي لينمحي أثر ذلك المر العارضي بالنور الصلي والستغفار ،أي :التنور بالنوار الروحية والتوجه إلى
' :كاتب الحسنات على يمين الرجل، الحضرة اللهية لينمحي أثر تلك الظلمة العرضية بالنور الوارد كما قال
وكاتب السيئات على يساره ،وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات ،فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا ،وإذا
عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب اليسار :دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر ' : .وجاءت سكرة الموت
أي :شدته المحيرة الشاغلة للحواس المذهلة للعقل :بالحق بحقيقة المر الذي غفل عنه من أحوال الخرة والثواب
والعقاب ،أي :أحضرت السكرة التي منعت المحتضر عن الدراكات الخارجية أحواله الباطنة وأظهرت عليه :
ذلك ما كنت أيها المحتضر :منه تحيد أي :تميل إلى المور الظاهرة وتذهل عنها.ونفخ في الصور
للحياء ،أي :أحيي كل منهم في صورة تناسبه في الخرة :ذلك النفخ وقت تحقق الوعيد بشهود ما قدم من
العمال وما أخر : .وجاءت كل نفس معها سائق من علمه :وشهيد من عمله لن كل أحد ينجذب إلى محل
نظره وما اختاره بعلمه ،والميل الذي يسوقه إلى ذلك الشيء إنما نشأ من شعوره بذلك الشيء وحكمه بملئمته له سواء
كان أمرا سفليا جسمانيا بعثه عليه هواه وأغراه عليه وهمه وقواه ،أو أمرا علويا روحانيا بعثه عليه عقله ومحبته
الروحانية وحرضه عليه قلبه وفطرته الصلية .فالعلم الغالب عليه سائقه إلى معلومه ،وشاهده بالميل الغالب عليه
والحب الراسخ فيه والعمل المكتوب في صحيفته يشهد عليه بظهوره على صور أعضائه وجوارحه وينطق عليه كتابه
بالحق وجوارحه بهيئات أعضائه المتشكلة بأعماله : .ولقد كنت في غفلة من هذا لحتجابك بالحس والمحسوسات
وذهولك عنه لشتغالك بالظاهر عن الباطن :فكشفنا عنك بالموت :غطاءك المادي الجسماني الذي احتجبت
به :فبصرك اليوم حديد أي :إدراكك لما ذهلت عنه ولم تصدق بوجوده يقينًا قوي تعاينه :وقال قرينه من
شيطان الوهم الذي غره بالظواهر وحجبه عن البواطن :هذا ما لدي مهيأ لجهنم ،أي :ظهر تسخير الوهم إياه في
التوجه إلى الجهة السفلية وإنه ملكه واستعبده في طلب اللذات البدنية حتى هيأه لجهنم في قعر الطبيعة .ألقيا في
جهنم الخطاب للسائق والشهيد اللذين يوبقانه ويلقيانه ويهلكانه في أسفل غياهب مهواة الهيولى الجسمانية وغيابة جب
الطبيعة الظلمانية في نيران الحرمان أو لمالك .والمراد بتثنية الفاعل تكرار الفعل كأنما قال :ألق ،لستيلئه عليهم في
البعاد واللقاء إلى الجهة السفلية ،ويقوي الول أنه عدد الرذائل الموبقة التي أوجبت استحقاقهم لعذاب جهنم ووقوعهم
في نيران الجحيم وبين أنها من باب العلم والعمل والكفران ومنع الخير كلهما من إفراط القوة البهيمية الشهوانية
لنهماكها في لذاتها واستعمالها نعم ال تعالى في غير مواضعها من المعاصي والحتجاب عن المنعم بها ومن حقها أن
تذكره وتبعث على شكره وشدة حرصها ومكالبتها عليها لفرط ولوعها بها فتمنعها عن مستحقيها .وذكرهما على بناء
المبالغة ليدل على رسوخ الرذيلتين فيه وغلبتهما عليه وتعمقه فيهما الموجب للسقوط عن رتبة الفطرة في قعر بئر
الطبيعة ،والعتود والعتداء كلهما من إفراط القوة الغضبية واستيلئها لفرط الشيطنة والخروج عن حد العدالة،
والربعة من باب فساد العمل والريب والشرك كلهما من نقصان القوى النطقية وسقوطها عن الفطرة بتفريطها في
جنب ال وقصورها عن حدة القوة العاقلة وذلك من باب فساد العلم .تفسير سورة ق من ]آية : [30 - 27قال قرينه
ربنا ما أطغيته هذه المقاولت كلها معنوية مثلت على سبيل التخييل والتصوير لستحكام المعنى في القلب عند ارتسام
مثاله في الخيال ،فادعاء الكافر الطغاء على الشيطان وإنكار الشيطان إياه عبارة عن التنازع والتجاذب الواقع بين
قوتيه الوهمية والعقلية ،بل بين كل اثنتين متضادتين من قواه كالغضبية والشهوية مثل ،ولهذا قال : :ل تختصموا.
ولما كان المران في وجوده هما العقلية والوهمية كان أصل التخاصم بينهما وكذا يقع التخاصم بين كل متحاورين
متخاوضين في أمر لتوقع نفع أو لذة يتوافقان ما دام مطلوبهما حاصل ،فإذا حرما أو وقعا بسعيهما في خسران
وعذاب ،تدارءا أو نسب كل منهما التسبب في ذلك إلى الخر لحتجابهما عن التوحيد وتبرئ كل منهما عن ذنبه لمحبة
قوله وقول الشيطان : : ' :ورأيت أهل النار يتعاورون ' .وصوب للنبي نفسه ،ولذلك قال حارثة
وما أطغيته ولكن كان في ضلل بعيد ،كقوله : :إن ال وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم
من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لي فل تلوموني ولوموا أنفسكم] ق ،الية [22 :لنه لو لم يكن في ضلل عن
طريق التوحيد بعيد عن الفطرة الصلية بالتوجه إلى الجهة السفلية والتغشي بالغواشي المظلمة الطبيعية لم يقبل
وسوسة الشيطان وقبل إلهام الملك ،فالذنب إنما يكون عليه بالحتجاب عن نور الفطرة واكتساب الجنسية مع الشيطان
في الظلمة ،والنهي عن الختصام ليس المراد به انتهاؤهما بل عدم فائدته والستماع إليه كأنه قال :ل اختصام
مسموع عندي .وقد ثبت وصح تقديم الوعيد حيث أمكن انتفاعكم به لسلمة اللت وبقاء الستعداد ،فلم تنتفعوا به ولم
ترفعوا لذلك رأسا حتى ترسخت الهيئات المظلمة في نفوسكم ورانت على قلوبكم وتحقق الحجاب وحق القول بالعذاب،
ف :ما يبدل القول لدي حينئذ لوجوب العذاب حال وقوعه :وما أنا بظلم حيث وهبت الستعداد وأنبأت على
الكمال المناسب له وهديتكم إلى طريق اكتسابه ،بل أنتم الظلمون أنفسكم باكتساب ما ينافيه وإضاعة الستعداد بوضع
النور في الظلمة واستبدال ما يفنى بما يبقى : .يوم نقول لجهنم هل امتلت أي :يوم يتكثر أهل النار حتى تستبعد
الزيادة عليهم ول تنتقص سعتها بهم ول يسكن كلبها .وفي الحديث :ل تزال جهنم يلقى فيها وتقول :هل من مزيد ؟ !
حتى يضع رب العزة فيها قدمه ،فتقول :قط قط بعزتك وكرمك ' ،أي :ل يزال الخلق يميلون إلى الطبيعة بالشهوة
والحرص والطبيعة باقية على حالها ،جاذبة لما يناسبها ،قابلة لصورها الملءمة لها ،ملقية لما قبلت إلى أسفل
الدركات إلى ما ل يتناهى حتى يصل إليها أثر نور الكمال الوارد على القلب فتتنور به وتنتهي عن فعلها .وعبر عن
تشعشع النور اللهي من القلب على النفس بقدم رب العزة القوي على قهرها ومنعها عن فعلها وإجبارها على موافقة
القلب ،فتقول :قطني ،قطني .وأزلفت الجنة أي :جنة الصفات للذين اتقوا صفات النفس بدليل قوله : :من
خشي الرحمن بالغيب لن الخشية تختص بتجلي العظمة ولقوله : :غير بعيد أي :مكانا غير بعيد لكون جنة
الصفات أقرب من جنة الذات في الرتبة دون الظهور ،إذ الذات أقرب في الظهور لن في عالم النوار كل ما كان أبعد
في العلو والمرتبة من الشيء كان أقرب إليه في الظهور لشدة نوريته ولقوله : :هذا ما توعدون لكل أواب أي :
رجاع إلى ال بفناء الصفات :حفيظ أي :محافظ على صفاء فطرته ونوره الصلي كي ل يتكدر بظلمة النفس من
اتصف بالخشية وصارت الخشية مقامه عند تجلي الحق في صفة الرحمة الرحمانية إذ هي أعظم صفاته لدللتها على
إفاضة جميع الخيرات والكمالت الظاهرة على الكل وهي جلئل النعم وعظائمها :بالغيب أي :في حالة كونه
غائبا عن شهود الذات ،إذ المحتجب بتجلي الصفات غائب عن جمال الذات :وجاء بقلب منيب إلى ال عن ذنوب
صفات النفس في معارج صفات الحق دون الساكن في مقام الخشية الذي ل يقصد التوقي : .ادخلوها بسلمة عن
عيوب صفات النفس آمنين عن تلوينها :لهم ما يشاؤون فيها من نعم التجليات الصفاتية وأنوارها بحسب الرادة :
ولدينا مزيد من نور تجلي الذات الذي ل يخطر على قلوبهم : .وكم أهلكنا قبل هؤلء المتقين بالفناء والحراق
بسبحات تجلي الذات :من قرن هم أشد منهم بطشا أي :أولياء أقوى منهم في صفات نفوسهم لن الستعداد كلما
كان أقوى كانت صفات النفس في البداية أقوى :فنقبوا في البلد أي :مفاوز الصفات ومقاماتها :هل من
محيص عن الفناء بالحتجاب ببعضها والتواري بها عند إشراق أنوار سبحات الوجه الباقي ،وكيف المحيص ول تبقى
صفة هناك فضل عن تواريه بها .إن في ذلك المعنى المذكور لتذكيرا :لمن كان له قلب كامل بالغ في الترقي
إلى حد كماله :أو ألقى السمع في مقام النفس إلى القلب لفهم المعاني والمكاشفات للترقي ،وهو حاضر بقلبه،
متوجه إليه ،مفيض لنوره ،مترق إلى مقامه : .ولقد خلقنا السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام أي :ست
جهات إن فسرنا السموات والرض على الظاهر وإن أولنا السموات بالرواح والرض بالجسم ،فهي صور الممكنات
الست من الجبروت والملكوت والملك التي هي مجموع الجواهر والضافيات والكميات والكيفيات التي هي مجموع
العراض ،فهذه الستة تحصر المخلوقات بأسرها ،والستة اللف المذكورة التي هي مدة دور الخفاء على ما ذكر في
)العراف( : .فاصبر على ما يقولون بالنظر إليهم بالفناء وعدم تأثير أقوالهم بالنسلخ عن الفعال وحبس النفس
عن الظهور بأفعالها إن لم تحبسها عن الظهور بصفاتها :وسبح بحمد ربك بالتجريد عن صفات النفس حامدا لربك
بالتصاف بصفاته وإبراز كمالته المكتوبة فيك في مقام القلب :قبل طلوع شمس الروح ومقام المشاهدة :وقبل
الغروب غروبها بالفناء في أحدية الذات :ومن الليل أي :في بعض أوقات ظلمة التلوين فنزهه عن صفات
المخلوقين بالتجرد عن الصفة الظاهرة بالتلوين :وأدبار السجود وفي أعقاب كل فناء ،فإن عقيب فناء الفعال يجب
الحتراز عن تلوين النفس وعقيب الفناء عن الصفات يجب التنزه عن تلوين القلب ،وعقيب فناء الذات يجب التقدس
عن ظهور النائية : .واستمع يوم ينادي ال بنفسه من أقرب الماكن إليك كما نادى موسى من شجرة نفسه ،يوم
يسمع أهل القيامة الكبرى صيحة القهر والفناء بالحق من الحق :ذلك يوم الخروج من وجوداتهم .إنا نحن نحيي
ونميت أي :شأننا الحياء والماتة نحيي أول بالنفس ثم نميت عنها ثم نحيي بالقلب ثم نميت عنه ثم نحيي بالروح ثم
نميت عنه بالفناء :وإلينا المصير بالبقاء بعد الفناء بل في كل فناء إذ ل غير يصيرون إليه : .يوم تشقق أرض
البدن :عنهم سراعا إلى ما يجانسهم من الخلق :ذلك حشر علينا يسير نحشرهم مع من يتولونه بالمحبة
بانجذابهم إليه دفعة بل كلفة من أحد :نحن أعلم بما يقولون لحاطة علمنا بهم وتقدمه عليهم وعلى أقوالهم :وما
أنت عليهم بجبار تجبرهم على خلف ما اقتضى استعدادهم وحالهم التي هم عليها : ،إنما أنت مذكر] الغاشية ،الية
[21 :فاصبر بشهود ذلك مني واحبس النفس عن الظهور بالتلوين وذكر بالقرآن بما نزل عليك من العقل الجامع
بجميع المراتب :من يتأثر بالتذكير ف :يخاف وعيد لكونه قابل للوعظ مجانسا لك في الستعداد قريبا مني
دون المردودين الذين ل يتأثرون به وال تعالى أعلم.
سورة الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة الجمعة
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلق
سورة التحريم
سورة الملك
بسم ال الرحمن الرحيم .
تفسير سورة الملك من ]آية [2 - 1تبارك الذي بيده الملك الملك عالم الجسام كما أن الملكوت عالم النفوس،
ولذلك وصف ذاته باعتبار تصريفه عالم الملك بحسب مشيئته بالتبارك الذي هو غاية العظمة ونهاية الزدياد في العلو
والبركة ،وباعتبار تسخيره عالم الملكوت بمقتضى إرادته بالتسبيح الذي هو التنزيه كقوله فسبحان الذي بيههده ملكههوت
كل شيء] يس ،الية [83كل بما يناسبه ،لن العظمة والزدياد والبركة تناسب الجسام ،والتنههزه يناسههب المجههردات
عن المادة .فمعنى تبارك تعالى وتعاظم الذي يتصرف في عالم الملك بيد قدرته ،ل يتصرف فيه غيههره ،فبيههده كههل مهها
وجد من الجسام ل بيد غيره يصرفها كما يشاء وهو القادر على كل ما عدم من الممكنات يوجدها على ما يشاء ،فههإن
قرينة القدرة تخص الشيء بالممكن إذ تعلل القدرة به فيقهال إنهه مقههدوره لنههه ممكهن .الههذي خلههق المههوت والحيهاة
الموت والحياة من باب العدم والملكة ،فإن الحياة هي الحساس والحركة والرادية ولو اضههطرارية كههالتنفس والمههوت
عدم ذلك عما من شأنه أن يكون له وعدم الملكة ليس عدما محضا بل فيه شائبة الوجود وإل لم يعتبر فيه المحههل القابههل
للمر الوجودي فلذلك صح تعلق الخلق به كتعلقه بالحياة وجعههل الغههرض مههن خلقهمهها بلء النسههان فههي حسههن العمههل
وقبحه ،أي العلم التابع للمعلوم الذي يترتب عليه الجزاء وهو العلههم الههذي يظهههر علههى المظههاهر النسههانية بعههد وقهوع
المعلوم ،فإنه ليس إل علم ال الكامن في الغيب الظاهر بظهور المعلوم لن الحياة هي الههتي يتمكههن بههها علههى العمههال
والموت هو الداعي إلى حسن العمل الباعث عليه وبه يظهههر آثههار العمههال كمهها أن الحيههاة يظهههر بههها أصههولها وبهمهها
تتفاضل النفوس في الدرجات وتتفاوت في الهلك والنجاة .وقدم الموت على الحيههاة لن المههوت فههي عههالم الملههك ذاتههي
والحياة عرضية .وهو العزيز الغالب الذي يقهر من أساء العمل الغفور الذي يستر بنور صفاته من أحسن.
تفسير سورة الملك من ]آية [5 - 3الذي خلق سبع سماوات طباقا نهاية كمال عالم الملك فههي خلههق السههموات ل
ترى أحكم خلقا وأحسن نظاما وطباقا منها .وأضاف خلقها إلى الرحمن لنها من أصول النعههم الظههاهرة ومبههادئ سههائر
النعم الدنيوية ،وسلب التفاوت عنها لبسهاطتها واسههتدارتها ومطابقهة بعضههها بعضهها وحسههن انتظامهها وتناسههبها ،ونفههي
الفطور لمتناع خرقها والتئامها وإنما قال ثم ارجع البصر كرتين لن تكهرار النظهر وتجهوال الفكهر ممها يفيهد تحقهق
الحقائق وإذا كان ذلك فيها عند طلب الخروق والشقوق ل يفسد إل الخسوء والحسور تحقههق المتنههاع ،ومهها اتعههب مههن
طلب وجود الممتنع .ولقد زينا السماء الدنيا من السموات المعنوية ،أي العقل النساني بمصابيح الحجج والبينههات
وجعلناها رجوما لشياطين الوهم والخيال وأعتدنا لهم عذاب سعير الحتجاب في قعر الطبيعة والهوي في هاوية العالم
الجسماني والبرزخ الغاسق الظلماني أو السماء المحسوسة التي هي أقرب إلينا من السماء العقلية بمصههابيح الكههواكب،
وجعلناها بحيث ترجم بههها النفهوس البعيههدة عههن عهالم النهور لظلمههة جواهرههها بملزمههة الغواسههق الجسههمانية المخالفهة
بجواهرها الخبيثة عهن الجهواهر المقدسهة الهتي غلبهت عليهها ظلمهة الكهون وشهدة الريهن وتكهدرت بمباشهرة الشههوات
الطبيعية وتلوثت بههألواث التعلقههات الجسههمانية وامههتزجت بههها فترسههخت فيههها الهيئات المظلمههة وتغيههرت عهن طباعههها
فتأثرت بتأثيرات الجرام العلوية كلما اشتاقت بسنخها إلى عالمها ،رجمتها روحانيههات الكههواكب وطردتههها إلههى جحيههم
العالم السفلي وألزمتها مجاورة الهياكل المناسبة لهيئاتها وملزمة البرازخ المشاكلة لطباعها وألقتهها فهي عهذاب تضهاد
الطبائع وسعير استيلء طبائع تلك الغواسق. .
وللذين حجبوا عن ربهم عامة سههواء الشههياطين الههذين هههم فههي غايههة البعههد
تفسير سورة الملك من ]آية [14 - 6
والمنافاة وقوة الشر وغيرهم من الضهعفاء المحجهوبين الهذين ليسهوا فهي غايهة الشهرارة عهذابجهنم أي العهالم السهفلي
الغاسق المضاد بطبعه لعالم النور وبئس المصير ذلك المهوى المظلههم المهيهن المحههرق إذا ألقهوا فيههها سهمعوا لهلههها
الصوات المنكرة المنافية لصهوات الناسهي والروحهانيين أو لنفسههم فهإنهم يصهطرخون فيهها بأصهوات الحيوانهات
القبيحة المنظر المنكرة الصوت وهي تفور تغلي عليهم وتستولي وتعلو .تكاد تميز من الغيظ أي تتفارق أجزاؤههها
من شدة غلبة التضاد عليها وشدة مضادتها لجواهر النفوس .ولعمري إن شدة منافرة الطباع بعضها بعضا تستلزم شههدة
العداوة والبغض المقتضية لشدة الغيظ والحنق ،فتلك المهواة لشدة منافاتها بالطبع لعالم النور والجوهر المجههرد وأصههل
فطرة النفس يشتد غيظها عليها وتحرقها بنار غضبها أعاذنا ال مههن ذلههك .والخزنههة هههم النفههوس الرضههية والسههماوية
الموكلة بعالم الطبيعة السفلية وسؤالهم اعتراضهم ومنعهم إياها عن النفههوذ مههن الجحيههم بحجههة تكههذيب الرسههل ومنافههاة
عقائدها لما جاءت به ومعاندتها إياهم وعدم معرفتها بال وكلمه وصممها عن الحق وانتفاء سماعها وعدم عقلههها عههن
ال معارفه وآياته ودلئل توحيده وبيناته فإنهم لو سمعوا وعقلوا لعرفوا الحق وأطاعوا فنجوا وخلصوا إلى عالم النههور
وجوار الحق فما كانوا في أصحاب السعير .إن الذين يخشون ربهم بتصور عظمته غههائبين عههن الشهههود الصههفاتي
في مقام النفس بتصديق العتقاد لهم مغفرة من صفات النفس وأجر كههبير مههن أنهوار القلههب وجنههة الصههفات أو الههذين
يخشون ربهم بمطالعة صفات العظمة في مقام القلب غائبين عن الشهود الذاتي لهم مغفرة من صفات القلب وأجر كبير
من أنوار الروح وجنة الذات إنه عليم بذات الصدور لكون تلك السرائر عين علمه ،فكيف ل يعلم ضمائرها من خلقههها
وسواها وجعلها مرائي أسراره وهو اللطيف الباطن علمه فيها ،النافذ في عيوبها الخههبير بمهها ظهههر مههن أحوالههها ،أي
المحيط ببواطن ما خلق وظواهره بل هو هو بالحقيقة باطنا وظاهرا ل فرق إل بالوجوب والمكههان والطلق والتقييههد
واحتجاب الهوية بالهذية والحقيقة بالشخصية. .
تفسير سورة الملك من ]آية [19 - 15هو الذي جعل لكم أرض النفس ذلول فامشهوا بأقهدام الفطهرة فهي أعهالي
صفاتها وأاعز أطرافها وجهاتها وأقهروها مذللة وكلوا من رزقه الذي ينال من جهتههها أي العلههم المههأخوذ مههن الحههس
وهو الكل من تحت الرجل المشار إليه بقوله لكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهههم] المههائدة ،اليههة [66وإليههه
النشور بالعروج إلى مقام الولية وحضرة الجمع .أأمنتم الذي قهر سلطانه سماء الههروح وبهههر نههوره شههمس العقههل
بالتأثير والتنوير أن يخسف بكم أرض النفهس بهأن يحركهها ويقلبهها عليكهم فتقهركهم وتسهتولي عليكهم فتهذهب بنهوركم
وتهلككم وتجعلكم أسفل سافلين فإذا هي تضطرب عالية طياشة ل قرار لها ول طمأنينة بالسكينة لمهها فههي طباعههها مههن
الطيش والضطراب أم أمنتم ذلك العالي القهار ان يرسل عليكم حاصب صفات النفههس ولههذاتها وشهههواتها المسههتعلية
بريح الهوى على القلب في جو الماني والمال فيهلككم هلك المكذبين الذين تحركت نفوسهم بقهر مههن ال ه فههاحتجبوا
بظلماتها عن نور هداية الرسل فخسفوا ومسخوا وكان من حالهم ما يتعجههب منههه ،وعههاينوا مهها أنههذروا بههه مههن المنكههر
الفظيع .أو لم يروا إلى طير المعارف والحقائق والشراقات النوريههة والمعههاني القدسههية فههوقهم فههي سههماء الههروح
ويقبضن عن النههزول إلههى القلههب مهها يمسههكهن إل الرحمههن المسههوي للسههتعداد،
صافات أنفسهن مترتبة متناسقة فيها
المهيئ لقبولها ،المودع إياها فيها ،المرتب لها بسعة رحمته الواسعة الشاملة لكههل مهها خلههق وقههدر ،المعطيههة كههل شههيء
خلقه .وما يرسلهن إل الرحيم المفيض لكل ما قدر من الكمال بحسهب السهتعداد المظههر لكهل مها دبهر فهي الغيهب مهن
المعاني والصفات إنه بكل شيء بصير في مكمن غيبه فيعطيه ما يليق به ويسويه بحسب مشيئته ويودع فيه مهها يريههده
بمقتضى حكمته ثم يهديه إليه بتوفيقه. .
تفسير سورة الملك من ]آية [30 - 20أمن هذا الذي هو جند لكم أي من يشار إليه ممن يستعان به من الغيههار
حتى الجوارح واللت والقوى وكل ما ينسب إليه التأثير والمعونة من الوسايط فيقال هو جند لكم ينصههركم مههن دون
الرحمن فيرسل ما أمسك من النعم الباطنة والظاهرة أو يمسك ما أرسل من النعم المعنوية والصورية أو يحصل لكم ما
منع ولم يقدر لكههم أو يمنههع مهها أصههابكم بههه وقههدر عليكههم أن المحجوبههون الههذين سههتروا نههور فطرتهههم إل فههي غههرور
بالوسايط .آمن يشار إليه منها فيقال هذا الذي يرزقكم إن أمسك الرحمن رزقه المعنههوي أو الصههوري بههل لجههوا
في عتو عناد وطغيان لمضادتهم الحق بالباطل الذي أقاموا عليه ومنافاتهم النور بظلمة نفوسهم ونفور أي شراد لبعههد
طباعهم ونبوها عنهه .أفمهن يمشهي مكبها علهى وجههه متنكسها بهالتوجه إلهى الجههة السهفلية ومحبتهه للملذ الحسهية
وانجذابه إلى المور الطبيعية أهدى أمن يمشي سويا منتصبا على صراط التوحيد الموصوف بالسههتقامة التامههة الههتي
ل يبلغ كنهها ول يقدر قدرها ولما فرق بين الفريقين الضالين والمهتدين الموحدين .أشار إلى توحيد الفعال بقوله قههل
هو الذي أنشأكم وذكر من أفعاله البداء والعادة وبين أن المحجوبين مع اعترافهم بالبداء منكههرون للعههادة فل جههرم
يسوء وجوههم رؤية ما ينكرونه ،ويعلوها الكآبة ويأتيهم من العذاب الليم ما ل يدخل تحت الوصههف ول يجيرهههم منههه
ما احتجبوا به من الحق ونسبوا التأثير إليه لعجزه وانتفاء قدرته ول الرحمن لنهم لم يتكلوا عليه برؤية جميههع الفعههال
منه ونفي التأثير عن الغير فلم يؤمنوا به اليمان الحقيقي ولذلك عرض بكفرهم وشركهم بقهوله ههو الرحمههن آمنهها بهه
وعليه توكلنا أي لم نتوكل على غيره لنا شاهدنا الحضرة الرحمانية التي تصدر عنها الشياء كلها فمنعنا ذلك اليمان
الحقيقي نسبة الفعل إلى الغير فهو يجيرنا دونكم ،وال أعلم.
سورة القلم
سورة الحاقة
بسم ال الرحمن الرحيم .
تفسير سورة الحاقة من ]آية [8 - 1الحاقة هي الساعة الواجبة الوقوع التي ل ريب فيها إن أريد بها القيامة
الصغرى أو التي تحق فيها المور ،أي تعرف ،وتحقق إن أريد بها الكبرى .والمعنى أن الساعة مهها ههي ومهها أعلمهك
أي شيء هي ،أي ل يعرف شدتها وهولههها ومهها يظهههر فيههها مههن الحههوال علههى المعنههى الول ،أو ل يعههرف حقيقتههها
وارتفاع شأنها وإنارة برهانها وما يبدو فيها أحد إل ال .وكلتا القيامتين تقرع الناس وتهلكهم وتفنيهم وتستأصلهم بالشدة
والقهر ،وأما تكذيبهم بالولى فلقبالهم من الدنيا وترك العمل لها وغفلتهم وغرورهم بالحياة الحسية .وأما بالثانية فلعدم
وقوفهم عليها وإنكارهم لها واحتجابهم عنها ،وقد يطابق مثل المكههذبين بمثههل المفرطيههن أي المقصههرين والغههالين بههأن
يقال فأما ثمود وهم أهل الماء القليل أي أهل العلم الظههاهر المحجوبههون عههن العلههوم الحقيقيههة فههأهلكوا بالطاغيههة أي
الحالة الكاشفة عن الباطن وعالم التجرد التي تطغى على علههومهم فتفنيههها وهههي خههراب البههدن .وأمهها عههاد الغههالون
المجاوزون حد الشرائع بالتزندق والباحة في التوحيد فأهلكوا بريح هوى النفس الباردة بجمود الطبيعة وعدم حههرارة
الشوق والعشق العاتية أي الشديدة الغالبة عليههم الذاهبهة بهههم فههي أوديههة الهلك .سهخرها اله عليههم فههي مراتهب
الغيوب السبعة التي هي لياليهم لحتجابهم عنها .والصفات الثمانية الظاهرة لهههم كاليههام وهههي الوجههود والحيههاة والعلههم
والقدرة والرادة والسمع والبصر والتكلم ،أي على ما ظهر منهههم ومهها بطههن تقطعهههم وتستأصههلهم فههترى القههوم فيههها
صرعى موتى ل حياة حقيقية لهم لنهم قائمون بالنفس ل بال كمهها قههال كههأنهم خشههب مسههندة] المنههافقون ،اليههة ،[4
كأنهم أعجاز نخل أي أقوياء بحسب الصورة ل معنى فيهم ول حياة ،ساقطون عن درجة العتبار والوجود الحقيقي إذ
ل يقومون بال فهل ترى لهم من باقية أي بقاء أو نفس باقية لنهم فانون من أسرهم. .
تفسير سورة الحاقة من ]آية [15 - 9وجاء فرعون النفس المارة ومن قبله من قواها وأعوانها والمؤتفكات من
القوى الروحانية المنقلبة عن طباعها بالميل إلى الظاهر والنقلب عهن المعقههول إلههى المحسههوس بالخههاطئة بالخصههلة
التي هي خطأ وهي المجاوزة عن البواطن إلى الظواهر .فعصوا رسول ربهم أي العقل الهادي إلى الحق فأخذهم
بالغرق في بحر الهيولى ورجفة اضطراب مزاج البدن وخرابه أخذه زائدة في الشههدة .إنهها لمهها طغههى مههاء طوفههان
الهيولى حملناكم في جارية الشريعة المركبة من الكمال العلمهي والعملهي لنجعلهها لكهم تهذكرة لعهالم القهدس وحضهرة
الحق التي هي مقركم الصلي ومأواكم الحقيقي وتعيها أذن واعية أي تحفظها أذن حافظة لما سمعت من ال فههي بههدء
الفطرية باقية على حالها الفطرية غير ناسية لعهده وتوحيده ،وما أودعها من أسراره بسماع اللغو في هذه النشأة وحفظ
' سهألت اله أن لعلهي الباطل من الشيطان والعراض عن جنهاب الرحمهن ،ولههذا لمها نزلهت قهال النهبي
يجعلها أذنك يا علي ' ،إذ هو الحافظ لتلهك السهرار كمها قهال ' ولههدت علهى الفطههرة وسهبقت إلههى اليمهان والهجههرة '.
فإذا نفخ في الصور هي النفخة الولى التي للماتة في القيامة الصغرى إذ يمنع حمله على الكبرى قههوله فأمهها مههن
أوتي كتابه بيمينه] الحاقة ،الية [19وما بعده من التفصيل .وهذا النفخ عبارة عن تأثير الروح القدسي بتوسط الههروح
السرافيلي الذي هو موكل بالحياة في الصورة النسانية عند الموت لزهاق الههروح فيقبضههه الههروح العزرائيلههي وههو
وحملت أرض البدن وجبال العضاء فدكتا دكة واحههدة وجعلتهها أجههزاء تأثير في آن واحد ،فلذلك وصفها بالوحدة .
عنصرية متفرقة. .
تفسير سورة الحاقة من ]آية 16إلى الية [24وانشقت سماء النفس الحيوانية وانقشعت لزهوق الروح بانفلقها
عنه فهي يومئذ واهية ل تقدر على الفعل ول تقوى على التحريك والدراك حالة الموت .والملك أي القههوى الههتي
تمدها وتأوي إليها وتعتمد عليها في الدراك وتجتمع مدركاتها عندها أو تدرك بواسطتها أو تظهر بها مههدركاتها علههى
أرجائها أي جوانبها من الروح والقلب والعقل والجسم ،فافترقت عنها وتشعبت إلى جهاتها الناشئة منههها أول ويحمههل
عرش ربك أي القلب النساني فوقهم يومئذ ثمانية منهم هي النوار القاهرة أربههاب الصههنام العنصههرية مههن الصههور
النوعية تحمله بالجتماع من الطرفين العلوي والسفلي الفاعل والحامل عند البعث والنشور من كل طرف أربعة .ولهذا
' هم اليوم أربعة ،فإذا كان يوم القيامة أيدهم ال بأربعة آخرين فيكونههون ثمانيههة ' ،ولكههن تلههك الملك
قال النبي
مختلفة الحقائق بحسب اختلف أصنافها العنصرية قال بعضهم إنها مختلفة الصههور ولكونههها مسههتولية مسههتعلية علههى
تلك الجرام شبهت بالوعال ،وقيل هم على صور الوعال تشبيها لجرامههها بالجبههال ولكونههها شههاملة لتلههك الجههرام
بالغة إلى أقصاها حيث ما بلغت .قال بعضهم ثمانية أملك أرجلهم في تخوم الرض السابعة والعرش فههوق رؤوسهههم
وهم مطرقون مسبحون وال أعلم بحقائق المور .يومئذ تعرضون علههى اله بمهها فههي أنفسههكم مههن هيئات العمههال
وصور الفعال ل تخفى منكم خافية فأما من أوتي كتابه أي اللوح البدني الذي فيههه صههور أعمههاله بيمينههه أي جههانبه
القوى اللهي الذي هو العقل فيفرح به ويحب الطلع على أحواله من الهيئات الحسنة وآثار السعادة وهو معنى قههوله
هاؤم اقرؤوا كتابيه إني ظننت إني تيقنت أني ملق حسههابيه ليمههاني بههالبعث والنشههور والحسههاب والجههزاء فهههو فههي
عيشة راضية أي حياة حقيقية أبدية سرمدية في جنهة مههن جنهان القلهب والهروح عاليهة قطوفهها مهن مههدركات القلههب
والروح من المعاني والحقائق دانية كلما شاؤوا نالوها. .
تفسير سورة الحاقة من ]آية 25إلى الية [52
وأما من أوتي كتابه بشماله أي جانبه الضعف النفساني الحيواني ،فيتحسههر ويتنهدم ويتهوحش مهن تلهك الصهور
والهيئات السمجة والقبائح التي نسيها وأحصاها ال ويتنفر منها ويتمنى الموت عندها ويتيقن أن الذي صرف عمره فيه
وأكب بوجهه عليه من المال والسلطنة والجاه ما كان ينفعه بل يضره ،وهو معنى قوله يهها ليتنههي لههم أوت كتههابيه إلههى
آخره ،وينادى على لسان العزة والقهر الملكوت الموكل بعالم الكون والفساد من النفوس السماوية والرضية أن خذوه
فغلوه أي قيدوه بما يناسب هيئات نفسه من الصور واحبسوه في سجين الطبيعة بما يمنع الحركههات علههى وفههق الرادة
من الجرام ثم جحيم الحرمان ونيران اللم صلوه ثم في سلسلة الحوادث الغيههر المتناهيههة فاسههلكوه ليتعههذب بههأنواع
التعذيبات .والسبعون في العرف عبارة عن الكثرة الغير المحصورة ل العدد المعين إنه كان ل يؤمن بال أي كل ذلك
بسبب كفره واحتجابه عن ال وعظمته وشحه لمحبة المال فليس له اليوم ها هنا حميم لستيحاشههه عههن نفسههه فكيههف ل
يستوحش غيره عنه وهو متنفر عن كل أحد حتى عن نفسه ؟ ،ول طعهام إل مهن غسههالت أههل النههار وصهديدهم وقههد
شاهدناهم يأكلونها عيانا .فل أقسم بالظاهر والباطن من العالم الجسماني والروحههاني ،الوجههود كلههه ظههاهرا وباطنهها
وإنه لحق اليقين أي محض اليقين وهو الكلم الوارد من عين الجمع ،إذ لو نشأ من مقام القلب لكههان علههم اليقيههن ،ولههو
نشأ من مقام الروح لكان عين اليقين .فلما صدر من مقام الوحههدة كههان حههق اليقيههن ،أي يقينهها حقهها صههرفا ل شههوب لههه
بالباطل الذي هو غيره .نسب القول أول إلى الرسول ثم إلى الحق ليفيد التوحيد الذاتي ،ثم قال فسبح باسم ربك العظيم
أي نزه ال وجرده عن شوب الغير بذاتك الذي هو اسمه العظم الحاوي للسماء كلها بأن ل يظهر في شهودك تلههوين
من النفس أو القلب فتحتجب برؤية الثنينية أو النائية وإل كنت مشبها ل مسبحا ،وال تعالى أعلم.
سورة المعارج
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة المرسلت
سورة النبأ
سورة عبس
سورة التكوير
سورة النفطار
سورة المطففين
سورة النشقاق
أن المحجوبين الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات من قلوب أهل الشهود ونفوسهم بالنكار والحتقار ثههم لههم يتوبههوا
أي بقوا في الحجاب ولم يستبصروا فيرجعوا فلهم عذاب جهنم أي من تأثير نار الطبيعة السفلية ولهم عههذاب حريههق
القهر من نار الصفات فوق نار الثار وذلك لشوقهم عند خراب البدن إلى أنوار الصههفات فههي عههالم القههدس وحرمههانهم
وطردهم بقهر الحق فعذبوا بالنارين جميعا. .
تفسير سورة البروج من ]آية [22 - 11إن الههذين آمنههوا اليمههان العينههي الحقههي وعملههوا الصههالحات فههي مقههام
الستقامة من الفعال اللهية المقتضية لتكميل الخلق وضبط النظام لهم جنههات مههن الجنههان الثلث تجههري مههن تحتههها
أنهار علوم توحيد الفعال والصفات والذات وأحكام تجلياتها ذلك الفههوز الكههبير التههام الههذي ل فههوز أكههبر منههه .إن
بطش ربك بالقهر الحقيقي والفناء لشديد ل يبقي بقية ول أثرًا إنه هههو يبههدئ البطههش ويعيههد أي يكههرره ،يبههدئ أول
بإفناء الفعال ثم يعيد بإفناء الصفات ثم بالذات وهو الغفهور يسهتر ذنههوب وجهودات المحههبين وبقايهاهم بنهوره الهودود
للمحبوبين بإيصالهم إلى جنابه وتنعيمهم وإكرامهم بكمالته مههن غيههر رياضههة ذو العههرش أي المسهتوي علههى عههرش
قلهوب أحبهائه مهن العرفهاء المجيهد ذو العظمهة المتجلهي بصهفات الكمهال مهن الجمهال والجلل فعهال لمها يريهد علهى
مظاهرهم لستقامتهم فيختارون اختياره في أفعالهم أو يحجب من يريد بجللههه كههالمنكرين ويتجلههى لمههن يريههد بجمههاله
كالعارفين .هل أتاك حديث المحجوبين إما بالنائيههة كفرعههون ومههن يههدين بههدينه أو بالثههار والغيههار كثمههود ومههن
يتصل بهم بل الذين كفروا حجبوا مطلقا في أي مقام كان وبأي شيء كان في تكذيب لهل الحههق لوقههوفهم مههع حههالهم
ال من ورائهم فوق حالهم وحجابهم محيط يسع كل شيء وهم حصروه في شاهدهم وما شاهدوا إحاطته فلذلك أنكههروا
بل هو أي هذا العلم قرآن جامع لكل العلوم مجيد لعظمته وإحاطته .في لههوح هههو القلههب المحمههدي محفههوظ عههن
التبديل والتغيير وإلقاء الشهياطين بالتخييههل والهتزوير هههذا إذا حههل اليهوم الموعهود علههى القيامهة الكههبرى ،فأمها إذا أول
بالصغرى فمعناها الروح ذات البدان فإن البدان كالبراج أو الحواس فإنها تخرج منها كالحمام مهن الههبروج وشههاهد
لعلمه وما عمل .وجواب القسم ليهلكن البدنيون ،قتل أصحاب الخدود ،أي أهلههك القههوى النفسههانية الملزمههة لخههدود
البدن إذ هم عليها عاكفون وهم على ما يفعلون بمؤمني القوى الروحانية من الستيلء عليهههم وحجبهههم عههن مقاصههدهم
الشريفة وكمالتهم النفيسة واستعبادهم في أهوائهم وشهواتهم شهود بألسنة أحوالهم وما أنكر هذه القوى المحجوبة عههن
الكمالت المعنوية من الروحانيين إل اليمان بال المجرد عن اليههن والجهههة الغههالب علههى المحجههوبين بههالقهر الحميههد
المنعم على المهتدين بالهداية المحتجب بظواهر ملههك السههموات والرض الشهههيد الظههاهر علههى كههل شههيء .إن هههؤلء
الفاتنين بالستيلء والستخدام لمؤمني العقول ومؤمنات النفوس ثم لم يرجعههوا بالرياضههة واكتسههاب الملكههات الفاضههلة
والنقياد لهم فلهم عذاب جهنم الثار والطبيعة وعذاب حريق الشوق إلى المألوفات مع الحرمان عنههها .إن الههذين آمنههوا
اليمهان العلمهي مهن الروحهانيين وعملهوا الصهالحات مهن الفضهائل والخلق الحميهدة لههم جنهات مهن جنهان الفعهال
والصفات وهي جنات النفوس والقلوب .ذلك الفوز أي النجاة من النههار والوصههول إلههى المقصههود الكههبير بالنسههبة إلههى
الحالة الولى ،إن بطش ربك أي أخذه للمحجوبين بههالهلك والتعههذيب لشههديد ،فههإنه هههو يبههدئهم ويهلكهههم ثههم يعيههدهم
للعذاب وهو الغفور للتائبين المؤمنين من الروحانيين يستر لهم ذنوب هيئات السوء بنور الرحمههة الههودود لهههم بالمحبههة
الزلية فيكرمهم بإفاضة الكمالت والفضائل ،ذو العرش المستولي على القلب المجيد المنور بنوره جميع القوى ،فعههال
لما يريد ،المتجلي بالفعال على مظاهر الملك للقلب فيصحح مقام التوكل بالفناء في توحيد الفعال ،وال تعالى أعلم.
سورة الطارق
سورة العلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
بسم ال الرحمن الرحيم .
تفسير سورة الليل من ]آية [7 - 1أقسم بليل ظلمة النفس إذا ستر نور الروح وبنهار نور الروح إذا تجلى فظهر
من اجتماعهما وجود القلب الذي هو عرش الرحمن فإن القلب يظهر باجتماع هذين له وجههه إلههى الههروح يسههمى الفههؤاد
يتلقى به المعارف والحقائق ووجه إلى النفس يسمى الصدر يحفظ به السرائر ويتمثل فيه المعاني والقادر العظيم القدرة
الحكيم الباهر الحكمة الذي خلق الذكر الذي ههو الهروح والنهثى الهتي ههي النفهس فولهد القلهب .إن سهعيكم لشهتى
أشتات مختلفة لنجذاب بعضكم إلى جانب الروح والتوجه إلى الخيهر لغلبهة النوريهة وميهل بعضهكم إلهى جهانب النفهس
والنهماك في الشر لغلبة الظلمة وتفصيل ذلك في قوله فأما من أعطههى واتقههى أي آثههر الههترك والتجريههد فرفههض مهها
يشغله عن الحق وتركه بالسهولة واتقى عن هيئات النفس فجردها عن الميل إلههى مهها رفههض واللتفههات نحههوه وصههدق
بالفضيلة بالحسنى التي هي مرتبة الكمال باليمان العلمي إذ لو لم يتيقن بوجود كمال كامل لم يمكنه الترقي فسنيسههره
لليسرى أي فسنهيئه ونوفقه للطريقة اليسرى التي هي السلوك في ال لقطع علئقه وقوة يقينه. .
تفسير سورة الليل من ]آية [18 - 8وأما من بخل واستغنى آثر محبة المال وجمعه ومنعه واستغنى به عن
كسب الفضيلة لحتجابه به عن الحق وكذب بالحسنى بوجود مرتبة الكمال والفضيلة لستغنائه بالحياة الدنيا واحتجابه
بها عن عالم النور والخرة فسنيسره للعسرى فسنهيئه بالخذلن للطريقة العسرى التي هي النحطاط عن رتبة الفطرة
إلى قعر الطبيعة ودركات أسفل سافلين مأوى الحشرات والديدان والحيلولة بينه وبين شهواته بالحرمان .وما يغنههي
عنه ماله الذي تعب في تحصيله وأفنى عمره في حفظه إذا تردى إذا وقع في قعر بئر جهنم وعمق الهاوية وهلك.
إن علينا للهدى بالرشاد إلينا بنور العقل والحس والجمع بيهن الدلهة العقليهة والسهمعية والتمكيهن علهى السهتدلل
والستبصار .وإن لنا للخرة والولى أي نعطيهما من توجه إلينا فل نحرم التههارك المجههرد عههن ثههواب الههدنيا مههع
ثواب الخرة فإن من آثر الشرف يكون الخس تحت قدمه بالضرورة كقوله لكلههوا مهن فههوقهم ومههن تحههت أرجلهههم
]المائدة ،الية .[66فأنذرتكم نارا تلظى أي نارا عظيمة يبلغ لظاها جميع مراتههب الوجههود وهههي النههار الكههبرى
الشاملة للحجاب والقهر والسخط والتعههذيب بالثههار ،ولهههذا قههال ل يصههلها إلههى الشههقى العههديم السههتعداد ،الخههبيث
الجوهر ،المشرك بال في المواقف الربعة .الذي كذب بال لشركه وتولى وأعرض عن الههدين لعنههاده وسههيجنبها
التقى أي يتحاماها ويبعد عنها في جميع مراتبها الذي اتقى مهها عههدا اله مههن ذاتههه وصههفاته وأفعههاله وكههل شههيء مههن
الغيار والثار بالستغراق في عين الجمع وهو التقى المطلق الذي لههم يقههف مههع غيههر اله فيوقههف علههى اله ويعههذب
ببعض النيران .وأما التقي فقد ل يجنب جميع مراتبها كالمتجرد من الهيئات والفعههال ،الواقههف مههع الصههفات فههإنه وإن
كان مغفورا ذنوبه فقد حرم عن روح الذات ولذة المقربين في حجاب وجوده .الذي يؤتي ماله يههتزكى الههذي يعطيههه
في حالة كونه متطهرا عن لوث محبة النداد وتعلق الغيار واللتفات إلى ما سوى ال والشتغال به مزكيا نفسههه عههن
الشرك الخفي. .
تفسير سورة الليل من ]آية [21 - 19وما لحد عنده من نعمة تجزى أي ل يؤتيه للمكافأة والمعارضة إل ابتغاء
وجه ربه باجتناب ما عداه ولكونه على أعلى مراتب التقوى لن ال تعالى بحسب كل اسم له وجه يتجلى به لمن يدعوه
بلسان حاله بذلك السم ويعبده باستعداده والوجه العلى هو الذي له بحسهب اسهم العلهى الشهامل لجميهع السهماء وإن
جعلته وصفا لربه ،فالرب هو ذلك السم .ولسوف يرضى بالوصول إليه في عين الجمع والشهود الذاتي ثم مشاهدة
ذلك الوجه في مقام التفصيل حال البقاء بعد الفناء لستدعاء الرضا وجوده مع الوصف ،وال تعالى أعلم.
سورة الضحى
سورة النشراح
سورة التين
سورة القدر
سورة البينة
سورة الزلزلة
سورة العاديات
سورة القارعة
سورة التكاثر
سورة والعصر
سورة الهمزة
سورة الفيل
سورة قريش
سورة الماعون
سورة الكوثر
سورة الكافرون
سورة النصر
تفسير سورة تبت من ]آية [5 - 1تبت يدا أبي لهب وتب أي هلك ما هو سبب عمله الخبيث الذي استحق به
الجهنمي الملزم لنار الهلك وهلك ذاته الخبيثة لستحقاقها بحسب استعدادها ،أي استحق النار بذاته وبوصفه نارا
على نار ولذلك ذكره بكنيته الدالة على لزومه إياها ما أغنى عنه ماله وما كسب أي ما نفعه ماله الصلي من العلم
الستعدادي الفطري ول مكسوبه لعدم مطابقة اعتقاده لما في نفس المر كلهما متعاونان في تعذيبه وما يجدي له
أحدهما .سيصلى نارا عظيمة لحتجابه بالشرك ذات لهب زائد على أصله لخبث أعماله وهيئاتها فيصلى بالعتقاد
الفاسد والعمل السيء هو وامرأته متقارنين فيها حمالة الحطب أي تحمل أوزار آثامها وهيئات أعمالها الخبيثة التي
هي وقود نار جهنم وحطبها .في جيدها حبل قوي مما مسد ،أي فتل فتل قويا من سلسل النار لمحبتها الرذائل
والفواحش فربطت هيئاتها وآثامها بذلك الحبل إلى عنقها تعذيبا لها بما يجانس خطاياها ،وال أعلم.
سورة الخلص
سورة الفلق
سورة الناس