You are on page 1of 9

‫ديات اللف الثالث‬

‫الشباب وتح ّ‬
‫ت في اللف الثالث ؟‬
‫ديا ٍ‬
‫ما الذي ينتظر الشباب من تح ّ‬
‫أرى أنها أربع‪:‬‬

‫أول ً ‪:‬التح ّ‬
‫ديات الثقافية‬

‫فالسؤال يطرح نفسه بقوة‪ :‬ما الذي ستكون عليه ثقافة‬


‫اللف الثالث أو أقله ثقافة المئة سنة الولى منه؟‬

‫‪ -1‬من الواضح أنها ستكون ثقافة المعلوماتية‪ ،‬والنظم‬


‫ح لن‬
‫المتعددة للتصال ‪ .Multimedia‬فالكتاب‪ ،‬كمرّوج ثقافي‪ ،‬مرش ٌ‬
‫فحات العملقة‬ ‫دل بشاشة الكومبيوتر‪ ،‬ودور النشر بالمتص ّ‬‫ُيستب َ‬
‫‪ Proxies‬التي‪ ،‬عن طريق النترنت‪ ،‬ستنشر ثقافة اللفية القادمة‪.‬‬
‫ونتساءل بعد ذلك ‪ :‬هل ستبقى ثمة حاجة للقلم أو للجريدة والمجلة‬
‫أوغيرها من الدوات غير المصنوعة من السيليكون كما هي حال‬
‫رقائق أجهزة الكومبيوتر ‪ microprocessor‬الحالية؟‬

‫‪ -2‬وتطالعنا تباشير اللف الجديد بثورة علمّية أخرى ل تقل‬


‫ي ‪.Médecine génétique‬‬ ‫أهمية عن ثورة المعلوماتية هي الطب الجين ّ‬
‫فحين سيكتمل مشروع رسم خريطة التركيب الجيّني ‪génome‬‬
‫‪ humain‬للموروثات البيولوجية للنسان ‪ ،ADN‬فإن الكثير من‬
‫دل‪ .‬وليس الستنساخ سوى أبسط أ ُ ُ‬
‫طر‬ ‫موروثاتنا الثقافّية ستتب ّ‬
‫التدخل في قواعد الموروث الجيني ‪.code génétique‬‬
‫مبكر‬ ‫وما قانون تموز ‪ 1999‬الفرنسي حول التشخيص ال ُ‬
‫السابق للزرع الجيني ‪ diagnostic préimplantatoire‬المعروف بـ‬
‫‪ DPI‬سوى إشعار بأن الحرية التي ُتعطى للطب في تعاطيه مع‬
‫مستقبل إنسان اللف الثالث تمتد مساحتها شيئا ً فشيئًا‪ .‬فبموجب‬
‫ونه‬‫‪ ،DPI‬أصبح ممكنا ً إجراء تشخيص على الجنين في لحظات تك ّ‬
‫الولى ‪ In vitro‬للتأكد من عدم وجود أمراض وراثية غير قابلة‬
‫م البحث في إمكانية زرعه في رحم الم أم ل‪.‬‬ ‫للشفاء عنده‪ ،‬ومن ث ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪ -3‬وفي السياق نفسه‪ ،‬فإن علم دراسة الخليا الدماغية‬
‫ت‬
‫ينتظر هو الخر مستجدا ٍ‬ ‫والعصاب ‪neurobiologie‬‬
‫ت مثيرة‪ ،‬ستغي ُّر حتما ً من طريقة فهمنا للذكاء النساني‬ ‫واستكشافا ٍ‬
‫وللداء البشري تاليا‪ً.‬‬
‫فحين ستغدو بعض خفايا المناطق المجهولة من دماغنا‬
‫ة‪ ،‬سنتساءل ‪ :‬هل إن أدمغة اللف الثالث – وأدمغة الشباب‬ ‫معروف ً‬
‫تخصيصا‪ -‬ستبقى على ما كانت عليه في اللف الثاني؟ هذا من دون‬ ‫ً‬
‫أن نستطرد عن الدمغة اللكترونية‪.‬‬

‫‪ -4‬أما علم الفضاء ‪ cosmologie‬والفلك ‪ -‬أي علم الفيزياء‬


‫الفلكية ‪ astrophysique‬وليس التنجيم والبراج ‪ astrologie‬طبعا ً –‬
‫ت جّبارة نحو تأكيد النظريات‬ ‫فإنه يخطو هو الخر خطوا ٍ‬
‫مة ‪relativité générale d’Einstein‬‬ ‫الكوسمولوجية كنظرية النسبّية العا ّ‬
‫‪ ،‬ونحو غزو الفضاء الخارجي‪ ،‬وصول ً لتنظيم رحلت سياحية إلى‬
‫م العلن عنها حاليا ً‬ ‫المريخ ابتداء من الربع الول للقرن المقبل يت ّ‬
‫على صفحات النترنت‪ .‬ولسوف نتساءل ‪ :‬هل التكاليف الباهظة‬
‫التي ترصدها الدول الصناعية لمشاريع الفضاء‪ ،‬تستأهل أن نفكر‬
‫بقضاء عيد الميلد على كوكب المريخ سنة ‪ 2025‬مثل ً ؟!‬

‫وبالجمال‪ ،‬فإن تكن ثورة اللف القادم علمّية الطابع‬


‫فإنها ‪ ،‬مع ذلك وربما بسببه‪ ،‬تطرح علينا تحديا ً ثقافيا ً ملحًا‪ :‬أي‬
‫مكان سيبقى للفلسفة والشعر واللهوت والدب والمسرح في‬
‫وق معرفتنا‬ ‫ثقافة الجيال المقبلة ؟ ومن هو الذي سيرّوج ويس ّ‬
‫المستقبلية‪ ،‬ويراقبها )إذا كان ثمة مراقبة ممكنة بعد(‪ ،‬ويحميها من‬
‫الخليط الثقافي المتعاظم يوما ً بعد يوم ؟‬
‫وهل ستبقى الحقيقة واقعا ً راهنا ً أم ستضحي ‪ ،‬شأنها شأن‬
‫ة افتراضية‬ ‫ألعاب الكومبيوتر التي يتهافت عليها شبابنا ‪ ،‬حقيق ًً‬
‫‪ Réalité virtuelle‬؟‬

‫وفي كل الحوال‪ ،‬ل بد لشباب اللف الثالث من معالجة هذه‬


‫السئلة لن العصَر سيكون عصُرهم‪ ،‬ولن القرار سيكون حينها‬
‫بأيديهم‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬التح ّ‬
‫ديات الجتماعية‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬يبدو واضحا ً لمن يتأمل خريطة عالمنا اليوم‪ ،‬أنه‬ ‫‪1‬‬
‫مقسوم إلى عالمين‪ :‬عالم الغنياء وعالم الفقراء‪ .‬عالم الغنياء هو‬
‫عالم نصف الكرة الشمالي )أوروبا الشمالية‪-‬أميركا الشمالية‪-‬‬
‫اليابان(‪ ،‬وعالم الفقراء هو عالم نصف الكرة الجنوبي ) أميركا‬
‫الجنوبية‪ -‬إفريقيا‪ -‬دول البلقان‪ .(...‬وتلعب التكنولوجيا المتقدمة‬
‫دورا ً هاما ً في جعل الغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقرًا‪ .‬مما يضع‬
‫الشباب في مأزق الهجرة التي ل بد منها صوب بلدان الشمال حيث‬
‫تتجمع الدمغة في الجامعات ومراكز البحث والشركات‪ ،‬في حين‬
‫تضحي بلدان الجنوب مجرد حقول لستخراج المواد الولية‪ ،‬أو‬
‫لتشغيل اليد العاملة بكلفة أقل أو ‪ ..‬مكانا ً للستجمام والسياحة‬
‫ليس إل‪.‬‬

‫‪ -‬إن الفارق بين الشمال والجنوب ليس فقط مادةً‬ ‫‪2‬‬


‫للعلن السياحي‪ ،‬بل يزيده اتساعا ً ُبعد ٌ اجتماعي آخر له طابع‬
‫حضاري تاريخي‪ .‬فبنظر الكثيرين أن الحضارة التي ولدت في‬
‫الشرق ) القصى والوسط( منذ ما قبل المسيح دون ش ّ‬
‫ك‪،‬‬
‫وترعرعت في أوروبا المسيحية حتى بداية القرن العشرين‪ ،‬يبدو‬
‫أنها تعيش مراهقتها اليوم في أميركا‪ .‬والشباب‪،‬في كل العالم‪،‬‬
‫منجذبون إلى المثال الميركي الذي يفرض سيطرته عبر وسائل‬
‫العلم‪ .‬مما يطرح تحديا ً مهما ً ‪ :‬أليس للشباب الحق في أن يكون‬
‫ل آخر )‪ ( modèle‬غير المثال الميركي ؟ وهل صحيح أن‬ ‫لهم مثا ٌ‬
‫الموسيقى التي تلئم شباب القرن المقبل هي موسيقى الوليات‬
‫المتحدة الميركية وحدها ؟ أو أن اللغة التي ل غنى عنها للحضارة‬
‫هي اللغة النكليزية ؟‬
‫وإذا إفترضنا أن مقولة مركزّية الحضارة صحيحة‪ ،‬فما هو‬
‫مصير حضارات شعوب المجاهل الفريقية وأميركا اللتينية والصين‬
‫ذات المليار ومئتي مليون نسمة ؟ وما هو دور شباب هذه‬
‫متاح لهم في صنع حضارة اللف الثالث القادم‬ ‫الحضارات والمكان ال ُ‬
‫إن لم يهاجروا صوب الشمال ؟ !‬

‫‪ -‬أما إذا نظرنا إلى سياسة اللف الثاني المنصرم فإننا‬ ‫‪3‬‬
‫نرى أنها سياسة اندثار المبراطوريات والممالك وقيام‬

‫‪3‬‬
‫ل( انهارت‬ ‫الجمهوريات‪ ،‬فحتى الدكتاتوريات الشعبية )كالشيوعية مث ً‬
‫تحت وطأة الدلجة ‪ idéologisme‬السياسية‪.‬‬
‫كما أن قرنا ً واحدا ً لم يمر دون أن يشهد حركة عنيفة عدوانية‬
‫ح باسم الدين‪ ،‬أو غزو باسم‬ ‫إما على شكل حرب‪ ،‬أو إجتياح‪ ،‬أو فت ٍ‬
‫الحضارة‪ .‬وهذا ما يطرح على الشباب تحديا" سياسيا ً مهما ً ‪ :‬هل‬
‫ستسقط مقولة الحرب في القرن الواحد والعشرين أم سيظ ّ‬
‫ل‬
‫الشباب وقود الحروب الدائمة ؟ وأي سياسة سيصنعها شباب‬
‫القرن القادم لمن سيأتي بعدهم‪ :‬هل هي سياسة الطوباويات‬
‫الحالمة )كالماركسية والتشي غيفارية (‪ ،‬أم سياسة القهر والدم‬
‫الهتلرية‪ ،‬أم سياسة سطوة رأس المال وسيطرة التكنولوجيا‬
‫الستهلكية؟ وبكلمة اخرى‪ :‬ما الذي سيكون عليه سياسّيواللف‬
‫الثالث الشباب؟‬

‫‪ -‬أما على الصعيد السوسيولوجي البحت فإن ما ينتظر‬ ‫‪4‬‬


‫الشباب كبير‪ :‬فالعائلة‪ ،‬كمفهوم ٍ وواقع‪ ،‬تبدو معّرضة للزوال بكل‬
‫بساطة‪ ،‬في ظل السماح بالنجاب من دون رابط زواج ‪les mères‬‬
‫‪ ، célibataires‬والقوانين التي ترعى حرية زواج المثليين‬
‫‪) homosexuels‬ومنها مثل ً قانون ‪ PACS‬في فرنسا(‪.‬‬
‫وة والمومة لن يبقى على ما هو عليه‪.‬‬ ‫ما يعني أن مفهوم الب ّ‬
‫وبما أن شباب اليوم هم آباء وأمهات المستقبل‪ ،‬فإن سؤال ً كبيرا ً‬
‫دون‪ ،‬وماذا نفعل لهم نحن‪ ،‬ليكونوا آباء اللف‬ ‫ينتظرهم ‪ :‬كيف يستع ّ‬
‫الثالث الذين سيصنعون مجتمع القرن الحادي والعشرين لبنائهم ؟‬

‫ثالثًا‪ :‬التحديات التربوية‬


‫‪ -‬يطرح القرن القادم علينا‪،‬شبابا ً وبالغين‪ ،‬نظاما ً جديدا ً‬ ‫‪1‬‬
‫للتعّلم‪ .‬فاللوح السود سُيستعاض عنه بشاشة الكومبيوتر‪ ،‬ولن يعود‬
‫حضورالستاذ الشخصي ضروريا ً إذ يكفي أن ينشر محاضرته على‬
‫النترنت لكي يحصل عليها كل من يود ّ متابعته‪ ،‬في أي مكان وفي‬
‫أي وقت‪ ،‬مع إمكانية محادثته ‪ chating‬بالصوت أم بالصورة من‬
‫وراء الشاشة‪ .‬فعلوة ً على تلشي المكان ‪ délocalisation‬والزمان‬
‫‪ ،détemporalisation‬أصبح "التلميذ" ليس فقط مستمعا ً بل‬
‫ومشاركا ً أيضا ً في نقل المعلومة ونشرها‪ ،‬كما وفي نشر معلومته‬
‫الشخصّية في الموضوع ومشاركتها‪ ،‬ليس فقط مع العشرات بل مع‬

‫‪4‬‬
‫ة لتصاله‬ ‫اللوف من المهتمين بالموضوع ‪ ،Discussion group‬إضاف ً‬
‫السهل عبر الوسائط المتعددة ‪" multimedia‬بالستاذ" ومناقشته‪.‬‬
‫وسيصبح بإمكان أي كان أن يبقى في منزله ويحصل على ما يود ّ‬
‫من معلومات‪ ،‬ويجري بالطريقة الفتراضية ‪ virtual reality‬أي‬
‫ي فيزيائي أم رياضي أم كيميائي وحتى بيولوجي كتشريح‬ ‫اختبار علم ّ‬
‫جسم افتراضي مث ً‬
‫ل‪.‬‬
‫دعي أول ً " اليد في العجين" ‪hands on‬‬ ‫هذا النظام ُ‬
‫وبالفرنسية ‪ ،la main dans la patte‬ليصير‪ ،‬مع دخول النترنت‪،‬‬
‫الجامعة الفتراضية ‪ université virtuelle‬والمدرسة الفتراضية أيضًا‪.‬‬
‫ما يطرحه هذا النظام من تحد ٍ هو إمكانية تغييب بل وإلغاء العلقة‬
‫ل وتصبح التربية هي أيضا ً‬ ‫الشخصية بين المعلم والتلميذ‪ .‬فعن قلي ٍ‬
‫وظيفة اللت!‬
‫ولكن التحدّي الكبر هو كيفية إفهام الطلب‪ ،‬وخاصة صغار‬
‫معاش هو غير الواقع الفتراضي المرئي‬ ‫السن منهم‪ ،‬أن الواقع ال ُ‬
‫على الشاشة ‪ ...‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬إن تعّلم قيادة السيارات‬
‫بالطريقة الفتراضية لها مزاياها وسهولتها‪ ،‬إل أن حوادث السير بين‬
‫المراهقين تدل على إن نسبة كبيرة منهم تدّرج على قيادة‬
‫الفورمول واحد الفتراضية ‪ ، 3D Formula One‬والتي يلزمها مقود "‬
‫ق فعلية‪ ،‬لكن‬ ‫افتراضي" فقط لنشعر كما لو أننا داخل سيارة سبا ٍ‬
‫هؤلء المراهقين لم ينتبهوا أن القيادة في طريق واقعية ‪ réelle‬ل‬
‫ل ما فيها غير واقعي‬ ‫يمكن أن تكون هي نفسها من وراء شاشةٍ ك ّ‬
‫‪.virtuel‬‬

‫‪ -‬وهذا يقودنا إلى تساؤل آخر ‪ :‬ما هي الشخصية التي‬ ‫‪2‬‬


‫سيترّبى عليها جيل القرن الواحد والعشرين؟ ومن هو الشاب‬
‫النموذجي الذي بدأت تتكون ملمح صورته في نهاية هذا القرن ؟‬
‫من الواضح أنه لن يكون ذاك الشاب المزارع الساكن بهدوء‬
‫في الجبل بل هاوي الكومبيوتر‪ -‬ذي النظارات ربما ‪ ،‬الراكض وراء‬
‫آخر أخبار البورصة أو الرياضة أو ‪...‬القابع في أحد مقاهي النترنت‬
‫‪ . cybercafé‬وكيف يمكن أل ّ يقارن شباب الغد أنفسهم بأغنى رجل‬
‫في العالم‪ ،‬الشهير ‪ Bill Gates‬صاحب مايكروسوفت الشهيرة هي‬
‫أيضًا‪ ،‬والذي تبلغ ثروته الشخصية ‪90‬مليار دولر وهو ما يزال في‬
‫الخامسة والثلثين من عمره؟‬

‫‪5‬‬
‫‪ -‬أما البيئة فإن ما ينتظرها في اللف القادم يتراوح بين‬ ‫‪3‬‬
‫نقيضين‪ :‬إما الهمال أو العبادة‪ .‬فاستغلل الموارد البيئية يبدو بل‬
‫رادع عند البعض إلى حد استنفاد المخزون الطبيعي دون الهتمام‬
‫ل‪..‬وعند البعض الخر تبدو قضايا البيئة‬ ‫بآثاره السلبية كالتلوث مث ً‬
‫موضوع إيمان وإضاءة شموع وإلتزام إلى حد الستشهاد‪ .‬ويتحمس‬
‫الشباب للنضواء تحت لواء الجمعيات البيئية‪ .‬ويبدو بعضهم‬
‫متحمسين لدرجة يصح معها التساؤل ‪ :‬هل ستكون التربية على‬
‫احترام البيئة نظام اللف الثالث التربوي الجديد ؟ أم ديانته‬
‫الجديدة؟‬

‫‪ -‬أما التربية على السلم والغفران والمصالحة فسوف‬ ‫‪4‬‬


‫يكون لها أيضا ً من ينافسها‪ .‬فبناء حضارة تقوم على المحبة ل على‬
‫ودنا فيه كبسة‬
‫ت تـع ّ‬
‫البغض ليس بالمر التربوي السهل في وق ٍ‬
‫الفأرة اللكترونية ‪ clic‬على إزاحة كل من ل يعجبنا من الدرب!‬

‫‪ -5‬وتبدو الحركات الطالبية كأنها قد فقدت زخمها‪.‬‬


‫فالثورات التي أشعلها الطلب في أوائل القرن العشرين من أجل‬
‫مال‪ ،‬وفي الستينات‬ ‫العدالة والمساواة والخاء ووحدة الع ّ‬
‫والسبعينات من هذا القرن من أجل تحرير الكثير من المفاهيم‬
‫التربوية كالسلطة والجنس والنظام‪ ،‬تبدو كأنها تعيد حساباتها ‪:‬‬
‫فحلم الدولة الممية العادلة انهار‪ .‬وتشي غيفارا أكلته الثورة نفسها‪.‬‬
‫صْر أسهل وأرخص وأكثر حرية بل خضع أكثر لعوامل‬ ‫والجنس لم ي ِ‬
‫السوق والدعايات السينمائية والستهلكية‪ ،‬حتى كأن ممارسة‬
‫الجنس نفسها أصبحت محكومة ومسّيرة من سلطة خفّية طالما‬
‫نادى المتحررون بالخلص منها‪ .‬ولم يجد ِ فلتان الضوابط الخلقية‬
‫في جعل الوئام والسلم يعمان العالم كله كما قال مغّنو البيتلز‪ ،‬بل‬
‫زاد معدل الجريمة والنتحار والجهاض وحوادث السير والسكر‬
‫وجرائم المافيا والمخدرات والتهريب وتبييض الموال والفساد في‬
‫الدوائر والموت بالجرعة الزائدة ‪ . overdose‬وسجلت زيادة‬
‫المهلوسين ومنقسمي الشخصية بين قادة الثورات الطلبية‬
‫أنفسهم‪.‬‬

‫‪ -6‬مما يدفعنا للتساؤل ‪ :‬هل أن ما شهده قرننا من ازدهار‬


‫هائل للساليب التربوية المرتبطة بالتحليل النفسي الفرويدي‬

‫‪6‬‬
‫‪ ، psychanalyse‬والتي قامت على أساس قتل الب ‪patricide‬‬
‫والتحرر من ضغط الموروثات السلطوية المانعة للتحرر الجنسي‪،‬‬
‫سُيكتب لها الستمرار بعد في القرن المقبل؟ وهل أن ما يحققه‬
‫علم جراحة الدماغ والعصاب ‪ neurobiologie‬من تقدم باهر في‬
‫شفاء أمراض كانت تعتبر مستعصية إلى أمد قريب كداء النقطة‬
‫‪ épilepsie‬والباركنسون وربما قريبا ً الهستيريا وغيرها‪...‬هو دليل‬
‫على أن الحاجز البيولوجي ‪ la barrière biologique‬الذي قال فرويد‬
‫بصعوبة اختراقه بات يعطي إشارات تفتـِته؟ وهل أن الطب‬
‫سيشفي كل ما كان ُيعتبر في القرن الفائت "حالت نفسية معقدة‬
‫وشاذة"‪ ،‬تاركا ً الكثير من النظم والنظريات والساليب التربوية‬
‫والعقائد من عقدة الوديب إلى ثورة ‪ Fleich‬الجنسية في مهب‬
‫الريح؟‬

‫‪ -‬وهل سيلجأ مرب ّو القرن الواحد والعشرين إلى هذه‬ ‫‪7‬‬


‫الساليب أم سيكون للتربية الجديدة مرّبون جدد؟‬
‫وأخيرا ً وليس آخرًا‪ ،‬هل ستبقى ثمة حاجة لندلع الثورات بين‬
‫صفوف الطلب أم أن الطلب أنفسهم سيسأمون من هذا السلوب‬
‫التربوي "القديم"؟!‬

‫رابعًا‪ :‬التحديات اللهوتية‬

‫‪ -‬بعد أن شهد القرن العشرون بروز الحركات‬ ‫‪1‬‬


‫ة‪ ،‬وللديان التقليدية‬
‫والفلسفات والنظريات المجابهة للدين عام ً‬
‫‪ athéisme‬واللأدرية‬ ‫خاصة‪ ،‬وبعد أن تفشّت موجة اللحاد‬
‫‪ agnosticisme‬ومعاداة رجال الدين ‪ ، anticléricalisme‬وبعد أن‬
‫ساهمت الحركات السياسية في فصل الدين عن الدولة واعتماد‬
‫العلمنة ‪ laïcisme‬في الكثير من البلدان )أوروبا وأميركا والصين‬
‫وروسيا‪ ،(...‬وبعد أن نادى نيتشه ‪ Nietzsche‬بموت الله ليحيا النسان‬
‫المتفوق‪ ،‬يبدو أن القرن الواحد والعشرين سيعيد طرح مسألة‬
‫الدين على بساط البحث‪ ،‬وربما يعود الله بقوة أكبر! والسؤال‬
‫المطروح هو‪ :‬هل ماتت الديان التقليدية حقًا‪ ،‬وهل لم يعد ثمة‬
‫حاجة للدين بعد؟‬

‫‪7‬‬
‫‪ -2‬كثيرون من رجال عصرنا ) المؤمنين بالله( يرون أن‬
‫اللف الول شهد ولدة ونمو الديانات التقليدية وأخصها المسيحية‬
‫التي طبعت العالم القديم أي المبراطورية الرومانية بطابعها‪ ،‬ثم‬
‫أتى اللف الثاني ليشهد تزعزع هذه الديانات وتلحُق ظاهرة‬
‫ت‪ ،‬حسب زعمهم‪ ،‬ليشهد‬ ‫النشقاقات فيها‪ ،‬وها هو اللف الثالث آ ٍ‬
‫انطفاء المسيحية وغيرها من الديان التقليدية‪ ،‬كي يولد دين جديد‬
‫لعصرٍ جديد )‪.(New Age‬‬
‫فهل يكون القرن الواحد والعشرون قرن الرجوع إلى الدين‪،‬‬
‫كما أكّد عليه الكاتب الفرنسي أندريه مالرو ‪ ، Malraux‬أم ل يكون؟‬
‫وإذا نعم‪ ،‬فأي ديانة "صافية" ستكون ديانة أجيال النترنت؟ إنه‬
‫التحدي اللهوتي واليماني الكبر‪.‬‬

‫‪ -‬أما في ما يخصنا كشباب مسيحي‪ ،‬فإن وحدة أبناء‬ ‫‪3‬‬


‫المسيح هي التحدي المستمر‪ .‬فالشباب يبدو محتارا ً أمام كثرة‬
‫وع أفكارها‪ ،‬تلبس أحيانا ً طابع الصراع‬‫المذاهب المسيحية وتن ّ‬
‫ل‪ -‬الحاد والعنيف وغير‬ ‫الفكري‪ -‬وغير الفكري كما في إيرلندا مث ً‬
‫المبّرر‪ .‬مما يدفعنا للتساؤل‪ :‬اين تكمن العقبة الحقيقية التي تحول‬
‫دون أن يعترف كل المسيحين بوحدة الحقيقة التي تجمعهم؟ أهي‬
‫في السلطة؟ إنه من المفارق فعل ً أن يكون البابا رمز وحدة‬
‫المسيحين كما يقول اللهوت الكاثوليكي‪ ،‬وفي الوقت نفسه العقبة‬
‫الولى أمام ملء الشراكة كما يقول اللهوت الورثوذكسي‪ .‬فأي‬
‫دق الشباب؟‬‫ت يص ّ‬
‫لهو ٍ‬

‫‪ -4‬وما الذي على الكليروس أن يفعله لكي يبقى شبابنا‬


‫المسيحي خارج إطار التجاذبات اللهوتية التي أثبتت عقمها عبر‬
‫اللفي سنة الماضية‪ ،‬إذ زادت من تشرذم المسيحين وقّلصت من‬
‫وجودهم في مناطق مختلفة من العالم )الصراع الخلقيدوني –‬
‫ل(‪ ،‬كما ومن عددهم أيضا ً‬ ‫اللخلقيدوني في الشرق الوسط مث ً‬
‫)الحروب الكاثوليكية – البروتستانتية في أوروبا(؟‬
‫إنه لمن الواضح أن مهمة الشهادة للحقيقة في الوحدة‪ ،‬في‬
‫عالم ٍ أصبح المسيحيون يشكلون فيه الثلث تقريبا ً فيما هم‬
‫منقسمون بين بعضهم وعلى بعضهم أحيانًا‪ ،‬ستكون تحديا ً مطروحا ً‬
‫على شباب اللف الثالث‪،‬علمانيين وإكليروسًا‪ .‬فكهنة اللف الثالث‬
‫الشباب لن يكون دورهم أقل استهدافا ً من نظرائهم العلمانيين‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫ورّبما يقع عليهم العبء الكبر في تحمل المشقات اللزمة لكي‬
‫يصير اتحاد المسيحيين واقعا ً فكريا ً وعمليا ً وإداريًا‪.‬‬

‫‪ -5‬إل أن الخطر الكبر الذي يتهدد شباب اللف الثالث يبدو‬


‫دع‬ ‫ت ليس عن انعدام الشعور الديني بل عن انحرافه‪ .‬فالب ِ َ‬ ‫أنه متأ ٍ‬
‫التي تسعى وراء استمالة الشباب كثيرة ومتنوعة‪ ،‬وتهدد ليس‬
‫الشباب أنفسهم وحسب بل العصب الجتماعي بكامله‪ .‬هذه البدع‬
‫" الحركات الدينية‬ ‫التي يحلو لبعض علماء الجتماع تسميتها‬
‫ضل اصطياد الشباب على سواهم‪ .‬وهي تنتشر‬ ‫الجديدة "‪ ،‬تف ّ‬
‫بسهولة في المجتمعات المسيحية ربما بسب التسامح الديني الذي‬
‫توفّره المسيحية‪ .‬وهي تطرح علينا تحديا ً مهمًا‪ :‬أليس من الفضل‬
‫وهًا؟ وهل تجيب كنيستنا‪،‬‬
‫أن يكون الله مغّيبا ً من أن يكون مش ّ‬
‫كنيسة اللفين الول والثاني‪ ،‬عن تساؤلت اللف الثالث؟ أوليست‬
‫وحدة المسيحيين عامل ً مهما ً في الحد من انتشارالبدع ‪ ،‬وبخاص ً‬
‫ة‬
‫شر بانتهاء المسيحية في اللف الثالث القادم علينا بعد‬ ‫تلك التي تب ّ‬
‫قليل؟‬

‫جــورج يــرق‬
‫نـشرت في " ققق قققق‬
‫قققق "‬
‫قق ق‬
‫نشرة مركز سيدة النصر للثقافة الدينية –‬
‫غوسطا‬
‫)كانون الول ‪ -1999‬شباط ‪(2000‬‬

‫‪9‬‬

You might also like