You are on page 1of 36

‫‪$‬لمحة عن الفرق الضالة‬

‫[نص محاضرة ألقاها الشيخ‪ :‬صالح الفوزان بمدينة الطائف‪ ،‬يوم الثنين‪ ،‬الموافق‪:‬‬
‫‪ 3/3/1415‬هـ في مسجد الملك فهد بالطائف‪].‬‬
‫‪$‬المقدمة‬
‫الحمـد ل رب العالميـن وصـلى ال وسـلم على نبينـا محمـد‪ ،‬وعلى آله وصـحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن الحديث عن الفرق ليس هو من باب السرد التاريخي‪ ،‬الذي يقصد منه الطلع‬
‫على أصـول الفرق لمجرد الطلع‪ ،‬كمـا يطلع على الحوادث التاريخيـة‪ ،‬والوقائع‬
‫التاريخية السابقة‪ ،‬وإنما الحديث عن الفرق له شأن أعظم من ذلك؛ أل وهو الحذر‬
‫من شر هذه الفرق ومن محدثاتها‪ ،‬والحث على لزوم فرقة أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫وترك ما عليه الفرق المخالفة ل يحصل عفوا للنسان‪ ،‬ل يحصل إل بعد الدراسة‪،‬‬
‫ومعرفة ما الفرقة الناجية ؟‬
‫من هم أهل السنة والجماعة‪ ،‬الذين يجب على المسلم أن يكون معهم ؟‬
‫ومن الفرق المخالفة ؟‪.‬‬
‫وما مذاهبهم وشبهاتهم ؟‪ .‬حتى يحذر منها‪.‬‬
‫لن (من ل يعرف الشر يوشك أن يقع فيه)‪ ،‬كما قال حذيفة بن اليمان ‪ -‬رضي ال‬
‫عنه ‪: -‬‬
‫(كان الناس يسألون رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الخير‪ ،‬وكنت أسأله عن‬
‫الشر مخافة أن يدركني‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إنا كنا في جاهلية وشر‪ ،‬فجاءنا ال‬
‫بهذا الخير‪ ،‬فهل بعد هذا الخير شر ؟‪ .‬قال‪ " :‬نعم "‪ .‬فقلت‪ :‬هل بعد ذلك الشر من‬
‫خير ؟‪ .‬قال " نعم‪ ،‬وفيه دخن "‪ .‬قلت‪ :‬وما دخنه ؟‪ .‬قال‪ " :‬قوم يستنون بغير سنتي‪،‬‬
‫ويهدون بغ ير هد يي‪ ،‬تعرف من هم وتن كر "‪ .‬فقلت‪ :‬هل ب عد ذلك الخ ير من شر ؟‪.‬‬
‫قال‪ " :‬نعم‪ ،‬دعاة على أبواب جهنم‪ ،‬من أجابهم إليها قذفوه فيها "‪ .‬فقلت‪ :‬يا رسول‬
‫ال‪ ،‬صفهم ل نا‪ .‬قال‪ " :‬ن عم‪ ،‬قوم من جلدت نا ويتكلمون بأل سنتنا "‪ .‬قلت‪ :‬يا ر سول‬
‫ال‪ ،‬فمـا ترى إن أدركنـي ذلك ؟‪ .‬قال‪ " :‬تلزم جماعـة المسـلمين وإمامهـم " فقلت‪:‬‬
‫فإن لم ت كن ل هم جما عة ول إمام ؟‪ .‬قال‪ " :‬فاعتزل تلك الفرق‪ ،‬ولو أن ت عض على‬
‫أصل شجرة حتى يدركك الموت‪ ،‬وأنت على ذلك ") [رواه البخاري في صحيحه ‪:‬‬
‫(‪ )3606‬و(‪ ،)7084‬وم سلم في صحيحه ‪ -‬أي ضا ‪ ،)1847( :-‬وأح مد مطول‪( :‬‬
‫‪ )403 ،5/386‬ومختصـرا‪ )399 ،5/391( :‬ومختصـرا بلفـظ مختلف‪،)5/404( :‬‬
‫وأبو داود السجستاني‪ ،)4244( :‬وبلفظ مختلف‪ ،)4246( :‬والنسائي في الكبرى‪( :‬‬
‫‪ ،)18 ،5/17‬وابن ماجه‪ )4027( :‬و(‪ ،)4029‬وأبو داود الطيالسي في مسنده ‪( :‬‬
‫‪ ،)442‬وبلفظ مختلف‪ )443( :‬ص ‪ ،59‬وأبو عوانة في الصحيح المسند‪4/474( :‬‬
‫و ‪ ،)475‬وع بد الرازق في م صنفه‪ ،)11/341( )20711( :‬وا بن أ بي شي بة في‬
‫كتاب الفتـن‪ )2449( :‬و(‪ )18961( )8960‬و(‪ ،)18980‬والحاكـم فـي مسـتدركه‬
‫؟!!‪ )4/432( :‬وصحح إسناده‪ ،‬ووافقه الذهبي ؟!‪].‬‬
‫فمعر فة الفرق ومذاهب ها وشبهات ها‪ ،‬ومعر فة الفر قة الناج ية‪ ،‬أ هل ال سنة والجما عة‪،‬‬
‫ومـا هـي عليـه؛ فيـه خيـر كثيـر للمسـلم‪ ،‬لن هذه الفرق الضالة عندهـا شبهات‪،‬‬
‫وعندهـا مغريات تضليـل‪ ،‬فقـد يغتـر الجاهـل بهذه الدعايات وينخدع بهـا؛ فينتمـي‬
‫إليها‪ ،‬كما قال صلى ال عليه وسلم لما ذكر في حديث حذيفة ‪:‬‬
‫( هل ب عد ذلك الخ ير من شر؟‪ .‬قال‪ " :‬ن عم‪ ،‬دعاة على أبواب جه نم‪ ،‬من أجاب هم‬
‫إلي ها قذفوه في ها "‪ .‬فقلت‪ :‬يا ر سول ال‪ ،‬صفهم ل نا‪ .‬قال‪ " :‬ن عم‪ ،‬قوم من جلدت نا‬
‫ويتكلمون بألسنتنا ")‪.‬‬
‫فالخطر شديد‪ ،‬وقد وعظ النبي صلى ال عليه وسلم أصحابه ذات يوم ‪ -‬كما في‬
‫حديث العرباض بن سارية ‪: -‬‬
‫أنـه وعظ هم موعظـة بليغـة‪ ،‬وجلت من ها القلوب‪ ،‬وذر فت منهـا العيون‪ .‬قل نا‪ :‬يا‬
‫رسـول ال كأنهـا موعظـة مودع فأوصـنا‪ .‬قال‪( :‬أوصـيكم بتقوى ال‪ ،‬والسـمع‬
‫والطاعة‪ ،‬وإن تأمر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلفا كثيرا‪ ،‬فعليكم‬
‫ب سنتي و سنة الخلفاء الراشد ين من بعدي‪ ،‬تم سكوا ب ها‪ ،‬وعضوا علي ها بالنوا جذ‪،‬‬
‫وإيا كم ومحدثات المور؛ فإن كل محد ثة بد عة‪ ،‬و كل بد عة ضللة)‪[ .‬رواه أح مد‬
‫فـي مسـنده ‪ ،)4/127( ،)4/126( :‬والترمذي‪ ،)2676( :‬وأبـو داود‪،)4607( :‬‬
‫وابـن ماجـه‪ )34( :‬فـي المقدمـة‪ ،‬والدارمـي فـي سـننه ‪ ،)95( :‬وابـن حبان فـي‬
‫صـحيحه ‪ ،)5( :‬والطـبراني فـي الكـبير‪،623 ،622 ،619 ،618 ،18/617( :‬‬
‫‪ ،)642 ،624‬والجري فـي الشريعـة ص‪ ،)47 - 46( :‬وابـن أبـي عاصـم فـي‬
‫السـنة‪ ،)54 ،57 ،32 ،27( :‬وابـن بطـة العكـبري فـي البانـة الكـبرى‪( )142( :‬‬
‫‪ ،)1/305‬والللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‪ ،)81( :‬ومحمد‬
‫بن ن صر المروزي في ال سنة ص‪ ،21 :‬والبغوي في شرح ال سنة ‪ )205( :‬و في‬
‫تفسيره ‪ ،)3/209( :‬والطحاوي في مشكل الثار ‪ ،)2/69( :‬والبيهقي‪،)6/541( :‬‬
‫والحاكم في المستدرك ‪].)97 - 1/96( :‬‬
‫فأ خبر صلى ال عل يه و سلم أ نه سيكون هناك اختلف وتفرق وأو صى ع ند ذلك‬
‫بلزوم جما عة الم سلمين وإمام هم‪ ،‬والتم سك ب سنة الر سول صلى ال عل يه و سلم‪،‬‬
‫وترك ما خالف ها من القوال‪ ،‬والفكار‪ ،‬والمذاهب المضلة‪ ،‬فإن هذا طر يق النجاة‪،‬‬
‫وقد أمر ال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬بالجتماع والعتصام بكتابه‪ ،‬ونهى عن التفرق‪،‬‬
‫قال ‪ -‬سبحانه ‪: -‬‬
‫عَل ْيكُ مْ إِذْ كُنتُ مْ أَعْدَاء‬
‫ت اللّ هِ َ‬
‫جمِيعا وَلَ تَ َفرّقُواْ وَا ْذ ُكرُواْ ِن ْعمَ َ‬
‫حبْلِ اللّ هِ َ‬
‫صمُواْ ِب َ‬
‫{وَاعْتَ ِ‬
‫ن النّارِ َفأَنقَذَكُم‬
‫عَلىَ شَفَا حُ ْف َرةٍ مّ َ‬
‫خوَانا َوكُنتُ مْ َ‬
‫حتُم ِب ِن ْع َمتِ هِ إِ ْ‬
‫صبَ ْ‬
‫فََألّ فَ َبيْ نَ ُقلُو ِبكُ مْ َفأَ ْ‬
‫ّم ْنهَا كَ َذِلكَ ُي َبيّنُ اللّهُ َلكُمْ آيَاتِهِ َل َعّلكُمْ َت ْهتَدُونَ} [ سورة آل عمران ]‪.‬‬
‫إلى أن قال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪: -‬‬
‫خ َتلَفُواْ مِن َبعْدِ مَا جَاءهُ مُ ا ْل َب ّينَا تُ َوُأ ْولَـ ِئكَ َلهُ مْ عَذَا بٌ‬
‫{وَلَ َتكُونُواْ كَالّذِي نَ تَ َفرّقُواْ وَا ْ‬
‫ـ [قال البغوي ‪ -‬رحمـه ال ‪ -‬فـي تفسـير هذه اليـة (‪( :)2/86‬قال أكثـر‬
‫عَظِيم ٌ‬
‫المفسرين‪ :‬هم اليهود والنصارى‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬المبتدعة من هذه المة‪ .‬وقال أبو‬
‫أما مة ‪ -‬ر ضي ال ع نه ‪ :-‬هم الحرور ية بالشام ‪ -‬أي‪ :‬الخوارج ‪ .-‬قال ع بد ال‬
‫بن شداد‪ :‬و قف أ بو أما مة وأ نا م عه على رأس الحرور ية بالشام فقال‪ " :‬هم كلب‬
‫ـ تَ َفرّقُواْ‬
‫النار‪ ،‬كانوا مؤمنيـن فكفروا بعـد إيمانهـم "‪ ،‬ثـم قرأ‪{ :‬وَلَ َتكُونُواْ كَالّذِين َ‬
‫خ َتلَفُواْ مِن َبعْدِ مَا جَاءهُ مُ ا ْل َب ّينَا تُ} إلى قوله ‪ -‬تعالى ‪َ{ :-‬أكْ َفرْتُم َبعْدَ إِيمَا ِنكُ مْ})‬
‫وَا ْ‬
‫سوَدّ وُجُوهٌ}‪ [ .‬سورة آل عمران ]‪.‬‬
‫اهـ‪َ * ].‬يوْمَ َت ْبيَضّ وُجُوهٌ َوتَ ْ‬
‫قال ابن عباس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪( :-‬تبيض وجوه أهل السنة والجماعة‪ ،‬وتسود‬
‫وجوه أهـل البدعـة والفرقـة) [ذكره البغوي فـي تفسـيره ‪ ،)2/87( :‬وابـن كثيـر‪( :‬‬
‫‪ )2/87‬طبعة الندلس]‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪: -‬‬
‫شيْءٍ ِإنّمَا َأ ْمرُهُ مْ ِإلَى اللّ هِ ثُمّ‬
‫ستَ ِم ْنهُ مْ فِي َ‬
‫شيَعا لّ ْ‬
‫{إِنّ الّذِي نَ َفرّقُواْ دِي َنهُ مْ َوكَانُواْ ِ‬
‫ُي َن ّب ُئهُم ِبمَا كَانُواْ يَ ْف َعلُونَ} [ سورة النعام ]‪.‬‬
‫فالدين واحد‪ ،‬وهو ما جاء به رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ل يقبل النقسام إلى‬
‫ديانات وإلى مذاهب مختلفة‪ ،‬بل دين واحد هو دين ال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ ،-‬وهو‬
‫ما جاء به ر سوله صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬وترك أم ته عل يه‪ ،‬ح يث ترك صلى ال‬
‫عليه وسلم أمته على البيضاء‪ ،‬ليلها كنهارها‪ ،‬ل يزيغ عنها إل هالك‪.‬‬
‫وقال صلى ال عل يه و سلم‪( :‬تر كت في كم ما إن تم سكتم به لن تضلوا بعدي أبدا‪:‬‬
‫كتاب ال‪ ،‬وسنتي) [رواه مالك في الموطأ‪ ،)2/1899( :‬والحاكم في المستدرك ‪( :‬‬
‫‪ )1/93‬موصول عن أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪.-‬‬
‫ورواه مطول دون لفظة وسنتي مسلم‪ ،)1218( :‬وابن ماجه‪ ،)3110( :‬وأبو داود‪:‬‬
‫(‪ )1909‬من حديث جابر بن عبد ال ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ،-‬وفيه صفة حجة النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وخطبته بهم]‪.‬‬
‫و ما جاء التفرق في الكتاب العز يز إل مذمو ما ومتوعدا عل يه‪ ،‬و ما جاء الجتماع‬
‫على الحق والهدى إل محمودا وموعودا عليه بالجر العظيم‪ ،‬لما فيه من المصالح‬
‫العاجلة والجلة‪.‬‬
‫وجاء عن النبي صلى ال عليه وسلم في السنة أحاديث كثيرة تأمر بلزوم الجماعة‬
‫[قال ابن حجر في " الفتح "‪ ...( :)13/391( :‬وورد بلزوم الجماعة في عدة أحاديث‪ ،‬منها‪ :‬ما أخرجه الترمذي مصححا من حديث‬
‫الحارث بن الحارث الشعري ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ،-‬فذكر حديثا طويل وفيه‪( :‬وأنا آمركم بخمس أمرني ال بهن‪ :‬السمع‪ ،‬والطاعة‪،‬‬
‫والجهاد‪ ،‬والهجرة‪ ،‬والجما عة‪ ،‬فإن من فارق الجما عة ق يد شبر ف قد خلع رب قة ال سلم من عن قه)‪( .‬رواه مرفو عا المام أح مد في‬
‫مسـنده ‪ ،)5/344 ،4/202 ،4/130( :‬والترمذي (‪ )2864 - 2863‬وقال‪ :‬حديـث حسـن صـحيح غريـب)‪ .‬وفـي خطبـة عمـر‬
‫المشهورة‪ ،‬التي خطبها بالجابية‪ " :‬عليكم بالجماعة‪ ،‬وإياكم والفرقة‪ ،‬فإن الشيطان مع الواحد‪ ،‬وهو من الثنين أبعد " (رواه مرفوعا‬
‫المام أحمد في مسنده ‪ ،)1/18( :‬والترمذي في سننه ‪ ،)2165( :‬والنسائي في " الكبرى "‪ ،)9226( )9219( :‬والبغوي في تفسيره‬
‫‪ ،)2/86( :‬وابـن أبـي عاصـم فـي " السـنة "‪ ،)88 _ 86( :‬والللكائي فـي " شرح أصـول اعتقاد أهـل السـنة "‪،)107 - 1/106( :‬‬
‫والحاكم في " مستدركه "‪ )1/114( :‬وصححه‪ ،‬ووافقه الذهبي)‪ .‬وفيه‪ " :‬ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة "‪ .‬قال ابن بطال‪" :‬‬
‫مراد الباب الحض على العتصام بالجماعة‪ ...‬والمراد بالجماعة أهل الحل والعقد من كل عصر " وقال الكرماني‪ " :‬مقتضى المر‬
‫بلزوم الجماعة أنه يلزم المكلف المتابعة لما أجمع عليه المجتهدون "‪ )...‬انتهى من فتح الباري‪ .‬وقال الترمذي في سننه بعد الحديث‬
‫رقم (‪( :)2167‬وتفسير الجماعة عند أهل العلم هم‪ :‬أهل الفقه‪ ،‬والعلم‪ ،‬والحديث) انتهى‪ .‬ولهمية هذا المر بوب البخاري ‪ -‬رحمه‬
‫ال ‪ -‬في صحيحه‪( :‬باب‪ ..‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا‪ ..‬وما أمر النبي صلى ال عليه وسلم بلزوم الجماعة‪ ،‬وهم أهل العلم)‪ .‬وبوب‬
‫النووي في صحيح م سلم‪( :‬باب وجوب ملز مة جما عة الم سلمين ع ند ظهور الف تن‪ ،‬و في كل حال‪ ،‬وتحر يم الخروج على الطا عة‪،‬‬
‫ومفارقة الجماعة)‪ .‬وبوب الترمذي في سننه باب ما جاء في لزوم الجماعة‪ .‬وكذلك بوب الدرامي في سننه بابين فيه‪ ،‬أولهما في "‬
‫كتاب السير "‪( :‬باب في لزوم الطاعة والجماعة)‪ ،‬والخر في " كتاب الرقاق "‪( :‬باب في الطاعة ولزوم الجماعة)‪ .‬وبوب الجري‬
‫في " الشريعة " بابين ‪ -‬كذلك ‪ ،-‬الول‪( :‬باب ذكر المر بلزوم الجماعة)‪ ،‬والثاني‪( :‬باب ذكر أمر النبي صلى ال عليه وسلم أمته‬
‫بلزوم الجماعة‪ ،‬وتحذيره إياهم الفرقة) وغيرهم من أئمة الحديث ثم ساقوا ‪ -‬رحمهم ال ‪ -‬بعد ذلك الحاديث التي جاءت في ذلك‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬حديث ابن عباس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من رأي من أميره شيئا يكرهه فليصبر‪ ،‬فإنه‬
‫ل يس من أ حد يفارق الجما عة شبرا فيموت إل مات مي تة جاهل ية)‪( .‬رواه أح مد في م سنده ‪ ،)310 ،297 ،1/275 ( :‬والبخاري‪( :‬‬
‫‪ ،)7143( )7054( )7053‬وم سلم‪ ،)1849( :‬والدرا مي‪ ،)2519( :‬والبغوي‪ ،)2458( :‬وا بن أ بي عا صم في " ال سنة "‪،)1101( :‬‬
‫والطبراني في " المعجم الكبير "‪ ،)12759( :‬والبيهقي‪ .))8/157( :‬وعن عوف بن مالك الشجعي يقول‪ :‬سمعت رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم يقول‪"( :‬خيار أئمت كم الذ ين تحبون هم ويحبون كم‪ ،‬وت صلون علي هم وي صلون علي كم‪ ،‬وشرار أئمت كم الذ ين تبغضون هم‬
‫ويبغضونكم‪ ،‬وتلعنونهم ويلعنونكم " قلنا‪ :‬أفل ننابذهم يا رسول ال عند ذلك ؟‪ .‬قال‪ " :‬ل‪ .‬ما أقاموا فيكم الصلة‪ ،‬أل من ولي عليه‬
‫وال فرآه يأتي شيئا من معصية ال فليكره ما يأتي من معصية ال‪ ،‬ول ينزعن يدا من طاعة)‪( .‬رواه أحمد في مسنده ‪،)6/24 ( :‬‬
‫ومسلم‪ ،)1855( :‬والدرامي‪ ،)2797( :‬وابن أبي عاصم في " السنة "‪ ،)1017( :‬والبيهقي‪ .))8/158( :‬وعن ابن عباس ‪ -‬رضي‬
‫ال عنهما ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬يد ال مع الجماعة)‪( .‬رواه الترمذي‪ .))2166( :‬وعن ابن عمر ‪ -‬رضي‬
‫ال عنه ما ‪ -‬أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال‪( :‬إن ال ل يج مع أم تي على ضللة‪ ،‬و يد ال مع الجما عة‪ ،‬و من شذ شذ إلى‬
‫النار)‪( .‬رواه الترمذي‪ ))2167( :‬وعن أبي ذر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬اثنان خير من واحد‪،‬‬
‫وثلثة خير من اثنين‪ ،‬وأربعة خير من ثلثة‪ ،‬فعليكم بالجماعة‪ ،‬فإن ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬لن يجمع أمتي إل على هدى) (رواه أحمد‬
‫في " المسند "‪ ))5/145( :‬وعن رجل قال‪ :‬انتهيت إلى النبي صلى ال عليه وسلم وهو يقول‪( :‬أيها الناس عليكم بالجماعة‪ ،‬وإياكم‬
‫والفر قة‪ ،‬أي ها الناس علي كم بالجما عة‪ ،‬وإيا كم والفر قة) ثلث مرار‪( .‬رواه أح مد في " الم سند "‪ .)5/371( :‬ول ت ضر جهالة الر جل‬
‫لنه صحابي‪ ،‬والصحابة كلهم عدول بالجماع‪ ،‬رضي ال عنهم أجمعين)‪ .‬وعن معاذ بن جبل ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أن نبي ال صلى‬
‫ال عليـه وسـلم قال‪( :‬إن الشيطان ذئب النسـان كذئب الغنـم‪ ،‬يأخـذ الشاه القاصـية والناحيـة‪ ،‬فإياكـم والشعاب‪ ،‬وعليكـم بالجماعـة‪،‬‬
‫والعامة‪ ،‬والم سجد)‪( .‬رواه أحمد في مسنده ‪ .))243 ،5/233( :‬وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬الصلة إلى الصلة التي قبلها كفارة‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة التي قبلها كفارة‪ ،‬والشهر – (المقصود بالشهر هنا " شهر‬
‫رمضان " ك ما في الروا ية الخرى) ‪ -‬إلى الش هر الذي قبله كفارة‪ ،‬إل من ثلث ‪ -‬قال‪ :‬فعرف نا أ نه أ مر حدث ‪ :-‬إل من الشرك‬
‫بال‪ ،‬ونكث الصفقة‪ ،‬وترك السنة‪ - .‬قال‪ - :‬أما نكث الصفقة‪ :‬فأن تعطي رجل بيعتك ثم تقاتله بسيفك‪ ،‬وأما ترك السنة‪ :‬فالخروج‬
‫من الجماعة)‪( .‬رواه أحمد في مسنده ‪ ))2/506( ،)2/229( :‬ولما في مفارقة الجماعة من مفاسد جمة‪ ،‬جعل الشارع الحكيم القتل‬
‫عقو بة ل من فارق الجما عة ‪ :‬ف عن عرف جة الشج عي قال‪ :‬رأ يت ال نبي صلى ال عل يه و سلم على الم نبر يخ طب الناس‪ ،‬فقال‪( :‬إ نه‬
‫سيكون بعدي هنات وهنات‪ ،‬فمن رأيتموه فارق الجماعة‪ ،‬أو يريد يفرق أمر أمة محمد صلى ال عليه وسلم كائنا من كان فاقتلوه‪،‬‬
‫فإن يد ال على الجماعة‪ ،‬فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض)‪.‬‬
‫(رواه مسلم‪ ،)1852( :‬وأبو داود‪ )4762( :‬باب في قتل الخوارج‪.‬‬
‫ويؤخذ من تبويب أبي دواد على هذا الحديث‪ :‬أن من فارق الجماعة فإنه خارجي‪ .‬ورواه النسائي‪ )4032( :‬واللفظ له)‪.‬‬
‫وبوب النسائي عليه في كتاب " تحريم دم المسلم " من " سننه "‪( :‬باب قتل من فارق الجماعة)‪.‬‬
‫فما بالك بمن فارق الجماعة‪ ،‬ولحق بأعداء ال المشركين في بلدهم‪ ،‬يدعي أنه ينصر دين ال بذلك وبما يبثه من منشورات‪ ،‬ينتقص‬
‫فيها العلماء‪ ،‬ويهون فيها من قدر الولة والمراء‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬من جامع المشرك وسكن مع فإنه مثله)‪.‬‬
‫(رواه أبو داود في سننه من حديث سمرة بن جندب ‪ -‬رضي ال عنه ‪.))2787( :-‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم‪"( :‬أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬لم ؟‪ .‬قال‪" :‬ل تراءى ناراهما")‪.‬‬
‫(رواه أبو داود‪ ،)2645( :‬والترمذي‪.))1604( :‬‬
‫قال الف ضل بن زياد‪ :‬سمعت أح مد ‪ -‬رح مه ال تعالى ‪ -‬ي سئل عن مع نى‪ " :‬ل تراءى ناره ما " فقال‪( :‬ل تنزل من المشرك ين في‬
‫موضع إذا أوقدت رأوا فيه نارك‪ ،‬وإذا أوقدوا رأيت فيه نارهم‪ ،‬ولكن تباعد عنهم)‪.‬‬
‫وقال جريـر بـن عبـد ال البجلي ‪ -‬رضـي ال عنـه ‪( :-‬بايعـت رسـول ال صلى ال عليـه وسـلم على إقام الصـلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪،‬‬
‫والنصح لكل مسلم‪ ،‬وعلى فراق المشركين)‪.‬‬
‫(رواه المام أحمد في مسنده ‪ ،)4/365( :‬والنسائي‪ ،)7/148( :‬والبيهقي‪.))9/13( :‬‬
‫قال الشيخ العلمة‪ :‬حمود بن عبد ال التويجري ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في كتابه " تحفة الخوان " ص ‪( :27‬وقد ورد النهي عن مجامعة‬
‫المشرك ين‪ ،‬وم ساكنتهم في ديار هم‪ ،‬والتغل يظ في ذلك‪ ،‬لن مجامعت هم وم ساكنتهم من أع ظم ال سباب الجال بة لموالت هم وموادت هم‪.‬‬
‫والحاديث في ذلك كثيرة)‪.‬‬
‫ثم ساق الشيخ عدة أحاديث‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫عبَادِ {‬
‫(فليتأمل المسلمون الساكنون مع أعداء ال ‪ -‬تعالى ‪ -‬هذه الحاديث‪ ،‬وليعطوها حقها من العمل‪ ،‬فقد قال ‪ -‬تعالى ‪َ { :-‬فبَشّرْ ِ‬
‫سنَهُ ُأ ْوَل ِئكَ الّذِينَ َهدَاهُمُ اللّهُ وَُأوَْل ِئكَ هُمْ ُأوْلُوا الَْأ ْلبَابِ}) اهـ‪( .‬سورة الزمر) ]‪.‬‬
‫ستَ ِمعُونَ ا ْل َقوْلَ َفيَّت ِبعُونَ أَحْ َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫‪ }17‬الّذِي َ‬

‫قال صـلى ال عليـه وسـلم‪"( :‬إن بنـي إسـرائيل تفرقـت على ثنتيـن وسـبعين ملة‪،‬‬
‫وتفترق أمتـي على ثلث وسـبعين ملة‪ ،‬كلهـم فـي النار إل ملة واحدة"‪ .‬قالوا ومـن‬
‫[أخرجـه الترمذي‪،)2641( :‬‬ ‫هـي يـا رسـول ال ؟‪ .‬قال‪ " :‬مـا أنـا عليـه اليوم وأصـحابي ")‬
‫والللكائي في " شرح اعتقاد أهل السنة "‪ ،)147( :‬والجري في " الشريعة " ص ‪ ،15‬والمروزي في السنة ص ‪ ،18‬وابن بطة في‬
‫" البانة الكبرى "‪ )165 ،264( :‬من حديث عبد ال بن عمرو بن العاص ‪ -‬رضي ال عنهما ‪.-‬‬
‫وفيه عبد الرحمن بن زياد الفريقي‪ :‬ضعيف‪ .‬لكن الحديث يصح بشواهده‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫‪ - 1‬حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫رواه المام أحمد في مسنده ‪ ،)2/332( :‬وأبو داود‪ ،)4596( :‬والترمذي‪ ،)2640( :‬وابن ماجه‪ ،)3991( :‬والجري في " الشريعة‬
‫" ص ‪ ،25‬وا بن ب طة في " البا نة ال كبرى "‪ ،)252( :‬وا بن أ بي عا صم في " ال سنة "‪ ،)66( :‬والحا كم في " م ستدركه "‪)1/128( :‬‬
‫وقال‪ " :‬هذا حد يث صحيح على شرط م سلم‪ ،‬ولم يخرجاه " وواف قه الذ هبي‪ .‬و صححه ا بن حبان‪ ،)2614( :‬ورواه ‪ -‬أي ضا ‪ -‬أ بو‬
‫يعلى الموصلي في مسنده ‪ ،)542 - 541( :‬والمروزي في السنة ص ‪.17‬‬
‫‪ - 2‬حديث معاوية بن أبي سفيان ‪ -‬رضي ال عنهما ‪: -‬‬
‫رواه أح مد‪ ،)4/201( :‬وأ بو داود‪ ،)4597( :‬وأ بو داود الطيال سي‪ ،)2754( :‬والدرا مي‪ ،)2521( :‬والللكائي في " شرح أ صول‬
‫اعتقاد أهل السنة "‪ ،)150( :‬وابن أبي عاصم‪ ،)65( )1( :‬والجري في " الشريعة " ص ‪ ،18‬والمروزي في السنة ص ‪،15 - 14‬‬
‫وابن بطة في " البانة الكبرى "‪ ،)266( :‬والطبراني في " الكبير "‪.)885 - 19/884( :‬‬
‫‪ - 3‬حديث أنس بن مالك ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫أخرجه أحمد‪ ،)145 ،3/120( :‬والجري في " الشريعة " ص ‪ ،16‬والللكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة "‪ ،)148( :‬وابن‬
‫بطة في " البانة الكبرى "‪ ،)271 - 270 - 269( :‬وابن أبي عاصم في " السنة "‪.)74( :‬‬
‫‪ - 4‬حديث عوف بن مالك ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫رواه ا بن ما جه‪ ،)3992( :‬والبزار‪ ،)172( :‬والللكائي‪ ،)149( :‬وا بن أ بي عا صم في " ال سنة "‪ ،)63( :‬وا بن ب طة في " البا نة‬
‫الكبرى "‪ , " )272( :‬والحاكم في " مستدركه "‪.)4/430( :‬‬
‫‪ - 5‬حديث ابن مسعود ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫أخر جه ا بن جر ير في تف سيره ‪ ،)27/239( :‬وال طبراني في " ال كبير "‪ ،)10531( )10375( :‬وا بن أ بي عا صم‪،)71 - 70( :‬‬
‫والمروزي في السنة ص ‪.16‬‬
‫‪ - 6‬حديث أبي أمامة ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫أخرجه الللكائي في " شرح اعتقاد أهل السنة "‪ ،)152 - 151( :‬والمروزي في السنة ص ‪ 16‬وص ‪ ،17‬وابن أبي عاصم‪،)86( :‬‬
‫والطبراني في " الكبير "‪ ،)8051 - 8035( :‬والبيهقي‪.)8/88( :‬‬
‫‪ - 7‬حديث علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫رواه المروزي في السنة ص ‪ ،19‬وابن وضاح ص ‪ ،85‬وابن بطة في " البانة الكبرى "‪.)275 - 274( :‬‬
‫‪ - 8‬حديث سعد بن أبي وقاص ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫رواه ابن بطة في " البانة الكبرى "‪ ،)267( )266( )263( :‬والمروزي في السنة ص ‪ ،17‬والجري في " الشريعة " ص ‪.17‬‬
‫وفيه‪ :‬موسى بن عبيدة الربذي‪ :‬ضعيف‪].‬‬

‫فأ خبر صلى ال عل يه و سلم في هذا الحد يث أ نه ل بد أن يح صل تفرق في هذه‬


‫ال مة‪ ،‬و هو ل ين طق عن الهوى‪ ،‬ل بد أن يح صل ما أ خبر به صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وهذا الخبار منـه صـلى ال عليـه وسـلم معناه النهـي عـن التفرق‪ ،‬والتحذيـر مـن‬
‫التفرق‪ ،‬ولهذا قال‪( :‬كلها في النار إل واحدة)‪.‬‬
‫ول ما سئل عن ها صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ما هذه الواحدة الناج ية ؟‪ .‬قال‪ ( :‬من كان‬
‫على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)‪.‬‬
‫ف من ب قي على ما كان عل يه الر سول صلى ال عل يه و سلم وأ صحابه‪ ،‬ف هو من‬
‫الناج ين من النار‪ ،‬و من اختلف عن ذلك فإ نه متو عد بالنار‪ ،‬على ح سب بعده عن‬
‫الحق‪ ،‬إن كانت فرقته فرقة كفر وردة فإنه يكون من أهل النار الخالدين فيها‪ ،‬وإن‬
‫كانـت فرقتـه لم تخرجـه عـن اليمان‪ .‬لكـن عليـه وعيـد شديـد‪ ،‬ول ينجـو مـن هذا‬
‫الوعيد إل طائفة واحدة من ثلث وسبعين‪ ،‬وهي " الفرقة الناجية " " من كان على‬
‫مثل ما عليه الرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه "‪ ،‬هو‪ :‬كتاب ال وسنة رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والمنهج السليم والمحجة البيضاء‪.‬‬
‫هذا هو ما كان عليه الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولهذا قال ‪ -‬تعالى ‪: -‬‬
‫ح سَانٍ ّرضِ يَ اللّ هُ‬
‫جرِي نَ وَالَن صَارِ وَالّذِي نَ ا ّت َبعُوهُم بِإِ ْ‬
‫ل ّولُو نَ مِ نَ ا ْل ُمهَا ِ‬
‫{وَال سّابِقُونَ ا َ‬
‫عنْهُ} [ سورة التوبة‪ ،‬الية‪.] 100 :‬‬
‫ع ْنهُمْ َورَضُواْ َ‬
‫َ‬
‫قال‪{ :‬وَالّذِينَ ا ّت َبعُوهُم بِِإحْسَانٍ}‪.‬‬
‫فدل هذا على أنه مطلوب من آخر هذه المة أن يتبعوا منهج السابقين الولين‪ ،‬من‬
‫المهاجرين والنصار‪ ،‬الذي هو منهج الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وما جاء به‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫أ ما من خالف من هج ال سابقين الول ين‪ ،‬من المهاجر ين والن صار‪ ،‬فإ نه يكون من‬
‫الضالين‪ ،‬قال ‪ -‬سبحانه ‪: -‬‬
‫ن ال ّن ِبيّينَ وَالصّدّيقِينَ‬
‫عَل ْيهِم مّ َ‬
‫{ َومَن يُطِ ِع اللّهَ وَالرّسُولَ فَُأ ْولَـئِكَ مَعَ الّذِينَ َأ ْنعَمَ اللّهُ َ‬
‫ّهـ‬
‫ّهـ َوكَف َى بِالل ِ‬
‫ِنـ الل ِ‬
‫ِكـ الْفَضْلُ م َ‬
‫َسـنَ أُولَــِئكَ رَفِيقا‪َ .‬ذل َ‬
‫شهَدَاء وَالصـّالِحِينَ وَح ُ‬
‫وَال ّ‬
‫علِيما}‪.‬‬
‫َ‬
‫ف من أطاع ال وأطاع الر سول في أي زمان ومكان‪ ،‬سواء كان في و قت الر سول‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬أو آ خر م سلم في الدن يا‪ ،‬إذا كان على طا عة ال ور سوله‪،‬‬
‫فإنه يكون مع الفرقة الناجية‪..‬‬
‫شهَدَاء وَال صّالِحِينَ‬
‫عَل ْيهِم مّ نَ ال ّن ِبيّي نَ وَال صّدّيقِينَ وَال ّ‬
‫{فَُأ ْولَـ ِئكَ مَ عَ الّذِي نَ َأ ْنعَ َم اللّ هُ َ‬
‫وَحَسُنَ أُولَـ ِئكَ رَفِيقا}‪.‬‬
‫أمـا مـن تخلف عـن هذا المنهـج فإنـه لن يحصـل على هذا الوعـد‪ ،‬ولن يكون مـع‬
‫هؤلء الرفقة الطيبين‪ ،‬وإنما يكون مع الذين انحاز إليهم من المخالفين‪.‬‬
‫ولهذا‪ ،‬هذا الدعاء العظيم‪ ،‬الذي نكرره في صلتنا‪ ،‬في كل ركعة في آخر الفاتحة‪:‬‬
‫علَيهِ مْ وَلَ‬
‫علَيهِ مْ غَي ِر المَغضُو بِ َ‬
‫{اهدِنَا ال صّرَاطَ المُ ستَقِيمَ‪ .‬صِرَاطَ الّذِي نَ أَنعَم تَ َ‬
‫الضّالّينَ} [ الفاتحة ]‪.‬‬
‫هذا دعاء عظيم‪ ،‬نسأل ال في كل ركعة من صلتنا‪ ،‬أن يهدينا لصراط الذين أنعم‬
‫ال علي هم‪ ،‬و هو الذي جاءت به الر سل ‪ -‬علي هم ال صلة وال سلم ‪ ،-‬وكان عل يه‬
‫أتباعهم إلى يوم القيامة‪ ،‬وآخرهم محمد صلى ال عليه وسلم هو المتبع‪ ،‬والمطاع‪،‬‬
‫والمقتدى به صلى ال عل يه و سلم؛ ل نه نبي آ خر الزمان‪ ،‬وم نذ بع ثه ال إلى أن‬
‫تقوم الساعة والناس كلهم مأمورون باتباعه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حتى لو قدر أنه‬
‫جاء نبي من السابقين فإنه يجب أن يكون متبعا لهذا الرسول صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫قال صـلى ال عليـه وسـلم‪( :‬لو كان موسـى حيـا بيـن أظهركـم‪ ،‬مـا حـل له إل أن‬
‫[رواه أحمد‪ 3/338( :‬و ‪ ،)387‬والدارمي‪ ،)1/115( :‬والبزار‪ )124( :‬من حديث جابر بن عبد ال‪.‬‬ ‫يتبعني)‪.‬‬
‫ومدار إسناده على مجالد بن سعيد‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫قال شعيب في " السير "‪( :)13/324( :‬لكن الحديث يتقوى بشواهده‪ ،‬منها‪ :‬حديث عبد ال بن ثابت‪ :‬عند أحمد‪.)471 - 3/470( :‬‬
‫وفي سنده جابر الجعفي‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫وحديث عمر‪ :‬عند أبي يعلى‪ .‬وفيه‪ :‬عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي‪.‬‬
‫وحديث عقبة بن عامر‪ :‬عند الروياني في مسنده ‪ .)2 ،50 ،9( :‬وفيه‪ :‬ابن لهيعة‪.‬‬
‫وحديث أبي الدرداء‪ :‬عند الطبراني في " الكبير ") اهـ‪.‬‬
‫انظر‪ " :‬مجمع الزوائد "‪.)174 - 1/173( :‬‬
‫قال الشيخ حافظ الحكمي في " الجوهرة الفريدة " ‪:‬‬
‫وكان بعثته للخلق قاطبة ** وشرعه شامل لم يعده أحد‬
‫ولم يسع أحدا عنها الخروج ولو ** كان النبيون أحياء لها قصدوا ]‬

‫وذلك في قوله ‪ -‬تعالى ‪: -‬‬


‫ح ْكمَةٍ ثُمّ جَاءكُ مْ رَ سُولٌ} يعني‪:‬‬
‫{ َوإِذْ َأخَ َذ اللّ هُ مِيثَا قَ ال ّن ِب ّييْ نَ َلمَا آ َت ْي ُتكُم مّن ِكتَا بٍ وَ ِ‬
‫محمدًا صلى ال عل يه و سلم {مّ صَدّقٌ لّمَا َم َعكُ مْ َل ُت ْؤ ِمنُنّ بِ هِ َوَلتَن صُ ُرنّهُ قَالَ َأأَ ْق َر ْرتُ مْ‬
‫شهَدُواْ َوَأنَاْ َمعَكُم مّ نَ الشّاهِدِي نَ {‪}81‬‬
‫صرِي قَالُواْ أَ ْق َررْنَا قَالَ فَا ْ‬
‫علَى َذِلكُ مْ إِ ْ‬
‫َوأَخَ ْذتُ مْ َ‬
‫ن اللّ هِ َي ْبغُو نَ} [ سورة آل‬
‫َفمَن َت َولّى َبعْدَ َذلِ كَ فَُأ ْولَـ ِئكَ هُ مُ الْفَا سِقُونَ {‪ }82‬أَ َف َغ ْيرَ دِي ِ‬
‫عمران ]‪.‬‬
‫فل دين بعد بعثة محمد صلى ال عليه وسلم إل دين محمد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ومن ابتغى غيره من الديان فإنه لن يقبل منه‪ ،‬ويكون يوم القيامة من الخاسرين ‪:‬‬
‫سرِينَ} [ سورة‬
‫خ َرةِ مِنَ الْخَا ِ‬
‫غ ْيرَ الِسْلَمِ دِينا َفلَن يُ ْقبَلَ ِمنْهُ وَ ُهوَ فِي ال ِ‬
‫{ َومَن َي ْبتَغِ َ‬
‫آل عمران ]‬
‫علَيهِ مْ}‪ :‬وهم كل من عنده علم ولم يعمل به‪ ،‬من اليهود وغيرهم‬
‫{غَيرِ المَغضُو بِ َ‬
‫مـن ضلل العلماء‪ ،‬الذيـن عرفوا الحـق وتركوه؛ تبعًـا لهوائهـم‪ ،‬وأغراضهـم‪،‬‬
‫ومنافعهـم الشخصـية‪ ،‬يعرفون الحـق الذي جاء بـه الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫ولكنهم ل يتبعونه‪ ،‬بل يتبعون أهواءهم‪ ،‬ورغباتهم‪ ،‬وما تمليه عليهم عواطفهم‪ ،‬أو‬
‫علَيهِ مْ}‪ ،‬لن هم‬
‫انتماءات هم المذهب ية أو غ ير ذلك‪ ،‬هؤلء يُع تبرون من {المَغضُو بِ َ‬
‫عصوا ال على بصيرة‪ ،‬فغَضب ال عليهم‪.‬‬
‫{وَلَ الضّالّي نَ}‪ :‬و هم الذ ين يعملون بغ ير علم‪ ،‬ويجتهدون في العبادة‪ ،‬لكن هم على‬
‫غير طريق الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كالمبتدعة والمخرّفين‪ ،‬الذين يجتهدون‬
‫فـي العبادة‪ ،‬والزهـد‪ ،‬والصـلة‪ ،‬والصـيام‪ ،‬وإحداث عبادات مـا أنزل ال بهـا مـن‬
‫سلطان‪ ،‬ويتبعون أنف سَهم بأشياء لم يأ تِ ب ها الر سولُ صلى ال عل يه و سلم‪ .‬هؤلء‬
‫ضالون‪ ،‬عملُ هم مرود علي هم‪ ،‬ك ما قال الر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ( :‬من ع مل‬
‫[رواه المام أح مد في م سنده ‪ 6/180( :‬و ‪ 146‬و ‪ ،)256‬ورواه البخاري بهذا‬ ‫عملً لي سَ عل يه أمرنا ف هو رَدّ)‬
‫اللفظ معلقًا‪ )13/391( :‬في كتاب " العتصام "‪.‬‬
‫وم سلم في صحيحه ‪ ،)18( ،)1718( :‬والبخاري مو صولً في " خلق أفعال العباد " ص ‪ ،43‬وأ بو عوا نة‪ ،)19 - 4/18( :‬وأ بو‬
‫داود الطيالسي في مسنده ‪ )1422( :‬من حديث عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪.-‬‬
‫ورواه بلفظ‪( :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فو رَدّ) ‪:‬‬
‫المام أح مد‪ 6/240( :‬و ‪ ،)270‬والبخاري في صحيحه مو صولً‪ ،)2697( :‬وم سلم‪ ،)17( )1718( :‬وأ بو داود‪ ،)4606( :‬وا بن‬
‫ماجه‪ ،)12( :‬وأبو عوانة‪ ،)4/18( :‬والبغوي في شرح السنة ‪ ،)103( :‬وابن أبي عاصم في " السنة "‪ ،)53 - 52( :‬والبيهقي‪( :‬‬
‫‪ ،)10/119‬والدارقط ني‪ ،)227 ،225 ،4/224( :‬وا بن ب طة في " البا نة ال كبرى "‪ )148( :‬بل فظ‪ ( :‬من ف عل في أمر نا ما ل يجوز‬
‫فهو مردود)‪ ،‬وأحمد في مسنده ‪ )6/173( :‬بلفظ‪( :‬من صنع أمرًا من غير أمرنا فهو مردود)‪].‬‬

‫هؤلء هم (الضالون) ومنهم النصارى‪ ،‬وكل من عبد ال على جهل وضلل‪ ،‬وإن‬
‫كانـت نيتـه حسـنة ومقصـده طيبًا‪ ،‬لنّ العـبرةَ ليسـتْ بالمقاصـد فقـط‪ ،‬بـل العـبرةُ‬
‫بالتباع‪.‬‬
‫ش َترَ طٌ في كلّ عملٍ‪ ،‬أن يتو ّفرَ ف يه شرطان‪ ،‬ليكو نَ مقبولً ع ند ال‪ ،‬ومثابًا‬
‫ولهذا يُ ْ‬
‫عليه صاحبُه ‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬الخلص ل ‪ -‬عز وجل ‪-‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬المتابع ُة للرسول صلى ال عليه وسلم قال ‪ -‬تعالى ‪: -‬‬
‫عَل ْيهِ مْ وَلَ هُ مْ‬
‫خوْ فٌ َ‬
‫جرُ هُ عِندَ َربّ هِ وَلَ َ‬
‫جهَ هُ ِللّ هِ وَ ُهوَ ُمحْ سِنٌ َفلَ هُ أَ ْ‬
‫سلَمَ وَ ْ‬
‫{ َبلَى مَ نْ أَ ْ‬
‫ح َزنُونَ}‪ [ .‬سورة البقرة ]‬
‫يَ ْ‬
‫وإسلم الوجهِ يعني‪ :‬الخلصَ لِ‪.‬‬
‫والحسانُ هو المتابعةُ للرسولِ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫التفرقـ‬
‫ِ‬ ‫الكتابـ والسـنّةِ‪ ،‬ونهانـا عـن‬
‫ِ‬ ‫بالجتماعـ على‬
‫ِ‬ ‫فال ‪ -‬جـل وعل ‪ -‬أمرَ‬
‫والختلف‪.‬‬
‫والنبيّ صلى ال عليه وسلم كذلك أمرنا بالجتماع على الكتاب والسنّةِ‪ ،‬ونهانا عن‬
‫التفرق والختلف‪ .‬لمـا فـي الجتماع على الكتاب والسـّنة مـن الخيـر العاجـل‬
‫والجل‪ ،‬ولما في التفرقِ من المضارِ العاجلةِ والجلة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫فالمرُ يحتاجُـ إلى اهتمامٍـ شديدٍ‪ ،‬لنـه كلمـا تأخّر الزمانُـ َكثُرتِـ ال ِفرَقـُ‪ ،‬وكثرتِـ‬
‫الدعايات‪ ،‬كثرتِ النّحَلُ والمذاهبُ الباطلةُ‪ ،‬كثرتِ الجماعاتُ المتفرقةُ‪ .‬لكن الواجب‬
‫ظرَ‪ ،‬فما وافق كتا بَ ال وسنّةَ رسولهِ صلى ال عل يه و سلم أخذَ‬
‫على المسلم أن َينْ ُ‬
‫به‪ ،‬ممن جاءَ به‪ ،‬كائنًا من كان؛ لن الحقّ ضالةُ المؤمن‪.‬‬
‫أمـا مـا خالف مـا كان عليـه الرسـولُ صـلى ال عليـه وسـلم تركَه‪ ،‬ولو كان مـع‬
‫جماعتِ هِ‪ ،‬أو مع من ينت مي إلي هم‪ ،‬مادام أن هُ مخال فُ للكتاب وال سنّة؛ لن الن سان‬
‫يريدُ النجاةَ ل يري ُد الهلكَ لنفسه‪.‬‬
‫والمجاملةُ ل تنف عُ في هذا‪ ،‬المسألةُ مسألةُ جنّةٍ أو نار‪ ،‬والنسانُ ل تأخذُه المجاملةُ‪،‬‬
‫أو يأخذه التع صبُ‪ ،‬أو يأخذُه الهوى في أن ينحازَ مع غ ير أ هل ال سنّةِ والجماعةِ‪،‬‬
‫لنه بذلك يضرّ نفسّهُ‪ ،‬ويُخرِجُ نفسَه من طريق النجاةِ إلى طريقِ الهلكِ‪.‬‬
‫وأهلُ ال سنّةِ والجماعةِ‪ ،‬ل يضّر هم من خالف هم سواءً كن تَ مع هم‪ ،‬أو خالفتَ هم‪ .‬إن‬
‫كنتـ معهـم فالحمدُ ل‪ ،‬وهـم يفرحون بهذا‪ ،‬لّنهـم‬
‫َ‬ ‫كنتـ معهـم‪ ،‬أو خالفتهـم‪ .‬إن‬
‫َ‬
‫فأنتـ ل تضرّهـم‪ ،‬ولهذا قال صـلى ال عليـه‬
‫َ‬ ‫يريدون الخيرَ للناس‪ ،‬وإن خالفتَهـم‬
‫وسلم‪( :‬ل تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق‪ ،‬ل يضرهم من خذلهم‪ ،‬حتى‬
‫يأتيَ أمرُ ال وهم كذلك)‪.‬‬
‫أخر جه بهذا الل فظ‪ :‬م سلم‪ ،)1920( :‬وأ بو داود‪ ،)4252( :‬وف يه‪ " :‬ل يضر هم من‬
‫خالفهم "‪ ،‬وزيادةٌ طويلةٌ في أ ّولِه‪ .‬وأخرجه ‪ -‬أيضًا ‪ -‬الترمذي‪ )2229( :‬مختصرًا‬
‫وصـحّحه‪ ،‬وأخرجـه ابـن ماجـة فـي " المقدمـة "‪ )10( :‬وفـي‪ )3952( :‬مطوّلً‪،‬‬
‫وأخرجه أحمد‪ )5/278( :‬مطولً‪ ،‬وفي‪ )5/279( :‬مختصرًا‪.‬‬
‫وأبـو عوانـة‪ )5/109( :‬مختصـرًا‪ ،‬وأبـو نعيـم‪ ،)192( :‬والبيهقـي‪،)9/181( :‬‬
‫والحاكم‪ )4/449( :‬مطولً‪.‬‬
‫وأخرجه من حديث المغيرة بن شعبة ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫البخاري‪ ،)959( )3640( :‬ومســـلم‪ ،)1921( :‬وأحمـــد‪،)252 ،4/244( :‬‬
‫والدارمـي‪ ،)3437( :‬وأبـو عوانـة‪ ،)5/109( :‬والللكائي‪ ،)167( :‬وأبـو نعيـم‪( :‬‬
‫‪ ،)437‬والطبراني في " الكبير "‪.)962( )960( )659( :‬‬
‫وأخرجه من حديث معاوية ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫البخاري‪ ،)3641( :‬ومسلم‪ ،)3/1524( :‬وأحمد‪ ،)4/101( :‬وأبو عوانة‪5/106( :‬‬
‫‪ ،)107 -‬والللكائي‪ ،)166( :‬وأبـو نعيـم‪ ،)311( :‬والبغوي فـي تفسـيره ‪( :‬‬
‫‪ )2/218‬مختصرًا‪.‬‬
‫وأخرجه من حديث جابر بن سمرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫المام أحمد‪ ،)5/103( :‬ومسلم‪ ،)1922( :‬وأبو عوانة‪ ،)5/105( :‬والطبراني في‬
‫" الكبير "‪ ،)1819( :‬والحاكم‪.)4/449( :‬‬
‫وأخرجه من حديث جابر بن عبد ال ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫م سلم‪ ،)1923( :‬وأ بو عوا نة‪ ،)5/105( :‬وأح مد‪ )384 ،3/345( :‬وأ بو يعلى في‬
‫مسنده ‪ ،)313( :‬والبيهقي‪.)8/180( :‬‬
‫ومن حديث سعد بن أبي وقاص ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫أخرجه مسلم‪ ،)1925( :‬وأبو عوانة‪ ،)5/109( :‬والللكائي‪ ،)170( :‬وأبو نعيم‪( :‬‬
‫‪.)214‬‬
‫ورُويَ الحديثُ عن عدد من الصحابة غير هؤلء‪ ،‬منهم‪ :‬عمر بن الخطاب‪ ،‬وسلمة‬
‫الكندي‪ ،‬وعمران بن حصين‪ ،‬والنواس بن سمعان‪ ،‬وأبو أمامة‪ ،‬وقرة المزني‪ ،‬وأبو‬
‫هريرة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪] .-‬‬
‫فالمخالفُ ل يضرّ إل نفسَه‪.‬‬
‫وليست العبرةُ بالكثرةِ‪ ،‬بل العبرةُ بالموافقةِ للحق [ هذا هو الحق الذي ندينُ ال به‪،‬‬
‫بخلف ما اعتمدت هُ بع ضُ الجماعات في الدعوةِ إلى ال؛ بأن الهدف هو التجمي عُ‬
‫والتكتيلُ فقـط‪ ،‬ولو اختلفت ِـ العقائدُ‪ ،‬فيجعلون فـي جماعتِهـم الشعريّ‪ ،‬والجهميّ‪،‬‬
‫والمعتزليّ‪ ،‬والرافضيّ‪ ،‬ورب ما الن صرانيّ واليهوديّ‪ ،‬ويقولون‪( :‬نجت مع على ما‬
‫اتفقنا عليه‪ ،‬ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه !)‪] .‬‬
‫‪ ،‬ولو لم يكنْ عليه إل ِقلّةٌ من الناس‪ ،‬حتى ولو لم يكن في بعض الزمان إل واحدٌ‬
‫من الناس؛ فهو على الحق‪ ،‬وهو الجماعة‪.‬‬
‫فل يلز مُ من الجماع ِة الكثرةُ‪ ،‬بل الجماعةُ من واف قَ الحقّ‪ ،‬وواف قَ الكتاب والسنّة‪،‬‬
‫ولو كان الذي عليه قليلٌ‪.‬‬
‫أما إذا اجتمعَ كثرةٌ وحقٌ‪ ،‬فالحمد ل هذا قوة‪.‬‬
‫أما إذا خالفته الكثرة‪ ،‬فنحن ننحازُ مع الحقّ‪ ،‬ولو لم يكنْ معه إل القليلُ‪.‬‬
‫وكمـا أخـبرَ بـه صـلى ال عليـه وسـلم مـن حصـول التفرق والختلف قـد وقَعـَ‪،‬‬
‫خرَ الزمان‪ ،‬يتط ّورُ التفر قُ والختلف إلى أن تقوم ال ساعةُ‪ ،‬حكمةٌ‬
‫ويتطور كل ما تأ ّ‬
‫من ال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ ،-‬ليبتلي عبادَهُ‪ ،‬فيتميزُ من كان يطل بُ الحقّ‪ ،‬ممن يؤثرُ‬
‫الهوى والعصبية ‪:‬‬
‫سبَ النّا سُ أَن ُي ْت َركُوا أَن يَقُولُوا آ َمنّا وَهُ مْ لَا يُ ْف َتنُو نَ‪َ .‬ولَقَدْ َف َتنّا الّذِي نَ مِن َق ْبِلهِ مْ‬
‫{أَحَ ِ‬
‫ن صَدَقُوا َوَل َي ْعَلمَنّ ا ْلكَا ِذبِينَ} [ سورة العنكبوت ]‪.‬‬
‫َفَل َي ْعَلمَنّ اللّهُ الّذِي َ‬
‫وقال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪: -‬‬
‫لمْلنّ‬
‫خلَ َقهُ مْ َو َتمّ تْ َكِلمَةُ َربّ كَ َ‬
‫خ َتلِفِي نَ‪ .‬إِلّ مَن رّحِ مَ َربّ كَ َولِ َذلِ كَ َ‬
‫{وَلَ َيزَالُو نَ ُم ْ‬
‫ج َمعِينَ}‪ [ .‬سورة هود ]‬
‫جنّةِ وَالنّاسِ أَ ْ‬
‫ج َهنّمَ مِنَ الْ ِ‬
‫َ‬
‫فحصـول هذا التفرق‪ ،‬وهذا الختلف؛ ابتلءٌ مـن ال ‪ -‬سـبحانه وتعالى ‪ ،-‬وإل‬
‫فهو قادر ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن يجمعَهم على الحق ‪:‬‬
‫علَى ا ْلهُدَى} [ سورة النعام‪ ،‬الية‪.}35 :‬‬
‫ج َم َعهُمْ َ‬
‫{ َوَلوْ شَاء اللّهُ لَ َ‬
‫هو قادر على هذا‪ ،‬لكنّ حكمتَ هُ اقَتضَ تْ أ نْ يبتليَ هم بوجودِ التفرق والختلف‪ ،‬من‬
‫ب الهوى والتعصب‪.‬‬
‫أجل أنْ يتميزَ طالبُ الحقّ من طال ِ‬
‫ومكانـ ينهون عـن هذا الختلف‪ ،‬ويوصـون‬
‫ٍ‬ ‫زمانـ‬
‫ٍ‬ ‫ومازالَ علماءُ المـة فـي كلّ‬
‫بالتمسك بكتابِ ال وسنّةِ رسول ِه صلى ال عليه وسلم في كتبهم التي بقيتْ بعدَهم‪.‬‬
‫تجدون في كتاب " صحيح البخاري " مثلً‪ " :‬كتاب العتصام بالكتاب والسنّة "‪.‬‬
‫تجدون في كتب العقائد ذكرَ الفرقِ الهالكة‪ ،‬وذكرَ الفِرقة الناجية‪.‬‬
‫وأقربُ شيئٍ لكم شرحُ الطحاوية‪ ،‬وهي بين أيديكم الن‪.‬‬
‫والغر ضُ من هذا بيا نُ الحقّ منن الباطل؛ إذ وق عَ ما أخبرَ به صلى ال عليه وسلم‬
‫من التفرق والختلف‪.‬‬
‫فالواج بُ أن نعملَ بما أوصانا به الرسولُ صلى ال عليه وسلم في قوله‪ " :‬فعليكم‬
‫سبَقَ تخريجه ص‪ ،7 :‬وهو جزءٌ من‬
‫بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي "‪َ [ .‬‬
‫حديث العرباض بن سارية ‪ -‬رضي ال عنه ‪] .-‬‬
‫ل نجاةَ من هذا الخطر إل بالتمسكِ بكتاب ال وسنّة رسوله صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫حصُلُ بسهولةٍ‪ ،‬ل بد أن يكونَ فيه مشقةً‪.‬‬
‫ول تحسبَنّ هذا المرَ يَ ْ‬
‫لكـن يحتاج إلى صـبرٍ وثباتـٍ‪ ،‬وإل فإن المتمسـك بالحقّ ‪ -‬خصـوصًا فـي آخـر‬
‫الزمان ‪ -‬سـيعاني مـن المشاق‪ ،‬ويكونُـ القابضُـ على دينِه كالقابضِـ على الجمرِ‪،‬‬
‫كما صَحّ عن النبي صلى ال عليه وسلم [ أخرجه الترمذي‪ ،)2260( :‬وابن بطة‬
‫في " البانة الكبرى "‪ )195( :‬عن أنس ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ " :‬يأتـي على الناس زمانـٌ‪ ،‬الصـابرُ فيهـم على دينـه‬
‫كالقابِضِ على الجمر " وفيه‪ :‬عمر بن شاكر‪ :‬ضعيف‪ ،‬كما في " التقريب "‪.‬‬
‫سنَهُ ال سيوطي ك ما في " الجا مع ال صغير "‪ ،)9988( :‬وأورده اللبا ني‬
‫والحد يث حّ ّ‬
‫في " الصحيحة " برقم‪ )957( :‬وصَحّحَه‪.‬‬
‫وللحديث شواهد‪:‬‬
‫الول‪ :‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ )391 - 2/390‬عن أبي هريرة مرفوعًا‪ ،‬ولفظه‪:‬‬
‫ل للعر بِ من شرّ قد اقترب؛ ِفتَنًا كقِطَ ِع الل يل المظلم‪ ،‬ي صبح الر جل مؤمنًا‬
‫" وي ٌ‬
‫ويم سي كافرًا‪ ،‬يبيع قو مٌ دينَ هم ب َعرَ ضٍ من الدن يا قل يل‪ ،‬المتم سك يومئذٍ على دي نه‬
‫كالقابضِـ على الجمـر ‪ -‬أو قال‪ :‬على الشوك ‪ " -‬وفيـه‪ :‬ابـن لهيعـة‪ ،‬قال اللبانـي‬
‫بعده ‪ -‬ك ما في ال صحيحة‪( :- )2/682( :‬قل تُ‪ :‬وإ سناده ل بأ سَ به في الشوا هد‪،‬‬
‫رجاله ثقات‪ ،‬غيرَ ابن لهيعة؛ فإنه سيء الحفظ)‪.‬‬
‫الثا ني‪ :‬أخر جه الترمذي‪ ،)3058( :‬وأ بو داود‪ ،)4341( :‬وا بن ما جه‪،)4063( :‬‬
‫والبغوي في شرح ال سنة ‪ ،)14/344( :‬و في تف سيره ‪ )3/110( :‬بلف ظٍ مطوّل في‬
‫آخره‪ .." :‬فإن من ورائكم أيامًا‪ ،‬الصبرُ فيهنّ مثلُ القبض على الجمر‪ ،‬للعامل فيهم‬
‫مثل أجر خمسين رجلً يعملون مثل عملَكم "‪.‬‬
‫ومدار إسناده على‪:‬‬
‫‪ - 1‬عتبة بن أبي حكيم‪ :‬صدوق يخطئ‪.‬‬
‫‪ - 2‬عمرو بن جارية‪ :‬مقبول‪.‬‬
‫شعْباني الدمشقي‪ :‬مقبول‪.‬‬
‫‪ - 3‬أبي أُميّةَ ال ّ‬
‫الثالث‪ :‬عـن ابـن مسـعود ‪ -‬رضـي ال عنـه ‪ -‬مرفوعًا بلفـظ‪ " :‬يأتـي على الناس‬
‫زمانٌ‪ ،‬المتمسكُ فيه بسنتي عند اختلفِ أمتي كالقابضِ على الجمر "‪.‬‬
‫قال اللبا ني بعده ‪ " )2/683( -‬ال صحيحة " ‪( :-‬أخر جه أ بو ب كر الكلباذي في "‬
‫مفتاح المعانـي " ق ‪ ،118/2‬والضياء المقدسـي فـي " المنتقـى‪ ...99/1 :" ..‬وقـد‬
‫عزاه السيوطي للحكيم الترمذي عن ابن مسعود‪ ،‬وبيض له المناوي !‪.‬‬
‫وجملة القول‪ :‬أنّ الحديثَ بهذه الشواهد ‪ -‬أي‪ :‬حديثَ أنس السابق ‪ -‬صحيحٌ ثابتٌ‪،‬‬
‫ن بعضها الترمذي وغيرُه‪.‬‬
‫لنّه لي سَ في شيء من طرقها متهم‪ ،‬ل سيما وقد ح سّ َ‬
‫وال أعلم) اهـ‪.‬‬
‫قال المباركفوري فـي شرحـه لحديـث أنـس السـابق‪ ،‬فـي " تحفـة الحوذي "‪( :‬‬
‫‪( :)6/445‬قال الطيـبي‪ " :‬المعنـى‪ :‬كمـا ل يقدر القابـض على الجمـر أن يصـبرَ‬
‫ـ يومئذٍ ل يقدرُ على ثباتِـه على دينِـه؛ لغلَبةِ العصـَاةِ‬
‫لحراق يدِه‪ ،‬كذلك المتدين ُ‬
‫والمعاصي‪ ،‬وانتشار الفسقِ‪ ،‬وضعفِ اليمان " انتهى‪.‬‬
‫َبضـ على الجمرةِ إل‬
‫ُ‬ ‫يمكنـ الق‬
‫ُ‬ ‫قال القاري‪ " :‬الظاهرُ أن معنـى الحديثـِ‪ :‬كَمـا ل‬
‫ِهـ‬
‫حفظـ دين ِ‬
‫ُ‬ ‫بصـبرٍ شديدٍ وتحمـل غلبةِ المشقةِ‪ ،‬كذلك فـي ذلك الزمان‪ ،‬ل يتصـ ّورُ‬
‫عظيمـ " انتهـى) اهــ مـن التحفـة‪ ،] .‬والمتمسـكون بسـنة‬
‫ٍ‬ ‫ونورِ إيمانِه إل بصـبرٍ‬
‫الر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬وال سائرون على من هج ال سلف؛ يكونون غرباء في‬
‫آ خر الزمان‪ ،‬ك ما أ خبر بذلك صلى ال عل يه و سلم بقوله‪ " :‬فطو بى للغرباء الذ ين‬
‫صلِحُونَ ما أفسدَ النا سُ من بعدي من سنتي "‪ [ .‬أخرجه الترمذي‪ )2630( :‬بهذا‬
‫يُ ْ‬
‫الل فظ وقال‪ " :‬ح سن صحيح "‪ ،‬وأخر جه أ بو نع يم في " الحل ية "‪ ،)98( :‬والبغوي‬
‫معلقًا في شرح السنة ‪ )121 - 1/120( :‬من حديث عمرو بن عوف ‪ -‬رضي ال‬
‫عنه ‪.-‬‬
‫وفي سنده كثير بن عبد ال المزني‪ :‬متروك‪.‬‬
‫والحديث صحيح من وجوهٍ أخرى؛ فأخرجه مسلم في صحيحه ‪ )145( :‬من حديث‬
‫أ بي هريرة ‪ -‬ر ضي ال ع نه ‪ -‬بل فظ‪ " :‬بدأ ال سلم غريبًا و سيعودُ ‪ -‬ك ما بدأ ‪-‬‬
‫غريبًا‪ ،‬فطوبى للغرباء "‪.‬‬
‫ورواه أح مد‪ ،)2/389( :‬وا بن ما جه‪ ،)3986( :‬والللكائي‪ ،)174( :‬والجري في‬
‫كتاب " الغرباء "‪ ،)4( :‬وابن منده في " اليمان "‪.)423 - 422( :‬‬
‫ومن حديث ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪: -‬‬
‫رواه مسلم‪ ،)146( :‬وابن منده في " اليمان "‪.)421( :‬‬
‫ومن حديث ابن مسعود ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫رواه أح مد‪ ،)1/398( :‬والترمذي‪ ،)2629( :‬وا بن ما جه‪ ،)3988( :‬والدار مي‪( :‬‬
‫‪ ،)2758‬والجري في كتاب " الغرباء "‪ ،)2( :‬والبغوي في شرح السنة ‪.)64( :‬‬
‫وأخرجه أحمد (‪ )1/184‬من حديث سعد بن أبي وقاص ‪ -‬رضي ال عنه ‪.-‬‬
‫وأخرجه ابن ماجه‪ ،)3987( :‬والجري في كتاب " الغرباء "‪ )5( :‬من حديث أنس‬
‫‪ -‬رضي ال عنه ‪] .-‬‬
‫صلُحُونَ إذا فسدَ الناسُ "‪ [ .‬أخرج الحديثَ بهذا اللفظ‪:‬‬
‫وفي رواية‪ " :‬الذين َي ْ‬
‫الطبراني في " الكبير "‪ ،)7659( :‬والجري في كتاب " الغرباء "‪ )5( :‬من حديث‬
‫أبي الدرداء‪ ،‬وأبي أمامة‪ ،‬وواثلة بن السقع‪ ،‬وأنس بن مالك ‪ -‬رضي ال عنهم ‪.-‬‬
‫وفي إسناده كثير بن مروان الشامي‪ :‬متروك‪.‬‬
‫وأخرجه الللكائي‪ ،)173( :‬والطبراني في " الوسط " كما في المجمع‪)7/278( :‬‬
‫من حديث جابر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ،-‬وفيه‪ :‬أبو عياش النعمان المعافري‪ :‬مجهول‪.‬‬
‫ومن حديث ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪: -‬‬
‫أخرجه أبو يعلى في مسنده ‪ .‬ذكره في " المطالب العالية " لبن حجر‪.)483( :‬‬
‫ومن حديث عبد الرحمن بن سنة‪:‬‬
‫أخر جه ع بد ال بن المام أح مد في " الزوائد "‪ ،)74 - 4/73( :‬وا بن عدي في "‬
‫الكامل "‪.)4/1615( :‬‬
‫ومن حديث سهل بن سعد الساعدي ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫أخرجـه الطـبراني فـي " الكـبير "‪ ،)6/202( :‬وفيـه‪ :‬بكـر بـن سـليم الصـواف‪:‬‬
‫ضعيف‪].‬‬
‫ج إلى العلم أولً؛ بكتا بِ ال و سنّة ر سوله صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬والعل مِ‬
‫فهذا يحتا ُ‬
‫بمنهجِ السلف الصالح وما كانوا عليه‪.‬‬
‫ويحتا جُ الت سمكُ بهذا إلى صبرٍ على ما يلح قُ الن سانَ من الذى في ذلك‪ ،‬ولذلك‬
‫يقولُ ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪: -‬‬
‫صوْا‬
‫ع ِملُوا ال صّالِحَاتِ َو َتوَا َ‬
‫سرٍ‪ِ .‬إلّا الّذِي نَ آ َمنُوا وَ َ‬
‫صرِ‪ .‬إِنّ الْإِن سَانَ لَفِي خُ ْ‬
‫{وَالْعَ ْ‬
‫ص ْبرِ}‪ [ .‬سورة العصر ]‬
‫بِالْحَقّ َو َتوَاصَوْا بِال ّ‬
‫ِالصـْبرِ} هذا يدلُ على أنّهـم سـيلقون مشقةً فـي إيمانهـم وعملهـم‪،‬‬
‫َاصـوْا ب ّ‬
‫{ َو َتو َ‬
‫وتواصيهم بالحق‪ ،‬سيلقون عنتًا من الناس‪ ،‬ولومًا من الناس وتوبيخًا‪ ،‬وقد يلقون‬
‫تهديدًا‪ ،‬أو قد يلقون قتلً وضربًا‪ ،‬ول كن يصبرون‪ ،‬ماداموا على الحق‪ ،‬يصبرون‬
‫على ال حق ويثبتون عل يه‪ ،‬وإذا تبين ل هم أنّ هم على شيءٍ من الخ طأ يرجعون إلى‬
‫الصواب‪ ،‬لنه هدفُهم‪.‬‬
‫لقد حد ثَ التفر قُ في وق تٍ مبكرٍ‪ ،‬ونح نُ في هذ هِ المحاضرةِ سنتكلمُ عن أرب عِ فر قٍ‪،‬‬
‫هي أصول الفرقِ تقريبًا‪.‬‬
‫‪$‬الفرقة الولى ‪ :‬القدرية‬
‫فأولُ ما حدثُ‪ ،‬فرقةُ " القدرية " في آخر عهد الصحابة‪.‬‬
‫" القدريةُ "‪ :‬الذ ين ينكرو نَ القدرَ‪ ،‬ويقولون‪ :‬إنّ ما يجري في هذا الكون ليس بقدر‬
‫يحدثـ بفعـل العبـد‪ ،‬وبدون‬
‫ُ‬ ‫وقضاءٍ مـن ال ‪ -‬سـبحانه وتعالى ‪ ،-‬وإنمـا هـو أمرٌ‬
‫سابقِ تقدير من ال ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬فأنكروا الركن السادسَ من أركانِ اليمان‪ ،‬لنّ‬
‫واليومـ الخرِ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اليمانـ بال‪ ،‬وملئكتِهـِ‪ ،‬وكتب ِه‪ ،‬ورسـلِه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أركانـ اليمان سـتةٌ‪:‬‬
‫َ‬
‫واليمانِ بالقدرِ خيره وشره‪ُ ،‬كلّه من ال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪.-‬‬
‫سمّوا " بمجوس " هذه المة‪ ،‬لماذا ؟‪.‬‬
‫سمّوا " بالقدرية "‪ ،‬و ُ‬
‫وُ‬
‫خلُقُـ فعلَ نف سِه‪ ،‬ولم يكن ْـ ذلك بتقديرٍ من ال‪ ،‬لذلك‬
‫لنهـم يزعمون أنّ كُلّ واحدٍ َي ْ‬
‫الكونـ له خالقانـِ‪ " :‬النور‬
‫َ‬ ‫أثبتوا خالقيـن مـع ال كالمجوس الذيـن يقولون‪( :‬إن ّ‬
‫والظلمة "‪ ،‬النورُ خلقَ الخيرَ‪ ،‬والظلمةُ خل َقتِ الشرّ)‪.‬‬
‫" القدريةُ " زادوا على المجوسـِ‪ ،‬لنهـم أثبتوا خالقَيـن متعدّدِيـن‪ ،‬حيـث قالوا‪( :‬كُلٌ‬
‫سمّوا " بمجوسِ هذه المة "‪.‬‬
‫يخلُقُ فعلَ نفسِه)‪ ،‬فلذلك ُ‬
‫وقا َبَلتْهـم " فرقةُ الجبريـة " الذيـن يقولون‪ " :‬إنّ العبدَ مجبورٌ على فعلِه‪ ،‬وليـس له‬
‫فعلٌ ول اختيارٌ‪ ،‬وإنما هو كالريشةِ التي تحركُها الريحُ بغير اختيارها‪.‬‬
‫ُسـمّونَ " بالجبريـة " وهـم " غُلةُ القدريـة "‪ ،‬الذيـن غلوا فـي إثبات القدر‪،‬‬
‫فهؤلء ي َ‬
‫سلَبوا العبدَ الختيارَ‪.‬‬
‫وَ‬
‫غلَو فيه‪ ،‬حتى قالوا‪ :‬إنه‬
‫والطائفةُ الولى منهم على العكس‪ ،‬أثبتوا اختيارَ النسان و َ‬
‫يخلُقُ ِفعْلَ نفسِهِ مستقلً عن ال‪ ،‬تعالى ال عما يقولون‪.‬‬
‫وهؤلء يُسمّون " بالقدرية النفاةِ "‪ .‬ومنهم‪ " :‬المعتزلةُ "‪ ,‬ومن سارَ في ركابهم‪.‬‬
‫هذه فرقة القدرية بقسميها‪:‬‬
‫‪ - 1‬الغلةُ في النفي‪.‬‬
‫‪ - 2‬والغلةُ في الثباتِ‪.‬‬
‫وتفرّق تِ " القدريةُ " إلى فرقٍِ كثيرةٍ‪ ،‬ل يعلمها إل ال؛ لنّ النسانَ إذا تر كَ الحق‬
‫فإنه يهيمُ في الضلل‪ ،‬كُلّ طائفةٍ تُحدثُ لها مذهبًا وتنشقُ به عن الطائفة التي قبلها‪،‬‬
‫ل الضللِ؛ دائمًا في انشقاقٍ‪ ،‬ودائمًا في تفرقٍ‪ ،‬ودائمًا تحدثُ لهم أفكارٌ‬
‫هذا شأنُ أه ِ‬
‫وتصوراتٌ مختلفة متضاربة‪.‬‬
‫ـ ول اختلفـٌ‪ ،‬لنهـم‬
‫ـ عندَهـم اضطراب ٌ‬
‫أمـا أهلُ السـنّةِ والجماعةِ؛ فل يَحدُث ُ‬
‫متمسكون بالحق الذي جاء عن ال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ ،-‬فهم معتصمون بكتابِ ال‬
‫وبسنةِ رسوله صلى ال عليه وسلم؛ فل يَحْ صُلُ عندَهم افترا قٌ ول اختل فٌ‪ ،‬لّنهم‬
‫يسيرونَ على منهجٍ واحدٍ‪.‬‬
‫‪$‬الفرقة الثانية ‪ :‬الخوارج‬
‫وهم الذين خرجوا على ولي المر في آخر عهدِ عثمان ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ،-‬ونتَجَ‬
‫عن خروجهم قتلُ عثمان ‪ -‬رضي ال عنه ‪.-‬‬
‫ثم في خلفةِ علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬زادَ شرُهم‪ ،‬وانشقوا عليه‪ ،‬وكفّروه‪ ،‬وكفّروا‬
‫الصـحابة؛ لنهـم لم يوافقوهـم على مذهبهـم‪ ،‬وهـم يحكُمون على مـن خالفَهـم فـي‬
‫الخلقـ وهـم صـحابةُ رسـولِ ال صـلى ال عليـه‬
‫ِ‬ ‫مذهبهـم أنـه كافرٌ‪ ،‬فكفّروا خيرةَ‬
‫وسلم‪ .‬لماذا ؟‪ .‬لنّهم لم يوافقوهم على ضللِهم وعلى كفرهم‪.‬‬
‫ومذهبُ هم‪ :‬أنّ هم ل يلتزمون بال سنّة والجما عة‪ ،‬ول يطيعون وليّ ال مر‪ ،‬ويرون أن‬
‫الخرو جَ عليه من الدين‪ ،‬وأن شَقّ العصا من الدين [وفي عصرنا ربما سمّوا من‬
‫يرى السـمعَ والطاعةَ لولياء المور فـي غيـر مـا معصـية عميلً‪ ،‬أو مداهنًا‪ ،‬أو‬
‫مغفلً‪ .‬فترا هم يقدحون في وَليّ أمر هم‪ ،‬ويشّهرون بعيو به من فوق المنابر‪ ،‬و في‬
‫تجمعاتهم‪ ،‬والرسولُ صلى ال عليه وسلم يقولُ‪( :‬من أرادَ أن ينصحَ لسلطان بأمر؛‬
‫فل يبدِ له علنيةً ولكن ليأخذْ بيدِه‪ ،‬فيخلوا به‪ ،‬فإن َقبِلَ منه فذّا كَ‪ ،‬وإل كان قد أدّى‬
‫الذي عليه) رواه أحمد‪ )3/404( :‬من حديث عياض بن غنم ‪ -‬رضي ال عنه ‪،-‬‬
‫ورواه ‪ -‬أيضًا ‪ -‬ابن أبي عاصم في " السنة "‪.)2/522( :‬‬
‫إيقافـ أحدِهـم عـن الكلم فـي المجامـع العامـة؛ تجمعوا‬
‫َ‬ ‫أو إذا رأى ولي ّ المرِ‬
‫و ساروا في مظاهرات‪ ،‬يظنو نَ ‪ -‬جهلً منهم ‪ -‬أنّ إيقا فَ أحدِ هم أو سجنَهُ يسوغُ‬
‫الخروج‪ ،‬أ َولَ مْ ي سمعوا قولَ ال نبي صلى ال عل يه و سلم في حد يث عوف بن مالك‬
‫الشجعي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ،-‬عند مسلم (‪( :)1855‬ل‪ .‬ما أقاموا فيكم الصلة)‪.‬‬
‫و في حد يث عبادة بن ال صامت ‪ -‬ر ضي ال ع نه ‪ -‬في " ال صحيحين "‪( :‬إل أن‬
‫تروا كفرًا بواحًا‪ ،‬عندكم فيه من ال برهان) وذلك عند سؤال الصحابة واستئذانهم‬
‫له بقتال الئمة الظالمين‪.‬‬
‫أل يعلمُـ هؤلء كـم لبث َـ المامُـ أحمدُ فـي السـجنِ‪ ،‬وأين َـ مات َـ شيخُـ السـلمِ ابنُـ‬
‫تيمية ؟!‪.‬‬
‫ألم ي سجن المام أح مد ب ضع سنين‪ ،‬ويجلد على القول بخلق القرآن‪ ،‬فل ما لم يأ مر‬
‫الناس بالخروج على الخليفة ؟!‪.‬‬
‫وألم يعلموا أن شيخ السلم مكث في السجن ما يربو على سنتين‪ ،‬ومات فيه‪ ،‬لِ مَ‬
‫ج على الوالي ‪ -‬مع أنّهم في الفضلِ والعلمِ غايةٌُ‪ ،‬فيكف بمن‬
‫لَ مْ يأمرِ الناسَ بالخرو ِ‬
‫دونهم ‪ -‬؟؟!‪.‬‬
‫إنّ هذه الفكارَ والعمالَ لم تأ تِ إلي نا إل بعد ما أصبحَ الشبا بُ يأخذون علمَ هم من‬
‫المف ّكرِ المعا صرِ فلن‪ ،‬و من الد يب الشاعرِ فلن‪ ،‬و من الكات بِ ال سلمي فلن‪،‬‬
‫ويتركو نَ أ هل العل مِ‪ ،‬وكت بَ أ سلفِهم خلفَ هم ظهريًا؛ فل حولَ ول ق ّوةَ إل بال‪،] .‬‬
‫وعكس ما أمر ال به في قوله‪:‬‬
‫ل ْمرِ مِنكُمْ}‪ [ .‬سورة النساء‪ ،‬الية‪] 59 :‬‬
‫{أَطِيعُو ْا اللّهَ َوأَطِيعُو ْا الرّسُولَ َوُأ ْولِي ا َ‬
‫ال ‪ -‬جل وعل ‪ -‬جعل طاعة ولي المر من الدين‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫جعَلَ طاع َة وليّ المرِ من الد ين قال صلى ال عل يه و سلم‪( :‬أو صيكم بتقوى ال‬
‫َ‬
‫يعشـ منكـم فسـيرى اختلف ًا‬
‫ْ‬ ‫والسـمعِ والطاعةِ‪ ،‬وإن تَأ ّمرَ عليكـم عبدٌ‪ ،‬فإنـه مـن‬
‫كثيرًا‪ [ .)..‬سبق تخريجه ص‪] .7 :‬‬
‫فطاع ُة وليّ المرِ الم سلمِ من الد ين‪ .‬و " الخوار جُ " يقولون‪ :‬ل‪ ،‬نح نُ أحرارٌ‪ .‬هذه‬
‫ت اليوم‪.‬‬
‫طريقة الثورا ِ‬
‫فــ " الخوراج ُـ " الذيـن يريدون َـ تفريق َـ جماعةِ المسـلمين‪ ،‬وشّقّ عصـا الطاعـة‪،‬‬
‫ومعصية ال ورسولهِ في هذا المر‪ ،‬ويرون أن مرتكبَ الكبيرةِ كافرٌ‪.‬‬
‫ومرتكبُـ الكـبيرة هـو‪ :‬الزانـي ‪ -‬مثلً ‪ ،-‬والسـارقُ‪ ،‬وشارب ُـ الخمـر؛ يرون أنـه‬
‫كافرٌ‪ ،‬في ح ين أنّ أهلَ ال سنّةِ والجماعةِ يرون أن هُ " م سلمٌ ناق صُ اليمان " [ ح تى‬
‫لو فعل الكبيرة مستخفًا بها ل يكفر ما لم يستحلها‪ ،‬خلفًا لما يقوله بعضُهم‪ :‬من أنّ‬
‫مرتكبَ الكبيرة إذا كان مستخفًا يكفر كفرًا مخرجًا عن الملّة‪.‬‬
‫وهذا القولُ هو عينُ قولِ الخوارجِ‪ ،‬كما قال ذلك شيخنا الشيخ‪ :‬عبد العزيز بن عبد‬
‫ال بن باز‪ ،‬عندما سئل عنه بالطائف عام ‪ 1415‬هـ‪] .‬‬
‫خرِ جُ من‬
‫‪ ،‬ويسمونه بالفاسق الملّي؛ فهو " مؤم نٌ بإيمان هِ فاسقٌ بكبيرته "‪ ،‬لنه ل ي ُ‬
‫السلم إل الشر كُ أو نواق ضُ السلم المعروفة‪ ،‬أما المعاصي التي دون الشرك؛‬
‫فإنها ل تُخرجُ من اليمانِ‪ ،‬وإن كانتْ كبائرَ‪ ،‬قال ال ‪ -‬تعالى ‪: -‬‬
‫شرَ كَ بِ هِ َو َيغْ ِفرُ مَا دُو نَ َذلِ كَ لِمَن يَشَاءُ} [ سورة الن ساء‪،‬‬
‫{إِنّ اللّ هَ لَ َيغْ ِفرُ أَن يُ ْ‬
‫اليتان‪.] 116 ،48 :‬‬
‫و " الخوار جُ " يقولون‪ :‬مرتك بُ ال كبيرة كافرٌ‪ ،‬ول يٌغفرُ له‪ ،‬و هو مخلّدٌ في النار‪.‬‬
‫وهذا خلفُ ما جاءَ في كتاب ال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪.-‬‬
‫والسببُ‪ :‬أنهم ليسَ عندهم فقهٌ‪.‬‬
‫لحظُوا أن السببَ الذي أو َق َعهُم في هذا أنهم ليس عندَهم فقه‪ ،‬لنّهم جماعةٌ اشتدوا‬
‫فـي العبادةِ‪ ،‬والصـلةِ‪ ،‬والصـيامِ‪ ،‬وتلوةِ القرآنـِ‪ ،‬وعندهـم غَيرةٌ شديدةٌ‪ ،‬لكنهـم ل‬
‫يفقهون‪ ،‬وهذه هي الفة‪.‬‬
‫فالجتهادُ في الورعِ والعبادةِ؛ ل بدّ أن يكونَ مع الفقه في الدين والعلم‪.‬‬
‫ولهذا وصفهم النبيّ صلى ال عليه وسلم لصحابه‪ ،‬بأن الصحابةَ يحقرون صلتهم‬
‫إلى صلتهم‪ ،‬وعبادت هم إلى عبادت هم‪ ،‬ثم قال صلى ال عل يه و سلم‪ " :‬يمرُقُون من‬
‫الد ين ك ما يمرق ال سهم من ال ّرمّيةِ " [ جزءٌ من حدي ثٍ طو يل‪ ،‬أخر جه أح مد‪( :‬‬
‫ـائي‪،)4112( )2577( :‬‬
‫ـلم‪ ،)1064( :‬والنسـ‬
‫‪ ،)3/73‬والبخاري‪ ،)7432( :‬ومسـ‬
‫وأبو داود‪ ،)7464( :‬والطيالسي‪ )2234( :‬من حديث أبي سعيد ‪ -‬رضي ال عنه‬
‫‪.-‬‬
‫ومن حديث علي ابن أبي طالب ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫البخاري‪ ،)6930( )5057( )3611( :‬ومسـلم‪ ،)1066( :‬وأبـو داود‪،)4767( :‬‬
‫والطيالسي‪ ،)168( :‬والنسائي‪ ،)4113( :‬وأحمد‪.)1/113( )1/81( :‬‬
‫ومن حديث جابر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ،-‬عند‪ :‬أحمد‪ ،‬ومسلم‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬
‫ومن حديث سهل بن حنيف ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ،-‬عند‪ :‬الشيخين‪ ،‬والنسائي‪.‬‬
‫ومن حديث ابن مسعود ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ،-‬عند‪ :‬أحمد‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬
‫ومـن حديـث أبـي برزة السـلمي ‪ -‬رضـي ال عنـه ‪ ،-‬عنـد‪ :‬أحمـد‪ ،‬والطيالسـي‪،‬‬
‫والنسائي‪ ،‬والحاكم‪.‬‬
‫ومـن حديـث أبـي سـعيد وأنـس ‪ -‬رضـي ال عنهمـا ‪ ،-‬عنـد‪ :‬أحمـد‪ ،‬وأبـي داود‪،‬‬
‫والحاكم في " مستدركه "‪.‬‬
‫ومن حديث أبي بكرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ،-‬عند‪ :‬أحمد‪ ،‬والطبراني‪.‬‬
‫ومن حديث عامر بن وائلة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ،-‬عند‪ :‬الطبراني‪] .‬‬
‫مع عبادتهم‪ ،‬ومع صلحهم‪ ،‬ومع تهجدهم وقيامهم بالليل‪ ،‬لكن لما كان اجتهادُهم‬
‫ل يس على أ صلٍ صحيحٍ‪ ،‬ول على عل مٍ صحيح‪ ،‬صار ضللً ووباءً وشرًا علي هم‬
‫وعلى المةِ‪.‬‬
‫عرِ فَ عن " الخوار جِ " في يو مٍ من اليام أنهم قاتلوا الكفار‪ ،‬أبدًا‪ ،‬إنما يقاتلون‬
‫وما ُ‬
‫المسـلمين‪ ،‬كمـا قال صـلى ال عليـه وسـلم‪ " :‬يقتلون أهلَ السـلمِ ويَدَعُون أهلَ‬
‫الوثا نِ "‪ [ .‬جزءٌ من حدي ثٍ طويل‪ ،‬أخرجه أحمد‪ )3/68( )3/73( :‬ومختصرًا‪( :‬‬
‫‪ ،)3/72‬والبخاري‪ )4667( )7432( :‬مختصـرًا‪ ،‬ومسـلم‪ ،)1064( :‬والنسـائي‪( :‬‬
‫‪ ،)4112( )2577‬وأبو داود‪ ،)7464( :‬والطيالسي‪] .)2234( :‬‬
‫فما عرفنا في تاريخ " الخوارجِ "‪ ،‬في يومٍ من اليام أنّهم قاتلوا الكفار والمشركينَ‪،‬‬
‫وإنمـا يقاتلون المسـلمين دائم ًا‪ :‬قتلوا عثمان‪ .‬وقتلوا علي بـن أبـي طالب‪ .‬وقتلوا‬
‫الزبير بن العوام‪ .‬وقتلوا خيار الصحابة‪ .‬وما زالوا يقتلون المسلمين‪.‬‬
‫وذلك ب سبب جهل هم في د ين ال ‪ -‬عزّ وجلّ ‪ ،-‬مع ورَعِ هم‪ ،‬و مع عبادت هم‪ ،‬و مع‬
‫اجتهادهم‪ ،‬لكن لما لم يك نْ هذا مؤ سّسًا على عل مٍ صحيح؛ صارَ وبالً عليهم‪ ،‬ولهذا‬
‫يقول العلمةُ ابنُ القيم في وصفهم ‪:‬‬
‫( َوَلهُمْ ُنصُوصٌ َقصّروا في َف ْه ِمهَا ** فَُأ ُتوْا مِنَ الت ْقصِيرِ في ال ِعرْفَانِ)‬
‫[ نونية ابن القيم المسمّاة‪ " :‬الكافية الشافية في النتصار للفرقة الناجية " ص‪.97 :‬‬
‫]‬
‫فهم استدلوا بنصوصٍ وهم ل يفهمونها‪ ،‬استدلوا بنصوصٍ من القرآن ومن السنّة؛‬
‫فـي الوعيدِ على المعاصـي‪ ،‬وهـم ل يفقهون معناهـا‪ ،‬لم يُرجعوهـا إلى النصـوص‬
‫الخرى‪ ،‬التـي فيهـا الوعدُ بالمغفرة‪ ،‬والتوبـة لمـن كانـت معصـيتُه دون الشرك؛‬
‫فأخذوا طرفًا وتركوا طرفًا‪ .‬هذا لجهلهم‪.‬‬
‫مؤسـسًا على علمـٍ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يكونـ هذا‬
‫َ‬ ‫َنـ‬
‫والحماسـ ل يكفيان‪ ،‬ل بـد أ ْ‬
‫ُ‬ ‫والغيرةُ على الديـن‬
‫وعلى فق هٍ في دين ال ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬يكو نُ ذلك صادرًا عن عل مٍ‪ ،‬وموضوعًا في‬
‫محله‪.‬‬
‫والغيرةُ على الديـن طيبةٌ‪ ،‬والحماسُـ للديـن طيّبـ‪ ،‬لكـن ل بـد أن يُرشًّدَ ذلك باتباع‬
‫الكتابِ والسنة‪.‬‬
‫غ َيرَ على الد ين‪ ،‬ول أن صحَ للم سلمين؛ من ال صحابة ‪ -‬ر ضي ال عن هم ‪،-‬‬
‫ول أَ ْ‬
‫ومع ذلك قاتلوا " الخوارج "؛ لخطرهم وشرّهم‪.‬‬
‫قاتَل هم عليّ بن أ بي طالب ‪ -‬ر ضي ال ع نه ‪ ،-‬ح تى قتَل هم شرّ ِق ْتلَةٍ في وقعةِ "‬
‫النهروان "‪ ،‬وتحقق في ذلك ما أخبر به صلى ال عليه وسلم‪ :‬من أنّ النبي صلى‬
‫شرَ من يق ُتلُ هم بالخ ير والج نة‪ .‬فكان علي بن أ بي طالب هو الذي‬
‫ال عل يه و سلم بَ ّ‬
‫قتلَهم‪ ،‬فحصَلَ على البشارةِ من الرسول صلى ال عليه وسلم‪ [ .‬روى البخاري في‬
‫صـحيحه ‪ ،)6930( :‬ومسـلم فـي صـحيحه ‪ ،)1066( :‬وأحمـد فـي مسـنده ‪( :‬‬
‫‪ ،)1/113‬وابن أبي عاصم في " السنة "‪ ،)914( :‬وعبد ال ابن المام أحمد في "‬
‫السنة "‪: )1487( :‬‬
‫عن علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال‪ :‬سمعتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬‬
‫يخر جُ في آخرِ الزما نِ قو مٌ أحدا ثُ السنانِ‪ ،‬سفهاءُ الحل مِ‪ ،‬يقولون من خير قول‬
‫البريةِ‪ ،‬ل يجاوزُ إيمانُ هم حناجرَ هم‪ ،‬فأين ما لقيتمو هم فاقُتلوهُم؛ فإنّ َق ْتلَ هم أجرٌ ل من‬
‫ق َتلَهم يوم القيامة "‪.‬‬
‫قال أبـو سـعيد الخدري ‪ -‬رضـي ال عنـه ‪ -‬بعدمـا روى حديث ًا فـي الخوارج‬
‫وعلماتِ هم‪ ،‬رواه أح مد في " الم سند "‪ ،)3/33( :‬واب نه في " ال سنة "‪- )1512( :‬‬
‫قال‪( :‬فحدثني عشرون أو بض عٌ وعشرون من أصحابِ رسولِ ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أنّ عليّا َوِليَ ق ْتلَهم)‪.‬‬
‫وروى أحمد‪ ،)1/59( :‬ومسلم‪ ،)1066( :‬وعبد ال بن المام أحمد في " السنة "‪( :‬‬
‫‪ )1471‬عن علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬‬
‫يخر جُ قو مٌ في هم رجلٌ مود نٌ اليدِ‪ ،‬أو مثدون اليدِ‪ ،‬أو مخدج اليدِ‪ ،‬ولول أن تبطروا‬
‫لنبأتكم بما وَعَدَ ال الذين يقاتلونهم على لسان نبيه "‪.‬‬
‫وروى مسلم‪ ،)1065( :‬وأبو داود‪ ،)4667( :‬وعبد ال بن المام أحمد في " السنة‬
‫"‪ )1511( :‬عن أ بي سعيد الخدري ‪ -‬ر ضي ال ع نه ‪ -‬أن ر سول ال صلى ال‬
‫عليـه وسـلم قال‪( :‬تَمرق مارقةٌ فـي فِرقَةٍ مـن المسـلمين‪ ،‬يق ُتلُهمـا أولى الطائفتيـن‬
‫بالحق)‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد جاء المرُ بقتلِهم وفضلِه في أحاديثَ كثيرةٍ‪ ،‬ليسَ هذا مجالُ ذِكرِها‪] .‬‬
‫َق َتَلهُم ليدفعَ شرّهم عن المسلمين‪.‬‬
‫وواجبٌ على المسلمين في كلّ عصرٍ إذا تحققوا من وجودِ هذا المذهبِ الخبيثِ؛ أن‬
‫يعالجوه بالدعوة إلى ال أولً‪ ،‬وتبصـيرِ الناس بذلك؛ فإن لم يمتثلوا قا َتلُوهـم دفعًـا‬
‫لشرّهم‪.‬‬
‫وعليّ بن أبي طالب ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أرسلَ إليهم ابنَ عمه‪ :‬عبدَ ال بنَ عباس‪،‬‬
‫ح ْبرَ ال مة‪ ،‬وترجما نَ القرآن؛ فناظرَ هم‪ ،‬ورَجَ عَ من هم ستّةُ آلف‪ ،‬وب قي من هم بقيةٌ‬
‫َ‬
‫ـ أبـي طالب ومعـه‬
‫كثيرةٌ لم يرجعوا‪ ،‬عندَ ذلك قا َتلَهـم أميرُ المؤمنيـن عليّـ بن ُ‬
‫الصحابة؛ لدفعِ شرّهم وأذاهم عن المسلمين‪.‬‬
‫هذه " فرقةُ الخوراج " ومذهبُهم‪.‬‬
‫‪$‬الفرقة الثالثة ‪ :‬الشيعة‬
‫ل البيت‪.‬‬
‫" الشيعة "‪ :‬هم الذين يتشيّعون له ِ‬
‫و " التشيّع " في الصل‪ :‬التباعُ والمناصرةُ ‪:‬‬
‫{ َوإِنّ مِن شِي َعتِهِ لَِإ ْبرَاهِيمَ}‪ [ .‬سورة الصافات ]‬
‫يعني‪ :‬أتباعه إبراهيم‪ ،‬ومن أنصار ملتِه؛ لنّ ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬لما ذكر قصةَ نو حٍ‬
‫قال‪َ { :‬وإِنّ مِن شِي َعتِهِ لَِإ ْبرَاهِيمَ}‪.‬‬
‫فأصلُ " التشيّع "‪ :‬التبا عُ والمناصرةُ‪ ،‬ثم صار يُطل قُ على هذه الفِرقة‪ ،‬التي تزعم‬
‫أنها متّبعةٌ لهل البيت ‪ -‬وهم‪ :‬عليّ بنُ أبي طالب ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وذريتُه ‪.-‬‬
‫ويزعمون أن عليّا هو الوصي بعد الرسول صلى ال عليه وسلم على الخلفِة‪ ،‬وأنّ‬
‫أ با ب كر‪ ،‬وعمرَ‪ ،‬وعثما نَ‪ ،‬وال صحابةَ؛ ظلموا عَليّ ا‪ ،‬واغت صبوا الخلفةَ م نه‪ .‬هكذا‬
‫يقولون‪.‬‬
‫وقد كذبوا في ذلك‪ ،‬لن الصحابة أجمعوا على بيعة أبي بكرٍ ومنهم عليّ ‪ -‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،-‬حيثُ بايَعَ لبي بكرٍ‪ ،‬وبايعَ لعمر‪ ،‬وبايعَ لعثمان‪.‬‬
‫فمعنى هذا‪ :‬أنهم خونوا عليّا ‪ -‬رضي ال عنه ‪.-‬‬
‫ـ أبـا بكرٍ وعمرَ‪،‬‬
‫وقـد كَفّروا الصـحابةَ إل عددًا قليلً منهـم‪ ،‬وصـاروا يعلنون َ‬
‫ويلقّبونهما " بصنمي قريش "‪.‬‬
‫ومن مذهبهم‪ :‬أنهم يُغلون في الئمةِ من أهلِ البيت‪ ،‬ويُعطونَهم حقّ التشريع ونسخَ‬
‫الحكام‪.‬‬
‫حرّف َـ ونُقّصـَ‪ ،‬حتـى آل بهـم المرُ إلى أن اتخذوا الئمةَ‬
‫ويزعمون أن القرآن قـد ُ‬
‫شيّدوا عليها القبا بَ‪ ،‬وصاروا‬
‫أربابًا من دون ال‪ ،‬وبنوا على قبورهم الضرحةَ‪ ،‬و َ‬
‫يطوفونَ بها‪ ،‬ويذبحون لها وينذرون‪.‬‬
‫ق كثيرة‪ ،‬بعضُ ها أخَفّ من ب عض‪ ،‬وبعضُ ها أشَدّ من‬
‫وتفّر قت " الشي عة " إلى فر ٍ‬
‫بعض‪ ،‬منهم‪ " :‬الزيدية "‪ ،‬ومنهم‪ " :‬الرافضة الثنا عشرية "‪ ،‬ومنهم‪ " :‬السماعيلية‬
‫َقـ‬
‫" و " الفاطميـة "‪ ،‬ومنهـم‪ " :‬القرامطـة "‪ ،‬ومنهـم‪ ،..‬ومنهـم‪ ،..‬عددٌ كـبيرٌ‪ ،‬و ِفر ٌ‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ..‬كلّ من تركَ الحقّ فإنهم ل يزالون في اختلفٍ وت َفرّقٍ‪ ،‬قال ‪ -‬تعالى ‪: -‬‬
‫س َيكْفِي َكهُمُ‬
‫{فَإِ نْ آ َمنُواْ ِب ِمثْلِ مَا آمَنتُم بِ هِ فَقَدِ ا ْهتَدَواْ ّوإِن َت َوّلوْاْ َفِإنّمَا هُ مْ فِي شِقَا قٍ فَ َ‬
‫سمِيعُ ا ْل َعلِيمُ}‪ [ .‬سورة البقرة ]‬
‫اللّهُ وَ ُهوَ ال ّ‬
‫ف من تر كَ الحقّ يُبتلى بالبا طل‪ ،‬والزي غِ‪ ،‬والتفرّ قِ‪ ،‬ول ينت هي إلى نتي جة‪ ،‬بل إلى‬
‫الخسارة ‪ -‬والعياذُ بال ‪.-‬‬
‫ق كثيرةٍِ‪ ،‬ونِحَلٍ كثيرة‪.‬‬
‫وتفرّقت " الشيعةُ " إلى فر ٍ‬
‫وتفرّقت " القدرية "‪.‬‬
‫وتفرّ قت " الخوارج " إلى فرق كثيرة‪ " :‬الزار قة "‪ ،‬و " الحرور ية "‪ ،‬و " النجدات‬
‫"‪ ،‬و " الصفرية "‪ ،‬و " الباضية "‪ ،‬ومنهم الغلةُ‪ ،‬ومنهم من هو دون ذلك‪.‬‬
‫‪$‬الفرقة الرابعة ‪ :‬الجهمية‬
‫" الجهميةُ "‪ ،‬وما أرداك مالجهمية ؟!!‪.‬‬
‫" الجهميةُ "‪ :‬نسبةً إلى " الجهم بن صفوان "‪ ،‬الذي تتلمذَ على " الجعد بن دِرهم "‪،‬‬
‫و " الجعـد بـن درهـم " تتلمذَ على " طالوت "‪ ،‬و " طالوت " تتلمـذ على " لبيـد بـن‬
‫العصم " اليهودي؛ فهم تلميذ اليهود‪.‬‬
‫وما هو " مذهبُ الجهمية " ؟‪.‬‬
‫" مذه بُ الجهم ية "‪ :‬أن هم ل يُثبتون ل ا سمًا ول صفةً‪ ،‬ويزعمون أ نه ذا تٌ مجرّدةٌ‬
‫إثباتـ السـما ِء والصـفاتِ ‪ -‬بزعمهـم ‪ -‬يقتضـي‬
‫َ‬ ‫عـن السـما ِء والصـفاتِ؛ لن‬
‫الشركَ‪ ،‬وتعدّدَ اللهة ‪ -‬كما يقولون ‪.-‬‬
‫هذه شبهتُهم اللعينة‪.‬‬
‫ول ندري ماذا يقولون في أنفسهم ؟‪ .‬فالواحدُ منهم يوصفُ بأنه عال مٌ‪ ،‬وبأنه غنيّ‪،‬‬
‫وبأ نه صانعٌ‪ ،‬وبأ نه تاجرٌ‪ .‬فالواحدُ من هم له عِ ّدةُ صفاتٍ‪ ،‬هل مع نى ذلك أن يكو نَ‬
‫عِ ّدةَ أشخاصٍ ؟؟!!‪.‬‬
‫هذه مكابرةٌ للعقولِ؛ فل يلزمُ من تعددِ السماءِ والصفاتِ تعدّدَ اللهةِ‪ ،‬ولهذا لمّا قال‬
‫المشركون من قبلُ َلمّ ا سمعوا ال نبي صلى ال عل يه و سلم يقول‪ ( :‬يا رح من‪ ،‬يا‬
‫رح يم) قالوا‪ :‬هذا يز عم أ نه يعبدُ إلهًا واحدًا‪ ،‬و هو يد عو آلهةً متعددةً‪ ،‬فأنزل ال ‪-‬‬
‫سبحانه وتعالى ‪ -‬قوله ‪:‬‬
‫سنَى} [ تفسير ابن‬
‫سمَاء الْحُ ْ‬
‫حمَـنَ َأيّا مّا تَدْعُواْ َفلَهُ الَ ْ‬
‫{قُلِ ادْعُواْ اللّ هَ َأوِ ادْعُواْ الرّ ْ‬
‫كثير‪ [ ] .)4/359( :‬سورة السراء‪ ،‬الية‪] 110 :‬‬
‫فأ سماء ال كثيرة‪ ،‬هي تُدلّ على كمالِه وعظمتِه ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ ،-‬ل تدلّ على‬
‫تعدّدّ اللهةِ ‪ -‬كما يقولون ‪ ،-‬بل تدلّ على العظمة‪ ،‬وعلى الكمالِ‪.‬‬
‫أ ما الذا تُ المجرّدةُ ال تي ل يس ل ها صفاتٌ فهذ هِ ل وجودَ ل ها‪ ،‬م ستحيلٌ يوجدُ شيٌء‬
‫وليس له صفاتٌ‪ ،‬أبدًا‪ ،‬ولو على القل صفة الوجود‪.‬‬
‫ومن شبههم‪ " :‬أن إثباتَ الصفاتِ يقتضي التشبيه‪ ،‬لنّ هذه الصفات يوجد مثلها في‬
‫المخلوقين "‪.‬‬
‫وهذا قولٌ با طل‪ ،‬لنّ صفات الخالق تل يق به‪ ،‬و صفات المخلوق ين تلي قُ ب هم؛ فل‬
‫تشابه‪.‬‬
‫و " الجهميةُ " جمعوا إلى ضللِ هم في ال سماء وال صفاتِ ال جبرَ في القدر‪ ،‬لن "‬
‫ج َبرٌ على‬
‫الجهميةَ " يقولون‪( :‬إنّ العبدَ ليس له مشيئةٌ‪ ،‬وليس له اختيارٌ‪ ،‬وإنما هو مُ ْ‬
‫أفعالِه)‪.‬‬
‫ومعنى هذا‪ :‬أنّه إذا عُذّبَ على المعصيةِ يكونُ مظلومًا‪ ،‬لنّها ليستْ ِف ْعلَهُ‪ ،‬وإنما هو‬
‫مجبرٌ عليها ‪ -‬كما يقولون ‪ ،-‬تعالى ال عن ذلك‪.‬‬
‫فهـم جمعوا بيـن " الجـبرِ فـي القدر "‪ ،‬وبيـن " التجهّمـ فـي السـماءِ والصـفاتِ "‪،‬‬
‫وجمعوا إلى ذلك " القولَ بالرجاءِ "‪ ،‬وأضافوا إلى ذلكــَ " القول بخلقــِ القرآن "‬
‫{ظلماتٌ بعضُها فوقَ بعضٍ}‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪:‬‬
‫ح ُرفٍ ِب ِوزَانِ‬
‫جيْمٌ َم ْع ُهمَا ** مَ ْقرُونَةً مَعْ أَ ْ‬
‫جيْمٌ ثُمّ ِ‬
‫جيْمٌ و ِ‬
‫ِ‬
‫جهّمٍ ** َف َتَأمّلِ المجمُوعَ في ا ْل ِم ْيزَانِ‬
‫جيْمُ َت َ‬
‫ج ْبرٌ وِإرْجَاءٌ وَ ِ‬
‫َ‬
‫صَلتْ ** بخلصِهِ مِنْ ِربْقَةِ اليمانِ‬
‫ح ُ‬
‫حكُمْ بِطاِلعِها ِلمَنْ َ‬
‫فَا ْ‬
‫[ نونية ابن القيم‪ ،‬ص‪] .115 :‬‬
‫جهّ مٍ " و "إِرجاءٍ "‪ ،‬ثل ثُ جيمات‪ ،‬والجِي مُ الرابعةُ‬
‫ج ْبرٍ " و " تَ َ‬
‫يع ني‪ :‬جمعوا ب ين " َ‬
‫جِيمُ جهنّم‪.‬‬
‫الحاصلُ‪ :‬أن هذا " مذه بَ الجهميةِ "‪ ،‬والذي اشتهرَ فيه نف يُ السما ِء والصفاتِ عن‬
‫ب المعتزلةَ "‪ ،‬و " مذه بُ الشاعرة "‪ ،‬و‬
‫ال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ ،-‬انشَقّ عنه " مذه ُ‬
‫" مذهبُ الماتريدية "‪.‬‬
‫مذهبـ المعتزلة "‪ :‬أنهـم أثبتوا السـما َء ونفوا الصـفات‪ ،‬لكـن أثبتوا أسـماءً‬
‫ُ‬ ‫و"‬
‫مجرّدة‪ ،‬مجرّدَ ألفاظٍ ل تدلّ على معانٍ ول صفاتٍ‪.‬‬
‫سـمّوا " بالمعتزلة "‪ :‬لن إمامهـم " واصـل بـن عطاء " كان مـن تلميـذ الحسـن‬
‫ُ‬
‫الب صري ‪ -‬رح مه ال ‪ ،-‬الما مَ التاب عي الجل يل‪ ،‬فلمّ ا سئُلَ الح سن الب صري عن‬
‫مرت كب ال كبيرة‪ ،‬ما حك مه ؟‪ .‬فقال بقولِ أ هل ال سنّةِ والجما عة‪( :‬إ نه مؤم نٌ ناق صُ‬
‫اليمان‪ ،‬مؤمنٌ بإيمانِه فاسقٌ بكبيرته)‪.‬‬
‫بنـ عطاء " بهذا الجواب مـن شيخـه؛ فاعتزلَ وقال‪( :‬ل‪ .‬أنـا‬
‫يرضـ " واصـلُ ُ‬
‫َ‬ ‫فلم‬
‫أرى أنه ليس بمؤم نٍ ول كافر‪ ،‬وأنه في المنزلةِ بين المنزلتين)‪ .‬وانشَقّ عن شيخه‬
‫‪ -‬الحسن ‪ -‬وصار في ناحيةِ المسجد‪ ،‬واجتم عَ عليه قو مٌ من أوبا شِ الناس وأخذوا‬
‫بقوله‪.‬‬
‫وهكذا دعاةُ الضللِ في كلّ وقتٍ‪ ،‬ل بدّ أن ينحازَ إليهم كثيرٌ من الناس‪ ،‬هذه حِكمةٌ‬
‫من ال‪.‬‬
‫تركوا مجل سَ الحسنِ‪ ،‬شي خِ أهلِ السنّةِ‪ ،‬الذي مجل سُه مجل سُ الخيرِ‪ ،‬ومجل سُ العل مِ‪،‬‬
‫ل المضِل‪.‬‬
‫وانحازوا إلى مجلسِ " المعتزلي‪ :‬واصلِ بنِ عطاء " الضا ِ‬
‫وينحازونـ إلى‬
‫َ‬ ‫يتركونـ علماءَ أهلِ السـنّة والجماعةِ‪،‬‬
‫َ‬ ‫أشباهـ فـي زماننـا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ولهـم‬
‫أصحابِ الفكرة المنحرف‪ [ .‬فتجدهم يقتنون أشرطتهم‪ ،‬وكتبهم‪ ،‬ويحرصون عليها‪،‬‬
‫وإذا قلت ل هم‪ :‬إن في هذه الك تب ما يخالف معت قد أ هل ال سنة والجما عة‪ ،‬ال سلف‬
‫الصالح‪ ،‬من قول بخلق القرآن‪ ،‬أو من تأويل للصفات‪ ،‬أو من تحريض على أولياء‬
‫المور‪ ،‬أو غيره‪ .‬قالوا‪ " :‬هذه أخطاءٌ ب سيطةٌ‪ ،‬ل تمن عُ من قراءت ها وا ستماعها "‪،‬‬
‫مـع أن فـي كتـب علمائنـا ‪ -‬سـلفًا وخلفًا ‪ -‬الغنيـة عنهـا وهكذا يضللون كـل مـن‬
‫علْ مٍ‬
‫ح ِملُواْ َأ ْوزَارَهُ مْ كَا ِملَةً َيوْ مَ الْ ِقيَامَةِ َومِ نْ َأ ْوزَارِ الّذِي نَ ُيضِلّو َنهُم ِب َغ ْيرِ ِ‬
‫سمعهم‪ِ{ :‬ليَ ْ‬
‫أَلَ سَاء مَا َي ِزرُونَ} [ النحل ]‪.‬‬
‫ألم يعلموا أن من سلفنا الصالح من هجر من قال ببدعةٍ واحدة‪ ،‬أو أوّلَ صفةً واحدةً‬
‫فقط ؟‪.‬‬
‫فهذا عبدُ الوهاب ب نُ عبدِ الحكم الوراق‪ ،‬و هو من أ صحاب أح مد ‪ -‬رحم هم ال ‪-‬‬
‫يسئل عن أبي ثور فقال‪( :‬ما أدين فيه إل بقول أحمد بن حنبل‪ " :‬يُهجرُ أبو ثور‪،‬‬
‫ومَن قال بقوله ")‪.‬‬
‫وذلك لنه أول حديث الصورة‪ ،‬وخالف قول السلف فيها‪.‬‬
‫فكيف بمن ل تجمع أخطاءه ول تحصيها إل الكتبُ ؟؟!‬
‫ومع ذلك تسم ُع بعضَهم يقولُ‪ :‬أخطاءٌ بسيطة ل تمنعُ من قراءتِها !!‪.‬‬
‫فل حول ول قوة إل بال‪] .‬‬
‫سمّوا " بالمعتزلة "‪ ،‬لنهم اعتزلوا أهلَ السنّة والجماعة؛ فصاروا‬
‫ومن ذلك الوقت ُ‬
‫ينفو نَ الصفات عن ال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ ،-‬ويثبتون له أسماءَ مجرّدة‪ ،‬ويحكُمون‬
‫ح َكمَ تْ به " الخوارجُ "‪( :‬أنه مخلّدٌ في النار)‪ ،‬لكن اختلفوا‬
‫على مرتكبِ الكبيرة بما َ‬
‫عن " الخوارج " في الدنيا‪ ،‬وقالوا‪( :‬إنه يكون بالمنزلة بين المنزلتين‪ ،‬ليس بمؤمن‬
‫ول كافر)‪.‬‬
‫بينما " الخوارجُ " يقولون‪( :‬كافر)‪.‬‬
‫يا سبحانَ ال ! هل يُعقَلُ أنّ النسانَ ل يكونُ مؤمنًا ول كافرًا ؟!‪.‬‬
‫وال ‪ -‬تعالى ‪ -‬يقول ‪:‬‬
‫خلَ َقكُمْ َفمِنكُمْ كَا ِفرٌ َومِنكُم ّم ْؤمِنٌ}‪ [ .‬سورة التغابن‪ ،‬الية‪] 2 :‬‬
‫{ ُهوَ الّذِي َ‬
‫ما قال‪ :‬ومنكم من هو بالمنزلة بين المنزلتين‪ .‬لكن هل هؤلء يفقهون ؟؟!!‪.‬‬
‫ب المعتزلةِ " " مذهبُ الشاعرة "‪.‬‬
‫ثمّ تَ َفرّعَ عن " مذه ِ‬
‫و " الشاعرة "‪ :‬يُنسبونَ إلى " أبي الحسن الشعري " ‪ -‬رحمه ال ‪.-‬‬
‫بطلنـ مذهـب‬
‫َ‬ ‫وعرفـ‬
‫َ‬ ‫وكان أبـو الحسـن الشعري معتزليًا‪ ،‬ثـم مَنّ ال عليـه‪،‬‬
‫ب المعتزلة‪ ،‬وخل عَ‬
‫المعتزلة‪ ،‬فوقف في المسجد يو مَ الجمعة وأعل نَ برا َءتَ هُ من مذه ِ‬
‫ب المعتزلةِ‪ ،‬كما خلع تُ ثوبي هذا)‪ .‬لكنّه صار إلى "‬
‫ثوبًا عليه وقال‪( :‬خلع تُ مذه َ‬
‫ل ِبيّة "‪ :‬أتباعِ " عبدِ ال بن سعيد بن كُلّب "‪.‬‬
‫مذهبِ الكُ ّ‬
‫و" عبدُ ال ب نُ سعيد بن كُلّب "‪ :‬كان يُثبِ تُ سبعَ صفاتٍ‪ ،‬وين في ما عدا ها‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫(لنّ العقلَ ل يدُلّ إل على سبعِ صفاتٍ فقط‪ " :‬العل مُ "‪ ،‬و " القدرةُ "‪ ،‬و " الرادةُ "‪،‬‬
‫و " الحياةُ "‪ ،‬و " السمعُ "‪ ،‬و " البصرُ "‪ ،‬و " الكلمُ ") يقول‪( :‬هذه دَلّ عليها العقل‪،‬‬
‫أما ما لم يدلّ عليه العقل ‪ -‬عنده ‪ -‬فليس بثابتٍ)‪.‬‬
‫لبِيّةِ "‪ ،‬ورج َع إلى‬
‫ثم إنّ ال مَنّ على " أبي الحسن الشعري "‪ ،‬وتر كَ " مذهب الكُ ّ‬
‫إمامـ أهلِ السـنّة‬
‫ُ‬ ‫مذهبـ المام أحمـد بـن حنبـل‪ ،‬وقال‪( :‬أنـا أقولُ بمـا يقولُ بـه‬
‫ِ‬
‫والجماعة أحمد بن حنبل‪ :‬إنّ ال استوى على العرش‪ ،‬وإنّ له يدًا‪ ،‬وإنّ له وجهًا)‪.‬‬
‫َذ َكرَ هذا في كتا به‪ " :‬البا نة عن أ صول الديا نة "‪ ،‬و َذ َكرَ هذا في كتا به الثا ني‪" :‬‬
‫مقالت السـلميين واختلف المصـلين " َذ َكرَ (أنّهـ على مذهـب المام أحمـد بـن‬
‫حنبل)‪ .‬وإن بَ ِق َيتْ عن َدهُ بعضُ المخالفات‪..‬‬
‫ولكنّ أتباعَ هُ بقوا على " مذ هب الكُلب ية "؛ فغالبُهٍم ل يزالون على مذه به الول‪،‬‬
‫ولذلك يُسَممّون " بالشعرية "‪ :‬نسبةً إلى الشعري في مذهبه الول‪.‬‬
‫أ ما بعدَ أن رج عَ إلى مذه بِ أهلِ ال سنّة والجما عة؛ فن سبةُ هذا المذ هب إل يه ظل مٌ‪،‬‬
‫ل ِبيّ ة "‪ ،‬ل مذ هب أ بي الح سن الشعري ‪ -‬رح مه‬
‫وال صوابُ أن يُقال‪ " :‬مذه بُ الكُ ّ‬
‫صنّفَ في ذلك كتا به‪ " :‬البا نة عن أ صول الديا نة "‪،‬‬
‫ال ‪-‬؛ ل نه تا بَ من هذا‪ ،‬و َ‬
‫سكِه بما كان عليه أهلُ السنّة والجماعة ‪ -‬خصوصًا المام‪:‬‬
‫و صَرّح برجوعه‪ ،‬وتم ّ‬
‫بعضـ المخالفات‪ ،‬مثلُ قولِه فـي‬
‫ُ‬ ‫أحمـد بـن حنبـل رحمـه ال ‪ ،-‬وإن كانـت عندَه‬
‫الكلم‪( :‬إنّ ه المع نى النف سي القائم بالذات‪ ،‬والقرآن حكا ية ‪ -‬أو عبارة ‪ -‬عن كلم‬
‫ال‪ ،‬ل أنّه كلمُ ال)‪.‬‬
‫ب المعتزلةِ "‪.‬‬
‫هذا " مذهبُ الشاعرة "‪ ،‬منشَقّ عن " مذه ِ‬
‫ب المعتزلةِ " منشَقّ عن " مذهبِ الجهمية "‪.‬‬
‫" ومذه ُ‬
‫ب كثيرةٌ‪ ،‬كلّها أصلُها " مذهبُ الجهمية "‪.‬‬
‫ثُمّ تفرّعت مذاه ُ‬
‫هذه ‪ -‬تقريبًا ‪ -‬أصول ال ِفرَ قِ [ قال ا بن أ بي رندقه الطرطو شي في كتا به " كتاب‬
‫الحوادث والبدع " ص‪( :14 :‬اعلم أن علماء نا ‪ -‬ر ضي ال عنهم ‪ -‬قالوا‪ :‬أ صول‬
‫البدع أرب عة‪ ،‬و سائر ال صناف الثنت ين و سبعين فر قة من هؤلء تفرقوا وتشعبوا‪،‬‬
‫و هم‪ " :‬الخوارج " و هي أول فر قة خر جت على علي بن أ بي طالب ‪ -‬ر ضي ال‬
‫عنه ‪ ،-‬و " الروافض "‪ ،‬و " القدرية "‪ ،‬و " المرجئة ")‪] .‬‬
‫على الترتيب‪.‬‬
‫أولً‪ " :‬القدريةُ "‪.‬‬
‫ثُمّ‪ " :‬الشيعةُ "‪.‬‬
‫ثُمّ‪ " :‬الخوراجُ "‪.‬‬
‫ثُمّ‪ " :‬الجهمية "‪.‬‬
‫هذه أصول ال ِفرَق‪.‬‬
‫ق كثيرةٌ ل يحصيها إل ال‪ ،‬وصُنّفتْ في هذا كتبٌ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫وتفرّقت بعدها ِفرَ ٌ‬
‫‪ - 1‬كتاب‪ " :‬ال َفرْق بين ال ِفرَق " للبغدادي‪.‬‬
‫‪ - 2‬كتاب‪ " :‬المِلل والنّحَل " لمحمّد بن عبد الكريم الشهرستاني‪.‬‬
‫‪ - 3‬كتاب‪ " :‬ال ِفصَل في المِلل والنّحَل " لبن حزم‪.‬‬
‫‪ - 4‬كتاب‪ " :‬مقالت السلميين واختلف المصلين " لبي الحسن الشعري‪.‬‬
‫كُلّ هذه الكتب في بيان ال ِفرَقِ‪ ،‬وتنوّعِها‪ ،‬وتعدادِها‪ ،‬واختلفِها‪ ،‬وتطوراتِها‪.‬‬
‫ول تزالُ إلى عصرنا هذا تتطوّر‪ ،‬وتزيدُ‪ ،‬وينشأُ عنها مذاه بُ أخرى‪ ،‬وتنشَقّ عنها‬
‫أفكارٌ جديدةٌ منبثقةٌ عن أصلِ الفكرة‪ ،‬ولم يب قَ على الحقّ إل أهلُ السنّة والجماعة‪،‬‬
‫في كُلّ زما نٍ ومكان هم على ال حق إلى أن تقو مَ ال ساعةُ‪ ،‬ك ما قال صلى ال عل يه‬
‫و سلم‪( :‬ل تزالُ طائفةٌ من أم تي ظاهر ين على ال حق‪ ،‬ل يضرّ هم من خذَل هم ح تى‬
‫يأتي أمرُ ال وهم كذلك)‪ [ .‬سبق تخريجه ص‪] .)21( :‬‬
‫أهلُ السنّة والجماعة ‪ -‬والحمدُ لِ ‪ -‬يخالفون " القدرية النفاة "‪:‬‬
‫فيؤمنون بالقدر‪ ،‬وأنّه من أركان اليمان الستة‪ ،‬وأنه ل يحصُلُ في هذا الكونِ شيءٌ‬
‫إل بقضائه وقدره ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ ،-‬لنّه الخلّق‪ ،‬الربّ‪ ،‬الماَلكُ‪ ،‬المتصرفُ ‪:‬‬
‫شيْءٍ َوكِيلٌ‪ .‬لَهُـ مَقَالِيدُ السّـمَاوَاتِ وَالَْأرْضـِ}‪.‬‬
‫علَى كُلّ َ‬
‫شيْءٍ وَ ُهوَ َ‬
‫{اللّهُـ خَالِقُـ كُلّ َ‬
‫[ سورة الزمر ]‬
‫الكونـ إل بمشيئت ِه ‪ -‬سـبحانه ‪ ،-‬وإرادت ِه‪ ،‬وقدرت ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ل أح َد يتصـ ّرفُ فـي هذا‬
‫وتقديرِه‪.‬‬
‫علِ مَ ال ما كان‪ ،‬و ما سيكون في الزَلِ‪ ،‬ثم كت به في اللو حِ المحفو ظِ‪ ،‬ثم شاءَه‬
‫َ‬
‫وأوجدَه وخلقَه ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪.-‬‬
‫ج َبرٌ على أفعال هِ ‪-‬‬
‫وأنّ للع بد مشيئةً‪ ،‬وك سبًا‪ ،‬واختيارًا‪ ،‬ل أنّ ه م سلوبُ الرا َدةِ‪ ،‬مُ ْ‬
‫كما تقول " الجبرية الغُلة " ‪-‬؛ فهم يخالفونهم‪.‬‬
‫ومذهبُ هم في صحابة ر سولِ ال صلى ال عل يه و سلم‪ :‬أنّ هم يوالونَ هم كلّ هم‪ ،‬أهلَ‬
‫الب يت وغيرَ أ هل الب يت‪ ،‬يوالون ال صحابة كل هم‪ ،‬المهاجر ين‪ ،‬والن صار‪ ،‬والذ ين‬
‫اتبعوهم بإحسان‪ ،‬ويمتثلونَ بذلك قولَهُ ‪ -‬تعالى ‪:-‬‬
‫سبَقُونَا بِالْإِيمَانِ َولَا‬
‫خوَا ِننَا الّذِينَ َ‬
‫{وَالّذِينَ جَاؤُوا مِن َبعْدِهِمْ يَقُولُونَ َر ّبنَا اغْ ِفرْ َلنَا َولِإِ ْ‬
‫غلّا ّللّذِينَ آ َمنُوا}‪ [ .‬سورة الحشر‪ ،‬الية‪] 10 :‬‬
‫جعَلْ فِي ُقلُو ِبنَا ِ‬
‫تَ ْ‬
‫فهـم يخالفون " الشيعـة "‪ ،‬لنّهـم يفرّقون بينَـ أصـحابِ رسـولِ ال صـلى ال عليـه‬
‫و سلم فيوالون بعض هم‪ ،‬ويعادون بعض هم‪ .‬فأهلُ ال سنّة يوالون هم جميعًا‪ ،‬ويحبون هم‬
‫جميعًا‪ ،‬والصـحابةُ يتفاضلون‪ ،‬وأفضلُهـم‪ :‬الخلفاءُ الراشدون‪ ،‬ثـم بقيّة العشرة‪ ،‬ثـم‬
‫المهاجرون أفضلُ مـن النصـارِ‪ ،‬وأصـحابُ بدرٍ لهـم فضيلةٌ‪ ،‬وأصـحابُ بيعةِ‬
‫الرضوانِ لهم فضيلةٌ‪ ،‬فلهم فضائلُ ‪ -‬رضي ال عنهم ‪.-‬‬
‫ويعتقدون‪ :‬ال سمعَ والطاعةَ ‪ -‬خلفًا " للخوار جِ " ‪-‬؛ ف هم يعتقدون ال سمعَ والطاعةَ‬
‫لولةِ أمورِ المسـلمين‪ ،‬ول يرونَـ الخروجَـ على إمامِـ المسـلمين‪ ،‬وإن ْـ حصَـلَ منـه‬
‫خطأ‪ ،‬ما دا مَ هذا الخطأُ دون الكفر‪ ،‬ودون الشرك‪ ،‬حيث نهى صلى ال عليه وسلم‬
‫عن الخرو جِ علي هم لمجرّدِ المعا صي‪ ،‬وقال‪( :‬إل أن تروا كفرًا بواحًا‪ ،‬عندَ كم ف يه‬
‫من ال برهان)‪ [ .‬جزءٌ من حدي ثِ عبادة بن ال صامت‪ ،‬ولف ظه‪( :‬دعا نا ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فبايعناه‪ ،‬فكان فيما أخذ علينا‪ ،‬أن بايعنا على السمع والطاعة‪،‬‬
‫في منشط نا ومكره نا‪ ،‬وع سرنا وي سرنا‪ ،‬وَأ َث َرةٍ علي نا‪ ،‬وأن ل ُننَازع ال مر أهله ‪-‬‬
‫قال‪ - :‬إل أن تروا كفرًا بواحًا‪ ،‬عندكم من ال فيه برهان)‪.‬‬
‫رواه البخاري‪ ،)7056( :‬ومسلم‪] .)42( )3/1470( :‬‬
‫وكذلك هم يخالفون " الجهم ية " ومشتقات هم في أ سماء ال و صفاته‪ :‬فيؤمنو نَ ب ما‬
‫وصفَ ال به نف سَهُ‪ ،‬وما و صَفَهُ به رسولُه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويتّبعون في ذلك‬
‫ب والسنّة‪ ،‬من غير تشبيهٍ ول تمثيل‪ ،‬من غير تحري فٍ ول تعطيل‪ ،‬على حَدّ‬
‫الكتا َ‬
‫السـمِيعُ البَصـِيرُ}‪ [ .‬سـورة‬
‫شيْءٌ وَ ُهوَ ّ‬
‫ِهـ َ‬
‫ْسـ َك ِم ْثل ِ‬
‫قوله ‪ -‬سـبحانه وتعالى ‪َ{ :-‬لي َ‬
‫الشورى ]‬
‫فمذه بُ أهلِ السنّةِ والجماعةِ ‪ -‬ولِ الحمدِ ‪ -‬جام عٌ للحقّ ُكلّه‪ ،‬في جمي عِ البوا بِ‪،‬‬
‫وفي جميعِ المسائل‪ ،‬ومخالفٌ لكُلّ ما عليه ال ِفرَقُ الضال ُة والنّحَلُ الباطلة‪.‬‬
‫فمن أراد النجاةَ فهذا مذهبُ أهلِ السنّةِ والجماعة‪.‬‬
‫َتـ بـه‬
‫يعبدونـ ال على مقتضَى مـا جاء ْ‬
‫َ‬ ‫بابـ العبادةِ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫وأهلُ السـنّةِ والجماعةِ فـي‬
‫الشريعةُ‪ ،‬خلفًا " لل صوفيةِ " و " المبتدعةِ " و " الخرافي ين "‪ ،‬الذ ين ل يتقّيدو نَ في‬
‫سمَهُ ل هم شيو خُ الطُر قِ‪ ،‬وأئمةُ‬
‫ب وال سنّةِ‪ ،‬بل يتبعون في ذلك ما رَ َ‬
‫عبادتِ هم بالكتا ِ‬
‫الضلل‪.‬‬
‫نسألُ ال أنْ يجعلني وإياكم من أهلِ السنّةِ والجماعةِ؛ ب َمنّهِ وك َرمِهِ‪ ،‬وأن يرينا الحقّ‬
‫حقّا ويرزقنا اتباعَهُ‪ ،‬وأنْ يرينا الباطلَ باطلً ويرزقَنا اجتنابَهُ‪ .‬إنه سميعٌ مجيب‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وصلى ال وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬
‫‪$‬الجابة على بعض السئلة‬
‫وسئل الشيخُ ‪ -‬حفظه ال ‪ -‬بعد المحاضرةِ ع ّدةَ أسئلة‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪$$‬السؤال الول‪:‬‬
‫لقد نهَى ال ورسوله صلى ال عليه وسلم عن الغُلو في الدين؛ فهل سببُ انحرا فِ‬
‫ال ِفرَقِ عن أهلِ السنّةِ والجماعةِ الغُلو ؟‪ .‬وما أمثلةُ ذلك من ال ِفرَق ؟‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫" الخوراجُـ " ظاهرٌ أن سـببَ انحرافِهـم الغُلو فـي الديـن؛ لنّهـم تشدّدُوا فـي العبادةِ‬
‫ـ الكُ ْفرَ عـن غي ِر بصـيرة‪ ،‬لنّهـم‬
‫على غيرِ هُدى وبصـيرة‪ ،‬وأطلقوا على الناس ِ‬
‫يخالفونهم في مذهبهم‪.‬‬
‫فل شك أن الغلو في الدين هو أساس البلء‪ ،‬قال ‪ -‬تعالى ‪: -‬‬
‫غ ْيرَ الْحَقّ}‪ [ .‬سورة المائدة‪ ،‬الية‪] 77 :‬‬
‫{قُلْ يَا أَهْلَ ا ْل ِكتَابِ لَ َت ْغلُواْ فِي دِي ِنكُمْ َ‬
‫قال صـلى ال عليـه وسـلم‪ " :‬إياكـم والغلو؛ فإنمـا أهلك مـن كان قبلكـم الغلو "‪.‬‬
‫[ أخرجـه أحمـد‪ ،)347 ،1/215( :‬والنسـائي‪ ،)269 - 5/268( :‬وابـن ماجـة‪( :‬‬
‫‪ ،)3029‬وا بن أ بي عا صم‪ ،)98( :‬وا بن خزي مة‪ ،)4/274( :‬وا بن الجارود في "‬
‫المنتقـى "‪ ،)473( :‬وابـن حبان‪ ،)1011( :‬والطـبراني فـي " الكـبير "‪،)12747( :‬‬
‫والحا كم‪ ،)1/466( :‬والبيه قي‪ ،)5/127( :‬وأ بو يعلى المو صلي‪)357 ،4/316( :‬‬
‫من حديث ابن عباس ‪ -‬رضي ال عنه ‪] .-‬‬
‫والغلو في كل شيء هو‪ :‬الزيادة عن الحد المطلوب (وكل شيء تجاوز حده انقلب‬
‫إلى ضده)‪.‬‬
‫ون جد أن " المعطلة لل صفات " سبب انحراف هم الغلو في التنز يه‪ ،‬و سبب انحراف "‬
‫الممثلة والمشبهة " غلوهم في الثبات‪.‬‬
‫فالغلو بلء‪ ،‬والوسط والعتدال هو الخير في كل المور‪.‬‬
‫فل شك أن للغلو دورًا في ضلل الفرق عن الحق‪ ،‬كل غلوه بحسبه‪.‬‬

‫‪$$‬السؤال الثاني ‪:‬‬


‫فضيلة الشيـخ‪ :‬يقول الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم‪( :‬سـتفترق أمتـي على ثلث‬
‫وسبعين فرقة) [ سبق تخريجه ص‪] .)14( :‬‬
‫فهل العدد محصور أو ل ؟‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ليس هذا من باب الحصر؛ لن الفرق كثيرة جدًا‪ ،‬إذا طالعتم في كتب الفرق وجدتم‬
‫أن هم فرق كثيرة‪ ،‬ل كن ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬ان هذه الثلث وال سبعين هي أ صول الفرق‪،‬‬
‫ثم تشعبت منها فرق كثيرة‪.‬‬
‫وما الجماعات المعاصرة الن‪ ،‬المخالفة لجماعة أهل السنة؛ إل امتداد لهذه الفرق‪،‬‬
‫وفروع عنها‪.‬‬

‫‪$$‬السؤال الثالث ‪:‬‬


‫هل هناك فرق بين " الفرق الناجية " و " الطائفة المنصورة " ؟‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ـ " ناجيةً " إل إذا كانـت "‬
‫أبدًا‪ " ،‬الفرقـة الناجيـة " هـي " المنصـورة "‪ .‬ل تكون ُ‬
‫منصـورةً "‪ ،‬ول تكون " منصـورةً " إل إذا كانت ْـ " ناجيةً "‪ ،‬هذه أوصـافُهم‪ " :‬أهلُ‬
‫السنةِ والجماعة "‪ " ،‬الفرقة الناجية "‪ " ،‬الطائفة المنصورة "‪.‬‬
‫و من أراد أن يفرق ب ين هذه ال صفات‪ ،‬ويج عل هذه لبعض هم وهذه لبعض هم ال خر؛‬
‫ف هو ير يد أن يفرق أ هل ال سنة والجما عة‪ ،‬فيج عل بعض هم فر قة ناج ية‪ ،‬وبعض هم‬
‫طائفة منصورة‪.‬‬
‫وهذا خطأ؛ لنهم جماعة واحدة‪ ،‬تجتمع فيها كل صفات الكمال والمدح‪ ،‬فهم " أهل‬
‫السـنة والجماعـة "‪ ،‬وهـم " الفرقـة الناجيـة "‪ ،‬وهـم " الطائفـة المنصـورة "‪ ،‬وهـم "‬
‫الباقون على الحق إلى قيام الساعة "‪ ،‬وهم " الغرباء في آخر الزمان "‪.‬‬

You might also like