Professional Documents
Culture Documents
-3-
مد محيي الدّين مينو
مح ّ
مملكة الكراسي
الخشبيّة
قصص للطفال
-4-
-5-
الهــداء
دبّي في 8/3/2000
محمّد
-6-
-7-
ي
جيش صلح الدّين اليّوب ّ
سألَ معلّمٌ تلميذَه:
"-ماذا تودّون أن تكونوا في المستقبلِ؟".
فقالَ أحدُهم:
"-أنا جائعٌ ،أري ُد أن أصبحَ رغيفَ خبزٍ".
وقالَ آخرُ:
"-أنا يتيمٌ ،أريدُ أن أصيرَ أبا".
-8-
وقالَ ثالثٌ ،وهو يرفرفُ بجناحيه:
"-أنا عُصفورٌ ،أحبّ الحريّةَ ،وأكرهُ القفاصَ،
عصْفورا". ولن أكونَ في المستقبلِ إلّ ُ
وحين لحظَ المعلّمُ أنّ سامرا لم َي ْنبِس
بكلمةٍ( ،)1اقتربَ منه ،وربّت على كتِفه ،وسأَله:
"-بمَ تف ّكرُ ،يا سامرُ؟ ماذا ستكونُ في
المستقبلِ؟".
فكّر سامرٌ هنيهاتٍ ،وقالَ:
ن صلحَ الدّينِ اليّوبيّ".
"-أريدُ أن أكو َ
عندئذٍ صفّقَ التّلميذُ لسامرٍ ،وصمّموا أن
يكونوا من ُفوْرهم جنودا في جيشِ صلحِ الدّينِ
() لم يَ ْنبِ سْ بكل مة :لم تتحرّك شفتاه بش يء ،وأك ثر ما ي ستعمل 1
-9-
اليّوبيّ.
- 10 -
حلوى العيد
- 11 -
وفي اليومِ التّالي ركبَ طارقٌ حصانَه
الخشبيّ ،وأخذَ يجري من غرفةٍ إلى غرفةٍ ،وهو
يصهلُ ،فقال الحصانُ:
"-لماذا َتزْعَقُ بوجهي؟ لقد أجْ َف ْلتَني ،وأخفتَني".
فقالَ طارقٌ:
"-أنا أصهلُ ،ل أزْعَقُ".
ثمّ أردفَ الحصانُ:
"-كاد الرّسَنُ يخنُقني ،اِرمِهِ من ي ِدكَ".
حرَنَ الحصانُ( ،)2وهوى على الرضِ
وحين َ
متعبا ،استلقى طارقٌ على سريرِه لهثا ،وسألَ
أمّه:
- 12 -
"-كيف أتيتُ؟".
ابتسمتِ المّ ،وقالتْ:
"-اشترينا يومَ العيدِ عُلب َة حلوى صغيرةً،
ضتَ منها كالعِفريتِ،وحينَ فتحنا العلبةَ ،نه ْ
حتَ تصيحُ :ماما ،بابا.".. ور ْ
ضحكَ طارقٌ ،حتّى دمعتْ عيناه ،وقرّر أن
يغفوَ اللّيلةَ ،وينتظرَ أيّامَ العيدِ الكبيرِ ،حتَى يشتريَ
عُلبةَ حلوى كبيرةً.
- 13 -
- 14 -
العصافير تهاجر بعيداً
ت النّجومُ ،وه ّ
ب نفخَ جنديّ في بوقِه ،فاستيقظ ِ
جنو ُد المملكةِ من نومهمْ مذعورين ،واجتمعوا في
شرْفةِ متجهّمَ
فِنا ِء القصرِ ،وحين أطلّ الملكُ من ال ّ
الوجهِ ،أرعدتِ السّماءُ ،وأبرقتْ ،حتّى ملتِ
الجنودَ مطرا وخوفَا.
ل الملكُ ،وهو في أقصى الغضبِ:
قا َ
"-أنتم جبناءُ ،ترتعدون أمامَ أعدا ِء الوطنِ
- 15 -
كالفئرانِ .غزا العدا ُء أطرافَ المملكةِ ،وتوغّلوا
كالنّملِ في شوارعِها وساحاتِها ،حتّى غدتْ مثلَ
ل التّآمرُ عليّ
عُلبةِ كِبريتٍ ،وأنتم ل عملَ لديكم إ ّ
وعلى حاشيتي .ماذا سيكتبُ عنكم التّاريخُ؟ وماذا
سيقولُ؟ أيّها الوزيرُ ،هؤلء الجنودُ غيرُ مخلصين
ل الموتَ".لي وللوطنِ ،وهم ل يستحقّون إ ّ
وهكذا سيقَ الجنودُ إلى السّجنِ ،حتّى ا ْكتَظّ
بهم .همسَ أحدُهمْ في أذن آخر قائلً:
"-في أيّ عص ٍر يعيشُ صاحبُ الجللةِ؟! لب ّد
أن يستيقظَ من نومِه الطّويلِ ،حتّى يرى أنّ سيوفَنا
قد تثلّمتْ( ،)3وأنّ طائراتِ العداءِ تحصدُ
رؤوسَنا".
قالَ الخرُ ،وهو يتل ّمسُ رأسَه:
- 16 -
"-هذا الملكُ قصيرُ النّظرِ ،ل يرى أبعدَ من
المشانقِ والسّجونِ".
ضحكا في سرّهما معا ،وأغفى كلّ منهما ليلتَه
حلُمٍ جميلٍ ،ل سلطةَ فيه إلّ ل َمِلكِ النّومِ .وفيعلى ُ
الصّباحِ استيقظَ الجنودُ على قرارٍ ملكيّ بالفراجِ
عنهم جميعا ،لنّ جلل َة الملكِ عق َد ليلةَ البارحةِ
صُلحا مع العداء ،فنجتْ رؤوسُهم من المشانقِ،
ونجا الملكُ وحاشيتُه من المكائدِ والدّسائسِ.
بكتْ يومئذٍ العصافيرُ ،وهاجرتْ إلى بلدٍ
بعيدةٍ بعيدةٍ.
- 17 -
- 18 -
النّورس التّائه
عرْ ِ
ض ض نورسٌ طريقَ موجةٍ في ُ اعتر َ
البحرِ ،فاكْ َف َهرّ وجهُ الموجةِ ،وعله ال ّزبَدُ .هاجتِ
الموجةُ ،وماجتْ ،ولكنّ النّورسَ لم يأبه لها ،بل
أمعنَ في اللّحاقِ بها ،ثمّ حطّ على ظهرِها ،وأرادَ
أن يستريحَ من عَناءِ الطّيرانِ الطّويلِ قليلً.
صرختْ في وجهه ،وقالتْ:
"-إلمَ تعترضُ طريقي ،أيّها النّورسُ؟".
- 19 -
جَفَلَ النّورسُ ،و َفزِعَ ،وقالَ متلعثما:
"-أنا تائهٌ في هذا المدى المَخوفِ ،ل أعرفُ
طريقا إلى الشّاطئ .غفوتُ هنيهةً ،وحين فتحتُ
س ْربَ النّوارسِ .أنا وحيدٌ ،أيّتها
عينيّ ،افتقدتُ ِ
الموجةُ ،ل أبَ لي ول أمّ ،ول صديقَ لي سواكِ".
قالتِ الموجةُ ،وهي تهيجُ ،وتموجُ غضبا:
"-ابتعدْ عن طريقي ،أيّها النّورسُ ،وابح ْ
ث
عمّن يحمُلكَ إلى الشّاطئ ،فالبحرُ كبيرٌ ،والمواجُ
كثيرةٌ".
قال النّورسُ ،وهو يركبُ ظهرَ الموجةِ،
ويتودّدُ إليها:
"-أنا متعبٌ ،أيّتها الموجةُ ،ل أقوى على
الطّيرانِ .سأكونُ صدي َقكِ الودودَ ،وسأحكي لكِ
قصّةً جميلةً ،هي قصّةُ هجرةِ النّوارسِ من بلدِهم
- 20 -
الباردةِ إلى بلدٍ دافئةٍ".
أ ْزبَ َدتِ الموجةُ ،وراحتْ تتقّلبُ غيظا ،وتتململُ
سُخطا ،حتّى كادَ النّورسُ أن يغرقَ ،فطارَ عنها،
ق ببصرِه إلى بعيدٍ ،وهو يضربُ بجناحيهِ وحلّ َ
خوفا و َهلَعا ،فرأى شاطئَ البحرِ ،ولمحَ سِربْا من
سرُ على النّوارسِ يتطايرُ هنا وهناك ،والمواجُ تتك ّ
الشّاطئ موجةً في إثرِ موجةٍ ،ثمّ ترتدّ ،وتتلشى.
من بعيدٍ..
أبصرَ النّورسُ الموجةَ ،وهي تقتربُ من
الشّاطئ ،وتلهثُ من التّعبِ لهاثا مسموعا ،فطارَ
إليها ،وحنا عليها قائلً:
"-لن أنسى فضَلكِ عليّ ،ولن أنساكِ ما
حييتُ".
هدأتِ الموجةُ ،واطمأنتْ ،ثمّ تراجعتْ رويدا
- 21 -
عرْضِ البحرِ ،وهي تتر ّقبُ بلهفةٍ عودةَ رويدا إلى ُ
ذلك النّورسِ التّائهِ إلى بلدِه يوما ما.
دبي في 25/2/1999
- 22 -
- 23 -
سل ْ ُ
مون أحلم سمكة َ
- 24 -
السّمكةُ عن بلدِها أكثرَ فأكثرَ.
ضاقتْ السّمكةُ بالنّهرِ َذرْعا( ،)4فسألتْه ب َ
حنَقٍ
وغضبٍ:
"-إلى أين ،أيّها النّهرُ؟".
أجابَ النّه ُر بصوتٍ هادرٍ كالعاصفةِ:
"-هناك حقولٌ وبساتينُ عطشى ،تنتظرني منذ
زمنٍ بعيدٍ".
س ْلمُونِ:
قالتْ سمكةُ ال ّ
"-أريدُ أن أعودَ إلى بلدي حالً".
قالَ النّهرُ ،وهو يضحكُ:
"-سيجرُ ُفكِ التيّارُ إلى أمامٍ ،ولن تقدري على
- 25 -
الرّجوعِ خطوةً أو خطوتين إلى الوراءِ".
قالتْ السّمكةُ في أسى وحزنٍ:
"-اِهدأ قليلً ،أيّها النّه ُر الودودُ ،وحاولْ أن
تساعدَني مثلما تساعدُ أهلَ القرى ،أينما سرتَ،
وكيفما اتجهتَ".
قال النّهرُ:
س الجبا َلج على رؤو ِ "-طريقُنا طويلةٌ ،والثّلو ُ
ق
ض الماءُ ،ويتدف ُ
ب أيّا َم الرّبيعِ ،فيفي ُ
كثيفةٌ ،تذو ُ
ق
ث تتشّق ُهادرا .أيّتها السّمك ُة الطّيبةُ ،سنمضي حي ُ
س جوعا ،ونحن خي ٌر ض عطشا ،ويتض ّو ُر النّا ُ الر ُ
ض وللنّاسِ .قدرُنا واحدٌ ،وهو أن نسي َر وحياٌة للر ِ
ت إلى الورا ِء أبدا". معا إلى أما ٍم حتّى النّهايةِ ،فل نلتف ُ
ض النّهرُ،
بكتْ يومئذٍ السّمكةُ ،بكتْ حتّى فا َ
ستْ وكاد أن يُغرقَ القرى ،ولكنّها ذاتَ صباحٍ أح ّ
- 26 -
أنّ النّهرَ قد ضَحَلَ ماؤه وقلّ ،فعزمتْ على العودةِ
إلى بلدِها ،والبلدُ خلفَها تنأى ،وتبتعدُ ،فل يبقى
حلُمٌ وذكرى.
منها إلّ ُ
س ْلمُونِ ،وارت ّدتْ إلى الوراءِ،
تقاوتْ سمكةُ ال ّ
س التيّار بسرعةٍ ،والتيّارُ يصدّها وراحتْ تسبحُ عك َ
م ّرةً ،ويرأفُ بها م ّرةً أخرى ،حتّى قطعتْ سهولً،
واجتازتْ أوديةً ..وفي طريقِها الطّويلةِ صادفت
السّمكةُ جبلً شاهقا ،ل يَطولُ ذِروتَه أحدٌ ،فتوقّفتْ
عن السّباحةِ ،وأخذتْ تف ّكرُ كيف تخرجُ من هذا
المأزقِ الخطيرِ؟ والجبلُ يعلو ،ويعلو أمام عينيها،
حلُ ُم العودةِ،
حتّى يصلَ عَنانَ السّماءِ ،فيتلشى ُ
غرْنوقٍ على وينأى الوطن بعيدا .فجأةً حطّ طائرُ ُ
ضفّةِ النّهرِ ،ليشربَ من مائِه العذبِ ،فلمحَ سمكةَ
حبَ وجهها واسودّ، س ْلمُونِ مكتئبةً حزينةً ،شَ َ
ال ّ
و َهزَلَ جسمها ونَحَلَ ،فسألها:
- 27 -
"-ما بكِ ،أيّتها السّمكةُ؟ أراكِ شاحبةً هزيلةً!".
صرُ قلبَها:
ن يعت ِ
أجابت السّمكةُ ،والحز ُ
"-أريدُ أن أعودَ إلى بلدي ،وهذا الجبلُ-ك ما
يقفس كالجدار فسي وجهسي ،فل أسستطيعُ أن
ُ ترى-
أجتازَه".
ضحكَ طائرُ ال ُغرْنوقِ ،وأخ َذ يضربُ بجناحيه
سعيدا ،وقال:
"-أنا سأحمُلكِ إلى الطّرفِ الخرِ من النّهرِ
خلفَ الجبلِ".
جبٍ:
سألته السّمكةُ بلهفةٍ وتع ّ
"-أحقّا تستطيعُ ،أيّها الطّائرُ؟! أخشى أن
تستغرقَ وقتا طويلً ،فأختنقَ ،وأنا خارجَ الماءِ".
قال ال ُغرْنوقُ في عزيم ٍة وإصرارِ:
- 28 -
"-ستكونين على الطّرفِ الخرِ من النّهرِ في
غمضةِ عينٍ .إنّها مجرّدُ ثوانٍ ،ل أكثرَ ول أقلّ."..
س ْلمُونِ،
قبض ال ُغرْنوقُ بقدميه على سمكةِ ال ّ
وطارَ بها بعيدا ،حتّى اعتلى قمّةَ الجبلِ ،ثم هوى
على النّهرِ سريعا ،وألقى السّمكةَ في الماءِ برفقٍ،
وهي تلهثُ ،وتتلوّى ،ولمّا استر ّدتْ أنفاسَها شكرتْ
لطائرِ ال ُغرْنوقِ معروفَه الجميلَ ،ومضتْ في
س التيّار ،وتحثّ الخطى ح عك َطريقها الطّويلةِ ،تسب ُ
نحو المجهولِ.
- 29 -
- 30 -
الدّرس المشؤوم
- 31 -
ص ْعوُ -وهو أصغرُ الطّيورِ -قائلً:
أجابَ ال ّ
سكَ كثيرا ،أيّها البلهُ ،لستَ إلّ
"-ل تغترّ بنف ِ
أعرجَ".
وأردفَ ببغاءٌ ساخرا:
"-ل شكّ في أ ّنكَ تحتاجُ عكّازين ،فلعّلكَ تقدرُ
على المشي جيّدا".
ثم رفع هُدْهُدٌ رأسَه عاليا ،وأشار إلى ُق ْنزُعَةٍ
عليه قائلً:
"-من منكم يستطيعُ مثلي أن يحملَ هذه
ال ُق ْنزُعَةَ على رأسه؟".
أجابَ نورسٌ:
ك الكريهةِ،
"-أيّها الحمقُ ،هي مصدرُ رائح ِت َ
فل تتعالَ بها علينا ،ول تتغافلْ".
- 32 -
وأردفَ غُرابٌ ضاحكا:
ك ملكٌ
"-حقّا ،إ ّنكَ تبدو كالملكِ المتوّجِ ،ولك ّن َ
بل مملكةٍ ،ونحن لسْنا رعاياكَ".
ستْ نعامةٌ رأسها في التّراب ،وقالتْ، ثمّ د ّ
وهي تتمايل َيمْنةً ويَسْرةً:
"-من منكم يستطيعُ مثلي أن يدسّ رأسه في
التّراب هكذا".
ستْ النّعامةُ رأسَها في التّرابِ انق ّ
ض وحين د ّ
عليها العُقاب ،وقبضَ عليها بمخالبه الحا ّدةِ ،وطارَ
بها بعيدا.
جَ َفَلتِ الطّيورُ ،وطارتْ إلى البعيدِ سربا
واحدا ،ل يتعالى عليه لَقلَقٌ ول هُدْهُدٌ ،ول يحتالُ
عليه نسرٌ ول عُقابٌ .ومنذ ذلك اليومِ تعلّمَ كلّ
طائرٍ منها درسا قاسيا ،لن ينساه طوالَ حياتِه.
- 33 -
- 34 -
- 35 -
مملكة الكراسي الخشبيّة
ي في 10/3/1999
دب ّ
- 36 -
مُدويّا:
"-أنا الن ملكُ البلدِ".
تردّدتْ صرختُه في أرجاءِ القصرِ ،ووصل ْ
ت
ع الملكِ وحاشيتِه الّذين فاجؤوا الجنديّ ،وهوأسما َ
مازالَ جالسا على العرشِ ،يرتجفُ من َهوْلِ
المفاجأةِ ،والجنودُ يُشهرون سيوفَهم الّلمعةَ في
وجهِه ،ولكنّ الملكَ أمرهم أن ينصرفوا عنه،
ويتركوه وهذا الجنديّ.
نهضَ عندئذٍ الجنديّ من مكانِه ،فأشار إليه
الملكُ أن يجلسَ ،فجلس ،والسّيافُ يتراءى أمام
عينيه المذعورتين شاهرا سيفه ،يهُ ّم بضربِ عُنقِه،
فيرتعدُ َهلَعا وخوفا .حاول الجنديّ أن يفتحَ عينيه،
ويرفعَ رأسَه قليلً ،فلم يستطعْ ،وحاولَ أن ينهضَ
من مكانِه ثانيةً ،فلم تحملْه قدماه ،والقصرُ يدورُ
- 37 -
به ،فل يهدأُ ،ول يستقرّ.
سأله الملكُ مستغربا:
-أتظنّ أنّ هذا الكرسيّ الخشبيّ يجعُلكَ
ملكا؟!".
أجابَ الجنديّ ،وهو يتلعثمُ:
حلُمٍ ،يا صاحبَ الجللةِ ،ظلّ
"-هو مجرّدُ ُ
يراودني منذ صغري".
ف الملكُ ضاحكا:
ثمُ أرد َ
"-أنتَ الن ملكٌ ،وأنا أحدُ رعاياكَ .بمَ ستحكمُ
ت عليكَ".
عليّ لو انقلب ُ
هبّ الجنديّ واقفا ،وقالَ معتذرا:
"-أستغفرُ الَ ،يا صاحبَ الجللةِ ،ما أنا إلّ
- 38 -
عبدٌ من عبي ِدكَ".
ل الملكُ:
قا َ
"-اجلسْ ،اجلسْ ،أيّها الجنديّ ،وقلْ لي :كيف
ستحكمُ بين هؤلء النّاسِ الذين ل همّ لهم إلّ التآمرُ
عليّ وعلى مملكتي".
قالَ الجنديّ ،وهو مطرقُ الرّأسِ:
"-إنّهم-يا صاحبَ الجللةِ -ل يستحقّون إلّ
الموتَ ،فل رأفةَ بهم ،ول عطفَ عليهم".
ل الملكُ:
قا َ
"-ل شكّ في أ ّنكَ جنديّ مخلصٌ لي وللوطنِ.
أيّها الجنديّ ،أنتَ منذ اليومِ وليّ عهدي المينُ".
ن وليّ العهدِ انقلبَ يوما على
يُحكى بعدئذٍ أ ّ
الملكِ ،وزجّه في السّجنِ ،حتّى ماتَ ،وجلسَ على
- 39 -
عرشِه منتشيا ،ل يفارقُه لحظةً ،ولكنّ جنديّا غافله
يوما ،وجلسَ عليه ،وهو يقولُ:
"-أنا الن ملكُ الزّمانِ".
ّسس عندئذٍ رأسسَه ،وهسو
الملكس تلم َ
َ أنس
ويحكسى ّ
س مكانَسه ،وأمرَ مسن فوره يرى أحدَ جنودِه يجلس ُ
ال سّيافَ أن يضرِ بَ عنقَه ،حتّى يكو نَ عِبرةً لغيره
من الجنودِ الذين ل يرو قُ لهم من كراسي القصرِ
ي الملكِ.
جميعِها إلّ كرس ّ
- 40 -
للحريّة أفق كبير
() تربّص بسه :انتظسر بسه خيا أو شراّ ،يلّ بسه .وأكثسر مسا يسستعمل هذا 5
التّركيب ف الشّرّ.
- 41 -
وقالَ:
"-سينامُ أولدي جياعا".
قالَ العُصفورُ متعجّبا:
"-ضاقت الدّنيا بكَ وبأولدكَ ،فلم تجدْ سوانا
طعاما!".
وعندما استيقظَ العُصفورُ من غفوتِه مذعورا،
ألفى بابَ القفصِ مفتوحا ،صفقَه بعنفٍ ،زلزلَ
الدّنيا ،وأرعدَها ،وطارَ بعيدا ،يحلّقُ في الفقِ
الكبيرِ.
- 42 -
وردة حمراء لديمة
- 43 -
قانا في 18/4/1996
من دفتر ديمة
- 44 -
المدرسةِ ،وأجهزَ واحدٌ منهم عليها ،فهوتْ ديمةُ
()6
- 45 -
- 46 -
فتى ل يعرف المستحيل
()1
قال الرّاوي :في مملكةٍ من ممالكِ الزّمانِ
وسالف العصر والوانِ كان ما كان.
يُحكى أنّ ملكا من الملوك شاخ ،حتّى بلغ
الثّمانينَ من عمره ،فأشار عليه حكيمٌ أن يوّليَ
المملكةَ أحدَ أولدِه الثّلثةِ ،وإلّ سيتربصُ( )7بها
)(7تربّص به :انتظر به شراّ.
- 47 -
العداءُ ،وسينقضّون يوما عليها فريسةً سهلةً،
فناداهم الملكُ العجوزُ على عَجَلٍ ،وأمر الحكيمَ أن
يختبرَ ق ّوةَ عزيمتهم وسدادَ رأيهم( ،)8فالتفتَ إليهم
الحكيمُ قائلً:
"-الملكُ منكم مَنْ يُقْدِمُ على عملٍ مستحيلٍ،
يجعله وليّا لعهدِ مولي المينِ".
تهلّلتْ وجوهُ المراءِ الثلثة فرحا ،واستأذنوا
الملكَ أن يمهلهم ثلثةَ أيّامٍ ،يف ّكرُ خللها كلّ واحدٍ
منهم بعملٍ ما ،فوافق الملكُ على مَضضٍ(،)9
وأمرهم بالنصرافِ إلى شؤونهم ،وحين هَمّ
المراءُ بالخروج من المجلس ناداهم من جديدٍ
محذّرا:
- 48 -
"-أمامكم ثلثةُ أيّامٍ ،وإلّ سيحيطُ بنا العداءُ
كما يحيطُ السّوارُ بال ِم ْعصَمِ".
انحنى المراءُ الثّلثةُ ،وخرجوا إلى قصورهم
واجمين ،يف ّكرُ كلّ منهم بعملٍ عظيمٍ ،يحظى
برضى الملكِ ،فالكبيرُ علءُ الدّينِ يحلمُ منذ صغره
أن يصبحَ ملكا ،فكان يضع تاجَ والدِه خِلسةً على
رأسه ،ويتباهى به أمام إخوته الصّغار ،والوسطُ
صلحُ الدّين يحلم أن يصبحَ وليّا للعهد ،فكان يرفع
صوْلجانَ( )10الملك في وج ِه الصّغيرِ عزّ الدّينِ،
ويأمره أن ينحنيَ له ،فينحني الصّغير صاغرا(،)11
وهو يحلمُ أن يغافلَ يوما والدَه ،ويجلسَ مكانَه على
ي الوثيرِ.
عرشِه العاج ّ
)(10ال ّ
صوْلان :عصا معقوفة ،يملها اللوك والسّلطي.
)(11صاغرا :ذليلً مهانا.
- 49 -
()2
قال الرّاوي ،وهو يقلّبُ كتابا أمامه ،اهترأتْ
أوراقُه ،واصفرّتْ:
ح اليوم التّالي أتى الميرُ علء الدّين
في صبا ِ
القصرَ لهثا ،ودخل المجلسَ بل استئذانٍ ،فلمه
حكي ُم المملكةِ ،وأمره أن يستأذنَ الحاجبَ في
الدّخول على الملك ،وحين وقف الميرُ بين يدي
الملكِ قال:
"-أنا أستطيعُ -يا صاحبَ الجللةِ -أن أقلبَ
النّهارَ ليلً".
ابتسم الحكيمُ في وجهِ الملكِ المتجهّمِ( ،)12وسأل
الميرَ ضاحكا:
"-كيف ستقلب النّهارَ ليلً ،يا سيّدي المير؟".
)(12التجهّم :العابس.
- 50 -
أجاب الميرُ -وهو يرفعُ قبضتَه في الوجوه-
قائلً:
"-سآمرُ جنو َد المملكةِ الشّجعانَ أن يلقوا
الشّمسَ في زنزانة".
غضبتْ يومئذٍ الشّمسُ غضبا شديدا ،وغربتْ
باكرا ،فساد المملكةَ ظل ٌم دامسٌ .خاف عندئذٍ
الملكُ أن يباغتَ العدا ُء المملكةَ ،فأمر -والشّمسُ
تشرقُ بوجهٍ ساحرٍ -بإغلق السّجونِ في وجه ذلك
الميرِ المغفّل.
وفي اليوم الثّاني جاء الميرُ صلحُ الدّينِ
قصرَ والدِه الملكِ ،و َدَلفَ إلى مجلسه مستبشرا،
فوجد الملكَ وحكي َم المملكةِ في انتظاره ،ألقى
عليهما السّلمَ ،وأردفَ قائلً:
"-أنا أجرؤُ -يا صاحبَ الجللةِ -أن أمنعَ نهرَ
- 51 -
المملكةِ من الجريان".
سأله الحكيمُ ،وهو يبتسمُ:
"-كيف ستمنعُ النّهرَ من الجريان ،يا سيّدي
المير؟".
أجاب الميرُ -والملكُ يكادُ يتم ّيزُ من
الغيظ( -)13قائلً:
"-سأقيم في وجه النّهرِ سدّا منيعا".
ضحك النهرُ في سرّه ضحكا خبيثا ،وراح
يتر ّقبُ اليومَ الذي ينفّذُ فيه ذلك الميرُ المغفّلُ ما
عزَمَ عليه ،لنّه عندئذٍ سيخزُنُ وراءه ماءً غزيرا، َ
يروي به الفلحون حقولَهم وبساتينَهم بعد أن كان
عرْضِ البحرِ. يذهبُ هدرا في ُ
- 52 -
وفي اليوم الثّالث حضر الميرُ عزّ الدّين
المجلسَ ،وطأطأ رأسه بين يدي والدِه الملكِ ،فأمره
الحكيمُ أن يرفعَ رأسه قليلً ،ويعرض ما عنده من
الرّأي أمام صاحبِ الجللةِ ،فقال الميرُ:
"-أنا -يا صاحبَ الجللةُِ -أصْلحُ ما أفسده
الدّهرُ بيننا وبين العداءِ".
فسأله الحكيمُ متعجّبا مستغربا:
"-كيف ستصلح ما أفسده الدّهرُ بيننا وبين
العداء؟ بيننا وبينهم دمٌ ل ماءٌ ،يا سيّدي المير!".
بوجهه عن ()14
أجاب الميرُ ،وهو يُعرِضُ
وجه والدِه المتجهّمِ:
َ "-نعْقِدُ معهم صُلحا".
- 53 -
ك كعصفورِ ذبيحٍ ،وطلب من حكيم انتفض المل ُ
ن من القصرالمملكةِ أن يخرجَ هذا الميرَ الجبا َ
حالً ،ثمّ أمر بنفيه إلى جزيرة نائية ،ل إنسَ فيها
ول جنّ.
()3
قال الرّاوي ،وهو يطوي صفحةً من كتابه
الصفر:
تبرّأ الملكُ من أولدِه الثّلثةِ ،وأوصى الحكيم
ألّ حقّ لهم في ُم ْلكٍ ول إرثٍ ،وأرسل إلى الرّعية
رسولً ،يطوف بهم شارعا شارعا ،وينادي فيهم
عاليا:
"-أيّها الناسُ ،مَنْ يُقْدِمْ على عملٍ مستحيلٍ،
يُرضي به وجهَ الِ وجلل َة الملكِ ،يكنْ وليّا لعهدِ
مولي المين".
- 54 -
ب المملكةِ ورجالُها ،وراح كلّ سمع النّداءَ شبا ُ
منهم يف ّكرُ بعملٍ ما ،وكلّما دخل أحدُهم القصرَ
رجع خائبا ،ولكنّ فتى منهم -وهو المنتصرُ بال-
ألحّ على الحاجب أن يقابلَ جلل َة الملكِ على
انفرادٍ ،فلم يأذن له ،وظلّ هذا الفتى يتردّدُ على
القصر أيّاما ،حتّى سمع الملك بقصّته ،فطلبه،
ورحّب به في مجلسه قائلً:
"-قل ما عندك ،يا بنيّ".
وقف المنتصرُ بال بين يدي الملكِ رابطَ
ي العزيمةِ( ،)15وقال له:
الجَ ْأشِ قو ّ
"-إذا كان أبناؤك -يا صاحبَ الجللةِ -قد
خذلوك ،فأنا يتيمٌ ،ليس لي أبٌ سواك ،أضع
عمري بين يديك ،لتبقى شابا قويّا ،أنا ل أعرف
- 55 -
المستحيلَ ،يا سيّدي".
لم يتمالك الملكُ نفسَه ،فأقبل -وعيناه تَذرفان-
على الفتى ،يحتضنه كابنه ،وير ّبتُ على كتفه ،ثمّ
ب المملكة ،وقال
أجلسه إلى جانبه ،واستدعى كات َ
له:
ك الملوكِ -قرّرنا أن نتنازلَ"-اكتب :نحن -مل َ
عن عرشِنا الجليلِ لفتى الفتيانِ المنتصرِ بال".
()4
قال الرّاوي ،وهو يغلق كتابَه الكبيرَ أمامه:
وهكذا تنازل الملكُ عن عرشه لهذا الفتى،
وزوّجه من ابنتِه الوحيدةِ بدر البدور التي سُرعان
ما طلبتْ منه العفوَ عن إخوتها الثلثة ،فرفض
ن الملك الرّاحل كان قد أوصاه -وهو في طلبَها ،ل ّ
- 56 -
ال ّنزْعِ الخيرِ( -)16أن يتركَهم وشأنَهم في منفاهُم
البعيدِ البعيدِ.
دبيّ في 30/12/1999
- 57 -
سّر الّرياح الكبير
- 58 -
لم يسألِ الشّرطيّ الرّياحَ عندئذٍ عن س ّر
حزنِها ،لنّه كان قد قرأ في الكتبِ القديمةِ أنّ
الرّياحَ ل تحزنُ ول تغضبُ إلّ إذا استسلم النّاسُ
للعداء.
دبيّ في 31/12/1999
- 59 -
كلم من ذهب
)(17الزلّ :القدي.
- 60 -
في صدورها ،وحين سمع شرطيّ ما قاله التّمثال
أطبقَ فمَهُ بيده ،وقال له محذّرا:
س "اسكتْ ،فالسّكوتُ أنفعُ للتّماثيل .من
سيصدّقُ س أيّها الغبيّ س أنّ تمثالً يخرجُ عن
صمتِه؟!".
حمل الشّرطيّ التّمثالَ من مكانِهِ ،ورماهُ جانبا
سرَ قطعةً
في ركنٍ مظلمٍ من أركانِ المُتحفِ ،فتك ّ
قطعةً ،ولمّا رأتِ التّماثيلُ الخرى ما جرى للتّمثالِ
الكبر انزوتْ في أركانها ،ولذت منذ ذلك الزّمانِ
البعيدِ بالصّمتِ.
دبي في .31/12/1999
- 61 -
- 62 -
المحتوى
الهــداء6.........................................................................................
جيش صلح الدّين اليّوبيّ8...................................................................
حلوى العيد11....................................................................................
العصافير تهاجر بعيداً15.......................................................................
النّورس التّائه19.................................................................................
أحلم سمكة سَ ْلمُون24..........................................................................
الدّرس المشؤوم31..............................................................................
مملكة الكراسي الخشبيّة36.....................................................................
للحريّة أفق كبير 41.............................................................................
وردة حمراء لديمة43...........................................................................
فتى ل يعرف المستحيل47.....................................................................
سرّ الرّياح الكبير58.............................................................................
كلم من ذهب60.................................................................................
المحتوى63.......................................................................................
صدر للمؤلّف65.................................................................................
***
- 63 -
- 64 -
صدر للمؤلّف
- 65 -
- 66 -
الخشبية :قصص للطفال /محمد محي مملكة الكراسي
الدين مينو– دمشق :اتحاد الكتاب العرب،
57 – 2001ص؛ 17سم.
-3مينو
- 67 -
- 68 -