You are on page 1of 26

‫عقيدة العصمة بين المام والفقيه عند الشيعة‬

‫المامية‬
‫د‪ .‬محمد أحمد الخطيب‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫المقدمة‬

‫الحمد ل رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على سيد المرسلين محمد بن عبد ال على آله‬
‫وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد ‪،‬‬

‫فإن معظم تعاليم الشيعة المامية وعقائدها تدور حول موضوع المامة وما يتصل بها من‬
‫قضايا مثل عصمة الئمة ورجعتهم بعد الغيبة ‪ .‬واهتمامهم بهذا الموضوع يعود إلى سعيهم‬
‫لثبات إمامة علي وخلفته لرسول ال ‪ ،‬وأنه مستحق للمامة عن طريق النص بالسم ‪ ،‬وأن‬
‫غيره ممن تولى المامة وتقدموا عليه قد اغتصبوا المامة منه‪ .‬لذا فقد ذهبوا إلى أن النبي‬
‫عيّن عليا للمامة‪ ،‬وأن الئمة من بعده هم أبناؤه من فاطمة على التعيين واحدا بعد واحد إلى‬
‫المام الثاني عشر ‪.‬‬

‫وقد أكدوا معتقدهم عندما جعلوا المامة أصلً من أصول اليمان‪،‬وجزءا هماما من‬
‫العقيدة‪ ،‬ومحتجين لذلك بأنه ليس في السلم أمر أهم من تعيين المام‪ ،‬ولم يكن للنبي يفارق‬
‫الدنيا قبل أن يحسم هذا المر‪ ،‬ذلك أن المامة نص من ال تعالى‪ ،‬وهي ليس الختيار‬
‫والنتخاب من الناس ‪.‬‬

‫وبناء على هذا التصور للمامة‪ ،‬فقد ذهب الشيعة إلى أن المام شخص غير عادي في‬
‫تكوينه ومنزلته‪ ،‬وإن الئمة معصومون في كل حياتهم ل يرتكبون صغيرة ول كبيرة ‪ ،‬ول‬
‫يصدر عنهم معصية‪ ،‬ول يجوز عليهم خطأ ول نسيان‪ ،‬ونتيجة لهذه المكانة أصبحت أوامر‬
‫الئمة ونواهيهم شرعا‪ ،‬وصاروا حجة ال على الخلق تجب طاعتهم وجب اتباعهم ابتداء‬
‫بالمام الول عندهم ( علي بن أبي طالب )‪ ،‬وانتهاء بالمامة الثاني عشر عندهم ( محمد بن‬
‫الحسن العسكري ) ‪.‬‬
‫ومنذ أكثر من ألف عام ينتظر الشيعة المامية ظهور إمامهم الخير المهدي الغائب‬
‫(محمد بن الحسن العسكري ) ‪ ،‬الذي يدعون إنه غاب في سرداب قبل بلوغه‪ ،‬ليعود من جديد‬
‫قبل يوم الدين فيقيم العدل ويرجع الحق المغصوب إلى أهله ‪.‬‬

‫والذي دعا الشيعة إلى تبني فكرة ( المهدي ) والتركيز عليها‪ ،‬هو ما آلت إليه أحوالهم‬
‫بعد اختفاء المام الثاني عشر سنة ‪265‬ه تقريبا‪ ،‬وعدم وجود إمامن يخلفه من عقبه‪ ،‬إذ خشي‬
‫الشيعة أن يدب اليأس إلى نفوس اتباعهم وتتلشى حركتهم‪ ،‬فكان ل بد من ربط التباع بأمل‬
‫يتطلعون إليه في كل زمان ومكان‪ ،‬وكان ذلك المل هو ظهور المهدي الغائب ‪.‬‬

‫لذلك فقد ارتبط المل بعودة الغائب في قلب كل شيعي من الثنى عشرية ارتباطه‬
‫بعقيدته‪ ،‬فهم منذ ذلك الوقت يأتون إلى ذلك السرداب الذي اختفى فيه‪ ،‬ويتلون الدعاء‬
‫قائلين(عجل ال فرجك ‪ ،‬وسهل مخرجك‪ ،‬وقرّب زمانك)‪.‬‬

‫لكن ظهور فكرة ولية الفقيه على مسرح الحداث داخل المجتمع الشيعي المعاصر‪،‬‬
‫خاصة بعد أن تولى وصاحبها زمام المور في إيران‪ ،‬جعل الكثيرين من علماء الشيعة‬
‫ينظرون إلى ولية الفقيه‪،‬وكأنها تهدم المل الذي انتظروه منذ مئات السنين‪ ،‬وتزعزع الثقة في‬
‫عنصر هام من عقيدة المامة‪ ،‬ظالما دافعوا عنه وهو بطلن حق المة في اختيار المام ‪.‬‬

‫ولما كانت ولية الفقيه تلغي وبكل بساطة أمل الشيعة في ظهور المام الغائب‪ ،‬وتنص‬
‫على أن نائب المام يختار من قبل المة‪ ،‬وله من المكانة والمنزلة ما للمام‪ ،‬خاصة في‬
‫أوامره ونواهيه ‪.‬‬

‫لكل هذا فإن فكرة ولية الفقيه كانت حدثا خطيرا ف المجتمع الشيعي ل يجوز الستهانة‬
‫بأهميته‪ ،‬فقد أسقطت اللبنة الرئيسية في بناء الشيعي العقائدي حول المامة ‪.‬‬

‫ولما لعصمة المام من أهمية في عقيدة الشيعة‪ ،‬باعتبارها صفة أساسية لزمة في حق‬
‫أئمتهم‪ ،‬وبسببها استحقوا المامة‪ ،‬فإن إعطاء صفة العصمة للفقهاء المجتهدين يعتبر خرقا‬
‫خطيرا لتلك العقيدة‪ ،‬إذ يعني إبطال كل ادعاءات الشيعة السابقة في حق أئمتهم بالمامة ‪.‬‬

‫وذلك أن ولية الفقيه قد أنزلت عقيدة العصمة من المام إلى الفقيه مما يد خرقا في‬
‫مبادئهم قد يؤدي إلى تهاوي البناء العقائدي لمفهوم المامة الذي بناء الشيعة طيلة القرون‬
‫الماضية ‪.‬‬

‫ولما كان مثل هذا المر يحتاج إلى دراسة موضوعية تتناول الموضوع من مختلف‬
‫جوانبه في محاولة لفهم الدوافع والسباب التي أدت إلى فكرة ولية الفقيه فقد رأيت كتابة هذا‬
‫الكتاب وقد ضمنته النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬لمحة موجزة عن المامة عند الشيعة‬
‫‪ -2‬تعريف العصمة ‪.‬‬
‫‪ -3‬نشأة فكرة العصمة ‪.‬‬
‫‪ -4‬أدلة الشيعة على عقيدة العصمة والردّ عليها ‪.‬‬
‫‪ -5‬ولية الفقيه في وليته ‪.‬‬
‫‪ -6‬صلحيات الفقيه في وليته ‪.‬‬
‫‪ -7‬اعتراضات علماء الشيعة على ولية الفقيه ‪.‬‬
‫‪ -8‬الخاتمة ‪.‬‬

‫راجيا من ال أن أكون وفقت في دراسة هذا الموضوع من جميع جوانبه ‪.‬‬

‫وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين ‪.‬‬

‫لمحة عن المامة عند الشيعة‬

‫إن حجر الزواية الذي قام عليه البناء العقائدي للشيعة كان موضوع المامة‪ ،‬في محاولة‬
‫منهم لثبات إمامة علي بعد النبي ‪ ،‬عيّن عليا للمامة بالسم والتعيين المباشر‪ ،‬وأن هذا ل‬
‫يعتصر عليه بل يتسلسل في الئمة الثنى عشر من ولده ‪.‬‬

‫واعتقد الشيعة أيضا أن المامة ل تكون إل بالنص من ال تعالى على لسان النبي أو‬
‫لسان المام الذي قبله‪ ،‬وأنها ليست بالختيار أو النتخاب من الناس‪ ،‬وبناء على هذا فقد ذهبوا‬
‫إلى القول ببطلن إمامة أبي بكر وعمر وعثمان ‪.‬‬

‫وقد دافع الشيعة عن هذا المعتقد دفاعا حارا‪ ،‬فاعتبروا أن نصب المام واجب على‬
‫‪ ،‬لن وجود إمام عادل‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ال‪،‬وهو من لطف ال بعباده‪ ،‬وكل لطف واجب على ال تعالى‬
‫وحاكم كامل يمنعهم من المحظورات‪ ،‬ويحثهم على الطاعات‪ ،‬ويجعلهم أقرب إلى الطاعة‬
‫وأبعد من المعصية‪ ،‬ل يكون إل باختيار ال عز وجل ‪.‬‬
‫ولما كان نصب المام ل يكون إل بالنص والتعيين‪ ،‬فقد أكثر علماء الشيعة في إثبات‬
‫فكرة تعيين ال للمام من جهة ونقد مبدأ الختيار من جهة أخرى‪ ،‬مستندين في إثبات فكرتهم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫إلى أدلة تأولوها من القرآن الكريم‬

‫(‪)3‬‬ ‫ومما استدل به الشيعة قوله تعالى‪ (( :‬وربك يخلق ما يشاء ويختار ما لهم الخيرة ))‬
‫‪.‬‬
‫فذهبوا إلى أن الية تشير أنه ليس للناس الخبرة في أي شيء مما يرجع حكمه وأمره إلى‬
‫ال فهو الذي يختار من يشاء للنبوة والمامة‪ .‬غير أن هذه الية بظروف نزولها على اختيار‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ال للنبياء دون الئمة‪ ،‬وقد أجمع المسلمون قاطبة على أن اختيار النبياء موكل إلى ال‬

‫ومن اليات التي احتج بها الشيعة قوله تعالى‪ (( :‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى‬
‫ال ورسوله أمراُ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضللً‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫بعيدا ))‬

‫فذهبوا إلى أن الية تشير إلى أنه إذا كانت المامة مما قضى ال ورسوله تركه ‪ ،‬فهي‬
‫كغيرها من الوظائف الدينية التي قضيا بها ولم يتركها‪ ،‬فليس للناس الخيرة في نفيها أو إثباتها‬
‫‪ .‬مع أن مناسبة نزول الية كان عندما أتى رسول ال زينب بنت جحش يخطبها لزيد بن‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬ ‫حارثه فاستنكفت منه‪ ،‬فأنزل ال هذه الية‬

‫وكما يقول الدكتور أحمد صبحي‪ " :‬فإن متكلمي الشيعة قد خلطوا في الستدلل بهذه‬
‫الية بين ما تركه ال ورسوله فلم يقضيا به‪ ،‬وبين ما نهيا عنه‪ ،‬فإن المامة إن لم يقض ال‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)8‬‬ ‫ورسوله فيها بالنص فل يعني ذلك أنهما نهيا عن إقامتها أو اختيار المام "‬

‫وإلى جانب ما استدل به الشيعة من آيات‪ ،‬فقد قدموا كذلك العديد من الحجج العقلية‬
‫لثبات أن المامة بالنص ل بالختيار‪ ،‬وهذا الطوسي الملقب بشيخ الطائفة عندهم يصل إلى‬
‫نتيجة مفادها أن وجود المام ضروري‪ ،‬لن الشريعة مؤيدة‪ ،‬وعلى هذا فل بد لها من حافظ‪،‬‬
‫ثم يقول‪ " :‬وليس يجوز أن يكون الحافظ لها المة‪ ،‬لن المة يجوز عليها السهو النسيان‪،‬‬
‫وارتكاب الفساد العدول عما علمته ‪ ،‬فإذا ل بد لها من حافظ معصوم يؤمن من جهته التغيير‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)9‬‬ ‫والتبديل والسهو‪ ،‬ليتمكن المكلفون من المصير إلى قوله‬

‫وقد استفادت الشيعة من فكرة المهدي المنتظر‪ ،‬وأسندوها إلى آخر أئمتهم ( محمد بن‬
‫الحسن العسكري )‪ ،‬الذي يقولون بأنه دخل السرداب بسامراء بعد موت أبيه ثم اختفى وغاب‪،‬‬
‫ومما يذكر أن هذا المام لم يكن يتجاوز عمره الخمس سنوات على أكثر تقدير ‪.‬‬

‫(‪)10‬‬ ‫" وللمهدي الغائب عندهم غيبتان‪ :‬الغيبة الصغرى‪ ،‬والغيبة الكبرى"‬

‫أما الغيبة الصغرى‪ ،‬فقد استمرت مدة تزيد على السبعين عاما‪ ،‬وكان على اتصال مع‬
‫اتباعه عن طريق وكلئه ونوابه الربعة الذين تولوا النيابة واحدا بعد الخر – على حد زعم‬
‫الشيعة ‪. -‬‬
‫والشيعة أطلقوا على هؤلء النواب (السفراء) فكانوا يحملون الموال إليهم ليصالها إلى‬
‫صاحب الزمان‪ ،‬ويكتبون رسائل يستفتون فيها عن مسائل علمية ودينية اشكلت عليهم‪ ،‬وسفراء‬
‫صاحب الزمان يدخلونها عليه وبعد أيا يحضر المستفتي فيجد الجواب قد خرج بتوقيع صاحب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)11‬‬ ‫الزمان وخطه على تلك السئلة‬

‫وقد أورد الكليني في باب الغيبة واحدا وثلثين حديثا عن أئمتهم في موضوع الغيبة منها‬
‫‪ " :‬عن عبيد بن زرارة قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال يقول‪ :‬يفقد الناس إمامهم‪ ،‬يشهد الموسم فيراهم‬
‫ول يرونه " ‪.‬‬

‫وعنه أيضا " للقائم غيبتان‪ ،‬يشهد في إحداهما المواسم‪ ،‬يرى الناس ول يرونه " ‪.‬‬
‫وعن إسحاق بن عمار قال‪ :‬أبو عبد ال " للقائم غيبتان "إحداهما قصيرة والخرى‬
‫طويلة‪ ،‬الغيبة الولى مكانه فيها إل خاصة شيعته‪ ،‬والخرى ل يعلم بمكانه فيها إل خاصة‬
‫مواليه (‪. )12‬‬

‫ووقت اختفاء المام الغائب واضح فيما أورده الكليني عن أبي جعفر محمد بن علي عندما‬

‫)‪ :‬الكوثر"‪ ،‬فقال‪":‬‬ ‫سئل عن تفسير قوله تعالى‪ (( :‬فل أقسم بالخنس الجوار الكنس )) (‪13‬‬
‫إمام يخنس سنة ستين ومائتين‪ ،‬ثم يظهر كالشهاب يتوقد في الليلة الظلماء‪ ،‬فإن أدركت زمانه‬

‫)‬ ‫قرّت عينك " (‪14‬‬


‫وقد أفرد شيخ الطائفة ( الطوسي ) كتابا خاصا في موضوع الغيبة‪ ،‬تحدث فهيا بإسهاب‬
‫عن غيبة صاحب الزمان‪ ،‬وعن مدة غيبته الصغرى‪ ،‬وعن سفرائه فيها الذين هم البواب بينه‬
‫وبين شيعته‪ ،‬كما تحدث عن وقوع الغيبة الكبرى‪ ،‬وقد كان ذلك بخروج توقيع القائم صاحب‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫الزمان هذا‪ ،‬على يد أخر سفير من سفرائه وهو محمد بنعلي السمري (‪15‬‬
‫وقد بقي الشيعة هذه المدة الطويلة بل إمام معصوم‪ ،‬وإنما ينتظرون إمامهم الغائب‪،‬‬
‫ويدعون ال له بتعجيل الفرج‪ ،‬ولكن غيبة المهدي المنتظر قد طالت‪ ،‬مما فتح الباب على‬
‫مصراعيه للمدعين الذين كانوا يزعمون أنه الباب إلى المام أو المام الغائب نفسه أمثال أحمد‬
‫الحسائي‪ ،‬وكاظم الرشتي‪،‬وعلي الشيرازي وغيرهم ‪.‬‬

‫وقد ظهر صاحب كتاب الحكومة السلمية لعيلن فكرة تحولت فيما بعد إلى حقيقة‪ ،‬حاول‬
‫فيها أن يوفق عقيدة الشيعة القائلة بغيبة المام الثاني عشر‪ ،‬وأن الحكم ل يكون إل لنبي‪ ،‬أو‬
‫إمام‪ ،‬وبين القول بتشكيل حكومة إسلمية‪ ،‬والمام الغائب لم يظهر بعد‪ ،‬وبذلك ظهرت فكرة‬
‫ولية الفقيه‪ ،‬التي سنتحدث عنها بالتفصيل إنشاء ال بعد موضوع العصمة ‪.‬‬
‫تعريف العصمة‬

‫العصمة في لغة العرب تعني المنع‪ ،‬يقال عصمه بعصمة عصما أي منعه ووقاه‪ ،‬واعتصم‬
‫فلن بال إذا امتنع به أو بلطفه من المعصية‪ ،‬وقبل ملكة تكف بها النفس عن المعاصي‬

‫)‪ ،‬يقول الرازي‪ " :‬العتصام بالشيء في منع نفسه‬ ‫والذنوب‪ ،‬أو خلق مانع من المعاصي (‪16‬‬
‫من الوقوع في آفة (‪. )17‬‬
‫وعرفها الشيعة‪ " :‬بأنها قوة في العقل تمنع صاحبها من مخالفة التكليف مع قدرته على‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫مخالفته (‪18‬‬

‫نشأة فكرة العصمة‬

‫تبدو فكرة العصمة عند الشيعة ردة فعل تجاه مخالفيهم في قضية إمامة علي وبقية‬
‫الئمة‪ ،‬فقد ظهرت هذه الفكرة كصفة ملزمة للمام‪ ،‬ترد له اعتباره وتسمو به عن بقية الناس‬

‫ويعلل ( دونالدسن ) المستشرق وصاحب كتاب عقيدة الشيعة المر " بأن الشيعة لكي‬ ‫)‬ ‫(‪19‬‬
‫(‬ ‫يثبتوا دعوى الئمة تجاه الخلفاء الذين أظهروا عقيدة عصمة الرسل بوصفهم أئمة هداة "‬

‫)‪.‬‬ ‫‪20‬‬
‫من الذين تكلموا بالنص على المامة‪ ،‬وعلى عصمة من‬ ‫)‬ ‫ويعتبر هشام بن الحكم (‪21‬‬
‫؟! ويبرر‬ ‫)‬ ‫يتولها‪ ،‬ذلك أن الئمة ل يوحى إليهم‪ ،‬فل يجوز عليهم السهو والخطأ (‪22‬‬
‫عصمتهم بقوله‪ " :‬إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه‪ ،‬الحرص والحسد والغضب والشهوة‪،‬‬
‫وكلها منفيه عن المام‪ ،‬فل يجوز أن يكون حريصا على هذه الدنيا ‪ ،‬وهي تحت خاتمه لنه‬
‫خازن المسلمين ‪ ،‬ول يجوز أن يكون حسودا والنسان يحسد من فوقه وليس فوقه أحد‪ ،‬ول‬
‫يجوز أن يغضب غل غضبه ل عز وجل ول يجوز أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا وال حبب‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫إليه الخرة (‪23‬‬


‫ومع أن عقيدة العصمة عند الشيعة تبدو في ظاهرها أمرا يتعلق بأبحاث العقائد والشرائع‪،‬‬
‫لكنها في الحقيقة ذات صلة بالسياسة‪ ،‬ولم يكن ظهورها بين متكلمي الشيعة إل لهذا الغرض‬
‫المتعلق بأئمتهم وأحقيتهم بالخلفة ‪.‬‬
‫ويدل على هذا‪ ،‬أن علماء الشيعة قد أثبتوا وجوب عصمة الئمة قبل الكلم عن عصمة‬
‫(‬ ‫النبياء‪ ،‬فعقيدتهم في عصمة النبياء واجبة لن ما يلزم للمام يلزم للنبي من باب أولى‬

‫)‪ ،‬فالنبوة لطف خاص‪ ،‬والمامة لطف عام‪ ،‬وليست عصمة المام بأقل أولوية من‬ ‫‪24‬‬
‫عصمة الرسول‪ ،‬لن انتفاء العام أكثر شرا من انتفاء الخاص‪ ،‬إذ ضرر انتفاء العام لطوله‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫ودوام زمنه أشد من ضرر انتفاء الخاص (‪25‬‬


‫يضاف إلى ذلك أن عصمة المام كانت مبررا للتدليل على أحقية علي وأفضليته للمامة‬
‫من الصحابة الذين بايعهم المسلمون للخلفة‪ ،‬ولذلك اتجهوا إلى الدفاع عن عصمة الرسل‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫بصفتهم أئمة كما جاء في وقوله تعالى‪ (( :‬إني جاعلك للناس إماما )) (‪26‬‬
‫ويعتبر الكليني في كتابه ( الصول من الكافي ) من أوائل كتاب الشيعة الذي أسهبوا في‬
‫بحث موضوع عصمة الئمة واسبغوا عليهم صفات لم يصلها إل النبياء‪ ،‬فالمامة في نظره‬
‫أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وامنع جانبا وابعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم‪ ،‬أو‬
‫ص ال عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه السلم بعد النبوة‪ ،‬فهي مثل‬
‫ينالوها بآرائهم‪ ،‬لذا فقد خ ّ‬
‫منزلة النبياء‪ ،‬ومن أجل هذا فالمام مطهّر من الذنوب‪ ،‬مبرأ من العيوب‪ ،‬مخصوص بالعلم‪،‬‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫وموسوم بالحلم‪ ،‬ل يدانيه أحد‪ ،‬ول يعادله عالم‪ ،‬ول يوجد منه بدل ول له نظير (‪27‬‬
‫فالمامة عند الشيعة كالنبوة من المناصب اللهية التي تحتاج إلى النصب من ال تعالى‪،‬‬
‫فكما أنه ليس للناس أن يختاروا نبيا لنفسهم فكذلك ليس لهم ول من حقهم إطلقا أن يختاروا‬
‫لنفسهم إماما‪ .‬حتى أن بعض علمائهم يرى أن المامة تابعة للنبوة بل أفضل منها‪ ،‬لن‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫إبراهيم عليه السلم لم ينل مرتبة المامة ولم يطلبها إل بعد أن نال النبوة (‪28‬‬
‫ومما يؤكد حقيقة صلة العصمة بالسياسة‪ ،‬ما ذكره الدكتور موسى الموسوي‪ ،‬وهو أحد‬
‫من علماء الشيعة المعاصرين‪ ،‬من أن العصمة التي نسبت إلى الئمة كان الغرض منها تثبيت‬
‫تلك الروايات التي تتنافى مع العقل والمنطق‪ ،‬والتي نسبت إلى المام كي يسد بها النقاش ف‬
‫محتواها على العقلء والذكياء‪ ،‬ويرغم الناس على قبولها لنها من معصوم ل يخطئ ‪ .‬فهناك‬
‫أمور نسبتها كتب الشيعة إلى الئمة وامتلت بها كتب الروايات الموثوقة عندهم مثل الكافي‬
‫في الصول‪ ،‬والوافي‪ ،‬والستبصار‪ ،‬ومن ل يحضره الفقيه وغيرها‪ ،‬وفيها الكثير من الغلو‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫من أجل إثبات عقيدة العصمة(‪29‬‬


‫وهكذا فإن اعتناق الشيعة لعقيدة العصمة كان أمرا لزما لثبات إمامة أئمتهم‪ ،‬خاصة‬
‫عندما لم يجدوا مفرا من إثبات كل تلك الروايات التي تمتلئ بها كتب الشيعة عن علم المام‬
‫وقدرته وأوصافه التي لم يصلها إل النبياء عليهم الصلة والسلم ‪.‬‬

‫ومما يذكر في هذا المجال‪ ،‬أن الشيعة اختلفوا في مرجع العصمة‪ ،‬وهل من فعل ال أو‬
‫من استعداد المكلف ‪ -‬أي المام ‪ -‬؟! وبالرغم من أن هشام بن الحكم قد استدل على أن‬
‫الئمة ل يوحى إليهم‪ ،‬إل أن متكلمي الشيعة الذين جاؤوا من بعده رأوا أن ال عز وجل يرسل‬
‫الوحي إلى الئمة من أجل عصمتهم وعدم وقوعهم في الخطأ‪ ،‬فقد روى الشيخ المفيد في‬

‫‪،‬‬ ‫)‬ ‫الختصاص عن أبي بصير قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال يقول‪ :‬لول إنا نزداد لنفدنا (‪30‬‬
‫فقلت تزدادون شيئا ليس عند رسول ال ؟ فقال‪ :‬إذا كان ذلك أتى رسول ال فأخبره‪ .‬ثم أتى‬
‫عليا فأخبره‪ ،‬ثم إلى واحد بعد واحد حتى ينتهي إلى صاحب المر؟! وفي رواية فيأتي به‬
‫الملك رسول ال فيقول‪ :‬يا محمد ربك يأمرك بكذا وكذا‪ ،‬فيقول انطلق إلى علي‪ ،‬فيأتي عليا‬
‫إلينا(‬ ‫فيقول‪ :‬انطلق به إلى الحسن‪ ،‬فل يزال هكذا ينطلق به إلى واحد بعد واحد حتى يخرج‬

‫)‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫أدلة الشيعة على عقيدة العصمة والردّ عليها‬

‫يأتي الشيعة بأدلة نقليه وعقلية لثبات عقيدتهم في عصمة الئمة‪ ،‬ومن جملة أدلتهم النقلية‬
‫‪:‬‬

‫) قوله تعالى لبراهيم عليه السلم (( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال ل‬ ‫‪1‬‬
‫)‪ .‬فقالوا‪ :‬هذه الية تدل على ان المام ل يكون إل معصوما‬ ‫ينال لعهدي الظالمين )) (‪32‬‬
‫عن القبائح‪ ،‬لن ال سبحانه تعالى نفى أن ينال عهده ‪ -‬الذي هو المامة ‪ -‬ظالم‪ ،‬ومن ليس‬
‫بمعصوم فقد يكون ظالما أما لنفسه وأما لغيره … وال سبحانه عصم اثنين فلم يسجدا لصنم‬
‫(‬ ‫قط وهما‪ :‬محمد ‪ ،‬وعلي بن أبي طالب ‪ ،‬فلحدهما كانت الرسالة‪ ،‬وللخر كانت المامة‬

‫فالمام يجب أن يكون معصوما‪ ،‬لنه لو جاز عليه الخطأ لفتقر إلى إمام آخر يسدده‪،‬‬ ‫)‬ ‫‪33‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫فلم تستقم هدايته‪ ،‬ولم تتضح حجته‪،‬وكان كغيره من العلماء (‪34‬‬
‫ل يقتدى‬
‫وقد ردّ على استدللهم‪ ،‬بأن الية تدل على أن إبراهيم عليه السلم جعله ال رسو ً‬
‫به‪ ،‬وليس فيه دللة على ما ذهب إليه الشيعة‪ ،‬لن أهل الديان مع اختلفهم يدينون به‪،‬‬
‫ويقرّون بنبوته‪ ،‬فالمامة تعني القتداء به عليه السلم‪ .‬وأما العهد الذي ذكرته الية الكريمة‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫فتعني إنه لن ينال طاعة ال عد ّو له يعصيه ‪ ،‬ول يعطيها إل لولي له يطيعه (‪35‬‬

‫أما قولهم بأن غير المعصوم ل بد أن يكون ظالما … فهو غير مسلم به فبين العصمة‬
‫وعدم الظلم فرق شاسع‪ ،‬فالمخطئ قبل التكليف ليس ظالما ول يحاسب التفاق‪ ،‬فمن كفر أو‬
‫ظلم ثم تاب وأصلح‪ ،‬ل يصح أن يطلق عليه ( كافر ) أو ( ظالم ) في لغة أو عرف أو شرع‪،‬‬
‫كما أن الظلم اسم ذم‪ ،‬ول يجوز أن يطلق إل على مستحق اللعن لقوله تعالى‪ (( :‬أل لعنه ال‬

‫على الظالمين )) (‪36‬‬


‫‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ )2‬قوله تعالى‪ (( :‬إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) (‬

‫‪ ، )37‬حيث يرى الطبري في تفسيره‪ :‬أن أهل البيت في الية مقصورة على النبي وعلي‬
‫بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين ‪ ،‬ليصل بعد ذلك إلى أن الئمة معصومون من جميع‬
‫القبائح‪ ،‬فالية تقتضي المدح والتعظيم وفي ثبوت عصمة أهل البيت ومنهم الئمة من جميع‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫القبائح (‪38‬‬


‫وقد اعترض على استدللهم‪ ،‬بأن المقصود بالية هؤلء الخمسة فقط‪ ،‬فالواضح من سياق‬
‫اليات السابقات لهذه الية‪ ،‬والية التي بعدها تشير إلى أنها نزلت في نساء النبي (( يا نساء‬

‫)‬ ‫النبي لستن كأحد من النساء))(‪39‬‬


‫وروى أن حصين بن سبرة سأل زيد بن أرقم عن أهل بيت النبي ‪ ،‬فقال له‪ :‬أهل بيته‬
‫(‬ ‫من حرّم الصدقة عليه‪ ،‬وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس‪ ،‬فهم أصله وعصبته‬

‫)‪ ،‬وآية التطهير في نساء النبي وغيرهن من أهل البيت كما دلّ حديث زيد بن الرقم هم‬ ‫‪40‬‬
‫آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس ‪ .‬ول قائل بعصمة هؤلء‪ ،‬وتخصيص الخمسة‬
‫يحتاج إلى دليل‪ .‬وإذا تمت لهؤلء فكيف تتم العصمة لولدهم وأحفادهم ؟!‬

‫يضاف إلى ذلك أن الحاديث التي ذكرت واقعة الكساء بينت أن الرسول جمع أهل‬
‫الكساء‪ ،‬ودعا لهم بان يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا‪ ،‬فإن كان إذهاب الرجس قد‬
‫حصل والتطهير قد تم بالعصمة‪ ،‬فما الحاجة إلى الدعاء ؟! ويزيد على ذلك أن آية التطهير‬
‫واقعة بين آيات فيها المر والنهي‪ ،‬مما يؤكد أن فعل الطاعات‪ ،‬واجتناب المعاصي يؤدي إلى‬
‫إذهاب الرجس وحدوث التطهير‪،‬ويؤيده أيضا ما روى‪ :‬أن النبي كان يمر ببيت فاطمة رضي‬
‫ال عنها ستة أشهر كلما خرج إلى الصلة يقول‪ :‬الصلة أهل البيت (( إنما يريد ال ليذهب‬
‫)‪ ،‬وهنا يبدو الربط بين المر بالصلة وحرض‬ ‫عنكم الرجس أهل البيت ‪ ))00‬الية (‪41‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫على إذهاب الرجس عن أهل بيته بها (‪42‬‬ ‫الرسول‬

‫بل إن أحوال أئمة الشيعة وأقوالهم تشهد على عدم عصمتهم‪ ،‬فعلي ‪ -‬وهو المام الول‬
‫عندهم ‪ -‬اختلف معه ابنه الكبر ( الحسن) ‪ -‬وهو المام الثاني عندهم ‪ -‬في مسألة أخذه‬
‫البيعة من الناس بعد استشهاد عثمان ‪ ،‬ويلزم من ذلك أن واحدا منهما كان مصيبا‪،‬والثاني‬

‫ولقد ثبت أن عليا صوب رأي الحسن بعد وقعة الجمل وتأسف على عدم‬ ‫كان مخطئا ‪000‬‬
‫أخذه برأي الحسن (‪. )43‬‬
‫وقد ورد أن الحسين ‪ -‬وهو المام الثالث عندهم ‪ ،-‬كان يظهر الكراهية لصلح أخيه‬

‫‪ .‬ولو كان‬ ‫)‬ ‫الحسن مع معاوية رضي ال عنهما ‪ ،‬بل أبدى لومه لخيه على ذلك (‪44‬‬
‫الحسين يعلم بعصمة أخيه لم قال ذلك‪ ،‬لكن الحسن لم يلتفت إلى رأي الحسين وصالح معاوية‬
‫‪.‬‬

‫وقد روي في الكافي أن أئمة الشيعة كانوا كثيرا ما يفتون في قضايا لخاصتهم خلف ما‬
‫أنزل ال وما بينه الرسول ‪ ،‬وخلف ما كانوا يرونه‪ ،‬وذلك صيانة لنفسهم وحفاظا على‬

‫‪ .‬ومع فرض وجود المعصوم عند الشيعة فإننا نجد الختلف في الفروق‬ ‫)‬ ‫حياتهم (‪45‬‬
‫عندهم ‪ ،‬وهذا يدل على أن الئمة عندهم كانوا يجتهدون‪ ،‬والعصمة تعني أن ل يكون من‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫لن علمه إلهامي فانتفى معه الجتهاد (‪46‬‬ ‫المام اجتهاد‪،‬‬

‫أما أدلتهم العقلية‪ ،‬فإنه تستند إلى أن العقل يقضي عدم ترك أمر اختيار المام للمة لعدم‬

‫عصمتها‪ ،‬ومن تلك الدلة على سبيل المثال (‪47‬‬


‫‪:‬‬ ‫)‬

‫‪ )1‬أن الخطأ من البشر ممكن‪ ،‬فإذا أردنا رفع الخطأ الممكن يجب أن نرجع إلى المجرد‬
‫من الخطأ وهو المعصوم ‪.‬‬

‫) لو ثبتت عصمة المة‪ ،‬لما كانوا بحاجة إلى إمام‪ ،‬لن الفكرة في وجوب وجود المام‬ ‫‪2‬‬
‫ترجع إلى صدور الخطأ من المكلفين ‪.‬‬

‫) لو أن المة توجهت منزهة عن كل غرض وهوى للنفس لختيار المام‪ ،‬فإن الخطأ‬ ‫‪3‬‬
‫إذا كان جائزا على كل فرد‪ ،‬فقد جاز الخطأ على المجموع‪ ،‬وبذلك تخطئ المة فل تعطي‬
‫المستحق وتختار غيره ‪.‬‬
‫بيد أن أدلة الشيعة العقلية‪ ،‬قد أثارت عليهم أيضا موجه من النقد‪ ،‬فدليلهم الول القائم على‬
‫أن رفع الخطأ ل يتم إل بالرجوع إلى المعصوم‪ ،‬ل يسلم به لن الحاجة إلى المام ليست‬
‫بسبب جواز وقوع الخطأ على المة فالجماع عند أهل السنة معصوم لستحالة اجتماع المة‬
‫على الخطأ‪ ،‬وإذا جاز الخطأ على بعض المة فإن هذا ل يفيد جواز الخطأ على المجوع‪ ،‬لن‬
‫المة ليست مجرد مجموع أفراد‪ ،‬فكما أن الواحد ل يقدر على قتال العدو فإذا اجتمع عدد‬
‫قدّروا‪ ،‬كان ذلك دليل على أن الكثرة تؤثر قوة وعلما‪ ،‬لهذا فإثبات العصمة للمجموع أولى من‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫إثباتها للفرد (‪48‬‬


‫فعلماء السنة يشترطون في المام العدالة الظاهرة‪ ،‬فمتى أقام في الظاهر على موافقة‬
‫الشريعة كان أمره في المامة منتظما‪ ،‬ومتى زاغ عن ذلك كانت المة عيارا عليه في العدول‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫به من خطأه إلى صواب (‪49‬‬


‫وأما دليلهم الثاني القائم على أنه لو ثبتت عصمة المة لما كانوا في حاجة إلى إمام‪ ،‬ويرد‬
‫الرازي على ذلك بقوله‪ :‬لو كان المعصوم في غيرا حاجة إلى إمام ‪ ،‬لما كان علي وأنتم‬
‫تثبتون له العصمة مدى الحياة في حاجة إلى الرسول ‪ ،‬وهذا باطل لنكم تسلمون أنه كان إليه‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫محتاجا وبه مؤتما(‪50‬‬


‫وهكذا يحتج الشيعة لمعتقدهم الئمة‪ ،‬بأن العلة التي لجلها كانت الحاجة للمام هي عدم‬

‫‪،‬‬ ‫)‬ ‫عصمة المة‪ ،‬فلو يم يكن المام معصوما لكانت الحاجة إلى إمام معصوم آخر (‪51‬‬
‫واليات التي يحتج بها الشيعة يرون فيها دليل على أن تصيب الئمة مرجعه إلى ال‪ ،‬ولم‬
‫يعط صلحية شيء من ذلك إلى غيره مطلقا‪ ،‬فكما أنه ليس للناس أن يختاروا نبيا لنفسهم‬
‫فكذلك ليس لهم أن يختاروا لنفسهم إماما‪ ،‬لذا ل ب ّد أن يكون المام معصوما عن الخطأ‪ ،‬ذلك‬
‫أن غير المعصوم ل يرجع إليه‪ ،‬ول يؤخذ برأيه في مسائل الخلف‪ ،‬لنه يخطئ ويصيب‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫فصار كغيره من العلماء (‪52‬‬


‫وبناء على هذا فل يجوز ‪ -‬كما يرى الشيعة ‪ -‬توكيل المر بالمامة إلى أفراد المة‪ ،‬أو‬
‫إلى أهل الحل والعقد منهم‪ ،‬فالعقل السليم يوجب أن يكون المام مكتنفا بشرائط من النفسيات‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫الخفية والملكات التي ل يعلمها إل العالم بالسرائر كالعصمة والقداسة الروحية (‪53‬‬
‫ولكن البغدادي ناقش الشيعة في قضية هامة هي بيعة الحسن لمعاوية‪ ،‬فقال‪ " :‬فإذا سئلوا‬
‫عن بيعة الحسن لمعاوية لم يمكنهم أن يقولوا أنها كانت صوابا‪ ،‬لن هذا القول يوجب تصحيح‬
‫ولية معاوية وهو عندهم ظالم كافر‪ ،‬ولم يمكنهم أن يقولوا أنها خطأ فيبطلوا عصمة الحسن "‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫(‪54‬‬


‫وهكذا فإن البغدادي يبين أن إدّعاء العصمة لئمة الشيعة تفتقر إلى دليل‪ ،‬وبل أن أفعال‬
‫الئمة تدل على خطأهم واعترافهم بذلك‪ ،‬وهذا بل شك مخالف لمذهبهم في العصمة ‪.‬‬

‫ولية الفقيه وأدلّتها‬

‫واضح مما سبق‪ ،‬أن الفكر الشيعي في أدلّته أنكر على المة الحق في اختيار المام‬
‫لمرين‪ ،‬أولهما‪ :‬أن المام ل بدّ أن يكون معصوما‪ ،‬لن تنصيبه راجع إلى ال عز وجل‪،‬‬
‫وثانيها‪ :‬أن المة ليست معصومة‪ ،‬فكيف لها أن تختار معصوما ؟!‬

‫ومع أن الشيعة المامية في جميع كتبهم المعتبرة رأوا هذا الرأي‪ ،‬ومنعوا المة من‬
‫اختيار المام لكل السباب والدلة التي ذكرت فيما سبق‪ ،‬لكن نظرية ولية الفقيه قلبت مفهوم‬
‫الشيعة رأسا على عقب خاصة فيما يتعلق باختيار المة للمام أو نائبه‪ ،‬وفيما يتعلق أيضا‬
‫بالصلحيات المطلقة المعطاة لنائب المام وكأنه المعصوم نفسه‪ .‬إضافة إلى أن هذه النظرية‬
‫تعني نسخ عقيدة الشيعة في انتظار المهدي الغائب ‪.‬‬

‫ومن الواضح أن ظهور هذه الفكرة على يد الخميني كانت نتيجة الحباط واليأس في‬
‫نفوس الشيعة لطول المدة التي انتظروها لظهور صاحب الزمان‪ ،‬ولذلك جاء تبرير الخميني‬
‫لفكرته تظهر هذا اليأس الي مل قلوب الشيعة‪ ،‬ومما قاله الخميني ‪:‬‬
‫" قد مرّ على الغيبة الكبرى لمامنا المهدي أكثر من ألف عام‪ ،‬وقد تمر ألوف السنين قبل‬
‫أن تقتضي المصلحة قدوم المام المنتظر‪ ،‬في طول هذه المدة المديدة هل تبقى أحكام السلم‬
‫معطلة ؟ يعمل الناس من خللها ما يشاؤون ‪ ،‬القوانين التي صدع بها نبي السلم وجهد في‬
‫نشرها وبيانها وتنفيذها طيلة ثلثة وعشرين عاما‪ ،‬هل كان كل ذلك لمدة محدودة ؟ أن يخسر‬
‫السلم من بعد الغيبة الصغرى كل شيء ؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من‬

‫)‪.‬‬ ‫العتقاد بأن السلم منسوخ ‪55( "000‬‬


‫لذا يتساءل بعد ذلك فيقول‪ :‬فما هو الرأي وما هو الخروج؟! ويجيب بأن خصائص الحكم‬
‫الشرعي يمكن توافرها في أي شخص مؤهل لحكم الناس‪ ،‬وهذه الخصائص هي العلم بالقانون‪،‬‬

‫ومن خلل هذه المقدمة يصل‬ ‫والعدالة‪ ،‬وهذه موجودة في معظم الفقهاء المجتهدين ؟! ‪000‬‬
‫صاحب كتاب الحكومة السلمية إلى نتيجة مفادها أن الفقيه العالم العادل يلي من أمور‬
‫المجتمع ما كان يليه النبي ‪ ،‬وواجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا ‪ ،‬ويملك هذا الفقيه‬
‫من أمر الدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه عليه الصلة والسلم وأمير المؤمنين (‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫(‪56‬‬ ‫علي بن أبي طالب)‬

‫وقد افتضح الخميني في كتابه عن محاولة لنسخ عقيدة انتظار المام الغائب التي عاش‬
‫عليها الشيعة أكثر من ألف عام ومحاولة اللتفات عليها‪ ،‬ولكن تبريرات الخميني لولية الفقيه‬

‫‪:‬‬ ‫)‬ ‫في هذا النص تظهر أمورا في غاية الهمية وهي (‪57‬‬
‫) إن عصر الغيبة للمهدي المنتظر قد طال أمده‪ ،‬وربما يطول أحقابا‪ ،‬فقد مضى عليه‬ ‫‪1‬‬
‫‪ 1200‬عام ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫) أن الشيعي قد أصابه اليأس‪ ،‬فل يملك إل أن يدعو ال له بتعجيل الفرج‪.‬‬

‫‪ )3‬إن عقيدة الشيعة قائمة على عدم وجود حكومة أو طلب تكاليف من الناس حتى يظهر‬
‫المام ‪.‬‬

‫) يقرّر الخميني أن عقيدة انتظار ظهور المام فساد للمجتمع لنه يترك الناس همل‬ ‫‪4‬‬
‫يعملون ما يشتهون من دون راع لهم‪ ،‬لعدم وجود الحاكم الذي يقيم حكم ال بينهم ‪.‬‬

‫) يقرّر الخميني أيضا في هذه العقيدة نسخ للشريعة السلمية‪ ،‬لنها تقرّر أن أحكام‬ ‫‪5‬‬
‫الشريعة جاءت محدودة بمدة قرنين من الزمان ‪.‬‬

‫والثبات صحة هذه النظرية من خلل الفكر الشيعي‪ ،‬يأتي آية ال الخميني بأدلة وحجج‬
‫كثيرة يدعم بها نظريته منها‪:‬‬

‫فقال‪ :‬إن‬ ‫)‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪ (( :‬وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) (‪58‬‬
‫الخطاب موجّه إلى من يمسكون المور بأيديهم‪ ،‬وليس خطابا لقضاة‪ ،‬لن القضاة جزء من‬

‫الحكومة (‪59‬‬ ‫‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ -2‬إن ولية الفقيه على المة ل تختلف عن وليته على الصغار‪ ،‬فكما يعتبر الشرع‬
‫الفقيه أو القاضي قيما على الصغار‪ ،‬فالقيم على شعب بأسره ل تختلف مهمته عن القيم على‬

‫)‪ ،‬خاصة أن الفرص لمتسنح للئمة للخذ بزمام المور‬ ‫الصغار إل من ناحية كمية (‪60‬‬
‫وكانوا بانتظارها حتى آخر لحظة من الحياة‪ ،‬فعلى الفقهاء العدول أن يتحيّنوا الفرص‬

‫‪.‬‬ ‫وينتهزوها من أجل تنظيم حكومة رشيدة وتشكيلها (‪61‬‬


‫)‬

‫‪ ،‬عن رسول ال قال "‬ ‫‪ -3‬حديث يأتي به الخميني ويرويه عن علي بن أبي طالب‬
‫اللهم ارحم خلفائي ‪ -‬ثلث مرات ‪ -‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ومن خلفاؤك ؟ قال‪ :‬الذين يأتون‬
‫بعدي‪ ،‬يروون حديثي وسنتي فيعملونها الناس من بعدي " فالحديث كما يرى الخميني يقصد به‬
‫أولئك الذين يسعون في نشر علوم السلم وأحكامه‪ ،‬ويعلمونها الناس‪ ،‬ول علقة لها بنقلة‬
‫الحديث ورواته المجرّدين عن الفقه‪ ،‬فالمقصود هم فقهاء السلم الذين يجمعون إلى فقههم‬

‫ليصل في نهاية المطاف إلى نتيجة وهي أن دللة‬ ‫وعلمه العدالة والستقامة في الدين ‪000‬‬
‫‪.‬‬‫الرواية واضحة في ولية الفقيه وخلفته في جميع الشؤون (‪62‬‬
‫)‬

‫‪ -4‬حديث يرويه عن الكافي في الصول‪ :‬أن رسول ال قال‪ :‬الفقهاء أمناء الرسل ما‬
‫لم يدخلوا في الدنيا ؟! قيل يا رسول ال‪ :‬وما دخلوهم في الدنيا؟ قال‪: :‬إتباع السلطان‪ ،‬فإذا‬

‫ربما أن حكومة السلم هي حكومة القانون فالفقيه‬ ‫فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم ‪000‬‬
‫هو المتصدي لمر الحكومة ل غير‪ ،‬وهو ينهض بكل ما نهض به الرسول ل يزيد ول‬
‫ينقص‪ ،‬فالفقهاء تهم أوصياء الرسول ‪ ،‬من بعد الئمة ‪ ،‬وفي حال غيابهم‪ ،‬رقد كلفوا القيام‬
‫بجميع ما كلف الئمة بقيام به‪ ،‬لنه وصي النبي‪ ،‬وفي عصر الغيبة يكون هو إمام المسلمين‬

‫وقائدهم (‪63‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ -5‬توقيع صدر عن إمامهم الغائب الثاني عشر فيه " وأما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى‬
‫رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم ‪ ،‬وأنا حجة ال " وحجة ال ‪ -‬كما يرى الخميني ‪ -‬تعني أن‬

‫وكذلك الفقهاء فهم مراجع المة‪،‬‬ ‫المام مرجع الناس في جميع المور‪ ،‬وال قد عيّنه ‪000‬‬
‫(‬ ‫فحجة ال هو الذي عيّنه ال للقيام بأمور المسلمين‪ ،‬فتكون أفعاله وأقواله حجة على المسلمين‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫‪64‬‬

‫‪ -‬وأخيرا ياتي الخميني بقول أحد متكلميهم وهم عمر بن حنظلة عن إمامهم الغائب‬ ‫‪6‬‬
‫وفيه " من كان منكم قد روى حديثنا ‪ ،‬ونظر في حللنا وحرامنا‪ ،‬وعرف أحكامنا فليرضوا به‬
‫حكما‪ ،‬فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فمل يقبل منه فإنما استخف بحكم ال‪،‬‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫وعلينا ردّ‪،‬والرادّ علينا رادّ على ال‪ ،‬وعلى حدّ الشرك بال " (‪65‬‬
‫صلحيات الفقيه في وليته‬

‫يرى الخميني أن سلطة الفقيه أثناء وليته سلطة مطلقة‪ ،‬ل تختلف أبدا عن السلطة‬
‫المعطاة للمام المعصوم‪ ،‬فلك ما يناط بالنبي ‪ ،‬فقد أناطة الئمة‪ ،‬بالفقهاء من بعدهم‪ ،‬فهم‬
‫المرجع في جميع المور والمشكلت والمعضلت وإليهم فوّضت الحكومة وولية الناس‬
‫وسياستهم والجباية والتفاق‪ ،‬وكل من يتخلف عن طاعتهم‪ ،‬فإن ال يؤاخذه ‪ ،‬ويحاسبه على‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫ذلك (‪66‬‬


‫ويستند الخميني في ذلك إلى توقيع صدر من صاحب الزمان الغائب‪ ،‬ورد فيه " وأما‬
‫الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا‪ ،‬فإنهم حجتي عليكم‪ ،‬وأنا حجة ال " فيقول‪" :‬‬
‫حجة ال تعني أن المام مرجع للناس في جميع المور‪ ،‬وال قد عينه ‪ ،‬وأناط به كل تصرف‬
‫وتدبير من شأنه أن ينفع الناس ويسعدهم‪،‬وكذلك الفقهاء‪ ،‬فهم مراجع المة وقادتها ‪ ،‬فتكون‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫أفعاله وأقواله حجة على المسلمين‪ ،‬يجب إنفاذها ول يسمح بالتخلف عنها " (‪67‬‬
‫إذا الخميني يرى أن الفقيه حجة على أهل زمانه‪ ،‬ل فرق بينه وبي الحجة الغائب‪ ،‬وهذا‬
‫يعني أن ظهور الحجة أو بقاءه غائبا ل يغيّر من المر شيئا ‪.‬‬
‫وهكذا فإن الخميني يرى أن منصب ولية الفقيه قد منحه الئمة للفقهاء فيقول‪ " :‬نحن‬
‫نعتقد أن المنصب الذي منحه الئمة للفقهاء ل يزال محفوظا‬
‫لهم‪ ،‬لن الئمة ل تتصوّر فهم السهو أو الغفلة‪ ،‬ونعتقد فيهم الحاطة بكل ما في مصلحة‬

‫)‪.‬‬ ‫المسلمين (‪68‬‬

‫وقد توقف الخميني طويل عند رواية سمّاها (صحيح قداح) فيها قوله (العلماء ورثة‬
‫النبياء) ليثبت من خللها أن المقصود بالعلماء هم الفقهاء وليسوا الئمة‪ ،‬وأن منزلة العلماء‬
‫مثل منزلة النبياء من حيث الطاعة ‪.‬‬
‫ومما قاله‪ " :‬إن المقياس في فهمالروايات أخذ بظواهر ألفاظها‪ ،‬هو العرف والفهم‬

‫وإذا رجعنا إلى العرف في فهم عبارة ( العلماء ورثة النبياء) وسألنا‬ ‫المتعارف ‪000‬‬
‫العرف‪ :‬هل أن هذه العبارة تعني أن الفقيه بمنزلة موسى وعيسى عليهما السلم ؟ لجاب‪ :‬نعم‬
‫!؟ لن هذه الرواية تجعل العلماء بمنزلة النبياء‪ ،‬وبما أن موسى وعيسى عليهما السلم من‬
‫النبياء‪ ،‬فالعلماء بمنزلة موسى وعيسى عليهما السلم‪ .‬وإذا سألنا العرف‪ ::‬هل ان الفقيه‬
‫فورود كملة النبياء بصيغة الجمع‪ ،‬إنما يقصد به كل‬ ‫؟ لجاب‪ :‬نعم ‪000‬‬ ‫وارث رسول ال‬

‫حتى لو نزلنا العلماء منزلة النبياء بوصفهم أنبياء فإنه ينبغي إعطاء جميع‬ ‫النبياء ‪000‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫أحكام المشبه بهم للمشبه (‪69‬‬
‫ويعود الخميني فيؤكد ويقول‪ :‬إن جميع شؤون الرسول ‪ ،‬قابلة للنتقال والوراثة‪ ،‬ومن‬
‫جملتها المامة على الناس‪ ،‬وتولي أمورهم‪ ،‬من كل ما نثب للئمة من بعده وللفقهاء من بعد‬

‫‪ .‬ومن أجل أن يؤيد ما ذهب إليه‪ ،‬فإنه يأتي برواية نقلها عن أحد‬ ‫)‬ ‫الئمة ‪70( "000‬‬
‫علماء الشيعة وهو (التراقي) الذي يقول " منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة النبياء في بني‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫إسرائيل" (‪71‬‬


‫وهكذا فإن الخميني ينتهي إلى نتيجة فيقول‪ " :‬وتبين لنا أن ما ثبت للرسول والئمة فهو‬

‫‪ ،‬وتبعا لذلك فإن الراد على الفقيه‬ ‫)‬ ‫ثابت للفقيه (‪73‬‬
‫الحاكم يعد رادا على المام والردّ على المام ر ّد على ال‪ ،‬والردّ على ال يقع في حدّ الشرك‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫بال " (‪73‬‬

‫ويمكن القول بعد كل ما نقلناه عن صاحب النظرية حول حدود ولية الفقيه‪ ،‬أن الرأي‬
‫المأخوذ به هو القائل " بأن ولية الفقيه العادل الجامع للشرائط هي على حدّ ولية المعصوم‪،‬‬

‫فللفقيه أيضا‪ ،‬لن ترجيحات النائب في عصر الغيبة‪ ،‬ل‬ ‫وكل ما كان للنبي ‪ ،‬والمام ‪000‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫محالة لزمة بمقتضى النيابة الثابتة له " (‪74‬‬
‫والسؤال المطروح بعد ذلك‪ ،‬ما هي الضمانات التي وضعت لعدم استبداد الفقيه أثناء‬
‫وليته‪ ،‬وقد أعطي كل هذه الصلحيات التي أعطيت في الصل للمعصوم ‪ -‬حسب معتقد‬
‫الشيعة ‪-‬؟ وقد أجاب عن ذلك أحد علمائهم فذكر هذه الضمانات ومنها التربية‪ ،‬ورقابة المة‬
‫ومجلس الشورى‪ ،‬وأخيرا التسديد اللهي؟! ومما قاله " وهذا الضمان اللهي إما أن يكون‬
‫بشكل مباشر من خلل التسديد الغيبي للمام وهدايته للحول الفضل‪ ،‬والمواقف الفضل‪ ،‬وإما‬
‫بشكل غير مباشر من خلل حضور المام المنتظر المعصوم عجل ال تعالى فرجه الشريف‬
‫وتوجيهه للمرجعية الدينية وتسديده لها‪ ،‬وهذا عنصر مهم في التسديد والتحصين من ألوان‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫النحراف والضياع ‪75( "000‬‬


‫وعليه‪ ،‬فإن الفقيه ‪ -‬استنادا إلى ما قاله الخميني ‪ -‬يتمتع بولية عامة وسلطة مطلقة‪،‬‬
‫باعتباره الوصي على شؤون العباد في غيبة المام الغائب ‪.‬‬
‫وهذا هو مفاد المادتين الولى والثانية من الدستور اليراني " تكون ولية المر والمة‬
‫في غيبة المهدي ‪ -‬عجل ال فرجه ‪ -‬للفقيه العادل " ‪.‬‬

‫وهذا يعني أن الفقيه حجة مطلقة ومصدر السلطات ونائب ال وناطق باسمه فآراؤه‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫واجتهاداته معصومة عن الخطأ (‪76‬‬


‫ولكن بالرغم من أن المة هي مصدر الولية باختيارها للفقيه المجتهد‪ ،‬إل أنها ل تملك‬
‫من المر شيئا‪ ،‬فل يحق لها ول لحد من أفرادها أن يعترض على سلطة الفقيه لنها سلطة‬

‫فوليتهم ل حدّ بها من‬ ‫ثابتة له من ال تبارك وتعالى‪ ،‬وليس للناس إل الطاعة والتسليم ‪000‬‬
‫السلطة‪ ،‬لنها سلطة مطلقة ل تختلف عن سلطة المعصوم ؟ (‪. )77‬‬

‫اعتراضات علماء الشيعة على ولية الفقيه‬

‫لقد واجهت فكرة ولية الفقيه على المة موجة شديدة من العتراضات حول الصلحيات‬
‫المطلقة للفقيه من قبل كثير من علماء الشيعة المعاصرين‪ ،‬الذين أنكروا ولية بالمعنى الذي‬
‫وصل إليه الخميني‪ ،‬وقالوا إن الولية خاصة بالرسول والئمة الثنى عشر من بعده‪ ،‬ول‬
‫تنتقل إلى نوّاب المام‪ ،‬وإن ولية الفقيه ل تعني أكثر من ولية الفقيه الذي يستطيع تعيين أمين‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫على وقف ل متول له‪ ،‬أو نصب قيم على مجنون أو قاصر (‪78‬‬
‫وبناء على ما أورده الخميني من أدلة على ولية الفقيه‪ ،‬فالمفروض أن حكم الفقيه هو‬
‫حكم رسول ال ‪ ،‬وحكم الئمة‪ ،‬مع فارق المنزلة‪ ،‬وهذا هو الفرق الوحيد بين المام والفقيه‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫العادل مما استأثر ال بعلمه ‪ -‬كما ذكر الخميني ‪79( -‬‬
‫وهذه المنزلة سببها كما ذكر الخميني‪ " :‬لن عصمة المعصوم إنما كانت بسبب المنزلة‬
‫العالية والمقام المحمود الذي ل يبلغه ملك مقرّب ول نبي مرسل‪ ،‬وأيضا بسبب خلفته‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون (‪80‬‬ ‫التكوينية التي تخضع لوليتها‬

‫" ولكن عصمة المام ‪ -‬عند الشيعة ‪ -‬ليست فكرة تجريدية‪ ،‬وإنما هي ‪ -‬فضل عن ذلك‬
‫‪ -‬واقع علمي يتجسد في قول المعصوم وفعله أثناء وليته وحكمه‪ ،‬والتسليم للفقيه العادل‬
‫بالنتائج العملية ( للعصمة ) في القول والعمل‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫أثناء وليته على المسلمين يستدعي التسليم له بالمنزلة ل محالة (‪81‬‬
‫لقد أورد الخميني عددا من الدلة العقلية والنقلية على صحة ولية الفقهاء للئمة‬
‫المعصومين ‪ -‬عند الشيعة‪ " :-‬وإذا أردنا أن نسلم له بصحة تلك الدلة جدل‪ ،‬فإننا ما نزال‬
‫نفتقر إلى دليل واحد مهما كان ضعيفا يقدمه لنا على صحة انفراد فقيه واحد دون عشرة فقهاء‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫من معاصريه مثل في تلك الولية (‪82‬‬


‫وهناك قضية مهمة أوردها الخميني ضمن أدلته على ولية الفقيه في زمن الغيبة حيث‬

‫وأما‬ ‫يقول‪ " :‬الرواية الثالثة توقيع صدر عن المام الثاني عشر القائم المهدي ‪000‬‬
‫الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة ال ‪ ،‬وأما محمد‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫ابن عثمان العمري‪ ،‬فرضي ال عنه وعن أبيه من قبل‪ ،‬فإنه ثقتي وكتابه وكتابي (‪83‬‬
‫وتأتي أهمية هذا الدليل م كونه مستمدا من ظروف الغيبة‪ ،‬ويمنكن اتخاذ الغيبة نقطة البداية‬
‫لي نقاش حقيقي يدور حول الولية العامة للفقيه‪ .‬فقبل الغيبة كان المام يلي أمور الناس‬
‫مباشرة وله المر النهائي في كل ما يعرض من شؤون الدين والدنيا ل يشاركه فهي أحد‪ ،‬ول‬
‫يخل بما تقدم حقيقة أن المام الثاني عشر القائم المهدي قد اتخذ البواب بينه وبين الناس بحكم‬
‫الغيبة الصغرى‪ ،‬لن هؤلء البواب يتصرفون بموجب الصلحيات نفسها التي يريدها‬
‫الخميني من وراء فكرة الولية العامة للفقيه ‪ -‬وظيفة المعصوم دون منزلته ‪ -‬في أثناء الغيبة‬
‫الكبرى ‪ .‬ولكن الفرق بين الغيبتين الصغرى والكبرى ‪ ،‬أنه كان باستطاعة الباب التصال‬
‫بالمام في الغيبة الصغرى والخروج بتوقيعاته ‪ -‬كما يدعي الشيعة ‪ ،-‬في حين ل يستطيع‬
‫أحد – وهو ما قرّره الشيعة ‪ -‬الزعم ببابية لصاحب الزمان والتصال به بواسطتها بعد الغيبة‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫الكبرى (‪84‬‬

‫وثمة حقيقة ل يمكن إهمالها بهذا العدد‪ ،‬وهي أن الخميني ل يدّعي بابية المام الغائب‪،‬‬
‫ولكنه من الناحية الخرى يريد كل وظائف المعصوم‪ ،‬مما يؤدي إلى عدم الحاجة إلى ظهوره‪،‬‬
‫وهو المل الذي انتظره الشيعة من مئات السنين ‪.‬‬

‫وهنا ل بد من سؤال مهم يتعلق بالملبسات التاريخية التي أدت إلى الغيبة الصغرى ثم‬
‫بعد ذلك الغيبة الكبرى‪ ،‬وهذا السؤال هو‪ :‬لماذا لم يغتنم الشيعة الفرصة ؟ واستولوا على‬
‫السلطة بعد سيطرى آل بويه الشيعة على الخلفة العباسية ؟ خاصة أن استيلء السرة‬
‫البويهية على الحكم جاء بعد إعلن الغيبة الكبرى بسنوات قليلة ؟!‬

‫وكما يقول عبد الجبار العمر " فلماذا لم يجمع الفقهاء بعد تلك السنوات القليلة أمرهم على‬
‫فقيه منهم لتكون له الولية العامة في الدولة التي أرادها البويهيون ؟ ويجيب‪ :‬ولكن الفقهاء‬
‫الشيعة الذين عاصروا الغيبة وأدركوا حكتها‪ ،‬لم يلتمسوا الوسيلة إلى السلطة بفكرة ( الولية‬
‫العامة للفقيه )‪ ،‬ليس لن هذه الفكرة يمكن أن تغيب على أذهانهم‪ ،‬ولكن لن العقيدة في الغيبة‬
‫‪ -‬عند الشيعة ‪ -‬توجب عليهم التوقف عن إمامة الدولة الشرعية‪ ،‬لن إقامة مثل هذه الدولة‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫وإدارتها للمام القائم وحده دون سواء " (‪85‬‬
‫ومن المعترضين على فكرة ولية الفقيه أحد مراجع الشيعة الكبار (السيد الخوئي) الذي‬

‫‪ .‬وقد‬ ‫)‬ ‫انتقد الولية المطلقة للفقيه وسجل ذلك في كتابه ( أساس الحكومة السلمية ) (‪86‬‬
‫وصل المر إلى تأسيس جمعية في إيران سميت ‪ -‬جماعة الحجتية ) أي جماعة المام الحجة‬
‫أو حجة الزمان‪ ،‬ترفض‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫الولية من حيث المبدأ‪ ،‬وتطالب باللتزام بمبدأ النتظار حتى يظهر المام الغائب (‪87‬‬

‫إل أن الدكتور محمد جواد مغنية‪ ،‬الفقيه الشيعي اللبناني المعاصر انتقد بوضوح هذه‬
‫الفكرة في كتاب واسع كان بعنوان ( الخميني والدولة السلمية)‪ ،‬واشتمل رأيه على مسألتين‬
‫هما ‪:‬‬

‫الولى‪ :‬أن ولية الفقيه من ولية المعصوم ‪.‬‬


‫الثانية‪ :‬أن الصدقة والزكاة للفقراء والمساكين‪ ،‬وليس لنفقات الدولة‪.‬‬

‫وتهمنا المسألة الولى التي هي موضوع البحث‪ ،‬وفيها يقول مغنية‪ :‬أن ولية المعصوم‬

‫ثم يفرّق بين‬ ‫تعم وتشمل أمور الدين والدنيا بما فيه رئاسة الدولة وتنفيذ الحكام ‪000‬‬
‫المعصوم والفقيه‪ ،‬فيرى بأن قول المعصوم وأمره تماما كالتنزيل من ال العزيز‪ ،‬ومعنى هذا‬

‫ويتساءل‪:‬‬ ‫أن للمعصوم حق الطاعة والولية على الراشد والقاصر والعالم والجاهل ‪000‬‬
‫أبعد هذا يقال‪ :‬إذا غاب المعصوم انتقلت وليته الكامل إلى الفقيه‪ ،‬فحكم المعصوم ‪ -‬كما يرى‬

‫وأما حقوق‬ ‫مغنية‪ -‬منزه عن الشك والشبهات لنه دليل ل مدلول‪ ،‬وواقعي ل ظاهري ‪000‬‬
‫المجتهد العادل فيرى أنها ولية الفتوى والقضاء على الوقاف العامة وأموال الغائب وفاقد‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫الهلية مع عدم الولية الشخصية (‪88‬‬


‫ويردّ على الخميني في أن وظيفة المام والفقيه واحدة في السلطة والمارة فيقول‪ :‬إن‬
‫التفاوت في المنزلة يستدعي التفاوت في الثار ل محالة‪ ،‬ومن هنا كان للمعصوم الولية على‬
‫الكبير والصغير حتى على المجتهد العادل‪ ،‬ول ولية للمجتهد على البالغ الراشد‪ ،‬وما ذاك إل‬

‫)‪.‬‬ ‫لن نسبة المجتهد إلى المعصوم تماما كنسبة القاصر إلى المجتهد العادل (‪89‬‬
‫لذا يصل إلى نتيجة مفادها‪ :‬أنه ل دليل على وجوب طاعة الفقيه كالمام‪ ،‬رغم ورود‬
‫أخبار في شأن العلماء أنهم كالئمة‪ ،‬مثل القول بأن العلماء ورثة النبياء‪،‬و أمناء الرسل‬

‫فالنصاف يقتضي الجزم بأنها في مقام البيان لوظيفة الفقهاء‪ ،‬من حيث نشر الحكام‬ ‫‪000‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫الشرعية‪ ،‬ل كون الفقهاء كالنبي والئمة (‪90‬‬

‫الخاتمة‬

‫وخلصة المر‪ ،‬ومن خلل ما تقدم نصل إلى نتائج عدة هي‪:‬‬

‫‪ -‬واضح من أدلة الخميني أنه يرى أن تولي الفقيه لمور الناس إنما هو تنفيذ للمر‬ ‫‪1‬‬
‫اللهي‪ ،‬وأداء للوظيفة الشرعية الواجبة‪ ،‬ذلك أن المام ‪ -‬عند الشيعة ‪ -‬هو وصي النبي ‪،‬‬

‫وفي أثناء غيبته يكون الفقيه هو إمام المسلمين وقائدهم ‪000‬‬


‫فالفقهاء هم الحجة على الناس‪،‬‬

‫وما كان يناط بالنبي قد أنيط بالمام‪ ،‬ثم بالفقيه ‪000‬فالفقيه هو المرجع في جميع المور‪،‬‬
‫إليه فوّضت الحكومة والولية‪ ،‬وله من المنزلة ما للنبي والمام‪ ،‬هذا ويمكن ترتيب هذه‬
‫الفكرة وفق المعادلة التالية ( ال ‪ ،‬النبي ‪ ،‬المام ‪ ،‬الفقيه)‪ ،‬وبثبات الطرف الول ( ال‪،‬‬
‫ورحيل الطرف الثاني ( النبي ) ‪ ،‬وغيبة الطرف الثالث ( المام) ووجود الطرف الرابع‬
‫( الفقيه) ‪ .‬يبقى من أطراف المعادلة طرفان فقط ( ال‪-‬الفقيه)‪ ،‬وهذا يعني أن الفقيه في وليته‬

‫ومن ثم يكون الفقيه نائب ال‬ ‫هو مستودع العلم اللهي‪ ،‬ونور النبوة‪ ،‬ووارث المامة ‪000‬‬
‫في الرض وحجته على عباده‪ ،‬له المر وعلى الناس السمع والطاعة‪ ،‬والراد عليه‪ ،‬راد على‬

‫‪.‬‬‫ال‪ ،‬وعلى حدّ الشرك أقرب (‪91‬‬


‫)‬

‫‪ -2‬إن فكرة ولية الفقيه قريبة الشبه بعقيدة ( البابية) عند الشيعة‪ ،‬والتي أقفلت عندهم‬
‫بعد موت الباب الرابع للمام الغائب وبداية الغيب‪،‬ة الكبرى ‪ ،‬بحيث ل يقبل خللها من يدّعي‬
‫البابية في المجتمع الشيعي‪ ،‬وهذا يفسّر لنا تجنب الخميني ذكر موضوع ( البابية)‪ ،‬كي ل يعيد‬
‫إلى الذهان سيرة من ادعى البابية في تاريخ الشيعة الماضي والحاضر ‪.‬‬

‫‪ -‬إنه ل يوجد عند الشيعة من آثار أئمتهم ما يدل على وجوب طاعة الفقيه طاعة عامة‬ ‫‪3‬‬
‫مطلقة‪،‬وهذا ينقض الركان الهامة لدلة ولية الفقيه‪ ،‬وهو ما بينه الدكتور محمد جواد مغنية ‪.‬‬

‫‪ -‬أن إثبات الولية العامة للفقيه تنتهي إلى مساواته بالمام المعصوم عندهم‪ ،‬وهذا ل‬ ‫‪4‬‬
‫يؤكده دليل من المنقول أو المعقول عند الشيعة ‪.‬‬
‫‪ -‬أن إثبات ولية الفقيه على المة كما هي وليته على الصغار المجانين‪ ،‬دليل في‬ ‫‪5‬‬
‫ل منطقيا فيه يتمثل في أمرين ‪:‬‬
‫غاية الخطورة‪ ،‬فإن هناك خل ً‬

‫أ) أن الفرد العادي يمكن أن يشارك النبي والمام والفقيه العادل في الفيمومة على‬

‫وبناء على هذا فهل يمكن للشخص العادي مشاركة النبي والمام‬ ‫الصغار كما وكيفا ‪000‬‬
‫في القيمومة الشرعية على الشعب بأسره لمجرد إمكانية مشاركتها الشرعية في القيمومة على‬
‫الصغار وتكون له حقوقهما نفسها ؟‬

‫ب ) إن قيمومة القيم على الصغار والمجانين تنتهي بزوال الظروف التي استوجب قيام‬
‫القيمومة‪ ،‬فهل يسلم علماء الشيعة بإنهاء قيمومة النبي والمام على الشعب بأسره إذا بلغ‬
‫درجة معينة من الرقي العقلي ‪.‬‬

‫ج) إن تشبيه قيمومة الفقيه على الصغار والمجانين بقيمومته على الشعب بأسره‪ ،‬دليل على أن‬
‫نظرة أصحاب فكرة ولية الفقيه إلى الشعب وكأنه مجموعة من الصغار يسير حسب رغبة‬

‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫( الفقهاء ) (‪92‬‬ ‫الكبار وهم‬

‫‪ -‬إن الفكر الشيعي المعاصر يعيش في مأزق خطير يتمثل في كيفية التوفيق بين‬ ‫‪6‬‬
‫المامة بمفهومها العريض عندهم وما لها من عصمة ‪ ،‬وبين ولية الفقيه بصلحيته المطلقة‬
‫المشابهة لصلحيات المام‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بعدم قدرة أحد على محاسبته‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫وجود الفقيه المجتهد ‪ -‬بكل هذه الصفات ‪ -‬جعلت من رجوع المام الغائب أمرا ل حاجة‬
‫إليه‪ ،‬ونسخت‪ -‬من غير إعلن ‪ -‬عقيدة المهدي المنتظر ‪.‬‬

‫‪ -‬إن إعطاء الحق للمة في اختيار نائب المام أو الفقيه المجتهد‪ ،‬يعتبر ناقضا لكل‬ ‫‪7‬‬
‫تراث الشيعة السابق القائم على استنكار حق المة في اختيار المام‪ ،‬باعتبار أن المامة لطف‬
‫إلهي أوجبه ال على ذاته‪ ،‬فل يجوز للمة بأي حال من الحوال اختياره‪ ،‬وهم الذين أنكروا‬
‫على الصحابة اختيارهم لبي بكر وعمر عثمان ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬إن مفهوم الشيعة السابق القائم على ان قيام الدولة الشيعية ل يكون إل بظهور المام‬

‫الغائب ‪000‬أصبح من الوهام الخيالية عند أصحاب نظرية ولية الفقيه‪ ،‬الذين محوا بكل‬
‫بساطة تاريخ الشيعة وعقائدها في هذه القضية منذ ألف عام ؟! ‪.‬‬

‫وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين ‪.‬‬


‫الهوامش‬

‫‪.‬‬ ‫‪ )1‬انظر الحلّي ‪ /‬اللفين ص ‪15‬‬


‫‪ )2‬انظر د ‪ .‬محمد العقيلي ‪ /‬الشيعة ص ‪. 290‬‬

‫‪ )3‬سورة القصص آية ‪. 68‬‬

‫‪ )4‬انظر د ‪ .‬أحمد صبحي ‪ /‬نظرية المامة ص ‪. 80-79‬‬

‫‪ )5‬سورة الحزاب آية ‪. 36‬‬

‫‪ )6‬انظر الحلّي ‪ /‬اللفين ص ‪.15‬‬

‫‪ )7‬انظر تفسير ابن كثير ‪ -‬طبعة دار الشعب‪. 1/417 ،‬‬

‫‪ )8‬انظر د ‪ .‬أحمد صبحي ‪ /‬نظرية المامة ص ‪. 80‬‬

‫‪ )9‬الطوسي ‪ /‬تلخيص الشافي ‪. 134-1/133‬‬

‫‪ )10‬إحسان إلهي ظهير‪ ،‬الشيعة فرق وتاريخ ص ‪. 351‬‬

‫‪ )11‬انظر تعليق د‪.‬علي الفقيهي على كتاب المامة للصبهاني ص ‪.73‬‬

‫‪ )12‬انظر الكليني ‪ /‬الكافي ‪. 340، 338-1/337‬‬

‫‪ )13‬سورة الكوثر آية ‪. 17-16‬‬

‫‪ )14‬انظر الكليني ‪ /‬الكافي ‪. 341‬‬

‫‪ )15‬انظر الطوسي ‪ /‬الغيبة ص ‪. 243 ،209‬‬

‫‪ )16‬انظر ابن منظور‪ /‬لسان العرب والغيروز آبادي ‪ /‬القاموس المحيط‪ ،‬وأحمد رضا‪ /‬معجم متن‬
‫اللغة مادة عصم ‪.‬‬

‫‪ )17‬الفخر الرازي ‪ /‬التفسير الكبير ‪8/171‬‬


‫‪ ،‬تفسير قوله تعالى(( ومن يعتصم بال فقد‬

‫هدي إلى صراط المستقيم )) آل عمران آية‪. 101 :‬‬

‫‪ )18‬أمير محمد الكاظمي القزويني‪ /‬الشيعة في عقائدهم وأحكامهم ص ‪.322‬‬

‫‪ )19‬انظر د ‪ .‬أحمد صبحي ‪ /‬نظرية المامة ص ‪. 140‬‬


‫‪.‬‬ ‫‪ )20‬المصدر السابق ص ‪134‬‬
‫‪ )21‬من متكلمي الشيعة‪ ،‬وصاحب المقالة في التشبيه‪ ،‬وهو من الذين فتقوا في المامة‪ ،‬ولهذا‬
‫فإن غير الشيعة يؤرخون للتشيع كفرقة بعد جعفر الصادق‪ ،‬وهشام بن الحكم‪ .‬انظر الشهرستاني ‪،‬‬

‫‪.‬‬ ‫الملل والنحل ‪ ، 1/184‬ومحمد البنداري ‪ ،‬الشيعة ص ‪20‬‬


‫‪ )22‬انظر ما ذكره أبو الحسن الشعري‪ ،‬بمقالت السلمية ‪ ،1/121‬وعبد الرحمن‬

‫الزرعي‪ ،‬رجال الشيعة في الميزان ص ‪ ،71-70‬ومما يذكر أن نزول الوحي على أئمتهم لم‬
‫يتفق فيه الشيعة على رأي لن الكثير من متكلميهم يرون نزول الوحي إلى أئمتهم حتى ل يقعوا في‬

‫‪.‬‬ ‫الخطأ ‪ ،‬انظر الشيخ المفيد‪ /‬الختصاص ص ‪307‬‬


‫‪ )23‬محمد البنداري ‪ ،‬الشيعة ص ‪ ، 167‬نقل عن ابن بابويه ‪.‬‬

‫‪ )24‬انظر د ‪ .‬أحمد صبحي ‪ ،‬نظرية المامة ص ‪. 135، 116‬‬

‫‪ )25‬الحلّي ‪ /‬اللفين ص ‪.84‬‬

‫‪ )26‬سورة البقرة ‪ :‬الية ‪. 124‬‬

‫‪ )27‬الكليني ‪ /‬الكافي ‪. 201-1/119‬‬

‫‪ )28‬د ‪ .‬محمد العقيلي ‪ ،‬الشيعة ص ‪. 287‬‬

‫‪ )29‬انظر د‪ .‬موسى الموسوي‪ ،‬الشيعة التصحيح ص ‪. 83-82‬‬

‫‪ )30‬أي لول كلم الوحي معهم وأخذ الئمة منه لنفذ ما عندهم من علوم ؟!‬

‫‪ )31‬الشيخ المفيد‪ /‬الختصاص ص ‪. 307‬‬

‫‪ )32‬سورة البقرة ‪ :‬الية ‪. 124‬‬

‫‪ )33‬انظر الطوسي ‪ /‬تلخيص الشافي ج ‪ /1‬قسم ‪ ،2/253‬والتبيان ‪،1/449‬‬

‫والطبرسي‪ /‬مجمع البيان ‪ ،1/202‬وعلي السالوس‪ /‬عقيدة المامة ص ‪.80‬‬

‫‪ )34‬د‪ .‬محمد العقيلي‪ ،‬الشيعة ص ‪ ،342‬ومحمد أبو زهرة‪ /‬المام الصادق ‪.70‬‬

‫‪ )35‬انظر تفسير الطبري تحقيق أحمد شاكر ‪ ،3/18‬وتفسير ابن كثير‪ /‬ط ‪ ،‬دارالشعب‬

‫‪. 6/242‬‬

‫‪ )36‬علي السالوس‪ /‬عقيدة المامة ص ‪. 85 ،83، 81‬‬

‫‪ )37‬سورة الحزاب الية ‪. 33:‬‬


‫‪ )38‬انظر الطبرسي ‪ ،‬مجمع البيان ‪1/50‬‬
‫‪ ،‬ومحمد حسين الذهبي ‪ ،‬التفسير والمفسرون‬

‫‪. 2/110‬‬

‫‪ )39‬سورة الحزاب اليات ‪. 34- 28 :‬‬

‫‪ )40‬مسلم بشرح النووي ‪ ، 5/180‬فضائل علي بن أبي طالب رضي ال عنه ‪.‬‬

‫‪ )41‬انظر تفسير ابن كثير‪ ،‬ط ‪ ،‬دار الشعب ‪. 6/407‬‬

‫‪ )42‬علي السالوس‪ /‬عقيدة المامة ص ‪. 78 ، 76‬‬

‫‪ )43‬إحسان إلهي ظهير‪ ،‬الشيعة والتشيع‪ ،‬ص ‪. 300‬‬

‫‪ )44‬د‪ .‬أحمد الجلي ‪ /‬دراسة عن الفرق ص ‪. 147‬‬

‫‪ )45‬الكليني ‪ /‬الكافي ‪. 1/66‬‬

‫‪ )46‬محمد أبو زهرة ‪ ،‬المام الصادق ص ‪. 73-72‬‬

‫‪ )47‬انظر تلخيصا لدلتهم العقلية في كتاب د‪ .‬أحمد صبحي ‪ /‬نظرية المامة ص ‪111،119‬‬
‫‪.‬‬

‫‪ )48‬انظر المصدر السابق ص ‪118-117‬‬


‫‪.‬‬

‫‪ )49‬البغدادي ‪ ،‬أصول الدين ص ‪. 278‬‬

‫‪ )50‬د‪ .‬أحمد صبحي ‪ /‬نظرية المامة ص ‪. 124‬‬

‫‪ )51‬الطوسي للغيبة ص ‪. 15‬‬

‫تفسير‬ ‫‪ )52‬انظر د‪ .‬محمد حسين الذهبي ‪ ،‬التفسير والمفسرون ‪ ،2/189‬وما نقله عن‬
‫السيد عبد ال العلوي ‪.‬‬

‫‪ )53‬عبد الحسين النجفي ‪ ،‬الغدير ‪7/133‬‬


‫‪.‬‬

‫‪ )54‬البغدادي ‪ ،‬أصول الدين ص ‪. 78‬‬

‫‪ )55‬الخميني ‪ /‬الحكومة السلمية ص ‪. 24-23‬‬

‫‪ )56‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 34‬‬

‫‪ )57‬انظر ما ذكره د‪.‬علي الفقيهي في تحقيقه لكتاب المامة للصبهاني ص ‪.65‬‬

‫‪ )58‬سورة النساء آية ‪. 58 :‬‬

‫‪ )59‬الخميني ‪ /‬الحكومة السلمية ص ‪. 74‬‬


‫‪.‬‬ ‫‪ )60‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪45‬‬
‫‪ )61‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 49‬‬

‫‪ )62‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 56- 51‬‬

‫‪ )63‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 69 ،63 ،60‬‬

‫‪ )64‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 71-70‬‬

‫‪ )65‬الخميني ‪ /‬كشف السرار ص ‪. 207‬‬

‫‪ )66‬الخميني ‪ /‬الحكومة السلمية ص ‪. 72‬‬

‫‪ )67‬انظر المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 71- 70‬‬

‫‪ )68‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 81‬‬

‫‪ )69‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 85 - 84‬‬

‫‪ )70‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 86‬‬

‫‪ )71‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 88‬‬

‫‪ )72‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 99‬‬

‫‪ )73‬الخميني ‪ /‬كشف السرار ص ‪. 207‬‬

‫‪ )74‬انظر محمد عطا المتوكل‪ /‬المذهب السياسي في السلم‪ ،‬ص ‪. 206-206‬‬

‫‪ )75‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 132-231‬‬

‫‪ )76‬انظر مبحث د‪ .‬رشدي عليان في‪ /‬ولية الفقيه‪ ،‬الواقع والبعاد ص ‪. 9‬‬

‫‪ )77‬محمد عطا المتوكل‪ ،‬المذهب السياسي في السلم‪ ،‬ص ‪. 206،226‬‬

‫‪ ) )78‬انظر د‪ .‬موسى الموسوي‪ ،‬الشيعة التصحيح ص ‪. 70‬‬

‫‪ )79‬الخميني ‪ /‬الحكومة السلمية ص ‪. 48‬‬

‫‪ )80‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 47‬‬

‫‪ )81‬عبد الجبار العمر‪ ،‬الخميني بين الدين والدولة ص ‪. 81‬‬

‫‪ )82‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 84‬‬

‫‪ )83‬الخميني ‪ /‬الحكومة السلمية ص ‪. 70‬‬

‫‪ )84‬انظر عبد الجبار العمر‪ ،‬الخميني بين الدين والدولة ص ‪. 102-101‬‬


‫‪.‬‬ ‫‪ )85‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪113 ،111‬‬
‫‪ )86‬فهمي هويدي‪ ،‬إيران من الداخل ص ‪. 105‬‬

‫‪ )87‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 143‬‬

‫‪ )88‬انظر محمد جواد مغنية‪ ،‬الخميني والدولة السلمية ص ‪. 61-59‬‬

‫‪ )89‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 62-61‬‬

‫‪ )90‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 63‬‬

‫‪ )91‬انظر مقالة د‪ .‬رشدي عليان في‪ /‬ولية الفقيه‪ ،‬الواقع والبعاد ص ‪. 15‬‬

‫‪ )92‬انظر حوا هذا الموضوع مقالة د‪ .‬قحطان الدوري‪ ،‬ولية الفقيه‪ ،‬الواقع والبعاد ص ‪،10‬‬

‫وعبد الجبار العمر‪ ،‬الخميني والدولة السلمية ص ‪. 85‬‬

‫موقع فيصل نور‬

You might also like