Professional Documents
Culture Documents
المامية
د .محمد أحمد الخطيب
الحمد ل رب العالمين ،والصلة والسلم على سيد المرسلين محمد بن عبد ال على آله
وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين ،وبعد ،
فإن معظم تعاليم الشيعة المامية وعقائدها تدور حول موضوع المامة وما يتصل بها من
قضايا مثل عصمة الئمة ورجعتهم بعد الغيبة .واهتمامهم بهذا الموضوع يعود إلى سعيهم
لثبات إمامة علي وخلفته لرسول ال ،وأنه مستحق للمامة عن طريق النص بالسم ،وأن
غيره ممن تولى المامة وتقدموا عليه قد اغتصبوا المامة منه .لذا فقد ذهبوا إلى أن النبي
عيّن عليا للمامة ،وأن الئمة من بعده هم أبناؤه من فاطمة على التعيين واحدا بعد واحد إلى
المام الثاني عشر .
وقد أكدوا معتقدهم عندما جعلوا المامة أصلً من أصول اليمان،وجزءا هماما من
العقيدة ،ومحتجين لذلك بأنه ليس في السلم أمر أهم من تعيين المام ،ولم يكن للنبي يفارق
الدنيا قبل أن يحسم هذا المر ،ذلك أن المامة نص من ال تعالى ،وهي ليس الختيار
والنتخاب من الناس .
وبناء على هذا التصور للمامة ،فقد ذهب الشيعة إلى أن المام شخص غير عادي في
تكوينه ومنزلته ،وإن الئمة معصومون في كل حياتهم ل يرتكبون صغيرة ول كبيرة ،ول
يصدر عنهم معصية ،ول يجوز عليهم خطأ ول نسيان ،ونتيجة لهذه المكانة أصبحت أوامر
الئمة ونواهيهم شرعا ،وصاروا حجة ال على الخلق تجب طاعتهم وجب اتباعهم ابتداء
بالمام الول عندهم ( علي بن أبي طالب ) ،وانتهاء بالمامة الثاني عشر عندهم ( محمد بن
الحسن العسكري ) .
ومنذ أكثر من ألف عام ينتظر الشيعة المامية ظهور إمامهم الخير المهدي الغائب
(محمد بن الحسن العسكري ) ،الذي يدعون إنه غاب في سرداب قبل بلوغه ،ليعود من جديد
قبل يوم الدين فيقيم العدل ويرجع الحق المغصوب إلى أهله .
والذي دعا الشيعة إلى تبني فكرة ( المهدي ) والتركيز عليها ،هو ما آلت إليه أحوالهم
بعد اختفاء المام الثاني عشر سنة 265ه تقريبا ،وعدم وجود إمامن يخلفه من عقبه ،إذ خشي
الشيعة أن يدب اليأس إلى نفوس اتباعهم وتتلشى حركتهم ،فكان ل بد من ربط التباع بأمل
يتطلعون إليه في كل زمان ومكان ،وكان ذلك المل هو ظهور المهدي الغائب .
لذلك فقد ارتبط المل بعودة الغائب في قلب كل شيعي من الثنى عشرية ارتباطه
بعقيدته ،فهم منذ ذلك الوقت يأتون إلى ذلك السرداب الذي اختفى فيه ،ويتلون الدعاء
قائلين(عجل ال فرجك ،وسهل مخرجك ،وقرّب زمانك).
لكن ظهور فكرة ولية الفقيه على مسرح الحداث داخل المجتمع الشيعي المعاصر،
خاصة بعد أن تولى وصاحبها زمام المور في إيران ،جعل الكثيرين من علماء الشيعة
ينظرون إلى ولية الفقيه،وكأنها تهدم المل الذي انتظروه منذ مئات السنين ،وتزعزع الثقة في
عنصر هام من عقيدة المامة ،ظالما دافعوا عنه وهو بطلن حق المة في اختيار المام .
ولما كانت ولية الفقيه تلغي وبكل بساطة أمل الشيعة في ظهور المام الغائب ،وتنص
على أن نائب المام يختار من قبل المة ،وله من المكانة والمنزلة ما للمام ،خاصة في
أوامره ونواهيه .
لكل هذا فإن فكرة ولية الفقيه كانت حدثا خطيرا ف المجتمع الشيعي ل يجوز الستهانة
بأهميته ،فقد أسقطت اللبنة الرئيسية في بناء الشيعي العقائدي حول المامة .
ولما لعصمة المام من أهمية في عقيدة الشيعة ،باعتبارها صفة أساسية لزمة في حق
أئمتهم ،وبسببها استحقوا المامة ،فإن إعطاء صفة العصمة للفقهاء المجتهدين يعتبر خرقا
خطيرا لتلك العقيدة ،إذ يعني إبطال كل ادعاءات الشيعة السابقة في حق أئمتهم بالمامة .
وذلك أن ولية الفقيه قد أنزلت عقيدة العصمة من المام إلى الفقيه مما يد خرقا في
مبادئهم قد يؤدي إلى تهاوي البناء العقائدي لمفهوم المامة الذي بناء الشيعة طيلة القرون
الماضية .
ولما كان مثل هذا المر يحتاج إلى دراسة موضوعية تتناول الموضوع من مختلف
جوانبه في محاولة لفهم الدوافع والسباب التي أدت إلى فكرة ولية الفقيه فقد رأيت كتابة هذا
الكتاب وقد ضمنته النقاط التالية:
-1لمحة موجزة عن المامة عند الشيعة
-2تعريف العصمة .
-3نشأة فكرة العصمة .
-4أدلة الشيعة على عقيدة العصمة والردّ عليها .
-5ولية الفقيه في وليته .
-6صلحيات الفقيه في وليته .
-7اعتراضات علماء الشيعة على ولية الفقيه .
-8الخاتمة .
إن حجر الزواية الذي قام عليه البناء العقائدي للشيعة كان موضوع المامة ،في محاولة
منهم لثبات إمامة علي بعد النبي ،عيّن عليا للمامة بالسم والتعيين المباشر ،وأن هذا ل
يعتصر عليه بل يتسلسل في الئمة الثنى عشر من ولده .
واعتقد الشيعة أيضا أن المامة ل تكون إل بالنص من ال تعالى على لسان النبي أو
لسان المام الذي قبله ،وأنها ليست بالختيار أو النتخاب من الناس ،وبناء على هذا فقد ذهبوا
إلى القول ببطلن إمامة أبي بكر وعمر وعثمان .
وقد دافع الشيعة عن هذا المعتقد دفاعا حارا ،فاعتبروا أن نصب المام واجب على
،لن وجود إمام عادل ()1 ال،وهو من لطف ال بعباده ،وكل لطف واجب على ال تعالى
وحاكم كامل يمنعهم من المحظورات ،ويحثهم على الطاعات ،ويجعلهم أقرب إلى الطاعة
وأبعد من المعصية ،ل يكون إل باختيار ال عز وجل .
ولما كان نصب المام ل يكون إل بالنص والتعيين ،فقد أكثر علماء الشيعة في إثبات
فكرة تعيين ال للمام من جهة ونقد مبدأ الختيار من جهة أخرى ،مستندين في إثبات فكرتهم
. ()2 إلى أدلة تأولوها من القرآن الكريم
()3 ومما استدل به الشيعة قوله تعالى (( :وربك يخلق ما يشاء ويختار ما لهم الخيرة ))
.
فذهبوا إلى أن الية تشير أنه ليس للناس الخبرة في أي شيء مما يرجع حكمه وأمره إلى
ال فهو الذي يختار من يشاء للنبوة والمامة .غير أن هذه الية بظروف نزولها على اختيار
. ()4 ال للنبياء دون الئمة ،وقد أجمع المسلمون قاطبة على أن اختيار النبياء موكل إلى ال
ومن اليات التي احتج بها الشيعة قوله تعالى (( :وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى
ال ورسوله أمراُ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضللً
. ()5 بعيدا ))
فذهبوا إلى أن الية تشير إلى أنه إذا كانت المامة مما قضى ال ورسوله تركه ،فهي
كغيرها من الوظائف الدينية التي قضيا بها ولم يتركها ،فليس للناس الخيرة في نفيها أو إثباتها
.مع أن مناسبة نزول الية كان عندما أتى رسول ال زينب بنت جحش يخطبها لزيد بن ()6
وكما يقول الدكتور أحمد صبحي " :فإن متكلمي الشيعة قد خلطوا في الستدلل بهذه
الية بين ما تركه ال ورسوله فلم يقضيا به ،وبين ما نهيا عنه ،فإن المامة إن لم يقض ال
. ()8 ورسوله فيها بالنص فل يعني ذلك أنهما نهيا عن إقامتها أو اختيار المام "
وإلى جانب ما استدل به الشيعة من آيات ،فقد قدموا كذلك العديد من الحجج العقلية
لثبات أن المامة بالنص ل بالختيار ،وهذا الطوسي الملقب بشيخ الطائفة عندهم يصل إلى
نتيجة مفادها أن وجود المام ضروري ،لن الشريعة مؤيدة ،وعلى هذا فل بد لها من حافظ،
ثم يقول " :وليس يجوز أن يكون الحافظ لها المة ،لن المة يجوز عليها السهو النسيان،
وارتكاب الفساد العدول عما علمته ،فإذا ل بد لها من حافظ معصوم يؤمن من جهته التغيير
. ()9 والتبديل والسهو ،ليتمكن المكلفون من المصير إلى قوله
وقد استفادت الشيعة من فكرة المهدي المنتظر ،وأسندوها إلى آخر أئمتهم ( محمد بن
الحسن العسكري ) ،الذي يقولون بأنه دخل السرداب بسامراء بعد موت أبيه ثم اختفى وغاب،
ومما يذكر أن هذا المام لم يكن يتجاوز عمره الخمس سنوات على أكثر تقدير .
()10 " وللمهدي الغائب عندهم غيبتان :الغيبة الصغرى ،والغيبة الكبرى"
أما الغيبة الصغرى ،فقد استمرت مدة تزيد على السبعين عاما ،وكان على اتصال مع
اتباعه عن طريق وكلئه ونوابه الربعة الذين تولوا النيابة واحدا بعد الخر – على حد زعم
الشيعة . -
والشيعة أطلقوا على هؤلء النواب (السفراء) فكانوا يحملون الموال إليهم ليصالها إلى
صاحب الزمان ،ويكتبون رسائل يستفتون فيها عن مسائل علمية ودينية اشكلت عليهم ،وسفراء
صاحب الزمان يدخلونها عليه وبعد أيا يحضر المستفتي فيجد الجواب قد خرج بتوقيع صاحب
. ()11 الزمان وخطه على تلك السئلة
وقد أورد الكليني في باب الغيبة واحدا وثلثين حديثا عن أئمتهم في موضوع الغيبة منها
" :عن عبيد بن زرارة قال :سمعت أبا عبد ال يقول :يفقد الناس إمامهم ،يشهد الموسم فيراهم
ول يرونه " .
وعنه أيضا " للقائم غيبتان ،يشهد في إحداهما المواسم ،يرى الناس ول يرونه " .
وعن إسحاق بن عمار قال :أبو عبد ال " للقائم غيبتان "إحداهما قصيرة والخرى
طويلة ،الغيبة الولى مكانه فيها إل خاصة شيعته ،والخرى ل يعلم بمكانه فيها إل خاصة
مواليه (. )12
ووقت اختفاء المام الغائب واضح فيما أورده الكليني عن أبي جعفر محمد بن علي عندما
) :الكوثر" ،فقال": سئل عن تفسير قوله تعالى (( :فل أقسم بالخنس الجوار الكنس )) (13
إمام يخنس سنة ستين ومائتين ،ثم يظهر كالشهاب يتوقد في الليلة الظلماء ،فإن أدركت زمانه
. ) الزمان هذا ،على يد أخر سفير من سفرائه وهو محمد بنعلي السمري (15
وقد بقي الشيعة هذه المدة الطويلة بل إمام معصوم ،وإنما ينتظرون إمامهم الغائب،
ويدعون ال له بتعجيل الفرج ،ولكن غيبة المهدي المنتظر قد طالت ،مما فتح الباب على
مصراعيه للمدعين الذين كانوا يزعمون أنه الباب إلى المام أو المام الغائب نفسه أمثال أحمد
الحسائي ،وكاظم الرشتي،وعلي الشيرازي وغيرهم .
وقد ظهر صاحب كتاب الحكومة السلمية لعيلن فكرة تحولت فيما بعد إلى حقيقة ،حاول
فيها أن يوفق عقيدة الشيعة القائلة بغيبة المام الثاني عشر ،وأن الحكم ل يكون إل لنبي ،أو
إمام ،وبين القول بتشكيل حكومة إسلمية ،والمام الغائب لم يظهر بعد ،وبذلك ظهرت فكرة
ولية الفقيه ،التي سنتحدث عنها بالتفصيل إنشاء ال بعد موضوع العصمة .
تعريف العصمة
العصمة في لغة العرب تعني المنع ،يقال عصمه بعصمة عصما أي منعه ووقاه ،واعتصم
فلن بال إذا امتنع به أو بلطفه من المعصية ،وقبل ملكة تكف بها النفس عن المعاصي
) ،يقول الرازي " :العتصام بالشيء في منع نفسه والذنوب ،أو خلق مانع من المعاصي (16
من الوقوع في آفة (. )17
وعرفها الشيعة " :بأنها قوة في العقل تمنع صاحبها من مخالفة التكليف مع قدرته على
تبدو فكرة العصمة عند الشيعة ردة فعل تجاه مخالفيهم في قضية إمامة علي وبقية
الئمة ،فقد ظهرت هذه الفكرة كصفة ملزمة للمام ،ترد له اعتباره وتسمو به عن بقية الناس
ويعلل ( دونالدسن ) المستشرق وصاحب كتاب عقيدة الشيعة المر " بأن الشيعة لكي ) (19
( يثبتوا دعوى الئمة تجاه الخلفاء الذين أظهروا عقيدة عصمة الرسل بوصفهم أئمة هداة "
). 20
من الذين تكلموا بالنص على المامة ،وعلى عصمة من ) ويعتبر هشام بن الحكم (21
؟! ويبرر ) يتولها ،ذلك أن الئمة ل يوحى إليهم ،فل يجوز عليهم السهو والخطأ (22
عصمتهم بقوله " :إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه ،الحرص والحسد والغضب والشهوة،
وكلها منفيه عن المام ،فل يجوز أن يكون حريصا على هذه الدنيا ،وهي تحت خاتمه لنه
خازن المسلمين ،ول يجوز أن يكون حسودا والنسان يحسد من فوقه وليس فوقه أحد ،ول
يجوز أن يغضب غل غضبه ل عز وجل ول يجوز أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا وال حبب
) ،فالنبوة لطف خاص ،والمامة لطف عام ،وليست عصمة المام بأقل أولوية من 24
عصمة الرسول ،لن انتفاء العام أكثر شرا من انتفاء الخاص ،إذ ضرر انتفاء العام لطوله
. ) بصفتهم أئمة كما جاء في وقوله تعالى (( :إني جاعلك للناس إماما )) (26
ويعتبر الكليني في كتابه ( الصول من الكافي ) من أوائل كتاب الشيعة الذي أسهبوا في
بحث موضوع عصمة الئمة واسبغوا عليهم صفات لم يصلها إل النبياء ،فالمامة في نظره
أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وامنع جانبا وابعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم ،أو
ص ال عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه السلم بعد النبوة ،فهي مثل
ينالوها بآرائهم ،لذا فقد خ ّ
منزلة النبياء ،ومن أجل هذا فالمام مطهّر من الذنوب ،مبرأ من العيوب ،مخصوص بالعلم،
. ) وموسوم بالحلم ،ل يدانيه أحد ،ول يعادله عالم ،ول يوجد منه بدل ول له نظير (27
فالمامة عند الشيعة كالنبوة من المناصب اللهية التي تحتاج إلى النصب من ال تعالى،
فكما أنه ليس للناس أن يختاروا نبيا لنفسهم فكذلك ليس لهم ول من حقهم إطلقا أن يختاروا
لنفسهم إماما .حتى أن بعض علمائهم يرى أن المامة تابعة للنبوة بل أفضل منها ،لن
. ) إبراهيم عليه السلم لم ينل مرتبة المامة ولم يطلبها إل بعد أن نال النبوة (28
ومما يؤكد حقيقة صلة العصمة بالسياسة ،ما ذكره الدكتور موسى الموسوي ،وهو أحد
من علماء الشيعة المعاصرين ،من أن العصمة التي نسبت إلى الئمة كان الغرض منها تثبيت
تلك الروايات التي تتنافى مع العقل والمنطق ،والتي نسبت إلى المام كي يسد بها النقاش ف
محتواها على العقلء والذكياء ،ويرغم الناس على قبولها لنها من معصوم ل يخطئ .فهناك
أمور نسبتها كتب الشيعة إلى الئمة وامتلت بها كتب الروايات الموثوقة عندهم مثل الكافي
في الصول ،والوافي ،والستبصار ،ومن ل يحضره الفقيه وغيرها ،وفيها الكثير من الغلو
ومما يذكر في هذا المجال ،أن الشيعة اختلفوا في مرجع العصمة ،وهل من فعل ال أو
من استعداد المكلف -أي المام -؟! وبالرغم من أن هشام بن الحكم قد استدل على أن
الئمة ل يوحى إليهم ،إل أن متكلمي الشيعة الذين جاؤوا من بعده رأوا أن ال عز وجل يرسل
الوحي إلى الئمة من أجل عصمتهم وعدم وقوعهم في الخطأ ،فقد روى الشيخ المفيد في
، ) الختصاص عن أبي بصير قال :سمعت أبا عبد ال يقول :لول إنا نزداد لنفدنا (30
فقلت تزدادون شيئا ليس عند رسول ال ؟ فقال :إذا كان ذلك أتى رسول ال فأخبره .ثم أتى
عليا فأخبره ،ثم إلى واحد بعد واحد حتى ينتهي إلى صاحب المر؟! وفي رواية فيأتي به
الملك رسول ال فيقول :يا محمد ربك يأمرك بكذا وكذا ،فيقول انطلق إلى علي ،فيأتي عليا
إلينا( فيقول :انطلق به إلى الحسن ،فل يزال هكذا ينطلق به إلى واحد بعد واحد حتى يخرج
). 31
يأتي الشيعة بأدلة نقليه وعقلية لثبات عقيدتهم في عصمة الئمة ،ومن جملة أدلتهم النقلية
:
) قوله تعالى لبراهيم عليه السلم (( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال ل 1
) .فقالوا :هذه الية تدل على ان المام ل يكون إل معصوما ينال لعهدي الظالمين )) (32
عن القبائح ،لن ال سبحانه تعالى نفى أن ينال عهده -الذي هو المامة -ظالم ،ومن ليس
بمعصوم فقد يكون ظالما أما لنفسه وأما لغيره … وال سبحانه عصم اثنين فلم يسجدا لصنم
( قط وهما :محمد ،وعلي بن أبي طالب ،فلحدهما كانت الرسالة ،وللخر كانت المامة
فالمام يجب أن يكون معصوما ،لنه لو جاز عليه الخطأ لفتقر إلى إمام آخر يسدده، ) 33
. ) فلم تستقم هدايته ،ولم تتضح حجته،وكان كغيره من العلماء (34
ل يقتدى
وقد ردّ على استدللهم ،بأن الية تدل على أن إبراهيم عليه السلم جعله ال رسو ً
به ،وليس فيه دللة على ما ذهب إليه الشيعة ،لن أهل الديان مع اختلفهم يدينون به،
ويقرّون بنبوته ،فالمامة تعني القتداء به عليه السلم .وأما العهد الذي ذكرته الية الكريمة
. ) فتعني إنه لن ينال طاعة ال عد ّو له يعصيه ،ول يعطيها إل لولي له يطيعه (35
أما قولهم بأن غير المعصوم ل بد أن يكون ظالما … فهو غير مسلم به فبين العصمة
وعدم الظلم فرق شاسع ،فالمخطئ قبل التكليف ليس ظالما ول يحاسب التفاق ،فمن كفر أو
ظلم ثم تاب وأصلح ،ل يصح أن يطلق عليه ( كافر ) أو ( ظالم ) في لغة أو عرف أو شرع،
كما أن الظلم اسم ذم ،ول يجوز أن يطلق إل على مستحق اللعن لقوله تعالى (( :أل لعنه ال
)2قوله تعالى (( :إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) (
، )37حيث يرى الطبري في تفسيره :أن أهل البيت في الية مقصورة على النبي وعلي
بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين ،ليصل بعد ذلك إلى أن الئمة معصومون من جميع
القبائح ،فالية تقتضي المدح والتعظيم وفي ثبوت عصمة أهل البيت ومنهم الئمة من جميع
) ،وآية التطهير في نساء النبي وغيرهن من أهل البيت كما دلّ حديث زيد بن الرقم هم 40
آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس .ول قائل بعصمة هؤلء ،وتخصيص الخمسة
يحتاج إلى دليل .وإذا تمت لهؤلء فكيف تتم العصمة لولدهم وأحفادهم ؟!
يضاف إلى ذلك أن الحاديث التي ذكرت واقعة الكساء بينت أن الرسول جمع أهل
الكساء ،ودعا لهم بان يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا ،فإن كان إذهاب الرجس قد
حصل والتطهير قد تم بالعصمة ،فما الحاجة إلى الدعاء ؟! ويزيد على ذلك أن آية التطهير
واقعة بين آيات فيها المر والنهي ،مما يؤكد أن فعل الطاعات ،واجتناب المعاصي يؤدي إلى
إذهاب الرجس وحدوث التطهير،ويؤيده أيضا ما روى :أن النبي كان يمر ببيت فاطمة رضي
ال عنها ستة أشهر كلما خرج إلى الصلة يقول :الصلة أهل البيت (( إنما يريد ال ليذهب
) ،وهنا يبدو الربط بين المر بالصلة وحرض عنكم الرجس أهل البيت ))00الية (41
. ) على إذهاب الرجس عن أهل بيته بها (42 الرسول
بل إن أحوال أئمة الشيعة وأقوالهم تشهد على عدم عصمتهم ،فعلي -وهو المام الول
عندهم -اختلف معه ابنه الكبر ( الحسن) -وهو المام الثاني عندهم -في مسألة أخذه
البيعة من الناس بعد استشهاد عثمان ،ويلزم من ذلك أن واحدا منهما كان مصيبا،والثاني
ولقد ثبت أن عليا صوب رأي الحسن بعد وقعة الجمل وتأسف على عدم كان مخطئا 000
أخذه برأي الحسن (. )43
وقد ورد أن الحسين -وهو المام الثالث عندهم ،-كان يظهر الكراهية لصلح أخيه
.ولو كان ) الحسن مع معاوية رضي ال عنهما ،بل أبدى لومه لخيه على ذلك (44
الحسين يعلم بعصمة أخيه لم قال ذلك ،لكن الحسن لم يلتفت إلى رأي الحسين وصالح معاوية
.
وقد روي في الكافي أن أئمة الشيعة كانوا كثيرا ما يفتون في قضايا لخاصتهم خلف ما
أنزل ال وما بينه الرسول ،وخلف ما كانوا يرونه ،وذلك صيانة لنفسهم وحفاظا على
.ومع فرض وجود المعصوم عند الشيعة فإننا نجد الختلف في الفروق ) حياتهم (45
عندهم ،وهذا يدل على أن الئمة عندهم كانوا يجتهدون ،والعصمة تعني أن ل يكون من
. ) لن علمه إلهامي فانتفى معه الجتهاد (46 المام اجتهاد،
أما أدلتهم العقلية ،فإنه تستند إلى أن العقل يقضي عدم ترك أمر اختيار المام للمة لعدم
)1أن الخطأ من البشر ممكن ،فإذا أردنا رفع الخطأ الممكن يجب أن نرجع إلى المجرد
من الخطأ وهو المعصوم .
) لو ثبتت عصمة المة ،لما كانوا بحاجة إلى إمام ،لن الفكرة في وجوب وجود المام 2
ترجع إلى صدور الخطأ من المكلفين .
) لو أن المة توجهت منزهة عن كل غرض وهوى للنفس لختيار المام ،فإن الخطأ 3
إذا كان جائزا على كل فرد ،فقد جاز الخطأ على المجموع ،وبذلك تخطئ المة فل تعطي
المستحق وتختار غيره .
بيد أن أدلة الشيعة العقلية ،قد أثارت عليهم أيضا موجه من النقد ،فدليلهم الول القائم على
أن رفع الخطأ ل يتم إل بالرجوع إلى المعصوم ،ل يسلم به لن الحاجة إلى المام ليست
بسبب جواز وقوع الخطأ على المة فالجماع عند أهل السنة معصوم لستحالة اجتماع المة
على الخطأ ،وإذا جاز الخطأ على بعض المة فإن هذا ل يفيد جواز الخطأ على المجوع ،لن
المة ليست مجرد مجموع أفراد ،فكما أن الواحد ل يقدر على قتال العدو فإذا اجتمع عدد
قدّروا ،كان ذلك دليل على أن الكثرة تؤثر قوة وعلما ،لهذا فإثبات العصمة للمجموع أولى من
، ) عصمة المة ،فلو يم يكن المام معصوما لكانت الحاجة إلى إمام معصوم آخر (51
واليات التي يحتج بها الشيعة يرون فيها دليل على أن تصيب الئمة مرجعه إلى ال ،ولم
يعط صلحية شيء من ذلك إلى غيره مطلقا ،فكما أنه ليس للناس أن يختاروا نبيا لنفسهم
فكذلك ليس لهم أن يختاروا لنفسهم إماما ،لذا ل ب ّد أن يكون المام معصوما عن الخطأ ،ذلك
أن غير المعصوم ل يرجع إليه ،ول يؤخذ برأيه في مسائل الخلف ،لنه يخطئ ويصيب
. ) الخفية والملكات التي ل يعلمها إل العالم بالسرائر كالعصمة والقداسة الروحية (53
ولكن البغدادي ناقش الشيعة في قضية هامة هي بيعة الحسن لمعاوية ،فقال " :فإذا سئلوا
عن بيعة الحسن لمعاوية لم يمكنهم أن يقولوا أنها كانت صوابا ،لن هذا القول يوجب تصحيح
ولية معاوية وهو عندهم ظالم كافر ،ولم يمكنهم أن يقولوا أنها خطأ فيبطلوا عصمة الحسن "
واضح مما سبق ،أن الفكر الشيعي في أدلّته أنكر على المة الحق في اختيار المام
لمرين ،أولهما :أن المام ل بدّ أن يكون معصوما ،لن تنصيبه راجع إلى ال عز وجل،
وثانيها :أن المة ليست معصومة ،فكيف لها أن تختار معصوما ؟!
ومع أن الشيعة المامية في جميع كتبهم المعتبرة رأوا هذا الرأي ،ومنعوا المة من
اختيار المام لكل السباب والدلة التي ذكرت فيما سبق ،لكن نظرية ولية الفقيه قلبت مفهوم
الشيعة رأسا على عقب خاصة فيما يتعلق باختيار المة للمام أو نائبه ،وفيما يتعلق أيضا
بالصلحيات المطلقة المعطاة لنائب المام وكأنه المعصوم نفسه .إضافة إلى أن هذه النظرية
تعني نسخ عقيدة الشيعة في انتظار المهدي الغائب .
ومن الواضح أن ظهور هذه الفكرة على يد الخميني كانت نتيجة الحباط واليأس في
نفوس الشيعة لطول المدة التي انتظروها لظهور صاحب الزمان ،ولذلك جاء تبرير الخميني
لفكرته تظهر هذا اليأس الي مل قلوب الشيعة ،ومما قاله الخميني :
" قد مرّ على الغيبة الكبرى لمامنا المهدي أكثر من ألف عام ،وقد تمر ألوف السنين قبل
أن تقتضي المصلحة قدوم المام المنتظر ،في طول هذه المدة المديدة هل تبقى أحكام السلم
معطلة ؟ يعمل الناس من خللها ما يشاؤون ،القوانين التي صدع بها نبي السلم وجهد في
نشرها وبيانها وتنفيذها طيلة ثلثة وعشرين عاما ،هل كان كل ذلك لمدة محدودة ؟ أن يخسر
السلم من بعد الغيبة الصغرى كل شيء ؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من
ومن خلل هذه المقدمة يصل والعدالة ،وهذه موجودة في معظم الفقهاء المجتهدين ؟! 000
صاحب كتاب الحكومة السلمية إلى نتيجة مفادها أن الفقيه العالم العادل يلي من أمور
المجتمع ما كان يليه النبي ،وواجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا ،ويملك هذا الفقيه
من أمر الدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه عليه الصلة والسلم وأمير المؤمنين (
وقد افتضح الخميني في كتابه عن محاولة لنسخ عقيدة انتظار المام الغائب التي عاش
عليها الشيعة أكثر من ألف عام ومحاولة اللتفات عليها ،ولكن تبريرات الخميني لولية الفقيه
: ) في هذا النص تظهر أمورا في غاية الهمية وهي (57
) إن عصر الغيبة للمهدي المنتظر قد طال أمده ،وربما يطول أحقابا ،فقد مضى عليه 1
1200عام .
2
) أن الشيعي قد أصابه اليأس ،فل يملك إل أن يدعو ال له بتعجيل الفرج.
)3إن عقيدة الشيعة قائمة على عدم وجود حكومة أو طلب تكاليف من الناس حتى يظهر
المام .
) يقرّر الخميني أن عقيدة انتظار ظهور المام فساد للمجتمع لنه يترك الناس همل 4
يعملون ما يشتهون من دون راع لهم ،لعدم وجود الحاكم الذي يقيم حكم ال بينهم .
) يقرّر الخميني أيضا في هذه العقيدة نسخ للشريعة السلمية ،لنها تقرّر أن أحكام 5
الشريعة جاءت محدودة بمدة قرنين من الزمان .
والثبات صحة هذه النظرية من خلل الفكر الشيعي ،يأتي آية ال الخميني بأدلة وحجج
كثيرة يدعم بها نظريته منها:
فقال :إن ) -1قوله تعالى (( :وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) (58
الخطاب موجّه إلى من يمسكون المور بأيديهم ،وليس خطابا لقضاة ،لن القضاة جزء من
-2إن ولية الفقيه على المة ل تختلف عن وليته على الصغار ،فكما يعتبر الشرع
الفقيه أو القاضي قيما على الصغار ،فالقيم على شعب بأسره ل تختلف مهمته عن القيم على
) ،خاصة أن الفرص لمتسنح للئمة للخذ بزمام المور الصغار إل من ناحية كمية (60
وكانوا بانتظارها حتى آخر لحظة من الحياة ،فعلى الفقهاء العدول أن يتحيّنوا الفرص
،عن رسول ال قال " -3حديث يأتي به الخميني ويرويه عن علي بن أبي طالب
اللهم ارحم خلفائي -ثلث مرات -قيل :يا رسول ال ومن خلفاؤك ؟ قال :الذين يأتون
بعدي ،يروون حديثي وسنتي فيعملونها الناس من بعدي " فالحديث كما يرى الخميني يقصد به
أولئك الذين يسعون في نشر علوم السلم وأحكامه ،ويعلمونها الناس ،ول علقة لها بنقلة
الحديث ورواته المجرّدين عن الفقه ،فالمقصود هم فقهاء السلم الذين يجمعون إلى فقههم
ليصل في نهاية المطاف إلى نتيجة وهي أن دللة وعلمه العدالة والستقامة في الدين 000
.الرواية واضحة في ولية الفقيه وخلفته في جميع الشؤون (62
)
-4حديث يرويه عن الكافي في الصول :أن رسول ال قال :الفقهاء أمناء الرسل ما
لم يدخلوا في الدنيا ؟! قيل يا رسول ال :وما دخلوهم في الدنيا؟ قال: :إتباع السلطان ،فإذا
ربما أن حكومة السلم هي حكومة القانون فالفقيه فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم 000
هو المتصدي لمر الحكومة ل غير ،وهو ينهض بكل ما نهض به الرسول ل يزيد ول
ينقص ،فالفقهاء تهم أوصياء الرسول ،من بعد الئمة ،وفي حال غيابهم ،رقد كلفوا القيام
بجميع ما كلف الئمة بقيام به ،لنه وصي النبي ،وفي عصر الغيبة يكون هو إمام المسلمين
وقائدهم (63
. )
-5توقيع صدر عن إمامهم الغائب الثاني عشر فيه " وأما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى
رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم ،وأنا حجة ال " وحجة ال -كما يرى الخميني -تعني أن
وكذلك الفقهاء فهم مراجع المة، المام مرجع الناس في جميع المور ،وال قد عيّنه 000
( فحجة ال هو الذي عيّنه ال للقيام بأمور المسلمين ،فتكون أفعاله وأقواله حجة على المسلمين
-وأخيرا ياتي الخميني بقول أحد متكلميهم وهم عمر بن حنظلة عن إمامهم الغائب 6
وفيه " من كان منكم قد روى حديثنا ،ونظر في حللنا وحرامنا ،وعرف أحكامنا فليرضوا به
حكما ،فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فمل يقبل منه فإنما استخف بحكم ال،
. ) وعلينا ردّ،والرادّ علينا رادّ على ال ،وعلى حدّ الشرك بال " (65
صلحيات الفقيه في وليته
يرى الخميني أن سلطة الفقيه أثناء وليته سلطة مطلقة ،ل تختلف أبدا عن السلطة
المعطاة للمام المعصوم ،فلك ما يناط بالنبي ،فقد أناطة الئمة ،بالفقهاء من بعدهم ،فهم
المرجع في جميع المور والمشكلت والمعضلت وإليهم فوّضت الحكومة وولية الناس
وسياستهم والجباية والتفاق ،وكل من يتخلف عن طاعتهم ،فإن ال يؤاخذه ،ويحاسبه على
. ) أفعاله وأقواله حجة على المسلمين ،يجب إنفاذها ول يسمح بالتخلف عنها " (67
إذا الخميني يرى أن الفقيه حجة على أهل زمانه ،ل فرق بينه وبي الحجة الغائب ،وهذا
يعني أن ظهور الحجة أو بقاءه غائبا ل يغيّر من المر شيئا .
وهكذا فإن الخميني يرى أن منصب ولية الفقيه قد منحه الئمة للفقهاء فيقول " :نحن
نعتقد أن المنصب الذي منحه الئمة للفقهاء ل يزال محفوظا
لهم ،لن الئمة ل تتصوّر فهم السهو أو الغفلة ،ونعتقد فيهم الحاطة بكل ما في مصلحة
وقد توقف الخميني طويل عند رواية سمّاها (صحيح قداح) فيها قوله (العلماء ورثة
النبياء) ليثبت من خللها أن المقصود بالعلماء هم الفقهاء وليسوا الئمة ،وأن منزلة العلماء
مثل منزلة النبياء من حيث الطاعة .
ومما قاله " :إن المقياس في فهمالروايات أخذ بظواهر ألفاظها ،هو العرف والفهم
وإذا رجعنا إلى العرف في فهم عبارة ( العلماء ورثة النبياء) وسألنا المتعارف 000
العرف :هل أن هذه العبارة تعني أن الفقيه بمنزلة موسى وعيسى عليهما السلم ؟ لجاب :نعم
!؟ لن هذه الرواية تجعل العلماء بمنزلة النبياء ،وبما أن موسى وعيسى عليهما السلم من
النبياء ،فالعلماء بمنزلة موسى وعيسى عليهما السلم .وإذا سألنا العرف ::هل ان الفقيه
فورود كملة النبياء بصيغة الجمع ،إنما يقصد به كل ؟ لجاب :نعم 000 وارث رسول ال
حتى لو نزلنا العلماء منزلة النبياء بوصفهم أنبياء فإنه ينبغي إعطاء جميع النبياء 000
. ) أحكام المشبه بهم للمشبه (69
ويعود الخميني فيؤكد ويقول :إن جميع شؤون الرسول ،قابلة للنتقال والوراثة ،ومن
جملتها المامة على الناس ،وتولي أمورهم ،من كل ما نثب للئمة من بعده وللفقهاء من بعد
.ومن أجل أن يؤيد ما ذهب إليه ،فإنه يأتي برواية نقلها عن أحد ) الئمة 70( "000
علماء الشيعة وهو (التراقي) الذي يقول " منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة النبياء في بني
،وتبعا لذلك فإن الراد على الفقيه ) ثابت للفقيه (73
الحاكم يعد رادا على المام والردّ على المام ر ّد على ال ،والردّ على ال يقع في حدّ الشرك
ويمكن القول بعد كل ما نقلناه عن صاحب النظرية حول حدود ولية الفقيه ،أن الرأي
المأخوذ به هو القائل " بأن ولية الفقيه العادل الجامع للشرائط هي على حدّ ولية المعصوم،
فللفقيه أيضا ،لن ترجيحات النائب في عصر الغيبة ،ل وكل ما كان للنبي ،والمام 000
. ) محالة لزمة بمقتضى النيابة الثابتة له " (74
والسؤال المطروح بعد ذلك ،ما هي الضمانات التي وضعت لعدم استبداد الفقيه أثناء
وليته ،وقد أعطي كل هذه الصلحيات التي أعطيت في الصل للمعصوم -حسب معتقد
الشيعة -؟ وقد أجاب عن ذلك أحد علمائهم فذكر هذه الضمانات ومنها التربية ،ورقابة المة
ومجلس الشورى ،وأخيرا التسديد اللهي؟! ومما قاله " وهذا الضمان اللهي إما أن يكون
بشكل مباشر من خلل التسديد الغيبي للمام وهدايته للحول الفضل ،والمواقف الفضل ،وإما
بشكل غير مباشر من خلل حضور المام المنتظر المعصوم عجل ال تعالى فرجه الشريف
وتوجيهه للمرجعية الدينية وتسديده لها ،وهذا عنصر مهم في التسديد والتحصين من ألوان
وهذا يعني أن الفقيه حجة مطلقة ومصدر السلطات ونائب ال وناطق باسمه فآراؤه
فوليتهم ل حدّ بها من ثابتة له من ال تبارك وتعالى ،وليس للناس إل الطاعة والتسليم 000
السلطة ،لنها سلطة مطلقة ل تختلف عن سلطة المعصوم ؟ (. )77
لقد واجهت فكرة ولية الفقيه على المة موجة شديدة من العتراضات حول الصلحيات
المطلقة للفقيه من قبل كثير من علماء الشيعة المعاصرين ،الذين أنكروا ولية بالمعنى الذي
وصل إليه الخميني ،وقالوا إن الولية خاصة بالرسول والئمة الثنى عشر من بعده ،ول
تنتقل إلى نوّاب المام ،وإن ولية الفقيه ل تعني أكثر من ولية الفقيه الذي يستطيع تعيين أمين
. ) على وقف ل متول له ،أو نصب قيم على مجنون أو قاصر (78
وبناء على ما أورده الخميني من أدلة على ولية الفقيه ،فالمفروض أن حكم الفقيه هو
حكم رسول ال ،وحكم الئمة ،مع فارق المنزلة ،وهذا هو الفرق الوحيد بين المام والفقيه
. ) العادل مما استأثر ال بعلمه -كما ذكر الخميني 79( -
وهذه المنزلة سببها كما ذكر الخميني " :لن عصمة المعصوم إنما كانت بسبب المنزلة
العالية والمقام المحمود الذي ل يبلغه ملك مقرّب ول نبي مرسل ،وأيضا بسبب خلفته
. ) وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون (80 التكوينية التي تخضع لوليتها
" ولكن عصمة المام -عند الشيعة -ليست فكرة تجريدية ،وإنما هي -فضل عن ذلك
-واقع علمي يتجسد في قول المعصوم وفعله أثناء وليته وحكمه ،والتسليم للفقيه العادل
بالنتائج العملية ( للعصمة ) في القول والعمل
. ) أثناء وليته على المسلمين يستدعي التسليم له بالمنزلة ل محالة (81
لقد أورد الخميني عددا من الدلة العقلية والنقلية على صحة ولية الفقهاء للئمة
المعصومين -عند الشيعة " :-وإذا أردنا أن نسلم له بصحة تلك الدلة جدل ،فإننا ما نزال
نفتقر إلى دليل واحد مهما كان ضعيفا يقدمه لنا على صحة انفراد فقيه واحد دون عشرة فقهاء
وأما يقول " :الرواية الثالثة توقيع صدر عن المام الثاني عشر القائم المهدي 000
الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة ال ،وأما محمد
. ) ابن عثمان العمري ،فرضي ال عنه وعن أبيه من قبل ،فإنه ثقتي وكتابه وكتابي (83
وتأتي أهمية هذا الدليل م كونه مستمدا من ظروف الغيبة ،ويمنكن اتخاذ الغيبة نقطة البداية
لي نقاش حقيقي يدور حول الولية العامة للفقيه .فقبل الغيبة كان المام يلي أمور الناس
مباشرة وله المر النهائي في كل ما يعرض من شؤون الدين والدنيا ل يشاركه فهي أحد ،ول
يخل بما تقدم حقيقة أن المام الثاني عشر القائم المهدي قد اتخذ البواب بينه وبين الناس بحكم
الغيبة الصغرى ،لن هؤلء البواب يتصرفون بموجب الصلحيات نفسها التي يريدها
الخميني من وراء فكرة الولية العامة للفقيه -وظيفة المعصوم دون منزلته -في أثناء الغيبة
الكبرى .ولكن الفرق بين الغيبتين الصغرى والكبرى ،أنه كان باستطاعة الباب التصال
بالمام في الغيبة الصغرى والخروج بتوقيعاته -كما يدعي الشيعة ،-في حين ل يستطيع
أحد – وهو ما قرّره الشيعة -الزعم ببابية لصاحب الزمان والتصال به بواسطتها بعد الغيبة
وثمة حقيقة ل يمكن إهمالها بهذا العدد ،وهي أن الخميني ل يدّعي بابية المام الغائب،
ولكنه من الناحية الخرى يريد كل وظائف المعصوم ،مما يؤدي إلى عدم الحاجة إلى ظهوره،
وهو المل الذي انتظره الشيعة من مئات السنين .
وهنا ل بد من سؤال مهم يتعلق بالملبسات التاريخية التي أدت إلى الغيبة الصغرى ثم
بعد ذلك الغيبة الكبرى ،وهذا السؤال هو :لماذا لم يغتنم الشيعة الفرصة ؟ واستولوا على
السلطة بعد سيطرى آل بويه الشيعة على الخلفة العباسية ؟ خاصة أن استيلء السرة
البويهية على الحكم جاء بعد إعلن الغيبة الكبرى بسنوات قليلة ؟!
وكما يقول عبد الجبار العمر " فلماذا لم يجمع الفقهاء بعد تلك السنوات القليلة أمرهم على
فقيه منهم لتكون له الولية العامة في الدولة التي أرادها البويهيون ؟ ويجيب :ولكن الفقهاء
الشيعة الذين عاصروا الغيبة وأدركوا حكتها ،لم يلتمسوا الوسيلة إلى السلطة بفكرة ( الولية
العامة للفقيه ) ،ليس لن هذه الفكرة يمكن أن تغيب على أذهانهم ،ولكن لن العقيدة في الغيبة
-عند الشيعة -توجب عليهم التوقف عن إمامة الدولة الشرعية ،لن إقامة مثل هذه الدولة
. ) وإدارتها للمام القائم وحده دون سواء " (85
ومن المعترضين على فكرة ولية الفقيه أحد مراجع الشيعة الكبار (السيد الخوئي) الذي
.وقد ) انتقد الولية المطلقة للفقيه وسجل ذلك في كتابه ( أساس الحكومة السلمية ) (86
وصل المر إلى تأسيس جمعية في إيران سميت -جماعة الحجتية ) أي جماعة المام الحجة
أو حجة الزمان ،ترفض
. ) الولية من حيث المبدأ ،وتطالب باللتزام بمبدأ النتظار حتى يظهر المام الغائب (87
إل أن الدكتور محمد جواد مغنية ،الفقيه الشيعي اللبناني المعاصر انتقد بوضوح هذه
الفكرة في كتاب واسع كان بعنوان ( الخميني والدولة السلمية) ،واشتمل رأيه على مسألتين
هما :
وتهمنا المسألة الولى التي هي موضوع البحث ،وفيها يقول مغنية :أن ولية المعصوم
ثم يفرّق بين تعم وتشمل أمور الدين والدنيا بما فيه رئاسة الدولة وتنفيذ الحكام 000
المعصوم والفقيه ،فيرى بأن قول المعصوم وأمره تماما كالتنزيل من ال العزيز ،ومعنى هذا
ويتساءل: أن للمعصوم حق الطاعة والولية على الراشد والقاصر والعالم والجاهل 000
أبعد هذا يقال :إذا غاب المعصوم انتقلت وليته الكامل إلى الفقيه ،فحكم المعصوم -كما يرى
وأما حقوق مغنية -منزه عن الشك والشبهات لنه دليل ل مدلول ،وواقعي ل ظاهري 000
المجتهد العادل فيرى أنها ولية الفتوى والقضاء على الوقاف العامة وأموال الغائب وفاقد
). لن نسبة المجتهد إلى المعصوم تماما كنسبة القاصر إلى المجتهد العادل (89
لذا يصل إلى نتيجة مفادها :أنه ل دليل على وجوب طاعة الفقيه كالمام ،رغم ورود
أخبار في شأن العلماء أنهم كالئمة ،مثل القول بأن العلماء ورثة النبياء،و أمناء الرسل
فالنصاف يقتضي الجزم بأنها في مقام البيان لوظيفة الفقهاء ،من حيث نشر الحكام 000
. ) الشرعية ،ل كون الفقهاء كالنبي والئمة (90
الخاتمة
وخلصة المر ،ومن خلل ما تقدم نصل إلى نتائج عدة هي:
-واضح من أدلة الخميني أنه يرى أن تولي الفقيه لمور الناس إنما هو تنفيذ للمر 1
اللهي ،وأداء للوظيفة الشرعية الواجبة ،ذلك أن المام -عند الشيعة -هو وصي النبي ،
وما كان يناط بالنبي قد أنيط بالمام ،ثم بالفقيه 000فالفقيه هو المرجع في جميع المور،
إليه فوّضت الحكومة والولية ،وله من المنزلة ما للنبي والمام ،هذا ويمكن ترتيب هذه
الفكرة وفق المعادلة التالية ( ال ،النبي ،المام ،الفقيه) ،وبثبات الطرف الول ( ال،
ورحيل الطرف الثاني ( النبي ) ،وغيبة الطرف الثالث ( المام) ووجود الطرف الرابع
( الفقيه) .يبقى من أطراف المعادلة طرفان فقط ( ال-الفقيه) ،وهذا يعني أن الفقيه في وليته
ومن ثم يكون الفقيه نائب ال هو مستودع العلم اللهي ،ونور النبوة ،ووارث المامة 000
في الرض وحجته على عباده ،له المر وعلى الناس السمع والطاعة ،والراد عليه ،راد على
-2إن فكرة ولية الفقيه قريبة الشبه بعقيدة ( البابية) عند الشيعة ،والتي أقفلت عندهم
بعد موت الباب الرابع للمام الغائب وبداية الغيب،ة الكبرى ،بحيث ل يقبل خللها من يدّعي
البابية في المجتمع الشيعي ،وهذا يفسّر لنا تجنب الخميني ذكر موضوع ( البابية) ،كي ل يعيد
إلى الذهان سيرة من ادعى البابية في تاريخ الشيعة الماضي والحاضر .
-إنه ل يوجد عند الشيعة من آثار أئمتهم ما يدل على وجوب طاعة الفقيه طاعة عامة 3
مطلقة،وهذا ينقض الركان الهامة لدلة ولية الفقيه ،وهو ما بينه الدكتور محمد جواد مغنية .
-أن إثبات الولية العامة للفقيه تنتهي إلى مساواته بالمام المعصوم عندهم ،وهذا ل 4
يؤكده دليل من المنقول أو المعقول عند الشيعة .
-أن إثبات ولية الفقيه على المة كما هي وليته على الصغار المجانين ،دليل في 5
ل منطقيا فيه يتمثل في أمرين :
غاية الخطورة ،فإن هناك خل ً
أ) أن الفرد العادي يمكن أن يشارك النبي والمام والفقيه العادل في الفيمومة على
وبناء على هذا فهل يمكن للشخص العادي مشاركة النبي والمام الصغار كما وكيفا 000
في القيمومة الشرعية على الشعب بأسره لمجرد إمكانية مشاركتها الشرعية في القيمومة على
الصغار وتكون له حقوقهما نفسها ؟
ب ) إن قيمومة القيم على الصغار والمجانين تنتهي بزوال الظروف التي استوجب قيام
القيمومة ،فهل يسلم علماء الشيعة بإنهاء قيمومة النبي والمام على الشعب بأسره إذا بلغ
درجة معينة من الرقي العقلي .
ج) إن تشبيه قيمومة الفقيه على الصغار والمجانين بقيمومته على الشعب بأسره ،دليل على أن
نظرة أصحاب فكرة ولية الفقيه إلى الشعب وكأنه مجموعة من الصغار يسير حسب رغبة
-إن الفكر الشيعي المعاصر يعيش في مأزق خطير يتمثل في كيفية التوفيق بين 6
المامة بمفهومها العريض عندهم وما لها من عصمة ،وبين ولية الفقيه بصلحيته المطلقة
المشابهة لصلحيات المام ،خاصة فيما يتعلق بعدم قدرة أحد على محاسبته ،وهذا يعني أن
وجود الفقيه المجتهد -بكل هذه الصفات -جعلت من رجوع المام الغائب أمرا ل حاجة
إليه ،ونسخت -من غير إعلن -عقيدة المهدي المنتظر .
-إن إعطاء الحق للمة في اختيار نائب المام أو الفقيه المجتهد ،يعتبر ناقضا لكل 7
تراث الشيعة السابق القائم على استنكار حق المة في اختيار المام ،باعتبار أن المامة لطف
إلهي أوجبه ال على ذاته ،فل يجوز للمة بأي حال من الحوال اختياره ،وهم الذين أنكروا
على الصحابة اختيارهم لبي بكر وعمر عثمان .
8
-إن مفهوم الشيعة السابق القائم على ان قيام الدولة الشيعية ل يكون إل بظهور المام
الغائب 000أصبح من الوهام الخيالية عند أصحاب نظرية ولية الفقيه ،الذين محوا بكل
بساطة تاريخ الشيعة وعقائدها في هذه القضية منذ ألف عام ؟! .
)16انظر ابن منظور /لسان العرب والغيروز آبادي /القاموس المحيط ،وأحمد رضا /معجم متن
اللغة مادة عصم .
الزرعي ،رجال الشيعة في الميزان ص ،71-70ومما يذكر أن نزول الوحي على أئمتهم لم
يتفق فيه الشيعة على رأي لن الكثير من متكلميهم يرون نزول الوحي إلى أئمتهم حتى ل يقعوا في
)30أي لول كلم الوحي معهم وأخذ الئمة منه لنفذ ما عندهم من علوم ؟!
)34د .محمد العقيلي ،الشيعة ص ،342ومحمد أبو زهرة /المام الصادق .70
)35انظر تفسير الطبري تحقيق أحمد شاكر ،3/18وتفسير ابن كثير /ط ،دارالشعب
. 6/242
. 2/110
)40مسلم بشرح النووي ، 5/180فضائل علي بن أبي طالب رضي ال عنه .
)47انظر تلخيصا لدلتهم العقلية في كتاب د .أحمد صبحي /نظرية المامة ص 111،119
.
تفسير )52انظر د .محمد حسين الذهبي ،التفسير والمفسرون ،2/189وما نقله عن
السيد عبد ال العلوي .
)76انظر مبحث د .رشدي عليان في /ولية الفقيه ،الواقع والبعاد ص . 9
)91انظر مقالة د .رشدي عليان في /ولية الفقيه ،الواقع والبعاد ص . 15
)92انظر حوا هذا الموضوع مقالة د .قحطان الدوري ،ولية الفقيه ،الواقع والبعاد ص ،10