Professional Documents
Culture Documents
ما وحديًثا
قدي ً
.تقديم
لعل الفتراض الذي ينطلق منه العداد ُ لهذه الندوة الهامة في الذكرى
المئوية الولى لرحيل أحد رّواد الفكر النهضوي – عبد الرحمن الكواكبي –
في حاجة إلى مراجعة :هل صحيح أن مشروع "الصلح الديني" في
منظومة فكر النهضة العربي قد فشل في تحقيق أهدافه؟
ل يمكن إعطاء إجابة شافية عن هذا السؤال دون تحديد طبيعة الهداف
التي سعى مشروعُ "الصلح الديني" إلى تحقيقها .فالهداف ،كما نعلم،
تمثل الركائز الساسية لب َل ْوََرة الوسائل التي تصوغ ،بدورها ،المبادئ
النظرية التي يمكن لنا أن نطلق عليها اسم "المنهج" .ول يستقيم في
منا على مشروع منهج الفكر العلمي – التحليل النقدي – أن ينطلق حك ُ
ور نحن أن حا أو إخفاًقا – من منظور أهداف نتص ّ "الصلح الديني" – نجا ً
المشروع كان عليه إنجاُزها .في عبارة أخرى ،ل يجوز أن نفترض أهدافاً
ل الرّواد على فشلهم من منظور إشكالياتنا الصلحية الن ،ونحاسب جي َ
في تحقيقها .فالذي ل شك فيه أن مطالبنا الصلحية الن تتجاوز بدرجات
ل الرّواد إلى تحقيقها ،وهي ف المطالب الصلحية التي كان يطمح جي ُ سق َ
ة المرحلة التاريخية وتحدياتها الداخلية
ددْتها طبيع ُ المطالب التي ح ّ
والخارجية .نحن إزاء تحديات داخلية وخارجية تختلف ،كمّيا وكيفّيا ،عن تلك
ب الصلح الديني آنذاك. مل معها خطا ُ التحديات التي تعا َ
ة اللتباس الذي يمكن أن ينتج عن من المطلوب في البداية كذلك إزال ُ
حها اليوم بإلحاحكون الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني السلمي ُيعاد طر ُ
بعد أحداث الحادي عشر من سپتمبر ،2001في سياق الضغوط المريكية
على العالم العربي والسلمي لتعديل برامجه التعليمية ،خاصة منها ما
دين لهذه الندوة كانت تحّركهممعِ ّ
يرتبط بتعليم السلم .فل أظن أن ال ُ
دوافعُ الستجابة للضغط المريكي بطرح التساؤل عن أسباب فشل
مشروع النهضة من زاوية مشروع "الصلح الديني" بصفة خاصة .لكن
نفي هذا الرتباط بين الضغط السياسي المريكي وبين إعادة تقييم
ث الحادي مشروع الصلح الديني ل يعني عدم العتراف بما أثاره حد ُ
عشر من سپتمبر من أصداء في العالمين العربي والسلمي ،بعضها سلبي
وبعضها إيجابي .وفي تقديري أن بعض النتائج اليجابية تتمّثل في الحاجة
إلى إعادة النظر في صيغة "النا" ،من حيث علقُتها بالخر ،من منظور
نقدي.
ول يحتاج الكاتب هنا إلى إبراز جهوده في مجال "نقد الخطاب الديني"
خلل أكثر من ربع قرن ،هي مجمل حياته الكاديمية؛ وهي جهود صارت
مكّثفة خلل السنوات العشر الخيرة بصفة خاصة .الكاتب هنا ل يتعامل
مع السئلة والشكاليات التي يطرحها علينا الخرون بقدر ما يتعامل مع
جلة
جلة .أكثر السئلة المؤ ّ أسئلة الواقع الراهن – وكثير منها أسئلة مؤ ّ
ّ
تتعلق بحقوق النسان وحقوق المرأة وحقوق القليات ،وهي الحقوق التي
مة أسئلة تتعلق بقضايا التعليم يمكن لنا تصنيفها تحت مفهوم "العدل" .وث ّ
والحرية والديموقراطية والتقدم والنهضة إلخ .إنها قضايانا وأسئلتنا منذ
عصر النهضة ،الذي بدأناه في القرن التاسع عشر ،وتعّثرت مسيرُتنا معها
مها منذ أمد ليس بالقريب. جلت القضايا وتوقف حس ُ لسباب عديدة ،فتأ ّ
ينبغي ،إذن ،أل نتقاعس عن التعامل مع هذه القضايا وغيرها لمجرد أنها
ورين أننا بذلكُتثار وتنعكس علينا من مرايا الخرين ،فيركبنا العناد ،متص ّ
ندافع عن "هويتنا" .ليست هويتنا هي "التخلف" ومقاومة "التطور" ،ومن
العبث أن ننحاز إلى صفوف دعاة "التجمد" باسم الدفاع عن الدين
والهوية .وأخيًرا ،فإن المعيار الذي على أساسه نقيس المور يجب أن
يكون معيار حاجتنا إلى التطور ،ومقاومة "الجمود" ،وهو المعيار الذي
سس نهضتنا الحديثة ،والتي لم يتحقق الكثيُر من قامت على بنائه أ ُ
جلة.
طموحاتها ،فتركت وراءها كثيًرا من القضايا المؤ ّ
سس أكثر متانة إل أن ل سبيل أمامنا إلى استئناف مشروع النهضة على أ ُ
نبحث عن أسباب إخفاقها ونواجه في شجاعة أسئلتها ،أو بالحرى أسئلتنا
جلة ،وعلى رأس هذه القضايا قضية "تجديد الخطاب الديني" .وقد المؤ ّ
اخترت في هذا البحث أن أتناول قضية "التأويل" بوصفها واحدة من أخطر
ن تكن ،على الرغم من ذلك ،من أكثر القضايا
قضايا الفكر الديني ،وإ ْ
مشة في الخطاب الديني الراهن؛ لذلك حرصت على إثارتها بوصفها المه ّ
"إشكالية" .هذا بالضافة إلى أنها واحدة من قضايا مشروع الصلح الديني
المتعّثرة لسباب سنتناولها في سياق تحليلنا للمشكلة في تطورها
التاريخي.
.2تمهيد
ومن الضروري هنا الشارة إلى أن مصطلح "التأويل" اكتسب دللَته غير
الحسنة تدريجّيا ،ومن خلل عمليات التطور والنموّ الجتماعيين وما
يصاحبهما عادة من صراع فكري وسياسي .ويمكن لنا هنا أن نستشهد
ت متناثرةً في كتب التاريخ والتفسير .من هذه ببعض القوال التي وََرد َ ْ
القوال ما ُيروى عن علي بن أبي طالب حين رفع المويون المصاحف
سّنة الرماح ،عمل ً بنصيحة الداهية عمرو بن العاص ،طالبين الحتكام على أ ِ
ً
إلى القرآن ،المر الذي أحدث انشقاقا في صفوف جيشه ،فقال علي:
"بالمس حاربناهم على تنزيله ،واليوم نحاربهم على تأويله" – وهي عبارة
تحاول أن تلفت أنظار الذين استجابوا للتحكيم إلى أن هؤلء القوم من
بني أمية يحاولون اليوم التلعب بالتأويل ،بعد أن كانوا في سنوات سابقة
يرفضون التنزيل .لكن عبارة علي ل تتضمن أية دللة معيبة لكلمة
"تأويل" ،التي لم تكن بعد ُ قد تحولت إلى مصطلح ،بل هي عبارة واصفة
دا علىلطبيعة الخلف .والذي يؤكد ذلك أنه هو نفسه الذي قال ر ّ
ّ
كمة كذلك" :القرآن بين دّفتي المصحف ل ينطق وإنما يتكلم به المح ّ
الرجال ".وهو الذي قال لبن عباس وهو بصدد الحجاج مع الخوارج" :ل ][2
سّنة".
جه ،بل حاجهم بال ّ
مال أوْ ُ
تحاجهم بالقرآن ،فإن القرآن ح ّ
وفيما يورده محمد بن جرير الطبري )القرن الثالث الهجري ،التاسع
الميلدي( عن بعض التابعين في شرح الية 7من سورة آل عمران ،هناك
غ" الذين يّتبعون المتشاِبه أن المقصود من يقول عن "الذين في قلوبهم زي ٌ َ
هم الخوارج [3].والعبارة ،في دللتها الحرفية ،تعني أنهم يقصدون إلى تأويل
المتشاِبه من القرآن واّتباعه "ابتغاء الفتنة" ،لن المتشاِبه "ما يعلم تأويَله
ص الية المذكورة .ولعّلنا نعلم جميًعا أن هذه الية صارت فيما إل الله" بن ّ
فَرق المختلفة ،ل سرين من التجاهات وال ِ بعد محور جدال عميق بين المف ّ
حول تأويلها وشرح معناها فقط ،بل حول علمات الوقف والتصال فيها
كذلك.
دد التأويلت
ما من تع ّ
ولعلنا ل نحتاج هنا إلى شرح ما هو معروف تما ً
واختلف التفاسير بدًءا من القرن الول الهجري؛ وهو أمر نما واتسع في
القرون التالية ،حتى صار مصطلح "المؤّولة" يضم ،إلى جانب الخوارج،
الشيعة والمعتزلة والمتصوفة .ولعل القرن الرابع ،الذي شهد نموّ الفكر
الشيعي على مستوى الصياغة الفلسفية واللهوتية ،هو نفسه القرن الذي
ة في دولة الخلفة العباسية ،وبين شهد قمة العداء بين الدولة السّنية ،ممثل ً
الدولة الشيعية التي امتد سلطانها حتى القاهرة .وهو كذلك القرن الذي
كان قد شهد النتصار السياسي ،ممثل ً في تأييد الدولة ،بدًءا من عصر
المتوكل ،للفكر الفقهي السّني المحاِفظ ،بعد أن كانت الدولة في عصر
ف الفقهي السّني. المأمون والمعتصم تتبّنى الفكَر العتزالي وتعادي الموق َ
من الطبيعي أن يكون لهذا المشهد ،الذي يصعب فيه التمييز بين
السياسي والفكري ،أو بين الدنيوي والديني ،تأثيُره في إلصاق دللة
دم
"التحريف" بدللة "التأويل"؛ المر الذي جعل مصطلح "التفسير" يتق ّ
تدريجّيا ليكون هو المصطلح الدال على البراءة الموضوعية.
أما أول كتاب كبير في شرح القرآن ،وهو كتاب محمد بن جرير الطبري،
ل ما سبقه في مجال شرح النص القرآني ،فقد أطلق م داخله ك ّالذي ض ّ
عليه اسم ةةةة ةةةةةة ةة ةةةةة ةة ةةةةةة؛ وهو يبدأ ك ّ
ل آية
ل" :تأويل قوله تعالى ."...وخلصة ذلك أن ما يقوله السيوطي بالشرح قائ ً
عن الفرق بين "التفسير" و"التأويل" ،من حيث إن أولهما بمثابة تمهيد
م صحيح في مجمله؛ وفي الممارسة الفعلية لعملية للثاني ضروريّ له ،كل ٌ
الشرح ،التي هي "التأويل" ،ل بد ّ من المرور بالتفسير .لكن وصف
الممارسة العملية ل يكفي لبيان ما حدث من تفضيل لمصطلح "التفسير"
على مصطلح "التأويل" ،وهو المر الذي حاولنا شرحه باختصار فيما
دمناه إلى إبراز أن ثمة إشكالية
مضى .ولكن أل يفضي هذا الشرح الذي ق ّ
في المصطلحات ذاتها ،فضل ً عن عملية التأويل في الممارسة العملية؟
هذا السؤال يقودنا إلى كلمة "إشكالية" في العنوان؛ وهي بدورها كلمة ل
ُتتقّبل في سهولة في مجال الدراسات القرآنية الذي يبدو مجال ً شديد
قا متسع الطراف" ،بحًرا ل ساحل له عميق الوضوح ،وإن كان مجال ً عمي ً
دا إلى جمال الغوار" ،إذا استخدمنا لغة القدماء .ويعجب النسان مشدو ً
الستعارة :كيف يكون "بحٌر ل ساحل له عميق الغوار" خالًيا من المواج
المتلطمة على سطحه ومن الدوامات القاتلة في أعماقه! لكن هذا هو
الفارق الواسع بين دللة أقوال القدماء المجازية في الغالب وبين الفهم
السطحي المعاصر لتلك القوال .في الفهم السطحي المعاصر ابتذا ٌ
ل
للقوال نابعٌ من نزعها من سياقها الكّلي ،المعرفي واللغوي مًعا.
ب" في قوله تعالى" :وفاكهة منذ تساءل عمر بن الخطاب عن معنى "ال ّ
وأّبا"] ،[4وقبله في عصر التنزيل تساءل المسلمون عن معنى "الظلم" في
قوله تعالى" :الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"] ،[5فشرحه لهم
دا بما وََرد َ في نصيحةشرك" في هذا السياق ،مستشه ً الرسول بأنه "ال ّ
][6
م عظيم" شرك لظل ٌ لقمان لبنه في القرآن" :يا بني ل تشرك بالله إن ال ّ
– منذ ذاك العصر والمسلمون يدركون أن شرح القرآن ليس أمًرا بسيطاً
ل .وهذا الدراك لشكالية التأويل هو الذي جعل ابن أبي طالب يح ّ
ذر سه ً
ابن عباس من النزلق إلى هاوية "التأويل" و"التأويل المضاد" في نقاشه
جل مع الخوارج .بل إن هذا الحساس هو الذي يمكن لنا أن نتبّينه من وَ َ
الجيل الول من الصحابة من الدخول في عملية التأويل ،مثل قول
ديق أبي بكر" :أي أرض تقّلني وأي سماء ت ُظ ِّلني إذا قلت في القرآن الص ّ
م للسف تحريف دللتها كذلك في سياق الطعن برأيي"؛ وهذه القوال ت ّ
في التأويل ومهاجمته.
هل يمكن بعد ذلك النظر إلى التأويل تلك النظرة السطحية الساذجة إلى
ما
حد ّ كبير؟ أم أن التأويل إشكالية الشكاليات في العقل المسلم ،قدي ً
وحديًثا؟
ما
.3الشكال قدي ً
دا ما أشرناما ،يجب أل يغيب عن بالنا أب ً لكي نتناول إشكالية التأويل قدي ً
إليه من إحساس الجيل الول من المسلمين – جيل الصحابة – بثقل
قتها ،حتى أوشك بعضهم أن يقترب بها من مجال التحريم. المهمة ومش ّ
ولم يكن المر ،كما يحلو لبعض المعاصرين أن يفهموا ،هرًبا من "التأويل"
ور هذا "التضاد" الذي وخشية منه اكتفاًء بالتفسير – ،إذ لم يكن قد ت َب َل ْ َ
حدث مؤخًرا بين التفسير والتأويل – ،بل كان المر ما صاغه علي بن أبي
طالب عن "احتمال الوجوه" الذي ُيفضي إلى إمكانية التضارب والتضاد.
لكنه هو نفسه ،أي علّيا بن أبي طالب ،الذي قّرر أن القرآن "بين دفَّتي
المصحف ل ينطق وإنما يتكّلم به الرجال" ،أي قّرر أن "التأويل" ل مفّر
عا للتلعب
م ،أل يكون موضو ً منه ،لكنه ليس أمًرا سه ً
ل ،ويجب ،من ث َ ّ
السياسي.
ولعل بعض النماذج يمكن لها أن تكشف الجذور التاريخية لهذا الختلف
في منبعها الصلي .ودون الدخول في التفاصيل ،يمكن القول إن تاريخ
تأويل القرآن ،ومن ث َ ّ
م إشكاليته ،تنبع من تجدد الحياة بالحركة والصيرورة
ص في منطوقه .وهي الشكالية التي عّبر عنها علماُء أصول مع ثبات الن ّ
الفقه حين قالوا بندرة النصوص مع تكاثر الوقائع وتجددها .وإذا كان علماء
الصول قد حلوا إشكاليتهم بمقولة "خصوص السبب وعموم اللفظ"،
فجعلوا من "عموم اللفظ" قاعدةً للفهم ومن "خصوص السبب" قاعدةً
ل العبقري لم يتجاوز حدود آيات الحكام والشرائع للقياس ،فإن هذا الح ّ
][8 ّ
سدس آيات القرآن كله.التي تمثل أقل من ُ
دد الوقائع وتكاثرها تحدًيا للعقل الفقهي إزاء ندرة هكذا تمثل حقيقة تج ّ
النصوص؛ فكانت الستجابة مزدوجة ،عقلّيا ولغوّيا .نفس الظاهرة –
ن على مستوى آخر هو جَهها العقل المعتزلي ،وإ ْ ظاهرة التحدي – وا َ
مستوى فهم العقيدة ،فكانت استجابته ،بالمثل ،مزدوجة عقلّيا ولغوّيا .على
جد َ المعتزلي في مقولة "المجاز" – وهي مقولة لغوية المستوى اللغوي ،وَ َ
ص والعقل؛ وكان اعتماده في – حل ً لشكالية التعارض الظاهر بين الن ّ
استجابته العقلية على قياس – "قياس الغائب على الشاهد" – إدرا ً
كا
ل وجه؛ فهو قياس مخالفة ل قياس للمطلق في مخالفته للمحدود من ك ّ
ور بعض الدارسين [9].وبناًء على قياس المخالفة هذا بين مطابقة ،كما تص ّ
ة شبه ت الصياغ ُ
م ِ
الله ،من جهة ،وبين العالم والنسان ،من جهة أخرى ،ت ّ
مي "التوحيد" و"العدل" ،وهما أساس مبادئهم الخمسة الفلسفية لمفهو َ
المعروفة؛ بل "العدل" هو أساس التوحيد ،كما يقّرره الخياط في كتاب
ةةةةةةةة].[10
ب
لنفور أهل الحديث والفقهاء من فكر المعتزلة وطرائق استدللهم أسبا ٌ
كثيرة ،ليس هاهنا مجال لشرحها .ويكفي فقط القول إن أهل الحديث
ما من التعمق المعرفي في أسرار النص والفقهاء كانوا ينفرون عمو ً
القرآني؛ ذلك أن نفورهم من المعتزلة والفلسفة لم يكن أكثر من نفورهم
من المتصوفة ،خاصة من هؤلء الذين يتفوهون بعبارات غريبة أو يقيمون
زهدهم على أساس عرفاني .لهذا دفع الحلج ،وكذلك السهروردي ،الثمن
ما باللحاد والزندقة.غالًيا من حياتهم ،ودفعه غيُرهم من سمعتهم اتها ً
وربما كان لقبول علماء أصول الفقه التحدي في مجال آيات التشريع
ب عملية ،نظًرا لتصال تلك القضايا بالحياة اليومية
والحكام أسبا ٌ
والمصالح المباشرة؛ هذا بالضافة إلى أن القياس الذي اعتمدوه كان
طا من الوجهة العقلية ،لنه ببساطة قياس تطاُبق ل مخالفة. سا بسي ً
قيا ً
وبصرف النظر عن أسباب الختلف بين أهل الحديث والفقهاء وبين
غيرهم من الفلسفة والمتكّلمين والصوفية ،فإن استجابة هؤلء الخيرين
للتحدي نفسه على مستوى العقيدة والفكر والخلق لم تكن مقبولة من
الفقهاء.
كان الله مستوًيا على العرش فمعنى ذلك ،من منظور المعتزلة ،أنه
محدود في المكان ،وأنه جسم يقبل العراض ،إلخ .واعتماد المعتزلة في
مرجعية التأويل على القياس العقلي – قياس المخالفة – يجد له كذلك
كممح َ ص القرآني كما تصوروها من خلل ثنائية "ال ُ
ة في بنية الن ّمرجعي ً
والمتشاِبه" التي سنتناولها بعد قليل.
في مقابل هذا التأويل العتزالي لهذه الية ولمثالها مما ُيطَلق عليه آيات
سك الفقهاء بالمعنى الحرفي للستواء على العرش؛ لكنهم "الصفات" ،تم ّ
حاولوا مع ذلك جهدهم في نفي "المشاَبهة" التي يفضي إليها الفهم
سب إلى مالك بن أنس أحياًنا صلوا إلى تلك الصياغة التي ُتن َالحرفي ،فتو ّ
وإلى أحمد بن حنبل أحياًنا أخرى ،تلك هي العبارة التي صارت شائعة
وتتكرر عبر الجيال حتى يومنا هذا" :الستواء معروف والكيف مجهول
والحديث عنه بدعة".
لو تأملنا قليل ً هذه العبارة المتداولة في دوائر الفكر السلمي كّلها –
والتي لم يتأملها أحد ،على ما يبدو ،تأمل ً عمي ً
قا – لوجدنا أنها عبارة تتضمن
ضا على أكثر من مستوى: تناق ً
س أو .1المستوى الول أن ما هو "معروف" ل بد ّ أن يكون مدَر ً
كا بالح ّ
ل حالة من تلك الحالت ،ل يكون بالعقل أو بالخيال ،وهو ،في ك ّ
مجهول الكيفية؛ إذ ما هو مجهول من حيث كيفيته – والكيف أحد
العراض التي يتحدد بها الشيء – ل يكون معروًفا.
.3المستوى الثالث من التناقض نفي "الحديث" بزعم أنه بدعة ،مع أن
اليات القرآنية "حديث" عن الستواء ،من حيث هو فعل إلهي.
أمثال العبارة السابقة من أقوال الفقهاء تؤخذ هكذا ،دون تحقيق أو فحص
عن محتواها .ول شك أن إيقاعها الثلثي الذي يجعل الدللة الحرفية
واضحة )"الستواء معروف"( ،ويجعل التأويل العتزالي كاذًبا )"الكيف
مته في هاوية "البدعة" – و"كل بدعة ضللة، مجهول"( ،ثم يطرح المر بر ّ
وكل ضللة في النار"! – هذا اليقاع الثلثي التنغيمي في تصاعده ،من
"المعروف" إلى "المجهول" إلى "البدعة" ،يمارس تأثيًرا شبه سحري حين
ُيتلى على العامة في المواعظ .وهكذا تتم تعبئة عوام المسلمين وأشباه
المتعّلمين منهم ضد "التأويل" لحساب "التفسير".
ولعل أهم تفسيرُ ،يشار إليه بوصفه أعظم التفاسير عند أهل السّنة
والجماعة – ،عدا كثرة استشهاده بالمرويات السرائيلية – ،هو كتاب ابن
حصنا كتاب ةةةة ةةةةةة في جرير الطبري ةةةة ةةةةةة .وإذا تف ّ
خصوص قضايا التأويل العقلي ،وبصرف النظر عن أن مصطلح "التأويل"
دال على عملية الشرح كّلها عند الطبري ،كما أسلفنا ،فسنلحظ هو ال ّ
سره الباحث الساذج ضد ّ غياب هذا النوع من التأويل ،وهو الغياب الذي يف ّ
"التأويل" لصالح "التفسير" .والحقيقة أن غياب تلك القضايا عن كتاب
الطبري له دللة تستحق التأمل .إن الطبري يشرح معنى "الستواء"
حا وافًيا في الية 29من سورة البقرة" :هو الذي خلق لكم ما في شر ً
واهن سبع سماوات وهو بك ّ
ل الرض جميًعا ثم استوى إلى السماء فس ّ
شيء عليم" – وهي آية ل تثير إشكالية الستواء على العرش التي تثيرها
اليات الخرى المشار إليها فيما سلف ،وهي اليات التي يمر عليها
الطبري متجاهل ً الشكالية ومكتفًيا بالقول" :لقد شرحنا الستواء فيما
مضى فل حاجة لعادته هنا [12]".ما معنى هذا التجاهل من جانب الطبري
ما هو لشكالية ما تزال مستمرة حتى الن؟ بل هي إشكالية أنتجت كتاًبا ها ّ
ةةة بعد
ةةة ةةةةةةة ةةةةة ةة ةةة ةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةة ة
الطبري بحوالى أربعة قرون؛ وهذا الكتاب يتضمن فصل ً كبيًرا بعنوان
"طاغوت المجاز" .فكيف يمر عليها الطبري هكذا مرور الكرام في القرن
الثالث الهجري؟!
ليس الغياب بالضرورة دليل ً على عدم اتفاق الطبري مع المعتزلة؛ كما أنه
ليس ،بالمثل ،قرينة على اتفاقه معهم – ول بد ّ للصمت مع ذلك من دللة.
لقد عاصر الطبري عصر ازدهار الحنابلة وسيطرتهم ،من خلل التحالف مع
السلطة السياسية في بغداد .والطبري فقيه ،له اجتهاداُته الفقهية الصيلة
دا
على مستوى النظر والتطبيق مًعا ،وله في مجال نقد المروّيات ،سن ً
ومتًنا ،كتاب هام لم ينل ما يستحقه من اهتمام الباحثين بعد ،هو كتاب
ةةةةة ةةةةةة؛ وقد كان له رأي في ابن حنبل أثار عليه الحنابلة ،حتى
أوشكوا أن يقتلوه ،فظل رهين بيته حتى مات ود ُِفن .فهل كان لهذا الحدث
تأثيُره الذي جعل الطبري يتحاشى الدخول في مناقشة هذه الموضوعات
الشائكة؟ ل يمكن لنا أن نطرح إجابة دقيقة عن هذا السؤال ،خاصة وأن
ي على طلبه؛ فل يمكن الجزم يقيًنا بسبب هذا الغياب. ُ
مل ِ َ
كتاب الطبري أ ْ
لكن الغياب ،كما سبق القول ،ل يعني التفاق مع تأويل المعتزلة؛ وهو يقيًنا
ل يعني المخالفة التامة .هذا بالضافة إلى أن كتاب الطبري من أهم الكتب
في حرصه الدائب على القيام بعمل تأويلي حقيقي يمثل تركيًبا ،ل بين
التفسير والتأويل فقط ،بل بين علوم القرآن النقلية كافة وبين العمل
التأويلي الحق.
والسؤال الن هو :هل ثمة وجود حقيقي للكتب في مجال التفسير تكتفي
بشرح المفردات – أي الترجمة – وتنبو عن التأويل ،حتى بالمعنى
دعي أنها تفسير ،بل العتزالي؟ مثل هذه الكتب موجود بالفعل ،ولكنها ل ت ّ
هي شروح للمفردات ،مثل كتب ةةةة ةةةةةة ،على سبيل المثال .إن
عملية التأويل واحدة في جوهرها ،لن الوصول إلى "الدللة" – التي هي
دا على درجة عالية من التركيب ،كما أنه سر – يتطلب جه ً ضاّلة المف ّ
ص القرآني .لقد اعتمد ما أو تصوًرا – ولو ضمني – لماهية الن ّ يتطلب فه ً
المعتزلة على الية السابعة من سورة آل عمران التي تقول إن الكتاب –
ت" ،وصاغوا خر متشابها ٌ م الكتاب وأ ُ َ
نأ ّ
ته ّ مح َ
كما ٌ ت ُ
القرآن – "منه آيا ٌ
سا علىنظرية في التأويل تعتمد على فهم المتشاِبه – الغامض – قيا ً
كم ،أي الواضح .ومن خلل نظريتهم في المعرفة واللغة مح َ مرجعية ال ُ
ددوا عدة مستويات للوضوح ،ومثلها للغموض ،وصارت نظريُتهم في ح ّ
محتذى عند جا ُ
التأويل في قالبها النظري التجريدي الخالص نموذ ً
خصومهم.
ما هو موطن الخلف إذن؟ موطن الخلف أن الية المشار إليها أثبتت
دد ما هو الغامض وما هو للجميع وجود َ الواضح ووجود الغامض ،لكنها لم تح ّ
الواضح – وليس ثمة في القرآن تحديد .لذلك صار من السهل على
سا :فما يتفق مع المفاهيم المعتزلة أن يجعلوا المعرفة العقلية مقيا ً
ضا
كم ،وما يبدو متناق ًمح َالعقلية بدللته اللغوية المباشرة فهو الواضح ال ُ
معها فهو المتشاِبه الغامض الذي ل سبيل إلى تقّبل دللته اللغوية
م التناقضالمباشرة .وهنا تتدخل أداة "المجاز" لتزيل الغموض وتنهي وَهْ َ
كم .وتلك هي بالضبط النظرية التي صاغها ابن رشد مح َبين المتشاِبه وال ُ
في التأويل على قانون الكلم العربي لنفي التعارض بين الشريعة
][13
والبرهان.
في كتابه ةةةةةة ةةةةةة يصوغ القاضي عبد الجبار السدآبادي
المعتزلي )القرن الرابع الهجري ،العاشر الميلدي( نظرية المعتزلة تلك
جا .لكن كتاب ابن قتيبة ةةةةة ةةةة ةةةةةة في في شكلها الكثر نض ً
ّ
القرن الثالث الهجري )التاسع الميلدي( يؤكد ،في ردوده على المعتزلة،
أنه يتبّنى نظريتهم ،حتى في قراءة نهاية الية على العطف وليس على
الوقف ثم الستئناف" :وما يعلم تأويَله إل الله والراسخون في العلم
مح َ
كم وما هو يقولون آمّنا به" .والخلف هنا يكمن في تحديد ما هو ُ
حا هو عند خصومهم متشاِبه محك َ ً
ما واض ً متشاِبه :فما يعتبره المعتزلة ُ
غامض ،والعكس صحيح [14].وهذا معنى قولنا إن القالب النظري التجريدي
محتذى عند الخصوم .وهذا ما الخالص لنظرية المعتزلة صار هو النموذج ال ُ
دا في تعليقات ابن المنير السّني على تفسير الزمخشري. حا ج ّ
نجده واض ً
صحيح أن ابن تيمية – وهو من أهم ممّثلي الفكر الحنبلي – يعلن نظرّيا
"موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول" ،لكن مرجعية التفاق عنده
ليس "المعقول" بل "المنقول"! وفي عبارة أخرى ،إذا كان المعتزلة
والفلسفة يعتبرون "العقل" هو الصل الذي على أساسه يتم تأويل النقل
وتفسيره ،فإن مدرسة ابن تيمية ترى أن صحيح المنقول هو الصل الذي
َ
محكم على أساسه ُيرَفض المعقول أو ُيقبل .ونتيجة لذلك ل تصير ثنائية "ال ُ
والمتشاِبه" هي العنصر الجوهري في بنية النص القرآني الذي على
أساسه يقوم قانون "التأويل" ،بل يصير "النقل" هو مرجعية التأويل.
من هنا يتم ترتيب الصول النقلية ترتيًبا يبدأ بالعلى في ةةةةة ابن تيمية
لصول التفسير ،وذلك على النحو التالي تقريًبا:
ول مكان في هذا الترتيب لصول التفسير للتفسير بالمجاز على الطلق!
فالمجاز نوع من "الكذب" في استخدام اللغة – أو "الدعاء" في أحسن
الحوال ،إذا استخدمنا لغة عبد القاهر الجرجاني – والقرآن منّزه عنه .وإذا
كان المتكّلم العادي يلجأ إلى المجاز لن الحقائق ل تسعفه ،فهذا ما ل
يجوز على العلم اللهي في إطلقه .وما يرى المعتزلة والشاعرة أنه
ت
م ْ
"مجاز" في القرآن ليس إل أسلوًبا من أساليب التعبير الوضعية اسُتخدِ َ
في اللغة العادية .وتلك كلها قضايا يصوغها ابن قّيم – تلميذ ابن تيمية –
ةةة ةة ةةةة ةةة في الكتاب الذي أشرنا إليه ةةةةةةة ةةةة ة
ةةةةةةة ةةةةةةةة في فصل عنوانه "طاغوت المجاز" ،وهو كتاب
][16
يستحق دراسة مستقلة في حد ّ ذاته.
من الطبيعي أن يقال هنا إن باب الجتهاد صار شبه مقفل ،ولم يلبث إل
قليل ً حتى أحكم رتاجه في عصر الركود والنحطاط ،عصر التلخيصات
وشرح التلخيصات والحواشي وشروح الحواشي في مجالت المعرفة
كافة .ذلك أن العقل السلمي النشط ،الذي كان قادًرا على قبول
التحديات والستجابة لها ،صار عقل ً يعيش على مخزونه – التراث – الذي
ددل في وعي المتأخرين ،وتحول إلى أقوال ُتر ّ أخذ يتناقص حتى اضمح ّ
ّ
وتلوكها اللسن ،مثل العبارة التي حللناها فيما سبق" :الستواء معروف
والكيف مجهول والحديث عنه بدعة" .وفتاوى ابن الصلح في القرن
ما أو الثامن الهجري )الرابع عشر الميلدي( تؤكد أن تعاطي المنطق ،تعل ّ ً
م الكلم ول عل ُ ما ،صار جريمة ،ول مجال إطلًقا لذكر الفلسفة .وتح ّ تعلي ً
][17
صا عليها ليحفظها إلى علم العقائد التي ت َرِد ُ في الكتب المتأخرة منصو ً
ث في مجال حد َ َ ّ
ث في المجالت كلها َ حد َ َ
قن .وما َ المتعّلم ،أو بالحرى المتل ّ
التفسير ،فصار تفسير ابن عطية أفضل من الزمخشري ،لنه تلخيص له
دون الوقوع في ضللته ،وأصبح تفسير الزمخشري ل ُيقَرأ إل في ردود
ل لتفسير ابن كثير المتأخر على ث تفضي ٌ حد َ َ
ابن المنير عليه .وبالمثلَ ،
دم ،لن الول يخلو من تعقيدات الثاني ،كما يخلو من تفسير الطبري المتق ّ
إسرائيلياته.
ت علم التفسير فعليك بابن كثير في هكذا تكاثرت النصائح للطلب :إذا أرد َ
ةةةةة وابن عطية في ةةةةة؛ وإن أردت النحو فعليك بشرح ابن عقيل؛
وإن أردت البلغة فعليك بالخطيب القزويني؛ وإن أردت علم الفقه فهذا
يتوقف على المذهب الذي تّتبعه .وحذارِ من المنطق وعلم الكلم
والفلسفة؛ فإنها أضاليل ل ينجو من ضررها إل الفحول من العلماء
كنين من عقائد أهل السّنة والجماعة .وقد استمرت الحال هكذا، المتم ّ
حتى بدأ العقل السلمي الفاقة تدريجّيا والوعي بحالة الركود والنحطاط
التي هو عليها .إنه الوعي بالهزيمة وليس الهزيمة ذاتها ،لن الهزيمة كانت
واقًعا ماثل ً دون أن يعيها العقل ،لنه كان قانًعا بما يتغذى عليه من تراث
ومات الحيوية والنضارة والتقدم كافة.ل من مق ّ خا ٍ
م
من يدّرس للطلب في الزهر عل َ لم يكن غريًبا أن يكون محمد عبده أّول َ
البلغة من كتاَبي عبد القاهر الجرجاني )القرن الخامس الهجري ،الحادي
عشر الميلدي( ةةةةة ةةةةةةة وةةةةة ةةةةةةة؛ ولم يكن غريًبا
أن تكون ةةةةة ةةةةةةة استعادةً لعلم الكلم العتزالي في مبدأ
"العدل" والشعري في مبدأ "التوحيد" .وقد سبق أن أشرنا إلى التقارب
الذي كان قد وقع بين الشاعرة والمعتزلة في قضية "التوحيد" .هكذا يمثل
محمد عبده ،على مستوى الفكر اللغوي واللهوتي ،إحياًء للتراث في
حيويته وقوته نضارته ،بنفس القدر الذي يمثل به محمود سامي البارودي
الشاعر عصَر إحياء التراث الشعري في حيويته وقوته ونضارته.
لكن ماذا عن تأثير هذا كّله في علم التأويل القرآني؟ وكيف كانت
ص المركزي ،ل للثقافة وحدها بل للحضارة كّلها،
قا مع الن ّالستجابة تواف ً
في صيرورتها وارتفاعها وانخفاضها؟
ولعل ما يمّيز تفسيَر محمد عبده )الذي أكمله تلميذه رشيد رضا( أنه ،على
ص
اتساعه وحرصه على"إشباع الدللة" ،تفسير يكاد أل يتجاوز نطاق الن ّ
حتى يعود إليه؛ هذا بالضافة إلى أنه – خلًفا لتفسير الطنطاوي الجوهري
– اكتسب انتشاًرا واسًعا ،ل في دائرة المهتمين والطلب الذين دّرس لهم
عبده فقط ،بل في دائرة أوسع من القراء والمثقفين في العالم العربي
والسلمي .ومن المؤكد أن استجابة محمد عبده – في التفسير –
ة أكثرللتحديات التي كانت مطروحة على العقل السلمي كانت استجاب ً
تركيًبا من استجابة الطنطاوي الجوهري في تفسيره؛ فلم يكن مشغول ً
بالبحث عن التطابق بين حقائق العلم ودللة النص ،بقدر ما كان شاغَله
ص لمخاطبة العقل السلمي الناهض وحّثه على مواصلة ح دللة الن ّ
فت ُ
][20
النهوض.
لذلك كان من الطبيعي ،على المستوى النظري للقواعد التي وضعها في
خطوات التفسير ،أن تكون قواعد َ عامة لتأويل النصوص ،دون إغفال
ي هدفه "هداية" البشر إلى اليمان.
ص دين ّ
ص القرآني ،بما هو ن ّ
طبيعة الن ّ
وعلى ذلك ،فالمقصد من التفسير والهدف هو
ض
ضا أبعد تنشعب منه الغرا ُ دا أسبق وغر ًقبل ذلك كّله مقص ً
المختلفة وتقوم عليه المقاصد المتعددة .ول بدّ من الوفاء به قبل
ي مقصد آخر ،سواء كان ذلك المقصد الخر علمّيا أم تحقيق أ ّ
][23
عملّيا ،دينّيا أم دنيوّيا.
ف من التفسير في وليس مقصد "الهداية" الذي يعتبره محمد عبده الهد َ
معزل عن "المنهج اللغوي الفّني" ،لن هذا الخير هو الداة والوسيلة التي
ددهمن دونها ل يمكن الوصول إلى الهدف والمقصد .وهذا المنهج يح ّ
محمد عبده في الخطوات التالية:
م
م دللة اللفاظ المفردة في سياق تداولها اللغوي فه ُ .2يلي فه َ
الساليب ،و"يحتاج في هذا إلى علم العراب وعلم الساليب
)المعاني والبيان("].[25
.5كذلك ت ُعَد ّ الخطوة الخامسة تفريًعا للخطوة الرابعة :فالعلم بما كان
وة من العرب وغيرهم يتضمن "العلم عليه الناس في عصر النب ّ
بسيرة النبي صلعم وأصحابه ،وما كانوا عليه من علم وعمل
وتصرف في الشؤون ،دنيوّيها وُأخروّيها"].[28
جا
دا أن نقول هنا إن الخطوات التي يرّتبها عبده منه ً وليس من الصعب أب ً
محك َ ً
ما بين مرجعّيتين متجاوبتين :اللغة في قا ُ
طا وثي ًللتفسير تربط رب ً
السياق التاريخي لتداُولها )عصر النزول( ،والعاَلم من حيث القوانين
ص هنا ،في المحّركة له طبيعّيا واجتماعّيا في صيرورته في التاريخ .إن الن ّ
ل في فهم عبده الضمني من خلل تحديده لخطوات المنهج ،بناٌء لغوي دا ّ
سياق اجتماعي تاريخي بعينه ،غير معزول ،في الوقت نفسه ،عن القدرة
على إنتاج الدللة خارج إطار هذا السياق .لكن الدللة المنَتجة خارج
ً
السياق الجتماعي التاريخي الخالص يجب أل تكون مفروضة "إسقاطا"
ل للنص؛ أو لنقل ،في عبارة أخرى أقرب إلى لغة على البناء اللغوي الدا ّ
التراث ،إن "المفهوم" يجب أل يفارق "المنطوق" ،على الرغم من ثبات
الثاني وحركّية الول.
وعلى ذلك ،فإن "العجاز" في القصص القرآني "في اللفظ ،ل في
القصص نفسها"] ،[30أي في بنائها اللغوي السردي ،وليس في مماثلة
وقائعها المروّية للتاريخ أو في َتطاُبقها مع وقائع التاريخ [31].بالضافة إلى
ذلك ،يقّرر محمد عبده أن ترتيب السرد في القرآن ل يتطابق مع الترتيب
][32
المنطقي الطبيعي للوقائع ،بل هو ترتيب لتأدية وظائف الوعظ والعتبار.
ومن البديهي فيما يؤكد عبده أن
ذكر القصة في القرآن ل يقتضي أن يكون ك ّ
ل ما ُيحكى فيها عن
حا .فذكر السحر في هذه اليات ]البقرة [102ل يستلزم
الناس صحي ً
إثبات ما يعتقد الناس منه ...إن القصص جاءت في القرآن لجل
مل على العتقاد ح ْ
الموعظة والعتبار ،ل لبيان التاريخ ول لل َ
ق
بجزئيات الخبار عند الغابرين .وإنه ليحكي من عقائدهم الح ّ
والباطل ،ومن تقاليدهم الصادق والكاذب ،ومن عاداتهم النافع
والضار ،لجل الموعظة والعتبار .فحكاية القرآن ل تعدو موضع
عبرة ،ول تتجاوز موطن الهداية ،ول بدّ أن يأتي في العبارة أو ال ِ
سن واستهجان ح َ
السياق وأسلوب النظم ما يدل على استحسان ال َ
ملة عند القبيح .وقد يأتي في الحكاية بالتعبيرات المستع َ
ة في نفسها، ي عنهم ،وإن لم تكن صحيح ً طبين أو المحك ّالمخا َ
ن من المس" ]البقرة ،[275 كقوله" :كما يقوم الذي يتخّبطه الشيطا ُ
وكقوله" :بلغ مطلع الشمس" ]الكهف .[90وهذا السلوب مألوف.
فإننا نرى كثيًرا من كّتاب العربية وكّتاب الفرنج يذكرون آلهة
الخير والشّر في خطبهم ومقالتهم ،ولسيما في سياق كلمهم
عن اليونان والمصريين القدماء ،ول يعتقد واحدٌ منهم شيًئا من
][33
تلك الخرافات الوثنية.
إذا تأملنا ما يحاوله عبده هنا ،فمن السهل أن نقرر أنه يحاول حماية
القرآن من هجوم بعض المستشرقين ،خاصة فيما يتصل بمسألة القصص
ةة ةة ةةةةةةة – هكذا القرآني والدقة التاريخية .ةةة ةةةةةة ةةة ة
عْبرة ،يوِرد ما
يكرر عبده هذه العبارة – بل هو كتاب هداية وموعظة و ِ
ُيروى وما ُيحكى عن المم السابقة مورد الحكاية لتحقيق هذه الغاية ،التي
فا للوقائع .بالضافة إلى قد تتطلب تحويًرا أو اختصاًرا أو ترتيًبا سردّيا مخال ً
هذا ،يؤكد عبده أن ما ُيحكى من اعتقادات وما ي َرِد ُ من عبارات ،إنما ُيحكى
م ل مجال لعتقاد صحته طبين أو المحكي عنهم؛ ومن ث َ ّ قا لوعي المخا َمطاب ِ ً
أو صوابه لمجرد أنه ذ ُك َِر في القرآن .وهنا يتمكن عبده من تأويل ك ّ
ل ما
س الشيطان للنسان تأويل ً عقلنّيا. ورد عن السحر والحسد وم ّ
ق عليها ،هي أنف ٍوإذا كان عبده ينطلق في كثير مما سبق من حقيقةٍ مت َ
ور هذا المفهوم الله يخاطب البشر على قدر عقولهم وأفهامهم ،فإنه يط ّ
ل أساسية .ول شك أن عبده ة تأوي ٍ تطويًرا شام ً
ل ،بحيث يجعل منه مرجعي َ
قد أفاد من علم النفس كثيًرا في عملية التطوير تلك؛ لكنه أفاد بالمثل من
مفاهيم التمثيل والمجاز والكناية والستعارة في التراث البلغي العربي.
في عبارة أخرى ،يمكن القول إن عبده قد جمع بين الستمداد من التراث
وبين العلوم العصرية في محاولته الستجابة للتحدي المطروح على العقل
المسلم الذي يعتبر القرآن مرجَعه الساسي .لذلك استند فعل التأويل
عنده إلى مرجعية اللغة ،كما استند إلى مرجعية المعرفة العصرية في
ي دقيق يتطابق ،إلى حد ّ كبير ،مع خطوات المنهج التي سبق تركيب منهج ّ
تحليُلها.
وبتطبيق المنهج نفسه ،تصبح قصة ابَني آدم – قابيل وهابيل – تمثيل ً لنوازع
الخير والشر ،وتصبح قصة إبراهيم مع الطير ،الواردة في القرآن إثباًتا
لقدرة الله على إحياء الموتى ،تمثيل ً كذلك ،لن معنى "فصرهن إليك"
طعهن أجزاء ،بل "مّرنهن على طاعتك" .وهكذا ،إذا كان الطير ليس ق ّ
ل ما في الوجود رهن مشيئة بالتمرين يستجيب للنسان ويطيعه ،أليس ك ّ
الله بما هو الخالق؟] [36بل يذهب محمد عبده – في جرأة غير مسبوقة إل
في أقوال بعض المعتزلة – إلى أن نزول الملئكة وقتالهم مع المسلمين
في موقعة بدر الكبرى لم يكن حقيقة حرفية ،بل كان من قبيل الُبشرى
والتأييد المعنوي [37].وهو في هذا التأويل يستند إلى نفس القاعدتين اللتين
أشرنا إليهما :ةةةةة ،من جهة ،وةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة
ةةةةةةةة ،من جهة أخرى – وكلهما ينفي النزول الحرفي للملئكة .أما
الدليل اللغوي فموجود في السرد القرآني" :وما جعله الله إل ُبشرى
ولتطمئن به قلوبكم"؛ بينما يستند عبده في مرجعيته التراثية إلى تفسير
حد] ،[38وسكت عن ُ
محمد بن جرير الطبري – الذي أنكر نزول الملئكة في أ ُ
قل"].[39 حرِّية بأن ُتن َمرويات قتالهم في بدر لنها ،فيما يرى عبده" ،لم تكن َ
ويستند كذلك إلى المعتزلي أبي بكر بن الصم ،الذي أنكر قتال الملئكة
مَلك الواحد يكفي في إهلك في بدر ،وقال – فيما يروي عنه عبده – إن "ال َ
أهل الرض ،كما فعل جبريل بمدائن قوم لوط؛ فإذا حضر هو يوم أحد،
][40
فأي حاجة إلى مقاتلة الناس مع الكفار؟"
هكذا ةةةة ةةةة ةةة ةةةةة ةةةةةة .وينتهي عبده إلى ةةة ةةةةة
ةةةة ةةةةةة ةة ةةةةة ،قائ ً
ل:
وهت التفسير وقلبت كفانا الله شّر هذه الروايات الباطلة التي ش ّ
ص القرآن نفسه .فالله تعالى يقول الحقائق ،حتى إنها خالفت ن ّ
ن به قلوُبكم".
في إمداد الملئكة" :وما جعله الله إل ُبشرى ولتطمئ ّ
وهذه الروايات تقول بل جعلها مقاتلة ،وإن هؤلء السبعين الذين
قتلوا من المشركين لم يمكن قتلهم إل باجتماع ألف أو ألوف من
صهم الله بما ذكر من أسباب الملئكة عليهم مع المسلمين الذين خ ّ
النصر المتعددة .إل أن في هذا من شأن تعظيم المشركين ورفع
شأنهم وتكبير شجاعتهم وتصغير شأن أفضل أصحاب الرسول
ب عقَله لتصحيحسل ِ َ
وأشجعهم ،ما ل يصدر عن عاقل إل وقد ُ
][41
روايات باطلة ل يصح لها سند.
هكذا يمكن القول إن مرجعية التأويل عند محمد عبده مرجعية مركبة
تركيًبا أعقد من تركيب مرجعية التأويل عند المعتزلة؛ بل الحرى القول إن
مرجعية عبده هي مرجعية معتزلي يعيش في نهاية القرن التاسع عشر،
ص المركزي فيمحاول ً الفادة من ثمار الفكر النساني والتوافق مع الن ّ
حضارته وثقافته .لذلك نراه يضع "القصص القرآني" في إطار
"المتشابهات" التي تحتاج للتأويل وفق مقتضيات العقل ،دون التسليم
بدللتها الحرفية [42].لكنه ،على الرغم من ذلك ،ل يدخل في عراك ضد
"طريقة السلف" – أهل السّنة والجماعة – كما فعل أسلُفه من المعتزلة،
بل يحاول أن يمّيز بين "تفويض" أهل السلف وبين "تأويل" المعتزلة أو
الخلف ،ويرى أن التفويض واجب ضروري على مستوى "العتقاد" القلبي
الداخلي ،لكن "التأويل" كذلك واجب ضروري للكلم اللهي "لنه ل بد ّ
للكلم من فائدة يحمل عليها ،لن الله – عّز وج ّ
ل – لم يخاطبنا بما ل
نستفيد منه معنى"].[43
على أساس هذا التمييز ،يمكن لنا أن نفهم ما يقوله عبده عن نفسه من
أنه يجمع بين طريقة السلف وطريقة الخلف ،وذلك على عكس تلميذه
ما إلى طريقة أهل مل تفسيره محمد رشيد رضا ،الذي يطمئن تما ً مك ّ
و ُ
السلف ،ويؤكد أن هذا الطمئنان الكامل لم يتحقق له تفصيل ً إل بممارسة
مَلي لواء السلفية الحنبلية كتب ك ّ
ل من ابن تيمية وابن القيم] ،[44حا ِ
هضة لية مرجعية في التأويل سوى مرجعية اللغة ،المعزولة حتى عن المنا ِ
صيرورتها التاريخية وأُفقها الجتماعي.
معَ عبده بين طريقتي السلف والخلف )مع التمييز بينهما في الوقت ج ْ
لكن َ
ول في أتباعه إلى تيارين ما يزالن حتى الن يشكلن قطَبي ذاته( تح ّ
صراع – يهدأ حيًنا ويشتد أحياًنا – في تاريخ الفكر السلمي حتى يومنا هذا،
خاصة في مجال تأويل القرآن وتفسيره – وهو المجال الذي نركز عليه
ت
سس ْ هنا :من طريقة السلف نهل رشيد رضا ،ومنه نقل حسن البنا ،فتأ ّ
جماعة "الخوان المسلمين"؛ ومن طريقة الخلف نهل علي عبد الرازق
ل منهم قصة وطه حسين وأمين الخولي ومحمد أحمد خلف الله – ولك ّ
][45
دامية مع تيار أهل السلف معروفة.
لن نتوقف هنا عند كتاب ةةةةةةة ةةةةة ةةةةة لعلي عبد الرازق ،لن
اتصاله بعلم التأويل اتصال غير مباشر ،من جهة ،ولننا تناولناه تفصيل ً في
دراسة سابقة من جهة أخرى [46].لكن لماذا ذ ُك َِر اسم طه حسين من بين
ل بعلم التأويل كذلك؟ تتضح أتباع منهج الخلف ،وليس لطه حسين اتصا ٌ
العلقة بين طه حسين ومحمد عبده – من زاوية تأويل القرآن – حين
نتأمل سياق الفقرة التي وردت في كتاب طه حسن ةة ةةةةة
ةةةةةةة والتي أثارت ما أثارت من احتجاج وردود ومناقشات ومطالبة
بفصل طه حسين من الجامعة – حتى حسم وكيل النائب العام محمد نور
ن ظلت لها ،حتى الن ،امتداداتها الدين المشكلة من الناحية الدارية ،وإ ْ
ّ
وتفاعلتها ،سلًبا وإيجاًبا – ،هذا على الرغم من أن المؤلف نفسه – طه
حسين – قام بسحب الكتاب ،وحذف منه الفقرة التي أثارت ك ّ
ل هذا
الضجيج ،ثم أعاد نشره باسم ةة ةةةةة ةةةةةةة الذي يماثل من حيث
الحجم ثلثة أضعاف الكتاب الول.
طه حسين )(1973-1889
إن السياق الساسي للكتاب هو مناقشة مدى انتساب هذا الشعر الذي
ل .ومن خلل بعض الدلة يسمى "جاهلّيا" إلى عصر ما قبل السلم فع ً
والسانيد التاريخية واللغوية ،يرى طه حسين أن "الصلة بين أصل اللغة
العربية الفصحى التي كانت تتكلمها العدنانية )في الحجاز وشمال
الجزيرة( واللغة التي كانت تتكلمها القحطانية )في اليمن( ،إنما هي
كالصلة بين اللغة العربية وأية لغة أخرى من اللغات السامية المعروفة".
وبصرف النظر عن صحة هذه القضية أو خطئها ،فإن المؤّلف يستند إليها
في الشك في صحة نسبة هذا الشعر المنسوب إلى شعراء أصلهم يمني
والمصوغ بلغة عربية فصحى هي لغة الشمال .ويرى طه حسين أن هذا
الشعر ل يمكن له أن يكون قد ظهر قبل القرآن ،لنه مكتوب بلغة قريبة
دا من عربية القرآن ،التي لم تصبح لغة الجزيرة كّلها إل مع انتشارج ّ
سا على ذلك ،يرى طه حسين أن القرآن يجب أن يكون هو السلم .وتأسي ً
سب إلى الجاهليين المرجع في فهم حياة الجاهلية ،ل هذا الشعر الذي ُين َ
وهو ل ينتسب لذاك العصر:
سب إلى امرئ القيس أو إلى العشى أو إن هذا الشعر الذي ُين َ
إلى غيرهما من الشعراء الجاهليين ل يمكن ،من الوجهة اللغوية
والفنية ،أن يكون لهؤلء الشعراء ول أن يكون قد قيل وأذيع قبل
هد بهذا الشعر على تفسير أن يظهر القرآن ...ول ينبغي أن ُيستش َ
هد بالقرآن والحديث القرآن وتأويل الحديث ،وإنما ينبغي أن ُيستش َ
على تفسير هذا الشعر وتأويله ...هذه الشعار ل تثبت شيًئا ول
ة إلى ما اتخذت إليه من تدل على شيء ،ول ينبغي أن ت ُّتخذ وسيل ً
عا
ت اخترا ً
ْ ع
َ ر
ُ ِ ت واخ علم بالقرآن والحديث؛ فهي إنما ت ُك ُّلفت
][47
ليستشهد بها العلماءُ على ما كانوا يريدون أن يستشهدوا عليه.
ليس من الغريب في ظ ّ
ل هذا التصور – المستند إلى أطروحة عبده عن
القصص القرآني – أن تكون هجرة إبراهيم بإسماعيل وهاجر للكعبة
معروفة عند العرب قبل نزول القرآن .وليس ورودها في القرآن دليل
على صحتها التاريخية بقدر ما هو دليل على وجودها في وعي المخا َ
طبين
بالقرآن وفي ضمائرهم .ويرى طه حسين أن أقدم عصر يمكن أن تكون
قد انتشرت فيه هذه القصة
إنما هو هذا العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلد
العربية ويبثون فيه المستعمرات .فنحن نعلم أن حروًبا عنيفة
شّبت بين هؤلء اليهود المستعمرين وبين العرب الذين كانوا
يقيمون في هذه البلد ،وانتهت بشيء من المسالمة والملينة
ونوع من المحالفة والمهادنة .فليس يبعد أن يكون هذا الصلح الذي
غيرين وأصحاب البلد منشأ هذه القصة التي تجعل م ِ
استقر بين ال ُ
العرب واليهود أبناء أعمام ،لسيما وقد رأى أولئك وهؤلء أن بين
الفريقين شيًئا من التشابه غير قليل :فأولئك وهؤلء ساميون...
ل الستعداد لقبول مثل هذهوقد كانت قريش مستعدة ك ّ
السطورة في القرن السابع للمسيح .فقد كانت في أول هذه
نم َض ِ
ظ من النهضة السياسية والقتصادية َ القرن قد انتهت إلى ح ّ
ط سلطانها المعنوي على جزء س َلها السيادة في مكة وما حولها وب َ ْ
غير قليل من البلد العربية الوثنية .وكان مصدر هذه النهضة وهذا
][50
السلطان أمرين :التجارة من جهة ،والدين من جهة أخرى.
دثنا
دثنا عن إبراهيم وإسماعيل ،وللقرآن أن يح ّللتوراة أن تح ّ
ضا .ولكن ورود هذين السمين في التوراة والقرآن ل عنهما أي ً
يكفي لثبات وجودهما التاريخي ،فضل ً عن إثبات هذه القصة التي
دثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب تح ّ
][53
المستعربة فيها.
خ أمينصَله الشي ُ
لكن ما أضافه طه حسين إلى إنجاز محمد عبده ،وا َ
الخولي في مجال الدراسات القرآنية ،وذلك على الرغم من أن طه حسين
نفسه – كما سلفت الشارة – سحب الكتاب وأزال منه لغَته غير المهاِدنة،
ما كما فعل علي عبد الرازق الذي ظل مصّرا على عدم طبع كتابه– ، تما ً
ُ
على الرغم من تغّير المناخ العام – ،حتى طب ِعَ مرة ثانية في منتصف
السبعينات بعد وفاته .أما كتاب طه حسين فلم ُيطَبع طبعته الثانية إل في
][55
سياق المأساة الرابعة في بداية العام .1995
إن حديث محمد عبده عن أسلوب السرد في قصص القرآن ،وكيف أنه
أسلوب يتحدد من خلل الغََرض الديني الوعظي للقص ،ول علقة له
بالتتابع الطبيعي المنطقي أو التاريخي للوقائع خارج القرآن ،كان مقدمة
ما
ت طه حسين من أن يبني عليها مقدمة أخرى معروفة تما ً أساسية م ّ
كن ْ
دة القرآن من حيث السلوب" .واستنبط طه حسين قا عليها ،هي "ج ّ
ومتف ً
من المقدمتين نتيجة فحواها أن القرآن "أثر فني بالغ" ،وأنه مارس تأثيره
في معاصريه من خلل كونه كذلك .وهذا بالتحديد هو المفهوم الذي ينطلق
ص القرآني :إنه كتاب العربية الكبر، منه الشيخ أمين الخولي عن الن ّ
ن العربي القدس ،سواء نظر وأثُرها الفني القدس" :فالقرآن كتاب الف ّ
إليه الناظُر على أنه كذلك في الدين أم ل" .
][56
سس أمين الخولي اختلَفه الذي أشرنا إليه مع محمد عبده علىمن هنا يؤ ّ
غاية التفسير ،ويرى أن المقصد السبق والغرض الول لعملية التفسير هو
"البيان"؛ إذ هو الهدف الذي
مي البلغةوإذا كان محمد عبده – كما سلفت الشارة – يشير إلى عل َ
التقليديين )المعاني والبيان( باسم "علم السلوب" ،فليس منطقّيا أن
ُتفَهم كلمة "البيان" – التي هي المقصد الساسي والجوهري من عملية
][58
التأويل والتفسير – بدللتها البلغية عند القدماء.
وإذا كان أمين الخولي لم يترك تفسيًرا – مثل محمد عبده – فقد كان
انشغاله بقضية "المنهج" هو الحافز وراء القيام بدراسات وبحوث
ت لنا تسعة كتب في اللغة والدب والبلغة والفكر استكشافية عديدة ،خّلف ْ
والديان المقارنة .واحد من هذه الكتب هو كتاب ةةةةة ةةةةةةة– ،
سا – ،ويضم بين دّفتيه عشر دراسات من تلك الذي نعتمد عليه هنا أسا ً
كز على ةةةةة ةةةةةة .وانشغال مشار إليها ،وكلها ير ّالمجالت ال ُ
الخولي هكذا بقضية المنهج في أكثر من مجال من المجالت المشار إليها
مه لمنهج التفسير
مق إلى حد ّ كبير مفهو َ
كان من شأنه ،دون شك ،أن يع ّ
والتأويل.
دد للقرآن ،بوصفه أثر العربية الخالد قلنا إن المنهج ينطلق من مفهوم مح ّ
دا.
ما كان أم مسيحّيا أم يهودّيا أم ملح ً القدس ،هو كذلك للعربي ،مسل ً
وليس المقصود بـ"العروبة" عند الخولي عروبة العرق والجنس والعصب
والدم ،بل العروبة هي ةةةةة ةةةةةة ةةةةةةةة ةةةةةة .وليس
سا منَزل ً من عندمعنى أن القرآن أثر فني عربي أنه ليس كتاًبا دينّيا مقد ً
الله على نبّيه محمد ،بل المعنى أنه نص يمارس تأثيره وفعاليته ،على
المسلم وعلى غير المسلم كذلك ،من خلل خصائصه الدبية والفنية،
الممّيزة له والفارقة له عما سواه من النصوص؛ وهو التمييز والتفريق
الذي أطلق عليه القدماء اسم "العجاز" – هذا من ناحية .ومن ناحية
أخرى ،فليس معنى القول بأنه "عربي" أنه ل يخاطب غير العرب في
مراميه وأهدافه؛ كما أن هذا الوصف ل يعني انحسار دللته في المدى
القصير لزمن نزوله أو بعده بقليل .ل شيء من هذا يتضمنه مفهوم أن
القرآن "أثر فني عربي" أو أنه "كتاب العربية الكبر" ،لن للقرآن ،بما هو
أثر فني،
لكن مطلًبا مثل هذا ي َُعد مستحيل ً بالنسبة للشيخ أمين الخولي ،فضل ً عن
أن يكون متوقًعا .فالشيخ خّريج مدرسة "القضاء الشرعي" ،وتأّثره بعلماء
أصول الفقه واضح في المنهج الذي يطرحه :جمع اليات ذات الموضوع
الواحد جمًعا إحصائّيا ،ثم ترتيبها ترتيًبا تاريخّيا ،قبل القيام بعملية التفسير.
لقد كان على علماء الصول أن يقوموا بذلك في دراسة الحكام الفقهية،
مل" من وذلك من أجل فَْرزِ ناسخ الحكام من منسوخها ،وبيان "المج َ
"المفصل" و"العام" من "الخاص" – وذلك كله ل يتأّتى إل بالجمع
ول منهج الموضوعي لليات والترتيب التاريخي لها كذلك .لكن الشيخ يح ّ
علماء الصول هذا – الخاص بدراسة الحكام والضروري لها – إلى منهج
صالح للتعامل مع القرآن كّله .ول يمكن التقليل من شأن هذا المنهج حين
تتعلق الدراسة بموضوعات القرآن وقضاياه الفكرية والعقيدية والخلقية؛
لكنه ليس المنهج الجدى في الدراسة الدبية للقرآن .وليس ذلك كله من
قبيل تناُقض في منهج الشيخ أمين الخولي ،لن مفاهيمه للدراسة الدبية –
التي تحتاج إلى دراسة مستقلة ليس هاهنا مجالها – هي مفاهيم أقرب إلى
المفاهيم الرومانسية المشبعة بمفاهيم الكلسيكية الجديدة؛ وهي مفاهيم
ص الدبي من حيث الموضوعات والمضامين أكثر من تناُولها له تتناول الن ّ
من حيث الشكل والبنية.
وهذا هو الذي حدا بالشيخ إلى تقسيم الدراسات القرآنية إلى فرعين هما:
دراسة "ما حول القرآن" ،التي تنقسم إلى "عامة" و"خاصة" :أما
مى "علوم القرآن" ،كأسباب ةةةةةة فهي تلك الدراسات التي ُتس ّ
النزول ،والمكي والمدني ،والجمع والترتيب والقراءة ،إلخ؛ والدراسات
ةةةةةة حول القرآن هي تلك الدراسات التي تتجاوز "علوم القرآن"
التقليدية إلى ذلك النمط من الدراسة التاريخية والجتماعية الذي سبق أن
تناوله محمد عبده .هذه الدراسة العامة تتناول عند الخولي
ما يتصل بالبيئة المادية والمعنوية التي ظهر فيها القرآن وعاش،
من خاطب، ظ وخاطب أهلها أول َ ف َ
ح ِ
رئ و ُق ِ ع وك ُت ِ َ
بو ُ م َ
ج ِ
وفيها ُ
وإليهم ألقى رسالَته لينهضوا بأدائها وإبلغها شعوب الدنيا .فروح
القرآن عربية ،ومزاجه عربي ،وأسلوبه عربي ...والنفاذ إلى
مقاصده إنما يقوم على التمثيل الكامل والستشفاف التام لهذه
الروح العربية ،ولذلك المزاج العربي والذوق العربي .والتمّثل التام
لهذه العروبة هو السبيل المتعّينة لفهم ذلك كّله والوصول إليه.
ة الكاملة لهذه البيئة العربية المادية ...فكل
ومن هنا لزمت المعرف ُ
ما يتصل بتلك الحياة المادية العربية وسائل ضرورية لفهم القرآن
ل ما تتسع له العربي المبين – هذا مع ما يتصل بالبيئة المعنوية ،بك ّ
ض سحيق وتاريخ معروف ،ونظام أسرة أو هذه الكلمة من ما ٍ
ت،ون ْ
ي لون تل ّي درجة كانت ،وعقيدة ،بأ ّ قبيلة ،وحكومة ،في أ ّ
عب .فكل ما ّ وتتش تختلف مهما وأعمال، وفنون ،مهما تنوعت،
تقوم به الحياة النسانية لهذه العروبة وسائل ضرورية كذلك لفهم
][61
هذا القرآن العربي المبين.
إن تلك الدراسات "حول القرآن" ،الخاص منها والعامُ ،تعد بمثابة
الدراسات الضرورية الممّهدة لدراسة النص ذاته ،أي للتأويل والتفسير.
ص
وليست هذه الدراسات ،في التحليل الخير ،إل دراسة لسياق الن ّ
بالمعنى الشامل التاريخي والجتماعي والثقافي والديني .وهنا يتجاوب فكر
ما مع فكره الدبي ،خاصة أمين الخولي في الدراسات القرآنية تجاوًبا تا ّ
في المنهج الذي طرحه في كتابه عن ةةةةة ةةةةةة ) ،(1943مرك ًّزا
على أهمية "البيئة" بالمعنى الواسع الشامل لدرس الدب.
ص القرآني دب إلى فهم ألفاظ هذا الن ّ من الخطأ البّين أن يعمد متأ ّ
م لهذا التدرج والتغير ما ل يقوم على تقدير تا ّالدبي الجليل فه ً
س حياة اللفاظ ودللَتها ،ول على التنّبه إلى أنه إنما يريد الذي م ّ
ت أول ماذلك ليفهم هذه اللفاظ في الوقت الذي ظهرت فيه وت ُل ِي َ ْ
][62
من حول تاليها الول عليه السلم. ت على َ ت ُل ِي َ ْ
دها ]اللفظة المفردة[ لينظر في ذلك ،فيخرج منه برأي عنيتتّبع ورو َ
ّ
استعمالها :هل كانت له وحدة اطردت في عصور القرآن المختلفة
ومناسباته المتغيرة؟ وإن لم يكن المر كذلك ،فما معانيها المتعددة
][63
التي استعملها فيها في عصر نزول القرآن؟
سر الدبي في المركبات؛ وهو في ذلك -ول مرية- يكون نظر المف ّ
مستعين بالعلوم الدبية ،من نحو وبلغة ...والنظر في اتفاق
معاني القراءات المختلفة للية الواحدة ،والتقاء الستعمالت
المتماثلة في القرآن كّله ...على أن النظرة البلغية هي النظرة
الدبية الفنية التي تتمثل الجمال القولي في السلوب القرآني،
سماته ،في ذوق بارع قد ق َوتتبين معارف هذا الجمال وتستجلي َ
ما إلى ذلك التأملتض ّمن َاستشف خصائص التراكيب العربيةُ ،
العميقة في التراكيب والساليب القرآنية لمعرفة مزاياها الخاصة
][65
بها بين آثار العربية.
نلحظ هنا أن "علم الساليب" عند محمد عبده يتحول عند الخولي إلى
أداة للكشف عن أسرار جمال السلوب القرآني .إن علوم البلغة التقليدية
التي حاول الخولي تطويرها في كتابة الهام ةة ةةةةة ) ،(1947وفي
سرمها كتاُبه ةةةةة ةةةةةةة ،هي أدوات المف ّ دراسات أخرى سابقة ض ّ
للكشف عن هذا الجمال – هذا بالضافة إلى أن الغاية من تحليل أساليب
القرآن والكشف عن جمالياتها هي الوصول إلى سّر "العجاز" الذي يرى
]
الخولي أنه "نفسي" ،أي أنه قائم على "التأثير" في المتلقي تأثيًرا نفسّيا.
[66
-النقطة الثانية :إن هذا التناول لحقائق الكون إنما يعتمد على
المشهود والمدَرك للناس جميًعا ،العامة والخاصة ،والعلماء وأنصاف
ضا.
العلماء ،بل والجهلء أي ً
ويمكن صوغ هذه النقاط الثلث بعبارة أخرى ،هي أن القرآن ،حين يتناول
هدة والمدَركة ،إنما يتناولها ليثير مخيلة القارئ،
بعض حقائق الكون المشا َ
ً
دا على ما هو قاّر في تصوراتهم ،محّركا لنفعالتهم التي قد تكون معتم ً
خمدت بحكم اللفة ،وذلك كله في أسلوب أدبي مؤثر .وهكذا يمكن القول
إن هذا التناول لظواهر الكون والطبيعة هو نفسه أسلوب تناُول القصص
في القرآن لهداف دينية وعظية ،وليس لرواية التاريخ .وهذا هو نص
الشيخ أمين الخولي:
حا أن الشيخ أمين الخولي هو المتداد المعرفي الن ،وقد صار واض ً
ل من محمد عبده وطه حسين على مستوى المنهج ،فمن التركيبي لك ّ
ة له :لم يعد
اللزم بيان طبيعة التحدي الذي ي ُعَد ّ منهج الخولي استجاب ً
التحدي ،في نظر الخولي ،هو التحدي الخارجي المتمثل في الوجود
الوروبي – مادّيا وعقلّيا – في قلب العالم العربي والسلمي ،وما يطرحه
ف إليه ةةةةةة ةةةةةةة هذا الوجود من قضايا ومشكلت ،بل أضي َ
جه منذ إنشاء "جماعة ةةةةةة ةةةةةة ،الذي بلغ أوْ َ ةةةةةةة ةة ةةةةة
الخوان المسلمين" ،والذي كان استطاع قبل ذلك كبح جماح مدرسة
"التأويل" على مذهب الخلف في معركَتي ةةةةةةة ةةةةة ةةةةة
وفي ةةةةة ةةةةةةة.
يحاول منهج الخولي أن يستعيد لهذا التيار حيويته على مستوى قضايا
التجديد ،بصفة عامة ،وعلى مستوى تأويل القرآن ،بصفة خاصة .من هنا
ت علماء يضيف إلى وعي محمد عبده بالتراث المعتزلي والرشدي إنجازا ِ
أصول الفقه في مجال التحليل اللغوي ،لستثمار الحكام من النصوص عن
طريق وحدة الموضوع وترتيب النزول؛ ويضيف إلى منهج طه حسين
"اللغوي الفني" أبعاًدا من نظرية الدب عن تأثير البيئة وعن التأثير
ة تيار "التأويل"النفسي للدب في القارئ .وفي ذلك كّله ،لم ُتفارق محن ُ
ة ةةةة ةةةةةة ت بها إلى السطح محن ُ ن دفع ْ دا ،وإ ْ
ي أمين الخولي أب ً
وع َ
ت تحت إشراف الخولي. ُ
جَز ْ
ةة ةةةةةة ،الرسالة التي أن ِ
ت الجامعة في مقدمته للطبعة الولى لكتاب ةةةة ةةةةةة ،الذي رفض ْ
منح صاحبه درجة الدكتوراه – ،بل وفصلْته من السلك الجامعي – ،يكشف
الخولي لنا عن أهمية منهجه في القضاء على "الزدواج" في شخصية
المثقف المسلم ،الذي يؤمن بالقرآن وصحته من ناحية عواطفه ومشاعره
الدينية ،وهو كذلك يثق في العلم وإنجازاته من ناحية الفكر والعقل .وفي
م إلى طهإشارة واضحة صريحة إلى كتاب ةة ةةةةة ةةةةةةة ،ومن ث َ ّ
حسين ،يقّرر الخولي أن
.5خاتمة
لعل هذا العرض أن يكون محاولة لفتح باب الفكر وإغلق أبواب القتل.
قا لنجازات المعرفة المتنامية في مجال ولعل تطوير منهج الخولي ،وف ً
العلوم النسانية )خاصة اللسنية والتأويلية( ،أن يمثل تجاوًُزا لحالة الركود
في مجال الدراسات القرآنية – ذلك الركود الذي لم تستطع جهود مدرسة
ما لهلده تما ًل قيا َ الخولي – لسباب كثيرة – أن تتخ ّ
طاه ،فأسلم المجا ُ
السلف المعاصرين – والبون بينهم وبين أسلفهم شاسع ،كما هو البون
بين البداع والتكرار ،بين الصالة والنقل ،وبين الفادة والعادة.
][30
السابق ،المجلد الرابع ،ص .42
][31
السابق ،المجلد الرابع ،ص .7
][32
السابق ،المجلد الول ،ص .271
][33
السابق ،المجلد الول ،ص .330-329
][34
السابق ،المجلد الول ،ص .234-233
][35
السابق ،المجلد الول ،ص .215
][36
السابق ،المجلد الثالث ،ص .48-47
][37
السابق ،المجلد الرابع ،ص 93-92؛ وانظر كذلك :المجلد التاسع ،ص .511-506
][38
السابق ،المجلد الرابع ،ص .93
][39
السابق ،المجلد التاسع ،ص .511
][40
السابق ،المجلد الرابع ،ص .93
][41
السابق ،المجلد التاسع ،ص .511
][42
السابق ،المجلد ،الول ،ص .210
][43
السابق ،المجلد الول ،ص .211
][44
السابق نفسه.
ة ،فالحقيقة أنها كذلك :لقد كان الستاذ ] [45إذا كانت قصة أمين الخولي ل تبدو لبعضهم دامي ً
المشرف على رسالة الدكتوراه ةةةة ةةةةةة ةة ةةةةةة للطالب محمد أحمد خلف الله،
خل الزهر والحكومة ،حتى عا خرج من الجامعة إلى الحياة العامة ،فتد ّ وهي رسالة أثارت نزا ً
ب من الجامعة سنة .1949وبعد خمس سنوات ،تم فصل الستاذ ل الطال ُ ة وفُ ِ
ص َ ُألغِي َ ِ
ت الرسال ُ
م
حر ِ َ
ف باسم "حركة التطهير" ،بعد أن كان قد ُ ضا ،فيما عُرِ َ
الشيخ أمين الخولي من الجامعة أي ً
من حقّ الشراف على الرسائل الجامعية المتصلة بالدراسات القرآنية بقرار من إدارة
دا من طلب الخولي النابهين – هو شكري عياد – قد الجامعة .ومن الجدير بالذكر أن واح ً
اضطر في دراسته للدكتوراه إلى تغيير التخصص من "الدراسات القرآنية" إلى "الدراسات
البلغية" لكي يحظى بشرف الستمرار تحت إشراف أمين الخولي وتوجيهه.
] [46انظر مقدمة المؤّلف لكتاب ةةةةةةة ةةةةة ةةةةة ،المترجم عن التركية ،طب ،2دار
نهر ،القاهرة.1995 ،
][47
ةة ةةةةة ةةةةةةة ،طب ،2دار نهر ،القاهرة ،1995 ،ص .20
][48
السابق ،ص .26
][49
السابق نفسه.
][50
السابق .ص .33
][51
السابق ،ص .35
][52
السابق ،ص .33
][53
السابق نفسه.
][54
ما – مع رسالة محمد أحمد خلف اللهوكما سيفعلون ذلك مرة ثالثة – ولكن بعد عشرين عا ً
ما
ةةةة ةةةةةة ةة ةةةةةة .ثم تتكرر المأساة مرة رابعة بعد حوالى خمسة وأربعين عا ً
على المأساة الثالثة!
][56
ةةةةة ةةةةةةة ،ص .304
][57
ةةةةة ةةةةةةة ،ص .303-302
] [58هذا ما حدث مع التلميذة الولى من تلميذ الخولي )وزوجته بعد ذلك( ،د .بنت الشاطئ ،في
ةةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةة ،الذي يكاد من الناحية المنهجية أل يتجاوز حدود علم البلغة
الكلسيكي.
][59
ةةةةة ةةةةةةة ،ص ) 310الحاشية(.
][60
السابق ،ص .306
][61
السابق ،ص .310
][62
السابق ،ص .310
][63
السابق ،ص .314-313
][64
السابق ،ص ) 312الحاشية(.
][65
السابق ،ص .315-314
][66
انظر :ص 203من المصدر السابق.
][67
لعل دراسات محمد أركون خير تعبير عن هذا الدراك الن.
][68
انظر :ص 295-294من المصدر السابق.
] [69ةةةة ةةةةةة ةة ةةةةةة ةةةةةة ،مكتبة النجلو المصرية ،طب ) 1972 ،4المقدمة
بقلم أمين الخولي( ،ص د.
][70
السابق ،ص هـ.
***
] [1السيوطي )عبد الرحمن جلل الدين( ،ةةةةةةة ةة ةةةة ةةةةةة ،مكتبة مصطفى
البابي الحلبي ،ط ،3القاهرة 1370 ،هـ 1951/م.
] [2انظر :محمد بن جرير الطبري ،ةةةةة ةةةةة ةةةةةةة ،بتحقيق محمد أبو الفضل
إبراهيم ،دار المعارف ،القاهرة ،ط ،1979 4الجزء الخامس ،ص ،49-48وكذلك ص .66
] [3الطبري ،ةةةة ةةةةةة ةة ةةةةة ةة ةةةةةة ،بتحقيق محمود محمد شاكر ،دار
المعارف ،القاهرة ،1971 ،الجزء السادس ،ص .198
][4
سورة عبس )رقم ،(80الية .31
][5
سورة النعام )رقم ،(6الية .82
][6
سورة لقمان )رقم ،(31الية .13
][8
انظر :السيوطي ،ةةةةةةة ةة ةةةة ةةةةةة ،نوع "أسباب النزول".
] [9انظر :محمد عابد الجابري ،ةةةة ةةةةة ةةةةةة ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت،
ط .1989 ،4وفيما يتصل بمنهج المعتزلة في التأويل ،انظر دراستنا :ةةةةةةة ةةةةةة ةة
ةةةةةةة :ةةةةة ةة ةةةة ةةةةةة ةة ةةةةةة ةةة ةةةةةةةة ،دار التنوير ،ط ،3
.1993
] [10الخياط )أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان( ،ةةةةةةةة ةة ةةةة ةةة ةةة
ةةةةةةةة ،بتحقيق نيبرج ،المطبعة الكاثوليكية ،بيروت ،1957 ،ص .14-13
] [11انظر :القاضي عبد الجبار أبو الحسن السدآبادي :ةةةةةة ةةةةةة ،بتحقيق عبد الكريم
عثمان ،مكتبة وهبة ،ط ،1القاهرة ،1966 ،ص .36-35
] [12انظر :الطبري :ةةةة ةةةةةة ،بتحقيق شاكر )سبقت الشارة إليه( ،الجزء الول ،ص
431-428؛ وانظر كذلك المجلد الحادي عشر ،مطبعة الريان ،القاهرة )مصورة عن طبعة
بولق قديمة( ،ص .483-482
] [13انظر :ابن رشد ،ةةة ةةةةةة ةةةة ةةة ةةةةةة ةةةةةةةة ةة ةةةةةةة ،بتحقيق
محمد عمارة ،دار المعارف ،القاهرة ،1972 ،ص .32
][14
انظر نماذج لهذا الخلف في كتابنا السابق الشارة إليه في الحاشية ،9ص .78
][15
انظر :ابن تيمية ،ةةةةة ةة ةةةة ةةةةةةة.
][16
شَر الكتاب بتصحيح زكريا علي يوسف ،مطبعة المام ،القاهرة 1380 ،هـ.
نُ ِ
] [17نقل ً عن :مصطفى عبد الرزاق ،ةةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةةةة ،مكتبة النهضة
المصرية ،ط ،1966 ،3ص .86-85
][18
ما بين علمات التنصيص أسماء كتب لمحمد عبده ،سنحيل إلى بعضها فيما يلي.
][19
تفسير طنطاوي الجوهري ،ةةةةة ةةةةةةة ،دار المعارف ،القاهرة ،دون تاريخ.
][20
تفسير ةةةةةة ،المجلد الول ،ص .21
] [21أمين الخولي ،ةةةةة ةةةةةةة ةة ةةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةة ةةةةةة ،دار
المعرفة ،القاهرة ،ط .1961 ،3
][22
ةةةةة ةةةةةةة ،ص .302
][23
ةةةةة ةةةةةةة ،ص .303-302
][24
تفسير ةةةةةة ،المجلد الول ،ص .19
][25
السابق ،ص .20
][26
السابق ،ص .21-20
][27
السابق ،ص .21
][28
السابق نفسه.