You are on page 1of 8

‫مفهوم النص‬

‫عرض‪ :‬فؤاد كامل‬

‫هذا هو الكتاب الثالث في سلسلة " دراسة تراثنا الفكري " التي يصدرها‬
‫الدكتور نصر حامد أبوزيد الستاذ بقسم اللغة العربية في جامعة‬
‫القاهرة‪ ،‬والتي بدأها بكتابه " التجاه العقلي في التفسير " ‪ ،‬ثم أردفها‬
‫بكتابه الثاني "فلسفة التأويل "‪ .‬وكان تركيزه في هاتين الدراستـين‬
‫السابقتين ينصـب على الفـاق الفكرية والمعـرفية التي تبدأ منها‬
‫عمليات التفسير والتأويل‪.‬‬

‫يركز المؤلف في هذه الدراسة الثالثة على جانب النص ذاته وعلقة المفسر به‬
‫وجدله معه‪ ،‬وذلك في محاولة لكتشاف مكونات النص وآلياته الخاصة‪ ،‬ودوره اليجابي‬
‫في عملية التأويل‪ ،‬وهي محاولة تهدف إلى إعادة التوازن بين طرفي عملية التأويل‬
‫وهما النص والمفسر فل يهدر أحدهما على حساب الخر كـما يحدث أحيانا في فلسفة‬
‫التأويل المعاصرة‪.‬‬

‫ويقع الكتاب في ‪ 359‬صفحـة من القطع المتوسط‪ ،‬وقد صدر عن الهيئة‬


‫المصرية العامة للكتاب عام ‪ ، 1990‬وقـدم له المؤلف بتمهيد يعرض فيه منهجه‬
‫وخطتـه والملمح الرئيسية فيه‪ .‬ويقصد " بالنص " القرآن الذي يعتبره نصا محوريا في‬
‫تاريخ الثقافـة العربية‪ ،‬بحيث نستطيع أن نقول إن الحضارة العربية السلمية هي "‬
‫حضارة النص " ‪ .‬بينما كانت الحضارة المصرية القديمة هي حضـارة " ما بعـد الموت‬
‫"‪ ،‬وكـانت الحضـارة اليونانية هي حضارة " العقل " ‪.‬‬

‫بحث عن البعد المفقود في التراث‬

‫والبحث عن " مفهـوم النص " عنـد المؤلف ليس مجرد رحلة فكرية في‬
‫التراث‪ ،‬ولكنه فوق ذلك بحث عن " البعد " المفقود في هذا التراث‪ ،‬وهو البعد الذي‬
‫يمكن أن يساعـدنا على القتراب من صياغة " الوعي العلمي " بهذا التراث‪ .‬ول يأتي‬
‫ذلك للبـاحث في‪ -‬القرآن إل حين يعتمد أساسا على دراسة أدبيـة لكتاب العربية‬
‫الوحـد دراسة صحيحـة مفهمة له‪ .‬فهذه الدراسة هي الكفيلة بتحقيق " وعي علمي "‬
‫نتجاوز به مـوقف " التوجيـه اليديـولوجي " السـائد في ثقافتنا وفكرنا‪ .‬والبحث عن‬
‫هذا المفهوم وبلورته وصياغته ل يمكن أن يتم بمعزل عن إعادة قراءة " علوم القرآن‬
‫" قراءة جديدة باحثة منقبة‪.‬‬

‫ويرى المؤلف أن التركيز على وظيفة ما لنص من النصوص‪ -‬دون غيرها من‬
‫الوظائف الممكنة والمحتملة لهذا النص‪ -‬يرتبط بالتجاه العام السائد المسيطر على‬
‫الثقـافة في حركتها الجدليـة مع الواقع الذي تصوغـه وتعبر عنه‪ .‬وقد فرضت بعض‬
‫التجاهات السائدة عبر تاريخنا السلمي عزلة على " النص " الديني عن حركة الواقع‬
‫في كثير من الحيان بأن أغلقت على المفكـرين "باب الجتهاد "‪ ،‬بعد أن كـانت "‬
‫الشريعة " و " علوم القرآن " بوجـه عام تصوغ نفسها مع حركة الـواقع السلمي في‬
‫تطوره‪ .‬وأوضح دليل على ذلك ما نراه من اختلف النص القرآني من حيث مضمونه‬
‫وأسلوبه في مرحلته " المدنية " عنه في مرحلته " المكية "‪ :‬المرحلة الولى هي‬
‫مرحلـة تأسيس " مجتمع " جديد نقيض للمجتمع السائد المسيطر في " مكة "‪،‬‬
‫والمرحلة الثانية هي مرحلـة " البناء الجتماعي " وتقنين هذا البناء‪ .‬وليس هذا كلـه‪-‬‬
‫في التحليل الخير‪ -‬سوى تعميق لمفهوم " الديـن " يقصره على الشعائر والعبادات‪،‬‬
‫في حين أن " الدين " مفهوم ثقافي عام يتجـاوز حـدود العقائد والشعائر‪.‬‬
‫هل يوجد نص مطلق؟‬

‫والتجاه السلفي في العصر الحديث هو الذي يطالب بتطبيق " نص مطلق "‬
‫على " واقع مطلق "‪ .‬وفي المقابل هناك تيار " التجديد " الذي ل يتقبل " التراث "‬
‫القديم كـما هو‪ ،‬وإنما يريد أن يضع صياغة جديدة لهذا التراث ‪ ،‬بطرح ما ل يلئم‬
‫عصرنا‪ ،‬وبتأكيد الجوانب اليجابية في هـذا التراث ووضعها في اللغة المناسبـة‬
‫لعصرنـا‪ .‬فالتراث ليس له وجـود مستقل عن واقع حي يتغير ويتبـدل يعبر عن روح‬
‫العصر‪ ،‬وتكـوين الجيل‪ ،‬ومرحلة التطور التاريخي‪ .‬ول مندوحـة للباحث عن الختيار بين‬
‫التجاهات المختلفة‪ ،‬ذلك الختيار الذي يحدده موقف الباحث مـن الواقع الذي يعيش‬
‫فيـه بوصفه شرطا أوليا للتجـديد‪ .‬ومطلب التجـديد على وجاهته وأهميته إذا لم يستند‬
‫إلى فهم " علمي " للصول الموضوعية التي قـام التراث على‪ -‬أساسها كفيل بأن‬
‫يؤدي إلى تكريس أشد عناصر التراث تخلفا‪ ،‬إلى جانب أنه يساند‪ -‬دون وعي‪ -‬أشد‬
‫القوى سيطرة وهيمنة ورجعية في الواقع الراهن‪.‬‬

‫وعلى هذا يكـون المؤلف قد أوضح الهدف من هذه الدراسة‪ .‬وهما في الـواقع‬
‫هدفان‪ :‬أما أولهما فهو إعادة ربط الدراسات القرآنية بجمال الـدراسات الدبية‬
‫والنقدية بعد أن انفصلـت عنها في الوعي الحديث والمعـاصر نتيجـة لعـوامل كثيرة‬
‫أدت إلى الفصل بين محتوى التراث وبين مناهج الدرس العلمي‪ ،‬وصارت الدراسات‬
‫السلمية نتيجـة لذلك مجال حائرا بين التخصصات الكاديمية‪ .‬أو بعبارة أخرى هي‬
‫امتداد لمحاولت سبقتها في النظر إلى التراث ودراسته من منظور وعينا المعاصر‪.‬‬

‫وأما الهدف الثاني فيتمثل في محاولة تحديد مفهوم " مـوضـوعي " للسلم‪،‬‬
‫مفهوم يتجـاوز الطروح اليديولوجية من القوى الجتماعية والسياسية المختلفة في‬
‫الواقع العربي السلمي‪ .‬إذ يرى الباحث إن إعادة طرح السؤال‪ :‬ما هو السلم؟ من‬
‫خلل البحث عن مفهوم للنص هو بمثابة التساؤل عن هويتنا الحضارية في التاريخ‪،‬‬
‫سواء كنا مسلمين أم كنا مسيحيين مادمنا نعيش واقع هذه الثقافة العربية السلمية‬
‫بمكـوناتها التاريخية‪.‬‬

‫ويذهب المؤلف في معرض حديثه عن المنهج الذي اتبعه في كتابه إلى أن هذه‬
‫الدراسة تنطلق مـن مجموعة الحقائق التي صاغتها الثقافة العربية حول النص القرآني‬
‫من جهة‪ ،‬كـما أنها تنطلق من المفـاهيم التي يطرحها النص ذاته عن نفسه من جهة‬
‫أخرى‪ .‬وقد اختار النص اللغـة التي يخاطب بها الناس عن طريق الوحي الذي استقبله‬
‫خـاتم النبيين والمرسلين‪ .‬ولما كانت اللغة هي من أهم أدوات الجماعة في إدراك‬
‫العالم وتنظيمه‪ ،‬فل يمكن أن نتحـدث عن هذه اللغة بوصفها مفارقـة للثقـافـة‬
‫والـواقع‪ ،‬ول يمكـن من ثم أن نتحـدث عن " نص " مفارق للثقافـة والواقع أيضا ما دام‬
‫أنـه نص داخل إطار النظام اللغوي للثقافة‪ .‬إن ألـوهية مصدر النص ل تنفي واقعيـة‬
‫محتـواه‪ ،‬ول تنفي من ثم انتماءه إلى ثقافة البشر‪ .‬ولما كانت العلقة بين النص‬
‫والثقافة عـلقـة جـدليـة معقـدة تتجاوز كـل الدعـاوى اليديولـوجيـة في ثقافتنا‬
‫المعاصرة عن النص‪ ،‬ومن أجل الكشف عن بعـض جـوانب هذا التـداخل بين النص‬
‫والثقافة‪ ،‬اعتمدت هذه الدراسة بصفة أساسية على المدخل اللغوي‪.‬‬

‫تشكل النص‬

‫كـما اعتمدت بصفة أساسية أيضا على أن " النص" موضع الدراسة لم ينزل‬
‫كـامل ونهائيا في لحظة واحدة‪ ،‬بل كـان نزوله خـلل فترة زادت على العشرين عاما‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أنه " تشكـل" في هـذه الفترة ليكون له وجـود متعين في الـواقع والثقافـة‬
‫بقطع النظر عن أي وجود سابق لـه في العلم اللهي أو في اللوح المحفوظ‪ .‬وهذا هو‬
‫المنهج الول في هذه الدراسة الذي يبدأ من المطلق والمثالي في حركـة هابطة إلى‬
‫الحسي والمتعين‪ .‬أما المنهج الثاني فهو حركة صاعدة تبدأ من الحسي والعيني صعودا‪.‬‬
‫يبدأ من الحقائق والبديهيات ليصل إلى المجهول ويكشف عما هو خفي‪.‬‬

‫إن محاولة البحث عن مفهوم للنص سعي لكتشاف العلقات المركبة لعلقـة‬
‫النص بالثقـافـة من حيث تشكله بها أول‪ ،‬وعلقته بها من حيث تشكيله لها ثانيا‪.‬‬
‫فالتشكل والتشكيل هما موضـوع الباب الول من هذه الدراسة‪ .‬وهذا الباب ينقسم‬
‫إلى فصول خمسة هي على التوالي‪ :‬مفهوم الوحي‪ ،‬المتلقي الول للنص‪ ،‬المكي‬
‫والمدني‪ ،‬أسباب النزول‪ ،‬ثم الناسخ والمنسوخ‪ .‬ويأتي الباب الثاني عن " آليات النص "‬
‫من حيث علقته بالنصوص الخرى في الثقافة من جهة‪ ،‬ومن حيث آلياته في إنتاج‬
‫الدللة من جهة أخرى‪ .‬ويضم هذا الباب أيضا خمسة فصول هي على التوالي‪ :‬العجاز‪،‬‬
‫المناسبة بين اليات والسـور‪ ،‬الغموض والوضوح‪ ،‬العام والخاص‪ ،‬والتفسير والتأويل‪.‬‬
‫وفي الباب الثالث والخير يكشف المؤلف عن التحـول الذي أصـاب مفهوم النص‬
‫ووظيفته والذي صارت له السيادة في الثقافة العربية السلمية حتى عصورها الحديثة‪.‬‬
‫‪ .‬ويمثلها " أبو حـامد الغزالي " بوصفـه المفكر الذي التقت عنده تيـارات الفكـر‬
‫الديني واتجاهـاته على المستويين الرسمي والشعبي‪ .‬وهو في هذه الوقفة مع "‬
‫الغزالي " يستهدف الكشف عن أسباب بداية عزل النص عن الواقـع وعن حركـه‬
‫الثقافـة من جهة‪ ،‬والكشف عن جـذور كثير من الفكـار والمفـاهيم الشائعة في‬
‫الخطاب الديني المعاصر من جهة أخرى باستخدام أساليب الدرس العلمي الحديث‪.‬‬

‫التقاء الوحي بالواقع‬

‫بعد هذا التمهيـد الوافي لمنهج الدراسة وأهدافها وملمحها العامة‪ ،‬ينطلق‬
‫المؤلف سعيا وراء المواطن التي يلتقي فيها الـوحي بالـواقع‪ ،‬من حيث إن الوحي في‬
‫اللغـة العـربية كلمـة تتضمن معـاني " اللهام " و " الشارة " و " اليماء " و " الكتابة‬
‫" و " الكلم "‪ ،‬وهذه المعاني كلها يستوعبها معنى " العلم "‪ ،‬بشرط أن يكون هذا‬
‫العلم خفيا سريا‪ .‬وكذلك فإن مفهوم الوحي يتضمن مفهوم " الشفرة "‪ .‬وقد كان‬
‫قبول العقل العربي لمفهوم الـوحي هـو ما ارتبط في اعتقاده بإمكـان التصال بين‬
‫البشر والجن عن طـريق ظاهرتي "الشعر والكهانة "‪ .‬وهذا الرتباط هو الساس‬
‫الثقافي لظاهرة الوحي الديني ذاتها‪ .‬لذلك ل نجد من العرب المعاصرين لنزول القرآن‬
‫اعتراضا على ظاهرة الوحي ذاتها‪ ،‬بل انصب العتراض إمـا على مضمون كـلم الـوحي‬
‫أو على شخص الموحى إليـه‪ .‬وعلى أسـاس تصـور هذا التصال بين البشر وعالم الجن‬
‫أو العـوالم الخرى أمكن تفسير ظاهرة النبوة ذاتها من خـلل نظرية الخيال عند‬
‫الفلسفة والمتصوفة‪.‬‬

‫وينبغي بداية أن نفهم النص من حيث هو رسالة لغوية‪ ،‬أو " تنزيل " إلى الناس‬
‫عبر وسيطين‪ :‬الول الملك‪ ،‬والوسيط الثاني محمـد البشر‪ .‬إنها رسالة السماء إلى‬
‫الرض‪ ،‬ولكنها ليست رسالة مفارقـة لقوانين الواقع بكل ما ينتظم في هذا الـواقع من‬
‫أبنية وأهمها البنـاء الثقافي‪ .‬إن المطلق يكشف عن نفسـه للبشر " يتنزل " إليهم‬
‫بكلمه عبر نظامهم الدللي الثقافي‪.‬‬

‫وتنجلي علقة النص بالثقافة والواقع بالنظر إلى " تحنف " الرسول قبل نزول‬
‫الوحي‪ ،‬هذا " التحنف " الذي يمكن أن نعتبره بحثا عن " دين إبراهيـم " الذي يحقق‬
‫للعرب هـويتهم من جهة‪ ،‬ويعيد تنظيم حياتهم على أسس جديدة من جهة أخرى‪ .‬وكان‬
‫" السلم " هو الدين الذي جاء يحقق هذه الهداف‪ .‬فمن حيث هو دين يرد نفسه‬
‫للحنيفية ملة إبراهيم‪ -‬كان تجاوبا مع حاجة الواقع‪ ،‬وهـي الحاجة التي عبر عنها الحناف‬
‫وكان محمد واحـدا منهم‪ ،‬تجسدت في داخله أحلم الجـماعة البشرية التي ينتمي إليها‪،‬‬
‫إنسان ل يمثل ذاتا مستقلة عن حركة الواقع‪ ،‬بل إنسان تجسدت في أعماقه أشواق‬
‫الواقع وأحلم المستقبل‪.‬‬
‫التفرقة بين المكي والمدني‬

‫ولقد كانت التفرقة بين المكي والمدني في النص تفرقة بين مرحلتين مهمتين‬
‫ساهمتا في تشكيل النص سواء على مستوى المضمون أو على مستوى التركيب‬
‫والبناء‪ .‬وليس لذلك من دللة سوى أن النص ثمرة للتفاعل مع الـواقع الحي التـاريخي‪.‬‬
‫إذا كان علم " المكي والمدني " يكشف عن الملمح العامة لهذا التفاعل‪ ،‬فإن علم‬
‫"أسباب النـزول " يكشف عن تفاصيـل هذا التفاعل‪ ،‬ويكاد يزودنا بالمراحل الدقيقة‬
‫لتشكيل النص في الواقع والثقافـة‪ .‬وأسلوب التنجيم‪ -‬أي نزول القرآن منجما‪ -‬في‬
‫الشريعـة يتضمن معنى الـواقعيـة‪ ،‬والتدرج بالنسان وإعانته شيئا فشيئا على التخلي‬
‫عن الجاهليـة وعاداتها المستحكمة فيه والتحلي بالسـلم وفضائل أخلقه‪ .‬والتفرقة‬
‫بين المكي والمدني هي تفرقة بين " النذار " و" الـرسالـة "‪ " :‬النـذار " يـرتبط‬
‫بمصارعة المفاهيم القديمة على مستوى الفكر والدعوة إلى المفاهيم الجديدة‪ ،‬فهو‬
‫بمثابة تحريك للوعي لدراك فساد الواقع والنهوض من ثم إلى تغييره‪ .‬و " الرسالة "‬
‫تعني بناء أيديولوجية المجتمع الجديد‪ . .‬وكانت الهجرة هي الفيصل بين هاتين‬
‫المرحلتين‪.‬‬

‫ويعتـبر علم " أسباب النزول " من أهم العلوم الدالة والكاشفة عن علقة‬
‫النص وجدله معه‪ ،‬وهو يزودنا بمادة جـديدة ترى النـص استجابة للواقع تأييـدا أو رفضا‪،‬‬
‫وتؤكـد علقة " الحوار " و " الجدل " بين النص والواقـع‪ .‬وقد أدرك علماء القرآن أن‬
‫قدرة المفسر على فهم دللة النص ل بد أن تسبقها معرفة بالوقائع التي أنتجت هذه‬
‫النصوص‪ .‬هذا مع إدراكهم بأن للنص‪ -‬من حيث هو نص لغوي‪ -‬فعاليته الخاصة التي‬
‫يتجاوز بها حدود الوقـائع الجزئية التي كان استجابة لها‪ ،‬وهو ما ناقشوه تفصيل في‬
‫قضية " العام والخاص " وهي القضية التي يتعرض لها المؤلـف في الباب الثاني‬
‫الخاص بآليات النص‪ .‬وفضل عن ذلك فقد أدرك العلماء أيضا أن النص وإن كان من‬
‫حيث " النزول"‪ -‬أي من حيث ترتيب نزول أجزائه‪ -‬مرتبطا بالوقائع والسباب فإنه من‬
‫حيث التـلوة‪ -‬أي من حيث تـرتيبـه الن في المصحف‪ -‬يتجاوز هذا الرتباط بالوقائع‬
‫ليقيم روابط أخرى نـاقشها العلماء أيضا في " علم المنـاسبـة بين اليات "‪.‬‬

‫حكمة التشريع‬

‫بعد أن يبين المؤلف أهمية دراسة " أسباب النزول " في الباب الول من كتابه‬
‫" مفهوم النص "‪ ،‬ويؤكد أن معرفـة هذه السباب ل تقتصر على مجرد الولع برصد‬
‫الحقائق التاريخية التي أحاطت بشكل النص‪ ،‬وإنما تستهدف هذه المعرفة فهم " النص‬
‫" واستخراج دللته‪ ،‬فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب كـما يقولون‪ ،‬هذا إلى‬
‫جـانب أن دراسة السباب والوقـائع تؤدي إلى فهم " حكمة التشريع "‪ ،‬يقول‪ " :‬إن هذا‬
‫التدرج في التشريع مهم جدا فيما نلح عليه من جـدلية العلقة بين النص والواقع "‪ ،‬بل‬
‫" إن مثل هـذا التدرج في التشريع ل يؤكـد جدلية الوحي والواقع فقط‪ ،‬بل يكشف عن‬
‫منهـج النص في تغيير الواقـع وعلج عيوبه " ‪ .‬ذلك أن دللـة النصـوص ليست إل‬
‫محصلـة لعمليـة التفـاعل في عمليـة تشكيل النصـوص وصنعها من جـانبي اللغة‬
‫والواقع‪ ،‬وكل الجانبين مهم لكتشاف دللة النصوص‪.‬‬

‫وإذا كانت " أسباب النزول " هي السياق الجتماعي للنصوص‪ ،‬وكانت علقة‬
‫النصوص بالواقع جـزءا أصيل من مفهوم النص‪ ،‬فإن قضية " الناسخ والمنسوخ " تـؤكـد‬
‫أيضـا هذا الرتبـاط الضروري بين النص والواقع‪ ،‬ومن ثم بـين السلم وحركة المجتمع‪.‬‬

‫والمشكلـة الساسية في هـذه القضيـة هي‪ :‬كيف يمكن التوفيق بين هذه‬
‫الظاهرة بما يترتب عليها من تعديل للنص بالنسخ واللغاء‪ ،‬وبين اليمان الذي شاع‬
‫واستقر بوجود أزلي للنص في اللوح المحفوظ؟‪.‬‬
‫ول يرى المؤلف حرجا أو تناقضا في عملية النسخ واللغاء لنـه إذا كان النص‬
‫في مفهومه السـاسي من حيث كـونه وحيا انطلق من حدود مفاهيم الـواقع‪ ،‬فل شك‬
‫أنه في تطوره كان ل بد أن يراعي هذا الواقع‪ .‬والحكام الشرعية أحكام خاصة بالبشر‬
‫في حركتهم داخل المجتمع‪ ،‬ول يصح إخضـاع الواقع لحكام وتشريعات جامدة ل تتحرك‬
‫ول تتطور‪.‬‬

‫علقة النص بالواقع والثقافة‬

‫وإذا كان المؤلف قد ركز في الباب الول على علقة النص بالواقع والثقافة‬
‫فإنه يركز في الباب الثاني على " آليات النص " سواء من حيث صلتـه بالنصوص‬
‫الخرى داخل الثقافـة أو من حيث طرائقه في إنتاج الدللة‪.‬‬

‫ويبدأ هذا الباب بقضية " العجاز " فيرى أنها بحث عن السمات الخاصة للنص‬
‫والتي تميزه عن النصوص الخـرى في الثقافة وتجعلـه يعلو عليها ويتفوق‪ .‬ول شك أن‬
‫النص في علقتـه بالنصوص الخـرى يتضمن داخله دوال تؤكد مشابهته لها‪ ،‬ولكنه‬
‫يتضمن أيضا دوال أخرى تؤكـد مخالفته لها‪ .‬وهذا الدراك لعلقة " التماثل " بين‬
‫النصوص‪ ،‬وعلقة " المخـالفة " بينها هو الذي دفع المفسرين القدماء إلى أن يكون‬
‫إطارا مرجعيا في تفسير القـرآن‪ .‬وهكـذا أدرك المسلمون الوائل أن " النص " غير‬
‫منعزل عن الواقع‪.‬‬

‫وجاء المعتزلة بعد هؤلء المسلمين الوائل فـذهبوا إلى أن الكـلم اللهي فعل‬
‫يـرتبط بمخـاطبـة البشر لتحقيق مصالحهم‪ ،‬وأصروا من ثم على أن اللغـة نتاج بشري‪،‬‬
‫وعلى مواضعاتها وطرائقها نزل الكلم اللهي وكان من الطبيعي بعـد ذلك كله أن‬
‫يكـون تحديدهم للعجاز قائما على أساس اكتشاف قوانين عامة يمكن للعقل البشري‬
‫تقبلها والتسليم بها‪ .‬وهـذه القوانين قوانين لغوية يشارك فيها النص غيره من النصوص‬
‫من جهة‪ ،‬ولكنه يتفوق عليها في استثمار القوانين من جهة أخرى‪ .‬وهكـذا يمكن أن‬
‫نفيد من هذه القوانين ل في تفسير العجاز فقط بل في تفسير خصائص النصوص‬
‫الممتازة بشكل عام‪.‬‬

‫وبهذه القضية‪ -‬قضية العجاز‪ -‬يرتبط علم آخر هو " علم المناسبة "‪ .‬والفارق‬
‫بين " علم المناسبة " وعلم " أسباب النزول " فـارق بين درس علقـات النص في‬
‫صورتها النهائية الخيرة وبين درس أجزاء النص من حيث علقـاتها بالظـروف‬
‫الخارجيـة‪ ،‬أو بالسياق الخارجي لعملية تشكل النص‪ .‬إنه بعبارة أخرى فارق بين البحث‬
‫عن جماليات النـص وبين البحث عن دللة النص على الوقائع الخارجية‪ .‬نستطيع إذن‬
‫أن نقول مع القدماء إن علم " أسباب النزول " علم تاريخي‪ ،‬في حين أن " علم‬
‫المناسبة " علم أسلوبي‪ ،‬بمعنى أنه يهتم بأساليب الرتباط بين اليات والسـور‪ .‬ولهذا‬
‫قيل‪ :‬المناسبة أمر معقول‪ ،‬إذا عرض على العقول تلقته بالقبول‪ .‬ومعنى ذلك أن "‬
‫العلقات " و "المناسبات " احتمالت ممكنـة‪ ،‬على المفسر أن يحاول اكتشـافهـا‬
‫وتحديدها في كل جـزء من أجزاء النص‪ .‬أو بعبارة أخـرى أن المفسر يكتشـف جـدلية‬
‫أجزاء النص من خلل جدله هـو مع النص‪ .‬وموجز القول هـو أن "وحدة " النص‬
‫القرآني بوصفه " بناء مترابط الجزاء " ‪ -‬على حد تعبـير القدماء‪ -‬هي الغاية التي‬
‫يبحث عنها " علم المناسبة "‪.‬‬

‫الغموض والوضوح في النص‬

‫وتسلمنـا دراسـة " علم المنـاسبـة " إلى دراسـة "الغموض والوضوح" في‬
‫النص القرآني وهي القضية التي وصفت في القرآن " بالمحكم والمتشابه "‪ .‬وجدلية‬
‫الغموض والـوضوح من أهم خصائص النص في الدراسات النقدية الحديثة‪ ،‬إذ الفارق‬
‫بين النص ذي الطبيعة "العلمية " الخالصة وبين النص الدبي يكمن في قدرة النص‬
‫الدبي على إبداع نظامه الدللي الخاص داخل النظام الدللي العام في الثقافة التي‬
‫ينتمي إليها‪ .‬فـالنص الدبي‪ -‬على خـلف " النص العلمي "‪ -‬يتضمن أجزاء تعـد بمثابة‬
‫" مفاتيح " دلليـة تمكن القارئ من الـولـوج إلى عـالم النص وكشف أسراره‬
‫وغوامضه‪ .‬وهذا كله مفهوم معاصر للـدللة يرى أن فعل القراءة‪ -‬ومن ثم التأويل‪ -‬ل‬
‫يبدأ من المعطى اللغوي للنص‪ ،‬أي ل يبدأ من المنطوق‪ ،‬بل يبدأ‪ -‬قبل ذلك‪ -‬من الطار‬
‫الثقافي الذي يمثل أفق القارئ الذي يتوجه لقراءة النص‪.‬‬

‫واختلف مذاهب التأويل للنص القرآني اختلف مردود إلى آلية النص في تحديد‬
‫طبيعته الخاصة‪ ،‬وهو اختلف ل يـؤدي إلى التناقض‪ ،‬وإنما يؤدي إلى تحديد هويته‬
‫وتمييزه عن غيره من النصـوص‪ .‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل إنه يتجاوز ذلك " ليجعل من‬
‫نفسه محورا في الثقافة عن طريق قـابليته للتفسيرات والتأويلت المختلفة في‬
‫المكان والزمان على السواء "‪.‬‬

‫وكما يـرتبط " علم المنـاسبـة " بين اليـات بعلم "أسباب النزول " ‪ ،‬فكذلك‬
‫يرتبط به علم " العام والخاص "‪ .‬وهو العلم الذي يهتم باكتشاف الطرائق التي يمكن‬
‫أن يستجيب بها النـص لمتغيرات الواقع في حركته النامية المتطورة عبر التاريخ‪ ،‬هو‬
‫العامل الكبر وراء التركيز على " عموم اللفظ " دون الوقوف عنـد "خصوص السبـب‬
‫"‪ .‬لذلك نظر كثير من الفقهاء إلى " الوقـائع " الجزئية التي يمثلها علم " أسبـاب‬
‫النزول " بوصفها نـماذج وأمثلـة لحوال اجتماعية وإنسانية‪ .‬وعلى ذلك فإن دللة النص‬
‫ل تقف عند حدود هذه الوقائع الجزئية بل تنسحب على كل الوقـائع الشبيهة‪ .‬فالصل‬
‫في آليات اللغة إذن هو التعميم‪.‬‬

‫التفسير والتأويل‬

‫وفي تفرقة مهمة بين التفسير والتأويل يخلص المؤلف بعد تحليل الدللة‬
‫اللغـوية للكلمتين إلى أن " التأويل " يرتبط بـالستنباط في حين يغلب على التفسـير‬
‫النقل والروايـة‪ .‬وعلى ذلك يكـون " التفسير " جـزءا من عملية " التأويل " ‪ ،‬وتكون‬
‫العلقة بينهما علقة الخاص بالعام من جهة‪ ،‬أو علقة " النقل " بالجتهاد من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬وهـي العلقة التي يعبر عنها القدمـاء بأسماء الرواية و " الدراية "‪ .‬و " التفسير‬
‫" ينتمي في مفهومه إلى أهل السنة‪ ،‬على حـين ينتمي التأويل إلى أهل الكلم ‪،‬‬
‫وبخاصة المعتزلة‪ -‬وإلى المتصوفـة‪ .‬ولهذا كان موقف السنة من هؤلء على طرفي‬
‫نقيض‪ ،‬إذ يرى أهل السنة أن المعتزلة أخطأوا في الدللت التي حملوا عليها ألفاظ‬
‫القرآن فكان خطؤهم نابعا من خطأ المعاني ومن الخطأ في حمل ألفاظ القرآن عليها‪.‬‬
‫أما خطأ المتصوفة فـيرتد إلى حمل ألفاظ القرآن على معـايير هي في ذاتها صحيحة‬
‫ولكن اللفاظ ل تدل عليها‪ .‬ورفع مكانة " التفسـير " على حساب " التأويل " يعد جزءا‬
‫من هذا الخطأ في فهم " أهل السنة " وفي موقفهم الفكري قديما وحديثا‪.‬‬

‫ويـذهب المؤلف إلى أن التأويل الذي ل يعتمد على " التفسير " هو التأويل‬
‫المرفوض والمكروه‪ ،‬فالستنباط ل يعتمد على مجرد " التخمين " ول على إخضاع‬
‫النص لهواء المفسر وأيديولوجيته مهما كانت النوايا حسنة‪ ،‬وإنما ل بد أن يستند‬
‫الستنباط إلى " حقائق " النص من جهة‪ ،‬والى معطياته اللغوية من جهة أخرى‪ ،‬ثم ل‬
‫بأس بعـد ذلك من النتقـال من " الـدللـة " إلى " المغزى" دون الوثب مباشرة إلى "‬
‫مغزى " يتعارض مع دللة النص‪ .‬والتفسير هنا هو العلوم الدينية واللغوية التي يحتاج‬
‫إليها المفسر للكشف عن دللة النص‪ ،‬وهي الدللة التي ينطلق منها " المؤول "‬
‫للغوص في أعماق النص من خلل حركة " الذهن " أو الجتهاد "‪.‬‬

‫والموضـوعيـة التي يمكن تحقيقهـا في " تأويل " النصوص هي الموضوعيـة‬


‫الثقافيـة المرهونة بالزمان والمكـان ل الموضوعيـة " المطلقـة " التي ثبت أنها مجرد‬
‫"وهم " من إبـداع " أيـديـولـوجيـة " الغـرب الستعماري‪ . .‬ذلك أن حركة النص في‬
‫الزمان والمكان ليست إل حـركـة في واقع حي متطـور‪ .‬واكتشاف دللت جديدة‬
‫للنصوص ل يعني إسقاط الدللت التي اكتشفت قبل ذلك من هذه النصوص‪ .‬وعلى‬
‫هذا ينبغي أن يتسلح المـؤول بكل العلوم التي تساعده على فهم الواقع وإدراك‬
‫حركتـه‪ ،‬وأن يكون منتميا لمصالح الغلبية معبرا عنها‪.‬‬

‫الرؤية المضادة لفلسفة التأويل‬

‫وعمل بالحكمة القائلة بأن الشياء تظهر بأضدادها‪ ،‬لجأ المؤلف إلى عرض‬
‫الرؤية المضادة لرؤيته فيما يتعلق بفلسفة التأويل‪ ،‬وهذه الرؤية المضادة وجـدها عنـد‬
‫المام الغزالي في فلسفته التصوفيـة عن التأويل والتي يضمها كتابه الشهير " جواهر‬
‫القرآن"‪ ،‬وهذا هو موضوع الباب الثالث وعنوانه‪ " :‬تحويل مفهوم النص ووظيفته "‪ .‬إذ‬
‫يرى المؤلف " أن حركة الوحي النازلة من الله إلى النسـان والتي تعني الكشف‬
‫والفصـاح والبيان قـد تحولت في الفكر الـديني المتأخر إلى حـركة صعـود من جـانب‬
‫النسان سعيا إلى الله ذاته‪ .‬وعلى حين كانت حركة الوحـي في بدايتها تستهدف‬
‫النسان بما هو عضو في جماعة‪ .‬ومن ثم تستهـدف إعادة بنـاء الواقع لتحقيق مصلحة‬
‫النسان ولشبـاع حاجاته المادية والـروحيـة‪ ،‬فقد كـانت الحركـة النسانية في‬
‫التصورات الصـوفية حركـة للخلص الذاتي الفردي بمعانقة المطلق والفناء فيه‪.‬‬
‫ونتيجـة لذلك تم توجيه النص وتمت إعـادة تصوره في الفكـر لتحقيق هـذه الـوظيفة‪. .‬‬
‫ولم يكن لمثل هذا التحـول أن يتم إل بعـد حدوث تحول مواز في حركـة الواقع الـذي‬
‫تفاعل مع النص "‪ .‬ويلخص المؤلف تصـورات الغـزالي للنص ولهدافه وغاياتـه من‬
‫منطلقين أساسيين‪ :‬أحـدهما أشعري كـلمي والثاني صوفي غنوصي‪ -‬فالحقيقة أن‬
‫الغزالي لم يتخل إطلقا عن منهج المتكلمين والفلسفة كـما يدعـي‪ -‬أما المنطلق‬
‫الشعري للغزالي فيتحـدد من حقيقـة تصور الشـاعرة للنص بوصفه " صفة " من‬
‫صفات الذات اللهية‪ ،‬في حـين يتحـدد منطلقه الصوفي من حصر غاية الـوجودي‬
‫النسـاني على الرض في تحقيق الفوز والفلح في الخرة‪ .‬وفي المنطلق الشعري‬
‫ثنائية هي ثنائية الصفات والفعال‪ ،‬والكلم اللهي عند الشـاعرة صفة وليس فعـل‪ .‬كما‬
‫أن في البعد الصوفي ثنائية أخرى هي ثنائية الظاهر والباطن‪ ،‬فـالباطن هـو السرار‪،‬‬
‫والجواهر هي الحقائق التي يتضمنها النص من حيث هو مضمون‪ ،‬أما الظاهر فهو‬
‫الصدف والقشر‪ ،‬هـو اللغـة التي يظهـر بها النص لفهامنا وعقولنا‪ .‬ولهذا يصنف‬
‫الغزالي العلوم القرآنية‪ -‬إلى علوم القشر والصدف وهي علوم اللغة والقراءات‬
‫والتفسير وعلـوم اللباب هي العلـوم التي تهدف إلى معرفة الله سبحانه وتعالى في‬
‫صفاته وأفعاله‪ ،‬والوصول إليه هو الهدف السمى من الحياة والمعرفـة والعلم‪ .‬فهناك‬
‫أول‪ :‬علم الذات والصفات والفعال‪ ،‬ويتلوه ثانيا علم الخرة وهو علم المعاد‪ ،‬ثم يأتي‬
‫بعد هذا كله علم السلـوك إلى الله أو علم التعـريف بـالصراط المستقيم‪.‬‬

‫وتأويل النص القرآني يتم بالعبور من علوم القشر والصدف إلى علوم اللباب‬
‫والجواهر‪ ،‬ويوازي هذا العبور عمليـة العروج الخيـالية بالقلـب من عالم الحس‬
‫والشهادة إلى عالم الغيب والملكوت‪.‬‬

‫وينتهي المؤلف إلى أن تصـورات الغـزالي كلهـا تعارض المقاصد الولية للوحي‬
‫والشريعـة معا‪ ،‬رغم ما لقيته من شيوع وانتشار‪ ،‬كما أنها ساعدت على تحويل النص‬
‫تدريجيا إلى " شيء " ثمين في ذاته‪ ،‬بحيث تم " تشييئه " في الثقافة فصار " حلية " و‬
‫" أيقونة"‪.‬‬

‫ونحن نرى من جـانبنا أن هذه الـدعوى الخـيرة في حاجة إلى مزيد من‬
‫التوضيح والتفسير‪ ،‬وربما احتاجت في نهايـة المر إلى كتاب آخر من المؤلف صاحب‬
‫كل هذه الجتهادات‪.‬‬

‫نصر حامد أبوزيد‬

You might also like